الكتاب: تحفة الأحوذي
المؤلف: المباركفوري
الجزء: ٨
الوفاة: ١٢٨٢
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

تحفة الأحوذي
بشرح جامع الترمذي
للامام الحافظ أبي العلا محمد عبد الرحمن
ابن عبد الرحيم المباركفوري
1283 - 1353 ه‍.
طبعة جديدة مقارنة مع الطبعتين
الهندية والمصرية، مع ملحق خاص
بالأحاديث المستدركة من جامع الترمذي
الجزء الثامن
تتمة أبواب الاستيذان والآداب - أبواب الأمثال - أبواب فضائل
القرآن - أبواب القراءات - أبواب تفسير القرآن.
دار الكتب العلمية
بيروت - لبنان
1

الطبعة الأولى 1410 ه‍. 1990 م
2

باب ما جاء في مرحبا
قوله (عن أبي النضر) اسمه سالم بن أبي أمية (أنه سمع أم هانئ) بنت أبي طالب الهاشمية
اسمها فاختة وقيل هند لها صحبة وأحاديث ماتت في خلافة معاوية
قوله (وفاطمة تستره) أي عنها وعن غيرها (قال مرحبا بأم هانئ) الباء إما زائدة في
الفاعل أي أتت أم هانئ مرحبا أي موضعا رحبا أي واسعا لا ضيقا أو للتعدية أي أتى الله
بأم هانئ مرحبا فمرحبا منصوب على المفعول به هذه كلمة إكرام والتكلم بها سنة (فذكر قصة
في الحديث) روى الشيخان هذا الحديث مطولا بذكر القصة
قوله (أخبرنا موسى بن مسعود) النهدي أبو حذيفة البصري صدوق سيئ الحفظ وكان
يصحف من صغار التاسعة (عن سفيان) هو الثوري (عن عكرمة بن أبي جهل) بن هشام
المخزومي صحابي أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه واستشهد بالشام في خلافة أبي بكر على
الصحيح
3

قوله (يوم جئته) أي عام الفتح وزاد مالك في الموطأ فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وثب إليه
فرحا وما عليه رداء حتى بايعه (مرحبا) مقول القول أي جئت مرحبا أي موضعا واسعا قال
الحافظ هو منصوب بفعل مضمر أي صادفت رحبا بضم الراء أي سعة والرحب بالفتح الشئ
الواسع وقد يزيدون معها أهلا أي وجدت أهلا فاستأنس وأفاد العسكري أن أول من قال
مرحبا سيف بن ذي يزن وفيه دليل على استحباب تأنيس القادم وقد تكرر ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم
(بالراكب المهاجر) أي إلى الله ورسوله أو من دار الحرب إلى دار الاسلام وفيه إشعار بأن
قوله صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد الفتح أي من مكة لأنها صارت دار الاسلام بخلاف ما قبل الفتح فإن
الهجرة كانت واجبة بل شرطا وأما الهجرة من دار الكفر إلى دار الاسلام فوجوبها باق إلى يوم
القيامة قال صاحب المشكاة في الإكمال هو عكرمة بن أبي جهل واسم أبي جهل عروة بن
هشام المخزومي القرشي كان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأبوه وكان فارسا مشهورا
وهرب يوم الفتح فلحق باليمن فلحقت به امرأته أم حكيم بنت الحارث فأتت به النبي صلى الله عليه وسلم فلما
رآه قال مرحبا بالراكب المهاجر فأسلم بعد الفتح سنة ثمان وحسن إسلامه وقتل يوم اليرموك سنة
ثلاث عشرة وله اثنتان وستون سنة قالت أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت لأبي جهل عذفا في
الجنة فلما أسلم عكرمة قال يا أم سلمة هذا هو قالت وشكا عكرمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا مر
بالمدينة قالوا هذا ابن عدو الله أبي جهل فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وقال
الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا انتهى
قوله (وفي الباب عن بريدة وابن عباس وأبي جحيفة) أما حديث بريدة فأخرجه ابن أبي
عاصم عنه أن عليا لما خطب فاطمة قال له النبي صلى الله عليه وسلم مرحبا وأهلا وهو عند النسائي
وصححه الحاكم وأما حديث ابن عباس فأخرجه البخاري في كتاب الإيمان والأشربة والأدب
وأما حديث أبي جحيفة فلينظر من أخرجه وفي الباب أحاديث أخرى أخرجها ابن أبي عاصم
وابن السني كما في الفتح
قوله (وهذا حديث ليس إسناده بصحيح) وأخرجه مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن
أم حكيم زوج عكرمة بن أبي جهل مطولا
4

قوله (وموسى بن مسعود ضعيف في الحديث) قال في تهذيب التهذيب وقال الدارقطني قد
أخرج له البخاري وهو كثير الوهم تكلموا فيه قال الحافظ ما له عند البخاري عن سفيان سوى
ثلاثة أحاديث متابعة وله عنده آخر عن زائدة متابعة أيضا انتهى
باب ما جاء في تشميت العاطس
التشميت جواب العاطس بيرحمك الله قال في النهاية التشميت بالشين والسين الدعاء
بالخير والبركة والمعجمة أعلاهما يقال شمت فلانا وشمت عليه تشميتا فهو مشمت واشتقاقه من
الشوامت وهي القوائم كأنه دعا للعاطس بالثبات على طاعة الله تعالى وقيل معناه أبعدك الله
عن الشماتة وجنبك ما يشمت به عليك انتهى
قوله (عن الحارث) عن عبد الله الأعور الهمداني الحارثي الكوفي صاحب علي كذبه
الشعبي في رأيه ورمي بالرفض وفي حديثه ضعف وليس له عند النسائي سوى حديثين مات في
خلافه ابن الزبير قاله الحافظ
قوله (للمسلم على المسلم ست بالمعروف) صفة بعد صفة لموصوف محذوف يعني المسلم
على المسلم خصال ست متلبسة بالمعروف وهو ما يرضاه الله من قول أو عمل ويحتمل أن يكون
الباء بمعنى من (يسلم عليه) جملة استئنافية مبينة أو تقديره أن يسلم عليه أي على المسلم سواء عرفه
أو لم يعرفه (ويجيبه إذا دعاء) أي إلى دعوة أو حاجة (ويشمته) بالشين المعجمة وتشديد الميم أي
يدعو له بقوله يرحمك الله (إذا عطس) بفتح الطاء ويكسر على ما في القاموس يعني فحمد الله كما
5

في رواية (ويتبع) بتشديد التاء من الاتباع ويجوز أن يكون بسكونها وفتح الموحدة أي يشهد
ويشيع (جنازته) بكسر الجيم ويفتح (ويحب له ما يحب) أي مثل ما يحب (لنفسه) من الخير
وهذا فذلكة الكل ولذا اقتصر عليه في حديث أنس مرفوعا برواية أحمد وأصحاب الست إلا
أبا داود لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ووقع في حديث البراء بن عازب الذي
أشار إليه الترمذي أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنازة
وتشميت العاطس الحديث قال الحافظ في شرح هذا الحديث ما لفظه قال ابن دقيق العيد ظاهر
الأمر الوجوب ويؤيده قوله في حديث أبي هريرة الذي في الباب الذي يليه فحق على كل مسلم
سمعه أن يشمته وفي حديث أبي هريرة عند مسلم حق المسلم على المسلم ست فذكر فيها
وإذا عطس فحمد الله فشمته وللبخاري من وجه آخر عن أبي هريرة خمس تجب للمسلم على
المسلم فذكر منها التشميت وهو عند مسلم أيضا وفي حديث عائشة عند أحمد وأبي يعلى وإذا
عطس أحدكم فليقل الحمد لله وليقل من عنده يرحمك الله وقد أخذ بظاهرها ابن مزين من
المالكية وقال به جمهور أهل الظاهر وقال ابن أبي جمرة قال جماعة من علمائنا إنه فرض عين
وقواه ابن القيم في حواشي السنن فقال جاء بلفظ الوجوب الصريح وبلفظ الحق الدال عليه
وبلفظ على الظاهرة فيه وبصيغة الأمر التي هي حقيقة فيه وبقول الصحابي أمرنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ريب أن الفقهاء أثبتوا وجوب أشياء كثيرة بدون مجموع هذه الأشياء
وذهب آخرون إلى أنها فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين ورجحه أبو الوليد بن
رشد وأبو بكر بن العربي وقال به الحنفية وجمهور الباقين وذهب عبد الوهاب وجماعة من
المالكية إلى أنه مستحب ويجزئ الواحد عن الجماعة وهو قول الشافعية والراجح من حيث
الدليل القول الثاني والأحاديث الصحيحة الدالة على الوجوب لا تنافي كونه على الكفاية فإن
الأمر بتشميت العاطس وإن ورد في عموم المكلفين ففرض الكفاية يخاطب به الجميع على الأصح
ويسقط بفعل البعض وأما من قال إنه فرض على مبهم فإنه ينافي كونه فرض عين انتهى كلام
الحافظ وقال ابن القيم في زاد المعاد بعد ذكر عدة أحاديث التشميت ما لفظه وظاهر الحديث
المبدوء به (يعني حديث أبي هريرة عند البخاري إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا
عطس فحمد الله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته الحديث) إن التشميت فرض عين على كل
من سمع العاطس يحمد الله ولا يجزئ تشميت الواحد عنهم وهذا أحد قولي العلماء واختاره
ابن أبي زيد وابن العربي المالكي ولا دافع له انتهى
قلت الظاهر ما قاله ابن القيم والله تعالى أعلم
6

قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وأبي أيوب والبراء وأبي مسعود) أما حديث أبي هريرة
فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث أبي أيوب فأخرجه أيضا الترمذي في باب كيف
يشمت العاطس وأما حديث البراء فأخرجه البخاري ومسلم وأما حديث أبي مسعود وهو ابن
عقبة الأنصاري فأخرجه أحمد
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وابن ماجة والدارمي (وقد تكلم بعضهم في
الحارث الأعور) إن شئت الوقوف على من تكلم فيه فارجع إلى تهذيب التهذيب ومقدمة صحيح
مسلم وشرحه للنووي
قوله (أخبرنا محمد بن موسى المخزومي المديني) الفطري صدوق رمي بالتشيع من
السابعة
قوله (ويشهده) أي ويحضر وقت نزعه (إذا مات) أي قرب موته أو يحضر زمان الصلاة
على جنازته إذا مات وهو الأظهر (وينصح له) أي يريد الخير للمؤمن ويرشده إليه (إذا غاب) أي
كل منهما (أو شهد) أي حضر وأو للتنويع وحاصله أنه يريد خيره
في حضوره وغيبته فلا يتملق في حضوره ويغتاب في غيبته فإن هذا صفة المنافقين
قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه مسلم بلفظ حق المسلم على المسلم ست قيل ما
هن يا رسول الله قال إذا لقيته فسلم عليه وإذا دعاك فأجبه وإذا استنصحك فانصح له وإذا
عطس فحمد الله فشمته وإذا مرض فعده وإذا مات فاتبعه
7

باب ما يقول العاطس إذا عطس
اعلم أن العطاس نعمة من نعم الله فلا بد للعاطس إذ عطس أن يحمد الله تعالى قال
الحافظ ابن القيم في زاد المعاد العاطس قد حصلت له بالعطاس نعمة ومنفعة بخروج الأبخرة
المحتقنة في دماغه التي لو بقيت فيه أحدثت له أدواء عسرة شرع له حمد الله على هذه النعمة مع
بقاء أعضائه على التئامها وهيئتها على هذه الزلزلة التي هي للبدن كزلزلة الأرض لها انتهى
قوله (حدثنا زياد بن الربيع) هو أبو خداش اليحمدي البصري (أخبرنا حضرمي)
بسكون المعجمة بلفظ النسبة ابن عجلان مولى الجارود مقبول من السابعة كذا في التقريب
وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى عن نافع مولى ابن عمر وعنه زياد بن الربيع اليحمدي
وغيره ذكره ابن حبان في الثقات روى له الترمذي حديثا فيما يقوله العاطس انتهى
قوله (أن رجلا عطس إلى جنب ابن عمر) أي منتهيا جلوسه إلى جنبه (فقال) أي
العاطس (الحمد لله والسلام على رسول الله) يحتمل أن يكون من جهله بالحكم الشرعي أو ظن
أنه يستحب زيادة السلام عليه لأنه من جملة الأذكار (فقال) أي (ابن عمر وأنا أقول) كما تقول أيضا
(الحمد لله والسلام على رسول الله) لأنهما ذكران شريفان كل أحد مأمور بهما لكن لكل مقام
مقال وهذا معنى قوله (وليس هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) بأن يضم السلام مع الحمد عند
العطسة بل الأدب متابعة الأمر من غير زيادة ونقصان من تلقاء النفس إلا بقياس جلي (علمنا أن
نقول الحمد لله على كل حال) فالزيادة المطلوبة إنما هي المتعلقة بالحمدلة سواء ورد أو لا وأما
زيادة ذكر آخر بطريق الضم إليه فغير مستحسن لأن من سمع ربما يتوهم أنه من جملة
المأمورات وفي الحديث أنه يقول العاطس الحمد لله على كل حال وعند الطبراني من حديث
أبي مالك الأشعري رفعه إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله على كل حال ومثله عند أبي داود
8

من حديث أبي هريرة وللنسائي من حديث علي رفعه يقول العاطس الحمد لله على كل حال
ولابن السني من حديث أبي أيوب مثله ولأحمد والنسائي من حديث سالم بن عبيد رفعه إذا
عطس أحدكم فليقل الحمد لله على كل حال أو الحمد لله رب العالمين وإليه ذهبت طائفة من
أهل العلم وقالت طائفة إنه لا يزيد على الحمد لله كما في حديث أبي هريرة عند البخاري إذا
عطس أحدكم فليقل الحمد لله الحديث وقالت طائفة يقول الحمد لله رب العالمين ورد ذلك
في حديث لابن مسعود أخرجه البخاري في الأدب المفرد والطبراني وورد الجمع بين اللفظين
فعنده في الأدب المفرد عن علي قال من قال عند عطسة سمعها الحمد لله رب العالمين على كل
حال ما كان ليجد وجع الضرس ولا الأذن أبدا وهذا موقوف رجاله ثقات ومثله لا يقال من
قبل الرأي فله حكم الرفع وقالت طائفة ما زاد من الثناء يتعلق بالحمد كان حسنا فقد
أخرج أبو جعفر الطبري في التهذيب بسند لا بأس به عن أم سلمة قالت عطس رجل عند
النبي صلى الله عليه وسلم فقال الحمد لله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يرحمك الله وعطس آخر فقال الحمد لله
رب العالمين حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه فقال ارتفع هذا على هذا تسع عشرة درجة ويؤيده ما
أخرجه الترمذي وغيره من حديث رفاعة بن رافع قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فعطست فقلت
الحمد لله حمدا طيبا مباركا فيه مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى فلما انصرف قال من المتكلم
ثلاثا فقلت أنا فقال والذي نفسي بيده لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكا أيهم يصعد بها
وأخرجه الطبراني وبين أن الصلاة المذكورة المغرب وسنده لا بأس به وأخرج ابن السنن بسند
ضعيف عن أبي رافع قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطس فخلى يدي ثم قام فقال شيئا لم
أفهمه فسألته فقال أتاني جبريل فقال إذا أنت عطست فقل الحمد لله لكرمه الحمد لله
لعز جلاله فإن الله عز وجل يقول صدق عبدي ثلاثا مغفورا له قال الحافظ في الفتح بعد ذكر
هذا كله ما لفظه ونقل ابن بطال عن الطبراني أن العاطس يتخير بين أن يقول الحمد لله أو يزيد
رب العالمين أو على كل حال والذي يتحرر من الأدلة أن كل ذلك مجزئ لكن ما كان أكثر ثناء
أفضل بشرط أن يكون مأثورا وقال النووي في الأذكار اتفق العلماء على أنه يستحب للعاطس
أن يقول عقب عطاسه الحمد لله ولو قال الحمد لله رب العالمين لكان أحسن فلو قال الحمد لله
على كل حال كان أفضل كذا قال والأخبار التي ذكرتها تقتضي التخيير ثم الأولوية كما تقدم
انتهى
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه البزار والطبراني
9

باب ما جاء كيف تشميت العاطس
قوله (حدثنا سفيان) هو الثوري (عن حكيم بن ديلم) هو المدائني (عن أبي بردة بن أبي
موسى) قال في التقريب أبو بردة بن أبي موسى الأشعري قيل اسمه عامر وقيل الحارث ثقة من
الثالثة (عن أبي موسى) الأشعري اسمه عبد الله بن قيس صحابي مشهور أمره عمر ثم عثمان وهو
أحد الحكمين بصفين
قوله (كان اليهود يتعاطسون) أي يطلبون العطسة من أنفسهم (يرجون) أي يتمنون بهذا
السبب (فيقول) أي النبي صلى الله عليه وسلم عند عطاسهم وحمدهم يهديكم الله ويصلح بالكم ولا يقول لهم
يرحمكم الله لأن الرحمة مختصة بالمؤمنين بل يدعو لهم بما يصلح بالهم من الهداية والتوفيق
والإيمان
قوله (وفي الباب عن علي وأبي أيوب وسالم بن عبيد وعبد الله بن جعفر وأبي هريرة) أما
حديث علي فأخرجه الطبراني وأما حديث أبي أيوب وحديث سالم بن عبيد فأخرجهما الترمذي في
هذا الباب وأما حديث عبد الله بن جعفر فأخرجه البيهقي في الشعب وأما حديث أبي هريرة
فأخرجه البخاري عنه مرفوعا إذا عطس أحدكم فليقل الحمد وليقل له أخوه أو صاحبه
يرحمك الله فإذا قال له يرحمك الله فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم
قوله (هذا حديث حسن) صحيح وأخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه
قوله (أخبرنا سفيان) هو الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن سالم بن عبيد)
الأشجعي صحابي من أهل الصفة
10

قوله (أنه كان) أي سالم بن عبيد (فقال) أي العاطس (السلام عليكم) ظنا أنه يجوز أن
يقال بدل الحمد لله ذكره ابن الملك (فقال) أي سالم (عليك) وفي رواية أبي داود وعليك بالواو
(فكأن) بتشديد النون (الرجل) أي العاطس (وجد) أي الكراهة أو الخجالة أو الحزن لما قال سالم
(في نفسه) لكن لم يظهره وظهر عليه بعض اثاره وقيل أي غضب أو حزن من الموجدة وهو
الغضب أو الوجد وهو الحزن (فقال) أي سالم (أما) بالتخفيف للتنبيه (إني لم أقل إلا ما قال
النبي صلى الله عليه وسلم) أي فأنا متبع لا مبتدع فقال النبي صلى الله عليه وسلم عليك وعلى أمك قال ابن القيم في
زاد المعاد وفي السلام على أم هذا المسلم نكتة لطيفة وهي إشعاره بأن سلامه قد وقع في غير
موقعه اللائق به كما وقع هذا السلام على أمه فكما أن هذا سلامه في غير موضعه فهكذا سلامه
هو ونكتة أخرى ألطف منها وهي تذكيره بأمه ونسبته له إليها فكأنه أمي محض منسوب إلى الأم
باق على تربيتها لم تربه الرجال انتهى (وليقل له) أي للعاطس
وليقل يغفر الله لي ولكم أي وليقل العاطس يغفر الله الخ
قوله (هذا حديث اختلفوا في روايته عن منصور وقد أدخلوا بين هلال ابن يساف وبين
سالم رجلا) قال المنذري في تلخيص السنن بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه وأخرجه
النسائي أيضا عن منصور عن رجل عن خالد بن عرفطة عن سالم وأخرجه أيضا عن منصور عن
رجل عن سالم ورواه مسدد عن يحيى القطان عن سفيان عن منصور عن هلال عن رجل من آل
خالد بن عرفطة عن آخر منهم قال كنا مع سالم ورواه زائدة عن منصور عن هلال عن رجل من
أشجع عن سالم ورواه عبد الرحمن بن مهدي عن أبي
عوانة عن منصور عن هلال من
آل عرفطة عن سالم واختلف على ورقاء فيه فقال بعضهم خالد بن عرفطة أو عرفجة ويشبه أن
11

يكون خالد هذا مجهولا فإن أبا حاتم الرازي قال لا أعرف واحدا يقال له خالد بن عرفطة إلا
واحدا الذي له صحبة انتهى كلام المنذري قلت وحديث سالم بن عبيد هذا أخرجه أبو داود
من طريق أبي بشر ورقاء عن منصور عن هلال بن يساف عن خالد بن عرفجة عن سالم بن
عبيد وأخرجه أيضا من طريق جرير عن منصور عن هلال بن يساف قال كنا مع سالم بن
عبيد الخ
قوله (أخبرني ابن أبي ليلى) اسمه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قوله (يرحمك الله) خبر معناه الدعاء (وليقل هو) أي العاطس (يهديكم الله ويصلح
بالكم) البال القلب يقول فلان ما يخطر ببالي أي قلبي والبال رخاء العيش يقال فلان رخي
البال أي واسع العيش والبال الحال يقول ما بالك أي حالك والبال في الحديث يحتمل المعاني
الثلاثة والأولى أن الحمل على المعنى الثالث أنسب لعمومه المعنيين الأوليين أيضا كذا في المفاتيح
وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة مرفوعا إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله وليقل له
أخوه أو صاحبه يرحمك الله فإذا قال له يرحمك الله فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم قال ابن
بطال ذهب الجمهور إلى أنه يقول العاطس في جواب المشمت يهديكم الله ويصلح بالكم
وذهب الكوفيون إلى أنه يقول يغفر الله لنا ولكم وأخرجه الطبري عن ابن مسعود وابن عمر
وغيرهما وذهب مالك والشافعي إلى أنه يتخير بين اللفظين انتهى وقيل يجمع بينهما قلت
12

أصح ما ورد في جواب المشمت هو حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري في صحيحه فإنه قال بعد
تخريجه في الأدب المفرد وهذا أثبت ما يروى في هذا الباب وقال الطبري هو من أثبت الأخبار
وقال البيهقي هو أصح شئ ورد في هذا الباب وقد أخذ به الطحاوي من الحنفية وهذا الحديث
أخرجه الدارمي أيضا
باب ما جاء في إيجاب التشميت بحمد العاطس
قوله (أن رجلين) وفي حديث سهل بن سعد عن الطبراني أنهما عامر بن الطفيل وابن أخيه
(فشمت) أي النبي صلى الله عليه وسلم (أحدهما) بالنصب على المفعولية (شمت) بتشديدتين (ولم تشمتني) أي ما
الحكمة في ذلك (إنه حمد الله وإنك لم تحمده) فيه أن من عطس وحمد الله يستحق التشميت ومن
عطس ولم يحمد الله لا يستحقه وروى مسلم عن أبي موسى مرفوعا إذا عطس أحدكم فحمد
الله فشمتوه وإن لم يحمد الله فلا تشمتوه
قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان 39
باب ما جاء كم يشمت العاطس
قوله (أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك (وأنا شاهد) أي حاضر والجملة حالية (ثم عطس
الثانية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا رجل
مزكوم) وفي رواية يحيى القطان الآتية قال في الثالثة أنت من
مزكوم وقال الترمذي هذا الرواية أصح من رواية عبد الله بن المبارك
13

قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة
قوله (حدثنا بذلك أحمد بن الحكم البصري) هو أحمد بن عبد الله بن الحكم بن فروة
الهاشمي المعروف بابن الكردي روى عن محمد بن جعفر غندر وغيره وعنه مسلم والترمذي
والنسائي وقال ثقة (أخبرنا محمد بن جعفر) المعروف بغندر
قوله (عن عمر بن إسحاق بن أبي طلحة) المدني مجهول الحال (عن أمه) اسمها حميدة بنت
عبيد بن رفاعة الأنصارية مقبولة من الخامسة (عن أبيها) هو عبيد بن رفاعة بن رافع بن مالك
الأنصاري الزرقي ويقال فيه عبيد الله ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ووثقه العجلي
قوله (فإذا زاد فإن شئت فشمته وإن شئت فلا) وقد أخرج أبو يعلي وابن السني عن أبي
هريرة النهي عن التشميت بعد ثلاث ولفظ إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه فإن زاد على ثلاث
14

فهو مزكوم ولا يشمته بعد ثلاث قال النووي فيه رجل لم أتحقق حاله وباقي إسناده صحيح
قال الحافظ الرجل المذكور هو سليمان بن أبي داود الحراني والحديث عندهما من رواية محمد بن
سليمان عن أبيه ومحمد موثق وأبوه يقال له الحراني ضعيف قال فيه النسائي ليس بثقة ولا
مأمون قال النووي وأما الذي رويناه في سنن أبي داود والترمذي عن عبيد بن رفاعة الصحابي
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يشمت العاطس ثلاثا فإن زاد فإن شئت فشمته وإن شئت فلا فهو
حديث ضعيف قال فيه الترمذي هذا حديث غريب وإسناده مجهول قال الحافظ إطلاقه على
الضعف ليس بجيد إذ لا يلزم من الغرابة الضعف وأما وصف الترمذي إسناده بكونه مجهولا
فلم يرد جميع رجال الاسناد فإن معظمهم موثقون وإنما وقع في روايته تغيير اسم بعض رواته
وإبهام اثنين منهم وذلك أن أبا داود والترمذي أخرجاه معا من طريق عبد السلام بن حرب عن
يزيد بن عبد الرحمن ثم اختلفا فأما رواية أبي داود ففيها عن يحيى بن إسحاق بن أبي طلحة عن
أمه حميدة أو عبيدة بنت عبيد بن رفاعة عن أبيها وهذا إسناد حسن والحديث مع ذلك مرسل
وعبد السلام بن حرب من رجال الصحيح ويزيد هو أبو خالد الدلاني وهو صدوق في حفظه
شئ ويحيى بن إسحاق وثقه يحيى بن معين وأمه حميدة روى عنها أيضا زوجها إسحاق بن أبي
طلحة وذكرها ابن حبان في ثقات التابعين وأبوها عبيد بن رفاعة ذكروه في الصحابة لكونه ولد في
عهد النبي صلى الله عليه وسلم وله رؤية قاله ابن السكن قال ولم يصح سماعه وقال البغوي روايته مرسلة
وحديثه عن أبيه عند الترمذي والنسائي وغيرهما وأما رواية الترمذي ففيها عن عمر بن
إسحاق بن أبي طلحة عن أمه عن أبيها كذا سماه عمر ولم يسم أمه ولا أباه وكأنه لم يمعن النظر
فمن ثم قال إسناده مجهول وقد تبين أنه ليس بمجهول وأن الصواب يحيى بن إسحاق لا عمر
فقد أخرجه حسن بن سفيان وابن السني وأبو نعيم وغيرهم من طريق عبد السلام بن حرب
فقالوا يحيى بن إسحاق وقالوا حميدة بغير شك وهو المعتمد وقال ابن العربي هذا الحديث وإن
كان فيه مجهول لكن يستحب العمل به لأنه دعاء بخير وصلة وتودد للجليس فالأولى العمل به
وقال ابن عبد البر دل حديث عبيد بن رفاعة على أنه يشمت ثلاثا ويقال أنت مزكوم بعد ذلك
وهي زيادة يجب قبولها فالعمل بها أولى ثم حكى النووي عن ابن العربي أن العلماء اختلفوا هل
يقول لمن تتابع عطاسه أنت مزكوم في الثانية أو الثالثة أو الرابعة على أقوال والصحيح في
الثالثة قال ومعناه أنك لست ممن يشمت بعدها لأن الذي بك مرض وليس من العطاس المحمود
الناشئ عن خفة البدن انتهى
15

40 باب ما جاء في خفض الصوت
أي غضه (وتخمير الوجه) أي تغطيته باليد أو بالثوب (عند العطاس) بضم العين المهملة
وهو اندفاع الهواء بعزم من الأنف مع صوت يسمع (أخبرنا يحيى بن سعيد) هو القطان (عن
سمي) هو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن (عن أبي صالح) اسمه ذكوان
قوله (إذا عطس) بفتح الطاء وجوز كسره (وغض) أي خفض (بها) أي بالعطسة (صوته)
والمعنى لم يرفعه بصيحة والجار والمجرور متعلق بصوته قال الحافظ ومن آداب العاطس أن
يخفض بالعطس صوته ويرفعه بالحمد وأن يغطي وجهه لئلا يبدو من فيه أو أنفه ما يؤذي
جليسه ولا يلوي عنقه يمينا ولا شمالا لئلا يتضرر بذلك قال ابن العربي الحكمة في خفض
الصوت بالعطاس أن في رفعه إزعاجا للأعضاء وفي تغطية الوجه أنه لو بدر منه شئ اذى جليسه
ولو لوى عنقه صيانة لجليسه لم يأمن من الالتواء وقد شاهدنا من وقع له ذلك وقد أخرج أبو
داود والترمذي بسند جيد عن أبي هريرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عطس وضع يده على فمه وخفض
صوته وله شاهد من حديث ابن عمر بنحوه عند الطبراني انتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والحاكم 41
باب ما جاء إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب
قوله (عن المقبري) هو سعيد بن أبي سعيد المقبري (العطاس من الله والتثاؤب من
16

الشيطان) لأن العطاس ينشأ عنه النشاط للعبادة فلذلك أضيف إلى الله والتثاؤب ينشأ من
الامتلاء فيورث الكسل فأضيف للشيطان (فليضع يده على فمه) أي فمه ليرده ما استطاع (وإذا
قال آه آه) حكاية صوت المتثائب (فإن الشيطان يضحك من جوفه) وفي الرواية الآتية يضحك
منه قال الطيبي أي يرضى بتلك الغفلة وبدخوله فمه للوسوسة وفي حديث أبي سعيد عند
مسلم إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فمه فإن الشيطان يدخل قال النووي قال العلماء
أمر بكظم التثاؤب ورده ووضع اليد على الفم لئلا يبلغ الشيطان مراده من تشويه صورته ودخوله
فمه وضحكه منه
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حب ان والحاكم
قوله (حدثنا يزيد بن هارون) السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي (أخبرنا ابن أبي
ذئب) اسمه محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة (عن أبيه) هو أبو سعيد واسمه كيسان
قوله (إن الله يحب العطاس) لأنه سبب خفة الدماغ وصفاء القوى الادراكية فيحمل
صاحبه على الطاعة (ويكره التثاؤب) لأنه يمنع صاحبه عن النشاط في الطاعة ويوجب الغفلة ولذا
يفرح به الشيطان وهو المعنى في ضحكه الآتي قال القاضي التثاؤب بالهمز التنفس الذي يفتح
عنه الفم وهو إنما ينشأ من الامتلاء وثقل النفس وكدورة الحواس ويورث الغفلة والكسل وسوء
الفهم ولذا كرهه الله وأحبه الشيطان وضحك منه والعطاس لما كان سببا لخفة الدماغ
17

واستفراغ الفضلات عنه وصفاء الروح وتقوية الحواس كان أمره بالعكس (فحق على كل من
سمعه) احتراز من حال عدم سماعه فإنه حينئذ لا يتوجه عليه الأمر (فإذا تثاءب أحدكم) قال
الحافظ في الفتح قال شيخنا في شرح الترمذي وقع في رواية المحبوبي عن الترمذي بالواو وفي
رواية السنجي بالهمز ووقع عند البخاري وأبي داود بالهمز وكذا في حديث أبي سعيد عند أبو
داود وأما عند مسلم فبالواو قال وكذا هو في أكثر نسخ مسلم وفي بعضها بالهمز وقد أنكر
الجوهري كونه بالواو قال تقول تثاءبت على وزن تفاعلت ولا تقل تثاوبت قال والتثاؤب أيضا
مهموز وقد يقلبون الهمز المضمومة واوا والاسم الثوباء بالضم ثم همز على وزن الخيلاء وجزم
ابن دريد وثابت بن قاسم في الدلائل بأن الذي بغير واو بوزن تيممت فقال ثابت لا يقال تثاب
بالمد مخففا بل يقال تثأب بالتشديد وقال ابن دريد أصله من ثئب فهو مثئوب إذا استرخى
وكسل وقال غير واحد إنهما لغتان وبالهمز والمد أشهر انتهى (فليرده ما استطاع) أي فليكظم فمه
وليمسك بيده عليه (ولا يقول هاء هاء) حكاية لصوت المتثائب (فإنما ذلك) أي التثاؤب (من
الشيطان) قال النووي أضيف التثاؤب إلى الشيطان لأنه يدعو إلى الشهوات إذ يكون عن ثقل
البدن واسترخائه وامتلائه والمراد التحذير من السبب الذي يتولد منه وهو التوسع في المأكل
وإكثار الأكل
قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي (وهذا) أي حديث ابن
أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة (أصح من حديث ابن عجلان) أي عن سعيد
المقبري عن أبي هريرة بإسقاط عن أبيه وقد بين الترمذي وجه كونه أصح منه بقوله وابن أبي
ذئب أحفظ الخ (عن يحيى بن سعيد قال قال محمد بن عجلان أحاديث سعيد المقبري روي
بعضها عن سعيد عن أبي هريرة وبعضها سعيد عن رجل عن أبي هريرة الخ) وقال الحافظ في
تهذيب التهذيب في ترجمة ابن عجلان قال يحيى القطان عن ابن عجلان كان سعيد المقبري
18

يحدث عن أبي هريرة وعن أبيه عن أبي هريرة وعن رجل عن أبي هريرة فاختلطت عليه فجعلها
كلها عن أبي هريرة انتهى 42
باب ما جاء أن العطاس في الصلاة من الشيطان
قوله (عن عدي وهو ابن ثابت) الأنصاري ثقة (عن أبيه) هو ثابت الأنصاري ذكره ابن
حبان في الثقات وقال الحافظ في التقريب هو مجهول الحال (عن جده) أي جد عدي (رفعه) أي
رفع جده الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولولا هذا القيد لأوهم قوله (قال العطاس) أن يكون من قول
الصحابي فيكون موقوفا قاله الطيبي (والنعاس) هو النوم الخفيف أو مقدمة النوم وهو السنة
(والتثاؤب في الصلاة) قال الطيبي إنما فصل بين الثلاثة الأولى والأخيرة بقوله في الصلاة لأن
الثلاثة الأخيرة تبطل الصلاة بخلاف الأولى (والحيض والقئ والرعاف) بضم الراء دم الأنف
(من الشيطان) قال القاضي أضاف هذه الأشياء إلى الشيطان لأنه يحبها ويتوسل بها إلى ما يبتغيه
من قطع الصلاة والمنع عن العبادة ولأنها تغلب في غالب الأمر من شره الطعام الذي هومن
أعمال الشيطان وزاد التوربشتي ومن ابتغاء الشيطان الحيلولة بين العبد وبين ما ندب إليه من
الحضور بين يدي الله والاستغراق في لذة المناجاة وقيل المراد من العطاس كثرته فلا ينافيه الخبر
السابق أن الله يحب العطاس لأن محله في العطاس المعتدل وهو الذي لا يبلغ الثلاث على التوالي
بدليل أنه يسن تشميته حينئذ بعافاك الله وشفاك الدال على أن ذلك مرض انتهى قال
القاري والظاهر أن الجمع بين الحديثين بأن يحمل محبة الله تعالى العطاس مطلقا على خارج
الصلاة وكراهته مطلقا في داخل الصلاة لأنه في الصلاة لا يخلو عن اشتغال بال به وهذا الجمع
كان متعينا لو كان حديثان مطلقين فكيف مع التقييد بها في هذا الحديث انتهى
وقال الحافظ العراقي في شرح الترمذي لا يعارض هذا حديث أبي هريرة إن الله يحب
العطاس ويكره التثاؤب لكونه مقيدا بحبال الصلاة فقد يتسبب الشيطان في حصول العطاس
للمصلي ليشغله عن صلاته ذكره الحافظ في الفتح
19

قوله (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك عن أبي اليقظان) قال الحافظ في
الفتح وسنده ضعيف وله شاهد عن ابن مسعود في الطبراني لكن لم يذكر النعاس وهو موقوف
وسنده ضعيف أيضا (وذكر عن يحيى بن معين قال اسمه دينار) وقال الترمذي في باب المستحاضة
تتوضأ لكل صلاة وذكرت لمحمد يعني البخاري قول يحيى بن معين اسمه دينار فلم يعبأ به
انتهى وذكر الحافظ أقوالا عديدة في اسم جد عدي في تهذيب التهذيب في ترجمة ثابت الأنصاري
ثم قال ولم يترجح لي في اسم جده إلى الان شئ من هذه الأقوال كلها إلا أن أقربها إلى الصواب
أن جده هو جده لأمه عبد الله يزيد الخطمي انتهى 43
باب كراهية أن يقام الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه
قوله (عن أيوب) هو ابن أبي تميمة السختياني (عن نافع) هو أبو عبد الله المدني مولى ابن
عمر ثقة ثبت فقيه مشهور من الثالثة
قوله (لا يقيم) من الإقامة (أخاه) في الدين (من مجلسه) أي من مكانه الذي سبقه إليه من
موضع مباح (ثم يجلس) أي المقيم (فيه) قيد واقعي غالبي قال النووي هذا النهي للتحريم
فمن سبق إلى موضع مباح في المسجد وغيره يوم الجمعة أو غيره لصلاة أو غيرها فهو أحق به ويحرم
على غيره إقامته لهذا الحديث إلا أن أصحابنا استثنوا منه ما إذا ألف من المسجد موضعا يفتي فيه أو
يقرأ قرانا أو غيره من العلوم الشرعية فهو أحق به وإذا حضر لم يكن لغيره أن يقعد فيه وفي معناه
من سبق إلى موضع من الشوارع ومقاعد الأسواق لمعاملة انتهى وقال القاري في المرقاة بعد نقل
كلام النووي هذا وفيه بحث ظاهر لأن مثل هذا التعليل هل يصلح لتخصيص العام المستفاد
20

من النهي الصريح بالحديث الصحيح مع ما ورد من النهي عن أخذ مكان معين من المسجد لما
يترتب عليه من الرياء المنافي للإخلاص وقد كان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما إذا قام له رجل
عن مجلسه لم يجلس فيه انتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (لا يقم أحدكم أخاه من مجلسه ثم يجلس فيه) قال ابن أبي جمرة هذا اللفظ عام في
المجالس ولكنه مخصوص بالمجالس المباحة إما على العموم كالمساجد ومجالس الحكام والعلم وإما
على الخصوص كمن يدعو قوما بأعيانهم إلى منزله لوليمة ونحوها وأما المجالس التي ليس
لشخص فيها ملك ولا إذن له فيها فإنه يقام ويخرج منها ثم هو في المجالس العامة وليس عاما في
الناس بل هو خاص بغير المجانين ومن يحصل منه الأذى كأكل الثوم النئ إذا دخل المسجد
والسفيه إذا دخل مجلس العلم أو الحكم قال والحكمة في هذا النهي منع استنقاص حق المسلم
المقتضي للضغائن والحث على التواضع المقتضي للمواددة وأيضا فالناس في المباح كلهم سواء
فمن سبق إلى شئ استحقه ومن استحق شيئا فأخذ منه بغير حق فهو غصب والغصب حرام
فعلى هذا قد يكون بعض ذلك على سبيل الكراهة وبعضه على سبيل التحريم (قال) أي سالم
(وكان الرجل يقوم لابن عمر فما يجلس فيه) وفي رواية البخاري وكان ابن عمر يكره أن يقوم
الرجل من مكانه ثم يجلس مكانه قال النووي وأما ما نسب إلى ابن عمر فهو ورع منه وليس
قعوده فيه حراما إذا كان ذلك برضا الذي قام ولكنه تورع منه لاحتمال أن يكون الذي قام لأجله
استحيى منه فقام عن غير طيب قلبه فسد الباب ليسلم من هذا أو رأى أن الايثار بالقرب
مكروه أو خلاف الأولى فكان يمتنع من ذلك لئلا يرتكب أحد بسببه مكروها أو خلاف الأولى بأن
يتأخر عن موضعه من الصف الأول ويؤثره به وشبه ذلك قال أصحابنا وإنما يحمد الايثار
بحظوظ النفوس وأمور الدنيا دون القرب انتهى قلت وقد ورد ذلك عن ابن عمر مرفوعا
أخرجه أبو داود من طريق أبي الخصيب عن ابن عمر جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام له رجل
من مجلسه فذهب ليجلس فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم
21

باب ما جاء إذا قام الرجل من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به
قوله (عن وهب بن حذيفة) الغفاري صحابي من أهل الصفة عاش إلى خلافة
معاوية
قوله (الرجل أحق بمجلسه وإن خرج لحاجته ثم عاد فهو أحق بمجلسه) قال النووي
قال أصحابنا هذا في حق من جلس في موضع من المسجد أو غيره لصلاة مثلا ثم
فارقه ليعود بأن فارقه ليتوضأ أو يقضي شغلا يسيرا ثم يعود لم يبطل اختصاصه بل إذا رجع فهو أحق به في تلك
الصلاة فإن كان قد قعد فيه غيره فله أن يقيمه وعلى القاعد أن يفارقه لهذا الحديث هذا هو
الصحيح عند أصحابنا وأنه يجب على من قعد فيه مفارقته إذا رجع الأول وقال بعض العلماء
هذا مستحب ولا يجب وهو مذهب مالك والصواب الأول قال أصحابنا ولا فرق بين أن يقوم
منه ويترك له فيه سجادة ونحوها أم لا فهذا أحق به في الحالين قال أصحابنا وإنما يكون أحق
به في تلك الصلاة وحدها دون غيرها انتهى وقال عياض اختلف العلماء فيمن اعتاد بموضع من
المسجد للتدريس والفتوى فحكى عن مالك أنه أحق به إذا عرف به قال والذي عليه الجمهور
أن هذا استحسان وليس بحق واجب ولعله مراد مالك وكذا قالوا في مقاعد الباعة من الأفنية
والطرق التي هي غير متملكة قالوا من اعتاد بالجلوس في شئ منها فهو أحق به حتى يتم غرضه
قال وحكاه الماوردي عن مالك قطعا للتنازع وقال القرطبي الذي عليه الجمهور أنه ليس
بواجب
قوله (هذا حديث صحيح غريب) وأخرجه أحمد في مسنده
22

قوله (وفي الباب عن أبي بكرة وأبي سعيد وأبي هريرة) أما حديث أبي بكرة وحديث أبي
سعيد فلينظر من أخرجهما وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد
ومسلم وأبو داود وابن ماجة ولفظه من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به
باب ما جاء في كراهية الجلوس بين الرجلين بغير إذنهم ا
قوله (حدثنا سويد) هو ابن نصر بن سويد المروزي (أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك
(أخبرنا أسامة بن زيد) الليثي مولاهم أبو زيد المدني
قوله (لا يحل للرجل أن يفرق) بتشديد الراء (بين اثنين) أي بأن يجلس بينهما (إلا بإذنهما)
لأنه قد يكون بينهما محبة ومودة وجريان سر وأمانة فيشق عليهما التفرق بجلوسه بينهما
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وأبو داود (وقد رواه عامر الأحول عن عمرو بن
شعيب أيضا) أخرجه أبو داود في سننه ولفظه لا يجلس بين رجلين إلا بإذنهما 46
باب ما جاء في كراهية القعود وسط الحلقة
قوله (أو لعن الله) شك من الرا (من قعد وسط الحلقة) بسكون السين واللام قال
23

الخطابي هذا يتأول فيمن يأتي حلقة قوم فيتخطى رقابهم ويقعد وسطها ولا يقعد حيث ينتهي به
المجلس فلعن للأذى وقد يكون في ذلك أنه إذا قعد وسط الحلقة حال بين الوجوه فحجب
بعضهم عن بعض فيتضررون بمكانه وبمقعده هناك انتهى وقال التوربشتي المراد به الماجن
الذي يقيم نفسه مقام السخرية ليكون ضحكة بين الناس ومن يجري مجراه من المتأكلين
بالشعوذة انتهى والشعوذة خفة في اليد وأخذ كالسحر يرى الشئ بغير ما عليه أصله في رؤى
العين والماجن من لا يبالي قولا وفعلا
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والحاكم
باب ما جاء في كراهية قيام الرجل للرجل قوله (أخبرنا عفان) هو ابن مسلم بن عبد الله الصفار البصري
قوله (لم يكن شخص أحب إليهم) أي إلى الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين
(وكانوا) أي جميعا (إذا رأوه) أي مقبلا (لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك) أي لقيامهم
تواضعا لربه ومخالفته لعادة المتكبرين والمتجبرين بل اختار الثبات على عادة العرب في ترك
التكلف في قيامهم وجلوسهم وأكلهم وشربهم ولبسهم ومشيهم وسائر أفعالهم وأخلاقهم
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) ذكره الحافظ في الفتح ونقل تصحيح الترمذي
وأقره
قوله (أخبرنا قبيصة) هو ابن عقبة بن محمد (أخبرنا سفيان) هو الثوري
24

قوله (خرج معاوية فقام عبد الله بن الزبير وابن صفوان حين رأوه) يثبت من رواية
الترمذي هذه أن عبد الله بن الزبير قد قام حين خرج معاوية وروايات أبي داود وغيره تدل على أنه
لم يقم ورجح الحافظ في الفتح هذه الروايات النافية فقال بعد ذكرها وسفيان وإن كان من جبال
الحفظ إلا أن العدد الكثير وفيهم مثل شعبة أولى بأن تكون روايتهم محفوظة من الواحد وقد
اتفقوا على أن ابن الزبير لم يقم (من سره) أي أعجبه وجعله مسرورا وفي رواية أبي داود من
أحب (أن يتمثل) أي ينتصب (له الرجال قياما) أي يقفون بين يديه قائمين لتعظيمه من قولهم مثل
بين يديه مثولا أي انتصب قائما قال الطيبي يجوز أن يكون قوله قياما مفعولا مطلقا لما في
الانتصاب من معنى القيام وأن يكون تمييز الاشتراك المثول بين المعنيين (فليتبوأ) أي فليهيئ
(مقعده من النار) لفظه الأمر معناه الخير كأنه قال من سره ذلك وجب له أن ينزل منزلة من النار
قوله (وفي الباب عن أبي أمامة) أخرجه أبو داود وابن ماجة عنه قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
متوكئا على عصا فقمنا له فقال لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضا
قوله (وهذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وأبو داود
اعلم أنه قد اختلف أهل العلم في قيام الرجل للرجل عند رؤيته فجوزه بعضهم كالنووي
وغيره ومنعه بعضهم كالشيخ أبي عبد الله بن الحاج المالكي وغيره وقال النووي في الأذكار
وأما إكرام الداخل بالقيام فالذي نختاره أنه مستحب لمن كان فيه فضيلة ظاهرة من علم أو صلاح
أو شرف أو ولاية ونحو ذلك ويكون هذا القيام للبر والإكرام والاحترام لا للرياء والإعظام
وعلى هذا استمر عمل السلف والخلف وقد جمعت في ذلك جزءا جمعت فيه الأحاديث والإثار
وأقوال السلف وأفعالهم الدالة على ما ذكرته وذكرت فيه ما خالفها وأوضحت الجواب عنه فمن
أشكل عليه من ذلك شئ ورغب في مطالعته رجوت أن يزول إشكاله انتهى
قلت وقد نقل ابن الحاج ذلك الجزء في كتابه المدخل وتعقب على كل ما استدل به
النووي فمن أقوى ما تمسك به حديث أبي سعيد عند الشيخين أن أهل قريظة نزلوا على حكم
25

سعد فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليه فجاء فقال قوموا إلى سيدكم الحديث وقد أجاب عنه ابن الحاج
بأجوبة منها أن الأمر بالقيام لغير ما وقع فيه النزاع وإنما هو لينزلوه عن دابته لما كان فيه من المرض
كما جاء في بعض الروايات انتهى قال الحافظ قد وقع في مسند عائشة عند أحمد من طريق
علقمة بن وقاص عنها في قصة غزوة بني قريظة وقصة سعد بن معاذ ومجيئه مطولا وفيه قال أبو
سعيد فلما طلع قال النبي صلى الله عليه وسلم قوموا إلى سيدكم فأنزلوه وسنده حسن وهذه الزيادة تخدش في
الاستدلال بقصة سعد على مشروعية القيام المتنازع فيه انتهى
ومما تمسك به النووي حديث كعب بن مالك في قصة توبته وفيه فقام إلى طلحة بن
عبيد الله يهرول فصافحني وهنأني وأجاب عنه ابن الحاج بأن طلحة إنما قام لتهنئته ومصافحته
ولو كان قيامه محل النزاع لما انفرد به فلم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم قام له ولا أمر به ولا فعله أحد ممن
حضروا وإنما انفرد طلحة لقوة المودة بينهما على ما جرت به العادة أن التهنئة والبشارة ونحو ذلك
تكون على قدر المودة والخلطة بخلاف السلام فإنه مشروع على من عرفت ومن لم تعرف
ومما تمسك به النووي حديث عائشة قالت ما رأيت أحد كان أشبه سمتا ودلا وهديا
برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة كانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها فقبلها وأجلسها في
مجلسه وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبلته وأجلسته في مجلسها أخرجه أبو داود
والترمذي والنسائي وغيرهم وأجاب عنه ابن الحاج باحتمال أن يكون القيام لها لأجل إجلاسها في
مكانه إكراما لها لا على وجه القيام المنازع فيه ولا سيما ما عرف من ضيق بيوتهم وقلة الفرش
فيها فكانت إرادة إجلاسه لها في موضعه مستلزمة لقيامه
ومما تمسك به النووي ما أخرجه أبو داود عن عمرو بن الحارث أن عمر بن السائب حدثه
أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا يوما فأقبل أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد
عليه ثم أقبلت أمه فوضع لها شق ثوبه من جانبه الاخر فجلست عليه ثم أقبل أخوه من
الرضاعة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه بين يديه وأجاب عنه ابن الحاج بأن هذا القيام لو كان محل
النزاع لكان الوالدان أولى به من الأخ وإنما قام للأخ إما لأن يوسع له في الرداء أو في المجلس
قلت هذا الحديث معضل كما صرح به ابن المنذري في تلخيص السنن فلا يصلح
للاستدلال وتمسك النووي بروايات أخرى وأجاب عنها ابن الحاج بأنها ليست من محل
النزاع والأمر كما قال ابن الحاج وأجاب النووي عن أحاديث كراهة قيام الرجل للرجل بما لا
يشفي العليل ولا يروي الغليل كما بينه ابن الحاج مفصلا
26

قلت حديث أنس المذكور يدل على كراهة القيام المتنازع فيه وهو قيام الرجل للرجل
عند رؤيته وظاهر حديث عائشة يدل على جوازه وجواب ابن الحاج عن هذا الحديث غير
ظاهر واختلف في وجه الجمع بينهما فقيل حديث أنس محمول على كراهة التنزيه وقيل هو
محمول على القيام على طريق الاعظام وحديث عائشة على القيام على طريق البر والإكرام وقيل
غير ذلك أما قيام الرجل لإنزال المريض عن مركوبه أو القادم من سفر أو للتهنئة لمن حدثت له
نعمة أو لتوسع المجلس فهو جائز بالاتفاق نقل العيني في شرح البخاري عن أبي الوليد بن
رشد أن القيام على أربعة أوجه الأول محظور وهو أن يقع لمن يريد أن يقام إليه تكبرا وتعاظما
على القائمين إليه والثاني مكروه وهو أن يقع لمن لا يتكبر ولا يتعاظم على القائمين ولكن يخشى
أن يدخل نفسه بسبب ذلك ما يحذر ولما فيه من التشبه بالجبابرة والثالث جائز وهو أن يقع على
سبيل البر والإكرام لمن لا يريد ذلك ويؤمن معه التشبه بالجبابرة والرابع مندوب وهو أن يقوم لمن
قدم من سفر فرحا بقدومه ليسلم عليه أو إلى من تجددت له نعمة فيهنئه بحصولها أو مصيبة
فيعزيه بسببها انتهى وقال الغزالي القيام على سبيل الاعظام مكروه وعلى سبيل البر والإكرام لا
يكره قال الحافظ في الفتح هذا تفصيل حسن
باب ما جاء في تقليم الأظافر
قوله (خمس من الفطرة) قال في النهاية أي من السنة يعني سنن الأنبياء عليهم السلام
التي أمرنا أن نقتدي بهم وقال في مجمع البحار أي من السنة القديمة التي اختارها الأنبياء عليهم
السلام واتفقت عليها الشرائع فكأنها أمر جبلي فطروا عليه منها قص الشارب فسبحانه ما
أسحف عقول قوم طولوا الشارب وأحفوا اللحية عكس ما عليه فطرة جميع الأمم قد بدلوا
فطرتهم نعوذ بالله انتهى ويسوغ الابتداء بالنكرة أن قوله خمس صفة موصوف محذوف والتقدير
خصال خمس ثم فسرها أو على الإضافة أي خمس خصال ويجوز أن تكون الجملة خبر مبتدأ
محذوف والتقدير الذي شرع لكم خمس من الفطرة (الاستحداد) أي حلق العانة سمي
27

استحدادا لاستعمال الحديدة وهي الموسى وهو سنة والمراد به نظافة ذلك الموضع والأفضل فيه
الحلق ويجوز بالقص والنتف والنورة والمراد بالعانة الشعر فوق ذكر الرجل وحواليه وكذلك
الشعر الذي حول فرج المرأة ونقل عن أبي العباس بن سريج أنه الشعر النابت حول حلقة
الدبر فيحصل من مجموع هذا استحباب حلق جميع ما على القبل والدبر وحولها (والختان) بكسر
المعجمة وتخفيف المثناة مصدر ختن أي قطع والختن بفتح ثم سكون قطع بعض مخصوص عن
عضو مخصوص والختان اسم لفعل الخاتن والموضع الختان أيضا كما في حديث عائشة إذا التقى
الختانان والأول المراد به هنا قال المارودي ختان الذكر قطع الجلدة التي تغطي الحشفة
والمستحب أن يستوعب من أصلها عند أول الحشفة وأقل ما يجزئ أن لا يبقى منها ما يتغشى به
شئ من الحشفة وقال إمام الحرمين المستحق في الرجال قطع القلفة وهي الجلدة التي تغطي
الحشفة حتى لا يبقى من الجلدة شئ متدل وقال ابن الصباغ حتى تنكشف جميع الحشفة قال
الإمام والمستحق من ختان المرأة ما ينطلق عليه الاسم قال الماوردي ختانها قطع جلدة تكون
في أعلى فرجها فوق مدخل الذكر كالنواة أو كعرف الديك والواجب قطع الجلدة المستعلية منه دون
استئصاله وقد أخرج أبو داود من حديث أم عطية أن امرأة كانت تختن بالمدينة فقال لها
النبي صلى الله عليه وسلم لا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة وقال إنه ليس بالقوي قال الحافظ له شاهدان
من حديث أنس ومن حديث أم أيمن عند أبي الشيخ في كتاب العقيقة وآخر عن الضحاك بن
قيس عند البيهقي
واختلف في وقت الختان فذهب الجمهور إلى أن مدة الختان لا تختص بوقت معين وليس
بواجب في حالة الصغر واستدل لهم بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اختتن
إبراهيم خليل الرحمن بعد ما أتت عليه ثمانون سنة واختتن بالقدوم متفق عليه إلا أن مسلما لم
يذكر السنين وللشافعية وجه أنه يجب على الولي أن يختن الصغير قبل بلوغه ويرده ما رواه
البخاري عن سعيد بن جبير قال سئل ابن عباس مثل من أنت حين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنا
يومئذ مختون وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك ولهم أيضا وجه أنه يحرم قبل عشر سنين ويرده
حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ختن الحسن والحسين يوم السابع من ولادتهما أخرجه الحاكم والبيهقي من
حديث عائشة وأخرجه البيهقي من حديث جابر قال النووي بعد أن ذكر هذين الوجهين وإذا
قلنا بالصحيح استحب أن يختتن في اليوم السابع من ولادته وهل يحسب يوم الولادة من السبع أو
يكون سبعة سواء فيه وجهان أظهرهما يحسب انتهى وفي هذه المسألة أقوال أخرى ذكرها الحافظ
في الفتح
28

واختلف في أن الختان واجب أو سنة قال الحافظ في الفتح ذهب إلى وجوب الختان
الشافعي وجمهور أصحابه وقال به من القدماء عطاء حتى قال لو أسلم الكبير لم يتم إسلامه حتى
يختتن وعن أحمد وبعض المالكية يجب وعن أبي حنيفة واجب وليس بفرض وعنه سنة يأثم
بتركه وفي وجه للشافعية لا يجب في حق النساء وهو الذي أورده صاحب المغنى عن أحمد وذهب
أكثر العلماء وبعض الشافعية أنه ليس بواجب
واحتج القائلون بالوجوب بروايات لا يخلو واحدة منها عن مقال وقد ذكرها الشوكاني في
النيل مع الكلام عليها ثم قال والحق أنه لم يقم دليل صحيح يدل على الوجوب والمتيقن السنة كما
في حديث خمس من الفطرة والواجب الوقوف على المتيقن إلى أن يقوم ما يوجب الانتقال عنه
انتهى (وقص الشارب) أي قطع الشعر النابت على الشفة العليا من غير استئصال وسيأتي
الكلام في هذه المسألة مفصلا بعد باب (ونتف الإبط) بكسر الهمزة والموحدة وسكونها وهو
المشهور وصوبه الجواليقي وهو يذكر ويؤنث وتأبط الشئ وضعه الشئ تحت إبطه والمستحب
البداءة فيه باليمنى ويتأدي أصل السنة بالحلق ولا سيما من يؤلمه النتف وقد أخرج ابن أبي حاتم في
مناقب الشافعي عن يونس بن عبد الله الأعلى قال دخلت على الشافعي ورجل يحلق إبطه فقال إني
علمت أن السنة النتف ولكن لا أقوى على الوجع قال الغزالي هو في الابتداء موجع ولكن
يسهل على من اعتاده قال والحق كاف لأن المقصود النظافة وتعقب بأن الحكمة في نتفه أنه محل
للرائحة الكريهة وإنما ينشأ ذلك من الوسخ الذي يجتمع بالعرق فيه فيتلبد ويهيج فشرع فيه
النتف الذي يضعفه فتخف الرائحة به بخلاف الحلق فإنه يقوي الشعر ويهيجه فتكثر الرائحة
لذلك وقال ابن دقيق العيد من نظر إلى اللفظ وقف مع النتف ومن نظر إلى المعنى أجازه بكل
مزيل لكن بين أن النتف مقصود من جهة المعنى فذكر نحو ما تقدم قال وهو معنى ظاهر لا
يهمل فإن مورد النص إذا احتمل معنى مناسبا يحتمل أن يكون مقصودا في الحكم لا يترك
والذي يقوم مقام النتف في ذلك التنور لكنه يرق الجلد فقد يتأذى صاحبه به ولا سيما إن كان
جلده رقيقا وتستحب البداءة في إزالته باليد اليمنى ويزيل ما في اليمنى بأصابع اليسرى وكذا
اليسرى إن أمكن وإلا فباليمنى (وتقليم الأظفار) هو تفعيل من القلم وهو القطع والأظفار جمع
ظفر بضم الظاء والفاء وبسكونها والمراد إزالة ما يزيد على ما يلابس رأس الأصبع من الظفر
لأن الوسخ يجتمع فيه فيستقذر وقد ينتهي إلى حد يمنع من وصول الماء إلى ما يجب غسله في
الطهارة قال الحافظ لم يثبت في ترتيب الأصابع عند القص شئ من الأحاديث لكن جزم
النووي في شرح مسلم بأنه يستحب البداءة بمسبحة اليمنى ثم بالوسطى ثم البنصر ثم الخنصر ثم
29

الإبهام وفي اليسرى بالبداءة بخنصرها ثم بالبنصر إلى الابهام فيبدأ في الرجلين بخنصر اليمنى
إلى الابهام وفي اليسرى بإبهامها إلى الخنصر ولم يذكر للاستحباب مستندا انتهى كلام الحافظ
وقد بسط الكلام في هذا المقام بسطا حسنا
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن
ماجة
قوله (عن مصعب بن شيبة) بن جبير بن شيبة بن عثمان العبدري المكي الحجي لين
الحديث من الخامسة (عن طلق) بسكون اللام (بن حبيب) العنزي بصري صدوق عابد رمى
بالإرجاء من الثالثة
قوله (عشر من الفطرة) فإن قلت ما وجه التوفيق بين هذا وبين حديث أبي هريرة المتقدم
بلفظ خمس من الفطرة قلت قيل في وجه الجمع أنه صلى الله عليه وسلم كان أعلم أولا بالخمس ثم أعلم
بالزيادة وقيل الاختلاف في ذلك بحسب المقام فذكر في كل موضع اللائق بالمخاطبين وقيل ذكر
الخمس لا ينافي الزائد لأن الأعداد لا مفهوم لها (وإعفاء اللحية) هو أن يوفر شعرها ولا يقص
كالشوارب من عفا الشئ إذا كثر وزاد يقال أعفيته وعفيته كذا في النهاية وفي حديث ابن عمر
عند البخاري وفروا اللحى (والسواك) قال أهل اللغة السواك بكسر السين وهو يطلق على
الفعل وعلى العود الذي يتسوك به وهو مذكر وذكر صاحب الحكم أنه يؤنث ويذكر والسواك
فعلك بالمسواك ويقال ساك فمه يسوكه سوكا فإن قلت أستاك لم تذكر الفم وجمع السواك سوك
بضمتين ككتاب وكتب وذكر صاحب الحكم أنه يجوز سؤك بالهمزة قال النووي ثم قيل إن
السواك مأخوذ من ساك إذا دلك وقيل من جاءت الإبل تستاك أي تتمايل هزالا وهو في اصطلاح
العلماء استعمال عود أو نحوه في الأسنان ليذهب الصفرة أو غيرها عنها (والاستنشاق) قال في
المجمع استنشق أي أدخل الماء في أنفه بأن جذبه بريح أنفه واستنثر بمثناة فنون فمثلثة أي
أخرجه منه بريحه بإعانة يده أو بغيرها بعد إخراج الأذى لما فيه من تنقية مجرى النفس انتهى والمراد
هنا الاستنشاق مع الاستنثار وقال فيه الاستنشاق في حديث عشرة من الفطرة يحتمل حمله على
30

ما ورد فيه الشرع باستحبابه من الوضوء والاستيقاظ وعلى مطلقه وعلى حال الاحتياج باجتماع
الأوساخ في الأنف وكذا السواك يحتمل كلا منها انتهى (وقص الأظفار) أي تقليمها (وغسل
البراجم) هي بفتح الباء الموحدة وبالجيم جمع برجمة بضم الباء والجيم وهي عقد الأصابع
ومفاصلها كلها وغسلها سنة مستقلة ليست بواجبة قال العلماء ويلتحق بالبراجم ما يجتمع من
الوسخ في معاطف الأذن وقعر الصماخ فيزيله بالمسح لأنه ربما أضرت كثرته بالسمع وكذلك ما
يجتمع في داخل الأنف وكذلك جميع الوسخ المجتمع على أي موضع كان من البدن بالعرق والغبار
ونحوهما (وانتقاص الماء) بالقاف والصاد المهملة وقد ذكر الترمذي تفسيره بأنه الاستنجاء بالماء
وكذلك فسره وكيع في رواية مسلم وقيل معناه انتقاص البول بالماء باستعمال الماء في غسل المذاكير
وقطعه ليرتد البول بردع الماء ولو لم يغسل لنزل منه شئ فشئ فيعسر الاستبراء والاستنجاء بالماء
على الأول المستنجى به وعلى الثاني البول فالمصدر مضاف إلى المفعول وإن أريد به الماء المغسول
به فالإضافة إلى الفاعل أي وانتقاص الماء البول وانتقص لازم ومتعد واللزوم أكثر وقيل هو
تصحيف والصحيح وانتفاض بالفاء والضاد المعجمة والمهملة أيضا وهو الانتضاح بالماء على
الذكر وهذا أقرب لأن في كتاب أبي داود والانتضاح ولم يذكر انتقاص الماء كذا في المرقاة
(ونسيت العاشرة إلا أن تكون) أي العاشرة (المضمضة) قال النووي هذا شك منه قال
القاضي عياض ولعلها الختان المذكور مع الخمس وهو أولى انتهى
قوله (وفي الباب عن عمار بن ياسر وابن عمر) أما حديث عمار بن ياسر فأخرجه أحمد وأبو
داود وابن ماجة وأما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي
فإن قلت كيف حسن الترمذي هذا الحديث وفي سنده مصعب بن شيبة وهو لين
الحديث وكيف أخرجه مسلم في صحيحه قلت قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث
مصعب بن شيبة وثقه ابن معين والعجلي وغيرهما ولينه أحمد وأبو حاتم وغيرهما فحديثه حسن
وله شواهد في حديث أبي هريرة وغيره فالحكم بصحته من هذه الحيثية سائغ انتهى
31

باب ما جاء في التوقيت في تقليم الأظفار وأخذ الشارب
قوله (أخبرنا عبد الصمد) هو ابن عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي (أخبرنا
أبو عمران الجوني) اسمه عبد الملك بن حبيب الأزدي البصري
قوله (أنه وقت) أي بين وعين (لهم) أي لأجلهم (في كل أربعين ليلة) فلا يجوز التأخير في
هذه الأشياء عن هذه المدة
قوله (حدثنا جعفر بن سليمان) هو الضبعة
قوله (وقت لنا) بصيغة المجهول من التوقيت قال النووي هو من الأحاديث المرفوعة
مثل قوله أمرنا بكذا وقد تقدم بيان هذا في الفصول المذكورة في أول الكتاب انتهى وقد صرح
في الرواية المتقدمة من حديث الباب بأن المؤقت هو النبي صلى الله عليه وسلم (أن لا تترك أكثر من أربعين يوما)
قال النووي معناه لا تترك تركا تتجاوز به أربعين لا أنه وقت لهم الترك أربعين قال والمختار أنه
يضبط بالحاجة والطول فإذا طال حلق انتهى قال الشوكاني بل المختار أنه يضبط بالأربعين
التي ضبط بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز تجاوزها ولا بعد مخالفا للسنة من ترك القص ونحوه بعد
الطول إلى انتهاء تلك الغاية انتهى
فائدة قال الحافظ لم يثبت في استحباب قص الظفر يوم الخميس حديث وقد أخرجه
جعفر المستغفري بسند مجهول ورويناه في مسلسلات التميمي من طريقه وأقرب ما وقفت عليه
في ذلك ما أخرجه البيهقي من مرسل أبي جعفر الباقر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب أن يأخذ
من أظفاره وشاربه يوم الجمعة وله شاهد موصول عند أبي هريرة لكن سنده ضعيف أخرجه
32

البيهقي أيضا في الشعب وسئل أحمد عنه فقال يسن في يوم الجمعة قبل الزوال وعنه يوم
الخميس وعنه يتخير وهذا هو المعتمد أنه يستحب كيف ما احتاج إليه انتهى كلام الحافظ
بلفظه
قلت حديث أبي هريرة الذي رواه البيهقي في الشعب ذكره السيوطي في الجامع الصغير
بلفظ كان يقلم أظافيره ويقص شاربه يوم الجمعة قبل أن يروح إلى الصلاة قال المناوي هذا
حديث منكر
فائدة أخرى قال الحافظ في سؤالات ههنا عن أحمد قلت له يأخذ من شعره وأظفاره
أيدفنه أم يلقيه قال يدفنه قلت بلغك فيه شئ قال كان ابن عمر يدفنه وروي أن
النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن الشعر والأظفار وقال لا يتلعب به سحرة بني ادم قال الحافظ وهذا
الحديث أخرجه البيهقي من حديث وائل بن حجر نحوه وقد استحب أصحابنا دفنها لكونها
أجزاء من الادمي قال وللترمذي الحكيم من حديث عبد الله بن بشر رفعه قصوا أظافركم
وادفنوا أقلامكم ونقوا براجمكم وفي سنده راو مجهول
قوله (هذا أصح من الحديث الأول) أي حديث جعفر بن سليمان عن أبي عمران أصح
من حديث صدقة عن أبي عمران وحديث صدقة بن موسى عن ابن عمران أخرجه أحمد وأبو
داود والنسائي وحديث جعفر بن سليمان عنه أخرجه مسلم وابن ماجة قال القاضي عياض
قال العقيلي في حديث جعفر هذا نظر قال وقال أبو عمر يعني ابن عبد البر لم يروه إلا جعفر بن
سليمان وليس بحجة لسوء حفظه وكثرة غلطه قال النووي قد وثق كثير من الأئمة المتقدمين
جعفر بن سليمان ويكفي في توثيقه احتجاج مسلم به وقد تابع غيره انتهى وقال الحافظ في
الفتح بعد نقل كلام العقيلي وابن عبد البر ما لفظه وتعقب بأن أبا داود والترمذي أخرجاه من
رواية صدقة بن موسى عن أبي عمران وصدقة بن موسى وإن كان فيه مقال لكن تبين أن جعفر لم
ينفرد به وقد أخرج ابن ماجة نحوه من طريق علي بن زيد بن جدعان عن أنس وفي علي أيضا
ضعف وأخرجه ابن عدي من وجه ثالث من جهة عبد الله بن عمران شيخ مصري عن ثابت عن
أنس لكن أتى فيه بألفاظ مستغربة قال أن يحلق الرجل عانته كل أربعين يوما وأن ينتف إبطه
كلما يطلع ولا يدع شاربيه يطولان وأن يقلم أظفاره من الجمعة إلى الجمعة وعبد الله والراوي
عنه مجهولان انتهى
33

باب ما جاء في قص الشارب
قوله (أخبرنا يحيى بن ادم) أبو زكريا الكوفي (عن إسرائيل) هو ابن يونس الكوفي (عن
سماك) هو ابن حرب
قوله (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقص أو يأخذ من شاربه) شك من الراوي (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم
(وكان خليل الرحمن إبراهيم يفعله) أي القص أو الأخذ أيضا قال الطيبي يعني كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع سنة أبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما ينبئ عنه قوله تعالى وإذا ابتلى
إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قيل الكلمات خمس في الرأس والفرق وقص الشارب والسواك
وغير ذلك انتهى
قوله (هذا حديث حسن غريب) ذكر الحافظ هذا الحديث في الفتح ونقل تحسين الترمذي
وأقره
قوله (أخبرنا عبيدة) بفتح أوله (بن حميد) الكوفي المعروف بالحذاء (عن يوسف بن
صهيب) الكندي الكوفي ثقة من السادسة (عن حبيب بن يسار) الكندي الكوفي ثقة من الثالثة
كذا في التقريب وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى عن زيد بن أرقم وغيره وعنه
يوسف بن صهيب وغيره أخرج له الترمذي والنسائي حديثا واحدا في أخذ الشارب وصححه
الترمذي انتهى (عن زيد بن أرقم) بن زيد بن قيس الأنصاري الخزرجي صحابي مشهور أول
مشاهده الخندق وأنزل الله تصديقه في سورة المنافقين
قوله (من لم يأخذ من شاربه فليس منا) أي فليس من العاملين بسنتنا وهذان الحديثان
34

يدلان على جواز قص الشارب واختلف الناس في حد ما يقص منه وقد ذهب كثير من السلف
إلى استئصاله وحلقه لظاهر قوله أحفوا وانهكوا وهو قول الكوفيين وذهب كثير منهم إلى منع
الحلق والاستئصال وإليه ذهب مالك وكان يرى تأديب من حلقه وروى عنه ابن القاسم أنه
قال إحفاء الشارب مثلة قال النووي المختار أنه يقص حتى يبدو طرف الشفة ولا يحفيه من
أصله قال وأما رواية احفوا الشوارب فمعناها احفوا ما طال عن الشفتين وكذلك قال مالك
في الموطأ يؤخذ من الشارب حتى يبدو أطراف الشفة قال ابن القيم وأما أبو حنيفة وزفر وأبو
يوسف ومحمد فكان مذهبهم في شعر الرأس والشوارب أن الاحفاء أفضل من التقصير وذكر
بعض المالكية عن الشافعي أن مذهبه كمذهب أبي حنيفة في حلق الشارب قال الطحاوي ولم
أجد عن الشافعي شيئا منصوصا في هذا وأصحابه الذين رأيناهم المزني والربيع كانا يحفيان
شواربهما ويدل ذلك أنهما أخذاه عن الشافعي وروى الأثرم عن الإمام أحمد أنه كان يحفي شاربه
إحفاءا شديدا وسمعته يسأل عن السنة في إحفاء الشارب فقال يحفى وقال حنبل قيل لأبي
عبد الله ترى للرجل يأخذ شاربه ويحفيه أم كيف يأخذه قال إن أحفاه فلا بأس وإن أخذه
قصا فلا بأس وقال أبو محمد في المغنى هو مخير بين أن يحفيه وبين أن يقصه وقد روى النووي
في شرح مسلم عن بعض العلماء أنه ذهب إلى التخيير بين الأمرين الاحفاء وعدمه وروى
الطحاوي الاحفاء عن جماعة من الصحابة أبي سعيد وأبي أسيد ورافع بن خديج وسهل بن سعد
وعبد الله بن عمر وجابر وأبي هريرة قال ابن القيم واحتج من لم ير إحفاء الشوارب بحديث
عائشة وأبي هريرة المرفوعين عشر من الفطرة فذكر منها قص الشارب وفي حديث أبي هريرة
أن الفطرة خمس وذكر منها قص الشارب واحتج المحفون بأحاديث الأمر بالإحفاء وهي صحيحة
وبحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحفي شاربه انتهى قال الشوكاني والإحفاء ليس
كما ذكره النووي من أن معناه احفوا ما طال عن الشفتين بل الاحفاء الاستئصال كما في الصحاح
والقاموس والكشاف وسائر كتب اللغة قال ورواية القص لا تنافيه لأن القص قد يكون على جهة
الاحفاء وقد لا يكون ورواية الاحفاء معينة للمراد وكذلك حديث من لم يأخذ من شاربه فليس
منا لا يعارض رواية الاحفاء لأن فيها زيادة يتعين المصير إليها ولو فرض التعارض من كل وجه
لكانت رواية الاحفاء أرجح لأنها في الصحيحين وروى الطحاوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من
شارب المغيرة على سواكه قال وهذا لا يكون معه إحفاء ويجاب عنه بأنه محتمل ودعوى أنه لا
يكون معه إحفاء ممنوعة وهو إن صح كما ذكره لا يعارض تلك الأقوال منه صلى الله عليه وسلم انتهى وذهب
الطبري إلى التخيير بين الاحفاء والقص وقال دلت السنة على الأمرين ولا تعارض فإن القص
35

يدل على أخذ البعض والإحفاء يدل على أخذ الكل وكلاهما ثابت فيتخير فيما شاء انتهى قال
الحافظ ويرجح قول الطبري ثبوت الأمرين معا في الأحاديث المرفوعة
قلت ما ذهب إليه الطبري هو الظاهر وأما قول الشوكاني ودعوى أنه لا يكون معه إحفاء
ممنوعة الخ ففيه أن الظاهر هو ما قال الطحاوي من أن هذا لا يكون معه إحفاء قال الحافظ
بعد نقل حديث المغيرة بن شعبة عن سنن أبي داود بلفظ ضفت النبي صلى الله عليه وسلم وكان شاربي وفي فقصه
على سواك ما لفظه واختلف في المراد بقوله على سواك فالراجح أنه وضع سواكا عند الشفة تحت
الشعر وأخذ الشعر بالمقص قيل المعنى قصه على أثر سواك أي بعد ما تسوك ويؤيد الأول ما
أخرجه البيهقي في هذا الحديث قال فيه فوضع السواك تحت الشارب وقص عليه وأخرج البزار
من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر رجلا وشاربه طويل فقال ائتوني بمقص وسواك فجعل
السواك على طرفه ثم أخذ ما جاوزه
قوله (وفي الباب عن المغيرة بن شعبة) أخرجه أبو داود والبيهقي والطحاوي
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي والضياء 51
باب ما جاء في الأخذ من اللحية
قوله (حدثنا عمر بن هارون) بن يزيد الثقفي مولاهم البلخي متروك وكان حافظا
من كبار التاسعة
قوله (كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها) بدل بإعادة العامل قال الطيبي هذا لا
ينافي قوله صلى الله عليه وسلم اعفوا اللحى لأن المنهي هو قصها كفعل الأعاجم أو جعلها كذنب الحمام
36

والمراد بالإعفاء التوفير منها كما في الرواية الأخرى والأخذ من الأطراف قليلا لا يكون من القص في
شئ انتهى
قلت كلام الطيبي هذا حسن إلا أن حديث عمرو بن شعيب هذا ضعيف جدا
قوله (هذا حديث غريب) وهو حديث ضعيف لأن مداره على عمر بن هارون وهو
متروك كما عرفت قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث أخرجه الترمذي ونقل عن البخاري
أنه قال في رواية عمر بن هارون لا أعلم له حديثا منكرا إلا هذا
قوله (ورأيته) هذا قول الترمذي والضمير المنصوب لمحمد بن إسماعيل البخاري (وكان
صاحب حديث) وقع في بعض النسخ كان صاحب حديث بغير الواو وهو الظاهر (أن النبي صلى الله عليه وسلم
نصب المنجنيق) بفتح ميم وجيم وسكون نون بينهما ما يرمي به الحجارة قاله في المجمع وقال
في القاموس المنجنيق بكسر الميم آلة ترمى بها الحجارة كالمنجنوق معربة وقد تذكر فارسيتها
من جه نيك أي أنا ما أجودني جمعه منجنيقات ومجانق ومجانيق انتهى (من هذا) أي من هذا
الرجل الذي تروي حديث المنجنيق عنه (قال) أي وكيع (صاحبكم عمر بن هارون) أي المذكور
في سند حديث الباب
فإن قلت ما وجه ذكر الترمذي في هذا المقام حديث المنجنيق قلت لعل وجه ذكره ههنا
أن يتبين أن الرجل المذكور في حديث المنجنيق هو عمر بن هارون المذكور في سند حديث الباب
أو وجه ذكره أن يتبين أن وكيعا مع جلالة قدره قد روى عن عمر بن هارون حديث المنجنيق
والله تعالى أعلم
تنبيه روى أبو داود في المراسيل عن ثور عن مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب على أهل
الطائف المنجنيق ورواه الترمذي فلم يذكر مكحولا ذكره معضلا عن ثور وروى أبو داود من
37

مرسل يحيى بن أبي كثير قال حاصرهم رسول الله شهرا قال الأوزاعي فقلت ليحيى أبلغك
أنه رماهم بالمجانيق فأنكر ذلك وقال ما نعرف ما هذا انتهى كذا في التلخيص
باب ما جاء في إعفاء اللحية
قوله (احفوا الشوارب) بالحاء المهملة والفاء ثلاثيا ورباعيا من الاحفاء أو الحفو والمراد
الإزالة قاله الحافظ قلت أراد بقوله ثلاثيا ورباعيا ثلاثيا مجردا وثلاثيا مزيدا فيه والشوارب
جمع الشارب والمراد به الشعر الثابت على الشفة العليا وقد تقدم بيان هذه المسألة مبسوطا في باب
قص الشارب (واعفوا اللحى) من الاعفاء وهو الترك وقد حصل من مجموع الأحاديث خمس
روايات اعفوا وأوفوا وأرخوا وأرجوا ووفروا ومعناها كلها تركها على حالها قال ابن السكيت
وغيره يقال في جمع اللحية لحى ولحى بكسر اللام وضمها لغتان والكسر أفصح قال الحافظ
قال الطبري ذهب قوم إلى ظاهر الحديث فكرهوا تناول شئ من اللحية من طولها ومن عرضها
وقال قوم إذا زاد على القبضة يؤخذ الزائد ثم ساق بسنده إلى ابن عمر
أنه فعل ذلك وإلى عمر أنه فعل ذلك برجل ومن طريق أبي هريرة أنه فعله وأخرج أبو داود من حديث جابر بسند
حسن قال كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة وقوله نعفي بضم أوله وتشديد الفاء أي نتركه
وافرا وهذا يؤيد ما نقل عن ابن عمر فإن السبال بكسر المهملة وتخفيف الموحدة جمع سبلة
بفتحتين وهي ما طال من شعر اللحية فأشار جابر إلى أنهم يقصرون منها في النسك ثم حكى
الطبري اختلافا فيما يؤخذ من اللحية هل له حد أم لا فأسند عن جماعة الاقتصار على أخذ الذي
يزيد منها على قدر الكف وعن الحسن البصري أنه يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش وعن
عطاء نحوه قال وحمل هؤلاء النهي على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصها وتخفيفها قال
وكره آخرون التعرض لها إلا في حج أو عمرة وأسنده عن جماعة واختار قول عطاء وقال إن
الرجل لو ترك لحيته لا يتعرض لها حتى أفحش طولها وعرضها لعرض نفسه لمن يسخر به
واستدل بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها
وطولها انتهى ثم تكلم الحافظ على هذا الحديث وقد تقدم كلامه في الباب المتقدم ثم قال وقال
38

عياض يكره حلق اللحية وقصها وتحذيفها وأما الأخذ من طولها وعرضها إذا عظمت فحسن
بل تكره الشهرة في تعظيمها كما يكره في تقصيرها كذا قال وتعقبه النووي بأنه خلاف ظاهر الخبر
في الأمر بتوفيرها قال والمختار تركها على حالها وأن لا يتعرض لها بتقصير ولا غيره وكان مراده
بذلك في غير النسك لأن الشافعي نص على استحبابه فيه
قلت لو ثبت حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده المذكور في الباب المتقدم لكان
قول الحسن البصري وعطاء أحسن الأقوال وأعدلها لكنه حديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج
به وأما قول من قال إنه إذا زاد على القبضة يؤخذ للزائد واستدل بآثار ابن عمر وعمر وأبي
هريرة رضي الله عنهم فهو ضعيف لأن أحاديث الاعفاء المرفوعة الصحيحة تنفي هذه الآثار
فهذه الآثار لا تصلح للاستدلال بها مع وجود هذه الأحاديث المرفوعة الصحيحة فأسلم الأقوال
هو قول من قال بظاهر أحاديث الاعفاء وكره أن يؤخذ شئ من طول اللحية وعرضها والله تعالى
أعلم
اعلم أن أثر ابن عمر الذي أشار إليه الطبري أخرجه البخاري في صحيحه بلفظ وكان
ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه قال الحافظ هو موصول بالسند
المذكور إلى نافع وقد أخرجه مالك في الموطأ عن نافع بلفظ كان ابن عمر إذا حلق رأسه في حج أو
عمرة أخذ من لحيته وشاربه وفي حديث الباب مقدار المأخوذ قال الكرماني لعل ابن عمر أراد
الجمع بين الحلق والتقصير في النسك فحلق رأسه كله وقصر من لحيته ليدخل في عموم قوله
تعالى محلقين رؤوسكم ومقصرين وخص ذلك من عموم قوله ووفروا اللحي فجعله على
حالة غير حالة النسك قال الحافظ الذي يظهر أن ابن عمر كان لا يخص هذا التخصيص
بالنسك بل كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة التي تتشوه فيها الصورة بإفراط طول شعر
اللحية أو عرضه انتهى وقال في الدراية قوله إن المسنون في اللحية أن تكون قدر القبضة روى
أبو داود والنسائي من طريق مروان بن سالم رأيت ابن عمر يقبض على لحيته ليقطع ما زاد على
الكف وأخرجه ابن أبي شيبة وابن سعد ومحمد بن الحسن وروى ابن أبي شيبة عن أبي هريرة
نحوه وهذا من فعل هذين الصحابيين يعارضه حديث أبي هريرة مرفوعا احفوا الشوارب
واعفوا اللحى أخرجه مسلم وفي الصحيحين عن ابن عمر مرفوعا خذوا الشوارب واعفوا
اللحى ويمكن الجمع بحمل النهي على الاستئصال أو ما قاربه بخلاف الأخذ المذكور
ولا سيما أن الذي فعل ذلك هو الذي رواه انتهى
قلت في هذا الجمع نظر كما لا يخفى
39

قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (عن أبي بكر بن نافع) العدوي مولى ابن عمر مدني صدوق يقال اسمه عمر من
كبار السابعة وروايته عن صفية بنت أبي عبيد مرسلة
قوله (أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى) قال الخطابي إحفاء الشارب أن يؤخذ منه
حتى يحفى ويرق وقد يكون أيضا معناه الاستقصاء في أخذه من قولك أحفيت في المسألة إذا
استقصيت فيها وإعفاء اللحية توفيرها من قولك عفى البث إذا طال ويقال عفى الشئ بمعنى
كثر قال الله تعالى حتى عفوا أي كثروا
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي
قوله (وعمر بن نافع ثقة) قال في التقريب عمر بن نافع العدوي مولى ابن عمر ثقة من
السادسة مات في خلافة المنصور (وعبد الله بن نافع مولى ابن عمر يضعف) قال في التقريب
عبد الله بن نافع مولى ابن عمر المدني ضعيف من السابعة
باب ما جاء في وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا
قوله (عن عباد بن تميم) بن غزية الأنصاري المازني (عن عمه) هو عبد الله بن زيد بن
عاصم بن كعب الأنصاري المازني أبو محمد صحابي شهير روى صفة
الوضوء وغير ذلك ويقال
إنه هو الذي قتل مسيلمة الكذاب واستشهد بالحرة سنة ثلاثة وستين
قوله (مستلقيا في المسجد) أي حال كونه مضطجعا على ظهره والاستلقاء هو
40

الاضطجاع على القفا سواء كان معه نوم أم لا (واضعا إحدى رجليه على الأخرى) حال
متداخلة أو مترادفة والحديث دليل على جواز استلقاء الرجل واضعا إحدى رجليه على الأخرى
فإن قلت ما وجه الجمع بين هذا الحديث وبين حديث جابر الآتي في النهي عن أن يرفع
الرجل إحدى رجليه على الأخرى وهو مستلق على ظهره
قلت وجه الجمع بينهما أن وضع إحدى الرجلين على الأخرى يكون على نوعين أن تكون
رجلاه ممدودتين إحداهما فوق الأخرى ولا بأس بهذا فإنه لا ينكشف من العورة بهذه الهيئة وأن
يكون ناصبا ساق إحدى الرجلين ويضع الرجل الأخرى على الركبة المنصوبة وعلى هذا فإن لم
يكن انكشاف العورة بأن يكون عليه سراويل أو يكون إزاره أو ذيله طويلين جاز وإلا فلا
وقال الخطابي فيه أن النهي الوارد عن ذلك منسوخ أو يحمل النهي حيث يخشى أن تبدو
العورة والجواز حيث يؤمن ذلك قال الحافظ الثاني أولى من ادعاء النسخ لأنه لا يثبت
بالاحتمال وممن جزم به البيهقي والبغوي وغيرهما من المحدثين وجزم ابن بطال ومن تبعه بأنه
منسوخ انتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي
باب ما في الكراهية في ذلك
(عن أبي الزبير) هو المكي
قوله (نهى عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد) تقدم تفسير اشتمال الصماء
41

والاحتباء في كتاب اللباس (وأن يرفع الرجل إحدى رجليه على الأخرى وهو مستلق على ظهره)
قد تقدم الجمع في الباب السابق بين هذا الحديث وحديث عبد الله بن زيد بن عاصم الذي يدل
على الجواز
قوله (ولا نعرف خداشا هذا من هو) هو ابن عياش قال الحافظ في تهذيب التهذيب
خداش بن عياش العبدي البصري روى عن أبي الزبير وعنه سليمان التيمي ومحمد بن ثابت
العبدي ذكره ابن حبان في الثقات وقال الترمذي لا نعرف خداشا هذا من هو وقد روى عنه
سليمان التيمي غير حديث انتهى وقال في التقريب في ترجمته لين الحديث
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم 55
باب ما جاء في كراهية الاضطجاع على البطن
قوله (أخبرنا عبدة بن سليمان) الكلابي الكوفي (وعبد الرحيم) بن سليمان أبو علي الأشل
(عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم له على ما هو الظاهر أو
لغيره إعراضا عنه واعتراضا عليه (إن هذه) أي هذا الاضطجاع وتأنيثه لتأنيث خبره وهو قول
(ضجعة) وهي بكسر أوله للنوع (لا يحبها الله) وفي حديث أبي ذر عند ابن ماجة إنما هي ضجعة
أهل النار
قوله (وفي الباب عن طهفة وابن عمر) أما حديث طهفة وهو بكسر الطاء المهملة وسكون
42

الهاء وبالفاء فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وأما حديث ابن عمر فلينظر من أخرجه
(وروى يحيى بن أبي كثير هذا الحديث عن أبي سلمة عن يعيش بن طهفة عن أبيه) أخرجه أبو
داود إلا أن فيه عن يعيش بن طخفة بالخاء المعجمة مكان الهاء (ويقال طخفة) أي بالخاء المعجمة
(والصحيح طهفة) يعني بالهاء (ويقال طغفة) يعني بالغين المعجمة (وقال بعض الحفاظ الصحيح
طخفة) يعني بالخاء المعجمة
قال المنذري في تلخيص السنن بعد ذكر حديث أبي داود الذي أشار إليه الترمذي ما لفظه
وأخرجه النسائي وابن ماجة وليس في حديث أبي داود عن أبيه ووقع عند النسائي عن قيس بن
طهفة قال حدثني أبي وعند ابن ماجة عن قيس بن طهفة مختصرا فيه اختلاف كثير جدا
وقال أبو عمر النمري اختلف فيه اختلاف كثيرا واضطرب فيه اضطرابا شديدا فقيل
طهفة بالهاء وقيل طخفة بالخاء وقيل طغفة بالغين وقيل طقفة بالقاف وقيل قيس بن طخفة
وقيل يعيش بن طخفة وقيل عبد الله بن طخفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديثهم كلهم واحد قال كنت
نائما في الصفة فركضني رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله وقال هذه نومة يبغضها الله وكان من أهل
الصفة ومن أهل العلم من يقول إن الصحبة لأبيه عبد الله وأنه صاحب القصة هذا آخر كلامه
وذكر البخاري فيه اختلافا كثيرا وقال طغفة خطأ وذكر أنه روى عن يعيش بن طخفة
عن قيس الغفاري قال كان أبي وقال لا يصح قيس فيه وذكر أنه روى عن أبي هريرة قال ولا
يصح أبو هريرة انتهى كلام المنذري
وقال في التقريب طخفة بكسر أوله وسكون الخاء المعجمة ثم فاء ويقال بالهاء ويقال
بالغين المعجمة ابن قيس الغفاري صحابي له حديث في النوم على البطن
مات بعد الستين 56
باب ما جاء في حفظ العورة
قوله (عوراتنا ما نأتي منها وما نذر) العورات جمع عورة وهي كل ما يستحيي منه إذا ظهر
43

وهي من الرجل ما بين السرة والركبة ومن المرأة الحرة جميع جسدها إلا الوجه واليدين إلى
الكوعين وفي إخمصها خلاف ومن الأمة كالرجل وما يبدو في حال الخدمة كالرأس والركبة
والساعد فليس بعورة وستر العورة في الصلاة وغير الصلاة واجب وفيه عند الخلوة خلاف قاله
الجزري في النهاية ومعنى قوله نذر أي نترك وأمات العرب ماضي يذر ويدع إلا ما جاء في
قراءة شاذة في قوله تعالى ما ودعك بالتخفيف قاله العيني والمعنى أي عورة نسترها وأي
عورة نترك سترها (احفظ) أي استر وصن (عورتك) ما بين سرتك وركبتك (إلا من زوجتك
أو ما) أي والأمة التي (ملكت يمينك) وحل لك وطؤها وعبر باليمين لأنهم كانوا يتصافحون بها عند
العقود (فقال) أي جد بهز (الرجل يكون مع الرجل) وفي الرواية الآتية بعد عدة أبواب قال قلت
يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض أي مختلطون فيما بينهم مجتمعون في موضع واحد ولا
يقومون من موضعهم فلا نقدر على ستر العورة وعلى الحجاب منهم على الوجه الأتم والكمال في
بعض الأحيان لضيق الإزار أو لانحلاله لبعض الضرورة فكيف نصنع بستر العورة وكيف
نحجب منهم (قال إن استطعت أن لا يراها أحد فافعل) كذا في هذه الرواية وفي الرواية الآتية
قال إن استطعت أن لا يراها أحد فلا ترينها (قلت فالرجل يكون خاليا) أي في خلوة فما حكمة
الستر حينئذ (فالله أحق أن يستحا منه) بصيغة المجهول أي فاستر طاعة له وطلبا لما يحبه منك
ويرضيه وليس المراد فاستر منه إذ لا يمكن الاستتار منه تعالى قاله السندي قال الحافظ مفهوم
قوله إلا من زوجتك يدل على أنه يجوز لها النظر إلى ذلك منه وقياسه أنه يجوز له النظر ويدل
أيضا على أنه لا يجوز النظر لغير من استثنى ومنه الرجل للرجل والمرأة للمرأة وفيه حديث في
صحيح مسلم (يعني به حديث أبي سعيد الآتي في باب كراهية مباشرة الرجل للرجل والمرأة
للمرأة) ثم إن ظاهر حديث بهز يدل على أن التعري في الخلوة غير جائز مطلقا لكن استدل
المصنف يعني البخاري على جوازه في الغسل بقصة موسى وأيوب عليهما السلام ووجه الدلالة
منه على ما قال ابن بطال أنهما مما أمرنا بالاقتداء به وهذا إنما يأتي على رأي من يقول شرع من قبلنا
شرع لنا والذي يظهر أن وجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم قص القصتين ولم يتعقب شيئا منهما فدل
على موافقتهما لشرعنا وإلا فلو كان فيهما شئ غير موافق لبينه فعلى هذا فيجمع بين الحديثين
44

بحمل حديث بهز بن حكيم على الأفضل وإليه أشار يعني البخاري في الترجمة أي بقوله باب
من اغتسل عريانا وحده في خلوة ومن تستر والتستر أفضل
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أبو داود في الحمام والنسائي في عشرة النساء وابن ماجة
في النكاح وصححه الحاكم وذكره البخاري في صحيحه تعليقا 57
باب ما جاء في الاتكاء
قوله (متكئا) حال من مفعول رأيت (على وسادة) متعلق بمتكأ (على يساره) أي كائنة على
جانب يساره أو متعلق بمتكئا بعد تقيده بالظرف الأول وهو لبيان الواقع لا للتقييد فيجوز
الاتكاء على الوسادة يمينا ويسارا
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الترمذي في شمائله بهذا الطريق وبزيادة على
يساره وقد تفرد بها إسحاق بن منصور ولذا حكم عليه بأنه غريب
قوله (متكئا على وسادة) قال الخطابي كل معتمد على شئ متمكن منه فهو متكئ
قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه الدارمي وصححه أبو عوانة وابن حبان
45

باب
قوله (عن أوس بن ضمعج) بفتح المعجمة وسكون الميم بعدها مهملة مفتوحة ثم جيم
بوزن جعفر
قوله (لا يؤم) بصيغة المجهول (الرجل في سلطانه) أي في موضع يملكه أو يتسلط عليه
بالتصرف كصاحب المجلس وإمام المسجد فإنه أحق من غيره وإن كان أقرأ أو أعلم بالسنة منه
فإن شاء تقدم وإن شاء يقدم غيره ولو مفضولا (ولا يجلس) بالبناء المفعول (على تكرمته)
التكرمة الموضع الخاص لجلوس الرجل من فراش أو سرير مما يعده كرامة وهي تفعلة من الكرامة
(إلا بإذنه) متعلق بالجميع وقد تقدم الكلام في هذه المسألة في باب من زار قوما فلا يصل بهم
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه مسلم 59
باب ما جاء أن الرجل أحق بصدر دابته
قوله (بريدة) بدل من أبي
قوله (وتأخر الرجل) أي وأراد أن يركب خلفه متأخرا عنه أو تأخر الرجل عن حماره أدبا
عن أن يركب معه فيكون كناية عن التخلية (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا) أي لا أركب وحدي أو في
الصدر (أنت أحق بصدر دابتك) صدرها من ظهرها ما يلي عنقها قال الطيبي لا ههنا حذف
46

فعله وأنت أحق تعليل له أي لا أركب وأنت تأخرت لأنك أحق بصدر دابتك (إلا أن تجعله) أي
الصدر (لي) أي صريحا (فركب) أي على صدرها فيه بيان إنصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواضعه
وإظهار الحق المر حيث رضي أن يركب خلفه ولم يعتمد على غالب رضا
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود وسكت عنه ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره 60
باب ما جاء في الرخصة في اتخاذ الأنماط
قوله (هل لكم أنماط) وفي رواية مسلم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوجت اتخذت أنماطا
قال النووي الأنماط بفتح الهمزة جمع نمط بفتح النون والميم وهو ظهارة الفراش وقيل ظهر
الفراش ويطلق أيضا على بساط لطيف له خمل يجعل على الهودج وقد يجعل سترا ومنه حديث
عائشة الذي ذكره مسلم بعد هذا في باب الصور قالت فأخذت نمطا فسترته على الباب والمراد
في حديث جابر هو النوع الأول وقال الحافظ في الفتح النمط بساط له خمل رقيق (وأنى تكون لنا
أنماط) بالتاء الفوقية وفي بعض النسخ التحتية (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما) بالتخفيف للتنبيه
(إنها) الضمير للقصة (ستكون) تامة قال النووي فيه جواز اتخاذ الأنماط إذ لم تكن من حرير
وفيه معجزة ظاهرة بإخباره بها وكانت كما أخبر قال الحافظ وفي استدلالها على جواز اتخاذ الأنماط
بإخباره صلى الله عليه وسلم بأنها ستكون نظر لأن الاخبار بأن الشئ سيكون لا يقتضي إباحته إلا إن استدل
المستدل به على التقرير فيقول أخبر الشارع بأنه سيكون ولم ينه عنه فكأنه أقره
47

قوله (هذا حديث صحيح حسن) وفي بعض النسخ هذا حديث حسن غريب والحديث
أخرجه أيضا البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي 61
باب ما جاء في ركوب ثلاثة على دابة
قوله (أخبرنا النضر بن محمد) بن موسى الجرشي بالجيم المضمومة والشين المعجمة أبو
محمد اليمامي مولى بني أمية ثقة له أفراد من التاسعة (عن أبيه) أي سلمة بن الأكوع
قوله (لقد قدت) من القود وهو نقيض السوق فهو من أمام وذاك من خلف كالقيادة كذا
في القاموس وقال في الصراح قود كشيدن ستور وجزآن من باب نصر ينصر (بنبي الله صلى الله عليه وسلم
والحسن والحسين على بغلته الشهباء) الشهبة في الألوان البياض الغالب على السواد (هذا قدامه)
أي قدام النبي صلى الله عليه وسلم
قوله (وفي الباب عن ابن عباس وعبد الله بن جعفر) أما حديث ابن عباس فأخرجه
البخاري عنه قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة استقبلته أغيلمة بني عبد المطلب فجعل واحدا بين
يديه واخر خلفه وأما حديث عبد الله بن جعفر فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي قال كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تلقى بنا فيلقى بي أو بالحسن أو بالحسين فجعل أحدنا بين يديه
والاخر خلفه حتى دخلنا المدينة
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه مسلم
(تنبيه) اعلم أنه قد وردت أحاديث تدل على المنع عن ركوب الثلاثة على الدابة الواحدة
والجمع بين هذه الأحاديث المختلفة أن الجواز إذا كانت الدابة مطيقة والمنع إذا كانت عاجزة غير
48

مطيقة قال الحافظ في الفتح أخرج الطبراني في الأوسط عن جابر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركب
ثلاثة على دابة وسنده ضعيف وأخرج الطبري عن أبي سعيد لا يركب الدابة فوق اثنين وفي
سنده لين وأخرج ابن أبي شيبة من مرسل زاذان أنه رأى ثلاثة على بغل فقال لينزل أحدكم
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الثالث ومن طريق
الشعبي قوله مثله ومن حديث المهاجر بن قنفذ أنه لعن فاعل ذلك وقال إنا قد نهينا أن يركب
الثلاثة على الدابة وسنده ضعيف وأخرج الطبري عن علي قال إذا رأيتم ثلاثة على دابة
فارجموهم حتى ينزل أحدهم وعكسه ما أخرجه الطبري أيضا بسند جيد عن ابن مسعود قال
كان يوم بدر ثلاثة على بعير وأخرج الطبراني وابن أبي شيبة أيضا من طريق الشعبي عن ابن عمر
قال ما أبالي أن أكون عاشر عشرة على دابة إذا أطاقت حمل ذلك وبهذا يجمع بين مختلف الحديث
في ذلك فيحمل ما ورد في الزجر عن ذلك على ما إذا كانت الدابة غير مطيقة كالحمار مثلا وعكسه
على عكسه كالناقة والبغلة قال النووي مذهبنا ومذهب العلماء كافة جواز ركوب ثلاثة على
الدابة إذا كانت مطيقة وحكى القاضي عياض منعه عن بعضهم مطلقا وهو فاسد قال الحافظ
لم يصرح أحد بالجواز مع العجز ولا بالمنع مع الطاقة بل المنقول من المطلق في المنع والجواز محمول
على القيد انتهى 62
باب ما جاء في نظر الفجاءة
قوله (أخبرنا هشيم) بن بشير بن القاسم (أخبرنا يونس بن عبيد) بن دينار العبدي (عن
عمرو بن سعيد) القرشي أو الثقفي مولاهم أبو سعيد البصري ثقة من الخامسة
قوله (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجاءة) بضم ففتح ومد بفتح وسكون وقصر أي
أن يقع بصره على الأجنبية بغتة من غير قصد قال في النهاية يقال فجأه الأمر وفجاءة بالضم
والمد وفاجأه مفاجأة إذا جاءه بغتة من غير تقدم سبب وقيده بعضهم بفتح الفاء وسكون الجيم
من غير مد على المرأة انتهى (فأمرني أن أصرف بصري) أي لا أنظر مرة ثانية لأن الأولى إذا لم
تكن بالاختيار فهو معفو عنها فإن أدام النظر أثم وعليه قوله تعالى وقل للمؤمنين يغضوا من
49

أبصارهم قال القاضي عياض رحمه الله قالوا فيه حجة على أنه لا يجب على المرأة ستر وجهها
وإنما ذلك سنة مستحبة لها ويجب على الرجال غض البصر عنها في جميع الأحوال إلا لغرض
صحيح شرعي
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي
قوله (أخبرنا شريك) هو ابن عبد الله النخعي القاضي (عن أبي ربيعة) الأيادي مقبول من
السادسة قيل اسمه عمر بن ربيعة (عن ابن بريدة) هو عبد الله
قوله (لا تتبع النظرة النظرة) من الاتباع أي لا تعقبها إياها ولا تجعل أخرى بعد الأولى (
فإن لك الأولى) أي النظرة الأولى إذا كانت من غير قصد (وليست لك الآخرة) أي النظرة
الآخرة لأنها باختيارك فتكون عليك
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وأبو داود والدارمي 63
باب ما جاء في احتجاب النساء من الرجال
قوله (أخبرنا يونس بن يزيد) الأيلي (عن نبهان) المخزومي مولاهم كنيته أبو يحيى المدني
مكاتب أم سلمة مقبول من الثالثة
قوله (أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة) بالرفع عطفا على المستتر في كانت وسوغه
الفعل وتروى منصوبة عطفا على اسم أن ومجرورة عطفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره القاضي وقال
الطيبي الأوجه العطف على اسم أن ليشعر بأنه صلى الله عليه كان في بيت أم سلمة وميمونة داخلة عليها
50

لأن تأخير المعطوف وإيقاع الفصل يدل على أصالة الأولى وتبعية الثانية كقوله تعالى وإذ يرفع
إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل أوقع الفصل ليدل على أن إسماعيل تابع له في الرفع ولو
عطف من غير فصل أوهم الشركة (أقبل ابن أم مكتوم) وهو الذي نزل فيه أن جاءه الأعمى
(فدخل عليه) أي على رسول الله صلى الله عليه وسلم (أفعمياوان) تثنية عمياء تأنيث أعمى (ألستما تبصرانه)
قيل فيه تحريم نظر المرأة إلى الأجنبي مطلقا وبعض خصه بحال خوف الفتنة عليها جمعا بينه وبين
قول عائشة كنت أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون بحرابهم في المسجد ومن أطلق التحريم قال
ذلك قبل آية الحجاب والأصح أنه يجوز نظر المرأة إلى الرجل فيما فوق السرة وتحت الركبة بلا
شهوة وهذا الحديث محمول على الورع والتقوى قال السيوطي رحمه الله كان النظر إلى الحبشة
عام قدومهم سنة سبع ولعائشة يومئذ ست عشرة سنة وذلك بعد الحجاب فيستدل به على جواز
نظر المرأة إلى الرجل انتهى وبدليل أنهن كن يحضرن الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد
ولا بد أن يقع نظرهن إلى الرجال فلو لم يجز لم يؤمرن بحضور المسجد والمصلى ولأنه أمرت النساء
بالحجاب عن الرجال ولم يؤمر الرجال بالحجاب كذا في المرقاة وقال أبو داود في سننه بعد رواية
حديث أم سلمة هذا ما لفظه هذا لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ألا ترى إلى اعتداد فاطمة بنت
قيس عند ابن أم مكثوم قد قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس اعتدى عند ابن أم مكثوم فإنه
رجل أعمى تضعين ثيابك عنده انتهى وقال الحافظ في التلخيص هذا جمع حسن وبه جمع
المنذري في حواشيه واستحسنه شيخنا انتهى وقال في الفتح الأمر بالاحتجاب من ابن مكثوم
لعلمه لكون الأعمى مظنة أن ينكشف منه شئ ولا يشعر به فلا يستلزم عدم جواز النظر مطلقا
قال ويؤيد الجواز استمرار العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار
منتقبات لئلا يراهن الرجال ولم يؤمر الرجال قط بالانتقاب لئلا يراهم النساء فدل على مغايرة
الحكم بين الطائفتين
قوله (هذا حديث حسن صحيح) قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث أخرجه
أصحاب السنن من رواية الزهري عن نبهان مولى أم سلمة عنها وإسناده قوي وأكثر ما علل به
51

انفراد الزهري بالرواية عن نبهان وليست بعلة قادحة فإن من يعرفه الزهري ويصفه بأنه مكاتب
أم سلمة ولم يجرحه أحد لا ترد روايته 64
باب ما جاء في النهي عن الدخول على النساء إلا بإذن أزواجهن
قوله (عن الحكم) بن عتيبة (عن مولى عمرو بن العاص) كنيته أبو قيس واسمه عبد
الرحمن بن ثابت وقيل ابن الحكم وهو غلط ثقة من الثانية كذا في التقريب
قوله (أرسله) أي أرسل عمرو بن العاص مولاه (يستأذنه على أسماء ابنة عميس) الخثعمية
صحابية تزوجها جعفر بن أبي طالب ثم أبو بكر ثم علي وولدت لهم وهي أخت ميمونة بنت
الحارث أم المؤمنين لأمها ماتت بعد علي والمعنى أن عمرو بن العاص أرسل مولاه ليستأذن
علي بن أبي طالب أن يدخل هو على زوجته أسماء بنت عميس لحاجة له (فأذن) أي علي رضي الله
عنه (له) أي لدخوله عليها (حتى إذا فرغ من حاجته) أي فدخل عمرو بن العاص على أسماء حتى
إذا فرغ الخ (نهانا أو نهى أن ندخل على النساء بغير إذن أزواجهن) فيه دليل على أنه لا يجوز
الدخول على النساء إلا بإذن أزواجهن
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد في مسنده
52

باب ما جاء في تحذير فتنة النساء
قوله (عن أبيه) هو سليمان بن طرخان (عن أبي عثمان) النهدي
قوله (ما تركت بعدي) أي ما أترك وعبر بالماضي لتحقق الموت (فتنة) أي امتحانا وبلية
(أضر على الرجال من النساء) لأن الطباع كثيرا تميل إليهن وتقع في الحرام لأجلهن وتسعى للقتال
والعداوة بسببهن وأقل ذلك أن ترغبه في الدنيا وأي فساد أضر من هذا وإنما قال بعدي لأن
كونهن فتنة أضر ظهر بعده قال الحافظ في الحديث إن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن
ويشهد له قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء فجعلهن من عين الشهوات وبدأ
بهن قبل بقية الأنواع إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك وقد قال بعض الحكماء النساء شر كلهن
وأشر ما فيهن عدم الاستغناء عنهن ومع أنها ناقصة العقل والدين تحمل الرجل على تعاطي ما
فيه نقص العقل والدين كشغله عن طلب أمور الدين وحمله على التهالك على طلب الدنيا وذلك
أشد الفساد انتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري في النكاح ومسلم في اخر الدعوات
والنسائي في عشرة النساء وابن ماجة في الفتن
قوله (وفي الباب عن أبي سعيد) أخرجه مسلم عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا حلوة
خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فسينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة
بني إسرائيل كانت في النساء
53

باب ما جاء في كراهية اتخاذ القصة
قوله (أخبرنا حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني
قوله (خطب بالمدينة) أي على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية للبخاري عن سعيد بن
المسيب آخر قدمة قدمها وكان ذلك في سنة إحدى وخمسين وهي اخر حجة حجها معاوية في
خلافته (أين علماؤكم) فيه إشارة إلى أن العلماء إذ ذاك فيهم كانوا قد قلوا وهو كذلك لأن غالب
الصحابة كانوا يومئذ قد ماتوا وكأنه رأى جهال عوامهم صنعوا ذلك فأراد أن يذكر علماءهم
وينبههم بما تركوه من إنكار ذلك ويحتمل أن يكون ترك من بقي من الصحابة ومن أكابر التابعين
إذ ذاك الانكار إما لاعتقاد عدم التحريم ممن بلغه الخبر فحمله على كراهة التنزيه أو كان يخشى
من سطوة الأمراء في ذلك الزمان على من يستبد بالإنكار لئلا ينسب إلى الاعتراض على أولي الأمر
أو كانوا ممن لم يبلغهم الخبر أصلا أو بلغ بعضهم لكن لم يتذكروه حتى ذكرهم به معاوية
فكل هذه أعذار ممكنة لمن كان موجودا إذ ذاك من العلماء وأما من حضر خطبة معاوية وخاطبهم
بقوله أين علماؤكم فلعل ذلك كان في خطبة غير الجمعة ولم يتفق أن يحضره إلا من ليس من أهل
العلم فقال أين علماؤكم لأن الخطاب بالإنكار لا يتوجه إلا على من علم الحكم وأقره (عن هذه
القصة) بضم القاف وتشديد الصاد المهملة الخصلة من الشعر وفي رواية كبة من شعر (ويقول)
هو معطوف على ينهى وفاعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم فيه
إشعار بأن ذلك كان حراما عليهم فلما فعلوه كان سببا لهلاكهم مع ما انضم إلى ذلك من
ارتكابهم ما ارتكبوه من المناهي قال الحافظ في الفتح هذا الحديث حجة للجمهور في منع وصل
الشعر بشئ اخر سواء كان شعرا أم لا ويؤيده حديث جابر زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصل المرأة
بشعرها شيئا أخرجه مسلم وذهب الليث ونقله أبو عبيدة عن كثير من الفقهاء أن الممتنع من
ذلك وصل الشعر بالشعر وأما إذا وصلت شعرها بغير الشعر من خرقة وغيرها فلا يدخل في
النهي وأخرج أبو داود بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال لا بأس بالقرامل وبه قال أحمد
54

والقرامل جمع قرملة بفتح القاف وسكون الراء نبات طويل الفروع لين والمراد به هنا خيوط من
حرير أو صوف يعمل ضفائر تصل به المرأة شعرها وفصل بعضهم بين ما إذا كان ما وصل به
الشعر من غير الشعر مستورا بعد عقده مع الشعر بحيث يظن أنه من الشعر وبين ما إذا كان
ظاهرا فمنع الأول قوم فقط لما فيه من التدليس وهو قوي ومنهم من أجاز الوصل مطلقا سواء
كان بشعر اخر أو بغير شعر إذا كان بعلم الزوج وبإذنه وأحاديث الباب حجة عليه
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي 67
باب ما جاء في الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة
قوله (أخبرنا عبيدة) بفتح العين (عن عبد الله) أي ابن مسعود
قوله (لعن الواشمات) جمع واشمة بالشين المعجمة وهي التي تشم (والمستوشمات) جمع
مستوشمة وهي التي تطلب الوشم (والمتنمصات) جمع متنمصة والمتنمصة التي تطلب النماص
والنامصة التي تفعله والنماص إزالة شعر الوجه بالمنقاش ويسمى المنقاش منماصا لذلك ويقال
إن النماص يختص بإزالة شعر الحاجبين لترقيقهما أو تسويتهما قال أبو داود في السنن النامصة التي
تنقش الحاجب حتى ترقه قال الطبري لا يجوز للمرأة تغيير شئ من خلقتها التي خلقها الله
عليها بزيادة أو نقص التماس الحسن لا للزوج ولا لغيره كمن تكون مقرونة الحاجبين فتزيل ما
بينهما توهم البلج وعكسه ومن تكون لها سن زائدة فتقلعها أو طويلة فتقطع منها أو لحية أو
شارب أو عنفقة فتزيلها بالنتف ومن يكون شعرها قصيرا أو حقيرا فتطوله أو تغزره بشعر غيرها
فكل ذلك داخل في النهي وهو من تغيير خلق الله تعالى قال ويستثنى من ذلك ما يحصل به الضرر
والأذية كمن يكون لها سن زائدة أو طويلة تعيقها في الأكل أو أصبع زائدة تؤذيها أو تؤلمها فيجوز
ذلك والرجل في هذا الأخير كالمرأة
55

وقال النووي يستثنى من النماص ما إذا نبت للمرأة لحية أو شارب أو عنفقة فلا يحرم
عليها إزالتها بل يستحب (مبتغيات للحسن) أي طالبات له حال عن المذكورات (مغيرات خلق
الله) هي أيضا حال وهي كالتعليل لوجوب اللعن
قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة
قوله (حدثنا سويد أخبرنا عبد الله بن المبارك الخ) تقدم هذا الحديث بإسناده ومتنه في
باب مواصلة الشعر من أبواب اللباس وقد تقدم شرحه هناك
قوله (وفي الباب عن عائشة الخ) تقدم تخريج أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم في
الباب المذكور 68
باب ما جاء في المتشبهات بالرجال من النساء
قوله (وهمام) هو ابن يحيى الأزدي العوذي
قوله (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات بالرجال من النساء والمتشبهين بالنساء من الرجال)
56

قال الطبري المعنى لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي تختص بالنساء ولا
العكس قال الحافظ وكذا في الكلام والمشي فأما هيئة اللباس فتختلف باختلاف عادة كل
بلد فرب قوم لا يفترق زي نسائهم من رجالهم في اللبس لكن يمتاز النساء بالاحتجاب
والاستتار وأما ذم التشبه بالكلام والمشي فمختص بمن تعمد ذلك وأما من كان ذلك من أصل
خلقته فإنما يؤمر بتكلف تركه والإدمان على ذلك بالتدريج فإن لم يفعل وتمادى دخله الذم
ولا سيما إن بدا منه ما يدل الرضا به وأخذ هذا واضح من لفظ المتشبهين وأما إطلاق من
أطلق كالنووي أن المخنث الخلقي لا يتجه عليه اللوم فمحمول على ما إذا لم يقدر على ترك التثني
والتكسر في المشي والكلام بعد تعاطيه المعالجة لترك ذلك وإلا متى كان ترك ذلك ممكنا ولو
بالتدريج فتركه بغير عذر لحقه اللوم
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري وأبو داود وابن ماجة
قوله (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال) بفتح النون المشددة وكسرها والأول
أشهر أي المتشبهين بالنساء في الزي واللباس والخضاب والصوت والصورة والتكلم وسائر
الحركات والسكنات من خنث يخنث كعلم يعلم إذا لان وتكسر فهذا الفعل منهي لأنه تغيير
لخلق الله قال النووي المخنث ضربان أحدهما من خلق كذلك ولم يتكلف التخلق بأخلاق
النساء وزيهن وكلامهن وحركاتهن وهذا لا ذم عليه ولا إثم ولا عيب ولا عقوبة لأنه معذور
والثاني من يتكلف أخلاق النساء وحركاتهن وكلامهن وزيهن فهذا هو المذموم الذي
جاء في الحديث لعنه (والمترجلات) بكسر الجيم المشددة أي المتشبهات بالرجال (من النساء) زيا
وهيئة ومشية ورفع صوت ونحوها لا رأيا وعلما فإن التشبه بهم محمود كما روي أن عائشة
رضي الله عنها كانت رجلة الرأي أي رأيها كرأي الرجال على ما في النهاية
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري وأبو داود
قوله (وفي الباب عن عائشة) أخرجه أبو داود
57

باب ما جاء في كراهية خروج المرأة متعطرة
قوله (عن ثابت بن عمارة الحنفي) البصري كنيته أبو مالك صدوق فيه لين من
السادسة (عن غنيم) بضم الغين المعجمة وفتح النون مصغرا (بن قيس) المازني كنيته أبو العنبر
البصري مخضرم ثقة من الثانية
قوله (كل عين زانية) أي كل عين نظرت إلى أجنبية عن شهوة فهي زانية (إذا استعطرت)
أي استعملت العطر (فمرت بالمجلس) أي مجلس الرجال (يعني زانية) لأنها هيجت شهوة
الرجال بعطرها وحملتهم على النظر إليها ومن نظر إليها فقد زنى بعينيه فهي سبب زنى العين
فهي آثمة
قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه أبو داود وابن ماجة وفي إسناده عاصم بن
عبيد الله العمري ولا يحتج بحديثه
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي وسكت عنه أبو داود
ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره 70
باب ما جاء في طيب الرجال والنساء
قوله (طيب الرجال) الطيب قد جاء مصدرا واسما وهو المراد هنا ومعناه ما يتطيب به على
58

ما ذكره الجوهري (ما ظهر ريحه وخفي لونه) كماء الورد والمسك والعنبر والكافور (وطيب النساء ما
ظهر لونه وخفي ريحه) كالزعفران في شرح السنة قال سعد أراهم حملوا قوله وطيب النساء
على ما إذا أرادت أن تخرج فأما إذا كانت عند زوجها فلتطيب بما شاءت انتهى
قلت ويؤيده حديث أبي موسى المذكور في الباب المتقدم
قوله (أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم) هو المعروف بابن علية (عن الطفاوي) قال في
تهذيب التهذيب الطفاوي عن أبي هريرة وعنه أبو نضرة العبدي لم يسم وقال في التقريب هو شيخ
لأبي نضرة لم يسم من الثالثة لا يعرف
قوله (وهذا حديث حسن الخ) وأخرجه النسائي قال ميرك حسنه الترمذي وإن كان
فيه مجهول لأنه تابعي والراوي عنه ثقة فجهالته تنتفي من هذه الجهة قال القاري أو بالنظر إلى
تعدد أسانيده فيكون حسنا لغيره انتهى
قلت تحسين الترمذي لشواهده وأما انتفاء جهالة التابعي المجهول الرواية الثقة عنه كما
قال ميرك فممنوع والحديث أخرجه الطبراني والضياء عن أنس قال المناوي إسناده صحيح
(وحديث إسماعيل بن إبراهيم أتم وأطول) أخرجه أبو داود
بطوله في اخر كتاب النكاح
قوله (وفي الباب عن عمران بن حصين) أخرجه الترمذي بعد هذا
قوله (حدثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة (عن الحسن) البصري
قوله (ونهى عن الميثرة الأرجوان) تقدم تفسير الميثرة في باب ركوب المياثر من أبواب
59

اللباس وأما الأرجوان فقال الحافظ في الفتح بضم الهمزة والجيم بينهما راء ساكنة ثم واو
خفيفة وحكى عياض ثم القرطبي فتح الهمزة وأنكره النووي وصوب أن الضم هو المعروف
في كتب الحديث واللغة والغريب واختلفوا في المراد به فقيل هو صبغ أحمر شديد الحمرة وهو
شجر من أحسن الألوان وقيل الصوف الأحمر وقيل كل شئ أحمر فهو أرجوان ويقال ثوب
أرجوان وقطيفة أرجوان وحكى السيرافي أحمر أرجوان فكأنه وصف المبالغة في الحمرة كما
يقال أبيض يقق وأصفر فاقع واختلفوا هل الكلمة عربية أو معربة فإن قلنا باختصاص النهي
بالأحمر من المياثر فالمعنى في النهي عنها ما في غيرها وإن قلنا لا يختص بالأحمر فالمعنى بالنهي عنها ما
فيه من الترفه وقد يعتادها الشخص فتعوزه فيشق عليه تركها فيكون النهي نهي إرشاد لمصلحة
دنيوية وإن قلنا النهي عنها من أجل التشبيه بالأعاجم فهو لمصلحة دينية لكن كان ذلك
شعارهم حينئذ وهم كفار ثم لما لم يصر الان يختص بشعارهم زال ذلك المعنى فتزول الكراهة
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود وفيه لا أركب الأرجوان وفيه ألا
وطيب الرجال ريح لا لون له ألا وطيب النساء لون لا ريح له قال المنذري والحسن لم يسمع
من عمران بن حصين
باب ما جاء في كراهية رد الطيب
قوله (أخبرنا عزرة) بفتح أوله وسكون الزاي وفتح الراء ثم هاء (ابن ثابت) ابن أبي
زيد بن أخطب الأنصاري بصري ثقة من السابعة
قوله (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرد الطيب) قال ابن بطال إنما كان لا يرد الطيب من أجل أنه
ملازم لمناجاة الملائكة ولذلك كان لا يأكل الثوم ونحوه قال الحافظ لو كان هذا هو السبب في
ذلك لكان من خصائصه وليس كذلك فإن النساء تقتدي به في ذلك وقد ورد النهي عن رده
مقرونا بيان الحكمة في ذلك في حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي وأبو عوانة من طريق
60

عبيد الله ابن أبي جعفر عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا من عرض عليه طيب فلا يرده فإنه
خفيف المحمل طيب الرائحة وأخرجه مسلم من هذا الوجه لكن قال ريحان بدل طيب
ورواية الجماعة أثبت فإن أحمد وسبعة أنفس معه رووه عن عبد الله بن يزيد المقبري عن سعيد بن
أبي أيوب بلفظ الطيب ووافقه ابن وهب عن سعيد عند ابن حبان والعدد الكثير أولى بالحفظ من
الواحد وقد قال الترمذي عقب حديث أنس وابن عمر وفي الباب عن أبي هريرة فأشار إلى هذا
الحديث انتهى
قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) تقدم تخريجه انفا في كلام الحافظ
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري والنسائي
قوله (عن عبد الله بن مسلم) بن جندب الهذلي المدني المقري لا بأس به من الثامنة
(عن أبيه) هو مسلم بن جندب القاص ثقة فصيح قارئ من الثالثة
قوله (ثلاث لا ترد) أي لا ينبغي أن ترد لقلة منتها وتأذي المهدي إياها (الوسائد) جمع
وسادة بالكسر المخدة (والدهن واللبن) قال الطيبي يريد أن يكرم الضيف بالوسادة والطيب
واللبن وهي هدية قليلة المنة فلا ينبغي أن ترد انتهى
قوله (هذا حديث غريب) قال المناوي إسناده حسن
قوله (أخبرنا عثمان بن مهدي) لم أجد ترجمته في التقريب وتهذيب التهذيب والخلاصة
وليس في هذه الكتب راو اسمه عثمان بن مهدي فلينظر من هو (أخبرنا محمد بن خليفة) البصري
الصيرفي مقبول من العاشرة كذا في التقريب وقال في تهذيب التهذيب روى عن يزيد بن
زريع وعنه الترمذي وجعفر بن أحمد الجرجرائي (عن حنان) بفتح أوله وتخفيف النون الأسدي
61

عم والد مسدد كوفي مقبول من السادسة كذا في التقريب وقال في تهذيب التهذيب والخلاصة
عم مسدد
قوله (إذا أعطي أحدكم) بصيغة المجهول (الريحان) منصوب على أنه مفعول ثان قال في
النهاية هو كل نبت طيب الريح من أنواع المشموم (فإنه خرج من الجنة) أي أصله وهو مع ذلك
خفيف المحمل أي قليل المؤونة والمنة فلا يرد أن كثيرا من الأشياء خرج أصله من الجنة
قوله (هذا حديث غريب حسن) هذا حديث مرسل وأخرجه أبو داود في مراسيله 72
باب ما جاء في كراهية مباشرة الرجل للرجل والمرأة للمرأة
قوله (عن عبد الله) هو ابن مسعود
قوله (لا تباشر المرأة المرأة) زاد النسائي في روايته في الثوب الواحد قيل لا نافية بمعنى
الناهية وقيل ناهية والمباشرة بمعنى المخالطة والملامسة وأصله من لمس البشرة البشرة والبشرة
ظاهرة جلد الانسان أي لا تمس بشرة امرأة بشرة أخرى (حتى تصفها) أي تصف نعومة بدنها
وليونة جسدها (وكأنه ينظر إليها) فيتعلق قلبه بها ويقع بذلك فتنة والمنهي في الحقيقة هو الوصف
المذكور قال القابسي هذا أصل لمالك في سد الذرائع فإن الحكمة في هذا النهي خشية أن
يعجب الزوج الوصف المذكور فيقضي ذلك إلى تطليق الواصفة أو الافتتان بالموصوفة ووقع في
رواية النسائي من طريق مسروق عن ابن مسعود بلفظ لا تباشر المرأة المرأة ولا الرجل الرجل
62

قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي
قوله (عن عبد الرحمن بن أبي سعيد) الخدري واسمه سعد بن مالك الأنصاري
الخزرجي ثقة من الثالثة
قوله (ولا يفضي) بضم أوله أي لا يصل (الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد) أي لا
يضطجعان متجردين تحت ثوب واحد قال النووي في الحديث تحريم نظر الرجل إلى عورة
الرجل والمرأة إلى عورة المرأة وهذا مما لا خلاف فيه وكذا الرجل إلى عورة المرأة والمرأة إلى عورة
الرجل حرام بالإجماع ونبه صلى الله عليه وسلم بنظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة على ذلك
بطريق الأولى ويستثنى الزوجان فلكل منهما النظر إلى عورة صاحبه إلا أن في السوأة اختلافا
والأصح الجواز لكن يكره حيث لا سبب وأما المحارم فالصحيح أنه يباح نظر بعضهم إلى
بعض لما فوق السرة وتحت الركبة قال وجميع ما ذكرنا من التحريم حيث لا حاجة من الجواز
حيث لا شهوة وفي الحديث تحريم ملاقاة بشرتي الرجلين بغير حائل إلا عند ضرورة ويستثنى
المصافحة ويحرم لمس عورة غيره بأي موضع من بدنه كان بالاتفاق
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة 73
باب ما جاء في حفظ العورة
اعلم أن الترمذي قد عقد قبل هذا بابا بهذا اللفظ وأورد فيه حديث بهز بن حكيم عن
أبيه عن جده ففي عقد هذا الباب هنا وإيراد حديث بهز بن حكيم تكرار محض لا فائدة فيه
قوله (أخبرنا معاذ بن معاذ) العنبري التميمي
63

قوله (فلا ترينها) بضم الفوقية وكسر الراء من الإراءة وفي بعض النسخ فلا يرينها بفتح
التحتية وفتح الراء من الرؤية (من الناس) متعلق بقوله أحق ومنه متعلق بقوله يستحي 74
باب ما جاء أن الفخذ عورة
قوله (عن أبي النضر مولى عمر بن عبد الله) اسمه سالم بن أبي أمية المدني (عن زرعة بن
مسلم بن جرهد الأسلمي) قال في تهذيب التهذيب زرعة ابن عبد الرحمن بن جرهد الأسلمي
المدني ويقال زرعة بن جرهد روى عن جرهد ويقال عن أبيه عن جرهد حديث الفخذ
عورة وعنه سالم أبو النضر وأبو الزناد قال النسائي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال من
زعم أنه ابن مسلم فقد وهم انتهى (عن جرهد) بجيم وهاء مفتوحتين بينهما راء ساكنة ابن رزاح
بكسر الراء بعدها زاي وآخره مهملة الأسلمي مدني له صحبة وكان من أهل الصفة
قوله (إن الفخذ عورة) هذا من أدلة القائلين بأن الفخذ عورة وهم الجمهور
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أبو داود من طريق مالك عن أبي النضر عن زرعة بن
64

عبد الرحمن بن جرهد عن أبيه قال كان جرهد هذا من أصحاب الصفة إنه قال جلس
رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا وفخذي منكشفة الحديث (ما أرى إسناده بمتصل) للانقطاع بين زرعة
وجرهد وحديث جرهد هذا ذكره البخاري في صحيحه تعليقا قال الحافظ حديثه موصول
عند مالك في الموطأ والترمذي وحسنه وابن حبان وصححه وضعفه المصنف يعني البخاري في
التاريخ للاضطراب في إسناده وقد ذكرت كثيرا من طرقه في تعليق التعليق انتهى
قوله (أخبرني ابن جرهد) اسمه عبد الرحمن قال في تهذيب التهذيب عبد الرحمن بن
جرهد الأسلمي عن أبيه بحديث الفخذ عورة وعنه ابنه زرعة والزهري وأبو الزناد وفي إسناد
حديثه اختلاف كثير انتهى
قوله (هذا حديث) حسن وأخرجه أحمد من هذا الطريق ومن الطريق الآتية ومن طرق
أخرى
قوله (عن عبد الله بن جرهد الأسلمي) قال في تهذيب التهذيب عبد الله ابن جرهد
الأسلمي عن أبيه حديث الفخذ عورة وعنه عبد الله بن محمد بن عقيل وقيل عن ابن عقيل
عن عبد الله بن مسلم بن جرهد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكره ابن حبان في الثقات قال
الحافظ قال البخاري عبد الله بن مسلم أصح انتهى
قوله (عن أبي يحيى) هو القتات بفتح القاف وتشديد الفوقية لين الحديث
قوله (وفي الباب عن علي ومحمد بن عبد الله بن جحش) أما حديث علي فأخرجه أبو داود
وابن ماجة عنه مرفوعا يا علي لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت وأخرجه أيضا
الحاكم والبزار قال أبو داود بعد روايته هذا الحديث فيه نكارة وقال الحافظ في التلخيص بعد
ذكر هذا الحديث وفيه ابن جريج عن حبيب وفي رواية أبي داود من طريق حجاج بن محمد عن
ابن جريج قال أخبرت عن حبيب بن أبي ثابت وقد قال أبو حاتم في العلل إن الواسطة بينهما هو
65

الحسن بن ذكوان قال ولا يثبت لحبيب رواية عن عاصم فهذه علة أخرى وكذا قال ابن معين
إن حبيبا لم يسمعه من عاصم وأن بينهما رجلا ليس بثقة وبين البزار أن الواسطة بينهما هو
عمرو بن خالد الواسطي ووقع في زيادات المسند وفي الدارقطني ومسند الهيثم بن كليب
تصريح ابن جريج بإخبار حبيب له وهو وهم في نقدي انتهى وأما حديث محمد بن عبد الله بن
جحش فأخرجه أحمد والبخاري في تاريخه عنه قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على معمر وفخذاه
مكشوفتان فقال يا معمر غط عليك فخذيك فإن الفخذين عورة وأخرجه البخاري أيضا في
صحيحه تعليقا والحاكم في المستدرك كلهم من طريق إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن
عبد الرحمن عن أبي كثير مولى محمد بن جحش عنه فذكره قال الحافظ في الفتح رجاله من
رجال الصحيح غير أبي كثير فقد روى عنه جماعة لكن لم أجد فيه تصريحا بتعديل وقد أخرج
ابن قانع من طريقه أيضا
قوله (وهذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد بلفظ مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل
وفخذه خارجة فقال غط فخذيك فإن فخذ الرجل من عورته وذكره البخاري في صحيحه
تعليقا قال الحافظ وفي إسناده أبو يحيى القتات وهو ضعيف مشهور بكنيته واختلف في اسمه
على ستة أقوال أو سبعة أشهرها دينار انتهى
وأحاديث الباب كلها تدل على أن الفخذ عورة قال الشوكاني في النيل وقد ذهب إلى
ذلك الشافعي وأبو حنيفة قال النووي ذهب العلماء إلى أن الفخذ عورة وعن أحمد ومالك في
رواية العورة القبل والدبر فقط وبه قال أهل الظاهر وابن جرير والإصطخري قال الحافظ
في ثبوت ذلك عن ابن جرير نظر فقد ذكر المسألة في تهذيبه ورد على من زعم أن الفخذ ليست
بعورة واحتجوا بحديث عائشة وأنس والحق أن الفخذ من العورة وحديث علي يعني الذي
أشار إليه الترمذي وذكرنا لفظه وإن كان غير منتهض على الاستقلال ففي الباب من الأحاديث
ما يصلح للاحتجاج به على المطلوب وأما حديث عائشة وأنس فهما واردان في قضايا معينة
مخصوصة يتطرق إليها من احتمال الخصوصية أو البقاء على أصل الإباحة ما لا يتطرق إلى
الأحاديث المذكورة في هذا الباب لأنها تتضمن إعطاء حكم كلي وإظهار شرع عام فكان العمل
بها أولى كما قال القرطبي على أن طرف الفخذ قد يتسامح في كشفه لا سيما في مواطن الحرب
ومواقف الخصام وقد تقرر في الأصول أن القول أرجح من الفعل انتهى كلام الشوكاني
66

قلت أراد بحديث عائشة حديثها الذي أخرجه أحمد عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا
كاشفا عن فخذه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على
حاله ثم استأذن عثمان فأرخى عليه ثيابه الحديث وأراد بحديث أنس حديثه الذي أخرجه
أحمد والبخاري عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه حتى أني لأنظر إلى بياض
فخذه قال البخاري في صحيحه باب ما يذكر في الفخذ قال أبو عبد الله ويروى عن ابن
عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم الفخذ عورة وقال أنس حسر النبي صلى الله عليه وسلم عن
فخذه قال أبو عبد الله وحديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط حتى نخرج من اختلافهم قال
الحافظ في الفتح قوله وحديث أنس أسند أي أصح إسنادا كأنه يقول حديث جرهد ولو قلنا
بصحته فهو مرجوح بالنسبة إلى حديث أنس
قلت الأحاديث التي تدل على أن الفخذ عورة إن صلحت بمجموعها للاحتجاج فالأمر
كما قال الشوكاني وإلا فالأمر كما قال أهل الظاهر ومن وافقهم فتفكر 75
باب ما جاء في النظافة
قال في القاموس النظافة النقاوة نظف ككرم فهو نظيف ونظفه تنظيفا فتنظف
انتهى
قوله (أخبرنا أبو عامر) العقدي اسمه عبد الملك بن عمرو (عن صالح بن أبي حسان)
المدني
قوله (إن الله طيب) أي منزه عن النقائص مقدس عن العيوب (يحب الطيب) بكسر
الطاء أي طيب الحال والقال أو الريح الطيب بمعنى أنه يحب استعماله من عباده ويرضى عنهم بهذا
الفعل وهذا يلائم معنى قول نظيف (نظيف) أي طاهر (يحب النظافة) أي الطهارة الظاهرة
والباطنة (كريم يحب الكرم جواد) بفتح جيم وتخفيف واو (يحب الجود) قال الراغب الفرق بين
الجود والكرم أن الجود بذل المقتنيات ويقال رجل جواد وفرس جواد يجود بمدخر عدوه والكرم
67

إذا وصف الإنسان به فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة التي تظهر منه ولا يقال هو كريم حتى
يظهر ذلك منه (فنظفوا) قال الطيبي الفاء فيه جواب شرط محذوف أي إذا تقرر ذلك فطيبوا كل
ما أمكن تطييبه ونظفوا كل ما سهل لكم تنظيفه حتى أفنية الدار وهي متسع أمام الدار وهو
كناية عن نهاية الكرم والجود فإن ساحة الدار إذا كانت واسعة نظيفة طيبة كانت أدعى بجلب
الضيفان وتناوب الواردين والصادرين انتهى (أراه) بضم الهمزة أي أظنه والقائل هو
صالح بن أبي حسان السامع من ابن المسيب أي أظن ابن المسيب (قال أفنيتكم) بالنصب على
أنه مفعول نظفوا وهي جمع الفناء بالكسر أي ساحة البيت وقبالته وقيل عتبته وسدته (ولا
تشبهوا) بحذف إحدى التاءين عطفا أي لا تكونوا متشبهين (باليهود) أي في عدم
النظافة والطهارة وقلة التطيب وكثرة البخل والخسة والدناءة (قال) أي صالح بن أبي حسان
(فذكرت ذلك) أي المقال المذكور المسموع من ابن المسيب (لمهاجر بن مسمار) الأول بضم ميم
وكسر جيم والثاني بكسر أوله هو الزهري مولى سعد المدني مقبول من السابعة (فقال) أي مهاجر
(حدثنيه عامر بن سعد) بن أبي وقاص (عن أبيه) أي سعد بن أبي وقاص (مثله) أي مثل قول
سعيد بن المسيب (إلا أنه) أي مهاجرا (قال) أي في روايته (نظفوا أفنيتكم) أي بلا تردد وشك
قوله (هذا حديث غريب وخالد بن إلياس يضعف الخ) قال ابن حبان يروي الموضوعات
عن الثقات حتى يسبق إلى القلب أنه الواضع لها لا يكتب حديثه إلا على جهة التعجب وهو
الذي روى إن الله طيب يجب الطيب الخ وقال البخاري منكر الحديث ليس بشئ وقال
النسائي متروك الحديث وقال مرة ليس بثقة ولا يكتب حديثه كذا في تهذيب التهذيب 76
باب ما جاء في الاستتار عند الجماع
قوله (أخبرنا الأسود بن عامر) لقبه شاذان (أخبرنا أبو محياة) بضم الميم وفتح المهملة
وتشديد التحتانية واخره هاء اسمه يحيى بن يعلى التيمي الكوفي ثقة من الثامنة (عن ليث) هو
68

ابن أبي سليم
قوله (إياكم والتعري) أي احذروا من كشف العورة (فإن معكم) أي من الملائكة (من لا
يفارقكم إلا عند الغائط) قال الطيبي رحمه الله وهم الحفظة الكرام الكاتبون (وحين يفضي) أي
يصل (فاستحيوهم) أي منهم (وأكرموهم) أي بالتغطي وغيره مما يوجب تعظيمهم وتكريمهم
قال ابن الملك فيه أنه لا يجوز كشف العورة إلا عند الضرورة كقضاء الحاجة والمجامعة وغير ذلك
انتهى
قوله (هذا حديث غريب) في سنده ليث بن أبي سليم وكان قد اختلط أخيرا ولم يتميز
حديثه
باب ما جاء في دخول الحمام
قال في المصباح الحمام مثقل معروفة والتأنيث أغلب فيقال هي الحمام وجمعها حمامات على
القياس ويذكر فيقال هو الحمام انتهى
قوله (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) ذكر طرفي الإيمان اختصارا أو إشعارا بأنهما الأصل
والمراد به كمال الإيمان أو أريد به التهديد (فلا يدخل) من باب الادخال أي فلا يأذن بالدخول
(حليلته الحمام) أي امرأته (فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر) يعني وإن لم يشرب معهم كأنه
تقرير على منكر
69

قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد من طريق ابن لهيعة عن أبي يزيد الزبير
جابر (وقال محمد قال أحمد بن حنبل ليث لا يفرح بحديثه) قد عرفت في الباب السابق أنه قد
اختلط ولم يتميز حديثه
قوله (عن أبي عذرة) بضم أوله وسكون المعجمة له حديث في الحمام وهو مجهول من
الثانية ووهم من قال له صحبة كذا في التقريب وقال في تهذيب التهذيب قال أبو زرعة لا
أعلم أحدا سماه وكذا ذكره ابن حبان في الثقات وقال يقال له صحبة ويقال جزم بصحبته
مسلم
قوله (ثم رخص للرجال في الميازر) جمع مئزر وهو الإزار قال المظهر وإنما لم يرخص
للنساء في دخول الحمام لأن جميع أعضائهن عورة وكشفها غير جائز إلا عند الضرورة مثل أن تكون
مريضة تدخل الدواء أو تكون قد انقطع نفاسها تدخل للتنظيف أو تكون جنبا والبرد شديد ولم
تقدر على تسخين الماء وتخاف من استعمال الماء البارد ضررا أو لا يجوز للرجال الدخول بغير إزار
ساتر لما بين سرته وركبته انتهى وقال الشوكاني في النيل تحت حديث أبي هريرة من كان يؤمن
بالله واليوم الآخر من ذكور أمتي فلا يدخل الحمام إلا بمئزر ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر من
إناث أمتي فلا تدخل الحمام رواه أحمد ما لفظه هذا الحديث يدل على جواز الدخول للذكور
بشرط لبس المآزر وتحريم الدخول بدون مئزر وعلى تحريمة على النساء مطلقا واستثناء الدخول
من عذر لهن لم يثبت من طريق تصلح للاحتجاج بها فالظاهر المنع مطلقا ويؤيد ذلك ما سلف
من حديث عائشة الذي روته لنساء الكورة وهو أصح ما في الباب إلا لمريضة أو نفساء كما سيأتي
70

في الحديث الذي بعد هذا إن صح انتهى قلت أشار الشوكاني بحديث عائشة إلى حديثها الآتي
في هذا الباب وأشار الحديث الذي فيه إلا مريضة أو نفساء إلى حديث عبد الله وأن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها ستفتح لكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات فلا
يدخلنها الرجال إلا بالأزر وامنعوها النساء إلا مريضة أو نفساء رواه أبو داود وابن ماجة قال
المنذري في إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وقد تكلم فيهما غير واحد وعبد
الرحمن بن رافع التنوخي قاضي إفريقية وقد غمزه البخاري وابن أبي حاتم
قوله (هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة الخ) وأخرجه أبو داود وابن
ماجة قال المنذري بعد نقل كلام الترمذي هذا وسئل أبو زرعة عن أبي عذرة هل يسمى فقال لا
أعلم أحدا سماه هذا اخر كلامه وقيل إن أبا عذرة أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو بكر بن حازم
الحافظ لا يعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه وأبو عذرة غير مشهور وأحاديث الحمام كلها
معلولة وإنما يصح منها عن الصحابة فإن كان هذا الحديث محفوظا فهو صريح انتهى
قوله (عن منصور) هو ابن المعتمر
قوله (أن نساء من أهل حمص) بكسر مهملة وسكون ميم فمهملة هي بلدة من الشام
(أو من أهل الشام) شك من الراوي (تضع ثيابها) أي الساترة لها (إلا هتكت الستر) بكسر أوله
أي حجاب الحياء (بينها وبين ربها) لأنها مأمورة بالتستر والتحفظ من أن يراها أجنبي حتى لا
ينبغي لهن أن يكشفن عورتهن في الخلوة أيضا إلا عند أزواجهن فإذا كشفت أعضاءها في الحمام من
غير ضرورة فقد هتكت الستر الذي أمرها الله تعالى به قال الطيبي وذلك لأن الله تعالى أنزل
لباسا ليواري به سوأتهن وهو لباس التقوى فإذا لم يتقين الله تعالى وكشفن سوأتهن هتكن الستر
بينهن وبين الله تعالى انتهى
71

قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه ابن ماجة وأبو داود وسكت عنه ونقل المنذري تحسين
الترمذي وأقره 78
باب ما جاء أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة ولا كلب
قوله (لا تدخل الملائكة) أي ملائكة الرحمة لا الحفظة وملائكة الموت (بيتا) أي مسكنا
(فيه كلب) أي إلا كلب الصيد والماشية والزرع وقيل إنه مانع أيضا وإن لم يكن اتخاذه حراما
(ولا صورة تماثيل) جمع تمثال بالكسر وهو الصورة كما في القاموس وغيره والمعنى صورة من
صور الانسان أو الحيوان قال النووي قال العلماء سبب امتناعهم من بيت فيه صورة كونها
معصية فاحشة وفيها مضاهاة بخلق الله تعالى وبعضها في صورة ما يعبد من دون الله تعالى
وبسبب امتناعهم من بيت فيه كلب لكثرة أكله النجاسات ولأن بعضها يسمى شيطانا كما جاء به
الحديث والملائكة ضد الشياطين ولقبح رائحة الكلب والملائكة تكره الرائحة القبيحة ولأنها
منهي عن اتخاذها فعوقب متخذها بحرمانه دخول الملائكة بيته وصلاتها فيه واستغفارها له
وتبريكها عليه وفي بيته ودفعها أذى الشيطان وأما هؤلاء الملائكة الذين لا يدخلون بيتا فيه كلب
أو صورة فهم ملائكة يطوفون بالرحمة والتبريك والاستغفار وأما الحفظة فيدخلون في كل بيت ولا
يفارقون بني ادم في كل حال لأنهم مأمورون بإحصاء أعمالهم وكتابتها قال الخطابي وإنما لا
تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة مما يحرم اقتناؤه من الكلاب والصور فأما ما ليس بحرام من
كلب الصيد والزرع والماشية والصورة التي تمتهن في البساط والوسادة وغيرهما فلا يمتنع دخول
الملائكة بسببه وأشار القاضي إلى نحو ما قاله الخطابي والأظهر أنه عام في كل كلب وكل صورة
وأنهم يمتنعون من الجميع لإطلاق الأحاديث ولأن الجرو الذي كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم تحت
72

السرير كان له فيه عذر ظاهر فإنه لم يعلم به ومع هذا امتنع جبريل صلى الله عليه وسلم من دخول البيت وعلل
بالجرو فلو كان العذر في وجود الصورة والكلب لا يمنعهم لم يمتنع جبرائيل انتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي
قوله (أن رافع بن إسحاق) المدني مولى أبي طلحة ثقة من الثالثة
قوله (أتيتك البارحة) أي الليلة الماضية (فلم يمنعني) أي مانع (أن أكون) أي من أن أكون
(إلا أنه) أي الشأن (كان في باب البيت) أي في ستره (تمثال الرجال) بكسر التاء أي تصوير الرجال
(وكان) عطف على كان الأول فهو من جملة كلام جبرئيل أي وكان أيضا (في البيت قرام ستر)
بكسر السين والقرام بكسر القاف قال في القاموس القرام ككتاب الستر الأحمر أو ثوب ملون
من صوف فيه رقم ونقوش أو ستر رقيق وقال في النهاية القرام الستر الرقيق وقيل الصفيق من
صوف ذي ألوان والإضافة فيه كقولك ثوب قميص وقيل القرام الستر الرقيق وراء الستر
الغليظ ولذلك أضاف (فيه تماثيل) جمع تمثال أي تصاوير (وكان في البيت كلب) أي أيضا
(فيصير كهيئة الشجرة) قال في شرح السنة فيه دليل على أن الصورة إذا غيرت هيئتها بأن قطعت
رأسها أو حلت أوصالها حتى لم يبق منها إلا الأثر على شبه الصور فلا بأس به وعلى أن موضع
73

التصوير إذا نقض حتى تنقطع أوصاله جاز استعماله (منتبذتين) أي مطروحتين مفروشتين
(توطآن) بصيغة المجهول أي تهانان بالوطء عليهما والقعود فوقهما والاستناد عليهما وأصل
الوطأ الضرب بالرجل (ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي جميع ما ذكر (وكان ذلك الكلب جرو
للحسين أو للحسن) قال في القاموس الجرو مثلثة صغير كل شئ حتى الحنظل والبطيخ ونحوه
وولد الكلب (تحت نضد له) بفتح النون والضاد المعجمة فعل بمعنى مفعول أي تحت متاع البيت
المنضود بعضه فوق بعض وقيل هو السرير سمى بذلك لأن النضد يوضع عليه أي يجعل بعضه
فوق بعض
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي
قوله (وفي الباب عن عائشة) أخرجه الشيخان 79
باب ما جاء في كراهية لبس المعصفر للرجال والقسي
قوله (حدثنا عباس بن محمد البغدادي) هو الدوري (أخبرنا إسحاق بن منصور) هو
السلولي (أخبرنا إسرائيل) هو ابن يونس (عن أبي يحيى) هو القتات
قوله (مر رجل وعليه ثوبان أحمران إلخ) احتج بهذا الحديث القائلون بكراهة لبس
الأحمر وأجاب المبيحون عنه بأنه ضعيف لا ينتهض للاستدلال به وقد تقدم الكلام في هذه
المسألة في باب الرخصة في الثوب الأحمر للرجال من أبواب اللباس
قوله (هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه) أخرجه أبو داود قال المنذري في
74

تلخيص السنن بعد نقل كلام الترمذي هذا في إسناده أبو يحيى القتات وهو كوفي ولا يحتج
بحديثه وقال الحافظ في الفتح وهو حديث ضعيف الاسناد وإن وقع في بعض نسخ الترمذي أنه
قال حديث حسن
قوله (ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم أنه كره لبس المعصفر ورأوا أن ما صبغ
بالحمرة بالمدر الخ) قال في القاموس المدر محركة قطع الطين اليابس انتهى ومراد الترمذي بالمدر
ههنا هو الطين الأحمر الذي يصبغ به الثوب فيصير أحمرا وحاصل كلامه أن المراد بالثوب الأحمر
في هذا الحديث عند أهل العلم هو المعصفر أي المصبوغ بالعصفر وهو الممنوع وأما المصبوغ
بالحمرة من غير العصفر فلا بأس به وقد تقدم الكلام في لبس المعصفر في باب كراهية المعصفر
للرجال من أبواب اللباس
قوله (عن هبيرة) بضم الهاء وفتح الموحدة مصغرا (بن يريم) بفتح التحتية بوزن عظيم
قوله (وعن القسي وعن الميثرة) تقدم تفسيرهما في كتاب اللباس (وعن الجعة) كعدة هي
النبيذ المتخذ من الشعير قاله الجزري في النهاية
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الترمذي في باب النهي عن القراءة في الركوع
والسجود بلفظ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس القسي والمعصفر وعن تختم الذهب وعن قراءة القرآن
في الركوع وأخرجه أيضا مسلم وأبو داود والنسائي
قوله (أخبرنا محمد بن جعفر) المعروف بغندر (عن الأشعث بن سليم) هو أشعث بن أبي
الشعثاء المحاربي الكوفي ثقة من السادسة (عن معاوية بن سويد ابن مقرن) المزني الكوفي ثقة من
الثالثة
75

قوله (وإبرار المقسم) أي الحالف يعني جعله بارا صادقا في قسمه أو جعل يمينه صادقة
والمعنى أنه لو حلف أحد على أمر مستقبل وأنت تقدر على تصديق يمينه ولم يكن فيه معصية كما لو
أقسم أن لا يفارقك حتى تفعل كذا وأنت تستطيع فعله فافعل كيلا يحنث وقيل هو إبراره في قوله
والله لتفعلن كذا قال الطيبي قيل هو تصديق من أقسم عليه وهو أن يفعل ما سأله الملتمس
وأقسم عليه أن يفعله يقال بر وأبر القسم إذا صدقه (عن خاتم الذهب أو حلقة الذهب) شك
من الراوي (ولبس الحرير والديباج والإستبرق) بكسر همزة ما غلظ من الحرير والديباج
مارق والحرير أعم وذكرهما معه لأنهما لما خصا بوصف صارا كأنهما جنسان اخران قاله
الكرماني ووقع في بعض روايات هذا الحديث عند البخاري وغيره النهي عن المياثر الحمر وبهذا
يظهر مناسبة الحديث للباب وروى أو يعلى الموصلي في مسنده من حديث ابن عباس قال نهى
النبي صلى الله عليه وسلم عن خواتيم الذهب والقسية والميثرة الحمراء المصبغة من العصفر
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما 80
باب ما جاء في لبس البياض
قوله (البسوا) بفتح الموحدة من باب سمع يسمع (البياض) أي الثياب البيض كما في
رواية (فإنها أطهر) أي لا دنس ولا وسخ فيها قال الطيبي لأن البيض أكثر تأثرا من الثياب
الملونة فتكون أكثر غسلا منها فتكون أطهر (وأطيب) أي أحسن طبعا أو شرعا ويمكن أن يكون
76

تأكيدا لما قبله لكن التأسيس أولى من التأكيد وقيل أطيب لدلالته غالبا على التواضع وعدم
الكبر والخيلاء والعجب وسائر الأخلاق الطيبة
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة
قوله (وفي الباب عن ابن عباس وابن عمر) أما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي في
باب ما يستحب من الأكفان وأما حديث ابن عمر فأخرجه ابن عدي في الكامل 81
باب ما جاء في الرخصة في لبس الحمرة للرجال
اعلم أن الترمذي قد عقد بابا في أبواب اللباس بلفظ باب ما جاء في الرخصة في الثوب
الأحمر للرجال وأورد فيه حديث البراء ففي عقده هنا في هذا الباب تكرار
قوله (عن أبي إسحاق) هو السبيعي
قوله (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحيان) بكسر الهمزة والحاء وتخفيف التحتية وهو منصرف
وإن كان ألفه ونونه زائدتين لوجود إضحيانة قال في القاموس ليلة ضحياء وإضحيانة وإضحية
بكسرهما مضيئة ويوم ضحياة وقال في الفائق أي مقمرة من أولها إلى اخرها وأفعلان مما قل
في كلامهم (فجعلت أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي نظرة (وإلى القمر) أي أخرى لأنظر الترجيح
بينهما في الحسن الصوري (وعليه حلة حمراء) جملة حالية معترضة استدل بهذا على جواز لبس
الثوب الأحمر للرجال وقد تقدم الكلام في هذه المسألة مبسوطا في باب الرخصة في الثوب الأحمر
للرجال (فإذا هو عندي أحسن من القمر) أي في نظري أو معتقدي ولفظ الترمذي في الشمائل
فلهو عندي أحسن من القمر أي لزيادة الحسن المعنوي فيه صلى الله عليه وسلم
77

قوله (حديث حسن غريب) وأخرجه الدارمي
قوله (وفي الحديث كلام أكثر من هذا) يعني أن حديث البراء مطول وقد أخرج الترمذي
هذا الحديث المطول في باب الرخصة في الثوب الأحمر للرجال
قوله (وفي الباب عن البراء وأبي جحيفة) أما حديث البراء فالظاهر أنه أراد به غير حديثه
المذكور ولينظر من أخرجه وأما حديث أبي جحيفة فأخرجه البخاري في باب الصلاة في الثوب
الأحمر 82
باب ما جاء في الثوب الأخضر
قوله (أخبرنا عبيد الله بن إياد بن لقيط) السدوسي أبو السليل بفتح المهملة
وكسر اللام
واخره لام أيضا الكوفي كان عريف قومه صدوق لينه البزار وحده من السابعة (عن أبيه) هو
إياد بكسر أوله ثم تحتانية ابن لقيط السدوسي ثقة من الرابعة (عن أبي رمثة) بكسر أوله وسكون
الميم بعدها مثلثة صحابي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعنه إياد بن لقيط وثابت بن أبي منقذ
قوله (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه بردان أخضران) وفي رواية لأحمد وعليه ثوبان
أخضران أي مصبوغان بلون الخضرة وهو أكثر لباس أهل الجنة كما وردت به الأخبار ذكره
78

ميرك وقد قال تعالى عاليهم ثياب سندس خضر وهو أيضا من أنفع الألوان للأبصار ومن
أجملها في أعين الناظرين قال القاري ويحتمل أنهما كانا مخطوطين بخطوط خضر كما ورد في
بعض الروايات بردان بدل ثوبان والغالب أن البرود ذوات الخطوط انتهى
قلت هذا الاحتمال بعيد لا دليل عليه والظاهر أنهما كانا أخضرين بحتين قال العصام
المراد بالثوبين الإزار والرداء وما قيل فيه إن لبس الثوب الأخضر سنة ضعفه ظاهر إذ غاية ما
يفهم منه أنه مباح انتهى قال القاري وضعفه ظاهر لأن الأشياء مباحة على أصلها فإذا اختار
المختار شيئا منها يلبسه لا شك في إفادة الاستحباب انتهى
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي 83
باب ما جاء في الثوب الأسود
قوله (وعليه مرط) بكسر الميم وإسكان الراء هو كساء يكون تارة من صوف وتارة من
شعر أو كتان أو خز قال الخطابي هو كساء يؤتزر به وفي رواية مسلم وأبي داود وعليه مرط
مرحل قال النووي هو بفتح الراء وفتح الحاء المهملة المشددة هذا هو الصواب الذي رواه
الجمهور وضبطه المتقنون وحكى القاضي أن بعضهم رواه بالجيم أي عليه صور الرجال
والصواب الأول ومعناه عليه صورة رحال الإبل ولا بأس بهذه الصور وإنما يحرم تصوير الحيوان
انتهى قال الخطابي المرحل هو الذي فيه خطوط ويقال إنما سمي مرحلا لأن عليه تصاوير
رحل أو ما يشبهه
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه مسلم وأبو داود
79

باب ما جاء في الثوب الأصفر
قوله (أخبرنا عبد الله بن حسان) التميمي أبو الجنيد العنبري مقبول من السابعة (أنه
حدثته جدتاه صفية بنت عليبة) بضم العين وفتح اللام وسكون التحتية وبالموحدة مقبولة من
الثالثة (ودحيبة) بضم الدال وفتح الحاء المهملتين وسكون التحتية وبالموحدة العنبرية مقبولة من
الثالثة (عن قيلة) بفتح القاف وسكون التحتية (بنت مخرمة) العنبرية صحابية لها حديث طويل
هاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع حريث بن حسان وافد بني بكر بن وائل
قوله (فذكرت الحديث بطوله) أخرج البخاري في الأدب المفرد طرفا منفي باب
القرفصاء وأخرجه أبو داود مختصرا في باب إقطاع الأرضين من كتاب الخراج وفي باب جلوس
الرجل من كتاب الأدب ولم أقف على من أخرجه بطوله وقال المنذري قد شرح حديث قيلة أهل
العلم بالغريب وهو حديث حسن (وعليه) أي على النبي صلى الله عليه وسلم (تعني النبي صلى الله عليه وسلم) أي تريد قيلة أن
الضمير المجرور في قولها وعليه راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم (أسمال مليتين) جمع سمل بسين مهملة وميم
مفتوحتين وهو الثوب الخلق والمراد بالجمع ما فوق الواحد على أن الثوب الواحد قد يطلق عليه
أسمال باعتبار اشتماله على أجزاء وحينئذ فلا إشكال في إضافته إضافة بيانية إلى مليتين تصغير
ملاءة بالضم والمد لكن بعد حذف الألف وهي كما في النهاية الإزار والريطة وفي الصحاح هي
الملحفة كذا في شرح الشمائل لابن حجر المكي (كانتا بزعفران) أي مصبوغتين بزعفران (وقد
نفضتا) قال في النهاية أي نصل لون صبغهما ولم يبق إلا الأثر انتهى فلا ينافي لبسه صلى الله عليه وسلم هاتين
المليتين ما ورد من النهي عن لبس المزعفر (ومعه) أي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (عسيب نخلة) بضم
80

العين وفتح السين المهملة تصغير عسيب قال في القاموس العسيب جريدة من النخل مستقيمة
دقيقة يكشط خوصها والذي لم ينبت عليه الخوص من السعف 85
باب ما جاء في كراهية التزعفر والخلوق للرجال
قال في النهاية الخلوق طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب
وتغلب عليه الحمرة والصفرة وقد ورد تارة بإباحته وتارة بالنهي عنه والنهي أكثر وأثبت وإنما
نهى عنه لأنه من طيب النساء وكن أكثر استعمالا له منهم والظاهر أن أحاديث النهي ناسخة
انتهى
قوله (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التزعفر للرجال) أي عن استعمال الزعفران في الثوب
والبدن والحديث دليل لأبي حنيفة والشافعي ومن تبعهما في تحريم استعمال الرجل الزعفران في
ثوبه وبدنه ولهما أحاديث أخرى صحيحة ومذهب المالكية أن الممنوع إنما هو استعماله في البدن
دون الثوب ودليلهم ما أخرجه أبو داود وعن أبي موسى مرفوعا لا يقبل الله صلاة رجل في
جسده شئ من خلوق فإن مفهومه أن ما عدا الجسد لا يتناوله الوعيد وأجيب عن حديث أبي
موسى هذا بأن في سنده أبا جعفر الرازي وهو متكلم فيه وأحاديث النهي عن التزعفر مطلقا أصح
وأرجح
فإن قلت قد ثبت في الصحيحين من حديث أنس أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه أثر صفرة فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه تزوج امرأة الحديث وفي رواية
وعليه ردع زعفران فهذا الحديث يدل على جواز التزعفر فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على عبد الرحمن بن
عوف فكيف التوفيق بين حديث أنس هذا وبين حديثه المذكور في الباب وما في معناه
قلت أشار البخاري إلى الجمع بأن حديث عبد الرحمن للمتزوج وأحاديث النهي لغيره
حيث ترجم بقوله باب الصفرة للمتزوج
وقال الحافظ إن أثر الصفرة التي كانت على عبد الرحمن تعلقت به من جهة زوجته فكان
81

ذلك غير مقصود له قال ورجحه النووي وأجيب عن حديث عبد الرحمن بوجوه أخرى ذكرها
الحافظ في الفتح في باب الوليمة ولو بشاة من كتاب النكاح
فإن قلت روى الشيخان عن ابن عمر أن رجلا قال يا رسول الله ما يلبس المحرم من
الثياب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا
الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين فليقطعهما أسفل من الكعبين ولا تلبسوا من الثياب
شيئا مسه الزعفران أو ورس فيستفاد من ظاهر هذا الحديث جواز لبس المزعفر لغير الرجل
المحرم لأنه قال ذلك في جواب السؤال عما يلبس المحرم فدل على جوازه لغيره
قلت قال العراقي الجمع بين الحديثين أنه يحتمل أن يقال إن جواب سؤالهم انتهى عند
قوله أسفل من الكعبين ثم استأنف بهذا لا تعلق له بالمسؤول عنه فقال ولا تلبسوا شيئا من
الثياب إلى آخره انتهى
قلت والأولى في الجواب أن يقال إن الجواز للحلال مستفاد من حديث ابن عمر بالمفهوم
والنهي ثابت من حديث أنس بالمنطوق وقد تقرر أن المنطوق مقدم على المفهوم
فإن قلت روى النسائي من طريق عبد الله بن زيد عن أبيه عن ابن عمر كان يصبغ ثيابه
بالزعفران فقيل له فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ قلت عبد الله بن زيد صدوق فيه لين
وأصله في الصحيح وليس فيه ذكر الصفرة
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي (قال ومعنى
كراهية التزعفر للرجال أن يتزعفر الرجل يعني أن يتطيب به) كذا قال الترمذي والظاهر من قوله
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التزعفر للرجال هو النهي عن استعمال الزعفران مطلقا قليلا كان أو
كثيرا وفي البدن كان أو في الثوب
82

قوله (سمعت أبا حفص بن عمر) قال الحافظ في تهذيب التهذيب في باب الكنى أبو
حفص بن عمرو وقيل ابن عمر وقيل أبو عمر بن حفص وقيل غير ذلك في ترجمة عبد الله بن
حفص انتهى وقال في ترجمة عبد الله بن حفص روى عن يعلى بن مرة في النهي عن الخلوق
وعنه عطاء بن السائب قاله ابن عيينة وغيره عنه وقال حماد بن سلمة عنه عن حفص بن عبد الله
ورواه شعبة عن عطاء ابن السائب عن أبي حفص بن عمرو وقيل عنه غير ذلك وذكره ابن حبان
في الثقات انتهى وقال في التقريب عبد الله بن حفص وقيل حفص بن عبد الله مجهول لم يرو
عنه غير عطاء بن السائب من الرابعة
قوله (أبصر رجلا متخلقا) أي مطليا بالخلوق بفتح الخاء المعجمة تقدم معناه (فاغسله
ثم اغسله) وفي رواية النسائي فاغسله ثم اغسله ثم اغسله قال المظهر أمره بغسله ثلاث
مرات للمبالغة وقيل الأظهر أنه لا يذهب لونه إلا بغسله ثلاثا (ثم لا تعد) بضم العين أي لا
ترجع إلى استعماله فإنه لا يليق بالرجال
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه النسائي (وقد اختلف بعضهم في هذا الإسناد عن
عطاء بن السائب) قد تقدم بيانه في كلام الحافظ (بآخرة) بفتح الهمزة والخاء أي في آخر عمره
قوله (وفي الباب عن عمار وأبي موسى وأنس) أما حديث عمار فأخرجه أحمد وأبو داود
وأما حديث أبي موسى فأخرجه أبو داود وقد تقدم لفظه وأما حديث أنس فلعله أشار إلى ما رواه
أبو داود والنسائي من طريق سلم العلوي عنه دخل رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وعليه أثر صفرة فكره
ذلك وقلما كان يواجه أحدا بشئ يكرهه فلما قام قال لو أمرتم هذا أن يترك هذه الصفرة
وسلم هذا بفتح المهملة وسكون اللام فيه لين
83

باب ما جاء في كراهية الحرير والديباج
أي في كراهية لبسهما والحرير معروف وهو عربي سمي بذلك لخلوصه يقال لكل
خالص محرر وحررت الشئ خلصته من الاختلاط بغيره وقيل هو فارسي معرب والديباج
نوع منه
قوله من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة معناه معنى قوله صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر
في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يشربها في الآخرة وقد سبق شرح معناه في أول أبواب الأشربة قال
القاضي الشوكاني الظاهر أنه كناية عن عدم دخول الجنة وقد قال الله تعالى في أهل الجنة
ولباسهم فيها حرير فمن لبسه في الدنيا لم يدخل الجنة روى ذلك النسائي عن الزبير
وأخرج النسائي عن ابن عمر أنه قال والله لا يدخل الجنة وذكر الآية وأخرج النسائي والحاكم
عن أبي سعيد أنه قال وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه انتهى وقال السيوطي تأويل
الأكثرين هو أن لا يدخل الجنة مع السابقين الفائزين ويؤيده ما رواه أحمد عن جويرية من لبس
الحرير في الدنيا ألبسه الله يوم القيامة ثوبا من نار انتهى
قوله (وفي الباب عن علي وحذيفة وأنس وغير واحد قد ذكرناه في كتاب اللباس) يعني
في باب الحرير والذهب للرجال وقد ذكرنا هناك تخريج أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله
عنهم
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان (اسمه عبد الله) قال في التقريب
عبد الله بن كيسان التيمي أبو عمر المدني مولى أسماء بنت أبي بكر ثقة من الثالثة
84

باب
قوله (قسم أقبية) قال الحافظ في رواية حاتم قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم أقبية وفي رواية حماد
أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم أقبية من ديباج مزرورة بالذهب فقسمها في ناس من أصحابه (ولم يعط مخرمة
شيئا) أي في حال تلك القسمة وإلا فقد وقع في رواية حماد بن زيد متصلا بقوله من أصحابه
وعزل منها واحدا لمخرمة (انطلق بنا) في رواية حاتم عسى أن يعطينا منها شيئا (أدخل فادعه لي)
في رواية حاتم فقام أبي على الباب فتكلم فعرف النبي صلى الله عليه وسلم صوته قال ابن التين لعل خروج
النبي صلى الله عليه وسلم عند سماع صوت مخرمة صادف دخول المسور إليه (خبأت لك هذا) إنما قال هذا
للملاطفة لأنه كان في خلقه شدة كما في رواية البخاري في الجهاد (قال) أي المسور (فنظر) أي
مخرمة (فقال) أي مخرمة (رضي مخرمة) قال الداؤدي هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم على جهة الاستفهام
أي هل رضيت وقال ابن التين يحتمل أن يكون من قول مخرمة قال الحافظ هو المتبادر للذهن
انتهى ومن فوائد الحديث الاستئلاف للقلوب والمداراة مع الناس
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري في الهبة وفي الشهادات وفي الخمس
وفي الأدب وأخرجه مسلم في الزكاة وأبو داود في اللباس والنسائي في الزينة
85

باب ما جاء إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده
قوله (أخبرنا همام) هو ابن يحيى الأزدي العوذي
قوله (إن الله يحب أن يرى) بصيغة المجهول أي يبصر ويظهر (أثر نعمته) أي إحسانه
وكرمه تعالى فمن شكرها إظهارها ومن كفرانها كتمانها قال المظهر يعني إذا أتى الله عبدا من
عباده نعمة من نعم الدنيا فليظهرها من نفسه بأن يلبس لباسا يليق بحاله لإظهار نعمة الله عليه
وليقصده المحتاجون لطلب الزكاة والصدقات وكذلك العلماء يظهروا علمهم ليستفيد الناس منهم
انتهى
فإن قلت أليس إنه حث على البذاذة
قلت إنما حث عليها لئلا يعدل عنها عند الحاجة ولا يتكلف للثياب المتكلفة كما هو مشاهد
في عادة الناس حتى في العلماء والمتصوفة فأما من اتخذ ذلك ديدنا وعادة مع القدرة على الجديد
والنظافة فلا لأنه خسة ودناءة ويؤيد ما ذكرنا ما رواه البيهقي عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم إن الله
تعالى يحب المؤمن المتبذل الذي لا يبالي ما لبس كذا في المرقاة
قلت هذا الحديث رواه البيهقي في شعب الإيمان وإسناده ضعيف قاله المناوي
قوله (وفي الباب
عن أبي الأحوص عن أبيه وعمران بن حصين وابن مسعود) أما حديث
أبي الأحوص عن أبيه فأخرجه أحمد والنسائي وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه أحمد وأما
حديث ابن مسعود فلينظر من أخرجه
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه الحاكم عن ابن عمر
86

باب ما جاء في الخف الأسود
قوله (عن دلهم) بفتح الدال المهملة والهاء بينهما لام ساكنة (بن صالح) الكندي الكوفي
ضعيف من السادسة (عن حجين) بضم الحاء المهملة وفتح الجيم مصغرا (بن عبد الله) الكندي
مقبول من الثامنة (عن ابن بريدة) اسمه عبد الله
قوله (ساذجين) بفتح الذال المعجمة معرب ساده على ما في القاموس أي غير
منقوشين إما بالخياطة أو بغيرها أو لاشية فيهما تخالف لونهما أو مجردين عن الشعر
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه ابن ماجة (إنما نعرفه من حديث دلهم) وهو ضعيف كما
عرفت وقال ميرك وقد أخرج ابن حبان من طريق الهيثم بن عدي عن دلهم بهذا الاسناد أن
النجاشي كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد زوجتك امرأة من قومك وهي على دينك أم حبيبة بنت أبي
سفيان وأهديتك هدية جامعة قميص وسراويل وعطاف وخفين ساذجين فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم
ومسح عليهما قال سليمان بن داود رواية عن الهيثم قلت للهيثم ما العطاف قال
الطيلسان
باب ما جاء في النهي عن نتف الشيب
قوله (أخبرنا عبدة) هو ابن سليمان الكلابي (عن محمد بن إسحاق) هو إمام المغازي
87

قوله (نهى عن نتف الشيب) أي الشعر الأبيض من اللحية أو الرأس (قال إنه نور
المسلم) الإضافة للاختصاص أي وقاره المانع من الغرور بسبب انكسار النفس عن الشهوات
والفتور وهو المؤدي إلى نور الأعمال الصالحة فيصير نورا في قبره ويسعى بين يديه في ظلمات
حشره قال ابن العربي إنما نهى عن النتف دون الخضب لأن فيه تغيير الخلقة عن أصلها
بخلاف الخضب فإنه لا يغير الخلقة على الناظر إليه
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وأخرج مسلم في
الصحيح من حديث قتادة عن أنس بن مالك قال كنا نكره أن ينتف الرجل الشعرة البيضاء من
رأسه ولحيته (وقد رواه عبد الرحمن بن الحارث) بن عياش بن أبي ربيعة 91
باب ما جاء أن المستشار مؤتمن
قوله (عن داود بن أبي عبد الله) مولى بني هاشم مقبول من السابعة (عن ابن جدعان) ابن
جدعان هذا ليس هو علي بن زيد بن جدعان بل هو عبد الرحمن بن محمد بن زيد بن جدعان
قال الحافظ في التقريب عبد الرحمن بن محمد عن جدته عن أم سلمة وعنه داود بن أبي عبد الله
مولى بني هاشم كذا وقع في رواية للبخاري وبين في التاريخ أنه عبد الرحمن بن محمد بن زيد بن
جدعان وعند الترمذي عن ابن جدعان وثقه النسائي من الرابعة (عن جدته) لا تعرف كذا
في التقريب
قوله (المستشار) من استشاره طلب رأيه فيما فيه المصلحة (مؤتمن) اسم مفعول من الأمن
أو الأمانة ومعناه أن المستشار أمين فيما يسأل من الأمور فلا ينبغي أن يخون المستشير بكتمان
مصلحته
88

قوله (وفي الباب عن ابن مسعود وأبي هريرة وابن عمر) أما حديث ابن مسعود فلم أقف
عليه وقد روى أحمد وابن ماجة عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المستشار مؤتمن وأما
حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي بعد هذا وأما حديث ابن عمر فلينظر من أخرجه
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه البخاري في الأدب المفرد وفي سنده جدة ابن
جدعان وهي مجهولة كما عرفت
قوله (أخبرنا شيبان) هو ابن عبد الرحمن النحوي (عن عبد الملك بن عمير) اللخمي الكوفي
قوله (هذا حديث الخ) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة
قوله (فما أخرم) بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة وكسر الراء أي لا أنقص (منه) أي
من الحديث (حرفا) أي لفظا بل أحدثه بغير زيادة ونقص 92
باب ما جاء في الشؤم
قوله (عن سالم وحمزة ابني عبد الله بن عمر) حمزة هذا هو شقيق سالم ثقة من الثالثة
89

قوله (الشؤم) بضم المعجمة وسكون الهمزة وقد تسهل فتصير واوا قال في النهاية الواو
في الشؤم همزة ولكنها خففت فصارت واوا وغلب عليها التخفيف حق لم ينطق بها مهموزة ولذلك
أثبتناها ههنا والشؤم ضد اليمن يقال تشاءمت بالشئ وتيمنت به (في ثلاثة) أي في ثلاثة أشياء
(في المرأة والمسكن والدابة) بدل بإعادة الجار قال النووي في شرح مسلم اختلف العلماء في هذا
الحديث فقال مالك وطائفة هو على ظاهره وأن الدار قد يجعل الله تعالى سكناها سببا للضرر أو
الهلاك وكذا اتخاذ المرأة المعينة أو الفرس أو الخادم قد يحصل الهلاك عنده بقضاء الله تعالى
ومعناه قد يحصل الشؤم في هذه الثلاثة كما صرح به في رواية إن يكن الشؤم في شئ وقال
الخطابي وكثيرون هو في معنى الاستثناء من الطيرة أي الطيرة منهي عنها إلا أن يكون له دار يكره
سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس أو خادم فليفارق الجميع بالبيع ونحوه وطلاق المرأة
وقال آخرون شؤم الدار ضيقها وسوء جيرانها وأذاهم وشؤم المرأة عدم ولادتها وسلاطة
لسانها وتعرضها للريب وشؤم الفرس أن لا يغزى عليها وقيل حرانها وغلاء ثمنها وشؤم
الخادم سوء خلقه وقلة تعهده لما فوض إليه وقيل المراد بالشؤم ههنا عدم الموافقة واعترض
بعض الملاحدة بحديث لا طيرة على هذا فأجاب ابن قتيبة وغيره بأن هذا مخصوص من
حديث لا طيرة أي لا طيرة إلا في هذه الثلاثة
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان (ورواية سعيد أصح) أي رواية
سعيد عن سفيان بدون ذكر حمزة أصح من رواية ابن أبي عمر عن سفيان بذكر حمزة مع سالم (لأن
علي بن المديني والحميدي رويا عن سفيان ولم يرو لنا الزهري هذا الحديث إلا عن سالم عن ابن
90

عمر) يعني أن علي بن المديني والحميدي رويا عن سفيان أنه قال لم يرو لنا الزهري هذا الحديث إلا
عن سالم عن ابن عمر قال الحافظ في الفتح ونقل الترمذي عن ابن المديني والحميدي أن سفيان
كان يقول لم يرو الزهري هذا الحديث إلا عن سالم انتهى وكذا قال أحمد عن سفيان إنما تحفظه
عن سالم قال الحافظ لكن هذا الحصر مردود فقد حدث به مالك عن الزهري عن سالم وحمزة
ابني عبد الله بن عمر عن أبيهما ومالك من كبار الحفاظ ولا سيما في حديث الزهري وكذا رواه
ابن أبي عمر عن سفيان نفسه أخرجه مسلم والترمذي عنه وهو يقتضي رجوع سفيان عما سبق من
الحصر وأما الترمذي فجعل رواية ابن أبي عمر هذه مرجوحة وقد تابع مالكا أيضا يونس من
رواية ابن وهب عنه كما سيأتي في الطب وصالح بن كيسان عند مسلم وأبو أويس عند أحمد
ويحيى بن سعيد وابن أبي عتيق وموسى بن عقبة ثلاثتهم عند النسائي كلهم عن الزهري عنهما
ورواه إسحاق بن راشد عن الزهري فاقتصر على حمزة أخرجه النسائي وكذا أخرجه ابن
خزيمة وأبو عوانة من طريق عقيل وأبو عوانة من طريق شبيب بن سعيد كلاهما عن الزهري
ورواه القاسم بن مبرور عن يونس فاقتصر على حمزة أخرجه النسائي أيضا وكذا أخرجه أحمد
من طريق رباح بن زيد عن معمر مقتصرا على حمزة وأخرجه النسائي من طريق عبد الواحد عن
معمر فاقتصر على سالم فالظاهر أن الزهري يجمعها تارة ويفرد أحدهما أخرى وقد رواه
إسحاق في مسنده عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فقال عن سالم أو حمزة أو كلاهما وله
أصل عن حمزة من غير رواية الزهري أخرجه مسلم من طريق عتبة بن مسلم عنه
قوله (وفي الباب عن سهل بن سعد وعائشة وأنس) أما حديث سهل بن سعد فأخرجه
الشيخان وأما حديث عائشة فأخرجه أحمد في مسنده والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية
ولفظه الشؤم سوء الخلق وأما حديث أنس فأخرجه أبو داود عنه قال قال رجل يا رسول الله
صلى الله عليه وسلم إنا كنا في دار كثير فيها عددنا وكثير فيها أموالنا فتحولنا إلى دار أخرى فقل فيها عددنا
وقلت فيها أموالنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذروها ذميمة والحديث سكت عنه هو والمنذري (وقد
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن كان الشؤم في شئ ففي المرأة والدابة والسكن رواه الشيخان
عن ابن عمر وكذا عن سهل بن سعد ومعنى هذا الحديث إن فرض وجود الشؤم يكون في هذه
91

الثلاثة والمقصود منه نفي صحة الشؤم ووجوده على وجه المبالغة فهو من قبيل قوله صلى الله عليه وسلم لو كان شئ
سابق القدر لسبقته العين فلا ينافيه حينئذ عموم نفي الطيرة في قوله صلى الله عليه وسلم لا عدوى ولا طيرة
فإن قلت فما وجه التوفيق بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم الشؤم في ثلاثة الخ
قلت قد جمعوا بينهما بوجوه منها أن قوله صلى الله عليه وسلم الشؤم في ثلاثة الخ كان في أول الأمر ثم
نسخ ذلك بقوله تعالى ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب الآية
حكاه ابن عبد البر والنسخ لا يثبت بالاحتمال لا سيما مع إمكان الجمع ولا سيما وقد ورد في
حديث ابن عمر عند البخاري نفي التطير ثم إثباته في الأشياء الثلاثة ولفظه لا عدوى ولا
طيرة والشؤم في ثلاث في المرأة والدار والدابة ومنها ما قال الخطابي هو استثناء من غير الجنس
معناه إبطال مذهب الجاهلية في التطير فكأنه قال إن كان لأحدكم دار يكره سكناها أو امرأة
يكره صحبتها أو فرس يكره سيره فليفارقه ومنها أنه ليس المراد بالشؤم في قوله الشؤم في ثلاثة
معناه الحقيقي بل المراد من شؤم الدار ضيقها وسوء جوارها ومن شؤم المرأة أن لا تلد وأن تحمل
لسانها عليك ومن شؤم الفرس أن لا يغزى عليه وقيل حرانها وغلاء ثمنها ويؤيد هذا الجمع
ما أخرجه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم من حديث سعد مرفوعا من سعادة ابن آدم ثلاثة
المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة المرأة السوء والمسكن
السوء والمركب السوء وفي رواية ابن حبان المركب الهنيئ والمسكن الواسع وفي رواية
للحاكم ثلاثة من الشقاء المرأة تراها فتسوؤك وتحمل لسانها عليك والدابة تكون قطوفا فإن
ضربتها أتعبتك وإن تركتها لم تلحق أصحابك والدار تكون ضيقة قليلة المرافق
قوله (لا شؤم) أي في شئ (وقد تكون اليمن) بضم التحتية وسكون الميم (في الدار
والمرأة والفرس) أي قد تكون البركة في هذه الأشياء واليمن ضد الشؤم قال الحافظ في الفتح
بعد ذكر هذا الحديث في إسناده ضعف مع مخالفته للأحاديث الصحيحة انتهى
قوله (عن سليمان بن سليم) بضم السين مصغرا الكناني الكلبي الشامي القاضي
بحمص ثقة عابد من السابعة (عن معاوية بن
حكيم) بن معاوية النميري مقبول من الثالثة
92

كذا في التقريب وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى عن أبيه وقيل عن عمه وعنه يحيى بن
جابر الطائي قاضي حمص (عن عمه حكيم بن معاوية) النميري مختلف في صحبته له حديث وقيل
إنما يروي عن أبيه أو عن عمه والصواب أنه تابعي من الثانية كذا في التقريب وقال في تهذيب
التهذيب في ترجمته مختلف في صحبته وروى عنه ابن أخيه معاوية قاله يحيى بن جابر عنه وقيل
عن يحيى بن جابر عن حكيم بن معاوية عن عمه معمر بن معاوية والاختلاف فيه على إسماعيل
بن عياش عن سليمان بن سليم عن يحيى ورواه بقية عن سليمان عن يحيى عن ابن معاوية حكيم عن
أبيه انتهى
باب لا يتناجى اثنان دون ثالث
قوله (عن شقيق) يعني ابن سلمة (عن عبد الله) أي ابن مسعود رضي الله عنه
قوله (إذا كنتم ثلاثة) أي في المصاحبة سفرا أو حضرا (فلا ينتجي) من الانتجاء وهو
التناجي (اثنان) أي لا يتكلما بالسر يقال انتجى القوم وتناجوا أي سار بعضهم بعضا (دون
صاحبهما) أي الثالث (فلا يتناجى اثنان) أي لا يتكلما بالسر (دون الثالث) أي مجاوزين عنه غير
مشاركين له لئلا يتوهم أن نجواهما لشر متعلق به (فإن ذلك) أي تناجي الاثنين دون الثالث
(يحزنه) بفتح التحتية وضم الزاي ويجوز ضم التحتية وكسر الزاي قال في القاموس حزنه
الأمر حزنا بالضم وأحزنه جعله حزينا انتهى والضمير المنصوب في قوله يحزنه للثالث
قال النووي في الحديث النهي عن تناجي اثنين بحضرة ثالث وكذا ثلاثة وأكثر بحضرة
واحد وهو نهى تحريم فيحرم على الجماعة المناجاة دون واحد منهم إلا أن يأذن ومذهب ابن
عمر رضي الله عنه ومالك وأصحابنا وجماهير العلماء أن النهي عافي كل الأزمان وفي الحضر
والسفر وقال بعض العلماء إنما المنهي عنه المناجاة في السفر دون الحضر لأن السفر مظنة
93

الخوف وادعى بعضهم أن هذا الحديث منسوخ وأنه كان هذا في أول الإسلام فلما فشا الاسلام
وأمن الناس سقط النهي وكان المنافقون يفعلون ذلك بحضرة المؤمنين ليحزنوهم أما إذا كانوا
أربعة فتناجى اثنان دون اثنين فلا بأس بالإجماع انتهى
قلت دعوى نسخ أحاديث الباب أو تخصيصها بالسفر لا دليل عليها فالقول المعتمد
المعول عليه هو أن النهي عام في كل الأزمان وفي السفر والحضر
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجة
قوله (وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة وابن عباس) أما حديث ابن عمر فأخرجه
الشيخان وأبو داود وأما حديث أبي هريرة وحديث ابن عباس فلينظر من أخرجهما 94
باب ما جاء في العدة
قوله (عن أبي جحيفة) بضم جيم فحاء مهملة مفتوحة فياء ساكنة بعدها فاء صحابي
معروف (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض) أي مائلا إلى الحمرة (قد شاب) أي ظهر فيه شيب (وكان
الحسن بن علي يشبهه) أي في النصف الأعلى فقد أخرج الترمذي في المناقب عن علي قال
الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس
والحسين أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان
أسفل من ذلك (وأمر لنا) أي له ولقومه من بني سواءة ابن عامر بن صعصعة وكان أمر لهم بذلك
على سبيل جائزة الوفد (قلوصا) بفتح فضم أي ناقة شابة (فذهبنا نقبضها) أي فشرعنا في
94

الذهاب إلى المأمور لنقبض العطاء المذكور (فأتانا موته) أي خبر موته قبل أن نقبضها (فلما قام أبو
بكر) أي خطيبا أو قام بأمر الخلافة (فليجئ) أي فليأت إلينا فإن وفاءه علينا ولعل الاكتفاء بها
وعدم ذكر الدين هنا لأنه يلزم منها بالأولى ويمكن أن يكون اقتصارا من الراوي لا سيما وكلامه في
العدة (فقمت إليه) أي متوجها (فأخبرته) أي بما سبق (فأمر لنا بها) أي بالقلوص الموعودة
قوله (هذا حديث حسن) قال في جامع الأصول اتفق البخاري ومسلم والترمذي على
الفصل الأول من حديث أبي جحيفة واتفق البخاري والترمذي على الفصل الثاني وانفرد
الترمذي بذكر أبي بكر وإعطائه إياهم كذا قاله الشيخ الجزري في تصحيح المصابيح قال ميرك
ولذا قال المؤلف يعني صاحب المشكاة في آخر مجموع الحديث رواه الترمذي كذا في المرقاة
قوله (ولم يزيدوا) أي غير واحد من أصحاب إسماعيل بن أبي خالد (على هذا) أي على
هذا القدر ولم يذكروا قوله وأمرنا الخ
قوله (وفي الباب عن جابر) أخرجه الشيخان (وهب السوائي) بضم السين المهملة والمد
95

باب ما جاء في فداك أبي وأمي
قوله (جمع أبويه لأحد) أي في الفداء (غير سعد بن أبي وقاص) يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم
يقل لأحد فداك أبي وأمي إلا لسعد
قوله (عن ابن جدعان) هو علي زيد بن جدعان
قوله (فداك أبي وأمي) بكسر الفاء أي أبي وأمي مفدى لك وفي هذه التفدية تعظيم
لقدره واعتداد بعمله واعتبار بأمره وذلك لأن الإنسان لا يفدى إلا من يعظمه فيبذل نفسه أو أعز
أهله له (إرم أيها الغلام الحزور) بفتح الحاء المهملة والزاي والواو المشددة قال في النهاية هو
الذي قارب البلوغ والجمع الحزاورة قال السيد جمال الدين هذا أصل معناه ولكن المراد هنا
للشاب لأن سعدا جاوز البلوغ يومئذ انتهى قلت الأمر كما قال السيد جمال الدين لأن
سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أسلم قديما وهو ابن سبع عشرة سنة وقد يجئ الحزور بمعنى
الرجل القوي قال في القاموس الحزور كعملس الغلام القوي والرجل القوي
قوله (وفي الباب عن الزبير وجابر) أما حديث الزبير فأخرجه الشيخان عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأتي بني قريظة فيأتيني بخبرهم فانطلقت فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
أبويه فقال فداك أبي وأمي
فإن قلت قول علي ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أباه وأمه لأحد إلا لسعد بن أبي وقاص يخالف
حديث الزبير هذا فما وجه التوفيق بينهما
96

قلت قال الحافظ في الفتح بعد حديث علي هذا ما لفظه في هذا الحصر نظر لما تقدم في
ترجمة الزبير أنه صلى الله عليه وسلم جمع له أبويه يوم الخندق ويجمع بينهما بأن عليا رضي الله تعالى عنه لم يطلع
على ذلك أو مراده بذلك بقيد يوم أحد انتهى وأما حديث جابر فلينظر من أخرجه
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما
قوله (حدثنا بذلك قتيبة بن سعيد أخبرنا الليث بن سعد وعبد العزيز بن محمد الخ)
وأخرجه الشيخان (وكلا الحديثين صحيح) أي حديث يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن
علي وحديثه عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص كلاهما صحيح 96
باب ما جاء في يا بني
قوله (أخبرنا أبو عثمان) اسمه الجعد بن دينار اليشكري الصيرفي البصري صاحب الحلا
بضم المهملة ثقة من الرابعة
قوله (قال له يا بني) بفتح الياء المشددة وكسرها وقرئ بهما في السبع الأكثرون بالكسر
وبعضهم بإسكانها وفي هذا الحديث جواز قول الإنسان لغير ابنه ممن هو أصغر سنا منه يا ابني
ويا بني مصغرا ويا ولدي ومعناه تلطف وأنك عندي بمنزلة ولدي في الشفقة وكذا يقال له
97

ولمن هو في مثل سن المتكلم يا أخي للمعنى الذي ذكرناه وإذا قصد التلطف كان مستحبا كما فعله
النبي صلى الله عليه وسلم قاله النووي
قوله (وفي الباب عن المغيرة وعمر بن أبي سلمة) أما حديث المغيرة وهو ابن شعبة فأخرجه
مسلم وأما حديث عمر بن أبي سلمة فأخرجه الترمذي في باب التسمية على الطعام
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه مسلم 97
باب ما جاء في تعجيل اسم المولود
قوله (حدثنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم الخ) كنيته أبو الفضل البغدادي قاضي
أصبهان ثقة من الحادية عشرة (أخبرنا شريك) هو ابن عبد الله القاضي النخعي الكوفي (عن
محمد بن إسحاق) هو صاحب المغازي
قوله (أمر بتسمية المولود يوم سابعه) فيه دليل على تسمية المولود يوم السابع وقد ورد
فيه غير هذا الحديث وقد ثبت تسمية المولود يوم الولادة أيضا وقد تقدم الكلام في هذا في آخر
أبواب الأضاحي (ووضع الأذى عنه) عطف على تسمية المولود والمراد بوضع الأذى عنه إماطته
وإزالته كما في حديث سلمان بن عامر عند البخاري مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دما وأميطوا
عنه الأذى قال الحافظ في الفتح قوله أميطوا عنه الأذى أي أزيلوا وزنا ومعنى قال وقع عند
98

أبي داود من طريق سعيد بن أبي عروبة وابن عون عن محمد بن سيرين قال إن لم يكن الأذى حلق
الرأس فلا أدري ما هو وأخرج الطحاوي من طريق يزيد بن إبراهيم عن محمد بن سيرين قال
لم أجد من يخبرني عن تفسير الأذى انتهى وقد جزم الأصمعي بأنه حلق الرأس وأخرجه أبو داود
بسند صحيح عن الحسن كذلك ووقع في حديث عائشة عند الحاكم وأمر أن يماط عن رؤوسهما
الأذى ولكن لا يتعين ذلك في حلق الرأس فقد وقع في حديث ابن عباس عند الطبراني ويماط
عنه الأذى ويحلق رأسه فعطفه عليه فالأولى حمل الأذى على ما هو أعم من حلق الرأس ويؤيد
ذلك أن في بعض طرق حديث عمرو بن شعيب ويماط عنه أقذاره رواه أبو الشيخ انتهى
(والعق) أي الذبح بشاة أو شاتين
قوله (هذا حديث حسن غريب) في سنده شريك القاضي وقد تغير حفظه منذ ولي القضاء
بالكوفة وفي سنده أيضا محمد بن إسحاق وهو يدلس ورواه عن عمرو بن شعيب بالعنعنة
لكن للحديث شواهد ولذلك حسنه الترمذي
باب ما جاء ما يستحب من الأسماء
قوله (حدثنا عبد الرحمن بن الأسود) ابن المأمون الهاشمي مولاهم ثقة من الحادية عشرة
(أخبرنا معمر) بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد الميم المفتوحة (بن سليمان الرقي) النخعي
أبو عبد الله الكوفي ثقة فاضل أخطأ الأزدي في تبينه وأخطأ من زعم أن البخاري أخرج له من
التاسعة (عن علي بن صالح الزنجي) المكي العابد مقبول من الثالثة (عن عبد الله بن عثمان) بن
خثيم بالمعجمة والمثلثة مصغرا
قوله (أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن) فيه التسمية بهذين الاسمين وتفضيلهما
99

على سائر ما يسمى به وقد بين الحافظ ابن القيم وجه التفضيل في كتابه زاد المعاد وقال
القرطبي يلتحق بهذين الاسمين ما كان مثلهما كعبد الرحيم وعبد الملك وعبد الصمد وإنما
كانت أحب إلى الله لأنها تضمنت ما هو وصف واجب لله وما هو وصف للإنسان وواجب له وهو
العبودية ثم أضيف العبد إلى الرب إضافة حقيقة فصدقت أفراد هذه الأسماء وشرفت بهذا
التركيب فحصلت لها هذه الفضيلة وقال غيره الحكمة في الاقتصار على الاسمين أنه لم يقع في
القرآن إضافة عبد إلى اسم من أسماء الله تعالى غيرهما قال الله تعالى وأنه لما قام عبد الله
يدعوه وقال في آية أخرى وعباد الرحمن ويؤيده قوله تعالى قل ادعوا الله أو ادعوا
الرحمن وقد أخرج الطبراني من حديث أبي زهير الثقفي رفعه إذا سميتم فعبدوا ومن حديث
ابن مسعود رفعه أحب الأسماء إلى الله ما تعبدونه وفي إسناد كل منهما ضعف
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجة 99
باب ما جاء ما يكره من الأسماء
قوله (أخبرنا أبو أحمد) اسمه محمد بن عبد الله الزبيري
قوله (لأنهين أن يسمى) بصيغة المجهول (رافع وبركة ويسار) وفي رواية ابن ماجة لئن
عشت إن شاء الله لأنهين أن يسمى رباح ونجيح وأفلح ونافع ويسار وعلة النهي عن التسمية
بهذه الأسماء تأتي في حديث سمرة بن جندب الآتي
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن ماجة (والمشهور عند الناس هذا الحديث عن
جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه عمر) أخرجه مسلم من طريق ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه
100

سمع جابر بن عبد الله يقول أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهى أن يسمى بيعلى وببركة وبأفلح وبيسار
وبنافع وبنحو ذلك ثم رأيته سكت بعد عنها فلم يقل شيئا ثم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينه عن
ذلك ثم أراد عمر أن ينهى عن ذلك ثم تركه
فإن قلت حديث جابر هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن ينهى عن التسمية بهذه الأسماء ولم ينه
عنه وحديث سمرة الآتي يدل على أنه صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ذلك فما وجه الجمع بينهما
قلت وجه الجمع أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن ينهي نهي تحريم ثم سكت بعد ذلك رحمة على الأمة
لعموم البلوى وإيقاع الحرج لا سيما وأكثر الناس ما يفرقون بين الأسماء من القبح والحسن فالنهي
المنفي محمول على التحريم والمثبت على التنزيه
قوله (لا تسم غلامك) أي صبيك أو عبدك (رباح) كذا وقع في النسخ الحاضرة رباح
ويسار ونجيح بغير الألف ووقع في رواية مسلم وأبي داود رباحا ويسارا ونجيحا بالألف وهو
الظاهر ورباح بفتح الراء من الربح ضد الخسارة (ولا أفلح) من الفلاح وهو الفوز (ولا يسار)
من اليسر ضد العسر (ولا نجيح) من النجح وهو الظفر (أثم) أي أهناك (هو) أي المسمى بأحد
هذه الأسماء المذكورة (فيقال لا) أي ليس هناك رباح أو أفلح أو يسار أو نجيح فلا يحسن مثل هذا
في التفاؤل أو فيكره لشناعة الجواب في شرح لسنة معنى هذا أن الناس يقصدون بهذه الأسماء
التفاؤل بحسن ألفاظها أو معانيها وربما ينقلب عليهم ما قصدوه إلى الضد إذا سألوا فقالوا أثم
يسار أو نجيح فقيل لا تتطيروا بنفيه واضمروا اليأس من اليسر وغيره فنهاهم عن السبب الذي
يجلب سوء الظن والإياس من الخير
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود
101

قوله (اخنع اسم) أفعل التفضيل من الخنوع وهو الذل وقد فسره بذلك الحميدي شيخ
البخاري عقب روايته له عن سفيان قال أخنع أذل وأخرج مسلم عن أحمد بن حنبل قال
سألت أبا عمرو والشيباني يعني إسحاق اللغوي عن أخنع فقال أوضع قال عياض معناه أشد
الأسماء صغارا وبنحو ذلك فسره أبو عبيد والخانع الذليل وخنع الرجل ذل قال ابن بطال وإذا
كان الاسم أذل الأسماء كان من تسمى به أشد ذلا وقد فسر الخليل أخنع بأفجر فقال الخنع
الفجور يقال أخنع الرجل إلى المرأة إذا دعاها للفجور كذا في الفتح ويأتي في اخر الحديث
تفسيره بأقبح وهو تفسير بالمعنى اللازم وفي رواية للبخاري أخنى الأسماء وهو من الخنا بفتح
المعجمة وتخفيف النون مقصور وهو الفحش في القول ويحتمل أن يكون من قولهم أخنى عليه
الدهر أي أهلكه وقد ورد بلفظ أخبث بمعجمة وموحدة ثم مثلثة وبلفظ أغيظ وهما عند مسلم
(تسمى) بصيغة الماضي المعلوم من التسمي أي سمى نفسه أو سمي بذلك فرضى به واستمر عليه
(ملك الأملاك) بكسر اللام من ملك والأملاك جمع ملك بالكسر وبالفتح وجمع مليك (قال سفيان
شاهان شاه) وقد تعجب بعض الشراح من تفسير سفيان بن عيينة اللفظة العربية باللفظية
العجمية وأنكر ذلك آخرون وهو غفلة منهم عن مراده وذلك أن لفظ شاهان شاه كان قد كثر
التسمية به في ذلك العصر فنبه سفيان على أن الاسم الذي ورد الخبر بذمه لا ينحصر في ملك
الأملاك بل كل ما أدى معناه بأي لسان كان فهو مراد بالذم وزعم بعضهم أن الصواب
شاه شاهان وليس كذلك لأن قاعدة العجم تقديم المضاف إليه على المضاف فإذا أرادوا قاضي
القضاة بلسانهم قالوا موبذان موبذ فموبذ هو القاضي وموبذان جمعه فكذا شاه هو الملك
وشاهان هو الملوك
واستدل بهذا الحديث على تحريم التسمي بهذا الاسم لورود الوعد الشديد ويلتحق به ما في
معناه مثل خالق الخلق وأحكم الحاكمين وسلطان السلاطين وأمير الأمراء وقيل يلتحق به
أيضا من تسمى بشئ من أسماء الله الخاصة به كالرحمن والقدوس والجبار وهل يلتحق به من
تسمى قاضي القضاة أو حاكم الحكام اختلف العلماء في ذلك قاله الحافظ في الفتح وذكر
اختلاف العلماء فيه فمن شاء الوقوف عليه فليراجعه
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود
102

باب ما جاء في تغيير الأسماء
قوله (وأبو بكر بندار) اسمه محمد بن بشار وبندار لقبه (عن عبيد الله بن عمر) هو
العمري
قوله (غير اسم عاصية وقال أنت جميلة) قيل كانوا يسمون بالعاص والعاصية ذهابا إلى
معنى الإباء عن قبول النقائص والرضاء بالضيم فلما جاء الاسلام نهوا عنه ولعله لم يسمها
مطيعة مع أنها ضد العاصية مخافة التزكية وقال في النهاية إنما غيره لأن شعار المؤمن الطاعة
والعصيان ضدها انتهى قال النووي معنى هذه الأحاديث تغيير الاسم القبيح أو المكروه إلى
حسن وقد ثبت أحاديث بتغييره صلى الله عليه وسلم أسماء جماعة كثيرين من الصحابة وقد بين صلى الله عليه وسلم العلة في
النوعين وما في معناهما وهي التزكية أو خوف التطير
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجة (وإنما أسنده) أي
رواه متصلا (وروى بعضهم هذا عن عبيد الله عن نافع عن عمر مرسلا) أي منقطعا لأن نافعا لم
يسمع من عمر قال الحافظ في تهذيب التهذيب قال أحمد بن حنبل نافع عن عمر منقطع
قوله (وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف وعبد الله
بن سلام الخ) أما حديث
عبد الله بن سلام فأخرجه ابن ماجة وأما حديث عائشة فأخرجه الترمذي بعد هذا وأما حديث
أسامة بن أخدري فأخرجه أبو داود وأما حديث شريح بن هانئ عن أبيه فأخرجه أبو داود
والنسائي، وأما حديث خيثمة بن عبد الرحمن عن أبيه فأخرجه أحمد وأما أحاديث باقي الصحابة
فلينظر من أخرجها
103

قوله (كان يغير الاسم القبيح) أي يبدله بالاسم الحسن والحديث لم يحكم عليه الترمذي
بشئ وفي سنده عمر بن علي المقدمي وهو مدلس ورواه عن هشام بالعنعنة قال ابن سعد كان
ثقة وكان يدلس تدليسا شديدا يقول سمعت وحدثنا ثم يسكت فيقول هشام بن عروة والأعمش
وقال كان رجلا صالحا
باب ما جاء في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم
قوله (عن محمد بن جبير بن مطعم) النوفلي ثقة عارف بالنسب من الثالثة (عن أبيه) هو
جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي صحابي عارف بالأنساب مات
سنة ثمان أو تسع وخمسين
قوله (إن لي أسماء) وفي رواية البخاري من طريق مالك عن ابن شهاب عن محمد بن
جبير بن مطعم عن أبيه لي خمسة أسماء قال الحافظ الذي يظهر أنه أراد أن لي خمسة اختص بها لم
يسم بها أحد قبلي أو معظمة أو مشهورة في الأمم الماضية لا أنه أراد الحصر فيها قال عياض حمى
الله هذه الأسماء أن يسمى بها أحد قبله وإنما تسمى بعض العرب محمدا قرب ميلاده لما سمعوا من
الكهان والأحبار أن نبيا سيبعث في ذلك الزمان يسمى محمدا فرجوا أن يكونوا هم فسموا أبناءهم
بذلك قال وهم ستة لا سابع لهم قال الحافظ قد جمعت أسماء من تسمى بذلك في جزء مفرد
فبلغوا نحو العشرين لكن مع تكرار في بعضهم ووهم في بعض فيتلخص منهم خمسة عشر
نفسا انتهى (أنا محمد وأنا أحمد) قال أهل اللغة رجل محمد ومحمود إذا كثرت خصاله
المحمودة قال ابن فارس وغيره وبه سمي نبينا صلى الله عليه وسلم محمدا وأحمد أي ألهم الله تعالى أهله أن
104

سموه به لما علم من جميل صفاته وقال الحافظ إن هذين الاسمين أشهر أسمائه وأشهرهما محمد
وقد تكرر في القرآن وأما أحمد فذكر فيه حكاية عن قول عيسى عليه السلام فأما محمد فمن باب
التفعيل للمبالغة وأما أحمد فمن باب التفضيل وقيل سمي أحمد لأنه علم منقول من صفة وهي
أفعل التفضيل ومعناه أحمد الحامدين وسبب ذلك ما ثبت في الصحيح أنه يفتح عليه في المقام
المحمود بمحامد لم يفتح بها على أحد قبله وقيل الأنبياء حمادون وهو أحمدهم أي أكثرهم حمدا أو
أعظمهم في صفة الحمد وأما محمد فهو منقول من صفة الحمد أيضا وهو بمعنى محمود وفيه معنى
المبالغة والمحمد الذي حمد مرة بعد مرة كالمدح قال الأعشى
إليك أبيت اللعن كان وجيفها إلى الماجد القرم الجواد المحمد
أي الذي حمد مرة بعد مرة أو الذي تكاملت فيه الخصال المحمودة (وأنا الماحي الذي يمحو
الله بي الكفر) قال العلماء المراد محو الكفر من مكة والمدينة وسائر بلاد العرب وما زوي له صلى الله عليه وسلم
من الأرض ووعد أن يبلغه ملك أمته قالوا ويحتمل أن المراد المحو العام بمعنى الظهور بالحجة
والغلبة كما قال تعالى ليظهره على الدين كله وجاء في حديث اخر تفسير الماحي بأنه الذي
محيت به سيئات من اتبعه فقد يكون المراد بمحو الكفر هذا ويكون كقوله تعالى قل للذين
كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف والحديث الصحيح الاسلام يهدم ما كان قبله (وأنا
الحاشر) أي ذو الحشر (الذي يحشر) أي يجمع (على قدمي) قال النووي ضبطوه بتخفيف الياء
على الافراد وتشديدها على التثنية قال الطيبي والظاهر على قدميه اعتبارا للموصول إلا أنه
اعتبر المعنى المدلول للفظة أنا وفي شرح السنة أي يحشر أول الناس لقوله أنا أول من تنشق
عنه الأرض وقال الحافظ في الفتح على قدمي أي على أثري أي أنه يحشر قبل الناس وهو
موافق لقوله في الرواية الأخرى يحشر الناس على عقبي انتهى وقال الطيبي هو من الإسناد
المجازي لأنه سبب في حشر الناس لأن الناس لم يحشروا ما لم يحشر (وأنا العاقب الذي ليس بعده
نبي) قال النووي أما العاقب ففسره في الحديث بأنه ليس بعده نبي أي جاء عقبهم قال ابن
الأعرابي العاقب والعقوب الذي يخلف في الخير من كان قبله
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيره
105

باب ما جاء في كراهية الجمع بين اسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته
اعلم أن علماء العربية قالوا العلم إما أن يكون مشعرا بمدح أو ذم وهو اللقب وإما أن لا
يكون فإما أن يصدر بأب أو أم أو ابن كأبي بكر وأم كلثوم وابن عباس وهو الكنية أو لا وهو
الاسم فاسم النبي صلى الله عليه وسلم محمد وكنيته أبو القاسم ولقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما كنى بأكبر أولاده
ثم اعلم أنه قد ورد في التسمي باسمه صلى الله عليه وسلم والتكني بكنيته أحاديث مختلفة ولذلك اختلف
أقوال أهل العلم فيه قال النووي اختلف العلماء في هذه المسألة على مذاهب كثيرة وجمعها
القاضي وغيره
أحدها مذهب الشافعي وأهل الظاهر أنه لا يحل التكني بأبي القاسم لأحد أصلا سواء
كان اسمه محمدا أو أحمد أم لم يكن لظاهر حديث أنس يعني الآتي في هذا الباب
الثاني أن هذا النهي منسوخ فإن هذا الحكم كان في أول الأمر لهذا المعنى المذكور في
الحديث ثم نسخ قالوا فيباح التكني اليوم بأبي القاسم لكل أحد سواء من اسمه محمد أو أحمد أو
غيره وهذا مذهب مالك قال القاضي وبه قال جمهور السلف وفقهاء الأمصار وجمهور العلماء
قالوا وقد اشتهر أن جماعة تكنوا بأبي القاسم في العصر الأول وفيما بعد ذلك إلى اليوم مع كثر
فاعل ذلك وعدم الإنكار
الثالث مذهب ابن جرير أنه ليس بمنسوخ وإنما كان النهي للتنزيه والأدب لا للتحريم
الرابع أن النهي عن التكني بأبي القاسم مختص بمن اسمه محمد أو أحمد ولا بأس بالكنية
وحدها لمن لا يسمى بواحد من الاسمين وهذا قول جماعة من السلف وجاء فيه حديث مرفوع
عن جابر
الخامس أنه ينهى عن التكني بأبي القاسم مطلقا وينهى عن التسمية بالقاسم لئلا يكنى
أبوه بأبي القاسم وقد غير مروان بن الحكم اسم ابنه
عبد الملك حين بلغه هذا الحديث فسماه عبد الملك وكان سماه أولا القاسم وقد فعله بعض الأنصار أيضا
السادس أن التسمية بمحمد ممنوعة مطلقا سواء كان له كنية أم لا وجاء فيه حديث عن
106

النبي صلى الله عليه وسلم تسمون أولادكم ثم تلعنونهم وكتب عمر إلى الكوفة لا تسموا أحدا باسم نبي
وأمر جماعة بالمدينة بتغيير أسماء أبنائهم محمد حتى ذكر له جماعة أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لهم في ذلك
وسماهم به فتركهم قال القاضي والأشبه أن فعل عمر هذا إعظام لاسم النبي صلى الله عليه وسلم لئلا ينتهك
الاسم كما سبق في الحديث تسمونهم محمدا ثم تلعونهم وقيل سبب نهي عمر أنه سمع رجلا
يقول لمحمد بن زيد بن الخطاب فعل الله بك يا محمد فدعاه عمر فقال أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم
يسب بك والله لا تدعى محمدا ما بقيت وسماه عبد الرحمن انتهى كلام النووي وقال القاري
متعقبا على من ادعى النسخ ما لفظه دعوى النسخ ممنوعة بل ينبغي أن يقال ينتفي الحكم بانتفاء
العلة والعلة في ذلك الاشتباه وهو متعين في حال الحياة انتهى
قلت ودعوى انتفاء الحكم بانتفاء العلة مطلقا أيضا ممنوعة قال العيني نقلا عن
الخطابي قد يحدث شئ من أمر الدين بسبب من الأسباب فيزول ذلك السبب ولا يزول حكمه
كالعرايا والاغتسال للجمعة انتهى
قوله (بين اسمه وكنيته) أن بين اسمه صلى الله عليه وسلم وكنيته (ويسمى) بصيغة المعلوم عطف على
يجمع
قوله (وفي الباب عن جابر) أخرجه الترمذي بعد هذا
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو يعلى
قوله إذا سميتم بي فلا تكنوا بي بحذف إحدى التاءين من التكني ولفظ أبي داود من
تسمى باسمي فلا يكنى بكنيتي ومن اكتنى بكنيتي فلا يتسمى باسمي
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان
107

قوله (وقد كره بعض أهل العلم أن يجمع الرجل بين اسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته) واستدل
بحديث أبي هريرة وحديث جابر المذكورين (وقد فعل ذلك بعضهم) أي جمع بين اسمه صلى الله عليه وسلم
وكنيته قال الطحاوي كان في زمن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة كانوا متسمين بمحمد مكتنين
بأبي القاسم منهم محمد بن طلحة ومحمد بن الأشعث ومحمد بن أبي حذيفة قال العيني ومن
جملة من تسمى بمحمد وتكنى بأبي القاسم من أبناء وجوه الصحابة محمد بن جعفر بن أبي طالب
ومحمد بن سعد بن أبي وقاص ومحمد بن حاطب ومحمد بن المنتشر ذكرهم البيهقي في سننه في
باب من رخص الجمع بين التسمي بمحمد والتكني بأبي القاسم
قوله (فقال) أي ذلك الرجل (لم أعنك) من عني يعني أي لم أقصدك يا رسول الله (لا
تكنوا بكنيتي) ولفظ البخاري سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي وحديث أنس هذا أخرجه
الشيخان أيضا
قوله (وفي الحديث كراهية أن يكنى أبا القاسم) قال في التوضيح مذهب الشافعي وأهل
الظاهر أنه لا يحل التكني بأبي القاسم لأحد أصلا سواء كان اسمه محمدا أو أحمدا أم لم يكن لظاهر
الحديث أي حديث أنس المذكور
قوله (حدثني منذر) بن يعلى الثوري بالمثلثة أبو يعلى الكوفي ثقة من السادسة
قوله (أرأيت) أي أخبرني (إن ولد لي) أي ولد (بعدك) أي بعد وفاتك (قال نعم) فيه أن
108

النهي مقصور على زمانه صلى الله عليه وسلم فيجوز الجمع بينهما بعده لرفع الالتباس وبه قال مالك قاله
القارئ
قلت وبه قال جمهور العلماء كما عرفت في كلام النووي ولكن في الاستدلال عليه
بحديث علي هذا نظر فإن قوله رضي الله تعالى عنه في هذا الحديث فكانت رخصة لي يدل على
أن الجواز كان خاصا له فالأحوط في هذا الباب هو ما قال به الشافعي وأهل الظاهر من أنه لا
يحل التكني بأبي القاسم لأحد أصلا سواء كان اسمه محمدا أو أحمد أم لم يكن لظاهر حديث
أنس المذكور في الباب وصوب هذا القول ابن القيم في زاد المعاد حيث قال والصواب أن
التسمي باسمه جائز والتكني بكنيته ممنوع منه والمنع في حياته أشد والجمع بينهما ممنوع منه
وحديث عائشة غريب لا يعارض بمثله الحديث الصحيح وحديث علي رضي الله عنه في صحته
نظر والترمذي فيه نوع تساهل في التصحيح وقد قال علي إنها رخصة له وهذا يدل على إبقاء
المنع لمن سواه انتهى
قلت أراد بحديث عائشة ما رواه أبو داود عنها قالت جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا
رسول الله إني قد ولدت غلاما فسميته محمدا وكنيته أبا القاسم فذكر لي أنك تكره ذلك فقال
ما الذي أحل اسمي وحرم كنيتي أو ما الذي حرم كنيتي وأحل اسمي وفي سنده محمد بن
عمران الحجبي ذكر الطبراني في الأوسط أن محمد بن عمران الحجبي تفرد بن عن صفية بنت
شيبة ومحمد المذكور مجهول انتهى وأما قول ابن القيم بأن في صحة حديث علي نظر فلا وجه
للنظر لأن رجاله كلهم ثقات وسنده متصل
باب ما جاء أمن الشعر حكمة
قوله (أخبرنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية) بفتح المعجمة وكسر النون وتشديد
التحتانية الخزاعي الكوفي أصله من أصبهان صدوق له أفراد من كبار التاسعة (عن أبيه) هو
عبد الملك ثقة من السابعة (عن عاصم) هو ابن بهدلة (عن زر) هو ابن حبيش (عن عبد الله) أي
ابن مسعود
109

قوله (إن من الشعر حكمة) أي قولا صادقا مطابقا للحق وقيل أصل الحكمة المنع
فالمعنى أن من الشعر كلاما نافعا يمنع من السفه وأخرج أبو داود من رواية صخر بن عبد الله بن
بريدة عن أبيه عن جده سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن من البيان سحرا وإن من العلم
جهلا وإن من الشعر حكما وإن من القول عيالا فقال صعصعة بن صوحان صدق
رسول الله صلى الله عليه وسلم أما قوله إن من البيان سحرا فالرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بالحجج من
صاحب الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق وإن قوله وإن من العلم جهلا فيكلف العالم
إلى علمه ما لا يعلم فيجهل ذلك وأما قوله إن من الشعر حكما فهي هذه المواعظ والأمثال
التي يتعظ بها الناس وأما قوله إن من القول عيلا فعرضك كلامك على من لا يريده وقال ابن
التين مفهومه أن بعض الشعر ليس كذلك لأن من تبعيضية
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن أبي شيبة
قوله (وفي الباب عن أبي بن كعب وابن عباس وعائشة وبريدة وكثير بن عبد الله عن أبيه
عن جده) أما حديث أبي بن كعب فأخرجه البخاري وأبو داود وابن ماجة وأما
حديث ابن عباس
فأخرجه الترمذي بعد هذا وأما حديث عائشة فأخرجه الترمذي في الباب الذي يليه وأما
حديث بريدة فأخرجه أبو داود وابن أبي شيبة وأما حديث كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده
فلينظر من أخرجه
قوله (إن من الشعر حكما) بضم فسكون أي حكمة كما في قوله تعالى وآتيناه
الحكم صبيا أي الحكمة كذا قال القارئ وقال العزيزي في السراج المنير في شرح هذا
110

الحديث بكسر ففتح جمع حكمة أي حكمة وكلاما نافعا في المواعظ وذم الدنيا والتحذير من
غرورها ونحو ذلك انتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وابن ماجة والبخاري في الأدب
المفرد
باب ما جاء في إنشاد الشعر
قال في القاموس أنشد الشعر قرأه وأنشد بهم هجاهم
قوله (يضع لحسان منبرا في المسجد) أي يأمر بوضعه وحسان هو ابن ثابت أنصاري
خزرجي شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من فحول الشعراء أجمعت العرب على أن أشعر أهل المدر
حسان بن ثابت (يقوم عليه قائما) أي قياما ففي المفصل قد يرد المصدر على وزن اسم الفاعل
نحو قمت قائما (يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لأجله وعن قبله (أو) شك من الراوي (ينافح)
بنون ثم فاء فحاء مهملة أي يدافع عنه صلى الله عليه وسلم ويخاصم المشركين ويهجوهم مجازاة لهم (يؤيد حسان
بروح القدس) بضم الدال ويسكن أي بجبريل سمى به لأنه كان يأتي الأنبياء بما فيه حياة القلوب
فهو كالمبدأ لحياة القلب كما أن الروح مبدأ حياة الجسد والقدس صفة للروح وإنما أضيف إليه
لأنه مجبول على الطهارة والنزاهة عن العيوب وقيل القدس بمعنى المقدس وهو الله فإضافة
الروح إليه للتشريف ثم تأييده إمداده له بالجواب وإلهامه لما هو الحق والصواب (ما يفاخر أو
ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ما دام مشتغلا بتأييد دين الله وتقوية رسول الله صلى الله عليه وسلم
111

قوله (وفي الباب عن أبي هريرة والبراء) أما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري ومسلم
وأبو داود والنسائي وأما حديث البراء فأخرجه الشيخان
قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) قال صاحب المشكاة بعد ذكر هذا الحديث
أخرجه البخاري وقال الحافظ في الفتح بعد ذكره وعزوه إلى الترمذي ما لفظه وذكر المزي في
الأطراف أن البخاري أخرجه تعليقا نحوه وأتم منه لكني لم أره فيه انتهى
قوله (حدثنا إسحاق بن منصور) هو الكوسج (أخبرنا جعفر بن سليمان) هو الضبعي
قوله (خلوا بني الكفار) أي يا بني الكفار (عن سبيله) أي عن سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم (اليوم
نضربكم) بتسكين الموحدة لضرورة الشعر بل هي لغة قرئ بها في المشهور قاله الحافظ (على
تنزيله) أي على حكم تنزيله (ضربا) مفعول مطلق لنضربكم (يزيل) من الإزالة والجملة صفة
لضربا (الهام) جمع هامة وهي أعلى الرأس وهي الناصية والمفرق (عن مقيله) أي موضعة نقلا
عن موضع القائلة للإنسان كذا في المجمع (ويذهل الخليل عن خليله) من الاذهال عطف على
يزيل أي ينسى ذلك الضرب الخليل عن
خليله (فلهي) بلام التأكيد أي أشعاره (أسرع فيهم)
أي في الكفار (من نضح النبل) أي أشعاره تؤثر فيهم تأثيرا أسرع من تأثير النبل
112

قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه النسائي (وقد روى عبد الرزاق هذا
الحديث أيضا عن معمر عن الزهري عن أنس نحو هذا) ذكر هذه الرواية الحافظ في الفتح في باب
عمرة القضاء وقد بسط الكلام فيما يتعلق بحديث أنس هذا (وروى في غير هذا الحديث أن
النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وكعب بن مالك بين يديه وهذا أصح عند بعض أهل
الحديث لأن عبد الله بن رواحة قتل يوم مؤتة وإنما كانت عمرة القضاء بعد ذلك) قال الحافظ
بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه هو ذهول شديد وغلط مردود وما أدري كيف وقع
الترمذي في ذلك مع وفور معرفته ومع أن في قصة عمرة القضاء اختصام جعفر وأخيه علي
وزيد بن حارثة في بنت حمزة وجعفر قتل هو وزيد وابن رواحة في موطن واحد وكيف يخفى
عليه أعني الترمذي مثل هذا ثم وجدت عن بعضهم أن الذي عند الترمذي من حديث أنس
أن ذلك كان في فتح مكة فإن كان كذلك اتجه اعتراضه لكن الموجود بخط الكروخي راوي
الترمذي ما تقدم انتهى
قلت قول الحافظ ومع أن في قصة عمرة القضاء اختصام جعفر وأخيه علي وزيد بن حارثة
في بنت حمزة أشار به إلى ما في حديث البراء في عمرة القضاء من قوله فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فتبعته ابنة
حمزة تنادي يا عم يا عم فتناولها علي فأخذ بيدها وقال لفاطمة دونك ابنة عمك حملتها فاختصم
فيها علي وزيد وجعفر قال علي أنا أخذتها وهي بنت عمي وقال جعفر ابنة عمي وخالتها تحتي
وقال زيد ابنة أخي فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال الخالة بمنزلة الأم رواه البخاري وغيره
وأما قوله وجعفر قتل هو وزيد وابن رواحة في موطن واحد فأشار إلى حديث أنس في غزوة مؤتة
أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال أخذ الراية زيد
فأصيب ثم أخذ جعفر فأصيب ثم أخذ ابن رواحة فأصيب وعيناه تذرفان حتى أخذ الراية سيف
من سيوف الله حتى فتح الله عليهم رواه البخاري وغيره
113

قوله (يتمثل بشئ من الشعر) أي ينشد به قال في القاموس تمثل أنشد بيتا ثم آخر
انتهى وقال في الصراح تمثل بهذا البيت وتمثل هذا البيت بمعنى (بشعر ابن رواحة) هو
عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس الخزرجي الأنصاري الشاعر أحد السابقين شهد
بدرا واستشهد بمؤتة وكان ثالث الأمراء بها (ويقول) أي النبي صلى الله عليه وسلم (ويأتيك بالأخبار من لم تزود)
من التزويد وهو إعطاء الزاد يقال أزاده وزوده أي أعطاه الزاد وهو طعام يتخذ للسفر وضمير
المفعول محذوف أي من لم تزوده وهذا مصراع ثان من بيت ابن رواحة والمصرع الأول منه
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا وقوله ستبدي من الابداء يقول ستظهر لك الأيام ما
كنت غافلا عنه وينقل إليك الأخبار من لم تعطه الزاد
قوله (وفي الباب عن ابن عباس) أخرجه البزار
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد في مسنده من طريق المغيرة عن الشعبي
عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استراب الخبر تمثل فيه ببيت طرفة ويأتيك
بالأخبار من لم تزود قال الحافظ ابن كثير في تفسيره بعد ذكر هذا الحديث وهكذا رواه النسائي
في اليوم والليلة من طريق إبراهيم بن مهاجر عن الشعبي عنها ورواه الترمذي والنسائي أيضا من
حديث المقدام بن شريح بن هانئ عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها كذلك ثم قال الترمذي
هذا حديث حسن صحيح انتهى
تنبيه اعلم أن نسبة عائشة رضي الله عنها الشعر المذكور إلى ابن رواحة نسبة مجازية فإنه
ليس له بل هو لطرفة بن العبد البكري في معلقته المشهورة وقد نسبته عائشة إلى طرفة أيضا كما في
رواية أحمد المذكورة
قوله (أشعر كلمة تكلمت بها العرب) أي أحسنها وأجودها وفي رواية أصدق كلمة قالها
الشاعر والمراد بالشاعر في هذه الرواية جنس الشاعر وفي رواية أصدق بيت قالته الشعراء
114

وهذه الروايات كلها في الصحيح والمراد بالكلمة ههنا القطعة من الكلام (قوله لبيد) هو ابن
ربيعة الشاعر العامري قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سنة وفد قومه بنو جعفر بن كلاب وكان شريفا في
الجاهلية والاسلام نزل الكوفة ومات بها سنة إحدى وأربعين وله من العمر مائة وأربعون سنة
وقيل مائة وسبع وخمسون سنة ذكره صاحب المشكاة ومن جملة فضائله أنه لما أسلم لم يقل شعرا
وقال يكفيني القرآن (ألا) للتنبيه (كل شئ ما خلا الله باطل) أي فان مضمحل قال الطيبي
وإنما كان أصدق لأنه موافق لأصدق الكلام وهو قوله تعالى كل من عليها فان وتمام كلام
لبيد
وكل نعيم لا محالة زائل
نعيمك في الدنيا غرور وحسرة وعيشك في الدنيا محال وباطل
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (يتناشدون الشعر) أي ينشد بعضهم بعضا (ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية
الخ) وفي رواية مسلم وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم صلى الله عليه وسلم ومن
جملة ما يتحدثون به أنه قال واحد ما نفع أحدا صنمه مثل ما نفعني قالوا كيف هذا قال صنعته
من الحيس فجاء القحط فكنت آكله يوما فيوما وقال اخر رأيت ثعلبين جاءا وصعدا فوق رأس
صنم لي وبالا عليه فقلت أرب يبول الثعلبان برأسه فجئتك يا رسول الله وأسلمت كذا في
المرقاة
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وليس في روايته يتناشدون الشعر
115

باب ما جاء لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير من أن يمتلئ شعرا
قوله (لأن يمتلئ) من الامتلاء (جوف أحدكم قيحا) بفتح القاف وسكون التحتية بعدها
مهملة أي مدة لا يخالطها دم وهو منصوب على التمييز (خير له من أن يمتلئ) أي جوفه (شعرا)
ظاهره العموم في كل شعر لكنه مخصوص بما لم يكن مدحا حقا كمدح الله ورسوله وما اشتمل
على الذكر والزهد وسائر المواعظ مما لا إفراط فيه ويؤيده حديث عمرو بن الشريد عن أبيه قال
ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شئ قلت نعم قال
هيه فأنشدته بيتا فقال هيه ثم أنشدته بيتا فقال هيه حتى أنشدته مائة بيت رواه مسلم قال
ابن بطال ذكر بعضهم أن معنى قوله خير له من أن يمتلئ شعرا يعني الشعر الذي هجي به
النبي صلى الله عليه وسلم وقال أبو عبيد والذي عندي في هذا الحديث غير هذا القول لأن الذي هجي به
النبي صلى الله عليه وسلم لو كان شطر بيت لكان كفرا فكأنه إذا حمل وجه الحديث على امتلاء القلب منه أنه قد
رخص في القليل منه ولكن وجهه عندي أن يمتلئ قلبه من الشعر حتى يغلب عليه فيشغله عن
القرآن وعن ذكر الله فيكون الغالب عليه فأما إذا كان القرآن والعلم الغالبين عليه فليس جوفه
ممتلئا من الشعر قال الحافظ وأخرج أبو عبيد التأويل المذكور من رواية مجالد عن الشعبي
مرسلا فذكر الحديث وقال في آخره يعني من الشعر الذي هجي به النبي صلى الله عليه وسلم وقد وقع لنا
ذلك موصولا من وجهين آخرين فذكرهما الحافظ وضعفهما
قلت والظاهر أن المراد من الامتلاء أن يكون الشعر مستوليا عليه بحيث يشغله عن
القرآن والذكر والعلوم الشرعية وهو مذموم من أي شعر كان وقد ترجم الامام البخاري رحمه الله
في صحيحه على هذا الحديث من رواية ابن عمر وأبي هريرة باب ما يكره أن يكون الغالب على
الانسان الشعر حتى يصده عن ذكر الله والعلم والقرآن
116

قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وابن ماجة
قوله (حدثنا عيسى بن عثمان بن عيسى بن عبد الرحمن الرملي) النهشلي الكوفي صدوق من
الحادية عشرة (أخبرنا عمي يحيى بن عيسى) التميمي النهشلي الفاخوري بالفاء والخاء المعجمة
الكوفي نزيل الرملة صدوق يخطي ورمى بالتشيع من التاسعة
قوله (يريه) بفتح ياء وكسر راء وسكون ياء أخرى صفة قيح أي يفسده من الورى وهو
داء يفسد الجوف ومعناه قيحا يأكل جوفه ويفسده وقيل أي يصل إلى الرئة ويفسدها ورد بأن
المشهور في الرئة الهمز (أن يمتلئ) أي جوفه قال ابن أبي حمزة قوله جوف أحدكم يحتمل أن
يكون المراد جوفه كله وما فيه من القلب وغيره ويحتمل أن يريد به القلب خاصة وهو الأظهر
لأن أهل الطب يزعمون أن القيح إذا وصل إلى القلب شئ منه وإن كان يسيرا فإن صاحبه
يموت لا محالة بخلاف غير القلب مما في الجوف من الكبد والرئة قال الحافظ ويقوي الاحتمال
الأول رواية عوف بن مالك لأن يمتلئ جوف أحدكم من عانته إلى لهاته وتظهر مناسبته للثاني
لأن مقابله وهو الشعر محله القلب لأنه ينشأ عن الفكر وأشار ابن أبي جمرة إلى عدم الفرق في
امتلاء الجوف من الشعر بين من ينشئه أو يتعانى حفظه من شعر غيره كما هو ظاهر
قوله (وفي الباب عن سعد وابن عمر وأبي الدرداء) أما حديث سعد فالظاهر
أنه أراد حديثا آخر له غير حديثه المذكور ولينظر من أخرجه وأما حديث أبي سعيد فأخرجه
مسلم وأما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري والطحاوي وأما حديث أبي الدرداء فأخرجه
الطبراني
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وابن ماجة
117

باب ما جاء في الفصاحة والبيان
قوله (أخبرنا نافع بن عمر) بن عبد الله بن جميل الجمحي المكي ثقة من كبار السابعة
(عن بشر بن عاصم) بن سفيان عن عبد الله بن ربيعة بن الحارث الثقفي الطائفي ثقة من
السادسة (عن أبيه) هو عاصم بن سفيان صدوق من الثالثة
قوله (إن الله يبغض) بضم التحتية وسكون الباء وكسر الغين وكذا هو مضبوط في النسخة
الأحمدية بالقلم قال في القاموس أبغضوه مقتوه وقال في الصراح ابغاض دشمن داشتن
(البليغ) أي المبالغ في فصاحة الكلام وبلاغته (من الرجال) أي مما بينهم وخصوا لأنه الغالب
فيهم (الذي يتخلل بلسانه) أي يأكل بلسانه أو يدير لسانه حول أسنانه مبالغة في إظهار بلاغته
وبيانه (كما يتخلل البقرة) أي بلسانها كما في رواية قال في النهاية أي يتشدق في الكلام بلسانه
ويلفه كما تلف البقرة الكلأ بلسانها لفا انتهى وخص البقرة لأن جميع البهائم تأخذ النبات
بأسنانها وهي تجمع بلسانها وأما من بلاغته خلقية فغير مبغوض كذا في السراج المنير
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وأبو داود
قوله (وفي الباب عن سعد) أي ابن أبي وقاص أخرجه أحمد عنه مرفوعا لا تقوم الساعة
حتى يخرج قوم يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقرة بألسنتها
118

باب
قوله (عن كثير بن شنطير) بكسر معجمة وسكون نون وكسر ظاء معجمة وسكون تحتية
وبراء المازني هو أبو قرة البصري صدوق يخطئ من السادسة
قوله (خمروا الآنية) بفتح معجمة وتشديد ميم أي غطوها وفي رواية لمسلم وخمروا
آنيتكم واذكروا اسم الله ولو أن تعرضوا عليها شيئا (وأوكوا) بفتح الهمزة وضم الكاف من
الإيكاء (الأسقية) جمع السقاء بكسر السين أي شدوا واربطوا رأس السقاء بالوكاء وهو ما يشد
به فم القربة وزاد مسلم واذكروا اسم الله (وأجيفوا الأبواب) أي أغلقوها زاد مسلم في رواية
واذكروا اسم الله (وأطفئوا) بهمزة قطع وكسر فاء فهمزة مضمومة (المصابيح) جمع المصباح أي
السراج (فإن الفويسقة) تصغير الفاسقة والمراد الفأرة لخروجها من جحرها على الناس وإفسادها
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن
ماجة
باب
قوله: (أخبرنا عبد العزيز بن محمد) هو الدراوردي
قوله (إذا سافرتم في الخصب) بكسر المعجمة أي زمان كثرة العلف والنبات (فأعطوا
119

الإبل حظها من الأرض) أي من نباتها يعني دعوها ساعة فساعة ترعى إذ حقها من الأرض
رعيها فيه (وإذا سافرتم في السنة) أي القحط أو زمان الجذب (فبادروا بها بنقيها) بكسر النون
وسكون القاف بعدها تحتية أي أسرعوا عليها السير ما دامت قوية النقي وهو المخ قال
القاري والظاهر أنه منصوب على أنه مفعول بادروا وعليه الأصول من النسخ المضبوطة يعني
من المشكاة وقال الطيبي يحتمل الحركات الثلاث أن يكون منصوبا مفعولا به وبها حال منه
أي بادروا نقيها إلى المقصد ملتبسا بها أو من الفاعل أي ملتبسين بها ويجوز أن تكون الباء سببية
أي بادروا بسبب سيرها نقيها وأن تكون للاستعانة أي بادروا نقيها مستعينين بسيرها ويجوز أن
يكون مرفوعا فاعلا للظرف وهو حال أيي بادروا إلى المقصد ملتبسا بها نقيها أو مبتدأ والجار
والمجرور خبره والجملة حال كقولهم فوه إلى في وأن يكون مجرورا بدلا من الضمير المجرور
والمعنى سارعوا بنقيها إلى المقصد باقية النقي فالجار والمجرور حال (وإذا عرستم) بتشديد الراء أي
نزلتم بالليل قال في القاموس أعرس القوم نزلوا في آخر الليل للاستراحة كعرسوا (فإنها
طرق الدواب) أي دواب المسافرين أو دواب الأرض من السباع وغيرها (ومأوى الهوام بالليل)
وهي بتشديد الميم جمع هامة كل ذات سم قال النووي هذا أدب من آداب السير والنزول
أرشد إليه صلى الله عليه وسلم لأن الحشرات ودواب الأرض من ذوات السموم والسباع تمشي في الليل على الطرق
لسهولتها ولأنها تلتقط منها ما يسقط من مأكول ونحوه وما يجد فيها من رمة ونحوها فإذا عرس
الإنسان على الطريق ربما مر به منها ما يؤذيه فينبغي أن يتباعد عن الطريق انتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي
قوله وفي الباب عن أنس وجابر) أما حديث أنس فأخرجه أبو داود وأما حديث جابر
فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة
120

باب
قوله (أن ينام الرجل) أي ليلا أو مطلقا (ليس بمحجوز عليه) أي ليس حوله جدار مانع
من الوقوع عن السطح
قوله (وعبد الجبار بن عمر الأيلي) بفتح الهمزة وسكون التحتانية الأموي مولاهم
(يضعف) بصبغة المجهول من التضعيف وقد ضعفه كثير من المحدثين كما في تهذيب التهذيب
فالحديث ضعيف لكن له شواهد ذكرها المنذري في الترغيب
قوله (يتخولنا) بالخاء المعجمة أي يتعاهدنا (بالموعظة) أي النصح والتذكير (الأيام) صفة
الموعظة أي بالموعظة الكائنة في الأيام (مخافة السئامة) كلام إضافي منصوب على أنه مفعول له أي
لأجل مخافة السئامة والسئامة مثل الملالة لفظا ومعنى وصلة السئامة محذوفة لأنه يقال سأمت من
الشئ والتقدير مخافة السئامة من الموعظة (علينا) إما يتعلق بالسئامة على تضمين السئامة معنى
المشقة أي مخافة المشقة علينا إذ المقصود بيان رفق النبي صلى الله عليه وسلم بالأمة وشفقته عليهم ليأخذوا منه
بنشاط وحرص لا عن ضجر وملل وإما يجعل صفة والتقدير مخافة السامة الطارئة علينا وإما
يجعل حالا والتقدير مخافة السامة حال كونها طارئة
علينا وإما ما يتعلق بالمحذوف والتقدير مخافة
السامة شفقة علينا فافهم وفي الحديث الاقتصاد في الموعظة لئلا تملها القلوب فيفوت مقصودها
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
121

باب
قوله (ما ديم عليه) بصيغة الماضي المجهول من دام يدوم أي العمل الذي دووم عليه
(وإن قل) أي ولو قل العمل وفي الحديث أن العمل القليل مع المداومة والمواظبة خير من العمل
الكثير مع ترك المراعاة والمحافظة
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه النسائي
قوله (أخبرنا عبدة) هو ابن سليمان
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
122

أبواب الأمثال
جمع المثل بفتحتين وهو تشبيه شئ بشئ في حكمه وتقريب المعقول من المحسوس أو أحد
المحسوسين من الاخر واعتبار أحدهما بالاخر قاله ابن القيم في الأعلام وقال البيضاوي في
تفسيره أكثر الله تعالى في كتبه الأمثال وفشت في كلام الأنبياء والحكماء والمثل في الأصل بمعنى
النظير يقال مثل ومثل ومثيل كشبه وشبه وشبيه ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه بموردة ولا
مضرب إلا ما فيه غرابة ولذلك حوفظ عليه من التغير ثم استعير لكل حال أو قصة أو صفة لها
شأن وفيها غرابة كقوله تعالى مثل الجنة التي وعد المتقون وقوله تعالى ولله المثل الأعلى
انتهى
باب ما جاء في مثل الله عز وجل لعباده
قوله (عن بجير بن سعيد) بفتح الموحدة وكسر الحاء المهملة السحولى (عن خالد بن
معدان) الكلاعي الحمصي كنيته أبو عبد الله ثقة عابد يرسل كثيرا من الثالثة (عن النواس) بفتح
النون وتشديد الواو (بن سمعان) بكسر السين المهملة وقيل بفتحها وسكون الميم وبالعين
المهملة صحابي مشهور سكن الشام
قوله (إن الله ضرب مثلا) أي بين مثلا (صراطا مستقيما) بدل من مثلا لا على إهدام
123

المبدل كما في قولك زيد رأيت غلامه رجلا صالحا (على كنفي الصراط) أي على جانبيها والكنف
محركة الجانب (زوران) بضم الزاي تثنية زور أي جداران وفي حديث ابن مسعود عند رزين
سوران بضم السين المهملة تثنية سور والظاهر أن السين قد أبدلت بالزاي كما يقال في الأسدي
الأزدي (لهما) أي للزورين وفي حديث ابن مسعود فيهما (على الأبواب ستور) جمع الستر بالكسر
(وداع يدعو على رأس الصراط) وفي حديث ابن مسعود وعند رأس الصراط داع يقول
استقيموا على الصراط ولا تعوجوا (وداع يدعو فوقه) أي فوق الداعي الأول (والله يدعو إلى دار
السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) وفي حديث ابن مسعود وفوق ذلك داع يدعو كلما
هم عبد أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه (والأبواب
التي على كنفي الصراط حدود الله) أي محارمه (والذي يدعو من فوقه واعظ ربه) وفي حديث ابن
مسعود ثم فسره فأخبر أن الصراط هو الاسلام وأن الأبواب المفتحة محارم الله وأن الستور
المرخاة حدود الله وأن الداعي على رأس الصراط هو القرآن وأن الداعي من فوقه هو واعظ الله
في قلب كل مؤمن قال الطيبي قوله هو واعظ الله في قلب كل مؤمن هو لمة الملك في قلب
المؤمن واللمة الأخرى هي لمة الشيطان
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد والبيهقي في شعب الإيمان (سمعت
عبد الله بن عبد الرحمن) هو الدارمي (يقول سمعت زكريا بن عدي) قال في التقريب زكريا بن
عدي بن الصلت التيمي مولاهم أبو يحيى نزيل بغداد وهو آخر يوسف ثقة جليل يحفظ من كبار
العاشرة ووقع في بعض النسخ زكريا بن أبي عدي بزيادة أبي بين ابن وعدي وهو غلط لأنه ليس
في شيوخ الدارمي ولا في أصحاب أبي إسحاق الفزاري من يسمى بزكريا بن أبي عدي (يقول قال
أبو إسحاق الفزاري) اسمه إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة بن حفص بن
حذيفة ثقة حافظ له تصانيف من الثامنة (خذوا عن بقية ما حدثكم عن الثقات) وكذلك قال غير
124

واحد من أئمة الحديث وقال الحافظ في التقريب في ترجمة بقية بن الوليد هذا إنه صدوق كثير
التدليس انتهى فعنعنته غير مقبولة وإن كانت عن الثقات وروي هذا الحديث عن بجير بن
سعد بالعنعنة (ولا تأخذوا عن إسماعيل بن عياش ما حدثكم عن الثقات ولا غير الثقات) هذا
الذي قاله أبو إسحاق خلاف قول جمهور الأئمة وقد تقدم بيانه في باب لا وصية لوارث من
أبواب الوصايا
قوله (أخبرنا الليث) بن سعد (عن خالد بن يزيد) الجمحي المصري
قوله (كأن جبرئيل) بتشديد النون (وميكائيل عند رجلي) وفي رواية البخاري جاءت
ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم وفي حديث ابن مسعود الآتي إذا أنا برجال عليهم ثياب بيض
فيحتمل أنه كان مع كل منهما غيره واقتصر في رواية الترمذي هذه على من باشر الكلام منهم
ابتداء وجوابا (اضرب) أي بين (له) أي للنبي صلى الله عليه وسلم مثلا أي تمثيلا وتصويرا للمعنى المعقول في
صورة الأمر المحسوس ليكون أوقع تأثيرا في النفوس (فقال اسمع) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم (سمعت
أذنك) جملة دعائية (واعقل) أي افهم وفي حديث ربيعة الجرشي عند الدارمي لتنم عينك
ولتسمع أذنك وليعقل قلبك قال المظهر معناه لا تنظر بعينك إلى شئ ولا تصغ بأذنك إلى شئ
ولا تجر شيئا في قلبك أي كن حاضرا حضورا تاما لتفهم هذا المثل (إنما مثلك ومثل أمتك) أي
صفتك وصفة أمتك (كمثل ملك) أي كصفة ملك بكسر اللام (اتخذ دارا) أي بناها (ثم بنى فيها
بيتا) قال في القاموس الدار المحل يجمع البناء والعرصة كالدائرة انتهى والبيت قطعة من الدار
(ثم جعل فيها مائدة) قال في القاموس المائدة الطعام والخوان عليه الطعام كالميدة فيهما وفي
رواية البخاري وجعل فيها مأدبة والمأدبة بضم الدال وتفتح طعام عام يدعى الناس إليه
لوليمة (ثم بعث رسولا) وفي رواية البخاري داعيا (إلى طعامه) أي إلى طعام الملك (فمنهم من
125

أجاب الرسول) أي قبل دعاءه (ومنهم من تركه) أي لم يجبه وفي حديث ابن مسعود الآتي ومن
لم يجبه عاقبه أو قال عذبه وفي رواية أحمد عذب عذابا شديدا
قوله (هذا حديث مرسل) أي منقطع قال الحافظ في الفتح بعد نقل كلام الترمذي هذا
ما لفظه وقد اعتضد هذا المنقطع بحديث ربيعة الجرشي عند الطبراني بنحو فإنه سياقه وسنده
جيد
قوله (وفي الباب عن ابن مسعود) أخرجه الترمذي بعد هذا (وقد روى هذا الحديث عن
النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه بإسناد أصح من هذا) رواه البخار في صحيحه عن جابر من غير
طريق الترمذي
قوله (أخبرنا محمد بن أبي عدي) هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي (عن جعفر بن
ميمون) التميمي كنيته أبو علي ويقال أبو العوام بياع الأنماط صدوق يخطئ من السادسة
قوله (خرج به إلى بطحاء مكة) أي مسيل واديها قال في القاموس البطح ككتف
والبطيحة والبطحاء والأبطح مسيل واسع فيه دقاق الحصى (ثم خط عليه) أي خط حوله (خطا)
أي خطا مستديرا محيطا به (لا تبرحن خطك) أي لا تفارقن الخط الذي خط لك (فإنه سينتهي
إليك) أي سيصل إليك (كأنهم الزط) قال في القاموس الزط بالضم جبل من الهند معرب جت
126

بالفتح والقياس يقتضي فتح معربه أيضا والواحدة زطي انتهى وقال في النهاية الزط هم جنس
من السودان والهنود (أشعارهم وأجسامهم) يجوز النصب على نزع الخافض أي كأنهم الزط في
أشعارهم وأجسامهم ويجوز الرفع على الابتداء والخبر محذوف أي أشعارهم وأجسامهم مثل
الزط (لا أرى عورة ولا أرى قشرة) بكسر القاف وسكون المعجمة غشاء الشئ خلقة أو
عرضا وكل ملبوس قال في المجمع أي لا أرى منهم عورة منكشفة ولا أرى عليهم ثيابا (ثم
يصدرون) أي يرجعون (لكن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قد جاءني) أي حتى إذا كان من آخر الليل ما جاؤوا
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءني (فقال لقد أراني منذ الليلة) أي لم أنم (فتوسد
فخذي) أي جعل فخذي وسادة (إذا أنا برجال) إذا للمفاجأة (إن عينيه تنامان والقلب يقظان) غير
منصرف وقيل منصرف لمجئ فعلانة منه قال زين العرب يقظان منصرف لمجئ فعلانة لكنه قد صح في
كثير من نسخ المصابيح على أنه غير منصرف يعني فلا يفوته شئ مما تقول (مثل سيد) أي مثله
مثل سيد
127

قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه أحمد وابن خزيمة وصححه (وأبو عثمان
النهدي اسمه عبد الرحمن بن مل) بلام ثقيلة والميم مثلثة (وسليمان التيمي هو ابن طرخان الخ)
ليس لسليمان التيمي ذكر في هذا الباب أصلا فإيراد الترمذي ترجمته ههنا لا يظهر له وجه فتأمل
باب ما جاء في مثل النبي والأنبياء صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين وسلم قبله
قوله (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الامام البخاري رحمه الله (أخبرنا محمد بن سنان)
الباهلي أبو بكر البصري العوفي بفتح المهملة والواو بعدها فاء ثقة ثبت من كبار العاشرة (أخبرنا
سليم) بفتح أوله (بن حيان) بحاء مهملة وتحتانية ثقيلة الهذلي البصري ثقة من السابعة (أخبرنا
سعيد بن ميناء) بكسر الميم ومد النون مولى البختري بن أبي ذباب الحجازي مكي أو مدني
يكنى أبا الوليد ثقة من الثالثة
قوله (إنما مثلي ومثل الأنبياء كرجل بنى دارا) قيل المشبه به واحد والمشبه جماعة فكيف
صح التشبيه وجوابه أنه جعل الأنبياء كرجل واحد لأنه لا يتم ما أراد من التشبيه إلا باعتبار
الكل وكذلك الدار لا تتم إلا باجتماع البنيان ويحتمل أن يكون من التشبيه التمثيلي وهو أن
يؤخذ وصف من أوصاف المشبه ويشبه بمثله من أحوال المشبه به فكأنه شبه الأنبياء وما بعثوا به
من إرشاد الناس ببيت أسست قواعده ورفع بنيانه وبقي منه موضع به يتم صلاح ذلك البيت
وزعم ابن العربي أن اللبنة المشار إليها كانت في رأس الدار المذكورة وأنها لولا وضعها لانقضت
128

تلك الدار قال وبهذا يتم المراد من التشبيه المذكور انتهى وهذا إن كان منقولا فهو حسن وإلا
فليس بلازم نعم ظاهر السياق أن تكون اللبنة في مكان يظهر عدم الكمال في الدار بفقدها وقد
وقع في رواية همام عند مسلم إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها فيظهر أن المراد أنها مكملة
محسنة وإلا لاستلزم أن يكون الأمر بدونها كان ناقصا وليس كذلك فإن شريعة كل نبي بالنسبة
إليه كاملة فالمراد هنا النظر إلى الأكمل بالنسبة إلى الشريعة المحمدية مع ما مضى من الشرائع
الكاملة (لولا موضع اللبنة) بفتح اللام وكسر الموحدة بعدها نون وبكسر اللام وسكون الموحدة
أيضا هي القطعة من الطين تعجن وتجعل وتعد للبناء ويقال لها ما لم تحرق لبنة فإذا أحرقت فهي
آجرة وقوله موضع اللبنة بالرفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف أي لولا موضع اللبنة يوهم النقص
لكان بناء الدار كاملا ويحتمل أن يكون لولا تحضيضية وفعلها محذوف تقديره لولا أكمل وضع
اللبنة ووقع في رواية همام عند أحمد ألا وضعت ههنا لبنة فيتم بنيانك وفي الحديث ضرب
الأمثال للتقريب للأفهام وفضل النبي صلى الله عليه وسلم على سائر النبيين وأن الله ختم به المرسلين وأكمل به
شرائع الدين
قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وأبي بن كعب) أما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان
والنسائي وأما حديث أبي بن كعب فأخرجه الترمذي في أوائل المناقب
قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه الشيخان
باب ما جاء مثل الصلاة والصيام والصدقة
قوله (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الامام البخاري (أخبرنا موسى بن إسماعيل) هو
المنقري (أخبرنا أبان بن يزيد) هو العطار البصري (أخبرنا يحيى بن أبي كثير) هو الطائي (عن
زيد بن سلام) بن أبي سلام ممطور الحبشي بالمهملة والموحدة والمعجمة ثقة من السادسة كذا في
التقريب وقال صاحب مجمع البحار في المغني الحبشي بمهملة وموحدة مفتوحتين ومعجمة
129

منسوب إلى الحبش أي الجبل الأسود وإلى حبش حي من اليمن منهم أبو سلام ممطور الأعرج
ومعاوية بن سلام قال الأصيلي الحبشي بضم الحاء وسكون موحدة انتهى (أن أبا سلام)
بتشديد اللام واسمه ممطور هو جد زيد بن سلام (أن الحارث الأشعري) قال في التقريب
الحارث بن الحارث الأشعري الشامي صحابي يكنى أبا مالك تفرد بالرواية عنه أبو سلام وفي
الصحابة أبو مالك الأشعري اثنان غير هذا
قوله (إن الله أمر يحيى بن زكريا) أي أوحى إليه كما في رواية ابن خزيمة (وإنه كاد أن
يبطئ بها) من الابطاء وهو ضد الإسراع وفي رواية ابن خزيمة فكأنه أبطأ بهن (فقال يحيى أخشى
إن سبقتني بها الخ) وفي رواية ابن خزيمة فقال يا أخي لا تفعل فإني أخاف إن سبقتني بهن الخ
(فجمع الناس) أي بني إسرائيل كما في رواية ابن خزيمة (فامتلأ) وفي بعض النسخ فامتلأ المسجد
(وقعدوا على الشرف) بضم الشين المعجمة وفتح الراء جمع شرفة قال في القاموس شرفة القصر
بالضم معروف والجمع شرف وقال في الصراح شرفة بالضم كنكرة (فأيكم يرضى أن يكون
عبده كذلك) زاد في رواية ابن خزيمة فإن الله خلقكم ورزقكم فلا تشركوا به شيئا (فإن الله
ينصب وجهه لوجه عبده) وفي رواية ابن خزيمة فإن الله يقبل بوجه إلى وجه عبده (في عصابة)
بكسر العين أي جماعة (معه صرة) بضم الصاد وشدة الراء المهملتين قال في القاموس هي شرح
130

الدراهم ونحوها (فكلهم يعجب أو يعجبه ريحها) أو للشك من الراوي وفي رواية ابن خزيمة
كلهم يحب أن يجد ريحها (أنا أفديه) من الفداء وهو فكاك الأسير أي أفك عنقي (بالقليل والكثير)
أي بجميع مالي (خرج العدو في أثره) قال في القاموس خرج في أثره وإثره أي بعده (سراعا)
بكسر السين حال من العدو أي مسرعين (حتى إذا أتى على حصن حصين) الحصن بالكسر كل
مكان محمي منيع لا يوصل إلى جوفه والحصين من الأماكن المنيع يقال درع حصين أي محكمة
وحصن حصين للمبالغة (فأحرز نفسه منهم) أي حفظها منهم (السمع والطاعة) أي للأمير في غير
المعصية (والجهاد) أي في سبيل الله لإعلاء كلمته (والهجرة) أي الانتقال من مكة إلى المدينة قبل
فتح مكة ومن دار الكفر إلى دار الاسلام ومن دار البدعة إلى دار السنة ومن المعصية إلى التوبة
لقوله صلى الله عليه وسلم المهاجر من هجر ما نهى الله عنه (والجماعة) قال الطيبي المراد بالجماعة الصحابة ومن
بعدهم من التابعين وتابعي التابعين من السلف الصالحين أي أمركم بالتمسك بهديهم وسيرتهم
والانخراط في زمرتهم (فإنه) قال الطيبي اسم إن ضمير الشأن والجملة بعده تفسيره وهو
كالتعليل للأمر بالتمسك بعرى الجماعة (قيد شبر) بكسر القاف وسكون التحتية أي قدره وأصله
القود من القود وهو المماثلة والقصاص والمعنى من فارق ما عليه الجماعة بترك السنة واتباع البدعة
ونزع اليد عن الطاعة ولو كان بشئ يسير يقدر في الشاهد بقدر شبر (فقد خلع) أي نزع (ربقة
الاسلام) بكسر الراء وسكون الموحدة وهي في الأصل عروة في حبل يجعل في عنق البهيمة أو يدها
تمسكها فاستعارها للإسلام يعني ما شد المسلم به نفسه من عرى الاسلام أي حدوده وأحكامه
وأوامره ونواهيه وقال بعضهم المعنى فقد نبذ عهد الله وأخفر ذمته التي لزمت أعناق العباد لزوم
الربقة بالكسر وهي واحدة الربق وهو حبل فيه عدة عرى يشد به البهم أي أولاد الضأن
والواحدة من تلك العرى ربقة (ومن ادعى دعوى الجاهلية) قال الطيبي عطف على الجملة التي
131

وقعت مفسرة لضمير الشأن للإيذان بأن التمسك بالجماعة وعدم الخروج عن زمرتهم من شأن
المؤمنين والخروج من زمرتهم من هجيرى الجاهلية كما قال صلى الله عليه وسلم من خلع يدا من طاعة لقي
الله يوم القيامة ولا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية فعلى هذا ينبغي أن
يفسر دعوى الجاهلية بسننها على الاطلاق لأنها تدعو إليها وهو أحد وجهي ما قال القاضي
والوجه الاخر الدعوى تطلق على الدعاء وهو النداء والمعنى من نادى في الاسلام بنداء الجاهلية
وهو أن الرجل منهم إذا غلب عليه خصمه نادى بأعلى صوته قومه يا آل فلان فيبتدرون إلى
نصره ظالما كان أو مظلوما جهلا منهم وعصبية
وحاصل هذا الوجه يرجع أيضا إلى الوجه السابق (فإنه) أي الداعي المذكور (من جثى
جهنم) بضم الجيم مقصور أي من جماعاتها جمع جثوة بالحركات الثلاث وهي الحجارة
المجموعة وروى من جثى بتشديد الياء وضم الجيم جمع جاث من جثى على ركبتيه يجثو ويجثي
وكسر الجيم جائز لما بعدها من الكسرة وقرئ بهما في قوله تعالى ونذر الظالمين فيها جثيا (وإن
صلى وصام) أي ولو صلى وصام
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما
والحاكم وقال صحيح على شرط البخاري ومسلم وأخرجه النسائي ببعضه
132

باب ما جاء في مثل المؤمن القارئ للقرآن وغير القارئ
قوله (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن) عبر بالمضارع لإفادة تكريره لها ومداومته عليها حتى
صارت دأبه وعادته كفلان يقري الضيف ويحمي الحريم يعطي وفي رواية يقرأ القرآن ويعمل
به (كمثل الأترنجة) بضم الهمزة وسكون الفوقانية وضم الراء وسكون النون وبتخفيف الجيم
وفيه لغات قال في القاموس الأترج والأترجة والترنجة والترنج معروف وهي أحسن الثمار
الشجرية وأنفسها عند العرب انتهى ووجه التشبيه بالأترنجة لأنها أفضل ما يوجد من الثمار في
سائر البلدان وأجدى لأسباب كثيرة جامعة للصفات المطلوبة منها والخواص الموجودة فيها فمن
ذلك كبر جرمها وحسن منظرها وطيب مطعمها ولين ملمسها تأخذ الأبصار صبغة ولونا فاقع
لونها تسر الناظرين تتوق إليها النفس قبل التناول تفيد آكلها بعد الالتذاذ بذوقها طيب نكهة
ودباغ معدة وهضم واشتراك الحواس الأربع البصر والذوق والشم واللمس في الاحتظاء بها
(ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن) أي ويعمل به كما في رواية شعبة عن قتادة عند البخاري قال
الطيبي التمثيل في الحقيقة وصف لموصوف اشتمل على معنى معقول صرف لا يبرزه عن سكنونة
إلا تصويره بالمحسوس المشاهد ثم إن كلام الله تعالى له تأثير في باطن العبد وظاهره وإن العباد
متفاوتون في ذلك فمنهم من له النصيب الأوفر من ذلك التأثير وهو المؤمن القارئ ومنهم من لا
نصيب له البتة وهو المنافق الحقيقي ومنهم من تأثر ظاهره دون باطنه وهو المرائي أو بالعكس وهو
المؤمن الذي لا يقرأه وإبراز هذه المعاني وتصويرها إلى المحسوسات ما هو مذكور في الحديث ولم
يوجد ما يوافقها ويلائمها أقرب ولا أحسن ولا أجمع من ذلك لأن المشبهات والمشبه بها واردة على
تقسيم الحاصل لأن الناس إما مؤمن أو غير مؤمن والثاني إما منافق صرف أو ملحق به والأول
إما مواظب على القراءة أو غير مواظب عليها وعلى هذا فقس الأثمار المشبه بها ووجه الشبه في
المذكورات منتزع من أمرين محسوسين طعم وريح وليس بمفرق كما في قوله امرئ القيس
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والحشف البالي
133

(كمثل الريحانة) هي كل نبت طيب الريح من أنواع المشموم (كمثل الحنظلة) الحنظل
نبات يمتد على الأرض كالبطيخ وثمره يشبه ثمر البطيخ لكنه أصغر منه جدا ويضرب المثل بمرارته
(ريحها مر وطعمها مر) وفي رواية البخاري كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها قال العيني
قيل الذي عند البخاري أحسن لأن الريح لا طعم له إذ المرارة عرض والريح عرض والعرض لا
يقوم بالعرض ووجه هذا بأن ريحها لما كان كريحا استعير للكراهة لفظ المرارة لما بينهما من الكراهة
المشتركة انتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة
قوله (لا تزال الرياح تفيئه) بضم الفوقية وفتح الفاء وتشديد التحتية أي تحركه وتميله يمينا
وشمالا (ولا يزال المؤمن يصيبه بلاء) قال الطيبي التشبيه إما مفرق فيقدر للمشبه معان بإزاء ما
للمشبه به وفيه إشارة إلى أن المؤمن ينبغي أن يرى نفسه عارية معزولة عن استيفاء اللذات
والشهوات معروضة للحوادث والمصيبات مخلوقة للآخرة لأنها دار خلود (كمثل شجرة الأرز) قال
في القاموس الأرز ويضم شجر الصنوبر وقال في النهاية الأرزة بسكون الراء وفتحها شجرة
الأرزن وهو خشب معروف وقيل هو الصنوبر (لا تهتز) أي لا تتحرك (حتى تستحصد) على بناء
المفعول وقال ابن الملك بصيغة الفاعل أي يدخل وقت حصادها فتقطع انتهى فكذلك المنافق
يقل بلاؤه في الدنيا لئلا يخف عذابه في العقبى قال الطيبي شبه قلع شجرة الصنوبر والأرزن في
سهولته بحصاد الزرع فدل على سوء خاتمة الكافر
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
134

قوله (حدثنا إسحاق بن موسى) الأنصاري (أخبرنا معن) هو ابن عيسى القزاز (أخبرنا
مالك) إمام دار الهجرة
قوله (إن من الشجر شجرة) زاد في رواية مجاهد عند البخاري في باب الفهم في العلم
قال صحبت ابن عمر إلى المدينة فقال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتى بجمار فقال إن من الشجر وله عنه
في البيوع كنت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل جمارا (لا يسقط ورقها وهي مثل المؤمن) بكسر الميم
وسكون المثلثة أو بفتح الميم والمثلثة وهما بمعنى قال الجوهر مثله ومثله كلمة تسوية كما يقال شبهه
وشبهه بمعنى قال والمثل بالتحريك أيضا ما يضرب من الأمثال انتهى ووجه الشبه بين النخلة
والمؤمن من جهة عدم سقوط الورق ما رواه الحرث بن أسامة في هذا الحديث من وجه آخر عن ابن
عمر ولفظه قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال إن مثل المؤمن كمثل شجرة لا تسقط لها
أنملة أتدرون ما هي قالوا لا قال هي النخلة لا تسقط لها أنملة ولا تسقط لمؤمن دعوة ووقع عند
البخاري في الأطعمة من طريق الأعمش قال حدثني مجاهد عن ابن عمر قال بينا نحن عند
النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتى بجمار فقال إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم وهذا أعم من الذي قبله
وبركة النخل موجودة في جميع أجزائها مستمر في جميع أحوالها فمن حين تطلع إلى أن تيبس تؤكل
أنواعا ثم بعد ذلك ينتفع بجميع أجزائها حتى النوى في علف الدواب والليف في الحبال وغير ذلك
مما لا يخفى وكذلك بركة المؤمن عامة في جميع الأحوال ونفعه مستمر له ولغيره حتى بعد موته
(حدثوني) أي أخبروني (فوقع الناس) أي ذهبت أفكارهم في أشجار البادية فجعل كل منهم
يفسرها بنوع من الأنواع وذهلوا عن النخلة يقال وقع الطائر على الشجرة إذ نزل عليها (ووقع في
نفسي) بين أبو عوانة في صحيحه من طريق مجاهد عن ابن عمر وجه ذلك قال فظننت أنها النخلة
من أجل الجمار الذي أتى به وفيه إشارة إلى أن الملغز له ينبغي أن يتفطن لقرائن الأحوال الواقعة
عند السؤال وأن الملغز ينبغي له أن لا يبالغ في التعمية بحيث لا يجعل للملغز بابا يدخل منه بل
كلما قربه كان أوقع في نفس سامعه (فاستحييت) وفي رواية البخاري في باب الفهم في العلم
135

فأردت أن أقول هي النخلة فإذا أنا أصغر القوم (أحب إلى من أن يكون لي كذا وكذا) زاد ابن
حبان في صحيحه أحسبه قال حمر النعم وفي هذا الحديث امتحان العالم أذهان الطلبة بما لا
يخفى مع بيانه لهم إن لم يفهموه وأما ما رواه أبو داود من حديث معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن
الأغلوطات قال الأوزاعي أحد رواته هي صعاب المسائل فإن ذلك محمول على ما لا نفع فيه أو ما
خرج على سبيل تعنت المسؤول أو تعجيزه
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) قال الحافظ في الفتح بعد نقل كلام الترمذي هذا ما
لفظه أشار بذلك إلى حديث مختصر لأبي هريرة أورده عبد بن حميد في تفسير لفظه مثل المؤمن
مثل النخلة
باب ما جاء مثل الصلوات الخمس
قوله (حدثنا الليث) هو ابن سعد (عن ابن الهاد) اسمه يزيد بن عبد الله (عن محمد بن
إبراهيم) هو ابن الحارث
قوله (أرأيتم) أي أخبروني هو استفهام تقرير متعلق بالاستخبار أي أخبروني هل يبقى (لو
أن نهرا) قال الطيبي لفظ لو يقتضي أن يدخل على الفعل وأن يجاب لكنه وضع الاستفهام
موضعه تأكيدا وتقريرا والتقدير لو ثبت نهر صفته كذا لما بقي والنهر بفتح الهاء وسكونها ما بين
جنبي الوادي سمي بذلك لسعته وكذلك سمي النهار لسعة ضوئه قاله الحافظ (هل يبقى) بفتح
التحتانية (من درنه) بفتح الدال والراء أي وسخه يعني هل يبقى على جسده شئ من درنه (قال)
أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فذلك) أي النهر المذكور قاله ابن الملك قال القاري والأظهر أن الإشارة إلى
136

ما ذكر من الغسل في النهر خمس مرات قال الطيبي الفاء جزاء شرط أي إذا أقررتم بذلك وصح
عندكم فذلك (مثل الصلوات الخمس) عكس في التشبيه حيث أن الأصل تشبيه المعقول
بالمحسوس مبالغة كقوله تعالى قالوا إنما البيع مثل الربا (يمحو الله بهن) أي بالصلوات
(الخطايا) أي الصغائر قال ابن العربي وجه التمثيل أن المرء كما يتدنس بالأقذار المحسوسة في
بدنه وثيابه ويطهره الماء الكثير فكذلك الصلوات تطهر العبد عن أقذار الذنوب حتى لا تبقي له
ذنبا إلا أسقطته انتهى قال الحافظ وظاهره أن المراد بالخطايا في الحديث ما هو أعم من الصغيرة
والكبيرة لكن روى مسلم قبله حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا الصلوات الخمس
كفارة لما بينها ما اجتنبت الكبائر فعلى هذا المقيد يحمل المطلق في غيره
فائدة قال ابن بزبزة في شرح الأحكام يتوجه على حديث العلاء إشكال يصعب
التخلص منه وذلك أن الصغائر بنص القرآن مكفرة باجتناب الكبائر وإذا كان كذلك فما الذي
تكفر الصلوات الخمس انتهى قال الحافظ وقد أجاب عنه شيخنا الامام البلقيني بأن السؤال
غير وارد لأن مراد الله أن تجتنبوا أي في جميع العمر ومعناه الموافاة على هذه الحالة من وقت الإيمان أو
التكليف إلى الموت والذي في الحديث أن الصلوات الخمس تكفر ما بينها أي في يومها إذا
اجتنبت الكبائر في ذلك اليوم فعلى هذا لا تعارض بين الآية والحديث انتهى وعلى تقدير ورود
السؤال فالتخلص منه بحمد الله سهل وذلك أنه لا يتم اجتناب الكبائر إلا بفعل الصلوات
الخمس فمن لم يفعلها لم يعد مجتنبا للكبائر لأن تركها من الكبائر فوقف التكفير على فعلها
انتهى
قوله (وفي الباب عن جابر) أخرجه مسلم
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي
137

باب
قوله (أخبرنا حماد بن يحيى الأبح) بفتح الهمزة والموحدة بعدها مهملة أبو بكر السلمي
البصري صدوق يخطئ من الثامنة
قوله (مثل أمتي مثل المطر) أي في حكم إبهام أفراد الجنس (لا يدري) بصيغة المجهول
(أوله) أي أوائل المطر أو المطر الأول (خير) أي أنفع (أم آخره) أي أواخره أو المطر الاخر قال
التوربشتي لا يحمل هذا الحديث على التردد في فضل الأول على الاخر فإن القرن الأول هم
المفضلون على سائر القرون من غير شبهة ثم الذين يلونهم وفي الرابع اشتباه من قبل الراوي وإنما
المراد بهم نفعهم في بث الشريعة والذب عن الحقيقة قال القاضي نفي تعلق العلم بتفاوت
طبقات الأمة في الخيرية وأراد به نفي التفاوت كما قال تعالى قل أتنبئون الله بما لا يعلم في
السماوات ولا في الأرض أي بما ليس فيهن كأنه قال لو كان لعلم لأنه أمر لا يخفى ولكن لا يعلم
لاختصاص كل طبقة منهم بخاصية وفضيلة توجب خيريتها كما أن كل نوبة من نوب المطر لها فائدة
في النشو والنماء لا يمكنك إنكارها والحكم بعدم نفعها فإن الأولين آمنوا بما شاهدوا من المعجزات
وتلقوا دعوة الرسول الله صلى الله عليه وسلم بالإجابة والإيمان والآخرين آمنوا بالغيب لما تواتر عندهم من الآيات
واتبعوا من قبلهم بالإحسان وكما أن المتقدمين اجتهدوا في التأسيس والتمهيد فالمتأخرون بذلوا
وسعهم في التلخيص والتجريد وصرفوا عمرهم في التقرير والتأكيد فكل ذنبهم مغفور وسعيهم
138

مشكور وأجرهم موفور انتهى قال الطيبي وتمثيل الأمة بالمطر إنما يكون بالهدى والعلم كما أن
تمثيله صلى الله عليه وسلم الغيث بالهدى والعلم فتختص هذه الأمة المشبهة بالمطر بالعلماء الكاملين منهم المكملين
لغيرهم فيستدعي هذا التفسير أن يراد بالخير النفع فلا يلزم من هذا المساواة في الأفضلية ولو
ذهب إلى الخيرية فالمراد وصف الأمة قاطبة سابقها ولا حقها وأولها وآخرها بالخير وأنها ملتحمة
بعضها مع بعض مرصوصة بالبنيان مفرغة كالحلقة التي لا يدري أين طرفاها وفي أسلوب هذا
الكلام قول الأنمارية هم كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها تريد المكملة ويلح إلى هذا
المعنى قول الشاعر
إن الخيار من القبائل واحد وبنو حنيفة كلهم أخيار
فالحاصل أن الأمة مرتبط بعضها مع بعض في الخيرية بحيث أبهم أمرها فيها وارتفع التمييز
بينها وإن كان بعضها أفضل من بعض في نفس الأمر وهو قريب من سوق المعلوم مساق غيره وفي
معناه أنشد مروان بن أبي حفصة
تشابه يوماه علينا فأشكلا فما نحن ندري أي يوميه أفضل
يوم بداء العمر أم يوم يأسه وما منهما إلا أغر محجل
ومن المعلوم علما جليا أن يوم بداءة العمر أفضل من يوم يأسه لكن البدء لما يكن يكمل
ويستتب إلا باليأس أشكل عليه الأمر فقال ما قال وكذا أمر المطر والأمة انتهى
قوله (وفي الباب عن عمار وعبد الله بن عمرو وابن عمر) أما حديث عمار وهو ابن ياسر
فأخرجه أحمد وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الطبراني وأما حديث ابن عمر فلينظر من
أخرجه
قوله (هذا حديث حسن غريب) قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث وهو حديث
حسن له طرق قد يرتقي بها إلى الصحة وأغرب النووي فعزاه
في فتاواه إلى مسند أبي يعلى من
حديث أنس بإسناد ضعيف مع أنه عند الترمذي بإسناد أقوى منه من حديث أنس وصححه ابن
حبان من حديث عمار
139

باب ما جاء مثل آبن ادم وأجله وأمله
قوله (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري (أخبرنا خلاد بن يحيى) بن صفوان
السلمي أبو محمد الكوفي نزيل مكة صدوق رمي بالإرجاء وهو من كبار شيوخ البخاري من
التاسعة (أخبرنا بشير بن المهاجر) الكوفي الغنوي بالمعجمة والنون صدوق لين الحديث رمي
بالإرجاء من الخامسة
قوله (ما مثل هذه وهذه) أي هذه الحصاة وهذه الحصاة (ورمى بحصاتين) أي إحداهما
قريبة والأخرى بعيدة والجملة حالية (هذاك) أصله ذا فزيدت الهاء في أوله والكاف في آخره أي
هذا الحصاء المرمى بعيدا (الأمل) أي مرجوه ومأموله الذي يظن أنه يدركه قبل حلول أجله
(وهذاك) أي الحصاء المرمي قريبا (الأجل) أي موته فيشتغل الإنسان بما يأمله ويريد أن يحصله
فيلحقه الموت قبل أن يصله
قوله (هذا حديث حسن غريب) ذكره المنذري في الترغيب وذكر تحسين الترمذي وأقره
قوله (إنما الناس) أي في اختلاف حالاتهم وتغير صفاتهم (كإبل مائة) وفي رواية
البخاري كالإبل المائة قال الخطابي العرب تقول للمائة من الإبل إبل يقولون لفلان إبل أي
مائة بغير ولفلان إبلان أي مائتان انتهى قال الحافظ فعلى هذا فالرواية التي بغير ألف ولام
يكون قوله مائة تفسيرا لقوله إبل لأن قوله كإبل أي كمائة بعير ولما كان مجرد لفظ إبل ليس مشهور
140

الاستعمال في المائة ذكر المائة توضيحا ورفعا للإلتباس وأما على رواية البخاري فاللام للجنس (لا
يجد الرجل فيها) أي في مائة من الإبل راحلة أي ناقة شابة قوية مرتاضة تصلح المركوب فكذلك
لا تجد في مائة من الناس من يصلح للصحبة وحمل المودة وركوب المحبة فيعاون صاحبه ويلين له
جانبه قاله القارئ وقال النووي في شرح مسلم قالوا الراحلة هي البعير الكامل الأوصاف
الحسن المنظر القوي على الأحمال والأسفار سميت راحلة لأنها ترحل أي يجعل عليها الرحل فهي
فاعلة بمعنى مفعولة كعيشة راضية أي مرضية ونظائره والمعنى المرضي الأحوال من الناس الكامل
الأوصاف قليل فيهم جدا كقلة الراحلة في الإبل انتهى وقال الجزري في النهاية الراحلة من
الإبل البعير القوي على الأسفار والأحمال والذكر والأنثى فيه سواء والهاء فيها للمبالغة وهي التي
يختارها الرجل لمركبه ورحله على النجابة وتمام الخلق وحسن المنظر فإذا كانت في جماعة الإبل
عرفت
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (عن سالم عن ابن عمر الخ) هذا بيان لقوله بهذا الإسناد نحوه
قوله (حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن) الحزامي المدني
قوله (إنما مثلي) أي صفتي العجيبة الشأن معكم أيها الأمة أو مع الناس (كمثل رجل
استوقد) أي أوقد وزيدت السين للتأكيد (نارا) أي عظيمة (فجعلت) أي شرعت (الدواب) جمع
دابة والمراد من الدواب التي تقع في النار إذا أضاءت (والفراش) هو بفتح الفاء دويبة طير تتساقط
141

في النار يقال بالفارسي يروانه (فأنا آخذ) قال النووي يروى على وجهين أحدهما اسم فاعل
بكسر الخاء وتنوين الدار والثاني فعل مضارع بضم الخاء والأول أشهر وهما صحيحان
(بحجزكم) بضم الحاء وفتح الجيم بعدها زاي جمع الحجزة وهي معقد الإزار ومن السراويل
موضع التكة قال الأبهري ويجوز ضم الجيم في الجمع (وأنتم تقحمون فيها) من باب التفعل
بحذف إحدى التائين أي تدخلون فيها بشدة ومزاحمة قيل التقحم هو الدخول في الشئ من غير
روية ويعبر به عن الهلاك وإلقاء النفس في الهلاك وقال الطيبي التقحم الإقدام والوقوع في أمر
شاق قال النووي ومقصود الحديث أنه صلى الله عليه وسلم شبه تساقط الجاهلين والمخالفين بمعاصيهم
وشهواتهم في نار الآخرة وحرصهم على الوقوع في ذلك مع منعه إياهم وقبضه على مواضع المنع
منهم بتساقط الفراش في نار الدنيا لهواه وضعف تمييزة فكلاهما حريص على هلاك نفسه ساع في
ذلك لجهله
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (إنما أجلكم) قال الطيبي الأجل المدة المضروبة للشئ قال تعالى ولتبلغوا
أجلا مسمى ويقال للمدة المضروبة لحياة الإنسان أجل فيقال دنا أجله وهو عبارة من دنو الموت
وأصله استيفاء الأجل أي مدة الحياة والمعنى ما أجلكم في أجل من مضى من الأمم السابقة في
الطول والقصر إلا مقدار ما بين صلاة العصر إلى صلاة المغرب من الزمان (فيما خلا من الأمم كما
بين صلاة العصر إلى مغارب الشمس) وفي رواية للبخاري إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من
الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس قال الحافظ ظاهره أن بقاء هذه الأمة وقع في
زمان الأمم السالفة وليس ذلك المراد قطعا وإنما معناه أن نسبة مدة هذه الأمة إلى مدة من تقدم من
الأمم مثل ما بين صلاة العصر وغروب الشمس إلى بقية النهار فكأنه قال إنما بقاؤكم بالنسبة إلى
ما سلف إلى آخره وحاصله أن في بمعنى إلى وحذف المضاف وهو لفظ نسبة (وإنما مثلكم ومثل
اليهود والنصارى) أي مع الرب سبحانه وتعالى (كرجل استعمل عمالا) بضم فتشديد جمع عامل
142

أي طلب منهم العمل (فقال) أي على طريق الاستفهام (من يعمل لي إلى نصف النهار) وهو من
طلوع الشمس إلى زوالها فالمراد بالنهار العرفي لأنه عرف عمل العمال (على قيراط قيراط) أي
نصف دانق على ما في الصحاح وقيل القيراط جزء من أجزاء الدينار وهو نصف عشرة في أكثر
البلاد والياء فيه بدل من الراء كما أنها بدل من النون في الدينار ويدل عليه جمعهما على دنانير
وقراريط وكرر قيراط الدلالة على أن الأجر لكل واحد منهم قيراط لا أن مجموع الطائفة قيراط
(ثم قال) أي الرجل المستعمل للعمال (فغضبت اليهود والنصارى وقالوا نحن أكثر عملا وأقل
عطاء) أي قال أهل الكتاب ربنا أعطيت أمة محمد ثوابا كثيرا مع قلة أعمالهم وأعطيتنا ثوابا قليلا
مع كثرة أعمالنا ولعلهم يقولون ذلك يوم القيامة وقد حكي عن النبي صلى الله عليه وسلم بصيغة الماضي لتحقق
ذلك أو صدر عنهم مثل ذلك لما اطلعوا على فضائل هذه الأمة في كتبهم أو على ألسنة رسلهم
وعلى كل تقدير ففي الحديث دليل على أن الثواب للأعمال ليس على قدر التعب ولا على جهة
الاستحقاق لأن العبد لا يستحق على مولاه لخدمته أجرة بل المولى يعطيه من فضله وله أن
يتفضل على من يشاء من العبيد على وجه المزيد فإنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد قال الطيبي
لعل هذا تخييل وتصوير لا أن ثمة مقاولة ومكالمة حقيقية اللهم الا أن يحمل ذلك على حصولها عند
إخراج الذر فيكون حقيقة انتهى كذا في المرقاة (فقال هل ظلمتكم) أي هل نقصتكم (شيئا)
مفعول به أو مطلق (قالوا) أي أهل الكتاب (فإنه) أي الشأن (فضلي) أي عطائي الزائد (أوتيه من
أشاء) أو التقدير فإن العطاء الكثير المدلول عليه بالسياق فضلي
وقد استدل الحنفية بهذا الحديث لقول أبي حنيفة رحمه الله إن أوله العصر بصيرورة ظل كل
شئ مثليه وقد تقدم في باب تأخير صلاة العصر جوابهم وجوه مفصلا
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري
143

أبواب فضائل القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وآله
باب ما جاء في فضل فاتحة الكتاب
قوله (عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أبي بن كعب الخ) وقد أخرج البخاري
في صحيحه عن أبي سعيد بن المعلى قال كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ. قال
الحافظ في الفتح: جمع البيهقي بأن القصة وقعت لأبي بن كعب ولأبي سعيد بن المعلى، قال ويتعين
المصير إلى ذلك لاختلاف مخرج الحديثين واختلاف سياقهما (والتفت أبي فلم يجبه) أي لم يأته وفي
رواية عند البخاري من حديث أبي سعيد بن المعلى: فلم آته حتى صليت ثم أتيته (أفلم تجد فيما
أوحى الله إلي أن استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) أي إلى ما يحييكم من أمر الدين
لأنه سبب الحياة الأبدية قال الطيبي وغيره من الشافعية دل الحديث على أن إجابة الرسول لا
تبطل الصلاة كما أن خطابه بقولك السلام عليك أيها النبي لا تقطعها قال الحافظ في الفتح فيه
بحث لاحتمال أن تكون إجابته واجبة مطلقا سواء كان المخاطب مصليا أو غير مصل أما كونه
144

يخرج بالإجابة من الصلاة أو لا يخرج فليس في الحديث ما يستلزمه فيحتمل أن تجب الإجابة ولو
خرج المصلي من الصلاة وإلى ذلك جنح بعض الشافعية انتهى (ولا في القرآن) أي في بقية القرآن
(مثلها) أي سورة مثلها (كيف تقرأ في الصلاة؟ قال فقرأ أم القرآن) يعني الفاتحة وسميت بها
لاحتوائها واشتمالها على ما في القران إجمالا أو المراد بالأم الأصل فهي أصل قواعد القرآن ويدور
عليها أحكام الإيمان قال الطيبي فإن قلت كيف طابق هذا جوابا عن السؤال بقوله كيف تقرأ
لأنه سؤال عن حالة القراءة لا نفسها قلت يحتمل أن يقدر فقرأ أم القرآن مرتلا ومجودا
ويحتمل أنه عليه الصلاة والسلام سأل عن حال ما يقرأه في الصلاة أهي سورة جامعة حاوية لمعاني
القرآن أقرآن أمر لا فلذلك قال بأم القرآن وخصها بالذكر أي هي جامعة لمعاني القرآن وأصل لها (وأنها
سبع من المثاني) يحتمل أن تكون من بيانية أو تبعيضية وفي هذا تصريح بأن المراد بقوله تعالى
ولقد آتيناك سبعا من المثاني هي الفاتحة وقد روى النسائي بإسناد صحيح عن ابن عباس أن
السبع المثاني هي السبع الطوال أي السور من أول البقرة إلى آخر
الأعراف ثم براءة وقيل يونس
وعلى الأول فالمراد بالسبع الآي لأن الفاتحة سبع آيات وهو قول سعيد بن جبير واختلف في
تسميتها مثاني فقيل فقيل لأنها تثنى في كل ركعة أي تعاد وقيل لأنها يثنى بها على الله تعالى وقيل لأنها
استثنيت لهذه الأمة لم تنزل على من قبلها ويأتي بقية الكلام في هذا في تفسير سورة الحجر
(والقرآن العظيم الذي أعطيته) قيل هو من إطلاق الكل على الجزء للمبالغة قال الخطابي فيه
دلالة على أن الفاتحة هي القرآن العظيم وأن الواوان ليست بالعاطفة التي تفصل بين الشيئين وإنما
هي التي تجئ بمعنى التفصيل كقوله تعالى فاكهة ونخل ورمان وقوله وملائكته ورسله
وجبريل وميكائيل انتهى قال الحافظ وفيه بحث لاحتمال أن يكون قوله والقرآن العظيم
محذوف الخبر والتقدير ما بعد الفاتحة مثلا فيكون وصف الفاتحة انتهى بقوله هي السبع المثاني ثم
عطف قوله والقرآن العظيم أي ما زاد عل الفاتحة وذكر ذلك رعاية لنظم الآية ويكون التقدير
والقرآن العظيم هو الذي أوتيته زيادة على الفاتحة
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الدارمي من قوله ما أنزلت ولم يذكر أبي بن
145

كعب كذا في المشكاة وقال المنذري في الترغيب ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما
والحاكم باختصار عن أبي هريرة عن أبي وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم
قوله (وفي الباب عن أنس) أخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على
شرط مسلم وفيه ألا أخبرك بأفضل القرآن قال بلى فتلا (الحمد لله رب العالمين)
باب ما جاء في سورة البقرة وآية الكرسي
قوله (لا تجعلوا بيوتكم مقابر) أي خالية عن الذكر والطاعة فتكون كالمقابر وتكونون
كالموتى فيها أو معناه لا تدفنوا موتاكم فيها ويدل على المعنى الأول قوله (وإن البيت الذي تقرأ
البقرة فيه لا يدخله الشيطان) وفي رواية مسلم إن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة
البقرة وفي حديث سهل بن سعد عن ابن حبان من قرأها يعني سورة البقرة ليلا لم يدخل
الشيطان بيته ثلاث ليال ومن قرأها نهارا لم يدخل الشيطان ثلاثة أيام وخص سورة البقرة بذلك
لطولها وكثرة أسماء الله تعالى والأحكام فيها وقد قيل فيها ألف أمر وألف نهي وألف حكم وألف
خبر كذا في المرقاة
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي
قوله (لكل شئ سنام) بفتح السين أي رفعة وعلو استعير من سنام الجمل ثم كثر استعماله
فيها حتى صار مثلا ومنه سميت البقرة سنام القرآن قاله الطيبي
146

وقال الجزري في النهاية سنام كل شئ أعلاه وفي شعر حسان
وإن سنام المجد من آل هاشم بنو بنت مخزوم ووالدك العبد
أي أعلى المجد (وإن سنامله القرآن سورة البقرة) إما لطولها واحتوائها على أحكام كثيرة أو لما
فيها من الأمر بالجهاد وبه الرفعة الكبيرة (هي سيدة آي القرآن) جمع آية (آية الكرسي) بالرفع أي
هي آية الكرسي وفيه إثبات السيادة لهذه الآية على جميع آيات القرآن وذلك شرف عظيم فإن
سيد القوم لا يكون إلا أشرفهم خصالا وأكملهم حالا وأكثرهم جلالا
قوله (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حكيم بن جبير) وأخرجه ابن حبان في
صحيحه من هذا الوجه بهذا اللفظ وأخرجه الحاكم من هذه الطريق ولفظه سورة البقرة فيها آية
سيدة آي القرآن لا تقرأ في بيت وفيه شيطان إلا خرج منه وقال صحيح الإسناد (وقد تكلم فيه
شعبة وضعفه) وأيضا ضعفه أحمد وابن معين وأبو حاتم وغيرهم وقال الحافظ في التقريب
ضعيف رمي بالتشيع
قوله (حدثنا يحيى بن المغيرة أبو سلمة المخزومي المديني) قال الحافظ صدوق روى عن
محمد بن إسماعيل بن أبي فديك وآخرين وعنه الترمذي وأبو حاتم وغيرهما قال أبو حاتم صدوق
ثقة وذكره ابن حبان في الثقات مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين (أخبرنا ابن أبي فديك) اسمه
محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فذيك (عن عبد الرحمن المليكي) بضم الميم وفتح اللام
وسكون التحتية هو عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبيد الله بن أبي مليكة المدني ضعيف (عن
زرارة) بضم الزاي وفتح الراء (بن مصعب) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني ثقة من
أوساط التابعين
قوله (من قرأ حم المؤمن) أي من قرأ سورة حم التي يقال لها المؤمن (إلى إليه المصير) يعني
حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا
إله إلا هو إليه المصير (وآية الكرسي) الواو لمطلق الجمع فيجوز تقديمها وتأخيرها ويدل على
147

ذلك تقديم آية الكرسي في الحصن قاله القاري (حين يصبح) أي قبل صلاة الصبح أو بعدها
وهو ظرف يقرأ (حفظ بهما) أي بقراءتهما وبركتهما (حتى يمسي) أي يدخل الليل لأن الإمساء ضد
الإصباح كما أن المساء ضد الصباح على ما في القاموس والصحاح
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه الدارمي
قوله (أخبرنا سفيان) هو الثوري (عن ابن أبي ليلى) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى
الأنصاري الكوفي القاضي أبو عبد الرحمن صدوق سيئ الحفظ جدا (عن أخيه) هو عيسى بن
عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي ثقة (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري المدني ثم
الكوفي ثقة من كبار التابعين
فائدة ابن أبي ليلى إذا أطلق في كتب الفقه فالمراد به محمد بن عبد الرحمن بن يسار الكوفي
وإذا أطلق في كتب الحديث فالمراد به أبوه كذا في جامع الأصول لابن الأثير الجزري
فائدة أخرى يطلق ابن أبي ليلى على أربعة رجال
الأول محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الكوفي القاضي المذكور وكان قاضي الكوفة
مات سنة ثمان وأربعين ومائة وكان على القضاء وجعل أبو جعفر المنصور ابن أخيه مكانه ذكره
ابن قتيبة وفي طبقات القراء للذهبي محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قاضي الكوفة قرأ على
أخيه عيسى وغيره وقرأ عليه حمزة الزيات وهو حسن الحديث كبير القدر من نظراء أبي حنيفة في
الفقه يكنى أبا عبد الرحمن وفي الكاشف الذهبي ابن أبي ليلى أبو عبد الرحمن الأنصاري
القاضي عن الشعبي وخلق وعنه شعبة ووكيع وأبو نعيم وخلق قال أحمد سيئ الحفظ
انتهى
والثاني أخوه عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى المذكور
والثالث ابن أخيه أعني ابن عيسى بن عبد الرحمن واسمه عبد الله
148

والرابع عبد الرحمن بن أبي ليلى المذكور أعني والد محمد وعيسى المذكورين
قوله (أنه كانت له سهوة) قال المنذري في الترغيب السهوة بفتح السين المهملة هي
الطاق في الحائط يوضع فيها الشئ وقيل هي الصفة وقيل المخدع بين البيتين وقيل هو شئ
شبيه بالرف وقيل بيت صغير كالخزانة الصغيرة قال كل أحد من هؤلاء يسمى السهوة ولفظ
الحديث يحتمل الكل ولكن ورد في بعض طرق هذا الحديث ما يرجح الأول انتهى وقال
الجزري في النهاية السهوة بيت صغير منحدر في الأرض قليلا شبيه بالمخدع والخزانة وقيل هو
كالصفة تكون بين يدي البيت وقيل شبيه بالرف أو الطابق يوضع فيه الشئ انتهى (فكانت
تجئ الغول قال المنذري بضم الغين المعجمة هو شيطان يأكل الناس وقيل هو من يتلون من
الجن انتهى وقال الجزري الغول أحد الغيلان وهي جنس من الجن والشياطين كانت العرب
تزعم أن الغول في الفلاة تتراءى للناس فتتغول تغولا أي تتلون تلونا في صور شتى وتغولهم
أي تضلهم عن الطريق وتهلكهم فنفاه النبي صلى الله عليه وسلم وأبطله يعني بقوله لا غول ولا صفر وقيل
قوله لا غول ليس نفيا لعين الغول ووجوده وإنما فيه إبطال زعم العرب في تلونه بالصور المختلفة
تغولت الغيلان فبادروا بالأذان وقال أي ادفعوا شرها بذكر الله وهذا يدل على أنها لم يرد بنفيها
عدمها ثم ذكر حديث أبي أيوب كان لي تمر في سهوة فكانت الغول تجئ فتأخذ انتهى
قلت الأمر كما قال الجزري لا شك في أنه ليس المراد بقوله لا غول نفي وجودها بل
نفي ما زعمت العرب مما لم يثبت من الشرع (وهي معاودة للكذب) أي معتادة له ومواظبة عليه
قال في القاموس تعوده وعاوده معاودة وعوادا واعتاده واستعاده جعله من عادته والمعاود
149

المواظب انتهى (آية الكرسي) بالنصب بدل من شيئا (ولا غيره) أي مما يضرك (صدقت وهي
كذوب) هو من التتميم البليغ لأنه لما أوهم مدحها بوصفه الصدق في قوله صدقت استدرك نفي
الصدق عنها بصيغة مبالغة والمعنى صدقت في هذا القول مع أنها عادتها الكذب المستمر وهو
كقولهم قد يصدق الكذوب وقد وقع أيضا لأبي هريرة عند البخاري وأبي بن كعب عند
النسائي وأبي أسيد الأنصاري عند الطبراني وزيد بن ثابت عند أبي الدنيا قصص في ذلك
وهو محمول على التعدد
قوله (هذا حديث حسن غريب) ذكره المنذري في ترغيبه وذكر تحسين الترمذي وأقره
قوله (عن عطاء مولى أبي أحمد) قال الحافظ في تهذيب التهذيب عطاء مولى أبي أحمد أو
ابن أبي أحمد بن جحش حجازي روى عن أبي هريرة حديث تعلموا القرآن وقوموا به
الحديث وعنه سعيد المقبري ذكره ابن حبان في الثقات أخرجوا له هذا الحديث الواحد وحسنه
الترمذي قال الحافظ قرأت بخط الذهبي لا يعرف انتهى
قوله (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا) أي أراد أن يرسل جيشا والبعث بمعنى المبعوث والمراد
به الجيش (وهم) أي الجيش المبعوث (فاستقرأهم) أي طلب منهم أن يقرأوا (فاستقرأ كل رجل
منهم) أي واحدا واحدا منهم (فأتى) أي النبي صلى الله عليه وسلم (أن لا أقوم بها) أي في صلاة الليل (تعلموا
القرآن) أي لفظه ومعناه قال أمحمد الجويني تعلم القرآن وتعليمه فرض كفاية لئلا ينقطع
عدد التواتر فيه فلا يتطرق إليه تبديل وتحريف قال الزركشي وإذا لم يكن في البلد أو القرية من
150

يتلو القرآن أثموا بأسرهم (واقرأوه) وفي رواية فاقرأوه بالفاء قال الطيبي الفاء في قوله فاقرأوه
كما في قوله تعالى استغفروا ربكم ثم توبوا إليه أي تعلموا القرآن وداوموا تلاوته والعمل
بمقتضاه يدل عليه التعليل بقوله (فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقرأه وقام به) أي داوم على قراءته
أو عمل به (كمثل جراب) بالكسر والعامة تفتحه قيل لا تفتح الجراب ولا تكسر القنديل
وخص الجراب هنا بالذكر احتراما لأنه من أوعيه المسك قال الطيبي التقدير فإن ضرب المثل
لأجل من تعلمه كضرب المثل للجراب فمثل مبتدأ والمضاف محذوف واللام في لمن تعلم متعلق
بمحذوف والخبر قوله كمثل على تقدير المضاف أيضا والتشبيه إما مفرد وإما مركب (محشو) أي
مملوء ملأ شديدا بأن حشي به حتى لم يبق فيه متسع لغيره (مسكا) نصبه على التمييز (يفوح ريحه)
أي يظهر ويصل رائحته (في كل مكان) قال ابن الملك يعني صدر القارئ كجراب والقرآن فيه
كالمسك فإنه إذا قرأ وصلت بركته إلى تاليه وسامعيه انتهى قال القاري ولعل إطلاق المكان
للمبالغة ونظيره قوله تعالى تدمر كل شئ وأنبتنا من كل شئ مع أن التدمير والإيتاء
خاص (ومثل من تعلمه) بالرفع والنصب أي مثل ريح من تعلمه (فيرقد) أي ينوم عن القيام
ويغفل عن القراءة أو كناية عن ترك العمل (وهو) أي القرآن (في جوفه) أي في قلبه (أوكى)
بصيغة المجهول أي ربط (على مسك) قال الطيبي أي شد بالوكاء وهو الخيط الذي يشد به
الأوعية قال المظهر فإن من قرأ يصل بركته منه إلى بيته وإلى السامعين ويحصل استراحة وثواب
إلى حيث يصل صوته فهو كجراب مملوء من المسك إذا فتح رأسه تصل رائحته إلى كل مكان
حوله ومن تعلم القرآن ولم يقرأ لم يصل بركته منه لا إلى نفسه ولا إلى غيره فيكون كجراب مشدود
رأسه وفيه مسك فلا يصل رائحته منه إلى أحد
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه النسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه
151

قوله (وفي الباب عن أبي بن كعب) أخرجه مسلم عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا المنذر
أتدري أي آية من كتاب الله تعالى معك أعظم قلت الله ورسوله أعلم قال يا أبا المنذر أتدري
أي آية من كتاب الله تعالى معك أعظم قلت الله لا إله إلا هو الحي القيوم قال فضرب في
صدري قال ليهنك العلم يا أبا المنذر.
باب ما جاء في آخر سورة البقرة
قوله (عن إبراهيم بن يزيد عن عبد الرحمن بن يزيد) هما النخعيان
قوله (من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة) أي آمن الرسول إلى آخره (في ليلة) وقد
أخرج علي بن سعيد العسكري بلفظ من قرأهما بعد العشاء الآخرة أجزأنا من الرسول إلى آخر
السورة ذكره الحافظ (كفتاه) أي أجزأتا عنه من قيام الليل وقيل أجزأتا عنه من قراءة القرآن
مطلقا سواء كان داخل الصلاة أم خارجها وقيل معناه أجزأتاه فيما يتعلق بالاعتقاد لما اشتملتا
عليه من الإيمان والأعمال إجمالا وقيل معناه كفتاه كل سوء وقيل كفتاه شر الشيطان وقيل دفعتا
عنه شر الإنس والجن وقيل معناه كفتاه ما حصل له بسببهما من الثواب عن طلب شئ آخر
وكأنهما اختصتا بذلك من الثناء على الصحابة بجميل انقيادهم إلى الله تعالى وابتهالهم ورجوعهم
إليه وما حصل لهم من الإجابة إلى مطلوبهم قال الحافظ بعد ذكر هذه الوجوه والوجه الأول ورد
صريحا من طريق عاصم عن علقمة عن أبي مسعود رفعه من قرأ خاتمة البقرة أجزأت عنه قيام
ليل قال ويؤيد الرابع حديث النعمان بن بشير يعني الذي أخرجه الترمذي في هذا الباب وقال
الشوكاني بعد ذكر هذه الوجوه ولا مانع من إرادة هذه الأمور جميعها ويؤيد ذلك ما تقرر في علم
المعاني والبيان من أن أحذف المتعلق مشعر بالتعميم فكتاه من كل شر ومن كل ما يخاف
وفضل الله واسع
قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة
152

قوله (عن أشعث بن عبد الرحمن الجرمي) روي عن أبيه وعن أبي قلابة وعنه حماد بن
سلمة قال أحمد ما به بأس وقال ابن معين ثقة وقال أبو حاتم شيخ وذكره ابن حبان في
الثقات وأخرج حديثه في صحيحة كذا في تهذيب التهذيب (عن أبي الأشعث الجرمي) قال الحافظ
في تهذيب التهذيب صوابه الصنعاني يقل فيه الجرمي غير الترمذي انتهى قلت قال الترمذي
أيضا الصنعاني في إسناد حديث مرة بن كعب في مناقب عثمان رضي الله عنه وفي إسناد حديث
شداد بن أوس في باب النهي عن المثلة من أبواب الديات وأبو الأشعث الصنعاني هذا اسمه
شراحيل بن آدة بمد الهمزة وتخفيف الدال ويقال آدة جد أبيه وهو ابن شراحيل بن كلب ثقة من
الثانية شهد فتح دمشق
قوله (إن الله كتب كتابا) أي أجرى القلم على اللوح وأثبت فيه مقادير الخلائق على وفق ما
تعلقت به الإرادة (قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام) به عن طول المدة وتمادي ما
بين التقدير والخلق من الزمن فلا ينافي عدم تحقيق الأعوام قبل السماء والمراد مجرد الكثرة وعدم
النهاية قاله المناوي وقال الطيبي كتابة مقادير الخلق قبل خلقها بخمسين ألف سنة كما ورد لا
تنافي كتابة الكتاب المذكور بألفي عام لجواز اختلاف أوقات الكتابة في اللوح ولجواز أن لا يراد به
التحديد بل مجرد السبق الدال على الشرف انتهى
قال بعضهم ولجواز مغايرة الكتابين وهو الأظهر انتهى (أنزل) أي الله سبحانه وتعالى
(منه) أي من جملة ما في ذلك الكتاب المذكور (آيتين) هما آمن الرسول إلى آخره (ختم بهما سورة
البقرة) أي جعلهما خاتمتها
قال الطيبي ولعل الخلاصة أن الكوائن كتبت في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات
بخمسين ألف عام ومن جملتها القرآن ثم خلق الله خلقا من الملائكة وغيرهم فأظهر كتابة
القرآن عليهم قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام وخص من ذلك هاتان الآيتان وأنزلهما
مختوما بهما أولى الزهراوين (ولا يقرءان في دار) أي في مكان من بيت وغيره (ثلاث ليال) أي في كل
ليلة منها (فيقربها شيطان) فضلا عن أن يدخلها فعبر بنفي القرب ليفيد نفي الدخول بالأولى
153

قال الطيبي لا توجد قراءة يعقبها قربان يعني أن الفاء للتعقيب عطفا على النفي والنفي سلط
على المجموع وقيل يحتمل أن تكون للجمعية أي لا تجتمع القراءة وقرب الشيطان كذا في
المرقاة
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه النسائي والدارمي وابن حبان في صحيحه والحاكم
إلا أن عنده ولا يقرءان في بيت فيقربه شيطان ثلاث ليال وقال صحيح على شرط مسلم كذا في
الترغيب للمنذري
واعلم أنه وقع في النسخ الحاضرة هذا حديث غريب ولكن قال المنذري في الترغيب
بعد ذكر هذا الحديث رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب انتهى
باب ما جاء في سورة آل عمران
قوله (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري رحمه الله (أخبرنا هشام بن إسماعيل)
بن يحيى بن سليمان (أبو عبد الملك العطا) الدمشقي ثقة فقيه عابد من العاشرة (أخبرنا محمد بن
شعيب) بن شابور بالمعجمة والموحدة الأموي مولاهم الدمشقي نزيل بيروت صدوق صحيح
الكتاب من كبار التاسعة (أخبرنا إبراهيم بن سليمان) الأفطس الدمشقي ثقة ثبت إلا أنه يرسل
من الثامنة (عن الوليد بن عبد الرحمن) الجرشي بضم الجيم وبالشين المعجمة الحمصي الزجاج
ثقة من الرابعة
قوله (يأتي القرآن) أي يوم القيامة (وأهله) عطف على القرآن (الذين يعملون به) دل على
من قرأ ولم يعمل به لم يكن من أهل القرآن ولا يكون شفيعا لهم بل يكون القرآن حجة عليهم
(تقدمه) أي تتقدم أهله أو القرآن (سورة البقرة وآل عمران) بالجر وقيل بالرفع قال الطيبي
الضمير في تقدمه للقرآن أي يقدم ثوابهما ثواب القرآن وقال النووي قال العلماء المراد أن
ثوابهما يأتي كغمامتين انتهى وقيل يصور الكل بحيث يراه الناس كما يصور
الأعمال للوزن في
154

الميزان ومثل ذلك يجب اعتقاده إيمانا فإن العقل يعجز عن أمثاله (وضرب لهما) أي بين لهما
(غيايتان) الغياية كل ما أظل الإنسان من فوق رأسه كالسحابة ونحوها كذا في القاموس (وبينهما
شرق) بفتح الشين المعجمة وسكون الراء بعدها قاف وقد روي بفتح الراء والأول أشهر أي
ضوء ونور قال لنهاية الشرق ههنا الضوء وهو الشمس والشق أيضا انتهى وقيل أراد
بالشرق الشق وهو الانفراج أي بينهما فرجة وفصل كتميزهما بالبسملة في المصحف والأول أشبه
(أو) للتنويع لا لشك الراوي (غمامتان) أي سحابتان (سوداوان) لكثافتهما وارتكام البعض منهما
على بعض (أو كأنهما ظلة) بالضم وهي كل ما أظلك من شجر وغيره (من طير صواف) جمع
صافة أي باسطات أجنحتها في الطيران (تجادلان عن صاحبهما) أي تحاجان عنه كما هو في رواية
والمحاجة المخاصمة وإظهار الحجة وصاحبهما هو المستكثر من قراءتهما وظاهر الحديث أنهما
يتجسمان حتى يكونا كأحد هذه الثلاثة التي شبهها بها صلى الله عليه وسلم ثم يقدرهما الله سبحانه وتعالى على النطق
بالحجة وذلك غير مستبعد
من قدرة القادر القوي الذي يقول للشئ كن فيكون
قوله (وفي الباب عن بريدة وأبي أمامة) أما حديث بريدة فأخرجه أحمد والدارمي أما
حديث أبي أمامة فأخرجه مسلم
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه مسلم
(ففي هذا دلالة على أنه يجئ ثواب العمل في هذه الدلالة خفاء كما لا يخفى
قوله (وأخبرني محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري رحمه الله
155

قوله (ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي) فإنها جمعت أصول الأسماء
والصفات من الإلهية والوحدانية والحياة والعلم والقيومة والملك والقدرة والإرادة فهذه أصول
الأسماء والصفات (قال سفيان لأن آية الكرسي هو كلام الله وكلام الله أعظم من خلق الله من
السماء والأرض) وفي قول سفيان هذا نظر فإنه يلزم على هذا أن لا تكون هذه الفضيلة مختصة بآية
الكرسي بل تعم كل آية من آي القرآن لأن كلا منها كلام الله تعالى
باب ما جاء في فضل سورة الكهف
قوله (أخبرنا أبو داود) هو الطيالسي (عن أبي إسحاق) هو السبيعي
قوله (إذ رأى دابته) أي فرسه (تركض) من الركض وهو تحريك الرجل ومنه اركض
برجلك (فنظر) أي الرجل (فإذا مثل الغمامة أو السحابة) الظاهر أن أو للشك من الراوي (فذكر
ذلك له) وفي رواية البخاري كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين
فتغشته سحابة فجعلت تدنو وتدنو وجعل فرسه ينفر فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك السكينة قال القاري أي السكون والطمأنينة التي يطمئن إليها
القلب ويسكن بها عن الرعب قال الطيبي فإن المؤمن تزداد طمأنينه بأمثال هذه الآيات إذا
كوشف بها وقيل هي الرحمة وقيل الوقار وقيل ملائكة الرحمة انتهى وقال النووي المختار
أنها شئ من المخلوقات فيه طمأنينة ورحمة ومعه الملائكة (نزلت مع القرآن أو نزلت على القرآن)
وفي رواية البخاري تنزلت بالقرآن
156

قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (وفي الباب عن أسيد بن حضير) أخرجه الشيخان عنه قال بينما هو يقرأ من الليل
سورة البقرة وفرسه مربوطة عنده إذ جالت الفرس فسكت فسكنت الحديث قال الحافظ في شرح
حديث البراء المذكور قوله كان رجل قيل هو أسيد بن حضير كما سيأتي من حديثه نفسه بعد
ثلاثة أبواب لكن فيه أنه كان يقرأ سورة البقرة وفي هذا أنه كان يقرأ سورة الكهف وهذا ظاهره
التعدد وقد وقع قريب من القصة التي لأسيد لثابت بن قيس بن شماس لكن في سورة البقرة
أيضا وأخرج أبو داود من طريق مرسلة قال للنبي صلى الله عليه وسلم ألم تر ثابت بن قيس لم تزل داره
البارحة تزهر بمصابيح قال فلعله قرأ سورة البقرة فسئل قال قرأت سورة القرة ويحتمل أن
يكون قرأ سورة البقرة وسورة الكهف جميعا أو من كل منهما انتهى
قوله (حدثنا محمد بن جعفر) المعروف بغندر
قوله (من قرأ ثلاث آيات من أول الكهف عصم من فتنة الدجال) أي حفظ عن فتنته
وشره قال النووي قيل سبب ذلك ما في أولها من العجائب والآيات فمن تدبرها لم يفتتن
بالدجال وكذا في آخرها قوله تعالى أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا انتهى وقال السيوطي
في مرقاة الصعود قال القرطبي اختلف المتأولون في سبب ذلك فقيل لنا في قصة أصحاب
الكهف من العجائب ولا يأت فمن وقف عليها لم يستغرب أمر الدجال ولم يهله ذلك فلم يفتن به
وقيل لقوله تعالى لينذر بأسا شديدا من لدنه تمسكا بتخصيص البأس بالشدة واللدنية وهو
مناسب لما يكون من الدجال من دعوى الإلهية واستيلائه وعظم فتنته ولذلك عظم صلى الله عليه وسلم أمره
وحذر عنه وتعوذ من فتنته فيكون معنى الحديث أن من قرأ هذه الآيات وتدبرها ووقف على
معناها حذره فأمن منه وقيل ذلك من خصائص هذه السورة كلها فقد روي من حفظ سورة
الكهف ثم أدركه الدجال لم يسلط عليه وعلى هذا يجتمع رواية من روى أول سورة الكهف مع
من روى من آخرها ويكون ذكر العشر على جهة الاستدراج في حفظها كلها انتهى
157

تنبيهان الأول وقع في رواية الترمذي هذه من قرأ ثلاث أيات ووقع في رواية مسلم من
حفظ عشر آيات فقيل وجه الجمع بين الثلاث وبين العشر أن حديث العشر متأخر ومن عمل
بالعشر فقد عمل بالثلاث وقيل حديث الثلاث متأخر ومن عصم بثلاث فلا حاجة إلى العشر
وهذا أقرب إلى أحكام النسخ قال ميرك بمجرد الاحتمال لا يحكم بالنسخ قال القاري النسخ
لا يدخل في الأخبار وقيل حديث العشر في الحفظ وحديث الثلاث في القراءة فمن حفظ العشر
وقرأ الثلاث كفي وعصم من فتنة الدجال انتهى
الثاني قد اختلف أصحاب قتادة في رواية هذا الحديث ففي رواية شعبة عند الترمذي
عن قتادة عن سالم عن معدان عن أبي الدرداء من أول الكهف وفي روايته عند مسلم وأبي داود عن
قتادة بهذا الاسناد من آخر الكهف وفي رواية هشام عند مسلم عن قتادة بهذا الإسناد من أول
سورة الكهف وفي روايته عند أبي داود عن قتادة بهذا الإسناد من خواتيم سورة الكهف وفي
رواية همام عند مسلم وأبي داود عن قتادة بهذا الاسناد من أول سورة الكهف وقد تقدم وجه
الجمع في كلام السيوطي المذكور
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي
باب ما جاء في فضل يس
قوله (وسفيان بن وكيع) هو الرؤاسي الكوفي (أخبرنا حميد بن عبد الرحمن) ابن حميد بن
عبد الرحمن (الرؤاسي) بضم الراء بعدها همزة خفيفة أبو عوف الكوفي ثقة من الثامنة (عن
الحسن بن صالح) قال في التقريب الحسن بن صالح بن صالح بن حي وهو حيان بن شفي
بضم المعجمة وبالفاء مصغرا الهمداني بسكون الميم الثوري ثقة فقيه عابد رمي بالتشيع من
السابعة (عن هارون أبي محمد) مجهول
قوله (وقلب القرآن يس) أي لبه وخالصه سورة يس قال الغزالي إن الإيمان صحته
158

بالاعتراف بالحشر والنشر وهو مقرر فيها بأبلغ وجه فكانت قلب القرآن لذلك واستحسنه الفخر
الرازي قال الطيبي إنه لاحتوائها مع قصرها على البراهين الساطعة والآيات القاطعة والعلوم
المكنونة والمعاني الدقيقة والمواعيد الفائقة والزواجر البالغة (كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن) أي
ثوابها (عشر مرات) أي من غيرها ولله تعالى أن يخص ما شاء من الأشياء بما أراد من مزيد الفضل
كليلة القدر من الأزمنة والحرم من الأمكنة
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الدارمي (وبالبصرة لا يعرفون من حديث
قتادة إلا من هذا الوجه) لعل مقصود الترمذي بهذا الكلام أن أهل العلم بالحديث بالبصرة لا
يعرفون من حديث قتادة عن صحابي إلا من هذا الوجه أي إلا عن أنس لأن قتادة لم يسمع من
صحابي غير أنس قال الحافظ في تهذيب التهذيب وقال الحاكم في علوم الحديث لم يسمع قتادة
من صحابي غير أنس وقال ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل أنبأ حرب بن إسماعيل فيما كتب إلى
قال قال أحمد بن حنبل ما أعلم قتادة روى عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا عن أنس رضي
الله عنه قيل فابن سرجس فكأنه لم يره سماعا انتهى والله تعالى أعلم
قوله (وفي الباب عن أبي بكر الصديق الخ) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره بعد نقل كلام
الترمذي هذا أما حديث الصديق رضي الله عنه فرواه الحكيم الترمذي في كتابه نوادر الأصول
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال أبو بكر البزار حدثنا عبد الرحمن بن الفضل فذكره
بإسناده بلفظ إن لكل شئ قلبا وقلب القرآن يس
159

باب ما جاء في فضل حم الدخان
قوله (من قرأ حم الدخان في ليلة) أي ليلة كانت وقال في الأزهار المراد بالليلة المبهمة
ليلة الجمعة المبينة في الحديث الآتي والدليل على ذلك قوله عليه السلام في الحديث الأول يعني هذا
الحديث يستغفر له سبعون ألف ملك وفي الحديث الثاني يعني الآتي غفر له والظاهر أن هذا مبين
انتهى
قلت ليس في قوله في ليلة في هذا الحديث إبهام حتى يقال إن قوله في ليلة الجمعة في
الحديث الآتي مبين له فتفكر (يستغفر له سبعون ألف ملك) أي يطلبون له من الله المغفرة
قوله (غفر له) ذنوبه أي الصغائر
قوله (وهشام أبو المقدام يضعف) قال في التقريب هشام بن زياد بن أبي يزيد وهو
هشام بن أبي هشام أبو المقدام ويقال له أيضا هشام بن أبي الوليد المدني متروك من السادسة (ولم
يسمع الحسن من أبي هريرة) فالحديث ضعيف من وجهين (هكذا قال أيوب ويونس بن عبيد
وعلي بن زيد) هو ابن جدعان يعني هؤلاء الثلاثة قالوا إن الحسن لم يسمع من أبي هريرة
160

باب ما جاء في فضل سورة الملك)
قوله (أخبرنا يحيى بن عمر وبن مالك النكري) بضم النون البصري ضعيف ويقال إن
حماد بن زيد كذبه من السابعة (عن أبيه) هو عمرو بن مالك النكري أبو يحيى أو أبو مالك
البصري صدوق له أوهام من السابعة (عن أبي الجوزاء) بالجيم والزاي اسمه أوس بن عبد الله
الربعي بفتح الموحدة بصري يرسل كثيرا ثقة من الثالثة
قوله (ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خباءه) بكسر الخاء المعجمة والمد أي خيمته قال
الطيبي الخباء أحد بيوت العرب من وبر أو صوف ولا يكون من شعر ويكون على عمودين أو
ثلاثة (على قبر) أي على موضع قبر (وهو) أي الصحابي (لا يحسب) بفتح السين وكسرها أي لا
يظن (أنه قبر) أي أن ذلك المكان موضع قبر (فإذا) للمفاجأة (قبر إنسان) أي مكانه (فأتى
النبي صلى الله عليه وسلم) أي صاحب الخيمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم هي أي سورة الملك (المانعة) أي تمنع من عذاب
القبر أو من المعاصي التي توجب عذاب القبر (هي المنجية) يحتمل أن تكون مؤكدة لقوله هي المانعة
وأن تكون مفسرة ومن ثمة عقب بقوله تنجيه من عذاب القبر
قوله (هذا حديث غريب) في سنده يحيى بن عمرو بن مالك وهو ضعيف كما عرفت
قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه الترمذي بعد هذا
161

قوله (عن عباس الجشمي) بضم الجيم وفتح المعجمة يقال اسم أبيه عبد الله مقبول من
الثالثة
قوله (قال إن سورة) أي عظيمة (من القرآن) أي كائنة من القرآن (ثلاثون آية) خبر مبتدأ
محذوف أي هي ثلاثون والجملة صفة لاسم إن (شفعت) بالتخفيف خبر إن وقيل خبر إن هو
ثلاثون وقوله شفعت خبر ثان (لرجل حتى غفر له) متعلق بشفعت وهو يحتمل أن يكون بمعنى
المضي في الخبر يعني كان رجل يقرؤها ويعظم قدرها فلما مات شفعت له حتى دفع عنه عذابه
ويحتمل أن يكون بمعنى المستقبل أي تشفع لمن يقرؤها في القبر أو يوم القيامة (وهي تبارك الذي
بيده الملك) أي إلى آخرها وقد استدل بهذا الحديث من قال البسملة ليست من السورة وآية تامة
منها لأن كونها ثلاثين آية إنما يصح على تقدير كونها آية تامة منها والحال أنها ثلاثون من غير كونها آية
تامة منها فهي إما ليست بآية منها كمذهب أبي حنيفة ومالك والأكثرين وإما ليست باية تامة بل
هي جزء من الآية الأولى كرواية في مذهب الشافعي
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان في
صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد
قوله (أخبرنا الفضيل بن عياض) هو ابن مسعود التميمي الزاهد (عن ليث) هو ابن أبي
سليم
قوله (كان لا ينام الخ) يأتي هذا الحديث مع شرحه في الباب الذي بعد باب ما جاء فيمن
يقرأ من القرآن عند المنام من أبواب الدعوات (ورواه مغيرة بن مسلم) القسملي بقاف وميم
مفتوحتين بينهما مهملة ساكنة أبو سلمة السراج بتشديد الراء المدائني أصله من مرو صدوق من
162

السادسة (إنما أخبرنيه صفوان أو ابن صفوان) أو للشك أي قال أخبرني صفوان أو قال أخبرني ابن
صفوان وصفوان هذا هو صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية القرشي ثقة من الثالثة والمراد
من ابن صفوان هو صفوان هذا قال في التقريب ابن صفوان شيخ أبي الزبير هو صفوان بن
عبد الله بن صفوان نسب لجده
قوله (قال تفضلان) أي سورة ألم تنزيل وسورة تبارك الذي بيده الملك (على كل سورة
من القران بسبعين حسنة) قال القاري هذا لا ينافي الخبر الصحيح أن البقرة أفضل سور القرآن
بعد الفاتحة إذ قد يكون في المفضول مزية لا توجد في الفاضل أوله خصوصية بزمان أو حال كما لا
يخفى على أرباب الكمال أما ترى أن قراءة سبح والكافرون والإخلاص في الوتر أفضل من غيرها
وكذا سورة السجدة والدهر بخصوص فجر الجمعة أفضل من غيرهما فلا يحتاج في الجواب إلى ما
قاله ابن حجر إن ذاك حديث صحيح وهذا ليس كذلك انتهى كلام القاري قلت ما ذكره
القاري من وجه الجمع بين هذين الحديثين لا ينفي الاحتياج إلى ما ذكر ابن حجر فتفكر وأثر
طاوس هذا أخرجه الدارمي بلفظ فضلتا على كل سورة في القرآن بستين حسنة
باب ما جاء في إذا زلزلت
قوله (حدثنا محمد بن موسى الجرشي) كذا في النسخ الموجودة بالجيم والراء والشين
المعجمة وكذا في ميزان الاعتدال ووقع في الخلاصة بالحاء والراء والسين المهملات وضبطه
الخزرجي بفتح المهملتين ووقع في تهذيب التهذيب والتقريب بالحاء والراء المهملتين وبالشين
المعجمة وضبطه الحافظ في التقريب بقوله بفتح المهملة والراء ثم شين معجمة ومحمد بن موسى
163

هذا هو ابن نفيع (أخبرنا الحسن بن سلم بن صالح العجلي) ويقال اسم أبيه سيار وقد ينسب إلى
جده مجهول من الثامنة كذا في التقريب وقال في تهذيب التهذيب وهو شيخ مجهول له حديث
واحد في فضل إذا زلزلت رواه عن ثابت البناني وعنه محمد بن موسى الجرشي أخرجه الترمذي
واستغربه وكذا فعل الحاكم أبو أحمد انتهى
قوله (من قرأ إذا زلزلت عدلت له بنصف القرآن الخ) قال الطيبي يحتمل أن يقال
المقصود الأعظم بالذات من القرآن بيان المبدأ والمعاد وإذا زلزلت مقصورة على ذكر المعاد مستقلة
ببيان أحواله فيعادل نصفه وما جاء أنها ربع القرآن فتقريره أن يقال القران يشتمل على تقرير
التوحيد والنبوات وبيان أحكام المعاش وأحوال المعاد وهذه السورة مشتملة على القسم الأخير من
الأربع وقل يا أيها الكافرون محتوية على القسم الأول منها لأن البراءة عن الشرك إثبات للتوحيد
ليكون كل واحدة منها كأنها ربع القرآن وهذا تلخيص كلام الشيخ التوربشتي
فإن قلت هلا حملوا المعادلة على التسوية في الثواب على المقدار المنصوص عليه قلت
منعهم من ذلك لزوم فضل إذا زلزلت على سورة الإخلاص والقول الجامع فيه ما ذكره الشيخ
التوربشتي من قوله نحن وإن سلكنا هذا المسلك بمبلغ علمنا نعتقد ونعترف أن بيان ذلك على الحقيقة إنما يتلقى من قبل الرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه هو الذي ينتهي إليه في معرفة حقائق الأشياء والكشف
عن خفيات العلوم فأما القول الذي نحن بصدده ونحوم حوله على مقدار فهمنا وإن سلم من
الخلل والزلل لا يتعدى عن ضرب من الاحتمال انتهى
قوله (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث هذا الشيخ الحسن بن سلم) وهو
مجهول كما عرفت والحديث أخرجه أيضا ابن مردويه والبيهقي
قوله (وفي الباب عن ابن عباس) أخرجه الترمذي في الباب الآتي
164

قوله (تزوج تزوج) أي تزوج بما معك من السور المذكورة كما في حديث سهل بن سعد
الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت إني وهبت نفسي لك فقامت طويلا فقال رجل يا
رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال هل عندك من شئ تصدقها الحديث وفيه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل معك من القرآن شئ قال نعم سورة كذا وسور كذا لسور سماها فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجتكها بما معك من القران أخرجه الجماعة
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه ابن أبي شيبة وذكره الحافظ في الفتح في كتاب النكاح
وعزاه للترمذي وابن أبي شيبة وسكت عنه وذكره في فضائل القرآن وعزاه للترمذي وابن أبي شيبة
وأبي الشيخ قال وزاد ابن شيبة وأبي الشيخ وآية الكرسي تعدل ربع القرآن ثم قال وهو حديث
ضعيف لضعف سلمة بن وردان وإن حسنه الترمذي فلعله تساهل فيه لكونه من فضائل الأعمال
انتهى
(باب ما جاء في سورة الإخلاص وفي سورة إذا زلزلت) قوله (أخبرنا يمان بن المغيرة العنزي) البصري أبو حذيفة ضعيف من السادسة (أخبرنا
عطاء) هو ابن أبي رباح
165

قوله (إذا زلزلت) أي سورة إذا زلزلت (تعدل) أي تماثل (نصف القرآن) تقدم توجيهه في
الباب السابق (وقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن) لأن علوم القرآن ثلاثة علم التوحيد وعلم
الشرائع وعلم تهذيب الأخلاق وهي مشتملة على الأول (وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع
القرآن) لأن القرآن يشتمل على أحكام الشهادتين وأحوال النشأتين فهي لتضمنها البراءة من
الشرك ربع
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان قال المناوي هذا
حديث منكر وتصحيح الحاكم مردود انتهى وذكر الحافظ هذا الحديث في الفتح في فضائل
القرآن وعزاه للترمذي والحاكم وأبي الشيخ وقال صححه الحاكم وفي سنده يمان بن المغيرة وهو
ضعيف عندهم انتهى لا نعرفه إلا من حديث يمان بن المغيرة قال البخاري وأبو حاتم وهو منكر
الحديث يروي المناكير التي لا أصول لها فاستحق الترك كذا في تهذيب التهذيب
باب ما جاء في سورة الإخلاص
قوله (أخبرنا زائدة) هو ابن قدامة (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن عمرو بن ميمون)
هو الأودي (عن امرأة أبي أيوب) هي أم أيوب الأنصارية صحابية (عن أبي أيوب) الأنصاري
اسمه خالد بن زيد
قوله (أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن) وكذا رواه البخاري عن أبي سعيد
الخدري وزاد فشق ذلك عليهم فسألوا أينا يطيق ذلك يا رسول الله (من قرأ الله الواحد الصمد)
وفي بعض النسخ من قرأ قل هو الله أحد الله الصمد وقد وقع في حديث أبي سعيد الخدري
المذكور فقال الله الواحد الصمد ثلث القرآن قال الحافظ في الفتح عند الإسماعيلي من رواية أبي
166

خالد الأحمر عن الأعمش فقال يقرأ قل هو الله أحد فهي ثلث القرآن فكأن رواية الباب بالمعنى
ويحتمل أن يكون سمى السورة بهذا الاسم لاشتمالها على الصفتين المذكورتين أو يكون بعض
رواته كان يقرأها كذلك فقد جاء عن عمر أنه كان يقرأ الله أحد الله الصمد بغير قل في أولها (فقد
قرأ ثلث القرآن) كذا في رواية أبي أيوب فقد قرأ ثلث القرآن وفي حديث أي سعيد المذكور
فقال الله الواحد الصمد ثلث القرآن كما عرفت قال الحافظ حمله بعض العلماء على ظاهره فقال
هي ثلث باعتبار معاني القرآن لأنه أحكام وأخبار وتوحيد وقد اشتملت هي على القسم الثالث
فكانت ثلثا بهذا الاعتبار ويستأنس لهذا بما أخرجه أبو عبيدة من حديث أبي الدرداء قال جزأ
النبي صلى الله عليه وسلم القرآن ثلاثة أجزاء فجعل قل هو الله أحد جزءا من أجزاء القران وقال القرطبي
اشتملت هذه السورة على اسمين من أسماء الله تعالى يتضمنان جميع أوصاف الكمال لم يوجدا في
غيرها من السور وهما الأحد الصمد لأنهما يدلان على أحدية الذات المقدسة الموصوفة بجميع
أوصاف الكمال وبيان ذلك أن الأحد يشعر بوجوده الخاص الذي لا يشاركه فيه غيره والصمد
يشعر بجميع أوصاف الكمال لأنه الذي انتهى إليه سؤدده فكان مرجع الطلب منه وإليه ولا يتم
ذلك على وجه التحقيق إلا لمن جاز جميع خصال الكمال وذلك لا يصلح إلا لله تعالى فلما اشتملت
هذه السورة على معرفة الذات المقدسة كانت بالنسبة إلى تمام المعرفة بصفات الذات وصفات
الفعل ثلثا انتهى ومنهم من حمل المثلية على تحصيل الثواب فقال معنى كونها ثلث القرآن أن ثواب
قراءتها يحصل للقاري مثل ثواب من قرأ ثلث القران وقيل مثله بغير تضعيف وهي دعوى بغير
دليل ويؤيد الاطلاق ما أخرجه مسلم من حديث أبي الدرداء فذكر نحو حديث أبي سعيد الأخير
وقال فيه قل هو الله تعدل ثلث القرآن ولمسلم أيضا من حديث أبي هريرة قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم احشدوا فإني سأقرأ عليكم ثلث القران فخرج فقرأ قل هو الله أحد ثم قال ألا إنها
تعدل ثلث القرآن ولأبي عبيد من حديث أبي بن كعب من قرأ قل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث
القرآن وإذا حمل ذلك على ظاهره فهل ذلك لثلث من القرآن معين أو لأي ثلث فرض منه فيه
نظر ويلزم على الثاني أن من قرأها ثلاثا كان كمن قرأ ختمة كاملة وقيل المراد من عمل بما
تضمنته من الإخلاص والتوحيد كان كمن قرأ ثلث القرآن وادعى بعضهم أن قوله تعدل ثلث
القرآن يختص بصاحب الواقعة لأنه لما رددها في ليلته كان كمن قرأ ثلث القرآن بغير ترديد قال
القابسي ولعل الرجل الذي جرى له ذلك لم يكن يحفظ غيرها فلذلك استقل عمله فقال له
الشارع ذلك ترغيبا له في عمل الخير وإن قل وقال ابن عبد البر من لم يتأول هذا الحديث
أخلص ممن أجاب فيه بالرأي
167

قلت حديث أبي أيوب المذكور بلفظ من قرأ قل هو الله أحد فقد قرأ ثلث القرآن صريح
في أن قراءة سورة قل هو الله أحد تعدل قراءة ثلث القران وكذا حديث أبي الدرداء الذي أشار
إليه الترمذي وحديث أبي هريرة الآتي في هذا الباب يدلان على ذلك وقوله صلى الله عليه وسلم قل هو الله أحد
تعدل ثلث القران يحمل على أن قراءتها تعدل قراءة ثلث القران ويحصل لقارئها ثواب قراءة ثلث
القران فالروايات بعضها يفسر بعضا هذا ما عندي والله تعالى أعلم
قوله (وفي الباب عن أبي الدرداء وأبي سعيد الخ) أما حديث أبي الدرداء فأخرجه مسلم
بلفظ أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القران قالوا وكيف يقرأ ثلث القران قال قل هو الله
أحد تعدل ثلث القران وأما حديث أبي سعيد وحديث قتادة بن النعمان فأخرجهما البخاري
وأما حديث أبي هريرة وحديث أنس فأخرجهما الترمذي في هذا الباب وأما حديث ابن عمر
فأخرجه أبو الشيخ عنه مرفوعا من قرأ قل هو الله أحد عشية عرفة ألف مرة أعطاه الله ما سأل
وأما حديث أبي مسعود فأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد والنسائي وذكره المنذري في ترغيبه ونقل تحسين
الترمذي وأقره
قوله (أخبرنا إسحاق بن سليمان) الرازي أبو يحيى (عن عبيد الله بن عبد الرحمن) يقال
اسم جده السائب بن عمير صدوق من السادسة (عن ابن حنين) اسمه عبيد كما صرح به الترمذي
فيما بعد وصرح مالك أيضا في روايته حيث قال عن عبيد الله بن عبد الرحمن عن عبيد بن حنين
مولى آل زيد بن الخطاب الخ وقال الحافظ في التقريب عبيد بن حنين بنونين مصغرا المدني أبو
عبد الله ثقة قليل الحديث من الثالثة ووقع في النسخة الأحمدية عن أبي حنين وهو غلط لأنه ليس
في الكتب الستة راو كنيته أبو حنين
168

قوله (وجبت) أي له (قلت ما وجبت) أي ما معنى قولك جزاء لقراءته وجبت أو ما فاعل
وجبت (قال الجنة) أي بمقتضى وعد الله وفضله الذي لا يخلفه كما قال الله تعالى إن الله لا يخلف
الميعاد
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه مالك والنسائي والحاكم وقال صحيح
الإسناد (وابن حنين هو الخ) وقع في النسخة الأحمدية أبو حنين مكان ابن حنين وهو غلط كما
عرفت
قوله (حدثنا محمد بن مرزوق) نسب إلى جده واسم أبيه محمد قال في التقريب محمد بن
محمد بن مرزوق الباهلي البصري ابن بنت مهدي وقد ينسب لجده مرزوق صدوق له أوهام من
الحادية عشرة (أخبرنا حاتم بن ميمون أبو سهل) الكلابي البصري صاحب السقط بفتح المهملة
والقاف ضعيف من الثامنة
قوله (من قرأ كل يوم مائتي مرة قل هو الله أحد) أي إلى آخره أو هذه السورة (محي عنه)
أي عن كتاب أعماله (إلا أن يكون عليه دين) قال الشيخ عبد الحق ما محصله إن لهذا الاستثناء
معنيين الأول أن هذا الذنب أي الدين لا يمحى عنه ولا يغفر وجعل الدين من جنس الذنوب
تهويلا لأمره والثاني أنه محى عنه ذنوبه إذا كان عليه الدين ولا تؤثر قراءة هذه السورة في محوها
قوله (من أراد أن ينام على فراشه فنام) قال الطيبي الفاء للتعقيب وجزاء الشرط شرط
مع جزائه أي قوله فإذا كان يوم القيامة ولم يعمل الشرط الثاني في جزائه أعني يقول لأن الشرط
ماض فلم يعمل فيه إذا فلا يعمل في الجزاء كما في قول الشاعر
169

وإن أتاه خليل يوم مسغبة يقول لا غائب مالي ولا حرم
(على يمينه) أي على وجه السنة (أدخل على يمينك الجنة) قال الطيبي قوله على يمينك حال
من فاعل أدخل فطابق هذا قوله فنام على يمينه يعني إذا أطعت رسولي واضطجعت على يمينك
وقرأت السورة التي فيها صفاتي فأنت اليوم من أصحاب اليمين فاذهب من جانب يمينك إلى
الجنة
قوله (هذا حديث غريب) في سنده حاتم بن ميمون وهو ضعيف كما عرفت
قوله (أخبرنا يحيى بن سعيد) هو القطان (أخبرنا يزيد بن كيسان) اليشكري أبو إسماعيل
أو أبو منين بنون مصغرا الكوفي صدوق يخطئ من السادسة
قوله (أحشدوا) أي اجتمعوا واستحضروا الناس والحشد والجماعة واحتشد القوم لفلان
تجمعوا له وتأهبوا كذا في النهاية وقال في الصراح الحشد من باب ضرب يضرب ونصر ينتصر
وحشدوا أي اجتمعوا واحتشدوا وتحشدوا كذلك انتهى (ثم خرج) أي من الحجرة الشريفة (إني
لأرى) بفتح اللام وضم الهمزة وفتح الراء أي لأظن (هذا خبر جاءه من السماء) زاد في رواية مسلم
فذلك الذي أدخله
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه مسلم
170

قوله (أخبرنا خالد بن مخلد) القطواني بفتح القاف والطاء أبو الهيثم البجلي مولاهم الكوفي
صدوق يتشبع وله أفراد من كبار العاشرة
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه ابن ماجة
قوله (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري رحمه الله (حدثني عبد العزيز بن
محمد) هو الدراوردي (عن عبيد الله بن عمر) هو العمري
قوله (فكان كلما افتتح سورة يقرأ لهم في الصلاة يقرأ بها افتتح بقل هو الله أحد) وفي رواية
البخاري وكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح بقل هو الله أحد قال
الحافظ قوله مما يقرأ به أي من السورة بعد الفاتحة فلفظ البخاري هذا معناه واضح وأما لفظ
الترمذي فالظاهر أن في قوله يقرأ بها تكرارا فتفكر (فكلمه أصحابه) يظهر منه أن صنيعه ذلك
خلاف ما ألفوه من النبي صلى الله عليه وسلم (فقالوا إنك تقرأ بهذه السورة) أي سورة قل هو الله أحد (مما يأمر به
أصحابك) أي يقولون لك ولم يرد الأمر بالصيغة المعروفة لكنه لازم من التخيير الذي ذكروه كأنهم
171

قالوا له افعل كذا وكذا (وما يحملك أن تقرأ هذه السورة في كل ركعة) وفي رواية البخاري وما
يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة قال الحافظ سأله عن أمرين فأجابه بقوله إني أحبها
وهو جواب عن الثاني مستلزم للأول بانضمام شئ اخر وهو إقامته السنة المعهودة في الصلاة فالمانع
مركب من المحبة والأمر المعهود والحامل على الفعل المحبة وحدها (إن حبها أدخلك الجنة) دل
تبشيره له بالجنة على الرضا بفعله وعبر بالفعل الماضي في قوله أدخلك وإن كان دخول الجنة
مستقبلا تحقيقا لوقوع ذلك
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه البخاري معلقا والبزار والبيهقي
تنبيه روى الشيخان عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية وكان يقرأ لأصحابه في
صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال سلوه لأي شئ يصنع
ذلك فسألوه فقال لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأها فقال النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه أن الله
يحبه والظاهر أن قصة حديث عائشة هذا وقصة حديث أنس رضي الله عنه المذكور في الباب
قصتان متغايرتان لا أنهما قصة واحدة ويدل على تغايرهما أن في حديث الباب أنه كان يبدأ بقل
هو الله أحد وفي حديث عائشة أن أمير السرية كان يختم بها وفي هذا أنه كان يصنع ذلك في
كل ركعة ولم يصرح بذلك في قصة الاخر وفي هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله وفي حديث عائشة أنه
أمرهم أن يسألوا فبشره بالجنة وأميرهم وفي هذا أنه قال يحبها فبشره بأن الله وأمير السرية قال إنها
صفة الرحمن فبشره بأن الله يحبه والله تعالى أعلم
172

باب ما جاء في المعوذتين
بكسر الواو المشددة أي قل أعوذ برب القلق وقل أعوذ برب الناس
قوله (حدثنا يحيى بن سعيد) هو القطان
قوله (لم ير مثلهن) بصيغة المجهول وبرفع مثلهن أي في بابها وهو التعوذ يعني لم يكن
آيات سورة كلهن تعويذا للقارئ غير هاتين السورتين ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين الجان
وعين الإنسان فلما نزلت المعوذتان أخذهما وترك ما سواهما ولما سحر استشفى بهما وإنما كان
كذلك لأنهما من الجوامع في هذا الباب (قل أعوذ برب الناس إلى آخر السورة الخ) خبر مبتدأ أي
هي قل أعوذ برب الناس الخ وفي الحديث بيان عظم فضل هاتين السورتين وفيه دليل واضح على
كونهما من القرآن وفيه أن لفظة قل من القران ثابتة من أول السورتين بعد البسملة وقد
اجتمعت الأمة على هذا كله
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي
قوله (عن علي بن رباح) بفتح العين مكبرا والمشهور بضم العين مصغرا وكان يغضب
منها (في دبر كل صلاة) بضم الدال والموحدة أي في عقب كل صلاة
قوله (هذا حديث غريب) وفي بعض النسخ حسن غريب وأخرجه أحمد وأبو داود
والنسائي والبيهقي في الدعوات الكبير
173

باب ما جاء في فضل قارئ القرآن
قوله (وهشام) هو الدستوائي
قوله (الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به) وفي رواية البخاري مثل الذي يقرأ القرآن وهو
حافظ له قال النووي الماهر الحاذق الكامل الحفظ الذي لا يتوقف ولا يشق عليه القراءة لجودة
حفظه وإتقانه (مع السفرة الكرام البررة) السفرة جمع سافر ككاتب وكتبة والسافر الرسول
والسفرة الرسل لأنهم يسفرون إلى الناس برسالات الله وقيل السفرة الكتبة والكرام جمع الكريم
أي المكرمين على الله المقربين عنده لعصمتهم ونزاهتهم عن دنس المعصية والمخالفة والبررة جمع
البار وهم المطيعون من البر وهو الطاعة قال القاضي يحتمل أن يكون معنى كونه مع الملائكة أن
له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقا للملائكة السفرة لاتصافه بصفتهم من حمل كتاب الله تعالى
قال ويحتمل أن يراد أنه عامل بعملهم وسالك مسلكهم والذي يقرأه قال هشام) أي في روايته
(وهو شديد عليه) أي يصيبه شدة ومشقة (قال شعبة) أي في روايته (وهو عليه شاق) وفي رواية
مسلم والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق قال النووي وأما الذي يتتعتع فيه فهو
الذي يتردد في تلاوته لضعف حفظه (فله أجران) أجر القراءة وأجر بتعتعته في تلاوته ومشقته قال
القاضي وغيره من العلماء وليس معناه أن الذي يتتعتع عليه له من الأجر أكثر من الماهر به بل
الماهر أفضل وأكثر أجرا لأنه مع السفرة وله أجور كثيرة ولم يذكر هذه المنزلة لغيره وكيف يلحق
به من لم يعتن بكتاب الله تعالى وحفظه وإتقانه وكثرة تلاوته ودرايته كاعتنائه حتى مهر فيه
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة
قوله (عن كثير بن زاذان) النخعي الكوفي مجهول من السابعة
174

قوله (من قرأ القرآن فاستظهره) أي حفظه تقول قرأت القرآن عن ظهر قلبي أي
قرأته من حفظي قاله الجزري (فأحل حلاله وحرم حرامه) أي اعتقد حلاله حلالا وحرامه
حراما (أدخله الله به الجنة) أي في أول الوهلة (وشفعه) بالتشديد أي قبل شفاعته (في عشرة من
أهل بيته كلهم) أي كل العشرة (قد وجبت له النار) إفراد الضمير للفظ الكل قال الطيبي فيه
رد على من زعم أن الشفاعة إنما تكون في رفع المنزلة دون حط الوزر بناء على ما افتروه أن مرتكب
الكبيرة يجب خلوده في النار ولا يمكن العفو عنه والوجوب هنا على سبيل المواعدة
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد وابن ماجة والدارمي (وحفص بن سليمان الخ)
قال في التقريب حفص بن سلمان الأسدي أبو عمر البزار الكوفي الغاضري بمعجمتين وهو
حفص بن أبي داود القاري صاحب عاصم ويقال له حفيص متروك الحديث مع إمامته في القراءة
من الثامنة
باب ما جاء في فضل القرآن
قوله (عن أبي المختار الطائي) قيل اسمه سعد مجهول من السادسة (عن ابن أخي حارث
الأعور) مجهول من السادسة قال في تهذيب التهذيب ابن أخي الحارث الأعور روى عن
الحارث عن علي وروى عنه أبو المختار الطائي لم يسم لا هو ولا أبوه
قوله (مررت في المسجد) قال الطيبي في المسجد ظرف والمرور به محذوف يدل عليه
175

قوله (فإذا الناس يخوضون في الأحاديث) أي أحاديث الناس وأباطيلهم الأخبار
والحكايات والقصص ويتركون تلاوة القرآن وما يقتضيه من الأذكار والآثار والخوض أصله
الشروع في الماء والمرور فيه ويستعار الشروع في الأمور وأكثر ما ورد في القرآن ورد فيما يذم
الشروع فيه نحو قوله تعالى فذرهم في خوضهم يلعبون
قوله (أوقد فعلوها؟) قال الطيبي أي ارتكبوا هذه الشنيعة وخاضوا في الأباطيل فإن
الهمزة والواو العاطفة يستدعيان فعلا منكرا معطوفا عليه أي فعلوا هذه الفعلة الشنيعة وقال
القاري أي اتركوا القرآن وقد فعلوها أي وخاضوا في الأحاديث (أما) للتنبيه (ألا) للتنبيه أيضا
(إنها) الضمير للقصة (ستكون فتنة) أي عظيمة قال ابن الملك يريد بالفتنة ما وقع بين
الصحابة أو خروج التتار أو الدجال أو دابة الأرض انتهى قال القاري وغير الأول لا يناسب
المقام كما لا يخفى (فقلت ما المخرج منها) بفتح الميم اسم ظرف أو مصدر ميمي أي ما طريق
الخروج والخلاص من الفتنة يا رسول الله قال الطيبي أي موضع الخروج أو السبب الذي
يتوصل به إلى الخروج عن الفتنة (قال كتاب الله) أي طريق الخروج منها تمسك كتاب الله على
تقدير مضاف (فيه نبأ ما قبلكم) أي من أحوال الأمم الماضية (وخبر ما بعدكم) وهي الأمور الآتية
من أشراط الساعة وأحوال القيامة وفي العبارة تفنن (وحكم ما بينكم) بضم الحاء وسكون
الكاف أي حاكم ما وقع أو يقع بينكم من الكفر والإيمان والطاعة والعصيان والحلال والحرام
وسائر شرائع الإسلام (وهو الفصل) أي الفاصل بين الحق والباطل أو المفصول والمميز فيه الخطأ
والصواب وما يترتب عليه الثواب والعذاب وصف بالمصدر مبالغة (ليس بالهزل) أي جد
كله وحق جميعه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والهزل في الأصل القول المعرى عن
المعنى المرض واشتقاقه من الهزال ضد السمن والحديث مقتبس من قوله تعالى إنه لقول
فصل وما هو بالهزل (من تركه) أي القران إيمانا وعملا (من جبار) بين التارك بمن جبار ليدل
على أن الحامل له على الترك إنما هو التجبر والحماقة
قال الطيبي من ترك العمل بآية أو بكلمة من القرآن مما يجب العمل به أو ترك قراءتها من
التكبر كفر ومن ترك عجزا أو كسلا أو ضعفا مع اعتقاد تعظيمه فلا إثم عليه أي بترك القراءة
ولكنه محروم كذا في المرقاة (قصمه) أي أهلكه أو كسر عنقه وأصل القصم الكسر والإبانة
176

(ومن ابتغى الهدى) أي طلب الهداية من الضلالة (في غيره) من الكتب والعلوم التي غير مأخوذة
منه ولا موافقة معه (أضله الله) أي عن طريق الهدى وأوقعه في سبيل الردى (وهو) أي القرآن
(حبل الله المتين) أي الحكم القوي والحبل مستعار للوصل ولكل ما يتوصل به إلى شئ أي
الوسيلة القوية إلى معرفة ربه وسعادة قربه (وهو الذكر) أي ما يذكر به الحق تعالى أو ما يتذكر به
الخلق أي يتعظ (الحكيم) أي ذو الحكمة (هو الذي لا تزيغ) بالتأنيث والتذ كير أي لا تميل عن
الحق (به) أي باتباعه (الأهواء) أي الهوى إذا وافق هذا الهدى حفظ من الردى وقيل معناه لا
يصير به مبتدعا وضالا يعني لا يميل بسببه أهل الأهواء والآراء وقال الطيبي أي لا يقدر أهل
الأهواء على تبديله وتغييره وإمالته وذلك إشارة إلى وقوع تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل
الجاهلين فالباء للتعدية وقيل الرواية من الإزاغة بمعنى الإمالة والباء لتأكيد التعدية أي لا تميله
الأهواء المضلة عن نهج الاستقامة إلى الإعوجاج وعدم الإقامة كفعل اليهود بالتوراة حين حرفوا
الكلم عن مواضعه لأنه تعالى تكفل بحفظه قال تعالى إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له
لحافظون (ولا تلتبس به الألسنة) أي لا تتعسر عليه ألسنة المؤمنين ولو كانوا من غير العرب
قال تعالى فإنما يسرناه بلسانك ولقد يسرنا القرآن للذكر وقيل لا يختلط غيره بحيث
يشتبه الأمر ويلتبس الحق بالباطل فإن الله تعالى يحفظه أو يشتبه كلام الرب بكلام غيره لكونه
كلاما معصوما دالا على الاعجاز (ولا يشبع منه العلماء) أي لا يصلون إلى الإحاطة بكنهه حتى
يقفوا عن طلبه وقوف من يشبع من مطعوم بل كلما اطلعوا على شئ من حقائقه اشتاقوا إلى أخر
أكثر من الأول وهكذا فلا شبع ولا سآمة (ولا يخلق) بفتح الياء وضم اللام وبضم الياء وكسر
اللام من خلق الثوب إذا بلي وكذلك أخلق (عن كثرة الرد) أي لا تزول لذة قراءته وطراوة
تلاوته واستماع أذكاره وأخباره من كثرة تكراره
قال القاري وعن علي بابها أي لا يصدر الخلق من كثرة تكراره كما هو شأن كلام غيره
تعالى وهذا أولى مما قاله ابن حجر من أن عن بمعنى مع انتهى قلت قد وقع في بعض نسخ
الترمذي على مكان عن وهو يؤيد ما قاله ابن حجر (ولا تنقضي عجائبه) أي لا تنتهي غرائبه التي
يتعجب منها قيل كالعطف التفسيري للقرينتين السابقتين ذكره الطيبي (هو الذي لم تنته الجن)
177

أي لم يقفوا ولم يلبثوا (إذ سمعته) أي القرآن (حتى قالوا) أي لم يتوقفوا ولم يمكثوا وقت سماعهم له
عنه بل أقبلوا عليه لما بهرهم من شأنه فبادروا إلى الإيمان على سبيل البداهة لحصول العلم
الضروري وبالغوا في مدحه حتى قالوا (إنا سمعنا قرانا عجبا) أي شأنه من حيثية جزالة المبني
وغزارة المعنى (يهدي إلى الرشد) أي يدل على سبيل الصواب أو يهدي الله به الناس إلى طريق
الحق (فآمنا به) أي بأنه عن عبد الله ويلزم منه الايمان برسول الله (من قال به) من أخبر به (صدق)
أي في خبره أو من قال قولا ملتبسا به بأن يكون على قواعده ووفق قوانينه وضوابطه صدق
(ومن عمل به) أي بما دل عليه (أجر) أي أثيب في عمله أجرا عظيما وثوابا جسيما لأنه لا يحث
إلا على مكارم الأخلاق والأعمال ومحاسن الآداب (ومن حكم به) أي بين الناس (عدل) أي في
حكمه لأنه لا يكون إلا بالحق (ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم) قال في اللمعات روى
مجهولا أي من دعا الناس إلى القرآن وفق للهداية وروى معروفا كأن المعنى من دعا الناس إليه
هداهم انتهى (خذها) أي هذه الكلمات الطيبات واحفظها (يا أعور) هو الحارث الأعور
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه الدارمي (وإسناده مجهول) لجهالة أبي المختار الطائي
وابن أخي الحارث الأعور (وفي حديث الحارث مقال) قال الحافظ في ترجمته كذبه الشعبي في رأيه
ورمي بالرفض وفي حديثه ضعف باب ما جاء في تعليم القرآن
قوله (أخبرنا أبو داود) هو الطيالسي (قال سمعت سعد بن عبيدة) بضم العين مصغرا
السلمي (يحدث عن أبي عبد الرحمن السلمي) اسمه عبد الله بن حبيب
178

قوله (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) قال الطيبي أي خير الناس باعتبار التعلم
والتعليم من تعلم القرآن وعلمه انتهى قال القاري في المرقاة ولا يتوهم أن العمل خارج عنهما
لأن العلم إذا لم يكن مؤرثا للعمل ليس علما في الشريعة إذ أجمعوا على أن من عصى الله فهو جاهل
انتهى قال الحافظ فإن قيل يلزم أن يكون المقرئ أفضل من الفقيه قلنا لا لأن المخاطبين
بذلك كانوا فقهاء النفوس لأنهم كانوا أهل اللسان فكانوا يدرون معاني القرآن بالسليقة أكثر مما
يدريها من بعدهم بالاكتساب فكان الفقه لهم سجية فمن كان في مثل شأنهم شاركهم في ذلك
لا من كان قارئا أو مقرئا محضا لا يفهم شيئا من معاني ما يقرأه أو يقرئه فإن قيل فيلزم أن يكون
المقرئ أفضل ممن هو أعظم عناء في الاسلام بالمجاهدة والرباط والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
مثلا قلنا حرف المسألة يدور على النفع المتعدي فمن كان حصوله عنده أكثر كان أفضل فلعل
من مضمرة في الخبر ويحتمل أن تكون الخيرية وإن أطلقت لكنها مقيدة بناس مخصوصين خوطبوا
بذلك كان اللائق بحالهم ذلك أو المراد خير المتعلمين من يعلم غيره لا من يقتصر على نفسه
انتهى
قوله (قال أبو عبد الرحمن فذاك الذي أقعدني مقعدي هذا) أي هذا الحديث الذي
حدثني به عثمان هو الذي أجلسني مجلسي هذا يعني هو الذي حملني على جلوسي مجلسي هذا
للإقراء (وعلم) أي أبو عبد الرحمن (في زمان عثمان حتى بلغ الحجاج) وفي رواية البخاري وأقرأ
أبو عبد الرحمن في أمرة عثمان حتى كان الحجاج قال الحافظ أي حتى ولى الحجاج على العراق
قال بين أول خلافة عثمان وآخر ولاية الحجاج اثنتان وسبعون سنة إلا ثلاثة أشهر وبين آخر
خلافة عثمان وأول ولاية الحجاج العراق ثمان وثلاثون سنة ولم أقف على تعيين ابتداء إقراء أبي عبد
الرحمن وآخره فالله أعلم بمقدار ذلك ويعرف من الذي ذكرته أقصى المدة وأدناها والقائل وأقرأ
إلخ هو سعد بن عبيدة انتهى كلام الحافظ
179

قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة
وغيرهم
قوله (أخبرنا سفيان) هو الثوري (عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن) لم يذكر
سفيان سعد بن عبيدة بين علقمة وأبي عبد الرحمن قوله (خيركم أو أفضلكم) شك من بعض الرواة
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري
قوله (قال محمد بن بشار وأصحاب سفيان لا يذكرون فيه عن سفيان عن سعد بن
عبيدة قال محمد بن بشار وهو أصح) وهكذا حكم علي بن المديني على يحيى القطان فيه
بالوهم وقال ابن عدي جمع يحيى القطان بين شعبة وسفيان فالثوري لا يذكر في إسناده
سعد بن عبيدة وهذا مما عد في خطأ يحيى القطان على الثوري قال ابن عدي إن يحيى القطان لم
يخطئ قط إلا في هذا الحديث كذا في الفتح وقال أبو عيسى (وقد زاد شعبة في إسناد هذا
الحديث سعد بن عبيدة وكأن حديث سفيان أشبه) والبخاري أخرج الطريقين فكأنه ترجح
180

عنده أنهما جميعا محفوظان فيحمل على أن علقمة سمعه أولا من سعد ثم لقي أبا عبد الرحمن
فحدثه به أو سمعه مع سعد من أبي عبد الرحمن فثبته فيه سعد قاله الحافظ
قوله (قال علي بن عبد الله هو ابن المديني) (قال يحيى بن سعيد) هو القطان (ما أحد
يعدل عندي شعبة) أي ليس عندي أحد يساوي شعبة في الحفظ والإتقان (وإذا خالفه سفيان
أخذت بقول سفيان) لأن سفيان أحفظ وأتقن من شعبة وقد اعترف به شعبة نفسه كما بينه
الترمذي بقوله (سمعت أبا عمار يذكر عن وكيع الخ) (وما حدثني سفيان عن أحد بشئ فسألته إلا
وجدته كما حدثني) هذا دليل شعبة على أن سفيان أحفظ منه يعني لم يحدثني سفيان بشئ عن رجل
فسألت ذلك الرجل عن ذلك الشئ إلا وجدت ذلك الشئ عن ذلك الرجل كما حدثني به سفيان
فبطل قول بعض الجهلة إن قول شعبة سفيان أحفظ مني محمول على أنه قاله هضما لنفسه
قوله (وفي الباب عن علي وسعد) أما حديث علي فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما
حديث سعد فأخرجه ابن ماجة والدارمي
قوله (أخبرنا عبد الواحد بن زياد) العبدي مولاهم البصري ثقة في حديثه عن الأعمش
وحده مقال (عن عبد الرحمن بن إسحاق) بن الحارث الواسطي يكنى بأبي شيبة قال الحافظ في
التقريب ضعيف وقال في تهذيب التهذيب قال البخاري فيه نظر وقال عبد الله بن أحمد عن
أبيه ليس بذاك وهو الذي يحدث عن النعمان بن سعد أحاديث مناكير انتهى (عن
النعمان بن سعد) الأنصاري الكوفي روى عن علي وغيره وعنه ابن أخته أبو شيبة عبد
الرحمن بن إسحاق الكوفي ولم يرو عنه غيره فيما قال أبو حاتم وذكره ابن حبان في الثقات قال
الحافظ في تهذيب التهذيب والراوي عنه ضعيف فلا يحتج بخبره انتهى
181

قوله (هذا حديث لا نعرفه الخ) لم يحكم الترمذي على هذا الحديث بشئ من الضعف أو
الصحة وهو حديث ضعيف لضعف عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي
باب ما جاء في من قرأ حرفا من القرآن ماله من الأجر
قوله (أخبرنا أبو بكر الحنفي) اسمه عبد الكبير بن عبد المجيد وهو أبو بكر الحنفي
الصغير
قوله (من قرأ حرفا من كتاب الله) أي القرآن (والحسنة بعشر أمثالها) أي مضاعفة
بالعشر وهو أقل التضاعف الموعود بقوله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها والله يضاعف
لمن يشاء والحرف يطلق على حرف الهجاء والمعاني والجملة المفيدة والكلمة المختلف في
قراءتها وعلى مطلق الكلمة ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام
حرف وميم حرف وفي رواية ابن أبي شيبة والطبراني من قرأ حرفا من القرآن كتب له به
حسنة لا أقول ألم ذلك الكتاب ولكن الألف واللام والميم والذال واللام والكاف وفي رواية
للبيهقي لا أقول بسم الله ولكن باء وسين وميم ولا أقول ألم ولكن الألف واللام والميم
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه) وأخرجه الدارمي
قوله (سمعت قتيبة بن سعيد) يقول بلغني أن محمد بن كعب القرظي ولد في حياة
182

النبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ في تهذيب التهذيب لا حقيقة له وإنما الذي ولد في عهده هو أبوه فقد
ذكروا أنه كان من سبي قريظة ممن لم يحتلم ولم ينبت فخلوا سبيله حكى ذلك البخاري في ترجمة
محمد انتهى (ومحمد بن كعب القرظي يكنى أبا حمزة) وقيل يكنى أبا عبد الله مدني من حلفاء
الأوس وكان أبوه من سبي قريظة سكن الكوفة ثم المدينة قال ابن سعد كان ثقة عالما كثير
الحديث ورعا قال العجلي مدني تابعي ثقة رجل صالح عالم بالقرآن وقال عون بن عبد الله
ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن منه وقال ابن حبان كان من أفاضل أهل المدينة علما
وفقها وكان يقص في المسجد فسقط عليه وعلى أصحابه سقف فمات هو وجماعة معه تحت الهدم
سنة ثمان عشرة
قوله (عن عاصم) بن بهدلة وهو ابن أبي النجود
قوله (يا رب حله) الظاهر أنه أمر من التحلية يقال حليته أحليه تحليه إذا ألبسته
الحلية والمعنى يا رب زينه (إقرأ) أمر من القراءة أي أتل (وارقا) أمر من رقأ يرقا رقا أي اصعد
قال في القاموس رقأ في الدرجة صعد وهي المرقأة وتكسر أي يقال لصاحب القرآن اقرأ القرآن
واصعد على درجات الجنة وسيأتي توضيحه عن قريب في شرح حديث عبد الله بن عمرو
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه ابن خزيمة والحاكم وقال صحيح الإسناد كذا في
الترغيب للمنذري
183

قوله (وهذا أصح عندنا من حديث عبد الصمد عن شعبة) أي هذا الحديث الموقوف
الذي روي محمد بن جعفر أصح من حديث عبد الصمد عن شعبة المرفوع المذكور وذلك لأن عبد
الصمد وإن كان ثقة في شعبة لكن محمد بن جعفر المدني البصري المعروف بغندر أوثق وأتقن منه
في شعبة قال الحافظ في تهذيب التهذيب محمد بن جعفر المعروف بغندر صاحب الكرابيس
روى عن شعبة فأكثر وجالسه نحوا من عشرين سنة وكان ربيبه وقال العجلي بصري ثقة
وكان من أثبت الناس فحديث شعبة وقال ابن المبارك إذا اختلف الناس في حديث شعبة
فكتاب غندر حكم بينهم
باب
قوله (أخبرنا أبو النضر) اسمه هاشم بن القاسم الليثي (أخبرنا بكر بن خنيس) بالخاء
المعجمة وبالنون مصغرا كوفي عابد سكن بغداد صدوق له أغلاط أفرط فيه ابن حبان قاله الحافظ
في التقريب
قوله (ما أذن الله) أي ما أصغى وما استمع قال في القاموس أذن إليه وله كفرح
استمع قال الطيبي وههنا أذن عبارة عن الاقبال من الله بالرأفة والرحمة على العبد وذلك أن
العبد إذا كان في الصلاة وقد فرغ من الشواغل متوجها إلى مولاه مناجيا له بقلبه ولسانه فالله
سبحانه أيضا يقبل عليه بلطفه وإحسانه إقبالا لا يقبل في غيره من العبادات (لعبد في شئ) أي في
شئ من العبادات (أفضل من ركعتين يصليهما) يعني أفضل العبادات الصلاة كما ورد في
الصحيح الصلاة خير موضوع أي خير من كل ما وضعه الله لعباده ليتقربوا إليه (وإن البر
ليذر) بالذال المعجمة والراء المشددة على بناء المجهول أي ينثر ويفرق من قولهم ذررت الحب
184

والملح أي فرقته (على رأس العبد) أي ينزل الرحمة والثواب الذي هو أثر البر على المصلي (وما
تقرب العباد إلى الله عز وجل بمثل ما خرج منه) قال في مجمع البحار أي ما ظهر من الله ونزل على
نبيه وقيل ما خرج من العبد بوجوده على لسانه محفوظا في صدره مكتوبا بيده وقيل ما ظهر من
شرائعه وكلامه أو خرج من كتابه المبين وما استفهامية للإنكار ويجوز كونها نافية وهو أقرب أي
ما تقرب بشئ مثل انتهى ما في المجمع (قال أبو النضر) الراوي عن بكر بن خنيس (يعني
القرآن) هذا تفسير من أبي النضر لقوله ما خرج منه وهذا التفسير أولى عندي يعني ضمير منه
يرجع إلى الله والمراد بما خرج منه ما أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم وهو القرآن
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد وفي سندهما بكر بن خنيس وهو متكلم فيه
وليث بن أبي سليم وقد اختلط أخيرا ولم يتميز حديثه فترك
قوله (وبكر بن خنيس قد تكلم فيه ابن المبارك وتركه في آخر أمره) قال ابن معين ليس
بشئ وقال مرة ضعيف وقال مرة شيخ صالح لا بأس به وقال النسائي وغيره ضعيف
وقال الدارقطني متروك وقال أبو حاتم صالح غزاء ليس بالقوى وقال ابن حبان يروي عن
البصريين والكوفيين أشياء موضوعة يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها كذا في الميزان وإلى قول
ابن حبان هذا أشار الحافظ بقوله أفرط فيه ابن حبان
185

باب
قوله (أخبرنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن قابوس بن أبي ظبيان) الجنبي الكوفي قال
في التقريب فيه لين وقال في تهذيب التهذيب روى عن أبيه حصين بن جندب وآخرين وعنه
جرير بن عبد الحميد وآخرون (عن أبيه) أبي ظبيان واسمه حصين بن جندب الكوفي ثقة
قوله (إن الذي ليس في جوفه) أي قلبه (شئ من القرآن كالبيت الخرب) بفتح الخاء
المعجمة وكسر الراء أي الخراب لأن عمارة القلوب بالإيمان وقراءة القرآن وزينة الباطن
بالاعتقادات الحقة والتفكر في نعماء الله تعالى وقال الطيبي أطلق الجوف وأريد به القلب إطلاقا
لاسم المحل على الحال وقد استعمل على حقيقته في قوله تعالى ما جعل الله لرجل من قلبين
في جوفه واحتيج لذكره ليتم التشبيه له بالبيت الخرب بجامع أن القرآن إذا كان في الجوف يكون
عامرا مزينا بحسب قلة ما فيه وكثرته وإذا خلا عما لا بد منه من التصديق والاعتقاد الحق
والتفكير في آلاء الله ومحبته وصفاته يكون كالبيت الخرب الخالي عما يعمره من الأثاث والتجمل
انتهى قال القاري بعد نقل كلام الطيبي هذا ما لفظه وكأنه عدل عن ظاهر المقابلة المتبادر إلى
الفهم وإذا خلا عن القرآن لعدم ظهور إطلاق الخراب عليه انتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والدارمي والحاكم وقال صحيح
الإسناد
قوله (أخبرنا أبو داود الحفري) بفتح الحاء المهملة والفاء نسبة إلى حفر موضع بالكوفة
ثقة عابد (وأبو نعيم) اسمه الفضل بن دكين (عن زر) هو ابن حبيش قوله (يقال) أي عند دخول الجنة (لصاحب القرآن) أي من يلازمه بالتلاوة والعمل
186

(وارق) أمر من رقي يرقي أي أصعد إلى درجات الحنة يقال رقي الجبل وفيه وإليه رقيا ورقيا أي
صعد وفي رواية أبي داود إقرأ وارتق (ورتل) أي اقرأ بالترتيل ولا تستعجل بالقراءة (كما كنت
ترتل في الدنيا) من تجويد الحروف ومعرفة الوقوف (فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها) قال المنذري
في الترغيب قال الخطابي جاء في الأثر أن عدد آي القرآن على قدر درج الجنة في الآخرة فيقال
للقاري أرق في الدرج على قدر ما كنت تقرأ من آي القرآن فمن استوفى قراءة جميع القرآن
استولى على أقصى درج الجنة في الآخرة ومن قرأ جزءا منه كان رقيه في الدرج على قدر ذلك
فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان
في صحيحه
باب
قوله: (أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز) بن أبي رواد بفتح الراء وتشديد الواو صدوق
يخطئ وكان مرجئا أفرط ابن حبان فقال متروك من التاسعة (عن المطلب عن عبد الله بن حنطب)
187

قال في التقريب المطلب بن عبد الله بن المط بن حنطب بن الحارث المخزومي صدوق كثير
التدليس والإرسال من الرابعة
قوله: (عرضت علي) الظاهر أنه في ليلة المعراج (أجور أمتي) أي ثواب أعمالهم (حتى
القذاة) بالرفع أو الجر وهي بفتح القاف قال الطيبي: القذاة هي ما يقع في العين من تراب أو تبن
أو وسخ ولا بد في الكلام من تقدير مضاف أي أجور أعمال أمتي وأجر القذاة أي أجر إخراج
القذاة إما بالجر وحتى بمعنى إلى والتقدير إلى إخراج القذاة وعلى هذا قوله يخرجها الرجل من المسجد جملة مستأنفة للبيان وإما بالرفع عطفا على أجور فالقذاة مبتدأ ويخرجها خبره (فلم أر ذنيا)
أي يترتب على نسيان (أعظم من سورة) أي من ذنب نسيان سورة كائنة (من القرآن) قال القاري
في المرقاة: فإن قلت هذا مناف لما مر في باب الكبائر قلت إن سلم أن أعظم وأكبر مترادفان
فالوعيد على النسيان لأجل أن مدار هذه الشريعة على القرآن فنسيانه كالسعي في الاخلال بها
فإن قلت النسيان لا يؤاخذ به قلت المراد تركها عمدا إلى أن يفضي إلى النسيان وقيل المعنى
أعظم من الذنوب الصغائر إن لم تكن عن استخفاف وقلة تعظيم كذا نقله ميرك عن الأزهار
انتهى (أو آية أوتيها) أي تعلمها وأو للتنويع وإنما قال أوتيها دون حفظها إشعارا بأنها كانت نعمة
جسيمة أولاها الله ليشكرها فلما نسيها فقد كفر تلك النعمة (ثم نسيها) قال الطيبي: فلما عد
إخراج القذاة التي لا يؤبه لها من الأجور تعظيما لبيت الله عد أيضا النسيان من أعظم الجرم
تعظيما لكلام الله سبحانه فكأن فاعل ذلك عد الحقير عظيما بالنسبة إلى العظيم فأزاله عنه
وصاحب هذا عد العظيم حقيرا فأزاله عن قلبه
قوله: (هذا حديث غريب) وأخرجه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه وسكت
عنه أبو داود وقال المنذري: وفي إسناده عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد الأزدي مولاهم
المكي وثقه يحيى بن معين وتكلم فيه غير واحد
188

باب
قوله: (أخبرنا أبو أحمد) هو الزبيري (عن الحسن) هو البصري
قوله: (مر على قارئ يقرأ) أي القرآن (ثم سأل) أي طلب من الناس شيئا من الرزق
(فاسترجع) أي قال عمران: إنا لله وإنا إليه راجعون لابتلاء القارئ بهذه المصيبة التي هي
السؤال عن الناس بالقرآن أو لابتلاء عمران بمشاهدة هذه الحالة الشنيعة وهي مصيبة (من قرأ
القرآن فليسأل الله به) أي فليطلب من الله تعالى بالقرآن ما شاء من أمور الدنيا والآخرة أو المراد
أنه إذا مر بأية رحمة فليسألها من الله تعالى أو بآية عقوبة فيتعوذ إليه بها منها وإما أن يدعو الله عقيب
القراءة بالأدعية المأثورة وينبغي أن يكون الدعاء في أمر الآخرة وإصلاح المسلمين في معاشهم
ومعادهم (وقال محمود) أي ابن غيلان (هذا) أي خيثمة المذكور في الإسناد (خيثمة البصري الذي
روى عنه جابر الجعفي) قال الحافظ في تهذيب التهذيب: خيثمة بن أبي خيثمة واسمه عبد الرحمن
فيما يقال أبو نصر البصري روى عن أنس والحسن البصري روى عنه الأعمش ومنصور وجابر
الجعفي وغيرهم قال عباس عن ابن معين: ليس بشئ وذكره ابن حبان في الثقات وقال في
التقريب هو لين الحديث (وليس هو خيثمة بن عبد الرحمن) يعني خيثمة المذكور في الإسناد غير
خيثمة بن عبد الرحمن قال في التقريب: خيثمة بن عبد الرحمن ابن أبي سبرة بفتح المهملة وسكون
الموحدة الجعفي الكوفي ثقة وكان يرسل من الثالثة
قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد (وقد روى جابر الجعفي عن خيثمة هذا أيضا)
يعني أن جابرا الجعفي أيضا من أصحاب خيثمة هذا وروى عنه كما أن الأعمش من أصحابه
189

قوله: (حدثنا محمد بن إسماعيل الواسطي) قال في التقريب: محمد بن إسماعيل بن
البختري بفتح الموحدة والمثناة بينهما خاء معجمة ساكنة الحساني بمهملتين أبو عبد الله نزيل بغداد
صدوق من الحادية عشرة (عن صهيب) هو ابن سنان أبو يحيى الرومي صحابي شهير
قوله: (ما آمن بالقرآن من استحل محارمه) جمع محرم بمعنى الحرام الذي هو المحرم والضمير
للقرآن والمراد فرد من هذا الجنس قال الطيبي: من استحل ما حرمه الله تعالى في القرآن فقد
كفر مطلقا وخص ذكر القرآن لعظمته وجلالته
قوله: (وقد روى محمد بن يزيد بن سنان) الجزري أبو عبد الله بن أبي فروة ليس بالقوي
من التاسعة (عن أبيه) هو أبو فروة يزيد بن سنان المذكور في الإسناد (ولا يتابع) بصيغة المجهول
أي لا يتابع أحد (وأبو المبارك رجل مجهول) قال في التقريب: أبو المبارك عن عطاء مجهول من
السادسة وروايته عن صهيب مرسلة (وقال محمد) يعني البخاري (أبو فروة يزيد بن سنان
الرهاوي ليس بحديثه بأس) قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمته: وقال البخاري مقارب
الحديث إلا أن ابنه محمدا يروي عنه مناكير وقال في التقريب هو ضعيف
قوله: (الجاهر بالقرآن) أي المعلن بقراءته (كالجاهر بالصدقة) أي كالمعلن باعطائها
190

(والمسر بالقرآن) أي المخفي بقراءته
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود والنسائي وسكت عنه أبو داود وقال
المنذري: في إسناده إسماعيل بن عياش وفيه مقال ومنهم من يصحح حديثه عن الشاميين وهذا
الحديث شامي الإسناد انتهى
قوله: (ومعنى هذا الحديث أن الذي يسر بقراءة القرآن أفضل الخ) قال الطيبي: جاء آثار
بفضيلة الجهر بالقرآن وآثار بفضيلة الإسرار به والجمع بأن يقال الإسرار أفضل لمن يخاف الرياء
والجهر أفضل لمن لا يخافه بشرط أن لا يؤذي غيره من مصل أو نائم أو غيرهما وذلك لأن العمل في
الجهر يتعدى نفعه إلى غيره أي من استماع أو تعلم أو ذوق أو كونه شعارا للدين ولأنه يوقظ قلب
القارئ ويجمع همه ويطرد النوم عنه وينشط غيره للعبادة فمتى حضره شئ من هذه النيات فالجهر
أفضل
باب
قوله: (عن أبي لبابة) اسمه مروان الوراق البصري ثقة من الرابعة يقال أنه مولى عائشة أو
هند بنت المهلب أو عبد الرحمن بن زياد
قوله: (لا ينام حتى يقرأ بني إسرائيل والزمر) أي لم يكن عادته النوم قبل قراءتهما
قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد والنسائي والحاكم (قد روى عنه حماد بن زيد غير
حديث) يعني روى عنه حماد بن زيد أحاديث متعددة
191

قوله: (عن عبد الله بن أبي بلال) الخزاعي الشامي مقبول من الرابعة
قوله: (كان يقرأ المسبحات) بكسر الباء نسبة مجازية وهي السور التي في أوائلها سبحان أو
سبح بالماضي أو يسبح أو سبح بالأمر وهي سبعة: سبحان الذي أسرى والحديد والحشر والصف
والجمعة والتغابن والأعلى (قبل أن يرقد) أي ينام (يقول) استئناف لبيان الحامل له على قراءة تلك
السور كل ليلة قبل أن ينام (إن فيهن) أي في المسبحات (آية) أي عظيمة (خير) أي هي خير (من
ألف آية) قيل هي * (لو أنزلنا هذا القرآن) * وهذا مثل اسم الأعظم من بين سائر الأسماء في الفضيلة
فعلى هذا فيهن أي في مجموعهن وعن الحافظ ابن كثير أنها هو الأول والاخر والظاهر والباطن وهو
بكل شئ عليم انتهى قال القاري: والأظهر أنها هي الآية التي صدرت بالتسبيح وفيهن بمعنى
جميعهن والخيرية لمعنى الصفة التنزيهية الملتزمة للنعوت الاثباتية وقال الطيبي: أخفى الآية فيها
كإخفاء ليلة القدر في الليالي وإخفاء ساعة الإجابة في يوم الجمعة محافظة على قراءة الكل لئلا تشذ
تلك الآية
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود والنسائي قال المنذري بعد نقل
تحسين الترمذي: وفي إسناده بقية بن الوليد عن بحير بن سعد وبقية فيه مقال وأخرجه النسائي
من حديث معاوية بن صالح عن بحير بن سعد مرسلا انتهى
قلت: وبقية كثير التدليس وروى هذا الحديث عن بحير بالعنعنة
192

باب
قوله: (من قال حين يصبح) أي يدخل في الصباح (ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم
من الشيطان الرجيم) التكرار للإلحاح في الدعاء فإنه خبر لفظا دعاء معنى أو التثليث لمناسبة
الآيات الثلاث حتى لا يمنع القارئ عن قراءتها والتدبر في معانيها والتخلق بأخلاق ما فيها (وقرأ
ثلاث آيات من آخر سورة الحشر) أي من قوله * (هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب) * إلى آخر
السورة فإنها مشتملة على الاسم الأعظم عند كثيرين (يصلون عليه) أي يدعون له بتوفيق الخير
ودفع الشر أو يستغفرون لذنوبه (ومن قالها) أي الكلمات المذكورة (كان بتلك المنزلة) أي بالرتبة
المسطورة والظاهر أن هذا نقل بالمعنى اقتصارا من بعض الرواة
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الدارمي وفي سندهما خالد بن طهمان وكان قد
خلط قبل موته بعشر سنين
باب ما جاء كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم
قوله: (عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة) بالتصغير ابن عبد الله بن جدعان يقال اسم
أبي مليكة زهير التيمي المدني أدرك ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثقة فقيه من الثالثة
193

قوله: (ومالكم وصلاته) بالنصب أي ما تصنعون بصلاته والمعنى أنكم لا تستطيعون
أن تصلوا صلاته (ثم نعتت) أي وصفت (قراءة مفسرة) أي مبينة (حرفا حرفا) أي كان يقرأ
بحيث يمكن عد حروف ما يقرأ والمراد حسن الترتيل والتلاوة على نعت التجويد قال الطيبي:
يحتمل وجهين: الأول أن تقول كانت قراءته كيت وكيت والثاني: أن تقرأ مرتلة كقراءة النبي صلى الله عليه وسلم
قال ابن عباس: لأن أقرأ سورة أرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله بغير ترتيل
قوله: (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أبو داود والنسائي (وقد روى ابن
جريج هذا الحديث الخ) كذا ذكره الترمذي ههنا معلقا ووصله في أبواب القراءات وسيأتي الكلام
عليه هناك
قوله: (كل ذلك) بالنصب على أنه مفعول مقدم لقوله قد كان يصنع (ربما أوتر من أول
الليل وربما أوتر من آخره) وفي رواية مسروق أوتر أول الليل ووسطه وآخره ولكن انتهى وتره
حين مات إلى السحر (الحمد لله الذي جعل في الأمر) أي في أمر الشرع (سعة) بالفتح أي وسعة
وتسهيلا وتيسيرا قال الطيبي: دل على أن السعة من الله تعالى في التكاليف نعمة يجب تلقيها
بالشكر (قد كان ربما أسر وربما جهر) فيه دليل على أن المرء مخير في صلاة الليل يجهر بالقراءة أو
194

قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه مسلم وأبو داود
قوله: (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري (أخبرنا محمد بن كثير) العبدي
البصري ثقة لم يصب من ضعفه من كبار العاشرة (أخبرنا إسرائيل) هو ابن يونس
قوله: (كان النبي صلى الله عليه وسلم قد يعرض نفسه) أي على الناس (بالموقف) أي بالموسم (يحملني إلى
قومه) أي لأبلغ كلام ربي (فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي) زاد في رواية غير الترمذي فأتاه
رجل من همدان فأجابه ثم خشي أن لا يتبعه قومه فجاء إليه فقال آتي قومي فأخبرهم ثم آتيك من
العام المقبل قال نعم فانطلق الرجل قال الحافظ في الفتح: ذكر ابن إسحاق وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان بعد موت أبي طالب قد خرج إلى ثقيف بالطائف يدعوهم إلى نصره فلما امتنعوا منه رجع إلى
مكة فكان يعرض نفسه على قبائل العرب في مواسم الحج وذكر بأسانيد متفرقة أنه أتى كندة وبني
كعب وبني حذيفة وبني عامر بن صعصعة وغيرهم فلم يجبه أحد منهم إلى ما سأل وقال موسى بن
عقبة عن الزهري: فكان في تلك السنين أي التي قبل الهجرة يعرض نفسه على القبائل ويكلم كل
شريف قوم لا يسألهم إلا أن يؤووه ويمنعوه ويقول لا أكره أحدا منكم على شئ بل أريد أن تمنعوا
من يؤذيني حتى أبلغ رسالة ربي فلا يقبله أحد بل يقولون قوم الرجل أعلم به ثم ذكر حديث جابر
هذا ثم قال: وجاء وفد الأنصار في رجب وقد أخرج الحاكم وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل
بإسناد حسن عن ابن عباس: حدثني علي بن أبي طالب قال لما أمر الله نبيه أن يعرض نفسه على
قبائل العرب خرج وأنا معه وأبو بكر إلى منى حتى دفعنا إلى مجلس من مجالس العرب وتقدم أبو بكر
195

وكان نسابة فقال من القوم فقالوا من ربيعة فقال من أي ربيعة أنتم قالوا من ذهل
فذكروا حديثا طويلا في مراجعتهم وتوقفهم أخيرا عن الإجابة قال ثم دفعن إلى مجلس الأوس
والخزرج وهم الذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار لكونهم أجابوه إلى إيوائه ونصره قال فما
نهضوا حتى بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى ومناسبة هذا الحديث بالباب بأنه صلى الله عليه وسلم إذا بلغ قوما القرآن
يقرأه عليهم بالترتيل والتقطيع وتكون قراءته عليهم مفسرة حرفا حرفا ليتدبروا فيه ويتعظوا به
قوله: (هذا حديث حسن صحيح غريب) قال الحافظ في الفتح: أخرجه أحمد وأصحاب
السنن وصححه الحاكم
باب
قوله: (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري (أخبرنا شهاب بن عباد العبدي) أبو
عمر الكوفي ثقة من العاشرة (أخبرنا محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني) بالسكون أبو الحسن
الكوفي نزيل واسط ضعيف من التاسعة (عن عطية) هو العوفي
قوله: (من شغله القرآن عن ذكرى ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين) أي من
اشتغل بقراءة القرآن ولم يفرغ إلى ذكر ودعاء أعطى الله مقصوده ومراده أكثر وأحسن مما يعطي
الذين يطلبون حوائجهم (وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه) قال ميرك:
يحتمل أن تكون هذه الجملة من تتمة قول الله عز وجل فحينئذ فيه التفات كما لا يخفي ويحتمل أن
تكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أظهر لئلا يحتاج إلى ارتكاب الالتفات انتهى وقال الشوكاني في
تحفة الذاكرين: هذه الكلمة لعلها خارجة مخرج التعليل لما تقدمها من أنه يعطي المشتغل بالقرآن
196

أفضل ما يعطي الله السائلين ووجه التعليل انه لما كان كلام الرب سبحانه وتعالى فائقا على كل
كلام كان أجر المشتغل فوق كل أجر والحديث لولا أن فيه ضعفا لكان دليلا على أن الاشتغال
بالتلاوة عن الذكر وعن الدعاء يكون لصاحبه هذا الأجر العظيم
قوله: (هذا حديث غريب) قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث: رجاله ثقات إلا
عطية العوفي ففيه ضعف انتهى قلت: وفي سنده محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني وهو
أيضا ضعيف قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمته: قال الذهبي حسن الترمذي حديثه فلم
يحسن انتهى والحديث أخرجه أيضا الدارمي والبيهقي في شعب الإيمان
197

أبواب القراءات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قوله: (يقطع قراءته) زاد في رواية أبي داود آية آية أي يقف عند كل آية (يقرأ الحمد لله
رب العالمين ثم يقف الرحمن الرحيم ثم يقف) هذا بيان لقوله يقطع قراءته (وكان يقرؤها) في
بعض النسخ يقرأ بحذفها (ملك يوم الدين) على وزن كتف
قوله: (هذا حديث غريب) وأخرجه أبو داود وسكت عنه وزاد بسم الله الرحمن الرحيم
قبل الحمد لله رب العالمين وقال بعد روايته وسمعت أحمد يقول القراءة القديمة مالك يوم الدين
انتهى
قوله: (وبه يقرأ أبو عبيد ويختاره) أبو عبيد هذا اسمه القاسم بن سلام بتشديد اللام البغدادي الامام
المشهور ثقة فاضل مصنف قاله الحافظ في التقريب وقال: ولم أر له في الكتب
حديثا مسندا بل أقواله في شرح الغريب انتهى وذكر في تهذيب التهذيب ترجمته مبسوطة وقال
السيوطي في الإتقان: أول من صنف في القراءة أبو عبيد القاسم بن سلام انتهى وقال الحافظ ابن
كثير في تفسيره: قرأ بعض القراء ملك يوم الدين وقرأ آخرون مالك وكلاهما صحيح متواتر في
السبع ويقال ملك بكسر اللام وبإسكانها ويقال مليك أيضا وأشبع نافع كسرة الكاف فقرأ
198

ملكي يوم الدين وقد رجح كلا من القراءتين مرجحون من حيث المعنى وكلاهما صحيحة
حسنة ورجح الزمخشري ملك لأنها قراءة أهل الحرمين ولقوله * (لمن الملك اليوم) * وقوله * (الحق وله
الملك) * وحكي عن أبي حنيفة أنه قرأ: ملك يوم الدين على أنه فعل وفاعل ومفعول وهذا شاذ
غريب جدا وقد روى أبو بكر بن أبي داود في ذلك شيئا غريبا حيث قال حدثنا أبو عبد الرحمن
الأزدي حدثنا عبد الوهاب بن عدي بن الفضل عن أبي المطرف عن ابن شهاب أنه بلغه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وابنة يزيد ابن معاوية كانوا يقرؤون مالك يوم
الدين قال ابن شهاب وأول من أحدث ملك مروان قلت: مروان عنده علم بصحة ما قرأه لم
يطلع عليه ابن شهاب والله أعلم وقد روى من طرق متعددة أوردها ابن مردويه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها: مالك يوم الدين انتهى كلام الحافظ ابن كثير وقال البغوي: قرأ
عاصم والكسائي ويعقوب مالك وقرأ الآخرون ملك قال قوم معناهما وا حد مثل فرهين وفارهين
وحذرين وحاذرين انتهى
قوله: (وليس إسناده بمتصل لأن الليث بن سعد روى هذا الحديث عن ابن أبي مليكة عن
يعلى بن مملك عن أم سلمة) فزاد الليث بين ابن أبي مليكة وأم سلمة يعلى بن مملك فعلم أن
حديث يحيى بن سعيد الأموي وغيره بدون ذكر يعلى بن مملك بينهما منقطع (وحديث الليث
أصح) أي من حديث يحيى بن سعيد الأموي وغيره عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن
أم سلمة قلت: صرح الحافظ في تهذيب التهذيب أن ابن أبي مليكة روى عن أسماء وعائشة
وأم سلمة وفي البخاري قال ابن أبي مليكة أدركت ثلاثين من الصحابة فيجوز أن ابن أبي مليكة
كان يروي الحديث أولا عن يعلى عن أم سلمة ثم لقيها فسمعه منها فروى عنها بلا واسطة والله
تعالى أعلم
قوله: (أخبرنا أيوب بن سويد الرملي أبو مسعود الحميري الشيباني صدوق يخطئ كذا في
التقريب وقال المنذري وأيوب بن سويد هذا قال عبد الله بن المبارك أرم به وضعفه غير واحد
انتهى
199

قوله: (كانوا يقرؤون مالك يوم الدين) أي بالألف بعد الميم على وزن فاعل
قوله: (هذا حديث غريب) في سنده أيوب بن سويد وضعفه غير واحد كما عرفت وقال
البخاري يتكلمون فيه (وقد روى بعض أصحاب الزهري هذا الحديث عن الزهري أن
النبي صلى الله عليه وسلم الخ) يعني رواه بعض أصحاب الزهري مرسلا (وروى عبد الرزاق عن معمر عن
الزهري عن سعيد بن المسيب أن النبي الخ) هذا أيضا مرسل وهذا المرسل أخرجه أبو داود في
سننه ثم قال هذا أصح من حديث الزهري عن أنس والزهري عن سالم عن أبيه انتهى يعني
حديث الزهري المرسل أصح من حديث الزهري عن أنس المتصل ومن حديث الزهري عن سالم
عن أبيه المتصل وحديث الزهري عن سالم عن أبيه أخرجه الدارقطني في الافراد قاله المنذري
وفي الدر المنثور وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي داود في المصاحف من طريق سالم عن أبيه أن
النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يقرؤون مالك يوم الدين وأخرج الطبراني في معجمه الكبير
عن ابن مسعود أنه قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك يوم الدين بالألف وأخرج وكيع والفريابي وأبو
عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر من طرق عن عمر بن الخطاب أنه كان يقرأ
مالك يوم الدين بالألف وأخرج وكيع والفريابي وعبد بن حميد وابن أبي داود عن أبي هريرة أنه
كان يقرؤها مالك يوم الدين بالألف
قوله: (عن أبي علي بن يزيد) الأيلي هو أخو يونس بن يزيد قال في تهذيب التهذيب: ذكره
ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم مجهول انتهى
200

قوله: (والعين بالعين) أي بالرفع عطف على محل أن النفس قال البيضاوي تفسيره:
رفعها الكسائي على أنها جمل معطوفة على أن وما في حيزها باعتبار المعنى انتهى وقال البغوي في
المعالم: وقرأ الكسائي والعين وما بعدها بالرفع وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو جعفر وعمرو
والجروح بالرفع فقط وقرأها الآخرون كلها بالنصب كالنفس انتهى
قوله: (قال سويد بن نصر) المروزي أبو الفضل المعروف بالشاه قوله: (حدثنا سويد بن نصر
أخبرنا ابن المبارك عن يونس بن يزيد بهذا الإسناد نحوه) هذه العبارة لم توجد في بعض النسخ
ووجدت في بعضها وحذفها هو الظاهر
قوله: (وهذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وأبو داود وسكت عنه هو والمنذري (قال
محمد) يعني البخاري (تفرد ابن المبارك بهذا الحديث عن يونس بن يزيد) وقال الطبراني في
الأوسط: لم يروه عن الزهري إلا أبو علي ولا عنه إلا يونس تفرد به ابن المبارك كذا في تهذيب
التهذيب
قوله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هل يستطيع ربك) بالتاء ونصب باء ربك أي هل تستطيع أن
تسأل ربك هذه قراءة الكسائي وقراءة غيره هل يستطيع ربك بالياء ورفع باء ربك والآية بتمامها
هكذا * (إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء
قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين) *
201

قوله: (حدثنا حسين بن محمد البصري) السعدي الذارع (أخبرنا عبد الله بن حفص)
الأرطباني بمهملتين وموحدة أبو حفص البصري روى عن ثابت البناني قال أحمد ما أرى به بأسا
كذا في الخلاصة وقال في التقريب صدوق (عن أم سلمة) اسمها أسماء بنت يزيد بن السكن
الأنصارية الأشهلية روت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعنها شهر بن حوشب وغيره بايعت النبي صلى الله عليه وسلم وشهدت
اليرموك
قوله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها) أي الآية: * (إنه عمل غير صالح) * (إنه عمل غير صالح)
بصيغة الماضي ونصب راء غير وفي رواية لأبي داود عن شهر بن حوشب قال سألت أم سلمة
كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية (إنه عمل غير صالح) فقالت قرأها (إنه عمل غير
صالح) قال الخازن: قرأ الكسائي ويعقوب عمل بكسر الميم وفتح اللام وغير بفتح الراء على عود
ضمير الفعل على الابن ومعناه إنه عمل الشرك والكفر والتكذيب وكل هذا غير صالح وقرأ
الباقون من القراء عمل بفتح الميم ورفع اللام مع التنوين وغير بضم الراء ومعناه أن سؤالك إياي
أن أنجيه من الغرق عمل غير صالح لأن طلب نجاة الكافر بعدما حكم عليه بالهلاك بعيد انتهى
قوله: (هذا حديث قد رواه غير واحد عن ثابت البناني) والحديث أخرجه أبو داود وسكت
عنه وقال المنذري وشهر بن حوشب قد تكلم فيه غير واحد ووثقه الإمام أحمد ويحيى بن معين
(وقد روى هذا الحديث عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد) أخرجه أبو داود (وسمعت
عبد بن حميد) صاحب المسند ثقة حافظ روى عنه مسلم والترمذي وخلق (كلا الحديثين عندي
202

واحد) هذا قول الترمذي (وقد روى شهر بن حوشب غير حديث) أي أحاديث عديدة (عن
أم سلمة الأنصارية وهي أسماء بنت يزيد) قال المنذري: وكانت أم سلمة هذه خطيبة النساء
وقد روى شهر بن حوشب أيضا عن أم سلمة بنت أبي أمية زوج النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث انتهى
قوله: (حدثنا أبو بكر بن نافع البصري) اسمه محمد بن أحمد بن نافع العبدي (أخبرنا أمية بن
خالد) بن الأسود القيسي بالقاف ثم تحتانية أخو هدية يكنى أبا عبد الله البصري صدوق (أخبرنا
أبو الجارية العبدي) قال الحافظ مجهول (عن أبي إسحاق) هو عمرو بن عبد الله السبيعي
قوله: (أنه قرأ قد بلغت من لدني عذرا مثقلة) أي قرأ النون في لدني مثقلة يعني مشددة وفي
رواية أبي داود أنه قرأ قد بلغت من لدني وثقلها فقراءة الأكثر بضم الدال وتشديد النون قال
البغوي قرأ أبو جعفر ونافع وأبو بكر من لدني خفيفة النون وقرأ الآخرون بتشديدها انتهى وقال
البيضاوي في تفسيره: وقرأ نافع لدني بتحريك النون والاكتفاء بها عن نون الوقاية وقرأ أبو بكر لدني
بتحريك النون وإسكان الدال انتهى
قوله: (هذا حديث غريب الخ) وأخرجه أبو داود
203

قوله: (أخبرنا معلى بن منصور) الرازي أبو يعلى نزيل بغداد ثقة سني فقيه طلب للقضاء
فامتنع أخطأ من زعم أن أحمد رماه بالكذب (عن محمد بن دينار) الأزدي ثم الطاحي بمهملتين
البصري صدوق سيئ الحفظ رمي بالقدر تغير قبل موته (عن سعد بن أوس) العدوي البصري
روى عن مصدع أبو يحيى وعنه محمد بن دينار الطاحي وثقه ابن حبان وضعفه ابن معين كذا في
الخلاصة وقال في التقريب صدوق له أغاليط (عن مصدع) على وزن منبر (أبي يحيى) الأعرج
المعرقب مقبول قاله الحافظ وقال الخزرجي مصدع الأعرج أبو يحيى المعرقب بفتح القاف عرقبه
بشر بن مروان موثق
قوله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في عين حمئة) بفتح الحاء وكسر الميم بعدها همزة مفتوحة وفي رواية
أبو داود أقرأني أبي بن كعب كما أقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم في عين حمئة مخففة أي بحذف الألف بعد الحاء
يعني لا حامية بإثبات الألف كما في قراءة قال البغوي قرأ أبو جعفر وأبو عامر وحمزة والكسائي
وأبو بكر حامية بالألف غير مهموزة أي حارة وقرأ الآخرون حمئة مهموزا بغير الألف أي ذات
حمأه وهي الطينة السوداء وقال بعضهم يجوز أن يكون معنى قوله في عين حمئة أي عندها عين حمئة
أو في رأي العين وذلك أنه بلغ موضعا من المغرب لم يبق بعده شئ من العمران فوجد الشمس
كأنها تغرب في وهدة مظلمة كما أن راكب البحر يرى الشمس كأنها تغيب في البحر وقد جاء في
قراءة في عين حامية حديث مرفوع أخرج أبو داود في سننه عن أبي ذر قال كنت رديف
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حمار والشمس عند غروبها فقال هل تدري أين تغرب هذه قلت الله
ورسوله أعلم قال فإنها تغرب في عين حامية والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وقال ابن
جرير: والصواب أنهما قراءتان مشهورتان وأيهما قرأ القارئ فهو مصيب انتهى قال ابن كثير
ولا منافاة بين معنيهما إذ قد تكون حارة لمجاورتها وهج الشمس عند غروبها وملاقاتها الشعاع بلا
حائل وحمئة في ماء وطين أسود كما قال كعب الأخبار وغيره انتهى
قوله: (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه) وأخرجه أبو داود (والصحيح ما
روى ابن عباس قراءته) يعني الصحيح أن هذا الحديث موقوف على ابن عباس وهو قرأ في
204

عين حمئة لا النبي صلى الله عليه وسلم (ويروى أن ابن عباس وعمرو بن العاص اختلفا في قراءة هذه الآية
وارتفعا إلى كعب الأحبار في ذلك) أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر من طريق عطاء عن ابن
عباس قال: خالفت عمرو بن العاص عند معاوية في حمئة وحامية قرأتها في عين حمئة فقال عمرو
حامية فسألنا كعبا فقال إنها في كتاب الله المنزل تغرب في طين سوداء كذا في الدر المنثور وفيه:
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عثمان بن
أبي حاضر أن ابن عباس ذكر له أن معاوية بن أبي سفيان قرأ الآية التي في سورة الكهف: تغرب في
عين حامية قال ابن عباس فقلت لمعاوية ما نقرؤها إلا حمئة فسأل معاوية عبد الله بن عمرو كيف
تقرؤها فقال عبد الله كما قرأتها قال ابن عباس فقلت لمعاوية في بيتي نزل القرآن فأرسل إلى
كعب فقال له أين تجد الشمس تغرب في التوراة فقال له كعب سل أهل العربية فأنهم أعلم بها
وأما أنا فأني أجد الشمس تغرب في التوراة في ماء وطين وأشار بيده إلى المغرب (فلو كانت عنده)
أي عند ابن عباس (رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم لاستغنى بروايته ولم يحتج) من الاحتياج (إلى كعب)
فعلم أن الصحيح ما روى عن ابن عباس قراءته
قوله: (عن أبيه) هو سليمان بن طرخان (عن عطية) هو ابن سعد بن جنادة العوفي
قوله: (ظهرت الروم على فارس) أي غلبوا عليهم (فنزلت ألم غلبت الروم إلى قوله يفرح
المؤمنون) أي فقرئت لأن نزول هذه الآية كان بمكة قال في تفسير الجلالين (ألم غلبت الروم) وهم
أهل كتاب غلبتها فارس وليسوا أهل كتا ب بل يعبدون الأوثان ففرح كفار مكة
بذلك وقالوا
للمسلمين نحن نغلبكم كما غلبت فارس الروم في أدنى الأرض أي أقرب أرض الروم إلى فارس
بالجزيرة فالتقى فيها الجيشان والبادي بالفوز الفارس (وهم) أي الروم (من بعد غلبهم) أضيف
المصدر إلى المفعول أي غلبة فارس إياهم سيغلبون فارس في بضع سنين هو ما بين الثلاث إلى
التسع أو العشر فالتقى الجيشان في السنة السابعة من الالتقاء الأول وغلبت الروم فارس (لله الأمر
205

من قبل ومن بعد) أي من قبل غلب الروم ومن بعده والمعنى أن غلبة فارس أولا وغلبة الروم ثانيا
بأمر الله أي إرادته (ويومئذ) أي يوم تغلب الروم ويفرح المؤمنون بنصر الله إياهم على فارس وقد
فرحوا بذلك وعلموا به يوم وقوعه يوم بدر بنزول جبرئيل بذلك فيه مع فرحهم بنصرهم على
المشركين فيه (ينصر من يشاء وهو العزيز) الغالب (الرحيم) بالمؤمنين قال ابن جرير رحمه الله
قوله: غلبت الروم في أدنى الأرض اختلفت القراء في قراءته فقرأته عامة قراء الأمصار غلبت
الروم بضم الغين بمعنى أن فارس غلبت الروم وقرأ غلبت الروم بفتح الغين والذين قرأوا بفتح
الغين قالوا: نزلت هذه الآية خبرا من الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن غلبة الروم قال والصواب من القراءة في
ذلك عندنا الذي لا يجوز غيره ألم غلبت الروم بضم الغين جماع الحجة من القراء عليه فإذا كان
ذلك كذلك فتأويلي الكلام غلبت فارس الروم في أدنى الأرض من أرض الشام إلى أرض فارس
وهم من بعد غلبهم يقول والروم من بعد غلبة فارس إياهم سيغلبون فارس في بضع سنين لله
الأمر من قبل غلبتهم فارس ومن بعد غلبتهم إياها يقضي في خلقه ما يشاء ويحكم ما يريد
ويظهر من شاء منهم على من أحب إظهاره عليه ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله يقول: ويوم
يغلب الروم فارس يفرح المؤمنون بالله ورسوله بنصر الله إياهم على المشركين ونصرة الروم على
فارس ينصر الله تعالى من يشاء من خلقه على من يشاء وهو نصرة المؤمنين على المشركين ببدر قال
وأما قوله سيغلبون فإن القراء أجمعين على فتح الياء فيها والواجب على قراءة من قرأ: ألم غلبت
الروم بفتح الغين أن يقرأ قوله سيغلبون بضم الياء فيكون معناه وهم من غلبتهم فارس سيغلبهم
المسلمون حتى يصح معنى الكلام وإلا لم يكن للكلام كبير معنى إن فتحت الياء لأن الخبر عما قد
كان يصير إلى الخبر عن أنه سيكون وذلك إفساد أحد الخبرين بالاخر انتهى كلامه ملخصا
قوله: (هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه) وأخرجه بن جرير وابن أبي حاتم والبزار
وفي إسناده عطية بن سعد العوفي تقدم ترجمته من التقريب وقال الذهبي في الميزان تابعي شهير
ضعيف قال أبو حاتم يكتب حديثه ضعيف وقال ابن معين صالح وقال أحمد ضعيف الحديث
وقال بلغني أن عطيه كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير وكان يكنيه بأبي سعيد فيقول: قال أبو
سعيد قال الذهبي يعني يوهم أنه الخدري وقال النسائي وجماعة ضعيف انتهى وقد بسط
الحافظ ترجمته في تهذيب التهذيب وقال فيه قال أحمد وحدثنا أبو أحمد الزبير سمعت الكلبي
يقول: كناني عطية أبو سعيد انتهى
206

قلت: وفي عطية ثلاثة أشياء: الأول أنه مدلس والثاني أنه عند أكثر الأئمة ضعيف
والثالث أنه كان يأخذ التفسير عن الكلبي ويكتبه بأبي سعيد فيقول عن أبي سعيد يوهم أنه أبو
سعيد الخدري رضي الله عنه فحديثه هذا ضعيف غير مقبول وفي قول الترمذي هذا حديث
حسن نظر (ويقرأ غلبت) أي بفتح الغين واللام على بناء الفاعل قال البيضاوي: وقرئ غلبت
بالفتح وسيغلبون بالضم ومعناه أن الروم غلبوا على ريف الشام والمسلمون سيغلبونهم وفي السنة
التاسعة من نزوله غزاهم المسلمون وفتحوا بعض بلادهم وعلى هذا يكون إضافة الغلب إلى
الفاعل انتهى (وغلبت) أي بضم الغين وكسر اللام على بناء المفعول (يقول كانت غلبت) بضم
الغين وكسر اللام (ثم غلبت) بفتح الغين واللام (هكذا قرأ نصر بن علي غلبت) أي بفتح الغين
واللام ونصر بن علي هذا هو الجهضمي شيخ الترمذي
قوله: (أخبرنا نعيم بن ميسرة النحوي) الكوفي نزل الري يكنى أبا عمر صدوق من
الثامنة
قوله: (خلقكم من ضعف) أي بفتح الضاد المعجمة والمعنى بدأكم وأنشأكم على
ضعف وقيل من ماء ضعيف وقيل هو إشارة إلى أحوال الإنسان كان جنينا ثم طفلا مولودا
ومفطوما فهذه أحوال غاية الضعف (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم يعني بالضم وفي رواية
أبي داود عن عطية العوفي قال: قرأت عند عبد الله بن عمر * (الله الذي خلقكم من ضعف) * فقال
من ضعف قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قرأتها علي فأخذ علي كما أخذت عليك قال البغوي:
قرئ بضم الضاد وفتحها فالضم لغة قريش والفتح لغة تميم انتهى وقال النسفي: فتح الضاد
عاصم وحمزة وضم غيرهما وهو اختيار حفص وهما لغتان والضم أقوى في القراءة لما روى عن ابن
عمر قال قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضعف فأقرني من ضعف انتهى
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وأبو داود ومدار هذا الحديث على عطية
العوفي قال المنذري: لا يحتج بحديثه
207

قوله: (كان يقرأ فهل من مدكر) بالدال المهملة كما هو قراءة حفص وسبب ذكر ذلك أن
بعض السلف قرأها بالمعجمة وهو منقول أيضا عن قتادة وأصل مدكر مذتكر بمثناة بعد ذال
معجمة فأبدلت التاء دالا مهملة ثم أهملت المعجمة لمقاربتها ثم أدغمت وفي رواية للبخاري عن
عبد الله قال: قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم فهل من مدكر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فهل من مدكر وفي رواية
أخرى له قال: وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأها فهل من مذكر دالا
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي
قوله: (عن هارون الأعور) هو هارون بن موسى الأزدي العتكي مولاهم النحوي
البصري ثقة مقرئ إلا أنه رمي بالقدر من السابعة (عن بديل) بالتصغير هو ابن ميسرة
قوله: (كان يقرأ فروح) أي بضم الراء قاله السيوطي والقراءة المشهورة بفتح الراء
قال البغوي: قرأ يعقوب بضم الراء والباقون بفتحها فمن قرأ بالضم قال الحسن معناه يخرج
روحه في الريحان وقال قتادة الروح الرحمة أي له الرحمة وقيل معناه فحياة وبقاء لهم ومن قرأ
بالفتح معناه: فله روح وهو الراحة وهو قول مجاهد وقال سعيد بن جبير فرح وقال الضحاك
مغفرة ورحمة انتهى (وريحان) أي رزق
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود والنسائي
208

قوله: (قدمنا الشأم فأتانا أبو الدرداء) وفي رواية البخاري من طريق حفص عن الأعمش
قدم أصحاب عبد الله على أبي الدرداء (أفيكم أحد يقرأ على قراءة عبد الله) أي ابن مسعود رضي
الله عنه (قال فأشاروا إلي فقلت نعم) أي أنا أقرأ على قراءة عبد الله وفي رواية للبخاري: فقال
أيكم يقرأ على قراءة عبد الله قال كلنا قال: فأيكم أحفظ فأشاروا إلى علقمة (كيف سمعت
عبد الله يقرأ هذه الآية والليل إذ يغشى) قال قلت: سمعته يقرأها (والليل إذا يغشى
والذكر والأنثى) وفي رواية البخاري من طريق سفيان عن الأعمش فقرأت: والليل إذا يغشى
والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى قال أأنت سمعت من في صاحبك قلت نعم قال الحافظ: هذا
صريح في أن ابن مسعود كان يقرأها كذلك وفي رواية إسرائيل عن مغيرة في المناقب والليل إذا
يغشى والذكر والأنثى بحذف والنهار إذا تجلى كذا في رواية أبي ذر وأثبتها الباقون
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وهكذا قراءة عبد الله بن مسعود
(والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى) قال الحافظ: هذا القراءة لم تنقل إلا عمن
ذكر هنا ومن عداهم قرأوا وما خلق الذكر والأنثى وعليها استقر الأمر مع قوة إسناد ذلك إلى
أبي الدرداء ومن ذكر معه
والعجب من نقل الحفاظ من الكوفيين هذه القراءة عن علقمة وابن مسعود وإليهما تنتهي القراءة
بالكوفة ثم لم يقرأ بها أحد منهم وكذا أهل الشام حملوا القراءة عن أبي الدرداء ولم يقرأ أحد منهم
بهذا فهذا مما يقوي أن التلاوة بها نسخت
قوله: (أخبرنا عبيد الله) هو ابن موسى (عن إسرائيل) هو ابن يونس (عن أبي إسحاق) هو
السبيعي (عن عبد الرحمن بن يزيد) هو ابن قيس النخعي
209

قوله: (إني أنا الرزاق ذو القوة المتين) هذه قراءة ابن مسعود والقراءة المتواترة (إن الله هو
الرزاق ذو القوة المتين)
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي
قوله: (حدثنا أبو زرعة) اسمه عبيد الله بن عبد الكريم الرازي (والفضل ابن أبي طالب)
قال في التقريب الفضل بن جعفر بن عبد الله البغدادي أبو سهل بن أبي طالب أخو يحيى بن أبي
طالب أخو يحيى بن أبي طالب واسطي الأصل ثقة من الحادية عشرة (أخبرنا الحسن بن بشر) بن سلم بفتح المهملة وسكون اللام
الهمداني البجلي أبو علي الكوفي صدوق يخطئ من العاشرة (عن الحكم عن عبد الملك) القرشي البصري
نزيل الكوفة ضعيف من السابعة
قوله: (وترى الناس سكارى) بضم المهملة وفتح الكاف وهي القراءة المتواترة وقرأ حمزة
والكسائي سكرى كعطشي
قوله: (هذا حديث حسن) في سنده الحكم بن عبد الملك وهو ضعيف وفيه انقطاع كما
أشار إليه الترمذي بقوله ولا نعرف لقتادة سماعا الخ
قوله: (الحديث بطوله) بالنصب أي أقرأ الحديث بطوله وأتمه وهذا الحديث الطويل
210

أخرجه الترمذي في تفسير سورة الحج وأخرجه أيضا أحمد في مسنده
قوله: (أخبرنا أبو داود) هو الطيالسي (عن منصور) هو ابن المعتمر (سمعت أبا وائل)
اسمه شقيق بن سلمة (عن عبد الله) أي ابن مسعود
قوله: (بئسما لأحدهم) ما نكرة موصوفة وقوله (أن يقول) مخصوص بالذم كقوله تعالى
* (بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله) * أي بئس شيئا كائنا للرجل قوله (نسيت) بفتح
النون وكسر السين المخففة (آية كيت وكيت) أي آية كذا وكذا وهو بفتح التاء على المشهور وحكى
الجوهري فتحها وكسرها عن أبي عبيدة (بل هو نسي) بضم النون وكسر السين المشددة وقال
النووي فيه كراهة قول نسيت آية كذا وهي كراهة تنزيه وأنه لا يكره قوله أنسيتها وإنما نهى عن
نسيتها لأنه يتضمن التساهل فيها والتغافل عنها وقال الله تعالى * (أتتك آيتنا فنسيتها) * وقال
القاضي عياض: أولى ما يتأول عليه الحديث أن معناه ذم الحال لازم القول أي بئست الحالة حالة
من حفظ القرآن فغفل عنه حتى نسيه انتهى (فاستذكروا القرآن) أي واظبوا على تلاوته واطلبوا
من أنفسكم المذاكرة به واستحضروه في القلب (لهو أشد تفصيا) بفتح الفوقانية والفاء وكسر
الصاد المهملة الثقيلة بعدها تحتانية خفيفة أي تفلتا وتخلصا وهو منصوب على التمييز (من صدور
الرجال) متعلق بتفصيا وتخصيص الرجال بالذكر لأن حفظ القرآن من شأنهم (من النعم) بفتحتين
قال النووي: النعم أصلها الإبل والبقر والغنم والمراد هنا الإبل خاصة لأنها التي تعقل انتهى
وهو متعلق بأشد أي أشد من تفصي النعم المعقلة (من عقله) بضم العين والقاف جمع عقال ككتب
جمع كتاب وهو الحبل الذي يشد به ذراع البعير
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي
211

باب ما جاء أن القرآن أنزل القرآن على سبعة أحرف
قوله: (أخبرنا الحسن بن موسى) الأشيب أبو علي البغدادي قاضي الموصل وغيرها ثقة
قال ابن عمار الحافظ كان في الموصل بيعة للنصاري فجمعوا له مائة ألف على أن يحكم بأن تبنى
فردها وحكم بأن لا تبني مات بالري سنة تسع ومائتين (أخبرنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي
مولاهم النحوي (عن عاصم) بن بهدلة وهو ابن أبي النجود
قوله: (إني بعثت إلى أمة أميين) قال الله تعالى * (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم) *
والأمي من لا يكتب ولا يقرأ كتابا وقال صلى الله عليه وسلم: إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب أراد أنهم على
أصل ولادة أمهم لم يتعلموا الكتابة والحساب فهم على جبلتهم الأولى (منهم العجوز والشيخ
الكبير) وهما عاجزان عن التعلم للكبر (والغلام والجارية) وهما غير متمكنين من القراءة المصغر (1)
(والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط) المعنى أني بعثت إلى أمة أميين منهم هؤلاء المذكورون فلو أقرأتهم
على قراءة واحدة لا يقدرون عليها (قال يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف) أي على سبعة أوجه يجوز أن يقرأ بكل وجه منها وليس المراد أن كل كلمة ولا جملة منه تقرأ على سبعة
أوجه يجوز أن يقرأ بكل وجه منها وليس المراد أن كل كلمة ولا جملة منه تقرأ على سبعة أوجه بل
المراد أن غاية ما انتهى إليه عدد القراءات في الكلمة الواحدة إلى سبعة فإن قيل فإنا نجد بعض
الكلمات يقرأ على أكثر من سبعة أوجه فالجواب أن غالب ذلك إما لا يثبت الزيادة وإما أن يكون
من قبيل الاختلاف في كيفية الأداء كما في المد والإمالة ونحوهما وقيل ليس المراد بالسبعة حقيقة
العدد بل المراد التسهيل والتيسير ولفظ السبعة يطلق على إرادة الكثرة في الآحاد كما يطلق السبعين
في العشرات والسبع مائة في المئين ولا يراد العدد المعين وإلى هذا جنح عياض ومن تبعه وذكر
القرطبي عن ابن حبان أنه بلغ الاختلاف في معنى الأحرف السبعة إلى خمسة وثلاثين قولا وقال
المنذري أكثرها غير مختار كذا في فتح الباري قلت: وقد أطال الحافظ ابن جرير في أول تفسيره
الكلام في بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم أنزل القرآن على سبعة أحرف وكذا الحافظ ابن حجر في الفتح
فعليك أن تطالعهما
212

قوله: (وفي الباب عن عمر وحذيفة بن اليمان الخ) أما حديث عمر فأخرجه الترمذي بعد
هذا وأما حديث حذيفة بن اليمان فأخرجه البخاري وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد في
مسنده عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنزل القرآن على سبعة أحرف عليما حكيما غفورا رحيما وأما
حديث أم أيوب وحديث سمرة فأخرجها أحمد في مسنده وأما حديث ابن عباس فأخرجه
البخاري ومسلم وأما حديث أبي جهيم فأخرجه أحمد وأبو عبيد والطبري
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي
قوله: (عن المسور بن مخرمة) بن نوفل له ولأبيه صحبة (وعبد الرحمن ابن عبد) بالتنوين
بغير إضافة (القاري) تشديد الياء التحتانية نسبة إلى القارة بطن من خزيمة بن مدركة (مررت
بهشام بن حكيم بن حزام) بن خويلد بن أسد القرشي الأسدي صحابي ابن صحابي وكان
اسلامهما يوم الفتح (فكدت أساوره بالسين المهملة أي آخذ برأسه قاله الجرجاني) وقال غيره:
أواثبه وهو أشبه قال النابغة:
فبت كأني ساورتني ضئيلة من الرقش في أنيابها السم نافع
أي: واثبتني وفي بانت سعاد
: إذا يساور قرنا لا يحق له أن يترك القرن إلا وهو مجدول
كذا في الفتح (فنظرت حتى سلم) وفي رواية البخاري: فتصبرت حتى سلم وفي رواية
مالك: ثم أمهلته حتى انصرف أي من الصلاة (لببته بردائه) من التلبيب قال الحافظ أي جمعت
213

عليه ثيابه عند لبته لئلا يتفلت مني وكان عمر شديدا بالأمر بالمعروف وفعل ذلك عن اجتهاد منه
لظنه أن هشاما خالف الصواب ولهذا لم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم بل قال له أرسله انتهى وقال في
القاموس: لببه تلبيبا جمع ثيابه عند نحره في الخصومة ثم جره انتهى وقال في النهاية: يقال لببت
الرجل ولببته إذا جعلت في عنقه ثوبا أو غيره وجررته به (قلت له كذبت) فيه إطلاق ذلك على
غلبة الظن أو المراد بقوله كذبت أي أخطأت لأن أهل الحجاز يطلقون الكذب في موضع الخطأ
قاله الحافظ (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف) أوردة النبي صلى الله عليه وسلم تطمينا لعمر لئلا ينكر
تصويب الشيئين المختلفين (فاقرؤا ما تيسر منه) أي من المنزل
قوله: (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود النسائي
باب
قوله: (من نفس) من التنفيس (عن أخيه كربة من كرب الدنيا) أي أزالها وفرجها قال
الطيبي: كأنه فتح مداخل الأنفاس فهو مأخوذ من قولهم أنت في نفس أي سعة كأن في كربة
214

سد عنه مداخل الأنفاس فإذا فرج عنه فتحت والمراد من أخيه أخوة في الإيمان وفي رواية مسلم:
من نفس عن مؤمن (نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة) لما كان الخلق كلهم عيال الله
وتنفيس الكرب إحسان فجزاه الله جزاء وفاقا لقوله تعالى * (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) *
(ومن ستر مسلما) أي في قبيح يفعله فلا يفضحه أو كساه ثوبا (ستره الله) أي عيوبه أو عورته
قال النووي في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة رواه مسلم في حديث ابن
عمر وأما الستر المندوب إليه هنا فالمراد به الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس هو معروفا
بالأذى والفساد فأما المعروف بذلك فيستحب أن لا يستر عليه بل يرفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم
يخف من ذلك مفسدة لأن الستر على هذا يطمعه في الايذاء والفساد وانتهاك الحرمات وجسارة
غيره على مثل فعله هذا كله في ستر معصية وقعت وانقضت أما معصية رآه عليها وهو بعد متلبس
بها فتجب المبادرة بإنكارها عليه ومنعه منها على من قدر على ذلك ولا يحل تأخيرها فإن عجز لزم
رفعها إلى ولي الأمر إذا لم تترتب على ذلك مفسدة انتهى (ومن يسر على معسر) أي سهل على فقير
وهو يشمل المؤمن والكافر أي من كان له دين على فقير فسهل عليه بإمهال أو بترك بعضه أو كله
(يسر الله عليه) بدل تيسيره على عبده مجازاة يجنسه (والله في عون العبد) الواو للاستئناف وهو
تذييل للكلام السابق (ما كان العبد) أي ما دام كان (في عون أخيه) أي في قضاء حاجته (ومن
سلك) أي دخل أو مشى (طريقا) أي قريبا أو بعيدا قيل التنوين للتعميم إذ النكرة في الاثبات قد
تفيد العموم (يلتمس فيه) حال أو صفة (علما) نكرة ليشمل كل نوع من أنواع علوم الدين قليلة
أو كثيرة (سهل الله له) زاد في رواية مسلم: به أي بذلك السلوك أو الالتماس (طريقا إلى الجنة)
أي طريقا موصلا إلى الجنة مع قطع العقبات الشاقة دونها يوم القيامة (وما قعد قوم في مسجد) وفي
رواية مسلم: في بيت من بيوت الله (يتلون) حال من قوم (كتاب الله) أي القرآن (ويتدارسونه
بينهم) التدارس قراءة بعضهم على بعض تصحيحا لألفاظه أو كشفا لمعانيه قال ابن الملك وقال
الجزري في النهاية: تدارسوا القرآن أي اقرؤوه وتعهدوه لئلا تنسوه يقال درس يدرس ودراسة
وأصل الدراسة الرياضة والتعهد للشئ انتهى وقال القاري في المرقاة: ويمكن أن يكون المراد
بالتدارس المدارسة المعروفة بأن يقرأ بعضهم عشرا مثلا وبعضهم عشرا آخر وهكذا فيكون أخص من
215

التلاوة أو مقابلا لها والأظهر أنه شامل لجميع ما يناط بالقرآن من التعليم والتعلم انتهى (إلا نزلت
عليهم السكينة) يجوز في مثل هذا التركيب كسر الهاء وضم الميم وهو الأكثر وضمهما وكسرهما قيل
المراد بالسكينة ههنا الرحمة وهو الذي اختاره القاضي عياض وهو ضعيف لعطف الرحمة عليه
وقيل الطمأنينة والوقار وهو أحسن قاله النووي (وحفظتهم الملائكة) أي أحاطوا بهم وزاد في
رواية مسلم وذكرهم الله فيمن عنده (ومن أبطأ به عمله) من الإبطاء وفي رواية مسلم: من بطأ به
عمل من التبطئة وهما ضد التعجل والبطوء نقيض السرعة والباء للتعدية والمعنى من أخره
عمل عن بلوغ درجة السعادة (لم يسرع به نسبه) من الإسراع أي لم يقدمه نسبه يعني لم يجبر
نقيصته لكونه نسيبا في قومه إذ لا يحصل التقرب إلى الله تعالى بالنسب بل بالأعمال الصالحة قال
تعالى: * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * وشاهد ذلك أن أكثر علماء السلف والخلف لا أنساب لهم
يتفاخر بها بل كثير من علماء السلف موال ومع ذلك هم سادات الأمة وينابيع الرحمة وذوو
الأنساب العلية الذين ليسوا كذلك في مواطن جهلهم نسيا منسيا ولذلك قال عليه الصلاة
والسلام: إن الله يرفع بهذا الدين أقواما ويضع به آخرين كذا قال القاري في المرقاة وقد صدق
القاري
قال ابن الصلاح في مقدمته روينا عن الزهري قال: قدمت على عبد الملك بن مروان
فقال: من أين قدمت يا زهري قلت من مكة قال فمن خلفت بها يسود أهلها قلت: عطاء بن
أبي رباح قال: فمن العرب أم من الموالي قال قلت من الموالي قلت: من الموالي قال وبم سادهم
قلت بالديانة والرواية قال إن أهل الديانة والرواية لينبغي أن يسود وا قال فمن يسود
أهل اليمن قال قلت طاوس بن كيسان قال فمن العرب أم من الموالي قال قلت من الموالي
قال وبم سادهم قلت بما سادهم به عطاء قال إنه لينبغي قال فمن يسود أهل مصر قال قلت
يزيد بن أبي حبيب قال فمن العرب أم من الموالي قال قلت: من الموالي قال فمن يسود أهل
الشأم قال قلت مكحول قال فمن العرب أم من الموالي قال قلت من الموالي عبد نوبي
أعتقته امرأة من هذيل قال فمن يسود أهل الجزيرة قلت ميمون بن مهران قال فمن العرب أم
من الموالي قال قلت من الموالي قال فمن يسود أهل خراسان قال قلت الضحاك بن مزاهم
قال فمن العرب أم الموالي قال قلت من الموالي قال فمن يسود أهل البصرة قال قلت
الحسن بن أبي الحسن قال فمن العرب أم من الموالي قال قلت من الموالي قال فمن يسود أهل
216

الكوفة قال قلت: إبراهيم النخعي قال فمن العرب أم الموالي قال قلت من العرب قال:
ويلك يا زهري فرجت عني والله ليسودن الموالي على العرب حتى يخطب لها على المنابر والعرب
تحتها قال قلت: يا أمير المؤمنين إذا هو أمر الله ودينه من حفظة ساده ومن ضيعه سقط
انتهى
قوله: (هكذا روى غير واحد عن الأعمش عن أبي صالح الخ) أي متصلا (وروى
أسباط بن محمد عن الأعمش قال حدثت) بصيغة المجهول من التحديث (عن أبي صالح الخ)
ففي رواية أسباط هذه انقطاع بين الأعمش وأبي صالح فإن الأعمش لم يذكر من حديثه عن أبي
صالح وحديثه عن أبي هريرة المذكور أخرجه الترمذي مختصرا في أبواب الحدود وفي أبواب البر
والصلة وفي أبواب العلم
باب
قوله: (عن مطرف) بضم أوله وفتح ثانيه وتشديد الراء المكسورة هو ابن طريف الكوفي
(عن أبي إسحاق) هو عمرو بن عبد الله السبيعي
قوله: (إني أطيق أفضل من ذلك) أي أكثر من ذلك المذكور (فما رخص لي) أي في أقل من
الخمس وفي مسند الدارمي من طريق أبي فروة عن عبد الله بن عمرو قال قلت يا رسول الله في
كم أختم القرآن قال اختمه في شهر قلت إني أطيق قال اختمه في خمسة عشر الحديث وفي
217

آخره قال: اختمه في خمس قلت إني أطيق قال لا وفي رواية للبخاري قال اقرأ القرآن في
شهر قلت إني أجد قوة حتى قال فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك قال الحافظ: أي لا تغير الحال
المذكور إلى حالة أخرى فأطلق الزيادة والمراد النقص والزيادة هنا بطريق التدلي أي لا تقرأه في
أقل من سبع انتهى وسيأتي وجه الجمع
قوله: (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه الشيخان من وجوه أخرى بألفاظ
(وروى عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم) قال لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث
وصله الترمذي في آخر هذا الباب قال الحافظ في الفتح: وشاهده عند سعيد بن منصور بإسناد
صحيح من وجه آخر عن ابن مسعود: اقرأوا القرآن في سبع ولا تقرأوه في أقل من ثلاث ولأبي
عبيد من طريق الطيب بن سليمان عن عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يختم القرآن في أقل
من ثلاث وهذا اختيار أحمد وأبي عبيد وإسحاق بن راهويه وغيرهم وثبت عن كثير من
السلف أنهم قرأوا القران في دون ذلك قال النووي: والاختيار أن ذلك يختلف بالأشخاص فمن
كان من أهل الفهم وتدقيق الفكر استحب له أن يقتصر على القدر الذي لا يختل بالمقصود من
التدبر وإخراج المعاني وكذا من كان له شغل بالعلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين
العامة يستحب له أن يقتصر منه على القدر الذي لا يخل بما هو فيه ومن لم يكن كذلك فالأولى له
الاستكثار ما أمكنه من غير خروج إلى الملل ولا يقرأ هذرمة انتهى ما في الفتح
وروي عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: إقرأ القرآن أي كله (في أربعين) أي
يوما أو ليلة ووصله الترمذي فيما بعد (وقال إسحاق بن إبراهيم) هو إسحاق بن راهويه (ولم يقرأ
القرآن) أي كله (وقال بعض أهل العلم لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث) تقدم أسماؤهم
(ورخص فيه بعض أهل العلم) أي رخص بعضهم في أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث قال
218

محمد بن نصر في قيام الليل: وكان سعيد بن المسيب يختم القرآن في ليلتين وكان ثابت البناني
يقرأ القرآن في يوم وليلة ويصوم الدهر وكان أبو حرة يختم القرآن كل يوم وليلة وكان عطاء بن
السائب يختم القرآن في كل ليلتين
(وروى عن عثمان بن عفان أنه كان يقرأ القرآن في ركعة يوتر بها) رواه محد بن
نصر في قيام الليل وروى الطحاوي بإسناده عن ابن سيرين قال: كان تميم الداري يحيى الليل
كله بالقرآن كله في ركعة عن عبد الله بن الزبير أنه قرأ القرآن في ركعة وعن سعيد بن جبير أنه
قرأ القرآن في ركعة في البيت وقال محمد بن نصر في قيام الليل: وخرج صالح بن كيسان إلى
الحج فربما ختم القرآن مرتين في ليلة بين شعبتي رحله وكان منصور بن زاذان خفيف القراءة
وكان يقرأ القرآن كله في صلاة الضحى وكان يختم القرآن بين الأولى والعصر ويختم في يوم
مرتين وكان يصلي الليل كله وكان إذا جاء شهر رمضان ختم القرآن بين المغرب والعشاء
ختمتين ثم يقرأ إلى الطواسين قبل أن تقام الصلاة وكانوا إذ ذاك يؤخرون العشاء لشهر رمضان
إلى أن يذهب ربع الليل انتهى ما في قيام الليل بقدر الحاجة ولو تتبعت تراجم أئمة الحديث
لوجدت كثيرا منهم أنهم كانوا يقرأون القرآن في أقل من ثلاث فالظاهر أن هؤلاء الأعلام لم
يحملوا النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على التحريم والمختار عندي ما ذهب إليه الإمام أحمد
وإسحاق بن راهويه وغيرهما والله تعالى أعلم (والترتيل في القراءة أحب إلى أهل العلم)
لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن بالترتيل وكانت قراءته مفسرة حرفا حرفا باتباعه صلى الله عليه وسلم أحب وأولى
قوله: (أخبرنا علي بن الحسن) هو ابن شقيق المروزي (عن سماك بن الفضل) الخولاني
اليماني ثقة من السادسة
قوله: (قال له إقرأ القرآن في أربعين) كذا رواه الترمذي مختصرا ورواه أبو داود بلفظ:
أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم في كم يقرأ القرآن قال: في أربعين يوما ثم قال في شهر ثم قال في
219

عشرين ثم قال في خمس عشرة ثم قال في عشر ثم قال في سبع لم ينزل من سبع قال الحافظ
في الفتح بعد ذكر هذا الحديث: وعزوه لأبو داود والترمذي والنسائي ما لفظه وهذا إن كان
محفوظا احتمل في الجمع بينه وبين رواية أبي فروة يعني التي رواها الدارمي وقد تقدمت تعدد
القصة فلا مانع أن يتعدد قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو ذلك تأكيدا ويؤيده الاختلاف الواقع
في السباق وكأن النهي عن الزيادة ليس على التحريم كما أن الأمر في جميع ذلك ليس للوجوب
وعرف ذلك من قرائن الحال التي أرشد إليها السياق وهو النظر إلى عجزه عن سوى ذلك في
الحال أو في المآل انتهى
قوله: (أخبرنا الهيثم بن الربيع العقيلي أبو المثنى البصري أو الواسطي ضعيف من
السابعة)
قوله: (الحال المرتحل) قال الجزري في النهاية هو الذي يختم القرآن بتلاوته ثم يفتتح التلاوة
من أوله شبهة بالمسافر يبلغ المنزل فيحل فيه ثم يفتتح سيره أي يبتدئه وكذلك قراء مكة إذا ختموا
القرآن ابتدأوا وقرأوا الفاتحة وخمس آيات من أول البقرة إلى (وأولئك هم الفلحون) ثم يقطعون
القراءة ويسمون فاعل ذلك الحال المرتحل أي ختم القرآن وابتدأ بأوله ولم يفصل بينهما بزمان
وقيل أراد بالحال المرتحل الغازي الذي لا يقفل من غزو إلا عقبه بآخر انتهى
وقال ابن القيم في الاعلام ص 982 ج 2 بعد ذكر هذا الحديث ما لفظه: فهم من هذا
بعضهم أنه إذا فرغ من ختم القرآن قرأ فاتحة الكتاب وثلاث آيات من سورة البقرة لأنه حل
بالفراغ وارتحل بالشروع وهذا لم يفعله أحد من الصحابة ولا التابعين ولا استحبه أحد من
الأئمة والمراد بالحديث الذي كلما حل من غزاة ارتحل في أخرى أو كلما حل من عمل ارتحل إلى
غيره تكملا له كما كمل الأول وأما هذا الذي يفعله بعض القراء فليس مراد الحديث قطعا وبالله
التوفيق وقد جاء تفسير الحديث متصلا به أن يضرب من أول القرآن إلى آخره كلما حل ارتحل
وهذا له معنيان أحدهما أنه كلما حل من سورة أو جزء ارتحل في غيره والثاني أنه كلما حل من
ختمة
ارتحل في أخرى انتهى
220

قلت: قد وقع في بعض نسخ الترمذي التفسير الذي أشار إليه ابن القيم متصلا بهذا
الحديث بلفظ قال: وما الحال المرتحل قال الذي يضرب من أول القرآن إلى آخره كلما حل
ارتحل وحديث ابن عباس هذا رواه محمد بن نصر في قيام الليل بلفظ: قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال يا رسول الله أي العمل أفضل أو قال: أي العمل أحب إلى الله قال: الحال المرتحل قال
يا رسول الله وما الحال المرتحل قال فتح القرآن وختمه من أوله إلى آخره ومن آخره إلى أوله كلما
حل ارتحل قال بعض العلماء: المقصود من الحديث السير دائما لا يفتر كما يشعر به كلمة من
أوله إلى آخره ومن آخره إلى أوله فقارئ خمس آيات ونحوها عند الختم لم يحصل تلك
الفضيلة وليس المراد الارتحال لفور الحلول فالمسافر السائر لا بد أن ينزل فيقيم ليلة أو بعض
ليلة أو بعض يوم أو يعرس انتهى
قلت: الأمر عندي كما قال والله تعالى أعلم
قوله: (هذا حديث غريب إلخ) وأخرجه محمد بن نصر في قيام الليل كما عرفت وفي
سندهما صالح المزي وهو ضعيف
قوله: (أخبرنا مسلم بن إبراهيم) هو الأزدي (وهذا عندي أصح) أي حديث مسلم بن
إبراهيم عن صالح المري مرسلا أصح من حديث الهيثم بن الربيع عن صالح المري متصلا لأن
مسلم بن إبراهيم ثقة مأمون والهيثم بن الربيع ضعيف ولكن لم يتفرد الهيثم بروايته متصلا بل
تابعه على ذلك إبراهيم بن الفضل بن أبي سويد في رواية ابن نصر المذكورة
قوله: (لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث) أي لم يفهم ظاهر معانيه وأما فهم دقائقه
فلا يفي به الأعمار والمراد نفي الفهم لا نفي الثواب كذا في المجمع
221

قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي والدارمي وابن ماجة
222

أبواب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
التفسير تفعيل من الفسر وهو البيان تقول: فسرت الشئ بالتخفيف أفسره فسرا وفسرته
بالتشديد أفسره تفسيرا إذا بينته وأصل الفسر نظر الطبيب إلى الماء ليعرف العلة واختلفوا في
التفسير والتأويل قال أبو عبيدة وطائفة: هما بمعنى وفرق بينهما آخرون فقال أبو عبيد الهروي:
التأويل رد أحد المحتملين إلى ما يطابق الظاهر والتفسير كشف المراد عن اللفظ المشكل وحكى
صاحب النهاية أن التأويل نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك
ظاهر اللفظ وقيل التأويل إبداء احتمال اللفظ معتضد بدليل خارج عنه ومثل بعضهم بقوله
تعالى: * (لا ريب فيه) * قال من قال لا شك فيه فهو التفسير ومن قال لأنه حق في نفسه لا يقبل
الشك فهو التأويل كذا في الفتح
باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه
قوله (أخبرنا سفيان) هو الثوري (عن عبد الأعلى) هو ابن عامر
قوله (من قال في القرآن بغير علم) أي بغير دليل يقيني أو ظني نقلي أو عقلي مطابق
للشرعي قاله القاري وقال المناوي أي قولا يعلم أن الحق غيره وقال في مشكله بما لا يعرف
223

(فليتبوأ مقعده من النار) أي ليهيئ مكانه من النار قيل الأمر للتهديد والوعيد وقيل الأمر بمعنى
الخبر قال ابن حجر وأحق الناس بما فيه من الوعيد قوم من أهل البدع سلبوا لفظ القرآن ما
دل عليه وأريد به أو حملوه على ما لم يدل عليه ولم يرد به في كلا الأمرين مما قصدوا نفيه أو إثباته من
المعنى فهم مخطئون في الدليل والمدلول مثل تفسير عبد الرحمن بن كيسان الأصم والجبائي وعبد
الجبار والهاني والزمخشري وأمثالهم ومن هؤلاء من يدس البدع والتفاسير الباطلة في كلامهم
الجذل فيروج على أكثر أهل السنة كصاحب الكشاف ويقرب من هؤلاء تفسير ابن عطية بل
كان الإمام ابن العرفة المالكي يبالغ في الحط عليه ويقول إنه أقبح من صاحب الكشاف لأن كل
أحد يعلم اعتزال ذلك فيجتنبه بخلاف هذا فإنه يوهم الناس أنه من أهل السنة
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي وابن جرير
قوله (اتقوا الحديث) أي احذروا روايته (عني) والمعنى لا تحدثوا عني (إلا ما علمتم) أي
أنه من حديثي قال القاري والظاهر أن العلم هنا يشتمل الظن فأنهم إذا جوز الشهادة به مع
أنها أضيق من الرواية اتفاقا فلأن تجوز به الرواية أولى ويؤيد ه أنه يجوز في الرواية أولى ويؤيده أنه يجوز في الرواية الاعتماد على
الخط بخلاف الشهادة عند الجمهور (ومن قال) أي من تكلم (في القرآن) أي في معناه أو قراءته
(برأيه) أي من تلقاء نفسه من غير تتبع أقوال الأئمة من أهل اللغة والعربية المطابقة للقواعد
الشرعية بل بحسب ما يقتضيه عقله وهو مما يتوقف على النقل بأنه لا مجال للعقل فيه كأسباب
النزول والناسخ والمنسوخ وما يتعلق بالقصص والأحكام أو بحسب ما يقتضيه ظاهر النقل وهو مما
يتوقف على العقل كالمتشابهات التي أخذ المجسمة بظواهرها وأعرضوا عن استحالة ذلك في
العقول أو بحسب ما يقتضيه بعض العلوم الإلهية مع عدم معرفته ببقيتها وبالعلوم الشرعية فيها
يحتاج لذلك ولذا قال البيهقي المراد رأي غلب من غير دليل قام عليه أما ما يشده برهان فلا
محذور فيه فعلم أن علم التفسير إنما يتلقى من النقل أو من أقوال الأئمة أو من المقاييس العربية أو
القواعد الأصولية المبحوث عنها في علم أصول الفقه أو أصول الدين
224

قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد من وجه آخر
قوله (حدثني حبان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة (وهو) أي سهيل بن عبد الله
(ابن أبي حزم) فأبو حزم كنية والد سهيل وعبد الله اسمه ويقال له مهران أيضا (أخو حزم) بدل
من ابن أبي حزم أي سهيل بن أبي حزم هو أخو حزم (القطعي) بضم القاف وفتح الطاء قال
الحافظ في تهذيب التهذيب سهيل بن أبي حزم واسمه مهران ويقال عبد الله أبو بكر البصري
روى عن أبي عمران الجوني وغيره وعنه حبان بن هلال وغيره وقال في التقريب ضعيف من
السابعة (عن جندب بن عبد الله) بضم الجيم والدال تفتح وتضم ابن سفيان البجلي
قوله (من قال في القرآن) أي في لفظه أو معناه (برأيه) أي بعقله المجرد (فأصاب) أي ولو
صار مصيبا بحسب الاتفاق (فقد أخطأ) أي فهو مخطئ بحسب الحكم الشرعي قال ابن
حجر أي أخطأ طريق الاستقامة بخوضه في كتاب الله بالتخمين والحدس لتعديه بهذا الخوض
مع عدم استجماعه لشروطه فكان إثما به مطلقا ولم يعتد بموافقته للصواب لأنها ليست عن قصد
ولا تحر بخلاف من كملت فيه آلات التفسير وهي خمسة عشر علما اللغة والنحو والتصريف
والاشتقاق لأن الاسم إذا كان اشتقاقه من مادتين اختلف المعنى باختلافهما كالمسيح هل هو من
السياحة أو المسح والمعاني والبيان والبديع والقراءات والأصلين وأسباب النزول والقصص
والناسخ والمنسوخ والفقه والأحاديث المبينة لتفسير المجمل والمبهم وعلم الموهبة وهو علم يورثه الله
لمن عمل بما علم وبعض هذه العلوم كان موجودا عند السلف بالفعل وبعضها بالطبع من غير
تعلم فإنه مأجور بخوضه فيه وإن أخطأ لأنه لا تعدي منه فكان مأجورا أجرين كما في رواية أو
عشرة أجور كما في أخرى إن أصاب وأجرا إن أخطأ كالمجتهد في الأحكام لأنه بذل وسعه في
طلب الحق واضطره الدليل إلى ما رآه فلم يكن منه تقصير بوجه
وقد أخطأ الباطنية الذين يعتقدون أن للقرآن ظهرا وبطنا وأن المراد باطندون ظاهره
ومن هذا ما يسلكه بعض الصوفية من تفسيرهم فرعون بالنفس وموسى بالقلب إن زعموا أن ذلك
مراد باية لا إشارات ومناسبات ل يأت وقد صرح الغزالي وغيره بأنه يحرم صرف شئ من
225

الكتاب والسنة عن ظاهره من غير اعتصام فيه بنقل من الشارع ومن غير ضرورة تدعو إليه من
دليل عقلي ونقل الطيبي عن التوربشتي أن المراد بالرأي ما لا يكون مؤسسا على علوم الكتاب
والسنة بل يكون قولا تقوله برأيه على ما يقتضيه عقله وعلم التفسير يؤخذ من أفواه الرجال
كأسباب النزول والناسخ والمنسوخ ومن أقوال الأئمة وتأويلاتهم بالمقاييس العربية كالحقيقة
والمجاز والمجمل والمفصل والعام والخاص ثم يتكلم على حسب ما يقتضيه أصول الدين فيأول
القسم المحتاج إلى التأويل على وجه يشهد بصحته ظاهر التنزيل فمن لم يستجمع هذه الشرائط
كان قوله مهجورا وحسبه من الزاجر أنه مخطئ عند الإصابة فيابعد ما بين المجتهد والمتكلف
فالمجتهد مأجور على الخطأ والتكلف مأخوذ بالصواب كذا في المرقاة وقال النيسابوري في
تفسيره ذكر العلماء أن النهي عن تفسير القرآن بالرأي لا يخلو إما أن يكون المراد به الاقتصار على
النقل والمسموع وترك الاستنباط أو المراد به أمر آخر وباطل أن يكون المراد به أن لا يتكلم أحد في
القرآن إلا بما سمعه فإن الصحابة رضي الله عنهم قد فسروا القرآن واختلفوا في تفسيره على وجوه
وليس كل ما قالوه سمعوه كيف وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس اللهم فقهه في الدين وعلمه
التأويل فإن كان التأويل مسموعا كالتنزيل فما فائدة تخصيصه بذلك وإنما النهي يحمل على وجهين
أحدهما أن يكون له في الشئ رأي وإليه ميل من طبعه وهواه فيأول القرآن على وفق هواه ليحتج
على تصحيح غرضه ولو لم يكن له ذلك الرأي والهوى لا يلوح له من القرآن ذلك المعنى وهذا
قد يكون مع العلم بأن المراد من الآية ليس ذلك ولكن يلبس على خصمه وقد يكون مع الجهل
وذلك إذا كانت الآية محتملة فيميل فهمه إلى الوجه الذي يوافق غرضه ويترجح ذلك الجانب برأيه
وهواه ولولا رأيه لما كان يترجح عنده ذلك الوجه وقد يكون له غرض صحيح فيطلب له دليلا
من القرآن ويستدل عليه بما يعلم أنه ما أريد به كمن يدعو إلى مجاهدة القلب القاسي فيقول المراد
بفرعون في قوله تعالى اذهب إلى فرعون إنه طغى هو النفس
الوجه الثاني أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع والنقل
فيما يتعلق بغريب القرآن وما فيه من الألفاظ المبهمة والاختصار والحذف والاضمار والتقديم
والتأخير فالنقل والسماع لا بد منه في ظاهر التفسير أولا ليتقي به مواضع الغلط ثم بعد ذلك
يتسع للتفهيم والاستنباط والغرائب التي لا تفهم إلا بالسماع كثيرة كقوله تعالى وآتينا ثمود
الناقة مبصرة فظلموا بها معناه آية مبصرة فظلموا أنفسهم بقتلها فالناظر إلى ظاهر العربية يظن
المراد أن الناقة كانت مبصرة ولم تكن عمياء وما يدري بما ظلموا وأنهم ظلموا غيرهم أو أنفسهم
وما عدا هذين الوجهين فلا يتطرق النهي إليه ما دام على قوانين العلوم العربية والقواعد الأصلية
226

والفرعية انتهى
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن جرير (وقد تكلم بعض أهل
الحديث في سهيل بن أبي حزم) قال المنذري وقد تكلم فيه الإمام أحمد والبخاري والنسائي
وغيرهم (وهكذا روي عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أنهم شددوا في هذا)
قد ذكر الحافظ ابن كثير في أوائل تفسيره آثارا عديدة عن الصحابة والتابعين في التحرج عن تفسير
ما لا علم لهم به (في أن يفسر القرآن بغير علم) هذا بيان لقوله في هذا
قوله (حدثنا الحسين بن مهدي البصري) قال في التقريب الحسين بن مهدي بن مالك
الأبلي بضم الهمزة والموحدة أبو سعيد صدوق من الحادية عشرة قال في لب اللباب الأبلي
بضم الهمزة وفتح الباء الموحدة وتشديد اللام نسبة إلى أبلة بلدة على أربعة فراسخ من البصرة
قوله (لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود لم أحتج أن أسأل ابن عباس الخ) أي لما وقع في
قراءته من تفسير كثير من القرآن
227

ومن سورة فاتحة الكتاب
هي مكية في قوله الأكثر وقيل مدنية وقيل نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة قال ابن
كثير والأول أشبه وهي سبع آيات بالاتفاق
قوله (من صلى) إماما كان أو مقتديا أو منفردا (صلاة) جهرية كانت أو سرية فريضة أو
نافلة (لم يقرأ فيها بأم القرآن) أي بفاتحة الكتاب قال النووي أم القرآن اسم الفاتحة وسميت
أم القرآن لأنها فاتحته كما سميت مكة أم القرى لأنها أصلها (فهي خداج) أي ناقص نقص فساد
وبطلان وقد تقدم معنى الخداج في باب ما جاء أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب (غير تمام) بيان
خداج أو بدل منه قال القاري في المرقاة هو صريح فيما ذهب إليه علماؤنا من نقصان صلاته
فهو مبين لقوله عليه السلام لا صلاة أن المراد بها نفي الكمال لا نفي الصحة فبطل قول ابن
حجر والمراد بهذا الحديث أنها غير صحيحة وبنفي لا صلاة نفي صحتها لأنها موضوعة ثم
قال ودليل ذلك أحاديث لا تقبل تأويلا منها خبر ابن خزيمة وابن حبان والحاكم في صحاحهم
بإسناد صحيح لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ورواه الدارقطني بإسناد حسن
وقال النووي رواته كلهم ثقات وفيه أنه محمول على الإجزاء الكامل انتهى ما في المرقاة
قلت حديث ابن خزيمة وابن حبان والحاكم بلفظ لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة
الكتاب دليل صحيح صريح واضح على أن المراد بالخداج فحديث أبي هريرة نقصان الذات أعني
نقصان الفساد والبطلان وأن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة نفي الصحة وأما قول القاري إنه
محمول على الإجزاء الكامل فغلط مردود عليه فإنه ليس بعد الإجزاء إلا الفساد والبطلان فماذا
بعد الحق إلا الضلال وقد سبق تحقيق هذه المسألة في محلها وبسطنا الكلام فيها في كتابنا أبكار
المنن في نقد آثار السنن (إني أحيانا أكون وراء الإمام) أي فهل أقرأ أم لا (قال يا ابن الفارسي)
228

لعله كان فارسي النسل (فأقرأه في فسك) أي سرا غير جهر (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي
نصفين) قال العلماء المراد بالصلاة هنا الفاتحة سميت بذلك لأنها لا تصح إلا بها كقوله صلى الله عليه وسلم
الحج عرفة ففيه دليل على وجوبها بعينها في الصلاة قال العلماء والمراد قسمتها من جهة المعنى
لأن نصفها الأول تحميد لله تعالى وتمجيده وثناء عليه وتفويض إليه والنصف الثاني سؤال وطلب
وتضرع وافتقار (حمدني عبدي) قال النووي قوله تعالى حمدني عبدي وأثنى علي ومجدني إنما قاله
لأن التحميد الثناء بجميل الفعال والتمجيد الثناء بصفات الجلال ويقال أثنى عليه في ذلك
كله ولهذا جاء جوابا للرحمن الرحيم لاشتمال اللفظين على الصفات الذاتية والفعلية (وبيني وبين
عبدي إياك نعبد وإياك نستعين) قال القرطبي إنما قال الله تعالى هذا لأن في ذلك تذلل العبد لله
تعالى وطلبه الاستعانة منه وذلك يتضمن تعظيم الله وقدرته على ما طلب منه (وآخر السورة
لعبدي) يعني من قوله اهدنا الصراط المستقيم الخ (ولعبدي ما سأل) أي غير هذا (يقول اهدنا
الصراط المستقيم) أي ثبتنا على دين الاسلام أو طريق متابعة الحبيب عليه الصلاة والسلام
(صراط الذين أنعمت عليهم) من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين (غير المغضوب
عليهم) أي اليهود (ولا الضالين) أي النصارى
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة
قوله (حدثنا بذلك محمد بن يحيى) هو الذهلي (ويعقوب بن سفيان الفارسي) أبو يوسف
الفسوي ثقة حافظ من الحادية عشرة (حدثنا ابن أبي أويس) اسمه إسماعيل بن أبي أويس (عن
229

أبيه) هو عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي أبو أويس المدني قريب
مالك وصهره صدوق يهم من السابعة (وأبو السائب مولى هشام بن زهرة) قال في التقريب أبو
السائب الأنصاري المدني مولى ابن زهرة يقال اسمه عبد الله بن السائب ثقة من الثالثة
قوله (وسألت أبا زرعة عن هذا الحديث) أي سألته عن أن حديث من قال عن العلاء
عن أبيه عن أبي هريرة صحيح أو حديث من قال عن العلاء عن أبي السائب عن أبي هريرة
(فقال) أي أبو زرعة (كلا الحديثين صحيح) أي حديث من قال عن العلاء عن أبيه عن أبي
هريرة وحديث من قال عن العلاء عن أبي السائب عن أبي هريرة كلاهما صحيح (واحتج
بحديث ابن أبي أويس عن أبيه عن العلاء) أي احتج أبو زرعة على قوله كلا الحديثين صحيح
برواية ابن أبي أويس فإنه قال عن أبيه عن العلاء بن عبد الرحمن قال حدثني أبي وأبو السائب
عن أبي هريرة فظهر من روايته أن العلاء أخذ هذا الحديث عن أبيه عبد الرحمن وأبي السائب
كليهما
قوله (أخبرنا عبد الرحمن بن سعد) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد بن عثمان
الدشتكي (عن عباد) بفتح العين المهملة وتشديد الموحدة (بن حبيش) بمهملة وموحدة ومعجمة
مصغرا الكوفي مقبول من الثالثة (عن عدي بن حاتم) بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بفتح
230

المهملة وسكون المعجمة آخره جيم الطائي صحابي شهير وكان ممن ثبت على الاسلام في الردة وحضر فتوح العراق وحروب علي
قوله (فلما دفعت) بصيغة المجهول أي أحضرت وأتى القوم بي (إليه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (وقد
كان قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (فألقت له الوليدة) أي الجارية (ما يفرك) بضم الياء وكسر الفاء يقال
أفررته أفره أي فعلت به ما يفر منه ويهرب أي ما يحملك على القرار وكثير من المحدثين يقولون
بفتح الياء وضم الفاء والصحيح الأول قاله الجزري (إنما تفر) من الفرار أي تهرب (وتعلم) أي
هل تعلم (فإن اليهود مغضوب عليهم وإن النصارى ضلال) بضم الضاد جمع ضال وفيه أن المراد
بقوله تعالى المغضوب عليهم اليهود بالضالين النصارى قال الحافظ في الفتح روى أحمد وابن
حبان من حديث عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال المغضوب عليهم اليهود ولا الضالين
النصارى هكذا ورده مختصرا وهو عند الترمذي في حديث طويل وأخرجه ابن مردويه بإسناد
حسن عن أبي ذر وأخرجه أحمد من طريق عبد الله بن شقيق أنه أخبره من سمع النبي صلى الله عليه وسلم نحوه
وقال ابن أبي حاتم لا أعلم بين المفسرين في ذلك اختلافا قال السهيلي وشاهد ذلك قوله تعالى
في اليهود فباءوا بغضب على غضب وفي النصارى قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا (فإني
حنيف مسلم) أي ماثل عن كل الأديان إلى الاسلام (تبسط) بصيغة الماضي المعلوم من التبسط
أي انبسط (فرحا) بفتح الفاء والراء أي سرورا منصوب على التمييز (فأنزلت) بصيغة المجهول
من الانزال (جعلت أغشاه) أي آتي النبي صلى الله عليه وسلم من غشيه يغشاه إذا جاءه (عنده) أي
عند النبي صلى الله عليه وسلم (من هذه النمار) بكسر النون جمع نمرة بالفتح وهي كل شملة مخططة من مآزر
231

الأعراب كأنها أخذت من لون النمر لما فيها من السواد والبياض وهي من الصفات الغالبة أي
جاءه قوم لابسي أزر مخططة من صوف (فحث عليهم) أي فحث الناس على أن يتصدقوا عليهم بما
تيسر لهم (ولو صاع) أي ولو تيسر لهم
صاع (ولو بنصف صاع) أي ولو كان تصدقهم بنصف صاع (ولو قبضة) القبضة من الشئ ملء الكف منه وهي بضم القاف وربما بفتح (وقائل له) أي
وهو قائل له وضمير قائل لله وضمير له لأحدكم والجملة حالية (ما أقول لكم) هو مفعول لقوله
قائل (ألم أجعل لك) بدل من قوله ما أقول لكم (وبعده) أي خلفه (حتى تسير الظعينة) بفتح الظاء
المعجمة وكسر العين المهملة المرأة في الهودج وهو في الأصل اسم للهودج (يثرب) أي المدينة
المنورة (والحيرة) بكسر المهملة وسكون التحتانية وفتح الراء كانت بلد ملوك العرب الذين تحت
حكم آل فارس وكان ملكهم يومئذ إياس بن قبيصة الطائي وليها من تحت يد كسرى بعد قتل
النعمان بن المنذر (أكثر ما يخاف على مطيتها السرق) كذا في النسخة الأحمدية وقد سقط عنها لفظة
أو قبل أكثر تدل على ذلك رواية أحمد ففيها حتى تسير الظعينة بين الحيرة ويثرب أو أكثر ما
تخاف السرق على ظعينتها وكلمة ما في قوله ما يخاف نافية ويخاف على بناء المجهول والسرق
بالرفع على أنه نائب الفاعل وهو بفتحتين بمعنى السرقة والمعنى حتى تسير الظعينة فيما بين يثرب
والحيرة أو في أكثر من ذلك لا يخاف على راحلها السرق (فأين لصوص طئ) اللصوص جمع لص
بكسر اللام ويفتح ويضم وهو السارق والمراد قطاع الطريق وطئ قبيلة مشهورة منها عدى بن
حاتم المذكور وبلادهم ما بين العراق والحجاز وكانوا يقطعون الطريق على من مر عليهم بغير
جوار ولذلك تعجب عدي كيف تمر المرأة عليهم وهي غير خائفة
232

قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرج نحوه أحمد في مسنده قال الحافظ ابن كثير في
تفسيره وقد روى حديث عدي هذا من طرق وله ألفاظ كثيرة يطول ذكرها
ومن سورة البقرة
هي مدنية بلا خلاف ومائتان وست أو سبع وثمانون آية
قوله (أخبرنا يحيى بن سعيد) هو القطان (وابن أبي عدي) اسمه محمد بن إبراهيم
(ومحمد بن جعفر) المعروف بغندر (وعبد الوهاب) هو الثقفي (عن قسامة بن زهير) بفتح القاف
وخفة السين المهملة المازني البصري ثقة من الثالثة
قوله (إن الله خلق آدم من قبضة) بالضم ملء الكف وربما جاء بفتح القاف ومن ابتدائية
متعلقة بخلق أو بيانية حال من آدم (قبضها) أي أمر الملك بقبضها (من جميع الأرض) يعني
وجهها (فجاء بنو آدم على قدر الأرض) أي مبلغها من الألوان والطباع (فجاء منهم الأحمر
والأبيض والأسود) بحسب ترابهم وهذه الثلاثة هي أصول الألوان وما عداها مركب منها وهو
233

المراد بقوله (وبين ذلك) أي بين الأحمر والأبيض والأسود باعتبار أجزاء أرضه (والسهل) أي
ومنهم السهل أي اللين (والحزن) بفتح الحاء وسكون الزاي أي الغليظ (والخبيث) أي خبيث
الخصال (والطيب) على طبع أرضهم وكل ذلك بتقدير الله تعالى لونا وطبعا وخلقا قال
الطيبي لما كانت الأوصاف الأربعة ظاهرة في الإنسان والأرض أجريت على حقيقتها وأولت
الأربعة الأخيرة لأنها من الأخلاق الباطنة فإن المعنى بالسهل الرفق واللين وبالحزن الخرق
والعنف وبالطيب الذي يعني به الأرض العذبة المؤمن الذي هو نفع كله وبالخبيث الذي يراد به
الأرض السبخة الكافر الذي هو ضر كله
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والحاكم والبيهقي
قوله ادخلوا الباب أراد به باب القرية التي ذكرها الله تعالى في قوله (وإذ قلنا ادخلوا
هذه القرية سجدا) أي ساجدين لله تعالى شكرا على إخراجهم من التيه وقال ابن عباس
منحنين ركوعا وقيل خشوعا وخضوعا (قال دخلوا متزحفين على أوراكهم) أي متمشين
والأوراك جمع ورك قل في القاموس الورك بالفتح والكسر وككتف ما فوق الفخذ وفي رواية
البخاري فدخلوا يزحفون على استاهم (أي منحرفين) هذا تفسير من بعض الرواة أي
منحرفين ومائلين عما أمروا به من الدخول سجدا فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم
التقدير فبدل الذين ظلموا بالذي قيل لهم قولا غير الذي قيل لهم ويحتمل أن يكون ضمن بدل
معنى قال يعني قيل لهم قولوا حطة أي مسألتنا أن تحط عنا خطايانا فبدلوه قائلين حبة في شعيرة
وهو كلام مهمل وغرضهم به مخالفة ما أمروا به (قال قالوا حبة في شعرة) وفي بعض النسخ شعرة
بفتحتين مكان شعيرة والحاصل أنهم خالفوا ما أمروا به من الفعل والقول فإنهم أمروا بالسجود
عند انتهائهم شكرا لله تعالى وبقولهم حطة فبدلوا السجود بالزحف وقالوا حبة في شعيرة بدل
حطة وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة
234

قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
قوله (قال كنا مع النبي في سفر الخ) تقدم هذا الحديث بإسناده ومتنه في باب الرجل
يصلي لغير القبلة في الغيم وتقدم شرحه هناك
قوله (كان النبي يصلي على راحلته تطوعا حيثما توجهت به) فيه دليل على جواز
التطوع على الراحلة للمسافر قبل جهة مقصده لكن لا بد من الاستقبال حال تكبيرة الإحرام ثم لا
يضره الخروج بعد ذلك عن سمت القبلة وهو إجماع كما قال النووي والحافظ والعراقي وغيرهم
وقد تقدم الكلام في هذه المسألة في باب الصلاة على الدابة حيث ما توجهت به (وقال ابن عمر في
هذا أنزلت هذه الآية) ذهب إلى هذا بعض أهل العلم وقالوا إن الآية نزلت في المسافر يصلي
النوافل حيث تتوجه به راحلته فمعنى الآية فأينما تولوا وجوهكم لنوافلكم في أسفاركم فثم وجه
الله أي فقد صادفتم المطلوب إن الله واسع الفضل غني فمن سعة فضله وغناه رخص لكم في
ذلك لأنه لو كلفكم استقبال القبلة في مثل هذه الحال لزم أحد الضررين إما ترك النوافل وإما
النزول عن الراحلة والتخلف عن الرفقة بخلاف الفرائض فإنها صلوات معدودة محصورة
فتكليف النزول عن الراحلة عند أدائها واستقبال القبلة فيها لا يفضي إلى الحرج بخلاف النوافل
فإنها غير محصورة فتكليف الاستقبال يفضي إلى الحرج
235

وقال بعض أهل العلم إن هذه الآية نزلت في قوم عميت عليهم القبلة فلم يعرفوا شطرها
فصلوا على أنحاء مختلفة فقال الله تعالى برب المشارق والمغارب فأين وليتم وجوهكم
فهنالك وجهي وهو قبلتكم فيعلمكم بذلك أن صلاتكم ماضية وقد استدلوا على ذلك بحديث
عامر بن ربيعة المذكور وهو حديث ضعيف لكن قال الشوكاني في النيل وهذا الحديث وإن
كان فيه مقال عند المحدثين ولكن له شواهد تقويه فذكرها وقال بعد ذكرها وهذه الأحاديث
يقوي بعضها بعضا فتصلح للاحتجاج بها انتهى وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره وهذه
الأسانيد فيها ضعف ولعله يشد بعضها بعضا انتهى
وقال آخرون بل أنزل هذه الآية قبل أن يفرض التوجه إلى الكعبة وإنما أنزلها ليعلم نبيه
وأصحابه أن لهم التوجه بوجوههم للصلاة حيث شاءوا من نواحي المشرق والمغرب لأنهم لا
يوجهون وجوههم وجها من ذلك وناحية إلا كان جل ثناؤه في ذلك الوجه وتلك الناحية لأن له تعالى المشارق والمغارب وأنه لا يخلو منه مكان كما قال
تعالى ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا قالوا ثم نسخ ذلك بالفرض الذي فرض التوجه إلى المسجد الحرام قاله
ابن جرير قال ابن كثير وفي قوله وأنه تعالى لا يخلو منه مكان إن أراد علمه تعالى فصحيح فإن
علمه تعالى محيط بجميع المعلومات وأما ذاته تعالى فلا تكون محصورة في شئ من خلقه تعالى
الله عن ذلك علوا كبيرا انتهى وقد قال بهذا القول قتادة رحمه الله كما ذكره الترمذي بقوله
ويروي عن قتادة أنه قال الخ وفي سبب نزول هذه الآية أقوال أخرى ذكرها الرازي في تفسيره
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما
قوله (أخبرنا يزيد بن زريع) بتقديم الزاي مصغرا البصري أبو معاوية ثقة ثبت من
الثامنة (عن سعيد) هو ابن أبي عروبة
قوله (ويروى عن مجاهد في هذه الآية فأينما تولوا فثم وجه الله قال فثم قبلة الله قال الحافظ
236

ابن كثير في تفسيره قال مجاهد فأينما تولوا فثم وجه الله حيثما كنتم فلكم قبلة تستقبلونها الكعبة
انتهى والظاهر أن قول مجاهد هذا بيان لقوله الذي ذكره الترمذي (عن النضر بن عربي) الباهلي
مولاهم أبي روح ويقال أبو عمر الحراني لا بأس به من السادسة
قوله (لو صلينا خلف المقام) أي لكان حسنا أو لو للتمني والمراد من الصلاة خلف المقام
صلاة الركعتين بعد الطواف فنزلت واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى المراد بالمقام هو الحجر
الذي كان إبراهيم عليه السلام يقوم عليه لبناء الكعبة لما ارتفع الجدار أتاه إسماعيل عليه السلام
به ليقوم فوقه ويناوله الحجارة فيضعها بيده لرفع الجدار
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان مطولا
قوله (أخبرنا هشيم) بالتصغير ابن بشير بوزن عظيم ابن القاسم بن دينار السلمي
قوله (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه أبو نعيم في الدلائل عنه أخذ النبي بيد عمر
فمر به على المقام فقال له هذا مقام إبراهيم قال يا نبي الله ألا تتخذه مصلي فنزلت
قوله (أخبرنا أبو معاوية) اسمه محمد بن خازم (عن أبي صالح) هو السمان واسمه
ذكوان
237

قوله وكذلك جعلناكم أمة وسطا الكاف في قوله وكذلك كاف التشبيه جاء لشبه به
وفيه وجوه أحدها أنه معطوف على ما تقدم من قوله في حق إبراهيم ولقد اصطفيناه في الدنيا
وكذلك جعلناكم أمة وسطا الثاني أنه معطوف على قوله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
وكذلك هديناكم وجعلناكم أمة وسطا الثالث قيل معناه كما جعلنا قبلتكم وسطا بين المشرق
والمغرب كذلك جعلناكم أمة وسطا يعني عدولا خيارا (قال عدلا) أي قال النبي في تفسير
قوله تعالى وسطا عدلا وروى البخاري في صحيحه هذا الحديث مطولا وكذا الترمذي
بعد هذا وفي آخر حديثهما والوسط العدل
قال الحافظ في الفتح هو مرفوع من نفس الخبر وليس بمدرج من قول بعض الرواة كما وهم
فيه بعضهم وسيأتي في الاعتصام بلفظ وكذلك جعلناكم أمة وسطا عدلا وأخرج الإسماعيلي
من طريق حفص بن غياث عن الأعمش بهذا السند في قوله وسطا قال عدلا كذا أورده مختصرا
مرفوعا وأخرجه الطبراني من هذا الوجه مختصرا مرفوعا ومن طريق وكيع عن الأعمش بلفظ
والوسط العدل مختصرا مرفوعا ومن طريق أبي معاوية عن الأعمش مثله قال الطبري الوسط
في كلام العرب الخيار يقولون فلان وسط في قومه وواسط إذا أرادوا الرفع في حسبه قال
والذي أرى أن معنى الوسط في الآية الجزء الذي بين الطرفين والمعنى أنهم وسط لتوسطهم في
الدين فلم يغلوا كغلو النصارى ولم يقصروا كتقصير اليهود ولكنهم أهل وسط واعتدال
قال الحافظ لا يلزم من كون الوسط في الآية صالحا لمعنى التوسط أن لا يكون أريد به معناه
الاخر كما نص عليه الحديث فلا مغايرة بين الحديث وبين ما دل عليه معنى الآية انتهى
قوله (يدعى نوح) وفي رواية بحاء بنوح يوم القيامة (فيقال) أي لنوح (فيقول نعم) وهذا
لا ينافي قوله تعالى يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام
الغيوب لأن الإجابة غير التبليغ وهي تحتاج إلى تفصيل لا يحيط بكنهه إلا علمه سبحانه
بخلاف نفس التبلغ لأن من العلوم الضرورية البديهية (ما أتانا أي منذر لا هو ولا غيره
238

مبالغة في الإنكار توهما أنه ينفعهم الكذب في ذلك اليوم عن الخلاص من النار ونظيره قول جماعة
من الكفار (والله ربنا ما كنا مشركين (وما أتانا من أحد أي غير النذير للتبليغ (فيقال) أي لنوح
(من شهودك) وإنما طلب الله من نوح شهداء على تبليغه الرسالة أمته وهو أعلم به إقامة الحجة
وإناقة لمنزلة أكابر هذه الأمة (فيقول محمد وأمته) والمعنى أن أمته شهداء وهو مزك لهم وقدم في
الذكر للتعظيم ولا يبعد أنه يشهد لنوح عليه الصلاة والسلام أيضا لأنه محل النصرة وقد قال
تعالى وإذ أخذ الله ميثاق النبيين إلى قوله لتؤمنن به ولتنصرنه (فيؤتي بكم تشهدون)
قال الحافظ وقد روى هذا الحديث أبو معاوية عن الأعمش بهذا الاسناد أتم من سياق غيره
وأشمل ولفظه يجئ النبي يوم القيامة ومعه الرجل ويجئ النبي ومعه الرجلان ويجئ النبي
ومعه أكثر من ذلك قال فيقال لهم أبلغكم هذا فيقولون لا فيقال للنبي أبلغتهم فيقول نعم فيقال لهم من يشهد لك الحديث أخرجه أحمد عنه والنسائي وابن ماجة (أنه قد
بلغ) قال الحافظ زاد أبو معاوية فيقال وما علمكم فيقولون أخبرنا نبينا أن الرسل قد بلغوا
فصدقناه ويؤخذ من حديث أبي بن كعب تعميم ذلك فأخرج ابن أبي حاتم بسند جيد عن أبي
العالية عن أبي بن كعب في هذه الآية قال لتكونوا شهداء
وكانوا شهداء على الناس يوم القيامة كانوا شهداء على قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب وغيرهم أن رسلهم بلغتهم وأنهم
كذبوا رسلهم قال أبو العالية وهي قراءة أبي لتكونوا شهداء على الناس يوم القيامة ومن
حديث جابر عن النبي ما من رجل من الأمم إلا ود أنه منا أيتها الأمة ما من نبي كذبه قومه
إلا ونحن شهداؤه يوم القيامة أن قد بلغ رسالة الله ونصح لهم (لتكونوا شهداء على الناس) أي
على من قبلكم من الكفار أن رسلهم بلغتهم (ويكون الرسول
) أي رسولكم واللام للعوض أو
اللام للعهد والمراد به محمد (عليكم شهيدا) أنه بلغكم (والوسط العدل) هو مرفوع من نفس
الخبر وليس بمدرج من قول بعض الرواة كما تقدم
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري والنسائي وغيرهم
239

قوله (ستة أو سبعة عشر شهرا) كذا وقع في هذه الرواية بالشك وترفع في بعض
الروايات ستة عشر بغير شك ووقع في بعضها سبعة عشر بغير شك قال الحافظ والجمع بين
الروايتين سهل بأن يكون من جزم بستة عشر نفق من شهر القدوم وشهر التحويل شهرا وألغى
الزائد ومن جزم بسبعة عشر عدهما معا ومن شك تردد في ذلك وذلك أن القدوم كان في شهر
ربيع الأول بلا خلاف وكان التحويل في نصف شهر رجب من السنة الثانية على الصحيح وبه
جزم الجمهور (وكان رسول الله يحب أن يوجه إلى الكعبة) جاء بيان ذلك فيما أخرجه الطبري
وغيره من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال لما هاجر النبي إلى المدينة واليهود أكثر
أهلها يستقبلون بيت المقدس أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها سبعة
عشر شهرا وكان رسول الله يحب أن يستقبل قبلة إبراهيم فكان يدعو ويظهر إلى السماء فنزلت ومن طريق مجاهد قال إنما كان يحب أن يتحول إلى الكعبة لأن اليهود قالوا يخالفنا محمد
ويتبع قبلتنا فنزلت وظاهر حديث ابن عباس هذا أن استقبال بيت المقدس إنما وقع بعد الهجرة
إلى المدينة لكن أخرج أحمد من وجه آخر عن ابن عباس كان النبي يصلي بمكة نحو بيت
المقدس والكعبة بين يديه والجمع بينهما ممكن بأن يكون أمر لما هاجر أن يستمر على الصلاة
ببيت المقدس وأخرج الطبراني من طريق ابن جريج قال صلى النبي أول ما صلى إلى
الكعبة ثم صرف إلى بيت المقدس وهو بمكة فصلى ثلاث حجج ثم هاجر فصلى إليه بعد قدومه
إلى المدينة ستة عشر شهرا ثم وجهه الله إلى الكعبة فقوله في حديث ابن عبس الأول أمره
الله يرد قول من قال إنه صلى إلى بيت المقدس باجتهاد وقد أخرجه الطبري عن
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف وعن أبي العالية أنه صلى إلى بيت المقدس يتألف
أهل الكتاب وهذا لا ينفي أن يكون يتوقيف وحديث البراء هذا قد تقدم بإسناده ومتنه في
باب ابتداء القبلة من أبواب الصلاة (وقد رواه سفيان الثوري عن أبي إسحاق) كما في رواية الشيخين
240

قوله (قال كانوا ركوعا في صلاة الفجر) تقدم هذا الحديث مع شرحه أيضا في الباب
المذكور
قوله (وفي الباب عن عمرو بن عوف المزني الخ) تقدم تخريج أحاديث هؤلاء الصحابة
رضي الله عنهم في الباب المذكور
قوله (لما وجه) بصيغة المجهول من التوجيه أي أمر بالتوجه إلى الكعبة (كيف بإخواننا
الذي ماتوا) أي كيف حالهم هل صلاتهم ضائعة أم مقبولة (وهم يصلون إلى بيت المقدس) جملة
حالية وما كان الله ليضيع إيمانكم أي صلاتكم إلى بيت المقدس بل يثيبكم عليه أطلق الإيمان
على الصلاة لأنها أعظم آثار الإيمان وأشرف نتائجه وإنما خوطبوا تغليبا للأحياء
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وابن حبان والحاكم وابن جرير
قوله (ما أرى على أحد لم يطف بين الصفا والمروة شيئا) أي من الجناح (وما أبالي أن لا أطوف بينهما) يعني أن السعي بين الصفا والمروة ليس بواجب عندي إذ مفهوم قوله تعالى فمن
241

حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما عدم وجوب السعي لأنه دل على رفع الجناح
وهو الإثم عن فاعله وذلك يدل على إباحته ولو كان واجبا لما قيل فيه مثل ذلك (طاف
رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف المسلمون) أي بالصفا والمروة وفي رواية للبخاري وقد سن
رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما (وإنما كان من أهل) أي حج من
الأنصار قبل أن يسلموا (لمناة) بفتح الميم وتخفيف النون وبعد الألف تاء مثناة من فوق وهو اسم
صنم كان في الجاهلية وقال ابن الكلبي كانت صخرة نصبها عمرو بن لحي بجهة البحر فكانوا
يعبدونها وقيل هي صخرة لهذيل بقديد وسميت مناة لأن النسائك كانت تمنى بها أي تراق
وقال الحازمي هي على سبعة أميال من المدينة وإليها نسبوا زيد مناة (الطاغية) صفه لمناة إسلامية
وهي على زنة فاعلة من الطغيان ولو روى لمناة الطاغية بالإضافة ويكون الطاغية صفة للفرقة وهم
الكفار لجاز (التي بالمسلل) بضم الميم وفتح الشين المعجمة وتشديد اللام الأولى المفتوحة اسم
موضع قريب من قديد من جهة البحر ويقال هو الجبل الذي يهبط منه إلى قديد من ناحية البحر
وقال البكري هي ثنية مشرفة على قديد وفي رواية لمسلم بالمشلل من قديد وفي رواية للبخاري
في تفسير سورة البقرة كانوا يهلون لمناة فكانت مناة حذو قديد أي مقابلة وقديد بقاف مصغر
قرية جامعة بين مكة والمدينة كثيرة المياه قاله أبو عبيد البكري وكان لمن لا يهل لمناة صنمان بالصفا
إساف بكسر الهمزة وتخفيف السين المهملة وبالمروة نائلة وقيل إنهما كانا رجلا وامرأة فزنيا داخل
الكعبة فمسخهما الله حجرين فنصبا عند الكعبة وقيل على الصفا والمروة ليعتبر الناس بهما ويتعظوا
ثم حولهما قصي بن كلاب فجعل أحدهما ملاصق للكعبة ولاخر بزمزم ونحر عندهما وأمر بعبادتهما
فلما فتح النبي مكة كسرهما (لا يطوفون بين الصفا والمروة) كراهية لذينك الصنمين وحبهم
صنمهم الذي بالشلل وكان ذلك سنة في آبائهم من أحرم لمناة لم يطف بين الصفا والمروة (فلا
جناح عليه) أي فلا إثم عليه (أن يطوف) بتشديد الطاء أصله يتطوف فأبدلت التاء طاء لقرب
مخرجهما وأدغمت الطاء طاء (بهما) أي بأن يسعى بينهما سبعا (ولو كانت) أي هذه الآية (كما
تقول) أي كما تأولها عليه من الإباحة (لكانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما) بزيادة لا بعد أن
فإنها كانت حينئذ تدل على رفع الإثم عن تاركه وذلك حقيقة المباح فلم يكن في الآية نص على
الوجوب ولا عدمه قال النووي قال العلماء هذا من دقيق علمها وفهمها الثاقب وكبير معرفتها
بدقائق الألفاظ لأن الآية الكريمة إنما دل لفظها على رفع الجناح عمن يطوف بهما وليس فيه دلالة
242

على عدم وجوب السعي ولا على وجوبه فأخبرته عائشة أن الآية ليست فيها دلالة للوجوب ولا
لعدمه وبينت السبب في نزولها والحكمة في نظمها وأنها نزلت في الأنصار حين تحرجوا من السعي
بين الصفا والمروة في الاسلام وأنها لو كانت كما يقول عروة لكانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما
وقد يكون الفعل واجبا ويعتقد إنسان أنه يمنع إيقاعه على صفة مخصوصة وذلك كمن عليه صلاة
الظهر وظن أنه لا يجوز فعلها عند غروب الشمس فسأل عن ذلك فيقال في جوابه لا جناح عليك
إن صليتها في هذا الوقت فيكون جوابا صحيحا ولا يقتضي نفي وجوب صلاة الظهر انتهى
(فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام) بن المغيرة المخزومي المدني قيل
اسمه محمد وقيل المغيرة وقيل أبو بكر اسمه وكنيته أبو عبد الرحمن وقيل اسمه كنيته ثقة فقيه عابد
من الثالثة (فأعجبه ذلك) أي كلام عائشة (إن هذا لعلم) بفتح اللام التي هي التأكيد وبالتنوين
على أنه الخبر أي إن هذا لعلم عظيم (إنما كان من لا يطوف) أي في الاسلام (وقال آخرون من
الأنصار) الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا في الجاهلية بالصفا والمروة (وقال أبو بكر بن عبد
الرحمن فأراها) بضم الهمزة أي أظنها (قد نزلت في هؤلاء وهؤلاء) وفي رواية البخاري في كتاب
الحج قال أبو بكر فاسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا في
الجاهلية بالصفا والمروة والذين يطوفون ثم تحرجوا أن يطوفوا بهما في الاسلام من أجل أن الله أمر
بالطواف بالبيت ولم يذكر الصفا حتى ذكر ذلك بعد ما ذكر الطواف بالبيت قال الحافظ وحاصله
أن سبب نزول الآية على هذا الأسلوب كان للرد
على الفريقين الذين تحرجوا أن يطوفوا بينهما لكونه
عندهم من أفعال الجاهلية والذين امتنعوا من الطواف بينهما لكونهما لم يذكرا انتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (أخبرنا يزيد بن أبي حكيم) العدني أبو عبد الله صدوق من التاسعة
243

قوله (سألت أنس بن مالك عن الصفا والمروة) وفي رواية البخاري قلت لأنس بن مالك
أكنتم تكرهون السعي بين الصفا والمروة قال نعم (كانا من شعائر الجاهلية) أي من العلامات التي
كانوا يتعبدون بها (أمسكنا عنهما) أي عن السعي بينهما (قال) أي أنس (هما تطوع) أي السعي
بينهما ليس بواجب وهذا هو قول أنس واختلف أهل العلم في هذه المسألة قال العيني قال
شيخنا زين الدين في شرحه للترمذي اختلفوا في السعي بين الصفا والمروة للحاج على ثلاثة
أقوال أحدها أنه ركن لا يصح الحج إلا به وهو قول ابن عمر وعائشة وجابر وبه قال الشافعي
ومالك في المشهور عنه وأحمد في أصح الروايتين عنه وإسحاق وأبو ثور لقوله اسعوا فإن الله
كتب عليكم السعي رواه أحمد والدارقطني والبيهقي من رواية صفية بنت شيبة عن حبيبة بنت
أبي تجرأة بإسناد حسن وقال عبد العظيم إنه حديث حسن قال العيني قال ابن حزم في المحلى إن
حبيبة بنت أبي تجرأة مجهولة وقال شيخنا هو مردود لأنها صحابية وكذلك صفية بنت شيبة
صحابية والقول الثاني أنه واجب يجبر بدم وبه قال الثوري وأبو حنيفة ومالك في العتبية كما
حكاه ابن العربي والقول الثالث أنه ليس بركن ولا واجب بل هو سنة ومستحب وهو قول ابن
عباس وابن سيرين وعطاء ومجاهد وأحمد في رواية ومن طاف فقد حل انتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي
قوله (عن جعفر بن محمد) المعروف بالصادق (عن أبيه) هو محمد بن علي بن الحسين أبو
جعفر الباقر (عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله حين قدم مكة الخ) تقدم هذا
الحديث مع شرحه في باب ما جاء أنه يبدأ بالصفا قبل المروة
244

قوله (أخبرنا عبيد الله بن موسى) العبسي الكوفي (عن أبي إسحاق) هو السبيعي
قوله (كان أصحاب النبي) أي في أول افتراض الصيام (فنام قبل أن يفطر الخ) قال
الحافظ في رواية زهير كان إذا نام قبل أن يتعشى لم يحل له أن يأكل شيئا ولا يشرب ليله ويومه حتى
تغرب ولأبي الشيخ من طريق زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق كان المسلمون إذا أفطروا يأكلون
ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا لم يفعلوا شيئا من ذلك إلى مثلها فاتفقت
الروايات في حديث البراء على أن المنع من ذلك كان مقيدا بالنوم وهذا هو المشهور في حديث
غيره وقيد المنع من ذلك في حديث ابن عباس بصلاة العتمة أخرجه أبو داود بلفظ كان الناس
على عهد رسول الله إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء وصاموا إلى
القابلة وهذا أخص من حديث البراء من وجه آخر ويحتمل أن يكون ذكر صلاة العشاء لكون
ما بعدها مظنة النوم غالبا والتقييفي الحقيقة إنما هو بالنوم كما في سائر الأحاديث انتهى
قلت ومراد الحافظ بقوله وهذا أخص من حديث البراء من وجه آخر يعني أن بينهما عموما
وخصوصا من وجه (وإن قيس بن صرمة) بكسر الصاد المهملة وسكون الراء قال في الإصابة
ووقع عند أبي داود من هذا الوجه صرمة بن قيس وفي رواية النسائي أبو قيس بن عمرو فإن حمل
هذا الاختلاف على تعدد أسماء من وقع له ذلك وإلا فيمكن الجمع برد جميع الروايات إلى واحد
فإنه قيل فيه صرمة بن قيس وصرمة بن مالك وصرمة بن أنس وصرمة بن أبي أنس وقيل فيه
قيس بن صرمة وأبو قيس بن صرمة وأبو قيس بن عمرو فيمكن أن يقال إن كان اسمه صرمة بن
قيس فمن قال قيس بن صرمة قلبه وإنما اسمه صرمة وكنيته أبو قيس أو العكس وأما أبوه فاسمه
قيس أو صرمة على ما تقرر من القلب وكنيته أبو أنس ومن قال فيه أنس حذف أداة الكنية ومن قال
فيه ابن مالك نسبه إلى جدله والعلم عند الله تعالى قاله القسطلاني (هل عندك) بكسر الكاف
(طعام فقالت لا ولكن انطلق أطلب لك) ظاهره أنه لم يجئ معه بشئ لكن في مرسل السدي
245

أنه أتاها بتمر فقال استبدلي به طحينا واجعليه سخينا فإن التمر أحرق جوفي وفيه لعلي آكله سخنا
وأنها استبدلته له وصنعته (وكان يومه) بالنصب (يعمل) أي في أرضه وصرح بها أبو داود وفي
روايته وفي مرسل السدي كان يعمل في حيطان المدينة بالأجرة فعلى هذا فقوله في أرضه إضافة
اختصاص (فغلبته عينه) أي نام (قالت خيبة لك) بالنصب وهو مفعول مطلق محذوف العامل
وقيل إذا كان بغير لام يجب نصبه وإلا جاز والخيبة الحرمان يقال خاب يخيب إذا لم ينل ما طلب
(فذكر ذلك للنبي) زاد في رواية زكريا عند أبي الشيخ وأتى عمر امرأته وقد نامت فذكر ذلك
للنبي فنزلت هذه الآية أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ففرحوا بها فرحا شديدا
وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود كذا في هذه الرواية وشرح
الكرماني على ظاهرها فقال لما صار الرفث وهو الجماع هنا حلالا بعد أن كان حراما كان الأكل والشرب
بطريق الأولى فلذلك فرحوا بنزولها وفهموا منها الرخصة هذا وجه مطابقة ذلك لقصة أبي قيس
قال ثم لما كان حلهما بطريق المفهوم نزل بعد ذلك (وكلوا واشربوا) ليعلم بالمنطوق تسهيل الأمر
عليهم صريحا ثم قال أو المراد من الآية هي بتمامها قال الحافظ وهذا هو المعتمد وبه جزم
السهيلي وقال إن الآية بتمامها نزلت في الأمرين معا وقدم ما يتعلق بعمر لفضله قال الحافظ قد
وقع في رواية أبي داود فنزلت أحل لكم ليلة الصيام إلى قوله من الفجر فهذا يبين أن محل
قوله ففرحوا بها بعد قوله الخيط الأسود وقع ذلك صريحا في رواية زكريا بن أبي زائدة ولفظه فنزلت
أحل لكم إلى قوله من الفجر ففرح المسلمون بذلك
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي
قوله (عن ذر) بفتح الذال المعجمة وشدة راء هو ابن عبد الله المرهبي بضم الميم وسكون
الراء ثقة عابد رمي با رجاء من السادسة (عن يسيع الكندي) قال في التقريب يسيع بن معدا
الحضرمي الكوفي ويقال له أسيع ثقة من الثالثة انتهى أسيع بضم التحتانية وفتح
246

السين المهملة مصغرا ويقال له أسيع بضم الهمزة بدل التحتانية
قوله (داخرين) هذه قوله (هو العبادة) أي هو العبادة الحقيقية التي تستأهل أن تسمى عبادة لدلالته على الاقبال على الله ولإقبال
على الله والإعراض عما سواه بحيث لا يرجو ولا يخاف إلا إياه (وقرأ) أي النبي (وقال ربكم
ادعوني أستجب لكم إلى قوله - داخرين هذه الآية في سورة المؤمن لكن لما ورد تفسيرها عنه
وكانت مثل قوله تعالى أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي الذي في سورة البقرة
أوردها ههنا بهذه المناسبة وقد أخرج الترمذي هذا الحديث في أوائل الدعوات أيضا ويأتي هناك
بقية الكلام عليه وأخرجه أيضا في تفسير سورة المؤمن
قوله (أخبرنا هشيم) هو ابن بشير بن القاسم بن دينار (أخبرنا حصين) هو ابن عبد الرحمن
السلمي
قوله (لما نزلت حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) زاد مسلم في
روايته قال له عدي يا رسول الله إني أجعل تحت وسادتي عقالين عقالا أبيض وعقالا أسود أعرف
الليل من النهار فقال رسول الله إن وسادك لعريض (قال لي النبي الخ) قال الحافظ
ظاهره أن عديا كان حاضرا لما نزلت هذه الآية وهو يقتضي تقدم إسلامه وليس كذلك لأن نزول
فرض الصوم كان متقدما في أوائل الهجرة وإسلام عدي كان في التاسعة أو العاشرة كما ذكره ابن
إسحاق وغيره من أهل المغازي فإما أن يقال إن الآية التي في حديث الباب تأخر نزولها عن نزول
فرض الصوم وهو بعيد جدا وإما أن يأول قول عدي هذا على أن المراد بقوله لما نزلت أي لما تليت
علي عند إسلامي أو لما بلغني نزول الآية أو في السياق حذف تقديره لما نزلت الآية ثم قدمت
فأسلمت وتعلمت الشرائع قال لي (إنما ذلك) أي الخيط الأبيض من الخيط الأسود (بياض النهار
من سواد الليل) وفي رواية مسلم إنما هو سواد الليل وبياض النهار فإن قلت الظاهر أن قوله من
الفجر كان نزل حين سمع عدي بن حاتم هذه الآية وهو بيان لقوله الخيط الأبيض من الخيط
247

الأسود فكيف خفي عليه معناه
قلت كان عديا لم يكن في لغة قومه استعارة الخيط للصبح وحمل قوله من الفجر على
السببية فظن أن الغاية تنتهي إلى أن يظهر تمييز أحد الخيطين من الاخر بضياء الفجر أو نسي قوله
من الفجر حتى ذكره بها النبي وهذه الاستعارة معروفة عند بعض العرب قال الشاعر
ولما تبدت لنا سدفة ولاح من الصبح خيط أنارا
فإن قلت حديث عدي هذا يقتضي أن قوله من الفجر نزل متصلا بقوله من الخيط الأسود
وروى الشيخان عن سهل بن سعد قال أنزلت كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض
من الخيط الأسود ولم ينزل من الفجر فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط
الأبيض والخيط الأسود ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما فأنزل الله بعد من الفجر فعلموا
إنما يعني الليل والنهار فحديث سهل بن سعد هذا ظاهر في أن قوله (من الفجر) نزل بعد
ذلك لرفع ما وقع لهم من الاشكال فما وجه الجمع ما بين هذين الحديثين
قلت الجمع بينهما أن حديث عدي متأخر من حديث سهل فكأن عديا لم يبلغه ما جرى في
حديث سهل وإنما سمع الآية مجردة ففهمها على ما وقع له فبين له النبي أن المراد بقوله (من
الفجر) أن ينفصل أحد الخيطين عن الاخر وأن قوله من الفجر متعلق بقوله (يتبين) ويحتمل
أن تكون القصتان في حالة واحدة وأن بعض الرواة في قصة عدي تلا الآية تامة كما ثبت في القرآن
وإن كان حال النزول إنما نزلت مفرقة كما ثبت في حديث سهل قال الحافظ وهذا الثاني ضعيف
لأن قصة عدي متأخرة لتأخر إسلامه
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود
248

قوله (عن مجالد) بن سعيد بن عمير الهمداني الكوفي ليس بالقوي وقد تغير في آخر عمره
من صغار السادسة
قوله (فأخذت عقالين) بكسر العين المهملة أي حبلين وفي رواية خيطين من شعر (شيئا
لم يحفظه سفيان) وحفظه غيره وهو قوله إن وسادك لعريض كما في رواية مسلم المتقدمة
(فقال) أي النبي (إنما هو الليل والنهار) يعني أن المراد بالخيط الأسود الليل وبالخيط الأبيض
النهار والمعنى حتى يظهر الفجر
قوله (هذا حديث حسن صحيح) في سنده مجالد وهو ضعيف فتصحيح الترمذي له لأنه
قد جا بأسانيد صحيحة من غير طريق مجالد
قوله (عن أسلم) بن يزيد (أبي عمران التجيبي) المصري ثقة من الثالثة
قوله (كنا بمدينة الروم فأخرجوا إلينا صفا عظيما من الروم) وفي رواية أبي داود قال غزونا
من المدينة نريد القسطنطينية وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد والروم ملصقوا ظهورهم
بحائط المدينة (وعلى الجماعة) أي أميرهم (معشر الأنصار) بالنصب على الاختصاص (فما زال أبو
أيوب شاخصا) قال الجزري في النهاية شخوص المسافر خروجه عن منزله ومنه حديث عثمان
رضي الله عنه إنما يقصر الصلاة من كان شاخصا أو بحضرة عدو أي مسافرا ومنه حديث أبي
أيوب فلم يزل شاخصا في سبيل الله تعالى انتهى والحديث يدل على أن المراد بإلقاء الأيدي إلى
التهلكة هو الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد وقيل هو البخل وترك الانفاق في الجهاد روى
249

البخاري في صحيحه عن حذيفة وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال نزلت في
النفقة قال الحافظ في الفتح قوله في النفقة أي في ترك النفقة في سبيل الله عز وجل وهذا الذي
قاله حذيفة جاء مفسرا في حديث أبي أيوب فذكره بتمامه ثم قال وصح عن ابن عباس وجماعة من
التابعين نحو ذلك في تأويل الآية وروى ابن أبي حاتم من طريق زيد بن أسلم أنها كانت نزلت
في ناس كانوا يغزون بغير نفقة فيلزم على قوله اختلاف المأمورين فالذين قيل لهم أنفقوا
وأحسنوا أصحاب الأموال والذين قيل لهم ولا تلقوا الغزاة بغير نفقة ولا يخفي ما فيه ومن
طريق الضحاك بن أبي جبيرة كان الأنصار يتصدقون فأصابتهم سنة فأمسكوا فنزلت وروى
ابن جرير وابن المنذر بإسناد صحيح عن مدرك بن عوف قال إني لعند عمر فقلت إن لي جارا
رمى بنفسه في الحرب فقتل فقال ناس ألقى بيده إلى التهلكة فقال عمر كذبوا لكنه اشترى
الآخرة بالدنيا وجاء عن البراء ابن عازب في الآية تأويل آخر أخرجه ابن جرير وابن المنذر وغيرهما
عنه بإسناد صحيح عن أبي إسحاق قال قلت للبراء أرأيت قول الله عز وجل ولا تلقوا
بأيديكم هو الرجل يحمل على الكتيبة فيها ألف قال لا ولكنه الرجل يذنب فيلقي بيده فيقول لا
توبة لي وعن النعمان بن بشير نحوه والأول أظهر لتصدير الآية بذكر النفقة فهو المعتمد في
نزولها وأما قصرها عليه ففيه نظر لأن العبرة بعموم اللفظ
أما مسألة حمل الواحد على العدد الكثير من العدد فصرح الجمهور بأنه إن كان لفرط
شجاعته وظنه أنه يرهب العدو بذلك أو يجرأ المسلمين عليهم أو نحو ذلك من المقاصد الصحيحة
فهو حسن ومتى كان مجرد تهور فممنوع ولا سيما إن ترتب على ذلك وهن في المسلمين
قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن جرير وأبو
يعلى في مسنده وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال على شرط الشيخين ولم يخرجاه
قوله (أخبرنا هشيم) بن بشير بن القاسم (أخبرنا مغيرة) بن مقسم بكسر الميم الضبي مولاهم
أبو هشام الكوفي الأعمى ثقة متقن إلا أنه كان يدلس ولا سيما عن إبراهيم من السادسة (قال
250

كعب بن عجرة الخ) قد سبق حديث كعب بن عجرة هذا في باب المحرم يحلق رأسه في إحرامه
ما عليه من أبواب الحج
قوله (لفي) بشدة الياء أي في شأني (وياي عني بها) اللام للتأكيد وإياي مفعول مقدم لعني (وكانت لي وفرة) هي شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن (فجعلت الهوام) بتشديد
الميم جمع هامة وهي ما يدب من الأخفاش والمراد بها ما يلازم جسد الإنسان عالبا إذا طال عهده
بالتنظيف وقد عين في كثير من الروايات إنها القمل (تساقط) بحذف إحدى التائين
قوله (عن أبي بشر) اسمه جعفر بن إياس
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (عن عبد الله بن معقل) بفتح الميم وسكون العين المهملة بعدها قاف مكسورة
ابن مقرن المزني الكوفي ثقة من كبار الثالثة (أيضا) أي كما روى عبد الرحمن بن أبي ليلى عن
كعب بن عجرة قال الحافظ في الفتح ونقل ابن عبد البر عن أحمد بن صالح المصري قال
حديث كعب بن عجرة في الفدية سنة معمول بها لم يروها من الصحابة غيره ولا رواها عنه إلا
ابن أبي ليلى وابن معقل قال وهي سنة أخذها أهل المدينة عن أهل الكوفة قال الزهري سألت
251

عنها علماءنا كلهم حتى سعيد بن المسيب فلم يبينوا كم عدد المساكين
قال الحافظ فيما أطلقه ابن صالح نظر فقد جاءت هذه السنة من رواية جماعة من الصحابة
غير كعب ورواه عن كعب بن عجرة غير عبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الله بن معقل وقد أورد
البخاري حديث كعب هذا في أربعة أبواب متوالية وأورده أيضا في المغازي والطب وكفارات
الأيمان من طرق أخرى مدار الجميع على ابن أبي ليلى وابن معقل فيقيد إطلاق أحمد بن صالح بالصحة
فإن بقية الطرق لا تخلو عن مقال إلا طريق أبي وائل عند النسائي انتهى ملخصا
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم (وقد روى عبد
الرحمن بن الأصبهاني) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن الأصبهاني
قوله (أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم) المعروف بابن علية
قوله (يتناثر) من النثر أي يتساقط (وأنسك نسيكة) أي اذبح ذبيحة وفي رواية
للبخاري أنسك بشاة
قال النووي في شرح مسلم روايات الباب كلها متفقة في المعنى ومقصودها أن من احتاج
إلى حلق الرأس لضرر من قمل أو مرض أو نحوهما فله حلقه في الاحرام وعليه الفدية قال الله
تعالى فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك وبين
النبي أن الصيام ثلاثة أيام والصدقة ثلاثة أصع لستة مساكين لكل مسكين نصف صاع
والنسك شاة وهي شاة تجزئ في الأضحية ثم أن الآية الكريمة والأحاديث متفقة على أنه مخير
بين هذه الأنواع الثلاثة وهكذا الحكم عند العلماء أنه مخير بين الثلاثة وأما قوله في رواية هل
عندك نسك قال ما أقدر عليه فأمره أن يصوم ثلاثة أيام فليس المراد به أن الصوم لا يجزئ إلا
252

لعادم الهدي بل هو محمول على أنه سأل عن النسك فإن وجده أخبره بأنه مخير بينه وبين الصيام
والإطعام وإن عدمه فهو مخير بين الصيام والإطعام واتفق العلماء على القول بظاهر هذا الحديث
إلا ما حكي عن أبي حنيفة والثوري أن نصف الصاع لكل مسكين إنما هو في الحنطة فأما التمر
والشعير وغيرهما فيجب صاع لكل مسكين وهذا خلاف نصه في هذا الحديث ثلاثة آصع
من تمر وعن أحمد بن حنبل رواية أنه لكل مسكين مد من حنطة أو نصف صاع من غيره وعن
الحسن البصري وبعض السلف أنه يجب إطعام عشرة مساكين أو صوم عشرة أيام وهذا ضعيف
منابذ للسنة مردود انتهى
قوله (عن بكير بن عطاء) بضم الياء الموحدة وفتح الكاف مصغرا الليثي الكوفي ثقة من
الرابعة (عن عبد الرحمن بن يعمر) بفتح التحتانية وسكون المهملة وفتح الميم الديلي بكسر الدال
وسكون التحتانية صحابي نزل الكوفة ويقال مات بخراسان
قوله (الحج عرفات) أي ملاك الحج ومعظم أركانه وقوف عرفات لأنه يفوت بفواته
قال في القاموس يوم عرفة التاسع من ذي الحجة وعرفات موقف الحاج وذلك على اثني عشر
ميلا من مكة وغلط الجوهري فقال موضع بمنى سميت لأن آدم وحواء تعارفا بها أو لقول
جبريل لإبراهيم عليهما السلام لما علمه المناسك أعرفت قال عرفت اسم في لفظ الجمع فلا
تجمع معرفة وإن كانت جمعا لأن الأماكن لا تزول فصارت كالشئ الواحد معروفة لأن التاء بمنزلة
الياء والواو في مسلمين ومسلمون والنسبة عرفي (أيام منى ثلاث) أراد بها أيام التشريق وهي
الأيام المعدودات وأيام رمي الجمار وهي الثلاثة التي بعد يوم النحر وليس يوم النحر منها لإجماع
الناس على أنه لا يجوز النفر يوم ثاني النحر ولو كان يوم النحر من الثلاث لجاز أن ينفر من شاء في
ثانيه قاله الشوكاني (فمن تعجل) أي استعجل بالنفر أي الخروج من منى (في يومين) أي
اليومين الأخيرين من أيام التشريق فنفر في اليوم الثاني منها بعد رمي جماره (فلا إثم عليه) بالتعجيل
(ومن تأخر) أي عن النفر في اليوم الثاني من أيام التشريق إلى اليوم الثالث حتى بات ليلة الثالث
ورمى يوم الثالث جماره وقيل المعنى ومن تأخر عن الثالث إلى الرابع ولم ينفر مع العامة قاله
الشوكاني (فلا إثم عليه) وهو أفضل لكون العمل فيه أكمل لعمله
253

وقد ذكر أهل التفسير أن أهل الجاهلية كانوا فئتين إحداهما ترى المتعجل إثما وأخرى
ترى المتأخر إثما فورد التنزيل بنفي الحرج عنهما ودل فعله عليه الصلاة والسلام على بيان
الأفضل منهما (ومن أدرك عرفة) أي أدرك الوقوف بعرفة (قبل أن يطلع الفجر) أي من ليلة جمع
وفي رواية أبي داود من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع فتم حجة (فقد أدرك الحج) فيه رد
على من زعم أن الوقوف يفوت بغروب الشمس يوم عرفة ومن زعم أن وقته يمتد إلى ما بعد
الفجر إلى طلوع الشمس
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة
والدارمي
قوله (أبغض الرجال إلى الله) قال الكرماني الأبغض هو الكافر فمعنى الحديث
أبغض الرجال الكفار الكافر المعاند أو أبغض الرجال المخاصمين قال الحافظ ابن حجر والثاني
هو المعتمد وهو أعم من أن يكون كافرا أو مسلما فإن كان كافرا فأفعل التفضيل في حقه على
حقيقتها في العموم وإن كان مسلما فسبب البغض أن كثرة المخاصمة تقضي غالبا إلى ما يذم
صاحبه أو يخص في حق المسلمين بمن خاصم في باطل ويشهد للأول حديث كفى بك إثما أن
تكون مخاصما أخرجه الطبراني عن أبي أمامة بسند ضعيف وورد في الترغيب في ترك المخاصمة
فعند أبي داود من طريق سليمان بن حبيب عن أبي أمامة رفعه أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن
ترك المراء وإن كان محقا وله شاهد عند الطبراني من حديث معاذ بن جبل والربض بفتح الراء
والموحدة بعدها ضاد معجمة الأسفل انتهى (الألد) أفعل تفضيل من اللدد وهو شدة الخصومة
(الخصم) بفتح الخاء المعجمة وكسر الصاد أي الشديد اللدد والكثير الخصومة
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه الشيخان
254

قوله (حدثني سليمان بن حرب) الأزدي الواشحي بمعجمة ثم مهملة البصري القاضي
بمكة ثقة إمام حافظ من التاسعة
قوله (كانت اليهود) جمع يهودي كروم ورومي والظاهر أن اليهود قبيلة سميت باسم
جدها يهودا أخي يوسف الصديق واليهودي منسوب إليهم بمعنى واحد منهم وقال النووي
يهود غير مصروف لأن المراد قبيلة فامتنع صرفه للتأنيث والعلمية (لم يؤاكلوها) بالهمز ويبدل
واوا (ولم يجامعوها) أي لم يساكنوها ولم يخالطوها فأنزل الله تبارك وتعالى ويسألونك عن
المحيض قل هو أذى وتتمة الآية فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا
تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله قال القاري في المرقاة قال في الأزهار المحيض الأول في
الآية هو الدم بالاتفاق لقوله تعالى قل هو أذى وفي الثاني ثلاثة أقوال أحدها الدم والثاني
زمان الحيض والثالث مكانه وهو الفرج وهو قول جمهور المفسرين وأزواج النبي ثم
الأذى ما يتأذى به الإنسان قيل سمي بذلك لأن له لونا كريها ورائحة منتنة ونجاسة مؤذية مانعة
عن العبادة قال الخطابي والبغوي التنكير هنا للقلة أي أذى يسير لا يتعدى ولا يتجاوز إلى غير
محله وحرمه فتجتنب وتخرج من البيت كفعل اليهود والمجوس نقله السيد يعني الحيض أذى
يتأذى معه الزوج من مجامعتها فقط دون المؤاكلة والمجالسة والافتراش أي فابعدوا عنهن
بالمحيض أي في مكان الحيض وهو الفرج أو حوله مما بين السرة والركبة احتياطا انتهى ما في
المرقاة (وأن يفعلوا كل شئ) من الملامسة والمضاجعة (ما خلا النكاح) أي الجماع وهو حقيقة في
الوطء وقيل في العقد فيكون إطلاقا لاسم السبب على السبب وهذا تفسير للآية وبيان لقوله
(فاعتزلوا) فإن الاعتزال شامل للمجانبة عن المؤاكلة والمضاجعة والحديث بظاهره يدل على
جواز الانتفاع بما تحت الإزار وهو قول أحمد وأبي يوسف ومحمد بن الحسن والشافعي في قوله
القديم وبعض المالكية (ما يريد) أي النبي (أن يدع) أي يترك (من أمرنا) أي من أمور ديننا
(شيئا) من الأشياء في حال من الأحوال (إلا خالفنا) بفتح الفاء (فيه) إلا حال مخالفته إيانا فيه
255

يعني لا يترك أمرا من أمورنا إلا مقرونا بالمخالفة كقوله (لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا
أحصاها (فجاء عباد بن بشر) من بني عبد الأشهل من الأنصار أسلم بالمدينة على يد
مصعب بن عمير قبل سعد بن معاذ وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها ووقع في بعض النسخ
عباد بن بشير وهو غلط (وأسيد بن حضير) بالتصغير فيهما أنصاري أوسي أسلم قبل سعد بن معاذ
على يد مصعب بن عمير أيضا وكان ممن شهد العقبة الثانية وشهد بدرا وما بعدها من المشاهد
(أفلا ننكحهن في المحيض) أي أفلا نباشرهن بالوطء في الفرج أيضا لكي تحصل المخالفة التامة
معهم (فتمعر وجه رسول الله) أي تغير لأن تحصيل المخالفة بارتكاب المعصية لا يجوز قال
الخطابي معناه تغير والأصل في التمعر قلة النضارة وعدم إشراق اللون ومنه مكان معر وهو
الجدب الذي ليس فيه خصب انتهى
قال محشي النسخة الأحمدية ما لفظه ووقع في رواية مسلم أفلا نجامعهن كما هو في
المشكاة أيضا مكان أفلا ننكحهن وفسره القاري في المرقاة والشيخ عبد الحق الدهلوي في
اللمعات أفلا نجامعهن في البيوت وفي الأكل والشرب لمرافقتهم أو خوف ترتب الضرر الذي
يذكرونه انتهى مجموع عبارتهما ولا يخفى أن قوله أفلا ننكحهن كما وقع في هذا الكتاب وكذا
في سنن أبي داود يرد توجيه الشارحين في شرحي المشكاة ثم رأيت شرح مسلم للنووي وشرح
المشكاة للطيبي وحاشية السيد فلم أجد أحدا منهم متصديا لبيانه انتهى
قلت الأمر كما قال المحشي (حتى ظننا) أي نحن ووقع في بعض النسخ ظنا أي هما قال
الخطابي يريد علمنا فالظن الأول حسبان والاخر علم ويقين والعرب تجعل الظن مرة حسبانا
ومرة علما ويقينا وذلك لاتصال طرفيهما فمبدأ العلم ظن وآخره علم ويقين قال الله
عز وجل الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم معناه يوقنون (فاستقبلتهما هدية من لبن) أي
استقبل الرجلين شخص معه هدية يهديها إلى رسول الله والإسناد مجازي (في أثرهما)
بفتحتين أي عقبهما (فعلمنا أنه لم يغضب عليهما) أي لم يغضب غضبا شديدا باقيا بل زال غضبه
سريعا
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة
256

قوله (كانت اليهود تقول من أتى امرأة في قبلها من دبرها) قال ابن الملك كان يقف من
خلفها ويولج في قبلها فإن الوطء في الدبر محرم في جميع الأديان (كان الولد) أي الحاصل بذلك
الجماع (أحول) لتحول الواطئ عن الحال الجماع المتعارف وهو الاقبال من القدام إلى القبل
وبهذا سمي قبلا إلى حال خلاف ذلك من الدبر فكأنه راعى الجانبين ورأى الجهتين فأنتج أن
جاء أحول وهو أفعل من الحول وهو أن تميل إحدى الحدقتين إلى الأنف الأخرى إلى الصدغ
يقال حولت عينه يحول حولا كان بها حول فهو أحول وهي حولاء (فنزلت) أي ردا عليهم فيما
تخايل لهم (نساؤكم) أي منكوحاتكم ومملوكاتكم (حرث لكم) أي مواضع زراعة أولادكم يعني
هن لكم بمنزلة الأرض المعدة للزراعة ومحله القبل فإن الدبر موضع الفرث لا محل الحرث
(فأتوا حرثكم أنى شئتم) أي كيف شئتم من قيام أو قعود اضطجاع أو من الدبر في فرجها
والمعنى على أي هيئة كانت فهي مباحة لكم مفوضة إليكم ولا يترتب منها ضرر عليكم في شرح
السنة اتفقوا على أنه يجوز للرجل إتيان الزوجة في قبلها من جانب دبرها وعلى أية صفة كانت
وعلية دل قوله تعالى نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أني شئتم أي هن لكم بمنزلة أرض
تزرع ومحل الحرث هو القبل
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (يعني صماما واحدا) بكسر الصاد المهملة أي ثقبا واحدا والمراد القبل قال
النووي قال العلماء وقوله تعالى فأتوا حرثكم أنى شئتم أي موضع الزرع من المرأة وهو
قبلها الذي يزرع فيه المني لابتغاء الولد ففيه إباحة وطئها في قبلها إن شاء من بين يديها وإن
شاء من ورائها وإن شاء مكبوبة وأما الدبر فليس هو بحرث ولا موضع زرع ومعنى قوله
257

(أنى شئتم) أي كيف شئتم
واتفق العلماء الذين يعتد بهم على تحريم وطء المرأة في دبرها حائضا كانت أو طاهرا
لأحاديث كثيرة مشهورة كحديث ملعون من أتى امرأة في دبرها قال أصحابنا لا يحل الوطء في
الدبر في شئ من الآدميين ولا غيرهم من الحيوان في حال من الأحوال انتهى كلام النووي رحمه
الله
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد
قوله (وابن خثيم هو عبد الله بن عثمان بن خثيم) بضم الخاء المعجمة وفتح المثلثة مصغرا
القاري المكي وثقه ابن معين والعجلي (وابن سابط هو عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط)
بكسر الموحدة وبالطاء المهملة (الجمحي) بضم الجيم المعجمة وفتح الميم (وحفصة هي بنت عبد
الرحمن بن أبي بكر الصديق) ثقة من الثالثة (ويروى في سمام واحد) بكسر السين المهملة أي في
ثقب واحد قال في النهاية في الحديث فأتوا حرثكم أنى شئتم سماما واحدا أي مأتى واحدا
وهو من سمام الإبرة ثقبها وانتصب على الظرف أي في سمام واحد لكنه ظرف محدود أجرى مجرى
المبهم
قوله (أخبرنا يعقوب بن عبد الله) بن سعد الأشعري أبو الحسن القمي بضم القاف
وتشديد الميم صدوق يهم من الثامنة (عن جعفر بن أبي المغيرة) الخزاعي القمي قيل اسم أبي
المغيرة دينار صدوق بهم من الخامسة
قوله (حولت رحلي الليلة) كنى برحله عن زوجته أراد به غشيانها في قبلها من جهة
ظهرها لأن المجامع يعلو المرأة ويركبها مما يلي وجهها فحيث ركبها من جهة ظهرها كنى عنه
258

بتحويل رحله إما نقلا من الرحل بمعنى المنزل أو من الرحل بمعنى الكور وهو للبعير كالسرج
للفرس كذا في المجمع (أقبل) أي جامع من جانب القبل (وأدبر) أي أولج في القبل من جانب
الدبر (واتق الدبر) أي إيلاجه فيه قال الطيبي رحمه الله تفسير لقوله تعالى جل جلاله فأتوا
حرثكم أنى شئتم فإن الحرث يدل على اتقاء الدبر وأنى شئتم على إباحة الاقبال والإدبار
والخطاب في التفسير خطاب عام وأن كل من يتأتى منه الاقبال والإدبار فهو مأمور بهما (والحيضة)
بكسر الحاء اسم من الحيض والحال التي تلزم الحائض من التجنب والتحيض كالجلسة والقعدة
من الجلوس كذا في النهاية والمعنى اتق المجامعة في زمانها
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة
قوله (أخبرنا هاشم بن القاسم) بن مسلم الليثي مولاهم البغدادي أبو النضر مشهور
بكنيته ولقبه قيصر ثقة ثبت من التاسعة (عن الحسن) هو البصري
قوله (أنه زوج أخته) اسمها جميل بالجيم مصغرا بنت يسار وقيل اسمها ليلى وقيل فاطمة
(رجلا) قيل هو أبو البداح بن عاصم الأنصاري وقيل هو عبد الله بن رواحة (ثم طلقها تطليقة)
وفي رواية أبي داود ثم طلقها طلاقا له رجعة (فهويها) قال في القاموس هويه كرضيه أحبه (يا لكع)
بضم اللام وفتح الكاف كصرد اللئيم والعبد والأحمق (لا ترجع إليك أبدا) وفي رواية لا أزوجك
أبدا (اخر ما عليك) بالرفع أي ذلك اخر ما عليك من نكاحك إياها وهذا كقوله إذا
خرجوا لم يعودوا اخر ما عليهم قال في المجمع بالرفع أي ذلك اخر ما عليهم من دخولهم (إلى
قوله الخ) تتمة الآية فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك
يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا
259

تعلمون) (فلما سمعها) أي هذه الآية (قال سمع لربي وطاعة) أي على سمع لربي وطاعة
(ثم دعاه فقال أزوجك وأكرمك) وفي رواية أبي داود قال فكفرت عن يميني فأنكحتها إياه
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن
جرير (وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا يجوز النكاح بغير ولي) إلى قوله (ففي هذه الآية دلالة
على أن الأمر إلى الأولياء في التزويج مع رضاهن) قال ابن جرير في هذه الآية الدلالة الواضحة
على صحة قول من قال لا نكاح إلا بولي من العصبة وذلك أن الله تعالى منع الولي من عضل
المرأة إن أرادت النكاح ونهاه عن ذلك فلو كان للمرأة إنكاح نفسها بغير إنكاح وليها إياها أو كان
لها تولية من أرادت توليته في إنكاحها لم يكن لنهي وليها عن عضلها معنى مفهوم إذ كان لا
سبيل له إلى عضلها وذلك أنها إن كانت متى أرادت النكاح جاز لها إنكاح نفسها أو إنكاح من
توكله إنكاحها فلا عضل هنالك لها من أحد فينهي عاضلها عن عضلها وفي فساد القول بأن لا
معنى لنهي الله عما نهى عنه صحة القول بأن لولي المرأة في تزويجها حقا لا يصح عقده إلا به انتهى
قلت هذا مبني على أن الخطاب في (لا تعضلوهن) للأولياء واعترض عليه بأنه يلزم تفكك
نظم كلام الله لو قيل وإذا طلقتم النساء أيها الأزواج فلا تعضلوهن أيها الأولياء لأنه لا يبقى بين
الشرط والجزاء نسبة
وأجيب بأن الخطاب في لا تعضلوهن وكذا في قوله (وإذا طلقتم) للناس أي وإذا وقع
بينكم الطلاق فلا يوجد فيما بينكم العضل لأنه إذا وجد بينهم العضل من جهة الأولياء وهم
راضون كانوا في حكم العاضلين وتمسك الحنفية بقوله تعالى (أن ينكحن أزواجهن) على أن
النكاح بغير ولي جائز وذلك أنه تعالى أضاف النكاح إليها إضافة الفعل إلى فاعله والتصرف إلى
260

مباشره ونهى الولي عن منعها من ذلك ولو كان ذلك التصرف فاسدا لما نهى الولي عن منعها
منه ويتأكد هذا النص بقوله (حتى تنكح زوجا غيره)
وأجيب بأن الفعل كما يضاف إلى المباشر فقد يضاف أيضا إلى السبب مثل بنى الأمير دارا
قال الرازي في تفسيره بعد ذكر هذا الجواب وهذا وإن كان مجازا إلا أنه يجب المصير إليه لدلالة
الأحاديث على بطلان هذا النكاح
قوله (عن أبي يونس مولى عائشة) ثقة من الثالثة
قوله (فآذني) بمد الهمزة وكسر الذال المعجمة وتشديد النون أي أعلمني (فأملت علي)
بفتح الهمزة وسكون الميم وفتح اللام الخفيفة من أملي وبفتح الميم واللام مشددة من أملل يملل أي
ألقت علي فالأولى لغة الحجاز وبني أسد والثانية لغة بني تميم وقيس (وصلاة العصر) بالواو
الفاصلة وهي تدل على أن الوسطى غير العصر لأن العطف يقتضي المغايرة وأجيب بوجوه
أحدها أن هذه القراءة شاذة ليست بحجة ولا يكون له حكم الخبر عن رسول الله لأن ناقلها
لم ينقلها إلا على أنها قرآن والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر بالإجماع وإذا لم يثبت قرانا لا يثبت
خبرا قاله النووي وثانيها أن يجعل العطف تفسيريا فيكون الجمع بين الروايات وثالثها
أن تكون الواو فيه زائدة ويؤيده ما رواه أبو عبيد بإسناد صحيح عن أبي بن كعب أنه كان يقرأها
(والصلاة الوسطى صلاة العصر) بغير واو قال الحافظ في الفتح قد اختلف السلف في المراد
بالصلاة الوسطى وجمع الدمياطي في ذلك جزءا مشهورا سماه كشف الغطا عن الصلاة الوسطى
فبلغ تسعة عشر قولا ثم ذكر الحافظ هذه الأقوال ورجح قول من قال إن الصلاة الوسطى هي
صلاة العصر فقال كونها صلاة العصر هو المعتمد وبه قال ابن مسعود وأبو هريرة وهو الصحيح
من مذهب أبي حنيفة وقول أحمد والذي صار إليه معظم الشافعية لصحة الحديث فيه قال
الترمذي هو قول أكثر علماء الصحابة وقال الماوردي هو قول جمهور التابعين وقال ابن عبد البر
261

هو قول أكثر أهل الأثر وبه قال من المالكية ابن حبيب وابن عطية انتهى
قلت لا شك في أن القول الراجح المعول عليه هو قول من قال إنها صلاة العصر وقد
تقدم بقية الكلام في هذه المسألة في باب ما جاء في الصلاة الوسطى أنها العصر قانتين قيل معناه
مطيعين وقيل ساكتين أي عن كلام الناس لا مطلق الصمت لأن الصلاة لا صمت فيها بل جميعها
قرآن وذكر وقال سمعتها من رسول الله) قال الباجي يحتمل أنها سمعتها على أنها قرآن
ثم نسخت كما في حديث البراء الذي رواه مسلم فلعل عائشة لم تعلم بنسخها أو اعتقدت أنها مما
نسخ حكمه وبقي رسمه ويحتمل أنه ذكرها على أنها من غير القرآن لتأكيد فضيلتها فظنتها
قرآنا فأرادت إثباتها في المصحف لذلك قاله الزرقاني في شرح الموطأ
قوله (وفي الباب عن حفصة) أخرجه مالك في موطأه
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي
قوله (قال صلاة الوسطى صلاة العصر) تقدم هذا الحديث وما يتعلق به في باب ما جاء في
الصلاة الوسطى أنها العصر
قوله (قال يوم الأحزاب) هي الغزوة المشهورة يقال لها الأحزاب والخندق وكانت سنة
أربع من الهجرة وقيل سنة خمس (كما شغلونا عن صلاة الوسطى) بإضافة الصلاة إلى الوسطى
وهو من باب قول الله تعالى وما كنت بجانب الغربي وفيه المذهبان المعروفان مذهب الكوفيين
جواز إضافة الموصوف إلى صفته ومذهب البصريين منعه ويقدرون فيه محذوفا وتقديره هنا عن
صلاة الصلاة الوسطى أي عن فعل الصلاة الوسطى قاله النووي (حتى غابت الشمس) وفي رواية
لمسلم شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا ثم صلاها بين
262

العشائين بين المغرب والعشاء وحديث علي هذا نص صريح في أن الصلاة الوسطى هي صلاة
العصر وهو أصح الأقوال في هذا الباب
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود وغيرهم
قوله (أخبرنا أبو النضر) اسمه هاشم بن القاسم (وأبو داود) هو الطيالسي (عن زبيد)
بموحدة مصغرا هو ابن الحارث اليامي
قوله (صلاة الوسطى صلاة العصر) هذا الحديث أيضا نص صريح في أن الصلاة
الوسطى هي صلاة العصر
قوله (وفي الباب عن زيد بن ثابت وأبي هاشم بن عتبة وأبي هريرة) أما حديث زيد بن
ثابت فأخرجه أحمد وأبو داود وأما حديث أبي هاشم فأخرج ابن جرير من طريق كهيل بن
حرملة سئل أبو هريرة عن الصلاة الوسطى فقال اختلفنا فيها ونحن بفناء بيت رسول الله
وفينا أبو هاشم بن عتبة فقال أنا أعلم لكم فقال فاستأذن على رسول الله ثم خرج إلينا فقال
أخبرنا أنها صلاة العصر وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أيضا ابن جرير عنه مرفوعا الصلاة
الوسطى صلاة العصر
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
قوله (ومحمد بن عبيد) بن أبي أمية الطنافسي
263

قوله (كنا نتكلم الخ) تقدم هذا الحديث مع شرحه في باب نسخ الكلام في الصلاة
قوله (عن إسرائيل) هو ابن يونس (عن السدي) بضم السين المهملة وتشديد الدال هو
إسماعيل بن عبد الرحمن وهو السدي الكبير (عن أبي مالك) اسمه غزوان الغفاري الكوفي مشهور
بكنيته ثقة من الثالثة
قوله (معشر الأنصار) بالنصب على الاختصاص (يأتي بالقنو) بكسر القاف وسكون النون
هو العذق بما فيه من الرطب يقال له بالفارسية خوشه خرما (فيسقط البسر والتمر) البسر بضم
الموحدة وسكون السين المهملة مرتبة من مراتب ثمر النخل قال في الصراح أول ما بدأ من
النخل طلع ثم خلال ثم بلح بالتحريك ثم بسر ثم رطب ثم تمر (فيه الشيص والحشف) الشيص
بالكسر التمر الذي لا يشتد نواه ويقوى وقد لا يكون له نوى أصلا كذا في النهاية والحشف بفتح
الحاء المهملة والشين المعجمة هو أردأ التمر أو الضعيف لا نوى له أو اليابس الفاسد يا أيها الذين
آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم أي من جياد ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض من
الحبوب والثمار ولا تيمموا أي لا تقصدوا الخبيث أي الردئ منه أي المذكور تنفقون
حال من ضمير تيمموا لستم بآخذيه أي الخبيث لو أعطيتموه في حقوقكم إلا أن تغمضوا فيه
264

بالتساهل وغض البصر فكيف تؤدون منه حق الله قال أي النبي (أهدي) بصيغة المجهول
من الإهداء (إلا على إغماض) أي مساهلة ومسامحة يقال أغمض في البيع يغمض إذا استزاده
من المبيع واستحطه من الثمن فوافقه عليه
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه ابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم
والحاكم
قوله (إن للشيطان) أي إبليس أو بعض جنده (لمة) بفتح اللام وشدة الميم من الإلمام
ومعناه النزول والقرب والإصابة والمراد بها ما يقع في القلب بواسطة الشيطان أو الملك (بابن آدم)
أي بهذا الجنس فالمراد به الإنسان (وللملك لمة) فلمة الشيطان تسمى وسوسة ولمة الملك إلهاما
(فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر) كالكفر والفسق والظلم (تكذيب بالحق) أي في حق الله أو
حق الخلق أو بالأمر الثابت كالتوحيد والنبوة والبعث والقيامة والنار والجنة (وأما لمة الملك فإيعاد
بالخير) كالصلاة والصوم (وتصديق بالحق) ككتب الله ورسوله والإيعاد في اللمتين من باب
الإفعال والوعيد في الاشتقاق كالوعد إلا أن الإيعاد اختص بالشر عرفا يقال أوعد إذا وعد بشر
إلا أنه استعمله في الخير للازدواج والأمن عن الاشتباه بذكر الخير بعده كذا قالوا والظاهر أن هذا
التفصيل عند الإطلاق كما قال الشاعر
وإني إن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
وأما عند التقييد فالأولى أن يقال بالتجريد فيهما أو بأصل اللغة واختيار الزيادة لاختيار
265

المبالغة (فمن وجد) أي في نفسه أو أدرك وعرف (ذلك) إي لمة الملك على تأويل الإلمام أو المذكور
فليعلم أنه من الله أي منة جسيمة ونعمة عظيمة واصلة إليه ونازلة عليه إذ أمر الملك بأن يلهمه
فليحمد الله أي على هذه النعمة الجليلة حيث أهله لهداية الملك ودلالته على ذلك الخير (ومن
وجد الأخرى أي لمة الشيطان ثم قرأ أي النبي استشهادا الشيطان يعدكم الفقر أي
يخوفكم به ويأمركم بالفحشاء الآية معناه الشيطان يعدكم الفقر ليمنعكم عن الإنفاق في وجوه
الخيرات ويخوفكم الحاجة لكم أو لأولادكم في ثاني الحال سيما في كبر السن وكثرة العيال ويأمركم
بالفحشاء أي المعاصي وهذا الوعد والأمر هما المرادان بالشر في الحديث
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه النسائي وابن حبان في صحيحه وابن أبي
حاتم
قوله (يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا) قال القاضي رحمه الله الطيب ضد
الخبيث فإذا وصفه به تعالى أريد به أنه منزه عن النقائص مقدس عن الآفات وإذا وصف به العبد
مطلقا أريد به أنه المتعري عن رذائل الأخلاق وقبائح الأعمال والمتحلي بأضداد ذلك وإذا وصف
به الأموال أريد به كونه حلالا من خيار الأموال ومعنى الحديث أنه تعالى منزه عن العيوب فلا
يقبل ولا ينبغي أن يتقرب إليه إلا بما يناسبه في هذا المعنى وهو خيار أموالكم الحلال كما قال
تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون (وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين) ما موصولة
والمراد بها أكل الحلال وتحسين الأموال فقال يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني
بما تعملون عليم هذا النداء خطاب لجميع الأنبياء لا على أنهم خوطبوا بذلك دفعة واحدة لأنهم
266

أرسلوا في أزمنة مختلفة بل على أن كلا منهم خوطب به في زمان ويمكن أن يكون هذا النداء يوم
الميثاق لخصوص الأنبياء (وذكر) أي النبي (الرجل) بالنصب على المفعولية (يطيل السفر) أي
في وجوه الطاعات كحج وزيارة مستحبة وصلة رحم وغير ذلك قاله النووي أشعث أغبر
حالان متداخلان أو مترادفان وكذا قوله يمد يده وفي رواية مسلم يديه بالتثنية أي مادا يديه
رافعا بهما يا رب يا رب أي قائلا يا رب يا رب ومطعمه حرام مصدر ميمي بمعنى مفعول أي
مطعومه حرام والجملة حال أيضا وكذا قوله ومشربه حرام وملبسه حرام أي مشروبه حرام
وملبوسه حرام وغذي بضم الغين وتخفيف الذال المعجمة المكسورة بالحرام أي ربي بالحرام
قال الأشرف ذكر قوله وغذي بالحرام بعد قوله ومطعمه حرام إما لأنه لا يلزم من كون المطعم
حراما التغذية به وإما تنبيها به على استواء حاليه أعني كونه منفقا في حال كبره ومنفقا عليه في
حال صغره في وصول الحرام إلى باطنه فأشار بقوله مطعمه حرام إلى حال كبره وبقوله وغذي
بالحرام إلى حال صغره وهذا دال على أن لا ترتيب في الواو قال القاري وذهب المظهر إلى
الوجه الثاني ورجح الطيبي رحمه الله الوجه الأول ولا منع من الجمع فيكون إشارة إلى أن عدم
إجابة الدعوة إنما هو لكونه مصرا على تلبس الحرام انتهى فأنى يستجاب لذلك أي من أين
يستجاب لمن هذه صفته وكيف يستجاب له وفي الحديث الحث على الإنفاق من الحلال والنهي
عن الإنفاق من غيره وفيه أن المشروب والمأكول والملبوس ونحوها ينبغي أن يكون حلالا خالصا
لا شبهة فيه وأن من أراد الدعاء كان أولى بالاعتناء بذلك من غيره
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه مسلم
قوله (أحزنتنا) جواب لما أي جعلتنا محزونين (قال قلنا) أي قال على قلنا معشر الصحابة
267

(لا ندري) بالنون وفي بعض النسخ لا يدري بالتحتية (فنزلت هذه الآية) أي لا يكلف الله
نفسا إلا وسعها (بعدها) أي بعد نزول آية وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه الخ
(فنسختها) قال الحافظ المراد بقوله نسختها أي أزالت ما تضمنته من الشدة بينت أنه وإن وقعت
المحاسبة به لكنها لا تقع المؤاخذة به أشار إلى ذلك الطبري فرارا من إثبات دخول النسخ في
الأخبار وأجيب بأنه وإن كان خبرا لكنه يتضمن حكما ومنهما كان من الأخبار يتضمن الأحكام
أمكن دخول النسخ فيه كسائر الأحكام وإنما الذي لا يدخله النسخ من الأخبار ما كان خبرا
محضا لا يتضمن حكما كاخبار عما مضى من أحاديث الأمم ونحو ذلك ويحتمل أن يكون المراد
بالنسخ في أحاديث التخصيص فإن المتقدمين يطلقون لفظ النسخ عليه كثيرا والمراد بالمحاسبة بما
يخفي الانسان ما يصمم عليه ويشرع فيه دون خطر له ولا يستمر عليه انتهى لا يكلف الله
نفسا إلا وسعها هذا بيان لقوله هذه الآية ومعنى وسعها أي ما تسعه قدرتها لها ما كسبت من
الخير أي ثوابه وعليها ما اكتسبت من الشر أي وزره ولا يؤاخذ أحد بذنب أحد ولا بما لم يكسبه
مما وسوست به نفسه وفي حديث علي رضي الله عنه هذا رجل مجهول وهو شيخ السدي
قوله (عن علي بن زيد) هو ابن جدعان (عن أمية) بالتصغير ويقال لها أمينة من الثالثة
قال في تهذيب التهذيب أمية بنت عبد الله عن عائشة وعنها ربيبها علي بن زيد بن جدعان وقيل
عن علي عن أم محمد وهي امرأة أبيه واسمها أمينة ووقع في بعض النسخ من الترمذي عن علي بن
زيد بن جدعان عن أمه وهو غلط فقد روى علي بن زيد عن امرأة أبيه أم محمد عدة أحاديث
انتهى قلت ذكر الذهبي في الميزان أمية هذه في فصل المجهولات
قوله إن تبدوا أي إن تظهروا ما في أنفسكم أي في قلوبكم من السوء بالقول أو الفعل
أو تخفوه أي تضمروه مع الإصرار عليه إذ لا عبرة بخطور الخواطر يحاسبكم الله أي يجازيكم
بسركم وعلنكم أو يخبركم بما أسررتم وما أعلنتم وعن قوله من يعمل أي ظاهرا وباطنا (سوءا)
268

أي صغيرا أو كبيرا يجز به أي في الدنيا أو العقبى إلا ما شاء ممن شاء (فقالت) أي عائشة (ما
سألني عنها) أي عن هذه المسألة (منذ سألت رسول الله) أي عنها (فقال هذه) إشارة إلى مفهوم
الآيتين المسؤول عنهما أي محاسبة العباد أو مجازاتهم بما يبدون وما يخفون من الأعمال (معاتبة الله
العبد) أي مؤاخذته العبد بما اقترف من الذنب (بما يصيبه) أي في الدنيا وهو صلة معاتبة ويصح
كون الباء سببية (من الحمى) وغيرها مؤاخذة المعاتب وإنما خصت الحمى بالذكر لأنها من أشد
الأمراض وأخطرها قال في المفاتيح العتاب أن يظهر أحد الخليلين من نفسه الغضب على خليله
لسوء أدب ظهر منه مع أن في قلبه محبته يعني ليس معنى الآية أن يعذب الله المؤمنين بجميع ذنوبهم
يوم القيامة بل معناها أنه يلحقهم بالجوع والعطش والمرض والحزن وغير ذلك من المكاره حتى إذا
خرجوا من الدنيا صاروا مطهرين من الذنوب قال الطيبي كأنها فهمت أن هذه مؤاخذة عقاب أخروي فأجابها بأنها مؤاخذة عتاب
في الدنيا عناية ورحمة انتهى (والنكبة) بفتح النون أي المحنة
وما يصيب الانسان من حوادث الدهر (حتى البضاعة) بالجر عطف على ما قبلها وبالرفع على
الابتداء وهي بالكسر طائفة من مال الرجل (يضعها في يد قميصه) أي كمه سمي باسم ما يحمل
فيه ووقع في بعض النسخ في كم قميصه (فيفقدها) أي يتفقدها ويطلبها فلم يجدها لسقوطها أو
أخذ سارق لها منه (فيفزع لها) أي يحزن لضياع البضاعة فيكون كفارة كذا قاله ابن الملك وقال
الطيبي يعني إذا وضع بضاعة في كمه ووهم أنها غابت فطلبها وفزع كفرت عنه ذنوبه وفيه من
المبالغة ما لا يخفى (حتى) أي لا يزال يكرر عليه تلك الأحوال حتى (إن العبد) قال القاري بكسر
الهمزة وفي نسخة يعني في المشكاة بالفتح وأظهر العبد موضع ضميره إظهارا لكمال العبودية
المقتضى للصبر والرضا بأحكام الربوبية (ليخرج من ذنوبه) بسبب الابتلاء بالبلاء (كما يخرج التبر
الأحمر) التبر بالكسر أي الذهب والفضة قبل أن يضربا دراهم ودنانير فإذا ضربا كانا عينا (من
الكير) بكسر الكاف متعلق بيخرج
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم
269

قوله (عن آدم بن سليمان) القرشي الكوفي والد يحيى صدوق من السابعة
قوله دخل قلوبهم) بالنصب (منه) أي من قوله تعالى هذا وفي رواية مسلم منها أي من
هذه الآية (شئ) بالرفع فاعل دخل أي شئ عظيم من الحزن (لم يدخل) أي قلوبهم والضمير
المرفوع لشئ والجملة صفة له (من شئ) أي من الأشياء المحزنة (فقالوا للنبي) أي ذكروا له
ما دخل قلوبهم من هذه الآية (سمعنا) أي ما أمرتنا به سماع قبول (فألقى الله الإيمان في قلوبهم) أي
أحكمه وأرسخه فيها واندفع ما كان دخلها آمن أي
صدق (الرسول) أي محمد (بما أنزل
إليه من ربه أي القرآن والمؤمنون عطف على الرسول (الآية) بالنصب أي أتم الآية وتمامها
كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك
ربنا وإليك المصير لا يكلف نفسا إلا وسعها أي ما تسعه قدرتها لها ما كسبت من الخير
أي ثوابه وعليها ما اكتسبت من الشر أي زوره ربنا لا تؤاخذنا بالعقاب أي قولوا ربنا لا
تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا أي تركنا الصواب لا عن عمد كما أخذت به من قبلنا وقد رفع
الله ذلك عن هذه الأمة كما ورد في الحديث فسؤاله اعتراف بنعمة الله (قال قد فعلت) أي لا
أؤاخذكم ربنا ولا تحمل علينا إصرا يثقل علينا حمله كما حملته على الذين من قبلنا أي بني
إسرائيل من قتل النفس في التوبة وإخراج ربع المال في الزكاة وقرض موضع النجاسة (قال قد
فعلت) أي لا أحمل عليكم ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به أي لا تكلفنا من الأعمال ما لا نطيق
القيام به لثقل حمله علينا وتكليف ما لا يطاق على وجهين أحدهما ما ليس في قدرة العبد احتماله
كتكليف الأعمى النظر والزمن العدو فهذا النوع من التكليف الذي لا يكلف الله به عبده بحال
270

الوجه الثاني من تكليف مالا يطاق هو ما في قدرة العبد احتماله مع المشقة الشديدة والكلفة
العظيمة كتكليف الأعمال الشاقة والفرائض الثقيلة كما كان في ابتداء الاسلام صلاة الليل واجبة
ونحوه فهذا الذي سأل المؤمنون ربهم لا يحملهم ما لا طاقة لهم به (الآية) تمامها مولانا فانصرنا
على القوم الكافرين (قال قد فعلت) أي عفوت عنكم وغفرت لكم ورحمتكم ونصرتكم على
القوم الكافرين
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم (وقد روى هذا من غير هذا الوجه عن
ابن عباس) أخرجه أحمد من غير هذا الوجه وكذا الطبري كما في الفتح
قوله (وفي الباب عن أبي هريرة أخرجه مسلم وفيه) فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى
فأنزل الله (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها الخ)
ومن سورة آل عمران
هي مدنية قال القرطبي بالإجماع وهي مائتا آية
قوله (أخبرنا أبو الوليد) اسمه هشام بن عبد الملك الطيالسي (حدثنا يزيد بن إبراهيم)
التستري بضم المثناة الأولى وسكون المهملة وفتح المثناة الثانية ثم راء نزيل البصرة أبو سعيد ثقة
ثبت إلا في روايته عن قتادة ففيها لين من كبار السابعة
قوله (عن هذه الآية) هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات إلى آخر الآية
بقية الآية هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء
271

الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا
وما يذكر إلا أولوا الألباب قال الحافظ قيل المحكم من القرآن ما وضح معناه والمتشابه نقيضه
وسمي المحكم بذلك لوضوح مفردات كلامه وإتقان تركيبه بخلاف المتشابه وقيل المحكم ما
عرف المراد منه إما بالظهور وإما بالتأويل والمتشابه ما استأثر الله بعلمه كقيام الساعة وخروج
الدجال والحروف المقطعة في أوائل السور وقيل في تفسير المحكم والمتشابه أقوال أخر غير هذه
نحو العشرة ليس هذا موضع بسطها وما ذكرته أشهرها وأقربها إلى الصواب وذكر الأستاذ أبو
منصور البغدادي أن الأخير هو الصحيح عندنا وابن السمعاني أنه أحسن الأقوال والمختار على
طريقة أهل السنة وعلى القول الأول جرى المتأخرون انتهى وقوله تعالى هن أم الكتاب
أي هن أصل الكتاب الذي يعول عليه في الأحكام ويعمل به في الحلال والحرام فإن قيل كيف
قال هن أم الكتاب ولم يقل هن أمهات الكتاب يقال لأن الآيات في اجتماعها وتكاملها كالآية
الواحدة وكلام الله كله شئ واحد وقيل إن كل آية منهن أم الكتاب كما قال وجعلنا ابن مريم
وأمه آية يعني أن كل واحد منهما آية فإن قيل قد جعل الله الكتاب هنا محكما ومتشابها وجعله في
موضع آخر كله محكما فقال في أول هود الر كتاب أحكمت آياته وجعله موضع آخر كله
متشابها فقال تعالى في الزمر الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها فكيف الجمع بين هذه
الآيات يقال حيث جعله كله محكما أراد أنه كله حق وصدق ليس فيه عبث ولا هزل وحيث
جعله كله متشابها أراد أن بعضه يشبه بعضا في الحسن والحق والصدق وقوله فأما الذين في
قلوبهم زيغ أي ميل عن الحق وقيل الزيغ الشك وقوله فيتبعون ما تشابه منه أي إنما يأخذون منه
بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة وينزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه
فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه لأنه دافع لهم وحجة عليهم ولهذا قال تعالى ابتغاء الفتنة أي
الاضلال لأتباعهم لأنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن وهو حجة عليهم لأنهم كما قالوا احتج
النصارى بأن القرآن قد نطق بأن عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وتركوا
الاحتجاج بقوله إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وبقوله إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم
خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون وغير ذلك من الآيات المحكمة المصرحة بأنه خلق من
مخلوقات الله وعبد ورسول من رسل الله وقوله تعالى وابتغاء تأويله أي تحريفه على ما
يريدون وقوله تعالى وما يعلم تأويله إلا الله اختلف القراء في الوقف ههنا فقيل على الجلالة
272

وهو قول ابن عباس ويروى هذا القول عن عائشة وعروة وأبي الشعثاء وأبي نهيك وغيرهم واختار
ابن جرير هذا القول ومنهم من يقف على قوله والراسخون في العلم وتبعهم كثير من المفسرين
وأهل الأصول وقالوا الخطاب بمالا يفهم بعيد ومن العلماء من فصل في هذا المقام وقال التأويل
يطلق ويراد به في القرآن معنيان أحدهما التأويل بمعنى حقيقة الشئ وما يؤول أمره إليه ومنه قوله
تعالى وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل فإن أريد بالتأويل هذا فالوقف على الجلالة لأن
حقائق الأمور وكنهها لا يعلمه على الجلية إلا الله عز وجل ويكون قوله والراسخون في العلم
مبتدأ ويقولون آمنا به خبره وأما إن أريد بالتأويل المعنى الاخر وهو التفسير والبيان والتعبير
عن الشئ كقوله نبئنا بتأويله أي بتفسيره فإن أريد به هذا المعنى فالوقف على والراسخون في
العلم لأنهم يعلمون ويفهمون ما خوطبوا به بهذا الاعتبار وإن لم يحيطوا علما بحقائق الأشياء على
كنه ما هي عليه وعلى هذا فيكون قوله يقولون امنا به حال منهم وساغ هذا وأن يكون من
المعطوف دون المعطوف عليه كقوله تعالى وجاء ربك والملك صفا صفا أي وجاء الملائكة
صفوفا صفوفا وقوله إخبارا عنهم أنهم يقولون امنا به أي المتشابه وقوله كل من عند ربنا
أي الجميع من المحكم والمتشابه حق وصدق وكل منهما يصدق الاخر ويشهد له لأن الجميع من
عند الله وليس شئ من عند الله بمختلف ولا متضاد (فأولئك الذين سماهم الله) أي أهل الزيغ
أو زائغين بقوله في قلوبهم زيغ (فاحذروهم) أي لا تجالسوهم ولا تكالموهم أيها المسلمون
والمقصود التحذير من الإصغاء إلى الذين يتبعون المتشابه من القرآن وأول ما ظهر ذلك من اليهود
كما ذكره ابن إسحاق في تأويلهم الحروف المقطعة وأن عددها بالجمل مقدار مدة هذه الأمة ثم
أول ما ظهر في الاسلام من الخوارج حتى جاء عن ابن عباس أنه فسر بهم الآية وقصة عمر في
إنكاره على ضبيع لما بلغه أنه يتبع المتشابه فضربه على رأسه حتى أدماه أخرجها الدارمي وغيره
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة
قوله (أخبرنا أبو عامر وهو الخزاز) بمعجمات اسمه صالح بن رستم (ويزيد ابن إبراهيم)
هو التستري
273

قوله (فإذا رأيتيهم فاعرفيهم) أي واحذريهم خطاب لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
(وقال يزيد) أي في روايته (فإذا رأيتموهم فاعرفوهم) أي بصيغة الجمع المذكر المخاطب (قالها)
أي قال رسول الله هذه الكلمة
قوله (وإنما ذكره يزيد بن إبراهيم عن القاسم بن محمد في هذا الحديث) قال الحافظ في
الفتح بعد نقل كلام الترمذي هذا قد أخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبي الوليد الطيالسي عن
يزيد بن إبراهيم وحماد بن سلمة جميعا عن ابن أبي مليكة عن القاسم فلم ينفرد يزيد بزيادة القاسم
انتهى
قوله حدثنا أبو أحمد هو الزبيري (أخبرنا سفيان) هو الثوري (عن أبيه) اسمه سعيد بن
مسروق (عن أبي الضحى) اسمه مسلم بن صبيح بالتصغير الهمداني الكوفي العطار مشهور بكنيته
ثقة فاضل من الرابعة (عن عبد الله) أي ابن مسعود
قوله (إن لكل نبي ولاة) بضم الواو جمع ولي قال التوربشتي أي أحباء وقرناء هم أولى
به من غيرهم من النبيين حال من الولاة أي كائنين من النبيين (وإن وليي أبي) يعني إبراهيم عليه
السلام وقد بينه بقوله (وخليل ربي) خبر بعد خبر لأن (ثم قرأ) أي استشهادا إن أولى الناس
بإبراهيم أي أحقهم به للذين اتبعوه أي في زمانه وهذا النبي محمد لموافقته له في أكثر
274

شرعه والذين آمنوا أي من أمته فهم الذين ينبغي أن يقولوا نحن على دينه لا أنتم والله ولي
المؤمنين أي ناصرهم وحافظهم
فإن قلت لزم من قوله لكل نبي ولاة أن يكون لكل واحد منهم أولياء متعددة
قلت لا لأن النكرة إذا وقعت في مكان الجمع أفادت الاستغراق أي أن لكل نبي واحد
واحد واحدا واحدا
قوله (أخبرنا أبو نعيم) اسمه الفضل بن دكين وحديث أبي الضحى عن عبد الله هذا
أخرجه أيضا أحمد والبزار
قوله (عن عبد الله) أي ابن مسعود رضي الله عنه من حلف على يمين المراد باليمين هنا
المحلوف عليه مجازا (وهو فيها فاجر) أي كاذب والجملة حالية ليقتطع بها مال امرئ مسلم أي
ليفصل قطعة من ماله ويأخذها بتلك اليمين لقي الله أي يوم القيامة وهو عليه غضبان أي
يعرض عنه ولا ينظر إليه بعين الرحمة والعناية وغضبان غير منصرف وهو صيغة مبالغة قاله
القاري قلت لا حاجة إلى هذا التأويل والصحيح أن لفظ غضبان محمول على ظاهره وكيفية
غضبه تعالى موكولة إليه (في) بتشديد الياء المفتوحة أي في شأني وحالي (كان ذلك) أي قوله
من حلف على يمين الخ (كان بيني وبين رجل من اليهود أرض) أي متنازع فيها (فجحدني) أي
أنكر على (فقدمته) بالتشديد أي جئت به ورفعت أمره (ألك بينة) أي شهود (فقال لليهودي
275

يحلف المسلم (وإذن) بالنون (يحلف) بالنصب احلف) في شرح السنة فيه دليل على أن الكافر يحلف في الخصومات كما يحلف المسلم وإذن
بالنون يحلف بالنصب فأنزل الله تبارك وتعالى إن الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمنا
قليلا إلى اخر الآية قال الطيبي فإن قلت كيف يطابق نزول هذه الآية قوله إذن يحلف
فيذهب بمالي قلت فيه وجهان أحدهما كأنه قيل للأشعث ليس لك عليه إلا الحلف فإن
كذب فعليه وباله وثانيهما لعل الآية تذكار لليهودي بمثلها في التوراة من الوعيد والآية بتمامها
مع تفسيرها هكذا إن الذين يشترون يستبد لون بعهد الله إليهم بالإيمان بالنبي وأداء الأمانة
وأيمانهم حلفهم به تعالى كاذبا ثمنا قليلا من الدنيا أولئك لا خلاق نصيب لهم في الآخرة ولا
يكلمهم الله غضبا عليهم ولا ينظر إليهم يرحمهم يوم القيامة ولا يزكيهم يطهرهم ولهم عذاب أليم
مؤلم
قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة
قوله (وفي الباب عن ابن أبي أوفى) أخرجه البخاري عنه أن رجلا أقام سلعة في السوق
فحلف بها لقد أعطى بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلا من المسلمين فنزلت إن الذين يشترون بعهد
الله وأيمانهم ثمنا قليلا إلى آخر الآية
قال الحافظ لا منافاة بين حديث عبد الله بن أبي أوفى وحديث عبد الله بن مسعود ويحمل
على أن النزول كان بالسببين جميعا ولفظ الآية أعم من ذلك ولهذا وقع في صدر حديث
عبد الله بن مسعود ما يقتضي ذلك
قوله (حدثنا إسحاق بن منصور) هو الكوسج (أخبرنا عبد الله بن بكر السهمي) الباهلي
أبو وهب البصري نزيل بغداد امتنع من القضاء ثقة حافظ من التاسعة
قوله لن تنالوا البر أي ثوابه وهو الجنة حتى تنفقوا أي تصدقوا مما تحبون من
276

أموالكم أو للشك من الراوي من ذا الذي يقرض الله بإنفاق ماله في سبيل الله قرضا حسنا
بأنه ينفقه لله تعالى عن طيب قلب (وكان له حائط) جملة حالية والحائط البستان من النخيل إذا كان
عليه حائط وهو الجدار وكان اسم هذا الحائط بيرحاء وكان هو من أحب أمواله إليه (حائطي لله)
أي وقف لله أو صدقة لله (ولو استطعت أن أسره) من الاسرار أي لو قدرت على إخفاء هذا
التصدق (لم أعلنه) أي لم أظهره (فقال اجعله في قرابتك أو أقربيك) الظاهر أن أو للشك وفي
رواية الشيخين وإني أرى أن تجعلها في الأقربين
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مالك وأحمد والشيخان وأبو داود والنسائي
وغيرهم
قوله (أخبرنا إبراهيم بن يزيد) الخوزي بضم المعجمة وبالزاي أبو إسماعيل المكي مولى
بني أمية مبروك الحديث من السابعة (سمعت محمد بن عباد بن جعفر) هو المخزومي
قوله (قام رجل إلى النبي فقال من الحاج) أي الكامل (قال الشعث) بفتح الشين
المعجمة وكسر العين المهملة أي المغبر الرأس من عدم الغسل مفرق الشعر من عدم المشط
وحاصله تارك الزينة (التفل) بفتح الفوقية وكسر الفاء أي تارك الطيب فيوجد منه رائحة كريهة من
تفل الشئ من فيه إذا رمى به متكرها له (فقام رجل آخر فقال أي الحج) أي أعماله أو خصاله بعد
أركانه (أفضل) أي أكثر ثوابا (قال العج والثج) بتشديد الجيم فيهما والأول رفع الصوت بالتلبية
والثاني سيلان دماء الهدي وقيل دماء الأضاحي قال الطيبي رحمه الله ويحتمل أن يكون السؤال
عن نفس الحج ويكون المراد ما فيه العج والثج وقيل على هذا يراد بهما الاستيعاب لأنه ذكر أوله
الذي هو الاحرام واخره الذي هو التحلل بإراقة الدم اقتصارا بالمبدأ والمنتهي عن سائر الأفعال
277

أي الذي استوعب جميع أعماله من الأركان والمندوبات فقام رجل آخر فقال ما السبيل
المذكور في قوله تعالى من استطاع إليه سبيلا قال الزاد والراحلة اي بحسب ما يليقان بكل
أحد والظاهر أن المعتبر هو الوسط بالنسبة إلى حال الحاج
قوله (قوله هذا حديث الخ) وأخرجه البغوي في شرح السنة وابن ماجة في سننه إلا أنه لم يذكر
الفصل الأخير كذا في المشكاة وقد أخرج الترمذي الفصل الأخير من هذا الحديث من طريق
إبراهيم بن يزيد في كتاب الحج وتقدم الكلام عليه هناك مبسوطا
قوله (عن بكير) بضم الموحدة مصغرا (بن مسمار) بكسر الميم وسكون السين المهملة
الزهري المدني كنيته أبو محمد صدوق من الرابعة (عن أبيه) هو سعد بن أبي وقاص
قوله (قال لما نزلت هذه الآية) أي المسماة باية المباهلة ندع أبناءنا وأبناءكم الخ الآية
بتمامها مع تفسيرها هكذا فمن حاجك فيه أي فمن جادلك في عيسى وقيل في الحق من بعد ما
جاءك من العلم يعني بأن عيسى عبد الله ورسوله فقل تعالوا أي هلموا ندع أبناءنا وأبناءكم
أي يدع كل منا ومنكم أبناءه ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل أي نتضرع في
الدعاء فنجعل لعنة الله على الكاذبين بأن تقول اللهم العن الكاذب في شأن عيسى (دعا رسول الله
عليا) فنزله منزلة نفسه لما بينهما من القرابة والأخوة (وفاطمة) أي لأنها أخص النساء من أقاربه (وحسنا
وحسينا) فنزلهما بمنزلة ابنيه (فقال اللهم هؤلاء أهلي)
قال المفسرون لما أورد رسول الله الدلائل على نصارى نجران ثم أنهم أصروا على جهلهم
قال (إن الله أمرني إن لم تقبلوا الحجة أن أباهلكم فقالوا يا أبا القاسم بل نرجع فننظر في أمرنا ثم
278

نأتيك فلما رجعوا قالوا للعاقب وكان ذا رأيهم يا عبد المسيح ما ترى قال والله لقد عرفتم يا معشر
النصارى أن محمدا نبي مرسل ولقد جاءكم بالكلام الفصل من أمر صاحبكم والله ما باهل قوم نبيا
قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لكان الاستئصال فإن أبيتم إلا الا صرار على
دينكم والإقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم فأتوا رسول الله وقد خرج
وعليه مرط من شعث اسود وكان قد احتضن الحسين وأخذ بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه
وعلي رضي الله عنه خلفها وهو يقول إذا دعوت فأمنوا فقال أسقف نجران يا معشر النصارى إني لأرى
وجوها لو دعت الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا ولا تبقى على وجه الأرض
نصراني إلى يوم القيامة ثم قالوا يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك وأن نقرك على دينك فقال
فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما على المسلمين فأبوا فقال فإني
أناجزكم فقالوا ما لنا بحرب العرب المسلمين طاقة ولكن نصالحك أن لا تغزونا ولا
تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عام ألفي حلة ألفا في صفر وألفا في رجب وثلاثين درعا عادية
من حديد فصالحهم على ذلك قال والذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران ولو
لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي نارا ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على
رؤوس الشجر ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا
قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه مسلم مطولا وكذا أخرجه الترمذي
مطولا في مناقب علي
قوله (وهو ابن صبيح) بفتح الصاد المهملة السعدي البصري صدوق سيئ الحفظ
وكان عابدا مجاهدا
قوله (رأى أبو أمامة رؤوسا) جمع رأس (منصوبة على درج دمشق) أي على درج مسجد
دمشق الدرج الطريق وجمعه الأدراج والدرجة المرقاة وجمع لدرج وهو المراد هنا أي رأى
أبو أمامة رؤوس المقتولين من الخوارج رفعت على درج دمشق (كلاب النار) خبر مبتدأ محذوف
أي أصحاب هذا الرؤوس كلاب النار (شر قتلى تحت أديم السماء) خبر آخر للمبتدأ المحذوف
279

خير قتلى مبتدأ (وقتلوه) خبره والضمير المرفوع في قتلوه راجع إلى أصحاب الرؤوس والمنصوب
إلى من (ثم قرأ) أي أبو أمامة يوم تبيض وجوه وتسود وجوه إلى آخر الآية أي فأما الذين
سودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وأما الذي ابيضت
وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون
قال في المجمع أراد بالآية (فأما الذين اسودت وجوههم وأراد به الخوارج وقيل هم
المرتدون وقيل المبتدعون)
قلت قائله أبو غالب (أنت سمعته) بتقدير حرف الاستفهام أي هل أنت سمعته (ما
حدثتكموه) أي بل سمعته أكثر من سبع مرات وليس لي في سماعه منه شك أصلا فلذلك
حدثتكموه
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وابن ماجة ولفظ ابن ماجة هكذا شر قتلى قتلوا
تحت أديم السماء وخير قتلى من قتلوا كلاب النار قد كان هؤلاء مسلمين فصاروا كفارا قلت
يا أبا أمامة هذا شئ تقوله قال بل سمعته من رسول الله ولفظ أحمد لما أتى برؤوس
الأزارقة فنصبت على درج دمشق جاء أبو أمامة فلما رآهم دمعت عيناه فقال كلاب النار ثلاث
مرات هؤلاء شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء وخير قتلى قتلوا تحت أديم السماء الذين قتلهم هؤلاء قال
فقلت فما شأنك دمعت عيناك قال رحمة لهم إنهم كانوا من أهل الإسلام الحديث والأزارقة من
الخوارج نسبوا إلى نافع بن الأزرق كذا في القاموس وفي رواية لأحمد جئ برؤوس من قبل
العراق فنصبت عند باب المسجد وجاء أبو أمامة فدخل المسجد فركع ركعتين ثم خرج
إليهم فنظر إليهم فرفع رأسه فقال شر قتلى الحديث (وأبو غالب اسمه حزور) بفتح الحاء المهملة والزاي
وتشديد الواو وآخره راء (وأبو أمامة الباهلي اسمه صدي) بالتصغير صحابي مشهور سكن الشام
ومات بها سنة ست وثمانين
280

قوله (في قوله تعالى) أي في تفسير قوله تعالى (كنتم) يا أمة محمد في علم الله تعالى
(خير أمة) أي خير الأمم (أخرجت) أي أظهرت (قال) أي النبي (إنكم تتمون) بضم
فكسر فتشديد من الاتمام أي تكملون (سبعين أمة) أي يتم العدد بكم سبعين ويحتمل أنه
للتكثير قاله المناوي فقال الطيبي المراد بسبعين التكثير لا التحديد ليناسب إضافة الخير إلى
المفرد النكرة لأنه لاستغراق الأمم الفائتة للحصر باعتبار أفرادها أي إذا نقصت أمة أمة من الأمم
كنتم خيرها وتتمون علة للخيرية لأن المراد به الختم فكما أن نبيكم خاتم الأنبياء أنتم خاتم الأمم
انتهى وفي الحديث دلالة على أن المراد بقوله تعالى (كنتم خير أمة) أمة النبي عامة
قال الحافظ ابن كثير يخبر تعالى عن هذه الأمة المحمدية بأنهم خير الأمم فقال تعالى
كنتم خير أمة أخرجت للناس روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه (كنتم خير أمة
أخرجت للناس) قال خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في
الاسلام وهكذا قال ابن عباس ومجاهد وعطية العوفي وعكرمة وعطاء الربيع بن أنس (كنتم
خير أمة أخرجت للناس) يعني خير الناس للناس والمعنى أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس
ولهذا قال (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) وروى أحمد في مسنده والنسائي
في سننه والحاكم في مستدركه عن ابن عباس في قوله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس)
قال هم الذين هاجروا مع رسول الله من مكة إلى المدينة والصحيح أن هذه الآية عامة في
جميع الأمة كل قرن بحسبه وخير قرونهم الذين بعث فيهم رسول الله ثم الذين يلونهم ثم
الذين يلونهم كما قال في الآية الأخرى وكذلك جعلناكم أمة وسطا أي خيارا (لتكونوا شهداء
على الناس) الآية إنما حازت هذه الأمة قصب السبق إلى الخيرات بنبيها محمد صلوات
الله عليه وسلامه فإنه أشرف خلق الله وأكرم الرسل على الله وبعثه الله بشرع كامل عظيم لم
يعطه نبي قبله ولا رسول من الرسل فالعمل على منهاجه وسبيله يقوم القليل منه ما لا يقوم العمل
الكثير من أعمال غيرهم مقامه انتهى كلام الحافظ ابن كثير ملخصا
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وابن ماجة والدارمي والطبراني والحاكم قال
الحافظ هو حديث مشهور وقد حسنه الترمذي ويروى من حديث معاذ بن جبل وأبي سعيد
نحوه
281

قوله (كسرت) بصيغة المجهول (رباعيته) قال في القاموس الرباعية كثماني السن التي
بين الثنية والناب وقال الحافظ في الفتح المراد بكسر الرباعية وهي السن التي بين الثنية والناب
أنها كسرت فذهب منها فلقة ولم تقلع من أصلها (وشج) على البناء للمفعول والشج ضرب
الرأس خاصة وجرحه وشقه ثم استعمل في غيره (وهو يدعوهم إلى الله) جملة حالية (فنزلت ليس
لك الخ) هذا الحديث يدل على أن هذه الآية نزلت يوم أحد حين شج وجه رسول الله
وقال كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وروى البخاري وغيره عن ابن عمر أنه سمع
رسول الله إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الآخرة من الفجر يقول اللهم العن فلانا
وفلانا بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد فأنزل الله (ليس لك إلخ) وحديث
ابن عمر هذا يدل على أن الآية نزلت في اللعن على الكفار في قنوت الفجر
قال الحافظ يحتمل أن تكون نزلت في الأمرين جميعا فإنهما كانا في قصة واحدة قال ووقع
في رواية يونس عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة نحو حديث ابن عمر لكن فيه
اللهم العن لحيان ورعلا وذكوان وعصية قال ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت ليس لك من الأمر
شئ قال وهذا إن كان محفوظا احتمل أن يكون نزول الآية تراخى عن قصة أحد لأن قصة
رعل وذكوان كانت بعدها وفيه بعد والصواب أنها نزلت في شأن الذين دعا عليهم بسبب قصة
أحد انتهى كلام الحافظ وقوله تعالى ليس لك من الأمر شئ أي لست تملك إصلاحهم
ولا تعذيبهم بل ذلك ملك الله فاصبر أو يتوب عليهم با سلام أو يعذبهم بالقتل والأسر
والنهب فإنهم ظالمون بالكفر والمعنى أن الله مالك أمرهم يصنع بهم ما يشاء من الاهلاك أو
الهزيمة أو التوبة إن أسلموا أو العذاب إن أصروا على الكفر قال الفراء أو بمعنى إلا والمعنى إلا أن
يتوب عليهم فتفرح بذلك أو يعذبهم فتشتفي بهم وقال السيوطي أو بمعنى إلى أن يعني غاية في
الصبر أي إلى أن يتوب عليهم
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي
282

قوله (سمعت عبد بن حميد يقول غلط يزيد بن هارون في هذا) أي في هذا الحديث
والظاهر أنه غلط في قوله ورمى رمية على كتفه
قوله (أخبرنا أحمد بشير) المخزومي مولى عمرو بن حريث أبو بكر الكوفي ووقع في النسخة
الأحمدية أحمد بن بشر وهو غلط (عن عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري
المدني ضعيف من السادسة) قوله (اللهم العن أبا سفيان) اسمه صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف
الأموي والد معاوية وأخوته كان رئيس المشركين يوم أحد ورئيس الأحزاب يوم الخندق أسلم
زمن الفتح ولقي النبي بالطريق قبل دخول مكة وشهد حنينا والطائف (اللهم العن
الحارث بن هشام) بن المغيرة القرشي المخزومي شهد بدرا كافرا مع أخيه شقيقه أبي جهل وفر
حينئذ وقتل أخوه ثم غزا أحدا مع المشركين أيضا ثم أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه وكان
من فضلاء الصحابة وخيارهم ثم خرج إلى الشام مجاهدا ولم يزل في الجهاد حتى مات في طاعون
عمواس سنة ثماني عشر (اللهم العن صفوان بن أمية) بن خلف الجمحي القرشي هرب يوم
الفتح ثم رجع إلى رسول الله فشهد معه حنينا والطائف وهو كافر ثم أسلم بعد ذلك
وكان من المؤلفة وشهد اليرموك
283

قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد في مسنده وكذا رواه الزهري عن سالم
عن أبيه ووقع في بعض نسخ الترمذي بعد هذا هذه العبارة لم يعرفه محمد بن إسماعيل من حديث
عمر بن حمزة وعرفه من حديث الزهري
قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) حديث محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر
هذا أخرجه أيضا أحمد في مسنده
قوله (يقول إني كنت رجلا إذا سمعت من رسول الله حديثا إلخ) تقدم هذا الحديث
بإسناده ومتنه في باب الصلاة عند التوبة وتقدم شرحه هناك
284

قوله (إلا يميد) أي يميل من ماد يميد ميدا وميدانا إذا تحرك وزاغ (تحت حجفته) بفتح الحاء
المهملة والجيم أي ترسه قال في القاموس الحجف محركة التروس من جلود بلا خشب ولا عقب
واحدتها حجفة (من النعاس) بضم النون وهو الوسن أو فترة في الحواس ثم أنزل عليكم من
بعد الغم أراد به الغم الذي حصل لهم عند الانهزام (أمنة) الأمنة والأمن سواء وقيل الأمنة إنما
تكون مع بقاء أسباب الخوف والأمن مع عدمه وكان سبب الخوف بعد باقيا (نعاسا) وهو أخف
من النوم بدل كل أو اشتمال
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه النسائي والحاكم قوله (عن أبي الزبير) كذا في النسخة الأحمدية وهو غلط والصحيح عن الزبير بحذف
لفظة أبي
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه النسائي
قوله (ونحن في مصافنا) المصاف بتشديد الفاء جمع مصف وهو الموقف في الحرب (حدث)
285

أي أبو طلحة (أجبن قوم) من الجبن وهو ضد الشجاعة (وأرعبه) من الرعب وهو الخوف والفزع
(وأخذله) من الخذل وهو ترك الإعانة والنصرة
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري
قوله (في قطيفة) هي كساء له خمل (افتقدت) بصيغة المجهول أي طلبت بعد غيبتها قال
في القاموس افتقده وتفقده طلبه عند غيبته (فقال بعض الناس) روى ابن مردويه من طريق أبي
عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن عباس قال اتهم المنافقون رسول الله بشئ فقد فأنزل الله
تعالى وما كان لنبي أن يغل (وما كان لنبي أن يغل) أي ما ينبغي لنبي أن يخون في الغنائم فإن
النبوة تنافي الخيانة يقال غل شيئا من المغنم يغل غلولا وأغل إغلالا إذا أخذه خفية
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي
حاتم
قوله (أخبرنا موسى بن إبراهيم بن كثير الأنصاري) الحرامي بفتح المهملة والراء المدني
صدوق يخطئ من الثامنة (سمعت طلحة بن خراش) بكسر المعجمة بعدها راء ابن عبد الرحمن
الأنصاري المدني صدوق من الرابعة
قوله (ما لي أراك منكسرا) وفي رواية بن مردويه مهتما (فكلمه كفاحا) أي مواجهة ليس
286

بينهما حجاب ولا رسول (تحييني) من الإحياء مضارع بمعنى الأمر أي أحيني (ثانية) أي مرة ثانية
(قال الرب تبارك تعالى إنه قد سبق مني أنهم لا يرجعون) زاد في رواية ابن مردويه قال أي رب
فأبلغ من ورائي
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه ابن مردويه (هكذا عن موسى بن إبراهيم) أي
مطولا (وقد روى عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر شيئا من هذا) أي مختصرا ورواية
عبد الله بن محمد بن عقيل هذه وصلها أحمد في مسنده
قوله (عن عبد الله بن مرة) هو الهمداني
قوله (فقال) أي ابن مسعود (أما) بالتخفيف للتنبيه (إنا قد سألنا) أي رسول الله (عن
ذلك) أي عن معنى هذه الآية (فأخبرنا) وفي رواية مسلم فقال قال النووي هذا الحديث مرفوع
لقوله إنا قد سألنا عن ذلك فقال يعني النبي وقال القاضي المسؤول والمجيب هو الرسول
صلوات الله عليه وسلامه وفي فقال ضمير له ويدل عليه قرينة الحال فإن ظاهر حال الصحابي أن
يكون سؤاله واستكشافه من الرسول لا سيما في تأويل أية هي من المتشابهات وما هو من
أحوال المعاد فإنه غيب صرف لا يمكن معرفته إلا بالوحي ولكونه بهذه المثابة من التعين أضمر من
غير أن يسبق ذكره (أن أرواحهم في طير خضر) وفي رواية مسلم في جوف طير خضر أي يخلق
287

لأرواحهم بعدما فارقت أبدانهم هياكل على تلك الهيئة تتعلق بها وتكون خلفا عن أبدانهم وإليه
الإشارة بقوله تعالى أحياء عند ربهم فيتوسلون بها إلى نيل ما يشتهون من اللذائذ الحسية
وإليه يرشد قوله تعالى يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله والطير جمع طائر ويطلق على
الواحد وخضر بضم فسكون جمع أخضر (تسرح) أي ترعى (وتأوى) أي ترجع (إلى قناديل
معلقة بالعرش) فهي بمنزلة أوكار الطير (فاطلع) بتشديد الطاء أي أنظري (اطلاعة) إنما قال
اطلاعة ليدل على أنه ليس من جنس اطلاعنا على الأشياء قال القاضي وعداه بإلى وحقه أن
يعدى بعلي لتضمنه معنى الانتهاء (فقال) أي الرب تعالى (وما نستزيد) أي أي شئ نستزيد
(ونحن في الجنة نسرح حيث شئنا) يعنوفيها ما تشتهيه الأنفس وتلد الأعين (فلما رأوا أنهم لا
يتركون) أي من أن يسئلوا (قالوا تعيد) من الإعادة أي ترد (فنقتل) بصيغة المجهول في سبيلك
مرة أخرى زاد مسلم فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا أي من سؤال هل تستزيدون
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة
قوله (عن أبي عبيدة) هو ابن عبد الله بن مسعود مشهور بكنيته (وزاد) أي أبو عبيدة في
روايته (وتقرئ) أي يا رب (نبينا) بالنصب أي عليه (السلام) مفعول ثان لتقرئ (وتخبره)
أي النبي (أن قد رضينا) أي بالله تعالى (ورضي عنا) بصيغة المجهول أي رضي الله تعالى عنا
قوله (هذا حديث حسن) قد صرح الترمذي بعدم سماع أبي عبيدة من أبيه عبد الله بن
مسعود في باب الاستنجاء بالحجرين فتحسينه لهذا الحديث لمجيئه من السند المتقدم
288

قوله (عن جامع وهو ابن أبي راشد) الكاهلي الصيرفي الكوفي ثقة فاضل من الخامسة
(وعبد الملك بن أعين) الكوفي مولى بني شيبان صدوق شيعي له في الصحيحين حديث واحد
متابعة من السادسة (عن أبي وائل) هو شقيق بن سلمة
قوله (إلا جعل الله يوم القيامة في عنقه شجاعا) بالضم والكسر الحية الذكر وقيل الحية مطلقا (مصداقه) أي ما يصدقه ويوافقه (من كتاب الله) الظاهر أنه حال من مصداقه أو من بيان له
وما بعده بدل بعض من الكل لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله الآية
بتمامها مع تفسيرها هكذا ولا تحسبن بالتاء والياء (الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله) أي
بركاته هو أي بخلهم خيرا لهم مفعول ثان والضمير للفصل والأول بخلهم مقدرا قبل الموصول
على الفوقانية وقبل الضمير على التحتانية بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به أي بزكاته من المال
يوم القيامة بأن يجعل حية في عنقه تنهشه ولله ميراث السماوات والأرض يرثهما بعد فناء أهلهما والله
بما تعملون خبير فيجازيكم به (وقال مرة) أي قال عبد الله بن مسعود مرة (ومن اقتطع مال
أخيه) أي أخذه بغير حق (بيمين أي كاذب
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة (ومعنى قوله
شجاعا أقرع يعني حية) لم يقع في رواية الترمذي المذكورة أقرع نعم وقع في حديث أبي هريرة
عند البخاري وغيره ومعناه الذي لا شعر على رأسه لكثرة سمه وطول عمره
قوله (وسعيد بن عامر) هو الضبعي (عن محمد بن عمرو) هو ابن علقمة (عن أبي سلمة)
289

هو ابن عبد الرحمن
قوله (إن موضع سوط في الجنة) أريد به قدر قليل منها أو مقدار موضعه فيها (خير من
الدنيا وما فيها) لأن الجنة مع نعيمها باقية والدنيا وما فيها فانية (فمن زحزح) أي بعد (عن النار
وأدخل الجنة فقد فاز) نال غاية مطلوبه (وما الحياة الدنيا) العيش فيها (إلا متاع الغرور) الباطل
يتمتع به قليلا ثم يفنى
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه ابن أبي حاتم قال ابن كثير هذا الحديث
ثابت في الصحيحين بدون هذه الزيادة أي زيادة اقرأوا إن شئتم الخ وقد رواه بدون هذه الزيادة
أبو حاتم وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه من حديث محمد بن عمرو هذا
قوله (أخبرنا حجاج بن محمد) هو المصيصي الأعور (أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف)
الزهري المدني ثقة من الثانية وقيل إن روايته عن عمر مرسلة (أن مرو ان بن الحكم قال اذهب يا
رافع لبوابه) وفي رواية البخاري أن مروان قال لبوابه اذهب يا رافع قال الحافظ وكان مروان
يومئذ أميرا على المدينة من قبل معاوية ثم ولي الخلافة قال ورافع هذا لم أر له ذكرا في كتاب الرواة
إلا بما جاء في هذا الحديث والذي يظهر من سياق الحديث أنه توجه إلى ابن عباس فبلغه الرسالة
ورجع إلى مروان بالجواب فلولا أنه معتمد عند مروان ما قنع برسالته (وأحب أن يحمد) بضم
التحتية على صيغة المجهول (معذبا) خبر كان (لنعذبن) بصيغة المجهول وهو جواب قوله لئن أي
لأن كلنا يفرح بما أوتي ويحب أن يحمد بما لم يفعل (أجمعون) بالواو على أنه تأكيد للضمير الذي في
لنعذبن ووقع في رواية أجمعين بالياء على أنه منصوب على الحال أي لنعذبن مجتمعين (فقال ابن
290

عباس مالكم ولهذه الآية) إنكار من ابن عباس عن السؤال بهذه المسألة على الوجه المذكور (ثم تلا
ابن عباس وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب) أي العهد عليهم في التوراة (لتبيننه) أي
الكتاب للناس ولا تكتمونه فنبذوه أي طرحوا الميثاق وراء ظهورهم فلم يعملوا به واشتروا به
أخذوا بدله ثمنا قليلا من الدنيا من سفلتهم برياستهم في العلم فكتموه خوف فوته عليهم
(فبئس ما يشترون) شراءهم هذا وفي تلاوة ابن عباس هذه الآية إشارة إلى أن الذين أخبر الله
عنهم في الآية المسؤول عنها هم المذكورون في الآية التي قبلها وأن الله ذمهم بكتمان العلم الذي
أمرهم أن لا يكتموه وتوعدهم بالعذاب على ذلك (بما أتوا) بفتح الهمزة والفوقية أي بما جاءوا يعني
بالذي فعلوه (ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) أي ويحبون أن يحمدهم الناس على شئ لم يفعلوه
(سألهم النبي عن شئ فكتموه وأخبروه بغيره) قال الحافظ الشئ الذي سأل النبي عنه
اليهود لم أره مفسرا وقد قيل إنه سألهم عن صفته عندهم بأمر واضح فأخبروا عنه بأمر مجمل
وروى عبد الرزاق من طريق سعيد بن جبير في قوله (لنبيننه للناس ولا تكتمونه) قال محمد وفي
قوله يفرحون بما أتوا قال بكتمانهم محمدا وفي قوله أن يحمدوا بما لم يفعلوا قال قولهم نحن على
دين إبراهيم (وقد أروه) بفتح الهمزة والراء من الإراءة والضمير المنصوب للنبي
(واستحمدوا) بفتح الفوقية مبينا الفاعل أي طلبوا أن يحمدهم قال في الأساس استحمد الله إلى
خلقه بإحسانه إليهم وإنعامه عليهم قاله القسطلاني وقال العيني واستحمدوا على صيغة
المجهول من استحمد فلان عند فلان أي صار محمودا عنده والسين فيه للصيرورة انتهى (بما أوتوا
من كتابهم) بصيغة المجهول من الإتياء أي أعطوا وفي رواية أحمد بما أتوا من كتمانهم ما سألهم
عنه وفي رواية البخاري بما أتوا من كتمانهم قال الحافظ قوله بما أتوا كذا للأكثر بالقصر بمعنى
جاءوا أي بالذي فعلوه وللحموي بما أوتوا بضم الهمزة بعدها واو أي أعطوا أي من العلم الذي
كتموه كما قال تعالى فرحوا بما عندهم من العلم والأول أولى لموافقته التلاوة المشهورة انتهى (وما
سألهم عنه) عطف على ما أوتوا والضمير المرفوع في سأل يرجع إلى النبي والضمير المجرور في
قوله عنه إلى ما
291

تنبيه قد ورد في سبب نزول هذه الآية حديثان صحيحان أحدهما حديث ابن عباس هذا
والثاني ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري أن رجالا من المنافقين على عهد
رسول الله كان إذا خرج رسول الله إلى الغزوة وتخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف
رسول الله فإذا قدم رسول الله اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت
لا تحسبن الذين يفرحون الآية قال الحافظ ويمكن الجمع بأن تكون الآية نزلت في الفريقين
معا وبهذا أجاب القرطبي وغيره
قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي
(ومن سورة النساء)
هي مدنية ومائة وخمس أو ست أو سبع وسبعون آية
قوله (يقول مرضت فأتاني رسول الله يعودني) تقدم هذا الحديث في الفرائض وتقدم
هناك شرحه حتى نزلت يوصيكم الله في أولادكم كذا وقع في رواية الترمذي هذه أعني من
طريق يحيى بن آدم عن طريق ابن عيينة عن محمد بن المنكدر وكذا وقع في رواية البخاري عن
طريق هشام عن ابن جريج عن ابن منكدر
قال الحافظ في الفتح قوله فنزلت (يوصيكم الله في أولادكم) هكذا وقع في رواية ابن
جريج وقيل إنه وهم في ذلك وأن الصواب أن الآية التي نزلت في قصة جابر هذه الآية الأخيرة من
النساء وهي يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة لأن جابرا يومئذ لم يكن له ولد ولا والد
والكلالة من لا ولد له ولا والد وقد أخرجه مسلم عن عمرو الناقد والنسائي عن محمد بن
292

منصور كلاهما عن ابن عيينة عن ابن المنكدر فقال في هذه الحديث حتى نزلت عليه آية الميراث
يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ولمسلم أيضا من طريق شعبة عن ابن المنكدر قال في آخر
هذا الحديث فنزلت آية الميراث فقلت لمحمد بن المنكدر يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة
قال هكذا أنزلت وقد أطال الحافظ الكلام ههنا في الفتح فعليك أن تراجعه وقد ذكر الحافظ
ابن كثير في تفسير هذه الآية حديث جابر المذكور عن صحيح البخاري من طريق هشام عن ابن
جريج عن ابن المنكدر ثم ذكر حديث جابر من طريق عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الله بن
محمد بن عقيل عنه قال جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله فقالت يا رسول الله
هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في يوم أحد شهيدا الحديث أخرجه الترمذي وغيره
ثم قال والظاهر أن حديث جابر الأول إنما نزل بسببه الآية الأخيرة من هذه السورة فإنه إنما كان
له إذ ذاك أخوات ولم يكن له بنات وإنما كان يورث كلالة ولكن ذكرنا الحديث ههنا تبعا للبخاري
فإنه ذكر ههنا والحديث الثاني عن جابر أشبه بنزول هذه الآية انتهى
قوله (وفي حديث الفضل بن صباح كلام أكثر من هذا) أي حديث الفضل بن صباح
أطول من حديث يحيى بن آدم المذكور وحديث الفضل بن صباح هذا تقدم في باب ميراث
الأخوات
قوله (أخبرنا قتادة) بن دعامة (عن أبي علقمة الهاشمي) الفارسي المصري مولى بني هاشم
ويقال حليف الأنصار ثقة وكان قاضي إفريقية من كبار الثالثة
قوله (لما كان يوم أوطاس) اسم موضع أو بقعة في الطائف يصرف ولا يصرف (لهن أزواج
في المشركين) صفة لنساء (فكرههن) أي كره وطئهن من أجل أنهن مزوجات والمزوجة لا تحل لغير
293

زوجها (منهم) أي من أصحاب النبي وفي بعض النسخ منا وهو الظاهر وروى مسلم هذا
الحديث بلفظ أن رسول الله يوم حنين بعث جيشا إلى أوطاس فلقوا عدوا فقاتلوهم فظهروا
عليهم وأصابوا لهم سبايا فكأن ناسا من أصحاب النبي تحرجوا من غشيانهن من أجل
أزواجهن من المشركين (فأنزل الله تعالى والمحصنات) بفتح الصاد باتفاق القراء وهو معطوف على
أمهاتكم أي وحرمت عليكم المحصنات أي ذوات الأزواج لأنهن أحصن فروجهن بالتزويج
إلا ما ملكت أيمانكم أي أيمانكم أي ما أخذتم من نساء الكفار بالسبي وزوجها في دار الحرب
لوقوع الفرقة بتباين الدارين فتحل للغانم بملك اليمين بعد الاستبراء
قال النووي اعلم أن مذهب الشافعي ومن قال بقوله من العلماء أن المسبية من عبدة
الأوثان وغيرهم من الكفار الذين لا كتاب لهم لا يحل وطؤها بملك اليمين حتى تسلم فما دامت
على دينها فهي محرمة وهؤلاء المسبيات كن من مشركي العرب عبدة الأوثان فيتأول هذا الحديث
وشبهه على أنهن أسلمن وهذا التأويل لا بد منه انتهى وقال الشوكاني في النيل في باب استبراء
الأمة إذا ملكت ما لفظه ظاهر أحاديث الباب أنه لا يشترط في جواز وطء المسبية الاسلام ولو كان
شرط البينة ولم يبينه ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وذلك وقتها ولا سيما وفي
المسلمين في يوم حنين وغيره من هو حديث عهد بالإسلام يخفى عليهم مثل هذا الحكم وتجويز
حصول الاسلام من جميع السبايا وهن في غاية الكثرة بعيد جدا فإن إسلام مثل عدد المسبيات في
أوطاس دفعة واحدة من غير إكراه لا يقول بأنه يصح تجويزه عاقل ومن أعظم المؤيدات لبقاء
المسبيات على دينهن ما ثبت من رده لهن بعد أن جاء إليه جماعة من هوازن وسألوه أن يرد إليهم
ما أخذ عليهم منهم من الغنيمة فرد إليهم السبي فقط وقد ذهب إلى جواز وطء المسبيات
الكافرات بعد الاستبراء المشروع جماعة منهم طاوس وهو الظاهر لما سلف انتهى
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة
294

قوله (أخبرنا عثمان) بن مسلم (البتي) بفتح الموحدة وكسر الفوقية المشددة أبو عمرو
البصري صدوق عابوا عليه الافتاء بالرأي من الخامسة
قوله (أصبنا سبايا) جمع السبية وهي المرأة المنهوبة فعيلة بمعنى مفعولة
قوله (ولا أعلم أن أحدا ذكر أبا علقمة في هذا الحديث إلا ما ذكر همام عن قتادة) كذا قال
الترمذي وقد تابع هماما في ذكر أبي علقمة سعيد بن أبي عروبة عند مسلم وأبي داود والنسائي
وشعبة أيضا عند مسلم وقد صرح بهذا الحافظ ابن كثير في تفسيره (وأبو الخليل اسمه صالح بن
أبي مريم) الضبعي مولاهم البصري وثقه ابن معين والنسائي وأغرب بن عبد البر فقال لا
يحتج به من السادسة
قوله (وعقوق الوالدين) أي قطع صلتهما مأخوذ من العق وهو الشق والقطع والمراد
عقوق أحدهما قيل هو إيذاء لا يتحمل مثله من الولد عادة وقيل عقوقهما مخالفة أمرهما فيما لم
يكن معصية وفي معناهما الأجداد والجدات (وقتل النفس) أي بغير حق (وقول الزور) وفي
رواية الشيخين وشهادة الزور والمراد من الزور الكذب وسمي زورا لميلانه عن جهة الحق
قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (وقال عن عبد الله بن أبي بكر) أي بالتكبير (ولا يصح) بل الصحيح عبيد الله بن
أبي بكر بالتصغير قال في تهذيب التهذيب عبيد الله بن أبي بكر عن أنس بن مالك أبو معاذ
الأنصاري روى عن جده وقيل عن أبيه عن جده وعنه شعبة وغيره قال أحمد وابن معين وأبو
داود والنسائي ثقة
295

قوله (ألا أحدثكم بأكبر الكبائر الخ) تقدم هذا الحديث بإسناده ومتنه في باب عقوق
الوالدين من أبواب البر والصلة وفي الشهادات
قوله (عن محمد بن زيد بن مهاجر بن قنفذ) بضم القاف والفاء بينهما نون ساكنة المدني
ثقة من الخامسة (عن أبي أمامة الأنصاري) البكري حليف بني حارثة اسمه إياس وقيل
عبد الله بن ثعلبة وقيل ثعلبة بن عبد الله بن سهل صحابي له أحاديث (عن عبد الله بن أنيس)
بالتصغير الأنصاري المدني كنيته أبو يحيى حليف الأنصار صحابي
قوله (إن من أكبر الكبائر الشرك بالله) أي الإشراك به فنفي الصانع أولى أو المراد به
مطلق الكفر إلا أنه عبر عنه به لأنه الغالب في الكفرة ومن زائدة على مذهب من يجوزه في
الإثبات كالأخفش أو دخول من باعتبار مجموع المعطوف والمعطوف عليه وإلا فالشرك هو أكبر
الكبائر لا من جملته (واليمين الغموس) قال في النهاية هو اليمين الكاذبة الفاجرة كالتي يقتطع
بها الحالف مال غيره سميت غموسا لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار وفعول للمبالغة
(وما حلف حالف بالله يمين صبر) في النهاية الحلف هو اليمين فخالف بين اللفظين تأكيدا قال
النووي يمين صبر بالإضافة أي ألزم بها وحبس عليها وكانت لازمة لصاحبها من جهة
الحكم وقيل لها مصبورة وإن كان صاحبها في الحقيقة هو المصبور لأنه إنما صبر من أجلها أي
حبس فوصفت بالصبر وأضيفت إليه مجازا انتهى وتوضيحه ما قاله ابن الملك الصبر الحبس
والمراد بيمين الصبر أن يحبس السلطان الرجل حتى يحلف بها وهي لازمة لصاحبها من جهة
الحكم وقيل يمين الصبر هي التي يكون فيها متعمدا للكذب قاصدا لإذهاب مال المسلم كأنه
296

يصبر النفس على تلك اليمين أي يحبسها عليها كذا في المرقاة وقال في المجمع يمين صبر
بالإضافة أي ألزم بها وحبس لها شرعا ولو حلف بغير إحلاف لم يكن صبرا (فأدخل) أي الحالف
(فيها) أي في تلك اليمين (مثل جناح بعوضة) بفتح الجيم أي ريشها والمراد أقل قليل والمعنى
شيئا يسيرا من الكذب والخيانة ومما يخالف ظاهره باطنه لأن اليمين على نية المستحلف (إلا
جعلت) أي تلك اليمين (نكتة) أي سوداء أي أثرا قليلا كالنقطة تشبه الوسخ في نحر المرأة
والسيف (إلى يوم القيامة) قال الطيبي معنى الانتهاء أن أثر تلك النكتة التي هي من الرين يبقى
أثرها إلى يوم القيامة ثم بعد ذلك يترتب عليها وبالها والعقاب عليها فكيف إذا كان كذبا محضا
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد والحاكم وابن أبي حاتم
قوله (عن فراس) بكسر الفاء وبالراء هو ابن يحيى الهمداني
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري والنسائي
تنبيه اعلم أن هذه الأحاديث الأربعة أعني أحاديث أنس وأبي بكرة وعبد الله بن أنيس
وعبد الله بن عمرو ذكرها الترمذي في تفسير قوله تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر
عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما وقد أطال الحافظ ابن كثير الكلام في تفسير هذا
القول فذكر أحاديث كثيرة تتعلق به ثم ذكر أقوال الصحابة والتابعين في ذلك ثم قال وقد
اختلف علماء الأصول والفروع في حد الكبيرة فمن قائل هي ما عليه حد في الشرع ومنهم من
قال هي ما عليه وعيد مخصوص من الكتاب والسنة وقيل غير ذلك قال أبو القاسم عبد
الكريم بن محمد الرافعي في كتابه الشرح الكبير الشهير في كتاب الشهادات منه ثم اختلف
297

الصحابة رضي الله تعالى عنهم فمن بعدهم في الكبائر وفي الفرق بينها وبين الصغائر ولبعض
الأصحاب في تفسير الكبيرة وجوه أحدها أنها المعصية الموجبة للحد والثاني أنها المعصية التي
يلحق صاحبها الوعيد الشديد بنص كتاب أو سنة وهذا أكثر ما يوجد لهم وإلى الأول أميل لكن
الثاني أوفق لما ذكروه عند تفسير الكبائر والثالث قال إمام الحرمين في الإرشاد وغيره كل جريمة
تنبئ بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة فهي مبطلة للعدالة والرابع ذكر القاضي أبو
سعيد الهروي أن الكبيرة كل فعل نص الكتاب على تحريمه وكل معصية توجب في جنسها حدا
من قتل أو غيره وترك كل فريضة مأمور بها على الفور والكذب والشهادة والرواية واليمين هذا
ما ذكروه على سبيل الضبط ثم ذكر في تفصيل الكبائر أقوال بعض أهل العلم
قال الحافظ ابن كثير وقد صنف الناس في الكبائر مصنفات منها ما جمعه شيخنا أبو
عبد الله الذهبي بلغ نحوا من سبعين كبيرة وإذا قيل إن الكبيرة ما توعد عليها الشارع بالنار
بخصوصها كما قال ابن عباس وغيره ولا يتبع ذلك اجتمع منه شئ كثير وإذا قيل كل ما نهى
الله عنه فكثير جدا انتهى وقد تقدم شئ من في حد الكبيرة في باب عقوق الوالدين
قوله (يغزو الرجال ولا تغزو النساء) وفي رواية أحمد في مسنده يا رسول الله يغزو
الرجال ولا تغزو النساء فأنزل الله تبارك وتعالى ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على
بعض من جهة الدنيا أو الدين لئلا يؤدي إلى التحاسد والتباغض
قال الحافظ ابن كثير قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية قال ولا يتمنى الرجل
فيقول لو أن لي مال فلان وأهله فنهى الله عن ذلك ولكن يسأل الله من فضله وقال الحسن
ومحمد بن سيرين وعطاء والضحاك نحو هذا وهو الظاهر من الآية ولا يرد على هذا ما ثبت في
الصحيح لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق فيقول رجل لو أن لي
مثل ما لفلان لعملت مثله فهما في الأجر سواء فإن هذا شئ غير ما نهت عنه الآية وذلك أن
الحديث حض على تمني مثل نعمة هذا والآية نهت عن تمني عين نعمة هذا يقول ولا تتمنوا ما
فضل الله به بعضكم على بعض أي في الأمور الدنيوية وكذا الدينية
قوله (قال مجاهد) هذا موصول بالسند المتقدم (وأنزل فيها) أي في أم سلمة (إن المسلمين
298

والمسلمات) تمام الآية والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات
والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات
والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا
عظيما ورواية مجاهد هذه مختصرة وفي رواية النسائي من طريق محمد بن عمرو عن أبي
سلمة عن أم سلمة أنها قالت للنبي يا نبي الله ما لي أسمع الرجال يذكرون في القرآن والنساء
لا يذكرون فأنزل الله تعالى إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات (أول ظعينة) قيل
المرأة ظعينة لأنها تظعن مع الزوج حيث ما ظعن أو تحمل على الراحلة إذا ظعنت وقيل هي
المرأة في الهودج ثم قيل للمرأة وحدها والهودج وحده من ظعن ظعنا بالحركة والسكون إذا سار
قوله (هذا حديث مرسل) أي منقطع وأخرجه أحمد
قوله (عن رجل من ولد أم سلمة) اسم هذا الرجل سلمة قال في تهذيب التهذيب
سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي روى عن جدة أبيه أم سلمة
عن جده عمر بن أبي سلمة وله صحبة روى عنه عطاء بن أبي رباح فنسبه إلى جد أبيه فقال عن سلمة بن أبي سلمة وعنه عمرو بن دينار فنسبه إلى جده فقال عن سلمة بن عمر بن أبي سلمة
وقد روى له الترمذي في التفسير حديثا ولم يسمه أخرجه عن ابن أبي عمر عن سفيان عن عمرو بن
دينار عن رجل من ولد أم سلمة عن أم سلمة أنها قالت لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشئ
الحديث وسماه الحاكم في المستدرك في هذا الحديث من طريق يعقوب بن حميد بن كاسب عن
سفيان بن عيينة عن عمرو عن سلمة بن عمر بن أبي سلمة عن أم سلمة وتابعه قتيبة عن
سفيان بن عيينة وقال في التقريب في ترجمته مقبول من الثالثة
299

قوله أني لا أضيع عمل عامل منكم يعني لا أحبط عملكم أيها المؤمنون بل أثيبكم عليه
من ذكر أو أنثى يعني لا أضيع عمل عامل منكم ذكرا كان أو أنثى بعضكم من بعض يعني في
الدين والنصرة والموالاة وقيل كلكم من آدم وحواء وقيل من بمعنى الكاف أي بعضكم كبعض
في الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية فهو كما يقال فلان مني يعني على خلقي وسيرتي وقيل
إن الرجال والنساء في الطاعة على شكل واحد كذا في تفسير الخازن والحديث أخرجه أيضا
سعيد بن منصور وابن جرير والحاكم في مستدركه ثم قال صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه
وقد روى ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أم سلمة قالت آخر آية نزلت هذه الآية فاستجاب لهم
ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض إلى آخرها رواه ابن
مردويه
قوله (أخبرنا أبو الأحوص) اسمه سلام بن سليم الحنفي (قال عبد الله) هو ابن مسعود
رضي الله عنه (وهو على المنبر) جملة حالية (فكيف) أي حال الكفار (إذا جئنا من كل أمة بشهيد)
يشهد عليها بعملها وهو نبيها (وجئنا بك) يا محمد (على هؤلاء) أي أمتك (شهيدا) حال أي
شاهدا على من آمن بالإيمان وعلى من كفر بالكفر وعلى من نافق بالنفاق ووقع في رواية محمد بن
فضالة الظفري أن ذلك كان وهو كان في بني ظفر أخرجه ابن أبي حاتم والطبراني وغيرهما من
طريق يونس بن محمد بن فضالة عن أبيه أن النبي أتاهم في بني ظفر ومعه ابن مسعود وناس
من أصحابه فأمر قارئا فقرأ فأتى على هذه الآية فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك
على هؤلاء شهيدا فبكى حتى ضرب لحياه ووجنتاه فقال يا رب هذا على من أنا بين ظهريه فكيف
بمن لم أره وأخرج ابن المبارك في الزهد من طريق سعيد بن المسيب قال ليس من يوم إلا يعرض
على النبي أمته غدوة وعشية فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم فلذلك يشهد عليهم ففي هذا المرسل
ما يرفع الإشكال الذي تضمنه حديث ابن فضالة كذا في الفتح (غمزني) الغمز العصر والكبس
باليد أي أشار باليد لأن يمتنع عن القراءة وفي رواية الشيخين قال حسبك الان (وعيناه تدمعان)
وفي رواية الشيخين تذرفان أي تسيلان دمعا قال ابن بطال إنما بكى عند تلاوته هذه الآية
لأنه مثل لنفسه أهوال يوم القيامة وشدة الحال الداعية له إلى شهادته لأمته بالتصديق وسؤاله
300

الشفاعة لأهل الموقف وهو أمر يحق له طول البكاء انتهى
قال الحافظ والذي يظهر أنه بكى رحمة لأمته لأنه علم أنه لا بد أن يشهد عليهم بعملهم
وعملهم قد لا يكون مستقيما فقد يفضي إلى تعذيبهم قال الغزالي يستحب البكاء مع القراءة
وعندها وطريق تحصيله أن يحضر قلبه الحزن والخوف بتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد
والوثائق والعهود ثم ينظر تقصيره في ذلك فإن لم يحضره حزن فليبك على فقد ذلك وأنه من أعظم
المصائب
قوله (عن عبيدة) بفتح أوله هو ابن عمرو السلماني المرادي
قوله (أقرأ عليك) أي أأقرأ عليك (إني أحب أن أسمعه من غيري) قال ابن بطال يحتمل
أن يكون أحب أن يسمعه من غيره ليكون عرض القرآن سنة ويحتمل أن يكون لكي يتدبره
ويتفهمه وذلك أن المستمع أقوى على التدبر ونفسه أخلى وأنشط لذلك من القارئ لاشتغاله
بالقراءة وأحكامها وهذا بخلاف قراءته هو على أبي بن كعب فإنه أراد أن يعلمه كيفية أداء
القراءة (تهملان) أي تدمعان وتفيضان قال في القاموس هملت عينه تهمل وتهمل هملا وهملانا
وهمولا فاضت
قوله (هذا أصح من
حديث أبي الأحوص) أي حديث سفيان عن الأعمش عن إبراهيم
عن عبيدة عن عبد الله أصح من حديث أبي الأحوص عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن
عبد الله لأن عبد الواحد وحفص بن غياث وغيرهما قد تابعوا سفيان في روايته عن الأعمش عن
إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله عند الشيخين وغيرهما وحديث عبد الله بن مسعود هذا أخرجه
301

أيضا الشيخان وأبو داود والنسائي
قوله (وسقانا من الخمر) أي قبل أن تحرم كما في رواية أبي داود (فأخذت الخمر منا) أي
أخذت عقولنا لا تقربوا الصلاة أي لا تصلوا وأنتم سكارى جمع سكران والجملة حالية
حتى تعلموا ما تقولون بأن تصحوا
قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي قال المنذري وفي
إسناده عطاء بن السائب لا يعرف إلا من حديثه وقد قال يحيى بن معين لا يحتج بحديثه وفرق
مرة بين حديثه القديم وحديثه الحديث ووافقه على التفرقة الإمام أحمد وقال أبو بكر البزار هذا
الحديث لا نعلمه يروى عن علي رضي الله عنه متصل الإسناد إلا من حديث عطاء بن السائب عن
أبي عبد الرحمن يعني السلمي وإنما كان ذلك قبل أن يحرم الخمر فحرمت من أجل ذلك هذا آخر
كلامه وقد اختلف في إسناده ومتنه فأما الاختلاف في إسناده فرواه سفيان الثوري وأبو جعفر
الرازي عن عطاء بن السائب فأرسلوه وأما الاختلاف في متنه ففي كتاب أبي داود الترمذي ما
قدمناه وفي كتاب النسائي وأبي جعفر النحاس أن المصلي بهم عبد الرحمن بن عوف وفي كتاب
أبي بكر البزار أمروا رجلا فصلى بهم ولم يسمه وفي حديث غيره فتقدم بعض القوم انتهى كلام
المنذري
قوله (أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير الخ) تقدم هذا الحديث بإسناده ومتنه في باب
302

الرجلين يكون أحدهما أسفل من الاخر في الماء من أبواب الأحكام وتقدم هناك شرحه
قوله (قال سمعت عبد الله بن يزيد) والخطمي صحابي صغير
قوله (رجع ناس من أصحاب النبي يوم أحد) يعني عبد الله بن أبي وأصحابه وقد
ورد ذلك صريحا في رواية موسى بن عقبة في المغازي وأن عبد الله بن أبي كان وافق رأيه رأى
النبي على الإقامة بالمدينة فلما أشار غيره بالخروج وأجابهم النبي فخرج قال عبد الله بن
أبي لأصحابه أطاعهم وعصاني علام نقتل أنفسنا فرجع بثلث الناس قال ابن إسحاق في روايته
فأتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام وهو والد جابر وكان خزرجيا كعبد الله بن أبي فناشدهم أن
يرجعوا فأبوا فقال أبعدكم الله (فكان الناس فيهم) أي في الحكم في من انصرف مع عبد الله بن
أبي (فنزلت هذه الآية الخ) هذا هو الصحيح في سبب نزولها
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق زيد بن أسلم عن أبي سعيد بن معاذ قال نزلت هذه الآية
في الأنصار خطب رسول الله فقال من لي بمن يؤذيني فذكر منازعة سعد بن معاذ وسعد بن
عبادة وأسيد بن خضير ومحمد بن مسلمة فأنزل الله هذه الآية
وفي سبب نزولها قول آخر أخرجه أحمد من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه أن قوما
أتوا المدينة فأسلموا فأصابهم الوباء فرجعوا فاستقبلهم ناس من الصحابة فأخبروهم فقال
بعضهم نافقوا وقال بعضهم لا فنزلت
303

وأخرجه ابن أبي حاتم من وجه اخر عن أبي سلمة مرسلا فإن كان محفوظا احتمل أن
تكون نزلت في الأمرين جميعا كذا في الفتح قالا لحافظ ابن جرير بعد ذكر عدة أقوال في سبب
نزول هذه الآية ما لفظه وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال نزلت هذه الآية في
اختلاف أصحاب رسول الله في قوم كانوا ارتدوا عن الإسلام بعد إسلامهم من أهل مكة
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لأن اختلاف أهل التأويل في ذلك إنما هو على أحد قولين أحدهما
أنهم قوم كانوا من أهل مكة على ما قد ذكرنا الرواية عنهم والاخر أنهم قوم كانوا من أهل المدينة
وفي قول الله تعالى ذكره فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا أوضح الدليل على أنهم كانوا
من غير أهل المدينة لأن الهجرة كانت على عهد رسول الله إلى داره ومدينته من سائر أرض
الكفر فأما من كان بالمدينة في دار الهجرة مقيما من المنافقين وأهل الشرك فلم يكن عليه فرض
هجرة لأنه في دار الهجرة كان وطنه ومقامه انتهى (إنها) أي المدينة (طيبة) هذا أحد أسماء المدينة
ويقال لها طابة أيضا روى مسلم من حديث جابر بن سمرة مرفوعا (إن الله سمى المدينة طابة)
ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة عن سماك بلفظ كانوا يسمون المدينة يثرب فسماها
النبي طابة وأخرجه أبو عوانة والطاب والطيب لغتان بمعنى واشتقاقهما من الشئ الطيب
(إنها تنفي الخبث) بفتح الخاء المعجمة والموحدة بعدها مثلثة أي الوسخ (كما تنفي النار خبث
الحديد) أي وسخه الذي تخرجه النار
والمراد أنها لا تترك فيها من في قلبه دغل بل تميزه عن القلوب الصادقة وتخرجه كما يميز
الحداد ردئ الحديد من جيده
قال الخازن معنى الآية فما لكم يا معشر المؤمنين في المنافقين فئتين أي صرتم في أمرهم
فرقتين فرقة تذب عنهم وفرقة تباينهم وتعاديهم فنهى الله الفرقة الذين يذبون عنهم وأمر المؤمنين
جميعا أن يكونوا على منهاج واحد في التباين لهم والتبرئ منهم والله أركسهم يعني نكسهم في
304

كفرهم وارتدادهم وردهم إلى أحكام الكفار بما كسبوا أي بسبب ما اكتسبوا من أعمالهم
الخبيثة وقيل بما أظهروا من الارتداد بعد ما كانوا على النفاق
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (أخبرنا ورقاء بن عمر) اليشكري وأبو بشر الكوفي نزيل المدائن صدوق في حديثه
عن منصور لين من السابعة
قوله (يجئ المقتول بالقاتل) الباء للتعدية أي يحضره ويأتبه (ناصيته) أي شعر مقدم
رأس القاتل (ورأسه) أي بقيته (بيده) أي بيد المقتول والجملة حال من الفاعل ويحتمل من
المفعول على بعد وقد اكتفى فيها بالضمير قال الطيبي ويجوز أن يكون استئنافا على تقدير
السؤال عن كيفية المجئ به (وأوداجه) في النهاية هي ما أحاط بالعنق من العروق التي يقطعها
الذابح واحدها ودج بالتحريك وقيل الودجان عرقان غليظان عن جانبي نقرة النحر وقيل عبر
عن المثنى بصيغة الجمع للأمن من الالتباس كقوله تعالى فقد صغت قلوبكما (تشخب) بضم
الخاء المعجمة وبفتحها أي تسيل (دما) تمييز محول عن الفاعل أي دمهما (يقول يا رب قتلني هذا)
أي ويكرره (حتى يدنيه من العرش) من الادناء أي يقرب المقتول القاتل من العرش وكأنه كناية
عن استقصاء المقتول في طلب ثأره وعن البالغة في إرضاء الله إياه بعدله (فذكروا لابن عباس
التوبة) يعني قالوا له هل للقاتل توبة أم لا فتلا هذه الآية ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه
جهنم تمام الآية خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما (قال) أي ابن
عباس (ما نسخت) بصيغة المجهول وكذا ما بدلت (وأني له التوبة) أي لا تقبل توبته
قال النووي هذا هو المشهور عن ابن عباس رضي الله
عنهما وروى عنه أن له توبة وجواز المغفرة له لقوله تعالى ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما
وهذه الرواية الثانية هي مذهب جميع أهل السنة والصحابة والتابعين ومن بعدهم وما روى عن
305

بعض السلف مما يخالف هذا محمول على التغليظ والتحذير من القتل وليس في هذه الآية التي
احتج بها ابن عباس تصريح بأنه يخلد (وإنما فيها أنه جزاؤه ولا يلزم منه أن يجازى انتهى وقال الحافظ ابن جرير وأولى القول في ذلك بالصواب قول من قال معناه ومن يقتل
مؤمنا متعمدا فجزاؤه أن جزاءه جهنم خالدا فيها ولكنه يعفو ويتفضل على أهل الإيمان به وبرسوله
فلا يجازيهم بالخلود فيها ولكنه عز ذكره إما أن يعفو بفضله فلا يدخله النار وإما أن يدخله إياها
ثم يخرجه منها بفضل رحمته لما سلف من وعده عباده المؤمنين بقوله يا عبادي الذين أسرفوا على
أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا فإن ظن ظان أن القاتل إن وجب أن
يكون داخلا في هذه الآية فقد يجب أن يكون المشرك داخلا فيها لأن الشرك من الذنوب فإن
الله عز ذكره قد أخبر أنه غير غافر الشرك لأحد بقوله إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون
ذلك لمن يشاء والقتل دون الشرك انتهى
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه النسائي وابن ماجة
قوله (حدثنا عبد العزيز بن أبي رزمة) بكسر الراء وسكون الزاي
قوله (فسلم عليهم) وفي رواية البراء فقال أشهد أن لا إله إلا الله وفي بعض الروايات
قال لا إله إلا الله محمد رسول الله السلام عليكم (ما سلم عليكم إلا ليتعوذ منكم) قال الجزري
في النهاية في باب عوذ ومنه الحديث إنما قالها تعوذا أي إنما أقر بالشهادة لاجئا إليها ومعتصما بها
ليدفع عنه القتل وليس بمخلص في إسلامه يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله يعني
سافرتم إلى الجهاد فتبينوا من البيان يقال تبينت الأمر إذا تأملته قبل الإقدام عليه وقرئ
فتثبتوا من التثبت وهو خلاف العجلة والمعنى فقفوا وتثبتوا حتى تعرفوا المؤمن من الكافر وتعرفوا
حقيقة الأمر الذي تقدمون عليه ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام يعني لا تقولوا
306

لمن حياكم بهذه التحية إنه إنما قالها تعوذا عليه بالسيف لتأخذوا ماله ولكن كفوا عنه
واقبلوا منه ما أظهره لكم لست مؤمنا يعني لست من أهل الإيمان فتقتلوه بذلك
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه البخاري في التفسير ومسلم في آخر الكتاب وأبو داود
في الحروف والنسائي في السير وفي التفسير
قوله (وفي الباب عن أسامة بن زيد) أخرجه أحمد
قوله (عن أبي إسحاق) هو السبيعي
قوله (جاء عمرو بن أم مكتوم) هو المعروف بابن أم مكتوم الأعمى مؤذن النبي وفي
رواية البخاري أنه كان خلف النبي فيجمع بأن معنى قوله جاء أنه قام من مقامه خلف
النبي حتى جاء مواجهة فخاطبه (وكان ضرير البصر) في القاموس الضرير الذاهب البصر
جمعه أضراء فأنزل هذه الآية غير أولي الضرر الآية وفي البخاري فنزلت مكانها لا يستوي
القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله قال ابن المنير لم يقتصر
الراوي في الحال الثاني على ذكر الكلمة الزائدة وهي غير أولي الضرر فإن كان الوحي نزل بزيادة
قوله غير أولي الضرر فقط فكأنه رأى إعادة الآية من أولها حتى يتصل الاستثناء بالمستثنى منه
وإن كان الوحي نزل بإعادة الآية بالزيادة بعد أن نزل بدونها فقد حكى الراوي صورة الحال
قال الحافظ الأول أظهر فإن في رواية سهل بن سعد فأنزل الله غير أولي الضرر وأوضح من
ذلك رواية خارجة بن زيد عن أبيه ففيها ثم سري عنه فقال اقرأ فقرأت عليه لا يستوي
القاعدون من المؤمنين فقال النبي غير أولي الضرر وفي حديث الفلتان بن عاصم في هذه
القصة قال فقال الأعمى ما ذنبنا فأنزل الله فقلنا له إنه يوحى إليه فخاف أن ينزل في أمره
شئ فجعل يقول أتوب إلى الله فقال النبي للكاتب أكتب غير أولي الضرر أخرجه البزار
والطبراني وصححه ابن حبان (إيتوني بالكتف والدواة) الكتف بفتح الكاف وكسر التاء وهو
307

عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان من الناس والدواب كانوا يكتبون فيه لقلة القراطيس
عندهم
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (ويقال عمرو بن أم مكتوم الخ) قال في التقريب عمرو بن زائدة أو ابن قيس بن
زائدة ويقال زياد القرشي العامري ابن أم مكتوم الأعمى الصحابي المشهور قديم الإسلام
ويقال اسمه عبد الله ويقال الحصين كان النبي استخلفه على المدينة مات في آخر خلافة
عمر وقال في تهذيب التهذيب أسلم قديما وهاجر قبل مقدم النبي المدينة واستخلفه
النبي على المدينة ثلاث عشرة مرة وشهد القادسية وقتل بها شهيدا وكان معه اللواء يومئذ
قوله (أخبرني عبد الكريم) هو ابن مالك الجزري بينه أبو نعيم في المستخرج من طريق
يحيى بن سعيد الأموي عن ابن جريج قال حدثني عبد الكريم الجزري كذا في الفتح (سمع
مقسما مولى عبد الله بن الحارث) بكسر الميم ويقال له مولى ابن عباس للزومه له
قوله (عن بدر والخارجون إلى بدر) هذا تفسير من ابن عباس رضي الله عنه يعني أن
المراد من قوله القاعدون القاعدون عن غزوة بدر ومن قوله المجاهدون الخارجون إلى غزوة بدر
ولكن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب (قال عبد الله بن جحش) قال العيني في شرح
البخاري قوله عبد الله بن جحش قيل أبو أحمد بن جحش كما ذكره الطبري في روايته من
طريق الحجاج نحو ما أخرجه الترمذي وذلك لأن عبد الله بن جحش هو أخو أبي أحمد بن
جحش واسم أبي أحمد عبد بدون إضافة وهو مشهور بكنيته وأيضا أن عبد الله بن جحش لم ينقل
أن له عذرا إنما المعذور أخوه أبو أحمد بن جحش وذكر الثعلبي عن الكلبي عن أبي صالح عن
ابن عباس أنه ابن جحش وليس بالأسدي وكان أعمى وأنه جاء هو وابن أم مكتوم فذكرا
308

رغبتهما في الجهاد مع ضررهما فنزلت غير أولي الضرر فجعل لهما من الأجر ما للمجاهدين
انتهى
اعلم أن الحافظ قد نقل في الفتح حديث ابن عباس هذا عن الترمذي بتمامه من أوله إلى
آخره ثم قال هكذا أورده الترمذي سياقا واحدا ومن قوله درجة الخ مدرج في الخبر من كلام
ابن جريج بينه الطبري فأخرج من طريق حجاج نحو ما أخرجه الترمذي إلى قوله درجة ووقع
عنده فقال عبد الله بن أم مكتوم وأبو أحمد بن جحش وهو الصواب في ابن جحش فإن
عبد الله أخوه وأما هو فاسمه عبد بغير إضافة وهو مشهور بكنيته ثم أخرجه بالسند المذكور عن
ابن جريج قال وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه قال علي
القاعدين من المؤمنين غير أولي الضرر وحاصل تفسير ابن جريج أن المفضل عليه غير أولى
الضرر أما أولو الضرر فملحقون في الفضل بأهل الجهاد إذا صدقت نياتهم كما تقدم في المغازي
من حديث أنس إن بالمدينة لأقواما ما سرتم من مسير ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم حبسهم
العذر
ويحتمل أن يكون المراد بقوله فضل الله المجاهدين على القاعدين درجة أي من أولي
الضرر وغيرهم وقوله وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه أي على
القاعدين من غير أولي الضرر ولا ينافي ذلك الحديث المذكور عن أنس ولا ما دلت عليه الآية من
استواء أولي الضرر مع المجاهدين لأنها استثنت أولي الضرر من عدم الاستواء فأفهمت إدخالهم في
الاستواء إذا لا واسطة بين الاستواء وعدمه لأن المراد منه استواؤهم في أصل الثواب لا في المضاعفة
لأنها تتعلق بالفعل انتهى كلام الحافظ وفي تفسير الجلالين لا يستوي القاعدون من المؤمنين عن
الجهاد غير أولي الضرر بالرفع صفة والنصب استثناء من زمانة أو عمى ونحوه والمجاهدون في
سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين لضرر درجة
فضيلة لاستوائهما في النية وزيادة المجاهد بالمباشرة وكلا من الفريقين وعد الله الحسنى الجنة
وفضل الله المجاهدين على القاعدين لغير ضرر أجرا عظيما ويبدل منه درجات منه منازل بعضها
309

فوق بعض من الكرامة ومغفرة ورحمة منصوبتان بفعلهما المقدر وكان الله غفورا لأوليائه رحيما
بأهل طاعته انتهى قال في الكمالين فعلى هذا قوله تعالى فضل الله المجاهدين على القاعدين
أخرا عظيما الخ فيمن قعد بغير عذر والذي قبله فيمن قعد والأكثرون على أن القولين
كليهما فيمن قعد بغير عذر وإنما كرر وأوجب في الأول درجة وفي الثاني درجات لأن المراد
بالدرجة الظفر والغنيمة والذكر الجميل في الدنيا وبالدرجات ثواب الآخرة بينت بالإفراد في
الأول والجمع في الثاني لأن ثواب الدنيا في جنب ثواب الآخرة يسير انتهى ملخصا
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه البخاري في صحيحه إلى قوله والخارجون إلى
بدر
قوله (عن صالح بن كيسان) المدني أبو محمد أو أبو الحارث مؤدب ولد عمر بن عبد
العزيز ثقة ثبت فقيه من الرابعة (رأيت مروان بن الحكم) أي ابن أبي العاص أمير المدينة الذي
صار بعد ذلك خليفة
قوله (أملي عليه) يقال أمليت الكتاب وأمللته إذا ألقيته على الكاتب ليكتب (وهو يملها)
بضم أوله وكسر الميم وتشديد اللام وهو مثل يمليها يملي ويملل بمعنى ولعل الياء منقلبة من إحدى
اللامين (والله لو أستطيع الجهاد) أي لو استطعته وعبر بالمضارع إشارة إلى الاستمرار واستحضارا
لصورة الحال (وفخذه على فخذي) الواو للحال (حتى همت) أي قربت (ترض فخذي) بصيغة
310

المعلوم أي تدق فخذه فخذي أو بصيغة المجهول أي تدق (ثم سري عنه) بالتخفيف
والتشديد أي كشف وأزيل
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري
قوله (وفي هذا الحديث رواية رجل من أصحاب النبي) هو سهل بن سعد رضي الله
عنه (عن رجل من التابعين) هو مروان بن الحكم (روى سهل بن سعد الأنصاري عن مروان بن
الحكم) بيان لما قبله (ومروان لم يسمع من النبي وهو من التابعين) قال الحافظ في الفتح بعد
نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه لا يلزم من عدم السماع عدم الصحبة والأولى ما قال فيه
البخاري لم ير وقد ذكره ابن عبد البر في الصحابة لأنه ولد في عهد النبي قبل عام أحد
وقيل عام الخندق وثبت عن مروان أنه قال لما طلب الخلافة فذكروا له ابن عمر فقال ليس ابن
عمر بأفقه مني ولكنه أسن مني وكانت له صحبة فهذا اعتراف منه بعدم صحبته وإنما لم يسمع من
النبي وإن كان سماعه ممكنا لأن النبي نفى أباه إلى الطائف فلم يرده إلا عثمان لما
استخلف
قوله (سمعت عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار) المكي حليف بني جمح الملقب بالقس
بفتح القاف وتشديد السين المهملة ثقة عابد من الثالثة ولقب بالقس لعبادته (عن يعلى بن
أمية) بن أبي عبيدة بن همام التميمي حليف قريش وهو يعلى بن منية بضم الميم وسكون النون
بعدها تحتانية مفتوحة وهي أمه صحابي مشهور مات سنة بضع وأربعين (يحدث عن عبد الله بن
باباه) بموحدتين بينهما ألف ساكنة
قوله (قلت لعمر) أي ابن الخطاب (إنما قال الله أن تقصروا) أي وإذا ضربتم في الأرض
أي سافرتم فليس عليكم جناح أن تقصروا (وقد أمن الناس) أي وذهب الخوف فما وجه القصر
311

(فقال صدقة) أي قصر الصلاة في السفر صدقة (تصدق الله) أي تفضل (بها عليكم) أي توسعة
ورحمة (فاقبلوا صدقته) أي سواء حصل الخوف أم لا قال النووي في هذا الحديث جواز القصر
في غير الخوف وفيه إن المفضول إذا رأى الفاضل يعمل شيئا يشكل عليه دليله يسأله عنه انتهى
وقد استدل بقوله فاقبلوا صدقته من قال بوجوب قصر الصلاة في السفر وقد تقدم الكلام في هذه
المسألة في باب التقصير في السفر من أبواب الصلاة
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة
قوله (أخبرنا سعيد بن عبيد الهنائي) بضم الهاء وتخفيف النون البصري لا بأس به من
السادسة
قوله (نزل بين ضجنان) بالضاد المعجمة والجيم والنون قال في النهاية هو موضع أو جبل
بين مكة والمدينة (وعسفان) كعثمان موضع على مرحلتين من مكة كذا في القاموس وقال في
النهاية هي قرية جامعة بين مكة والمدينة (فقال المشركون) أي بعضهم لبعض (إن لهؤلاء) أي
للمسلمين (وهي العصر) لما وقع في تأكيد المحافظة على مراعاتها في قوله تعالى حافظوا على
الصلوات والصلاة الوسطى (فأجمعوا) بفتح الهمزة وكسر الميم (أمركم) أي أمر القتال
والمعنى فاعزموا عليه (فميلوا عليهم ميلة واحدة) أي فاحملوا عليهم حملة واحدة (وأن جبرئيل أتى
النبي) قال الطيبي حال من قوله فقال المشركون على نحو جاء زيد والشمس طالعة فأمره أن
يقسم أصحابه شطرين أي نصفين وفي رواية النسائي بصفين (فيصلي) بالنصب (بهم) وفي رواية
النسائي فيصلي بطائفة منهم (وتقوم) بالنصب (طائفة أخرى وراءهم ليأخذوا حذرهم
وأسلحتهم) وفي رواية النسائي وطائفة مقبلون على عدوهم قد أخذوا حذرهم وأسلحتهم قال
312

الطيبي أي ما فيه الحذر وفي الكشاف جعل الحذر وهو التحرز والتيقظ آلة يستعملها الغازي
فلذلك جمع بينه وبي الأسلحة في الأخذ دلالة على التيقظ التام والحذر الكامل ومن ثم قدمه على
أخذ الأسلحة (ثم يأتي الآخرون ويصلون معه ركعة واحدة) وفي رواية النسائي ثم يتأخر هؤلاء
ويتقدم أولئك فيصلي بهم ركعة (ثم يأخذ هؤلاء) أي الطائفة الأولى (فتكون لهم ركعة ركعة) أي
معه وتصلي كل طائفة منهما ركعة أخرى لأنفسهم لتكون لكل منهما ركعتان وقال قوم هو
محمول على ظاهره وعدوه من خصائص صلاة الخوف
قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه النسائي
قوله (وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت الخ) تقدم تخريج أحاديث هؤلاء
الصحابة رضي الله عنهم في باب صلاة الخوف
قوله (حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب أبو مسلم الحراني) بفتح حاء مهملة وشدة
راء وبنون نزيل بغداد ثقة يغرب من الحادية عشرة (أخبرنا محمد بن سلمة) بن عبد الله الباهلي
مولاهم ثقة من الحادية عشرة (أخبرنا محمد بن إسحاق) هو صاحب المغازي (عن أبيه) أي
عمر بن قتادة الظفري الأنصاري المدني مقبول من الثالثة
قوله (يقال لهم بنو أبيرق) بضم الهمزة وفتح الموحدة مصغرا (ثم ينحله بعض العرب)
313

أي ينسبه إليهم من النحلة وهي النسبة بالباطل كذا في النهاية وقال في القاموس نحله القول
كمنعه نسبه إليه (قال فلان كذا وكذا) وقعت هذه الجملة في بعض النسخ مكررة هكذا قال فلان
وكذا وكذا وقال فلان كذا وكذا (أو كما قال الرجل) أو للشك من الراوي أي قال لفظ
الخبيث أو قال لفظ الرجل (وقال ابن الأبيرق قالها) أي هذه الأشعار (وكانوا) أي بنو أبيرق (إذا
كان له يسار) أي غنى (فقدمت ضافطة من الشام) قال في النهاية الضافط والضفاط من يجلب
الميرة والمتاع إلى المدن والمكاري الذي يكري الأحمال وكانوا يومئذ قوما من الأنباط يحملون إلى
المدينة الدقيق والزيت وغيرهما (من الدرمك) بوزن جعفر هو الدقيق الحواري (فجعله) أي
فوضعه (في مشربة) في القاموس المشربة وقد تضم الراء الغرفة والعلية (سلاح) بكسر السين
وهو اسم جامع لآلات الحرب والقتال يذكر ويؤنث (درع وسيف) بيان لسلاح (فعدي عليه)
بصيغة المجهول أي سرق ماله وظلم يقال عدى على أي ظلمه (فنقبت) من التنقيب أو النقب
(فتحسسنا) من التحسس بالحاء المهملة قال في النهاية التجسس بالجيم التفتيش عن بواطن الأمور
وأكثر ما يقال في الشر وقيل التجسس بالجيم أن يطلبه لغيره وبالحاء أن يطلبه لنفسه وقيل
بالجيم البحث عن العورات وبالحاء الاستماع وقيل معناهما واحد في تطلب معرفة الأخبار
وفي القاموس التحسس الاستماع لحديث القوم وطلب خبرهم في الخير (في الدار) أي في المحلة
(ونحن نسأل في الدار) جملة حالية (والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل) هذا مقول قالوا
314

(رجل منا) أي هو رجل منا (له صلاح وإسلام) صفة لرجل (اخترط سيفه) أي استله (إليك
عنا) أي تنح عنا (فما أنت بصاحبها) أي لست بصاحب السرقة (حتى لم نشك أنهم) أي بني أبيرق
(أهل جفاء) بالنصب صفة لأهل بيت والجفاء بالمد ترك البر والصلة (ولا تكن للخائنين
خصيما بني أبيرق) قوله بني أبيرق تفسير وبيان للخائنين (مما قلت لقتادة) هذا تفسير وبيان لما
أمر الله نبيه بالاستغفار منه (أي لو استغفروا الله لغفر لهم) هذا تفسير يتعلق بقوله تعالى في الآية
ومن يفعل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما (قولهم للبيد) هذا تفسير
315

لقوله تعالى في الآية ثم يرم به بريئا (وكان شيخنا قد عشا أو عسا) هو بالسين المهملة أي كبر
وأسن من عسا القضيب إذا يبس وبالمعجمة أي قل بصره وضعف كذا في النهاية وقال في
القاموس عسا الشيخ يعسو عسوا وعسوا وعسيا وعساء وعسى عسى كبر والنبات عسا
وعسوا غلظ ويبس والعشاء مقصورة سوء البصر بالليل والنهار كالعشاوة أو العمى عشى
كرضي ودعا عشا (في الجاهلية) متعلق بعشا (وكنت أرى) بضم الهمزة أي أظن (مدخولا) قال
في النهاية الدخل بالتحريك العيب والغش والفساد يعني أن إيمانه كان متزلزلا فيه نفاق (فنزل
على سلافة) بضم سين مهملة وخفة لام وبفاء
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ الأصبهاني والحاكم
في مستدركه وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه
قوله (عن أبيه) أي أبي فاختة واسمه سعيد بن علاقة الهاشمي مولاهم الكوفي مشهور
بكنيته ثقة من الثالثة
316

قوله (ما في القرآن آية أحب إلى من هذه الآية إلخ) لأنها حجة على الخوارج الذين
زعموا أن كل ذنب شرك وأن صاحبه خالد في النار كذا في تفسير البيضاوي إن الله لا يغفر أن
يشرك به أي الإشراك به وهذا نص صريح بأن الشرك غير مغفور إذا مات صاحبه عليه لأنه
قد ثبت أن المشرك إذا تاب من شركه وآمن قبلت توبته وصح إيمانه وغفرت ذنوبه كلها التي عملها
في حال الشرك ويغفر ما دون ذلك أي ما سوى الاشراك من الذنوب لمن يشاء يعني من يشاء
من أهل التوحيد
قال العلماء لما أخبر الله أنه يغفر الشرك بالإيمان والتوبة علمنا أنه يغفر ما دون الشرك
بالتوبة وهذه المشيئة في من لم يتب من ذنوبه من أهل التوحيد فإذا مات صاحب الكبيرة أو
الصغيرة من غير توبة فهو على خطر المشيئة إن شاء غفر له وأدخله الجنة بفضله ورحمته وإن شاء
عذبه ثم يدخله الجنة بعد ذلك
قوله (وابن مهدي كان يغمزه قليلا) أي يطعن فيه قليلا قال الحافظ في تهذيب
التهذيب قال عمرو بن علي كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه وقال في التقريب ضعيف
ورمي بالرفض
قوله (عن محمد بن قيس بن مخرمة) بن المطلب بن عبد مناف المطلبي قال أبو داود ثقة
وذكره ابن حبان في الثقات وذكر العسكري أنه أدرك النبي وهو صغير كذا في تهذيب
التهذيب
317

قوله (من يعمل سوءا يجز به) إما في الآخرة أو في الدنيا بالبلاء والمحن كما في هذا الحديث
(قاربوا) أي اقتصدوا فلا تغلوا ولا تقصروا بل توسطوا (وسددوا) أي اقصدوا السداد وهو
الصواب (حتى الشوكة) بالجر على أن حتى جارة ويجوز الرفع على أنها ابتدائية والنصب بتقدير
حتى تجد (يشاكها) بصيغة المجهول أي يشاك المؤمن تلك الشوكة (أو النكبة) هي ما يصيب
الإنسان من الحوادث (ينكبها) على بناء المجهول والضمير المرفوع المؤمن والبارز للنكبة
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي
قوله (وابن محيصن اسمه عمر بن عبد الرحمن بن محيصن) بمهملتين مصغرا وآخره نون
السهمي أبو حفص قارئ أهل مكة مقبول من الخامسة كذا في التقريب وقال في تهذيب
التهذيب ذكره ابن حبان في الثقات وقال صاحب الكمال في القراءات كان قرين ابن كثير قرأ
على مجاهد وغيره وكان مجاهد يقول ابن محيصن يبني ويرص يعني أنه عالم بالعربية والأثر روي
له عندهم حديث واحد كل ما يصاب به المؤمن كفارة
قوله (حدثنا يحيى بن موسى) البلخي
قوله (إلا أني وجدت في ظهري اقتصاما) بالقاف من باب الافتعال أي انكسارا في بعض
النسخ انقساما من باب الانفعال قال في القاموس قصمه يقصمه كسره وأبانه أو كسره وإن لم
318

يبن فانقصم وتقصم قال في النهاية ويروي انفصاما بالفاء أي انصداعا (وأما الآخرون) أي
الكافرون (فيجمع ذلك) أي أعمالهم السيئة
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أبو بكر بن مردويه في تفسيره (وموسى بن عبيدة)
بضم العين وفتح الموحدة مصغرا ابن نشيط الربذي المدني (وقد روي هذا الحديث من غير هذا
الوجه) رواه أحمد وابن جرير كلاهما بروايات وألفاظ وفي رواية لأحمد أن أبا بكر قال يا رسول
الله كيف الصلاح بعد هذه الآية ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به
فكل سوء عملنا جزينا به فقال رسول الله غفر الله يا أبا بكر ألست تمرض ألست
تنصب ألست تحزن ألست تصيبك اللأواء قال بلى قال فهو ما تجزون به
قوله (وفي الباب عن عائشة) أخرجه ابن أبي داود الطيالسي وغيره
قوله (أخبرنا سليمان بن معاذ) هو سليمان بن قرم بفتح القاف وسكون الراء الراء ابن معاذ البصري النحوي ومنهم من ينسبه إلى جده سيئ الحفظ يتشيع من السابعة
قوله (خشيت سودة) بنت زمعة بن قيس القرشية العامرية تزوجها رسول الله بمكة
بعد موت خديجة ودخل عليها بها وكان دخوله بها قبل دخوله على عائشة بالاتفاق وهاجرت
معه وتوفيت في آخر خلافة عمر بن الخطاب (أن يطلقها النبي فقالت إلخ)
319

قال الحافظ في الفتح بعد نقل هذا الحديث عن الترمذي وله شاهد في الصحيحين من
حديث عائشة بدون ذكر نزول الآية انتهى
قلت روى الشيخان عن عائشة أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة وكان النبي يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة قال الحافظ في الفتح ووقع في رواية مسلم من طريق عقبة بن
خالد عن هشام لما أن كبرت سودة وهبت وأخرج أبو داود هذا الحديث وزاد فيه بيان سببه
أوضح من رواية مسلم فروى عن أحمد بن يونس عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن
عروة بالسند المذكور وكان رسول الله لا يفضل بعضنا على بعض في القسم الحديث وفيه
ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وخافت أن يفارقها رسول الله يا رسول الله يومي
لعائشة فقبل ذلك منها ففيها وأشباهها نزلت وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا الآية (إلى
أن قال) فتواردت هذه الروايات على أنها خشيت الطلاق فوهبت وأخرج ابن سعد بسند رجاله
ثقات من رواية القاسم بن أبي بزة مرسلا أن النبي طلقها فقعدت على طريقه فقالت والذي
بعثك بالحق مالي في الرجال حاجة ولكن أحب أن أبعث مع نسائك يوم القيامة فأنشدك بالذي
أنزل عليك الكتاب هل طلقتني لموجدة وجدتها علي قال لا قالت فأنشدك لما راجعتني
فراجعها قالت فإني قد جعلت يومي وليلتي لعائشة حبة رسول الله انتهى
قلت رواية ابن سعد هذه مرسلة فهي لا تقاوم حديث ابن عباس وما أفقه في أن سودة
خشيت الطلاق فوهبت فلا جناح عليهما أن يصلحا من الاصلاح وهي قراءة الكوفيين وفي
بعض النسخ أن يصالحا من التصالح وهي قراءة الجمهور والآية بتمامها مع تفسيرها هكذا وإن
امرأة مرفوع بفعل يفسره خافت توقعت من بعلها زوجها نشوزا ترفعا عليها بترك
مضاجعتها والتقصير في نفقتها لبغضها وطموح عينيه إلى أجمل منها أو إعراضا عنها بوجهه فلا
جناح عليهما أن يصالحا فيه إدغام التاء في الأصل في الصاد وفي قراءة يصلحا من أصلح بينهما
صلحا في القسم والنفقة بأن يترك لها شيئا لبقاء الصحبة فإن رضيت بذلك وإلا فعلى الزوج أن
يوفيها حقها أو يفارقها والصلح خير من الفرقة والنشوز والإعراض قال تعالى في بيان ما جبل
عليه الإنسان وأحضرت الأنفس الشح شدة البخل أي جبلت عليه فكأنها حاضرته لا تغيب
عنه المعنى أن المرأة لا تكاد تسمح بنصيبها من زوجها والرجل لا يكاد يسمح عليها بنفسه إذا
أحب غيرها وإن تحسنوا عشرة النساء وتتقوا الجور عليهن فإن الله كان بما تعملون خبيرا
320

فيجازيكم به كذا في الجلالين فما اصطلحا عليه من شئ فهو جائز وفي رواية أبو داود
الطيالسي في مسنده قال ابن عباس فما اصطلحا عليه من شئ فهو جائز
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه ابن المنذر والطبراني والبيهقي
قوله (قال آخر آية أنزلت أو آخر شئ أنزل) الشك من الراوي (يستفتونك) أي عن
مواريث الكلالة وحذف لدلالة السياق عليه في قوله تعالى قل الله يفتيكم في الكلالة تقدم
تفسير الكلالة وما فيه من الاختلاف في باب ميراث الأخوات من أبواب الفرائض والآية بتمامها
مع تفسيرها هكذا يستفتونك أي يسألونك عن ميراث الكلالة يا محمد قل الله يفتيكم يعني أن
الله يخبركم عما سألتم عنه إن امرؤ مرفوع بفعل يفسره هلك أي مات ليس له ولد أي ولا
والد وهو الكلالة
قال الحافظ ابن كثير تمسك به من ذهب إلى أنه ليس من شرط الكلالة انتفاء الوالد بل يكفي
وجود الكلالة انتفاء الولد وهو رواية عن عمر بن الخطاب رواها ابن جرير عنه بإسناد
صحيح إليه ولكن الذي يرجع إليه قول الجمهور وقضى الصديق أنه الذي لا ولد له ولا والد
ويدل على ذلك قوله وله أخت فلها نصف ما ترك ولو كان معها أب لم ترث شيئا لأنه يحجبها
بالإجماع فدل على أنه من لا ولد له بنص القرآن ولا والد بالنص عند التأمل أيضا لأن الأخت
لا يفرض لها النصف مع الوالد بل ليس لها ميراث بالكلية وقد نقل ابن جرير وغيره عن ابن
عباس وابن الزبير أنهما كانا يقولان في الميت ترك بنتا وأختا أنه لا شئ للأخت لقوله إن امرؤ
هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك قال فإذا ترك بنتا وقد ترك ولدا فلا شئ
للأخت وخالفه الجمهور فقالوا في هذه المسألة للبنت النصف بالفرض وللأخت النصف الآخر
بالنصيب بدليل غير هذه الآية وله أخت أي لأب وأم أو لأب فلها نصف ما ترك أي
الميت وهو أي الأخ لأب وأم أو لأب يرثها أي يرث جميع تركة الأخت إن لم يكن لها ولد
أي ذكر يعني أن الأخت إذا ماتت وتركت أخا من الأب والأم أو من الأب فإنه يستغرق جميع
ميراث الأخت إذا انفرد ولم يكن للأخت ولد فإن كان لها ولد ذكر فلا شئ له أو أنثى فله ما
321

فضل عن نصيبها ولو كانت الأخت أو الأخ من أم ففرضه السدس فلو كانتا أي الأختان
اثنتين أي فصاعدا فلهما الثلثان مما ترك أي الأخ وإن كانوا أي الورثة إخوة رجالا ونساء أي
ذكورا ونساء فللذكر منهم مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم شرائع دينكم أن تضلوا أي مخافة
أن تضلوا والله بكل شئ عليم ومنه الميراث
تنبيه حديث البراء المذكور يدل على أن آخر آية نزلت يستفتونك قل ما الله يفتيكم إلخ
وروى البخاري عن ابن عباس قال آخر آية نزلت على النبي آية الربا ويجمع بينهما بأن
الاخرية في حديث البراء مفيدة بما يتعلق بالمواريث بخلاف حديث ابن عباس ويحتمل عكسه
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي
قوله (ويقال ابن يحمد) بضم التحتية وكسر الميم
قوله (أخبرنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس بن عبد الله ابن قيس الكوفي
التميمي اليربوعي نسب إلى جده ثقة حافظ من كبار العاشرة
قوله (جاء رجل) قال الخطابي روي أن هذا الرجل هو عمر بن الخطاب ويشبه أن يكون
إنما لم يفته عن مسألته ووكل الأمر في ذلك إلى بيان الآية اعتمادا على علمه وفهمه انتهى ملخصا
(فقال يا رسول الله يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) زاد أبو داود في روايته فما الكلالة وفي
رواية أحمد جاء رجل إلى النبي فسأله عن الكلالة (تجزئك) أي تكفيك (آية الصيف) أي
التي في آخر سورة النساء وهي قوله تعالى ويستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة الآية قال
الخطابي أنزل الله في الكلالة آيتين أحدهما في الشتاء وهي الآية التي في سورة النساء وفيها إجمال
وإبهام لا يكاد يتبين هذا المعنى من ظاهرها ثم أنزل الآية الأخرى في الصيف وهي التي في آخر
سورة النساء وفيها من زيادة البيان ما ليس في آية الشتاء فأحال السائل عليها ليتبين المراد
بالكلالة المذكورة فيها انتهى قال أبو داود بعد رواية هذا الحديث قلت لأبي إسحاق هو من
مات ولم يدع ولدا ولا والدا قال كذلك ظنوا أنه كذلك انتهى
322

قال الخطابي اختلفوا في الكلالة من هو فقال أكثر الصحابة هو من لا ولد له ولا والد
وروي عن عمر بن الخطاب مثل قولهم وروي عنه أنه قال هو من لا ولد له ويقال إن هذا
آخر قوليه وحديث البراء هذا أخرجه أيضا أحمد وأبو داود وسكت عنه هو والمنذري
(ومن سورة المائدة)
هي مائة وثلاث وعشرون آية قال القرطبي هي مدنية بالإجماع
قوله (قال رجل من اليهود) هذا الرجل هو كعب الأحبار بين ذلك مسدد في مسنده
والطبري في تفسيره والطبراني في الأوسط وللبخاري في المغازي من طريق الثوري عن قيس بن
مسلم أن ناسا من اليهود وله في التفسير من هذا الوجه بلفظ قالت اليهود فيحمل على أنهم
كانوا حين سؤال كعب عن ذلك جماعة وتكلم كعب على لسانهم (لاتخذنا ذلك اليوم عيدا) أي
لعظمناه وجعلناه عيدا لنا في كل سنة لعظم ما حصل فيه من إكمال الدين (فقال عمر إني لأعلم أي
يوم أنزلت هذه الآية أنزلت يوم عرفة في يوم الجمعة)
فإن قيل كيف طابق الجواب السؤال لأنه قال لاتخذناه عيدا وأجاب عمر رضي الله عنه
بمعرفة الوقت والمكان ولم يقل جعلناه عيدا
والجواب أن هذه الرواية اكتفى فيها بالإشارة وإلا فرواية إسحاق قد نصت على المراد
ولفظه نزلت يوم الجمعة يوم عرفة وكلاهما بحمد الله لنا عيد لفظ الطبري والطبراني وهما لنا
عيدان وكذا عند الترمذي من حديث ابن عباس أن يهوديا سأله عن ذلك فقال نزلت في يوم عيدين يوم جمعة ويوم عرفة فظهر أن الجواب تضمن أنهم اتخذوا ذلك اليوم عيدا وهو يوم
323

الجمعة واتخذوا يوم عرفة لأنه ليلة العيد وهذا كما جاء في الحديث شهرا عيد لا ينقصان
رمضان وذو الحجة فسمى رمضان عيدا لأنه يعقبه العيد قاله الحافظ
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري في الإيمان والتفسير وغيرهما ومسلم
في اخر الكتاب والنسائي في الحج والإيمان
قوله اليوم أكملت لكم دينكم أحكامه وفرائضه فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام
وأتممت عليكم نعمتي بإكماله وقيل بدخول مكة آمنين ورضيت اخترت لكم الاسلام
دينا حال أي اخترته لكم من بين الأديان وآدنتكم بأنه هو الدين المرضي وحده وأخرجه ابن
جرير في تفسيره
قوله (يمين الرحمن ملأى) بفتح الميم وسكون اللام وهمزة مع القصر تأنيث ملان قال
الحافظ المراد من قوله ملأى لازمه وهو أنه في غاية الغنى وعنده من الرزق ما لا نهاية له في علم
الخلائق (سحاء) بفتح المهملتين مثقل ممدود أي دائمة الصب يقال سح بفتح أوله مثقل يسح
بكسر السين في المضارع ويجوز ضمها (لا يغيضها) بالمعجمتين بفتح أوله أي لا ينقصها لازم
ومتعد يقال غاض الماء يغيض إذا نقص وغضته أنا أغيضه أي لا يغيضها نفقة كما في رواية
الشيخين أو لا يغيضها شئ كما في رواية لمسلم (الليل والنهار) بالنصب على الظرف أي فيهما
(أرأيتم) أي أخبروني وقيل أعلمتم وأبصرتم (ما أنفق) ما مصدرية أي إنفاق الله وقيل ما
موصولة متضمنة معنى الشرط أي الذي أنفقه (منذ خلق السماوات) زاد البخاري وغيره والأرض
324

أي من يوم خلق السماوات فإنه أي الانفاق أو الذي أنفق (لم يغض) أي لم ينقص (ما في يمينه) أي
الذي في يمينه (وعرشه على الماء) حال من ضمير خلق ومناسبة ذكر العرض هنا أن السامع هنا
يتطلع من قوله خلق السماوات والأرض ما كان قبل ذلك فذكر ما يدل على أن عرشه قبل خلق
السماوات والأرض كان على الماء كما وقع في حديث عمران بن حصين بلفظ كان الله ولم يكن
شئ قبله وكان عرشه على الماء ثم خلق السماوات والأرض (وبيده الأخرى الميزان) قال الخطابي
الميزان هنا مثل وإنما هو قسمته بالعدل بين الخلق (يخفض ويرفع) أي يوسع الرزق على من يشاء
ويقتر كما يصنعه الوزان عند الوزن يرفع مرة ويخفض أخرى وأئمة السنة على وجوب الإيمان بهذا
وأشباهه من غير تفسير بل يجري على ظاهره ولا يقال كيف قاله العيني
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (وهذا الحديث في تفسير هذه الآية) وقالت اليهود لما ضيق عليهم بتكذيبهم
النبي بعد أن كانوا أكثر الناس مالا يد الله مغلولة مقبوضة عن إدرار الأرزاق علينا كنوا به
عن البخل تعالى عن ذلك قال تعالى غلت أمسكت أيديهم عن فعل الخيرات دعاء
عليهم وبقية الآية مع تفسيرها هكذا ولعنوا بما قالوا أي طردوا عن رحمة الله بسبب ما قالوا
بل يداه مبسوطتان مبالغة في الوصف بالجود وثنى اليد لإفادة الكثرة إذ غاية ما يبذله السخي
من ماله أن يعطي بيده ينفق كيف يشاء من توسيع وتضييق لا اعتراض عليه
قوله (وهذا الحديث قال الأئمة يؤمن به كما جاء الخ) تقدم الكلام في هذه المسألة في باب
فضل الصدقة من أبواب الزكاة
قوله (أخبرنا الحارث بن عبيد) الإيادي بكسر الهمزة بعدها تحتانية أبو قدامة البصري
صدوق يخطئ من الثامنة
325

قوله (يحرس) بصيغة المجهول من الحراسة أي يحفظه الصحابة رضي الله تعالى عنهم
عن الكفار والله يعصمك من الناس أي يحفظك يا محمد ويمنعك منهم والمراد بالناس هنا
الكفار
فإن قيل أليس قد شج رأسه وكسرت رباعيته يوم أحد وقد أوذي بضروب من الأذى
فكيف يجمع بين ذلك وبين قوله (والله يعصمك من الناس)
قلت المراد منه أنه يعصمه من القتل فلا يقدر عليه أحد أراده بالقتل وقيل في الجواب عن
هذا إن هذه الآية نزلت بعد ما شج رأسه في يوم أحد لأن سورة المائدة من آخر القرآن نزولا
قوله (هذا حديث غريب) قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث وإسناده حسن
واختلف في وصله وإرساله والحديث أخرجه أيضا ابن أبي حاتم وابن جرير والحاكم في
مستدركه وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه (وروى بعضهم هذا الحديث عن الجريري عن
عبد الله بن شقيق قال كان النبي يحرس ولم يذكروا فيه عن عائشة) قال الحافظ ابن كثير بعد
نقل كلام الترمذي هذا هكذا رواه ابن جرير من طريق إسماعيل بن علية وابن مردويه من طريق
وهيب كلاهما عن الجريري عن عبد الله بن شقيق مرسلا
قوله (عن علي بن بذيمة) بفتح الموحدة وكسر المعجمة الخفيفة بعدها تحتانية ساكنة
الجزري كنيته أبو عبد الله مولى جابر بن سمرة السوائي كوفي الأصل ثقة رمي بالتشيع من
السادسة (عن أبي عبيدة) بن عبد الله بن مسعود
326

قوله (في المعاصي) أي من الزنا وصيد يوم السبت وغيرهما (فنهتهم علماؤهم) أي أولا
(فلم ينتهوا) أي فلم يقبلوا النهي ولم يتركوا المنهى (فجالسوهم) أي العلماء (في مجالسهم) أي
مجالس بني إسرائيل العصاة ومساكنهم (وواكلوهم) من المواكلة مفاعلة للمشاركة في الأكل وكذا
قوله وشاربوهم (فضرب الله قلوب بعضهم على بعض) وفي الراوية الآتية ببعض قال القاري
أي خلط قلوب بعضهم ببعض يقال ضرب اللبن بعضه ببعض أي خلطه ذكره الراغب
وقال ابن الملك الباء للسببية أي سود الله قلب من لم يعص بشؤم من عصى فصارت قلوب
جميعهم قاسية بعيدة عن قبول الحق والخير أو الرحمة بسبب المعاصي ومخالطة بعضهم بعضا
انتهى
قال القاري وقوله قلب من لم يعص ليس على إطلاقه لأن مواكلتهم ومشاربتهم من
إكراه وإلجاء بعد عدم انتهائهم عن معاصيهم معصية ظاهرة لأن مقتضى البغض في الله أن
يبعدوا عنهم ويهاجروهم ويقاطعوهم ولم يواصلوهم (ولعنهم) أي العاصين والساكتين المصاحبين (على لسان داود) بأن دعا
عليهم فمسخوا قردة وهم أصحاب أيلة (وعيسى بن مريم) بأن دعا عليهم فمسخوا خنازير وهم أصحاب المائدة (ذلك) أي اللعن (بما عصوا) أي بسبب عصيانهم
مباشرة ومعاشرة (وكانوا يعتدون) أي يتجاوزون عن الحد (قال) أي ابن مسعود (فجلس
رسول الله وكان متكئا) أي على أحد شقيه أو مستندا إلى ظهره قبل ذلك فجلس مستويا
للاهتمام بإتمام الكلام (فقال لا) أي لا تعذرون أو لا تنجون من العذاب أنتم أيها الأمة خلف
أهل تلك الأمة (والذي نفسي بيده حتى تأطروهم) بهمزة ساكنة ويبدل وبكسر الطاء (أطرا)
بفتح الهمزة مفعول مطلق للتأكيد أي حتى تمنعوا أمثالهم من أهل المعصية قال في المجمع أي لا
تنجون من العذاب حتى تميلوهم من جانب إلى جانب من أطرت القوس آطرها بكسر طاء أطرا بسكونها
إذا حنيتها أي تمنعوهم من الظلم وتميلوهم عن الباطل إلى الحق وقال الطيبي حتى متعلقة بلا كأن
قائلا قال له عند ذكر مظالم بي إسرائيل هل يعذر في تخلية الظالمين وشأنهم فقال لا حتى تأطروهم
وتأخذوا على أيديهم والمعنى لا تعذرون حتى تجبروا الظالم على الاذعان للحق وإعطاء النصفة
للمظلوم واليمين معترضة بين لا وحتى وليست لا هذه بتلك التي يجئ بها المقسم تأكيدا لقسمه
انتهى
327

قوله (قال يزيد) هو ابن هارون (وكان سفيان الثوري لا يقول فيه عن عبد الله) كما ذكره
الترمذي فيما بعد بقوله حدثنا محمد بن بشار أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي أخبرنا سفيان إلخ
ورواه أيضا ابن ماجة بهذا السند مرسلا
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة قال المنذري وأبو
عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه فهو منقطع
قوله (وقد روي هذا الحديث عن محمد بن مسلم بن أبي الوضاح عن علي بن بذيمة الخ)
وصله الترمذي فيما بعد بقوله حدثنا محمد بن بشار أخبرنا أبو داود وأملاه علي أخبرنا محمد بن
مسلم بن أبي الوضاح إلخ
قوله (لم يمنعه ما رأى منه) أي لم يمنع الناهي ما رأى هو من المذنب من وقوعه على الذنب
(أن يكون) أي من أن يكون الناهي (أكيله وشريبه) أي مواكل المذنب ومشاربه ومخالطه ولفظ
أبي داود أن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق
الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده
328

قوله (وأملاه علي) أي ألقى على الحديث فكتبته
قوله (أخبرنا أبو عاصم) اسمه الضحاك مخلد النبيل (أخبرنا عثمان بن سعد) الكاتب
المعلم
قوله (فأنزل الله يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) أي ما طاب ولذ
من الحلال ومعنى لا تحرموا لا تمنعوها أنفسكم كمنع التحريم أو لا تقولوا حرمناها على أنفسنا
مبالغة منكم في العزم على تركها تزهدا منكم وتقشفا ولا تعتدوا أي ولا تجاوزوا الحد الذي حد
عليكم في تحليل أو تحريم أو ولا تتعدوا حدود ما أحل لكم إلى ما حرم عليكم أو ولا تسرفوا في
تناول الطيبات إن الله لا يجب المعتدين حدوده وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا حلالا حال مما
رزقكم الله
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير
قوله (أخبرنا محمد بن يوسف) هو الضبي الفريابي (أخبرنا أبو إسحاق) هو السبيعي (عن
329

عمرو بن شرحبيل) الهمداني أبي ميسرة الكوفي ثقة عابد مخضرم
قوله (بيان شفاء) بإضافة أي بيانا شافيا أبي ميسرة الكوفي ثقة أي القمار يعني ما
حكمهما قل لهم فيهما أي في تعاطيهما إثم كبير أي عظيم لما يحصل بسببهما من المخاصمة
والمشاتمة وقول الفحش الآية أي ومنافع للناس باللذة والفرح في الخمر وإصابة المال بلا كد في
الميسر وإثمهما أي ما ينشأ عنهما من المفاسد أكبر أعظم من نفعهما لأن أصحاب الشرب
والقمار يقترفون فيهما الآثام من وجوه كثيرة (فقرئت عليه) أي الآية المذكورة إنما يريد الشيطان
أن يوقع بينكم لعداوة والبغضاء في الخمر والميسر وبعده ويصدكم عن ذكر الله وعن
الصلاة فهل أنتم منتهون (فقال) أي عمر (انتهينا انتهينا) أي عن إتيانهما أو عن طلب البيان الشافي
والظاهر هو الأول وفي رواية أبي داود فنزلت هذه الآية فهل أنتم منتهون
قال الطيبي فنزلت هذه الآية يعني قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر
الآيتين وفيهما دلائل سبعة على تحريم الخمر أحدها قوله (رجس) والرجس هو النجس وكل
نجس حرام والثاني قو له (من عمل الشيطان) وما هو من عمله حرام والثالث قوله
(فاجتنبوه) وما أمر الله تعالى باجتنابه فهو حرام والرابع قوله (لعلكم تفلحون) وما علق رجاء
الفلاح باجتنابه فالإتيان به حرام والخامس قوله (يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة
والبغضاء في الخمر والميسر وما هو سبب وقوع العداوة والبغضاء بين المسلمين فهو حرام
والسادس قوله (يصدكم عن ذكر الله وعن
الصلاة) وما يصد به الشيطان عن ذكر الله وعن الصلاة فهو حرام والسابع قوله (فهل أنتم منتهون) معناه انتهوا وما أمر الله عباده بالانتهاء عنه
فالإتيان به حرام انتهى
330

قوله (وقد روي عن إسرائيل مرسلا) أي روي عنه عن أبي إسحاق عن عمرو بن
شرحبيل بلفظ أن عمر بن الخطاب قال اللهم إلخ كما بينه الترمذي بعد هذا
(حدثنا محمد بن العلاء) كنيته أبو كريب وهو مشهور بها (عن أبي ميسرة) هو كنيته
عمرو بن شرحبيل المذكور في الإسناد المتقدم (وهذا أصح من حديث محمد بن يوسف) أي
حديث وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن شرحبيل بلفظ أن عمر بن الخطاب قال
أصح من حديث محمد بن يوسف عن أبي إسحاق عن عمر وبلفظ عن عمر بن الخطاب أنه
قال لأن وكيعا أحفظ من محمد بن يوسف
قلت فيه أن محمد بن يوسف لم ينفرد بلفظ عن عمر بل قد تابعه على هذا اللفظ
إسماعيل بن جعفر عند أبي داود وخلف بن الوليد عند أحمد وحديث عمر هذا أخرجه أيضا أحمد
وأبو داود والنسائي وقال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث صححه علي بن المديني
والترمذي وكذا قال الحافظ ابن كثير في تفسيره
قوله (فلما حرمت) قال الحافظ والذي يظهر أن تحريمها كان عام الفتح سنة ثمان وذكر
روايات تدل على ذلك ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا أي لا حرج
عليهم ولا إثم عليهم فيما شربوا من الخمر وأكلوا من مال القمار في وقت الإباحة قبل التحريم
331

قال ابن قتيبة يقال لم أطعم خبزا ولا ماء ولا نوما قال الشاعر
فإن شئت حرمت النساء سواكمو وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا
النقاخ الماء والبرد النوم إذا ما اتقوا أي إذا ما اتقوا الشرك وقيل اتقوا ما حرم الله
عليهم وآمنوا يعني بالله ورسوله وعملوا الصالحات أي ازدادوا من عمل الصالحات ثم
اتقوا وآمنوا أي اتقوا الخمر والميسر بعد التحريم فعلى هذا تكون الأولى إخبارا عن حال من
مات وهو يشربها قبل التحريم أنه لا جناح عليه والثانية خطاب من بقي بعد التحريم أمروا
باتقائها والإيمان بتحريمها ثم اتقوا أي ما حرم عليهم في المستقبل وأحسنوا أي العمل
وقيل المراد بالاتقاء الأول فعل التقوى وبالثاني المداومة عليها وبالثالث اتقاء الظلم مع ضم
الإحسان إليه وقيل إن المقصود من التكرير التأكيد والمبالغة في الحث على الإيمان والتقوى وضم
الاحسان إليهما والله يحب المحسنين أي أنه تعالى يحب المتقربين إليه بالإيمان والأعمال الصالحة
والتقوى والإحسان
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والطيالسي وقد رواه شعبة عن أبي
إسحاق عن البراء أيضا أي كما أن إسرائيل روى هذا الحديث عن أبي إسحاق عن البراء كذلك
رواه شعبة أيضا عن أبي إسحاق عن البراء
قوله (أرأيت) أي أخبرني (وهم يشربون الخمر) جملة حالية لما نزل تحريم الخمر
ظرف بقوله قالوا أي قالوا حين نزل تحريم الخمر قال في القاموس لما تكون بمعنى حين
ولم الجازمة وإلا
332

قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وزاد في آخره ولما حولت القبلة قال
ناس يا رسول الله إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس فأنزل الله وما كان الله
ليضيع إيمانكم
قوله قال لي رسول الله قيل لي) أنت منهم قال النووي معناه أن ابن مسعود منهم
انتهى وقال الخازن معناه أن رسول الله قيل له إن ابن مسعود منهم يعني من الذين آمنوا
وعملوا الصالحات إلخ
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي
قوله (أخبرنا منصور بن وردان) الأسدي العطار الكوفي مقبول من التاسعة (عن أبيه
) هو عبد الأعلى بن عامر الثعلبي بالمثلثة والمهملة الكوفي صدوق يهم من السادسة
قوله (في كل عام) بحذف همزة الاستفهام (ولو قلت نعم لوجبت) استدل بظاهره على أن
الايجاب كان مفوضا إليه كما ذهب إليه بعضهم ورد بأن قوله لو قلت أعم من أن يكون
من تلقاء نفسه أو بوحي نازل أو رأي يراه إن جوزنا له الاجتهاد والدال على الأعم لا يدل على
الأخص قاله الطيبي وغيره لا تسألوا عن أشياء قال الخليل وسيبويه وجمهور البصريين أصله
شيئاء بهمزتين بينهما ألف وهي فعلاء من لفظ شئ وهمزتها الثانية للتأنيث ولذا لم تنصرف
333

كحمراء وهي مفردة لفظا جمع معنى ولما استثقلت الهمزتان المجتمعتان قدمت الأولى التي هي لام
الكلمة فجعلت قبل الشين فصار وزنها لفعاء إن تبد لكم أي تظهر لكم تسؤكم لما فيها من
المشقة وان تسألوا عنها حين ينزل القرآن اي في زمن النبي تبد لكم المعنى إذا سألتم عن
أشياء في زمنه ينزل القران بإبدائها ومتى ابداها ساءتكم فلا تسألوا عنها
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وابن ماجة وقد تقدم هذا الحديث
بإسناده ومتنه في باب كم فرض الحج وبينت هناك أن هذا الحديث منقطع
قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وابن عباس) تقدم تخريج حديثيهما في الباب المذكور
قوله (حدثنا محمد بن معمر) بن ربعي القيسي (أبو عبد الله البصري) البحراني بالموحدة
والمهملة صدوق من كبار الحادية عشرة (أخبرني موسى بن أنس) بن مالك الأنصاري قاضي
البصرة ثقة من الرابعة
قوله (قال رجل) هو عبد الله بن حذافة القرشي السهمي وفي رواية البخاري أن
رسول الله خرج فقام عبد الله بن حذافة فقال من أبي (من أبي) جملة من المبتدأ والخبر مقول
القول
فإن قلت لم سأله عن ذلك
قلت لأنه كان ينسب إلى غير أبيه إذا لاحى أحدا فنسبه عليه الصلاة والسلام إلى أبيه
فإن قلت من أين عرف رسول الله أنه ابنه
قلت إما بالوحي وهو الظاهر أو بحكم الفراسة قاله العيني (لا تسألوا عن أشياء الخ)
قال الحافظ قد تعلق بهذا النهي من كره السؤال عما لم يقع وقد أسنده الدارمي في مقدمة كتابه عن
جماعة من الصحابة والتابعين وقال ابن العربي اعتقد قوم من الغافلين منع أسئلة النوازل حتى
334

تقع تعلقا بهذه الآية وليس كذلك لأنها مصرحة بأن المنهي عنه ما تقع المسألة في جوابه ومسائل
النوازل ليست كذلك وهو كما قال إلا أنه أساء في قوله الغافلين على عادته كما نبه عليه القرطبي
وقد روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص رفعه أعظم المسلمين بالمسلمين جرما من سأل عن شئ
لم يحرم فحرم من أجل مسألته وهذا يبين المراد من الآية وليس مما أشار إليه ابن العربي في شئ
انتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي
قوله (أنه قال يا أيها الناس) وفي رواية أحمد قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه فحمد الله
وأثنى عليه ثم قال يا أيها الناس (إنكم تقرؤون هذه الآية) زاد أبو داود في روايته وتضعونها على
غير مواضعها يعني تجرونها على عمومها وتمتنعون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلقا
وليس كذلك يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم انتصب أنفسكم بعليكم وهو من أسماء
الأفعال أي الزموا إصلاح أنفسكم واحفظوها عن المعاصي والكاف والميم في عليكم في موضع
جر لأن اسم الفعل هو الجار والمجرور لا على وحدها لا يضركم من ضل إذا اهتديتم أي فإذا
ألزمتم إصلاح أنفسكم وحفظتموها لم يضركم إذا عجزتم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ضلال من ضل بارتكاب المناهي إذا اهتديتم اجتنابها وليس في هذه الآية دليل على ترك الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كان فعل ذلك ممكنا (فلم يأخذوا على يديه) أي لم يمنعوه عن ظلمه
مع القدرة على منعه أن يعمهم الله بعقاب منه أي بنوع من العذاب
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وقد
تقدم هذا الحديث في باب نزول العذاب إذ لم يغير المنكر من أبواب الفتن
335

قوله (وقد رواه غير واحد عن إسماعيل بن أبي خالد نحو هذا الحديث مرفوعا الخ) قال
الحافظ ابن كثير في تفسيره بعد ذكر هذا الحديث قد روى هذا الحديث أصحاب السنن الأربعة
وابن حبان في صحيحه وغيرهم من طرق كثيرة عن جماعة كثيرة عن إسماعيل بن أبي خالد به
متصلا مرفوعا ومنهم من رواه عنه به موقوفا على الصديق وقد رجح رفعه الدارقطني وغيره
قوله (أخبرنا عتبة بن أبي حكيم) الهمداني بسكون الميم أبو العباس الأردني بضم الهمزة
والدال بينهما راء ساكنة وتشديد النون صدوق يخطي كثيرا من السادسة (أخبرنا عمرو بن
جارية) بالجيم اللخمي شامي مقبول وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته يقال إنه عم عتبة بن
أبي حكيم ذكره ابن حبان في الثقات له عندهم حديث واحد من رواية أبي أمية عن أبي ثعلبة إذا
رأيت شحا مطاعا الحديث (عن أبي أمية الشعباني) الدمشقي اسمه يحمد بضم التحتانية وسكون
المهملة وكسر الميم وقيل بفتح أوله والميم وقيل اسمه عبد الله مقبول من الثانية
قوله (فقلت له كيف تصنع في هذه الآية) وفي رواية أبي داود كيف تقول في هذه الآية
يعني ما معنى هذه الآية وما تقول فيها فإن ظاهرها يدل على أنه لا حاجة إلى الأمر والنهي بل على
كل مسلم إصلاح نفسه (أما) بالتخفيف حرف التنبيه (لقد سألت) بفتح التاء بصيغة الخطاب
(خبيرا) أي عارفا وعالما بمعنى هذه الآية (سألت) بضم التاء بصيغة المتكلم (بل ائتمروا) أي
امتثلوا (بالمعروف) أي ومنه الأمر به (وتناهوا) أي انتهوا واجتنبوا (عن المنكر) ومنه الامتناع عن
نهيه أو الائتمار بمعنى التامر كالاختصام بمعنى التخاصم ويؤيده التناهي والمعنى ليأمر بعضكم
بعضا بالمعروف وتنه طائفة منكم طائفة عن المنكر
وقال الطيبي رحمه الله قوله بل ائتمروا إضراب عن مقدر أي سألت عنها رسول الله
336

وقلت أما نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بناء على ظاهر الآية فقال عليه الصلاة والسلام
لا تتركوا بل ائتمروا بالمعروف الخ (حتى إذا رأيت) أي أيها المخاطب خطابا عاما والمعنى إذا
علمت الغالب على الناس (شحا مطاعا) أي بخلا مطاعا بأن أطاعته نفسك وطاوعه غيرك قاله
القاري وفي النهاية هو أشد البخل وقيل البخل مع الحرص وقيل البخل في أفراد الأمور
وآحادها والشح عام وقيل البخل بالمال والشح بالمال وبالمعروف (وهوى متبعا) بصيغة
المفعول أي وهوى للنفس متبوعا وحاصله أن كلا يتبع هواه (ودنيا) بالقصر وهي عبارة عن
المال والجاه في الدار الدنية (موثرة) أي مختارة على أمور الدين (وإعجاب كل ذي رأي برأيه) أي
من غير نظر إلى الكتاب والسنة والإعجاب بكسر الهمزة هو وجدان الشئ حسنا ورؤيته
مستحسنا بحيث يصير صاحبه به معجبا وعن قبول كلام الغير مجنبا وإن كان قبيحا في نفس الأمر
(فعليك نفسك) منصوب وقيل مرفوع أي فالواجب أو فيجب عليك حفظها من المعاصي لكن
يؤيد الأول وهو أن يكون للإغراء بمعنى الزم خاصة نفسك قوله (ودع العوام) أي اترك أمر عامة
الناس الخارجين عن طريق الخواص (فإن من وراءكم أياما) أي قدامكم من الأزمان الآتية
(الصبر فيهن مثل القبض على الجمر) يعني يلحقه المشقة بالصبر في تلك الأيام كمشقة الصابر على
قبض الجمر بيده (يعملون مثل عملكم) وفي رواية أبي داود يعملون مثل عمله أي في غير
زمانه (قال لا بل أجر خمسين رجلا منكم) قال في اللمعات يدل على فضل هؤلاء في الأجر
على الصحابة من هذه الحيثية وقد جاء أمثال هذا أحاديث أخر وتوجيهه كما ذكروا أن الفضل
الجزئي لا ينافي الفضل الكلي
وقد تكلم ابن عبد البر في هذه المسألة وقال يمكن أن يجئ بعد الصحابة من هو في درجة
بعض منهم أو أفضل ومختار العلماء خلافه انتهى
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام ليس هذا على إطلاقه بل هو مبني على قاعدتين
أحديهما أن الأعمال تشرف بثمراتها والثانية أن الغريب في آخر الاسلام كالغريب في أوله
337

وبالعكس لقوله عليه السلام بدأ الاسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبي للغرباء من أمتي
يريد المنفردين عن أهل زمانهم
إذا تقرر ذلك فنقول الإنفاق في أول الاسلام أفضل لقوله عليه السلام لخالد بن الوليد
رضي الله عنه لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه أي مد الحنطة
والسبب فيه أن تلك النفقة أثمرت في فتح الاسلام وإعلاء كلمة الله ما لا يثمر غيرها وكذلك
الجهاد بالنفوس لا يصل المتأخرون فيه إلى فضل المتقدمين لقلة عدد المتقدمين وقلة أنصارهم
فكان جهادهم أفضل ولأن بذل النفس مع النصرة ورجاء الحياة ليس كبذلها مع عدمها ولذلك
قال عليه السلام يكون القابض على دينه كالقابض على الجمر لا يستطيع دوام ذلك لمزيد المشقة
فكذلك المتأخر في حفظ دينه وأما المتقدمون فليسوا كذلك لكثرة المعين وعدم المنكر فعلى هذا
يترك الحديث انتهى كذا في مرقاة الصعود
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود وابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم
والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان
قوله (عن أبي النضر) اسمه محمد بن السائب بن بشر الكلبي الكوفي النسابة المفسر
متهم بالكذب ورمي بالرفض من السادسة (عن باذان) قال في التقريب باذام بالذال المعجمة
ويقال اخره نون أبو صالح مولى أم هانئ ضعيف مدلس من الثالثة (عن تميم الداري)
صحابي مشهور
قوله (قال برئ الناس منها) أي من هذه الآية (غيري وغير عدي بن بداء) بفتح الموحدة
وتشديد المهملة مع المد ووقع عند الواقد ي أن عدي بن بداء كان أخا تميم الداري فإن ثبت
فلعله أخوه لأمه أو من الرضاعة لكن في تفسير مقاتل بن حيان أن رحلين نصرانيين من أهل دارين
أحدهما تميم والاخر يماني قاله الحافظ (يختلفان إلى الشام) أي يترددان إليه للتجارة (يقال له
338

بديل بن أبي مريم) بضم الموحدة وفتح الدال المهملة مصغرا ووقع في رواية ابن جريج أنه كان
مسلما وكذا أخرجه بسنده في تفسيره (ومعه جام) بالجيم وتخفيف الميم أي إناء (يريد به الملك)
أي ليبيعه منه (وهو عظم تجارته) بضم العين المهملة وسكون الظاء المعجمة أي معظم أموال
تجارته أو بكسر العين المهملة وفتح الظاء المعجمة وعظم الشئ كبره (فمرض) أي بديل السهمي (
فأوصى إليهما) أي إلى تميم وعدي
وفي رواية أن السهمي المذكور مرض فكتب وصيته بيده ثم دسها في متاعه ثم أوصى إليهما
(أن يبلغا) من الابلاغ أي يوصلا (ما ترك) مفعول أول ليبلغا (أهله) مفعول ثان (فلما مات) أي
بديل (وفقدوا الجام) أي فقد أهل بديل الجام المذكور ولم يجدوه في متاعه (تأثمت من ذلك) أي
تحرجت منه قال في النهاية يقال تأثم فلان إذا فعل فعلا خرج به من الإثم كما يقال تحرج إذا
فعل ما يخرج به من الحرج (عند صاحبي) أي عدي بن بداء (فأتوا) أي أهل بديل (به) أي
بعدي بن بداء (فسألهم البينة) أي طلب النبي من أهل بديل البينة على ما أدعوه (فلم يجدوا)
أي البينة (أن يستحلفوه) أي عديا (فخلف) أي عدي
قوله (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم الخ) الآية بتمامها مع تفسيرها هكذا يا أيها
الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ارتفع اثنان لأنه خبر المبتدأ
بتقدير المضاف أي شهادة بينكم حينئذ شهادة اثنين أو فاعل شهادة بينكم على أن خبرها محذوف وأضاف الشهادة إلى البين توسعا لأنها جارية بينهم وإذا حضر ظرف
339

أي فيما نزل عليكم أن يشهد بينكم اثنان للشهادة إلى البين توسعا لأنها جارية بينهم
وملتكم يا معشر المؤمنين وقيل معناه من أقاربكم وهما صفتان لاثنان
واختلفوا في هذين الاثنين فقيل هما الشاهدان اللذان يشهدان على وصية الموصي وقيل
هما الوصيان لأن الآية نزلت فيهما ولأنه قال تعالى فيقسمان بالله والشاهد لا يلزمه يمين وجعل
الوصي اثنين تأكيدا فعلى هذا تكون الشهادة بمعنى الحضور كقولك شهدت وصية فلان بمعنى
حضرت أو آخران كائنان من غيركم يعني من غير أهل دينكم وملتكم وهم الكفار وقيل من
غير عشيرتكم وقبيلتكم وهم مسلمون والأول هو الأنسب بسياق الآية وبه قال أبو موسى
الأشعري وابن عباس وغيرهما فيكون في الآية دليل على جواز شهادة أهل الذمة على المسلمين في
السفر في خصوص الوصايا كما يفيده النظم القرآني ويشهد له السبب للنزول فإذا لم يكن مع
الموصي من يشهد على وصيته فليشهد رجلان من أهل الكفر فإذا قدما وأديا الشهادة على وصيته
حلفا بعد الصلاة أنهما ما كذبا ولا بدلا وأن ما شهد به حق فيحكم حينئذ بشهادتهما فإن عثر بعد
ذلك على أنهما كذبا أو خانا حلف رجلان من أولياء الموصى وغرم الشاهدان الكافران ما ظهر
عليهما من خيانة أو نحوها هذا معنى الآية عند من تقدم ذكره وبه قال سعيد بن المسيب
ويحيى بن يعمر وسعيد بن جبير وأبو مجلز والنخعي وشريح وعبيدة السلماني وابن سيرين ومجاهد
وقتادة والسدي والثوري وأبو عبيدة وأحمد بن حنبل وذهب إلى الثاني أعني تفسير ضمير منكم
بالقرابة أو العشيرة وتفسير غيركم بالأجانب الزهري والحسن وعكرمة وذهب مالك والشافعي وأبو
حنيفة وغيرهم من الفقهاء إلى أن الآية منسوخة واحتجوا بقوله ممن ترضون من الشهداء وقوله
وأشهدوا ذوي عدل منكم والكفار ليسوا بمرضيين ولا عدول وخالفهم الجمهور فقالوا الآية
محكمة وهو الحق لعدم وجود دليل صحيح على النسخ
وأما قوله تعالى ممن ترضون من الشهداء وقوله وأشهدوا ذوي عدل منكم وفهما
عامان في الأشخاص والأزمان والأحوال وهذه الآية خاصة بحالة الضرب في الأرض والوصية
وبحالة عدم الشهود المسلمين ولا تعارض بين خاص وعام إن أنتم ضربتم أي سافرتم
والظاهر أن هذا الشرط قيد في قوله آخران من
غيركم فقط والمعنى ينبغي أن يشهد اثنان منكم
فإن تعذر كما في السفر فمن غيركم الوصيين في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت يعني فنزل بكم أسباب الموت وقيل هو قيد في أصل شهادة وذلك أنسب على تقدير تفسير الآية
340

باتخاذ الوصيين في الأرض فاصابتكم مصيبة الموت يعني فنزل بكم أسباب الموت فأوصيتم إليهما
ودفعتم ما لكم إليها ثم ذهبا إلى ورثتكم بوصيتكم وبما تركتم فارتابوا في أمرهما وادعوا عليهما
خيانة فالحكم فيه أنكم تحبسونهما أي ترقفونهما وهو استئناف كلام أو صفة لقوله أو آخران من
غيركم أي وآخران من غيركم محبوسان والشرط بجوابه المحذوف المد لول عليه وآخران من غيركم
اعتراض بين الصفة والموصوف من بعد الصلاة أي من بعد صلاة العصر وبه قال عامة
المفسرين ووجهه ذلك أن هذا الوقت كان معروفا عندهم بالتحليف بعدها فالتقييد بالمعروف
المشهور أغنى عن التقييد باللفظ مع ما عند أهل الكفر بالله من تعظيم ذلك الوقت وذلك لقربه من
غروب الشمس فيقسمان أي الشاهدان على الوصية أو الوصيان بالله إن ارتبتم أي إن شككتم
في شأنهما واتهمتموهما فحلفوهما وبهذا يحتج من يقول الآية نازلة في إشهاد الكفار لأن
تحليف الشاهد المسلم غير مشروع
ومن قال الآية نازلة في حق المسلم قال إنها منسوخة وقوله إن ارتبتم اعتراض بين يقسمان
وجوابه وهو لا نشتري به أي بالقسم ثمنا أي لا نعتاض عنه بعوض قليل من الدنيا الفانية
الزائلة ولو كان ذا قربى أي ولو كان المشهود له أو المقسم له ذا قرابة منا ولا نكتم شهادة الله
إنما أضاف الشهادة إلى الله سبحانه لأنه أمر بإقامتها ونهى عن كتمانها إنا إذا لمن الآثمين يعني إن
كتمنا الشهادة أو خنا فيها فإن عثر يقال عثر على كذا اطلع عليه ويقال عثرت منه على خيانة أي
اطلعت وأعثرت غيري عليه ومنه قوله تعالى وكذلك أعثرنا عليهم وأصل العثور الوقوع
والسقوط على الشئ وقيل الهجوم على شئ لم يهجم عليه غيره وكل من اطلع على أمر كان قد
خفي عليه قيل له قد عثر عليه والمعنى أنه إذا اطلع وظهر بعد التحليف على أنهما أي الشاهدين أو
الوصيين على الخلاف في أن الاثنين وصيان أو شاهدان على الوصية استحقا إثما أي فعلا ما
يوجبه من خيانة أو كذب في الشهادة بأن وجد عندهما مثلا ما اتهما به وادعيا أنهما ابتاعاه من الميت أو
أوصى لهما به فآخران أي فشاهدان آخران أو فحالفان آخران من أولياء الميت يقومان مقامهما
أي مقام الذين عثر على أنهما استحقا إثما فيشهدان أو يحلفان على ما هو الحق من الذين
استحق عليهم على البناء للفاعل قراءة علي وابن عباس وأبي رضي الله عنهم أي من أهل الميت
الذين استحق عليهم الأوليان من بينهم أي الأقربان إلى الميت الوارثان له الأحقان بالشهادة
ومفعول استحق محذوف أي استحقا عليهم أن يجردوهما للقيام بالشهادة لأنها حقهما ويظهروا بها
كذب الكاذبين وهما في الحقيقة الآخران القائمان مقام الأولين على وضع المظهر مقام المضمر
وقرئ على البناء للمفعول وهو الأظهر أي من الذين استحق عليهم الإثم أي جنى عليهم وهم
341

أهل الميت وعشيرته فالأوليان مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف كأنه قيل ومنهما فقيل الأوليان أو
هو بدل من الضمير في يقومان أو من آخران فيقسمان بالله أي فيحلفان على خيانة الشاهدين
ويقولان الشاهدين أحق من شهادتهما يعني أيماننا أحق وأصدق من أيمانهما وما اعتدينا أي ما
تجاوزنا الحق في أيماننا وقولنا إن شهادتنا أحق من شهادة هذين الوصيين الخائنين إنا إذا لمن
الظالمين أي إن حلفنا كاذبين ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها يعني ذلك الذي حكمنا
به من رد اليمين على أولياء الميت بعد أيمانهم أقرب أن يأتوا بالشهادة على وجهها يعني أن يأتي
الوصيان وسائر الناس بالشهادة على وجهها الذي تحملوها عليه من غير تحريف ولا خيانة أو
يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم أي وأقرب أن يخافوا أن ترد الأيمان على أولياء الميت فيحلفوا على
خيانتهم وكذبهم فيفتضحوا أو يغرموا فربما لا يحلفون كاذبين إذا خافوا هذا الحكم واتقوا الله
بترك الخيانة والكذب واسمعوا ما تؤمرون به سماع قبول والله لا يهدي القوم الفاسقين
الخارجين عن طاعته إلى سبيل الخير (فقام عمرو بن العاص ورجل آخر) سمي مقاتل بن سليمان
في تفسيره الاخر المطلب بن أبوداعة وهو سهمي أيضا
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير (ولا نعرف لسالم أبي النضر
المديني رواية عن أبي صالح مولى أم هانئ) مقصود الترمذي أن أبا النضر الذي وقع في إسناد هذا
الحديث هو محمد بن السائب الكلبي فإن روايته عن باذان أبي صالح معروفة وليس أبو النضر
هذا سالما أبا النضر المديني لأنه لا يعرف له رواية عن باذان أبي صالح مولى أم هاني
قوله (عن ابن أبي زائدة) هو يحيى بن زكريا (عن محمد بن أبي القاسم) الطويل الكوفي
ثقة من السادسة
342

قوله (خرج رجل من بني سهم) هو بديل بن أبي مريم المذكور في الحديث المتقدم (مع
تميم الدارمي) يعني قبل أن يسلم هو كما تقدم وعلى هذا فهو من مرسل الصحابي لأن ابن عباس
لم يحضر هذه القصة وفي الرواية المتقدمة أنه رواها عن تميم نفسه ويحتمل أن تكون القصة وقعت
قبل الإسلام ثم تأخرت المحاكمة حتى أسلموا كلهم فإن في القصة ما يشعر بأن الجميع تحاكموا
إلى النبي فلعلها كانت بمكة سنة الفتح (مخوصا) بضم الميم وفتح الخاء المعجمة والواو
المشددة وفي آخر وصاد مهملة قال ابن الجوزي صيغت فيه صفائح مثل الخوص من الذهب
معناه منقوشا فيه خطوط دقاق طوال كالخوص وهو ورق النخل (من أولياء
السهمي) المذكور الذي مات
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود في القضايا وأخرجه البخاري في
صحيحه فقال وقال لي علي بن عبد الله يعني ابن المديني فذكره قال الحافظ أخرجه المصنف
يعني البخاري في التاريخ فقال حدثنا علي بن المديني وهذا مما يقوي ما قررته غير مرة من أنه يعبر
بقوله وقال لي في الأحاديث التي سمعها لكن حيث يكون في إسنادها عنده نظر أو حيث تكون
موقوفة وأما من زعم أنه يعبر بها فيما أخذه في المذاكرة أو بالمناولة فليس عليه دليل
قوله (حدثنا الحسن بن قزعة) بفتح قاف وسكون زاي وفتحها وبعين مهملة ابن عبيد
الهاشمي أبو علي البصري صدوق من العاشرة (أخبرنا سفيان بن حبيب البصري البزاز أبو
محمد) وقيل غير ذلك ثقة من التاسعة (حدثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة (عن خلاس بن عمرو)
343

بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام ثقة وقد صح أنه سمع من عمار
قوله (أنزلت المائدة) قال الراغب المائدة الطبق الذي عليه الطعام ويقال لكل منهما
مائدة أي على الحقيقة المشتركة أو على أحدهما مجازا باعتبار المجاورة أو بذكر المحل وإرادة الحال
(خبزا ولحما) تمييز (وأمروا) بصيغة المجهول (ولا يدخروا) بتشديد الدال المهملة المبدلة من
الذال المعجمة من باب الافتعال من الذخيرة وهو التخبية (لغد) أي ليوم عقب يوم نزول المائدة أو
الوقت مستقبل بعده (فمسخوا) أي فغير الله صورهم الإنسانية بعد تغيير سيرتهم الإنسية (قردة
وخنازير) منصوبان على أنهما مفعول ثان على ما يستفاد من القاموس حيث قال مسخه كمنعه حول
صورته إلى أخرى أقبح ومسخه الله قردا فهو مسخ ومسيخ وقال الطيبي حالان مقدرتان كقوله
تعالى وتنحتون من الجبال بيوتا قيل الظاهر أن شبابهم مسخوا قردة وشيوخهم خنازير
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير (رواه أبو عاصم) اسمه
الضحاك بن مخلد النبيل
تنبيه ذكر الترمذي حديث عمار المذكور في تفسير قوله تعالى قال الله إني منزلها عليكم
فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره بعد ذكر عدة آثار عن ابن عباس وغيره رضي الله عنهم
ما لفظه وكل هذه الآثار دالة على أن المائدة نزلت على بني إسرائيل أيام عيسى ابن مريم إجابة من
الله لدعوته وكما دل على ذلك ظاهر هذا السياق من القرآن العظيم قال الله إني منزلها عليكم
الآية
344

وقال قائلون إنها لم تنزل فروى ليث بن أبي سليم عن مجاهد في قوله (أنزل علينا مائدة
من السماء) قال هو مثل ضربه الله ولم ينزل شئ رواه ابن أبي حاتم وابن جرير وقال حدثنا ابن
المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن منصور بن زاذان عن الحسن أنه قال في المائدة إنها
لم تنزل وهذه أسانيد صحيحة إلى مجاهد والحسن وقد يتقوى ذلك بأن خبر المائدة لا تعرفه
النصارى وليس هو في كتابهم ولو كانت قد نزلت لكان ذلك مما يتوفر الدواعي على نقله وكان
يكون موجودا في كتابهم متواترا ولا أقل من الآحاد ولكن الجمهور على أنها نزلت وهو الذي
اختاره ابن جرير قال لأن الله تعالى أخبر نزولها في قوله تعالى إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد
منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين قال ووعد الله ووعيده حق وصدق وهذا
القول والله أعلم هو الصواب كما دلت عليه الأخبار والآثار عن السلف وغيرهم انتهى كلامه
باختصار يسير
قوله (يلقى عيسى حجته) أي يعلم وينبه عليها وإذ قال الله يا عيسى بن مريم اختلف
المفسرون في وقت هذا القول فقال السدي قال الله يا عيسى هذا القول حين رفعه إلى السماء
بدليل أن حرف إذ يكون للماضي وقال سائر المفسرين إنما يقول الله له هذا القول يوم القيامة
بدليل قوله يوم يجمع الله الرسل وذلك يوم القيامة وبدليل قوله هذا يوم ينفع الصادقين
صدقهم وذلك يوم القيامة وأجيب عن حرف إذ بأنها قد تجئ بمعنى إذا كقوله لو ترى إذ
فزعوا يعني إذا فزعوا وقال الراجز
ثم جزاك الله عني إذ جزى جنات عدن في السماوات العلى
أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله استفهام ومعناه الإنكار
والتوبيخ لمن ادعى ذلك على عيسى عليه السلام من النصارى لأن عيسى عليه السلام لم يقل هذه
المقالة فإن قلت إذا كان عيسى عليه السلام لم يقلها فموجه هذا السؤال له مع علمه بأنه لم
يقله
قلت وجه هذا السؤال تثبيت الحجة على قومه وإكذاب لهم في ادعائهم ذلك عليه وأنه
أمرهم به فهو كما يقول القائل الاخر أفعلت كذا وهو يعلم أنه لم يفعله وإنما أراد تعظيم ذلك
الفعل فنفى عن نفسه هذه المقالة وقال ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم
فاعترف بالعبودية وأنه ليس بإله كما زعمت وادعت فيه النصارى
345

قال أبو هريرة عن النبي) أي قال رواية عنه وسلم (فلقاه الله) أي علمه الله سبحانك
أي تنزيها لك عما لا يليق بك من الشريك وغيره (ما يكون لي أي ما ينبغي لي أن أقول ما ليس
لي بحق أي أن أقول قولا لا يحق لي أن أقول (الآية كلها) بالنصب أي أتمها كلها وبقية الآية مع
تفسيرها هكذا إن كنت قلته فقد علمته أي إن صح أني قلته فيما مضى فقد علمته والمعنى أني لا
احتاج إلى الاعتذار لأنك تعلم أني لم أقله ولو قلته علمته لأنك تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في
نفسك أي تعلم ما أخفيه في نفسي ولا أعلم ما تخفيه من معلوماتك إنك أنت علام الغيوب
تقرير للجملتين معا لأن ما انطوت عليه النفوس من جملة الغيوب ولأن ما يعلم علام الغيوب لا
ينتهي إليه علم أحد
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه ابن أبي حاتم
قوله (عن حيي) بضم الحاء المهملة وياءين من تحت الأولى مفتوحة هو ابن عبد الله بن
شريح المعافري المصري صدوق يهم من السادسة
قوله (آخر سورة أنزلت سورة المائدة والفتح) قال السيوطي في الإتقان يعني إذا جاء نصر
الله ويدل على ذلك قول ابن عباس الآتي آخر سورة أنزلت إذا جاء نصر الله والفتح
فإن قلت ما وجه التوفيق بين حديث عبد الله بن عمرو هذا وبين ما رواه الشيخان عن
البراء بن عازب قال آخر آية نزلت يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة وآخر سورة نزلت
براءة
قلت قال البيهقي يجمع بين هذه الاختلافات بأن كل واحد أجاب بما عنده وقال
القاضي أبو بكر في الانتصار هذه الأقوال ليس فيها شئ مرفوع إلى النبي وكل قاله بضرب
من الاجتهاد وغلبة الظن
346

قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الحاكم (وقد روي عن ابن عباس أنه قال
الخ) وصله مسلم
ومن سورة الأنعام
هي مكية إلا ست آيات نزلت بالمدينة هي وما قدروا الله حق قدره إلى آخر ثلاث
آيات قل تعالوا أتل ما حرم عليكم ربكم إلى آخر ثلاث آيات وهي مائة وخمس أو ست
وستون آية
قوله (عن ناجية بن كعب) الأسدي ثقة من الثالثة
قوله (إنا لا نكذبك بل نكذب بما جئت به) أي لا نكذبك لأنك صادق ولكن نحسدك
فبسببه نجحد بآيات الله كذا في المجمع فأنزل الله تعالى فإنهم لا يكذبونك وقبله قد
نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون قال في تفسير الجلالين قد للتحقيق نعلم أنه أي الشأن
ليحزنك الذي يقولون لك من التكذيب فإنهم لا يكذبونك في السر لعلمهم أنك صادق وفي
قراءة بالتخفيف أي لا ينسبونك إلى الكذب ولكن الظالمين وضعه موضع الضمير بآيات
الله أي القرآن يجحدون يكذبون
347

قوله (وهذا أصح) أي الاسناد الثاني بترك ذكر على أصح من الأول وحديث
علي هذا أخرجه الحاكم أيضا وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه
قوله عذابا من فوقكم أي من السماء كالحجارة والصيحة أو من تحت أرجلكم
كالخسف والرجفة (أعوذ بوجهك) وفي رواية أعوذ بوجهك الكريم فلما نزلت يلبسكم
شيعا أي يخلطكم فرقا مختلفة الأهواء ويذيق بعضكم بأس بعض أي بالقتال (هاتان) أي
خصلة الالتباس وخصلة إذاقة بعضهم بأس بعض (أهون) من بعث العذاب من الفوق أو من
التحت (أو هاتان أيسر) شك من الراوي
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري والنسائي وابن حبان وابن جرير
وابن مردويه
قوله (عن راشد بن سعد) المقرئ بفتح الميم وسكون القاف وفتح الراء بعدها همزة ثم
ياء النسب الحمصي ثقة كثير الإرسال من الثالثة
قوله (أما) بالتخفيف حرف التنبيه (إنها) أي الخصلة المذكورة من بعث العذاب من
الفوق أو التحت (كائنة) واقعة فيما بعد (ولم يأت تأويلها) أي عاقبة ما فيها من الوعيد (بعد) بالبناء
على الضم يعني إلى الان
فإن قيل هذا الحديث صريح في أن الرجم والخسف كائنان في هذه الأمة وحديث جابر
348

المذكور يستفاد منه أنهما لا يقعان لأن النبي استعاذ منهما وقد روى ابن مردويه عن ابن عباس
عن النبي قال دعوت الله أن يرفع عن أمتي أربعا فرفع عنهم ثنتين وأبى أن يرفع عنهم
اثنتين دعوت الله أن يرفع عنهم الرجم من السماء والخسف من الأرض وأن لا يلبسهم شيعا ولا
يذيق بعضهم بأس بعض فرفع الله عنهم الخسف والرجم وأبي أن يرفع عنهم الأخريين فما وجه
التوفيق
يقال إن الإعاذة المذكورة في حديث جابر وغيره مقيدة بزمان مخصوص هو ووجود
الصحابة والقرون الفاضلة وأما بعد ذلك فيجوز وقوع ذلك فيهم ويحتمل في طريق الجمع أن
يكون المراد أن ذلك لا يقع لجميعهم وإن وقع لأفراد منهم غير مقيدة بزمان كما في خصلة العدو
الكافر والسنة العامة فإنه ثبت في صحيح مسلم من حديث ثوبان رفعه في حديث إن الله زوى
لي مشارق الأرض ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها الحديث وفيه وإني سألت ربي أن لا
يهلك أمتي بسنة عامة وأن لا يسلط عليهم عدوا من غير أنفسهم وأن لا يلبسهم شيعا ويذيق
بعضهم بأس بعض فقال يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد وإني أعطيتك لأمتك أن لا
أهلكهم بسنة عامة وأن لا أسلط عليهم عدوا من غيرهم يستبيح بيضتهم حتى يكون بعضهم
يهلك بعضا وأخرج الطبري من حديث شداد نحوه بإسناد صحيح فلما كان تسليط العدو
الكافر قد يقع على بعض المؤمنين لكنه لا يقع عموما فكذلك الخسف والقذف هذا تلخيص ما
في الفتح
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد
قوله (عن إبراهيم) هو النخعي (عن علقمة) هو ابن قيس (عن عبد الله) هو ابن مسعود
قوله (لما نزلت) بالتأنيث لكون ما بعده من فاعله آية والتقدير لما أنزلت آية الذين
آمنوا ولم يلبسوا بكسر الموحدة أي لم يخلطوا تقول لبست الأمر بالتخفيف ألبسه بالفتح في
الماضي والكسر في المستقبل أي خالطته وتقول لبست الثوب ألبسه بالكسر في الماضي والفتح في
المستقبل والمصدر من الأول لبس بفتح اللام ومن الثاني لبس بالضم إيمانهم بظلم أي لم يخلطوه
349

بالشرك قال محمد بن إسماعيل التيمي في شرحه خلط الإيمان بالشرك لا يتصور فالمراد أنهم لم
تحصل لهم الصفتان كفر متأخر عن إيمان متقدم أي لم يرتدوا أو يحتمل أن يراد أنهم لم يجمعوا بينهما
ظاهرا أو باطنا أي لم ينافقوا وهذا أوجه كذا في الفتح (شق ذلك على المسلمين) أي الصحابة
رضي الله عنهم ظنا منهم أن المراد بالظلم مطلق المعاصي كما يتبادر إلى الفهم لا سيما من التنكير
الذي يفيد العموم (وأينا) كلام أضاف مبتدأ وقوله (لا يظلم نفسه) خبره (قال) أي
رسول الله (ليس ذلك) أي ليس معناه كما فهمتم (إنما هو) أي الظلم (الشرك) ففي التنكير
إشارة إلى أن المراد أي نوع من الكفر أو أريد به التعظيم أي بظلم عظيم (ألم تسمعوا ما قاله لقمان
لابنه إلخ) ظاهر هذا أن الآية التي في لقمان كانت معلومة عندهم ولذلك نبههم عليها ووقع في
رواية للبخاري فأنزل الله عز وجل إن الشرك لظلم عظيم قال الحافظ يحتمل أن يكون نزولها
وقع في الحال فتلاها عليهم ثم نبههم فتلتئم الروايتان
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (فقالت يا أبا عائشة) هو كنية مسروق (ثلاث) أي ثلاث كلمات (فقد أعظم الفرية)
بكسر الفاء وسكون الراء أي الكذب يقال فرى الشئ يفريه فريا وافتراه يفتريه افتراء إذا
اختلفه وجمع الفرية فرى (من زعم أن محمدا رأى ربه أي ليلة الإسراء فقد أعظم الفرية على
الله) هذا هو مذهب عائشة أن رسول الله لم ير الله سبحانه وتعالى ليلة الاسراء
قال الحافظ قد اختلف السلف في رؤية النبي ربه فذهبت عائشة وابن مسعود إلى
إنكارها واختلف عن أبي ذر وذهب جماعة إلى إثباتها وحكى عبد الرزاق عن معمر عن الحسن
أنه حلف أن محمدا رأى ربه وأخرج ابن خزيمة عن عروة بن الزبير إثباتها وكان يشتد عليه إذا ذكر
له إنكار عائشة وبه قال سائر أصحاب ابن عباس وجزم به كعب الأخبار والزهري وصاحبه
350

معمر وآخرون وهو قول الأشعري وغالب أتباعه ثم اختلفوا هل رآه بعينه أو بقلبه وعن أحمد
كالقولين
قال الحافظ جاءت عن ابن عباس أخبار مطلقة وأخرى مقيدة فيجب حمل مطلقها على
مقيدها فمن ذلك ما أخرجه النسائي بإسناد صحيح وصححه الحاكم أيضا من طريق عكرمة عن
ابن عباس قال أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد وأخرجه ابن
خزيمة بلفظ إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة الحديث وأخرج ابن إسحاق من طريق عبد الله بن
أبي سلمة أن ابن عمر أرسل إلى ابن عباس هل رأى محمد ربه فأرسل إليه أن نعم ومنها ما
أخرجه مسلم من طريق أبي العالية عن ابن عباس في قوله تعالى ما كذب الفؤاد ما رأى ولقد
رآه نزلة أخرى قال رأى ربه بفؤاده مرتين وله من طريق عطاء عن ابن عباس قال رآه بقلبه
وأصرح من ذلك ما أخرجه ابن مردويه من طريق عطاء أيضا عن ابن عباس قال لم يره
رسول الله بعينه إنما رآه بقلبه
وعلى هذا فيمكن الجمع بين إثبات ابن عباس ونفي عائشة بأن يحمل نفيها على رؤية البصر
وإثباته على رؤية القلب ثم المراد برؤية الفؤاد رؤية القلب لا مجرد حصول العلم لأنه كان
عالما بالله على الدوام بل مراد من أثبت له أنه رآه بقلبه أن الرؤية التي حصلت له خلقت في قلبه كما
يخلق الرؤية بالعين لغيره والرؤية لا يشترط لها شئ مخصوص عقلا ولا جرت العادة بخلقها في
العين
وروى ابن خزيمة بإسناد قوي عن أنس قال رأى محمد ربه وعند مسلم من حديث أبي ذر
أنه سأل النبي عن ذلك فقال نور أني أراه ولأحمد عنه قال رأيت نورا ولابن خزيمة عنه
قال رآه بقلبه ولم يره بعينه وبهذا يتبين مراد أبي ذر بذكره النور أي أن النور حال بين رؤيته له
ببصره
وقد رجح القرطبي في المفهم قول الوقف في هذه المسألة وعزاه لجماعة من المحققين وقواه
بأنه ليس في الباب دليل قاطع وغاية ما استدل به للطائفتين ظواهر متعارضة قابلة للتأويل قال
وليست المسألة من العمليات فيكتفي فيها بالأدلة الظنية وإنما هي من المعتقدات فلا يكتفي فيها
إلا بالدليل القطعي وجنح ابن خزيمة في كتاب التوحيد إلى ترجيح الاثبات وأطنب في الاستدلال
له بما يطول ذكره وحمل ما ورد عن ابن عباس على أن الرؤيا وقعت مرتين مرة بقلبه وفيما
أوردته من ذلك مقنع وممن أثبت الرؤية لنبينا الإمام أحمد فروى الخلال في كتاب السنة عن
المروزي
351

قلت لأحمد إنهم يقولون إن عائشة قالت من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله
الفرية فبأي شئ يدفع قولها بقول النبي رأيت ربي قول النبي أكبر
من قولها وقد أنكر صاحب الهدى على من زعم أن أحمد قال رأى ربه بعيني رأسه قال وإنما قال
مرة رأى محمد ربه وقال مرة بفؤاده وحكى عنه بعض المتأخرين رآه بعيني رأسه وهذا من
تصرف الحاكي فإن نصوصه موجودة انتهى كلام الحافظ والله يقول لا تدركه الأبصار وهو
يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير وجه الاستدلال بها أن الله عز وجل نفى أن تدركه الأبصار
وعدم الإدراك يقتضي نفي الرؤية وأجاب مثبتو الرؤية بأن المراد بالإدراك الإحاطة وهم يقولون
بهذا أيضا وعدم الإحاطة لا يستلزم نفي الرؤية وقال النووي لم تنف عائشة الرؤية بحديث
مرفوع ولو كان معها فيه حديث لذكرته وإنما اعتمدت الاستنباط على ما ذكرت من ظاهر الآية
وقد خالفها غيرها من الصحابة والصحابي إذا قال قولا وخالفه غيره منهم لم يكن ذلك القول
حجة اتفاقا
قال الحافظ جزم النووي بأن عائشة لم تنف الرؤية بحديث مرفوع عجيب فقد ثبت ذلك عنها في
صحيح مسلم الذي شرحه الشيخ فعنده من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن
مسروق قال مسروق وكنت متكئا فجلست فقلت ألم يقل الله ولقد رآه نزلة أخرى فقالت أنا أول
هذه الأمة سأل رسول الله عن ذلك فقال إنما هو جبريل وأخرجه ابن مردويه
من طريق أخرى عن داود بهذا الإسناد فقالت أنا أول من سأل رسول الله عن هذا فقلت
يا رسول الله هل رأيت ربك فقال لا إنما رأيت جبريل منهبطا وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا
وحيا أو من وراء حجاب تمام الآية أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم ووجه
الاستدلال بها أن الله تعالى حصر تكليمه لغيره في ثلاثة أوجه وهي الوحي بأن يلقى في روعه ما يشاء أو
يكلمه بغير واسطة من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيبلغه عنه فيستلزم ذلك انتفاء الرؤية عنه حالة
التكلم وأجابوا عنه بأن ذلك لا يستلزم نفي الرؤية مطلقا وغاية ما يقتضي نفي تكليم الله على غيره
الأحوال الثلاثة فيجوز أن التكليم لم يقع حالة الرؤية (أنظريني) من الانظار أي أمهليني لا
352

تعجليني أي لا تسبقيني قال في القاموس أعجله سبقه كاستعجله وعجله ولقد رآه نزلة أخرى
ولقد رآه بالأفق المبين ظن مسروق أن الضمير المنصوب في قوله (ولقد رآه) في هاتين الآيتين راجع إلى
الله سبحانه وتعالى فاعترضت على عائشة رضي الله عنها (قال) أي رسول الله (إنما ذلك جبريل) أي
هذا المرئي هو جبريل لا الله سبحانه وتعالى (غير هاتين المرتين) أي مرة في الأرض بالأفق الأعلى ومرة في
السماء عند سدرة المنتهي (سادا) بتشديد الدال المهملة أي مالئا (عظم خلقه) بالرفع فاعل سادا والعظم
بضم العين وسكون الظاء وبكسر العين وفتح الظاء وهو ضد الصغر (ومن زعم أن محمدا كتم شيئا
مما أنزل الله الخ) هذا الثاني من
الثلاث المذكورة
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي
قوله (الحرشي) بفتح المهملة والراء ثم شين معجمة (البكائي) بفتح الموحدة وتشديد
الكاف
قوله (أتى ناس) وفي رواية أبي داود قال جاءت اليهود إلى النبي فقالوا إنا نأكل مما
قتلنا ولا نأكل مما قتل الله الخ قال الحافظ ابن كثير في تفسيره بعد ذكر رواية أبي داود هذه
ما لفظه وهذا فيه نظر من وجوه ثلاثة أحدها أن اليهود لا يرون إباحة الميتة حتى يجادلوا الثاني أن الآية من الأنعام وهي مكية
الثالث أن هذا الحديث رواه الترمذي بلفظ أتى ناس
النبي وقال حسن غريب تم ذكر رواية الطبراني عن ابن عباس قال لما نزلت ولا تأكلوا
353

مما لم يذكر اسم الله عليه أرسلت فارس إلى قريش أن خاصموا محمدا وقولوا له لما تذبح أنت
بيدك بسكين فهو حلال وما ذبح الله عز وجل بشمشير من ذهب يعني الميتة فهو حرام فنزلت هذه
الآية وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون أي
وإن الشياطين من فارس ليوحون إلى أوليائهم من قريش
ثم قال وروى ابن جرير من طرق متعددة عن ابن عباس وليس فيه ذكر اليهود فهذا هو
المحفوظ لأن الآية مكية واليهود لا يحبون الميتة انتهى (أنأكل ما نقتل) أي نذبح (ولا نأكل ما يقتل
الله) يعنون الميتة فكلوا مما ذكر اسم الله عليه أي ما ذبح على اسمه لا ما ذبح على اسم غيره أو
مات حتف أنفه قال الخازن هذا جواب لقول المشركين حيث قالوا للمسلمين أتأكلون مما قتلتم
ولا تأكلون مما قتل ربكم فقال الله تعالى للمسلمين فكلوا أنتم مما ذكر اسم الله عليه من الذبائح
وعند ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال يوحي الشيطان إلى أوليائهم من المشركين أن يقولوا
تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله فقال إن الذي قتلتم
يذكر اسم الله عليه وإن الذي مات لم يذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين فإن الايمان بها يقتضي استباحة ما أحل الله واجتناب ما
حرمه
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود قال المنذري بعد ذكر تحسين الترمذي
عطاء بن السائب اختلفوا في الاحتجاج بحديثه وأخرج له البخاري مقرونا بأبي بشر جعفر بن
أبي وحشية وفي إسناده عمران بن عيينة أخو سفيان بن عيينة قال أبو حاتم الرازي لا يحتج
بحديثه فإنه يأتي بالمناكير
قوله (وقد روى هذا الحديث من غير هذا الوجه عن ابن عباس أيضا) رواه أبو داود وابن
ماجة وابن أبي حاتم وغيرهم وصحح الحافظ ابن كثير إسناده (ورواه بعضهم عن عطاء بن
السائب عن سعيد بن جبير عن النبي مرسلا) رواه ابن أبي حاتم
354

قوله (عن داود الأودي) الظاهر أن داود هذا هو داود بن عبد الله الأودي الزعافري
بالزاي والمهملة وبالفاء أو العلاء الكوفي ثقة من السادسة وهو غيرهم عبد الله بن إدريس (عن
عبد الله) هو ابن مسعود
قوله (من سره أن ينظر إلى الصحيفة التي عليها خاتم محمد فليقرأ هؤلاء الآيات)
كناية عن أن هذه الآيات محكمات غير منسوخات وقال ابن عباس هذه الآيات محكمات في جميع
الكتب لم ينسخهن شئ وهن محرمات على بني آدم كلهم وهن أم الكتاب من عمل بهن دخل الجنة
ومن تركهن دخل النار ذكره الخازن وروى نحوه الحاكم في المستدرك قل يا محمد تعالوا أي
هلموا وأقبلوا أتل ما حرم ربكم عليكم أي أقرأ وأقص عليكم وأخبر كم بما حرم ربكم عليكم
حقا لا تخرصا ولا ظنا بل وحيا منه وأمرا من عنده وبقية الآيات مع تفسيرها هكذا أن لا تشركوا به
شيئا كأن في الكلام محذوفا دل عليه السياق وتقديره وأوصاكم أن لا تشركوا به شيئا ولهذا قال في آخر الآية ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون وقال النيسابوري في تفسيره
فإن قيل قوله أن لا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا كالتفصيل لما أجمله في قوله ما حرم
فيلزم أن يكون ترك الشرك والإحسان إلى الوالدين محرما فالجواب أن المراد من التحريم البيان
المضبوط أو الكلام تم عند قوله ما حرم ربكم ثم ابتدأ فقال عليكم أن لا تشركوا أو أن مفسرة أي ذلك التحريم هو قوله لا تشركوا وهذا في النواهي واضح وأما الأوامر فيعلم بالقرينة أن
التحريم راجع إلى أضدادها وهي الإساءة إلى الوالدين وبخس الكيل والميزان وترك العدل في
القول ونكث عهد الله ولا يجوز أن يجعل ناصبة وإلا لزم عطف الطلب أعني الأمر على الخبر
انتهى وبالوالدين إحسانا أي أوصاكم وأمركم بالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم
بالوأد من إملاق أي من أجل فقر تخافونه وذلك أنهم كانوا يقتلون البنات خشية العار وربما قتلوا
بعض الذكور خشية الافتقار نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش أي الكبائر كالزنا ما
ظهر منها وما بطن أي علانيتها وسرها ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق إنما أفرده بالذكر
تعظيما لأمر القتل وأنه من أعظم الفواحش والكبائر وقيل إنما أفرده بالذكر لأنه تعالى أراد أن
يستثنى منه ولا يمكن ذلك الاستثناء من جملة الفواحش إلا كالقود وحد الردة ورجم المحصن ذلكم أي المذكور وصاكم به يعني بالإفراد فلذلك قال ولا تقتلوا النفس
355

التي حرم الله إلا بالحق كالقود وحد الردة ورجم المحصن ذلكم أي المذكور وصاكم به يعني
أمركم به وأوجبه عليكم لعلكم تعقلون أي لكي تفهموا وتتدبروا ما في هذه التكاليف من
الفوائد والمنافع فتعلموا بها ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي أي بالخصلة التي هي أحسن وهي ما
فيه صلاحه وتثميره وتحصيل الربح له حتى يبلغ أشده بأن يحتلم
قال في القاموس حتى يبلغ أشده ويضم أوله أي قوته وهو ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين
واحد جاء على بناء الجمع كأنك ولا نظير لهما أو جمع لا واحد له من لفظه أو واحده شدة بالكسر مع
أن فعلة لا تجمع على أفعل أو شد لكلب وأكلب أو شد كذئب وأذؤب وما هما بمسموعين بل قياس
انتهى واختلف المفسرون في تفسير الأشد فقيل عشرون سنة وقيل ثلاثون سنة وقيل ثلاث
وثلاثون سنة قال الخازن هذه الأقوال التي نقلت عن المفسرين في هذه الآية إنما هي نهاية الأشد
لا ابتداؤه والمراد بالأشد في هذه الآية هي ابتداء بلوغ الحلم مع إيناس الرشد وهذا هو المختار في
هذه الآية وأوفوا الكيل والميزان بالقسط أي بالعدل وترك البخس لا تكلف نفسا إلا وسعها أي
طاقتها وما يسعها في إيفاء الكيل والميزان وإتمامه يعني من اجتهد في أداء الحق وأخذه فإن أخطأ بعد
استفراغ وسعه وبذل جهده فلا حرج عليه وإذا قلتم في حكم أو غيره فاعدلوا بالصدق والحق ولو
كان أي المقول له أو عليه ذا قربى أي ذا قرابة لكم وبعهد الله أوفوا يعني ما عهد إلى عباده
ووصاهم به وأوجبه عليهم ذلكم أي الذي ذكر في هذه الآيات وصاكم به
لعلكم تذكرون أي لعلكم تتعظون وتتذكرون فتأخذون ما أمرتكم به وأن بالفتح على تقدير اللام والكسر استينافا هذا
أي الذي وصيتكم به صراطي مستقيما حال فاتبعوه ولا تتبعوا السبل الطرق المخالفة له فتفرق فيه
حذف إحدى التاءين أي فتميل بكم عن سبيله أي دينه ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون أي
الطرق المختلفة والسبل المضلة
قوله (أخبرنا أبي) أي حدثنا والدي وهو وكيع بن الجراح (عن ابن أبي ليلى) هو محمد بن
عبد الرحمن أبي ليلى الأنصاري (عن عطيه) هو العوفي
قوله (قال طلوع الشمس من مغربها) أي قال رسول الله إن المراد بقوله بعض آيات
ربك هو طلوع الشمس من مغربها
356

قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن أبي حاتم وأبو
الشيخ وابن مردويه
قوله (عن يعلى بن عبيد) بن أبي أمية الكوفي كنيته أبو يوسف الطنافسي ثقة إلا في حديثه
عن الثوري ففيه لين من كبار التاسعة (عن أبي حازم) هو الأشجعي
قوله (ثلاث) أي ثلاث آيات (إذا خرجن) فيه تغليب أو معناه ظهرن والمراد هذه الثلاث
بأسرها (لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل الآية) كذا في النسخ الحاضرة بلفظ لم ينفع وفي
رواية مسلم لا ينفع وهو الظاهر فإنه ليس في هذه الآية لم ينفع بل فيها لا ينفع واية بتمامها
مع تفسيرها هكذا هل ينظرون أي ما ينتظرون المكذبون إلا أن تأتيهم الملائكة أي لقبض
أرواحهم أو يأتي ربك أي أمره بمعنى عذابه أو يأتي بعض آيات ربك أي بعض علاماته الدالة
على الساعة وهو طلوع الشمس من مغربها يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن
آمنت من قبل الجملة صفة نفس أو نفسا لم تكن كسبت في إيمانها خيرا أي طاعة أي لا تنفعها
قرابتها قل انتظرا أحد هذه الأشياء إنا منتظرون ذلك
قوله (والدابة) وفي رواية مسلم دابة الأرض
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأحمد وابن جرير
قوله (وقوله الحق) جملة حالية (إذا هم) أي أراد كما في بعض روايات الشيخين
قال الحافظ ورد ما يدل على أن مطلق الهم وا رادة لا يكفي فعند أحمد وصححه ابن
حبان والحاكم من حديث خريم بن فاتك رفعه ومن هم بحسنة يعلم الله أنه قد أشعر بها قلبه
357

وحرص عليها وقد تمسك به ابن حبان فقال بعد إيراد حديث الباب في صحيحه المراد بالهم هنا
العزم ثم قال ويحتمل أن الله يكتب الحسنة بمجرد الهم بها وإن لم يعزم عليها زيادة في الفضل
(فاكتبوها له) أي الذي هم بالحسنة وفيه دليل على أن الملك يطلع على ما في قلب الادمي إما
باطلاع الله إياه أو بأن يخلق له علما يدرك به ذلك ويؤيد الأول ما أخرجه ابن أبي الدنيا عن أبي
عمران الجوني قال ينادي الملك اكتب لفلان كذا وكذا فيقول يا رب إنه لم يعمله فيقول إنه
نواه وقيل بل يجد الملك للهم بالسيئة رائحة خبيثة وبالحسنة رائحة طيبة وأخرج ذلك الطبري
عن أبي معشر المدني وجاء مثله عن سفيان بن عيينة
قال الحافظ ورأيت في شرح مغلطاني أنه ورد مرفوعا قال الطوفي إنما كتبت الحسنة بمجرد
الإرادة لأن إرادة الخير سبب إلى العمل وإرادة الخير خير لأن إرادة الخير من عمل القلب
واستشكل بأنه إذا كان كذلك فكيف لا تضاعف لعموم قوله من جاء بالحسنة فله عشر
أمثالها وأجيب بحمل الآية على عمل الجوارح والحديث على الهم المجرد (فإن عملها فاكتبوها له
بعشر أمثالها) وفي حديث ابن عباس عند البخاري من طريق عبد الرزاق عن جعد عن أبي رجاء
العطاردي فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له بها عنده عشر حسنات
قال الحافظ يؤخذ منه رفع توهم أن حسنة الإرادة تضاف إلى عشرة التضعيف فتكون
الجملة إحدى عشرة على ما هو ظاهر رواية جعفر بن سليمان عند مسلم ولفظه فإن عملها كتبت
له عشر أمثالها وكذا في حديث أبي هريرة وفي بعض طرقه احتمال ورواية عبد الوراث في
الباب ظاهرة فيما قلته وهو المعتمد انتهى (فإن تركها) زاد البخاري في رواية في التوحيد من أجلي
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
358

ومن سورة الأعراف
مكية إلا واسألهم عن القرية الثمان أو الخمس آيات وهي مائتان وخمس أو ست آيات
قوله فلما تجلى ربه للجبل أي ظهر نور ربه للجبل جعله دكا أي مدكوكا مستويا
بالأرض (قال حماد) هو ابن سلمة (هكذا) أي أشار حماد بن سلمة لبيان قلة التجلي هكذا يعني
وضع طرف إبهامه على أنملة إصبعه اليمنى (وأمسك سليمان إلخ) أي لبيان قوله هكذا وروى
الحافظ ابن جرير من طريق حماد عن ليث عن أنس أن النبي قرأ هذه الآية (فلما تجلى ربه
للجبل جعله دكا) قال هكذا بإصبعه وضع النبي إصبعه الابهام على المفصل الأعلى من
الخنصر فساخ الجبل
قال الحافظ ابن كثير هكذا وقع في هذه الرواية حماد بن سلمة عن ليث عن أنس
والمشهور حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس انتهى (قال) أي النبي (فساخ الجبل) أي غاص في
الأرض وغاب فيها (وخر موسى صعقا) أي مغشيا عليه لهول ما رأى
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد والحاكم في المستدرك وابن جرير
قوله (أخبرنا معاذ بن معاذ) بن نصر بن حسان العنبري أبو المثنى البصري القاضي ثقة
متقن من كبار التاسعة
قوله (عن زيد بن أبي أنيسة) بضم الهمزة وفتح النون وسكون الياء هو أبو أسامة الجزري
359

(عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب) العدوي أبي عمر المدني ثقة من الرابعة
توفي بحران في خلافة هشام (عن مسلم بن يسار الجهني) مقبول من الثالثة
قوله (أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية) أي عن كيفية أخذ الله ذرية بني آدم من
ظهورهم المذكور في الآية وإذ أي اذكر يا محمد حين اخذ ربك من بني ادم من ظهورهم بدل
اشتمال مما قبله بإعادة الجار وقيل بدل بعض من ذريتهم بأن أخرج بعضهم من صلب بعض من
صلب آدم نسلا بعد نسل كنحو ما يتوالدون كالذر بنعمان يوم عرفة ونصب لهم دلائل على
ربوبيته وركب فيهم عقلا وأشهدهم على أنفسهم) قال (ألست بربكم قالوا بلى) أنت ربنا
(شهدنا) بذلك (أن تقولوا) أي لئلا تقولوا (يوم القيامة إنا كنا عن هذا) أي التوحيد (غافلين) لا
نعرفه (سئل) بصيغة المجهول والجملة حالية (عنها) أي عن هذه الآية (ثم مسح ظهره) أي ظهر
آدم (بيمينه) قال الطيبي ينسب الخير إلى اليمين ففيه تنبيه على تخصيص آدم بالكرامة
وقيل بيد بعض ملائكته وهو الملك الموكل على تصوير الأجنة أسند إليه تعالى للتشريف أو لأنه
الامر والمتصرف كما أسند إليه التوفي في قوله تعالى (الله يتوفى الأنفس) وقال تعالى
(الذين تتوفاهم الملائكة) ويحتمل أن يكون الماسح هو الله تعالى والمسح من باب التصوير
والتمثيل كذا في المرقاة
قلت هذه تأويلات لا حاجة إليها وقد مر مرارا أن مذهب السلف الصالحين رضي الله
عنهم في أمثال هذه الأحاديث إمرارها على ظواهرها من غير تأويل وتكييف (فاستخرج منه
ذرية) قيل قبل دخول آدم الجنة بين مكة والطائف وقيل ببطن نعمان وأنه بقرب عرفة وقيل في
الجنة وقيل بعد النزول منها بأرض الهند وروى عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي
360

قال أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان يعني عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم
بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلا قال ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ونقل السيد السند عن الأزهار
أنه قيل شق ظهره واستخرجهم منه وقيل إنه
استخرجهم من ثقوب رأسه والأقرب أنه استخرجهم من مسام شعرات ظهره ذكره القارئ في المرقاة
قلت حديث ابن عباس الذي ذكره بقوله وروى عن ابن عباس الخ أخرجه أحمد في
مسنده والنسائي في كتاب التفسير من سننه وابن جير وابن أبي حاتم والحاكم في مستدركه
وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقد روى هذا الحديث موقوفا على ابن عباس
قال الحافظ ابن كثير وهذا أي كونه موقوفا علي ابن عباس أكثر وأثبت انتهى قال الإمام
الرازي أطبقت المعتزلة على أنه لا يجوز تفسيره هذه الآية بهذا الحديث لأن قوله من ظهورهم بدل
من بني آدم فالمعنى وإذ أخذ ربك من ظهور بني آدم فلم يذكر أنه أخذ من ظهر آدم شيئا وما
كان المراد الأخذ من ظهر آدم لقيل من ظهره وأجاب بأن ظاهر الآية يدل على أنه تعالى أخرج
الذرية من ظهور بني آدم وأما أنه أخرج تلك الذرية من ظهر آدم فلا تدل الآية على إثباته ونفيه
والخبر قد دل على ثبوته فوجب القول بهما معا بأن بعض الذر من ظهر بعض الذر والكل من
ظهر آدم صونا للآية والحديث عن الاختلاف انتهى وقال التوربشتي هذا الحديث يعني
حديث ابن عباس المذكور لا يحتمل من التأويل ما يحتمله حديث عمر رضي الله تعالى عنه ولا أرى
المعتزلة يقابلون هذه الحجة إلا بقولهم حديث ابن عباس هذا من الآحاد فلا نترك به ظاهر
الكتاب وإنما هربوا عن القول في معنى الآية بما يقتضيه ظاهر الحديث لمكان قوله تعالى أن
تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين فقالوا إن كان هذا الإقرار عن اضطرار حيث كوشفوا
بحقيقة الأمر وشاهدوه عين اليقين فلهم يوم القيامة أن يقولوا شهدنا يومئذ فلما زال عنا علمنا
علم الضرورة ووكلنا إلى آرائنا كان منا من أصاب ومنا من أخطأ وإن كان عن استدلال
ولكنهم عصموا عنده من الخطأ فلهم أن يقولوا أيدنا يوم الإقرار بالتوفيق والعصمة وحرمناهما من
بعد ولو مددنا بهما لكانت شهادتنا في كل حين كشهادتنا في اليوم الأول فقد تبين أن الميثاق ما
ركز الله فيهم من العقول وآتاهم وآباءهم من البصائر لأنها هي الحجة الباقية المانعة لهم أن يقولوا
إنا كنا عن هذا غافلين لأن الله تعالى جعل هذا الإقرار حجة عليهم في الإشراك كما جعل بعث
الرسل حجة عليهم في الإيمان بما أخبروا به من الغيوب
قال الطيبي وخلاصة ما قالوه أنه يلزم أن يكونوا محتجين يوم القيامة بأنه زال عنا علم
الضرورة ووكلنا إلى آرائنا فيقال لهم كذبتم بل أرسلنا رسلنا تترى يوقظونكم من سنة الغفلة وأما
361

قوله حرمنا عن التوفيق والعصمة من بعد ذلك فجوابه أن هذا مشترك الإلزام إذ لهم أن يقولوا لا
منفعة لنافي العقول والبصائر حيث حرمنا عن التوفيق والعصمة والحق أن تحمل الأحاديث
الواردة على ظواهرها ولا يقدم على الطعن فيها بأنها آحاد لمخالفتها لمعتقد أحد ومن أقدم على
ذلك فقد حرم خيرا كثيرا وخالف طريقة السلف الصالحين لأنهم كانوا يثبتون خبر واحد عن واحد
عن النبي ويجعلونه سنة حمد من تبعها وعيب من خالفهم انتهى (وبعمل أهل الجنة) أي من
الطاعات (يعملون) إما في جميع عمرهم أو في خاتمة أمرهم (ففيم العمل يا رسول الله) أي إذا كان
كما ذكرت يا رسول الله من سبق القدر ففي أي شئ يفيد العمل أو بأي شئ يتعلق العمل أو فلأي شئ أمرنا بالعمل (استعمله بعمل أهل الجنة) أي جعله عاملا بعمل أهل الجنة ووفقه
للعمل به (حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة) فيه إشارة إلى أن المدار على عمل مقارن
بالموت
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه مالك في الموطأ وأحمد والنسائي وابن أبي حاتم وابن
جرير وابن حبان في صحيحه وغيرهم (ومسلم بن يسار لم يسمع من عمر الخ)
قال الحافظ ابن كثير وكذا قاله أبو حاتم وأبو زرعة زاد أبو حاتم وبينهما نعيم بن ربيعة
وهذا الذي قاله أبو حاتم رواه أبو داود في سننه عن محمد بن مصفي عن بقية عن عمر بن جعثم
القرشي عن زيد بن أبي أنيسة عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مسلم بن يسار عن نعيم بن
ربيعة قال كنت عند عمر بن الخطاب وقد سئل عن هذه الآية وإذ أخذ ربك من بني آدم من
ظهورهم ذريتهم فذكر وقال الحافظ الدارقطني وقد تابع عمر بن جعثم يزيد بن سنان أبو
فروة الرهاوي وقولها أولى بالصواب من قول مالك
قال ابن كثير الظاهر أن الإمام مالكا إنما أسقط ذكر نعيم بن ربيعة عمدا لما جهل حال
362

نعيم ولم يعرفه فإنه غير معروف إلا في هذا الحديث ولذلك يسقط ذكر جماعة ممن لا يرتضيهم ولهذا
يرسل كثيرا من المرفوعات ويقطع كثيرا من الموصولات انتهى وقال المنذري قال أبو عمر
النمري هذا حديث منقطع بهذا الإسناد لأن مسلم بن يسار هذا لم يلق عمر بن الخطاب وبينهما
في هذا الحديث نعيم بن ربيعة وهذا أيضا مع الإسناد لا تقوم به حجة ومسلم بن يسار هذا
مجهول قيل إنه مدني وليس بمسلم بن يسار البصري وقال أيضا وجملة القول في هذا الحديث
أنه حديث ليس إسناده بالقائم لأن مسلم بن يسار ونعيم بن ربيعة جميعا غير معروفين بحمل
العلم ولكن معنى هذا الحديث قد صح عن النبي من وجوه ثابتة كثيرة يطول ذكرها من
حديث عمر بن الخطاب وغيره انتهى
قلت مسلم بن يسار هذا وثقة ابن حبان وقال العجلي تابعي ثقة ونعيم بن ربيعة وثقه
أيضا ابن حبان وقال الحافظ هو مقبول
قوله (فسقط من ظهره) أي خرج منه (كل نسمة) أي ذي روح وقيل كل ذي نفس
مأخوذة من النسيم قاله الطيبي (هو خالقها من ذريته) الجملة صفة نسمة ومن بيانية وفي الحديث
دليل بين على أن إخراج الذرية كان حقيقيا (وبيصا) أي بريقا ولمعانا (من نور) في ذكره إشارة إلى
الفطرة السليمة وفي قوله بين عيني كل إنسان إيذان بأن الذرية كانت على صورة الإنسان على
مقدار الذر (فأعجبه وبيص ما بين عينيه) أي سره (هذا رجل من آخر الأمم) جمع أمة والاخرية
إضافية لا حقيقية فإن الآخرية الحقيقية ثابتة لأمة نبينا محمد ومن المعلوم أن داود عليه
السلام ليس منهم (يقال له داود) قيل تخصيص التعجب من وبيص داود إظهار لكرامته ومدح له
فلا يلزم تفضيله على سائر الأنبياء لأن المفضول قد يكون له مزية بل مزايا ليست في الفاضل
ولعل وجه الملاءمة بينهما اشتراك نسبة الخلافة (قال) أي آدم (رب) بحذف حرف النداء (وكم
جعلت عمره) بضم العين والميم وقد تسكن وكم مفعول لما بعده وقدم لما له الصدر أي كم
363

سنة جعلت عمره (زده من عمري) يعني من جملة الألف ومن عمري صفة أربعين قدمت فعادت
حالا (أربعين سنة) مفعول ثان لقوله زده كقوله تعالى رب زدني علما
قال أبو البقاء زاد يستعمل لازما كقولك زاد الماء ويستعمل متعديا إلى مفعولين
كقوله زدته درهما وعلى هذا جاء قوله تعالى فزادهم الله مرضا (أو لم يبق من عمري
أربعون سنة) بهمزة الاستفهام الانكاري المنصب على نفي البقاء فيفيد إثباته وقدمت على الواو
لصدارتها والواو استئنافية لمجرد الربط بين ما قبلها وما بعدها (قال) أي ملك الموت (أو لم
تعطها) أي أتقول ذلك ولم تعط الأربعين (فجحد آدم) أي ذلك لأن كان في عالم الذر فلم
يستحضره حالة مجئ ملك الموت له (فجحدت ذريته) لأن الولد سر أبيه (فنسي آدم فنسيت
ذريته) كذا في النسخ الموجودة ووقع في المشكاة ونسي آدم فأكل من الشجرة فنسيت ذريته
قال القاري قيل نسي أن النهي عن جنس الشجرة أو الشجرة بعينها فأكل من غير
المعينة وكان النهي عن الجنس (وخطئ) بكسر الطاء من باب سمع يسمع أي أذنب وعصى
تنبيه قد أخرج الترمذي حديث أبي هريرة هذا في آخر كتا ب التفسير وفيه قال يا رب من
هذا قال هذا ابنك داود وقد كتبت له عمر أربعين سنقال يا رب زده في عمره قال ذاك الذي
كتب له قال أي ربي فإني قد جعلت له من عمري ستين سنة قال أنت وذاك ثم أسكن الجنة ما
شاء الله ثم اهبط منها وكان آدم يعد لنفسه قال فأتاه ملك الموت فقال له آدم قد عجلت قد
كتب لي ألف سنة قابلى ولكنك جعلت لابنك داود ستين سنة فهذه الرواية التي في آخر
كتاب التفسير مخالفة لهذه الرواية التي في سورة الأعراف مخالفة ظاهرة قال القاري ويمكن الجمع بأنه جعل له من عمره أولا أربعين ثم زاد عشرين فصار ستين
ونظيره قوله تعالى وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة وقوله تعالى وإذا واعدنا موسى ثلاثين
ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة ولا يبعد أن يتكرر مأتى عزرائيل عليه السلام
للامتحان بأن جاء وبقي من عمره ستون فلما جحده رجع إليه بعد بقاء أربعين على رجا أنه تذكر
بعد ما تفكر فجحد ثانيا وهذا أبلغ من باب النسيان والله المستعان والأظهر أنه وقع شك
للراوي وتردد في كون العدد أربعين أو ستين فعبر عنه
تارة بالأربعين وأخرى بالستين ومثل هذا
وقع من المحدثين وأجاب عنه بما ذكرنا بعد المحققين ومهما أمكن الجمع فلا يجوز القول
364

بالوهم والغلط في رواية الحفاظ المتقنين
وأما ما قيل من أن ساعات أيام عمر آدم كانت أطول من زمان داود فموقوف على صحة
النقل وإلا فبظاهره يأباه العقل كما حقق في دوران الفلك عند أهل الفضل انتهى كلام القاري
بلفظه ثم قال والحديث السابق يعني الذي في تفسير سورة الأعراف أرجح وكذا أوفق لسائر
الأحاديث الواردة كما في الدر المنثور والجام الكبير للسيوطي رحمه الله تعالى
قلت كل ما ذكره القاري من وجوه الجمع مخدوش إلا الوجه الأخير وهو أن الحديث
الذي في تفسير سوره الأعراف رجح من الحديث الذي في آخر كتاب التفسير فهو المعتمد ووجه
كون الأول أرجح من الثاني ظاهر من كلام الترمذي فإنه قال بعد رواية الأول هذا حديث حسن
صحيح وقال بعد رواية الثاني هذا حديث حسن غريب وأيضا في سند الثاني سعيد بن أبي
سعيد المقبري وكان قد تغير قبل موته بأربع سنين هذا ما عندي والله تعالى أعلم
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرط
مسلم ولم يخرجاه وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره
قوله (عن عمر بن إبراهيم) العبدي البصري صاحب الهروي صدوق في حديثه عن
قتادة ضعف من السادسة كذا في التقريب وقال في تهذيب التهذيب قال أحمد وهو يروي عن
قتادة أحاديث مناكير يخالف وقال ابن عدي يروي عن قتادة أشياء لا يوافق عليها وحديثه خاصة عن
قتادة مضطرب انتهى
قوله (طاف بها إبليس) أي جاءها (وكان لا يعيش لها ولد) من العيش وهو الحياة أي لا
يحيى لها ولد ولا يبقى بل كان يموت (فقال) أي إبليس (سميه عبد الحارث) قال كثير من
المفسرين إنه جاء إبليس إلى حواء وقال لها إن ولدت ولدا فسميه باسمي فقالت ما اسمك
قال الحارث ولو سمى لها نفسه لعرفته فسمته عبد الحارث فكان هذا شركا في التسمية ولم
يكن شركا في العبادة وقد روي هذا بطريق وألفاظ عن جماعة من الصحابة ومن بعدهم كذا في
365

تفسير فتح البيان الدين الخالص (وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره) أي من وسوسته
وحديثه
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه وابن أبي
حاتم وغيرهم
قال الحافظ ابن كثير هذا الحديث معلول من ثلاثة أوجه أحدها أن عمر ابن إبراهيم
هذا هو البصري وقد وثقه ابن معين ولكن قال أبو حاتم الرازي لا يحتج به ولكن رواه ابن
مردويه من حديث المعتمر عن أبيه عن الحسن عن سمرة مرفوعا فالله أعلم الثاني أنه قد روي
من قول سمرة نفسه ليس مرفوعا الثالث أن الحسن نفسه فسر الآية بغير هذا فلو كان هذا عنده
عن سمرة مرفوعا لما عدل عنه انتهى
قلت عمر بن إبراهيم المذكور وثقه غير واحد من أئمة الحديث لكنه ضعيف في رواية
الحديث عن قتادة كما عرفت وهذا الحديث رواه عن قتادة وفي سماع الحسن من سمرة كلام
معروف
تنبيه أورد الترمذي حديث سمرة المذكور هنا في تفسير قوله تعالى هو الذي خلقكم من
نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت
دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما
فتعالى الله عما يشركون قال صاحب فتح البيان قد استشكل هذه الآية جمع من أهل العلم
لأن ظاهرها صريح في وقوع الاشراك من آدم عليه السلام والأنبياء معصومون عن الشرك ثم
اضطروا إلى التفصي من هذا الإشكال فذهب كل إلى مذهب واختلفت أقوالهم في تأويلها
اختلافا كثيرا حتى أنكر هذه القصة جماعة من المفسرين منهم الرازي وأبو السعود وغيرهما وقال
الحسن هذا في الكفار يدعون الله فإذا آتاهما صالحا هودوا أو نصروا وقال ابن كيسان هم الكفار
سموا أولادهم بعبد العزى وعبد الشمس وعبد الدار ونحو ذلك
قال الحسن كان هذا في بعض أهل الملل وليس بآدم وقيل هذا خطاب لقريش الذين
كانوا في عهد رسول الله وهم آل قصي وحسنه الزمخشري وقال هذا تفسير حسن لا
366

إشكال فيه وقيل معناها على حذف المضاف أي جعل أولادهما شركاء ويدل له ضمير الجمع
في قوله الآتي عما يشركون وإياه ذكر النسفي والقفال وارتضاه الرازي وقال هذا جواب في غاية
الصحة والسداد وبه قال جماعة من المفسرين وقيل معنى من نفس واحدة من هيئة واحدة
وشكل واحد فجعل منها أي من جنسها زوجها فلما تغشاها يعني جنس الذكر جنس الأنثى
وعلى هذا لا يكون آدم ولا حواء ذكر في الآية وتكون ضمائر التثنية راجعة إلى الجنسين وهذه
الأقوال كلها متقاربة في المعنى متخالفة في المبنى ولا يخلو كل واحد منها من بعد وضعف وتكلف
بوجوه الأول أن الحديث المرفوع المتقدم يعني حديث سمرة المذكور يدفعه وليس في واحد في
تلك الأقوال قول مرفوع حتى يعتمد عليه ويصار إليه بل هي تفاسير بالآراء المنهى
عنها المتوعد عليها الثاني أن فيه انخرام لنظم القرآن سياقا وسياقا الثالث أن الحديث صرح بأن صاحبة
القصة هي حواء وقوله جعل منها زوجها إنما هو لحواء دون غيرها فالقصة ثابتة لا وجه لإنكارها
بالرأي المحض
والحاصل أن ما وقع إنما وقع من حواء لا من آدم عليه السلام ولم يشرك آدم قط وقوله
جعلا له شركاء بصيغة التثنية لا ينافي ذلك لأنه قد يسند فعل الواحد إلى الاثنين بل إلى جماعة
وهو شائع في كلام العرب وعلى هذا فليس في الآية إشكال والذهاب إلى ما ذكرناه متعين تبعا
للكتاب والحديث وصونا لجانب النبوة عن الشرك بالله تعالى والذي ذكروه في تأويل هذه الآية
الكريمة يرده كله ظاهر الكتاب والسنة انتهى مختصرا
قلت لو كان حديث سمرة المذكور صحيحا ثابتا صالحا للاحتجاج لكان كلام صاحب
فتح البيان هذا حسنا جيدا ولكنك قد عرفت أنه حديث معلول لا يصلح للاحتجاج فلا بد
لدفع الإشكال المذكور أن يختار من هذه الأقوال التي ذكروها في تأويل الآية ما هو الأصح
والأقوى وأصحها عندي هو ما اختاره الرازي وابن جرير وابن كثير
قال الرازي في تفسيره المروي عن ابن عباس هو الذي خلقكم من نفس واحدة وهي
نفس آدم وجعل منها زوجها أي حواء خلقها الله من ضلع آدم عليه السلام من غير أذى فلما
تغشاها آدم حملت حملا خفيفا فلما أثقلت أي ثقل الولد في بطنها أتاها إبليس في صورة رجل
قال ما هذا يا حواء إني أخاف أن يكون كلبا أو بهيمة وما يدريك من أين يخرج أمن دبرك
فيقتلك أو ينشق بطنك فخافت حواء وذكرت ذلك دم عليه السلام فلم يزالا في هم من
ذلك ثم أتاها وقال إن سألت الله أن يجعله صالحا سويا مثلك ويسهل خروجه من بطنك
تسميه عبد الحارث وكان اسم إبليس في الملائكة الحارث فذلك قوله فلما آتاهما صالحا جعلا
367

له شر كاء فيما آتاهما أي لما آتاهما الله ولدا سويا صالحا جعلا له شريكا أي جعل آدم وحواء له
شريكا والمراد به الحارث هذا تمام القصة
واعلم أن هذا التأويل فاسد ويدل عليه وجوه
الأول أنه تعالى قال فتعالى الله عما يشركون وذلك يدل على أن الذين أتوا بهذا الشرك
جماعة
الثاني أنه تعالى قال بعده أيشركون من لا يخلق شيئا وهم يخلقون وهذا يدل أن
المقصود من هذه الآية الرد على من جعل الأصنام شركاء لله تعالى وما جرى لإبليس اللعين في
هذه الآية ذكر
الثالث لو كان المراد إبليس لقال أيشركون من لا يخلق شيئا ولم يقل ما لا يخلق شيئا
لأن العاقل إنما يذكر بصيغة من لا بصيغة ما
الرابع أن آدم عليه السلام كان من أشد الناس معرفة بإبليس وكان عالما بجميع الأسماء
كما قال تعالى وعلم آدم الأسماء كلها فكان لا بد وأن يكون قد علم أن اسم إبليس هو
الحارث فمع العداوة الشديدة التي بينه وبين ادم ومع علمه بأن اسمه هو الحارث كيف سمى
ولد نفسه بعبد الحارث وكيف ضاقت عليه الأسماء حتى إنه لم يجد سوى هذا الاسم
الخامس أن الواحد لو حصل له ولد يرجو منه الخير والصلاح فجاءه إنسان ودعاه أن
يسميه بمثل هذه الأسماء لزجره وأنكر عليه أشد الانكار فآدم عليه السلام مع نبوته وعلمه
الكثير الذي حصل من قوله وعلم آدم الأسماء كلها وتجاربه الكثيرة التي حصلت له بسبب
الزلة التي وقع فيها لأجل وسوسة إبليس كيف لم يتنبه لهذا القدر وكيف لم يعرف أن ذلك من
الأفعال المنكرة التي يجب على العاقل الاحتراز منها
السادس أن بتقدير أن ادم عليه السلام سماه بعبد الحارث فلا يخلو إما أن يقال إنه
جعل هذا اللفظ اسم علم له أو جعله صفة له بمعنى أنه أخبر بهذا اللفظ أنه عبد الحارث
ومخلوق من قبله فإن كان الأول لم يكن هذا شركا بالله لأن أسماء الأعلام والألقاب لا تفيد في
المسميات فائدة فلم يلزم من التسمية بهذا اللفظ حصول الاشراك وإن كان الثاني كان هذا قولا
بأن آدم عليه السلام اعتقد أن لله شريكا في الخلق والإيجاد والتكوين وذلك يوجب الجزم بتكفير
آدم وذلك لا يقوله عاقل فثبت بهذه الوجوه أن هذا القول فاسد ويجب على العاقل المسلم أن لا
يلتفت إليه
368

إذا عرفت هذا فتقول في تأويل الآية وجوه صحيحة سليمة خالية عن هذه المفاسد التأويل
الأول ما ذكره القفال فقال إنه تعالى ذكر هذه القصة على تمثيل ضرب المثل وبيان أن هذه الحالة
صورة حالة هؤلاء المشركين في جهلهم وقولهم بالشرك وتقرير هذا الكلام كأنه تعالى بقول هو
الذي خلق كل واحد منكم من نفس واحدة وجعل من جنسها زوجها إنسانا يساويه في الإنسانية
فلما تغشى الزوج الزوجة وظهر الحمل دعا الزوج والزوجة ربهما لئن آتيتنا ولدا صالحا سويا
لنكونن من الشاكرين لآلائك ونعماتك فلما آتاهما الله ولدا صالحا سويا جعل الزوج والزوجة
شركاء فيما آتاهما لأنهم تارة ينسبون ذلك للطبائع كما هو قول الطبائعيين وتارة إلى الكواكب كما هو
قول المنجمين وتارة إلى الأصنام والأوثان كما هو قول عبدة الأصنام ثم قال تعالى فتعالى الله
عما يشركون أي تنزه الله عن ذلك الشرك وهذا جواب في غاية الصحة والسداد
ثم ذكر باقي التأويلات من شاء الوقوف عليها فليراجع تفسيره وقال الحافظ ابن كثير في
تفسيره قال ابن جرير حدثنا ابن وكيع حدثنا سهل بن يوسف عن عمرو عن الحسن جعلا
له شركاء فيما آتاهما قال كان هذا في بعض أهل الملل ولم يكن بآدم
وحدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا محمد بن ثور عن معمر قال قال الحسن عنى بها ذرية
آدم ومن أشرك منهم بعده يعني جعلا له شركاء فيما آتاهما وحدثنا بشر حدثنا يزيد حدثنا سعيد
عن قتادة كان الحسن يقول هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولادا فهودوا ونصروا وهذه
أسانيد صحيحة عن الحسن رضي الله تعالى عنه أنه فسر الآية بذلك وهو من أحسن التفاسير
وأولى ما حملت عليه الآية ولو كان هذا الحديث يعني حديث سمرة المذكور عنده محفوظا عن
رسول الله لما عدل عنه هو ولا غيره لا سيما مع تقواه لله وورعه فهذا يدلك على أنه موقوف
على الصحابي ويحتمل أنه تلقاه من بعض أهل الكتاب من آمن منهم مثل كعب ووهب بن منبه
وغيرهما إلا إنما برئنا من عهدة المرفوع انتهى
أما أثر ابن عباس الذي ذكره الرازي فهو مروي من طرق متعددة بألفاظ مختلفة وهو
يحتمل أن يكون مأخوذا من الإسرائيليات قال الحافظ ابن كثير بعد ذكره من الطرق المتعددة
بالألفاظ المختلفة ما لفظه وقد تلقى هذا الأثر عن ابن عباس جماعة من أصحابه كمجاهد
وسعيد بن جبير وعكرمة ومن الطبقة الثانية قتادة والسدي وغير واحد من السلف وجماعة من
الخلف ومن المفسرين من المتأخرين جماعات لا يحصون كثرة وكأنه أصله مأخوذ من أهل
الكتاب فإن ابن عباس رواه عن أبي بن كعب كما رواه ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو
369

الجماهر حدثنا سعيد يعني ابن بشير عن عقبة عن قتادة عن مجاهد عن ابن عباس عن أبي بن
كعب قال لما حملت حواء أتاها الشيطان فقال لها أتطيعيني ويسلم لك ولدك سميه عبد
الحارث فلم تفعل فولدت فمات ثم حملت فقال لها مثل ذلك فلم تفعل ثم حملت الثالثة
فجاءها فقال إن تطيعيني يسلم وإلا فإنه يكون بهيمة فهيبهما فأطاعا
وهذه الآثار يظهر عليها أنها من آثار أهل الكتاب وقد صح الحديث عن رسول الله
أنه قال إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ثم أخبارهم على ثلاثة أقسام
فمنها ما علمنا صحته بما دل عليه الدليل من كتاب الله أو سنة رسوله ومنها ما علمنا كذبه بما دل
على خلافه من الكتاب والسنة أيضا ومنها ما هو مسكوت عنه فهو المأذون في روايته بقوله عليه
السلام حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج وهو الذي لا يصدق ولا يكذب لقوله فلا تصدقوهم
ولا تكذبوهم وهذا الأثر هو من القسم الثاني أن الثالث فيه نظر فأما من حدث به من صحابي أو
تابعي فإنه يراه من القسم الثالث وأما نحن فعلى مذهب الحسن البصري رحمه الله في هذا وأنه
ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء وإنما المراد من ذلك المشركون من ذريته ولهذا قال الله
(فتعالى الله عما يشركون) ثم قال فذكره آدم وحواء أولا كالتوطئة لما بعدهما من الوالدين وهو
كالاستطراد من ذكر الشخص إلى الجنس انتهى كلام الحافظ ابن كثير
ومن سورة الأنفال
هي مدنية خمس أو ست أو سبع وسبعون آية
قوله (إن الله شفى صدري من المشركين أو نحو هذا) أو للشك من الراوي يعني قال
هذا اللفظ أو قال لفظا اخر نحو (هب لي) أي أعطني (هذا ليس لي ولا لك) لأنه من أموال
الغنيمة التي لم تقسم (عسى أن يعطى) بصيغة المجهول (هذا) أي السيف وهو نائب الفاعل
370

ليعطى (من لا يبلي بلائي) مفعول ثان ليعطي
قال في النهاية أي لا يعمل مثل عملي في الحرب كأنه يريد أفعل فعلا أختبر فيه ويظهر به
خيري وشري انتهى وفي رواية أبي داود من لم يبل بلائي قال السندي أي لم يعمل مثل عملي
في الحرب كأنه أراد أن في الحرب يختبر الرجل فيظهر حاله وقد اختبرت أنا فظهر مني ما ظهر فأنا
أحق بهذا السيف من الذي لم يختبر مثل اختباري انتهى (فجاءني الرسول) أي رسول الله
(وليس لي) جملة حالية أي سألتني السيف والحال أنه لم يكن لي (وإنه قد صار إلي) أي الان
(فنزلت يسألونك عن الأنفال)
قال البخاري في صحيحه قال ابن عباس الأنفال المغانم وروي عن سعيد بن جبير
قلت لابن عباس سورة الأنفال قال نزلت في بدر (الآية) قال في الجلالين في تفسير هذه الآية لما
اختلف المسلمون في غنائم بدر فقال الشبان هي لنا لأنا باشرنا القتال وقال الشيوخ كنا ردءا
لكم تحت الرايات ولو انكشفت لفئتم إلينا فلا تستأثروا بها نزل يسألونك يا محمد عن
الأنفال الغنائم لمن هي قل لهم الأنفال لله والرسول يجعلانها حيث شاءا فقسمها
بينهم بالسواء رواه الحاكم في المستدرك فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم أي حقيقة ما بينكم
بالمودة وترك النزاع وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين حقا وقال في المدارك وأصلحوا
ذات بينكم أي أحوال بينكم يعني ما بينكم من الأحوال حتى تكون أحوال ألفة ومحبة واتفاق
وقال الزجاج معنى ذات بينكم حقيقة وصلكم والبين الوصل أي فاتقوا الله وكونوا
مجتمعين على ما أمر الله ورسوله به
قلت ما ذكر في الجلالين من سبب نزول هذه الآية فهو مروي عن ابن عباس عند أبي
داود والنسائي وابن جرير وابن مردويه وابن حبان والحاكم ونحوه عن عبادة بن الصامت كما أشار
إليه الترمذي وسيجئ لفظه قال الخازن قوله سبحانه وتعالى يسألونك عن الأنفال
استفتاء يعني يسألك أصحابك يا محمد عن حكم الأنفال وعلمها وهو سؤال استفتاء لا سؤال
طلب قال الضحاك وعكرمة هو سؤال طلب وقوله عن الأنفال أي من الأنفال وعن بمعنى
من أو قيل عن صلة أي يسألونك الأنفال انتهى
قلت حديث سعد بن أبي وقاص يقتضي أنه سؤال طلب وحديث ابن عباس وحديث
عبادة يقتضيان أنه سؤال استفتاء وهو الراجح عندي وقال صاحب فتح البيان ذهب جماعة من
371

الصحابة والتابعين إلى أن الأنفال كانت لرسول الله خاصة ليس لأحد فيها شئ حتى نزل قوله
تعالى واعلموا أنما من شئ فأن لله خمسه فهي على هذا منسوخة وبه قال مجاهد
وعكرمة والسدي وقال ابن زيد محكمة مجملة وقد بين الله مصارفها في آية الخمس وللإمام
أن ينفل من شاء من الجيش ما شاء قبل التخميس انتهى
قلت والظاهر الراجح عندي أنها ليست بمنسوخة بل هي محكمة والله تعالى أعلم
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي
قوله (وفي الباب) أي في شأن نزول هذه الآية (عن عبادة بن الصامت) أخرجه أحمد عنه
قال خرجت مع رسول الله فشهدت معه بدرا فالتقى الناس فهزم الله العدو فانطلقت
طائفة في إثرهم يهزمون ويقتلون وأكبت طائفة على الغنائم يحوونه ويجمعونه وأحدقت طائفة
برسول الله لا يصيب العدو منهم غرة حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض قال
الذين جمعوا الغنائم نحن حويناها وجمعناها فليس لأحد فيها نصيب وقال الذين خرجوا في
طلب العدو لستم بأحق بها منا نحن نفينا عنها العدو وهزمناهم وقال الذين أحدقوا
برسول الله لستم بأحق منا نحن أحدقنا برسول الله وخفنا أن يصيب العدو منه غرة
فاشتغلنا به فنزلت يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات
بينكم فقسمها رسول الله على فواق بين المسلمين وفي لفظ مختصر فينا أصحاب بدر نزلت
حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فجعله إلى رسول الله فقسمه
فينا على بواء يقول على السواء
قال الشوكاني في النيل حديث عبادة قال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات وأخرجه
أيضا الطبراني وأخرج نحوه الحاكم عنه
قوله (أخبرنا أبو زميل) بضم الزاي مصغرا اسمه سماك بن الوليد الحنفي (حدثني
عبد الله بن عباس) بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن عم رسول الله ولد قبل
الهجرة بثلاث سنين ودعا له رسول لله بالفهم في القرآن فكان يسمى البحر والحبر لسعة
372

علمه وقال عمر لو أدرك ابن عباس أسناننا ما عثره منا أحد مات سنة ثمان وستين بالطائف
وهو أحد المكثرين من الصحابة وأحد العبادلة من فقهاء الصحابة
قوله (نظر نبي الله إلى المشركين) وفي رواية مسلم لما كان يوم بدر نظر رسول الله
إلى المشركين
قال النووي بدر هو موضع الغزوة العظمى المشهورة وهو ماء معروف وقرية عامرة على
أربع مراحل من المدينة بينها وبين مكة
قال ابن قتيبة بدر بئر كانت لرجل يشمى بدرا فسميت باسمه
قال أبو يقظان كانت لرجل من بني غفار وكانت غزوة بدر يوم الجمعة لسبع عشرة
خلت من شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة (ثم مد يديه) أي رفعهما (وجعل يهتف) بفتح
أوله وكسر التاء المثناة بعد الهاء ومعناه يصيح ويستغيث بالله في الدعاء وفيه استحباب استقبال
القبلة في الدعاء ورفع اليدين فيه وأنه لا بأس برفع الصوت في الدعاء (اللهم أنجز لي ما
وعدتني) من الإنجاز أي أحضر لي ما وعدتني يقال أنجز وعده إذا أحضره (اللهم إنك إن
تهلك هذه العصابة) قال النووي ضبطوا بفتح التاء وضمها فعلى الأول ترفع العصابة
على أنها فاعل وعلى الثاني تنصب وتكون مفعوله والعصابة الجماعة انتهى
قال الحافظ في الفتح إنما قال ذلك لأنه علم أنه خاتم النبيين فلو هلك هو ومن معه
حينئذ لم يبعث أحد ممن يدعو إلى الإيمان ولاستمر المشركون يعبدون غير الله فالمعنى لا يعبد في
الأرض بهذه الشريعة (كفاك) وفي بعض النسخ كذاك بالذال وفي رواية البخاري حسبك وكله
بمعنى كما صرح به الجزري والنووي (مناشدتك ربك) المناشدة السؤال مأخوذة من النشيد
وهو رفع الصوت وضبطوا مناشدتك بالرفع والنصب وهو الأشهر قال القاضي جعله
فاعلا لكفاك ومن نصبه فعلى المفعول لما في حسبك وكفاك وكذاك من معنى الفعل من الكف
373

قال العلماء هذه المناشدة إنما فعلها النبي ليراه أصحابه بتلك الحال فتقوى قلوبهم
بدعائه وتضرعه مع أن الدعاء عبادة وقد كان وعده الله تعالى إحدى الطائفتين إما العير وإما
الجيش وكانت العير إما ذهبت وفانت فكان على ثقة من حصول الأخرى ولكن سأل تعجيل
ذلك وتنجيزه من غير أذى يلحق المسلمين (فإنه سينجز لك ما وعدك)
قال الخطابي لا يجوز أن يتوهم أحد أن أبا بكر كان أوثق بربه من النبي في تلك الحال
بل الحامل للنبي على ذلك شفقته على أصحابه وتقوية قلوبهم لأنه كان أول مشهد شهده
فبالغ في التوجه والدعاء والابتهال لتسكن نفوسهم عند ذلك لأنهم كانوا يعلمون أن وسيلته
مستجابة فلما قال أبو بكر ما قال كف عن ذلك وعلم أنه استجيب له لما وجد أبو بكر في نفسه
من القوة والطمأنينة فلهذا عقب بقوله سيهزم الجمع (إذ تستغيثون ربكم) أي تطالبون منه
الغوث بالنصر عليهم (فاستجاب لكم) أي فأجاب دعاءكم (إني ممدكم) أي بأني معينكم (بألف
من الملائكة مردفين) أي متتابعين يردف بعضهم بعضا
قوله هذا حديث حسن صحيح غريب وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وأخرجه
البخاري مختصرا
عليك العير) أي عير أبي سفيان التي كان رسول الله خرج بالمسلمين من المدينة
يريدها فبلغ ذلك أهل مكة فأسرعوا إليها وسبقت العير المسلمين فلما فاتهم العير نزل النبي
بالمسلمين بدرا فوقع القتال وهذه العير يقال كانت ألف بعير وكان المال خمسين ألف دينار
374

وكان فيها ثلاثون رجلا من قريش وقيل أربعون وقيل ستون (ليس دونها شئ) أي ليس دون
العير شئ يزاحمك (فناداه العباس) أي ابن عبد المطلب (وهو في وثاقه) وفي رواية أحمد وهو أسير
في وثاقه والوثاق بفتح الواو وكسرها ما يشد به من قيد وحبل ونحوهما (لا يصلح) أي لا ينبغي
لك (لأن الله وعدك إحدى الطائفتين) المراد بالطائفتين العير والنفير فكان في العير أبو سفيان ومن
معه كعمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل وما معه من الأموال وكان في النفير أبو جهل وعتبة بن
ربيعة وغيرهما من رؤساء قريش (قال) أي النبي (صدقت) أي فيما قلت
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد
قوله (أخبرنا ابن غمير) هو عبد الله بن نمير (عن عباد بن يوسف) قال في التقريب
عباد بن يوسف ويقال بن سعيد كوفي عن أبي بردة مجهول من السادسة ويقال اسمه عبادة (أنزل
الله علي أمانين) أي في القرآن وما كان الله ليعذبهم إلخ قبله وإذ قالوا اللهم إن كان هذا أي
الذي يقرأه محمد هو الحق من عندك أي المنزل من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو
ائتنا بعذاب أليم أي مؤلم على إنكاره قاله النضر وغيره استهزاء وإيهاما أنه على بصيرة وجزم
ببطلانه (وأنت فيهم) أي مقيم بمكة بين أظهرهم حتى يخرجوك لأن العذاب إذا نزل عم ولم تعذب
أمة إلا بعد خروج نبيها والمؤمنون منها وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون حيث يقولون في
طوافهم غفرانك غفرانك وقيل هم المؤمنون المستضعفون فيهم كما قال تعالى لو تزيلوا
لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما وبعده وما لهم أن لا يعذبهم الله أي بالسيف بعد
خروجك والمستضعفين وعلى القول الأول هي ناسخة لما قبلها وقد عذبهم ببدر وغيرهم وهم
يصدون أي يمنعون النبي والمسلمين عن المسجد الحرام أن يطوفوا به وما كانوا أولياءه
كما زعموا إن أولياؤهم إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون أن لا ولاية لهم عليه (فإذا مضيت)
أي ذهبت (تركت فيهم) أي بعدي (الاستغفار إلى يوم القيامة) فما داموا يستغفرون لم يعذبوا
375

وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن الله جعل في هذه الأمة أمانين لا تزالون معصومين
مجارين من طوارق العذاب ما دام بين أظهرهم فأمان قبضه الله إليه وأمان بقي فيكم قوله وما
كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون
وروى أحمد عن فضالة بن عبيد عن النبي أنه قال العبد آمن من عذاب الله ما استغفر
الله عز وجل
قوله (وإسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر يضعف في الحديث) قال في التقريب
إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي الكوفي ضعيف من السابعة
قوله (عن أسامة بن زيد) هو الليثي
قوله وأعدوا لهم ما استطعتم إلخ ما موصولة والعائد محذوف ومن قوة بيان له فالمراد
هنا نفس القوة وفي هذا البيان والمبين إشارة إلى أن هذه العدة لا تستتب بدون المعالجة والإدمان
الطويل وليس شئ من عدة الحرب وأداتها أحوج إلى المعالجة والإدمان عليها مثل القوس والرمي
بها ولذلك كرر صلوات الله وسلامه عليه تفسير القوة بالرمي بقوله (ألا) للتنبيه (إن القوة الرمي)
أي هو العمدة (ثلاث مرات) كررها ثلاثا لزيادة التأكيد أو إشارة إلى الأحوال الثلاث من القلة
والكثرة وبينهما فإنها نافية في جميعها (وستكفون المؤونة) بصيغة المجهول أي سيكفيكم الله مؤونة
القتال بما فتح عليكم وفي رواية مسلم يكفيكم الله
قال القاري أي شرهم بقوته وقهره لكن ثوابكم وأجركم مترتب على سعيكم وتعبكم (فلا
يعجزن) بكسر الجيم على المشهور وبفتحها على لغة ومعناه الندب إلى الرمي
قال النووي في شرح مسلم فيه وفي الأحاديث بعد فضيلة الرمي والمناضلة والاعتناء
بذلك بنية الجهاد في سبيل الله تعالى وكذلك المشاحفة وسائر أنواع استعمال السلاح وكذا
376

المسابقة بالخيل وغيرها والمراد بهذا كله التمرن على القتال والتدرب والتحذق فيه ورياضة
الأعضاء بذلك (أن يلهو) أي يشتغل يلعب (بأسهمه) جمع السهم أي مع قسيها بنية الجهاد
وحديث عقبة هذا أخرجه أيضا مسلم من وجه آخر
قوله (أخبرني معاوية بن عمرو) بن المهلب ابن عمرو الأزدي المعني بفتح الميم وسكون
المهملة وكسر النون أبو عمرو البغدادي ويعرف بابن الكرماني ثقة من صغار التاسعة (عن
زائدة) هو ابن قدامة
قوله (لأحد سود الرؤوس) بإضافة أحد إلى سود والمراد بسود الرؤوس بنو آدم لأن
رؤوسهم سود (قال سليمان الأعمش فمن يقول هذا إلا أبو هريرة الان) لم يظهر لي أن الأعمش
ما أراد بقوله فمن يقول هذا الخ اللهم إلا أن يقال إن مراده به أنه لا يقول أحد الان في هذا
الحديث لفظ سود الرؤوس إلا أبو هريرة يعني لم يرد هذا اللفظ إلا في حديثه ولكن يخدشه لفظ الآن فليتأمل لولا كتاب من الله سبق بإحلال الغنائم والأسرى لكم لمسكم أي لنا لكم
وأصابكم فيما أخذتم من الفداء وروى الشيخان عن أبي هريرة غزا نبي من الأنبياء
الحديث وفي آخره ثم أحل الله لنا الغنائم ثم رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا قال الحافظ في
الفتح فيه اختصاص هذه الأمة بحل الغنيمة وكان ابتداء ذلك من غزوة بدر وفيها نزل قوله
تعالى فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا فأحل الله لهم الغنيمة
وقد ثبت ذلك في الصحيح من حديث ابن عباس وقد قدمت في أوائل فرض الخمس أو
أول غنيمة خمست غنيمة السرية التي خرج فيها عبد الله بن جحش وذلك قبل بدر بشهرين
ويمكن الجمع بما ذكر ابن سعد أنه أخر غنيمة تلك السرية حتى رجع من بدر فقسمها مع غنائم
377

بدر وفيه أن من مضى كانوا يغزون ويأخذون أموال أعدائهم وأسلابهم لكن لا يتصرفون فيها بل
يجمعونها وعلامة قبول غزوهم ذلك أن تنزل النار من السماء فتأكلها وعلامة عدم قبوله أن لا
تنزل ومن أسباب عدم القبول أن يقع فيهم الغلول وقد من الله على هذه الأمة ورحمها لشرف
نبيها عنده فأحل لهم الغنيمة وستر عليهم الغلول فطوى عنهم فضيحة أمر عدم القبول فلله
الحمد على نعمة تترى ودخل في عموم أكل النار الغنيمة السبي وفيه بعد لأن مقتضاه إهلاك
الذرية ومن لم يقاتل من النساء ويمكن أن يستثنوا من ذلك ويلزم استثناؤهم من تحريم الغنائم
عليهم ويؤيده أنهم كانت لهم عبيد وإماء فلو لم يجز لهم السبي لما كان لهم أرقاء ويشكل على
الحظر أنه كان السارق يسترق كما في قصة يوسف ولم أر من صرح بذلك انتهى
قوله (عن عمرو بن مرة) هو ابن عبد الله بن طارق الجعلي
قوله (فذكر في الحديث قصة) قد ذكرنا هذه القصة بطولها في باب المشورة من أبواب
الجهاد (لا ينفلتن أحد) أي لا يتخلصن (منهم) أي من الأسارى (ونزل القرآن بقول عمر) أي
نزل القرآن موافقا لقول عمر ما كان لنبي أن يكون له أسرى أي ما كان ينبغي لنبي وقال أبو
عبيدة معناه لم يكن لنبي ذلك فلا يكون لك يا محمد والمعنى ما كان لنبي أن يحبس كافرا قدر
عليه وسار في يده أسيرا للفداء والمن والأسرى جمع أسير وأساري جمع الجمع حتى يثخن في
الأرض الإثخان في كل شئ عبارة عن قوته وشدته يقال أثخنه المرض إذا اشتدت قوته عليه
والمعنى حتى يبالغ في قتال المشركين ويغلبهم ويقهرهم فإذا حصل ذلك فله أن يقدم على الأسر
378

فيأسر الأسارى وبقية الآية مع تفسيرها هكذا تريدون عرض الدنيا يعني تريدون أيها المؤمنون
عرض الدنيا بأخذكم الفداء من المشركين وإنما سمى منافع الدنيا عرضا لأنه لا ثبات لها ولا
دوام فكأنها تعرض ثم تزول بخلاف منافع الآخرة فإنها دائمة لا انقطاع لها والله يريد لكم
الآخرة أي ثوابها بقتل المشركين وقهرهم ونصركم الدين لأنها دائمة بلا زوال ولا انقطاع والله
عزيز لا يقهر ولا يغلب حكيم في تدبير مصالح عباده
واعلم أن حديث علي الذي قد مر في باب قتل الأسرى والفداء من أبواب السير ظاهره
يخالف حديث عبد الله بن مسعود هذا وظاهر هذه الآية وقد تقدم وجه الجمع هناك فعليك أن
تراجعه
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد
ومن سورة التوبة
هي مدنية بإجماعهم قال ابن الجوزي سوى آيتين في آخرها لقد جاءكم رسول من
أنفسكم فإنهما نزلتا بمكة وهي مائة وتسع وعشرون آية وقيل مائة وثلاثون آية
قوله (وسهل بن يوسف) الأنماطي البصري ثقة رمي بالقدر من كبار التاسعة
قوله (حدثني يزيد الفارسي) البصري مقبول من الرابعة
قوله (ما حملكم) أي ما الباعث والسبب لكم (أن عمدتم) بفتح الميم أي على أن قصدتم
(وهي من المثاني)
قال في المجمع يقال المثاني على كل سورة أقل من المئين ومنه عمدتم إلى الأنفال وهي من
379

المثاني انتهى وقال في النهاية المثاني السورة التي تقصر عن المئين وتزيد على المفصل كأن المئين
جعلت مبادئ والتي تليها مثاني (وإلى براءة) هي سورة التوبة وهي أشهر أسمائها ولها أسماء
أخرى تزيد على العشرة قاله الحافظ في الفتح (وهي من المئين) أي ذوات مائة آية
قال في المجمع أول القرآن السبع الطول ثم ذوات المئين أي ذوات مائة آية ثم
المثاني ثم المفصل انتهى والمئين جمع المائة وأصل المائة مائ كمعي والياء عوضا عن الواو
وإذا جمعت المائة قلت مئون ولو قلت مئات جاز (في السبع الطول) بضم ففتح (ما حملكم على
ذلك) تقرير للتأكيد وتوجيه السؤال أن الأنفال ليس من السبع الطول لقصرها عن المئين لأنها سبع
وسبعون آية وليست غيرها لعدم الفصل بينها وبين براءة (كان رسول الله مما يأتي عليه الزمان)
أي الزمان الطويل ولا ينزل عليه شئ وربما يأتي عليه الزمان (وهو) أي النبي والواو للحال
(ينزل عليه) بصيغة المجهول (فكان إذا نزل عليه الشئ) يعني من القرآن (دعا بعض من كان
يكتب) أي الوحي كزيد بن ثابت ومعاوية وغيرهما (فإذا نزلت عليه الآية فيقول ضعوا هذه الآية
في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا) هذا زيادة جواب تبرع به رضي الله تعالى عنه للدلالة على أن
ترتيب الآيات توقيفي وعليه الإجماع والنصوص المترادفة وأما ترتيب السور فمختلف فيه كما في
الإتقان (وكانت براءة من آخر القرآن) أي نزولا كما في رواية أي فهي مدنية أيضا وبينهما النسبة
الترتيبية بالأولية والآخرية فهذا أحد وجوه الجمع بينهما (وكانت قصتها) أي الأنفال (شبيهة
بقصتها) أي براءة ويجوز العكس ووجه كون قصتها شبيهة بقصتها أن في الأنفال ذكر العهود
وفي براءة نبذها فضمت إليها (فظننت أنها) أي التوبة (منها) أي الأنفال وكأن هذا مستند من
قال أنهما سورة واحدة وهو ما أخرجه أبو الشيخ عن دوق وأبو يعلى عن مجاهد ابن أبي حاتم
عن سفيان وابن لهيعة كانوا يقولون إن براءة من الأنفال ولهذا لم تكتب البسملة بينهما مع
اشتباه طرقهما ورد بتسمية النبي كل منهما باسم مستقل
380

قال القشيري إن الصحيح أن التسمية لم تكن فيها لأن جبريل عليه الصلاة والسلام لم
ينزل بها فيها وعن ابن عباس لم تكتب البسملة في براءة لأنها أمان وبراءة نزلت بالسيف
وعن مالك أن أولها لما سقط سقطت معه البسملة فقد ثبت أنها كانت تعدل البقرة لطولها وقيل
إنها ثابتة أولها في مصحف ابن مسعود ولا يعول على ذلك كذا في المرقاة (ولم يبين لنا أنها منها) أي
لم يبين لنا رسول الله أن التوبة من الأنفال أو ليست منها (فمن أجل ذلك) أي لما ذكر من عدم
تبينا ووجود ما ظهر لنا من المناسبة بينهما (قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن
الرحيم) أي لعدم العلم بأنها سورة مستقلة لأن البسملة كانت تنزل عليه للفصل ولم تنزل
ولم أكتب ووضعتها في السبع الطول قال الطيبي دل هذا الكلام على أنهما نزلتا منزلة
سورة واحدة وكمل السبع الطول بها ثم قيل السبع الطول هي البقرة وبراءة وما بينهما وهو
المشهور لكن روى النسائي والحاكم عن ابن عباس أنها البقرة والأعراف وما بينهما
قال الرواي وذكر السابعة فنسيتها وهو يحتمل أن تكون الفاتحة فإنها من السبع المثاني أو
هي السبع المثاني ونزلت سبعتها منزلة المئين ويحتمل أن تكون الأنفال بانفرادها أو بانضمام ما
بعدها إليها وصح عن ابن جبير أنها يونس وجاء مثله عن ابن عباس ولعل وجهه أن الأنفال
وما بعدها مختلف في كونها من المثاني وأن كلا منهما سورة أو هما سورة
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم وقال
صحيح ولم يخرجاه
قوله (عن زائدة) هو ابن قدامة
381

قوله (أنه شهد) أي حضر (وذكر) من التذكير (ثم قال) أي النبي
للناس أي يوم أحرم أي أعظم حرمة كما في حديث جابر بن عبد الله عند أحمد (فقال الناس يوم
الحج الأكبر) قيل هو يوم عرفة وقيل يوم النحر ويأتي الكلام فيه في شرح حديث علي رضي الله
عنه فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم أي تعرضها عليكم حرام أي محرم ليس لبعضكم أن
يتعرض لبعض فيريق دمه أو يسلب ماله أو ينال من عرضه كحرمة يومكم هذا يعني تعرض
بعضكم دماء بعض وأمواله وأعراضه في غير هذه الأيام كحرمة التعرض لها في هذا اليوم في بلدكم هذا أي مكة أو الحرم المحترم في شهركم
هذا أي ذي الحجة ألا لا يجني جان إلا على
نفسه تقدم شرحه في باب تحريم الدماء والأموال من أبواب الفتن ألا حرف التنبيه إن المسلم
أخو المسلم أي في الدين فليس يحل لمسلم أي لا يجوز ولا يباح له إلا ما أحل من نفسه أي ما
أباح له أخوه من نفسه وإن كل ربا في الجاهلية موضوع أي كالشئ الموضوع تحت القدم وهو
مجاز عن إبطاله لكم رؤوس أي أصول أموالكم لا تظلمون بزيادة ولا تظلمون بنقص
غير ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله كذا وقع عند الترمذي في حديث عمرو بن
الأحوص ولم يظهر لي معنى الاستثناء ووقع عند ابن أبي حاتم من طريق شيبان عن شبيب بن
غرقدة عن سليمان بن الأحوص عن أبيه قال خطب رسول الله في حجة الوداع فقال ألا إن
كل ربا كان في الجاهلية موضوع عنكم كله لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وأول
ربا موضوع ربا العباس بن عبد المطلب موضوع كله
وفي حديث جابر عند مسلم وربا الجاهلية موضوعة وأول ما أضع ربانا ربا العباس بن
382

عبد المطلب فإنه موضوع كله
قال النووي قوله في الربا إنه موضوع كله معناه الزائد على رأس المال كما قال الله
تعالى وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم وهذا الذي ذكرته إيضاح وإلا فالمقصود مفهوم من
نفس لفظ الحديث لأن الربا هو الزيادة فإذا وضع الربا فمعناه وضع الزيادة والمراد بالوضع
الرد والإبطال انتهى وإن كل دم كان في الجاهلية موضوع أي متروك لا قصاص ولا دية ولا
كفارة وأول دم أضع أي أضعه وأبطله دم الحارث بن عبد المطلب وفي حديث جابر عند
مسلم وإن أول دم أضع من دمائنا دم بن ربيعة ابن الحارث
قال النووي قال المحققون والجمهور اسم هذا الابن إياس بن ربيعة بن الحارث بن
عبد المطلب وقيل اسمه حارثة وقيل آدم
قال الدارقطني وهو تصحيف وقيل اسمه تمام وممن سماه آدم الزبير بن بكار قال
القاضي عياض ورواه بعض رواة مسلم دم ربيعة بن الحارث قال وكذا رواه أبو داود وقيل وهو
وهم والصواب بن ربيعة لأن ربيعة عاش بعد النبي إلى زمن عمر بن الخطاب وتأويله أبو
عبيد فقال دم ربيعة لأنه ولي الدم فنسبه إليه قالوا وكان هذا الابن المقتول طفلا صغيرا يحبو بين
البيوت فأصابه حجر في حرب كانت بين بني سعد وبين ليث بن بكر قاله الزبير بن بكار انتهى
(كان مسترضعا) على بناء المجهول أي كان له ظئر ترضعه في بني ليث (ألا) بالتخفيف للتنبيه
فاستوصوا بالنساء خيرا الاستيصاء قبول الوصية أي أوصيكم بهن خيرا فاقبلوا وصيتي
فيهن
وقال الطيبي الأظهر أن السين للطلب أي اطلبوا الوصية من أنفسكم في أنفسهن بخير
أو يطلب بعضكم من بعض بالإحسان في حقهن وقيل الاستيصاء بمعنى الايصاء فإنما هن عوان
عندكم جمع عانية أي أسراء كالأسراء
شبهن بهن عند الرجال لتحكمهن فيهن
قال في النهاية العاني الأسير وكل من ذل واستكان وخضع فقد عنا يعنو أو هو عان
والمرأة عانية وجمعها عوان ليس تملكون منهن شيئا أي شيئا من الملك أو شيئا من الهجران
والضرب غير ذلك أي غير الاستيصاء بهن الخير (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) الفاحشة كل ما
383

يشتد من الذنوب والمعاصي وكثيرا ما ترد بمعنى الزنا وكل خصلة قبيحة فهي فاحشة من
قبحه في الأقوال والأفعال فإن فعلن أي أتين بفاحشة فاهجر وهن في المضاجع قال ابن عباس هو أن
يوليها ظهره في الفراش ولا يكلمها وقيل هو أن يعتزل عنها إلى فراش آخر (واضربوهن ضربا
غير مبرح) بضم الميم وفتح الموحدة وتشديد الراء المكسورة قال النووي الضرب المبرح هو
الضرب الشديد الشاق ومعناه اضربوهن ضربا ليس بشديد ولا شاق والبرح المشقة فإن
أطعنكم أي فيما يراد منهن فلا تبغوا عليهن سبيلا أي فلا تطلبوا عليهن طريقا إلى هجرانهن
وضربهن ظلما فلا يوطئن بهمزة أو بإبدالها من باب الأفعال فرشكم بالنصب مفعول أول (من
تكرهون) مفعول ثان أي من تكرهونه رجلا كان أو امرأة قال النووي المختار أن معناه أن لا
يأذن لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم سواء كان المأذون له رجلا أجنبيا أو
امرأة أو أحدا من محارم الزوجة فالنهي يتناول جميع ذلك ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون هذا
كالتفسير لما قبله وهو عام (ألا وإن حقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن أو طعامهن) وفي
حديث جابر عند مسلم ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه ابن ماجة من طريق أبي الأحوص عن
شبيب بن غرقدة وأخرجه الترمذي أيضا من هذا الطريق في باب تحريم الدماء والأموال
قوله (حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان العنبري
البصري صدوق من الحادية عشرة
قوله (سألت رسول الله عن يوم الحج الأكبر فقال يوم النحر) فيه دليل لمن يقول إن
384

يوم الحج الأكبر هو يوم النحر ولحديث على هذا شاهد من حديث ابن عمر عند أبي داود وابن
ماجة وذكره البخاري تعليقا وقد وردت في ذلك أحاديث أخرى ذكرها الحافظ ابن كثير وغيره
واختاره ابن جرير وهو قول مالك والشافعي والجمهور وقال آخرون منهم عمرو ابن عباس
وطاوس إنه يوم غرفة والأول أرجح وحديث علي هذا قد تقدم مرفوعا وموقوفا في أواخر أبواب
الحج وأخرجه أيضا ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه
قوله (وعبد الصمد) بن عبد الوارث
قوله (بعث النبي ببراءة) يجوز فيه التنوين بالرفع على الحكاية وبالجر ويجوز أن يكون
علامة الجر فتحة وهو الثابت في الروايات (مع أبي بكر) وكان بعثه قبل
حجة الوداع بسنة وكانت حجة الوداع في السنة العاشرة من الهجرة (ثم دعاه) أي ثم دعا النبي أبا بكر فقال لا ينبغي
لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي فدعا عليا قال العلماء إن الحكمة في إرسال علي بعد أبي
بكر أن عادة العرب جرت بأن لا ينقض العهد إلا من عقده أو من هو منه بسبيل من أهل بيته
فأجراهم في ذلك على عادتهم ولهذا قال لا يبلغ هذا إلا أنا أو رجل من أهلي (فأعطاه إياه)
أي فأعطى عليا براءة
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد
385

قوله (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري رحمه الله (أخبرنا سعيد بن سليمان)
الضبي أبو عثمان الواسطي نزيل بغداد البزاز لقبه سعدويه ثقة حافظ من كبار العاشرة
قوله (بعث النبي أبا بكر) وروى الطبري عن ابن عباس قال بعث رسول الله
أبا بكر أميرا على الحج وأمره أن يقيم للناس حجهم فخرج أبو بكر (وأمره أن ينادي بهؤلاء
الكلمات) أي أمر النبي أبا بكر أن ينادي بها وعند أحمد من حديث علي لما نزلت عشر آيات
من براءة بعث بها النبي مع أبي بكر ليقرأها على أهل مكة ثم دعاني فقال أدرك أبا بكر
فحيثما لقيته فخذ منه الكتاب فرجع أبو بكر فقال يا رسول الله نزل في شئ فقال لا إلا أنه لن
يؤدي أو لكن جبريل قال لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك
قال ابن كثير ليس المراد أن أبا بكر رضي الله عنه رجع من فوره بل بعد قضائه للمناسك
التي أمره عليها رسول الله قال الحافظ في الفتح ولا مانع من حمله على ظاهره لقرب
المسافة وأما قوله عشر آيات فالمراد أولها إنما المشركون نجس (ثم أتبعه عليا) أي أتبع
رسول الله أبا بكر عليا رضي الله تعالى عنها (إذ سمع رغاء ناقة رسول الله) بضم الراء
وبالمد صوت ذوات الخف وقد رغا البعير يرغو رغاء بالضم والمد أي ضج (القصوى) هو لقب
ناقة رسول الله (فدفع إليه كتاب رسول الله) أي دفع أبو بكر إلى علي كتابه (فسيحوا)
سيروا آمنين أيها المشركون (في الأرض أربعة أشهر) يأتي الكلام عليه في شرح حديث علي الآني
بعد هذا (ولا يحجن بعد العام) أي بعد الزمان الذي وقع فيه الإعلام بذلك (فإذا عيي) بكسر
386

التحتية الأولى يقال عيي يعيى عيا وعياء بأمره وعن أمره عجز عنه ولم يطق أحكامه أو لم يهتد
لوجه مراده وعيى يعيى عيا في المنطق حصر
تنبيه قال الخازن قد يتوهم متوهم أن في بعث علي بن أبي طالب بقراءة أول براءة عزل أبي
بكر عن الإمارة وتفضيله على أبي بكر وذلك جهل من هذا الموهم ويدل على أن أبا بكر لم يزل
أميرا على الموسم في تلك السنة حديث أبي هريرة عند الشيخين أن أبا بكر بعثه في الحجة التي أمره
رسول الله عليها قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس الحديث وفي لفظ أبي داود والنسائي
قال بعثني أبو بكر فيمن يؤذن في يوم النحر بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت
عريان فقوله بعثني أبو بكر فيه دليل على أن أبا بكر كان هو الأمير على الناس وهو الذي أقام
للناس حجهم وعلمهم مناسكهم وأجاب العلماء عن بعث رسول الله عليا ليؤذن في الناس
ببراءة بأن عادة العرب جرت أن لا يتولى تقرير العهد ونقضه إلا سيد القبيلة وكبيرها أو رجل من
أقاربه وكان علي بن أبي طالب أقرب إلى النبي من أبي بكر لأنه ابن عمه ومن رهطه فبعثه
النبي ليؤذن عنه ببراءة إزاحة لهذه العلة لئلا يقولوا هذا على خلاف ما نعرفه عن عادتنا في عقد
العهود ونقضها وقيل لما خص أبا بكر لتوليته على الموسم خص عليا بتبليغ هذه الرسالة تطييبا
لقلبه ورعاية لجانبه وقيل إنما بعث عليا في هذه الرسالة حتى يصلي خلف أبي بكر ويكون جاريا
مجرى التنبيه على إمامة أبي بكر بعد رسول الله لأن النبي بعث أبا بكر أميرا على الحاج
وولاه الموسم وبعث عليا خلفه ليقرأ على الناس ببراءة فكان أبو بكر الامام وعلى المؤتم وكان أبو
بكر رضي الله عنه الخطيب وعلى المستمع وكان أبو بكر المتولي أمر الموسم والأمير على الناس ولم
يكن ذلك لعلي فدل ذلك على تقديم أبي بكر على علي وفضله عليه انتهى
قلت ومما يدل على أن أبا بكر لم يزل أميرا على الموسم في تلك السنة حديث جابر عند
الطبري وإسحاق في مسنده والنسائي والدارمي وابن خزيمة وابن حبان أن النبي حين رجع من
عمرة الجعرانة بعث أبا بكر على الحج فأقبلنا معه حتى إذا كنا بالعرج ثوب بالصبح فسمع رغوة
ناقة النبي فإذا على عليها فقال له أمير أو رسول فقال بل أرسلني رسول الله ببراءة
أقرؤها على الناس الحديث
قوله (ومن كان بينه وبين النبي عهد فهو إلى مدته ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة
387

أشهر) قال الحافظ أستدل بهذا على أن قوله تعالى فسيحوا في الأرض أربعة أشهر يختص
بمن لم يكن له عهد مؤقت أو لم يكن له عهد أصلا وأما من له عهد مؤقت فهو إلى مدته فروى
الطبري من طريق ابن إسحاق قال هم صنفان صنف كن له عهد دون أربعة أشهر فأمهل إلى
تمام أربعة أشهر وصنف كانت له مدة عهده بغير أجل فقصرت على أربعة أشهر وروى أيضا
من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن الأربعة الأشهر أجل من كان له عهد مؤقت
بقدرها أو يزيد عليها وأما من ليس له عهد فانقضاؤه إلى سلخ المحرم لقوله تعالى فإذا انسلخ
الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين ومن طريق عبيدة بن سلمان سمعت (عن) الضحاك أن
رسول الله عاهد ناسا من المشركين من أهل مكة وغيرهم فنزلت براءة فنبذ إلى كل أحد عهده
وأجلهم أربعة أشهر ومن لا عهد له فأجله إلى انقضاء الأشهر الحرم ومن طريق السدي نحوه
ومن طريق معمر عن الزهري قال كان أول الأربعة أشهر عند نزول براءة في شوال فكان
آخرها آخر المحرم فبذلك يجمع بين ذكر الأربعة أشهر وبين قوله فإذا انسلخ الأشهر الحرم
فاقتلوا المشركين واستبعد الطبري ذلك من حيث أن بلوغهم الخبر إنما كان عندما وقع به النداء
به في ذي الحجة فكيف يقال لهم سيحوا أربعة أشهر ولم يبق منها إلا دون الشهرين ثم أسند
عن السدي وغير واحد التصريح بأن تمام الأربعة الأشهر في ربيع الاخر انتهى
قوله (وفيه عن أبي هريرة) أي وفي الباب عن أبي هريرة وكذا قال الترمذي في باب
كراهية الطواف عريانا بعد رواية حديث زيد بن يثيع المذكور وتقدم تخريجه هناك
قوله (حدثنا نصر بن علي وغير واحد الخ) هذه العبارة من هنا إلى قوله ولا يتابع عليه
388

قد وقعت في بعض النسخ وسقطت في بعضها قوله (عن ابن أثيع وعن ابن يثيع) هذا بيان لقوله كلتا
الروايتين (والصحيح زيد بن يثيع) أي بالتحتانية قال في تهذيب التهذيب قال الأثرم عن أحمد
المحفوظ بالياء (وقال زيد بن أثيل) أي باللام مكان العين (ولا يتابع عليه) أي لا يتابع شعبة على
لفظ أثيل قال الدوري عن ابن معين قال شعبة عن أبي إسحاق عن زيد بن أثيل قال ابن معين
والصواب يثبع وليس أحد يقول أثيل إلا شعبة وحده كذا في تهذيب التهذيب
قوله (إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد) وفي الرواية الآتية يتعاهد قال في المجمع أي
يتحافظ وروى يعتاد وهو أقوى سندا وأوفق معنى لشموله جميع ما يناط بالمسجد من العمارة
واعتياد الصلاة وغيرها وتقدم هذا الحديث مع شرحه في باب حرمة الصلاة من أبواب الإيمان
قوله (أخبرنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي (عن عمرو بن الحارث) الأنصاري
المصري (العتواري) بضم العين المهملة وسكون المثناة الفوقية وبراء نسبة إلى عتورة بطن من
كنانة
قوله (حدثنا عبيد الله بن موسى) العبسي الكوفي (عن ثوبان) الهاشمي مولى النبي
389

قوله (فقال بعض أصحابه أنزلت في الذهب والفضة) أي هذه الآية وعرفنا حكمهما
ومذمتهما (لو علمنا) لو للتمني (أي المال خير) مبتدأ وخبر والجملة سدت مسد المفعولين لعلمنا
تعليقا (فتتخذه) منصوب بإضمار أن بعد الفاء جوابا للتمني قيل السؤال وإن كان من تعيين
المال ظاهرا لكنهم أراد وما ينتفع به عند تراكم الحوائج فذلك أجاب عنه بما أجاب ففيه شائبة
عن الجواب عن أسلوب الحكيم (فقال أفضله) أي أفضل المال أو أفضل ما يتخذه الانسان قنية (
لسان ذاكر) أي بتمجيد الله تعالى وتقديسه وتسبيحه وتهليله والثناء عليه بجميع محامده وتلاوة
القرآن (وقلب شاكر) أي على إنعامه وإحسانه (وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه) أي على دينه بأن
تذكره الصلاة والصوم وغيرهما من العبادات وتمنعه من الزنا وسائر المحرمات
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وابن ماجة
قوله (عن غطيف بن أعين) الشيباني الجزري ويقال بالضاد المعجمة ضعيف من
السابعة كذا في التقريب وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى له الترمذي حديثا واحدا
وقال ليس بمعروف في الحديث
قوله (وفي عنقي صليب) هو كل ما كان على شكل خطين متقاطعين
وقال في المجمع هو المربع من الخشب للنصارى يدعون أن عيسى عليه السلام صلب على
خشبة على تلك الصورة (إطرح عنك) أي ألق عن عنقك (هذا الوثن) هو كل ماله جثة معمولة
390

من جواهر الأرض أو من الخشب والحجارة كصورة الادمي والصنم الصورة بلا جثة وقيل
هما سواء وقد يطلق الوثن على غير الصورة ومنه حديث عدي قدمت عليه وفي عنقي
صليب من ذهب فقال ألق هذا الوثن عنك قاله في المجمع (اتخذوا أخبارهم) أي علماء اليهود
(ورهبانهم) أي عباد النصارى (أربابا من دون الله) حيث اتبعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما
أحل الله قال أي النبي (أما) بالتخفيف حرف التنبيه (إذا أحلوا لهم شيئا) أي جعلوا لهم
حلالا وهو مما حرمه الله تعالى (استحلوه) أي اعتقدوه حلالا (وإذا حرموا عليهم شيئا) أي وهو مما
أحله الله (حرموه) أي اعتقدوه حراما
قال في فتح البيان في هذه الآية ما يزجر من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد عن
التقليد في دين الله وتأثير ما يقوله الأسلاف على ما في الكتاب العزيز والسنة المطهرة فإن طاعة
المتمذهب لمن يقتدي بقوله ويستن بسنته من علماء هذه الأمة مع مخالفته لما جاءت به النصوص
وقامت به حجج الله وبراهينه هو كاتخاذ اليهود والنصارى للأحبار والرهبان أربابا من دون الله
للقطع بأنهم لم يعبدوهم بل أطاعوهم وحرموا ما حرموا وحللوا ما حللوا وهذا هو صنيع المقلدين
من هذه الأمة وهو أشبه به من شبه البيضة بالبيضة والتمرة بالتمرة والماء بالماء
فيا عباد الله ما بالكم تركتم الكتاب والسنة جانبا وعمدتم إلى رجال هم مثلكم في تعبد الله
لهم بهما وطلبه للعمل منهم بما دلا عليه وأفاداه فعملتم بما جاءوا به من الآراء التي لم تعمد بعماد
الحق ولم تعضد بعضد الدين ونصوص الكتاب والسنة تنادي بأبلغ نداء وتصوت بأعلى
صوت بما يخالف ذلك ويباينه فأعرتموها آذانا صما وقلوبا غلفا وأذهانا كليلة وخواطر
عليلة وأنشدتم بلسان الحال
وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد انتهى
وقال الرازي في تفسيره قال شيخنا ومولانا خاتمة المحققين والمجتهدين رضي الله عنه قد
شاهدت جماعة من مقلدة الفقهاء قرأت عليهم آيات كثيرة من كتا ب الله تعالى في بعض المسائل
فكانت مذاهبهم بخلاف تلك الآيات فلم يقبلوا تلك الآيات ولم يلتفتوا إليها وبقوا ينظرون
إلي كالمتعجب يعني كيف يمكن العمل بظواهر هذه الآيات مع أن الرواية عن سلفنا وردت إلى
خلافها ولو تأملت حق التأمل وجدت هذا الداء ساريا في عروق الأكثرين من أهل الدنيا
391

انتهى
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه وأحمد ابن جرير وابن سعد وعبد بن حميد وابن
المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه
قوله (حدثنا همام) هو ابن يحيى الأزدي العوذي (حدثنا ثابت) هو البناني
قوله (قلت للنبي ونحن في الغار) وفي رواية للبخاري فرفعت رأسي فإذا أنا بأقدام
القوم (لو أن أحدهم ينظر إلى قدميه لأبصرنا) فيه مجئ لو الشرطية للاستقبال خلافا للأكثر
واستدل من جوزه بمجئ الفعل المضارع بعدها كقوله تعالى (لو يطيعكم في كثير من الأمر
لعنتم) وعلى هذا فيكون قاله حالة وقوفهم على الغار وعلى قول الأكثر يكون قاله بعد مضيهم
شكرا لله تعالى على صيانتهما منهم ووقع في مغازي عروة بن الزبير في قصة الهجرة قال وأتى المشركون على الجبل الذي فيه الغار الذي فيه النبي حتى طلعوا فوقه وسمع أبو بكر أصواتهم
فأقبل عليه الهم والخوف فعند ذلك يقول له النبي لا تحزن إن الله معنا ودعا
رسول الله فنزلت عليه السكينة وفي ذلك يقول عز وجل إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله
معنا الآية وهذا يقوي أنه قال ما في حديث الباب حينئذ ولذلك أجابه بقوله لا تحزن
فقال يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما
قال الحافظ في رواية موسى فقال اسكت يا أبا بكر اثنان الله ثالثهما وقوله اثنان خبر مبتدأ
محذوف تقديره نحن اثنان ومعنى ثالثهما ناصرهما ومعينهما وإلا فالله ثالث كل اثنين بعلمه
انتهى
وقال النووي معناه ثالثهما بالنصر والمعونة والحفظ والتسديد وهو داخل في قوله تعالى
إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وفيه بيان عظيم توكل النبي حتى في هذا
392

المقام وفيه فضيلة لأبي بكر رضي الله عنه وهي من أجل مناقبه والفضيلة من أوجه منها بذلة
نفسه ومفارقته أهله وماله ورياسته في طاعة الله ورسوله وملازمة النبي ومعاداة الناس فيه
ومنها جعله نفسه وقاية عنه وغير ذلك انتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه الشيخان
قوله (لما توفي عبد الله بن أبي) بن سلول بفتح المهملة وضم اللام وسكون الواو بعدها
لام هو اسم امرأة وهي والدة عبد الله المذكور وهي خزاعية وأما هو فمن الخزرج أحد قبيلتي
الأنصار وابن سلول يقرأ بالرفع لأنه صفة عبد الله لا صفة أبيه (أعلى عدو الله) أي أتصلي على
عدو الله (القائل يوم كذا وكذا كذا وكذا بعد أيامه) يشير بذلك إلى مثل قوله لا تنفقوا على من
عند رسول الله حتى ينفضوا إلى مثل قوله ليخرجن الأعز منها الأذل ورسول الله
يتبسم استشكل تبسمه في تلك الحالة مع ما ثبت أن ضحكه كان تبسما ولم يكن عند
شهود الجنائز يستعمل ذلك وجوابه أنه عبر عن طلاقة وجهه بذلك تأنيسا لعمر وتطييبا لقلبه
كالمعتذر عن ترك قبول كلامه ومشورته (قال أخر عني) أي كلامك (قد خيرت) أي بين الاستغفار
وعدمه (استغفر) يا محمد لهم (أو لا نستغفر لهم) تخيير له في الاستغفار وتركه (إن تستغفر لهم
سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) قيل المراد بالسبعين المبالغة في كثرة الاستغفار وقيل المراد العدد
المخصوص لقوله وسأزيده على السبعين فبين له حسم المغفرة بآية سواء عليهم
استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم كما في رواية البخاري (فعجب لي وجرأتي) بضم الجيم وسكون
الراء بعدها همزة أي إقدامي عليه
وفي رواية البخاري فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله
393

تنبيه قوله (قد خيرت فاخترت) يدل على أنه فهم من الآية التخيير واستشكل
فهم التخيير منها حتى أقدم جماعة من الأكابر على الطعن في صحة هذا الحديث مع كثرة طرقه
واتفاق الشيخين وسائر الذين خرجوا الصحيح على تصحيحه وذلك ينادي على منكري صحته
بعدم معرفة الحديث وقلة الاطلاع على طرقه
قال الحافظ والسبب في إنكارهم صحته ما تقرر عندهم مما قدمناه وهو الذي فهمه عمر
رضي الله عنه من حمل أو على التسوية لما يقتضيه ساق القصة وحمل السبعين على المبالغة
قال ابن المنير ليس عند البيان تردد أن التخصيص بالعدد في هذا السياق غير مراد
قال وقد أجاب بعض المتأخرين عن ذلك بأنه إنما قال سأزيد على السبعين استمالة لقلوب
عشيرته لأنه أراد إن زاد على السبعين يغفر له ويؤيده تردده في ثاني حديثي الباب حيث قال لو
أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت لكن قدمنا أن الرواية ثبتت بقوله سأزيد ووعده
صادق ولا سيما وقد ثبت قوله
وأجاب بعضهم باحتمال أن يكون فعل ذلك استصحابا للحال لأن جواز المغفرة بالزيادة
كان ثابتا قبل مجئ الآية فجاز أن يكون باقيا على أصله في الجواز وهذا جواب حسن وحاصله
أن العمل بالبقاء على حكم الأصل مع فهم المبالغة لا يتنافيان فكأنه جوز أن المغفرة تحصل
بالزيادة على السبعين لا أنه جازم بذلك ولا يخفى ما فيه قال ووقع في أصل هذه القصة إشكال
آخر وذلك أنه أطلق أنه خير بين الاستغفار لهم وعدمه بقوله تعالى استغفر لهم أو
لا تستغفر لهم وأخذ بمفهوم العدد من السبعين فقال سأزيد عليها مع أنه قد سبق قبل ذلك
بمدة طويلة نزول قوله تعالى ما كان للنبي والذي آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى
قربى فإن هذه الآية نزلت في قصة أبي طالب حين قال لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فنزلت
وكانت وفاة أبي طالب بمكة قبل الهجرة اتفاقا وقصة عبد الله بن أبي هذه في السنة التاسعة من
394

الهجرة فكيف يجوز مع ذلك الاستغفار للمنافقين مع الحزم بكفرهم في نفس الآية وقد وقفت
على جواب لبعضهم عن هذا حاصله أن المنهي عنه استغفار ترجى إجابته حتى يكون مقصده
تحصيل المغفرة لهم كما في قصة أبي طالب بخلاف الاستغفار لمثل عبد الله بن أبي فإنه استغفار
لقصد تطييب قلوب من بقي منهم وهذا الجواب ليس بمرضى عندي ونحوه قول الزمخشري فإنه
قال
فإن قلت كيف خفي على أفصح الخلق وأخيرهم بأساليب الكلام وتمثيلاته أن المراد بهذا
العدد أن الاستغفار ولو كثر لا يجدي ولا سيما وقد تلاه قوله ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله
الآية فبين الصارف عن المغفرة لهم
قلت لم يخف عليه ذلك ولكنه فعل ما فعل وقال ما قال إظهارا لغاية رحمته ورأفته على من
بعث إليه وهو كقول إبراهيم عليه السلام ومن عصاني فإنك غفور رحيم وفي إظهار
النبي الرأفة المذكورة لطف بأمته وباعث على رحمة بعضهم بعضا انتهى
ومنهم من قال إن النهي عن الاستغفار لمن مات مشركا لا يستلزم النهي لمن مات مظهرا
للإسلام لاحتمال أن يكون معتقده صحيحا وهذا جواب جيد
وقد قدمت البحث في هذه الآية في كتاب الجنائز والترجيح أن نزولها كان متراخيا عن
قصة أبي طالب جيدا وأن الذي نزل في قصته إنك لا تهدي من أحببت وحررت دليل ذلك
هنا إلا أن في بقية هذه الآية من التصريح بأنهم كفروا بالله ورسوله ما يدل على أن نزول ذلك وقع
متراخيا عن القصة ولعل الذي نزل أولا وتمسك النبي به قوله تعالى استغفر لهم أو لا
تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم إلى هنا خاصة ولذلك اختصر في
جواب عمر على التخيير وعلى ذكر السبعين فلما وقعت القصة المذكورة كشف الله عنهم الغطاء
وفضحهم على رؤوس الملأ ونادى عليهم بأنهم كفروا بالله ورسوله وإذا تأمل المتأمل المنصف
وجد الحامل على من رد الحديث أو تعسف في التأويل ظنه بأن قوله ذلك بأنهم كفروا بالله
ورسوله نزل مع قوله استغفر لهم أي نزلت الآية كاملة لأنه لو فرض نزولها كاملة لاقترن
بالنهي العلة وهي صريحة في أن قليل الاستغفار وكثيره لا يجدي وإلا فإذا فرض ما حررته أن
هذا القدر نزل متراخيا عن صدر الآية لارتفع الاشكال وإذا كان الأمر كذلك فحجة المتمسك
من القصة بمفهوم العدد صحيح وكون ذلك وقع للنبي متمسكا بالظاهر على ما هو المشروع في
الأحكام إي أن يقوم الدليل الصارف عن ذلك لا إشكال فيه انتهى
395

قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه البخاري والنسائي
قوله (جاء عبد الله بن عبد الله بن أبي) كان عبد الله بن عبد الله بن أبي هذا من فضلاء
الصحابة وشهد بدرا وما بعدها واستشهد في خلافة أبي بكر الصديق ومن مناقبه أنه بلغه بعض
مقالات أبيه فجاء إلى النبي يستأذنه في قتله قال بل أحسن صحبته أخرجه ابن مندة من
حديث أبي هريرة بإسناد حسن وكأنه كان يحمل أمر أبيه على ظاهر الاسلام فلذلك التمس من
النبي أن يحضر عنده ويصلي عليه ولا سيما وقد ورد ما يدل على أنه فعل ذلك بعهد من أبيه
ويؤيد ذلك ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر والطبري من طريق سعيد كلاهما عن قتادة قال
أرسل عبد الله بن أبي إلى النبي فلما دخل عليه قال أهلكك حب يهود فقال يا رسول الله إنما
أرسلت إليك لي ولم أرسل إليك لتوبخني ثم سأله أن يعطيه قميصة يكفن فيه وهذا مرسل مع
ثقة رجاله ويعضده ما أخرجه الطبراني من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس
قال لما مرض عبد الله بن أبي جاءه النبي فكلمه فقال قد فهمت ما تقول فامنن علي
فكفني في قميصك وصل علي ففعل وكان عبد الله بن أبي أراد بذلك دفع العار عن ولده
وعشيرته بعد موته فأظهر الرغبة في صلاة النبي ووقعت إجابته إلى سؤاله بحسب ما ظهر من
حاله إلى أن كشف الله الغطاء عن ذلك وهذا من أحسن الأجوبة فيا يتعلق بهذه القصة كذا
في الفتح (فقال أعطني قميصك أكفنه) إلى قوله (فأعطاه قميصه) هذا مخالف لحديث جابر عند
البخاري قال أتى النبي عبد الله بن أبي بعد ما دفن فأخرجه فنفث فيه من ريقه وألبسه
قميصه
قال الحافظ قد جمع بينهما بأن معنى قوله في حديث ابن عمر فأعطاه أي أنعم له بذلك
فأطلق على العدة اسم العطية مجازا لتحقق وقوعها وكذا قوله في حديث جابر بعد ما دفن
عبد الله بن أبي أي دلى في حفرته وكان أهل عبد الله بن أبي خشوا على النبي المشقة في
حضوره فبادروا إلى تجهيزه قبل وصول النبي فلما وصل وجدهم قد دلوه في حفرته فأمر
بإخراجه إنجازا لوعده في تكفينه في القميص والصلاة عليه ووجه إعطاء النبي قميصه
لعبد الله بن أبي مبين في حديث جابر قال لما كان يوم بدر أتى بأساري وأتى بالعباس ولم
396

يكن عليه ثوب فنظر النبي له قميصا فوجدوا قميص عبد الله بن أبي يقدر عليه فكساه
النبي إياه فلذلك نزع النبي قميصه الذي ألبسه
قال ابن عيينة كانت له عند النبي يد فأحب أن يكافئه رواه البخاري (فآذنوني) من
الإيذان أي أعلموني (أليس قد نهى الله أن تصلي على المنافقين) وفي رواية البخاري فقال يا
رسول الله تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه
قال الحافظ كذا في هذه الرواية إطلاق النهي عن الصلاة وقد استشكل جدا حتى أقدم
بعضهم فقال هذا وهم من بعض رواته وعاكسه غيره فزعم أن عمر اطلع على نهي خاص في
ذلك
وقال القرطبي لعل ذلك وقع في خاطر عمر فيكون من قبيل الالهام ويحتمل أن يكون
فهم ذلك من قوله ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين
قال الثاني يعني ما قاله القرطبي أقرب من الأول لأنه لم يتقدم النهي عن الصلاة على
المنافقين بدليل أنه قال في آخر هذا الحديث قال فأنزل الله ولا تصل على أحد منهم والذي
يظهر أن في رواية الباب تجوزا بينته الرواية التي في الباب بعده من وجه آخر عن عبيد الله بن
عمر بلفظ فقال تصلي عليه وقد نهاك الله أن تستغفر لهم
وروى عبد بن حميد والطبري من طريق الشعبي عن ابن عمر عن عمر قال أراد رسول الله أن يصلي على عبد الله بن أبي فأخذت بثوبه فقلت والله ما أمرك الله بهذا لقد
قال إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ووقع عند ابن مردويه من طريق سعيد بن
جبير عن ابن عباس فقال عمر أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه قال أين قال وقال
استغفر الآية وهذا مثل رواية الباب فكأن عمر قد فهم من الآية المذكورة ما هو الأكثر الأغلب
من لسان العرب من أن أو ليست للتخيير بل للتسوية في علم الوصف المذكور أي أن الاستغفار لهم وعدم
الاستغفار سواء وهو كقوله تعالى سواء عليهم استغفرت لهم أم لم
397

تستغفر لهم لكن الثانية أصرح ولهذا ورد أنها نزلت بعد هذا القصة وفهم عمر أيضا من قوله
سبعين مرة أنها للمبالغة وأن العدد المعين لا مفهوم له بل المراد نفي المغفرة لهم ولو كثر
الاستغفار فيحصل من من ذلك النهي عن الاستغفار فأطلقه وفهم أيضا أن المقصود الأعظم من
الصلاة على الميت طلب المغفرة للميت والشفاعة له فلذلك استلزم عند النهي عن الاستغفار ترك
الصلاة فلذلك جاء عنه في هذه الرواية إطلاق النهي عن الصلاة ولهذه الأمور استنكر إرادة
الصلاة على عبد الله بن أبي
هذا تقرير ما صدر عن عمر مع ما عرف من شدة صلابته في الدين وكثرة بغضه للكفار
والمنافقين وهو القائل في حق حاطب بن أبي بلتعة مع ما كان له من الفضل كشهوده بدرا وغير
ذلك لكونه كاتب قريش قبل الفتح دعني يا رسول الله أضرب عنقه فقد نافق فلذلك أقدم
على كلامه للنبي بما قال ولم يلتفت إلى احتمال إجراء الكلام على ظاهره لما غلب عليه من
الصلابة المذكورة
قال الزين بن المنير وإنما قال ذلك عمر حرصا على النبي ومشورة لا إلزاما وله عوائد
بذلك
تنبيه قال الخطابي إنما فعل النبي مع عبد الله بن أبي ما فعل لكمال شفقته على من
تعلق بطرف من الدين ولتطييب قلب ولده عبد الله الرجل الصالح ولتألف قومه من الخزرج
لرياسته فيهم فلو لم يجب سؤال ابنه وترك الصلاة عليه قبل ورود النهي الصريح لكان سبة على
ابنه وعارا على قومه واستعمل أحسن الأمرين في السياسة إلى أن نهى فانتهى
وقد أخرج الطبري من طريق سعيد عن قتادة في هذه القصة قال فأنزل الله تعالى ولا
تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره قال فذكر لنا أن نبي الله قال وما يغني عنه
قميصي من الله وإني لأرجو أن يسلم بذلك ألف من قومه (أنا بين خيرتين) تثنية خيرة كعنبة أي
أنا مخير بين الاستغفار وتركه (فأنزل الله ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) لدفن
أو زيارة أي لا تقف عليه ولا تتول دفنه من قولهم قام فلان بأمر فلان إذا كفاه أمره وناب عنه
فيه وتمام الآية إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون وهذا تعليل لسبب المنع من
الصلاة عليه والقيام على قبره
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة
398

قوله (عن عمران بن أبي أنس) القرشي العامري المدني نزل الإسكندرية ثقة من
الخامسة (عن أبي سعيد الخدري أنه قال تماري رجلان في المسجد الذي أسس) على التقوى إلخ
تقدم هذا الحديث مع شرحه في باب المسجد الذي أسس على التقوى من أبواب الصلاة
قوله (حدثنا يونس بن الحارث) الثقفي الطائفي نزيل الكوفة ضعيف من السادسة
(عن إبراهيم بن أبي ميمونة) الحجازي ذكره بن حبان في الثقات وقال ابن القطان الفاسي
مجهول الحال
قوله (نزلت هذه الآية) والمسار إليها فيما بعد وهو قوله تعالى وفيه رجال الآية (في
أهل قباء) أي في ساكنيه وقباء بضم القاف وخفة الموحدة والممدودة مصروفة وفيه لغة بالقصر
وعدم الصرف موضع بميلين أو ثلاثة من المدينة قال ابن الأثير هو بمد وصرف على الصحيح
(يحبون أن يتطهروا) أي يحبون الطهارة بالماء في غسل الأدبار (قال) أي أبو هريرة (كانوا) أي أهل قباء
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أبو داود وابن ماجة
قال الحافظ في التلخيص سنده ضعيف
399

قوله (وفي الباب عن أبي أيوب وأنس بن مالك ومحمد بن عبد الله بن سلام) أما حديث
أبي أيوب وأنس بن مالك فأخرجه ابن ماجة والحاكم من طريق أبي سفيان طلحة بن نافع قال
أخبرني أبو أيوب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وإسناده ضعيف قاله الحافظ
وأما حديث محمد بن عبد الله بن سلام فأخرجه أحمد عنه قال لقد قدم رسول الله
يعني قباء فقال إن الله عز وجل قد أثنى عليكم في الطهور خيرا أفلا تخبروني يعني قوله فيه
رجال يحبون أن يتطهروا فقالوا يا رسول الله إنا نجده مكتوبا علينا في التوراة الاستنجاء بالماء
وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة وابن قانع وفي سنده شهر بن حوشب وحكى أبو نعيم في معرفة
الصحابة الخلاف فيه على شهر بن حوشب
تنبيه روى البزار في مسنده قال حدثنا عبد الله بن شبيب حدثنا أحمد بن محمد بن
عبد العزيز وجدت في كتاب أبي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال
نزلت هذه الآية في أهل قباء رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين فسألهم
رسول الله فقالوا إنا نتبع الحجارة الماء
قال البزار لا نعلم أحدا رواه عن الزهري إلا محمد بن عبد العزيز ولا عنه إلا ابنه
انتهى ومحمد بن عبد العزيز ضعفه أبو حاتم فقال ليس له ولا لأخويه عمران وعبد الله
حديث مستقيم وعبد الله بن شبيب ضعيف أيضا
وقد روى الحاكم من حديث مجاهد عن ابن عباس أصل هذا الحديث وليس فيه إلا ذكر
الاستنجاء بالماء فحسب ولهذا قال النووي في شرح المهذب المعروف في طرق الحديث أنهم
كانوا يستنجون بالماء وليس فيها أنهم كانوا يجمعون بين الماء والأحجار وتبعه بن الرفعة فقال لا
يوجد هذا في كتب الحديث وكذا قال المحب الطبري نحوه ورواية البزار واردة عليهم وإن
كانت ضعيفة كذا في التلخيص
قوله (عن أبي إسحاق) هو السبيعي (عن أبي الخليل) اسمه عبد الله بن الخليل أو ابن أبي
الخليل الحضرمي أبو الخليل الكوفي مقبول من الثانية وفرق البخاري وابن حبان بين الراوي
عن علي فقال فيه ابن أبي الخليل والراوي عن زيد بن أرقم فقال فيه ابن الخليل
400

قوله (وهما مشركان) جملة حالية (أوليس استغفر إبراهيم لأبيه) أي أتقول هذا وليس
استغفر الخ (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين أي لا يصح ولا يجوز لهم أن
يستغفروا للمشركين) وتمام الآية مع تفسيرها هكذا ولو كانوا أي المشركون أولي القربى أي
ذوي قرابة من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم أي النار بأن ماتوا على الكفر وما كان
استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه بقوله سأستغفر لك ربي رجاء أن يسلم فلما
تبين له أنه عدو لله بموته على الكفر تبرأ منه وترك الاستغفار له إن إبراهيم لأواه كثير التضرع
والدعاء حليم صبور على الأذى
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد والنسائي
قوله (وفي الباب عن سعيد بن المسيب عن أبيه) أخرجه أحمد والشيخان عنه أنه لما
حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي
أمية بن المغيرة فقال رسول الله لأبي طالب أي عم قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند
الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فقال
النبي لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فنزلت ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا
للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم
قال صاحب فتح البيان وقد روى في سبب نزول الآية استغفار النبي لأبي طالب من
طرق كثيرة وأصله في الصحيحين وما فيهما مقدم على ما لم يكن فيهما على فرض أنه صحيح
فكيف وهو ضعيف غالبه ولا ينافي هذا ما ثبت عنه في الصحيح أنه قال يوم أحد حين كسر
المشركون رباعيته وشجوا وجهه اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون لأنه يمكن أن يكون ذلك
قبل أن يبلغه تحريم الاستغفار لهم وعلى فرض أنه قد كان بلغه كما يفيده سبب النزول فإنه قبل
أحد بمدة طويلة فصدور هذا الاستغفار منه إنما كان على سبيل الحكاية عمن تقدمه من الأنبياء كما
في صحيح مسلم عن عبد الله قال كأني أنظر إلى النبي وآله وسمل يحكى نبيا من
الأنبياء ضربه قومه ويمسح الدم عن وجهه ويقول رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون انتهى
401

قوله (عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك) الأنصاري كنيته أبو الخطاب المدني ثقة من
كبار التابعين ويقال ولد في عهد النبي
قوله (حتى كانت غزوة تبوك) مكان معروف هو نصف طريق المدينة إلى دمشق ويقال
بين المدينة وبينها أربع عشرة مرحلة والمشهور فيها عدم الصرف للتأنيث والعلمية ومن صرفها
أراد الموضع وكانت هذه الغزوة في شهر رجب من سنة تسع قبل حجة الوداع بلا خلاف (مغيثين
لغيرهم) أي معينين لغيرهم من الإغاثة بمعنى الإعانة وفي بعض النسخ مغوثين
قال في النهاية جاء به على الأصل ولم يعله كاستحوذ واستنوق ولو روى مغوثين
بالتشديد من غوث بمعنى أغاث لكان وجها والغير بكسر العين الإبل بأجمالها وقيل هي قافلة
الحمير فكثرت حتى سميت بها كل قافلة (كما قال الله تعالى) يعني قوله تعالى إذ أنتم بالعدوة
الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي
الله أمرا كان مفعولا (وما أحب أني كنت شهدتها مكان بيعتي ليلة العقبة) أي بدل بيعتي ليلة
العقبة لأن هذه البيعة كانت أول الاسلام ومنشأة وليلة العقبة ليلة بايع فيها الأنصار على
الإسلام والنصر وذلك أنه كان يعرض نفسه على القبائل في كل موسم ليؤمنوا به ويؤووه
فلقي رهطا من الخزرج فأجابوه فجاء في العام المقبل اثنا عشر إلى الموسم فبايعوه عند العقبة
وهي بيعة العقبة الأولى فخرج في العام الاخر سبعون إلى الحج فاجتمعوا عند العقبة وأخرجوا
من كل فرقة نقيبا فبايعوه وهي البيعة الثانية (حيث تواثقنا على الاسلام) بمثلثة وقاف أي أخذ
بعضنا على بعض الميثاق لما تبايعنا على الاسلام والجهاد والميثاق العهد وأصله قيد أو حبل
يشد به الأسير أو الدابة (بعد) بضم الدال أي بعد غزوة بدر (غزاها) الضمير المرفوع
للنبي (وآذن) من الإيذان أي أعلم فذكر الحديث بطوله روى البخاري هذا
402

الحديث بطوله في باب غزوة تبوك (أبشر يا كعب بن مالك بخير يوم أتى عليك منذ
ولدتك أمك) استشكل هذا الاطلاق بيوم إسلامه فإنه مر عليه بعد أن ولدته أمه وهو خير
أيامه فقيل هو مستثنى تقديرا وإن لم ينطق به لعدم خفائه والأحسن في الجواب أن يوم توبته
مكمل ليوم إسلامه فيوم إسلامه بداية سعادته ويوم توبته مكمل لها فهو خير جميع أيامه وإن
كان يوم إسلامه خيرها فيوم توبته المضاف إلى إسلامه خير من يوم إسلامه المجرد عنها (لقد تاب
الله) أي أدام توبته (على النبي) فيما وقع منه من الإذن في التخلف أو فيما وقع منه من
الاستغفار للمشركين وليس من لازم التوبة أن يسبق الذنب ممن وقعت منه أوله لأن كل العبادة
محتاج إلى التوبة والاستغفار وقد تكون التوبة منه على النبي من باب أنه ترك ما هو الأولى والأليق
كما في قوله عفا الله عنك لم أذنت لهم ويجوز أن يكون ذكر النبي لأجل التعريض
للمذنبين بأن يتجنبوا الذنوب ويتوبوا عما قد لابسوه منها قال أهل المعاني هو مفتاح كلام للتبرك
وفيه تشريف لهم في ضم توبتهم إلى توبة النبي كما ضم اسم الرسول إلى اسم الله في قوله
فإن لله خمسه وللرسول فهو تشريف له (و) كذلك تاب الله سبحانه على (المهاجرين والأنصار)
فيما قد اقترفوه من الذنوب ومن هذا القبيل ما صح عنه من قوله إن الله اطلع على أهل بدر فقال أعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم
والانسان لا يخلو من زلات وتبعات في مدة عمره إما من باب الصغائر وإما من باب ترك
الأفضل ثم وصف سبحانه المهاجرين والأنصار بأنهم (الذين اتبعوه) أي النبي فلم يتخلفوا
عنه (في ساعة العسرة) هي غزوة تبوك فإنهم كانوا فيها في عسرة شديدة وتسمى غزوة العسرة
والجيش الذي سار يسمى جيش العسرة لأنه كان عليهم عسرة في الزاد والظهر والماء
وأخرج ابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي وغيرهم عن ابن عباس أنه قال لعمر بن
الخطاب حدثنا من شأن ساعة العسرة فقال خرجنا مع رسول الله إلى تبوك في قيظ
شديد فنزلنا منزلا فأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع حتى إن الرجل لينحر بعيره
403

فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كيده فقال أبو بكر الصديق يا رسول الله إن الله قد
عودك في الدعاء خيرا فادع لنا فرفع يديه فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأهطلت ثم سكبت
فملأوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر (من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق
منهم) في كاد ضمير الشأن بيان لتناهي الشدة وبلوغها النهاية ومعنى يزيغ يتلف بالجهد والمشقة
والشدة وقيل معناه يميل عن الحق ويترك المناصرة والممانعة وقيل معناه يهم بالتخلف عن الغزو
لما هم فيه من الشدة العظيمة وفي قراءة ابن مسعود من بعد ما زاغت وهم المتخلفون على هذه
القراءة وفي تكرير التوبة عليهم بقوله (ثم تاب عليهم) تأكيد ظاهر واعتناء بشأنها هذا إن كان
الضمير راجعا إلى من تقدم ذكر التوبة عنهم وإن كان الضمير إلى الفريق الثاني فلا تكرار
وذكر التوبة أو لا قبل ذكر الذنب تفضلا منه وتطييبا لقلوبهم ثم ذكر الذنب بعد ذلك وأردفه بذكر
التوبة مرة أخرى تعظيما لشأنهم وليعلموا أنه تعالى قد قبل توبتهم وعفا عنهم ثم أتبعه بقوله
(إنه بهم رؤوف رحيم) تأكيدا لذلك أي رفيق بعباده لأنه لم يحملهم ما لا يطيقون من
العبادات وبين الرؤف والرحيم فرق لطيف وإن تقاربا في المعنى
قال الخطابي قد تكون الرحمة مع الكراهة ولا تكاد الرأفة تكون معها وقيل الرأفة عبارة
عن السعي في إزالة الضرر والحرمة عبارة عن السعي في إيصال النفع هذه الآية هي الأولى من
الآيات التي تلاها رسول الله والآية الثانية مع تفسيرها هكذا وعلى الثلاثة الذين خلفوا
أي أخروا ولم تقبل توبتهم في الحال كما قبلت توبة أولئك المتخلفين المتقدم ذكرهم وهؤلاء الثلاثة
هم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع أو ابن ربيعة العامري وهلال بن أمية الواقفي
وكلهم من الأنصار لم يقبل النبي وآله وسلم توبتهم حتى نزل القرآن بأن الله قد
تاب عليهم حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت كناية عن شدة التحير وعدم الاطمئنان
يعني أنهم أخروا عن قبول التوبة إلى هذه الغاية وهي وقت أن ضاقت عليهم الأرض برحبها
لاعراض الناس عنهم وعدم مكالمتهم من كل أحد لأن النبي نهى الناس أن يكالموهم
وضاقت عليهم أنفسهم أي أنها ضاقت صدورهم بما نالهم من الوحشة وبما حصل لهم من الجفوة
وشدة الغم والحزن وظنوا أي علموا وأيقنوا أن لا ملجأ من الله أي من عذابه أو من
سخطه إلا إليه أي بالتوبة والاستغفار ثم تاب أي رجع عليهم بالقبول والرحمة وأنزل في
القرآن التوبة عليهم ليستقيموا أو وفقهم للتوبة فيما يستقبل من الزمان إن فرطت منهم خطيئة
ليتوبوا عنها ويرجعوا فيها إلى الله ويندموا على ما وقع منهم ويحصلوا التوبة وينشئوها فحصل
التغاير وصح التعليل إن الله هو التواب أي الكثير القبول لتوبة التائبين الرحيم أي الكثير
404

الرحمة لمن طلبها من عباده
(قال) أي كعب بن مالك (وفينا) أي في الثلاثة الذين خلفوا (أنزلت أيضا) اتقوا الله
وكونوا مع الصادقين يعني مع من صدق النبي وأصحابه في الغزوات ولا تكونوا مع المتخلفين
من المنافقين الذين قعدوا في البيوت وتركوا الغزو (إن من توبتي) أي من شكر توبتي (أن لا أحدث
إلا صدقا) زاد البخاري ما بقيت (وأن أنخلع من مالي كله) أي أخرج من جميع مالي (صدقة)
هو مصدر في موضع الحال أي متصدقا أو ضمن الخلع معنى أتصدق وهو مصدر أيضا (أبلى
أحدا) أي أنعم على أحد وحديث كعب بن مالك هذا أخرجه البخاري في عشرة مواضع مطولا
ومختصرا في الوصايا وفي الجهاد وفي صفة النبي وفي وفود الأنصار وفي موضعين من المغازي
وفي موضعين من التفسير وفي الاستئذان وفي الأحكام وأخرجه مسلم في التوبة وأخرجه أبو
داود والنسائي في الطلاق
قوله (بعث إلى أبو بكر الصديق) أي أرسل إلى رجلا قال الحافظ لم أقف على اسم
405

الرسول إليه بذلك (مقتل أهل اليمامة) نصب على الظرفية أي عقب قتل أهل اليمامة واليمامة
بفتح التحتية وخفة الميم اسم مدينة باليمن وكان مقتلهم سنة إحدى عشرة من الهجرة
والمراد بأهل اليمامة هنا من قتل بها من الصحابة في الوقعة مع مسيلمة الكذاب وكان من شأنها أن
مسيلمة أدعى النبوة وقوى أمره بعد موت النبي بارتداد كثير من العرب فجهز إليه أبو بكر
الصديق خالد بن الوليد في جمع كثير من الصحابة فحاربوه أشد محاربة إلى أن خذله الله وقتله
وقتل في غضون ذلك من الصحابة جماعة كثيرة قيل سبعمائة وقيل أكثر (فإذا عمر) كلمة إذا
للمفاجأة (عنده) أي عند أبي بكر رضي الله عنه (قد استحر) بسين مهملة ساكنة ومثناة مفتوحة
بعدها حاء مهملة مفتوحة ثم راء ثقيلة أي اشتد وكثر وهو استفعل من الحر لأن المكروه غالبا
يضاف إلى الحر كما أن المحبوب يضاف إلى البرد يقولون أسخن الله عينه وأقرعينه (وإني
لأخشى) بصيغة المتكلم المؤكدة بلام التأكيد أي لأخاف (أن يستحر) بفتح الهمزة (في المواطن
كلها) أي الأماكن التي يقع فيها القتال مع الكفار (فيذهب قرآن كثير) بالنصب عطف على
يستحر
قال الحافظ هذا يدل على أن كثيرا ممن قتل في وقعه اليمامة كان قد حفظ القرآن لكن
يمكن أن يكون المراد أن مجموعهم جمعه لا أن كل فرد فرد جمعه (كيف أفعل شيئا لم يفعله
رسول الله)
قال الخطابي وغيره يحتمل أن يكون إنما لم يجمع القرآن في المصحف لما كان يترقبه من
ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين
ذلك وفاء لوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة المحمدية زادها الله شرفا فكان ابتداء
ذلك على يد الصديق رضي الله عنه بمشورة عمر
ويؤيده ما أخرجه ابن أبي داود في المصاحف بإسناد حسن عن عبد خير قال سمعت عليا
406

يقول أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر رحمه الله على أبي بكر هو أول من جمع كتاب الله
وأما ما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد قال قال رسول الله لا تكتبوا عني شيئا غير
القرآن الحديث فلا ينافي ذلك لأن الكلام في كتابة مخصوصة على صفة مخصوصة وقد كان
القرآن كله كتب في عهد النبي لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور وأما ما
أخرجه ابن أبي داود وفي المصاحف من طريق ابن سيرين قال قال علي لما مات رسول الله آليت
أن آخذ على ردائي إلا لصلاة جمعة حتى أجمع القرآن فجمعه فإسناده ضعيف لانقطاعه وعلى
تقدير أن يكون محفوظا فمراده بجمعه حفظه في صدره قال والذي وقع في بعض طرقه حتى جمعته
بين اللوحين وهم من راويه
قال الحافظ ورواية عبد خير عن علي يعني التي تقدمت آنفا أصبح فهو المعتمد ووقع
عند ابن أبي داود أيضا بيان السبب في إشارة عمر بن الخطاب بذلك فأخرج من طريق الحسن
أن عمر سأل عن آية من كتاب الله فقيل كانت مع فلان فقتل يوم اليمامة فقال إنا لله وأمر
بجمع القرآن فكان أول من جمعه في المصحف وهذا منقطع فإن كان محفوظا حمل على أن
المراد بقوله فكان أول من جمعه أي أشار بجمعه في خلافه أبي بكر فنسب الجمع إليه لذلك
(قال أبو بكر إنك شاب غافل لا نتهمك قد كنت تكتب لرسول الله الوحي) ذكر له أربع
صفات مقتضية خصوصيته بذلك كونه شابا فيكون أنشط لما يطلب منه وكونه عاقلا فيكون
أوعى له وكونه لا يتهم فتركن النفس إليه وكونه كان يكتب الوحي فيكون أكثر ممارسة له
وهذه الصفات التي اجتمعت له قد توجد في غيره لكن مفرقة (فوالله لو كلفوني نقل جبل من
الجبال ما كان أثقل علي من ذلك) أي مما أمرني به من جمع القرآن كما في رواية البخاري
قال الحافظ كأنه جمع أولا باعتبار أبي بكر ومن وافقه وأفرد باعتبار أنه الآمر وحده
بذلك وإنما قال زيد بن ثابت ذلك لما خشيه من التقصير في إحصاء ما أمر بجمعه لكن الله تعالى
يسر له ذلك (فتتبعت القرآن أجمعه) حال من الفاعل أو المفعول أي من الأشياء التي عندي وعند
407

غيري (من الرقا) جمع رقعة وقد تكون من جلد أو ورق أو كاغد وفي رواية وقطع الأديم
(والعسب) بضم المهملتين ثم موحدة جمع عسيب وهو جريد النخل كانوا يكشطون الخوص
ويكتبون في الظرف العريض وقيل العسيب طرف الجريدة العريض وقيل العسيب طرف
الجريدة العريض الذي لم ينبت عليه الخوص والذي ينبت عليه الخوص هو السعق (واللخاف)
بكسر اللام ثم حاء معجمة خفيفة وآخره فاء وهي الحجارة البيض الرقاق واحدتها لخفة بفتح
اللام وسكون المعجمة وعند ابن أبي داود في المصاحف من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن
حاطب قال قام عمر فقال من كان تلقى من رسول الله شيئا من القرآن فليأت به وكانوا
يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب قال وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد
شاهدان وهذا يدل على أن زيدا كان لا يكتفي بمجرد وجدانه مكتوبا حتى يشهد به من تلقاه
سماعا مع كون زيد كان يحفظه وكان يفعل ذلك مبالغة في الاحتياط وعند ابن أبي داود أيضا
من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر قال لعمرو ولزيد اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شئ من كتاب الله فاكتباه ورجاله ثقات مع انقطاعه وكأن المراد
بالشاهدين الحفظ والكتاب والمراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي
رسول الله أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن وكان غرضهم
أن لا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي لا من مجرد الحفظ (وصدور الرجال) أي
الحفاظ منهم أي حيث لا أجد ذلك مكتوبا أو الواو بمعنى مع أي اكتبه من المكتوب الموافق
للمحفوظ في الصدور (فوجدت آخر سورة براءة مع خزيمة بن ثابت) وفي رواية البخاري في
فضائل القرآن من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عبيد بن السباق عن زيد بن
ثابت حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري
قال الحافظ وقع في رواية عبد الرحمن بن مهدي عن إبراهيم بن سعد مع خزيمة بن
ثابت أخرجه أحمد والترمذي ووقع في رواية شعيب عن الزهري كما تقدم في سورة التوبة مع
خزيمة الأنصاري وقد أخرجه الطبراني في مسند الشاميين من طريق أبي اليمان عن شعيب فقال
فيه خزيمة بن ثابت الأنصاري وكذا أخرجه ابن أبي داود من طريق يونس بن يزيد عن ابن
شهاب وقول من قال عن إبراهيم بن سعد مع أبي خزيمة أصح وقد تقدم البحث فيه في تفسير
سورة التوبة وأن الذي وجد معه آخر سورة التوبة غير الذي وجد معه الآية التي في الأحزاب
408

فالأول اختلف الرواة فيه على الزهري فمن قائل مع خزيمة ومن قائل مع أبي خزيمة ومن شاك
فيه يقول خزيمة أو أبي خزيمة والأرجح أن
الذي وجد معه آخر سورة التوبة أبو خزيمة بالكنية والذي وجد معه الآية من الأحزاب خزيمة وأبو خزيمة قيل هو ابن أوس بن يزيد بن أصرم
مشهور بكنيته دون اسمه وقيل هو الحرث بن خزيمة وأما خزيمة فهو ابن ثابت ذو الشهادتين كما
تقدم صريحا في سورة الأحزاب انتهى (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) أي من جنسكم في كونه
عربيا قرشيا مثلكم تعرفون نسبه وحسبه وأنه من ولد إسماعيل لا من العجم ولا من الجن ولا من
الملك والخطاب للعرب عند جمهور المفسرين
وقال الزجاج هي خطاب لجمع العالم (عزيز عليه ما عنتم) ما مصدرية والعنت
التعب والمشقة والمعنى شديد وشاق عليه عنتكم ومشقتكم ولقاءكم المكروه (حريص عليكم)
أي على إيمانكم وهدايتكم (بالمؤمنين رؤوف رحيم) أي شديد الرحمة (فإن تولوا أي أعرضوا
عن الإيمان بك (فقل حسبي الله) أي يكفيني وينصرني (لا إله إلا هو) أي المتفرد بالألوهية
وهذه الجملة الحالية كالدليل لما قبلها (عليه توكلت) أي به وثقت لا بغيره (وهو رب العرش
العظيم) وصفه بالعظم لأنه أعظم المخلوقات قرأ الجمهور بالجر على أنه صفة العرش وقرئ
بالرفع صفة لرب ورويت هذه القراءة عن ابن كثير قال أبو بكر الأصم وهذه القراءة أعجب
إلي لأن جعل العظيم صفة للرب أولى من جعله صفة للعرش قال ابن عباس إنما سمى
العرش عرشا لارتفاعه
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري والنسائي
قوله (أن حذيفة) هو ابن اليمان (وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع
أهل العراق) أي كان عثمان يجهز أهل الشام وأهل العراق لغزو أرمينية وأذربيجان وفتحهما
قال الحافظ إن أرمينية فتحت في خلافه عثمان وكان أميرا لعسكر من أهل العراق سليمان بن ربيعة الباهلي وكان عثمان أمر أهل الشام وأهل العراق أن يجتمعوا على ذلك وكان
409

أمير أهل الشام على ذلك العسكر حبيب بن مسلمة الفهري وكان حذيفة من جملة من غزا
معهم وكان هو على أهل المدائن وهي من جملة أعمال العراق انتهى وإرمينية بكسر الهمزة
وسكون الراء وكسر الميم بعدها تحتانية ساكنة ثم نون مكسورة ثم تحتانية مفتوحة خفيفة وقد تثقل
وقال ابن السمعاني بفتح الهمزة وقال أبو عبيد هي بلد معروف يضم كورا كثيرة
وقال الرشاطي افتتحت سنة أربع وعشرين في خلافة عثمان رضي الله عنه على يد سلمان بن
ربيعة وأذربيجان بفتح الهمزة والذال المعجمة وسكون الراء وقيل بسكون الذال وفتح الراء
وبكسر الموحدة بعدها تحتانية ساكنة ثم جيم خفيفة وآخره نون وحكى ابن مكي كسر أوله
وضبطها صاحب المطالع ونقله عن ابن الأعرابي بسكون الذال وفتح الراء بلد كبير من
نواحي جبال العراق وهي الآن تبريز وقصباتها وهي تلي أرمينية من جهة غربيها واتفق غزوهما في
سنة واحدة واجتمع في غزوة كل منهما أهل الشام وأهل العراق والمذكور في ضبط أذربيجان هو
المشهور وقد تمد الهمزة وقد تحذف وقد تفتح الموحدة وقيل في ضبطها غير ذلك (فرأى حذيفة
اختلافهم في القرآن) وفي رواية البخاري فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة وذكر الحافظ ههنا
روايات توضح ما كان فيهم من الاختلاف في القراءة ففي رواية يتنازعون في القرآن حتى سمع
حذيفة من اختلافهم ما ذعره
وفي رواية فتذاكروا القرآن فاختلفوا فيه حتى كان يكون بينهم فتنة وفي رواية أن حذيفة
قدم من غزوة فلم يدخل بيته حتى أتى عثمان فقال يا أمير المؤمنين أدرك الناس قال وما ذاك
قال غزوت فرج أرمينية فإذا أهل الشام يقرءون بقراءة أبي بن كعب فيأتون بما لم يسمع أهل العراق وإذا أهل العراق يقرءون بقراءة عبد الله بن مسعود فيأتون بما لم يسمع أهل الشام فيكفر
بعضهم بعضا
وفي رواية أنه سمع رجلا يقول قراءة عبد الله بن مسعود وسمع آخر يقول قراءة أبي
موسى الأشعري فغضب ثم قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال هكذا كان من قبلكم اختلفوا
والله لأركبن إلى أمير المؤمنين وفي رواية أن اثنين اختلفا في آية من سورة البقرة قرأ هذا وأتموا
الحج والعمرة لله وقرأ هذا وأتموا الحج والعمرة للبيت فغضب حذيفة واحمرت عيناه وفي
رواية قال حذيفة يقول أهل الكوفة قراءة ابن مسعود ويقول أهل البصرة قراءة أبي موسى
والله لئن قدمت على أمير المؤمنين لأمرته أن يجعلها قراءة واحدة (أدرك هذه الأمة) أمر من
410

الإدراك بمعنى التدارك (فأرسل) أي عثمان (إلى حفصة أن أرسلي النبأ بالصحف) وكانت
الصحف بعد ما جمع القرآن أبو بكر عنده حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت
عمر (ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك) أي ننقلها والمصاحف جمع المصحف بضم الميم
قال الحافظ الفرق بين الصحف والمصحف أن الصحف الأوراق المجردة التي جمع فيها
القرآن في عهد أبي بكر كانت سورا مفرقة كل سورة مرتبة بآياتها على حدة ولكن لم يرتب بعضها
إثر بعض فلما نسخت ورتب بعضها إثر بعض صارت مصحفا انتهى (فأرسل عثمان إلى
زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبد الله بن الزبير أن
انسخوا الصحف) أي انقلوا ما فيها
وفي رواية البخاري فأمر مكان فأرسل وقد جاء عن عثمان أنه إنما فعل ذلك بعد أن
استشار الصحابة فأخرج ابن أبي داود بإسناد صحيح من طريق سويد بن غفلة قال علي لا
تقولوا في عثمان إلا خيرا فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا قال ما تقولون
في هذه القراءة فقد بلغني أن بعضهم يقول إن قراءتي خير من قراءتك وهذا يكاد أن يكون
كفرا قلنا فما ترى قال نرى أن نجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا
اختلاف قلنا فنعم ما رأيت (وقال) أي عثمان (للرهط القرشيين الثلاثة) يعني سعيدا
وعبد الرحمن وعبد الله لأن سعيدا أموي وعبد الرحمن مخزومي وعبد الله أسدي وكلها
من بطون قريش (فإنما نزل بلسانهم) أي بلسان قريش
قال القاضي ابن أبو بكر بن الباقلاني معنى قول عثمان نزل القرآن بلسان قريش أي
معظمه وأنه لم تقم دلالة قاطعة على أن جميعه بلسان قريش فإن ظاهر قوله تعالى إنا جعلناه
قرآنا عربيا أنه نزل بجميع ألسنة العرب ومن زعم أنه أراد مضر درن ربيعة أو هما دون
411

اليمن أو قريشا دون غيرهم فعليه البيان لأن اسم العرب يتناول الجميع تناولا واحدا ولو
ساغت هذه الدعوى لساغ للآخران ويقول نزل بلسان بني هاشم مثلا لأنهم أقرب إلى
النبي نسبا من سائر قريش (إلى كل أفق) بضمتين أي طرف من أطراف الآفاق (بمصحف
من تلك المصاحف التي نسخوا) زاد البخاري وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو
مصحف أن يحرق
قال ابن بطال في هذا الحديث جواز تحريق الكتب التي فيها اسم الله بالنار وأن ذلك إكرام
لها وصون عن وطئها بالأقدام وقد أخرج عبد الرزاق من طريق طاوس أنه كان يحرق الرسائل
التي فيها البسملة إذا اجتمعت وكذا فعل عروة وكرهه إبراهيم وقال ابن عطية الرواية
بالحاء المهملة أصح وهذا الحكم هو الذي وقع في ذلك الوقت وأما الآن فالغسل أولى لما
دعت الحاجة إلى إزالته هكذا في الفتح وقال العيني قال أصحابنا الحنفية إن المصحف إذا
بلي بحيث لا ينتفع به يدفن في مكان طاهر بعيد عن وطئ الناس
قلت لو تأملت عرفت أن الاحتياط هو في الإحراق دون الدفن ولهذا اختار عثمان رضي
الله عنه ذلك دون هذا والله تعالى أعلم
قوله (قال الزهري وحدثني خارجة بن زيد الخ) هذا موصول إلى الزهري بالإسناد
المذكور
قوله (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) من الثبات مع النبي (فمنهم من
قضى نحبه) مات أو قتل في سبيل الله (ومنهم من ينتظر) ذلك (فوجدتها مع خزيمة بن ثابت أو
أبي خزيمة) كذا في هذا الكتاب بالشك
وفي رواية البخاري لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة الأنصاري بغير شك (فألحقتها في
سورتها) فيه إشكال لأن ظاهره أنه اكتفى بخزيمة وحده والقرآن إنما يثبت بالتواتر والذي يظهر
412

في الجواب أن الذي أشار إليه أن فقده فقد وجودها مكتوبة لا فقد وجودها محفوظة بل كانت
محفوظة عنده وعند غيره ويدل على هذا قوله في حديث جمع القرآن فأخذت أتتبعه من الرقاع
والعسب
قوله (قال الزهري فاختلفوا يومئذ في التابوت والتابوه) أي هل هو بالتاء أو بالهاء (فقال
القرشيون التابوت) أي بالتاء (وقال زيد التابوه) أي بالهاء (اكتبوه التابوت) أي بالتاء
قوله (إن عبد الله بن مسعود ذكره لزيد بن ثابت نسخ المصاحف الخ) العذر لعثمان رضي
الله عنه في ذلك أنه فعله بالمدينة وعبد الله بالكوفة ولم يؤخر ما عزم عليه من ذلك إلى أن يرسل
إليه ويحضر وأيضا فإن عثمان أراد نسخ الصحف التي كانت جمعت في عهد أبي بكر وأن يجعلها
مصحفا واحدا وكان الذي نسخ ذلك في عهد أبي بكر هو زيد بن ثابت لكونه كاتب الوحي
فكانت له في ذلك أولية ليست لغيره (أعزل عن نسخ كتابة المصاحف) بصيغة المجهول أي
أنحى عن نسخ المصاحف المكتوبة (ويتولاها) أي كتابة المصاحف (اكتموا المصاحف التي عندكم
وغلوها الخ) أي اخفوها واستروها
قال النووي معناه أن ابن مسعود كان مصحفه يخالف مصحف الجمهور وكانت
مصاحف أصحابه كمصحفه فأنكر عليه الناس وأمروه بترك مصحفه وبموافقة مصحف
الجمهور وطلبوا مصحفه أن يحرقوه كما فعلوا بغيره فامتنع وقال لأصحابه غلوا مصاحفكم
أي اكتموها (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) يعني فإذا غللتموها جئتم بها يوم القيامة وكفى
لكم بذلك شرفا ثم قال على سبيل الإنكار ومن هو الذي تأمرونني أن آخذ بقراءته وأترك
مصحفي الذي أخذته من في رسول الله (فالقوا القول) أمر من اللقاء (فبلغني أن ذلك كره
413

إلخ) يعني أن رجالا من أفاضل الصحابة قد كرهوا قول ابن مسعود المذكور وقوله من مقالة ابن
مسعود رضي الله عنه بيان لقوله ذلك
تنبيه قال ابن التين وغيره الفرق بين جمع أبي بكر وبين جمع عثمان أن جمع أبي بكر كان
لخشية أن يذهب من القرآن شئ بذهاب حملته لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد فجمعه في
صحائف مرتبا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في
وجوه القرآن حين قرأوه بلغاتهم على اتساع اللغات فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض فخشي
من تفاقم الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبا لسوره واقتصر من سائر
اللغات على لغة قريش محتجا بأنه نزل بلغتهم وإن كان قد وسع في قراءته رفعا للحرج والمشقة
في ابتداء الأمر فرأى أن الحاجة إلى ذلك انتهت فاقتصر على لغة واحدة أو كان لغة قريش أرجح
اللغات فاقتصر عليها
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري
ومن سورة يونس
نزلت بمكة إلا (فإن كنت في شك) الآيتين أو الثلاث أو (ومنهم من يؤمن به الآية) وهي
مائة وتسع أو عشر آيات
قوله (عن صهيب) بالتصغير هو ابن سنان الرومي
قوله (وفي قوله تعالى) أي في تفسيره (للذين أحسنوا) أي بالإيمان (الحسنى) أي الجنة
414

(وزيادة) هي النظر إليه تعالى (إن لكم عند الله موعدا) أي بقي شئ زائد مما وعده الله لكم من
النعم والحسنى (وينجينا من النار) كذا في النسخ الحاضرة بالتحتانية وقد تقدم هذا الحديث في
باب رؤية الرب تبارك وتعالى من أبواب صفة الجنة ووقع هناك ينجينا بحذف التحتانية وهو
الظاهر وأما على تقدير ثبوت التحتانية فقيل عطف على ما دل عليه الجملة الاستفهامية المتقدمة
وفيه ما فيه
قوله (لهم) أي لأولياء الله المذكورين في الآية التي قبلها (البشري في الحياة الدنيا) تمام
الآية (وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم) واختلفوا في هذه البشرى فقيل
هي الرؤيا الصالحة ويدل على ذلك حديث أبي الدرداء هذا وحديث عبادة بن الصامت الذي
أشار إليه الترمذي وقيل المراد البشرى في الحياة الدنيا هي الثناء الحسن وفي الآخرة الجنة
ويدل على ذلك ما روي عن أبي ذر قال قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت الرجل يعمل العمل من
الخير ويحمده الناس عليه قال تلك عاجل بشرى المؤمن أخرجه مسلم
وقال الزهري وقتادة في تفسير البشري هي نزول الملائكة بالبشارة من الله عند الموت
ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي
كنتم توعدون
وقال عطاء عن ابن عباس البشري في الدنيا عند الموت تأتيهم الملائكة بالبشارة وفي
415

الآخرة بعد خروج نفس المؤمن يعرج بها إلى الله تعالى ويبشر برضوان الله تعالى
وقال الحسن هي ما بشر الله بها المؤمنين في كتابه من جنته وكريم ثوابه ويدل عليه قوله
تعالى لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم (هي الرؤيا الصالحة) أي الحسنة أو
الصادقة وهي ما فيه بشارة أو تنبيه عن غفلة وأمثال ذلك (يراها المسلم) أي لنفسه (أو ترى)
بصيغة المجهول أي يراها مسلم آخر (له) أي لأجله وقد تقدم هذا الحديث في أوائل أبواب
الرؤيا وتقدم تخريجه هناك
قوله (وفي الباب عن عبادة بن الصامت) أخرجه الترمذي في أوائل أبواب الرؤيا
قوله (عن علي بن زيد) هو ابن جدعان (عن يوسف بن مهران) البصري وليس هو
يوسف بن ماهك ذاك ثقة وهذا لم يرو عنه إلا ابن جدعان هو لين الحديث من الرابعة
قوله (لما أغرق الله فرعون قال) أي فرعون (امنت أنه) أي بأنه وفي قراءة بالكسر
استينافا (لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل)
قال ابن عباس لم يقبل الله إيمانه عند نزول العذاب به وقد كان في مهل
قال العلماء إيمانه غير مقبول وذلك أن الإيمان والتوبة عند معاينة الملائكة والعذاب غير
416

مقبولين (وأنا آخذ من حال البحر) أي طينه الأسود (وأدسه في فيه) أي أدخله في فمه (مخافة أن
تدركه الرحمة) أي خشية أن يقول لا إله إلا الله فتناله رحمة الله
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد في مسنده وابن جرير وابن أبي حاتم في تفسير هما
كلهم من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس
قوله (ذكر أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم) يعني رواه أحدهما مرفوعا ولم يرفعه الاخر وضميرهما
راجع إلى عدي بن ثابت وعطاء بن السائب (في في فرعون) أي في فمه أو خشية أن يرحمه أو
للشك من الراوي
قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه أبو داود الطيالسي وابن جرير كلاهما
من طريق شعبة عن عدي بن ثابت وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
تنبيه اعلم أن الخازن ذكر في تفسيره ههنا فصلين لدفع الإشكال الذي يرد على حديث
ابن عباس المذكور فلنا أن نذكرهما قال فصل في الكلام على هذا الحديث لأنه في الظاهر
مشكل فيحتاج إلى بيان وإيضاح فنقول قد ورد هذا الحديث على طريقين مختلفين عن ابن
عباس ففي الطريق الأول عن ابن زيد بن جدعان وهو وإن كان قد ضعفه يحيى بن معين
وغيره فإنه كان شيخا نبيلا صدوقا ولكنه كان شئ الحفظ ويغلط وقد احتمل الناس
حديثه وإنما يخشى من حديثه إذا لم يتابع عليه أو خالفه فيه الثقات وكلاهما منتف في هذا
الحديث لأن في الطريق الاخر شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير وهذا الحديث على
شرط البخاري ورواه أيضا شعبة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير وعطاء بن السائب
ثقة قد أخرج له مسلم فهو على شرط مسلم وإن كان عطاء وقد تكلم فيه من قبل اختلاطه فإنما
يخاف ما انفرد به أو خولف فيه وكلاهما منتف فقد علم بهذا أن لهذا الحديث أصلا وأن رواته
417

ثقات ليس فيهم متهم وإن كان فيهم من هو سيئ الحفظ فقد تابعه عليه غيره
فإن قلت ففي الحديث الثاني شك في رفعه لأنه قال فيه ذكر أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم
قلت ليس بشك في رفعه إنما هو جزم بأن أحد الرجلين رفعه وشك شعبة في تعيينه هل
عطاء بن السائب أو عدي بن ثابت وكلاهما ثقة فإذا رفعه أحدهما وشك في تعيينه لم يكن هذا
علة في الحديث
(فصل) ووجه إشكاله ما اعترض به الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره فقال هل يصح
أن جبريل أخذ يملأ فمه بالطين لئلا يتوب غضبا عليه
والجواب الأقرب أنه لا يصح لأن في تلك الحالة إما أن يقال التكليف هل كان ثابتا أم لا
فإن كان ثابتا لا يجوز لجبريل أن يمنعه من التوبة بل يجب عليه أن يعينه على التوبة وعلى كل
طاعة وإن كان التكليف زائلا عن فرعون في ذلك الوقت فحينئذ لا يبقى لهذا الذي نسب إلى
جبريل فائدة
وأيضا لو منعه من التوبة لكان قد رضي ببقائه على الكفر والرضى بالكفر كفر وأيضا
فكيف يليق بجلال الله أن يأمر جبريل بأن يمنعه من الإيمان ولو قيل إن جبريل فعل ذلك من عند
نفسه لا بأمر الله فهذا يبطله قول جبريل وما نتنزل إلا بأمر ربك فهذا وجه الاشكال الذي
أورده الامام على هذا الحديث في كلام أكثر من هذا
والجواب عن هذا الاعتراض أن الحديث قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا اعتراض عليه لأحد
وأما قول الإمام إن التكليف هل كان ثابتا في تلك الحالة أم لا فإن كان ثابتا لم يجز لجبريل أن
يمنعه من التوبة فإن هذا القول لا يستقيم على أصل المثبتين للقدر القائلين بخلق الأفعال لله
وأن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء وهذا قول أهل السنة المثبتين للقدر فإنهم يقولون إن الله
يحول بين الكافر والإيمان ويدل على ذلك قوله تعالى واعلموا أن الله يحول بين المرئ وقلبه
وقوله تعالى وقالوا قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم وقال تعالى ونقلب
وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة فأخبر الله تعالى أنه قلب أفئدتهم مثل تركهم الإيمان أول مرة
وهكذا فعل بفرعون منعه من الإيمان جزاء على تركه الإيمان أولا فدس الطين في فرعون من
جنس الطبع والختم على القلب ومنع الإيمان وصون الكافر عنه وذلك جزاء على كفره السابق
وهذا قول طائفة من المثبتين للقدر القائلين بخلق الأفعال لله ومن المنكرين لخلق الأفعال من
اعترف أيضا أن الله سبحانه وتعالى يفعل هذا عقوبة للعبد على كفره السابق فيحسن منه أن
يضله ويطبع على قلبه ويمنعه من الإيمان
418

فأما قصة جبريل عليه السلام فإنها من هذا الباب فإن غاية ما يقال فيه إن الله سبحانه
وتعالى منع فرعون من الإيمان وحال بينه وبينه عقوبة له على كفره السابق ورده الإيمان لما جاءه
وأما فعل جبريل من دس الطين فإنما فعل ذلك بأمر الله لا من تلقاء نفسه فأما قول الاما لم يجز
لجبريل أن يمنعه من التوبة بل يجب عليه أن يعينه عليه وعلى كل طاعة هذا إذا كان تكليف جبريل
كتكليفنا يجب عليه ما يجب علينا وأما إذا كان جبريل إنما يفعل ما أمره الله به والله سبحانه
وتعالى هو الذي منع فرعون من الإيمان وجبريل منفذ لأمر الله فكيف لا يجوز له منع من منعه الله
من التوبة وكيف يجب عليه إعانة من لم يعنه الله بل قد حكم عليه وأخبر عنه أنه لا يؤمن حتى
يرى العذاب الأليم حين لا ينفعه الإيمان
وقد يقال إن جبريل عليه السلام إما أن يتصرف بأمر الله فلا يفعل إلا ما أمر الله به وإما
يفعل ما يشاء من تلقاء نفسه لا بأمر الله وعلى هذين التقديرين فلا يجب عليه إعانة فرعون على
التوبة ولا يحرم عليه منعه منها لأنه إنما يجب عليه فعل ما أمر به ويحرم عليه فعل ما نهى عنه
والله سبحانه وتعالى لم يخبر أنه أمره بإعانة فرعون ولا حرم عليه منعه من التوبة وليست الملائكة
مكلفين كتكليفنا انتهى
وقد أطال الخازن الكلام في دفع الإشكال الذي أورده الرازي فعليك أن تطالع بقية
كلامه
ومن سورة هود
هي مكية إلا أقم الصلاة الآية أو إلا فلعلك تارك الآية وأولئك يؤمنون به الآية
وهي مائة وثنتان أو ثلاث وعشرون آية
قوله (عن وكيع بن حدس) بالحاء والدال المهملتين المضمومتين وقد يقال بالعين بدل
الحاء
419

قوله (قبل أن يخلق خلقه) وفي رواية لأحمد قبل أن يخلق السماوات والأرض (كان في عماء
الخ)
قال الخازن في تفسيره قال أبو بكر البيهقي في كتاب الأسماء والصفات له قوله صلى الله عليه وسلم كان
الله ولم يكن شئ قبله يعني لا الماء ولا العرض ولا غيرهما وقوله (وكان عرشه على الماء) يعني
خلق الماء وخلق العرش على الماء ثم كتب في الذكر كل شئ وقوله في عماء وجدته في كتاب عماء
مقيدا بالمد فإن كان في الأصل ممدودا فمعناه سحاب رقيق ويريد بقوله في عماء أي فوق
سحاب مدبرا له وعاليا عليه كما قال سبحانه وتعالى أأمنتم من في السماء يعني من فوق
السماء وقوله تعالى لأصلبنكم في جذوع النخل يعني على جذوعها وقوله ما فوقه هواء أي
ما فوق السحاب هواء وكذلك قوله (ما تحته هواء) أي ما تحت السحاب هواء وقد قيل إن
ذلك العمى مقصور والعمى إذا كان مقصورا فمعناه لا شئ ثابت لأنه مما عمى عن الخلق لكونه
غير شئ فكأنه قال في جوابه كان قبل أن يخلق خلقه ولم يكن شئ غيره ثم قال ما فوقه هواء
وما تحته هواء أي ليس فوق العمى الذي هو لا شئ موجود هواء ولا تحته هواء لأن ذلك إذا
كان غير شئ فليس يثبت له هواه بوجه
وقال الهروي صاحب الغريبين قال بعض أهل العلم معناه أين كان عرش ربنا فخذف
المضاف اختصارا كقوله واسأل القرية ويدل على ذلك قوله سبحانه وتعالى وكان عرشه
على الماء هذا آخر كلام البيهقي
وقال ابن الأثير العماء في اللغة السحاب الرقيق وقيل الكثيف وقيل هو الضباب
ولا بد في الحديث من حذف مضاف تقديره أين كان عرش ربنا فحذف ويدل على هذا
المحذوف قوله تعالى وكان عرشه على الماء وحكى عن بعضهم في العمى المقصور أنه هو
كل أمر لا يدركه الفطن
وقال الأزهري قال أبو عبيد إنما تأولنا هذا الحديث على كلام العرب المعقول عنهم وإلا
فلا تدري كيف كان ذلك العماء
قال الأزهري فنحن نؤمن به ولا نكيف صفته انتهى كلام الخازن
وقال السيوطي في مصباح الزجاجة قال القاضي ناصر الدين بن المنير وجه الإشكال في
الحديث الظرفية والفوقية والتحتية قال والجواب أن في معنى على وعلي بمعنى الاستيلاء أي
420

كان مستوليا على هذا السحاب الذي خلق منه المخلوقات كلها والضمير في فوقه يعود إلى
السحاب وكذلك تحته أي كان مستوليا على هذا السحاب الذي فوقه الهواء وتحته الهواء
وروى بلفظ القصر في العمى والمعنى عدم ما سواه كأنه قال كان ولم يكن معه شئ بل كل
شئ كان عدما عمى لا موجودا ولا مدركا والهواء الفراغ أيضا العدم كأنه قال كان ولا شئ
معه ولا فوق ولا تحت انتهى
قلت إن صحت الرواية عمى بالقصر فلا إشكال في هذا الحديث وهو حينئذ في معنى
حديث كان الله ولم يكن شئ غيره وكان عرشه على الماء رواه البخاري وغيره عن عمران بن
حصين وإن صحت الرواية عماء بالمد فلا حاجة إلى تأويل بل يقال نحن نؤمن به ولا نكيفه
بصفة أي نجري اللفظ على ما جاء عليه من غير تأويل كما قال الأزهري وخلق عرشه على الماء
وفي رواية أحمد ثم خلق عرشه على الماء
قال الحافظ قد روى أحمد والترمذي وصححه من حديث أبي رزين العقلي مرفوعا إن
الماء خلق قبل العرش وروى السدي في تفسيره بأسانيد متعددة إن الله لم يخلق شيئا مما خلق قبل
الماء وأما ما رواه أحمد والترمذي وصححه من حديث عبادة بن الصامت مرفوعا أول ما خلق
الله القلم ثم قال أكتب فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة فيجمع بينه وبين ما قبله بأن أولية
القلم بالنسبة إلى ما عدا الماء والعرش أو بالنسبة إلى ما صدر منه من الكتابة أي أنه قيل له
اكتب أول ما خلق انتهى
قوله (قال أحمد) أي ابن منيع (قال يزيد) أي ابن هارون في تفسير العماء المذكور في
الحديث (العماء أي ليس معه شئ) كذا فسر يزيد العماء بأنه ليس معه شئ وقد عرفت أن العماء
بالمد هو السحاب الرقيق والعمى بالقصر بمعنى ليس معه شئ
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وابن ماجة
قوله (إن الله تبارك وتعالى يملي) من الإملاء قال في القاموس أملاه الله أمهله (حتى إذا
421

أخذه لم يفلته) بضم أوله من الإفلات أي لم يخلصه أن إذا أهلكه لم يرفع عنه الهلاك وهذا
على تفسير الظلم بالشرك على إطلاقه وإن فسر بما هو أعم فيحمل كل على ما يليق به (وكذلك)
أي مثل ذلك الأخذ (أخذ ربك) قرئ على أنه فعل وعلى أنه مصدر (إذا أخذ القرى) أريد أهلها والمعنى وكما
أهلكنا أولئك القرون الظالمة كذلك نفعل بأشباههم (وهي ظالمة) بالذنوب
أي فلا يغني عنهم من أخذه شئ
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن
ماجة
قوله (وقال يملي) أي بلا شك
قوله (قال يملي ولم يشك فيه) قال الحافظ قد رواه مسلم وابن ماجة والنسائي من طرق
عن أبي معاوية يملي ولم يشك
قوله (فمنهم) أي فمن أهل الموقف وإن لم يذكروا قال الزمخشري لأن ذلك معلوم
(شقي وسعيد) الشقي من سبقت له الشقاوة في الأزل والسعيد من سبقت له السعادة في الأزل
(على شئ قد فرغ منه أو على شئ لم يفرغ منه) بالبناء للمفعول للفعلين أي أتعمل على شئ قد
422

فرغ الله تعالى عن قضائه وقدره وجرى به القلم أو نعمل على شئ لم يفرغ الله تعالى عن
قضائه وقدره (ولكن كل ميسر لما خلق له) أي موفق ومهيأ لما خلق له أي لأمر قدر ذلك الأمر له من
الخير والشر والتنوين عوض عن المضاف إليه
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو يعلى في مسنده وابن جرير وابن المنذر وابن
أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وأخرجه الترمذي نحوه في باب الشقاء والسعادة
قوله (إني عالجت امرأة) أي داعبتها وناولت منها ما يكون بين الرجل والمرأة غير أني ما
جامعتها (في أقصى المدينة) أي أسفلها وأبعدها عن المسجد (ما دون أن أمسها) ما موصولة أي
أصبت منها ما يجاوز المس أي المجامعة (وأنا هذا) أي أنا موجود وحاضر بين يديك ومنقاد
لحكمك (فاقض في) أي فاحكم في حقي (ما شئت) أي أردته مما يجب علي كناية عن غاية التسليم
والانقياد إلى حكم الله ورسوله (لو سترت على نفسك) أي لكان حسنا (فلم يرد عليه) أي على الرجل أو على عمر (شيئا) من الكلام انتظارا لقضاء الله فيه رجاء أن يخفف من عقوبته (فانطلق
الرجل) أي فذهب ظنا منه لسكوته عليه الصلاة والسلام أن الله سينزل فيه شيئا وأنه لا بد أن
يبلغه فإن كان عفوا شكر وإلا عاد ليستوفي منه (فأتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أرسل عقبه (رجلا)
ليدعوه (فتلا عليه) أي فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرجل (أقم الصلاة طرفي النهار) الغداة والعشي
أي الصبح والظهر والعصر (وزلفا) جمع زلفة أي طائفة (من الليل) أي المغرب والعشاء (إن
الحسنات) كالصلوات الخمس (يذهبن السيئات) أي الذنوب الصغائر (ذلك ذكرى للذاكرين)
عظة للمتعظين كذا في الجلالين
423

وقال الرازي في تفسيره كثرت المذاهب في تفسير طرفي النهار والأقرب ان الصلاة تقام
في طرفي النهار وهي الفجر والعصر وذلك لأن أحد طرفي النهار هو طلوع الشمس والطرف
الثاني منه غروبها فالطرف الأول هو صلاة الفجر والطرف الثاني لا يجوز أن يكون صلاة
المغرب لأنها داخلة تحت قوله تعالى وزلفا من الليل فوجب حمل الطرف الثاني على
صلاة العصر انتهى
وقال مجاهد طرفي النهار ويعني صلاة الصبح والظهر والعصر وزلفا من الليل يعني
صلاة المغرب والعشاء
وقال مقاتل صلاة الصبح والظهر طرف وصلاة العصر والمغرب طرف وزلفا من الليل
يعني صلاة العشاء
وقال الحسن طرفي النهار الصبح والعصر وزلفا من الليل المغرب والعشاء
وقال ابن عباس طرفي النهار الغداة والعشي يعني صلاة الصبح والمغرب كذا في الخازن
وقال في المدارك وأقم الصلاة طرفي النهار غدوة وعشية وزلفا من الليل وساعات من
الليل جمع زلفة وهي ساعاته القريبة من آخر النهار من أزلفه إذا قربه وصلاة الغدوة الفجر
وصلاة العشية الظهر والعصر لأن ما بعد الزوال عشى وصلاة الزلف المغرب والعشاء انتهى
وقال في القاموس الزلفة بالضم الطائفة من الليل والزلف ساعات الليل الآخذة من النهار وساعات
النهار الآخذة من الليل انتهى
قلت والأقرب عندي والله تعالى أعلم ما اختاره في تفسير الجلالين والمدارك وهو قول
مجاهد (فقال رجل من القوم) قيل هو عمر بن الخطاب وقيل هو معاذ بن جبل (هذا له) أي هذا
الحكم للسائل (خاصة) أي يخصه خصوصا أم للناس عامة (قال بل للناس كافة) هكذا تستعمل
كافة حالا أي كلهم ولا يضاف فيقال كافة الناس ولا الكافة بالألف واللام وهو معدود في
تصحيف العوام ومن أشبههم
قاله النووي قوله (هذا حديث حسن صحيح) قال الحافظ أخرجه مسلم وأصحاب السنن
424

قوله (ورواية هؤلاء أصح من رواية الثوري) أي رواية أبي الأحوص وإسرائيل وشعبة
أصح من رواية سفيان الثوري
قوله (فقال الرجل ألي هذه) أي الآية يعني خاصة بي بأن صلاتي مذهبة لمعصيتي
فظاهر هذا أن صاحب القصة هو السائل عن ذلك ولأحمد والطبراني من حديث ابن عباس قال يا
رسول الله ألي خاصة أم للناس عامة فضرب عمر صدره وقال لا ولا نعمة عين بل للناس
عامة فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق عمر وفي حديث أبي اليسر فقال إنسان يا رسول الله له خاصة
وفي رواية إبراهيم النخعي عند مسلم فقال معاذ يا رسول الله أله وحده أم للناس كافة
وللدارقطني مثله من حديث معاذ نفسه ويحمل على تعدد السائلين عن ذلك (فقال لك ولمن عمل
بها) أي بهذه الآية بأن فعل حسنة بعد سيئة وفي رواية للبخاري قال لجميع أمتي كلهم
وتمسك بظاهر قوله تعالى إن الحسنات يذهبن السيئات المرجئة وقالوا إن الحسنات
تكفر كل سيئة كبيرة كانت أو صغيرة
425

وحمل الجمهور هذا المطلق على القيد في الحديث الصحيح أن الصلاة إلى الصلاة كفارة لما
بينهما ما اجتنبت الكبائر فقال طائفة إن اجتنبت الكبائر كان الحسنات كفارة لما عدا الكبائر من
الذنوب وإن لم تجتنب الكبائر لم تحط الحسنات شيئا
وقال آخرون إن لم تجتنب الكبائر لم تحط الحسنات شيئا منها وتحط الصغائر وقيل المراد إن
الحسنات تكون سببا في ترك السيئات كقوله تعالى إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر لا
أنها تكفر شيئا حقيقة وهذا قول بعض المعتزلة
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله عن زائدة) هو ابن قدامة
قوله (أرأيت رجلا) أي أخبرني عن رجل (فليس يأتي الرجل إلى امرأته شيئا إلا قد أتى
هو إليها) يعني أنه استمتع بها بالقبلة والمعانقة وغيرهما من جميع أنواع الاستمتاع إلا الجماع
قوله (هذا حديث ليس إسناده بمتصل الخ) وأخرجه أحمد (وقد روى عن عمر ورآه)
قال الحافظ في تهذيب التهذيب قال ابن أبي حاتم قلت لأبي يصح لابن أبي ليلى سماع من
عمر قال لا قال أبا حاتم روي عن عبد الرحمن أنه رأى عمر وبعض أهل العلم يدخل بينه
وبين عمر البراء بن عازب وبعضهم كعب بن عجرة
426

وقال الآجري عن أبي داود رأى عمر ولا أدري بصح أم لا
وقال أبو خيثمة في مسنده حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا سفيان الثوري عن زبيد وهو
الإيامي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى سمعت عمر يقول صلاة الأضحى ركعتين والفطر ركعتين
الحديث قال أبو خيثمة تفرد به يزيد بن هارون هكذا ولم يقل أحد سمعت عمر غيره ورواه
يحيى بن سعيد وغير واحد عن سفيان عن زبيد عن عبد الرحمن عن الثقة عن عمر ورواه شريك
عن زبيد عن عبد الرحمن عن عمر ولم يقل سمعت وقال ابن أبي خيثمة في تاريخه وقد روى
سماعه من عمر من طرق وليست بصحيحة
وقال الخليلي في الإرشاد الحفاظ لا يثبتون سماعه من عمر وقال ابن المديني كان شعبة
ينكر أن يكون سمع من عمر
قال ابن المديني لم يسمع من معاذ بن جبل وكذا قال الترمذي في العلل وابن خزيمة
وقال يعقوب بن شيبة قال ابن معين لم يسمع من عمر ولا من عثمان وسمع من علي انتهى
قوله (تبتاع تمرا) أي تشتري (فأهويت إليها) أي ملت إليها (اختلفت غازيا في سبيل الله
في أهله بمثل هذا) قال الجزري في النهاية يقال خلفت الرجل في أهله إذا أقمت بعده فيهم
وقمت عنه بما يفعله والهمزة فيه للاستفهام انتهى
وفي رواية أنه أتته امرأة وزوجها قد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث إلخ (حتى تمنى أنه لم يكن
أسلم إلا تلك الساعة) لأن الاسلام يهدم ما قبله وأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم
427

قال في النهاية الأطراق أن يقبل ببصره إلى صدره ويسكت ساكنا طويلا أي أطراقا طويلا أو
زمانا طويلا
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه النسائي والبزار كما في الفتح
قوله (وفي الباب عن أبي أمامة ووائلة بن الأسقع وأنس بن مالك) أما حديث أبي أمامة
فأخرجه أحمد ومسلم وغيرهما وأما حديث وائلة بن الأسقع فلينظر من أخرجه وأما حديث
أنس بن مالك فأخرجه الشيخان
قوله (وأبو اليسر) بفتح التحتية والسين المهملة (اسمه كعب بن عمرو) ابن عباد السلمي
بالفتح الأنصاري صحابي بدري جليل
ومن سورة يوسف
هي مكية مائة وإحدى عشرة آية
قوله (يوسف) مرفوع لأنه خبر إن واسمها الكريم وهو ضد اللئيم وكل نفس كر يم هو
متناول للصالح الجيد دينا ودنيا
428

قال النووي وأصل الكرم كثرة الخير وقد جمع يوسف عليه الصلاة والسلام مكارم
الأخلاق مع شرف النبوة وكونه ابنا لثلاثة أنبياء متناسلين ومع شرف رياسة الدنيا ملكها
بالعدل والإحسان وكون قوله صلى الله عليه وسلم الكريم بن الكريم إلى آخره موزونا مقفى لا ينافي ما علمناه
الشعر إذ لم يكن هذا بالقصد بل وقع بالاتفاق والمراد صنعة الشعر (ولو لبثت في السجن ما لبث
يوسف ثم جاءني الرسول أجبت) أي لأسرعت الإجابة في الخروج من السجن ولما قدمت طلب
البراءة فوصف بشدة الصبر حيث لم يبادر بالخروج وإنما قاله صلى الله عليه وسلم تواضعا والتواضع لا يحط
مرتبة الكبير بل يزيده رفعة وجلالا وقيل هو من جنس قوله لا تفضلوني على يونس
وقد قيل إنه قاله قبل أن يعلم أنه أفضل من الجميع (فلما جاءه) أي يوسف (الرسول)
وطلبه للخروج (قال) أي يوسف قاصدا إظهار براءته (ارجع إلى ربك) أي إلى سيدك وهو الملك
(فاسأله) أن يسأل (ما بال) حال (النسوة اللاتي قطعن أيديهن) لم يصرح بذكر امرأة العزيز أدبا
واحتراما لها (ورحمة الله على لوط إن كان ليأوي إلى ركن شديد) أي إلى سبحانه وتعالى يشير
صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى لو أن لي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد ويقال إن قوم لوط لم يكن فيهم
أحد يجتمع معه في نسبه لأنهم من سدوم وهي من الشام وأصل إبراهيم ولوط من العرق فلما
هاجر إبراهيم إلى الشام هاجر معه لوط فبعث الله لوط إلى أهل سدوم فقال لو أن لي منعة
وأقارب وعشيرة لكنت استنصر بهم عليكم ليدفعوا عن ضيفاني ولهذا جاء في بعض طرق هذا
الحديث كما أخرجه أحمد قال لوط لو أن لي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد قال فإنه كان
يأوي إلى ركن شديد ولكنه عنى عشيرته فما بعث الله نبيا إلا في ذروة من قومه زاد ابن
مردويه ألم تر إلى قول قوم شعيب ولولا رهطك لرجمناك وقيل معنى قوله لقد كان يأوي إلى
ركن شديد أي إلى عشيرته لكنه لم يأو إليهم وآوى إلى الله انتهى والأول أظهر
وقال الجزري في النهاية في الحديث أنه قال رحم الله لوطا إنه كان يأوى إلى ركن شديد
أي إلى الله تعالى الذي هو أشد الأركان وأقواها وإنما ترحم عليه لسهوه حين ضاق صدره من
قومه حتى قال أو آوى إلى ركن شديد أراد عز العشيرة الذين يستند إليهم كما يستند إلى الركن
429

من الحائط (فما بعث الله من بعده) أي بعد لوط عليه السلام (إلا في ذروة من قومه) بضم الذال
وكسرها أي أعلا نسب قومه
قوله (أخبرنا عبدة) بن سليمان الكلابي (وعبد الرحيم) بن سليمان الأشل
قوله (في ثروة من قومه) بفتح المثلثة وسكون الراء في عدد كثير من قومه
قال في النهاية الثروة العدد الكثير وإنما خص لوطا لقوله لو أدلى بكم قوة أو آوى إلى
ركن شديد
قوله (الثروة الكثرة والمنعة) يقال فلان في عز ومنعة بفتحتين وقد تسكن النون وقيل
المنعة جمع مانع مثل كافر وكفرة أي هو في عز ومن يمنعه من عشيرته (وهذا حديث حسن) وأصله
في الصحيحين
ومن سورة الرعد
مكية إلا (ولا يزال الذين كفروا) الآية ويقول الذين كفروا لست مرسلا الآية أو
مدنية إلا (ولو أن قرآنا) الآيتين ثلاث أو أربع أو خمس أو ست وأربعون آية
قوله (عن عبد الله بن الوليد وكان يكون في بني عجل) أي كان يسكن فيهم ولذلك يقال
430

له العجلي وعبد الله بن الوليد وهذا هو ابن عبد الله بن معقل بن مقرن المزني الكوفي روى عن
بكير بن شهاب وغيره وعنه أبو نعيم وغيره ثقة من السابعة (عن بكير بن شهاب) الكوفي مقبول
من السادسة
قوله (فقالوا يا أبا القاسم) هو كنية النبي صلى الله عليه وسلم (معه مخاريق) جمع مخراق وهو في الأصل
ثوب يلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضا وأراد به هنا آلة تزجر بها الملائكة السحاب
(يسوق) أي الملك الموكل بالسحاب (بها) أي بتلك المخاريق (زجرة) أي هو زجره (إذا زجرة)
أي إذا ساقه قال الله تعالى فالزاجرات زجرا يعني الملائكة تزجر السحاب أي تسوقه
(حتى ينتهي) أي يصل السحاب (إلى حيث أمر) بصيغة المجهول (عما حرم إسرائيل) هو يعقوب
عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام (قال اشتكى) أي يعقوب (عرق النساء) بفتح النون والألف
المقصورة هو وجع يبتدئ من مفصل الورك وينزل من جانب الوحشي على الفخذ وربما امتد
إلى الركبة وإلى الكعب وسمى المرض باسم المحل لأن النسا بالفتح والقصر وريد يمتد على
الفخذ من الوحشي إلى الكعب وجرى العادة بأن يسمى وجع النسا بعرق النسا وتقدير
الكلام وجع العرق الذي هو النسا (فلم يجد شيئا) أي من المأكولات والمشروبات (يلائمه) أي
يوافقه صفة لقوله شيئا (حرمها) أي لحوم الإبل وألبانها وفي رواية الترمذي هذه إجمال
توضحه رواية أحمد من طريق هاشم بن القاسم عن عبد الحميد عن شهر عن ابن عباس قال
حضرت عصابة من اليهود نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالوا حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا
نبي الحديث وفيه فقال أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل مرض
مرضا شديدا وطال سقمه فنذر لله نذرا لئن شفاه الله من سقمه ليحرم من أحب الطعام
والشراب إليه وكان أحب الطعام إليه لحم الإبل وأحب الشراب إليه ألبانها فقالوا اللهم نعم
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد والنسائي
431

قوله (أخبرنا سيف بن محمد الثوري) الكوفي ابن أخت سفيان الثوري نزل بغداد
كذبوه من صغار الثامنة
قوله (ونفضل بعضها على بعض في الأكل) بضم الهمزة والكاف أي في الطعم (قال) أي
النبي صلى الله عليه وسلم (الدقل) بفتحتين ردئ التمر ويابسه (والفارسي) نوع من التمر والآية بتمامها مع
تفسيرها هكذا وفي الأرض قطع بقاع مختلفة متجاورات متلاصقات فمنها طيب وسبخ
وقليل الريع وكثيره وهو من دلائل قدرته تعالى وجنات بساتين من أعناب وزرع بالرفع
عطفا على جنات والجر على أعناب وكذا قوله ونخيل صنوان جمع صنو وهي النخلات
يجمعها أصل واحد وتتشعب فروعها وغير صنوان منفردة يسقى بالتاء أي الجنا وما فيها
والياء أي المذكور بماء واحد ونفضل بالنون والياء بعضها على بعض في الأكل بضم الكاف
وسكونها فمن حلو وحامض وهو من دلائل قدرته تعالى إن في ذلك لايات لقوم يعقلون
يتدبرون
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه البزار وابن جرير وابن المنذر
فأن قلت في سنده سيف بن محمد وقد كذبوه فكيف حسنه الترمذي
قلت لم ينفرد هو برواية هذا الحديث بل تابعه زيد بن أبي أنيسة كما صرح به الترمذي
بقوله وقد رواه زيد بن أبي أنيسة عن الأعمش (وعمار أثبت منه) قال في التقريب عمار بن
محمد الثوري أبو اليقظان الكوفي ابن أخت سفيان الثوري سكن بغداد صدوق يخطئ وكان
عابدا من الثامنة
432

ومن سورة إبراهيم
هي مكية سوى آيتين وهما قوله سبحانه وتعالى (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا) إلى
آخر الآيتين وهي إحدى وقيل اثنتان وخمسون آية
قوله (أخبرنا أبو الوليد) هو الطيالسي (عن شعيب بن الحبحاب) الأزدي مولاهم كنيته
أبو صالح البصري ثقة من الرابعة
قوله (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقناع) بكسر القاف وخفة النون هو الطبق الذي يؤكل عليه (مثل
كلمة طيبة) أي لا إله إلا الله (كشجرة طيبة أصلها ثابت) أي في الأرض (وفرعها) أي أعلاها
ورأسها (في السماء) أي ذاهبة في السماء (تؤتي) أي تعطي (أكلها) أي ثمرها (كل حين بإذن ربها)
أي بأمر ربها والحين في اللغة الوقت يطلق على القليل والكثير واختلفوا في مقداره ههنا
فقال مجاهد وعكرمة الحين هنا سنة كاملة لأن النخلة تثمر في كل سنة مرة واحدة وقال
سعيد بن جبير وقتادة والحسن ستة أشهر يعني من وقت طلعها إلى حين صرامها وروى ذلك
عن ابن عباس أيضا
وقال علي بن أبي طالب ثمانية أشهر يعني أن مدة حملها باطنا وظاهرا ثمانية أشهر وقيل
أربعة أشهر من حين ظهور حملها إلى إدراكها وقال سعيد بن المسيب شهران يعني من وقت أن
يؤكل منها إلى صرامها وقال الربيع بن أنس كل حين يعني غدوة وعشية لأن ثمر النخل يؤكل
أبدا ليلا ونهارا وصيفا وشتاءا فيؤكل منها الجمار والطلع والبلح والخلال والبسر والمنصف
والرطب وبعد ذلك يؤكل التمر اليابس إلى حين الطري الرطب فأكلها دائم في كل وقت كذا
في الخازن (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (ومثل كلمة خبيثة) أي كلمة الكفر والشرك (اجتثت) يعني
استؤصلت وقطعت (مالها من قرار) أي ما لهذه الشجرة من ثبات في الأرض لأنها ليس لها أصل
433

ثابت في الأرض ولا فرع صاعد إلى السماء (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (هي) أي الشجرة الخبيثة
(الحنظلة) هي نبات يمتد على الأرض كالبطيخ وثمره يشبه ثمر البطيخ لكنه أصغر منه جدا
ويضرب المثل بمرارته (قال فأخبرت بذلك) أي قال شعيب بن الحبحاب فأخبرت أنس
هذا (فقال) أي أبو العالية (صدق) أي أنس وحديث أنس هذا رواه أبو يعلى في مسنده نحو رواية
الترمذي وفيه كذلك كنا نسمع مكان صدق وأحسن
قوله (أخبرنا أبو بكر بن شعيب بن الحبحاب) الأزدي البصري قيل اسمه عبد الله
ثقة من السابعة
قوله (في قوله يثبت الله) أي في تفسير قوله تعالى يثبت الله إلخ (بالقول الثابت) هو
كلمة التوحيد وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (في الحياة الدنيا) بأن لا يزالوا
عنه إذا فتنوا في دينهم ولم يرتابوا بالشبهات وإن ألقوا في النار كما ثبت الذين فتنهم أصحاب
الأخدود وغيرهم (وفي الآخرة) أي في القبر بتلقين الجواب وتمكين الصواب وهو قول
الجمهور ويدل عليه قوله (قال في القبر) أي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت هذه الآية في عذاب
434

القبر ففي رواية الشيخين نزلت في عذاب القبر
قال الكرماني ليس في الآية ذكر عذاب القبر فلعله سمى أحوال العبد في قبره عذاب
القبر تغليبا لفتنة الكافر على فتنة المؤمن لأجل التخويف ولأن القبر مقام الهول والوحشة ولأن
ملاقاة الملائكة مما يهاب منه ابن آدم في العادة (إذا قيل له) أي لصاحب القبر (من ربك وما دينك
ومن نبيك) فإن كان مؤمنا أزال الله الخوف عنه وثبت لسانه في جواب الملكين فيقول ربي الله
وديني الاسلام ونبيي محمد
قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة
قوله (يوم تبدل الأرض غير الأرض) قال صاحب فتح البيان في تفسير هذه الآية (يوم) أي
اذكر وارتقب يوم (تبدل الأرض) المشاهدة (غير الأرض) والتبديل قد يكون في الذات كما في
بدلت الدراهم بالدنانير وقد يكون في الصفات كما في بدلت الحلقة خاتمك والآية تحتمل
الأمرين وبالثاني قال الأكثر والسماوات أي وتبدل السماوات غير السماوات لدلالة ما قبله عليه
على الاختلاف الذي مر وتقديم تبديل الأرض لقربانها ولكون تبديلها أعظم أثرا بالنسبة إلينا
أخرج مسلم وغيره من حديث ثوبان قال جاء رجل من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم في الظلمة دون الجسر وأخرج مسلم وغيره أيضا من حديث عائشة قالت أنا أول من
سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم عن هذه الآية قلت أين الناس يومئذ قال على الصراط
والصحيح على هذا إزالة عين هذه الأرض وأخرج البزار وابن المنذر والطبراني في في الأوسط
والبيهقي وابن عساكر وابن مردويه عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله يوم
تبدل الأرض غير الأرض قال أرض بيضاء كأنها فضة لم يسفك فيها دم حرام ولم يعمل بها
خطيئة قال البيهقي والموقوف أصح وفي الباب روايات وقد روى نحو ذلك عن جماعة من
الصحابة وثبت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وآله وسلم يقول يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة نقي وفيهما أيضا من
حديث أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده الحديث
435

وقد أطال القرطبي في بيان ذلك في تفسيره وفي تذكرته وحاصله أن هذه الأحاديث نص في
أن الأرض والسماوات تبدل وتزال ويخلق الله أرضا أخرى تكون عليها الناس بعد كونهم على
الجسر وهو الصراط لا كما قال كثير من الناس إن تبديل الأرض عبارة عن تغيير صفاتها وتسوية
آكامها ونسف جبالها ومد أرضها ثم قال وذكر شبيب بن إبراهيم في كتاب الإفصاح أنه لا
تعارض بين هذه الآثار وأنهما تبدلان كرتين إحداهما هذه الأولى قبل نفخة الصعق والثانية إذا
وقفوا في المحشر وهي أرض عفراء من فضة لم يسفك عليها دم حرام ولا جرى عليها ظلم ويقوم
الناس على الصراط على متن جهنم ثم ذكر في موضع آخر من التذكرة ما يقتضي أن الخلائق وقت
تبديل الأرض تكون في أيدي الملائكة رافعين لهم عنها قال في لجمل فتحصل من مجموعة
كلامه أن تبديل هذه الأرض بأرض أخرى من فضة يكون قبل الصراط وتكون الخلائق إذ ذاك
مرفوعة في أيدي الملائكة وأن تبديل الأرض بأرض من خبز يكون بعد الصراط وتكون الخلائق
إذا ذاك على الصراط وهذه الأرض خاصة بالمؤمنين عند دخولهم الجنة انتهى ما في فتح البيان (
فأين يكون الناس قال على الصراط) وعند مسلم من حديث ثوبان مرفوعا يكونون في الظلمة
دون الجسر وجمع بينهما البيهقي بأن المراد بالجسر الصراط وأن في قوله على الصراط مجازا
لكونهم يجاوزونه لأن في حديث ثوبان زيادة يتعين المصير إليها لثبوتها وكأن ذلك عند الزجرة
التي تقع عند نقلهم من أرض الدنيا إلى أرض الموقف ويشير إلى ذلك قوله تعالى كلا إذ دكت
الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجئ يومئذ بجهنم كذا في الفتح
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وابن ماجة
سورة الحجر
هي مكية بإجماعهم وهي تسع وتسعون آية
قوله (حدثنا نوح بن قيس الحداني) بضم المهملة الأولى وتشديد الثانية آخره نون قبل ياء
436

النسبة (عن عمرو بن مالك) هو النكري
قوله (فأنزل الله تعالى ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين) قال ابن
جرير رحمه الله في تفسيره اختلف أهل التأويل في ذلك فقال بعضهم معنى ذلك ولقد علمنا
من مضى من الأمم فتقدم هلاكهم ومن قد خلق وهو حي ومن لم يخلق بعد ممن سيخلق ثم
ذكر أسماء من قال بهذا القول من الأئمة ثم قال وقال آخرون عني بالمستقدمين الذين قد
هلكوا والمستأخرين الأحياء الذين لم يهلكوا ثم ذكر أسماء من قال بهذا القول ثم قال وقال
آخرون بل معناه ولقد علمنا المستقدمين في أول الخلق والمستأخرين في اخرهم وذكر أسماء
القائلين بهذا القول ثم قال وقال آخرون بل معنى ذلك ولقد علمنا المستقدمين من الأمم
والمستأخرين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ثم ذكر أسماء من قال بهذا القول ثم قال وقال آخرون بل
معناه ولقد علمنا المستقدمين منكم في الخير والمستأخرين عنه ثم ذكر أسماء من قال بهذا
القول ثم قال وقال آخرون بل معنى ذلك ولقد علمنا المستقدمين منكم في الصفوف في
الصلاة والمستأخرين فيها بسبب النساء ثم ذكر أسماء من قال بهذا القول ثم قال وأولى الأقوال
عندي في ذلك بالصحة قول من قال معنى ذلك ولقد علمنا الأموات منكم يا بني آدم فتقدم
موته ولقد علمنا المستأخرين الذين استأخر موتهم ممن هو حي ومن هو حادث منكم ممن لم يحدث
بعد لدلالة ما قبله من الكلام وهو قوله وإنا لنحن نحيى ونميت ونحن الوارثون وما بعده
وهو قوله (وإن ربك هو يحشرهم) على أن ذلك كذلك إذ كان بين هذين الخبرين ولم يجر قبل
ذلك من الكلام ما يدل على خلافه ولا جاء بعد وجائز أن تكون نزلت في شأن المستقدمين في
الصف لشأن النساء والمستأخرين فيه لذلك انتهى كلام ابن جرير ملخصا
قلت لو صح حديث ابن عباس هذا لكان هو أولى الأقوال لكن الأشبه أنه قول أبي
الجوزاء كما صرح به الترمذي قال الحافظ ابن كثير في تفسيره بعد ذكر حديث ابن عباس هذا
ما لفظه وهذا فيه نكارة شديدة وكذا رواه أحمد وابن أبي حاتم في تفسيره ورواه الترمذي
والنسائي في كتاب التفسير من سنيهما وابن ماجة من طرق عن نوح بن قيس الحداني وقد وثقه أحمد
وأبو داود وغيرهما وحكى عن ابن معين تضعيفه وأخرج له مسلم وأهل السنن وهذا الحديث
437

فيه نكارة شديدة وقد رواه عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان عن عمرو بن مالك وهو النكري
أنه سمع أبا الجوزاء يقول في قوله (ولقد علمنا المستقدمين منكم) في الصفوف في الصلاة والمستأخرين والظاهر أنه من كلام أبي الجوزاء فقط ليس فيه لابن عباس ذكر وقد قال
الترمذي هذا أشبه من رواية نوح بن قيس
قوله (عن جنيد عن ابن عمر) قال في التقريب جنيد عن ابن عمر قيل ولم يسمع منه
مستور من الخامسة وفي تهذيب التهذيب جنيد غير منسوب قال أبو حاتم حديثه عن ابن
عمر مرسل وذكره ابن حبان في الثقات
قوله (لمن سل السيف) أي حمله عليها وأصل السل انتزاعك الشئ وإخراجه في رفق
وأورد الترمذي هذا الحديث في تفسير قوله تعالى لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء
مقسوم
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه البخاري في تاريخه
قوله (حدثنا أبو علي الحنفي) اسمه عبيد الله بن عبد المجيد البصري صدوق من التاسعة
قوله (الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني) قال الإمام البخاري في صحيحه
باب ما جاء في فاتحة الكتاب وسميت أم الكتاب لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف ويبدأ بقراءتها في
الصلاة
438

قال الحافظ هو كلام أبي عبيدة في أول مجاز القرآن لكن لفظه ولسور القرآن أسماء منها
أن الحمد لله تسمى أم الكتاب لأنه يبدأ بها في أول القرآن وتعاد قراءتها فيقرأ بها في كل ركعة قبل
السورة ويقال لها فاتحة الكتاب لأنه يفتتح بها في المصاحف فتكتب قبل الجميع انتهى وبهذا تبين
المراد مما اختصره المصنف وقال غيره سميت أم الكتاب لأن أم الشئ ابتداؤه وأصله ومنه
سميت مكة أم القرى لأن الأرض دحيت من تحتها وقال بعض الشراح التعليل بأنها يبدأ بها
يناسب تسميتها فاتحة الكتاب لا أم للكتاب والجواب أنه يتجه ما قال بالنظر إلى أن اللام مبدأ
الولد وقيل سميت أم القرآن لاشتمالها على المعاني التي في القرآن من الثناء على الله والتعبد بالأمر
والنهي والوعد والوعيد وعلى ما فيها من ذكر الذات والصفات والفعل واشتمالها على ذكر المبدأ
أو المعاد والمعاش انتهى وإنما سميت الفاتحة بالسبع المثاني لأنها سبع آيات واختلف في
تسميتها بالمثاني فقيل لأنها تثنى في كل ركعة أي تعاد وقيل لأنها يثنى بها على الله تعالى وقيل
لأنها استثنيت لهذه الأمة لم تنزل على من قبلها
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري وأبو داود
قوله (وهي السبع المثاني) جمع مثناة من التثنية أو جمع مثنية فإنها تثنى في كل صلاة (وهي
مقسومة بيني وبين عبدي) قال العلماء المراد قسمتها من جهة المعنى لأن نصفها الأول تحميد
لله تعالى وتمجيده وثناء عليه وتفويض إليه والنصف الثاني سؤال وطلب وتضرع وافتقار
(ولعبدي ما سأل) أي بعينه إن كان وقوعه معلقا على السؤال وإلا فمثله من رفع درجة ودفع مضرة
ونحوهما
وأورد الترمذي هذين الحديثين في تفسير قوله تعالى ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن
العظم ومن هذه تحتمل أن تكون للتبيين ويدل على ذلك الحديثان المذكوران ويحتمل أن
تكون للتبعيض وعلى هذا المراد من المثاني القرآن كله فيكون معنى الكلام ولقد آتيناك سبع
آيات مما يثنى بعض آية بعضا وإذا كان ذلك كذلك كانت المثاني جمع مثناة وتكون آي القرآن
439

موصوفة بذلك لأن بعضها تثنى بعضا وبعضها يتلو بعضا بفصول تفصل بينها فيعرف انقضاء
الآية وابتداء التي تليها كما وصفها به الله تعالى فقال الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني
تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم وقد يجوز أن يكون معناها كما قال ابن عباس والضحاك ومن
قال ذلك إن القرآن إنما قيل له مثاني لأنه القصص والأخبار كررت فيه مرة بعد أخرى
قوله (أخبرنا عبد العزيز بن محمد) هو الدراوردي (حديث عبد العزيز ابن محمد أطول
وأتم) حدي عبد العزيز بل محمد هذا تقدم بطوله وتمامه في باب فضل فاتحة الكتاب (وهذا
أصح من حديث عبد الحميد بن جعفر)
قال الحافظ في الفتح قد اختلف فيه على العلاء أخرجه الترمذي من طريق الدراوردي
والنسائي من طريق روح بن القاسم وأحمد من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم وابن خزيمة من
طريق حفص بن ميسرة كلهم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال خرج
النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب فذكر الحديث وأخرجه الترمذي وابن خزيمة من طريق عبد
الحميد بن جعفر والحاكم من طريق شعبة كلاهما عن العلاء مثله لكن قال عن أبي هريرة عن
أبي بن كعب ورجح الترمذي كونه من مسند أبي هريرة وقد أخرج الحاكم أيضا من طريق
الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب وهو مما يقوي ما رجحه الترمذي انتهى
قوله (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري رحمه الله (أخبرنا أحمد بن أبي الطيب)
البغدادي أبو سليمان المعروف بالمروزي صدوق حافظ له أغلاط ضعفه بسببها أبو حاتم
وماله في البخاري سوى حديث واحد متابعة وهو من العاشرة (أخبرنا مصعب بن سلام) بتشديد
اللام التميمي الكوفي نزيل بغداد صدوق له أوهام من الثامنة (عن عمرو بن قيس) الملائي
الكوفي (عن عطية) هو ابن سعد العوفي
440

قوله (اتقوا فراسة المؤمن) الفراسة بالكسر اسم من قولك تفرست في فلان الخير
وهي على نوعين أحدهما ما دل عليه ظاهر الحديث وهو ما يوقعه الله في قلوب أوليائه فيعلمون
بذلك أحوال الناس بنوع من الكرامات وإصابة الحدس والنظر والظن والتثبت والنوع الثاني ما
يحصل بدلائل التجارب والخلق والأخلاق تعرف بذلك أحوال الناس أيضا وللناس في علم
الفراسة تصانيف قديمة وحديثه كذا في النهاية والخازن وقال المناوي اتقوا فراسة المؤمن أي
اطلاعه على ما في الضمائر بسواطع أنوار أشرقت على قلبه فتجلت له بها الحقائق (فإنه ينظر بنور
الله) أي يبصر بعين قلبه المشرق بنور الله تعالى وأصل الفراسة أن بصر الروح متصل ببصر
العقل في عيني الانسان فالعين جارحة والبصر من الروح وإدراك الأشياء من بينهما فإذا تفرغ
العقل والروح من أشغال النفس أبصر الروح وأدرك العقل ما أبصر الروح وإنما عجز العامة عن
هذا الشغل أرواحهم بالنفوس واشتباك الشهوات بها فشغل بصر الروح عن درك الأشياء الباطنة
ومن أكب على شهواته وتشاغل عن العبودية حتى خلط على نفسه الأمور وتراكمت عليه الظلمات
كيف يبصر شيئا غاب عنه (ثم قرأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن في ذلك لايات
للمتوسمين)
قال ابن عباس للناظرين وقال قتادة للمعتبرين وقال مقاتل للمتفكرين وقال مجاهد للمتفرسين قال الخازن ويعضد هذا للتأويل ما روي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
اتقوا فراسة المؤمن الخ
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه البخاري في التاريخ وابن جرير وابن أبي حاتم وابن
السني وأبو نعيم وابن مردويه والخطيب وأخرجه الحكيم الترمذي والطبراني وابن عدي عن أبي
أمامة وأخرجه ابن جرير في تفسيره عن ابن عمر وأخرجه
أيضا ابن جرير عن ثوبان وأخرجه أيضا ابن جرير والبزار عن أنس مرفوعا بلفظ إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم
قوله (وقد روى عن بعض أهل العلم في تفسير هذه الآية الخ) روى ابن جرير في تفسيره
بإسناده عن مجاهد إن في ذلك لايات للمتوسمين قال للمتفرسين انتهى وأصل التوسم
441

التثبت والتفكر تفعل مأخوذ من الوسم وهو التأثير بحديدة في جلد البعير أو البقر وقيل أصله
استقصاء التعرف يقال توسمت أي تعرفت مستقصيا وجوه التعرف وقيل هو من الوسم
بمعنى العلامة ولأهل العلم والفضل في الفراسة أخبار وحكايات معروفة فمنها ما ذكره الحافظ
في توالي التأسيس قال الساجي حدثنا أبو داود السجستاني حدثنا قتيبة حدثني عبد الحميد
قال خرجت أنا والشافعي من مكة فلقينا رجلا بالأبطح فقلت للشافعي ازكن ما للرجل فقال
نجار أو خياط قال فلحقته فقال كنت نجارا وأنا خياط وأخرج الحاكم من وجه آخر عن قتيبة
قال رأيت محمد بن الحسن والشافعي قاعدين بفناء الكعبة فمر رجل فقال أحدهما لصاحبه
تعال حتى نركن على هذا الآتي أي حرفة معه فقال أحدهما خياط وقال الآخر نجار فبعثا
إليه فسألاه فقال كنت خياطا وأنا اليوم نجارا
قال الحافظ وسند كل من القصتين صحيح فيحمل على التعدد والركن الفراسة
وأخرج البيهقي من طريق المزني قال كنت مع الشافعي في الجامع إذا دخل رجل يدور على النيام
فقال الشافعي للربيع قم فقل له ذهب لك عبد أسود مصاب بإحدى عينيه قال الربيع فقمت
إليه فقلت له فقال نعم فقلت تعال فجاء إلى الشافعي فقال أين عبدي فقال مر تجده في
الحبس فذهب الرجل فوجده في الحبس قال المزني فقلت له أخبرنا فقد حيرتنا فقال نعم
رأيت رجلا دخل من باب المسجد يدور بين النيام فقلت يطلب هاربا ورأيته يجئ إلى السودان
دون البيض فقلت هرب له عبد أسود ورأيته يجئ إلى ما يلي العين اليسرى فقلت مصاب
بإحدى عينيه قلنا فما يدريك أنه في الحبس قال الحديث في العبيد إن جاعوا سرقوا وإن
شبعوا زنوا فتأولت أنه فعل أحدهما فكان كذلك
قوله (عن بشر عن أنس) قال في التقريب بشر عن أنس قيل هو ابن دينار مجهول من
السادسة وقال في تهذيب التهذيب بشر غير منسوب عن أنس في قوله لنسألنهم أجمعين عما
كانوا يعملون وغير ذلك وعنه ليث بن أبي سليم قيل إنه بشر بن دينار قال الحافظ كذا قال
ابن حبان في الثقات وزاد في الرواة عنه محمد بن عثمان وقد اختلف فيه على ليث اختلافا
كثيرا
قوله (في قوله لنسألنهم أجمعين) قبله فوربك قال الخازن أقسم الله بنفسه أنه يسأل
442

هؤلاء المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين (عما كانوا يعملون) يعني عما كانوا يقولونه في
القرآن وقيل عما كانوا يعملون من الكفر والمعاصي وقيل يرجع الضمير في لنسألنهم إلى جميع
الخلق المؤمن والكافر لأن اللفظ عام فحمله على العموم أولى انتهى كلام الخازن (قال) أي
النبي صلى الله عليه وسلم (عن قول لا إله إلا الله) وبه قال جماعة من أهل العلم ولكن هذا الحديث ضعيف
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم (وقد
رواه عبد الله بن إدريس عن ليث ابن أبي سليم الخ) وصل هذه الطريقة الموقوفة ابن جرير في
تفسيره
ومن سورة النحل
مكية إلا (وإن عاقبتم) إلى آخرها وهي مائة وثمان وعشرون آية
قوله (أربع) أي من الركعات (قبل الظهر بعد الزوال) صفة لأربع والموصوف مع الصفة
مبتدأ وخبره قوله (تحسب) بصيغة المجهول (بمثلهن من صلاة السحر) أي بمثل أربع ركعات كائنة
من صلاة السحر يعني توازي أربعا من الفجر من السنة والفريضة لموافقة المصلي بعد الزوال
سائر الكائنات في الخضوع والدخور لبارئها فإن الشمس أعلى وأعظم منظورا في الكائنات
وعند زوالها يظهر هبوطها وانحطاطها وسائر ما يتفيأ بها ظلاله عن اليمين والشمائل قاله الطيبي
وقيل لا يظهر وجه العدول عن الظاهر وهو حمل السحر على حقيقته وتشبيه هذه الأربع بأربع
من صلاة الصبح إلا باعتبار كون المشبه به مشهودا بمزيد الفضل انتهى يعني قوله تعالى إن
443

قرآن الفجر كان مشهودا وفيه إشارة إلى أن العدول إنما هو ليكون المشبه به أقوى إذ ليس
التهجد أفضل من سنة الظهر قال القاري والأظهر حمل السحر على حقيقته وهو السدس
الأخير من الليل ويوجه كون المشبه به أقوى بأن العبادة فيه أشق وأتعب والحمل على الحقيقة
مهما أمكن فهو أولى وأحسن (وليس من شئ إلا وهو يسبح الله تلك الساعة) أي يسبحه تسبيحا
خاصا تلك الساعة فلا ينافي قوله تعالى وإن من شئ إلا يسبح بحمده لمقتضي لكونه
كذلك في سائر الأوقات (ثم قرأ) أي النبي صلى الله عليه وسلم أو عمر قاله القارئ والظاهر هو الأول (يتفيؤ
ظلاله الخ) الآية بتمامها مع تفسيرها هكذا (أو لم يروا إلى ما خلق الله من شئ) له ظل كشجر
وجبل (يتفيؤ) أي يميل (ظلاله عن اليمين والشمائل) جمع شمل أي عن جانبيها أول النهار وآخره
سجدا لله حال أي خاضعين بما يراد منهم وهم أي الظلال داخرون أي صاغرون نزلوا
منزلة العقلاء
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان وفي سنده يحيى البكاء وهو
ضعيف
قوله (عن عيسى بن عبيد) بن مالك الكندي أبي المنيب صدوق من الثامنة
قوله (فمثلوا بهم) أي الكفار بالذين أصيبوا من الأنصار والمهاجرين يقال مثلث
بالحيوان أمثل به مثلا إذا قطعت أطرافه وشوهت به ومثلت بالقتيل إذا جدعت أنفه أو أذنه أو
مذاكيره أو شيئا من أطرافه والاسم المثلة فأما مثل بالتشديد فهو للمبالغة كذا في النهاية (لنربين
عليهم) من الأرباء أي لنزيدن ولنضاعفن عليهم في التمثيل (وإن عاقبتم الخ) قال الحافظ ابن
جرير في تفسيره يقول تعالى ذكره للمؤمنين وإن عاقبتم أيها المؤمنون من ظلمكم واعتدى
444

عليكم فعاقبوه بمثل الذي نالكم به ظالمكم من العقوبة ولئن صبرتم عن عقوبته واحتسبتم عند
الله ما نالكم به من الظلم ووكلتم أمره إليه حتى يكون هو المتولي عقوبته لهو خير للصابرين يقول
للصبر عن عقوبته لذلك خير لأهل الصبر احتسابا وابتغاء ثواب الله لأن الله يعوضه من الذي أراد
أن يناله بانتقامه من ظالمه عن ظلمه إياه من لذة الانتصار وهو من قوله لهو كناية عن الصبر
وحسن ذلك وأن لم يكن ذكر قبل ذلك الصبر لدلالة قوله ولئن صبرتم عليه انتهى (كفوا
عن القوم إلا أربعة) وفي حديث سعد عند النسائي قال لما كان يوم فتح مكة أمن
رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين وقال اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار
الكعبة عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي
السرح الحديث
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه النسائي وابن حبان والطبراني والحاكم
وصححه والبيهقي وغيرهم
ومن سورة بني إسرائيل
مكية إلا (وإن كادوا ليفتنونك) الآيات الثمان ومائة وعشر آيات أو إحدى عشرة آية
قوله (قال) أي أبو هريرة (فنعته) أي وصف النبي موسى (فإذا رجل قال حسبته قال
مضطرب) وعند البخاري فإذا رجل حسبته قال مضطرب بحذف قال قبل حسبته وكذلك في
بعض نسخ الترمذي قال الحافظ في الفتح القائل حسبته هو عبد الرزاق والمضطرب الطويل
445

غير الشديد وقيل الخفيف اللحم وتقدم في رواية هشام بلفظ ضرب وفسر بالنحيف ولا منافاة
بينهما انتهى (الرجل الرأس) بفتح الراء وكسر الجيم دهين الشعر مسترسله وقال ابن
السكيت شعر رجل أي غير جعد (كأنه من رجال شنوءة) بفتح المعجمة وضم النون وسكون
الواو بعدها همزة ثم هاء تأنيث حي من اليمن ينسبون إلى شنوءة وهو عبد الله بن كعب بن
عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد ولقب شنوءة لشنئان كان بينه وبين أهله والنسبة إليه
شنوئي بالهمز بعد الواو وبالهمز بغير وا
وقال الداودي رجال الأزد معروفون بالطول (قال ربعة) بفتح الراء وسكون الموحدة
ويجوز فتحها وهو المرفوع والمراد أنه ليس بطويل جدا ولا قصير جدا بل وسط (من ديماس) بكسر
المهملة وسكون التحتانية وآخره مهملة (يعني الحمام) هو تفسير عبد الرزاق كما في الفتح
والد يماس في اللغة السرب ويطلق أيضا على الكن والحمام من جملة الكن والمراد من ذلك
وصفه بصفاء اللون ونضارة الجسم وكثرة ماء الوجه حتى كأنه كان في موضع كن فخرج منه وهو
عرقان
وفي رواية ابن عمر عند البخاري ينطف رأسه ماء وهو محتمل لأن يراد الحقيقة وأنه عرق
حتى قطر الماء من رأسه ويحتمل أن يكون كناية عن مزيد نضارة وجهه ويؤيده أن في رواية عبد
الرحمن بن آد عن أبي هريرة عند أحمد وأبي داود يقطر رأسه ماء وإن لم يصبه بلل (قال وأنا أشبه
ولده به) أي قال النبي أنا أشبه أولاد إبراهيم عليه الصلاة والسلام به صورة ومعنى (وأتيت
بإنائين أحدهما لبن) قيل ولم يقل فيه لبن كأنه جعله لبنا كله تغليبا للبن على الإناء لكثرته وتكثيرا لما
اختاره ولما كان الخمر منهيا عنه قلله فقال (والاخر فيه خمر) أي خمر قليل
إعلم أنه قد اختلفت الروايات في عدد الآنية ففي بعضها أتيت بإنائين أحدهما لبن
والاخر فيه خمر كان في هذه الرواية وفي بعض روايات البخاري ثم رفع لي البيت المعمور ثم
أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل
وفي حديث أبي سعيد عند ابن إسحاق في قصة الاسراء فصلى بهم يعني الأنبياء ثم أتى بثلاثة
آنية إناء فيه لبن وإناء فيه خمر وإناء فيه ماء فأخذت اللبن
446

واختلفت الروايات أيضا في مكان عرض الآنية ففي رواية مسلم عن أنس ثم دخلت
المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاء جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فأخذت اللبن
وفي بعض روايات البخاري أتى رسول الله ليلة أسري به بإيلياء بإناء فيه خمر وإناء فيه لبن
فنظر إليهما فأخذ اللبن فهاتان الروايتان تدلان على أن عرض الآنية كان في بيت المقدس وفي
بعض روايات البخاري المذكورة أنه كان في السماء
قال الحافظ بعد ذكر هذه الروايات وغيرها يجمع بين هذا الاختلاف إما بحمل ثم على غير
بابها من الترتيب وإنما هي بمعنى الواو هنا وإما بوقوع عرض الآنية مرتين مرة عند فراغه من
الصلاة ببيت المقدس وسببه ما وقع له من العطش كما في حديث شداد فصليت من المسجد
حيث شاء الله وأخذني من العطش أشد ما أخذني فأتيت بإناءين أحدهما لبن وا خر عسل الخ
ومرة عند وصوله إلى سدرة المنتهى ورؤية الأنهار الأربعة وأما الاختلاف في عدد الآنية وما فيها
فيحمل على أن بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الاخر ومجموعها أربعة آنية فيها أربعة أشياء من
الأنهار الأربعة التي رآها نخرج من أصل سدرة المنتهى ووقع في حديث أبي هريرة عند الطبري لما
ذكر سدرة المنتهى يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن ومن لبن لم يتغير طعمه ومن خمر لذة
للشاربين ومن عسل مصفى فلعله عرض عليه من كل نهر إناء انتهى (هديت للفطرة أو
أصبت الفطرة) شك من الراوي والأول بصيغة الخطاب مجهولا والثاني معلوما
قال القرطبي يحتمل أن يكون سبب تسمية اللبن فطرة لأنه أول شئ يدخل بطن المولود
ويشق أمعاءه والسر في ميل النبي إليه دون غيره لكونه كان مألوفا له ولأنه لا ينشأ عن جنسه
مفسدة (أما) بالتخفيف حرف التنبيه (إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك) أي ضلت نوعا من
الغواية المترتبة على شربها بناء على أنه لو شربها لأحل للأمة شربها فوقعوا في ضررها وشرها وفيه
إيماء إلى أن استقامة المقتدي من النبي والعالم والسلطان ونحوهم سبب لاستقامة أتباعهم
لأنهم بمنزلة القلب للأعضاء كذا في المرقاة
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (أتى بالبراق) بضم الموحدة وتخفيف الراء مشتق من البريق فقد جاء في لونه أنه
447

أبيض أو من البرق لأنه وصفه بسرعة السير أو من قولهم شاة برقاء إذا كان خلال صوفها الأبيض
طاقات سود ولا ينافيه وصفه في بعض الأحاديث بأن البراق أبيض لأن البرقاء من الغنم
معدودة في البياض (ليلة أسرى) بصيغة الماضي المجهول من الإسراء (به) أي بالنبي (ملجما)
اسم مفعول من الإلجام قال في القاموس ألجم الدابة ألبسها اللجام وهو ككتاب فارسي معرب
(مسرجا) اسم مفعول من الإسراج يقال أسرجت الدابة إذا شددت عليها السرج
(فاستصعب عليه) أي صار البراق صعبا على النبي (أبمحمد) والهمزة للإنكار (تفعل
هذا) أي الاستصعاب (فما ركبك أحد أكرم على الله منه) أي من محمد (فارفض عرقا) أي
جرى عرقه وسال ثم سكن وانقاد وترك الاستصعاب
قوله (هذا حديث حسن غريب) قال الحافظ وصححه ابن حبان وذكر ابن إسحاق
عن قتادة أنه لما شمس وضع جبرئيل يده على معرفته فقال أما تستحيي فذكر نحوه مرسلا لم
يذكر أنسا وللنسائي وابن مردويه من طريق يزيد بن أبي مالك عن أنس نحوه موصولا وزاد
وكانت تسخر للأنبياء قبله ونحوه في حديث أبي سعيد عند ابن إسحاق وفيه دلالة على أن
البراق كان معدا لركوب الأنبياء خلافا لمن نفي ذلك كابن دحية وأول قول جبريل فما ركبك أكرم
على الله منه أي ما ركبك أحد قط فكيف يركبك أكرم منه
وقد جزم السهيلي أن البراق إنما استصعب عليه لبعد عهده بركوب الأنبياء قبله قال
النووي قال الزبيدي في مختصر العين وتبعه صاحب التحرير كان الأنبياء يركبون البراق قال
وهذا يحتاج إلى نقل صحيح قال الحافظ قد ذكرت النقل بذلك ثم ذكر الحافظ آثارا تشهد
لذلك
قوله (عن الزبير بن جنادة) بمضمومة وخفة نون وإهمال دال الهجري كنيته أبو عبد الله
الكوفي روى عن عبد الله بن بريدة عطاء بن أبي رباح وعنه عيسى بن يونس وأبو تميلة
يحيى بن واضح وغيرهما قال أبو حاتم شيخ ليس بالمشهور وذكره ابن حبان في الثقات وقال
448

فيه جنادة المعلم سكن مرو له عند الترمذي حديث واحد في ربط البراق
قلت وقال الحاكم في المستدرك مروزي ثقة (عن ابن بريدة) اسمه عبد الله (لما انتهيا إلى
بيت المقدس) أي وصلنا إليه (قال جبرئيل بأصبعه) أي أشار بها قال في النهاية العرب تجعل
القول عبارة عن جميع الأفعال وتطلقه على غير الكلام واللسان فتقول قال بيده أي أخذ وقال
برجله أي مشى قال الشاعر
وقالت له العينان سمعا وطاعة
أي أومأت وقال بالماء على يده أي قلب وقال بثوبه أي رفعه وكل ذلك على المجاز
والاتساع (فخرق به الحجر) وفي البزار لما كان ليله أسرى به فأتى جبريل الصخرة التي يبيت
المقدس فوضع أصبعه فيها فخرقها فشد بها البراق وفي حديث أنس عند مسلم فركبته حتى
بيت المقدس قال فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه البزار
قوله (لما كذبتني قريش) أي نسبوني إلى الكذب فيما ذكرت من قضية الإسراء وطلبوا مني
علامات بيت المقدس (قمت في الحجر) بالكسر اسم الحائط المستدير إلى جانب الكعبة الشمالي
(فجلى الله لي بيت المقدس) بتشديد اللام من النجلية أي أظهره لي قال الحافظ قيل معناه كشف
الحجب بيني وبينه حتى رأيته ووقع في رواية عبد الله بن الفضل عن أم سلمة عند مسلم قال
فسألوني عن أشياء لم أثبتها فكربت كربا لم أكرب مثله قط فرفع الله لي بيت المقدس أنظر إليه ما
يسألوني عن شئ إلا نبأتهم به ويحتمل أنه حمل إلى أن وضع بحيث يراه ثم أعيد
وفي حديث ابن عباس عند أحمد والبزار بإسناد حسن فجئ بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى
وضع عند دار عقيل فنعته وأنا أنظر إليه وهذا أبلغ في المعجزة ولا استحالة فيه فقد أحضر
449

عرش بلقيس في طرفة عين لسليمان وهو يقتضي أنه أزيل من مكانه حتى أحضر إليه وما ذاك في
قدرة الله بعزيز انتهى (فطفقت) بكسر الفاء قيل القاف أي فشرعت (أخبرهم عن آياته) أي
علامات بيت المقدس ودلالاته (وأنا أنظر إليه) جملة حالية
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (وفي الباب عن مالك بن صعصعة وأبي سعيد وابن عباس وأبي ذر وابن مسعود) أما
حديث مالك بن صعصعة فأخرجه الترمذي في تفسير سورة ألم نشرح مختصرا وأخرجه الشيخان
مطولا وأما حديث أبي سعيد فأخرجه البيهقي وابن جرير وابن أبي حاتم وأما حديث ابن
عباس فأخرجه أحمد والنسائي والبيهقي والبزار وأما حديث أبي فأخرجه الشيخان وأما
حديث ابن مسعود فأخرجه مسلم
تنبيه اعلم أن الترمذي ذكر هذه الأحاديث في تفسير قوله تعالى سبحان الذي أسرى
بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع
البصير وقد اختلف أهل العلم هل كان الإسراء بجسده مع روحه أو بروحه فقط فذهب
معظم السلف والخلف إلى إلى الأول وذهب إلى الثاني طائفة من أهل العلم منهم عائشة ومعاوية
والحسن وابن إسحاق وحكاه ابن جرير عن حذيفة بن اليمان وذهبت طائفة إلى التفصيل
فقالوا كان الإسراء بجسده يقظة إلى بيت المقدس وإلى السماء بالروح واستدلوا على هذا
التفصيل بقوله إلى المسجد الأقصى فجعله غاية للإسراء بذاته فلو كان الإسراء من
بيت المقدس إلى السماء وقع بذاته لذكره والذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة الكثيرة هو ما
ذهب إليه معظم السلف والخلف من الإسراء بجسده وروحه يقظة إلى بيت المقدس ثم
السماوات وهو الحق والصواب لا يجوز العدول عنه ولا حاجة إلى التأويل وصرف هذا النظم
القرآني وما يماثله من ألفاظ الأحاديث إلى ما يخالف الحقيقة ولا مقتضى لذلك إلا مجرد الاستبعاد
وتحكيم محض العقول القاصرة عن فهم ما هو معلوم من أنه لا يستحيل عليه سبحانه شئ ولو
كان ذلك مجرد رؤيا كما يقوله من زعم أن الإسراء كان بالروح فقط وأن رؤيا الأنبياء حق لم يقع
التكذيب من الكفرة للنبي عند إخباره لهم بذلك حتى ارتد من ارتد ممن لم يشرح بالإيمان
صدرا فإن الإنسان قد يرى في نومه ما هو مستبعد بل هو محال ولا ينكر ذلك أحد والكلام في
هذه المسألة مبسوط في المطولات
450

قوله (في قوله تعالى وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) قال الحافظ ابن
جرير في تفسيره اختلف أهل التأويل في ذلك فقال بعضهم هو رؤيا عين وهي ما رأى
النبي لما أسرى به من مكة إلى بيت المقدس ثم ذكر من قال ذلك ثم قال وقال آخرون
هي رؤياه التي رأى أنه يدخل مكة فروى بإسناده عن ابن عباس قوله وما جعلنا الرؤيا التي
أريناك إلا فتنة للناس قال يقال إن رسول الله أرى أنه دخل مكة هو وأصحابه وهو يومئذ
بالمدينة فجعل رسول الله السير إلى مكة قبل الأجل فرده المشركون فقالت أناس قد رد
رسول الله وقد كان حدثنا أنه سيدخلها فكانت رجعته فتنتهم ثم قال وقال آخرون ممن
قال هي رؤيا منام إنما كان رسول الله رأى في منامه قوما يعلون منبره فذكر من قال ذلك قال
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال عني به الرؤيا رسول الله ما رأى من الآيات
والعبر في طريقه إلى بيت المقدس وببيت المقدس ليلة أسري به وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب
لاجماع الحجة من أهل التأويل على أن هذه الآية إنما نزلت في ذلك وإياه عني الله عز وجل بها
فإذا كان ذلك كذلك فتأويل الكلام وما جعلنا رؤياك التي أريناك ليلة أسرينا بك من مكة إلى بيت
المقدس إلا فتنة للناس يقول الإبلاء للناس الذين ارتدوا عن الإسلام لما أخبروا بالرؤيا التي
رآها عليه الصلاة والسلام وللمشركين من أهل مكة الذين ازدادوا بسماعهم ذلك من
رسول الله تماديا في غيهم وكفرا إلى كفرهم انتهى (قال هي رؤيا عين أريها النبي ليلة
أسري به) أريها بضم الهمزة وكسر الراء من الإراءة ولم يصرح بالمرئي وعند سعيد بن منصور من
طريق أبي مالك قال هو ما أرى في طريقه إلى بيت المقدس وزاد عن سفيان في آخر الحديث
وليست رؤيا منام واستدل به على إطلاق لفظ الرؤيا على ما يرى بالعين في اليقظة وقد أنكره
الجريري تبعا لغيره وقالوا إنما يقال رؤيا في المنام وأما التي في اليقظة فيقال رؤية وممن استعمل
الرؤيا في اليقظة المتنبي في قوله
ورؤياك أحلى في العيون من الغمض
وهذا التفسير يرد على من خطأه كذا في الفتح (والشجرة الملعونة) بالنصب عطف على
الرؤيا تقديره وما جعلنا الرؤيا التي أريناك والشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للناس (قال هي
شجرة الزقوم) هذا هو الصحيح وذكره ابن أبي حاتم عن بضعة عشر نفسا من التابعين وأما
451

الزقوم فقال أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات الزقوم شجرة غبراء تنبت في السهل صغير
الورق مدورته لا شوك لها زفرة مرة ولها نور أبيض ضعيف تجرسه النحل ورؤوسها قباح جدا
وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال قال المشركون يخبرنا محمد أن في النار شجرة والنار
تأكل الشجرة فكان ذلك فتنة لهم
فإن قلت أين لعنت شجرة الزقوم في القرآن
قلت لعنت حيث لعن الكفار الذين يأكلونها لأن الشجرة لا ذنب لها حتى تلعن وإنما
وصفت بلعن أصحابها على المجاز وقيل وصفها الله تعالى باللعن لأن اللعن الإبعاد من الرحمة
وهي في أصل جهنم في أبعد مكان من الرحمة
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري والنسائي
قوله (وقرآن الفجر) قبله (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) فقوله وقرآن
الفجر عطف على الصلاة والمراد من قرآن الفجر صلاة الفجر سميت الصلاة قرآنا لأنها لا تجوز
إلا بالقرآن (تشهده) أي تحضر قرآن الفجر يعني صلاته قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه
الآية يقول تبارك وتعالى لرسوله آمرا له بإقامة الصلوات المكتوبات في أوقاتها أقم الصلاة
لدلوك الشمس قيل لغروبها قاله ابن مسعود ومجاهد وابن زيد وقال هشيم عن مغيرة عن الشعبي
عن ابن عباس دلوكها زوالها ورواه نافع عن ابن عمر ورواه مالك في تفسيره عن الزهري عن
ابن عمر وقاله أبو برزة الأسلمي وهو رواية أيضا عن ابن مسعود ومجاهد وبه قال الحسن
والضحاك وأبو جعفر الباقر وقتادة واختاره ابن جرير ومما استشهد عليه ما رواه بإسناده عن
جابر بن عبد الله قال دعوت رسول الله ومن شاء من أصحابه فطعموا عند ي ثم خرجوا
حين زالت الشمس فخرج النبي فقال أخرج يا أبا بكر فهذا حين دلكت الشمس فعلى
هذا تكون هذه الآية دخل فيها أوقات الصلوات الخمس فمن قوله لدلوك الشمس إلى غسق
الليل وهو ظلامه وقيل غروب الشمس أخذ منه الظهر والعصر والمغرب والعشاء وقوله وقرآن
الفجر يعني صلاة الفجر وقد بينت السنة عن رسول الله تواترا من أقواله وأفعاله تفاصيل
452

هذه الأوقات على ما عليه أهل الا سلام اليوم مما تلقوه خلفا عن سلف وقرنا بعد قرن كما هو مقرر
في مواضعه انتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة
قوله (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) هو الإمام الدارمي (أخبرنا عبيد الله بن موسى)
العبسي الكوفي (عن إسرائيل بن يونس)
قوله (يوم ندعو كل أناس بإمامهم) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره يخبر تبارك وتعالى عن
يوم القيامة أنه يحاسب كل أمة بإمامهم واختلفوا في ذلك فقال مجاهد وقتادة أي نبيهم وهذا كقوله
تعالى ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط الآية وقال بعض السلف هذا
أكبر شرف لأصحاب الحديث لأن إمامهم النبي وقال ابن زيد بكتابهم الذي أنزل على نبيهم
من التشريع واختاره ابن جرير وروى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال بكتبهم فيحتمل أن
يكون أراد هذا وأن يكون أراد ما رواه العوفي عن ابن عباس في قوله يوم ندعوا كل أناس بإمامهم
أي بكتاب أعمالهم وكذا قال أبو العالية والحسن والضحاك وهذا القول هو الأرجح لقوله
تعالى وكل شئ أحصيناه في إمام مبين وقال تعالى ووضع الكتاب فترى المجرمين
مشفقين مما فيه الآية وهذا لا ينافي أن يجاء بالنبي إذا حكم الله بين أمته فإنه لا بد أن يكون
شاهدا على أمته بأعمالها ولكن المراد ههنا بالإمام هو كتاب الأعمال ولهذا قال تعالى يوم ندعو
453

كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم الخ انتهى
قلت ويؤيد القول الأرجح حديث أبي هريرة هذا فإنه نص صريح في أن المراد بقوله
بإمامهم كتاب أعمالهم (فيعطى كتابه) أي كتاب أعماله (ويمد له في جسمه) أي يوسع له فيه (اللهم
أخزه) بفتح الهمزة من الإخزاء بمعنى الإذلال والإهانة
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه البزار بسند الترمذي إلا أن شيخه غير شيخه
وقال لا يروى إلا من هذا الوجه انتهى وفي مسنده عبد الرحمن بن أبي كريمة والد السدي وهو
مجهول الحال (والسدي اسمه إسماعيل بن عبد الرحمن) ابن أبي كريمة وهو السدي الكبير
قوله (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) قال الحافظ ابن كثير أي افعل هذا الذي
أمرتك به لنقيمك يوم القيامة مقاما محمودا يحمدك فيه الخلائق كلهم وخالقهم تبارك وتعالى
قال ابن جرير قال أكثر أهل التأويل ذلك هو المقام الذي يقومه محمد يوم القيامة
للشفاعة للناس ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم انتهى (وسئل) بصيغة
المجهول (عنها) أي عن هذه الآية (قال هي الشفاعة) أي المقام المحمود هو المقام الذي أشفع
فيه وتأنيث الضمير لتأنيث الخبر وفي رواية أحمد قال هو المقام الذي أشفع لأمتي فيه
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد في مسنده وابن جرير في تفسيره
454

قوله (وداود الزعافري) بزاي مفتوحة ومهملة وكسر فاء (هو داود الأودي) بفتح الهمزة
وسكون الواو وبالدال المهملة (ابن يزيد بن عبد الرحمن) الأعرج الكوفي ضعيف من السادسة
(وهو عم عبد الله بن إدريس) بن يزيد بن عبد الله الأودي
قوله (حدثنا سفيان) هو ابن عيينة (عن ابن أبي نجيح) هو عبد الله واسم أبي نجيح
يسار (وعن أبي معمر) هو عبد الله بن سخبرة
قوله (ثلاثمائة وستون نصبا) بضم النون والصاد المهملة وقد تسكن بعدها موحدة هي
واحدة الأنصاب وهو ما ينصب للعبادة من دون الله تعالى ووقع في رواية ابن أبي شيبة عن ابن
عيين ضما بدل نصبا ويطلق النصب ويراد به الحجارة التي كانوا يذبحون عليها للأصنام
وليست مرادة هنا وتطلق الأنصاب على أعلام الطريق وليست مرادة هنا ولا في الآية (فجعل
النبي يطعنها) بضم العين وبفتحها والأول أشهر (بمخصرة) كمكنسة مما يتوكأ عليه كالعصا
ونحوه وما يأخذه الملك يشير به إذا خاطب والخطيب إذا خطب (وربما قال بعود)
وفي حديث أبي هريرة عند مسلم يطعن في عينيه بسية القوس وفي حديث ابن عمر عند
الفاكهي وصححه ابن حبان فيسقط الصنم ولا يمسه وللفاكهي والطبراني من حديث ابن
عباس فلم يبق وثن استقبله إلا سقط على قفاه مع أنها كانت ثابتة بالأرض وقد شد لهم إبليس
أقدامها بالرصاص وفعل النبي ذلك لإذلال الأصنام وعابديها ولإظهار أنها لا تنفع ولا
تضر ولا تدفع عن نفسها شيئا كذا في الفتح (جاء الحق وزهق الباطل) أي جاء الاسلام وبطل
الكفر (إن الباطل كان زهوقا) أي مضمحلا زائلا (جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد) أي
زال الباطل وهلك لأن الإبداء والإعادة من صفة الحيى فعدمهما عبارة عن الهلاك والمعنى جاء
الحق وهلك الباطل وقيل الباطل الأصنام وقيل إبليس لأنه صاحب الباطل أو لأنه هالك
كما قيل له الشيطان من شاط إذا هلك أي لا يخلق الشيطان ولا الصنم أحدا ولا يبعثه
فالمنشئ والباعث هو الله تعالى لا شريك له وهذه الآية أعني جاء الحق وما يبدئ الباطل وما
يعيد في سورة سبأ
455

قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (وفيه عن ابن عمر) أخرجه الفاكهي وصححه ابن حبان كما تقدم في عبارة الفتح
قوله (أخبرنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن أبيه) اسمه حصين بن جندب بن الحارث
الجنبي الكوفي ثقة من الثانية
قوله (وقل ربي أدخلني) أي المدينة (مدخل صدق) أي إدخالا مرضيا لا أرى فيه ما أكره
(وأخرجني) أي من مكة (مخرج صدق) أي إخراجا لا ألتفت بقلبي إليها (واجعل لي من لدنك
سلطانا نصيرا) أي قوة تنصرني بها على أعدائك
قال الحسن البصري في تفسير هذه الآية إن كفار أهل مكة لما ائتمروا برسول الله
ليقتلوه أو يطردون أو يوثقوه فأراد قتال أهل مكة أمره أن يخرج إلى المدينة فهو الذي قال الله
عز وجل وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق الآية
وقال قتادة وقل رب أدخلني مدخل صدق يعني المدينة وأخرجني مخرج صدق يعني
مكة وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهذا القول هو أشهر الأقوال
وقال العوفي عن ابن عباس أدخلني مدخل صدق يعني الموت وأخرجني مخرج صدق
يعني الحياة بعد الموت وقيل غير ذلك من الأقوال والأول أصح وهو اختيار ابن جرير كذا في
تفسير ابن كثير
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد
قوله (نسأل عنه هذا الرجل) أي النبي (فقال سلوه) كذا في النسخ الحاضرة عندنا
456

بلفظ الواحد ونقل الحافظ هذا الحديث في الفتح عن الترمذي وفيه فقالوا بلفظ الجمع وهو
الظاهر
وقد روى الإمام أحمد هذا الحديث في مسنده بسند الترمذي وفيه أيضا فقالوا بصيغة
الجمع (فأنزل الله تعالى يسألونك عن الروح) حديث ابن عباس هذا يدل على أن هذه الآية نزلت
بمكة وفي حديث ابن مسعود الآتي قال كنت أمشي مع النبي في حرث بالمدينة وهو يتوكأ على
عسيب فمر بنفر من اليهود إلخ وأخرجه البخاري في كتاب العلم من صحيحه وفيه بينا أنا
أمشي مع النبي في حرث المدينة إلخ وهو صريح في أن هذه الآية نزلت بالمدينة
قال الحافظ ويمكن الجمع بأن يتعدد النزول بحمل سكونه في المرة الثانية على توقع مزيد
بيان في ذلك وإن ساغ هذا وإلا فما في الصحيح أصح قال والأكثر على أنهم سألوه عن حقيقة
الروح الذي في الحيوان وقيل عن جبريل وقيل عن عيسى وقيل عن القرآن وقيل عن خلق
عظيم روحاني وقيل غير ذلك وجنح ابن القيم في كتاب الروح إلى ترجيح أن المراد بالروح
المسؤول عنها في الآية ما وقع في قوله تعالى يوم يقوم الروح والملائكة صفا قال وأما أرواح
بني ادم فلم يقع تسميتها في القرآن إلا نفسا كذا قال ولا دلالة في ذلك لما رجحه بل الراجح
الأول يعني روح الإنسان فقد أخرج الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس في هذه القصة أنهم
قالوا عن الروح وكيف يعذب الروح الذي في الجسد وإنما الروح من الله فنزلت الآية هذا
تلخيص كلام الحافظ (قل الروح من أمر ربي)
قال الخازن تكلم قوم في ماهية الروح فقال بعضهم هو الدم ألا ترى أن الإنسان إذا
مات لا يفوت منه شئ إلا الدم وقال قوم هو نفس الحيوان بدليل أنه يموت باحتباس النفس
وقال قوم هو عرض وقال قوم هو جسم لطيف يحيى به الإنسان وقيل الروح معنى اجتمع
فيه النور والطب والعلم والعلو والبقاء ألا ترى أنه إذا كان موجودا يكون الإنسان موصوفا
بجميع هذه الصفات وإذا خرج منه ذهب الكل
وأقاويل الحكماء والصوفية في ماهية الروح كثيرة وأولى الأقاويل أن يوكل علمه إلى الله
عز وجل وهو قول أهل السنة
457

قال عبد الله بن بريدة إن الله لم يطلع على الروح ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا بدليل قوله
(قل الروح من أمر ربي) أي من علم ربي الذي استأثر به (قالوا) أي لليهود (أوتينا علما كبيرا)
وفي بعض النسخ كثيرا مكان كبيرا (قل لو كان البحر) أي ماؤه (مدادا) هو ما يكتب به
(لكلمات ربي) الدالة على حكمه وعجائبه بأن تكتب به (لنفد البحر) في كتابتها وبقية الآية قبل
أن تنفد بالتاء والياء (تفرغ كلمات ربي ولو جئنا بمثله) أي البحر (مددا) أي زيادة ولم تفرغ هي
ونصبه على التمييز
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد
قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث رجاله رجال مسلم وهو عند ابن إسحاق من
وجه آخر عن ابن عباس نحوه
قوله (عن عبد الله) هو ابن مسعود
قوله (في حرث) بفتح المهملة وسكون الراء بعدها مثلثة (وهو يتوكأ) أي تعتمد (على
عسيب) بمهملتين وآخره موحدة بوزن عظيم وهي الجريدة التي لا خوص فيها ووقع في رواية
ابن حبان ومعه جريدة
قال ابن فارس العسبان من النخل كالقضبان من غيرها (بنفر من اليهود) هذا اللفظ
معرفة تدخله اللام تارة وتارة يتجرد وحذفوا منه ياء النسبة ففرقوا بين مفرده وجمعه كما قالوا زنج
وزنجي (حتى صعد الوحي) أي حامله (ثم قال الروح من أمر ربي)
458

قال الرازي في تفسيره المختار أنهم سألوه عن الروح الذي هو سبب الحياة وأن الجواب
وقع على أحسن الوجوه وبيانه أن السؤال عن الروح يحتمل عن ماهيته
وهل هي متحيزة أم لا وهل هي حالة في متحيز أم لا وهل هي قديمة أو حادثة وهي تبقى بعد انفصالها من الجسد أو
تفنى وما حقيقة تعذيبها وتنعيمها وغير ذلك من متعلقاتها قال وليس في السؤال ما يخصص
أحد هذه المعاني إلا أن الأظهر أنهم سألوه عن الماهية وهل الروح قديمة أو حادثة
والجواب يدل على أنها شئ موجود مغاير للطبائع والأخلاط وتركيبها فهو جوهر بسيط
مجرد لا يحدث إلا بمحدث وهو قوله تعالى كن فكأنه قال هي موجودة محدثة بأمر الله
وتكوينه ولها تأثير في إفادة الحياة للجسد ولا يلزم من عدم العلم بكيفيتها المخصوصة نفيه قال
ويحتمل أن يكون المراد بالأمر في قوله من أمر ربي الفعل كقوله وما أمر فرعون برشيد
أي فعله
فيكون الجواب الروح من فعل ربي إن كان السؤال هل هي قديمة أو حادثة فيكون
الجواب أنها حادثة إلى أن قال وقد سكت السلف عن البحث في هذه الأشياء والتعمق فيها انتهى
(وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) أي بالنسبة إلى علمه تعالى
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان
قوله (عن علي بن زيد) هو ابن جدعان (عن أوس بن خالد) قال في التقريب أوس بن
أبي أوس واسم أبي أوس خالد الحجازي يكنى أبا خالد مجهول وقيل إنه أبو الجوزاء فإن
صح فلعل له كنيتين
قوله (صنفا مشاة) بضم الميم جمع ماش وهم المؤمنون الذين خلطوا صالح أعمالهم
بسيئها (وصنفا ركبانا) أي على النوق وهو بضم الراء وهم السابقون الكاملون الإيمان وإنما بدأ
بالمشاة جبرا لخاطر هم كما قيل في قوله تعالى فمنهم ظالم لنفسه وفي قوله سبحانه وتعالى
يهب لمن يشاء إناثا أو لأنهم المحتاجون إلى المغفرة أولا أو لإرادة الترقي وهو ظاهر
وقال التوربشتي رحمه الله فإن قيل لم بدأ بالمشاة بالذكر قبل أولى السابقة
459

قلنا لأنهم هم الأكثرون من أهل الإيمان (وصنفا على وجوههم) أي يمشون عليها وهم
الكفار (قيل يا رسول الله وكيف يمشون على وجوههم) أي والعادة أن يمشي على الأرجل (قال)
إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم يعني وقد أخبر في كتابه بقوله
(ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما) وإخباره حق ووعده صدق وهو على
كل شئ قدير فلا ينبغي أن يستعد مثل ذلك (أما) بالتخفيف للتنبيه (إنهم) أي الكفار (يتقون)
أي يحترزون ويدفعون (كل حدب) أي مكان مرتفع (وشوكة) واحدة الشوك وهي بالفارسية
خار
قال القاضي رحمه الله يتقون بوجوههم يريد به بيان هوانهم واضطرارهم إلى حد جعلوا
وجوههم مكان الأيدي والأرجل في التوقي عن مؤذيات الطرق والمشي إلى المقصد لما لم يجعلوها
ساجدة لمن خلقها وصورها
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه ابن جرير وابن مردويه والبيهقي (وقد روى
وهيب) بن خالد (عن ابن طاوس) اسمه عبد الله (عن أبيه) هو كيسان بن سعيد
قوله (إنكم محشورون رجالا) بكسر الراء جمع راجل بمعنى ماش (تجرون) على
وجوهكم بصيغة المجهول من الجر أي تسحبون
قوله (هذا حديث حسن) تقدم هذا الحديث في باب شأن الحشر من أبواب صفة القيامة
وتقدم هناك تخريجه
460

قوله (إن يهوديين قال أحدهما لصاحبه اذهب بنا الخ) تقدم هذا الحديث مع شرحه في
باب قبلة اليد والرجل من أبواب الاستئذان والأدب
قوله (أخبرنا سليمان بن داود) هو أبو داود الطيالسي (عن أبي بشر) هو جعفر بن إياس
(وهشيم) بالجر عطف على شعبة (قال نزلت) أي هذه الآية (سبه المشركون) الضمير المنصوب
للقرآن (ومن أنزله) عطف على الضمير المنصوب وكذلك قوله (ومن جاء به) أي سبوا القرآن والله
سبحانه وجبريل (ولا تجهر بصلاتك) أي لا تعلن بقراءة القرآن إعلانا شديدا فيسمعك
المشركون (فيسب بصيغة المجهول وهو منصوب بتقدير أن بعد الفاء (القرآن) نائب الفاعل (
ولا تخافت بها) أي لا تخفض صوتك بالقراءة (بأن تسم حتى يأخذوا عنك القرآن) يعني
أقرأ القرآن بحيث يسمعه أصحابك ويأخذونه عنك ولا يسمعه المشركون فيسبونه
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان من طريق هشيم عن أبي
بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موصولا
461

قوله (ورسول الله مختف بمكة) يعنفي أول الاسلام (لا تجهر بصلاتك أي بقراءتك)
وهو من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء (وابتغ) أي اطلب (بين ذلك سبيلا) أي طريقا وسطا بين
الجهر والإخفاء
قوله (عن مسعر) هو ابن كدام (قال لا) أي قال حذيفة لم يصل رسول الله في بيت
المقدس وقوله هذا مبني على أنه لم يبلغه أحاديث صلاته فيه (قلت بلى) أي قد صلى فيه (يا
أصلع) هو الذي انحسر الشعر عن رأسه قاله الجزري وقال في القاموس الصلع محركة
انحسار شعر مقدم الرأس لنقصان مادة الشعر في تلك البقعة وقصورها عنها واستيلاء الجفاف
عليها (بم تقول ذلك) أي بأي دليل تقول إنه صلى فيه (قلت بالقرآن) أي أقول بالقرآن (بيني
462

وبينك القرآن) أي يحكم بيني وبينك القرآن ويفصل (من احتج بالقرآن فقد أفلح) أي فاز بمرامه
(قال سفيان) أي في بيان مراد حذيفة بقوله أفلح (يقول) أي حذيفة يعني يريد (قد احتج) أي
أتي بالحجة الصحيحة (وربما قال) أي سفيان (قد فلج) من الفلج بفتح الفاء وسكون اللام وبالجيم وهو الظفر والفوز وفلج على خصمه من باب نصر كذا في مختار
الصحاح وفي بعض
النسخ أفلح من باب الأفعال وهو بمعنى الفلج قال في القاموس الفلج والظفر والفوز
كالإفلاج (فقال) أي زر بن حبيش (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد
الأقصى) يعني إذا أسرى به إلى المسجد الأقصى ودخله
فالظاهر أنه قد صلى فيه (قال) أي حذيفة (أفتراه صلى فيه) يعني في هذه الآية تصريح
لصلاته (قلت لا) يعني ليس فيها تصريح لكن الظاهر من الآية أنه صلى فيه (قال لو صلى فيه
لكتبت الصلاة عليكم فيه كما كتبت الصلاة في المسجد الحرام) قد أجاب الحافظ في الفتح عن قول
حذيفة هذا فقال (والجواب عنه منع التلازم في الصلاة إن كان أراد بقوله كتب عليكم
الفرض وإن أراد التشريع فنلتزمه وقد شرع النبي الصلاة في بيت المقدس فقرنه بالمسجد
الحرام ومسجده في شد الرحال وذكر فضيلة الصلاة فيه في غير ما حديث وفي حديث أبي سعيد
عند البيهقي حتى أتيت بيت المقدس فأوثقت دابتي بالحلقة التي كانت الأنبياء تربط بها وفيه
فدخلت أنا وجبريل بيت المقدس فصلى كل واحد منا ركعتين وفي رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن
مسعود عن أبيه نحوه وزاد ثم دخلت المسجد فعرفت النبيين من بين قائم وراكع وساجد ثم
أقيمت الصلاة فأممتهم وفي حديث ابن مسعود عند مسلم وحانت الصلاة فأمتهم انتهى كلام
الحافظ مختصرا (بدابة) هي البراق (طويلة الظهر ممدودة هكذا) أي أشار حذيفة لطول ظهرها ومد
بيده (خطوة) في القاموس خطا خطوا مشى والخطوة ويفتح ما بين القدمين (مد بصره) أي
منتهى بصره (فما زايلها ظهر البرق) أي ما فارق النبي وجبريل ظهره في القاموس زايله
مزايلة وزيالا فارقه انتهى وفيه دليل على أن جبريل عليه السلام كان راكبا مع النبي على
463

البراق
وفي صحيح ابن حبان من حديث ابن مسعود أن جبريل حمله على البراق رديفا له وفي
رواية الحرث في مسنده أتى بالبراق فركب خلف جبريل فسار بهما فهذا صريح في ركوبه معه
فهذه الروايات حجة على من أنكر ركوب جبريل مع النبي على البراق (ثم رجعا
عودهما على بدئهما) قال في القاموس رجع عودا على بدء وعوده على بدئه أي لم يقطع ذهابه حتى
وصله برجوعه (ويتحدثون أنه ربطه لما ليفر منه الخ) قد أجاب البيهقي عن قول حذيفة هذا
وقوله المتقدم فقال المثبت مقدم على النافي
قال الحافظ بعد ذكر كلام البيهقي هذا يعني من أثبت ربط البراق والصلاة في بيت
المقدس معه زيادة علم على من نفى ذلك فهو أولى بالقبول ووقع في رواية بريدة عند البزار لما كان
ليلة أسري به فأتى جبريل الصخرة التي ببيت المقدس فوضع إصبعه فيها فخرقها فشد بها البراق
ونحوه للترمذي انتهى وقوله لما يعني لأي شئ ربط البراق ثم قال على وجه الانكار ليفر منه
أي هل ربطه لخوف فراره منه ثم قال إنما سخره الخ يعني لا يمكن منه الفرار لأنه مسخر من
الله تعالى فلا حاجة إلى ربطه
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي
قوله (عن أبي نضرة) اسمه المنذر بن مالك بن قطنة العبدي
قوله (أنا سيد ولد آدم) قاله إخبارا عما أكرمه الله تعالى من الفضل والسؤدد وتحدثا بنعمة
الله تعالى عنده وإعلاما منه لأمته ليكون إيمانهم به على حسبه وموجبه ولهذا أتبعه بقوله (ولا
فخر) أي أن هذه الفضيلة التي نلتها كرامة من الله لم أنلها من قبل نفسي ولا بلغتها بقوتي فليس لي
أن أفتخر بها قاله الجزري وقال النووي فيه وجهان أحدهما قاله امتثالا لأمر الله تعالى
464

وأما بنعمه ربك فحدث وثانيهما أنه من البيان الذي يجب عليه تبليغه إلى أمته ليعرفوه
ويعتقدوه ويعملوا بمقتضاه في توقيره كما أمرهم الله تعالى به انتهى (لواء الحمد) اللواء بالكسر
وبالمد الراية ولا يمسكها إلا صاحب الجيش قاله الجزري في النهاية
قال الطيبي لواء الحمد عبارة عن الشهرة وانفراده بالحمد على رؤوس الخلائق ويحتمل أن
يكون لحمده لواء يوم القيامة حقيقة يسمى لواء الحمد وقال التوربشتي لا مقام من مقامات
عباد الله الصالحين أرفع وأعلى من مقام الحمد ودونه تنتهي سائر المقامات ولما كان نبينا سيد
المرسلين أحمد الخلائق في الدنيا والآخرة أعطى لواء الحمد ليأوى إلى لوائه الأولون والآخرون
وإليه الإشارة بقوله آدم ومن دونه تحت لوائي انتهى
قلت حمل لواء الحمد على معناه الحقيقي هو الظاهر بل هو المتعين لأنه لا يصار إلى المجاز
مع إمكان الحقيقة (وما يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي) قال الطيبي نبي نكرة
وقعت في سياق النفي وأدخل عليه من الاستغراقية فيفيد استغراق الجنس وقوله آدم فمن إما
بيان أو بدل من محله ومن فيه موصولة وسواه صلته وصح لأنه ظرف وأوثر الفاء التفصيلية في
فمن سواه على الواو للترتيب على منوال قولهم الأمثل فالأمثل (وأنا أول من ينشق عنه الأرض)
أي للبعث فلا يتقدم أحد عليه بعثا فهو من خصائصه (فيفزع الناس ثلاث فزعات)
قال القرطبي كأن ذلك يقع إذا جئ بجهنم فإذا زفرت فزع الناس حينئذ وجثوا على
ركبهم (إني أذنبت ذنبا) يعني أكله من الشجرة وقد نهى عنها (أهبطت منه) بسببه والجملة صفة
لقوله ذنبا (فيقول إني دعوت دعوة على أهل الأرض دعوة فأهلكوا) وفي رواية إني دعوت بدعوة
أغرقت أهل الأرض والمراد بهذه الدعوة قوله رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا
وفي رواية قال إنه لو كانت لي دعوة دعوت بها على قومي وفي رواية ويذكر سؤال ربه ما ليس
له به علم
قال الحافظ ويجمع بينه اعتذر بأمرين أحدهما نهى الله تعالى له أن يسأل ما ليس له به
علم فخشى أن تكون شفاعته لأهل الموقف من ذلك ثانيهما أن له دعوة واحدة محققة الإجابة
465

وقد استوفاها بدعائه على أهل الأرض فخشي أن يطلب فلا يجاب (فيقول إني كذبت ثلاث
كذبات) يأتي بيان هذه الكذبات في تفسير سورة الأنبياء قال البيضاوي الحق أن الكلمات
الثلاث إنما هي من معاريض الكلام لكن لما كانت صورتها صورة الكذب أشفق منها استصغارا لنفسه
عن الشفاعة مع وقوعها لأن من كان أعرف بالله وأقرب إليه منزلة كان أعظم خوفا (إلا ما حل
بها) بالحاء المهملة قال في النهاية أي دفع وجادل من المحال بالكسر وهو الكيد وقيل المكر
وقيل القوة والشدة وميمه أصلية ورجل محل أي ذو كيد (فيقول إني قد قتلت نفسا) وفي رواية
عند سعيد بن منصور إني قتلت نفسا بغير نفس وإن يغفر لي اليوم حسبي (فيقول إني عبدت من
دون الله) وفي رواية أحمد والنسائي من حديث ابن عباس إني اتخذت إلها من دون الله وفي رواية
عند سعيد بن منصور ونحوه وزاد وإن يغفر لي اليوم حسبي (قال ابن جدعان قال أنس
فكأني أنظر إلى رسول الله قال فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها) أخذ ابن جدعان هذا
القدر من حديث أنس لا من حديث أبي سعيد ولذا صرح به وأما قوله فيقال من هذا فيقال محمد
إلى آخر الحديث فهو من حديث أبي سعيد لا من حديث أنس كما صرح به سفيان بقوله
ليس عن أنس إلا هذه الكلمة فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها (فأقعقعها) أي أحركها لتصوت
والقعقعة حكاية حركة الشئ يسمع له صوت (فيقولون مرحبا) هذا بيان لقوله يرحبون بي
(واشفع تشفع) بصيغة المجهول من التفعيل أي تقبل شفاعتك
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وابن ماجة مختصرا وأخرجه أيضا الترمذي في
466

أوائل المناقب مختصرا
قوله (وقد روى بعضهم هذا الحديث عن أبي نضرة عن ابن عباس الحديث بطوله)
أخرجه أحمد
ومن سورة الكهف
مكية وهي مائة وإحدى عشرة آية (إن نوفا) بفتح النون وسكون الواو بعدها فاء هو ابن
فضالة (البكالي) بكسر الموحدة وبالكاف مخففا وبعد الألف لام وهو منسوب إلى بني بكال بن
دعمي بن سعد بن عوف بطن من حمير ويقال إنه ابن امرأة كعب الأحبار وقيل ابن أخيه وهو
تابعي صدوق (يزعم أن موسى صاحب بني إسرائيل ليس بموسى صاحب الخضر) وفي رواية ابن
إسحاق عن سعيد بن جبير عند النسائي قال كنت عند ابن عباس وعنده قوم من أهل الكتاب
فقال بعضهم يا ابن عباس إن نوفا يزعم عن كعب الأحبار أن الذي طلب العلم إنما هو
موسى بن ميشا أي ابن إفراثيم بن يوسف عليه السلام فقال ابن عباس أسمعت ذلك منه يا
سعيد قلت نعم قال كذب نوف
قال ابن إسحاق في المبتدأ كان موسى بن ميشاقيل موسى بن عمران نبيا في بني إسرائيل
ويزعم أهل الكتاب أنه الذي صحب الخضر كذا في الفتح (قال كذب عدو الله) هذان اللفظان
محمولان على إرادة المبالغة في الزجر والتنفير عن تصديق تلك المقابلة قال ابن التين لم يرد ابن
عباس إخراج نوف عن ولاية الله ولكن قلوب العلماء تتنفر إذا سمعت غير الحق فيطلقون أمثال
هذا الكلام لقصد الزجر وحقيقته غير مرادة (فعتب الله عليه) العتب من الله تعالى محمول على ما
467

يليق به لا على معناه العرفي في الآدميين كنظائره (أن عبدا من عبادي بمجمع البحرين) اختلف في
مكان مجمع البحرين فروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال بحر فارس والروم وقيل غير
ذلك وذكر الحافظ في الفتح أقوال مختلفة فيه ثم قال هذا اختلاف شديد (أي رب) أصله ربي
حذفت ياء المتكلم للتخفيف اكتفاء بالكسر (فكيف لي به) أي كيف الالتقاء لي بذلك العبد (أحمل
حوتا في مكتل) بكسر الميم وفتح المثناة من فوق قال في القاموس هو زنبيل يسع خمسة عشر
صاعا وفي رواية أبي إسحاق عند مسلم فقيل له تزود حوتا مالحا
قال الحافظ يستفاد من هذه الرواية أن الحوت كان ميتا لأنه لا يملح وهو حي (فهو ثم)
بفتح الثاء المثلثة ظرف بمعنى هناك وقالت النحاة هو اسم يشار به إلى المكان البعيد أي فذلك
العبد في ذلك المكان (فتاه) أي صاحبه (وهو يوشع) بضم التحتية وسكون الواو وفتح الشين
المعجمة (بن نون) مصروف كنوح ويوشع بن نون هذا من أولاد يوسف عليه السلام وإنما قال
فتاه لأنه كان يخدمه ويتبعه وقيل كان يأخذ العلم عنه وهو الذي قام في بني إسرائيل بعد موت
موسى (حتى إذا أتيا الصخرة) أي التي عند مجمع البحرين والصخرة في اللغة الحجر الكبير
(فأمسك الله عنه جرية الماء) أي جريانه (حتى كان مثل الطاق) الطاق ما عطف من الأبنية أي
جعل كالقوس من قنطرة ونافذة وما أشبه ذلك وفي رواية لمسلم فاضطرب الحوت في الماء
فجعل لا يلتئم عليه حتى صار مثل الكوة (وكان للحوت سريا) أي مسكا ومذهبا يسرب
ويذهب فيه (وكان لموسى وفتاه عجبا) أي شيئا يتعجب منه (آتنا غداءنا) أي طعامنا وزادنا
(نصبا) أي شدة وتعبا (لم ينصب) أي لم يتعب من باب سمع يسمع
468

وفي رواية البخاري ولم يجد موسى النصب (أرأيت) أي أخبرني (إذ) ظرف بمعنى حين وفيه
حذف تقديره أرأيت ما دهاني إذ أوينا إلخ (ذلك) أي فقدان الحوت (ما كنا نبغ) أي هو الذي كنا
نطلبه لأنه علامة وجدان المقصود (فارتدا) أي رجعا (على آثارهما) أي آثار سيرهما (قصصا) أي
يقصان قصصا (يقصان آثارهما) قال في القاموس قص أثره قصا وقصصا تتبعه وقال فيه
(فارتدا على آثارهما قصصا) أي رجعا من الطريق الذي سلكاه يقتضيان الأثر
قال سفيان يزعم ناس إلى قوله (فلما قطر عليه الماء عاش) وعند البخاري في التفسير قال
سفيان وفي حديث غير عمر وقال وفي أصل الصخرة عين يقال لها الحياة لا يصيب من مائها
شئ إلا حيى فأصاب الحوت من ماء تلك العين قال فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر
قال الحافظ هذه الزيادة التي ذكر سفيان أنها في حديث غير عمر وقد أخرجها ابن مردويه
من رواية إبراهيم بن يسار عن سفيان مدرجة في حديث عمرو وأظن أن ابن عيينة أخذ ذلك عن
قتادة فقد أخرج بن أبي حاتم من طريقه قال فأتى على عين في البحر يقال لها عين الحياة فلما
أصاب تلك العين رد الله روح الحوت إليه وقد أنكر الداودي فيما حكاه ابن التين هذه الزيادة
فقال لا أرى هذا يثبت فإن كان محفوظا فهو من خلق الله وقدرته انتهى وقوله قطر عليه الماء من
القطر وهو بالفارسية جكيدن وجكانيدان لازم ومتعد (مسجي) اسم مفعول من التسجية أي
مغطى (فسلم عليه موسى) وفي رواية لمسلم فقال السلام عليكم فكشف الثوب عن وجهه
وقال وعليكم السلام (فقال أني بأرضك السلام) قال الحافظ هي بمعنى أين أو كيف وهو
استفهام استبعاد يدل على أن أهل تلك الأرض لم يكونوا إذ ذاك مسلمين (فقال أنا موسى) في
469

رواية البخاري من أنت قال أنا موسى (إنك على علم من الله علمكه الله لا أعلمه) أي لا
أعلم جميعة (وأنا على علم من الله علمنيه لا تعلمه) أي لا تعلم جميعه وتقدير ذلك متعين لأن
الخضر كان يعرف من الحكم الظاهر مالا غنى بالمكلف عنه وموسى كان يعرف من الحكم الباطن
ما يأتيه بطريق الوحي (رشدا) صفة لمحذوف أي علما رشدا أي ذا رشد وهو من قبيل رجل
عدل (إنك لن تستطيع معي صبرا) كذا أطلق بالصيغة الدالة على استمرار النفي لما أطلعه الله
عليه من أن موسى لا يصبر على ترك الإنكار إذا رأى ما يخالف الشرع لأن ذلك شأن عصمته
ولذلك لم يسأله موسى عن شئ من أمور الديانة بل مشى معه ليشاهد منه ما اطلع به على منزلته
في العلم الذي اختص به (وكيف تصبر) استفهام عن سؤال تقديره لم قلت إني لا أصبر وأنا
سأصبر قال كيف تصبر (على ما لم تحط به خبرا) أي علما (فانطلق الخضر وموسى
يمشيان) لم يذكر فتى موسى وهو يوشع لأنه تابع غير مقصود بالأصالة (فكلما هم) أي
أهل السفينة (بغير نول) بفتح النون وسكون الواو وهو الأجرة (فنزعه) أي قلعه (أمرا) أي
منكرا قاله مجاهد أو عظيما قاله قتادة (لا تؤاخذني بما نسيت) كلمة ما يجوز أن تكون
موصولة أي بالذي نسيت والعائد محذوف أي نسيته ويجوز أن تكون مصدرية أي بنسياني ويجوز
أن تكون نكرة بمعنى شئ أي بشئ نسيته (لا ترهقني) أي لا تكلفني (عسرا) أي مشقة في
صحبتي إياك أي عاملني فيها بالعفو واليسر (فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه) وفي رواية للبخاري
470

فأخذ غلاما كافرا ظريفا فأضجعه ثم ذبحه بالسكين ويجمع بينهما بأنه ذبحه ثم اقتله رأسه (أقتلت
نفسا ذكية) أي طاهرة من الذنوب (بغير نفس) أي بغير قصاص لك عليها (نكرا) أي منكرا وعن
قتادة وابن كيسان النكر أشد وأعظم من الأمر (وهذه أشد من الأولى) أي أوكد من الأولى حيث
زاد كلمة لك (فلا تصاحبني) أي فارقني (قد بلغت من لدني عذرا) أي بلغت إلى الغاية التي تعذر
بسببها في فراقي (حتى إذا أتيا أهل قرية) قيل الأيلة وقيل أنطاكية وقيل اذربيجان وقيل غير
ذلك وذكر الحافظ في الفتح أقوالا عديدة ثم قال هذا الاختلاف قريب من الاختلاف في المراد
بمجمع البحرين وشدة المباينة في ذلك تقتضي أن لا يوثق بشئ من ذلك (أن يضيفوهما) أي
ينزلوهما بمنزلة الأضياف (فيها) أي في القرية (يريد أن ينقض) هذا عن المجاز لأن الجدار لا
يكون له حقيقة إرادة أي قرب ودنى من الانقضاض وهو السقوط واستدل الأصوليون بهذا على
وجود المجاز في القرآن وله نظائر معروفة (يقول مائل) هذا تفسير لقوله يريد أن ينقض من بعض
الرواة (فقال الخضر بيده هكذا أي أشار إليه بيده وهو من إطلاق القول على الفعل وهذا في كلام
العرب كثير (قوم) أي هؤلاء قوم أو هم قوم (لاتخذت عليه أجرا) أي أجرة وجعلا (قال) أي
الخضر لموسى (هذا فراق) أي وقت فراق (بيني وبينك) فيه إضافة بين إلى غير متعدد سوغها
تكريره بالعطف بالواو (سأنبئك) قبل فراقي (يرحم الله موسى) إخبار ولكن المارد منه الإنشاء لأنه
دعاء له بالرحمة (الأولى) صفة موصوفها محذوف أي المسألة الأولى (نسيانا) خبر كانت وعند
البخاري في التفسير كانت الأولى نسيانا والوسطى شرطا والثالثة عمدا قال العيني قوله نسيانا
حيث قال لا تؤاخذني بما نسيت وشرطا حيث قال إن سألتك عن شئ بعدها وعمدا حيث
قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا (وجاء عصفور) بضم أوله طير مشهور وقيل هو الصرد (على
471

حرف السفينة) أي على طرفها (ما نقص علمي وعلمك من علم الله) لفظ النقص ليس له ظاهر
لأن علم الله لا يدخله النقص فقيل معناه لم يأخذ وهذا توجيه حسن ويكون التشبيه واقعا على
الأخذ لا على المأخوذ منه وأحسن منه أن المراد بالعلم المعلوم بدليل دخول حرف التبعيض لأن
العلم القائم بذات الله تعالى صفة قائمة لا تتبعض والمعلوم هو الذي يتبعض وقال الإسماعيلي
المراد أن نقص العصفور لا ينقص البحر بهذا المعنى وهو كما قيل
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
أي ليس فيهم عيب
وحاصله أن نفي النقص أطلق على سبيل المبالغة وقيل إلا بمعنى ولا أي ولا كنقرة هذا
العصفور وقد وقع في رواية ابن جريج بلفظ أحسن سياقا من هذا وأبعد إشكالا فقال ما
علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا العصفور بمنقاره من البحر وهو تفسير للفظ
الذي وقع هنا كذا في الفتح (يقرأ وكان أمامهم) والقراءة المشهورة وكان وراءهم (ملك يأخذ
كل سفينة صالحة) كذا كان يقرأ ابن عباس بزيادة صالحة بعد كل سفينة وكذا كان يقرأ أبي ففي
رواية النسائي وكان أبي يقرأ يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وفي رواية إبراهيم بن يسار عن
سفيان وكان ابن مسعود يقرأ كل سفينة صحيحة غصبا (وكان يقرأ) أي ابن عباس (وأما الغلام
فكان كافرا) والقراءة المشهورة وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري في مواضع فوق العشرة ومسلم في
أحاديث الأنبياء والنسائي (قال أبو مزاحم السمرقندي) اسمه سباع بكسر السين المهملة بعدها
472

موحدة ابن النضر مقبول من الثانية عشرة (وليست لي همة) بالكسر ويفتح ما هم به من أمر
ليفعل وأول العزم والعزم القوي (إلا أن أسمع من سفيان يذكر في هذا الحديث الخبر) أي لفظ
حدثنا أو أخبرنا (حتى سمعته) أي سفيان (يقول حدثنا عمرو بن دينا وقد كنت سمعت هذا)
أي هذا الحديث (من سفيان قبل ذلك ولم يذكر الخبر) ألم يذكر سفيان لفظ حدثنا أو أخبرنا
بل ذكر لفظ عن أو أقل أو نحوهما وإنما لم يقنع ابن المديني على ما سمع هذا الحديث من سفيان
بغير لفظ الخبر لأنه كان يدلس وإن كان تدليسه من الثقات كما صرح به الحافظ في طبقات
المدلسين
قوله (حدثنا عبد الجبار بن عباس) الشامي بكسر المعجمة ثم موحدة خفيفة نزل
الكوفة صدوق يتشيع من السابعة
قوله (طبع يوم طبع كافرا) أي خلق يوم خلق كافرا يعني خلق على أنه يختار الكفر فلا
ينافي خبر كل مولود يولد على الفطرة إذ المراد بالفطرة استعداد قبول الإسلام وهو لا ينافي كونه
شقيا في جبلته
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه مسلم وأبو داود وابن جرير في تفسيره
قوله (حدثنا يحيى بن موسى) هو البلخي (إنما سمى الخضر) بفتح أوله وكسر ثانيه أو
بكسر أوله وإسكان ثانيه ثبتت بهما الرواية وبإثبات الألف واللام فيه وبحذفهما قاله الحافظ
(جلس على فروة بيضاء) زاد عبد الرزاق في مصنفه بعد أن أخرجه الفروة الحشيش الأبيض وما
473

أشبهه قال عبد الله بن أحمد بعد أن رواه عن أبيه عنه أظن هذا تفسيرا من عبد الرزاق انتهى
وجزم بذلك عياض وقال الحربي الفروة من الأرض قطعة يابسة من حشيش وهذا موافق لقول عبد
الرزاق وعن ابن الأعرابي الفروة أرض بيضاء ليس فيها نبات وبهذا جزم الخطابي ومن تبعه
(فاهتزت) أي تحركت الفروة (خضراء) بفتح فسكون أو فكسر منونا أي نباتا أخضر ناعما وهو
إما تمييز أو حال وفي رواية البخاري خضراء على زنة حمراء
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه البخاري وغيره
قوله (عن قتادة عن أبي رافع عن حديث أبي هريرة) كذا وقع في النسخ الموجودة بذكر
لفظ حديث بين عن وأبي هريرة والظاهر أن يكون عن قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة بحذفه
وكذلك وقع في مسند أحمد وسنن ابن ماجة
قوله (في السد) أي الذي بناه ذو القرنين (يحفرونه) الضمير المرفوع ليأجوج ومأجوج
والمنصوب للسد (قال الذي عليهم) أي الذي هو أمير عليهم (فيعيده) أي السد المخروق (كأمثل
ما كان) وفي بعض النسخ كأشد ما كان (حتى إذا بلغ مدتهم) وفي رواية ابن ماجة حتى إذا بلغت
مدتهم أي المدة التي قدرت لهم (واستثنى) أي قال إنشاء الله (قال) أي رسول الله
(فيستقون المياه) وفي رواية ابن ماجة فينشفون الماء وفي حديث أبي سعيد عن أحمد ويشربون
مياه الأرض (ويفر الناس منهم) وفي رواية ابن ماجة ويتحصن الناس منهم في حصونهم وفي
حديث أبي سعيد عند ابن ماجة وينحاز منهم المسلمون حتى تصير بقية المسلمين في مدائنهم
وحصونهم (فترجع مخضبة بالدماء) أي فترجع السهام مصبوغة بالدماء إليهم (وعلونا من في
474

السماء) أي غلبناهم (قسوة وعلوا) أي يقولون هذا القول غلظة وفظاظة وتكبرا (فيبعث الله عليهم
نغفا) بفتح النون والغين المعجمة دود يكون في أنوف الإبل والغنم جمع نغفة (في أقفائهم) جمع
قفا وهو وراء العنق وفي حديث النواس بن سمعان في رقابهم (فيهلكون) وفي حديث أبي
سعيد عند ابن ماجة فيموتون موت الجراد وفي حديث النواس بن سمعان عند مسلم
فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة (إن دواب الأرض تسمن) من السمن ضد الهزال (وتبطر)
من البطر محركة النشاط والأشر (وتشكر) يقال شكرت الناقة امتلأ ضرعها لبنا والدابة سمنت
وهذه الأفعال الثلاثة من باب سمع يسمع
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وابن ماجة
قوله (أخبرنا محمد بن بكر البرساني) أبو عثمان البصري (قال أخبرني أبي) هو جعفر بن
عبد الله بن الحكم الأنصاري ثقة من الثالثة (عن ابن ميناء) اسمه زياد مقبول من الثالثة (عن
أبي سعيد بن أبي فضالة) قال في تهذيب التهذيب أبو سعد بن أبي فضالة الأنصاري الحارثي
ويقال أبو سعيد بن فضالة بن أبي فضالة المدني روى عن النبي إن الله تعالى أغنى الشركاء
الخ روى عنه زياد بن ميناء ذكره ابن سعد في طبقة أهل الخندق
قوله (ليوم القيامة) أي ليجزيهم فيه (ليوم لا ريب فيه) أي في وقوع ذلك اليوم (أحدا)
منصوب على أنه مفعول أشرك أي أحدا غير الله (فإن الله أغنى الشركاء) أي هو أغنى من يزعم
أنهم شركاء على فرض أن لهم غنى (عن الشرك) أي عما يشركون به مما بينه وبين غيره في قصد
العمل والمعنى ما يقبل إلا ما كان خالصا لوجهه وابتغاء لمرضاته فاسم المصدر الذي هو الشرك
475

مستعمل في معنى المفعول وهذا الحديث أورده الترمذي ههنا في تفسير قوله تعالى فمن كان
يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والبيهقي ق
وله (حدثنا جعفر بن محمد بن فضيل الجزري) الرسعني أبو الفضل ويقال له
الراسبي صدوق حافظ من الحادية عشرة (أخبرنا صفوان بن صالح) الثقفي مولاهم أبو عبد
الملك الدمشقي ثقة وكان يدلس تدليس التسوية من العاشرة (عن يزيد بن يوسف) الرحبي
(الصنعاني) صنعاء دمشق ضعيف من التاسعة
قوله (وكان تحته كنز لهما قال ذهب وفضة) فيه دلالة على أن ذلك الكنز كان ذهبا وفضة
واختلف أهل العلم فيه فقال قتادة وعكرمة وغير واحد كان تحته مال مدفون لهما وهذا ظاهر
السياق من الآية وهو اختيار ابن جرير رحمه الله تعالى وقال العوفي عن ابن عباس كان تحته
كنز علم كذا قال سعيد بن جبير وقال مجاهد صحف فيها علم
قلت لا شك أن قول عكرمة وقتادة هو الظاهر ويؤيده حديث أبي الدرداء هذا وفي
سنده يزيد بن يوسف وهو ضعيف أخرجه أيضا البخاري في تاريخه والطبراني والحاكم
وصححه
476

ومن سورة مريم
مكية أو إلا سجدتها فمدنية أو إلا (فخلف من بعدهم خلف) آيتين فمدنيتان وهي ثمان أو
تسع وتسعون آية
قوله (حدثنا ابن إدريس) اسمه عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن
قوله (إلى نجران) قال في النهاية هو موضع معروف بين الحجاز والشام واليمن انتهى
وقال في القاموس نجران موضع باليمن فتح سنة عشر سمى بنجران بن زيدان بن سبا
وموضع بالبحرين موضع بحوران قرب دمشق وموضع بين الكوفة وواسط انتهى (فقالوا) أي
أهل نجران (ألستم تقرأون) أي في القرآن في سورة مريم (يا أخت هارون) وبعده ما كان أبوك
امر أسوء وما كانت أمك بغيا قال ابن كثير أي يا شبيهة هارون في العبادة أنت من بيت طيب
طاهر معروف بالصلاح والعبادة والزهادة فكيف صدر هذا منك قال علي بن أبي طلحة والسدي
قيل لها أخت هارون أي أخي موسى وكانت من نسله كما يقال للتميمي يا أخا تميم والمضري يا
أخا مضر وقيل نسبت إلى رجل صالح كان فيهم اسمه هارون فكانت تتأسى به في الزهادة
والعبادة انتهى (وقد كان بين موسى وعيسى ما كان) أي من طول الزمان ما لا يمكن أن تكون مريم
عليها السلام أختا لهارون أخي موسى عليهما الصلاة والسلام (ألا) بفتح الهمزة وتشديد اللام
حرف التحضيض أي هلا (أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم) يعني أن
هارون المذكور في قوله تعالى (يا أخت هارون) ليس هو هارون النبي أخا موسى عليهما
الصلاة والسلام بل المراد بهارون هذا رجل آخر مسمى بهارون لأنهم كانوا يسمون أولادهم
بأسماء الأنبياء والصالحين قبلهم قال ابن جرير اختلف أهل التأويل في السبب الذي قيل لها يا
477

أخت هارون ومن كان هارون هذا الذي ذكره الله وأخبر أنهم نسبوا مريم إلى أنها أخته فقال
بعضهم قيل لها هارون نسبة منهم لها إلى الصلاح لأن أهل الصلاح فيهم كانوا يسمون هارون
وليس بهارون أخي موسى ثم ذكر من قال بهذا القول ثم قال وقال بعضهم عني به هارون أخو موسى
ونسبت مريم إلى أنها أخته لأنها من ولده يقال للتميمي يا أخا تميم وللمضري يا أخا
مضر ثم ذكر من قال بهذا القول ثم قال وقال آخرون بل كان ذلك رجلا منهم فاسقا معلن
الفسق فنسبوها إليه ثم قال والصواب من القول في ذلك ما جاء به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(يعني حديث المغيرة بن شعبة هذا) وإنها نسبت إلى رجل من قومها انتهى ملخصا
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي
قوله (وأنذرهم يوم الحسرة) يعني خوف يا محمد الخلائق يوم الحسرة سمى بذلك لأن
المسيئ يتحسر هلا أحسن العمل والمحسن هلا زاد في الإحسان (يؤتى بالموت كأنه كبش أملح)
تقدم شرحه في باب خلود أهل الجنة وأهل الجنة وأهل النار (حتى يوقف على السور) أي سور الأعراف
(فيشرئبون) بمعجمة وراء مفتوحة ثم همزة مكسورة ثم موحدة ثقيلة مضمومة من الأشريباب أي
يمدون أعناقهم ويرفعون رؤوسهم للنظر (الحياة والبقاء) أي الخلود (فرحا محركة أي سرورا
(فيها) أي في النار (ترحا) بفتحتين ضد الفرح أي هما وحزنا
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي
478

قوله (حدثنا الحسين بن محمد) بن بهرام التميمي (حدثنا شيبان) هو ابن عبد الرحمن
النحوي
قوله (ورفعناه) أي إدريس (مكانا عليا) وهو السماء الرابعة ولا شك في كونها مكانا
عليا واستشكل بأن غيره من الأنبياء أرفع مكانا منه وهذا الاستشكال ليس بشئ لأنه لم يذكر
أنه أعلى من كل أحد وأجاب بعضهم بأن المراد أنه لم يرفع إلى السماء من هو حي غيره
ورد بأن عيسى عليه الصلاة والسلام أيضا قد رفع وهو حي على الصحيح
قال الحافظ وكون إدريس رفع وهو حي لم يثبت من طريق مرفوعة قوية (لما عرج بين رأيت
إدريس في السماء الرابعة) هذا نص صريح في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى إدريس في السماء الرابعة
وهو الصحيح
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم مطولا
قوله (وفي الباب عن أبي سعيد) أخرجه ابن مردويه نحو حديث أنس المذكور
قوله (وقد روى سعيد بن أبي عروبة وهمام وغير واحد عن قتادة عن أنس بن مالك عن
مالك بن صعصعة إلخ) أخرجه الشيخان (وهذا عندي مختصر من ذلك) أي حديث أنس المذكور
في الباب مختصر من حديث أنس عن مالك بن صعصعة الطويل
قوله (حدثنا عمر بن ذر) الهمداني المرهبي (عن أبيه) هو ذر بن عبد الله المرهبي
479

الهمداني
قوله (ما يمنعك أن تزورنا) أي تجيئنا وتتنزل علينا (وما نتنزل إلا بأمر ربك) أي قال الله
سبحانه قل يا جبريل ما نتنزل وقتا غب وقت إلا بإذن الله على ما تقتضيه حكمته (له ما بين
أيدينا) أي أمامنا من أمور الآخرة (وما خلفنا) من أمور الدنيا وتمام الآية وما بين ذلك أي ما
يكون من هذا الوقت إلى قيام الساعة أي له علم ذلك جميعه وما كان ربك نسيا أي ناسيا
يعني تاركا لك بتأخير الوحي عنك كذا في الجلالين
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره قيل المراد بما بين أيدينا أمر
الآخرة وما بين ذلك ما بين النفختين هذا قول أبي العالية وعكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير
وقتادة في رواية عنهما والسدي والربيع بن أنس وقيل ما بين أيدينا ما يستقبل من أمر الآخرة
وما خلفنا أي ما مضى من الدنيا وما بين ذلك أي ما بين الدنيا والآخرة يروي نحوه عن ابن
عباس وسعيد بن جبير والضحاك وقتادة وابن جريج والثوري واختاره ابن جرير أيضا انتهى
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد البخاري والنسائي في التفسير
قوله (عن قول الله) وإن منكم إلا واردها
قال الحافظ في الفتح اختلف السلف في المراد بالورود في الآية فقيل هو الدخول روى
عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار أخبرني من سمع من ابن عباس فذكره وروى أحمد
والنسائي والحاكم من حديث جابر مرفوعا الورود الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها
فتكون على المؤمنين بردا وسلاما
وروى الترمذي وابن أبي حاتم من طريق السدي سمعت مرة يحدث عن عبد الله بن
مسعود قال يردونها أو يلجونها ثم يصدرون عنها بأعمالهم وقيل المراد بالورود الممر عليها رواه
480

الطبري وغيره من طريق بشر بن سعيد عن أبي هريرة ومن طريق أبي الأحوص عن عبد الله بن
مسعود ومن طريق معمر وسعيد عن قتادة ومن طريق كعب الأحبار وزاد يستوون كلهم على
متنها ثم ينادي مناد أمسكي أصحابك ودعي أصحابي فيخرج المؤمنون ندية أبدانهم وهذان
القولان أصح ما ورد في ذلك ولا تنافي بينهما لأن من عبر بالدخول تجوز به عن المرور ووجهه أن
المسار عليها فوق الصراط في معنى من دخلها لكن تختلف أحوال المارة باختلاف أعمالهم
فأعلاهم درجة من يمر كلمح البر ويؤيد صحة هذا التأويل ما رواه مسلم من حديث أم مبشر أن
حفصة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم لما قال لا يدخل أحد شهد الحديبية النار أليس يقول الله ثم ننجي
الذين اتقوا الآية وفي هذا بيان ضعف قول من قال الورود مختص بالكفار ومن قال معنى
الورود الدنو منها ومن قال معناه الإشراف عليها ومن قال معنى ورودها ما يصيب المؤمن في
الدنيا من الحمى على أن هذا الأخير ليس ببعيد ولا ينافيه بقية الأحاديث انتهى (يرد الناس
النار) يرد على وزن يعد مضارع من الورود بمعنى الحضور يقال وردت ماء كذا أي حضرته وإنما
سماه ورودا لأن المارة على الصراط يشاهدون النار ويحضرونها
قال التوربشتي الورود لغة قصد الماء ثم يستعمل في غير والمراد منه ههنا الجواز على
جسر جهنم (ثم يصدرون عنها) بضم الدار أي ينصرفون عنها فإن الصدر إذا عدى بعن اقتضى
الانصراف وهذا على الاتساع ومعناه النجاة إذ ليس هناك انصراف وإنما هو المرور عليها
فوضع الصدر موضع النجاة للمناسبة التي بين الصدور والورود
قال الطيبي ثم في ثم يصدرون مثلها في قوله تعالى ثم ننجي الذين اتقوا في أنها
للتراخي في الرتبة لا الزمان بين الله تعالى التفاوت بين ورود الناس النار وبين نجاة المتقين منها
فكذلك بين رسول الله صلى الله عليه وسلم التفاوت بين ورود الناس النار وبين صدورهم
منها على أن المراد بالصدور الانصراف انتهى
قال القارئ الحاصل أن الخلق بعد شروعهم في الورود يتخلصون من خوف النار
ومشاهدة رؤيتها وملاصقة لهبها ودخانها وتعلق شوكها وأمثالها على مراتب شتى في سرعة المجاوزة
وإبطائها (بأعمالهم) أي بحسب مراتب أعمالهم الصالحة (فأولهم) أي أسبقهم (كلمح البرق) أي
كسرعة مروره (ثم كحضر الفرس) أي جريه وهو بضم الحار وسكون الضاد العدو الشديد (ثم
كالراكب في رحله) أي على راحلته وعداه بفي لتمكنه من السير كذا قاله الطيبي وقيل أراد
481

الراكب في منزله ومأواه فإنه يكون حينئذ السير والسرعة أشد (ثم كشد الرجل) أي عدوه (ثم
كمشيه) أي كمشي الرجل على هيئته
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد والحاكم وصححه والبيهقي والدارمي وابن أبي
حاتم
قوله (حدثنا عبد الرحمن) هو ابن مهدي
قوله (ولكني أدعه عمدا) أي اتركه يعني أترك روايته عنه مرفوعا ولم يذكر وجه الترك
فليتأمل
تنبيه ذكر أهل العلم في فائدة دخول المؤمنين النار وجوها أحدها أن ذلك مما يزيدهم
سرورا إذا علموا الخلاص منه وثانيها أن فيه مزيدهم على أهل النار حيث يرون المؤمنين
يتخلصون منها وهم باقون فيها وثالثها أنهم إذا شاهدوا ذلك العذاب على الكفار صار ذلك
سببا لمزيد التذاذهم بنعيم الجنة ولا نقول صريحا إن الأنبياء يدخلون النار أدبا معهم ولكن
نقول إن الخلق جميعا يردونها كما دلت عليه أحاديث الباب فالعصاة يدخلونها بجرائمهم
والأولياء والسعداء يدخلونها لشفاعتهم فبين الداخلين بون
قوله (حدثنا عبد العزيز بن محمد) هو الدراوردي
482

قوله (إذا أحب الله عبدا نادى جبرئيل) بالنصب على المفعولية إني قد أحببت فلانا
فأحبه بفتح الموحدة المشددة أمر من الإحباب أي أحبه أنت أيضا
قال النووي قال العلماء محبة الله تعالى لعبده هي إرادته الخير له وهدايته وإنعامه عليه
ورحمته وبعضه إرادة عقابه أو شقاوته ونحوه وحب جبرئيل والملائكة يحتمل وجهين أحدهما
استغفارهم له وثناؤهم عليه ودعاؤهم والثاني أن محبتهم على ظاهرها المعروف من المخلوقين
وهو ميل القلب إليه واشتياق إلى لقائه وسبب حبهم إياه كونه مطبعا لله تعالى محبوبا له انتهى
وقال الحافظ وقع في بعض طرق الحديث بيان سبب هذه المحبة والمراد بها ففي حديث
ثوبان أن العبد ليلتمس مرضاة الله تعالى فلا يزال كذلك حتى يقول يا جبريل إن عبدي
فلانا يلتمس أن يرضيني ألا وإن رحمتي غلبت عليه الحديث أخرجه أحمد والطبراني ويشهد له
حديث أبي هريرة الآني في الرقاق ففيه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه الحديث
انتهى (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فينادي) أي جبرئيل (في السماء) وفي حديث ثوبان أهل
السماوات السبع وفي رواية للشيخين فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه
فيحبه أهل السماء (ثم تنزل له المحبة في أهل الأرض) وفي رواية للشيخين ثم يوضع له القبول في
الأرض
قال النووي أي الحب في قلوب الناس ورضاهم عنه تميل إليه القلوب وترضى عنه (فذلك قول الله إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا)
قال ابن كثير في تفسيره يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات وهي
الأعمال التي ترضى الله لمتابعتها الشريعة المحمدية يغرس
لهم في قلوب عباده الصالحين محبة ومودة
وهذا أمر لا بد منه ولا محيد عنه انتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان
483

قوله (حدثنا سفيان) هو الثوري (عن أبي الضحى) هو مسلم بن صبيح
قوله (جئت العاص) بفتح الصاد وكسرها أجوفا وناقصا قاله الكرماني (ابن وائل
السهمي) هو والد عمرو بن العاص الصحابي المشهور وكان له قدر في الجاهلية ولم يرفق للإسلام
(أتقاضاه حقا لي عنده)
وفي رواية للبخاري قال كنت قينا بمكة فعملت للعاص بن وائل سيفا فجئت أتقاضاه
وفي رواية لأحمد فاجتمعت لي عند العاص بن وائل دراهم (فقلت لا) أي لا أكفر (حتى تموت ثم
تبعث) مفهومه أنه يكفر حينئذ لكنه لم يرد ذلك لأن الكفر حينئذ لا يتصور فكأنه قال لا أكفر
أبدا والنكتة في تعبيره بالبعث تعيير العاص بأنه لا يؤمن به (أفرأيت) لما كان مشاهدة الأشياء
ورؤيتها طريقا إلى الإحاطة بها علما وإلى صحة الخبر عنها استعملوا أرأيت في معنى أخبر والفاء
جاءت لإفادة معناها الذي هو التعقيب كأنه قال أخبر أيضا بقصة هذا الكافر وأذكر حديثه
عقيب حديث أولئك والفاء بعد همزة الاستفهام عاطفة على مقدر أي أنظرت فرأيت (الذي كفر)
يعني العاص بن وائل (بآياتنا) أي بالقرآن (وقال لأوتين) أي لأعطين (مالا وولدا) يعني في الجنة
بعد البعث وبعده (أطلع الغيب) أي أعلمه وأن يؤتي ما قله واستغنى بهمزة الاستفهام عن
همزة الوصل فحذفت أم اتخذ عند الرحمن عهدا بأن يؤتي ما قاله (كلا) أي لا يؤتي ذلك
(سنكتب) فأمر بكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا أي نزيده بذلك عذابا فوق عذاب
كفره قوله (هذا حديث حسن صحيح وأخرجه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي
484

ومن سورة طه
مكية وهي مائة وخمس وثلاثون أو أربعون أو وثنتان آية
قوله (لما قفل) أي رجع من القفول (من خيبر) أي من غزوة خيبر كما في رواية مسلم
وكانت هذه الغزوة في المحرم سنة سبع أقام عليه السلام يحاصرها بضع عشرة ليلة عشرة إلى أن
فتح الله عليه وهي من المدينة على ثلاثة أبراد (أسرى ليلة) أي سار ليلة (حتى أدركه الكرى)
بفتحتين هو النعاس وقيل النوم (أناخ) يقال أنخت الجمل فاستناخ أي أبركته فبرك (فعرس)
من التعريس أي نزل آخر الليل للاستراحة قال النووي التعريس نزول المسافرين آخر الليل
للنوم والاستراحة هكذا قاله الخليل والجمهور وقال أبو زيد هو النزول أي وقت كان من
ليل أو نهار وفي الحديث معرسون في نحر الظهيرة (أكلأ) بهمز اخره أي أراقب واحفظ
واحرس ومصدره الكلاء بكسر الكاف والمد (لنا الليلة أي آخرها لإدراك الصبح فصلى بلال)
وفي رواية مسلم فصلى بلال وما قدر له (ثم تساند إلى راحلته)
أي استند إليها (مستقبل الفجر) أي ليراقبه حتى يوقظهم عقب طلوعه (فغلبته عيناه) قال الطيبي هذا عبارة عن النوم كان عينيه
غالبتاه فغلبتاه على النوم انتهى
وحاصله أنه نام من غير اختيار (فقال أي بلال) والعتاب محذوف أو مقدر أي لم نمت
حتى فاتتنا الصلاة (فقال بلال) أي معتذرا (أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك) يعني غلب على
نفسي ما غلب على نفسك من النوم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتادوا) أمر من الاقتياد يقال قاد
البعير واقتاده إذا جر حبله أ سوقوا رواحلكم من هذا الموضع وفي رواية لمسلم فقال
485

النبي صلى الله عليه وسلم ليأخذ كل رجل برأس راحلته فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان (ثم أناخ) أي
بعد ما اقتادوا (فأقام الصلاة) وفي رواية مسلم ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بلالا فأقام الصلاة
(ثم صلى) أي بهم الصبح (مثل صلاته في الوقت في تمكث) أي غير مستعجل (ثم قال) أي قرأ
(أقم الصلاة لذكرى) أي لتذكرني فيها وقيل لذكرى خاصة لا تشوبه بذكر غيري وقيل
الإخلاص ذكرى وطلب وجهي ولا ترائي فيها ولا تقصد بها غرضا آخر وقيل معناه إذا تركت
صلاة ثم ذكرتها فأقمتها كذا في الخازن
قلت يؤيد المعنى الأخير حديث أبي هريرة هذا ويؤيده أيضا حديث أنس بن مالك
مرفوعا إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله عز وجل يقول أقم
الصلاة لذكرى رواه أحمد ومسلم
فإن قيل كيف نام النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة حتى طلعت الشمس مع قوله صلى الله عليه وسلم إن عيني
تنامان ولا ينام قلبي
فجوابه من وجهين صحهما وأشهرهما أنه لا منافاة بينهما لأن القلب إنما يدرك الحسيات
المتعلقة به كالحدث والألم ونحوهما ولا يدرك طلوع الفجر وغيره مما يتعلق بالعين وإنما يدرك
ذلك بالعين والعين نائمة وإن كان القلب يقظان والثاني أنه كان له حالان أحدهما ينام فيه
القلب وصادف هذا الموضع والثاني لا ينام وهذا هو الغالب من أحواله وهذا التأويل
ضعيف والصحيح المعتمد هو الأول
قوله ولم يذكروا فيه عن أبي هريرة وصالح بن أبي الأخضر يضعف في الحديث ولكنه
لم يتفرد به بل تابعه يونس ففي صحيح مسلم حدثني حرملة بن يحيى التجيبي قال أخبرنا ابن
وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين قفل من غزوة خيبر الحديث وتابعه أيضا معمر أيضا معمر عند أبي داود وصالح بن أبي الأخضر هذا
486

هو اليمامي مولى هشام بن عبد الملك نزل البصرة ضعيف يعتبر به من السابعة
تم بحمد الله الجزء الثامن
ويليه الجزء التاسع وأوله (ومن سورة الأنبياء)
487