الكتاب: عون المعبود
المؤلف: العظيم آبادي
الجزء: ١
الوفاة: ١٣٢٩
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤١٥
المطبعة: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان
الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

عون المعبود
شرح سنن أبي داود
للعلامة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي
مع شرح الحافظ شمس الدين ابن قيم الجوزية
المجلد الأول
محتوى الجزء الأول: كتاب الطهارة.
دار الكتب العلمية
بيروت. لبنان
1

الطبعة الثانية
1415 ه‍. 1995 م.
2

بسم الله الرحمن الرحيم
(مقدمة شرح أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي)
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله تعالى على رسوله محمد
الذي جعل اتباعه سببا لكفارة السيئات، وعلى آله وأزواجه وسائر أصحابه الذين نالوا
به المنازل الرفيعة والدرجات.
أما بعد: فيقول العبد الفقير إلى الله تعالى أبو عبد الرحمن شرف الحق الشهير
بمحمد أشرف بن أمير بن علي بن حيدر الصديقي العظيم آبادي، غفر الله لهم وستر
عيوبهم: إن هذه الفوائد المتفرقة والحواشي النافعة على أحاديث سنن الامام الهمام
المجتهد المطلق أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني رضي الله تعالى عنه،
جمعتها من كتب أئمة هذا الشأن رحمهم الله تعالى، مقتصرا على حل بعض
المطالب العالية، وكشف بعض اللغات المغلقة، وتراكيب بعض العبارات، مجتنبا
عن الإطالة والتطويل إلا ما شاء الله تعالى، وسميتها بعون المعبود على سنن أبي
داود، تقبل الله مني، والمقصود من هذه الحاشية المباركة الوقوف على معنى أحاديث
الكتاب فقط، من غير بحث لترجيح الأحاديث بعضها على بعض إلا على سبيل
الايجاز والاختصار، ومن غير ذكر أدلة المذاهب المتبوعة على وجه الاستيعاب، إلا
في المواضع التي دعت إليها الحاجة، أعان الله تعالى وتبارك على إتمام هذه
الحواشي، ونفع بها إخواننا أهل العلم وإياي خاصة.
وأما الجامع لهذه المهمات المذكورة من الترجيح والتحقيق، وبيان أدلة
المذاهب، والتحقيقات الشريفة، وغير ذلك من الفوائد الحديثية في المتون والأسانيد
وعللها، الشرح الكبير لأخينا العلامة الأعظم الأكرم أبي الطيب محمد شمس الحق
العظيم آبادي المسمى بغاية المقصود في حل سنن أبي داود، وفقه الله تعالى لاتمامه
3

كما وفقه لابتدائه، وهو شرح كبير جليل عظيم الشأن، وشارحه العلامة صرف همته
إلى إتمامه والمشغول فيه بحسب الامكان، جزاه الله تبارك وتعالى وتقبل منه وجعله
خير العقبى، وإني استفدت كثيرا من هذا الشرح المبارك، وقد أعانني شارحه في
هذه الحاشية في جل من المواضع وأمدني بكثير من المواقع فكيف يكفر شكره
والباعث على تأليف هذه الحاشية المباركة أن أخانا الأعظم الأمجد أبا الطيب
شارح السنن ذكر غير مرة في مجلس العلم والذكر أن شرحي غاية المقصود يطول
شرحه إلى غير نهاية، لا أدري كم تطول المدة في إتمامه، والله يعينني، والآن
لا نرضى بالاختصار، لكن الحبيب المكرم الشفيق المعظم جامع الفضائل
والكمالات، خادم سنن سيد الكونين الحاج تلطف حسين العظيم آبادي مصر على
تأليف الشرح الصغير سوى غاية المقصود، فكيف أرد كلامه، فأمرني أخونا العلامة
الأعظم الأكرم أبو الطيب أدام الله مجده لإبرام هذا المرام، فاعتذرت كثيرا، لكن ما
قبل عذري، وقال: لابد عليك هذا الامر، وإني أعينك بقدر الامكان والاستطاعة،
فشرعت متوكلا على الله في إتمام هذه الحاشية ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي
العظيم، أستغفر الله ربي من كل ذنب وأتوب إليه.
وأما إسناد هذا الكتاب المبارك مني إلى المؤلف الامام المتقن فمذكور في غاية
المقصود شرح سنن أبي داود لا نعيد الكلام بذكره، غير أن الشيخ العلامة الرحالة
السيد محمد ندير حسين المحدث الدهلوي يروي عن أربعة من الأئمة سوى الشيخ
العلامة محمد إسحاق المحدث الدهلوي رحمهم الله، كما هو مذكور في المكتوب
اللطيف إلى المحدث الشريف لأخينا الأكرم الأعظم أبي الطيب أدام الله مجده
فأقول:
إني أروي سنن أبي داود وغير ذلك من كتب الحديث عن جماعة من الأئمة
منهم السيد العلامة محمد نذير حسين المحدث الدهلوي (1)، وهو يروي عن خمسة
من الأئمة.

(1) قال أخونا الأعظم أبو الطيب محمد شمس الحق في كتابه " نهاية الرسوخ في معجم الشيوخ ":
(هو الامام العلامة الرحالة ملحق الأصاغر بالأكابر السيد محمد نذير حسين المحدث الدهلوي ابن السيد
جواد علي ابن السيد عظمت الله، وينتهي نسبه إلى الإمام زين العابدين علي ابن الإمام حسين ابن الإمام
الهمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولد في وطنه سورج كده من مضافات البهار سنة
عشرين بعد الألف والمائتين، وقيل سنة خمس وعشرين بعد الألف والمائتين، والأول أصح لان بعض
الثقات من سكان على نكر الذي (هو) متصل بسورج كده قال إني رأيت مكتوبا على بعض الدفاتر بخط
بعض القدماء أن ولادته عام عشرين بعد الألف والمائتين. وهكذا سمعنا من أفواه بعض أقاربنا. انتهى.
قال أبو الطيب: وإنما أرخت في غاية المقصود شرح سنن أبي داود سنة خمس وعشرين لأن شيخنا
العلامة لما سألته عن عام ولادته أجابني أني لم أحفظه بالتعيين لكن أظن أني ولدت سنة خمس وعشرين أو
قبل ذلك بقليل، وهو من أجل تلامذة الشيخ العلامة محمد إسحاق المحدث الدهلوي، حصل له الإجازة
في شوال سنة ثمان وخمسين بعد الألف والمائتين، وهو أحد من ملا فيضه شرقا وغربا، متعنا الله تعالى بطول
بقائه.
4

أولهم: الشيخ المحدث محمد بن إسحاق الدهلوي (1) عن جده من جهة الأم،

(1) هو الشيخ العلامة الورع الناسك الزاهد التقي المحدث أبو سليمان محمد بن إسحاق
الدهلوي بن محمد أفضل الفاروقي اللاهوري، ولد تقريبا عام اثنين وتسعين بعد الألف والمائة، وهو ابن
بنت الكريمة للشيخ عبد العزيز الدهلوي، قرأ على أجداده: الشيخ عبد القادر بن ولي الله الدهلوي،
والشيخ رفيع الدين بن ولي الله الدهلوي، والشيخ الامام عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي، وحصل له
الإجازة العامة بعد القراءة والسماع من جده الشيخ عبد العزيز.
ويروي أيضا عن الشيخ عمر بن عبد الكريم المكي وحصل له منه الإجازة عام أحد وأربعين بعد
الألف والمائتين في مكة المشرفة، وهاجر في سنة ثمان وخمسين بعد الألف والمائتين من الدهلي إلى مكة
المشرفة، وجده الشيخ عبد العزيز رحمه الله يفرح به كثيرا ويتلو هذه الآية الكريمة: (الحمد الله الذي وهب
لي على الكبر إسماعيل وإسحاق). ولابد عليه أن يشكر بمثل هذه الأولاد، فإن ابن بنته محمد إسحاق،
وابن أخيه العلامة الذي لم تر مثله العيون محمد إسماعيل الغازي الشهيد من آيات الله تبارك وتعالى. وهذا
كل ذلك ببركة العمل الصالح والنية الخالصة من جدهما الأعلى الشيخ ولى الله الدهلوي رحمه الله.
وكان شيخه العلامة عمر بن عبد الكريم المكي المتوفى سنة 1247 يشهد بكماله في علم الحديث
ورجاله، وكان يقول: قد حلت فيه بركة جده الشيخ عبد العزيز الدهلوي. وقال الشيخ العلامة عبد الله
السراج المكي المتوفى سنة 1264 وقت غسل جنازته في حقه: والله إنه لو عاش وقرأت عليه الحديث طول
عمري ما نلت ما ناله.
توفي رحمه الله تعالى عام اثنين وستين بعد الألف والمائتين، ودفن بالمعلي عند قبر سيدتنا أم المؤمنين
خديجة رضي الله عنها، وله تلامذة لا يحصون في العرب والعجم منهم الشيخ الأجل السيد محمد نذير
حسين الدهلوي، والشيخ العلامة المحدث محمد الأنصاري السهار نفوري ثم المكي، والشيخ العلامة
محمد إبراهيم النكر نهسوي العظيم آبادي، والشيخ محمد بن حمد الله الشهير بشيخ محمد تهانوي مظفر
نكري، والمولوي سبحان بخش شكاربوري مظفر لكري، والمولوي علي أحمد نزيل التونك، والشيخ
المحدث عبد الغني بن أبي سعيد المجددي الدهلوي ثم المدني المتوفى سنة 1297، والشيخ الحافظ أحمد
علي السهارنفوري، والفاضل عالم علي المراد آبادي، والفاضل النواب قطب الدين خان الدهلوي،
والقاري عبد الرحمن الفاني فتي، والمفتي عنايت أحمد صاحب التأليفات الشهيرة، والمولوي فضل رحمن
المراد آبادي، والشيخ العلامة المحدث المحقق محمد بن ناصر الحازمي، رحمهم الله تعالى، كذا في نهاية
الرسوخ في معجم الشيوخ.
5

الشيخ العلامة المحدث المفسر عبد العزيز الدهلوي (1) عن أبيه الامام الاجل ولي الله
المحدث الدهلوي (1) بالاسناد الذي هو مذكور في الارشاد إلى مهمات علم الاسناد
للشيخ ولي الله، وكتاب الأمم لايقاظ الهمم للشيخ العلامة إبراهيم الكردي
الكوراني (2).
وثانيهم: العلامة الجليل مسند اليمن السيد عبد الرحمن بن سليمان بن

(1) هو الشيخ العلامة أستاذ الأساتذة إمام الجهابذة عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي. ولد عام
تسع وخمسين بعد الألف والمائة، وتوفي عام تسع وثلاثين بعد الألف والمائتين. له تلامذة كثيرة، وكان رحمه
الله تعالى بحرا في جميع العلوم، وله مؤلفات جليلة مشهورة، وترجمته مبسوطة في نهاية الرسوخ وإتحاف
النبلاء للعلامة القنوجي ثم البوفالي رحمه الله.
(1) هو الشيخ الامام الاجل ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي بن وجيه الدين وينتهي نسبه إلى
عمر الفاروق، ولد رحمه الله تعالى يوم الأربعاء رابع شوال من سنة أربع عشر بعد الألف والمائة في مقام
بهلت من مضافات مظفر نكر، وراح إلى الحرمين الشريفين عام ثلاث وأربعين، وعاد إلى الوطن عام خمس
وأربعين، وكانت وفاته عام ست وسبعين بعد مائة وألف في الدهلي، له مناقب جليلة ومآثر عظيمة لا يسع
هذا المختصر (ذكرها) ومن أعظم مؤلفاته: حجة الله البالغة، وإزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء: وفتح
الرحمن في ترجمة القرآن، والمسوى شرح الموطأ، والمصفي شرح الموطأ، والارشاد إلى مهمات علم الاسناد.
وقرة العينين في تفصيل الشيخ وغير ذلك.
(2) هو الشيخ العلامة إبراهيم بن حسن الكوراني الشهرزوري الشافعي نزيل المدينة المنورة عمدة
المسندين خاتمة المحققين. ولد في شوال سنة خمس وعشرين وألف، وتوفي سنة إحدى ومائة وألف، ودفن
بالبقيع. كذا في نهاية الرسوخ.
6

يحيى بن عمر بن مقبول الاهدال (1) مؤلف كتاب النفس اليمان والروح الريحاني في
إجازة القضاة بني الشوكاني، عن جماعة من الأئمة، منهم الشيخ الإمام محمد بن
سنة (2).
ثالثهم: الشيخ العلامة محمد عابد السندي ثم المدني (3) مؤلف حصر الشارد
في أسانيد محمد عابد، عن جماعة منها صالح بن محمد الفلاني المغربي (4) صاحب
قطف الثمر في رفع أسانيد المصنفات في الفنون والأثر.
رابعهم: مسند الدمشق الشيخ العلامة عبد الرحمن الكزبري (5) ابن الشيخ
محمد عبد الرحمن الكزبري الدمشقي الشامي.

(1) هو الشيخ الامام العلامة عبد الرحمن بن سليمان بن يحيى بن عمر بن مقبول الأهدل. ولد سنة
تسع وسبعين بعد الألف والمائة. وتوفي سنة خمسين بعد الألف - والمائة - (والمائتين) وكان من كبار العلماء
وعديم النظير في عصره.
(2) هو الشيخ العلامة محمد بن سنة بكسر السين وشدة النون. توفي عام ستة وثمانين ومائة وألف.
رحمه الله تعالى.
(3) هو الشيخ العلامة محمد عابد بن أحمد علي بن محمد مراد السندي ثم المدني توفى يوم الاثنين
من ربيع الأول سنة سبع وخمسين - ومائة - (ومائتين) وألف، ودفن بالبقيع، له تلامذة كثيرة، منها الشيخ
عبد الغني المجددي الدهلوي، ومفتي بغداد السيد داود، والشيخ محمد خوج المكي، والشيخ جمال
المكي، والشيخ أبو المحاسن السيد محمد القاوقجي، وغيرهم.
(4) هو الشيخ الامام المحقق صالح الفلاني المسوفي بن محمد بن نوح، وينتهي نسبه إلى سالم بن
عبد الله بن عمر، كانت ولادته عام ست وستين ومائة وألف، وتوفي في المدينة عام ثمانية عشر بعد الألف
والمائتين، له مؤلفات جليلة نفيسة منها: إيقاظ همم أهل الابصار في تحقيق مسألة التقليد، ومنها قطف
الثمر. رحمه الله تعالى.
(5) هو الشيخ العلامة عبد الرحمن الكزبري بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن زين العابدين
الكزبري الشافعي الدمشقي، بركة الشام وعمدة ساداتها الكرام. ولد بدمشق الشام عام أربع وثمانين
بعد الألف والمائة، وتوفي بمكة تاسع عشر ذي الحجة عام اثنتين وستين بعد الألف - والمائة - (والمائتين).
كذا في تاج التواريخ، والذي بخط الشيخ العلامة عبد الرحمن بن عبد الله السراج أنه توفي عام أربع
وسبعين بعد الألف - والمائة - (والمائتين) وله تلامذة كثيرة، منهم: الشيخ المفسر العلامة السيد محمود
الآلوسي البغدادي مؤلف تفسير روح المعاني، ومنهم: الشيخ أحمد بن دحلان الشافعي.
7

خامسهم: الشيخ العلامة عبد اللطيف البيروتي الشامي (4) رحمهم الله.

(4) هو الشيخ العلامة عبد اللطيف بن فتح الله البيروتي. توفي بدمشق سنة نيف وخمسين بعد
الألف والمائتين.
وتراجم هؤلاء كلهم مذكورة في نهاية الرسوخ منه.
8

كتاب الطهارة
(باب التخلي عند قضاء الحاجة)
أي هذا باب في التخلي عن الناس عند قضاء الغائط، والمراد بالتخلي التفرد (مسلمة) بفتح
الميم وسكون السين (القعنبي) بفتح القاف وسكون العين وفتح النون منسوب، إلى قعنب جد
عبد الله بن مسلمة (أبي سلمة) هو ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري ثقة فقيه (المذهب) موضع
التغوط أو مصدر ميمي بمعنى الذهاب المعهود وهو الذهاب إلى موضع التغوط. قال العراقي: هو
بفتح الميم وإسكان الذال وفتح الهاء مفعل من الذهاب ويطلق على معنيين أحدهما المكان
9

الذي يذهب إليه والثاني المصدر يقال ذهب ذهابا ومذهبا فيحتمل أن يراد المكان فيكون
التقدير إذا ذهب في المذهب، لأن شأن الظروف تقديرها بفي ويحتمل أن يراد المصدر، أي إذا
ذهب مذهبا، والاحتمال الأول هو المنقول عن أهل العربية: وقال به أبو عبيد وغيره وجزم به في
النهاية ويوافق الاحتمال الثاني قوله في رواية الترمذي: أتى حاجته فأبعد في المذهب. فإنه يتعين فيها
أن يراد بالمذهب المصدر (أبعد) في موضع ذهابه أو في الذهاب المعهود، أي أكثر المشي حتى بعد
عن الناس في موضع ذهابه.
والحديث أخرجه الدارمي والنسائي وابن ماجة والترمذي وقال حسن صحيح (أبي الزبير)
هو محمد بن مسلم المكي، وثقه الجمهور وضعفه بعضهم لكثرة التدليس (البراز) قال الخطابي:
مفتوحة الباء اسم للفضاء الواسع من الأرض كنوا به عن حاجة الانسان كما كنوا بالخلاء عنه،
يقال: تبرز الرجل إذا تغوط وهو أن يخرج إلى البراز، كما قيل: تخلى إذا صار إلى الخلاء، وأكثر
الرواة يقولون البراز بكسر الباء وهو غلط، إنما البراز مصدر بارزت الرجل في الحرب مبارزة
وبرازا. وفيه من الأدب استحباب التباعد عند الحاجة عن حضور الناس إذا كان في مراح من
الأرض، ويدخل في معناه الاستتار بالأبنية وضرب الحجب وإرخاء الستر وأعماق الآبار والحفائر،
ونحو ذلك من الأمور الساترة للعورات وكل ما ستر العورة عن الناس. انتهى
قلت: وخطأ الخطابي الكسر وخالفه الجوهري فجعله مشتركا بينهما وقال في المصباح:
البراز بالفتح والكسر لغة قليلة، الفضاء الواسع الخالي من الشجر ثم كنى بالغائط. انتهى.
والحديث فيه إسماعيل بن عبد الملك الكوفي نزيل مكة، قد تكلم فيه غير واحد، وأخرجه أيضا
ابن ماجة.
10

2 (باب الرجل يتبوأ لبوله)
أي يتخذ لبوله مكانا سهلا لئلا يرجع إليه رشاش البول. (حماد) هو ابن سلمة. قال
السيوطي: إن موسى إذا أطلق حمادا يريد ابن سلمة وهو قليل الرواية عن حماد بن زيد حتى قيل
إنه لم يرو عنه إلا حديثا (أبو التياح) بفتح المثناة والتحتانية الثقيلة اسمه يزيد بن حميد ثقة (فكان
يحدث) على بناء المجهول، أي كان ابن عباس يحدث عن أبي موسى بأحاديث، والمحدثون عن أبي
موسى كانوا بالبصرة، لأن في رواية البيهقي: سمع أهل البصرة يتحدثون عن أبي موسى (دمثا)
بفتح الدال وكسر الميم. قال الخطابي: الدمث: المكان السهل الذي يجذب فيه البول فلا يرتد على
البائل، يقال للرجل إذا وصف باللين والسهولة إنه لدمث الأخلاق وفيه دماثة (فليرتد) أي ليطلب
وليتحر مكانا لينا، ومنه المثل: الرائد لا يكذب أهله، وهو الرجل يبعثه القوم يطلب لهم الماء
والكلأ، يقال: رادهم يرودهم ريادا. وارتاد لهم ارتيادا. والحديث فيه مجهول لكن لا يضر، فإن
أحاديث الأمر بالتنزه عن البول تفيد ذلك والله أعلم.
11

3 (باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء)
هو موضع قضاء الحاجة، أي إذا أراد الدخول (قال) مسدد (عن حماد) بن زيد (قال)
النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم إني أعوذ بك) يعني ألجأ وألوذ، والعوذ والعياذ والمعاذ والملجأ: ما سكنت إليه
تقية عن محذور (وقال) مسدد (عن عبد الوارث قال) النبي صلى الله عليه وسلم (أعوذ بالله من الخبث والخبائث)
فلفظ مسدد عن حماد اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ولفظ مسدد عن عبد الوارث
أعوذ بالله من الخبث والخبائث قال الخطابي: الخبث بضم الباء جماعة الخبيث، والخبائث جمع
الخبيثة، يريد ذكران الشياطين وإناثهم، وجماعة أصحاب الحديث يقولون: الخبث ساكنة الباء
وهو غلط، والصواب الخبث بضم الباء. وقال ابن الأعرابي: أصل الخبث في كلام العرب
المكروه، فإن كان من الكلام فهو الشتم، وإن كان من الملل فهو الكفر، وإن كان من الطعام فهو
الحرام، وإن كان من الشراب فهو الضار. انتهى كلام الخطابي. وقال ابن سيد الناس: وهذا
الذي أنكره الخطابي هو الذي حكاه أبو عبيد القاسم بن سلام وحسبك به جلالة. وقال القاضي
عياض: أكثر روايات الشيوخ بالإسكان. وقال القرطبي: رويناه بالضم والإسكان. قال ابن
دقيق العيد ثم ابن سيد الناس: لا ينبغي أن يعد مثل هذا غلطا. انتهى. قال النووي: وهذا
الأدب مجمع على استحبابه ولا فرق فيه بين البنيان والصحراء. والحديث أخرجه الشيخان
والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي، وقال الترمذي: حديث أنس أصح شئ في هذا الباب.
12

(وقال) شعبة عن عبد العزيز (مرة أعوذ بالله وقال وهيب) عن عبد العزيز (فليتعوذ بالله)
بصيغة الأمر، أراد المؤلف الإمام رضي الله عنه بيان اختلاف الآخذين عن عبد العزيز بن
صهيب، فقال: روى حماد بن زيد عن عبد العزيز: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث بلفظ المضارع
وزيادة بك بكاف الخطاب قبلها باء موحدة وروى عبد الوارث عن عبد العزيز أعوذ بالله من
الخبث والخبائث بلفظ الجلالة بعد أعوذ وأسقط لفظ اللهم قبلها ورواه شعبة عن عبد العزيز
مثلهما، فقال مرة كلفظ حماد بن زيد، وقال مرة كعبد الوارث، وروى وهيب بن خالد عن عبد
العزيز بلفظ فليتعوذ بصيغة الأمر فعلى رواية وهيب هو حديث قولي لا فعلي، أي إذا أراد أحدكم
الخلاء أو أتى أحدكم الخلاء أو نحوهما فليتعوذ بالله من الخبث والخبائث. قال الحافظ: وقد روى
العمري عن طريق عبد العزيز بن المختار عن عبد العزيز بن صهيب بلفظ الأمر، قال: إذا
دخلتم الخلاء فقولوا: بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث. إسناده على شرط مسلم. انتهى
(بهذا الحديث) المذكور بقوله: إذ دخل.. الخ وصرح ثانيا اختلاف لفظ شعبة
للايضاح فقال
(قال) شعبة عن عبد العزيز (اللهم إني أعوذ بك) من الخبث والخبائث (وقال شعبة وقال) عبد
العزيز (مرة أعوذ بالله) من الخبث والخبائث.
(إن هذه الحشوش) بضم الحاء المهملة وشينين معجمتين، هي الكنف ومواضع قضاء
الحاجة واحدها حش قال الخطابي وأصل الحش جماعة النخل المتكاثفة وكانوا يقضون
حوائجهم إليها قبل أن تتخذ الكنف في البيوت وفيه لغتان حش وحش بالفتح والضم (محتضرة)
على البناء للمجهول أي تحضرها الجن والشياطين وتنتابها لقصد الأذى والحديث أخرجه ابن
ماجة والنسائي
في السنن الكبرى
13

4 (باب كراهية استقبال القبلة عند الحاجة)
القبلة بكسر القاف جهة يقال أين قبلتك أي إلى أين تتوجه وسميت القبلة قبلة لأن
المصلي يقابلها وتقابله والحاجة تعم الغائط والبول (أبو معاوية) هو محمد بن خازم وفي بعض
النسخ أبو معوذ وهو غلط (قيل له) أي لسلمان والقائلون بهذا القول المشركون ففي رواية مسلم
قال لنا المشركون (الخراءة) قال الخطابي هي مكسورة الخاء ممدودة الألف أدب التخلي والقعود
عند الحاجة وأكثر الرواة يفتحون الخاء ولا يمدون الألف فيفحش معناه انتهى وقال عياض
بكسر الخاء ممودود (ممدود) وهو اسم فعل الحدث وأما الحدث نفسه فبغير تاء ممدودة وبفتح
للخاء وفي المصباح خرئ يخرأ من باب تعب إذا تغوط واسم الخارج خرء مثل فلس
وفلوس انتهى (بغائط) قال ولي العراقي ضبطناه في سنن أبي داود بالباء الموحدة وفي مسلم
باللام (أو بول) قال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة والحديث يدل على المنع من استقبالها ببول
أو غائط وهذه الحالة تتضمن أمرين أحدهما بخروج الخارج المستقذر والثاني كشف العورة
فمن الناس من قال المنع للخارج لمناسبته لتعظيم القبلة عنه ومنهم من قال المنع لكشف العورة ويبنى على هذا الخلاف خلافهم في جواز الوطء مستقبل القبلة مع كشف العورة فمن علل
بالخارج أباحه إذ لا خارج ومن علل بالعورة منعه (وأن لا نستنجي باليمين) أي أمرنا أن لا
نستنجي باليمين أو لا زائدة أي نهانا أن نستنجي باليمين والنهي عن الاستنجاء باليمين على
إكرامها وصيانتها عن الأقذار ونحوها لأن اليمين للأكل والشرب والأخذ والإعطاء ومصونة
عن مباشرة الثفل وعن ممارسة الأعضاء التي هي مجاري الأثفال والنجاسات وخلقت اليسرى
لخدمة أسفل البدن لإماطة ما هنالك من القذارات وتنظيف ما يحدث فيها من الدنس وغيره
14

قال الخطابي ونهيه عن الاستنجاء باليمين في قول أكثر العلماء نهي أدب وتنزيه وقال بعض أهل
الظاهر إذا استنجى بيمينه لم يجزه كما لا يجزيه برجيع أو عظم (وأن لا يستنجي أحدنا بأقل من
ثلاثة أحجار) أي أمرنا أن لا يستنجي أحدنا بأقل منهما وفي رواية لأحمد ولا نكتفي بدون ثلاثة
أحجار وهذا نص صريح صحيح في أن استيفاء ثلاث مسحات لا بد منه قال الخطابي فيه
بيان أن الاستنجاء بالأحجار أحد المطهرين وأنه إذا لم يستعمل الماء لم يكن بد من الحجارة أو ما
يقوم مقامها وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل وفي قوله وأن
يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار البيان الواضح أن الاقتصار على أقل من ثلاثة أحجار لا
يجوز وإن وقع الانقاء بما دونها ولو كان به الانقاء حسب لم يكن لاشتراط عدد الثلاث معنى إذ كان
معلوما أن الانقاء يقع بالمسحة الواحدة وبالمسحتين فلما اشترط العدد لفظا وعلم الانقاء فيه معنى
دل على إيجاب الأمرين (أو نستنجي برجيع أو عظم) ولفظ أو للعطف لا للشك ومعناه معنى
الواو أي نهانا عن الاستنجاء بهما والرجيع
هو الروث والعذرة فعيل بمعنى فاعل لأنه رجع عن
حالته الأولى بعد أن كان طعاما أو علفا والروث هو رجيع ذوات الحوافر وجاء في رواية
رويفع بن ثابت فيما أخرجه المؤلف رجيع دابة وأما عذرة انسان أي غائطه فهي داخلة
تحت قوله صلى الله عليه وسلم إنها ركس قال النووي في شرح صحيح مسلم فيه النهي عن الاستنجاء
بالنجاسات ونبه صلى الله عليه وسلم بالرجيع على جنس النجس وأما العظم فلكونه طعاما للجن فنبه به على
جميع المطعومات انتهى
(النفيلي) بضم النون منسوب إلى نفيل القضاعي (ولا يستطب بيمينه) أي لا يستنجي بها
15

وسمي الاستنجاء الاستطابة لما فيه من إزالة النجاسة وتطهير موضعها من البدن يقال
استطاب الرجل إذا استنجى فهو مستطيب وأطاب فهو مطيب ومعنى الطيب ههنا الطهارة (الرمة)
بكسر الراء وشدة الميم والرمة والرميم العظم البالي أو الرمة جمع رميم أي العظام البالية
(سفيان) هو ابن عيينة (ولكن شرقوا أو غربوا) قال الخطابي هذا خطاب لأهل المدينة
ولمن كانت قبلته على ذلك السمت وأما من كانت قبلته إلى جهة الغرب والشرق فإنه لا يغرب
ولا يشرق (مراحيض) بفتح الميم وبالحاء
المهملة والضاد المعجمة جمع مرحاض بكسر الميم وهو
البيت المتخذ لقضاء حاجة الانسان
(أبي زيد) اسمه الوليد (القبلتين) الكعبة وبيت المقدس وهذا قد يحتمل أن يكون على
معنى الاحترام لبيت المقدس إذ كان هذه قبلة لنا ويحتمل أن يكون من أجل استدبار الكعبة لأن
من استقبل بيت المقدس بالمدينة فقد استدبر الكعبة
(أناخ) أي أقعد يقال أناخ الرجل الجمل إناخة (راحلته) الراحلة المركب من الإبل ذكرا
كان أو أنثى
16

5 (باب الرخصة في ذلك)
أي في استقبال القبلة عند الحاجة واستدبارها
(لبنتين) بفتح اللام وكسر الموحدة وفتح النون تثنية لبنة وهي ما تصنع من الطين أو غيره
للبناء قبل أن يحرق
(قبل أن يقبض بعام) قال الخطابي وفي هذا بيان من صحته من فرق بين البنيان
والصحراء غير أن جابرا توهم أن النهي كان على العموم فحصل الأمر في ذلك على النسخ
17

6 (باب كيف... إلخ)
(عن رجل) قيل هو قاسم بن محمد أحد الأئمة الثقاة وقيل هو غياث ابن إبراهيم أحد
الضعفاء (وهو ضعيف) قال السيوطي ليس مراده تضعيف عبد السلام لأنه ثقة حافظ من رجال
الصحيحين بل تضعيف من قال عن أنس لأن الأعمش لم يسمع من أنس ولذا قال مرسل
ويوجد في بعض النسخ بعد قول المؤلف وهو ضعيف هذه العبارة قال أبو عيسى الرملي حدثناه
أحمد بن الوليد حدثنا عمرو بن عون حدثنا عبد السلام به انتهى
قلت أبو عيسى هو إسحاق وراق أبي داود وهذه إشارة من الرملي إلى أن الحديث اتصل
إليه من غير طريق شيخه أبي داود فهذه العبارة من رواية أبي عيسى الرملي لا من رواية اللؤلؤي
عن أبي داود فلعل بعض النساخ لرواية اللؤلؤي أطلع على رواية الرملي فأدرجها في نسخة
اللؤلؤي ومراده بذلك أنه لما كانت رواية عبد السلام غير موصولة أشار بوصلها برواية أبي عيسى
الرملي
18

7 (باب كراهية الكلام عند الخلاء)
(عكرمة بن عمار) العجلي أحد الأئمة وثقه معين والعجلي وتكلم البخاري وأحمد
والنسائي في روايته عن يحيى بن أبي كثير وأحمد في إياس ابن سلمة
(لا يخرج الرجلان) ذكر الرجلين في الحديث خرج مخرج الغالب وإلا فالمرأتان والمرأة
والرجل أقبح من ذلك (يضربان الغائط) يقال ضربت الأرض إذا أتينا بخلاء وضربت في الأرض
إذا سافرت يقال ويضرب الغائط إذا ذهب لقضاء الحاجة والمراد ههنا يقضيان الغائط
(كاشفين) منصوب على الحال (يمقت) المقت البغض ورواه ابن حبان في صحيحه بلفظ ((لا يقعد
الرجلان على الغائط يتحدثان يرى كل منهما عورة صاحبه فإن الله يمقت على ذلك)) وسياق
اللفظ يدل على أن المقت على المجموع لا على مجرد الكلام (لم يسنده إلا عكرمة بن عمار
) وعكرمة بن يحيى متكلم فيه ومع هذا فهو متفرد فلا يصلح إسناده وفي بعض النسخ بعد قوله إلا
عكرمة هذه العبارة حدثنا أبان حدثنا يحيى بهذا يعني حديث عكرمة بن عمار انتهى قلت
ليست هذه العبارة للمؤلف أصلا لأن أبا داود ذكر أنه لم يسنده إلا عكرمة فلم يقف عليه أبو داود
مسندا من غير رواية عكرمة فأراد ملحق هذه العبارة الاستدراك على أبي داود بأنه قد أسنده عن
يحيى بن أبي كثير أبان ابن يزيد العطار لكن لم أقف على نسبة هذه العبارة لأحد من الأئمة
19

8 (باب في الرجل.. إلخ)
(فلم يرد عليه) الجواب وفي هذا دلالة على أن المسلم في هذا الحال لا يستحق جوابا
وهكذا في رواية مسلم وأصحاب السنن من طريق الضحاك عن نافع عن ابن عمر قال ((مر رجل
على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه)) وكذا في ابن ماجة من حديث أبي هريرة
وجابر بن عبد الله وأما في رواية محمد بن ثابت العبدي وابن الهاد كلاهما عن نافع عن ابن عمر
التي أخرجها المؤلف في باب التيمم ففيها أن السلام كان بعد البول وفي سائر الروايات أن
السلام كان حالة البول ولهذه الروايات ترجيحة (وروى عن ابن عمر وغيره) كأبي الجهم ابن
الحارث ووصل المؤلف هاتين الروايتين في باب التيمم في الحضر
(أو قال على طهارة) هذا شك من المهاجر أو ممن دونه وفيه دلالة على أنه ينبغي لمن سلم
عليه في تلك الحال أن يدع الرد حتى يتوضأ أو يتيمم ثم يرد وهذا إذا لم يخش فوت المسلم وأما
إذا خشى فوته فالحديث لا يدل على المنع لأن النبي صلى الله عليه وسلم تمكن من الرد بعد أن توضأ أو تيمم على
اختلاف الروايتين فيمكن أن يكون تركه لذلك طلبا للأشرف
وهو الرد حال الطهارة
20

9 (باب في الرجل.. إلخ)
(الفأفاء) لقب خالد يعرف به (عن البهي) بفتح الباء الموحدة وكسر الهاء ثم التحتانية
المشددة هو لقب واسمه عبد الله بن بشار (على كل أحيانه) وأخرج الترمذي من حديث علي كان
يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنبا فيه دلالة على أنه إذا كان الحدث الأصغر لا يمنعه عن
قراءة القرآن وهو أفضل الذكر كان جواز ما عداه من الأذكار بالطريق الأولى وكذلك حديث
عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه مشعر بوقوع الذكر منه حال الحدث الأصغر
لأنه من جملة الأحيان المذكورة والجمع بين هذا الباب والباب الذي قبله باستحباب الطهارة
لذكر الله تعالى والرخصة في تركها والحديث أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجة
10 (باب الخاتم.. إلخ)
(هذا حديث) أي حديث همام عن ابن جريج (منكر) المنكر ما رواه الضعيف مخالفا للثقة
(وإنما يعرف) بالبناء للمجهول هذا الحديث (عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن
أنس) وهذا الحديث هو المعروف والمعروف مقابل المنكر لأنه إن وقعت مخالفة الحديث القوي
21

مع الضعيف فالراجح يقال له المعروف ومقابله يقال له المنكر قلت والتمثيل به للمنكر إنما هو
على مذهب ابن الصلاح من عدم الفرق بين المنكر والشاذ وقال السخاوي في فتح المغيث وكذا
قال النسائي إنه غير محفوظ انتهى وهمام ثقة احتج به أهل الصحيح ولكنه خالف الناس ولم
يوافق أبو داود على الحكم عليه بالنكارة فقد قال موسى بن هارون لا أدفع أن يكونا حديثين
ومال إليه ابن حبان فصححهما معا ويشهد له أن ابن سعد أخرج بهذا السند أن أنسا نقش في
خاتمه محمد رسول الله قال فكان إذا أراد الخلاء وضعه لا سيما وهمام لم ينفرد به بل تابعه عليه
يحيى بن المتوكل عن ابن جريج وصححه الحاكم على شرط الشيخين ولكنه متعقب فإنهما لم
يخرجا لكل منهما على انفراده وقول الترمذي إنه حسن صحيح غريب فيه نظر وبالجملة فقد قال
شيخنا إنه لا علة له عندي إلا تدليس ابن جريج فإن وجد عنه التصريح بالسماع فلا مانع من
الحكم بصحته في نقدي انتهى
وقد روى ابن عدي حدثنا محمد بن سعد الحراني حدثنا عبد الله بن محمد بن عيشون حدثنا
أبو قتادة عن ابن جريج عن ابن عقيل يعني عبد الله بن محمد بن عقيل عن عبد الله بن جعفر
قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس خاتمه في يمينه وقال كان ينزع خاتمه إذا أراد الجنابة ولكن أبو قتادة
وهو عبد الله بن واقد الحراني مع كونه صدوقا كان يخطئ ولذا أطلق غير واحد تضعيفه
وقال البخاري منكر الحديث تركوه بل قال أحمد أظنه كان يدلس وأورده شيخنا في
المدلسين وقال إنه متفق على ضعفه ووصفه أحمد بالتدليس انتهى فروايته لا تعلى رواية
همام انتهى قال السيوطي في مرقاة الصعود أخرجه البيهقي من طريق يحيى بن المتوكل
البصري عن ابن جريج عن الزهري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس خاتما نقشه محمد رسول
الله فكان إذا دخل الخلاء وضعه وقال وهذا شاهد ضعيف
22

قال الحافظ بن حجر وقد توزع أبو داود في حكمه على هذا الحديث بالنكارة مع أن رجاله
رجال الصحيح والجواب أنه حكم بذلك لأن هماما انفرد به عن ابن جريج وهمام وإن كان من
رجال الصحيح فإن الشيخين لم يخرجا من رواية همام عن ابن جريج شيئا لأنه لما أخذ عنه كان
بالبصرة والذين سمعوا من ابن جريج بالبصرة في حديثهم خلل من قبله والخلل في هذا
الحديث من قبل ابن جريج دلسه عن الزهري بإسقاط الواسطة وهو زياد بن سعد ووهم همام في
لفظه على ما جزم به أبو داود وغيره وهذا وجه حكمه عليه بكونه منكرا قال وحكم النسائي
عليه بكونه غير محفوظ أصوب فإنه شاذ في الحقيقة إذ المنفرد به من شرط الصحيح لكنه بالمخالفة
صار حديثه شاذ قال وأما متابعة يحيى بن المتوكل له عن ابن جريج فقد تفيد لكن يحيى بن
معين قال فيه لا أعرفه أي إنه مجهول العدالة وذكره ابن حبان في الثقاة وقال كان يخطئ قال
على أن للنظر مجالا في تصحيح حديث همام لأنه مبني على أن أصله حديث الزهري عن أنس في
اتخاذ الخاتم ولا مانع أن يكون هذا متنا آخر غير ذلك المتن وقد مال إلى ذلك ابن حبان
فصححهما جميعا ولا علة له عندي إلا تدليس ابن جريج فإن وجد عنه التصريح بالسماع فلا
مانع من الحكم بصحته انتهى كلام الحافظ في نكته على ابن الصلاح انتهى
(إن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق) هذا الحديث أخرجه المؤلف في باب ما جاء في
ترك الخاتم من كتاب الخاتم ولفظه حدثنا محمد بن سليمان عن إبراهيم بن سعد عن ابن
شهاب عن أنس أنه رأى في يد النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق يوما واحدا فصنع الناس فلبسوا وطرح
النبي صلى الله عليه وسلم فطرح الناس قال أبو داود رواه الزهري وزياد بن سعد وشعيب وابن مسافر كلهم قال
من ورق (والوهم فيه) أي في هذا الحديث في إتيان هذه الجملة إذا دخل الخلاء وضع
خاتمه (من همام ولم يروه) حديث أنس بهذه الجملة (إلا همام) وقد خالف همام جميع الرواة
عن ابن جريج لأنه روي عبد الله بن الحارث المخزومي وأبو عاصم وهشام بن سليمان
وموسى بن طارق كلهم عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس أنه رأى في يد
النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب فأضطرب الناس الخواتيم فرمى به النبي صلى الله عليه وسلم وقال لا ألبسه أبدا
وهذا هو المحفوظ والصحيح عن ابن جريج قاله الدارقطني في كتاب العلل
23

11 (باب الاستبراء من البول)
وهو أن يستفرغ بقية البول وينقي موضعه ومجراه حتى يبرءهما يقال استبرأت من البول
أي تنزهت عنه (وما يعذبان في كبير) وفي رواية البخاري ثم قال بلى أي وإنه لكبير وهكذا في
الأدب المفرد من طريق عبد بن حميد عن منصور فقال وما يعذبان في كبير وإنه لكبير وهذا من
زيادات رواية منصور على الأعمش ولم يخرجهما مسلم قال الخطابي معناه أنهما لم يعذبا في أمر
كان يكبر عليهما أو شق فعله لو أراد أن يفعلاه وهو التنزه من البول وترك النميمة ولم يرد أن المعصية
في هاتين الحالتين ليست بكبير وأن الذنب فيهما هين سهل (أما هذا فكان لا يستنزه من البول)
24

قال الخطابي فيه دلالة على أن الأبوال كلها نجسة منجسة من مأكول اللحم وغير مأكوله لورود
اللفظ به مطلقا على سبيل العموم والشمول انتهى قلت حمله على العموم في بول جميع
الحيوان فيه نظر لأن ابن بطال قال في شرح البخاري أراد البخاري أن المراد بقوله في رواية
الباب كان لا يستنزه من البول بول الانسان لا بول سائر الحيوان فلا يكون فيه حجة لمن حمله على
العموم في بول جميع الحيوان قال الحافظ بن حجر وكأنه أراد ابن بطال ردا على الخطابي
ومحصل الرد أن العموم في رواية من البول أريد به الخصوص لقوله من بوله والألف واللام بدل من
الضمير لكن يلتحق ببوله بول من هو في معناه من الناس لعدم الفارق قال وكذا غير المأكول
وأما المأكول فلا حجة في هذا الحديث لمن قال بنجاسة بوله ولمن قال بطهارته حجج أخرى
وقال القرطبي قوله من البول اسم مفرد لا يقضي العموم ولو سلم فهو مخصوص بالأدلة
المقضية بطهارة بول ما يؤكل انتهى (يمشي بالنميمة) هي نقل الكلام على جهة الفساد والشر
(بعسيب رطب) بفتح العين وكسر السين المهملتين وهو الجريد والغصن من النخل يقال له
العثكال (فشقه) أي العسيب (باثنين) هذه الباء زائدة واثنين منصوب على الحال (لعله) الهاء
ضمير الشأن (يخفف) العذاب (عنهما ما لم ييبسا) العودان قال الخطابي هو محمول على
أنه دعا لهما بالتخفيف مدة بقاء النداوة لا أن في الجريدة معنى يخصه ولا أن في الرطب معنى
ليس في اليابس انتهى قلت ويؤيده ما ذكره مسلم في اخر الكتاب في الحديث الطويل
حديث جابر في صاحبي القبرين فأجيبت شفاعتي أن يرفع ذلك عنهما ما دام العودان رطبين
25

والله أعلم (يستتر مكان يستنزه) كذا في أكثر الروايات بمثناتين من فوق الأولى مفتوحة والثانية
مكسورة وفي رواية ابن عساكر يستبرئ بموحدة ساكنة من الاستبراء فعلى رواية الأكثر معنى
26

الاستتار أنه لا يجعل بينه وبين بوله سترة يعني لا يتحفظ منه فتوافق رواية لا يستنزه لأنها من
التنزه وهو الإبعاد ووقع عند أبي نعيم عن الأعمش كان لا يتوقى وهي مفسرة للمراد وأجراه
بعضهم على ظاهره فقال معناه لا يستتر عورته قلت لو حمل الاستتار على حقيقته للزم أن
مجرد كشف العورة كان سبب العذاب المذكور وسياق الحديث يدل على أن للبول بالنسبة
إلى عذاب القبر خصوصية ويؤيده ما أخرجه ابن خزيمة من حديث أبي هريرة مرفوعا أكثر
عذاب القبر من البول أي بسبب ترك التحرز منه وعند أحمد وابن ماجة من حديث أبي بكرة أما
أحدهما فيعذب في البول ومثله للطبراني عن أنس
(درقة) بفتحتين الترس من جلود ليس فيه خشب ولا عصب (انظروا إليه) تعجب
وإنكار وهذا لا يقع من الصحابي فلعله كان قليل العلم (ذلك) الكلام (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم
(ما لقي) ما موصولة والمراد به العذاب (صاحب بني إسرائيل) بالرفع ويجوز نصبه
أي واحد منهم بسبب ترك التنزه من البول حال البول (كانوا) أي بنو إسرائيل (إذا أصابهم
البول) من عدم المراعاة واهتمام التنزه (قطعوا ما) أي الثوب الذي (منهم) أي من بني إسرائيل
وكان هذا القطع مأمورا به في دينهم (فنهاهم) أي نهى الرجل المذكور سائر بني إسرائيل (فعذب)
27

بالبناء للمجهول أي الرجل المذكور بسبب هذه المخالفة وعصيان حكم شرعه وهو ترك القطع
فحذرهم النبي صلى الله عليه وسلم من إنكار الاحتراز من البول لئلا يصيب ما أصاب إسرائيلي بنهيه عن
الواجب وشبه نهي هذا الرجل عن المعروف عند المسلمين بنهي صاحب بني إسرائيل عن
معروف دينهم وقصده فيه توبيخه وتهديده وأنه من أصحاب النار فلما عير بالحياء وفعل النساء
وبخه وأنه ينكر ما هو معروف بين الناس من الأمم السابقة واللاحقة (قال أبو داود) أي المؤلف
(قال منصور) بن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي أحد سادة التابعين قال
ابن معين ثقة لا يسأل عن مثله (عن أبي موسى) الأشعري واسمه عبد الله بن قيس بن سليم
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال جلد أحدهم) القائل هو أبو موسى والحديث وصله مسلم قال
الحافظ في فتح الباري وقع في مسلم جلد أحدهم قال القرطبي مراده بالجلد واحد الجلود التي
كانوا يلبسونها وحمله بعضهم على ظاهره وزعم أنه من الإصر الذي حملوه ويؤيده رواية أبي
داود ففيها كان إذا أصاب جسد أحدهم لكن رواية البخاري صريحة في الثياب فلعل بعضهم
رواه بالمعنى (وقال عاصم) بن بهدلة أبو بكر الكوفي أحد القراء السبعة وثقه أحمد والعجلي وأبو
زرعة ويعقوب بن سفيان قال الدارقطني في حفظه شئ مات سنة تسع وعشرين ومائة
12 (باب البول قائما)
أي ما حكمه (حفص بن عمر) بن الحارث أبو عمر الحوضي البصري عن شعبة وهمام
وطائفة وعنه البخاري وأبو داود ومحمد بن عبد الرحيم وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني قال
أحمد ثقة ثبت متقن (ومسلم بن إبراهيم) الأزدي البصري عن مالك بن مغول وشعبة وخلق
قال الترمذي سمعت مسلم بن إبراهيم يقول كتبت عن ثمانمائة شيخ روى عنه البخاري وأبو
داود ويحيى بن معين ومحمد بن نمير وخلق قال ابن معين ثقة مأمون وقال العجلي وأبو حاتم
ثقة زاد أبو حاتم صدوق (شعبة) بن الحجاج بن الورد (مسدد) بن مسرهد (أبو عوانة)
الوضاح بن عبد الله الواسطي أحد الأئمة قال الحافظ هو أحد المشاهير وثقه الجماهير وقال أبو
حاتم كان يغلط كثيرا إذا حدث من حفظه وكذا قال أحمد وقال ابن المديني في أحاديثه عن
28

قتادة لين لأن كتابه كان قد ذهب قلت اعتمده الأئمة كلهم (وهذا لفظ حفص) أي اللفظ
المذكور فيما بعد هو لفظ حفص بن عمر لا لفظ مسلم بن إبراهيم (عن سليمان) بن مهران
الأعمش أي يروي شعبة وأبو عوانة كلاهما عن سليمان (أبي وائل) شقيق بن سلمة (حذيفة) بن
اليمان أبي عبد الله الكوفي صحابي جليل من السابقين (سباطة قوم) بضم السين المهملة
وبعدها موحدة هي المزبلة والكناسة تكون بفناء الدور مرفقا لأهلها وتكون في الغالب سهلة
لا يرتد فيها البول على البائل (فبال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكناسة (قائما) للجواز أو لأنه لم يجد
للقعود مكانا فاضطر للقيام قال الحافظ قيل السبب في ذلك ما روى عن الشافعي وأحمد أن
العرب كانت تستشفي لوجع الصلب بذلك فلعله كان به وروى الحاكم والبيهقي من حديث
أبي هريرة قال إنما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما لجرح كان في مأبضه والمأبض بهمزة ساكنة
بعدها موحدة ثم معجمة باطن الركبة فكأنه لم يتمكن لأجله من القعود ولو صح هذا
الحديث لكان فيه غنى عن جميع ما تقدم لكن ضعفه الدارقطني والبيهقي والأظهر أنه فعل
ذلك لبيان الجواز وكان أكثر أحواله البول عن قعود وسلك أبو عوانة في صحيحه وابن شاهين
فيه مسلكا آخر فزعما أن البول عن قيام منسوخ واستدلا عليه بحديث عائشة الذي قدمناه ما
بال قائما منذ أنزل عليه القرآن وبحديثها أيضا من حدثكم أنه كان يبول قائما فلا تصدقوه ما
كان يبول إلا قاعدا والصواب أنه غير منسوخ والجواب عن حديث عائشة أنه مستند إلى
علمها فيحمل على ما وقع منه في البيوت وأما في غير البيوت فلم تطلع هي عليه وقد حفظه
حذيفة وهو من كبار الصحابة وقد بينا أن ذلك كان بالمدينة فتضمن الرد على ما نفته من أن
ذلك لم يقع بعد نزول القرآن وقد ثبت عن عمر وعلي وزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالوا قياما
وهو دال على الجواز من غير كراهة إذا أمن الرشاش والله أعلم ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في
النهي عنه شئ انتهى (فمسح على خفيه) أي فتوضأ ومسح على خفيه مقام غسل الرجلين
(قال) حذيفة (فدعاني) فقال يا حذيفة استرني كما عند الطبراني من حديث عصمة بن مالك
(حتى كنت عند عقبة) صلى الله عليه وسلم وعقب بالإفراد وفي بعض الروايات عقبيه قال المنذري
وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة
29

13 (باب في الرجل.. إلخ)
(عن حكيمة بنت أميمة ابنة رقيقة) كلهن مصغرة (قدح) بفتحتين آنية من خشب والجمع
أقداح (من عيدان) بفتح العين المهملة وسكون الياء المثناة التحتية النخلة الطوال المتجردة من
السعف من أعلاه إلى أسفله جمع عيدانة وحديث الباب وإن كان فيه مقال لكنه يؤيده حديث
عائشة الذي أخرجه النسائي وحديث الأسود الذي أخرجه الشيخان وفيهما أنه لقد دعي
بالطست ليبول فيها الحديث لكن وقع هذا في حال المرض قال المنذري وأخرجه النسائي
14 (باب المواضع.. إلخ)
(اتقوا اللاعنين) قال الحافظ الخطابي يريد الأمرين الجالبين للعن الحاملين للناس عليه
والداعيين إليه وذلك أن من فعلهما لعن وشتم يعني عادة الناس لعنه فلما صارا سببا لذلك
أضيف إليهما الفعل فكانا كأنهما اللاعنان يعني أسند اللعن إليهما على طريق المجاز العقلي وقد
يكون اللاعن أيضا بمعنى الملعون فاعل بمعنى مفعول كما قالوا مر كاتم أي مكتوم انتهى فعلى
هذا يكون التقدير اتقوا الأمرين الملعون فاعلهما (الذي يتخلى في طريق الناس) أي يتغوط أو
يبول في موضع يمر به الناس قال في التوسط شرح سنن أبي داود المراد بالتخلي التفرد لقضاء
الحاجة غائطا أو بولا فإن النجس والاستقذار موجود فيهما فلا يصح تفسير النووي بالتغوط
ولو سلم فالبول يلحق به قياسا والمراد بالطريق الطريق المسلوك لا المهجور الذي لا يسلك إلا
نادرا (أو ظلهم) أي مستظل الناس الذي اتخذوه مقيلا ومنزلا ويقعدون فيه وليس كل ظل يحرم
30

القعود للحاجة تحته فقد قعد النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته تحت حائش من النخل وللحائش لا محالة
ظل والحديث يدل على تحريم التخلي في طرق الناس وظلهم لما فيه من إيذاء المسلمين
بتنجيس من يمر به واستقذاره قال المنذري وأخرجه مسلم
(وحديثه) أي حديث عمر بن الخطاب (أتم) من إسحاق (حدثه) أي حدث أبو سعيد
حياة بن شريح (الملاعن) جمع ملعنة وهي مواضع اللعن (الموارد) المراد بالموارد المجاري والطرق
إلى الماء واحدها مورد يقال وردت الماء إذا حضرته لتشرب والورد الماء الذي ترد عليه (وقارعة
الطريق) أي الطريقة التي يقرعها الناس بأرجلهم ونعالهم أي يدقونها ويمرون عليها فهذه
إضافة الصفة إلى الموصوف أي الطريقة المقروعة وهي وسط الطريق (والظل) أي ظل الشجرة
وغيرها مما تقدم واعلم أن المؤلف أورد في هذا الباب حديثين الأول في النهي عن التخلي في
طريق الناس وقد علمت أن المراد بالتخلي التفرد لقضاء الحاجة غائطا أو بولا والثاني في النهي
عن البراز وأنت تعلم أن البراز اسم للفضاء الواسع من الأرض وكنوا به عن حاجة الانسان
يقال تبرز الرجل إذا تغوط فإنه وان كان اسما للغائط لكن يلحق به البول قلت إيراد
الحديثين لا يخلو عن تكلف والله أعلم وعلمه أتم قال المنذري وأخرجه ابن ماجة
15 (باب في البول في المستحم)
المستحم الذي يغتسل فيه من الحميم وهو الماء الحار والمراد المغتسل مطلقا وفي معناه
المتوضأ (قال أحمد) بن حنبل في سنده (حدثنا معمر) وفيه إشارة إلى أن الحسن بن علي لم يرو على
سبيل التحديث بل بالعنعنة كما رواه عبد الله بن المبارك عن معمر بصيغة العنعنة وهي في رواية
الترمذي والنسائي كذا في غاية المقصود وقال في منهية غاية المقصود ويحتمل أن الاختلاف بين
31

أحمد بن حنبل والحسن بن علي في صيغة الرواية عن أشعث فقط أي يقول أحمد حدثنا عبد
الرزاق حدثنا معمر أخبرني أشعث عن الحسن ويقول الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق حدثنا
معمر عن أشعث بن عبد الله والله أعلم انتهى (أخبرني أشعث) بصيغة الإخبار وهي في رواية
أحمد (وقال الحسن) بن علي بصيغة العنعنة (عن أشعث بن عبد الله) بن جابر أبي عبد الله
البصري (لا يبولن أحدكم في مستحمه) قال الحافظ ولي الدين العراقي حمل جماعة من العلماء
هذا الحديث على ما إذا كان المغتسل لينا وليس فيه منفذ بحيث إذا نزل فيه البول شربته الأرض
واستقر فيها فإن كان صلبا ببلاط ونحوه بحيث يجري عليه البول ولا يستقر أو كان فيه منفذ
كالبلوعة ونحوها فلا نهي وقال النووي في شرحه إنما نهى عن الاغتسال فيه إذا كان صلبا
يخاف منه إصابة رشاشة فإن كان لا يخاف ذلك بأن يكون له منفذ أو غير ذلك فلا كراهة قال
الشيخ ولي الدين وهو عكس ما ذكره الجماعة فإنهم حملوا النهي على الأرض اللينة وحمله على
الصلبة وقد لمح هو معنى آخر وهو أنه في الصلبة يخشى عود الرشاش بخلاف الرخوة وهم
نظروا إلى أنه في الرخوة يستقر موضعه وفي الصلبة يجري ولا يستقر فإذا صب عليه الماء ذهب
أثره بالكلية قلت الأولى أن لا يقيد المغتسل بلين ولا صلب فإن الوسواس ينشأ منهما جميعا فلا
يجوز البول في المغتسل مطلقا (ثم يغتسل فيه) أي في المستحم وهذا في رواية الحسن (قال أحمد)
ابن محمد في روايته (ثم يتوضأ فيه) أي في المستحم قال الطيبي ثم يغتسل عطف على الفعل
المنفي وثم استبعادية أي بعيد عن العاقل الجمع بينهما (فإن عامة الوسواس منه) أي أكثره
يحصل منه لأنه يصير الموضع نجسا فيوسوس قلبه بأنه هل أصابه من رشاشه قال المنذري
وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي هذا حديث غريب
(لقيت رجلا) ولم يعرف الرجل وهذا لا يضر لأن الصحابة كلهم عدول بتزكية الله (كما
صحبه أبو هريرة) وفي رواية النسائي أربع سنين أي صحب الرجل المذكور أربع سنين (أن
يمتشط أحدنا كل يوم) لأن ترفه وتنعم ولا يعارضه الحديث أنه يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته
32

والحديث أنه لا يفارقه المشط في سفر ولا حضر لأنهما ضعيفان ولو سلم فلا يلزم من الإكثار أن
يمتشط كل يوم وصحبته ليمتشط عند الحاجة لا كل يوم ولا فرق بين الرأس واللحية فإن قلت
ورد أنه كان يسرح كل يوم مرتين قلت لم أره من ذكره إلا الغزالي ولا يخفى ما في الإحياء من
أحاديث لا أصل لها ويحتمل إلحاق النساء بالرجال في هذا الحكم إلا أن الكراهة في حقهن أخف
لأن باب التزين في حقهن أوسع كذا في المتوسط شرح سنن أبي داود قال المنذري وأخرجه
النسائي
16 (باب النهي عن البول في الجحر)
بتقديم الجيم المعجمة المضمومة وسكون الحاء المهملة ما يحتفره الهوام والسباع وجمعه
أجحار (سرجس) بفتح أوله وسكون الراء وكسر الجيم وهو غير متصرف للعجمة والعلمية (في
الجحر) أي الثقب لأنه مأوى الهوام المؤذية فلا يؤمن أن يصيبه مضرة منها (قال) هشام الدستوائي
(ما يكره) ما استفهامية أي لم يكره (إنها) أي الجحرة والجحرة جمع جحر كالأجحار قال
المنذري وأخرجه النسائي أيضا
17 (باب ما يقول.. الخ)
(غفرانك) قال ابن العربي في عارضة الأحوذي غفران مصدر كالغفر والمغفرة ومثله
سبحانك ونصبه بإضمار فعل تقديره ههنا أطلب غفرانك وفي طلب المغفرة ههنا محتملان
الأول أنه سأل المغفرة من تركه ذكر الله في ذلك الوقت في تلك الحالة والثاني وهو أشهر أن النبي
33

صلى الله عليه وسلم سأل المغفرة في العجز عن شكر النعمة في تيسير الغذاء وإبقاء منفعته وإخراج فضلته على
سهولة فيؤدي قضاء حقها بالمغفرة وقال الرضى في شرح الكافية ما حاصله أن المصادر التي بين
فاعلها بإضافتها إليه نحو كتاب الله ووعد الله أو بين مفعولها بالإضافة نحو ضرب الرقاب
وسبحان الله أو بين فاعلها بحرف جر نحو بؤسا لك وسحقا لك أو بين مفعولها بحرف جر
نحو غفرا لك وجدعا لك فيجب حذف فعلها في جميع هذا قياسا وغفرانك داخل في هذا
الضابط فعلى هذا يكون فعله المقدر اغفر أي اغفر غفرانا قال المنذري وأخرجه الترمذي
والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب ولا يعرف في هذا الباب إلا
حديث عائشة هذا اخر كلام الترمذي قال المنذري وفي هذا الباب حديث أبي ذر قال كان
النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني وحديث أنس بن
مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وفي لفظ الحمد لله الذي أحسن إلى في أوله وآخره وحديث
عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم يعني كان إذا خرج قال الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى في قوته
وأذهب عني أذاه غير أن هذه الأحاديث أسانيدها ضعيفة ولهذا قال أبو حاتم الرازي أصح ما
فيه حديث عائشة انتهى كلام المنذري والحديث ما أخرجه النسائي في السنن المجتبى بل
أخرجه في كتاب عمل اليوم والليلة فإطلاقه من غير تقييد لا يناسب
18 (باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء)
أي في الاستنجاء
(فلا يمس ذكره بيمينه) أي حال البول تكريما لليمين فيكره بها بلا حاجة تنزيها عند
الشافعية وتحريما عند الحنابلة والظاهرية قاله المناوي (فلا يتمسح بيمينه) أي لا يستنجي بيمينه
(فلا يشرب) شرابه (نفسا واحدا) بل يفصل القدح عن فيه ثم يتنفس خارج القدح وهو على
طريق الأدب مخافة من سقوط شئ من الفم والأنف فيه ونحو ذلك والأفعال الثلاثة إما مجزوم
على النهي أو مرفوع على النفي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن
ماجة مطولا ومختصرا
34

(المصيصي) بكسر الميم وشدة الصاد المهملة نسبة إلى مصيصة بلد بالشام (الإفريقي)
بكسر الهمزة والراء بينهما فاء ساكنة منسوب إلى إفريقية وهي بلاد واسعة قبالة الأندلس (كان يجعل
يمينه لطعامه وشرابه) أي كان يجعل يده اليمنى لهما (وثيابه) أي للبس ثيابه أو تناولها (ويجعل شماله
لما سوى ذلك) المذكور من الطعام والشراب والثياب قال النووي هذه قاعدة مستمرة في الشرع
وهي أن ما كان من باب التكريم والتشريف كلبس الثوب والسراويل والخف ودخول المسجد
والسواك والاكتحال وتقليم الأظفار وقص الشارب وترجيل الشعر ونتف الإبط وحلق
الرأس والسلام من الصلاة وغسل أعضاء الطهارة والخروج من الخلاء والأكل والشرب
والمصافحة واستلام الحجر الأسود وغير ذلك ومما هو في معناه يستحب التيامن فيه وأما ما كان
بضده كدخول الخلاء والخروج من المسجد والامتخاط والاستنجاء وخلع الثوب والسراويل
والخف وما أشبه ذلك فيستحب التياسر فيه وذلك كله لكرامة اليمين وشرفها
(لخلائه) أي لاستنجائه أي (وما كان من أذى) أي النجاسة قال المنذري إبراهيم لم يسمع
من عائشة فهو منقطع وأخرجه من حديث الأسود عن عائشة بمعناه وأخرجه في اللباس من
حديث مسروق عن عائشة ومن ذلك الوجه أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن
ماجة انتهى كلام المنذري
35

19 (باب الاستتار في الخلاء)
فإن قلت ما الفرق بين الباب المتقدم التخلي عند قضاء الحاجة وبين هذا الباب قلت
بينهما فرق بين لأن المقصود من الباب الأول التفرد عن الناس للحاجة وليس فيه ذكر الاستتار
وهذا الباب إنما وضعه للاستتار عند الحاجة فحصل من البابين جميعا أن التفرد للخلاء سنة ومع
هذا التفرد ينبغي الاستتار أيضا ليتأتى على وجه الكمال حفظ عورته
(الحبراني) بضم المهملة وسكون الموحدة منسوب إلى حبران بن عمرو وهو أبو قبيلة
باليمن كذا في القاموس والمغني وقال السيوطي في اللب اللباب حبران بطن من حمير انتهى
(من اكتحل فليوتر) أي من أراد الاكتحال فليوتر والوتر الفرد أي ثلاثا متوالية في كل عين
وقيل ثلاثا في اليمنى واثنين في اليسرى ليكون المجموع وترا والتثليث علم من فعله صلى الله عليه وسلم
كانت له مكحلة يكتحل منها كل ليلة ثلاثة في هذه وثلاثة في هذه كذا في المرقاة شرح
المشكاة (من فعل فقد أحسن) أي فعل فعلا حسنا يثاب عليه لأنه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه تخلق
بأخلاق الله تعالى فإن الله وتر يحب الوتر (ومن لا) أي لا يفعل الوتر (فلا حرج) أي لا إثم
عليه (ومن استجمر فليوتر) الاستجمار الاستنجاء بالجمار وهي الحجارة الصغار أي فليجعل
حجارة الاستنجاء وترا واحدا أو ثلاثا أو خمسا (فلا حرج) إذ المقصود الانقاء (أكل) شيئا (فما
تخلل) ما شرطية والجزاء فليلفظ أي ما أخرجه من الأسنان بالخلال (فليلفظ) بكسر الفاء
فليلق وليرم وليطرح ما يخرجه من الخلال من بين أسنانه لأنه ربما يخرج به دم (وما لاك بلسانه)
عطف على متخلل أي ما أخرجه بلسانه واللوك إدارة الشئ بلسانه في
الفم يقال لاك يلوك
(فليبتلع) أي فليأكله وإن تيقن بالدم حرم أكله (من فعل) أي رمي وطرح ما أخرجه من الأسنان
36

بالخلال (ومن لا) أي لم يلفظه بل أكله على تقدير عدم خروج الدم (فلا حرج) في ذلك
(فليستتر) بشئ من الأشياء الساترة (فإن لم يجد) شيئا ليستره (كثيبا) الكثيب هو ما يرتفع من
الرمل (من رمل) بيان كثيب (فليستدبره) أي فليجمعه وليوله دبره (فإن الشيطان يلعب بمقاعد
بني آدم) قال العراقي المقاعد جمع مقعدة وهي تطلق على شيئين أحدهما في السافلة أي
أسفل البدن والثاني موضع القعود وكل من المعنيين ههنا محتمل أي أن الشيطان يلعب
بأسافل بني آدم أو في موضع قعودهم لقضاء الحاجة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتست ما أمكن وأن لا
يكون قعود الانسان في مراح من أن يقع عليه أبصار الناظرين فيتعرض لانتهاك الستر وتهب
الرياح عليه فيصيب البول فيلوث بدنه أو ثيابه وكل ذلك من لعن الشيطان به وقصده إياه بالأذى
والفساد (من فعل) أي جمع كثيبا وقعد خلفه (فقد أحسن) بإتيان السنة (ومن لا) بأن كان في
الصحراء من غير ستر (فلا حرج) (قال حصين الحميري) أي قال أبو عاصم الحميري بدل
الحبراني (فقال) أي عبد الملك (أبو سعيد
الخير) بزيادة لفظ الخير على الرواية السابقة (قال
أبو داود أبو سعيد الخير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) غرض المؤلف من إيراد هذه الجملة أن في
رواية إبراهيم بن موسى أبا سعيد بغير إضافة لفظ الخير فهو ليس بصحابي لأن أبا سعيد هذا
بغير إضافة الخير لا يعد في الصحابة بل هو مجهول وإنما يعد في الصحابة أبو سعيد الخير
قال المنذري وأخرجه ابن ماجة في إسناده أبو سعيد الخير الحمصي وهو الذي رواه عن أبي
هريرة قال أبو زرعة الرازي لا أعرفه قلت لقي أبا هريرة قال على هذا يوضع
انتهى
20 (باب ما ينهى عنه.. إلخ)
أي هذا باب في بيان الأشياء التي نهي الاستنجاء بها (القتباني) بكسر القاف وسكون المثناة
37

الفوقانية وبموحدة ونون نسبة إلى قتبان بن رومان (شييم) بتحتانيتين مصغرا (بيتان) بموحدة ثم
تحتانية ثم مثناة (أخبره) أي أخبر شييم عياش بن عباس (مخلد) على وزن محمد (استعمل) أي
مسلمة بن مخلد (على أسفل الأرض) يعني أن مسلمة كان أميرا على بلاد مصر من جهة معاوية
فاستناب رويفعا على أسفل أرض مصر وهو الوجه البحري وقيل الغربي كذا في التوسط (معه)
أي مع رويفع (من كوم شريك) قال العراقي هم بضم الكاف على المشهور وممن صرح بضمها
ابن الأثير في النهاية وآخرون وضبط بعض الحفاظ بفتحها قال مغلطائي إنه المعروف وإنه في
طريق الإسكندرية (إلى علقماء) بفتح العين وسكون اللام ثم القاف مفتوحة موضع من أسفل
ديار مصر (أو من علقماء إلى كوم شريك) وهذا شك من شيبان أي من أي موضع كان ابتداء
السير من الكوم أو من علقماء وعلى كل تقدير فمن أحد الموضعين كان ابتداء السير وإلى الآخر
انتهائه (يريد علقام) أي إرادتهم الذهاب إلى علقام وانتهاء سيرهم إليه وعلقام غير علقماء كما
يفهم من قوله يريد علقام وفي مجمع البحار كوم
علقام موضع فاستفيد منه أن علقام غير
علقماء وأن علقام يقال له كوم علقام (نضو أخيه) النضو بكسر النون وسكون المعجمة فواو
البعير المهزول يقال بعير نضو وناقة نضو ونضوة وهو الذي أنضاه العمل وهزله الكد والجهد
(على أن له) للمالك (ولنا النصف) أي للأخذ والمستأجر النصف (ليطير له النصل والريش)
فاعلان ليطير أي يصيبهما في القسمة يقال طار لفلان النصف ولفلان الثلث إذا وقع له ذلك في
القسمة (وللآخر القدح) معطوف على له النصل والقدح خشب السهم قبل أن يراش ويركب
فيه النصل قاله الخطابي والنصل حديدة السهم والريش من الطائر ويكون في السهم
وحاصله أنه كان يقتسم الرجلان السهم فيقع لأحدهما نصله وريشه وللآخر قدحه قال
الخطابي وفي هذا دليل على أن الشئ المشترك بين الجماعة إذا احتمل القسمة فطلب أحد الشركاء
المقاسمة كان له ذلك ما دام ينتفع بالشئ الذي يخصه منه وإن قل وذلك أن القدح قد ينتفع به
عريا من الريش والنصل وكذلك قد ينتفع بالريش والنصل وإن لم يكونا مركبين في قدح فأما ما لا
38

ينتفع بقسمته أحد من الشركاء وكان في ذلك الضرر والإفساد للمال كاللؤلؤة تكون بين الشركاء أو
نحوها من الشئ الذي إذا فرق بين أجزائه بطلت قيمته وذهبت منفعته فإن المقاسمة لا تجب فيه
لأنها حينئذ من باب إضاعة المال فيبيعون الشئ ويقتسمون الثمن بينهم على قدر حقوقهم منه
انتهى (من عقد لحيته) أي عالجها حتى تنعقد وتتجعد وقيل كانوا يعقدونها في الحروب
فأمرهم بإرسالها كانوا يفعلون ذلك تكبرا وعجبا قاله
ابن الأثير (أو تقلد وترا) بفتح الواو قال أبو عبيدة الأشبه أنه نهى عن تقليد
الخيل أوتار القسي نهوا عن ذلك إما لاعتقادهم أن تقليدها بذلك يدفع عنها العين ومخافة اختناقها به لا سيما عند شدة الركض بدليل ما روى أنه صلى الله عليه وسلم أمر
بقطع الأوتار عن أعناق الخيل كذا في كشف المناهج (برجيع دابة) هو الروث والعذرة (أو عظم
) عطف على رجيع قال المنذري وأخرجه النسائي
(أيضا) أي كما روى شييم بن بيتان عن شيبان القتباني روى أيضا عن أبي سالم الجيشاني
(يذكر) أي عبد الله بن عمرو (ذلك) الحديث المذكور (وهو) أي أبو سالم (معه) أي مع عبد الله
(مرابط) المرابطة أن يربط كل من الفريقين خيولهم في الموضع الذي يخاف منه هجوم العدو معدا
لصاحبه (بحصن باب أليون) الحصن المكان الذي لا يقدر عليه لارتفاعه وجمعه حصون
وأليون بفتح الهمزة وسكون اللام وضم الياء التحتانية اسم مدينة قديما وسمي بعد فتحها
فسطاط (بالفسطاط) قال ابن الأثير الفسطاط بالضم والكسر المدينة التي فيها مجمع الناس وكل
مدينة فسطاط وقيل هو ضرب من الأبنية وبه سميت المدينة ويقال لمصر والبصرة الفسطاط
وقول أبي داود حصن أليون بالفسطاط على جبل لا ينافي قول ابن الأثير لأن الذي على جبل هو
الحصن لا نفس أليون والحاصل أن أبا سالم الجيشاني كان مع عبد الله بن عمرو مرابطا بحصن
الذي كان في أليون وأليون والفسطاط هما اسمان لمدينة مصر وكان
حصن أليون على جبل وكان الجبل في فسطاط (قال أبو داود هو) أي شيبان القتباني
39

(نتمسح) أي نستنجي (أو بعر) البعر معروف وهو من كل ذي ظلف وخف والجمع الأبعار
مثل السبب والأسباب وبعر ذلك الحيوان بعرا من باب نفع قال المنذري وأخرجه مسلم
(قدم وفد الجن) هو جن نصيبين وكان قدومه بمكة قبل الهجرة والوفد قوم يجتمعون
ويردون البلاد الواحد وافد وكذا من يقصد الأمراء بالزيارة يقال وفد على القوم وفدا من
باب وعد ووفودا فهو وافد والجمع وفاد ووفد مثل صاحب وصحب (يا محمد إنه) أمر من النهي
(وحممه) بضم الحاء والميمين مفتوحتين على وزن رطبة ما أحرق من خشب ونحوه والجمع
بحذف الهاء كذا في المصباح قال المنذري في إسناده إسماعيل بن عياش وفيه مقال
21 (باب الاستنجاء.. إلخ)
(يستطيب بهن) أي بالأحجار ويستطيب صفة أحجار أو مستأنفة والاستطابة
والاستنجاء والاستجمار كناية عن إزالة الخارج من السبيلين عن مخرجه فالاستطابة والاستنجاء
40

تارة يكونان بالماء وتارة بالأحجار والاستجمار مختص بالأحجار (فإنها تجزئ) بضم التاء بمعنى
الكفاية من أجزأ أي تكفي وتغني وقال الزركشي ضبطه بعضهم بفتح التاء ومنه قوله تعالى
لا تجزي نفس عن نفس شيئا انتهى فهو من جزى يجزي مثل قضى يقضي وزنا ومعنى أي
تقضي الأحجار (عنه) أي عن الاستطابة والاستنجاء أو عن المستنجي أو عن الماء المفهوم من المقام
وهو الأظهر معنى وإن كان بعيدا لفظا فالحاصل أن الاستطابة بالأحجار تكفي عن الماء وإن بقي
أثر النجاسة بعد ما زالت عين النجاسة وذلك رخصة وقال أكثر أهل العلم من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم إن الاستنجاء بالحجارة يجزي وإن لم يستنتج بالماء إذا أنقى أثر الغائط والبول
وبه يقول الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق قاله الترمذي في جامعه وفيه
دليل واضح على وجوب التثليث لأن الأجزاء يستعمل غالبا في الواجب قال المنذري
وأخرجه النسائي
(عن الاستطابة) أي عدد حجارة الاستنجاء (رجيع) روث دابة لأنه علف دواب الجن
قال البيهقي في معرفة السنن والآثار إذا استنجى بالعظم
لم يقع موقعه كما لو استنجى بالرجيع
لم يقع موقعه وكما جعل العلة في العظم أنه زاد الجن جعل العلة في الرجيع أنه علف دواب
الجن وإن كان في الرجيع أنه نجس ففي العظم أنه لا ينظف لما فيه من الدسومة وقد نهي عن
الاستنجاء بهما قال المنذري وأخرجه ابن ماجة (كذا رواه أبو أسامة وابن نمير عن هشام
) غرضه من إيراد هذه الجملة أن أبا أسامة وابن نمير قد تابعا أبا معاوية عن هشام على اسم شيخ
هشام فقالوا عن هشام عن عمرو بن خزيمة وهذا تعريض على رواية سفيان فإنه قال أخبرني
هشام ابن عروة
قال أخبرني أبو وجزة روى البيهقي في المعرفة أخبرنا أبو زكريا وأبو
بكر وأبو سعيد قالوا حدثنا أبو العباس قال أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال
أخبرنا سفيان قال أخبرني هشام بن عروة قال أخبرني أبو وجزة عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه أن النبي
صلى الله عليه وسلم الحديث قال البيهقي هكذا قال سفيان أبو وجزة وأخطأ فيه وإنما هو ابن خزيمة
41

واسمه عمرو بن خزيمة كذلك رواه الجماعة عن هشام بن عروة ووكيع وابن نمير وأبو أسامة
وأبو معاوية وعبدة بن سليمان ومحمد بن بشر العبدي أخبرنا أبو
عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الحسن الطرائفي سمعت سعيد بن عثمان الدارمي يقول سمعت علي بن المديني يقول قال
سفيان فقلت فأيش أبو وجزة فقالوا شاعر ههنا فلم آته قال علي إنما هو أبو خزيمة
واسمه عمرو بن خزيمة ولكن كذا قال سفيان قال علي الصواب عندي عمرو بن خزيمة
انتهى كلام البيهقي
22 (باب في الاستبراء)
هو أن يمكث وينتر حتى يظن أنه لم يبق في قصبة الذكر شئ من البول كذا في حجة الله
البالغة للشيخ المحدث ولي الله الدهلوي وحاصل معنى الاستبراء الاستنقاء من البول وهو المراد
ههنا وهل الاستنقاء أي الاستنجاء بالماء ضروري أو يكفي المسح بالحجارة فدل الحديث على
أنه ليس أمرا ضروريا فإن قلت ما الفرق بين البابين ولم كرر الترجمة مرتين فإنه أورد أولا
باب الاستبراء من البول وثانيا باب الاستبراء قلت أورد في الترجمة الأولى حديث ابن
عباس والمراد بها المباعدة عن النجاسة والتوقي عنها فإن في الحديث
إنهما ليعذبان وما
يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول والمراد بالترجمة الثانية الاستنجاء
بالحجارة لأن الاستبراء طلب البراءة (المقرئي) بضم الميم وسكون القاف وفتح الراء وهمزة
ثم ياء نسب إلى مقرأ قرية بدمشق (ح) هو علامة التحويل أي الرجوع من سند إلى آخر سواء
كان الرجوع من أول السند أو وسطه أو آخره (أبو يعقوب التوأم) هو عبد الله بن يحيى المتقدم
(بكوز) الكوز بالضم جمعه كيزان وأكواز وهو ما له عروة من أواني الشرب وما لا عروة له فهو
كوب وجمعه أكواب
(ما هذا يا عمر) أي ما حملك على قيامك خلفي ولم جئتني بماء (تتوضأ
به) أي تتوضأ بالماء بعد البول الوضوء الشرعي أو المراد به الوضوء اللغوي وهو الاستنجاء
42

بالماء وعليه حمله المؤلف وابن ماجة ولذا أورده في باب الاستبراء (ما أمرت) بصيغة
المجهول (كلما بلت) صيغة المتكلم من البول (أن أتوضأ) بعد البول أو استنجي بعده بالماء
وكان قد يترك ما هو أولى وأفضل تخفيفا على الأمة وإبقاء وتيسيرا عليهم (لكانت) فعلتي (سنة
) أي طريقة واجبة لازمة لأمتي فيمتنع عليهم الترخص باستعمال الحجر وما جعل عليكم في
الدين من حرج قال عبد الرؤوف المنادي في فتح القدير وما ذكر من حمله الوضوء على
المعنى اللغوي هو ما فهمه أبو داود وغيره وبوبوا عليه وهو مخالف للظاهر بلا ضرورة والظاهر
كما قاله ولي العراقي حمله على الشرعي المعهود فأراد عمر رضي الله عنه أن يتوضأ
رسول الله صلى الله عليه وسلم عقب الحدث فتركه المصطفى صلى الله عليه وسلم تخفيفا وبيانا للجواز قال المنذري
وأخرجه ابن ماجة
23 (باب في الاستنجاء بالماء)
بعد قضاء الحاجة أراد بهذه الترجمة الرد على من كرهه وعلى من نفى وقوعه من النبي
صلى الله عليه وسلم وقد روى ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن حذيفة بن اليمان أنه سئل عن الاستنجاء
بالماء
فقال إذا لا يزال في يدي نتن وعن نافع أن ابن عمر كان لا يستنجي بالماء وعن ابن الزبير
قال ما كنا نفعله ونقل ابن التين عن مالك أنه أنكر أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم استنجى بالماء وعن
ابن حبيب من المالكية أنه منع الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم قاله الحافظ في الفتح
(حائطا) أي بستانا (غلام) قال في المحكم الغلام من لدن الفطام إلى سبع سنين وقيل
غير ذلك (معه) أي من الغلام (ميضأة) بكسر الميم وبهمزة بعد الضاد المعجمة وهي الإناء الذي
يتوضأ به كالركوة
والإبريق وشبههما (فوضعها عند السدرة) أي فوضع الميضأة عند
السدرة التي كانت في الحائط والسدرة شجرة النبق قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم
43

(إبراهيم بن ميمونة) الحجازي مجهول الحال (هذه الآية) والمشار إليها فيما بعد وهو قوله
تعالى فيه رجال الآية (في أهل قباء) أي في ساكنيه وقباء بضم القاف وخفة الموحدة
والممدودة مصروفة وفيه لغة بالقصر وعدم الصرف موضع بميلين أو ثلاثة من المدينة قال ابن
الأثير هو بمد وصرف على الصحيح (يحبون أن يتطهروا) أي يحبون الطهارة بالماء في غسل الأدبار
(قال) أبو هريرة (كانوا) أي أهل قباء قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجة وقال
الترمذي غريب
24 (باب الرجل يدلك يده بالأرض إذا استنجى)
لتزيل الرائحة الكريهة إن بقيت بعد الغسل (عن المغيرة) أعلم أن لفظ المغيرة بين جرير وأبي
زرعة موجود في أكثر النسخ وقد بالغت في تتبعه فلم أعرف من هو والذي تحقق لي أنه غلط
بثلاثة وجوه:
الأول: أن الحافظ جمال الدين المزي ذكر في تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف في مسند أبي
هريرة هذا الحديث ولم يذكر المغيرة وهذا لفظه: أبو زرعة بن عمرو بن حزم بن عبد الله البجلي
عن أبي هريرة، قيل اسمه هرم وقيل عبد الرحمن وقيل عمر. وإبراهيم بن جرير بن عبد الله
البجلي عن ابن أخيه أبي زرعة عن أبي هريرة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى الخلاء أتيته بماء في تور أو
44

ركوة الحديث أخرجه أبو داود في الطهارة عن أبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي عن أسود بن عامر
وعن محمد بن عبد الله المخرمي عن وكيع كلاهما عن شريك عن إبراهيم بن جرير به انتهى
وذكر الزيلعي أيضا هذا الحديث في فصل الاستنجاء من تخريجه ولم يذكر المغيرة في السند وهذا
لفظه حديث آخر أخرجه أبو داود عن شريك عن إبراهيم بن جرير عن أبي زرعة عن أبي هريرة
قال كان النبي صلى الله عليه وسلم الحديث
الثاني قال الطبراني لم يروه عن أبي زرعة إلا إبراهيم بن جرير تفرد به شريك وهذا
نص على أن المغيرة لم يرو عن أبي زرعة
الثالث قال شيخنا العلامة حسين بن محسن الأنصاري اطلعت على نسخة صحيحة
قلمية وليس فيها ذكر للمغيرة بين جرير وأبي زرعة موافق لإسناد ابن ماجة والذي يظهر أن ذكرها
إما أن يكون من المزيد غلطا من بعض الرواة وإما وهما من النساخ انتهى كذا في غاية
المقصود وقال الشارح في منهية غاية المقصود والرابع أني طالعت كتاب رجال سنن أبي داود
للحافظ ولي الدين العراقي في مكة المشرفة عند شيخنا أحمد الشرقي فما وجدت فيه ذكر المغيرة
(في تور
) بفتح التاء وسكون الواو إناء صغير من صفر أو حجارة يشرب منه
وقد يتوضأ منه ويؤكل منه الطعام قاله الطيبي وفي المتوسط فيه جواز التوضئ بآنية الصفر وأنه ليس بكبيرة (أو
ركوة) بفتح الراء وسكون الكاف ظرف من جلد أي دلو صغير من جلد يتوضأ منه ويشرب فيه
الماء والجمع ركاء وأو للشك للراوي عن أبي هريرة أو أن أبا هريرة يأتيه تارة هذا
وتارة هذا (ثم أتيته بإناء آخر) ليتوضأ به (فتوضأ) بالماء ليس المعنى أنه لا يجوز التوضئ بالماء الباقي من
الاستنجاء أو بالإناء الذي استنجى به وإنما أتى بإناء آخر لأنه لم يبق من الأول شئ أو بقي قليل
والإتيان بالإناء الآخر اتفاقي كان فيه الماء فأتى به وقال بعض العلماء قد يؤخذ من هذا الحديث
أنه يندب أن يكون إناء الاستنجاء غير إناء الوضوء (وحديث
الأسود بن عامر أتم) من حديث وكيع وحديث وكيع أقصر من حديث الأسود أخرج النسائي وابن ماجة واللفظ للنسائي من
طريق وكيع عن شريك عن إبراهيم بن جرير عن أبي زرعة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فلما
استنجى دلك يده بالأرض انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجة
45

25 (باب السواك)
بكسر السين المهملة والسواك ما تدلك به الأسنان من العيدان من ساك فاه يسوكه إذا
دلكه بالسواك فإذا لم تذكر الفم قلت استاك وهو يطلق على الفعل والآلة والأول هو المراد ههنا
وجمعه سوك ككتب قال النووي يستحب أن يستاك بعود من أراك ويستحب أن يبدأ بالجانب
الأيمن من فمه عرضا لا طولا لئلا يدمي لحم أسنانه قال الحافظ وأما الأسنان فالأحب فيها أن
يكون عرضا وفيه حديث مرسل عند أبي داود وله شاهد موصول عند العقيلي
(يرفعه) هذه مقولة الأعرج أي يقول الأعرج يرفع أبو هريرة هذا الحديث إلى النبي
صلى الله عليه وسلم وهذه صيغة يكني بها عن صريح الرفع فهو أيضا من أقسام المرفوع الحكمي كقول التابعي
عن الصحابي يرفع الحديث صرح بذلك الحافظ وفي صحيح مسلم من رواية الأعرج عن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (لولا) مخافة (أن أشق) مصدرية في محل الرفع على
الابتداء والخبر محذوف وجوبا أي لولا المشقة موجودة (بتأخير العشاء) إلى ثلث الليل كما في رواية
الترمذي وأحمد من حديث زيد بن خالد
وروى الحاكم من حديث أبي هريرة بلفظ لأخرت
صلاة العشاء إلى نصف الليل (وبالسواك) أي لأمرتهم باستعمال السواك لأن السواك هو آلة
ويطلق على الفعل أيضا فعلى هذا لا تقدير والسواك مذكر على الصحيح وحكي في المحكم
تأنيثه وأنكر ذلك الأزهري (عند كل صلاة) وكذا في رواية مسلم والنسائي من طريق أبي الزناد
عن الأعرج بلفظ عند كل صلاة وخالفه سعيد بن أبي هلال عن الأعرج فقال مع
الوضوء بدل الصلاة أخرجه أحمد من طريقه وفي رواية البخاري مع كل صلاة قال الحافظ قال
القاضي البيضاوي
لولا كلمة تدل على انتقاء الشئ لثبوت غيره والحق أنها مركبة
من لو الدالة على انتفاء الشئ لانتفاء غيره ولا النافية فدل الحديث على انتفاء الأمر لثبوت المشقة لأن
انتفاء النفي ثبوت فيكون الأمر منفيا لثبوت المشقة وفيه دليل على أن الأمر للوجوب من
وجهين أحدهما أنه نفي الأمر مع ثبوت الندبية ولو كان للندب لما جاز النفي وثانيهما أنه جعل
46

الأمر مشقة عليهم وذلك إنما يتحقق إذا كان الأمر للوجوب إذ الندب لا مشقة فيه لأنه جائز
الترك وقال الشافعي فيه دليل على أن السواك ليس بواجب لأنه لو كان واجبا لأمرهم به شق
عليهم أو لم يشق وإلى القول بعدم وجوبه صار أكثر أهل العلم بل ادعى بعضهم فيه بالإجماع
لكن حكى الشيخ أبو حامد وتبعه الماوردي عن إسحاق بن راهويه قال هو واجب لكل صلاة
فمن تركه عامدا بطلت صلاته وعن داود أنه قال وهو واجب لكن ليس شرطا واحتج من قال
بوجوبه بورود الأمر به فعند ابن ماجة من حديث أبي أمامة مرفوعا تسوكوا ولأحمد نحوه من
حديث العباس وغير ذلك من الأحاديث قال المنذري وأخرج البخاري ومسلم فضل السواك
فقط وأخرج النسائي الفضلين وأخرج ابن ماجة فضل الصلاة وأخرج فضل السواك من
حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة وأخرج الترمذي فضل السواك من حديث أبي سلمة عن أبي
هريرة انتهى
(الجهني) المدني من مشاهير الصحابة وفضلائهم (لولا أن أشق) أي لولا مخافة المشقة
عليهم لأمرتهم به لكن لم آمر به ولم أفرض عليهم لأجل خوف المشقة (وإن السواك) أي موضع
السواك بتقدير المضاف لتصحيح الحمل كقوله تعالى ولكن البر من آمن بالله أي ولكن ذا البر
من آمن أو ولكن البر بر من آمن (من أذنه) حال من الاسم المضاف أو صفة له (موضع القلم
) بالرفع خبر إن (من أذن الكاتب) حال من الخبر أو صفة له أي أن موضع السواك الكائن من أذن زيد موضع القلم الكائن من أذن
الكاتب أي يضع السواك على أذنه موضع القلم أو تقدير أن
السواك كان موضوعا على أذنه موضع القلم الموضوع على أذن الكاتب والله أعلم (استاك) ولفظ
الترمذي فكان زيد بن خالد يشهد الصلوات
في المسجد وسواكه على أذنه موضع القلم من أذن
الكاتب لا يقوم إلى الصلاة إلا استن ثم رده إلى موضعه قال المنذري وأخرجه الترمذي
والنسائي وحديث الترمذي مشتمل على الفضلين وقال هذا حديث حسن صحيح
47

(محمد بن إسحاق) بن يسار أحد الأئمة ثقة على ما هو الحق (حبان) بفتح أوله والموحدة
(قال) أي محمد بن يحيى (قلت) لعبد الله بن عبد الله (أرأيت) معناه الاستخبار أي أخبرني عن
كذا وهو بفتح المثناة الفوقانية في الواحد والمثنى والجمع تقول أرأيت وأرأيتك وأرأيتكما
وأرأيتكم واستعمال أرأيت في الإخبار مجاز أي أخبروني عن حالتكم العجيبة ووجه المجاز أنه لما كان
العلم بالشئ سببا للإخبار عنه أو الإبصار به طريقا إلى الإحاطة به علما وإلى صحة الإخبار عنه
استعملت الصيغة التي لطلب العلم أو لطلب الإبصار في طلب الخبر لاشتراكهما في الطلب
ففيه مجازان استعمال رأي التي بمعنى علم أو أبصر في الإخبار واستعمال الهمزة التي هي لطلب
الرؤية في طلب الإخبار قال أبو حبان في النهر ومذهب البصريين أن التاء هي الفاعل وما لحقها
حرف خطاب يدل على اختلاف المخاطب ومذهب الكسائي أن الفاعل هو التاء وأن أداة
الخطاب اللاحقة في موضع المفعول الأول ومذهب الفراء أن التاء هي حرف خطاب كهي في
أنت وأن أداة الخطاب بعده هي في موضع الفاعل استعيرت فيه
ضمائر النصب للرفع ولا يلزم
عن كون أرأيت بمعنى أخبرني أن يتعدى تعديته لأن أخبرني يتعدى بعن تقول أخبرني عن زيد
وأرأيت يتعدى لمفعول به صريح وإلى جملة استفهامية هي في موضع المفعول الثاني أرأيتك زيدا ما
صنع فما بمعنى أي شئ مبتدأ وصنع في موضع الخبر ويرد على مذهب الكسائي أمران
أحدهما أن هذا الفعل يتعدى إلى مفعولين كقولك أرأيتك زيدا ما فعل فلو جعلت الكاف
مفعولا لكانت المفاعيل ثلاثة وثانيهما أنه لو كان مفعولا لكان هو الفاعل في المعنى لأن كلا من
الكاف والتاء واقع على المخاطب وليس المعنى على ذلك إذ ليس الغرض أرأيت نفسك بل
أرأيت غيرك ولذلك قلت أرأيتك زيدا وزيد ليس هو المخاطب ولا هو بدل منه وقال الفراء
كلاما حسنا رأيت أن أذكره فإنه متين نافع قال للعرب في أرأيت لغتان ومعنيان أحدهما رؤية
العين فإذا أردت هذا عديت الرؤية بالضمير إلى المخاطب وتتصرف تصرف سائر الأفعال تقول
للرجال أرأيتك على غير هذه الحال تزيد هل رأيت نفسك ثم تثنى وتجمع فتقول أرأيتما كما
أرأيتموكم أرأيتكن أرأيتك المعنى الآخر أن تقول أرأيتك وأنت تريد معنى أخبرني كقولك أرأيتك إن
فعلت كذا ماذا تفعل أي أخبرني وتترك التاء إذا أردت هذا المعنى موحدة على كل حال تقول
أرأيتكما أرأيتكم أرأيتكن وإنما تركت العرب التاء واحدة لأنهم لم يريدوا أن يكون الفعل واقعا
من المخاطب على نفسه فاكتفوا من علاقة المخاطب بذكرها في الكاف وتركوا التاء في التذكير
والتوحيد مفردة إذا لم يكن الفعل واقعا واعلم أن الناس اختلفوا في الجملة الاستفهامية الواقعة
بعد المنصوب أرأيتك زيدا ما صنع فالجمهور على أن زيدا مفعول أول والجملة بعده في محل
48

نصب سادة مسد المفعول الثاني وقال ابن كيسان إن الجملة الاستفهامية في أرأيتك زيدا
ما صنع بدل من أرأيتك وقال الأخفش إنه لا بد بعد أرأيت التي بمعنى أخبرني من الاسم
المستخبر عنه ويلزم الجملة التي بعده الاستفهام لأن أخبرني موافق لمعنى الاستفهام قاله
العلامة سليمان بن جمل في حاشيته على تفسير الجلالين
(توضئ ابن عمر) بكسر الضاد فهمزة بصورة الياء قال النووي صوابه توضؤ بضم
الضاد فهمزة بصورة الواو وهو مصدر من التفعل (طاهرا) أي سواء كان ابن عمر طاهرا (وغير
طاهر) الواو بمعنى أو (عم ذاك) بإدغام نون عن في ميم ما سؤال عن سببه (فقال) عبد الله بن
عبد الله (حدثتنيه) أي في شأن الوضوء لكل صلاة (أمر) بضم الهمزة على البناء للمجهول (فلما
شق ذلك) أي الوضوء لكل صلاة (عليه) أي على النبي صلى الله عليه وسلم وفي التوسط شرح سنن أبي داود
وهذا الأمر يحتمل كونه له خاصا به أو شاملا لأمته ويحتمل كونه بقوله تعالى إذا قمتم إلى
الصلاة فاغسلوا بأن تكون الآية على ظاهرها انتهى قلت وهكذا فهم علي رضي الله عنه
من هذه الآية أخرج الدارمي في مسنده حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا شعبة حدثنا
مسعود بن علي عن عكرمة أن سعدا كان يصلي الصلوات كلها بوضوء واحد وأن عليا كان يتوضأ
لكل صلاة وتلا هذه الآية إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الآية (أمر
بالسواك لكل صلاة) واستدل به من أوجب السواك لكل صلاة (فكان ابن عمر يرى) هذه
مقولة عبد الله بن عبد الله (أن) حرف مشبه بالفعل (به) أي بعبد الله والجار مع مجروره خبر مقدم
لأن (قوة) على ذلك وهي اسمه المؤخر والجملة قائمة مقام مفعولي يرى ولفظ أحمد في مسنده أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك
عند كل صلاة ووضع عنه الوضوء إلا من حدث وكان عبد الله بن عمر يرى أن به قوة على
ذلك كان يفعله حتى مات وظاهره أن سبب توضئ ابن عمر ورود الأمر قبل النسخ فيستدل به
على أنه إذا نسخ الوجوب بقي الجواز (لا يدع) من ودع يدع أي لا يترك وأحاديث الباب مع ما
أخرجه مالك وأحمد والنسائي وصححه ابن خزيمة وذكره البخاري تعليقا عن أبي هريرة رضي
الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء
49

تدل على مشروعية السواك عند كل وضوء وعند كل صلاة فلا حاجة إلى تقدير العبارة بأن يقال
أي عند كل وضوء صلاة كما قدرها بعض الحنفية بل في هذا رد السنة الصحيحة الصريحة
وهي السواك عند الصلاة وعلل بأنه لا ينبغي عمله في المساجد لأنه من إزالة المستقذرات
وهذا التعليل مردود لأن الأحاديث دلت على استحبابه عند كل صلاة وهذا لا يقتضي أن لا
يعمل إلا في المساجد حتى يتمشى هذا التعليل بل يجوز أن يستاك ثم يدخل المسجد للصلاة
كما روى الطبراني في معجمه عن صالح بن أبي صالح عن زيد بن خالد الجهني قال ما كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من بيته لشئ من الصلوات حتى يستاك انتهى وإن كان في المسجد
فأراد أن يصلي جاز أن يخرج من المسجد ثم يستاك ثم يدخل ويصلي ولو سلم فلا نسلم أنه من
إزالة المستقذرات كيف وقد تقدم في بيان أن زيد بن خالد الجهني كان يشهد الصلوات في
المساجد وسواكه على أذنه موضع القلم من أذن الكاتب لا يقوم إلى الصلاة إلا استن ثم رده إلى
موضعه وأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سوكهم خلف آذانهم يستنون بها لكل صلاة وأن
عبادة بن الصامت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يروحون والسواك على آذانهم
(رواه) أي الحديث المذكور بالسند المتقدم (قال) أي إبراهيم (عبيد الله) مصغرا لا مكبرا
وأخرجه بلفظ التصغير الدارمي أيضا قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق بن يسار وقد
اختلف الأئمة في الاحتجاج بحديثه انتهى
26 (باب كيف يستاك على لسانه)
(أبي بردة) أبو بردة بن أبي موسى اسمه عامر بن عبد الله بن قيس الأشعري (أبيه) أبي
موسى عبد الله بن قيس رضي الله تعالى عنه (قال) أبو موسى (نستحمله) أي نطلب من النبي صلى الله عليه وسلم
حملانه على البعير وهذا السؤال من أبي موسى حين جاء هو ونفر من الأشعريين إلى النبي صلى الله عليه وسلم
يستحملونه فخلف لا يحملهم ثم جاءه إبل فحملهم عليها وقال ((لا أحلف على يمين فأرى غيرها
50

خيرا منها إلا كفرت عن يميني)) الحديث (قال) أبو موسى (على طرف لسانه) أي طرفه الداخل كما
عند أحمد يستن إلى فوق (يقول إه إه) بهمزة مكسورة ثم هاء وفي رواية البخاري أع أع بضم
الهمزة وسكون المهملة وفي رواية النسائي بتقديم العين على الهمزة وللجوزقي بخاء معجمة بعد
الهمزة المكسورة قال الحافظ ورواية أع أع أشهر وإنما اختلف الرواة لتقارب مخارج هذه
الأحرف وكلها ترجع إلى حكاية صوته إذ جعل السواك على طرف لسانه (يعني يتهوع) وهذا
التفسير من أحد الرواة دون أبي موسى وفي مختصر المنذري أراه يعني يتهوع وفي رواية البخاري
كأنه يتهوع وهذا يقتضي أنه من مقولة أبي موسى والتهوع التقيئ أي له صوت كصوت
المتقيئ على سبيل المبالغة والحديث دليل على مشروعية السواك على اللسان طولا وأما الأسنان
فالأحب فيها أن تكون عرضا وقد تقدم بعض بيانه (قال مسدد كان) أي المذكور (اختصره)
بصيغة المضارع المتكلم قال الشيخ ولي الدين العراقي كذا في أصلنا ونقله النووي في شرحه
عن بعض النسخ ونقل عن عامة النسخ اختصرته انتهى قلت والذي في عامة النسخ هو
الصحيح قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
27 (باب في الرجل.. إلخ)
(يستن) بفتح أوله وسكون المهملة وفتح المثناة وتشديد النون من السن بالكسر أو الفتح
إما لأن السواك يمر على الأسنان أو لأنه يسنها أي يحددها يقال سننت الحديد أي حككته على
الحجر حتى يتحدد والمسن بكسر الميم الحجر الذي يمد عليه السكين وحاصل المعنى أنه كان
يستاك (أن كبر) بصيغة الأمر نائب فاعل أوحي أي أوحي إليه أن فضل السواك وحقه أن يقدم
من هو أكبر ومعنى كبر أي قدم الأكبر سنا في إعطاء السواك قال العلماء
فيه تقديم ذي
السن في السواك ويلتحق به الطعام والشراب والمشي والكلام وهذا ما لم يترتب القوم في
51

الجلوس فإذا ترتبوا فالسنة حينئذ تقديم الأيمن وفيه أن استعمال سواك الغير برضاه الصريح
أو العرفي ليس بمكروه (أعط السواك أكبرهما) الظاهر أنه تفسير من الراوي كذا في الشرح
وقال في منهية الشرح ويحتمل أن يكون من قول النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم وفي بعض نسخ
الكتاب ههنا هذه العبارة قال أحمد هو ابن حزم قال لنا أبو سعيد هو ابن الأعرابي هذا مما
تفرد به أهل المدينة انتهى
قلت أحمد هو أبو عمر أحمد بن سعيد بن حزم صرح بذلك الشيخ العلامة وجيه الدين
أبو الضياء عبد الرحمن بن علي بن عمر الديبع الشيباني في ثبته وأبو سعيد هو أحمد بن محمد بن
زياد بن بشر المعروف بابن الأعرابي أحد رواة السنن للامام أبي داود السجستاني وكانت هذه
العبارة في نسخة ابن الأعرابي فبعض النساخ لرواية اللؤلؤي اطلع على رواية ابن الأعرابي
فأدرجها في نسخة اللؤلؤي وغرض ابن الأعرابي من هذا أن هذا الحديث من متفردات أهل
المدينة لم يروه غيره قال المنذري وأخرج
مسلم معناه من حديث ابن عمر مسندا وأخرجه البخاري تعليقا
28 (باب غسل السواك)
بعد الاستعمال للنظافة ودفع ما أصابه من الفم لئلا ينفر الطبع عنه في الاستعمال مرة
أخرى
(لأغسله) أي السواك للتطيب والتنظيف (فأبدأ به) أي باستعماله في فمي قبل الغسل
ليصل بركة فم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي والحديث فيه ثبوت التبرك بآثار الصالحين والتلذذ بها وفيه أن
استعمال سواك الغير جائز وفيه استحباب غسل السواك
52

29 (باب السواك من الفطرة)
بكسر الفاء أي السنة القديمة للأنبياء السابقين
(يحيى بن معين) بفتح الميم وكسر العين المهملة أبو زكريا البغدادي ثقة حافظ مشهور
إمام الجرح والتعديل عن سفيان بن عيينة ويحيى بن سعد القطان وجماعة وعنه البخاري ومسلم
وأبو داود وأحمد وخلائق قال أحمد كل حديث لا يعرفه يحيى فليس بحديث رضي الله تعالى عنه
(عشر من الفطرة) قال الحافظ أبو سليمان الخطابي فسر أكثر العلماء الفطرة في هذا الحديث بالسنة
وتأويله أن هذه الخصال من سنن الأنبياء الذين أمرنا أن نقتدي بهم بقوله تعالى فبهداهم
اقتده وأول من أمر بها إبراهيم صلى الله عليه وسلم وذلك قوله تعالى وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات
فأتمهن قال ابن عباس أمره بعشر خصال ثم عددهن فلما فعلهن قال إني جاعلك للناس
إماما ليقتدى بك ويستن بسنتك وقد أمرت هذه الأمة بمتابعته خصوصا وبيان ذلك في قوله
تعالى ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ويقال كانت عليه فرضا وهن لنا سنة (قص
الشارب) أي قطع الشعر النابت على الشفة العليا من غير استئصال كذا في الفتح وورد الخبر
بلفظ الحلق وهي رواية النسائي عن محمد بن عبد الله بن يزيد عن سفيان بن عيينة عن الزهري
عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا ويجئ تحقيق ذلك في كتاب الخاتم إن شاء الله تعالى
(وإعفاء اللحية) هو إرسالها وتوفيرها واللحية بكسر اللام شعر الخدين والذقن وفي رواية
البخاري وفروا اللحى وفي رواية أخرى لمسلم أوفوا اللحى وكان من عادة الفرس قص
اللحية فنهى الشارع عن ذلك وأمر بإعفائها (والسواك) لأنه مطهرة الفم مرضاة للرب
(والاستنشاق بالماء) أي إيصال الماء إلى خياشيمه
يحتمل حمله على ما ورد فيه الشرع باستحبابه
من الوضوء والاستيقاظ وعلى مطلقه وعلى حال الاحتياج إليه باجتماع أوساخ في الأنف وكذا
السواك يحتمل كلا منها (وقص الأظفار) جمع ظفر أي تقليمها (البراجم) بفتح الباء وبالجيم جمع
برجمة بضم الباء وهي عقد الأصابع ومفاصلها كلها (ونتف الإبط) بكسر الهمزة والموحدة
53

وسكونها وهو المشهور وهو يذكر ويؤنث والمستحب البداءة فيه باليمنى ويتأدى أصل السنة
بالحلق ولا سيما من يؤلمه النتف قال الغزالي هو في الابتداء موجع ولكن يسهل على من
اعتاده قال والحلق كاف لأن المقصود النظافة وتعقب بأن الحكمة في نتفه أنه محل للرائحة
الكريهة وإنما ينشأ ذلك من الوسخ الذي يجتمع بالعرق فشرع فيه النتف الذي يضعفه
فتخفف الرائحة به بخلاف الحلق فإنه يكثر الرائحة وقال ابن دقيق العيد من نظر إلى اللفظ
وقف مع النتف ومن نظر إلى المعنى أجازه بكل مزيل (وحلق العانة) قال النووي المراد بالعانة
الشعر الذي فوق ذكر الرجل وحواليه وكذا الشعر الذي حوالي فرج المرأة ونقل عن أبي
العباس بن سريج أنه الشعر النابت حول حلقة الدبر فتحصل عن مجموع هذا استحباب حلق
جميع ما على القبل والدبر وحولهما لكن قال ابن دقيق العيد قال أهل اللغة العانة الشعر النابت
على الفرج وقيل هو منبت الشعر فكأن الذي ذهب إلى استحباب حلق ما حول الدبر ذكره
بطريق القياس قال والأولى في إزالة الشعر ههنا الحلق اتباعا (يعني الاستنجاء بالماء) هذا
التفسير من وكيع كما بينه قتيبة في رواية مسلم فسره وكيع بالاستنجاء وقال أبو عبيدة وغيره
انتقاص البول باستعمال الماء في غسل المذاكير قال النووي انتقاص بالقاف والصاد هو
الانتضاح وقد جاء في رواية الانتضاح بدل انتقاص الماء قال الجمهور الانتضاح نضح
الفرج بماء قليل بعد الوضوء لينفي عنه الوسواس انتهى وقال في القاموس الانتفاص بالفاء
رش الماء من خلل الأصابع على الذكر والانتقاص بالقاف مثله واستدل به على أن في الماء
خاصية قطع البول (أن تكون) العاشرة (المضمضة) فهذا شك
من مصعب في العاشرة لكن قال
القاضي عياض ولعلها الختان المذكور مع الخمس قال النووي وهو أولى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي
والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي هذا حديث حسن
(عن سلمة) المدني مجهول الحال (قال موسى) بن إسماعيل (عن أبيه) محمد بن عمار بن ياسر
العنسي ذكره ابن حبان في الثقاة قال المنذري في تلخيصه وحديث سلمة بن محمد عن أبيه مرسل
لأن أباه ليست له صحبة انتهى (وقال داود عن عمار بن ياسر) قال المنذري وحديثه عن جده
54

عمار قال ابن معين مرسل وقال إنه لم ير جده انتهى وعمار بن ياسر صحابي جليل
والحاصل أن سلمة بن محمد بن عمار إن روى عن أبيه فالحديث مرسل لأن محمد بن عمار لم يثبت له
صحبة وإن روى عن جده عمارا (فذكر نحوه) أي ذكر عمار بن ياسر ومحمد نحو حديث عائشة
وتمام حديث عمار بن ياسر على ما جاء في رواية ابن ماجة قال من الفطرة المضمضة والاستنشاق
والسواك وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط والاستحداد وغسل البراجم والانتضاح
والاختتان (ولم يذكر) أحدهما في حديثه (وزاد) أحدهما (قال) أي أحدهما وحاصل الكلام أن
الحديث ليس فيه ذكر إعفاء اللحية وانتقاص الماء وزاد فيه الختان والانتضاح وهو نضح الفرج
بماء قليل بعد الوضوء لينتفي عنه الوسواس (وروي) بالبناء للمجهول (نحوه) أي نحو حديث
سلمة بن محمد (الفرق) بفتح الفاء وسكون الراء هو أن يقسم رأسه نصفا من
يمينه ونصفا من يساره (ولم يذكر) ابن عباس وهذا الأثر وصله عبد الرزاق في تفسيره والطبري من طريقه بسند
صحيح واللفظ لعبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس وإذ ابتلى
إبراهيم ربه بكلمات قال ابتلاه الله بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد في الرأس قص
الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس وفي الجسد تقليم الأظفار وحلق العانة
والختان ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء (روي) بالبناء للمجهول (قولهم) مفعول ما لم
يسم فاعله (روي) أي قول طلق بن حبيب ومجاهد وبكر المزني موقوفا عليهم دون متصل مرفوع
(ولم يذكروا) هؤلاء في حديثهم (نحوه) أي نحو حديث محمد بن عبد الله (وذكر) أي إبراهيم في
روايته قال المنذري وأخرجه ابن ماجة
55

30 (باب السواك.. إلخ)
(إذا قام من الليل) ظاهر قوله من الليل عام في كل حالة ويحتمل أن يخص بما إذا قام للصلاة
ويدل عليه رواية البخاري في الصلاة بلفظ إذا قام للتهجد ولمسلم نحوه وكذا في
ابن ماجة في الطهارة (يشوص) بفتح الياء وضم الشين المعجمة وبالصاد المهملة دلك الأسنان بالسواك
عرضا قاله ابن الأعرابي والخطابي وغيرهما وقيل هو الغسل قاله الهروي وغيره وقيل غير
ذلك قال النووي أظهرها الأول وما في معناه (فاه بالسواك) لأن النوم يقتضي تغير الفم
فيستحب تنظيفه عند مقتضاه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة
(وضوؤه) بفتح الواو أي ماء يتوضأ به (تخلى) أي قضى حاجته قال المنذري وفي إسناده
بهز بن حكيم بن معاوية وفيه مقال (عن علي بن زيد) بن جدعان فيه مقال
(عن أم محمد) واسمها أمية أو أمينة هي زوجة
زيد بن جدعان تفرد عنها ربيبها علي بن زيد مجهولة (لا يرقد) بضم القاف أي لا ينام قال في
المصباح رقد نام ليلا كان أو نهارا وبعضهم يخصه بنوم الليل والأول هو الحق انتهى قال
المنذري في إسناده علي بن زيد
بن جدعان
ولا يحتج به
56

(بت) متكلم من بات أي نمت (طهوره) بفتح الطاء ما يتطهر به (ثم تلا) أي قرأ بعد
الاستياك (هذه الآيات) من سورة آل عمران إن في خلق السماوات والأرض وما فيهما من
العجائب واختلاف الليل والنهار بالمجئ والذهاب والزيادة والنقصان لآيات دلالات
لأولي الألباب لذوي العقول (أو) شك من ابن عباس (مصلاه) أي في المكان الذي اتخذه
لصلاته (ثم استيقظ ففعل مثل ذلك) فصار مجموع صلاته صلى الله عليه وسلم ست ركعات (كل ذلك يستاك
ويصلي ركعتين) هذا تفسير لقوله مثل ذلك (ثم أوتر) أخرج المؤلف في باب صلاة الليل من رواية
عثمان أوتر بثلاث ركعات (رواه) أي الحديث المذكور (قال) أي ابن عباس (حتى ختم السورة
) من غير شك قال المنذري وأخرجه مسلم مطولا والنسائي مختصرا وأخرجه أبو داود في
الصلاة من رواية كريب عن ابن عباس بنحوه أتم منه ومن ذلك الوجه أخرجه البخاري ومسلم
والترمذي والنسائي وابن ماجة مطولا ومختصرا انتهى
(قال) أي شريح (بأي شئ كان يبدأ) من الأفعال (بالسواك) فيه بيان فضيلة السواك في
جميع الأوقات وشدة الاهتمام
به وتكراره لعدم تقييده
بوقت الصلاة والوضوء والحديث
أخرجه الجماعة إلا البخاري والترمذي واعلم أن هذا الحديث ليس في عامة النسخ وكذا ليس
في مختصر المنذري ولا الخطابي وإنما وجد في بعض النسخ المطبوعة ففي بعضها في هذا الباب
57

أي في باب السواك لمن قام بالليل وفي بعضها في باب الرجل يستاك بسواك غيره ولا يخفى أنه لا
يطابق الحديث ترجمة البابين فرجعت إلى جامع الأصول للحافظ بن الأثير فلم أجد هذا الحديث
فيه من رواية أبي داود بل فيه من رواية مسلم وأما الإمام ابن تيمية فنسبه في المنتقى إلى الجماعة
إلا البخاري والترمذي وكذا الشيخ كمال الدين الدميري في ديباجة حاشية ابن ماجة نسبه إلى ابن
ماجة وغيره فازداد إشكالا ثم من الله علي بمطالعة تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف للحافظ جمال
الدين المزي فرأيته أنه نسبه إلى مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجة وقال حديث أبي داود في
رواية أبي بكر بن داسة انتهى فعلم أن وجه عدم مطابقة الحديث ترجمة البابين هو أن الحديث
ليس في رواية اللؤلؤي أصلا وإنما درجه الناسخ فيها من رواية ابن داسة فخلط والله أعلم
ويمكن أن يقال في وجه المناسبة إنه إذا كان يستاك عند دخوله البيت بغير تقييد بوقت الصلاة
والوضوء فبالأولى أن يستاك إذا قام من الليل للصلاة
31 (باب فرض الوضوء)
أي الوضوء فرض لا تصح الصلاة بدونه
(من غلول) ضبطه النووي ثم ابن سيد الناس بضم الغين المعجمة قال أبو بكر بن
العربي الغلول الخيانة خفية فالصدقة من مال حرام في عدم القبول واستحقاق العقاب
كالصلاة بغير طهور انتهى وقال القرطبي في المفهم الغلول هو الخيانة مطلقا والحرام وقال
النووي الغلول الخيانة وأصله السرقة من مال الغنيمة قبل القسمة انتهى (بغير طهور) قال
ابن العربي في عارضة الأحوذي قراءته بفتح الطاء وهو بضمها عبارة عن الفعل وبفتحها عبارة عن
الماء وقال ابن الأثير الطهور بالضم التطهر وبالفتح الماء الذي
يتطهر به قال السيوطي وقال
سيبويه الطهور بالفتح يقع على الماء والمصدر معا فعلى هذا يجوز أن يكون الحديث بفتح الطاء
وضمها والمراد التطهر انتهى وضبطه ابن سيد الناس بضم الطاء لا غير وقال أبو بكر
بن العربي قبول الله العمل هو رضاه وثوابه عليه قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجة
وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجة من حديث ابن عمر رضي الله عنهما والصلاة في حديث
جميعهم مقدمة على الصدقة انتهى
58

(إذا أحدث) أي وجد منه الحدث الأكبر كالجنابة والحيض أو الأصغر الناقض للوضوء
(حتى يتوضأ) أي إلى أن يتوضأ بالماء أو ما يقوم مقامه فتقبل حينئذ وفيه دليل على بطلان الصلاة
بالحدث سواء كان خروجه اختياريا أو اضطراريا لعدم التفرقة بين حدث وحدث وحالة دون
حالة قاله القسطلاني قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي
(عن ابن عقيل) بفتح العين وكسر القاف هو عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب أبو
محمد المدني (عن محمد بن الحنفية) هو محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو محمد الإمام
المعروف بابن الحنفية أن خولة بنت جعفر الحنفية نسب إليها وكانت من سبي اليمامة الذين سباهم
أبو بكر وقيل كانت أمة لبني حنيفة ولم تكن من أنفسهم (مفتاح الصلاة الطهور) بالضم وبفتح
59

والمراد به المصدر وسمي النبي صلى الله عليه وسلم الطهور مفتاحا مجازا لأن الحدث مانع من الصلاة فالحدث
كالقفل موضوع على المحدث حتى إذا توضأ انحل الغلق وهذه استعارة بديعة لا يقدر عليها إلا
النبوة وكذلك قوله مفتاح الجنة الصلاة لأن أبواب الجنة مغلقة يفتحها الطاعات
وركن الطاعات الصلاة قاله ابن العربي قال النووي وأجمعت الأمة على تحريم الصلاة بغير طهارة من ماء أو
تراب ولا فرق بين الصلاة المفروضة والنافلة وسجود التلاوة والشكر وصلاة الجنازة إلا ما حكي
عن الشعبي ومحمد بن جرير الطبري من قولهما تجوز صلاة الجنازة بغير طهارة وهذا مذهب
60

باطل وأجمع العلماء على خلافه ولو صلى محدثا متعمدا بلا عذر أثم ولا يكفر عندنا وعند
الجماهير وحكي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه يكفر لتلاعبه انتهى (وتحريمها التكبير وتحليلها
61

التسليم) قال ابن مالك إضافة التحريم والتحليل إلى الصلاة لملابسة بينهما لأن التكبير يحرم ما
كان حلالا في خارجها والتسليم يحلل ما كان حراما فيها وقال بعض العلماء سمي الدخول في
62

الصلاة لأنه يحرم الأكل والشرب وغيرهما على المصلي ويمكن أن يقال إن التحريم بمعنى
الإحرام أي الدخول في حرمتها فالتحليل بمعنى الخروج عن حرمتها قال السيوطي قال
الرافعي وقد روى محمد بن أسلم في مسنده هذا الحديث بلفظ وإحرامها التكبير وإحلالها
63

التسليم قال الحافظ أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي قوله تحريمها التكبير
يقتضي أن تكبيرة الإحرام جزء من أجزائها كالقيام والركوع والسجود خلافا لسعيد والزهري فإنهما يقولان إن
الإحرام يكون بالنية وقوله التكبير يقتضي اختصاص إحرام الصلاة بالتكبير دون غيره من
64

صفات تعظيم الله تعالى وهو تخصيص لعموم قوله وذكر اسم ربه فصلى فخص التكبير بالسنة
من الذكر المطلق في القرآن لا سيما وقد اتصل في ذلك فعله بقوله فكان يكبر صلى الله عليه وسلم ويقول الله
أكبر وقال أبو حنيفة يجوز بكل لفظ فيه تعظيم الله تعالى لعموم القرآن وقال الشافعي ويجوز
65

بقولك الله الأكبر وقال أبو يوسف يجوز بقولك الله الكبير أما الشافعي فأشار إلى أن الألف
واللام زيادة لم تخل باللفظ ولا بالمعنى وأما أبو يوسف فتعلق بأنه لم يخرج من اللفظ الذي هو
التكبير قلنا لأبي يوسف إن كان لا يخرج من اللفظ الذي هو في الحديث فقد خرج من اللفظ
66

الذي جاء به الفعل ففسر المطلق في القول وذلك لا يجوز في العبادات التي لا يتطرق إليها
التعليل وبهذا يرد على الشافعي أيضا فإن العبادات إنما تفعل على الرسم الوارد دون نظر إلى
شئ من المعنى وقوله تحليلها التسليم مثله في حصر الخروج عن الصلاة في التسليم دون غيره
67

من سائر الأفعال والأقوال المناقضة للصلاة خلافا لأبي حنيفة حيث يرى الخروج منها بكل فعل
وقول مضاد كالحدث وغيره حملا على السلام وقياسا عليه وهذا يقتضي إبطال الحصر انتهى
68

بتلخيصه قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجة وقال الترمذي: 6 هذا الحديث أصح شئ في
الباب وأحسن انتهى
69

32 (باب الرجل يجدد)
من التجديد وفي بعض النسخ يحدث من الإحداث وهما بمعنى واحد
(قال) أبو غطيف (نودي) أذن (فقلت له) أي لابن عمر في تكراره الوضوء مع كونه متوضئا
(فقال) ابن عمر (على ظهر) أي مع كونه طاهرا (كتب له عشر حسنات) قال ابن رسلان في
شرحه يشبه أن يكون المراد كتب الله به عشرة وضوءات فإن أقل ما وعد به من الأضعاف
الحسنة بعشر أمثالها وقد وعد بالواحدة سبعمائة ووعد ثوابا بغير حساب قال المنذري وأخرجه
الترمذي وابن ماجة وقال الترمذي هذا إسناد ضعيف
(وهو أتم) أي أكمل وأزيد من حديث
محمد بن يحيى وحديث محمد بن يحيى أنقص من حديث مسدد وهذا لا ينافي قوله وأنا
لحديث ابن يحيى أضبط لأن الضبط هو الإتقان والحفظ ولا منافاة بين الإتقان والحفظ وبين
الكمال والزيادة فيجوز أن يكون الشئ أكمل وأزيد ولا يكون أشد محفوظية وكذا يجوز أن
يكون الشئ أشد محفوظية ولا يكون أكمل وأزيد
33 (باب ما ينجس الماء)
مضارع معلوم من باب التفعيل أي أي شئ ينجس الماء فعلم من الحديث أن كون
الماء أقل من القلتين ينجسه بوقوع النجاسة فيه
70

(عن الماء وما ينوبه) هو بالنون أي يرد عليه نوبة بعد نوبة وحاصله أي ما حال الماء
الذي تنوبه الدواب والسباع أي يشرب منها ويبول ويلقي الروث فيها (قلتين) القلة بضم القاف
وتشديد اللام بمعنى الجرة العظيمة روى الدارقطني في سننه بسند صحيح عن عاصم بن المنذر
أنه قال القلال هي الخوابي العظام وقال في التلخيص قال إسحاق بن راهويه الخابية تسع
ثلاث قرب وعن إبراهيم قال القلتان الجرتان الكبيرتان وعن الأوزاعي قال القلة ما تقله
اليد أي ترفعه وأخرج البيهقي من طريق ابن إسحاق قال القلة الجرة التي تستقي فيها الماء
والدورق ومال أبو عبيد في كتاب الطهور إلى تفسير عاصم بن المنذر وهو أولى وروى علي بن
الجعد عن مجاهد قال القلتان الجرتان ولم يقيدهما بالكبر وعن عبد الرحمن بن مهدي ووكيع
ويحيى بن آدم مثله رواه ابن المنذر انتهى (لم يحمل الخبث) بفتحتين النجس ومعناه لم ينجس
بوقوع النجاسة فيه كما فسرته الرواية الآتية إذا بلغ الماء قلتين فإنه لا ينجس وتقدير المعنى لا يقبل
النجاسة بل يدفعها عن نفسه ولو كان المعنى أنه يضعف عن حمله لم يكن للتقييد بالقلتين معنى
فإن ما دونهما أولى بذلك وقيل معناه لا يقبل حكم النجاسة كما في قوله تعالى مثل الذين حملوا
التوراة ثم لم يحملوها أي لم يقبلوا حكمها (هذا لفظ ابن العلاء) أي قال محمد بن العلاء في
روايته محمد بن جعفر بن الزبير (محمد بن عباد بن جعفر) مكان محمد بن جعفر بن الزبير
وحاصله الاختلاف على الوليد بن كثير فقيل عنه عن محمد بن جعفر بن الزبير وقيل عنه عن
محمد بن عباد بن جعفر (وهو الصواب) أي محمد بن عباد هو الصواب واعلم أنه قد اختلف
الحفاظ في هذا الاختلاف بين محمد بن عباد ومحمد بن جعفر فمنهم من ذهب إلى الترجيح فقال
المؤلف حديث محمد بن عباد هو الصواب وذكر عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب العلل عن
أبيه أنه قال محمد بن عباد بن جعفر ثقة ومحمد بن جعفر بن الزبير ثقة والحديث لمحمد بن
جعفر بن الزبير أشبه وقال ابن منده واختلف على أبي أسامة فروي عنه عن الوليد بن كثير عن
محمد بن عباد بن جعفر وقال مرة عن محمد بن جعفر بن الزبير وهو الصواب لأن عيسى بن
يونس رواه عن الوليد بن كثير عن محمد
بن جعفر
بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن
أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل فذكره وأما الدارقطني فإنه جمع بين الروايتين فقال ولما اختلف على أبي
71

أسامة في إسناده أحببنا أن نعلم من أتى بالصواب في ذلك فوجدنا شعيب بن أيوب قد رواه عن
أبي أسامة عن الوليد بن كثير على الوجهين جميعا عن محمد بن جعفر بن الزبير ثم أتبعه عن
محمد بن عباد بن جعفر فصح القولان جميعا عن أبي أسامة وصح أن الوليد بن كثير رواه عن
محمد بن جعفر بن الزبير وعن محمد بن عباد بن جعفر جميعا فكان أبو أسامة يحدث به عن
الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير ومرة يحدث به عن الوليد عن محمد بن عباد بن
جعفر وكذلك البيهقي قاله الزيلعي
قلت هو جمع حسن والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة والشافعي وأحمد
وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي قال الحاكم صحيح على شرطهما وقد
احتجا بجميع رواته وقال ابن منده إسناده على شرط مسلم ومداره على الوليد بن كثير فقيل
عنه عن محمد بن جعفر بن الزبير وقيل عنه عن محمد بن عباد بن جعفر وتارة عن عبيد الله بن
عبد الله بن عمر وتارة عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر والجواب أن هذا ليس اضطرابا
قادحا فإنه على تقدير أن يكون الجميع محفوظا انتقال من ثقة إلى ثقة وعند التحقيق الصواب
أنه عند الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عبد الله بن عمر المكبر وعن
محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر المصغر ومن رواه على غير هذا الوجه
فقد وهم كذا في التلخيص
(عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر) فكلاهما أي حماد بن سلمة ويزيد بن زريع
يرويان عن محمد بن إسحاق كذا في منهية الشرح (ابن الزبير) مكان محمد بن جعفر أي قال
أبو كامل بإسناده إلى محمد بن إسحاق عن ابن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله وأما موسى بن
إسماعيل فقال بإسناده إلى محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر عن عبيد الله بن عبد الله ففي
رواية أبي كامل نسب محمد بن جعفر إلى جده وفي رواية موسى بن إسماعيل نسب إلى أبيه ويحتمل
أن أبا كامل قال في روايته محمد بن جعفر بن الزبير بذكر والد جعفر أي الزبير وقال موسى
محمد بن جعفر بغير ذكر والد جعفر والله أعلم كذا في منهية غاية المقصود (الفلاة) بفتح الفاء
الأرض لا ماء فيها والجمع فلا مثل حصاة وحصى (فذكر معناه) أي مثل الحديث الأول
72

(قلتين) والمراد من القلال قلال هجر لكثرة استعمال العرب لها في أشعارهم كما قال أبو عبيد
في كتاب الطهور وكذلك ورد التقيد بها في الحديث الصحيح قال البيهقي في معرفة السنن
والآثار قلال هجر كانت مشهورة عند أهل الحجاز ولشهرتها عندهم شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى
ليلة المعراج من نيق سدرة المنتهى بقلال هجر فقال مثل آذان الفيلة وإذا نبقها مثل قلال هجر
واعتذار الطحاوي في ترك الحديث أصلا بأنه لا يعلم مقدار القلتين لا يكون عذرا عند من علمه
انتهى (فإنه) أي الماء (لا ينجس) بفتح الجيم وضمها وهذا مفسر لقوله صلى الله عليه وسلم يحمل الخبث قال
المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وسئل يحيى بن معين عن حديث حماد بن سلمة
عن عاصم بن المنذر فقال هذا جيد الإسناد فقيل له فإن ابن علية لم يرفعه قال يحيى وإن لم
يحفظه ابن علية فالحديث حديث جيد الإسناد وقال أبو بكر البيهقي وهذا إسناد صحيح
موصول انتهى (حماد بن زيد وقفه عن عاصم) قال الدارقطني في سننه خالفه حماد بن زيد
فرواه عن عاصم بن المنذر عن أبي بكر بن عبيد الله
بن عبد الله بن عمر عن أبيه موقوفا غير
مرفوع وكذلك رواه إسماعيل بن علية عن عاصم بن المنذر عن رجل لم يسمه عن ابن عمر
موقوفا أيضا انتهى
73

وقد سلف آنفا ما يجاب عن هذا واعلم أن حديث القلتين صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومعمول به قال يحيى بن معين جيد الإسناد وقال البيهقي إسناد صحيح موصول وصححه
الدارقطني وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال ابن منده هو صحيح على شرط مسلم وقال
الترمذي في جامعه قال أبو عيسى وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق قالوا إذا كان الماء قلتين لم
ينجسه شئ ما لم يتغير ريحه أو طعمه وقالوا يكون نحوا من خمس قرب وفي المحلى شرح
الموطأ وقال الشافعي ما بلغ القلتين فهو كثير لا ينجس بوقوع النجاسة وبه قال إسحاق وأبو
عبيد وأبو ثور وجماعة من أهل الحديث منهم ابن خزيمة انتهى وأما الجرح في حديث القلتين كما
ذهب إليه الحافظ بن عبد البر والقاضي إسماعيل بن إسحاق وغيرهما فلا يقبل جرحهم إلا ببيان
واضح وحجة بالغة وقد حقق شيخنا العلامة الأجل الأكمل السيد محمد نذير حسين المحدث
الدهلوي هذا المبحث بما لا مزيد عليه وقال في آخره وبهذا التحقيق اندفع ما قال بعض قاصري
الأنظار المعذورين في بعض الحواشي على بعض الكتب ولا يخفى أن الجرح مقدم على التعديل
74

فلا يدافعه تصحيح بعض المحدثين له من ذكره ابن حجر وغيره ووجه الاندفاع لا يخفى عليك
بعد التأمل الصادق ألا ترى أن تقديم الجرح على التعديل فرع لوجود الجرح وقد نفيناه لعدم
وجود وجهه وجعلناه هباء منثورا فأين المقدم وأين التقديم وإن سلمنا أن وجه الاضطراب في
الإسناد والمتن والمبنى فقد نفينا الاضطراب في الإسناد وسننفي الأخيرين وقد قال الشيخ محب الله
البهاري في المسلم إذا تعارض الجرح والتعديل فالتقديم للجرح مطلقا وقيل بل للتعديل عند
زيادة المعدلين ومحل الخلاف إذا أطلقا أو عين الجارح شيئا لم ينفعه المعدل أو نفاه لا بيقين وأما
إذا نفاه يقينا فالمصير إلى الترجيح اتفاقا وقال العلوي في حاشيته على شرح النخبة نعم إن عين
سببا نفاه المعدل بطريق معتبر فإنهما يتعارضان انتهى فثبت صلوح معارضة الجرح للتعديل
ثم الترجيح للتعديل لجودة الأسانيد من حيث ثقات الرواة انتهى كلامه
...................
75

...................
76

...................
77

...................
78

...................
79

...................
80

...................
81

...................
82

...................
83

...................
84

...................
85

...................
86

34 (باب ما جاء في بئر بضاعة)
هي دار بني ساعدة بالمدينة وهم بطن من الخزرج وأهل اللغة يضمون الباء ويكسرونها
والمحفوظ في الحديث الضم كذا في المفاتيح. وقال في البدر المنير بضاعة: قيل هو اسم لصاحب
البئر وقيل: هو اسم لموضعها وهي بئر بالمدينة بصق رسول الله صلى الله عليه وسلم وبرك وتوضأ في دلو ورده
فيها وكان إذا مرض مريض يقول له: اغتسل بمائها فيغتسل فكأنما نشط من عقال وهي في دار
بني ساعدة مشهورة انتهى.
(إنه) الضمير للشأن (يطرح) أي يلقي (الحيض) بكسر الحاء جمع حيضة بكسر الحاء مثل
سدر وسدرة وهي الخرقة التي تستعملها المرأة في دم الحيض (والنتن) بنون مفتوحة وتاء مثناة من
فوق ساكنة ثم نون قال ابن رسلان في شرح السنن وينبغي أن يضبط بفتح النون وكسر التاء وهو الشئ الذي له رائحة كريهة من قولهم نتن الشئ بكسر التاء
ينتن بفتحها فهو نتن انتهى
يعني أن الناس يلقون الحيض ولحوم الكلاب والنتن في الصحارى خلف بيوتهم فيجري عليها
المطر ويلقيها الماء إلى تلك البئر لأنها في ممر الماء وليس معناه أن الناس يلقونها فيها لأن هذا مما لا
88

يحوزه كافر فكيف يجوز الصحابة رضي الله عنهم كذا قالوا (الماء) اللام فيه للعهد يعني أن الماء
الذي وقع السؤال عنه (طهور) بضم الطاء (لا ينجسه شئ) لكثرته فإن بئر بضاعة كان بئرا كثير
الماء يكون ماؤها أضعاف قلتين لا يتغير بوقوع هذه الأشياء والماء الكثير لا ينجسه شئ ما لم
يتغير قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وتكلم فيه بعضهم وحكى عن الإمام
أحمد بن حنبل أنه قال حديث بئر بضاعة صحيح وقال الترمذي هذا حديث حسن وجود
أبو أسامة هذا الحديث لم يرو حديث أبي سعيد في بئر بضاعة أحسن مما روى أبو أسامة وقد روي
هذا الحديث من غير وجه عن أبي سعيد انتهى (قال بعضهم عبد الرحمن بن رافع) أي
مكان عبد الله بن رافع فعبيد الله مولى عبد الله أو ابن عبد الرحمن
(الحرانيان) أي أحمد وعبد العزيز وكلاهما الحرانيان وهو بالفتح والتشديد نسبة إلى
حران مدينة بالجزيرة (سلمة) بفتح اللام قال النووي سلمة كله بفتح اللام إلا عمرو بن
سلمة إمام قومه وبني سلمة القبيلة من الأنصار فبكسرها انتهى (عن سليط) بفتح السين
وكسر اللام هو ابن أيوب بن الحكم الأنصاري المدني عن عبد الرحمن بن أبي سعيد وعنه
خالد بن أيوب وثقه ابن حبان (العدوي) بالعين والدال المهملتين منسوب إلى عدي بن
يزيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بطن من الأنصار وهذا ذكر الخاص بعد العام
وهو صفة الرافع (وهو) أي النبي صلى الله عليه وسلم والجملة حال (إنه) ضمير الشأن أو الماء الذي يفهم من
السياق (يستقى لك) بصيغة للمجهول أي يخرج لك الماء (وهي) أي بئر بضاعة (والمحائض)
عطف على اللحوم قيل هو جمع المحيض وهو مصدر حاض ويقع المحيض على المصدر والزمان
والمكان والدم (وعذر الناس) بفتح العين المهملة وكسر الذال المعجمة جمع عذرة ككلمة وكلم
وهي الغائط
89

قال الإمام الحافظ الخطابي قد يتوهم كثير من الناس إذا سمع هذا الحديث أن هذا كان
منهم عادة وأنهم كانوا يأتون هذا الفعل قصدا وتعمدا وهذا مما لا يجوز أن يظن بذمي بل بوثني
فضلا عن مسلم فلم يزل من عادة الناس قديما وحديثا مسلمهم وكافرهم تنزيه المياه وصونها
عن النجاسات فكيف يظن بأهل ذلك الزمان وهم أعلى طبقات أهل الدين وأفضل جماعة
المسلمين والماء ببلادهم أعز والحاجة إليه أمس أن يكون هذا صنعهم بالماء وقد لعن
رسول الله صلى الله عليه وسلم من تغوط في موارد الماء ومشارعه فكيف من اتخذ عيون الماء ومنابعه رصدا
للأنجاس ومطرحا للأقذار ولا يجوز فيهم مثل هذا الظن ولا يليق بهم وإنما كان ذلك من أجل
أن هذا البئر موضعها في حدور من الأرض وأن السيول كانت تكشح ما هذه الأقذار من الطرق
والأفنية وتحملها وتلقيها فيها وكان لكثرته لا يؤثر فيه هذه الأشياء ولا تغيره فسألوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شأنها ليعلموا حكمها في النجاسة والطهارة (إن الماء طهور لا ينجسه شئ
) قال في التوسط استدل به على عدم تنجسه إلا بالمغير وأجاب
الطحاوي بأن بئر بضاعة كانت
طريقا إلى البساتين فهو كالنهر وحكاه عن الواقدي وضعف بأن الواقدي مختلف فيه فمكذب
له وتارك ومضعف وقيل كذاب احتال في إبطال الحديث نصرة للرأي فإن بئر بضاعة مشهورة في
الحجاج بخلاف ما حكي عن الواقدي وما روى ابن أبي شيبة أن زنجيا وقع في بئر زمزم فأمر
بنزح الماء ضعفها البيهقي وروي عن سفيان بن عيينة قال أنا بمكة سبعين سنة لم أر أحدا
صغيرا ولا كبيرا يعرف حديث الزنجي وحديث بئر بضاعة هذا لا يخالف حديث القلتين إذ
كان معلوما أن الماء في بئر بضاعة يبلغ القلتين إذ أحد الحديثين يوافق الآخر ولا يناقصه
والخاص يقضي على العام ويبينه ولا ينسخه ولا يبطله قاله الخطابي
(قيم) بفتح القاف وتشديد الياء المكسورة أي من كان يقوم بأمر البئر ويحافظها (العانة)
قال أهل اللغة هي موضع منبت الشعر فوق قبل الرجل والمرأة (فإذا نقص) ماؤها فما يكون
مقدار الماء (دون العورة) قال ابن رسلان يشبه أن يكون المراد به عورة الرجل أي دون الركبة
لقوله صلى الله عليه وسلم عورة الرجل ما بين سرته وركبته (بردائي) متعلق بقدرت أن (مددته عليها) أي بسطت
ردائي على البئر وهذه كيفية تقديرها ولم يسهل تقديرها إلا بهذه الكيفية (ثم ذرعته) أي ردائي
بعد مدة (فإذا عرضها) أي بئر بضاعة (ستة أذرع) جمع ذراع وهو من المرفق إلى أطراف
90

الأصابع قال أبو داود (سألت الذي فتح لي باب البستان) وكانت البئر في ذلك البستان (هل غير
) على البناء للمجهول (بناؤها) أي بئر بضاعة (عما كانت عليه) الضمير المجرور يرجع إلى ما
الموصولة والمراد من ما الحالة والعمارة التي كانت البئر عليها وجملة هل غير مع متعلقها المفعول الثاني
لسألت (قال) محافظها (لا) أي لم يغير بناؤها قال أبو داود (ورأيت فيها ماء متغير اللون) قال
النووي يعني بطول المكث وأصل المنبع لا بوقوع شئ أجنبي فيه انتهى وإنما فسرنا بذلك لأنه
قال ابن المنذر أجمع العلماء على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغير له طعما أو لونا
أو ريحا فهو نجس أما حديث الباب فقال الحافظ في تلخيص الحبير أخرجه الشافعي وأحمد
وأصحاب السنن والدارقطني والحاكم والبيهقي من حديث أبي سعيد قال الترمذي حديث
حسن وقد جوده أبو أسامة وصححه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو محمد بن حزم وزاد في
البدر المنير والحاكم وآخرون من الأئمة الحفاظ قال الحافظ ونقل ابن الجوزي أن الدارقطني
قال إنه ليس بثابت ولم نر ذلك في العلل له ولا في السنن قلت وقال في كشف المناهج وقول
الدارقطني هذا الحديث غير ثابت غير مسلم له وقول الإمام أحمد وغيره ممن صححه مقدم على
الدارقطني انتهى
35 (باب الماء لا يجنب)
(بعض أزواج) وهي ميمونة رضي الله تعالى عنها لما أخرجه الدارقطني وغيره من حديث ابن
عباس عن ميمونة قالت أجنبت فاغتسلت من جفنة ففضلت فيها فضلة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم
يغتسل منه فقلت له فقال الماء ليس عليه جنابة واغتسل منه (في جفنة) بفتح الجيم وسكون
الفاء قصعة كبيرة وجمعه جفان (
أو يغتسل) الظاهر أن الشك من بعض الرواة لا من ابن عباس
91

لأن المروي عنه من غير طرق بتعيين لفظ يغتسل من غير شك (إني كنت جنبا) وقد اغتسلت منها
وهو بضم الجيم والنون والجنابة معروفة يقال منها أجنب بالألف وجنب على وزن قرب فهو
جنب ويطلق على الذكر والأنثى والمفرد والتثنية والجمع (إن الماء لا يجنب) قال في القاموس
جنب أي كمنع وجنب أي كفرح وجنب أي ككرم فيجوز فتح النون وكسرها ويصح من أجنب
يجنب وهو إصابة الجنابة وجاء في الأحاديث الأخرى أن الانسان لا يجنب وكذا الثوب
والأرض ويريد أن هذه الأشياء لا يصير شئ منها جنبا يحتاج إلى الغسل لملامسة الجنب قال في
المتوسط واحتج بحديث الباب على طهورية الماء المستعمل وأجيب بأنه اغترف منه ولم ينغمس
إذ يبعد الاغتسال داخل الجفنة عادة وفي بمعنى من فيستدل به على أن المحدث إذا غمس يده في
الإناء للاغتراف من غير رفع الحدث عن يده لا يصير مستعملا قال المنذري وأخرجه الترمذي
والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح
36 (باب البول في الماء الراكد)
ركد ركودا من باب قعد أي سكن وأركدته أسكنته وركدت السفينة أي وقفت فلا
تجري (في حديث هشام) أي فيما حدثنا به عن هشام أو عن حديث هشام ففي بمعنى عن ويدل
لذلك رواية الدارمي في مسنده حدثنا أحمد بن عبد الله حدثنا زائدة عن هشام عن محمد الحديث
قال صاحب القاموس في منظومته في اصطلاح الحديث
الحمد لله العلى الأحد ثم الصلاة للنبي أحمد
قال شارحها السيد العلامة سليمان بن يحيى بن عمر الأهدل قوله للنبي أحمد اللام بمعنى
على كما في قوله تعالى ويخرون للأذقان أي عليها وقال ولده السيد العلامة عبد الرحمن بن
سليمان في حاشيته على شرح والده المذكور قوله إن اللام بمعنى على
هذا إنما يأتي على مذهب
الكوفيين وابن مالك القائلين أن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض بقياس وقال شيخنا
العلامة حسين بن محسن وفي القرآن والحديث وكلام العرب كثير من هذا النوع (لا يبولن) بلا
النهي والنون الثقيلة (في الماء الدائم) الساكن الذي لا يجري (ثم يغتسل منه) أي من الماء الدائم
الذي بال فيه ثم يغتسل عطف على الفعل المنفي وثم استبعادية أي بعيد من العاقل أن يجمع
92

بينهما والحديث وإن دل بظاهره على منع الجمع بين البول والاغتسال فيه لا على المنع من كل
واحد منهما بانفراده ولكن الحديث الآتي يدل على المنع من كل واحد منهما بانفراده أيضا وإن كان
الماء كثيرا جاريا لم يحرم البول فيه بمفهوم الحديث قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي
وأخرجه البخاري من حديث الأعرج عن أبي هريرة وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي من
حديث همام بن منبه عن أبي هريرة ولفظ الترمذي وفي لفظ النسائي ثم يتوضأ منه انتهى
(لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة) وهذا الحديث صريح المنع من
كل واحد من البول والاغتسال فيه على انفراده كما مر وأخرج مسلم وغيره عن أبي هريرة أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم وهو جنب فقالوا يا أبا هريرة كيف يفعل قال
يتناوله تناولا وقد استدل بهذه الأحاديث على أن الماء المستعمل يخرج عن كونه أهلا للتطهير لأن
النهي ههنا عن مجرد الغسل فدل على وقوع المفسدة بمجرده وحكم الوضوء حكم الغسل في هذا
الحكم وقالوا والبول ينجس الماء فكذا الاغتسال لأنه صلى الله عليه وسلم قد نهى عنهما جميعا وذهب بعض
الحنفية إلى هذا وقال إن الماء المستعمل نجس وأجيب عن الاستدلال بحديث الباب بأن علة
النهى ليست كونه يصير مستعملا بل مصيره مستخبثا بتوارد الاستعمال فيبطل نفعه ويوضح ذلك
قول أبي هريرة يتناوله تناولا فإنه يدل على أن النهي إنما هو من الانغماس لا عن الاستعمال وإلا لما
كان بين الانغماس والتناول فرق وذهب جماعة من العلماء كعطاء وسفيان الثوري والحسن
البصري والزهري والنخعي وأبي ثور وجميع أهل الظاهر ومالك والشافعي وأبي حنيفة في إحدى
الروايات عن الثلاثة المتأخرين إلى طهارة الماء المستعمل للوضوء ومن أدلتهم حديث أبي جحيفة
عند البخاري قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة فأتى بوضوء فتوضأ فجعل الناس
يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به وحديث أبي موسى عنده أيضا قال دعا النبي صلى الله عليه وسلم
بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه ثم قال لهما يعني أبا موسى وبلالا اشربا منه
وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وعن السائب بن يزيد عنده أيضا قال ذهبت بي خالتي إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن ابن أختي وقع أي مريض فمسح رأسي ودعا لي بالبركة ثم توضأ
فشربت من وضوئه الحديث فإن قال الذاهب إلى نجاسة المستعمل للوضوء إن هذه الأحاديث
غاية ما فيها الدلالة على طهارة ما توضأ به صلى الله عليه وسلم ولعل ذلك من خصائصه قلنا هذه دعوى غير
93

نافقة فإن الأصل أن حكمه وحكم أمته واحد إلا أن يقوم دليل يقتضي بالاختصاص ولا دليل
قاله الشوكاني قال المنذري وأخرجه ابن ماجة ولفظه لا يبولن أحدكم في الماء الراكد
انتهى
37 (باب الوضوء بسؤر الكلب)
هل يجوز أم لا فاختلف فيه قال الزهري إذا ولغ الكلب في إناء ليس له وضوء غيره
يتوضأ به وقال سفيان هذا الفقه بعينه يقول الله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا وهذا ماء وفي
النفس منه شئ يتوضأ به ويتيمم رواه البخاري تعليقا وقال الحافظ في الفتح وقول الزهري هذا
رواه الوليد بن مسلم في مصنفه عن الأوزاعي وغيره عنه ولفظه سمعت الزهري في إناء ولغ فيه
كلب فلم يجدوا ماء غيره قال يتوضأ به وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد من طريقه بسند
صحيح وعن مالك رواية أن الأمر بالتسبيع للندب والمعروف عند أصحابه أنه للوجوب لكنه
للتعبد لكون الكلب طاهرا عندهم انتهى لكن القول المحقق نجاسة سؤر الكلب لقوله صلى الله عليه وسلم
طهور إناء أحدكم والطهارة تستعمل إما عن حدث أو خبث ولا حدث على الإناء فتعين الخبث
وقد ثبت عن ابن عباس التصريح بأن الغسل من ولوغ
الكلب لأنه رجس رواه محمد بن نصر
المروزي بإسناد صحيح ولم يصح عن أحد من الصحابة خلافه فلا يجوز التوضي [التوضؤ] به
(طهور إناء أحدكم) الأشهر فيه الضم ويقال بفتحها قاله النووي (إذا ولغ) قال أهل
اللغة يقال ولغ الكلب في اناء يلغ بفتح اللام فيهما ولوغا إذا شرب بطرف لسانه قال أبو
زيد يقال ولغ الكلب بشرابنا وفي شرابنا ومن شرابنا (أن يغسل سبع مرات أولاهن بالتراب) وفيه
دليل على وجوب غسل نجاسة ولوغ الكلب سبع مرات وهذا مذهب الشافعي وأحمد وجمهور
العلماء وقال أبو حنيفة يكفي غسله ثلاث مرات قال النووي ومعنى الغسل بالتراب أن يخلط
التراب في الماء حتى يتكدر ولا فرق بين أن يطرح الماء على التراب أو التراب على الماء أو يأخذ الماء
الكدر من موضع فيغسل به وأما مسح موضع النجاسة بالتراب فلا يجزي انتهى وفيه دليل
أيضا على أن الماء القليل ينجس بوقوع النجاسة فيه وإن لم يتغير لأن ولوغ الكلب لا يغير الماء
94

الذي في الإناء غالبا قال الحافظ في فتح الباري واختلف الرواة عن ابن سيرين في محل غسله
التتريب فلمسلم وغيره من طريق هشام بن حسان عنه أولاهن وهي رواية الأكثر عن ابن
سيرين واختلف عن قتادة عن ابن سيرين فقال سعيد بن بشير عنه أولاهن أيضا أخرجه
الدارقطني وقال أبان عن قتادة السابعة وللشافعي عن سفيان عن أيوب عن ابن سيرين أولاهن
أو إحداهن وفي رواية السدي عن البزار إحداهن وكذا في رواية هشام بن عروة عن أبي الزناد
عنه فطريق الجمع بين هذه الروايات أن يقال إحداهن مبهمة وأولاهن والسابعة معينة وأو إن
كانت في نفس الخبر فهي التخيير فيقتضى حمل المطلق على المقيد أن يحمل على أحدهما لأن فيه
زيادة على الرواية المعينة وإن كانت أو شكا من الراوي فرواية من عين ولم يشك أولى من رواية
من أبهم أوشك فيبقى النظر في الترجيح بين رواية أولاهن ورواية السابعة ورواية أولاهن أرجح
من حيث الأكثرية والأحفظية ومن حيث المعنى أيضا لأن تتريب الأخير يقتضي الاحتياج إلى
غسله أخرى لتنظيفه قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وأخرجه الترمذي وفيه أولاهن
أو أخراهن بالتراب وإذا ولغت فيه الهرة غسل مرة وقال هذا حديث حسن صحيح (وكذلك)
أي بزيادة لفظ أولاهن بالتراب
(عن محمد) هو ابن سيرين (بمعناه) أي بمعنى الحديث الأول (ولم يرفعاه) أي ولم يرفع
الحديث حماد بن زيد والمعتمر عن أيوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل وقفاه على أبي هريرة (وزاد) أي أيوب في
روايته فيما رواه عنه المعتمر وحماد (وإذا ولغ الهر غسل مرة) قال الترمذي في جامعه وقد روي
هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا ولم يذكر فيه إذا ولغت فيه الهرة
غسل مرة انتهى وقال المنذري وقال البيهقي أدرجه بعض الرواة في حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم
ووهموا فيه والصحيح أنه في ولوغ الكلب مرفوع وفي ولوغ الهر موقوف انتهى وقال
الزيلعي قال في التنقيح وعلته أن مسددا رواه عن معتمر فوقفه رواه عنه أبو داود قال في
الإمام والذي تلخص أنه مختلف في رفعه واعتمد الترمذي في تصحيح على عدالة الرجل
عنده ولم يلتفت لوقف من وقفه والله أعلم
95

(في الإناء) ظاهره العموم في الآنية ومفهومه يخرج الماء المستنقع مثلا وبه قال الأوزاعي
لكن إذا قلنا بأن الغسل للتنجيس يجري الحكم في القليل من الماء دون الكثير (فاغسلوه) أي
الإناء وهذا يقتضي الفور لكن حمله الجمهور على الاستحباب إلا لمن أراد أن يستعمل ذلك الإناء
(بالتراب) ولم يقع في رواية مالك التتريب ولم يثبت في شئ من الروايات عن أبي هريرة إلا عن
ابن سيرين وأيوب السختياني وأبي رافع والحسن على أن بعض أصحاب ابن سيرين لم يذكروه
ومع هذا أخذنا بالتتريب لأن زيادة الثقة مقبولة (ولم يذكروا التراب) في روايتهم عن أبي هريرة
ولا يضر عدم ذكر هؤلاء لهذه اللفظة لأن ابن سيرين وأيوب السختياني والحسن البصري وأبا رافع
ذكروا هذه اللفظة عن أبي هريرة وحديث الحسن وأبي رافع أخرجه الدارقطني في سننه وإسناد
حديث أبي رافع صحيح وحديث الحسن لا بأس به وللطحاوي في شرح معالي الآثار في إبطال
الغسلات السبع كلام شنيع وقد أجاد الحافظ البيهقي في رد كلامه في كتابه المعرفة
والحافظ بن حجر في فتح الباري فجزاهما الله أحسن الجزاء
(أبو التياح) بفتح المثناة فوق وبعدها مثناة تحت مشددة وآخره حاء مهملة هو يزيد بن
حميد البصري ثقة ثبت (عن مطرف) بضم الميم وفتح الطاء المهملة وبعدها الراء المكسورة
المشددة هو ابن عبد الله الشخير العامري أبو عبد الله البصري أحد سادة التابعين قال ابن
سعد ثقة له فضل وورع وعقل وأدب (عن ابن مغفل) بضم الميم وفتح الغين المعجمة والفاء
المشددة المفتوحة وهو عبد الله بن المغفل المزني بايع تحت الشجرة ونزل البصرة (أمر بقتل
الكلاب) قال القاضي عياض ذهب كثير من العلماء إلى
الأخذ بالحديث بقتل الكلاب إلا ما
استثني قال وهذا مذهب مالك وأصحابه وذهب آخرون إلى جواز اقتنائها جميعا ونسخ قتلها
إلا الأسود البهيم قال وعندي أن النهي أولا كان نهيا عاما من اقتنائها جميعا والأمر بقتلها
96

جميعا ثم نهى عن قتل ما عدا الأسود وامتنع الاقتناء في جميعها إلا المستثنى كذا في سبل
السلام قلت ما قاله القاضي هو الحق الصريح (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (مالهم) أي للناس
يقتلون الكلاب (ومالها) أي ما للكلاب أن تقتل ولفظ مسلم ما بالهم وبال الكلاب وفيه
دليل على امتناع قتل الكلاب ونسخه وقد عقد الحافظ الحازمي في كتابه الاعتبار لذلك بابا
وأخرج مسلم عن جابر قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب حتى إن المرأة تقدم من البادية
بكلبها فتقتله ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلها وقال عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه
شيطان (في) اقتناء كلب الصيد أي الكلاب التي تصيد (وفي) اقتناء (كلب الغنم) أي التي
تحفظ الغنم في المرعى وزاد مسلم وكلب الزرع (عفروه بالتراب) التعفير التمريغ بالتراب
والحديث فيه حكم غسلة ثامنة وأن غسلة التراب غير الغسلات السبع بالماء وبه قال الحسن
البصري وأفتى بذلك أحمد بن حنبل وغيره وروي عن مالك أيضا قال ابن دقيق العيد قوله
عفروه الثامنة بالتراب ظاهر
في كونها غسلة مستقلة لكن لو وقع التعفير في أوله قبل ورود الغسلات
السبع كانت الغسلات ثمانية ويكون إطلاق الغسلة على التراب مجازا وجنح بعضهم إلى
الترجيح لحديث أبي هريرة على حديث عبد الله بن مغفل والترجيح لا يصار إليه مع إمكان
الجمع والأخذ بحديث ابن مغفل يستلزم الأخذ بحديث أبي هريرة دون العكس والزيادة من الثقة
مقبولة ولو سلك الترجيح في هذا الباب لم نقل بالتتريب أصلا لأن رواية مالك بدونه أرجح
من رواية من أثبته ومع ذلك فقلنا به أخذا بزيادة الثقة قاله الحافظ
قال المنذري وأخرجه
مسلم والنسائي وابن ماجة
38 (باب سؤر الهرة)
الهر الذكر وجمعه هررة مثل قرد وقردة والأنثى هرة مثل سدرة قاله الأزهري قال
97

ابن الأنباري الهر يقع على الذكر والأنثى وقد يدخلون الهاء في المؤنث وتصغيرها هريرة كذا في
المصباح
(عن حميدة) قال ابن عبد البر هي بضم الحاء المهملة وفتح الميم عند رواة الموطأ إلا يحيى
الليثي فقال إنها بفتح الحاء وكسر الميم (بنت عبيد بن رفاعة) الأنصارية الزرقية أم يحيى عن
خالتها كبشة بنت كعب وعنها زوجها إسحاق بن عبد الله المذكور آنفا وابنها يحيى بن إسحاق وثقها
ابن حبان وقال الحافظ هي مقبولة قال في النيل الحديث صححه البخاري والعقيلي وابن
خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني وأعله ابن مندة بأن حميدة الراوية عن كبشة مجهولة
وكذلك كبشة قال ولم يعرف لهما إلا هذا الحديث وتعقبه الحافظ بن حجر بأن لحميدة حديثا آخر
في تشميت العاطس رواه أبو داود ولها حديث ثالث رواه أبو نعيم في المعرفة وقد روى عنها مع
إسحاق ابنه يحيى وهو ثقة عند ابن معين فارتفعت الجهالة (كبشة) بفتح الكاف وسكون الموحدة
(بنت كعب بن مالك) الأنصارية زوج عبد الله بن أبي قتادة
(وكانت) كبشة (تحت ابن أبي قتادة) أي في نكاحه (دخل) في
بيت كبشة (فسكبت) بصيغة المتكلم والسكب الصب أي صببت
ويحتمل أن يكون بصيغة الغائب (وضوءا) بفتح الواو أي صبت له ماء الوضوء في قدح ليتوضأ منه
(منه) أي من الماء الذي كان في الإناء (فأصغى لها الإناء) أي أمال أبو قتادة للهرة الإناء حتى يسهل
عليها الشرب (فرآني) أبو قتادة والحال أني (أنظر إليه) أي إلى شرب الهرة للماء نظر المنكر أو
المتعجب (يا ابنة أخي) المراد أخوة الاسلام ومن عادة العرب أن يدعوا بيا ابن أخي ويا ابن عمي
وإن لم يكن أخا أو عما له في الحقيقة (فقال) أبو قتادة لا تعجبي (بنجس) يعني نجاسة مؤثرة في
نجاسة الماء وهو مصدر يستوي فيه المذكر والمؤنث ولو قيل بكسر الجيم لقيل بنجسة لأنها صفة
لهرة وقال بعضهم النجس بفتح الجيم النجاسة والتقدير أنها ليست بذات نجس كذا في
بعض شروح الترمذي وقال السيوطي قال المنذري ثم النووي ثم ابن دقيق العيد ثم ابن
سيد الناس مفتوح الجيم من النجاسة قال الله تعالى إنما المشركون نجس انتهى (إنها من
الطوافين عليكم) هذه جملة مستأنفة فيها معنى العلة إشارة إلى أن علة الحكم بعدم نجاسة الهرة
98

هي الضرورة الناشئة من كثرة دورانها في البيوت ودخولها فيه بحيث يصعب صون الأواني عنها
والمعنى أنها تطوف عليكم في منازلكم ومساكنكم فتمسحونها بأبدانكم وثيابكم ولو كانت نجسة
لأمرتكم بالمجانبة عنها وفيه التنبيه على الرفق بها واحتساب الأجر في مواساتها والطائف الخادم
الذي يخدمك برفق وعناية وجمعه الطوافون قال البغوي في شرح السنة يحتمل أنها شبهها
بالمماليك من خدم البيت الذين يطوفون على بيته للخدمة كقوله تعالى طوافون عليكم ويحتمل أنه
شبهها بمن يطوف للحاجة يريد أن الأجر في مواساتها كالأجر في مواساة من يطوف للحاجة
والأول هو المشهور وقول الأكثر وصححه النووي في شرح أبي داود وقال ولم يذكر جماعة سواه
(والطوافات) وفي رواية الترمذي أو الطوافات قال ابن سيد الناس جاء هذا الجمع في المذكر
والمؤنث على صيغة جمع من يعقل قال السيوطي يريد أن هذا الحيوان لا يخلو أن يكون من جملة
الذكور الطوافين أو الإناث الطوافات ومحصل الكلام أنه شبه ذكور الهر بالطوافين وإناثها
بالطوافات قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة
قال الترمذي هذا حديث
حسن صحيح وقال وهو أحسن شئ في هذا الباب وقد جود مالك هذا الحديث عن
إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ولم يأت به أحد أتم من مالك وقال محمد بن إسماعيل
البخاري جود مالك بن أنس هذا الحديث وروايته أصح من رواية غيره انتهى
(أن مولاتها) أي معتقة أم داود وكانت أمه مولاة لبعض نساء الأنصار والمولى اسم
مشترك بين المعتق بالكسر والفتح والمراد ههنا بالكسر (أرسلتها) الضمير المرفوع للمولاة
والمنصوب لأمه (بهريسة) فعيلة بمعنى مفعولة هرسها
من باب قتل دقها قال ابن فارس
الهرس دق الشئ ولذلك سميت الهريسة وفي النوادر الهريس الحب المدقوق بالمهراس قبل
أن يطبخ فإذا طبخ فهو الهريسة بالهاء والمهراس بكسر الميم هو الحجر الذي يهرس به الشئ
وقد استعير للخشبة التي يدق فيها الحب فقيل لها مهراس على التشبيه بالمهراس من الحجر كذا
في المصباح وفي بعض كتب اللغة هريس كأمير طعام يتخذ من الحبوب واللحم وأطيبه ما يتخذ
من الحنطة ولحم الديك قالت أم داود (فوجدتها) أي عائشة (فأشارت إلي أن ضعيها) أي
99

الهريسة وأن مفسرة لما في الإشارة وفيه دليل على أن مثل هذه الأشياء جائزة في الصلاة وقد
ثبت في الأحاديث الكثيرة الإشارة في الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا هو الحق (بفضلها) أي بسؤر
الهرة قال الإمام الخطابي فيه من الفقه أن ذات الهرة طاهرة وأن في سؤرها غير بن نجس وأن
الشرب منه والوضوء غير مكروه وفيه دليل على أن سؤر كل طاهر الذات من السباع والدواب
والطير وإن لم يكن مأكول اللحم طاهر انتهى قال الترمذي وهو قول أكثر العلماء من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم مثل الشافعي وأحمد وإسحاق لم يروا بسؤر الهرة بأسا قلت وهو
قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن وقال أبو حنيفة بل نجس كالسبع لكن خفف فيه فكره
سؤره واستدل بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من أن الهرة سبع في حديث أخرجه أحمد والدارقطني
والحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة بلفظ السنور سبع وأجيب بأن حديث الباب ناطق
بأنها ليست بنجس فيخصص به عموم حديث السباع بعد تسليم ورود ما يقضي بنجاسة
السباع وأما مجرد الحكم عليها بالسبعية فلا يستلزم أنها نجس إذ لا ملازمة بين النجاسة
والسبعية على أنه قد أخرج الشافعي والدارقطني والبيهقي في المعرفة وقال له أسانيد إذا ضم
بعضها إلى بعض كانت قوية بلفظ أنتوضأ بما أفضلت الحمر قال نعم وبما أفضلت السباع
كلها وحديث عائشة المذكور في الباب نص على محل النزاع قاله الشوكاني قال المنذري قال
الدارقطني تفرد به عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن داود بن صالح عن أمه بهذه الألفاظ
انتهى
39 (باب الوضوء بفضل المرأة)
وفي بعض النسخ الوضوء بفضل وضوء المرأة والفضل هو بقية الشئ أي استعمال ما
يبقى في الإناء من الماء بعد ما شرعت المرأة في وضوئها أو غسلها سواء كان استعماله من ذلك الماء
معها أو بعد فراغ من تطهيرها فيه صورتان وأحاديث الباب تدل على الصورة الأولى وهي
استعماله معها صريحة وعلى الثانية استنباطا أو بانضمام أحاديث أخرى
(كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم) يحتمل أن يكون مفعولا معه ويحتمل أن يكون عطفا
100

على الضمير (ونحن جنبان) هذا بناء على إحدى اللغتين في الجنب أنه يثني ويجمع فيقال جنب
وجنبان وجنبيون هذه وأجناب واللغة الأخرى رجل جنب ورجلان جنب ورجال جنب
ونساء جنب بلفظ واحد وأصل الجنابة في اللغة البعد ويطلق الجنب على الذي وجب عليه الغسل بجماع
أو خروج مني لأنه يجتنب الصلاة والقراءة والمسجد ويتباعد عنها قال النووي وفيه دليل على
طهارة فضل المرأة لأن عائشة رضي الله عنها لما اغترفت بيدها من القدح وأخذت الماء منه المرة
الأولى صار الماء بعدها من فضلها وما كان أخذه صلى الله عليه وسلم بعدها من ذلك الماء إلا من فضلها وأما
مطابقة الحديث للباب فمن حيث أنه كان الغسل مشتملا على الوضوء قال المنذري وأخرجه
النسائي مختصرا وأخرج مسلم من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة قالت كنت
أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من جنابة انتهى
(ابن خربوذ) بفتح الخاء المعجمة وشدة الراء المهملة مفتوحة وضم الموحدة وسكون الواو
ثم الذال المعجمة آخرا هو سالم بن سرج أبو النعمان المدني عن مولاته أم حبيبة وثقه ابن معين
قال الحافظ ابن حجر قال الحاكم أبو أحمد من قال ابن سرج عربه ومن قال ابن خربوذ أراد به
الأكاف بالفارسية ومنهم من قال فيه سالم بن النعمان (عن أم صبية الجهنية) بصاد مهملة ثم موحدة
مصغرا مع التثقيل هي خولة بنت قيس وهي جدة خارجة بن الحارث وقال ابن مندة إن أم
صبية هي خولة بنت قيس بن قهد ورد عليه أبو نعيم قال الحافظ فأصاب أي أبو نعيم وفي
شرح معاني الآثار للطحاوي إنها قد أدركت وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عبد الله ابن ماجة
سمعت محمدا يقول أم صبية هي خولة بنت قيس فذكرت لأبي زرعة فقال صدق (اختلفت
يدي ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي كان يغترف تارة قبلها وتغترف هي تارة قبله ولمسلم من طريق معاذة
عن عائشة فيبادرني حتى أقول دع لي زاد النسائي وأبادر حتى يقول دعي لي (في الوضوء)
بضم الواو أي في التوضي (من إناء واحد) متعلق بالوضوء وفي هذا الحديث جواز اغتراف
الجنب من الماء القليل وأن ذلك لا يمنع من التطهر بذلك الماء ولا بما يفضل منه ويدل على أن
النهي عن انغماس الجنب في الماء الدائم إنما
هو للتنزيه كراهية أن يستقذر لا لكونه يصير نجسا
بانغماس الجنب فيه لأنه لا فرق بين جميع بدن الجنب وبين عضو من أعضائه قال المنذري
وأخرجه ابن ماجة وحكى أن أم صبية هي خولة بنت قيس انتهى
101

(في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم) يستفاد منه أن الصحابي إذا أضاف الفعل إلى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم
يكون حكمه الرفع وهو الصحيح وحكي عن قوم خلافه لاحتمال أنه لم يطلع وهو ضعيف لتوفر
دواعي الصحابة على سؤالهم إياه عن الأمور التي تقع لهم ومنهم ولو لم يسألوه لم يقروا على غير
الجائز من الأفعال في زمن التشريع (قال مسدد) وحده في روايته (من الإناء الواحد) ثم اتفقا
بقولهما (جميعا) فلفظ مسدد كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإناء
الواحد جميعا ولفظ عبد الله كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا فقوله
جميعا ظاهره أنهم كانوا يتناولون الماء في حالة واحدة وحكى ابن التين عن قوم إن معناه أن
الرجال والنساء كانوا يتوضؤون جميعا في موضع واحد هؤلاء على حدة وهؤلاء على حدة والزيادة
المتقدمة في قوله من الإناء الواحد ترد عليه وكأن هذا القائل استبعد اجتماع الرجال والنساء
الأجانب وقد أجاب ابن التين عنه أن معناه كان الرجال يتوضؤون ويذهبون
ثم تأتي النساء
فتتوضأن وهو خلاف الظاهر من قوله جميعا قال أهل اللغة الجميع ضد المفترق وقد وقع
مصرحا بوحدة الإناء في صحيح ابن خزيمة في هذا الحديث من طريق معتمر عن عبيد الله عن نافع
عن ابن عمر أنه أبصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتطهرون والنساء معهم من إناء واحد كلهم يتطهر
منه قاله الحافظ قال الحافظ الإمام المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجة وأخرجه البخاري
وليس فيه من الإناء الواحد انتهى
(ندلي فيه أيدينا) هو من الإدلاء ومن التفعيل والأول لغة القران كذا في التوسط يقال
أدليت الدلو في البئر ودليتها إذا أرسلتها في البئر وفيه دليل على أن الاغتراف من الماء القليل لا
يصيره مستعملا لأن أوانيهم كانت صغارا كما صرح به الإمام الشافعي في الأم في عدة مواضع
وأما اجتماع الرجال والنساء للوضوء في إناء واحد فلا مانع من الاجتماع قبل نزول الحجاب وأما
بعده فيختص بالزوجات والمحارم ونقل الطحاوي ثم القرطبي والنووي الاتفاق على جواز
اغتسال الرجل والمرأة من الإناء الواحد وفيه نظر لما حكاه ابن المنذر عن أبي هريرة أنه كان ينهي
عنه وكذا حكاه ابن عبد البر عن قوم وهذا الحديث حجة عليهم
102

40 (باب النهي عن ذلك)
المذكور إباحته وهو الوضوء بفضل المرأة وهذا النهي يشمل الصورتين المذكورتين سابقا
(عن حميد الحميري) هو بالتصغير ابن عبد الرحمن الحميري البصري الفقيه عن أبي هريرة
وأبي بكرة وعنه ابن سيرين وابن أبي وحشية وثقه العجلي قال ابن سيرين هو أفقه أهل
البصرة والحمير بكسر الحاء وسكون الميم وفتح الياء منسوب إلى حمير بن سبأ (لقيت رجلا)
ودعوى الحافظ البيهقي أنه في معنى المرسل مردودة لأن إبهام الصحابي لا يضر وقد صرح التابعي بأنه لقيه ووصفه بأنه صحب
النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين (قال) الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (بفضل الرجل)
أي بالماء الذي يفضل بعد فراغه من الغسل أو بعد شروعه في الغسل فلا يجوز للمرأة أن تغتسل معه بفضله
ولا بعد غسله بفضله (بفضل المرأة) أي بالماء الذي يفضل بعد فراغها من غسلها أو
بعد شروعها في الغسل فلا يجوز للرجل أن يغتسل معها بفضلها ولا بعد غسلها
103

بفضلها (وليغترفا) بصيغة الأمر أي ليأخذ الرجل والمرأة غرفة من الماء عند اغتسالهما
منه (جميعا) أي يكون اغترافهما جميعا لا باختلاف أيديهما فيه واحد بعد واحد وحاصل الكلام أن
تطهير كل منهما بفضل الآخر ممنوع سواء يتطهران معا من إناء واحد كل منهما بفضل الآخر
واحد بعد واحد كذلك لكن يجوز لهما التطهير من الفضل في صورة واحدة وهي أن يتطهرا من إناء
واحد ويكون اغترافهما جميعا لا باختلاف أيديهما فيه واحد بعد واحد هذا ما يفهم من تبويب
المؤلف الإمام رضي الله عنه قال الإمام المنذري وأخرجه النسائي
(وهو الأقرع) أي عمرو والد الحكم هو الأقرع (بفضل طهور المرأة) بفتح الطاء ما يتطهر
به قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجة وقال الترمذي هذا حديث حسن وقال
البخاري سوادة بن عاصم أبو حاجب يعد في البصريين ولا أراه يصح عن الحكم بن عمرو
انتهى وقال النووي حديث الحكم بن عمرو ضعيف ضعفه أئمة الحديث منهم البخاري
وغيره وقال الخطابي قال محمد بن إسماعيل خبر الأقرع في النهي لا يصح
واعلم أن تطهير الرجل بفضل المرأة وتطهيرها
بفضله فيه مذاهب الأول جواز التطهير
لكل واحد من الرجل والمرأة بفضل الآخر شرعا جميعا أو تقدم أحدهما على الآخر والثاني
كراهة تطهير الرجل بفضل المرأة وبالعكس والثالث جواز التطهير لكل منهما إذا اغترفا جميعا
والرابع جواز التطهير ما لم تكن المرأة حائضا والرجل جنبا والخامس جواز تطهير المرأة بفضل
طهور الرجل وكراهة العكس والسادس جواز التطهير لكل منهما إذا شرعا جميعا للتطهير في إناء
واحد سواء اغترفا جميعا أو لم يغترفا كذلك ولكل قائل من هذه الأقوال دليل يذهب إليه ويقول
104

به لكن المختار في ذلك ما ذهب إليه أهل المذهب الأول لما ثبت في الأحاديث الصحيحة تطهيره
صلى الله عليه وسلم مع أزواجه وكل منهما يستعمل فضل صاحبه وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل بفضل بعض أزواجه
وجمع الحافظ الخطابي بين أحاديث الإباحة والنهي فقال في معالم السنن كان وجه الجمع بين
الحديثين إن ثبت حديث النهي وهو حديث الأقرع أن النهي إنما وقع عن التطهير بفضل ما
تستعمله المرأة من الماء وهو ما سال وفضل عن أعضائها عند التطهير دون الفضل الذي يبقى في
الإناء ومن الناس من جعل النهي في ذلك على الاستحباب دون الإيجاب وكان ابن عمر رضي
الله عنه يذهب إلى أن النهي عن فضل وضوء المرأة إنما هو إذا كانت جنبا أو حائضا فإذا كانت
طاهرة فلا بأس به قال وإسناد حديث عائشة في الإباحة أجود من إسناد خبر النهي وقال النووي
إن المراد النهي عن فضل أعضائها وهو المتساقط منها وذلك مستعمل وقال الحافظ في الفتح وقول
أحمد إن الأحاديث من الطريقين مضطربة إنما يصار إليه عند تعذر الجمع وهو ممكن بأن يحمل
أحاديث النهي على ما تساقط من الأعضاء
والجواز
على ما بقي من الماء وبذلك جمع الخطابي أو
يحمل النهي على التنزيه جمعا بين الأدلة والله أعلم
41 (باب الوضوء بماء البحر)
وهو الماء الكثير أو المالح فقط وجمعه بحور وأبحر وبحار وأشار بهذا الرد على من قال
بكراهية الوضوء بماء البحر كما نقل عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما
(وهو من بني عبد الدار) أي المغيرة (سأل رجل) وقع في بعض الطرق التي ذكرها الدارقطني
105

أن اسم السائل عبد الله المدلجي وكذا ساقه ابن بشكوال وأورده الطبراني فيمن اسمه عبد وتبعه
أبو موسى فقال عبد أبو زمعة البلوي الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر قال ابن معين بلغني أن
اسمه عبد وقيل اسمه عبيد بالتصغير وقال السمعاني في الأنساب اسمه العركي وغلط في ذلك
وإنما العركي وصف له وهو ملاح السفينة قال أبو موسى وأورده ابن منده في من اسمه عركي
والعركي هو الملاح وليس هو اسما والله أعلم كذا في التلخيص قلت وكذا وقع في رواية
الدارمي ولفظه قال أتى رجل من بني مدلج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنا نركب البحر) الملح وهو مالح
ومر وريحه منتن زاد الحاكم نريد الصيد (به) أي بالماء القليل الذي نحمله (عطشنا) بكسر الطاء
لقلة الماء وفقده (أفنتوضأ بماء البحر) فإن قيل كيف شكوا في جواز الوضوء بماء البحر قلنا يحتمل
أنهم لما سمعوا قوله صلى الله عليه وسلم لا تركب البحر إلا حاجا أو معتمرا أو غازيا في سبيل الله فإن تحت البحر
نارا وتحت النار بحرا أخرجه أبو داود وسعيد بن منصور في سننه عن ابن عمر
مرفوعا ظنوا أنه لا
يجزئ التطهير به وقد روي موقوفا على ابن عمر بلفظ ماء البحر لا يجزئ من وضوء ولا
جنابة إن تحت البحر نارا ثم ماء ثم نارا حتى عد سبعة أبحر وسبع أنيار وروى أيضا عن
عبد الله بن عمرو بن العاص أنه لا يجزئ التطهير به ولا حجة في أقوال الصحابة إذا عارضت
المرفوع والإجماع وحديث ابن عمر المرفوع قال أبو داود رواته مجهولون وقال الخطابي ضعفوا
إسناده وقال البخاري ليس هذا الحديث بصحيح وقال أبو بكر بن العربي إنما توقفوا عن ماء
البحر لأحد وجهين إما لأنه لا يشرب وإما لأنه طبق جهنم وما كان طبق سخط لا يكون طريق
طهارة ورحمة (هو) أي البحر ويحتمل في إعرابه أربعة أوجه الأول أن يكون هو مبتدأ والطهور
مبتدأ ثان خبره ماؤه والجملة خبر المبتدأ الأول والثاني أن يكون هو مبتدأ خبره الطهور وماؤه
بدل اشتمال والثالث أن يكون هو ضمير الشأن والطهور ماؤه مبتدأ وخبر والرابع أن يكون
هو مبتدأ والطهور خبر وماؤه فاعله قاله ابن دقيق العيد (الطهور ماؤه) بفتح الطاء هو المصدر
واسم ما يتطهر به أو الطاهر المطهر كما في القاموس
وههنا
بمعنى المطهر لأنهم سألوه عن تطهير مائه
لاعن طهارته وضمير ماؤه يقتضي أنه أريد بالضمير في قوله هو الطهور البحر إذ لو أريد به الماء لما
احتيج إلى قوله ماؤه إذ يصير في معنى الماء طهور ماؤه وفي بعض لفظ الدارمي فإنه الطاهر ماؤه
106

(الحل) هو مصدر حل الشئ ضد حرم ولفظ الدارمي والدارقطني الحلال (ميتته) بفتح الميم
ما مات فيه من حيوان البحر ولا يكسر ميمه والحل عطف على الطهور ماؤه ووجه إعرابه ما تقدم
في الجملة السابقة والحديث فيه مسائل الأولى أن ماء البحر طاهر ومطهر الثانية أن جميع
حيوانات البحر أي ما لا يعيش إلا بالبحر حلال وبه قال مالك والشافعي وأحمد قالوا ميتات
البحر حلال وهي ما خلا السمك حرام عند أبي حنيفة وقال المراد بالميتة السمك كما في حديث
أحل لنا ميتتان السمك والجراد ويجئ تحقيقه في موضعه إن شاء الله تعالى الثالثة أن المفتي
إذا سئل عن شئ وعلم أن للسائل حاجة إلى ذكر ما يتصل بمسألته استحب تعليمه إياه لأن الزيادة
في الجواب بقوله الحل ميتته لتتميم الفائدة وهي زيادة تنفع لأهل الصيد وكان السائل منهم وهذا
من محاسن الفتوى قال الحافظ ابن الملقن إنه حديث عظيم أصل من أصول الطهارة مشتمل على
أحكام كثيرة وقواعد مهمة قال الماوردي في الحاوي قال الحميدي قال الشافعي هذا الحديث
نصف علم الطهارة قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي
وابن ماجة وقال الترمذي هذا
حديث حسن صحيح وقال الترمذي سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال
هو حديث صحيح قال البيهقي وإنما لم يخرجه البخاري ومسلم بن الحجاج في الصحيح لأجل
اختلاف وقع في اسم سعيد بن سلمة والمغيرة بن أبي بردة انتهى
42 (باب الوضوء بالنبيذ)
بفتح النون وكسر الباء ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير
نبذت التمر والعنب إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذ أو أنبذته اتخذته نبيذا سواء كان مسكرا أو لا
يقال للخمر المعتصر من العنب نبيذ كما يقال للنبيذ خمر قاله ابن الأثير في النهاية
(عن أبي زيد) قال الترمذي في جامعه وأبو زيد رجل مجهول عند أهل الحديث لا نعرف له
رواية غير هذا الحديث وقال الزيلعي قال ابن حبان في كتاب الضعفاء أبو زيد شيخ يروي عن ابن
مسعود ليس يدري من هو ولا يعرف أبوه ولا بلده ومن كان بهذا النعت ثم لم يروا إلا خبرا
واحدا خالف فيه الكتاب والسنة والقياس استحق مجانبة ما رواه وقال ابن أبي حاتم في كتابه
العلل سمعت أبا زرعة يقول حديث أبي فزارة بالنبيذ ليس بصحيح
وأبو
زيد مجهول وذكر ابن
107

عدى عن البخاري قال أبو زيد الذي روى حديث ابن مسعود في الوضوء بالنبيذ مجهول لا يعرف
بصحبة عبد الله ولا يصح هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو خلاف القرآن وقال ابن عدي
أبو زيد مولى عمرو بن حريث مجهول قال ابن عبد البر وأبو زيد مولى عمرو ابن حريث
مجهول عندهم لا يعرف رواية أبي فزارة وحديثه في الوضوء بالنبيذ منكر لا أصل له ولا رواه
من يوثق به ولا يثبت انتهى (ليلة الجن) هي الليلة التي جاءت الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهبوا
به إلى قومه ليتعلموا منه الدين وأحكام الاسلام (ما في إداوتك) بالكسر إناء صغير من جلد
يتخذ للماء وجمعها أداوي (تمرة طيبة) أي النبيذ ليس إلا تمرة وهي طيبة ليس فيها ما يمنع
التوضي (وماء طهور) بفتح الطاء أي مطهر زاد الترمذي قال فتوضأ منه وفي مسند أحمد بن
حنبل فتوضأ منه وصلى وقد ضعف المحدثون حديث أبي زيد بثلاث علل أحدها جهالة
أبي زيد والثاني التردد في أبي فزارة هل هو راشد بن كيسان أو غيره والثالث أن ابن
مسعود لم يشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن
واختلف العلماء في التوضي بالنبيذ فقال الشافعي
وأحمد وإسحاق وأكثر الأئمة لا يجوز التوضي به قال الترمذي وقول من يقول لا يتوضأ
بالنبيذ أقرب إلى الكتاب وأشبه لأن الله تعالى قال فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا
وعند أبي حنيفة وسفيان الثوري جاز الوضوء به إذا لم يوجد ماء وهذا قول ضعيف قال أبو
بكر بن العربي في عارضة الأحوذي هذه زيادة على ما في كتاب الله عز وجل والزيادة عندهم
على النص نسخ ونسخ القرآن عندهم لا يجوز إلا بقرآن مثله أو بخبر متواتر ولا ينسخ الخبر
الواحد إذا صح فكيف إذا كان ضعيفا مطعونا فيه انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي
وابن ماجة وفي حديث الترمذي قال فتوضأ منه وقال الترمذي وأبو زيد رجل مجهول عند
أهل العلم لا يعلم له رواية غير هذا الحديث وقال أبو زرعة وليس هذا الحديث بصحيح وقال
أبو أحمد الكرابيسي ولا يثبت في هذا الباب من هذه الرواية حديث بل الأخبار الصحيحة عن
عبد الله بن مسعود ناطقة بخلافه هذا آخر كلامه وأبو زيد هو مولى عمرو بن حريث ولا
يعرف له اسم ووقع في بعض الروايات عن زيد عن ابن مسعود وأبو فزارة
قيل راشد بن
كيسان وهو ثقة أخرج له مسلم وقيل إن أبا فزارة رجلان وراوي هذا الحديث رجل مجهول
ليس هو راشد بن كيسان وهو ظاهر كلام الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه فإنه قال أبو فزارة
في حديث ابن مسعود رجل مجهول وذكر البخاري أبا فزارة العبسي راشد بن كيسان وأبا
108

فزارة العبسي غير مسمى فجعلهما اثنين ولو ثبت أن راوي هذا الحديث هو راشد بن كيسان
كان فيما تقدم كفاية في ضعف الحديث انتهى
(عن أبي زيد) أي بإضافة لفظ أبي إلى زيد (أو زيد) بلا إضافته (كذا قال شريك) أي
الشاك فيه شريك وأما هناد فقال في روايته عن شريك أبا زيد بلا شك (ولم يذكر هناد) في
روايته (ليلة الجن) وإنما ذكرها سليمان
(قلت لعبد الله بن مسعود.. الخ) أخرج المؤلف هذا الحديث مختصرا ولم يذكر القصة
وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة من صحيحه والترمذي في تفسير سورة الأحقاف من جامعه
مطولا ومقصود المؤلف من إيراد هذا الحديث إثبات الضعف لحديث أبي زيد المتقدم قال
النووي في شرحه لمسلم هذا صريح في إبطال الحديث المروي في سنن أبي داود وغيره المذكور فيه
الوضوء بالنبيذ وحضور ابن مسعود معه صلى الله عليه وسلم ليلة الجن فإن هذا الحديث صحيح وحديث
النبيذ ضعيف باتفاق المحدثين وقال الإمام جمال الدين الزيلعي قال البيهقي في دلائل النبوة قد
دلت الأحاديث الصحيحة على أن ابن مسعود لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن وإنما كان معه حين
انطلق به وبغيره يريهم آثارهم وآثار نيرانهم قال وقد روى أنه كان معه ليلته ثم قال
الزيلعي فقد تلخص لحديث ابن مسعود سبعة طرق صرح في بعضها أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم
وهو مخالف لما في صحيح مسلم أنه لم يكن معه وقد جمع بينهما بأنه لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم حين
المخاطبة وإنما كان بعيدا منه ومن الناس من جمع بينهما بأن ليلة الجن كانت مرتين ففي أول
مرة خرج إليهم لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود ولا غيره كما هو ظاهر حديث مسلم ثم بعد ذلك
خرج معه ليلة أخرى كما روى ابن أبي حاتم في تفسيره في أول سورة الجن من حديث ابن جريج
والله أعلم
109

(إنه كره الوضوء باللبن والنبيذ) لأنه لا يصح إطلاق الماء عليهما وإنما الوضوء بالماء لا
بغيره (وقال) عطاء (أن التيمم) عند فقد الماء (أعجب) أحب (إلي منه) أي من التوضي باللبن
والنبيذ
(سألت أبا العالية) هو رفيع بضم أوله ابن مهران الرياحي البصري مخضرم إمام من
الأئمة قال الحافظ هو من كبار التابعين مشهور بكنيته وثقه ابن معين وغيره حتى قال أبو
قاسم اللالكائي مجمع على ثقته إلا أنه كثير الإرسال عمن أدركه (عن رجل) أي عن حاله
43 (باب أيصلي الرجل وهو حاقن؟)
هو من يحبس بوله حقن الرجل بوله حبسه وجمعه فهو حاقن وقال ابن فارس ويقال لما
جمع من لبن وشد حقين ولذلك سمي حابس البول حاقنا وأراد المؤلف بلفظ الحقن المعنى
الأعم يعني حبس الغائط والبول ولذا أورد في الباب أحاديث من القسمين أو أراد به المعنى الخاص وهو حبس البول وأراد بلفظ الخلاء وبلفظ الأخبثان الواقعين في الحديث أحد فرديهما
وهو حبس البول
(وهو يؤمهم) في الصلاة ولفظ البيهقي في المعرفة أنه خرج إلى مكة صحبة قوم فكان
يؤمهم (صلاة الصبح) بدل من الصلاة (ثم قال) عبد الله (ليتقدم أحدكم) للإمامة (وذهب)
110

وعبد الله (الخلاء) وهذه الجملة من مقولة عروة بن الزبير (فليبدأ بالخلاء) فيفرغ نفسه ثم يرجع
فيصلي لأنه إذا صلى قبل ذلك تشوش خشوعه واختل حضور قلبه والحديث فيه دليل على أنه لا
يقوم إلى الصلاة وهو يجد شيئا من الغائط والبول (عن رجل حدثه) فأدخلوا هؤلاء بين عروة وبين
عبد الله بن الأرقم رجلا روى عن ابن جريج أيضا في بعض الروايات عنه مثل ما روى وهيب
قاله ابن الأثير في أسد الغابة ورجح البخاري فيما حكاه الترمذي في العلل المفرد رواية من زاد فيه
عن رجل كذا في التلخيص (والأكثر) أي أكثر الحفاظ مثل مالك بن أنس وسفيان بن عيينة
وحفص بن غياث ومحمد بن إسحاق وشجاع بن الوليد وحماد بن زيد ووكيع وأبي معاوية
والمفضل بن فضالة ومحمد بن كنانة كما صرح به ابن عبد البر وزاد الترمذي يحيى بن سعيد
القطان وزاد ابن الأثير شعبة والثوري وحماد بن سلمة ومعمرا (كما قال) زهير بن معاوية
بحذف واسطة بين عروة وعبد الله قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة إن
عبد الله بن أرقم روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا واحدا وليس له في هذه الكتب سوى هذا
الحديث وقال الترمذي حديث عبد الله بن الأرقم حديث حسن
(المعنى) أي المعنى واحد وإن تغاير ألفاظهم (قال ابن عيسى في حديثه ابن أبي بكر)
أي قال محمد بن عيسى في روايته عبد الله بن أبي بكر واقتصر يحيى ومسدد على
عبد الله بن محمد فقط بدون زيادة ابن أبي بكر (ثم اتفقوا) ثلاثتهم في رواياتهم فقالوا (أخو
القاسم بن محمد) أي عبد الله بن محمد (فقام القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق أبو
محمد المدني أحد الفقهاء السبعة روى عن عائشة وأبي
هريرة وابن عباس وابن عمر وجماعة
وعنه الزهري ونافع والشعبي وخلائق قال مالك القاسم من فقهاء الأمة وقال ابن سعد كان
111

ثقة عالما فقيها إماما كثير الحديث وقال أبو الزناد ما رأيت أعلم بالسنة من القاسم (لا
يصلى) بالبناء للمجهول وفي رواية مسلم لا صلاة (بحضرة الطعام) أي عند حضور طعام
تتوق نفسه إليه أي لا تقام الصلاة في موضع حضر فيه الطعام وهو يريد أكله وهو عام للنفل
والفرض والجائع وغيره وفيه دليل صريح على كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في
الحال لاشتغال القلب به (ولا) يصلي (وهو) المصلي (يدافعه) المصلي (الأخبثان) فاعل
يدافع وهو البول والغائط أي لا صلاة حاصلة للمصلي حالة يدافعه الأخبثان وهو يدافعهما
لاشتغال القلب به وذهاب الخشوع ويلحق به كل ما هو في معناه مما يشغل القلب ويذهب
كمال الخشوع وأما الصلاة بحضرة الطعام فيه مذاهب منهم من ذهب إلى وجوب تقديم الأكل
على الصلاة ومنهم من قال إنه مندوب ومن قيد ذلك بالحاجة ومن لم يقيد ويجيء بعض
بيان ذلك إن شاء الله تعالى في موضعه
(ثلاث) ثلاث خصال بالإضافة ثم حذف المضاف إليه ولهذا جاز الابتداء بالنكرة (أن
يفعلهن) المصدر المنسبك من أن والفعل فاعل يحل أي لا يحل
فعلهن بل يحرم قاله العزيزي
(لا يؤم رجل) يؤم بالضم خبر في معنى النهى (فيخص) قال في التوسط هو بالضم للعطف
وبالنصب للجواب وقال العزيزي في شرح الجامع هو منصوب بأن المقدرة لوروده بعد النفي
على حد لا يقضي عليهم فيموتوا (بالدعاء دونهم) قال العزيزي أي في القنوت خاصة بخلاف
دعاء الافتتاح والركوع والسجود والجلوس بين السجدتين والتشهد وقال في التوسط معناه
تخصيص نفسه بالدعاء في الصلاة والسكوت عن المقتدين وقيل نفيه عنهم كارحمني ومحمدا ولا
ترحم معنا أحدا وكلاهما حرام أو
الثاني حرام فقط لما روي أنه كان يقول بعد التكبير اللهم
نقني من خطاياي الحديث والدعاء بعد التسليم يحتمل كونه كالداخل وعدمه (فإن فعل) أي
خص نفسه بالدعاء (فقد خانهم) لأن كل ما أمر به الشارع أمانة وتركه خيانة (ولا ينظر) بالرفع
عطف على يؤم (في قعر) بفتح القاف وسكون العين قال في المصباح قعر الشيء نهاية أسفله
112

والجمع قعور مثل فلس وفلوس ومنه جلس في قعر بيته كناية عن الملازمة انتهى والمراد
ههنا داخل البيت (قبل أن يستأذن) أهله فيه تحريم الاطلاع في بيت الغير بغير إذنه (فإن فعل)
اطلع فيه بغير إذنه (دخل) ارتكب إثم من دخل البيت (ولا يصلي) بكسر اللام المشددة وهو
فعل مضارع والفعل في معنى النكرة والنكرة إذا جاءت في معرض النفي تعم فيدخل في نفي الجواز
صلاة فرض العين والكفاية كالجنازة والسنة فلا يحل شئ منها (حقن) بفتح الحاء وكسر القاف
قال ابن الأثير الحاقن والحقن بحذف الألف بمعنى (يتخفف) بمثناة تحتية مفتوحة ففوقية أي
يخفف نفسه بخروج الفضلة قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجة وحديث ابن ماجة
مختصر وذكر حديث يزيد بن شريح عن أمامة وحديث يزيد بن شريح عن أبي هريرة في ذلك
قال وكان حديث يزيد بن شريح عن أبي حي المؤذن عن ثوبان في هذا أجود إسنادا وأشهر
انتهى
(ساق نحوه) أي ساق ثور نحو حديث حبيب بن صالح المتقدم ذكره وذلك لأن ليزيد بن
شريح تلميذين أحدهما حبيب بن صالح والآخر ثور بن يزيد الكلاعي فرواية ثور عن
يزيد بن شريح نحو رواية حبيب بن صالح (على هذا اللفظ) المشار إليه هو ما ذكره بقوله (قال)
ثور (إلا بإذنهم) هذا صريح في أنه لا يجوز للزائر أن يؤم صاحب المنزل بل صاحب المنزل أحق
بالإمامة من الزائر وإذا أذن له فلا بأس أن يؤمهم (ولا يختص) في بعض النسخ لا يخص
وخلاصة المرام أن بين رواية حبيب بن صالح وثور تفاوتا في اللفظ لا في المعنى إلا أن في حديث
ثور جملة ليست هي في رواية حبيب بن صالح وهي قوله لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم
الآخر أن يؤم قوما إلا بإذنهم وفي رواية حبيب جملة ليست
هي في رواية ثور وهي قوله ولا
ينظر في قعر بيت قبل أن يستأذن فإن فعل فقد دخل وباقي ألفاظهما متقاربة في اللفظ ومتحدة في
المعنى كذا في منهية غاية المقصود وقال فيه قد زل قلمي في الشرح في كتابة فاعل لقوله ساق
فكتبت ساق أي أحمد بن علي وإنما الصحيح أي ثور بن يزيد فبناء على ذلك كتبت من ابتداء
قوله ساق إلى قوله والله أعلم لفظ أحمد بن علي في سبعة مواضع وفي كل ذلك ذهول مني
113

فرحم الله امرأ أصلحها وأبدلها بلفظ ثور بن يزيد انتهى كلامه وهذه الأحاديث فيها كراهة
الصلاة بحضرة الطعام ومع مدافعة الأخبثين وهذه الكراهة عند أكثر العلماء إذا صلى كذلك وفي
الوقت سعة وأما إذا ضاق الوقت بحيث لو أكل أو دافع الأخبثين خرج الوقت صلى على حاله
محافظة على حرمة الوقت ولا يجوز تأخيرها وحكى أبو سعيد المتولي عن بعض الأئمة الشافعية أنه
لا يصلي بحاله بل يأكل ويتطهر وإن خرج الوقت قال النووي وإذا صلى على حاله وفي الوقت
سعة فقد ارتكب المكروه وصلاته صحيحة عندنا وعند الجمهور لكن يستحب إعادتها ولا يجب
ونقل القاضي عياض عن أهل الظاهر أنها باطلة وحديث أبي هريرة تفرد به المؤلف (سنن) طرق
(أهل الشام) أي رواة حديث أبي هريرة كلهم شاميون (فيها) في تلك الرواية (أحد) غير أهل
الشام سوى أبي هريرة
44 (باب ما يجزئ من الماء في الوضوء)
ما يكفي (بالصاع) أي بملء الصاع والصاع هو مكيال يسع أربعة أمداد والمد رطل وثلث
بالعراقي وبه يقول أهل الحجاز والشافعي وقال فقهاء العراق وأبو حنيفة هو رطلان فيكون
الصاع خمسة أرطال وثلثا أو ثمانية أرطال قاله ابن الأثير وقال الكرماني في شرح البخاري كان
الصاع في عهده صلى الله عليه وسلم مدا وثلثا بمدكم هذه أي كان صاعه صلى الله عليه وسلم أربعة أمداد والمد رطل عراقي
وثلث رطل فزاد عمر بن عبد العزيز في المد بحيث صار الصاع مدا وثلث مد من مد عمر وقال
الحافظ بن حجر في الفتح الصاع على ما قال الرافعي وغيره مائة وثلاثون درهما ورجح
النووي أنه مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم وقد بين الشيخ الموفق سبب الخلاف
في ذلك فقال إنه كان في الأصل مائة وثمانية وعشرين وأربعة أسباع ثم زادوا فيه لإزادة جبر
الكسر فصار مائة وثلاثين (بالمد) هو بالضم ربع الصاع لغة وتقدم بيانه وقال في القاموس أو
ملء كف الإنسان المعتدل إذا ملأهما ومد يده بهما ومنه سمي مدا وقد جربت ذلك فوجدته
صحيحا (قال سمعت صفية) ففي رواية أبان قد صرح قتادة بالسماع فارتفعت مظنة التدليس
114

عنه في الرواية السابقة المعنعنة قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجة وأخرج البخاري
ومسلم من حديث عبد الله بن جبر عن أنس بن مالك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل
بالصاع إلى خمسة أمداد وأخرجه مسلم من حديث سفينة بنحوه
(يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد) وليس الغسل بالصاع والوضوء بالمد للتحديد والتقدير بل
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما اقتصر على الصاع وربما زاد روى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها
أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد هو الفرق قال ابن عيينة والشافعي وغيرهما هو
ثلاثة آصع وروى مسلم أيضا من حديثها أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء يسع ثلاثة أمداد فهذا
يدل على اختلاف الحال في ذلك بقدر الحاجة وفيه رد على من قدر الوضوء والغسل بما ذكر في
حديثي الباب وحمله الأكثرون على الاستحباب لأن أكثر من قدر وضوءه وغسله صلى الله عليه وسلم من الصحابة
قدرهما بذلك ففي مسلم عن سفينة مثله ولأحمد أيضا عن جابر مثله وهذا إذا لم تدع الحاجة
إلى الزيادة وهو أيضا في حق من يكون خلقه معتدلا كذا في الفتح ويجيء بعض بيانه إن شاء
الله تعالى في باب مقدار الماء الذي يجزئ به الغسل قال المنذري في إسناده يزيد بن أبي زياد
يعد في الكوفيين ولا يحتج بحديثه
(عن جدتي) وفي رواية النسائي يحدث عن جدته فهي جدة حبيب الأنصاري كما يظهر
من سياق عبارة الكتاب ورواية النسائي أصرح منه وقال الترمذي في باب ما جاء في فضل
الصائم إذا أكل عنده وقال أبو عيسى وأم عمارة هي جدة حبيب بن زيد الأنصاري انتهى
وقال المزي في الأطراف أم عمارة الأنصارية هي جدة حبيب بن زيد انتهى وأطال الكلام في
الشرح بما لا مزيد عليه (أم عمارة) بضم العين وخفة الميم اسمها نسيبة بفتح النون وكسر السين
هي بنت كعب الأنصارية النجارية (توضأ) أراد التوضي (فأتي) بصيغة المجهول (بإناء فيه ماء قدر
ثلثي المد) كان الماء الذي في الإناء قدر ثلثي المد فثلثا المد هو أقل ما روي أنه توضأ به
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المنذري وأخرجه النسائي
115

(يسع رطلين) من الماء والرطل معيار يوزن به وكسره أشهر من فتحه وهو بالبغدادي اثنتا
عشرة أوقية والأوقية أستار وثلثا أستار والأستار أربعة مثاقيل ونصف مثقال والمثقال درهم
وثلاثة أسباع درهم والدرهم ستة دوانيق والدانق ثماني حبات وخمسا حبة وعلى هذا فالرطل
تسعون مثقالا وهي مائة درهم وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم والجمع أرطل والرطل
مكيال أيضا وهو بالكسر وبعضهم يحكي فيه بالفتح كذا في المصباح (إلا أنه) أي شعبة
(بمكوك) بفتح الميم وضم الكاف الأولى وتشديدها جمعه مكاكيك ومكاكي ولعل المراد بالمكوك
ههنا المد قاله النووي وقال ابن الأثير أراد بالمكوك المد وقيل الصاع والأول أشبه وجمعه
المكاكي بإبدال الياء من الكاف الأخيرة والمكوك أسلم للمكيال ويختلف مقداره باختلاف
الاصطلاح في البلاد انتهى قلت المراد بالمكوك ههنا المد لا غير لأنه جاء في حديث آخر مفسرا
بالمد قال القرطبي الصحيح أن المراد به ههنا المد بدليل الرواية الأخرى وقال الشيخ ولي
الدين العراقي في صحيح ابن حبان في آخر الحديث قال أبو خيثمة المكوك المد (ولم يذكر)
شعبة كما ذكر عبد الله بن عيسى (عتيك) بفتح العين وكسر التاء الفوقانية (قال) أبو داود وحاصل
الكلام أنهم اختلفوا في اسم الراوي عن أنس فقال شعبة هو عبد الله بن عبد الله بن جبر
ومنهم من نسبه إلى جده فقال شريك هو عبد الله بن جبر وقال يحيى بن آدم هو ابن جبر
وأما سفيان فقال جبر بن عبد الله والصحيح المحفوظ عبد الله بن عبد الله بن جبر بن عتيك
لاتفاق أكثر الحفاظ عليه والله أعلم (وهو) أي ما قاله أحمد في تقدير الصاع (ابن أبي ذئب) هو
محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب أبو الحارث المدني أحد الأئمة عن نافع
116

والزهري وشرحبيل وعنه الثوري ويحيى بن سعيد القطان وأبو نعيم وجماعة قال الحافظ هو من
أحد الأئمة الأكابر العلماء الثقاة لكن قال ابن المديني كانوا يوهنونه في الزهري وكذا وثقه
أحمد ولم يرضه في الزهري ورمي بالقدر ولم يثبت عنه بل نفى ذلك عنه مصعب الزبير
وغيره وكان أحمد يعظمه جدا حتى قدمه في الورع على مالك وإنما تكلموا في سماعه عن
الزهري لأنه كان وقع بينه وبين الزهري شئ فحلف الزهري أن لا يحدثه ثم ندم وقال
عمرو بن علي الفلاس هو أحب إلي في الزهري من كل شامي (وهو) أي صاع ابن أبي ذئب
كصاع النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما يسع فيه خمسة أرطال وثلث من الماء قال المنذري وأخرجه
النسائي ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بمكوك ويغتسل بخمس مكاكي وأخرجه مسلم
ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بخمس مكاكيك ويتوضأ بمكوك وفي رواية مكاكي
45 (باب الإسراف في الوضوء)
الزيادة على الثلاث في غسل أعضاء الوضوء أو إسراف في الماء للوضوء على قدر الحاجة
(القصر الأبيض) القصر هو الدار الكبيرة المشيدة لأنه يقصر فيه الحرم كذا في التوسط
(إذا دخلتها) أي الجنة (قال) عبد الله لابنه حين سمعه يدعو بهذه الكلمات قال بعض الشراح
إنما أنكر عبد الله على ابنه في هذا الدعاء لأن ابنه طمع ما لا يبلغه عملا حيث سأل منازل
117

الأنبياء وجعله من الاعتداء في الدعاء لما فيها من التجاوز عن حد الأدب وقيل لأنه سأل شيئا
معينا و الله أعلم (إنه) الضمير للشأن (يعتدون) يتجاوزون عن الحد (في الطهور) بضم الطاء
وفتحها فالاعتداء في الطهور بالزيادة على الثلاث وإسراف الماء وبالمبالغة في الغسل إلى حد
الوسواس أجمع العلماء على النهي عن الإسراف في الماء ولو في شاطئ البحر لما أخرجه أحمد
وابن ماجة عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال ما هذا السرف يا
سعد قال أفي الوضوء سر ف قال نعم وإن كنت على نهر جار انتهى وحديث ابن مغفل
هذا يتناول الغسل والوضوء وإزالة النجاسة (والدعاء) عطف على الطهور والمراد بالاعتداء فيه
المجاوزة للحد وقيل الدعاء بما لا يجوز ورفع الصوت به والصياح وقيل سؤال منازل الأنبياء
عليهم السلام حكاها النووي في شرحه وذكر الغزالي في الإحياء أن المراد به أن يتكلف السجع
في الدعاء قال المنذري وأخرجه ابن ماجة مقتصرا منه على الدعاء
46 (باب في إسباغ الوضوء)
في إتمامه بحيث لا يترك شئ من فرائضه وسننه
(رأى قوما) وتمام الحديث كما أخرجه مسلم قال رجعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة
إلى المدينة حتى إذا كنا بماء بالطريق تعجل قوم عند العصر فتوضؤوا وهم عجال فانتهينا إليهم
(وأعقابهم) جمع عقب بفتح العين وكسر القاف وبفتح العين وكسرها مع سكون القاف مؤخر
القدم إلى موضع الشراك (تلوح) تظهر يبوستها ويبصر الناظر فيها بياضا لم يصبه الماء وفي رواية
مسلم تلوح لم يمسها الماء (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ويل) جاز الابتداء بالنكرة لأنه دعاء
واختلف في معناه على أقوال أظهرها ما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد مرفوعا
ويل واد في جهنم قاله الحافظ (للأعقاب) اللام للعهد ويلتحق بها ما يشاركها في ذلك معناه
ويل لأصحاب الأعقاب المقصرين في غسلها وقيل إن العقب مخصوص بالعقاب إذا قصر في
غسله (من النار) بيان للويل (أسبغوا الوضوء) أي أكملوه وأتموه ولا تتركوا أعضاء الوضوء غير
مغسولة والمراد بالإسباغ ههنا إكمال الوضوء وإبلاغ الماء كل ظاهر أعضائه وهذا فرض
118

والإسباغ الذي هو التثليث سنة والإسباغ الذي هو التسييل شرط والإسباغ الذي هو إكثار الماء
من غير إسراف الماء فضيلة وبكل هذا يفسر الإسباغ باختلاف المقامات كذا في اللمعات وقال
شيخ شيخنا العلامة محمد إسحاق المحدث الدهلوي الإسباغ على ثلاثة أنواع فرض وهو
استيعاب المحل مرة وسنة وهو الغسل ثلاثا ومستحب وهو الإطالة مع التثليث انتهى
والحديث استدل به على عدم جواز مسح الرجلين من غير الخفين قال النووي وهذه مسألة
اختلف الناس فيها على مذاهب فذهب جمع من الفقهاء من أهل الفتوى في الأعصار والأمصار
إلى أن الواجب غسل القدمين مع الكعبين ولا يجزئ مسحهما ولا يجب المسح مع الغسل ولم
يثبت خلاف هذا عن أحد يعتد به في الاجماع انتهى كلامه قال في التوسط وفيه نظر فقد نقل
ابن التين التخيير عن بعض الشافعيين ورأى عكرمة يمسح عليهما وثبت عن جماعة يعتد بهم في
الاجماع بأسانيد صحيحة كعلي وابن عباس والحسن والشعبي وآخرين انتهى وفي فتح الباري
فقد تمسك من اكتفى بالمسح بقوله تعالى وأرجلكم عطفا على وامسحوا برؤوسكم
فذهب إلى ظاهرها جماعة من الصحابة
والتابعين فحكي عن ابن عباس في رواية ضعيفة والثابت
عنه خلافه وعن عكرمة والشعبي وقتادة وهو قول الشيعة وعن الحسن البصري الواجب
الغسل أو المسح وعن بعض أهل الظاهر يجب الجمع بينهما انتهى قلت قد تواترت الأخبار
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة وضوئه أنه غسل رجليه وهو مبين لأمر الله تعالى وقد قال في حديث
عمرو بن عنبسة الذي رواه ابن خزيمة وغيره مطولا في فضل الوضوء ثم يغسل قدميه كما أمره الله
تعالى ولم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك إلا عن علي وابن عباس وأنس وقد ثبت
عنهم الرجوع عن ذلك قال الحافظ في الفتح وقال الكرماني في شرح البخاري وفيه رد للشيعة
المتمسكين بظاهر قراءة وأرجلكم بالجر وما روي عن علي وغيره فقد ثبت عنهم الرجوع
انتهى وروى سعيد بن منصور عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على
غسل القدمين وادعى الطحاوي وابن حزم أن المسح منسوخ والله أعلم قال المنذري
وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة واتفق البخاري ومسلم على اخراجه من يوسف بن ماهك
عن عبد الله بن عمر بنحوه
47 (باب الوضوء بآنية الصفر)
بضم الصاد وسكون الفاء ويجيء بيانه
(صاحب لي) وفي السند الآتي حماد بن سلمة عن رجل ولعله هو شعبة قال الحافظ ابن
119

حجر حماد بن سلمة عن رجل أو عن صاحب له عن هشام بن
عروة هو شعبة (عن هشام بن عروة) بن الزبير بن العوام ثقة فقيه ربما دلس (أن عائشة) الحديث فيه انقطاع لأن هشاما لم يدرك
عائشة رضي الله عنها (في تور) أي من تور بحيث نأخذ منه الماء للاغتسال أو نصب منه الماء على
أعضائنا والتور هي بفتح التاء وسكون الواو قال الحافظ ابن حجر في الهدي الساري هو إناء
من حجارة أو غيرها مثل القدر وقال في فتح الباري هو شبه الطست وقيل هو الطست
ووقع في حديث شريك عن أنس في المعراج فأتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب فظاهره
المغايرة بينهما ويحتمل الترادف وكأن الطست أكبر من التور انتهى قال الطيبي هو إناء
صغير من صفر أو حجارة يشرب منه وقد يتوضأ منه ويؤكل منه الطعام (من شبه) بفتحتين
وبكسر فساكن ضرب من النحاس يصنع فيصفر ويشبه الذهب بلونه وجمعه أشباه كذا في
التوسط قال المنذري أخرجه من طريقين إحداهما منقطعة وفيها مجهول والأخرى متصلة
وفيها مجهول انتهى
(حدثهم) أي حدث إسحاق محمد بن العلاء في جماعة آخرين (عن رجل) هو شعبة
(بنحوه) أي بنحو الحديث المذكور وهذا اسناد متصل والوضوء في هذين الحديثين وإن لم يكن
مذكورا لكن يطابقان الترجمة من حيث أن الغسل يشتمل على الوضوء
(من صفر) هو الذي تعمل منه الأواني ضرب من النحاس وقيل ما اصفر منه قاله في
التوسط وهذه الأحاديث فيها دليل صريح على جواز التوضي من النحاس الأصفر بلا كراهة
وإن أشبه الذهب بلونه وهذا هو الصحيح قال المنذري وأخرجه ابن ماجة وقال فتوضأ منه
انتهى
120

48 (باب في التسمية على الوضوء)
هل هو ضروري أم لا قال السيد العلامة عبد الرحمن بن سليمان الأهدل في شرح بلوغ
المرام ناقلا عن شرح العباب البسملة عبارة عن قولك بسم الله الرحمن الرحيم بخلاف
التسمية فإنها عبارة عن ذكر الله بأي لفظ كان انتهى
(يعقوب بن سلمة) الليثي المدني قال الذهبي شيخ ليس بعمدة قال البخاري لا يعرف له
سماع من أبيه ولا لأبيه من أبي هريرة روى عنه محمد بن موسى الفطري وأبو عقيل يحيى انتهى
(لا صلاة) قال العلماء هذه الصيغة حقيقة في نفي الشئ وتطلق على نفي كماله والمراد ههنا
الأول (لمن لا وضوء له ولا وضوء) بضم الواو أي لا يصح الوضوء قال المحدث الأجل ولي
الله الدهلوي في الحجة وهو نص على أن التسمية ركن أو شرط ويحتمل أن يكون المعنى لا
يكمل الوضوء لكن لا أرتضي بمثل هذا التأويل فإنه من التأويل البعيد الذي يعود بالمخالفة على
اللفظ (لم يذكر اسم الله عليه) أي لم يقل بسم الله الرحمن الرحيم على الوضوء أو بسم الله
والحمد لله لما أخرج الطبراني في الأوسط من طريق علي بن ثابت عن محمد بن سيرين
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة إذا توضأت فقل بسم الله والحمد لله فإن
حفظتك لا تزال تكتب لك الحسنات حتى تحدث من ذلك الوضوء قال تفرد به عمرو بن أبي
سلمة عن إبراهيم بن محمد عنه وأخرج الإمام البيهقي بإسناده إلى الشافعي قال أحب للرجل
أن يسمي الله في ابتداء الوضوء قال البيهقي وهذا لما روينا عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم في
قصة الإناء الذي وضع يده فيه والماء يفور من بين أصابعه توضأوا بسم الله انتهى وقال العلامة
الشيخ محمد طاهر في تكملة مجمع البحار ويكفي بسم الله والأكمل بسم الله الرحمن الرحيم
فإن ترك أولا قال في أثنائه بسم الله أولا وآخرا انتهى والحديث ظاهره نفي الصحة وإليه
ذهب أحمد بن حنبل في رواية أن التسمية شرط لصحة الوضوء وهو قول أهل الظاهر قال
الشعراني في الميزان قال الأئمة الثلاثة وإحدى الروايتين عن أحمد إن التسمية في الوضوء
مستحبة مع قول داود وأحمد أنها واجبة لا يصح الوضوء إلا بها سواء في ذلك العمد والسهو
121

ومع قول إسحاق إن نسيها أجزأته طهارته وإلا فلا انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجة
وليس فيه تفسير ربيعة وأخرجه الترمذي وابن ماجة من حديث سعيد بن زيد عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي هذا الباب أحاديث ليست أسانيدها مستقيمة وحكى الأثرم عن الإمام
أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال ليس في هذا الباب حديث يثبت وقال أرجو أن يجزئه
الوضوء لأنه ليس في هذا حديث أحكم به وقال أيضا لا أعلم في هذا الباب حديثا له إسناد
جيد وقد أخرج الإمام أحمد في مسنده هذا الحديث الذي أخرجه أبو داود ورواه عن الشيخ
الذي رواه عنه أبو داود بسنده وهو أمثل الأحاديث الواردة إسنادا وتأويل ربيعة بن أبي عبد
الرحمن له ظاهر في قبوله غير أن البخاري قال في تاريخه لا يعرف لسلمة سماع من أبي هريرة ولا
ليعقوب من أبيه انتهى
(وذكر ربيعة) أي في جملة ما ذكره من الكلام أي ذكر أشياء وذكر تفسير هذا الحديث
(لا وضوء لمن لا يذكر اسم الله عليه) بدل من قوله حديث النبي صلى الله عليه وسلم (أنه) الرجل وهذه الجملة بتمامها
خبر أن في قوله أن تفسير.. إلخ (يتوضأ
) للصلاة أو لغيرها (ولا ينوي) الرجل المتوضئ والمغتسل
(ولا) ينوي (غسلا للجنابة) فهما غير قاصدين للطهارة فلا وضوء ولا غسل لهما من أجل أنهما لم
يقصدا بهما وإن غسلا ظاهر أعضائهما فالنية شرط للوضوء والغسل قال الحافظ الإمام
البيهقي في المعرفة وروينا عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه حمله على النية في الوضوء قلت
كلام ربيعة وإن كان صحيحا في الواقع وهو عدم صحة الطهارة بغير نية رفع الحدث لكن حمله
الحديث على هذا المعنى محل تردد بل هو خلاف الظاهر وفي الباب أحاديث أخر ضعاف ذكرها
الحافظ في التلخيص ثم قال والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلا
وقال أبو بكر بن أبي شيبة ثبت لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله إنتهى قال ابن الكثير في الإرشاد وقد
روي من طرق أخر يشد بعضها بعضا فهو حديث حسن أو صحيح وقال ابن الصلاح يثبت
لمجموعها ما يثبت بالحديث الحسن
122

49 (باب في الرجل.. إلخ)
(من الليل) إنما خص نوم الليل بالذكر للغلبة لأن التعليل المذكور في الحديث يقتضي إلحاق
نوم النهار بنوم الليل (يده) بالإفراد قال الحافظ والمراد باليد ههنا الكف دون ما زاد عليها وقوله
فلا يغمس هو أبين في المراد من رواية الإدخال لأن مطلق الإدخال لا يترتب عليه كراهة كمن
أدخل يده في إناء واسع فاغترف منه بإناء صغير من غير أن تلامس يده الماء (ثلاث مرات) هكذا
ذكر لفظ ثلاث مرات جابر وسعيد بن المسيب وأبو سلمة وعبد الله بن شقيق كلهم عن أبي هريرة
كما أخرجه مسلم وأما الأعرج ومحمد بن سيرين وعبد الرحمن وهمام بن منبه وثابت فرووه عن أبي
هريرة بدون ذكر الثلاث لكن زيادة الثقة مقبولة فتعين العمل بها وفيه النهى عن غمس اليد في
الإناء قبل غسلها وهذا مجمع عليه لكن أكثر العلماء على أنه نهي تنزيه لا تحريم فلو خالف
وغمس اليد لم يفسد الماء وروي عن الحسن البصري وإسحاق بن راهويه ومحمد بن جرير
الطبري أنه لا ينجس إن كان قام من نوم الليل واستدل لهم بما ورد من الأمر بإراقته بلفظ فإن
غمس يده في الإناء قبل أن يغسلها فليرق ذلك الماء لكنه حديث ضعيف أخرجه ابن عدي وقال
هذه زيادة منكرة لا تحفظ (فإنه) أي الغامس (باتت يده) زاد ابن خزيمة والدارقطني منه أي من
جسده أي لا يدري تعيين الموضع الذي باتت فيه أي هل لاقت مكانا طاهرا منه أو نجسا أو بثرة
أو جرحا أو أثر الاستنجاء بالأحجار بعد ابتلال موضع الاستنجاء بالماء أو بنحو عرق قال
الحافظ ومقتضاه إلحاق من شك في ذلك ولو كان مستيقظا ومفهومه أن من درى أين باتت يده
كمن لف عليها خرقة مثلا فاستيقظ وهي على حالها أن لا كراهة
وإن كان غسلها مستحبا على
المختار كما في المستيقظ ومن قال بأن الأمر في ذلك للتعبد كمالك لا يفرق بين شاك ومتيقن قال
النووي قال الشافعي وغيره من العلماء رحمهم الله تعالى في معنى قوله أين باتت يده إن أهل
123

الحجاز كانوا يستنجون بالأحجار وبلادهم حارة فإذا نام أحدهم عرق فلا يأمن النائم أن تطوف
يده على ذلك الموضع النجس أو على بثرة أو قذر أو غير ذلك قال المنذري وأخرجه مسلم
(أو أين كانت) قال الحافظ ولي الدين العراقي يحتمل أنه شك من بعض رواته وهو
الأقرب ويحتمل أنه ترديد من النبي صلى الله عليه وسلم والحديث فيه مسائل كثيرة منها أن الماء القليل إذا
وردت عليه نجاسة نجسته وإن قلت ولم تغيره فإنها تنجسه لأن الذي تعلق باليد ولا يرى قليل
جدا وكانت عادتهم استعمال الأواني الصغيرة التي تقصر عن قلتين بل لا تقاربها ورد بعض من
لا خبرة له في صناعة الحديث حديث قلتين بحديث الباب وهذا جهل منه وأجاب عن إمام
عصره أستاذ دهره العلامة المحدث الفقيه المفسر شيخنا ومعلمنا السيد محمد نذير حسين
الدهلوي في بعض مؤلفاته بجواب كاف شفيت به صدور الناس وبهت المعترض ومنها الفرق بين
ورود الماء على النجاسة وورودها عليه وأنها إذ وردت عليه نجسته وإذا ورد عليها أزالها ومنها أن
الغسل سبعا ليس عاما في جميع النجاسات وإنما ورد الشرع به في ولوغ الكلب خاصة ومنها
استحباب غسل النجاسة ثلاثا لأنه إذا أمر به في المتوهمة ففي المحققة أولى ومنها استحباب الأخذ
بالاحتياط في العبادات وغيرها ما لم يخرج عن حد الاحتياط إلى حد الوسوسة قاله النووي
50 (باب صفة.. إلخ)
(توضأ) هذه الجملة مجملة عطفت عليها بجملة مفسرة لها وهي قوله (فأفرغ) أي فصب
الماء والفاء فيه للعطف أي عطف المفصل على المجمل (يديه) وفي رواية للبخاري على كفيه
(ثلاثا) أي إفراغا ثلاث مرار (ثم مضمض) وفي بعض النسخ تمضمض أي بأن أدار الماء في فيه
124

وليس في هذه الرواية ذكر عدد المضمضة ويجيء في رواية أبي مليكة ذكر العدد قال الحافظ أصل
المضمضة في اللغة التحريك ثم اشتهر استعماله في وضع الماء في الفم وتحريكه وأما معناه في
الوضوء الشرعي فأكمله أن يضع الماء في الفم ثم يديره ثم يمجه انتهى (واستنثر) قال النووي
الاستنثار هو اخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق وقال ابن العربي وابن قتيبة الاستنثار هو
الاستنشاق والصواب الأول ويدل عليه الرواية الأخرى استنشق واستنثر فجمع بينهما قال
أهل اللغة هو مأخوذ من النثرة وهي طرف الأنف وقال الخطابي وغيره هي الأنف والمشهور
الأول قال الأزهري روى سلمة عن الفراء أنه يقال نثر الرجل واستنثر إذا حرك النثرة في
الطهارة انتهى وفي الرواية الآتية واستنثر ثلاثا (وغسل وجهه ثلاثا) وفي رواية الشيخين ثم
غسل وجهه وهذا يدل على تأخير غسل الوجه عن المضمضة والاستنثار وحد الوجه من قصاص
الشعر إلى أسفل الذقن طولا ومن شحمة الأذن عرضا (اليمنى إلى) مع (المرفق) بفتح الميم وكسر
الفاء وبالعكس لغتان مشهورتان (مثل ذلك) أي ثلاثا إلى
المرفق (ثم مسح رأسه) لم يذكر عدد
المسح كغيره فاقتضى الاقتصار على مرة واحدة وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد قال الحافظ
وبه قال أكثر العلماء وقال الشافعي يستحب التثليث في المسح كما في
الغسل وسيجئ بيانه في الحديث الآتي (ثلاثا) أي ثلاث مرار إلى الكعبين كما في رواية الشيخين (مثل ذلك) أي غسلها
ثلاث مرار مع الكعبين وفي رواية الشيخين ثم غسل رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين واللفظ
للبخاري واعلم أنه أجمع العلماء على وجوب غسل الوجه واليدين والرجلين واستيعاب جميعهما
بالغسل وانفردت الرافضة عن العلماء فقالوا الواجب في الرجلين المسح وهذا خطأ منهم فقد
تظاهرت النصوص بإيجاب غسلهما وكذلك اتفق كل من نقل وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه
غسلهما وأجمعوا على وجوب مسح الرأس واختلفوا في قدر الواجب فيه فذهب الشافعي في
جماعة إلى أن الواجب ما يطلق عليه الاسم ولو شعرة واحدة وذهب مالك وأحمد وجماعة إلى
وجوب استيعابه وقال أبو حنيفة في رواية الواجب ربعه قلت ما ذهب إليه الإمام الشافعي هو
مذهب ضعيف والحق ما ذهب إليه مالك وأحمد واختلفوا
في
وجوب المضمضة والاستنشاق
فقال الحسن والزهري والحكم وقتادة وربيعة ويحيى بن سعيد الأنصاري والأوزاعي والليث بن
سعد ومالك والشافعي إنهما سنتان في الوضوء والغسل وقال ابن أبي ليلى وحمادة وإسحاق بن
125

راهويه وأحمد بن حنبل إنهما واجبتان في الوضوء والغسل لا يصحان إلا بهما قلت هذا هو
الحق وتجئ دلائله في باب الاستنثار إن شاء الله تعالى وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة إنهما واجبتان
في الغسل دون الوضوء وقال أبو ثور وأبو عبيد وداود والظاهري وأبو بكر بن المنذر إن الاستنشاق
واجب فيهما والمضمضة سنة فيهما حكاه النووي
واتفق الجمهور على أنه يكفي في غسل الأعضاء في الوضوء والغسل جريان الماء على
الأعضاء ولا يشترط الدلك وانفرد مالك والمزني باشتراطه واتفق الجماهير على وجوب غسل
الكعبين والمرفقين وانفرد زفر وداود الظاهري بقولهما لا يجب واتفق العلماء على أن الكعبين
العظمان الناتئان بين الساق والقدم وفي كل رجل كعبان وشذت الرافضة فقالت في كل رجل
كعب وهو العظم الذي في ظهر القدم وحجة العلماء في ذلك نقل أهل اللغة وقوله غسل
رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين فأثبت في كل رجل كعبين قاله النووي (ثم قال) عثمان رضي الله
عنه (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وضوئي هذا) أي على وجه الاستيعاب والكمال بأن لم يقصر عما
توضأت به (ثم صلى ركعتين
) فيه استحباب صلاة ركعتين عقب الوضوء (لا يحدث) من التحديث
(فيهما) في الركعتين (نفسه) مفعول لا يحدث قال النووي والمراد به لا يحدث بشئ من أمور
الدنيا وما لا يتعلق بالصلاة ولو عرض [له] حديث فأعرض عنه لمجرد عروضه عفى عن ذلك
وحصلت له هذه الفضيلة إن شاء الله تعالى لأن هذا ليس من فعله وقد عفى لهذه الأمة عن
الخواطر التي تعرض ولا تستقر وقال الحافظ المرا به ما تسترسل النفس معه ويمكن المرء قطعه
لأن قوله يحدث يقتضي تكسبا منه فأما ما يهجم من الخطرات والوساوس ويتعذر دفعه فذلك
معفو عنه (من ذنبه) من الصغائر دون الكبائر كما في مسلم من التصريح بقوله كفارة لما قبلها من
الذنوب ما لم يؤت كبيرة فالمطلق يحمل على المقيد قال الحافظ في فتح الباري ظاهره يعم
الكبائر والصغائر لكن خصوه بالصغائر لوروده مقيدا باستثناء الكبائر في غير هذه الرواية وهو في
حق من له كبائر وصغائر فمن ليس له إلا الصغائر كفرت عنه ومن ليس له إلا الكبائر خفف
عنه منها بقدر ما لصاحب الصغائر ومن ليس له صغائر ولا كبائر يزاد في حسناته بنظير ذلك
والحديث فيه مسائل التعليم بالفعل لكونه أبلغ وأضبط للمتعلم والترتيب في أعضاء الوضوء
للاتيان في جميعها بثم والترغيب في الإخلاص وتحذير من لها في صلاته بالتفكر في أمور الدنيا من
عدم القبول انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
126

(فذكر) أي أبو سلمة بن عبد الرحمن عن حمران (نحوه) أي نحو حديث عطاء بن يزيد (ولم
يذكر) أبو سلمة في حديثه هذا (المضمضة والاستنثار) كما ذكرها عطاء عن حمران وفي بعض
النسخ الاستنشاق بدل الاستنثار (وقال) أبو سلمة (فيه) أي في حديثه (ثم قال) عثمان (وقال)
النبي (من توضأ دون هذا) بأن غسل بعض أعضائه مرة أو مرتين وبعضه ثلاثا (كفاه)
الاقتصار على واحدة واحدة واثنتين اثنتين (ولم يذكر) أبو سلمة (أمر الصلاة) أي ذكر الركعتين
بعد الوضوء والبشارة له بالغفران كما ذكر عطاء في حديثه عن حمران والحديث فيه تكرار مسح
الرأس وبه قال عطاء والشافعي ويجيء بعض بيانه
(الإسكندراني) بالكسر وسكون السين والنون وفتح الكاف والدال المهملة والراء منسوب
إلى الإسكندرية بلد على طرف بحر المغرب من آخر حد ديار مصر (ابن أبي مليكة) بضم الميم
وفتح اللام هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة القرشي التيمي ثقة (فقال) أي ابن أبي مليكة
(فأتي) بصيغة المجهول (بميضأة) بكسر الميم وسكونه الياء وفتح الضاد فهمزة فهاء إناء التوضي
تسع ماء قدر ما يتوضأ به وهي بالقصر مفعلة وبالمد مفعالة كذا في مجمع البحار (ثم أدخل
يده) في الميضأة (فأخذ ماء) جديدا (فمسح برأسه وأذنيه) وفيه مسح الأذنين بماء مسح به الرأس
(فغسل) أي مسح وفيه إطلاق الغسل على المسح والفاءات العاطفة في جميع ما تقدم
للترتيب المعنوي وهو أن يكون ما بعدها حاصلا بعد ما قبلها في الواقع وأما الفاء في قوله فغسل للترتيب الذكري وهو عطف مفصل على مجمل فهي تفصل ما أجمل في مسح الأذنين
127

وتبين كيفية مسحهما (بطونهما) أي داخل الأذن اليمنى واليسرى مما يلي الوجه (وظهورهما)
أي خارج الأذنين مما يلي الرأس (مرة واحدة) أي مسح الرأس والأذنين مرة واحدة ولم
يمسحهما ثلاثا (أحاديث عثمان) التي هي (الصحاح) أي صحيحة لا مطعن فيها (كلها) خبر
لقوله (أحاديث) (أنه) أي المسح كان (مرة) واحدة دون الثلاثة (فإنهم) أي الناقلين لوضوء
عثمان كعطاء بن يزيد عن حمران عن عثمان وكأبي علقمة عن عثمان (ثلاثا) لكل عضو
(وقالوا) هؤلاء (فيها) في أحاديثهم (لم يذكروا عددا) لمسح الرأس (كما ذكروا) عدد الغسل
(في غيره) أي في غير مسح الرأس كغسل اليدين والوجه والرجلين فإنهم ذكروا فيها
التثليث فثبت بذلك أن المسح كان مرة واحدة لأنه لو كان عثمان رضي الله عنه زاد عليها
لذكره الراوي بل ذكر ابن أبي مليكة عن عثمان أنه مسح برأسه مرة واحدة قال الحافظ في الفتح وقول أبي داود إن الروايات الصحيحة عن عثمان ليس فيها عدد
لمسح الرأس وإنه أورد العدد من طريقين صحح أحدهما ابن خزيمة وغيره والزيادة من الثقة
مقبولة فيحمل قول أبي داود على إرادة استثناء الطريقين الذين ذكرهما فكأنه قال إلا هذين
الطريقين قلت كأنه يشير بقوله صحح أحدهما ابن خزيمة إلى حديث عبد الرحمن بن وردان عن
حمران عن عثمان فإن سنده صحيح وفيه تثليث مسح الرأس وأما الحديث الثاني فيأتي قريبا من
رواية عامر بن شقيق وهو ضعيف قال وليس في شئ من طرقه في الصحيحين ذكر عدد المسح
وبه قال أكثر العلماء وقال الشافعي يستحب التثليث في المسح كما في الغسل واستدل له بظاهر
رواية لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا وأجيب بأنه مجمل
تبين في الروايات الصحيحة أن
المسح لم يتكرر فيحمل على الغالب أو يختص بالمغسول وقال ابن المنذر إن الثابت عن
النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة واحدة وبأن المسح مبني على التخفيف فلا يقاس على الغسل المراد منه المبالغة في الإسباغ وبأن العدد لو اعتبر في المسح لصار في صورة الغسل إذ حقيقة الغسل جريان الماء
128

والدلك ليس بمشترط على الصحيح عند أكثر العلماء وبالغ أبو عبيدة فقال لا نعلم أحدا من
السلف استحب تثليث مسح الرأس إلا إبراهيم التيمي وفيما قاله نظر فقد نقله ابن أبي شيبة في
مصنفه حدثنا الأزرق عن أبي العلاء عن قتادة عن أنس أنه كان يمسح على الرأس ثلاثا يأخذ
لكل مسحة ماء جديدا وأخرجه أيضا عن سعيد بن جبير وعطاء وزاذان وميسرة وكذا نقله ابن
المنذر وقال ابن السمعاني في الاصطلام اختلاف الرواية يحمل على التعدد فيكون مسح تارة مرة
وتارة ثلاثا فليس في رواية مسح مرة حجة على منع التعدد قلت التحقيق في هذا الباب أن
أحاديث المسح مرة واحدة أكثر وأصح وأثبت من أحاديث تثليث المسح وإن كان حديث
التثليث أيضا صحيحا من بعض الطرق لكنه لا يساويها في القوة فالمسح مرة واحدة هو المختار
والتثليث لا بأس به قال البيهقي روي من أوجه غريبة عن عثمان وفيها مسح الرأس ثلاثا إلا
أنها مع خلاف الحفاظ الثقات ليست بحجة عند أهل المعرفة وإن كان بعض أصحابنا يحتج بها
ومال ابن الجوزي في كشف المشكل إلى تصحيح التكرير وقد ورد التكرار في حديث علي من
طرق منها عند الدارقطني من طريق عبد خير وهو من رواية أبي يوسف القاضي والدارقطني من
طريق عبد الملك عن عبد خير أيضا ومسح برأسه وأذنيه ثلاثا ومنها عند البيهقي في الخلافيات
من طريق أبي حية عن علي وأخرجه البزار أيضا ومنها عند البيهقي في السنن من طريق محمد بن
علي بن الحسين عن أبيه عن جده عن علي في صفة الوضوء ومنها عند الطبراني في مسند الشاميين
من طريق عثمان بن سعيد الخزاعي عن علي في صفة الوضوء وفيه عبد العزيز بن عبيد الله
وهو ضعيف كذا في التلخيص
(إلى الكوعين) الكوع بضم الكاف على وزن قفل قال الأزهري هو طرف العظم الذي
على رسغ اليد المحاذي للابهام وهما عظمان متلاصقان في الساعد أحدهما أدق من الآخر وطرفاهما
يلتقيان عند مفصل الكف فالذي يلي الخنصر يقال له الكرسوع والذي يلي الإبهام يقال
له الكوع وهما عظما ساعد الذراع كذا في المصباح (قال) أي أبو علقمة (ثم مضمض) عثمان
(واستنشق ثلاثا) أي أدخل الماء في أنفه بأن جذبه بريح أنفه ومعنى الاستنثار اخراج الماء من
الأنف بريحه بإعانة يده أو بغيرها بعد اخراج الأذى لما فيه من تنقية مجرى النفس (وذكر) أي أبو
علقمة (الوضوء ثلاثا) يعني غسل بقية الأعضاء المغسولة في الوضوء كالوجه واليدين إلى المرفقين
129

ثلاثا ثلاثا (قال) أبو علقمة (ومسح) عثمان (برأسه) وهذا مطلق من غير تقييد بالثلاث
فيحمل على المرة الواحدة كما جاءت في الروايات الصحيحة (ثم ساق) أي أبو علقمة حديثه
هذا (نحو حديث الزهري) أي بذكر الصلاة والتبشير لفاعلها (وأتم) الحديث وهو تأكيد لقوله
ساق والحديث ما أخرجه أحد من الأئمة الخمسة قال المنذري في إسناده عبيد الله بن أبي
زياد المكي وفيه مقال (ذراعيه) الذراع اليد من كل حيوان لكنها من الإنسان من المرفق إلى أطراف الأصابع
كذا في المصباح (ومسح رأسه ثلاثا) اختصر الراوي حديثه فلم يذكر غسل جميع أعضاء الوضوء
بل اقتصر على ذكر بعض الأعضاء منها مسح الرأس لأن مقصوده بيان تثليث مسح الرأس ولذا
ذكره (رواه) أي الحديث (وكيع) بن الجراح أحد الأعلام (قال) وكيع بسنده (قط) بفتح القاف
وسكون الطاء بمعنى حسب يقال قطي وقطك وقط زيد درهم كما يقال حسبي وحسبك وحسب
زيد درهم إلا أنها مبنية لأنها موضوعة على حرفين وحسب معربة قاله الإمام ابن هشام
الأنصاري أي أن وكيعا اقتصر في روايته على لفظ توضأ
ثلاثا فقط عن إسرائيل ولم يفصل ولم
يبين في روايته كما بين يحيى بن آدم عن إسرائيل بقوله غسل ذراعيه ثلاثا ومسح رأسه ثلاثا والله
أعلم قال المنذري في إسناده عامر بن شقيق بن جمرة وهو ضعيف انتهى
(أتانا) في منازلنا وفي رواية النسائي أتينا أي نحن في منزله (وقد صلى) صلاة الفجر
وهذه الجملة حالية (فقلنا) في أنفسنا وقال بعضنا لبعض ما يصنع) علي (ليعلمنا) بأن يتوضأ
ونحن نرى (وطست) هو بفتح الطاء أصله طس أبدل أحد السينين تاء للاستثقال فإذا جمعت أو
صغرت رددت السين
لأنك فصلت بينهما بواو أو ألف أو ياء فقلت طسوس وطساس وطسيس
130

وحكي طشت بالشين من آنية الصفر يحتمل أنه تفسير لإناء ويحتمل أنه معطوف على الإناء أي أتي بالماء في قدح أو إبريق ونحو ذلك ليتوضأ من الماء الذي فيه وأتي بطست ليتساقط ويجتمع فيه
الماء المستعمل المتساقط من أعضاء الوضوء والاحتمال الأول هو القوي لما أخرجه الطبراني في
كتابه مسند الشاميين بسنده عن عثمان بن سعيد النخعي عن علي وفيه فأتي بطشت من ماء
(واستنثر ثلاثا) المراد من الاستنثار ههنا الاستنشاق كما في رواية النسائي ثم تمضمض واستنشق
ثلاثا وفي المجمع عن بعض شروح الشفا الاستنشاق والاستنثار واحد لحديث تمضمض
واستنثر بدون ذكر الاستنشاق وقيل غيره انتهى (فمضمض ونثر) الفاء العاطفة فيه للترتيب
الذكري وتقدم بيانه مرارا أي مضمض واستنشق وليس هاتان الجملتان في رواية النسائي
وحذفهما أصرح (من الكف الذي يأخذ فيه) وفي رواية النسائي من الكف الذي يأخذ به الماء
أي استنشق من الكف اليمنى وأما الاستنثار فمن اليد اليسرى كما في رواية النسائي والدارمي
من طريق زائدة عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي وفيه فتمضمض واستنشق ونثر بيده
اليسرى ففعل هذا ثلاثا (وغسل يده الشمال ثلاثا) إلى المرفقين أي غسل كل واحدة من اليدين
بعد الفراغ من الآخر فغسل اليد اليمنى أولا ثم اليد اليسرى ثانيا بعد الفراغ منها كما وقع بلفظ
ثم في رواية عطاء بن يزيد وقد تقدمت فما شاع بين الناس أنهم يدلكون اليد اليمنى بقليل من
الماء أولا ثم يدلكون اليد اليسرى ثانيا فهو مخالف للسنة لأن السنة غسل اليسرى بعد الفراغ من
اليمنى (مرة واحدة) قال الحافظ شمس الدين ان القيم في زاد المعاد والصحيح أنه لم يكرر مسح
رأسه بل كان إذا كرر غسل الأعضاء أفرد مسح الرأس هكذا جاء عنه صريحا ولم يصح عنه
صلى الله عليه وسلم خلافه البتة بل ما عدا هذا إما صحيح غير صريح كقول الصحابي توضأ ثلاثا ثلاثا وإما
صريح غير صحيح انتهى بتلخيص وقد عرفت ما في هذا الباب من أدلة الفريقين (ثم قال) أي
علي رضي الله عنه (من سره) من السرور أي فرحه (فهو هذا) أي مثله أو أطلقه عليه مبالغة
قال المنذري وأخرجه النسائي وأخرج الترمذي وابن ماجة طرفا منه انتهى
131

(الغداة) أي صلاة الصبح (الرحبة) بفتح الراء المهملة وسكون الحاء المهملة محلة بالكوفة
كذا في القاموس (فأفرغ) أي صب قوله فأخذ الإناء إلى قوله ثلاثا هكذا في عامة النسخ
وكذا في تلخيص المنذري وفي بعض النسخ هذه العبارة قال فأخذ اناء بيده اليمنى فأفرغ على
يده اليسرى وغسل كفيه ثم أخذ اناء بيده اليمنى فأفرغ على يده اليسرى فغسل كفيه ثلاثا وفي
رواية الدارقطني فأخذ بيمينه الإناء فأكفأه على يده اليسرى ثم غسل كفيه ثم أخذ بيده اليمنى
الإناء فأفرغ على يده اليسرى ثم غسل كفيه ثم أخذ بيده اليمنى الإناء فأفرغ على يده اليسرى ثم
غسل كفيه فعله ثلاث مرات قال عبد خير كل ذلك لا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث
مرات (ثم ساق) أي زائدة بن قدامة (حديث أبي عوانة) المذكور آنفا ثم قال زائدة في حديثه
(مقدمه ومؤخره مرة) أي بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي
بدأ منه كما في رواية أخرى وفيه تصريح بأن مسح الرأس كان مرة واحدة وقوله مقدمه هو
بضم الميم وفتح الدال المشددة (ثم ساق) زائدة (نحوه
) أي نحو (حديث) أبي عوانة قال
المنذري وأخرجه النسائي بنحوه
(مالك بن عرفطة) بضم العين وسكون الراء المهملتين وضم الفاء وفتح الطاء واتفق
الحفاظ كأبي داود والترمذي والنسائي على وهم شعبة في تسمية شيخه بمالك بن عرفطة وإنما هو
خالد بن علقمة قال النسائي في سننه قال أبو عبد الرحمن هذا خطأ والصواب خالد بن علقمة
ليس مالك بن عرفطة وقال الترمذي في جامعه وروى شعبة هذا الحديث عن خالد بن علقمة
فأخطأ في اسمه واسم أبيه فقال مالك بن عرفطة وروي عن أبي عوانة عن خالد بن علقمة عن
عبد خير عن علي وروى عنه عن مالك بن عرفطة مثل رواية شعبة والصحيح خالد بن علقمة
انتهى ويجيء قول أبي داود في آخر الباب (بكرسي) بضم الكاف وسكون الراء هو السرير
132

(بكوز) بضم الكاف وهو ماله عروة من أواني الشرب وما لا فهو كوب (بماء واحد) قال الحافظ
ابن القيم في زاد المعاد وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتمضمض ويستنشق تارة بغرفة وتارة بغرفتين وتارة
بثلاث وكان يصل بين المضمضة والاستنشاق فيأخذ نصف الغرفة لفمه ونصفها لأنفه ولا
يمكن في الغرفة إلا هذا وأما الغرفتان والثلاث فيمكن فيهما الفصل والوصل إلا أن هديه صلى الله عليه وسلم كان
الوصل بينهما كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنشق
من كف واحد فعل ذلك ثلاثا وفي لغة تمضمض واستنثر بثلاث غرفات فهذا أصح ما روي
في المضمضة والاستنشاق ولم يجيء الفصل بين المضمضة والاستنشاق في حديث صحيح
البتة ويجيء بيان ذلك إن شاء الله تعالى تحت حديث عبد الله بن زيد وطلحة بن مصرف عن أبيه
عن جده في موضعه (وذكر) شعبة (الحديث) بتمامه قال المنذري وأخرجه النسائي أتم منه
واعلم أنه ذكر الحافظ المزي في الأطراف ههنا أي في آخر الحديث عبارات من قول أبي
داود ليست هي موجودة في النسخ الحاضرة عندي لكن رأينا إثباتها لتكميل الفائدة وهي هذه
قال أبو داود ومالك بن عرفطة إنما هو خالد بن علقمة أخطأ فيه شعبة قال أبو داود قال أبو عوانة
يوما حدثنا مالك بن عرفطة عن عبد خير فقال له عمرو الأعصف رحمك الله أبا عوانة هذا
خالد بن علقمة ولكن شعبة مخطئ فيه فقال أبو عوانة هو في كتابي خالد بن علقمة ولكن
قال شعبة هو مالك بن عرفطة قال أبو داود حدثنا عمرو بن عون قال حدثنا أبو عوانة عن
مالك بن عرفطة قال أبو داود وسماعه قديم قال أبو داود حدثنا أبو كامل قال حدثنا أبو عوانة
عن خالد بن علقمة وسماعه متأخر كان بعد ذلك رجع إلى الصواب انتهى قال المزي في آخر
الكلام من قول أبي داود ومالك بن عرفطة إلى قوله رجع إلى الصواب في رواية أبي الحسن بن
العبد ولم يذكره أبو القاسم انتهى
(أبو نعيم) بضم النون وفتح العين هو الفضل بن دكين الكوفي الحافظ (الكناني) بكسر
133

الكاف وبعدها النون منسوب إلى الكنانة (زر) بكسر الزاء المعجمة وتشديد الراء المهملة (حبيش)
مصغرا (وسئل) والواو حالية (فذكر) زر (وقال) زر في حديثه (ومسح) على (لما يقطر) لما بفتح
اللام وتشديد الميم بمعنى لم وهي على ثلاثة أوجه أحدهما أن يختص بالمضارع فتجزمه وتنفيه
وتقلبه ماضيا مثل لم إلا أنها تفارقها في أمور وثانيها أن تختص بالماضي فتقتضي جملتين وجدت
ثانيتهما عند وجود أولاهما وثالثها أن تكون حرف استثناء فتدخل على الجملة الاسمية وههنا
للوجه الأول أي لم يقطر الماء عن رأسه قال ابن رسلان في شرحه حتى لما يقطر الماء هي بمعنى لم
والفرق بينهما من ثلاثة وجوه الأول أن النفي بلم لا يلزم اتصاله بالحال بل قد يكون منقطعا نحو
هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا وقد يكون متصلا بالحال نحو ولم
أكن بدعائك رب شقيا بخلاف لما فإنه يجب اتصال نفيها بالحال الثاني أن الفعل بعد لما يجوز
حذفه اختيارا ولا يجوز حذفه بعد لم إلا في الضرورة الثالث أن لم تصاحب أدوات الشرط نحو
إن لم ولئن لم ينتهوا انتهى كلامه لكن لصاحب التوسط شرح سنن أبي داود فيه مسلك آخر
فقال مسح رأسه حتى لما يقطر في لما توقع أي قطره متوقع وفيه استحباب تحقيق المسح وعدم
المبالغة بحيث يقطر وعكس بعض فاستدل به على التغسيل قلت ويقوي قول صاحب التوسط
رواية معاوية الآتية والله أعلم والحديث تفرد به المؤلف عن أئمة الصحاح لكن أخرجه
البيهقي قال الحافظ في التلخيص والحديث أعله أبو زرعة إنما يروى عن المنهال عن أبي حية عن
علي انتهى وقال ابن القطان لا أعلم لهذا الحديث علة والله أعلم
(قال رأيت إلخ) في هذا الحديث وفي بعض ما تقدم وبعض ما يجيء بيان غسل بعض
أعضاء الوضوء وفيه تصريح بأن مسح الرأس كان مرة واحدة والحديث تفرد به المؤلف قال
الحافظ في التلخيص سنده صحيح
134

(عن أبي حية) بفتح الحاء وتشديد الياء المفتوحة وهو ابن قيس الهمداني الوداعي قال
الذهبي في الميزان لا يعرف تفرد عنه أبو إسحاق قال أحمد أبو حية شيخ وقال ابن المديني
وأبو الوليد مجهول وقال أبو زرعة لا يسمى وصحح خبره ابن السكن وغيره وفي التقريب
مقبول من الثالثة واعلم أن عبارة الإسناد ههنا في نسخ الكتاب مختلفة فما صحح عندي وتحقق لي
اعتمدت عليه وهكذا وجدت في الأطراف للحافظ المزي وعبارته هكذا أبو حية بن قيس
الوداعي الهمداني عن علي حديث في صفة الوضوء أي أبو داود في الطهارة عن مسدد وأبي توبة
الربيع بن نافع وعمرو ابن عون ثلاثتهم عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عنه به وقال أي أبو داود
أخطأ فيه محمد بن أبي القاسم الأسدي قال فيه عن الثوري عن أبي إسحاق عن حية وإنما هو أبو
حية انتهى كلام المزي وأما في بعض النسخ فهكذا حدثنا مسدد وأبو توبة قالا أنبأنا عمرو بن
عون أنبأنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي حية والله أعلم بالصواب (فذكر) أبو حية (كله)
أي غسل كل أعضاء الوضوء (إلى الكعبين) زاد في رواية الترمذي والنسائي ثم قام فأخذ
فضل طهوره فشرب وهو قائم (أن أريكم) بصيغة المتكلم من أرى يري قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي
بنحوه أتم منه (دخل علي) للمتكلم (أهراق الماء) بفتح الهمزة وسكون الهاء والمضارع فيه يهريق
135

بسكون الهاء تشبيها له بأسطاع يسطيع كأن الهاء زيدت عن حركة الياء التي كانت في الأصل ولهذا
لا نظير لهذه الزيادة والظاهر أن المراد بالماء ههنا البول قال ابن رسلان في شرحه وفيه إطلاق
أهرقت الماء وأما ما روى الطبراني في الكبير عن واثلة بن الأسقع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقولن
أحدكم أهرقت الماء ولكن ليقل البول ففي إسناده عنبسة بن عبد الرحمن بن عنبسة وقد أجمعوا
على ضعفه (بوضوء) بفتح الواو أي الماء (بتور) بفتح التاء وسكون الواو إناء صغير من صفر أو
حجارة يشرب منه وقد يتوضأ منه ويؤكل منه الطعام (حفنة من ماء) الحفن بفتح الحاء وسكون
الفاء أخذ الشيء براحة الكف وضم الأصابع يقال حفنت له حفنا من باب ضرب والحفنة ملأ
الكفين والجمع حفنات مثل سجدة وسجدات (فضرب) وفي رواية أحمد ثم أخذ بيديه فصك بهما
وجهه (بها) أي بالحفنة (على وجهه) قال الحافظ ولي الدين العراقي ظاهره يقتضي لطم وجهه
بالماء وفي رواية ابن حبان في صحيحه فصك به وجهه وبوب عليه استحباب صك الوجه بالماء
للمتوضئ عند إرادته غسل وجهه انتهى وفي هذا
رد على العلماء الشافعية فإنهم صرحوا بأن من
مندوبات الوضوء أن لا يلطم وجهه بالماء كما نقله العراقي في شرحه والخطيب الشربيني في
الاقتناع وقالوا يمكن تأويل الحديث بأن المراد صب الماء على وجهه لا لطمه لكن رواية ابن حبان
ترد هذا التأويل (ثم ألقم إبهاميه ما أقبل من أذنيه) قال في المتوسط أي جعل إبهامين في الأذنين
كاللقمة وقال السيوطي في مرقاة الصعود قال النووي فيه دلالة لما كان ابن شريح يفعله فإنه
كان يغسل الأذنين مع الوجه ويمسحهما أيضا منفردتين عملا
بمذاهب العلماء وهذه الرواية فيها
136

تطهيرهما مع الوجه ومع الرأس وقال العلامة الشوكاني في نيل الأوطار وألقم إبهاميه أي جعل
إبهاميه للبياض الذي بين الأذن والعذار كاللقمة للفم توضع فيه واستدل بذلك الماوردي على أن
البياض الذي بين الأذن والعذار من الوجه كما هو مذهب الشافعية وقال مالك ما بين الأذن
واللحية ليس من الوجه قال ابن عبد البر لا أعلم أحدا من علماء الأمصار قال بقول مالك وعن
أبي يوسف يجب على الأمر غسله دون الملتحي قال ابن تيمية وفيه حجة لمن رأى ما أقبل من
الأذنين من الوجه وفيه أيضا والحديث يدل على أن يغسل ما أقبل من الأذنين مع الوجه ويمسح ما
أدبر منهما مع الرأس وإليه ذهب الحسن بن صالح والشعبي وذهب الزهري وداود إلى أنهما من
الوجه فيغسلان معه وذهب من عداهم إلى أنهما من الرأس فيمسحان معه انتهى كلام
الشوكاني
(ثم الثانية ثم الثالثة مثل ذلك) بالنصب أي فعل في المرة الثانية والثالثة مثله (فصبها على
ناصيته) قال النووي هذه اللفظة مشكلة فإنه ذكر الصب على الناصية بعد غسل الوجه ثلاثا
وقبل غسل اليدين فظاهره أنها مرة رابعة في غسل الوجه
وهذا خلاف إجماع المسلمين فيتأول
على أنه كان بقي من أعلى الوجه شئ ولم يكمل فيه الثلاث فأكمل بهذه القبضة قال الشيخ ولي
الدين العراقي الظاهر أنه إنما صب الماء على جزء من الرأس وقصد بذلك تحقق استيعاب
الوجه كما قال الفقهاء وإنما يجب غسل جزء من الرأس لتحقق غسل الوجه قال السيوطي
وعندي وجه ثالث في تأويله وهو أن المراد بذلك ما يسن فعله بعد فراغ غسل الوجه من أخذ كف
ماء وإسالته على جبهته قال بعض العلماء يستحب للمتوضئ بعد غسل وجهه أن يضع كفا من
ماء على جبهته ليتحدر على وجهه
وفي معجم الطبراني الكبير بسند حسن عن الحسن بن علي أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ فضل ماء حتى يسيله على موضع سجوده قلت ما قاله السيوطي
هو حسن جدا والحديث أخرجه أيضا أبو يعلي في مسنده من رواية حسين بن علي لكن بين
حديث علي رضي الله عنه وحديث الحسنين رضي الله عنهما تغاير لأن في حديث علي إسالة
الماء على جبهته بعد غسل الوجه وقبل غسل اليدين وفي حديثهما إسالته بعد الفراغ من
137

الوضوء ولهذه المغايرة قال الشوكاني تحت حديث علي فيه استحباب إرسال غرفة من الماء
على الناصية لكن بعد غسل الوجه لا كما يفعله العامة عقيب الفراغ من الوضوء قلت نعم
إنما يدل حديث الحسنين رضي الله عنهما
(فتركها) أي القبضة من الماء (تستن) أي تسيل وتنصب يقال سننت الماء إذا جعلته صبا
سهلا وفي رواية أحمد ثم أرسلها تسيل (على رجله) اليمنى (وفيها النعل) قال الخطابي قد
يكون المسح في كلام العرب بمعنى الغسل أخبرني الأزهري أخبرني أبو بكر بن عثمان عن أبي حاتم
عن أبي زيد الأنصاري قال المسح في كلام العرب يكون غسلا ويكون مسحا ومنه يقال للرجل
إذا توضأ فغسل أعضاءه قد تمسح ويحتمل أن تكون تلك الحفنة من الماء قد وصلت إلى ظاهر
القدم وباطنها وإن كانت الرجل في النعل ويدل على ذلك قوله فغسلها بها (ففتلها بها) هكذا في
أكثر النسخ وفي بعضها فغسلها بها والفتل من باب ضرب أي لوى قال في التوسط أي فتل
رجله بالحفنة التي صبها عليها واستدل به من أوجب المسح
وهم الروافض ومن خير بينه وبين
الغسل ولا حجة لأنه حديث ضعيف ولأن هذه الحفنة وصلت إلى ظهر قدمه وبطنه لدلائل
قاطعة بالغسل ولحديث علي أنه توضأ ومسح وقال هذا وضوء من لم يحدث انتهى
وسيجئ بيانه في باب الوضوء مرتين إن شاء الله تعالى
(ثم) ضرب بالحفنة على رجله (الأخرى) أي اليسرى (قال) أي عبد الله الخولاني (قلت)
لابن عباس رضي الله عنهما (وفي النعلين) أي ضرب حفنة من ماء على رجليه وكانت الرجلان في
النعلين (قال) ابن عباس نعم (قال قلت وفي النعلين) وإنما كررها
وسألها ثلاثا لعجبه الذي حصل
138

له من فعل علي رضي الله عنه وهو ضرب الماء على الرجل التي فيها النعل قال الشعراني في كشف
الغمة عن جميع الأمة إن القائل للفظ قلت هو ابن عباس سأل عليا وهذا لفظه قال ابن عباس
فسألت عليا رضي الله عنه فقلت وفي النعلين قال وفي النعلين الحديث انتهى والله أعلم قال
المنذري في هذا الحديث مقال قال الترمذي سألت محمد بن إسماعيل عنه فضعفه وقال ما أدري
ما هذا انتهى والحديث أخرجه أحمد بن حنبل كذا في المنتقى وفي التلخيص ورواه البزار
وقال لا نعلم أحدا روى هذا هكذا إلا من حديث عبيد الله الخولاني ولا نعلم أن أحدا رواه عنه
إلا محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة وقد صرح ابن إسحاق بالسماع فيه وأخرجه ابن حبان من
طريقه مختصرا وضعفه البخاري فيما حكاه الترمذي انتهى
واعلم أن الحديث وإن كان رواته كلهم ثقات لكن فيه علة خفية أطلع عليها البخاري
وضعفه لأجلها ولعل العلة الخفية فيه هي ما ذكره البزار وأما مظنة التدليس من ابن إسحاق
فارتفعت من رواية البزار (وحديث ابن جريج) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج نسب إلى
جده ثقة فاضل (عن شيبة
) بن نصاح
بكسر النون وتخفيف الصاد المهملة مولى أم سلمة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم (يشبه حديث علي) في بعض المعاني (قال فيه) أي في حديث شيبة والحديث أخرجه
139

النسائي موصولا ولفظه أخبرنا إبراهيم بن الحسن المقسمي قال حدثنا حجاج قال قال ابن جريج
حدثني شيبة أن محمد بن علي أخبره قال أخبرني أبي علي أن الحسين بن علي قال دعاني أبي علي
بوضوء فقربته له فغسل كفيه ثلاث مرات قبل أن يدخلها في وضوئه ثم مضمض ثلاثا واستنثر
ثلاثا ثم غسل وجهه ثلاث مرات ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثا ثم اليسرى كذلك (ومسح
برأسه مرة واحدة) رواية النسائي ثم مسح برأسه مسحة واحدة ثم غسل رجله اليمنى إلى
الكعبين ثلاثا ثم اليسرى كذلك ثم قام قائما فقال ناولني فناولته الإناء الذي فيه فضل وضوئه
فشرب من فضل وضوئه قائما فعجبت فلما رآني قال لا تعجب فإني رأيت أباك النبي صلى الله عليه وسلم يصنع
مثل ما رأيتني صنعت (وقال ابن وهب فيه) أي في حديث شيبة قال البيهقي كذا قال ابن وهب
عن ابن جريج عنه قاله ابن رسلان وقد ورد تكرار المسح في حديث علي منها عند الدارقطني من طريق عبد خير وتقدم بحث ذلك مشروحا
(عن أبيه أنه قال) أي يحيى بن عمارة (وهو جد عمرو بن يحيى) الظاهر أن الضمير هو
140

هو يرجع إلى عبد الله بن زيد أي عبد الله بن زيد هو جد عمرو بن يحيى وعليه اعتمد صاحب
الكمال ومن تبعه فقال في ترجمة عمرو بن يحيى أنه ابن بنت عبد الله بن زيد لكن قال الحافظ
الإمام ابن حجر هو غلط لأنه ذكر ابن سعد أن أم عمرو بن يحيى هي حميدة بنت محمد بن
إياس بن البكير وقال غيره هي أم النعمان بنت أبي حية انتهى فالضمير راجع للرجل القائل
الثابت في أكثر الروايات فإن كان يرجع إلى عمرو بن حسن كما في رواية البخاري ومعن بن
عيسى ومحمد بن الحسن فقوله ههنا هو جد عمرو بن يحيى فيه تجوز لأنه عم أبيه وسماه جدا
لكونه في منزلته وإن كان يرجع إلى أبي حسن فهو جد عمرو حقيقة قال ابن عبد البر كذا
لجميع رواة الموطأ وانفرد به مالك ولم يتابعه عليه أحد فلم يقل أحد إن عبد الله بن زيد جد
عمرو قال ابن دقيق العيد هذا وهم قبيح من يحيى بن يحيى أو غيره وأعجب منه أن ابن وضاح
سئل عنه وكان من الأئمة في الحديث والفقه فقال هو جده لأمه ورحم الله من انتهى إلى ما
سمع ووقف دون ما لم يعلم وكيف جاز هذا على ابن وضاح قاله الزرقاني (مرتين مرتين) كذا
141

بتكرار مرتين لئلا يتوهم أن المرتين لكلتا اليدين ولم تختلف الروايات عن عمرو بن يحيى في
غسل اليدين مرتين لكن في رواية مسلم من طريق حبان بن واسع عن عبد الله بن زيد أنه رأى
النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وفيه ويده اليمنى ثلاثا ثم الأخرى ثلاثا فيحمل على أنه وضوء آخر لكون مخرج
الحديثين غير واحد قال الحافظ ولي الدين العراقي المنقول في علم العربية أن أسماء الأعداد
والمصادر والأجناس إذا كررت كان المراد حصولها مكررة لا التأكيد اللفظي فإنه قليل الفائدة لا
يحسن حيث يكون للكلام محمل غيره مثال ذلك جاء القوم اثنين اثنين أو رجلا رجلا أي
اثنين بعد اثنين ورجلا بعد رجل وهذا منه أي غسلهما مرتين بعد مرتين أي أفرد كل واحدة
منهما بالغسل مرتين (إلى المرفقين) ذهب الجمهور إلى دخولهما في غسل اليدين لأن إلى في الآية
بمعنى مع كقوله تعالى ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم وقال الزمخشري لفظ إلى يفيد معنى
142

الغاية مطلقا فاما دخولها في الحكم وخروجها فأمر يدور مع الدليل فقوله تعالى ثم أتموا
الصيام إلى الليل دليل عدم دخوله وقول القائل حفظت القرآن من أوله إلى آخره دليل
الدخول وقوله تعالى إلى المرافق لا دليل فيه على أحد الأمرين قال الحافظ بن حجر
ويمكن أن يستدل لدخولهما بفعله صلى الله عليه وسلم ففي الدارقطني بإسناد حسن من حديث عثمان في صفة
الوضوء فغسل يديه إلى المرفقين حتى مس أطراف العضدين وفيه عن جابر قال كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه لكن إسناده ضعيف وفي البزار والطبراني من
حديث وائل بن حجر في صفة الوضوء وغسل ذراعيه حتى جاوز المرفق وفي الطحاوي والطبراني من
حديث ثعلبة بن عباد عن أبيه مرفوعا ثم غسل ذراعيه حتى يسيل الماء على مرفقيه
فهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا قال إسحاق بن راهويه إلى في الآية يحتمل أن تكون بمعنى
الغاية وأن تكون بمعنى مع فبينت السنة أنها بمعنى مع وقد قال الشافعي في الأم لا أعلم مخالفا
في إيجاب دخول المرفقين في الوضوء انتهى كلامه (فأقبل بهما وأدبر) قد اختلف في كيفية الإقبال
والإدبار المذكور في الحديث ووجد فيه ثلاثة أقوال الأول أن يبدأ بمقدم رأسه الذي يلي الوجه
فيذهب إلى القفا ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه وهو مبتدأ الشعر من حد الوجه وهذا هو
الذي يعطيه ظاهر قوله بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان
الذي بدأ منه إلا أنه أورد على هذه الصفة أنه أدبر بهما وأقبل لأن ذهابه إلى جهة القفا إدبار
ورجوعه إلى جهة الوجه إقبال وأجيب بأن الواو لا تقتضي الترتيب فالتقدير أدبر وأقبل والثاني
أنه يبدأ بمؤخر رأسه ويمر إلى جهة الوجه ثم يرجع إلى المؤخر محافظة على ظاهر لفظ أقبل وأدبر
فالإقبال إلى مقدم الوجه والإدبار إلى ناحية المؤخر وقد وردت هذه الصفة في الحديث الصحيح
بدأ بمؤخر رأسه ويحمل الاختلاف في لفظ الأحاديث على تعدد الحالات والثالث أن يبدأ
بالناصية ويذهب إلى ناحية الوجه ثم يذهب إلى جهة مؤخر الرأس ثم يعود إلى ما بدأ منه وهو
الناصية ولعل قائل هذا قصد المحافظة على قوله بدأ بمقدم رأسه مع المحافظة على ظاهر لفظ
أقبل وأدبر لأنه إذا بدأ بالناصية صدق أنه بدأ بمقدم رأسه وصدق أنه أقبل أيضا فإنه ذهب إلى
ناحية الوجه وهو القبل قال
العلامة الأمير اليماني في سبل السلام والظاهر أن هذا من العمل
المخير فيه وأن المقصود من ذلك تعميم الرأس بالمسح انتهى (بدأ) أي ابتدأ (بمقدم رأسه) بفتح
الدال مشددة ويجوز كسرها والتخفيف وكذا مؤخر قاله الزرقاني (ثم ذهب بهما إلى قفاه) بالقصر
وحكي مده وهو قليل مؤخر العنق وفي المحكم وراء العنق يذكر ويؤنث (ثم ردهما حتى رجع إلى
المكان الذي بدأ منه) ليستوعب جهتي الشعر بالمسح والمشهور عند من أوجب التعميم أن الأولى
143

واجبة والثانية سنة وجملة قوله بدأ إلى آخره عطف بيان لقوله فأقبل بهما وأدبر ومن ثم لم تدخل
الواو على بدأ قاله الزرقاني وفي فتح الباري أنه من الحديث وليس مدرجا من كلام مالك ففيه
حجة على من قال السنة أن يبدأ بمؤخر الرأس إلى أن ينتهي إلى مقدمه لظاهر قوله أقبل وأدبر ويرد
عليه أن الواو لا تقتضي الترتيب وعند البخاري من رواية سليمان بن بلال فأدبر بيديه وأقبل فلم
يكن في ظاهره حجة لأن الإقبال والإدبار من الأمور الإضافية ولم يعين ما أقبل وما أدبر عنه
ومخرج الطريقين متحد فهما بمعنى واحد وعينت رواية مالك البداءة بالمقدم فيحمل قوله أقبل على
أنه من تسمية الفعل بابتدائه أي بدأ بقبل الرأس وقيل في توجيهه غير ذلك انتهى قال
المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة مطولا ومختصرا
(من كف واحدة) كذا في أكثر النسخ وفي بعضها واحد والكف يذكر ويؤنث حكاها أبو
حاتم السجستاني والمشهور أنها مؤنثة قاله السيوطي وهو صريح في الجمع بين المضمضة
والاستنشاق من كل غرفة في كل مرة وذهب إليه بعض الأئمة (يفعل ذلك ثلاثا) أي الجمع بين
المضمضة والاستنشاق ثلاث مرات (ثم ذكر) أي خالد (نحوه) أي نحو حديث مالك وهذا
الحديث أخرجه البخاري سندا ومتنا ولفظه عن عبد الله بن زيد أنه أفرغ من الإناء على يديه
فغسلهما ثم غسل أو مضمض واستنشق من كفة واحدة ففعل ذلك ثلاثا فغسل وجهه ثلاثا ثم
غسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين ومسح برأسه ما أقبل وما أدبر وغسل رجليه إلى الكعبين ثم
قال هكذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجه مسلم والدارمي والترمذي وقال حديث عبد الله بن
زيد حديث حسن غريب وقد روى مالك وابن عيينة وغير واحد هذا الحديث عن عمرو بن يحيى
ولم يذكروا هذا الحرف أن النبي صلى الله عليه وسلم مضمض واستنشق من كف واحد وإنما ذكره خالد بن عبد الله
وخالد ثقة حافظ عند أهل الحديث وقال بعض أهل العلم المضمضة والاستنشاق من كف واحد
يجزي وقال بعضهم يفرقهما أحب إلينا وقال الشافعي إن جمعهما في كف واحد فهو جائز وإن
فرقهما فهو أحب إلينا انتهى وأخرج الدارمي وابن حبان والحاكم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم
توضأ مرة مرة وجمع بين المضمضة والاستنشاق وأقرب منه إلى الصراحة رواية أبي داود التي تقدمت
عن علي ولفظه ثم تمضمض واستنثر ثلاثا فمضمض ونثر من الكف الذي يأخذ فيه ولأبي داود
الطياليسي ثم تمضمض ثلاثا مع الاستنشاق بماء واحد قال النووي في كيفية المضمضة
144

والاستنشاق خمسة أوجه الأصح يتمضمض ويستنشق بثلاث غرفات يتمضمض من كل واحدة
ثم يستنشق كما في رواية خالد المذكورة بلفظ من كف واحدة ففعل ذلك ثلاثا فإنها صريحة في
الجمع في كل غرفة والثاني يجمع بينهما بغرفة واحدة يتمضمض منها ثلاثا ثم يستنشق منها ثلاثا
على ما في حديث ابن ماجة والثالث يجمع أيضا بغرفة ولكن يتمضمض منها ثم يستنشق ثم
يتمضمض منها ثم يستنشق ثم يتمضمض منها ثم يستنشق على ما في بعض الروايات والرابع
يفصل بينهما بغرفتين فيتمضمض من إحداهما ثلاثا ثم يستنشق من الأخرى ثلاثا والخامس
يفصل بست غرفات بأن يتمضمض بثلاث ثم يستنشق بثلاث غرفات وقال بعض المالكية إنه
الأفضل وقال النووي والصحيح الأول وبه جاءت الأحاديث الصحيحة وهو أيضا الأصح
عند المالكية بحيث حكى ابن رشد الاتفاق على أنه الأفضل قاله الزرقاني في شرح المواهب
(أن حبان) بفتح الحاء المهملة وبالموحدة المشددة (حدثه) أي حبان حدث عمرا (أن أباه)
وهو واسع (حدثه) أي ابنه حبان (بماء غير فضل يديه) أي مسح الرأس بماء جديد لا ببقية من ماء
يديه أي لم يقتصر على بلل يديه ولا يستدل بهذا على أن الماء المستعمل لا تصح الطهارة به لأن
هذا إخبار عن الإتيان بماء جديد للرأس ولا يلزم من ذلك اشتراطه قاله النووي وفي سبل
السلام وأخذ ماء جديد للرأس هو أمر لا بد منه وهو الذي دلت عليه الأحاديث انتهى (حتى
أنقاهما) أي أزال الوسخ عنهما والحديث أخرجه مسلم والدارمي والترمذي وقال حسن صحيح
وروى أبو لهيعة هذا الحديث عن حبان بن واسع عن
أبيه عن عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ
وأنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه ورواية عمرو بن الحارث عن حبان أصح
لأنه قد روى من
غير وجه هذا الحديث عن عبد الله بن زيد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ لرأسه ماءا جديدا والعمل
على هذا عند أكثر أهل العلم رأوا أن يأخذ لرأسه ماءا جديدا انتهى كلام الترمذي
(الحضرمي) بفتح الحاء وسكون الضاد وفتح الراء منسوب إلى حضر موت (ثم تمضمض
145

واستنشق ثلاثا) قال السيوطي احتج به من قال الترتيب في الوضوء غير واجب لأنه آخر
المضمضة والاستنشاق من غسل الذراعين وعطف عليه بثم قلت هذه رواية شاذة لا تعارض
الرواية المحفوظة التي فيها تقديم المضمضة والاستنشاق على غسل الوجه (ظاهرهما وباطنهما)
بالجر بدلان من أذنيه وظاهرهما ما يلي الرأس وباطنهما ما يلي الوجه وأما كيفية مسحهما فأخرجها
ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فغرف غرفة
فغسل وجهه ثم غرف غرفة فغسل يده اليمنى ثم غرف غرفة فغسل يده اليسرى ثم غرف غرفة
فمسح برأسه وأذنيه داخلهما بالسبابتين وخالف بإبهاميه إلى ظاهر أذنيه فمسح ظاهرهما وباطنهما
الحديث وصححه ابن خزيمة وابن منده ورواه أيضا النسائي وابن ماجة والحاكم والبيهقي ولفظ
النسائي ثم مسح برأسه وأذنيه باطنهما بالسبابتين وظاهرهما بإبهاميه ولفظ ابن ماجة مسح أذنيه
فأدخلهما السبابتين وخالف إبهاميه إلى ظاهر أذنيه فمسح ظاهرهما وباطنهما ولفظ البيهقي ثم
أخذ شيئا من ماء فمسح به رأسه وقال بالوسطيين من أصابعه في باطن أذنيه والإبهامين من وراء
أذنيه ذكره الحافظ في التلخيص وحديث الباب ظاهر في أنه لم يأخذ للأذنين ماء جديدا بل
مسح الرأس والأذنين بماء واحد قال الحافظ شمس الدين ابن القيم في الهدى النبوي وكان يمسح أذنيه مع رأسه وكان
يمسح ظاهرهما وباطنهما ولم يثبت عنه أنه أخذ لهما ماء جديدا وإنما
صح ذلك عن ابن عمر انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجة مختصرا
(لفظه) قال النووي هو بالرفع أي هذا لفظه وأما محمود فمعناه وقال الشيخ ولي الدين
العراقي ضبطناه بالنصب أي حدثنا لفظه لا معناه (فأمرهما) من الإمرار أي أمضاهما إلى مؤخر
الرأس (القفا) بالقصر وحكى مده وهو قليل مؤخر العنق وفي المحكم والقاموس وراء العنق
146

يذكر ويؤنث (قال محمود) بن خالد في روايته عن الوليد بن مسلم إنه (قال) أي الوليد (أخبرني
حريز) فصرح الوليد بالأخبار عن حريز في رواية محمود فارتفعت مظنة التدليس عن الوليد كما
كانت في رواية يعقوب بالعنعنة
(المعنى) أي أنهما اتفقا على المعنى وإن اختلفا في اللفظ (بهذا الإسناد) المذكور (أصابعه)
كذا في بعض النسخ بالجمع على إرادة الجنس والمراد السبابتان وفي بعض النسخ إصبعيه بالتثنية
(في صماخ أذنيه) بكسر الصاد المهملة وآخره الخاء المعجمة الخرق الذي في الأذن المفضي
إلى الدماغ ويقال فيه السماخ أيضا قال الحافظ وإسناده حسن وعزاه النووي تبعا لابن
الصلاح لرواية النسائي وهو وهم انتهى وهذه الأحاديث تدل على استيعاب مسح جميع الرأس
ومشروعية مسح الأذنين ظاهرا وباطنا وإدخال السبابتين في صماخي الأذنين قال المنذري
وأخرجه ابن ماجة مختصرا
(مؤمل) كمحمد (للناس) أي بحضرة الناس لتعليمهم (فلما بلغ) معاوية (غرفة) بفتح
الغين مصدر وبالضم اسم للمغروف أي ملأ الكف (فتلقاها) التلقي الأخذ أي أخذ الغرفة
(حتى وضعها) أي الغرفة (على وسط رأسه) بفتح السين لأنه اسم (من مقدمه) أي من مقدم رأسه
وهو الناصية (إلى مؤخره) وهو القفا (ومن مؤخره إلى مقدمه) أي ثم عاد من القفا إلى الناصية
والحديث فيه أخذ الماء باليسرى وليست هذه الجملة في رواية علي بن بحر عن الوليد بن مسلم
بالسند المذكور إلى معاوية فيما أخرجه الطحاوي ولفظه فلما بلغ مسح رأسه وضع كفيه على مقدم
رأسه ثم مر بهما حتى بلغ القفا ثم ردهما حتى بلغ المكان الذي بدء منه (بهذا الإسناد) وفي بعض
147

النسخ في هذا الإسناد أي بالإسناد المذكور من عبد الله بن العلاء إلى معاوية (قال) محمود بن
خالد في حديثه (فتوضأ ثلاثا ثلاثا) أي توضأ معاوية للناس كما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ثلاثا
ثلاثا لكل عضو (وغسل رجليه بغير عدد) واستدل به على أن غسل الرجلين لا يتقيد بعدد بل
بالانقاء وإزالة ما فيهما من الأوساخ وهو استدلال غير تام لأنه قد جاء في أكثر الروايات أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم غسلهما ثلاثا ثلاثا فيحمل غسل الرجلين في هذا الحديث على الغسلات الثلاث
وإن لم يحسب الراوي الرائي كونها ثلاثة وإن سلمنا أنه صلى الله عليه وسلم غسلهما بغير عدد في بعض الأحيان
لبيان الجواز فلا يخرج عن كونها سنة ومتقيدا بثلاث
(عن الربيع) بضم الراء وفتح الباء الموحدة وكسر الياء التحتانية المشددة (بنت معوذ)
بضم الميم وفتح العين وكسر الواو المشددة (فحدثتنا) أي الربيع (أنه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (قال
اسكبي) بضم الكاف من نصر ينصر أمر من السكب أي صبي يقال سكب الماء سكبا وسكوبا
فانصب وسكبه غيره يتعدى ولا يتعدى (فذكرت) أي الربيع (ووضأ وجهه) بتشديد الضاد أي
غسل (مضمض واستنشق مرة) لبيان الجواز (ومسح برأسه مرتين يبدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه)
بيان لمرتين فليستا مسحتين بدليل أنها لم تقل ويبدأ بالواو ثم بدؤه بالمؤخر لبيان الجواز إن
صحت هذه الرواية قال السيوطي احتج به من يرى أنه يبدأ بمسح الرأس بمؤخره ثم
بمقدمه قال الترمذي ذهب أهل الكوفة إلى هذا الحديث منهم وكيع بن الجراح وأجاب ابن
العربي عنه على مذهب الجمهور بأنه تحريف من الراوي بسبب فهمه فإنه فهم من قوله فأقبل
بهما وأدبر أنه يقتضي الابتداء بمؤخر الرأس فصرح بما فهم
منه وهو يخطئ في فهمه وأجاب
غيره بأنه عارضه ما هو أصح منه وهو حديث عبد الله بن زيد أو بأنه فعل لبيان الجواز انتهى
(وهذا معنى حديث مسدد) أي هذا الذي رويته عن مسدد رويته بالمعنى ولا أتحفظ جملة
148

ألفاظه قال المنذري وأخرجه الترمذي مختصرا وقال هذا حديث حسن وحديث عبد الله بن
زيد أصح من هذا وأجود إسنادا وأخرجه ابن ماجة
(حدثنا سفيان) هو ابن عيينة الإمام الحافظ كما صرح به المزي في الأطراف (بهذا الحديث)
المذكور إلا أن سفيان بن عيينة (يغير بعض معاني بشر) بن المفضل أي حديث بن عيينة وبشر بن
المفضل كلاهما متحدان في المعنى إلا أن بينهما بعض المغايرة بحسب المعنى وصرحها بقوله (قال)
أي سفيان بن عيينة (فيه) أي في الحديث المذكور
(عندها) أي الربيع (من قرن الشعر) القرن يطلق على الخصلة من الشعر وعلى جانب
الرأس من أي جهة كان وعلى أعلى الرأس قاله الشيخ ولي الدين العراقي وفي التوسط أراد
بالقرن أعلى الرأس إذ لو مسح من أسفل لزم تغير الهيئة وقد قال لا يحرك إلخ أي يبتدئ
المسح من الأعلى إلى أسفل (كل ناحية) أي في كل ناحية بحيث يستوعب مسح جميع الرأس عرضا
وطولا (لمنصب الشعر) بضم الميم وسكون النون وفتح الصاد المهملة وتشديد الياء الموحدة
المكان الذي ينحدر إليه وهو أسفل الرأس مأخوذ من انصباب الماء وهو انحداره من أعلى إلى
أسفل قاله السيوطي واللام في لمنصب لانتهاء الغاية أي ابتدأ من الأعلى في كل ناحية وانتهى
إلى آخر موضع ينتهي إليه الشعر كذا في التوسط قال العراقي والمعنى أنه كان يبتدئ المسح
بأعلى الرأس إلى أن ينتهي بأسفله يفعل ذلك في كل ناحية على حدتها انتهى وقال الشوكاني إنه
مسح مقدم رأسه مسحا مستقلا ومؤخره كذلك لأن المسح مرة واحدة لا بد فيه من تحريك شعر
أحد الجانبين انتهى (لا يحرك الشعر عن هيئته) التي هو عليها قال ابن رسلان وهذه الكيفية
مخصوصة بمن له شعر طويل إذ لو رد يده عليه ليصل الماء إلى أصوله ينتفش ويتضرر صاحبه
بانتفاشه وانتشار بعضه ولا بأس بهذه الكيفية للمحرم فإنه يلزمه الفدية بانتشار شعره
وسقوطه وروي عن أحمد انه سئل كيف تمسح المرأة ومن له شعر طويل كشعرها فقال إن شاء
149

مسح كما روي عن الربيع وذكر الحديث ثم قال هكذا ووضع يده على وسط رأسه ثم جرها إلى
مقدمه ثم رفعها فوضعها حيث بدأ منه ثم جرها إلى مؤخره انتهى قلت والقرن أيضا الروق
من الحيوان وموضعه من رأسنا قاله في القاموس وهو مقدم الرأس أراد بالقرن هذا المعنى أي
ابتدأ المسح من مقدم رأسه مستوعبا جميع جوانبه إلى منصب شعره وهو مؤخر رأسه إذ لو مسح
من مؤخره إلى مقدمه أو من أعلاه وهو وسطه إلى أية جهة كانت أو من يمينه إلى شماله أو بالعكس
لزم تحرك الشعر عن هيئته وقد قال لا يحرك إلخ والله أعلم بالصواب (قالت) أي الربيع (ومسح
ما أقبل منه) هذا عطف تفسيري لقوله فمسح رأسه أي مسح ما أقبل من الرأس (و) مسح (ما
أدبر) من الرأس أي مسح من مقدم الرأس إلى منتهاه ثم رد يديه من مؤخر الرأس إلى مقدمه
(و) مسح (صدغيه) الصدغ بضم الصاد المهملة وسكون الدال الموضع الذي بين العين والأذن
والشعر المتدلي على ذلك الموضع (و) مسح (أذنيه مرة واحدة) متعلق بمسح فيكون قيدا في
الإقبال والإدبار وما بعده فباعتبار الإقبال يكون مرة وباعتبار الإدبار
مرة أخرى وهو مسح
واحد وبه يجمع بينه وبين ما سبق من حديثها أنه مسح برأسه قرنين ونقل الشعراني عن بعض
السلف أنه قال لا خلاف بين تثليث المسح والمسحة الواحدة لأنه صلى الله عليه وسلم وضع يده على يافوخه
أولا ثم مد يده إلى مؤخر رأسه ثم إلى مقدم رأسه ولا يفصل يده من رأسه ولا أخذ الماء ثلاث
مرات فمن نظر إلى هذه الكيفية قال إنه مسح مرة واحدة ومن نظر إلى تحريك يده قال إنه مسح
ثلاثا والله أعلم قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حديث الربيع حديث حسن صحيح
(من فضل ماء كان في يده) ولفظ
الدارقطني في سننه توضأ ومسح رأسه ببلل يديه وفي
رواية له قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتينا فيتوضأ فمسح رأسه بما فضل في يديه ومسح هكذا ووصف
ابن داود قال بيديه من مؤخر رأسه إلى مقدمه ثم رد يديه من مقدم رأسه إلى مؤخره انتهى قلت
ابن عقيل هذا قد اختلف الحفاظ في الاحتجاج بحديثه وذكر الترمذي حديث عبد الله بن زيد
150

أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وأنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه من رواية ابن لهيعة عن حبان بن
واسع قال ورواية عمرو بن الحارث عن حبان بن واسع أصح لأنه قد روى من غير وجه هذا
الحديث عن عبد الله بن زيد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ لرأسه ماء جديدا انتهى وحديث ابن
عقيل هذا في متنه اضطراب لأن ابن ماجة أخرج من طريق شريك عن عبد الله بن عقيل عن
الربيع بنت معوذ قالت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بميضأة فقال اسكبي فسكبت فغسل وجهه
وذراعيه وأخذ ماء جديدا فمسح به رأسه مقدمه ومؤخره تأوله الحافظ البيهقي على أنه أخذ ماء
جديدا وصب نصفه ومسح رأسه ببلل يديه ليوافق ما في حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني
ومسح برأسه بماء غير فضل يديه أخرجه مسلم والمؤلف والدارمي والترمذي وقال حديث حسن
صحيح وأخرج الطبراني في معجمه حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا أبو الربيع الزهراني
حدثنا أسد بن عمرو عن دهثم عن نمران بن جارية بن ظفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خذوا
للرأس ماءا جديدا والحديث لا يصح لحال دهثم وجهالة نمران قاله الذهبي وقال الحافظ في
الإصابة دهثم بن قران عن نمران بن جارية عن أبيه ولا يعرف له رواية إلا من طريق دهثم
ودهثم ضعيف جدا
(إصبعيه) أي السبابتين (في جحري أذنيه) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة تثنية جحر
وهو الثقبة والخرق وتقدم رواية هشام وفيها وأدخل أصابعه في صماخ أذنيه قال المنذري
وأخرجه ابن ماجة
(عن ليث) هو ابن سليم القرشي الكوفي روى عن عكرمة وغيره وعنه شعبة والثوري
ومعمر قال أحمد مضطرب الحديث وقال الفضيل بن عياض ليث أعلم أهل الكوفة
151

بالمناسك كذا في الخلاصة وقال الحافظ قال ابن حبان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل ويأتي
عن الثقات بما ليس من حديثهم تركه يحيى القطان وابن مهدي وابن معين وأحمد بن حنبل
وقال النووي في تهذيب الأسماء اتفق العلماء على ضعفه (عن أبيه) أي مصرف بن عمرو بن
كعب قال ابن القطان مصرف بن عمرو والد طلحة مجهول ذكره الحافظ في التلخيص ومثله في
التقريب (القذال) بفتح القاف والذال المعجمة كسحاب هو مؤخر الرأس وجمعه قذل ككتب
وأقذلة كأغلمة ولفظ أحمد في مسنده أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح رأسه حتى بلغ القذال وما يليه
من مقدم العنق ولفظ ابن سعد وجر يديه إلى قفاه (وهو) أي القذال (أول القفا) وهذا تفسير
من أحد الرواة والقفا بفتح القاف مقصور هو مؤخر العنق كذا في المصباح وفي الحكم وراء
العنق يذكر ويؤنث وفي رواية الطحاوي في شرح معاني الآثار مسح مقدم رأسه حتى بلغ القذال
من مقدم عنقه وحاصل الكلام أن القذال هو مؤخر الرأس وأول القفا هو مؤخر الرأس أيضا لأن
القفا بغير إضافة لفظ أول هو مؤخر العنق فابتداء العنق هو مؤخر الرأس فالمعنى أنه صلى الله عليه وسلم مسح
رأسه مرة من مقدم الرأس إلى منتهاه (وقال مسدد) في روايته (مسح رأسه من مقدمه إلى مؤخره
حتى أخرج يديه من تحت أذنيه) وجانب الأذن الذي يلي الرأس المعبر بظاهر الأذن هو تحتها بالنسبة
إلى جانب الأذن الذي يلي الوجه المعبر بباطن الأذن والمعنى أنه مسح إلى مؤخر الرأس حتى مرت
يداه على ظاهر الأذنين وما انفصلتا عن ذلك الموضع إلا بعد مرورهما على ظاهرهما قلت
والحديث مع ضعفه لا يدل على استحباب مسح الرقبة لأن فيه مسح الرأس من مقدمه إلى مؤخر
الرأس أو إلى مؤخر العنق على اختلاف الروايات وهذا ليس فيه كلام إنما الكلام في مسح
الرقبة المعتاد بين الناس أنهم يمسحون الرقبة بظهور الأصابع بعد فراغهم عن مسح الرأس وهذه
الكيفية لم تثبت في مسح الرقبة لا من الحديث الصحيح ولا من الحسن بل ما روي في مسح
الرقبة كلها ضعاف كما صرح به غير واحد من العلماء فلا يجوز الاحتجاج بها وما نقل الشيخ
ابن الهمام من حديث وائل بن حجر في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مسح على رأسه ثلاثا
152

وظاهر أذنيه ثلاثا وظاهر رقبته الحديث ونسبه إلى الترمذي فهو وهم منه لأن الحديث ليس له
وجود في الترمذي (فحدثت به) أي بالحديث المذكور (يحيى) بن سعيد القطان كما صرح به
البيهقي (فأنكره) أي الحديث من جهة جهالة مصرف أو أن يكون لجد طلحة صحبة ولذا
قال عبد الحق هذا إسناد لا أعرفه وقال النووي طلحة بن مصرف أحد الأئمة تابعي احتج به
الستة وأبوه وجده لا يعرفان قاله السيوطي لكن يحيى بن معين في رواية الدوري وعبد الرحمن
ابن مهدي وابن أبي حاتم وأبا داود أثبتوا صحبة لعمرو بن كعب جد طلحة (زعموا) أي قالوا أي
قال الناس (إنه) سفيان بن عيينة (كان ينكره) أي الحديث والعبارة فيها تقديم وتأخير أي يقول
أحمد بن حنبل زعم الناس أن ابن عيينة ينكر هذا الحديث (ويقول) سفيان (إيش هذا) بفتح
الهمزة وسكون الياء وكسر الشين المعجمة معناه أي شئ هذا وهو استفهام إنكاري أي لا شئ
هذا الحديث وفي المصباح وفي أي شئ خففت الياء وحذفت الهمزة تخفيفا وجعلا كلمة واحدة
فقالوا أيش قاله الفارابي انتهى كلامه (طلحة عن أبيه عن جده
) هذا
تعليل للانكار أي لا
شئ هذا الحديث إنما يروي طلحة بن مصرف بن عمرو عن أبيه عن جده عمرو بن كعب ولم يثبت لعمرو صحبة
(فذكر الحديث كله ثلاثا ثلاثا) أي فذكر الراوي ما تضمنه الحديث من الأعضاء المغسولة
كلها ثلاثا ثلاثا أي ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل الأعضاء كلها ثلاثا ثلاثا
(قال) أي ابن عباس (يمسح المأقين) وتثنية مأق بالفتح وسكون الهمزة أي يدلكهما في
153

القاموس موق العين مجرى الدمع منها أو مقدمها أو مؤخرها انتهى وقال الأزهري أجمع أهل اللغة
أن الموق والماق مؤخر العين الذي يلي الأنف انتهى قال التوربشتي الماق طرف
العين الذي يلي الأنف والأذن واللغة المشهورة موق قال الطيبي إنما مسحهما على
الاستحباب مبالغة في الإسباغ لأن العين قلما تخلو من كحل وغيره أو رمص فيسيل فينعقد على
طرف العين (قال) شهر (وقال) أي أبو أمامة (الأذنان من الرأس) يعني يجوز مسح الأذنين مع
مسح الرأس بماء واحد وهو مذهب مالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم كذا في المفاتيح
حاشية المصابيح قال الترمذي والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
ومن بعدهم أن الأذنين من الرأس وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق وقال
بعض أهل العلم ما أقبل من الأذنين فمن الوجه وما أدبر: فمن الرأس وقال إسحاق أختار
أن يمسح مقدمهما مع وجهه ومؤخرهما مع رأسه انتهى (يقولها) أي هذه الجملة وهي قوله
الأذنان من الرأس (أبو أمامة) الباهلي أي قائل هذه الجملة أبو أمامة وما هي من قول النبي صلى الله عليه وسلم
قال البيهقي في المعرفة وكان سليمان بن حرب يرويه عن حماد ويقول الأذنان من الرأس إنما هو
من قول أبي أمامة فمن قال غير هذا فقد بدل وقال الدارقطني في سننه قال سليمان بن حرب
الأذنان من الرأس إنما هو قول أبي أمامة فمن قال غير هذا فقد بدل أو كلمة قالها سليمان أي أخطأ
(يعني قصة الأذنين) الظاهر أن هذا التفسير من المؤلف وقد كان في قول حماد إبهام فأرجع
الضمير المرفوع في قول حماد لا أدري هو إلى قوله الأذنان من الرأس (قال قتيبة) في روايته (عن
سنان أبي ربيعة) وقال سليمان بن حرب ومسدد سنان بن ربيعة (وهو) أي سنان (ابن ربيعة كنيته
أبو ربيعة) فلا يتوهم متوهم أن قتيبة أخطأ فيه لأن كنية سنان أبو ربيعة واسم والده ربيعة فاتفق
القولان
واعلم أن حديث الأذنان من الرأس رواه ثمانية أنفس من الصحابة قال الحافظ في
التلخيص الأول حديث أبي أمامة رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والقزويني وقد بينت أنه
مدرج في كتابي تقريب المنهج بترتيب المدرج في ذلك الثاني حديث عبد الله بن زيد قواه
المنذري وابن دقيق العيد وقد بينت أيضا أنه مدرج الثالث حديث ابن عباس رواه البزار
وأعله الدارقطني بالاضطراب وقال إنه وهم والصواب رواية ابن جريج عن سليمان بن موسى
154

مرسلا الرابع حديث أبي هريرة رواه ابن ماجة وفيه عمرو بن الحصين وهو متروك
الخامس حديث أبي موسى أخرجه الدارقطني واختلف في وقفه ورفعه وصوب الوقف وهو
منقطع أيضا السادس حديث ابن عمر أخرجه الدارقطني وأعله أيضا السابع حديث
عائشة أخرجه الدارقطني وفيه محمد بن الأزهر وقد كذبه أحمد الثامن حديث أنس أخرجه
الدارقطني من طريق عبد الحكيم عن أنس وهو ضعيف انتهى كلام الحافظ في التلخيص
51 (باب الوضوء ثلاثا ثلاثا)
(عن عمرو بن شعيب) بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي المدني
نزيل الطائف
واعلم أنه اختلف كلام الأئمة الحفاظ في الاحتجاج بحديث عمرو بن شعيب روى عن
ابن معين أنه قال إذا حدث عن غير أبيه فهو ثقة وقال أبو داود عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده ليس بحجة وقال القطان إذا روى عن الثقات فهو ثقة حجة يحتج به وقال الترمذي في
جامعه ومن تكلم في حديث عمرو بن شعيب إنما ضعفه لأنه يحدث عن صحيفة جده كأنهم
رأوا أنه لم يسمع هذه الأحاديث من جده قال علي بن عبد الله وذكر عن يحيى بن سعيد أنه
قال حديث عمرو بن شعيب عندنا واه انتهى قال الحافظ جمال الدين المزي عمرو بن
شعيب يأتي على ثلاثة أوجه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وعمرو بن شعيب عن أبيه عن
عبد الله بن عمرو وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمرو فعمرو له ثلاثة
أجداد محمد وعبد الله وعمرو بن العاص فمحمد تابعي وعبد الله وعمرو صحابيان فإن
كان المراد بجده محمدا فالحديث مرسل لأنه تابعي وإن كان المراد به عمرا فالحديث منقطع
لأن شعيبا لم يدرك عمرا وإن كان المراد به عبد الله فيحتاج إلى معرفة سماع شعيب من
عبد الله
وأجيب عن هذا بما قال الترمذي في كتاب الصلاة من جامعه عمرو بن شعيب هو ابن
محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص قال محمد بن إسماعيل رأيت أحمد وإسحاق وذكر غيرهما
يحتجون بحديث عمرو بن شعيب قال محمد وقد سمع شعيب بن محمد من عبد الله بن
عمرو انتهى وقال الدارقطني في كتاب البيوع من سننه حدثنا محمد بن الحسن النقاش أخبرنا
أحمد بن تميم قال قلت لأبي عبد الله بن إسماعيل البخاري شعيب والد عمرو بن شعيب
155

سمع من عبد الله بن عمرو قال نعم قلت فعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يتكلم الناس
فيه قال رأيت علي بن المديني بن حنبل والحميدي وإسحاق بن راهويه يحتجون به
انتهى ويدل على سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو ما رواه الدارقطني والحاكم والبيهقي
عنه في إفساد الحج فقالوا عن عمرو بن شعيب عن أبيه أن رجلا أتى عبد الله بن عمرو يسأله عن
محرم وقع بامرأته فأشار إلى عبد الله بن عمر فقال اذهب إلى ذلك فاسأله قال شعيب فلم
يعرفه الرجل فذهبت معه فسأل ابن عمرو
قال الحافظ قال أحمد عمرو بن شعيب له أشياء مناكير وإنما يكتب حديثه يعتبر به فأما أن
يكون حجة فلا قال الجوزجاني قلت لأحمد سمع من أبيه شيئا قال يقول حدثني أبي قلت
فأبوه سمع من عبد الله بن عمرو قال نعم أراه قد سمع منه وقال أبو بكر الأثرم سئل أبو
عبد الله عن عمرو بن شعيب فقال أنا أكتب حديثه وربما احتججنا به وربما وقع في القلب منه
شئ وقال البخاري رأيت أحمد وعلي بن المديني وإسحاق بن راهويه وأبا عبيدة وعامة أصحابنا
يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ما تركه أحد من
المسلمين قال البخاري
فمن الناس بعدهم انتهى ووثقه النسائي وقال الحافظ أبو بكر بن زياد صح سماع عمرو
من أبيه وصح سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو وفي شرح ألفية العراقي للمصنف وقد
اختلف في الاحتجاج برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وأصح الأقوال أنها حجة مطلقا
إذا صح السند إليه قال ابن الصلاح وهو قول أكثر أهل الحديث حملا للجد عند الإطلاق على
الصحابي عبد الله بن عمرو دون ابنه محمد والد شعيب لما ظهر لهم من إطلاقه ذلك فقد قال
البخاري رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق بن راهويه وأبا عبيد وأبا خيثمة وعامة
أصحابنا يحتجون بحديث عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده ما تركه أحد منهم وثبتوه فمن
الناس بعدهم وقول ابن حبان هي منقطعة لأن شعيبا لم يلق عبد الله مردود فقد صح سماع
شعيب من جده عبد الله بن عمرو كما صرح به البخاري في التاريخ وأحمد وكما رواه الدارقطني
والبيهقي في السنن بإسناد صحيح وذكر بعضهم أن محمدا مات في حياة أبيه وأن أباه كفل شعيبا
ورباه وقيل لا يحتج به مطلقا انتهى بتلخيص
ومحصل الكلام أن الأكثر على
توثيقه وعلى الاحتجاج بروايته عن أبيه عن جده
(عن أبيه) شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص عن جده قد وثقه ابن حبان
وثبت سماعه من جده عبد الله فالضمير في (عن جده) لشعيب وإن عاد على عمرو ابنه حمل على
جده الأعلى الصحابي فالحديث متصل الإسناد (قال) أي عبد الله بن عمرو بن العاص (كيف
الطهور)
156

الجمهور على أن ضم الطاء للفعل وفتح الطاء للماء وعن بعض عكسه (فدعا) أي النبي
صلى الله عليه وسلم (السباحتين) بمهملة فموحدة فألف بعدها مهملة تثنية سباحة وأراد بهما مسبحتي اليد اليمنى
واليسرى وسميت سباحة لأنه يشار بها عند التسبيح (ثم قال) النبي صلى الله عليه وسلم (هكذا الوضوء) أي
تثليث الغسل هو أسبغ الوضوء وأكمله ورد في بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا وقال هذا
وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي أخرجه الدارقطني بسند ضعيف في كتابه غرائب مالك عن أبي
هريرة (على هذا) أي على الثلاث (أو نقص) عن الثلاث (فقد أساء وظلم) أي على نفسه بترك
متابعة النبي صلى الله عليه وسلم أو بمخالفته أو لأنه أتعب نفسه فيما زاد على الثلاثة من غير حصول ثواب له أو
لأنه أتلف الماء بلا فائدة وأما في النقص فأساء الأدب بترك السنة وظلم نفسه بنقص ثوابها بتزداد
غير المرات في الوضوء واستشكل بالإساءة والظلم على من نقص عن هذا العدد فإن
رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين ومرة مرة وأجمع أئمة الحديث والفقه على
جواز الاقتصار على واحدة وأجيب بأنه أمر نسبي والإساءة تتعلق بالنقص أي أساء من نقص عن الثلاث بالنسبة لمن
فعلها لا حقيقة الإساءة والظلم بالزيادة عن الثلاث لفعله مكروها أو حراما وقال بعض
المحققين فيه حذف تقديره من نقص شيئا من غسلة واحدة بأن تركه لمعة في الوضوء مرة ويؤيده
ما رواه نعيم بن حماد بن معاوية من طريق المطلب بن حنطب مرفوعا الوضوء مرة مرة وثلاثا
فإن نقص من واحدة أو زاد على ثلاثة فقد أخطأ وهو مرسل لأن المطلب تابعي صغير ورجاله
ثقات ففيه بيان ما أجمل في حديث عمرو بن شعيب وأجيب عن الحديث أيضا بأن الرواة لم
يتفقوا على ذكر النقص فيه بل أكثرهم يقتصر على قوله فمن زاد فقط ولذا ذهب جماعة من
العلماء بتضعيف هذا اللفظ في قوله أو نقص قال ابن حجر والقسطلاني عده مسلم في جملة ما
أنكروه على عمرو بن شعيب لأن ظاهره ذم النقص عن الثلاثة والنقص عنها جائز وفعله
المصطفى صلى الله عليه وسلم فكيف يعبر عنه بأساء وظلم قال السيوطي قال ابن المواق إن لم يكن اللفظ شكا
من الراوي فهو من الأوهام البينة التي لا خفاء لها إذ الوضوء مرة ومرتين لا خلاف في جوازه
والآثار بذلك صحيحة والوهم فيه من أبي عوانة وهو وإن كان من الثقات فإن الوهم لا يسلم
منه بشر إلا من عصم ويؤيده رواية أحمد والنسائي وابن ماجة وكذا ابن خزيمة في صحيحه ومن
157

زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم ولم يذكروا أو نقص فقوي بذلك أنها شك من الراوي
أو وهم قال السيوطي ويحتمل أن يكون معناه نقص بعض الأعضاء فلم يغسلها بالكلية وزاد
أعضاء أخر لم يشرع غسلها وهذا عندي أرجح بدليل أنه لم يذكر في مسح رأسه وأذنيه تثليثا
انتهى
قال الزرقاني ومن الغرائب ما حكاه أبو حامد الإسفرائني عن بعض العلماء أنه لا يجوز
النقص عن الثلاث كأنه تمسك بظاهر الحديث المذكور وهو المحجوج بالإجماع وحكى الدارمي
عن قوم أن الزيادة على الثلاث تبطل الوضوء كالزيادة في الصلاة وهو قياس فاسد وقال أحمد
وإسحاق وغيرهما لا تجوز الزيادة على الثلاث وقال ابن المبارك لا آمن أن يأثم من زاد على
الثلاث (أو ظلم وأساء) هذا شك من الراوي قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجة
وعمرو بن شعيب ترك الاحتجاج بحديثه جماعة من الأئمة ووثقه بعضهم انتهى
52 (باب الوضوء مرتين)
(توضأ مرتين مرتين) لكل عضو من أعضاء الوضوء والنصب فيهما على المفعول المطلق
المبين للكمية قال النووي قد أجمع المسلمون على أن الواجب في غسل الأعضاء مرة مرة وعلى
أن الثلاث سنة وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بالغسل مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثا ثلاثا أو
بعض الأعضاء ثلاثا وبعضها مرتين والاختلاف دليل على جواز ذلك كله وأن الثلاث هي
الكمال والواحدة تجزئ قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب لا نعرفه
إلا من حديث ابن ثوبان عن عبد الله بن الفضل وهو إسناد حسن صحيح انتهى
(فاغترف غرفة) بفتح الغين المعجمة بمعنى المصدر وبالضم بمعنى المغروف وهي ملء الكف
158

(فتمضمض واستنشق) فيه دليل الجمع بين المضمضة والاستنشاق (ثم أخذ) غرفة (أخرى فجمع
بها) أي بالغرفة (يديه) أي جعل الماء الذي في يده في يديه جميعا لكون أمكن في الغسل لأن اليد قد
لا تستوعب الغسل (ثم غسل وجهه) وفيه دليل غسل الوجهة واليدين جميعا (فرش) أي سكب الماء
قليلا قليلا إلى أن صدق عليه مسمى الغسل (على رجله اليمنى) وفي رواية البخاري وغيره حتى
غسلها وهو صريح في أنه لم يكتف بالرش (وفيها) أي الرجل اليمنى (النعل) قال في التوسط هو
لا يدل على عدم غسل أسفلها (ثم مسحها بيديه) قال الحافظ المراد بالمسح تسييل الماء حتى
يستوعب العضو وقد أخرج البخاري في باب غسل الرجلين في النعلين ولا يمسح على النعلين من
حديث ابن عمرو فيه أن النعال السبتية فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها
ففيه التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم كان يغسل رجليه الشريفتين وهما في نعليه وهذا
موضع استدلال البخاري رحمه الله تعالى للترجمة وفي التوسط مسحها أي دلكها (يد) بكسر
الدال المهملة على البدلية وبالرفع (ويد تحت النعل) قال الحافظ أما قوله تحت النعل فإن لم
يحمل على التجوز عن القدم وإلا فهي رواية شاذة وراويها هشام بن سعد لا يحتج بما انفرد به فكيف
إذا خالف وفي التوسط أجاب الجمهور بأنه حديث ضعيف ولو صح فهو مخالف لسائر
الروايات ولعله كرر المسح حتى صار غسلا (ثم صنع باليسرى مثل ذلك) أي رش على رجله
اليسرى وفيها النعل ثم مسحها بيديه فوق القدم ويد تحت النعل واعلم أن الحديث ليس فيه ذكر
المرتين فلا يعلم وجه المناسبة بالباب قال المنذري وأخرجه البخاري
مطولا ومختصرا وأخرجه
الترمذي والنسائي وابن ماجة مفرقا بنحوه مختصرا وفي لفظ البخاري ثم أخذ غرفة من ماء
فرش على رجله اليمنى حتى غسلها ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها رجله يعني اليسرى وفي لفظ
النسائي ثم غرف غرفة فغسل رجله اليمنى ثم غرف غرفة فغسل رجله اليسرى وذلك يوضح
ما أبهم في لفظ حديث أبي داود وترجم البخاري والترمذي والنسائي على طرف من هذا
الحديث الوضوء مرة مرة خلاف ما في هذه الترجمة وكذلك فعل أبو داود في الباب الذي بعده
انتهى
159

53 (باب الوضوء مرة مرة)
(فتوضأ مرة مرة) بالنصب فيهما على المفعول المطلق كالسابق وهذا الحديث طرف من
الذي قبله واعلم أنه اتفق العلماء على أن الوضوء يجزي مرة مرة ومرتين أفضل وأفضله
ثلاث وليس بعده شئ وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ بعض وضوئه مرة وبعضه ثلاثا أخرجه
الترمذي وغيره
54 (باب في الفرق.. إلخ)
(يسيل) أي يقطر (ولحيته) بكسر اللام وسكون الحاء (فرأيته يفصل بين المضمضة
والاستنشاق) والحديث حجة لمن يرى الفصل بين المضمضة والاستنشاق لكن الحديث ضعيف
لا تقوم به حجة وأخرج الطبراني في معجمه عن طلحة بن مصرف عن أبيه كعب بن عمرو
اليمامي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا يأخذ لكل واحدة ماء جديدا
الحديث وهو ضعيف أيضا وتقدم رواية المؤلف من طريق ابن أبي مليكة عن عثمان أنه رآه دعا
بماء فأتي بميضأة فأصغاها على يده اليمنى ثم أدخلها في الماء فتمضمض ثلاثا واستنثر
ثلاثا الحديث وفيه رفعه وهو ظاهر في الفصل وروى أبو علي في صحاحه من طريق أبي وائل شقيق بن
سلمة قال شهدت علي بن أبي
طالب
وعثمان بن عفان توضأ ثلاثا ثلاثا وأفرد المضمضة من
الاستنشاق ثم قالا هكذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فهذا صريح في الفصل وقد روي عن
علي بن أبي طالب أيضا الجمع ففي مسند أحمد عن علي أنه دعا بماء فغسل وجهه وكفيه ثلاثا
160

وتمضمض وأدخل بعض أصابعه في فيه واستنشق ثلاثا بل في ابن ماجة أصرح من هذا بلفظ
توضأ فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا من كف واحد وتقدم في باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم بعض
المباحث في الوصل بين المضمضة والاستنشاق ومحصل الكلام أن الوصل والفصل كلاهما ثابت
لكن أحاديث الوصل قوية من جهة الإسناد والله أعلم
55 (باب في الاستنثار)
هو استفعال من النثر بالنون والمثلثة وهو طرح الماء الذي يستنشقه المتوضئ أي يجذبه بريح
أنفه لتنظيف ما في داخله فيخرج بريح أنفه سواء كان بإعانة يده أم لا
(ثم لينثر) بمثلثة مضمومة بعد النون الساكنة من باب الثلاثي المجرد وفي بعض الروايات
ثم لينتثر على وزن ليفتعل من باب الافتعال يقال نثر الرجل وانتثر إذا حرك النثرة وهي طرف
الأنف في الطهارة قال الحافظ ظاهر الأمر أنه للوجوب فيلزم من قال بوجوب الاستنشاق لورود
الأمر كأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور وابن المنذر أن يقول به في الاستنثار وظاهر كلام
صاحب المغني من الحنابلة يقتضي أنهم يقولون بذلك وأن مشروعية الاستنشاق لا تحصل إلا
بالاستنثار وصرح ابن بطال بأن بعض العلماء قال بوجوب الاستنثار وفيه تعقب على من نقل
الاجماع على عدم وجوبه واستدل الجمهور على أن الأمر فيه للندب بما حسنه الترمذي وصححه
الحاكم من قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي توضأ كما أمرك الله فأحاله على الآية وليس فيها ذكر الاستنشاق
ويحتمل أن يراد بالأمر ما هو أعم من آية الوضوء فقد أمر الله سبحانه باتباع نبيه صلى الله عليه وسلم وهو المبين عن
الله أمره ولم يحك أحد ممن وصف وضوءه عليه الصلاة والسلام على الاستقصاء أنه ترك الاستنشاق
بل ولا المضمضة وهو يرد على من لم يوجب المضمضة أيضا وقد ثبت الأمر بها أيضا في سنن أبي
داود من حديث لقيط بإسناد صحيح ولم يذكر في هذه الرواية عددا وقد ورد في رواية سفيان عن
أبي الزناد ولفظه إذا استنثرت فليستنثر وترا أخرجه الحميدي في مسنده عنه وأصله لمسلم
انتهى مختصرا وقال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم من وجه آخر
161

(استنثروا مرتين بالغتين) أي أعلى نهاية الاستنثار (أو ثلاثا) لم يذكر المبالغة في الثلاث وكأن
المبالغة في الثنتين قائمة مقام المرة الثالثة قال الشوكاني والحديث يدل على وجوب الاستنثار والمراد
بقوله بالغتين أنهما في أعلى نهاية الاستنثار من قولهم بلغت المنزل وأما تقييد الأمر بالاستنثار بمرتين
أو ثلاثا فيمكن الاستدلال على عدم وجوب الثانية والثالثة بحديث الوضوء مرة ويمكن القول
بإيجاب مرتين أو ثلاث إما لأنه خاص وحديث الوضوء مرة عام وإما لأنه قول خاص بنا فلا
يعارضه فعله صلى الله عليه وسلم كما تقرر في الأصول والمقام لا يخلو عن مناقشة في كلا الطرفين انتهى وأخرج
أبو داود الطيالسي إذا توضأ أحدكم واستنثر فليفعل ذلك مرتين أو ثلاثا قال الحافظ وإسناده حسن قال المنذري
وأخرجه ابن ماجة
(في آخرين) أي جماعة آخرين وكان قتيبة بن سعيد منهم (وافد) قال الجوهري في
الصحاح وفد فلان على الأمير أي ورد رسولا فهو وافد والجمع وفد مثل صاحب وصحب وجمع
الوافد أوفاد ووفود والاسم الوفادة وأوفدته أنا إلى الأمير أي أرسلته
انتهى وفي مجمع بحار
الأنوار الوفد قوم يجتمعون ويردون البلاد الواحد وافد وكذا من يقصد الأمراء بالزيارة (المنتفق)
بضم الميم وسكون النون وفتح المثناة وكسر الفاء جد صبرة (أو في وفد) هو شك من الراوي
والأول يدل على انفراده أو كونه زعيم الوفد ورئيسهم وفيه دليل على أنه لا تجب الهجرة على كل
من أسلم لأن بني المنتفق وغيرهم لم يهاجروا بل أرسلوا وفودهم وهو كذلك إذا كان في موضع يقدر
على إظهار الدين فيه (قال) أي لقيط (فلم نصادفه) قال في الصحاح صادفت فلانا وجدته أي
لم نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) أي لقيط (فأمرت لنا) أي عائشة (بخزيرة) بخاء معجمة ثم الزاء
بعدها التحتانية ثم الراء على وزن كبيرة هو لحم يقطع صغارا ويصب عليه الماء الكثير فإذا نضج
162

ذر عليه الدقيق فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة وقيل هي حساء من دقيق ودسم وقيل إذا كان
من دقيق فهو حريرة وإذا كان من نخالة فهو خزيرة كذا في النهاية واقتصر الجوهري على القول
الأول (فصنعت) بصيغة المجهول أي الخزيرة (وأتينا) بصيغة المجهول (بقناع) بكسر القاف وخفة
النون وهو الطبق الذي يؤكل عليه وقيل له القنع بالكسر والضمير وقيل القناع جمعه (ولم يقل قتيبة
القناع) وفي بعض النسخ لم يقم قتيبة القناع من أقام يقيم أي لم يتلفظ قتيبة بلفظ القناع تلفظا
صحيحا بحيث يفهم منه هذا اللفظ (والقناع الطبق) هذا كلام مدرج من أحد الرواة فسر القناع
بقوله الطبق (أصبتم شيئا) من الطعام (أو أمر لكم) بصيغة المجهول والظاهر أن هذا شك من
لقيط بن صبرة (فبينا نحن) كلمة بين بمعنى الوسط بسكون السين وهي من الظروف اللازمة
للإضافة ولا يضاف إلا إلى الاثنين فصاعدا أو ما قام مقامه قوله تعالى عوان بين ذلك وقد
يقع ظرف زمان وقد يقع ظرف مكان بحسب المضاف إليه وقد يحذف المضاف إليه ويعوض
عنه ما أو الألف فيقال بينما نحن كذا وبينا
نحن كذا وقد لا يعوض فيقال هذا الشيء بين بين
أي بين الجيد والردئ
(جلوس) جمع جالس والمعنى بين أوقات نحن جالسون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها إذا دفع
الراعي غنمه الحديث (إذا دفع) أي ساق (الراعي غنمه) وكانت الغنم لرسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى
المراح) قال الجوهري المراح بالضم حيث تأوي إليه الإبل والغنم بالليل (ومعه) أي مع الراعي أو مع الغنم قال الجوهري الغنم اسم مؤنث موضع للجنس يقع على الذكور وعلى الإناث
وعليهما جميعا وإذا صغرتها ألحقتها الهاء فقلت غنيمة (سخلة) بفتح السين وسكون الخاء المعجمة
ولد الشاة من المعز والضأن حين يولد ذكرا كان أو أنثى كذا في المحكم وقيل يختص بأولاد
المعز وبه جزم صاحب النهاية قاله السيوطي (تيعر) في القاموس بكسر العين كتضرب وبفتح
العين كتمنع ومصدره يعار بضم الياء كغراب وهو صوت الغنم أو المعز أو الشديد من أصوات
الشاء وماضيه يعرت أي صاحت وفي النهاية يعار أكثر ما يقال لصوت المعز فمعنى تيعر أي
تصوت (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (ما ولدت) بتشديد اللام وفتح التاء يقال ولدت الشاة توليدا إذا
حضرت ولادتها فعالجتها حتى تبين الولد منها والمولدة القابلة والمحدثون يقولون ما ولدت
يعنون الشاة والمحفوظ التشديد بخطاب الراعي قال الإمام أبو سليمان الخطابي هو بتشديد
163

وفتح تاء خطابا للراعي وأهل الحديث يخففون اللام ويسكنون التاء والشاة فاعله وهو غلط
انتهى لكن قال في التوسط بخفة لام وسكون تاء لا بالتشديد إذ المولدة بالفتح أمها لاهي
انتهى (يا فلان قال) الراعي المدعو بلفظ فلان (بهمة) بفتح الباء الموحدة وسكون الهاء وهي منصوب بإضمار فعل أي ولدت الشاة بهمة قال ابن الأثير هذا الحديث يدل على أن البهمة اسم
للأنثى لأنه إنما سأله ليعلم أذكرا ولد أم أنثى وإلا فقد كان يعلم إنما تولد أحدهما انتهى قال
السيوطي ويحتمل أنه سأله ليعلم هل المولود واحد أو أكثر ليذبح بقدره من الشياه الكبار كما دل
عليه بقية الحديث
(قال) النبي صلى الله عليه وسلم (مكانها) أي السخلة (ثم قال) النبي صلى الله عليه وسلم (لا تحسبن) بكسر السين صرح
به صاحب التوسط قال لقيط ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم (لا تحسبن) بفتح السين قال النووي في شرحه
مراد الراوي أنه صلى الله عليه وسلم نطق ههنا مكسورة السين ولم ينطق بها بفتحها فلا يظن ظان أني رويتها بالمعنى
على اللغة الأخرى أو شككت فيها أو غلطت أو نحو ذلك بل أنا متيقن بنطقه صلى الله عليه وسلم بالكسر وعدم
نطقه بالفتح ومع هذا فلا يلزم أن لا يكون النبي صلى الله عليه وسلم نطق بالمفتوحة في وقت آخر بل قد نطق بذلك
فقد قرئ بوجهين انتهى كلام النووي قال السيوطي ويحتمل أن الصحابي إنما نبه على ذلك
لأنه كان ينطق بالفتح فاستغرب الكسر وضبطه ويحتمل أنه كان ينطق بالكسر ورأى الناس
ينطقون بالفتح فنبه على أن الذي نطق به النبي صلى الله عليه وسلم الكسر (ذبحناها) أي الشاة أراد
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا لم نتكلف لكم بالذبح لئلا يمتنعوا منا وليتبرى عن التعجب والاعتداد على
الضيف (أن تزيد) على المائة فتكثر لأن هذا القدر كاف لإنجاح حاجتي (ذبحنا مكانها شاة)
وقد استمروا بي على هذا فلأجل ذلك أمرناها بالذبح فلا تظنوا بي أني أتكلف لكم والظاهر
من هذا القول أنهم لما سمعوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذبح اعتذروا إليه وقالوا لا تتكلفوا لنا
فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لا تحسبن هذا ما يفهم من سياق الواقعة (قال) لقيط (يعني البذاء) هو
بالمد وفتح الموحدة الفحش في القول يقال بذوت على القوم وأبذيت على القوم وفلان بذي
اللسان والمرأة بذية وقد بذو الرجل يبذو بذاء كذا في الصحاح (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (فطلقها إذا)
164

أي إذا كانت المرأة ذات لسان وفحش فطلقها (صحبة) معي (ولي منها ولد) قال السيوطي يطلق
الولد على الواحد والجمع وعلى الذكر والأنثى (فمرها) أي المرأة أن تطيعك ولا تعصيك في
معروف (يقول) الراوي أراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله مرها أي (عظها) أمر من الموعظة وهي بالطريق
الحسن أسرع للتأثير فأمر لها بالموعظة لتلين قلبها فتسمع كلام زوجها سماع قبول (فإن يك) قال
الجوهري قوله لم يك أصله يكون فلما دخلت عليها لم جزمتها فالتقى ساكنان فحذفت الواو
فيبقى لم يكن فلما كثر استعمالها حذفوا النون تخفيفا فإذا تحركت أثبتوها فقالوا لم يكن الرجل
وأجاز يونس حذفها مع الحركة (فيها) أي في المرأة (فستفعل) ما تأمرها به قال السيوطي وفي
رواية الشافعي وابن حبان فتستقبل بالقاف والموحدة وهو صحيح المعنى إلا أنه ليس بمشهور
انتهى (ظعينتك) بفتح الظاء المعجمة وكسر العين المهملة أصلها راحلة ترحل ويظعن عليها
أي يسار وقيل للمرأة ظعينة لأنها تظعن مع الزوج حيث ما ظعن أو تحمل على الراحلة إذا
ظعنت وقيل هي المرأة في الهودج ثم قيل
للمرأة وحدها وللهودج وحده كذا في المجمع قال
السيوطي هي المرأة التي تكون في الهودج كني بها عن الكريمة وقيل هي الزوجة لأنها تظعن إلى
بيت زوجها من الظعن وهو الذهاب (كضربك أميتك) بضم الهمزة وفتح الميم تصغير الأمة ضد
الحرة أي جويريتك والمعنى لا تضرب المرأة مثل ضربك الأمة وفيه إيماء لطيف إلى الأمر
بالضرب بعد عدم قبول الوعظ لكن يكون ضربا غير مبرح قاله السيوطي
(أسبغ الوضوء) بفتح الهمزة أي أبلغ مواضعه وأوف كل عضو حقه وتممه ولا تترك شيئا
من فرائضه وسننه (وخلل بين الأصابع) التخليل تفريق أصابع اليدين والرجلين في الوضوء
وأصله من إدخال شئ في خلال شئ وهو وسطه قال الجوهري والتخليل اتخاذ الخل وتخليل
اللحية والأصابع في الوضوء فإذا فعل ذلك قال تخللت انتهى والحديث فيه دليل على
وجوب تخليل أصابع اليدين والرجلين (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) فلا تبالغ
وإنما كره المبالغة للصائم خشية أن ينزل إلى حلقه ما يفطره قال الطيبي وإنما أجاب النبي صلى الله عليه وسلم
عن بعض سنن الوضوء لأن السائل كان عارفا بأصل الوضوء وقال في التوسط اقتصر في
الجواب علما منه أن السائل لم يسأله عن ظاهر الوضوء بل عما خفي من باطن الأنف والأصابع
165

فإن الخطاب بأسبغ إنما يتوجه نحو من علم صفته انتهى وفيه دليل على وجوب الاستنشاق
قال المنذري وأخرجه الترمذي في الطهارة وفي الصوم مختصرا وقال هذا حديث حسن
صحيح وأخرجه النسائي في الطهارة والوليمة مختصرا وأخرجه ابن ماجة في الطهارة مختصرا
انتهى
(حدثنا عقبة بن مكرم) بضم أوله وإسكان الكاف وفتح المهملة (فذكر) ابن جريج (معناه)
أي معنى حديث يحيى بن سليم فحديث ابن جريج ويحيى بن سليم متقاربان في المعنى غير
متحدين في اللفظ (قال) أي زاد ابن جريج في حديثه هذه الجملة (فلم ننشب) كنسمع يقال لم
ينشب أي لم يلبث وحقيقته لم يتعلق بشئ غيره ولا اشتغل بسواه (يتقلع) مضارع من التقلع
والمراد به قوة مشيه كأنه يرفع رجليه من الأرض رفعا قويا لا كمن يمشي اختيالا وتقارب خطاه
تنعما فإنه من مشي النساء (يتكفأ) بالهمزة فهو مهموز اللام وقد تترك الهمزة ويلتحق بالمعتل
للتخفيف وهاتان الجملتان حاليتان قال في النهاية تكفأ أي مال يمينا وشمالا كالسفينة
وقال الطيبي أي يرفع القدم من الأرض ثم يضعها ولا يمسح قدمه على الأرض كمشي
المتبختر كأنما ينحط من صبب أي يرفع رجله عن قوة وجلادة والأشبه أن تكفأ بمعنى صب
الشيء دفعه (وقال) ابن جريج في روايته (عصيدة) وهو دقيق يلت بالسمن ويطبخ يقال
عصدت العصيدة وأعصدتها اتخذتها
(قال فيه) أي قال أبو عاصم في حديثه عن ابن جريج (فمضمض) أمر من المضمضة
والحديث فيه الأمر بالمضمضة وهذا من الأدلة التي ذهب إليه أحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور
وابن المنذر وابن أبي ليلى وحماد بن سليمان من وجوب المضمضة في الغسل والوضوء كما ذكره بعض
الأعلام وفي شرح مسلم للنووي أن مذهب أبي ثور وأبي عبيد وداود الظاهري وأبي بكر بن المنذر
ورواية عن أحمد أن الاستنشاق واجب في الغسل والوضوء والمضمضة سنة فيهما والله أعلم
166

56 (باب تخليل اللحية)
بكسر اللام وسكون الحاء اسم لجمع من الشعر ينبت على الخدين والذقن (حنكه) بفتح
المهملة والنون ما تحت الذقن من الانسان وغيره وجمعه أحناك (وقال) لمن حضره (هكذا أمرني
ربي) أي أمرني بتخليلها وفي بعض نسخ الكتاب بعد قوله هكذا أمرني ربي هذه العبارة قال
أبو داود والوليد بن زوران روى عنه حجاج بن حجاج وأبو المليح الرقي انتهى قال المناوي
يقتضي هذا الحديث أنه كان يخلل بكف واحدة لكن في رواية لابن عدي خلل لحيته بكفيه
انتهى وفي الباب عن عثمان
بن عفان أخرجه الترمذي وابن ماجة من حديث عامر بن شقيق عن
167

أبي وائل عن عثمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته وقال الترمذي توضأ وخلل لحيته وقال
حديث حسن صحيح قال محمد بن إسماعيل أصح شئ عندي في التخليل حديث عثمان وهو
حديث حسن انتهى لكن ابن معين ضعف عامر بن شقيق والله أعلم وعن عمار بن ياسر
رواه الترمذي وابن ماجة بلفظ قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلل لحيته وعن ابن عباس رواه الطبراني
في معجمه الوسط بلفظ هكذا أمرني ربي وعن عائشة رواه الحاكم في المستدرك وأحمد في مسنده
168

بلفظ إذا توضأ خلل لحيته وعن أبي أيوب رواه ابن ماجة بلفظ توضأ فخلل لحيته وفيه
واصل بن السائب قال البخاري وأبو حاتم منكر الحديث وعن ابن عمر رواه ابن ماجة أيضا
وعن أبي أمامة رواه الطبراني في معجمه وابن أبي شيبة في مصنفه وفي الباب أيضا عن عبد الله بن
169

أبي أوفى وأبي الدرداء وكعب بن عمرو وأبي بكرة وجابر بن عبد الله وأم سلمة وحديث كل هؤلاء
مذكور في تخريج الإمام جمال الدين الزيلعي والأحاديث تدل على مشروعية تخليل اللحية وقد
اختلف السلف الصالحون في ذلك فقال مالك والشافعي والثوري والأوزاعي إن تخليل اللحية
170

ليس بواجب في الوضوء قال مالك وطائفة من أهل المدينة ولا في غسل الجنابة وقال الشافعي
وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي والليث وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وداود
والطبري وأكثر أهل العلم إن تخليل اللحية واجب في غسل الجنابة ولا يجب في الوضوء
هكذا في شرح الترمذي لابن سيد الناس كذا في شرح المنتقى
57 (باب المسح على العمامة)
بكسر العين وجمعه عمائم (سرية) بفتح السين وكسر الراء المهملتين وتشديد الياء قطعة من
الجيش من خمس أنفس إلى ثلاثمائة وقيل إلى أربع مائة
قاله السيوطي قال الجوهري
السرية قطعة من الجيش يقال خير السرايا أربعمائة رجل انتهى (البرد) بفتح الباء الموحدة
وسكون الراء المهملة هو ضد الحرارة (العصائب) بفتح العين العمائم بذلك فسرها إمام أهل
اللغة أبو عبيد سميت بذلك لأن الرأس يعصب بها فكل ما عصبت به رأسك من عمامة أو منديل
أو عصابة فهو عصابة صرح به ابن الأثير (والتساخين) بفتح التاء والسين المهملة المخففة وكسر
الخاء قال الجوهري هي الخفاف ولا واحد لها انتهى قال ابن رسلان في شرحه يقال أصل
ذلك كل ما يسخن به القدم من خف وجورب ونحوهما ولا واحد لها من لفظها وقيل واحدها
تسخان وتسخين انتهى والحديث يدل على أنه يجزي المسح على العمامة قال الترمذي في
جامعه وهو قول واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمر وأنس وبه يقول
الأوزاعي وأحمد وإسحاق قالوا يمسح على العمامة قال وسمعت الجارود بن معاذ يقول سمعت
وكيع الجراح يقول إن مسح على العمامة يجزئه للأثر انتهى قلت وهو قول أبي ثور وداود
ابن علي ورواه ابن رسلان في شرحه عن أبي أمامة
وسعد بن مالك وأبي الدرداء وعمر بن عبد العزيز
171

والحسن وقتادة ومكحول وروى الخلال بإسناده عن عمر أنه قال من لم يطهره المسح على العمامة
فلا طهره الله وذهب جماعة من العلماء أن المسح على العمامة لا يكفي عن مسح الرأس قال
الترمذي قال غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ولا يمسح على العمامة
إلا أن يمسح برأسه مع العمامة وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي
انتهى قال الحافظ وهو مذهب الجمهور
قلت أحاديث المسح على العمامة أخرجها البخاري ومسلم والترمذي وأحمد والنسائي
وابن ماجة وغير واحد من الأئمة من طرق قوية متصلة الأسانيد وذهب إليه جماعة من السلف كما
عرفت وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الرأس
فقط وعلى العمامة فقط وعلى الرأس والعمامة معا والكل صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم
موجود في كتب الأئمة الصحاح والنبي صلى الله عليه وسلم مبين عن الله تبارك وتعالى فقصر الأجزاء على بعض ما ورد لغير موجب ليس من دأب
المنصفين بل الحق جواز المسح على العمامة فقط
(قطرية) بكسر القاف وسكون الطاء المهملة هو ضرب من البرود فيه حمرة ولها أعلام فيها
بعض الخشونة وقيل حلل جياد تحمل من البحرين من قرية تسمى قطرا وأحسب أن الثياب
القطرية منسوب إليها فكسر القاف للنسبة قاله محمد طاهر واستدل به على التعمم بالحمرة
وهو استدلال صحيح لولا في الحديث ضعف وفيه إبقاء العمامة حال الوضوء وهو يرد على كثير
من الموسوسين ينزعون عمائمهم عند الوضوء وهو من التعمق المنهي عنه وكل الخير في الاتباع
وكل الشر في الابتداع (ولم ينقض العمامة) أي لم يحلها وهو تأكيد لقوله فأدخل يده من تحت
العمامة ومقصود أنس بن مالك رضي الله عنه به النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقض عمامته حتى يستوعب
172

مسح الرأس كله ولم ينف التكميل على العمامة وقد أثبته المغيرة بن شعبة وغيره فسكوت أنس
عنه في هذا الحديث لا يدل على نفيه وبهذا التقرير يوافق الحديث الباب
58 (باب غسل الرجل)
(يدلك) من باب نصر وفي رواية ابن ماجة يخلل بدل يدلك والحديث فيه دليل على
غسل الرجلين لأن الدلك لا يكون إلا بعد الغسل قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجة
وقال الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة هذا آخر كلامه وابن لهيعة
يضعف في الحديث قلت ابن لهيعة ليس متفردا بهذه الرواية بل تابعه الليث بن سعد
وعمرو بن الحرث أخرجه البيهقي وأبو بشر الدولابي والدارقطني في غرائب مالك من طريق
ابن وهب عن الثلاثة وصححه ابن القطان
59 (باب المسح على الخفين)
قال النووي أجمع من يعتد به في الاجماع على جواز المسح على الخفين في السفر والحضر
173

سواء كان لحاجة أو لغيرها حتى يجوز للمرأة الملازمة بيتها والزمن الذي لا يمشي وقد روي عن
مالك رحمه الله روايات كثيرة فيه والمشهور من مذهبه كمذهب الجماهير وقد روى المسح على
الخفين خلائق لا يحصون من الصحابة قال الحسن البصري حدثني سبعون من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين واختلف العلماء في أن المسح على الخفين
أفضل أم غسل الرجلين فذهب جماعات من الصحابة والعلماء من بعدهم إلى أن الغسل أفضل
لكونه الأصل وذهب جماعة من التابعين إلى أن المسح أفضل
(عدل) أي مال من معظم الطريق إلى غيرها (تبوك) بتقديم التاء الفوقانية المفتوحة ثم
الموحدة المضمومة المخففة لا ينصرف على المشهور قال النووي وابن حجر للتأنيث والعلمية
هي مكان معروف بينها وبين المدينة من جهة الشام أربع عشرة مرحلة وبينها وبين دمشق إحدى
عشرة مرحلة ويقال لها غزوة العسرة كما قاله البخاري وغيره (قبل الفجر) أي الصبح ولابن
سعد فتبعته بماء بعد الفجر ويجمع بأن خروجه كان بعد طلوع الفجر وقبل صلاة الصبح
(فتبرز) بالتشديد أي خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لقضاء حاجته زاد في رواية للشيخين فانطلق حتى
توارى عني ثم قضى حاجته (من الإداوة) قال النووي أما الإداوة والركوة والمطهرة والميضأة بمعنى
متقارب وهو إناء الوضوء وفي رواية أحمد أن الماء أخذه المغيرة من أعرابية صبته له من
قربة من جلد ميتة فقال له صلى الله عليه وسلم سلها فإن كانت دبغتها فهو طهورها فقالت إي والله دبغتها وفيه
قبول خبر الواحد في الأحكام ولو امرأة سواء كان مما تعم به البلوى أم لا لقبول خبر الأعرابية (ثم
حسر) من باب ضرب أي كشف يقال حسرت كمي عن ذراعي أحسره حسرا أي كشفت
وحسرت العمامة عن رأسي والثوب عن بدني أي كشفتهما (عن ذراعيه) وفي الموطأ ثم ذهب
يخرج يديه من كمي جبته (فضاق كما جبته) كما تثنية كم بضم الكاف فلم يستطع من ضيق كمي
الجبة اخراج يديه وهي ما قطع من الثياب مشمرا قاله القاضي عياض في المشارق
وللبخاري وعليه جبة شامية وفي الرواية الآتية للمؤلف من صوف من جباب الروم
والحديث فيه التشمير في السفر ولبس الثياب الضيقة فيه لأنها أعون عليه قال الحافظ ابن عبد
البر بل هو مستحب في الغزو للتشمير والتأسي به صلى الله عليه وسلم ولا بأس به عندي في الحضر (فأخرجهما
174

من تحت الجبة) زاد مسلم وألقى الجبة على منكبيه (ثم توضأ على خفيه) أي مسح على خفيه كما
في عامة الروايات وفيه الرد على من زعم أن المسح عليهما منسوخ بآية المائدة لأنها أنزلت في غزوة
المريسيع وهذه القصة في غزوة تبوك بعدها باتفاق إذ هي آخر المغازي ثم المسح على الخفين
خاص بالوضوء ولا مدخل للغسل فيه بالإجماع قاله الزرقاني (ثم ركب) النبي صلى الله عليه وسلم راحلته
(فأقبلنا) قدمنا وفي رواية لمسلم ثم ركب وركبت فانتهينا إلى القوم (حين كان) هو تامة أي
حصل وفي رواية لمسلم فلما أحس بالنبي صلى الله عليه وسلم ذهب يتأخر فأومأ إليه وفيه من المسائل منها جواز
اقتداء الفاضل بالمفضول وجواز صلاة النبي صلى الله عليه وسلم خلف بعض أمته ومنها أن الأفضل تقديم
الصلاة في أول الوقت فإنهم فعلوها أول الوقت ولم ينتظروا النبي صلى الله عليه وسلم وأن الإمام إذا أخر عن أول
الوقت استحب للجماعة أن يقدموا أحدهم فيصلي بهم (فقام النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته) لأداء الركعة
الثانية وفيه أن من سبقه الإمام ببعض الصلاة أتى بما أدرك فإذا سلم أتى بما بقي عليه ولا يسقط
ذلك عنه وفيه اتباع المسبوق للإمام في فعله في ركوعه وسجوده وجلوسه وإن لم يكن ذلك موضع
فعله للمأموم وأن المسبوق إنما يفارق الإمام بعد سلام الإمام (فأكثروا التسبيح) أي قولهم
سبحان الله ومن عادة العرب أنهم يسبحون وقت التعجب والفزع (وقد أحسنتم) وهذا شك من
الراوي أي أحسنتم إذا جمعتم الصلاة لوقتها قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم
والنسائي وابن ماجة مطولا ومختصرا
(عن التيمي) التحويل ينتهى إلى التيمي أن يحيى بن سعيد القطان والمعتمر كلاهما يرويان
175

عن سليمان التيمي (ناصيته) أي مقدم رأسه (وذكر) أي المغيرة (فوق
العمامة) أي مسح صلى الله عليه وسلم فوق العمامة وهذا لفظ يحيى ابن سعيد وأما لفظ معتمر بن سليمان فذكره بقوله (قال) أي مسدد
(أبي) هو سليمان التيمي (قال بكر) بن عبد الله بالسند السابق (وقد سمعته) أي الحديث (من
ابن المغيرة) من غير واسطة والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي
(في ركبه) بفتح الراء وسكون الكاف قال الجوهري الركب أصحاب الإبل في السفر
دون الدواب وهم العشرة فما فوقها والجمع أركب والركبة بالتحريك أقل من الركب
والأركوب أكثر من الركب انتهى (ثم أقبل) أي انصرف إلينا بعد قضاء حاجته (ذراعيه)
الذراع من المرفق إلى أطراف الأصابع (من صوف) قال القرطبي فيه أن الصوف لا ينجس
بالموت لأن الشام إذ ذاك كانت دار كفر ومأكولها كلها الميتات كذا في فتح الباري وشرح
الموطأ للزرقاني (ضيقة الكمين) صفة للجبة (فادرعهما ادراعا) قال أبو موسى والخطابي
أذرع بالذال المعجمة على وزن افتعل أي أذرع ذراعيه اذراعا من ذرع ويجوز إهمال ذلك
كما في رواية الكتاب ومعناه أي أخرج ذراعيه من تحت الجبة ومدهما والذرع بسط اليد
ومدها وأصله من الذراع وهي الساعد
وقال السيوطي أي نزع ذراعيه عن كميه وأخرجهما من تحت الجبة وهو افتعال من ذرع إذا
مد ذراعه كما يقال ادكر من ذكر انتهى (ثم أهويت) أي مددت يدي قال الأصمعي
أهويت بالشيء إذا أومأت به وقال غيره أهويت قصدت وفي إرشاد الساري معناه مددت
يدي أو قصدت أو أشرت أو أومأت انتهى (وهما طاهرتان) قال النووي فيه دليل على أن
176

المسح لا يجوز إلا إذا لبسهما على طهارة كاملة بأن يفرغ من الوضوء بكماله ثم يلبسهما لأن
حقيقة إدخالهما طاهرتين أن تكون كل واحدة منهما أدخلت وهي طاهرة وقد اختلف العلماء
في هذه المسألة فمذهبنا أن يشترط لبسهما على طهارة كاملة حتى لو غسل رجله اليمنى ثم لبس
خفها قبل غسل اليسرى ثم غسل اليسرى ثم لبس خفها لم يصح لبس اليمنى فلا بد من نزعها
وإعادة لبسها ولا يحتاج إلى نزع اليسرى لكونها ألبست بعد كمال الطهارة وهو مذهب مالك
وأحمد وإسحاق وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري
ويحيى بن آدم والمزني وأبو ثور وداود يجوز
اللبس على حدث ثم يكمل طهارته (فمسح عليهما) وروى الحميدي في مسنده عن المغيرة بن
شعبه قال قلنا يا رسول الله أيمسح أحدنا على الخفين قال نعم إذا أدخلهما وهما
طاهرتان وأخرج أحمد وابن خزيمة عن صفوان بن عسال قال أمرنا يعني النبي صلى الله عليه وسلم أن نمسح
على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثا إذا سافرنا ويوما وليلة إذا أقمنا قال
الخطابي هو صحيح الإسناد وصححه أيضا ابن حجر في الفتح وفيه دلالة واضحة على
اشتراط الطهارة عند اللبس (قال أبي) أي قال عيسى بن يونس قال أبي أي يونس بن أبي
إسحاق (عروة) بن المغيرة (على أبيه) المغيرة بن شعبة على هذا الحديث (وشهد أبوه) أي
المغيرة على هذا قال الجوهري الشهادة خبر قاطع تقول منه شهد الرجل على كذا
انتهى ومراد الشعبي تثبيته هذا الحديث قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم مطولا
ومختصرا
(تخلف) أي تأخر عن الناس (فذكر) أي المغيرة (هذه القصة) أي قصة الوضوء والمسح على
الخفين وإخراج اليدين عن الكمين وغير ذلك مما ذكر (فأومى) أي أشار النبي صلى الله عليه وسلم (إليه) إي إلى
عبد الرحمن (أن يمضي) على صلاته أي يتمها ولا يتأخر عن موضعه (سبق) بالبناء للمجهول أي
النبي صلى الله عليه وسلم (بها) أي بالركعة التي صلاها عبد الرحمن قبل مجيئه صلى الله عليه وسلم (ولم يزد عليها) أي على الركعة
177

الواحدة بعد تسليم عبد الرحمن من صلاته (شيئا) أي لم يسجد سجدتي السهو فيه دليل لمن قال
ليس على المسبوق ببعض الصلاة سجود قال ابن رسلان وبه قال أكثر أهل العلم ويؤيد ذلك
قوله صلى الله عليه وسلم وما فاتكم فأتموا وفي رواية فاقضوا ولم يأمر بسجود السهو (من أدرك إلخ) أي من
أدرك وترا من صلاة إمامه فعليه أن يسجد للسهو لأنه يجلس للتشهد مع الإمام في غير موضع
الجلوس وبه قال جماعة من أهل العلم منهم عطاء وطاوس ومجاهد وإسحاق ويجاب عن ذلك
بأن النبي صلى الله عليه وسلم جلس خلف عبد الرحمن ولم يسجد ولا أمر به المغيرة وأيضا ليس السجود إلا للسهو
ولا سهو ههنا وأيضا متابعة الإمام واجبة فلا يسجد لفعلها كسائر الواجبات والله أعلم وهذه
الآثار قد تتبعت في تخريجها لكن لم أقف من أخرجها موصولا
(يسأل بلالا) أي حضر أبو عبد الرحمن عند عبد الرحمن بن عوف حال كونه يسأل بلالا وبلال
هو ابن رباح المؤذن مولى أبي بكر الصديق (وموقيه) تثنية موق بضم الميم بلا همزة قال
الجوهري الموق الذي يلبس فوق الخف فارسي معرب وكذا قال القاضي عياض وابن الأثير
أنه فارسي معرب وكذلك قال الهروي
الموق الخف فارسي معرب وحكى الأزهري عن الليث
الموق ضرب من الخفاف ويجمع على أمواق وقال علي بن إسماعيل بن سيدة اللغوي صاحب
المحكم الموق ضرب من الخفاف والجمع أمواق عربي صحيح وقال ابن العربي في شرح
الترمذي الخف جلد مبطن مخروز يستر القدم كلها والموق جلد مخروز لا بطانة له قال
الخطابي هو خف قصير الساق والجرموق خف قصير الساق في قول بعضهم وفي قول آخر
خف على خف (وهو) أي الراوي عن أبي عبد الرحمن (تيم بن مرة) قال الجوهري وتيم
قريش رهط أبي بكر الصديق رضي الله
عنه وهو تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن
فهر بن مالك بن النضر انتهى
178

(ما يمنعني أن أمسح) أي أي شئ يمنعني عن المسح (قالوا) أي من عابوا على فعل جرير
(إنما كان ذلك) أي المسح على الخفين (قال) جرير في رد كلامهم (ما أسلمت إلخ) معناه أن الله
تبارك وتعالى قال في سورة المائدة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم
وأرجلكم إلى الكعبين فلو كان إسلام جرير متقدما على نزول المائدة لاحتمل كون حديثه في
مسح الخف منسوخا بآية المائدة فلما كان إسلامه متأخرا بإقراره على ذلك علم أن المسح متأخر
عن حكم المائدة وهو مبين أن المراد بآية المائدة غير صاحب الخف فتكون السنة المطهرة
مخصصة للآية الكريمة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن
ماجة من حديث همام بن الحارث النخعي عن جرير وهو ابن عبد الله البجلي ولفظ البخاري
قال ثم توضأ ومسح على خفيه ثم قام فصلى فسئل فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع مثل هذا
(عن حجير) بتقديم الحاء ثم الجيم مصغرا (أن النجاشي) بفتح النون على المشهور وقيل
تكسر وتخفيف الجيم وأخطأ من شددها وبتشديد الياء وحكى المطرزي التخفيف ورجحه
الصنعاني هو أصحمة بن بحر النجاشي ملك الحبشة واسمه بالعربية عطية والنجاشي لقب
له أسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يهاجر إليه وكان ردءا للمسلمين نافعا وقصته مشهورة في
المغازي في إحسانه إلى المسلمين الذين هاجروا إليه في صدر الاسلام (ساذجين) بفتح الذال
المعجمة وكسرها أي غير منقوشين ولا شعر عليهما أو على لون واحد لم يخالط سوادهما لون آخر
قال الحافظ ولي الدين العراقي وهذه اللفظة تستعمل في العرف كذلك ولم أجدها في كتب اللغة
بهذا المعنى ولا رأيت المصنفين في غريب الحديث ذكروها وقال القسطلاني الساذج معرب سادة
قال الزرقاني (فلبسهما) بفاء التفريع أو التعقيب ففيه أن المهدى إليه ينبغي له التصرف في الهدية
179

عقب وصولها بما أهديت لأجله إظهارا لقبولها ووقوعها الموقع وفيه قبوله الهدية حتى من أهل
الكتاب فإنه أهدى له قبل إسلامه كما قاله ابن العربي وأقره زين الدين العراقي (عن دلهم بن
صالح) بصيغة العنعنة أي حدثنا وكيع عن دلهم وأما أحمد بن أبي شعيب فقال حدثنا وكيع قال
حدثنا دلهم (هذا مما تفرد به أهل البصرة) واعلم أن الغرابة إما أن تكون في
أصل السند أي في الموضع الذي يدور الإسناد عليه ويرجع ولو تعددت الطرق إليه وهو طرفه الذي فيه الصحابي
أولا يكون التفرد كذلك بل يكون التفرد في أثنائه كأن يرويه عن الصحابي أكثر من واحد ثم
يتفرد بروايته عن واحد منهم شخص واحد فالأول الفرد المطلق والثاني الفرد النسبي سمي
نسبيا لكون التفرد فيه حصل بالنسبة إلى شخص معين وإن كان الحديث في نفسه مشهورا ويقل
إطلاق الفردية عليه لأن الغريب والفرد مترادفان لغة واصطلاحا إلا أن أهل الاصطلاح غايروا
بينهما من حيث كثرة الاستعمال وقلته فالفرد أكثر ما يطلقونه على الفرد المطلق والغريب أكثر ما
يطلقونه على الفرد النسبي وهذا من حيث إطلاق الاسم عليهما وأما من حيث استعمالهم الفعل
المشتق فلا يفرقون فيقولون في المطلق والنسبي تفرد به فلان أو أغرب به فلان كذا في شرح
النخبة وإذا علمت تعريف الفرد وانقسامه فاعلم أن قول المؤلف الإمام هذا مما تفرد به أهل
البصرة فيه مسامحة ظاهرة لأنه ليس في هذا السند أحد من أهل البصرة إلا مسدد بن مسرهد
وما فيه إلا كوفيون أو من أهل مرو كما صرح به السيوطي ومسدد لم يتفرد به بل تابعه أحمد بن أبي
شعيب الحراني كما في رواية المؤلف وتابعه أيضا هناد كما في رواية الترمذي وأيضا علي بن محمد
وأبو بكر بن أبي شيبة كما في ابن ماجة وأما شيخ مسدد أعني وكيعا أيضا لم يتفرد به بل تابعه
محمد بن ربيعة كما في الترمذي فإنما التفرد في دلهم بن صالح وهو كوفي قال السيوطي فالصواب
أن يقال هذا مما تفرد به أهل الكوفة أي لم يروه إلا واحد منهم انتهى والحاصل أنه ليس في رواة
هذا الحديث بصري سوى مسدد ولم يتفرد هو فنسبه التفرد إلى أهل البصرة وهم من المؤلف
الإمام رضي الله عنه والله أعلم قال المنذري قال أبو الحسن الدارقطني تفرد به حجير بن
عبد الله عن ابن بريدة ولم يروه
عنه غير دلهم بن صالح وذكره في ترجمة عبد الله بن بريدة عن
أبيه ورواه الإمام أحمد بن حنبل عن وكيع فقال عبد الله بن بريدة انتهى
180

(نسيت) همزة الاستفهام مقدرة (بل أنت نسيت) قال الزرقاني يشعر بعلم المغيرة قبل رؤيته
يمسح فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بأنه رآه قبل ذلك يمسح أو علم بأنه بلغه من الصحابة قبل
انتشار المسح بينهم انتهى قال الطيبي يحتمل حمله على الحقيقة أي نسيت أنني شارع فنسبت
النسيان إلي أو يكون بمعنى أخطأت فجاء بالنسيان على المشاكلة انتهى وتعقبه الشيخ عبد
الحق الدهلوي بقوله لا يخفى أن نسيان كونه شارعا بعيد غاية البعد وقد يشعر هذا الوجه بأنه
لا يجوز النسيان على الشارع أو المراد نسبت النسيان إلي جزما من غير احتمال فالظاهر هو الوجه
الثاني انتهى (بهذا أمرني ربي) بالوحي أو بلا واسطة والتقديم فيه للاهتمام
60 (باب التوقيت في المسح)
(قال المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة) هذا الحديث يدل على توقيت
المسح بالثلاثة الأيام للمسافر وباليوم والليلة للمقيم قال أبو عيسى الترمذي في جامعه وهو قول
العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء مثل سفيان الثوري وابن المبارك
181

والشافعي وأحمد وإسحاق قالوا يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وقد روي
عن بعض أهل العلم أنهم لم يوقتوا في المسح على الخفين وهو قول مالك بن أنس والتوقيت
أصح انتهى والتوقيت هو مذهب أبي حنيفة وأصحابه والأوزاعي والحسن بن صالح بن حي
وداود الظاهري وابن جرير الطبري والجمهور وأما ابتداء مدة المسح فقال الشافعي وأبو حنيفة
وكثير من العلماء إن ابتداء المدة من حين الحدث بعد لبس الخف لا من حين اللبس ولا من حين
المسح ونقل عن الأوزاعي وأبي ثور وأحمد أنهم قالوا إن ابتدائها من وقت اللبس والله أعلم
(رواه) أي هذا الحديث (ولو استزدناه لزادنا) قال البيهقي قال الشافعي معناه لو سألناه أكثر
من ذلك لقال نعم وفي رواية ابن ماجة من طريق سفيان عن أبيه عن إبراهيم التيمي عن
عمرو بن ميمون عن خزيمة بن ثابت قال جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر ثلاثا ولو مضى السائل
على مسألته لجعلها خمسا وقال ابن سيد الناس في شرح الترمذي لو ثبتت هذه الزيادة لم تقم بها
حجة لأن الزيادة على ذلك التوقيت مظنونة أنهم لو سألوا
زادهم وهذا صريح في أنهم لم يسألوا
ولا زيد فكيف ثبتت زيادة بخبر دل على عدم وقوعها قال الشوكاني وغايتها بعد تسليم
صحتها أن الصحابي ظن ذلك وأنه ليس بحجة وقد ورد توقيت المسح بالثلاث واليوم والليلة من
طريق جماعة من الصحابة ولم يظنوا ما ظنه خزيمة والله أعلم بالصواب قال المنذري وأخرجه
الترمذي وابن ماجة وقال الترمذي هذا حديث حسن وفي لفظ لأبي داود ولو استزدناه
لزادنا وفي لفظ لابن ماجة ولو مضى السائل على مسألته لجعلها خمسا وذكر الخطابي أن الحكم
وحمادا قد روياه عن إبراهيم فلم يذكرا فيه هذا الكلام ولو ثبت لم يكن فيه حجة لأنه ظن منه
وحسبان والحجة إنما تقوم بقول صاحب الشريعة لا بظن الراوي وقال البيهقي وحديث
خزيمة بن ثابت إسناده مضطرب ومع ذلك فما لم يرو لا يصير سنة هذا آخر كلامه وقد أخرج
مسلم في صحيحه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما سئل عن المسح على الخفين قال
جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم ولم يذكر هذه الزيادة
انتهى
182

(عن محمد بن يزيد) بن أبي زياد الثقفي قال أبو حاتم مجهول وصحح الترمذي حديثه
وقال الدارقطني مجهول وأقر ابن القطان على ذلك (عن أيوب بن قطن) بفتح القاف وقال
الدارقطني مجهول (عن أبي) مصغرا (ابن عمارة) بكسر العين وفتح الميم المخففة هذا هو المشهور
بين المحدثين ضبطه المنذري والزيلعي وابن حجر وغيرهم وقيل بضمها صحابي مشهور
(وكان) أبي بن عمارة (القبلتين) أي بيت المقدس والكعبة المكرمة وفي سنن ابن ماجة كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى في بيته القبلتين كلتيهما (نعم وما شئت)
أي أمسح ثلاثة أيام وما شئت وما بدا لك من أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة أيام
وأنت مخير بفعلك ولا توقيت له من الأيام (ابن نسي) بضم النون وفتح السين المهملة وتشديد الياء التحتانية (ما بدا
لك) من بدا يبدو أي ما ظهر لك في أمر المسح فامسح عليهما إلى أية مدة شئت ولفظ ابن ماجة أنه قال
لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمسح على الخفين قال نعم قال يوما ويومين قال وثلاثا حتى بلغ
سبعا قال له وما بدا لك (وقد اختلف) على يحيى بن أيوب (في إسناده) أي في إسناد يحيى لهذا
الحديث (وليس هو بالقوي) أي مع كون يحيى غير قوي في الحديث اختلف رواته عليه فبعضهم
روى عنه من وجه وبعضهم من وجه آخر ويحتمل أن اسم ليس هو يرجع إلى الحديث أي مع
كون يحيى بن أيوب قد اختلف عليه أن الحديث ليس بقوي لجهالة رواته أخرج ابن ماجة عن
حرملة بن يحيى وعمرو بن سواد المصريين قالا حدثنا عبد الله [بن] وهب أنبأنا يحيى ابن أيوب عن
183

عبد الرحمن بن رزين عن محمد بن يزيد بن أبي زياد عن أيوب بن قطن عن عبادة بن نسي عن
أبي بن عمارة
قال الحافظ ابن عساكر في الأطراف وكذا الحافظ جمال الدين المزي في تحفة الأشراف
بمعرفة الأطراف رواه سعيد بن كثير بن عفير عن يحيى بن أيوب مثل رواية ابن وهب ورواه
يحيى بن إسحاق السيلحيني عن يحيى بن أيوب واختلف عليه فقيل عنه مثل رواية عمرو بن
الربيع وقيل عنه عن يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن رزين الغافقي عن محمد بن يزيد بن أبي
زياد عن أيوب بن قطن الكندي عن عبادة الأنصاري قال قال رجل يا رسول الله فذكره ورواه
إسحاق بن الفرات عن يحيى بن أيوب عن وهب بن قطن عن أبي انتهى كلام المزي ورواه
الدارقطني في سننه بسند أبي داود وقال هذا إسناد لا يثبت
وقد اختلف فيه على يحيى بن أيوب اختلافا كثيرا وعبد الرحمن ومحمد ابن يزيد وأيوب بن
قطن مجهولون قال ابن القطان والاختلاف الذي أشار إليه أبو داود والدارقطني هو أن يحيى بن
أيوب رواه عن عبد الرحمن بن رزين عن محمد بن يزيد عن عبادة بن نسي عن أبي بن عمارة فهذا
قول ثان ويروى عنه عن عبد الرحمن بن رزين عن محمد بن يزيد عن أيوب بن قطن
عن عبادة بن نسي عن أبي بن عمارة فهذا قول ثالث ويروى عنه كذلك مرسلا لا يذكر فيه أبي بن
عمارة فهذا ثالث قول انتهى
قال الشيخ تقي الدين قال أبو زرعة سمعت أحمد بن حنبل يقول حديث أبي بن عمارة
ليس بمعروف الإسناد انتهى وكذا ضعفه البخاري فيما نقل عنه البيهقي في المعرفة وقال أبو
الفتح الأزدي هو حديث ليس بالقائم وقال ابن عبد البر لا يثبت وليس له إسناد قائم ونقل
النووي في شرح المهذب اتفاق الأئمة على ضعفه وقال الحافظ ابن حجر وبالغ الجوزقاني فذكره
فالموضوعات قال الشوكاني وبه أي بعدم التوقيت قال مالك والليث إنه لا وقت للمسح على
الخفين ومن لبس خفيه وهو طاهر مسح ما بدا له والمسافر والمقيم في ذلك سواء وروي مثل
ذلك عن عمر بن الخطاب وعقبة بن عامر وعبد الله بن عمر والحسن البصري انتهى
184

قلت وهو القول القديم للشافعي كما صرح به البيهقي في المعرفة لكن الصحيح ما قاله
أهل المذهب الأول وهو التوقيت وأما الدلائل لأهل المذهب الثاني فليس فيها ما يشفي الغليل
إن كان فيها حديث مرفوع فليس إسناده صحيحا وما فيه صحيح فليس صريحا في المقصود بل
هو محمول على مدة الثلاث وإن كان آثارا فلا تستطيع المعارضة بالأحاديث المرفوعة الصحيحة
الصريحة والله أعلم
61 (باب المسح على الجوربين)
بفتح الجيم تثنية الجورب قال في القاموس الجورب لفافة الرجل وفي الصحاح
الجورب معرب والجمع الجواربة والهاء للعجمة ويقال الجوارب أيضا انتهى قال الطيبي الجورب
لفافة الجلد وهو خف معروف من نحو الساق قال أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي
الجورب غشاء للقدم من صوف يتخذ للدفاء فيه وهو التسخان ومثله في قوة المغتذي للسيوطي
وقال القاضي الشوكاني في شرح المنتقي الخف نعل من أدم يغطي الكعبين والجرموق أكبر منه
يلبس فوقه والجورب أكبر من الجرموق وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات الجورب
خف يلبس على الخف إلى الكعب للبرد ولصيانة الخف الأسفل من الدرن والغسالة وقال في
شرح كتاب الخرقي الجرموق خف واسع يلبس فوق الخف في البلاد الباردة وقال المطرزي
الموق خف قصير يلبس فوق الخف انتهى كلام الشيخ وقال العلامة العيني من الأئمة الحنفية
الجورب هو الذي يلبسه أهل البلاد الشامية الشديدة البرد وهو يتخذ من غزل الصوف المفتول
يلبس في القدم إلى ما فوق الكعب انتهى وقد ذكر نجم الدين الزاهدي عن إمام الحنفية شمس
الأئمة الحلواني أن الجورب خمسة أنواع من المرعزي ومن الغزل والشعر والجلد الرقيق
والكرباس قال وذكر التفاصيل في الأربعة
من الثخين والرقيق والمنعل وغير
المنعل والمبطن وغير المبطن وأما الخامسة فلا يجوز المسح عليه انتهى
185

فعلم من هذه الأقوال أن الجورب هو نوع من الخف إلا أنه أكبر منه فبعضهم يقول هو
إلى نحو الساق وبعضهم يقول هو خف يلبس على الخف إلى الكعب ثم اختلفوا فيه هل هو
من جلد وأديم أو ما هو أعم منه من صوف وقطن ففسره صاحب القاموس بلفافة الرجل
وهذا التفسير بعمومه يدل على لفافة الرجل من الجلد والصوف والقطن وأما الطيبي والشوكاني
فقيداه بالجلد وهذا مآل كلام الشيخ الدهلوي أيضا وأما الإمام أبو بكر بن العربي ثم العلامة
العيني فصرحا بكونه من صوف وأما شمس الأئمة الحلواني فقسمه إلى خمسة أنواع فهذا
الاختلاف والله أعلم إما لأن أهل اللغة اختلفوا في تفسيره وإما لكون الجورب مختلف الهيئة
والصنعة في البلاد المتفرقة ففي بعض الأماكن كان يتخذ من أديم وفي بعضها من كل الأنواع
فكل من فسره إنما فسره على هيئة بلاده ومنهم مفسره بكل ما يوجد في البلاد بأي نوع كان
(والنعلين) قال مجد الدين الفيروز آبادي في القاموس النعل ما وقيت به القدم من الأرض
كالنعلة مؤنثة وجمعه نعال بالكسر وقال ابن حجر المكي في شرح شمائل الترمذي وأفرد المؤلف
أي الترمذي الخف عنها بباب لتغايرهما عرفا بل لغة إن جعلنا من الأرض قيدا في النعل قال
الشيخ أحمد الشهير بالمقري في رسالته المسماة بفتح المتعال في مدح خير النعال إن ظاهر كلام
صاحب القاموس وبعض أئمة اللغة أنه قيد فيه وقد صرح بالقيدية وقال ملا عصام الدين فإنه قال
ولا يدخل فيه الخف لأنه ليس مما وقيت به القدم من الأرض انتهى ومعناه أن النعلين لبسهما
فوق الجوربين كما قاله الخطابي فمسح على الجوربين والنعلين معا فلا يستدل به على جواز مسح
النعلين فقط قال الطحاوي مسح على
نعلين تحتهما جوربان وكان قاصدا بمسحه ذلك إلى
جوربيه لا إلى نعليه وجورباه مما لو كانا عليه بلا نعلين جاز له أن يمسح عليهما فكان مسحه ذلك
186

مسحا أراد به الجوربين فأتى ذلك على الجوربين والنعلين فكان مسحه على الجوربين هو الذي
تطهر به ومسحه على النعلين فضل انتهى كلامه
وهذه المسألة اختلف فيها العلماء فالإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه والثوري
وعبد الله بن المبارك ومحمد بن الحسن وأبو يوسف ذهبوا إلى جواز مسح الجوربين سواء كانا
مجلدين أو منعلين أو لم يكونا بهذا الوصف بل يكونان ثخينين فقط بغير نعل وبلا تجليد وبه قال
أبو حنيفة في أحد الروايات عنه واضطربت أقوال علماء الشافعية في هذا الباب وأنت خبير أن
الجورب يتخذ من الأديم وكذا من الصوف وكذا من القطن ويقال لكل من هذا إنه جورب
ومن المعلوم أن هذه الرخصة بهذا العموم التي ذهبت إليها تلك الجماعة لا تثبت إلا بعد أن يثبت
أن الجوربين الذين مسح عليهما النبي صلى الله عليه وسلم كانا من صوف سواء كانا منعلين أو ثخينين فقط ولم
يثبت هذا قط فمن أين علم جواز المسح على الجوربين غير المجلدين بل يقال إن المسح يتعين
على الجوربين المجلدين لا غيرهما لأنهما في معنى الخف والخف لا يكون إلا من الأديم نعم لو
كان الحديث قوليا بأن قال النبي صلى الله عليه وسلم امسحوا على الجوربين لكان يمكن الاستدلال بعمومه على
187

كل أنواع الجورب وإذ ليس فليس فإن قلت لما كان الجورب من الصوف أيضا احتمل أن
الجوربين الذين مسح عليهما النبي صلى الله عليه وسلم كانا من صوف أو قطن إذ لم يبين الراوي قلت نعم
الاحتمال في كل جانب سواء يحتمل كونهما من صوف وكذا من أديم وكذا من قطن لكن ترجح
الجانب الواحد وهو كونه من أديم لأنه يكون حينئذ في معنى الخف ويجوز المسح عليه قطعا
وأما المسح على غير الأديم فثبت بالاحتمالات التي لم تطمئن النفس بها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم دع
ما يريبك إلى ما لا يريبك أخرجه أحمد في مسنده والنسائي عن الحسن بن علي وغير واحد من
الأئمة وهو حديث صحيح نعم أخرج عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا الثوري عن منصور عن
خالد بن سعد قال كان أبو مسعود الأنصاري يمسح على الجوربين له من شعر ونعليه وسنده
صحيح والله أعلم وعلمه أتم قال في غاية المقصود بعدما أطال الكلام هذا ما فهمت ومن كان
عنده علم بهذا من السنة فكلامه أحق بالاتباع قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجة
وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح
(وروي هذا أيضا) الحديث أخرجه ابن ماجة ولفظ حدثنا محمد بن يحيى حدثنا معلى بن
منصور وبشر بن آدم قالا حدثنا عيسى بن يونس عن عيسى بن سنان عن الضحاك بن عبد
الرحمن بن عرزب عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين
والنعلين قال المعلى في حديثه لا أعلمه إلا قال والنعلين (وليس بالمتصل) لأن الضحاك بن عبد
الرحمن لم يثبت سماعه من أبي موسى وعيسى بن سنان ضعيف لا يحتج به قاله البيهقي المتصل
ما سلم إسناده من سقوط في أوله أو آخره أو وسطه بحيث يكون كل من رجاله سمع ذلك المروي
من شيخه (ولا بالقوي) أي الحديث مع كونه غير متصل ليس بقوي من جهة ضعف راويه وهو أبو
سنان عيسى بن سنان قال الذهبي ضعفه أحمد وابن معين وهو مما يكتب حديثه على لينه وقواه
بعضهم يسيرا وقال العجلي لا بأس به وقال أبو حاتم ليس بقوي انتهى وكذا ضعفه
العقيلي والبيهقي
188

(ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب) أخرج عبد الرزاق في مصنفه أخبرني الثوري
عن الزبرقان عن كعب بن عبد الله قال رأيت عليا بال فمسح على جوربيه ونعليه ثم قام يصلي
(وابن مسعود) أخرج عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا معمر عن الأعمش عن إبراهيم أن ابن
مسعود كان يمسح على خفيه ويمسح على جوربيه (والبراء بن عازب) أخرج عبد الرزاق في
مصنفه أخبرنا الثوري عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه قال رأيت البراء بن عازب
يمسح على جوربيه ونعليه (وأنس بن مالك) أخرج عبد الرزاق
أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس بن مالك أنه كان يمسح على الجوربين (وأبو أمامة وسهل بن سعد وعمرو بن حريث) لم أقف
على روايات هؤلاء الثلاثة (وروي ذلك) أي المسح على الجوربين (عن عمر بن الخطاب وابن
عباس) لم أقف على روايتهما أيضا
189

62 (باب)
كذا في أكثر النسخ وهكذا في مختصر المنذري وليس في بعض النسخ لفظ الباب
(أتى على كظامة قوم) بكسر الكاف وفتح الظاء المخففة قال ابن الأثير في النهاية: هي
كالقناة وجمعها كظائم، وهي آبار تحفر في الأرض متناسقة ويخرق بعضها إلى بعض تحت الأرض
فيجتمع مياهها جارية ثم تخرج عند منتهاها فيسيح على وجه الأرض وقيل هي السقاية. انتهى
وقال ابن الأثير في جامع الأصول: هي آبار تحفر ويباعد ما بينها ثم يحفر ما بين كل بئرين بقناة
يؤدي الماء من الأولى إلى ما يليها حتى يجتمع
الماء إلى آخرهن ويبقى في كل بئر ما يحتاج إليه أهلها.
هكذا شرحه الأزهري وقد جاء في لفظ الحديث أنها الميضأة. انتهى. وفي القاموس: الكظامة
بئر جنب بئر بينهما مجرى في بطن الأرض كالكظيمة والكظيمة المزادة (يعني الميضأة) وهي
إناء التوضي، وهذا التفسير لأحد من الرواة ما فوق مسدد وعباد، وإنما فسر كظامة بالميضأة
لأنها تطلق على السقاية والمزادة أيضا، فبهذا الاعتبار فسراها بالميضأة (ثم اتفقا) أي عباد بن
190

موسى ومسدد في بقية ألفاظ الحديث وغرضه أن مسددا وعباد بن موسى قد اختلفا في هذا
الحديث في ثلاثة مواضع الأول في لفظ أخبرني أوس فقال عباد أخبرني بصيغة الإخبار ولم
يقل به مسدد والثاني في سياق روايتهما للحديث فقال عباد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال
مسدد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم والثالث زيادة لفظ أتى على كظامة قوم يعني الميضأة فهي
مذكورة في رواية عباد بن موسى دون مسدد عن أوس بن أبي أوس الثقفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
توضأ ومسح على نعليه وقدميه ولفظ عباد أخبرني أوس بن أبي أوس الثقفي رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على كظامة قوم يعني الميضأة فتوضأ ومسح على نعليه
وقدميه (على نعليه وقدميه) قال ابن رسلان هذه الرواية محمولة على الرواية التي قبلها أنه مسح على الجوربين
والنعلين ولعل المراد ههنا بالمسح على القدمين المسح على الجوربين قال ابن قدامة
والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما مسح على سيور النعل التي على ظاهر القدم فعلى هذا المراد مسح
على سيور نعليه وظاهر الجوربين اللتين فيهما قدماه انتهى
كلام ابن رسلان وتحقيق
المسح على النعلين قد تقدم في باب الوضوء مرتين تحت حديث ابن عباس فليرجع إليه وحديث أوس بن أبي أوس
فيه اضطراب سندا ومتنا وقال الحافظ ابن عبد البر ولأوس بن حذيفة أحاديث منها المسح على القدمين في إسناده ضعف والله أعلم
63 (باب كيف.. إلخ)
أي هذا باب في كيفية المسح
(على الخفين) لم يذكر محمد بن الصباح أن المسح كان أعلى الخف أو أسفله (وقال غير
محمد) بن الصباح وهو علي بن حجر فيما روى عنه الترمذي ولفظ الترمذي حدثنا علي بن حجر
أخبرنا عبد الرحمن بن أبي
الزناد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن المغيرة بن شعبة قال رأيت
النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين على ظاهرهما وقال حديث حسن قال المنذري وأخرجه الترمذي
وقال حديث حسن
191

(بالرأي) أي بالقياس وملاحظة المعاني (لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه) أي ما
تحت القدمين أولى بالمسح من الذي هو أعلاهما لأن أسفل الخف هو الذي يباشر المشي ويقع على
ما تنبغي إزالته بخلاف أعلاه وهو ما على ظهر القدم (يمسح على ظاهر خفيه) فلا يعتبر ولا يعبأ
بالقياس والرأي الذي هو على خلاف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن ورد في حديث رجاء بن حياة عن
وراد عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله وإسناده ضعيف وسيجئ بيانه وحديث
علي من طريق حفص بن غياث أخرجه الدارقطني من وجهين قال الحافظ ابن حجر في
التلخيص حديث علي أخرجه أبو داود وإسناده صحيح وقال في بلوغ المرام إسناده حسن
(بإسناده) أي عن أبي إسحاق عن عبد خير عن علي (بهذا الحديث) الآتي وهو هذا (قال)
على (ما كنت أرى) بضم الهمزة أي أظنه وبفتح الهمزة أي أعلمه (على ظهر خفيه) فعلمت
أن ظهر الخفين مستحق للمسح لا باطنهما (بإسناده) المذكور من أبي إسحاق إلى علي رضي الله عنه
(قال وكيع يعني الخفين) أي قال وكيع إن المراد
بالقدمين
الخفين (وساق الحديث) وأعلم أن
الحديث هكذا معلقا في رواية اللؤلؤي وأما في رواية أبي بكر بن داسة فموصول وهذه عبارته
حدثنا حامد بن يحيى أخبرنا سفيان عن أبي السوداء عن ابن عبد خير عن أبيه قال رأيت عليا
توضأ الحديث قال الشيخ الأجل ولي الله المحدث الدهلوي في المسوى شرح الموطأ قال
الشافعي مسح أعلى الخف فرض ومسح أسفله سنة وقال أبو حنيفة لا يمسح إلا الأعلى
192

وقال في المصفى شرح الموطأ حديث علي رضي الله عنه يرجح قول عروة وهو المختار
عندي انتهى وقال الشيخ سلام الله في المحلى شرح الموطأ وهو مذهب أبي حنيفة
وأحمد وصورة المسح أن يضع أصابع اليمنى على مقدم خفه وأصابع اليسرى على مقدم
الأيسر ويمدهما إلى الساق فوق الكعبين ويفرج أصابعه وفي الباب عن جابر قال مر
رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يتوضأ ويغسل خفيه برجليه فقال بيده كأنه دفعه إنما أمرت بالمسح وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده هكذا من أطراف الأصابع إلى أصل الساق خطوطا بالأصابع أخرجه ابن
ماجة في سننه وقال تفرد به بقية انتهى ويجيء في شرح الحديث الآتي مذاهب باقي
العلماء وهناك تعرف وجه التوفيق بين الأحاديث والله أعلم
(حدثنا الوليد) بن مسلم أبو العباس الدمشقي عالم الشام قال الحافظ هو مشهور متفق
على توثيقه في نفسه وإنما عابوا عليه كثرة التدليس والتسوية قال الدارقطني كان الوليد يروي
عن الأوزاعي أحاديث عنده عن شيوخ ضعفاء عن شيوخ ثقات قد أدركهم الأوزاعي فيسقط
الوليد الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعي عن الثقات
انتهى (عن
كاتب المغيرة) واسم كاتب
المغيرة وراد كما وقع التصريح بذلك في رواية ابن ماجة وأما قول البيهقي في المعرفة وضعف
الشافعي في القديم حديث المغيرة بأن لم يسم رجاء بن حياة كاتب المغيرة بن شعبة وكذا قول ابن
193

حزم أن كاتب المغيرة لم يسم فيه فهو مجهول فيندفع بما بيناه من التصريح (فمسح على الخفين
وأسفلهما) دل هذا الحديث على أن محل المسح أعلى الخف وأسفله وحديث علي والحديث الأول
لمغيرة بن شعبة يدلان على أن المسح المشروع هو مسح ظاهر الخف دون باطنه قال الشوكاني
وإليه ذهب الثوري وأبو حنيفة والأوزاعي وأحمد بن حنبل وذهب مالك والشافعي وأصحابهما
والزهري وابن المبارك وروي عن سعد بن أبي وقاص وعمر بن عبد العزيز إلى أنه يمسح ظهورهما
وبطونهما قال مالك والشافعي إن مسح ظهورهما دون بطونهما أجزأه قال مالك من مسح
باطن الخفين دون ظاهرهما لم يجزه وكان عليه الإعادة في الوقت وبعده وروي عنه غير ذلك
والمشهور عن الشافعي إن مسح ظهورهما واقتصر على ذلك أجزأه ومن مسح باطنهما دون
ظاهرهما لم يجزه وليس بماسح وقال ابن شهاب وهو قول للشافعي إن مسح بطونهما ولم يمسح
ظهورهما أجزأه والواجب عند أبي حنيفة مسح قدر ثلاث أصابع من أصابع اليد وعند أحمد أكثر
الخف وروي عن الشافعي أن الواجب ما يسمى مسحا وأما الحديث الثاني للمغيرة وحديث
علي فليس بين حديثيهما تعارض غاية الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح تارة على باطن الخف وظاهره
وتارة اقتصر على ظاهره ولم يرو عنه ما يقتضي المنع من أحد الصفتين فكان جميع ذلك جائزا
وسنة والله أعلم انتهى كلام الشوكاني
قلت الحديث الثاني للمغيرة قد ضعفه الأئمة الكبار البخاري وأبو زرعة وأبو داود
194

وغيرهم كما يجيء بيانه عن قريب فلا يصلح لمعارضة حديث علي الصحيح فما قال الشوكاني في
دفع التعارض لا حاجة إليه قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجة وضعف الإمام
الشافعي رضي الله عنه حديث المغيرة هذا وقال أبو داود وبلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث
من رجاء وقال الترمذي هذا حديث معلول وقال وسألت أبا زرعة ومحمد عن هذا الحديث
فقالا ليس بصحيح انتهى
(لم يسمع هذا الحديث من رجاء) واعلم أن هذا الحديث ذكروا فيه أربع علل العلة
الأولى أن ثور بن يزيد لم يسمعه من رجاء بن حياة بل قال حدثت والثانية أنه مرسل قال
الترمذي سألت أبا زرعة ومحمدا عن هذا الحديث فقالا ليس بصحيح لأن ابن المبارك روى
هذا عن ثور عن رجاء قال حدثت عن كاتب المغيرة مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم الثالثة تدليس وليد بن
مسلم الرابعة جهالة كاتب المغيرة قلت علة جهالة كاتب المغيرة مدفوعة لمجيء التصريح في اسم كاتب المغيرة
كما عرفت
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم وأيضا فالمعروف بكاتب المغيرة هو مولاه وراد وقد خرج له في
الصحيحين وإنما ترك ذكر اسمه في هذه الرواية لشهرته وعدم التباسه بغيره ومن له خبرة
بالحديث ورواته لا يتمارى في أنه وراد كاتبه وبعد فهذا حديث قد ضعفه الأئمة الكبار البخاري
وأبو زرعة والترمذي وأبو داود والشافعي ومن المتأخرين ابن حزم وهو الصواب لأن الأحاديث
الصحيحة كلها مخالفة وهذه العلل وإن كان بعضها غير مؤثر فمنها ما هو مؤثر مانع من صحة
الحديث وقد تفرد الوليد بن مسلم بإسناده ووصله وخالفه من هو أحفظ منه وأجل وهو الإمام
الثبت عبد الله بن المبارك فرواه عن ثور عن رجاء قال حدثت عن كاتب المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
وإذا اختلف عبد الله بن المبارك والوليد بن مسلم فالقول ما قال عبد الله وقد قال بعض
الحفاظ أخطأ الوليد بن مسلم في هذا الحديث في موضعين أحدهما أن رجاء لم يسمعه من كاتب
195

المغيرة وإنما قال حدثت عنه والثاني أن ثورا لم يسمعه من رجاء وخطأ ثالث أن الصواب
إرساله فميز الحفاظ ذلك كله في الحديث وبينوه ورواه الوليد معنعنا من غير تبيين
64 (باب في الانتضاح)
النضح الرش قاله الجوهري وسيجئ بيانه في الحديث
(عن سفيان بن الحكم الثقفي أو الحكم بن سفيان الثقفي) هو تردد بين اسمين والمسمى
واحد (وينتضح) قال الخطابي في معالم السنن الانتضاح ههنا الاستنجاء بالماء وكان من عادة
أكثرهم أن يستنجوا بالحجارة لا يمسون الماء وقد يتأول الانتضاح أيضا على رش الفرج بالماء بعد
الاستنجاء ليدفع بذلك وسوسة الشيطان انتهى كلامه وذكر النووي عن الجمهور أن هذا الثاني
هو المراد ههنا قلت وهذا هو الحق وبه فسر الجوهري كما تقدم وفي جامع الأصول الانتضاح
رش الماء على الثوب ونحوه والمراد به أن يرش على فرجه بعد الوضوء ماء ليذهب عنه الوسواس
الذي يعرض للانسان أنه قد خرج من ذكره بلل فإذا كان ذلك المكان بللا دفع ذلك الوسواس
وقيل أراد بالانتضاح الاستنجاء بالماء لأن الغالب كان من عادتهم أنهم يستنجون بالحجارة (وافق
سفيان) مفعول لوافق (جماعة) فاعل لوافق (على هذا الإسناد) أي لفظ سفيان ابن الحكم الثقفي
196

أو الحكم بن سفيان الثقفي فقال جماعة كروح بن القاسم وشيبان ومعمر وغيرهم كما قال سفيان
الثوري (قال بعضهم الحكم أو ابن الحكم) والصحيح الحكم بن سفيان قال المنذري وأخرجه
الترمذي وابن ماجة واختلف في سماع الثقفي هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال النمري له حديث
واحد في الوضوء وهو مضطرب الاسناد وقال أبو عيسى الترمذي واضطربوا في هذا الحديث
وأخرج الترمذي وابن ماجة من حديث الحسن بن علي الهاشمي عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي
هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال جاءني جبريل فقال يا محمد إذا توضأت فانتضح وقال الترمذي
حديث غريب وسمعت محمدا يعني يقول الحسن بن علي الهاشمي منكر الحديث هذا آخر
كلامه والهاشمي هذا ضعفه غير واحد من الأئمة انتهى
(بال ثم نضح فرجه) أي بال ثم توضأ ثم نضح فرجه كما في عامة الروايات وهذا حديث
فيه اختصار
(بال ثم توضأ ونضح فرجه) وأخرج ابن ماجة من طريق أبي بكر بن أبي شيبة حدثنا
محمد بن بشر حدثنا زكريا بن أبي زائدة قال قال منصور حدثنا مجاهد عن الحكم بن سفيان
الثقفي أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم أخذ كفا من ماء فنضح به فرجه وأخرج النسائي
أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد بن الحارث عن شعبة عن منصور عن مجاهد عن الحكم
عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ حفنة من ماء فقال بها هكذا ووصف شعبة نضح به
فرجه فذكرته لإبراهيم فأعجبه وأخرج النسائي أيضا أخبرنا العباس بن محمد الدوري حدثنا الأحوص بن جواب حدثنا عمار بن رزيق عن منصور ح وأخبرنا أحمد بن حرب حدثنا قاسم
حدثنا سفيان حدثنا منصور عن مجاهد عن الحكم بن سفيان
عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
توضأ ونضح فرجه وهذه الأحاديث تدل على أن النضح إنما كان بعد الفراغ من الوضوء
197

65 (باب ما يقول الرجل إذا توضأ)
أي بعد الفراغ من الوضوء وأما الأذكار التي تقال عند غسل كل أعضاء الوضوء على حدة
فكذب مختلق لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا منه ولا علمه أمته ولا ثبت عنه غير التسمية في
أوله وغير قوله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم
اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين في آخره وفي حديث آخر في النسائي مما يقال بعد
الوضوء أيضا سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله ألا أنت أستغفرك وأتوب إليك ولم يكن
يقول في أوله نويت الحدث ولا استباحة الصلاة لا هو ولا أحد من أصحابه البتة ولم يرو عنه في
ذلك حرف واحد لا بإسناد صحيح ولا ضعيف كذا في زاد المعاد
(خدام أنفسنا) خدام جمع خادم أي كان كل منا خادما لنفسه فيخدم كل واحد نفسه ولم
يكن لنا خادم غير أنفسنا يخدمنا (نتناوب الرعاية) التناوب أن تفعل الشيء مرة ويفعل الآخرة مرة
أخرى والرعاية بكسر الراء الراعي (رعاية إبلنا) هذه اللفظة بدل من الرعاية ومعنى هذا
الكلام أنهم كانوا يتناوبون رعي إبلهم فتجتمع الجماعة ويضمون إبلهم بعضها إلى بعض فيرعى
كل واحد منهم ليكون أرفق بهم وينصرف الباقون في مصالحهم قاله النووي (فكانت علي رعاية
الإبل) في يومي ونوبتي (فروحتها) من الترويح (بالعشي) على وزن فعيل قال في القاموس الرواح
العشي أو من الزوال إلى الليل قال الجوهري أراح إبله أي ردها إلى المراح وكذلك الترويح ولا
يكون ذلك إلا بعد الزوال والعشي والعشية من صلاة المغرب إلى العتمة والعشاء بالمد والقصر
مثل العشي وزعم قوم أن العشاء من زوال الشمس إلى طلوع الفجر انتهى ما
في الصحاح أي رددت الإبل إلى مراحها في آخر النهار وتفرغت من أمرها ثم فجئت إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم
(فيحسن الوضوء) من الإحسان أي يتمه بآدابه (يقبل عليهما بقلبه ووجهه) من الإقبال وهو
خلاف الإدبار أي يتوجه وأراد بوجهه ذاته أي يقبل على الركعتين بظاهره وباطنه قال النووي
198

وقد جمع صلى الله عليه وسلم بهاتين اللفظتين أنواع الخضوع والخشوع
لأن الخضوع في الأعضاء والخشوع بالقلب (ألا فقد أوجب) عليه الجنة ولفظ مسلم إلا وجبت له الجنة (قلت بخ بخ) قال الجوهري
بخ كلمة تقال عند المدح والرضا بالشيء وتكرر للمبالغة فيقال بخ بخ فإن وصلت خففت ونونت
فقلت بخ بخ وربما شددت (ما أجود هذه) يعني هذه الكلمة أو البشارة أو الفائدة وجودتها من
جهات منها سهلة متيسرة يقدر عليها كل أحد بلا مشقة ومنها أن أجرها عظيم والله أعلم (التي
قبلها يا عقبة أجود منها) أي الكلمة التي كانت قبل هذه الكلمة التي سمعت أجود من هذه
(فنظرت) إلى هذا القائل من هو (ما هي) الكلمة (يا أبا حفص) عمر (قال) عمر (إنه) الضمير
للشأن (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (آنفا) أي قريبا قال النووي هو بالمد على اللغة المشهورة وبالقصر على
لغة صحيحة قرئ بها في السبع (من أيها) أي من أي أبواب الجنة (شاء) دخولها ولفظ الترمذي
فتحت له ثمانية أبواب من الجنة يدخل من أيها شاء قال الحافظ ابن عبد البر في كتاب التمهيد
هكذا قال
فتح له من أبواب الجنة وهو يدل على أنها أكثر من ثمانية وذكره أبو داود والنسائي
وغيرهما فتحت له أبواب الجنة الثمانية ليس فيها ذكر من فعلى هذا أبواب الجنة ثمانية قال
الإمام القرطبي في التذكرة في أحوال أمور الآخرة قال جماعة من أهل العلم إن للجنة ثمانية
أبواب واستدلوا بحديث عمر الذي أخرجه مسلم وغيره وجاء تعيين هذه الأبواب لبعض العمال
كما في حديث الموطأ والبخاري ومسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنفق في سبيل الله زوجين
نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان
من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن
كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام فقال أبو بكر يا رسول الله ما على أحد يدعى من هذه
الأبواب من ضرورة هل يدعى أحد من هذه الأبواب؟ قال نعم وأرجو أن تكون منهم قال القاضي
عياض ذكر مسلم في هذا الحديث من أبواب الجنة أربعة وزاد غيره بقية الثمانية فذكر منها باب
التوبة وباب الكاظمين الغيظ وباب الراضين والباب الأيمن الذي يدخل منه من لا حساب
عليه قال القرطبي فذكر الحكيم الترمذي أبواب الجنة فعد أبوابا غير ما ذكر قال فعلى هذا
199

أبواب الجنة أحد عشر بابا وقد أطال القرطبي في تذكرته ويجيء بيانه إن شاء الله تعالى في
موضعه
(قال معاوية) وهذا موصول بالسند المذكور قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن
ماجة وفي لفظ لأبي داود فأحسن وضوءه ثم رفع نظره إلى السماء فقال وفي إسناد هذا رجل
مجهول وأخرجه الترمذي من حديث أبي إدريس الخولاني عايذ الله بن عبد الله وأبي عثمان عن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه مختصرا وفيه دعا وقال وهذا حديث في إسناده اضطراب ولا
يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا البا ب كثير شئ قال محمد أبو إدريس لم يسمع من عمر شيئا (نحوه)
أي نحو حديث جبير بن نفير وأبي إدريس الخولاني (ولم يذكر أمر الرعاية) أي لم يذكر أبو عقيل أو
من دونه قصة رعايتهم للإبل (قال) أبو عقيل في حديثه هذه الجملة أي (ثم رفع) المتوضئ فقال
المتوضئ أشهد أن لا إله إلا الله إلى آخره (وساق) أبو عقيل أو من دونه (الحديث
بمعنى حديث معاوية) بن صالح وحاصل الكلام أن أبا عقيل لم يذكر في حديثه قصة رعاية الإبل وقال فيه ما
منكم من أحد توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع نظره إلى السماء فقال أشهد أن لا إله إلا الله إلى آخر
الحديث كما قال معاوية والله أعلم وأما الحكمة في رفع النظر إلى السماء فالعلم عند الشارع
66 (باب الرجل يصلي الصلوات بوضوء واحد)
ولم يجدد الوضوء لكل صلاة ما لم يحدث
(يتوضأ لكل صلاة) وللنسائي من طريق شعبة عن عمرو أنه سأل أنسا أكان النبي صلى الله عليه وسلم
200

يتوضأ قال نعم وللترمذي من طريق حميد عن أنس يتوضأ لكل صلاة طاهرا أو غير طاهر
وظاهره أن تلك كانت عادته لكن حديث بشير بن يسار مولى بنى حارثة عن سويد بن النعمان
المروي في البخاري وغيره وسيجئ بتمامه يدل على أن المراد الغالب قال الطحاوي يحتمل أن
ذلك كان واجبا عليه خاصة ثم نسخ يوم الفتح لحديث بريدة الآتي ويحتمل أنه كان يفعله
استحبابا ثم خشي أن يظن وجوبه فترك لبيان الجواز قال الحافظ وهذا أقرب وعلى تقدير الأول
فالنسخ كان قبل الفتح بدليل حديث سويد بن النعمان فإنه كان في خيبر وهي قبل الفتح بزمان
(وكنا نصلي الصلوات بوضوء واحد) ولابن ماجة كنا نصلي الصلوات كلها بوضوء واحد قال
المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة
(يوم الفتح) أي فتح مكة شرفها الله تعالى وهو سنة ثمان من الهجرة (خمس صلوات بوضوء
واحد) قال الإمام محي الدين النووي والحديث فيه جواز الصلوات والمفروضات والنوافل بوضوء
واحد ما لم يحدث وهذا جائز بإجماع من يعتد به وحكى أبو جعفر الطحاوي وأبو الحسن بن بطال
في شرح صحيح البخاري عن طائفة من العلماء أنهم قالوا يجب الوضوء لكل صلاة وإن كان
متطهرا واحتجوا بقول الله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الآية وما أظن هذا
المذهب يصح عن أحد ولعلهم أرادوا استحباب تجديد الوضوء عند كل صلاة ودليل الجمهور
الأحاديث الصحيحة منها حديث بريدة هذا وحديث أنس في صحيح البخاري كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة وكان أحدنا يكفيه الوضوء ما لم يحدث وحديث سويد بن
نعمان الذي تقدمت الإشارة إليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر ثم أكل سويقا ثم صلى المغرب ولم
يتوضأ وفي معناه أحاديث كثيرة كحديث الجمع بين الصلاتين بعرفة والمزدلفة وسائر الأسفار
والجمع بين الصلوات الفائتان يوم الخندق وغير ذلك وأما الآية الكريمة فالمراد بها والله أعلم إذا
قمتم محدثين وقيل إنها منسوخة قال النووي وهذا القول ضعيف (لم تكن تصنعه) قبل هذا (قال)
النبي صلى الله عليه وسلم (عمدا صنعته) قال علي بن سلطان في مرقاة المفاتيح الضمير راجع للمذكور وهو جمع
الصلوات الخمس بوضوء واحد والمسح على الخفين وفيه دليل على أن من يقدر أن يصلي صلوات
كثيرة بوضوء واحد لا يكره صلاته إلا أن يغلب عليه الأخبثان كذا ذكره الشراح لكن رجوع
201

الضمير إلى مجموع الأمرين يوهم أنه لم يكن يمسح على الخفين قبل الفتح والحال أنه ليس
كذلك فالوجه أن يكون الضمير راجعا إلى الجمع فقط أي جمع الصلوات بوضوء واحد انتهى
كلامه قال النووي وأما قول عمر رضي الله عنه صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه ففيه تصريح
بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب على الوضوء لكل صلاة عملا بالأفضل وصلى الصلوات في هذا اليوم
بوضوء واحد بيانا للجواز كما قال صلى الله عليه وسلم عمدا صنعته يا عمر انتهى قال المنذري وأخرجه
مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة
67 (باب تفريق الوضوء)
أي التفريق بين أعضاء الوضوء في الغسل بأن غسل أكثر الأعضاء أو بعضها وترك بعضها
عمدا أو جاهلا ويبست الأعضاء ثم غسلها أو بل ذلك الموضع فما الحكم فيمن فعل ذلك أيعيد
الوضوء أو يبل ذلك الموضع
(الظفر) فيه لغات أجودها ظفر بضم الظاء والفاء وبه جاء القرآن العزيز ويجوز إسكان
الفاء ويقال ظفر بكسر الظاء وإسكان الفاء وظفر بكسرهما وقرئ بها في الشواذ وجمعه أظفار وجمع
الجمع أظافير ويقال في الواحد أيضا أظفور قال النووي (ارجع فأحسن وضوءك)
قال بعض العلماء هذا الحديث يدل على عدم وجوب إعادته الوضوء لأنه أمر فيه بالإحسان لا
بالإعادة والإحسان يحصل بمجرد إسباغ غسل ذلك العضو وبه قال أبو حنيفة فعنده لا يجب
الموالاة في الوضوء واستدل به القاضي عياض على خلاف ذلك فقال الحديث يدل على وجوب
الموالاة في الوضوء لقوله صلى الله عليه وسلم أحسن وضوءك ولم يقل اغسل الموضع الذي تركته انتهى
ويجيء بعض بيان ذلك تحت الحديث الآتي والحديث فيه من الفوائد منها أن من ترك شيئا
من أعضاء طهارته جاهلا لم تصح طهارته ومنها تعليم الجاهل والرفق به ومنها أن الواجب
في الرجلين الغسل دون المسح والله أعلم قال المنذري وأخرجه ابن ماجة
(عن جرير بن حازم ولم يروه إلا ابن وهب) وقال الدارقطني تفرد به جرير بن حازم عن
202

قتادة وهو ثقة وحاصل الكلام أن ابن وهب وجريرا كل واحد منهما متفرد عن شيخه فلم يرو
عن قتادة إلا جرير ولم يرو عن جرير إلا ابن وهب (ارجع فأحسن وضوءك) قال الخطابي ظاهر
معناه إعادة الوضوء في تمام ولو كان تفريقه جائزا لأشبه أن يقتصر فيه على الأمر بغسل ذلك
الموضع أو كان يأمره بإسالة الماء في مقامه ذلك وأن لا يأمره بالرجوع إلى المكان الذي يتوضأ
فيه انتهى وحديث عمر رضي الله عنه أخرجه مسلم حدثني سلمة بن شبيب قال أخبرنا
الحسن بن محمد بن أعين قال أخبرنا معقل عن أبي الزبير عن جابر قال أخبرني عمر بن الخطاب
أن رجلا توضأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال ارجع فأحسن وضوءك
فرجع ثم صلى وأخرجه أحمد في مسنده مثله وزاد ثم توضأ وعقد الإمام البخاري في ذلك بابا وقال باب تفريق الغسل والوضوء ويذكر عن ابن عمر أنه غسل قدميه بعد
ما جف وضوؤه
قال الحافظ في الفتح باب تفريق الوضوء أي جوازه وهو قول الشافعي في الجديد واحتج بأن
الله تعالى أوجب غسل الأعضاء فمن غسلها فقد أتى بما وجب عليه فرقها أو نسقها ثم أيد ذلك
بفعل ابن عمر وبذلك قال ابن المسيب وعطاء وجماعة وقال ربيعة ومالك من تعمد ذلك فعليه
الإعادة ومن نسي فلا وعن مالك إن قرب التفريق بنى وإن أطال أعاد وقال قتادة والأوزاعي
لا يعيد إلا أن جف وأجازه العيني مطلقا في الغسل دون الوضوء ذكر جميع ذلك ابن المنذر
وقال ليس مع من جعل الجفاف حدا لذلك حجة وقال الطحاوي الجفاف ليس يحدث
فينقض كما لو جف جميع أعضاء الوضوء لم تبطل الطهارة وأثر ابن عمر رويناه في الأم عن مالك
عن نافع عنه لكن فيه أنه توضأ في السوق دون رجليه ثم رجع إلى المسجد فمسح على خفيه ثم
صلى والإسناد صحيح فيحتمل أنه إنما لم يجزم به لكونه ذكر بالمعنى قال الشافعي لعله قد جف
وضوؤه لأن الجفاف قد يحصل بأقل مما بين السوق والمسجد انتهى قال البيهقي في المعرفة
أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو قال حدثنا أبو العباس قال أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال
وأحب أن يتابع الوضوء ولا يفرقه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء به متتابعا ثم ساق الكلام إلى أن قال
فإن قطع الوضوء فأحب أن يستأنف وضوءا ولا يتبين لي أن يكون عليه استئناف وضوء واحتج
بما أخبرنا أبو زكريا وأبو بكر وأبو سعيد قالوا حدثنا أبو العباس قال أخبرنا الربيع قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه توضأ بالسوق فغسل وجهه ويديه ومسح
برأسه ثم دعى لجنازة فدخل المسجد فمسح على خفيه ثم صلى عليها وفي الحديث الثابت عن عمر
وغيره في معنى هذا ارجع فأحسن وضوءك وقد روينا عن عمر في جواز التفريق انتهى
203

(عن الحسن) بن يسار البصري إمام جليل مرسلا (بمعنى) حديث (قتادة) عن أنس
(حدثنا بقية) بن الوليد الحمصي أحد الأئمة قال النسائي إذا قال حدثنا وأخبرنا فهو ثقة
قال ابن عدي إذا حدث عن أهل الشام فهو ثبت وإذا روى عن غيرهم خلط قال الجوزجاني
إذا حدث عن الثقات فلا بأس به وقال أبو مسهر الغساني بقية ليست أحاديثه نقية فكن منها على
تقية كذا في تهذيب التهذيب والخلاصة وقال المنذري في الترغيب هو أحد الأعلام ثقة عند
الجمهور لكنه يدلس انتهى (عن بحير) بفتح الباء وكسر الحاء (عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم)
قال البيهقي في المعرفة هو مرسل وكذا قال ابن القطان قال الحافظ ابن حجر وفيه بحث وقد
قال الأثرم قلت لأحمد هذا إسناد جيد؟ قال نعم فقلت له إذا قال رجل من التابعين حدثني رجل
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فالحديث صحيح؟ قال نعم (لمعة) قال في القاموس بالضم قطعة من النبت
أخذت في اليبس والموضع لا يصيبه الماء في الغسل والوضوء (لم يصبها الماء) هذه الجملة تفسير
للمعة (أن يعيد الوضوء والصلاة) وفي رواية ابن ماجة من طريق ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر
204

عن عمر بن الخطاب قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا توضأ فترك موضع الظفر على قدمه فأمره
أن يعيد الوضوء والصلاة قال فرجع وفي الباب عن أبي أمامة أخرجه الدارقطني وأما حديث
الباب فقال المنذري في تلخيصه في إسناده بقية بن الوليد وفيه مقال قال شمس الدين ابن القيم
هكذا علل أبو محمد المنذري وابن حزم هذا الحديث برواية بقية وزاد ابن حزم تعليلا آخر وهو
أن راويه مجهول لا يدرى من هو والجواب عن هاتين العلتين أما الأولى فإن بقية ثقة في نفسه
صدوق حافظ وإنما نقم عليه التدليس مع كثرة روايته عن الضعفاء والمجهولين وأما إذا صرح
بالسماع فهو حجة وقد صرح في هذا الحديث بسماعه له قال أحمد في مسنده أخبرنا إبراهيم بن
أبي العباس أخبرنا بقية حدثني بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
فذكر الحديث وقال وأمره أن يعيد الوضوء والعلة الثانية فباطلة أيضا على أصل ابن حزم وأصل
سائر أهل الحديث وأن عندهم جهالة الصحابي لا يقدح في الحديث لثبوت عدالة جميعهم
انتهى وقال الحافظ في التلخيص وأعله المنذري بأن فيه بقية وقال عن بحير وهو مدلس لكن
في المسند والمستدرك تصريح بقية بالتحديث وأجمل النووي القول في هذا فقال في شرح المهذب
هو حديث ضعيف الإسناد وفي هذا اطلاق نظر لهذه الطرق انتهى وهذا الحديث فيه دليل
صريح على وجوب الموالاة لأن الأمر بالإعادة للوضوء بترك اللمعة لا يكون إلا للزوم الموالاة
وهو مذهب مالك والأوزاعي وأحمد بن حنبل والشافعي في قول له وقد عرفت آنفا تفصيل
بعض هذا المذهب والله أعلم
68 (باب إذا شك في الحدث)
على وزن سبب وهو حالة مناقضة للطهارة شرعا والجمع الأحداث مثل سبب وأسباب
(عن سعيد بن المسيب وعباد بن تميم) قال الحافظ قوله وعن عباد هو معطوف على قوله عن
سعيد بن المسيب ثم إن شيخ سعيد بن المسيب فيه احتمالان يحتمل أن يكون عم عباد كأنه قال
205

كلاهما عن عمه أي عم الثاني وهو عباد ويحتمل أن يكون محذوفا ويكون من مراسيل ابن
المسيب وعلى الأول جرى صاحب الأطراف ويؤيد الثاني رواية معمر لهذا الحديث عن الزهري
عن ابن المسيب عن أبي سعيد الخدري أخرجه ابن ماجة ورواته ثقات لكن سئل أحمد عنه فقال
إنه منكر (شكي) على البناء للمفعول هكذا في أكثر النسخ وكذا في رواية مسلم واعتمد عليه
النووي فقال شكي بضم الشين وكسر الكاف والرجل مرفوع ولا يتوهم أنه شكى مفتوحة الشين
والكاف ويجعل الشاكي هو عمه المذكور فإن هذا الوهم غلط وجاء في بعض نسخ الكتاب شكا
بالألف ومقتضاه أن الراوي هو الشاكي وهكذا في صحيح البخاري ولفظه عن عمه أنه شكا
وفي رواية ابن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء عن سفيان ولفظه عن عمه عبد الله بن زيد قال
سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل ومعنى قول النووي فإن هذا الوهم غلط أي ضبط لفظ شكى
في رواية مسلم بالألف قياسا على رواية البخاري وغيره وهم فإن في رواية البخاري بلفظ أنه
شكى وليس هذه في رواية مسلم (الرجل) مفعول ما لم يسم فاعله وعلى رواية شكا بالألف
منصوب على المفعولية (يجد الشيء) أي الحدث خارجا من دبره وفيه العدول عن ذكر الشيء
المستقذر بخاص اسمه للضرورة (حتى يخيل إليه) بضم المثناة التحتية وفتح الخاء المعجمة مبنيا
لما يسم فاعله أي يشبه له أنه خرج شئ من الريح أو الصوت (لا ينفتل) بالجزم على النهي ويجوز
الرفع على أن لا نافية أو الانفتال الانصراف (صوتا) من دبره (أو يجد ريحا) منه قال النووي
معناه يعلم وجود أحدهما ولا يشترط السماع والشم بإجماع المسلمين وهذا الحديث أصل من
أصول الاسلام وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى
يتيقن خلاف ذلك ولا يضر الشك الطارئ عليها فمن ذلك مسألة الباب التي ورد فيها الحديث
وهي أن من تيقن الطهارة وشك في الحدث حكم ببقائه على الطهارة ولا فرق بين حصول هذا
الشك في نفس الصلاة وحصوله خارج الصلاة وهذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماء من السلف
والخلف انتهى فمن تيقن الطهارة وشك في الحدث عمل بيقين الطهارة أو تيقن الحدث وشك
في الطهارة عمل بيقين الحدث والله أعلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
وابن ماجة
206

(فوجد حركة في دبره) وفي رواية مسلم إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا (أحدث أو لم
يحدث) وفي مسلم أخرج منه شئ أم لا (فأشكل عليه) لعل فيه تقديم وتأخير أي فأشكل عليه
أحدث أو لم يحدث (أو يجد ريحا) وفيه دليل واضح على أن اليقين لا يزول بالشك في شئ من أمر
الشرع وتقدم آنفا شرح هذه المسألة على وجه التفصيل قال الترمذي وهو قول العلماء أن لا
يجب عليه الوضوء إلا من حدث يسمع صوتا أو يجد ريحا وقال ابن المبارك إذا شك في الحدث
فإنه لا يجب عليه الوضوء حتى يستيقن استيقانا يقدر أن يحلف عليه وقال إذا خرج من قبل
المرأة [المرء] الريح وجب عليه الوضوء وهو قول الشافعي وإسحاق انتهى
69 (باب الوضوء من القبلة)
بضم القاف وسكون الباء اسم من قبلت تقبيلا والجمع قبل مثل غرفة وغرف
(عن أبي روق) بفتح الراء وسكون الواو المخففة واسمه عطية بن الحارث الهمداني الكوفي
عن أنس وإبراهيم التيمي والشعبي وعنه ابناه يحيى وعمارة والثوري قال أبو حاتم صدوق وقال
أحمد ليس به بأس وقال ابن معين صالح وقال ابن عبد البر قال الكوفيون هو ثقة ولم
يذكره أحد بجرح (قبلها ولم يتوضأ) فيه دليل على أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء لأن القبلة من
اللمس ولم يتوضأ بها النبي صلى الله عليه وسلم وإلى هذا ذهب على وابن عباس وعطاء وطاوس وأبو حنيفة وسيفان
الثوري وحديث الباب ضعيف لكنه تؤيده الأحاديث الأخر منها ما أخرجه مسلم والترمذي
وصححه عن عائشة قالت فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوضعت يدي
على باطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك
الحديث ومنها ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي سلمة عن عائشة قالت كنت
أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام
بسطتهما والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح وفي لفظ فإذا أراد أن يسجد غمز رجلي فضممتها إلي
207

ثم سجد وذهب ابن مسعود وابن عمر والزهري ومالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد
وإسحاق إلى أن في القبلة وضوءا قال الترمذي وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم ولهذه الجماعة أيضا دلائل منها قوله تعالى أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا
وقرئ أو لمستم قالوا الآية صرحت بأن اللمس من جملة الأحداث الموجبة للوضوء وهو
حقيقة في لمس اليد ويؤيده بقاؤه على معناه الحقيقي قراءة أو لمستم فإنها ظاهرة في مجرد
اللمس من دون الجماع وأجيب بأنه يجب المصير إلى المجاز وهو أن اللمس مراد به الجماع لوجود
القرينة وهي حديث عائشة في التقبيل وحديثها في لمسها لبطن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد فسر به
ابن عباس الذي علمه الله تأويل كتابه واستجاب فيه دعوة نبيه صلى الله عليه وسلم بأن اللمس المذكور في الآية هو
الجماع وفي غاية المقصود في هذا المقام بسط حسن فارجع إليها يعطيك الثلج في هذه المسألة إن
شاء الله تعالى (هو) أي حديث إبراهيم التيمي (مرسل) المرسل على المعنى المشهور ما يكون
السقط فيه من آخره بعد التابعي وصورته أن يقول التابعي سواء كان كبيرا أو صغيرا قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو فعل بحضرته كذا ونحو ذلك وللمرسل معنى آخره وهو ما
سقط راو من سنده سواء كان في أوله أو آخره أو بينهما واحد أو أكثر وهو المعروف في الفقه وأصوله
وإليه ذهب من أهل الحديث أبو بكر الخطيب كذا قال ابن الصلاح وهذا المعنى الأخير مراد ههنا
(الفريابي وغيره) الفريابي بكسر الفاء وسكون الراء قال الذهبي في كتاب المشتبه الفريابي
وفيراب ويقال فارياب مدينة بالترك منها محمد بن يوسف صاحب الثوري انتهى قلت هو
محمد بن يوسف بن واقد من أجلة أصحاب الثوري روى عن يونس بن إسحاق وفطر بن خليفة
وخلق وروى عنه أحمد ومحمد بن يحيى والبخاري وثقه أبو حاتم والنسائي وغرض المؤلف من
إيراد هذه الجملة أن أكثر الحفاظ من أصحاب الثوري كيحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن
مهدي ومحمد بن يوسف الفريابي ووكيع وغيرهم رووه هكذا عن سفيان مرسلا غير موصول وفيه
تعريض على من وصله من بعض أصحاب الثوري كمعاوية بن هشام قال الدارقطني وقد روى
هذا الحديث معاوية بن هشام عن الثوري
عن أبي
روق عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عائشة
فوصل سنده ومعاوية بن هشام هذا الأزدي أخرج له مسلم في صحيحه ووثقه أبو داود وقال ابن
معين صالح وليس بذاك وقال ابن حبان ربما أخطأ وفي بعض نسخ سنن أبي داود ههنا هذه
العبارة قال أبو داود مات إبراهيم التيمي ولم يبلغ أربعين سنة وكان يكنى أبا أسماء انتهى
208

(عروة) أي عروة بن الزبير لا عروة المزني (من هي إلا أنت) هذا السؤال ظاهر في أن سائله
ابن الزبير لأن عروة المزني لا يجسر أن يقول هذا الكلام لعائشة واعلم أن الحديث أخرجه
الترمذي أيضا ولم ينسب عروة في هذا الحديث أصلا وأما ابن ماجة فإنه نسبه وقال حدثنا أبو
بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن
عروة بن الزبير عن عائشة الحديث وأبلغ من ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث
هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وأخرج الدارقطني حدثنا أبو بكر النيسابوري أخبرنا
حاجب بن سليمان حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قبل
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ ثم ضحكت قال الحافظ عماد الدين وهذا نص في
كونه عروة بن الزبير ويشهد له قوله من هي إلا أنت فضحكت (هكذا) أي لفظ عروة مطلقا من
غير تقييد بابن الزبير أخرج الدارقطني حدثنا أبو بكر النيسابوري حدثنا علي بن حرب وأحمد بن
منصور ومحمد بن اشكاب وعباس بن محمد قالوا أخبرنا أبو يحيى بن الحماني أخبرنا الأعمش
عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة قالت الحديث
(حدثنا عبد الرحمن بن مغراء) بفتح الميم أوله وإسكان الغين المعجمة أبو زهير الكوفي
نزيل الري وثقه أبو خالد الأحمر وابن حبان وقال أبو زرعة صدوق وقال علي بن المديني ليس
بشئ كان يروي عن الأعمش ستمائة حديث تركناه لم يكن بذاك وقال ابن عدي والذي قاله
ابن المديني هو كما قال فإنه روى عن الأعمش أحاديث لا يتابعه عليها الثقات هو من جملة الضعفاء
الذين يكتب حديثه (أصحاب لنا) وهؤلاء رجال مجهولون وما سمي
منهم إلا حبيب بن أبي ثابت
(عن عروة المزني) قال الذهبي هو شيخ لحبيب بن أبي ثابت لا يعرف وفي الخلاصة له أحاديث
ضعفها القطان وفي التقريب هو مجهول من الرابعة (بهذا الحديث) المذكور فهذا من رواية عبد
209

الرحمن بن مغراء وهو ضعيف عن الأعمش عن رجال مجهولين (إحك) أمر من الحكاية من باب
ضرب (عني) أي أخبر الناس عن جانبي (أن هذين) الحديثين (هذا عن حبيب) عن عروة عن
عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل امرأة من نسائه الحديث (وحديثه) بالنصب عطف على حديث الأعمش
وهذا الحديث لعله هو ما يجيء في باب من قال تغتسل المستحاضة من طهر إلى طهر عن طريق
وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة قالت فاطمة بنت أبي حبيش
الحديث (احك عني) أعاد هذه الجملة
لكون الفصل والبعد بين المقول والمقولة (أنهما شبه لا شئ)
بكسر الشين وسكون الباء الموحد وسقط منه التنوين للإضافة إلى لا شئ ولا شئ إشارة إلى
الإسناد أن هذان الحديثان ضعيفان من جهة الإسناد ذكره شهاب بن رسلان (يعني لم يحدثهم)
أي لم يحدث حبيب أحدا من تلامذته ومنهم الثوري (بشئ) بل كل ما رواه فهو عن عروة المزني
لكن لم يرض أبو داود بما قاله الثوري ولذا نقله بصيغة التمريض وعنده سماع حبيب من عروة بن
الزبير صحيح ثابت كما يدل عليه قوله (حديثا صحيحا) في غير هذا البا ب وهو ما أخرجه
الترمذي في كتاب الدعوات من سننه حدثنا أبو كريب أخبرنا معاوية بن هشام عن همزة الزيات
عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم عافني في
جسدي وعافني في بصري الحديث فمقصود المؤلف أن حبيبا وإن اختلف في شيخه أنه المزني أو
ابن الزبير فلا يشك في سماع حبيب من عروة بن الزبير فإنه صحيح وإليه أشار بقوله حديثا
صحيحا فمحصل الكلام أن عبد الرحمن بن مغراء مع ضعفه ورواية شيخه الأعمش عن
المجهولين قد تفرد عن الأعمش عن حبيب عن عروة بهذا اللفظ أي عروة المزني وأما وكيع
وعلي بن هاشم وأبو يحيى الحماني من أصحاب الأعمش فلم يقولوا به فبعض أصحاب وكيع
روي عنه لفظ عروة بغير نسبة وبعضهم روي عنه بلفظ عروة بن الزبير ثم الأعمش أيضا ليس
210

متفردا بهذا بل تابعه أبو أويس بلفظ عروة بن الزبير ثم حبيب بن أبي ثابت أيضا ليس متفردا بل
تابعه هشام بن عروة عن أبيه ومعلوم قطعا أنه ابن الزبير فثبت أن المحفوظ عروة بن الزبير
فبعض الحفاظ أطلقه وبعضهم نسبه وقد تقرر في موضعه أن زيادة الثقة مقبولة وأما عروة المزني
فغلط من عبد الرحمن بن مغراء وإذا عرفت هذا فاعلم أن سماع حبيب من عروة بن الزبير متكلم
فيه وقال سفيان الثوري ويحيى بن معين ويحيى بن سعيد القطان ومحمد بن إسماعيل البخاري
ولم يصح له سماع من عروة بن الزبير وصححه أبو داود وأبو عمر بن عبد البر لكن الصحيح هو
القول الأول فيكون الحديث منقطعا وأجيب ضعف الانقطاع منجبر بكثرة الطرق والروايات
العديدة
70 (باب الوضوء من مس الذكر)
هل هو واجب
(عروة) هو ابن الزبير (فذكرنا) وفي الموطأ فتذاكرنا (ما يكون منه الوضوء) أي من أي شئ
يلزم الوضوء (فليتوضأ) ليس المراد من الوضوء غسل اليد بدليل رواية ابن حبان ففيه من مس
فرجه فليتوضأ وضوءه للصلاة وبدليل رواية أخرى له من مس فرجه فليعد الوضوء والإعادة
لا تكون إلا لوضوء الصلاة والحديث يدل على انتقاض الوضوء من مس الذكر
قال الإمام العلامة أبو بكر محمد بن موسى الحازمي في كتابه الناسخ والمنسوخ وذهب إلى
إيجاب الوضوء من مس الذكر جماعة وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبي
أيوب الأنصاري وزيد بن خالد وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وجابر وعائشة وأم
حبيبة وبسرة بنت صفوان وسعد بن أبي وقاص في إحدى الروايتين وابن عباس في إحدى
الروايتين وعروة بن الزبير وسليمان بن يسار وعطاء بن أبي رباح وأبان بن عثمان وجابر بن زيد
والزهري ومصعب بن سعد ويحيى بن أبي كثير وسعيد بن المسيب في أصح الروايتين
وهشام بن عروة والأوزاعي وأكثر أهل الشام والشافعي وأحمد وإسحاق وهو المشهور من قول
مالك انتهى
211

وحديث بسرة أخرجه مالك في الموطأ والشافعي وأحمد وأصحاب السنن وابن خزيمة وابن
حبان والحاكم وابن الجارود من حديثها وصححه الترمذي ونقل عن البخاري أنه أصح شئ
في الباب وقال أبو داود قلت لأحمد حديث بسرة ليس بصحيح قال بل هو صحيح وقال
الدارقطني صحيح ثابت وصححه أيضا يحيى بن معين فيما حكاه ابن عبد البر وأبو حامد بن
الشرقي والبيهقي والحازمي قال البيهقي هذا الحديث وإن لم يخرجه الشيخان لاختلاف وقع في
سماع عروة منها أو من مروان فقد احتجا بجميع رواته
قال الحافظ في التلخيص وفي الباب عن جابر وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو وزيد بن
خالد وسعد بن أبي وقاص وأم حبيبة وعائشة وأم سلمة وابن عباس وابن عمر وطلق بن علي
والنعمان بن بشير وأنس وأبي بن كعب ومعاوية بن حيدة وقبيصة وأروى بنت أنيس انتهى وفي
الباب آثار أيضا أخرجها مالك وغيره
واعلم أن المراد من مس الذكر مسه بلا حائل وأما المس بحائل فليس ناقضا للوضوء كما
أخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفضى أحدكم بيده إلى
فرجه وليس بينها ستر
ولا حائل
فليتوضأ ورواه الحاكم في المستدرك وصححه ورواه أحمد في
مسنده والطبراني في معجمه والدارقطني في سننه وكذلك البيهقي ولفظه في من أفضى بيده إلى
فرجه ليس دونها حجاب فقد وجب عليه وضوء الصلاة
212

ثم اعلم أن حديث أم حبيبة مرفوعا بلفظ من مس فرجه فليتوضأ رواه ابن ماجة
والأثرم وصححه أحمد وأبو زرعة يشمل الذكر والأنثى ولفظ الفرج يشمل القبل والدبر من الرجل
والمرأة وبه يرد مذهب من خصص ذلك بالرجل وهو مالك وأخرج الدارقطني من حديث
عائشة إذا مست إحداكن فرجه [فرجها] فلتتوضأ وفيه ضعف وأخرج أحمد والبيهقي عن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أيما رجل مس فرجه فليتوضأ وأيما مرأة مست
فرجها فلتتوضأ قال الترمذي في العلل عن البخاري وهذا عندي صحيح وفي إسناده بقية بن
الوليد ولكنه قال حدثني محمد بن الوليد الزبيدي حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
والحديث صريح في عدم الفرق بين الرجل والمرأة قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي
وابن ماجة وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وقال محمد يعني إسماعيل البخاري
أصح شئ في هذا الباب حديث بسرة هذا آخر كلامه
وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه وقد روينا قولنا عن غير بسرة والذي يعيب علينا
الرواية عن بسرة يروي عن عائشة بنت عجرد وأم خداش وعدة من النساء لسن بمعروفات في
العامة ويحتج بروايتهن ويضعف بسرة مع سابقتها وقديم هجرتها وصحبتها النبي صلى الله عليه وسلم وقد حدثت
بهذا في دار المهاجرين والأنصار وهم متوافرون ولم يدفعه منهم أحد بل علمنا بعضهم صار إليه عن
روايتها منهم عروة بن الزبير وقد دفع وأنكر الوضوء من مس الذكر قبل أن يسمع الخبر فلما
213

علم أن بسرة روته قال به وترك قوله وسمعها ابن عمر تحدث به فلم يزل يتوضأ من مس الذكر
حتى مات وهذه طريقة الفقه والعلم هذا آخر كلامه وقد وقع لنا هذا الحديث من رواية
عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وجابر بن عبد الله وزيد بن خالد وأبي أيوب الأنصاري وأبي
هريرة وعائشة وأم حبيبة رضي الله عنهم انتهى كلام المنذري
214

71 (باب الرخصة في ذلك)
أي ترك الوضوء من مس الذكر
(قال قدمنا) قال الزيلعي قال ابن حبان إن طلق بن علي كان قدومه على النبي صلى الله عليه وسلم أول
سنة من سني الهجرة حيث كان المسلمون يبنون مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثم أخرج عن
قيس بن طلق عن أبيه قال بنيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد المدينة الحديث (بدوي) بفتحتين
قال ابن رسلان نسبة إلى البادية على غير قياس والبدوي خلاف الحضري انتهى (ما ترى في
مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ) هل هو ناقض للوضوء (هل هو إلا مضغة منه) أي ما هو أي
الذكر إلا مضغة من الجسد والمضغة بضم الميم وسكون الضاد وفتح الغين المعجمتين قطعة
لحم أي كما لا ينقض الوضوء من مس الجسد والأعضاء فكذا لا ينقض الوضوء من مس الذكر
لأن الذكر أيضا قطعة من الجسد (أو بضعة منه) بفتح الباء الموحدة وسكون الضاد المعجمة
والمضغة والبضعة لفظان مترادفان وهو شك من الراوي والحديث يدل على أن مس الذكر
لا ينقض الوضوء قال الحازمي في الاعتبار وذهب بعضهم إلى ترك الوضوء من مس الذكر آخذا
بهذا الحديث وروي ذلك عن علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن
عباس وحذيفة بن اليمان وعمران بن الحصين وأبي الدرداء وسعد بن أبي وقاص في إحدى
الروايتين عنه وسعيد بن المسيب في إحدى الروايتين وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وربيعة بن
أبي عبد الرحمن وسفيان الثوري وأبي حنيفة وأصحابه ويحيى بن معين وأهل الكوفة انتهى
وأما حديث طلق فقال الحافظ في التلخيص أخرجه أحمد وأصحاب السنن والدارقطني
وصححه عمرو بن علي الفلاس وقال هو عندنا أثبت من حديث بسرة وروي عن ابن المديني
أنه قال هو عندنا أحسن من حديث بسرة والطحاوي قال إسناده مستقيم غير مضطرب
بخلاف حديث بسرة وصححه أيضا ابن حبان والطبراني وابن حزم وضعفه الشافعي وأبو حاتم
وأبو زرعة والدارقطني والبيهقي وابن الجوزي
215

وإذا عرفت هذا فاعلم أن ابن حبان والطبراني وابن العربي وآخرين زعموا أن حديث طلق
منسوخ لتقدم إسلام طلق وتأخر إسلام بسرة ولكن هذا غير دليل على النسخ عند المحققين من
أئمة الأصول وبعضهم رجحوا حديث بسرة على حديث طلق لكثرة حديث بسرة وصحتها وكثرة
من صححه من الأئمة ولكثرة شواهده وقال البيهقي يكفي في ترجيح حديث بسرة على حديث
طلق أن حديث طلق لم يحتج الشيخان بأحد من رواته وحديث بسرة قد احتجا بجميع رواته
قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وفي لفظ النسائي ورواية لأبي داود في
الصلاة قال الإمام الشافعي قد سألنا عن قيس فلم نجد من يعرفه بما يكون لنا قبول خبره وقد
عارضه من وصفنا نعته وتثبته في الحديث وقال يحيى بن معين لقد اضطرب الناس في طلق بن
قيس وأنه لا يحتج بحديثه وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم سألت أبي وأبا زرعة عن هذا الحديث
فقالا قيس بن طلق ليس ممن يقوم به حجة ووهناه ولم يثبتاه
(بإسناده) بالإسناد السابق (ومعناه) أي وبمعنى الحديث الأول وهو حديث عبد الله بن بدر
(وقال) أي محمد بن جابر في حديثه (في الصلاة) أي ما ترى في رجل مس ذكره في الصلاة
والحاصل أن عبد الله بن بدر روى عن قيس بلفظ ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ
ولم يذكر فيه لفظ في الصلاة وروى مسدد وهشام بن حسان والثوري وشعبة وابن عيينة وجرير
الرازي هؤلاء كلهم عن محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه بلفظ في الصلاة أي يمس
الرجل حال كونه في الصلاة قال الخطابي إنهم تأولوا خبر طلق أيضا على أنه أراد به المس ودونه
الحائل واستدلوا على ذلك برواية الثوري وشعبه وابن عيينة أنه سأله عن مسه في الصلاة والمصلي
لا يمس فرجه من غير حائل بينه وبينه قلت ولا يخفى بعد هذا التأويل
216

72 (باب الوضوء من لحوم الإبل)
أي من أكلها
(عن الوضوء من) أكل (لحوم الإبل فقال توضؤوا منها) والمراد به الوضوء الشرعي والحقائق
الشرعية ثابتة مقدمة على غيرها والحديث يدل على أن الأكل من لحوم الإبل من جملة نواقض
الوضوء وذهب إليه الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين وأبو بكر بن المنذر
وابن خزيمة واختار الحافظ أبو بكر البيهقي وحكي عن أصحاب الحديث مطلقا وحكي عن
جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين واحتج هؤلاء بحديث جابر بن سمرة والبراء قال
أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حديثان جابر وحديث
البراء وهذا المذهب أقوى دليلا وإن كان الجمهور على خلافه قاله النووي وقال الدميري وأنه
المختار المنصور من جهة الدليل وذهب الأكثرون إلى أنه لا ينقض الوضوء وممن ذهب إليه
الخلفاء الأربعة الراشدون وابن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس وأبو الدرداء وأبو طلحة
وعامر بن ربيعة وأبو أمامة وجماهير التابعين ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم وأجاب
هؤلاء القائلون بعدم النقض بحديث جابر قال كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك
الوضوء مما مسته النار أخرجه أبو داود والنسائي قالوا ولحم الإبل داخل فيه أيضا لأنه من أفراد ما
مسته النار بدليل أنه لا يؤكل نيئا بل يؤكل مطبوخا فلما نسخ الوضوء مما مسته النار نسخ من أكل
217

لحوم الإبل أيضا ورده النووي بأن حديث ترك الوضوء مما مسته النار عام وحديث الوضوء من لحوم
الإبل خاص والخاص مقدم على العام وقال شمس الدين ابن المقيم وأما من يجعل كون لحم
الإبل هو الموجب للوضوء سواء مسته النار أو لم تمسه فيوجب الوضوء من نيه ومطبوخه وقديده
فكيف يحتج عليه بهذا الحديث حتى لو كان لحم الإبل فردا من أفراده فإنما يكون دلالته عليه بطريق
العموم فكيف يقدم على الخاص
(لا توضؤوا منها) لأن لحومها ليست ناقضة للوضوء ومن حمله على الوضوء اللغوي يعني
المضمضة وغسل اليدين فدعواه محتاجة إلى بينة واضحة (في مبارك الإبل) على وزن مساجد جمع
مبرك كجعفر وهو موضع بروك الإبل يقال برك البعير بروكا وقع على بركه وهو صدره كذا في
المصباح قال الجوهري برك البعير يبرك بروكا أي استناخ (فإنها من الشياطين) أي الإبل تعمل
عمل الشياطين والأجنة لأن الإبل كثيرة الشر فتشوش قلب المصلي وربما نفر ت وهو في الصلاة
فتؤدي إلى قطعها أو أذى يحصل له منها فبهذه الوجوه وصفت بأعمال الشياطين والجن قال ولي
الدين العراقي يحتمل أن يكون قوله فإنها من
الشياطين
على حقيقة وأنها أنفسها شياطين وقد
قال أهل الكوفة إن الشياطين كل عات متمرد من الإنس والجن والدواب انتهى والله أعلم
بمراد رسوله صلى الله عليه وسلم
(في مرابض الغنم) جمع مربض بفتح الميم وكسر الباء الموحدة وآخرها ضاد معجمة قال
الجوهري المرابض كالمعاطن للإبل قال وربوض الغنم والبقر والفرس مثل بروك الإبل وجثوم
الطير (فإنها بركة) زاد الشافعي فإنها سكينة وبركة والمعنى أن الغنم ليس فيها تمرد ولا شراد بل
218

هي ضعيفة وفيها سكينة فلا تؤذي المصلي ولا تقطع صلاته فهي ذو [ذات] بركة فصلوا في
مرابطها والحديث يدل على عدم جواز الصلاة في مبارك الإبل وعلى جوازها في مرابض الغنم
قال أحمد بن حنبل لا تصح الصلاة في مبارك الإبل بحال قال ومن صلى فيها أعاد أبدا وسئل
مالك عمن لا يجد إلا عطن الإبل قال لا يصلي قيل فإن بسط عليه ثوبا قال لا وقال ابن حزم
لا تحل في عطن الإبل وذهب أكثر العلماء إلى حمل النهي على الكراهة مع عدم النجاسة وعلى
التحريم مع وجودها وهذا إنما يتم على القول بأن علة النهي هي النجاسة وذلك متوقف على
نجاسة أبوال الإبل وأزبالها وستعرف بعيد هذا تحقيق ذلك على وجه الصواب ولو سلمنا
النجاسة فيه لم يصح جعلها علة لأن العلة لو كانت النجاسة لما افترق الحال بين أعطانها وبين
219

مرابض الغنم إذ لا قائل بالفرق بين أرواث كل من الجنسين وأبوالها كما قال العراقي بل حكمة
النهي ما فيها من النفور والتمرد والشراد وبهذا علل النهي أصحاب الشافعي وأصحاب مالك
وهذا هو الحق وقد تمسك بحديث الباب أي حديث البراء من قال بطهارة أبوال الغنم وأبعارها
قالوا لأن مرابض الغنم لا تخلو من ذلك فدل على أنهم كانوا يباشرونها في صلاتهم فلا تكون
نجسة ويؤيده ما أخرجه البخاري والترمذي عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل أن يبني
المسجد في مرابض الغنم وبوب البخاري في صحيحه لذلك بابا وقال باب أبوال الإبل والدواب
والغنم ومرابضها وصلى أبو موسى في دار البريد والسرقين والبرية في جنبه فقال ههنا وثم سواء
قلت السرقين هو الزبل والبرية الصحراء منسوبة إلى البر ودار البريد موضع بالكوفة كانت
الرسل تنزل فيه إذا حضرت من الخلفاء إلى الأمراء وكان أبو موسى أميرا على الكوفة في زمن
عمر رضي الله عنه وقوله ههنا وثم سواء يريد أنهما متساويان في صحة الصلاة وحديث أنس في
قصة أناس من عرينة الذين أمرهم النبي صلى الله
عليه وسلم بلقاح وأن يشربوا من أبوالها وألبانها دليل ظاهر على
طهارة أبوال الإبل أيضا قال الحافظ في فتح الباري وأما شربهم البول فاحتج به من قال
بطهارته أما من الإبل فبهذا الحديث وأما من مأكول اللحم فبالقياس عليه انتهى وذهب إلى
طهارة بول ما يؤكل لحمه وروثه الإمام مالك وأحمد بن حنبل وعطاء والثوري وابن أبي ليلى
وإبراهيم النخعي وغيرهم وهذا هو المذهب المنصور والقوي من حيث الدليل وسمعت شيخنا
العلامة المحدث الفقيه سلطان العلماء السيد محمد نذير حسين الدهلوي أدام الله بركاته علينا
يقول به والله أعلم
وأما حديث عبد الله بن مسعود يقول أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغاية فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار
فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجد فأخذت روثة فأتيته بها فأخذ الحجرين وألقى الروثة
وقال هذا ركس فلا تدل على نجاسة عموم الروثة لأنه صرح ابن خزيمة في صحيحه في رواية له في
هذا الحديث أنها كانت روثة حمار على أن نقل التيمي أن الروث مختص من الخيل والبغال والحمير
وإنا لا نقول بطهارة روث البغال والحمر الأهلية وأما النهي عن الاستنجاء بالروثة مطلقا فقد
جاءت علة النهي عنه كونها من طعام الجن لا من جهة أنها نجسة وذهب الإمام الشافعي
220

والجمهور [أي جمهور أصحابه] بنجاسة الأبوال والأرواث كلها من مأكول اللحم وغيره وقال
داود الظاهري إن الأبوال كلها سواء كانت أبوال مأكول اللحم أو غير مأكول اللحم والأرواث
كلها كذلك طاهرة إلا بول الآدمي وغائطه وهذان المذهبان ليس عليهما برهان يقنع به القلب
73 (باب الوضوء من مس اللحم النئ)
على وزن حمل أي غير النضيج (وغسله) الواو بمعنى أو أي باب الوضوء الشرعي أو غسل
اليد من مس لحم غير مطبوخ هل هو ضروري أم لا؟ فبين الحديث أنه غير ضروري والضمير
المجرور في غسله يرجع إلى الماس بقرينة المقام والله أعلم وأما إرجاع الضمير إلى اللحم أي
الوضوء من غسل اللحم النئ فبعيد
(الرقي) بفتح الراء وكسر القاف نسبة إلى الرقة مدينة على الفرات (المعنى) أي واحد أي
أحاديثهم متقاربة في المعنى (لا أعلمه إلا عن أبي سعيد) أي لا أعلم هذا الحديث إلا أن عطاء بن
يزيد أخبرني به عن أبي سعيد الخدري وفي رواية ابن حبان الجزم بأنه عن أبي سعيد ذكره
السيوطي رح وهذا اللفظ في رواية محمد بن العلاء (وقال أيوب وعمرو) في روايتهما عن
عطاء بن يزيد (وأراه) أي أظنه (يسلخ شاة) أي ينزع الجلد عن الشاة في المصباح سلخت
الشاة سلخا من باب قتل ومن باب قتل ومن باب ضرب قالوا ولا يقال في البعير سلخت جلده
وإنما يقال كشطته انتهى (تنح) أمر من تنحى يتنحى أي تحول من مكانك (حتى أريك) قال
الخطابي ومعنى أريك أعلمك ومنه قوله تعالى وأرنا مناسكنا (فدحس بها) في الصحاح
الدحس إدخال اليدين جلد الشاة وصفاقها لسلخها أي أدخل يده بين الجلد واللحم بشدة
وقوة ودسها بينهما كفعل السلاخ (حتى توارت) أي استترت و (ولم يتوضأ) قال الخطابي ومعنى
221

الوضوء في هذا الحديث غسل اليد ويؤيد ذلك رواية عمرو الآتية (زاد عمرو في حديثه) بعد قوله
لم يتوضأ (يعني لم يمس ماء) والظاهر أن هذا التفسير من عمرو بن عثمان (وقال) أي عمرو في روايته
(عن هلال بن ميمون الرملي) أي بصيغة العنعنة دون الإخبار كما في رواية محمد بن العلاء وأيوب
(مرسلا لم يذكر أبا سعيد) المراد من المرسل ههنا معناه المشهور أي قول التابعي قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو فعل كذا أو فعل بحضرته كذا قال المنذري وأخرجه ابن ماجة وفي إسناده
هلال بن ميمون الجهني الرملي كنيته أبو المغيرة قال ابن معين ثقة وقال أبو حاتم الرازي ليس
بقوي يكتب حديثه
74 (باب ترك الوضوء من مس الميتة)
أي ميتة مأكول اللحم
(مر بالسوق داخلا من بعض العالية) أي كان دخوله صلى الله عليه وسلم من بعض العالية إلى السوق
والعالية والعوالي أماكن بأعلى أراضي المدينة والنسبة إليها علوي وأدناها على أربعة أميال وأبعدها
من جهة نجد ثمانية أميال قاله ابن الأثير (والناس كنفتيه) بفتح الكاف والنون والفاء قال
النووي والناس كنفته وفي بعض النسخ كنفتيه ومعنى الأول جانبه والثاني جانبيه (فمر بجدي)
بفتح الجيم وسكون الدال من ولد المعز قاله الجوهري وكذا فسره الأردبيلي (أسك) بفتح الهمزة
والسين المفتوحة والكاف المشددة قال القاضي عياض في المشارق يطلق على ملتصق الأذنين
222

وعلى فاقدهما وعلى مقطوعهما وعلى الأصم الذي لا يسمع والمراد ههنا الأول وقال ابن الأثير
المراد الثالث وقال النووي في شرح مسلم والقرطبي المراد صغير الأذنين (وساق) الراوي
(الحديث) بتمامه والحديث أخرجه مسلم في الزهد من صحيحه وبقيته أيكم يحب أن هذا له
بدرهم فقالوا ما نحب أنه لنا بشئ وما نصنع به قال تحبون أنه لكم قالوا والله لو كان حيا كان
عيبا فيه لأنه أسك فكيف وهو ميت فقال والله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم وأخرجه
البخاري في الأدب المفرد وفيه الأسك الذي ليس له أذنان والحديث فيه جواز مس ميتة مأكول
اللحم وأن غسل اليد بعد مسها ليس بضروري قال المنذري وأخرجه مسلم
75 (باب في ترك الوضوء مما مست النار)
وفي بعض نسخ المتن مما مسته النار وهو أصرح أي ترك الوضوء من أكل شئ طبخته النار
لأن ما طبخته النار ومسته لا ينقض الوضوء
(كتف شاة) الكتف كفرح ومثل وجبل يقال له بالفارسية شانه أي أكل اللحم الكتف
وهذا الحديث نص صريح في عدم انتقاض الوضوء بأكل ما مسته النار وسيجئ بيانه في آخر
الباب قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم
(ضفت) بكسر الضاد أي نزلت عليه ضيفا قال الجوهري ضفت الرجل ضيافة إذا
نزلت عليه ضيفا (بجنب) بفتح الجيم وسكون النون قال ابن سيده جنب الشاة شقها وجنب
الانسان شقه وفي النهاية الجنب القطعة من الشيء يكون معظمه أو شيئا كثيرا منه (فشوي) بضم
الشين وكسر الواو المخففة يقال شويت اللحم أشويه شيا فانشوى مثل كسرته فانكسر فهو مشوي
(الشفرة) بفتح الشين وسكون الفاء قال الجوهري هي السكين العظيمة وقال ابن الأثير هي
السكين العريضة (يحز) بالحاء المهملة والزاء
المعجمة المشددة في الصحاح حزه واحتزه أي قطعه
والتحزز التقطع والحزة قطعة من اللحم طولا وفيه دليل على جواز قطع اللحم
223

بالسكين وفي النهي عنه حديث ضعيف في سنن أبي داود فإن ثبت خص بعدم الحاجة الداعية
إلى ذلك لما فيه من التشبه بالأعاجم وأهل الترف (فآذنه) أي أعلمه وأخبره في النهاية الآذان
الإعلام بالشيء آذان إيذانا وأذن تأذينا والمشدد مخصوص بإعلام وقت الصلاة (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم
(ماله) لبلال قد عجل ولم ينتظر إلى أأفرغ من أكل طعامي (تربت يداه) قال الجوهري ترب
الشئ بكسر الراء أصابه التراب ومنه ترب الرجل افتقر كأنه لصق بالتراب يقال تربت يداك
وهو على الدعاء أي لا أصبت خيرا انتهى وقال الخطابي في المعالم تربت يداه كلمة تقولها العرب
عند اللوم ومعناه الدعاء عليه بالفقر والعدم وقد يطلقونها في كلاهم [كلامهم] وهم لا يريدون
وقوع الأمر كما قالوا عقرى حلقى فإن هذا الباب لما كثر في كلامهم وأداموا استعماله في مجاري
استعمالهم صار عندهم بمعنى اللغو وذلك من لغو اليمين الذي لا اعتبار به ولا كفارة فيه ومثل
هذا قوله صلى الله عليه وسلم فعليك بذات الدين تربت يداك (وقام يصلي) استدل الإمام البخاري بهذا
الحديث على أن الأمر بتقديم العشاء على الصلاة خاص بغير الإمام الراتب قلت هذا الاستدلال
صحيح وحسن جدا وقال الخطابي ليس هذا الصنيع من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخالف لقوله إذا
حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء وإنما هو للصائم الذي أصابه الجوع وتاقت نفسه
إلى الطعام وهذا فيمن حضره الطعام وهو متماسك في نفسه ولا يزعجه الجوع ولا يعجله عن
إقامة الصلاة وإيفاء حقها انتهى ملخصا قلت وإن وافقه عليه جماعة فهو بعيد (وفى) على وزن
رمى كذا في أكثر النسخ أي كثر وطال يقال وفى الشيء
وفيا أي تم وكثر وفي بعض نسخ الكتاب
وفاء وكذا في نسخ المصابيح أي طويلا تاما كثيرا (فقصه لي على سواك) أي قص ما ارتفع من
الشعر فوق السواك قال السيوطي وفي رواية البيهقي في هذا الحديث فوضع السواك تحت
الشارب وقص عليه (أو قال) هذا تردد من الراوي قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجة
(بمسح) بكسر الميم البلاس وهو كساء معروف (فصلى) من غير وضوء جديد والحديث
224

فيه ثلاث مسائل الأولى عدم انتقاض الوضوء مما مسته النار الثانية جواز أداء الصلاة بعد الأكل
بغير المضمضة الثالثة جواز مسح اليد بعد الطعام وأن غسلها ليس بضروري قال المنذري
وأخرجه ابن ماجة
(انتهش) النهش بالمعجمة أخذ اللحم بالأضراس وبالاهمال بمقدم الفم قاله
الكرماني قال المنذري وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عطاء بن يسار عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل
كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ
(قربت) بشدة الراء (ولم يتوضأ) الوضوء الشرعي المتبادر من السياق
(كان آخر الأمرين) قال الحافظ في فتح الباري قال أبو داود وغيره إن المراد بالأمر ههنا
الشأن والقصة لا مقابل النهي انتهى أي آخر الواقعتين منه صلى الله عليه وسلم (مما غيرت النار) بنضج
وطبخ قال المنذري وأخرجه النسائي
(من خيار المسلمين) وهذا من ابن السرح توثيق لابن أبي كريمة قلت ولم يعرف فيه جرح
(ثمامة) بضم الثاء المثلثة (المرادي) بضم الميم وتخفيف الراء وبالدال المهملة منسوب إلى مراد وهو
225

أبو قبيلة من اليمن (مصر) بدل من ضمير المتكلم (الجزء) بفتح الجيم وسكون الزاء المعجمة
بعدها همزة (لقد رأيتني) الرؤية بمعنى العلم تتعدى إلى مفعولين وياء المتكلم فيه المفعول الأول
وسابع المفعول الثاني والشك من الراوي (فناداه) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه دليل على جواز الإعلام
للصلاة بعد الأذان لكن لا على الطريق المحدثة التي يقال لها التثويب بل فيه مجرد الإعلام
والإيذان (وبرمته) بضم الباء وسكون الراء هي القدر وجمعها البرام بكسر الباء قاله
الجوهري (أطابت برمتك) بهمزة الاستفهام والطيب خلاف الخبيث يقال طاب الشيء
يطيب طيبة وتطيابا ونسبة الطيبة إلى البرمة مجاز لأن المراد من طيبة البرمة تطياب ما فيها من
الطعام أي نضج ما في البرمة وصار لائقا للأكل (بأبي أنت وأمي) أي أنت مفدي بهما أو فديتك
بهما (فتناول منها بضعة) أي أخذ من البرمة قطعة من الذي هو فيها وهو اللحم (يعلكها
) أي يمضغها (أحرم بالصلاة) أي دخل فيها (وأنا أنظر إليه) أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى مضغه لتلك
القطعة ثم دخوله في الصلاة ويحتمل أن قوله وأنا أنظر إليه قاله الراوي وقت تحديثه بذلك
أي أنا متيقن بتلك الواقعة كأني أنظر إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم وفيه دلالة واضحة على أن المضمضة
بعد الأكل للصلاة ليس بضروري وعلى أن أكل ما غيرته النار ليس بناقص للوضوء
76 (باب التشديد في ذلك)
أي في الوضوء مما مست النار أي وجوب الوضوء الشرعي منه
(الأغر) بالغين المعجمة وشدة الراء المهملة (الوضوء مما أنضجت النار) قال الشيخ أبو
زرعة بن زين الدين العراقي لفظه الخبر ومعناه الأمر
أي توضؤوا مما غيرته النار
226

(فسقته) أي أبا سفيان (قدحا) بفتحتين هو إناء يسع ما يروي رجلين أو ثلاثة (يا بن
أختي ألا توضأ) أي تتوضأ وفي رواية الطحاوي قالت يا ابن أخي توضأ فقال إني لم
أحدث شيئا (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم والشك من الراوي
واختلف العلماء في هذه المسألة فذهب أكثر الأئمة من السلف والخلف إلى أنه لا ينتقض
الوضوء بأكل ما مسته النار وذهبت طائفة إلى الوجوب الشرعي بأكل ما مسته النار واستدلت
بأحاديث الباب
وأجاب الأكثرون عن أحاديث الوضوء مما مسته النار بوجوه أحدها أنه منسوخ بحديث
جابر رضي الله عنه كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار وأنت خبير
بأن حديث جابر كان آخر الأمرين ليس من قول جابر بل اختصره شعيب بن أبي حمزة أحد رواته
كما عرفت وثانيهما أن أحاديث الأمر محمولة على الاستحباب لا على الوجوب وهذا اختيار
الخطابي وابن تيمية صاحب المنتقى وثالثها أن المراد بالوضوء غسل الفم والكفين وهذا
الجواب ضعيف جدا لأن الحقائق الشرعية مقدمة على غيرها وحقيقة الوضوء الشرعية هي
غسل جميع الأعضاء التي تغتسل للوضوء فلا يخالف هذه الحقيقة إلا لدليل والذي تطمئن به
القلوب ما حكى البيهقي عن عثمان الدارمي أنه لما اختلفت أحاديث الباب ولم يتبين الراجح منها
نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون بعد النبي صلى الله عليه وسلم فرجحنا به أحد الجانبين وارتضى بهذا النووي
في شرح المهذب وروى الطبراني في مسند الشاميين من طريق سليم بن عامر قال رأيت أبا بكر
وعمر وعثمان أكلوا مما مست النار ولم يتوضؤوا قال الحافظ ابن حجر إسناده حسن وأخرج
أحمد في مسنده عن جابر قال أكلت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر خبزا ولحما فصلوا ولم
يتوضؤوا وفي ترك الوضوء مما مست النار آثار أخر مروية عن الخلفاء الراشدين وغيرهم من
الصحابة رضي الله عنهم أجمعين
227

77 (باب الوضوء من اللبن)
أي المضمضة وغسل الفم بعد شرب اللبن
(عن عقيل) بضم العين (عن الزهري) هو محمد بن مسلم الإمام (إن له دسما) بفتحتين
منصوبا اسم إن وهو بيان لعلة المضمضة من اللبن والدسم ما يظهر على اللبن من الدهن
ويقال عليه استحباب المضمضة من كل ما له دسم قال النووي الحديث فيه استحباب المضمضة
من شرب اللبن قال العلماء وكذلك غيره من المشروب والمأكول يستحب له المضمضة لئلا يبقى
منه بقايا يبتلعها في حال الصلاة ولينقطع لزوجته ودسمه ويتطهر فمه قال المنذري وأخرجه
البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة
78 (باب الرخصة في ذلك)
أي في الوضوء من اللبن (فلم يمضمض ولم يتوضأ وصلى) فيه دليل على أن المضمضة من
اللبن وغيره من الأشياء التي فيها الدسومة ليس فيها أمرا ضروريا بل على سبيل الاختيار قال
الحافظ وأغرب ابن شاهين فجعل حديث أنس ناسخا لحديث ابن عباس ولم يذكر من قال فيه
بالوجوب حتى يحتاج إلى دعوى النسخ انتهى (قال زيد) بن الحباب الراوي عن مطيع (دلني
شعبة) بن حجاج أحد الناقدين للرجال والدليل ما يستدل به والدليل الدال يقال قد دله على
الطريق يدله دلالة (على هذا الشيخ) أي مطيع بن راشد فدلالة شعبة لزيد على مطيع بن راشد
228

لأخذ الحديث منه تدل على أن شعبة كان حسن الرأي في مطيع بن راشد وإلا لم يدل شعبة على من
كان مستور الحال وضعيفا عنده قال السيوطي قال الشيخ ولي الدين ومطيع بصري قال
الذهبي إنه لا يعرف لكن قال زيد بن الحباب إن شعبة دله عليه وشعبة لا يروي إلا عن ثقة فلا
يدل إلا على ثقة وهذا هو المقتضي لسكوت أبي داود عليه انتهى قلت وكذا سكت عنه
المنذري وقال الحافظ في الفتح إسناده حسن والله أعلم
79 (باب الوضوء من الدم)
أي هل يكون هل الوضوء من خروج الدم سائلا كان أو غير سائل واجبا أم لا فدل الحديث
على أنه غير واجب
(عن عقيل بن جابر) بفتح العين ذكره ابن حبان في الثقات وقال الذهبي فيه جهالة ما
روى عنه سوى صدقة بن يسار وقال الحافظ لا أعرف راويا عنه غير صدقة انتهى لكن
الحديث قد صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم كلهم من طريق ابن إسحاق (ذات الرقاع)
بكسر الراء كانت هذه الغزوة في سنة أربع قاله ابن هشام في سيرته وفي تسمية هذه الغزوة
بذات الرقاع وجوه ذكرها أصحاب السير لكن قال السهيلي في الروض والأصح من هذه
الأقوال ما رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة
ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه فنقبت أقدامنا ونقبت قدماي وسقطت أظفاري فكنا نلف على
أرجلنا الخرق فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب من
الخرق على أرجلنا (فأصاب رجل) من
المسلمين بأن قتلها (فحلف) الرجل المشرك الذي قتلت زوجته (أن لا انتهي) أي لا أكف عن
المعارضة (حتى أهريق) أي أصب من أراق يريق والهاء فيه زائدة (فخرج يتبع) من سمع يسمع
يقال تبعت القوم تبعا وتباعة بالفتح إذا مشيت خلفهم
وأتبعت القوم على أفعلت إذا كانوا قد
سبقوك فلحقتهم كذا في الصحاح (أثر النبي صلى الله عليه وسلم) بفتحتين أي قدمه صلى الله عليه وسلم والحاصل أنه يمشي
229

خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم (من رجل يكلؤنا) بفتح اللام وضم الهمزة أي من يحفظنا ويحرسنا يقال
كلأه الله كلاءه بالكسر أي حفظه وحرسه (فانتدب) قال الجوهري ندبه لأمر فانتدب أي دعاه له
فأجاب (رجل من المهاجرين) هو عمار بن ياسر (ورجل من الأنصار) هو عباد بن بشر سماهما
البيهقي في روايته في دلائل النبوة (فقال كونا بفم الشعب) قال ابن منظور في لسان العرب
الشعب ما انفرج بين جبلين والشعب مسيل الماء في بطن من الأرض له حرفان مشرفان وعرضه
بطحة رجل وقد يكون بين سندي جبلين انتهى وقوله بطحة رجل البطح
أو بطحه فانبطح والمراد من الشعب في الحديث المعنى الأخير أي مسيل الماء في بطن من الأرض له
حرفان مشرفان وعرضه بطحة رجل لأنه زاد ابن إسحاق في روايته وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
قد نزلوا إلى شعب من الوادي فهذه الزيادة تعين المعنى الأخير ومعنى كونا بفم الشعب أي قفا
بطرفه الذي يلي العدو والفم ههنا كناية عن طرفه (فلما رأى) ذلك الرجل المشرك (شخصه) أي
شخص الأنصاري والشخص سواد
الانسان وغيره تراه من بعيد يقال ثلاثة أشخص والكثير
شخوص وأشخاص (عرف) الرجل المشرك (أنه) أي الأنصاري (ربيئة للقوم) الربيئي
والربيئة الطليعة والجمع الربايا يقال ربأت القوم ربأ وارتبأتهم أي رقبتهم وذلك إذا كنت لهم طليعة
فوق شرف (فرماه بسهم فوضعه فيه) أي وقعه فيه ووصل إلى بدنه ولم يجاوزه وهذا من باب
المبالغة في إصابة المرمى وصواب الرمي والتقدير رماه بسهم فما أخطأ نفسه كأنه وضعه فيه
وضعا بيده ما رماه به رميا وفي الحديث من رفع السلاح ثم وضعه في المسلمين فدمه هدر
أي من قاتل به من وضع الشئ من يده إذا ألقاه فكأنه ألقاه في الضريبة كذا في المجمع
(فنزعه) أي نزع السهم من جسده واستمر في الصلاة (حتى رماه بثلاثة أسهم) ولفظ محمد بن
إسحاق فرمى بهم فوضعه فيه قال فنزعه فوضعه فثبت قائما ثم رماه بسهم آخر فوضعه فيه
فنزعه فوضعه وثبت قائما ثم عاد له في الثالث فوضعه فيه فنزعه (ثم ركع وسجد) الأنصاري
ولم يقطع صلاته لاشتغاله بحلاوتها عن مرارة ألم الجرح (ثم أنبه صاحبه) من الإنباه وصاحبه
مفعوله هكذا في عامة النسخ ومادته النبه بالضم أي القيام من النوم ويتعدى بالهمزة والتضعيف
فيقال أنبهته ونبهته وأما الانتباه فهو لازم يقال انتبه من النوم إذا استيقظ وفي بعض نسخ
230

الكتاب انتبه صاحبه فعلى هذا يكون صاحبه فاعله (فلما عرف) الرجل المشرك (أنهم) أي
الأنصاري والمهاجري وضمير الجمع بناء على أن أقل الجمع اثنان (قد نذروا به) بفتح النون
وكسر الذال المعجمة أي علموا وأحسوا بمكانه يقال نذرت به إذا علمته وأما الإنذار فهو
الإعلام مع تخويف (من الدماء) بيان ما والدماء بكسر الدال جمع دم (سبحان الله) أصل
التسبيح التنزيه التقديس والتبرية من النقائص سبحته تسبيحا وسبحانا ومعنى سبحان الله
التنزيه لله نصب على المصدر بمحذوف أي أبرئ الله من السوء براءة والعرب تقول
سبحان الله من كذا إذا تعجبت منه (ألا أنبهتني) أي لم ما أيقظتني (أول ما رمى) منصوب لأنه
ظرف لأنبهتني عليه وما مصدرية أي حين رميه الأول (في سورة) وهي سورة الكهف كما بينه
البيهقي في الدلائل (أن أقطعها) زاد ابن إسحاق حتى أنفدها فلما تابع علي الرمي ركعت فأذنتك وأيم
الله لولا أن أضيع ثغرا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفدها
والحديث أخرجه محمد بن إسحاق في المغازي وأحمد والدار قطني وصححه ابن خزيمة وابن
حبان والحاكم كلهم من طريق بن إسحاق وهذا الحديث يدل بدلالة واضح على أمرين
أحدهما أن خروج الدم من غير السبيلين لا ينقض الطهارة سواء كان سائلا أو غير سائل وهو
قول أكثر العلماء وهو الحق قال محمد بن إسماعيل الأمرين اليماني في سبل السلام قال
الشافعي ومالك وجماعة من الصحابة والتابعين إن خروج الدم من البدن من غير السبيلين
ليس بناقض انتهى وقال الحافظ سراج الدين بن الملقن في البدر المنير روى البيهقي عن
معاذ ليس الوضوء من الرعاف والقئ وعن ابن المسيب أنه رعف فمسح أنفه بخرقة ثم
صلى وعن ابن مسعود وسالم بن عبد الله وطاووس والحسن والقاسم ترك الوضوء من الدم زاد
النووي في شرحه عطاء ومكحولا وربيعة ومالكا وأبا ثور وداود قال البغوي وهو قول أكثر
الصحابة والتابعين انتهى كلامه وزاد ابن عبد البر في الاستذكار يحيى بن سعيد الأنصاري
وقال بدر الدين العيني في شرح الهداية إنه قول ابن عباس وجابر وأبي هريرة وعائشة انتهى
وثانيهما أن دماء الجراحات طاهرة معفوة للمجروحين وهو مذهب المالكية وهو الحق وقد
تواترت الأخبار في أن المجاهدين في سبيل الله كانوا يجاهدون ويذوقون آلام الجراحات فوق
ما وصفت فلا يستطيع أحد أن ينكر عن سيلان الدماء من جراحاتهم وتلويث ثيابهم ومع هذا
هم يصلون على حالهم ولم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمرهم بنزع ثيابهم المتلبسة بالدماء
231

حال الصلاة وقد أصيب سعد رضي الله عنه يوم الخندق فضرب له خيمة في المسجد فكان هو
فيه ودمه يسيل في المسجد فما زال الدم يسيل حتى مات ومن الأدلة الدالة على طهارة دم
الجراحة أثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفيه أنه صلى صلاة الصبح وجرحه يجري دما
ومن المعلوم أن الجرح الذي يجري يتلوث به الثياب قطعا ومن المحال أن يفعل عمر رضي
الله عنه مالا يجوز له شرعا ثم يسكت عنه سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من غير نكير فهل هذا إلا
لطهارة دماء الجراحات
واعترض بعض الحنفية على حديث جابر بأنه إنما ينهض حجة إذا ثبت اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على
صلاة ذلك الرجل ولم يثبت
قلت أورد العلامة العيني في شرح الهداية حديث جابر هذا من رواية سنن أبي داود
وصحيح ابن حبان والدارقطني والبيهقي وزاد فيه فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعى لهما قال
العيني ولم يأمره بالوضوء ولا بإعادة الصلاة والله أعلم والعهدة عليه قال الشوكاني في السيل
الجرار حديث جابر أخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اطلع على ذلك الاستمرار ولم ينكر عليه الاستمرار في الصلاة بعد خروج
الدم ولو كان الدم ناقض لبين له ولمن معه في تلك الغزوة وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز
انتهى كلامه على أنه بعيد كل البعد أن لا يطلع النبي صلى الله عليه وسلم على مثل هذه الواقعة العظيمة وقد
كان ذلك الزمان زمان نزول الوحي ولم يحدث أمر قط إلا أوحى الله تعالى إليه صلى الله عليه وسلم وهذا ظاهر لمن
تتبع الحوادث التي وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل أنه أخبره بأن صلاته قد بطلت
فإن قلت قد وقع في إسناد حديث جابر عقيل بن جابر وهو مجهول قال الذهبي فيه
جهالة ما روى عنه سوى صدقة بن يسار وقال الحافظ لا أعرف راويا عنه غير صدقة انتهى
فكيف يصح الاستدلال به
قلت نعم عقيل مجهول لكن بجهالة العين لا بجهالة العدالة لأنه انفرد عنه راو واحد
وهو صدقة بن يسار وكل من هو كذلك فهو مجهول العين والتحقيق في مجهول العين أنه إنه وثقه
أحد من أئمة الجرح والتعديل ارتفعت جهالته قال الحافظ في شرح النخبة فإن سمي الراوي
وانفرد راو واحد بالرواية عنه فهو مجهول العين كالمبهم إلا أن يوثقه غير من انفرد عنه على الأصح
وكذا من انفرد عنه إذا كان متأهلا لذلك انتهى وعقيل بن جابر الراوي قد وثقه ابن حبان
وصحح حديثه هو وابن خزيمة والحاكم فارتفعت جهالته وصار حديث جابر صالحا للاحتجاج
وقد أطال أخونا المعظم الكلام في شرح حديث جابر المذكور في غاية المقصود شرح سنن أبي داود
وأورد أبحاثا شريفة فعليك أن ترجع إليه
232

80 (باب في الوضوء من النوم)
من قليله وكثيره هل هو واجب (شغل عنها) مبنيا للمفعول أي شغل عن صلاة العشاء والشغل المذكور كان في تجهيز
جيش رواه الطبري من وجه صحيح عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قاله الحافظ (حتى
رقدنا في المسجد) الرقاد النوم قال الحافظ استدل به من ذهب إلى أن النوم لا ينقض الوضوء
ولا دلالة فيه لاحتمال أن يكون الراقد منهم قاعدا متمكنا أو لاحتمال أن يكون مضطجعا لكنه
توضأ وإن لم ينقل اكتفاء بما عرف من أنهم لا يصلون على غير وضوء انتهى ويجيء بيان المذاهب
في آخر الباب (ثم خرج علينا) رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجرة (فقال ليس أحد ينتظر الصلاة غيركم)
وفي رواية للمؤلف وغيره عن أبي سعيد الخدري فقال إن الناس قد وصلوا وأخذوا مضاجعهم
وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم
(حدثنا شاذ) بالشين المعجمة والذال المعجمة المشددة (بن فياض) بالفاء والياء المشددة اسمه
هلال ولقبه شاذ أبو عبيدة البصري قال أبو حاتم ثقة (الدستوائي) بفتح الدال منسوب إلى
الدستواء وهي كورة من كور الأهواز أو قرية وقيل هو منسوب إلى بيع الثياب الدستوائية التي
تجلب منها قاله ابن الأثير (العشاء الآخرة) العشي والعشية من صلاة المغرب إلى العتمة تقول
أتيته عشية أمس وعشي أمس والعشاء بالكسر والمد والعشاءان المغرب والعتمة وزعم قوم
أن العشاء من زوال الشمس إلى طلوع الفجر وأنشدوا
غدونا غدوة سحرا بليل عشاء بعد ما انتصف النهار
233

والعشاء بالفتح والمد الطعام بعينه وهو خلاف الغداء كذا في الصحاح (حتى تخفق رؤوسهم) خفق يخفق
من باب ضرب يضرب يقال خفق برأسه خفقة أو خفقتين إذا أخذته
سنة من النعاس فمال رأسه دون جسده كذا في المصباح قال الخطابي معناه تسقط أذقانهم على
صدورهم (ثم لا يصلون ولا يتوضأون) قال الخطابي في هذا الحديث من الفقه أن عين النوم ليس
بحدث ولو كان حدثا لكان أي حال وجد ناقضا للطهارة كسائر الأحداث التي قليلها وكثيرها
وعمدها وخطؤها سواء في نقض الطهارة وإنما هو مظنة للحدث موهم لوقوعه من النائم غالبا
فإذا كان بحال من التماسك في الاستواء في القعود المانع من خروج الحدث منه كان
محكوما ببقاء الطهارة المتقدمة وإذا لم يكن كذلك بل يكون مضطجعا أو ساجدا أو قائما أو مائلا
إلى أحد شقيه أو على حالة يسهل معها خروج الحدث من حيث لا يشعر بذلك كان أمره محمولا
على أنه قد أحدث لأنه قد يكون منه الحدث في تلك الحال غالبا ولو كان نوم القاعد ناقضا
للطهارة لم يجز على عامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين أظهرهم والوحي ينزل عليه أن يصلوا
محدثين بحضرته فدل أن النوم إذا كان بهذه الصفة غير ناقض للطهر وفي قوله كان أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون إلخ دليل على أن ذلك أمر كان يتواتر منهم وأنه قد كثر حتى صار كالعادة
لهم وأنه لم يكن نادرا في بعض الأحوال وذلك يؤكد ما قلناه من أن عين النوم ليس بحدث
انتهى كلامه قال المنذري وأخرج مسلم من وجه آخر عن أنس قال كان أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضأون انتهى (ابن عروبة) بفتح العين وبضم الراء
المخففة هو سعيد بن أبي عروبة (عن قتادة بلفظ آخر) لعله يشير إلى ما أخرجه في أبواب قيام
الليل حدثنا أبو كامل أخبرنا يزيد بن زريع أخبرنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك في هذه
الآية تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم قال كانوا يتيقظون ما بين المغرب والعشاء
يصلون قال ابن كثير في تفسيره عن أنس وعكرمة ومحمد بن المنكدر وأبي حازم وقتادة هو الصلاة
بين العشاءين وعن أنس أيضا هو انتظار صلاة العتمة رواه ابن جرير بإسناد جيد انتهى
(عن ثابت البناني) بضم الباء وبنونين منسوب إلى بنانة وهم ولد سعد بن لؤي وأم سعد
234

اسمها بنانة وقيل بل هي أمة سعد وقيل بنانة أم بني سعد بن ضبيعة (فقام رجل) لم يقف
الحافظ ابن حجر على اسم هذا الرجل وذكر بعض الشراح أنه كان كبيرا في قومه فأراد أن
يتألف على الاسلام قال الحافظ ولم أقف على مستند ذلك وقيل يحتمل أن يكون ملكا من
الملائكة جاء بوحي من الله عز وجل ولا يخفى بعد هذا الاحتمال (فقام) رسول الله (يناجيه)
أي يحادثه والمناجاة التحديث وفيه جواز مناجاة الواحد غيره بحضور الجماعة وجواز الفصل
بين الإقامة والإحرام إذا كان لحاجة واستدل به للرد على من أطلق من الحنفية أن المؤذن إذا قال
قد قامت الصلاة وجب على الإمام التكبير (حتى نعس القوم أو بعض القوم) نعس بفتح العين
وغلط من ضمها وفي لفظ البخاري والنبي صلى الله عليه وسلم يناجي رجلا في جانب المسجد فما قام إلى
الصلاة حتى نام القوم ونعسوا قال الحافظ وظاهر كلام البخاري أن النعاس يسمى نوما
والمشهور التفرقة بينهما إن استقرت حواسه بحيث يسمع كلام جليسه ولا يفهم معناه فهو ناعس
وإن زاد على ذلك فهو نائم ومن علامات النوم الرؤيا طالت أو قصرت وفي العين والمحكم من
كتب اللغة النعاس النوم وقيل مقاربته (ثم صلى) النبي صلى الله عليه وسلم (بهم) ولفظ مسلم فصلوا (ولم
يذكر) ثابت البناني (وضوءا) أي أنهم صلوا وما توضؤوا كما ذكره قتادة ثم يصلون ولا يتوضؤون
قال المنذري وأخرجه مسلم وليس فيه (لم يذكر وضوءا) وأخرجه البخاري ومسلم من حديث
عبد العزيز بن صهيب عن أنس
(الدالاني) منسوب إلى دالان بن سابقة بطن من همدان (وينفخ) النفخ هو إرسال الهواء من
الفم بقوة والمراد هنا ما يخرج من النائم حين استغراقه في نومه أي كان يتنفس بصوت حتى
يسمع منه صوت النفخ (فقلت) القائل ابن عباس (وقد نمت) جملة حالية ونمت بكسر النون
قال ابن رسلان فيه دليل على أن الوضوء من النوم كان معلوما مشتهرا عندهم (إنما الوضوء على
من نام مضطجعا) أي من نام على جنبه على الأرض يقال ضجعت ضجعا من باب نفع وضعت
235

جنبي بالأرض وأضجعت بالألف لغة والمضجع بفتح الميم والجيم موضع الضجوع والجمع
مضاجع وأضطجع وأضجع والأصل افتعل لكن من العرب من يقلب التاء طاء تغليبا للحرف
الأصلي هو الضاد ولا يقال أطجع بطاء مشددة كذا في المصباح قال بعض العلماء أي لا يجب
الوضوء على نائم إلا على هذا النائم أو من في معناه بأن يكون مشاركا في العلة وهي استرخاء
الأعضاء وقد أشار إليه بقوله فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله فحيث دارت العلة يدور معها
المعلول ولهذا قالوا إذا كان ساجدا على هيئة السنة لا تنقض طهارته انتهى
(زاد عثمان وهناد) في روايتهما (فإنه) أي المصلي وغيره (إذا اضطجع استرخت مفاصله)
الرخو اللين أي لانت مفاصله وهي جمع مفصل وهو رؤوس العظام والعروق قال العيني إن
الاضطجاع سبب لاسترخاء المفاصل فلا يخلو عن خروج شئ من الريح عادة أي من عادة النائم
المضطجع والثابت بالعادة كالمتيقن به انتهى (هو حديث منكر) قال السخاوي إن الصدوق إذا
تفرد بما لا متابع له فيه
ولا شاهد ولم يكن عنده من الضبط ما يشترط في المقبول فهذا أحد قسمي
الشاذ فإن خولف من هذه صفته مع ذلك كان أشذ في شذوذه وربما سماه بعضهم منكرا وإن بلغ
تلك الرتبة في الضبط لكنه خالف من هو أرجح منه في الثقة والضبط فهذا القسم الثاني من
الشاذ وأما إذا انفرد المستور أو الموصوف بسوء الحفظ أو الضعف في بعض مشائخه خاصة أو
نحوهم ممن لا يحكم لحديثهم بالقبول بغير عاضد يعضده بما لا متابع له ولا شاهد فهذا أحد قسمي
المنكر وهو الذي يوجد إطلاق المنكر لكثير من المحدثين كأحمد والنسائي وإن خولف مع ذلك فهو
القسم الثاني من المنكر فالحاصل أن كلا من الشاذ والمنكر قسمان يجتمعان في مطلق التفرد أو مع
قيد المخالفة ويفترقان في أن الشاذ راويه ثقة أو صدوق غير ضابط والمنكر راويه ضعيف لسوء
حفظه أو جهالته أو نحو ذلك
(وروي أوله) أي أول الحديث وهو قوله كان يسجد وينام وينفخ ثم يقوم فيصلي ولا
يتوضأ (لم يذكروا شيئا من هذا) أي سؤال ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله صليت ولم تتوضأ
وقد نمت وجوابه صلى الله عليه وسلم بقوله إنما الوضوء على من نام مضطجعا قال ابن رسلان فعلى هذا
فيكون الحديث اخره مفردا دون أوله قلت روايات جماعة عن ابن عباس التي أشار إليها المؤلف
لم أقف عليها نعم روى كريب وسعيد بن جبير عن ابن عباس بألفاظ متقاربة بلفظ أول هذا
236

الحديث لا بعينه أما رواية كريب فأخرجها مسلم عن كريب عن ابن عباس قال بت ليلة عند
خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل الحديث وفيه ثم اضطجع فنام حتى نفخ وكان إذا نام
نفخ فأتاه بلال فاذنه بالصلاة فقام فصلى ولم يتوضأ وأما رواية سعيد بن جبير فأخرجها المؤلف
في باب صلاة الليل (قال) أي ابن عباس كما هو ظاهر من سياق العبارة وليس في النسخ الحاضرة
عندي اسم القائل لكن نقل البيهقي في المعرفة عن المؤلف أن قائله هو عكرمة ولفظه وقال
عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان محفوظا وقالت عائشة إلخ قال البيهقي وقد ذكرنا إسنادهما في السنن
(محفوظا) أي عن نوم القلب (ولا ينام قلبي) ليعي الوحي الذي يأتيه ولذا كانت رؤياه وحيا ولا
تنقض طهارته بالنوم وكذا الأنبياء لقوله صلى الله عليه وسلم إنا معشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا رواه
ابن سعد عن عطاء مرسلا ومقصود المؤلف من إيراد قول ابن عباس أو عكرمة وحديث عائشة
تضعيف آخر الحديث أي سؤال ابن عباس بقوله صليت ولم تتوضأ وقد نمت وجوابه صلى الله عليه وسلم
بقوله إنما الوضوء على من نام مضطجعا وتقريره أن آخر الحديث يدل على أن نومه صلى الله عليه وسلم
مضطجعا ناقض لوضوئه والحال أنه مخالف لحديث عائشة تنام عيناي ولا ينام قلبي أخرجه
الشيخان ولقول ابن عباس أو عكرمة كان النبي صلى الله عليه وسلم محفوظا والحاصل أن آخر الحديث مع أنه
منكر مخالف في المعنى للحديث الصحيح المتفق عليه
فإن قلت حديث نومه صلى الله عليه وسلم في الوادي عن صلاة الصبح حيث كانوا قافلين من سفر
معارض لحديث عائشة إذ مقتضى عدم نوم القلب إدراكه كل ما يحتاج إليه فلا يغيب عن علمه
وقت الصبح فكيف نام حتى طلعت الشمس وحميت وأيقظه عمر رضي الله عنه بالتكبير كما
أخرجه الشيخان عن عمران بن حصين رضي الله عنه
قلت إن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به كالحدث والألم ونحوهما ولا يدرك ما
يتعلق بالعين لأنها نائمة والقلب يقظان قاله النووي
(أربعة أحاديث) وليس حديث أبي خالد الدالاني منها فيكون الحديث منقطعا وقال
البيهقي في المعرفة فأما هذا الحديث قد أنكره على أبي خالد الدالاني جميع الحفاظ وأنكروا سماعه
من قتادة أحمد بن حنبل ومحمد بن إسماعيل وغيرهما انتهى (حديث يونس بن متى) بفتح الميم
والتاء المشددة وحديثه أخرج المؤلف في باب التخيير بين الأنبياء عليهم السلام عن قتادة عن أبي
237

العالية عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ينبغي لعبد أن يقول إني خير من يونس بن متى
(وحديث ابن عمر في الصلاة) لعل المراد بحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصلاة
بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب أخرجه الشيخان والنسائي من حديث
هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر والشيخان أيضا من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر ولم
يخرجه أحد من هؤلاء من رواية قتادة عن أبي العالية عن ابن عمر لكن قول شعبة وحديث ابن
عمر في الصلاة يدل على أن قتادة سمعه من أبي العالية عن ابن عمر وفي الخلاصة وغيره من كتب
الرجال أن أبا العالية سمع من ابن عمر والله أعلم و (حديث القضاة ثلاثة) أخرج هذا الحديث
المؤلف والترمذي وابن ماجة والطبراني والحاكم والبيهقي من حديث ابن بريدة عن أبيه مرفوعا
وصححه الحاكم وغيره فلفظ أبي داود في باب القاضي يخطئ القضاة ثلاثة واحد في الجنة
واثنان في النار فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ورجل عرف الحق فجار في
الحكم فهو في النار ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار (وحديث ابن عباس) حديث ابن
عباس أخرجه الأئمة الستة في كتبهم أنه قال شهد عند رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وعن الصلاة بعد العصر
حتى تغرب الشمس انتهى
(وذكرت حديث يزيد الدالاني لأحمد بن حنبل) أي سألته ليبين لي حاله من الصحة
والضعف (فانتهرني) أي زجرني أحمد (استعظاما له) أي إنكارا لحديث يزيد الدالاني أي
استعظم شأنه من جهة ضعفه وزجره عن تذكرته بمثل هذه الأحاديث المعلولة والضعيفة (فقال
أحمد ما ليزيد الدالاني) أي ما باله وشأنه (يدخل) من الإدخال (على أصحاب قتادة) أي شيوخه ما
لم يقله أي ما لم تروه شيوخ قتادة عن شيوخهم فما يرويه يزيد الدالاني عن قتادة عن شيوخهم
مدخول عليهم وحقيقة القول المدخول ما لم يقله صاحبه بل أدخله غيره ونسبه إليه ونظيره ما
قاله البخاري كان خالد المدائني يدخل على الشيوخ قال الحافظ في التلخيص يعني يدخل في
رواياتهم ما ليس منها انتهى (ولم يعبأ) أي لم يبال أحمد (بالحديث) لضعفه قال المنذري
وأخرجه الترمذي وذكر أن قتادة رواه عن ابن عباس قوله ولم يذكر فيه أبا العالية ولم يرفعه وقال
أبو القاسم البغوي يقال أن قتادة لم يسمع هذا الحديث من أبي العالية وقال الدارقطني تفرد به
238

يزيد وهو الدالاني عن قتادة ولا يصح وذكر ابن حبان البستي أن يزيد الدالاني كان كثير الخطأ
فاحش الوهم يخالف الثقات في الرواية حتى إذا سمعها المبتدئ في هذه الصناعة علم أنها معلولة
أو مقلوبة لا يجوز الاحتجاج بها إذا وافق الثقات فكيف إذا انفرد عنهم بالمعضلات وذكر أبو أحمد
الكرابيسي الدالاني هذا فقال لا يتابع في بعض أحاديثه وسئل أبو حاتم الرازي عن الدالاني هذا
فقال صدوق ثقة وقال الإمام أحمد بن حنبل يزيد لا بأس به وقال يحيى بن معين وأبو عبد
الرحمن النسائي ليس به بأس وقال البيهقي فأما الحديث فإنه قد أنكره على أبي خالد
الدالاني جميع الحفاظ وأنكر سماعه من قتادة أحمد بن حنبل ومحمد بن إسماعيل البخاري
وغيرهما ولعل الشافعي رضي الله عنه وقف على علة هذا الأثر حتى رجع عنه في الجديد هذا
آخر كلامه ولو فرض استقامة حال الدالاني كان فيما تقدم من الانقطاع في إسناده والاضطراب
ومخالفة الثقات ما يعضد قول من ضعفه من الأئمة رضوان الله عليهم أجمعين انتهى كلام
المنذري
(حدثنا حياة) على وزن رحمة (عن الوضين) على وزن كريم (وكاء السه العينان) بفتح
السين المهملة وكسر الهاء المخففة قال الخطابي السه اسم من أسماء الدبر والوكاء الذي تشد به
القربة ونحوها من الأوعية وفي بعض الكلام الذي (يجري) مجرى الأمثال احفظ ما في الوعاء
بشد الوكاء والمعنى اليقظة وكاء الدبر أي حافظة ما فيه من الخروج لأنه ما دام مستيقظا أحس بما
يخرج منه قال ابن الأثير ومعناه من كان مستيقظا كان استه كالمسدودة الموكا عليها فإذا نام
انحل وكاؤها كنى به عن الحدث بخروج الريح وقال الطيبي إذا تيقظ أمسك ما في بطنه
فإذا نام زال اختياره واسترخت مفاصله انتهى وكنى بالعين عن اليقظ لأن النائم لا عين له
تبصر قال المنذري وأخرجه ابن ماجة وفي إسناده بقية بن الوليد والوضين بن عطاء وفيهما
مقال انتهى وقال الجوزجاني الوضين واه وأنكر عليه هذا الحديث
قلت وثقهما بعضهم سأل أبو زرعة عبد الرحمن بن إبراهيم عن الوضين ابن عطاء فقال
ثقة ووثقه ابن معين وأحمد وقال ابن عدي لم أر بحديثه بأسا وبقية صدوق كثير التدليس
واختلف العلماء في النوم هل تنقض الطهارة أم لا على تسعة مذاهب
المذهب الأول أن النوم لا ينقض الوضوء أصلا على أي حال كان واستدل لهم بحديث
239

أنس قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون
ولا يتوضؤون تقرير الاستدلال أن النوم لو كان ناقضا لما أقرهم الله عليه ولأوحى إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم كما أوحى إليه في شأن نجاسة نعله
المذهب الثاني أن النوم ينقض بكل حال قليله وكثيره وعلى أي هيئة كانت واستدل
عليه بحديث صفوان بن عسال قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا
ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم وفي رواية قال أمرنا يعني النبي
صلى الله عليه وسلم أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثا إذا سافرنا ويوما وليلة إذا أقمنا ولا
نخلعهما من غائط ولا بول ولا نوم ولا نخلعهما إلا من جناية فذكر الأحداث التي ينزع منها الخف
والأحداث التي لا ينزع منها وعد من جملتها النوم فأشعر بذلك بأنه من نواقض الوضوء لا سيما بعد
جعله مقترنا بالبول والغائط الذين هما ناقضان بالإجماع قالوا فجعل مطلق النوم كالغائط
والبول في النقض وبحديث علي وفيه فمن نام فليتوضأ ولم يفرق بين قليل النوم وكثيره
المذهب الثالث أن كثير النوم ينقض بكل
حال وقليله لا ينقض بحال قال في السبل
وهؤلاء يقولون إن النوم ليس بناقض بنفسه بل مظنة النقض والكثير مظنة بخلاف القليل إلا أنهم لم
يذكروا قدر القليل ولا الكثير حتى يعلم كلامهم بحقيقته انتهى ملخصا
المذهب الرابع أنه إذا نام على هيئة من هيئات المصلين كالراكع والساجد والقائم والقاعد
لا ينقض وضوئه سواء كان في الصلاة أو لم يكن وإن نام مضطجعا أو مستلقيا على قفاه
انتقض وهذا مذهب أبي حنيفة وداود وهو قول للشافعي غريب قاله النووي واستدلالهم بما
أخرجه مالك عن عمر موقوفا إذا نام أحدكم مضطجعا فليتوضأ وبما أخرجه البيهقي في المعرفة
عن أبي هريرة موقوفا ليس على المحتبي النائم ولا على القائم النائم ولا على الساجد النائم
وضوء حتى يضطجع ولهؤلاء آثار وأحاديث آخر تدل على ما ذهبوا إليه
المذهب الخامس أنه لا ينقض إلا نوم الراكع والساجد روي هذا عن ابن حنبل رحمه
الله قاله النووي ولعل وجهه أن هيئة الركوع والسجود مظنة للانتقاض
المذهب السادس أن النوم ينقض إلا نوم الراكع والساجد واستدل له بحديث إذا
نام العبد وهو ساجد يقول الله انظروا إلى عبدي روحه عندي وهو ساجد لي أخرجه أحمد في
الزهد قالوا هذا الحديث وإن كان خاصا بالسجود فقد قاس عليه الركوع
240

المذهب السابع أنه لا ينقض إلا نوم الساجد وروي أيضا عن أحمد ذكره النووي
ولعل وجهه أن مظنة الانتقاض في السجود أشد منها في الركوع
المذهب الثامن أنه لا ينقض النوم في الصلاة بكل حال وينقض خارج الصلاة وهو
قول ضعيف للشافعي ونسبه في النيل إلى أبي حنيفة واستدل لهما بحديث إذا نام العبد في
سجوده ولعل سائر هيئات المصلي مقيسة على السجود
المذهب التاسع أنه إذا نام جالسا ممكنا مقعدته من الأرض لم ينتقض وإلا انتقض سواء
قل أو كثر وسواء كان في الصلاة أو خارجها وهذا مذهب الشافعي رحمه الله والنوم عنده ليس
حدثا في نفسه وإنما هو دليل خروج الريح فإذا نام غير ممكن للمقعدة غلب على الظن خروج
الريح فجعل الشرع هذا الغالب كالمحقق وأما إذا كان ممكنا فلا يغلب على الظن الخروج
والأصل بقاء الطهارة قال النووي ودليل هذا المذهب حديث علي وابن عباس ومعاوية قال
الشوكاني وهذا أقرب المذاهب عندي وبه يجمع بين الأدلة وقال الأمير اليماني في سبل السلام
والأقرب القول بأن النوم المستغرق الذي لا يبقى معه إدراك ناقض والذي فهمت أنا بعد إمعان
النظر في كل من الروايات أن النوم المستغرق الذي لا يبقى معه إدراك ينقض الوضوء للمضطجع
والمستلقي وأما النائم المستغرق في هيئة من هيئات المصلي فإنه لا ينقض وضوؤه سواء كان داخل
الصلاة أو خارجها وكذا لا ينقض الوضوء نوم المضطجع إن كان النوم غير مستغرق والله سبحانه
وتعالى أعلم
81 (باب الرجل يطأ الأذى برجله)
والوطأ عمرو الدوس بالقدم أي من يدوس النجاسة وغيرها من الأشياء التي تتقذر بها النفس فهل
ينقض وضوؤه
(قال عبد الله) أي ابن مسعود (من موطئ) بفتح الميم وسكون الواو وكسر الطاء قال
الخطابي الموطئ ما يوطأ في الطريق من الأذى وأصله الموطوء وإنما أراد بذلك أنهم كانوا لا يعيدون
241

الوضوء للأذى إذا أصاب أرجلهم لا أنهم كانوا لا يغسلون أرجلهم ولا ينظفونها من الأذى إذا
أصابها انتهى وقال بعضم الموطئ موضع وطء القدم وقال العراقي يحتمل أن يحمل الوضوء
على الوضوء اللغوي وهو التنظيف فيكون المعنى أنهم كانوا لا يغسلون أرجلهم من الطين ونحوها
ويمشون عليه بناء على أن الأصل فيه الطهارة وحمله الإمام البيهقي على النجاسة اليابسة وأنهم
كانوا لا يغسلون الرجل من مسها وبوب عليه في المعرفة باب النجاسة اليابسة يطأها برجله أو يجر
عليها ثوبه وقال الترمذي هو قول غير واحد من أهل العلم قالوا إذا وطئ الرجل على المكان
القذر أن لا يجب عليه غسل القدم إلا أن يكون رطبا فيغسل ما أصابه انتهى (ولا نكف شعرا ولا
ثوبا) أي لا نقيهما من التراب إذا صلينا صيانة لهما عن التتريب ولكن نرسلهما حتى يقعا على
الأرض فيسجدا مع الأعضاء كذا في معالم السنن (فيه) أي في هذا الحديث المروي (عن مسروق)
بزيادة مسروق بين شقيق وعبد الله بن مسعود (أو حدثه عنه) أي حدث شقيق الأعمش عن
مسروق (قال) مسروق (قال عبد الله) بن مسعود (أو حدثه عنه) أي حدث الأعمش أبا معاوية
عن شقيق (قال) شقيق (قال عبد الله) بن مسعود وغرض المؤلف أن أبا معاوية اختلف عليه
فابنه إبراهيم يروي عنه عن الأعمش عن شقيق عن مسروق عن عبد الله بزيادة مسروق بين شقيق وعبد الله وهناد يروي عن أبي معاوية عن الأعمش عن شقيق
عن عبد الله بحذف مسروق ثم اختلفا أي إبراهيم بن أبي معاوية وهناد فقال إبراهيم روى الأعمش عن شقيق بالعنعنة أو
بالتحديث بالشك وقال هناد روى أبو معاوية عن الأعمش بالعنعنة أو بلفظ التحديث ففي رواية إبراهيم
الشك في رواية الأعمش عن شقيق هل هي بصيغة العنعنة أو
بالتحديث وفي رواية هناد الشك في رواية أبي معاوية عن الأعمش هل هي بالعنعنة أو
بالتحديث وأما عثمان بن أبي شيبة فلم يشك فيه والله أعلم قال المنذري وأخرجه ابن ماجة
82 (باب فيمن يحدث في الصلاة)
ماذا يفعل وثبت بالحديث أنه ينصرف من صلاته ويتوضأ فعلم أن الحدث من نواقض
الوضوء
242

(حطان) بكسر الحاء وتشديد الطاء المهملة (سلام) بتشديد اللام قال النووي سلام كله
بالتشديد إلا عبد الله بن سلام الصحابي ومحمد بن سلام شيخ البخاري انتهى (إذا فسا) فعل
ماض من فسا فسوا من باب قتل والاسم الفساء بالضم والهمزة والمد وهو ريح يخرج بغير صوت
يسمع قاله في المصباح وقال الطيبي أي أحدث بخروج ريح من مسلكه المعتاد (فلينصرف)
أي من صلاته (فليتوضأ وليعد الصلاة) فيه دليل على أن الفساء ناقض للوضوء وأنه تبطل به
الصلاة ويلزم إعادة الصلاة منه لا البناء عليها وهو قول للشافعي ويعارضه حديث عائشة
رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف
فليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم أخرجه ابن ماجة وضعفه أحمد وغيره وجه
التضعيف أن رفعه غلط والصواب أنه مرسل قال أحمد والبيهقي المرسل الصواب فمن يحتج
بالمرسل ذهب إلى حديث عائشة ويقول إن المحدث يخرج من الصلاة ويعيد الوضوء ويبني عليها
ولا تفسد صلاته بشرط أن لا يفعل مفسدا وهذا هو مذهب مالك وأبي حنيفة وقول للشافعي
قلت حديث علي بن طلق له ترجيح على حديث عائشة من جهة الإسناد لأن حديث علي
صححه أحمد وحسنه الترمذي وحديث عائشة لم يقل أحد بصحته قال المنذري وأخرجه
الترمذي والنسائي بنحوه أتم منه وقال الترمذي حديث علي بن طلق حديث حسن وسمعت
محمدا يعني البخاري يقول لا أعرف لعلي بن طلق عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث الواحد ولا
أعرف هذا الحديث الواحد من حديث طلق بن علي السحيمي وكأنه رأى هذا رجلا آخر من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم انتهى قلت ويظهر من كلام الترمذي
هذا أن علي
بن طلق وطلق بن علي رجلان والعجب من صاحب سبل السلام كيف قال مال أحمد والبخاري إلى أن علي بن طلق
وطلق بن علي اسم لذات واحدة والله تعالى أعلم
83 (باب في المذي)
فيه لغات أفصحها بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وتخفيف الياء ثم بكسر الذال وتشديد
الياء وهو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الملاعبة أو تذكر الجماع وإرادته وقد لا يحس بخروجه
كذا في الفتح
243

(مذاء) صيغة مبالغة من المذي أي كثير المذي يقال مذى يمذي مثل مضى يمضي ثلاثيا
ويقال أمذى يمذي رباعيا (اغتسل) من المذي في الشتاء كما في بعض الروايات (تشقق ظهري) أي
حصل لي شقوق من شدة ألم البرد (فذكرت ذلك) تلك الحالة التي حصلت لي (أو ذكر له) هكذا وقع
بالشك في هذه الرواية لكن في رواية النسائي والترمذي عن علي قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم بلا
شك وكذا في رواية لابن حبان الإسماعيلي أن عليا قال سألت ففي هذه الروايات أن عليا سأل
عن ذلك بنفسه وفي رواية مالك والبخاري ومسلم عن علي أنه قال فأمرت المقداد بن الأسود
فسأله وفي رواية للنسائي أن عليا قال أمرت عمار بن ياسر وجمع ابن حبان بين هذا الاختلاف
بأن عليا أمر عمارا أن يسأل ثم أمر المقداد بذلك ثم سأل بنفسه قال الحافظ وهو جمع جيد إلا
بالنسبة إلى اخره لكونه مغايرا لقوله إنه استحيى عن السؤال بنفسه فتعين حمله على المجاز بأن
بعض الرواة أطلق أنه سأل لكونه الآمر بذلك وبهذا جزم الإسماعيلي ثم النووي (لا تفعل) أي لا
تغتسل عند خروج المذي (فاغسل ذكرك) قال النووي والمراد به عند الشافعي والجماهير غسل ما
أصابه المذي لا غسل جميع الذكر وحكي عن مالك وأحمد في رواية عنهما إيجاب غسل جميع
الذكر وفيه دليل على أن الاستنجاء بالحجر إنما يجوز الاقتصار عليه في النجاسة المعتادة وهي البول
والغائط والنادر كالدم والمذي فلا بد فيه من الماء (فإذا فضخت الماء فاغتسل) الفضخ بالفاء
والضاد المعجمة والخاء المعجمة الدفق أي إذا صببت المني بشدة وجامعت فاغتسل والحديث
فيه دليل ظاهر على أن خروج المذي لا يوجب الغسل وإنما يجب به الوضوء وهو مذهب الشافعي
وأحمد ونعمان بن ثابت والجماهير قال المنذري وأخرجه النسائي وأخرجه البخاري ومسلم من
حديث محمد بن علي وهو ابن الحنفية عن أبيه بنحوه مختصرا وأخرجه الترمذي وابن ماجة من
حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح
(إذا دنا من أهله) أي قرب (ماذا عليه) من الغسل أو الوضوء (ابنته) فاطمة رضي الله عنها
(وأنا أستحيي أن أسأله) لأن المذي يكون غالبا عند ملاعبة الزوجة وقبلها ونحو ذلك من أنواع
244

الاستمتاع وفيه استحباب حسن العشرة مع الأصهار وأن الزوج يستحب له أن لا يذكر ما
يتعلق بجماع النساء والاستمتاع بهن بحضرة أبيها وأخيها وابنها وغيرهم من أقاربها (فلينضح
فرجه) أي فليغسله فإن النضح يكون غسلا ويكون رشا وقد جاء في رواية البخاري عن علي
وفيه اغسل ذكرك قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجة وقال الإمام الشافعي رضي الله
عنه حديث سليمان بن يسار عن المقداد مرسل لا نعلم سمع منه شيئا قال البيهقي هو كما قال
وقد رواه بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار عن ابن عباس في قصة علي والمقداد موصولا
(ليغسل ذكره وأنثييه) قال الخطابي أمر بغسل الأنثيين بزيادة التطهير لأن المذي ربما انتشر
فأصاب الأنثيين ويقال إن الماء البارد إذا أصاب الأنثيين رد المذي فلذلك أمره بغسلها قال
المنذري وأخرجه النسائي ولم يذكر أنثييه وقال أبو حاتم الرازي عروة بن الزبير عن علي مرسل
(رواه الثوري وجماعة عن هشام) اعلم أن المؤلف رحمه الله ذكر ههنا ثلاثة تعاليق الأول هذا
والثاني ما ذكره بقوله ورواه المفضل بن فضالة إلخ والثالث ما ذكره
بقوله ورواه ابن إسحاق
عن هشام بن عروة إلخ لأغراض ثلاثة أحدها بيان اختلاف السائل للنبي صلى الله عليه وسلم هل هو علي أو
المقداد فالتعليق الأول والثاني يدلان على أن السائل هو علي والتعليق الثالث يدل على أن
السائل هو المقداد وثانيها أن حديث زهير عن هشام بن عروة عن أبيه عن علي يدل على
غسل الذكر والأنثيين ورواية محمد بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن المقداد عن
النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيها ذكر الأنثيين فأراد المؤلف ذكر أن رواية غسل الأنثيين غير واردة من وجه
صحيح لأن حديث زهير عن هشام بن عروة مرسل وأكثر الروايات في الصحيحين وغيرهما في
هذا الباب خالية عن ذكر الأنثيين لكن رواية أبي عوانة عن علي بزيادة الأنثيين قال الحافظ
وإسناده لا مطعن فيه ولا منافاة بين الروايتين لإمكان الجمع بغسلهما مع غسل الفرج وثالثها
245

الإشعار بالاضطراب الذي وقع في رواية هشام بن عروة عن أبيه فإن زهيرا يرويه عن هشام بن
عروة عن أبيه أن علي بن أبي طالب قال للمقداد. والثوري والمفضل بن فضالة وابن عيينة
يروونه عن هشام عن أبيه عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم ومسلمة يرويه عن هشام عن أبيه عن حديث
حدثه عن علي قال قلت للمقداد وابن إسحاق يرويه عن هشام عن أبيه عن المقداد عن النبي صلى الله عليه وسلم
(كنت ألقى من المذي شدة وكنت أكثر منه الاغتسال) من الإكثار ومن للتعليل أي أكثر
الغسل لأجل خروج المذي (إنما يجزئك) من الاجزاء أي يكفيك (من ذلك) أي من خروج المذي
(فكيف بما يصيب ثوبي منه) أي فكيف أصنع بالمذي الذي يصيب ثوبي وقوله منه بيان لما
(فتنضح بها) أي بالكف من الماء وفي رواية الترمذي فتنضح به بتذكير الضمير وفي رواية
الأثرم يجزئك أن تأخذ حفنة من ماء فترش عليه قال النووي النضح قد يكون غسلا وقد
يكون رشا انتهى ولا شك أن استعمال هذا اللفظ جاء في كلا المعنيين
لكن الرش ههنا متعين لرواية الأثرم (من ثوبك) من للتبعيض أي بعض ثوبك
ولفظ الترمذي فتنضح به ثوبك بإسقاط من (حيث ترى) بضم التاء بمعنى تظن وبفتح التاء بمعنى تبصر (أنه) أي المذي (أصابه)
246

أي الثوب قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجة وقال الترمذي هذا حديث حسن
صحيح ولا يعرف مثل هذا إلا من حديث محمد ابن إسحاق
واعلم أن أهل العلم اختلفوا في المذي يصيب الثوب فقال بعضهم لا يجزئ إلا الغسل
وهو قول الشافعي وإسحاق وقال بعضهم يجزئه النضح وقال أحمد أرجو أن يجزئه النضح
بالماء قال الترمذي وقال الشوكاني في النيل اختلف أهل العلم في المذي إذا أصاب الثوب
فقال الشافعي وإسحاق وغيرهما لا يجزيه إلا الغسل أخذا برواية الغسل وفيه ما سلف على أن
رواية الغسل إنما هي في الفرج لا في الثوب الذي هو محل النزاع فإنه لم يعارض رواية النضح
المذكورة في الباب معارض فالاكتفاء به صحيح مجز وانتهى قلت ما قال الشوكاني هو الحق
ولا ريب في أن المذي نجس يغسل الذكر منه وينضح بالماء ما مسه من الثوب وأن الرش مجزئ
كالغسل
(وعن الماء يكون بعد الماء) أي عن المذي بعد المذي وإنما فسرنا الماء في كلا الموضعين لأن
ذلك شأن المذي أنه يسترسل في خروجه ويستمر بخلاف المني فإذا دفق انقطع سوقه ولا يعود
إلا بعد مضي زمن أو تجديد جماع قال
السيوطي
وقد وقع للشيخ ولي الدين ههنا كلام فيه
تخليط انتهى قلت وكذا وقع للقاضي الشوكاني ههنا تخليط في كلامه فإنه قال قوله عن الماء
يكون بعد الماء المراد به خروج المذي عقيب البول متصلا به انتهى (ذلك) الماء الخارج من
الفرج (وكل فحل يمذي) فحل بفتح الفاء وسكون الحاء الذكر من الحيوان ويمذي بفتح الياء
وبضمها (فتغسل) بصيغة الخطاب (فرجك وأنثييك) فيه دليل بين على غسل الذكر مع الأنثيين
247

قال المنذري وأخرج الترمذي طرفا منه في الجامع وطرفا في الشمائل وأخرجه ابن ماجة مختصرا
في موضعين
(ما يحل) من الاستمتاع والمباشرة (لك) حق الاستمتاع (ما فوق الإزار) أي ما فوق السرة
لأن موضع الإزار هو السرة وفيه دليل على جواز الاستمتاع بما فوق السرة من الحائض وعدم
جوازه بما تحت السرة لكن حديث عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا
أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها شيئا أخرجه المؤلف في باب الرجل يصيب منها دون
الجماع ويدل على جواز الاستمتاع من غير تخصيص بمحل دون محل من سائر البدن غير الفرج
لكن مع وضع شئ على الفرج يكون حائلا بينه وبين ما يتصل به من الرجل ويجيء بيان هذا في
الباب المذكور مبسوطا إن شاء الله تعالى (وذكر) أي عبد الله بن سعد الراوي في هذا الحديث
(مؤاكلة الحائض) أي سؤاله من النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم مؤاكلة الحائض وجوابه صلى الله عليه وسلم بقوله فواكلها
(اليزني) بفتح التحتانية والزاء بطن من حمير (عن سعد الأغطش) بمعجمتين بينهما مهملة
كأعمش وزنا ومعنى قال الجوهري الغطش في العين شبه العمش (قال هشام) بن عبد الملك
شيخ أبي داود (هو) أي عائذ والد عبد الرحمن الأزدي (ابن قرط) بضم القاف وسكون الراء (أمير
248

حمص) بكسر الحاء وسكون الميم بلد معروف بالشام (والتعفف) أي التكفف والتجنب (عن
ذلك) أي الاستمتاع من الحائض بما فوق الإزار (أفضل) قال العراقي هذا يقوي ما يقرر من
ضعف الحديث فإنه خلاف المنقول عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم يستمتع فوق الإزار وما كان
ليترك الأفضل وعلى ذلك عمل الصحابة والتابعون والسلف الصالحون قال السيوطي لعله
علم من حال السائل غلبة شهوته فرأى أن تركه لذلك أفضل في حقه لئلا يوقعه في محظور (ليس
هو يعني الحديث بقوي) لأن بقية روى بالعنعنة وسعد الأغطش فيه لين وعبد الرحمن بن عائذ
لم يسمع من معاذ وإيراد حديث معاذ في هذا الباب لا يخلو عن التكلف إلا أن يقال إن حديث
عبد الله بن سعد الذي في حكم المذي فيه الأمر بالاستمتاع من الحائض بما فوق الإزار
وحديث معاذ فيه أن التعفف عن ذلك أفضل فصرح المؤلف بعد إيراده بتمامه بأن ذلك الحديث
ضعيف
84 (باب في الإكسال)
قال الجوهري أكسل الرجل في الجماع إذا خالط أهله ولم ينزل وفي النهاية أكسل إذا
جامع ثم أدركه الفتور فلم ينزل
(حدثني بعض من أرضى) قال السيوطي قال ابن خزيمة يشبه أن يكون هو أبا حازم
سلمة بن دينار الأعرج انتهى (إنما جعل ذلك) أي عدم الاغتسال من الدخول بغير إنزال (لقلة
الثياب) هكذا في عامة النسخ بالتحتانية بعد الثاء المثلثة وفي آخره الباء الموحدة جمع ثوب والذي
249

في كشف الغمة الثبات بالباء الموحدة بعد الثاء المثلثة وفي آخره تاء لكن لم يظهر المعنى على ما في
عامة النسخ ولم يفهم تعليل الرخصة بقلة الثوب اللهم إلا أن يقال إنهم كانوا في بدء الاسلام
محتاجين لم يكن عندهم كثير من الثياب حتى قال جابر رضي الله عنه وأينا كان له ثوبان على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري فلو كان الدخول بلا إنزال موجبا للاغتسال في ذلك الزمان
لتحرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوقعوا في المشقة العظيمة لأن من له ثوب واحد لو اغتسل كل
مرة من الدخول منزلا وغير منزل لتحمل المشقة الكثيرة وعلى النسخة التي في كشف الغم معناه
ظاهر فإن الناس كانوا في أوائل الاسلام ضعيفي الإيمان قليلي الاستقامة والثبات في أمور الدين ولم
يعرفوا كثيرا من أحكام الشرع فأراد النبي صلى الله عليه وسلم تخفيفهم بذلك والله أعلم (ثم أمر) النبي صلى الله عليه وسلم
(بالغسل ونهى عن ذلك) وهو عدم الترخيص (قال أبو داود يعني) أي يريد الراوي باسم الإشارة
الذي وقع في قوله إنما جعل ذلك (الماء من الماء
) فالماء من الماء مشار إليه للإشارة المذكورة في
الحديث والمراد بالماء الأول ماء الغسل وبالماء الثاني المني والمعنى أن إيجاب الغسل إنما يتوقف على
الإنزال وأخرج الترمذي وابن شيبة عن ابن عباس أنه حمل حديث الماء من الماء على صورة
مخصوصة وهي ما يقع في المنام من رؤية الجماع
(أن الفتيا) بضم الفاء وسكون التاء مقصورا وبفتح الفاء أيضا وكذلك فتوى بالضم
مقصورا ويفتح ما أفتى به الفقيه والمفتي يقال أفتاه في المسألة أي أجابه (يفتون) بها على
علمهم ولعدم الاطلاع على نسخه
وكانوا هم جماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم علي
وعثمان والزبير وطلحة وأبو أيوب يفتون بذلك كان أخرجه الشيخان في صحيحيهما (أن الماء من
الماء) هذا الجملة بدل من قوله الفتيا التي كانوا يفتون (كانت) تلك الفتوى فقوله الفتيا إلى أن
الماء من الماء اسم أن وخبره قوله كانت رخصة إلى آخره قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن
ماجة بنحوه وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح
250

(الفراهيذي) بفتح الفاء وتخفيف الراء وكسر الهاء وسكون الياء وبالذال المعجمة منسوب
إلى فراهيذ من أولاد فهم بن غنم بن دوس بطن من الأزد كذا في جامع الأصول وأما في
النسخ الحاضرة عندي فالفراهيدي أهل بالدال المهملة والله أعلم (إذا قعد) أي جلس الرجل (بين
شعبها) المرأة (الأربع) المراد من الشعب الأربع ههنا على ما قيل اليدان والرجلان وهو
الأقرب إلى الحقيقة أو الرجلان والفخذان أو الشفران والرجلان أو الفخذان والأسكتان
قال الأزهري الأسكتان ناحيتا الفرج والشفران طرف الناحيتين (وألزق) قال الجوهري لزق
به لزوقا والتزق به أي لصق به وألزقه به غيره (الختان بالختان) أي ختان الرجل بختان المرأة
والمراد تلاقي موضع القطع من الذكر مع موضعه من فرج الأنثى قال العلماء معناه إذا غاب
الذكر في الفرج وليس المراد حقيقة المس والالصاق بغير غيبوبة وذلك أن ختان المرأة في
أعلى الفرج ولا يمسه الذكر في الجماع وقد أجمع العلماء على أنه لو وضع ذكره على ختانها
ولم يولجه لم يجب الغسل لا عليه ولا عليها (فقد وجب الغسل) على الفاعل والمفعول وإن لم
ينزل فالموجب للغسل هو غيبوبة الحشفة
(وكان أبو سلمة يفعل ذلك) فهو لا يرى الغسل واجبا على من أدخل في الفرج ولم ينزل
وذهب إلى حديث الماء من الماء
واعلم أن قليلا من الصحابة والتابعين ذهبوا إلى أن لا غسل إلا من الإنزال وهو مذهب
داود الظاهري وذهب الجمهور إلى إيجاب الغسل بمجرد التقاء الختانين بعد غيبوبة الحشفة وهو
الصواب واستدل الفريق الأول بأحاديث منها حديث أبي سعيد الخدري قال خرجت مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين إلى قباء حتى إذا كنا في
بني سالم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب عتبان
فصرخ به فخرج يجر إزاره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعجلنا الرجل
فقال عتبان أرأيت الرجل يعجل عن امرأته ولم يمن ماذا عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الماء من الماء أخرجه مسلم ومنها
حديث زيد بن الخالد الجهني أنه سأل عثمان بن عفان فقال أرأيت إذا جامع الرجل بامرأته فلم
251

يمن قال عثمان يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره قال عثمان سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم
فسألت عن ذلك علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبي بن كعب فأمروه
بذلك أخرجه الشيخان واللفظ للبخاري
واحتج الفريق الثاني أيضا بأحاديث منها حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا جلس
بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل
أخرجه الشيخان زاد مسلم في رواية مطر وإن لم ينزل وأخرجه المؤلف أيضا بزيادة
وألزق الختان بالختان كما مر ومنها حديث عائشة قالت إن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل
يجامع أهله ثم يكسل هل عليهما الغسل وعائشة جالسة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأفعل ذلك أنا
وهذه ثم نغتسل أخرجه مسلم
وأجابوا عن الأحاديث التي استدل بها الفريق الأول بأنها منسوخة وقالوا إن عدم
الاغتسال بغير الإنزال كان في بدء الاسلام ثم نسخ واحتجوا على النسخ برواية أبي بن كعب أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل ذلك رخصة للناس في أول الاسلام لقلة الثياب ثم أمر بالغسل ونهى
عن ذلك قال الحافظ ولهذا الإسناد أيضا علة أخرى ذكرها ابن أبي حاتم وفي الجملة هو إسناد
صالح لأن يحتج به وهو صريح في النسخ انتهى وبرواية أبي موسى قال اختلف في ذلك رهط
من المهاجرين والأنصار فقال الأنصاريون لا يجب الغسل إلا من الدفق أو من الماء وقال
المهاجرون بل إذا خالط وجب الغسل قال أبو موسى فأنا أشفيكم من ذلك فقمت فاستأذنت
على عائشة فأذن لي فقلت لها يا أماه أو يا أم المؤمنين إني أريد أن أسألك عن شئ وإني
أستحييك فقالت لا تستحي أن تسألني عما كنت سائلا عنه أمك التي ولدتك فإنما أنا أمك
قلت فما يوجب الغسل قالت على الخبير سقطت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس بين شعبها
الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل أخرجه مسلم
وههنا روايات أخر تدل على نسخ حديث الماء من الماء وفي معناه مذكورة في غاية
المقصود قال في سبل السلام حديث الغسل وإن لم ينزل أرجح لو لم يثبت النسخ لأنه منطوق في
إيجاب الغسل وذلك مفهوم والمنطوق مقدم على العمل بالمفهوم وإن كان المفهوم موافقا للبراءة
الأصلية والآية تعضد المنطوق في ايجاب الغسل فإنه تعالى قال وإن كنتم جنبا فاطهروا
قال الشافعي إن كلام العرب يقتضي أن الجنابة تطلق بالحقيقة على الجماع وإن لم يكن فيه إنزال
قال فإن كل من خوطب بأن فلانا أجنب عن فلانة عقل أنه أصابها وإن لم ينزل ولم يختلف أن الزنا
الذي يجب به الجلد هو الجماع وإن لم يكن منه إنزال انتهى فتعاضد الكتاب والسنة على إيجاب
252

الغسل من الإيلاج انتهى كلام صاحب السبل قلت ومما يؤيد النسخ أن بعض من روى عن
النبي صلى الله عليه وسلم الرخصة أفتى بوجوب الغسل ورجع عن الأول أخرج مالك في الموطأ عن ابن شهاب
عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون
إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل قلت وثبت الرجوع عن علي وعبد الله بن مسعود
وأبي بن كعب وغيرهم أيضا فالحق ما ذهب إليه الجمهور
85 (باب في الجنب يعود)
في الجماع ثانيا بعد الجماع الأول وهلم جرا بلا غسل بينهما
(حميد الطويل) قال الأصمعي رأيت حميدا ولم يكن بطويل ولكن كان
طويل اليدين وكان قصيرا ولم يكن بذاك الطويل ولكن كان له جار يقال له حميد القصير فقيل له حميد الطويل ليعرف
من الآخر (طاف) أي دار (ذات يوم) للجماع وفي رواية النسائي في ليلة (على نسائه) وفي رواية
البخاري وهن إحدى عشرة فجامعهن (في غسل واحد) كان في آخره قال المنذري وأخرجه
النسائي وأخرج مسلم من حديث هشام بن زيد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه
بغسل واحد وأخرجه الترمذي
والنسائي وابن ماجة من حديث قتادة عن أنس وقال الترمذي حديث حسن صحيح وأخرج البخاري من حديث قتادة عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور
على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة قال قلت لأنس بن مالك وكان
يطيقه؟ قال كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين وفي لفظ تسع نسوة انتهى (وهكذا) أي بزيادة
لفظ في غسل واحد (رواه هشام بن زيد عن أنس ومعمر.. إلخ) ومقصود المؤلف من إيراد
هذه التعاليق أن زيادة في غسل واحد محفوظة وإن لم
يذكرها بعض الرواة في حديث أنس
والحديث فيه دليل على أن الغسل لا يجب بين الجماعين سواء كان لتلك المجامعة أو لغيرها
فائدة استدل بهذا الحديث على أن القسم بين الزوجات لم يكن واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم وإلا
253

فوطء المرأة في نوبة ضرتها ممنوع عنه وهو قول طائفة من أهل العلم وبه جزم الإصطخري من
الشافعية والمشهور عندهم وعند الأكثرين الوجوب قال الحافظ ويحتاج من قال به إلى الجواب
عن هذا الحديث فقيل كان ذلك برضا صاحبة النوبة كما استأذنهن أن يمرض في بيت عائشة
ويحتمل أن يكون ذلك كان يحصل عند استيفاء القسمة ثم يستأنف القسمة وقيل كان ذلك عند
إقباله من سفر لأنه كان إذا سافر أقرع بينهن فيسافر بمن يخرج سهمها فإذا انصرف استأنف
ويحتمل أن يكون كان يقع قبل وجوب القسمة ثم ترك بعدها والله أعلم والحديث يدل على ما
أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من القوة على الجماع والحكمة في كثرة أزواجه أن الأحكام التي ليست ظاهرة
يطلعن عليها فينقلنها وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها من ذلك الكثير الطيب ومن ثم فضل
بعضهم [بعضهن] على الباقيات
86 (باب الوضوء لمن أراد أن يعود)
[أي] في الجماع (يغتسل عند هذه وعند هذه) بعد المعاودة على حدة على حدة (قال) أبو
رافع (يا رسول الله ألا تجعله غسلا واحدا) وأن لا تكتفي على الغسل الواحد في آخر الجماع (قال
هذا أزكى وأطيب وأطهر) والحديث يدل على استحباب الغسل قبل المعاودة ولا خلاف فيه قال
النسائي ليس بينه وبين حديث أنس اختلاف بل كان يفعل هذا وذلك أخرى انتهى وقال
النووي في شرح مسلم هو محمول على أنه فعل الأمرين في وقتين مختلفين والذي قالاه هو حسن
جدا ولا تعارض بينهما فمرة تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيانا للجواز وتخفيفا على الأمة ومرة فعله لكونه
أزكى وأطهر (حديث أنس) المتقدم (أصح من هذا) أي من حديث أبي رافع لأن حديث أنس
مروي من طرق متعددة ورواته
ثقات أثبات ورواة حديث أبي رافع ليسوا بهذه المثابة وقول
المؤلف هذا ليس بطعن في حديث أبي رافع لأنه لم ينف الصحة عنه وأورد حديث أبي رافع في هذا
الباب لأن الغسل يشمل الوضوء أيضا قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجة
254

(إذا أتى أحدكم أهله) أي جامعها (ثم بدا له) أي ظهر له (أن يعاود فليتوضأ وضوءا) ورواه
أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وزاد فإنه أنشط للعود وفي رواية لابن خزيمة والبيهقي
فليتوضأ وضوءه للصلاة قال الحافظ في فتح الباري اختلفوا في الوضوء بينهما فقال أبو يوسف
لا يستحب وقال الجمهور يستحب وقال ابن حبيب المالكي وأهل الظاهر يجب واحتجوا بهذا
الحديث وأشار ابن خزيمة إلى أن بعض أهل العلم حمله على الوضوء اللغوي فقال المراد به غسل
الفرج ثم رده ابن خزيمة بما رواه من طريق ابن عيينة عن عاصم في هذا الحديث فقال فليتوضأ
وضوءه للصلاة
قال الحافظ وأظن المشار إليه هو إسحاق بن راهويه فقد نقل ابن المنذر أنه قال لا بد من
غسل الفرج إذا أراد العود ثم استدل ابن خزيمة على أن الأمر بالوضوء للندب لا للوجوب بما
رواه من طريق شعبة عن عاصم في هذا الحديث كرواية ابن عيينة وزاد فإنه أنشط للعود فدل
على أن الأمر للارشاد أو للندب ويدل أيضا أنه لغير الوجوب ما رواه الطحاوي من طريق
موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت كان النبي
صلى الله عليه وسلم يجامع ثم يعود ولا
يتوضأ انتهى كلامه قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة
87 (باب الجنب ينام)
قبل أن يغتسل هل يجوز له؟
(أنه تصيبه الجنابة) الضمير المنصوب في تصيبه لابن عمر كما تدل عليه رواية النسائي من
طريق ابن عون عن نافع قال أصاب ابن عمر جنابة فأتى عمر فذكر ذلك له فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم
فقال ليتوضأ وليرقد (من الليل) أي في الليل كقوله تعالى من يوم الجمعة أي فيه ويحتمل
أنها لابتداء الغاية في الزمان أي ابتداء إصابة
الجنابة الليل (توضأ) يحتمل أن يكون ابن عمر كان
255

حاضرا فوجه الخطاب إليه ويحتمل أن الخطاب لعمر في غيبة ابنه جوابا لاستفتائه ولكن يرجع
إلى ابنه لأن استفتاء عمر إنما هو لأجل ابنه ذكره الزرقاني (واغسل ذكرك) أي أجمع بينهما فإن
الواو لا تفيد الترتيب وفي رواية أبي نوح عن مالك اغسل ذكرك ثم توضأ ثم نم ولذا قال ابن
عبد البر هذا من التقديم والتأخير أراد اغسل ذكرك وتوضأ وكذا روي من غير طريق بتقديم
غسله على الوضوء قال الحافظ ابن حجر وهو يرد على من حمله على ظاهره فقال يجوز تقديم
الوضوء على غسل الذكر لأنه ليس بوضوء يرفع الحدث وإنما هو للتعبد إذ الجنابة أشد من مس
الذكر وتبين من رواية أبي نوح أن غسله مقدم على الوضوء ويمكن أن يؤخره عنه بشرط أن لا
يمسه على القول بأن مسه ينقض (ثم نم) قال ابن دقيق العيد جاء الحديث بصيغة الأمر وجاء
بصيغة الشرط أخرج البخاري من طريق جويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر قال استفتى
عمر النبي صلى الله عليه وسلم أينام أحدنا وهو جنب قال نعم ينام إذا توضأ وهو متمسك لمن قال بوجوبه
وقال ابن عبد البر ذهب الجمهور إلى أنه للاستحباب وذهب أهل الظاهر إلى إيجابه وفيه
شذوذ وقال ابن العربي قال مالك والشافعي لا يجوز للجنب أن ينام قبل أن يتوضأ واستنكر
بعض المتأخرين هذا النقل وقال لم يقل الشافعي بوجوبه ولا يعر ف ذلك أصحابه وهو كما قال
كذا في فتح الباري وقال الزرقاني ولا يعرف عنهما وجوبه وقد نص مالك في المجموعة على أن
هذا الوضوء ليس بواجب انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
88 (باب الجنب يأكل)
قبل أن يغتسل
(توضأ وضوءه للصلاة) ليس في هذا الحديث ذكر الأكل للجنب الذي بوب له لكن حديث عائشة الآتي
فيه ذكره فعلم أن الحديث فيه اختصار
256

(عن الزهري بإسناده) المذكور قبل هذا عن أبي سلمة عن عائشة (ومعناه) أي معنى
حديث سفيان الذي قبل هذا لا بلفظه (زاد) أي يونس عن الزهري ففي هذه الرواية بيان
قصتين قصة الأكل وقصة النوم (مقصورا) أي اقتصر ابن وهب في روايته على ذكر أكل الجنب
ولم يذكر قصة النوم (صالح بن أبي الأخضر) قال الحافظ في التقريب ضعيف يعتبر به (كما قال
ابن المبارك) بذكر القصتين (عن عروة أو أبي سلمة) بالشك في الراوي عن عائشة (ورواه
الأوزاعي عن يونس) أي عن يونس عن الزهري
عن أبي سلمة عن عائشة من غير شك بذكر قصة
الأكل والنوم معا وهذه الأحاديث تدل على أن الجنب له أن يأكل أو يشرب من غير التوضي
والاغتسال والباب الآتي يدل على استحباب التوضي فلا منافاة بينهما والله أعلم
89 (باب من قال الجنب يتوضأ)
ثم يأكل أو يشرب أو ينام
(توضأ) وفي رواية النسائي توضأ وضوءه للصلاة (تعني) عائشة (وهو جنب) أي إذا أراد أن
يأكل أو يشرب وهو جنب وهذا التفسير لأحد من الرواة فسر به للإيضاح قال المنذري وأخرجه
مسلم والنسائي وابن ماجة
257

(عن يحيى بن يعمر) بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة ساكنة (أن يتوضأ) والحديث يدل
على أفضلية الغسل للجنب لأن العظيمة [العزيمة] أفضل من الرخصة وفرق بعض الأئمة بين
الوضوء لإرادة النوم والوضوء لإرادة الأكل والشرب قال الشيخ أبو العباس القرطبي هو مذهب
كثير من أهل الظاهر وهو رواية عن مالك وذهب الجمهور إلى أنه كوضوء الصلاة في الأكل
والشرب والنوم والمعاودة واستدلوا بما في الصحيحين وعند المؤلف من حديث عائشة بلفظ
كان إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة وبحديث عمار هذا قال
الشوكاني ويجمع بين الروايات بأنه كان تارة يتوضأ وضوء الصلاة وتارة يقتصر على غسل
اليدين لكن هذا في الأكل والشرب خاصة وأما في النوم والمعاونة فهو كوضوء الصلاة لعدم
المعارض للأحاديث المصرحة فيها بأنه كوضوء الصلاة انتهى (بين يحيى بن يعمر وعمار بن ياسر
في هذا الحديث رجل) ومفاد كلامه أن يحيى بن يعمر لم يسمع هذا الحديث عن عمار بن ياسر
وبينه وبين عمار بن ياسر واسطة فالحديث منقطع قال المنذري وأخرجه الترمذي من حديث
يحيى بن يعمر عن عمار وفيه وضوءه للصلاة
90 (باب الجنب يؤخر الغسل)
هل عليه من الإثم
(حدثنا برد) بضم الموحدة وسكون الراء (عن غضيف بن الحارث) بالتصغير (يغتسل من
الجنابة في أول الليل أو في آخره) أي إن كان النبي صلى الله عليه وسلم جنبا في أول الليل فيغتسل على الفور أم
258

كان يؤخر إلى آخر الليل (وربما اغتسل في آخره) فيه دليل واضح على أن
الجنب لا يجب عليه أن يغتسل ليلا على الفور بل له أن ينام ويغتسل في آخر الليل (قلت الله أكبر) هذه الجملة تقولها
العرب عند التعجب (في الأمر) في أمر الشرع أو في هذا الأمر (سعة) بفتح السين والمعنى أن الله
تبارك وتعالى جعل في الاغتسال سعة بأن يغتسل متى شاء من الليل ولم يضيق عليه فيه بأن يغتسل
على الفور (وربما أوتر في آخره) وأخرج الأئمة الستة عن عائشة رضي الله عنها قالت من كل
الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول الليل وأوسطه وآخره فاتنهى وتره إلى السحر وأخرج أحمد
ومسلم والترمذي وابن ماجة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أيكم خاف أن لا يقوم من آخر الليل
فليوتر ثم ليرقد ومن وثق بقيامه [بقيام] آخر الليل فليوتر من آخره فإن قراءة أخر الليل
محضورة وذلك أفضل ويجيء بحثه في كتاب الوتر إن شاء تعالى (أو يخفت به) كذا في أكثر النسخ
وفي بعضها أو يخافت به وكذا في ابن ماجة قال الجوهري خفت الصوت خفوتا سكن ولهذا قيل
للميت خفت إذا انقطع كلامه وسكت فهو خافت وخفت خفاتا أي مات فجأة والمخافتة والتخافت
أسرار المنطلق والخفت مثله انتهى وقال في المصباح خافت بقراءته مخافتة إذا لم يرفع صوته
بها (ربما جهر به وربما خفت) فيه دليل على أن المرء مخير في صلاة الليل يجهر بالقراءة أو يسر قال
المنذري وأخرجه النسائي مقتصرا على الفصل الأول وابن ماجة مقتصرا على الفصل الأخير
وقد أخرج مسلم في صحيحه عن مسروق عن عائشة قالت من كل الليل قد أوتر
رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول الليل وأوسطه وآخره فانتهى وتره إلى السحر وأخرجه البخاري مختصرا
وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة
(عن عبد الله بن نجي) بالتصغير (لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب) قال
259

الإمام الخطابي في معالم السنن يريد الملائكة الذين ينزلون بالبركة والرحمة دون الملائكة الذين هم
الحفظة فإنهم لا يفارقون الجنب وغير الجنب وقد قيل إنه لم يرد بالجنب ههنا من أصابته جنابة
فأخر الاغتسال إلى حضور الصلاة ولكن الذي يجنب فلا يغتسل ويتهاون به ويتخذ تركه عادة
وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يطوف على نسائه في غسل واحد وفي هذا تأخير الاغتسال عن أول وقت
وجوبه وقالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء وأما الكلب
فهو أن يقتني كلبا ليس لزرع أو لضرع أو لصيد فأما إذ يربطه للحاجة إليه في بعض هذه الأمور
أو لحراسة داره إذا اضطر إليه فلا جناح عليه إن شاء الله تعالى وأما الصورة فهي كل مصور من ذوات
الأرواح كانت له أشخاص منتصبة أو كانت منقوشة في سقف أو جدار أو مصنوعة في نمط أو
منسوجة في ثوب أو ما كان فإن قضية العموم تأتي عليه فليجتنب انتهى كلامه بحروفه
قال الحافظ ابن حجر يحتمل كما قال الخطابي أن المراد بالجنب من يتهاون بالاغتسال
ويتخذ تركه عادة لا من يؤخره ليفعله قال
ويقويه أن المراد بالكلب غير ما أذن في اتخاذه وبالصورة
ما فيه روح قال النووي وفي الكلب نظر ويحتمل أن يكون المراد بالجنب في حديث علي من لم
يرتفع حدثه كله ولا بعضه وإذا توضأ ارتفع بعض حدثه على الصحيح وعليه تبويب البخاري في
صحيحه حيث قال باب كينونة الجنب في البيت إذا توضأ وأورد فيه حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم يرقد
وهو جنب إذا توضأ وأورد النسائي حديث علي هذا في باب الجنب إذا لم يتوضأ فظهر من تبويبه
أنه ذهب إلى الاحتمال الثاني والذي قاله الخطابي هو أحب إلي
إن صح الحديث قال المنذري
وأخرجه النسائي وابن ماجة وليس في حديث ابن ماجة ولا جنب وقال البخاري
عبد الله بن نجي الحضرمي عن أبيه عن علي فيه نظر وقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما
من حديث أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تدخل
الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة انتهى
(من غير أن يمس ماء) أي لا يغتسل به ولا يتوضأ به قال النووي إن صح هذا الحديث
260

لم يكن مخالفا للروايات الأخر أنه كان يتوضأ ثم ينام بل كان له جوابان أحدهما جواب
الإمامين الجليلين أبي العباس بن شريح وأبي بكر البيهقي أن المراد لا يمس ماء للغسل والثاني
وهو عندي حسن أن المراد أنه كان في بعض الأوقات لا يمس ماء أصلا لبيان الجواز إذ لو واظب
عليه لتوهم وجوبه انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وقال زيد بن
هارون هذا الحديث وهم يعني حديث أبي إسحاق وقال الترمذي يرون أن هذا غلط من أبي
إسحاق وقال سفيان الثوري فذكرت الحديث يوما
يعني حديث أبي إسحاق فقال لي
إسماعيل يا فتى تشد هذا الحديث بشئ قال البيهقي وحمل أبو العباس بن شريح رواية أبي
إسحاق على أنه كان لا يمس ماء للغسل (يقول هذا الحديث وهم يعني حديث أبي إسحاق) وقال
261

الترمذي وقد روى عن أبي إسحاق هذا الحديث شعبة والثوري وغير واحد ويرون أن هذا غلط
من أبي إسحاق وقال شارحه الإمام أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي شرح الترمذي تفسير
غلط أبي إسحاق هو أن هذا الحديث رواه أبو إسحاق ههنا مختصرا اقتطعه من حديث طويل
فأخطأ في اختصاره إياه
91 (باب في الجنب يقرأ القرآن)
أي هل يقرأ فثبت بحديث الباب عدم جوازها
(دخلت على علي) بن أبي طالب (أنا ورجلان رجل منا) أي من مراد وهو أبو قبيلة من
اليمن (ورجل من بني أسد) وأسد أبو قبيلة من
مضر (أحسب) أي أحسب كون رجل منا والآخر
من بني أسد ولا أتيقن به (فبعثهما علي وجها) الوجه والجهة بمعنى كذا في الصحاح وفي المصباح
الوجه ما يتوجه إليه انسان من عمل وغيره انتهى والمعنى بعثهما عاملا أو لأمر آخر إلى جهة من
المدن أو القرى (وقال إنكما علجان) تثنية علج بفتح العين وسكون اللام وكسر العين وسكون
اللام وفتح العين وكسر اللام مثل ثلاث لغات في كتف قال الخطابي يريد الشدة والقوة على
262

العمل يقال رجل علج إذا كان قوي الخلقة وفي النهاية العلج القوي الضخم (فعالجا عن
دينكما) قال الخطابي أي جاهدا أو جالدا انتهى وقال ابن الأثير أي مارسا العمل الذي ندبتكما إليه
واعملا به (ثم قام) هذه الجملة في نسخة واحدة وسائر النسخ خال عنها (فدخل المخرج) هو
موضع قضاء الحاجة (فتمسح بها) أي بحفنة من الماء أي غسل بها بعض أعضائه ويشبه أن
يكون العضو المغسول هو اليدان ويؤيده رواية الدارقطني وفيها فغسل كفيه (ثم جعل يقرأ
القرآن) من غير أن يتوضأ (فأنكروا ذلك) الفعل عليه فأجاب عن استعجالهم (فيقرئنا القرآن
) من الإقراء أي يعلمنا القرآن (ولم يكن يحجبه) أي لا يمنعه (أو قال يحجزه) وهذا شك من أحد
الرواة ومعناه أيضا لا يمنع ولعل ضم أكل اللحم مع القراءة للإشعار بجواز الجمع بينهما من
غير وضوء أو مضمضة (عن القرآن شئ) فاعل يحجز (ليس الجنابة) بالنصب قال الخطابي معناه
غير الجنابة وحرف ليس لها ثلاثة معاني أحدها أن يكون بمعنى الفعل وهو يرفع الاسم وينصب
الخبر كقولك ليس عبد الله غافلا ويكون بمعنى
لا كقولك رأيت عبد الله ليس زيدا ينصب زيد
كما ينصب بلا ويكون بمعنى غير كقولك ما رأيت أكرم من عمرو ليس زيد وهو يجر ما بعده انتهى
قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة مختصرا وقال الترمذي حديث حسن
صحيح وذكر أبو بكر البزار أنه لا يروى عن علي إلا من حديث عمرو بن مرة عن عبد الله بن
سلمة وحكى البخاري عن عمرو بن مرة كان عبد الله يعني ابن سلمة يحدثنا فنعرف وننكر وكان
قد كبر لا يتابع في حديثه وذكر الإمام الشافعي رضي الله عنه هذا الحديث وقال لم يكن أهل
الحديث يثبتونه قال البيهقي وإنما توقف الشافعي في ثبوت هذا الحديث لأن مداره على
عبد الله بن سلمة الكوفي وكان قد كبر وأنكر من حديثه وعقله بعض النكرة وإنما روى هذا
الحديث بعد ما كبر قاله شعبة هذا آخر كلامه وذكر الخطابي أن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله
عنه كان يوهن حديث علي هذا ويضعف أمر عبد الله بن سلمة انتهى كلام المنذري
والحديث يدل على جواز القراءة للمحدث بالحدث الأصغر وهو مجمع عليه لم نر فيه
خلافا وعلى عدم الجواز للجنب وقد وردت أحاديث في تحريم قراءة القرآن للجنب وفي كلها
مقال لكن تحصل القوة بانضمام بعضها إلى بعض لأن بعض الطرق ليس فيه شديد الضعف وهو
يصلح أن يتمسك به قال الخطابي في الحديث من الفقه أن الجنب لا يقرأ القرآن وكذلك
263

الحائض لا تقرأ لأن حدثها أغلظ من حدث الجنابة وقال مالك في الجنب إنه لا يقرأ الآية
ونحوها وقد حكي أنه قال تقرأ الحائض ولا يقرأ الجنب لأن الحائض إن لم تقرأ نسيت القرآن لأن
أيام الحيض تتطاول ومدة الجنابة لا تطول وروي عن ابن المسيب وعكرمة أنهما كانا لا يريان بأسا
بقراءة الجنب القرآن وأكثر العلماء على تحريمه انتهى
وأما قراءة المحدث في المصحف ومسه فلا يجوز إلا بطهارة لحديث رواه الأثرم والدارقطني
عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابا
وكان فيه لا يمس القرآن إلا طاهر وأخرجه مالك في الموطأ مرسلا عن عبد الله بن محمد بن
عمرو بن حزم أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم أن لا يمس القرآن إلا طاهر
وأخرج الدارقطني والحاكم والبيهقي في الخلافيات والطبراني من حديث حكيم بن حزام قال لما
بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر وفي إسناده سويد أبو حاتم
وهو ضعيف وذكر الطبراني في الأوسط أنه
تفرد به وحسن الحازمي إسناده وقد ضعف النووي
وابن كثير في إرشاده وابن حزم حديث حكيم بن حزام وحديث عمرو بن حزم جميعا وفي الباب
عن ابن عمر عند الدارقطني والطبراني قال الحافظ إسناده لا بأس به لكن فيه سليمان الأشدق وهو
مختلف فيه رواه عن سالم عن أبيه ابن عمر قال صاحب المنتقى وابن حجر ذكر الأثرم إن
أحمد بن حنبل احتج بحديث ابن عمر وأخرج نحوه الطبراني عن عثمان بن أبي العاص وفيه من
لا يعرف وأخرج ابن أبي داود في المصاحف وفي سنده انقطاع
وفي الباب عن ثوبان أورده علي بن عبد العزيز في منتخب مسنده وفي سنده حصيب بن
جحدر وهو متروك وروى الدارقطني في قصة إسلام عمر أن أخته قالت له قبل أن يسلم إنه
رجس ولا يسمه إلا المطهرون وفي إسناده مقال وفيه عن سلمان موقوفا أخرجه الدارقطني
والحاكم وكتاب عمرو بن حزم تلقاه الناس بالقبول قال ابن عبد البر إنه أشبه المتواتر لتلقي
الناس له بالقبول وقال يعقوب بن سفيان لا أعلم كتابا أصح من هذا الكتاب فإن أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين يرجعون إليه ويدعون رأيهم وقال الحاكم قد شهد عمر بن عبد العزيز
والزهري لهذا الكتاب بالصحة كذا في التلخيص والنيل وهذه كلها تدل على أنه لا يجوز مس
المصحف إلا لمن كان طاهرا والمحدث بحدث أصغر أيضا غير طاهر من وجه كما يدل عليه قوله
صلى الله عليه وسلم فإني أدخلتهما طاهرتين فعلى المحدث بالحدث الأصغر أن لا يمس القرآن إلا بالوضوء قال
الشوكاني وأما المحدث حدثا أصغر فذهب ابن عباس والشعبي والضحاك وزيد بن علي وداود
الظاهري إلى أنه يجوز له مس المصحف وقال أكثر الفقهاء لا يجوز انتهى والله تعالى أعلم
264

92 (باب في الجنب يصافح)
هل يجوز له
(لقيه) أي حذيفة زاد مسلم وهو جنب (فأهوى) قال في المصباح أهوى إلى الشيء بيده
مدها ليأخذه إذا كان عن قرب وإن كان عن بعد قيل هوى إليه بغير ألف انتهى (إليه) أي مد
رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى حذيفة (فقال) حذيفة (إني جنب) ولفظ النسائي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
لقي الرجل من أصحابه ماسحه ودعا له قال فرأيته يوما بكرة فحدت عنه ثم أتيته حين
ارتفع النهار فقال إني رأيتك فحدت عني فقلت إني كنت جنبا فخشيت أن تمسني (فقال)
رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن المسلم ليس بنجس) فيه دليل على أن عرق الجنب طاهر لأن المسلم لا ينجس
وإذا كان لا ينجس فعرقه لا ينجس وهذا الحديث أصل عظيم في طهارة المسلم حيا وميتا فأما
الحي فظاهر بإجماع المسلمين حتى الجنين وكذلك الصبيان أبدانهم وثيابهم محمولة على الطهارة حتى
تتيقن النجاسة فيجوز الصلاة في ثيابهم والأكل معهم من المائع إذا غمسوا أيديهم فيه ودلائل
هذا كله من السنة والإجماع مشهورة وأما الميت فيه خلاف للعلماء وذكر البخاري في صحيحه
عن ابن عباس تعليقا المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا انتهى وتمسك بمفهوم الحديث بعض
أهل الظاهر فقال إن الكافر نجس العين وقواه بقوله تعالى إنما المشركون نجس وأجاب
الجمهور عن الحديث بأن المراد أن المؤمن طاهر الأعضاء لاعتياده سعيد مجانبة النجاسة بخلاف المشرك
لعدم تحفظه عن النجاسة وعن اية بأن المراد أنهم نجس في الاعتقاد والاستقذار وحجتهم أن
الله تعالى أباح نكاح نساء أهل الكتاب ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من يضاجعهن ومع
ذلك فلم يجب عليه من غسل الكتابية
إلا مثل ما يجب عليه من غسل المسلمة فدل على أن
الآدمي الحي ليس بنجس العين إذ لا فرق بين النساء والرجال كذا في فتح الباري قال
المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة
265

(فاختنست) بالخاء المعجمة ثم المثناة الفوقانية ثم النون ثم السين المهملة هكذا في رواية
سنن أبي داود كما صرح به الإمام ابن الأثير في جامع الأصول والعراقي في شرح الكتاب والمعنى
تأخرت وتواريت (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (سبحان الله) تعجب من اعتقاد أبي هريرة التنجس بالجنابة أي
كيف يخفى عليه هذا الظاهر وفي استحباب تنبيه المتبوع لتابعه على الصواب وإن لم يسأله قاله
الحافظ (إن المسلم لا ينجس) يقال بضم الجيم وفتحها لغتان وفي ماضيه لغتان نجس ونجس
بكسر الجيم وضمها فمن كسرها في الماضي فتحها في المضارع ومن ضمها في الماضي
ضمها في المضارع أيضا قاله النووي ومعنى قوله لا ينجس أي بالحدث سواء كان أصغر
أو أكبر ويدل عليه المقام إذ المقام مقام الحدث فلا يرد أنه يتنجس بالنجاسة وقد يقال إن
المراد نفسه لا يصير نجسا لأنه إن صحبه شئ من النجاسة فنجاسته بسبب صحبته بذلك لا
أن ذاته صار نجسا فإذا زال ما كان معه من النجاسة فالمؤمن على حاله من الطهارة فصدق
أن المؤمن لا ينجس أصلا والحاصل أن مقتضى ما فعله أبو هريرة
أن المؤمن يصير نجسا
بحيث يحترز عن صحبته حالة الجناية فرده صلى الله عليه وسلم بأن المؤمن لا يصير كذلك أصلا وذلك لا
ينافي أن المؤمن قد يحترز عنه بالنظر إلى ما يصحبه من بعض الأنجاس لأنه أمر معلوم من
خارج قاله الفاضل السندي في حواشي الترمذي قال الحافظ والحديث فيه جواز تأخير
الاغتسال عن أول وقت وجوبه وبوب عليه ابن حبان الرد على من زعم أن الجنب إذا وقع في
البئر فنوى الاغتسال أن ماء البئر ينجس واستدل به البخاري على طهارة عرق الجنب لأن بدنه
لا ينجس بالجنابة فكذلك ما تحلب منه
انتهى (قال) المؤلف (حدثنا حميد قال حدثني بكر)
فروى بشر في كلا الموضعين بالتحديث وأم يحيى القطان فبالعنعنة قد قال المنذري وأخرجه
البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وفي لفظ البخاري والترمذي فانسللت وفي
2 لفظ للبخاري فانخنست وفي لفظ فانسللت وفي لفظ مسلم والنسائي وابن ماجة
فانسل انتهى
266

93 (باب في الجنب يدخل المسجد) وكذا الحائض هل يجوز لهما (حدثني جسرة) بفتح الجيم وسكون السيد المهملة (بنت
دجاجة) قال ابن دقيق العيد في الإمام رأيت في كتاب الوهم والإيهام لابن القطان المقروء عليه
دجاجة بكسر الدال وعليها صح وكتب الناسخ في الحاشية بكسر الدال انتهى وقال مغلطاي
هي بكسر الدال لا غير قاله الزمخشري في أمثاله (ووجوه بيوت أصحابه) صلى الله عليه وسلم ووجه البيت الحد
الذي فيه الباب ولذا قيل لحد البيت فيه الباب وجه الكعبة أي كانت أبواب بيوت
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (شارعة في المسجد) قال الجوهري أشرعت بابا إلى الطريق أي فتحت
وفي المصباح شرع الباب إلى الطريق شروعا اتصل به وشرعته أنا يستعمل لازما ومتعديا ويتعدى
بالألف أيضا فيقال أشرعته إذا فتحته وأوصلته وطريق شارع يسلكه الناس عامة والمعنى أنه
كانت أبواب بعض البيوت حول مسجده صلى الله عليه وسلم مفتوحة يدخلون منها في المسجد ويمرون فيه فأمروا
أن يصرفوها إلى جانب آخر من المسجد (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وجهوا هذه البيوت عن المسجد
) أي اصرفوا أبواب البيوت إلى جانب آخر من المسجد قال الخطابي يقال وجهت الرجل إلى
ناحية كذا إذ جعلت وجهه إليها ووجهته عنها إذا صرفته عنها إلى غيرها (ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم)
في المسجد أو في بيوتهم (ولم يصنع القوم شيئا) من تحويل أبواب بيوتهم إلى جانب آخر (رجاء أن
ينزل فيهم) وفي بعض النسخ رجاءة أن تنزل لهم (رخصة) من الله تعالى على ما كانوا عليه (فخرج
إليهم بعد) أي بعد ذلك (فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) والحديث استدل به على حرمة
دخول المسجد للجنب والحائض لكنه مؤول على المكث طويلا كان أو قصيرا وأما عبورهما
267

ومرورهما من غير مكث فليس بحرم إلا إذا خافت التلوث ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى (يا
أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل
حتى تغتسلوا) روى الحافظ ابن كثير في تفسيره عن ابن أبي حاتم بسنده إلى ابن عباس في قوله
تعالى (ولا جنبا إلا عابري سبيل) قال لا تدخلوا المسجد وأنتم جنب إلا عابري سبيل قال
تمر به مرا ولا تجلس ثم قال وروي عن عبد الله بن مسعود وأنس وأبي عبيدة وسعيد بن
المسيب والضحاك وعطاء ومجاهد ومسروق وإبراهيم النخعي وزيد بن أسلم وأبي مالك
وعمرو بن دينار والحكم بن عتبة وعكرمة والحسن البصري ويحيى بن سعيد الأنصاري وابن
شهاب وقتادة نحو ذلك قلت والعبور إنما يكون في محل الصلاة وهو المسجد لا في
الصلاة
وتقييد جواز ذلك في السفر لا دليل عليه بل الظاهر أن المراد مطلق المار لأن المسافر ذكر
بعد ذلك فيكون تكرارا يصان القرآن عن مثله قال ابن كثير ومن الآية المذكورة احتج
كثير من الأئمة على أنه يحرم على الجنب المكث في المسجد ويجوز له المرور وكذا الحائض
والنفساء في معناه إلا أن بعضهم قال يمنع مرورهما التلويث لاحتمال ومنهم من قال إن أمنت كل
واحدة منهما التلويث في حال المرور جاز لهما المرور وإلا فلا قال ابن رسلان في شرحه قوله صلى الله عليه وسلم
فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب استدل به على تحريم اللبث في المسجد والعبور فيه
سواء كان لحاجة أو لغيرها قائما أو جالسا أو مترددا على أي حال متوضئا كان أو غيره لإطلاق
هذا الحديث ويجوز عند الشافعي ومالك العبور في المسجد من غير لبث سواء كان لحاجة أم
لا وحكاه ابن المنذر عن سفيان الثوري وأبي حنيفة وأصحابه وإسحاق بن راهويه لا يجوز
العبور إلا أن لا يجد بدا منه فيتوضأ ثم يمر وإن لم يجد الماء يتيمم ومذهب أحمد يباح
العبور في المسجد للحاجة من أخذ شئ أو تركه أو كون الطريق فيه وأما غير ذلك فلا يجوز
بحال انتهى كلامه
268

قلت القول المحقق في هذا الباب هو جواز العبور والمرور كما تدل عليه الآية المذكورة
وحديث عائشة رضي الله عنها قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم نا وليني الخمر من المسجد فقلت إني
حائض فقال إن حيضتك ليست في يدك أخرجه الجماعة إلا البخاري وحديث ميمونة قالت
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على إحدانا وهي حائض فيضع رأسه في حجرها فيقرأ القرآن وهي
حائض ثم تقوم إحدانا بخمرة فتضعها في المسجد وهي حائض أخرجه أحمد والنسائي وأما
المكث والجلوس في المسجد للجنب فلا يجوز أيضا عند مالك وأبي حنيفة وذهب الإمام أحمد
وإسحاق إلى أنه متى توضأ الجنب جاز له المكث في المسجد لما روى سعيد بن منصور في سننه عن
عطاء بن يسار قال رأيت رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا
توضؤوا وضوء الصلاة قال ابن كثير هذا إسناد صحيح على شرط مسلم قال المنذري
وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير وفيه زيادة وذكر بعده حديث عائشة رضي الله عنها عن
النبي صلى الله عليه وسلم سدوا هذه الأبواب إلا باب أبي بكر
ثم قال وهذا
أصح قال الخطابي وضعفوا هذا الحديث وقالوا أفلت راويه مجهول لا يصح الاحتجاج بحديثه وفيما حكاه الخطابي رضي الله عنه
أنه مجهول نظر فإنه أفلت بن خليفة ويقال فليت بن خليفة العامري ويقال الذهلي وكنيته أبو
حسان حديثه في الكوفيين روى عنه سفيان بن سعيد الثوري وعبد الواحد بن زياد وقال الإمام
أحمد بن حنبل ما أرى به بأسا وسئل عنه أبو حاتم الرازي فقال شيخ وحكى البخاري إنه
سمع من جسرة بنت دجاجة قال البخاري وعند جسرة عجائب انتهى كلام المنذري (قال أبو
داود هو) أي أفلت يقال له (فليت العامري) أيضا
940 (باب في الجنب يصلي بالقوم وهو)
أي الإمام الجنب (ناس) للجنابة فذكر أنه جنب فماذا يصنع (فأومأ) بالهمزة أي أشار
269

رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم يقال أومأت إليه أشرت ولا يقال أوميت وومأت إليه (أن مكانكم) أن
مفسرة ومكانكم بالنصب أي امكثوا مكانكم وألزموه (يقطر) بضم الطاء أي يسيل بسبب
الاغتسال
(بإسناده) الأول من زياد إلى أبي بكرة الصحابي (ومعناه) أي بمعنى الحديث الأول (وقال) يزيد بن
هارون (في أوله) أي أول الحديث (فكبر) أي دخل في صلاة الفجر فكبر (وإني كنت جنبا)
فنسيت أن أغتسل كما في رواية الدارقطني والبيهقي في
المعرفة (وانتظرنا أن يكبر) وهذا صريح في أنه لم يكن كبر (وكذلك) أي مرسلا وبزيادة لفظ كبر (رواه مالك) بن أنس في موطئه
(إمام مسجد صنعاء) بفتح الصاد وسكون النون وبالعين المهملة هي صنعاء اليمن واذن
270

إبراهيم بن خالد بمسجدها سبعين سنة (مؤمل) على وزن محمد (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) يحتمل أن
يكون المعنى خرج في حال الإقامة ويحتمل أن تكون الإقامة تقدمت خروجه وكان من شأن
النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يكبر حتى تستوي الصفوف وكانت تسوية الصفوف سنة معهودة عند الصحابة
رضي الله عنهم (في مقامه) بفتح الميم أي في مصلاه (ذكر) أي تذكر لا أنه قال لفظا وعلم الراوي
بذلك من قرائن الحال أو بإعلامه له بعد ذلك (ينطف) بكسر الطاء وضمها أي يقطر (صفوف)
جمع الصف يقال صففت الشئ صفا من باب قتل فهو مصفوف وصففت القوم فاصطفوا
(فلم نزل قياما ننتظره) وفي هذا رد على الرواية المرسلة التي فيها ثم أومأ إلى القوم أن اجلسوا
وسكت المؤلف عن ألفاظ بقية الرواة فلعلها كانت نحو لفظ ابن حرب وعياش قال المنذري
وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وفي لفظ البخاري ثم خرج إلينا ورأسه يقطر فكبر فصلينا
معه وفي لفظ مسلم حتى خرج إلينا وقد اغتسل ينطف رأسه ماءا فكبر فصلى بنا انتهى كلام
المنذري
واعلم أن في حديث أبي هريرة هذا
فوائد منها أنه لا يجب على من احتلم في المسجد فأراد
الخروج منه أن يتيمم وقد بوب البخاري إذا ذكر في المسجد أنه جنب يخرج كما هو ولا يتيمم
وأورد فيه هذا الحديث ومنها جواز الفصل بين الإقامة والصلاة لأن قوله صلى بهم في رواية
الشيخين من طريق أبي هريرة وفي رواية المؤلف من طريق أبي بكرة ظاهر أن الإقامة لم تعد ولم
تجدد والظاهر أنه مقيد بالضرورة وبأمن خروج الوقت وعن مالك رضي الله عنه إذا بعدت
الإقامة من الإحرام تعاد وينبغي أن يحمل على ما إذا لم يكن عذر ومنها جواز انتظار المأمومين
مجيء الإمام قياما عند الضرورة وهو غير المقام المنهي في حديث إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا
حتى تروني
ثم اعلم أن رواية أبي بكرة المتصلة وروايات محمد بن سيرين وعطاء بن يسار والربيع بن
محمد المرسلة تدل على أنه صلى الله عليه وسلم انصرف بعد ما دخل في الصلاة وكبر وكذا رواية أبي هريرة التي
أخرجها ابن ماجة من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة والتي أخرجها البيهقي
271

من طريق وكيع عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن يزيد عن أبي ثوبان عن أبي هريرة تدل على أنه
صلى الله عليه وسلم انصرف بعد التكبير والدخول في الصلاة وحديث أبي بكرة أخرجه أيضا أحمد وابن حبان
والبيهقي في المعرفة قال الحافظ وصححه ابن حبان والبيهقي واختلف في إرساله ووصله انتهى
وأما رواية أبي هريرة التي أخرجها المؤلف والشيخان تدل بدلالة صريحة على أنه صلى الله عليه وسلم انصرف بعد ما
قام في مصلاه وقبل أن يكبر فرواية أبي هريرة هذه معارضة للروايات المتقدمة قال الحافظ في
فتح الباري ويمكن الجمع بينهما بحمل قوله كبر ودخل في الصلاة أنه قام في مقامه للصلاة وتهيأ
للاحرام بها وأراد أن يكبر أو بأنهما واقعتان أبداه العياض والقرطبي احتمالا وقال النووي إنه
الأظهر وجزم ابن حبان كعادته فإن ثبت وإلا فما في الصحيح أصح انتهى
واحتج بحديث أبي بكرة وما في معناه مالك بن أنس وأصحابه سفيان الثوري والأوزاعي
والشافعي على أنه لا إعادة على من صلى خلف من نسي الجنابة وصلى ثم تذكر وإنما الإعادة على
الإمام فقط وبه قال أحمد حكاه الأثرم وإسحاق
وأبو ثور وداود والحسن وإبراهيم وسعيد بن جبير
وقال أبو حنيفة والشعبي وحماد بن أبي سليمان إنه يجب عليهم الإعادة أيضا قال الحافظ أبو
عمر بن عبد البر في الاستذكار شرح الموطأ
وللطائفتين منه أحاديث وآثار فمن الأحاديث للطائفة الأولى حديث أبي هريرة رضي الله عنه
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون بكم فإن أصابوا فلكم وإن أخطؤوا فلكم وعليهم أخرجه أحمد
والبخاري ومنها حديث براء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم أيما إمام سها فصلى بالقوم وهو جنب فقد
مضت صلاتهم وليغتسل هو ثم ليعد صلاته (وإن صلى بغير وضوء فمثل ذلك والحديث
ضعيف لأن جويبرا أحد رواته متروك والضحاك الراوي عن البراء لم يلقه ومن آثار لهم ما
أخرجه مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب صلى بالناس
الصبح ثم غدا إلى أرضه بالجرف فوجد في ثوبه احتلاما فقال إنا لما أصبنا الودك لانت العروق
فاغتسل وغسل الاحتلام من ثوبه وعاد لصلاته وأخرجه الدارقطني من طريق آخر بلفظ أن
عمر صلى بالناس وهو جنب فأعاد ولم يأمرهم أن يعيدوا
وللطائفة الأخرى من الأحاديث حديث أبي هريرة مرفوعا الإمام ضامن أخرجه أحمد
وإسناده صحيح وأخرجه أيضا أحمد والطبراني في الكبير عن أبي أمامة الباهلي قال الهيثمي رجاله
موثقون وأخرجه البزار أيضا ورجاله موثقون أيضا قالوا إن الإمام إذا فسدت صلاته فسدت
صلاة المؤتم لأن الإمام إنما جعل ليؤتم به والامام ضامن لصلاة المقتدي فصلاة المقتدي
مشمولة في صلاة الإمام وصلاة الإمام متضمنة لصلاة المأموم فصحة صلاة المأموم بصحة
272

صلاة الإمام وفسادها بفسادها فإذا صلى الإمام جنبا لم تصح صلاته لفوات الشرط وهي متضمنة
لصلاة المأموم فتفسد صلاته أيضا فإذا علم ذلك يلزم عليه الإعادة ويتفرع عليه أنه يلزم للإمام
إذا وقع ذلك أن يعلمهم به ليعيدوا صلاتهم ولو لم يعلمهم لا إثم عليهم وللطائفة الأخرى آثار
كلها ضعاف
ومما يحتج به على الطائفة الأولى بأن الأظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف قبل أن يكبر كما صرح به
مسلم في الحديث فرواية أبي هريرة المروية في الصحيحين راجحة وروايات غير الصحيحين
الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم انصرف بعد التكبير مرجوحة إذ لا شك في أن الترجيح لأحاديث الشيخين أو أحدهما عند التعارض
قلت وإذا عرفت هذا كله فاعلم أن حديث أبي بكرة الذي صححه ابن حبان والبيهقي
وحديث أنس الذي صححه الهيثمي يدل على عدم فساد صلاة المأمومين بفساد صلاة الإمام لأنه
صلى الله عليه وسلم دخل في الصلاة وكبر الناس ثم تذكر الجنابة وانصرف وبقي الناس قياما منتظرين فكان
بعض صلاتهم خلف النبي صلى الله عليه وسلم وهو جنب ومع هذا لم يأمرهم بإعادة تكبير الإحرام مع أنه أعظم
أجزاء الصلاة فثبت بهذا صحة صلاة المأمومين خلف الإمام الجنب الناسي ويؤيده فعل عمر
رضي الله عنه أيضا كما مر ويؤيده أيضا فعل عثمان وعبد الله بن عمر أيضا كما أخرجهما البيهقي
وأما الترجيح لأحاديث الصحيحين أو أحدهما على غيرهما عند التعارض فهو أمر محقق لا
مرية فيه لكن ليس ههنا التعارض لأنهما واقعتان فحدث كل واحد منهم بما شاهد ولا حاجة
إلى تأويل أن كبر في معنى قارب أن يكبر ومما يؤيد أنهما واقعتان مختلفتان أن الذين صلوا خلف عمر
رضي الله عنه وعثمان رضي الله عنه وابن عمر رضي الله عنه من الصحابة لم ينكروا عليهم بل
سكتوا ففي سكوتهم وعدم أمر هؤلاء الأئمة إياهم بإعادة الصلاة دلالة على تعدد الواقعة وأنه
كان لهم بذلك علم من النبي صلى الله عليه وسلم
لكن يمكن أن يقال من قبل الطائفة الثانية إن الروايات التي فيها أنه صلى الله عليه وسلم انصرف بعد ما
كبر ودخل في الصلاة لا تقاوم رواية أبي هريرة التي فيها أنه صلى الله عليه وسلم انصرف قبل التكبير والدخول في
الصلاة لأن هذه الروايات بعضها مرسلة وبعضها مرفوعة فأما
المرسلة فمرسلة وأما المرفوعة
فرواية أبي بكرة وإن صححها ابن حبان والبيهقي لكن اختلف في إرسالها ووصلها قاله
الحافظ ورواية أنس وإن كان جيد الإسناد اختلف في وصلها وإرسالها أيضا كما قال الحافظ وأما
رواية أبي هريرة التي أخرجها ابن ماجة فقال الحافظ في إسنادها نظر وأما رواية على مرفوعة (المرفوعة)
فمدار طرقها على ابن لهيعة
273

فلما لم تصلح هذه الروايات لمعارضة حديث أبي هريرة الذي أخرجه المؤلف والشيخان ظهر
أنه لا حاجة لدفع التعارض إلى القول بأنهما واقعتان مع أنه ليس في هذه الروايات ما يدل
على تعدد الواقعة ولا حاجة أيضا إلى ارتكاب التجوز في معنى كبر ودخل ولاح لك أيضا أن الاستدلال
بهذه الروايات على صحة صلاة المأمومين خلف الإمام الجنب الناسي ليس بتام وكذا الاستدلال
على هذه المسألة بما أخرجه مالك من فعل عمر رضي الله عنه وبما أخرجه البيهقي من فعل عثمان
رضي الله عنه وعبد الله بن عمر رضي الله عنه ليس بتام أيضا لأنه هو أفعالهم وأما القطع بأنهم
إنما فعلوا ما فعلوا لأنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يفعله فغير مقطوع لأن للاجتهاد مجالا في هذه
المسألة مع أنه معارض لحديث أبي هريرة المرفوع الصحيح الامام ضامن وكذا
الاستدلال بحديث يصلون بكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطؤوا فلكم وعليهم ليس بتام أيضا لأنه ليس
المراد به الخطأ المقابل للعمل لأنه لا إثم فيه بل المراد ارتكاب
الخطيئة وهذه المسألة ليست من هذا الوادي فتأمل
95 (باب في الرجل يجد البلة): بكسر الباء وتشديد اللام الرطبة من الماء وغيره يقال بللته من الماء بلا من باب قتل
فابتل هو
(في منامه) ولا يذكر الاحتلام فما حكمه (يجد البلل) بفتحتين أي الرطوبة (ولا يذكر
احتلاما) الاحتلام افتعال من الحلم بضم المهملة وسكون اللام وهو ما يراه النائم في نومه يقال
منه حلم بالفتح واحتلم والمراد به ههنا أمر خاص وهو الجماع أي لا يذكر أنه جامع في النوم
(يغتسل) خبر بمعنى الأمر وهو للوجوب (يرى) بفتح الياء أي يعتقد وبضم الياء أي يظن (قال لا
غسل عليه) قال الخطابي في معالم السنن ظاهر هذا الحديث يوجب الاغتسال إذا رأى بلة وإن لم
يتيقن أنها الماء الدافق وروي هذا القول عن جماعة من التابعين منهم عطاء والشعبي والنخعي
وقال أحمد بن حنبل أعجب إلي أن يغتسل وقال أكثر أهل العلم لا يجب عليه الاغتسال حتى
274

يعلم أنها الماء الدافق واستحبوا أن يغتسل من طريق الاحتياط ولم يختلفوا أنه إذا لم ير الماء وإن
كان رأى في النوم أنه قد احتلم فإنه لا يجب على الاغتسال انتهى كلامه
قلت ما ذهب إليه الجماعة الأولى من أن مجرد رؤية البلة في المنام موجب للاغتسال هو
أوفق بحديث الباب وبحديث أم سلمة أخرجه الشيخان بلفظ إذا رأت الماء وبحديث خولة
بنت حكيم بلفظ ليس عليها غسل حتى تنزل فهذه الأحاديث تدل على اعتبار مجرد وجود المني
سواء انضم إلى ذلك الدفق والشهوة أم لا وهذا هو الحق والله أعلم (فقالت أم سليم) هي أم أنس
خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتهرت بكنيتها واختلف في اسمها (أعليها غسل) بهمزة الاستفهام
وعليها خبر مقدم وغسل مبتدأ مؤخر (إنما النساء شقائق الرجال) هذه الجملة مستأنفة فيها معنى
التعليل قال ابن الأثير أي نظائرهم وأمثالهم كأنهن شققن منهم ولأن حواء خلقت من آدم عليه
الصلاة والسلام وشقيق الرجل أخوه لأبيه ولأمه لأن شق نسبه من نسبه يعني فيجب الغسل
على المرأة برؤية البلل بعد النوم كالرجل قال الخطابي وفيه من
الفقه إثبات القياس وإلحاق
حكم النظير بالنظير فإن الخطاب إذا ورد بلفظ المذكر كان خطابا للنساء إلا مواضع الخصوص
التي قامت أدلة التخصيص فيها انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجة وأشار
الترمذي إلى أن راويه وهو عبد الله بن عمر بن حفص العمري ضعفه يحيي بن سعيد من قبل
حفظه في الحديث
96 (باب المرأة ترى ما يرى الرجل) من الاحتلام والبلة غير (يرى الرجل) فما حكمها وإنما وضع الباب للمرأة للإشارة إلى الرد
على من منع في حق المرأة دون الرجل كما حكاه ابن المنذر وغيره عن إبراهيم النخعي واستبعد
النووي في شرح المهذب صحته عنه لكن رواه ابن أبي شيبة عنه بإسناد جيد قاله الحافظ
(إن الله لا يستحي من الحق) قال النووي قال أهل العربية يقال استحيا بياء قبل الألف
275

يستحيي بياءين ويقال أيضا يستحي بياء واحدة في المضارع وقال الحافظ في فتح الباري
والمراد بالحياء ههنا معناه اللغوي إذا الحياء الشرعي خير كله وقد تقدم أن الحياء اللغوي تغير
وانكسار وهو مستحيل في حق الله تعالى فيحمل هنا على أن المراد أن الله لا يمر بالحياء في الحق أو
لا يمنع من ذكر الحق انتهى (أرأيت) أي أخبرني (ما يرى الرجل) من المني بعد الاستيقاظ (إذا
وجدت الماء) أي المني بعد الاستيقاظ (فقلت أف لك) قال النووي معناه استحقارا لها ولما
تكلمت به وهي كلمة تستعمل في الاحتقار والاستقذار والإنكار قال الباجي المراد ههنا
الانكار وأصل الأف وسخ الأظفار وفي أف عشر لغات أف بضم الهمزة والحركات الثلاث في
الفاء بغير تنوين وبالتنوين فهذه ستة والسابعة إف بكسر الهمزة وفتح الفاء والثامنة أف على وزن
قل والتاسعة أفي بضم الهمزة وبالياء والعاشرة أفه بضم الهمزة وبالهاء وهذه لغات مشهورات
ذكرهن كلهن ابن الأنباري وجماعات من العلماء ودلائلها مشهورة (وهل ترى ذلك) بكسر الكاف
(المرأة) قال القرطبي إنكار عائشة
وأم سلمة على أم سليم رضي الله عنها قضية احتلام النساء
يدل على قلة وقوعه من النساء وقال ابن عبد البر فيه دليل أنه ليس كل النساء يحتلمن وإلا
لما أنكرت عائشة وأم سلمة ذلك قال وقد يوجد عدم الاحتلام في بعض الرجال إلا أن ذلك في
النساء أوجد وأكثر (فقال تربت يمينك) قال النووي فيه خلاف كثير منتشر جدا للسلف والخلف
من الطوائف كلها والأصح الأقوى الذي عليه المحققون في معناه أنها كلمة أصلها افتقرت ولكن
العرب اعتادت استعمالها غير قاصدة معناها الأصلي فيذكرون تربت يداك وقاتله الله
ما أشجعه ولا أم له ولا أب لك وثكلته أمه وما أشبه هذا من ألفاظهم يقولونها عند إنكار
الشئ أو الزجر عنه أو الذم عليه أو استعظامه أو الحث عليه أو الإعجاب به أي أن أم سليم
فعلت ما يجب عليها من السؤال عن دينها فلم تستحق الانكار واستحققت أنت الانكار
فيه (ومن أين يكون الشبه) بكسر الشين وإسكان الباء والثانية بفتحهما ومعناه أن الولد متولد من
ماء الرجل وماء المرأة فأيهما غلب كان الشبه له وإذا كان للمرأة مني فإنزاله وخروجه منها ممكن
(وكذا روى) أي من
طريق عروة عن عائشة
(ووافق الزهري) مفعول لوافق (مسافع الحجبي)
276

فاعل ومسافع بضم الميم وكسر الفاء والحجبي منسوب إلى الحجبة جمع حاجب والمراد بهم حجبة
البيت الحرام من بني عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرة من قريش (قال عن عروة عن عائشة)
هذه الجملة بيان للموافقة (وأما هشام بن عروة فقال عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم
سلمة أن أم سليم جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفيه أن المراجعة وقعت بين أم سلمة وأم سليم وقد
أخرج الشيخان هذا الحديث من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم
سلمة أن أم سليم الحديث ففيه أيضا أن المراجعة وقعت بين أسلمة وأم سليم وفي رواية
الزهري عن عروة عن عائشة الماضية وكذا في رواية مسافع الحجبي عن عروة عن عائشة أن
المراجعة وقعت بين عائشة وأم سليم فبعضهم جمعوا بين الروايتين وبعضهم رجحوا أحداهما
على الأخرى
أما المؤلف فرجح رواية الزهري حيث أكثر بذكر أسامي الرواة عن الزهري وبين متابعة
مسافع الحجبي للزهري عن عروة عن عائشة وأما القاضي عياض فنقل عن أهل الحديث أن
الصحيح أن القصة وقعت لأم سلمة لا لعائشة وهذا بعد يقتضي ترجيح رواية
هشام بن عروة وهو
ظاهر صنيع الإمام البخاري في صحيحه
وأما النووي فقال في شرح مسلم يحتمل أن تكون عائشة وأم سلمة جميعا أنكرتا على أم
سليم قال الحافظ وهو جمع حسن قلت بل هو متعين لصحة الروايتين في ذلك ولا يمتنع
حضور أم سلمة وعائشة عند النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس واحد والله تعالى أعلم
97 (باب مقدار الماء الذي يجزي به الغسل) وفي بعض النسخ يجزيه في الغسل أي يجزي الغاسل (هو الفرق) بفتح الفاء وفتح الراء
وإسكانها لغتان حكاهما ابن دريد وجماعة والفتح أفصح وزعم
الباجي أنه الصواب وليس كما
قال بل هما لغتان قاله النووي وقال الحافظ وقال ابن التين الفرق بتسكين الراء ورويناه
277

بفتحها وجوز بعضهم الأمرين وقال القعنبي وغيره هو بالفتح والمحدثون يسكنونه وكلام
العرب بالفتح انتهى ويجئ تفسير الفرق مشروحا من الجنابة أي بسبب الجنابة (وروى ابن
عيينة نحو حديث مالك) والحاصل أمالك بن أنس وسفيان بن عيينة كلاهما قالا عن الزهري
بتوقيت وتحديد وهو الغسل من الفرق وقال معمر بلا توقيت وهو قدر الفرق
واعلم أنه ليس الغسل بالصاع أو الفرق للتحديد والتقدير بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما
اقتصر على الصاع وربما زاد عليه والقدر المجزي من الغسل ما يحصل به تعميم البدن على الوجه
المعتبر سواء كان صاعا أو أقل أو أكثر ما لم يبلغ في النقصان إلى مقدار لا يسمى مستعمله مغتسلا
أو إلى مقدار في الزيادة يدخل فاعله في حد الإسراف (يقول الفرق ستة عشر رطلا) الرطل معيار
يوزن به وكسره أفصح من فتحه وهو بالبغدادي اثنتا عشر أوقية والأوقية أستار وثلثا أستار
والأستار أربعة مثاقيل ونصف مثقال والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم والدرهم ستة دوانيق
والدانق ثماني حبات وخمسا حبة على هذا فالرطل تسعون مثقالا وهي مائة درهم وثمانية
وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم كذا في المصباح وقال الجوهري الفرق مكيال معروف
بالمدينة وهو ستة عشر رطلا وفي صحيح مسلم في آخر رواية ابن عيينة عن الزهري قال سفيان
يعين ابن عيينة الفرق ثلاثة آصع قال النووي وكذا قال الجماهير وقيل الفرق صاعان
لكن أبو عبيد نقل الاتفاق على الفرق ثلاثة آصع وعلى أن الفرق ستة عشر رطلا ويؤيد كون
الفرق ثلاثة آصع ما رواه ابن حبان عن عائشة بلفظ قدر ستة عشر رطلا والقسط بكسر القاف وهو
باتفاق أهل اللغة نصف صاع ولا اختلاف بينهم أن الفرق
ستة عشر رطلا فصح أن الصاع خمسة
أرطال وثلث قاله الحافظ (وسمعته) أي قال أبو داود وسمعت أحمد بن حنبل (يقول صاع ابن أبي
بذئب) وهو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة ابن الحارث بن أبي ذئب أحد الأئمة الثقات (خمسة
أرطال وثلث) وهو قول أهل المدينة وأهل الحجاز كافة واستدل لهم بدلائل منها حديث كعب بن
عجرة في الفدية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له صم ثلاثة أيام وأطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف
278

صاع رواه البخاري ومسلم وفي لفظ لهما فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطعم فرقا بين ستة أو يهدي شاة
أو يصوم ثلاثة أيام فقوله نصف صاع حجة لهم والفرق اثني عشر مدا والمد هو ربع الصاع
أو يقال إن الفرق ستة عشر رطلا فثبت بذلك أن الفرق ثلاثة آصع وأن الصاع خمسة أرطال
وثلث ومنها ما أخرجه البيهقي عن الحسين بن الوليد القرشي وهو ثقة قال قدم علينا أبو يوسف
من الحج فقال إني أريد أن أفتح عليكم بابا من العلم أهمني ففحصت عنه فقدمت المدينة
فسألت عن الصاع فقال صاعنا هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لهم ما حجتكم في ذلك
فقالوا نأتيك بالحجة غدا فلما أصبحت أتاني نحو من خمسين شيخا من أبناء المهاجرين
والأنصار مع كل رجل منهم الصاع تحت ردائه كل رجل منهم يخبر عن أبيه وأهل بيته أن هذا
صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظرت فإذا هي سواء قال فعيرته فإذا هو خمسة أرطال وثلث بنقصان
يسير فرأيت أمرا قويا فتركت قول أبي حنيفة في الصاع وأخذت بقول أهل المدينة قال صاحب
التنقيح هذا هو المشهور من قول أبي يوسف وقد روي أن مالكا
رضي الله عنه ناظره واستدل
عليه بالصيعان التي جاء بها أولئك الرهط فرجع أبو يوسف إلى قوله
قلت قول أهل المدينة وأهل الحجاز في مقدار الصاع هو الحق والصحيح من حيث
الرواية ولا يغرنك كلام الطحاوي في شرح معاني الآثار في ذلك الباب فإنه بنى الكلام على
تأويلات بعيدة واحتمالات كاسدة (قال) أبو داود فقلت لأحمد (فمن قال) في تفسير الصاع إنه
(ثمانية أرطال) فقوله صحيح أم لا؟ (قال) أحمد (ليس ذلك) أي كون الصاع ثمانية أرطال
(بمحفوظ) بل هو ضعيف لا يحتج في الأحكام مثله
قلت ذهب العراقيون منهم أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى إلى أن الصاع ثمانية أرطال
واستدل لهم بروايات منها ما أخرجه النسائي عن موسى الجهني قال أتى مجاهد بقدح حزرته
ثمانية أرطال فقال حدثتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بمثل هذا وإسناده صحيح
والجواب عنه بوجوه الأول أن الحزر لا يعارض به التحديد والثاني لم يصرح مجاهد بأن الإناء
المذكور كان صاعا فيحمل على اختلاف الأواني مع تقاربها والثالث أن مجاهدا قد شك في هذا
الحزر والتقدير فقال ثمانية
أرطال تسعة
أرطال عشرة أرطال كما أخرجه الطحاوي فكيف
يعارض التحديد المصرح بهذا الحزر المشكوك وهكذا في كل رواية من الروايات الدالة على كون
الصاع ثمانية أرطال كلام يسقطها عن الاحتجاج وقد بسط أخونا المعظم الأدلة مع الكلام
عليها وحقق أن الصاع الحجازي هو صاع النبي صلى الله عليه وسلم في غاية المقصود
(قال) أبو داود (وسمعت أحمد بن حنبل يقول من أعطى في صدقة الفطر برطلنا هذا
279

خمسة أرطال وثلثا فقد أوفى) أي أتم وأكمل قال ابن رسلان نقل الجمهور على أنه لا فرق في
الصاع بين قدر ماء الغسل وبين زكاة الفطر وتوسط بعض الشافعية فقال الصاع الذي لماء
الغسل ثمانية أرطال والذي لزكاة الفطر وغيرها خمسة أرطال وثلث وهو ضعيف والمشهور أنه لا
فرق انتهى (قيل) لأحمد بن حنبل (الصيحاني) تمر معروف بالمدينة قيل كان كبش اسمه صيحان
يشد بنخلة فنسب إليه قاله ابن رسلان وقال في لسان العرب الصيحاني ضرب من تمر المدينة
قال الأزهري الصيحاني ضرب من التمر أسود صلب المضغة وسمي صيحانيا لأن صيحان اسم
كبش كان ربط إلى نخلة بالمدينة فأثمرت تمرا فنسب إلى صيحان انتهى وفي القاموس وشرحه
الصيحاني ضرب من تمر المدينة نسب إلى صيحان اسم لكبش كان يربط إلى تلك النخلة أو اسم
الكبش الصياح ككتان وهو من تغيرات النسب كصنعاني في صنعاء انتهى (ثقيل) في الوزن فإن
يوزن بخمسة أرطال وثلث رطل يقل مقداره لثقله عند الرائي ولا يملأ به الصاع فهل يكفي
الصاع من الصيحاني الموزون بالرطل في صدقة الفطر (قال) أحمد في جوابه (الصيحاني أطيب)
التمر فيكفي الصاع منه الموزون بالرطل بلا مرية (قالا أدري) يشبه أن يكون المعنى لا أدري
أيهما أثقل قال ابن رسلان في شرح السنن فتكون هذه الجملة من مقولة أحمد أي قال أحمد
الصيحاني أطيب وقال لا أدري أيهما من الماء والصيحاني أثقل هذا معنى قول ابن رسلان
ويحتمل أن تكون الجملة للسائل القائل لأحمد أي قال ذلك القائل إني لا أدري أن الصيحان
أطيب من غيره والأشبه بالصواب عندي أن يقال معنى لا أدري أي قال أحمد لا أدري هل
يكفي أقل من الصاع الذي يكال وإن كان
الصيحاني بوزن خمسة أرطال وثلث أو لا بد أن
يكون بملء الصاع وإن كان وزنه أكثر من خمسة أرطال وثلث وحاصل هذا المعنى أن السائل
قال الصيحاني ثقيل في الوزن فهل يكفي الصيحاني الموزون بالرطل وإن كان دون الصاع قال
أحمد في جوابه الصيحاني أطيب التمر لكن لا أدري هل يكفي أم لا وحاصل المعنى الأول أي
قال أحمد الصيحاني أطيب التمر فيكفي الصاع منه الموزون بالرطل بلا مرية ثم قال أحمد
ولا أدري أيهما من الماء والصيحاني أثقل
280

98 (باب في الغسل من الجنابة)
أي كيف يغتسل من الجنابة (أما أنا فأفيض) أي أسيل (على رأسي ثلاثا) أي ثلاث أكف كما في مسلم ولفظ أحمد في
مسنده أما أنا فآخذ ملأ كفي فأصب على رأسي ثم أفيض بعد على سائر جسدي ورجاله
رجال الصحيح (وأشار بيديه كلتيهما) في هذا الحديث أن الإفاضة ثلاثا باليدين على الرأس وهو
متفق عليه وألحق به سائر الجسد قياسا على الرأس وعلى أعضاء الوضوء وهو أولى بالتثليث من
الوضوء فإن الوضوء مبني على التخفيف مع تكراره فإذا استحب فيه الثلاث ففي الغسل أولى
ولا يعلم في هذا خلاف إلا ما انفرد به الإمام أبو الحسن الماوردي قال يستحب التكرار في
الغسل وهذا قول متروك قاله النووي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن
ماجة
(إذا اغتسل) أي إذا أراد أن يغتسل كما أخرجه الإسماعيلي في مستخرجه على البخاري (من
نحو الحلاب) بكسر الحاء المهملة وتخفيف اللام أي طلب إناء مثل الإناء الذي يسمى الحلاب
قال الخطابي في المعالم الحلاب إناء يسع قدر حلب ناقة وقد ذكر محمد بن إسماعيل رحمه الله
تعالى في كتابه وتأوله
على
استعمال الطيب في الطهور وأحسبه توهم أنه أريد به المحلب الذي
يستعمل في غسل الأيدي وليس الحلاب من الطيب في شئ وإنما هو ما فسرت لك انتهى وقد
وصفه أبو عاصم بأنه أقل من شبر في شبر أخرجه أبو عوانة في صحيحه عنه وفي رواية لابن حبان
وأشار أبو عاصم بكفيه فكأنه حلق بشبريه يصف به دوره الأعلى وفي رواية للبيهقي كقدر كوز
يسع ثمانية أرطال (فأخذ) الماء الذي في الحلاب (بكفيه) وفي بعض النسخ بكفه (فبدأ) صب الماء
281

ابتداء (بشق) بالكسر أي جانب (ثم الأيسر) أي ثم صب الماء على جانب رأسه الأيسر (ثم أخذ
بكفيه) هذه إشارة إلى الغرفة الثالثة كما صرحت به رواية أبي عوانة (فقال بهما على رأسه) فيه
إطلاق القول على الفعل مجازا ومعناه صب الماء بكفيه على رأسه وفي هذا الحديث استحباب
البداءة بالميامن في التطهر قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
(حدثنا جميع بن عمير) كلاهما مصغرا (أحد بني تيم الله بن ثعلبة) معنى تيم الله عبد الله
قاله الجوهري (فسألتها) أي عائشة (إحداهما) أم جميع أو خالته (كيف كنتم تصنعون عند الغسل)
وفي رواية ابن ماجة كيف كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند غسله من الجنابة (ونحن نفيض على
رؤوسنا خمسا من أجل الضفر) بضمتين جمع ضفيرة هي الخصلة من الشعر والذؤابة يقال
ضفرت الشعر ضفرا من باب ضرب جعلته ضفائر كل ضفيرة على حدة بثلاث طاقات فما فوقها
والضفير بغير هاء حبل من شعر كذا في المصباح تقول أم المؤمنين إنا نغسل رؤوسنا خمسا ليصل
الماء إلى أصول الشعر ويتشرب على وجه الكمال وقول عائشة رضي الله عنه هذا ظاهره حكم
الرفع ففيه أن المرأة تغسل رأسها خمس مرار لكن الحديث ضعيف ومع ضعفه معارض
لحديث أم سلمة الآتي في باب المرأة تنقض شعرها عند الغسل بلفظ يكفيك أن تحثي على رأسك
ثلاث حثيات من ماء ثم تفيض على سائر جسدك قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجة
وجميع هذا بضم الجيم وفتح الميم ولا يحتج بحديثه
282

(ثم اتفقا) أي سليمان ومسدد على روايتهما فقالا (وقال مسدد) وحده (يفرغ على شماله) أي
يصب الماء على يده اليسرى ويغسل بها فرجه كما جاء في رواية مسلم (وربما كنت) أي عائشة (عن
الفرج) أي اسمه وذكره لأن الكناية أبلغ من التصريح
والكناية كلام استتر المراد منه بالاستعمال وإن كان معناه ظاهرا في اللغة سواء كان المراد به
الحقيقة أو المجاز فيكون تردد فيما أريد به فلا بد من النية أو ما يقوم مقامها من دلالة الحال
والكناية عند علماء البيان هي أن يعبر عن شئ لفظا كان أو معنى بلفظ غير صريح في الدلالة عليه
لغرض من الأغراض كالإبهام على السامع نحو جاء فلان أو لنوع فصاحة نحو فلان كثير الرماد
أي كثير القرى قاله السيد الشريف في تعريفاته والكناية المذكورة في حديث عائشة لم يصرح بها
مسدد في روايته وإنما ذكرها المؤلف في الرواية الآتية بلفظ غسل مرافغه وذكرها مسلم بلفظ
ثم صب الماء على الأذى الذي به بيمينه وغسل عنه بشماله (فيخلل شعره) أي يدخل أصابعه في
أصول الشعر ليلين الشعر ويرطبه فيسهل مرور الماء عليه (قد أصاب البشرة) بكسر الباء الموحدة
وسكون الشين المعجمة ظاهر جلد الانسان أي أوصل البلل إلى ظاهر جلد الرأس (أو أنقى
البشرة) الشك من أحد الرواة والمعنى واحد (فإذا فضل) من باب نصر أي بقي وفي لغة من باب
تعب وفضل بالكسر يفضل بالضم لغة ليست بالأصل لكنها على تداخل اللغتين قاله أحمد
الفيومي (فضلة) بالضم اسم لما يفضل أي إذا بقي بقية من الماء (صبها عليه) أي صب الفضلة
على جسده أو رأسه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي
(ثم غسل مرافغه) بفتح الميم وكسر الفاء ثم الغين المعجمة هكذا في أكثر النسخ وهي
جمع رفغ بضم الراء وفتحها وسكون الفاء هي المغابن من الآباط وأصول الفخذين وغيرها من
مطاوي الأعضاء وما يجتمع فيه الوسخ والعرق قاله الجوهري وابن الأثير والمراد غسل الفرج
283

فكنت عنه بغسل المرافغ لأن كما جاء في بعض الروايات إذا التقى الرفغان وقد وجب الغسل يريد
التقاء الختانين فكنى عنه بالتقاء أصول الفخذين كذا في النهاية وفي النسختين من المتن مرافقه بالقاف جمع مرفق مكان مرافغه
ووقف على هذه الرواية الشيخ ولي الدين العراقي أيضا ولذا
قال والأولى هي الرواية الصحيحة (وأفاض عليه) أي على رفغه وفرجه (فإذا أنقاهما) أي اليدين
أي صب الماء على فرجه وغسله ثم غسل اليدين وأنقاهما (أهوى بهما إلى حائط) أي أمال وضرب
بهما إلى جدار
من صعيد لتحصل به النقاية الكاملة وفيه إشارة إلى أن ضرب اليدين على الجدار كان بعد غسلهما وانقائهما علي بالماء فغسل أولا بالماء الخالص ثم ذلك يديه على الجدار وتتربهما وغسل
(ثم يستقبل الوضوء) الاستقبال ضد الاستدبار أي يشرع في الوضوء واعلم أن متن هذا
الحديث فيه اختصار وتقديم وتأخير ولعل بعض الرواة قد فعله ذلك والله تعالى أعلم
(لئن شئتم) أيها الراغبون إلى رؤية أثر من آثار النبي صلى الله عليه وسلم (لأرينكم) من الإراءة والنون
الثقيلة (حيث) للزمان أي حين (يغتسل من الجنابة) فيضرب يده عليه مبتلا بالماء ويدلك دلكا
ليذهب الاستقذار منها أو حيث للمكان أي في الموضع الذي كان يغتسل من الجنابة يضرب يده
ثمة على الجدار وكان أثر يد صلى الله عليه وسلم في الجدار الذي دلت عليه عائشة رضي الله عنها كان موجودا في
ذلك الزمان لقرب عهده صلى الله عليه وسلم فأرادت عائشة أن تريهم أثر يده صلى الله عليه وسلم قال المنذري وهذا مرسل
الشعبي لم يسمع من عائشة
غسلا بضم الغين وسكون السين هو الماء الذي يغتسل به كالأكل لما يؤكل وكذلك الغسول
بضم الغين والمغتسل يقال لماء الغسل قال الله تبارك وتعالى هذا مغتسل بارد وشراب
والغسل بالضم اسم أيضا من غسلته غسلا وبالفتح مصدر والغسل بالكسر ما يغسل به الرأس
من خطمي وسدر ونحوهما كما صرح به أهل اللغة (فأكفأ) أي أمال (مرتين أو ثلاثا) الشك من
284

سليمان الأعمش كما أخرج البخاري من طريق أبي عوانة عن الأعمش فغسلها مرة أو مرتين قال
سليمان لا أدري أذكر الثالثة أم لا (ثم ضرب بيده الأرض) فيه دليل على استحباب مسح اليد
بالتراب من الحائط أو الأرض (ثم تمضمض واستنشق) قال الحافظ فيه دليل على مشروعية
المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة وتمسك به الحنفية للقول بوجوبهما وتعقب بأن الفعل
المجرد لا يدل على الوجوب إلا إذا كان بيانا لمجمل تعلق به الوجوب وليس الأمر هنا كذلك قاله
ابن دقيق العيد
قلت قد اختلف العلماء في المضمضة والاستنشاق في الغسل والوضوء هل هما واجبتان أو
سنتان قال الترمذي اختلف أهل العلم فيمن ترك المضمضة والاستنشاق فقال طائفة منهم
إذا تركهما في الوضوء حتى صلى أعاد ورأوا ذلك في الوضوء والجنابة سواء وبه يقول ابن أبي
ليلى وعبد الله بن المبارك وأحمد وإسحاق وقال أحمد الاستنشاق أوكد من المضمضة وقالت
طائفة من أهل العلم يعيد في الجنابة ولا يعيد الوضوء وهو قول سفيان الثوري وبعض أهل
الكوفة وقالت طائفة لا يعيد في الوضوء ولا في الجنابة لأنهما سنة من النبي صلى الله عليه وسلم فلا تجب الإعادة
على من تركهما في الوضوء ولا في الجنابة وهو قول مالك والشافعي انتهى قلت إن المضمضة
والاستنشاق في الوضوء لا يشك شاك في وجوبهما لأن أدلة الوجوب قد تكاثرت قال صلى الله عليه وسلم إذا
توضأت فمضمض وقال عمرو بن عبسة يا نبي الله حدثني عن الوضوء فأعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم
وذكر في تعليمه له المضمضة والاستنشاق فمن تركهما لا يكون متوضئا ولم يحك أحد من
الصحابة أنه صلى الله عليه وسلم تركهما قط ولو بمرة بل ثبت بالأحاديث الصحيحة المشهورة التي تبلغ درجة
التواتر مواظبته صلى الله عليه وسلم عليهما فأمره صلى الله عليه وسلم مع المواظبة عليهما يدل بدلالة واضحة على وجوبهما وأما
وجوبهما في الغسل فهو أيضا ثابت بحديث أبي ذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصعيد الطيب طهور وإن
لم تجد الماء إلى عشر سنين فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك أو قال بشرتك قال الترمذي حديث
حسن صحيح وصححه أبو حاتم فقوله صلى الله عليه وسلم أمسه بشرتك ورد بصيغة الأمر وظاهره الوجوب
وموضع المضمضة هو الفم واللسان وموضع الاستنشاق كلاهما من ظاهر الجلد فيجب إيصال
الماء إليهما وبينته الروايات الأخرى أنه بالمضمضة والاستنشاق والله تعالى أعلم
(ثم تنحى) أي تباعد وتحول عن مكانه (ناحية)
أخرى (فغسل رجليه) وفيه التصريح بتأخير الرجلين في الغسل إلى آخر الغسل وقد جاءت الأحاديث في هذا الباب بثلاثة أنواع
285

النوع الأول ما ليس فيه ذكر غسل الرجلين أصلا بل اقتصر الراوي على قوله ثم توضأ كما
يتوضأ للصلاة كما في حديث عائشة أخرجه البخاري من طريق مالك عن هشام عن أبيه عن
عائشة النوع الثاني ما فيه التصريح بأنه لم يغسل الرجلين قبل إكمال الغسل بل
أخره إلى أن فرغ منه كما في رواية ميمونة أخرجها البخاري في صحيحه من طريق سفيان عن
الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس عن ميمونة النوع الثالث ما فيه
غسل الرجلين مرتين مرة قبل إتمام الغسل في الوضوء ومرة بعد الفراغ من الغسل كما في حديث
عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ثم يفرغ بيمينه على شماله
فيغسل فرجه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر ثم أفاض
على سائر جسده ثم غسل رجليه أخرجه مسلم من طريق أبي معاوية عن هشام عن أبيه عن
عائشة قال الحافظ ابن حجر تحمل الروايات عن عائشة على أن المراد بقولها وضؤه للصلاة
أي أكثره وهو ما سوى الرجلين أو يحتمل على ظاهره ويحتمل أن يكون قولها في رواية أبي
معاوية ثم غسل رجليه أي أعاد غسلهما لاستيعاب الغسل بعد أن كان غسلهما في الوضوء
قال وحديث ميمونة رضي الله عنها من طريق سفيان عن الأعمش مخالف لظاهر رواية عائشة من
طريق مالك عن هشام ويمكن الجمع بينهما إما بحمل رواية عائشة على المجاز كما تقدم وإما بحمله
على حالة أخرى وبحسب اختلاف هاتين الحالتين اختلف نظر العلماء فذهب الجمهور إلى
استحباب تأخير غسل الرجلين في الغسل وعن مالك إن كان المكان غير نظيف فالمستحب
تأخيرهما وإلا فالتقديم وعند الشافعية في الأفضل قولان أصحهما وأشهر هما ومختارهما أنه
يكمل وضوءه قال لأن أكثر الروايات عن عائشة وميمون كذلك انتهى كذا قال وليس في شئ من
الروايات عنهما التصريح بذلك بل هي إما محتملة كرواية توضأ وضوءه للصلاة أو ظاهرة في
تأخيرهما كحديث ميمونة من طريق سفيان عن الأعمش وراويها مقدم في الحفظ والفقه على جميع
من رواه عن الأعمش وقول من قال إنما فعل ذلك مرة لبيان الجواز متعقب فإن في رواية أحمد
عن أبي معاوية عن الأعمش ما يدل على المواظبة ولفظه كان إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل
فرجه فذكر
الحديث وفي آخره ثم يتنحى فيغسل رجليه قال القرطبي الحكمة في تأخير غسل الرجلين ليحصل الافتتاح والاختتام بأعضاء الوضوء
انتهى كلام الحافظ
قلت قال الشارح غسل الرجلين مرتين قبل إتمام الغسل في الوضوء وبعد الفراغ أو
اقتصاره على أحدهما كل ذلك ثابت والذي نختاره هو غسلهما مرتين والله أعلم
286

(فناولته المنديل) بكسر الميم ما يحمل في اليد لإزالة الوسخ ومسح الدرن وتنشيف العرق
وغيرهما من الخدمة وفي رواية للبخاري فناولته ثوبا أي لينشف به ماء الجسد (فلم يأخذه)
المنديل
واعلم أنه اختلف العلماء في التنشيف بعد الوضوء والغسل فكرهه بعضهم واستدلوا
بحديث الباب ولا حجة فيه لأنها واقعة حال يتطرق إليها الاحتمال فيجوز أن يكون عدم الأخذ
لأمر آخر لا يتعلق بكراهة التنشيف بل لأمر يتعلق بالخرقة أو لكونه كان مستعجلا أو لغير ذلك
وبحديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يمسح وجهه بالمنديل بعد الوضوء ولا أبو
بكر ولا عمر ولا علي ولا ابن مسعود أخرجه ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ وفيه سعيد بن ميسرة
البصري قال البخاري منكر الحديث وقال ابن حبان يروي الموضوعات وإن صح فليس
فيه نهيه صلى الله عليه وسلم وغاية ما فيه أن أنسا لم يره وإنما هو إخبار عن عدم رؤيته وهو غير مستلزم للنهي
وذهب بعضهم إلى جواز ذلك بعد الوضوء والغسل واحتجوا بحديث سلمان الفارسي أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فقلب جبة صوف كانت عليه فمسح بها وجهه أخرجه ابن ماجة وإسناده
حسن فهذا الحديث يصلح أن يتمسك به في جواز التنشيف بانضمام روايات أخرى جاءت في هذا
الباب وذهب إليه الحسن بن علي وأنس وعثمان والثوري ومالك قاله الشوكاني
(وجعل ينفض الماء) أي يحرك ويدفع الماء (عن جسده) واستدل له به على طهارة المتقاطر من
أعضاء المتطهر خلافا لمن غلا من الحنفية فقال بنجاسته وقال بعض النفض ههنا محمول على
تحريك اليدين في المشي وهو تأويل مردود وما جاء في النهي عن نفض الأيدي فهو ضعيف
(فذكرت ذلك) أي حكم التنشيف ووجه رده صلى الله عليه وسلم (لإبراهيم) إبراهيم هذا هو النخعي والقائل
له هو سليمان الأعمش كما في رواية أبي عوانة في هذا الحديث أخرجه أحمد بن حنبل والإسماعيلي
في مستخرجه على صحيح البخاري (فقال) إبراهيم (يكرهون العادة) أي يكرهون التنشيف بالماء
لمن يتخذه عادة لا لمن يفعله أحيانا في رواية أحمد لا بأس بالمنديل وإنما رده مخافة أن يصير عادة
(يكرهونه) أي التنشيف (للعادة) فقط وليس كراهة في أصل الفعل (فقال) عبد الله (هكذا هو)
287

أي حديث ميمونة الذي فيه ناولته المنديل فلم يأخذه هكذا في حفظي وجه رده ولا مذاكرة
الأعمش مع شيخه إبراهيم (لكن وجدته) أي توجيه إبراهيم ومذاكرة الأعمش معه (في كتابي
هكذا) ويحتمل عكس ذلك أي حديث ميمونة هكذا في حفظي مع مذاكرة الأعمش مع شيخه
إبراهيم وإنا نحفظها لكن وجدت حديث ميمونة في كتابي هكذا بغير قصة إبراهيم وليس فيه ذكر
لمذاكرتهما فإن وهذا الاحتمال الثاني قرره شيخنا العلامة متعنا الله بطوله بقائه وقت الدرس قال ابن
رسلان قال أصحاب الحديث إذا وجد الحافظ الحديث في كتابه خلاف ما يحفظه فإن كان
حفظه من كتابه فليرجع إلى كتابه وإن حفظه من المحدث أو من القراءة على المحدث وهو
غير شاك في حفظه فليعتمد على حفظه والأحسن أن يجمع بينهما كما فعل عبد الله بن داود
فيقول في حفظي كذا وفي كتابي كذا وكذا فعل شعبة وغير واحد من الحفاظ والله أعلم قال
المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وليس في حديثهم قصة
إبراهيم
(عن شعبة) هو أبو عبد الله بن دينار مولى ابن عباس رضي الله عنه ضعيف (سبع مرار)
هذا الحديث ليس بحجة لكونه ضعيفا وإن صح فيحمل فعل ابن عباس رضي الله عنه من
غسله للأعضاء سبع مرار على ما كان الأمر قبل ذلك كما سيجئ بيانه في الحديث الآتي ثم رفع
ذلك الحكم (ثم يغسل فرجه) كذلك سبع مرار (فنسى) ابن عباس (مرة كم أفرغ) أي على يديه
أو على فرجه أو على أي عضو من أعضاء البدن من الماء (فسألني) ابن عباس وهذه مقولة شعبة (كم
أفرغت) اي أفرغت سبع مرار أو أقل من ذلك (فقال لا أم لك) قال الطيبي لا أم لك ولا أب
لك هو أكثر ما يذكر في المدح أي لا كافي لك غير نفسك وقد يذكر للذم والتعجب ودفعا
للعين انتهى فعلى الذم والسبب يكون المعنى أنت لقيط لا يعرف لك أم فأنت مجهول (وما
يمنعك أن تدري) أي لم لم تنظر إلي حتى تعلم (ثم يقول هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطهر)
الظاهر من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغسل أعضاءه في الغسل سبع مرار لكن الحديث
ضعيف فهذا الحديث لا يستطيع المعارضة للأحاديث الصحاب التي فيها تنصيص أنه صلى الله عليه وسلم
288

يغسل أعضاءه في الغسل ثلاث مرار قال المنذري شعبة هذا هو ابن عبد الله ويقال أبو
يحيى مولى عبد الله بن عباس مدني لا يحتج بحديثه انتهى
(يسأل) ربه عز وجل التخفيف (حتى جعلت الصلاة خمسا) قال الشيخ عبد الحق
الدهلوي الظاهر أن ذلك ليلة المعراج والمشهور أحاديث المعراج في الصحيحين وغيرهما هو ذكر
الصلوات فقط انتهى وأورد الشيخ عبد الوهاب الشعراني حديث ابن عمر هذا في كتابه كشف
الغمة عن جميع الأمة بلفظ كان ابن عمر رضي الله عنه يقول كانت الصلاة خمسين والغسل من
الجنابة سبع مرات وغسل البول من الثوب سبع مرات فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل ربه عز وجل
ليلة الإسراء حتى جعلت الصلاة خمسا وغسل الجنابة مرة وغسل البول مرة قال عبد الحق
الدهلوي وغسل الثوب مرة هو مذهب الشافعي وتثليث الغسل مندوب وعند أبي حنيفة
التثليث في نجاسة غير مرئية واجب قال الفقيه برهان الدين المرغيناني من أجل أئمة الحنيفة
والنجاسة ضربان مرئية وغير مرئية فما كان منها مرئيا فطهارتها
بزوال عينها وما ليس بمرئي فطهارته أن يغسل حتى يغلب على ظن الغاسل أنه قد طهر لأن التكرار لا بد منه للاستخراج وإنما قدروا
بالثلاث لأن غالب الظن يحصل عنده ويتأيد ذلك بحديث إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا
يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا انتهى قال المنذري عبد الله بن عصم ويقال ابن عصمة
نصيبي ويقال كوفي كنيته أبو علوان تكلم فيه غير واحد والراوي عنه أيوب بن خالد أبو سليمان
اليمامي ولا يحتج بحديثه
(إن تحت كل شعرة جنابة) الشعر بفتح الشين وسكون العين للإنسان وغيره فيجمع على
شعور مثل فلس وفلوس وبفتح العين فيجمع على أشعار مثل سبب وأسباب وهو مذكر الواحدة
شعرة بفتح الشين والشعرة بكسر الشين على وزن سدرة شعر الراكب للنساء خاصة قاله في
289

العباب فلو بقيت شعرة واحدة لم يصل إليها الماء بقيت الجنابة (فاغسلوا الشعر) بفتح العين
وسكونها أي جميعه قال الإمام الخطابي ظاهر هذا الحديث يوجب نقض القرون والضفائر إذا
أراد الاغتسال من الجنابة لأنه لا يكون شعره مغسولا إلا إذا أنقضها وإليه ذهب إبراهيم النخعي
وقال عامة أهل العلم إيصال الماء إلى أصول الشعر وإن لم ينقض شعره يجزيه والحديث ضعيف
انتهى قلت واستثنيت المرأة من هذا الحكم كما سيجئ (وأنقوا البشر) من الانقاء أي نظفوا
البشر من الأوساخ لأنه لو منع شئ من ذلك وصول الماء لم ترتفع الجنابة والبشر بفتح الباء
والشين قال إمام أهل اللغة الجوهري في الصحاح البشر ظاهر جلد الانسان وفلان مؤدم مبشر
إذا كان كاملا من الرجال كأنه جمع لين الأدمة وخشونة البشرة وكذا في القاموس والمصباح واما الأدمة فقال الجوهري الأدمة باطن الجلد الذي يلي اللحم وقال في القاموس الأدمة محركة باطن
الجلدة التي تلي اللحم أو ظاهره عليه الشعر قال الخطابي وقد يحتج به من يوجب الاستنشاق في
الجنابة لما في داخل الأنف من الشعر واحتج بعضهم في إيجاب المضمضة بقوله وانقوا البشر فزعم
أن داخل الفم من البشر وهذا خلاف
قول أهل اللغة لأن البشرة عندهم هي ما ظهر من البدن
وأما داخل الأنف والفم فهو الأدمة والعرب تقول فلان مؤدم مبشر إذا كان خشن الظاهر مخبوز
الباطن كذلك أخبرني أبو عمر عن أبي العباس أحمد بن يحيى انتهى كلامه
قلت على تصريح الجوهري داخل الفم والأنف ليس من الأدمة لأن الأدمة على تفسيره
هي باطن الجلد الذي يلي اللحم وداخل الفم والأنف ليس كذلك بل هو مما لا يلي اللحم وليس
هو من الباطن بل هو من الظاهر فالاستدلال على ايجاب المضمضة في الغسل من الجنابة بقوله
صلى الله عليه وسلم وأنقوا البشر صحيح (حديثه منكر) إعلم أن المنكر ينقسم إلى قسمين الأول ما انفرد به
المستور أو الموصوف بسوء الحفظ أو الضعف في بعض مشائخه خاصة أو نحوهم ممن لا يحكم
لحديثهم بالقبول بغير عاضد يعضده بما لا متابع له ولا شاهد وعلى هذا القسم يوجد إطلاق
المنكر لكثير من المحدثين كأحمد والنسائي وإن خولف مع ذلك فهو القسم الثاني من المنكر
وهو المعتمد على رأي أكثر المحدثين ومراد المؤلف بقوله حديثه منكر هو القسم الأول (وهو)
الحارث (ضعيف) وكذا ضعفه آخرون قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجة وقال
الترمذي حديث الحارث بن وجيه حديث غريب لا نعرفه إلا من حديثه وهو شيخ ليس بذاك
وذكر الدارقطني أنه غريب من حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة تفرد به مالك بن دينار
وعنه الحارث بن وجيه وذكر الترمذي أيضا أن الحارث تفرد به عن مالك بن دينار انتهى كلام
المنذري
290

(من ترك موضع شعرة من جنابة) متعلق بترك أي من عضو مجنب (لم يغسلها) الظاهر
بالنظر إلى المعنى أن يكون الضمير لموضع أنثه عمر باعتبار المضاف إليه (فعل) بصيغة المجهول (بها)
الباء للسببية والضمير للتأنيث يرجع إلى الشعرة أو موضعها ولفظ أحمد فعل الله به (كذا وكذا من
النار) كناية عن العدد أي كذا وكذا عذابا أو زمانا (قال علي رضي الله عنه فمن ثم) أي فمن أجل
أن سمعت هذا التهديد (عاديت رأسي) أي فعلت بشعر رأسي فعل العدو بالعدو يعني قطعت
شعر رأسي مخافة أن لا يصل الماء إلى جميع رأسي وقوله عاديت هو كناية عن دوام جز شعر الرأس
وقطعه (وكان) علي (يجز شعره) من الجز بالجيم وتشديد الزاء المعجمة هو قص الشعر والصوف
قال في المصباح جززت الصوف جزا قطعته من باب قتل وقال بعضهم الجز القطع في الصوف
وغيره وقال المنذري وأخرجه ابن ماجة في إسناده عطاء بن السائب وقد وثقه أبو داود السجستاني
وأخرج له البخاري حديثا مقرونا بأبي بشر وقال يحيى بن معين لا يحتج بحديثه وتكلم فيه غيره
وقد كان تغير في آخر عمره وقال الإمام أحمد من سمع منه قديما فهو صحيح ومن سمع منه حديثا
لم يكن بشئ ووافقه على هذه التفرقة غير واحد انتهى كلام المنذري واستدل بحديث علي هذا جواز حلق الرأس ولو دواما ويدل على جواز حلق الرأس حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى
صبيا حلق بعض رأسه وترك بعضه فنهى عن ذلك وقال احلقوا كله أو اتركوا كله أخرجه مسلم
والمؤلف ويجيء بحث ذلك في كتاب الترجل إن شاء الله تعالى
99 (باب الوضوء بعد الغسل)
(يغتسل) من الجنابة (ويصلي) بعد الغسل (الركعتين) قبل الصبح (و) يصلي (صلاة
291

الغداة) أي الصبح (ولا أراه) بالضم أي لا أظنه (يحدث) من الأحداث أي يجدد (وضوءا بعد
الغسل) اكتفاءا بوضوئه الأول قبل الغسل كما في أكثر الروايات أو باندراج ارتفاع الحدث الأصغر
تحت ارتفاع الأكبر بإيصال الماء إلى جميع أعضائه قال الترمذي هذا قول غير واحد من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين أن لا يتوضأ بعد الغسل
قلت لا شك في أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ في الغسل لا محالة فالوضوء قبل إتمام الغسل سنة
ثابتة عنه وأما الوضوء بعد الفراغ من الغسل فلم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم ولم يثبت قال المنذري وأخرج
الترمذي والنسائي وابن ماجة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعد الغسل وفي
حديث ابن ماجة بعد الغسل من الجنابة حسن قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي أنها
تختلف نسخ الترمذي في تصحيح حديث عائشة المذكور وأخرجه البيهقي بأسانيد جيدة وفي
الباب عن ابن عمر مرفوعا وعنه موقوفا أنه قال لما سئل عن الوضوء بعد الغسل وأي وضوء أعم
من الغسل رواه ابن أبي شيبة وروى ابن أبي شيبة أيضا أنه قال لرجل قال له إني أتوضأ بعد
الغسل فقال لقد تعمقت وكذلك كان يقول جابر بن عبد الله والله تعالى أعلم
100 (باب المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل)
أو يكفيها صب الماء على رأسها من غير نقض الضفائر
(قالت إن امرأة من المسلمين) هذا لفظ ابن السرح فلم يصرح من هي (وقال زهير) في
292

روايته (إنها) أي أم سلمة فزهير صرح بأن السائلة هي أم سلمة (أشد) بفتح الهمزة وضم الشين
أي احكم (ضفر رأسي) قال النووي هو بفتح الضاد وإسكان الفاء هذا هو المشهور المعروف
في رواية الحديث والمستفيض عند المحدثين والفقهاء وقال الإمام ابن أبزى وقولهم في حديث أم
سلمة أشد ضفر رأسي يقولونه بفتح الضاد وإسكان الفاء وصوابه ضم الضاد والفاء جمع ضفيرة
كسفينة وسفن وهذا الذي أنكره ليس كما زعمه بل الصواب جواز الأمرين ولكل واحد منهما معنى
صحيح ولكن يترجح فتح الضاد والمعنى أني امرأة أحكم مفتل شعر رأسي (أن تحفني) من الحفن
وهو ملأ الكفين من أي شئ كان أي تأخذي الحفنة من الماء (عليه ثلاثا) أي على رأسك كما في
رواية الترمذي وهذا لفظ ابن السرح (تحثي عليه) تحثي بكسر مثلثة وسكون ياء أصله تحثوين
كتضربين أو تنصرين فحذف حرف العلة بعد نقل حركته أو حذفه وحذف النون للنصب وهو
بالواو والياء يقال حثيت وحثوت لغتان مشهورتان والحثية هي الحفنة وزنا ومعنى (ثم تفيضي على
سائر جسدك فإذا أنت قد طهرت) قال الخطابي فيه دليل على أنه إذا انغمس في
الماء أو جلل به بدنه
عن غير ذلك باليد وإمرار بها عليه أجزأه وهو قول عامة الفقهاء إلا مالك بن أنس فإنه قال في
293

الوضوء إذا غمس يده أو رجله لم يجزه وإن نوى الطهارة حتى يمر يديه على رجليه بدلك بينهما
انتهى ويجيء بيانه مبسوطا في آخر الباب قال في سبل السلام والحديث دليل على أنه لا يجب
نقض الشعر على المرأة في غسلها من جنابة أو حيض وأنه لا يشترط وصول الماء إلى أصوله وهي
مسألة خلاف فعند البعض لا يجب النقض في غسل الجنابة ويجب في الحيض والنفاس لقوله صلى الله عليه وسلم
لعائشة انقضي شعرك واغتسلي وأجيب بأنه معارض بهذا الحديث ويجمع بينهما بأن الأمر بالنقض
للندب أو يجاب بأن شعر أم سلمة كان خفيفا فعلم صلى الله عليه وسلم أنه يصل الماء إلى أصوله وقيل يجب
النقض إن لم يصل الماء إلى أصول الشعر وإن وصل لخفة الشعر لم يجب نقضه أو بأنه إن كان
مشدودا نقض وإلا لم يجب نقضه لأنه يبلغ الماء أصوله وأما حديث بلوا الشعر وأنفقوا البشر
فلا يقوى على معارضة حديث أم سلمة وأما فعله صلى الله عليه وسلم وإدخال أصابعه كما سلف في غسل
الجنابة ففعله لا يدل على الوجوب ثم هو في حق الرجال وحديث أم سلمة في حق النساء هكذا
حاصل ما في الشرح المغربي إلا أنه لا
يخفى أن حديث عائشة كان في الحج فإنها أحرمت بعمرة ثم
حاضت قبل دخول مكة فأمرها صلى الله عليه وسلم أن تنقض رأسها وتمشط وتغتسل وتهل بالحج وهي حينئذ لم
تطهر من حيضها فليس إلا غسل تنظيف لا حيض فلا يعارض حديث أم سلمة أصلا فلا
حاجة إلى هذه التأويلات التي في غاية الركاكة فإن خفة شعر هذه دون هذه يفتقر إلى دليل
294

والقول بأن هذا مشدود وهذا بخلافه والعبارة عنهما من الراوي بلفظ النقض دعوى بغير دليل
انتهى كلام صاحب السبل قلت مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على فعله وزجره على تاركه يفيد الوجوب
فالصحيح أنه في حق الرجال دون النساء والله تعالى أعلم قال المنذري وأخرجه مسلم
والترمذي والنسائي وابن ماجة
(بمعناه) أي ذكر الراوي بمعنى الحديث الأول وزاد فيه هذه الجملة (واغمزي قرونك
عند كل حفنة) قال في النهاية الغمز العصر والكبس باليد أي أكبسي وأعصري ضفائر شعرك
عند كل حفنة من الماء وقال أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي الغمز هو التحريك بشدة
والقرون واحدها قرن وهو شئ مجموع من الشعر من قولك قرنت الشيء بغيره أي جمعته معه
ويحتمل أن يكون ذلك الخمل من الشعر إذا جمعت وفتلت جاءت على هيئة القرون فسميت بها
انتهى قال ابن تيمية فيه دليل على وجوب بل داخل الشعر المسترسل
295

(كانت إحدانا) أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (تعني) أي عائشة بقولها هكذا (بكفيها جميعا) وهذا
تفسير من أحد الرواة (وأخذت) أي إحدانا الماء (بيد واحدة فصبتها) أي اليد الممتلئة من الماء
(على هذا الشق) الأيمن من الرأس (والأخرى) أي اليد الأخرى (على الشق الآخر) وهو الأيسر
وفي هذا الحديث أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقضن ضفائر رؤوسهن عند الاغتسال من الجنابة
قال المنذري وأخرجه البخاري بنحوه
(كنا نغتسل وعلينا الضماد) بكسر الضاد المعجمة وآخره الدال المهملة قال الجوهري
ضمد فلان رأسه تضميدا وسلم أي شده بعصابة أو ثوب ما خلا العمامة وقال في النهاية أصله الشد يقال
ضمد رأسه وجرحه إذا شده بالضماد وهي خرقة يشد بها العضو المؤوف ثم قيل لوضع الدواء على
الجرح وغيره وإن لم يشد انتهى والمراد بالضماد في هذا الحديث ما يلطخ به الشعر مما يلبده
ويسكنه من طيب وغيره لا الخرقة التي يشد بها العضو المؤوف والمعنى كنا نلطخ ضفائر رؤوسنا
بالصمغ والطيب والخطمي وغير ذلك ثم نغتسل بعد ذلك ويكون ما نلطخ
ونضمد به من الطيب
وغيره باقيا على حاله لعدم نقض الضفائر ويحتمل أن يكون المعنى كنا نغسل ونكتفي بالماء الذي
نغسل به الخطمي ولا نستعمل بعده ماء آخر أي نكتفي بالماء الذي نغسل به الخطمي وننوي به
غسل الجنابة ولا نستعمل بعده ماء نخص به الغسل قاله الحافظ ابن الأثير في جامع الأصول
ويؤيده حديث عائشة الآتي من طريق قيس بن وهب من رجل من بني سواءة عنها والله تعالى
أعلم (ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محلات ومحرمات) من الإحلال والإحرام وهما في موضع النصب
296

على الحال من قولها نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو في محل الرفع على أنها خبر لقولها نحن والمعنى كنا
نفعل ذلك المذكور في الحل وعند الإحرام قال المنذري إسناده حسن
(قال قرأت في أصل إسماعيل بن عياش) أي في كتابه وإسماعيل بن عياش وثقه أحمد وابن
معين ودحيم والبخاري وابن عدي في أهل الشام وضعفوه في الحجازيين (وأخبرنا محمد بن
إسماعيل عن أبيه) إسماعيل بن عياش قال في التقريب إنما عابوا عليه أي محمد بن إسماعيل بن
عياش أنه حدث عن أبيه بغير سماع والحاصل أن ابن عوف روى هذا الحديث أولا عن صحيفة
إسماعيل بن عياش بغير سماع وأجازه منه ثم رواه عن ابنه محمد بن إسماعيل بن عياش عن أبيه
إسماعيل وعلى كل حال فالحديث ليس بمتصل الإسناد لأن ابن عوف ومحمد بن إسماعيل كلاهما
لم يسمع من إسماعيل بن عياش (حدثهم) أي جبيرا [جبير] وغيره ممن يروي عن ثوبان (عن
ذلك) أي عن صفة غسل الجنابة (أما الرجل فلينشر رأسه) بالشين المعجمة من النشر هكذا في
عامة النسخ أي ليفرق يقال جاء القوم نشرا أي منتشرين متفرقين (حتى يبلغ) الماء (أصول
الشعر) ولا يحصل بلوغ الماء إلى أصول الشعر إلا بالنقض إن كان ضفيرا وإن لم يكن ضفيرا
فبالانتشار وتفرقة للشعر وهذا الحكم للرجال (وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه) لا نافية أي لا ضرر
على المرأة في ترك نقض شعرها وقيل زائدة فالمعنى لا واجب على المرأة أن تنقض شعرها (لتغرف)
أمر للمؤنث الغائب وهذه جملة مستأنفة (على رأسها ثلاث غرفات) جمع غرفة بفتح الغين مصدر
297

للمرة من غرف إذا أخذ الماء بالكف قاله الطيبي وفي بعض الشروح غرفة بفتح الغين مصدر
وبضم الغين المغروف أي ملء الكف وغرف بالضم جمع غرفة بالضم قال المنذري في إسناده
محمد بن إسماعيل بن عياش وأبوه وفيهما مقال انتهى قال شمس الدين ابن القيم هذا الحديث
رواه أبو داود من حديث إسماعيل بن عياش وهذا إسناد شامي وحديثه عن الشاميين صحيح
انتهى
واعلم أنه اختلف الأئمة رحمهم الله تعالى في نقض المرأة ضفر رأسها على أربعة أقوال
الأول لا يجب النقض في غسل الحيض والجنابة كليهما إذا وصل الماء إلى جميع شعرها
ظاهره وباطنه حتى يبلغ الماء إلى داخل الشعر المسترسل وإلى أصول الشعر وإلى جلد الرأس
وهذا مذهب الجمهور واستدلالهم بحديث علي من ترك موضع شعرة من جنابة الحديث
وبحديث أم سلمة من طريق أسامة ابن زيد عن المقبري عنها وفيه واغمزي قرونك عند كل
حفنة والغمز هو التحريك بشدة وبحديث عائشة في صفة غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه الأئمة
الستة إلا ابن ماجة وفيه يدخل يديه في الإناء فيخلل شعره حتى إذا رأى أنه قد أصاب البشرة أو
أنقى البشرة ولمسلم ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر وللترمذي والنسائي ثم
يشربه الماء وبحديث عائشة أن أسماء سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض وفيه فتدلك حتى
تبلغ شؤون رأسها أخرجه مسلم والمؤلف وبغير ذلك من الأحاديث التي تدل بظاهرها على
دعواهم
الثاني أنها تنقضه بكل حال وهو قول إبراهيم النخعي قال ابن العربي ووجه قوله
وجوب عموم الغسل ولم ير ما ورد من النبي صلى الله عليه وسلم من الرخصة ولو رآه ما تعداه إن شاء الله تعالى
الثالث وجوب النقض في الحيض دون الجنابة وهو قول الحسن وطاوس وأحمد بن حنبل
واحتجاجهم بحديث أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسلت المرأة من حيضتها نقضت شعرها نقضا وغسلته بخطمي وأشنان فإذا اغتسلت من الجنابة صبت على رأسها الماء
وعصرته أخرجه الدارقطني في الأفراد والبيهقي في سننه الكبرى والطبراني في معجمه الكبير
قلت قال في السيل الجرار في إسناده مسلم بن صبيح اليحمدي وهو مجهول وهو غير أبي
الضحى مسلم بن صبيح المعروف فإنه أخرجه الجماعة كلهم وأيضا إقرانه بالغسل الخطمي
وأشنان يدل على عدم الوجوب فإنه لم يقل أحد بوجوب الخطمي ولا الأشنان انتهى وبحديث
عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها وكانت حائضا انقضي شعرك واغتسلي رواه الأئمة الستة وهذا
298

لفظ ابن ماجة وفي رواية البخاري فزعمت أنها حاضت ولم تطهر حتى دخلت ليلة عرفة فقالت
يا رسول الله هذه ليلة عرفة وإنما كنت تمتعت بعمرة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم انقضي رأسك
وامتشطي وأمسكي عن عمرتك الحديث
قلت أجيب بأن الخبر ورد في مندوبات الإحرام والغسل في تلك الحال للتنظيف لا
للصلاة والنزاع في غسل الصلاة ذكره الشوكاني في نيل الأوطار وقال في السيل الجرار
واختصاص هذا بالحج لا يقتضي ثبوته في غيره ولا سيما وللحج مدخلة في مزيد التصييف ثم
اقترانه بالامتشاط الذي لم يوجبه أحد يدل على عدم وجوبه انتهى
الرابع لا يجب النقض على النساء وإن لم يصل الماء إلى داخل بعض شعرها المضفور
ويجب على الرجل إذا لم يصل الماء إلى جميع شعره ظاهره وباطنه من غير نقض وهذا المذهب
الرابع هو القوي من حيث الرواية والدراية فإنك تعلم أن النصوص الصحيحة قد دلت وقام
الاجماع على أن عموم الغسل يجب في جميع الأجزاء من شعر وبشر حتى لا يتم الغسل إن بقي
موضع يسير غير مغسول وهذا الحكم بعمومه يشمل الرجال والنساء لأن النساء شقائق الرجال
لكن رخص الشارع للنساء في ترك نقض ضفر رؤوسهن يدل عليه حديث أم سلمة أنها سألت
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه (قال لا) إنما يكفيك أن
تحثي عليه ثلاث حفنات وكذا قول عائشة عجبا لابن عمرو هذا يأمر النساء إذا اغتسلن أن
ينقضن رؤوسهن أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن الحديث وكذا حديث ثوبان المتقدم وإنما
رخص النبي صلى الله عليه وسلم للنساء لتزداد حاجتهن وأجل مشقتهن فيه في نقض شعورهن المضفورة فحكم
الرجال في ذلك مغاير للنساء فإذا لا يبل الرجال جميع شعورهم ظاهرها وباطنها لا يتم غسلهم
بخلاف النساء فإنهن إذا صببن على رؤوسهن ثلاث حثيات تم غسلهن وإن لم يصل الماء إلى داخل
بعض شعورهن المضفورة وأما الضفر للرجال فكان أقل القليل ونادرا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعهد الصحابة فلذا ما دعت حاجتهم لسؤاله إلى النبي صلى الله عليه وسلم وما اضطروا لاظهار مشقتهم لديه فلم
يرخص لهم في ذلك وبقي لهم حكم تعميم غسل الرأس على وجوبه الأصلي وأما الجواب عن
حديث عائشة أن أسماء بنت شكل سألت
النبي صلى
الله عليه وسلم وفيه فتدلكه دلكا شديدا حتى يبلغ الماء
أصول شعرها فمن وجهين الأول أن هذا الحديث أخرجه الشيخان من طريق منصور بن
صفية عن أمه عن عائشة ولم يذكر منصور هذه الجملة وأنما أتى بها إبراهيم بن المهاجر وهو ليس
بقوي وأخرجه مسلم في المتابعات والثاني أنه يحمل حديث أم سلمة على الرخصة وحديث
أسماء بنت شكل على العزيمة فلا منافاة والله تعالى أعلم والبسط في غاية المقصود
299

(باب في الجنب يغسل رأسه بالخطمي)
هو بكسر الخاء
المعجمة الذي يغسل به
الرأس كذا للجوهري وقال الأزهري هو بفتح الخاء ومن قال خطمي بالكسر فقد لحن قاله ابن رسلان وقال الطيبي هو بكسر خاء نبت يغسل به الرأس (عن رجل من بني سواءة) بضم السين على وزن خرافة (كان يغسل رأسه بالخطمي وهو
جنب) أي في حال الجنابة (يجتزي بذلك) قال ابن رسلان أي أنه كان يكتفي بالماء المخلوط به
الخطمي الذي يغسل به وينوي به غسل الجنابة ولا يستعمل بعده ماءا آخر صاف يخص به
الغسل وهذا فيما إذا وضع السدر أو الخطمي على الرأس وغسله به فإنه يجزي ذلك ولا يحتاج إلى
أن يصب عليه الماء ثانيا مجردا للغسل وإنما إذا طرح السدر في الماء ثم غسل به رأسه فإنه لا يجزيه
ذلك بل لا بد من الماء القراح بعده فليتنبه لذلك لئلا يلتبس ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم غسل رأسه بالماء
الصافي قبل أن يغسله بالخطمي فارتفعت الجنابة عن رأسه ثم يغسل سائر الأعضاء ويحتمل أن
الخطمي كان قليلا والماء لم يفحش تغيره انتهى كلام ابن رسلان (ولا يصب عليه الماء) قال ابن
رسلان الضمير في عليه عائد إلى الخطمي ولم يتعرض لإفاضة الماء على جسده ويحتمل أن يكون
الضمير في عليه عائدا إلى رأسه أي يصب الماء الذي يزيل به الخطمي ولا يصب على رأسه الماء
الآخر بعد إزالته قال المنذري رجل من بني سواءة مجهول قيل يكتفي بالماء الذي يغسل به
الخطمي وينوي غسل الجنابة ولا يستعمل بعده ماء آخر يخص به الغسل انتهى
(باب فيما يفيض) بفتح أوله من باب ضرب أي يسيل
(بين الرجل والمرأة من الماء) أي المني أو المذي (من الماء) قال ابن رسلان يعني أنه سأل
300

عائشة رضي الله عنها عن الماء الذي ينزل بين الرجل والمرأة من المذي والمني ما حكمه (يصب على
الماء) الذي ينزل منه عند مباشرتها ويروى يصب علي بتشديد الياء قاله ابن رسلان (كفا من ماء)
يعني الماء الباقي منه وفيه حجة لما ذهب إليه أحمد بن حنبل في المذي أنه يكفي في غسله
رش كف من ماء كذا في شرح ابن رسلان
وقال السيوطي في مرقاة الصعود قال الشيخ ولي الدين العراقي الظاهر أن معنى الحديث
أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا حصل في ثوبه أو بدنه مني يأخذ كفا من ماء فيصبه على المني لإزالته عنه ثم بقية
ماء في الإناء فيصبه عليه لإزالة الأثر وزيادة تنظيف المحل فقولها يأخذ كفا من ماء تعني الماء
المطلق يصب على الماء تعني المني ثم يصبه تعني بقية الماء الذي اغترف منه كفا عليه أي على
المحل هذا ما ظهر لي في هذا المقام في معناه ولم أر من تعرض شرحه هذا آخر كلام
السيوطي قال المنذري وفيه أيضا رجل مجهول
(باب مؤاكلة الحائض) أي الأكل مع الحائض (ومجامعتها) أي مخالطتها في البيت وقت الحيض ماذا حكمها (ولم
يؤاكلوها) أي لم يأكلوا معها
ولم تأكل معهم (ولم يجامعوها في البيت) أي لم يخالطوها ولم يساكنوها
في بيت واحد قاله النووي (عن ذلك) أي فعل اليهود مع نسائهم من ترك المؤاكلة والمشاربة
والمجالسة معها (عن المحيض) أي الحيض أو مكانه ماذا يفعل بالنساء فيه قل هو أذى قذر أو
محله أي شئ يتأذى به أي برائحته (فاعتزلوا النساء) أي اتركوا وطئهن (في المحيض) أي وقته أو
مكانه والمراد من هذا الاعتزال ترك المجامعة لا ترك المجالسة والملابسة (جامعوهن في البيوت)
أي خالطوهن في البيوت بالمجالسة والمضاجعة والمؤاكلة والمشاربة (واصنعوا كل شئ) من أنواع
301

الاستمتاع كالمباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة بالذكر أو القبلة أو المعانقة أو اللمس أو غير
ذلك (غير النكاح) قال الطيبي إن المراد بالنكاح الجماع إطلاق لاسم السبب باسم المسبب
لأن عقد النكاح سبب للجماع انتهى وقوله اصنعوا كل شئ هو تفسير للآية وبيان لاعتزلوا
فإن الاعتزال شامل للمجانبة عن المؤاكلة والمصاحبة والمجامعة فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد
بالاعتزال ترك الجماع فقط لا غير ذلك (فقالت اليهود ما يريد هذا الرجل) يعنون به نبينا
محمدا صلى الله عليه وسلم (أن يدع) من ودع أي يترك (إلا خالفنا فيه) أي في الأمر الذي نفعله (فجاء أسيد بن
حضير) بلفظ التصغير (وعباد بن بشر) بكسر الباء وسكون الشين وهما صحابيان مشهوران
(تقول كذا وكذا) في ذكر مخالفتك إياهم في مؤاكلة الحائض ومشاربتها ومصاحبتها (أفلا
ننكحهن في المحيض) أي أفلا نباشرهن بالوطء في الفرج أيضا لكي تحصل المخالفة التامة
معهم والاستفهام إنكاري (فتمعر) كتغير وزنا ومعنى قال الخطابي معناه تغير والأصل
في التمعر قلة النضارة وعدم إشراق اللون ومنه مكان معر وهو الجدب الذي ليس فيه خصب
(حتى ظننا) قال الخطابي يريد علمنا فالظن الأول حسبان والآخر علم ويقين والعرب
تجعل الظن مرة حسبانا ومرة علما ويقينا وذلك لاتصال طرفيهما فمبدأ العلم ظن وآخره علم
ويقين قال الله عز وجل الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم معناه يوقنون (أن قد وجد عليهما)
يقال وجد عليه يجد وجدا وموجدة بمعنى غضب (فاستقبلتهما هدية من لبن) أي جاءت مقابلة
لهما في حال خروجهما من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فصادف خروجهما مجيء الهدية مقابلة لهما
(فبعث) النبي صلى الله عليه وسلم (في آثارهما) أي وراء خطاهما صلى الله عليه وسلم لطلبهما فرجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم (فسقاهما) من
ذلك اللبن المهدى إليه (فظننا أنه) صلى الله عليه وسلم (لم يجد عليهما) أي لم يغضب غضبا شديدا باقيا بل
زال غضبه سريعا والحديث فيه مسائل الأولى جواز الاستمتاع من الحائض غير الوطء
والمؤاكلة والمجانسة معها والثانية الغضب عند انتهاك محارم الله تعالى الثالثة سكوت التابع
عند غضب المتبوع وعدم مراجعته له بالجواب إن كان الغضب للحق الرابعة المؤانسة
والملاطفة بعد الغضب على من غضب إن كان أهلا لها وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي
وابن ماجة
302

(أتعرق العظم) يقال عرقت العظم وتعرقته واعترقته إذا أخذت عنه اللحم بأسنانك
أي آخذ ما على العظم من اللحم بأسناني (فأعطيه) أي ذلك العظم الذي أخذت منه اللحم
(فيضع) النبي صلى الله عليه وسلم (وضعته) فمي (فأناوله) أي أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث نص صريح
في المؤاكلة والمشاربة مع الحائض وأن سؤرها وفضلها طاهران وهذا هو الصحيح خلافا
للبعض كما أشار إليه الترمذي وهو مذهب ضعيف قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي
وابن ماجة
(في حجري) بفتح المهملة وسكون الجيم ويجوز كسر أوله (فيقرأ وأنا حائض) قال النووي
فيه جواز قراءة القرآن مضطجعا ومتكئا على الحائض وبقرب موضع النجاسة انتهى قال
المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة
104 (باب الحائض تناول)
أي تأخذ شيئا (من المسجد) وهي خارجة من المسجد وتعطيه رجلا آخر سواء كان ذلك
الرجل في المسجد أو خارجه (ناوليني) أي أعطيني (الخمرة) بضم الخاء وإسكان الميم قال
الخطابي هي السجادة التي يسجد عليها المصلي ويقال سميت بها لأنها تخمر وجه المصلي عن
الأرض أي تستره وصرح جماعة بأنها لا تكون إلا قدر ما يضع الرجل حر وجهه في سجوده وقد
جاء في سنن أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنه قال جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة فجاءت
بها فألقتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدا عليها فأحرقت منها موضع درهم
303

فهذا تصريح بإطلاق الخمرة على ما زاد على قدر الوجه وفي النهاية لابن الأثير هي مقدار ما
يضع عليه وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة خوص ونحوه من النبات وفي حديث الفأرة
تصريح في إطلاق الخمرة على الكبير منها (من المسجد) اختلف في متعلقه فبعضهم قالوا
متعلق بناوليني وآخرون قالوا متعلق بقال أي قال لي النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد ذهب القاضي
عياض إلى الثاني وقال معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها من المسجد أي وهو في المسجد لتناوله إياها
من خارج المسجد لا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تخرج الخمرة من المسجد لأنه صلى الله عليه وسلم كان معتكفا في
المسجد وكانت عائشة في حجرتها وهي حائض لقوله صلى الله عليه وسلم إن حيضتك ليست في يدك فإنما
خافت من إدخال يدها المسجد ولو كان أمرها بدخول المسجد لم يكن لتخصيص اليد معنى قاله
النووي وذهب إلى الأول المؤلف والنسائي والترمذي وابن ماجة والخطابي وأكثر الأئمة قلت
هو الظاهر من حديث عائشة المذكور ليس فيه خفاء وهو الصواب وعليه تحمل رواية النسائي من
طريق منبوز عن أمه أن ميمونة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجر إحدانا فيتلو القرآن
وهي حائض وتقوم إحدانا بالخمرة إلى المسجد فتبسطها وهي حائض والحديث إسناده قوي
والمعنى أنه تقوم إحدانا بالخمرة إلى المسجد ونقف خارج المسجد فتبسطها وهي حائض خارجة من
المسجد (إن حيضتك ليست في يدك) قال النووي هو بفتح الحاء هذا هو المشهور في
الرواية وهو الصحيح وقال الإمام أبو سليمان الخطابي المحدثون يقولونها بفتح الخاء وهو
خطأ وصوابها بالكسر أي الحالة والهيئة وأنكر القاضي عياض هذا على الخطابي وقال
الصواب ههنا ما قاله المحدثون من الفتح لأن المراد الدم وهو الحيض بالفتح بلا شك لقوله
صلى الله عليه وسلم ليست في يدك معناه أن النجاسة التي يصان المسجد عنها وهي دم الحيض ليست في
يدك وهذا بخلاف حديث أم سلمة فأخذت ثياب حيضتي فإن الصواب فيه الكسر هذا
كلام القاضي عياض وهذا الذي اختاره من الفتح هو الظاهر ههنا ولما قاله الخطابي وجه
انتهى كلام النووي قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وأخرجه ابن ماجة من
حديث عبد الله البهي
105 (باب في الحائض لا تقضي الصلاة)
أيام حيضتها
304

(فقالت أحرورية أنت) بفتح الحاء المهملة وضم الراء الأولى قال السمعاني هو موضع على
ميلين من الكوفة كان أول اجتماع الخوارج به قال الهروي تعاقدوا في هذه القرية فنسبوا إليها
قاله النووي وفي فتح الباري ويقال لمن يعتقد مذهب الخوارج حروري لأن أول فرقة منهم
خرجوا على علي رضي الله عنه بالبلدة المذكورة فاشتهروا بالنسبة إليها وهم فرق كثيرة لكن من
أصولهم المتفق عليها بينهم الأخذ بما دل عليه القرآن ورد ما زاد عليه الحديث مطلقا ولذا
استفهمت عائشة معاذة استفهام إنكار (فلا نقضي) الصلاة (ولا نؤمر) بصيغة المجهول
(بالقضاء) أي بقضاء الصلاة الفائتة زمن الحيض ولو كان القضاء واجبا لأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم به
قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة
(وزاد) معمر عن أيوب (فيه) أي في هذا الحديث قال الحافظ في الفتح والذي ذكره
العلماء في الفرق بين الصيام والصلاة أن الصلاة تتكرر فلم يجب قضاؤها للحرج بخلاف
الصيام
106 (باب في إتيان الحائض) بالجماع في فرجها ما حكمه
(يتصدق بدينار أو نصف دينار) يكون ذلك كفارة لإثمه (هكذا الرواية الصحيحة قال
305

دينارا ونصف دينار) أي رواية ابن عباس بلفظ دينار أو نصف دينار بحرف أو على التخيير هي
الرواية الصحيحة وأما الرواية الأخرى التي فيها التفصيل أو الاقتصار على نصف دينار فليست
مثلها في الصحة (وربما لم يرفعه شعبة) بل رواه موقوفا على ابن عباس رضي الله عنه
(عن مقسم عن ابن عباس) موقوفا عليه (إذا أصابها) إذا جامعها (في الدم) وفي بعض
النسخ في أول الدم (وكذلك) أي مثل رواية علي بن الحكم
306

(فليتصدق بنصف دينار) فيه اقتصار على نصف دينار (وكذا) أي مثل رواية خصيف
بالاقتصار على نصف دينار (بذيمة) بفتح الموحدة وكسر المعجمة (أمره أن يتصدق بخمسي دينار)
هذا الحديث مختصر وأخرجه الدارمي بتمامه عن عبد الحميد بن زيد بن الخطاب قال كان لعمر بن
الخطاب امرأة تكره الجماع فكان إذا أراد أن يأتيها اعتلت عليه بالحيض فوقع عليها فإذا هي صادقة
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يتصدق بخمسي دينار (وهذا معضل) بفتح الضاد على صيغة اسم المفعول
وهو ما سقط من سنده اثنان فصاعدا لكن لا بد أن يكون سقوط اثنين على التوالي فلو سقط
واحد من موضع وآخر من موضع اخر من السند لم يكن معضلا بل منقطع قال المنذري
وأخرجه الترمذي وابن ماجة مرفوعا وقال الترمذي قد روي عن ابن عباس موقوفا ومرفوعا
307

وأخرجه النسائي مرفوعا وموقوفا ومرسلا وقال الخطابي قال أكثر العلماء لا شئ عليه ويستغفر
الله وزعموا أن هذا الحديث مرسل أو موقوف على ابن عباس ولا يصح متصلا مرفوعا والذمم
بريئة إلا أن تقوم الحجة بشغلها هذا آخر إذا كلامه وهذا الحديث قد وقع الاضطراب في إسناده
ومتنه فروي مرفوعا وموقوفا ومرسلا ومعضلا وقال عبد الرحمن بن مهدي قيل لشعبة إنك كنت
ترفعه قال إني كنت مجنونا فصححت وأما الاضطراب في متنه فروي بدينار أو نصف دينار على
الشك وروي يتصدق بدينار فإن لم يجد فبنصف دينار وروي التفرقة بين أن يصيبها في الدم
أو انقطاع الدم وروي يتصدق بخمسي دينار وروي بنصف دينار وروي إذا كان دما أحمر فدينار
وإن كان دما أصفر فنصف دينار وروي إن كان الدم عبيطا فليتصدق بدينار وإن كان صفرة
فنصف دينار انتهى كلام المنذري
قلت وأحاديث الباب تدل على وجوب الكفارة على من وطئ امرأته وهي حائض قال
الخطابي في المعالم ذهب إلى إيجاب الكفارة عليه غير واحد من العلماء منهم قتادة وأحمد بن حنبل
وإسحاق وقال به الشافعي قديما ثم قال في الجديد لا شئ عليه
قلت ولا ينكر أن يكون فيه
كفارة لأنه وطء محظور كالوطء في رمضان وقال أكثر العلماء لا شئ عليه ويستغفر الله
وزعموا أن هذا الحديث مرسل أو موقوف على ابن عباس ولا يصح متصلا مرفوعا والذمم بريئة
إلا أن تقوم الحجة بشغلها وكان ابن عباس يقول إذا أصابها في فور الدم تصدق بدينار وإن كان
في آخره فنصف دينار وقال قتادة دينار للحائض ونصف دينار إذا أصابها قبل أن يغتسل وكان
أحمد بن حنبل يقول هو مخير بين الدينار ونصف الدينار وروي عن الحسن أنه قال عليه ما على
من وقع على أهله في شهر رمضان انتهى كلامه بحروفه
107 (باب في الرجل يصيب منها) من المرأة الحائض (ما دون الجماع) من ملابستها من السرة إلى الركبة
(عن ندبة مولاة ميمونة) قال الحافظ في التقريب ندبة بضم النون ويقال بفتحها وسكون
308

الدال بعدها موحدة ويقال بموحدة أولها مع التصغير مقبولة (يباشر المرأة) المباشرة هي الملامسة
والمعاشرة وفي رواية لمسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضطجع معي وأنا حائض وبيني وبينه ثوب (إذا
كان عليها إزار) وهو ما يستر به الفروج (إلى أنصاف الفخذين) الأنصاف جمع نصف وهو أحد
شقي الشيء وإنما عبر بالجمع لما تقرر من أنه إذا أريد إضافة مثنى إلى المثنى يعبر عن الأول بلفظ
الجمع كقوله تعالى فقد صغت قلوبكما (أو الركبتين) هكذا في الأصول المعتمدة بلفظ أو
للتخيير وفي سنن النسائي والركبتين بالواو وهو بمعنى أو والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم يضاجع المرأة
من نسائه وهي حائض ويستمتع بها إذا كان عليها إزار يبلغ أنصاف فخذيها أو ركبتيها (تحتجز)
309

تلك المرأة (به) بالإزار وهذه جملة حالية والحجز المنع والحاجز الحائل بين الشيئين أي تشد
الإزار فقال على وسطها لتصون أي العورة وما لا يحل مباشرته عن قربانه صلى الله عليه وسلم ولا تنفصل مئزرها عن
العورة ويجيء تحقيق المذاهب والقول المحقق في آخر الباب قال المنذري وأخرجه النسائي
(أن تتزر) أي تشد إزارا يستر سرتها وما تحتها إلى الركبة فما تحتها وقوله تتزر بتشديد المثناة
الفوقانية قال الحافظ وللكشمهيني أن تأتزر بهمزة ساكنة وهي أفصح ويأتي حديث عائشة
أيضا في آخر الباب بلفظ يأمرنا أن نتزر وهو بفتح النون وتشديد المثناة الفوقانية وأنكره أكثر النحاة وأصله فنأتزر بهمزة ساكنة بعد النون المفتوحة ثم المثناة الفوقانية على وزن افتعل قال ابن
هشام وعوام المحدثين يحرفونه فيقرؤون بألف وتاء مشددة أي أتزر ولا وجه له لأنه افتعل ففاؤه همزة ساكنة بعد المفتوحة وقطع الزمخشري بخطأ الإدغام وقد حاول ابن مالك جوازه
وقال إنه مقصور على السماع كاتكل ومنه قراءة ابن محيض فليؤد الذي أئتمن بهمزة وصل وتاء
مشددة وعلى تقدير أن يكون خطأ فهو من الرواة عن عائشة فإن صح عنها كان حجة في الجواز
لأنها من فصحاء العرب وحينئذ فلا خطأ نعم نقل بعضهم أنه مذهب الكوفيين وحكاه
الصغاني في مجمع البحرين كذا في الفتح والإرشاد (ثم يضاجعها زوجها وقال مرة يباشرها) قال
السيوطي قال الشيخ ولي الدين العراقي انفرد المؤلف بهذه الجملة الأخيرة وليس في رواية بقية
الأئمة ذكر الزوج فيحتمل الوجهان أحدهما أن يكون أرادت بزوجها النبي صلى الله عليه وسلم فوضعت الظاهر
موضع المضمر وعبرت عنه بالزوج ويدل على ذلك رواية البخاري وغيره وكان يأمرني فأتزر
فيباشرني وأنا حائض والآخر أن يكون قولها أو لا يأمر إحدانا لا من حيث أنها إحدى أمهات
المؤمنين بل من حيث أنها إحدى المسلمات والمراد أن يأمر كل مسلمة إذا كانت حائضا أن تتزر
ثم يباشرها زوجها لكن جعل الروايات متفقة أولى ولا سيما مع اتحاد المخرج ومع أنه إذا ثبت
هذا الحكم في حق أمهات المؤمنين ثبت في حق سائر النساء انتهى فشعبة شاك فيه مرة يقول
ثم يضاجعها زوجها ومرة يقول ثم يباشرها والله أعلم قال المنذري وأخرجه
البخاري ومسلم
والترمذي والنسائي وابن ماجة بمعناه مختصرا ومطولا
310

(في الشعار الواحد) الشعار بكسر الشين ما يلي الجسد من الثياب شاعرتها نمت معها في
الشعار الواحد كذا في المصباح وفيه دليل على جواز مباشرة الحائض والاضطجاع معها في
الثوب الواحد وهو الشعار من غير إزار يكون عليها (وأنا حائض طامث) قال الجوهري طمثت
المرأة تطمث بالضم وطمثت بالكسر لغة فهي طامث انتهى فقوله طامث تأكيد لقوله حائض
(فإن أصابه مني شئ) ن دم الحيض (ولم يعده) بإسكان العين وضم الدال أي لم يجاوز موضع
الدم إلى غيره بل يقتصر على موضع الدم (وإن أصاب تعني ثوبه) هذا تفسير من بعض الرواة
أظهر مفعول أصاب أي إن أصاب ثوبه صلى الله عليه وسلم بعد العود (منه) من الدم وفي بعض النسخ مني كما
في الرواية للنسائي الآتية (شئ) فاعل أصاب وأخرجه النسائي من رواية محمد بن المثنى عن
يحيى بن سعيد القطان بإسناده ولفظ النسائي أصرح في المراد من لفظ المؤلف وأوضح ولفظه
كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا طامث فإن أصابه مني شئ غسل مكانه ولم
يعده وصلى فيه ثم يعود فإن أصابه مني شئ فعل مثل ذلك غسل مكانه ولم يعده وصلى فيه فمفاد
الروايتين واحد وليس في رواية المؤلف ثم يعود لكنه مراد والأحاديث يفسر بعضها بعضا وقال
المنذري وأخرجه النسائي وهو حسن
(عن عمارة) بضم العين (ابن غراب) بضم الغين قال في التقريب هو مجهول
(مسجد بيته) أي الموضع الذي اتخذه في البيت للصلاة (حتى غلبتني عيني) أي نمت (فقال ادني)
من دنا يدنو أي اقربي رسول (وحنيت عليه) أي عطفت ظهري وكببت عليه (حتى دفئ) دفئ يدفأ
311

مهموز من باب تعب أي سخن بملاقاة البشرة وملامستها وإيصال الحرارة الحاصلة منها قال
المنذري عمارة بن غراب والراوي عنه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي والراوي عن
الأفريقي عبد الله بن عمر بن غانم وكلهم لا يحتج بحديثه انتهى
(عن المثال) بكسر الميم ثم الثاء المثلثة قال الجوهري المثال هو الفراش (على الحصير)
قال في المصباح الحصير البارية وجمعها حصر مثل بريد وبرد (فلم نقرب) قال الطيبي والحديث
منسوخ إلا أن يحمل القرب على الغشيان انتهى قلت التأويل هو
المتعين لتجتمع الروايات
(كان إذا أراد من الحائض شيئا) من الاستمتاع والمباشرة (ألقى على فرجها ثوبا) ليكون
حائلا وحاجزا من مس البشرتين قال في الفتح إسناده قوي
(يأمرنا في فوح حيضتنا) فوح بفتح الفاء وسكون الواو ثم الحاء المهملة قال الخطابي فوح
الحيض معظمه وأوله مثله فوعة الدم يقال فاح وفاع بمعنى وجاء في الحديث النهي عن السير في
312

أول الليل حتى تذهب فوعته يريد إقبال ظلمته كما جاء النهي عن السير حتى تذهب فحمة العشاء
انتهى كلامه وقولها (حيضتنا) بفتح الحاء أي الحيض (يملك إربه) قال الخطابي يروى على وجهين
أحدهما الإرب مكسورة الألف والآخر الأرب مفتوحة الألف والراء وكلاهما معناه وطر النفس
وحاجتها انتهى والمراد أنه صلى الله عليه وسلم كان أملك الناس لأمره فلا يخشى عليه ما يخشى على غيره من
أن يحوم حول الحمى ومع ذلك فكان يباشر فوق الإزار تشريعا لغيره ممن ليس بمعصوم
واعلم أن المؤلف رحمه الله أورد في هذا الباب سبعة أحاديث فبعضها يدل على جواز
الاستمتاع من الحائض بما فوق الإزار وعدم جوازه بما عداه وبعضها على جواز الاستمتاع من
غير تخصيص بمحل دون محل من سائر البدن وبعضها يدل على جوازه أيضل لكن مع وضع شئ
على الفرج قال العلماء إن مباشرة الحائض أقسام أحدها أن يباشرها بالجماع في الفرج وهذا حرام
بالإجماع بنص القرآن والسنة الصحيحة الثاني أن يباشرها بما فوق السرة وتحت الركبة بالذكر
والقبلة واللمس وغير ذلك وهو حلال باتفاق العلماء الثالث المباشرة فيما بين السرة في غير
القبل والدبر وفيه ثلاثة أوجه لأصحاب الشافعي الأشهر منها التحريم وذهب إليه مالك وأبو
حنيفة وهو قول أكثر العلماء والثاني عدم التحريم مع الكراهة قال النووي وهذا الوجه أقوى من
حيث الدليل وهو المختار والثالث إن كان المباشر يضبط نفسه عن الفرج ويثق من نفسه باجتنابه
إما لضعف شهوته أو لشدة ورعه جاز وإلا لم يجز وممن ذهب إلى الجواز عكرمة ومجاهد والحسن
والشعبي وإبراهيم النخعي والحكم وسفيان الثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن
راهويه ومحمد بن الحسن من الحنفية ورجحه الطحاوي وهو اختيار أصبغ من المالكية وغيرهم
قلت ما ذهب إليه هذه الجماعة من جواز المباشرة بالحائض بجميع عضوها ما خلا الجماع
هو قول موافق للأدلة الصحيحة والله تعالى أعلم
108 (باب في المرأة تستحاض) وقال الجوهري استحيضت المرأة استمر بها الدم بعد أيامها فهي مستحاضة (ومن قال
تدع) أي تترك (الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيض) في أيام الصحة قبل حدوث العلة
313

(تهراق الدماء) بالنصب على التميز وتهراق بصيغة المجهول ونائب فاعله ضمير فيه يرجع
إلى المرأة أي تهراق هي الدماء ويجوز الرفع بتقدير تهراق دماؤها والبدل من الإضافة والهاء في
هراق بدل من همزة أراق يقال أراق الماء يريقه وهراقه يهريقه بفتح الهاء هراقة قاله ابن الأثير
الجزري (فإذا خلفت ذلك) من التخليف أي تركت أيام الحيض الذي كانت تعهده وراءها
(فلتغتسل) أي غسل انقطاع الحيض (ثم لتستثفر بثوب) أي تشد فرجها بخرقة بعد أن تختشي
قطنا وتوثق طرفي الخرقة فشئ تشده على وسطها فيمنع ذلك سيل الدم مأخوذ من ثفر الدابة
بفتح الفاء الذي يجعل تحت ذنبها (ثم لتصلي) هكذا في النسختين من المنذري قال الحافظ ولي
الدين العراقي هو بإثبات الياء للاشباع كقوله تعالى إنه من يتقي ويصبر انتهى قلت
وهكذا بإثبات الياء في نسخ الموطأ وأما في نسخ السنن الموجودة عندي فباسقاط الياء بلفظ ثم
لتصل واحتج بهذا الحديث من قال إن المستحاضة المعتادة ترد لعادتها ميزت أم لا وافق تميزها
عادتها أو خالفها قال الإمام الخطابي هذا حكم المرأة ويكون
لها من الشهر أيام معلومة تحيضها
في أيام الصحة قبل حدوث العلة ثم تستحاض فتهريق الدماء ويستمر بها السيلان أمرها
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تدع الصلاة من الشهر قدر الأيام التي كانت تحيض قبل أن يصيبها ما أصابها
فإذا استوفت عدد تلك الأيام اغتسلت مرة واحدة وحكمها حكم الطواهر في وجوب الصلاة
والصوم عليها وجواز الطواف إذا حجت وغشيان الزوج إياها إلا أنها إذا أرادت أن تصلي
توضأت لكل صلاة لأن طهارتها ضرورة فلا يجوز أن تصلي صلاتي فرض كالمتيمم انتهى كلامه
قال المنذري حسن
(معناه) أي معنى حديث مالك (قال) أي الليث في حديثه (فإذا خلفت ذلك وحضرت
314

الصلاة فلتغتسل بمعناه) فيه دليل على أن الحائض ليس الغسل عليها واجبا على الفور بعد انقطاع
الحيض حتى جاءت وقت الصلاة قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجة وفي إسناده هذه
الرواية مجهول
(فإذا خلفتهن) أي تركت أيام الحيض وراءها
(وتغتسل فيما سوى ذلك) أي فيما سوى أيام الحيض وهو بعد انقطاعه (وتستذفر) بذال
معجمة من الذفر أي لتستعمل ابن طيبا تزيل به هذا الشيء الكريه عنها وإن روي بمهملة فالمعنى
لتدفع عن نفسها الدفر أي الرائحة الكريهة كذا في التوسط شرح سنن أبي داود وفي بعض النسخ
تستثفز قوله (سمى المرأة) مفعول سمى (حماد بن زيد) فاعل سمى (قال) أي حماد (فاطمة) فظهر
أن المرأة المبهمة هي فاطمة
(عن الدم) أي دم الاستحاضة (فرأيت مركنها) بكسر الميم أجانة تغتسل فيها الثياب يقال
315

بالفارسية لكن وتغاره (ملآن دما) على وزن عطشان (فقال لها) أي لأم حبيبة (امكثي) أمر من
المكث وهو الإقامة مع الانتظار والتلبث في المكان أي انتظري للطهارة وتلبثي غير مصلية (قدر ما)
أي الأيام التي (تحبسك) بكسر الكاف عن الصلاة والصوم وغيرهما (حيضتك) بفتح الحاء أي
اتركي الصلاة والصوم وقراءة القرآن وغيرها قدر أيام حيضتك التي كنت تتركينها محمد فيها قبل حدوث
هذه العلة وانتظري الطهارة (ثم اغتسلي) بعد انقضاء تلك المدة قال المنذري وأخرجه مسلم
والنسائي (ورواه قتيبة) أي ذكره والضمير المنصوب في رواه يرجع إلى جعفر بن ربيعة (بين) ظرف
(أضعاف) بفتح الهمزة قال الجوهري وقع فلان في أضعاف كتابه يريدون توقيعه في أثناء السطور
أو الحاشية وفي القاموس أضعاف الكتاب أثناء سطوره (حديث) بالتنوين المضاف
إليه لأضعاف إلى (جعفر بن ربيعة) بدل من الضمير المنصوب في رواه (في آخرها) بفتح الخاء أي في آخر المرة
وحاصل المعنى أن قتيبة ذكر مرة أخرى عند التحديث أن لفظ جعفر بن ربيعة في الإسناد ثابت بين
السطور أو الحاشية وكأنه لم يتيقن به ولذا حدث مرة بإثباته ومرة بإسقاطه ويحتمل فيه توجيه
آخر وهو أن يجعل جعفر منونا مضافا إليه لحديث وابن ربيعة بدلا من الضمير المنصوب في رواه
وقوله في آخرها بكسر الخاء أي في آخر السطور والمعنى أن قتيبة روى الحديث بلفظ جعفر فقط
من غير نسبة لأبيه وذكر أن بين سطور حديث جعفر في آخر السطور موجود لفظ ابن ربيعة (فقالا
جعفر بن ربيعة) بذكر لفظ جعفر بن ربيعة في الإسناد لا بين السطور أو في الحاشية هذا على
التوجيه الأول وعلى التوجيه الثاني معناه روى علي بن عياش ويونس بن محمد لفظ جعفر مع
نسبته إلى أبيه ولا كما روى قتيبة بأن ذكر لفظ جعفر في الإسناد ولفظ ابن ربيعة بين السطور أو في
الحاشية والله تعالى أعلم
(إنما ذلك عرق) بكسر العين وسكون الراء هو المسمى بالعاذل قال الخطابي في المعالم
316

يريد أن ذلك علة حدثت بها من تصدع العروق فانفجر الدم وليس بدم الحيض الذي يقذفه
الرحم لميقات معلوم فيجري مجرى سائر الأثفال والفضول التي تستغني عنها الطبيعة فتقذفها عن
البدن فتجد النفس راحة لمفارقته انتهى وقال الشيخ ولي الله المحدث الدهلوي في المصفى بعد
نقل قول الخطابي والأمر المحقق في ذلك أن دم الاستحاضة ودم الحيض هما يخرجان من محل
واحد لكن دم الحيض هو مطابق لعادة النساء التي جبلن عليها ودم الاستحاضة يجري على
خلاف عادتهن لفساد أوعية الدم والرطوبة الحاصلة فيها وإنما عبر هذا بتصدع كان العروق (قرؤك) بفتح القاف ويجمع على القروء والأقراء قال الخطابي يريد بالقرء ههنا الحيض وحقيقة القرء
الوقت الذي يعود فيه الحيض أو الطهر ولذلك قيل للطهر كما قي للحيض قرءا انتهى (فإذا مر
قرؤك) أي مضى (فتطهري) أي تغتسلي (ثم صلي ما بين القرء إلى القرء) أي صلي من انقطاع
الحيض الذي في الشهر الحاضر إلى الحيض الذي في شهر يليه قال المنذري وأخرجه النسائي
وفي إسناده المنذر بن المغيرة سئل عنه أبو حاتم الرازي فقال هو مجهول
ليس بمشهور
(أو أسماء حدثتني أنها أمرتها) أي أسماء (فاطمة) فاعل أمرتها وهذه الرواية على التردد هل
روى عروة عن أسماء بنت عميس أو فاطمة بنت أبي حبيش وقد وقع في رواية للمؤلف
والدارقطني من طريق خالد عن سهيل بن أبي صالح عن الزهري عن عروة بن الزبير عن أسماء
بنت عميس قالت يا رسول الله فاطمة أبي حبيش استحيضت منذ كذا وكذا فذكر
الحديث بطوله بلفظ آخر (فأمرها) أي فاطمة (أن تقعد) وتكف نفسها عن فعل ما تفعله الطاهرة
(كانت تقعد) قبل ذلك الداء (ثم تغتسل) بعد انقضاء تلك الأيام التي عدتها للحيض وفيه دليل
317

لمن ذهب إلى أن الاعتبار للعادة لا للتمييز قال المنذري حسن (وهذا) أي هذا اللفظ هو قوله
فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها (وهم من ابن عيينة) فهو مع كونه حافظا متقنا قد وهم في رواية
هذه الجملة (ليس هذا) اللفظ المذكور (في حديث الحفاظ) كعمرو بن الحارث والليث ويونس
وابن أبي ذئب والأوزاعي ومعمر وغيرهم وستعرف ألفاظهم بتمامها بعد هذا الباب (إلا ما ذكر
سهيل بن أبي صالح) عن الزهري في الحديث المتقدم فأصحاب الزهري غير سفيان بن عيينة رووا
عن الزهري مثل ما رواه سهيل بن أبي صالح وهو قوله فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد (لم
يذكر فيه) أي في حديثه هذه الجملة ولقائل أن يقول إن الوهم ليس من ابن عيينة بل من رواية
أبي موسى محمد بن المثنى فهو ذكر هذه الجملة في روايته عن ابن عيينة وأما الحميدي فلم يذكرها
فالقول ما قال الحميدي لأنه أثبت أصحاب ابن عيينة لازمه تسع عشرة سنة
وحاصل الكلام أن جملة تدع الصلاة أيام أقرائها ليست بمحفوظة في رواية الزهري ولم يذكرها
أحد من حفاظ أصحاب الزهري غير ابن عيينة وهو وهم فيه والمحفوظ في
رواية الزهري إنما قوله
فأمرها أن تقعد الأيام كانت تقعد ومعنى الجملتين واحد لكن المحدثين معظم قصدهم إلى
ضبط الألفاظ المروية بعينها فرووها كما سمعوا واختلطت رواية بعض الحفاظ في بعض
ميزوها وبينوها
318

(وهو قول الحسن الخ) وحاصل الكلام أن علي بن أبي طالب وعائشة وابن عباس رضي
الله عنهم من الصحابة والحسن البصري وسعيد بن المسيب وعطاء ومكحولا والنخعي وسالم بن
عبد الله والقاسم من التابعين كلهم قالوا إن المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها فهؤلاء من
القائلين بما ترجم به المؤلف في الباب بقوله ومن قال تدع الصلاة في عدة الأيام التي كانت
تحيض فعند هؤلاء ترجع المستحاضة إلى عادتها المعروفة إن كانت لها عادة والله تعالى أعلم
(أستحاض) بضم الهمزة وفتح التاء المثناة يقال استحيضت المرأة إذا استمر بها الدم بعد
أيامها المعتادة فهي مستحاضة (فلا أطهر) لأنها اعتقدت أن طهارة الحائض لا تعرف إلا بانقطاع
الدم فكنت بعدم الطهر عن اتصاله (أفأدع الصلاة) أي أيكون لي حكم الحائض فأتركها (قال إنما
ذلك) بكسر الكاف لأنه خطاب للمؤنث (بالحيضة) قال الحافظ الحيضة بفتح الحاء كما نقله
الخطابي عن أكثر المحدثين أو كلهم وإن كان قد اختار الكسر لكن الفتح ههنا أظهر (فإذا أقبلت
الحيضة) قال الطيبي أي أيام حيضتك فيكون رد إلى العادة أو الحال التي تكون للحيض من قوة
الدم في اللون والقوام فيكون رد إلى التمييز وقال النووي يجوز ههنا الكسر أي على إرادة
319

الحالة والفتح على المرة جوازا حسنا (فإذا أدبرت) الحيضة وهو ابتداء انقطاعها والمراد بالإقبال
ابتداء دم الحيض (فاغسلي عنك الدم ثم صلي) أي بعد الاغتسال كما جاء في التصريح به في رواية
البخاري وهذا الاختلاف واقع بين أصحاب هشام منهم من ذكر غسل الدم ولم يذكر
الاغتسال ومنهم من ذكر الاغتسال ولم يذكر غسل الدم قال الحافظ وكلهم ثقات وأحاديثهم
في الصحيحين فيحمل على أن كل فريق اختصر أحد الأمرين لوضوحه عنده إنتهى قال
المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة
(فإذا ذهب قدرها) أي قدر الحيضة على ما قدره الشرع أو على ما تراه المرأة باجتهادها أو
على ما تقدم من عادتها في حيضتها فيه احتمالات ذكره الباجي في شرح الموطأ
وأعلم أن هذا الباب لم يوجد في أكثر النسخ وكذا ليس في المنذري
109 (إذا أقبلت الحيضة) وميزت المرأة دم الحيض من دم الاستحاضة (تدع الصلاة) وأنها تعتبر دم الحيض وتعمل
على إقباله وإدباره فتترك الصلاة عند إقبال الحيضة فإذا أدبرت اغتسلت وحلت
(حدثنا أبو عقيل) بفتح العين وكسر القاف ضعفه علي بن المديني والنسائي وقال ابن
معين ليس بشئ وقال أبو زرعة لين الحديث قاله الذهبي (عن بهية) بالتصغير مولاة أبي بكر
الصديق رضي الله عنه (فسد حيضها) أي تجاوز حيضها عن عادتها المعروفة (وأهريقت دما)
بالبناء للمجهول أي جرى لها دم الاستحاضة (أن آمرها) أي السائلة عن حكم الاستحاضة
(فلتنظر) هكذا في جميع النسخ وهو من النظر يقال نظرت الشيء وانتظرته بمعنى وفي التنزيل ما
ينظرون إلا صيحة واحدة أي ما ينتظرون إلا صيحة واحدة والمعنى أنها تنتظر قدر الأيام التي
كانت تحيض قبل ذلك ويحتمل أن يكون من الانظار وهو التأخير والإمهال والمعنى تؤخر وتمهل
نفسها عن أداء الصلاة والصيام وغير ذلك مما يحرم فعله على الحائض (قدرها) أي الأيام والليالي
320

(كانت تحيض) فيها (وحيضها مستقيم) أي في حالة استقامة الحيض وهذه جملة حالية (فلتعتد)
من الاعتداد يقال اعتددت بالشيء أي أدخلته في العد والحساب فهو معتد به محسوب غير ساقط
والفاء للتفسير أي تحسب أيام حيضها بقدر ذلك من الأيام التي كانت تحيض قبل حدوث العلة
(ثم لتدع الصلاة فيهن) أي في الأيام المحسوبة المعتدة للحيض (أو بقدرهن) أي تترك الصلاة
بقدر الأيام المعتدة للحيض قال المنذري أبو عقيل بفتح العين وهو يحيى بن المتوكل مديني لا
يحتج بحديثه وقيل إنه لم يرو عن بهية إلا هو
(ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) بفتح الخاء والتاء المثناة من فوق ومعناه قريبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال
أهل اللغة الأختان جمع ختن وهم أقارب زوجة الرجل والأحماء أقارب زوج المرأة والأصهار
يعم الجميع (وتحت عبد الرحمن بن عوف) معناه أنه زوجته فعرفها بشيئين أحدهما كونها أخت أم
المؤمنين زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم والثاني كونها زوجة عبد الرحمن (إن هذه ليست
بالحيضة) أي هذه الحالة التي أنت فيها من جريان الدم
على خلاف
عادة النساء ليست بحيضة
(ولكن هذا عرق) أي لكن هذا الدم الخارج عرق وسلف تفسير العرق قال المنذري وأخرجه
البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة
321

(لم يذكر هذا الكلام) أي جملة إذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي (ولم
يذكروا) هؤلاء (هذا الكلام) أي جملة إذا أقبلت الحيضة إلخ (وإنما هذا) الكلام أي الجملة
المذكورة (لفظ حديث هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة) وليس من لفظ حديث الزهري عن
عروة عن عائشة (زاد ابن عيينة فيه) أي في حديثه (أيضا) هذا اللفظ (أمرها أن تدع الصلاة أيام
أقرائها وهو وهم من ابن عيينة) لأن هذه الزيادة لم يذكرها أحد من حفاظ أصحاب الزهري عنه غير ابن عيينة وسلف تحقيق ذلك (و) هكذا (حديث محمد بن عمرو) الآتي (عن الزهري فيه
شئ) من الوهم (ويقرب) حديث محمد بن عمرو في الوهم أو زيادة ابن عيينة (من) الكلام
(الذي زاد الأوزاعي في حديثه) ولم يذكر أحد من أصحاب الزهري غيره وهو إذا أقبلت الحيضة
فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغتسلي وصلي فزيادة ابن عيينة وزيادة الأوزاعي وحديث محمد بن
عمرو في كلها وهم وتفرد كل واحد منهم بما لم يذكره أحد سواه
322

(إذا كان) تامة بمعنى وجد (يعرف) فيه احتمالان الأول أنه على صيغة المجهول من
المعرفة قال ابن رسلان أي تعرفه النساء قال الطيبي أي تعرفه النساء باعتبار لونه وثخانته كما
تعرفه باعتبار عادته والثاني أنه على صيغة المعروف من الأعراف أي له عرف ورائحة (فإذا كان
ذلك) بكسر الكاف أي كان الدم دما أسو (فإذا كان الآخر) بفتح الخاء أي الذي ليس بتلك
الصفة (فتوضئي) أي بعد الاغتسال (وصلي فإنما هو) أي الدم الذي على غير صفة السواد (عرق)
أي دم عرق قال في سبل السلام وهذا الحديث فيه رد المستحاضة إلى صفة الدم بأنه إذا كان
بتلك الصفة فهو حيض وإلا فهو استحاضة وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم قال لها إنما ذلك عرق
فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي ولا ينافيه هذا
الحديث فإنه يكون قوله إن دم الحيض أسود يعرف بيانا لوقت إقبال الحيضة وإدبارها
فالمستحاضة إذا ميزت أيام حيضها إما بصفة الدم أو بإتيانه في وقت عادتها إن كانت معتادة عملت
بعادتها ففاطمة هذه يحتمل أنها كانت معتادة إن كانت معتادة فيكون قوله فإذا أقبلت حيضتك أي بالعادة أو غير
معتادة فيزاد بإقبال حيضتها بالصفة ولا مانع من اجتماع المعرفتين في حقها وحق غيرها انتهى
كلامه قال المنذري وأخرجه النسائي حسن
323

(قال ابن المثنى حدثنا به) بالحديث المذكور (ابن أبي عدي من كتابه هكذا) أي من غير ذكر
عائشة بين عروة وفاطمة (ثم حدثنا به) بالحديث المذكور (بعد) أي بعد ذلك والحاصل أن ابن
أبي عدي لما حدث ابن المثنى من كتابه حدثه من
غير ذكر عائشة بين عروة وفاطمة ولما حدثه من حفظه ذكر عائشة بين عروة وفاطمة قال ابن القطان هذا الحديث منقطع وأجاب شمس
الدين ابن القيم بأنه ليس كذلك فإن محمد بن أبي عدي مكانه من الحفظ والإتقان لا يجهل وقد
حفظه وحدث به مرة عن عروة عن فاطمة ومرة عن عائشة عن فاطمة وقد أدرك كلتيهما وسمع
منهما بلا ريب ففاطمة بنت عمه وعائشة خالته فالانقطاع الذي رمي به الحديث مقطوع
دابره وقد صرح بأن فاطمة حدثته
(الدم البحراني) بفتح الباء قال الخطابي يريد الدم الغليظ الواسع يخرج من قعر الرحم
ونسب إلى البحر لكثرته وسعته والبحر التوسع في الشيء والانبساط وفي المصباح المنير البحر
معروف ويقال للدم الخالص الشديد الحمرة باحر وبحراني (وإذا رأت الطهر ولو ساعة فلتغتسل
وتصلي) والمعنى أن المستحاضة إذا رأت دما شديد الحمرة
فلا تصلي
وإذا رأت الطهو عليه وهو
انقطاع الدم البحراني فلتغتسل وتصلي فجعل ابن عباس رضي الله عنه علامة دم الحيض خروج
324

الدم البحراني وعلامة دم الاستحاضة خروج غير الدم البحراني (إذا مد بها الدم) أي استمر
الدم بعد انقضاء مدته المعلومة (تمسك) المرأة عن الصلاة وغيرها (فهي) بعد ذلك
(مستحاضة) أخرجه الدارمي بلفظ إذا رأت الدم فإنها تمسك عن الصلاة بعد أيام حيضها يوما
أو يومين ثم هي بعد ذلك مستحاضة (قال التيمي فجعلت أنقص) الأيام التي زادت على أيام
حيضها (فقال) قتادة مجيبا (إذا كان) اليوم الزائد (يومين فهو من حيضها) فلا تصلي فيه أخرج
الدارمي أخبرنا محمد بن عيسى حدثنا معتمر عن أبيه قال قلت لقتادة امرأة كان حيضها
معلوما فزادت عليه خمسة أيام أو أربعة أيام أو ثلاثة أيام قال تصلي قلت يومين قال
ذلك من حيضها وسألت ابن سيرين قال النساء أعلم بذلك (وسئل ابن سيرين عنه فقال النساء
أعلم بذلك) فهن يميزن دم الحيض عن دم الاستحاضة وكأن ابن سيرين لم يجبه وأحال على
النساء (حدثنا زهير بن حرب وغيره) هكذا في جميع النسخ الحاضرة وقال الحافظ جمال
الدين المزي في تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف وفي رواية أبي الحسن بن العبد عن زهير بن
حرب وأبي جعفر محمد بن أبي سمينة جميعا عن عبد الملك
(أستحاض حيضة كثيرة) بفتح الحاء وهو مصدر أستحاض على حد أنبته الله نباتا حسنا
325

ولا يضره الفرق في اصطلاح العلماء بين الحيض والاستحاضة إذ اللام وارد على أصل اللغة
(أستفتيه وأخبره) الواو لمطلق الجمع وإلا كان حقها أن تقول فأخبره وأستفتيه (فما ترى فيها قد
منعتني الصلاة والصوم) بالنصب وفاعل منعتني الحيضة وهذه الجملة مستأنفة مبنية لما ألجأها إلى
السؤال ويمكن أن يجعل حالا من الضمير المجرور في قولها فيها (أنعت) أي أصف (الكرسف
) بضم الكاف وسكون الراء وضم السين القطن والمعنى أبين لك القطن فاستعمليه وتحشي به
فرجك (فإنه يذهب الدم) من الإذهاب (قالت هو أكثر من ذلك) أي الدم أكثر من أن ينقطع
بالقطن لاشتداده وفوره (قالت فاتخذي ثوبا) أي إن لم يكن القطن فاستعملي الثوب مكانه (إنما
أثج ثجا) بالمثلثة وتشديد الجيم أي أصب صبا والثج جري الدم والماء جريا شديدا لازم
ومتعد يقال ثججت الماء والدم إذا أسكبته ما وعلى هذا فالمفعول محذوف أي أثج الدم
ثجا وعلى الأول إضافة الجري إلى نفسها للمبالغة على معنى أن النفس جعلت كأن كلها دم ثجاج وهذا
أبلغ في المعنى (سآمرك بأمرين أيهما فعلت) قال أبو البقاء في إعرابه إنه بالنصب لا غير والناصب له
فعلت (فإن قويت عليهما) أي على الأمرين بأن تقدري على أن تفعلي أيهما شئت (فأنت أعلم) بما
تختارينه منهما فاختاري أيهما شئت (إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان) الراكضة بفتح الراء
وسكون الكاف ضرب الأرض بالرجل حال العدو كما تركض الدابة وتصاب بالرجل أراد بها
326

الإضرار والأذى يعني أن الشيطان قد وجد به طريقا إلى التلبيس عليها في أمر دينها وطهرها
وصلاتها حتى أنساها ذلك عادتها وصار في التقدير كأنه ركضة نالتها من ركضاته قاله الخطابي
(فتحيضي) يقال تحيضت المرأة أي قعدت أيام حيضها عن الصلاة والصوم أي اجعلي
نفسك حائضة وافعلي ما تفعل الحائض (ستة أيام أو سبعة أيام) قال الخطابي يشبه أن يكون
ذلك منه صلى الله عليه وسلم على غير وجه التحديد من الستة والسبعة لكن على معنى اعتبار حالها بحال من
هي مثلها وفي مثل سنها من نساء أهل بيتها فإن كانت عادة مثلها أن تقعد ستا قعدت ستا وإن
سبعا فسبعا وفيه وجه آخر وذلك أنه قد يحتمل أن تكون هذه المرأة قد ثبت لها فيما تقدم أيام
ستة أو سبعة إلا أنها قد نسيتها فلا تدري أيتهما كانت فأمرها أن تتحرى وتجتهد وتبني أمرها
على ما تيقنته من أحد العددين ومن ذهب إلى هذا استدل بقوله في علم الله أي فيما علم الله
من أمرك ستة أو سبعة انتهى (فعلم الله تعالى) قال ابن رسلان أي في علم الله من أمرك من
الست أو السبع أي هذا شئ بينك وبين
الله فإنه
يعلم ما تفعلين من الإتيان بما أمرتك به أو
تركه وقيل في علم الله أي حكم الله تعالى أي بما أمرتك فهو حكم الله تعالى وقيل في
علم الله أي أعلمك الله من عادة النساء من الست أو السبع (واستنقأت) أي بالغت في التنقية
قال السيوطي قال أبو البقاء كذا وقع في هذه الرواية بالألف والصواب استنقيت لأنه من نقى
الشئ وأنقيته إذا نظفته ولا وجه فيه للألف ولا للهمزة انتهى وقال في المغرب الهمزة فيه
327

خطأ وقال بعض العلماء النسخ كلها بالهمزة مضبوطة ففي تخطئة الهمزة تخطئة للحفاظ الضابطين
مع إمكان حمله على الشذوذ (فصلي ثلاثا وعشرين ليلة) إن كانت أيام الحيض سبعا (أو أربعا
وعشرين ليلة وأيامها) إن كانت أيام حيضها ستا (وصومي) ما شئت من تطوع وفريضة (فإن
ذلك يجزئك) من الاجزاء أي يكفيك فهذا أول الأمرين المأمور بهما والأمر الثاني أنها
بمرور الستة أو السبعة تغتسل للجمع بين صلاتي الظهر والعصر غسلا واحدا وصلاتي
المغرب والعشاء غسلا واحدا ولصلاة الصبح غسلا
على حدة (إن قدرت على ذلك) أي على
الجمع بين الصلاتين مع ثلاث غسلات في اليوم والليلة وجزاؤه محذوف أي فافعلي (وهذا)
أي الأمر الثاني (أعجب الأمرين إلي) أي أحبهما إلي لكونه أشقهما والأجر على قدر المشقة
والنبي صلى الله عليه وسلم يحب ما فيه أجر عظيم (وذكره عن يحيى بن معين) أي ذكر أبو داود هذا الكلام أي
كونه رافضيا عن يحيى بن معين
328

(قال أبو داود سمعت أحمد يقول حديث ابن عقيل في نفسي منه شئ) ونقل عن
الإمام أحمد خلاف ذلك قال الترمذي حديث حمنة حسن صحيح وسألت محمدا عن هذا
الحديث فقال هو حديث حسن وهكذا قال أحمد بن حنبل هو حديث حسن صحيح انتهى
وكذا نقل البيهقي في المعرفة تصحيحه عن أحمد فالجواب عن قول أبي داود بأن الترمذي قد
نقل عن أحمد تصحيحه نصا وهو أولى مما ذكره أبو داود لأنه لم ينقل التعيين عن أحمد
وإنما هو شئ وقع له ففسر به كلام أحمد وعلى فرض أنه من كلام أحمد فيمكن أن يكون
قد كان في نفسه من الحديث شئ ثم ظهر له صحته والله أعلم
قال المنذري قال الخطابي قد ترك بعض العلماء القول بهذا الحديث لأن ابن عقيل
راويه ليس كذلك وقال أبو بكر البيهقي تفرد به عبد الله بن محمد ابن عقيل وهو مختلف في
الاحتجاج به هذا آخر كلامه وقد أخرجه الترمذي وابن ماجة وقال الترمذي هذا حديث
حسن صحيح وقال أيضا سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال هو حديث
حسن وهكذا قال أحمد بن حنبل هو حديث حسن صحيح وعمرو بن ثابت هذا هو أبو
ثابت ويعرف بابن أبي المقدام كوفي لا يحتج بحديثه انتهى وأطال الكلام أخونا العلامة في
غاية المقصود تحت حديث حمنة وقال في آخره ومحصل الكلام أن المستحاضة المعتادة
329

سواء كانت مميزة أو غير مميزة ترد على عادتها المعروفة لحديث عائشة وفيه امكثي إلى قدر ما كانت
تحبسك حيضتك رواه مسلم والمبتدئة المميزة تعمل بالتمييز لحديث إذ كان دم الحيضة فإنه
أسود يعرف وغير ذلك ما انضم به والتي تفقدت العادة والتمييز فإنها تحيض ستا أو سبعا على
غالب عادة النساء لحديث حمنة وهذا الجمع بين هذه الأحاديث هو جمع حسن جيد لا مزيد
على حسنه انتهى ملخصا
110 (باب ما روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة)
(فكانت) أي أم حبيبة (تغتسل في مركن) بكسر الميم وفتح الكاف هو الإجانة التي
تغسل فيها الثياب (حتى تعلو حمرة الدم الماء) قال ابن رسلان يعني أنها كانت تغتسل في
القصرية التي تغسل فيها الثياب كانت تقعد فيها فتصب عليها الماء من غيرها فتستنقع فيها
فيختلط الماء المتساقط عنها بالدم فيعلوه حمرة الدم السائل عنها فيمر الماء به ثم إنه لا بد أن
تنتظف بعد ذلك من تلك الغسالة المتغيرة فتغسل خارجها ما أصاب رجليها من ذلك الماء
المتغير بالدم انتهى
330

(فكانت تغتسل) أي أم حبيبة (لكل صلاة) قال الإمام الشافعي رحمه الله إنما أمرها
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتصلي وإنما كانت تغتسل لكل صلاة تطوعا
(قال القاسم بن مبرور عن يونس عن ابن شهاب عن عمرة عن عائشة عن أم حبيبة بنت
جحش) فجعل القاسم عمرة مكان عروة كما جعله عنبسة عن الزهري إلا أن القاسم جعله من
مسند أم حبيبة لا من مسند عائشة (وكذلك) أي يكون عمرة مكان عروة (وربما قال معمر عن
عمرة عن أم حبيبة بمعناه) أي حذف واسطة عائشة رضي الله عنها
أيضا (وكذلك رواه
إبراهيم بن سعد) أي بذكر عمرة مكان عروة (ولم يقل إلخ) فاعل لم يقل الزهري وجملة ولم
يقل إلخ مقولة لقال أي زاد ابن عيينة في روايته جملة ولم يقل إلخ (وكذلك رواه) المشار إليه
لقوله كذلك جملة قالت عائشة فكانت تغتسل لكل صلاة والمعنى أن ابن أبي ذئب
والأوزاعي كلاهما قال عن الزهري إن عائشة قالت إن أم حبيبة تغتسل لكل صلاة
(إن أم حبيبة بنت جحش استحيضت إلخ) في إسناده محمد بن إسحاق وهو ثقة على ما
331

هو الحق لكنه مدلس ولم يصرح في هذا الحديث بالتحديث قال المنذري في إسناده محمد بن
إسحاق وهو مختلف في الاحتجاج بحديثه (ولم أسمعه منه) أي لم يسمع المؤلف هذا الحديث
من أبي الوليد الطيالسي مع كون المؤلف من تلامذته فبين المؤلف وأبي الوليد واسطة لم
يذكرها المؤلف (وهذا) أي قوله توضئي لكل صلاة (والقول فيه) أي القول الصحيح في حديث
سليمان بن كثير (قول أبي الوليد) الطيالسي وهو قوله اغتسلي لكل صلاة وهذا ترجيح من
332

المؤلف لرفع الاغتسال لكل صلاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المنذري وفي صحيح مسلم قال
الليث بن سعد ولم يذكر ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم حبيبة بنت جحش أن تغتسل عند
كل صلاة ولكنه شئ فعلته هي وقال البيهقي والصحيح رواية الجمهور عن الزهري وليس
فيها الأمر بالغسل إلا مرة واحدة ثم كانت تغتسل عند كل صلاة من عند نفسها
(أمرها أن تغتسل عند كل صلاة وتصلي) حديث أبي سلمة هذا إسناده حسن ليس فيه
علة فيحمل الأمر على الندب جمعا بين الروايتين (وأخبرني) هذه المقولة ليحيى بن أبي كثير
أي يقول يحيى وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن (أخبرته) أي أبا سلمة (ترى ما) أي الدم
(يريبها) رابني الشيء وأرابني بمعنى شككني (بعد الطهر) أي بعد الغسل قاله محمد بن يحيى
شيخ ابن ماجة (إنما هو عرق) أي دم يخرج من انفجار العروق ولا يخرج من الرحم ويجيء
بحث هذه المسألة في باب المرأة ترى الصفرة والكدرة بعد الطهر (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم وهذا بيان
للأمرين (وإلا) أي إن لم تغتسل لكل صلاة (فاجمعي
) بين الصلاتين
بغسل واحد (كما قال
القاسم في حديثه) الآتي بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سهلة أن تغتسل عند كل صلاة فلما جهدها
ذلك أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل والمغرب والعشاء بغسل وتغتسل للصبح
333

فحديث ابن عقيل وحديث القاسم الآتي في كليهما الأمران جميعا وهذا المعنى هو ظاهر
من عبارة المؤلف لكن فيه إشكال لأنه ليس في حديث ابن عقيل الأمر بالاغتسال لكل صلاة
نعم إن كان المراد بالقاسم القاسم بن مبرور وبحديثه حديث حمنة الذي روي عن ابن عقيل
ليزول الإشكال أي روى القاسم في روايته عن ابن عقيل الأمرين جميعا إن قويت فاغتسلي
لكل صلاة وإن لم تغتسلي فاجمعي بين الصلاتين بغسل واحد ولكن هذا المعنى يتوقف
على ثبوت رواية هذا الحديث للقاسم بن مبرور عن ابن عقيل لكن لم أقف عليها والله تعالى
أعلم
111 (باب من قال تجمع) أي المستحاضة (بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلا) واحدا وتغتسل لصلاة الصبح على
حدة (فأمرت) بصيغة المجهول والظاهر أن الآمر لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقلت لعبد الرحمن)
هذه مقولة شعبة أي قال شعبة لشيخه عبد الرحمن هل تحدث هذا الحديث (فقال) عبد
الرحمن (لا أحدثك عن النبي صلى الله عليه وسلم بشئ) هكذا في أكثر النسخ الحاضرة والمعنى أن عبد
الرحمن أنكر على شعبة من سؤاله إياه لما علم من عادة عبد الرحمن أنه لا يحدث لشعبة إلا عن
النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا أحدثك عن عن النبي صلى الله عليه وسلم بشئ أي لا أحدثك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ويؤيده ما
في بعض النسخ لا أحدثك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم بشئ وبشئ متعلق بأحدثك والمعنى لا
أحدثك بشئ إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن شعبة يقول إن قولها أمرت هكذا في روايتنا ولا
أدري أن الآمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره فقال عبد الرحمن لا أحدثك عن النبي صلى الله عليه وسلم بشئ من
شأنها إن الآمر لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره والله تعالى أعلم قال المنذري وأخرجه
النسائي
334

(فلما جهدها ذلك) أي فلما شق على سهلة بنت سهيل الغسل لكل صلاة يقال جهد
في الأمر جهدا من باب نفع إذا طلب حتى بلغ غايته في الطلب وجهده الأمر والمرض جهدا
أيضا إذا بلغ منه المشقة قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق بن يسار وقد اختلف
في الاحتجاج به انتهى (إن امرأة) بغير ذكر اسم المرأة كما ذكره محمد بن إسحاق
(لتجلس في مركن فإذا رأت صفرة فوق الماء) أي إذا رأت صفرة فوق الماء الذي تقعد
فيه فإنه تظهر الصفرة فوق الماء فعند ذلك تصب الماء للغسل خارج المركن وفائدة القعود
في المركن لأن يعلو الدم الماء فتظهر به تمييز دم الاستحاضة من غيره فإنه علا الدم الأصفر
فوق الماء فهي مستحاضة أو غيره فهو حيض فهذه هي النكتة في الجلوس في المركن وأما
الغسل فخارج المركن لا فيه في الماء النجس قاله العلامة اليماني (وتوضأ فيما بين ذلك) أي
إذا اغتسلت للظهر والعصر توضأت مع ذلك للعصر وإذا اغتسلت للمغرب والعشاء توضأت
مع ذلك للعشاء قال المنذري حسن (لما اشتد عليها) أي على المرأة السائلة (أمرها) أي أمر
ابن عباس رضي الله عنه
335

(باب من قال تغتسل من طهر إلى طهر) بالإهمال أي تغتسل مرة واحدة بعد الطهر من الحيض وهذا هو مذهب الجمهور وهو
أقوى دليلا وأحاديث الغسل عند كل صلاة محمولة على الندب كما مر
(ثم تغتسل) بعد الطهر أي بعد انقطاع الحيض غسلا مرة واحدة (وتصلي) بعد
الاغتسال متى شاءت (والوضوء عند كل صلاة) ولفظ الترمذي تتوضأ عند كل صلاة وتصوم
وتصلي قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجة وقال الترمذي هذا حديث قد تفرد به
شريك عن أبي اليقظان وسألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقلت عدي بن
ثابت عن أبيه عن جده جد عدي ما اسمه فلم يعرف محمد اسمه وذكرت لمحمد قول
يحيى بن معين إن اسمه دينار فلم يعبأ به هذا آخر كلامه وقد قيل إنه جده أبو أمه عبد الله بن
يزيد الخطمي قال الدارقطني ولا يصح من هذا كله شئ وقال أبو نعيم وقال غير يحيى
اسمه قيس الخطمي هذا آخر كلامه وقيل لا يعلم جده وكلام الأئمة يدل على ذلك
وشريك هو ابن عبد الله النخعي قاضي الكوفة تكلم فيه غير واحد وأبو اليقظان هذا هو
عثمان بن عفير الكوفي ولا يحتج بحديثه انتهى كلام المنذري
336

(عن امرأة مسروق) اسمها قمير مقبولة (ودل على ضعف حديث الأعمش إلخ) واعلم
أن المؤلف بين لضعف حديث الأعمش وجهين
وحاصل الوجه الأول أن حفص بن غياث رواه عن الأعمش فوقفه على عائشة وأنكر أن
يكون مرفوعا وأوقفه أيضا أسباط بن محمد عن الأعمش على عائشة وبأن الأعمش أيضا رواه
مرفوعا أوله وأنكر أن يكون فيه الوضوء عند كل صلاة والوجه الثاني بينه المؤلف بقوله ودل
على ضعف حديث حبيب هذا أن رواية الزهري عن عروة عن عائشة قالت فكانت تغتسل لكل
صلاة في حديث المستحاضة وحاصله أن حبيب بن أبي ثابت خالف الزهري لأنه ذكر في
روايته عن عروة عن عائشة الاغتسال لكل صلاة وذكر حبيب في روايته عن عروة عن عائشة
الوضوء لكل صلاة وهذا الوجه الثاني قد زيفه الخطابي فقال في المعالم رواية الزهري لا
تدل على ضعف حديث حبيب بن أبي ثابت لأن الاغتسال في حديث مضاف إلى فعلها وقد
يحتمل أن يكون ذلك اختيارا منها وأما الوضوء لكل صلاة في حديث حبيب فهو مروي عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم مضاف إليه وإلى أمره إياها بذلك والواجب هو الذي شرعه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به
دون ما فعلته وأتته من ذلك انتهى كلامه قلت والأمر كما قال الخطابي
337

(عن عائشة توضأ لكل صلاة) أي روي عن علي بن أبي طالب وابن عباس وعائشة كل
واحد منهم أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة (وهذه الأحاديث كلها ضعيفة) واعلم أنه قد ذكر
المؤلف رحمه الله في هذا الباب تسع روايات ثلاث منها مرفوعة حديث أبي اليقظان
عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده وحديث الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت وحديث ابن
شبرمة عن امرأة مسروق وست منها موقوفة أثر أم كلثوم عن عائشة وأثر عدي بن أبيه عن علي
وأثر عمار عن ابن عباس وأثر عبد الملك بن ميسرة وببان بن ومغيرة وفراس ومجالد عن الشعبي
وأثر داود وعاصم عن الشعبي وأثر هشام بن عروة عن أبيه وضعف المؤلف الروايات كلها إلا
ثلاثة من الآثار المذكورة فإنه استثناها من التضعيف كما بين بقوله (إلا حديث قمير وحديث
عمار مولى بني هاشم وحديث هشام بن عروة عن أبيه) فهذه الثلاثة من الآثار ليست بضعيفة
لكن استثنى من هذه الثلاثة أيضا حديث عمار مولى بني هاشم بقوله (والمعروف عن ابن
عباس الغسل) أي لكل صلاة كما في رواية الدارمي والمعروف في اصطلاح المحدثين
الحديث الضعيف الذي خالف القوي فالراجح
يقال له المعروف ومقابله يقال له المنكر،
فحديث عمار مولى بني هاشم عن ابن عباس في الوضوء لكل صلاة منكر والمنكر من أقسام
الضعيف فالحاصل أن كل ما في هذا الباب من الروايات ضعيفة إلا أثرين أثر قمير وأثر
هشام بن عروة عن أبيه
(باب من قال المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر) بالظاء المعجمة أي من وقت صلاة الظهر إلى مثلها من الغد لصلاة الظهر (تغتسل من
338

ظهر إلى ظهر) بالمعجمة قال الحافظ بن سيد الناس في شرح الترمذي اختلف فيه فمنهم
من رواه بالطاء المهملة ومنهم من رواه بالظاء المعجمة أي من وقت صلاة الظهر إلى وقت صلاة
الظهر قال الحافظ ولي الدين العراقي وفيه نظر فالمروي إنما هو الإعجام وأما الإهمال
فليس رواية مجزوما بها قلت ويؤيد قول العراقي ما أخرجه الدارمي بلفظ أن القعقاع بن
حكيم وزيد بن أسلم أرسلاه إلى سعيد بن المسيب يسأله كيف تغتسل المستحاضة فقال
سعيد تغتسل من الظهر إلى مثلها من الغد لصلاة الظهر (
من ظهر إلى ظهر) بالمعجمتين
(وكذلك روى داود وعاصم) أي بالاغتسال من صلاة الظهر إلى مثلها من الغد (عند الظهر)
الظاهر أنه بالظاء المعجمة لكن ضبطه ابن رسلان بالطاء المهملة والله تعالى أعلم وإني لم
أقف هي رواية عاصم هذه (وهو قول سالم بن عبد الله والحسن وعطاء) أخرج الدارمي عن
الحسن في المستحاضة تغتسل من صلاة الظهر إلى صلاة الظهر من الغد وأخرج أيضا عن
عطاء مثل ذلك (من ظهر إلى ظهر) بالمعجمتين (إنما هو من طهر إلى طهر) أي بالمهملتين
(ولكن الوهم دخل فيه) أي في الحديث (فقلبها) أي هذه الجملة (من ظهر إلى ظهر)
بالمعجمتين وإنما الصحيح بالمهملتين قال الخطابي في المعالم قلت ما أحسن ما قال
مالك وما أشبهه بما ظنه من ذلك لأنه لا معنى للاغتسال من وقت صلاة الظهر إلى مثلها من الغد
ولا أعلمه قولا لأحد من الفقهاء وإنما هو من طهر إلى طهر وهو وقت انقطاع الحيض انتهى
ونازعه أبو بكر بن العربي فقال والذي استبعد غير صحيح لأنه إذا سقط لأجل المشقة عنها
339

الاغتسال لكل صلاة فلا أقل من الاغتسال مرة في كل يوم عند الظهر في وقت دفاء النهار وذلك
للتنظيف انتهى (ورواه المسور إلخ) مقصود المؤلف من إيراد رواية المسور تأييد كلام
مالك فإن مسورا رواه بالإهمال فقلبه الناس بالإعجام
(باب من قال تغتسل كل يوم مرة ولم يقل عند الظهر) فتغتسل كل يوم أي وقت شاءت
(واتخذت صوفة) قال الجوهري في الصحاح الصوف للشاة والصوفة أخص منه وقال
في المصباح الصوف للضأن والصوفة أخص منه (فيها سمن أو زيت) أي اتخذت
المستحاضة صوفة مدهونة بالسمن أو الزيتون وتحملت في فرجها فهذه تقطع جريان الدم
وتسترخي تشنج العروق الذي هو سبب لسيلان الدم قاله بعض العلماء قال المنذري
غريب
115 (باب من قال تغتسل بين الأيام) أي بين أيام الحيض (ثم تغتسل) غسلا واحدا بعد انقضاء الأيام التي كانت تحيض فيها قبل الاستحاضة (ثم
تغتسل) ثانيا (في الأيام) التي كانت حسبتها أيام الحيض فتغتسل في كل شهر مرتين مرة عند
340

انقضاء مدة الحيض ومرة في أيام الحيض وهذا قول تفرد به قاسم بن محمد ولا يظهر
توجيهه ولا أدري من أين قال ذلك والله تعالى أعلم
(باب من قال توضأ لكل صلاة) بعد أن تغتسل مرة واحدة عند الطهر (فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي) هذا هو موضع
الترجمة لكن ليس فيه لكل صلاة وتقدم هذا الحديث مع شرحه (وروي) بالبناء للمجهول
(عن العلاء بن المسيب إلخ) حاصله أن العلاء وشعبة كلاهما رويا هذا الحديث عن الحاكم
عن أبي جعفر مرفوعا لكن قوله توضأ لكل صلاة هو مرفوع في رواية العلاء
وأما في رواية
شعبة فهو من قول أبي جعفر محمد بن علي موقوف عليه
117 (باب من لم يذكر الوضوء) للمستحاضة (إلا عند الحدث) غير جريان الدم فلا يجب عليها الوضوء لكل صلاة أو
لوقت كل صلاة بل لها أن تصلي ما شاءت ومتى شاءت ما ليحدث حدثا غير جريان الدم
341

(فإن رأت شيئا من ذلك توضأت وصلت) المراد من قوله شيئا من ذلك حدث غير الدم
لأنه لا يجب الوضوء من الدم الخارج عنها لأن الدم لا يفارقها ولو أريد بقوله شيئا من ذلك الدم
لم يكن للجملة الشرطية معنى لأنها مستحاضة فلم تزل ترى الدم ما لم ينقطع استحاضتها
فظهر أن المراد بقوله شيئا من ذلك هو حدث غير الدم وبهذا التقرير طابق الحديث الباب
لكن الحديث مع إرساله ليس صريحا في المقصود لأنه يحتمل أن يكون المراد بقوله شيئا من
ذلك شيئا من الدم بل هو الظاهر من لفظ الحديث فمتى رأت الدم توضأت لكل صلاة وإذا
انقطع عنها الدم تصلي بالوضوء الواحد متى شاءت ما لم يحدث لها حدث سواء كان الحدث
دمها الخارج أو غيره فجريان الدم لها حدث مثل الأحداث الأخر وأن المستحاضة يفارقها
الدم أيضا في بعض الأحيان وهذا القول أي وضوؤها حالة جريان الدم وترك الوضوء حالة
انقطاع الدم لم يقل به أحد فيما أعلم والله تعالى أعلم قال المنذري هذا مرسل
(عن ربيعة أنه كان لا يرى على المستحاضة وضوء إلخ) قال الخطابي قول ربيعة شاذ
وليس للعمل عليه وما قاله الخطابي فيه نظر فإن مالك بن أنس وافقه (قال
أبو داود هذا قول مالك يعني ابن أنس) هذه العبارة في النسختين وليست في أكثر النسخ وكذا ليست في الخطابي
ولا المنذري قال ابن عبد البر ليس في حديث مالك في الموطأ ذكر الوضوء لكل صلاة على
المستحاضة وذكر في حديث غيره فلذا كان مالك يستحبه لها ولا يوجبه كما لا يوجبه على
صاحب التسلسل ذكره الزرقاني قال المنذري قال الخطابي وقول ربيعة شاذ وليس العمل
عليه وهذا الحديث منقطع وعكرمة لم يسمع من أم حبيبة بنت جحش
118 (باب في المرأة ترى الصفرة والكدرة
بعد الطهر) هل تعد من الحيض
342

(كنا لا نعد الكدرة بضم الكاف أي ما هو بلون الماء الوسخ الكدر (والصفرة) أي الماء
الذي تراه المرأة كالصديد يعلوه اصفرار (بعد الطهر شيئا) وفي رواية الدارمي بعد الغسل قال
الخطابي اختلف الناس في الصفرة والكدرة بعد الطهر والنقاء وروي عن علي رضي الله عنه
أنه قال ليس ذلك بمحيض هذه ولا تترك لها الصلاة وتتوضأ وتصلي وهو قول سفيان الثوري
والأوزاعي وقال سعيد بن المسيب إذا رأت ذلك اغتسلت وصلت وبه قال أحمد بن
حنبل وعن أبي حنيفة إذا رأت بعد الحيض وبعد انقطاع الدم الصفرة والكدرة يوما أو يومين ما
لم يجاوز العشر فهو من حيضها ولا تطهر حتى ترى البياض خالصا واختلف قول أصحاب
الشافعي في هذا فالمشهور من مذهب أصحابه أنها إذا رأت الصفرة والكدرة بعد انقطاع دم
العادة ما لم تجاوز خمسة عشر يوما فإنها حيض وقال بعضهم إذا رأتها في أيام العادة كانت
حيضا ولا تعتبرها فيما جاوزها وأما المبتدئة إذا رأت أول ما رأت الدم صفرة أو كدره فإنها لا
يعتد في قول أكثر الفقهاء وهو قول عائشة وعطاء وقال بعض أصحاب الشافعي حكم
المبتدئة بالصفرة والكدرة حكم الحيض انتهى كلامه قال المنذري وأخرجه البخاري
والنسائي وليس فيه بعد الطهر
119 (باب المستحاضة يغشاها زوجها) أي يجامعها زوجها
343

(لا يروي عنه) أي من معلى بن منصور (لأنه كان ينظر في الرأي) حكى أبو طالب عن
أحمد أنه قال ما كتبت عنه وكان يحدث بما وافق الرأي وكان يخطئ كذا في مقدمة
الفتح
(عن حمنة الخ) قال صاحب المنتقى وكانت أم حبيبة تحت عبد الرحمن بن عوف كذا
في صحيح مسلم وكانت حمنة تحت طلحة بن عبيد الله انتهى ومقصود صاحب المنتقى أن
عبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله من الصحابة قد فعلا ذلك في زمن الوحي ولم
ينزل في امتناعه فيستدل به على الجواز قال المنذري في سماع عكرمة من أم حبيبة وحمنة
نظر وليس فيها ما يدل على سماعه منهما والله عز وجل أعلم 120 (باب ما جاء في وقت النفساء) وكم تجلس وتمكث في نفاسها وإلى أي مدة لا تصلي ولا تصوم والنفاس هو الدم
الخارج عقيب الولادة ويجيء بعض بيانه
(عن مسة) بضم الميم وتشديد السين هي أم بسة بضم الموحدة قال الدارقطني لا
تقوم بها حجة وقال ابن القطان لا يعرف حالها ولا عينها ولا يعرف في غير هذا الحديث
344

وأجاب عنه في البدر المنير فقال ولا نسلم جهالة عينها وجهالة حالها مرتفعة فإنه روى عنها
جماعة كثير بن زياد والحكم بن عتيبة وزيد بن علي بن الحسين ورواه محمد بن عبيد الله
العزرمي عن الحسن عن مسة أيضا فهؤلاء رووا عنها وقد أثنى على حديثها البخاري
وصحح الحاكم إسناده فأقل أحواله أن يكون حسنا انتهى (كانت النفساء) قال الجوهري
النفاس ولادة المرأة إذا وضعت فهي نفساء ونسوة نفاس وليس في الكلام فعلاء يجمع على
فعال غير نفساء وعشراء ويجمع أيضا على نفساوات وعشروات وامرأتان نفساوان وعشراوان
(تقعد بعد نفاسها أربعين يوما أو أربعين ليلة) فيه دليل على أن الدم الخارج عقيب الولادة
حكمه يستمر أربعين يوما تقعد فيه المرأة عن الصلاة وعن الصوم وأما إذا رأت الطهر قبل
أربعين يوما فطهرت كما سيجيء وقوله أو أربعين ليلة الظاهر أنه شك من زهير أو من دونه
(وكنا نطلي على وجوهنا) أي نلطخ والطلي الادهان (الورس) في الصحاح الورس بوزن
الفاس نبت أصفر يكون باليمن تتخذ منه الغمرة للوجه وورس الثوب توريسا صبغه بالورس
(تعني من الكلف) بفتح الكاف واللام لون بين السواد والحمرة وهي حمرة كدرة تعلو الوجه
وشئ يعلو الوجه كالسمسم كذا في الصحاح للجوهري قال المنذري وأخرجه الترمذي
وابن ماجة وقال الترمذي لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل عن مسة الأزدية قال محمد بن
إسماعيل علي ابن عبد الأعلى ثقة وأبو سهل ثقة ولم يعرف محمد هذا الحديث إلا من حديث
أبي سهل قال الخطابي حديث مسة أثنى عليه محمد بن إسماعيل قال مسة هذه أزدية
واسم أبي سهل كثير بن زياد وهو ثقة وعلي بن عبد الأعلى ثقة
(يقضين صلاة المحيض) أي الحيض ولعله لم يبلغه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه
المسألة (فقالت لا يقضين) الصلاة (كانت المرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم) والمراد بنسائه غير
أزواجه صلى الله عليه وسلم من بنات وقريبات وسرية ومارية وأن النساء أعم من الزوجات لدخول البنات وسائر
345

القرابات تحت ذلك (تقعد في النفاس إلخ) فإن قلت إن مسة سألت أم سلمة رضي الله عنها
عن حكم الصلاة في حالة الحيض وأخبرت عن سمرة أنه يأمر بها وأجابت أم سلمة عن
صلاة النفساء قلت في تأويله وجهان الأول أن المراد بالمحيض ههنا هو النفاس بقرينة
الجواب والثاني أن أم سلمة أجابت عن صلاة حال النفاس الذي هو أقل مدة الحيض فإن
الحيض قد يتكرر في السنة اثنا عشر مرة والنفاس لا يكون مثل ذلك بل هو أقل منه جدا
فقالت إن الشارع قد عفا عن الصلاة في حال النفاس الذي لا يتكرر فكيف لا يغفو عنها في
حال الحيض الذي يتكرر والله أعلم قال الترمذي في جامعه وقد أجمع أهل العلم من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما إلا أن ترى
الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي فإذا رأت الدم بعد الأربعين فإن أكثر أهل العلم قالوا لا تدع
الصلاة بعد الأربعين وهو قول أكثر الفقهاء وبه قال سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي
وأحمد وإسحاق ويروى عن الحسن البصري أنه قال تدع الصلاة خمسين يوما إذا لم تطهر
ويروى عن عطاء بن أبي رباح والشعبي ستين يوما انتهى
قلت والصحيح من هذه المذاهب وأقوى دليلا هو أن أكثر مدة النفاس أربعون يوما ولا حد لأقله بل متى ينقطع دمها تطهر وتصلي والله أعلم
121 (باب الاغتسال من الحيض)
كيف هو
(عن امرأة من بني غفار قد سماها لي) يشبه أن تكون هذه المقولة لسلمة ابن الفضل
أي قال الراوي عن محمد بن إسحاق أي إني لم أحفظ اسم امرأة من بني غفار مع أن شيخي
346

كان سماها لي فنسيت وقال السهيلي هذه المرأة الغفارية اسمها ليلى و إنها امرأة أبي ذر
الغفاري وقال ابن عبد البر كانت تخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في مغازيه تداوي الجرحى وتقيم على
المرضى (أردفني) أي حملني خلفه على ظهر الدابة (على حقيبة رحله) حقيبة على وزن
لطيفة وهي كل ما شد في مؤخر رحل أو قتب كذا في القاموس والرحل هو المركب للبعير
وهو أصغر من القتب وقال ابن الأثير الحقيبة هي الزيادة التي تجعل في مؤخر القتب
انتهى فالارداف على حقيبة الرحل لا
يستلزم المماسة فلا إشكال في إردافه صلى الله عليه وسلم إياها (إلى الصبح) أي في الصبح (فإذا بها) أي بالحقيبة (وكانت) تلك الحيضة (أول حيضة حضتها) في
السفر أو مطلقا (فتقبضت إلى الناقة) من باب التفعل أي وثبت إليها قال في القاموس وتقبض
إليه وثب (لعلك نفست) أي حضت قال الخطابي أصل هذه الكلمة من النفس إلا أنهم
فرقوا بين بناء الفعل من الحيض و النفاس فقالوا في الحيض نفست بفتح النون وفي الولادة
بضمها انتهى (فأصلحي من نفسك) ما يمنعك من خروج الدم إلى حقيبة الرحل (رضخ لنا)
من باب نفع أي أعطانا قليل المال يقال رضخت له رضخا ورضيخة أعطيته شيئا ليس
بالكثير (من الفيء) بالهمزة أي عن الغنيمة (إلا جعلت في طهورها ملحا) قال الخطابي وفيه
من الفقه أنه تستعمل الملحة في غسل الثياب وتنقيته من الدم والملح مطعوم فعلى هذا يجوز
غسل الثياب بالعسل إذا كان ثوبا من إبريسم فيجوز على ذلك التدلك بالنخالة ودقيق الباقلا
والبطيخ ونحو ذلك مما له قوة الجلاء وحدثونا عن يونس بن عبد الأعلى قال دخلت
الحمام بمصر فرأيت الشافعي يتدلك النخالة انتهى كلامه
347

(تأخذ سدرها وماءها) للغسل لينظف به الجلد وهي شجر النبق وهل أوراق النبق تغلى
في الماء ويستعمل الماء المغلي في الغسل أو هي تدق وتضمد وتدلك مع الماء على
الجسد لم أر التصريح بذلك في شئ من كتب الأحاديث ولفظ الحديث يحتمل المعنيين (ثم
تأخذ فرصتها) بكسر الفاء وسكون الراء وبالصاد المهملة قطعة من صوف أو قطن أو جلدة عليهما
صوف وفي الرواية الآتية ممسكة (قالت) المرأة السائلة (بها) أي بالفرصة الممسكة (يكني)
من باب رمي يقال كنيت بكذا عن كذا والاسم الكناية وهي أن يتكلم بشئ يستدل به على
المكني عنه كالرفث والغائط (تتبعين) من الافتعال (آثار الدم) جمع إثر بكسر الهمزة أي اجعلها
في الفرج وحيث أصاب الدم لينظف المحل وتقطع به الرائحة الكريهة
(وقالت لهن معروفا) هذا عطف لقولها فأثنت عليهن (فرصة ممسكة) على وزن
المفعول من التفعيل أي مطلية بالمسك ومطيبة منه كذا فسره الخطابي والنووي وغيرهما (كان
أبو عوانة يقول فرصة) بالفاء والصاد المهملة (وكان أبو الأحوص يقول قرصة) بالقاف
المفتوحة ووجه المنذري فقال يعني
شيئا
يسيرا مثل القرصة بطرف الأصبعين كذا في فتح
الباري قال النووي الصواب هو الفرصة بالفاء والصاد المهملة وإن المراد بالمسك بكسر
الميم الطيب المشهور
(سبحان الله تطهري بها) سبحان الله في موضع وأمثاله يراد بها التعجب ومعنى
348

التعجب ههنا كيف يخفى مثل هذا الظاهر الذي لا يحتاج الانسان في فهمه إلى فكر (واستتر)
النبي صلى الله عليه وسلم وجهه (بثوب) وفي رواية للبخاري استحيى فأعرض بوجهه (حتى يبلغ) أي الماء
(شؤون رأسك) أي أصول شعر رأسك (وإن يتفقهن فيه) أي يتعلمن في الدين والفقه فهم
الشيء قال ابن فارس كل علم بشئ فهو فقه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم
والنسائي وابن ماجة بنحوه
122 (باب التيمم)
التيمم في اللغة هو القصد وفي الشرع القصد إلى الصعيد لمسح الوجه واليدين بنية
استباحة الصلاة ونحوها واعلم أن التيمم ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة وهو خصيصة
خصها الله تعالى به هذه الأمة ذكره النووي
(في طلب قلادة) بكسر القاف كل ما يعقد ويعلق في العنق ويسمى عقدا (أضلتها عائشة) أي أضاعتها
أضللت الشيء إذا ضاع منك فلم تعرف مكانه كالدابة والناقة وما
أشبههما فإن أخطأت موضع الشيء الثابت كالدار قلت ضللته بغير الألف كذا في المصباح
(فصلوا بغير وضوء) وفي رواية للبخاري وليس معهم ماء فصلوا قال النووي في شرح مسلم
وفيه دليل على أن من عدم الماء والتراب
يصلي على حاله وهذه المسألة فيها خلاف للخلف
والسلف ثم ذكر الأقوال ثم قال الرابع تجب الصلاة ولا تجب الإعادة وهذا مذهب المزني
وهو أقوى الأقوال دليلا ويعضده هذا الحديث وأشباهه فإنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم إيجاب
349

إعادة مثل هذه الصلاة والمختار أن القضاء إنما يجب بأمر جديد ولم يثبت الأمر فلا يجب
وهكذا يقول المزني في كل صلاة وجبت في الوقت على نوع من الخلل لا يجب إعادتها
قلت ما ذهب إليه المزني هو مذهب أحمد وسحنون وابن المنذر فعند هؤلاء تجب الصلاة
على عادم التراب والماء ولا يجب الإعادة وهو الحق الصريح ويؤيده ما رواه الشيخان من
حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه وإذا أمرتكم بشئ
فأتوا منه ما استطعتم وأما حديث لا يقبل الله صلاة بغير طهور فهو محمول على القادر على
الطهور (فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له) وهذا صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر على فعلهم ذلك وهو
صلاتهم من غير وضوء ولا تيمم فلا يقال أنه كان باجتهاد منهم فلا حجة فيه (فأنزلت آية التيمم)
في صحيح البخاري في تفسير سورة المائدة من طريق عمرو بن الحارث عن عبد الرحمن بن
القاسم عن أبيه عن عائشة فنزلت يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة الآية (زاد ابن
نفيل) هو عبد الله بن محمد النفيلي في
روايته (ما أنزل بك أمر) من الحزن والهم (ولك فيه
فرجا) ومخرجا وخيرا وطريقا سهلا للخروج منه وبركة ليستنوا به قال المنذري وأخرجه
البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة
(إنهم تمسحوا) من التفعل والمسح في والوضوء هو إصابة الماء باليد وفي التيمم
إمرار اليد بالتراب (وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) جملة حالية (بالصعيد) متعلق بتمسحوا
(فمسحوا بأيديهم) اليد مؤنثة وهي من المنكب إلى أطراف الأصابع (إلى المناكب)
جمع منكب وهو مجتمع رأس العضد (والآباط) الإبط ما
تحت الجناح ويذكر ويؤنث والجمع
آباط (من بطون أيديهم) متعلق بمسحوا أي مسحوا من بطون الأيدي لا من ظهورها قال
350

العلامة محمد بن إسحاق المحدث الدهلوي شيخ شيخنا هذا قياس الصحابة في أول الأمر قبل
بيان النبي صلى الله عليه وسلم فلما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم علموا كيفية التيمم قال البيهقي قال الشافعي في كتابه
قال عمار تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المناكب وروي عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم الوجه والكفين فكأنه قوله تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم انتهى
(المهري) بفتح الميم وسكون الهاء منسوب إلى مهرة بن حيدان وهو أبو قبيلة تنسب
إليها الإبل المهرية (ولم يقبضوا من التراب شيئا) لأن المقصود هو ضرب الأيدي على الصعيد
من غير زيادة على ذلك وتحصل الطهارة بالضرب لا بالتغيير (فذكر) أي سليمان (نحوه) أي
نحو حديث أحمد بن صالح (ولم يذكر) في حديثه (قال ابن الليث) هو عبد الملك بن شعيب
(إلى ما فوق المرفقين) أي مسحوا بأيديهم كلها إلى ما فوق المرفقين قال المنذري وأخرجه
ابن ماجة وهو منقطع عبيد الله بن عبد الله بن عتبة لم يدرك عمار بن ياسر وقد أخرجه
النسائي وابن ماجة مختصرا من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه عن عمار موصولا
(عرس) من التفعيل يقال عرس إذا نزل
المسافر ليستريح نزلة ثم يرتحل وقال الخليل
وأكثر أئمة اللغة التعريس نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة ولا يسمى نزول أول
الليل تعريسا (بأولات الجيش وفي رواية) الشيخين بالبيداء أو بذات الجيش قال ابن التين
شارح البخاري البيداء هو ذو الحليفة بالقرب من المدينة من طريق مكة وذات الجيش وراء
ذي الحليفة انتهى وذات الجيش وأولات الجيش واحد (فانقطع عقد لها) عقد بكسر العين
المهملة كل ما يعقد ويعلق في العنق ويسمى قلادة (من جزع ظفار) الجزع خرز فيه سواد
وبياض الواحد جزعة مثل تمر وتمرة وحكي في ضبط ظفار وجهان كسر أوله وصرفه أو فتحه
والبناء بوزن قطام قال القاضي عياض هو مدينة معروفة بسواحل اليمن وقال ابن الأثير
351

والصحيح رواية ظفار كقطام اسم مدينة لحمير (فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك) الناس
مفعول حبس وابتغاء فاعلها (فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) ليس المراد به أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قام معهم وصنع مثل ما صنعوا بل المراد أنهم قاموا للتيمم وهم كانوا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو في الرواية السابقة (فمسحوا بها) أي باليد المضروبة على الأرض (ومن
بطون أيديهم إلى الآباط) من للابتداء أي ثم ابتدأوا من بطون أيديهم ومدوا إلى الآباط
فمسحوا أولا من ابتداء ظهور الأكف إلى المناكب وثانيا من ابتداء بطون الأكف إلى الآباط
والله تعالى أعلم
(ولا يعتبر بهذا الناس) أي الناس لا يعتبرون بهذا الحديث ولا يأخذونه ولم يذهب أحد
إلى التيمم إلى الآباط والمناكب هكذا قال الزهري وأما هو فقد ذكر ابن المنذر والطحاوي
وغيرهما عن الزهري أنه كان يرى التيمم إلى الآباط (وكذلك رواه ابن إسحاق) أي بذكر
عبد الله بن عباس بين عمار وعبيد الله بن عبد الله (قال فيه عن ابن عباس) هذه الجملة بيان
لقوله كذلك رواه ابن
إسحاق (وكذلك
قال أبو أويس عن الزهري) أي بذكر عبد الله بن عتيبة
بين عبيد الله بن عبد الله وعمار بن ياسر كما ذكره مالك (وشك فيه) أي في هذا الحديث (مرة
قال عن أبيه ومرة قال عن ابن عباس) تفسير لما قبله (اضطرب ابن عيينة فيه) فمرة قال عن أبيه
ومرة أسقطه وجعل مكانه عن ابن عباس (وفي سماعه عن الزهري) أيضا اضطرب فمرة رواه
عن الزهري بنفسه ومرة جعل بينه وبين الزهري واسطة عمرو بن دينار والاضطراب في
352

اصطلاح المحدثين هو الذي يروى على أوجه مختلفة متقاربة من راو واحد مرتين أو أكثر أو من
راويين أو رواة ويقع الاضطراب في الإسناد تارة وفي المتن أخرى ويقع في الإسناد والمتن
معا من راو واحد أو راويين أو جماعة والاضطراب موجب لضعف الحديث لإشعاره بعدم
الضبط من رواته الذي هو شرط في الصحة والحسن فإن رجحت إحدى الروايتين بحفظ راويها
مثلا أو كثرة صحبة المروي عنه أو غير ذلك من وجوه الترجيحات فالحكم للراجحة ولا يكون
الحديث مضطربا (ولم يذكر أحد منهم) أي من رواة الزهري في هذا الحديث (الضربتين إلا
من سميت) أي ذكرت اسمه وهم يونس وابن إسحاق ومعمر فإنهم رووا عن الزهري لفظ
الضربتين وما عداهم كصالح بن كيسان والليث بن سعد وعمرو بن دينار ومالك بن أبي
ذئب وغيرهم فكلهم رووه ولم يذكر أحد من هؤلاء ضربتين وأما لفظ المناكب والآباط
فقد اتفق الكل في رواياتهم عن الزهري على هذه اللفظة غير ابن إسحاق فإنه قال في روايته
المرفقين قال المنذري وقال غيره أي غير أبي داود حديث عمار لا يخلو إما أن يكون
عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم أولا فإن لم يكن عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف هذا ولا
حجة لأحد مع كلام النبي صلى الله عليه وسلم والحق أحق أن يتبع وإن كان عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم فهو منسوخ
وناسخه حديث عمار أيضا وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه ولا يجوز على عمار إذا ذكر
تيممهم مع النبي صلى الله عليه وسلم عند نزول الآية إلى المناكب إن كان عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه منسوخ عنده
إذ روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتيمم على الوجه والكفين أو يكون لم يرو عنه إلا تيمما واحدا
واختلف روايته عنه فتكون رواية ابن الصمة التي لم تختلف أثبت وإذا لم تختلف فأولى أن
يؤخذ بها لأنها أوفق لكتاب الله من الروايتين اللتين رويتا مختلفين أو يكون إنما سمعوا آية
التيمم عند حضور صلاة فتيمموا فاحتاطوا وأتوا على غاية ما يقع عليه اسم اليد لأن ذلك لا
يضرهم كما لا يضرهم لو فعلوه في الوضوء فلما صاروا إلى مسألة النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم أنهم يجزيهم من التيمم أقل مما فعلوا وهذا أولى مما فعلوا وهذا أولى
المعاني عندي برواية
ابن شهاب من حديث عمار بما وصفت من الدلائل قال الخطابي لم يختلف أحد من أهل العلم في أنه لا يلزم المتيمم أن يمسح بالتراب ما وراء المرفقين وفيما قاله نظر فقد ذكر ابن المنذر والطحاوي وغيرهما عن الزهري أنه كان يرى التيمم إلى الآباط وقد أخرج
353

البخاري ومسلم والنسائي حديث عائشة في انقطاع العقد وليس فيه كيفية التيمم انتهى كلام
المنذري (يا أبا عبد الرحمن) كنية عبد الله بن مسعود (أرأيت) أي أخبرني وهذا اللفظ شائع
على لسان الفصحاء وفيه إطلاق الرؤية وإرادة الإخبار لأنها سببه فهو مجاز مرسل من إطلاق
اسم السبب وإرادة المسبب (أجنب) أي صار جنبا (أما كان يتيمم) بهمزة الاستفهام (فقال) أي
عبد الله (لا) أي لا يتيمم (لو رخص لهم) على بناء المجهول (في هذا) أي في التيمم
(لأوشكوا) أي قربوا (إذا برد) بفتح الراء على المشهور وحكى الجوهري ضمها (فقال له) أي
لعبد الله (لهذا) لأجل تيمم صاحب البرد (فتمرغت في الصعيد) أي تقلبت في التراب ظنا بأن
الجنب يحتاج أن يوصل التراب إلى جميع بدنه لأن التيمم بدل من الغسل فيقع على هيئة
الغسل (فضرب) النبي صلى الله عليه وسلم (بيده على الأرض) وفي رواية مسلم ثم ضرب بيديه إلى الأرض
ضربة واحدة (فنفضها) تخفيفا للتراب (فقال له) لأبي موسى (لم يقنع بقول عمار) ووجه عدم
قناعته بقول عمار هو أنه كان معه في تلك القضية ولم يتذكر عمر ذلك أصلا ولهذا قال لعمار
اتق الله يا عمار فيما ترويه وتثبت فيه فلعلك نسيت أو اشتبه عليك فإني كنت معك ولا أتذكر
شيئا من هذا قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
(فقال إنا نكون بالمكان الشهر أو الشهرين) وفي رواية النسائي فقال يا أمير المؤمنين
354

ربما نمكث الشهر والشهرين ولا نجد الماء (إذ كنت أنا وأنت في الإبل) وفي رواية النسائي
ونحن نرعى الإبل (فأما أنا فتمعكت) من باب التفعل وأصل المعك الدلك معكه في التراب
يمعكه معكا ومعكه تمعيكا مرغه فيه والتمعك التقلب فيه وفي رواية مسلم يا أمير
المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت في
التراب (أن تقول هكذا) أي تفعل هكذا (إلى نصف الذراع) قال البيهقي في المعرفة واختلفوا
فيه على أبي مالك حبيب بن صهبان فقيل عنه عن عبد الرحمن بن أبزى إلى نصف الذراع
وقيل عنه عن عمار نفسه وجهه وكفيه والاعتماد على رواية الحكم بن عتيبة فهو فقيه حافظ لم يشك في الحديث وسياقه أحسن انتهى وستأتي رواية الحكم (إن شئت والله لم أذكره أبدا)
أي إن رأيت المصلحة في امساكي عن التحديث به راجحة على مصلحة في تحديثي به
أمسكت فإن طاعتك واجبه علي في غير المعصية وأصل تبليغ هذه السنة قد حصل (فقال عمر
كلا والله) لا تمسك تحديثك به ولا يلزم من عدم تذكري أن لا يكون حقا في نفس الأمر فليس
لي أن أمنعك من التحديث به (لنولينك) أي نكل إليك ما قلت ونرد إليك (من ذلك) من أمر
التيمم (ما توليت) أي ما وليته نفسك ورضيت لها به قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم
والترمذي والنسائي وابن ماجة مختصرا ومطولا (ثم مسح وجهه والذراعين إلى نصف الساعدين ولم يبلغ المرفقين) الذراع من المرفق
355

إلى طرف الأصابع والساعد ما بين المرفق والكف كذا في المصباح وقال الأزهري والساعد
ساعد الذراع وهو ما بين الزندين والمرفق والزند بالفتح موصل طرف الذراع في الكف وهما
زندان الكوع والكرسوع فطرف الزند الذي يلي الإبهام هو الكوع وطرف الزند الذي يلي
الخنصر كرسوع والرسغ مجتمع الزندين ومن عندهما تقطع يد السارق انتهى والمرفق
كمنبر موصل الذراع في العضد والعضد هو ما بين المرفق إلى الكتف
(كان سلمة) بن كهيل (فقال له) أي لسلمة (ذات يوم) ذات الشيء نفسه وحقيقته
والمراد ما أضيف له والمعنى يوم من الأيام (أنظر) يا سلمة (ما تقول) في روايتك (فإنه) الضمير
للشأن (لا يذكر الذراعين غيرك) فأنت متفرد ما بين أصحاب ذر بن عبد الله بذكر لفظ الذراعين
356

(فأمرني ضربة واحدة للوجه والكفين) فيه دليل صريح على
الاقتصار في التيمم على الوجه والكفين بضربة واحدة وأن ما زاد على الكفين ليس بضروري وهذا القول قوي من
حيث الدليل قال ابن دقيق العيد فيه دليل لمن قال بالاكتفاء بضربة واحدة للوجه واليدين
ومذهب الشافعي أنه لا بد من ضربتين ضربة للوجه وضربة لليدين وقد ورد في الضربتين
إلا أنه لا يقاوم هذا الحديث في الصحة ولا يعارض مثله بمثله انتهى وقال الخطابي في
المعالم ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين وهو قول
عطاء بن أبي رباح ومكحول وبه قال الأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وعامة أصحاب
الحديث وهذا المذهب أصح في الرواية انتهى وقال الحافظ بن حجر في فتح الباري تحت
قول الإمام البخاري باب التيمم للوجه والكفين أي هو الواجب المجزئ وأتى بذلك
بصيغة الجزم مع شهرة الخلاف فيه لقوة دليله فإن الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح
منها سوى حديث أبي جهيم وعمار وما عداهما فضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه والراجح
عدم رفعه فأما حديث جهيم فورد بذكر اليدين مجملا وأما حديث عمار فورد بذكر الكفين
في الصحيحين وبذكر المرفقين في السنن وفي رواية إلى نصف الذراع وفي رواية إلى
الآباط فأما رواية المرفقين وكذا نصف الذراع ففيهما يكون مقال وأما رواية الآباط فقال الشافعي
وغيره مما تقدم ذكره مرارا وما يقوي رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين
كون عمار كان يفتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره ولا سيما
الصحابي المجتهد
357

(قال إلى المرفقين) قال المنذري وفي إسناد هذه الرواية رجل مجهول انتهى ونقل
العيني عن ابن حزم أنه قال هو خبر ساقط
واعلم أنه قد وردت في المسح إلى المرفقين روايات غير ما ذكره المؤلف لكن كلها لا
يخلو من مقال وقد سردها كلها مع الكلام عليها أخونا المعظم في غاية المقصود
123 (باب التيمم في الحضر)
بفتحتين هو خلاف السفر هل يجوز
(من نحو بئر جمل) بفتح الميم والجيم أي من جهة الموضع الذي يعرف ببئر جمل
وهو موضع بقرب المدينة فيه مال من أموالها (فمسح بوجهه ويديه) قال النووي وحديث أبي جهيم محمول على أنه صلى الله عليه وسلم كان عادما للماء حال التيمم قال الحافظ ابن حجر وهو مقتضى
صنيع البخاري لكن تعقب استدلاله به على جواز التيمم في الحضر بأنه ورد على سبب وهو
إرادة ذكر الله لأن لفظ السلام من أسمائه وما أريد به استباحة الصلاة وأجيب بأنه لما تيمم في
الحضر لرد السلام مع جوازه بدون الطهارة فمن خشي فوت الصلاة في الحضر جاز له
التيمم بطريق الأولى انتهى والاستدلال بهذا الحديث على أن التيمم إلى المرفقين غير
صحيح لأن لفظ اليد مجمل وأما رواية الدارقطني من طريق أبي صالح والشافعي من طريق
أبي الحويرث بلفظ ذراعيه فهي ضعيفة قال الحافظ والثابت في حديث أبي جهيم بلفظ يديه
لا ذراعيه فإنها رواية شاذة مع ما في أبي الحويرث وأبي صالح من الضعف انتهى قال
المنذري وأخرجه البخاري والنسائي وأخرجه مسلم منقطعا وهو أحد الأحاديث المنقطعة
358

(وكان من حديثه) أي من حديث ابن عمر لا من حديث ابن عباس لأن هذا الحديث
مروي من طرق عن ابن عمر ولم يعرف هذا عن عبد الله بن عباس وفي المعرفة للبيهقي فلما
أن قضى حاجته كان من حديثه يومئذ وهكذا في رواية الدارقطني (في سكة) بكسر السين
وشدة الكاف زقاق (فسلم) أي الرجل (عليه) صلى الله عليه وسلم (حتى إذا كاد الرجل أن يتوارى) أي قرب
الرجل أن يختفي ويغيب عن نظره صلى الله عليه وسلم (حديثا منكرا) تقدم تعريف المنكر في باب الوضوء من
النوم فليرجع إليه (لم يتابع) بصيغة المجهول (محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن
النبي صلى الله عليه وسلم) فمحمد بن ثابت مع كونه ضعيفا تفرد بذكر الضربتين قال الخطابي في المعالم
حديث ابن عمر لا يصح لأن محمد بن ثابت العبدي ضعيف جدا لا يحتج بحديثه (ورووه فعل
ابن عمر) أي روى الحفاظ الثقات ضربتين من فعل ابن عمر لا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال
المنذري قال الخطابي قد أنكر محمد بن إسماعيل البخاري على محمد بن ثابت رفع هذا
الحديث وقال البيهقي ورفعه غير منكر انتهى
(عبد الله بن يحيى البرلسي) قال في التقريب بضم الموحدة والراء وتشديد اللام
359

المضمومة بعدها مهملة انتهى وهكذا في التهذيب وقال في القاموس برلس بالضمات
وشد اللام قرية بسواحل مصر وفي تاج العروس وضبطه ياقوت بفتحتين وضم اللام وشدها (ثم مسح وجهه ويديه إلخ) وهذا الحديث ليس فيه ذكر الضربتين قال المنذري حسن
124 (باب الجنب يتيمم)
لعذر من الأعذار هل ينوب عن الغسل؟
(اجتمعت غنيمة) تصغير غنم لإفادة التقليل (يا أبا ذر أبد) بصيغة الأمر أصله أبد ويقال
بدا القوم بدوا أي خرجوا إلى باديتهم وبدا القوم بداء خرجوا إلى البادية وتبدى الرجل
أقام بالبادية وتبادى تشبه بأهل البادية كذا في لسان العرب (فيها) أي في الغنيمة (فبدوت إلى
الربذة) بفتح أوله وثانية وذال معجمة مفتوحة من قرى المدينة على ثلاثة أميال منها قريبة من
ذات عرق على طريق الحجاز إذا رحلت من قيد تريد مكة والمعنى خرجت إلى الربذة
(فأمكث الخمس والست) أي خمسة أيام وستة أيام فأصلي بغير طهور (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (أبو
ذر) أي أنت أبو ذر (فسكت) وفي الرواية الآتية فقلت نعم إلخ والتوفيق بين الروايتين أن
360

الرواية الأولى اختصرها الراوي أي فسكت أولا ثم قلت نعم كما يدل عليه رواية الطبراني في
الأوسط (ثكلتك أمك أبا ذر) الثكل فقدان المرأة ولدها أي فقدتك أمك وأمثال هذه الكلمة
تجري على ألسنتهم ولا يراد بها الدعاء وكذا قوله صلى الله عليه وسلم لأمك الويل
لم يرد به الدعاء والويل الحزن والهلاك والمشقة (فجاءت بعس) بضم العين وتشديد السين قال الجوهري القدح
العظيم والرفد أكبر منه وجمعه عساس (فسترتني بثوب) أي من جانب (واستترت) أنا من جانب
آخر (بالراحلة) قال الجوهري الراحلة المركب من الإبل ذكرا كان أو أنثى (فكأني ألقيت عني
جبلا) شبه الجنابة بالجبل في الثقل يقول لما أجنبت وما وجدت الماء كنت لعدم الاغتسال
مكدر أو منقبض النفس كأن على رأسي الجبل فلما اغتسلت زال عني ذلك الثقل فكأني
طرحت عني الجبل (الصعيد الطيب وضوء المسلم) قد اختلفت أقوال أئمة اللغة في تفسير
الصعيد قال الإمام جمال الدين الإفريقي في لسان العرب والصعيد المرتفع من الأرض
وقيل الأرض المرتفعة من الأرض المنخفضة وقيل ما لم يخالطه رمل ولا سبخة وقيل وجه
الأرض لقوله تعالى فتصبح صعيدا زلقا وقيل الصعيد الأرض وقيل الأرض الطيبة وقيل
هو كل تراب طيب وفي التنزيل (فتيمموا صعيدا طيبا) وقال الفراء في قوله تعالى صعيد
جرزا الصعيد التراب وقال غيره هي الأرض المستوية وقال الشافعي لا يقع اسم صعيد إلا
على تراب ذي غبار فأما البطحاء الغليظة والرقيقة والكثيب الغليظ فلا يقع عليه اسم صعيد
وإن خالطه تراب أو مدر يكون له غبار كان الذي خالطه الصعيد ولا يتيمم بالنورة وبالكحل
وبالزرنيخ وكل هذه حجارة وقال أبو إسحاق الزجاج الصعيد وجه الأرض قال وعلى
الانسان أن يضرب بيديه وجه الأرض ولا يبالي أكان في الموضع تراب أو لم يكن لأن الصعيد
ليس هو التراب وإنما هو وجه الأرض ترابا كان أو غيره قال ولو أن أرضا كانت كلها صخرا لا
تراب عليها ثم ضرب المتيمم يده على ذلك الصخر لكان ذلك طهورا إذا مسح به وجه قال الله
تعالى فتصبح صعيدا لأنه نهاية ما يصعد إليه من باطن الأرض لا أعلم بين أهل اللغة خلافا
في أن الصعيد وجه الأرض قال الأزهري وهذا الذي قاله أبو إسحاق الزجاج أحسبه مذهب
مالك ومن قال يقوله ولا أستيقنه قال الليث يقال للحديقة إذا خربت وذهب شجراؤها قد
صارت صعيدا أي أرضا مستوية لا شجر فيها وقال ابن الأعرابي الصعيد الأرض بعينها
والصعيد الطريق سمي بالصعيد من التراب انتهى كلامه بحروفه وقال في القاموس الصعيد
التراب أو وجه الأرض وفي تاج العروس شرح القاموس مثل ما في اللسان وقال الجوهري
361

في الصحاح عن الفراء الصعيد التراب وقال ثعلب وجه الأرض لقوله تعالى فتصبح صعيدا زلقا انتهى وقال العيني في شرح البخاري (صعيدا طيبا) أي أرضا طاهرة وفي
الجمهرة وهو التراب الذي لا يخالطه رمل ولا سبخ هذا قول أبي عبيدة وعن قتادة أن الصعيد
الأرض التي لا نبات فيها ولا شجر انتهى ملخصا ومن الاختلاف في تفسير الصعيد اختلفوا
في هذه المسألة فذهب إلى تخصيص التراب للتيمم الشافعي وأحمد وداود وذهب مالك وأبو
حنيفة وعطاء والأوزاعي والثوري إلى أنه يجزئ بالأرض فلا وما عليها واستدلال كلا الفريقين
بقوله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا
قلت التحقيق في هذه المسألة أن التراب هو المتعين لمن وجد التراب ولا يجوز بغيره
لأن الصعيد هو التراب فقط عند بعض أئمة اللغة فالتيمم عليه جائز اتفاقا فكيف يترك المتيقن
بالمحتمل ومن لم يجد التراب فيتيمم على الرمال والأحجار ويصلي لأنه مدلول الصعيد لغة
عند بعض أئمة اللغة ومن لم يجد الرمال والأحجار فيتيمم على كل ما ذكر آنفا في تفسير
الصعيد ولا يصلي بغير التيمم ومن لم يجد هذه كلها فيصلي بغير طهارة والله أعلم
(ولو إلى عشر سنين) المراد بالعشر التكثير لا
التحديد ومعناه أي له أن يفعل التيمم مرة
بعد أخرى وإن بلغت مدة عدم الماء واتصلت إلى عشر سنين وليس في معنى أن التيمم دفعة
واحدة تكفيه لعشر سنين وكذلك قوله عليه السلام وما بدا لك في المسح على الخفين قاله
الخطابي في المعالم وفيه دليل على أن خروج الوقت غير ناقض للتيمم بل حكمه حكم
الوضوء قال الخطابي ويحتج بهذا الحديث من يرى أن للمتيمم أن يجمع بتيممه بين
صلوات ذوات عدد وهو مذهب أصحاب الحديث قال الحافظ ابن حجر واحتج البخاري
لعدم وجوب التيمم لكل صلاة بعموم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمران عليك بالصعيد فإنه يكفيك
قال الحافظ وهذه المسألة وافق فيها البخاري الكوفيين والجمهور وذهب بعض من التابعين
إلى خلاف ذلك انتهى قلت مذهب الجمهور قوي وقد جاء آثار تدل على ما ذهب إليه
البعض من التابعين من أن المصلي يجدد التيمم لكل صلاة لكن أكثرها ضعيف وما صح منها
فليس فيها شئ يحتج به على فرضية التجديد فهي محمولة على الاستحباب (فإذا وجدت
الماء فأمسه جلدك) أمس أمر من الامساس والمعنى إذا وجدت الماء فعليك أن تتوضأ أو
تغتسل قال الامام الخطابي ويحتج
بهذا الحديث في إيجاب انتقاض طهارة المتيمم بوجود
الماء على عموم الأحوال سواء كان في صلاة أو غيرها انتهى ويحتج به أيضا في أن لا يتيمم
في مصر لصلاة فرض ولا لجنازة ولا لعيد لأنه واجد للماء فعليه أن يمسه جلده (فإن ذلك) أي
362

الامساس (خير) أي بركة وأجر وليس معناه أن الوضوء والتيمم كلاهما جائز عند وجود الماء
لكن الوضوء خير بل الوضوء في هذا الوقت فرض والخيرية لا تنافي الفرضية قال المنذري
وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث حسن صحيح وبجدان بضم الباء الموحدة
وسكون الجيم وبعد الألف نون انتهى
(فأهمني ديني) أي أقلقني وأحزنني والمعنى أني أسلمت لكن ما علمت مسائل
الاسلام وأحكامه فتحرجت به على أداء أركان الاسلام فأحزنني وأقلقني ديني الذي هو
عصمة أمري لأن أجلس مجالس العلماء وأتعلم عنهم المسائل (إني اجتويت المدينة) قال
ابن فارس اجتويت البلد إذا كرهت المقام فيه وإن كنت في نعمة وقيده الخطابي بما إذا
تضرر بالإقامة وهو المناسب وقال القزاز اجتووا أي لم يوافقهم طعامها وقال ابن العربي
الجوى داء يأخذ من الوباء وقال غيره الجوى داء يصيب الجوف ذكره الحافظ (بذود) بفتح
الذال هي من الإبل قال ابن الأنباري سمعت أبا العباس يقول ما بين الثلاث إلى العشر
ذود وكذا قال الفارابي والذود مؤنثة لأنهم قالوا ليس في أقل من خمس ذود صدقة
والجمع أذواد مثل ثوب وأثواب وقال في البارع الذود لا يكون إلا إناثا كذا في المصباح
(فكنت أعزب عن الماء) بضم الزاء المنقوطة من باب نصر وضرب فيه لغتان يقال عزب عني
فلان يعزب عزوبا غاب وبعد والمعنى أني أبعد عن الماء (وهو في رهط) أي في جماعة وهو
ما دون عشرة من الرجال ليس فيهم امرأة وسكون الهاء أفصح من فتحها وهو جمع لا واحد له
من لفظه (يتخضخض) بالخاء والضاد المعجمتين أولا ثم كذلك ثانيا والخضخضة تحريك
363

الماء وأصل الخضخضة من خاض يخوض لا من خض يخض يقال خضخضت دلوي
في الماء خضخضة وتخضخض: الماء تحرك (ما هو) أي العس (إن الصعيد الطيب إلخ) وفي
إطلاقه دليل على أن الحضر والسفر كلاهما متساويان للمسلم في الطهارة بالصعيد الطيب
وأنه يقوم مقام الماء وإن لم يجد الماء عشر سنين ولا يقتصر الحكم في السفر فقط لأن
النبي صلى الله عليه وسلم لم يخصه موضعا دون موضع في جواز التيمم بل أطلق وأنكر صلى الله عليه وسلم على عدم
تطهر أبي ذر بالتيمم وهو كان يسكن بالربذة وهو من قرى المدينة على ثلاثة أميال وهو صاحب
هذه الواقعة (وليس في أبوالها) أي في شرب أبوال الإبل (إلا حديث أنس) بن مالك في قصة
العرنيين (تفرد به أهل البصرة) أي ما روى حديث أنس أحد غير البصريين إلا نادرا قال
المنذري وهذا الرجل الذي من بني عامر هو عمرو بن بجدان المتقدم في الحديث قبله
سماه خالد الحذاء عن أبي قلابة وسماه سفيان الثوري عن أيوب رضي الله عنهم انتهى
125 (باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم؟)
ويصلي بغير اغتسال أم لا
(قال احتلمت) قال السيوطي يرد بهذا على من يقول
من الصوفية إذا احتلم المريد
أدبه الشيخ فلا أحد أتقى وأصلح ولا أورع من الصحابة وقد ذكر هذا لسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم
فلم يقل له شيئا وما عصم من الاحتلام إلا الأنبياء عليهم السلام (في غزوة ذات السلاسل)
في مراصد الاطلاع السلاسل جمع سلسلة ماء بأرض جذام سميت به غزوة ذات السلاسل
قال العيني وهي وراء وادي القرى بينها وبين المدينة عشرة أيام وكانت تلك الغزوة في
364

جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة (فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال) وهو شدة البرد
(فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا) فيه دليل على جواز التيمم عند شدة البرد من وجهين
الأول التبسم والاستبشار والثاني عدم الانكار لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل والتبسم
والاستبشار أقوى دلالة من السكوت على الجواز قال الخطابي فيه من الفقه أنه عليه السلام
جعل عدم إمكان استعمال الماء كعدم عين الماء وجعله بمنزلة من يخاف العطش ومعه ماء
فأبقاه ليشربه وليتيمم به خوف التلف قال ابن رسلان في شرح السنن لا يتيمم لشدة البرد من
أمكنه أن يسخن الماء أو يستعمله على درجة يأمن الضرر مثل أن يغسل عضوا ويستره وكلما
غسل عضوا ستره ودفاه من البرد لزمه ذلك وإن لم يقدر يتيمم وصلى في قول أكثر العلماء
وقال الحسن وعطاء يغتسل وإن مات ولم يجعلا له عذرا ومقتضى قول ابن مسعود لو رخصنا
لهم لأوشك إذا برد عليهم أن يتيمموا أنه لا يتيمم لشدة البرد انتهى قال المنذري حسن
(كان على سرية) هي قطعة من الجيش فعيلة معنى فاعلة والجمع سرايا وسريات مثل
عطية وعطايا وعطيات (فغسل مغابنه) الواحد مغبن مثل مسجد ومغابن البدن الارفاغ والآباط
365

126 (باب المجدور يتيمم)
وفي بعض النسخ المجروح يتيمم
وفي بعضها المعذور يتيمم ومعنى المجدور صاحب الجدري بضم الجيم وهو حب في جسد الصبي من فضلات تضمن المضرة تدفعها
الطبيعة وقد يظهر هذا في جسد الرجل الكبير أيضا فيؤلم لأن كثيرا فعلى هذه النسخة لا ينطبق
الحديث من الباب لأن ذكر الجدري ليس في حديث الباب إلا أن يقال المجدور يقاس
على من أصابه الشج فكما صاحب الشج يتيمم لجراحته كذلك صاحب الجدري يتيمم
لأجل جراحته (فشجه في رأسه) الشج ضرب الرأس خاصة وجرحه
وشقه ثم استعمل في غيره
وضمير مفعوله للرجل ثم ذكر الرأس لزيادة التأكيد فإن الشج هو كسر الرأس ففيه تجريد
والمعنى فجرحه في رأسه (فقال) أي الرجل المجروح المحتلم وهذا بيان للسؤال (قالوا ما
نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء) حملوا الوجدان على حقيقته ولم يعلموا أن الوجدان
عند الضرورة في حكم الفقدان (أخبر بذلك) بالبناء للمجهول (قتلوه) أسند القتل إليهم
لأنهم تسببوا له بتكليفهم له باستعمال الماء مع وجود الجراح في رأسه ليكون أدل على الانكار
عليهم (قتلهم الله) إنما قاله زجرا وتهديدا (ألا) بفتح الهمزة وتشديد اللام حرف تحضيض
366

دخل على الماضي فأفاد التنديم (فإنما شفاء العي السؤال) العي بكسر العين وتشديد الياء هو
التحير في الكلام وعدم الضبط كذا في الصحاح وفي النهاية ولسان العرب العي بكسر العين
الجهل والمعنى أن الجهل داء وشفاءها السؤال والتعلم (ويعصر) بعد ذلك أي يقطر عليها
الماء والمراد به أن يمسح على الجراحة (أو يعصب) أي يشد (ثم يمسح عليها) أي على
الخرقة بالماء قال الإمام الخطابي في هذا الحديث من العلم أنه عابهم بالفتوى بغير علم
وألحق بهم الوعيد بأن دعا عليهم وجعلهم في الإثم قتلة له وفيه من الفقه أنه أمر بالجمع بين
التيمم وغسل سائر جسده بالماء ولم ير أحد الأمرين كافيا دون الآخر قال أصحاب الرأي
إن كان أقل أعضائه مجروحا جمع بين الماء والتيمم وإن كان الأكثر كفاه التيمم وحده وعلى
قول الشافعي لا يجزئه في الصحيح من بدنه قل أو كثر إلا الغسل انتهى كلامه قال الشوكاني
في النيل حديث جابر يدل على جواز العدول إلى التيمم لخشية الضرر وقد ذهب إلى ذلك
مالك وأبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه وذهب أحمد والشافعي في أحد قوليه
إلى عدم جواز
التيمم لخشية الضرر وقالوا لأنه واجد والحديث يدل أيضا على وجوب المسح على
الجبائر ومثله حديث علي قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمسح على الجبائر أخرجه ابن
ماجة واتفق الحفاظ على ضعفه وذهب إلى وجوب المسح على الجبائر أبو حنيفة والفقهاء
السبعة فمن بعدهم وبه قال الشافعي لكن بشرط أن توضع على طهر أن لا يكون تحتها من
الصحيح إلا ما لا بد منه والمسح المذكور عندهم يكون بالماء لا بالتراب وروي عن أبي
حنيفة أنه لا يمسح ولا يحل بل يسقط كعبادة تعذرت ولأن الجبيرة
كعضو آخر وآية الوضوء لم
تتناول ذلك واعتذر عن حديث جابر وعلي بالمقال الذي فيهما وقد تعاضدت طرق حديث
جابر فصلح للاحتجاج به على المطلوب وقوي بحديث علي ولكن حديث جابر قد دل على
الجمع بين الغسل والمسح والتيمم انتهى كلامه قلت رواية الجمع بين التيمم والغسل ما
رواها غير زبير بن خريق وهو مع كونه غير قوي في الحديث قد حالف سائر من روى عن
عطاء بن أبي رباح فرواية الجمع بين التيمم والغسل رواية ضعيفة لا تثبت بها الأحكام قال
367

المنذري فيه الزبير بن خريق قال الدارقطني ليس بالقوي وخريق بضم الخاء المعجمة
وبعدها راء مهملة مفتوحة وياء ساكنة وآخر الحروف قاف انتهى
(أخبرني الأوزاعي أنه بلغه) الضمير في أنه للشأن أو يرجع إلى الأوزاعي والضمير
المنصوب في بلغه راجع إلى الأوزاعي وفاعل بلغ الحديث أو قوله إنه سمع عبد الله بن
عباس (فأمر) بالبناء للمجهول (ألم يكن شفاء العي السؤال) أي لم لم يسألوا حين لم يعلموا
لأن شفاء الجهل السؤال قال المنذري أخرجه منقطعا وأخرجه موصولا وفي طريق ابن
ماجة عبد الحميد بن حبيب أبي العشرين الدمشقي ثم البيروتي كاتب الأوزاعي وقد استشهد به
البخاري وتكلم فيه غير واحد وقال ابن عدي يغرب عن الأوزاعي بغير حديث لا يرويه
غيره وهو ممن يكتب حديثه انتهى
127 (باب المتيمم يجد الماء بعد ما يصلي)
أي يجد الماء بعد الفراغ من الصلاة وكان قد تيمم للصلاة لأجل فقدان الماء
(في الوقت) متعلق بيجد أي وقت الصلاة باق فهل يعيد الصلاة أم يكفيه صلاته التي
368

صلاها بالتيمم (فحضرت الصلاة) أي جاءت وقتها فتيمما صعيدا طيبا) قال في المرقاة أي
قصداه على الوجه المخصوص فالمراد به المعنى اللغوي أو فتيمما بالصعيد على نزع
الحافض وأريد به المعنى الشرعي (في الوقت) وفية رد على من تأول الحديث بأنهما وجدا بعد
الوقت (فأعاد أحدهما) إما ظنا بأن الأولى باطلة وإما احتياطا (ولم يعد الآخر) بفتح الخاء
على ظن أن تلك الصلاة صحيحة (أصبت السنة) أي الشريعة الواجبة وصادفت الشريعة الثابتة
بالسنة (وأجزأتك صلاتك) تفسير لما سبق أي كفتك عن القضاء والإجزاء عبارة عن كون
الفعل مسقطا للإعادة (لك الأجر مرتين) أي لك أجر الصلاة كرتين فإن كلا منهما صحيحة
تترتب عليها مثوبة وإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا قال الخطابي في المعالم في هذا
الحديث من الفقه أن السنة تعجيل الصلاة للمتيمم في أول وقتها كهو للمتطهر بالماء وقد
اختلف الناس في هذه المسألة فروي عن ابن عمر أنه قال يتلوم بينه وبين آخر الوقت وبه
قال عطاء وأبو حنيفة وسفيان وهو قول أحمد بن حنبل وإلى نحو ذلك ذهب مالك إلا أنه قال إن
كان في موضع لا يرجى فيه وجود الماء يتيمم وصلى في أول وقت الصلاة وعن الزهري لا
يتيمم حتى يخاف ذهاب الوقت واختلفوا في الرجل يتيمم ويصلي ثم يجد الماء قبل خروج
الوقت فقال عطاء وطاووس وابن سيرين ومكحول والزهري يعيد الصلاة واستحبه الأوزاعي
ولم يوجبه وقالت طائفة لا إعادة عليه روي ذلك عن ابن عمرو وبه قال الشعبي وهو مذهب
مالك وسفيان والثوري وأصحاب الرأي وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق انتهى قال
المنذري وأخرجه النسائي مسندا ومرسلا (عن عميرة) بفتح العين وكسر الميم (هو مرسل
) والمرسل هو قول التابعي سواء كان كبيرا أو صغيرا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو فعل كذا
369

(حدثنا ابن لهيعة) قال يحيى بن مصيف ليس بالقوي وقال مسلم تركه وكيع ويحيى
القطان وابن مهدي
تم بحمد الله الجزء الأول من كتاب: " عون المعبود شرح سنن أبي داود " مع شرح الإمام ابن قيم الجوزية ويليه الجزء الثاني وأوله (باب في الغسل للجمعة)
370