الكتاب: عمدة القاري
المؤلف: العيني
الجزء: ١٧
الوفاة: ٨٥٥
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة: بيروت - دار إحياء التراث العربي
الناشر: دار إحياء التراث العربي
ردمك:
ملاحظات:

33
((باب إسلام أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب في بيان إسلاك أبي ذر، واسمه جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حزام بن غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناف بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، وقيل غير ذلك، وفي (التهذيب): اختلف في اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا، فقيل: اسمه جندب بن جنادة، وقيل: بربر بن جندب، وقيل: بربر بن عشرقة، وقيل: جندب بن السكن والمشهور ما ذكرناه أولا. وأمه رملة بنت الوقيعة من بني غفار بن مليل، وكان أخا عمرو بن عبسة لأمه، قال خليفة بن خياط، مات سنة اثنتين وثلاثين بالربذة، قرية من قرى المدينة في خلافة عثمان بن عفان، وصلى عليه عبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنه.
3861 حدثني عمرو بن عباس حدثنا عبد الرحمان بن مهدي حدثنا المثنى عن أبي جمرة عن ابن عباس رضي لله تعالى عنهما قال لما بلغ أبا ذر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم قال لأخيه اركب إلى هاذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء واسمع من قوله ثم ائتني فانطلق الأخ حتى قدمه وسمع من قوله ثم رجع إلى أبي ذر فقال له رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلاما ما هو بالشعر فقال ما شفيتني مما أردت فتزود وحمل شنة له فيها ماء حتى قدم مكة فأتى المسجد فالتمس النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرفه وكره أن يسأل عنه حتى أدركه بعض الليل فرآه علي فعرف أنه غريب فلما رآه تبعه فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد وظل ذلك اليوم ولا يراه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أمسى فعاد إلى مضجعه فمر به علي فقال أما نال للرجل أن يعلم منزله فأقامه فذهب به معه لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى إذا كان يوم الثالث فعاد علي على مثل ذلك فأقام معه ثم قال ألا تحدثني ما الذي أقدمك قال إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدنني فعلت ففعل فأخبره قال فإنه حق وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أصبحت فاتبعني فإني إن رأيت
2

شيئا أخاف عليك قمت كأني أريق الماء فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي ففعل فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ودخل معه فسمع من قوله وأسلم مكانه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري قال والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته أشهد أن لا إلاه إلا الله وأن محمدا رسول الله ثم قام القوم فضربوه حتى أضجعوه وأتى العباس فأكب عليه قال ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار وأن طريق تجاركم إلى الشأم فأنقذه منهم ثم عاد من الغد لمثلها فضربوه وثاروا إليه فأكب العباس عليه. (انظر الحديث 3522).
مطابقته للترجمة في قوله: (وأسلم مكانه). وعمرو بن عباس أبو عثمان البصري، قال أبو داود: مات سنة خمس وثلاثين ومائتين وهو من أفراده، و عبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري البصري، مات سنة ثمان وتسعين ومائة، و المثنى ضد المفرد هو ابن سعيد الضبعي، له في البخاري حديثان: هذا وآخر تقدم في ذكر بني إسرائيل، وأبو جمرة، بالجيم والراء: هو نصر بن عمران.
والحديث قد مضى في مناقب قريش في: باب قصة زمزم، فإنه أخرجه هناك عن زيد بن حزم وعن أبي قتيبة عن مثنى ابن سعيد عن أبي جمرة عن ابن عباس مطولا، وبين ألفاظهما بعض زيادة ونقصان، ومضى الكلام فيه هناك، ولنتكلم فيه هنا أيضا زيادة للبيان.
قوله: (لأخيه) هو أنيس. قوله: (إلى هذا الوادي) أي: وادي مكة الذي به المسجد. قوله: (فاعلم) من الإعلام. (لي) أي: لأجلي. قوله: (علم هذا) منصوب بقوله: إعلم. قوله: (فانطلق الأخ) وفي رواية الكشميهني: فانطلق الآخر، يعني: أنيس. قوله: (حتى قدمه) أي: حتى قدم الوادي أي: وادي مكة، وفي رواية ابن مهدي: فانطلق الآخر حتى قدم مكة. قوله: (وكلاما) بالنصب عطف على الضمير المنصوب في روايته. فإن قلت: الكلام لا يرى. قلت: فيه وجهان: الإضمار والمجاز من قبيل قوله:
* علفتها تبنا وماء باردا
*
أما الإضمار فهو: سقيته ماء، وأما المجاز فهو أن علفته بمعنى أعطيته، وأما ههنا فالإضمار هو أن يقدر، وسمعته يقول كلاما، وأما المجاز فهو أن يضمن الرؤية معنى الأخذ عنه، فالتقدير: وأخذت عنه كلاما ما هو بالشعر. قوله: (وكره أن يسأل عنه) لأنه عرف أن قومه يؤذون من يقصده أو يؤذونه بسبب قصد من يقصده أو لكراهتهم في ظهور أمره لا يدلون من يسأل عنه عليه أو يمنعونه من الاجتماع به أو يخدعونه حتى يرجع عنه. (فرآه علي) هو ابن أبي طالب، كرم الله وجهه، وهذا يدل على أن قصة أبي ذر وقعت بعد المبعث بأكثر من سنتين بحيث يتهيأ لعلي أن يستقل بمخاطبة الغريب ويضيفه، فإن الأصح في سن علي حين البعث كان عشر سنين، وقيل: أقل من ذلك. قوله: (فعرف أنه غريب)، وفي رواية أبي قتيبة: فقال: كان الرجل غريب. قلت: نعم. قوله: (أما نال للرجل)، أي: أما حان، يقال: نال له، بمعنى: آن له، ويروى: أما آن، بمد الهمزة، وأنى بفتح الهمزة والقصر وفتح النون وكلها بمعنى. قوله: (أن يعلم منزله) أي: مقصده. قوله: (يوم الثالث)، بالإضافة كما في: مسجد الجامع، فإن التقدير فيه: مسجد الوقت الجامع فالجامع صفة للوقت لا للمسجد، وكذلك التقدير في: يوم الثالث. قوله: (فعاد علي على مثل ذلك)، وفي رواية: فعل علي مثل ذلك، وفي رواية الكشميهني: فغدا على ذلك. قوله: (لترشدنني) كذا في رواية الأكثرين بنونين وفي رواية الكشميهني: لترشدني، بنون واحدة واللام فيه للتأكيد. قوله: (فأخبره)، كذا هو في رواية الكشميهني، وفي رواية: فأخبرته، بتاء المتكلم قبل الضمير وفيه التفات. قوله: (كأني أريق الماء)، وفي رواية أبي قتيبة: كأني أصلح نعلي، ويحمل على أنه قالهما جميعا. قوله: (يقفوه)، أي: يتبعه. قوله: (ودخل معه) أي: دخل أبو ذر مع علي، رضي الله تعالى عنه، فسمع من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وفي حديث عبد الله بن الصامت: أن أبا ذر لقي النبي صلى الله عليه وسلم،
وأبا بكر في الطواف بالليل، والجمع بين الروايتين، بأنه لقيه أولا مع علي ثم لقيه في الطواف مع أبي بكر
3

أو بالعكس. قوله: (إرجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري)، وفي رواية أبي قتيبة: أكتم هذا الأمر وارجع إلى قومك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل. قوله: (لأصرخن بها) أي: بكلمة التوحيد، أراد أنه يرفع صوته جهارا بين المشركين، وضبط في بعض النسخ: لأصرحن، بالحاء المهملة من التصريح. قوله: (بين ظهرانيهم) أي: في جمعهم، قال ابن فارس: يقال: هو نازل بين ظهرانيهم وأظهرهم، ولا تقل: بين ظهرانيهم، بكسر النون. قلت: معناه لأصرحن بها على سبيل الاستظهار، وزيدت النون المفتوحة والألف تأكيدا، وقد مر الكلام فيه غير مرة. قوله: (حتى أضجعوه) أي: أرموه على الأرض. قوله: (فأنقذه) أي: خلصه منهم أي: من المشركين.
34
((باب إسلام سعيد بن زيد رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب في بيان إسلام سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وتقدمت بقية نسبه، وهو ابن عم عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه.
35
((باب إسلام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب في بيان إسلام عمر بن الخطاب، وقد ذكرنا نسبه في مناقبه.
3863 حدثني محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال ما زلنا أعزاء منذ أسلم عمر. (انظر الحديث 3684).
مطابقته للترجمة في قوله: (منذ أسلم عمر، رضي الله تعالى عنه) وسفيان هو الثوري، وأخرجه أيضا عن محمد بن المثنى عن يحيى القطان عن إسماعيل بن أبي خالد.
347 - (حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثني ابن وهب قال حدثني عمر بن محمد قال وأخبرني جدي زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال بينما هو في الدار خائفا إذ جاءه العاص بن وائل
4

السهمي أبو عمرو عليه حلة حبرة وقميص مكفوف بحرير وهو من بني سهم وهم حلفاؤنا في الجاهلية فقال له ما بالك قال زعم قومك أنهم سيقتلوني إن أسلمت قال لا سبيل إليك بعد أن قالها أمنت فخرج العاص فلقي الناس قال سال بهم الوادي فقال أين تريدون فقالوا نريد هذا ابن الخطاب الذي صبأ قال لا سبيل إليه فكر الناس)
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله هذا ابن الخطاب الذي صبأ وكانوا يقولون صبأ لمن أسلم ويحيى بن سليمان أبو سعيد الجعفي الكوفي وسكن مصر وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري وعمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب مدني نزل عسقلان أخو عاصم وزيد وواقد وأبي بكر وعمر هذا يروي عن جده عبد الله بن عمر (فإن قلت) كيف قال وأخبرني جدي بالواو ويروى فأخبرني بالفاء (قلت) للإشعار بأنه أخبره أيضا بغير هذا الحديث أنه قال قال كذا وأخبرني كذا وجده زيد يروي عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب والحديث من أفراده قوله ' بينما هو ' أي عمر بن الخطاب قوله ' خائفا ' حال من الضمير قوله ' إذ جاءه ' جواب بينما قوله ' العاص بن وائل ' مرفوع لأنه فاعل جاء والضمير المنصوب فيه يرجع إلى ما يرجع إليه قوله هو في الدار أي عمر بن الخطاب كما ذكرنا والعاص بضم الصاد وأصله العوص ويجوز بكسر الصاد لأن أصله العاصي نحو القاضي ولكن الياء خففت فيه وهو ابن وائل بالهمزة بعد الألف السهمي بفتح السين وسكون الهاء والد عمرو بن العاص وهو جاهلي أدرك الإسلام ولم يسلم وهو ابن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب قوله ' أبو عمرو ' كنية العاص المذكور وهو عمرو بن العاص الصحابي قوله ' عليه حلة حبرة ' جملة اسمية وقعت حالا بغير واو والحبرة بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وهي برد مخططة بالوشي ويروى حبر بغير هاء وهو جمع حبرة قوله ' مكفوف بحرير ' من كففت الثوب إذا خططته قوله ' حلفاؤنا ' جمع حليف من الحلف وهو المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق قوله ' سيقتلونني ' ويروي سيقتلوني قوله ' إن أسلمت ' بفتح الهمزة أي لأن أسلمت أي لأجل إسلامي وكلمة إن مصدرية قوله ' آمنت ' بفتح الهمزة وكسر الميم وسكون النون وضم التاء المثناة من فوق من الأمان أي زال خوفي لأن العاص كان مطاعا في قومه ووقع في رواية الأصيلي بمد الهمزة وهو خطأ فإنه كان قد أسلم قبل ذلك وذكر عياض أن في رواية الحميدي بالقصر أيضا لكنه بفتح التاء وهو أيضا خطأ لأنه يصير من كلام العاص بن وائل وليس كذلك بل هو من كلام عمر رضي الله تعالى عنه يريد أنه أمن لما قال له العاص ابن وائل تلك المقالة قوله ' قد سال بهم الوادي ' أي وادي مكة وهو كناية عن امتلائه بالناس قوله فقال أي العاص قوله هذا ابن الخطاب يعني عمر بن الخطاب قوله الذي صبأ أي مال عن دين آبائه وخرج قوله فكر أي رجع
348 - (حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال عمرو بن دينار سمعته يقول قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لما أسلم عمر اجتمع الناس عند داره وقالوا صبأ عمر وأنا غلام فوق ظهر بيتي فجاء رجل عليه قباء من ديباج فقال قد صبأ عمر فما ذاك وأنا له جار قال فرأيت الناس تصدعوا عنه فقلت من هذا الرجل قالوا العاص بن وائل)
مطابقته للترجمة في قوله لما أسلم عمر وعلي بن عبد الله المعروف بابن المديني وسفيان هو ابن عيينة قوله ' سمعته يقول ' أي سمعت عمرو بن دينار يقول قال عبد الله بن عمر والقائل بهذا هو سفيان قوله صبأ عمر أي خرج من دينه إلى دين آخر قوله وأنا غلام القائل هو عبد الله وفسره في رواية أخرى أنه كان ابن خمس سنين وإذا كان
كذلك خرج منه أن إسلام عمر بعد المبعث بست سنين أو سبع لأن ابن عمر كان يوم أحد ابن أربع عشرة سنة وذلك بعد المبعث بست عشرة سنة فيكون مولده
5

بعد المبعث بسنتين قوله فوق ظهر بيتي قال الداودي هو غلط والمحفوظ على ظهر بيتنا ورد عليه ابن التين بأنه أراد أنه الآن بيته وكان قبل ذلك لأبيه وقال بعضهم ولا يخفى عدم الاحتياج إلى هذا التأويل وإنما نسب ابن عمر البيت إلى نفسه مجازا أو مراده المكان الذي كان يأوي فيه سواء كان ملكه أم لا قلت الصواب مع الداودي ولا وجه للرد عليه لأنه لا يخفى أن ابن عمر كان عمره إذ ذاك خمس سنين وهو لا يفارق بيت أبيه ولا وجه لقوله بيتي بإضافته إلى نفسه ولا يحتاج إلى دعوى المجاز هنا من غير ضرورة ولا نكتة داعية إليه ولا وجه أيضا أن يقال مراد ابن عمر المكان الذي يأوي فيه لأنه لم يكن يأوي إلا في بيت أبيه عادة خصوصا وهو ابن خمس سنين قوله فجاء رجل وهو العاص بن وائل على ما يوضحه في آخر الحديث قوله فما ذاك أي فلا بأس عليه ولا اعتراض عليه والحال أنا له جار بالجيم وتخفيف الراء والجار هو الذي أجرته من أن يظلمه ظالم قوله تصدعوا عنه أي تفرقوا فقلت من هذا القائل هو عبد الله يسأل الناس عن هذا الرجل الذي عليه قباء من ديباج وتفرق الناس بسببه قوله قالوا العاص بن وائل أي قالوا هو العاص بن وائل ويروى قلت يا أبت من هذا جزاه الله خيرا قال العاص بن وائل لا جزاه الله خيرا * -
3866 حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثني ابن وهب قال حدثني عمر أن سالما حدثه عن عبد الله بن عمر قال ما سمعت عمر لشيء قط يقول إني لأظنه كذا إلا كان كما يظن بينما عمر جالس إذ مر به رجل جميل فقال عمر لقد أخطأ ظني أو إن هذا على دينه في الجاهلية أو لقد كان كاهنهم علي الرجل فدعي له فقال له فقال له ذلك فقال ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم قال فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني قال كنت كاهنهم في الجاهلية قال فما أعجب ما جاءتك به جنيتك قال بينما أنا يوما في السوق جاءتني أعرف فيها الفزع فقالت ألم تر الجن وإبلاسها ويأسها من بعد إنكاسها ولحوقها بالقلاص وأحلاسها قال عمر صدق بينما أنا عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل فذبحه فصرخ به صارخ لم أسمع صارخا قط أشد صوتا منه يقول يا جليح أمر نجيح رجل فصيح يقول لا إلاه إلا الله فوثب القوم قلت لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا ثم نادى يا جليح أمر نجيح رجل فصيح يقول لا إلاه إلا الله فقمت فما نشبنا أن قيل هاذا نبي.
وجه ذكر هذا الحديث في الباب ما قبل أن القصة التي في هذا الحديث هي التي كانت سببا لإسلام عمر، رضي الله تعالى عنه، ويحيى شيخ البخاري، وابن وهب قد مر ذكرهما عن قريب، وعمر هو محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقال الكلاباذي، أي هو عمرو بالواو ابن الحارث. قيل: هو وهم. وهو من أفراده.
قوله: (لشيء)، قال بعضهم: أي: عن شيء واللام قد تأتي بمعنى: عن، كقوله تعالى: * (وقال الذين كفروا للذين آمنوا) * (العنكبوت: 12، الأحقاف: 11). قلت: لا حاجة إلى العدول عن معناه الذي هو للتعليل، أي: لأجل شيء. قوله: (إلا كان كما يظن) لأنه كان من المحدثين، وقد تقدم في مناقبه أنه كان محدثا بفتح الدال وقد ذكرنا أن معنى المحدثين الملهمون، والملهم هو الذي يلقي في نفسه الشئ فيخبر به حدسا وفراسة. قوله: (بينما عمر) قد ذكرنا غير مرة أن أصله: بين، فزيدت فيه: ما، ويضاف إلى جملة اسمية وهي قوله: (عمر جالس) وقوله: (إذ مر به) جواب: بينما. وهو سواد، بفتح السين المهملة وتخفيف الواو: ابن قارب، بالقاف والراء المكسورة وفي آخره باء موحدة: الدوسي، كذا قال الكلبي، وقال ابن أبي خيثم: سواد بن قارب الدورسي من بني دوس، قال أبو حاتم: له صحبة، وقال عمر: كان يتكهن في الجاهلية وكان شاعرا ثم أسلم، وداعبه عمر بن الخطاب يوما، وقال: ما فعلت كهانتك يا سواد؟ فغضب وقال: ما كنا عليه نحن وأنت يا عمر من جاهليتنا وكفرنا شر من الكهانة، فما لك تعيرني بشيء تبت منه وأرجو من الله العفو عنه؟ قوله: (لقد أخطأ ظني) أي: في
6

كونه في الجاهلية بأن صار مسلما. قوله: (أو)، بسكون الواو أي: (أو إن هذا) يعني: سواد بن قارب مستمر على دينه في الجاهلية يعني: على عبادة ما كانوا يعبدون. قوله: (لقد كان كاهنهم)، أي: كاهن قومه. قوله: (علي) بتشديد الياء. قوله: (الرجل بالنصب) أي: أحضروه إلي وقربوه مني. قوله: (فدعي به)، على صيغة المجهول. أي: دعي بالرجل وهو سواد بن قارب، ويروى: فدعي له، فإن صحت هذه الرواية يكون الضمير في قوله: له، راجعا إلى عمر، رضي الله تعالى عنه، أي: دعي الرجل لأجله. قوله: (فقال له ذلك)، أي: قال له عمر، وذلك إشارة إلى ما قاله في غيبته قبل أن يحضر بين يديه من التردد بقوله أو، في الموضعين وفي رواية محمد بن كعب: فقال: فأنت على ما كنت عليه من كهانتك؟ فغضب سواد. واقتصر عمر هنا على أخف الأمرين وهما: الكهانة والشرك، تلطفا به. قوله: (ما رأيت كاليوم)، أي: ما رأيت يوما مثل هذا اليوم حيث (استقبل به) أي: فيه (رجل مسلم)، وارتفاع رجل بقوله: استقبل، الذي هو على صيغة البناء للفاعل، وقال الكرماني: استقبل، على صيغة المجهول، فعلى هذا قوله: الرجل، مرفوع أيضا، لأن الفعل مستند إليه، والباء في: به، بمعنى: في، أيضا. والضمير يرجع إلى اليوم، وفي رواية النسفي وأبي ذر: رجلا مسلما، بالنصب، وقال الكرماني: رجلا، منصوب لأنه مفعول: رأيت، وفي القلب من هذا دغدغة على ما لا يخفى إن كان مراده: رأيت، المصرح به في الحديث، فإن قدر لفظ: رأيت، آخر، يكون موجها تقديره حينئذ: ما رأيت يوما مثل هذا اليوم رأيت استقبل به أي: بالكلام المذكور رجلا مسلما. قوله: (استقبل به)، جملة معترضة بين الفاعل والمفعول، وحاصل المعنى: ما رأيت كاليوم رأيت فيه رجلا استقبل به أي: في اليوم، ورأيت الشراح فيه عاجزين، فمنهم من لم يتعرض إلى شيء ما كأنه ما اطلع على المتن، ومنهم من تصرف فيه بالتعسف. قوله: (فإني أعزم) أي: قال سواد بن قارب، كنت كاهن القوم، والكاهن هو الذي يتعاطى الأخبار المغيبة ويخبر بها، وكان في العرب في الجاهلية كهان كثير، وأكثرهم كان يعتمد على تابعه من الجن، وأما الذي كان يدعي معرفة ذلك بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله فهو الذي يسمى: عرافا. قوله: (فما أعجب) كلمة: ما، استفهامية، وأعجب، بالرفع أي: أي شيء أعجب. قوله: (ما جاءت به)، كلمة: ما، يجوز أن تكون موصولة بدلا من كلمة: ما، في: ما أعجب، ويجوز أن تكون مصدرية، والتقدير: أي شيء أعجب من مجيء جنيتك بالأخبار، والجنية تأنيث الجني، وأنثه تحقيرا له، وقيل: يحتمل أن يكون قد عرف أن تابع سواد من الجن أنثى، أو هو كما يقال: تابع الذكر أنثى وتابع الأنثى الذكر. قوله: (جاءتني) أي: الجنية. قوله: (الفزع)، بفتح الفاء والزاي: الخوف، وفي
رواية محمد بن كعب: أن ذلك كان وهو بين النائم واليقظان. قوله: (فقالت) أي: الجنية. قوله: (ألم تر الجن..) إلى آخره، من الرجز، و: الجن، منصوب بقوله: ألم تر، قوله: (وإبلاسها) بالنصب عطفا على ما قبله، وإبلاس، بكسر الهمزة وسكون الباء الموحدة، وقال ابن الأثير: الإبلاس الحيرة ومنه الحديث: ألم تر الجن وإبلاسها، أي: تحيرها. وقال الكرماني: إبلاسها، أي: انكسارها، وقال غيره: صيرورتها مثل إبليس حائرا بائرا. قوله: (ويأسها)، بالنصب أيضا عطفا على ما قبله، والياس بالياء آخر الحروف ضد الرجاء. قوله: (من بعد إنكاسها)، بكسر الهمزة وسكون النون، أي: من بعد انتكاسها، والانتكاس الانقلاب على الرأس، ويروى: من بعد أنساكها، بفتح الهمزة، قال ابن الأثير: هكذا جاء في رواية، أي: متعبداتها، وقال ابن فارس الأنساك جمع نسك، وهو المكان الذي يألفه، أراد أنها يئست من السمع بعد أن كانت ألفته، وروى الداودي: من بعد إيناسها، وقال: يعني كانت تأنس إلى ما تسمع. قوله: (ولحوقها)، بالنصب عطفا على: إبلاسها، ويجوز بالجر عطفا على، أنكاسها، قوله: (بالقلاص)، بكسر القاف: وهو جمع قلوص وهي الناقة الشابة، وقال الكرماني: وأريد بالقلاص أهل القلاص وهم العرب على طريق الكناية وقال غيره أراد تفرقهم ونفارهم كراهية الإسلام قوله (وإحلاسها) بفتح الهمزة جمع حلس بكسر الحاء المهملة وسكون اللام، وهو كساء رقيق يوضع تحت البردعة رعاية لظهر الدواب، وفي رواية: أن الجني عاوده ثلاث مرات. قال البيهقي في (دلائل النبوة) من حديث أبي إسحاق عن البراء بن عازم: كان له، أي لسواد بن قارب رائي من الجن، قال: بينا أنا نائم إذ جاءني، فقال: قم فافهم واعقل إن كنت تفعل، قد بعث رسول من لؤي بن غالب، ثم أنشأ يقول:
* عجبت للجن وأجناسهاوشدها العيس بأحلاسها
*
7

* تهوي إلى مكة تبغي الهدى ما مؤمنوها مثل أرجاسها
*
* فانهض إلى الصفوة من هاشمواسم بعينيك إلى رأسها
*
قال: ثم نبهني، وقال: يا سواد! إن الله قد بعث نبيا فانهض إليه تسعد وترشد، فلما كان في الليلة الثانية أتاني فنبهني ثم قال:
* عجبت للجن وتطلابهاوشدها العيس بأقتابها
*
* تهوي إلى مكة تبغي الهدى ليس قدامها كأذنابها
*
* فانهض إلى الصفوة من هاشمواسم بعينيك إلى نابها
*
فلما كان في الليلة الثالثة أتاني فنبهني، فقال:
* عجبت للجن وتجارهاوشدها العيس بأكوارها
*
* تهوي إلى مكة تبغي الهدى ليس ذوو الشر كأخيارها
*
* فانهض إلى الصفوة من هاشمما مؤمنو الجن ككفارها
*
قال: فوقع في قلبي الإسلام وأتيت المدينة، فلما رآني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: مرحبا بك يا سواد بن قارب، قد علمنا ما جاء بك. قال: قلت شعرا فاسمعه مني، فقلت:
* أتاني رئبي بعد ليل وهجعة فلم أك فيما قد بليت بكاذب
*
* ثلاث ليال قوله كل ليلة: أتاك نبي من لؤي بن غالب
*
* فشمرت عن ساقي الإزار ووسطتبي الذعلب الوجناء عند السباسب
*
* فأشهد أن الله لا رب غيرهوأنك مأمون على كل غائب
*
* وأنك أدنى المرسلين شفاعة إلى الله يا ابن الأكرمين الأطايب
*
* فمرنا بما يأتيك يا خير مرسلوإن كان فيما جاء شيب الذوائب
*
* فكن لي شفيعا لا ذو شفاعة سواك بمغن عن سواد بن قارب
*
قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه. قوله: إلى أرجاسها، جمع رجس وهو النجس، وأراد بهم المشركين. قوله: (واسم) من سما يسمو. أي أعل وانظر بعينيك. قوله: (تطلبانها) التاء فيه زائدة وهو من المصادر الشاذة و (العيس) بكسر العين وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة: جمع عيساء، قال ابن الأثير: العيس الإبل البيض مع شقرة يسيرة واحدها أعيس وعيسا، والأقتاب جمع قتب بفتحتين، وهو للجمل كالإكاف لغيره. قوله: (ليس قداماها) من: قوادم الطير، وهي: مقاديم ريشه وهي عشرة في كل جناح، الواحدة قادمة وهي القدامى أيضا، ويقال: القدامى تكون واحدة وتكون جمعا والأذناب جمع ذنب. قوله: (إلى نابها) الناب بالنون وبالباء الموحدة ومعناه: سيد القوم، وقال الجوهري: ناب القوم سيدهم والناب المسنة من الإبل النوق. قوله: (وتجآرها) التاء فيه زائدة، وأصله من جأر إذا تضرع وهو من المصادر الشاذة والأكوار جمع كور بالضم، وهو رحل الناقة بأداته وهو كالسرج وآلته للفرس، وقال ابن الأثير: وكثير من الناس يفتح الكاف وهو خطأ. قوله: (رئي)، بفتح الراء وكسر الهمزة وتشديد الياء وهو التابع من الجن، وقال ابن الأثير: رئي بوزن كمي وهو فعيل أو فعول، سمي به لأنه يتراءى لمتبوعه أو هو: من الرأي من قولهم فلان رأى قومه إذا كان صاحب رأيهم، وقد تكسر راؤه لاتباعها ما بعدها. قوله: (فيما قد بليت) بالباء الموحدة أي: فيما قد جربت. قوله: (الذعلب) بكسر الذال المعجمة وسكون العين المهملة وكسر اللام وفي آخره باء موحدة، وهي الناقة السريعة (والوجناء) بفتح الواو وسكون الجيم بالنون الممدودة والهمزة في آخره: وهي الغليظة الصلبة، وقيل: العظيمة الوجنتين (والسباسب) بفتح السين المهملة وفتح الباء الموحدة وكسر السين الثانية وفي آخره باء أخرى، وهو جمع سبسب وهي القفر والمفازة. قوله: (أدنى المرسلين) أي: أقربهم وأولاهم. قوله: (بينما أنا عند
8

آلهتهم) أي: أصنامهم. قوله: (بعجل) هو ولد البقرة. قوله: (يا جليح)، بفتح الجيم وكسر اللام وبالحاء المهملة: معناه الواقح الكاشف بالعداوة. قوله: (نجيح) بفتح النون وكسر الجيم من النجاح، وهو الظفر بالحوائج. قوله: (رجل فصيح) من الفصاحة، وفي رواية الكشميهني: رجل يصيح، بالياء آخر الحرف من الصياحة ووقع في رواية فصيح رجل يصيح. قوله: (يقول: لا إلاه إلا الله) هذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره: لا إلاه إلا أنت، وفي بقية الروايات مثل الأول. قوله: (نشبنا)، بفتح النون وكسر الشين المعجمة وسكون الباء الموحدة، أي: ما مكثنا وتعلقنا بشيء إذ ظهر القول بين الناس بخروج النبي صلى الله عليه وسلم.
350 - (حدثني محمد بن المثنى حدثنا يحيى حدثنا إسماعيل حدثنا قيس قال سمعت سعيد بن زيد يقول للقوم لو رأيتني موثقي عمر على الإسلام أنا وأخته وما أسلم ولو أن أحدا انقض لما صنعتم بعثمان لكان محقوقا أن ينقض)
هذا الحديث قد مضى عن قريب في إسلام سعيد بن زيد فإنه أخرجه هناك عن قتيبة بن سعيد عن سفيان عن إسماعيل وهنا أخرجه عن محمد بن المثنى عن يحيى بن سعيد القطان عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم وفيه هناك الاقتصار على ذكر عمر وههنا لو رأيتني موثقي عمر على الإسلام أنا وأخته قوله ' موثقي ' مضاف إلى المفعول قوله وأخته بالنصب أي أخت عمر وهي فاطمة بنت الخطاب زوجة سعيد بن زيد وكانا أسلما قبل عمر رضي الله تعالى عنه وقال ابن عبد البر فاطمة هذه أسلمت قديما قيل قبل زوجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وقيل مع زوجها وقصتها ذكرها ابن سعيد قال بإسناده عن أنس بن مالك قال خرج عمر رضي الله تعالى عنه متقلدا السيف فلقيه رجل من بني زهرة فقال أين تعمد يا عمر فقال أريد أن أقتل محمدا قال وكيف تأمن من بني هاشم وبني زهرة إذا قتلت محمدا وقال له عمر ما أراك إلا قد صبأت وتركت دينك الذي كنت عليه فقال ألا أدلك على ما هو أعجب من ذلك قال وما هو قال أختك وختنك قد صبآ وتركا دينك الذي أنت عليه فمشى عمر ذا أمر أي يلوم نفسه على ما فات حتى دخل على أخته فاطمة وزوجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل من العشرة وعندهما خباب بن الأرت رجل من المهاجرين يقرئهم القرآن فقال ما هذه الهنيمة التي أسمعها عندكم وكانوا يقرؤون (طه) فقالوا ما عدا حديثا تحدثناه بيننا فقال لعلكما قد صبوتما فقال له سعيد يا عمر أرأيت إذا كان الحق في غير دينك الذي أنت عليه فوثب عمر عليه فوطأه وطا شديدا فجاءت أخته فدفعته عنه فنفحها برجله أو بيده نفحة دمى وجهها فقالت وهي غضبى إن كان الحق في غير دينك يا عمر أتشهد أن لا إله إلا الله فلما آيس عمر قال أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم لأقرأه وكان عمر يقرأ الكتب فقالت له أخته إنك رجس ولا يمسه إلا المطهرون فقم واغتسل وتوضأ فقام وتوضأ وأخذ الكتاب فقرأ * (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) * حتى انتهى إلى قوله * (إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري) * فقال عمر دلوني على محمد فلما سمع خباب قوله خرج من البيت أو من تحت السرير وقال له أبشر يا عمر فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله
ليلة الخميس اللهم أيد الإسلام أو أعز الإسلام بعمر ابن الخطاب أو بعمرو بن هشام يعني أبا جهل قال ورسول الله
في داره التي عند الصفا فانطلق عمر إليها وعلى الباب حمزة وطلحة وناس من الصحابة رضي الله عنهم فخاف القوم منه فلما رأى حمزة وجل القوم منه قال إن يرد الله
به خيرا يسلم وإلا فقتله علينا هين قال ورسول الله
داخل الدار يوحى إليه فخرج رسول الله
وأخذ بمجامع ثوبه وحمائل سيفه وقال ما أنت بمنته يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة اللهم هذا عمر بن الخطاب فأعز الدين به فقال عمر رضي الله عنه أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله وقال اخرج يا رسول الله قوله ' وما أسلم ' أي والحال أن عمر إذ ذاك لم يكن أسلم قوله ' انقض ' بنون وقاف وضاد معجمة وفي رواية الكشميهني بفاء بدل القاف في الموضعين وفي رواية ابن نعيم بالراء والفاء ومعانيها متقاربة والانقضاض الإزالة والتفرق بالقاف والفاء أيضا قال الله تعالى * (لانفضوا من حولك) * أي لتفرقوا وقال ابن فارس انقض الحائط وقع ومنه * (يريد أن
9

ينقض فأقامه) * أي ينكسر وينهدم قوله ' لكان محقوقا ' أي واجبا حقا يقال حق عليك أن تفعل كذا ومحقوق أن تفعل ذلك قوله ' أن ينقض ' كلمة أن مصدرية أي الانقضاض. -
36
((باب انشقاق القمر))
أي: هذا باب في بيان انشقاق القمر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، معجزة له وهي من أمهات معجزات رسول الله، صلى الله عليه وسلم وآياته النيرة التي اختصت به، إذ كانت معجزات سائر الأنبياء لم تتجاوز عن الأرضيات إلى السماويات وقد نطق القرآن به قال تعالى: * (اقتربت الساعة وانشق القمر) * (القمر: 1). ولقد زعم بعض الفلاسفة بزعمهم الفاسد أن الفلكيات لا تقبل الخرق والالتئام، ونحن نقول: القمر مخلوق من مخلوقات الله تعالى يفعل فيه ما يشاء كما يفنيه ويكوره في آخر أمره.
3868 حدثني عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا بشر بن المفضل حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وهذا الحديث من مراسيل الصحابة لأن أنسا لم يدرك هذا، وقد مضى هذا في: باب سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم، آية، فأراهم انشقاق القمر، وأخرجه هناك من حديث شيبان عن قتادة عن أنس ومن حديث سعيد عن قتادة عن أنس وفيه: فأراهم انشقاق القمر، وههنا: فأراهم القمر شقتين... إلى آخرهم، (وشقتين) بكسر الشين المعجمة، أي: نصفين. وهكذا وقع في رواية مسلم، وفي (مصنف عبد الرزاق): عن معمر بلفظ: مرتين، وكذلك أخرجه الإمام أحمد وإسحاق في (مسنديهما) عن عبد الرزاق، وقد اتفق البخاري ومسلم عليه من رواية شعبة عن قتادة بلفظ: (فرقتين). قوله: (حتى رأوا حراء) أي: جبل حراء (بينهما) أي: بين الشقتين، و: حراء، بكسر الحاء المهملة وبالمد: جبل على يسار السائر من مكة إلى منى، وقد مر بيانه مستقصى في بدء الوحي.
3869 حدثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال انشق القمر ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى فقال اشهدوا وذهبت فرقة نحو الجبل..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وعبدان اسمه عبد الله وقد تكرر ذكره، وأبو حمزة بالحاء المهملة وبالزاي اسمه محمد بن ميمون اليشكري، والأعمش سليمان، وإبراهيم هو النخعي، وأبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن سخبرة، بفتح السين المهملة وسكون الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة، وعبد الله هو ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه، وقد مضى هذا الحديث في: باب سؤال المشركين إن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية، فإنه أخرجه هناك: عن صدقة بن الفضل عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود، وانشق القمر على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، شقتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اشهدوا). قوله: عن الأعمش عن إبراهيم، وفي رواية السرخسي والكشميهني في آخر الباب من وجه آخر عن الأعمش حدثنا إبراهيم قوله: عن أبي معمر هذا هو المحفوظ ووقع في رواية ابن مردويه عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة، ووقع في رواية أبي نعيم عن شعبة عن الأعمش ووقع في التفسير عن شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر وهو المشهور.
قوله: (ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم) الواو فيه للحال، وفي رواية مسلم من طريق علي بن سهل عن الأعمش: بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم، بمنى إذ انفلق القمر. فإن قلت: يعارضه قول أنس: أن ذلك كان بمكة. قلت: لا معارضة، لأنه لم يصرح أنه، صلى الله عليه وسلم، كان ليلة إذ بمكة، ولئن سلمنا التصريح بذلك فمنى من جملة مكة والذي وقع في رواية الطبراني من
10

حديث زر بن حبيش عن ابن مسعود، قال: انشق القمر بمكة فرأيته فرقتين، فهو محمول على ما ذكرناه، وكذا كل ما روي نحوه. قوله: (اشهدوا) أي: اضبطوا هذا القدر بالمشاهدة. قوله: (وذهبت فرقة نحو الجبل) أي: ذهبت قطعة في ناحية جبل حراء وبقيت ناحية في مكانه. وقال الكرماني: والمشهور أنهما التأما في الحال لا بعد الغروب، ثم قال: فإن قلت: ما التلفيق بينه وبين ما قال: رأوا حراء بينهما؟ قلت: إذا نزلت قطعة تحت حراء، وبقيت قطعة منه فهو بينهما، وكذا إذا ذهبت الفرقة عن يمين حراء أو شماله أو الانشقاق كان مرتين.
وقال أبو الضحى عن مسروق عن عبد الله انشق بمكة
أبو الضحى مسلم بن صبيح، بضم الصاد المهملة وفتح الباء الموحدة: الكوفي، ومسروق هو ابن الأجدع، وعبد الله هو ابن مسعود، وظاهر هذا تعليق وصله أبو داود الطيالسي عن أبي عوانة، وقيل: يحتمل أن يكون هذا معطوفا على قوله: عن إبراهيم، فإن أبا الضحى من شيوخ الأعمش فيكون للأعمش فيه إسنادان. قلت: الاحتمال الناشئ عن غير دليل لا يعتبر به.
وتابعه محمد بن مسلم عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله
أي: تابع إبراهيم في روايته عن أبي معمر محمد بن مسلم الطائفي عن عبد الله بن أبي نجيح، واسمه يسار ضد اليمين ومتابعته إياه في قوله: إن ذلك كان بمكة، لا في جميع سياق الحديث، ووصل هذه المتابعة عبد الرزاق في (مصنفه)، ورواه البيهقي من طريقه في (دلائل النبوة): عن ابن عيينة، ومحمد بن مسلم جميعا عن ابن أبي نجيح بهذا الإسناد، ولفظه: رأيت القمر منشقا شقتين، شقة على أبي قبيس وشقة على السويد، وهي ناحية خارج مكة عندها حبل. فإن قلت: هذا يعارض حديث أنس المذكور. قلت: يحمل على التعدد، وقال الزمخشري: كان الانشقاق مرتين، وقيل: التعبير بأبي قبيس من تعبير بعض الرواة.
3870 حدثنا عثمان بن صالح حدثنا بكر بن مضر قال حدثني جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أن القمر انشق على زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم. (انظر الحديث 3638 وطرفه).
الحديث مضى في: باب سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية، فإنه أخرجه هناك عن خلف بن خالد القرشي حدثنا بكر بن مضر.. الخ. وأخرجه هنا عن عثمان بن صالح السهمي المصري عن بكر بن مضر، بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وبالراء. وهذا الحديث من مراسيل الصحابة لأن ابن عباس كان حينئذ طفلا ابن سنتين أو ثلاث.
3871 حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا إبراهيم عن أبي معمر عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال انشق القمر..
مضى هذا أيضا في الباب المذكور الآن، ورجاله قد ذكروا عن قريب وفيما مضى غير مرة.
37
((باب هجرة الحبشة))
أي: هذا باب في بيان هجرة المسلمين من مكة إلى أرض الحبشة، الهجرة في الأصل اسم من الهجر ضد الوصل وقد هجره هجرا وهجرانا، ثم غلبت على الخروج من أرض إلى أرض وترك الأولى للثانية، يقال منه: هاجر مهاجرة، وكان وقوع هجرة المسلمين من مكة إلى أرض الحبشة مرتين. أولاهما: كانت في شهر رجب من سنة خمس من المبعث، قال الواقدي: أول من هاجر منهم أحد عشر رجلا، وأربع نسوة، وأنهم انتهوا إلى البحر ما بين ماش وراكب، فاستأجروا سفينة بنصف دينار إلى الحبشة وهم: عثمان ابن عفان وامرأته رقية بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأبو حذيفة بن عتبة وامرأته سهلة بنت سهيل، والزبير ابن العوام، ومصعب بن عمير، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو سلمة بن عبد الأسد وامرأته أم سلمة بنت أبي أمية، وعثمان بن مظعون
11

وعامر بن ربيعة العنزي وامرأته ليلى بنت أبي خيثمة، وأبو سبرة بن أبي رهم، وحاطب بن عمرو، وسهيل بن بيضاء، وعبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنهم. والثانية: من الهجرة فكان أهلها اثنين وثمانين رجلا سوى نسائهم وأبنائهم، وعمار بن ياسر يشك فيه، فإن كان فيهم فقد كانوا ثلاثة وثمانين رجلا، وقد ذكرناهم في (تاريخنا الكبير) على ما ذكره ابن إسحاق، رحمه الله، وجزم ابن إسحاق بأن ابن مسعود كان في الهجرة الثانية.
وقالت عائشة قال النبي صلى الله عليه وسلم أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين فهاجر من هاجر قبل المدينة ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة
هذا تعليق سيأتي موصولا مطولا في: باب الهجرة إلى المدينة. قوله: (أريت)، بضم الهمزة على صيغة المجهول. قوله: (لابتين)، تثنية لابة، واللابة بتخفيف الباء الموحدة وهي الحرة ذات الحجارة السود التي قد ألبستها لكثرتها، والمدينة ما بين حرتين عظيمتين، والحرة، بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء. قوله: (قبل المدينة)، بكسر القاف وفتح الباء، أي: جهة المدينة وناحيتها فيه عن أبي موسى وأسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم
أي: في هذا الباب روى عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري، رضي الله تعالى عنه، وسيأتي في آخر الباب حديثه مسندا متصلا. قوله: وأسماء هي بنت عميس الخثعمية، وهي أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم لأمها، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم وكانت أولا تحت جعفر بن أبي طالب وهاجرت معه إلى أرض الحبشة، ثم قتل عنها يوم مؤتة فتزوجها أبو بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، فمات عنها ثم تزوجها علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، وحديثها سيأتي في غزوة خيبر، إن شاء الله تعالى.
3872 حدثنا عبد الله بن محمد الجعفي حدثنا هشام أخبرنا معمر عن الزهري حدثنا عروة بن الزبير أن عبيد الله بن عدي بن الخيار أخبره أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمان ابن الأسود بن عبد يغوث قالا له ما يمنعك أن تكلم خالك عثمان في أخيه الوليد بن عقبة وكان أكثر الناس فيما فعل به: قال عبيد الله فانتصبت لعثمان حين خرج إلى الصلاة فقلت له إن لي إليك حاجة وهي نصيحة فقال أيها المرء أعوذ بالله منك فانصرفت فلما قضيت الصلاة جلست إلى المسور وإلى ابن عبد يغوث فحدثتهما بالذي قلت لعثمان وقال لي فقالا قد قضيت الذي كان عليك فبينما أنا جالس معهما إذ جاءني رسول عثمان فقالا لي قد ابتلاك الله فانطلقت حتى دخلت عليه فقال ما نصيحتك التي ذكرت آنفا قال فتشهدت ثم قلت إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه الكتاب وكنت ممن استجاب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وآمنت به وهاجرت الهجرتين الأوليين وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت هديه وقد أكثر الناس في شأن الوليد بن عقبة فحق عليك أن تقيم عليه الحد فقال لي يا ابن أخي أدركت
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قلت لا ولكن قد خلص إلي من علمه ما خلص إلى العذراء في سترها قال فتشهد عثمان فقال إن الله قد بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق
12

وأنزل عليه الكتاب وكنت ممن استجاب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وآمنت بما بعث به محمد صلى الله عليه وسلم وهاجرت الهجرتين الأوليين كما قلت وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعته والله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله ثم استخلفت الله أبا بكر فوالله ما عصيته ولا غششته ثم استخلف عمر فوالله ما عصيته ولا غششته ثم استخلف أفليس لي عليكم مثل الذي كان لهم علي قال بلى قال فما هذه الأحاديث التي تبلغني عنكم فأما ما ذكرت من شأن الوليد بن عقبة فسنأخذ فيه إن شاء الله بالحق قال فجلد الوليد أربعين جلدة وأمر عليا أن يجلده وكان هو يجلده وقال يونس وابن أخي الزهري عن الزهري أفليس لي عليكم من الحق مثل الذي كان لهم. (انظر الحديث 3696 وطرفه).
مطابقته للترجمة في قوله: (عثمان) و (هاجرت الهجرتين). وهشام هو ابن يوسف الصنعاني. والحديث قد مر في مناقب عثمان، رضي الله تعالى عنه، فإنه أخرجه هناك عن أحمد بن شبيب عن سعيد عن أبيه عن يونس عن ابن شهاب عن عروة، ومضى الكلام فيه هناك، ولكن نتكلم هنا أيضا لأن الروايتين فيهما من الزيادة والنقصان على ما لا يخفى.
قوله: (في أخيه الوليد بن عقبة) وكان أخا عثمان لأمه وهاجر الهجرتين الأوليين، بضم الهمزة وباليائين آخر الحروف تثنية أولى، وهو على طريق التغليب بالنسبة إلى هجرة الحبشة فإنها كانت أولى وثانية، وأما هجرة المدينة فلم تكن إلا واحدة، وقال الكرماني: والهجرتين الأوليين أي: هجرة المدينة وهجرة الحبشة، وإنما قال الأوليين أي: بالنسبة إلى هجرة من هاجر بعده من الصحابة. قلت: الصواب ما ذكرناه. قوله: (رأيت هديه) بفتح الهاء وسكون الدال: أي: طريقته وسيرته. قوله: (يا ابن أخي) قال الكرماني: يا ابن أخي، سهو والصواب: يا ابن أختي، لأنه كان خاله إلا أن يقال: إنه تكلم به على ما هو عادة العرب من قولهم: يا ابن عمي ويا ابن أخي. قوله: (قد خلص)، بفتحتين أي: قد وصل. (والعذراء) االبكر، أراد أن علم الشريعة وصل إليه كما وصل إلى المخدرات. قوله: (أربعين) قيل: مر فيما مضى أنه جلده ثمانين، وأجيب: بأن التخصيص بالعدد لا يدل على نفي الزائد، وقال بعض العلماء: كان يضربه بسوط له طرفان، فمن اعتبر الطرفين عده ثمانين، ومن اعتبر نفس السوط عده أربعين. قوله: (وبايعته) بالباء الموحدة من المبايعة، ويروى: وتابعته، بالتاء المثناة من فوق من المتابعة. قوله: (قال يونس) هو ابن يزيد الأيلي. (وابن أخي الزهري) هو محمد بن عبد الله بن مسلم (والزهري) هو محمد بن مسلم، وتعليق يونس وصله البخاري في مناقب عثمان، وتعليق ابن أخي الزهري وصله قاسم ابن أصبغ في (مصنفه) ومن طريقه وصله ابن عبد البر في (تمهيده) والتعليقان والذي بعده من التفسير في رواية المستملي وحده.
356 - (حدثني محمد بن المثنى حدثنا يحيى عن هشام قال حدثني أبي عن عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير فذكرتا للنبي
فقال إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصورا فيه تيك الصور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة)
مطابقته للترجمة من حيث أن كلا من أم حبيبة وأم سلمة من المهاجرات إلى الحبشة فإنها أم حبيبة هاجرت في الهجرة الثانية مع زوجها عبد الله بن جحش فمات هناك ويقال أنه كان تنصر وتزوجها النبي
بعده وأما أم سلمة فإنها قد هاجرت في الهجرة الأولى مع زوجها أبي سلمة بن عبد الأسد واسمها هند وأم حبيبة اسمها رملة بنت أبي
13

سفيان ويحيى هو ابن سعيد القطان وهشام هو ابن عروة بن الزبير بن العوام والحديث مضى في كتاب الجنائز في باب بناء المسجد على القبر فإنه أخرجه هناك عن إسماعيل عن مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة ومضى أيضا في كتاب الصلاة في باب الصلاة في البيعة أخرجه عن محمد عن عبدة عن هشام بن عروة الخ ومر الكلام فيه هناك
357 - (حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا إسحاق بن سعيد السعيدي عن أبيه عن أم خالد بنت خالد قالت قدمت من أرض الحبشة وأنا جويرية فكساني رسول الله
خميصة لها أعلام فجعل رسول الله
يمسح الأعلام بيده ويقول سناه سناه قال الحميدي يعني حسن حسن)
مطابقته للترجمة في قوله قدمت من أرض الحبشة والحميدي هو عبد الله بن الزبير بن عيسى وسفيان هو ابن عيينة وإسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص وجد أبيه هو سعيد بن العاص وهو ابن عم أم خالد المذكورة وأم خالد اسمها أمة بفتح الهمزة والميم وبالهاء وخالد هذا هو ابن الزبير بن العوام وبنت خالد بن سعيد بن العاص والحديث مضى بأتم منه وأطول في الجهاد وفي باب من تكلم بالفارسية والرطانة فإنه أخرجه هناك عن حبان بن موسى عن عبد الله عن خالد بن سعيد الخ ومضى الكلام فيه هناك والخميصة بفتح الخاء المعجمة وكسر الميم وهي ثوب خز أو صوف معلم وقيل لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة وجمعها خمائص قوله سناه بفتح السين المهملة وتخفيف النون كلمة حبشية معناها حسن كما فسره الحميدي شيخ البخاري * -
3875 حدثنا يحيى بن حماد حدثنا أبو عوانة عن سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا فقلنا يا رسول الله إنا كنا نسلم عليك فترد علينا قال إن في الصلاة شغلا فقلت لإبراهيم كيف تصنع أنت قال أرد في نفسي. (انظر الحديث 1199 وطرفه).
مطابقته للترجمة في قوله: (فلما رجعنا من عند النجاشي) وهو بفتح النون وتخفيف الجيم وكسر الشين المعجمة وتشديد الياء وتخفيفها، وهو اسم من ملك الحبشة، ككسرى اسم من ملك الفرس، وقيصر اسم من ملك الروم، ويحيى بن حماد الشيباني البصري، روى البخاري عنه بالواسطة في آخر الحيض، وأبو عوانة، بفتح العين المهملة: الوضاح اليشكري، وسليمان الأعمش، وإبراهيم النخعي، وعلقمة بن قيس النخعي، والحديث مضى في أواخر الصلاة في: باب لا يرد السلام في الصلاة، وأخرجه هناك عن عبد الله بن أبي شيبة عن ابن فضيل عن الأعمش عن إبراهيم... الخ، وفيه: كنت أسلم فلما رجعت سلمت عليه. قوله: (لشغلا) ويروى: شغلا، بلام التأكيد.
3876 حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة حدثنا بريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبي طالب فأقمنا معه حتى قدمنا فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم لكم أنتم يا أهل السفينة هجرتان..
مطابقته للترجمة في قوله: (فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة) وذلك من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق على ذلك هجرة حيث قال: لكم أنتم يا أهل السفينة هجرتان.
وأبو أسامة حماد بن أسامة، وبريد، بضم الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف:
14

ابن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، وبريد يروي عن جده أبي بردة عامر أو الحارث، وقيل: كنيته اسمه وأبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري.
والحديث أخرجه مقطعا في الخمس وفي المغازي وههنا. وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي كريب وأبي عامر.
قوله: (مخرج النبي صلى الله عليه وسلم) المخرج بفتح الميم مصدر ميمي بمعنى الخروج، والواو في: (ونحن باليمن) للحال. قوله: (فركبنا السفينة) أي: لنصل إلى مكة. قوله: (فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي) أراد أن الريح هاج عليهم فما ملكوا أمرهم حتى أوصلهم إلى بلاد الحبشة. قوله: (فوافقنا)، بالفاء وسكون القاف في الموضعين. فإن قلت: روى أحمد بإسناد حسن عن ابن مسعود، قال: (بعثنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ونحن نحوا من ثمانين رجلا فيهم: عبد الله بن مسعود وجعفر بن أبي طالب عبد الله بن عرفطة وعثمان بن مظعون وأبو موسى الأشعري، رضي الله تعالى عنهم...) الحديث. قلت: المذكور هنا هو الصحيح، ومع هذا فقد يمكن الجمع على تقدير صحة الخبرين بأن يكون أبو موسى هاجر أولا إلى مكة فأسلم، فبعثه النبي صلى الله عليه وسلم، مع من بعث إلى الحبشة فتوجه هو إلى بلاد قومه وهم مقابل الحبشة من الجانب الشرقي، فلما تحققوا استقرار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالمدينة هاجر هو ومن أسلم من قومه، فألقتهم السفينة لأجل هيجان الريح إلى الحبشة فعلى هذا معنى قوله: (بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم) أي: خروجه إلى المدينة، وليس المعنى: بلغنا مبعثه، لأنه يبعد جدا أن يتأخر بعد علمه بمبعثه سنين عديدة. قوله: (حين افتتح خيبر)، كان افتتاح خيبر في سنة سبع، وعن الزهري: في سنة ست، وفي مسلم: (فوافقنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين افتتح خيبر، فأسهم لنا، أو قال: فأعطانا منها وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهد معه إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم معهم). قوله: (لكن أنتم يا أهل السفينة هجرتان)، يعني هجرة من مكة إلى الحبشة وهجرة من الحبشة، إلى المدينة، وأما الذين لم يهاجروا إلى الحبشة فليس لهم إلا هجرة واحد من المدينة إلى مكة.
38
((باب موت النجاشي))
أي: هذا باب في بيان موت النجاشي صاحب الحبشة، وقد مر تفسير النجاشي عن قريب. فإن قلت: كان موت النجاشي بعد الهجرة سنة سبع، وقيل: سنة ثمان، والأول قول الأكثرين، فما وجه ذكره هنا؟ قلت: ذكره هنا استطرادا لكون المسلمين هاجروا.
3877 حدثنا أبو الربيع حدثنا ابن عيينة عن ابن جريج عن عطاء عن جابر رضي الله تعالى عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم حين مات النجاشي مات اليوم رجل صالح فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة..
مطابقته للترجمة من حيث إنه صلى الله عليه وسلم، أخبر بموته، وأمرهم بالصلاة عليه وليس فيه تاريخ موته. وأبو الربيع هو سليمان بن داود، وابن عيينة سفيان، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وعطاء هو ابن أبي رباح. والحديث مضى في كتاب الجنائز في: باب الصفوف على الجنازة، ومر الكلام فيه هناك. قوله: (أصحمة)، بفتح الهمزة وسكون الصاد المهملة وبالحاء المهملة، وقيل بالمعجمة وفتح الميم، وهو اسم النجاشي ملك الحبشة، آمن برسول الله، صلى الله عليه وسلم غائبا عنه، وتفسيره بالعربية: عطية.
3878 حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد حدثنا قتادة أن عطاء حدثهم عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أن نبي الله صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي فصفنا وراءه فكنت في الصف الثاني أو الثالث..
15

مطابقته للترجمة من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم، صلى على النجاشي بعد إخباره بموته، وسعيد هو ابن أبي عروبة. والحديث مضى في كتاب الجنائز في: باب من صف صفين أو ثلاثة على الجنازة. قوله: (فصفنا) بفتح الصاد وتشديد الفاء المفتوحة، والضمير المرفوع فيه يرجع إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم
3879 حدثني عبد الله بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون عن سليم بن حيان حدثنا سعيد بن ميناء عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
صلى على أصحمة النجاشي فكبر عليه أربعا..
مطابقته للترجمة من حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي بعد اخباره بموته وسعيد هو ابن أبي عروة، والحديث مضى في كتاب الجنائز في باب من صف صفين أو ثلاثة على الجنازة قوله فصفنا بفتح الصاد وتشديد الفاء المفتوحة والضمير المرفوع فيه يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ح دثني عبد الله بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون عن مسلم بن حيان حدثنا سعيد بن ميناء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على أصحمة النجاشي فكبر عليه أربعا)
مطابقته للترجمة مثل مطابقة ما قبله. ويزيد هو ابن هارون، وسليم، بفتح السين المهملة وكسر اللام: ابن حيان من الحياة ضد الموت وسعيد بن ميناء، بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وبالنون ممدودا ومقصورا. والحديث مضى في الجنائز في: باب التكبير على الجنازة أربعا فإنه أخرجه هناك: عن محمد بن سنان عن سليم بن حيان... الخ.
((تابعه عبد الصمد))
أي: تابع يزيد بن هارون عبد الصمد بن عبد الوارث في روايته إياه عن سليم بن حيان، وقد مضى في الجنائز بيان من وصله.
ح دثني عبد الله بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون عن مسلم بن حيان حدثنا سعيد بن ميناء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على أصحمة النجاشي فكبر عليه أربعا)
مطابقته للترجمة مثل مطابقة ما قبله. ويزيد هو ابن هارون، وسليم، بفتح السين المهملة وكسر اللام: ابن حيان من الحياة ضد الموت وسعيد بن ميناء، بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وبالنون ممدودا ومقصورا. والحديث مضى في الجنائز في: باب التكبير على الجنازة أربعا فإنه أخرجه هناك: عن محمد بن سنان عن سليم بن حيان... الخ.
((تابعه عبد الصمد))
أي: تابع يزيد بن هارون عبد الصمد بن عبد الوارث في روايته إياه عن سليم بن حيان، وقد مضى في الجنائز بيان من وصله.
3880 حدثنا زهير بن حرب حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب قال حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن وابن المسيب أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه أخبرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى لهم النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه وقال استغفروا لأخيكم..
مطابقته للترجمة ظاهرة. ويعقوب بن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أصله مدني كان بالعراق، وصالح هو ابن كيسان مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه، وابن شهاب محمد بن مسلم الزهري، وابن المسيب هو سعيد بن المسيب، والحديث مضى في الجنائز في: باب الصلاة على الجنازة بالمصلى، فإنه أخرجه هناك: عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب... إلخ. قوله: (نعى)، من نعى الميت ينعاه نعيا، إذا أذاع موته وأخبر به وإذا ندبه.
3881 وعن صالح عن ابن شهاب قال حدثني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صف بهم في المصلى فصلى عليه وكبر أربعا..
أي: عن صالح بن كيسان المذكور، وهو معطوف على الإسناد الأول الموصوف. قوله: (حدثني أبو سلمة وسعيد بن المسيب)، هكذا هو في رواية الكشميهني وحده، وفي رواية غيره: حدثني سعيد، هو ابن المسيب وذكر أبي سلمة زائدا لم يتابع عليه.
39
((باب تقاسم المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم))
أي: هذا باب في بيان تقاسم المشركين، أي: تحالفهم على أن يجتمعوا ويقتلوا النبي صلى الله عليه وسلم، على ما ذكره أصحاب السير، فحماه الله تعالى ونصره عليهم.
3882 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثني إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد حنينا منزلنا غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر..
16

مطابقته للترجمة في قوله: (حيث تقاسموا على الكفر) وتقاسمهم على الكفر هو تقاسمهم على قتل النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من أعظم الكفر وأشده. والحديث مضى في: باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فإنه أخرجه هناك: عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري... إلخ. فإن قلت: لفظه هناك: حين أراد قدوم مكة، وهنا: حين أراد حنينا، أي: حين قصد غزوة حنين، والخيف ما انحدر من غلظ الجبل، وارتفع عن مسيل الماء، وفيه مسجد الخيف. قلت: لا معارضة بينهما لأنه يحمل على أنه قال: حين أراد دخول مكة في غزوة الفتح، وفي ذلك القدوم غزا حنينا. فإن قلت: قد تقدم أيضا من طريق الأوزاعي عن الزهري بلفظ: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم من الغد يوم النحر وهو بمنى: نحن نازلون غدا... الحديث، وهذا يدل على أنه قاله في حجة الوداع. قلت: يحمل على التعدد، والله أعلم.
40
((باب قصة أبي طالب))
أي: هذا باب في بيان قصة أبي طالب واسمه عبد مناف واشتهر بكنيته، وهو شقيق والد النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك أوصى به عبد المطلب عند موته إليه فكفله إلى أن كبر واستمر على نصره بعد أن بعث إلى أن مات قبل الهجرة، وله صلى الله عليه وسلم، خمسون سنة إلا ثلاثة أشهر وأياما، ويقال: مات بعد خروجهم من الشعب وذلك في آخر السنة العاشرة.
3883 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثنا عبد الملك حدثنا عبد الله بن الحارث حدثنا العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما أغنيت عن عمك فإنه كان يحوطك ويغضب لك قال هو في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار.
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه بعض قصة أبي طالب، ويحيى هو ابن سعيد القطان، وسفيان هو الثوري، وعبد الملك هو ابن عمير، وعبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وعباس عم جده.
والحديث أخرجه أيضا في الأدب عن موسى بن إسماعيل. وأخرجه مسلم في الإيمان عن محمد بن أبي بكر وعبيد الله بن عمرو محمد بن عبد الملك وعن محمد بن حاتم وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن محمد بن يحيى.
قوله: (ما أغنيت عن عمك)، أي: أي شيء دفعته عنه وماذا نفعته؟ قوله: (يحوطك)، من حاطه إذا صانه وحفظه وذب عنه وتوفر على مصالحه. قوله: (في ضحضاح)، بفتح الضادين المعجمتين وسكون الحاء المهملة الأولى، وهو قريب القعر، وضحضح الشراب إذا دق، ويقال: هو استعارة، فإن الضحضاح من الماء ما يبلغ الكعب، ويقال أيضا لما قرب من الماء، والمعنى أنه خفف عنه العذاب. وروى البزار من حديث جابر، قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: هل نفعت أبا طالب؟ قال: أخرجته من النار إلى ضحضاح منها. قوله: (في الدرك)، بفتح الراء وسكونها وفيه التصريح بتفاوت عذاب أهل النار، فإن قلت: أعمال الكفرة هباء منثورا لا فائدة فيها. قلت: هذا النفع من بركة رسول الله، صلى الله عليه وسلم وخصائصه. فإن قلت: روى ابن إسحاق من حديث ابن عباس أن أبا طالب لما تقارب منه الموت بعد أن عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم، أن يقول: لا إلاه إلا الله، فأبى، فنظر العباس إليه وهو يحرك شفتيه فأصغى إليه، فقال: يا ابن أخي! والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها. قلت: في سنده من لم يسم، ولو كان صحيحا لعارضه حديث الباب لأنه أصح منه، فضلا عن أنه لم يصح.
3884 حدثنا محمود حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبيه أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل فقال أي عم قل لا إلاه إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب
17

عن ملة عبد المطلب فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء كلمهم به على ملة عبد المطلب فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأستغفرن لك ما لم أنه عنه فنزلت * (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) * (التوبة: 113). فنزلت * (ما كان للنبي) * الآية قيل في نزول هذه الآية في هذه القصة نظر لأنها عامة في حقه وحق غيره قوله * (إنك لا تهدي من أحببت) * (القصص: 56)..
مطابقته للترجمة ظاهرة. ومحمود هو ابن غيلان أبو أحمد العدوي المروزي، وابن المسيب هو سعيد يروي عن أبيه المسيب ابن حزن بن أبي وهب القرشي المخزومي، وقيل: قال الحفاظ: لم يرو عن المسيب إلا سعيد، والمشهور من شرط البخاري أنه لا يروي عمن له راو واحد. وأجيب: بأنه لعله أراد من غير الصحابة، رضي الله تعالى عنهم.
قوله: (لما حضرته الوفاة)، أي: قربت وفاته وظهرت علاماتها وذلك قبل النزع والغرغرة. قوله: (وعنده أبو جهل)، الواو فيه للحال، وأبو جهل هو عمرو ابن هشام بن المغيرة المخزومي، عدو الله فرعون هذه الأمة. قوله: (أي عم)، أي: يا عمي. قوله: (كلمة)، منصوب لأنه بدل من مقول القول الذي هو: لا إلاه إلا الله. قوله: (أحاج)، بتشديد الجيم، وأصله: أحاجج، وقد تقدم في آخر الجنائز بلفظ: أشهد لك بها عند الله. قوله: (بها) أي: بهذه الكلمة. قوله: (وعبد الله بن أبي أمية)، هو ابن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، وهو أخو أم سلمة التي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، بعد ذلك، وقد أسلم عبد الله هذا يوم الفتح، وقيل: قبل الفتح، واستشهد في تلك السنة في غزوة حنين. قوله: (أترغب؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار. قوله: (فلم يزالا) أي: أبو جهل وعبد الله المذكور. قوله: (يكلمانه)، ويروى: يكلماه، بإسقاط النون على لغة قليلة قوله: (على ملة) خبر مبتدأ محذوف أي: أنا على ملة عبد المطلب أي: على ما كان يعتقده من غير دين الإسلام. قوله: (ما لم أنه) بضم الهمزة وسكون النون على صيغة المجهول أي: ما لم ينهني الله عنه، أي: عن الاستغفار المذكور الذي دل عليه. قوله: (لأستغفرن لك) قوله: ونزلت: * (إنك لا تهدي من أحببت) * (القصص: 56). هذا ظاهر أنه نزل في قصة أبي طالب، وروى أحمد من طريق أبي حازم عن أبي هريرة في قصة أبي طالب، قال: فأنزل الله: * (إنك لا تهدي من أحببت) * (القصص: 56). وهذا كله ظاهر على أنه مات على غير الإسلام. فإن قلت: ذكر السهيلي أنه رأى في بعض كتب المسعودي أنه أسلم. قلت: مثل هذا لا يعارض ما في الصحيح، والله أعلم.
3885 حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثنا ابن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وذكر عنده عمه فقال لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه. (الحديث 3885 طرفه في: 6564).
مطابقته للترجمة من حيث إنه من جملة قصة ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، وابن الهاد هو يزيد بن عبد الله بن أسامة ابن الهاد الليثي، وعبد الله بن
خباب، بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأولى: الأنصاري التابعي، وأبو سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان الخدري.
والحديث أخرجه مسلم أيضا في الأيمان عن قتيبة عن الليث به. قوله: (وذكر عنده) على صيغة المجهول، والواو فيه للحال، وقال بعضهم: يؤخذ من الحديث الأول أن الذاكر هو العباس بن عبد المطلب، لأنه الذي سأل عن ذلك. قلت: لا يلزم من ذلك أن يكون الذاكر هو العباس لاحتمال أن يكون الذاكر غيره. قوله: (يبلغ كعبيه) قال السهيلي: الحكمة فيه أن أبا طالب كان تابعا لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، بجملته إلا أنه استمر ثابت القدم على دين قومه، فسلط العذاب على قدميه خاصة لتثبيته إياهما على دين قومه.
368 - (حدثنا إبراهيم بن حمزة حدثنا ابن أبي حازم والدراوردي عن يزيد
18

بهذا وقال تغلي منه أم دماغه)
هذا طريق آخر عن إبراهيم بن حمزة أبي إسحاق الربيري الأسدي المديني وهو من أفراده وابن أبي حازم هو عبد العزيز بن أبي حازم واسمه سلمة بن دينار والدراوردي هو عبد العزيز بن محمد روى له البخاري مقرونا بغيره هنا وفي مواضع وروى له مسلم وكلاهما يرويان عن يزيد بن الهاد المذكور في الحديث السابق قوله بهذا أي بالحديث المذكور ولفظه تغلي منه أم دماغه أي أصل دماغه وقال الدراوردي المراد أم رأسه وأطلق على الرأس الدماغ من تسمية الشيء بما يقاربه وجاء في الرقاق من حديث النعمان بن بشير نحوه وفي آخره كما يغلي المرجل بالقمقم والمرجل بكسر الميم وفتح الجيم الإناء الذي يغلي فيه الماء وغيره والقمقم بضم القافين وسكون الجيم الأولى معروف وهو الذي يسخن فيه الماء قال ابن الأثير كذا وقع كما يغلي المرجل والقمقم وهذا أوضح إن صحت الرواية وقيل يحتمل أن تكون الباء بمعنى مع وقيل القمقم هو البسر كانوا يغلونه على النار استعجالا لنضجه فإن ثبت هذا فلا يبقى إشكال وفيه دليل على أن العذاب متفاوت وجاء في رواية ابن إسحاق أهون أهل النار عذابا من ينتعل نعلين من نار يغلي منهما دماغه حتى يسيل على قدميه *
((باب حديث الإسراء))
أي هذا باب في بيان ما جاء في حديث الإسراء من القرآن والحديث
(وقول الله تعالى * (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) *)
وقول الله بالجر عطف على حديث الإسراء قوله سبحان علم للتسبيح كعثمان علم للرجل وأصله للتنزيه والمعنى أسبح الله الذي أسرى بعبده أي أنزهه من جميع النقائص والعيوب قوله بعبده والمراد به النبي
وإنما لم يقل برسوله أو نبيه إشارة إلى أنه مع هذا الإكرام الذي أكرمه الله تعالى وهذا التعظيم الذي عظمه الله به هو عبده ومخلوقه لئلا يتغالوا فيه كما تغالت النصارى في المسيح حيث قالوا أنه ابن الله وكما تغالى طائفة من اليهود في عزير عليه الصلاة والسلام حيث قالوا أنه ابن الله تعالى وتعظم أن يكون له ابن بل هو واحد أحد فرد صمد ليس بأب ولا بابن قوله أسرى مأخوذ من السرى وهو سير الليل يقال أسرى وسرى إذا سار ليلا وكلاهما بمعنى واحد عند الأكثرين وقال الحوفي أسرى سار ليلا وسرى سار نهار وقيل أسرى سار من أول الليل وسرى سار من آخره ومعنى أسرى به أي جعل البراق ساريا به من المسجد الحرام وهو مسجد مكة إلى المسجد الأقصى وهو مسجد بيت المقدس قوله ليلا ظرف للإسراء وهو للتأكيد وفائدته دفع توهم المجاز لأن الإسراء قد يطلق على سير النهار كما ذكرناه ويقال هو إشارة إلى أن ذلك وقع في بعض الليل لا في جميعه والعرب تقول أسرى فلان ليلا إذا سار بعضه وسرى ليله إذا سار جميعه فإن قلت ما الحكمة في إسرائه إلى بيت المقدس ثم إلى السماوات فهلا أسري به من المسجد الحرام إلى السماوات قلت ليجمع
في تلك الليلة بين رؤية القبلتين أو لأن بيت المقدس كان هجرة غالب الأنبياء قبله فرحل إليه ليجمع بين أشتات الفضائل أو لأنه محل المحشر وغالب ما اتفق له في تلك الليلة يناسب الأحوال الأخروية وكان الإسراء إليه فإن قلت هل كانت ليلة الإسراء هي ليلة المعراج أيضا أو هما متغايرتان قلت قال ابن دحية مال البخاري إلى أنهما متغايرتان لأنه أفرد لكل منهما ترجمة ورد عليه بأنه لا دلالة في ذلك على التغاير عنده بل كلامه في أول الصلاة ظاهر في اتحادهما لأنه ترجم باب كيف فرضت الصلاة ليلة الإسراء والصلاة إنما فرضت في المعراج فدل على اتحادهما عنده قلت فيه تأمل واختلف السلف في هذا فمنهم من ذهب إلى أنهما وقعا في ليلة واحدة في اليقظة بجسده وروحه
بعد المبعث وهذا مذهب الجمهور من علماء المحدثين والفقهاء والمتكلمين ومنه من ذهب إلى أن الإسراء كان في ليلة والمعراج في ليلة ومنهم من ذهب إلى أن ذلك كله وقع مرتين مرة في المنام توطئة وتمهيدا ومرة ثانية في اليقظة فقالوا الإسراء في اليقظة والمعراج في المنام والذين قالوا الإسراء
19

في ليلة والمعراج في ليلة أخرى وأنهما في اليقظة قالوا في الأول رجع من بيت المقدس وفي صبيحته أخبر قريشا بما وقع وفي الثاني أسري به إلى بيت المقدس ثم عرج به من ليلته إلى السماء إلى آخر ما وقع ومنهم من قال بوقوع المعراج مرارا منهم الإمام أبو شامة واستندوا في ذلك إلى ما أخرجه البزار وسعيد بن المنصور من طريق أبي عمران الجوني عن أنس رفعه قال بينا أنا جالس إذ جاء جبريل عليه الصلاة والسلام فوكز بين كتفي فقمنا إلى صخرة مثل وكري الطائر فقعدت في أحدهما وقعد جبريل في الآخر فارتفعت حتى سدت الخافقين الحديث وفيه فتح لي باب من السماء ورأيت النور الأعظم قيل الظاهر أنها وقعت في المدينة * -
3886 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمان سمعت جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لما كذبني قريش قمت في الحجر فجلا الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه. (الحديث 3886 طرفه في: 4710).
مطابقته للترجمة من حيث إنه مشتمل على بعض ما وقع في الإسراء، ورجاله قد تكرر ذكرهم. والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن أحمد بن صالح، وأخرجه مسلم في الإيمان عن قتيبة عن ليث به. وأخرجه الترمذي والنسائي جميعا في التفسير عن قتيبة به.
قوله: (أبو سلمة: سمعت جابر بن عبد الله) كذا هو في رواية الزهري عن أبي سلمة، وخالفه عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة فقال: عن أبي هريرة، أخرجه مسلم وهو محمول على أن لأبي سلمة فيه شيخين، لأن في رواية عبد الله بن الفضل زيادة ليست في رواية الزهري. قوله: (لما كذبني) وفي رواية الكشميهني: كذبتني، بزيادة تاء التأنيث، أي: كذبتني في الإسراء: * (من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) * (الإسراء: 1). قوله: (قمت في الحجر)، بكسر الحاء وهو ما تحت ميزاب الرحمة وهو من جهة الشام. قوله: (فجلا لي الله بيت المقدس) أي: كشف الحجب بيني وبينه حتى رأيته، ووقع في رواية عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة عند مسلم، قال: فسألوني عن أشياء لم أثبتها، فكربت كربا لم أكرب مثله قط، فرفعه الله إلي أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به، قال بعضهم: يحتمل أنه حمل إلى موضع بحيث يراه ثم أعيد. قلت: لا طائل في ذكر الاحتمال، بل قوله: فرفعه الله، يدل قطعا على أن الله رفعه ووضعه بين يديه قطعا، والدليل عليه ما روي عن ابن عباس، فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع عند دار عقيل فنعته وأنا أنظر إليه، وهذا أبلغ في المعجزة ولا استحالة فيه، فقد أحضر عرش بلقيس في طرفة عين. وفي حديث أم هانىء عند ابن سعد: أنهم قالوا له: كم للمسجد من باب؟ قال: ولم أكن عددتها، فجعلت أنظر إليه وأعدها بابا بابا، وفيه عند أبي يعلى: أن الذي سأله عن صفة بيت المقدس هو المطعم بن عدي والد جبير بن مطعم. قوله: (فطفقت أخبرهم) بكسر الفاء وسكون القاف وهو من أفعال المقاربة ومعناه: الأخذ في الفعل. قوله: (عن آياته) أي: علاماته وأوضاعه وأحواله. قوله: (وأنا أنظر إليه) أي: إلى بيت المقدس، والواو فيه للحال.
42
((باب المعراج))
أي: هذا باب في بيان المعراج، هكذا وقع في رواية الأكثرين، وفي رواية النسفي: قصة المعراج، أي: هذه قصة المعراج، بكسر الميم. قال بعضهم: وحكى ضمها. قلت: هذا غير صحيح، وهو من عرج يعرج عروجا إذا صعد، قال ابن الأثير: المعراج، بالكسر شبه السلم مفعال من العروج الصعود: كأنه آلة له، واختلف في وقت المعراج، فقيل: إنه كان قبل المبعث، وهو شاذ إلا إذا حمل على أنه وقع في المنام فله وجه، وقيل: كان قبل الهجرة بسنة، في ربيع الأول، وهو قول الأكثرين، حتى بالغ ابن حزم فنقل الإجماع على ذلك، وقال السدي: قبل الهجرة بسنة وخمسة أشهر، وأخرجه من طريقه الطبري والبيهقي فعلى هذا كان في شوال، وحكى ابن عبد البر: أنه كان في رجب، وجزم به النووي، وقيل: بثمانية عشر شهرا، حكاه عبد البر أيضا، وقيل: كان قبل الهجرة بسنة وثلاثة أشهر، فعلى هذا يكون في ذي الحجة، وبه جزم ابن فارس، وقيل: كان قبل الهجرة بثلاث سنين،
20

حكاه ابن الأثير، وحكى عياض عن الزهري: أنه كان بعد المبعث بخمس سنين، وروى ابن أبي شيبة من حديث جابر وابن عباس، رضي الله تعالى عنهم، قالا: ولد رسول الله، صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، وفيه بعث، وفيه عرج به إلى السماء، وفيه مات.
3887 حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام بن يحيى حدثنا قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رضي الله تعالى عنهما أخبرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به بينما أنا في الحطيم وربما قال في الحجر مضطجعا إذ أتاني آت فقد قال وسمعته يقول فشق ما بين هذه إلى هذه فقلت للجارود وهو إلى جنبي ما يعني به قال من ثغرة نحره إلى شعرته وسمعته يقول من قصه إلى شعرته فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض فقا له الجارود هو البراق يا أبا حمزة قال أنس نعم يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال هاذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح قيل من هاذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة قال هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما فسلمت فردا ثم قالا مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت إذا يوسف قال هذا يوسف فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أوقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت إلى إدريس قال هذا إدريس فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى الله عليه وسلم قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت فإذا هارون قال هاذا هاارون فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل من معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قال مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت فإذا موسى فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح فلما تجاوزت بكي قيل له
21

ما يبكيك قال أبكي لأن غلاما بعث من بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر من يدخلها من أمتي ثم صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال نعم قال مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت فإذا إبراهيم قال هذا أبوك فسلم عليه قال فسلمت عليه فرد السلام قال مرحبا بالإبن الصالح والنبي الصالح ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة قال هذه سدرة المنتهى وإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران
فقلت ما هذان يا جبريل قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع لي البيت المعمور ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فأخذت اللبن فقال هي الفطرة أنت عليها وأمتك ثم فرضت علي الصلوات خمسين صلاة كل يوم فرجعت فمررت على موساى فقال بما أمرت قال أمرت بخمسين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإني والله قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موساى فقال مثله فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موساى فقال مثله فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موساى فقال مثله فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت فقال مثله فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت إلى موساى فقال بما أمرت قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال سألت ربي حتى استحييت ولكن أرضى وأسلم قال فلما جاوزت نادى مناد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي.
مطابقته للترجمة ظاهرة. والكلام فيه على أنواع.
الأول: في رجاله: وهم خمسة: الأول: هدبة، بضم الهاء وسكون الدال المهملة وبالباء الموحدة: ابن خالد القيسي المصري أخو أمية، ويقال: هداب، وروى عنه مسلم أيضا مات سنة خمس أو ست أو سبع أو ثمان وثلاثين ومائتين. الثاني: همام، بتشديد الميم الأولى: ابن يحيى بن دينار العوذي البصري، مات سنة ثلاث وستين ومائة في رمضان. الثالث: قتادة بن دعامة السدوسي الأعمى البصري التابعي. الرابع: أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه. الخامس: مالك بن صعصعة، بفتح الصادين المهملتين وسكون العين المهملة الأولى: المدني الأنصاري البصري.
النوع الثاني في لطائف إسناده: منها: أن هؤلاء كلهم بصريون. ومنها: أن فيه رواية الصحابي عن الصحابي. ومنها: أن مالك بن صعصعة ليس له في البخاري ولا في غيره سوى هذا الحديث، ولا يعرف روى عنه إلا أنس بن مالك. ومنها: أن قوله: عن أنس، بالعنعنة، وقد مضى في أول بدء الخلق من وجه آخر عن قتادة: حدثنا أنس، رضي الله تعالى عنه.
النوع الثالث: أنه روى ما يتعلق بالإسراء في مواضع. منها: في أول كتاب الصلاة من حديث ابن شهاب عن أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه عن أبي ذر. ومنها: في بدء الخلق في: باب ذكر الملائكة، من حديث هدبة عن همام عن قتادة عن أنس ومن حديث خليفة عن يزيد بن زريع عن سعيد وهشام كلاهما عن قتادة عن أنس عن
22

مالك بن صعصعة. ومنها: ههنا عن هدبة أيضا، فانظر إلى تفاوت ما بين روايتي هدبة من زيادة ونقصان.
النوع الرابع: في أن مسلما أخرجه في الإيمان عن موسى، وأخرجه الترمذي في التفسير عن محمد بن بشار وعن ابن أبي عدي ببعضه، وقال: وفي الحديث قصة. وأخرجه النسائي في الصلاة عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي بطوله وعن إسماعيل بن مسعود وطول فيه.
النوع الخامس: في معناه: فقوله: (أن نبي الله) ويروى: أن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (حدثهم)، ويروى: حدثني، بإفراد الضمير المنصوب. قوله: (عن ليلة أسري به)، على صيغة المجهول وهي صفة لليلة، والضمير فيه يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا رواية الكشميهني بزيادة لفظة: به، وفي رواية غيره: أسرى، دون لفظ: به. قوله: (بينا أنا)، قد ذكرنا غير مرة أن: بين، ظرف زيدت فيه الألف وربما تزاد فيه الميم أيضا، ويضاف إلى جملة وهي مبتدأ، (وفي الحطيم) خبره أي: كائن أو مستقر فيه، والمراد بالحطيم الحجر هنا على الأصح، واستبعد قول من قال: المراد به ما بين الركن والمقام، أو بين زمزم والحجر، وسمي الحطيم لأنه حطم من جداره فلم يسو ببناء الكعبة وترك خارجا منه. وقال النضر: إنما سمي الحجر حطيما لأن البيت رفع وترك ذلك محطوما، وكذلك قال الخطابي. قوله: (وربما قال في الحجر)، هو شك من قتادة. قوله: (مضطجعا) نصب على الحال من قوله: (أنا) وفي رواية: بين النائم واليقظان. فإن قلت: في رواية شريك التي تأتي في التوحيد في آخر الحديث: فلما استيقظت قلت: إن كانت القصة متعددة فلا إشكال، وإلا فالمعنى: أفقت مما كنت فيه من شغل البال بمشاهدة الملكوت. فإن قلت: قد تقدم في أول بدء الخلق: بينا أنا عند البيت، ووقع في رواية الزهري عن أنس عن أبي ذر فرج سقف بيتي وأنا بمكة، وفي رواية الواقدي بأسانيده: أنه أسري به من شعب أبي طالب، وفي حديث أم هانىء عند الطبراني: أنه بات في بيتها، قالت: ففقدته من الليل، فقال: إن جبريل، عليه الصلاة والسلام أتاني. قلت: الجمع بين هذه الأقوال أنه صلى الله عليه وسلم، نام في بيت أم هانىء، و، بيتها عند شعب أبي طالب، ففرج سقف بيته، وأضاف البيت إليه لكونه كان يسكنه فنزل منه الملك فأخرجه من البيت إلى المسجد فكان به مضطجعا وبه أثر النعاس، ثم أخرجه الملك إلى باب المسجد فأركبه البراق. قوله: (إذ أتاني)، جواب: بينا، قوله: (آت)، هو جبريل، عليه الصلاة والسلام، وأصله: أتى فاعل إعلال قاض. قوله: (فقد)، بالقاف وتشديد الدال أي: فشق، وهو المستفاد من قوله: قال: وسمعته يقول: فشق، وفاعل: قال، قتادة، والمقول عنه أنس، وتوضحه رواية أحمد، قال قتادة: وربما سمعت أنسا يقول: فشق. قوله: (فقلت للجارود)، القائل قتادة، والجارود بالجيم وضم الراء وبالدال المهملة: ابن أبي سبرة، بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة وبالراء: الهذلي التابعي، صاحب أنس، وقد أخرج له أبو داود من روايته عن أنس حديثا غير هذا. قوله: (من ثغرة)، بضم الثاء المثلثة وسكون الغين المعجمة، وهي ثغرة النحر التي بين الترقوتين. قوله: (إلى شعرته)، بكسر الشين المعجمة: وهو شعر العانة، قوله: (من قصه) بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة، وهو رأس الصدر. قوله: (إلى شعرته) وقال الكرماني: ويروى بدل الشعرة: الثنة، بضم الثاء المثلثة وتشديد النون وهي ما بين السرة والعانة، وقد استنكر بعضهم وقوع شق الصدر ليلة المعراج، وقال: إنما كان ذلك وهو صغير في بني سعد ورد بأنه ثبت شق الصدر أيضا عند البعثة، ثم وقع أيضا عند إرادة العروج إلى السماء، ولا إنكار في ذلك لكونه من الأمور الخارقة للعادة لصلاحية القدرة وإظهار المعجزة، ثم الحكمة في الأول وهو في حال الطفولية لينشأ على أكمل الأحوال من العصمة من الشيطان، ولهذا قال في
حديث أنس عند مسلم: هذا حظ الشيطان منك وذلك العلقة التي أخرجها وفي الثاني: أعني: عند البعث ليتلقى ما يوحى إليه بقلب قوي في أكمل الأحوال. وفي الثالث: أعني: عند العروج إلى السماء ليتأهب للمناجاة. قوله: (بطست) بفتح الطاء وكسرها وسكون السين المهملة وبالتاء المثناة من فوق، وقد تحذف وهو الأكثر، وقد يؤنث باعتبار الآنية وإنما خص الطست لكونه أشهر آلات الغسل عرفا، وخص الذهب لكونه الأعلى أواني الحسية وأصفاها، ولأن للذهب خواص ليست لغيره وهي أنه لا تأكله النار ولا يبليه التراب ولا يلحقه الصدى وهو أثقل الجواهر، فناسب ثقل الوحي. فإن قلت: استعمال الذهب حرام للرجال؟ قلت: لعل ذلك قبل التحريم، وقيل: إنه مخصوص بأحوال الدنيا وما وقع في تلك الليلة يلحق بأحكام الآخرة، لأن الغالب أنه من أحوال
23

الغيب. قوله: (مملوءة) صفة الطست، وقد ذكرنا أنه يؤنث باعتبار الآنية. قوله: (إيمانا) نصب على التمييز، وزاد في بدء الخلق: وحكمه، وقال النووي: معناه أن الطست كان فيه شيء تحصل به زيادة في كمال الإيمان وكمال الحكمة. فإن قلت: الملء المذكور حقيقة أم مجاز؟ قلت: يجوزان أن يكون حقيقة، لأن تجسد المعاني جائز كما جاء في وزن الأعمال يوم القيامة، وقال البيضاوي: لعل ذلك من باب التمثيل، إذ تمثيل المعاني قد وقع كثيرا كما مثلت له الجنة والنار في عرض الحائط، وفائدته كشف المعنوي بالمحسوس. قوله: (فغسل قلبي)، وفي رواية لمسلم: فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم، وفيه فضيلة ماء زمزم على جميع المياه فإن قلت: لم لم يغسله بماء الجنة؟ قلت: لما اجتمع في زمزم من كون أصل مائها من الجنة ثم استقر في الأرض فأريد بذلك بقاء بركة النبي صلى الله عليه وسلم، في الأرض، ويقال: لبقاء بركة إسماعيل، عليه الصلاة والسلام، فإنه ركضه. قوله: (حشي)، على صيغة المجهول. الضمير فيه يرجع إلى القلب (ثم أعيد) أي قلبه إلى حالته الأولى قوله (ثم اتيت) على صيغة المجهول أيضا. فإن قلت: ما الحكمة في أنه أتى بدابة فلم لم تطوله الأرض؟ قلت: إنما فعل ذلك تأنيسا له بالعادة في مقام خرق العادة، وأيضا أن الملك إذا طلب من يحبه يبعث إليه مركوبا، ووقع في خاطري من الفيض الإل
1764; هي أن طي الأرض يشترك فيه الأولياء بخلاف المركوب الذي يقطع المساقاة البعيدة براكبه أسرع من طرفة العين، فإنه مخصوص بالأنبياء، عليهم السلام. قوله: (دون البغل وفوق الحمار)، الحكمة في كون هذه الدابة بهذه الصفة الإشارة إلى الإسراع الشديد بدابة لا توصف بذلك في العادة، أو باعتبار أن الركوب كان في سلم وأمن لا في حرب وخوف. قوله: (أبيض) صفة دابة والتذكير باعتبار أنها البراق أو باعتبار أنها المركوب وكونه أبيض باعتبار أنه أصل الألوان، أو باعتبار أنه، صلى الله عليه وسلم، كان يحب البياض. قوله: (فقال له) أي: لأنس، والجارود فاعل. قال. قوله: (هو البراق) أي: الدابة المذكورة المتصفة بالصفة المذكورة هو البراق، بهمز مقدرة وتذكير الضمير باعتبار لفظ البراق، وإنما قال الجارود: هو البراق لأن أنسا، رضي الله تعالى عنه، لم يتلفظ بلفظ البراق في رواية قتادة عنه، قوله: يا أبا حمزة، خطاب لأنس لأنه كنيته. قوله: (يضع خطوه) بفتح الخاء المعجمة وهو المرة، وبالضم بعدما بين القدمين في المشي. قوله: (طرفه) بفتح الطاء المهملة وسكون الراء وبالفاء وهو نظر عينه فإنه يضع خطوه عند منتهى ما يرى يبصره، وهذا يدل على أنه كان يمشي على وجه الأرض، ولكن بالمشي الموصوف.
وروى ابن سعد عن الواقدي بأسانيده: له جناحان، فهذا يدل على أنه يطير بين السماء والأرض، ويدل على وصفه بالمشي ما روي عن ابن مسعود عند أبي يعلى، والبزار: إذا أتى على جبل ارتفعت رجلاه فإذا هبط ارتفعت يداه، وعن ابن عباس رواه الثعلبي بسند ضعيف: له خد كخد الإنسان وعرف كالفرس وقوائم كالإبل وأظلاف وذنب كالبقر وكان صدره ياقوتة حمراء. قلت: البراق، بضم الباء الموحدة مشتق من البريق وهو اللمعان سمي به لنصوع لونه وشدة بريقه، أو هو مشتق من البرق، سمي به لشدة حركته وسرعة مشيه كالبرق، وقال ابن أبي حمزة: خص البراق بذلك إشارة إلى الاختصاص به لأنه لم ينقل أن أحدا ملكه بخلاف غير جنسه من الدواب. قلت: هذا يدل على أن غير نبينا، صلى الله عليه وسلم، لم يركب البراق وبه قال ابن دحية أيضا، ولكن رد هذا بما رواه الترمذي من رواية قتادة عن أنس، رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليلة أسري به أتى بالبراق مسرجا ملجما فاستصعب عليه فقال له جبريل، عليه الصلاة والسلام: ما حملك على هذا؟ فوالله ما ركبك خلق قط أكرم على الله منه. قال: فارفض عرقا. وقال الترمذي: حسن غريب، وصححه ابن حبان، وفي رواية النسائي وابن مردويه: وكانت تسخر للأنبياء، عليهم السلام، قبله، أي: كانت الدابة التي تسمى بالبراق تسخر للأنبياء قبل النبي صلى الله عليه وسلم، ونحوه في حديث أبي سعيد عند ابن إسحاق، وهذا يصرح على أن البراق كان معدا لركوب الأنبياء، وجاء أن إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، لما كان يريد زيارة هاجر وإسماعيل، عليهما السلام، وهما في مكة كان يركب البراق، ثم الحكمة في نفرته مختلف فيها، فقال ابن بطال: بعد عهده بالأنبياء وطول الفترة بين عيسى ومحمد، عليهما الصلاة والسلام، وقال غيره: قال جبريل، عليه السلام، للنبي صلى الله عليه وسلم، حين شمس به البراق: لعلك يا محمد مسست الصفراء اليوم؟ يعني: الذهب، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، أنه ما مسها إلا أنه مر بها. فقال: تبا لمن يعبدك من دون اللهد، وما شمس إلا لذلك.
24

وقال ابن التين: إنما استصعب البراق تيها وزهوا بركوب النبي صلى الله عليه وسلم، وأراد جبريل استنطاقه، فلذلك خجل وارفض عرقا من ذلك، وقريب من ذلك رجفة الجبل به حتى قال له: أثبت، فإنما عليك نبي وصديق وشهيد، فإنها هزة الطرب لا هزة الغضب، وسمع العبد الضعيف من مشايخه الثقاة أنه إنما شمس به ليعده الرسول صلى الله عليه وسلم، بالركوب عليه يوم القيامة، فلما وعده بذلك قرو ذلك، لأنه جاء في التفسير في قوله تعالى: * (ولسوف يعطيك ربك فترضى) * (الضحى: 6). أن الله أعد له في الجنة أربعين ألف براق ترتع في مروج الجنة.
قوله: (فحملت عليه) على صيغة المجهول، أي: على البراق، وذكر في (شرف المصطفى): كان الذي أمسك بركابه جبريل، عليه الصلاة والسلام، وبزمام البراق ميكائيل، عليه الصلاة والسلام، فإن قلت: لما ركب النبي صلى الله عليه وسلم، البراق ما فعل جبريل، عليه السلام؟ قلت: وقع في حديث حذيفة عند أحمد،
قال: أتى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالبراق فلم يزال ظهره هو وجبريل حتى انتهيا إلى بيت المقدس، قيل: هذا لم يسنده حذيفة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيحتمل أنه قاله عن اجتهاد، ويحتمل أن يكون جبريل رافقه في السير لا في الركوب، وقال ابن دحية وغيره: معناه: وجبريل قائد أو سائق أو دليل، قال: وإنما جزمنا بذلك لأن قصة المعراج كانت كرامة للنبي، صلى الله عليه وسلم، فلا مدخل لغيره فيها، ورد عليه ما قاله بما روى ابن حبان في (صحيحه) من حديث ابن مسعود أن جبريل، عليه الصلاة والسلام، حمله على البراق رديفا له وفي رواية الحارث في مسنده اتى بالبراق فركبه خلف جبريل عليه السلام فسار بهما، فهذا صريح في ركوبه معه، والله أعلم. قوله: (فانطلق بي جبريل) وفي روايته المتقدمة: (فانطلقت مع جبريل، عليه السلام) ولا مغايرة بينهما، وفي حديث أبي ذر في أول الصلاة: (ثم أخذ بيدي فعرج بي) وظاهر هذا يدل على أن جبريل كان دليلا له فيما قصد له. قلت: كونه دليلا لا ينافي ركوبه معه. قوله: (حتى أتى السماء الدنيا)، ظاهره يدل على أنه استمر على البراق حتى عرج إلى السماء وتمسك به من زعم أن المعراج كان في ليلة غير ليلة الإسراء إلى بيت المقدس، وكان في ليلة المعراج على معراج وهو سلم ويدل عليه ما رواه ابن إسحاق والبيهقي في (الدلائل) من حديث طويل، وفيه: فإذا أنا بدابة كالبغل مضطرب الأذنين يقال له: البراق، وكانت الأنبياء تركبه قبلي، فركبته ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس فصليت ثم أتيت بالمعراج، وفي رواية ابن إسحاق: فأصعدن صاحبي فيه حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء... الحديث، وفي رواية كعب: فوضعت له مرقاة من فضة ومرقاة من ذهب حتى عرج هو وجبريل، وفي (شرف المصطفى) في حديث أبي سعيد: أنه أتي بالمعراج من جنة الفردوس، وأنه منضد باللؤلؤ وعن يمينه ملائكة وعن يساره ملائكة، وفي رواية ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أتيت بالبراق فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي كانت تربط بها الأنبياء، عليهم السلام، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت... فذكر القصة. قال: ثم عرج بي إلى السماء. فإن قلت: أنكر حذيفة رواية ثابت: فربطته بالحلقة، فروى أحمد والترمذي من حديث حذيفة، قال: تحدثون أنه ربطه، أخاف أن يفر منه وقد سخر له عالم الغيب والشهادة؟ قلت: قال البيهقي: المثبت مقدم على النافي لأن المثبت له زيادة علم على من نفي فهو أولى بالقبول، وروى البزار من حديث بريدة: لما كان ليلة أسري به جاء جبريل الصخرة التي ببيت المقدس فوضع إصبعه فيها فخرقها فشد بها البراق. فإن قلت: هل للباب الذي دخل منه جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم، من أبواب سماء الدنيا اسم؟ قلت: نعم، وروى البيهقي: حتى أتى إلى باب من أبواب السماء يقال له: باب الحفظة وعليه ملك يقال له: إسماعيل، تحت يده إثنا عشر ألف ملك. قوله: (فاستفتح)، أي: طلب فتح الباب. قوله: (فقيل: من هذا؟) أي: قال قائل من داخل الباب: من هذا الذي يستفتح الباب؟ قوله: (قيل: جبريل) أي: قال قائل من خارج الباب ممن كان مع جبريل والنبي عليهما السلام: هو جبريل، عليه السلام. قوله: (من معك) يدل على أنهم أحسوا معه برفيق وإلا لكان السؤال بلفظ أمعك أحد؟ فإن قلت: من أين لهم هذا الإحساس؟ قلت: قال بعضهم: يحتمل أن يكون بمشاهدة لكون السماء شفافة، وفيه نظر، لأن الأمر لو كان كذلك لما قالوا: من هذا، حين استفتح جبريل، عليه السلام، والأوجه أن يقال: إن إحساسهم بذلك كان بزيادة أنوار ظهرت لهم دلت على أن جبريل لم يكن وحده. قوله: (قال محمد) أي: قال جبريل: معي محمد، وفيه دليل على أن الاسم أولى وأوضح في التوضيح من
25

الكنية. قوله: (قيل: وقد أرسل إليه؟) أي: هل أرسل إليه ليعرج به إلى السماء؟ الحكمة في قولهم هذا هي أن الله أراد اطلاع نبيه على أنه معروف عند الملأ الأعلى لأنهم قالوا: أرسل إليه، فدل على أنهم كانوا يعرفون أن ذلك سيقع، وإلا لكانوا يقولون: من محمد؟ مثلا. قوله: (مرحبا به) أي: أصاب رحبا وسعة، وكنى بذلك عن الانشراح، واستنبط منه بعضهم جواز رد السلام بغير لفظ السلام، ورد عليه بأن هذا لم يكن ردا للسلام، فإنه كان قبل أن يفتح الباب والسلام ورده بعد ذلك. قوله: (فنعم المجيء جاء) كلمة: نعم، للمدح والمخصوص بالمدح محذوف وفيه تقديم وتأخير تقديره: جاء فنعم المجيء مجيئه في خير وقت إلى خير أمة. قوله: (فلما خلصت) بفتح اللام، أي: وصلت. قوله: (فإذا فيها آدم) كلمة: إذا، للمفاجأة، والضمير في: فيها، يرجع إلى السماء الدنيا. قوله: (بالابن الصالح) ذكر الابن لافتخاره بأبوة النبي صلى الله عليه وسلم، ووصفه بالصالح لأن الصالح صفة تشمل خلال الخير، ولذلك ذكره كل من الأنبياء الذين لاقاهم في السماوات، والصالح هو الذي يقوم بما يلزمه من حقوق الله وحقوق العباد. قوله: (وهما ابنا) خالة أي: يحيى وعيسى، لأن أم يحيى إيشاع بنت فاقوذا، أخت حنة أم مريم، وبيان ذلك أن زكريا، عليه الصلاة والسلام، وعمران بن ماثان كانا متزوجين بأختين، إحداهما عند زكريا وهي إيشاع بنت فاقوذا، والأخرى عند عمران وهي حنة بنت فاقوذا أم مريم، فولدت إيشاع يحيى وولدت حنة مريم، فتكون إيشاع خالة مريم، وتكون حنة خالة يحيى، فيطلق عليهما أنهما ابنا خالة بهذا الاعتبار. ويروى: ابنا الخالة، بالألف واللام، وفي رواية مسلم مثل رواية البخاري في منازل الأنبياء المذكورين فيه، غير أن في رواية الزهري عن أنس عن أبي ذر: أنه لم يثبت أسماءهم، وقال فيه: وإبراهيم في السماء السادسة، ووقع في رواية شريك عن أنس: أن إدريس في الثالثة وهارون في الرابعة، ورواية من ضبط أولى ولا سيما مع اتفاق قتادة وثابت، فقتادة عند البخاري، وثابت عند مسلم، ووافقهما يزيد بن أبي مالك عن أنس إلا أنه خالف في إدريس وهارون. فقال: هارون في الرابعة وإدريس في الخامس ووافقهم أبو سعيد إلا أن في روايته: يوسف في الثانية وعيسى ويحيى في الثالثة، والأول أثبت. فإن قلت: كيف رأى صلى الله عليه وسلم هؤلاء الأنبياء، عليهم السلام، في السماوات مع أن أجسادهم هي في قبورهم في الأرض؟ قلت: أرواحهم تشكلت بصور أجسادهم، ويقال: أحضرت أجسادهم لملاقاة النبي صلى الله عليه وسلم، تلك الليلة تشريفا وتكريما، ويؤيده حديث عبد الرحمن بن هاشم عن أنس، وفيه: وبعث له آدم فمن دونه من الأنبياء فأمهم. قوله: (فإذا يوسف) وزاد مسلم في روايته عن ثابت عن أنس: فإذا هو قد أعطى شطر الحسن، وفي حديث أبي سعيد عند البيهقي، وأبي هريرة عند ابن عائذ والطبري: فإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله قد فضل الناس بالحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب، فإن قلت: هذا يدل على أن يوسف كان أحسن من جميع الناس. قلت: روى الترمذي من حديث أنس: ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت، وكان نبيكم أحسنهم صوتا وأحسنهم وجها، فعلى هذا حمل ما في حديث المعراج على غير النبي صلى الله عليه
وسلم، وحمله بعضهم على أن المراد: أن يوسف أعطي شطر الحسن الذي أوتيه نبينا صلى الله عليه وسلم، وفيه ما فيه. قوله: (هذا إدريس، فسلم عليه)، فإن قلت: قال بعضهم: إن إدريس في الجنة يدل عليه قوله تعالى: * (ورفعناه مكانا عليا) * (مريم: 57). قيل: المكان العلي هو الجنة. قلت: سمعت بعض مشايخي الثقاة أن إدريس لما أخبر بعروج النبي صلى الله عليه وسلم، استأذن ربه أن يستقبله فأذن له، فاستقبله ولقيه في السماء الرابعة. فإن قلت: كيف قال إدريس: مرحبا بالأخ الصالح؟ والحال أنه أب من آباء النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه جد أعلى لنوح، عليه السلام، لأن نوحا هو ابن لامك ابن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس، عليه السلام؟ قلت: قد قيل عن إدريس أنه إلياس وأنه ليس بجد لنوح، عليه السلام، وقيل: ليس فيه ما يمنع أن يكون إدريس أبا للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما قال له: بالأخ الصالح، تأدبا، وهو أخ وإن كان أبا فالأنبياء أخوة. قوله: (فلما تجاوزت)، أي: عديت موسى، عليه السلام. قوله:. قوله: (بكى) أي: موسى، وكان بكاؤه حزنا على قومه وقصور عددهم وعلى فوات الفضل العظيم منهم، ويقال: لم يكن بكاء موسى حسدا، معاذ الله! فإن الحسد في ذلك العالم منزوع عن آحاد المؤمنين، فكيف بمن اصطفاه الله؟ بل كان آسفا على ما فاته من الأجر الذي يترتب عليه رفع الدرجة بسبب
26

ما وقع من أمته من كثرة المخالفة المقتضية لتنقيص أجورهم المستلزمة لتنقيص أجره، لأن لكل نبي مثل أجر كل من اتبعه، ولهذا كان من اتبعه في العدد دون من اتبع نبينا صلى الله عليه وسلم مع طول مدتهم بالنسبة لمدة هذه الأمة. قوله: (لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر من يدخلها من أمتي). قوله: (غلاما) ليس للتحقير والاستصغار به، بل إنما هو لتعظيم منة الله على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من غير طول العمر، ويقال: بل قال ذلك على سبيل التنويه بقدرة الله وعظيم كرمه إذا أعطى لمن كان في ذلك السن ما لم يعطه أحدا قبله ممن هو أسن منه.
وفي هذا الموضع عبارات وقعت في أحاديث، ففي رواية شريك عن أنس: لم أظن أحدا يرفع علي، وفي حديث أبي سعيد، قال موسى: يزعم بنو إسرائيل أني أكرم على الله وهذا أكرم على الله مني، زاد الأموي في روايته: ولو كان هذا وحده هان علي ولكن معه أمته وهم أفضل الأمم عند الله، وفي رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه: أنه مر بموسى، عليه الصلاة والسلام، يرفع صوته فيقول: أكرمته وفضلته؟ فقال جبريل، عليه الصلاة والسلام: هذا موسى قلت: ومن يعاتب؟ قال: يعاتب ربه فيك. قلت: ويرفع صوته على ربه؟ قال: إن الله قد عرف له حدته. وفي حديث ابن مسعود عند الحارث وأبي يعلى والبزار: سمعت صوتا وتذمرا، فسألت جبريل، عليه السلام، فقال: هذا موسى. قلت: على من تذمره؟ قال: على ربه. قلت: على ربه؟ قال: إنه يعرف ذلك منه. فإن قلت: ما وجه قوله: لما أتى السماء السادسة فإذا موسى؟ وقد قال في حديث آخر: رأيت موسى ليلة الإسراء وهو يصلي في قبره؟ قلت: لا إشكال في ذلك على قول من يقول بتعدد الإسراء، وعلى قول من يقول: بأن الإسراء مرة واحدة، فالجواب: أن موسى، عليه الصلاة والسلام، صعد إلى السماء السادسة بعد أن رآه النبي صلى الله عليه وسلم، في قبره حتى اجتمع به هناك، وما ذلك على الله بعزيز. ولا على موسى بكثير.
قوله: (فإذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام) وهو في السماء السابعة على رواية البخاري، وعلى رواية مسلم: في السماء السادسة، في رواية الزهري عن أنس حيث قال: وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السماء السادسة، وكذا في رواية البخاري في أول كتاب الصلاة: في السماء السادسة. وأجيب: بأنه لا منافاة لاحتمال أن يكون في السادسة وصعد قبل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى السابعة، وقيل: يحتمل أنه جاء إلى السماء السادسة استقبالا وهو في السابعة على سبيل التوطن، وعلى تعدد الإسراء لا إشكال. فإن قلت: ما الحكمة في الاقتصار على هؤلاء الأنبياء المذكورين فيه دون غيرهم منهم؟ قلت: للإشارة إلى ما سيقع له صلى الله عليه وسلم، مع قومه مع نظير ما وقع لكل منهم، ففي آدم ما وقع له من الخروج من الجنة، فكذلك في النبي صلى الله عليه وسلم، وقع له من الخروج من مكة. وفي عيسى ويحيى على ما وقع له أول الهجرة من عداوة اليهود وتماديهم في البغي عليه، وفي يوسف على ما وقع له مع إخوته، فكذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ما وقع له من قريش في نصبهم الحرب له، وفي إدريس على رفيع منزلته عند الله فكذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هارون على أن قومه رجعوا إلى محبته بعد أن آذوه فكذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأكثر قومه رجعوا إليه بعد العداوة، وفي موسى على ما وقع له من معالجة قومه فكذلك النبي صلى الله عليه وسلم، عالج قريشا وغيرهم أشد المعالجة، وفي إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، في استناده إلى البيت المعمور بما ختم الله له في آخر عمره من إقامة مناسك الحج وتعظيم البيت فكذلك النبي صلى الله عليه وسلم، أقام مناسك الحج وعظم البيت وأمر بتعظيمه، وقيل: الحكمة فيه أن الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، أمروا بملاقاة النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، فمنهم من أدركه في أول الوهلة، ومنهم من تأخر فلحق، ومنهم من فاته. فإن قلت: ما الحكمة في كون كل منهم في مكانه المذكور فيه؟ قلت: أما آدم فإنه أول الأنبياء وأول الآباء وهو الأصل فكان أولا في السماء الأولى، وأما عيسى، عليه السلام، فإنه أقرب الأنبياء عهدا من نبينا صلى الله عليه وسلم، ويليه يوسف، عليه السلام، لأن أمة محمد تدخل الجنة على صورته، وأما إدريس فلقوله تعالى: * (ورفعناه مكانا عليا) * (مريم: 57). والسماء الرابعة من السبع وسط معتدل. وأما هارون فلقربه من أخيه موسى، وموسى أرفع منه لفضل كلام الله، وأما إبراهيم فلأنه الأب الأخير، فناسب أن يتجدد للنبي صلى الله عليه وسلم يلقيه أنس لتوجهه بعده إلى عالم آخر. والله أعلم. قوله: (ثم رفعت إلى سدرة المنتهى)، الرفع تقريبك الشيء، وقد قيل في قوله تعالى: * (وفرش مرفوعة) * (الواقعة: 34). أي:
27

مقربة لهم، وكأنه أراد أن سدرة المنتهى استبينت له كل الاستبانة حتى اطلع عليها كل الاطلاع بمثابة الشيء المقرب إليه، وفي معناه: رفع لي البيت المعمور، ورفع لي بيت المقدس، وسميت سدرة المنتهى لأن علم الملائكة ينتهي إليها ولم يتجاوزها أحد إلا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، و: رفعت على صيغة للمتكلم هذا هكذا رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني رفعت بفتح العين وسكونه التاء أي رفعت السدرة لي أي لأجلي، وفي رواية الأكثرين صلة: رفعت، كلمة إلى، وفي رواية
الكشميهني حرف الجر، وهو اللام. قوله: (فإذا نبقها) كلمة: إذا، للمفاجأة، و: النبق، بفتح النون وكسر الباء الموحدة وبسكونها أيضا: وهو جمع نبقة وهو حمل السدر. فإن قلت: لم اختيرت السدة دون غيرها؟ قلت: لأن فيها ثلاثة أوصاف: ظل ممدود وطعام لذيذ ورائحة زكية. قوله: (مثل قلال هجر) قال الخطابي: القلال، بكسر القاف جمع قلة بالضم وتشديد اللام، وهي الجرار، يريد أن ثمرها في الكبر مثل القلال وكانت معروفة عند المخاطبين، فلذلك وقع التمثيل بها. قال: وهي التي وقع حد الماء الكثير بها في قوله: (إذا بلغ الماء قلتين). ويقال: القلة جرة كبيرة تسع قربتين وأكثر، و: هجر، بفتح الهاء والجيم وهو اسم بلد بقرب مدينة النبي صلى الله عليه وسلم مذكر منصرف وهو غير هجر البحرين، وقيل: غير منصرف للعلمية والتأنيث. قلت: إذا جعل علما للبلدة يكون غير منصرف. قوله: (الفيلة)، بكسر الفاء وفتح الياء: جمع الفيل، ووقع في بدء الخلق: مثل آذان الفيول، وهو جمع فيل أيضا. قوله: (وإذا أربعة أنهار) وفي بدء الخلق: فإذا في أصلها، أي في أصل سدرة المنتهى أربعة أنهار، وفي رواية مسلم: يخرج من أصلها. فإن قلت: وقع في (صحيح مسلم) من حديث أبي هريرة: أربعة أنهار من الجنة: النيل والفرات وسيحان وجيحان قلت: أجيب بأنه يحتمل أن تكون سدرة المنتهى مغروسة في الجنة والأنهار تخرج من أصلها فيصح أنها من الجنة. قوله: (نهران باطنان)، قال مقاتل: هو السلسبيل والكوثر، والباطن أجل من الظاهر لأن الباطن جعل في دار البقاء والظاهر جعل في دار الفناء. قوله: (وأما الظاهران: فالنيل والفرات) النيل نهر مصر، والفرات نهر بغداد بالجانب الغربي منها، كذا قاله الكرماني، وليس كذلك على ما نذكره الآن، وهو بالتاء الممدودة في الخط في حالتي الوصل والوقف، وقال الطيبي: النيل والفرات يخرجان من أصلها ثم يسيران حيث أراد الله تعالى ثم يخرجان من الأرض ويسيران فيها، وهذا لا يمنعه شرع ولا عقل، وهو ظاهر الحديث، فوجب المصير إليه. قال القاضي: يدل هذا على أن أصل السدرة في الأرض لخروج النيل والفرات من أصلها. قلت: لا يلزم من خروجهما من أصلها أن يكون أصلها في الأرض، بل الأوجه ما ذكرناه. قلت: اتفقوا على أن مبدأ النيل من جبال القمر بالإضافة، وبضم القاف وسكون الميم، ويقال: بفتح القاف والميم: تشبيها للقمر في بياضه ينبع من اثني عشر عينا ثم ينبعث منها عشرة أنهار أحدها نيل مصر وهو أول العيون يجري على بلاد الحبشة في قفار ومفاوز، وقال ابن الأثير: ليس في الدنيا نهر أطول منه لأنه مسيرة شهرين في الإسلام وشهرين في النوبة وأربعة أشهر في الخراب، والفرات اسم نهر بالكوفة قاله الجوهري، واختلفوا في مخرجه على قولين: أحدهما: أنه من جبل ببلد الروم يقال له أفردخش، بينه وبين قاليقلا مسيرة يوم. والثاني: أنه من أطراف أرمينية. قوله: (ثم رفع لي البيت المعمور)، وزاد الكشميهني: يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، وقد مر معنى رفع عن قريب، قال الله تعالى: والبيت المعمور، وروي عن عطاء عن ابن عباس أنه قال: اسمه الضراح، بضم الضاد المعجمة وفي آخره حاء مهملة. قال الصغاني: ويقال له: الضريح أيضا. واختلف العلماء في أي موضع هو؟ فقيل: في السماء الدنيا، وهو قول ابن عباس ومجاهد والربيع، وقيل: في السماء السادسة، روي عن علي، رضي الله تعالى عنه، وقيل: في السماء السابعة، قاله مجاهد والضحاك وهو قول البخاري أيضا، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه، ولا تنافي في هذه الأقوال لأنه يحتمل أن الله تعالى رفعه ليلة المعراج إلى السماء السادسة ثم إلى السابعة تعظيما للنبي، صلى الله عليه وسلم، حتى يراه في أماكن، ثم أعاده إلى السماء الدنيا.
قوله: (ثم أتيت بإناء) على صيغة المجهول. قوله: (هي الفطرة أنت عليها)، ويروى: هي الفطرة التي أنت عليها وأمتك، قال القرطبي: يحتمل أن يكون سبب تسمية اللبن فطرة لكونه أول شيء يدخل بطن المولود ويشق أمعاءه، والسر في ميل النبي صلى الله عليه وسلم، إليه دون غيره لكونه كان مألوفا. فإن قلت: وقع في حديث أبي هريرة عند ابن عائذ في حديث المعراج بعد ذكر إبراهيم. قال: ثم انطلقنا فإذا نحن
28

بثلاثة آنية مغطاة، فقال لي جبريل: يا محمد ألا تشرب مما سقاك ربك؟ فتناولت أحدها فإذا هو عسل، فشربت منه قليلا ثم تناولت الآخر فإذا هو لبن فشربت منه حتى رويت، فقال: ألا تشرب من الثالث؟ قلت: قد رويت. قال: وفقك الله، وفي رواية البزار من هذا الوجه: أن الثالث كان خمرا، لكن وقع عنده أن ذلك كان ببيت المقدس، وأن الأول كان ماء ولم يذكر العسل. وفي حديث ابن عباس عند أحمد: فلما أتى المسجد الأقصى قام يصلي، فلما انصرف جيء بقدحين في أحدهما لبن وفي الآخر عسل، فأخذ اللبن... الحديث، ووقع في رواية مسلم من طريق ثابت عن أنس أيضا إتيانه بالآنية كان ببيت المقدس قبل المعراج ولفظه: ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل، عليه الصلاة والسلام، بإناء من خمر وإناء من لبن، فأخذت اللبن، فقال جبريل: أخذت الفطرة، ثم عرج إلى السماء، وفي حديث شداد بن أوس: فصليت في المسجد حيث شاء الله وأخذني من العطش أشد ما أخذني، فأتيت بإناءين أحدهما لبن والآخر عسل، فعدلت بينهما، ثم هداني الله فأخذت اللبن، فقال شيخ بين يدي، يعني لجبريل: أخذ صاحبك الفطرة، وفي حديث أبي سعيد عند ابن إسحاق في قصة الإسراء: فصلى بهم، يعني الأنبياء، ثم أتى بثلاثة آنية: إناء فيه لبن وإناء فيه خمر وإناء فيه ماء فأخذت اللبن... الحديث. وفي رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عند البخاري في الأشربة: أتى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليلة أسري به بإناء فيه خمر وإناء فيه لبن، فنظر إليهما فأخذ اللبن، فقال له جبريل، عليه الصلاة والسلام: الحمد لله الذي هداك للفطرة، لو أخذت الخمر غوت أمتك، وفي رواية عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة عن أنس عن البيهقي: فعرض عليه الماء والخمر واللبن فأخذ اللبن، فقال له جبريل: أصبت الفطرة، ولو شربت الماء لغرقت وغرقت أمتك، ولو شربت الخمر لغويت وغوت أمتك، قلت: قالوا بالجمع بين هذا الاختلاف إما بحمل: ثم، على غير بابها من الترتيب، وإنما هي بمعنى الواو هنا، وأما بوقوع عرض الآنية مرتين: مرة عند فراغه من الصلاة ببيت المقدس بسبب ما وقع له من العطش، ومرة عند وصوله إلى سدرة المنتهى ورؤية الأنهار الأربعة، وأما الاختلاف في عدد الآنية وما فيها فيحمل على أن بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر ومجموعها أربعة آنية فيها أربعة أشياء من الأنهار الأربعة التي رآها تخرج من أصل سدرة المنتهى، ولعله عرض عليه من كل نهر إناء، والله أعلم.
قوله: (وبما أمرت)، على صيغة المجهول، ويروى: بما أمرت، بدون الألف. قوله: (وعالجت بني إسرائيل)، أي: مارستهم ولقيت الشدة فيما أردت منهم من
الطاعة، والمعالجة مثل المجادلة (ولكني أرضى وأسلم) فيه حذف تقديره: حتى استحييت فلا أرجع فإني إذا رجعت كنت غير راض ولا مسلم، ولكني أرضى وأسلم، وبهذا يجاب عما قيل، لكن حقها أن تقع بين كلامين متغايرين معنى، فما وجهه هنا؟ وقال الطيبي: ومراجعة النبي صلى الله عليه وسلم، في باب الصلاة إنما جازت من رسولنا محمد وموسى، عليهما السلام، لأنهما عرفا أن الأمر الأول غير واجب قطعا، فلو كان واجبا قطعا لا يقبل التخفيف: وقيل: في الأول فرض خمسين ثم رحم عباده ونسخها بخمس، كآية الرضاع وعدة المتوفى عنها زوجها، وفيه دليل على أنه يجوز نسخ الشيء قبل وقوعه. قوله: (أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي)، وفي رواية أنس عن أبي ذر التي تقدمت في أول الصلاة: هن خمس وهن خمسون، وفي رواية ثابت عن أنس عند مسلم: حتى قال: يا محمد خمس صلوات في كل يوم وليلة كل صلاة عشرة فتلك خمسون صلاة، وفي رواية يزيد بن أبي مالك عند النسائي: وأتيت سدرة المنتهى فغشيتني ضبابة فخررت ساجدا. فقيل لي: إني يوم خلقت السماوات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة، فقم بها أنت وأمتك، فذكر مراجعته مع موسى، عليه الصلاة والسلام، وفيه: أنه فرض على بني إسرائيل فما قاموا بها، وقال في آخره: خمس بخمسين، فقم بها أنت وأمتك، فعرفت أنها عزمة من الله، فرجعت إلى موسى فقال لي: ارجع، فلم ارجع. فإن قلت: ما الحكمة في وقوع المراجعة مع موسى، عليه السلام، دون غيره من الأنبياء؟ قلت: لأن ابتداء المراجعة كان موسى، عليه الصلاة والسلام، فلذلك وقعت معه، وقيل: قد قال موسى من كلامه أنه عالج بني إسرائيل على أقل من ذلك فما قبلوه وما وافقوه، ويستفاد منه: أن مقام الخلة مقام الرضا والتسليم، ومقام التكليم مقام الإدلال والانبساط، ومن ثمة استبد موسى بأمر النبي صلى الله عليه وسلم،
29

بطلب التخفيف دون إبراهيم، عليه السلام، مع أن للنبي صلى الله عليه وسلم من الاختصاص بإبراهيم أزيد مما له من موسى لمقام الأبوة ورفعة المنزلة والاتباع في الملة.
3888 حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمر و عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى * (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) * (الإسراء: 60). قال هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى بيت المقدس.
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحميدي عبد الله بن الزبير، وقد تكرر ذكره، وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار. والحديث أخرجه البخاري أيضا عن الحميدي في القدر وفي التفسير عن علي بن عبد الله. وأخرجه الترمذي في التفسير عن محمد بن يحيى. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن منصور.
قوله: (في قوله تعالى) أي: في تفسير قوله تعالى: * (إلا فتنة) * أي: بلاء، قاله سعيد بن المسيب. قوله: (رؤيا عين)، قيد به للإشعار بأن الرؤيا بمعنى الرؤية في اليقظة. وقال الزمخشري: تعلق بهذه الآية من قال: كان الإسراء في المنام، ومن قال كان الإسراء في اليقظة فسر الرؤيا بالرؤية، ويقال: قد أثبت الله تعالى في القرآن رؤيا القلب، فقال: * (ما كذب الفؤاد ما رأى) * (النجم: 11). ورؤيا العين، فقال: * (ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى) * (النجم: 17). الآية، وروى الطبراني في (الأوسط) بإسناد قوي عن ابن عباس، قال: رأى محمد ربه مرتين، ومن وجه آخر، قال: نظر محمد إلى ربه، جعل الكلام لموسى، والخلة لإبراهيم، والنظر لمحمد صلى الله عليه وسلم، فظهر من ذلك أن مراد ابن عباس ههنا رؤيا العين، وفيه رد لمن قال: المراد بالرؤيا في هذه الآية رؤياه، صلى الله عليه وسلم، أنه دخل المسجد الحرام المشار إليها بقوله تعالى: * (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق) * (الفتح: 27). قال هذا القائل: والمراد بقوله: فتنة للناس، ما وقع من صد المشركين له في الحديبية عن دخول المسجد الحرام. انتهى. قيل: هذا، وإن كان ممكنا أن يكون المراد، لكن الاعتماد في تفسيرها على ترجمان القرآن أولى، والله أعلم.
قال والشجرة الملعونة في القرآن قال هي شجرة الزقوم
أراد بهذا تفسير الشجرة المذكورة في بقية الآية المذكورة، وهذا التفسير مروي عن سعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة والضحاك، وقالوا أيضا: ما جعل رؤياه التي رآها صلى الله عليه وسلم إلا فتنة للناس، لأن جماعة ارتدوا وقالوا: كيف يسري به إلى بيت المقدس في ليلة واحدة؟ وقالوا: في الشجرة: كيف تكون في النار ولا تأكلها النار؟ فكان في ذلك فتنة لقوم وانتصارا لقوم منهم الصديق، رضي الله تعالى عنه، وقيل: إنما سمي الصديق حينئذ، ومعنى كونها ملعونة للعن أكلها، وقيل: العرب تقول لكل طعام ضار مكروه: ملعون، والزقوم ما وصفه الله تعالى في كتابه العزيز، فقال: * (إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين) * (الصافات: 64، 65). وهو فعول من الزقم وهو اللقم الشديد والشرب المفرط، وفي الحديث: أن أبا جهل قال: إن محمدا يخوفنا شجرة الزقوم، هاتوا الزبد والتمر وتزقموا، أي: كلوا، وقيل: أكل الزبد والتمر بلغة إفريقية: الزقوم.
43
((باب وفود الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وبيعة العقبة))
أي: هذا باب في بيان وفود الأنصار، أي: قدومهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بمكة. قوله: (وبيعة العقبة) أي: التي ينسب إليها جمرة العقبة، وهي بمنى، كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل في كل موسم، وأنه أتى كندة وبني حنيفة وبني كلب وبني عامر بن صعصعة وغيرهم فلم يجب أحد منهم إلى ما سأل. وقال موسى بن عقبة عن الزهري: كان يقول لهم: لا أكره أحدا منكم على شيء بل أريد أن تمنعوا من يؤذيني حتى أبلغ رسالة ربي فلا يقبله أحد، بل يقولون: قوم الرجل أعلم به، فبينا هو عند العقبة إذ لقي رهطا من الخزرج
30

فدعاهم إلى الله تعالى فأجابوه، فجاء في العام المقبل إثنا عشر رجلا إلى الموسم من الأنصار، أحدهم: عبادة بن الصامت، رضي الله تعالى عنه، فاجتمعوا برسول الله
، صلى الله عليه وسلم في العقبة وبايعوه، وهي بيعة العقبة الأولى، فجاء في العام الآخر سبعون إلى الحج، فواعدهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فلما اجتمعوا أخرجوا من كل فرقة نقيبا فبايعوه ثمة ليلا، وهي البيعة الثانية.
3889 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب وحدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عبد الرحمان بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب وكان قائد كعب حين عمي قال سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك بطوله قال ابن بكير في حديثه ولقد شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر في الناس منها..
مطابقته للترجمة في قوله: (ولقد شهدت...) إلى آخره. وأخرج هذا الحديث من طريقين: الأول: عن يحيى بن بكير وهو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي المصري عن الليث بن سعد المصري عن عقيل بن خالد الأيلي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عبد الرحمن، على ما يجيء الآن. والثاني: عن أحمد بن صالح أبي جعفر المصري عن عنبسة، بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة وبالسين المهملة: ابن خالد بن يزيد الأيلي، يروي عن عمه يونس بن يزيد عن ابن شهاب... إلى آخره، ومضى الحديث في الوصايا وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي في المغازي في موضعين وفي التفسير كذلك وفي الاستئذان وفي الأحكام مطولا ومختصرا ومضى فيه بعض الكلام.
قوله: (قال ابن بكير في حديثه) يريد أن اللفظ الذي سبق لعقيل لا ليونس. قوله: (ولقد شهدت) أي: قال كعب: حضرت العقبة الثانية. قوله: (حين تواثقنا) باالثاء المثلثة والقاف أي: حين وقع بيننا الميثاق على ما تبايعنا عليه. قوله: (إن لي بها) أي: بدلها وفي مقابلتها وما أحبه لأن هذه البيعة كانت في أول الإسلام ومنها فشا الإسلام وتأكدت أسبابه وأساسه. قوله: (وإن كانت بدر أذكر) كلمة: أن، واصلة بما قبلها. قوله: (بدر) أي: غزوة بدر، وقوله: (أذكر)، أفعل التفضيل بمعنى المذكور يعني: أكثر شهرة وذكرا بين الناس.
3890 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال كان عمر و يقول سمعت جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما يقول شهد بي خالاي العقبة. (الحديث 3890 طرفه في: 3891).
مطابقته للترجمة في قوله: (شهد بي خالاي العقبة). وعلي بن عبد الله المعروف بابن المديني، وسفيان بن عيينة، وعمر هو ابن دينار. والحديث من أفراده. قوله: (خالاي) تثنية خال مضاف إلى ياء المتكلم الخفيفة، ويروى بالياء الثقيلة، قاله الكرماني، ثم قال: أي مع خالي، قلت: لم أدر وجه ذلك على ما لا يخفى، ويروى بالأفراد كما يجيء الآن. قوله: (العقبة) لم يفسرها، أي: عقبة هي الأولى أم الثانية؟ وقال بعضهم: هي العقبة الثانية، وقال أبو عمر بن عبد البر: هي العقبة الأولى، كما يجيء عن قريب في ترجمة البراء، والقول ما قالت حذام.
قال أبو عبد الله قال ابن عيينة أحدهما البراء بن معرور
أبو عبد الله هو البخاري أي: قال البخاري نفسه. قال سفيان بن عيينة راوي الحديث: أحد الخالين البراء، بتخفيف الراء وبالمد: ابن معرور، بفتح الميم وسكون العين المهملة وضم الراء الأولى، قال أبو عمر: المعرور هو ابن صخر بن خنساء بن سنان ابن عبيد بن عدي بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي الخزرجي أبو بشر، وأمه الرباب بنت النعمان، وهو أحد النقباء ليلة العقبة الأولى، وكان سيد الأنصار وكبيرهم، وهو أول من استقبل الكعبة للصلاة إليها، وأول من أوصى بثلث ماله، مات في حياة
31

النبي صلى الله عليه وسلم، قبل قدومه صلى الله عليه وسلم، المدينة بشهر في صفر، ولما قدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المدينة أتى قبره في أصحابه وكبر عليه أربعا وصلى، وفي بعض النسخ: موضع: قال أبو عبد الله، قال عبد الله بن محمد، وهو الجعفي أن ابن عيينة قال: أحدهما البراء بن معرور، كذا في رواية أبي ذر وغيره، ووقع في رواية الإسماعيلي: قال سفيان: خالاه البراء بن معرور وأخوه، ولم يسمه، واعترض الدمياطي قول سفيان في الحديث، فقال: هذا وهم لأن أم جابر هي أنيسة بنت غنمة بن عدي، وأخواها ثعلبة وعمر وهما خالا جابر وقد شهد العقبة الأخيرة، وأما البراء بن معرور فليس هو من أخوال جابر. انتهى. وقال بعضهم: لكنه من أقارب أمه، وأقارب الأم يسمون أخوالا مجازا. قلت: لا ضرورة إلى الذهاب إلى المجاز من غير داع له مع شهرة النسب فيما بينهم، لأن ثعلبة وعمرا ابنا غنمة بن عدي بن سنان بن عبيد ابن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة، وشهد ثعلبة العقبة في السبعين، وشهد بدرا وهو أحد الذين كسروا آلهة بني سلمة، قتل يوم الخندق شهيدا، قتله هبيرة بن أبي وهب المخزومي، قال أبو عمر: وقيل: قتل يوم خيبر شهيدا، وأما عمرو أخوه فإنه شهد بيعة العقبة مع أخيه ثعلبة، وهو أحد البكائين الذين نزلت فيهم: * (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم...) * (التوبة: 92). الآية، ومات وليس له عقب. وقال صاحب (التوضيح): قال شيخنا في شرحه: يريد والله أعلم بخالاي: عبس بن عامر بن عدي بن سنان بن عبيد، وخالد بن عدي بن سنان، وذلك أن أمه أنيسة بنت غنمة، وهذا أقرب من قول ابن عيينة: أحدهما البراء بن معرور وأخوه، لأنهم كلهم شهدوا العقبة لأن البراء من بني خنساء بن سنان بن عبيد... إلى آخر ما ذكره الآن. انتهى. قلت: كأنه أراد بشيخه: علاء الدين مغلطاي، فإن له شرحا على البخاري، واعترض عليه بعضهم مما عاصرناه من أصحاب الدعاوى العريضة، فقال: أما عبس فقد رأيناه في الصحابة، وأما خالد بن عدي بن سنان فلم نره في الصحابة، إنما كان في كتاب ابن الأثير: خالد بن عدي، كان ينزل الأشعر. قلت: قال أبو عمر: خالد بن عدي الجهني، يعد في أهل المدينة، وكان ينزل الأشعر، روى عنه بشر بن سعيد، وقال الذهبي: له حديث في مسند أبي يعلى.
3892 حدثني إسحاق بن منصور أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن أخي ابن شهاب عن عمه قال أخبرني أبو إدريس عائذ الله بن عبد الله أن عبادة بن الصامت من الذين
شهدوا بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أصحابه ليلة العقبة أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه تعالوا بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتون ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوني في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو له كفارة ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله فأمره إلى الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه قال فبايعته على ذلك..
مطابقته للترجمة في قوله: (بايعوني) وفي قوله: (فبايعته). وإسحاق بن منصور بن مهران الكوسج أبو يعقوب المروزي،
32

ويعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وهو يروي عن محمد بن عبد الله بن أخي الزهري، وهو يروي عن عمه أبي بكر محمد بن مسلم، وهو يروي عن أبي إدريس عائذ الله بصيغة اسم الفاعل من العوذ بالعين المهملة وبالذال المعجمة ابن عبد الله بن عمرو الخولاني العوذي، ويقال: العيذي أيضا، كان من علماء أهل الشام وعبادهم وقرائهم، مات سنة ثمانين. والحديث قد مضى في أول كتاب الإيمان في: باب مجرد، فإنه أخرجه هناك: عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري إلى آخره.
3893 حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن الصنابحي عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه أنه قال إني من النقباء الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا ننتهب ولا نعصي بالجنة إن فعلنا ذلك فإن غشينا من ذلك شيئا كان قضاء ذلك إلى الله..
مطابقته للترجمة في قوله: (بايعوا) وفي قوله: (بايعناه) وأبو الخير ضد الشر اسمه مرثد، بفتح الميم وبالثاء المثلثة وسكون الراء بينهما وبالدال المهملة، والصنابحي، بضم الصاد المهملة وتخفيف النون وكسر الباء الموحدة وبالحاء المهملة: واسمه عبد الرحمن ابن عسيلة مصغر عسلة بالمهملتين التابعي، وأصله من اليمن، خرج منها مهاجرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فمات صلى الله عليه وسلم، وهو في الطريق.
والحديث أخرجه أيضا في الديات عن عبد الله بن يوسف. وأخرجه مسلم في الحدود عن قتيبة ومحمد بن رمح.
قوله: (من النقباء) وهم الأشراف، وقيل: الأمناء الذين يعرفون طرق أمورهم، وقيل: شهداء القوم وضمناؤهم. قوله: (ولا تنتهب) بالنصب أيضا عطفا على المنصوبات، قبله أي: لا نأخذ مال أحد بغير حقه، وحمله بعضهم على العموم فمنعوا من النهب فيما أباحه مالكه في الأملاك وشبهها، واحتج المجيز بأنه صلى الله عليه وسلم نحر بدنات، وقال: من شاء فليقطع، قوله: (ولا نعصي) بالعين والصاد المهملتين وهذه رواية أبي ذر، وفي روزاية غيرة: ولا نقضي، بالقاف والضاد المعجمة، ومعنى الأولى: أن لا نعصي الله في شيء من ذلك. قوله: (بالجنة)، متعلق بقوله: بايعناه، وحاصل المعنى: أنا بايعناه على أن لا نفعل شيئا من المذكورات بمقابلة الجنة، يعني: يكون لنا الجنة عند ذلك، ومعنى الثانية: لا نقضي له بالجنة، بل الأمر فيه موكول إلى الله تعالى لا حتم في شيء منه. وقال الكرماني: ويروى: فالجنة، بالفاء. قلت: ذكر ذلك وسكت، فإن صحت الرواية بالفاء فالتقدير: فالجنة جزاؤنا إن فعلنا ذلك. قوله: (فإن غشينا) بالغين والشين المعجمتين: من الغشيان، وهو الإصابة. قوله: (شيئا)، بالنصب مفعول: غشينا، ويروى: إن غشينا، بفتح الياء على لفظ الماضي، و: نا، مفعوله. وقوله: (شيء) بالرفع فاعله على هذه الرواية. قوله: (كان قضاء ذلك)، أي: كان الحكم فيه عند الغشيان من ذلك مفوضا إلى الله تعالى، إن شاء عاقب وإن شاء عفا، اللهم أعف عنا يا كريم.
44
((باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وقدومها المدينة وبنائه بها))
أي: هذا باب في بيان تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة، رضي الله تعالى عنها، وكان ينبغي أن يقول: باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم، ووقع هكذا في بعض النسخ، وقال الكرماني: التزويج بمعنى التزوج، نحو التقديم بمعنى التقدم، والمراد تزويجه لنفسه إياها، أو هو مضاف إلى المفعول الأول. قلت: هذا موضع التأمل والصواب هو الذي وقع في بعض النسخ: باب تزوج النبي صلى الله عليه وسلم، ووقع من رواية أبي ذر، تزويج النبي صلى الله عليه وسلم، بدون لفظة: باب، أي: هذا بيان تزويج النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (وقدومها)، أي: وفي بيان قدوم عائشة المدينة، وكان قدوم عائشة مع أمها وأختها أسماء بنت أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، إلى المدينة بعد أبي بكر، لأن أبا بكر هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد أن استقر ركاب النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بالمدينة بعد الهجرة بعثا زيد بن حارثة وأبا رافع، مولى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليأتيا بأهاليهم من مكة، وبعثا معهما بجملين وخمسمائة درهم ليشتريا بها إبلا من قديد، فذهبا فجاآ ببنتي النبي صلى الله عليه وسلم: فاطمة وأم كلثوم، وزوجته سودة وعائشة وأمها أم رومان، فقدمن ونزلن بالسنح
33

ثم دخل رسول الله، صلى الله عليه وسلم بعائشة بالسنح في منزل أبي بكر، وكان بعد الهجرة بسبعة أشهر أو ثمانية أشهر. واختلفوا في سنها يومئذ؟ فقال الواقدي: كانت بنت ست سنين، وعن ابن عباس: سبع سنين، والأصح أنها كانت بنت تسع سنين لأنه تزوجها قبل الهجرة بثلاث سنين وتوفي رسول الله، صلى الله عليه وسلم وهي بنت ثمان عشرة سنة. واختلفوا: في أي شهر دخل بها؟ فذكر البلاذري أنه في رمضان، وعن ابن إسحاق والطبري: في ذي القعدة بعد مقدمه المدينة بثمانية أشهر، والأصح أنه في شوال، لما روى مسلم وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عائشة، قالت: (تزوجني رسول الله، صلى الله عليه وسلم في شوال وبنى بي في شوال...)، الحديث. قوله: (وبنائه بها) أي: وفي بيان بناء النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة، وقد اعترض على البخاري بأن الجوهري قال: العامة تقول: بنى بأهله، وهو خطأ، وإنما يقال: بنى على أهله، ورد على المعترض بأن الفصحاء استعملوه بالباء، والدليل عليه قول عائشة: بنى بي في شوال، وسيأتي
قول عروة في آخر الحديث: وبنى بها، والأصل في هذا أن الداخل على أهله يضرب عليه قبلة ليلة الدخول، ثم قيل لكل داخل بأهله: بان.
377 - (حدثني فروة بن أبي المغراء حدثنا علي بن مسهر عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت تزوجني النبي
وأنا بنت ست سنين فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن خزرج فوعكت فتمرق شعري فوفي جميمة فأتتني أمي أم رومان وإني لفي أرجوحة ومعي صواحب لي فصرخت بي فأتيتها لا أدري ما تريد بي فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار وإني لأنهج حتى سكن بعض نفسي ثم أخذت شيئا من ماء فمسحت به وجهي ورأسي ثم أدخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار في البيت فقلن على الخير والبركة وعلى خير طائر فأسلمتني إليهن فأصلحن من شأني فلم يرعني إلا رسول الله
ضحى فأسلمتني إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين)
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه مشتمل على تزوجه
إياها وبنائه بها وفروة بفتح الفاء وسكون الراء ابن أبي المغراء بفتح الميم وسكون الغين المعجمة وبالراء وبالمد أبو القاسم الكندي الكوفي وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة ابن الزبير رضي الله تعالى عنه والحديث أخرجه ابن ماجة في النكاح عن سويد بن سعيد عن علي بن مسهر قوله ' فقدمنا المدينة ' قد ذكرنا قدومها عن قريب قوله ' فوعكت ' على صيغة المجهول أي حميت من الوعك وهي الحمى قوله ' فتمرق ' بالراء وفي رواية الكشميهني أي انتتف وفي رواية غيره بالزاي أي تقطع قوله ' فوفى ' بالفاء أي كثر وفيه حذف تقديره فنصلت من الوعك فنبر بي شعري فوفي قوله جميمة بالرفع فاعل وفي وقال ابن الأثير ومنه حديث عائشة حين بنى بها رسول الله
قالت وفت لي جميمة أي كثرت والجميمة بالجيم مصغر الجمة بتشديد الميم والجمة من شعر الرأس ما سقط على المنكبين وإذا كان إلى شحمة الأذنين يسمى وفرة قوله ' أم رومان ' عطف بيان لقولها أمي وهي كنية أم عائشة واسمها زينب بنت عامر بن عويمر قاله الذهبي وقال أبو عمر أم رومان يقال بفتح الراء وضمها بنت عامر ولم يذكر لها اسما ماتت في حياة النبي
سنة ست من الهجرة فنزل النبي
قبرها واستغفر لها وقال اللهم لم يخف عليك ما ألقيت أم رومان فيك وفي رسولك قوله ' لفي أرجوحة ' بضم الهمزة وإسكان الراء وضم الجيم وبالحاء المهملة نوع لعب للصبيان يطفرون به بين الجذعين بحبل وغيره وقال الجوهري ترجحت الأرجوحة بالغلام مالت به قوله ' لأنهج ' بالنون أي أتنفس تنفسا عاليا قال الكرماني وأنهج بلفظ المجهول يقال أنهج الرجل إذا غلبه التنفس من الإعياء والنهج تتابع النفس وقال ابن فارس يقال أتانا فلان ينهج أي مبهورا منقطع النفس وقال الهروي أنهج أريد التنفس يقال نهج وأنهج وقال أبو عبيد لا يقال نهج قوله وعلى خير طائر أي قدمت على خير قال وقيل على خير حظ ونصيب قوله فلم يرعني بضم الراء وسكون العين المهملة أي لم يفاجئني وإنما يقال ذلك في الشيء لا تتوقعه فيهجم عليك في غير زمانه أو مكانه ويقال معناه لم يفزعني شيء إلا دخوله علي وكنت
34

بذلك عن المفاجأة بالدخول على غير عالم بذلك فإنه يفزع غالبا قوله ' ضحى ' أي ظهرا ويروى قد ضحا وهكذا ذكره ابن الأثير فقال فلم يرعني إلا رسول الله
قد ضحى أي ظهر قلت فعلى هذا ضحا فعل ماض يقال ضحا يضحو ضحوا إذا ظهر ويقال أيضا ضحا الظل إذا صار شمسا قوله ' فأسلمتني إليه ' أي أسلمتني النسوة من الأنصار إلى النبي
قوله ' وأنا يومئذ ' الواو فيه للحال أي يوم التسليم كنت بنت تسع سنين * -
3895 حدثنا معلى حدثني وهيب عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها أريتك في المنام مرتين أري أنك في سرقة من حرير ويقول هذه امرأتك فاكشف عنها فإذا هي أنت فأقول إن يك هذا من عند الله يمضه..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (هذه امرأتك) ومعلى، بضم الميم بلفظ اسم المفعول من باب التفضيل من العلو بالعين المهملة: ابن أسد العمي أبو الهيثم البصري، وروى عنه مسلم أيضا، مات بالبصرة سنة ثمان عشرة ومائتين، ووهيب مصغر وهب بن خالد البصري. والحديث من أفراده.
قوله: (أريتك)، بضم الهمزة. قوله: (أرى،) بضم الهمزة أيضا أي: أظن. قوله: (في سرقة)، بفتح السين المهملة وفتح الراء والقاف: وهي القطعة من الحرير، وأصلها بالفارسية: سره، أي: جيد فعربوه كما عربوا: إستبرق، ونحوه ووصف أعرابي رجلا، فقال: لسانه أرق من ورقه وألين من سرقة. قوله: (فإذا هي) كلمة: إذا، للمفاجأة.
45
((باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة))
35

أي: هذا باب في بيان هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وهجرة أصحابه إلى المدينة، أما هجرة النبي صلى الله عليه وسلم فكانت أول يوم من ربيع الأول بعد بيعة العقبة بشهرين وبضعة عشرة أيام، وجزم به الأموري في المغازي عن ابن إسحاق وقدم المدينة لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول. وأما هجرة أصحابه فكان أبو بكر قد توجه معه وعامر بن فهيرة، وتوجه قبل ذلك بين العقبتين جماعة منهم، ابن أم مكتوم، ويقال: إن أول من هاجر إلى المدينة أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي زوج أم سلمة، وقدم بعده عامر بن ربيعة حليف بني عدي، ثم توجه مصعب بن عمير، ثم كان أول من هاجر بعد بيعة العقبة عامر بن ربيعة، على ما ذكره ابن إسحاق، ثم توجه باقي الصحابة شيئا فشيئا. وعن شعبة عن إسحاق: سمعت البراء بن عازب قال: أول ما قدم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم فكانا يقرئان الناس، وقدم بلال وسعد وعمار بن ياسر، ثم قدم عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، في عشرين من أصحابه، ثم قدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم على ما يأتي بيانه، إن شاء الله
تعالى، وفي مسلم التصريح بأن سعد بن أبي وقاص، رضي الله تعالى عنه، هاجر قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة.
وقال عبد الله بن زيد وأبو هريرة رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار
تعليق عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب الأنصاري البخاري المازني أخرجه البخاري موصولا مطولا في المغازي في: باب غزوة الطائف، وذكره أيضا معلقا في: باب مناقب الأنصار، وكذلك أخرج تعليق أبي هريرة فيه في: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار).
وقال أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب
أبو موسى عبد الله بن قيس. ومضى تعليقه في: باب علامات النبوة مطولا. ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (وهلي)، بفتح الواو والهاء وسكونها أي: وهمي، (واليمامة) مدينة باليمن على مرحلتين من الطائف (وهجر) بفتح الهاء والجيم، ويروى: والهجر، بالألف واللام. قال الكرماني: هي قرية قريبة من المدينة، وقال بعضهم: وزعم بعض الشراح أن المراد: بهجر، هنا قرية قريبة من المدينة وهو خطأ، فإن الذي يناسب أن يهاجر إليه لا بد وأن يكون بلدا كثير الأهل، وهذه القرية التي ذكرها لا يعرفها أحد. قلت: أراد به الحط على الكرماني حيث نسبه إلى الخطأ. والذي قاله غير خطأ، فهذا ياقوت ذكره في: (المشترك): وكيف يقول: لا يعرفها أحد؟ وقوله: لا بد... إلى آخره غير مسلم، فمن هو الذي شرط هذا من العلماء؟ ولا ينزل صلى الله عليه وسلم في موضع إلا ويكثر أهله ويعظم شأنه، (ويثرب) اسم مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو غير منصرف.
3897 حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا الأعمش قال سمعت أبا وائل يقول عدنا خبابا فقال هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نريد وجه الله فوقع أجرنا على الله فمنا من مضى لم يأخذ من أجره شيئا منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد وترك نمرة فكنا إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه وإذا غطينا رجليه بدا رأسه فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي رأسه ونجعل على رجليه شيئا من إذخر ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها..
مطابقته للترجمة في قوله: (هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم) والحميدي عبد الله بن الزبير، وسفيان بن عيينة، والأعمش سليمان، وأبو وائل شقيق، والكل قد ذكروا غير مرة. والحديث قد مر في كتاب الجنائز في: باب إذا لم يجد كفنا إلا ما يواري رأسه.
قوله: (هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم) معناه: هاجرنا بإذنه لأنه لم يهاجر مع النبي صلى الله
36

عليه وسلم، إلا أبو بكر وعامر بن فهيرة. قوله: (نمرة) بفتح النون وكسر الميم: وهي كساء ملون مخطط، أو بردة تلبسها الإماء وتجمع على نمرات ونمور. قوله: (أينعت) أي: أدركت ونضجت، يقال: ينع الثمر وأينع يينع ويونع فهو يانع ومونع. قوله: (يهدبها)، بكسر الدال وضمها، أي: يقطعها ويجتنيها من هدب الثمرة إذا اجتناها.
3898 حدثنا مسدد حدثنا حماد هو ابن زيد عن يحيى عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص قال سمعت عمر رضي الله تعالى عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم أراه يقول الأعمال بالنية فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ومن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم..
مطابقته للترجمة ظاهرة. ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري، ومحمد بن إبراهيم ابن الحارث التيمي القرشي المدني، والحديث قد مر في أول الكتاب، ومضى الكلام فيه مطولا.
3900 قال يحيى بن حمزة وحدثني الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح قال زرت عائشة رضي الله تعالى عنها مع عبيد بن عمير الليثي فسألناها عن الهجرة فقالت لا هجرة اليوم كان المؤمنون يفر أحدهم بدينه إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم مخافة أن يفتن عليه فأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام واليوم يعبد ربه حيث شاء ولكن جهاد ونية. (انظر الحديث 3080 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة. قوله: (قال يحيى بن حمزة)، هو: يحيى بن حمزة المذكور فيما قبله، وهو متصل بما قبله. قوله: (زرت عائشة)، وقد مضى في أبواب الطواف من الحج أنها كانت حينئذ مجاورة في جبل ثبير. قوله: (فسألناها عن الهجرة)، أي: التي كانت قبل الفتح واجبة إلى المدينة، ثم نسخت بقوله: لا هجرة بعد الفتح، ووقع عند الأموي في المغازي من وجه آخر: عن عطاء، فقالت: إنما كانت الهجرة قبل فتح مكة، والنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة. قوله: (لا هجرة اليوم)، أي: بعد الفتح. قوله: (وأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام)، لأن مكة صارت بعد الفتح دار إيمان ودخل الناس في الإسلام في جميع القبائل، فارتفعت الهجرة الواجبة وبقي الاستحباب. قوله: (ولكن جهاد) أي: ولكن جهاد هو هجرة يعني: لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار، أي: ما دام في الدنيا دار كفر فالهجرة واجبة منها على من أسلم، وخشي أن يفتن عن دينه. قوله: (ونية) أي: ثواب النية في الهجرة، أو في الجهاد. وتقدم الكلام فيه في أول كتاب الجهاد.
3901 حدثني زكرياء بن يحيى حدثنا ابن نمير قال هشام فأخبرني أبي عن عائشة
37

رضي الله تعالى عنها أن سعدا قال أللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلي أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك صلى الله عليه وسلم وأخرجوه اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (وأخرجوه) أي: كانوا سببا لخروجه من مكة إلى المدينة، وخروجه هذا هو الهجرة. وزكرياء بن يحيى بن صالح بن سليمان بن مطر أبو يحيى البلخي الحافظ الفقيه، وهو من أفراده وابن نمير هو عبد الله بن نمير أبو هشام الخارقي الهمداني، وهشام هو ابن عروة بن الزبير يروي عن أبيه عن
عائشة.
قوله: (أن سعدا) هو ابن معاذ الأنصاري الأوسي، مات بعد حكمه في بني قريظة سنة خمس. قوله: (من قوم)، يعني: بني قريضة وكانوا يهودا أشد الناس عداوة للمؤمنين، كما وصفهم الله تعالى، ودعا سعد أن لا يميته الله حتى تقر عينه بهلاكهم فاستجيب له، وكان جرح في أكحله ينبل فنزلوا على حكمه، فحكم بقتل المقاتلة وسبي الذرية ثم انفجر أكحله فمات، وسيأتي بقية الكلام في غزوة بني قريظة، إن شاء الله تعالى.
وقال أبان بن يزيد حدثنا هشام عن أبيه أخبرتني عائشة من قوم كذبوا نبيك وأخرجوه من قريش
أشار بهذا إلى أن أبان بن يزيد العطار وافق ابن نمير في روايته عن هشام لهذا الحديث، وبين القوم الذين أبهموا بأنهم قريش، وزعم الداودي أن المراد بالقوم بنو قريظة. وقوله: (من قريش) ليس بمحفوظ، ورد عليه بأن الرواية الثابتة لا ترد بالظن والزعم، والدليل على أن المراد قريش ما سيأتي في المغازي في بقية الحديث من كلام سعد، قال: اللهم فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني له... الحديث. وأيضا قوله: في الحديث: وأخرجوه، هم قريش لأنهم الذين أخرجوه، وأما بنو قريظة فلا.
3902 حدثنا مطر بن الفضل حدثنا روح حدثنا هشام حدثنا عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين ومات وهو ابن ثلاث وستين..
مطابقته للترجمة ظاهرة في قوله: (ثم أمر بالهجرة) قوله: (ثلاث عشرة سنة يوحى إليه) وهذا أصح مما رواه أحمد عن يحيى بن سعيد عن هشام بن حسان بهذا الإسناد، قال: أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ابن ثلاث وأربعين، فمكث بمكة عشرا. قلت: ثلاث سنين بعد الأربعين التي قبض فيها إسرافيل، عليه السلام، وقد مر الكلام فيه مستوفى في كتاب المبعث.
3903 حدثني مطر بن الفضل حدثنا روح بن عبادة حدثنا زكرياء بن إسحاق حدثنا عمرو بن دينار عن ابن عباس قال مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة وتوفي وهو ابن ثلاث وستين..
مطابقته للترجمة من حيث إن كونه بمكة بعد مبعثه ثلاث عشرة سنة يدل على أن بقية عمره كانت في المدينة، وهو بالضرورة يدل على الهجرة من مكة إلى المدينة، وهذا طريق آخر أيضا عن مطر بن الفضل، بالمعجمة الساكنة: المروزي، مات بفربر، بفتح الفاء وكسرها وفتح الراء الأولى وسكون الباء الموحدة، وروح، بفتح الراء وسكون الواو وبالحاء المهملة: ابن عبادة، بضم العين المهملة وفتح الباء الموحدة المخففة، وهشام هو ابن حسان القهدوسي، بضم القاف، ومضى الكلام فيه في كتاب المبعث.
38

386 - (حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال حدثني مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عبيد يعني ابن حنين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله
جلس على المنبر فقال إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عنده فبكى أبو بكر وقال فديناك بآبائنا وأمهاتنا فعجبنا له. وقال الناس انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله
عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده وهو يقول فديناك بآبائنا وأمهاتنا فكان رسول الله
هو المخير وكان أبو بكر هو أعلمنا به. وقال رسول الله
إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر إلا خلة الإسلام لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر رضي الله عنه)
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أن من أمن الناس علي في صحبته ولم يصاحب معه في الهجرة إلا أبو بكر رضي الله تعالى عنه وهذا بطريق الاستئناس وإن كان فيه بعض بعد وهذا القدر كاف في المطابقة وأبو النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة واسمه سالم وعبيد بضم العين ابن حنين بضم الحاء المهملة وفتح النون الأولى مولى زيد بن الخطاب القرشي والحديث مر في باب قول النبي
سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر رضي الله تعالى عنه فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن محمد عن أبي عامر عن فليح عن سالم عن أبي النضر عن بشر بن سعيد عن أبي سعيد الخدري والراوي هنا عن أبي سعيد هو عبيد بن حنين وكذلك مضى في كتاب الصلاة في باب الخوخة والممر في المسجد فإن الراوي هناك أيضا عن أبي سعيد هو بشر بن سعيد ومر الكلام فيه هناك قوله وقال الناس انظروا إلى هذا الشيخ وفي الحديث الذي في كتاب الصلاة فقلت في نفسي ما يبكي هذا الشيخ القائل هو أبو سعيد وجاء في حديث ابن عباس عند البلادري فقال له أبو سعيد ما يبكيك يا أبا بكر فذكر الحديث قوله ' انظروا ' يعني كانوا يتعجبون من تفديته إذ لم يفهموا المناسبة بين الكلامين قوله هو المخير بفتح الياء أي خير الله رسوله بين بقائه في الدنيا ورحلته إلى الآخرة وفي إعراب لفظ المخير وجهان النصب على أنه خبر كان ولفظه هو ضمير فصل وفيه خلاف هل هو اسم أو حرف والرفع على أنه خبر مبتدأ وهو قوله هو والجملة في محل النصب على أنها خبر كان قوله يخبر رسول الله
فعل وفاعل قوله إلا خلة الإسلام الاستثناء فيه منقطع أي لكن خلة الإسلام أفضل وفيما تقدم إلا أخوة الإسلام قوله خوخة بفتح المعجمتين بينهما واو ساكنة هو الباب الصغير وكان بعض الصحابة فتحوا أبوابا في ديارهم إلى المسجد فأمر الشاعر بسدها كلها إلا خوخة أبي بكر ليتميز بذلك فضله وفيه إيماء إلى الخلافة * -
3905 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل قال ابن شهاب فأخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لم أعقل
أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا نحو أرض الحبشة حتى بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال أين تريد يا أبا بكر فقال أبو بكر أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي فقال ابن الدغنة فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج إنك
39

تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فأنا لك جار ارجع واعبد ربك ببلدك فرجع وارتحل معه ابن الدغنة فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش فقال لهم إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة وقالوا لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد ربه في داره فليصل فيها وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذالك ولا يستعلن به فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر فلبث أبو بكر بذالك يعبد ربه في داره ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقذف عليه نساء المشركين وأبناءهم وهم يعجبون منه وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن فأفزع ذالك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره فقد جاوز ذالك فابتنى مسجدا بفناء داره فأعلن بالصلاة والقراءة فيه وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فانهه فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى إلا أن يعلن بذالك فسله أن يرد إليك ذمتك فإنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الإستعلان. قالت عائشة فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر فقال قد علمت الذي عاقدت لك عليه فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترجع إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له فقال أبو بكر فإني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله عز وجل والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين إني أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين وهما الحرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلاى المدينة وتجهز أبو بكر قبل المدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي فقال أبو بكر وهل ترجو ذالك بأبي أنت قال نعم فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر وهو الخبط أربعة أشهر: قال ابن شهاب قال عروة قالت عائشة فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر هاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر فداء له أبي وأمي والله ما جاء به في هاذه الساعة إلا أمر قالت فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر أخرج من عندك فقال أبو بكر إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله قال فإني قد أذن لي في الخروج
40

فقال أبو بكر الصحابة بأبي أنت يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قال أبو بكر فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثمن قالت عائشة فجهزناهما أحث الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب فبذالك سميت ذات النطاقين قالت ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور فكمنا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف لقن فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش بمكة كبائت فلا يسمع أمرا يكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذالك حين يختلط الظلام ويرعاى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل وهو لبن منحتهما ورضيفهما حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس يفعل ذالك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث وأستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا من بني الديل وهو من بني عبد بن عدي هاديا خريتا والخريت الماهر بالهداية قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل السهمي وهو على دين كفار قريش فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم طريق السواحل..
3906 قال ابن شهاب وأخبرني عبد الرحمان بن مالك المدلجي وهو ابن أخي سراقة بن مالك بن جعشم أن أباه أخبره أنه سمع سراقة بن جعشم يقول جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر دية كل واحد منهما من قتله أو أسره فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال يا سراقة إني قد رأيت آنفا أسودة بالساحل أراها محمدا وأصحابه قال سراقة فعرفت أنهم هم فقلت له إنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا يبتغون ضالة لهم ثم لبثت في المجلس ساعة ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي وهي من وراء أكمة فتحبسها علي وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزجه الأرض وخفضت عاليه حتى أتيت فرسي فركبتها فرفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم فعثرت بي فرسي فخررت عنها فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم أم لا فخرج الذي أكره فركبت فرسي وعصيت الأزلام تقرب بي حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الإلتفات ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان ساطع في السماء مثل الدخان فاستقسمت بالأزلام
41

فخرج الذي أكره فناديتهم بالأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له أن قومك قد جعلوا فيك الدية وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني ولم يسألاني إلا أن قال أخف عنا فسألته أن يكتب لي كتاب أمن فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أديم ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال ابن شهاب فأخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشأم فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثياب بياض وسمع المسلمون بالمدينة مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة فانقلبوا يوما بعد ما أطالوا انتظارهم فلما أووا إلى بيوتهم
أوفى رجل من يهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته يا معشر العرب هذا جدكم الذي تنتظرون فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف وذلك يوم الإثنين من شهر ربيع الأول فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتا فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيي أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة وأسس المسجد الذي أسس على التقوى وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ركب راحلته فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين وكان مربدا للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بركت به راحلته هاذا إن شاء الله المنزل ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا فقالا بل نهبه لك يا رسول الله فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما ثم بناه مسجدا وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللبن في بنيانه ويقول وهو ينقل اللبن:
* هاذا الحمال لا حمال خيبرهاذا أبرأ ربنا وأطهر
*
ويقول:
* أللهم إن الأجر أجر الآخرهفارحم الأنصار والمهاجره
*
فتمثل بشعر رجل من المسلمين لم يسم لي قال ابن شهاب ولم يبلغنا في الأحاديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمثل ببيت شعر تام غير هذا البيت.
42

مطابقته للترجمة ظاهرة أظهر ما يكون. ورجاله قد ذكروا غير مرة، وعقيل، بضم العين، ومضى جزء من أول هذا الحديث في كتاب الصلاة في: باب المسجد يكون في الطريق أخرجه هناك بهذا الإسناد بعينه، وكذلك أخرجه في كتاب الإجازة في: باب استئجار المشركين عند الضرورة، عن إبراهيم بن موسى عن هشام عن معمر عن الزهري عن عائشة، من قوله: واستأجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر رجلا من بني الديل، إلى قوله: وهو على طريق الساحل، وكذلك أخرجه في الكفالة بإسناد هذا الباب من قوله: إن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان إلى قوله: ورق السمر أربعة أشهر، وكذلك أخرجه في الأدب في: باب هل يزور صاحبه كل يوم أو بكرة وعشية فإنه أخرجه هناك عن إبراهيم عن هشام إلى آخره، من قوله: قالت: لم أعقل أبوي... إلى قوله: قد أذن لي بالخروج، وحاصل الكلام أن البخاري أخرج هذا الحديث في هذه المواضع مقطعة مختصرة، ولم يخرجه مطولا إلا هنا فافهم.
ذكر معناه: قوله: (أبوي)، وهما أبو بكر الصديق وأم رومان، ولفظ: أبوي، تثنية مضافة إلى ياء المتكلم منصوبة على المفعولية. قوله: (الدين)، أي: دين الإسلام، وقال بعضهم: وهو منصوب بنزع الخافض أي: بالدين، ويجوز أن يكون مفعولا به على التجوز. قلت: إذا قلنا: معنى يدينان يطيعان من الدين بمعنى الطاعة. لا يحتاج إلى تقدير ناصب، لأن المعنى حينئذ إلا وهما يطيعان الدين. أي: الإسلام، وكل من يطيع الإسلام فهو مسلم. وقوله: على تجوز، فيه نظر لا يخفى. قوله: (فلما ابتلي المسلمون) أي: بأذى الكفار من قريش وغيرهم. قوله: (مهاجرا)، حال من أبي بكر. قوله: (نحو أرض الحبشة)، يعني: ليلحق من سبقه إليها من المسلمين. قوله: (برك الغماد)، البرك، بفتح الباء الموحدة وحكى كسرها وسكون الراء وبالكاف، وقال الجوهري: البرك مثل القرد موضع بناحية اليمن، والغماد، بكسر الغين المعجمة وتخفيف الميم وبالدال المهملة: وهو موضع على خمس ليال من مكة إلى جهة اليمن مما يلي ساحل البحر، وقال ابن فارس بضم الغين، وفي (التوضيح): برك الغماد موضع في أقاصي هجر. قوله: (ابن الدغنة)، بضم الدال المهملة والغين المعجمة وتشديد النون عند أهل اللغة، وعند المحدثين بفتح الدال وكسر الغين وفتح النون الخفيفة، وقال الجياني: رويناه بهما وهو اسم أمه، وقيل: أم أبيه، وقيل: دايته، ومعنى الدغنة: المسترخية، وأصلها الغمامة الكثيرة المطر. وعن الواقدي عن معمر عن الزهري: أن اسمه الحارث بن زيد، وحكى السهيلي أن اسمه مالك، وقال الكرماني: قال ابن إسحاق: اسمه ربيعة، بفتح الراء. وقال بعضهم: ووقع في شرح الكرماني أن ابن إسحاق سماه ربيعة بن رفيع، وهو وهم من الكرماني، فإن ربيعة المذكور آخر يقال له ابن الدغنة لكنه سلمي، والمذكور هنا من القارة. قلت: لا ينسب الكرماني إلى الوهم لأنه نقل عن ابن إسحاق أنه قال: ابن الدغنة اسمه ربيعة بن رفيع، ولم يذكر أنه سلمي أو من القارة، فالوهم من غيره، وأما السلمي فذكره أبو عمر، وقال: ربيعة ابن رفيع أهبان بن ثعلبة السلمي، كان يقال له ابن الدغنة، وهي أمه. فغلبت على اسمه، شهد حنينا ثم قدم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في بني تميم وهو الذي قتل دريد بن الصمة يوم حنين، وآخر يقال له: ابن دغنة، يسمى حابس وذكره أبو عمر وذكره الذهبي عنه، وقال حابس بن دغنة الكلبي له في أعلام النبوة وله صحبة ورؤية. قوله: (وهو سيد القارة)، بالقاف وتخفيف الراء وهي قبيلة مشهورة من بني الهون، بالضم والتخفيف: ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر كانوا حلفاء بني زهرة من قريش. قوله: (أخرجني قومي)، لم يخرجوه حقيقة ولكنهم تسببوا في خروجه. قوله: (أن أسيح) بالسين والحاء المهملتين من السياحة يقال ساح في الأرض يسيح سياحة إذا ذهب فيها وأصله من السيح وهو الماء الجاري المنبسط على الأرض ومعناه ههنا إرادة مفارقة الأمصار وسكنى البراري، وإنما قال أبو بكر: إن أسيح، ولم يذكر جهة مقصده مع أنه قصد التوجه إلى أرض الحبشة، لأن ابن الدغنة كان كافرا. قوله: (لا تخرج ولا تخرج)، الأول: بفتح التاء من الخروج، والثاني: بضمها على صيغة المجهول من الإخراج. قوله: (المعدوم)، وفي
رواية الكشميهني: المعدم، ومعنى: (تكسب المعدوم) تعطيه المال وتملكه إياه، يقال: كسبت للرجل مالا وأكسبته، وقال الخطابي: وأفصح اللغتين حذف الألف، ومنع القزاز إثباتها وجوزها ابن الأعرابي. قوله: (وتحمل الكل)، بفتح الكاف وتشديد اللام: وهو ما يثقل حمله من القيام بالعيال ونحوه مما لا يقوم
43

بأمر نفسه. قوله: (على نوائب الحق)، جمع نائبة ومعناه: تعين بما تقدر عليه من أصابته نوائب، أي: ما ينزل به من المهمات والحوادث. قوله: (فأنا لك جار) أي: مجير أمنع من يؤذيك، والجار الناصر الحامي المانع المدافع. قوله: (ارجع) أمر لأبي بكر، أي: ارجع إلى بلدك ووطنك. قوله: (فرجع) أي: أبو بكر. قوله: (وارتحل معه) أي: مع أبي بكر ابن الدغنة، وقد تقدم في الكفالة: ارتحل ابن الدغنة فرجع مع أبي بكر. قوله: (لا يخرج)، بفتح الياء من الخروج (ولا يخرج) بضم الياء. قوله: (أتخرجون؟) بهمزة الاستفهام على سبيل الإنكار (ورجلا) منصوب به. قوله: (فلم تكذب)، من التكذيب و: قريش، فاعله أراد أن أحدا منهم لم يرد قوله في أمان أبي بكر ولم يمنع أحد جواره وكل من كذب بشيء فقد رده، فأطلق التكذيب وأراد لازمه، وتقدم في الكفالة بلفظ: فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة، قوله: (فليعبد ربه) عطف على محذوف تقديره: مر أبا بكر لا يتعرض إلى شيء وليقعد في حاله فليعبد ربه. قوله: (ولا يؤذينا بذلك) أي: بما يصدر منه من صلاته وقراءته. قوله: (ولا يستعلن به) أي: بما يفعله من الصلاة والقراءة. قوله: (فلبث أبو بكر) أي: مكث على ما شرطوا عليه ولم يبين فيه مدة المكث. قوله: (ثم بدا لأبي بكر)، أي: ثم ظهر له رأي غير الرأي الأول. قوله: (بفناء داره)، بكسر الفاء وتخفيف النون وبالمد: وهي سعة أمام البيت، وقيل: ما امتد من جوانب البيت. قوله: (فيتقذف عليه) أي: على أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، ويتقذف على وزن يتفعل بالتاء المثناة من فوق والقاف والذال المعجمة الثقيلة: من القذف أي: يتدافعون فيقذف بعضهم بعضا فيتساقطون عليه، ويروى: فيتقصف، بالصاد المهملة أي: يزدحمون عليه حتى يسقط بعضهم على بعض وينكسر، وقال الخطابي: هذا هو المحفوظ، وأما يتقذف فلا وجه له ههنا إلا أن يجعل من القذف، وفسره بما ذكرناه الآن وفي رواية الكشميهني بنون وقاف مفتوحة وصاد مهملة مكسورة أي: يسقط. قوله: (بكاء) على وزن فعال بالتشديد صيغة المبالغة أي: كثير البكاء. قوله: (لا يملك عينيه)، أي: لا يطيق إمساكهما من البكاء من رقة قلبه. قوله: (إذا)، ظرفية والعامل فيه (لا يملك) ويجوز أن يكون شرطية والجزاء مقدر تقديره: إذا قرأ القرآن لا يملك عينيه، ونحو ذلك. قوله: (وأفزع ذلك) أي: أخاف ما فعله أبو بكر من صلاته وقراءته وتعبده لله، فقوله: ذلك، فاعل أفزع. وقوله: (المشركين) بالنصب مفعوله، يعني: خافوا من ذلك على النساء والصبيان أن يميلوا إلى دين الإسلام. قوله: (فقدم عليهم) أي: على أشراف قريش من المشركين، وفي رواية الكشميهني: فقدم عليه. أي: على أبي بكر. قوله: (أجرنا) بقصر الهمزة وبالجيم والراء في رواية الأكثرين، وفي رواية القابسي بالزاي، أي: أبحنا له. قوله: (بجوارك) أي: بسبب جوارك أبا بكر، رضي الله تعالى عنه. قوله: (أن تفتن) بصيغة المجهول. وقوله: (نساؤنا) مرفوع (وأبناؤنا) عطف عليه، وفي رواية أبي ذر: أن يفتن، على صيغة المعلوم والضمير الذي فيه يرجع إلى أبي بكر، و: نساءنا بالنصب مفعوله، وأبناءنا عطف عليه. قوله: (فانهه) أي: فانه أبا بكر، وهو أمر لابن الدغنة. قوله: (وإن أبى) أي: امتنع (إلا أن يعلن) بضم الياء من الإعلان (بذلك) أي: بما ذكر من الصلاة والقراءة. قوله: (فسله) أصله: فاسأله، وكذا هو في رواية الكشميهني من: سال، ولما نقلت حركة الهمزة إلى السين وحذفت للتخفيف استغنى عن همزة الوصل فحذفت فصار: سله. قوله: (ذمتك) أي: أمانك وعهدك. قوله: (أن نخفرك) بضم النون وسكون الخاء المعجمة وكسر الفاء، من الإخفار. يقال: خفرت الرجل إذا أجرته وحفظته، وأخفرته إذا نقضت عهده. قوله: (ولسنا مقرين) ويروى: بمقرين، أي: لا نسكت عليه الإنكار للمعنى الذي ذكروه من الخشية على نسائهم وأبنائهم أن يدخلوا في دينه. قوله: (الذي عاقدت) بضم التاء التي للمتكلم. قوله: (على ذلك) أي: على الذي عاقدت عليه. قوله: (أني أخفرت) بضم الهمزة على صيغة المجهول قوله: (وأرضى بجوار الله) أي: بأمانه وحمايته. قوله: (والنبي صلى الله عليه وسلم) الواو فيه للحال. قوله: (أريت) بضم الهمزة على صيغة المجهول. قوله: (بين لابتين وهما: الحرتان) وهي تثنية حرة، وهذا اللفظ مدرج في الخبر من تفسير الزهري، واللابتان تثنية لابة بتخفيف الباء الموحدة وهي الحرة، وهي شبه الجبل من حجارة سود يريد المدينة وهي بين الحرتين. قوله: (قبل المدينة) بكسر القاف والباء الموحدة المخففة. قوله: (ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة) أي: رجع معظم الذين هاجروا إلى الحبشة إلى المدينة لما سمعوا استيطان المسلمين المدينة، ولم يرجع جميعهم لأن جعفرا ومن كان معه تخلفوا في الحبشة. قوله: (وتجهز أبو بكر قبل المدينة) بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي: جهتها، وتقدم في الكفالة، وخرج أبو بكر مهاجرا، هو نصب على الحال المقدرة.
44

أي: مقدرا الهجرة، وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه عند ابن حبان: استأذن أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم، في الخروج من مكة، ويروى: تجهز أبو بكر إلى المدينة أي إلى الخروج إلى المدينة. قوله: (على رسلك) بكسر الراء وسكون السين المهملة أي: على مهلك أي: وهينتك أي: لا تستعجل، وفي رواية ابن حبان: فقال اصبر. قوله: (أن يؤذن) على صيغة المجهول. قوله: (بأبي أنت) لفظ: أنت، مبتدأ و: بأبي خبره أي: أنت مفدى بأبي قيل: يحتمل أن يكون: أنت، فاعل ترجو. وقوله: بأبي قسم. وقوله ذلك إشارة إلى الإذن الذي يدل عليه أن يؤذن. قوله: (فحبس أبو بكر نفسه) أي: منعها من الهجرة، وفي رواية ابن حبان: فانتظره أبو بكر، رضي الله تعالى عنه. قوله: (على رسول الله، صلى الله عليه وسلم) أي: لأجله، وكلمة: على، تأتي للتعليل كما في قوله تعالى: * (ولتكبروا الله على ما هداكم) * (البقرة: 185) قوله (ليصحبه) أي لا يصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة قوله (وعلف) أي أبو بكر قوله. تثنية راحلة وهي من الإبل البعير القوي على الأسفار والأحمال، والذكر والأنثى فيه سواء، والهاء فيه للمبالغة، وهي التي يختارها الرجل لمركبه ورحله على النجابة وتمام الخلق وحسن المنظر، فإذا كانت في جماعة الإبل عرفت. قوله: (السمر)، بفتح السين المهملة وضم الميم: وهو شجر الطلح، وقيل: شجر أم غيلان، وقيل: كل ما له ظل ثقيل. قوله: (وهو الخبط) أي: ورق السمر هو الخبط، بفتح الخاء المعجمة وبالباء الموحدة: وهو الورق المضروب بالعصا الساقط من الشجر. وقوله: وهو
الخبط، مدرج أيضا من تفسير الزهري.
قوله: (قال ابن شهاب...) إلى آخره موصول بالإسناد المذكور أولا أي: قال محمد بن مسلم بن شهاب الراوي: قال عروة ابن الزبير: قالت عائشة أم المؤمنين، رضي الله تعالى عنها، قوله: (فبينما)، قد مر الكلام فيه غير مرة. قوله: (جلوس) أي: جالسون. قوله: (في نحر الظهيرة) أي: في أول وقت الحرارة وهي المهاجرة، ويقال: أول الزوال وهو أشد ما يكون من حر النهار، والغالب في أيام الحر القيلولة فيها. قوله: (متقنعا) أي: مغطيا رأسه، وانتصابه على الحال كما في قولك: هذا زيد قائما، أي: أشير إليه وهو العامل فيه، ومن له يد في العربية لا يخفى عليه هذا وأمثاله. قوله: (فداء له)، بكسر الفاء وبالمد في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره بالقصر، وانتصاب: فداء، على تقدير أن يكون له أبي وأمي فداء، ويجوز الرفع على أنه خبر المبتدأ وهو قوله: أبي وأمي فداء له أي: للنبي، صلى الله عليه وسلم. فإن قلت: على هذا أين المطابقة بين المبتدأ والخبر؟ قلت: الفداء يشمل الواحد فما فوقه. قوله: (إلا أمر)، أي: أمر قد حدث، وكذا جاء في رواية موسى بن عقبة، ولفظه: فقال أبو بكر: يا رسول الله! ما جاء بك إلا أمر حدث. قوله: (فأذن)، على صيغة المجهول. قوله: (أخرج من عندك)، بفتح الهمزة من الإخراج، ومن عندك. مفعوله. قوله: (إنما هم أهلك) أشار به إلى عائشة وأسماء، كما فسره موسى بن عقبة ففي روايته، قال: أخرج من عندك، قال: لا عين عليك إنما هما ابنتاي. قوله: (فإني)، وفي رواية الكشميهني: فإنه. قوله: (قد أذن لي)، على صيغة المجهول. قوله: (الصحابة)، بالنصب أي: أريد الصحابة يا رسول الله يعني المصاحبة. قوله: (نعم. قال)، يعني: نعم الصحبة التي تطلبها. قوله: (بالثمن)، أي: لا آخذ إلا بالثمن، وفي رواية ابن إسحاق: لا أركب بعيرا ليس هو لي، قال: فهو لك، قال: لا ولكن بالثمن الذي ابتعته به، قال: أخذته بكذا وكذا، قال: هو لك، وفي رواية الطبراني عن أسماء، قال: بثمنها يا أبا بكر، قال: بثمنها إن شئت، وعن الواقدي: أن الثمن ثمانمائة وأن الراحلة التي أخذها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من أبي بكر هي القصواء، وأنها كانت من نعم بني قشير، وأنها عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم، قليلا وماتت في خلافة أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، وكانت مرسلة ترعى بالبقيع، وذكر ابن إسحاق أنها الجذعاء وكانت من إبل بني الحريش، وكذا في رواية أخرجها ابن حبان: أنها الجدعاء. قوله: (فجهزنا هما) أي: النبي وأبا بكر. قوله: (أحث الجهاز) لفظ: أحث، بالحاء المهملة والثاء المثلثة أفعل التفضيل من: الحث وهو الإسراع، والحثيث على وزن فعيل: المسرع الحريص، وأحث أفعل منه، وفي رواية أبي ذر: أحب، بالباء الموحدة والأول أصح، و: الجهاز، بفتح الجيم وكسرها: ما يحتاج إليه في السفر ونحوه. قوله: (ووضعنا لهما) أي: للنبي وأبي بكر، ويروى: وصنعنا، من صنع، والسفرة الزاد هنا لأن أصل السفرة في اللغة الزاد الذي يصنع للمسافر ثم استعمل في وعاء الزاد، ومثله المزادة للماء، وكذلك الراوية. وعن الواقدي: أنه كان في السفرة شاة مطبوخة. قوله: (في
45

جراب) بكسر الجيم، وربما فتحت. قوله: (من نطاقها) بكسر النون وهو إزار فيه تكة تلبسه النساء، والمنطق: كل شيء شددت به وسطك، قاله ابن فارس، قال الداودي: هو المئزر، وقال الهروي: النطاق هو المنطق وهو أن تأخذ المرأة ثوبا فتلبسه ثم تشد إزارها وسطها بحبل ثم ترسل الأعلى على الأسفل. قوله: (ذات النطاقين) هذه رواية الكشميهني: وفي رواية غيره: ذات النطاق، بالإفراد. وقال الهروي: سميت بذات النطاقين لأنها كانت تجعل نطاقا على نطاق، وقيل: كان لها نطاقان تلبس أحدهما وتحمل في الآخر الزاد لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو في الغار، وفي رواية ابن سعد: شدت نطاقها فأوكت بقطعة منه الجراب، وشدت فم القربة بالباقي، فسميت ذات النطاقين. قوله: (ثور) بالثاء المثلثة على لفظ الحيوان المشهور، وذكر الواقدي، رحمه الله تعالى، أنهما خرجا من خوخة في ظهر بيت أبي بكر. وقال الحاكم: تواترت الأخبار على أن خروجه كان يوم الاثنين، ودخوله المدينة كان يوم الاثنين، إلا أن محمد بن موسى الخوارزمي قال: إنه خرج من مكة يوم الخميس. قلت: الذي يفهم من كلام ابن إسحاق كان خروجه بالليل، وذلك أن أعيان قريش لما اجتمعوا فيما يفعلون في أمر النبي صلى الله عليه وسلم أشار كل واحد برأي، فما أصغوا إليه فآخر الأمر أشار أبو جهل بقتله، فأتى جبريل، عليه الصلاة والسلام، رسول الله، صلى الله عليه وسلم فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه. قال: فلما كانت عتمة الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام فيثبون عليه، فلما رأى رسول الله، صلى الله عليه وسلم مكانهم قال لعلي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه: نم على فراشي، فأخذ رسول الله، صلى الله عليه وسلم حفنة من تراب في يده، فجعل ينثره على رؤوسهم وهو يتلو هذه الآيات: * (يس والقرآن الحكيم) * إلى قوله: * (فهم لا يبصرون) * (يس: 1 9). ولم يبق منهم أحد إلا وقد وضع على رأسه تراب ثم انصرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قوله: (عندهما) أي: عند النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، رضي الله تعالى عنه، عبد الله بن أبي بكر، قيل: في نسخة عبد الرحمن: وهو وهم. قوله:، بفتح الثاء المثلثة وكسر القاف ويجوز إسكانها وفتحها وفي آخره فاء: وهو الحاذق الفطن تقول: ثقفت الشيء إذا أقمت عوجه. وقال الخطابي: الثقافة حسن التلقي للأدب، يقال: غلام ثقف، وقال ابن فارس، ويقال: رجل ثقف، قوله: (لقن)، بفتح اللام وكسر القاف وبالنون: وهو السريع الفهم، ويقال: اللقن الحسن التلقي لما يسمعه ويعلمه. قوله: (فيدلج) بتشديد الدال وبالجيم: أي: يخرج بالسحر منصرفا إلى مكة، يقال: أدلج إذا سار في أول الليل، وقيل: في كله، وأدلج، بتشديد الدال إذا سار في آخره. قوله: (يكتادان به)، وفي رواية الكشميهني: (يكادان)، بغير تاء مثناة من فوق وهو من قولهم: كدت الرجل إذا طلبت له الغوائل ومكرت به. قوله: (إلا وعاء) أي: حفظه. قوله: (عامر بن فهيرة)، بضم الفاء وفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف، وبالراء مولى أبي بكر الصديق، كان مولدا من مولدي الأزد، أسود اللون مملوكا للطفيل بن عبد الله بن سخبرة، فأسلم وهو مملوك فاشتراه أبو بكر وأعتقه، وكان حسن الإسلام وكان يرعى الغنم في ثور ويروح بها على رسول الله، صلى الله عليه وسلم وأبي بكر في الغار، وشهد بدرا وأحدا ثم قتل يوم بئر معونة وهو ابن أربعين سنة، قتله عامر بن الطفيل، ويروى عنه أنه قال: رأيت أول طعنة طعنتها عامر بن فهيرة نورا خرج منها، وقال أبو عمر: وروى ابن المبارك عن يونس عن الزهري، قال: زعم عروة بن الزبير
أن عامر بن فهيرة قتل يومئذ فلم يوجد جسده، يرون أن الملائكة دفنته، وكانت بئر معونة سنة أربع من الهجرة. قوله: (منحة)، بكسر الميم وسكون النون وبالحاء المهملة، وهي في الأصل الشاة التي يجعل الرجل لبنها لغيره ثم يقع على كل شاة، وقال ابن فارس المنحة والمنيحة منحة اللبن، والمنحة الناقة أو الشاة يعطي لبنها، ثم جعلت كل عطية منحة، وفي رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب: أن الغنم كانت لأبي بكر فكان يروح عليهما الغنم كل ليلة فيحلبان ثم يسرح بكرة فيصبح في رعيان الناس فلا يفطن له. قوله: (في رسل)، بكسر الراء وسكون السين المهملة: وهو اللبن الطري. قوله: (ورضيفهما) الرضيف بفتح الراء وكسر الضاد المعجمة على وزن رغيف، وهو اللبن الذي جعل فيه الرضفة وهي الحجارة المحماة لتزول وخامته وثقله، وقيل: الرضيف الناقة المحلوبة. فإن قلت: كيف إعرابه؟ قلت: إن جعلته عطفا على لبن منحتهما يكون مرفوعا، وإن جعلته عطفا على المضاف إليه فيه يكون مجرورا فافهم. وفي (التوضيح) ويروى: وصريفها، والصريف اللبن ساعة يحلب، وقال ابن الأثير في: باب الصاد المهملة، وفي حديث الغار ويبيتان في رسلها وصريفها، الصريف اللبن ساعة
46

يصرف عن الضرع. قوله: (حتى ينعق بهما) كلمة: حتى، للغاية و: ينعق، بكسر العين المهملة أي: يصيح بغنمه، والنعق صوت الراعي والضمير في: بهما، يرجع إلى لفظ المنحة، و: لفظ الغنم وهذا هو رواية أبي ذر: أعني بهما التثنية، وفي رواية غيره: بها، بالإفراد. قال الكرماني: أي: المنحة أو بالغنم. قوله: (عامر)، مرفوع لأنه فاعل ينعق. قوله: (بغلس) أي: في غلس وهو ظلام آخر الليل قوله: (من بني الديل)، بكسر الدال وسكون الياء آخر الحروف. وقيل بضم أوله وبالهمزة المكسورة في ثانيه. قوله: (وهو) أي: الرجل الذي استأجراه من بني عبد بن عدي بن الديل بن عبد مناف بن كنانة، ويقال: من بني عدي بن عمرو بن خزاعة، وقال ابن هشام: اسمه عبد الله بن أرقد. وفي رواية الأموي عن ابن إسحاق: أريقد بالتصغير وعند ابن سعد: عبد الله ابن أريقط، بالطاء موضع الدال بالتصغير، وهذا هو الأشهر، وقال ابن التين عن مالك: اسمه رقيط، وكان كافرا. قوله: (هاديا)، نصب لأنه صفة رجلا يعني: يهديهما إلى الطريق. قوله: (خريتا)، صفة بعد صفة، وهو بكسر الخاء المعجمة وتشديد الراء وبالياء آخر الحروف الساكنة وفي آخره تاء مثناة من فوق والخريت الماهر بالهداية، أشار به إلى تفسير الخريت وهذا مدرج في الخبر من كلام الزهري، وعن الخطابي: الخريت مأخوذ من خرت الإبرة كأنه يهتدي لمثل خرتها من الطريق، وخرت الإبرة بالضم: ثقبها، وحكى عن الكسائي: خرتنا الأرض إذا عرفناها ولم تخف علينا طرقها. وقال ابن الأثير: الخريت الماهر الذي يهتدي لأخرات المفازة وهي طرقها الخفية. قوله: (قد غمس حلفا في آل العاص بن الوائل) هذه الجملة وقعت حالا من قوله: رجلا. والأصل في الجملة الفعلية الماضية إذا وقعت حالا أن يكون فيها كلمة: قد، إما ظاهرة وإما مقدرة كما في قوله تعالى: * (أوجاؤكم حصرت صدورهم) * (النساء: 90). أي: قد حصرت. قوله: غمس حلفا، أي: أخذ بنصيب من حلفهم وعقدهم يأمن به، كانت عادتهم أن يحضروا في جفنة طيبا أو دما أو رمادا فيدخلون فيه أيديهم عند التحالف ليتم عقدهم عليه باشتراكهم في شيء واحد، والحلف بفتح الحاء وكسر اللام، مصدر حلفت وقد تسكن اللام ويراد به العهد بين القوم. قوله: (فأمناه) بقصر الهمزة وكسر الميم أي: ائتمناه، كما في قوله تعالى: * (فإن أمن بعضكم بعضا) * (البقرة: 283). وأمنته على كذا وائتمنته بمعنى. قوله: (فأخذ بهم طريق السواحل) وفي رواية موسى بن عقبة: فأجاز بهما أسفل مكة ثم مضى هما حتى جاء بهما الساحل أسفل من عسفان، ثم أجاز بهما حتى عارض الطريق.
قوله: (قال ابن شهاب) هو موصول بإسناد حديث عائشة المذكور، وهو محمد بن مسلم الزهري أحد رواة الحديث. قوله: (عبد الرحمن بن مالك بن جعشم) بضم الجيم وسكون العين المهملة وضم الشين المعجمة، وحكى فتح الجيم أيضا: المدلجي، بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر اللام وبالجيم: من بني مدلج بن مرة بن عبد مناف بن كنانة، ومالك والد عبد الرحمن، هذا ذكره ابن حبان في التابعين وليس له ولا لأخيه سراقة ولا لابنه عبد الرحمن في البخاري غير هذا الحديث. قوله: (وهو ابن أخي سراقة بن جعشم) أي: عبد الرحمن هو ابن أخي سراقة، وفي رواية أبي ذر: سراقة بن مالك بن جعشم، والأول هو المعتمد عليه، وقال الكرماني: سراقة بن جعشم، ويروى: سراقة بن مالك بن جعشم والأول هو الموافق لكونه ابن أخيه، لكن المشهور هو الثاني كما في كتاب (الاستيعاب) قلت: يعني ذكر أبو عمر في كتاب (الاستيعاب): سراقة بن مالك بن جعشم بن مالك... إلى آخره. وذكر أنه يعد في أهل المدينة، ويقال: إنه سكن مكة، وكنية سراقة أبو سفيان، وكان ينزل قديدا وعاشا إلى خلافة عثمان وقال الذهبي سراقة بن مالك بن جعشم الكناني المدلجي أبو سفيان أسلم بعد الطائف، ويقال: وحيث جاء في الروايات: سراقة بن جعشم، يكون نسبته إلى جده. قوله: (دية في كل واحد) أي: مائة من الإبل، وصرح بذلك موسى بن عقبة وصالح ابن كيسان في روايتهما عن الزهري. قوله: (ودية) منصوب بقوله: (يجعلون) ويروى: دية كل واحد، بإضافة دية إلى كل، قوله: (من قتله) ويروى: لمن قتله، والضمير المنصوب فيه يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك في: (أو أسره). قوله: (فبينما أنا جالس)، قول سراقة. قوله: (أقبل) جواب: بينما، ويروى: إذ أقبل. قوله: (ونحن جلوس) الواو فيه للحال، والجلوس جمع جالس. قوله: (فقال: يا سراقة) القائل هو الرجل الذي هو من بني مدلج. قوله: (رأيت أنفا) أي: في هذه الساعة. قوله: (أسودة) أي: أشخاصا. قوله: (فعرفت أنهم هم) أي: عرفت أن الأسودة هم محمد وأصحابه. قوله: (فقلت له) القائل سراقة لذلك الرجل (إنهم) أي: إن الأسودة (ليسوا بهم) أي: بمحمد وأصحابه، ثم استدرك بقوله: (ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا)، أي: في نظرنا معاينة
47

(يتبعون ضالة لهم). قوله: (ثم قمت) كلام سراقة. وكذلك قوله: (فدخلت، وأمرت جاريتي) إلى قوله: (قال ابن شهاب). قوله: (أكمة) وهي الرابية المرتفعة عن الأرض. قوله: (فخططت) بالخاء المعجمة وفي رواية الكشميهني والأصيلي بالمهملة، أي: أمكنت أسفله. قوله: (بزجه) بضم الزاء وتشديد الجيم: وهو الحديدة التي في أسفل الرمح، وفي رواية الكشميهني: فخططت به. قوله: (وخفضت عاليه) أي: عالي الرمح لئلا يظهر بريقه لمن بعد منه لأنه كره أن يتبعه أحد فيشركه في الجعالة، وروى ابن أبي شيبة من حديث الحسن عن سراقة: وجعلت أجر الرمح مخافة أن يشركني أهل الماء فيها. قوله: (فرفعتها) بالراء، أي:
أسرعت بها السير. قال ابن الأثير: أي: كلفتها المرفوع من السير وهو فوق الموضوع ودون العدو، يقال: أرفع دابتك، أي: أسرع بها، ويروى: دفعتها بالدال، يقال: دفع ناقته إذا حملها على السير. قوله: (تقرب بي) من التقريب وهو السير دون العدو وفوق العادة. وقال الأصمعي: هو أن ترفع الفرس يديها معا وتضعهما معا. قوله: (فخررت عنها) أي: عن دابتي، من الخرور بالخاء المعجمة وهو السقوط. قوله: (فأهويت يدي) أي: بسطتها إليها للأخذ. والكنانة الخريطة المستطيلة من جولد تجعل فيها السهام وهي الجعبة. قوله: (الأزلام) وهي: القداح وهو السهام التي لا ريش لها ولا نصل، وكان لهم في الجاهلية هذه الأزلام مكتوبا عليها: (لا) (ونعم)، فإذا اتفق لهم أمر من غير قصد كانوا يخرجونها، فإن خرج ما عليه: (نعم)، مضى على عزمه، وإن خرج (لا) انصرف عنه. قوله: (فاستقسمت بها) من الاستقسام وهو طلب معرفة النفع والضر بالأزلام، أي: التفاؤل بها. قوله: (فخرج الذي أكره) أي: الذي لا يضرهم، وصرح به الإسماعيلي وموسى وابن إسحاق، زاد: أو كنت أرجو أن أرده وأخذ المائة الناقة. قوله: (وعصيت الأزلام)، الواو فيه للحال، أراد أنه ما التفت إلى الذي خرج ما يكرهه. قوله: (تقرب بي) يعني: فرسه، ومضى معنى التقريب آنفا. قوله: (وهو لا يلتفت)، الواو فيه للحال أي: والحال أن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات. قوله: (ساخت يدا فرسي) أراد أنه حين سمع النبي صلى الله عليه وسلم، ساخت يدا فرسه، بالخاء المعجمة أي: غاصت. وفي حديث أسماء بنت أبي بكر: فوقعت لمنخريها. قوله: (حتى بلغتا الركبتين) وفي رواية البزار، فارتطمت به فرسه إلى بطنها. قوله: (فحررت عنها) بالخاء المعجمة، أي: سقطت. قوله: (ثم زجرتها) أي: حثثتها وحملتها على القيام (فنهضت) أي: أسرعت للقيام، ولم تكد: من أفعال المقاربة أي: لم تقرب من إخراج يديها. قوله: (فلما استوت قائمة) أي: بعد تحمل شدة في القيام، وفي رواية أنس، ثم قامت تحمحم، الحمحمة بالحائين المهمتين: صوت الفرس وصهيله. قوله: (إذا)، كلمة مفاجأة وهي جواب: لما، قوله: (لأثر يديها) اللتين غاصتا في الأرض. قوله: (عثان)، بضم العين المهملة وبالثاء المثلثة وبعد الألف نون: وهو الدخان من غير نار، و: عثان مرفوع بالابتداء وخبره هو قوله: (لأثر يديها) مقدما. قوله: (ساطع) أي: منتشر مرتفع، وفي رواية الكشميهني: غبار، بغين معجمة مضمومة وباء موحدة، وبراء. قال الكرماني: هذه هي الأصح، وقيل: الأولى هي الأشهر، وفي رواية موسى ابن عقبة والإسماعيلي: واتبعها دخان مثل الغبار، وفيه: فعلمت أنه منع مني. قوله: (فناديتهم بالأمان)، وفي رواية ابن إسحاق: فناديت القوم: أنا سراقة بن مالك بن جعشم، أنظروني أكلمكم، فوالله لا آتيكم ولا يأتيكم مني شيء تكرهونه. قوله: (وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم) أي: من الحرص على الظفر بهم وبذل المال لمن يحصلهم لهم. قوله: (فلم يرزآني) براء ثم زاي أي: لم يأخذا مني شيئا ولم ينقصا من مالي، يقال: رزأته، أرزؤه، وأصله النقص ويرزآني تثنية يرزأ، والضمير فيه يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وكذلك في: (ولم يسألاني) قوله: (إلا أن قال) أي: النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، ويروى: إلا أن قالا بالتثنية يعني: كلاهما قالا (إخف عنا) بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة: أمر من الإخفاء. قوله: (فسألته) أي: قال سراقة: سألت النبي صلى الله عليه وسلم (أن يكتب لي كتاب أمن) بسكون الميم، وفي رواية الإسماعيلي: كتاب موادعة، وفي رواية ابن إسحاق: كتابا يكون آية بيني وبينك. قوله: (فأمر)، أي: النبي صلى الله عليه وسلم، عامر بن فهيرة. قوله: (فكتب لي في رقعة من أدم) وهو بفتحتين اسم لجمع: أديم، وهو الجلد المدبوغ، ويروى: من أديم، وفي رواية ابن إسحاق: فكتب لي كتابا في عظم أو رقعة أو خرقة، ثم ألقاه إلي فأخذته فجعلته في كنانتي ثم رجعت.
قوله: (قال ابن شهاب) هو متصل إلى ابن شهاب الزهري بالإسناد المذكور أولا، قوله: (فأخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم) وهذا مرسل وصله
48

الحاكم من طريق معمر عن الزهري، قال أخبرني عروة أنه سمع الزبير... الحديث. قوله: (لقي الزبير) أي: ابن العوام، وقال موسى ابن عقبة: يقال: لما دنا، أي: النبي صلى الله عليه وسلم كان طلحة قدم من الشام، فخرج عامدا إلى مكة إما متلقيا وإما معتمرا ومعه ثياب أهداها لأبي بكر من ثياب الشام، فلما لقيه أعطاه فلبس منها هو وأبو بكر، رضي الله تعالى عنه. وقال الدمياطي: لم يذكر الزبير بن بكار الزبير بن العوام ولا أهل السير، وإنما هو طلحة بن عبيد الله. وقال ابن سعد: لما ارتحل النبي صلى الله عليه وسلم، من الحجاز في هجرته إلى المدينة لقيه طلحة بن عبيد الله من الغد جائيا من الشام، فكسا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر من ثياب الشام، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، أن من بالمدينة من المسلمين قد استبطأوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فتعجل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقد رجح الدمياطي الذي في (السير) على الذي في (الصحيح) والأولى أن يجمع بينهما بأن يكون كل من طلحة والزبير أهدى لهما من الثياب. قوله: (في ركب)، بفتح الراء وسكون الكاف: جمع راكب، كتجر جمع تاجر. قوله: (قافلين)، نصب على الحال، أي: راجعين. قوله: (مخرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم). ويروى: بمخرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو مصدر ميمي بمعنى الخروج. قوله: (يغدون) بسكون الغين المعجمة أي: يخرجون غدوة. قوله: (أو في رجل)، أي: اطلع إلى مكان عال فأشرف منه. قوله: (على أطم)، بضمتين وهو الحصن، ويقال: بناء من حجر كالقصر. قوله: (مبيضين)، نصب على الحال أي: عليهم الثياب البيض التي كساهم إياها الزبير أو طلحة أو كلاهما، وقال ابن التين: يحتمل أن يكون معناه: مستعجلين، وحكى عن ابن فارس، يقال: بائض أي مستعجل. قوله: (يزول بهم السراب)، أي: يزول السراب عن النظر بسبب عروضهم له، وقيل: معناه ظهرت حركتهم فيه للعين، والسراب بفتح السين المهملة هو الذي يرى في شدة الحر كالماء، فإذا جئته لم تلق شيئا، كما قال تعالى: * (يحسبه الظمآن ماء) * (النور: 39). الآية. قوله: (يا معشر العرب)، وفي رواية عبد الرحمن بن عويمر: يا بني قيلة، بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف وهي: الجدة الكبرى من الأنصار والدة الأوس والخزرج، وهي: قيلة بنت كاهل بن عدي. قوله: (هذا جدكم)، بفتح الجيم أي: حظكم وصاحب دولتكم الذي تتوقعونه، وفي رواية معمر: (هذا صاحبكم). قوله: (بظهر
الحرة)، بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء، وهي الأرض التي عليها الحجارة السود، وقد مرت غير مرة. قوله: (في بني عمرو بن عوف)، أي: ابن مالك بن أوس بن حارثة، ومنازلهم بقباء وهي على فرسخ من المسجد النبوي بالمدينة. قوله: (وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول)، ولم يبين أي يوم الاثنين من الشهر، وفيه اختلاف كثير. ففي رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب: قدمها لهلال ربيع الأول، أي: أول يوم منه، وعن ابن إسحاق: قدمها لليلتين خلتا من ربيع الأول، ونحوه عند أبي معشر، لكن قال: ليلة الاثنين. وفي (شرف المصطفى) من طريق أبي بكر بن حزم: قدم لثلاث عشرة من ربيع الأول، وفيه من حديث عمر: ثم نزل على بني عمرو بن عوف يوم الاثنين لليلتين بقيتا من ربيع الأول، وعند الزبير في خبر المدينة عن ابن شهاب: في نصف ربيع الأول، ويمكن الجمع بين هذه الروايات بالحمل على الاختلاف في مدة إقامته بقباء، فعن أنس: أنه أقام بقباء أربع عشرة ليلة، وعن الكلبي أربع ليال فقط، وعن موسى بن عقبة: ثلاث ليال، وحكى عن الزبير بن بكار اثنين وعشرين يوما، وعلى اعتداد يوم الدخول والخروج وعدم اعتدادهما، فافهم. قوله: (فقام أبو بكر للناس) أي: يتلقاهم. قوله: (فطفق) أي: جعل من جاء من الأنصار يحيى أبا بكر، أي: يسلم عليه قال ابن التين: إنما كانوا يفعلون ذلك بأبي بكر لكثرة تردده إليهم في التجارة إلى الشام، فكانوا يعرفونه، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأتها بعد أن كبر. قوله: (فنزل رسول الله، صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف) قيل: نزل على كلثوم به الهدم، وقيل: سعيد بن حثمة، ولا خلاف أنه نزل في المدينة على أبي أيوب، رضي الله تعالى عنه. قوله: (وأسس المسجد)، أي: مسجد قباء. قوله: (المسجد الذي أسس على التقوى) هذا صريح في أنه مسجده، وقد اختلف في ذلك في زمانه، فقيل: إنه مسجده، وقيل: إنه مسجد قباء، والأول أثبت. وقال الداودي: إنه ليس باختلاف، وكلاهما أسس على التقوى. قوله: (وكان مربدا) بكسر الميم وسكون الراء وفتح الباء الموحدة، وهو الموضع الذي يجفف فيه التمر. قوله: (لسهيل وسهل) ابني رافع بن عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، وسهيل شهد بدرا دون أخيه سهل. قوله: (في حجر أسعد بن زرارة) بفتح الحاء وسكون الجيم وهو من حجر الثوب، وهو طرفه المقدم لأن الإنسان يربي ولده في حجره
49

والولي القائم بأمره كذلك، وقال ابن الأثير: الحجر، بالفتح والكسر: الثوب والحصن، والمصدر بالفتح لا غير، وأسعد بن زرارة بالألف في أوله، وفي رواية أبي ذر وحده: سعد بن زرارة، بدون الألف، والأول هو الأوجه، وكان من السابقين إلى الإسلام من الأنصار، ووقع في (مرسل ابن سيرين) عند أبي عبيد في الغريب: أنهما كانا في حجر معاذ بن عفراء، وحكى الزبير أنهما كانا في حجر أبي أيوب، والأول أثبت. قوله: (حتى ابتاعه منهما)، أي: حتى اشتراه من سهيل وسهل، وعن الواقدي عن معمر عن الزهري: أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر أبا بكر أن يعطيهما ثمنه، وقيل: أعطاهما عشرة دنانير، وعن الزبير: أن أبا أيوب أرضاهما عن ثمنه. فإن قلت: قد تقدم في أبواب المساجد من حديث أنس: أنه، صلى الله عليه وسلم، قال: يا بني النجار ثامنوني بحائطكم؟ قالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله؟ قلت: يجمع بينهما بأنهم لما قالوا: لا نطلب ثمنه إلا إلى الله، سأل عمن يختص بملكه منهم، فعينوا له الغلامين فابتاعه منهما، ويحتمل أن يكون الذين قالوا: لا نطلب ثمنه إلا إلى الله، تحملوا عنه الغلامين بالثمن. قوله: (فطفق)، أي: جعل (ينقل اللبن)، بفتح اللام وكسر الباء الموحدة: وهو الطوب النيء الذي لم يحرق. قوله: (هذا الحمال)، بكسر الحاء المهملة وتخفيف الميم أي: هذا محمول من اللبن (أبر عند الله) أي: أبقى ذخرا وأكثر ثوابا وأدوم منفعة وأشد طهارة (من حمال خيبر) أي: التي تحمل منها من التمر والزبيب ونحو ذلك، وفي رواية المستملي: هذا الجمال، بفتح الجيم. قوله: (ربنا) منادى مضاف، أي: يا ربنا. قوله: (فتمثل بشعر رجل من المسلمين) وقال الكرماني: يحتمل أن يراد به الشعر المذكور، وأن يراد شعر آخر، وقال بعضهم الأول هو المعتمد قلت: لم يبين وجهه، والاعتماد لا يكون إلا بالعماد.
قوله: (قال ابن شهاب) أي: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري أحد رواة الحديث. قوله: (غير هذا البيت) ويروى: غير هذه الأبيات، زاد ابن عائذ في آخره: التي كان يرتجز بهن وهو ينقل اللبن لبنيان المسجد. وقال ابن التين: أنكر على الزهري هذا من وجهين: أحدهما: أنه رجز وليس بشعر. والثاني: أن العلماء اختلفوا هل كان ينشد النبي صلى الله عليه وسلم شعرا أم لا؟ وعلى الجواز: هل كان ينشد بيتا واحدا ويزيد؟ وأجيب: عن الأول: أن الجمهور على أن الرجز من أقسام الشعر إذا كان موزونا، وعن الثاني: أن الممتنع على النبي صلى الله عليه وسلم إنشاؤه لا إنشاده، والله أعلم.
3907 حدثنا عبد الله بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة حدثنا هشام عن أبيه وفاطمة عن أسماء رضي الله تعالى عنهما صنعت سفرة للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حين أرادا المدينة فقلت لأبي ما أجد شيئا أربطه إلا نطاقي قال فشقيه ففعلت فسميت ذات النطاقين. (انظر الحديث 2979 وطرفه).
مطابقته للترجمة من حيث إنه يتعلق بالهجرة، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه وعن فاطمة بنت المنذر بن الزبير وهي زوجة هشام المذكور، وأسماء بنت أبي بكر جدة فاطمة المذكورة. والحديث مر في الجهاد في: باب حمل الزاد في الغزو، فإنه رواه هناك: عن عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة... إلى آخره بأتم منه، ومر الكلام فيه هناك. قوله: (أربطه) ويروى: أربطها، فالتذكير إما باعتبار الطرف أو على تقدير حذف المضاف أي: رأس السفرة، ويستفاد منه أن الذي أمر بشق نطاقها لتربط بها السفرة هو أبوها أبو بكر، رضي الله تعالى عنه.
389 - (حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت البراء رضي الله عنه قال لما أقبل النبي
إلى المدينة تبعه سراقة بن مالك بن جعشم فدعا عليه النبي
فساخت به فرسه قال ادع الله لي ولا أضرك فدعا له قال فعطش رسول الله
فمر براع قال أبو بكر فأخذت قدحا فحلبت فيه كثبة من لبن فأتيته فشرب حتى رضيت)
مطابقته للترجمة في قوله لما أقبل النبي
إلى المدينة وإقباله إليها هو هجرته إليها وغندر بضم الغين المعجمة وهو لقب محمد بن جعفر وقد تكرر ذكره قوله وأبو اسحق عمرو بن عبد الله السبيعي والبراء هو ابن عازب
50

رضي الله تعالى عنه والحديث من قوله فمر براع إلى آخره قد مضى بأتم منه في كتاب اللقطة في باب مجرد من الترجمة عقيب باب من عرف اللقطة ولم يدفعها فإنه أخرجه هناك عن إسحاق بن إبراهيم عن النضر عن إسرائيل عن أبي إسحاق إلى آخره قوله ' كثبة ' بضم الكاف وسكون الثاء المثلثة وبالباء الموحدة وهي قدر حلبة وقيل ملء القدح * -
3909 حدثني زكرياء بن يحيى عن أبي أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء رضي الله تعالى عنهما أنها حملت بعبد الله بن الزبير قالت فخرجت وأنا متم فأتيت المدينة فنزلت بقباء فولدته بقباء ثم أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حنكه بتمرة ثم دعا له وبرك عليه وكان أول مولود ولد في الإسلام. (الحديث 3909 طرفه في: 5469).
مطابقته للجزء الثاني للترجمة، وهو قوله: (وأصحابه) أي: وهجرة أصحابه، كما ذكرناه. وزكريا بن يحيى بن صالح بن سليمان بن مطر اللؤلؤي البلخي الحافظ الفقيه إمام مصنف في السنة، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وهو من أفراده.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في العقيقة عن إسحاق بن منصور. وأخرجه مسلم في الاستيذان عن أبي كريب وعن أبي بكر ابن أبي شيبة وعن الحكم بن موسى.
قوله: (أنها حملت بعبد الله) يعني: في مكة. قوله: (فخرجت) أي: من مكة مهاجرة إلى المدينة. قوله: (وأنا متم) الواو فيه للحال ومعنى: متم، أتممت مدة الحمل الغالب وهي تسعة أشهر، قوله: (فولدته بقباء) ولم يكن هذا إلا بعد تحول النبي صلى الله عليه وسلم، من قباء. قوله: (ثم أتيت به) أي: بعبد الله، وذلك بالمدينة. قوله: (في حجره) بفتح الحاء وكسرها. قوله: (ثم تفل) بفتح التاء المثناة من فوق وبالفاء. قوله: (في فيه) أي: في فمه. قوله: (حنكه) من حنكت الصبي إذا مضغت تمرا أو غيره. ثم دلكته بحنكه. قوله: (وبرك عليه) أي: دعا له بالبركة، أي قال: بارك الله فيك، أو: اللهم بارك فيه. قوله: (وكان أول مولود) أي: كان عبد الله بن الزبير أول مولود (ولد في الإسلام) أي: بالمدينة لا مطلقا، وأما من ولد في غير المدينة من المهاجرين، فقيل: عبد الله بن جعفر بالحبشة، وأما من الأنصار بالمدينة فكان أول مولود ولد لهم بعد الهجرة مسلمة ابن مخلد، كما رواه ابن أبي شيبة، وقيل: النعمان بن بشير.
تابعه خالد بن مخلد عن علي بن مسهر عن هشام عن أبيه عن أسماء رضي الله تعالى عنها أنها هاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي حبلى
أي: تابع زكريا بن يحيى (خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام: القطواني، ينسب إلى التشيع، وقال أحمد وغيره: له مناكير، مات سنة ثلاث عشرة ومائتين، وعلي بن مسهر أبو الحسن قاضي الموصل الكوفي الحافظ المحدث الفقيه، مات سنة سبع وثمانين ومائة، وأخرج هذه المتابعة الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد بهذا السند ولفظه: أنها هاجرت وهي حبلى بعبد الله فوضعته بقباء فلم ترضعه حتى أتت به النبي صلى الله عليه وسلم... نحوه، وزاد في آخره، ثم صلى عليه أي: دعا له وسماه: عبد الله.
3911 حدثني محمد حدثنا عبد الصمد حدثنا أبي حدثنا عبد العزيز بن صهيب حدثنا أنس ابن مالك رضي الله تعالى عنه قال أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر وأبو بكر شيخ يعرف ونبي الله صلى الله عليه وسلم شاب لا يعرف قال فيلقى الرجل أبا بكر فيقول يا أبا بكر من هاذا الرجل الذي بين يديك فيقول هاذ الرجل يهديني السبيل قال فيحسب الحاسب أنه إنما يعني الطريق وإنما
51

يعني سبيل الخير فالتفت أبو بكر فإذا هو بفارس قد لحقهم فقال يا رسول الله هاذا فارس قد لحق بنا فالتفت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال اللهم اصرعه فصرعه الفرس ثم قامت تحمحم فقال يا نبي الله مرني بم شئت قال فقف مكانك لا تتركن أحدا يلحق بنا قال فكان أول النهار جاهدا على نبي الله صلى الله عليه وسلم وكان آخر النهار مسلحة له فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم جانب الحرة ثم بعث إلى الأنصار فجاؤا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فسلموا عليهما وقالوا اركبا آمنين مطاعين فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وحفوا دونهما بالسلاح فقيل في المدينة جاء نبي الله جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم فأشرفوا ينظرون ويقولون جاء نبي الله جاء نبي الله فأقبل يسير حتى نزل جانب دار أبي أيوب فإنه ليحدث أهله إذ سمع به عبد الله بن سلام وهو في نخل لأهله يخترف لهم فعجل أن يضع الذي يخترف لهم فيها فجاء وهي معه فسمع من نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى أهله فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم أي بيوت أهلنا أقرب فقال أبو أيوب أنا يا نبي الله هاذه داري وهاذا بابي قال فانطلق فهيىء لنا مقيلا قال قوما على بركة الله تعالى فلما جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم جاء عبد الله بن سلام فقال أشهد أنك رسول الله وأنك جئت بحق وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا في ما ليس في فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم فأقبلوا فدخلوا عليه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله فوالله الذي لا إلاه إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا وأني جئتكم بحق فأسلموا قالوا ما نعلمه قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم قالها ثلاث مرار قال فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام قالوا ذاك سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا قال أفرأيتم إن أسلم قالوا حاشى لله ما كان ليسلم قال أفرأيتم إن أسلم قالوا حاشى لله ما كان ليسلم قال أفرأيتم إن أسلم قالوا حاشى لله ما كان ليسلم قال يا ابن سلام اخرج عليهم فخرج فقال يا معشر اليهود اتقوا الله فوالله الذي لا إلاه هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله وأنه جاء بحق فقالوا له كذبت فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مطابقته للترجمة في قوله: (أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة) وإقباله إليها هو هجرته. وشيخه محمد الذي ذكره مجردا هو محمد بن سلام، وقال أبو نعيم في (مستخرجه): أظن أنه محمد بن المثنى وعبد الصمد يروي عن أبيه عبد الوارث بن سعيد البصري. والحديث من أفراده.
قوله: (وهو مردف) الواو فيه للحال، وقال الداودي: يحتمل أنه مرتدف خلفه على الراحلة التي هو عليها، ويحتمل أن يكون على راحلة أخرى وراءه، قال الله تعالى: * (بألف من الملائكة مردفين) * (الأنفال: 9). أي: يتلو بعضهم بعضا. واعترض عليه ابن التين بأن الاحتمال الثاني غير صحيح لأنه يلزم منه أن يمشي أبو بكر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأجاب بعضهم عن هذا بأنه: إنما يلزم ذلك لو كان الخبر جاء بالعكس، كأن يقول: والنبي صلى الله عليه وسلم، مرتدف خلف أبي بكر، وأما عن لفظ: وهو مردف، فلا. قلت: في كل كلامي المعترض والمجيب نظر، أما كلام المعترض
52

فلا نسلم فيه الملازمة التي ذكرها، ولئن سلمنا فماذا يترتب إذا مشى أبو بكر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو المطلوب عند الملوك وأكابر الناس ولائمة ملك ولا كبير أشرف من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أجل قدرا. وأما كلام المجيب فإنه يسقط بسقوط الاعتراض. قوله: (وأبو بكر شيخ يعرف) أما كونه شيخا فلأنه قد شاب، ومع هذا فرسول الله، صلى الله عليه وسلم كان أسن من أبي بكر على الصحيح، لكن كان شعر أبي بكر أبيض وأكثر بياضا من شعر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأما كونه يعرف، فلأنه كان يمر على أهل المدينة في سفر التجارة، بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم، قوله: (يهديني السبيل)، وسبب هذا القول ما ذكره ابن سعد في رواية له: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لأبي بكر: أله الناس عني، فكان إذا سئل: من أنت؟ قال: باغي حاجة، فإذا قيل: من هذا؟ قال: هاد يهديني، يريد الهداية في الدين، ويحسبه الآخر دليلا. قوله: (ويحسب)، أي: يظن. قوله: (فقال: يا رسول الله! هذا فارس) وهو سراقة بن مالك جعشم. قوله: (ثم قامت تحمحم)، من الحمحمة بالمهملتين: وهي صوت الفرس، وقال ابن التين: في هذا الكلام نظر، لأن الفرس إن كانت أنثى فلا يجوز: فصرعه، وإن كان ذكرا فلا يقال: ثم قامت، وقال بعضهم وإنكاره من العجائب. والجواب أنه ذكر باعتبار لفظ الفرس، وأنث باعتبار ما في نفس الأمر من أنها كانت أنثى. قلت: الجواب الذي يقال ما قاله أهل اللغة منهم الجوهري: الفرس يقع على الذكر والأنثى، ولم يقل أحد: إنه يذكر باعتبار لفظه ويؤنث باعتبار أنها كانت أنثى، فهذا الذي ذكره على قوله يمشي في غير الفرس أيضا، ولكن لم يقل به أحد ولا له وجه. قوله: (لا تتركن أحدا يلحق بنا) هو كقولهم: لا تدن من الأسد يهلكك. قال الكرماني: وهو ظاهر على مذهب الكسائي ولم يبين ذلك. قلت: هذا المثال غير صحيح عند غير الكسائي، لأن فيه فساد المعنى، لأن انتفاء الدنو ليس سببا للهلاك، والكسائي يجوز هذا لأنه يقدر الشرط إيجابيا في قوة: إن دنوت من الأسد يهلكك، وتحقيقه يعرف في موضعه. قوله: (مسلحة له) أي: يدفع عنه الأذى، وقال الكرماني: المسلحة، بفتح الميم: صاحب السلاح. قلت: فيه ما فيه، قال الجوهري: المسلحة قوم ذوو سلاح، والمسلحة كالثغر والمرقب، وقال ابن الأثير المسلحة القوم الذين يحفظون الثغور من العدو، وسموا مسلحة لأنهم يكونون ذوو سلاح أو لأنهم يسكنون المسلحة وهي كالثغر، والمرقب يكون فيه أقوام يرقبون العدو لئلا يطرقهم على غفلة، فإذا رأواه أعلموا أصحابهم ليتأهبوا له، والجمع مسالح. قوله: (عليهما) أي: على النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، رضي الله تعالى عنه. قوله: (آمنين) تثنية: آمن، نصب على الحال، وكذا قوله: (مطاعين) تثنية: مطاع نصب على الحال إما المتداخلة أو المترادفة. قوله: (وحفوا دونهما) أي: أحدقوهما بالسلاح. قال الله تعالى: * (وترى الملائكة حافين من حول العرش) * (الزمر: 75). أي: محدقين. قوله: (فأقبل) أي: رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قوله: (يسير) حال. أي: أقبل حال كونه سائرا. قوله: (فإنه ليحدث أهله) الضمير في: أنه، يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (إذ سمع) كلمة: إذ، للمفاجأة. قوله: (وهو في نخل) الواو فيه للحال. قوله: (يخترف لهم) بالخاء المعجمة وبالفاء أي: يجتني من الثمار. قوله: (فعجل) أي: ااستعجل. قوله: (لهم) أي: لأهله. قوله: (فيها) أي: في النخل. النخل والنخيل بمعنى، والواحدة نخلة. قوله: (فجاء وهي معه) الواو فيه للحال أي: الثمرة التي اجتناها معه، ويروى: وهو معه، أي: الذي اجتناه. قوله: (أهلنا)، إنما قال صلى الله عليه وسلم: أهلنا، لقرابة ما بينهم من النساء، لأن جدته والدة عبد المطلب وهي سلمى بنت عمرو (منهم) أي من بني مالك بن النجار، ولهذا جاء في حديث البراء: أنه صلى الله عليه وسلم، نزل على أخواله أو أجداده من بني النجار. قوله: (مقيلا) أي: مكانا يقيل فيه، والمقيل أيضا النوم نصف النهار. وقال الأزهري: القيلولة والمقيل: الاستراحة نصف النهار، كان معها نوم أو لا، بدليل قوله تعالى: * (وأحسن مقيلا) * (الفرقان: 24). والجنة لا نوم فيها. يقال: قلت أقيل قائلة وقيلولة ومقيلا، قال الداودي: فهي لنا مقيلا، يعني دار أبي أيوب، رضي الله تعالى عنه. قوله: (فلما جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم) أي: إلى منزل أبي أيوب جاء عبد الله بن سلام إليه. قوله: (قالوا في) بتشديد الياء في الموضعين. قوله: (فدخلوا عليه) أي: على النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن خبأ عبد الله بن سلام، وفي رواية يحيى بن عبد الله: فأدخلني في بعض بيوتك ثم سلهم عني فإنهم إن علموا بذلك بهتوني وعابوني. قال: فأدخلني بعض بيوته. قوله: (قال: يا ابن سلام) أي: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله بن سلام أخرج عليهم، إنما قال: عليهم، دون: لهم، لأنه صار عدوا لهم بإسلامه ومفارقته إياهم. قوله: (فأخرجهم) أي: من عنده.
53

393 - (حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام عن ابن جريج قال أخبرني عبيد الله بن عمر عن نافع يعني عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال كان فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف في أربعة وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمسمائة فقيل له هو من المهاجرين فلم نقصته من أربعة آلاف فقال إنما هاجر به أبواه يقول ليس هو كمن هاجر بنفسه)
مطابقته للترجمة ظاهرة وإبراهيم بن موسى بن يزيد الفراء أبو إسحاق الرازي يعرف بالصغير وهشام هو ابن يوسف الصنعاني وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وعبيد الله بن عمر هو ابن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه والحديث من أفراده قوله عن نافع يعني عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب هذا
هكذا في رواية أبي ذر وفي رواية غيره عن نافع عن عمر وهذا منقطع لأن نافعا لم يلحق عمر رضي الله عنه وقال الكرماني أما نافع عن عمر فهو مرسل لأن نافعا لم يدرك عمر وفي بعضها نافع عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قوله فرض للمهاجرين الأولين أي فرض عمر يعني عين من مال بيت المال للمهاجرين الأولين وهم الذين صلوا إلى القبلتين وقيل هم الذين شهدوا بدرا قوله أربعة آلاف في أربعة آلاف قال صاحب التوضيح معناه أربعة آلاف في أربعة آلاف وقيل معناه في أربعة أعوام وقال الكرماني وفي بعضها أربعة آلاف في أربعة بزياد لفظ في أربعة ولعل فائدة? ذكرها التوزيع وبيان أن لكل مهاجر أربعة آلاف أو المراد في أربعة فصول قوله فقيل له أي لعمر بن الخطاب هو يعني عبد الله ابنه من المهاجرين فلأجل أي شيء نقصته من أربعة آلاف إلى آخره فقال إلى آخره وكان عبد الله في عياله وكان عمره حينئذ ثنتي عشرة سنة وأشهر وفرض عمر أيضا للحسن والحسين مثل ما فرض للمهاجرين * -
2913 حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن خباب قال هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم..
3914 ح وحدثنا مسدد حدثني يحيى عن الأعمش قال سمعت شقيق بن سلمة قال حدثنا خباب قال هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله وجب أجرنا على الله فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئا منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم (نجد له شيئا نكفنه فيه إلا نمرة كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه فإذا غطينا رجليه خرج رأسه فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي رأسه بها ونجعل على رجليه من إذخر ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها قال أبو عبد الله ينع إذا نضج..
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث مضى عن قريب في أول الباب، ومر أيضا في الجنائز، وذكره ههنا أيضا من طريقين: أحدهما عن محمد بن كثير بالثاء المثلثة عن سفيان بن عيينة عن سليمان الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة. والآخر: عن مسدد عن يحيى القطان... إلى آخره، وقد مر الكلام فيه هناك. قوله: (هاجرنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم) أي: هاجر نا بإذنه لأنه لم يهاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أبو بكر وعامر بن فهيرة. قوله: (نبتغي)، أي: نطلب. قوله: (أينعت) أي: أدركت ونضجت، يقال: أينع الثمر يونع وينع يينع. فهو مونع ويانع، وأينع أكثر استعمالا. قوله: (يهدبها) من هدب الثمرة إذا اجتناها. قوله: (قال أبو عبد الله) هو: البخاري نفسه.
3915 حدثنا يحيى بن بشر حدثنا روح حدثنا عوف عن معاوية بن قرة قال حدثني أبو بردة بن أبي موساى الأشعري قال قال لي عبد الله بن عمر هل تدري ما قال أبي لأبيك قال قلت لا قال فإن أبي قال لأبيك يا أبا موساى هل يسرك إسلامنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهجرتنا معه
54

وجهادنا معه وعملنا كلنا معه برد لنا وأن كل عمل عملناه بعده نجونا منه كفافا رأسا برأس فقال أبي لا والله قد جاهدنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلينا وصمنا وعملنا خيرا كثيرا وأسلم على أيدينا بشر كثير وإنا لنرجو ذالك فقال أبي لاكني أنا والذي نفس عمر بيده لوددت أن ذلك برد لنا وأن كل شيء عملناه بعد نجونا منه كفافا رأسا برأس فقلت إن أباك والله خير من أبي.
مطابقته للترجمة في قوله: (وهجرتنا معه). ويحيى بن بشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: أبو زكريا البلخي وكان من عباد الله الصالحين، وروح بفتح الراء ابن عبادة، بضم العين، وعوف هو الأعرابي، وأبو بردة بضم الباء الموحدة اسمه عامر، وأبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري.
قوله: (وعملنا كلنا) ويروى: كله. قوله: (برد) بلفظ الماضي، أي: ثبت وسلم لنا، يقال: برد لي على الغريم حق أي: ثبت، ويقال: ما برد على فلان فعلي، وفي رواية سعيد بن بردة: خلص، بدل: برد، قوله: (كفافا) أي: سواء بسواء، كذا فسره بعضهم. وقال الكرماني: أي: لا لي ولا علي. أي: لا موجبا للثواب ولا للعقاب. قلت: التحقيق فيه أن الكفاف هو الذي لا يفضل عن الشيء ويكون بقدر الحاجة، وهو نصب على الحال، وقيل: أراد به مكفوفا عني شرها، وقيل: معناه أن لا ينال مني ولا أنال منه، أي: يكف عني وأكف عنه. قوله: (فقال أبي: لا، والله)، كذا وقع، والصواب: فقال أبوك، لأن ابن عمر هو الذي يحكى لأبي بردة ما دار بين عمر وأبي موسى، وقد وقع في رواية النسفي على الصواب ولفظه: فقال أبوك: لا والله. قوله: (فقال أبي: لكني...) إلى آخره، كلام عمر، رضي الله تعالى عنه. وهذا ليس قطعا للرجاء، وإنما قال عمر، رضي الله تعالى عنه ما قال هضما لنفسه أو لما رأى أن الإنسان لا يخلو عن تقصير ما في كل خير يعمله، أراد أن يقع التقاص بينهما ويبقى هو في الدين سالما. قوله: (فقلت)، القائل هو أبو بردة، خاطب بذلك ابن عمر. قوله: (خير من أبي)، وفي رواية سعيد بن أبي بردة: أفقه من أبي.
3916 حدثني محمد بن صباح أو بلغني عنه حدثنا إسماعيل عن عاصم عن أبي عثمان النهدي قال سمعت ابن عمر رضي الله تعالى عنهما إذا قيل له هاجر قبل أبيه يغضب قال وقدمت أنا وعمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدناه قائلا فرجعنا إلى المنزل فأرسلني عمر وقال اذهب فانظر هل استيقظ فأتيته فدخلت عليه فبايعته ثم انطلقت إلى عمر فأخبرته أنه قد استيقظ فانطلقنا إليه نهرول هرولة حتى دخل عليه فبايعه ثم بايعته.
مطابقته للترجمة في قوله: (هاجر). ومحمد بن الصباح بتشديد الباء الموحدة: الدولابي البزار بمعجمتين نزيل بغداد وإسماعيل هو ابن علية، وعاصم هو ابن سليمان الأحول، وأبو عثمان النهدي واسمه عبد الرحمن بن مل، وهؤلاء كلهم بصريون.
قوله: (أو بلغني عنه)، قال الكرماني: هو نوع من الرواية عن المجهول، وقيل: يحتمل أن يكون الذي بلغه عنه هو عباد بن الوليد أبو بدر الغبري، بضم الغين المعجمة وفتح الباء الموحدة الخفيفة، لأن أبا نعيم أخرجه في (مستخرجه) من طريقه عن محمد بن الصباح بلفظ: إذا قيل له، أي: لابن عمر (هاجر قبل أبيه يغضب) يعني: يتكلم بكلام الغضبان، وكان سبب غضبه أن لا يرفع فوق قدره ولا ينافس والده، وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن ابن عمر أنه، كان يقول: لعن الله من
يزعم أني هاجرت قبل أبي، إنما قدمني في ثقله، وفي إسناده ضعف، والجواب الذي قاله هنا أصح منه. قوله: (قدمت أنا وعمر على رسول الله، صلى الله عليه وسلم) أراد عند البيعة، قيل: لعلها بيعة الرضوان، وزعم الداودي أنها بيعة صدرت حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم، المدينة. قيل: فيه بعد لأن ابن عمر لم يكن حينئذ في نسق من يبايع، وقد عرض على النبي صلى الله عليه وسلم، بعد ذلك بثلاث سنين يوم أحد فلم يجزه، فيحتمل أن تكون البيعة حينئذ على غير القتال. قوله: (قائلا) من القيلولة. قوله: (هرولة) وهي: السير بين المشي على مهل والعدو.
55

3917 حدثنا أحمد بن عثمان حدثنا شريح بن مسلمة حدثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق قال سمعت البراء يحدث قال ابتاع أبو بكر من عازب رحلا فحملته معه قال فسأله عازب عن مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أخذ علينا بالرصد فخرجنا ليلا فأحيينا ليلتنا ويومنا حتى قام قائم الظهيرة ثم رفعت لنا صخرة فأتيناها ولها شيء من ظل قال ففرشت لرسول الله، صلى الله عليه وسلم فروة معي ثم اضطجع عليها النبي صلى الله عليه وسلم فانطلقت أنفض ما حوله فإذا أنا براع قد أقبل في غنيمة يريد من الصخرة مثل الذي أردنا فسألته لمن أنت يا غلام فقال أنا لفلان فقلت له هل في غنمك من لبن قال نعم قلت له هل أنت حالب قال نعم فأخذ شاة من غنمه فقلت له انفض الضرع قال فحلب كثبة من لبن ومعي إداوة من ماء عليها خرقة قد روأتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فصببت على اللبن حتى برد أسفله ثم أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقلت اشرب يا رسول الله فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رضيت ثم ارتحلنا والطلب في إثرنا..
3919 حدثنا سليمان بن عبد الرحمان حدثنا محمد بن حمير حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة أن عقبة بن وساج حدثه عن أنس خادم النبي صلى الله عليه وسلم قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم وليس في أصحابه أشمط غير أبي بكر فغلفها بالحناء والكتم. (الحديث 3919 طرفه في: 3920).
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم) لأن معناه: قدم من مكة مهاجرا إلى المدينة. و سليمان بن عبد الرحمن ابن ابنة شرحبيل بن أيوب الدمشقي، مات سنة ثلاثين ومائتين وهو من أفراده، و محمد بن حمير، بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وفتح الياء آخر الحروف وبالراء: أبو عبد الحميد الحمصي وهو من أفراده، و إبراهيم بن أبي عبلة، بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة: واسمه شمر بن يقظان العقيلي الشامي، وعقبة، بضم العين المهملة وسكون القاف وبالباء الموحدة:
56

ابن وساج، بفتح الواو وتشديد السين المهملة وبالجيم: البصري، سكن الشام قتل سنة اثنتين وثمانين. والحديث من أفراده.
قوله: (أشمط) من الشمط وهو بياض شعر الرأس يخالطه سواد. قوله: (فغلفها) بالغين المعجمة وبالفاء، أي: خضبها، والضمير المنصوب يرجع إلى اللحية وإن لم يمض ذكرها، لأن القرينة الحالية تدل عليه. قوله: (بالحناء) بكسر الحاء وتشديد النون وبالمد، واحدته: حناة، وأصله الهمز، يقال: حنأ لحيته بالحناء، وزعم السهيلي أنه يجمع على حنان، يعني بضم الحاء وتشديد النون على غير القياس، وقال: هو عندي لغة لا جمع له، وقال ابن سيده في (المحكم): الحناء بكسر الحاء لغة في الحناء عن ثعلب، ووقع في (معجم الطبراني): أن النبي صلى الله عليه وسلم، سماه طيبا وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه، فلا يجوزونه للمحرم. قوله: (والكتم) بفتح التاء المثناة من فوق، قال الكرماني: هو الوسمة، وقيل: نبت يخلط بالوسمة يختضب به، وقيل: هو حناء قريش، يعني: الذي صبغه أصفر، وقيل: هور النيل، وقيل: هو غير الوسمة. وفي (التلويح): الكتم من شجر الجبال يجفف ورقه ويخلط بالحناء ويختضب به الشعر فيقنىء لونه ويقويه، ويقال: هو ينبت في أصعب الصخور فيتدلى تدليا خيطانا لطافا، وهو أخضر وورقه كورق الآس أو أصغر، ومجتناه صعب، وما أكثر من يعطب ممن يجتنيه، ولذلك هو قليل. وفي (ديوان الأدب): هو بالتخفيف، وأما أبو عبيد فشدده.
3920 وقال دحيم حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي حدثني أبو عبيد عن عقبة بن وساج حدثني أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فكان أسن أصحابه أبو بكر فغلفها بالحناء والكتم حتى قنأ لونها. (انظر الحديث 3919).
هذا طريق آخر ذكره معلقا: عن دحيم، بضم الدال وفتح الحاء المهملتين: واسمه عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي الحافظ. قال أبو داود: لم يكن في زمانه مثله، مات سنة خمس وأربعين ومائتين، روى عنه البخاري في (الأدب) وأبو عبيد مصغرا لعبد، ضد الحر اسمه: حيي، بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء آخر الحروف الأولى وتشديد الثانية، وقيل: هو حي، بلفظ ضد الميت يقال له: أبو عبيد بن أبي عمرو، وكان صاحب سليمان بن عبد الملك ومولاه.
ووصل هذا المعلق الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عنه.
قوله: (فكان أسن أصحابه) أي: الذين قدموا معه حينئذ. وقبله أيضا. قوله: (فغلفها)، أي: اللحية، كما ذكرنا. قوله: (حتى قنأ)، بفتح القاف والنون وبالهمزة، أي: حتى اشتد حمرتها، حتى ضربت إلى السواد، يقال: قنأت لحيته من الخضاب تقنأ قنوءا وقنأ الرجل لحيته بالتشديد تقنئة، ويقال: أحمر قانىء، واصفر فاقع، وأخضر ناضر، وأسود حالك، وأبيض ناصع، ويقق.
3921 حدثنا أصبغ حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه تزوج امرأة من كلب يقال لها أم بكر فلما هاجر أبو بكر طلقها فتزوجها ابن عمها هاذا الشاعر الذي قال هذه القصيدة رثى كفار قريش:
* وماذا بالقليب قليب بدر من الشيزى تزين بالسنام
*
* وماذا بالقليب قليب بدر من القينات والشرب الكرام
*
* تحيى بالسلامة أم بكر وهل لي بعد قومي من سلام
*
* يحدثنا الرسول بأن سنحياوكيف حياة أضداء وهام
*
مطابقته للترجمة في قوله: (فلما هاجر) وأصبغ، بفتح الهمزة وبالغين المعجمة: أبو عبد الله المصري، وهو من أفراده، وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري، ويونس هو ابن يزيد الأيلي، وابن شهاب محمد بن مسلم بن شهاب الزهري.
والحديث من
57

أفراده، وذكره الحافظ المزي في (مسند أبي بكر) رضي الله تعالى عنه.
قوله: (من كلب) أي: من بني كلب، وهو كلب بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وأما الكلبي المشهور فهو: من بني كلب بن وبرة بن ثعلب بن قضاعة. قوله: (هذا الشاعر)، وهو أبو بكر شداد بن الأسود بن عبد شمس بن مالك بن جعونة، ويقال له: ابن شعوب، بفتح الشين المعجمة وضم العين المهملة وسكون الواو وفي آخره باء موحدة، وقال ابن حبيب: وهي أمه، وهي خزاعية، وقال ابن هشام: وله شعر كثير، قاله وهو كافر ثم أسلم ثم ارتد. قوله: (رثى)، من رثيت الميت أرثيه، ورثوته أيضا: إذا بكيته وعددت محاسنه، وكذلك إذا نظمت فيه شعرا، ورثى له أي: رق له وتوجع. قال ابن الأثير: المرثئة من أبنية المصادر نحو المغفرة والمعذرة. قوله: (بالقليب)، وهو البئر التي لم تطو، وقليب بدر وهي البئر التي ألقى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيها جيف صناديد قريش الذين قتلوا يوم بدر، قال الشاعر المذكور هذه الأبيات المذكورة في مرثيتهم. قوله: (من الشيزي)، بكسر الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الزاي مقصورا، وهو شجر يتخذ منه الجفان والقصاع الخشب التي يعمل فيها الثريد، وقال الأصمعي: هي من شجر الجوز يسود بالدسم، وأراد بالشيزى ما تتخذ منه الجفنة وبالجفنة صاحبها، كأنه قال: ماذا بقليب بدر من أجل أصحاب الجفان المزينة بلحوم أسنمة الإبل؟ وقيل: كانوا يسمون الرجل المطعام جفنة، لأنه يطعم الناس فيها، وقال الداودي: الشيزي الجمال، قال: لأن الإبل إذا سمنت تعظم أسمنتها ويعظم جمالها ورد عليه ابن التين فقال إنما أراد أن الجفنة من الثريد تزين بقطع اللحم من السنام. قوله: (من القينات جمع قينة) بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون: وهي المغنية وتطلق على الأمة أيضا، سواء كانت مغنية أو لا. قوله: (والشرب) بفتح الشين المعجمة وسكون الراء: جمع شارب، كتجر وتاجر، وقيل: هو اسم جمع، وأراد بهم الندماء الذين يجتمعون للشرب. قوله: (تحيي بالسلامة أم بكر) تحيى من حيى يحيي، بالتشديد، تحية، وفاعله هو قوله: أم بكر، وأراد: بالسلامة، السلام لأن معنى السلام الذي هو التحية: السلامة، ألا ترى كيف عطف عليه في المصراع الآخر بالسلام؟ يريد: وهل لي بعد هلاك قومي من سلامة؟ وفي رواية الكشميهني: تحييني بالإفراد، وفي رواية غيره: تحيينا، بضمير الجمع. قوله: (وهل لي) بالواو في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: فهل لي، بالفاء. قوله: (أصداء)، بفتح الهمزة: جمع صدي، وهو ذكر البوم، (وهام) جمع هامة، وهي: جمجمة الرأس، وقيل: الصدي هو الطائر الذي يطير بالليل، وقيل: الصدي ما كان يزعمه أهل الجاهلية من أن روح الإنسان تصير طائرا يقال له الصدي، وذلك من ترهات الجاهلية وأباطيلهم وإنكارهم البعث، وقال الداودي: الصدي عظام الميت، والهام جمع هامة وهم الموتى، يقال: أصبح فلان هامة: إذا مات، ويحتمل أن يريد الإشراف، لأن هامة القوم سيدهم، وعن أبي عبيد في (تفسيره): أن العرب كانت تقول: إذا مات الميت يكون من عظامه هامة تطير، وقال الهروي: يسمون ذلك الطائر الذي يخرج من هامة الميت إذا مات: الصدي، وذكر ابن فارس أن العرب كانت تقول: إن القتيل إذا لم يدرك بثأره يصير هامة في القبر فتزقو فتقول: إسقوني إسقوني، فإذا أدرك بثأره طارت.
3922 حدثنا موساى بن إسماعيل حدثنا همام عن ثابت عن أنس عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار فرفعت رأسي فإذا أنا بأقدام القوم فقلت يا نبي الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا قال اسكت يا أبا بكر اثنان الله ثالثهما. (انظر الحديث 3653 وطرفه).
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه أمرا من أمور الهجرة، وهمام هو ابن يحيى الشيباني البصري، وثابت هو البناني ومضى الحديث في: باب مناقب المهاجرين، فإنه أخرجه هناك عن محمد بن سنان عن همام عن ثابت إلى آخره. قوله: (طأطأ بصره) أي: طامنه وأماله إلى تحت. قوله: (اثنان)، خبر مبتدأ محذوف أي: نحن اثنان الله ثالثهما، أي: معاونهما وناصرهما وإلا فهو مع كل اثنين بعلمه.
3922 حدثنا موساى بن إسماعيل حدثنا همام عن ثابت عن أنس عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار فرفعت رأسي فإذا أنا بأقدام القوم فقلت يا نبي الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا قال اسكت يا أبا بكر اثنان الله ثالثهما. (انظر الحديث 3653 وطرفه).
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه أمرا من أمور الهجرة، وهمام هو ابن يحيى الشيباني البصري، وثابت هو البناني ومضى الحديث في: باب مناقب المهاجرين، فإنه أخرجه هناك عن محمد بن سنان عن همام عن ثابت إلى آخره. قوله: (طأطأ بصره) أي: طامنه وأماله إلى تحت. قوله: (اثنان)، خبر مبتدأ محذوف أي: نحن اثنان الله ثالثهما، أي: معاونهما وناصرهما وإلا فهو مع كل اثنين بعلمه.
3923 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي وقال محمد بن يوسف
58

حدثنا الأوزاعي حدثنا الزهري قال حدثني عطاء بن يزيد الليثي قال حدثني أبو سعيد رضي الله تعالى عنه قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الهجرة فقال ويحك إن الهجرة شأنها شديد فهل لك من إبل قال نعم قال فتعطي صدقتها قال نعم قال فهل تمنح منها قال نعم قال فتحلبها يوم ورودها قال نعم قال فاعمل من وراء البحار فإن الله لن يترك من عملك شيئا.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فسأله عن الهجرة) وذلك بطريق الاستئناس، وعلي بن عبد الله هو المعروف بابن المديني، والوليد بن مسلم الدمشقي، والأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو إلى هنا طريق متصل، ومن قوله: قال محمد بن يوسف، طريق معلق، فالموصول أخرجه في كتاب الزكاة في باب زكاة الإبل عن علي بن عبد الله عن وليد بن مسلم عن الأوزاعي عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه إلى آخر والمعلق أخرجه في كتابه الهبة في: باب فضل المنحة عن محمد بن يوسف أحد مشايخه بالإسناد المذكور، ومضى الكلام فيه في كتاب الزكاة. قوله: (فهل تمنح منها) أي: هل تعطيها لغيرك ليحلب منها وينتفع بها. قوله: (يوم ورودها) أي: على الماء، وإنما قيد الحلب بيوم الشرب لأنه أرفق للإبل والمساكين. قوله: (فلن يترك) من الوتر وهو النقص، أي: لن ينقصك إذا أديت الحقوق فلا عليك في إقامتك في وطنك.
46
((
باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة))
أي: هذا باب في بيان قدوم النبي صلى الله عليه وسلم، وقدوم أصحابه المدينة، وكان وصول النبي صلى الله عليه وسلم، إلى قباء يوم الاثنين أول شهر ربيع الأول، ومر الكلام فيه عن قريب، وكان وصول أكثر أصحابه قبله ونزل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على كلثوم بن الهدم، قاله ابن شهاب، وقيل: نزل على سعد بن خيثمة وجمع بينهما بأن نزوله كان على كلثوم، وكان يجلس مع أصحابه عند سعد بن خيثمة لأنه كان أعزب، وكان يقال لبيته: بيت العزاب، قال ابن شهاب: وبلغ علي بن أبي طالب نزوله، صلى الله عليه وسلم، أمنا بقباء، فركب راحلته فلحق به وهو بقباء.
3924 حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة قال أنبأنا أبو إسحاق سمع البراء رضي الله تعالى عنه قال أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن مكتوم ثم قدم علينا عمار بن ياسر وبلال رضي الله تعالى عنهم..
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن فيها مقدم أصحابه أيضا، وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، والبراء هو ابن عازب.
وأخرج البخاري هذا الحديث أيضا في فضائل القرآن عن أبي الوليد وفي التفسير عن عبدان عن أبيه.
قوله: (أنبأنا) وكان شعبة يروي أن أنبأنا وأخبرنا وحدثنا بمعنى، وقيل: يجوز أن يقال أنبأنا عند الإجازة لأنها إنباء عرفا، فعلى هذا يكون الإنباء أعم من الإخبار. قوله: (أول من قدم علينا) أي: بالمدينة، وزاد الحاكم في (الإكليل): عن شعبة من المهاجرين. قوله: (مصعب بن عمير) بضم الميم وسكون الصاد وعمير مصغر عمرو بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي القرشي العبدري، وفي رواية ابن أبي شيبة: مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار، وذكر موسى بن عقبة أنه نزل على خبيب ابن عدي. قوله: (وابن أم مكتوم) هو عمرو، ويقال: عبد الله وهو من بني عامر بن لؤي. قلت: عمرو بن قيس بن زائدة، ويقال: زياد ابن الأصم، والأصم هو جندب بن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن بغيض بن عامر بن لؤي ويقال: عمرو بن زائدة، ويقال عبد الله بن زائدة القرشي، وقال الكرماني: هو عمرو بن قيس بن زائدة على الأصح العامري القرشي الأعمي مؤذن النبي
59

صلى الله عليه وسلم، واسم أمه عاتكة، بالعين المهملة وبالتاء المثناة من فوق: بنت عبد الله بن عتكة بن عامر بن مخزوم المخزومية، قتل بالقادسية شهيدا، وقيل: رجع منها إلى المدينة ومات بها وهو ابن خال خديجة بنت خويلد، وفي رواية ابن أبي شيبة: ثم أتانا بعده، يعني: بعد مصعب بن عمرو بن أم مكتوم الأعمى أخو بني فهم، فقلنا له: ما فعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ قال: هم على أثري. قوله: (ثم قدم علينا عمار بن ياسر) العبسي أبو اليقظان مولى بني مخزوم وأمه سمية بنت خياط، أسلم بمكة قديما وأبوه وأمه، قتل بصفين سنة سبع وثلاثين ودفن هناك، وكان مع علي، رضي الله تعالى عنه، وبلال المؤذن وهو ابن رباح، وحمامة أمه مولاة أبي بكر الصديق، شهد المشاهد كلها مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وسكن بعده دمشق ومات بها سنة عشرين ودفن بباب الصغير، وقيل: بباب كيسان، وقيل: مات بحلب ودفن بباب الأربعين.
3925 حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت البراء ابن عازب رضي الله تعالى عنهما قال أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن مكتوم وكانا يقرئان الناس فقدم بلال وسعد وعمار بن ياسر ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدم النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعل الإماء يقلن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فما قدم حتى قرأت سبح اسم ربك الأعلى في سور من المفصل.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وغندر بضم الغين محمد بن جعفر وأبو إسحاق قد مر الآن. فإن قلت: جزم موسى بن عقبة بأن أول من قدم المدينة من المهاجرين مطلقا أبو سلمة بن عبد الأسد، وهنا أول من قدم مصعب. قلت: قد يجمع بينهما بأن أبا سلمة خرج لا لقصد الإقامة بالمدينة، بل فرارا من المشركين، بخلاف مصعب بن عمير فإنه خرج إليها للإقامة بها وتعليم من أسلم من أهلها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فلكل منهما أولية من جهة.
قوله: (وكان يقرئان الناس) أي: مصعب وابن أم مكتوم، وفي أكثر النسخ: وكانوا يقرئون الناس بصيغة الجمع بعد ذكر اثنين، وفي رواية الحاكم: وكانوا يقرئوننا. قوله: (وسعد) هو ابن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة. قوله: (ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) ذكر ابن إسحاق منهم زيد بن الخطاب وسعيد بن زيد بن عمرو وعبد الله ابني سراقة، وخنيس بن حذافة وواقد بن عبد الله وخولي بن أبي خولي، ومالك بن أبي خولي وأخاه هلال وعياش بن أبي ربيعة وخالدا وإياسا وعامرا وعاقلا من بني البكير، قال فنزلوا جميعا، أي: هؤلاء الثلاثة عشر على رفاعة بن المنذر وروى ابن عائذ في المغازي بإسناد له عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، قال: خرج عمر والزبير وطلحة وعثمان وعياش بن أبي ربيعة في طائفة فتوجه عثمان وطلحة إلى الشام... انتهى، وذكر موسى بن عقبة أن أكثر المهاجرين نزلوا على بني عمرو بن عوف بقباء إلا عبد الرحمن بن عوف فإنه نزل على سعد بن الربيع وهو خزرجي. قوله: (فرحهم) منصوب بنزع الخافض أي: كفرحهم. قوله: (حتى جعل الإماء) جمع أمة وفي رواية الحاكم من طريق إسحاق بن أبي طلحة عن أنس، فخرجت جوار من بني النجار يضربن بالدف وهن يقلن:
نحن جوار من بني النجار
يا حبذا محمدا من جار
وفي (شرف المصطفى): لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم، جعل الولائد يقلن:
* طلع البدر علينا
* من ثنيات الوداع
*
* وجب الشكر علينا
* ما دعا لله داع
*
60

قوله: (في سور من المفصل) أي: مع سور من المفصل، وهو السبع الأخير من القرآن. فإن قلت: قوله حتى قرأت * (سبح اسم ربك الأعلى) * (الأعلى: 1). يدل على أنها نزلت بمكة، وذكروا أن قوله تعالى: * (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) * (الأعلى: 9 10). نزلت في صلاة العيد وصدقة الفطر في السنة الثانية من الهجرة. قلت: لا يبعد أن تكون السورة مكية وتكون الآيتان مدنيتان، وجواب آخر، وهو الأوجه: أن نزول السورة كلها كان بمكة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن المراد من الآيتين صلاة العيد وصدقة الفطر، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم، مبين للشرائع والأحكام.
3926 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال قالت فدخلت عليهما فقلت يا أبت كيف تجدك ويا بلال كيف تجدك قالت فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول:
* كل امرىء مصبح في أهله
* والموت أدنى من شراك نعله
*
وكان بلال إذا أقلع عنه الحمى يرفع عقيرته ويقول:
* ألا ليت شعري هل أبيتن ليلةبواد وحولي إذخر وجليل
*
* وهل أردن يوما مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل
*
قالت عائشة فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها فاجعلها بالجحفة..
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث مر في كتاب الحج في آخر الأبواب، فإنه أخرجه هناك: عن عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة... إلى آخره، وفيه: اللهم العن شيبة... إلى قوله: إلى أرض الوباء، وقد مر الكلام فيه هناك.
قوله: (وعك) على صيغة المجهول أي: حم. قوله: (قالت) أي: عائشة. قوله: (عليهما) أي: على أبي بكر وبلال. قوله: (كيف تجدك) بتاء الخطاب، أي: كيف تجد نفسك، ومثله: تجدك الثاني. قوله: (مصبح) بفتح الباء الموحدة، أي: مصاب بالموت صباحا، وقيل: المراد يقال له: صبحك الله بالخير، وقد يفجؤه الموت في بقية النهار. قوله: (أدنى) أي: أقرب، والشراك، بكسر الشين المعجمة وتخفيف الراء: سير النعل على وجهها. قوله: (إذا أقلع) أي: الكف وزال قوله: (عقيرته) بفتح العين المهملة وكسر القاف، وهو الصوت بالبكاء أو بالغناء. قوله: (بواد) أي: بوادي مكة، والواو في: (وحولي) للحال. قوله: (
وجليل) بالجيم، وهو نبت ضعيف يحشى به خصاص البيوت. قوله: (أردن) متكلم المضارع بالنون الخفيفة. قوله: (مجنة) بفتح الميم والجيم والنون: اسم موضع على أميال من مكة، وكان به سوق في الجاهلية. قوله: (وهل يبدون) أي: وهل يظهرن، وهو بالنون الخفيفة. قوله: (شامة) بالشين المعجمة وتخفيف الميم (وطفيل) بفتح الطاء المهملة وكسر الفاء، وهما جبلان بقرب مكة. وقال الخطابي، كنت أحسب أنهما جبلان حتى ثبت عندي أنهما عينان، وقال بعضهم: زعم بعضهم أن الصواب بالموحدة يعني: شابة بالباء الموحدة بدل الميم، والمعروف بالميم. قلت: القائل به هو الصغاني:
* إذا قالت حذام فصدقوها
*
قوله: (في صاعها) ويروى: وصاعنا. قوله: (بالجحفة) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة وفتح الفاء على سبع مراحل من المدينة، وبينه وبين البحر ستة أميال، وهو ميقات أهل مصر الآن، وأما في ذلك الوقت فكان مسكن اليهود، لعنهم الله تعالى.
3927 حدثني عبد الله بن محمد حدثنا هشام أخبرنا معمر عن الزهري حدثني
61

عروة بن الزبير أن عبيد الله بن عدي أخبره دخلت على عثمان: وقال بشر بن شعيب حدثني أبي عن الزهري حدثني عروة بن الزبير أن عبيد الله بن عدي بن الخيار أخبره قال دخلت على عثمان فتشهد ثم قال أما بعد فإن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وكنت ممن استجاب لله ولرسوله وآمن بما بعث به محمد صلى الله عليه وسلم ثم هاجرت هجرتين ونلت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعته فوالله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله تعالى. (انظر الحديث 3696 وطرفه).
مطابقته للترجمة في قوله: (ثم هاجرت هجرتين) وكان عثمان ممن رجع من الحبشة فهاجر من مكة إلى المدينة ومعه زوجته رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي، وهشام هو ابن يوسف الصنعاني، ومعمر بفتح الميمين هو ابن راشد، وعبيد الله بن عدي بتشديد الياء ابن الخيار، ويروى بدون الألف واللام النوفلي، أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لم يثبت له رؤية ولا رواية، إلى هنا موصول. قوله: (وقال بشر) معلق، وهو بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: ابن شعيب يروي عن أبيه شعيب بن أبي حمزة الحمصي عن محمد بن مسلم الزهري. والحديث مر بأتم منه في مناقب عثمان، رضي الله تعالى عنه، والمعلق وصله أحمد في (مسنده) عن بشر بن يعقوب بتمامه. قوله: (هجرتين) هما هجرة الحبشة وهجرة المدينة. قوله: (ونلت) بالنون ويروى: وكنت، صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الاتصال به من جهة القرابة النسبية، أي: ببنتيه.
تابعه إسحاق الكلبي حدثني الزهري مثله
أي: تابع شعيبا الراوي عن الزهري بقوله: حدثني إسحاق بن يحيى الكلبي الحمصي، ووصل هذه المتابعة أبو بكر بن شاذان بإسناده إلى يحيى بن صالح عنه عن الزهري مثله.
3928 حدثنا يحيى بن سليمان حدثني ابن وهب حدثنا مالك ح وأخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن ابن عباس أخبره أن عبد الرحمان بن عوف رجع إلى أهله وهو بمنى في آخر حجة حجها عمر فوجدني فقال عبد الرحمان فقلت يا أمير المؤمنين إن الموسم يجمع رعاع الناس وإني أرى أن نمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة وتخلص لأهل الفقه وأشراف الناس وذوي رأيهم قال عمر لأقومن في أول مقام أقومه بالمدينة..
مطابقته للترجمة في قوله: (فإنها دار الهجرة والسنة) ورجاله قد ذكروا غير مرة، ويحيى بن سليمان الجعفي سكن مصر، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود.
والحديث أخرجه البخاري في المحاربين مطولا عن علي بن عبد الله وعن عبد العزيز بن عبد الله وفي المغازي والاعتصام عن موسى بن إسماعيل وأخرجه بقية الجماعة. قوله: (قال ابن وهب: أخبرني يونس) وكذلك قال في المظالم في: باب ما جاء في السقائف حيث قال: حدثني يحيى بن سليمان، قال: حدثني ابن وهب، قال: حدثني مالك وأخبرني يونس عن ابن شهاب... إلى آخره مختصرا، حاصله أن عبد الله بن وهب روى هذا الحديث عن مالك، وروى عن يونس بن يزيد أيضا وله فيه شيخان، والحديث الذي يأتي في المحاربين يفسر هذا لأنه مختصر منه.
قوله: (رجع إلى أهله وهو بمنى) أي: والحال أن أهله بمنى وأراد به منزله، ويوضحه ما في حديث المحاربين عن ابن عباس: كنت أقرىء رجالا من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، في آخر حجة حجها إذ رجع إلى عبد الرحمن، فقال: لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم، فقال: يا أمير المؤمنين! هل لك في فلان؟ يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا. فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت، فغضب عمر، ثم قال: إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم، قال عبد الرحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين: لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم،
62

إلى أن قال: فامهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت متمكنا، فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها. فقال عمر: أما والله إن شاء الله لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة... الحديث بطوله، فإن لم يقف الناظر فيه لم يحصل له تمكن في فهم حديث الباب لأنه مختصر، والمطول شرح له، فلذلك ذكرنا منه قدر الاحتياج ههنا، وسيجئ مزيد الكلام في المحاربين إن شاء الله تعالى. قوله: (إن الموسم) أي: موسم الحج، وهو مجتمع الناس، وسمى به لأنه معلم لجميع الناس. قوله: (رعاع الناس) بفتح الراء وتخفيف العين المهملة الأولى: الإسقاط والسفلة وغوغاؤهم، أصل الغوغاء الجراد حتى يخف للطيران، ثم استعير للسفلة من الناس المسرعين إلى الشر، ويجوز أن يكون من الغوغاء: الصوت والجلبة الكثيرة لكثرة لغلطهم وصياحهم. قوله: (
والسنة) ويروى: والسلامة عن الكشميهني. قوله: (وتخلص) أي: تصل. قوله: (أول مقام) أراد به قيامه في المدينة بالكلام والحكم.
3928 حدثنا يحيى بن سليمان حدثني ابن وهب حدثنا مالك ح وأخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن ابن عباس أخبره أن عبد الرحمان بن عوف رجع إلى أهله وهو بمنى في آخر حجة حجها عمر فوجدني فقال عبد الرحمان فقلت يا أمير المؤمنين إن الموسم يجمع رعاع الناس وإني أرى أن نمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة وتخلص لأهل الفقه وأشراف الناس وذوي رأيهم قال عمر لأقومن في أول مقام أقومه بالمدينة..
مطابقته للترجمة في قوله: (فإنها دار الهجرة والسنة) ورجاله قد ذكروا غير مرة، ويحيى بن سليمان الجعفي سكن مصر، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود.
والحديث أخرجه البخاري في المحاربين مطولا عن علي بن عبد الله وعن عبد العزيز بن عبد الله وفي المغازي والاعتصام عن موسى بن إسماعيل وأخرجه بقية الجماعة. قوله: (قال ابن وهب: أخبرني يونس) وكذلك قال في المظالم في: باب ما جاء في السقائف حيث قال: حدثني يحيى بن سليمان، قال: حدثني ابن وهب، قال: حدثني مالك وأخبرني يونس عن ابن شهاب... إلى آخره مختصرا، حاصله أن عبد الله بن وهب روى هذا الحديث عن مالك، وروى عن يونس بن يزيد أيضا وله فيه شيخان، والحديث الذي يأتي في المحاربين يفسر هذا لأنه مختصر منه.
قوله: (رجع إلى أهله وهو بمنى) أي: والحال أن أهله بمنى وأراد به منزله، ويوضحه ما في حديث المحاربين عن ابن عباس: كنت أقرىء رجالا من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، في آخر حجة حجها إذ رجع إلى عبد الرحمن، فقال: لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم، فقال: يا أمير المؤمنين! هل لك في فلان؟ يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا. فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت، فغضب عمر، ثم قال: إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم، قال عبد الرحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين: لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، إلى أن قال: فامهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت متمكنا، فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها. فقال عمر: أما والله إن شاء الله لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة... الحديث بطوله، فإن لم يقف الناظر فيه لم يحصل له تمكن في فهم حديث الباب لأنه مختصر، والمطول شرح له، فلذلك ذكرنا منه قدر الاحتياج ههنا، وسيجئ مزيد الكلام في المحاربين إن شاء الله تعالى. قوله: (إن الموسم) أي: موسم الحج، وهو مجتمع الناس، وسمى به لأنه معلم لجميع الناس. قوله: (رعاع الناس) بفتح الراء وتخفيف العين المهملة الأولى: الإسقاط والسفلة وغوغاؤهم، أصل الغوغاء الجراد حتى يخف للطيران، ثم استعير للسفلة من الناس المسرعين إلى الشر، ويجوز أن يكون من الغوغاء: الصوت والجلبة الكثيرة لكثرة لغلطهم وصياحهم. قوله: (والسنة) ويروى: والسلامة عن الكشميهني. قوله: (وتخلص) أي: تصل. قوله: (أول مقام) أراد به قيامه في المدينة بالكلام والحكم.
3929 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم الأنصاري بن سعد أخبرنا ابن شهاب عن خارجة بن زيد بن ثابت أن أم العلاء امرأة من نسائهم بايعت النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن عثمان بن مظعون طار لهم في السكنى حين اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين قالت أم العلاء فاشتكى عثمان عندنا فمرضته حتى توفي وجعلناه في أثوابه فدخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلت رحمة الله عليك أبا السائب شهادتي عليك لقد أكرمك الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم وما يدريك أن الله أكرمه قالت قلت لا أدري بأبي أنت وأمي يا رسول الله فمن قال أما هو فقد جاءه والله اليقين والله إني لأرجو له الخير وما أدري والله وأنا رسول الله ما يفعل بي قالت فوالله لا أزكي أحدا بعده قالت فأحزنني ذلك فنمت فأريت لعثمان بن مظعون عينا تجري فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال ذلك عمله..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (حين اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين) وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف، وأم العلاء. قال الترمذي: هي والدة خارجة بن زيد بن ثابت الراوي عنها، وأم العلاء هي بنت الحارث بن ثابت بن خارجة الأنصارية الخزرجية، واسمها كنيتها. والحديث مر في كتاب الجنائز في: باب الدخول على الميت، فإنه أخرجه هناك: عن يحيى ن بكير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب... إلى آخره. قوله: (من نسائهم)، أي: من نساء الأنصار. قوله: (حتى اقترعت)، ووقع أيضا: قرعت، والأول هو المعروف. قوله: (طار لهم) أي: خرج لهم في القرعة. قوله: (أبا السائب) هو كنية عثمان بن مظعون، بالظاء المعجمة.
408 - (حدثنا عبيد الله بن سعيد حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت كان يوم بعاث يوما قدمه الله عز وجل لرسوله
فقدم رسول الله
المدينة وقد افترق ملوهم وقتلت سرواتهم في دخولهم في الإسلام)
مطابقته للترجمة في قوله فقدم رسول الله
وعبيد الله بن سعيد بن يحيى أبو قدامة اليشكري السرخسي وهو من مشايخ مسلم أيضا وأبو أسامة حماد بن أسامة وهشام يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن أم المؤمنين عائشة والحديث في باب مناقب الأنصار فإنه أخرجه هناك عن عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة إلى آخره قوله ' يوم بعاث ' بضم الباء الموحدة وتخفيف
63

العين المهملة وفي آخره ثاء مثلثة وهو يوم جرى بين الأوس والخزرج فيه قتال قوله ' وقد افترق ' الواو فيه للحال قوله ' ماؤهم ' أي أشرافهم قوله ' وسرواتهم ' أي ساداتهم وهو جمع سراة ويجمع السرى يعني النفيس على سراة أيضا على غير قياس قوله في دخولهم يتعلق بقوله قدمه الله تعالى يعني لو كان صناديدهم أحياء لما انقادوا لرسول الله
حبا للرياسة
409 - (حدثني محمد بن المثنى حدثنا غندر حدثنا شعبة عن هشام عن أبيه عن عائشة أن أبا بكر دخل عليها والنبي
عندها يوم فطر أو أضحى وعندها قينتان تغنيان بما تقاذفت الأنصار يوم بعاث فقال أبو بكر مزمار الشيطان مرتين فقال النبي
دعهما يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وإن عيدنا هذا اليوم)
مطابقته للترجمة من حيث أنه مطابق للحديث السابق في ذكر يوم بعاث والمطابق للمطابق للشيء مطابق لذلك الشيء ولم أر أحدا من الشراح ذكر له مطابقة والذي ذكرته من الفيض الإلهي ورجاله قد ذكروا غير مرة وغندر محمد بن جعفر وهشام يروي عن أبيه عروة بن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه والحديث قد مر بأتم منه فإنه أخرجه هناك في باب إذا فاتته صلاة العيد يصلي ركعتين عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك قوله والنبي
الواو فيه للحال قوله ' أو أضحى ' شك من الراوي أي أو يوم أضحى قوله ' قينتان ' تثنية قينة بفتح القاف وهي المغنية قوله ' بما تقاذفت ' بالقاف والذال المعجمة أي بما ترامت به الأنصار في ذلك اليوم ويروى بما تعازفت بالعين المهملة والزاي قال الخطابي يحتمل أن يكون من عزف اللهو وضرب المعازف على تلك الأشعار المحرضة للقتال وأن يكون من العزف وهو أصوات الوغى كعزيف الرياح وهو ما يسمع من دويها والمعازف الملاهي والعازف اللاعب بها وفي بعض النسخ وعندها قينتان بما تقاذفت الأنصار بدون لفظ تغنيان فلذلك قال الخطابي يريد بالقينتين جارتين لا مغنيتين وأراد بهذا تنزيه بيت رسول الله
من أن يكون فيه غناء من مغنيتين مشهورتين (قلت) فعلى هذا الأبدان بقدر متعلق مناسب لقوله بما وهو أن يقال قينتان تنشدان بما تقاذفت الأنصار فافهم * -
3932 حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث ح وحدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا عبد الصمد قال سمعت أبي يحدث حدثنا أبو التياح يزيد بن حميد الضبعي قال حدثني أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نزل في علو المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف قال فأقام فيهم أربع عشرة ليلة ثم أرسل إلى ملاء بني النجار قال فجاؤا متقلدي سيوفهم قال وكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر ردفه وملإ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب قال فكان يصلي حيث أدركته الصلاة ويصلي في مرابض الغنم قال ثم إنه أمر ببناء المسجد فأرسل إلى ملأ بني النجار فجاؤا فقال يا بني النجار ثامنوني حائطكم هاذا فقالوا لا والله لا نطلب ثمنه إلا الله تعالى قال فكان فيه ما أقول لكم كانت فيه قبور المشركين وكانت فيه خرب وكان فيه نخل فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت وبالخرب فسويت وبالنخل فقطع قال فصفوا النخل قبلة المسجد قال وجعلوا عضادتيه حجارة قال جعلوا ينقلون ذاك الصخر وهم يرتجزون ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم يقولون:
* أللهم إنه لا خير إلا خير الآخرهفانصر الأنصار والمهاجره
*
.
64

مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الوارث هو ابن عبد الصمد. والحديث مر في كتاب الصلاة في: باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية، فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن عبد الوارث عن أبي التياح عن أنس... إلى آخره، وتقدم الكلام فيه هناك، وأبو التياح، بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد الياء آخر الحروف.
قوله: (علو المدينة)، بضم العين وسكون اللام، وكل ما كان في جهة نجد يسمى: العالية، وما كان في جهة تهامة يسمى: السافلة، وقباء من عوالي المدينة، وأخذ من نزول النبي صلى الله عليه وسلم، في علو المدينة التفاؤل له ولدينه بالعلو. قوله: (يقال لهم: بنو عمرو بن عوف)، وهو ابن مالك ابن الأوس بن حارثة. قوله: (إلى ملأ بني النجار) أي: جماعتهم. قوله: (حتى ألقى بفناء أبي أيوب)، معنى ألقى: نزل، أو ألقى رحله، وفناء الدار بكسر الفاء ما امتد من جوانبها، واسم أبي أيوب: خالد بن زيد بن كليب الأنصاري من بني مالك ابن النجار. قوله: (ثامنوني) أي: عينوا لي ثمنه، أو: ساوموني بثمنه، يقال: ثامنت الرجل في كذا أي: ساومته. قوله: (حائطكم) أي: بستانكم. (قال: فكان فيه) أي: قال أنس: فكان في حائطكم. قوله: (خرب) بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء، ويروى: خرب، بفتح الخاء وكسر الراء، وقال الخطابي: أكثر الرواية بالفتح ثم بالكسر، قال: ويحتمل الخرب بالضم ثم السكون، قال: وهي الخروق المستديرة في الأرض، ويحتمل: الجرف، بكسر الجيم وفتح الراء وبالفاء، وهو ما تجرفه السيول وتأكله من الأرض، ويحتمل: الحدب، بفتح الحاء والدال المهملتين، وهو المرتفع من الأرض، وهذه احتمالات لا يلتفت إليها مع وجود الرواية المشهورة الصحيحة. قوله: (عضادتيه) تثنية عضادة، وهي: ما حول الباب.
47
((باب إقامة المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه))
أي: هذا باب في بيان حكم إقامة المهاجر بعد قضاء نسكه من حج أو عمرة.
3933 حدثني إبراهيم بن حمزة حدثنا حاتم عن عبد الرحمان بن حميد الزهري قال سمعت عمر بن عبد العزيز يسأل السائب بن أخت النمر ما سمعت في سكنى مكة قال سمعت العلاء بن الحضرمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث للمهاجر بعد الصدر.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإبراهيم بن حمزة، بالحاء والزاي: أبو إسحاق الزبيري الأسدي المدني، مات سنة ثلاثين ومائتين، وهو من أفراده، وحاتم هو ابن إسماعيل الكوفي، سكن المدينة، وعبد الرحمن بن حميد، بضم الحاء: ابن عبد الرحمن ابن عوف الزهري، والسائب بالسين المهملة ابن يزيد من الزيادة ابن أخت النمر، بلفظ
الحيوان المشهور، الكندي على المشهور، والعلاء بن الحضرمي صحابي جليل ولاه النبي صلى الله عليه وسلم، البحرين، وكان مجاب الدعوة ومات في خلافة عمر، رضي الله تعالى عنه، وماله في البخاري إلا هذا الحديث.
وأخرجه مسلم في الحج عن القعنبي وعن يحيى وعن حسن الحلواني وعبد بن حميد وعن حجاج بن الشاعر. وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي. وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد بن منيع. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن رافع وعن محمد بن عبد الله وعن عبيد الله بن سعد وفي الصلاة عن الحارث بن مسكين وعن محمد بن عبد الملك. وأخرجه ابن ماجة في الصلاة عن أبي بكر بن أبي شيبة.
قوله: (ثلاث) أي: ثلاث ليال ترخص في الإقامة للمهاجر بعد طواف الصدر، وهو بعد الرجوع من منى، وكانت الإقامة بمكة حراما على الذين هاجروا منها قبل الفتح إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم أبيح لهم إذا دخلوها بحج أو عمرة أن يقيموا بعد قضاء نسكهم ثلاثة أيام ولا يزيدوا عليها، وإن حكم الإقامة ثلاث ليال حكم المسافر، وفي كلام الداودي اختصاص ذلك بالمهاجرين الأولين، ولا معنى لتقييده بالأولين، وقال النووي: معنى هذا الحديث أن الذين هاجروا يحرم عليهم استيطان مكة، وحكى عياض: أنه قول الجمهور، قال: وأجازه لهم جماعة بعد الفتح فحملوا هذا القول على الزمن الذي كانت الهجرة المذكورة واجبة فيه، قال: واتفق الجميع على أن
65

الهجرة قبل الفتح كانت واجبة عليهم، وأن سكنى المدينة كان واجبا لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم ومواساته بالنفس، وأما غير المهاجرين فيجوز له سكنى أي بلد أراد سواء مكة وغيرها بالاتفاق.
48
((باب التاريخ من أين أرخوا التاريخ))
أي: هذا باب في بيان التاريخ: هو تعريف الوقت وكذلك التوريخ، قال الصيداوي: أخذ التاريخ من الأرخ، كأنه شيء حدث كما يحدث الولد، قال الصغاني: قال ابن شميل: يقال للأنثى من بقر الوحش: أرخ، بالفتح وجمعه: اراخ، مثل: فرخ وفراخ، وقال الصيداوي: هو الارخ، بالكسر، وضعف الأزهري قوله. وقال الجوهري: أرخت الكتاب بيوم كذا وورخته بمعنى، قلت: فرق الأصمعي بين اللغتين، فقال: بنو تميم يقولون: ورخت الكتاب توريخا، وقيس تقول: أرخته تأريخا، وقيل: التاريخ معرب من: ماء وروز، ومعناه: حساب الأيام والشهور والأعوام فعربته العرب، قوله: (من أين أرخوا التاريخ)، أي: ابتداء التاريخ من أي وقت كان، وفيه اختلاف. فروى ابن الجوزي بإسناده إلى الشعبي، قال: لما كثر بنو آدم في الأرض وانتشروا أرخوا من هبوط آدم، عليه الصلاة والسلام ثم إلى زمان يوسف عليه السلام ثم إلى خروج موسى عليه السلام من مصر بني إسرائيل ثم إلى زمان داود عليه السلام، فكان التاريخ منه إلى الطوفان، ثم إلى نار الخليل، عليه الصلاة والسلام، ثم إلى زمان سليمان، عليه الصلاة والسلام، ثم إلى زمان عيسى، عليه الصلاة والسلام، ورواه أيضا ابن إسحاق عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، وحكى محمد بن سعد عن ابن الكلبي: أن حمير كانت تؤرخ بالتبابعة وغسان بالسد، وأهل صنعاء بظهور الحبشة على اليمن، ثم بغلبة الفرس، ثم أرخت العرب بالأيام المشهورة: كحرب البسوس، وداحس والغبراء، وبيوم ذي قار، والفجارات ونحوها، وبين حرب البسوس ومبعث نبينا صلى الله عليه وسلم، ستون سنة. وقال ابن هشام الكلبي عن أبيه: أما الروم فأرخت بقتل دارا بن دارا إلى ظهور الفرس عليهم، وأما القبط فأرخت ببخت نصر إلى فلابطرة صاحبة مصر، وأما اليهود فأرخت بخراب بيت المقدس، وأما النصارى فبرفع المسيح، عليه الصلاة والسلام، وأما ابتداء تاريخ الإسلام ففيه اختلاف أيضا، فروى الحافظ ابن عساكر في (تاريخ دمشق): عن أنس بن مالك أنه كان التاريخ من مقدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المدينة في ربيع الأول، فأرخوا. وعن ابن عباس: قدم النبي صلى الله عليه وسلم، المدينة وليس لهم تاريخ، وكانوا يؤرخون بالشهر والشهرين من مقدمه فأقاموا على ذلك إلى أن توفي النبي صلى الله عليه وسلم، وانقطع التاريخ، ومضت أيام أبي بكر على هذا وأربع سنين من خلافة عمر على هذا، ثم وضع التاريخ، واختلفوا في سببه، فروى ابن السمرقندي: أن أبا موسى الأشعري، رضي الله تعالى عنه، كتب إلى عمر، رضي الله تعالى عنه، أنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فأرخ لتستقيم الأحوال، فأرخ. وقال أبو اليقظان: رفع إلى عمر صك محله في شعبان، فقال: أي شعبان هذا؟ الذي نحن فيه أم الماضي أم الذي يأتي؟ وقال الهيثم ابن عدي: أول من أرخ يعلى بن أمية، كتب إلى عمر من اليمن كتابا مؤرخا فاستحسنه وشرع في التاريخ. وقال ابن عباس: لما عزم عمر على التاريخ جمع الصحابة فاستشارهم، فقال سعد بن أبي وقاص: أرخ لوفاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال طلحة: أرخ لمبعثه، وقال علي بن أبي طالب: أرخ لهجرته فإنها فرقت بين الحق والباطل، وقال آخرون: لمولده، وقال قوم: لنبوته، وكان هذا في سنة سبع عشرة من الهجرة، وقيل: في سنة ست عشرة، واتفقوا على قول علي، رضي الله تعالى عنه، ثم اختلفوا في الشهور، فقال عبد الرحمن بن عوف: أرخ لرجب، فإنه أول الأشهر الحرم، وقال طلحة: من رمضان لأنه شهر الأمة، وقال علي: من المحرم لأنه أول السنة.
48
((باب التاريخ من أين أرخوا التاريخ))
أي: هذا باب في بيان التاريخ: هو تعريف الوقت وكذلك التوريخ، قال الصيداوي: أخذ التاريخ من الأرخ، كأنه شيء حدث كما يحدث الولد، قال الصغاني: قال ابن شميل: يقال للأنثى من بقر الوحش: أرخ، بالفتح وجمعه: اراخ، مثل: فرخ وفراخ، وقال الصيداوي: هو الارخ، بالكسر، وضعف الأزهري قوله. وقال الجوهري: أرخت الكتاب بيوم كذا وورخته بمعنى، قلت: فرق الأصمعي بين اللغتين، فقال: بنو تميم يقولون: ورخت الكتاب توريخا، وقيس تقول: أرخته تأريخا،
وقيل: التاريخ معرب من: ماء وروز، ومعناه: حساب الأيام والشهور والأعوام فعربته العرب، قوله: (من أين أرخوا التاريخ)، أي: ابتداء التاريخ من أي وقت كان، وفيه اختلاف. فروى ابن الجوزي بإسناده إلى الشعبي، قال: لما كثر بنو آدم في الأرض وانتشروا أرخوا من هبوط آدم، عليه الصلاة والسلام ثم إلى زمان يوسف عليه السلام ثم إلى خروج موسى عليه السلام من مصر بني إسرائيل ثم إلى زمان داود عليه السلام، فكان التاريخ منه إلى الطوفان، ثم إلى نار الخليل، عليه الصلاة والسلام، ثم إلى زمان سليمان، عليه الصلاة والسلام، ثم إلى زمان عيسى، عليه الصلاة والسلام، ورواه أيضا ابن إسحاق عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، وحكى محمد بن سعد عن ابن الكلبي: أن حمير كانت تؤرخ بالتبابعة وغسان بالسد، وأهل صنعاء بظهور الحبشة على اليمن، ثم بغلبة الفرس، ثم أرخت العرب بالأيام المشهورة: كحرب البسوس، وداحس والغبراء، وبيوم ذي قار، والفجارات ونحوها، وبين حرب البسوس ومبعث نبينا صلى الله عليه وسلم، ستون سنة. وقال ابن هشام الكلبي عن أبيه: أما الروم فأرخت بقتل دارا بن دارا إلى ظهور الفرس عليهم، وأما القبط فأرخت ببخت نصر إلى فلابطرة صاحبة مصر، وأما اليهود فأرخت بخراب بيت المقدس، وأما النصارى فبرفع المسيح، عليه الصلاة والسلام، وأما ابتداء تاريخ الإسلام ففيه اختلاف أيضا، فروى الحافظ ابن عساكر في (تاريخ دمشق): عن أنس بن مالك أنه كان التاريخ من مقدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المدينة في ربيع الأول، فأرخوا. وعن ابن عباس: قدم النبي صلى الله عليه وسلم، المدينة وليس لهم تاريخ، وكانوا يؤرخون بالشهر والشهرين من مقدمه فأقاموا على ذلك إلى أن توفي النبي صلى الله عليه وسلم، وانقطع التاريخ، ومضت أيام أبي بكر على هذا وأربع سنين من خلافة عمر على هذا، ثم وضع التاريخ، واختلفوا في سببه، فروى ابن السمرقندي: أن أبا موسى الأشعري، رضي الله تعالى عنه، كتب إلى عمر، رضي الله تعالى عنه، أنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فأرخ لتستقيم الأحوال، فأرخ. وقال أبو اليقظان: رفع إلى عمر صك محله في شعبان، فقال: أي شعبان هذا؟ الذي نحن فيه أم الماضي أم الذي يأتي؟ وقال الهيثم ابن عدي: أول من أرخ يعلى بن أمية، كتب إلى عمر من اليمن كتابا مؤرخا فاستحسنه وشرع في التاريخ. وقال ابن عباس: لما عزم عمر على التاريخ جمع الصحابة فاستشارهم، فقال سعد بن أبي وقاص: أرخ لوفاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال طلحة: أرخ لمبعثه، وقال علي بن أبي طالب: أرخ لهجرته فإنها فرقت بين الحق والباطل، وقال آخرون: لمولده، وقال قوم: لنبوته، وكان هذا في سنة سبع عشرة من الهجرة، وقيل: في سنة ست عشرة، واتفقوا على قول علي، رضي الله تعالى عنه، ثم اختلفوا في الشهور، فقال عبد الرحمن بن عوف: أرخ لرجب، فإنه أول الأشهر الحرم، وقال طلحة: من رمضان لأنه شهر الأمة، وقال علي: من المحرم لأنه أول السنة.
3934 حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد العزيز عن أبيه عن سهل بن سعد قال ما عدوا من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ولا من وفاته ما عدوا إلا من مقدمه المدينة.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وعبد العزيز هو ابن أبي حازم سلمة بن دينار. قوله: (ما عدوا) أي: التاريخ من مبعث النبي صلى الله
66

عليه وسلم، ولا عدوه من وفاته، وإنما عدوه من وقت (مقدمه المدينة)، أي: من وقت قدومه مهاجرا إليها، وقد ذكرناه مستقصى. قال الكرماني: فإن قلت: قدومه المدينة كان في ربيع الأول، فلم جعلوا ابتداءه من المحرم؟ قلت: لأنه أول السنة، أو لأن الهجرة من مكة كانت فيه، وقد ذكرنا الآن ما يغني عن هذا السؤال والجواب.
3935 حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت فرضت الصلاة ركعتين ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم ففرضت أربعا وتركت صلاة السفر على الأول. (انظر الحديث 350 وطرفه).
لما كان البابان السابقان داخلين في: باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، جاءت المناسبة لذكر هذا الحديث هنا، وقد مر الحديث في كتاب الصلاة في أول الأبواب، وهو: باب كيف فرضت الصلاة، وقد مر الكلام فيه مستقصى هناك. قوله: (على الأول) رواية أبي ذر، ويروى: على الأولى.
تابعه عبد الرزاق عن معمر
أي: تابع يزيد بن زريع في رواية الحديث عن معمر بن راشد عبد الرازق بن همام الصنعاني، وهذه المتابعة وصلها الإسماعيلي عنه.
49
((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ومرثيته لمن مات بمكة))
أي: هذا باب في ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم أمض لأصحابي هجرتهم، ويأتي تفسيره في حديث الباب. قوله: (ومرثيته) بالجر عطف على قوله: قول النبي صلى الله عليه وسلم، أي: وفي ذكر مرثية النبي للذين ماتوا بمكة، وهو من رثى للميت إذا رق له، ورثيته إذا بكيته وعددت محاسنه، والمراد من مرثيته هنا التوجع له لكونه مات في البلدة التي هاجر منها.
414 - (حدثنا يحيى بن قزعة حدثنا إبراهيم عن الزهري عن عامر بن سعد بن مالك عن أبيه قال عادني النبي
عام حجة الوداع من مرض أشفيت منه على الموت فقلت يا رسول الله بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة أفأتصدق بثلثي مالي قال لا قال فأتصدق بشطره قال لا قال الثلث يا سعد والثلث كثير إنك أن تذر ذريتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس * قال أحمد بن يونس وموسى عن إبراهيم أن تذر ورثتك ولست بنافق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرك الله بها حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك قلت يا رسول الله أخلف بعد أصحابي قال إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة ولعلك تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم لكن البائس سعد بن خولة يرثى له رسول الله
أن توفي بمكة)
67

مطابقته للترجمة في قوله اللهم امض لأصحابي هجرتهم إلى آخر الحديث ويحيى بن قزعة بالقاف والزاي والعين المهملة المفتوحات الحجازي وهو من أفراده وإبراهيم هو ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف يروي عن محمد بن مسلم الزهري وسعد بن مالك هو سعد بن أبي وقاص وهذا الحديث قد مر في كتاب الجنائز في باب رثاء النبي
سعد بن خولة فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن ابن شهاب عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه إلى آخره ومر الكلام فيه هناك قوله أشفيت أي أشرفت من الوجع منه أي من المرض قوله أن تذر ذريتك هكذا في رواية الكشميهني والقابسي وفي رواية الأكثرين ورثتك قوله وأن بفتح الهمزة ويروى بكسرها وجزاؤه قوله خير قوله عالة جمع العائل وهو الفقير قوله يتكففون أي يبسطون أكفهم إلى الناس للسؤال قوله قال أحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس أحد مشايخ البخاري قوله وموسى هو موسى بن إسماعيل المنقري التبوذكي وهو أيضا أحد مشايخ البخاري قوله عن إبراهيم هو ابن سعد فتعليق أحمد أخرجه البخاري في حجة الوداع في آخر المغازي وتعليق موسى أخرجه في الدعوات قوله بنافق يستعمل بمعنى منفق وهو رواية الكشميهني أعني منفق وهو الصواب قوله إلا أجرك الله بقصر الهمزة قوله وأخلف على صيغة المجهول أي في مكة أو في الدنيا قوله امض من الامضاء أي أنفذها وتممها لهم ولا تنقصها عليهم قوله لكن البائس هو شديد الحاجة أوالفقير قوله يرثي له رسول الله
كلام سعد بن أبي وقاص والأكثر على أنه كلام الزهري قوله أن توفي بفتح الهمزة للتعليل أي لأجل أنه توفي في مكة ويروى أنه مات بمكة * -
50
((باب كيف آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه))
أي: هذا باب في بيان كيفية إخاء النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، قال أبو عمر: كانت المؤاخاة مرتين مرة بين المهاجرين خاصة، وذلك بمكة. ومرة بين المهاجرين والأنصار، وهذه هي المقصودة هنا.
وقال عبد الرحمان بن عوف آخى النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع لما قدمنا المدينة
هذه قطعة من حديث أخرجه البخاري بتمامه في البيوع في أول باب من أبوابه، فإنه أخرجه هناك عن عبد العزيز ابن عبد الله عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده، قال: قال عبد الرحمن بن عوف: لما قدمنا المدينة آخى رسول الله، صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع... الحديث.
وقال أبو جحيفة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء
أبو جحيفة، بضم الجيم وفتح الحاء وسكون الياء آخر الحروف وبالفاء: اسمه وهب بن عبد الله السوائي، وهو من صغار الصحابة، قيل: مات رسول الله، صلى الله عليه وسلم وهو لم يبلغ الحلم، نزل الكوفة وابتنى بها دارا، مات في سنة أربع وسبعين، وهذا التعليق قطعة من حديث أخرجه البخاري بتمامه في كتاب الصيام في: باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع، فإنه أخرجه هناك عن محمد بن بشار عن جعفر بن عوف عن أبي العميس عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه، قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم... إلى آخره.
3937 حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن حميد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال قدم عبد الرحمان بن عوف فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله فقال عبد الرحمان بارك الله لك في أهلك ومالك دلني على السوق فربح شيئا من أقط وسمن فرآه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أيام وعليه وضر من صفرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم مهيم يا عبد الرحمان قال يا رسول الله تزوجت امرأة من الأنصار قال فما سقت فيها فقال
68

وزن نواة من ذهب فقال النبي صلى الله عليه وسلم أولم ولو بشاة..
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن فيه كيفية المؤاخاة، ومحمد بن يوسف أبو أحمد البخاري البيكندي، وسفيان هو ابن عيينة، والحديث مر في كتاب البيوع في أول أبوابه، فإنه أخرجه هناك عن أحمد بن يونس عن زهير عن حميد عن أنس إلى آخره، ومر الكلام فيه هناك. قوله: (قدم عبد الرحمن) أي: المدينة، ويروى بوجود لفظ: المدينة. قوله: (فربح) الفاء فيه فاء الفصيحة، أي: فدله فذهب فاتجر فربح. قوله: (وعليه وضر) الواو فيه للحال، والوضر، بفتح الضاد المعجمة: اللطخ من الخلوق أو طيب له لون. قوله: (مهيم) بفتح الميم والياء آخر الحروف: أي: ما الخبر. قوله: (نواة)، بالنون وهو وزن خمسة دراهم. وفيه: أن الوليمة بعد البناء.
51
((باب))
أي: هذا باب إن قدرنا هكذا يكون لفظ باب معربا، وإلا فهو غير معرب، لأن الإعراب يستدعي التركيب، وهو كالفصل للباب الذي قبله.
416 - (حدثني حامد بن عمر عن بشر بن المفضل حدثنا حميد حدثنا أنس أن عبد الله بن سلام بلغه مقدم النبي
المدينة فأتاه يسأله عن أشياء فقال إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ما أول أشراط الساعة وما أول طعام يأكله أهل الجنة وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه قال أخبرني به جبريل آنفا قال ابن سلام ذاك عدو اليهود من الملائكة قال أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب وأما أول طعام يأكله أهل الجنة
فزيادة كبد الحوت وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد قال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله قال يا رسول الله إن اليهود قوم بهت فاسألهم عني قبل أن يعلموا بإسلامي فجاءت اليهود فقال النبي
أي رجل عبد الله ابن سلام فيكم قالوا خيرنا وابن خيرنا وأفضلنا وابن أفضلنا فقال النبي
أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام قالوا أعاذه الله من ذلك فأعاد عليهم فقالوا مثل ذلك فخرج إليهم عبد الله فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قالوا شرنا وابن شرنا وتنقصوه قال هذا كنت أخاف يا رسول الله)
مطابقته للترجمة لباب هجرة النبي
ظاهرة وذلك أنا قد ذكرنا أن الأبواب المذكورة بعد باب هجرة النبي
كلها تابعة لباب هجرة النبي
وحامد بن عمر بن حفص بن عبد الله بن أبي بكرة الثقفي البكراوي من أهل البصرة شيخ مسلم أيضا وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن الفضل ابن لاحق أبو إسماعيل الرقاشي البصري والحديث مر في كتاب الأنبياء في باب قول الله عز وجل * (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) * ومر الكلام فيه هناك قوله ينزع بالزاي المكسورة أي يشبه أباه ويذهب إليه قوله ' فزيادة كبد الحوت ' الزيادة هي القطعة المنفردة المعلقة بالكبد وهي في الطعم في غاية اللذة ويقال أنها أهنأ طعام وأمرؤه ووقع في حديث ثوبان أن تحفتهم حين يدخلون الجنة زيادة كبد النون والنون هو الحوت الذي عليه الأرض والإشارة بذلك إلى نفاذ الدنيا وفي حديث ثوبان بزيادة وهي أنه ينحر لهم عقيب ذلك نون الجنة الذي كان يأكل من أطرافها وشرابهم عليه من عين
69

تسمى سلسبيلا وذكر الطبراني من طريق الضحاك عن ابن عباس قال ينطح الثور الحوت بقرنه فيأكل منه أهل الجنة ثم يحيا فينحر الثور بذنبه فيأكلونه ثم يحيا فيستمران كذلك وهذا منقطع ضعيف قوله أما الولد وفي رواية الفزاري عن حميد في ترجمة آدم وأما شبه الولد قوله ' نزع الولد ' بالنصب على المفعولية أي جذبه إليه وفي رواية الفزاري ' كان الشبه له ' قوله ' قوم بهت ' بضم الباء الموحدة والهاء جمع بهيت كقضيب وقضب وقال الكرماني جمع بهوت وهو كثير البهتان.
417 - (حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو سمع أبا المنهال عبد الرحمن بن مطعم قال باع شريك لي دراهم في السوق نسيئة فقلت سبحان الله أيصلح هذا فقال سبحان الله والله لقد بعتها في السوق فما عابه أحد فسألت البراء بن عازب فقال قدم النبي
ونحن نتبايع هذا البيع فقال ما كان يدا بيد فليس به بأس وما كان نسيئة فلا يصلح والق زيد بن أرقم فاسأله فإنه كان أعظمنا تجارة فسألت زيد بن أرقم فقال مثله)
مطابقته للترجمة المذكورة أولا في قوله فقال قدم النبي
ونحن نتبايع وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار والحديث مر في كتاب البيوع في باب بيع الورق بالذهب نسيئة وفي كتاب الشركة في باب الاشتراك في الذهب والفضة قوله ' والق ' أمر من لقي يلقى قوله ' مثله ' أي مثل ما قال البراء
(وقال سفيان مرة فقال قدم علينا النبي
المدينة ونحن نتبايع وقال نسيئة إلى الموسم أو الحج)
أي قال سفيان بن عيينة الراوي وأشار بهذا إلى أن سفيان روى مرة مثل الذي مضى وليس فيه تعيين مدة النسيئة وروى أخرى بتعيين المدة وهو قوله إلى الموسم قوله أو الحج شك من الراوي أي أو إلى وقت الحج * -
52
((باب إتيان اليهود النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة))
أي: هذا باب في بيان إتيان اليهود... إلى آخره.
هادوا صاروا يهود وأما قوله هدنا تبنا: هائد تائب
مشى البخاري ههنا على عادته في ذكر ألفاظ من القرآن مما يماثل لفظ الحديث، فإن قوله: * (هادوا) * (). مذكور في قوله: * (ومن الذين هادوا سماعون للكذب) * (). ومعناه هنا: صاروا يهود، وأما قوله: * (هدنا) * (). فمذكور في قوله: * (إنا هدنا إليك) * (). ومعناه: تبنا إليك، وكذا فسر أبو عبيد اللفظين المذكورين، وقال الجوهري: هاد يهود هودا: تاب ورجع إلى الحق فهو هائد، وقوم هود مثل حائل وحول، وبازل وبزل، وقال أبو عبيد: التهود التوبة والعمل الصالح، ويقال أيضا: هاد وتهود: إذا صار يهوديا.
3941 حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا قرة عن محمد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود.
مطابقته للترجمة تأتي بتعسف، وهو أن يقال: لو أتى إليه عشرة من اليهود حين قدم المدينة لآمن اليهود، بيان صحة هذه الملازمة أن يقال: إن: لو، للمضي فمعناه: لو آمن في الزمان الماضي قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم، المدينة أو عقب قدومه مثلا عشرة لتابعهم الكل، لكن لم يؤمنوا حينئذ فلم يتابعهم الكل، قيل: قال كعب: العشرة هم الذين سماهم الله في سورة المائدة فعلى هذا، فالمراد من العشرة في الحديث ناس معينون منهم وإلا فقد آمن به أكثر من عشرة، قال كعب: لم يسلم من الذين سماهم في المائدة إلا عبد الله بن سلام وعبد الله بن صوريا، (فإن قلت): ذكر البيهقي في (دلائله): أن حبرا من أحبار اليهود سمع رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، يقرأ سورة يوسف، فجاء معه بنفر من اليهود فأسلموا كلهم. قلت: قد يكون النفر غير أحبار وهم أتباع غير معينين منهم، والمراد بالعشرة الأعيان منهم.
والحديث المذكور أخرجه مسلم أيضا في التوبة عن يحيى
70

ابن حبيب عن قرة، بضم القاف وتشديد الراء: ابن خالد السدوسي عن محمد بن سيرين.
3942 حدثني أحمد أو محمد بن عبيد الله الغداني حدثنا حماد بن أسامة أخبرنا أبو عميس عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وإذا أناس من اليهود يعظمون عاشوراء ويصومونه فقال النبي صلى الله عليه وسلم نحن أحق بصومه فأمر بصومه. (انظر الحديث 2005).
مطابقته للترجمة تأتي بالتعسف مثل مطابقة الحديث السابق، وذلك أن في حديث ابن عباس الذي مضى في كتاب الصوم، قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم، المدينة... الحديث. وفيه: (فأنا أحق بموسى منكم)، فدل على أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: هذا يوم نجا الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، فقال صلى الله عليه وسلم: (أنا أحق بموسى منكم)، فصامه. وحديث أبي موسى وحديث ابن عباس كلاهما من أصل واحد، فبهذا الوجه تحصل المطابقة فافهم.
قوله: (أحمد أو محمد بن عبيد الله) بالشك منه هنا، وقد ذكره في التاريخ فيمن اسمه: أحمد وعبيد تصغير العبد وفي رواية السرخسي والمستملي: عبد الله بالتكبير، والأول أصح، واسم جده: سهيل الغداني، بضم الغين المعجمة وتخفيف الدال المهملة، وأبو عميس، بضم العين المهملة وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة: واسمه عتبة، بضم العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق: ابن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي. قوله: (دخل النبي صلى الله عليه وسلم)، وفي رواية الكشميهني: قدم. وقد مر الكلام فيه في كتاب الصوم.
3943 حدثنا زياد بن أيوب حدثنا هشيم حدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء فسئلوا عن ذلك فقالوا هذا هو اليوم الذي أظفر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون ونحن نصومه تعظيما له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن أولى بموسى منكم ثم أمر بصومه..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (نحن أولى بموسى منكم) كما حققناه في ترجمة الحديث السابق، وزياد، بكسر الزاي وتخفيف الياء آخر الحروف: ابن أيوب أبو هاشم الطوسي، كان يقال له: دلوية، بفتح الدال المهملة وضم اللام وتخفيف الياء آخر الحروف، كان الإمام أحمد يقول: إنه شعبة الصغير، سكن بغداد ومات سنة اثنتين وخمسين ومائتين وهو من أفراده، وهشيم مصغر هشم ابن بشير السلمي الواسطي، وأبو بشر، بكسر الباء الموحدة: اسمه جعفر بن أبي وحشية، واسمه إياس البصري ويقال: الواسطي. والحديث مضى في كتاب الصوم في: باب صيام عاشوراء.
3944 حدثنا عبدان حدثنا عبد الله عن يونس عن الزهري قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسدل شعره وكان المشركون يفرقون رؤوسهم وكان أهل الكتاب يسدلون رؤوسهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ثم فرق النبي صلى الله عليه وسلم رأسه. (انظر الحديث 3558 وطرفه).
لا وجه لذكر هذا الحديث في هذا الباب إلا أن يقال: وقع استطرادا لما وقع في الحديث السابق. وعبدان لقب عبد الله ابن عثمان، وقد مر غير مرة، وعبد الله هو ابن المبارك.
والحديث مر في: باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس عن الزهري... إلى آخره.
قوله: (يسدل) أي: يرخي، من سدل الثوب
71

إذا أرخاه، وهو من باب نصر ينصر، وجاء أيضا من باب ضرب يضرب، والفرق فرق الشعر بعضه من بعض.
3945 حدثني زياد بن أيوب حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال هم أهل الكتاب جزؤه أجزاءا فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه.
لما كان: أهل الكتاب، مذكورا في الحديث السابق في حديث ابن عباس، قال ابن عباس: هم أهل الكتاب الذين جزؤه، أي: جزؤا القرآن أجزاء فآمنوا ببعضه، وكفروا ببعضه، ذكر هذا في تفسير قوله تعالى: * (الذين جعلوا القرآن عضين) * (الحجر: 91). أي: أجزاء، وهو جمع عضة، وأصلها: عضوة على وزن فعلة من عضا الشاة إذا جزأها أعضاء، وفي رواية الكشميهني بعد قوله: (وكفروا ببعضه) يعني: في قوله تعالى: * (الذين جعلوا القرآن عضين) * (الحجر: 91).
53
((باب إسلام سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب في ذكر شيء فيه دلالة على إسلام سلمان الفارسي، وقد مضى في كتاب البيوع في: باب الشراء من المشركين كيفية إسلام سلمان ومكاتبته وقصته مشهورة وولاه عمر، رضي الله تعالى عنه، العراق وكان يعمل في الخوص بيده فيأكل منه، عاش مائتين وخمسين سنة بلا خلاف. وقيل ثلاثمائة وخمسين، وقيل إنه أدرك وحي عيسى بن مريم، عليهما السلام، ومات بالمداين سنة ست وثلاثين.
3946 حدثني الحسن بن عمر بن شقيق حدثنا معتمر قال أبي ح وحدثنا أبو عثمان عن سلمان الفارسي أنه تداوله بضعة عشر من رب إلى رب.
ليس فيه شيء يدل على الترجمة إلا أن يقال: إن تداوله هذا العدد من واحد إلى واحد إنما كان لطلب الإسلام، فبهذا المقدرا تحصل المطابقة. ومعتمر بن سليمان التيمي. قوله: (وحدثنا)، بالواو إشعارا بأنه حدثه غير ذلك أيضا، وأبو عثمان هو عبد الرحمن بن مل بضم الميم وكسرها النهدي، بفتح النون التابعي. قوله: (إنه تداوله)، أي: تداولته الأيدي أي: أخذته هذه مرة وهذه مرة، والرب السيد والمالك، وأراد به سلمان المالك.
3947 حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن عوف عن أبي عثمان قال سمعت سلمان رضي الله تعالى عنه يقول أنا من رام هرمز.
سفيان هو ابن عيينة، وعوف هو الأعرابي. قوله: (من رام هرمز)، بالراء وضم الميم وبالميم وبالزاي، وقيل: إنه بفتح الميم الأولى، وهي بلدة بخوزستان، بضم الخاء المعجمة وبالزاي من بلاد فارس قريب عراق العرب، وروى ابن عباس عن سلمان: أنه قال: كنت من أصبهان من قرية جي، بفتح الجيم وتشديد الياء، وكان أبي دهقانا.
3948 حدثني الحسن بن مدرك حدثنا يحيى بن حماد أخبرنا أبو عوانة عن عاصم الأحول عن أبي عثمان عن سلمان قال فترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة.
هذا لا تعلق له بالترجمة، وكذلك الذي قبله، وإنما ذكرهما اتفاقا لكونهما يتعلقان به، وقال الكرماني: تعلق هذه الأحاديث بإسلامه يعني: أنه أسلم بعد تداول بضعة عشر ربا وبعد هجرته عن وطنه وبعد عيشه مدة طويلة، والحسن بن مدرك بلفظ اسم الفاعل من الإدراك مر في آخر الحيض، وأبو عوانة الوضاح اليشكري، وقد مر غير مرة، والمراد بالفطرة المدة التي لا يبعث فيها رسول من الله تعالى، ولا يمتنع أن يكون فيها نبي يدعو إلى شريعة الرسول الأخير. قلت: من الأنبياء في الفترة: حنظلة بن صفوان نبي أصحاب الرس، قال ابن عباس: كان من ولد إسماعيل، عليه السلام، وكان في فترة، ومنهم: خالد بن سنان العبسي، وروى الطبراني بإسناده عن ابن عباس، قال: جاءت بنت خالد بن سنان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فبسط لها
72

ثوبه، وقال: بنت نبي ضيعه قومه، وعن عطاء عن ابن عباس: لما ظهر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بمكة وفدت عليه ابنة خالد بن سنان وهي عجوز كبيرة فرحب بها، وقال: مرحبا بابنة أخي، كان أبوها نبيا، وإنما ضيعه قومه، ومنهم: شعيب بن ذي مهزم، غير شعيب بن ضيفون، ذكر السهيلي أنه نبي من العرب في زمن معد بن عدنان، وقال ابن كثير: والظاهر أن هؤلاء كانوا قوما صالحين يدعون إلى الخير، فقد ثبت في الصحيح عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم، عليهما السلام، لأنه ليس بيني وبينه نبي). قيل: يحتمل أن يكون مراده: نبي مرسل، ولا يمتنع أن يكون نبي غير مرسل يدعو الناس إلى شريعة الرسول الأخير، كما ذكرناه، والحمد لله على التمام، وعلى النبي الصلاة والسلام.
بسم الله الرحمن الرحيم
64
((كتاب المغازي))
أي: هذا كتاب في بيان مغازي النبي صلى الله عليه وسلم، والمغازي جمع مغزى، والمغزى يصلح أن يكون مصدرا تقول: غزا يغزو غزوا ومغزى ومغزاة، ويصلح أن يكون موضع الغزو، وكونه مصدرا متعين هنا، والغزوة من الغزو ويجمع على غزوات... وقال ابن سيده: في (الحكم) غزا الشيء غزوا إذا أراده وطلبه، والغزو السير إلى القتال مع العدو، وقال ابن جني: الغزاوة كالشقاوة وأكثر ما يأتي الفعالة مصدرا إذا كانت لغير المتعدي، وعن ثعلب: إذا قيل: غزاه فهو عمل سنة، وإذا قيل: غزوة فهي المرة الواحدة من الغزو، وقال الجوهري: غزوت العدو غزوا، والاسم الغزاة، ورجل غاز والجمع غزاة، مثل: قاض وقضاة، وغزى وغزى وغزاء، وأما عدد مغازيه صلى الله عليه وسلم، فيأتي عن قريب أنها تسع عشرة، وعن بريدة: ست عشرة، وعنه: تسع عشرة، وقاتل في ثمان غزوات، أولهن: بدر، وأحد، والأحزاب، والمريسيع، وقديد، وخيبر، ومكة، وحنين، وأما سراياه وبعوثه فقال ابن إسحاق: ثمانية وثلاثون، وقال ابن سعد: سبعة وأربعون، وأول البعوث بعث حمزة بن عبد المطلب أو عبيدة بن الحارث على اختلاف، وآخر البعث أسامة بن زيد بن حارثة إلى الشام، وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين.
1
((باب غزوة العشيرة أو العسيرة))
أي: هذا باب في بيان غزوة العشيرة، بضم العين المهملة وفتح الشين وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء. قوله: أو العسيرة، بالشك، وضبطها مثل ضبط العشيرة إلا أنها بالسين المهملة. وقال النووي: جاء في كتاب المغازي من (صحيح البخاري): العسيرة، أي: بضم المهملة الأولى وفتح الثانية، و: العسير، بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية بحذف الهاء والمعروف فيها العشيرة بإعجام الشين وبالهاء وقال السهيلي معنى العسيرة والعسيرا إنه اسم مصغر من العسرى، والعسر فإذا صغر تصغير الترخيم قيل: عسيرة، وهي بقلة أذية أي: عصيفة، ثم تكون سحاء، ثم يقال لها: العسرى، وأما العشيرة فتصغير واحدة العشر، وقال ابن الأثير: يقال: العشير ذوات العشيرة، والعشير هو موضع من بطن ينبع، وقال ياقوت: قال الأزهري: ذو العشيرة موضع بالصمان ينسب إلى عشرة نابتة فيه، وذو العشيرة موضع من ناحية ينبع غزاها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعشيرة أيضا قرية عند أكمة أراها من نواحي اليمامة، وهي لتيم عدي.
قال ابن إسحاق: أول ما غزا النبي صلى الله عليه وسلم الأبواء ثم بواط ثم العشيرة
أي: قال محمد بن إسحاق بن يسار ضد اليمين المدني التابعي رأى أنس بن مالك صاحب (كتاب المغازي) المدني، قدم بغداد وحدث بها ومات سنة خمسين ومائة ودفن في مقبرة الخيزران، وهي اليوم مشهورة بمشهد الإمام أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه، وترجمته طويلة استشهد به البخاري في (الصحيح) وروى له في (كتاب القراءة خلف الإمام) وغيره، وروى له مسلم في المتابعات، واحتجت به الأربعة. قوله: (أول ما غزا النبي صلى الله عليه وسلم، الأبواء) قال الواقدي، رحمه الله تعالى: هي أول غزوة غزاها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بنفسه ويقال لها: غزوة ودان، وقال ابن إسحاق: خرج النبي صلى الله عليه وسلم، غازيا في صفر على رأس اثني عشر شهرا من مقدمه المدينة، وقال ابن هشام: واستعمل على المدينة سعد
73

ابن عبادة، وقال ابن جرير: يريد قريشا وبني ضمرة بن بكر بن عبد مناة من كنانة، فوادعته فيها بنو ضمرة ورجع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولم يلق كيدا، والأبواء، بفتح الهمزة وبالباء الموحدة الساكنة ممدودا: موضع معروف بين مكة والمدينة، وهي إلى المدينة أقرب، كأنه سمى بجمع: بو، وهو جلد ولد الإبل المحشي بالتبن. وقال البكري: الأبواء قرية جامعة مذكورة في رسم الفرع، و: ودان، بفتح الواو وتشديد الدال المهملة على وزن فعلان، قال البكري: قرية من أمهات القرى، وقال ياقوت: بينها وبين أبواء ثمانية أميال. قوله: (ثم بواط)، أي: غزا بواط، وهو بضم الباء الموحدة وتخفيف الواو بعد الألف طاء مهملة، قال الصغاني: بواط جبل من جبال جهينة من ناحية ذي خشب، وبين بواط والمدينة ثلاثة برد أو أكثر، وقال ابن إسحاق: غزا رسول الله، صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول، يعني: من السنة الثانية من الهجرة، يريد قريشا، قال ابن هشام: واستعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون، وقال الواقدي: استخلف عليها سعد بن معاذ، وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم في مائتي راكب، وكان لواؤه مع سعد بن أبي وقاص، وكان قصده أن يتعرض لعير قريش وكان فيه أمية ابن خلف ومائة رجل وخمسمائة بعير، قال ابن إسحاق: حتى بلغ بواط من ناحية رضوى ثم رجع إلى المدينة ولم يلق فيها كيدا فلبث بها شهر ربيع الأخر وبعض جمادى. قوله: (ثم العشيرة)، أي: ثم غزا العشيرة، قال ابن إسحاق: ثم غزا رسول الله، صلى الله عليه وسلم قريشا، قال ابن هشام: واستعمل على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد، وقال الواقدي: وكان لواؤه مع حمزة، رضي الله تعالى عنه، قال: وخرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم يتعرض لعير قريش ذاهبة إلى الشام حتى نزل العشيرة من بطن ينبع فأقام بها جمادى الأولى وليالي من جمادى الآخرة، ووادع فيها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا. قلت: ولم يكن في هذه الغزوات الثلاث حرب.
3949 حدثني عبد الله بن محمد حدثنا وهب حدثنا شعبة عن أبي إسحاق كنت إلى جنب زيد بن أرقم فقيل له كم غزا النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة قال تسع عشرة قيل كم غزوت أنت معه قال سبع عشرة قلت فأيهم كانت أول قال العسيرة أو العشير فذكرت لقتادة فقال العشير.
مطابقته للترجمة ظاهرة، ووهب هو ابن جرير البصري، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، وزيد بن أرقم الأنصاري.
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن عمرو بن خالد عن زهير وعن عبد الله بن رجاء عن إسرائيل. وأخرجه مسلم في المغازي أيضا عن بندار وأبي موسى، وفيه: عن أبي بكر بن أبي شيبة وفي المناسك عن أبي خيثمة، وأخرجه الترمذي في الجهاد عن محمد بن غيلان: حدثنا وهب بن جرير وأبو داود قالا: حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: كنت... إلى آخره نحوه، غير أن في لفظه: قلت: وأيتهن كان أول؟ قال: ذات العشيرة أو العسيرة، وروى مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر يقول: غزوت مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تسع عشرة غزوة، قال جابر: لم أشهد بدرا ولا أحدا منعني أبي فلما قتل أبي عبد الله يوم أحد لم أتخلف عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم في غزوة قط، ومقتضى حديثه أن غزواته صلى الله عليه وسلم إحدى وعشرين غزوة لأنه ذكر أنه لم يغز معه بدرا ولا أحدا، وأنه غزا معه تسع عشرة غزوة بعد أحد، وقد ذكر أصحاب المغازي والسير أكثر من ذلك، فذكر محمد بن سعد عن جماعة من أهل السير، منهم موسى بن عقبة وابن إسحاق وأبو مسعر وعبد الرحمن بن أبي الزناد في آخرين، وقال: دخل حديث بعضهم في بعض، قالوا: عدد مغازي رسول الله، صلى الله عليه وسلم سبع وعشرون غزوة، وكانت سراياه التي بعث فيها سبعا وأربعين سرية. فإن قلت: قد ذكر أصحاب السير قبل غزوة العشير ثلاث غزوات. قلت: أما أن يكون زيد بن أرقم لم يكن يومئذ أسلم، أو كانت ثلاث غزوات صغيرة، فإن من عد من الصحابة ذكر أعظمها، أو كانت قبل أن يشتهر أمر الغزو بالنسبة إلى ما علمه. قوله: (فأيهم؟) قال الدمياطي: مقتضى الكلام: أيهن، أو: أيها، وفي رواية الترمذي: أيتهن، كما ذكرنا، قوله: (فذكرت) الذاكر لعبادة هو شعبة.
74

2
((باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من يقتل ببدر))
أي: هذا باب في بيان ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، من يقتل في غزوة بدر، وفي بعض النسخ: من قتل على صيغة المجهول من الماضي، والوجه: هو يقتل على صيغة المجهول من المضارع وهي رواية أبي ذر. وفيه الدلالة على معجزته الباهرة حيث أخبر عما سيأتي.
3950 حدثني أحمد بن عثمان حدثنا شريح بن مسلمة حدثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق قال حدثني عمرو بن ميمون أنه سمع عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه حدث عن سعد بن معاذ أنه قال كان صديقا لأمية بن خلف وكان أمية إذا مر بالمدينة نزل على سعد وكان سعد إذا مر بمكة نزل على أمية فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انطلق سعد معتمرا فنزل على أمية بمكة فقال لأمية انظر لي ساعة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت فخرج به قريبا من نصف النهار فلقيهما أبو جهل فقال يا أبا صفوان من هاذا معك فقال هاذا سعد فقال له أبو جهل ألا أراك تطوف بمكة آمنا وقد أويتم الصباة وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم أما والله لولا أنك مع
أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالما فقال له سعد ورفع صوته عليه أما والله لئن منعتني هاذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه طريقك على المدينة فقال له أمية لا ترفع صوتك يا سعد على أبي الحكم سيد أهل الوادي فقال سعد دعنا عنك يا أمية فوالله لقد سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول إنهم قاتلوك قال بمكة قال لا أدري ففزع لذلك أمية فزعا شديدا فلما رجع أمية إلى أهله قال يا أم صفوان ألم ترى ما قال لي سعد قالت وما قال لك قال زعم أن محمدا أخبرهم أنهم قاتلي فقلت له بمكة قال لا أدري فقال أمية والله لا أخرج من مكة فلما كان يوم بدر استنفر أبو جهل الناس قال أدركوا عيركم فكره أمية أن يخرج فأتاه أبو جهل فقال يا أبا صفوان إنك متى يراك الناس قد تخلفت وأنت سيد أهل الوادي تخلفوا معك فلم يزل به أبو جهل حتى قال أما إذ غلبتني فوالله لأشتريأ أجود بعير بمكة ثم قال أمية يا أم صفوان جهزيني فقالت له يا أبا صفوان وقد نسيت ما قال لك أخوك اليثربي قال لا ما أريد أن أجوز معهم إلا قريبا فلما خرج أمية أخذ لا ينزل منزلا إلا عقل بعيره فلم يزل بذلك حتى قتله الله عز وجل ببدر. (انظر الحديث 3632).
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه صلى الله عليه وسلم، أخبر بمن يقتل ببدر، فهذا أمية قتل ببدر، وهذا من أبلغ معجزاته صلى الله عليه وسلم، وأحمد بن عثمان بن حكيم الأودي، وشريح، بضم الشين المعجمة وبالحاء المهملة: ابن مسلمة، بفتح الميم واللام: الكوفي، وإبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي، ويوسف هذا يروي عن جده أبي إسحاق.
والحديث قد تقدم في علامات النبوة في الإسلام، فإنه أخرجه هنا عن أحمد بن إسحاق عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق... إلى آخر، وتقدم الكلام فيه هناك.
قوله: (وقد أويتم) بالمد والقصر (والصباة) بضم الصاد جمع الصابي، وهو
75

المائل عن دينه إلى دين غيره. قوله: (طريقك) قال الكرماني بالنصب والرفع ولم يبين وجههما. قلت: أما بالنصب فعلى أنه بدل من قوله: (ما هو أشد عليك منه)، وأما الرفع فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هو طريقك. قوله: (قاتلوك) ويروى: قاتليك، على غير القياس بتأويل: يكونون قاتليك، ويروى: قاتلتك، أي: الطائفة القاتلون لك؟ قوله: (قال بمكة) أي: قال أمية: إنهم قاتلوني بمكة؟ قوله: (أخبرهم) أي: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، أصحابه، رضي الله تعالى عنهم. قوله: (أنهم) أي: أن أبا جهل وأتباعه قاتلي، بتشديد الياء. قوله: (استنفر) أي: طلب الخروج من الناس. قوله: (عيركم) بكسر العين المهملة، وهو الإبل التي تحمل الميرة. قوله: (متى يراك الناس) ويروى: متى يرك الناس، بالجزم. قوله: (أخوك اليثربي) أراد به سعدا، والمراد الأخوة بينهما بحسب المعاهدة والموالاة. قوله: (أن أجوز) أي: أنفذ، أو: أن أسلك. قوله: (حتى قتله الله) أي: قدر الله قتله بيد بلال مؤذن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولما كان أبو جهل هو السبب في خروج أمية إلى القتال أضيف إليه لأن القتل كما يكون مباشرة يكون سببا.
3
((باب قصة غزوة بدر))
أي: هذا باب في بيان قصة غزوة بدر ولفظ باب ما ثبت إلا في رواية كريمة.
وقول الله تعالى ولقد نصركم ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هاذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين. (آل عمران: 123 127).
وقول الله، بالجر عطفا على قوله: قصة غزوة بدر، وسيقت هذه الآيات الكريمة كلها في رواية كريمة وفي رواية أبي ذر والأصيلي، وقول الله تعالى: * (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون) * إلى قوله: * (فينقلبوا خائبين) * قوله: * (ولقد نصركم الله) * في معرض المنة حيث أعز الله الإسلام وأهله يوم بدر ورفع فيه الشرك وخرب محله، هذا مع قلة العدد في المسلمين يومئذ وكثرة العدو وفي سوابغ الحديد والبيض والعدة الكاملة والخيول المسومة والخيلاء الزائدة، فأعز الله رسوله وأظهر وحيه وتنزيله، وبيض الله وجه النبي صلى الله عليه وسلم وقبيله، وأخزى الشيطان وجيله، ولهذا قال ممتنا على عادة المؤمنين وحزبه المفلحين المتقين * (ولقد نصركم الله ببدر) * قال الشعبي: بدر بئر لرجل يسمى بدر بن الحارث بن مخلد بن النضر بن كنانة، وقيل: سميت بدرا لاستدارتها كالبدر، وقيل: لصفائها ورؤية البدر فيها، وقال السهيلي: احتفرها رجل من بني غفار ثم من بني النجار، واسمه بدر بن كلدة، وقال الواقدي: ذكرت هذا لعبد الله بن جعفر ومحمد بن صالح فأنكراه، وقالا: لأي شيء سميت الصفراء؟ ولأي شيء سمي الجار؟ إنما هو اسم الموضع. قال: وذكرت ذلك ليحيى بن النعمان الغفاري فقال: سمعت شيوخنا من غفار يقولون: هو ماؤنا ومنزلنا وما ملكه أحد قط قد اسمه بدر، وما هو من بلاد جهينة إنما هو من بلاد غفار، قال الواقدي: هو المعروف عندنا. وفي (الإكليل): بدر موضع بأرض العرب يقال لها الأثيل بقرب ينبع والصفراء والجار والجحفة، وهو موسم من مواسم العرب ومجمع من مجامعهم في الجاهلية، وبها قليب وآبار ومياه تستعذب، وعن الزهري: كان بدر متجرا يؤتى في كل عام. وقال البكري: هي على مائة وعشرين فرسخا من المدينة، ومنها إلى الجار ستة عشر ميلا، وبه عينان جاريتان عليهما الموز والنخل والعنب. قوله: * (وأنتم أذلة) * جمع ذليل، وهو جمع قلة وجمع الكثرة: ذلال، وجاء بجمع القلة ليدل على أنهم على ذلتهم كانوا قليلا وذلتهم ما كان بهم من ضعف الحال وقلة السلاح والمال والمركوب، وعدوهم كثيرون مع شكة وشوكة، وسنبين ذلك عن قريب. قوله: * (فاتقوا الله) * أي: مخالفة أمره وعقابه، وقال الزمخشري * (فاتقوا الله) * في الثبات مع رسوله * (لعلكم تشكرون) * بتقواكم ما أنعم به عليكم، ولعلكم ينعم الله
عليكم نعمة أخرى تشكرونها، فوضع الشكر موضع الإنعام لأنه سبب
76

له. قوله: * (إذ تقول) * ظرف لقوله: نصركم، أو بدل ثان من: إذ غدوت، وقال ابن كثير: اختلف المفسرون في هذا، هل كان يوم بدر أو يوم أحد؟ على قولين: أحدهما: أن قوله: (إذ تقول) يتعلق بقوله: * (ولقد نصركم الله ببدر) *، روي هذا عن الحسن البصري وعامر الشعبي والربيع بن أنس وغيرهم، واختاره ابن جرير. والثاني: أنه يتعلق بقوله: * (وإذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال) * (آل عمران: 121). وذلك يوم أحد، وهو قول مجاهد وعكرمة والضحاك والزهري وموسى بن عقبة وغيرهم، لكن قالوا: لم يحصل الإمداد بخمسة آلاف لأن المسلمين فروا يومئذ، زاد عكرمة: ولا بثلاثة آلاف. قوله: * (ألن يكفيكم) * قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب عن داود عن عامر يعني الشعبي: أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر يمد المشركين، فشق عليهم، فأنزل الله: * (ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين) * إلى قوله: * (مسومين) * قال: فبلغت كرز الهزيمة فلم يمد المشركين، ولم يمد الله المسلمين بالخمسة آلاف. وقال الربيع بن أنس: أمد الله المسلمين بألف ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف. فإن قلت: ما الجمع بين هذه الآية على هذا القول، وبين قوله في قضية بدر: * (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) * (الأنفال: 9). قلت: التنصيص على الألف ههنا لا ينافي الثلاثة آلاف فما فوقها، فمعنى: مردفين، يردفهم غيرهم ويتبعهم ألوف أخر مثلهم، والكفاية مقدار سد الخلة، والاكتفاء الاقتصار على ذلك، والإمداد إعطاء الشيء بعد الشيء. قال المفضل: كل ما كان على جهة القوة والإعانة قيل فيه: أمده، وكل ما كان على جهة الزيادة قيل فيه: مده، ومنه قوله تعالى: * (والبحر يمده) * (لقمان: 27). وقال بعضهم: المد في الشر والإمداد في الخير، بدليل قوله: * (ويمدهم في طغيانهم يعمهون) * (البقرة: 15). * (ونمد له من العذاب مدا) * (مريم: 79). وقال في الخير: * (إني ممدكم بألف) * (الأنفال: 9). قوله: (بلى) تصديق لما وعده بالإمداد والكفاية. وقال الزمخشري: بلى، إيجاب لما بعد لن، يعني: بل يكفيكم الإمداد بهم، فأوجب الكفاية. قوله: (أن تصبروا) أي: على لقاء العدو وتتقوا معصية الله ومخالفة نبيه. قوله: (ويأتوكم من فورهم هذا)، يعني المشركين من فورهم هذا يعني: من ساعتهم هذه، قيل: يوم فورهم يوم بدر، وقيل: يوم أحد، وقيل: يوم فورهم يوم غضبهم، ثبت هذا في رواية الكشميهني، وهو قول عكرمة ومجاهد، وروي عن الحسن وقتادة والربيع والسدي: أي: من وجههم هذا، وأصل الفور غليان القدر، ثم قيل للغضبان: فائر. قوله: (يمددكم)، جزاء. أن: قوله: (مسومين)، أي: معلمين بالسيماء، قال أبو إسحاق السبيعي: عن حارثة عن مضرب عن علي بن أبي طالب قال كان سيماء الملائكة يوم بدر الصوف الأبيض وكان سيماؤهم أيضا في نواصي خيولهم وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن أبي هريرة: * (مسومين) * قال: بالعهن الأحمر. وقال مكحول: مسومين بالعمائم، وروى ابن مردويه من حديث عبد القدوس بن حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في قوله: مسومين، قال: معلمين، وكانت سيماء الملائكة يوم بدر عمائم سود، ويوم أحد عمائم حمر، وروى من حديث حصين بن مخارق عن سعد عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس، قال: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الأحمسي حدثنا وكيع حدثنا هشام ابن عروة عن يحيى بن عباد أن الزبير، رضي الله تعالى عنه كان عليه يوم بدر عمامة صفراء معتجرا بها، فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر، وقال ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم عن مقسم عن ابن عباس، قال: كانت سيماء الملائكة يوم بدر عمائم بيض، قد أرسلوها في ظهورهم، ويوم حنين عمائم حمر، ولم تضرب الملائكة في يوم سوى يوم بدر، وكانوا يكونون عددا ومددا لا يضربون، وقال عروة: كانت الملائكة يومئذ على خيل بلق وعمائمهم صفر، وقال أبو إسحاق: عمائمهم بيض، وقال الحسن: عملوا على أذناب خيلهم ونواصيهم بصوف أبيض. قوله: (وما جعله الله إلا بشرى لكم)، أي: ما جعل الله هذا الوعد إلا بشارة لكم. قوله: (ولتطمئن قلوبكم به)، واضح مثل: * (وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا) * (فصلت: 12). قوله: (وما النصر إلا من عند الله) أي دون الملائكة، وكثرة العدد، ولكن نزولهم سبب من أسباب النصر لا يحتاج الرب إليه. قوله: (العزيز)، أي: الذي لا يغالب، (الحكيم)، الذي تجري أفعاله على ما يريد وهو أعلم بمصالح العبيد. قوله: (ليقطع طرفا)، فيه حرف العطف محذوف أي: وليقطع طائفة (من الذين كفروا)، وقال السدي: ليهدم ركنا من أركان المشركين بالقتل والأسر. قوله: (أو يكبتهم) أي: يهزمهم، وقيل: يصرعهم، وقيل: يهلكهم، وقيل: يلعنهم. قوله: (فينقلبوا)، أي: فيرجعوا خائبين أي: لم يحصلوا على ما أملوه.
77

وقال وحشي قتل حمزة طعيمة بن عدي بن الخيار يوم بدر
وحشي، بفتح الواو وسكون الحاء المهملة وكسر الشين المعجمة وتشديد الياء: هو ابن حرب ضد الصلح الحبشي، مولى طعيمة مصغر الطعمة بالمهملتين، وقيل: مولى جبير بن مطعم بن عدي بن الخيار، كذا وقع فيه: ابن الخيار، وهو وهم والصواب: ابن نوفل، وقال ابن الأثير: هو طعيمة بن عدي بن نوفل، ولم يذكر ابن الخيار. قوله: (قتل حمزة) أي: ابن عبد المطلب، وكان جبير بن مطعم وهو ابن أخي طعيمة قال له: لما قتل حمزة يوم بدر: طعيمة! إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر، فقتله يوم أحد على ما سيأتي إن شاء الله تعالى، وهذا التعليق رواه البخاري في غزوة أحد في: باب قتل حمزة، رضي الله تعالى عنه.
وقوله تعالى وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم الآية) * (الأنفال: 7).
كلمة: إذ، منصوبة بإضمار: اذكر، والمراد بإحدى الطائفتين: الطائفة التي فيها العير والتي فيها النفير، وكان في العير أبو سفيان ومن معه ومعهم من الأموال، وكان في النفير أبو جهل وعتبة بن ربيعة وغيرهما من رؤساء قريش مستعدين للسلاح متأهبين للقتال، ومراد المسلمين حصول العير لم، وقصة ذلك مختصرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم، خرج من المدينة طالبا لعير أبي سفيان التي بلغه خبرها أنا صادرة من الشام فيها أموال جزيلة لقريش، فاستنهض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المسلمين من خف منهم، فخرج في ثلاثمائة وبضعة عشر رجل وطلب نحو الساحل من على طريق بدر، وعلم أبو سفيان بخروج النبي صلى الله عليه وسلم،
في طلبه: فبعث ضمضم بن عمرو نذيرا إلى أهل مكة فنهضوا في قريب من ألف مقنع ما بين تسعمائة إلى الألف، وتيامن أبو سفيان بالعير إلى ساحل البحر فنجا، وجاء النفير فوردوا ماء بدر، وجمع الله بين المسلمين والكافرين على غير ميعاد لما يريد الله تعالى من إعلاء كلمة المسلمين ونصرهم على عدوهم والتفرقة بين الحق والباطل، والغرض أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم لما بلغه خروج النفير أوحى الله إليه بعدة إحدى الطائفتين: إما العير وإما النفير، ورغب كثير من المسلمين إلى العير لأنه كسب بلا قتال، كما قال تعالى: * (وتودون أن غير ذات الشوكة) * (الأنفال: 7). الآية. قوله: (أنها لكم) بدل من * (إحدى الطائفتين) * (الأنفال: 7). قوله: (وتودون)، أي: تحبون أن الطائفة التي لا حد لها ولا منعة ولا قتال تكون لكم وهي العير، والشوكة: الشدة والقوة، وأصلها من الشوك، وقال أبو عبيدة: يقال: ما أشد شوكة بني فلان، أي: حدهم، وكأنها مستعارة من واحد الشوك.
قال أبو عبد الله الشوكة الحدة
أبو عبد الله هو البخاري، ففسر الشوكة بالحدة، وقد ذكرناه، وليس هذا بمذكور في بعض النسخ.
3951 حدثني يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عبد الرحمان ابن عبد الله بن كعب أن عبد الله بن كعب قال سمعت كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه يقول لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك غير أني تخلفت عن غزوة بدر ولم يعاتب أحد تخلف عنها إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد..
مطابقته للترجمة تظهر من لفظ الحديث، وقال بعضهم: والغرض منه هنا قوله: (ولم يعاتب أحدا)، انتهى. قلت: أراد به وجه المطابقة بين الحديث والترجمة، وليس الغرض ذلك، لأن ما قاله لا يطابق الترجمة بل الوجه ما ذكرناه، ورجاله قد مروا ولا سيما شيخه إلى عبد الرحمن، وهو طرف من حديث كعب بن مالك في قصة توبته، وسيأتي مطولا في غزوة تبوك.
قوله:
78

(إلا في غزوة) وجه هذا الاستثناء أن غير صفة، والمعنى: ما تخلفت إلا في تبوك حال مغايرة تخلف بدر لتخلف تبوك، لأن التوجه فيه لم يكن بقصد الغزو بل بقصد أخذ العير، وهو معنى قوله: (إنما خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم) إلى آخره. قوله: (ولم يعاتب)، على صيغة المجهول، ولفظ (أحد) مرفوع، وفي رواية الكشمسهيني: (ولم يعاتب الله أحدا) قوله: (يريد عير قريش)، جملة حالية، يعني: لم يرد القتال. قوله: (على غير ميعاد) يعني: بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش.
4
((باب قول الله تعالى * (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ذالك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب. (الأنفال: 9 12).))
أي: هذا باب في ذكر قول الله تعالى: * (إذ تستغيثون ربكم) * الآيات، هكذا سيقت هذه الآيات كلها في رواية كريمة، وفي رواية الأكثرين: باب قول الله تعالى: * (إذ تستغيثون ربكم) * إلى قوله: * (شديد العقاب) * قوله: * (إذ تستغيثون) * بدل من قوله * (إذ يعدكم) * (الأنفال: 7). وقيل: يتعلق بقوله: * (ليحق الحق ويبطل الباطل) * (الأنفال: 8). واستغاثتهم أنهم لما علموا أنه لا بد من القتال طفقوا يدعون الله تعالى، أي: رب انصرنا على عدوك، يا غياث المستغيثين أغثنا، وسيجئ بيان الاستغاثة في حديث ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما. قوله: * (إني ممدكم) * من الإمداد، وقد مر الكلام فيه عن قريب، وأصل (أني) بأني، فحذف الجار وسلط عليه: استجاب، فنصب محله، وعن أبي عمرو أنه قرأ: أني ممدكم، بالكسر على إرادة القول أو على إجراء استجاب مجرى: قال، لأن الاستجابة من القول. قوله: * (مردفين) * أي: مردف بعضهم بعضا، وعن ابن عباس: متتابعين، يعني وراء كل ملك ملك، وقال ابن جرير: حدثني المثنى حدثنا إسحاق حدثنا يعقوب بن محمد الزهري حدثني عبد العزيز بن عمران عن الربيعي عن أبي الحويرث عن محمد بن جبير عن علي، رضي الله تعالى عنه، قال: نزل جبريل، عليه الصلاة والسلام، في ألف من الملائكة عن ميمنة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، ونزل ميكائيل في ألف من الملائكة عن ميسرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا في الميسرة، وهذا يقتضي لو صح إسناده أن الألف مردفة بمثلها، ولهذا قرأ بعضهم: مردفين، بفتح الدال. قوله: (وما جعله الله)، أي: وما جعل الله بعث الملائكة وإعلامه إياكم بهم * (إلا بشرى لكم ولتطمئن به قلوبكم) * (الأنفال: 7). وإلا فالله تعالى قادر على نصركم على أعدائكم بدون ذلك، ولهذا قال: * (وما النصر إلا من عند الله) * قوله: * (إذ يغشيكم النعاس) * كلمة: إذ، بدل ثان من: إذ يعدكم، أو منصوب بالنصر، أو بما في من عند الله من معنى الفعل، أو بما جعله الله، ومعنى: يغشيكم يغطيكم، يقال: غشاه تغشية إذا غطاه، قال الزمخشري: قرىء بالتشديد والتخفيف، ونصب النعاس، والضمير لله عز وجل. قوله: (أمنة) مفعول له، أي: لأمنكم، قال المفسرون: ذكرهم الله بما أنعم به عليهم من إلقائه النعاس عليهم أمانا من خوفهم الذي حصل لهم من كثرة عدوهم وقلة عددهم، وقال أبو طلحة: كنت ممن أصابه النعاس يوم أحد، ولقد سقط السيف من يدي مرارا، ولقد نظرت إليهم يمتدون وهم تحت الجحف، وقال سفيان الثوري: عن أبي عاصم عن أبي رزين عن عبد الله بن عباس، أنه قال: النعاس في القتال أمنة من الله، وفي الصلاة وسوسة من الشيطان، وقال قتادة:
النعاس في الرأس والنوم في القلب، وقال سهل بن عبد الله: هو يحل في الرأس مع حياة القلب، والنوم يحل في القلب بعد نزوله من الرأس. قوله: * (وينزل عليكم) * إلى قوله: * (الأقدام) * وعن ابن عباس: نزل المسلمون يوم بدر على كثيب أعفر سوخ فيه الأقدام وحوافر الدواب، وسبقهم المشركون إلى ماء بدر وغلبوهم عليه، وأصبح المسلمون بعضهم محدثين وبعضهم
79

جنبا، وأصابهم الظمأ ووسوس إليهم الشيطان، وقال: تزعمون أن فيكم نبي الله وأنكم أولياء الله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم تصلون جنبا ومحدثين؟ فكيف ترجون أن تظهروا عليهم؟ فأرسل الله عليهم مطرا من السماء سال منه الوادي، فشرب منه المسلمون واغتسلوا وسقوا الركاب. وملأوا الأسقية وأطفأت الغبار واشتد الرمل حتى ثبتت عليه الأقدام وزالت وسوسة الشيطان، فذلك قوله تعالى: * (وينزل عليكم) * الآية. قوله: (إذ يوحي ربك) بدل ثالث من: * (إذ يعدكم) * (الأنفال: 7). وأنه نصب: بيثبت به الأقدام. قوله: (إني معكم)، مفعول يوحي، وقرئ: إني: بالكسر على إرادة القول. قوله: (فثبتوا الذين آمنوا) المعنى: أني معينكم على التثبيت فثبتوهم، وقال ابن إسحاق: فآزروهم، وقيل: قاتلوا معهم، وقيل: كثروا سوادهم. قوله: (الرعب)، أي: الخوف والمذلة والصغار، فاضربوا فوق الأعناق، وقال الزمخشري أراد أعالي الأعناق التي هي المذابح لأنها مفاصل، فكان إيقاع الضرب فيها حزا وتطييرا للرؤوس، وقيل: أراد الرؤوس لأنها فوق الأعناق. قوله: (كل بنان)، قال الزمخشري: البنان الأصابع، يريد الأطراف، وقيل: كل مفصل. قوله: (ذلك) إشارة إلى ما أصابهم من الضرب والقتل والعقاب العاجل، ومحله الرفع على الابتداء، وقوله: (بأنهم) خبره أي: ذلك العقاب وقع عليهم بسبب مشاقهم. قوله: (شاقوا الله ورسوله) أي: خالفوهما. قوله: (شديد العقاب) أي: هو الطالب الغالب لمن خالفه وناواه، لا يفوته شيء ولا يقوم لغضبه شيء.
3952 حدثنا أبو نعيم حدثنا إسرائيل عن مخارق عن طارق بن شهاب قال سمعت ابن مسعود يقول شهدت من المقداد بن الأسود مشهدا لأن أكون أنا صاحبه أحب إلي مما عدل به أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين فقال لا نقول كما قال قوم موساى إذهب أنت وربك فقاتلا ولاكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم أشرق وجهه وسره يعني قوله. (الحديث 3952 طرفه في: 4609).
ذكر في هذا الباب حديثين: أحدهما: هذا، وهو في بيان ما وقع قبل الوقعة. والآخر: حديث ابن عباس فيه بيان الاستغاثة، وكل منهما متعلق بما ذكر في الآيات الكريمة والمطابقة بهذا المقدار تكفي. وأبو نعيم الفضل بن دكين، وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، ومخارق، بضم الميم وتخفيف الخاء المعجمة وكسر الراء وفي آخره قاف: ابن عبد الله ابن جابر البجلي الأحمسي، بالمهملتين، ويقال: اسم أبيه عبد الرحمن، ويقال: خليفة، وهو كوفي ثقة عند الجميع، وقيل: ليس له رواية عن غير طارق بن شهاب بن عبد شمس بن سلمة البجلي الأحمسي الكوفي، يكنى أبا عبد الله، رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وغزا في خلافة أبي بكر وعمر، رضي الله تعالى عنهما، ثلاثا وثلاثين أو ثلاثا وأربعين غزوة، سمع جماعة من الصحابة ومات سنة ثلاث وثمانين.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن أبي نعيم أيضا، وعن حمدان بن عمرو، وأخرجه النسائي في التفسير عن أبي بكر بن النضر.
قوله: (شهدت من المقداد)، بكسر الميم: ابن الأسود، وفي الحقيقة اسم أبيه عمرو، والأسود كان تبناه فصار ينسب إليه. قوله: (لأن أكون أنا) اللام فيه مفتوحة، ولفظة: أنا، وقعت في رواية الكشميهني: وعلى هذه الرواية يجوز في قوله: (صاحبه) الرفع والنصب، وعلى رواية غيره يتعين النصب. قوله: (صاحبه)، أي: صاحب المشهد. قوله: (مما عدل به)، على صيغة المجهول، أي: مما وزن به من شيء يقابله، وقال الكرماني: أي: من الثواب الذي عدل ذلك المشهد به، وهذا فيه مبالغة وإلا قدره من الثواب خير من الدنيا وما فيها، والأولى أن يقال: أي من كل شيء يقابل ويوازن به من الدنيويات. قوله: (وهو يدعو) الواو فيه للحال. قوله: (فقال)، أي: المقداد، قوله: (لا نقول)، بنون الجمع. قوله: (كما قال قوم موسى)، أي: كقول قوم موسى لموسى، عليه السلام، وأصل ذلك ما رواه ابن مردويه، حدثنا علي بن الحسن حدثنا أبو حاتم الرازي حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا حميد عن أنس: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لما سار إلى بدر استشار المسلمين، فأشار عليه عمر، رضي الله تعالى عنه، ثم استشارهم،
80

فقال الأنصاري: يا معشر الأنصار إياكم يريد رسول الله، صلى الله عليه وسلم إذ لا نقول له كما قال بنو إسرائيل لموسى: * (إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) * (المائدة: 24). والذي بعثك بالحق، لو ضربت أكبادها إلى برك الغماد لاتبعناك! ورواه أحمد والنسائي أيضا، وروى أحمد بإسناده عن طارق بن شهاب: أن المقداد قال لرسول الله، صلى الله عليه وسلم يوم بدر: يا رسول الله! إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: * (إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) * (المائدة 24). ولكن إذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون. قوله: (أشرق وجهه)، من الإشراق، أي: استنار. قوله: (وسره) يعني قوله، أي: سر النبي صلى الله عليه وسلم، قول المقداد، رضي الله تعالى عنه.
3953 حدثني محمد بن عبد الله بن حوشب حدثنا عبد الوهاب حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر أللهم أنشدك عهدك ووعدك أللهم إن شئت لم تعبد فأخذ أبو بكر بيده فقال حسبك فخرج وهو يقول * (سيهزم الجمع ويولون الدبر) * (القمر: 45).
قد مر وجه ذكره، وعبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي، وخالد هو الحذاء، والحديث قد مضى في كتاب الجهاد في: باب ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه أخرجه هناك: عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب عن خالد... إلى آخره.
قوله: (أنشدك) بضم الشين أي: أطلب منك الوفاء بما عهدت ووعدت من الغلبة على الكفار والنصر للرسول وإظهار الدين. قوله: (إن شئت لم تعبد)، أي: إن شئت لا تعبد بعد هذا. فبوم لسلطون على المؤمنين، وفي حديث عمر: اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض. قوله: (حسبك) أي: يكفيك
من القول فاتركه، وقال الخطابي لا يتوهم أن أبا بكر كان أوثق بوعد ربه من النبي صلى الله عليه وسلم، في تلك الحالة، لأنه لا يجوز ذلك قطعا، بل كان الحامل للنبي صلى الله عليه وسلم، على ذلك الشفقة على أصحابه وتقويتهم، إذ كان ذلك أول مشهد شهدوه من لقاء العدو، فابتهل في الدعاء ليسكنهم إذ كانوا يعلمون أن وسيلته مقبولة ودعاءه مستجاب، فلما قال له أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، مقالته كف عن الدعاء إذ علم أنه أستجيب دعاؤه بما وجده أبو بكر في نفسه من القوة والطمأنينة حتى قال له ذلك القول، ولهذا قال بعده: * (سيهزم الجمع ويولون الدبر) * (القمر: 45). فإن قلت: هل وقع مثل هذا في يوم غير يوم بدر؟ قلت: روى أبو نعيم من حديث أنس أنه قال يوم أحد: اللهم إنك إن تشأ لا تعبد في الأرض، والله أعلم.
5
((باب))
قد مر غير مرة أن لفظ: باب، إذا وقع مجردا يكون كالفصل لما قبله وهذا هكذا وقع بغير ترجمة عند الجميع، ووقع في نسخة صاحب (التوضيح): باب فضل من شهد بدرا، وهذا غير صواب، لأن هذه الترجمة بعينها ستأتي فيما بعد، إن شاء الله تعالى.
3954 حدثني إبراهيم بن موساى أخبرنا هشام أن ابن جريج أخبرهم قال أخبرني عبد الكريم أنه سمع مقسما مولى عبد الله بن الحارث يحدث عن ابن عباس أنه سمعه يقول لا يستوي القاعدون من المؤمنين عن بدر والخارجون إلاى بدر. (الحديث 3954 طرفه في: 4595).
مطابقته لما قبله من حيث إن فيه بيان أنه: لا مساواة بين من حضر غزوة بدر وبين من غاب عنها، و إبراهيم بن موسى هو أبو إسحاق الفراء المعروف بالصغير، و هشام هو ابن يوسف، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج. و عبد الكريم هو ابن مالك الجزري أبو أمية، مقسم بكسر الميم أبو القاسم مولى ابن عباس، وهو في الأصل مولى عبد الله ابن الحارث الهاشمي، وإنما قيل له: مولى ابن عباس، لشدة ملازمته له، وما له في البخاري إلا هذا الحديث الواحد.
والحديث
81

أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن إبراهيم بن موسى وعن إسحاق عن عبد الرزاق، وأخرجه الترمذي في التفسير عن الحسن بن محمد الزعفراني، وقال: حسن غريب.
6
((باب عدة أصحاب بدر))
أي: هذا باب في بيان عدد أصحاب غزوة بدر الذين شهدوا الوقعة ومن ألحق بهم.
3956 وحدثني محمود حدثنا وهب عن أبي إسحاق عن البراء قال استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر وكان المهاجرون يوم بدر نيفا على ستين والأنصار نيفا وأربعين ومائتين. (انظر الحديث 3955).
مطابقته للترجمة ظاهرة، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، والبراء هو ابن عازب الأنصاري، ومحمود هو ابن غيلان، ووهب هو ابن جرير.
قوله: (استصغرت)، على صيغة المجهول. قوله: (يوم بدر)، يعني يوم عرض الناس يوم بدر، واعترض عياض وابن التين بأن هذا يرده قول ابن عمر: استصغرت يوم أحد، ورد عليهما بأنه لا منافاة بين الإخبارين، فيحمل على أنه استصغر يوم بدر ثم استصغر يوم أحد، بل جاء ذلك صريحا عن ابن عمر، رضي الله تعالى عنه، نفسه وأنه عرض يوم بدر وهو ابن ثلاث عشرة سنة فاستصغر، وعرض يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فاستصغر، يقال: استصغره أي: عده صغيرا. قوله: (نيفا)، بالتشديد والتخفيف، يقال: عشرة ونيف، وكل ما زاد على العقد فهو نيف حتى يبلغ العقد الثاني، ونيف فلان على السبعين أي زاد عليها، وقيل: النيف كالبضع بين الثلاث إلى التسع، وقيل: من الواحد إلى الثلاث، والبضع ما بين الثلاث والتسع، قيل: ما دون نصف العقد أي ما دون الخمسة، وقيل: ما دون العشرة، وقال قتادة: أكثر من ثلاثة إلى عشرة، وقيل: ما بين ثلاثة وخمسة، ذكره أبو عبيد. قوله: (نيفا على ستين) منصوب لأنه خبر: كان، ويجوز في: نيفا، الثاني النصب والرفع، أما النصب فعلى تقدير، وكان الأنصار نيفا، وقوله: (وأربعين) عطف عليه، وقوله: (ومائتين) عطف على أربعين، وأما الرفع فعلى أنه خبر لقوله: (والأنصار) لكونه مبتدأ، أو يقرأ على هذا: وأربعون ومائتان، لأنهما حينئذ معطوفان على المرفوع.
واختلفوا في عدد من حضر يوم بدر للقتال، فقال ابن إسحاق: كان جميعهم ثلاثمائة رجل وأربعة عشر رجلا، من المهاجرين ثلاثة وثمانون، ومن الأوس أحد وستون رجلا، ومن الخزرج مائة وسبعون رجلا منهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهذا مخالف لما ذكره البخاري في حديث الباب، ووقع في رواية مسلم من حديث ابن عباس عن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنهم، قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله، صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر... الحديث، وقال ابن سعد: خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم إليها في ثلاثمائة رجل وخمسة نفر، كان المهاجرون منهم أربعة وسبعين وسائرهم من الأنصار وثمانية تخلفوا لعلة ضرب رسول الله، صلى الله عليه وسلم بسهامهم وأجرهم، وهم: عثمان بن عفان تخلف على امرأته رقية، وطلحة بن عبيد الله، وسعيد بن زيد بعثهما، عليه الصلاة والسلام، يتجسسان خبر العير، وأبو لبابة خلفه على المدينة، وعاصم بن عدي خلفه على أهل العالية، والحارث ابن حاطب رده من الروحاء إلى بني عمرو بن عوف لشيء بلغه عنهم، والحارث بن الصمة، كسر بالروحاء، وخوات بن جبير، كسر أيضا فهؤلاء ثمانية لا اختلاف فيهم عندنا. وفي (الإكليل): كانوا ثلاثمائة رجل وخمسة عشر رجلا، كما خرج طالوت. وفي (الأوائل) العسكري: حضر بدرا ثلاثة وثمانون مهاجريا وأحد وستون أويسيا ومائة وسبعون
خزرجيا، وعند ابن عقبة: وستة عشر، وعند البزار من حديث أبي موسى: ثلاثمائة وسبعة عشر، ووقع في رواية زهير وإسرائيل وسفيان، على ما يجيء عن قريب في هذا الباب: كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر. فإن قلت: ما وجه هذا الاختلاف؟ قلت: الذين شهدوا منهم في الحقيقة ثلاثمائة وخمسة أو ستة، نص على الستة ابن جرير من حديث ابن عباس، ونص على الخمسة ابن سعد، والذي زاد على هذا ضم إليهم من استصغر ولم يؤذن له في القتال يومئذ: كالبراء وابن عمر، وكذلك أنس، رضي الله تعالى عنه، وقد روى أحمد بسند صحيح عنه أنه سئل:
82

هل شهدت بدرا؟ فقال: وأين أغيب عن بدر؟ وكأنه كان في خدمة النبي صلى الله عليه وسلم، كما ثبت عنه أنه خدمه عشر سنين، وذلك يقتضي أن ابتداء خدمته له حين قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فكأنه خرج معه إلى بدر أو خرج مع عمه زوج أمه أبي طلحة، وكذلك جابر ابن عبد الله، فقد روى أبو داود بإسناد صحيح، عنه أنه قال: كنت أمنح الماء لأصحابي يوم بدر، وذكر بعضهم سعد بن مالك الساعدي والد سهل وأنه مات في الطريق، واختلف في سعد بن عبادة هل شهدها أو رد لحاجة؟ فإذا وقع التحرير في هذا يظهر وجه الاختلاف في العدد.
3957 حدثنا عمرو بن خالد حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق قال سمعت البراء رضي الله تعالى عنه يقول حدثني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرا أنهم كانوا عدة أصحاب طالوت الذين جازوا معه النهر بضعة عشر وثلاثمائة قال البراء لا والله ما جاوز معه النهر إلا مؤمن.
هذا طريق آخر في حديث البراء أخرجه عن عمرو بن خالد الحراني عن زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله. والحديث من أفراده.
قوله: (أصحاب طالوت) هو ابن قشن بن أقبيل بن صادق بن يحوم بن يحورث بن أفيح بن ناحور بن بنيامين بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، عليه السلام، واسم طالوت بالعبرانية: شاول، وكان دباغا يعمل الأدم. قاله وهب، وقال عكرمة والسدي: كان سقاء يسقي على حمار له من النيل فضل حماره، فخرج في طلبه، وقد ذكر الله تعالى قصته في القرآن في سورة البقرة، وملخصها: أن الله عز وجل بعث إلى بني إسرائيل نبيا، يقال له أشمويل من ذرية هارون، عليه السلام، وكان قد غلب عليهم جالوت ملك العمالقة، وكانوا يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين، وطلب بنو إسرائيل من أشمويل أن يجعل عليهم ملكا يقاتل جالوت، فسأل الله فأمر عليهم طالوت. وذلك أن أشمويل حين سأل الله ذلك أتى بعصا وقرن فيه دهن القدس، وقيل له: إن الذي يكون لكم ملكا يكون طوله طول هذا العصا، وإذا دخل عليك ينشف هذا الدهن، فاتفق أن طالوت حين خرج في طلب حماره دخل عليه، فرآه فقاسه فجاء طول العصا ونشف الدهن الذي في القرن، ولما رأى أشمويل ذلك قال له: أنت ملك بني إسرائيل، وأخبرهم بذلك. وقال الله تعالى: * (وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا) * (البقرة: 247). وقصته طويلة، فآخر الأمر اجتمع عنده ثمانون ألفا، فقال لهم طالوت بأمر أشمويل: * (إن الله مبتليكم بنهر) * (البقرة: 249). ليرى طاعتكم، وهو نهر الأردن، وقال ابن كثير: هو النهر المسمى بالشريعة * (فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني) * (البقرة: 249). يعني من أهل ديني وطاعتي * (فشربوا منه إلا قليلا) * (البقرة: 249). وهم ثلاثمائة وبضعة عشر كما ذكر في حديث الباب، وكان فيهم داود، عليه السلام، فلما وقعت المقاتلة بين طالوت وجالوت عند قصر أم حكيم بقرب مرج الصفر بحوران من نواحي دمشق، قتل داود جالوت كما أخبر الله في كتابه العزيز، وما أشمويل بعد انكسار جالوت وكان عمره اثنين وخمسين سنة، ثم إن طالوت اشتغل بالغزو حتى قتل هو وأولاده جميعا، وكانت مدة ملكه أربعين سنة، وكان أحلم الناس وأعلمهم وأطولهم، فلذلك سمي: طالوت، وقيل: أوحي إليه ونبيء، ذكره الزمخشري، والله أعلم. ثم افترقت أسباط بني إسرائيل فملك سبط يهوذا، داود عليه السلام، ابن إيشا، قوله: (جازوا) معه النهر بالجيم والزاي وهو رواية الكشميهني بغير ألف في أوله، وفي رواية غيره، وأجازوا، بالألف وفي رواية إسرائيل: جاوزوا، من المجاوزة والكل بمعنى التعدية، وقد مر تفسير النهر وتفسير بضعة أيضا عن قريب. قوله: (لا والله) كلمة: لا، إما النفي كلام تقدم بينهم فيما يتعلق بالمسألة، وإما زائدة لتأكيد معنى عدم المجاوزة.
3958 حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر ولم يجاوز معه إلا مؤمن بضعة عشر وثلاثمائة..
هذا طريق آخر في حديث البراء أخرجه عن عبد الله بن رجاء ضد الخوف البصري عن إسرائيل بن يونس عن جده
83

أبي إسحاق عمرو بن عبد الله. قوله: ((أصحاب محمد) بالرفع مبتدأ، و (نتحدث) مع فاعله خبره، والجملة في محل النصب خبر كان. قوله: (أصحاب بدر) أي: أصحاب غزوة بدر. قوله: (على عدة أصحاب طالوت) خبر: إن، وكلمة: على، بمعنى الاستعلاء المعنوي، وفي الحقيقة تؤدي معنى التشبيه ولا تخفى المشابهة بين القضيتين من وجوه لا تخفى.
3959 حدثني عبد الله بن أبي شيبة حدثنا يحيى عن سفيان عن أبي إسحاق عن البراء ح وحدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله تعالى عنه قال كنا نتحدث أن أصحاب بدر ثلاثمائة وبضعة عشر بعدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر وما جاوز معه إلا مؤمن..
هذان طريقان آخران في حديث البراء: أحدهما: عن عبد الله وهو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم وكنية عبد الله أبو بكر العبسي الكوفي أخو عثمان بن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد القطان الأحول البصري عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن البراء، وأخرجه ابن ماجة في الجهاد عن بندار عن أبي عامر العقدي. والطريق الثاني: عن محمد بن كثير العبدي البصري عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق.
7
((باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على كفار قريش شيبة وعتبة والوليد وأبي جهل بن هشام وهلاكهم))
أي: هذا باب في بيان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على كفار قريش، وهذه الترجمة ثبتت لأكثر الرواة وسقطت في رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني.
قوله: (شيبة)، هو ابن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، وقال بعضهم: شيبة بن ربيعة بالجر وبالفتح على البدلية، وكذا عتبة. قلت: من له مساس بالعربية لا يعرف كذا، بل شيبة لا ينصرف للعلمية والتأنيث، فيكون مفتوحا في محل الجر، وهو وما بعده عطف بيان لكفار قريش، و: عتبة، بضم العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق: ابن ربيعة المذكور، والوليد، بفتح الواو: وهو ابن عتبة المذكور، وأبو جهل اسمه عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وكان يكنى أبا الحكم فكناه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبا جهل. قوله: (وهلاكهم) بالجر، أي: وفي بيان هلاكهم، فقبل الله دعاءه وكلهم قتلوا يوم بدر، أما شيبة فقتله حمزة بن عبد المطلب، رضي الله تعالى عنه، وأما عتبة فقتله عبيد بن الحارث بن المطلب، وقال ابن هشام: اشترك فيه هو وحمزة وعلي، رضي الله تعالى عنهم، وأما الوليد فقتله علي بن أبي طالب، وأما أبو جهل فقتله معاذ بن عمرو بن جموح ومعاذ بن عفراء وعبد الله بن مسعود، وقد جز رأسه وأتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
3960 حدثني عمرو بن خالد حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة فدعا على نفر من قريش على شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأبي جهل بن هشام فأشهد بالله لقد رأيتهم صرعى قد غيرتهم الشمس وكان يوما حارا..
مطابقته للترجمة ظاهرة، والحديث قد مر في كتاب الوضوء في: باب إذا ألقى على المصلى قذر، وفي كتاب الصلاة في: باب المرأة تطرح على المصلى شيئا من الأذى، بأتم منه وأطول. قوله: (صرعى)، جمع: صريع، أي: مطروحين بين القتلى في المصارع التي عينها رسول الله، صلى الله عليه وسلم قبل القتال.
8
((باب قتل أبي جهل))
84

أي: هذا باب في بيان قتل أبي جهل، أي: في كيفية قتله، وهذه الترجمة ثبتت لغير أبي ذر، قيل: سقوطها أوجه لأن فيه هلاك غير أبي جهل أيضا. قلت: وفي بعض النسخ أيضا: باب قتل أبي جهل وغيره، فعلى هذا ثبوتها أوجه.
3961 حدثنا ابن نمير حدثنا أبو أسامة حدثنا إسماعيل أخبرنا قيس عن عبد الله رضي الله تعالى عنه أنه أتى أبا جهل وبه رمق يوم بدر فقال أبو جهل هل أعمد من رجل قتلتموه.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وابن نمير هو محمد بن عبد الله بن نمير، وقد مر غير مرة، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وإسماعيل هو ابن أبي خالد الأحمسي البجلي والحديث من أفراده.
قوله: (رمق) وهو بقية الروح يتردد في الحلق. قوله: (هل أعمد من رجل؟) أي: هل أعجب من رجل قتله قومه؟ يعني: ليس قتلكم لي إلا قتل رجل قتله قومه، لا يزيد على ذلك ولا هو فخر لكم ولا عار علي، يقال: أنا أعمد من كذا، أي: أعجب منه، وقيل: أعمد، بمعنى: أغضب، من قولهم: عمد عليه إذا غضب، والحاصل أنه يهون على نفسه ما حل به من الهلاك وأنه ليس بعار عليه أن يقتله قومه، وقال السهيلي: هو عندي من قولهم: عمد البعير يعمد، إذا انفضح سنامه فهلك، أي: أهلك من رجل قتله قومه. وقال أبو عبيد: معناه: هل زاد على سيده قتله قومه؟ وعن عبيدة: أي هل كان ذلك إلا هذا؟ يقول: إن هذا ليس بعار علي وفي (تهذيب) الأزهري: قال شمر: هذا استفهام أي: أعجب من رجل قتله قومه، وقد ذكرنا هذا.
3962 حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا سليمان التيمي أن أنسا حدثهم قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ح وحدثني عمرو بن خالد حدثنا زهير عن سليمان التيمي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من ينظر ما صنع أبو جهل فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد قال أأنت أبو جهل قال فأخذ بلحيته قال وهل فوق رجل قتلتموه أو رجل قتله قومه قال أحمد بن يونس أنت أبو جهل.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأخرجه من طريقين: أحدهما عن أحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي عن زهير بن معاوية الجعفي الكوفي عن سليمان بن طرخان التيمي البصري عن أنس. وأخرجه مسلم في المغازي أيضا عن علي بن حجر وعن حامد بن عمر. والآخر: عن عمرو بن خالد الجزري، سكن مصر عن زهير... إلى آخره، وقال الكرماني: الحديث من مراسيل الصحابة، لأن الأصح أن أنسا لم يشهد بدرا، قلت: قد ذكرنا عن قريب عن أبي داود أنه روى بإسناد صحيح عن أنس أنه قال: كنت أمنح الماء لأصحابي يوم بدر.
قوله: (ابنا عفراء)، يعني: معاذا ومعوذا، وفي (صحيح مسلم): أن للذين قتلاه: معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء، وهو ابن الحارث بن رفاعة بن سواد، وعفراء أمه، وهي ابنة عبيد بن ثعلبة النجارية، وكذلك تقدم في كتاب الجهاد في: باب من لم يخمس الأسلاب أن معاذ بن عمرو هو الذي قطع رجل أبي جهل وصرعه ثم ضربه معوذ بن عفراء حتى أثبته ثم تركه وبه رمق فدفق عليه عبد الله بن مسعود واحتز رأسه. فإن قلت: ما وجه الجمع بين هذه الأقاويل؟ قلت: لعل القتل كان بفعل الكل فأسند كل راو إلى ما رآه من الضرب أو من زيادة الأثر على حسب اعتقاده. قوله: (حتى برد)، بفتحتين أي: حتى مات. قوله: (قال)، أي: ابن مسعود: أنت أبو جهل؟ هذا على أصل رواية المستملي وحده، وفي رواية الأكثرين: أنت أبا جهل، بالنصب على النداء أي: أنت مصروع يا أبا جهل، أو هو على مذهب من يقول: ولو ضربه يا أبا قبيس، أو تقديره: أنت تكون أبا جهل؟ وخاطبه بذلك مقرعا له ومتشفيا منه، لأنه كان يؤذيه بمكة أشد الأذى، وعند أبي إسحاق والحاكم من حديث ابن عباس، قال ابن مسعود: فوجدته بآخر رمق فوضعت رجلي على عنقه، فقلت: أخزاك الله يا عدو الله، قال: وبما أخزاني؟ هل أعمد
من رجل قتلتموه؟ وقال عياض: إن ابن مسعود إنما
85

وضع رجله على عنق أبي جهل ليصدق رؤياه، فإنه رأى ذلك في المنام، قال: وزعم رجال من بني مخزوم أنه قال: لقد أرتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا، قال: ثم احتززت رأسه فجئت به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقلت: هذا رأس عدو الله أبي جهل، فقال: والله الذي لا إل
1764; ه إلا هو، فحلف له، ويقال: مر ابن مسعود على أبي جهل فقال: الحمد لله الذي أخزاك وأعز الإسلام، فقال أبو جهل: أتشتمني يا رويع هذيل؟ فقال: نعم والله وأقتلك، فحذفه أبو جهل بسيفه، وقال: دونك هذا إذا، فأخذه عبد الله فضربه حتى قتله، وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله! قتلت أبا جهل، فقال: الله الذي لا إل
1764; ه إلا هو، فحلف له، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم، بيده ثم انطلق معه حتى أراه إياه، فقام عنده، وقال: الحمد لله الذي أعز الإسلام وأهله، ثلاث مرات، وعن أبي إسحاق: لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم البشير بقتل أبي جهل استحلفه ثلاثة أيمان بالله الذي لا إل
1764; ه إلا هو لقد رأيته قتيلا، فحلف له، فخر صلى الله عليه وسلم ساجدا. قوله: (وهل فوق رجل قتلتموه؟)، قال النووي: أي: لا عار في قتلكم إياي. قوله: (أو رجل قتله قومه)، شك من الراوي، وهو سليمان التيمي بينه ابن علية عنه، وقال التيمي أيضا: قال أبو مجلز: قال أبو جهل: فلو غير أكار قتلني؟ وهذا في مسلم، وهو مرسل، وأبو مجلز بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام وفي آخره زاي، واسمه لاحق بن حميد السدوسي البصري التابعي المشهور، وروى عنه سليمان التيمي وغيره، والأكار، بفتح الهمزة وتشديد الكاف وفي آخره راء، وهو الزراع، وأراد بذلك ابني عفراء لأنهما من الأنصار وهم أصحاب زرع ونخل، وأشار بذلك إلى تنقيصهم.
قوله: (أحمد بن يونس) وهو شيخه في الطريق الأول للحديث المذكور، أي: قال أحمد في روايته: قال ابن مسعود: أنت أبو جهل؟ على الأصل، وعامة الرواة على قوله: أنت أبو جهل، وقد ذكرنا وجهه.
3963 حدثني محمد بن المثنى حدثنا ابن أبي عدي عن سليمان التيمي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر من ينظر ما فعل أبو جهل فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد فأخذ بلحيته فقال أنت أبا جهل قال وهل فوق رجل قتله قومه أو قال قتلتموه. (انظر الحديث 3962 وطرفه).
هذا طريق آخر في حديث أنس أخرجه عن محمد بن المثنى عن ابن أبي عدي، بفتح العين المهملة وكسر الدال وتشديد الياء: واسمه محمد بن إبراهيم أبو عمرو البصري، وإبراهيم هو اسم أبي عدي السلمي عن سليمان التيمي. قوله: (ما فعل أبو جهل؟) وفي الحديث السابق: (ما صنع أبو جهل). و: فعل، من أعم الأفعال بخلاف صنع. قوله: (حتى برد)، قد ذكرنا أن معناه: مات، وفي رواية لمسلم: (حتى برك)، يعني حتى سقط على الأرض. قال القاضي: رواية الجمور: (برد)، يعني بالدال، واختار جماعة محققون الكاف.
حدثني ابن المثنى أخبرنا معاذ بن معاذ حدثنا سليمان أخبرنا أنس بن مالك نحوه
هذا طريق آخر في حديث أنس أخرجه عن محمد بن المثنى عن معاذ، بضم الميم: ابن معاذ التيمي عن أنس، رضي الله تعالى عنه، زاد هنا اسم والد أنس، كما نراه.
16 - (حدثنا علي بن عبد الله قال كتبت عن يوسف بن الماجشون عن صالح بن إبراهيم عن أبيه عن جده في بدر يعني حديث ابني عفراء)
علي بن عبد الله هو ابن المديني قوله ' كتبت ' كناية عن سمعت لأن الكتابة لازم السماع عادة وقول بعضهم ظاهره أنه كتبه عنه ولم يسمعه منه بعيد ظاهرا ويوسف بن الماجشون هو يوسف بن يعقوب بن عبد الله بن أبي سلمة واسمه دينار والماجشون هو لقب يعقوب وتفسيره المورد وقد ذكر فيما مضى مستقصى وإبراهيم هو ابن عبد الرحمن بن عوف يروي عنه ابنه صالح وصالح يروي عن أبيه إبراهيم عن جده عبد الرحمن والضمير في جده يرجع إلى صالح * والحديث
86

مضى مطولا في كتاب الخمس في باب من لم يخمس الأسلاب فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن يوسف بن الماجشون إلى آخره ومر الكلام فيه هناك مستقصى قوله ' في بدر ' أي في قصة غزوة بدر قوله ' يعني حديث ابني عفراء ' أراد به الحديث الذي مضى في الخمس
17 - (حدثني محمد بن عبد الله الرقاشي حدثنا معتمر قال سمعت أبي يقول حدثنا أبو مجلز عن قيس بن عباد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة وقال قيس بن عباد وفيهم أنزلت هذان خصمان اختصموا في ربهم قال هم الذين تبارزوا يوم بدر حمزة وعلي وعبيدة أو أبو عبيدة بن الحارث وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة)
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن مسلم الرقاشي والد أبي قلابة عبد الملك بن محمد البصري وهو شيخ مسلم أيضا والرقاشي بفتح الراء والقاف المخففة وبالشين المعجمة في ربيعة بن نزار نسبة إلى رقاش بنت ضبيعة بن قيس بن ثعلبة ومعتمر هو ابن سليمان يروي عن أبيه سليمان بن طرخان التيمي البصري وأبو مجلز ضبطناه عن قريب في هذا الباب وقيس بن عباد بضم العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة الضبعي البصري وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وحديث آخر تقدم في مناقب عبد الله بن مسلم وفيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض وهم سليمان بن طرخان وأبو مجلز وقيس بن عباد والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن حجاج بن منهال وأخرجه النسائي في السير عن هلال بن بشر البصري قوله ' أنا أول من يجثو ' أراد بالأولية تقييده بالمجاهدين من هذه الأمة لأن المبارزة المذكورة أول مبارزة وقعت في الإسلام ويجثو بالجيم والثاء المثلثة من جثا يجثو أي يقعد على ركبتيه مخاصما قوله ' وقال قيس بن عباد ' موصول بالإسناد المذكور قوله ' فيهم أنزلت ' أي في علي وحمزة وعبيدة بن الحرث وروى قيس بن عباد على ما يجيء الآن أن أبا ذر الغفاري كان يقسم بالله سبحانه أنزلت هذه الآية يعني
قوله * (هذان خصمان اختصموا) * في ستة نفر من قريش تبارزوا يوم بدر حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث رضي الله تعالى عنهم وعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة قوله ' هذا خصمان ' الخصم صفة يوصف بها الفوج أو الفريق كأنه قيل هذان فوجان أو فريقان يختصمان وهذان بالنظر إلى اللفظ واختصموا بالنظر إلى المعنى وقال الله تعالى في حق أحد الفريقين الذين كفروا وهم عتبة وشيبة والوليد * (فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار) * الآية قوله ' هم الذين تبارزوا ' من التبارز وهو الخروج من الصف على الانفراد للقتال قوله ' حمزة ' بالرفع مع ما عطف عليه عطف بيان لقوله هم الذين تبارزوا ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره أحدهم حمزة والثاني علي إلى آخره بهذا التقدير ولم يقع في هذه الرواية تفصيل المبارزين وذكر ابن إسحاق أن عبيدة بن الحارث وعتبة بن ربيعة كانا أسن القوم فبرز عبيدة لعتبة وحمزة لشيبة وعلي للوليد وفي رواية موسى بن عقبة برز حمزة لعتبة وعبيدة لشيبة وعلي للوليد ثم اتفقا فقتل علي الوليد وقتل حمزة الذي بارزه واختلف عبيدة ومن بارزه بضربتين فوقعت الضربة في ركبة عبيدة فمات منها لما رجعوا بالصفراء ومال حمزة وعلي إلى الذي بارز عبيدة فأعاناه على قتله وعبيدة مصغر عبدة ابن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف القرشي كان أسن من رسول الله
بعشر سنين أسلم قبل دخوله
دار الأرقم وكان عمره يوم مات ثلاثا وستين سنة * -
3966 حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي ذر
87

رضي الله تعالى عنه قال نزلت هاذان خصمان اختصموا في ربهم في ستة من قريش علي وحمزة وعبيدة ابن الحارث وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة..
قيس بن عباد المذكور روى هذا الحديث عن علي وأبي ذر كليهما، وسفيان هو ابن عيينة، وأبو هاشم اسمه يحيى بن دينار الرماني لنزوله قصر الرمان الواسطي. والحديث أخرجه البخاري أيضا هنا عن يحيى بن جعفر وعن يعقوب بن إبراهيم، وفي التفسير عن حجاج بن منهال. وأخرجه مسلم في آخر كتابه: عن عمرو بن زرارة وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن ابن المثنى. وأخرجه النسائي في السير وفي المناقب عن محمد بن منيع وعن سليمان بن عبيد الله وفي التفسير عن بندار، وأخرجه ابن ماجة في الجهاد عن يحيى بن حكيم وعن محمد بن إسماعيل.
3967 حدثنا إسحاق بن إبراهيم الصواف حدثنا يوسف بن يعقوب كان ينزل في بني ضبيعة وهو مولى ل بني سدوس حدثنا سليمان التيمي عن أبي مجلز عن قيس بن عباد قال قال علي رضي الله تعالى عنه فينا نزلت هاذه الآية * (هاذان خصمان اختصموا في ربهم) * (الحج: 19). (انظر الحديث 3965 وطرفه).
هذا طريق آخر في حديث علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، أخرجه عن إسحاق بن إبراهيم الصواف البصري وهو من أفراده عن يوسف بن يعقوب أبو يعقوب السدوسي مولاهم، ويقال له: الضبعي، لأنه كان ينزل بني ضبيعة، بضم الضاد المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وبالعين المهملة، وكان بقفاه سلعة فقيل له: السلعي وهو البصري، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث.
3968 حدثنا يحيى بن جعفر أخبرنا وكيع عن سفيان عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس ابن عباد سمعت أبا ذر رضي الله تعالى عنه يقسم لنزلت هاؤلاء الآيات في هاؤلاء الرهط الستة يوم بدر نحوه..
هذا طريق آخر في حديث أبي ذر أخرجه عن يحيى بن جعفر بن أعين أبو زكريا البخاري البيكندي، وهو من أفراده، وسفيان هو الثوري. قوله: (يقسم) بضم الياء أي: يحلف، واللام في: لنزلت، للتأكيد وأراد بالآيات قوله تعالى: * (هذان خصمان اختصموا) * (الحج: 19). إلى تمام ثلاث آيات، وقال مجاهد: سألت ابن عباس، فقال: سورة الحج نزلت بمكة سوى ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة في ستة نفر من قريش ثلاثة مؤمنون وثلاثة كافرون، فالمؤمنون: علي وحمزة وعبيدة، رضي الله تعالى عنهم، وذكر الباقي مثل ما في الكتاب، فنزلت فيهم: * (هذان خصمان) * (الحج: 19). إلى تمام ثلاث آيات. قلت: ثلاثة من المسلمين من بني عبد مناف، وثلاثة من المشركين من بني عبد شمس بن عبد مناف.
3969 حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا هشيم أخبرنا أبو هاشم عن أبي مجلز عن قيس قال سمعت أبا ذر يقسم قسما إن هاذه الآية * (هذاان خصمان اختصموا في ربهم) * (الحج: 19). نزلت في الذين برزوا يوم بدر حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث وعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة. (انظر الحديث 3966 وطرفه).
هذا طريق آخر في حديث أبي ذر، رضي الله تعالى عنه، أخرجه عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي عن هشيم، بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير، بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة: الواسطي عن أبي هاشم الرماني عن أبي مجلز لاحق عن قيس بن عباد. قوله: (قسما) نصب على أنه مفعول مطلق. قوله: (في الذين) أي: في الرهط الذين. قوله: (حمزة) بفتح التاء في موضع الجر لأنه غير منصرف، و: علي، بالجر عطف عليه، و: عبيدة، أيضا بالفتح في موضع الجر لأنه معطوف على المجرور، وكذلك: عتبة وشيبة قوله: (والوليد) بالجر لكونه معطوفا على المجرورات.
88

3970 حدثني أحمد بن سعيد أبو عبد الله حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق سأل البراء وأنا أسمع قال أشهد علي بدرا قال بارز وظاهر
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأحمد بن سعيد بن إبراهيم أبو عبد الله المعروف بالرباطي، وهو شيخ مسلم أيضا، وإسحاق بن منصور أبو عبد الله السلولي الكوفي، وإبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، وإبراهيم يروي عن أبيه يوسف ويوسف يروي عن جده أبي إسحاق، وإسحاق مات قبل أبيه. والحديث من أفراده.
قوله: (وأنا أسمع) أي: والحال أنا أسمع سؤال السائل المذكور عن البراء. قوله: (قال) أي: السائل المذكور. قوله: (أشهد) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار، و: شهد، فعل ماض بمعنى: حضر، وعلي بن أبي طالب بالرفع فاعله. قوله: (بدرا) أي: غزوة بدر، قال: أي البراء بارز من المبارزة، وقد مر تفسيرها عن قريب. قوله: (وظاهر) بلفظ الماضي أيضا، أي: لبس درعا على درع، ويروى: ظهر من الظهور، وفي الكلام حذف، تقديره: قال: نعم شهد بدرا وبارز وظاهر.
3971 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثني يوسف بن الماجشون عن صالح بن إبراهيم ابن عبد الرحمان بن عوف عن أبيه عن جده عبد الرحمان قال كاتبت أمية بن خلف فلما كان يوم بدر فذكر قتله وقتل ابنه فقال بلال لا نجوت إن نجا أمية. (انظر الحديث 2301).
هذا الحديث بهذا الإسناد والمتن قد مر في كتاب الوكالة في: باب إذا وكل مسلم حربيا، بأتم منه وأطول.
قوله: (كاتبت) معناه: عاهدت (أمية بن خلف) بفتحتين، ولفظ الذي في كتاب الوكالة: كاتبت أمية بن خلف كتابا بأن يحفظني في صاغيتي بمكة وأحفظه في صاغيته، وصاغية الرجل خاصته والذين يميلون إليه ويأتونه. قوله: (فذكر قتله) أي: قتل أمية، وتفسيره في الحديث الذي في الوكالة، وهو أن عبد الرحمن قال: فلما كان في يوم بدر خرجت إلى جبل لأحرزه حين نام الناس، فأبصره بلال فخرج حتى وقف على مجلس من الأنصار، فقال أمية بن خلف: لا نجوت إن نجا أمية، فخرج معه فريق من الأنصار في آثارنا، فلما خشيت أن يلحقونا خلفت لهم ابنه لإشغالهم فقتلوه، ثم أبوا حتى يتبعونا، وكان رجلا ثقيلا، فلما أدركونا قلت له: ابرك فبرك، فألقيت عليه نفسي لأمنعه فتخللوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه. قوله: (فقال بلال: لا نجوت إن نجا أمية) قال الكرماني: فقتله بلال لأنه كان قد عذب بلالا كثيرا في المستضعفين بمكة، وفيه فيه:
* هنيئا زادك الرحمن فضلا فقد أدركت ثأرك يا بلال
*
قلت: الحديث لا يدل على أن بلالأ اختص بقتل أمية، وقال ابن إسحاق: أمية بن خلف قتله رجل من الأنصار من بني مازن، وقال ابن هشام: ويقال: قتله الحصن بن الحارث بن عبد المطلب، ويمكن أن يكون بلال مع الذين تخللوه بالسيوف تحت عبد الرحمن ابن عوف فصار من جملة القاتلين، وكان بلال اشتراه أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، بمكة من أمية بن خلف كما ذكرناه.
3972 حدثنا عبدان بن عثمان قال أخبرني أبي عن شعبة عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ والنجم فسجد بها وسجد من معه غير أن شيخا أخذ كفا من تراب فرفعه إلى جبهته فقال يكفيني هاذا: قال عبد الله فلقد رأيته بعد قتل كافرا..
مطابقته للترجمة تأتي على النسخة التي قيل فيها عدة أصحاب بدر وغيره، أو تقول: المراد من قوله: شيخا، هو أمية بن خلف وأنه قيل في غزوة بدر، وأنه قد ذكر في الحديث السابق، فحصل بينهما التناسب من هذا الوجه. وعبدان هو عبد الله يروي عن أبيه عثمان بن جبلة المروزي، وأبو إسحاق عمرو، والأسود بن يزيد وعبد الله بن مسعود، والحديث مر في: أبواب سجود
89

القرآن في: باب سجدة النجم، فإنه أخرجه هناك عن حفص بن عمر عن شعبة... إلى آخره.
3973 أخبرني إبراهيم بن موساى حدثنا هشام بن يوسف عن معمر عن هشام عن عروة قال كان في الزبيره ثلاث ضربات بالسيف إحداهن في عاتقه قال إن كنت لأدخل أصابعي فيها قال ضرب ثنتين يوم بدر وواحدة يوم اليرموك قال عروة وقال لي عبد الملك بن مروان حين قتل عبد الله بن الزبير يا عروة هل تعرف سيف الزبير قلت نعم قال فما فيه قلت فيه فلة فلها يوم بدر قال صدقت:
* بهن فلول من قراع الكتائب
*
ثم رده على عروة قال هشام فأقمناه بيننا ثلاثة آلاف وأخذه بعضنا ولوددت أني كنت أخذته. (انظر الحديث 3721 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة، فإنه يصرح بحضور الزبير بن العوام وقعة بدر، فيدخل في العدة، و إبراهيم بن موسى هو أبو إسحاق الفراء الرازي، و معمر بفتح الميمين يروي عن هشام بن عروة بن الزبير.
قوله: (أخبرني) ويروى: حدثني. قوله: (حدثنا هشام)، ويروى: أخبرنا هشام. قوله: (إحداهن في عاتقه) وتقدم في مناقب الزبير من طريق عبد الله بن المبارك عن هشام: أن الضربات الثلاث كن في عاتقه، وكذا هو في الرواية التي بعده، والعاتق ما بين العنق والمنكب. قوله: (قال) أي: عروة. قوله: (إن كنت)، إن، هذه مخففة من الثقيلة. قوله: (لأدخل) من الإدخال، واللام فيه للتأكيد، وفاعله هو عروة. قوله: (أصابعي فيها) وفي رواية الكشميهني: فيهن، وزاد في المناقب، وفي الرواية التي بعدها: ألعب وأنا صغير. قوله: (ضرب ثنتين يوم بدر وواحدة يوم اليرموك)، وفي رواية المبارك: أنه ضرب يوم اليرموك ضربتين على عاتقه بينهما ضربة ضربها يوم بدر، قيل: إن كان اختلافا على هشام فرواية ابن المباك أثبت لأن في حديث معمر عن هشام مقالا، وإلا فيحتمل أن يكون كان فيه في غير عاتقه ضربتان أيضا، فيجمع بذلك بين الخبرين، و: اليرموك، بفتح الياء آخر الحروف، وقيل بالضم أيضا وسكون الراء وضم الميم وسكون الواو وفي آخره كاف، قال الكرماني: هو موضع بناحية الشام، وقال بعضهم: من نواحي فلسطين، ويقال: إنه نهر. قلت: اليرموك موضع بين أذرعات ودمشق، وكانت
به وقعة عظيمة بين المسلمين وأميرهم أبو عبيدة بن الجراح، رضي الله تعالى عنه، وبين عسكر الروم، وأرسلهم هرقل وأميرهم يسمى ماهان الأرمني، وقال سيف بن عمر: كانت وقعة يرموك في سنة ثلاث عشرة من الهجرة قبل فتح دمشق، وتبعه على ذلك ابن جرير الطبري، وقال ابن إسحاق: كانت في سنة خمس عشرة بعد فتح دمشق، وعليه الجمهور، وقتل فيها من المسلمين أربعة آلاف نفس ومن الروم زهاء على مائة ألف وخمسة آلاف، وأسر أربعون ألفا، وكان في المسلمين مائة شخص ممن شهد غزوة بدر. قوله: (قال عروة)، هو موصول بالإسناد المذكور. قوله: (فلة)، بفتح الفاء وتشديد اللام، وهي واحدة فلول السيف، وهي كسور في حده، وفله يفله أي: كسره. قوله: (فلها)، بضم الفاء وتشديد اللام على صيغة المجهول، والضمير فيه يرجع إلى الفلة. قوله: (قال: صدقت) أي: قال عبد الملك لعروة: صدقت، ثم قال قوله:
بهن فلول من قراع الكتائب
وهذا مصراع بيت أوله:
* ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
*
وقائله النابغة الذبياني، وهذا من قبيل تأكيد المدح بما يشبه الذم. قوله: (فلول) أي: كلال، والقراع بكسر القاف: المضاربة بالسيف، وكذا المقارعة، والكتائب جمع الكتيبة وهي الجيش. قوله: (ثم رده) أي: ثم رد عبد الملك السيف على عروة وكان عروة مع أخيه عبد الله بن الزبير لما حاصره الحجاج بمكة، فلما قتل عبد الله أخذ الحجاج ما وجد له فأرسل به إلى عبد الملك ابن مروان وهو خليفة بدمشق، وكان في ذلك سيف الزبير الذي سأل عبد الملك عروة عنه، وكان عروة خرج إلى الشام إلى عبد الملك. قوله: (قال هشام)، هو ابن عروة، وهو أيضا موصول بالإسناد المذكور. قوله: (فأقمناه) أي: ذكرنا قيمته، تقول: قومت الشيء وأقمته، أي: ذكرت ما يقوم مقامه من الثمن. قوله: (وأخذه بعضنا) أي: بعض الورثة، وهو عثمان بن عروة أخو هشام، قوله: (ولوددت) إلى آخره من كلام هشام.
90

3974 حدثنا فروة عن علي عن هشام عن أبيه قال كان سيف الزبير محلى بفضة قال هشام وكان سيف عروة محلى بفضة.
هذا من تعليق الحديث السابق فيكون مطابقا للترجمة لأن المطابق للمطابق لشيء مطابق لذلك الشيء، وفروة، بفتح الفاء وسكون الراء: وهو ابن أبي مغراه، بفتح الميم وسكون الغين المعجمة ممدودا: أبو القاسم الكندي الكوفي، واسم أبي المغراء معدي كرب، قال البخاري: مات فروة سنة خمس وعشرين ومائتين، وعلي هو ابن مسهر، وهشام هو ابن عروة بن الزبير. قوله: (محلى)، بالحاء المهملة وتشديد اللام: من الحلية.
3975 حدثنا أحمد بن محمد حدثنا عبد الله أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للزبير يوم اليرموك ألا تشد فنشد معك فقال إني إن شددت كذبتم فقالوا لا نفعل فحمل عليهم حتى شق صفوفهم فجاوزهم وما معه أحد ثم رجع مقبلا فأخذوا بلجامه فضربوه ضربتين على عاتقه بينهما على عاتقه بينهما ضربة ضربها يوم بدر قال عروة كنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير قال عروة وكان معه عبد الله بن الزبير يومئذ وهو ابن عشر سنين فحمله على فرس وكل به رجلا. (انظر الحديث 3721 وطرفه).
وجه المطابقة تؤخذ من قوله: (يوم بدر) لدلالته على حضوره بدرا. وأحمد بن موسى أبو العباس يقال له مردويه السمسار المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي. والحديث من أفراده.
قوله: (ألا تشد) كلمة: ألا للتحضيض، و: تشد، من شد عليه في الحرب، أي: حمل عليه، والمعنى: ألا تشد على المشركين فنشد معك؟ قوله: (كذبتم) أي: أخلفتم. قوله: (قالوا: لا نفعل) أي: قال أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لا نكذب، وقيل معناه: لا نجبن ولا ننصرف، وقال الكرماني: يحتمل أن يكون لا ردا لكلامه، أي: لا نخلف ولا نكذب، ثم قالوا: نفعل أي الشد. قوله: (فجاوزهم وما معه أحد) أي: من الذين قالوا له: (ألا تشد فنشد معك). قوله: (ثم رجع مقبلا) أي: ثم رجع الزبير حال كونه مقبلا إلى الأصحاب، قوله: (فأخذوا)، أي: الأعداء من الروم بلجام فرسه. قوله: (كنت أدخل)، من الإدخال. قوله: (وأنا صغير) الواو فيه للحال. قوله: (كان معه) أي: مع الزبير عبد الله ابنه. قوله: (يومئذ) أي: يوم وقعة اليرموك. قوله: (وهو ابن عشر سنين)، الواو فيه للحال. وقوله: (عشر سنين) بحسب إلغاء الكسر وإلا فسنه يومئذ كان على الصحيح مقدار اثنتي عشرة سنة. قوله: (فحمله على فرس) أي: فحمل الزبير عبد الله على فرس، وذلك لأنه فهم منه الشجاعة والفروسية، فخشي عليه أن يهجم بتلك الفروسية على ما لا يطيقه، وجعل معه أيضا رجلا ليحفظه من كيد العدو غرة إذا اشتغل هو بالقتال، وروى ابن المبارك في الجهاد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير: أن كان مع أبيه يوم اليرموك، فلما انهزم المشركون حمل فجعل يجهز على جرحاهم.
3976 حدثني عبد الله بن محمد سمع روح بن عبادة حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طوي من أطواء بدر خبيث مخبث وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى واتبعه أصحابه وقالوا ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته حتى قام على شفة الركي فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله فإنا قد
91

وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قال فقال عمر يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفس محمد
بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم قال قتادة أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما. (انظر الحديث 3065).
مطابقته للترجمة الزائدة وهي قوله: (وغيره) بعد قوله: باب عدة أصحاب بدر، وعلى تقدير عدم هذه الزيادة يكون وجه المطابقة هو كون هذا الحديث مما يتعلق بغزوة بدر بطريق الاستئناس والاستقراب.
وعبد الله بن محمد هو المعروف بالمسندي وفيه رواية صحابي عن صحابي: أنس عن أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري.
قوله: (من صناديد قريش) الصناديد جمع صنديد بوزن عفريت وهو السيد الشجاع العظيم، ووقع عند ابن عائذ عن سعيد بن بشر عن قتادة: بضعة وعشرين، ولا منافاة بين الروايتين لأن البضع يطلق على الأربع أيضا، وفي حديث البراء على ما سيأتي: أن قتلى بدر كانوا سبعين والذين طرحوا في القليب كانوا الرؤساء منهم. قوله: (فقذفوا) على صيغة المجهول أي: طرحوا. قوله: (في طوى) بفتح الطاء المهملة وكسر الواو وتشديد الياء: وهي البئر المطوية بالحجارة، ويجمع على أطواء. قوله: (خبيث) أي: غير طيب، ومخبث، بضم الميم وكسر الباء الموحدة من قولهم أخبث أي اتخذ أصحابا خبثا. قوله: (وكان إذا ظهر) أي: وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذا غلب على قوم أقام بالعرصة وهي كل موضع واسع لا بناء فيه، وهذا أخرجه في كتاب الجهاد في: باب من غلب العدو فأقام على عرصتهم ثلاثا: حدثنا محمد بن عبد الرحيم حدثنا روح بن عباد حدثنا سعيد عن قتادة قال: ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال، ومر الكلام فيه هناك. قوله: (فشد) على صيغة المجهول: (ورحلها) مرفوع به. قوله: (على شفة الركي) أي: على طرف البئر، وفي رواية الكشميهني: على شفير الركي، والركي: بفتح الراء وتشديد الياء: وهو البئر، قبل أن تطوى. فإن قلت: بين قوله: (في طوى) وبين قوله: (الركي) منافاة. قلت: لا منافاة لأنها كانت مطوية ثم استهدمت فصارت كالركي. قوله: (فجعل يناديهم بأسمائهم) وفي رواية ابن إسحاق وأحمد وغيرهما من حديث حميد عن أنس: فنادى: يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، ويا أمية بن خلف، ويا أبا جهل بن هشام.. الحديث، وفي ذكر أمية معهم نظر، لأن أمية لم يلق في القليب لأنه كان ضخما فانتفخ فألقوا عليه من الحجارة والتراب ما غيبه. فإن قلت: ما وجه تخصيص هؤلاء بالخطاب؟ قلت: لأنه تقدم منهم من المعاندة العظيمة فخاطبهم بذلك توبيخا لهم، وطرح باي القتلى في أمكنة أخرى، وقال الواقدي: القليب الذي ألقوا فيه كان قد حفره رجل من بني النجار فناسب أن يلقى فيه هؤلاء الكفار. قوله: (قال عمر: يا رسول الله ما تكلم؟) كلمة: ما، استفهامية. قوله: (منهم)، أي: من الذين ألقوا في القليب.
قوله: (قال قتادة)، هو موصول بالإسناد المذكور. قوله: (حتى أسمعهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم) قوله: (توبيخا) أي: لأجل التوبيخ، وهو التعيير واللوم. قوله: (وندما) وفي رواية الإسماعيلي تندما، والمنصوبات كلها على التعليل.
3977 حدثنا الحميدي حدثنا عمر و عن عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الذين بدلوا نعمة الله كفرا قال هم والله كفار قريش قال عمر و هم قريش ومحمد صلى الله عليه وسلم نعمة الله: وأحلوا قومهم دار البوار قال النار يوم بدر. (الحديث 3977 طرفه في: 4700).
وجه ذكر هذا هنا ما ذكرناه في ترجمة الحديث السابق، والحميدي عبد الله بن الزبير، وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هم ابن دينار، وعطاء هو ابن أبي رباح.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن علي بن عبد الله عن سفيان. وأخرجه النسائي في التفسير عن قتيبة عن سفيان.
قوله: (قال: هم) أي: قال ابن عباس: هم، أي الذين بدلوا نعمة الله كفرا (والله كفار قريش) ورواه عبد الرزاق عن ابن عيينة، قال: هم كفار قريش، أو أهل مكة، وروى الطبري عن أبي كريب عن ابن عيينة: هم والله
92

أهل مكة. قال ابن عيينة: يعني كفارهم، وروى الطبري من وجه آخر عن علي، رضي الله تعالى عنه، نحوه لكن فيه: فأما بنو مخزوم فقطع الله دابرهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين، وأخرج الطبري عن عمر، رضي الله تعالى عنه، نحوه، وأخرج أيضا من وجه ضعيف عن ابن عباس، قال: هم جبلة بن الأيهم والذين اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم، قوله: (قال عمرو) أي: عمرو بن دينار المذكور، وهو موصول بالإسناد المذكور، وقول عمرو هذا موقوف عليه، وكذا قوله: (دار البوار النار يوم بدر) قوله: (يوم بدر) ظرف لقوله: (أحلوا) أي: أنهم أهلكوا قومهم يوم بدر فأدخلوا النار، والبوار الهلاك، وسميت جهنم دار البوار لإهلاكها من يدخلها.
3978 حدثني عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه قال ذكر عند عائشة رضي الله تعالى عنها أن ابن عمر رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله فقالت وهل ابن عمر رحمه الله إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه ليعذب بخطيئته وذنبه وإن أهله ليبكون عليه الآن. قالت وذاك مثل قوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على القليب وفيه قتلى بدر من المشركين فقال لهم ما قال إنهم ليسمعون ما أقول إنما قال إنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق ثم قرأت * (إنك لا تسمع الموتى) * (النمل: 280، الروم: 52). * (وما أنت بمسمع من في القبور) * (فاطر: 22). تقول حين تبوؤا مقاعدهم من النار. (انظر الحديث 1371 وطرفه).
مطابقته للترجمة من حيث إن له تعلقا بقضية بدر، أو تقول: لقوله: وغيره، في: باب قصة غزوة بدر، وغيره على تقدير وجود لفظ: وغيره، في بعض النسخ كما ذكرناه.
وعبيد بضم العين ابن إسماعيل أبو محمد الهباري القرشي الكوفي، وأبو أسامة حماد ابن أسامة وهشام هو ابن عروة بن الزبير.
قوله: (ذكر) على صيغة المجهول، وفي رواية الإسماعيلي: أن عائشة بلغها قوله: (إن ابن عمر رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم) يعني: قال: قال رسول الله
، صلى الله عليه وسلم: يعذب الميت... إلى آخره، في حديث مطول، ومر الكلام فيه هناك. قوله: (فقالت)، أي: عائشة (وهل ابن عمر) بكسر الهاء، أي: غلط وزنا ومعنى، وأما: وهل، بفتح الهاء فمعناه: فزع ونسي. قوله: (إنما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إنه ليعذب بخطيئته وذنبه) والحال أن أهله ليبكون عليه الآن، وهذا وجه رد عائشة على ابن عمر، والحاصل هنا أن ابن عمر حمل كلامه، صلى الله عليه وسلم على الحقيقة، وأن عائشة حملته على المجاز حيث أولته بما ذكرته. قوله: (قالت)، أي: عائشة. (وذاك مثل قوله) أي: الذي قاله ابن عمر هنا قوله: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى قوله: (حق)، ولفظ: مثل، في قوله: فقال لهم مثل ما قال، وقع في رواية الكشميهني: وفي رواية غيره: (فقال لهم ما قال) أي: ابن عمر. قوله: (إنهم ليسمعون)، بيان له أو بدل، ووجه المشابهة بينهما حمل ابن عمر على الظاهر، والمراد منهما أي: من الحديثين غير الظاهر. قوله: (إنما قال) أي: النبي صلى الله عليه وسلم: (إنهم الآن ليعلمون أنما كنت أقول لهم حق) أرادت بذلك أن لفظ الحديث أنهم ليعلمون وأن ابن عمر وهم في قوله: (ليسمعون) وقال البيهقي: العلم لا يمنع من السماع، وقال الإسماعيلي: إن كانت عائشة قالت ما قالته رواية، فرواية ابن عمر أنهم ليسمعون وعلمهم لا يمنع من سماعهم. قوله: (ثم قرأت عائشة...) إلى آخره، أرادت بذلك تأكيد ما ذهبت إليه. وأجيب عن الآية: بأن الذي يسمعهم هو الله تعالى، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم لا يسمعهم، ولكن الله أحياهم حتى سمعوا، كما قال قتادة. وقال السهيلي: وعائشة لم تحضر وغيرها ممن حضر حفظا للفظه، وقد قالوا له: أتخاطب قوما قد جيفوا؟ فقال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، وإذا جاز أن يكونوا سامعين، إما بآذان رؤوسهم إذا قلنا إن الأرواح تعاد إلى الأجساد عند المسألة، وهو قول الأكثر من أهل السنة، وإما بآذان القلب والروح، على مذهب من يقول: يتوجه السؤال إلى الروح من غير رجوع منه إلى الجسد أو إلى بعضه. قوله: يقول القائل
93

هو عروة يريد أن يبين مراد عائشة، فأشار إلى أن إطلاق النفي في قوله: * (إنك لا تسمع الموتى) * (النحل: 80، الروم: 52). مقيد بحالة استقرارهم في النار، وهو معنى قوله: (حين تبوؤا) أي: حين اتخذوا مقاعدهم في النار قيل: فعلى هذا لا معارضة بين إنكار عائشة وإثبات ابن عمر. قلت: الرواية التي بعد هذا تدل على إنكارها مطلقا يعلم ذلك بالتأمل.
3981 حدثني عثمان حدثنا عبدة عن هشام عن أبيه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قليب بدر فقال هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ثم قال إنهم الآن يسمعون ما أقول فذكر لعائشة فقالت إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق ثم قرأت * (إنك لا تسمع الموتى) * (النحل: 80، الروم: 52). حتى قرأت الآية. (انظر الحديث 1370 وطرفه). (انظر الحديث 1371 وطرفه).
هذا طريق آخر في الحديث السابق أخرجه عن عثمان بن محمد بن أبي شيبة، واسمه إبراهيم العبسي الكوفي، وهو شيخ مسلم أيضا، وعبدة، بفتح العين وسكون الباء الموحدة: ابن سليمان الكلابي الكوفي. قوله: (فذكر) بضم الدال أي: ذكر ما قال ابن عمر (لعائشة، رضي الله تعالى عنها، فقالت...) وإن كانوا أحياء صورة، وكذا المراد من الآية الأخرى وقال الزمخشري في قوله: * (إنك لا تسمع الموتى) * (النمل: 80، الروم: 52). شبهوا بالموتى وهم أحياء لأن حالهم كحال الأموات، وفي قوله: * (وما أنت بمسمع من في القبور) * (النمل: 80، الروم: 52). أي: الذين هم كالمقبورين.
3978 حدثني عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه قال ذكر عند عائشة رضي الله تعالى عنها أن ابن عمر رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله فقالت وهل ابن عمر رحمه الله إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه ليعذب بخطيئته وذنبه وإن أهله ليبكون عليه الآن. قالت وذاك مثل قوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على القليب وفيه قتلى بدر من المشركين فقال لهم ما قال إنهم ليسمعون ما أقول إنما قال إنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق ثم قرأت * (إنك لا تسمع الموتى) * (النمل: 280، الروم: 52). * (وما أنت بمسمع من في القبور) * (فاطر: 22). تقول حين تبوؤا مقاعدهم من النار. (انظر الحديث 1371 وطرفه).
مطابقته للترجمة من حيث إن له تعلقا بقضية بدر، أو تقول: لقوله: وغيره، في: باب قصة غزوة بدر، وغيره على تقدير وجود لفظ: وغيره، في بعض النسخ كما ذكرناه.
وعبيد بضم العين ابن إسماعيل أبو محمد الهباري القرشي الكوفي، وأبو أسامة حماد ابن أسامة وهشام هو ابن عروة بن الزبير.
قوله: (ذكر) على صيغة المجهول، وفي رواية الإسماعيلي: أن عائشة بلغها قوله: (إن ابن عمر رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم) يعني: قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: يعذب الميت... إلى آخره، في حديث مطول، ومر الكلام فيه هناك. قوله: (فقالت)، أي: عائشة (وهل ابن عمر) بكسر الهاء، أي: غلط وزنا ومعنى، وأما: وهل، بفتح الهاء فمعناه: فزع ونسي. قوله: (إنما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إنه ليعذب بخطيئته وذنبه) والحال أن أهله ليبكون عليه الآن، وهذا وجه رد عائشة على ابن عمر، والحاصل هنا أن ابن عمر حمل كلامه، صلى الله عليه وسلم على الحقيقة، وأن عائشة حملته على المجاز حيث أولته بما ذكرته. قوله: (قالت)، أي: عائشة. (وذاك مثل قوله) أي: الذي قاله ابن عمر هنا قوله: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى قوله: (حق)، ولفظ: مثل، في قوله: فقال لهم مثل ما قال، وقع في رواية الكشميهني: وفي رواية غيره: (فقال لهم ما قال) أي: ابن عمر. قوله: (إنهم ليسمعون)، بيان له أو بدل، ووجه المشابهة بينهما حمل ابن عمر على الظاهر، والمراد منهما أي: من الحديثين غير الظاهر. قوله: (إنما قال) أي: النبي صلى الله عليه وسلم: (إنهم الآن ليعلمون أنما كنت أقول لهم حق) أرادت بذلك أن لفظ الحديث أنهم ليعلمون وأن ابن عمر وهم في قوله: (ليسمعون) وقال البيهقي: العلم لا يمنع من السماع، وقال الإسماعيلي: إن كانت عائشة قالت ما قالته رواية، فرواية ابن عمر أنهم ليسمعون وعلمهم لا يمنع من سماعهم. قوله: (ثم قرأت عائشة...) إلى آخره،
أرادت بذلك تأكيد ما ذهبت إليه. وأجيب عن الآية: بأن الذي يسمعهم هو الله تعالى، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم لا يسمعهم، ولكن الله أحياهم حتى سمعوا، كما قال قتادة. وقال السهيلي: وعائشة لم تحضر وغيرها ممن حضر حفظا للفظه، وقد قالوا له: أتخاطب قوما قد جيفوا؟ فقال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، وإذا جاز أن يكونوا سامعين، إما بآذان رؤوسهم إذا قلنا إن الأرواح تعاد إلى الأجساد عند المسألة، وهو قول الأكثر من أهل السنة، وإما بآذان القلب والروح، على مذهب من يقول: يتوجه السؤال إلى الروح من غير رجوع منه إلى الجسد أو إلى بعضه. قوله: يقول القائل هو عروة يريد أن يبين مراد عائشة، فأشار إلى أن إطلاق النفي في قوله: * (إنك لا تسمع الموتى) * (النحل: 80، الروم: 52). مقيد بحالة استقرارهم في النار، وهو معنى قوله: (حين تبوؤا) أي: حين اتخذوا مقاعدهم في النار قيل: فعلى هذا لا معارضة بين إنكار عائشة وإثبات ابن عمر. قلت: الرواية التي بعد هذا تدل على إنكارها مطلقا يعلم ذلك بالتأمل.
3981 حدثني عثمان حدثنا عبدة عن هشام عن أبيه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قليب بدر فقال هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ثم قال إنهم الآن يسمعون ما أقول فذكر لعائشة فقالت إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق ثم قرأت * (إنك لا تسمع الموتى) * (النحل: 80، الروم: 52). حتى قرأت الآية. (انظر الحديث 1370 وطرفه). (انظر الحديث 1371 وطرفه).
هذا طريق آخر في الحديث السابق أخرجه عن عثمان بن محمد بن أبي شيبة، واسمه إبراهيم العبسي الكوفي، وهو شيخ مسلم أيضا، وعبدة، بفتح العين وسكون الباء الموحدة: ابن سليمان الكلابي الكوفي. قوله: (فذكر) بضم الدال أي: ذكر ما قال ابن عمر (لعائشة، رضي الله تعالى عنها، فقالت...) وإن كانوا أحياء صورة، وكذا المراد من الآية الأخرى وقال الزمخشري في قوله: * (إنك لا تسمع الموتى) * (النمل: 80، الروم: 52). شبهوا بالموتى وهم أحياء لأن حالهم كحال الأموات، وفي قوله: * (وما أنت بمسمع من في القبور) * (النمل: 80، الروم: 52). أي: الذين هم كالمقبورين.
9
((باب فضل من شهد بدرا))
أي: هذا باب في بيان فضل من شهد غزوة بدر مع النبي صلى الله عليه وسلم، من المسلمين مقاتلا للمشركين، وكان ينبغي أن يقول: باب أفضلية من شهد بدرا، لأن المراد بيان ذلك لا بيان مطلق الفضل.
3982 حدثني عبد الله بن محمد حدثنا معاوية بن عمر و حدثنا أبو إسحاق عن حميد قال سمعت أنسا رضي الله تعالى عنه يقول أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب وإن تك الأخرى ترى ما أصنع فقال ويحك أو هبلت أو جنة واحدة هي إنها جنان كثيرة وإنه في جنة الفردوس.
مطابقته للترجمة ظاهرة، ومعاوية بن عمرو بن المهلب الأزدي، بالزاي: البغدادي، روى عنه البخاري بلا واسطة في الجمعة في: باب إذا نفر الناس، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة بن حصين بن حذيفة بن بدر الفزاري، أحد الأعلام، قال أبو حاتم: ثقة مأمون إمام، مات بالمصيصة سنة ست وثمانين ومائة.
والحديث مضى في كتاب الجهاد من حديث قتادة عن أنس.
قوله: (أصيب حارثة)، بالحاء المهملة والراء والثاء المثلثة: ابن سراقة، بضم السين المهملة: الأنصاري، وهو أول قتيل قتل من الأنصار ببدر، وكان خرج نظارا، وهو غلام، فرماه حبان بن العرقة بسهم وهو يشرب من الحوض فقتله. قوله: (أمه) هي: الربيع، بضم الراء وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف وبالعين المهملة: بنت النضر، عمة أنس بن مالك. قوله: (ترى)، ويروى: (تر)، بالجزم وهو مثل قوله تعالى: * (أينما تكونوا يدرككم الموت) * (النساء: 78). قرىء بالرفع، فقيل: هو على حذف الفاء كأنه قيل: فيدرككم. قوله: (ويحك) هو كلمة ترحم وإشفاق، وقال الداودي: هو توبيخ. قوله: (أو هبلت؟) الهمزة فيه للاستفهام، والواو مفتوحة للعطف على مقدر، ولقد غلط صاحب (التوضيح) فقال: أو هبلت، بلفظ صيغة المعلوم والمجهول، فقيل: صيغة المجهول رواية أبي الحسن، وصيغة المعلوم رواية أبي ذر من قولهم: هبلته، أي: ثكلته، وهبله اللحم أي: غلب عليه، وقيل:
94

هذا اللفظ قد يرد بمعنى المدح والإعجاب. وقال الداودي: معناه أجهلت؟ ورد عليه بأنه لم يقع عند أحد من أهل اللغة بهذا المعنى. قوله: (أوجنة؟) كذلك الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار، والواو للعطف. قوله: (هي)، في محل الرفع على الابتداء وخبره محذوف تقديره: هي جنة واحدة، والهمزة فيه مقدرة تقديره: أهي جنة واحدة؟ يعني: ليست بجنة واحدة (إنها جنان) وهو جمع تكسير ويجمع على جنات أيضا، وهو جمع قلة. قوله: (وإنه) أي: وإن حارثة (في جنة الفردوس) وهو أوسط الجنة وأعلاها، ومنه يتفجر أنهار الجنة، والفردوس البستان، قال الفراء: عربي، وقيل: بلسان الروم، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: الفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها.
3983 حدثني إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الله بن إدريس قال سمعت حصين بن عبد الرحمان عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمان السلمي عن علي رضي الله تعالى عنه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد والزبير وكلنا فارس قال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا الكتاب فقالت ما معنا كتاب فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتابا فقلنا ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتخرجن الكتاب أو لنجردنك فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجته فانطلقنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال عمر يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما حملك على ما صنعت قال حاطب والله ما بي إلا أكون مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم أردت أن تكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق ولا تقولوا له إلا خيرا فقال عمر إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه فقال أليس من أهل بدر فقال لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم فدمعت عينا عمر وقال الله ورسوله أعلم..
مطابقته للترجمة في قوله: (فقال: أليس من أهل بدر؟) إلى آخره، وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه، وروى عنه مسلم أيضا، وعبد الله بن إدريس بن يزيد الأودي، بفتح الهمزة وسكون الواو وبالدال المهملة: الكوفي، و: حصين، بضم الحاء المهملة وفتح الصاد المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره نون: ابن عبد الرحمن السلمي أبو الهذيل الكوفي، وسعد بن عبيدة مصغر عبدة أبو حمزة الكوفي السلمي، ختن أبي عبد الرحمن السلمي الذي يروي عنه، واسمه: عبد الله بن حبيب بن ربيعة ولحبيب صحبة، وعلي هو ابن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه.
وفيه: ثلاثة من التابعين على نسق واحد، وهم: حصين بن عبد الرحمن، وسعد بن عبيدة، وأبو عبد الرحمن.
والحديث مضى في كتاب الجهاد في: باب الجاسوس، وقد مر الكلام فيه هناك.
قوله: (وأبا مرثد) بفتح الميم وسكون الراء وفتح الثاء المثلثة وفي آخره دال مهملة: واسمه كناز، بكسر الكاف وتخفيف النون وفي آخره زاي، أي: ابن الحصين، ويقال: الحصين الغنوي، قال الواقدي: توفي سنة ثنتي عشرة من الهجرة، زاد غيره: بالشام في خلافة أبي بكر، رضي الله تعالى عنه. قوله: (والزبير) هو ابن العوام، رضي الله تعالى عنه، وقد تقدم في الجهاد أنه بعث علي ا والمقداد والزبير، ولا منافاة لاحتمال أنه بعث الأربعة. قوله: (تسير)، جملة وقعت حالا من الضمير المنصوب في: (أدركناها).
95

قوله: (الكتاب)، بالنصب أي: هاتي الكتاب. أو أخرجيه. قوله: (فأنخناها)، أي: فأنخناها بعيرها. قوله: (أو لنجردنك) كلمة أو هنا بمعنى إلى، نحو: لألزمنك أو تعطيني حقي. قوله: (أهوت إلى حجزتها)، بضم الحاء المهملة وسكون الجيم وبالزاي، قال ابن الأثير: أصل الحجزة موضع الإزار، ثم قيل للإزار حجزة للمجاورة. وقال غيره: وحجزة الإزار معقده، وحجزة السراويل التي فيها التكة. واحتجز الرجل بإزاره إذا شده على وسطه. قوله: (محتجزة) أي: شادة كساها على وسطها. فإن قلت: تقدم في الجهاد أنها أخرجته من العقاص لا من الحجزة؟ قلت: الحجزة هي المعقدة مطلقا، وقد مر الكلام فيه من وجوه. قوله: (ما بي إلا أكون) كلمة: إلا للاستثناء بكسر الهمزة وتقديره: أن لا أكون. قوله: (القوم) أي: المشركين. قوله: (يد) أي: يد نعمة ويد منة. قوله: (لعل الله) قال النووي: معنى الترجي راجع إلى عمر لأن وقوعه محقق عند الرسول. قلت: الترجي في كلام الله وكلام رسوله للوقوع، وقد وقع عند أحمد وأبي داود وابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة بالجزم، ولفظه: إن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، وعند أحمد بإسناد على شرط مسلم من حديث جابر مرفوعا: لن يدخل النار أحد شهد بدرا. قوله: (اعملوا ما شئتم) ظاهره مشكل لأنه للإباحة وهو خلاف عقد الشرع. وأجيب: بأنه إخبار عن الماضي، أي: كل عمل كان لكم فهو مغفور، ويؤيده أنه لو كان لما يستقبل من العمل لم يقع بلفظ الماضي، ولقال: فسأغفر لكم، ورد بأنه لو كان للماضي لما حسن الاستدلال به في قصة حاطب، لأنه صلى الله عليه وسلم خاطب به عمر منكرا عليه ما قال في أمر حاطب، وهذه القصة كانت بعد بدر بست سنين، فدل على أن المراد ما سيأتي، وإنما أورده بلفظ الماضي مبالغة في تحقيقه، وقيل: معناه الغفران لهم في الآخرة، وإلا فلو توجه على أحد منهم حد مثلا يستوفى منه، ألا ترى أن عمر، رضي الله تعالى عنه، حد قدامة بن مظعون حين شرب الخمر وهو يدري؟ قوله: (أو فقد غفرت لكم) شك من الراوي.
10
((باب))
أي: هذا باب كذا وقع مجردا عن الترجمة، وهو غير معرب إلا إذا قدر ما ذكرنا، لأن الإعراب يستدعي التركيب، وكل ما ذكر فيه لا يخلو عن أمر من أمور بدر.
33 - (حدثني عبد الله بن محمد الجعفي حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا عبد الرحمن بن الغسيل عن حمزة بن أبي أسيد والزبير بن المنذر بن أبي أسيد عن أبي أسيد رضي الله عنه قال قال لنا رسول الله
يوم بدر إذا أكثبوكم فارموهم واستبقوا نبلكم)
عبد الله بن محمد هو المعروف بالمسندي وأبو أحمد هو محمد بن عبد الله الأسدي الزبيري وليس من نسل الزبير بن العوام وعبد الرحمن هو ابن سليمان بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حنظلة الغسيل وهو المعروف بغسيل الملائكة قتل يوم أحد شهيدا قتله أبو سفيان بن حرب وكان قد ألم بأهله حين خروجه إلى أحد ثم هجم عليه في الخروج إلى النفير ما أنساه الغسل وأعجله عنه فلما قتل شهيدا أخبر رسول الله
بأن الملائكة غسلته وسليمان المذكور نسب إلى حنظلة المذكور وهو جد أبيه وحمزة بن أبي أسيد مصغر الأسد واسمه مالك بن ربيعة بن مالك الأنصاري الساعدي الخزرجي والزبير بن المنذر بلفظ اسم فاعل من الانذار ابن مالك المذكور وفيه اختلاف فقيل هو الزبير بن مالك وقال الحاكم في كتاب المدخل هو زبير بن المنذر بن أبي أسيد وقيل زبير بن أبي أسيد وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي روى ابن الغسيل عن الزبير فقال عن الزبير بن المنذر بن أبي أسيد عن أبي أسيد وروى عنه غيره فقال عن الزبير بن أبي أسيد عن أبي أسيد وقال الكرماني وفيه اختلاف آخر من جهة النسخ ففي بعضها ذكر في الإسناد ابن الزبير بن المنذر وفي بعضها في الإسناد
الثاني يعني الذي يأتي ذكر المنذر عن أبي أسيد وأسقط لفظ الزبير هذا والمفهوم من بعض الكتب أن الزبير هو بنفسه المنذر سماه رسول الله
بالمنذر * والحديث مضى في كتاب الجهاد في باب التحريض على الرمي
96

أخرجه عن أبي نعيم عن عبد الرحمن بن الغسيل عن حمزة بن أبي أسيد عن أبيه الحديث قوله ' إذا أكثبوكم ' من الاكثاب من الكثب بتحريك الثاء المثلثة وهو القرب يقال رماه من كثب ويقال أكثبك الصيد أي أمكنك ووقع في الرواية الثانية يعني أكثر وكم قيل هذا تفسير لا يعرفه أهل اللغة وحاصل المعنى إذا قربوا منكم فأمكنوكم من أنفسهم فارموهم قوله واستبقوا أمر من الاستبقاء وهو طلب البقاء وقال بعضهم هو أمر من الإبقاء (قلت) ليس كذلك لا يقول هذا إلا من هو عار عن علم التصريف وقال الداودي معنى قوله ' ارموهم ' يعني بالحجارة لأنها لا تكاد تخطئ إذا رمى بها في الجماعة قال ومعنى قوله واستبقوا نبلكم أي إلى أن تحصل المصادمة والنبل السهام العربية * -
3985 حدثني محمد بن عبد الرحيم حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا عبد الرحمان بن الغسيل عن حمزة بن أبي أسيد والمنذر بن أبي أسيد عن أبي أسيد رضي الله تعالى عنه قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر إذا أكثبوكم يعني أكثروكم فارموهم واستبقوا نبلكم. (انظر الحديث 2900 وطرفه).
هذا طريق آخر في الحديث السابق عن محمد بن عبد الرحيم أبي يحيى الذي يقال له: صاعقة.
3986 حدثني عمرو بن خالد حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق قال سمعت البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما قال جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرماة يوم أحد عبد الله بن جبير فأصابوا منا سبعين وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة سبعين أسيرا أو سبعين قتيلا: قال أبو سفيان يوم بيوم بدر والحرب سجال..
قد مر وجه ذكره هنا في أول الباب، وعمرو بن خالد بن فروخ الجزري، وزهير بن معاوية، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي.
والحديث مضى في الجهاد عن عمرو بن خالد أيضا عن زهير عن أبي إسحاق عن البراء بأتم منه مطولا، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (عبد الله بن جبير)، بضم الجيم وفتح الباء الموحدة: الأنصاري، كان أمير الرماة يوم أحد فاستشهد. قوله: (أبو سفيان)، اسمه صخر بن حرب بن أمية والد معاوية، وكان رئيس المشركين يومئذ فأسلم يوم الفتح. قوله: (يوم بيوم بدر)، يعني: هذا يوم في مقابلة يوم بدر. قوله: (سجال)، جمع سجل وهو الدلو شبه المتحاربان بالمستقيين يستقي هذا دلوا وذلك دلوا، كما قال الشاعر:
* فيوم علينا ويوم لنا
* ويوم نساء ويوم نسر
*
3987 حدثني محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد عن جده أبي بردة عن أبي موسى أراه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال وإذا الخير ما جاء الله به من الخير بعد وثواب الصدق الذي أتانا بعد يوم بدر..
محمد بن العلاء أبو كريب الهمداني الكوفي، وهو شيخ مسلم أيضا، وأبو أسامة حماد بن أسامة، و: بريد، بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة: ابن عبد الله بن أبي بردة عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري. والحديث مضى في أواخر: باب علامات النبوة، بهذا الإسناد بعينه بأتم منه، وقد مر الكلام فيه هناك.
قوله: (وإذا الخير)، قطعة من آخر الحديث المذكور في: باب علامات النبوة وقبله: ورأيت فيها بقرا والله خير فإذا هم المؤمنون يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به... إلى آخره، توضيح ذلك: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رأى في المنام بقرا تنحر وخيرا، فعبر نحو البقر بإصابة المؤمنين، فقال: فإذا هم المؤمنون يوم أحد، يعني حيث أصيبوا فيه، والخير بأنه هو الخير الذي جاء الله بعد ذلك. قوله: (من الخير) بيان لقوله: ما جاء الله به، قوله: (بعد)، بضم الدال أي: بعد ذلك، يعني: بعد يوم أحد، وقد علم أن ما بعد: بعد، إذا حذف وقطع عن
97

الإضافة يبنى على الضم. قوله: (وثواب الصدق)، بالجر عطف على قوله: من الخير، وأريد بالصدق الأمر المرضي الصالح، ويحتمل أن يكون من باب إضافة الموصوف إلى الصفة، أي: الصواب الصالح الجيد.
3988 حدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال قال عبد الرحمان ابن عوف إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن فكأني لم آمن بمكانهما إذ قال لي أحدهما سرا من صاحبه يا عم أرني أبا جهل فقلت يا ابن أخي وما تصنع به قال عاهدت الله إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه فقال لي الآخر سرا من صاحبه مثله فما سرني أني بين رجلين مكانهما فأشرت لهما إليه فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه وهما ابنا عفراء. (انظر الحديث 3141 وطرفه).
وجه ذكره هنا ما ذكرناه في أول الباب، ويعقوب ذكر مجردا في رواية الأكثرين، ووقع في رواية أبي ذر والأصيلي: يعقوب بن إبراهيم، وجزم الكلاباذي بأنه ابن حميد بن كاسب، وذكر في (رجال الصحيحين): وللبخاري وحده يعقوب غير منسوب يقال هو ابن حميد بن كاسب أبو يوسف المدني سكن مكة، سمع إبراهيم بن سعد، روى عنه البخاري، وقيل له: يعقوب بن كاسب، ما قولك فيه؟ قال: لم نر إلا خيرا، وهو في الأصل صدوق، روى عنه في الصلح وفي: باب من شهد بدرا من
الملائكة، وقال: مات آخر سنة أربعين ومائتين، وقال الكرماني: الحديث مسلسل بالأبوة إذ هو: يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن، يعني: كل واحد منهم يروي عن أبيه قلت: هذا غلط، لأن يعقوب مات قبل أن يرحل البخاري، وروى له الكثير بواسطة، والذي قاله الكرماني جوزه أبو مسعود في (الأطراف)، ولكنهم غلطوه: فكأن الكرماني لم يطلع إلا على هذا فجزم بأنه يعقوب بن إبراهيم بن سعد، والآفة في مثل هذا من عدم التأمل والتقليد، ومال المزي إلى: أنه يعقوب بن إبراهيم الدورقي، والله أعلم، وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، رضي الله تعالى عنه، يروي عن أبيه سعد، وسعد يروي عن جده عبد الرحمن بن عوف.
والحديث مضى في الخمس في: باب من لم يخمس الأسلاب، فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن يوسف بن الماجشون بأتم منه وأطول، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (فكأني لم آمن بمكانهما) أي: من العدو لجهة مكانهما، ويحتمل أن يكون مكانهما كناية عنهما، أي: لم أثق بهما لأنه لم يعرفهما فلم يأمن أن يكونا من العدو، وجاء في (مغازي ابن عائذ) ما يوضح معنى هذا، فإنه أخرج هذه القصة مطولة بإسناد منقطع، وزاد فيها: فأشفقت أن يؤتى الناس من ناحيتي لكوني بين غلامين حديثين. قوله: (إذ قال)، أي: حين قال (لي أحدهما) أي: أحد الغلامين المذكورين. قوله: (أرني)، بفتح الهمزة، أمر من الإراءة. قوله: (إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه) أي: أو أن أموت دونه، وكلمة: أو، هنا يصلح أن تكون شرطية لأنها من جملة معانيها الاثنا عشر، ولكن التحقيق هنا أن كلمة: أو، بمعنى الواو، ولكن الفعل الذي قبلها دل على معنى حرف الشرط فدخلها معنى الشرط، والأولى أن تكون بمعنى: إلى، والمعنى: إن رأيته أن أعالج قتله إلى أن أموت دونه، قوله: (فما سرني) كلمة: ما، للنفي. قوله: (مكانهما)، أي: بدلهما. قوله: (إليه) أي: إلى أبي جهل. قوله: (مثل الصقرين) تثنية صقر وهو الطائر الذي يصاد به، وإنما شبههما بالصقر لما فيه من الشهامة والإقدام على الصيد، ولأنه إذا نشب لم يفارقه حتى يأخذه، ولأول من صاد بالصقر من العرب الحارث بن معاوية بن ثور الكندي، ثم اشتهر الصيد به. قوله: (وهما) أي: الغلامان المذكوران (ابنا عفراء) معاذ ومعوذ، وقد مر البحث فيه قريبا وبعيدا.
3988 حدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال قال عبد الرحمان ابن عوف إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن فكأني لم آمن بمكانهما إذ قال لي أحدهما سرا من صاحبه يا عم أرني أبا جهل فقلت يا ابن أخي وما تصنع به قال عاهدت الله إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه فقال لي الآخر سرا من صاحبه مثله فما سرني أني بين رجلين مكانهما فأشرت لهما إليه فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه وهما ابنا عفراء. (انظر الحديث 3141 وطرفه).
وجه ذكره هنا ما ذكرناه في أول الباب، ويعقوب ذكر مجردا في رواية الأكثرين، ووقع في رواية أبي ذر والأصيلي: يعقوب بن إبراهيم، وجزم الكلاباذي بأنه ابن حميد بن كاسب، وذكر في (رجال الصحيحين): وللبخاري وحده يعقوب غير منسوب يقال هو ابن حميد بن كاسب أبو يوسف المدني سكن مكة، سمع إبراهيم بن سعد، روى عنه البخاري، وقيل له: يعقوب بن كاسب، ما قولك فيه؟ قال: لم نر إلا خيرا، وهو في الأصل صدوق، روى عنه في الصلح وفي: باب من شهد بدرا من الملائكة، وقال: مات آخر سنة أربعين ومائتين، وقال الكرماني: الحديث مسلسل بالأبوة إذ هو: يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن، يعني: كل واحد منهم يروي عن أبيه قلت: هذا غلط، لأن يعقوب مات قبل أن يرحل البخاري، وروى له الكثير بواسطة، والذي قاله الكرماني جوزه أبو مسعود في (الأطراف)، ولكنهم غلطوه: فكأن الكرماني لم يطلع إلا على هذا فجزم بأنه يعقوب بن إبراهيم بن سعد، والآفة في مثل هذا من عدم التأمل والتقليد، ومال المزي إلى: أنه يعقوب بن إبراهيم الدورقي، والله أعلم، وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، رضي الله تعالى عنه، يروي عن أبيه سعد، وسعد يروي عن جده عبد الرحمن بن عوف.
والحديث مضى في الخمس في: باب من لم يخمس الأسلاب، فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن يوسف بن الماجشون بأتم منه وأطول، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (فكأني لم آمن بمكانهما) أي: من العدو لجهة مكانهما، ويحتمل أن يكون مكانهما كناية عنهما، أي: لم أثق بهما لأنه لم يعرفهما فلم يأمن أن يكونا من العدو، وجاء في (مغازي ابن عائذ) ما يوضح معنى هذا، فإنه أخرج هذه القصة مطولة بإسناد منقطع، وزاد فيها: فأشفقت أن يؤتى الناس من ناحيتي لكوني بين غلامين حديثين. قوله: (إذ قال)، أي: حين قال (لي أحدهما) أي: أحد الغلامين المذكورين. قوله: (أرني)، بفتح الهمزة، أمر من الإراءة. قوله: (إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه) أي: أو أن أموت دونه، وكلمة: أو، هنا يصلح أن تكون شرطية لأنها من جملة معانيها الاثنا عشر، ولكن التحقيق هنا أن كلمة: أو، بمعنى الواو، ولكن الفعل الذي قبلها دل على معنى حرف الشرط فدخلها معنى الشرط، والأولى أن تكون بمعنى: إلى، والمعنى: إن رأيته أن أعالج قتله إلى أن أموت دونه، قوله: (فما سرني) كلمة: ما، للنفي. قوله: (مكانهما)، أي: بدلهما. قوله: (إليه) أي: إلى أبي جهل. قوله: (مثل الصقرين) تثنية صقر وهو الطائر الذي يصاد به، وإنما شبههما بالصقر لما فيه من الشهامة والإقدام على الصيد، ولأنه إذا نشب لم يفارقه حتى يأخذه، ولأول من صاد بالصقر من العرب الحارث بن معاوية بن ثور الكندي، ثم اشتهر الصيد به. قوله: (وهما) أي: الغلامان المذكوران (ابنا عفراء) معاذ ومعوذ، وقد مر البحث فيه قريبا وبعيدا.
3989 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم أخبرنا ابن شهاب قال أخبرني عمرو بن أسيد بن جارية الثقفي حليف بني زهرة وكان من أصحاب أبي هريرة عن أبي هريرة رضي
98

الله تعالى عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري جد عاصم ابن عمر بن الخطاب حتى إذا كانوا بالهدأة بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه فقالوا تمر يثرب فاتبعوا
آثارهم فلما حس بهم عاصم وأصحابه لجؤا إلى موضع فأحاط بهم القوم فقالوا لهم انزلوا فأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدا فقال عاصم بن ثابت أيها القوم أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر ثم قال أللهم أخبر عنا نبيك صلى الله عليه وسلم فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق منهم خبيب وزيد بن الدثنة ورجل آخر فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها قال الرجل الثالث هاذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن لي بهاؤلاء أسوة يريد القتلى فجرروه وعالجوه فأبى أن يصحبهم فانطلق بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بعد وقعة بدر فابتاع بنو الحرث بن عامر ابن نوفل خبيبا وكان خبيب هو قتل الحرث بن عامر يوم بدر فلبث خبيب عندهم أسيرا حتى أجمعوا قتله فاستعار من بعض بنات الحارث موساى يستحد بها فأعارته فدرج بني لها وهي غافلة عنه حتى أتاه فوجدته مجلسه على فخذه والموساى بيده قالت ففزعت فزعة عرفها خبيب فقال أتخشين أن أقتله ما كنت لأفعل ذالك قالت والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب والله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب في يده وإنه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمرة وكانت تقول إنه لرزق رزقه الله خبيبا فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب دعوني أصلي ركعتين فتركوه فركع ركعتين فقال والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت ثم قال اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم أحدا ثم أنشأ يقول:
* فلست أبالي حين أقتل مسلما
* على أي جنب كان لله مصرعي
*
* وذالك في ذات الإلاه وإن يشأ
* يبارك على أوصال شلو ممزع
*
ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله وكان خبيب هو سن لكل مسلم قتل صبرا الصلاة وأخبر أصحابه يوم أصيبوا خبرهم وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حدثوا أنه قتل أن يؤتوا بشيء منه يعرف وكان قتل رجلا عظيما من عظمائهم فبعث الله لعاصم مثل الظلمة من الدبر فحمته من رسلهم فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئا.
ذكره هنا لأجل قوله: (وكان قتل عظيما من عظمائهم). فإنه سيأتي في الطريق الآخر التصريح بأن ذلك يوم بدر، والذي قتله عاصم المذكور يوم بدر من المشركين، عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية، قتله صبرا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم.
وموسى بن إسماعيل أبو سلمة المنقري البصري الذي يقال له: التبوذكي، وإبراهيم هو ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن
99

ابن عوف، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري، وعمرو، بفتح العين: ابن أسيد، بفتح الهمزة وكسير السين: ابن جارية، بالجيم، هكذا وقع في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: عمرو بن جارية وهو هو غير أنه نسب إلى جده في رواية الأكثرين، ووقع في رواية البخاري في غزوة الرجيع: عمرو بن أبي سفيان، وهي كنية أبيه أسيد، وأكثر أصحاب الزهري قالوا فيه: عمرو، بفتح العين، وقال بعضهم بضم العين، ورجح البخاري أنه عمرو بالواو، وقال ابن السكن في رواية: عمير بالتصغير والأكثرون على أنه: عمرو، بفتح العين.
والحديث قد مضى في كتاب الجهاد في: باب هل يستأسر الرجل؟ ومضى الكلام فيه مستقصى.
قوله: (عينا) أي: جاسوسا، وانتصابه على أنه بدل من: عشرة. قوله: (أمر) بتشديد الميم. قوله: (جد عاصم بن عمر) يعني لأمه. قوله: (بالهدأة) بفتح الهاء والدال المهملة والهمزة، وقيل بإسكان الدال بالألف واللام، وقيل بغيرهما، والنسبة إليها: هدوي على غير قياس، وقيل: رويت بتخفيف الدال وتشديدها، وعن أبي حاتم: أن هذه بين مكة والمدينة، وقال ابن سعد: على على سبعة أميال من عسفان، وهو بضم العين المهملة: موضع على مرحلتين من مكة. قوله: (ذكروا) على صيغة المجهول. قوله: (بنو لحيان) بكسر اللام وسكون الحاء المهملة وتخفيف الياء آخر الحروف، وقال الرشاطي: لحيان في هذيل، وقال الهمداني: لحيان من بقايا جرهم دخلت في هذيل، وقال ابن دريد: هو من لحيث العود ولحوته إذا قشرته، وهذيل، هو ابن مدركة بن إلياس بن مضر. قوله: (فنفروا إليهم) أي: ذهبوا لقتالهم. قوله: (مأكلهم) اسم المكان أي: في مأكلهم. قوله: (فأعطونا بأيديكم) أي: انقادوا وسلموا. قوله: (منهم خبيب)، بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء موحدة أخرى: وهو ابن عدي الأنصاري. قوله: (وزيد بن الدثنة)، بفتح الدال المهملة وكسر الثاء المثلثة وبالنون، ابن معاوية بن عبيد بن عامر بن بياضة الأنصاري البياضي. قوله: (ورجل آخر) هو عبد الله بن طارق حليف بني ظفر. قوله: (أوتار قسيهم)، الأوتار جمع وتر، والقسي جمع قوس، وأصله: قووس، لأنه فعول، إلا أنهم قدموا اللام وصيروه: قسوا، على وزن فلوع، ثم قلبوا الواو ياء فصار: قسي: ثم كسروا السين فصار على وزن: فليع، ويجمع القوس على أقواس أيضا، وقياس، والقوس يذكر ويؤنث فمن أنثه قال في تصغيره: قويسية، ومن ذكره قال: قويس. قوله: (فأبى أن يصحبهم)، ولم يبين فيه ما فعلوا به وبين في غزوة الرجيع أنهم قتلوه. قوله: (فابتاع بنو الحارث) أي: اشترى، وفي (التوضيح): فابتاع حجير بن أبي إهاب خبيبا لابن أخيه عقبة بن الحارث بن عامر خال أبي إهاب ليقتله بأبيه، وعند أبي معشر: اشترت خبيبا ابنة أبي سروعة، واشترك معها ناس، وقال الواقدي اشترى صفوان بن أمية زيدا ليقتله بأبيه بخمسين فريضة، ويقال: إنه اشترك فيه ناس من قريش، وخبيب اشتراه حجير بن أبي إهاب بثمانين مثقالا من ذهب، ويقال: بخمسين فريضة، والفريضة بالضاد المعجمة: البعير المأخوذ من الزكاة، ثم اتسع فيه حتى سمي البعير فريضة في غير الزكاة، ويقال: اشترته بنت الحارث بمائة من الإبل،
وعند معمر: اشتراه بنو الحارث ابن نوفل، وعند ابن عقبة: اشترك في ابتياع خبيب أبو إهاب بن عزيز، وعكرمة بن أبي جهل، والأخنس بن شريف، وعبيدة بن حكيم بن الأوقص، وأمية بن أبي عتبة، وبنو الحضرمي، وشعبة بن عبد الله وصفوان بن أمية، وهم أبناء من قتل من المشركين ببدر، ودفعوه إلى عقبة بن الحارث فسجنه في داره. قوله: (وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر) واعترض الدمياطي فقال: لم يقتل خبيب هذه، وإنما هو أحد بني جحجبي الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، ولم يشهد بدرا، والذي شهد بدرا وقتل فيها الحارث هو خبيب بن يساف بن عقبة بن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم بن الحرث بن الخزرج، وخبيب بن عدي أحد بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، شهد أحدا ومات خبيب بن يساف في زمن عثمان، رضي الله تعالى عنه. قلت: قال أبو عمر في كتابه (الاستيعاب): خبيب بن عدي الأنصاري من بني جحجبي بن كلفة بن عمرو بن عوف، شهد بدرا وأسر يوم الرجيع، وقال أيضا خبيب بن أساف ويقال: يساف، شهد بدرا وأحدا والخندق، وكان نازلا بالمدينة. قوله: (موسى) جاز صرفه ومنعه نظرا إلى اشتقاقه، كذا قاله الكرماني: سكت عليه. قلت: موسى ما يحلق به من أوسى رأسه أي: حلق، قال الفراء: هي فعلى وتؤنث، وقال عبد الله بن سعيد الأموري: هو مذكر لا غير، يقال: هذا موسى، وهو مفعل، وقال: أبو عبيد لم يسمع التذكير فيه إلا من الأموي، وقال أبو عمرو
100

ابن العلاء: هو مفعل، يدل على ذلك أنه يصرف في النكرة، وفعلى لا تنصرف على حال. قوله: (يستحد بها) من الاستحدادد، وهو إزالة شعر الحانة، وأراد به التنظيف للمقاربة، لأن ذلك كان حين فهم إجماعهم على القتل. قوله: (فدرج)، أي: ذهب إليه. قوله: (مجلسه)، بضم الميم اسم فاعل من الإجلاس مضاف إلى المفعول. قوله: (قالت: ففزعت فزعة) لأنها لما رأت الصبي على فخذه والموسى بيده ظنت أنه يقتله، فقال خبيب: أتخشين أن أقتله؟ كلمة: أن، مصدرية، أي: أتخشين قتله؟ ويروى: أتخشى، بحذف النون بغير جازم وناصب لغة، ويفهم من كلام ابن إسحاق: أن هذه المرأة هي مارية مولاة حجير بن أبي إهاب، لأنه روى أن خبيبا قال لها: إبعثي إلي بحديدة، قالت: فأعطيت غلاما من الحي الموسى، فقلت: أدخل بها على هذا الرجل البيت، قالت: فوالله ما هو إلا أن ولى الغلام بها إليه، قلت: ما صنعت أصاب الرجل والله ثأره بقتل هذا الغلام، فلما ناوله الحديدة قال: لعمرك والله ما خافت أمك غدري حين بعثتك بهذه الحديدة إلى قوله: (يأكل قطفا)، بكسر القاف وهو العنقود من العنب وبجمعه جاء القرآن: * (قطوفها دانية) * (الحاقة: 23). ويقال: قطف العنب إذا قطعه من الكرم قطافا، وقد يجعل القطاف إسما للوقت، ومن باع إلى القطاف، والفتح لغة، وقال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي نجيح أنه حدث عن مارية مولاة حجير بن إهاب، وكانت قد أسلمت، قالت: كان خبيب حبس في بيتي، فلقد اطلعت عليه يوما وإن في يده لقطفا من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه. قوله: (ما بي جزع) الذي: هو ملتبس بي من إرادة الصلاة. قوله: (احصهم)، من الإحصاء بالمهملتين، دعا عليهم بالهلاك استئصالا بحيث لا يبقى واحد من عددهم. قوله: (بددا)، بكسر الباء الموحدة وفتح الدال المهملة الأولى، أي: متفرقة متقطعة. قوله: (ثم قام إليه أبو سروعة) بكسر السين المهملة وسكون الراء وفتح الواو وبالعين المهملة، وقال ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد عن أبيه عباد عن عقبة بن الحارث، قال: سمعته يقول: والله ما أنا قتلت خبيبا لأني كنت أصغر من ذلك، ولكن أبا ميسرة أخابني عبد الدار أخذ الحربة فجعلها في يدي، ثم أخذ بيدي وبالحربة ثم طعنه بها حتى قتله، وقال الحاكم في (الإكليل): رموا زيدا، يعني: ابن الدثنة بالنبل وأرادوا فتنته فلم يزدد إلا إيمانا، وأنه، صلى الله عليه وسلم، قال وهو جالس في اليوم الذي قتلا فيه: وعليكما أو عليك السلام، خبيب، قتله قريش ولا ندري أذكر زيدا أم لا، وزعموا أن خبيبا دفنه عمرو بن أمية، وقال البيهقي في (دلائله): أن خبيبا لما قال: اللهم إني لا أجد رسولا إلى رسولك يبلغه عني السلام، جاء جبريل، عليه السلام، إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخبره بذلك، وقال ابن سعد: وكانا صليا ركعتين قبل أن يقتلا. قلت: نص البخاري على أن خبيبا هو الذي صلاهما، قوله: (الصلاة)، بالنصب لأنه مفعول قوله: (سن)، قوله: (وأخبر أصحابه)، أي: وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه بقضية هؤلاء، وهو من المعجزات. قوله: (يوم أصيبوا) على صيغة المجهول أي: يوم أصيب هؤلاء. ويروى: يوم أصيب، على تقدير: أصيب كل واحد منهم. قوله: (حين حدثوا)، على صيغة المجهول أي: حين أخبروا. قوله: (مثل الظلة من الدبر) الظلة، بضم الظاء المعجمة وتشديد اللام: كل ما أظلك، ويجمع على: ظلل، ومنه: * (عذاب يوم الظلة) * (الشعراء: 189). وهي: سحابة أظلتهم فلجأوا إلى ظلها من شدة الحر، فأطبقت عليهم وأهلكتهم، و: الدبر، بفتح الدال المهملة وسكون الباء الموحدة وبالراء: الزنابير. قاله أبو حنيفة، قال: وقد يقال أيضا للنحل: دبر، بالفتح وواحدها: دبرة، قال: ويقال له: خشرم، ولا واحد له من لفظه: قيل: واحده: خشرمة، وقال الأصمعي: الدبر النحل، ولا واحد له، روى ذلك أبو عبيدة عنه، وأما غيره فروى عنه أن واحدتها: دبرة، قال أبو حنيفة: والدبر عند من رأينا من الأعراب الزنابير، وقال الباهلي: الدبر النحل والجمع الدبور، وذكر بعض الرواة أنه يقال لأولاد الجراد: الدبر، وذكر أبو يوسف في (لطائفه): قال صلى الله عليه وسلم: أيكم ينزل خبيبا من خشبته وله الجنة؟ فقال الزبير: أنا والمقداد، قالا: فوجدنا حول الخشبة أربعين رجلا فأنزلناه، فإذا هو رطب لم يتغير بعد أربعين يوما، ويده على جرحه وهو ينبض، أي: يسيل دما كالمسك، فحمله الزبير على فرسه، فلما لحقه الكفار قذفه فابتلعته الأرض فسمي: بليع الأرض.
101

وقال كعب بن مالك ذكروا مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الواقفي رجلين صالحين قد شهدا بدرا
لما كانت هذه الأبواب المذكورة فيما يتعلق بغزوة بدر، والترجمة الأولى في: باب عدة أصحاب بدر، ذكر أن مرارة ابن الربيع وهلال بن أمية من أهل بدر، وأنهما داخلان في العدة، ردا على من أنكر من الناس أنهما لم يشهدا بدرا، وربما نسب ذلك أيضا إلى الزهري، فرد ذلك بنسبته إلى كعب بن مالك. فإن الحديث الطويل الموصول الذي سيأتي في غزوة تبوك قد أخذ عنه، وهو أعرف بمن شهد بدرا ممن لم يشهد. فقوله: (وقال كعب بن مالك...) إلى آخره، قطعة من الحديث الطويل، وممن رد ذلك واعترض الحافظ الدمياطي، فإنه قال: لم يذكر أحد أن مرارة وهلالا شهدا بدرا إلا ما جاء في حديث كعب هذا، وإنما ذكرا في الطبقة الثانية
من الأنصار ممن لم يشهد بدرا، وشهدا أحدا، ورد عليه بجزم البخاري بذلك مع جماعة تبعوه في ذلك، على أن المثبت أولى من النافي مع إخبار المثبت به، والله أعلم.
3990 حدثنا قتيبة حدثنا ل يث عن يحيى عن نافع أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ذكر له أن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وكان بدريا مرض في يوم جمعة فركب إليه بعد أن تعالى النهار واقتربت الجمعة وترك الجمعة.
ذكره هنا لقوله: وكان بدريا، وإنما نسب إليه مع أنه لم يشهده لأنه كان ممن ضرب له النبي صلى الله عليه وسلم، بسهمه وأجره، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم، بعثه وطلحة بن عبيد الله إلى طريق الشام يتجسسان الأخبار عن عير أهل مكة، ففاتهما بدر، فضرب بسهميهما وأجريهما، فعدا بذلك من أهل بدر.
وقتيبة هو ابن سعيد، والليث بن سعد، ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري، والحديث من أفراده.
قوله: (ذكر له)، على صيغة المجهول، أي: ذكر لعبد الله بن عمر. قوله: (أن سعيد بن زيد)، هو أحد العشرة المبشرة. قوله: (فركب إليه) أي: فركب ابن عمر إلى سعيد. قوله: (وترك الجمعة) أي: ترك صلاة الجمعة، قال الكرماني: كان لعذر، وهو إشراف القريب على الهلاك، لأنه كان ابن عمر، رضي الله تعالى عنه، وزوج أخته، وقال صاحب (التوضيح) أيضا: هذا لأجل قرابته منه وهو عذر. قلت: فيما قالا نظر، نعم لو كان في عدم حضوره هلاكه لأجل علة من العلل كان له في ذلك الوقت ترك الجمعة، وقال ابن التين: يترك الجمعة إذا لم يكن معه من يقوم به.
3991 وقال الليث حدثني يونس عن ابن شهاب قال حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أباه كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهري يأمره أن يدخل على سبيعة بنت الحارث الأسلمية فيسألها عن حديثها وعن ما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استفتته فكتب عمر بن عبد الله بن الأرقم إلى عبد الله بن عتبة يخبره أن سبيعة بنت الحارث أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة وهو من بني عامر بن لؤي وكان ممن شهد بدرا فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته فلما تعملت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها أبو السنابل ابن بعكك رجل من بني عبد الدار فقال لها مالي أراك تجملت للخطاب ترجين النكاح فإنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر قالت سبيعة فلما قال لي ذالك جمعت علي ثيابي حين أمسيت وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذالك فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزوج إن بدا لي. (الحديث 3991 طرفه في: 5319).
102

ذكره هنا لأجل قوله: (وكان ممن شهد بدرا). وعبيد الله، بضم العين: يروى عن أبيه عبد الله بن عتبة، بضم العين وسكون المثناة من فوق: ابن مسعود الهذلي يروي عن عمر بن عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث الزهري، وعبد الله بن الأرقم أسلم عام الفتح وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم واستعمله عمر بن الخطاب على بيت المال، وسبيعة، بضم السين المهملة وفتح الباء الموحدة مصغر سبعة بنت الحارث الأسلمية، وتعليق الليث وصله قاسم بن أصبغ في (مصنفه): عن المطلب بن شعيب عن عبد الله بن صالح عن الليث بتمامه.
والحديث أخرجه أيضا في الطلاق مختصرا عن يحيى بن بكير عن الليث عن يزيد بن أبي خبيب. وأخرجه مسلم في الطلاق عن أبي الطاهر بن أبي السرح وحرملة بن يحيى. وأخرجه أبو داود فيه عن سليمان بن داود. وأخرجه النسائي فيه عن يونس بن عبد الأعلى وعن كثير بن عبيد. وأخرجه ابن ماجة فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة.
قوله: (يأمره) من الأحوال المقدرة. قوله: (حين استفتته) أي: في انقضاء عدة الحامل بالوضع. قوله: (يخبره)، من الأحوال المقدرة أيضا. قوله: (سعد بن خولة) بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو وباللام، وهو من بني عامر بن لؤي من أنفسهم عند بعضهم، وعند بعضهم هو حليف لهم، وقال ابن هشام: هو من اليمن حليف لبني عامر بن لؤي، وقال غيره: كان من عجم الفرس وكان من مهاجرة الحبشة الهجرة الثانية في قول الواقدي، وذكر ابن هشام عن زياد عن ابن إسحاق: أنه ممن شهد بدرا، وكذا في رواية البخاري. قوله: (في حجة الوداع) هذا لا خلاف فيه إلا ما ذكره الطبري محمد بن جرير، فإنه قال: توفي سعد بن خولة سنة سبع، والصحيح ما ذكره البخاري، قوله: (وهي)، أي: سبيعة ذات حمل. قوله: (فلم تنشب) أي: فلم تلبث (أن وضعت حملها بعد وفاته) أي: وفاة سعد بن خولة، وقال أبو عمر: وضعت بعد وفاة زوجها بليال، وقيل: بخمس وعشرين ليلة، وقيل: بأقل من ذلك. قوله: (فلما تعلت) بفتح العين المهملة وتشديد اللام، يقال: تعلت المرأة من نفاسها وتعللت: إذا خرجت منه وطهرت من دمها. قوله: (تجملت) أي: تزينت. قوله: (للخطاب) بضم الخاء المعجمة: جمع خاطب. قوله: (أبو السنابل) بفتح السين المهملة والنون وبالباء الموحدة وباللام. (ابن بعك) بفتح الباء الموحدة وإسكان العين المهملة وفتح الكاف الأولى، وهو منصرف، واسمه: عمرو قاله الكرماني: وقال أبو عمر في باب الحاء في (الاستيعاب): حبة بن بعكك أبو السنابل القرشي العامري وهو مشهور بكنيته، وحبة بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة، وذكر في باب الكنى: أبو السنابل بن بعكك بن الحجاج بن الحارث بن السباق بن عبد الدار بن قصي القرشي العبدري، وأمه عمرة بنت أوس من بني عذرة بن هذيم، قيل: اسمه حبة بن بعكك من مسلمة الفتح كان شاعرا ومات بمكة، روى عنه الأسود بن يزيد قصته مع سبيعة الأسلمية، قوله: (لعلك ترجين) من الترجية وفي رواية مسلم: فقال أبو السنابل: مالي أراك متجملة؟ لعلك ترجين النكاح، إنك والله ما أنت بناكح، أي: ليس من شأنك النكاح ولست من أهله، يقال: امرأة ناكح مثل حائض وطالق، ولا يقال: ناكحة، إلا إذا أرادوا بناء الاسم لها، فيقال: نكحت فهي ناكحة. قوله: (إن بداء لي) أي: ظهر لي.
وفي مسلم بعد هذا: قال ابن شهاب: فلا أرى بأسا أن تتزوج حين وضعت وإن كانت في دمها، غير أنها لا يقربها زوجها حتى تطهر. قلت: وهذا قول أكثر الصحابة والفقهاء، وتأولوا قوله تعالى: * (يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) * (البقرة: 234). في الحائل دون الحامل عملا بالآية الأخرى، وهي: * (وأولات
الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) * (الطلاق: 4). وروى عن علي وابن عباس، رضي الله تعالى عنهم: إنها تعتد بآخر الأجلين، وبه قال سحنون، حكاه عنه عبد الحق، وعند أصحابنا: عدة الحامل بوضع الحمل سواء كانت حرة أو أمة، وسواء كانت العدة عن طلاق أو وفاة أو غير ذلك، لأن آية الحمل متأخرة فيكون غيرها منسوخا بها أو مخصوصا.
تابعه أصبغ عن ابن وهب عن يونس
أي: تابع الليث أصبغ بن الفرج المصري أحد مشايخ البخاري في روايته الحديث المذكور عن عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد، وهذه المتابعة رواها الإسماعيلي من طريق محمد بن عبد الملك بن رنجويه عن أصبغ.
وقال الليث حدثني يونس عن ابن شهاب وسألناه فقال أخبرني محمد بن عبد الرحمان بن ثوبان مولى بني عامر بن لؤي أن محمد بن إياس بن البكير وكان أبوه شهد بدرا أخبره
103

هذا أيضا تعليق ذكره عن الليث بن سعد عن يونس بن يزيد عن يزيد عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وصله البخاري في (تاريخه الكبير) قال: حدثنا عبد الله بن صالح أخبرنا الليث... فذكر الحديث المذكور بتمامه، قوله: (وسألناه)، السائل هو ابن شهاب. قوله: (فقال: أخبرني)، وفي رواية الكشميهني: حدثني، وفي رواية غيره: فقال حدثه محمد بن ثوبان، بفتح الثاء المثلثة وسكون الواو: العامري ابن محمد بن إياس، بتخفيف الياء آخر الحروف وبالسين المهملة: ابن البكير، بضم الباء الموحدة وفتح الكاف وسكون الياء آخر الحروف، ويروى: بكير، بكسر الباء وتشديد الكاف، وقال أبو عمر: ويقال ابن أبي بكير بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث الليثي حليف بني عدي، وأياس شهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم وكان إسلامه وإسلام أخيه عامر في دار الأرقم، وابنه محمد يروي عن ابن عباس، وابن عمر وأبي هريرة، رضي الله تعالى عنهم، قوله: (أخبره) خبر قوله: أن محمد بن أياس، أي: أخبره بهذا الحديث أو بغيره، لأن المقصود بيان أنه شهد بدرا لا بيان أنه أخبره بهذا، ولهذا قال: وكان أبوه شهد بدرا، وهي جملة معترضة بين اسم إن وخبرها.
11
((باب شهود الملائكة بدرا))
أي: هذا باب في بيان حضور الملائكة غزوة بدر مع المسلمين نصرة لهم وعونا على الكافرين.
3992 حدثني إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن يحيى بن سعيد عن معاذ بن رفاعة ابن رافع الزرقي عن أبيه وكان أبوه من أهل بدر قال جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما تعدون أهل بدر فيكم قال من أفضل المسلمين أو كلمة نحوها قال وكذلك من شهد بدرا من الملائكة. (الحديث 3992 طرفه في: 3994).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه، وجرير هو ابن عبد الحميد، ويحيى بن سعيد الأنصاري ومعاذ، بضم الميم وبالذال المعجمة ابن رفاعة، بكسر الراء وتخفيف الفاء: ابن رافع الزرقي، بضم الزاي وفتح الراء وبالقاف: الأنصاري. والحديث من أفراده.
قوله: (وكان أبوه)، أي: أبو معاذ هو رفاعة من أهل بدر، وقال أبو عمر: رفاعة بن رافع بن مالك ابن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق الأنصاري الزرقي، يكنى أبا معاذ، شهد بدرا بلا خلاف وأحدا وسائر المشاهد مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وشهد رفاعة مع علي، رضي الله تعالى عنه، الجمل وصفين وتوفي في أول إمارة معاوية وأبوه رافع أحد النقباء الاثني عشر، شهد العقبة مع السبعين ولم يشهد بدرا على خلاف فيه. قوله: (أو كلمة نحوها)، شك من الراوي أي: أو قال صلى الله عليه وسلم، كلمة نحو. قوله: (من أفضل المسلمين) نحو قوله: من خيار المسلمين، كما جاء في رواية البيهقي، سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم: كيف أهل بدر فيكم؟ قال: خيارنا. قوله: (قال: وكذلك) أي: قال جبريل، عليه السلام: من شهد بدرا من الملائكة هم من أفضلهم أيضا، وفي رواية البيهقي: (قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة).
3993 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن يحيى عن معاذ بن رفاعة بن رافع وكان رفاعة من أهل بدر وكان رافع من أهل العقبة فكان يقول لإبنه ما يسرني أني شهدت بدرا بالعقبة قال سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بهذا.
هذا طريق آخر في حديث رفاعة أخرجه عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن معاذ... إلى آخره، وهذا مرسل.
قوله: (وكان رافع من أهل العقبة)، أي: التي بمنى، وهو كان أحد الستة وأحد الاثني عشر وأحد السبعين من الأنصار الذين بايعوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بمنى قبل الهجرة. قوله: (ما يسرني) كلمة: ما، استفهامية وفيه معنى التمني لشهود بدر، ويحتمل أن تكون نافية، والباء في: بالعقبة، باء البدل أي: بدل العقبة. قال الكرماني فإن قلت: غزوة بدر
104

أفضل المغازي. قلت: لعل اجتهاده أدى إلى أن بيعة العقبة لما كانت منشأ نصرة الإسلام وسبب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، التي هي سبب لقوته واستعداده للغزوات كلها كانت أفضل. قوله: (سأل جبريل، عليه السلام، بهذا) أي: بما تقدم في رواية جرير، رحمه الله.
3994 حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا يزيد أخبرنا يزيد أخبرنا يحيى سمع معاذ بن رفاعة أن ملكا سأل النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وعن يحيى أن يزيد بن الهاد أخبره أنه كان معه يوم حدثه معاذ هذا الحديث فقال يزيد فقال معاذ إن السائل هو جبريل عليه السلام. (انظر الحديث 3992).
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن إسحاق بن منصور أبي يعقوب المروزي عن يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد الأنصاري، وهذا أيضا ظاهر الإرسال.
قوله: (أن ملكا سأل النبي صلى الله عليه وسلم)، إنما قال: أن ملكا سأل، مع أنه تابعي غير صحابي على سبيل الإرشاد، أو على وجه الاعتماد على الطريق السابق، والمسؤول به هو شهود بدر وذلك كان قبل وقوعه، أو أفضلية بدر أو العقبة، يقال: سألته عنه وبه، بمعنى واحد، قال تعالى: * (سأل سائل بعذاب واقع) * (المعارج: 1). أي: عن عذاب. قوله: (نحوه) أي: نحو ما سأل جبريل، عليه الصلاة والسلام، مع أن معاذا بين في آخر الحديث أن السائل هو جبريل، عليه السلام.
قوله: (عن يحيى)، هو متصل بما قبله، أي: عن يحيى بن سعيد الأنصاري المذكور (أن يزيد بن الهاد) هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي (أخبره) أي: أخبر يحيى أنه كان مع يزيد بن الهاد. قوله: (فقال يزيد) أي: ابن الهاد (فقال معاذ) بن رفاعة (أن السائل) في قوله: (أن ملكا) هو جبريل، عليه السلام.
3995 حدثني إبراهيم بن موساى أخبرنا عبد الوهاب حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر هذا جبريل آخد برأس فرسه عليه أداة الحرب. (الحديث 3995 طرفه في: 4041).
مطابقته للترجمة ظاهرة، و إبراهيم بن موسى الفراء الرازي، و عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، و خالد هو الحذاء.
والحديث من أفراده وهو من مراسيل الصحابة، وعن ابن إسحاق: أن النبي صلى الله عليه وسلم، في يوم بدر خفق خفقة ثم انتبه، فقال: أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ فعنان فرسه يقوده على ثناياه الغبار، ومن مرسل عطية بن قيس أخرجه سعيد بن منصور: أن جبريل، عليه السلام، أتى النبي صلى الله عليه وسلم، بعدما فرغ من بدر على فرس حمراء معقود الناصية قد عصب الغبار ثنيته عليه درعه، وقال: يا محمد! إن الله بعثني إليك وأمرني أن لا أفارقك حتى ترضى، أفرضيت؟ قال: نعم، وروى البيهقي من طريق محمد بن جبير بن مطعم أنه سمع عليا، رضي الله تعالى عنه، يقول: هبت ريح شديدة لم أر مثلها ثم هبت ريح شديدة وأظنه ذكر ثالثة، فكانت الأولى جبريل، والثانية ميكائيل، والثالثة إسرافيل، عليهم السلام، وكان ميكائيل عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها أبو بكر، وإسرافيل عن يساره وأنا فيها، ومن طريق أبي صالح عن علي، رضي الله تعالى عنه، قال: قيل لي ولأبي بكر يوم بدر: مع أحد كما جبريل ومع الآخر ميكائيل، وإسرافيل، عليه السلام، ملك عظيم يحضر الصف ويشهد القتال، وأخرجه أحمد وأبو يعلى وصححه الحاكم. فإن قلت: ما الحكمة في قتال الملائكة مع النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن جبريل، عليه السلام، كان قادرا على دفع الكفار بريشة من جناحه؟ قلت: ليكون لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتكون الملائكة مددا على عادة مدد الجيش.
12
((باب))
أي: هذا باب وهو كالفصل لما قبله لأنه يتعلق ببيان من شهد بدرا، وهكذا وقع بغير ترجمة في رواية الجميع.
3996 حدثني خليفة حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا سعيد عن قتادة عن
105

أنس رضي الله تعالى عنه قال مات أبو زيد ولم يترك عقبا وكان بدريا.
خليفة هو ابن خياط، بالخاء المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف: أبو عمرو الحافظ العصفري البصري، مات سنة ست وأربعين ومائتين، ومحمد بن عبد الله الأنصاري من كبار مشايخ البخاري وحدث عنه هنا بالواسطة، وسعيد هو ابن أبي عروبة، وأبو زيد اسمه قيس بن السكن الأنصاري أحد الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو أحد عمومة أنس، رضي الله تعالى عنهما، وقال أبو عمر: قيس بن السكن بن قيس بن زعور بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصاري الخزرجي غلبت عليه كنيته، وقال ابن سعد: يذكرون أنه ممن جمع القرآن على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم وكان له من الولد زيد وإسحاق وخولة، وأمهم أم خولة بنت سفيان بن قيس بن زعور، وشهد قيس بن السكن بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقتل يوم جسر أبي عبيد شهيدا سنة خمس عشرة وليس له عقب، وبخط الدمياطي بعد هذا. أبو زيد ثابت بن زيد بن قيس بن زيد بن النعمان بن مالك الأغر ابن ثعلبة بن كعب بن الخزرج، ومن ولد أبي زيد: سعيد بن أويس بن ثابت بن بشير بن أبي زيد النحوي البصري، وهو أحد الستة الذي جمعوا القرآن وهلك في خلافة عمر رضي الله عنه وفي معجم الصحابة للذهبي أبو زيد أوس وقيل معاذ الأنصاري الذي جمع القرآن وقال ابن معين: اسمه ثابت بن زيد، وهو والد عمير استشهد بالقادسية، قال: وقيل: قيس هو ابن السكن بن قيس الخزرجي النجاري مشهور بكنيته، وقال ابن التين: أبو زيد هذا أحد أعمام زيد بن ثابت. قوله: (ولم يترك عقبا) والعقب الولد وولد الولد، وقال ابن فارس: بل الورثة كلهم، قال: والأول أصح.
3997 حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث قال حدثني يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن ابن خباب أن أبا سعيد بن مالك الخدري رضي الله تعالى عنه قدم من سفر فقدم إليه أهله لحما من لحوم الأضحى فقال ما أنا بآكله حتى أسأل فانطلق إلى أخيه لامه وكان بدريا قتادة بن النعمان فسأله فقال إنه حدث بعدك أمر نقض لما كانوا ينهون عنه من أكل لحوم الأضحى بعد ثلاثة أيام. (الحديث 3997 طرفه في: 5568).
الغرض من ذكره هنا لقوله: (وكان بدريا). والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، وابن خباب هو عبد الله ابن خباب، بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأولى: مولى بني عدي بن النجار الأنصاري، وأبو سعيد سعد بن مالك الخدري، رضي الله تعالى عنه، وفي الإسناد ثلاثة من التابعين على نسق واحد.
قوله: (من لحوم الأضحى) ويروى: الأضاحي. قوله: (بآكله) على صيغة اسم الفاعل من أكل. قوله: (إلى أخيه لأمه) وهي أنيسة بنت قيس بن عمرو. قوله: (وكان بدريا) أي: وكان أخوه لأمه وهو قتادة ممن شهد غزوة بدر، قوله: (قتادة بن النعمان) يجوز فيه الرفع والنصب والجر، أما الرفع فعلى أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هو قتادة بن النعمان، وأما النصب فعلى أنه مفعول لفعل محذوف تقديره: أعني قتادة، وأما الجر فعلى أنه بدل من أخيه، وبقية نسب قتادة هو: ابن النعمان بن زيد بن عامر بن سواد بن كعب، وكعب هو ظفر بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الظفري، يكنى أبا عمرو وقيل: أبا عمر، وقيل: أبا عبد الله عقبي بدري أحدي وشهد المشاهد كلها وأصيبت عينه يوم بدر، وقيل: يوم الخندق، وقيل: يوم أحد وهو الأصح، فسالت حدقته على وجهه فأرادوا قطعها ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فرفع حدقته بيده حتى وضعها موضعها ثم غمزها براحته، وقال: اللهم اكسه جمالا، فمات وإنها لأحسن عينيه وما مرضت بعد، وقال الهيثم بن عدي، فأتى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعينه في يده، فقال: ما هذه يا قتادة؟ قال: هو كما ترى! فقال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت رددتها ودعوت الله تعالى، فلم تفقد منها شيئا، فقال: يا رسول الله إن الجنة لجزاء جليل وعطاء جميل، ولكني رجل مبتلى بحب النساء وأخاف أن يقلن: أعور، فلا يردنني، ولكن تردها وتسأل الله تعالى لي الجنة، فأخذها
106

رسول الله، صلى الله عليه وسلم بيده وأعادها إلى مكانها، فكانت أحسن عينيه إلى أن مات، ودعا له بالجنة. وقال عبد الله بن محمد بن عمارة: قال: يا رسول الله إن عندي امرأة أحبها وإن هي رأت عيني خشيت أن تقذرني، فردها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بيده فاستوت، وعن ابن إسحاق من حديث جابر بن عبد الله، وقال: أصيبت عين قتادة بن النعمان يوم أحد وكان قريب عهد بعرس، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذها بيده فردها فكانت أحسن عينيه وأحدهما نظرا، وقال أبو معشر السندي: قدم رجل من ولد قتادة بن النعمان على عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه، فقال: ممن الرجل؟ فقال:
* أنا ابن الذي سالت على الخد عينه
* فردت بكف المصطفى أحسن الرد
*
* فعادت لما كانت لأول أمرها
* فيا حسن ما عين ويا حسن ما رد
*
توفي قتادة في سنة ثلاث وعشرين، وصلى عليه عمر بن الخطاب ونزل في قبره أخوه أبو سعيد الخدري وهو ابن خمس وستين سنة. قوله: (إنه) أي: إن الشأن. قوله: (نقض) بالقاف والضاد المعجمة بمعنى: ناقض. قوله: (لما كانوا ينهون عنه) أي: لما كانت الصحابة ينهون على صيغة المجهول من أكل لحوم أضاحيهم بعد ثلاثة أيام، واحتج بهذا الحديث قوم على أنه يحرم إمساك لحوم الأضاحي والأكل منها بعد ثلاثة أيام، واحتجوا أيضا بحديث علي، رضي الله تعالى عنه، قال: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نهانا أن نأكل من لحوم نسكنا بعد ثلاث، وقال جماهير العلماء: يباح الأكل والإمساك بعد الثلاث، والنهي منسوخ بقوله صلى الله عليه وسلم: كلوا بعد وادخروا وتزودوا، على ما يجيء بيانه في كتاب الأضاحي مفصلا إن شاء الله تعالى.
3998 حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه قال قال الزبير لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد بن العاص وهو مدجج لا يرى منه إلا عيناه وهو يكنى أبا ذات الكرش فقال أنا أبو ذات الكرش فحملت عليه بالعنزة فطعنته في عينه فمات. قال هشام فأخبرت أن الزبير قال لقد وضعت رجلي عليه ثم تمطأت فكان الجهد أن نزعتها وقد انثنى طرفاها قال عروة فسأله إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها ثم طلبها أبو بكر فأعطاه إياها فلما قبض أبو بكر سأله إياها عمر فأعطاه إياها فلما قبض عمر أخذها ثم طلبها عثمان منه فأعطاه إياها فلما قتل عثمان وقعت عند آل علي فطلبها عبد الله بن الزبير فكانت عنده حتى قتل.
ذكره هنا لأجل قوله: (يوم بدر) وعبيد مصغر عبد واسمه في الأصل: عبد الله بن إسماعيل أبو محمد الهباري القرشي الكوفي، وأبو أسامة حماد بن أسامة، والزبير هو ابن العوام، و: عبيدة بضم العين وفتح الباء الموحدة، وقيل: بفتح العين وكسر الموحدة: ابن سعيد بن العاص بن أمية ابن عبد شمس.
قوله: (وهو مدجج)، بضم الميم وفتح الدال المهملة وكسر الجيم الأولى وفتحها على صيغة اسم الفاعل من: دجج، بالتشديد في شكته وتدجج أي: تغطي بالسلاح فلا يظهر منه شيء، والمدجج شاكي السلاح تامه. قوله: (أبو ذات الكرش) بفتح الكاف وكسر الراء، وهو لذي الخف والظلف وكل محتر كالمعدة للإنسان، وكرش الرجل أيضا عياله، والكرش أيضا: الجماعة من الناس. قوله: (بالعنزة)، بفتح النون وهي كالحربة، قاله الداودي: وقال ابن فارس: هي شبه العكاز. قوله: (قال هشام) هو ابن عروة، وهو موصول بالإسناد المذكور. قوله: (فأخبرت) على صيغة المجهول. قوله: (ثم تمطات) وقال الدمياطي: الصواب: تمطيت، وهو من التمطي، وهو مد اليدين في المشي، وتمطط أي: تمدد. قوله: (فكان الجهد) بفتح الجيم وبضمها. قوله: (أن نزعتها)،
107

بفتح الهمزة، والضمير في: نزعتها، وفي: طرفاها، للعنزة ومعنى: انثنى انعطف. قوله: (قال عروة) موصول بالإسناد المذكور. قوله: (فسأله إياها) أي: سأل الزبير العنزة رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قوله: (فأعطاه) أي: فأعطى الزبير رسول الله، صلى الله عليه وسلم العنزة عارية. قوله: (أخذها) يعني: أخذ الزبير العنزة بعد موت رسول الله، صلى الله عليه وسلم لأنها كانت عارية. قوله: (ثم طلبها أبو بكر، رضي الله تعالى عنه) أي: ثم طلب العنزة أبو بكر من
الزبير فأعطاه إياها عارية، وكذلك جرى مع عمر وعثمان، رضي الله تعالى عنهما. قوله: (عند آل علي، رضي الله تعالى عنه) أي: عند علي نفسه، ولفظة: الآل، مقحمة، وبعد علي كانت عند أولاده ثم طلبها الزبير من أولاد علي فكانت عنده إلى أن قتل.
47 - حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو إدريس عائذ الله بن عبد الله أن عبادة بن الصامت وكان شهد بدرا أن رسول الله
قال بايعوني) ذكره هنا لأجل قوله وكان شهدر بدرا وأبو اليمان الحكم بن نافع والحديث مر بهذا الاسناد بعينه بأتم منه في كتاب الإيمان في باب حدثنا أبو اليمان
48 - (حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي
أن أبا حذيفة وكان ممن شهد بدرا مع رسول الله
تبنى سالما وأنكحه بنت أخيه هند بنت الوليد بن عتبة وهو مولى لامرأة من الأنصار كما تبنى رسول الله
زيدا وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث من ميراثه حتى أنزل الله تعالى * (ادعوهم لآبائهم) * فجاءت سهلة النبي
فذكر الحديث)
ذكره هنا لأجل قوله وكان ممن شهد بدرا ورجاله قد ذكروا غير مرة والحديث من إفراده قوله أن أبا حذيفة بضم الحاء المهملة وفتح الذال المعجمة وسكون الياء آخر الحروف يقال اسمه مهشم بالشين المعجمة ويقال هشيم بضم الهاء ويقال هاشم والأكثر على أنه هشام بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي كان من فضلاء الصحابة من المهاجرين الأولين وهاجر الهجرتين وصلى القبلتين وشهد بدرا وأحدا والخندق والحديبية والمشاهد كلها وقتل يوم اليمامة شهيدا وهو ابن ثلاث أو أربع وخمسين سنة قوله ' تبنى سالما ' أي ادعى أنه ابنه وكان ذلك قبل نزول قوله تعالى * (ادعوهم لآبائهم) * وسالم كان ابن معقل بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف وقيل هو ابن عبيد مصغرا وفي الاستيعاب كان سالم عبد الثبيتة بضم الثاء المثلثة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفتح التاء المثناة من فوق بنت يعار بالياء آخر الحروف والعين المهملة والراء الأنصارية زوج أبي حذيفة فأعتقته فانقطع إلى أبي حذيفة فتبناه قوله ' وأنكحه ' أي زوجه بنت أخيه هند بنت الوليد بن عتبة وكذا رواه أبو داود والنسائي وقالا هند بنت الوليد وكذا سماها الزبير وخالفهم مالك فأخرجه في موطئه من طريق الزهري أيضا عن عروة عن عائشة وسماها فاطمة بنت الوليد وكذا قاله أبو عمر تقليدا لمالك ولم يذكر ابن سعد ولا أبو عمر في الصحابة هند بنت الوليد ولم يذكر ابن سعد مرة فاطمة بنت الوليد بل ذكر عمتها فاطمة بنت عتبة وأنها التي تزوج بها سالم قال الدمياطي ولا أظنه صحيحا وقد ذكر ابن منده في الصحابة عن أبي بكر بن الحارث عن فاطمة بنت الوليد أنها كانت بالشام تلبس الثياب من ثياب الخز ثم تأتزر فقيل لها أما يغنيك هذا عن الإزار فقالت إني سمعت رسول الله
يأمر بالإزار وفي معجم الذهبي فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة زوج سالم مولى أبي حذيفة من المهاجرات تزوجها بعد سالم الحارث بن هشام فيما زعم إسحاق الفروي وليس بشيء ثم قال فاطمة بنت الوليد المخزومية أخت خالد بايعت يوم الفتح وهي
108

زوج ابن عمها الحارث بن هشام قوله ' وهو مولى لامرأة من الأنصار ' أي سالم مولى لامرأة وهي ثبيتة المذكورة آنفا (فإن قلت) قد مضى في فضائل الصحابة باب مناقب سالم مولى أبي حذيفة وبينه وبين قوله هنا تفاوت (قلت) النسبة إلى ابن حذيفة إنما كانت بأدنى ملابسة فهو إطلاق مجازي قوله ' كما تبنى رسول الله
زيد بن حارثة الكلبي ' من بني عبد ود وكان عبد الرسول
فأعتقه وتبناه قبل الوحي بالآية المذكورة وآخى بينه وبين حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه في الإسلام فجعل الفقير أخا للغني ليعود عليه فلما تزوج النبي
زينب بنت جحش الأسدي وكانت تحت زيد بن حارثة قالت اليهود والمنافقون تزوج محمد امرأة ابنه وينهى الناس عنها فأنزل الله هذه الآية أعني قوله * (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) * قوله ' فجاءت سهلة ' بفتح السين المهملة وسكون الهاء بنت سهيل بن عمرو العامرية هاجرت مع زوجها أبي حذيفة بن عتبة المذكور ولما جاءت سهلة إلى النبي
قالت يا رسول الله إنا كنا نرى سالما ولدا وقد أنزل الله تعالى فيه ما قد علمت فقال النبي
أرضعيه فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة هذا لفظ أبي داود وفي رواية النسائي فجاءت سهلة بنت سهيل إلى النبي
فقال يا رسول الله إني لأرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم علي قالت قال رسول الله
أرضعيه قلت إنه ذو لحية فقال أرضعيه يذهب ما في وجه أبي حذيفة قالت والله ما عرفته في وجه أبي حذيفة وفي رواية له أرضعيه تحرمي عليه فأرضعته فذهب الذي في نفس أبي حذيفة رضي الله تعالى عنه
49 - (حدثنا علي حدثنا بشر بن المفضل حدثنا خالد بن ذكوان عن الربيع بنت معوذ قالت دخل علي النبي
غداة بني علي فجلس على فراشي كمجلسك مني وجويريات يضربن بالدف يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر حتى قالت جارية وفينا نبي يعلم ما في غد فقال النبي
لا تقولي هكذا وقولي ما كنت تقولين)
ذكره هنا أن كان بطريق الاستطراد حيث فيه ذكر بدر فله وجه ما وعلي هو ابن عبد الله المديني وبشر بكسر الباء الموحدة ابن المفضل بتشديد الضاد المعجمة المفتوحة ابن لاحق أبو إسماعيل البصري وخالد بن ذكوان أبو الحسن المدني سكن البصرة والربيع بضم الراء وفتح الباء الموحدة وكسر الياء آخر الحروف المشددة بنت معوذ بصيغة اسم الفاعل من التعويذ بالذال المعجمة ابن عفراء الأنصارية ومعوذ له صحبة أيضا * والحديث أخرجه البخاري أيضا في النكاح عن مسدد وأخرجه أبو داود في
الأدب عن مسدد به وأخرجه الترمذي في النكاح عن حميد بن مسعدة عن بشر بن المفضل به وأخرجه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة قوله ' غداة ' نصب على الظرف مضاف إلى الجملة التي بعدها وهي قوله بني بضم الباء الموحدة على صيغة المجهول وعلي بتشديد الياء والبناء عبارة عن الدخول بالمرأة قوله ' كمجلسك ' بفتح اللام بمعنى الجلوس وجويريات يضربن جملة حالية قوله ' بالدف ' بضم الدال وفتحها وتشديد الفاء قوله ' يندبن ' بفتح الياء من الندب وهو ذكر الميت بأحسن أوصافه وهو مما يهيج الشوق إليه والبكاء عليه قوله ' من قتل ' في محل النصب على أنه مفعول يندبن وفيه إباحة ضرب الدف صبيحة العرس وإباحة سماعهن ومن يمنعه من العلماء يقول كان هذا وأمثاله في ابتداء الإسلام وفيه منع نسبة علم الغيب لأحد من المخلوقين * -
3997 حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث قال حدثني يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن ابن خباب أن أبا سعيد بن مالك الخدري رضي الله تعالى عنه قدم من سفر فقدم إليه أهله لحما من لحوم الأضحى فقال ما أنا بآكله حتى أسأل فانطلق إلى أخيه لامه وكان بدريا قتادة بن النعمان فسأله فقال إنه حدث بعدك أمر نقض لما كانوا ينهون عنه من أكل لحوم الأضحى بعد ثلاثة أيام. (الحديث 3997 طرفه في: 5568).
الغرض من ذكره هنا لقوله: (وكان بدريا). والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، وابن خباب هو عبد الله ابن خباب، بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأولى: مولى بني عدي بن النجار الأنصاري، وأبو سعيد سعد بن مالك الخدري، رضي الله تعالى عنه، وفي الإسناد ثلاثة من التابعين على نسق واحد.
قوله: (من لحوم الأضحى) ويروى: الأضاحي. قوله: (بآكله) على صيغة اسم الفاعل من أكل. قوله: (إلى أخيه لأمه) وهي أنيسة بنت قيس بن عمرو. قوله: (وكان بدريا) أي: وكان أخوه لأمه وهو قتادة ممن شهد غزوة بدر، قوله: (قتادة بن النعمان) يجوز فيه الرفع والنصب والجر، أما الرفع فعلى أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هو قتادة بن النعمان، وأما النصب فعلى أنه مفعول لفعل محذوف تقديره: أعني قتادة، وأما الجر فعلى أنه بدل من أخيه، وبقية نسب قتادة هو: ابن النعمان بن زيد بن عامر بن سواد بن كعب، وكعب هو ظفر بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الظفري، يكنى أبا عمرو وقيل: أبا عمر، وقيل: أبا عبد الله عقبي بدري أحدي وشهد المشاهد كلها وأصيبت عينه يوم بدر، وقيل: يوم الخندق، وقيل: يوم أحد وهو الأصح، فسالت حدقته على وجهه فأرادوا قطعها ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فرفع حدقته بيده حتى وضعها موضعها ثم غمزها براحته، وقال: اللهم اكسه جمالا، فمات وإنها لأحسن عينيه وما مرضت بعد، وقال الهيثم بن عدي، فأتى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعينه في يده، فقال: ما هذه يا قتادة؟ قال: هو كما ترى! فقال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت رددتها ودعوت الله تعالى، فلم تفقد منها شيئا، فقال: يا رسول الله إن الجنة لجزاء جليل وعطاء جميل، ولكني رجل مبتلى بحب النساء وأخاف أن يقلن: أعور، فلا يردنني، ولكن تردها وتسأل الله تعالى لي الجنة، فأخذها رسول الله، صلى الله عليه وسلم بيده وأعادها إلى مكانها، فكانت أحسن عينيه إلى أن مات، ودعا له بالجنة. وقال عبد الله بن محمد بن عمارة: قال: يا رسول الله إن عندي امرأة أحبها وإن هي رأت عيني خشيت أن تقذرني، فردها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بيده فاستوت، وعن ابن إسحاق من حديث جابر بن عبد الله، وقال: أصيبت عين قتادة بن النعمان يوم أحد وكان قريب عهد بعرس، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذها بيده فردها فكانت أحسن عينيه وأحدهما نظرا، وقال أبو معشر السندي: قدم رجل من ولد قتادة بن النعمان على عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه، فقال: ممن الرجل؟ فقال:
109

* أنا ابن الذي سالت على الخد عينه
* فردت بكف المصطفى أحسن الرد
*
* فعادت لما كانت لأول أمرها
* فيا حسن ما عين ويا حسن ما رد
*
توفي قتادة في سنة ثلاث وعشرين، وصلى عليه عمر بن الخطاب ونزل في قبره أخوه أبو سعيد الخدري وهو ابن خمس وستين سنة. قوله: (إنه) أي: إن الشأن. قوله: (نقض) بالقاف والضاد المعجمة بمعنى: ناقض. قوله: (لما كانوا ينهون عنه) أي: لما كانت الصحابة ينهون على صيغة المجهول من أكل لحوم أضاحيهم بعد ثلاثة أيام، واحتج بهذا الحديث قوم على أنه يحرم إمساك لحوم الأضاحي والأكل منها بعد ثلاثة أيام، واحتجوا أيضا بحديث علي، رضي الله تعالى عنه، قال: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نهانا أن نأكل من لحوم نسكنا بعد ثلاث، وقال جماهير العلماء: يباح الأكل والإمساك بعد الثلاث، والنهي منسوخ بقوله صلى الله عليه وسلم: كلوا بعد وادخروا وتزودوا، على ما يجيء بيانه في كتاب الأضاحي مفصلا إن شاء الله تعالى.
3998 حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه قال قال الزبير لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد بن العاص وهو مدجج لا يرى منه إلا عيناه وهو يكنى أبا ذات الكرش فقال أنا أبو ذات الكرش فحملت عليه بالعنزة فطعنته في عينه فمات. قال هشام فأخبرت أن الزبير قال لقد وضعت رجلي عليه ثم تمطأت فكان الجهد أن نزعتها وقد انثنى طرفاها قال عروة فسأله إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها ثم طلبها أبو بكر فأعطاه إياها فلما قبض أبو بكر سأله إياها عمر فأعطاه إياها فلما قبض عمر أخذها ثم طلبها عثمان منه فأعطاه إياها فلما قتل عثمان وقعت عند آل علي فطلبها عبد الله بن الزبير فكانت
عنده حتى قتل.
ذكره هنا لأجل قوله: (يوم بدر) وعبيد مصغر عبد واسمه في الأصل: عبد الله بن إسماعيل أبو محمد الهباري القرشي الكوفي، وأبو أسامة حماد بن أسامة، والزبير هو ابن العوام، و: عبيدة بضم العين وفتح الباء الموحدة، وقيل: بفتح العين وكسر الموحدة: ابن سعيد بن العاص بن أمية ابن عبد شمس.
قوله: (وهو مدجج)، بضم الميم وفتح الدال المهملة وكسر الجيم الأولى وفتحها على صيغة اسم الفاعل من: دجج، بالتشديد في شكته وتدجج أي: تغطي بالسلاح فلا يظهر منه شيء، والمدجج شاكي السلاح تامه. قوله: (أبو ذات الكرش) بفتح الكاف وكسر الراء، وهو لذي الخف والظلف وكل محتر كالمعدة للإنسان، وكرش الرجل أيضا عياله، والكرش أيضا: الجماعة من الناس. قوله: (بالعنزة)، بفتح النون وهي كالحربة، قاله الداودي: وقال ابن فارس: هي شبه العكاز. قوله: (قال هشام) هو ابن عروة، وهو موصول بالإسناد المذكور. قوله: (فأخبرت) على صيغة المجهول. قوله: (ثم تمطات) وقال الدمياطي: الصواب: تمطيت، وهو من التمطي، وهو مد اليدين في المشي، وتمطط أي: تمدد. قوله: (فكان الجهد) بفتح الجيم وبضمها. قوله: (أن نزعتها)، بفتح الهمزة، والضمير في: نزعتها، وفي: طرفاها، للعنزة ومعنى: انثنى انعطف. قوله: (قال عروة) موصول بالإسناد المذكور. قوله: (فسأله إياها) أي: سأل الزبير العنزة رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قوله: (فأعطاه) أي: فأعطى الزبير رسول الله، صلى الله عليه وسلم العنزة عارية. قوله: (أخذها) يعني: أخذ الزبير العنزة بعد موت رسول الله، صلى الله عليه وسلم لأنها كانت عارية. قوله: (ثم طلبها أبو بكر، رضي الله تعالى عنه) أي: ثم طلب العنزة أبو بكر من الزبير فأعطاه إياها عارية، وكذلك جرى مع عمر وعثمان، رضي الله تعالى عنهما. قوله: (عند آل علي، رضي الله تعالى عنه) أي: عند علي نفسه، ولفظة: الآل، مقحمة، وبعد علي كانت عند أولاده ثم طلبها الزبير من أولاد علي فكانت عنده إلى أن قتل.
3999 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو إدريس عائذ الله بن عبد الله أن عبادة بن الصامت وكان شهد بدرا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بايعوني..
ذكره هنا لأجل قوله: (وكان شهد بدرا) وأبو اليمان: الحكم بن نافع، والحديث مر بهذا الإسناد بعينه بأتم منه في كتاب الإيمان في: باب حدثنا أبو اليمان.
4002 حدثنا إبراهيم بن موساى أخبرنا هشام عن معمر عن الزهري ح.
وحدثنا إسماعيل قال حدثني أخي عن سليمان عن محمد بن أبي عتيق عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال أخبرني أبو طلحة رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قد شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
109

قال لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب لا صورة يريد التماثيل التي فيها الأرواح..
ذكره هنا لأجل قوله: (وكان قد شهد بدرا) أخرجه من طريقين: الأول: عن إبراهيم بن موسى الفراء الرازي عن هشام بن يوسف الصنعاني عن معمر، بفتح الميمين: ابن راشد عن محمد بن مسلم الزهري. والثاني: عن إسماعيل بن أبي أويس المدني عن أخي ه عبد الحميد عن سليمان بن بلال عن محمد بن أبي عتيق، بفتح العين: سبط الصديق عن ابن شهاب الزهري، وقد مضى الحديث في بدء الخلق، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (يريد)، هو من قول ابن عباس، قاله القابسي وجزم به ابن التين تفسيرا له وتخصيصا لعمومه، والتماثيل جمع: تمثال، وهو الصورة.
4003 حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس ح وحدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن الزهري أخبرنا علي بن حسين أن حسين بن علي عليهم السلام أخبره أن عليا قال كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني مما أفاء الله عليه من الخمس يومئذ فلما أردت أن أبتني بفاطمة عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه وسلم واعدت رجلا صواغا في بني قينقاع أن يرتحل معي فنأتي بإذخر فأردت أن أبيعه من الصواغين فنستعين به في وليمة عرسي فبينا أنا أجمع لشارفي من الأقتاب والغرائر والحبال وشارفاي مناخان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار حتى جمعت ما جمعته فإذا أنا بشارفي قد أجبت أسنمتهما وبقرت خواصرهما وأخذ من أكبادهما فلم أملك عيني حين رأيت المنظر قلت من فعل هاذا قالوا فعله حمزة بن عبد المطلب وهو في هاذا البيت في شرب من الأنصار عنده قينة وأصحابه فقالت في غنائها ألا يا حمز للشرف النواء فوثب حمزة إلى السيف فأجب أسنمتهما وبقر خواصرهما وأخذ من أكبادهما قال علي فانطلقت حتى أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة وعرف النبي صلى الله عليه وسلم الذي لقيت فقال مالك قلت يا رسول الله ما رأيت كاليوم عدا حمزة على ناقتي فأجب أسنمتهما وبقر خواصرهما وها هو ذا في بيت معه شرب فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بردائه فارتدى ثم انطلق يمشي واتبعته أنا وزيد ابن حارثة حتى جاء البيت الذي فيه حمزة فاستأذن عليه فأذن له فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة فيما فعل فإذا حمزة ثمل محمرة عيناه فنظر حمزة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم صعد النظر فنظر إلى ركبته ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه ثم قال حمزة وهل أنتم إلا عبيد لأبي فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أنه ثمل فنكص رسول الله صلى الله عليه وسلم على عقبيه القهقرى فخرج وخرجنا معه..
ذكره هنا لقوله: (من المغنم يوم بدر) وأخرجه من طريقين: الأول: عن عبدان هو عبد الله بن عثمان المروزي عن عبد الله بن المبارك المروزي عن يونس بن يزيد الأيلي. والثاني: عن أحمد بن صالح بن أبي جعفر المصري عن عنبسة، بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة وبالسين المهملة: ابن خالد ابن أخي يونس بن يزيد المذكور عن عمه يونس عن محمد بن مسلم
110

الزهري عن علي بن حسين بن علي عن أبيه حسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنهم.
والحديث مضى في: باب فرض الخمس فإنه أخرجه هناك.
قوله: (شارف)، وهي المسنة من النوق. (والغرائر)، جمع الغرارة وهي وعاء للتبن ونحوه وهو معرب. قوله: (أجبت)، على صيغة المجهول من الجب وهو القطع، ويروى: جبت، قيل: هذا هو الصواب. قوله: (حمز)، مرخم بحذف التاء (والشرب) بفتح الشين المعجمة وسكون الراء: جمع شارب كتجر جمع تاجر. قوله: (والشرف) جمع شارف (والنواء) بالكسر جمع الناوية وهي السمينة، (والثمل) بفتح الثاء المثلثة وكسر الميم: السكران.
4004 حدثني محمد بن عباد أخبرنا ابن عيينة قال أنفذه لنا ابن الأصبهاني سمعه من ابن معقل أن عليا رضي الله تعالى عنه كبر على سهل بن حنيف فقال إنه شهد بدرا.
ذكره هنا لقوله: (إنه شهد بدرا)، ومحمد بن عباد، بفتح العين وتشديد الباء الموحدة: أبو عبد الله المكي نزيل بغداد ثقة مشهور مات ببغداد سنة أربع وثلاثين ومائتين وليس له في البخاري إلا هذا الحديث، وابن عيينة هو سفيان، وابن الأصبهاني هو عبد الرحمن بن عبد الله الكوفي، وابن معقل هو عبد الله بن معقل، بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف: المزني، لأبيه صحبة، وسهل بن حنيف، بضم الحاء المهملة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره فاء: ابن واهب بن العكيم بن ثعلبة أبو عبد الله، وقيل: أبو الوليد، وقيل: أبو ثابت، مات بالكوفة سنة ثمان وثلاثين، وصلى عليه علي بن أبي طالب وكبر عليه ستا، قاله أبو عمر والبغوي، وقال الحافظ أبو ذر: كبر عليه خمسا.
قوله: (أنفذه لنا) أي: بلغ به منتهاه من الرواية كقولك: أنفذت السهم، أي: رميت به فأصبت، وقيل: المراد به أنه أرسله فكأنه حمله عنه مكاتبة.
4005 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني سالم بن عبد الله أنه سمع عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما يحدث أن عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد بدرا توفي بالمدينة: قال عمر فلقيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة فقلت إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر قال سأنظر في أمري فلبثت ليالي فقال قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هاذا قال عمر فلقيت أبا بكر فقلت إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئا فكنت عليه أوجد مني على عثمان فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه فلقيني أبو بكر فقال لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك قلت نعم قال فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها فلم أكن لافشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها لقبلتها..
ذكره هنا لأجل قوله: (قد شهد بدرا). ورجاله قد ذكروا عن قريب.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النكاح عن عبد العزيز ابن عبد الله وعن عبد الله بن محمد. وأخرجه النسائي في النكاح عن إسحاق بن إبراهيم وعن محمد بن عبد الله المخزومي.
قوله: (حين تأيمت) يقال تأيمت المرأة وآمت إذا قامت لتتزوج، والأيم التي لا زوج لها، بكرا كانت أو ثيبا، مطلقة كانت أو متوفى عنها زوجها. قوله: (من خنيس)، بضم الخاء المعجمة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وبالسين المهملة: ابن حذافة، بضم الحاء المهملة وتخفيف الذال المعجمة وبالفاء: ابن قيس بن عدي بن سعد بن سهم القرشي السهمي، وكان من المهاجرين الأولين، شهد بدرا بعد هجرته إلى أرض الحبشة، ثم شهد أحدا ونالته ثمة جراحة مات منها بالمدينة، وهو أخو عبد الله بن حذافة. قوله:
111

(أوجد مني عليه) أي: أشد غضبا، وهو من الموجدة يقال: وجد عليه، إذا غضب، وإنما قال عمر ذلك لأن لكل منهما كان للآخر من مزيد المحبة، فلذلك كان غضبه من أبي بكر أشد من غضبه من عثمان.
4007 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري سمعت عروة بن الزبير يحدث عمر بن عبد العزيز في إمارته أخر المغيرة بن شعبة العصر وهو أمير الكوفة فدخل أبو مسعود عقبة بن عمر و الأنصاري جد زيد بن حسن شهد بدرا فقال لقد علمت نزل جبريل فصلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات ثم قال هاكذا أمرت كذلك كان بشير بن أبي مسعود يحدث عن أبيه. (انظر الحديث 521 وطرفه).
ذكره هنا لأجل قوله شهد بدر قوله: (جد زيد بن حسن). هو ابن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، أبو أمه، وأمه أم بشير بنت أبي مسعود، تزوجها سعيد بن زيد بن عمر بن نفيل فولدت له، ثم خلف عليها الحسن بن علي بن أبي طالب فولدت له زيدا، ثم خلف عليها عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي فولدت له عمرا. قوله: (شهد بدرا) هذا إخبار عن حقيقة شهوده غزوة بدر، فلذلك جزم به البخاري حيث ذكره أولا في الحديث السابق بقوله: البدري، بالتوصيف وذكره هنا بالإخبار على وجه الجزم. قوله: (لقد علمت) بلفظ الخطاب، وهكذا لفظ: أمرت، ولكنه على صيغة المجهول. قوله: (كذلك...) إلى آخره، كلام عروة، وفيه نوع من الإرسال. قوله: (بشير)، بفتح الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة: هو ابن أبي مسعود المذكور، وقد مر الحديث المذكور في أول كتاب مواقيت الصلاة، فإنه أخرجه هناك مطولا عن عبد الله بن مسلمة عن مالك، ومر الكلام فيه مستوفى.
4008 حدثنا موساى حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمان بن يزيد عن علقمة عن أبي مسعود البدري رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه قال عبد الرحمن فلقيت أبا مسعود وهو يطوف بالبيت فسألته فحدثنيه..
ذكره هنا لأجل قوله: (البدري) و موسى هو ابن إسماعيل التبوذكي، و أبو عوانة، بفتح العين المهملة: اسمه الوضاح اليشكري، و الأعمش هو سليمان، و إبراهيم هو النخعي، وفيه أربعة من التابعين على نسق واحد.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في
112

فضائل القرآن عن علي بن عبد الله وعن عمر بن حفص عن محمد بن كثير عن أبي نعيم، وأخرجه مسلم في الصلاة عن منجاب ابن الحارث وعن علي بن حشرم وعن جماعة آخرين. وأخرجه أبو داود فيه عن حفص بن عمر. وأخرجه الترمذي في فضائل القرآن عن أحمد بن منيع، وأخرجه النسائي فيه عن علي بن حشرم. وعن آخرين. وأخرجه ابن ماجة في الصلاة عن عثمان بن أبي شيبة وعن محمد بن عبد الله بن نمير.
قوله: الآيتان هما: * (آمن الرسول) * (البقرة: 285). إلى آخره، قيل: أقل ما يكفي في قيام الليل آيتان، لهذا الحديث، يريد مع أم القرآن، وقيل: أقله ثلاث آيات، لأنه ليس سورة أقل من ذلك.) قوله: (كفتاه) أي: أغنتاه عن قيام الليل، وقيل: أقل ما يجزئ من القرآن في قيام الليل، وقيل: يكفيان الشر ويقيان من المكروه. قوله: (وهو يطوف)، جملة حالية. قوله: (فحدثنيه)، أي: بالحديث المذكور.
وفيه: الحديث في الطواف، وتعليم العلم والسؤال عنه، وما خف من الحديث فهو جائز فيه.
4009 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني محمود بن الربيع أن عتبان بن مالك وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرا من الأنصار أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم..
ذكره هنا لأجل قوله: (ممن شهد بدرا) ولهذا لم يذكر بقية الحديث، ومحمود بن الربيع أبو محمد الأنصاري الحارثي، ويقال: أبو نعيم، عقل مجة مجها رسول الله، صلى الله عليه وسلم في وجهه من دلو كان في دارهم وهو ابن خمس سنين، وقال أبو عمر: معدود في أهل المدينة، وقال إبراهيم بن المنذر: مات سنة تسع وتسعين وهو ابن ثلاث وتسعين، وعتبان، بكسر العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق وبالباء الموحدة وبالنون: ابن مالك بن عمرو بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم الخزرجي السالمي، توفي زمن معاوية.
والحديث مضى في كتاب الصلاة في باب المساجد في البيوت، وفي: باب صلاة النوافل جماعة، مطولا.
4011 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة وكان من أكبر بني عدي وكان أبوه شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم أن عمر استعمل قدامة ابن مظعون على البحرين وكان شهد بدرا وهو خال عبد الله بن عمر وحفصة رضي الله تعالى عنهم.
ذكره هنا لأجل قوله: (شهد بدرا) في الموضعين. وأبو اليمان الحكم بن نافع، وعبد الله بن عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك بن ربيعة بن عامر بن سعد بن الحارث بن رفيدة بن عنز بن وائل بن قاسط بن قصي، حالف عامر الخطاب بن نفيل ثم تبناه، وأسلم قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم، دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة مع امرأته ليلى بنت أبي حثمة العدوية، ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدرا وسائر المشاهد، وتوفي سنة ثلاث وثلاثين، وقيل: سنة ثنتين وقيل: سنة خمس وثلاثين، بعد قتل
113

عثمان بأيام، روى عنه جماعة من الصحابة منهم: ابن عمر وابن الزبير، رضي الله تعالى عنهم، وابنه عبد الله الراوي عنه الزهري، ولد على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قيل: سنة ست من الهجرة، وحفظ: عنه وهو صغير، وتوفى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو ابن أربع سنين أو خمس سنين، وتوفي سنة خمس وثمانين، وله أخ آخر يسمى عبد الله أيضا، وله صحبة أيضا صحب هو وأبوه النبي صلى الله عليه وسلم، واستشهد يوم الطائف مع النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (وكان من أكبر بني عدي)، أي: وكان عبد الله بن عامر من أكبر بني عدي، بفتح العين وكسر الدال المهملتين وتشديد الياء: ابن كعب ابن لؤي، ولم يكن منهم، وإنما كان حليفا لهم، ووصفه بكونه أكبرهم بالنسبة لمن لقيه الزهري منهم. قوله: (قدامة)، بضم القاف ابن مظعون، بسكون الظاء المعجمة: ابن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح القرشي الجمحي، يكنى أبا عمرو، قيل: أبا عمرو الأول أشهر، هاجر إلى أرض الحبشة مع أخويه، عثمان وعبد الله ابني مظعون، شهد بدرا وسائر المشاهد، استعمله عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، على البحرين ثم عزله وولى عثمان بن أبي العاص، وكان سبب عزله إياه أنه أخبر أنه شرب مسكرا، فلما ثبت عنده حده، وغضب على قدامة ثم رأى عمر في منامه أنه قيل له: صالح قدامة فإنه أخوك، فاستيقظ فقال: علي به فأبى، فأخبر فقال: جروه فأتي به فجعل عمر يستغفر له فاصطلحا. قوله: (وهو)، أي: قدامة المذكور خال عبد الله بن عمر بن الخطاب وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وكانت صفية بنت الخطاب أخت عمر بن الخطاب زوجة قدامة وأم عبد الله وحفصة زينب بنت مظعون أخت عثمان بن مظعون وأخيه قدامة بن مظعون.
4013 حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء حدثنا جويرية عن مالك عن الزهري أن سالم ابن عبد الله أخبره قال أخبر رافع بن خديج عبد الله بن عمر أن عميه وكانا شهدا بدرا أخبراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع قلت لسالم فتكريها أنت قال نعم إن رافعا أكثر على نفسه. (انظر الحديث 2339 وطرفه) (وانظر الحديث 2347).
ذكره هنا لأجل قوله: (وكانا شهدا بدرا) وعبد الله بن محمد بن أسماء بن عبيد الضبعي البصري، وهو يروي عن عمه جويرية ابن أسماء، وهو من مشايخ مسلم أيضا، وهو يروي عن مالك بن أنس عن محمد بن مسلم الزهري.
قوله: (أخبر)، فعل ماض من الإخبار. وقوله: (رافع بن خديج) بالرفع فاعله و (عبد الله بن عمر) بالنصب مفعوله، ووقع في رواية المستملي: أخبرني رافع قيل: هو خطأ، وخديج، بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وبالجيم: ابن رافع بن عدي بن زيد الأنصاري الحارثي الخزرجي. قوله: (أن عميه) تثنية عم وهما: ظهير مصغر ظهر ومظهر ابنا رافع بن عدي بن زيد، وشهد ظهير العقبة الثانية، وقتل مظهر بخيبر زمن عمر بن الخطاب، قتله غلمان له، فأجلى عمر أهل خيبر من أجل ذلك لأنه كان يأمرهم، وقال الدمياطي: لم يشهد بدرا، إنما شهد أحدا، قيل: أنه اعتمد في ذلك على قول ابن سعد، والمثبت أثبت من النافي. قوله: (
فتكريها أنت؟) أي: افتكري المزارع أنت؟ قال: نعم، وأصل الحديث مر في كتاب المزارعة في: باب ما كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يواسي بعضهم بعضا. قوله: (إن رافعا أكثر على نفسه) هذا إنكار من سالم على رافع، قال الكرماني: فإن قلت: رافع رفع الحديث إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم فلم قال: هو أكثر على نفسه؟ قلت: لعل غرضه أنه لا يفرق بين الكراء ببعض ما يحصل من الأرض، والكراء بالنقد ونحوه، والأول هو المنهي عنه لا مطلقا.
4014 حدثنا آدم حدثنا شعبة عن حصين بن عبد الرحمان قال سمعت عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي قال رأيت رفاعة بن رافع الأنصاري وكان شهد بدرا.
ذكره هنا لأجل قوله: (وكان شهد بدرا) وحصين، بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين. قوله: (الليثي) بالنصب لأنه صفة عبد الله، وكذلك قوله: (الأنصاري) بالنصب لأنه صفة رفاعة، وقد تقدمت ترجمة رفاعة، وتمام هذا الحديث أخرجه الإسماعيلي من
114

طريق معاذ بن معاذ عن شعبة بلفظ: سمع رجلا من أهل بدر يقال له: رفاعة بن رافع، كبر في صلاته حين دخلها، ومن طريق ابن أبي عدي عن شعبة، ولفظه: عن رفاعة رجل من أهل بدر، أنه دخل في الصلاة فقال: الله أكبر كبيرا ولم يذكر البخاري ذلك لأنه موقوف.
4015 حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر ويونس عن الزهري عن عروة ابن الزبير أنه أخبره أن المسور بن مخرمة أخبره أن عمرو بن عوف وهو حليف لبني عامر ابن لؤي وكان شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلا الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما انصرف تعرضوا له فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم ثم قال أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء قالوا أجل يا رسول الله قال فأبشروا وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم. (انظر الحديث 3158 وطرفه).
ذكره هنا لأجل قوله: (وكان شهد بدرا) وعبدان لقب عبد الله بن عثمان المروزي، وقد تكرر ذكره، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، وعمرو بن عوف بالفاء الأنصاري، كذا هو عنا عمرو، وكذا عند ابن إسحاق، وسماه موسى وأبو معشر والواقدي: عمير بن عوف، بالتصغير، وكذا سماه ابن سعد، وقال: إنه مولى سهيل بن عمرو يكنى أبا عمرو، وكان من مولدي مكة، نزل على كلثوم ابن الهدم لما هاجر وشهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها، مات في خلافة عمر، رضي الله تعالى عنه، وصلى عليه، وأبو عبيدة اسمه عامر بن عبد الله بن الجراح، وفي الإسناد: صحابيان وتابعيان.
والحديث مضى في: باب الجزية والموادعة، وقال بعضهم: تقدم في فداء المشركين من كتاب الجهاد، وليس كذلك، ومر الكلام فيه هناك مستوفى.
قوله: (أهل البحرين)، على لفظ تثنية البحر: هو موضع بين البصرة وعمان. قوله: (أمر)، بتشديد الميم، (والعلاء بن الحضرمي) كان مجاب الدعوة وأنه خاض البحر بكلمات قالها ودعا بها، واسم الحضرمي: عبد الله بن عماد، ويقال غير ذلك، وقال الحسن بن عثمان: مات العلاء سنة إحدى عشرة وكان واليا على البحرين، فاستعمل عليها عمر، رضي الله تعالى عنه، مكانه أبا هريرة، ويقال: توفي صلى الله عليه وسلم وهو عليها فأقره أبو بكر رضي الله تعالى عنه خلافته كلها ثم أقره عمر رضي الله تعالى عنه وتوفي في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه، سنة أربع عشرة. قوله: (وأملوا) من الأمل. قوله: (الفقر) بالنصب مفعول مقدم على الفعل. قوله: (على من قبلكم) ويروى: على من كان قبلكم، قوله: (فتنافسوها) أي: رغبوا فيها على وجه المعارضة.
115

4018 حدثني إبراهيم بن المنذر حدثنا محمد بن فليح عن موساى بن عقبة قال ابن شهاب حدثنا أنس بن مالك أن رجالا من الأنصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه قال والله لا تذرون منه درهما. (انظر الحديث 2537 وطرفه).
ذكره هنا لأجل قوله: (أن رجالا من الأنصار) لأنهم كانوا بدريين. وإبراهيم بن المنذر بن عبد الله أبو إسحاق الحزامي المديني، ومحمد بن فليح، بضم الفاء وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف وبالحاء المهملة.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في العتق وفي الجهاد.
قوله: (فلنترك)، مضارع بنون الجمع مجزوم لأن التقدير: إن تأذن فلنترك، واللام فيه للتأكيد. وقال بعضهم: فلنترك، بصيغة الأمر واللام للمبالغة. قلت: هذا خطأ محض لا يقوله من مس شيئا من علم الصرف، وقد غر هذا القائل قول الكرماني: فإن قلت: الإذن سبب للترك أو لأمرهم أنفسهم بالترك؟ قلت: الترك بلفظ الأمر مبالغة كأنهم تأمرهم أنفسهم بذلك، ولو صحت الرواية بالنصب فهو في تقدير الخبر للمبتدأ المحذوف أي: فالإذن للترك، انتهى وفيه تعسف لا يخفى. قوله: (لابن أختنا عباس)، وكان عباس من جهة الأم قريبا للأنصار، كذا قاله الكرماني وسكت عليه، وأم العباس وهو ابن عبد المطلب ليست من الأنصار، بل جدته أم عبد المطلب هي الأنصارية، فأطلق على جدة العباس: أختنا، لكونها منهم وعلى العباس ابنها لكونها جدته، وأم العباس وضرار نثيلة، بضم النون وفتح الثاء المثلثة وسكون الياء آخر الحروف وفتح اللام: بنت جناب، بالجيم والنون: ابن حبيب بن مالك بن عمرو بن عامر الضحيان الأصغر بن زيد مناة بن عامر الضحيان الأكبر بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر، قاله أبو عبيدة، وقال ابن الزبير: اسمها نثلة، بفتح النون وسكون الثاء المثلثة: بنت جناب... إلى آخره، وأم عبد المطلب سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن حرام بن خداش بن خندف بن عدي بن النجار، وكان هاشم والد عبد المطلب لما مر بالمدينة نزل على عمرو بن زيد المذكور وكان سيد قومه فأعجبته ابنته سلمى فخطبها إلى أبيها وزوجها منه. قوله: (عباس)، بالجر لأنه عطف بيان من: ابن أختنا. قوله: (فداءه)، منصوب على أنه مفعول: فلنترك وروى ابن عائذ في المغازي من طريق مرسل: أن عمر، رضي الله تعالى عنه، لما ولي وثاق الأسرى شدوا وثاق العباس، فسمعه رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
يئن فلم يأخذه النوم، فبلغ الأنصار فأطلقوا العباس، فكان الأنصار لما فهموا رضا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بفك وثاقه سألوه أن يتركوا له الفداء طلبا لتمام رضاه فلم يجبهم إلى ذلك. وأخرج ابن إسحاق من حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا عباس إفد نفسك وابن أخويك عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث، وحليفك عتبة بن عمرو فإنك ذو مال قال: إني كنت مسلما، ولكن القوم استكرهوني، قال: الله أعلم بما تقول إن يك ما تقول حقا فإن الله يجزيك، ولكن ظاهر الأمر أنك كنت علينا، وذكر موسى بن عقبة أن فداءهم كان أربعين أوقية ذهبا، وعند أبي نعيم في (الدلائل) بإسناد حسن من حديث ابن عباس: كان فداء كل واحد أربعين أوقية، فجعل على العباس مائة أوقية، وعلى عقيل ثمانين، فقال له العباس أللقرابة صنعت هذا؟ قال: فأنزل الله تعالى: * (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى) * (الأنفال: 70). الآية، فقال العباس: وددت لو كنت أخذ مني أضعافها، لقوله تعالى: * (يؤتكم خيرا مما أخذ منكم) * (الأنفال: 70). قوله: (لا تذرون) بفتح الذال المعجمة، أي: لا تتركون من الفداء (درهما واحدا) وزاد الكشميهني في رواية: (لا تذرون له) أي: للعباس، وأمات العرب ماضي هذه المادة فلم يقولوا: وذر، وكذا ماضي: يدع، إلا في قراءة: ما ودعك، بالتخفيف.
4019 حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن عبيد الله بن عدي عن المقدار بن الأسود ح وحدثني إسحاق حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثنا ابن أخي ابن شهاب عن عمه قال أخبرني عطاء بن يزيد الليثي ثم الجندعي أن عبيد الله بن عدي
116

ابن الخيار أخبره أن المقداد بن عمر و الكندي وكان حليفا لبني زهرة وكان ممن شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فاقتتلنا فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت لله آقتله يا رسول الله بعد أن قالها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتله فقال يا رسول الله إنه قطع إحدى يدي ثم قال ذالك بعدما قطعها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال. (الحديث 4019 طرفه في: 6865).
ذكره هنا لأجل قوله: (وكان ممن شهد بدرا).
وأخرجه من طريقين: الأول: عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد النبيل البصري عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن محمد بن مسلم الزهري عن عطاء بن يزيد من الزيادة أبي يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي عن المقداد بن عمرو، كذا قال هنا ابن عمرو، وكذا ذكره بعد في تسمية من شهد بدرا، وكنيته أبو معبد، وذكر في الطهارة: المقداد بن الأسود والصحيح ما ذكره هنا، والأسود إنما رباه فنسب إليه، ويقال: كان في حجره، ويقال: كان عبدا حبشيا له فتبناه، فلا تصح عبوديته، وقال ابن حبان: كان أبوه عمر وحالف كندة فنسب إليها، وقال أبو عمر: المقداد بن الأسود نسب إلى الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة الزهري لأنه كان تبناه وحالفه في الجاهلية، فقيل: المقداد بن الأسود، وهو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن ثمامة بن عمرو بن سعد البهراني وكان المقداد من الفضلاء النجباء الكبار الخيار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد فتح مصر ومات في أرضه بالجرف فحمل إلى المدينة ودفن بها، وصلى عليه عثمان ابن عفان سنة ثلاث وثلاثين. الطريق الثاني: عن إسحاق بن منصور عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد ن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف القرشي الزهري عن محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري عن عمه محمد بن مسلم الزهري عن عطاء بن يزيد... إلى آخره.
وفي إسناده: ثلاثة من التابعين على نسق واحد وهم مدنيون.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الديات عن عبدان عن ابن المبارك، وأخرجه مسلم في الإيمان عن قتيبة وعن آخرين، وأخرجه أبو داود في الجهاد، والنسائي في السير جميعا عن قتيبة.
ذكر معناه: قوله: (الليثي) بالرفع لأنه صفة عطاء المرفوع بأنه فاعل: أخبرني، والليثي نسبة إلى ليث بن بكر بن عبد مناف ابن كنانة، والجندعي، بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال المهملة وضمها وبالعين المهملة: نسبة إلى جندع بن ليث بن بكر، وقال ابن دريد: الجندع واحد الجنادع، وهي الخنافس الصغار، والكندي نسبة إلى كندة، بكسر الكاف وسكون النون وبالدال المهملة، وهو ثور بن عفير بن عدي بن الحارث، سمى كنده لأنه كند أباه أي: عقه. قوله: (وكان حليفا لبني زهرة)، أي: ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر. قوله: (أرأيت) أي: أخبرني. قوله: (ثم لاذ مني بشجرة)، أي: تحيل في الفرار مني بها، ومنه قوله تعالى: * (يتسللون منكم لواذا) * (النور: 63). إلا إن لواذا مصدر: لاوذ، ومصدر: لاذ، لياذا. قوله: (قال: أسلمت لله)، يثبت به الإسلام فلا يحتاج إلى كلمة الشهادة. قوله: (أقتله؟) بهمزة الاستفهام على سبيل الاستعلام. قوله: (فإنه بمنزلتك)، معناه: أنه مثلك في كونه مباح الدم فقط، وقال الكرماني: القتل ليس سببا لكون كل منهما بمنزلة الآخر، فما وجه الشرطية؟ قلت: أمثاله عند النحاة مؤولة بالإخبار، أي: قتلك إياه سبب لقتلك، وعند البيانيين بأن المراد لازمه نحو: يباح دمك إذا عصيت، وقال الخطابي: معنى هذا أن الكافر مباح الدم بحكم الدين قبل أن يقول كلمة التوحيد، فإذا قالها صار محظور الدم كالمسلم، فإن قتله المسلم بعد ذلك صار دمه مباحا بحق القصاص كالكافر بحق الدين، ولم يرد به إلحاقه بالكفر، على ما يقوله الخوارج من تكفير المسلم بالكبيرة.
4020 حدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية حدثنا سليمان التيمي حدثنا أنس رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر من ينظر ما صنع أبو جهل فانطلق ابن مسعود فوجده
117

قد ضربه ابنا عفراء حتى برد فقال آنت أبا جهل، قال ابن علية قال سليمان هاكذا قالها أنس قال أنت أبا جهل قال وهل فوق رجل قتلتموه. قال سليمان أو قال قتله قومه. قال وقال أبو مجلز قال أبو جهل فلو غير أكار قتلني. (انظر الحديث 3962 وطرفه).
ذكره هنا مع كونه تقدم في أوائل هذه الغزوة لأجل قوله: قد ضربه بنا عفراء، لأنه يدل قطعا أنهما شهدا بدرا، وهما: معاذ ومعوذ الأنصاريان، وقد مر عن قريب، ويعقوب بن إبراهيم بن كثير الدورقي وهو شيخ مسلم أيضا، وابن علية هو إسماعيل ابن إبراهيم، وعلية أمه، بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد الياء آخر الحروف، وسليمان هو ابن طرخان أبو المعتمر التيمي البصري.
قوله: (حتى برد)، أي: مات. قوله: (أنت أبا جهل؟) بهمزة الاستفهام على سبيل التقريع، ونصب: أبا جهل، على طريقة النداء أو على لغة من جوز ذلك. قوله: (وهل فوق رجل قتلتموه؟) أي: ليس فعلكم زائدا على قتل رجل.
قوله: (أبو مجلز) هو: لاحق بن حميد. قوله: (فلو غير أكار قتلني؟) أي: لو قتلني غير أكار، لأن: لو، يأتي بعدها إلا الفعل، والأكار، بفتح الهمزة وتشديد الكاف: الزراع والفلاح، وكان الذين قتلوه من الأنصار وهم أهل الزراعة، يريد بذلك استخفافهم.
4021 حدثنا موسى حدثنا عبد الواحد حدثنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله حدثني ابن عباس عن عمر رضي الله تعالى عنهم لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم قلت لأبي بكر انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار فلقينا منهم رجلان صالحان شهدا بدرا فحدثت به عروة بن الزبير فقال هما عويم بن ساعدة ومعن بن عدي..
ذكره هنا لأجل قوله: (رجلان صالحان شهدا بدرا) وموسى هو ابن إسماعيل المنقري، وعبد الواحد هو ابن زياد العبدي البصري، وهذا قطعة من حديث السقيفة قد مر مطولا في المظالم وفي الهجرة، وقد مر الكلام فيه مستوفى.
قوله: (فلقينا)، بفتح الياء آخر الحروف: فعل ومفعول (ورجلان) فاعله. قوله: (عويم)، بضم العين المهملة وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره ميم: ابن ساعدة بن عائش بن قيس بن النعمان بن زيد بن أمية، شهد العقبتين جميعا في قول الواقدي وغيره، وشهد بدرا وأحدا والخندق، ومات في حياة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقيل: بل مات في خلافة عمر، رضي الله تعالى عنه، بالمدينة وهو ابن خمس أو ست وستين. قوله: (ومعهن)، بفتح الميم وسكون العين وفي آخره نون: ابن عدي بن الجد بن عجلان بن ضبيعة البلوي، من يلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، حليف بن عمرو بن عوف الأنصاري، شهد العقبة وبدرا وأحدا والخندق وسائر المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقتل يوم اليمامة شهيدا في خلافة أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه.
4022 حدثنا إسحاق بن إبراهيم سمع محمد بن فضيل عن إسماعيل عن قيس كان عطاء البدريين خمسة آلاف خمسة آلاف. وقال عمر: لأفضلنهم على من بعدهم.
وجه ذكره هنا ظاهر، وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه، ومحمد بن فضيل مصغر فضل بالضاد المعجمة ابن غزوان الكوفي، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم. قوله: (كان عطاء البدريين) أي: المال الذي يعطى كل واحد منهم في كل سنة خمسة آلاف في عهد عمر ومن بعده. قوله: (لأفضلنهم) من التفضيل يعني: في زيادة العطاء، وفيه: فضل ظاهر للبدريين.
69 - (حدثني إسحاق بن منصور حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال سمعت النبي
يقرأ في المغرب بالطور وذلك أول ما وقر
118

الإيمان في القلب وعن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أن النبي
قال في أسارى بدر لو كان مطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له).
قيل وجه إيراده هنا ما تقدم في الجهاد إنه كان قدم في سار بدر أي في طلب فداوءهم (قلت) هذا الوجه غير ظاهر على ما لا يخفى وإسحاق بن منصور بن بهرام المروزي وقد مضى في كتاب الصلاة في باب الجهر في المغرب حديث جبير بن مطعم أنه قال سمعت النبي
قرأ في المغرب بالطور قوله وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي أي أول ما حصل وقور الإيمان في قلبي إي ثباته ووقوره وإن قلت تقدم بالجهاد في باب فداء المشركين أن جبيرا حين سمع قراءته بالمغرب بالطور كان كافرا وقد جاء إلى المدينة في أسارى بدر وإنما أسلم بعد ذلك يوم الفتح قلت التصريح بالكلمة والتزام أحكام الإسلام كان عند الفتح وإما حصول وقور الإيمان في صدره فكان في ذلك اليوم قوله ' وعن الزهري ' موصول بالإسناد الأول قوله ' النتنى ' بنونين مفتوحين بينهما تاء مثناه من فوق وهو جمع نتن بفتح النون وكسر التاء كزمن يجمع على زمني سمى أسارى بدر الدين قتلوا وصاروا جيفا بالنتنى لكفرهم كقوله تعالى * (إنما المشركين نجس) * قوله لتركتهم أي بغير فداء وإنما قال ذلك لليداتى كانت للمطعم وهي قيامه في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم ومن معهم من المسلمين حتى حصروهم في الشعب ودخول رسول الله
في جواره حين رجع من الطائف ومات المطعم قبل وقعة البدر وله بضع وتسعون سنة * (وقال الليث عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب وقعت الفتنة الأولى يعني مقتل عثمان فلم تبقى من أصحاب بدر أحد ثم وقعت الفتنة الثانية يعني الحرة فلم تبقى من أصحاب الحديبية أحد ثم وقعت الثالثة فلم ترتفع وللناس طباخ).
تعليق الليث بن سعد هذا الذي رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق أحمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد القطان عن يحيى بن سعيد الأنصاري نحوه قوله يعني مقتل عثمان تفسير لقوله الفتنة الأولى وكان مقتل عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة لثمان ليال خلت من ذي الحجة يوم التروية سنة خمسة وثلاثون قاله الواقدي وعنه أيضا أنه قتل يوم الجمعة لليلتين بقيتا من ذي الحجة وحاصروه تسع وأربعين يوما وقال الزبير حاصروه شهرين وعشرين يوما قوله ' فلم تبق ' بضم التاء من الإبقاء قيل هذا غلط لأن عليا وطلحة والزبير وآخرون من البدريين عاشوا بعد عثمان زمانا وكيف يقال فلم تبق الأولى من أصحاب بدر أحدا وأجيب بأنه ظن أنهم قتلوا عند مقتل عثمان وليس ذلك مرادا وفيه نظر لا يخفى وقال الكرماني المراد عثمان صار سببا لهلاك كثير من البدريين كما في القتال الذي بين علي ومعاوية
ونحوه ثم قال أحد نكرة في سياق النفي فيفيد العموم ثم أجاب بقوله ما من عام إلا وقد خص إلا قوله تعالى * (والله بكل شيء عليم) * مع أن لفظ العام الذي قصد به المبالغة اختلفوا فيه هل معناه العموم أم لا وقال الداودي الفتنة الأولى مقتل الحسين رضي الله تعالى عنه قيل هذا خطأ لأن في زمن مقتل الحسين لم يكن أحد من البدريين موجودا قوله ' يعني الحرة ' تفسير للفتنة الثانية يعني الفتنة الثانية هي وقعة الحرة أي حرة المدينة وهي خارجها وهو موضع الذي قاتل عسكر يزيد بن معاوية فيه أهل المدينة في سنة اثنين وستين الأصح أنها كانت في سنة ثلاث وستين وكان رأس عسكر يزيد مسلم بن عقبة قال المدائني كان في سبعة وعشرين ألفا اثنى عشر ألف فارس وخمسة عشر ألف راجل وكانوا نزلوا شرقي المدينة في الحرة وهي أرض ذات حجارة سود ولما وقع القتال انتصر مسلم بن عقبة وقتل سبعمائة من وجوه الناس من المهاجرين والأنصار وكان السبب في ذلك أن أهل المدينة خلعوا يزيد وولوا على قريش عبد الله بن مطيع وعلى الأنصار عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر وأخرجوا عامل يزيد من بين أظهرهم وهو عثمان بن
119

محمد بن أبي سفيان بن عم يزيد واجتمعوا على اجلاء بني أمية من المدينة فاجتمعوا وهم قريب من الف رجل في دار مروان بن الحكم والقصة في ذلك طويلة بسطناها في تاريخنا الكبير قوله ' ثم وقعت الفتنة الثالثة ' كذا وقع في الأصول ولم بينها وزعم الداودي أنها فتنة الأزارقة قيل فيه نظر ولم بين وجهه وقال ابن التين يحتمل أن يكون يوم خرج بالمدينة أبو حمزة الخارجي وبه جزم محمد بن عبد الحكم وكان ذلك في خلافة مروان بن محمد بن مروان الحكم سنة ثلاثين ومائة وكان مجيئه من حضرموت من عند عبد الله بن يحيى بن زيد مظهر خلاف مروان في سبعمائة فارس وكان حضوره في الموسم وكان على مكة والمدينة والطائف عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان فوقع بينهما الاتفاق إلى أن ينفر الناس النفير الأخير ووقعوا بعرفة ودفع بالناس عبد الواحد ثم مضى إلى المدينة وخلى مكة لأبي حمزة فدخلها من غير قتال ولما بلغ الخبر مروان انتخب من عسكره أربعة آلاف واستعمل عليهم عبد الملك بن محمد بن عطية السعدي ولما تلاقيا اقتتلوا فقتل أبو حمزة وعسكره والله أعلم قوله ' وللناس طباخ ' بفتح الطاء المهملة والباء الموحدة الخفيفة وفي آخره خاء معجمة أي قوة وشدة وقال الخليل أصل الطباخ السمن والقوة ويستعمل في الفعل والخير وقال حسان
* المال يغشى رجالا لا طباخ لهم
* كالسيل يغشى أصول الدندن البالي
* والدندن بكسر الدالين المهملتين وسكون النون بينهما هو الذي يسود من النبات لقدمه ويروى وبالناس ويروى وفي الناس
70 - (حدثنا حجاج بن منهال حدثنا عبد الله بن عمر النميري حدثنا يونس بن يزيد قال سمعت عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله عن حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي
كل حدثني طائفة من الحديث قالت فأقبلت أنا وأم مسطح فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت تعس مسطح فقلت بئس ما قلت تسبين رجلا شهد بدرا فذكر حديث الإفك) ذكره هنا لأجل شهادة عائشة لمسطح أنه من أهل بدر وهو مسطح بكسر الميم ابن أثاثة بضم الهمزة وتخفيف الثائين المثلثتين ابن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي القرشي المطلبي وأمه سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد ابن تميم بن مرة وهي ابنة خالة أبي بكر الصديق ويقال مسطح لقب واسمه عوف ابن أثاثة توفي سنة أربع وثلاثين وهو ابن ست وخمسين سنة وقيل شهد مسطح صفين وتوفي في سنة سبع وثلاثين وحجاج بن منهال بكسر الميم وسكون النون ويروى المنهال بالألف واللام وعبد الله بن عمر بن غانم النمير بضم النون وفتح الميم وقيل النمر أيضا بدون التصغير الرعيني قاضي إفريقيا انفرد به البخاري وهو مستقيم الحديث مات سنة تسعين ومائة وولد سنة ثمان وعشرين ومائة قاله الدمياطي وهو الذي كان يكتب للإمام مالك بن أنس في المسائل وليس له عند البخاري غير هذا الحديث وهذا طرف من حديث الإفك وقد مضى في الشهادات في باب تعديل النساء بعضهن بعضا مطولا ومضى الكلام فيه مشروحا
4026 حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا محمد بن فليح بن سليمان عن موساى بن عقبة عن ابن شهاب قال هذه مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلقيهم هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا. قال موساى قال نافع قال عبد الله قال ناس من أصحابه يا رسول الله تنادي ناسا أمواتا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنتم بأسمع لما قلت منهم. (انظر الحديث 1371 وطرفه).
120

ذكر هذا هنا لبيان ما حمله موسى بن عقبة عن ابن شهاب من أمور غزوة بدر. قوله: (هذه مغازي) أي: قال ابن شهاب بعد أن ذكر غزوات رسول الله، صلى الله عليه وسلم: هذه المذكورات في مغازي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قوله: (فذكر الحديث)، أي: حديث بدر. قوله: (وهو يلقيهم)، بتشديد القاف المكسورة وسكون الياء آخر الحروف، وفي رواية المستملي: بسكون اللام وتخفيف القاف من الإلقاء، وفي رواية الكشميهني: وهو يلعنهم من اللعن، وكذا هو في (مغازي موسى بن عقبة). قوله: (قال موسى)، هو ابن عقبة المذكور، وقال نافع مولى ابن عمر: قال عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنهما. قوله: (قال ناس من أصحابه)، قد مضى منهم هؤلاء، ومنهم: عمر بن الخطاب. قوله: (ما أنتم بأسمع لما قلت منهم) فيه: دليل على جواز الفصل بين أفعل التفضيل وكلمة: من، فافهم.
قال أبو عبد الله فجميع من شهد بدرا من قريش ممن ضرب له بسهمه أحد وثمانون رجلا وكان عروة بن الزبير يقول قال الزبير قسمت سهمانهم فكانوا مائة والله أعلم
أبو عبد الله هو البخاري نفسه، فعلى هذا يكون قوله: (فجميع من شهد بدرا) من مقولة وليس في كثير من النسخ ذلك، فعلى هذا قوله: (فجميع من شهد بدرا) من مقول موسى بن عقبة عن ابن شهاب، وبه قال الكرماني. قوله: (ممن ضرب له بسهمه)، أي: أعطاه نصيبا من الغنيمة وإن لم يشهدها لعذر له، فصيره كمن شهدها
. قوله: (وكان عروة بن الزبير...) إلى آخره، إما من بقية كلام البخاري، وإما من بقية كلام موسى بن عقبة، على ما ذكر من النسختين. قوله: (فكانوا مائة) أي: من شهد بدرا من قريش مائة رجل.
4027 حدثني إبراهيم بن موساى أخبرنا هشام عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير قال ضربت يوم بدر للمهاجرين بمائة سهم.
هشام الذي يروي عن معمر هو هشام بن يوسف أبو عبد الرحمن الصنعاني اليماني، وهو من أفراد البخاري، فإن قلت: يعارض هذا حديث البراء الذي مضى في أوائل هذه القصة، وهي قوله: إن المهاجرين كانوا زيادة على ستين. قلت: يجمع بينهما بأن حديث البراء ورد فيمن شهدها حسا، وهذا الحديث فيمن شهدها حسا وحكما، ويكون المراد بالمائة في قول الزبير الأحرار ومن انضم إليهم من مواليهم وأتباعهم.
13
((باب تسمية من سمي من أهل بدر في الجامع الذي وضعه أبو عبد الله على حروف المعجم))
أي: هذا باب في بيان تسمية من سمي: أي من جاء ذكره من أهل بدر في (الجامع) أي: في هذا الصحيح الذي هو جامع لأقوال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأفعاله وأحواله وأيامه، والمقصود منه تسمية من علم في هذا الكتاب أنه من أهل بدر على الخصوص لا تسمية المذكورين منهم فيه إطلاقا، إذ كثير منهم ممن لم يختلف في شهوده بدرا: كأبي عبيدة بن الجراح، لم يذكره ههنا، ولا تسمية من روى حديثا، فإن كثيرا من المذكورين ههنا لم يرووا حديثا فيه نحو حارثة وغيره.
النبي محمد بن عبد الله الهاشمي صلى الله عليه وسلم
أي: أحد من سمي منهم النبي صلى الله عليه وسلم وإنما، بدأ به تيمنا وتبركا به، وإلا فكونه من أهل بدر مقطوع به.
أبو بكر الصديق عبد الله بن عثمان القرشي. ثم عمر بن الخطاب العدوي ثم عثمان بن عفان خلفه النبي صلى الله عليه وسلم على ابنته فضرب له بسهمه. ثم علي بن أبي طالب الهاشمي رضي الله تعالى عنهم
أي: منهم أبو بكر الصديق، واسمه: عبد الله، واسم أبيه: عثمان وهو المكنى بأبي قحافة، ثم عمر وعلي، لا خلاف في شهودهما بدرا وأما عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية أبو عمرو، ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو ليلى الأموي، فإنه لم يشهد بدرا لتخلفه على
121

تمريض زوجته رقية وكانت عليلة، ولكن لما ضرب له رسول الله، صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره عد في البدريين لذلك، فلذلك ذكره البخاري مع أبي بكر وعمر وعلي، رضي الله تعالى عنهم، وقدمهم على غيرهم من الصحابة لشرفهم، وفي بعض النسخ: قدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم فقط، وذكر الباقين بالترتيب، والدليل على كون أبي بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر أخذه بيد النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: حسبك، لما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أنشدك... وقد تقدم بيانه، وعلى كون عمر معه قوله: يا رسول الله! ما تكلم من أجساد لا أرواح لها، وذلك حين قال، صلى الله عليه وسلم: هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ وعلى كون علي معه، قوله: كان لي شارف من المغنم يوم بدر، وقد تقدم بيانه.
ثم إياس بن البكير
شرع في ذكره من سمي من أهل بدر بترتيب حروف الهجاء، فذكر في حرف الألف: إياس، بكسر الهمزة وفتحها وتخفيف الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة: ابن البكير، بضم الباء الموحدة مصغر بكر وقيل: ابن أبي البكير بن عبد ياليل بن ناشب بن غبرة بن سعد بن ليث الليثي، خليفة بني عدي، شهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر في الهمزة إلا إياس بن البكير، وقد شهد بدرا إياس آخر وهو إياس بن ورقة الأنصاري، وقتل يوم اليمامة شهيدا.
بلال بن رباح مولى أبي بكر الصديق القرشي
لم يذكر في الباء إلا بلال بن رباح، بتخفيف الباء الموحدة، وقد مر في كتاب الوكالة إذ قال بلال: يوم لا نجوت إن نجا أمية بن خلف.
حمزة بن عبد المطلب الهاشمي
ذكره في حرف الحاء المهملة جماعة منهم: حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي قتل شيبة بن ربيعة يوم بدر وقتل آخرين أيضا.
حاطب بن أبي بلتعة حليف لقريش
من المذكورين في حرف الحاء: حاطب بن أبي بلتعة، بفتح الباء الموحدة وسكون اللام وفتح التاء المثناة من فوق وبالعين المهملة، واسمه: عمرو اللخمي حليف قريش وقد ذكر فيما تقدم أن عمر، رضي الله تعالى عنه، أراد قتله فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إنه قد شهد بدرا.
أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة القرشي
أبو حذيفة اسمه: هاشم، ويقال: هشيم، ويقال: مهشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي، كان من فضلاء الصحابة، شهد بدرا وأحدا والخندق والحديبية وسائر المشاهد مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقتل يوم اليمامة شهيدا، وقد ذكر في: باب شهود الملائكة. قال: وكان ممن شهد بدرا.
حارثة بن الربيع الأنصاري قتل يوم بدر وهو حارثة بن سراقة كان في النظارة
هذا أيضا في الحاء المهملة، والربيع، بضم الراء مصغر الربيع وهو اسم أمه، واسم أبيه: سراقة، بضم السين المهملة وتخفيف الراء: ابن الحارث بن عدي بن مالك
بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، وأمه أم حارثة عمة أنس بن مالك، قتل يوم بدر، قتله حبان بن العرقة، وهو أول قتيل قتل يوم بدر من الأنصار، وقد مر في: باب فضل من شهد بدرا، قوله: كان في النظارة، بتشديد الظاء المعجمة وهم القوم ينظرون إلى شيء. وكان حارثة ينظر ماء بدر، وفي رواية النسائي: ما خرج لقتال.
خبيب بن عدي الأنصاري
هذا في الخاء المعجمة، وخبيب، بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة: ابن عدي الأنصاري الأوسي من بني جحجبى بن كلفة بن عمرو بن عوف، وقد مر في: باب فضل من شهد بدرا، قال: كان خبيب قتل الحارث بن عامر يوم بدر.
خنيس، بضم الخاء المعجمة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره سين مهملة: ابن حذافة، بضم الحاء المهملة
122

وتخفيف الذال المعجمة وبالفاء: ابن قيس بن عدي بن سعد بن سهم القرشي السهمي، وقد مر في الباب المجرد بعد: باب شهود الملائكة بدرا، وقال: إن عمر، رضي الله تعالى عنه، حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة، وكان من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم قد شهد بدرا، توفي بالمدينة.
رفاعة بن رافع الأنصاري
رفاعة، بكسر الراء وتخفيف الفاء: ابن رافع ضد الخافض ابن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق الأنصاري الزرقي، وقد مر في: باب فضل من شهد بدرا.
رفاعة بن عبد المنذر. أبو لبابة الأنصاري
رفاعة، مثل المذكور: ابن عبد المنذر، بلفظ اسم الفاعل من الإنذار ضد الإبشار، أبو لبابة، بضم اللام وتخفيف الباءين الموحدتين بينهما ألف: الأنصاري من بني عمرو بن عوف، وتقدم في الباب المتقدم آنفا، قال: حدثه أبو لبابة البدري، وقال الدمياطي: إنما هو أخو أبي لبابة وليس بأبي لبابة، واسم أبي لبابة: بشير بن عبد المنذر.
الزبير بن العوام القرشي
تقدم الزبير في عدة أحاديث.
زيد بن سهل أبو طلحة الأنصاري
مر فيما تقدم، قال: وكان بدريا، وهو زوج أم أنس بن مالك وهو مشهور بكنيته، مات في سنة إحدى وخمسين.
أبو زيد الأنصاري
اسمه: قيس بن السكن الأنصاري البخاري، تقدم في حديث أنس، وكان بدريا.
سعد بن مالك الزهري
هو ابن أبي وقاص، ولا خلاف في كونه بدريا، وفي بعض النسخ ليس بمذكور.
سعد بن خولة القرشي
تقدم في: باب الفضل، قال: وكان بدريا.
وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل القرشي
تقدم في: باب الفضل، قال: وكان بدريا.
سهل بن حنيف الأنصاري
حنيف مصغر حنف بالحاء المهملة والنون والفاء، تقدم عن قريب في حديث علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه أنه كبر عليه خمسا، فقال: إنه شهد بدرا، وفيه كلام قد ذكرناه عن قريب.
ظهير بن رافع الأنصاري وأخوه
ظهير، بضم الظاء المعجمة، وقد تقدم في حديث رافع بن خديج، وأنه عمه. قوله: (وأخوه) أي: أخو ظهير، ولم يسمه البخاري، واسمه مظهر بلفظ اسم الفاعل من الإظهار، وقد تقدم أنهما شهدا بدرا.
عبد الله بن مسعود الهذلي
بضم الهاء وفتح الذال المعجمة، وقد تقدم في أول المغازي بلفظ: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم يوم بدر: من ينظر ما فعل أبو جهل؟ فانطلق ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه.
عتبة بن مسعود الهذلي
هو أخو عبد الله بن مسعود، وهو بضم العين وسكون التاء المثناة من فوق، ولم يتقدم له ذكر فيما مضى، قيل: ولا ذكره أحد ممن صنف في المغازي في البدريين، وقد سقط ذكره من رواية النسفي ولم يذكره الكرماني، وقال أيضا في شرحه في العدد. وقال أبو عمر: عتبة بن مسعود الهذلي، حليف بني زهرة، أخو عبد الله بن
مسعود شقيقه، وقيل: أخوه من أبيه والأول أصح، شهد أحدا وما بعدها من المشاهد، ومات بالمدينة وصلى عليه عمر بن الخطاب، وكانت وفاته قبل وفاة أخيه عبد الله.
عبد الرحمان بن عوف الزهري
تقدم في قتل أبي جهل وغيره، وفي: باب الفضل، قال: إني لفي الصف يوم بدر.
123

عبيدة بن الحارث القرشي
عبيدة بضم العين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف بن قصي القرشي المطلبي، وكان أسن من رسول الله، صلى الله عليه وسلم بعشر سنين، وكان له قدر ومنزلة عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مات بالصفراء على ليلة من بدر، وكان عتبة بن ربيعة قطع رجله يومئذ.
عبادة بن الصامت الأنصاري
بضم العين وتخفيف الموحدة، ذكر في: باب، بعد: باب شهود الملائكة بدرا، بلفظ: وكان شهد بدرا.
عمرو بن عوف حليف بني عامر بن لؤي
قال أبو عمر: شهد بدرا وسكن المدينة، ولا عقب له.
عقبة بن عمر و الأنصاري
هو الذي يقال له: أبو مسعود البدري، تقدم ذكره في ثلاثة أحاديث.
عامر بن ربيعة العنزي
بفتح العين والنون وبالزاي، ووقع في رواية الكشميهني: العدوي، وكلاهما صواب، لأنه عنزي الأصل عدوى الحلف، وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: عامر بن الربيعة العدوي، حليف عمر بن الخطاب، كان بدريا، مات سنة ثلاث وثلاثين.
عاصم بن ثابت الأنصاري
تقدم في كتاب الجهاد في: باب قتل الأسير، قال: كان قتل رجلا من عظمائهم يوم بدر.
عويم بن ساعدة الأنصاري
عويم مصغر العام، تقدم في حديث السقيفة.
عتبان بن مالك الأنصاري
عتبان، بكسر العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق وبالباء الموحدة، تقدم فيما بعد شهود الملائكة بدرا.
قدامة بن مظعون
قدامة، بضم القاف وتخفيف الدال: ومظعون، بالظاء المعجمة والعين المهملة، وتقدم في الباب المذكور.
قتادة بن النعمان الأنصاري
تقدم في أوائل الباب في حديث أبي سعيد.
معاذ بن عمرو بن الجموح
معاذ، بضم الميم وبالعين المهملة وبالذال المعجمة: ابن عمرو، بفتح العين: ابن الجموح، بفتح الجيم، وقد تقدم في: باب من لم يخمس الأسلاب، حيث قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: سلبه أي: سلب أبي جهل لمعاذ بن عمرو.
معوذ بن عفراء وأخوه
معوذ، بضم الميم وفتح العين وتشديد الواو المكسورة وبفتحها على الأشهر، وجزم الوقشي أنه بالكسر: ابن عفراء، بفتح العين المهملة وسكون الفاء وبالراء والمد، وقد ذكرنا أن عفراء اسم أمه، وهو معوذ بن الحارث بن رفاعة، قال أبو عمر: معوذ بن عفراء هو الذي قتل أبا جهل يوم بدر، ثم قاتل حتى قتل يومئذ ببدر شهيدا، قتله أبو مسافع. قوله: (وأخوه)، واسمه: عوف ابن الحارث، تقدم ذكرهما.
مالك بن ربيعة أبو أسيد الأنصاري
مالك بن ربيعة بن البدن بن عامر بن عوف بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة أبو أسيد، بضم الهمز وفتح السين: الأنصاري الساعدي، وقال أبو عمر: صح عن ابن إسحاق: البدن، بالباء المنقوطة وبالنون، شهد بدرا وغيرها، ومات بالمدينة سنة ستين، وقد يتوهم من لا معرفة له بهذا الفن أن مالك بن ربيعة هو عطف بيان من قوله: وأخوه، وليس كذلك، بل قوله: مالك بن ربيعة كلام مستأنف، ولكن لو قال بواو العطف لكان أولى وأبعد من الوهم المذكور، على أن في بعض النسخ قد وقع
124

بواو العطف عند بعض الرواة.
مرارة بن الربيع الأنصاري
مرارة، بضم الميم: ابن الربيع، ويقال: ابن ربيعة الأنصاري، من بني عمرو بن عوف، شهد بدرا وهو أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، ولم يذكره بعضهم بناء على ما قيل: إنه ليس ببدري، وذكر في: باب الفضل، قال: ذكروا مرارة وهلالا رجلين صالحين شهدا بدرا.
معن بن عدي الأنصاري
تقدم مع ذكر عويم بن ساعدة.
مسطح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب بن عبد مناف
مسطح، بكسر الميم: ابن أثاثة، بضم الهمزة والثاءين المثلثتين، وقد تقدم عن قريب.
مقداد بن عمر و الكندي حليف بني زهرة
مقداد بكسر الميم، وقد تقدم ذكره قريبا.
هلال بن أمية الأنصاري رضي الله تعالى عنهم
ذكره في قصة كعب مع مرارة فجميع ما ذكره البخاري هنا: أربعة وأربعون غير النبي صلى الله عليه وسلم.
14
((باب حديث بني النضير))
أي: هذا باب في بيان حديث بني النضير، بفتح النون وكسر الضاد المعجمة، وهم قبيلة من يهود المدينة، وكان بينهم وبين رسول الله، صلى الله عليه وسلم عقد موادعة، وقال ابن إسحاق: قريظة والنضير والنحام وعمو هم أصول بني الخزرج بن الصريح بن التومان ابن السمط بن أليسع بن سعد بن لاوي بن خير بن النحام بن تخوم بن عازر بن عزراء بن هارون بن عمران بن يصهر بن فاهث ابن لاوي بن يعقوب وهو إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن، عليه الصلاة والسلام.
ومخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم في دية الرجلين وما أرادوا من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم
ومخرج، بالجر عطف على، حديث بني النضير، أي: وفي بيان خروج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مصدر ميمي. قوله: إليهم، أي: إلى بني النضير، قوله: (في دية الرجلين) كلمة: في هنا للتعليل أي: كان خروجه إليهم بسبب دية الرجلين، وذلك كما في قوله تعالى: * (فذلك الذي لمتنني فيه) * (يوسف: 32). وفي الحديث: امرأة دخلت النار في هرة، وكان الرجلان المذكوران من بني عامر، قاله ابن إسحاق، وقال ابن هشام: من بني كلاب، وذكر أبو عمر أنهما من سليم، فخرجا من المدينة ونزلا في ظل فيه عمرو بن أمية الضمري، وكان معهما عقد وعهد من النبي صلى الله عليه وسلم وجوار، ولم يعلم به عمرو، وقد سألهما حين نزلا: ممن أنتما؟ فقالا: من بني عامر، فأمهلهما حتى إذا ناما عدا عليهما فقتلهما، ولما قدم عمرو على النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره، قال: لقد قتلت قتيلين لأودينهما، فخرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير مستعينا بهم في دية القتيلين، قال ابن إسحاق: وكان بين بني النضير وبني عامر حلف وعقد، فقالوا: نعم يا أبا القاسم نعينك، ثم خلا بعضهم ببعض، فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه، ورسول الله، صلى الله عليه وسلم إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد، فمن رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش، بكسر الجيم وتخفيف الحاء المهملة وبالشين المعجمة: ابن كعب أحدهم، فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه صخرة، وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم في نفر فيهم أبو بكر وعمر وعلي، وزاد أبو نعيم: الزبير وطلحة وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير وسعد بن عبادة، رضي الله تعالى عنهم، قال ابن إسحاق: فأتى رسول الله، صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام وخرج راجعا إلى المدينة، وهذا معنى قوله: (وما أرادوا) أي: وفي بيان ما أراد بنو النضير من الغدر برسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال ابن سعد: خرج إليهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يستعينهم يوم السبت في شهر ربيع الأول على رأس سبعة وثلاثين شهرا من الهجرة بعد غزوة الرجيع، وأن ابن جحاش لما هم بما هم به، قال سلام بن مشكم: لا تفعلوا، والله ليخبرن بما هممتم وإنه لينقض العهد بيننا وبينه، وبعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة: أن أخرجوا من بلدي لا تساكنوني بها، وقد
125

هممتم بما هممتم به من الغدر، وقد أجلتكم عشرا، فمن رئي بعد ذلك فقد ضربت عنقه، فمكثوا أياما يتجهزون، فأرسل إليهم ابن أبي فثبطهم، فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: إنا لا نخرج فاصنع ما بدا لك، فقال صلى الله عليه وسلم: الله أكبر حاربت يهود، فخرج إليهم صلى الله عليه وسلم فاعتزلتهم قريظة، فلم تعنهم وخذلهم ابن أبي وحلفاؤهم من غطفان فحاصرهم خمسة عشر يوما، وقال ابن الطلاع: ثلاثة وعشرين يوما، وعن عائشة، رضي الله تعالى عنها: خمسة وعشرين يوما، وقال ابن سعد: ثم أجلاهم فتحملوا على ستمائة بعير وكانت صفيا له حبسا لنوائبه، ولم يخمسها ولم يسهم منها لأحد إلا لأبي بكر وعمر وابن عوف وصهيب بن سنان والزبير بن العوام وأبي سلمة بن عبد الأسد وأبي دجانة، وقال ابن إسحاق: فاحتملوا إلى خيبر وإلى الشام، وقال: فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنهم خلوا الأموال من الخيل والمزارع لرسول الله، صلى الله عليه وسلم خاصة، وقال ابن إسحاق: لم يسلم منهم إلا يامين بن عمير، وأبو سعيد ابن وهب، فأحرزا أموالهما.
قال الزهري عن عروة بن الزبير كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل أحد أي: قال محمد بن مسلم الزهري عن عروة بن الزبير بن العوام: كانت غزوة بني النضير على رأس ستة أشهر من وقعة غزوة بدر قبل غزوة أحد، وهذا التعليق وصله الحاكم عن أبي عبد الله الأصبهاني: حدثنا الحسين بن جهم حدثنا موسى بن المساور حدثنا عبد الله بن معاذ عن معمر عن الزهري به.
وقول الله تعالى * (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا) * (الحشر: 2).
وقول الله، بالجر عطفا على قوله: ومخرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هذه الآية من سورة الحشر، قال أبو إسحاق: أنزل الله تعالى هذه السورة بكمالها في بني النضير، فيها ما أصابهم به من نقمة وما سلط عليهم رسوله وما عمل به فيهم. قوله: (لأول الحشر) أي: الجلاء، وذلك أن بني النضير أول من أخرج من ديارهم، وروى ابن مردويه قصة بني النضير بإسناد صحيح مطولة، وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم قاتلهم حتى نزلوا على الجلاء، وكان جلاؤهم ذلك أول حشر الناس إلى الشام، وكذا رواه عبد بن حميد في (تفسيره): عن عبد الرزاق، وفيه رد على ابن التين حيث زعم أنه ليس في هذه القصة حديث بإسناد.
وجعله ابن إسحاق بعد بئر معونة وأحد
أي: جعل محمد بن إسحاق صاحب (المغازي) قتال بني النضير بعد بئر معونة، فكانت في صفر من سنة أربع من الهجرة، وقال ابن إسحاق: أقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعد أحد بقية شوال وذا القعدة وذا الحجة والمحرم، ثم بعث بأصحاب بئر معونة في صفر على رأس أربعة أشهر من أحد، وقال موسى بن عقبة: كان أمير القوم المنذر بن عمرو، ويقال: مرثد بن أبي مرثد، ووقع في رواية القابسي: وجعله إسحاق، قال عياض: وهو وهم، والصواب ابن إسحاق، وهو: محمد بن إسحاق ابن يسار، وقال الكرماني: محمد بن إسحاق بن نصر، بفتح النون وسكون المهملة، وليس كذلك، والصواب: ابن يسار، وهو مشهور ليس فيه خفاء.
4028 حدثنا إسحاق بن نصر حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج عن موساى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال حاربت النضير وقريظة فأجلى بني النضير وأقر قريظة ومن عليهم حتى حاربت قريظة فقتل رجالهم وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين إلا بعضهم لحقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فأمنهم وأسلموا وأجلى يهود المدينة كلهم بني قينقاع وهم رهط عبد الله بن سلام ويهود بني حارثة وكل يهود بالمدينة.
126

مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسحاق بن نصر هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي البخاري، والبخاري يروي عنه، فتارة ينسبه إلى أبيه، وتارة إلى جده، وعبد الرزاق بن همام اليماني، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، و موسى بن عقبة بن أبي عياش الأسدي المدني.
قوله: (حاربت النضير) فعل وفاعل. قوله: (وقريظة) بالرفع عطف على: النضير، وهو مصغر: القرظ، بالقاف والراء والظاء، وهم أيضا قبيلة من يهود المدينة، والمفعول محذوف تقديره: حاربت هاتان القبيلتان رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قوله: (فأجلى)، أي: النبي صلى الله عليه وسلم، والضمير الذي فيه هو الفاعل. قوله: (وبني النضير)، بالنصب مفعوله، يقال: جلا من الوطن يجلو جلاء، وأجلى يجلي إجلاء: إذا خرج مفارقا، وجلوته أنا وأجليته، وكلاهما لازم ومتعد. قوله: (وأقر قريظة)، أي: في منازلهم (ومن عليهم) ولم يأخذ منهم شيئا. قوله: (حتى حاربت قريظة)، يعني: إقراره، صلى الله عليه وسلم، ومنه عليهم إلى أن حاربوا. قوله: (فقتل رجالهم)، يعني: لما حاربوا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حاصرهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خمسة وعشرين يوما حتى جهدهم الحصار، وقذف الله في قلوبهم الرعب فنزلوا على حكم رسول الله، صلى الله عليه وسلم (فقتل رجالهم وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين) بعدما أخرج الخمس، فأعطى للفارس ثلاثة أسهم: سهمين للفرس، وسهما لفارسه، وسهما للراجل، وكانت الخيل: ستة وثلاثين. قوله: (إلا بعضهم) أي: إلا بعض قريظة. قوله: (فأمنهم) أي: جعلهم أمنين. قوله: (بني قينقاع) بالنصب على أنه بدل من قوله: يهود بالمدينة، ونون قينقاع مثلثة. قوله: (وكل يهود) أي: وأجلى كل يهود بالمدينة، ويروى: كل يهود المدينة.
4029 حدثني الحسن بن مدرك حدثنا يحيى بن حماد أخبرنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس سورة الحشر قال قل سورة النضير..
الحسن بن مدرك، على لفظ اسم الفاعل من الإدراك، أبو علي الطحان، وهو من أفراده، ويحيى بن حماد الشيباني البصري، مات سنة خمس عشرة ومائتين، وأبو عوانة، بفتح العين المهملة: الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، وأبو بشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: جعفر بن أبي وحشية إياس اليشكري الواسطي. قوله: (قل سورة النضير) لأنها نزلت فيهم، وقال الداودي: كأن ابن عساكر كره تسميتها سورة الحشر لئلا يظن أن المراد بالحشر يوم القيامة.
تابعه هشيم عن أبي بشر
أي: تابع أبا عوانة هشيم بن بشير الواسطي في روايته عن أبي بشر، ووصل البخاري هذه المتابعة في التفسير كما سيأتي، إن شاء الله تعالى.
4030 حدثنا عبد الله بن أبي الأسود حدثنا معتمر عن أبيه سمعت أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال كان الرجل يجعل للنبي صلى الله عليه وسلم النخلات حتى افتتح قريظة والنضير فكان بعد ذالك يرد عليهم. مطابقته للترجمة ظاهرة، وعبد الله بن أبي الأسود، واسمه: حميد بن الأسود أبو بكر البصري الحافظ، وهو من أفراده، ومعتمر بن سليمان يروي عن أبيه سليمان بن طرخان البصري، والحديث بعينه سندا ومتنا مضى في الخمس في: باب كيف قسم النبي صلى الله عليه وسلم، قريظة والنضير، ومضى الكلام فيه هناك.
76 - (حدثنا آدم حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال حرق رسول الله
نخل بني النضير وقطع وهي البويرة فنزلت * (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله) *)
127

مطابقته للترجمة ظاهرة وآدم هو ابن أبي إياس والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن قتيبة وأخرجه مسلم في المغازي عن يحيى بن يحيى وقتيبة ومحمد بن رمح وأخرجه أبو داود في الجهاد عن محمد بن رمح وأخرجه الترمذي والنسائي جميعا في السير وفي التفسير عن قتيبة به وأخرجه ابن ماجة في الجهاد عن محمد بن رمح ولما روى الترمذي هذا الحديث قال وقد ذهب قوم من أهل العلم إلى هذا ولم يروا بأسا بقطع الأشجار وتخريب الحصون وكره بعضهم ذلك وهو قول الأوزاعي وقال
الأوزاعي ونهى أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أن يقطع شجرا مثمرا ويخرب عامرا وعمل بذلك المسلمون بعده وقال الشافعي لا بأس بالتحريق في أرض العدو وقطع الأشجار والثمار وقال أحمد قد يكون في مواضع لا يجدون منه بدا فأما بالعبث فلا يحرق وقال إسحق التحريق سنة إذا كان لكافر فيها انتهى قلت ما حكاه الترمذي عن الشافعي من أنه لا بأس بالتحريق وقطع الأشجار حكاه النووي في شرح مسلم عن الأئمة الأربعة والجمهور والمعروف ذلك قوله ' نخل بني النضير ' هذه رواية الكشميهني وفي رواية غيره نخل النضير قوله وهي البويرة بضم الباء الموحدة مصغر البورة وهو موضع بقرب المدينة ونخل كان لبني النضير وقال الجوهري البؤرة بالهمزة الحفرة قوله من لينة اختلفوا في تفسيرها فقال أبو عبيدة معمر بن المثنى اللينة من الألوان وهي ما لم تكن برنية ولا عجوة وقال ابن إسحاق اللينة ما خالف العجوة من النخيل وهو قول عكرمة ويزيد بن رومان وقتادة وروى عن ابن عباس أيضا وهو الذي رجحه النووي ويقال اللينة أنواع التمر كلها إلا العجوة وقيل كرام النخل وقيل كل النخل وقيل كل الأشجار للينها وقيل هي النخلة القريبة من الأرض وقيل اللينة العجوة والعتيق والنخيل رواه ابن مردويه في التفسير عن جابر بن عبد الله قوله ' فبإذن الله ' قيل يحتمل أن يراد بالعلم ومنه قوله تعالى * (فأذنوا بحرب) * أي فاعلموا ويحتمل أن يراد بالإذن إباحة الفعل وهو الأظهر وقال ابن إسحاق فبأمر الله وعلى هذا فهل استمر الأمران بعد ذلك أنهم يخيرون بين قطع النخيل وتحريقها وبين إبقائها أو أن ذلك كان على الترتيب فكان الإذن أولا في القطع ثم في الترك آخرا أما على سبيل الوجوب والاستحباب فيكون القطع والتحريق منسوخا قيل يدل عليه حديث جابر رواه ابن مردويه في تفسيره من رواية سليمان بن موسى عن أبي الزبير عن جابر قال رخص لهم رسول الله
في قطع النخل ثم شدد عليهم فأتوا النبي
فقال يا رسول الله علينا إثم فيما قطعنا أو وزر فيما تركنا فأنزل الله تعالى * (ما قطعتم من لينة) * الآية فدل ذلك على أنه نهاهم عن القطع فيكون محمل الآية ما قطعتم من لينة أولا بالإذن في القطع أو تركتموها آخرا بالنهي عن ذلك فبإذن الله في الحالتين معا لأنه
رخص أولا ثم نهاهم آخرا قلت حديث جابر ضعيف وسليمان بن موسى الأشدق عنده مناكير قاله البخاري وفيه أيضا سفيان بن وكيع متكلم فيه وقال أبو زرعة يتهم بالكذب فحديث جابر لا يصح * -
4032 حدثني إسحاق أخبرنا حبان أخبرنا جويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير قال ولها يقول حسان بن ثابت
* وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير
*
قال فأجابه أبو سفيان بن الحارث
* أدام الله ذالك من صنيع
* وحرق في نواحيها السعير
*
* ستعلم أينا منها بنزه
* وتعلم أي أرضينا تضير
*
.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وإسحاق هو ابن منصور المروزي، وقيل: إسحاق بن راهويه، والأول أشهر، وحبان، بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة: ابن هلال الباهلي البصري.
والحديث مر في كتاب المزارعة في: باب قطع الشجر والنخل، ومر الكلام فيه هناك، ونذكر بعض شيء لبعد المدى.
قوله: (وهان)، وفي رواية الكشميهني: لهان، باللام بدل الواو، وفي رواية
128

الإسماعيلي: هان، بلا لام ولا واو. قوله: (على سراة) سراة القوم ساداتهم. قوله: (بني لؤي)، بضم اللام وفتح الهمزة وتشديد الياء، والمراد بهم صناديد قريش وأكابرهم. وقال الكرماني: أي: رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأقاربه، وفي (التوضيح): لأن قريشا هم الذين حملوا كعب بن أسد القرظي، صاحب عقد بني قريظة، على نقض العهد بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم حتى خرج معهم إلى الخندق. قوله: (مستطير)، أي: منتشر مشتعل. قوله: (فأجابه أبو سفيان)، هو ابن الحارث بن عبد المطلب وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان حينئذ لم يسلم وقد أسلم بعد في الفتح، وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم بحنين. قوله: (أدام الله)، قال الكرماني: فإن قلت: كيف قال: أدام الله ذلك، أي: تحريق المسلمين أرض الكافرين، وهو كان كافرا لا يدعو لهم؟ قلت: غرضه: أدام الله تحريق تلك الأرض بحيث يتصل بنواحيها، وهي المدينة وسائر مواضع أهل الإسلام، فيكون دعاء عليهم لا لهم. قوله: (منها)، أي: من البويرة، أي: جهتها وإحراقها، ويروى: منهم، أي: من بني النضير. قوله: (بنزه)، بضم النون وسكون الزاي أي: ببعد، وزنا ومعنى، وهو في الأصل من النزاتهة وهي البعد من
السوء، وجاء فيه فتح النون. قوله: (أي أرضينا)، بالتثنية أي: المدينة التي هي دار الإيمان، ومكة التي كانت بها الكفار. قوله: (تضير)، بفتح التاء المثناة من فوق وكسر الضاد المعجمة من: ضار يضير ضيرا، وهو الضر. قال الكرماني: وفي بعضها: نضير، بالنون من النضارة على وزن: فعيل، وقد وقع في (عيون الأثر) لأبي الفتح بن سيد الناس: عن أبي عمرو الشيباني أن الذي قال:
هان على سراة بني لؤي
هو أبو سفيان ابن الحارث، وأنه قال: عز، بدل: هان، وأن الذي أجاب بقوله:
أدام الله ذلك من صنيع
البيتين هو حسان، قال: وهو من أشبه من الرواية التي وقعت في البخاري انتهى. قيل: لم يذكر مستند الترجيح، والذي يظهر أن الذي في (الصحيح) أصح. انتهى. قلت: يصلح للترجيح قول أبي عمرو الشيباني لأنى أدري بذلك من غيره، على ما لا يخفى على أحد.
4033 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان النصري أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه دعاه إذ جاءه حاجبه يرفا فقال هل لك في عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد يستأذنون فقال نعم فأدخلهم فلبث قليلا ثم جاء فقال هل لك في عباس وعلي يستأذنان قال نعم فلما دخلا قال عباس يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هاذا وهما يختصمان في الذي أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من مال بني النضير فاستب علي وعباس فقال الرهط يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر فقال عمر إتئدوا أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا صدقة يريد بذلك نفسه قالوا قد قال ذالك فأقبل عمر على عباس وعلي فقال أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك قالا نعم قال فإني أحدثكم عن هذا الأمر إن الله سبحانه كان خص رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدا غيره فقال جل ذكره * (وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) * (الحشر: 6). إلى قوله: * (قدير) * (الحشر: 6). فكانت هاذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم والله ما احتازها دونكم ولا استأثرها عليكم لقد أعطاكموها وقسمها فيكم حتى بقي هاذا المال منها فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقته سنتهم من هاذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله فعمل ذالك رسول الله صلى الله عليه وسلم حياته ثم توفي النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر فأنا ولي
129

رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضه أبو بكر فعمل فيه بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم حينئذ فأقبل على علي وعباس وقال تذكران أن أبا بكر فيه كما تقولان والله يعلم إنه فيه لصادق بار راشد تابع للحق ثم توفى الله أبا بكر فقلت أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فقبضته سنتين من إمارتي أعمل فيه بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر والله يعلم أني فيه صادق بار راشد تابع للحق ثم جئتماني كلاكما وكلمتكما واحدة وأمركما جميع فجئتني يعني عباسا فقلت لكما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا صدقة فلما بدا لي أن أدفعه إليكما قلت إن شئتما دفعته إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيه بما عمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وما عملت فيه مذ وليت وإلا فلا تكلماني فقلتما ادفعه إلينا بذلك فدفعته إليكما أفتلتمسان مني قضاء غير ذالك فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيه بقضاء غير ذالك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنه فادفعا إلي فأنا أكفيكماه. قال فحدثت هذا الحديث عروة بن الزبير فقال صدق مالك بن أوس أنا سمعت عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عثمان إلى أبي بكر يسألنه ثمنهن مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم فكنت أنا أردهن فقلت لهن ألا تتقين الله ألم تعلمن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لا نورث ما تركنا صدقة يريد بذالك نفسه إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وسلم في هاذا المال فانتهاى إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما أخبرتهن قال فكانت هاذه الصدقة بيد علي منعها علي عباسا فغلبه عليها ثم كان بيد حسن بن علي ثم بيد حسين ابن علي بن حسين وحسن بن حسن كلاهما كانا يتداولانها ثم بيد زيد بن حسن وهي صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا.
مطابقته للترجمة في قوله: (وهما يختصمان في الذي أفاء الله على رسوله من بني النضير). وأبو اليمان الحكم بن نافع. وهذا الإسناد قد تكرر ذكره. والحديث مر في الخمس في: باب فرض الخمس فإنه أخرجه هناك عن إسحاق بن محمد الفروي عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن مالك بن أوس مطولا إلى قوله: (فإني أكفيكما). وقد مر الكلام فيه مستوفى.
قوله: (يرفأ) بفتح الياء آخر الحروف وسكون الراء وبالفاء مهموزا وغير مهموز، وقد تدخل عليه الللام فيقال: اليرفاء، وهو حاجب من حجاب عمر. قوله: (فاستب)، لم يكن هذا السب من قبيل القذف ولا من نوع المحرمات، ولعل عليا ذكر تخلف عباس عن الهجرة ونحو ذلك. قوله: (اتئدوا)، أي: لا تستعجلوا، وهي من التؤدة وهي التأني والمهلة. قوله: (أنشدكم)، بضم الشين. قوله: (لا نورث)، بفتح الراء، والمعنى على الكسر أيضا صحيح، ويريد به الأنبياء، عليهم السلام، وعورض بقوله: * (وورث سليمان داود) * (النمل: 16). وقوله في زكريا: * (يرثني ويرث من آل يعقوب) * (مريم: 6). وأجيب: بأن المراد إرث العلم والنبوة، ولو كان المراد المال كان زكريا، عليه السلام، أحق بالميراث من آل يعقوب. قوله: (قد قال) ذلك، أي: قوله: لا نورث. قوله: (احتازها)، بالحاء المهملة من الاحتياز وهو الجمع. قوله: (ولا استأثرها)، من الاستئثار، وهو الاستبداد والاستقلال. قوله: (وأنتم)، جمع (وتذكران) مثنى فلا مطابقة بين المبتدأ والخبر، لكن هو على مذهب من قال: أقل الجمع اثنان، أو يكون لفظ: (حينئذ)، خبره (وتذكران) ابتداء كلام الكرماني: ويروى: (أنتما).
130

قوله: (فجئتني)، قال أولا جئتما، ثم قال بالإفراد لأنه لعلهما جاآ بالاتفاق أولا ثم جاء عباس وحده. قوله: (وبدا لي) أي: ظهر لي.
قوله: (قال: فحدثت)، أي: قال الزهري. قوله: (فغلبه عليها)، أي: بالتصرف فيها وتحصيل غلاتها لا بتخصيص الحاصل بنفسه. قوله: (يتداولانها) أي: علي بن حسين وحسن بن حسن مكبران ابن علي، وكل منهما ابن عمر الآخر يتناوبان في تصرفهما، وزيد بن الحسن بن علي أخو الحسن المذكور.
4033 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان النصري أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه دعاه إذ جاءه حاجبه يرفا فقال هل لك في عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد يستأذنون فقال نعم فأدخلهم فلبث قليلا ثم جاء فقال هل لك في عباس وعلي يستأذنان قال نعم فلما دخلا قال عباس يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هاذا وهما يختصمان في الذي أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من مال بني النضير فاستب علي وعباس فقال الرهط يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر فقال عمر إتئدوا أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا صدقة يريد بذلك نفسه قالوا قد قال ذالك فأقبل عمر على عباس وعلي فقال أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك قالا نعم قال فإني أحدثكم عن هذا الأمر إن الله سبحانه كان خص رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدا غيره فقال جل ذكره * (وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) * (الحشر: 6). إلى قوله: * (قدير) * (الحشر: 6). فكانت هاذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم والله ما احتازها دونكم ولا استأثرها عليكم لقد أعطاكموها وقسمها فيكم حتى بقي هاذا المال منها فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقته سنتهم من هاذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله فعمل ذالك رسول الله صلى الله عليه وسلم حياته ثم توفي النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر فأنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضه أبو بكر فعمل فيه بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم حينئذ فأقبل على علي وعباس وقال تذكران أن أبا بكر فيه كما تقولان والله يعلم إنه فيه لصادق بار راشد تابع للحق ثم توفى الله أبا بكر فقلت أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فقبضته سنتين من إمارتي أعمل فيه بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر والله يعلم أني فيه صادق بار راشد تابع للحق ثم جئتماني كلاكما وكلمتكما واحدة وأمركما جميع فجئتني يعني عباسا فقلت لكما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا صدقة فلما بدا لي أن أدفعه إليكما قلت إن شئتما دفعته إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيه بما عمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وما عملت فيه مذ وليت وإلا فلا تكلماني فقلتما ادفعه إلينا بذلك فدفعته إليكما أفتلتمسان مني قضاء غير ذالك فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيه بقضاء غير ذالك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنه فادفعا إلي فأنا أكفيكماه. قال فحدثت هذا الحديث عروة بن الزبير فقال صدق مالك بن أوس أنا سمعت عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عثمان إلى أبي بكر يسألنه ثمنهن مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم فكنت أنا أردهن فقلت لهن ألا تتقين الله ألم تعلمن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لا نورث ما تركنا صدقة يريد بذالك نفسه إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وسلم في هاذا المال فانتهاى إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما أخبرتهن قال فكانت هاذه الصدقة بيد علي منعها علي عباسا فغلبه عليها ثم كان بيد حسن بن علي ثم بيد حسين ابن علي بن حسين وحسن بن حسن كلاهما كانا يتداولانها ثم بيد زيد بن حسن وهي صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا.
مطابقته للترجمة في قوله: (وهما يختصمان في الذي أفاء الله على رسوله من بني النضير). وأبو اليمان الحكم بن نافع. وهذا الإسناد قد تكرر ذكره. والحديث مر في الخمس في: باب فرض الخمس فإنه أخرجه هناك عن إسحاق بن محمد الفروي عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن مالك بن أوس مطولا إلى قوله: (فإني أكفيكما). وقد مر الكلام فيه مستوفى.
قوله: (يرفأ) بفتح الياء آخر الحروف وسكون الراء وبالفاء مهموزا وغير مهموز، وقد تدخل عليه الللام فيقال: اليرفاء، وهو حاجب من حجاب عمر. قوله: (فاستب)، لم يكن هذا السب من قبيل القذف ولا من نوع المحرمات، ولعل عليا ذكر تخلف عباس عن الهجرة ونحو ذلك. قوله: (اتئدوا)، أي: لا تستعجلوا، وهي من التؤدة وهي التأني والمهلة. قوله: (أنشدكم)، بضم الشين. قوله: (لا نورث)، بفتح الراء، والمعنى على الكسر أيضا صحيح، ويريد به الأنبياء، عليهم السلام، وعورض بقوله: * (وورث سليمان داود) * (النمل: 16). وقوله في زكريا: * (يرثني ويرث من آل يعقوب) * (مريم: 6). وأجيب: بأن المراد إرث العلم والنبوة، ولو كان المراد المال كان زكريا، عليه السلام، أحق بالميراث من آل يعقوب. قوله: (قد قال) ذلك، أي: قوله: لا نورث. قوله: (احتازها)، بالحاء المهملة من الاحتياز وهو الجمع. قوله: (ولا استأثرها)، من الاستئثار، وهو الاستبداد والاستقلال. قوله: (وأنتم)، جمع (وتذكران) مثنى فلا مطابقة بين المبتدأ والخبر، لكن هو على مذهب من قال: أقل الجمع اثنان، أو يكون لفظ: (حينئذ)، خبره (وتذكران) ابتداء كلام الكرماني: ويروى: (أنتما). قوله: (فجئتني)، قال أولا جئتما، ثم قال بالإفراد لأنه لعلهما جاآ بالاتفاق أولا ثم جاء عباس وحده. قوله: (وبدا لي) أي: ظهر لي.
قوله: (قال: فحدثت)، أي: قال الزهري. قوله: (فغلبه عليها)، أي: بالتصرف فيها وتحصيل غلاتها لا بتخصيص الحاصل بنفسه. قوله: (يتداولانها) أي: علي بن حسين وحسن بن حسن مكبران ابن علي، وكل منهما ابن عمر الآخر يتناوبان في تصرفهما، وزيد بن الحسن بن علي أخو الحسن المذكور.
4035 حدثنا أبراهيم بن موساى أخبرنا هشام أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أن فاطمة عليها السلام والعباس أتيا بكر يلتمسان ميراثهما أرضه من فدك وسهمه من خيبر. فقال أبو بكر سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد في هاذا المال والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي..
هذا الحديث مطابق للحديث السابق، والمطابق للمطابق للشيء مطابق لذلك الشيء، وهذا السند بهؤلاء الرجال قد مر غير مرة، وهشام هو ابن يوسف الصنعاني. والحديث مر في فرض الخمس ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (في هذا المال) أي: في جملة من يأكل من هذا المال لا أنه لهم بخصوصه، حاصله أنهم يعطون منه ما يكفيهم ليس على وجه الميراث. قوله: (لقرابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم...) الخ، اعتذار من أبي بكر عن منعه القسمة، ولا يلزم من ذلك أن لا يصلهم ببره من جهة أخرى.
15
((باب قتل كعب بن الأشرف))
أي: هذا باب في بيان كيفية قتل كعب بن الأشرف اليهودي القرظي الشاعر، كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم، والمسلمين ويظاهر عليهم الكفار، ولما أصاب المشركين يوم بدر ما أصابهم اشتد عليه وكان يبكي على قتلى بدر وينشد الأشعار، فمن ذلك ما حكاه الواقدي.
* طحنت رحى بدر مهالك أهله
* ولمثل بدر تستهل وتدمع
*
* قتلت سراة الناس حول حياضهم
[/ علا تبعدوا، إن الملوك تصرع.
*
إلى أبيات كثيرة، فأجابه حسان بن ثابت:
* أبكاه كعب ثم عل بعبرة
* منه وعاش مجدعا لا يسمع
*
إلى أبيات، وقال ابن إسحاق: كان كعب من بني نبهان وهم بطن من طيىء، وكان قتله في رمضان سنة ثلاث، وقيل: في ربيع الأول والأول أشهر.
4037 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال عمر و سمعت جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله فقام محمد ابن مسلمة فقال يا رسول الله أتحب أن أقتله قال نعم قال فأذن لي أن أقول شيئا قال قل فأتاه محمد بن مسلمة فقال إن هاذا الرجل قد سألناه صدقة وإنه قد عنانا وإني قد أتيتك أستسلفك قال وأيضا ولله لتملنه قال وإنا قد اتبعناه فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه وقد أردنا أن تسلفنا وسقا أو وسقين. وحدثنا عمر و غير مرة فلم يذكر وسقا أو وسقين فقلت له فيه وسقا أو وسقين فقال أرى فيه وسقا أو وسقين فقال نعم ارهنوني قالوا أي شيء تريد قال ارهنوني نساءكم قالوا كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب قال فارهنوني أبناءكم قالوا كيف نرهنك
131

أبناءنا فيسب أحدهم فيقال رهن بوسق أو وسقين هاذا عار علينا ولكنا نرهنك اللأمة قال سفيان يعني السلاح فواعده أن يأتيه فجاءه ليلا ومعه أبو نائلة وهو أخو كعب من الرضاعة فدعاهم إلى الحصن فنزل إليهم فقالت له امرأته أين تخرج هاذه الساعة فقال إنما هو محمد ابن مسلمة وأخي أبو نائلة. وقال غير عمر و قالت أسمع صوتا كأنه يقطر منه الدم قال إنما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة إن الكريم لو دعي إلى طعنة بليل لأجاب قال ويدخل محمد ابن مسلمة معه رجلين قيل لسفيان سماهم عمر و وقال سمى بعضهم قال عمر و جاء معه برجلين وقال غير عمر و أبو عبس بن جبر والحارث بن أوس وعباد بن بشر قال عمر و وجاء معه برجلين فقال إذا ما جاء فإني قائل بشعره فأشمه فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه وقال مرة ثم أشمكم فنزل إليهم متوشحا وهو ينفح منه ريح الطيب فقال ما رأيت كاليوم ريحا أي أطيب وقال غير عمر و قال عندي أعطر نساء العرب وأكمل العرب قال عمر و فقال أتأذن لي أن أشم رأسك قال نعم فشمه ثم أشم أصحابه ثم قال أتأذن لي قال نعم فلما استمكن منه قال دونكم فقتلوه ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه..
فيه كيفية قتل كعب، وهي المطابقة بين الترجمة والحديث، وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار. والحديث مضى مختصرا بهذا الإسناد في: باب رهن السلاح.
قوله: (حدثنا سفيان قال عمر) وفي رواية قتيبة عن سفيان في الجهاد: عن سفيان حدثنا عمرو. قوله: (من لكعب بن الأشرف) أي: من يستعد لقتله، ومن الذي ينتدب إليه. قوله: (فإنه قد آذى الله ورسوله) هذه كناية عن مخالفة الله تعالى ومخالفة نبيه صلى الله عليه وسلم. قوله: (فقام محمد بن مسلمة) بفتح الميم واللام ابن سلمة بن خالد بن عدي ابن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن أوس حليف لبني عبد الأشهل، شهد بدرا والمشاهد كلها ومات بالمدينة في صفر سنة ثلاث وأربعين، وقيل: ست وأربعين، وقيل: سنة سبع وأربعين وهو ابن سبع وسبعين سنة، وصلى عليه مروان بن الحكم وهو كان يومئذ أمير المدينة، وكان من فضلاء الصحابة، واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة في بعض غزواته، وقيل: إنه استخلفه في غزوة قرقرة الكدر، وقيل: إنه استخلفه عام تبوك، واعتزل الفتنة واتخذ سيفا من خشب وجعله في سفن، وذكر أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أمره بذلك ولم يشهد الجمل ولا صفين، وأقام بالربذة. قوله: (أتحب؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار. قوله: (فأذن لي أن أقول شيئا) يعني مما يسر كعبا. قوله: (قال: قل) أي: قال النبي صلى الله عليه وسلم، لمحمد بن مسلمة: قل، وفي رواية محمد بن إسحاق: فقال: يا رسول الله! لا بد لنا أن نقول، فقال: قولوا ما بدا لكم، فأنتم في حل من ذلك. قوله: (فأتاه
) أي: أتى كعبا محمد بن مسلمة. قوله: (إن هذا الرجل) يعني النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (قد سألنا) بفتح الهمزة واللام فعل وفاعل ومفعول، وصدقة بالنصب مفعول ثان، وفي رواية الواقدي: سألنا الصدقة ونحن لا نجد ما نأكل. قوله: (وإنه) أي: وإن النبي صلى الله عليه وسلم (قد عنانا) بفتح العين المهملة وتشديد النون أي: أتعبنا وكلفنا المشقة. وقال الجوهري: عني بالكسر يعني عناء أي تعب ونصب، وعنيته أنا تعنية وتعنيته أنا فتعنى. قوله: (قال: وأيضا) أي: قال كعب وزيادة على ذلك. قوله: (لتملنه) بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد اللام والنون من الملالة، ومعناه: ليزيدن ملالتكم وضجركم عنه، وفي رواية ابن إسحاق: قال: كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء، عادتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة وقطعت عنا السبل حتى جاع العيال وجهدت الأنفس وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا، فقال كعب بن الأشرف: أما والله لقد أخبرتكم أن الأمر سيصير إلى هذا. قوله: (أن ندعه) أي: نتركه. قوله: (شأنه)، أي: حاله وأمره. قوله: (وسق) الوسق وقر بعير وهو ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (أو وسقين) شك من الراوي،
132

وفي رواية عروة: وأحب أن تسلفنا طعاما، قال: أين طعامكم؟ قال: أنفقناه على هذا الرجل وأصحابه، قال: ألم يأن لكم أن تعرفوا ما أنتم عليه من الباطل؟
قوله: (وحدثنا عمرو غير مرة)، قيل: قائل هذا علي بن المديني، وقال الكرماني: أي قال سفيان: حدثنا عمرو غير مرة أي مرارا، وهذا هو الظاهر. قوله: (أرى فيه) أي: أظن في الحديث. قوله: (أرهنوني) أي: ادفعوا إلي شيئا يكون رهنا على التمر الذي تريدونه. قوله: (وأنت أجمل العرب) أي: صورة، والنساء يملن إلى الصور الحسان، وفي رواية ابن سعد من مرسل عكرمة: ولأنا منك، وأي امرأة تمنع منك لجمالك، وقال بعضهم: قالوا ذلك تهكما. قلت: مرسل عكرمة يرد هذا، قوله: (فيسب أحدهم) بضم الياء على صيغة المجهول. قوله: (اللامة) بتشديد اللام، وقد فسرها سفيان بأنها السلاح، وقال غيره من أهل اللغة: اللامة الدرع، فعلى هذا إطلاق السلاح عليها من إطلاق اسم الكل على البعض، وفي مرسل عكرمة. ولكنا نرهنك سلاحنا مع علمك بحاجتنا إليه، قال: نعم. قوله: (فجاءه ليلا)، أي: فجاء محمد بن مسلمة كعبا في الليل، والحال أن معه أبو نائلة، بنون وبعد الألف ياء آخر الحروف ساكنة، وقيل: بالهمزة بعد الألف، واسمه: سلكان، بكسر السين المهملة وسكون اللام: ابن سلامة ابن وقش بن رغبة بن زعور بن عبد الأشهل الأنصاري الأشهلي، ويقال: سلكان لقب واسمه: سعد، شهد أحدا وكان من الرماة المذكورين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان شاعرا: قوله: (وكان أخاه من الرضاعة) أي: كان أبو نائلة أخا كعب من الرضاعة، وذكر الواقدي أن محمد بن مسلمة أيضا كان أخاه من الرضاعة، وزاد الحميدي في روايته، وكانوا أربعة، سمى عمرو منهم اثنين، والاثنان الآخران: عباد بن بشر والحارث بن أوس. وقال ابن إسحاق: فاجتمع في قتله: محمد بن مسلمة، وسلكان بن سلامة بن وقش وهو أبو نائلة الأشهلي، وعباد بن بشر بن وقش الأشهلي، وأبو عبس بن جبر أخو بني حارثة، والحارث بن أوس، فهؤلاء خمسة.
قوله: (وقال غير عمرو)، أي: قال سفيان: قال غير عمرو بن دينار المذكور، وبين الحميدي في روايته عن سفيان أن الغير الذي أبهمه سفيان في هذه القصة هو العبسي. قوله: وأنه حدثه بذلك عن عكرمة مرسلا: (كأنه يقطر منه الدم) كناية عن صوت طالب شر وخراب، وقال ابن إسحاق: لما انتهى هؤلاء إلى حصن كعب هتف به أبو نائلة، وكان حديث عهد بعرس، فوثب في ملحفة له فأخذت امرأته بناحيتها وقالت: إلى أين في مثل هذه الساعة؟ فقال: إنه أبو نائلة، لو وجدني نائما أيقظني. فقالت: والله إني لأعرف في صوته الشر، فقال لها كعب: لو دعي الفتى إلى طعنة لأجاب، ثم نزل. قوله: (فقال: إذا ما جاء) أي: فقال محمد بن مسلمة: إذا ما جاء كعب. قوله: (فإني قائل بشعره) أي: فإني جاذب بشعره، وقد استعملت العرب لفظ: القول، في موضع غيره من المعاني وأطلقوه على غير الكلام واللسان، فيقول: قال بيده، أي: أخذ، وقال برجله أي: مشى، وقال بالماء على يده أي: قلب، وقال بثوبه أي: رفعه، وكل ذلك على المجاز والاتساع. قوله: (ثم أشمكم) بضم الهمزة من الإشمام أي: أمكنكم من الشم. قوله: (متوشحا) نصب على الحال من الضمير الذي في: نزل، أي: متلبسا بثوبه وسلاحه. قوله: (وهو ينفح منه ريح الطيب) جملة حالية، و: ينفح، بالحاء المهملة معناه: يفوح، وريح الطيب بالرفع فاعل: ينفح. قوله: (ما رأيت كاليوم ريحا) أي: ما رأيت ريحا أطيب في يوم مثل هذا اليوم. قوله: (قال غير عمرو) أي: قال سفيان: قال غير عمرو بن دينار (عندي أعطر نساء العرب) وفي رواية أخرى: عند أعطر سيد العرب، وكان لفظ سيد تصحيفا من نساء، فإن كانت محفوظة فالمعنى أعطر نساء سيد العرب على الحذف، أو المراد شخص أو مصاحب أعطر من سيدهم. قوله: (وأكمل العرب) وفي رواية الإصيلي: أجمل، بالجيم بدل الكاف وهذا أشبه. قوله: (دونكم) أي: خذوه بأسيافكم. قوله: (فقتلوه) وفي رواية عروة: وضربه محمد بن مسلمة فقتله وأصاب ذباب السيف الحارث بن أوس وأقبلوا حتى إذا كانوا بجرف بعاث تخلف الحارث ونزف، فلما افتقده أصحابه رجعوا فاحتملوه ثم أقبلوا سراعا حتى دخلوا المدينة. وفي رواية الواقدي: أن النبي صلى الله عليه وسلم تفل على جرح الحارث بن أوس فلم يؤذه، وفي رواية ابن الكلبي: فضربوه حتى برد، وصاح عند أول ضربة واجتمعت اليهود، فأخذوا على غير طريق أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ففاتوهم. وفي مرسل عكرمة: فأصبحت اليهود مذعورين فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: قتل سيدنا غيلة، فذكر لهم النبي صلى الله عليه وسلم صنيعه وما كان يحرض عليه ويؤذي المسلمين. وقال ابن سعد: فخافوا ولم ينطقوا، وذكر في (كتاب شرف المصطفى) أن الذين قتلوا كعب بن الأشرف حملوا رأسه في مخلاة إلى
133

المدينة، فقيل: إنه أول رأس حمل في الإسلام، وقيل: أول رأس حمل رأس عمرو بن الحمق، وقيل: رأس أبي عزة الجمحي الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين.
16
((باب قتل أبي رافع))
أي: هذا باب في بيان قتل أبي رافع اليهودي.
عبد الله بن أبي الحقيق
عبد الله، مجرور لأنه عطف بيان لأنه اسم أبي رافع، وأبوه: الحقيق، بضم الحاء المهملة وفتح القاف الأولى وسكون الياء آخر الحروف، واسم أبي رافع: عبد الله عند الهيثم، وقيل: الذي سماه عبد الله هو عبد الله بن أنيس، وذلك فيما أخرجه الحاكم في (الإكليل) من حديثه مطولا، وأوله: أن الرهط الذين بعثهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى عبد الله بن أبي الحقيق ليقتلوه هم عبد الله بن عتيك وعبد الله بن أنيس وأبو قتادة وحليف لهم رجل من الأنصار، قدموا خيبر ليلا... فذكر الحديث.
يقال سلام بن أبي الحقيق
أي: يقال: اسم أبي رافع سلام، بفتح السين المهملة وتشديد اللام، والقائل بهذا هو محمد بن إسحاق صاحب (المغازي).
كان بخيبر
أي: كان أبو رافع يسكن بخيبر بلد عنزة في جهة الشمال والشرق من المدينة على نحو ست مراحل، وخيبر بلغة اليهود: حصن، وكان في صدر الإسلام دار بني قريظة والنضير.
ويقال: في حصن له بأرض الحجاز
أي: يقال: كان أبو رافع في حصن كان له بأرض الحجاز، قال الواقدي: الحجاز من المدينة إلى تبوك، ومن المدينة إلى طريق الكوفة، ومن وراء ذلك إلى أن يشارف أرض البصرة فهو نجد، وما بين العراق وبين وجرة وغمرة الطائف نجد، وما كان من وراء وجرة إلى البحر فهو تهامة، وما كان بين تهامة ونجد فهو حجاز، وقال المدائني: الحجاز جبل يقبل من اليمن حتى يتصل بالشام وفيه المدينة وعمان، وإنما سمي حجازا لأنه يحجز بين نجد وتهامة، ومن المدينة إلى طريق مكة إلى أن يبلغ مهبط العرج حجاز أيضا، وما وراء ذلك إلى مكة وجدة فهو تهامة، وما كان بين تهامة ونجد فهو حجاز.
وقال الزهري هو بعد كعب بن الأشرف
أي: قال محمد بن مسلم الزهري: قتل أبي رافع كان بعد قتل كعب بن الأشرف، وقد ذكرنا أن قتل كعب بن الأشرف كان في رمضان سنة ثلاث. وقال الواقدي: كانت قصة أبي رافع في سنة ست، وهو وهم، وقيل: في سنة خمس في ذي الحجة، وقيل: في سنة أربع، وقيل: في رجب سنة ثلاث، وهذا التعليق وصله يعقوب بن سفيان في (تاريخه) عن حجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري.
4038 حدثني إسحاق بن نصر حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن أبي زائدة عن أبيه عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطا إلى أبي رافع فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته ليلا وهو نائم فقتله..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسحاق بن نصر هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي البخاري، ويحيى بن آدم بن سليمان الكوفي، صاحب الثوري، رحمه الله، وابن أبي زائدة واسمه ميمون، ويقال: خالد الهمداني الكوفي القاضي، وهو يروي عن أبيه زكريا، وهو يروي عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي.
والحديث مضى في الجهاد في: باب قتل النائم
134

المشرك، فإنه أخرجه هناك عن علي بن مسلم عن يحيى بن زكريا... إلخ، ومر الكلام فيه هناك، ولنذكر هنا أيضا ما يحتاج إليه.
قوله: (رهط)، الرهط من الرجال ما دون العشرة، وقيل: إلى الأربعين، ولا يكون فيهم امرأة، ولا واحد له من لفظه، ويجمع على أرهط وأرهاط وأراهط جمع الجمع، وقد ذكرنا عن الحاكم آنفا، أنهم كانوا أربعة منهم: عبد الله بن عتيك، بفتح العين المهملة وكسر التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف وبالكاف: ابن مالك بن الأوس، ويقال: عتيك بن الحارث بن قيس بن هيشة بن الحارث بن أمية بن زيد بن معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري، استشهد عبد الله هذا يوم اليمامة، قال أبو عمر: وأظنه وأخاه جابر بن عتيك شهدا بدرا، ولم يختلف أن عبد الله شهد أحدا، وقال ابن الكلبي وأبوه: أنه شهد صفين مع علي، رضي الله تعالى عنه، قال أبو عمر: فإن كان فلم يقتل يوم اليمامة، والله أعلم. قوله: (بيته)، بفتح الموحدة وسكون الياء أي: بيت أبي رافع، وهو منصوب على المفعولية، هذا في رواية الأكثرين، وفي رواية السرخسي والمستملي: ببيته، بتشديد الياء آخر الحروف، فعل ماض من التثبيت، والجملة حالية بتقدير: قد، والتقدير: دخل على أبي رافع عبد الله ابن عتيك قد بيت الدخول ليلا أي: في الليل. قوله: (وهو)، أي: والحال أن أبا رافع نائم فقتله.
4039 حدثنا يوسف بن موساى حدثنا عبيد الله بن موساى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافع اليهودي رجالا من الأنصار فأمر عليهم عبد الله بن عتيك وكان أبو رافع يؤذي رسول الله، صلى الله عليه وسلم ويعين عليه وكان في حصن له بأرض الحجاز فلما دنوا منه وقد غربت الشمس وراح الناس بسرحهم فقال عبد الله لأصحابه اجلسوا مكانكم فإني منطلق ومتلطف للبواب لعلي أن أدخل فأقبل حتى دنا من الباب ثم تقنع بثوبه كأنه يقضي حاجة وقد دخل الناس فهتف به البواب يا عبد الله إن كنت تريد أن تدخل فادخل فإني أريد أن أغلق الباب فدخلت فكمنت فلما دخل الناس اغلق الباب ثم علق الأغاليق على وتد قال فقمت إلى الأقاليد فأخذتها ففتحت الباب وكان أبو رافع يسمر عنده وكان في علالي له فلما ذهب عنه أهل سمره صعدت إليه فجعلت كلما فتحت بابا أغلقت علي من داخل قلت إن القوم نذروا بي لم يخلصوا إلي حتى أقتله فانتهيت إليه فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله لا أدري أين هو من البيت فقلت يا أبا رافع قال من هاذا
فأهويت نحو الصوت فأضربه ضربة بالسيف وأنا دهش مما أغنيت شيئا وصاح فخرجت من البيت فأمكث غير بعيد ثم دخلت إليه فقلت ما هاذا الصوت يا أبا رافع فقال لأمك الويل إن رجلا في البيت ضربني قبل بالسيف قال فأضربه ضربة أثخنته ولم أقتله ثم وضعت ظبة السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره فعرفت أني قتلته فجعلت أفتح الأبواب بابا بابا حتى انتهيت إلى درجة له فوضعت رجلي وأنا أري أني قد انتهيت إلى الأرض فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقي فعصبتها بعمامة ثم انطلقت حتى جلست على الباب فقلت لا أخرج الليلة حتى أعلم أقتلته فلما صاح الديك قام الناعي على السور فقال أنعى أبا رافع تاجر أهل الحجاز فانطلقت إلى أصحابي فقلت النجاء
135

فقد قتل الله أبا رافع فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته فقال لي ابسط رجلك فبسطت رجلي فمسحها فكأنها لم أشتكها قط..
هذا طريق آخر أخرجه مطولا، وفيه بيان قصة أبي رافع. و يوسف بن موسى بن رافع. ويوسف بن موسى بن راشد بن بلال القطان الكوفي، سكن بغداد ومات بها سنة اثنين وخمسين ومائتين، وهو من أفراده، و عبيد الله بن موسى بن باذام أبو محمد العبسي الكوفي، وهو أيضا شيخ البخاري روى عنه هنا بالواسطة، و إسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، يروي عن جده أبي إسحاق.
قوله: (رجالا من الأنصار) قد سمى منهم في هذا الباب: عبد الله بن عتيك ومسعود بن سنان وعبد الله بن أنيس وأبا قتادة وخزاعي ابن أسود. وإن كان عبد الله بن عتبة محفوظا فكانوا ستة، وقد ترجمنا عبد الله بن عتيك، وأما مسعود بن سنان فهو ابن سنان ابن الأسود حليف لبني غنم بن سلمة من الأنصار، شهد أحدا وقتل يوم اليمامة شهيدا، وعبد الله بن أنيس، بضم الهمزة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وبالسين المهملة: ابن أسعد بن حرام بن حبيب بن غنم بن كعب بن غنم بن تفاثة بن أياس بن يربوع بن فالبرك بن وبرة أخي كلب بن وبرة، البرك بن وبرة دخل في جهينة، وقال أبو عمر: عبد الله بن أنيس الجهني، ثم الأنصاري حليف بني سلمة، وقيل: هو من جهينة حليف للأنصار، وقيل: هو من الأنصار، توفي سنة أربع وخمسين شهد أحدا وما بعدها، وأبو قتادة الأنصاري فارس رسول الله، صلى الله عليه وسلم، اختلف في اسمه، فقيل: الحارث بن ربعي بن بلدهة، وقيل: بلدمة بن خناس بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي، وقيل: النعمان الربعي، وقيل: عمرو بن ربعي. واختلف في شهوده بدرا، فقال بعضهم: كان بدريا ولم يذكره ابن عقبة ولا ابن إسحاق في البدريين وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد كلها، وعن الشعبي أن عليا، رضي الله تعالى عنه كبر على أبي قتادة ستا، وكان بدريا وعنه أنه كبر عليه سبعا، وكان بدريا. وقال الحسن بن عثمان: مات أبو قتادة سنة أربعين وشهد مع علي، رضي الله تعالى عنه، مشاهده كلها في خلافته، ومات بالكوفة وهو ابن سبعين سنة، وخزاعي، بضم الخاء المعجمة وتخفيف الزاي وبالعين المهملة: ابن أسود بن خزاعي، الأسلمي حليف الأنصار، ذكره الذهبي في تجريد أسماء الصحابة وقال: قيل: له صحبة، ولم يذكره أبو عمر في الصحابة، وقيل بالقلب: أسود بن خزاعي، وقيل: أسود بن حرام، ذكره في (الإكليل) في حديث عبد الله بن أنيس، وكذا ذكره موسى بن عقبة في (المغازي) وذكر في (دلائل البيهقي) من طريق موسى بن عقبة على الشك: هل هو أسود بن خزاعي أو أسود بن حرام؟ وقال الذهبي في تجريد الصحابة): الأسود بن خزاعي، وقيل: خزاعي بن أسود أحد من قتل ابن أبي الحقيق، ذكره ابن إسحاق وهو أسلمي من حلفاء بني سلمة الأنصاريين، وقال الذهبي أيضا: الأسود بن أبيض، استدركه أبو موسى، قيل: هو أحد من بيت ابن أبي الحقيق، وأما عبد الله بن عتبة، فبالعين المضمومة وسكون التاء المثناة من فوق، وقال أبو عمر، عبد الله بن عتبة أبو قيس الذكواني، مدني. وقال الذهبي: قيل: له صحبة، وقال ابن الأثير في (جامع الأصول): إنه ابن عنبة، بكسر العين وفتح النون، وغلطه بعضهم بأنه خولاني لا أنصاري، ومتأخر الإسلام، وهذه القصة متقدمة. وقال الذهبي: عبد الله بن عتبة، أبو عتبة الخولاني، نزل مصر، وقال بكر بن زرعة: له صحبة وقد صلى القبلتين وسمع من النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (فأمر عليهم)، بتشديد الميم من التأمير. قوله: (وكان أبو رافع يؤذي رسول الله، صلى الله عليه وسلم) لأنه ممن أعان غطفان وغيرهم من مشركي العرب بالمال الكثير على رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قوله: (وراح الناس بسرحهم)، أي: رجعوا بمواشيهم التي ترعى، والسرح، بفتح السين المهملة وسكون الراء وبالحاء المهملة: وهي السائمة من إبل وبقر وغنم. قوله: (ثم تقنع بثوبه)، أي: تغطي به ليخفي شخصه لئلا يعرف. قوله: (فهتف به البواب)، أي: ناداه، وفي رواية فنادى صاحب الباب. فإن قلت: كيف قال البواب: يا عبد الله؟ فهذا يدل على أنه عرفه؟ فلو عرفه لما مكنه من الدخول مع أنه كان مستخفيا منه. قلت: لم يرد به اسمه العلم، بل الظاهر أنه أراد به المعنى الحقيقي، لأن الكل عبيد الله. قوله: (فكمنت)، أي: اختبأت،
136

وفي رواية يوسف، ثم اختبأت في مربط حمار عند باب الحصن. قوله: (ثم غلق الأغاليق)، وهو بالغين المعجمة جمع غلق بفتح أوله، وهو ما يغلق به الباب، والمراد بها المفاتيح كأنه كان يغلق بها ويفتح بها، كذا في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره: بالعين المهملة، وفي (التوضيح): هو جمع إغليق، وهو المفتاح. قوله: (على وتد) ويروى: على ود، وهو مدغم الوتد، قاله الكرماني: يعني قلبت التاء دالا وأدغمت الدال في الدال، وقال: هي مسمرة على الباب، فكيف تعلق على الوتد؟ قلت: يراد بها الأقاليد، والإقليد كما يفتح به يغلق أيضا به. قوله: (يسمر عنده) على صيغة المجهول من المضارع، أي: يتحدثون عنده بعد العشاء وهو من السمر وهو الاقتصاص بالليل. قوله: (في علالي) جمع علية، بضم العين المهملة وكسر اللام وتشديد الياء آخر الحروف، وهي الغرفة وفي رواية ابن إسحاق: وكان في علية له عجلة، بفتح العين المهملة والجيم، قال بعضهم: هي سلم من الخشب، وقال ابن الأثير: العجلة من نخل ينقر الجذع ويحمل فيه شبه الدرج. قوله: (نذروا) بكسر الذال أي: علموا، وأصله من الإنذار وهو الإعلام بالشيء الذي يحذر منه، وذكر ابن سعد أن عبد الله بن عتيك كان يرطن باليهودية فاستفتح، فقالت له امرأة أبي رافع: من أنت؟ قال: جئت أبا رافع بهديه، ففتحت له. قوله: (فأهويت نحو الصوت)، أي: قصدت نحو صاحب الصوت، وفي رواية يوسف: فعمدت نحو الصوت. قوله: (وأنا دهش) جملة اسمية وقعت حالا، ودهش أي: تحير وهو بفتح الدال وكسر الهاء، وفي آخره شين معجمة. قوله: (فما أغنيت شيئا) يقال: ما يغني عنك، أي: ما يجدي عنك وما ينفعك، حاصل المعنى: لم أقتله. قوله: (لأمك الويل) دعاء عليه، والويل مبتدأ، و: لأمك، مقدما خبره. قوله: (
أثخنته) أي: أثخنت الضربة أبا رافع، والحال أني لم أقتله أيضا. قوله: (ظبه السيف) وهو حرف حد السيف، ويجمع على: ظبات وظبين، وأما الضبيب بفتح الضاد المعجمة وكسر الباء الموحدة الأولى على وزن: رغيف، فلا أدري له معنى يصح في هذا، وإنما هو سيلان الدم من الفم، يقال: ضبت لثته ضبيبا، وقال الخطابي: هكذا يروى، وما أراه محفوظا، وقال عياض: روى بعضهم الصبيب بالمهملة، قال: وأظن أنه الطرف. قلت: هو رواية أبي ذر، وكذا ذكره الحربي، وقال الكرماني: لو كان بالذال المعجمة مصغر ذباب السيف وهو طرفه لكان ظاهرا، وفي رواية يوسف: فأضع السيف في بطنه ثم انكفىء عليه حتى أسمع صوت العظم. قوله: (وأنا أرى) بضم الهمزة أي: أظن، وذكر ابن إسحاق في روايته أنه كان سئ البصر، قوله: فانكسرت ساقي فوثبت يده، قيل: هو وهم والصواب رجله. قوله: (قام الناعي) بالنون والعين المهملة من النعي، وهو خبر الموت، والاسم الناعي. قوله: (أنعي أبا رافع) كذا ثبت في الروايات بفتح العين، قال ابن التين: هي لغة، والمعروف: أنعوا، قوله: (النجاء) بالنصب أي: أسرعوا. قوله: (فكأنها) أي: فكأن رجلي لم أشتكها، من الشكاية.
4040 حدثنا أحمد بن عثمان حدثنا شريح هو ابن مسلمة حدثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق قال سمعت البراء رضي الله تعالى عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافع عبد الله بن عتيك وعبد الله بن عتبة في ناس معهم فانطلقوا حتى دنوا من الحصن فقال لهم عبد الله بن عتيك امكثوا أنتم حتى أنطلق أنا فأنظر قال فتلطفت أن أدخل الحصن ففقدوا حمارا لهم قال فخرجوا بقبس يطلبونه قال فخشيت أن أعرف قال فغطيت رأسي ورجلي كأني أقضي حاجة ثم نادى صاحب الباب من أراد أن يدخل فليدخل قبل أن أغلقه فدخلت ثم اختبأت في مربط حمار عند باب الحصن عند أبي رافع وتحدثوا حتى ذهبت ساعة من الليل ثم رجعوا إلى بيوتهم فلما هدأت الأصوات ولا أسمع حركة خرجت قال ورأيت صاحب الباب حيث وضع مفتاح الحصن في كوة فأخذته ففتحت به باب الحصن قال قلت إن نذر بي القوم انطلقت على مهل ثم عمدت إلى أبواب بيوتهم فغلقتها عليهم من ظاهر ثم
137

صعدت إلى أبي رافع في سلم فإذا البيت مظلم قد طفىء سراجه فلم أدر أين الرجل فقلت يا أبا رافع قال من هاذا قال فعمدت نحو الصوت فأضربه وصاح فلم تغن شيئا قال ثم جئت كأني أغيثه فقلت مالك يا أبا رافع وغيرت صوتي فقال ألا أعجبك لامك الويل دخل علي رجل فضربني بالسيف قال فعمدت له أيضا فأضربه أخرى فلم تغن شيئا فصاح وقام أهله قال ثم جئت وغيرت صوتي كهيئة المغيث فإذا هو مستلق على ظهره فأضع السيف في بطنه ثم أنكفىء عليه حتى سمعت صوت العظم ثم خرجت دهشا حتى أتيت السلم أريد أن أنزل فأسقط منه فانخلعت رجلي فعصبتها ثم أتيت أصحابي أحجل فقلت لهم انطلقوا فبشروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني لا أبرح حتى أسمع الناعية فلما كان في وجه الصبح صعد الناعية فقال أنعى أبا رافع قال فقمت أمشي ما بي قلبة فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فبشرتهم..
هذا طريق آخر في حديث البراء، أخرجه عن أحمد بن عثمان بن حكيم أبو عبد الله الكوفي عن شريح، بضم الشين المعجمة ابن مسلمة الكوفي عن إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق وإبراهيم هذا يروي عن أبيه يوسف، ويوسف يروي عن جده أبي إسحاق عمرو السبيعي عن البراء بن عازب، ورجال هذا الأسناد كلهم كوفيون.
قوله: (وعبد الله بن عتبة) بضم العين وسكون التاء المثناة من فوق، وقد مر الكلام فيه عن قريب. قوله: (بقبس)، أي: شعلة من النار. قوله: (فلما هدأت الأصوات) كذا هو بالهمزة، وذكر ابن التين بغير همز، ثم قال: وصوابه الهمز، أي: سكنت ونام الناس. قوله: (فأضربه)، ذكر بلفظ المضارع مبالغة لاستحضار صورة الحال وإن كان ذلك قد مضى. قوله: (فلم تغن) أي: لم تنفع شيئا. قوله: (أغيثه)، بضم الهمزة من الإغاثة. قوله: (وقام أهله)، وفي رواية ابن إسحاق: فصاحت امرأته فنوهت بنا فجعلنا نرفع السيف عليها، ثم نذكر نهي النبي صلى الله عليه وسلم، عن قتل النساء فنكف عنها. قوله: (ثم أنكفىء) أي: أنقلب عليه. قوله: (فانخلعت رجلي) وفي الرواية المتقدمة: فانكسرت، والتلفيق بينهما بأن يقال: إنهما وقعا، أو أراد من كل منهما مجرد اختلال الرجل. قوله: (أحجل) بالحاء المهملة ثم الجيم: من الحجلان، وهو مشي المقيد كما يحجل البعير على ثلاث، والغلام على رجل واحدة. قوله: (ما بي قلبة) بفتح القاف واللام أي: تقلب، واضطرب من جهة الرجل. فإن قلت: سبق أنه قال: فمسحها، فكأنها لم أشتكها. قلت: لا منافاة بينهما، إذ لا يلزم من عدم التقلب عودها إلى حالتها الأولى وعدم بقاء الأثر فيها.
17
((باب غزوة أحد))
أي: هذا باب في بيان غزوة أحد، وليس في رواية أبي ذر لفظة: باب، وكانت غزوة أحد في شوال سنة ثلاث يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت منه عند ابن عائذ، وعند ابن سعد: لسبع ليال خلون منه على رأس اثنين وثلاثين شهرا من الهجرة، وقال إسحاق: للنصف منه، وعند البيهقي عن مالك: كانت بدر لسنة ونصف من الهجرة، وأحد بعدها بسنة، وفي رواية: كانت على أحد وثلاثين شهرا، وأحد جبل من جبال المدينة على أثل من فرسخ منها، سمي أحد لتوحده وانقطاعه عن جبال أخر هناك، وقال السهيلي: وفيه قبر هارون بن عمران، وبه قبض. وكان هو وأخوه موسى، عليهما الصلاة والسلام، مرا به حاجين أو معتمرين، وفي الآثار المسندة: أنه يوم القيامة عند باب الجنة من داخلها، وفي بعضها: أنه ركن لبابها، ذكره ابن سلام في (تفسيره) وفي (المسند) من حديث أبي عيسى بن جبير مرفوعا: أحد جبل يحبنا ونحبه، وكان على باب الجنة، وقال السهيلي: ويقال لأحد ذو عينين، وعينان تثنية عين، جبل بأحد وهو الذي قام عليه إبليس، عليه اللعنة، ويوم أحد، وقال: إن سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد قتل، وبه أقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم الرماة يوم أحد.
138

وقول الله عز وجل * (وإذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم) * (آل عمران: 121). وقوله جل ذكره * (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم
الأعلون إن كنتم مؤمنين إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون) * (آل عمران: 139، 143). وقوله * (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم تستأصلونهم قتلا بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين) * (آل عمران: 152). وقوله تعالى * (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا) * (169). الآية.
هذه الآيات كلها في سورة آل عمران، وكلها تتعلق بوقعة أحد، وقال ابن إسحاق: أنزل الله في شأن أحد ستين آي من آل عمران، وروى ابن أبي حاتم من طريق المسور بن مخرمة، قال: قلت لعبد الرحمن بن عوف، أخبرني عن قصتكم يوم أحد قال: إقرأ العشرين ومائة من آل عمران تجدها: * (وإذا غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال) * (آل عمران: 121). إلى قوله: * (أمنة نعاسا) * (آل عمران: 154).
قوله: (وقول الله عز وجل)، بالجر عطفا على قوله: غزوة أحد. قوله: (وإذ غدوت) تقديره: أذكر يا محمد حين غدوت، أي حين خرجت أول النهار من حجرة عائشة، رضي الله تعالى عنها، واختلف في هذا اليوم الذي عنى الله به؟ فعند الجمهور: المراد به يوم أحد، قاله ابن عباس والحسن وقتادة والسدي وغير واحد، وعن الحسن البصري: المراد بذلك يوم الأحزاب، رواه ابن جرير وهو غريب لا يعول عليه، وقيل: يوم بدر، وهو أيضا لا يعول عليه، وكانت وقعة أحد يوم السبت من شوال سنة ثلاث من الهجرة، وقال قتادة: لإحدى عشرة ليلة خلت من شوال، وقال عكرمة: يوم السبت النصف من شوال، وقال ابن إسحاق: وكانت إقامة رسول الله، صلى الله عليه وسلم بعد قدومه من غزوة الفرع من نجران جمادى الآخرة ورجبا وشعبان وشهر رمضان، وغزوة قريش وغزوة أحد في شوال سنة ثلاث، وقال البلاذري: لتسع خلون من شوال، وقال مالك: كانت الوقعة أول النهار وهي التي أنزل الله فيها: * (وإذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال) * (آل عمران: 121). الآيات. قوله: (تبوىء المؤمنين) أي: تنزلهم (مقاعد) أي: منازل، وتجعلهم ميمنة وميسرة. وقال الزمخشري: مقاعد أي مواطن ومواقف، وقرئ: مقاعدا، بالتنوين. قوله: (للقتال) أي: لأجل القتال مع المشركين من قريش وغيرهم، وكانوا قريبا من ثلاثة آلاف ونزلوا قريبا من أحد تلقاء المدينة، وكان قائدهم أبا سفيان ومعه زوجته هند بنت عتبة بن ربيعة، وكان خالد بن الوليد على ميمنة خيلهم، وعكرمة بن أبي جهل على ميسرتهم، وقال ابن سعد: وجعلوا على الخيل صفوان بن أمية، وقيل: عمرو بن العاص، وعلى الرماة عبد الله بن أبي ربيعة، وكانوا مائة وفيهم سبعمائة ذراع، والظعن خمسة عشر، وقال ابن هشام: لما خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم والمسلمون يوم أحد استعمل على المدينة ابن أم مكتوم على الصلاة بالناس، وقال موسى بن عقبة: كانوا ألف رجل، فلما نزل صلى الله عليه وسلم بأحد رجع عنه عبد الله بن أبي بن سلول في ثلاثمائة، فبقي رسول الله، صلى الله عليه وسلم في سبعمائة، قال البيهقي: هذا هو المشهور عند أهل المغازي قال و المشهور عن الزهري أنهم بقوا في أربعمائة مقاتل ولم يكن معهم فرس واحد، وكان مع المشركين مائة فرس. وقال الواقدي: وكان مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم فرسان: فرس له صلى الله عليه وسلم وفرس لأبي بردة، وأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم على الرماة عبد الله بن جبير أخا بني عمرو بن عوف، وهم خمسون رجلا، وقال: لا يقاتلن أحد حتى نأمره بالقتال، ثم جرى ما ذكره أهل السير. قوله: (والله سميع عليم) أي: سميع بما تقولون، عليم بضمائركم. قوله: (وقوله جل ذكره)، بالجر أيضا عطفا على: قول الله عز وجل، قوله: (ولا تهنوا) أي:
139

لا تضعفوا بسبب ما جرى، وهذا تسلية من الله لرسوله وللمؤمنين عما أصابهم يوم أحد، وأصل: لا تهنوا: توهنوا، حذفت الواو طردا للباب لأنها حذفت في: يهن، أصله يوهن، لوقوع الواو بين الياء والكسرة، والوهن الضعف، يقال: وهن يهن، بالكسر في المضارع، ويستعمل: وهن لازما ومتعديا، قال تعالى: * (وهن العظم مني) * (مريم: 4). وفي الحديث: (وهنتهم حمى يثرب)، وقال الفراء: يقال: وهنه الله وأوهنه، زاد غيره: ووهنه. قوله: (ولا تحزنوا) أي: على ظهور أعدائكم وما فاتكم من الغنيمة، وكان قد قتل يومئذ خمسة من المهاجرين، وهم: حمزة، ومصعب بن عمير صاحب راية النبي صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن جحش ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم، وعثمان بن شماس، وسعد مولى ابن عتبة، ومن الأنصار سبعون رجلا. قوله: (وأنتم الأعلون) وهو جمع: أعلى، أي: بالحجة في الدنيا والآخرة، ولكم الغلبة فيما بعد. قوله: (إن كنتم مؤمنين) أي: إذا كنتم، وقيل: إذ دمتم، على الإيمان في المستقبل. قوله: (إن يمسكم قرح) الآية، قال راشد بن سعد: انصرف النبي صلى الله عليه وسلم، يوم أحد كئيبا، وجعلت المرأة تجىء بابنها وأبيها وزوجها مقتولين، فقال، صلى الله عليه وسلم: أهكذا تفعل برسولك؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية، ويقال: أقبل علي، رضي الله تعالى عنه، يومئذ وفيه نيف وستون جراحة من طعنة وضربة ورمية، فجعل، صلى الله عليه وسلم، يمسحها بيده وهي تلتئم بإذن الله كأن لم تكن. قوله: (إن يمسسكم)، من المس وهو الإصابة، والقرح بالفتح: الجراح، واحدتها: قرحة، وبالضم اسم الجراح، وبفتح الراء مصدر: قرح يقرح، وقال الكسائي: القرح، بالفتح والضم واحد، أي: الجراح، وقال الفراء: هو بالفتح مصدر قرحته فهو نفس الجراح، وبالضم الألم، وقال أبو البقاء، بضم القاف والراء على الاتباع، والمعنى والله أعلم: لا تحزنوا إن أصابكم جرح يوم أحد، فقد أصاب المشركين مثله يوم بدر، ومع هذا إن قتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار. قوله: (وتلك الأيام)، تلك مبتدأ، والأيام خبره، ونداولها في موضع الحال، والعامل فيها معنى الإشارة، ويجوز أن يكون الأيام بدلا أو عطف بيان، ونداولها الخبر، والمعنى: لا تهنوا فالحرب سجال، وأنا أداول الأيام بين الناس، فأديل الكافر من المؤمن تغليظا للمحنة والابتلاء، ولو كانت الغلبة للمؤمنين لصاروا كالمضطرين، ويقال: نديل عليكم الأعداء تارة وإن كانت العاقبة لكم لما لنا في ذلك من الحكم، ولهذا قال: * (وليعلم الله الذين آمنوا) * (آل عمران: 140). قال ابن عباس في مثل هذا: لنرى من يصبر على مناجزة الأعداء. قوله: (ويتخذ منكم)، أي: وليتخذ منكم شهداء، يعني: نكرم ناسا منكم
بالشهادة، يعني المستشهدين يوم أحد، وليتخذ منكم من يصلح للشهادة على الأمم يوم القيامة، وقال ابن جريج: كان المسلمون يقولون: ربنا أرنا يوما كيوم بدر نلتمس فيه الشهادة، فاتخذ الله منهم شهداء يوم أحد. قوله: (والله لا يحب الظالمين)، أي: المشركين. قوله: (وليمحص الله الذين آمنوا)، معطوف على قوله: (وليعلم الله) والتمحيص الطهير والتصفية، وقيل: التمحيص الابتلاء والاختبار، والمعنى: ليكفر الله عن المؤمنين ذنوبهم إن كانت لهم ذنوب، وليرفع لهم درجات بحسب ما أصيبوا به. قوله: (ويمحق الكافرين)، أي: يهلكهم، وقيل: ينقصهم ويقللهم، يقال: محق الله الشيء وامتحق وانمحق. قوله: (أم حسبتم) كلمة: أم، منقطعة، ومعنى الهمزة فيها الإنكار، والمعنى: أحسبتم أن تدخلوا الجنة ولم تبتلوا بالقتال والشدائد كما دخل الذين قتلوا وثبتوا على ألم الجراح؟ قوله: (ولما يعلم الله)، كلمة: لما، بمعنى: لم إلا أن فيه ضربا من التوقع، فدل على نفي الجهاد فيما مضى، وعلى توقعه فيما يستقبل. قوله: (ويعلم الصابرين)، قال الزجاج: الواو، هنا بمعنى: حتى، أي: حتى يعلم صبرهم. وقرأ الحسن بكسر الميم عطفا على الأول، ومنهم من قرأ بالضم على تقدير: وهو يعلم، وحاصل المعنى: لا يحصل لكم دخول الجنة حتى تبتلوا ويرى الله منكم المجاهدين في سبيله والصابرين على مقارعة الأعداء. قوله: (ولقد كنتم تمنون الموت)، قال ابن عباس: لما أخبر الله تعالى، على لسان نبيه، صلى الله عليه وسلم، ما فعل بشهدائهم يوم بدر من الكرامة رغبوا في ذلك، فأراهم يوم أحد فلم يلبثوا أن انهزموا، فنزلت هذه الآية أي: * (ولقد كنتم تمنون الموت) * (آل عمران: 143). أي: القتال من قبل أن تلقوه يوم أحد فقد رأيتموه يومئذ وأنتم تنظرون، يعني الموت في لمعان السيوف وحد الأسنة واشتباك الرماح وصفوف الرجال للقتال فكيف انهزمتم؟ فإن قلت: كيف جاز تمني الشهادة وفيه غلبة الكفار على المسلمين؟ قلت: لأن غرض المتمني ليس إلا
140

حصول الشهادة مع قطع النظر عن غلبة الكفار، وإن كان متضمنا لها. قوله: (ولقد صدقكم الله وعده)، قال محمد بن كعب: لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أحد إلى المدينة، قال قوم منهم: من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر؟ فنزلت هذه الآية. قال المفسرون: وعدهم الله النصر بأحد فلما طلبوا الغنيمة هزموا. قوله: (إذ تحسونهم بإذنه)، أي: حين تقتلونهم قتلا ذريعا بإذنه، أي: بأمره وتيسيره، ويقال: سنة حسوس إذا أتت على كل شيء، وجراد محسوس إذا قتله البرد. قوله: (حتى إذا فشلتم) أي: جبنتم وضعفتم، يقال: فشل الرجل يفشل فهو فشيل، وفيه تقديم وتأخير أي: حتى إذا تنازعتم وعصيتم فشلتم، وقيل: حتى بمعنى إلى، وحينئذ لا جواب، أي: صدقكم الله وعده إلى أن فشلتم وتنازعتم، أي: اختلفتم وكان ذلك في أول الأمر لما انهزم المشركون، قال بعض الرمات الذين كانوا عند المركز: ما مقامنا هنا؟ قد انهزم القوم. وقال بعضهم: لا تجاوزوا أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم فثبت عبد الله بن جبير أمير الرماة في نفر يسير دون العشرة، وانطلق الباقون ينتهبون، فلما نظر خالد بن الوليد وعكرمة ابن أبي جهل ذلك، حملوا على الرماة فقتلوا عبد الله وأصحابه، وأقبلوا على المسلمين. قوله: (عصيتم) أي: بترك المركز. قوله: (من بعد ما أراكم ما تحبون) من النصر والظفر بهم. قوله: (منكم من يريد الدنيا) أي: الغنيمة، ومنكم من يريد الآخرة، وهم الذين ثبتوا في المركز. قوله: (ثم صرفكم عنهم) أي: ردكم عن المشركين بهزيمتكم، وردهم عليكم ليختبركم ويمنحكم. قوله: (ولقد عفا عنكم) أي: عن ذنبكم بعصيان رسول الله، صلى الله عليه وسلم والانهزام، وقال ابن جريج: ولقد عفا عنكم بأن لم يستأصلكم، وكذا قال محمد بن إسحاق، رواه ابن جرير. قوله: (والله ذو فضل على المؤمنين) قيل: إذا عفا عنهم، وقيل: إذا لم يقتلوا جميعا. قوله: (ولا تحسبن الذين قتلوا) الآية نزلت في شهداء أحد، وروى مسلم من طريق مسروق، قال: سألنا عبد الله بن مسعود عن هؤلاء الآيات، قال: إنا قد سألنا عنها، فقيل لنا: إنه لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها... الحديث، وعن ابن عباس فيما رواه أحمد أنه قال: لما أصيب إخواننا بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم، قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أنا في الجنة نرزق، لئلا يزهدوا عن القتال؟ فقال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله هذه الآية. وقيل: نزلت في شهداء بدر، وقيل: في شهداء بئر معونة، وقيل غير ذلك، وروى أحمد من حديث ابن عباس أيضا قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا. وقال ابن كثير في (تفسيره): وكان الشهداء أقسام، منهم من تسرح أرواحهم في الجنة، ومنهم من يكون على هذا النهر بباب الجنة، وقد يحتمل أن ينتهي سيرهم إلى هذا النهر فيجتمعون هنالك ويغدى عليهم رزقهم هناك ويراح، والله أعلم.
4041 حدثنا إبراهيم بن موساى أخبرنا عبد الوهاب حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد هاذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب. (انظر الحديث 3995).
هذا الحديث غير واقع في محله هنا لأنه تقدم في: باب شهود الملائكة بدرا بسنده ومتنه، وفيه قال: ولهذا لم يذكره هنا أبو ذر ولا غيره من متقني رواة البخاري، ولا استخرجه الإسماعيلي ولا أبو نعيم، ولم يقع هذا إلا في رواية أبي الوقت والأصيلي وهو وهم، وعبد الوهاب هو الثقفي، وخالد هو الحذاء.
4042 حدثنا محمد بن عبد الرحيم أخبرنا زكرياء بن عدي أخبرنا بن المبارك عن حيوة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال صلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات ثم طلع المنبر فقال إني بين
141

أيديكم فرط وأنا عليكم شهيد وإن موعدكم الحوض وإني لأنظر إليه من مقامي هذا وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا ولاكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها قال فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم..
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه من جملة أمور غزوة أحد، ومحمد بن عبد الرحيم أبو يحيى كان يقال له: صاعقة، وزكريا بن عدي أبو يحيى الكوفي، وابن المبارك هو عبد الله بن المبارك المروزي، وحيوة هو ابن شريح الحضرمي الكندي المصري أبو زرعة، مات سنة تسع خمسين ومائة، ويزيد بن أبي حبيب واسمه سويد، ويكنى
يزيد بأبي رجاء المصري، وأبو الخير اسمه مرثد بن عبد الله.
والحديث مضى في كتاب الجنائز في: باب الصلاة على الشهيد، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب... إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك، قال الكرماني: فإن قلت: فما قول الشافعية حيث لا يصلون عليه؟ أي: على الشهيد؟ قلت: تقدم أيضا ثمة أنه لم يصل على أهل أحد، فلا بد من التوفيق بينهما بأن تحمل الصلاة على المعنى اللغوي أي: دعا لهم بدعاء الميت. انتهى. قلت: حفظ شيئا وغابت عنه أشياء، فكيف تحمل الصلاة على المعنى اللغوي وفي رواية للبخاري ومسلم في حديث عقبة بن عامر: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على شهداء أحد صلاته على الميت، ثم انصرف؟ ويقول الحنفية: جاء عن ابن عباس وابن الزبير وعقبة بن عامر وعكرمة وسعيد بن المسيب والحسن البصري ومكحول والثوري والأوزاعي والمزني وأحمد في رواية، واختارها الخلال.
4043 حدثنا عبيد الله بن موساى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله تعالى عنه قال لقينا المشركين يومئذ وأجلس النبي صلى الله عليه وسلم جيشا من الرماة وأمر عليهم عبد الله وقال لا تبرحوا إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا فلما لقينا هربوا حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل رفعن عن سوقهن قد بدت خلاخلهن فأخذوا يقولون الغنيمة الغنيمة فقال عبد الله بن جبير عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تبرحوا فأبوا فلما أبوا صرف وجوههم فأصيب سبعون قتيلا وأشرف أبو سفيان فقال أفي القوم محمد فقال لا تجيبوه فقال أفي القوم ابن أبي قحافة قال لا تجيبوه فقال أفي القوم ابن الخطاب فقال إن هؤلاء قتلوا فلو كانوا أحياء لأجابوا فلم يملك عمر نفسه فقال كذبت يا عدو الله أبقى الله عليك ما يحزنك: قال أبو سفيان أعل هبل فقال النبي صلى الله عليه وسلم أجيبوه قالوا قالوا ما نقول؟ قال قولوا الله أعلى وأجل. قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجيبوه قالوا ما نقول قال قولوا الله مولانا ولا مولى لكم. قال أبو سفيان يوم بيوم بدر والحرب سجال وتجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني..
مطابقته للترجمة ظاهرة، و عبيد الله بن موسى بن باذام أبو محمد الكوفي، و إسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق، يروي عن جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي. والحديث من أفراده.
قوله: (يومئذ) أي: يوم أحد. قوله: (من الرماة) بضم الراء جمع رام. وفي حديث زهير: وكانوا خمسين رجلا. قوله: (وأمر)، بتشديد الميم من التأمير. قوله: (عبد الله)، هو ابن جبير، بضم الجيم وفتح الباء الموحدة: ابن النعمان بن أمية بن امرئ القيس، اسمه البرك بن ثعلبة بن عمرو بن عوف الأنصاري، شهد العقبة ثم شهد بدرا، وقتل يوم أحد شهيدا، قال أبو عمر: لا أعلم له رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو
142

أخو خوات بن جبير بن النعمان لأبيه وأمه. قوله: (إن ظهرنا) أي: غلبناهم. قوله: (وإن رأيتموهم ظهروا علينا) وفي رواية زهير: وإن رأيتمونا تخطفنا الطير، وفي حديث ابن عباس رواه أحمد والطبراني والحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم، أقامهم في موضع، ثم قال لهم: إحموا ظهورنا، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا. قوله: (يشتددن)، كذا هو في رواية الأكثرين، بفتح أوله وسكون الشين المعجمة وفتح التاء المثناة من فوق وبعدها دال مكسورة ثم أخرى ساكنة أي: يسرعن المشي، يقال: اشتد في مشيه إذا أسرع، وكذا في رواية الكشميهني وفي رواية زهير: وله رواية أخرى هنا: يسندن، بضم أوله وسكون السين المهملة بعدها نون مكسورة ودال مهملة، أي: يصعدن، يقال: أسند في الجبل يسند إذا صعد، وفي رواية الباقين: يشددن، بفتح أوله وسكون الشين المعجمة وضم الدال الأولى وسكون الثانية، وقال عياض: وقع للقابسي في الجهاد: يسندن، وكذا لابن السكن فيه، وفي الفضائل وعند الأصيلي والنسفي: يشدن بمعجمة ودال واحدة، وفي أبي داود: يصعدن. قوله: (رفعن عن سوقهن) ويروى: يرفعن، والسوق جمع: ساق، وذلك ليعينهن ذلك على سرعة الهروب. قوله: (قد بدت) أي: ظهرت (خلاخلهن) وهو جمع خلخال، كما أن الخلاخيل جمع خلخال وهما بمعنى واحد. قوله: (الغنيمة) بالنصب أي: خذوا الغنيمة، وقد ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ وفي رواية زهير: فقال عبد الله: أنسيتم ما قال لكم رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة. قوله: (فلما أبوا صرف وجوههم) أي: تحيروا فلم يدروا أن يذهبون وأين يتوجهون. قوله: (فأصيب سبعون قتيلا) ولم يكن في عهده، صلى الله عليه وسلم، ملحمة هي أشد ولا أكثر قتلى من أحد. قوله: (وأشرف أبو سفيان) أي: اطلع أبو سفيان بن حرب رئيس المشركين يومئذ. قوله: (أفي القوم) الهمزة فيه للاستفهام للاستعلام. قوله: (أبقى الله عليك ما يحزنك) بالحاء المهملة والزاي والنون: من الحزن ويروى: ما يخزيك، بضم الياء وسكون الخاء المعجمة وكسر الزاي من: الخزي. قوله: (أعل هبل) أعل أمر من علا يعلو، و: هبل، بضم الهاء وتخفيف الباء الموحدة: اسم صنم كان في الكعبة وهو منادى حذف منه حرف النداء أي: يا هبل، قال ابن إسحاق: معناه ظهر دينك، وقال السهيلي: معناه زد علوا، وفي (التوضيح): أي: ليرتفع أمرك ويعز دينك فقد غلبت. قلت: كل هذا ليس معناه الحقيقي، ولكن في الواقع يرجع معناه إلى معناه إلى هذه المعاني، قال الكرماني: ما معنى أعل ولا علو في هبل، ثم أجاب بقوله: هو بمعنى العلى، أو المراد أعلى من كل شيء. انتهى. قلت: ظن أنه أعلى هبل، على وزن أفعل التفضيل، فلذلك سأل بما سأل وأجاب بما أجاب وهو واهم في هذا، والصواب ما ذكرناه. قوله: (العزى) وهو تأنيث الأعز بالزاي، وهو اسم صنم لقريش، ويقال: العزى سمرة كانت غطفان يعبدونها وبنوا عليها بيتا وأقاموا لها سدنة، فبعث إليها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه، فهدم البيت وأحرق السمرة، وهو يقول:
* يا عزى كفرانك لا سبحانك
* إني رأيت الله قد أهانك
*
قوله: (الله مولانا ولا مولى لكم) أي: الله ناصرنا ولا ناصر لكم. قوله: (يوم بيوم بدر) أي: هذا يوم بمقابلة يوم بدر، لأن في بدر قتل منهم سبعون، وفي أحد قتلوا سبعين من الصحابة، رضي الله تعالى عنهم. قوله: (والحرب سجال) يعني: ساجلة يعني: متداولة يوم لنا ويوم علينا. قوله: (وتجدون) وفي رواية الكشميهني: وستجدون. قوله: (مثلة) بضم الميم على وزن: فعلة، من مثل إذا قطع وجذع كما فعلوا بحمزة، رضي الله تعالى عنه. قال ابن إسحاق: حدثني صالح بن كيسان، قال: خرجت هند والنسوة معها يمثلن بالقتلى يجذعن الآذان والأنوف حتى اتخذت هند من ذلك خدما وقلائد، وأعطت خدمها وقلائدها أي: اللاتي كن عليها لوحشي جزاء له على قتل حمزة، رضي الله تعالى عنه، وبقرت عن كبد حمزة، فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها، فلفظتها. قوله: (لم آمر بها) أي: بالمثلة، وفي رواية ابن إسحاق! والله ما رضيت وما سخطت وما نهيت وما أمرت، وفي حديث ابن عباس: ولم يكن ذلك عن رأس سراتتا، ثم أدركته حمية الجاهلية، أما أنه إذ كان لم يكرهه. قوله: (ولم تسؤني) أي: والحال أن المثلة التي فعلوها لم تسؤني، وإن كنت ما أمرت.
4044 أخبرني عبد الله بن محمد حدثنا سفيان عن عمر و عن جابر قال اصطبح الخمر يوم أحد
143

ناس ثم قتلوا شهداء. (انظر الحديث 2815 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة، وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار. والحديث مضى في الجهاد عن علي بن عبد الله في: باب فضل قول الله تعالى: * (ولا تحسبن الذين قتلوا) * (آل عمران: 169). قوله: (اصطبح الخمر) أي: شربه صبوحا. والحديث دل على أن تحريم الخمر إنما كان بعد أحد.
4045 حدثنا عبدان حدثنا عبد الله بن المبارك أخبرنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم أن عبد الرحمان بن عوف أتي بطعام وكان صائما فقال قتل مصعب بن عمير وهو خير مني كفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه وإن غطي رجلاه بدت رأسه وأراه قال وقتل حمزة وهو خير مني ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط أو قال أعطينا من الدنيا ما أعطينا وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام.
مطابقته للترجمة في قوله: (قتل مصعب بن عمير). وفي قوله: (وقتل حمزة، رضي الله تعالى عنه). وعبدان لقب عبد الله بن عثمان المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. والحديث مضى في الجنائز في: باب إذا لم يوجد إلا ثوب واحد، فإنه أخرجه هناك عن محمد بن مقاتل عن عبد الله... إلخ. ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (بطعام) وفي رواية نوفل بن إياس: كان خبزا ولحما، أخرجه الترمذي في الشمائل. قوله: (وهو صائم) وذكر أبو عمر أن ذلك كان في مرض موته. قوله: (وهو خير مني) لعله قال ذلك تواضعا، ويحتمل أن يكون ذلك قبل استقرار الأمر من تفضيل العشرة على غيرهم. قوله: (ثم بسط لنا) أشار بذلك إلى ما حصل من الفتوحات والغنائم. قوله: (حتى ترك الطعام) وفي رواية أحمد عن غندر عن شعبة، وأحسبه لم يأكله.
4036 حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا سفيان عن عمر و سمع جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد أرأيت إن قتلت فأين أنا قال في الجنة فألقى تمرات في يده ثم قاتل حتى قتل.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي، وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار.
والحديث أخرجه مسلم في الجهاد عن سعيد بن عمرو وسويد بن سعيد. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن منصور.
قوله: (قال رجل) زعم ابن بشكوال أنه عمير بن الحمام، بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم، قال صاحب (التوضيح) أيضا: إنه عمير بن الحمام بن الجموح بن زيد الأنصاري، وليس في الصحابة عمير بن الحمام سواء، وهو قد تبع في ذلك صاحب (التلويح)، وقيل: وقع التصريح في حديث أنس بأن ذلك كان يوم بدر، وهنا التصريح بأنه يوم أحد، فالظاهر أنهما قضيتان وقعتا لرجلين، وهذا هو الصواب.
4047 حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا الأعمش عن شقيق عن خباب رضي الله تعالى عنه قال هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله فوجب أجرنا على الله ومنا من مضى أو ذهب لم يأكل من أجره شيئا كان منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد لم يترك إلا نمرة كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه وإذا غطي بها رجلاه خرج رأسه فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم غطوا بها رأسه واجعلوا على رجله الإذخر أو قال ألقوا على رجله الإذخر ومنا من قد
144

أينعت له ثمرته فهو يهدبها..
مطابقته للترجمة في قوله: (كان منهم مصعب بن عمير) الخ، وزهير هو ابن معاوية، والأعمش هو سليمان، وشقيق هو ابن سلمة وخباب هو ابن الأرت، والحديث مضى في الجنائز في: باب إذا لم يجد كفنا، فإنه أخرجه هناك عن عمر بن حفص عن أبيه عن الأعمش... إلخ، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (يهدبها) من هدب الثمرة إذا اجتناها واخترف منها.
4048 أخبرنا حسان بن حسان حدثنا محمد بن طلحة حدثنا حميد عن أنس رضي الله تعالى عنه أن عمه غاب عن بدر فقال غبت عن أول قتال النبي صلى الله عليه وسلم لئن أشهدني الله مع النبي صلى الله عليه وسلم ليرين الله ما آجد فلقي يوم أحد فهزم الناس فقال اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني المسلمين وأبرأ إليك مما جاء به المشركون فتقدم بسيفه فلقي سعد بن معاذ فقال أين يا سعد إني أجد ريح الجنة دون أحد فمضى فقتل فما عرف حتى عرفته أخته بشامة أو ببنانه وبه بضع وثمانون من طعنة وضربة ورمية بسهم. (انظر الحديث 2805 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وحسان بن حسان، ويقال له: حسان بن أبي عباد أو علي البصري سكن مكة وهو من شيوخ البخاري القدماء، روى عنه هنا وفي العمرة، ومات سنة ثلاث عشرة ومائتين، ومحمد بن طلحة بن مصرف على وزن اسم الفاعل من التصريف الهمداني اليامي، وحميد هو الطويل.
والحديث مضى في الجهاد في: باب قول الله تعالى: * (من المؤمنين رجال) * (الأحزاب: 23). فإنه أخرجه هناك من طريقين بأتم منه، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (أن عمه) وهو أنس بن النضر بسكون الضاد المعجمة، قوله: (عن بدر) أي: عن غزوة بدر. قوله: (عن أول قتال النبي صلى الله عليه وسلم) أراد به: أول القتالات العظيمة وليس المراد به أول الغزوات. قوله: (ليرين الله) بفتح الياء آخر الحروف والراء والياء أيضا وتشديد النون، وهو فعل مضارع مؤكد باللام والنون الثقيلة، ولفظة: الله، بالرفع فاعله. قوله: (ما أجد) بفتح الهمزة وكسر الجيم وتشديد الدال. قال بعضهم: هو من الرباعي، يقال: أجد في الشيء يجد إذا بالغ فيه. قلت: قوله: من الرباعي، ليس باصطلاح أهل الصرف، بل هو مضاعف من الثلاثي المزيد فيه، وهو هكذا رواية الأكثرين، وقال ابن التين: صوابه بفتح الهمزة وضم الجيم، يقال: جد يجد إذا اجتهد في الأمر، وأما أجد، فإنما يقال لمن سار في أرض مستوية، ولا معنى له ههنا. قال: وضبطه بعضهم بفتح الهمزة وكسر الجيم وتخفيف الدال من: الوجد، أي: ما ألقى من الشدة في القتال. قوله: (فهزم الناس) على صيغة المجهول. قوله: (فقال: أين يا سعد) ويروى: أي سعد، يعني: يا سعد. قوله: (إني أجد ريح الجنة) كناية عن شدة قتاله في ذلك اليوم المؤدي إلى استشهاده المؤدي إلى الجنة. وقيل: يحتمل أن يكون ذلك على الحقيقة بأن يكون شم رائحة طيبة زائدة عما كان يعهده، فعرف أنها ريح الجنة، وفيه نظر لا يخفى. قوله: (دون أحد) أي: عند أحد. قوله: (فمضى) قيل: فيه حدف أي: فمضى إلى القتال وقاتل قتالا شديدا. قوله: (بشامة) وهي الخال. قوله: (أو ببنانه) شك من الراوي وهو بنان الأصبع وهو المشهور، وكذا وقع في رواية ثابت عن أنس عند مسلم. قوله: (وبه) أي: وبأنس بن النضر، والواوان في: وضربته ورميته، للتنويع والتقسيم يدل عليه رواية عبد الأعلى بلفظ: ضربة بالسيف أو طعنة بالرمح أو رمية بالسهم، وليست كلمة: أو، للشك.
4049 حدثنا موساى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن سعد حدثنا ابن شهاب أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أنه سمع زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه يقول فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري: * (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا
145

الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر) * (الأحزاب: 23). فألحقناها في سورتها في المصحف..
مطابقته للترجمة من حيث أن في هذه الآية: * (ومنهم من قضى نحبه) * (الأحزاب: 23) 0 إنما قضوه في أحد منهم أنس بن النضر المذكور في الحديث السابق، ونزولها في أنس بن النضر ونظائره من شهداء أحد، رضي الله تعالى عنهم.
وإبراهيم بن سعد ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وابن شها هو محمد بن مسلم الزهري، وخارجة ضد الداخلة ابن زيد بن ثابت بن الضحاك النجاري الأنصاري.
والحديث مضى في الجهاد في: باب قول الله تعالى: * (من المؤمنين رجال) * (الأحزاب: 23). فإنه أخرجه هناك من طريقين، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (فالتمسناها)، أي: طلبناها. قوله: (مع خزيمة)، بضم الخاء المعجمة وفتح الزاي. قوله: (ما عاهدوا الله)، المعاهدة كانت ليلة العقبة على الإسلام والنصرة، وقيل: على أن لا يفروا، لأنهم كانوا لم يشهدوا بدرا. قوله: (نحبه) النحب الحاجة، أي: سهم من قضى عهده وحاجته (ومنهم من ينتظر) أن يقضيه بقتال وصدق لقاء، وقيل: من مضى نذره، وأصل النحب النذر فاستعير مكان الأجل، لأنه وقع بالنحب، وكان هو سببا له وكان رجال حلفوا بعد بدر: لئن لقوا العدو ليقاتلن حتى يستشهدوا، ففعلوا فقتل بعضهم وبعضهم ينتظر ذلك، وآخر الآية: * (وما بدلوا تبديلا) * (الأحزاب: 23). أي: ما غيروا العهد الذي عاهدوا ربهم عليه من الصبر وعدم الفرار. قوله: (فألحقناها في سورتها) أي: فألحقنا الآية المذكورة في سورتها وهي الأحزاب. قال الكرماني: فإن قلت: كيف جاز إلحاق الآية بالمصحف بقول واحد أو اثنين، وشرط كونه قرآنا التواتر؟ قلت: كان متواترا عندهم، وإنما فقدوا مكتوبيتها فما وجدها مكتوبة إلا عنده، وفيه أن الآيات كان لها في حياة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مقامات مخصوصة من السور.
4050 حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت قال سمعت عبد الله بن يزيد يحدث عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد رجع ناس ممن خرج معه وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فرقتين فرقة تقول نقاتلهم وفرقة تقول لا نقاتلهم فنزلت: * (فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا) * (النساء: 88). وقال إنها طيبة تنفي الذنوب كما تنفي النار خبث الفضة. (انظر الحديث 1884 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو الوليد هشام بن عبد الملك، وعبد الله بن يزيد من الزيادة هو الخطمي، صحابي صغير. والحديث مر في فضل المدينة في: باب المدينة تنفي الخبث، فإنه أخرجه هناك: عن سليمان بن حرب عن شعبة... إلخ.
قوله: (رجع ناس) أراد به عبد الله بن أبي بن سلول، ومن معه فإنه رجع بثلث الناس، وقد مر بيانه هناك وعن قريب أيضا. قوله: (وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فرقتين) يعني: في الحكم فيمن انصرف مع عبد الله بن أبي. قوله: (فنزلت) أي: هذه الآية: * (فما لكم في المنافقين) * الآية، هذا هو الأصح في سبب نزولها، وقيل: سبب نزولها في الذين تشاتموا حين قال عبد الله بن أبي لرسول الله صلى الله عليه وسلم،: لا تؤذينا برائحة حمارك، وقال زيد بن أسلم عن ابن أسعد بن معاذ أنها نزلت في، تقول الأوس والخزرج في شأن عبد الله بن أبي حين استعذر منه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على المنبر في قضية الإفك، وهذا
غريب. قوله: (والله أركسهم) أي: ردهم وأوقعهم في الخطأ، قال ابن عباس: أركسهم أي: أوقعهم، وقال قتادة: أهلكهم. قوله: (بما كسبوا) أي: بسبب عصيانهم ومخالفتهم الرسول وأتباعهم الباطل. قوله: (إنها)، أي: المدينة، وهو حديث آخر جمعهما الراوي، وقد مر في الحج قوله: (تنفي) المراد من النفي الإظهار والتمييز، من الذنوب أصحابها. قوله: (خبث الفضة) الخبث بفتحتين: ما تلقيه النار من وسخ الفضة والنحاس وغيرهما إذا أذيبت.
18
((باب))
أي: هذا باب، وقد مر غير مرة أن لفظة: باب، إذا ذكر مجردا عن الترجمة يكون كالفعل لما قبله، وههنا غير مجرد لأنه أضيف إلى قوله: إذا همت فتكون الآية ترجمة، فافهم.
146

إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون) * (آل عمران: 122).
إذ همت بدل من: إذ غدوت، قال الزمخشري: أو عمل فيه معنى سميع عليم، والطائفتان حيان من الأنصار: بنو سلمة، بفتح السين وكسر اللام من الخزرج، و: بنو حارثة من الأوس، وهما الجناحان، وقد ذكرنا أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم خرج يوم أحد في ألف، وقيل: في تسعماية وخمسين والمشركون في ثلاثة آلاف، ووعدهم الفتح إن صبروا، فانخذل عبد الله بن أبي بثلث الناس ثم هاتان الطائفتان همتا أن تفشلا أي: يتجنبا ويتخلفا عن النبي صلى الله عليه وسلم ويذهبا مع عبد الله بن أبي، ولكن الله عصمهما فلم ينصرفوا ومضوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرهم الله تعالى نعمته بعصمته. فقال: * (إذ همت طائفتان) * (آل عمران: 122). وألهم تعلق الخاطر بماله قدر، والفشل الجبن والخور، ولكن لم يكن همهما عزما، فلذلك قال الله: * (والله وليهما) * (آل عمران: 122). أي: ناصرهما، قال الزمخشري: الله ناصرهما ومتولى أمرهما، فما لهما يفشلان ولا يتوكلان على الله؟
4051 حدثنا محمد بن يوسف عن ابن عيينة عن عمر و عن جابر رضي الله تعالى عنه قال نزلت هذه الآية فينا * (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا) * (آل عمران: 122). بني سلمة وبني حارثة وما أحب أنها لم تنزل والله يقول * (والله وليهما) * (آل عمران: 122). (الحديث 4051 طرفه في: 4558).
مطابقته للترجمة ظاهرة، وابن عيينة هو سفيان وعمرو هو ابن دينار. والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن علي بن عبد الله. وأخرجه مسلم في الفضائل عن إسحاق بن إبراهيم وأحمد بن عبدة.
قوله: (بني سلمة)، بالجر على أنه بدل من قوله: (فينا) وبني حارثة عطف عليه. قوله: (وما أحب أنها) أي: أن الآية (لم تنزل) والحال أن الله تعالى يقول: * (والله وليهما) * (آل عمران: 122). وحاصل المعني: أن ذلك فرط الاستبشار بما حصل لهم من الشرف بثناء الله وإنزاله فيهم آية ناطقة بصحة الولاية، وأن ذلك ألهم غير المأخوذ به، لأنه لم يكن عن عزم وتصميم.
4052 حدثنا قتيبة حدثنا سفيان أخبرنا عمر و عن جابر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم هل نكحت يا جابر قلت نعم قال ماذا أبكرا أم ثيبا قلت لا بل ثيبا قال فهلا جارية تلاعبك قلت يا رسول الله إن أبي قتل يوم أحد وترك تسع بنات كن لي تسع أخوات فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهن ولكن امرأة تمشطهن وتقوم عليهن قال أصبت..
مطابقته للترجمة في قوله: (إن أبي قتل يوم أحد) وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار.
والحديث أخرجه في النكاح عن قتيبة به.
قوله: (ماذا؟) أي: ما كان نكاحك؟ أنكحت بكرا أم ثيبا؟ والهمزة في: أبكرا؟ للاستفهام على سبيل الاستخبار. قوله: (لا) أي: قلت: لا نكحت بكرا، بل نكحت ثيبا. قوله: (فهلا جارية) يعني بكرا تلاعبك، وهذه الجملة في محل النصب لأنها صفة لقوله: جارية. قوله: (إن أبي)، هو عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري. قوله: (تسع بنات)، وفي رواية الشعبي: (ست بنات)، فكان ثلاث بنات منهن متزوجات أو بالعكس، وفي: باب استئذان الرجل الإمام: (ولي أخوات صغار)، فلم يعين عددهن، وفي (السيرة) عند الخروج إلى حمراء الأسد: أن أبي خلفني على أخوات سبع، بتقديم السين على الباء، ولا إشكال فيه لأن ذكر القليل لا ينافي ذكر الكثير. قوله: (خرقاء) تأنيث الأخرق وهي الحمقاء الجاهلة، والخرق، بالضم الجهل والحمق، وقد خرق يخرق خرقا بالفتح، وهو المصدر، وبالضم الاسم، وقيل: الخرقاء المرأة التي لا رفق بها ولا سياسة. قوله: (تمشطهن)، بضم الشين المعجمة من: مشطتها الماشطة إذا سرحت شعرها بالمشط، بضم الميم وبالفتح، مصدر. قوله: (أصبت)، يدل على أن الثيب في هذه الحالة أولى من البكر الصغيرة، وهذا هو المراد من قول الفقهاء: البكر أولى إذا لم يكن عذر فيما يظهر.
94 - (حدثني أحمد بن أبي سريج أخبرنا عبيد الله بن موسى حدثنا شيبان عن فراس عن
147

الشعبي قال حدثني جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن أباه استشهد يوم أحد وترك عليه دينا وترك ست بنات فلما حضر جذاذ النخل قال أتيت رسول الله
فقلت قد علمت أن والدي قد استشهد يوم أحد وترك دينا كثيرا وإني أحب أن يراك الغرماء فقال اذهب فبيدر كل تمر على ناحية ففلت ثم دعوته فلما نظروا إليه كأنهم اغروا بي تلك الساعة فلما رأى ما يصنعون أطاف حول أعظمها بيدرا ثلاث مرات ثم جلس عليه ثم قال ادع لك أصحابك فما زال يكيل لهم حتى أدى الله عن والدي أمانته وأنا أرضى أن يؤدي الله أمانة والدي ولا أرجع إلى أخواتي بتمرة فسلم الله البيادر كلها حتى إني أنظر إلى البيدر الذي كان عليه النبي
كأنها لم تنقص تمرة واحدة)
مطابقته للترجمة في قوله أن أباه استشهد يوم أحد وشيخ البخاري أبو جعفر أحمد بن أبي سريج بضم السين المهملة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره جيم واسمه الصباح النهشلي بفتح النون وسكون الهاء وبالشين المعجمة الرازي وهو من أفراده وعبيد الله بن موسى بن باذام أبو محمد الكوفي وشيبان هو ابن عبد الرحمن النحوي سكن الكوفة أصله من البصرة وفراس بكسر الفاء وتخفيف الراء وبسين مهملة هو ابن يحيى مر في كتاب الزكاة والشعبي هو عامر بن شراحيل أبو عمرو الكوفي * والحديث مر مرارا مطولا ومختصرا في الصلح والقرض وغيرهما قوله ' جذاذ النخل ' بفتح الجيم وكسرها أي قطعه ويروى ' جداد النخل ' بفتح الجيم وكسرها أيضا وهو القطع أيضا قوله ' فبيدر ' أمر من بيدر إذا جمع الطعام في موضع يسمى بيدرا قوله ' اغروا ' أي هيجوا قوله ' أطاف به ' أي ألم به وقاربه قوله ' حتى كأني ' الخ ادعى الداودي أن هذا ليس في أكثر الروايات * -
4054 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ومعه رجلان يقاتلان عنه عليهما ثياب بيض كأشد القتال ما رأيتهما قبل ولا بعد.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى الأوسي المدني، وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي المدني، كان على قضاء بغداد. قوله: (ومعه رجلان) وفي كتاب مسلم: أنهما جبريل وميكائيل، عليهما السلام. قوله: (وكأشد القتال)، الكاف فيه زائدة، قاله الكرماني: قلت: بل للتشبيه، أي: كأشد قتال بني آدم.
96 - (حدثني عبد الله بن محمد حدثنا مروان بن معاوية حدثنا هاشم بن هاشم السعدي قال سمعت سعيد بن المسيب يقول سمعت سعد بن أبي وقاص يقول نثل لي النبي
كنانته يوم أحد فقال ارم فداك أبي وأمي)
مطابقته للترجمة ظاهرة وهاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص السعدي ابن أخي سعد بن أبي وقاص وإنما قيل له السعدي لأنه منسوب إلى عم أبيه سعد وهو جده من قبل الأم قوله ' نثل ' بالنون وبالثاء المثلثة يقال نثلت كنانتي إذا استخرجت ما فيها من النبل وكذلك إذا نفضت ما في الجراب من الزاد وفي التوضيح وضبطها بعضهم بمثناة أي قدمها إليه يقال استنتل فلان من الصف إذا تقدم على أصحابه والكنانة التركاش الذي يجمع فيه النبل قوله ' فداك أبي وأمي ' هذه كلمة تقولها العرب على الترحيب أي لو كان لي إلى الفداء سبيل لفديتك بأبوي اللذين هما عزيزان عندي والمراد من التفدية لازمها وهو الرضا أي ارم مرضيا وقد مر الكلام فيه غير مرة * -
148

4056 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن يحيى بن سعيد قال سمعت سعيد بن المسيب قال سمعت سعدا يقول جمع لي النبي صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد.
مطابقته للترجمة ظاهرة، ويحيى الأول: هو يحيى بن سعيد القطان. ويحيى الثاني: هو ابن سعيد الأنصاري.
4057 حدثنا قتيبة حدثنا ل يث عن يحيى عن ابن المسيب أنه قال قال سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه لقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أبويه كليهما يريد حين قال فداك أبي وأمي وهو يقاتل.
قد مر هذا في مناقب سعد فإنه أخرجه هناك عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب، وهنا أخرجه عن مسدد عن ليس بن سعد عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (كليهما) كذا وقع في البخاري على الصواب، وقال ابن التين: إنه وقع فيه: كلاهما. وهو غير صواب.
4058 حدثنا أبو نعيم حدثنا مسعر عن سعد عن ابن شداد قال سمعت عليا رضي الله تعالى عنه يقول ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يجمع أبويه لأحد غير سعد.
هذا مناسب للحديث السابق، فمن هذه الحيثية تقع المطابقة، وأبو نعيم الفضل بن دكين، ومسعر، بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح العين المهملة وبالراء: هو ابن كدام الكوفي، وهو من أصحاب أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه، وسعد هو ابن إبراهيم ابن عبد الرحمن بن عوف، وابن شداد، بفتح المعجمة وتشديد الدال الأولى: هو عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي الكوفي.
قوله: (غير سعد)، أي: سعد بن أبي وقاص، رضي الله تعالى عنه، وعدم سماع علي، رضي الله تعالى عنه، بجمع النبي صلى الله عليه وسلم أبويه لغير سعد لا ينافي سماع غيره في غيره.
4059 حدثنا يسرة بن صفوان حدثنا إبراهيم عن أبيه عن عبد الله بن شداد عن علي رضي الله تعالى عنه قال ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم جمع أبويه لأحد إلا لسعد بن مالك فإني سمعته يقول يوم أحد يا سعد ارم فداك أبي وأمي.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وهو طريق آخر في حديث علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه. أخرجه عن يسرة، بفتح الياء آخر الحروف والسين المهملة والراء: ابن صفوان اللخمي الدمشقي، وهو من أفراده، يروى عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.
قوله: (إلا لسعد بن مالك)، وهو سعد بن أبي وقاص، واسم أبي وقاص مالك، وفي رواية الكشميهني غير سعد بن مالك. قوله: (يا سعد إرم)، وفي رواية الترمذي: (إرم أيها الغلام الحذور)، وقال الزهري: رمى سعد يومئذ ألف سهم.
101 - (حدثنا موسى بن إسماعيل عن معتمر عن أبيه قال زعم أبو عثمان أنه لم يبق مع النبي
في بعض تلك الأيام التي يقاتل فيهن غير طلحة وسعد عن حديثهما)
مطابقته للترجمة في قوله في بعض تلك الأيام لأن المراد به يوم أحد ومعتمر هو ابن سليمان بن طرخان التيمي قوله ' زعم ' أي قال أبو عثمان وهو عبد الرحمن بن مل النهدي وفي رواية الإسماعيلي سمعت أبا عثمان قوله ' في بعض تلك الأيام ' هو رواية أبي ذر وفي رواية غيره لم يبق مع النبي
في تلك الأيام بدون لفظ بعض ورواية أبي ذر أبين وأوضح للمراد قوله التي يقاتل هو رواية أبي ذر وفي رواية غيره الذي فالتذكير بالنظر إلى لفظ البعض والتأنيث بالنظر إلى قوله تلك الأيام قوله طلحة أي ابن عبيد الله أحد العشرة المبشرة بالجنة قوله وسعد هو ابن أبي وقاص فإن قلت قد تقدم عن قريب أن المقداد كان ممن
149

بقي معه قلت يحتمل أنه حضر بعد تلك الجولة ويحتمل أن يكون انفرادهما مع النبي
في بعض المقامات ويحتمل أن يكون المراد بتخصيص الاثنين المذكورين من المهاجرين كأنه قال لم يبق معه من المهاجرين غير هذين وأيضا كان فيه اختلاف الأحوال فإنهم تفرقوا في القتال قوله ' عن حديثهما ' أي روى أبو عثمان هذا عن حديثي طلحة وسعد يعني هما حدثا أبا عثمان بذلك * -
4062 حدثنا عبد الله بن أبي الأسود حدثنا حاتم بن إسماعيل عن محمد بن يوسف قال سمعت السائب بن يزيد قال صحبت عبد الرحمان بن عوف وطلحة بن عبيد الله والمقداد وسعدا رضي الله تعالى عنهم فما سمعت أحدا منهم يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أني سمعت طلحة يحدث عن يوم أحد. (انظر الحديث 2824).
مطابقته للترجمة في قوله: (يحدث عن يوم أحد). وعبد الله بن أبي الأسود هو عبد الله بن محمد بن أبي الأسود، واسمه حميد ابن الأسود البصري الحافظ، وهو من أفراده، مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وحاتم بن إسماعيل أبو إسماعيل الكوفي، سكن المدينة، ومحمد بن يوسف بن عبد الله بن يزيد ابن أخت نمر، وأمه ابنة السائب بن يزيد، سمع جده لأمه السائب بن يزيد ابن سعيد بن ثمامة بن الأسود ابن أخت النمر، وهو من صغار الصحابة، وقال السائب: حج بي أبي مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين، هذه رواية محمد بن يوسف عنه وقال أبو عمر: ولد في السنة الثانية من الهجرة، فهو ترب ابن الزبير والنعمان ابن بشير في قول من قال ذلك، كان عاملا لعمر، رضي الله تعالى عنه، على سوق المدينة مع عبد الله بن عتبة بن مسعود، ومات في سنة ثمانين، وقيل: في سنة ست وثمانين، وقيل: في سنة إحدى وتسعين وهو ابن أربع وتسعين، وسبب ما فيه أن هؤلاء خشو السهو فحذروا أن يقعوا في قوله صلى الله عليه وسلم: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النارد، وفي قول طلحة ذكر المرء بعمله الصالح ليؤدي ما علم مما يعلم غيره، لأنه انفرد برسول الله، صلى الله عليه وسلم حينئذ.
4063 حدثني عبد الله بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن إسماعيل عن قيس قال رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد. (انظر الحديث 2724).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسماعيل بن أبي خالد الأحمسي البجلي الكوفي، وقيس هو ابن أبي حازم البجلي، وطلحة هو ابن عبيد الله. رضي الله تعالى عنه.
قوله: (شلاء)، بفتح الشين المعجمة وتشديد اللام وبالمد، وهي التي أصابها الشلل، وهو ما يبطل عمل الأصابع كلها أو بعضها. قوله: (وقى)، أي: حفظ (بها) أي: بيده، وقد أوضح ذلك الحاكم في (الإكليل) من طريق موسى بن طلحة: أن طلحة جرح يوم أحد تسعا وثلاثين أو خمسا وثلاثين، وشلت أصبعه أي: السبابة، والتي تليها، وجاء في رواية: أن أصبعه قطعت، فقال: حس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو ذكرت الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون إليك.
104 - (حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا عبد العزيز عن أنس رضي الله عنه قال لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي
وأبو طلحة بين يدي النبي
مجوب عليه بحجفة له وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد النزع كسر يومئذ قوسين أو ثلاثا وكان الرجل يمر معه بجعبة من النبل فيقول انثرها لأبي طلحة قال ويشرف النبي
ينظر إلى القوم فيقول أبو طلحة بأبي أنت وأمي لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم نحري دون نحرك
150

ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما تنقزان القرب على متونهما تفرغانه في أفواه القوم ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيآن فتفرغانه في أفواه القوم ولقد وقع السيف من يدي أبي طلحة إما مرتين وإما ثلاثا)
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو معمر بفتح الميمين اسمه عبد الله بن عمرو بن الحجاج المنقري المعقد وهو شيخ مسلم أيضا وعبد الوارث بن سعيد وعبد العزيز بن صهيب وكل هؤلاء قد ذكروا غيرة مرة والحديث مضى في الجهاد في باب غزوة النساء وقتالهن مع الرجال ومضى في مناقب أبي طلحة مثل ما أخرجه هنا عن أبي معمر عن عبد الوارث إلى آخره نحوه قوله وأبو طلحة اسمه زيد بن سهل الأنصاري وهو زوج والدة أنس رضي الله تعالى عنهما وأنس حمل هذا الحديث عنه قوله مجوب بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الواو المكسورة ومعناه مترس من الجوبة وهي الترس والحجفة بفتح الحاء المهملة والجيم والفاء الترس الذي يتخذ من الجلد ويسمى بالبدرقة قوله شديد النزع بفتح النون وسكون الزاي وبالعين المهملة أي في رمي السهم وتقدم في الجهاد من وجه آخر بلفظ كان أبو طلحة حسن الرمي وكان يتترس مع النبي
بترس واحد قوله بجعبة بفتح الجيم وسكون العين المهملة وفتح الباء الموحدة وهي الكنانة التي يجعل فيها السهام وضبطه بعضهم بضم الجيم وما أراه إلا غلطا قوله فيقول انثرها أي فيقول النبي
انثر الجعبة التي فيها النبل لأجل أبي طلحة وانثر بضم الهمزة أمر من نثر بالنون والثاء المثلثة ينثر نثرا من باب نصر ينصر قوله ' ويشرف ' بضم الياء من الإشراف وهو الاطلاع إلى الشيء ويروى وتشرف على وزن تفعل قوله ' ينظر ' جملة حالية قوله ' لا تشرف ' من الإشراف أيضا وفي رواية أبي الوقت لا تشرف بفتح التاء والشين وتشديد الراء المفتوحة وأصله لا تتشرف بتاءين فحذفت إحداهما قوله ' يصيبك ' بالرفع والجزم أما الجزم فلأنه جواب النهي وأما الرفع فعلى تقدير فهو يصيبك ورواية أبي ذر الجزم على الأصل قوله ' نحري دون نحرك ' أي يصيب السهم نحري ولا يصيب نحرك وحاصله أفديك بنفسي وعائشة أم المؤمنين زوج النبي
وأم سليم والدة أنس بن مالك وفي اسمها اختلاف قد ذكرناه في الجهاد قوله ' خدم سوقهما ' بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة جمع خدمة وهي الخلاخيل والسوق بالضم جمع ساق قوله ' تنقزان القرب ' أي تحملانها وتنقزان بها وثبا يقال نقز وأنقز إذا وثب وقال ابن الأثير وفي نصب القرب بعد لأن ينقز غير متعد وأوله بعضهم بعدم الجار ورواه بعضهم بضم التاء من أنقز فعداه بالهمزة يريد تحريك القرب ووثوبها بشدة العدو والوثب وروي برفع القرب على الابتداء والجملة في موضع الحال وقيل معناه تنقلان وقال الداودي هو مثل تنقلان والذي ذكره أهل اللغة أن النقز بالنون والقاف والزاي الوثب فلعلهما كانتا تنهضان بالحمل وتنقزان وأنكره الخطابي وقال إنما هو تنقزان أي تحملان قوله ' في أفواه القوم ' قال الداودي الأفواه جمع في والفم لا جمع له من لفظه (قلت) الذي ذكره أهل اللغة أن أصل الفم فوه فأبدل من الواو ميم والجمع يرد الشيء إلى أصله كما أن إماء أصله موه فلذلك قالوا في جمعه أمواه قوله ' من يدي أبي طلحة ' وفي رواية الأصيلي من يد أبي طلحة بالإفراد ووقوع السيف كان لأجل النعاس الذي ألقى الله عليهم أمنة منه ووقع في رواية أبي معمر شيخ البخاري عند مسلم من النعاس صرح به وهو قوله تعالى * (إذ يغشيكم النعاس أمنة) * * -
4065 حدثني عبيد الله بن سعيد حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت لما كان يوم أحد هزم المشركون فصرخ إبليس لعنة الله عليه أي عباد الله أخراكم فرجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم فبصر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان فقال أي عباد الله أبي أبي قال قالت فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه فقال حذيفة يغفر الله لكم قال عروة
151

فوالله ما زالت في حذيفة بقية خير حتى لحق بالله..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبيد الله بن سعيد بن يحيى أبو قدامة اليشكري السرخسي، وهو شيخ مسلم أيضا، وأبو أسامة حماد بن أسامة.
والحديث مر في: باب صفة إبليس وجنوده، فإنه أخرجه هناك عن زكريا بن يحيى عن أبي أسامة... الخ نحوه، ومر الكلام فيه هناك، ولكن نتكلم هنا أيضا بما فيه لبعد العهد منه.
قوله: (أخراكم) أي: احترزوا من جهة أخراكم، وهي كلمة تقال لمن يخشى أن يؤتى عند القتال من ورائه، وكان ذلك لما ترك الرماة مكانهم ودخلوا ينتهبون عسكر المشركين. قوله: (فاجتلدت هي) أي: أولاهم نفرت مع أخراهم. قوله: (فبصر حذيفة) أي: نظر إلى أبيه ورآه. وقال: يا عباد الله أبي أبي أي: هذا أبي فلا تتعرضوا له واحفظوه، وإنما قال: أبي أبي، بالتكرار حتى لا يظن أنه: أبي، بضم الهمزة وفتح الباء وتشديد الياء. قوله: (قال: قالت) أي: قال عروة، قالت عائشة: فوالله ما احتجزوا أي: ما امتنعوا من قتله حتى قتلوه أي: اليمان والد حذيفة، وذكر ابن إسحاق، قال: حدثني عاصم ابن عمر عن محمود بن لبيد، قال: كان اليمان والد حذيفة وثابت بن وقش شيخين كبيرين فتركهما رسول الله، صلى الله عليه وسلم مع النساء والصبيان فرغبا في الشهادة فأخذا سيفيهما ولحقا بالمسلمين بعد الهزيمة، فلم يعرفوا بهما، فأما ثابت فقتله المشركون، وأما اليمان فاختلفت عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولا يعرفونه، وقال ابن سعد: إن الذي قتل اليمان خطأ عتبة بن مسعود أخو عبد الله بن مسعود، وفي رواية ابن إسحاق، قال حذيفة: قتلتم أبي قالوا: والله ما عرفناه وصدقوا، فقال حذيفة: يغفر الله لكم فأراد رسول الله، صلى الله عليه وسلم أن يديه فتصدق حذيفة بديته على المسلمين فزاده ذلك عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم خيرا، والعجب من ابن التين حيث يقول: ولم يذكر في الحديث الدية في قتل اليمان والكفارة، فأما لم تفرض حينئذ أو اكتفى بعلم السامع، ولو اطلع على ما ذكرنا لما أغرب في كلامه.
بصرت علمت من البصيرة في الأمر وأبصرت من بصر العين ويقال بصرت وأبصرت واحد
لما كان في الحديث المذكور لفظ: بصر، بفتح الباء وضم الصاد، أشار إلى معناه وإلى الفرق بين بصر وأبصر، فقال: معنى بصر علم مأخوذ من البصيرة في الأمر، فيكون من المعاني القلبية، وقال: أبصر بزيادة الهمزة في أوله يعني: نظر لأنه من بصر العين، وبصر العين حاستها وقال الجوهري: البصر العلم وبصرت بالشيء علمته، وقال تعالى: * (بصرت لما لم يبصروا به) * (طه: 96). قوله: ويقال: بصرت وأبصرت واحد، يعني: كلاهما سواء، كسرعت وأسرعت.
19
((باب قول الله تعالى * (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم) * (آل عمران: 155).))
أي: هذا باب في ذكر قول الله تعالى: * (إن الذين تولوا منكم) * (آل عمران: 155). الآية. واتفق أهل العلم بالنقل على أن المراد بهذه الآية ما وقع في أحد، وقول من قال: إنها في يوم بدر، غير صحيح، لأنه لم يول أحد من المسلمين يوم بدر. قوله: * (إن الذين تولوا منكم) * (آل عمران: 155). أي: إن الذين فروا منكم يا معشر المسلمين. قوله: (يوم التقى الجمعان)، أي: جمع المسلمين وجمع الكفار. قوله: (إنما استزلهم الشيطان) أي: حملهم على الزلل. قوله: (ببعض ما كسبوا)، أي: ببعض ذنوبهم السالفة، وهو تركهم المشركين. قوله: (ولقد عفا الله عنهم)، أي: حلم عليهم إذ لم يعاجلهم بالعقوبة، وقيل: غفر لهم الخطيئة، وروي أنه صلى الله عليه وسلم لما رجع إلى المدينة قال لأصحابه: هذه وقعة تشاع في العرب فأطلبوهم حتى يسمعوا أنا قد طلبناهم، فخرجوا فلم يدركوا القوم. قوله: (إن الله غفور حليم)، أي: يغفر الذنوب ويحلم على خلقه ويتجاوز عنهم.
106 - (حدثنا عبدان أخبرنا أبو حمزة عن عثمان بن موهب قال جاء رجل حج البيت فرأى قوما جلوسا فقال من هؤلاء القعود قالوا هؤلاء قريش قال من الشيخ قالوا ابن عمر فأتاه فقال إني سائلك عن شيء أتحدثني قال أنشدك بحرمة هذا البيت أتعلم أن عثمان بن
152

عفان فر يوم أحد قال نعم قال فتعلمه تغيب عن بدر فلم يشهدها قال نعم قال فتعلم أنه تخلف عن بيعة الرضوان فلم يشهدها قال نعم قال فكبر قال ابن عمر تعال لأخبرك
ولأبين لك عما سألتني عنه أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه وأما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله
وكانت مريضة فقال له النبي
إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فإنه لو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان بن عفان لبعثه مكانه فبعث عثمان وكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة فقال النبي
بيده اليمنى هذه يد عثمان فضرب بها على يده فقال هذه لعثمان اذهب بهذا الآن معك)
مطابقته للترجمة تظهر من حيث المعنى وعبدان لقب عبد الله وأبو حمزة بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون السكري وعثمان بن موهب بفتح الميم والهاء الأعرج الطلحي التيمي القرشي * والحديث مضى بطوله في مناقب عثمان ومضى الكلام فيه هناك فإنه أخرجه هناك عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة عن عثمان بن موهب إلى آخره قوله ' أتحدثني ' الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستعلام وبعده في رواية أبي نعيم قال ' نعم ' * -
20
((باب * (إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون) * (آل عمران: 153).))
أي: هذا باب في ذكر قوله تعالى: * (إذ تصعدون) *. قوله: (إذ)، نصب بقوله: * (ثم صرفكم عنهم) * (آل عمران: 152). أو بقوله: * (ليبتليكم) * (آل عمران: 152). أو بإضمار: إذكر يا محمد * (إذ تصعدون) * وهو من الإصعاد، وهو الذهاب في الأرض والإبعاد فيه، يقال: صعد في الجبل وأصعد في الأرض، يقال: أصعدنا من مكة إلى المدينة، وقرأ الحسن: * (تصعدون) * بفتح التاء يعني: في الجبل، قال الزمخشري: وتعضد القراءة الأولى قراءة أبي: * (تصعدون) * بفتح التاء وتشديد العين من تصعد في السلم، وقال المفضل: صعد وأصعد بمعنى. قوله: (ولا تلوون) أي: ولا تعرجون ولا تقيمون، أي: لا يلتفت بعضكم على بعض هربا، وأصله من لي العنق في الالتفات، ثم استعمل في ترك التصريح، وقر الحسن: تلون، بواو واحدة، وقال الزمخشري: وقرئ: يصعدون ويلوون، بالياء يعني: فيهما. وقوله: (على أحد) قال الكلبي: يعني محمدا صلى الله عليه وسلم وقراءة عائشة، رضي الله تعالى عنها. على أحد بضم الهمزة والحاء يعني: الجبل. قوله: (والرسول) الواو فيه للحال. قوله: (يدعوكم) كأنه يقول: إلي عباد الله إلي عباد الله، أنا رسول الله من يكرمه فله الجنة. قوله: (في أخراكم) أي: من خلفكم، وقال الزمخشري: في ساقتكم وجماعتكم الأخرى، وهي الجماعة المتأخرة. قوله: (فأثابكم) عطف على قوله: (ثم صرفكم) أي: فجازاكم الله غما حين صرفكم عنهم وابتلاكم بسبب غم أذقتموه رسول الله، صلى الله عليه وسلم بعصيانكم له أو غما مضاعفا بعد غم متصلا بغم، من الاغتمام بما أرجف به من قتل رسول الله، صلى الله عليه وسلم والجرح والقتل وظفر المشركين وفوت الغنيمة والنصر، وقال ابن عباس: الغم الأول: بسبب الهزيمة، وحين قيل: قتل محمد، والثاني: حين علاهم المشركون فوق الجبل، رواه ابن مردويه. وروى ابن أبي حاتم: عن قتادة نحو ذلك، وقال السدي: الغم الأول: بسبب ما فاتهم من الغنيمة والفتح، والثاني: بإشراف العدو عليهم، وقيل غير ذلك. قوله: (لكيلا تحزنوا على ما فاتكم) متصل بقوله: (ولقد عفا عنكم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من الغنيمة ولا ما أصابكم من القتل والجرح، لأن عفوه يذهب ذلك كله، وقيل: صلة، فيكون المعنى: لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم عقوبة لكم في خلافكم، والله خبير بعملكم كله.
4067 حدثني عمرو بن خالد حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق قال سمعت البراء بن
153

عازب رضي الله تعالى عنهما قال جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرجالة يوم أحد عبد الله بن جبير وأقبلوا منهزمين فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم..
مطابقته للترجمة للآية ظاهرة، وعمرو بن خالد بن فروخ الحراني الجزري سكن مصر، روى عن زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، وقد مر الحديث في أوائل باب غزوة أحد، فإنه أخرجه هناك بأتم منه عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء... إلى آخره، وقد مر الكلام فيه هناك.
4067 حدثني عمرو بن خالد حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق قال سمعت البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما قال جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرجالة يوم أحد عبد الله بن جبير وأقبلوا منهزمين فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم..
مطابقته للترجمة للآية ظاهرة، وعمرو بن خالد بن فروخ الحراني الجزري سكن مصر، روى عن زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، وقد مر الحديث في أوائل باب غزوة أحد، فإنه أخرجه هناك بأتم منه عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء... إلى آخره، وقد مر الكلام فيه هناك.
4067 حدثني عمرو بن خالد حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق قال سمعت البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما قال جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرجالة يوم أحد عبد الله بن جبير وأقبلوا منهزمين فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم..
مطابقته للترجمة للآية ظاهرة، وعمرو بن خالد بن فروخ الحراني الجزري سكن مصر، روى عن زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، وقد مر الحديث في أوائل باب غزوة أحد، فإنه أخرجه هناك بأتم منه عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء... إلى آخره، وقد مر الكلام فيه هناك.
21
((باب قوله تعالى * (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من
شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور) * (آل عمران: 154).))
قال المفسرون: لما انصرف المشركون يوم أحد كانوا يتوعدون المسلمين بالرجوع ولم يأمن المسلمون كرتهم، وكانوا تحت الحجفة متأهبين للقتال، فأنزل الله عليهم دون المنافقين أمنة فأخذهم النعاس، وإنما ينعس من أمن والخائف لا ينام، وروى الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم بإسناده عن عبد الله بن مسعود، قال: النعاس في القتال أمن من الله، وفي الصلاة وسوسة من الشيطان.
قوله: (من بعد الغم) أراد به الغم الذي حصل لهم عند الانهزام. قوله: (أمنة)، مصدر كالأمن، وقرئ: أمنه، بسكون الميم كأنها المرة من الأمن. قوله: (نعاسا) نصب على أنه بدل من: أمنة، ويجوز أن يكون عطف بيان، ويجوز أن يكون نعاسا مفعولا لقوله: (أنزل الله)، وأمنة حالا منه مقدمة عليه كقوله: رأيت راكبا رجلا، وقال الزمخشري: يجوز أن يكون: أمنة، مفعولا له بمعنى: نعستم أمنة، ويجوز أن يكون حالا من المخاطبين، يعني: ذوي أمنة أو على أنه جمع آمن كبار وبررة. قوله: (يغشى) قرىء بالياء والتاء على إرادة النعاس أو الأمنة. قوله: (طائفة منكم) هم أهل الصدق واليقين. قوله: (وطائفة) هم المنافقون. قوله: (قد أهمتهم أنفسهم)، يعني: لا يغشاهم النعاس من القلق والجزع والخوف. قوله: (يظنون بالله غير الحق)، وهو قولهم: لا ينصر محمد وأصحابه، أو أنه قتل، أو أن أمره مضمحل. قوله: (ظن الجاهلية)، أي: كظن الجاهلية، وهي زمن الفترة، وقال الزمخشري: يظنون بالله غير الظن الحق الذي يجب أن يظن به، وظن الجاهلية بدل منه، ويجوز أن يراد: لا يظن مثل ذلك الظن إلا أهل الشرك الجاهلون بالله. قوله: (يقولون هل لنا من الأمر من شيء)، يعني: يقولون لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، يسألون: هل لنا من الأمر من شيء؟ معناه: هل لنا معاشر المسلمين من أمر الله نصيب قط؟ يعنون: النصر والإظهار على العدو، وقال الله تعالى: قل يا محمد (إن الأمر كله لله) ولأوليائه المؤمنين وهو النصر والغلبة. قوله: (يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك) أي: ما لا يظهرون لك يا محمد، يعني: يقولون لك فيما يظهرون: هل لنا من الأمر من شيء؟ سؤال المؤمنين المسترشدين، وهم فيما يظنون على النفاق، يقولون في أنفسهم أو بعضهم لبعض منكرين لقولك لهم: إن الأمر كله لله، هكذا فسره الزمخشري، وقال غيره: والذي أخفوه قولهم: لو كنا في بيوتنا ما قتلنا ههنا، وقيل: الذي أخفوه إسرارهم الكفر والشك في أمر الله تعالى، وقيل: هو الندم على حضورهم مع المسلمين بأحد، والذي قال ذلك معتب ابن قشير، فرد الله ذلك عليهم بقوله: * (قل لو كنتم في بيوتكم) * يعني: قل يا محمد: أيها المنافقون! لو كنتم في بيوتكم ولم تخرجوا إلى أحد * (لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم) * يعني: لو تخلفتم لخرج منكم الذين كتب عليه القتل، والمراد: من مضاجعهم: مصارعهم، وقال محمد بن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال: قال الزبير: لقد رأيتني مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم حين اشتد الخوف علينا، أرسل الله علينا النوم فما منا من رجل إلا ذقنه في صدره، قال: فوالله إني لأسمع قول معتب بن قشير ما أسمعه إلا كالحلم: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا، فحفظنا منه، فأنزل الله تعالى: * (يقولون لو ككان لنا
154

من الأمر من شيء ما قتلنا ههنا) * كقول معتب، قوله: (وليبتلي الله) أي: ليختبر الله بأعمالكم. * (وليمحص ما في قلوبكم) * أي: ليطهر من الشك بما يريكم من عجائب صنعه من الأمنة وإظهار إسرار المنافقين، وهذا التمحيص خاص بالمؤمنين. قوله: (والله عليم بذات الصدور) أي: الأسرار التي في الصدور من خير وشر.
4068 وقال لي خليفة حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس عن أبي طلحة رضي الله تعالى عنهما قال كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مرارا يسقط وآخذه ويسقط فآخذه. (الحديث 4068 طرفه في: 4562).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وسعيد هو ابن أبي عروبة، وإنما قال البخاري، رحمه الله تعالى: قال لي خليفة، ولم يقل: حدثنا ونحوه، لأنه لم يقله على طريق التحديث والتحميل، بل على سبيل المذاكرة، وقد تقدم في حديث البراء عن قريب ما رواه أنس عن أبي طلحة، وهو زيد بن سهل الأنصاري.
22
((باب * (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) * (آل عمران: 128).))
أي: هذا باب في ذكر قوله تعالى: * (ليس لك من الأمر شيء...) * الآية وبيان سبب نزولها، اختلفوا فيه، فقيل: هو أن النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد وشج جبينه حتى سال الدم على وجهه، قال: كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم؟ أخرجه مسلم في أفراده، من حديث أنس، رضي الله تعالى عنه، وقيل: سبب نزولها أنه صلى الله عليه وسلم، لعن قوما من المنافقين، وقيل: إنه صلى الله عليه وسلم، هم بسبب الذين انهزموا يوم أحد، وكان فيهم عثمان بن عفان، فنزلت هذه الآية، فكف عنهم، وقيل: إن أصحاب الصفة خرجوا إلى قبيلتين من بني سليم: عصية وذكوان، فقتلوا فدعا عليهم أربعين صباحا وقيل: لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم، حمزة ممثلا قال: لأمثلن بكذا كذا، فنزلت هذه الآية. قوله: (ليس لك من الأمر شيء) أي: ليس إليك من إصلاحهم ولا من عذابهم شيء، وقيل: ليس إليك من النصر والهزيمة شيء واللام بمعنى: إلى قوله: (أو يتوب عليهم) أي: حتى يتوب عليهم مما هم فيه من الكفر (أو يعذبهم) في الدنيا والآخرة على كفرهم وذنوبهم، ولهذا قال: (فإنهم ظالمون) أي: يستحقون ذلك.
قال حميد وثابت عن أنس شج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقال كيف يفلح قوم شجوا نبيهم فنزلت ليس لك من الأمر شيء.
تعليق حميد الطويل وصله أحمد والترمذي والنسائي من طريق حميد به، وتعليق ثابت البناني وصله مسلم، وقد ذكرناه الآن، وذكر ابن هشام في حديث أبي سعيد
الخدري أن عتبة بن أبي وقاص، هو الذي كسر رباعية النبي صلى الله عليه وسلم السفلى، وجرح شفته السفلى وأن عبد الله بن شهاب الزهري هو الذي شجه في جبهته وأن عبد الله بن قمنة جرحه في وجنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته، وإن مالك بن سنان مص الدم من وجنته صلى الله عليه وسلم، ثم ازدرده، فقال صلى الله عليه وسلم: من مس دمي دمه لم تصبه النار.
4069 حدثنا يحيى بن عبد الله السلمي أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر عن الزهري حدثني سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الآخرة من الفجر يقال اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد فأنزل الله عز وجل ليس لك من الأمر شيء إلى قوله فإنهم ظالمون..
155

مطابقته للترجمة ظاهرة، ويحيى بن عبد الله بن زياد السلمي البلخي سكن مرو وهو من أفراد البخاري روى عنه هنا وفي تفسير الأنفال وعبد الله هو ابن المبارك يروي عن معمر بن راشد عن محمد بن مسلم الزهري عن سالم عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن حبان وفي الاعتصام عن أحمد بن محمد وأخرجه النسائي في الصلاة وفي التفسير عن عمرو بن يحيى بن الحارث قوله فلانا وفلانا وفلانا وسماهم في الرواية التي بعدها قوله ربنا ولك الحمد هذا بالواو في إحدى الروايات الثابتة قوله فأنزل الله تعالى بيان سبب نزول الآية المذكورة فذكر البخاري هذا وآخر كما يأتي وروى المحاملي بإسناده إلى نافع عن ابن عمران النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو على أربعة نفر فأنزل الله عز وجل (ليس لك من الأمر شيء) قال ثم هداهم الله إلى الإسلام وقيل استأذن بأن يدعو باستئصالهم فنزلت فعلم أن منهم من سيسلم.
4070 وعن حنظلة بن أبي سفيان قال سمعت سالم بن عبد الله يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام فنزلت ليس لك من الأمر شيء إلى قوله فإنهم ظالمون.
مطابقته للترجمة ظاهرة وهو بيان الوجه الآخر في سبب نزول هذه الآية وقد ذكرنا فيه وجوها عن قريب. قوله: سمعت سالم بن عبد الله يقول كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم يدعو إلخ مرسل قوله: وعن حنظلة بن أبي سفيان قال بعضهم وهو معطوف على قوله أخبرنا معمر والراوي له عن حنظلة هو عبد الله بن المبارك ووهم من زعم أنه معلق قلت فيه نظر لأن احتماله التعليق أقوى مما قاله ولهذا لما ذكر المزي الحديث السابق قال وقال عقيب حديث يحيى وعن حنظلة عن سالم ولم يزد على هذا شيئا فلو كان موصولا لكان أشار إليه وهؤلاء الثلاثة المذكورون فيه قد أسلموا. أما صفوان بن أمية بن خلف الجمحي القرشي فإنه هرب يوم الفتح ثم رجع إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم فشهد معه حنينا والطائف وهو كافر ثم أسلم بعد ذلك ومات بمكة سنة اثنتين وأربعين في أول خلافة معاوية وأما سهيل بن عمرو بن عبد شمس القرشي العامري فإنه كان أحد الأشراف من قريش وساداتهم في الجاهلية وأسر يوم بدر كافرا ثم أسلم وحسن إسلامه وكان كثير الصلاة والصوم والصدقة وخرج إلى الشام مجاهدا ومات هناك. وأما الحرث بن هشام بن المغيرة القرشي المخزومي فإنه شهد بدرا كافرا مع أخيه شقيقه أبي جهل وفر حينئذ وقتل أخوه ثم غزا أحدا مع المشركين أيضا ثم أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه وكان من فضلاء الصحابة وخيارهم ثم خرج إلى الشام مجاهدا ولم يزل في الجهاد حتى مات في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة.
23
((باب ذكر أم سليط))
أي: هذا باب في بيان ذكر أم سليط بفتح السين المهملة وكسر اللام وهي امرأة من المبايعات حضرت مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم يوم أحد.
4071 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب: وقال ثعلبة بن أبي مالك أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قسم مروطا بين نساء من أهل المدينة فبقي منها مرط جيد فقال له بعض من عنده يا أمير المؤمنين أعط هاذا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عندك يريدون أم كلثوم بنت علي فقال عمر أم سليط أحق به منها وأم سليط من نساء الأنصار ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر فإنها كانت تزفر لنا القرب يوم أحد. (انظر الحديث 2881).
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مضى في كتاب الجهاد في باب حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو فإنه أخرجه هناك
156

عن عبدان عن عبد الله عن يونس الخ نحوه ومضى الكلام فيه هناك قوله: مروطا جمع مرط وهو كساء من صوف أو خز يؤتزر به وربما تلقيه المرأة على رأسها وتتلفع به قوله تزفر بالزاي والفاء والراء قال البخاري تخيط وقال الخطابي تحمل وقال عياض تحمل القربة ملأى على ظهرها فتسقى الناس منها والزفر الحمل على الظهر والزفر القربة أيضا وقال كلاهما بفتح الزاي وسكون الفاء يقال منه زفر وأزفر.
24
((باب قتل حمزة رضي الله تعالى عنه))
أي: هذا باب في بيان قتل حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية أبي ذر قتل حمزة بدون لفظة باب وفي رواية النسفي قتل حمزة سيد الشهداء ووردت هذه اللفظة في حديث مرفوع أخرجه الطبراني من طريق أصبغ بن بنانة عن علي قال قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه.
4072 حدثني أبو جعفر محمد بن عبد الله حدثنا حجين بن المثنى حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن عبد الله بن الفضل عن سليمان بن يسار عن جعفر بن
عمرو بن أمية الضمري قال خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار فلما قدمنا حمص قال لي عبيد الله بن عدي هل لك في وحشي نسأله عن قتل حمزة قلت نعم وكان وحشي يسكن حمص فسألنا عنه فقيل لنا هو ذاك في ظل قصره كأنه حميت قال فجئنا حتى وقفنا عليه بيسير فسلمنا فرد السلام قال وعبيد الله معتجر بعمامته ما يرى وحشي إلا عينيه ورجليه فقال عبيد الله يا وحشي أتعرفني قال فنظر إليه ثم قال لا والله إلا أني لا أعلم أن عدي بن الخيار تزوج امرأة يقال لها أم قتال بنت أبي العيص فولدت له غلاما بمكة فكنت أسترضع له فحملت ذلك الغلام مع أمه فناولتها إياه فلكأني نظرت إلى قدميك قال فكشف عبيد الله عن وجهه ثم قال ألا تخبرنا بقتل حمزة قال نعم إن حمزة قتل طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر فقال لي مولاي جبير بن مطعم إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر قال فلما أن خرج الناس عام عينين وعينين جبل بحيال أحد بينه وبينه واد خرجت مع الناس إلى القتال فلما أن اصطفوا للقتال خرج سباغ فقال هل من مبارز قال فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب فقال يا سباغ يا ابن أم أنمار مقطعة البظور أتحاد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال ثم شد عليه فكان كأمس الذاهب قال وكمنت لحمزة تحت صخرة فلما دنا مني رميته بحربتي فأضعها في ثنته حتى خرجت من بين وركيه قال فكان ذاك العهد به فلما رجع الناس رجعت معهم فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام ثم خرجت إلى الطائف فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا فقيل لي إنه لا يهيج رسولا قال فخرجت معهم حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآني قال أنت وحشي قلت نعم قال أنت قتلت حمزة قلت قد كان من الأمر ما قد بلغك قال فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني قال فخرجت فلما قبض رسول الله، صلى الله عليه وسلم فخرج مسيلمة الكذاب قلت لأخرجن إلى مسيلمة لعلي أقتله فأكافيء به حمزة قال فخرجت مع الناس فكان
157

من أمره ما كان قال فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر الرأس قال فرميته بحربتي فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه قال ووثب إليه رجل من الأنصاري فضربه بالسيف على هامته قال قال عبد الله بن الفضل فأخبرني سليمان بن يسار أنه سمع عبد الله بن عمر يقول فقالت جارية على ظهر بيت وأمير المؤمنين قتله العبد الأسود.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو جعفر محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وتشديد الراء البغدادي، ونسبته إلى محلة من محال بغداد، وهو من أفراده، وروى عنه هنا وفي الطلاق، وحجين، بضم الحاء المهملة وفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره نون: ابن المثنى، أصله من اليمامة وسكن بغداد وولي قضاء خراسان وليس له عند البخاري إلا هذا الموضع، وعبد الله بن الفضل بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي المدني من صغار التابعين، وسليمان بن يسار ضد اليمين أخو عطاء التابعي، وجعفر بن عمرو بن أمية الضمري، بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم وبالراء: نسبة إلى ضمرة بن بكر بن عبد مناف بن كنانة، وعمرو بن أمية هو الصحابي المشهور، رضي الله تعالى عنه، وعبيد الله بن عدي، بفتح المهملة الأولى: ابن الخيار ضد الأشرار ابن عدي بن نوفل بن عبد مناف، وقد مضى ذكره في مناقب عثمان، رضي الله تعالى عنه.
ذكر معناه: قوله: (حمص)، بكسر الحاء وسكون الميم: مدينة مشهورة قديمة إحدى قواعد الشام ذات بساتين، مشربها من نهر العاصي، سميت بحمص بن المهر بن ألحاف بن مكتف من العماليق، وهي بين حماة ودمشق، وقال البكري: لا يجوز فيها الصرف كما يجوز في هند لأنه اسم أعجمي. قلت: يجوز صرفها مثل: هود ونوح، لأن سكون وسطها يؤثر في منع إحدى العلتين فيبقى على علة واحدة. قوله: (في وحشي)، بفتح الواو وسكون الحاء المهملة وكسر الشين المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف: ابن حرب ضد الصلح كان من سودان مكة، قال أبو عمر: مولى لطعيمة بن عدي، ويقال: مولى جبير بن مطعم بن عدي، كذا قال ابن إسحاق، وكان يكنى أبا رسمة، وكان يرمي بحربة فلا يكاد يخطئ، وقال موسى بن عقبة: مات وحشي بن حرب في الخمر وليس في الصحابة من سمي باسمه غيره. قوله: (نسأله عن قتل حمزة)، وفي رواية الكشميهني: نسأله عن قتله حمزة. قوله: (فسألنا عنه فقيل لنا) وفي رواية ابن إسحاق: قال لنا رجل ونحن نسأل عنه: إنه غلبت عليه الخمر، فإن تجداه صاحيا تجداه عربيا يحدثكما بما شئتما، وإن تجداه على غير ذلك، فانصرفا عنه، وفي رواية الطيالسي نحوه، وقال فيه: وإن أدركتماه شاربا فلا تسألاه. قوله: (كأنه حميت) بفتح الحاء المهملة وكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره تاء مثناة من فوق، وهو الزق الذي لا شعر عليه، وهو للسمن، ويجمع على: حمت، قال ابن الأثير: وهو النحي والزق الذي يكون فيه السمن أو الزيت ونحوهما، والنحي يجمع على أنحاء، وقيل: أكثر ما يقال: الحميت، في أوعية السمن والزيت، وقيل: هو الزق مطلقا، وقال أبو عبيد: أما الزق الذي يجعل فيه اللبن فهو الوطب، وجمعه أوطاب، وما كان للشراب فهو الزق، واسم الزق يجمع ذلك كله، وقال الكرماني: ويشبه الرجل السمين الجسيم بالحميت. قوله: (معتجر)، من الاعتجار وهو لف العمامة على الرأس من غير تحنيك. قوله: (أم قتال)، بكسر القاف وتخفيف التاء المثناة من فوق، وفي رواية الكشميهني: (أم قبال)، بالباء الموحدة، والأول أصح، وهي عمة عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية. قوله: (بنت أبي العيص)، بكسر العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره صاد مهملة: ابن أمية بن عبد شمس، أم عبيد الله المذكور آنفا. قوله: أسترضع له) أي: اطلب له من يرضعه، وزاد في رواية ابن إسحاق: والله ما رأيتك منذ ناولتك أمك السعدية التي أرضعتك بذي طوى، فإني ناولتكها وهي على بعيرها فأخذتك، فلمعت لي قدمك حين رفعتك، فما هو إلا أن وقفت علي فعرفتهما، وهذا يوضح قوله في حديث الباب: فلكأني نظرت إلى قدميك، يعني أنه شبه قدميه بقدمي الغلام الذي حمله، وكان هو هو، وبين الروايتين قريب من خمسين سنة، فدل ذلك على ذكاء مفرط ومعرفة تامة بالقيافة. قوله: (طعيمة)، مصغر: طعمة، قوله: (جبير)، بضم الجيم مصغر: جبر ضد الكسر
158

ابن مطعم، بضم الميم على وزن اسم فاعل من الإطعام: ابن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي القرشي النوفلي، أسلم جبير يوم الفتح، وقيل: عام خيبر، مات بالمدينة سنة سبع وخمسين في خلافة معاوية، وكانت وفاة المطعم بن عدي في صفر سنة ثنتين من الهجرة قبل بدر بنحو سبعة أشهر. قوله: (عدي بن الخيار)، قال
الدمياطي: صوابه عدي بن نوفل، كما ذكرناه، والمطعم والخيار ابنا عدي. قوله: (فلما أن خرج الناس)، ويروى: (فلما خرج الناس)، بدون لفظة: إن والمراد بالناس: قريش ومن معهم. قوله: (عام عينين) أي: عام أحد، ثم فسر العينين بقوله: وعينين: جبل بحيال إحد أي من ناحية أحد، يقال: فلان بحيال كذا، بكسر الحاء المهملة وتخفيف الياء آخر الحروف: أي بمقابله، وهذا تفسير من بعض الرواة، وإنما قال: عام عينين دون عام أحد لأن قريشا كانوا نزلوا عنده، وقال ابن إسحاق: نزلوا بعينين جبل ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي مقابل المدينة. قلت: عينين، تثنية عين، قال الكرماني ضد المثنى ويروى بلفظ الجمع، وعلى التقديرين النون تعتقب الإعراب منصرفا وغير منصرف. قوله: (خرجت) جواب: لما. قوله: (خرج سباع) بكسر السين المهملة وتخفيف الباء الموحدة وهو اسم لابن عبد العزى الخزاعي. قوله: (يا ابن أم أنمار) بفتح الهمزة وسكون النون، وهي أمة كانت مولاة لشريق بن عمرو الثقفي والد الأخنس. قوله: (مقطعة البظور) بضم الباء الموحدة والظاء المعجمة: جمع بظر، وهو هنة في الفرج وهي اللحمة الكائنة بين شفري الفرج تقطع عند الختان، وقال ابن إسحاق: كانت أمه ختانة بمكة تختن النساء. انتهى. والعرف تطلق هذا اللفظ في معرض الذم والشتم، وإلا قالوا: ختانة. قوله: (اتحاد الله) بفتح همزة الاستفهام وضم التاء المثناة من فوق وبالحاء المهملة وتشديد الدال، وأصله: تحادد، من المحادة وهي أن يكون ذا في حد وذا في حد، ثم استعمل في المعاندة والمعاداة. قوله: (ثم شد عليه)، أي: ثم شد حمزة على سباع. قوله: (فكان كالأمس الذاهب)، وهذا كناية عن إعدامه إياه بالقتل في الحال. قوله: (الذاهب) صفة لازمة مؤكدة. قوله: (قال: وكمنت) أي: قال وحشي: وكمنت، بفتح الميم أي: اختفيت، وفي رواية ابن عائذ: عند شجرة، وروى ابن أبي شيبة من مرسل عمرو بن إسحاق: أن حمزة عثر فانكشف الدرع عن بطنه فأبصره العبد الحبشي فرماه بالحربة. قوله: (في ثنته) بضم الثاء المثلثة وتشديد النون وهي: العانة وقيل ما بين السرة والعانة، ويقال: الثاء مثلثة، وفي رواية الطيالسي: (فجعلت ألوذ من حمزة بشجرة ومعي حربتي إذا استمكنت منه هززت الحربة حتى رضيت منها ثم أرسلتها فوقعت بين ثندوتيه، وذهب يقوم فلم يستطع، والثندوة بفتح الثاء المثلثة وسكون النون وضم الدال المهملة وبالواو الخفيفة: وهي من الرجل موضع الثدي من المرأة. قوله: (فكان ذلك العهد به) كناية عن موته. قوله: (فلما رجع الناس)، أي: قريش إلى مكة. قوله: (حتى فشى فيها الإسلام) أي: أقمت بمكة إلى أن ظهر فيها الإسلام، ثم خرجت منها، وفي رواية ابن إسحاق: فلما افتتح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مكة هربت منها إلى الطائف. قوله: (رسولا)، كذا هو في رواية أبي ذر وأبي الوقت، وفي رواية غيرهما: رسلا، بالجمع. قوله: (فقيل لي إنه لا يهيج الرسل) أي: لا ينالهم منه إزعاج. قوله: (ما قد بلغك)، يعني: من أمر حمزة وقتله، رضي الله تعالى عنه. قوله: (فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني) وفي رواية الطيالسي: غيب وجهك عني فلا أراك. قوله: (فأكافيء به) بالهمزة أي: فأساوي بقتل مسيلمة قتل حمزة. قوله: (في ثلمة جدار) أي: في خلله. قوله: (جمل أورق) أي: لونه مثل الرماد، وكان ذلك من غبار الحرب، قاله بعضهم قلت: بل كان ذلك من سواد كفره وإنهماكه في الباطل، قوله: (ثائر الرأس) أي: منتشر شعر رأسه. قوله: (فأضعها بين ثديبه) هذه رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: فوضعتها. قوله: (رجل من الأنصار) هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، وجزم به الواقدي وإسحاق بن راهويه والحاكم، وقيل: هو عدي بن سهل، وجزم به سيف في (كتاب الردة) وقيل: أبو دجانة، وأغرب وثيمة في (كتاب الردة) فزعم أنه شن، بفتح الشين المعجمة وتشديد النون: ابن عبد الله، وقال ابن عبد البر: إن الذي قتله خلاس بن بشير بن الأصم.
قوله: (قال: قال عبد الله بن الفضل) هو موصول بالإسناد المذكور أولا، وفاعل: قال، الأول عبد العزيز بن عبد الله بن سلمة المذكور، أي: قال عبد الله بن الفضل: أخبرني سليمان بن يسار المذكور فيه أنه سمع عبد الله بن عمر يقول... إلى آخره. قوله: (وأمير المؤمنين) مندوب. قوله: (قتله العبد الأسود) وأرادت به الوحشي، وقال بعضهم في قول الجارية أمير المؤمنين، نظر لأن مسيلمة كان يدعي أنه نبي مرسل من الله، فكانوا يقولون له: رسول الله ونبي الله. والتلقيب
159

بأمير المؤمنين حدث بعد ذلك، وأول من لقب به عمر، رضي الله تعالى عنه، وذلك بعد قتل مسيلمة بمدة. انتهى. قلت: قال ابن التين: كان مسيلمة يسمى تارة بالنبي وتارة بأمير المؤمنين، ورد عليه هذا القائل بقوله: فإن كان يعني ابن التين أخذه من هذا الحديث فليس بجيد، وإلا فيحتاج إلى نقل بذلك. انتهى. قلت: قوله: ليس بجيد، غير جيد، لأن في الحديث التصريح بذلك، لأنها إنما قالت بذلك لما رأت أن أمور أصحابه كلها كانت إليه، فلذلك أطلقت عليه الإمرة، وأما نسبتها إلى المؤمنين فباعتبار أنهم كانوا آمنوا به في زعمهم الباطل، وقوله: أول من لقب به عمر، لا ينافي ذلك، لأن هذه الأولية بالنظر إلى أبي بكر حيث لم يطلقوا عليه أمير المؤمنين، اكتفاء بلفظ الخلافة، ومع هذا كان هو أيضا أمير المؤمنين.
25
((باب ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الجراح يوم أحد))
أي: هذا باب في بيان ما أصاب... إلى آخره.
4073 حدثنا إسحاق بن نصر حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام سمع أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتد غضب الله على قوم فعلوا بنبيه يشير إلى رباعيته اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله. (الحديث 4074 طرفه في: 4076).
مطابقته للترجمة تأتي من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لما جرح يوم أحد وشج في وجهه وكلمت شفته وكسرت رباعيته وأقبل أبي ابن خلف الجمحي، وقد حلق ليقتلن محمدا، فقال: بل أنا أقتله، فقال: يا كذاب! أين تفر؟ فحمل عليه فطعنه في جيب الدرع فوقع يخور خوار الثور، فاحتملوه فلم يلبث إلا بعض يوم حتى راحت روحه إلى الهاوية، قال في ذلك الوقت: اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث من مراسيل الصحابة. وأخرجه أيضا مسلم
في المغازي عن محمد بن رافع.
وإسحاق بن نصر هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر البخاري، كان ينزل بالمدينة بباب سعد فقيل له: السعدي، يروي عن عبد الرزاق بن همام اليماني عن معمر بن راشد عن همام، بتشديد الميم: ابن منبه.
قوله: (واشتد غضب الله)، معناه أن ذلك من أعظم السيئات عنده، ويجازى عليه وليس المراد منه الغضب الذي هو عرض، لأن القديم لا تحله الأعراض لأنها حوادث، فيستحيل وجودها فيه. قوله: (بنبيه) أي: بنبي الله، عز وجل. قوله: (رباعيته)، بفتح الراء وبتخفيف الباء الموحدة وتخفيف الياء آخر الحروف، وهي السن التي تلي الثنية من كل جانب، وللإنسان أربع رباعيات.
4074 حدثني مخلد بن مالك حدثنا يحيى بن سعيد الأموي حدثنا ابن جريج عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال اشتد غضب الله على من قتله النبي صلى الله عليه وسلم في سبيل الله اشتد غضب الله على قوم دموا وجه نبي الله صلى الله عليه وسلم.
مطابقته للترجمة ظاهرة، ومخلد، بفتح الميم واللام وسكون الخاء المعجمة بينهما: ابن مالك أبو جعفر الحمال النيسابوري، أصله رازي وهو من أفراده، ووهم الحاكم حيث قال: روى عنه مسلم، لأن أحدا لم يذكره في رجاله، ويحيى بن سعيد ابن أبان الأموي، بضم الهمزة وفتح الميم، يروي عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، والحديث مثل الذي قبله من مراسيل الصحابة، لأن ابن عباس لم يشهد الوقعة ولا أبو هريرة، فكأنهما حملاه عمن شهدها أو سمعاه من النبي صلى الله عليه وسلم، بعد ذلك.
قوله: (في سبيل الله): احتراز ممن يقتله في حد أو قصاص، فإن من يقتله في سبيل الله كان قاصدا لقتل رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قوله: (دموا) بتشديد الميم أي: جرحوه حتى خرج منه الدم، فأصله: دميوا، حذفت الياء بعد نقل حركتها إلى ما قبلها ولا يقال: دموا، بالتخفيف لأنه غير متعد، يقال: دمى وجهه.
((باب))
أي: هذا باب وهو كالفصل لما قبله، وليس في كثير من النسخ لفظ: باب.
4074 حدثني مخلد بن مالك حدثنا يحيى بن سعيد الأموي حدثنا ابن جريج عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال اشتد غضب الله على من قتله النبي صلى الله عليه وسلم في سبيل الله اشتد غضب الله على قوم دموا وجه نبي الله صلى الله عليه وسلم.
مطابقته للترجمة ظاهرة، ومخلد، بفتح الميم واللام وسكون الخاء المعجمة بينهما: ابن مالك أبو جعفر الحمال النيسابوري، أصله رازي وهو من أفراده، ووهم الحاكم حيث قال: روى عنه مسلم، لأن أحدا لم يذكره في رجاله، ويحيى بن سعيد ابن أبان الأموي، بضم الهمزة وفتح الميم، يروي عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، والحديث مثل الذي قبله من مراسيل الصحابة، لأن ابن عباس لم يشهد الوقعة ولا أبو هريرة، فكأنهما حملاه عمن شهدها أو سمعاه من النبي صلى الله عليه وسلم، بعد ذلك.
قوله: (في سبيل الله): احتراز ممن يقتله في حد أو قصاص، فإن من يقتله في سبيل الله كان قاصدا لقتل رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قوله: (دموا) بتشديد الميم أي: جرحوه حتى خرج منه الدم، فأصله: دميوا، حذفت الياء بعد نقل حركتها إلى ما قبلها ولا يقال: دموا، بالتخفيف لأنه غير متعد، يقال: دمى وجهه.
160

((باب))
أي: هذا باب وهو كالفصل لما قبله، وليس في كثير من النسخ لفظ: باب.
4076 حدثني عمرو بن علي حدثنا أبو عاصم حدثنا ابن جريج عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال اشتد غضب الله على من قتله نبي واشتد غضب الله على من دمى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. (انظر الحديث 4074).
هذا طريق آخر في حديث ابن عباس المذكور آنفا أخرجه عن عمرو بن علي بن بحر بن أبي حفص البصري الصيرفي، وروى مسلم عنه أيضا، وأبو عاصم الضحاك بن مخلد المعروف بالنبيل، وابن جريج قد مر الآن، والله أعلم.
26
((باب * (الذين استجابوا لله والرسول) * (آل عمران: 173).))
أي: هذا باب في ذكر قوله تعالى: * (الذين استجابوا لله والرسول) * (آل عمران: 173). وفي بيان سبب نزولها لأنها تتعلق بغزوة أحد.
4077 حدثنا محمد حدثنا أبو معاوية عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها * (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم) * (آل عمران: 173). قالت لعروة يا ابن أختي كان أبوك منهم الزبير وأبو بكر لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب يوم أحد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا قال من يذهب في إثرهم فانتدب منهم سبعون رجلا قال كان فيهم أبو بكر والزبير.
مطابقته للترجمة ظاهرة، ومحمد هو ابن سلام، قال أبو نعيم في (مستخرجه): أراه ابن سلام، وأبو معاوية محمد بن حازم التميمي السعدي الضرير، وهشام هو ابن عروة بن الزبير بن العوام يروي عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين. والحديث من أفراده.
قوله: (الذين) مبتدأ وخبره. قوله: (للذين أحسنوا) ويجوز أن يكون صفة للمؤمنين الذين قبله * (وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين) * (آل عمران: 171).
ويجوز أن يكون نصبا على المدح، والاستجابة الإجابة والطاعة، والقرح الجرح. قوله: (يا ابن أختي) وذلك لأن عروة بن أسماء
161

أخت عائشة، والزبير أبوه، وأبو بكر عطف على أبوك، ويروى: أبواك، فأبو بكر عطف على الزبير، وأطلق الأب على أبي بكر وهو جده مجازا. قوله: (انتدب) يقال: ندبه لأمر فانتدب أي: دعاه له فأجاب. قوله: (سبعون رجلا) منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمار بن ياسر وطلحة وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وذكر عبد الرزاق من مرسل عروة عبد الله بن مسعود، وفي حديث الباب: الزبير، رضي الله تعالى عنهم، وقال ابن جرير: حدثني محمد بن سعد حدثني أبي حدثني عمي حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس، قال: إن الله قذف في قلب أبي سفيان الرعب يوم أحد بعد الذي كان منه، ما كان فرجع إلى مكة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرفا وقد رجع وقذف الله في قلبه الرعب، وكانت وقعة أحد في شوال وكان التجار يقدمون المدينة في ذي القعدة فينزلون ببدر الصغرى في كل سنة مرة وأنهم قدموا بعد وقعة أحد وكان أصاب المؤمنين القرح واشتكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، واشتد عليهم الذي أصابهم، وأن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ندب الناس لينطلقوا معه ويتبعوا ما كانوا متبعين، وقال: إنما يرتحلون الآن فيأتون الحج ولا يقدرون على مثلها حتى عام مقبل، فجاء الشيطان فخوف أولياءه فقال: * (إن الناس قد جمعوا لكم) * (آل عمران: 173). فأبى عليه الناس أن يتبعوه فقال: إني ذاهب، وإن لم يتبعني أحد لأحضض، فانتدب معه أبو بكر فذكر من ذكرناهم الآن وفيهم زيادة: حذيفة بن اليمان وأبو عبيدة بن الجراح في سبعين رجلا، فساروا في طلب أبي سفيان فطلبوه حتى بلغوا الصفراء فأنزل الله * (الذين استجابوا لله والرسول) * (آل عمران: 173). الآية.
27
((باب من قتل من المسلمين يوم أحد منهم حمزة بن عبد المطلب واليمان وأنس بن النضر ومصعب بن عمير))
أي: هذا باب في بيان من قتل من المسلمين يوم غزوة أحد، منهم: حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مر بيانه في باب مفرد، ومنهم: اليمان، بفتح الياء آخر الحروف وتخفيف الميم وبعد الألف نون والد حذيفة وهو لقبه، واسمه حسل، بكسر الحاء المهملة وسكون السين المهملة وفي آخره لام، وقد تقدم في آخر: باب * (إذ همت طائفتان) * (آل عمران: 122). ومنهم أنس بن النضر، وقد تقدم في أوائل الغزوة وفي رواية أبي ذر النضر بن أنس، وكذا وقع عند النسائي وهو خطأ، والصواب: أنس بن النضر وأما النضر بن أنس فهو ولده، وكان إذ ذاك صغيرا، وعاش بعد ذلك زمانا، ومنهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف وقد تقدم أيضا.
4078 حدثني عمرو بن علي حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة قال ما نعلم حيا من أحياء العرب أكثر شهيدا أعز يوم القيامة من الأنصار.
مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه، وعمرو بن علي بن بحر أبو حفص البصري الصيرفي، ومعاذ، بضم الميم: ابن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي البصري سكن ناحية اليمن، يروي عن أبيه عبد الله واسمه سفيان، قال عمرو بن علي: مات سنة ثلاث وخمسين ومائة. قوله: (أعز)، بالعين المهملة والزاي من العزة، وفي رواية الكشميهني: (أغر)، بالغين المعجمة والراء، وانتصابه على أنه صفة أو بدل أو عطف بيان، وقال الكرماني: جاز حذف حرف العطف كما في: التحيات المباركات وفيه نظر.
قال قتادة وحدثنا أنس بن مالك أنه قتل منهم يوم أحد سبعون ويوم بئر معونة سبعون ويوم اليمامة سبعون قال وكان بئر معونة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويوم اليمامة على عهد أبي بكر يوم مسيلمة الكذاب
162

هو موصول بالإسناد المذكور، وأراد قتادة بذلك اعتضاد كلامه الأول.
قوله: (قتل منهم) أي: من الأنصار، هذا ظاهر الكلام إلا أن الذي قتل من المهاجرين قليل، وهم: حمزة بن عبد المطلب وعبد الله بن جحش وشمسا بن عثمان ومصعب بن عمير، وهؤلاء ذكرهم ابن إسحاق لأنه ذكر من استشهد من المسلمين بأحد فبلغوا خمسة وستين منهم أربعة من المهاجرين وهم الذين ذكرناهم، وروى ابن منده من حديث أبي بن كعب، قال: قتل من الأنصار يوم أحد أربعة وستون ومن المهاجرين ستة، وصححه ابن حبان، وقد ذكر موسى بن عقبة سعدا مولى حاطب والسادس ثقيف بن عمرو الأسلمي حليف بني عبد شمس. قوله: (ويوم بئر معونة)، أي: قتل يوم بئر معونة، بفتح الميم وضم العين المهملة وبالنون، وهو ماء لبني سليم وهو بين أرض بني عامر وأرض بني سليم، وذكر الكندي أن بئر معونة من جبال ليلى في طريق المصعد من المدينة إلى مكة، وقال ابن دحية: هي بئر بين مكة وعسفان وأرض هذيل، وجزم ابن التين: بأنها على أربع مراحل من المدينة، وقال ابن إسحاق: أقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم يعني بعد أحد بقية شوال وذا القعدة وذا الحجة والمحرم ثم بعث أصحاب بئر معونة في صفر على رأس أربعة أشهر من أحد، وقال موسى بن عقبة: وكان أمير القوم المنذر بن عمرو، ويقال: مرثد بن أبي مرثد، وأغرب مكحول حيث قال: إنها كانت بعد الخندق، وسيأتي أنه صلى الله عليه وسلم أرسل سبعين رجلا لحاجته يقال لهم: القراء، فتعرض لهم حيان من بني سليم: رعل وذكوان عند بئر معونة فقتلوهم، فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، شهرا في صلاة الغداء، وذاك بدء القنوت. قوله: (ويوم اليمامة)، أي: قتل يوم اليمامة سبعون، واليمامة مدينة من اليمن على مرحلتين من الطائف، ولما تولى أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، أرسل جيشا إلى قتال مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة، وجعل خالد بن الوليد، رضي الله تعالى عنه، أميرا عليهم، وقصته طويلة، وملخصها أن خالدا لما قرب من مسيلمة وتواجه الفريقان وقع حرب عظيم وصبر المسلمون صبرا لم يعهد مثله حتى فتح الله عليهم، وولى الكفار الأدبار ودخل أكثرهم الحديقة وأحاط بهم الصحابة، ثم دخلوها من حيطانها وأبوابها فقتلوا من فيها من المرتدة من أهل اليمامة حتى خلصوا إلى مسيلمة لعنه الله فتقدم إليه وحشي بن حرب قاتل حمزة، رضي الله تعالى عنه،
فرماه بحربة فأصابته وخرجت من الجانب الآخر، وسارع إليه أبو دجانة سماك بن حرب فضربه بالسيف فسقط، وكان جملة من قتلوا في الحديقة وفي المعركة قريبا من عشرة آلاف مقاتل، وقيل: أحد وعشرون ألفا، وقتل من المسلمين ستمائة، وقيل: خمسمائة، والله أعلم. وفيهم من الصحابة سبعون رجلا، ويقال: كان عمر مسيلمة يوم قتل مائة وأربعين سنة.
4079 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عبد الرحمان بن كعب بن مالك أن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول أيهم أكثر أخذا للقرآن فإذا أشير له إلى أحد قدمه في اللحد وقال أنا شهيد على هاؤلاء يوم القيامة وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد). والحديث مضى في كتاب الجنائز في: باب من يقدم في اللحد، فإنه أخرجه هناك عن ابن مقاتل عن عبد الله عن ليث بن سعد عن ابن شهاب... إلخ، ومضى الكلام فيه هناك.
4080 وقال أبو الوليد عن شعبة عن ابن المنكدر قال سمعت جابرا قال لما قتل أبي جعلت أبكي وأكشف الثوب عن وجهه فجعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينهوني والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينه وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تبكيه أو ما تبكيه ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع.
مطابقته للترجمة ظاهرة، فإن والد جابر هو عبد الله ممن قتل بأحد، وأبو الوليد هو هشام بن عبد الملك الطيالسي، وابن المنكدر
163

هو محمد بن المنكدر بن عبد الله القرشي التيمي المدني، وهذا تعليق وصله الإسماعيلي: حدثنا أبو خليفة حدثنا أبو الوليد... إلخ، والحديث مضى في الجنائز في: باب ما يكره من النياحة على الميت بأتم منه، أخرجه عن علي بن عبد الله عن سفيان عن ابن المنكدر.
قوله: (ينهوني) بحذف نون الجمع على لغة، ويروى: يلهونني، على الأصل. قوله: (لم ينه) أي: لم ينه جابرا، والدليل عليه رواية الإسماعيلي: والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينهاني. قوله: (لا تبكيه) ظاهره يقتضي أن النهي لجابر، وبه صرح الكرماني، ولأن قوله: لا تبكيه، خطاب بصيغة المذكر فيكون النهي لجابر. قوله: (أو ما تبكيه؟) شك من الراوي، قال الكرماني: كلمة: ما، للاستفهام يعني: لم تبكيه، وقال بعضهم: ظاهره أن النهي لجابر وليس كذلك، وإنما النهي لفاطمة بنت عمرو وعمة جابر، وقد أخرجه مسلم من طريق غندر عن شعبة بلفظ: قتل أبي فذكر الحديث إلى أن قال: وجعلت بنت عمرو عمتي تبكيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تبكيه، وكذا تقدم عند المصنف في الجنائز نحو هذا. انتهى. قلت: الذي تقدم عند المصنف في الجنائز ليس كذلك، لأن لفظه هناك: فذهبت أريد أن أكشف عنه فنهاني قومي، ثم ذهبت أريد أن أكشف عنه فنهاني قومي، فأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فرفع فسمع صوت صائحة، فقال: من هذه؟ فقالوا: بنت عمرو، أو أخت عمرو، قال: فلم تبكي أو لا تبكي... الحديث، وكيف يترك صريح النهي لجابر ويقال: النهي هنا لفاطمة بنت عمرو وليس لها هنا ذكر؟ وهذا تصرف عجيب، وإن كان أصل الحديث واحدا، فلا يمنع أن يكون النهي هنا لجابر وهناك لفاطمة، وبهذا قال الكرماني، ومر هذا الحديث في: باب ما يكره من النياحة، لكن ثمة روي أنه صلى الله عليه وسلم، قال لعمة عبد الله: لم تبكي أو لا تبكي، وههنا قاله لجابر.
4081 حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن جده أبي بردة عن أبي موساى رضي الله تعالى عنه أرى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت في رؤياي أني هززت سيفا فانقطع صدره فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد ثم هززته أخري فعاد أحسن ما كان فإذا هو ما جاء به الله من الفتح واجتماع المؤمنين ورأيت فيها بقرا خير فإذا هم المؤمنون يوم أحد..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد) وأبو أسامة حماد بن أسامة، وبريد، بضم الباء الموحدة وأبو بردة، بضم الباء أيضا: اسمه عامر، وقيل: غير ذلك، وقد مر غير مرة، وبريد هذا يروي عن جده أبي بردة وأبو بردة يروي عن أبيه أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري.
والحديث أخرجه البخاري مقطعا في غير موضع في المغازي وعلامات النبوة والتعبير.
قوله: (أرى عن النبي صلى الله عليه وسلم) كذا وقع في الأصول، وهو بضم الهمزة بمعنى: أظن. قال بعضهم: القائل ذلك هو البخاري. فكأنه شك هل سمع من شيخه صيغة الرفع أم لا؟ قلت: يحتمل أن يكون قائله شيخه محمد بن العلاء. قوله: (رأيت) وفي رواية الكشميهني: أريت، على صيغة المجهول. قوله: (سيفا) وفي رواية الكشميهني: سيفي، وقد تقدم في أول الغزوة أنه ذو الفقار. قوله: (فانقطع صدره) وعند ابن إسحاق: وأريت في ذباب سيفي ثلما، وعند أبي الأسود في المغازي عن عروة: رأيت سيفي ذا الفقار قد انقصم من عند ظبته، وكذا عند ابن سعد. قوله: (بقرا) بالباء الموحدة والقاف وفي رواية أبي الأسود عن عروة: بقرا تذبح، وكذا في حديث ابن عباس عند أبي يعلى. قوله: (والله خير) كذا بالرفع فيهما على أنه مبتدأ وخبر وفيه حذف تقديره: وثواب الله خير، أو صنع الله بالمقتولين خير لهم من بقائهم في الدنيا، وقال السهيلي: معناه رأيت بقرا تنحر والله عنده خير، وفي رواية ابن إسحاق: إني رأيت والله خيرا، رأيت بقرا، قال النووي: جاء في رواية: رأيت بقرا تنحر، وبهذه الزيادة يتم تأويل الرؤيا: إذ نحر البقر هو قتل الصحابة بأحد.
119 - (حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا الأعمش عن شقيق عن خباب رضي
164

الله عنه قال هاجرنا مع النبي
ونحن نبتغي وجه الله فوجب أجرنا على الله فمنا من مضى أو ذهب لم يأكل من أجره شيئا كان منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم يترك إلا نمرة كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه وإذا غطي بها رجليه خرج رأسه فقال لنا النبي
غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه الإذخر أو قال ألقوا على رجليه من الإذخر ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهد بها)
مطابقته للترجمة في قوله فمنا من مضى الخ وزهير هو ابن معاوية والأعمش هو سليمان وشقيق هو ابن سلمة والحديث مضى في أوائل باب غزوة أحد فإنه أخرجه هناك بعين هذا الإسناد والمتن ومثل هذا يطلق عليه حقيقة التكرار فافهم *
((باب أحد يحبنا ونحبه))
أي هذا باب يذكر فيه أحد يحبنا يعني جبل أحد يحبنا وفي بعض النسخ باب جبل أحد يحبنا قال الكرماني أي يحبنا أهله وهم أهل المدينة ويجوز أن تسند المحبة إلى نفس أحد حقيقة بأن يخلقها الله فيه والله على كل شيء قدير
(قاله عباس بن سهل عن أبي حميد عن النبي
)
عباس بن سهل بن سعد بن مالك الساعدي الأنصاري المديني. وأبو حميد الساعدي الأنصاري اسمه عبد الرحمن وقيل المنذر وقيل غير ذلك وهو عم سهل بن سعد وهذا تعليق قال صاحب التلويح أخرجه البخاري مسندا في كتاب الحج حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال عن عمرو بن يحيى عن عباس بن سهل به قلت ليس فيه أحد يحبنا وإنما لفظه عن أبي حميد أقبلنا مع النبي
من تبوك حتى أشرفنا على المدينة فقال هذه طابة أخرجه في أواخر الحج في باب المدينة طابة وإنما هذا طرف من حديث وصله البزار
120 - (حدثني نصر بن علي قال أخبرني أبي عن قرة بن خالد عن قتادة سمعت أنسا رضي الله عنه أن النبي
قال هذا جبل يحبنا ونحبه)
مطابقته للترجمة ظاهرة ونصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي الأزدي البصري وهو شيخ مسلم أيضا يروي عن أبيه وأبوه يروي عن قرة بن خالد أبو محمد السدوسي البصري والحديث أخرجه مسلم أيضا في المناسك عن عبيد الله بن معاذ عن القواريري
121 - (حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن عمرو مولى المطلب عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله
طلع له أحد فقال هذا جبل يحبنا ونحبه اللهم إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها)
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث قد مضى في كتاب الجهاد في باب فضل الخدمة في الغزو بأتم منه ومضى الكلام فيه هناك قوله لابتيها تثنية لابة بتخفيف الباء الموحدة وهي الحرة
122 - (حدثني عمرو بن خالد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة أن النبي
خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى -
4081 حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن جده أبي بردة عن أبي موساى رضي الله تعالى عنه أرى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت في رؤياي أني هززت سيفا فانقطع صدره فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد ثم هززته أخري فعاد أحسن ما كان فإذا هو ما جاء به الله من الفتح واجتماع المؤمنين ورأيت فيها بقرا خير فإذا هم المؤمنون يوم أحد..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد) وأبو أسامة حماد بن أسامة، وبريد، بضم الباء الموحدة وأبو بردة، بضم الباء أيضا: اسمه عامر، وقيل: غير ذلك، وقد مر غير مرة، وبريد هذا يروي عن جده أبي بردة وأبو بردة يروي عن أبيه أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري.
والحديث أخرجه البخاري مقطعا في غير موضع في المغازي وعلامات النبوة والتعبير.
قوله: (أرى عن النبي صلى الله عليه وسلم) كذا وقع في الأصول، وهو بضم الهمزة بمعنى: أظن. قال بعضهم: القائل ذلك هو البخاري. فكأنه شك هل سمع من شيخه صيغة الرفع أم لا؟ قلت: يحتمل أن يكون قائله شيخه محمد بن العلاء. قوله: (رأيت) وفي رواية الكشميهني: أريت، على صيغة المجهول. قوله: (سيفا) وفي رواية الكشميهني: سيفي، وقد تقدم في أول الغزوة أنه ذو الفقار. قوله: (فانقطع صدره) وعند ابن إسحاق: وأريت في ذباب سيفي ثلما، وعند أبي الأسود في المغازي عن عروة: رأيت سيفي ذا الفقار قد انقصم من عند ظبته، وكذا عند ابن سعد. قوله: (بقرا) بالباء الموحدة والقاف وفي رواية أبي الأسود عن عروة: بقرا تذبح، وكذا في حديث ابن عباس عند أبي يعلى. قوله: (والله خير) كذا بالرفع فيهما على أنه مبتدأ وخبر وفيه حذف تقديره: وثواب الله خير، أو صنع الله بالمقتولين خير لهم من بقائهم في الدنيا، وقال السهيلي: معناه رأيت بقرا تنحر والله عنده خير، وفي رواية ابن إسحاق: إني رأيت والله خيرا، رأيت بقرا، قال النووي: جاء في رواية: رأيت بقرا تنحر، وبهذه الزيادة يتم تأويل الرؤيا: إذ نحر البقر هو قتل الصحابة بأحد.
28
((باب أحد يحبنا ونحبه))
أي: هذا باب يذكر فيه: أحد يحبنا يعني: جبل أحد يحبنا، وفي بعض النسخ: باب جبل أحد يحبنا، قال الكرماني: أي: يحبنا أهله، وهم أهل المدينة، ويجوز أن تسند المحبة إلى نفس أحد حقيقة بأن يخلقها الله فيه، والله على كل شيء قدير.
قاله عباس بن سهل عن أبي حميد عن النبي صلى الله عليه وسلم
عباس بن سهل بن سعد بن مالك الساعدي الأنصاري المديني. وأبو حميد الساعدي الأنصاري اسمه عبد الرحمن، وقيل: المنذر، وقيل: غير ذلك، وهو عم سهل بن سعد، وهذا تعليق قال صاحب (التلويح): أخرجه البخاري مسندا في كتاب الحج: حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال عن عمرو بن يحيى عن عباس بن سهل به. قلت: ليس فيه: أحد يحبنا، وإنما لفظه: عن أبي حميد: أقبلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك حتى أشرفنا على المدينة، فقال: هذه طابة، أخرجه في أواخر الحج في: باب المدينة طابة، وإنما هذا طرف من حديث وصله البزار.
4083 حدثني نصر بن علي قال أخبرني أبي عن قرة بن خالد عن قتادة سمعت أنسا رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا جبل يحبنا ونحبه..
مطابقته للترجمة ظاهرة، ونصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي الأزدي البصري، وهو شيخ مسلم أيضا. يروي عن أبيه، وأبوه يروي عن قرة بن خالد أبو محمد السدوسي البصري، والحديث أخرجه مسلم أيضا في المناسك عن عبيد الله ابن معاذ عن القواريري.
4084 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن عمرو مولى المطلب عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع له أحد فقال هاذا جبل يحبنا ونحبه أللهم إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها..
مطابقته للترجمة ظاهرة، والحديث قد مضى في كتاب الجهاد في: باب فضل الخدمة في الغزو بأتم منه، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (لابتيها) تثنية: لابة، بتخفيف الباء الموحدة، وهي الحرة.
4085 حدثني عمرو بن خالد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف
165

إلى المنبر فقال إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم وإني عليكم وإني لأنظر إلى حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولاكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها..
مطابقته للترجمة لا تأتي إلا من حيث إن أحدا مذكور فيه، وأبو الخير اسمه مرثد بن عبد الله اليزني المصري، وعقبة بالقاف هو عقبة بن عامر الجهني، والحديث قد مضى في أول: باب غزوة أحد، ومر الكلام فيه هناك مستوفى.
29
((باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة وحديث عضل والقارة وعاصم بن ثابت وخبيب وأصحابه))
أي: هذا باب في بيان غزوة الرجيع... إلخ، وليس في رواية أبي ذر ولفظ: باب، والرجيع، بفتح الراء وكسر الجيم وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره عين مهملة، وهو اسم موضع من بلاد هذيل، وكانت الوقعة بالقرب منه فسميت به، وقال الواقدي: الرجيع على ثمانية أميال من عسفان وكانت في صفر من سنة أربع، وجزم ابن التين بأن غزوة الرجيع في آخر سنة ثلاث، وغزوة بئر معونة سنة أربع، وغزوة بني لحيان سنة خمس.
قوله: (ورعل) أي: وغزوة رعل، بكسر الراء وسكون العين المهملة وباللام، وهو بطن من بني سليم ينسبون إلى رعل بن عوف بن مالك بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم. قوله: (وذكوان)، بفتح الذال المعجمة وهو أيضا بطن من بني سليم، ينسبون إلى ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم، فنسبت الغزوة إليها. قوله: (وبئر معونة) بفتح الميم وضم العين المهملة وسكون الواو وبالنون: وهو موضع في بلاد هذيل بين مكة وعسفان. قوله: (وحديث عضل والقارة) أي: وفي بيان حديثهما، أما عضل، فبالعين المهملة والضاد المعجمة المفتوحتين وهو بطن من بني الهون بن خزيمة ابن مدركة بن إلياس بن مضر ينتسبون إلى عضل بن الديش بن محلم بن غالب بن عائذة بن يشيع بن مليح بن الهون بن خزيمة، قال الرشاطي: يقال لهم: القارة وقال ابن الكلبي: الديش هم لقارة، وأما القارة، فبالقاف وتخفيف الراء: وهو بطن من الهون ينتسبون إلى الديش المذكور، وقال ابن دريد: القارة أكمة سوداء فيها حجارة كأنهم نزلوا عندها فسموا بها. قوله: (وعاصم بن ثابت) أي: وحديث عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، بالقاف والحاء المهملة الأنصاري، وخبيب أي: وحديث خبيب، بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة، وقد مر غير مرة. قوله: وأصحابه أي: أصحاب خبيب، وهم العشرة. وأعلم أن غزوة الرجيع وبئر معونة شيء واحد على سياق هذه الترجمة، وليس كذلك لأن غزوة الرجيع، كانت سرية عاصم وخبيب في عشرة أنفس وهي مع عضل، والقارة، وبئر معونة كانت سرية القراء السبعين، وهي مع رعل وذكوان، وأعلم أيضا أنه لم يقع ذكر عضل والقارة عند البخاري صريحا، وإنما وقع ذلك عند ابن إسحاق.
قال ابن إسحاق حدثنا عاصم بن عمر أنها بعد أحد
أي: قال محمد بن إسحاق صاحب (المغازي): حدثنا عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الظفري الأنصاري الأوسي، كان علامة بالمغازي. قوله: (أنها) أي: أن غزوة الرجيع كانت بعد غزوة أحد، فإنه لما استوفى قصة أحد ذكر يوم الرجيع: حدثني عاصم ابن عمر قال: قدم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعد أحد رهط من عضل والقارة، فقالوا: يا رسول الله! إن فينا إسلاما فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا، فبعث معهم ستة من أصحابه وهم: مرثد بن أبي مرثد الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب، وهو أمير القوم، وخالد بن بكير الليثي حليف بني عدي أخو بني جحجبي، وثات بن أبي الأفلح، وخبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة، وعبد الله بن طارق، فذكر القصة.
4086 حدثني إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري عن عمرو ابن أبي سفيان الثقفي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية عينا
166

وأمر عليهم عاصم بن ثابت وهو جد عاصم بن عمر بن الخطاب فانطلقوا حتى إذا كان بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان فتبعوهم بقريب من مائة رام فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلا نزلوه فوجدوا فيه نوي تمر تزودوه من المدينة فقالوا هاذا تمر يثرب فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم فلما انتهى عاصم وأصحابه لجؤا إلى فدفد وجاء القوم فأحاطوا بهم فقالوا لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلا فقال عاصم أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر أللهم أخبر عنا نبيك فقاتلوهم حتى قتلوا عاصما في سبعة نفر بالنبل وبقي خبيب وزيد ورجل آخر فأعطوهم العهد والميثاق فلما أعطوهم العهد والميثاق نزلوا إليهم فلما استمكنوا منهم حلوا أوتار قسيهم فربطوهم بها فقال الرجل الثالث الذي معهما هاذا أول الغدر فأبى أن يصحبهم فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل فقتلوه وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل وكان خبيب هو قتل الحارث يوم بدر فمكث عندهم أسيرا حتى إذا أجمعوا قتله استعار موساى من بعض بنات الحارث ليستحد بها فأعارته قالت فغفلت عن صبي لي فدرج إليه حتى أتاه فوضعه على فخذه فلما رأيته فزعت فزعة عرف ذااك مني وفي يده الموساى فقال أتخشين أن أقتله ما كنت لافعل ذالك إن شاء الله وكانت تقول ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ ثمرة وإنه لموثق في الحديد وما كان إلا رزق رزقه الله فخرجوا به من الحرم ليقتلوه فقال دعوني أصلي ركعتين ثم انصرف إليهم فقال لولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لزدت فكان أول من سن الركعتين عند القتل هو ثم قال أللهم أحصهم عددا ثم قال:
* ما أبالي حين أقتل مسلما
* على أي شق كان لله مصرعي
*
* وذلك في ذات الإلاه وإن يشأ
* يبارك على أوصال شلو ممزع
*
ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه وكان عاصم قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم فلم يقدروا منه على شيء.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وهذا الحديث قد مر في كتاب الجهاد في: باب هل يستأسر الرجل؟ فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري الخ، ثم أخرجه أيضا في أثناء أبواب غزوة بدر عن موسى بن إسماعيل عن إبراهيم عن ابن شهاب... إلخ، وقد مر الكلام فيه هناك، ولنتكلم على بعض شيء أيضا.
قوله: (عن عمرو بن سفيان) عمرو، بفتح العين، هكذا تقدم في الجهاد: عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي، وهو حليف لبني زهرة، وكان من أصحاب أبي هريرة، وإبراهيم ابن سعد يقول: عن الزهري عن عمر، بضم العين، واختلفوا فيه فقال البخاري في (تاريخه): عمرو أصح. قوله: (سرية) وفي رواية الكشميهني: بسرية، بزيادة باء موحدة في أوله، وقد مضى فيما تقدم في غزوة بدر: بعث عشرة عينا أي: يتجسسون له، وفي رواية
167

أبي الأسود عن عروة بعثهم عيونا إلى مكة ليأتوه بخبر قريش. قوله: (وأمر) بتشديد الميم. قوله: (عاصم بن ثابت) وفي السير: أمر عليهم مرثد بن أبي مرثد. قوله: (وهو جد عاصم بن عمر) وقد ذكرنا فيما تقدم أنه خال عاصم لا جده، وقال الكرماني: جد عاصم عند بعضهم، وأما الأكثرون فيقولون: هو خاله لا جده. قوله: (عسفان) بضم العين وسكون السين المهملتين: وهي قرية على مرحلتين من مكة، وقد مر غير مرة. قوله: (ذكروا) على صيغة المجهول. قوله: (بنو لحيان) بكسر اللام، وقيل بفتحها، ولحيان هو ابن هذيل نفسه، وهذيل هو ابن مدركة بن إلياس بن مضر، وزعم الهمداني النسابة أن أصل بني لحيان من بقايا جرهم دخلوا في هذيل فنسبوا إليهم، وقال الواقدي: إن سبب خروج بني لحيان عليهم قتل سفيان بن نتيج الهذلي، وكان قتل سفيان هذا على يد عبد الله بن أنيس، وذكر أبو داود قصته بإسناد حسن. قوله: (فاقتصوا آثارهم) أي: اتبعوها شيئا فشيئا، ومنه قوله تعالى: * (وقالت لأخته قصيه) * (القصص: 11) أي: اتبعي أثره، ويجوز بالسين. قوله: (إلى فدفد)، بفتح الفاءين وسكون المهملة الأولى، وهو الرابية المشرفة، ووقع في رواية أبي داود: إلى قردد، بقاف وراء ودالين، وقال ابن الأثير: هو الموضع المرتفع، وقيل: الأرض المستوية، والأول أصح. قوله: (اللهم أخبر نبيك)، ويروي: (اللهم أخبر عنا رسولك)، وفي رواية الطيالسي: عن إبراهيم بن سعد: فاستجاب الله لعاصم، فأخبر رسوله خبره فأخبر أصحابه بذلك يوم أصيبوا. قوله: (في سبعة)، أي: في جملة سبعة. قوله: (وبقي خبيب)، هو ابن عدي. قوله: (وزيد)، هو ابن الدثنة، بفتح الدال المهملة وكسر الثاء المثلثة وفتح النون. قوله: (ورجل آخر)، هو عبد الله بن طارق الظفري، بين ذلك ابن إسحاق في روايته حيث قال: فأما خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة وعبد الله بن طارق فاستأسروا. قوله: (فقال الرجل الثالث) هو عبد الله بن طارق. قوله: (حتى باعوهما) أي: خبيبا وزيدا، وفي رواية ابن إسحاق: فأما زيد فابتاعه صفوان بن أمية فقتله بأبيه، وقال ابن سعد: الذي تولى قتله نسطاس مولى صفوان. قوله: (فاشترى خبيبا بنو الحارث)، بين ابن إسحاق أن الذي اشتراه جحير بن أبي أهاب التميمي حليف بني نوفل، وكان أخا الحارث بن عامر لأمه، وفي رواية بريدة بن سفيان بأنهم اشتروا خبيبا بأمة سوداء، وقال ابن هشام: باعوهما بأسيرين من هذيل كانا بمكة، ولا منافاة بينهما لإمكان الجمع. قوله: (وكان خبيب هو الذي قتل
الحارث يوم بدر) هكذا وقع في رواية البخاري، في حديث أبي هريرة، فذكر خبيب بن عدي فيمن شهد بدرا، وقال الحافظ الدمياطي، لم يذكر أحد من أهل المغازي أن خبيب بن عدي شهد بدرا ولا قتل الحارث بن عامر، وإنما ذكروا أن الذي قتل الحارث بن عامر ببدر خبيب ابن أساف، وهو غير خبيب بن عدي وهو خزرجي، وخبيب بن عدي أوسي. قوله: (من بعض بنات الحارث) ذكر في (الأطراف) لخلف: أن اسمها زينب بنت الحارث، وهي أخت عقبة بن الحارث الذي قتل خبيبا، وقيل: امرأته. قوله: (وكانت تقول)، الضمير فيه يرجع إلى بعض بنا الحارث وهو زينب، كما ذكرنا، وقال ابن إسحاق: عن عبد الله بن أبي نجيح، قال: حدثت عن ماوية مولاة جحير، بالراء في آخره: ابن أبي إهاب، وكانت قد أسلمت، قالت: حبس خبيب في بيتي ولقد أطلعت عليه يوما وإن في يده لقطفا من عنب مثل رأس الحبل يأكل منه قيل أن كان هذا محفوظا احتمل أن يكون كل من ماوية وزينب رأت القطف في يده يأكله وإن التي حبس في بيتها ماوية، والتي كانت تحرسه زينب، جمعا بين الروايتين، وذكر ابن بطال: أن اسم المرأة جويرية، قال بعضهم: فيحتمل أن يكون لما رأى قول ابن إسحاق، إنها مولاة جحير بن أبي إهاب أطلق عليها جويرية لكونها أمته، أو يكون وقعت له رواية فيها أن اسمها جويرة؟ قلت: الاحتمال الثاني له وجه، والأول بعيد. قوله: (عن صبي لي)، ذكر الزبير بن بكار أن هذا الصبي هو أبو حسين بن الحارث بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، وهو جد عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي المحدث، وهو من أقران الزهري. قوله: (من قطف عنب) بكسر القاف: وهو العنقود. قوله: (لموثق)، بفتح الثاء المثلثة أي: مقيد بالحديد. قوله: (فخرجوا به من الحرم)، قال ابن إسحاق: أخرجوه إلى التنعيم. قوله: (دعوني أصلي) بالياء في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني: أصل، بغير ياء. وقال موسى بن عقبة: إنه صلى ركعتين في موضع مسجد التنعيم. قوله: (اللهم إحصهم عددا) دعاء عليهم بالاستئصال والهلاك بحيث لا يبقى منهم أحد، وزاد في رواية إبراهيم بن سعد: (واقتلهم بددا). أي: متفرقين (ولا تبق منهم أحدا) ويروى أنه لما رفع على الخشبة استقبل الدعاء، فلبد رجل بالأرض خوفا من
168

دعائه، وأنه لم يحل الحول ومنهم أحد غير ذلك الرجل الذي لبد بالأرض. قوله: (قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر)، قيل: لعل العظيم المذكور عقبة بن أبي معيط، فإن عاصما قتله صبرا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن انصرفوا من بدر. قوله: (مثل الظلة)، بضم الظاء المعجمة وهي السحابة. قوله: (من الدبر) بفتح الدال المهملة وسكون الباء الموحدة وهي: الزنابير، وقيل: ذكور النحل، ولا واحد له من لفظه. قوله: (فحمته) بفتح الحاء المهملة والميم: أي: منعته منهم فلم يقدروا منه على شيء، وفي رواية شعيب: فلم يقدروا أن يقطعوا من لحمه شيئا، وفي رواية أبي الأسود عن عروة: فبعث الله عليهم الدبر يطير في وجوههم ويلدغهم فحالت بينهم وبين أن يقطعوا.
4087 حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا سفيان عن عمر و سمع جابرا يقول الذي قتل خبيبا هو أبو سروعة.
سفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار وجابر هو ابن عبد الله، وأبو سروعة، بكسر السين المهملة وسكون الراء وفتح الواو والعين المهملة: كنية عقبة بن الحارث.
4088 حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا عبد العزيز عن أنس رضي الله تعالى عنه قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم سبعين رجلا لحاجة يقال لهم القراء فعرض لهم حيان من بني سليم رعل وذكوان عند بئر يقال لها بئر معونة فقال القوم والله ما إياكم أردنا إنما نحن مجتازون في حاجة للنبي صلى الله عليه وسلم فقتلوهم فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم شهرا في صلاة الغداة وذلك بدء القنوت وما كنا نقنت..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وأبو معمر، بفتح الميمين: عبد الله بن عمرو المنقري المقعد، وعبد الوارث هو ابن سعيد، وعبد العزيز هو ابن صهيب. قوله: (لحاجة)، فسر قتادة الحاجة في الحديث الذي يليه، بقوله: عن أنس أن رعلا وذكوان وبني لحيان استمدوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على عدو فأمدهم بسبعين من الأنصار. قوله: (يقال لهم القراء) وفي الحديث الذي يليه: (كنا نسميهم القراء في زمانهم). قوله: (حيان)، تثنية حي. قوله: (من بني سليم)، بضم السين. قوله: (رعل) أي: أحدهما رعل والآخر ذكوان. قوله: (وذلك بدء القنوت)، أي: ابتداء القنوت في الصلاة، وقد تقدم الكلام فيه في الصلاة. قوله: (وما كنا نقنت)، أي: قبل ذلك.
قال عبد العزيز وسأل رجل أنسا عن القنوت أبعد الركوع أو عند فراغ من القراءة قال لا بل عند فراغ من القراءة
عبد العزيز هو ابن صهيب المذكور، وقول أنس هذا صريح في أن قراءة القنوت قبل الركوع.
4088 حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا عبد العزيز عن أنس رضي الله تعالى عنه قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم سبعين رجلا لحاجة يقال لهم القراء فعرض لهم حيان من بني سليم رعل وذكوان عند بئر يقال لها بئر معونة فقال القوم والله ما إياكم أردنا إنما نحن مجتازون في حاجة للنبي صلى الله عليه وسلم فقتلوهم فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم شهرا في صلاة الغداة وذلك بدء القنوت وما كنا نقنت..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وأبو معمر، بفتح الميمين: عبد الله بن عمرو المنقري المقعد، وعبد الوارث هو ابن سعيد، وعبد العزيز هو ابن صهيب. قوله: (لحاجة)، فسر قتادة الحاجة في الحديث الذي يليه، بقوله: عن أنس أن رعلا وذكوان وبني لحيان استمدوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على عدو فأمدهم بسبعين من الأنصار. قوله: (يقال لهم القراء) وفي الحديث الذي يليه: (كنا نسميهم القراء في زمانهم). قوله: (حيان)، تثنية حي. قوله: (من بني سليم)، بضم السين. قوله: (رعل) أي: أحدهما رعل والآخر ذكوان. قوله: (وذلك بدء القنوت)، أي: ابتداء القنوت في الصلاة، وقد تقدم الكلام فيه في الصلاة. قوله: (وما كنا نقنت)، أي: قبل ذلك.
قال عبد العزيز وسأل رجل أنسا عن القنوت أبعد الركوع أو عند فراغ من القراءة قال لا بل عند فراغ من القراءة
عبد العزيز هو ابن صهيب المذكور، وقول أنس هذا صريح في أن قراءة القنوت قبل الركوع.
4090 حدثني عبد الأعلى بن حماد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن رعلا وذكوان وعصية وبني لحيان استمدوا رسول الله صلى
169

الله عليه وسلم على عدو فأمدهم بسبعين من الأنصار كنا نسميهم القراء في زمانهم كانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل حتى كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذالك فقنت شهرا يدعو في الصبح على أحياء من أحياء العرب على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان قال أنس فقرأنا فيهم قرآنا ثم إن ذلك رفع بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا..
هذا الحديث قد مضى في كتاب الجهاد في: باب العون بالمدد، من وجه آخر أخرجه عن محمد بن بشار عن ابن أبي عدي وسهل بن يوسف عن سعيد عن قتادة عن أنس إلى آخره، وسعيد هو ابن أبي عروبة، ومضى الكلام فيه هناك مستوفى، وعصية، بضم الغين: مصغر عصا. قوله: (وبني لحيان)، قيل: ذكر بني لحيان في هذه القصة وهم وإنما كان بنو لحيان في قصة خبيب في قصة الرجيع التي تقدمت. قوله: (قرآنا)، أراد به تفسير القرآن بالكتاب، ولذلك قال في الرواية التي تأتي الآن: قرآنا كتابا. قوله: (ثم إن ذلك رفع)، أراد به نسخ، ورواه أحمد عن غندر عن شعبة بلفظ: (ثم نسخ ذلك بلغوا عنا)، إلى آخره بيان قوله: (قرآنا).
وعن قتادة عن أنس بن مالك حدثه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قنت شهرا في صلاة الصبح يدعو على أحياء من أحياء العرب على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان
هذه رواية أخرى عن قتادة عن أنس... إلى آخره.
زاد خليفة حدثنا ابن زريع حدثنا سعيد عن قتادة حدثنا أنس أن أولئك السبعين من الأنصار قتلوا ببئر معونة
هذه رواية أخرى عن قتادة، والحاصل أنه روى عن أنس ثلاث روايات. الأولى: رواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس. والثانية: رواية سعيد عن قتادة عن أنس. والثالثة: عن قتادة أيضا عن أنس، زاد فيها خليفة بن خياط أحد شيوخ البخاري: عن يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة... إلى آخره.
قرآنا كتابا نحوه
غرضه تفسير القرآن بالكتاب كما ذكرناه. قوله: (نحوه)، أي: نحو رواية عبد الأعلى بن حماد عن يزيد ابن زريع... إلى آخره.
4091 حدثنا موساى بن إسماعيل حدثنا همام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال حدثني أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خاله أخ لام سليم في سبعين راكبا وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل خير بين ثلاث خصال فقال يكون لك أهل السهل ولي أهل المدر أو أكون خليفتك أو أغزوك بأهل غطفان بألف وألف فطعن عامر في بيت أم فلان فقال غدة كغدة البكر في بيت امرأة من آل فلان ائتوني بفرسي فمات على ظهر فرسه فانطلق حرام أخو أم سليم وهو رجل أعرج ورجل من بني فلان قال كونا قريبا حتى آتيهم فإن آمنوني كنتم
170

قريبا وإن قتلوني أتيتم أصحابكم فقال أتؤمنوني أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يحدثهم وأومؤا إلى رجل فأتاه من خلفه فطعنه قال همام أحسبه حتى أنفذه بالرمح قال الله أكبر فزت ورب الكعبة فلحق الرجل فقتلوا كلهم غير الأعرج كان في رأس جبل فأنزل الله تعالى علينا ثم كان من المنسوخ إنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ثلاثين صباحا على رعل وذكوان وبني لحيان وعصية الذين عصووا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم..
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث، وهمام: بتشديد الميم: هو ابن يحيى بن دينار البصري، والحديث مضى في كتاب الجهاد في: باب من ينكب في سبيل الله فإنه أخرجه هناك عن حفص بن عمر عن همام عن إسحاق وفيهما من الزيادة والنقصان.
قوله: (بعث خاله) أي: خال أنس، رضي الله تعالى عنه واسمه حرام ضد حلال ابن ملحان، واسم ملحان مالك بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن مالك النجار الأنصاري، شهد بدرا مع أخيه سليم بن ملحان، وشهدا أحدا. وقال الكرماني: قوله: (خاله) الضمير لأنس أو للنبي، صلى الله عليه وسلم، لأنه كان خاله إما من جهة الرضاعة وإما من جهة النسب، وإن كان بعيدا. قوله: (أخ لأم سليم) أي: هو أخ لأم سليم فيكون ارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، ويروى: (أخا لأم سليم)، بالنصب على أنه بدل من قوله: خاله، الذي هو مفعول: بعث، وأم سليم، بضم السين بنت ملحان كانت تحت مالك بن النضر أبو أنس بن مالك في الجاهلية، فولدت له أنس بن مالك، فلما جاء الإسلام أسلمت مع قومها وعرضت الإسلام على زوجها فغضب عليها وخرج إلى الشام فهلك هناك، ثم خلف عليها بعده أبو طلحة الأنصاري، وقال أبو عمر: اختلف في اسم أم سليم: فقيل: سهلة، وقيل: رميلة، وقيل: رمية، وقيل: مليكة، ويقال: الغميصاء والرميصاء. قوله: (في سبعين راكبا) يتعلق بقوله: بعث. قوله: (عامر بن الطفيل)، بضم الطاء مصغر الطفل ابن مالك بن جعفر بن كلاب وهو ابن أخي براء عامر بن مالك. قوله: (خير)، على صيغة المعلوم، والضمير فيه يرجع إلى عامر والمفعول محذوف أي النبي صلى الله عليه وسلم تعالى عليه السلم وروى البيهقي في الدلائل من رواية عثمان بن سعيد عن موسى بن إسماعيل شيخ البخاري ولفظه وكان أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: أخيرك بين ثلاث خصال، فذكر الحديث. قوله: (أهل السهل)، أي: البوادي، وأهل المدر أهل البلاد. قوله: (بأهل غطفان)، بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة والفاء، قال الرشاطي: غطفان في قيس غيلان غطفان بن سعد بن قيس، وفي حذام غطفان بن سعد ابن إياس بن حرام بن حذام، وفي جهينة غطفان بن قيس بن جهينة، قال ابن دريد: غطفان فعلان من الغطف وهو قلة هدب العينين. قوله: (بألف وألف)، وفي رواية عثمان بن سعيد بألف أشقر وألف شقراء. قوله: (فطعن عامر)، بضم الطاء المهملة وكسر العين أي: أصابه الطاعون وطلع له في أصل أذنه غدة عظيمة كالغدة التي تطلع على البكر. قوله: (غده)، بضم الغين المعجمة وتشديد الدال، قال الأصمعي: من أدواء الإبل الغدة،
يقال: أغد البعير فهو مغد، وناقة مغد بغير هاء، ويقال: جمل مغدود وناقة مغدودة، وكل قطعة صلبة بين القصبة والسلعة يركبها الشحم فهي غدة، تكون في العنق وفي سائر الجسد. قوله: (البكر)، بفتح الباء الموحدة وسكون الكاف: وهو الفتى من الإبل بمنزلة الغلام من الناس، والأنثى بكرة، وقد يستعار للناس. قوله: (في بيت امرأة من آل فلان)، وقد بينت هي في حديث سهل بن سعد أخرجه الطبراني، فقال: امرأة من آل سلول، وفي حديث أيضا: وأن النبي صلى الله عليه وسلم، دعا عليه أي: على عامر، فقال: اللهم إكفني عامرا، قال: فجاء إلى بيت امرأة من آل سلول، قلت: سلول هي بنت ذهل بن شيبان وزوجها مرة بن صعصعة أخو عامر بن صعصعة فنسب بنوه إليها. قوله: (فانطلق حرام)، وهو خال أنس، رضي الله تعالى عنه. قوله: (وهو رجل أعرج)، الواو فيه للحال على حسب ما وقع هنا على أن الأعرج صفة حرام وليس كذلك، بل الأعرج غيره لأن حراما لم يكن أعرج، والأعرج غيره، وحرام قتل والأعرج لم يقتل والصواب: فانطلق حرام هو ورجل أعرج، فكان الكاتب قدم الواو سهوا، واسم الأعرج: كعب بن زيد من بني دينار بن النجار.
171

قال الذهبي: بدري قتل مع النبي صلى الله عليه وسلم، يوم الخندق، ووقع في رواية عثمان بن سعيد: فانطلق حرام ورجلان معه: رجل أعرج ورجل من بني فلان، وبين ابن هشام أن اسم الرجل الذي من بني فلان: المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة ابن الجلاح الخزرجي. قوله: (كونا)، أي: قال حرام للرجل الأعرج وللرجل الذي من بني فلان، وقال الكرماني: ويروى: كونوا، باعتبار أن أقل الجمع اثنان. قوله: (كنتم)، أي: ثبتم، و: كان، تامة فلا تحتاج إلى خبر. وقال بعضهم: فإن آمنوني كنتم، وقع هذا بطريق الاكتفاء. قلت: إن أراد اكتفاء كان عن الخبر فلا يجوز إلا إذا كان: كان، تامة، ووقع في رواية عثمان بن سعيد: فإن آمنوني كنتم كذا، ووقع لأبي نعيم في (المستخرج): فإن آمنوني كنتم قريبا مني. قلت: كان، ناقصة على هاتين الروايتين على ما لا يخفى. قوله: (فقال: أتومنوني؟) أي: فقال حرام: أتعطوني الأمان؟ والهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستعلام، ويروى: أتومنونني؟ على الأصل. قوله: (أبلغ) بالجزم لأنه جواب الاستفهام. قوله: (فجعل يحدثهم) أي: جعل حرام يحدث المشركين الذين أتى إليهم، و: جعل من أفعال المقاربة وهو من القسم الثالث منها وهو ما وضع لدنو الخبر على وجه الشروع فيه والأخذ في فعله. قوله: (وأومؤا) أي: أشاروا. قوله: (قال همام)، هو المذكور في السند. قوله: (أحسبه)، أي: أظن الطعن أنفذه من جانب إلى جانب. قوله: (بالرمح)، يتعلق بقوله: فطعنه، قوله: (قال: الله أكبر فزت ورب الكعبة) القائل بهذا هو حرام، وقد صرح به في الحديث الذي يليه على ما يأتي ومعنى. قوله: (فزت) يعني بالشهادة. قوله: (فلحق الرجل)، في ضبطه مع معناه ثلاثة أوجه: الأول: أن يكون: لحق، على صيغة المعلوم والرجل فاعله، والمراد به الرجل الذي كان رفيق حرام، ويكون فيه حذف تقديره: فلحق الرجل بالمسلمين. الثاني: أن يكون: لحق، على صيغة المجهول، والتقدير: لحق الرجل الذي هو رفيق حرام، يعني: صار ملحوقا فلم يقدر أن يبلغ المسلمين قبل بلوغ المشركين إليهم. الثالث: أن يكون لفظ: الرجل، بسكون الجيم وفتح اللام ويكون جمع: الراجل، ويكون المعنى: فلحق الرجال المشركون بالمسلمين فقاتلوهم وقتل المسلمون كلهم، أي: قتل السبعون الذين أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم، غير الأعرج، فإنه كان في رأس جبل، وفي رواية حفص بن عمر عن همام، تقدم في الجهاد: فقتلوهم إلا رجلا أعرج صعد الجبل، قال همام: وآخر معه. قوله: (فأنزل الله علينا)، المنزل هو قوله: (إنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا) وقوله: (ثم كان من المنسوخ) جملة معترضة أي: مما نسخت تلاوته. وقال ابن التين: إما أن يكون كان يتلى ثم نسخ رسمه، أو كان الناس يكثرون ذكره وهو من الوحي ثم تقادم حتى صار لا يذكر إلا خبرا. قوله: (ثلاثين صباحا) يعني: في صلاة الفجر، وفي (شرف المصطفى): لما أصيب أهل بئر معونة جاءت الحمى إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم فقال: إذهبي إلى رعل وذكوان وعصية عصت الله ورسوله، فاتتهم فقتلت منهم سبعمائة رجل لكل رجل من المسلمين عشرة.
4092 حدثني حبان أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر قال حدثني ثمامة بن عبد الله بن أنس أنه سمع أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه يقول لما طعن حرام بن ملحان وكان خاله يوم بئر معونة قال بالدم هاكذا فنضحه على وجهه ورأسه ثم قال فزت ورب الكعبة..
هذا من تعليق الحديث السابق أخرجه عن حبان، بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة: ابن موسى المروزي عن عبد الله بن المبارك المروزي عن معمر بن راشد عن ثمامة، بضم الثاء المثلثة وتخفيف الميم: ابن عبد الله قاضي البصرة، يروي عن جده أنس بن مالك. وأخرجه النسائي أيضا في المناقب عن محمد بن حاتم بن نعيم عن حبان بن موسى به.
قوله: (كان خاله) أي: وكان حرام بن ملحان خال أنس، رضي الله تعالى عنه. قوله: (يوم) ظرف لقوله: طعن. قوله: (قال بالدم)، هكذا هذا من إطلاق القول على الفعل فمعناه: أخذ الدم من موضع الطعن فنضحه أي: رشه على وجهه ورأسه.
4093 حدثنا عبيد الله بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله
172

تعالى عنها قالت استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر في الخروج حين اشتد عليه الأذى فقال له أقم فقال يا رسول الله أتطمع أن يؤذن لك فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إني لأرجو ذالك قالت فانتظره أبو بكر فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ظهرا فناداه فقال أخرج من عندك فقال أبو بكر إنما هما ابنتاي فقال أشعرت أنه قد أذن لي في الخروج فقال يا رسول الله الصحبة فقال النبي صلى الله عليه وسلم الصحبة قال يا رسول الله عندي ناقتان قد كنت أعددتهما للخروج فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم إحداهما وهي الجدعاء فرج إليهما ثم يسرح فلا يفطن به أحد من الرعاء فلما خرجا خرج معهما يعقبانه حتى قدما المدينة فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة..
مطابقته للترجمة في قوله: (فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة). وأبو أسامة حماد بن أسامة، وهشام هو ابن عروة بن الزبير يروي عن أبيه عن أم المؤمنين عائشة،
رضي الله تعالى عنها.
قوله: (في الخروج) يعني: في الهجرة من مكة إلى المدينة. قوله: (الأذى) يعني من كفار مكة. قوله: (أتطمع؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستعلام. قوله: (أن يؤذن) على صيغة المجهول. قوله: (ظهرا) يعني: في وقت الظهر. قوله: (فقال) أي: النبي صلى الله عليه وسلم: (أخرج) بفتح الهمزة من الإخراج (ومن عندك) في محل النصب على المفعولية. قوله: (إنما هما ابنتاي) أراد بهما: أسماء وعائشة، رضي الله تعالى عنهما. قوله: (أشعرت؟) معناه إعلم، لأن الهمزة هنا خرجت عن الاستفهام الحقيقي، ومثله قوله تعالى: * (ألم نشرح لك صدرك) * (الشرح: 1). أي: شرحنا، ولهذا عطف عليه: ووضعنا. قوله: (قد أذن لي) على صيغة المجهول.
قوله: (الصحبة) منصوب بفعل محذوف أي: أتريد الصحبة، أي: المرافقة في الهجرة، والتقدير في الصحبة الثانية؟ نعم أريد الصحبة. قوله: (هي الجدعاء) أي: الناقة التي أعطاها النبي صلى الله عليه وسلم هي التي تسمى بالجدعاء، وهي المقطوعة الأذن، ومنه: خطب على ناقته الجدعاء، وقال ابن الأثير: قيل: لم تكن ناقته مقطوعة الأذان، وإنما كان هذا اسما لها. قوله: (بثور) بفتح الثاء المثلثة، وهو جبل معروف بمكة مسمى باسم الحيوان المشهور. قوله: (فتواريا) أي: اختفيا فيه، من التواري. قوله: (عامر بن فهيرة)، هو أبو عمرو كان مملوكا للطفيل بن عبد الله بن سخبرة فاشتراه أبو بكر فأعتقه، وأسلم قبل أن يدخل رسول الله، صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وكان حسن الإسلام وكان مولدا من مولدي الأزد أسود اللون، شهد بدرا وأحدا. والآن نذكر وفاته. قوله: (لعبد الله بن طفيل) كذا وقع هنا، وقال الدمياطي: صوابه: الطفيل بن عبد الله بن سخبرة بن جرثومة بن عائذة بن مرة بن جشم بن الأوس بن عامر بن حفص بن النمر بن عثمان بن نصر بن زهير ابن أخي دهمان بن نصر بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد، وقال أبو عمر: الطفيل بن عبد الله بن سخبرة القرشي، قال ابن أبي خيثمة: لا أدري من أي قريش هو؟ قال: وهو أخو عائشة لأمها. وقال الواقدي: وكانت أم رومان أم عائشة تحت عبد الله بن الحارث بن سخبرة الأزدي، وكان قدم بها مكة فحالف أبا بكر قبل الإسلام وتوفي عن أم رومان وقد ولدت له الطفيل، ثم خلف عليها أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، فولدت له عبد الرحمن وعائشة، فهما أخوا الطفيل هذا لأمه. قوله: (أخو عائشة لأمها) وفي رواية الكشميهني: أخي عائشة، وجه الأول على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هو أخو عائشة، ووجه الثاني على أنه بدل من قوله: عبد الله بن الطفيل. منحة بكسر الميم وسكون النون؛ وهي ناقة يدر منها اللبن. قوله: (يروح بها ويغدو) أي: يروح عامر بالمنحة المذكورة، ويروح من الرواح وهو الذهاب والمجيء بعد الزوال، ويغدو بالغين المعجمة خلاف الرواح، وقد غدا يغدو غدوا. قوله: (فيدلج) من الإدلاج من باب الافتعال، أي: يسير من آخر الليل، يقال: أدلج، بالتخفيف إذا سار من أول الليل، وادلج بالتشديد إذا سار من آخره، والاسم
173

منه: دلجة، بالضم والفتح، ومنهم من يجعل الإدلاج السير في الليل كله. قوله: (ثم يسرح) أي: ثم يذهب بها إلى المرعى، يقال: سرحت الماشية تسرح فهي سارحة، وسرحتها أنا لازما ومتعديا. قوله: (فلا يفطن به) أي: فلا يدري به (أحد من الرعاء) وهو جمع راع. قوله: (فلما خرجا) أي: النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، رضي الله تعالى عنه (خرج معهما) أي: خرج عامر بن فهيرة معهما إلى المدينة. قوله: (يعقبانه) بضم الياء، وقال بعضهم، يعقبانه، وفيه: يركبانه عقبة، وهو أن ينزل الراكب ويركب رفيقه ثم ينزل الآخر ويركب الماشي. وقال الكرماني: أي يردفانه بالنوبة، يعني: كان النبي صلى الله عليه وسلم يردف عامرا نوبة وأبو بكر يردفه نوبة. قلت: الذي قاله الكرماني أولى وأوجه، لأن الذي قاله البعض يستلزم أن يمشي النبي صلى الله عليه وسلم، ويركب عامر. وهذا لا شك أن عامرا كان لا يرضى بذلك ولا أبو بكر ولا هو من الأدب والمروءة، ويؤيد ما قاله الكرماني ما قاله ابن إسحاق: لما ركب النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر أردف أبو بكر عامرا مولاه خلقه ليخدمهما في الطريق. قلت: هذا لا ينافي إلا عقاب. قوله: (فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة) وكان يوم بئر معونة في صفر سنة أربع، وقد مر بيانه.
وعن أبي أسامة قال قال لي هشام بن عروة فأخبرني أبي قال لما قتل الذين ببئر معونة وأسر عمرو بن أمية الضمري قال له عامر بن الطفيل من هاذا فأشار إلى قتيل فقال له عمرو بن أمية هاذا عامر بن فهيرة فقال لقد رأيته بعد ما قتل رفع إلى السماء حتى إني لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض ثم وضع فأتى النبي صلى الله عليه وسلم خبرهم فنعاهم فقال إن أصحابكم قد أصيبوا وإنهم قد سألوا ربهم فقالوا ربنا أخبر عنا إخواننا بما رضينا عنك ورضيت عنا فأخبرهم عنهم وأصيب يومئذ فيهم عروة بن أسماء بن الصلت فسمي عروة به ومنذر بن عمر و وسمي به منذرا
وعن أبي أسامة، معطوف على قوله: حدثنا عبيد الله بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة وإنما فصله ليميز الموصول من المرسل، لأنه ليس في قصة بئر معونة ذكر عائشة، بخلاف قصة الهجرة. فإن فيها ذكر عائشة، كما مضى الآن قبل هذا. قوله: (لما قتل الذين ببئر معونة)، وهم القراء الذين سبق ذكرهم. قوله: (وأسر عمرو بن أمية)، بين ذلك عروة في (المغازي) من رواية الأسود عنه، بعث النبي صلى الله عليه وسلم، المنذر بن عمرو الساعدي إلى بئر معونة وبعث معه المطلب السلمي ليدلهم على الطريق، فقتل المنذر ابن عمرو وأصحابه إلا عمرو بن أمية، فإنهم أسروه واستحيوه، وفي رواية ابن إسحاق في (المغازي): أن عامر بن الطفيل اجتز ناصيته وأعتقه عن رقبة كانت على أمه، وعند العسكري: بعث النبي صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمروا أميرا على أربعين من الأنصار ليس فيهم غيرهم الأعمر بن أمية وذلك أن أبا براء بعث ابن أخيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في علة وجدها فدعا له بالشفاء وبارك فيما أنفذه إليه، فبرئ، فبعث إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم أن ابعث إلى أهل نجد من شئت فإني جار لهم، وفي (المغازي) لأبي معشر: كان أبو براء كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ابعث إلي رجالا يعلمون القرآن وهم في ذمتي وجواري، فبعث إليه المنذر بن عمرو وفي أربعة عشر رجلا من المهاجرين والأنصار، فلما ساروا إليهم بلغهم أن أبا براء مات، فبعث المنذر إلى
النبي صلى الله عليه وسلم يستمد فأمده بأربعين نفرا أميرهم عمرو بن أمية، وقال: إذا اجتمع القوم كان عليهم المنذر، فلما وصلوا بئر معونة كتبوا إلى ربيعة بن أبي البراء: نحن في ذمتك وذمة أبيك، فنقدم عليك أم لا؟ قال: أنتم في ذمتي فاقدموا. وفي آخره: قدم عليه صلى الله عليه وسلم خبر بئر معونة وأصحاب الرجيع، وبعث محمد بن مسلمة في ليلة واحدة، وقال ابن سعد: كانت سرية المنذر بن عمرو الساعدي المعتق للموت إلى بشر معونة في صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا من الهجرة، قالوا: قدم عامر بن مالك بن جعفر أبو براء ملاعب الأسنة الكلابي على رسول الله، صلى الله عليه وسلم وأهدى له فلم يقبل منه، وعرض عليه الإسلام فلم يسلم ولم يبعد، وقال: لو بعثت معي نفرا من أصحابك إلى قومي لرجوت أن يجيبوا دعوتك، فقال: إني أخاف عليهم أهل نجد، قال: أنا لهم جار، فبعث معه سبعين من الأنصار شبيبة يسمون القراء وأمر عليهم المنذر، فلما نزلوا بئر معونة قدموا حرام بن ملحان بكتاب سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم إلى عامر
174

ابن الطفيل فقتل حراما واستصرخ عليهم بنو عامر فأبوا، وقالوا: لا تخفر أبا براء، فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم: عصية ورعل وذكوان ورعب والقارة ولحيان، فنفروا معه فقتل الصحابة كلهم، رضي الله تعالى عنهم، إلا عمرو بن أمية فأخبره جبريل ومنها: بخبرهم وخبر مصاب خبيب ومرثد تلك الليلة. قلت: المنذر بن عمرو بن خنيس بن حارثة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج الأنصاري الساعدي، وهو المعروف: بالمعتق للموت، شهد العقبة وبدرا وأحدا وكان أحد السبعين الذين بايعوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، وأحد النقباء الاثني عشر، وكان يكتب في الجاهلية بالعربية، وقال أبو عمر: وكان على الميسرة يوم أحد، وقتل بعد أحد بأربعة أشهر ونحوها، وذلك سنة أربع في أولها يوم بئر معونة شهيدا. قوله: (قال له عامر بن الطفيل)، أي: قال لعمرو بن أمية عامر بن الطفيل: (من هذا) كأنه أشار إلى قتيل، وقال الواقدي بإسناده عن عروة: إن عامر بن الطفيل قال لعمرو بن أمية: هل تعرف أصحابك؟ قال: نعم، فطاف في القتلى فجعل يسأله عن أنسابهم. قوله: (فقال: لقد رأيته) أي: فقال عامر بن الطفيل: لقد رأيت عامر بن فهيرة بعدما قتل. إلى قوله: (ثم وضع) والفائدة من الرفع والوضع تعظيم عامر بن فهيرة وبيان قدره وتخويف الكفار وترهيبهم، قال أبو عمر: ويروى عن عامر بن الطفيل أنه قال: رأيت أول طعنة طعنت عامر بن فهيرة نورا خرج منها، وذكر ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه، قال: لما قدم عامر بن الطفيل على رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال له: من الرجل الذي لما قتل رأيته رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء دونه ثم وضع؟ فقال له: عامر بن فهيرة، وذكر ابن المبارك وعبد الرزاق جميعا عن معمر عن الزهري عن عروة، قال: طلب عامر بن فهيرة يومئذ في القتلى فلم يوجد، قال عروة: فيرون أن الملائكة دفنته أو رفعته. قوله: (فأتى النبي صلى الله عليه وسلم خبرهم) وبين في حديث أنس، رضي الله تعالى عنه، أن الله أخبره بذلك على لسان جبريل، عليه السلام. قوله: (فنعاهم) من نعى الميت ينعاه نعيا ونعيا إذا أذاع موته وأخبر به، وإذا أندبه. قوله: (وأصيب يومئذ فيهم عروة بن أسماء)، على وزن حمراء ابن الصلت بن حبيب بن حارثة السلمي حليف بني عمرو بن عوف، وذكره الواقدي في أصحاب بئر معونة، وقال: حدثني مصعب بن ثابت عن أبي الأسود عن عروة قال: حرص المشركون يوم بئر معونة لعروة بن الصلت أن يؤمنوه فأبى، وكان داخلة لعامر بن الطفيل مع أن قومه بني سليم حرصوا على ذلك فأبى، وقال: لا أقبل لهم أمانا ولا أرغب بنفسي عن مصرعهم، ثم تقدم فقاتل حتى قتل شهيدا. قوله: (فسمي عروة به)، أي: فسمى عروة بن الزبير بن العوام باسم عروة بن أسماء المذكور، يعني: أن الزبير بن العوام لما ولد له عروة سماه باسم عروة بن أسماء، وكان بين قتل عروة بن أسماء ومولد عروة ابن الزبير بضع عشرة سنة. قوله: (ومنذر بن عمرو) أي: وأصيب أيضا فيهم منذر بن عمرو بن خنيس الذي ذكرناه عن قريب. قوله: (سمي به) أي: المنذر بن عمرو المذكور منذر بن الزبير بن العوام أخو عروة. قوله: (منذرا) كذا هو بالنصب في النسخ، والصواب: منذر، بالرفع على ما لا يخفى، وقال بعضهم: يحتمل أن تكون الرواية بفتح السين على البناء للفاعل والفاعل محذوف، والمراد به الزبير. قلت: لا يعمل بهذا الاحتمال في إثبات الرواية، وفيه أيضا إضمار قبل الذكر فافهم، وحاصله: أن الزبير سمى ابنه هذا منذرا باسم المنذر بن عمرو هذا، ووجه التسمية فيهما بعروة ومنذر للتفاءل باسم من رضي الله تعالى عنهم ورضوا عنه، وأعلم أن أسماء من الأعلام المشتركة فهي اسم أم عروة بن الزبير، واسم أبي عروة السلمي المذكور.
4094 حدثنا محمد أخبرنا عبد الله أخبرنا سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أنس رضي الله تعالى عنه قال قنت النبي صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرا يدعو على رعل وذكوان ويقول عصية عصت الله ورسوله..
مطابقته للترجمة ظاهرة، ومحمد هو ابن مقاتل المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، وسليمان هو ابن طرخان التيمي، وأبو مجلز، بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام وفي آخره زاي: واسمه لاحق بن حميد، وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي، والحديث قد مر في الوتر عن أحمد بن يونس عن زائدة.
175

4095 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال دعا النبي صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوا يعني أصحابه ببئر معونة ثلاثين صباحا حين يدعو على رعل ولحيان وعصية عصت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال أنس فأنزل الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في الذين قتلوا أصحاب بئر معونة قرآنا قرأناه حتى نسخ بعد بلغوا قومنا فقد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه..
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث مضى في كتاب الجهاد في: باب فضل قول الله تعالى: * (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا) * (آل عمران: 169). فإنه أخرجه هناك عن إسماعيل بن عبد الله عن مالك إلى آخره نحوه ومر الكلام فيه هناك حين يدعو يروى حتى يدعو.
4096 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد حدثنا عاصم الأحول قال سألت أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه عن القنوت في الصلاة فقال نعم فقلت كان قبل الركوع أو بعده قال قبله قلت فإن فلانا أخبرني عنك أنك قلت بعده قال كذب إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرا أنه بعث ناسا يقال لهم القراء وهم سبعون رجلا إلى ناس من المشركين وبينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد قبلهم فظهر هؤلاء الذين كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فقنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرا يدعو عليهم..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الواحد هو ابن زياد، والحديث مضى في الوتر في: باب القنوت قبل الركوع وبعده، فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن عبد الواحد... إلى آخره.
قوله: (كذب) أي: أخطأ. قوله: (عهد) عهد وميثاق، والعهد يجيء لمعان كثيرة بمعنى: اليمين والأمان والذمة والحفظ ورعاية الحرمة والوصية، ويستعمل كل معنى في محل يقتضي ذلك المعنى، قيل: كيف جاز بعث الجيش إلى المعاهدين؟ وأجيب: بأن قوله: (بينهم وبين رسول الله، صلى الله عليه وسلم عهد) جملة ظرفية حالية، وتقدير الكلام: بعث إلى ناس من المشركين غير المعاهدين، والحال أن بين ناس منهم هم مقابل المبعوث عليهم وبين رسول الله، صلى الله عليه وسلم عهد، فغلب المعاهدون وغدروا فقتلوا القراء المبعوثين لإمدادهم على عدوهم، وذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب أسماء الطائفتين، وأن أصحاب العهد هم بنو عامر ورأسهم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر، وقد مر ذكره عن قريب، وأن الطائفة الأخرى من بني سليم وهم رعل وذكوان وعصية. قوله: (قبلهم)، بكسر القاف وفتح الباء الموحدة، أي: قبل المبعوث عليهم كما ذكرنا أي: من جهتهم. وقال الكرماني: ويروى: قبلهم ضد بعدهم، ولم يذكر غيره هذا إلا ابن التين. قوله: (فظهر)، أي: غلب.
30
((باب غزوة الخندق وهي الأحزاب))
أي: هذا باب في بيان غزوة الخندق، وفي بعض النسخ: باب غزوة الخندق، والخندق معرب: كندة، أي: جورة محفورة، وكان سبب حفر الخندق ما قاله ابن سعد، رحمه الله: لما أجلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم بني النضير ساروا إلى خيبر فخرج نفر من أشرافهم إلى مكة شرفها الله تعالى فألبوا قريشا ودعوهم إلى الخروج على رسول الله، صلى الله عليه وسلم وعاهدوهم على قتاله، ثم أتوا غطفان وسليما فوافقوهم على مثل ذلك، فتجمعت قريش بمن تبعهم فكانوا أربعة آلاف يقودهم أبو سفيان، ووافقهم بنو سليم بمر الظهران في سبعمائة يقودهم سفيان بن عبد شمس، ومعهم بنو أسد يقودهم طلحة بن خويلد، وخرجت فزارة يقودها عيينة على ألف بعير،
176

وخرجت أشجع في أربعمائة يقودها مسعود بن رجيلة، وخرجت بنو مرة في أربعمائة يقودها الحارث بن عوف، فكان جميع القوم الذين وافوا الخندق عشرة آلاف، وكانوا ثلاثة عساكر، وعناج الأمر إلى أبي سفيان، يعني: أنه كان صاحبهم ومدبر أمرهم والقائم بشؤونهم، وقال قتادة فيما ذكره البيهقي: كان المشركون أربعة آلاف أو ما شاء الله من ذلك، والصحابة فيما بلغنا ألف، وقال ابن إسحاق: فلما سمع بهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم ضرب الخندق على المدينة، وقال ابن هشام: يقال: إن الذي أشار به سلمان الفارسي، رضي الله تعالى عنه، وقال الطبري والسهيلي: أول من حفر الخندق بنو جهر بن أيرج وكان في زمن موسى، عليه الصلاة والسلام، وقال ابن إسحاق: فعمل فيه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ترغيبا للمسلمين في الأجر وعمل معه المسلمون. قوله: (وهي الأحزاب) أي: غزوة الخندق هي الأحزاب، أشار بهذا إلى أن لها اسمين، والأحزاب جمع حزب، سميت بذلك لاجتماع طوائف من المشركين على حرب المسلمين، وقد أنزل الله تعالى في هذه القصة صدر سورة الأحزاب.
قال موساى بن عقبة كانت في شوال سنة أربع
موسى بن عقبة بن أبي عياش الأسدي المديني، صاحب المغازي، مات في سنة إحدى وأربعين ومائة. قوله: كانت، أي: غزوة الخندق في شهر شوال سنة أربع من الهجرة، وتابعه على ذلك مالك، أخرجه أحمد عن موسى بن داود عنه، وقال ابن إسحاق: سنة خمس، وقال ابن سعد: كانت في ذي القعدة يوم الاثنين لثمان ليال مضين منها سنة خمس، واعلم أنه كان بعد أحد: حمراء الأسد، ثم سرية أبي سلمة، ثم سرية عبد الله بن أنيس، وبعث الرجيع، وقصة بئر معونة، ثم غزوة بني النضير، ثم غزوة ذات الرقاع، ثم غزوة بدة الآخرة، ثم غزوة دومة الجندل، ثم الخندق. وأقام المشركون على الخندق سبعا وعشرين ليلة. وقال الواقدي: أربعا وعشرين يوما، وقال الغنوي: بضع عشرة ليلة، وقال موسى: قريبا من عشرين ليلة، ولم يكن فيه قتال إلا ساعة كان بينهم مراماة بالنبال فأصيب أكحل سعد، رضي الله تعالى عنه، على ما سيجيء، إن شاء الله تعالى.
4097 حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله قال أخبرني نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة فلم يجزه وعرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه. (انظر الحديث 2664).
مطابقته للترجمة ظاهرة. ويحيى بن سعيد القطان وعبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري.
والحديث أخرجه أبو داود في الجراح وفي الحدود عن أحمد بن حنبل. وأخرجه النسائي في الطلاق عن أبي قدامة.
قوله: (عرضه) من: عرض الجيش إذا اختبر أحوالهم قبل مباشرة القتال للنظر في هيئتهم وترتيب منازلهم وغير ذلك، وفي رواية مسلم: عرضني يوم أحد في القتال وأنا ابن أربع عشرة سنة. قوله: (فلم يجزه) أي: فلم يمضه ولم يأذن له في القتال، ومعنى: أجازه: أمضاه وأذن له، وقال بعضهم: قال الكرماني: أجازه من الإجازة وهي الأنفال، أي: أسهم له، ويرد ذلك أنه لم يكن في غزوة الخندق غنيمة يحصل منها نفل. قلت: رأيت في شرح (الكرماني): ولم يجزه من الإجازة وهي الإنفاذ، وكان المعترض ظن أن قوله: الإنفاد الأنفال، باللام في آخره، وليس كذلك، بل هو الإنفاذ، بالذال المعجمة.
4098 حدثني قتيبة حدثنا عبد العزيز عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق وهم يحفرون ونحن ننقل
التراب على أكتادنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
* أللهم لا عيش إلا عيش الآخره
* فاغفر للمهاجرين والأنصار
*
177

.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد العزيز هو ابن أبي حازم يروي عن أبيه أبي حازم، واسمه سلمة بن دينار. والحديث مر في مناقب الأنصار في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، أصلح الأنصار والمهاجرة. قوله: (على أكتادنا) بالتاء المثناة من فوق: جمع الكتد، وهو ما بين الكاهل إلى الظهر، ويروى: بالباء الموحدة، وذكره ابن التين بلفظ: وهم ينقلون التراب على متونهم، ثم قال: المتن مكتنف الصلب من العصب واللحم، ووهم في ذلك، وهذه اللفظة سلفت في الجهاد في: باب حفر الخندق، لكن من حديث أنس، رضي الله تعالى عنه.
4098 حدثني قتيبة حدثنا عبد العزيز عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق وهم يحفرون ونحن ننقل التراب على أكتادنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
* أللهم لا عيش إلا عيش الآخره
* فاغفر للمهاجرين والأنصار
*
.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد العزيز هو ابن أبي حازم يروي عن أبيه أبي حازم، واسمه سلمة بن دينار. والحديث مر في مناقب الأنصار في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، أصلح الأنصار والمهاجرة. قوله: (على أكتادنا) بالتاء المثناة من فوق: جمع الكتد، وهو ما بين الكاهل إلى الظهر، ويروى: بالباء الموحدة، وذكره ابن التين بلفظ: وهم ينقلون التراب على متونهم، ثم قال: المتن مكتنف الصلب من العصب واللحم، ووهم في ذلك، وهذه اللفظة سلفت في الجهاد في: باب حفر الخندق، لكن من حديث أنس، رضي الله تعالى عنه.
4099 حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا معاوية بن عمر و حدثنا أبو إسحاق عن حميد سمعت أنسا رضي الله تعالى عنه يقول خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة فلم يكن لهم عبيد يعملون ذالك لهم فلما رأي ما بهم من النصب والجوع قال:
* اللهم إن العيش عيش الآخره
* فاغفر للأنصار والمهاجره
*
فقالوا مجيبين له:
* نحن الذين بايعوا محمدا
* على الجهاد ما بقينا أبدا
*
.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الله بن محمد المسندي، ومعاوية بن عمرو بن المهلب الأزدي البغدادي، أصله من الكوفة روى عنه البخاري في الجمعة، وروى عنه هنا بالواسطة، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري.
والحديث مضى في أوائل الجهاد في: باب التحريض على القتال بعين هذا الإسناد والمتن، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (مجيبين له) أي: لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومجيبين نصب على الحال. قوله: (بايعوا) أصلة: الذين فباعتباره ذكر بصيغة الماضي للجمع الغائبين، ولو كان باعتبار لفظ: نحن، لقيل: بايعنا، وقال بعضهم: الذين بايعوا، هو صفة: الذين، لا صفة: نحن. قلت: هذا تصرف عجيب، وليس كذلك، والصواب ما قلناه، وفيه: إنشاد الشعر تنشيطا في العمل، وبذلك جرت عادتهم في الحروب، وأكثر ما يستعملون في ذلك الرجز.
4100 حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز عن أنس رضي الله تعالى عنه قال جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق حول المدينة وينقلون التراب على متونهم وهم يقولون:
* نحن الذين بايعوا محمدا
* على الإسلام ما بقينا أبدا
*
قال يقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يجيبهم:
* أللهم إنه لا خير إلا خير الآخرهفبارك في الأنصار والمهاجره
*
قال يؤتون بملء كفي من الشعير فيصنع لهم بإهالة سنخة توضع بين يدي القوم والقوم جياع وهي بشعة في الحلق ولها ريح منتن..
هذا طريق آخر في حديث أنس أخرجه عن أبي معمر، بفتح الميمين: عبد الله بن عمرو المقعد عن عبد الوارث بن سعيد عن عبد العزيز بن صهيب، وفيه زيادة وهي قوله: (يؤتون) إلى آخره، وهو على صيغة المجهول.
قوله: (كفى) أصله: بملء كفين لي، فلما أضيف الكفين إلى ياء المتكلم وسقطت النون أبقيت الفاء على الفتحة، ويروى: كفي، بإفراد الكف المضاف إلى ياء المتكلم وكسر الفاء، ويروى: بملء كف، بالإفراد بدون الإضافة. قوله: (فيصنع) أي: يطبخ. قوله: (إهالة) بكسر الهمزة وهي: الودك. قوله: (سنخة)، بالسين المهملة والنون والخاء المعجمة: أي متغيرة الريح فاسدة الطعم. قوله: (والقوم جياع) جملة حالية، والجياع جمع جائع. قوله:
178

(بشعة) بفتح الباء الموحدة والشين المعجمة: أي كريهة الطعم تأخذ الحلق، كذا ضبطه الدمياطي بخطه، وعليه مشى ابن التين وضبطه بعضهم بالنون والشين والغين المعجمتين بمعنى: أنهم يحصل لهم منها شبه الغشي عند إزدرادها، لأن النشغ في الأصل الشهيق حتى يكاد يبلغ به الغشي. قوله: (منتن) قال صاحب (التوضيح): صوابه منتنة، لأن الريح مؤنثة. قلت: الريح تذكر وتؤنث فلا يقال الصواب: تأنيثه.
4101 حدثنا خلاد بن يحيى حدثنا عبد الواحد بن أيمن عن أبيه قال أتيت جابرا رضي الله تعالى عنه فقال إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة فجاؤا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا هاذه كدية عرضت في الخندق فقال أنا نازل ثم قام وبطنه معصوب بحجر ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضرب فعاد كئيبا أهيل أو أهيم فقلت يا رسول الله إئذن لي إلى البيت فقلت لامرأتي رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئا ما كان في ذالك صبر فعندك شيء قالت عندي شعير وعناق فذبحت العناق وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم في البرمة ثم جئت النبي صلى الله عليه وسلم والعجين قد انكسر والبرمة بين الأثافي قد كادت أن تنضج فقلت طعيم لي فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان قال كم هو فذكرت له قال كثير طيب قال قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي فقال قوموا فقام المهاجرون والأنصار فلما دخل على امرأته قال ويحك جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم قالت هل سألك قلت نعم فقال ادخلوا ولا تضاغطوا فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم ويخمر البرمة والتنور إذا أخذ منه ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية قال كلي هاذا وأهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة..
مطابقته للترجمة في قوله: (يوم الخندق). وخلاد، على وزن فعال بالتشديد: ابن يحيى بن صفوان أبو محمد السلمي الكوفي، مات بمكة قريبا من سنة ثلاث عشرة ومائتين، وهو من أفراده، وعبد الواحد بن أيمن الأيسر يروي عن أبيه أيمن الحبشي مولى ابن أبي عمر المخزومي القرشي المكي من أفراد البخاري. والحديث أيضا من أفراده.
قوله: (يوم الخندق) نصب على الظرف. قوله: (يحفر) خبر: إن. قوله: (كدية) بضم الكاف وسكون الدال المهملة وبالياء آخر الحروف: وهي القطعة الصلبة من الأرض لا يؤثر فيها المعول، ووقع في رواية أبي ذر: كبدة، بفتح الكاف وسكون الباء الموحدة قبل الدال، وقال عياض: كان المراد أنها واحدة الكبد وهو الجبل، وقال الخطابي: كبدة، بالباء الموحدة إن كانت محفوظة فهي القطعة من الأرض الصلبة، وأرض كبداء وقوس كبداء أي: شديدة، ووقع في رواية الأصيلي عن الجرجاني: كندة، بنون، وعند ابن السكن: كتدة، بفتح التاء المثناة من فوق، وقال عياض: لا أعرف لها معنى، وفي رواية: كذانة بذال معجمة ونون، وهي القطعة من الجبل، وعند ابن إسحاق: صخرة، وفي رواية عبلة: وهي الصخرة الصماء وجمعها: عبلات، ويقال لها: العبلاء، والأعبل وكلها الصخرة. قوله: (وبطنه معصوب بحجر)، زاد يونس في روايته: من الجوع، وفي رواية أحمد: أصابهم جهد شديد حتى ربط النبي صلى الله عليه وسلم، على بطنه حجرا من الجوع. فإن قلت: ما كان فائدة ربط الحجر؟ فهل ذلك يدفع الجوع أم لا؟ قلت: قيل: إن البطن يضمر من الجوع فيربط الحجر على البطن ليدفع انحناء الصلب، لأن الجائع ينحني صلبه إذا اشتد به الجوع. وقال الكرماني: فائدته تسكين حرارة الجوع ببرودة الحجر، أو ليعتدل قائما، أو لأنها حجارة رقاق
179

تشد العروق والأمعاء فلا ينحل مما في البطن فلا يحصل ضعف زائد بسبب التحلل. وقال ابن حبان: الصواب الحجز، بالزاي إذ لا معنى لشد الحجر على البطن من الجوع، ورد عليه بما جاء في الرواية التي تأتي: رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم، خمصا شديدا، والخمص: الجوع. قلت: فيه نظر لا يخفى. قوله: (ذواقا) بفتح الذال المعجمة، وقال ابن الأثير: الذواق المأكول والمشروب، فعال بمعنى مفعول من الذوق، ويقع على المصدر والاسم، يقال: ذقت الشيء أذوقه ذوقا وذواقا، وما ذقت ذواقا أي: شيئا. قوله: (المعول)، بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الواو وفي آخره لام: وهو الفأس الذي يكسر به الحجر. وقال بعضهم: المعول المسحاة. قلت: هذا التفسير غير صحيح، والمعول الفأس كما ذكرنا، والميم فيه زائدة، والمسحاة المجرفة من الحديد، والميم فيها أيضا زائدة لأنها من السحو وهو الكشف والإزالة، ومن الدليل على المغايرة رواية أحمد، رحمه الله: فأخذ المعول أو المسحاة، بالشك. قوله: (فضرب)، أي: الكدية، وفي رواية الإسماعيلي: ثم سمى ثلاثا ثم ضرب، وعند الحارث ابن أبي أسامة من طريق سليمان التيمي عن أبي عثمان، قال: ضرب النبي صلى الله عليه وسلم، في الخندق ثم قال:
* بسم الله وبه بدينا
* ولو عبدنا غيره شقينا
*
حبذا ربا وحبذا دينا
قوله: (كثيبا)، بفتح الكاف وكسر الثاء المثلثة: هو الرمل، قال الله تعالى: * (كثيبا مهيلا) * (المزمل: 14). أي: تفتت حتى صار كالرمل يسيل ولا يتماسك. قوله: (أهيل)، الأهيل هو أن ينهال فيسيل من لينه ويتساقط من جوانبه، وفي رواية أحمد: كثيبا يهال. قوله: (أو أهيم)، شك من الراوي أي: أو عاد كثيبا أهيم، وهو بمعنى الأهيل، والهيام من الرمل ما كان دقاقا يابسا، وفي رواية الإسماعيلي: أهيل، بغير شك، وكذا في رواية يونس، وقال عياض: ضبطها بعضهم: أهثم، بالثاء المثلثة، وبعضهم بالتاء المثناة من فوق وفسرها بأنها تكسرت، والمعروف بالياء آخر الحروف، قوله: (إئذن لي إلى البيت) أي: إئذن لي حتى آتي بيتي. قوله: (فقلت لامرأتي) وفيما قبله حذف تقديره: فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم، بأن يأتي إلى بيته، فقال ما ذكرنا هنا، وهو قوله: (فقلت لامرأتي: رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم، شيئا) يعني: من الجوع، واسم المرأة، سهيلة بنت مسعود بن أوس الظفرية الأنصارية بايعت. قوله: (عندي شعير)، بين يونس ابن بكير في روايته أنه صاع. قوله: (عناق)، بفتح العين: الأنثى من أولاد المعز. قوله: (فذبحت)، الذابح هو جابر يخبر عن نفسه بذلك. قوله: (وطحنت) أي: امرأته، وفي رواية أحمد عن سعيد، فأمرت امرأتي فطحنت وصنعت لنا خبزا. قوله: (حتى جعلنا) وفي رواية الكشميهني: حتى جعلت. قوله: (في البرمة) بضم الباء الموحدة وسكون الراء: وهي القدر مطلقا، وهي في الأصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز واليمن. قوله: (والعجين قد انكسر) يعني: لان وتمكن فيه الخمير. قوله: (الأثافي) بفتح الهمزة جمع الأثفية بضم الهمزة وقد تخفف الياء في الجمع: وهي الحجارة التي تنصب وتوضع القدر عليها، يقال: أثفيت القدر، إذا جعلت لها الأثافي، وثفيتها إذا وضعتها عليها، والهمزة فيه زائدة. قوله: (طعيم) مصغر طعام صغره لأجل قلته، وقال ابن التين: ضبطه بعضهم بتخفيف الياء وهو غلط. قلت: لأن: طعيم، بتخفيف الياء تصغير طعم لا تصغير الطعام. قوله: (لي صفة طعيم) أي: مصنوع لأجلي. قوله: (فقم أنت يا رسول الله ورجل) قوله: (أو رجلان) شك من الراوي، وفي رواية يونس: ورجلان، بلا شك. قوله: (فقال: كم هو؟) أي: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كم طعامك؟ قوله: (فذكرت له)، أي: لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبينت له الطعام. قوله: (فقال: كثير طيب) أي: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: طعام كثير طيب. قوله: (لا تنزع البرمة) أي: من فوق الأثافي. قوله: (ولا الخبز) ولا تنزع الخبز من التنور. قوله: (حتى آتي) أي: إلى أن آتي بيتكم. أي: أجيء. قوله: (فقال: قوموا) أي: فقال النبي صلى الله عليه وسلم لمن كان عنده من الصحابة: قوموا إلى أكل جابر. قوله: (قالت: هل سألك) أي: قالت امرأة جابر له: هل سألك رسول الله، صلى الله عليه وسلم عن حال الطعام؟ وفي رواية يونس: فقالت: الله ورسوله أعلم، نحن قد أخبرنا بما عندنا، وفي رواية أبي الزبير عن جابر: أنها قالت لجابر، فارجع إليه فبين له، فأتيته فقلت: يا رسول الله إنما هو عناق وصاع من شعير، قال: فارجع ولا تحركن شيئا من التنور ولا من القدر حتى آتيها واستعر صحافا. قوله: (فقال: ادخلوا) أي: فقال النبي صلى الله عليه وسلم لمن معه من المهاجرين والأنصار: ادخلوا الدار. قوله: (لا تضاغطوا) أي: ولا تزدحموا، ومادته ضاد وغين معجمتان وطاء مهملة: من الضغطة. قوله: (فجعل) أي: رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قوله: (وأهدى) بهمزة قطع من الإهداء لا من الهدية، كما قال بعضهم. قوله: (فإن الناس...) إلى آخره، بيان سبب
180

الإهداء، وفي رواية يونس: كلي واهدي، فلم نزل نأكل ونهدي يومنا أجمع، وفي رواية أبي الزبير عن جابر: فأكلنا وأهدينا لجيراننا، وهذا كله من علامات النبوة.
4102 حدثني عمرو بن علي حدثنا أبو عاصم أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان أخبرنا سعيد ابن ميناء قال سمعت جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال لما حفر الخندق رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا افانكفأت إلى امرأتي فقلت هل عندك شيء فإني رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا فأخرجت إلي جرابا فيه صاع من شعير ولنا بهيمة داجن فذبحتها وطحنت الشعير ففرغت إلى فراغي وقطعتها في برمتها ثم وليت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم وبمن معه فجئته فساررته فقلت يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا وطحنا صاعا من شعير كان عندنا فتعال أنت ونفر معك فصاح النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا أهل الخندق إن جابر قد صنع سورا فحي هلا بكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينكم حتى أجىء فجئت وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس حتى جئت امرأتي فقالت بك وبك فقلت قد فعلت الذي قلت فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك ثم عمد إلى برمتينا فبصق وبارك ثم قال ادع خابزة فلتخبز معك واقدحي من برمتكم ولا تنزلوها وهم ألف فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا وإن برمتنا لتغط كما هي وإن عجيننا ليخبز كما هو..
حتى ص 181
هذا طريق آخر في حديث جابر المذكور أخرجه عن عمرو بن علي بن بحر البصري الصيرفي عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد وهو شيخ البخاري أيضا، روى عنه هنا بالواسطة، وسعيد بن ميناء، بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وبالنون مقصورا وممدودا.
والحديث مضى في الجهاد مختصرا بعين هذا الإسناد في: باب من تكلم بالفارسية والرطانة.
قوله: (خمصا) بفتح الخاء المعجمة وفتح الميم وقد تسكن وبالصاد المهملة: وهو الجوع. قوله: (فانكفأت) أي: انقلبت وأصله بالهمزة وفي بعض النسخ، فانكفيت
، بدون الهمزة. قوله: (بهيمة) بضم الباء الموحدة تصغير بهمة وهي الصغيرة من أولاد الغنم. قوله: (داجن) بكسر الجيم: وهو من أولاد الغنم يربى في البيوت ولا يخرج إلى المرعى، واشتقاقه من الدجن وهو الإقامة بالمكان، ولم تدخل التاء فيه لأنه صار إسما للشاة. قوله: (وطحنت) أي: امرأة جابر. قوله: (ففرغت إلى فراغي) أي: فرغت امرأتي من طحن الشعير مع فراغي من ذبح البهيمة، والفراغ بفتح الفاء مصدر فرغت من الشغل فروغا وفراغا، قوله: (ثم وليت) أي: رجعت. قوله: (فقالت) أي: عقيب رجوعي إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالت امرأتي: لا تفضحني. قوله: (فساررته) أي: قلت له سرا. قوله: (فتعال) بفتح اللام: أمر من تعالى يتعالى تعاليا، وهو الارتفاع. قوله: (سورا) بضم السين المهملة وسكون الواو بغير همز ومعناه: الصنيع، بالحبشية، وقيل: معناه العرس بالفارسية، ويطلق أيضا على البناء الذي يحيط بالمدينة، وأما السؤر بالهمزة وهو البقية والذي يحفظ أنه صلى الله عليه وسلم، مما تكلم به الأعجمية هذه اللفظة. وقوله للحسن رضي الله تعالى عنه: كخ، ولعبد الرحمن: مهيم، أي: ما هذا ولأم خالد: سنا سنا، يعني: حسنه، وذكر ابن فارس أن معنى: معين. ما حالك وما شأنك؟ ولم يذكر أنها أعجمية، وقال الهروي: إنها كلمة يمانية. قوله: (فحي هلا بكم) هي كلمة استدعاء فيها حث. أي: هلموا مسرعين، ومنه: حي على الصلاة، بمعنى: هلموا، وفيها لغات. يقال: حيهل بفلان، وحيهلا بزيادة الألف، وحيهلا
181

بالتنوين للتنكير، وحيهلا بتخفيف الياء وروى: حيهل بالتشديد وسكون الهاء. قوله: (يقدم الناس) بضم الدال. قوله: (فقالت: بك وبك) الباء فيه تتعلق بمحذوف تقديره: فعل الله بك كذا وكذا حيث أتيت بناس كثير والطعام قليل. وذلك موجب للخجلة. قوله: (فبصق) وجاء فيه: بزق وبسق بالسين والزاي. قوله: (ثم عمد) بكسر الميم أي: قصد. قوله: (وبارك) أي: دعا بالبركة. قوله: (واقدحي) أي: اغرفي، يقال: قدح القدر إذا غرف ما فيها، والقدحة الغرفة. قوله: (وهم ألف) أي: والحال أن القوم ألف، وفي رواية أبي نعيم في (المستخرج): إنهم كانوا سبعمائة أو ثمانمائة، والحكم للزائد لزيادة عمله. قوله: (وانحرفوا) أي: مالوا عن الطعام. قوله: (لتغط) بكسر الغين المعجمة وتشديد الطاء المهملة أي: تغلي وتفور من الامتلاء فيسمع غطيطها، وهو من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم.
139 - (حدثني عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها * (إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر) * قالت ذاك يوم الخندق)
مطابقته للترجمة في قولها قالت ذاك يوم الخندق وعبدة بفتح العين وسكون الباء الموحدة ابن سليمان الكلابي الكوفي وكان اسمه عبد الرحمن ولقبه عبدة فغلب عليه يروي عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنهم والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب عن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه النسائي في التفسير عن هارون بن إسحاق وهذه الآية الكريمة في سورة الأحزاب وتمامه * (وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا) * قوله * (إذ جاؤكم) * بدل من قوله إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا الآية وأراد بالجنود الأحزاب قريش وغطفان ويهود قريظة والنضير وأراد بالريح الصبا قال
نصرت بالصبا قوله * (من فوقكم) * أي من فوق الوادي من قبل المشرق عليهم مالك بن عوف النضري وعيينة بن حصن الفزاري في ألف من غطفان ومعهم طلحة بن خويلد الأسدي وحيي بن أخطب في يهود بني قريظة قوله * (ومن أسفل منكم) * يعني من الوادي من قبل المغرب وهو أبو سفيان بن حرب في قريش ومن معه وأبو الأعور السلمي من قبل الخندق وكان سبب غزوة الخندق فيما قيل إجلاء رسول الله
بني النضر عن ديارهم وقال ابن إسحاق نزلت قريش بمجتمع السيول في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من بني كنانة وتهامة ونزل عيينة في غطفان ومن معهم من أهل نجد إلى جانب أحد بباب نعمان وخرج رسول الله
والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة ألف والخندق بينه وبين القوم وجعل النساء والذراري في الأطام وقال ابن إسحاق ولم يقع بينهم حرب إلا مرماة بالنبل لكن كان عمرو بن عبد ود العامري اقتحم هو ونفر معه خيولهم من ناحية ضيقة من الخندق حتى صاروا بالسبخة فبارزه علي رضي الله تعالى عنه فقتله وبرز نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي فبارزه الزبير رضي الله تعالى عنه فقتله ويقال قتله علي ورجعت بقية الخيول منهزمة وأقام المشركون فيه بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر والقصة طويلة وآخر الأمر بعث الله الريح في ليالي شاتية شديدة البرد حتى انصرفوا قوله * (وإذ زاغت الأبصار) * عطف على قوله * (إذ جاؤكم) * من فوقكم والتقدير واذكر حين زاغت الأبصار أي حالت عن سننها ومستوى نظرها حيرة وشخوصا وقيل عدلت عن كل شيء فلم تلتفت إلا إلى عدوها لشدة الروع قوله * (وبلغت القلوب الحناجر) * هذا موجود في بعض النسخ أي زالت عن أماكنها حتى بلغت الحلوق قالوا إذا انتفخت الرئة من شدة الفزع أو الغضب أو الغم الشديد ربت وارتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة ومن ثمة قيل للجبان انتفخ منحره قوله * (وتظنون بالله الظنونا) * قال الحسن ظنونا مختلفة ظن المنافقون أن محمدا وأصحابه يستأصلون وظن المؤمنون أنهم يبتلون قرأ نافع وأبو عمرو وعاصم الظنونا بالألف في الوصل والوقف لأن ألفها ثابتة في مصحف عثمان وسائر مصاحف أهل البلدان وعليه تعديل رؤس الآي وقرأ حمزة بغير ألف في الحالين الوصل والوقف
182

والباقون بالألف في الوقف دون الوصل لأن العرب تفعل ذلك في قوافي أشعارهم ومصاريعها فتلحق الألف في موضع الفتح عند الوقف ولا تفعل ذلك في حشو الأبيات فحسن إثبات الألف في هذا الحرف لأنها رأس الآية تمثيلا لها بالبواقي وكذلك الرسولا والسبيلا قوله ' قالت ذاك ' أي قالت عائشة رضي الله تعالى عنها ذاك إشارة إلى ما ذكر من مجيء الكفار من فوق ومن أسفل وزيغ الأبصار وبلوغ القلوب الحناجر ويروى ذلك بزيادة اللام * -
4104 حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله تعالى عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل التراب يوم الخندق حتى غمر بطنه أو اغبر بطنه يقول:
* والله لولا الله ما اهتدينا
* ولا تصدقنا ولا صلينا
*
* فأنزلن سكينة علينا
* وثبت الأقدام إن لاقينا
*
* إن الألى قد بغوا علينا
* إذا أرادوا فتنة أبينا
*
ورفع بها صوته أبينا أبينا..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي، والبراء بن عازب.
والحديث مضى في الجهاد في: باب حفر الخندق فإنه أخرجه هناك عن أبي الوليد عن شعبة عن أبي إسحاق مختصرا وعن حفص بن عمر عن شعبة إلى آخره، ولفظه: (ينقل التراب وقد وارى التراب بياض بطنه وهو يقول:
لولا أنت ما اهتدينا
إلى قوله: فتنة أبينا فقط، ومر الكلام فيه هناك. قوله: (حتى غمر بطنه أو أغبر بطنه)، كذا وقع بالشك، أما لفظ: غمر، فبالغين المعجمة وفتح الميم وتشديد الراء، قال الخطابي: إن كانت هذه اللفظة محفوظة فالمعنى: وارى التراب جلد بطنه، ومنه اغمر الناس وهو جمعهم إذا تكاثف ودخل بعضهم في بعض، قال الكرماني: وفي بعض الروايات: غمر، من الإغمار، وأما: أغبر، فكذلك بالغين المعجمة ولكنه بالباء الموحدة: من الغبار، وقال الخطابي: وروي: حتى اعفر، بعين مهملة وفاء من العفر بالتحريك وهو التراب، وقال عياض: وقع للأكثر بمهملة وفاء ومعجمة وموحدة، فمنهم من ضبطه بنصب بطنه، ومنهم من ضبطه برفعه، وعند النسفي: حتى غبر بطنه أو أغبر، بمعجمة فيهما وموحدة، ولأبي ذر وأبي زيد: حتى أغمر، قال: ولا وجه لها إلا أن يكون بمعني: ستر، كما في الرواية الأخرى: حتى وارى التراب بطنه، قال: وأوجه الروايات: أغبر، بمعجمة وموحدة، ورفع: بطنه. قوله:
إن الالى قد بغوا علينا
قد وقع في أكثر الروايات:
أن الأولى بغوا علينا
بدون لفظة: قد، وهو غير موزون، فلذلك قدر فيه لفظة: قد. وقال ابن التين: إن المحذوف لفظ: قدوهم والأصل:
إن الأولى هم قد بغوا علينا، وذكر في بعض الروايات في مسلم: أبوا، بدل: بغوا، ومعناه صحيح أي: أبوا أن يدخلوا في ديننا. قوله: (أبينا أبينا) من الإباء، كذا وقع في رواية الأكثرين بالباء الموحدة، ووقع في رواية أبي ذر وأبي الوقت وكريمة: أتينا، بالتاء المثناة من فوق بدل الموحدة، وقال عياض: كلاهما صحيح، فمعنى الأول: أبينا الفرار عند فزع أو حادث، ومعنى الثاني: أتينا وقدمنا على عدونا.
4105 حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة قال حدثني الحكم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور.
مطابقته للترجمة من حيث إن الله تعالى نصر نبيه صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق بالصبا حيث ضرب وجوههم بالريح فهزمهم، قال الله تعالى: * (فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها) * (الأحزاب: 9). وقال مجاهد: سلط الله عليهم الريح فكفأت قدورهم ونزعت خيامهم حتى أظعنتهم، والصبا مقصورا: الريح الشرقية، والدبور، بفتح الدال: الغربية، وقيل: الصبا التي تجيء من ظهرك إذا استقبلت القبلة، والدبور عكسها، وقال الجوهري: الصباريح مهبها للمستوى موضع مطلع الشمس إذا استوى الليل والنهار
183

والدبور ما يقابلها، والحديث مضى في الاستسقاء في: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: نصرت بالصبا، فإنه أخرجه هناك عن مسلم عن شعبة عن الحكم... إلى آخره نحوه، والحكم بفتحتين: هو ابن عتيبة تصغير عتبة الباب.
4106 حدثني أحمد بن عثمان حدثنا شريح بن مسلمة قال حدثني إبراهيم بن يوسف قال حدثني أبي عن أبي إسحاق قال سمعت البراء يحدث قال لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه وكان كثير الشعر فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة وهو ينقل من
التراب يقول:
* أللهم لولا أنت ما اهتدينا
* ولا تصدقنا ولا صلينا
*
* فأنزلن سكينة علينا
* وثبت الأقدام إن لاقينا
*
* إن الألى قد بغوا علينا
* وإن أرادوا فتنة أبينا
*
قال ثم يمد صوته بآخرها..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأحمد بن عثمان بن حكيم أبو عبد الله الأزدي الكوفي، وهو شيخ مسلم أيضا، وشريح، بضم الشين المعجمة وبالحاء المهملة: ابن مسلمة، بفتح الميمين: الكوفي، وإبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله الكوفي السبيعي، يروي عن جده أبي إسحاق، وأبو إسحاق يصرح بسماعه عن البراء بن عازب، رضي الله تعالى عنه.
وحديث البراء هذا قد تقدم قبل الحديث الذي قبله، ولكن بينهما بعض اختلاف، وهو أن في ذلك الحديث: كان النبي صلى الله عليه وسلم، ينقل التراب يوم الخندق حتى غمر بطنه، وههنا (رأيته ينقل..) إلى قوله: (وكان كثير الشعر) وظاهر هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كثير شعر الصدر، وليس كذلك، فإن في صفته صلى الله عليه وسلم أنه كان دقيق المسربة، أي: الشعر الذي في الصدر إلى البطن، قيل: يمكن أن يجمع بأنه كان مع دقته كثيرا أي: لم يكن منتشرا بل كان مستطيلا. وفي هذا الحديث نسب البراء الرجز المذكور إلى ابن رواحة، وهو عبد الله بن رواحة الأنصاري أحد الأمراء في غزوة مؤتة، وفي ذلك الحديث نسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مر الكلام فيه هناك.
4107 حدثني عبدة بن عبد الله حدثنا عبد الصمد عن عبد الرحمان هو ابن عبد الله بن دينار عن أبيه أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال أول يوم شهدته هو يوم الخندق.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وعبدة، بفتح العين وسكون الباء الموحدة: ابن عبد الله بن عبدة أبو سهل الصفار الخزاعي البصري، وهو من أفراده، وعبد الصم هو ابن عبد الوارث بن سعيد. قوله: (أول يوم) مبتدأ وخبره هو قوله: (يوم الخندق) والمعنى: أول يوم باشرت فيه القتال يوم غزوة الخندق، وتقدم أنه لم يشهد أحدا وعرض فيها وهو ابن أربع عشرة ولم يجزه، وكذلك في غزوة بدر.
4108 حدثني إبراهيم بن موساى أخبرنا هشام عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر. قال وأخبرني ابن طاوس عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر دخلت على حفصة ونسواتها تنطف قلت قد كان من أمر الناس ما ترين فلم يجعل لي من الأمر شيء فقالت إلحق فإنهم ينتظرونك وأخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة فلم تدعه حتى ذهب فلما تفرق الناس
184

خطب معاوية قال من كان يريد أن يتكلم في هاذا الأمر فليطلع لنا قرنه فلنحن أحق به منه ومن أبيه قال حبيب بن مسلمة فهلا أجبته قال عبد الله فحللت حبوتي وهممت أن أقول أحق بهذا الأمر منك من قاتلك وأباك على الإسلام فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع وتسفك الدم ويحمل عني غير ذلك فذكرت ما أعد الله في الجنان قال حبيب حفظت وعصيت. قال محمود عن عبد الرزاق ونوساتها.
لا وجه لذكر هذا الحديث هنا إلا أن يقال: ذكر استطرادا لما قبله، لأن كلا منهما يتعلق بابن عمر، رضي الله تعالى عنهما.
وأخرجه من طريقين:؛ الأول: عن إبراهيم بن موسى بن يزيد الفراء أبي إسحاق الرازي عن هشام بن يوسف الصنعاني عن معمر بن راشد عن محمد بن مسلم الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، الثاني: عن إبراهيم عن هشام عن معمر عن ابن طاووس وهو عبد الله عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر. والحديث من أفراده.
قوله: (حفصة)، هي بنت عمر بن الخطاب، وأخت عبد الله. قوله: (ونسواتها)، بفتح النون والسين المهملة، والواو، قال الخطابي: نسواتها، ليس بشيء إنما هو نوساتها يعني: بتقديم الواو على السين أي: ذوائبها (تنظف) بضم الطاء وكسرها أي: تقطر كأنها كانت قد اغتسلت، ويقال: النوسات جمع نوسة واشتقاقها من النوس وهو الاضطراب، وكان ذؤابها كانت تنوس أي: تتحرك وكل شيء تحرك فقد ناس، وقال ابن التين. قوله: (نوساتها)، بسكون الواو وضبط بفتحها، وأما: نسواتها، فكأنه على القلب. قوله: (قد كان من أمر الناس ما ترين)، أراد به ما وقع بين علي ومعاوية من القتال في صفين واجتماع الناس على الحكومة بينهم فيما اختلفوا فيه، فراسلوا بقايا الصحابة من الحرمين وغيرهما وتواعدوا على الاجتماع لينظروا في ذلك، فشاور ابن عمر أخته حفصة في التوجه إليهم أو عدمه فأشارت
عليه باللحوق بهم خشية أن ينشأ من غيبته اختلاف يفضي إلى استمرار الفتنة. قوله: (فلم يجعل لي)، على صيغة المجهول، وأراد بالأمر الإمارة والملك. قوله: (فقالت) أي: قالت حفصة له: (الحق) القوم وهو بكسر الهمزة وسكون القاف أمر من: ألحق يلحق. قوله: (فإنهم) أي: فإن القوم. قوله: (فرقة)، أي: افتراق بين الجماعة ومخالفة بينهم. قوله: (فلم تدعه)، أي: فلم تدع حفصة، أي: فلم تترك حفصة عبد الله حتى ذهب إلى القوم وحضر ما وقع بينهم. قوله: (فلما تفرق الناس..)، أي: بعد أن اختلف الحكمان وهما أبو موسى الأشعري وكان حكما من جهة علي، رضي الله تعالى عنه، وعمرو بن العاص وكان حكما من جهة معاوية، وقصة التحكيم طويلة بيناها في (تاريخنا الكبير) والحاصل أن القوم اتفقوا على الحكمين المذكورين، ثم قال عمرو بن العاص لأبي موسى الأشعري: قم فأعلم الناس بما اتفقنا عليه، فخطب أبو موسى الناس ثم قال: أيها الناس! إنا قد نظرنا في هذه الأمة فلم نر أمرا أصلح لها ولا ألم لشعثها من رأى اتفقت أنا وعمرو عليه، وهو أنا نخلع عليا ومعاوية ونترك الأمر شورى ونستقبل للأمة هذا الأمر فيولوا عليهم من أحبوه، وإني قد خلعت عليا ومعاوية، ثم تنحى وجاء عمرو فقام مقامه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: هذا قد قال ما سمعتم، وأنه قد خلع صاحبه، وإني قد خلعته كما خلعه، وأثبت صاحبي معاوية، فإنه ولي عثمان بن عفان والمطالب بدمه وهو أحق الناس، فلما انفصل الأمر على هذا خطب معاوية إلخ. قوله: (قرنه)، بفتح القاف وسكون الراء، أي: رأسه، وهذا تعريض منه بابن عمر وعمر، رضي الله تعالى عنهما، وقال ابن التين: يحتمل أن يريد به بدعته، كما جاء في الخبر الآخر: كلما نجم قرن، أي: كلما طلع. قلت: في حديث خباب هذا قرن قد طلع، أراد قوما أحداثا بغوا بعد أن لم يكونوا، يعني: القصاص، وقيل: أراد بدعة حدثت لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن التين: ويحتمل أن يكون المعنى: فليبد لنا صفحة وجهه، والقرن من شأنه أن يكون في الوجه، والمعنى: فليظهر لنا نفسه ولا يخفيها. قوله: (أحق به) أي: بأمر الخلافة. قوله: (منه) أي: من عبد الله (ومن أبيه) أي: ومن أب عبد الله وهو عمر بن الخطاب. قوله: (قال حبيب ابن مسلمة) بفتح الميم واللام: ابن مالك الأكبر ابن وهب بن ثعلبة بن واثلة بن شيبان بن محارب بن فهر بن مالك القرشي الفهري، يكنى أبا عبد الرحمن، يقال له: حبيب الروم، لكثرة دخوله إليهم ونيله منهم، وولاه عمر الجزيرة إذ عزل
185

عنها عياض بن غنم، وقال سعيد بن عبد العزيز: كان حبيب بن مسلمة فاضلا مجاب الدعوة، مات بالأرمينية سنة اثنتين وأربعين له ولأبيه صحبة. قوله: (فهلا أجبته؟) أي: لم ما أجبت معاوية؟. قوله: (حبوتي)، بضم الحاء وكسرها: اسم من احتبى الرجل إذا جمع الرجل ظهره وساقيه بعمامته. قوله: (من قاتلك)، يخاطب به معاوية. قوله: (وأباك) أراد به أبا سفيان والد معاوية، فإن عليا، رضي الله تعالى عنه، قاتل معاوية ووالده أبا سفيان يوم أحد ويوم الخندق وهما كانا كافرين في ذلك الوقت، وإنما أسلما يوم الفتح. قوله: (ويحمل عني غير ذلك)، أي: على غير ما أردت. قوله: (فذكرت ما أعد الله في الجنان) يعني: لمن صبر واختار الآخرة على الدنيا. (قال حبيب) هو ابن مسلمة المذكور. قوله: (حفظت وعصمت)، كلاهما على صيغة المجهول، واستصوب حبيب رأيه على أنه كان من أصحاب معاوية.
(قال محمود عن عبد الرزاق) أي: قال محمود بن غيلان أبو أحمد العدوي المروزي أحد مشايخ البخاري ومسلم، وهذا التعليق وصله محمد بن قدامة الجوهري في كتاب (أخبار الخوارج) له، قال: حدثنا محمود بن غيلان المروزي أخبرنا عبد الرزاق عن معمر، فذكره بالإسنادين معا، وساق المتن بتمامه، وأوله: دخلت على حفصة ونوساتها تنطف، وهذا هو الصواب، وقد مر الكلام فيه عن قريب.
4109 حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن سليمان بن صرد قال قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب نغزوهم ولا يغزوننا. (الحديث 4109 طرفه في: 4110).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو نعيم، بضم النون: الفضل بن دكين، وسفيان هو ابن عيينة، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، وسليمان بن صرد، بضم الصاد المهملة وفتح الراء وبالدال المهملة: ابن الجون، بفتح الجيم الخزاعي صحابي مشهور، ويقال: كان اسمه يسار فغيره النبي صلى الله عليه وسلم، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في صفة إبليس، وفي الرواية التي تأتي صرح بسماع أبي إسحاق عن سليمان بن صرد، وكان سليمان أسن من خرج من أهل الكوفة في طلب ثار الحسين بن علي، رضي الله تعالى عنهما، فقتل هو وأصحابه بعين الوردة في سنة خمس وستين.
قوله: (يوم الأحزاب) أي: قال يوم الخندق: (تغزوهم) أي: نغزوا قريشا (وهم لا يغزوننا) قال ذلك بعد أن انصرفت قريش عن قضية الخندق وذلك لسبع بقين من ذي القعدة سنة خمس في قول ابن إسحاق وآخرين، وعن الزهري: سنة أربع في شوال، وقال ابن إسحاق: لما انصرف أهل الخندق، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لن نغزوكم قريش بعد عامكم هذا، ولكنكم تغزونهم. قال: فلم تعد قريش بعد ذلك، وكان يغزوهم بعد ذلك حتى فتح الله عليه مكة. وفيه: معجزة عظيمة للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث أخبر عن أمر سيكون، وقد وقع مثل ما قال. قوله: (ولا يغزوننا)، ويروى: لا يغزونا، بإسقاط نون الجمع بدون ناصب ولا جازم، وهي لغة فاشية عن العرب.
4110 حدثني عبد الله بن محمد حدثنا يحيى بن آدم حدثنا إسرائيل سمعت أبا إسحاق يقول سمعت سليمان بن صرد يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول حين أجلي الأحزاب عنه الآن نغزوهم ولا يغزوننا نحن نسير إليهم. (انظر الحديث 4109).
هذا طريق آخر في حديث سليمان بن صرد أخرجه عن عبد الله بن محمد بن عبد الله الجعفي البخاري المعروف بالمسندي عن يحيى بن آدم بن سليمان صاحب الثوري عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، يروي إسرائيل عن جده أبي إسحاق المذكور.
قوله: (أجلي) بضم الهمزة وسكون الجيم وكسر اللام: من الإجلاء، يقال أجلى يجلي إجلاء، وجلا يجلو جلاء إذا خرج عن الوطن هاربا، وجلوته أنا وأجليته وكلاهما لازم ومتعد، وحاصل المعنى أنهم رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه إشارة إلى أنهم رجعوا بغير اختيارهم، بل بصنيع الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: (نحن نسير إليهم) وهكذا وقع، سار إليهم وفتح مكة.
186

4111 حدثنا إسحاق حدثنا روح حدثنا هشام عن محمد عن عبيدة عن علي رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم الخندق ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم نارا كما شغلونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسحاق هو ابن منصور أبو يعقوب المروزي، وروح هو ابن عبادة، وهشام هو ابن حسان الفردوسي وليس هو هشام الدستوائي كما قال بعضهم، ومحمد هو ابن سيرين، وعبيدة، بفتح العين المهملة وكسر الباء الموحدة أبو عمرو السلماني الكوفي، أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، بسنتين ولم يهاجر إليه ولم يره.
والحديث قد مر في الجهاد في: باب الدعاء على المشركين بالهزيمة فإنه أخرجه هناك عن إبراهيم بن موسى عن عيسى عن هشام عن محمد عن عبيدة عن علي، رضي الله تعالى عنه، إلى آخره، نحوه.
4112 حدثنا المكي بن إبراهيم حدثنا هشام عن يحيى عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس جعل يسب كفار قريش وقال يا رسول الله ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس أن تغرب قال النبي صلى الله عليه وسلم ما صليتها فنزلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعدما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وهشام هو ابن عبد الله الدستوائي، ويحيى هو ابن أبي كثير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
والحديث مضى في أواخر أبواب المواقيت فإنه أخرجه هناك في: باب قضاء الصلاة الأولى، فالأولى عن مسدد عن يحيى... إلى آخره نحوه، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (جعل) عمر، ويروى: جاء عمر، رضي الله تعالى عنه. قوله: (بطحان) بضم الباء الموحدة غير منصرف، وهو اسم وادي المدينة.
4113 حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن ابن المنكدر قال سمعت جابرا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير أنا ثم قال من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير أنا ثم قال من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير أنا ثم قال إن لكل نبي حواريا وحواري الزبير..
مطابقته للترجمة في قوله: (يوم الأحزاب) لأنه يوم الخندق. ومحمد بن كثير ضد القليل وسفيان هو الثوري، يروي عن محمد بن المنكدر.
والحديث مضى في الجهاد في: باب هل يبعث الطليعة وحده؟ فإنه أخرجه هناك عن صدقة عن ابن عيينة عن محمد بن المنكدر إلى آخره.
قوله: (بخبر القوم) قال الواقدي: المراد بالقوم بنو قريظة. قوله: (حواريا) أي: ناصرا. قوله: (وحواري) بالإضافة إلى ياء المتكلم وتخفيفها، والاكتفاء بالكسرة وبفتحها.
4114 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لا إلاه إلا الله وحده أعز جنده ونصر عبده وغلب الأحزاب وحده فلا شيء بعده.
مطابقته للترجمة في قوله: (وغلب الأحزاب وحده) قوله: (عن أبيه) هو أبو سعيد المقبري واسمه كيسان مولى بني ليث. قوله: (وحده) منصوب على تقدير: أوحد وحده. قوله: (أعز) أي: أعز الله جنده ونصر عبده النبي صلى الله عليه وسلم،
187

وغلب الأحزاب الذين جاؤوا من أهل مكة وغيرهم يوم الخندق. قوله: (فلا شيء بعده) أي: جميع الأشياء بالنسبة إلى وجوده كالعدم، أو بمعنى: كل شيء يفنى وهو الباقي بعد كل شيء فلا شيء بعد. قال تعالى: * (كل شيء هالك إلا وجهه) * (القصص: 88). فإن قلت: هذا سجع والنبي صلى الله عليه وسلم، ذم السجع حيث قال منكر: أسجع كسجع الكهان؟ قلت: المنكر والمذموم السجع الذي يأتي بالتكلف وبالتزام ما لا يلزم، وسجعه صلى الله عليه وسلم من السجع المحمود لأنه جاء بانسجام واتفاق على مقتضى السجية، وكذلك وقع منه في أدعية كثيرة من غير قصد لذلك ولا اعتماد إلى وقوعه موزونا مقفى بقصده إلى القافية.
4115 حدثنا محمد أخبرنا الفزاري وعبدة عن إسماعيل بن أبي خالد قال سمعت عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنهما يقول دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب فقال أللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وزلزلهم..
مطابقته للترجمة ظاهرة، ومحمد هو ابن سلام البيكندي البخاري، والفزاري، بفتح الفاء وبالزاي وكسر الراء: هو مروان ابن معاوية بن الحارث الكوفي، سكن مكة، وعبدة هو ابن سليمان، مر عن قريب.
والحديث مر في كتاب الجهاد في: باب الدعاء على المشركين بالهزيمة فإنه أخرجه هناك عن أحمد بن محمد عن عبد الله عن إسماعيل بن أبي خالد نحوه.
قوله: (سريع الحساب) أي: سريع في الحساب، أو سريع حسابه قريب زمانه.
4116 حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا موسى بن عقبة عن سالم ونافع عن عبد الله رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذاقفل من الغزو أو الحج أو العمرة يبدأ فيكبر ثلاث مرار ثم يقول لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا
حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده..
مطابقته للترجمة في آخر الحديث. وعبد الله هو ابن المبارك، ونافع بالجر عطف على قوله: عن سالم، والمعنى: أن موسى بن عتبة روى هذا الحديث عن كل واحد من سالم بن عبد الله بن عمر ونافع مولى ابن عمر، وكل منهما يرويه عن عبد الله بن عمر.
والحديث مر في كتاب الجهاد في: باب التكبير إذا علا شرفا، وفي: باب ما يقول إذا رجع من الغزو.
قوله: (إذا قفل) أي: إذا رجع، وكلمة: أو، في الموضعين للتنويع لا للشك. قوله: (لربنا)، يحتمل أن يتعلق بما قبله وبما قبله، ومر الكلام فيه هناك.
31
((باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته وإياهم))
أي: هذا باب في بيان مرجع النبي صلى الله عليه وسلم، والمرجع والمخرج بفتح الميم فيهما مصدران ميميان بمعنى الرجوع والخروج، والمعنى، رجوع النبي صلى الله عليه وسلم، من الموضع الذي كان يقاتل فيه الأحزاب إلى منزله بالمدينة وخروجه منه إلى بني قريظة ومحاصرته صلى الله عليه وسلم، إياهم، وكان توجهه صلى الله عليه وسلم، إليهم لسبع بقين من ذي القعدة من سنة خمس، وقال الواقدي: في بقية ذي القعدة وأول ذي الحجة، وقال ابن سعد: خرج إليهم يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة في ثلاثة آلاف رجل والخيل ستة وثلاثون فرسا، فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة، وقيل: خمسا وعشرين ليلة، وقيل: خمس عشرة ليلة، وقال ابن سعد: وانصرف راجعا يوم الخميس لثمان خلون من ذي الحجة، والله أعلم.
188

4117 حدثني عبد الله بن أبي شيبة حدثنا ابن نمير عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الخندق ووضع السلاح واغتسل أتاه جبريل عليه السلام فقال قد وضعت السلاح والله ما وضعناه فاخرج إليهم قال فإلى أين قال ههنا وأشار إلى بني قريظة فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وابن نمير تصغير نمر الحيوان المشهور وهو عبد الله بن نمير، وهشام هو ابن عروة بن الزبير، رضي الله تعالى عنه، والحديث قد مر في الجهاد في: باب الغسل بعد الحرب والغبار.
4119 حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء حدثنا جويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها وقال بعضهم بل نصلي لم يرد منا ذلك فذكر ذالك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهم. (انظر الحديث 946).
مطابقته للترجمة في قوله: (إلا في بني قريظة) وجويرية مصغر جارية بالجيم، وهم عم عبد الله الراوي عنه، والحديث مر في صلاة الخوف في: باب صلاة الطالب والمطلوب بعين هذا الإسناد والمتن، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (العصر) كذا وقع في جمع نسخ البخاري، ووقع في جميع النسخ عند مسلم: الظهر، مع اتفاق البخاري ومسلم على روايته عن شيخ واحد بإسناد واحد، ووافق مسلما أبو يعلى وآخرون، وكذلك أخرجه ابن سعد عن أبي غسان مالك بن إسماعيل عن جويرية بلفظ: الظهر، وابن حبان من طريق أبي غسان كذلك، وأصحاب المغازي كلهم ما ذكروا إلا العصر، وكذلك أخرجه أبو نعيم في (المستخرج) من طريق أبي حفص السلمي عن جويرية، فقال: العصر، وجمع بين الروايتين بوجوه:
الأول: باحتمال أن يكون قبل الأمر كان صلى الظهر وبعضهم لم يصلها، فقال لمن لم يصلها، لا يصلين أحد الظهر، ولمن صلاها: لا يصلين أحد العصر.
189

الثاني: باحتمال أن تكون طائفة منهم راحت بعد طائفة، فقال للطائفة الأولى: الظهر، وللطائفة التي بعدها: العصر.
الثالث: أن يكون الاختلاف من حفظ بعض الرواة.
4120 حدثنا ابن أبي الأسود حدثنا معتمر وحدثني خليفة حدثنا معتمر قال سمعت أبي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال كان الرجل يجعل للنبي صلى الله عليه وسلم النخلات حتى افتتح قريظة والنضير وأن أهلي أمروني أن آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسأله الذي كانوا أعطوه أو بعضه وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطاه أم أيمن فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب في عنقي تقول كلا والذي لا إلاه إلا هو لا يعطيكهم وقد أعطانيها أو كما قالت والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لك كذا وتقول كلا والله حتى أعطاها حسبت أنه قال عشرة أمثاله أو كما قال.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (حتى افتتح قريظة والنضير) وابن أبي الأسود هو عبد الله، وأبو الأسود جد عبد الله، واسم أبيه: محمد، واسم أبي الأسود، حميد بن أبي الأسود، ومعتمر هو ابن سليمان بن طرخان التيمي، وخليفة هو ابن خياط.
والحديث مضى في كتاب الخمس مختصرا في: باب كيف قسم النبي صلى الله عليه وسلم قريظة والنضير، فإنه أخرجه هناك عن ابن أبي الأسود أيضا إلى آخره نحوه.
قوله: (حتى افتتح)، أي: إلى أن افتتح، ولما افتتحها ردها إليهم. قوله: (الذي كانوا أعطوه)، أي: النخل الذي كان الأنصار أعطوا النبي صلى الله عليه وسلم، قوله: (أو بعضه)، أي: أو اسأل بعض ما أعطوه. قوله: (وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطاه أم أيمن) أي: وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطى الذي أعطي له من النخلات لأم أيمن، وهي حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم، واسمها بركة، وقد تقدم ذكرها مرارا. قوله: (فجعلت الثوب في عنقي)، أي: قال أنس: لما سأل أم أيمن جعلت أم أيمن الثوب في عنقي، والحال أنها تقول: كلا، أي: ارتدع عن هذا فإنه لا يعطيكهم، والحال أنه قد أعطانيها، أي: النخلات. قوله
: (أو كما قالت)، شك من الراوي أي: أو كما قالت أم أيمن، وإنما امتنعت من ردها ظنا أنها ملكت رقبة النخلات، ولا ظنها النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال لها أنس: (والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لك كذا...) إلى آخره، وذلك لما كان لها عليه من حق الحضانة، والواو في: والنبي، للحال، وكان مقتضى الحال أن يقول: لها مكان، ولكن كلمة: لها، مقدرة تقديره: والنبي يقول لها لك كذا، وهي (تقول: كلا)، كذا كناية عن القدر الذي ذكره لها النبي صلى الله عليه وسلم، فما زال النبي صلى الله عليه وسلم يزيدها في عرض النخلات حتى رضيت. قوله: (والله حتى أعطاها) أي: قال أنس: والله أعطاها النبي صلى الله عليه وسلم عشرة أمثاله: أشار إليه بقوله: (حسبت أنه قال عشرة أمثاله) وهو قول سليمان بن طرخان الراوي عن أنس، كأنه شك في قول أنس: عشرة أمثاله، (أو كما قال)، وفي رواية مسلم: أعطاها عشرة أمثاله أو قريبا من عشرة أمثاله.
وفي الحديث: مشروعية هبة المنفعة دون الرقبة، وفرط جود النبي صلى الله عليه وسلم وكثرة حلمه وبره، وفيه: منزلة أم أيمن، رضي الله تعالى عنها.
4121 حدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن سعد قال سمعت أبا أمامة قال سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه يقول نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى سعد فأتى على حمار فلما دنا من المسجد قال للأنصار قوموا إلى سيدكم أو خيركم فقال هاؤلاء نزلوا على حكمك فقال تقتل مقاتلتهم وتسبي ذراريهم قال قضيت بحكم الله وربما قال بحكم الملك.
مطابقته للترجمة تفهم من معنى الحديث، وغندر، بضم الغين المعجمة وسكون النون لقب محمد بن جعفر، وقد مر غير مرة، وسعد هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وأبو أمامة أسعد بن سهل بن حنيف الأنصاري، وأبو سعيد الخدري سعد بن
190

مالك الأنصاري، وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي.
والحديث تقدم في الجهاد في: باب إذا نزل العدو على حكم رجل، فإنه أخرجه هناك عن سليمان بن حرب عن شعبة... إلى آخره.
قوله: (نزل أهل قريظة على حكم سعد)، سيأتي بيان ذلك في الحديث الذي يليه، وفي رواية محمد بن صالح بن دينار التمار المدني: حكم أن يقتل منهم كل من جرت عليه الموسى. قوله: (فلما دنا) أي: قرب (من المسجد) قيل: المراد به المسجد الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم أعده للصلاة فيه في ديار بني قريظة أيام حصارهم، وفي كلام ابن إسحاق ما يدل أنه كان مقيما في مسجد المدينة حتى بعث إليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم ليحكم في بني قريظة، وفيه: فلما خرج إلى بني قريظة كان سعد في مسجد المدينة، والقول الأول أصح. قوله: (إلى سيدكم) أراد أفضلكم رجلا وسيد القوم هو رئيسهم والقائم بأمرهم، وفي (مسند أحمد)، من حديث عائشة: فلما طلع، يعني: سعدا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى سيدكم فأنزلوه، فقال عمر: السيد الله، معناه هو الذي تحق له السيادة، كأنه كره أن يحمد في وجهه، وأحب التواضع. قوله: (أو خيركم)، شك من الراوي. قوله: (وربما قال بحكم الملك) بكسر اللام، وقال الكرماني: وبفتح اللام جبريل، عليه السلام، الذي ينزل بالأحكام والشك فيه من أحد الرواة أي: اللفظتين، قال: وفي رواية محمد بن صالح المذكور آنفا: لقد حكمت اليوم فيهم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سماوات، وفي رواية ابن إسحاق من مرسل علقمة بن وقاص: لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة، والأرقعة بالقاف جمع رقيع، وهو من أسماء السماء، قيل: سميت بذلك لأنها رقعت بالنجوم.
158 - (حدثنا زكرياء بن يحيى حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت أصيب سعد يوم الخندق رماه رجل من قريش يقال له حبان بن العرقة رماه في الأكحل فضرب النبي
خيمة في المسجد ليعوده من قريب فلما رجع رسول الله
من الخندق وضع السلاح واغتسل فأتاه جبريل عليه السلام وهو ينفض رأسه من الغبار فقال قد وضعت السلاح والله ما وضعته اخرج إليهم قال النبي
فأين فأشار إلى بني قريظة فأتاهم رسول الله
فنزلوا على حكمه فرد الحكم إلى سعد قال فإني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة وأن تسبى النساء والذرية وأن تقسم أموالهم قال هشام فأخبرني أبي عن عائشة أن سعدا قال اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلي أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك
وأخرجوه اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني له حتى أجاهدهم فيك وإن كنت وضعت الحرب فافجرها واجعل موتتي فيها فانفجرت من لبته فلم يرعهم وفي المسجد خيمة من بني غفار إلا الدم يسيل إليهم فقالوا يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم فإذا سعد يغذو جرحه دما فمات منها رضي الله عنه)
مطابقته للترجمة ظاهرة وزكريا بن يحيى بن صالح البلخي الحافظ الفقيه وهو من أفراده وهشام هو ابن عروة بن الزبير بن العوام والحديث مر في الصلاة في باب الخيمة في المسجد للمرضى فإنه أخرجه هناك بأخصر منه بعين هذا الإسناد عن زكريا بن يحيى إلى آخره قوله ' أصيب سعد ' وهو سعد بن معاذ بن النعمان الأنصاري الأوسي الأشهلي قوله ' حبان ' بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن العرقة بفتح العين المهملة وكسر الراء وبالقاف والعرقة أمه وهي بنت سعيد بن سعد بن سهم وأبوه قيس من بني معيص بن عامر بن لؤي وفي بعض النسخ وهو حبان بن قيس
191

من بني معيص بفتح الميم وكسر العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف ويقال حبان بن أبي قيس بن علقمة بن عبد مناف قوله ' في الأكحل ' بفتح الهمزة وسكون الكاف وباللام وهو عرق في وسط الذراع قال الخليل هو عرق الحياة يقال أن في كل عضو منه شعبة فهو في اليد أكحل وفي الظهر أثير وفي الفخذ النسا إذا قطع لم يرقا الدم
قوله ' فلما رجع ' قال القرطبي الفاء فيه زائدة وفي الحديث الذي في الجهاد ولما رجع بالواو قوله ' وضع السلاح ' جواب لما قوله ' وهو ينفض ' الواو فيه للحال وروى الطبراني والبيهقي من طريق القاسم بن محمد عن عائشة قالت سلم علينا رجل ونحن في البيت فقام رسول الله
فزعا فقمت في أثره فإذا بدحية الكلبي فقال هذا جبريل يأمرني أن أذهب إلى بني قريظة وذلك لما رجع من الخندق قالت فكأني برسول الله
يمسح الغبار عن وجه جبريل عليه السلام وروى أحمد من حديث علقمة بن وقاص عن عائشة فجاءه جبريل وإن على ثناياه لنقع الغبار وفي مرسل يزيد بن الأصم عند ابن سعد فقال له جبريل عفا الله عنك وضعت السلاح ولم تضعه ملائكة الله قوله ' اخرج ' بضم الهمزة أمر من الخروج قوله ' فأتاهم رسول الله
' أي فحاصرهم وروى الحاكم والبيهقي من حديث أبي الأسود عن عروة وبعث عليا رضي الله تعالى عنه على المقدمة ورفع إليه اللواء وخرج رسول الله
على أثره وكذا في رواية موسى بن عقبة وزاد ' وحاصرهم بضع عشرة ليلة ' وعند ابن سعد ' خمس عشرة ليلة ' وفي حديث علقمة بن وقاص ' خمسا وعشرين ' قوله ' فرد الحكم إلى سعد ' أي فرد رسول الله
الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ ووجه الرد إليه سؤال الأوس ذلك منه
قوله ' فإني أحكم فيهم ' أي في بني قريظة وهذا هكذا رواية النسفي وفي رواية غيره ' أحكم فيه ' أي في هذا الأمر قوله ' أن تقتل المقاتلة ' ذكر ابن إسحاق أنهم جعلوا في دار بنت الحارث وفي رواية أبي الأسود عن عروة في دار أسامة بن زيد ويجمع بينهما بأنهم جعلوا في بيتين ووقع في حديث جابر عند ابن عائذ التصريح بأنهم جعلوا في بيتين وقال ابن إسحاق ' فخندقوا لهم خنادق فضربت أعناقهم فجرى الدم في الخندق وقسم نساءهم وأبناءهم على المسلمين ' واختلف في عدتهم فعند ابن إسحاق ' كانوا ستمائة ' وعند ابن عائذ من مرسل قتادة ' كانوا سبعمائة ' وفي حديث جابر عند الترمذي والنسائي وابن حبان بإسناد صحيح ' أنهم كانوا أربعمائة مقاتل ' فيحتمل في طريق الجمع أن يقال أن الباقين كانوا أتباعا وقد حكى ابن إسحاق وقيل أنهم كانوا تسعمائة قوله ' والذرية ' بضم الذال وفي التوضيح قال عبد الملك بنصب الذرية وقال ابن الأثير الذرية اسم جمع نسل الإنسان من ذكر وأنثى وأصله الهمزة لكنهم حذفوها فلم يستعملوها إلا غير مهموزة وتجمع على ذريات وذراري مشددا وقيل أصلها من الذر بمعنى التفريق لأن الله ذرهم في الأرض انتهى واختلف في وزنها هل هو فعلية أو فعلولة قوله ' قال هشام فأخبرني أبي ' أي عروة وهو موصول بالإسناد المذكور أولا قوله ' فأبقني له ' أي للحرب وفي رواية الكشميهني لهم قوله ' فافجرها ' بوصل الهمزة والجيم ثلاثي من فجر يفجر متعد والضمير المنصوب فيه يرجع إلى الجراحة قيل كيف استدعى الموت وهو غير جائز وأجيب بأن غرضه كان أن يموت على الشهادة فكأنه قال إن كان بعد هذا قتال معهم فذاك وإلا فلا تحرمني من ثواب هذه الشهادة قوله ' من لبته ' بفتح اللام وتشديد الباء الموحدة موضع القلادة من الصدر وهي رواية مسلم والإسماعيلي وفي رواية الكشميهني من ليلته وفي مسند حميد بن هلال عن ابن سعيد أنه مرت به عنز وهو مضطجع فأصاب ظلفها موضع الجرح فانفجر حتى مات قوله ' فلم يرعهم ' من الروع وهو الخوف قال الكرماني مرجع الضمير بنو غفار والسياق يدل عليه وقيل الضمير يرجع إلى أهل المسجد قوله ' وفي المسجد خيمة من بني غفار ' الواو فيه للحال قيل الخيمة لبني غفار لا من بني غفار وأجيب بأن المضاف فيه محذوف أي خيمة من خيام بني غفار فإن قلت ذكر ابن إسحاق أن الخيمة كانت لرفيدة الأسلمية (قلت) يحتمل أن يكون لها زوج من بني غفار وغفار بن مليلة بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وغفار بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وبالراء وقال ابن دريد من غفر إذا ستر قوله فإذا سعد كلمة إذا للمفاجأة قوله يغذو بغين وذال معجمتين أي يسيل يقال غذا العرق إذا سال دما قوله فمات منها أي من تلك الجراحة
192

وفي السير ولما مات أتى جبريل عليه السلام معتجرا بعمامة من إستبرق فقال يا محمد من هذا الذي فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش فقام
سريعا يجر ثوبه إليه فوجده قد مات ولما حملوا نعشه وجدوا له خفة فقال إن له حملة غيركم وقال ابن عائذ لقد نزل سبعون ألف ملك شهدوا سعدا ما وطئوا الأرض إلا يومهم هذا * -
4123 حدثنا الحجاج بن منهال أخبرنا شعبة قال أخبرني عدي أنه سمع البراء رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان يوم قريظة اهجهم أو هاجهم وجبريل معك.
مطابقته للترجمة من حيث إن هجو حسان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم كان للمشركين يوم بني قريظة، تدل عليه رواية إبراهيم بن طهمان التي تأتي الآن، وعدي هو ابن ثابت الأنصاري الكوفي، والحديث مضى في كتاب بدء الخلق في: باب ذكر الملائكة، فإنه أخرجه هناك عن حفص بن عمر عن شعبة إلخ.
قوله: (أهجهم) أمر من الهجو، وهو خلاف المدح، يقال: هجوته هجوا وهجاء وتهجاء. قوله: (أوهاجهم)، شك من الراوي، وهو أمر من المهاجاة من باب المفاعلة الدال على الاشتراك في الهجو، والضمير المنصوب فيه يرجع إلى المشركين بدلالة القرينة، والواو في (جبريل) للحال، وقد مر الكلام فيه هناك.
4124 وزاد إبراهيم بن طهمان عن الشيباني عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة لحسان بن ثابت اهج المشركين فإن جبريل معك.
أي: زاد إبراهيم بن طهمان الهروي أبو سعيد في الحديث المذكور عن أبي إسحاق بن سليمان الشيباني عن عدي بن ثابت.. الخ، وقد وصل هذه الزيادة النسائي عن حميد بن مسعدة عن سفيان بن حبيب عن شعبة عن عدي بن ثابت، والزيادة هي تعيينه أن الأمر لحسان بذلك وقع يوم قريظة.
32
((باب غزوة ذات الرقاع))
أي: هذا باب في بيان غزوة ذات الرقاع، بكسر الراء وبالقاف وبالعين المهملة: سميت بذلك لأنهم رقعوا فيها راياتهم، وقيل: لأن أقدامهم نقبت فكانوا يلقون الخرق، وقيل: كانوا يلقون الخرق في الخر وقيل: سميت بذلك لشجرة هناك تسمى: ذات الرقاع، وقال الواقدي: سميت بذلك لجبل فيه بقع حمر وبيض وسود، وقال ابن إسحاق: ثم أقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد غزوة بني النضير شهري ربيع وبعض جمادى، ثم غزا نجدا يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان، واستعمل على المدينة أبا ذر، وقال ابن هشام: ويقال: عثمان بن عفان، ثم سار حتى نزل نجدا وهي غزوة ذات الرقاع، فلقي بها جمعا من غطفان فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب، وقد أخاف الله الناس بعضهم بعضا حتى صلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، والحاصل أن غزوة ذات الرقاع عند ابن إسحاق كانت بعد بني النضير وقبل الخندق سنة أربع، وعند ابن سعد وابن حبان: أنها كانت في المحرم سنة خمس، ومال البخاري إلى أنها كانت بعد خيبر على ما سيأتي، واستدل على ذلك بأن أبا موسى الأشعري شهدها، وقدومه إنما كان ليالي خيبر صحبة جعفر وأصحابه، ومع هذا ذكرها البخاري قبل خيبر، والظاهر أن ذلك من الرواة، وقال الواقدي: خرج إليها رسول الله، صلى الله عليه وسلم ليلة السبت لعشر خلون من المحرم في أربعمائة، وقيل: سبعمائة، وعند البيهقي: ثمانمائة، وقال ابن سعد: على رأس تسعة وأربعين شهرا من الهجرة وغاب خمس عشرة ليلة، وفي (المعجم الأوسط) للطبراني: عن إبراهيم بن المنذر قال محمد ابن طلحة: كانت غزوة ذات الرقاع تسمى غزوة الأعاجيب.
وهي غزوة محارب خصفة من بني ثعلبة من غطفان فنزل نخلا
أي: غزوة ذات الرقاع هي غزوة محارب. قوله: (محارب خصفة) بإضافة محارب إلى خصفة للتمييز، لأن محارب في العرب جماعة، ومحارب هذا هو ابن خصفة، بالخاء المعجمة والصاد المهملة والفاء المفتوحات، وهو ابن قيس بن غيلان بن إلياس بن مضر. قوله: (من بني ثعلبة)، ذكره بكلمة: من، يقتضي أن ثعلبة جد لمحارب، وليس كذلك، والصواب ما وقع عند ابن إسحاق وغيره
193

محارب خصفة. وبني ثعلبة بواو العطف فإن غطفان هو ابن سعد بن قيس بن غيلان، فمحارب وغطفان ابنا عم، فكيف يكون الأعلى منسوبا إلى الأدنى؟ وفي رواية القابسي: خصفة بني ثعلبة، وقال الجياني: كلاهما وهم، والصواب: محارب خصفة وبني ثعلبة، بواو العطف كما ذكرناه، وقال الكرماني: محارب قبيلة من فهر. قلت: ليس كذلك لأن المحاربين هنا لا ينتسبون إلى فهر بل ينتسبون إلى خصفة، ولم يحرر هذا الموضع كما ينبغي. قوله: (فنزل) أي: النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (نخلا)، بفتح النون وسكون الخاء المعجمة: وهو موضع من المدينة على يومين وهو بواد يقال له: شدخ، بالشين المعجمة والدال المهملة والخاء المعجمة، وفيه طوائف من قيس من بني فزارة وأشجع وأنمار.
وهي بعد خيبر لأن أبا موساى جاء بعد خيبر
أي: غزوة ذات الرقاع، إنما وقعت بعد غزوة خيبر، واستدل على ذلك بقوله: لأن أبا موسى الأشعري جاء بعد خيبر، وثبت أن أبا موسى شهد غزوة ذات الرقاع فلزم من ذلك وقوع غزوة ذات الرقاع بعد غزوة خيبر.
4125 قال أبو عبد الله وقال لي عبد الله بن رجاء أخبرنا عمران العطار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه في الخوف في غزوة السابعة غزوة ذات الرقاع..
أبو عبد الله هو البخاري نفسه وليس في بعض النسخ، قال أبو عبد الله: وإنما المذكور في أكثر النسخ، وقال عبد الله بن رجاء: على أن لفظة: لي، في رواية أبي ذر فقط، وعبد الله بن رجاء ضد الخوف الفداني البصري سمع منه البخاري، وأما عبد الله بن رجاء المكي فلم يدركه البخاري وعمران هو ابن داود القطان وفي آخره نون: البصري، ولم يحتج به البخاري إلا استشهادا، وهذا التعليق وصله أبو العباس السراج في مسنده المبوب، فقال: حدثنا جعفر بن هاشم حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن عن يحيى بن حسان عن معاوية بن سلام ثلاثتهم عن يحيى عنه به، وأعاده عن أبي بكر في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (صلى بأصحابه في الخوف)، أي: في حالة الخوف، وفي رواية السراج: أربع ركعات، صلى بهم ركعتين ثم ذهبوا، ثم جاء أولئك فصلى بهم ركعتين. قوله: (في غزوة السابعة)، قال بعضهم: هو من أضافة الشيء إلى نفسه على رأي. قلت: كان ينبغي أن يقال: هو من إضافة الشيء إلى نفسه بتأويل، وهو أن يقال: غزوة السفرة السابعة، وقال الكرماني وغيره: تقديره غزوة السنة السابعة من الهجرة، وهذا التقدير غير صحيح، لأنه يلزم منه أن تكون غزوة الرقاع بعد خيبر، وليس كذلك كما ذكرنا مع أنه قال في الغزوة السابعة بالألف واللام في الغزوة، ثم قال: ويروى غزوة السابعة، ثم فسرها بما ذكرنا عنه الآن، والغزوات التي وقع فيها القتال: بدر وأحد والخندق وقريظة والمريسيع وخيبر، فعلى ما ذكره يلزم أن تكون ذات الرقاع بعد خيبر للتنصيص على أنها السابعة. قوله: (غزوة ذات الرقاع)، بالجر على أنه عطف بيان أو بدل.
وقال ابن عباس صلى النبي صلى الله عليه وسلم الخوف بذي قرد
أي: قال عبد الله بن عباس، صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بذي قرد، بفتح القاف والراء، وهو موضع على نحو يوم من المدينة مما يلي بلاد غطفان، وهذا التعليق وصله النسائي والطبراني من طريق أبي بكر بن أبي الجهم عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم صلى بذي قرد صلاة الخوف، وقد مر في أبواب صلاة الخوف عن ابن عباس صورة صلاة الخوف، ولكن لم يذكر فيه: بذي قرد.
4126 وقال بكر بن سوادة حدثني زياد بن نافع عن أبي موساى أن جابرا حدثهم صلى النبي صلى الله عليه وسلم بهم يوم محارب وثعلبة..
194

بكر بن سوادة، بفتح السين المهملة وتخفيف الواو وبالدال المهملة: الجذامي، بضم الجيم وبالذال المعجمة، يكنى أبا ثمامة، عداده في أهل مصر، وكان أحد الفقهاء بها وأرسله عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه، إلى أفريقية ليفقههم فمات بها سنة ثمان وعشرين ومائة، ووثقه ابن معين والنسائي، وليس له في البخاري سوى هذا الموضع المعلق، وزياد، بكسر الزاي وتخفيف الياء آخر الحروف: ابن نافع النجيبي المصري، من التابعين الصغار، وليس له أيضا في البخاري سوى هذا الموضع، وأبو موسى ذكره أبو مسعود الدمشقي وغيره أنه علي بن رباح اللخمي، وقيل: إنه أبو موسى الغافقي، واسمه مالك بن عبادة، وله صحبة، وقال أبو عمر: مالك بن عبادة الهمداني، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد همدان مع مالك بن عمرة وعقبة بن نمر فأسلموا ويقال: إنه مصري ولا يعرف اسمه، والأول أولى، كما نبه عليه الحافظ المزي، وليس له في البخاري أيضا سوى هذا الموضع.
قوله: (بهم) أي: بالصحابة، رضي الله تعالى عنهم. قوله: (يوم محارب وثعلبة) هو يوم غزوة ذات الرقاع، وقد مر في أول الباب وهو قوله: وهي غزوة محارب خصفة. فإن قلت: ذكر هنا محارب خصفة من بني ثعلبة، وهنا يقول: وثعلبة، بعطفها على محارب؟ قلت: كأنه أشار بهذا إلى أن قولهم: من بني ثعلبة، وهم وقد ذكرناه مستقصى.
4127 وقال ابن إسحاق سمعت وهب بن كيسان سمعت جابرا خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذات الرقاع من نخل فلقي جمعا من غطفان فلم يكن قتال وأخاف الناس بعضهم بعضا فصلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعتي الخوف..
أي: قال محمد بن إسحاق صاحب (المغازي)، وقد مر في أول الباب ما ذكره ابن إسحاق، وقال بعضهم: لم أر هذا الذي ساقه عن ابن إسحاق هكذا في شيء من كتب المغازي ولا غيرها. قلت: لا يلزم من عدم رؤيته في موضع من المواضع عدم رؤية البخاري رضي الله تعالى عنه ذلك في موضع لم يطلع عليه هذا القائل، لأن اطلاعه لا يقارب أدنى اطلاع البخاري ولا إلى شيء من ذلك.
وقال يزيد عن سلمة غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم القرد
يزيد هذا من الزيادة ابن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع يروي عن سلمة هذا، ومضى موصولا مطولا قبل غزوة خيبر، وترجم له البخاري: غزوة ذي قرد، وهي الغزوة التي أغاروا فيها على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم وليس فيها ذكر لصلاة الخوف أصلا. فإن قلت: فعلى هذا ما فائدة ذكر حديث سلمة ههنا؟ قلت: لعله ذكره من أجل حديث ابن عباس المذكور. قيل إنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف بذي قرد، ولا يلزم من ذكر: ذي قرد، في الحديثين أن تتحد القصة، كما لا يلزم من كونه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف في مكان أن لا يكون صلاها في مكان آخر.
4128 حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي موساى رضي الله تعالى عنه قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة ونحن في ستة نفر بيننا بعير نعتقبه فنقبت أقدامنا ونقبت قدماي وسقطت أظفاري وكنا نلف على أرجلنا الخرق فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب من الخرق على أرجلنا وحدث أبو موساى بهاذا الحديث ثم كره ذاك قال ما كنت أصنع بأن أذكره كأنه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه.
مطابقته للترجمة ظاهرة، ومحمد بن العلاء أبو كريب الهمداني الكوفي، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وبريد، بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف: ابن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، يروي عن جده أبي بردة عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري، رضي الله تعالى عنه.
والحديث أخرجه مسلم أيضا في المغازي عن عبد الله بن براد
195

وأبي كريب كلاهما عن أبي أسامة عنه.
قوله: (ونحن في ستة نفر) الظاهر أنهم كانوا من الأشعريين. قوله: (نعتقبه) أي: نركبه عقبة وهي أن يتناوبوا في الركوب بأن يركب أحدهم قليلا ثم ينزل فيركب الآخر حتى يأتي إلى آخرهم. قوله: (فنقبت)، بفتح النون وكسر القاف، يقال: نقب البعير إذا رقت أخفافه، ونقب الخف إذا تخرق، وذلك لمشيهم حفاة قد نقبت أقدامهم وسقطت أظفارهم. قوله: (لما كان)، أي: لأجل ما فعلناه من ذلك. قوله: (وحدث أبو موسى بذلك) هذا موصول بالإسناد المذكور، وهو مقول أبي بردة عن أبي موسى. قوله: (ثم كره ذلك) أي: أبو موسى ما حدثه من ذلك لما فيه من تزكية نفسه. قوله: (كأنه كره...) إلخ. وذلك لأن كتمان العمل الصالح أفضل من إظهاره إلا لوجود مصلحة تقتضي ذلك. قال الله تعالى: * (وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) * (البقرة: 271).
4129 حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عمن شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلى صلاة الخوف أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم.
مطابقته للترجمة ظاهرة، ويزيد من الزيادة ابن رومان، بضم الراء: مولى الزبير بن العوام، وصالح بن خوات، بفتح الخاء المعجمة وتشديد الواو وفي آخره تاء مثناة من فوق: ابن جبير، بضم الجيم وفتح الباء الموحدة: ابن النعمان الأنصاري.
والحديث أخرجه بقية الجماعة كلهم في الصلاة، فمسلم عن يحيى بن يحيى وغيره، وأبو داود عن القعنبي، والترمذي عن بندار، والنسائي عن قتيبة، وابن ماجة عن بندار به.
قوله: (عمن شهده مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم) ويروى: عمن شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، قيل: اسم هذا المبهم: سهل بن أبي حثمة، قال المزي:
هو سهل بن عبد الله بن أبي حثمة، واسم أبي حثمة: عامر بن ساعدة الأنصاري، وقال بعضهم: الراجح أنه أبو صالح المذكور، وهو خوات بن جبير، واحتج على ذلك بأن أبا أويس روى هذا الحديث عن يزيد بن رومان شيخ مالك فيه، فقال: عن صالح بن خوات عن أبيه أخرجه ابن منده في (معرفة الصحابة) من طريقه. انتهى. قلت: الذي يظهر أن صالحا سمعه من أبيه ومن سهل بن أبي حثمة، فلذلك كان يبهمه تارة كما في الطريق المذكور، ويفسره أخرى كما في الطريق الذي يأتي الآن، ولا يقال: هذه رواية عن مجهول، لأن الصحابة كلهم عدول فلا يضر ذلك. قوله: (معه) أي: مع النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (وجاء العدو)، أي: محاذيهم ومواجههم، والوجاه، بضم الواو وكسرها.
قال مالك وذلك أحسن ما سمعت في صلاة الخوف
هذا موصول بالإسناد المذكور، ثم كلام مالك هذا يقتضي أنه سمع في كيفية صلاة الخوف صفات متعددة واختار منها في العمل حديث صالح بن خوات المذكور، أشار إليه بقوله: (وذلك أحسن ما سمعت) ووافقه على ذلك الشافعي وأحمد وأبو داود، ثم إن بعض العلماء حملوا اختلاف الصفات في صلاة الخوف على اختلاف الأحوال، وبعضهم حملوها على التوسع والتخيير، وقد مر الكلام فيه مستقصى في أبواب صلاة الخوف.
4130 وقال معاذ حدثنا هشام عن أبي الزبير عن جابر قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بنخل فذكر صلاة الخوف..
كذا وقع، معاذ، بغير نسبة عند الأكثرين، ووقع عند النسفي: قال معاذ بن هشام أخبرنا هشام، وقال بعضهم: فيه رد على أبي نعيم ومن تبعه في الجزم بأن معاذا هذا هو ابن فضالة شيخ البخاري. قلت: وقوع معاذ بغير نسبة يحتمل الوجهين على ما لا يخفى، وقول أبي نعيم مترجح حيث قال: أخبرنا هشام، ولم يقل: أخبرنا أبي، وكل من معاذ وهشام ذكر مجردا، أما معاذ بن هشام على قول النسفي فهو ثقة صاحب غرائب، وأما هشام الذي روى عنه معاذ فهو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي البصري، واسم
196

ابن عبد الله سنبر، روى عنه ابنه معاذ ويحيى القطان في آخرين، وقال عمرو بن علي: مات سنة ثلاث وخمسين ومائة، وأبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس بلفظ مخاطب المضارع من الدراسة.
قوله: (بنخل) مر تفسيره عن قريب عند قوله: فنزل نخلا، وفائدة إيراد البخاري هذا الحديث مختصرا معلقا هي ما قيل: إنه أشار إلى أن روايات جابر متفقة على أن الغزوة التي وقعت فيها صلاة الخوف هي غزوة ذات الرقاع، وقال بعضهم: فيه نظر، لأن سياق رواية هشام عن أبي الزبير هذه تدل على أنه حديث آخر في غزوة أخرى. قلت: لا نسلم ذلك لأنه ذكر فيما مضى عن قريب عن جابر: خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذات الرقاع من نخل فلقي جمعا من غطفان... إلى آخره.
تابعه الليث عن هشام عن زيد بن أسلم أن القاسم بن محمد حدثه صلى النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بني أنمار
الظاهر أن متابعة الليث لمعاذ المذكور. فإن قلت: كيف وجه هذه المتابعة لأن حديث معاذ في غزوة محارب وثعلبة وحديث الليث في أنمار؟ قلت: ديار بني أنمار تقرب من ديار بني ثعلبة، فبهذا الوجه يحتمل الاتحاد، وهشام الذي روى عنه الليث هو هشام بن سعد المدني أبو سعيد القرشي مولاهم، يقال له: يتيم زيد بن أسلم، روى عن زيد بن أسلم فأكثر، وروى عنه الليث ابن سعد وآخرون وعن ابن معين: هو ضعيف، وقال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال أبو داود: هو أثبت الناس في زيد بن أسلم، قيل: إنه مات سنة ستين ومائة، وهو يروي عن القاسم بن محمد بن أبي بكر، وقد وصل البخاري في (تاريخه) هذا المعلق، قال: قال لي يحيى ابن عبد الله بن بكير: أخبرنا الليث عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم سمع القاسم بن محمد: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في غزوة بني أنمار، وذكر الواقدي أن سبب غزوة ذات الرقاع هو أن أعرابيا قدم من حلب إلى المدينة، فقال: إني رأيت ناسا من بني ثعلبة ومن بني أنمار قد جمعوا لكم جموعا فأنتم في غفلة عنهم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في أربعمائة، ويقال: سبعمائة، فعلى هذا غزوة بني أنمار متحدة مع غزوة بني محارب وثعلبة، وهي غزوة ذات الرقاع، وأنمار، بفتح الهمزة وسكون النون وبالراء: قبيلة من بجيلة، بفتح الباء الموحدة وكسر الجيم.
4131 حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة قال يقوم الإمام مستقبل القبلة وطائفة منهم معه وطائفة من قبل العدو وجوههم إلى العدو فيصلي بالذين معه ركعة ثم يقومون فيركعون لأنفسهم ركعة ويسجدون سجدتين في مكانهم ثم يذهب هاؤلاء إلى مقام أولائك فيجيء فيركع بهم ركعة فله ثنتان ثم يركعون ويسجدون سجدتين.
هذا طريق آخر في حديث صالح بن خوات الذي مضى عن قريب، وقد صرح فيه أن صالحا رواه عن سهل بن أبي حثمة، وهناك قال: عمن شهد مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقد مر الكلام فيه هناك. وأخرج هذا الطريق عن مسدد عن يحيى بن سعيد القطان عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، وفي هذا الإسناد ثلاثة من التابعين المدنيين على نسق واحد، وهم: يحيى الأنصاري، والقاسم وصالح، وقد ترجمنا سهلا هناك، واختلف في شأن سهل، فقالت جماعة: إنه كان صغيرا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فمات النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين، وممن جزم بذلك الطبري وابن حبان وابن السكن، فعلى هذا تكون روايته لقصة صلاة الخوف مرسلة، وقال ابن أبي حاتم عن رجل من ولد سهل: أنه حدثه أنه بايع تحت الشجرة وشهد المشاهد إلا بدرا، وكان الدليل ليلة أحد، وقال الواقدي: قبض رسول الله، صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين ولكنه حفظ عنه فروى وأتقن، وقال أبو عمر: هو معدود في أهل
197

المدينة وبها كانت وفاته.
قوله: (يقوم الإمام) هكذا ذكره موقوفا، وهكذا أخرجه البخاري بعد حديث من طريق ابن أبي حازم عن يحيى بن سعيد الأنصاري، وأورده من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه مرفوعا. قوله: (من قبل العدو)، بكسر القاف وفتح الباء الموحدة، وهو الجهة القابلة.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
هذا طريق آخر مرفوع أخرجه عن مسدد عن يحيى القطان عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم ابن محمد بن أبي بكر... إلى آخره.
حدثني محمد بن عبيد الله قال حدثني ابن أبي حازم عن يحيى سمع القاسم أخبرني صالح بن خوات عن سهل حدثه قوله
هذا طريق موقوف أخرجه عن محمد بن عبيد الله بن محمد مولى عثمان بن عفان القرشي الأموي المدني عن عبد العزيز ابن أبي حازم سلمة بن دينار عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد بن أبي بكر... إلخ.
4132 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني سالم أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد فوازينا العدو فصاففنا لهم..
هذا الحديث بعين هذا الإسناد مر في أبواب صلاة الخوف أتم منه وأكمل، وقد مر الكلام فيه هناك. قوله: (فوازينا). من الموازاة وهي المقابلة. قوله: (فصاففنا لهم)، وفي رواية الكشميهني: فصاففناهم، وكذا في رواية أحمد عن أبي اليمان شيخ البخاري الحكم بن نافع.
4133 حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بإحدى الطائفتين والطائفة الأخرى مواجهة العدو ثم انصرفوا فقاموا في مقام أصحابهم فجاء أولائك فصلى بهم ركعة ثم سلم عليهم ثم قام هاؤلاء فقضوا ركعتهم وقام هؤلاء فقضوا ركعتهم..
هذا طريق آخر في حديث عبد الله بن عمر أخرجه عن مسدد عن يزيد من الزيادة ابن زريع، بضم الزاي وفتح الراء، عن معمر بن راشد.. إلخ. وأخرجه أبو داود عن مسدد أيضا... إلخ نحوه. قوله: (والطائفة الأخرى)، مبتدأ، (ومواجهة) خبره، والجملة حالية. قوله: (فقضوا)، من القضاء الذي بمعنى الأداء، كما في قوله تعالى: * (فإذا قضيت الصلاة) * (الجمعة: 100). أي: أديت، لا بمعنى القضاء الاصطلاحي.
4135 حدثنا إسماعيل قال حدثني أخي عن سليمان عن محمد بن أبي عتيق عن ابن شهاب عن سنان بن أبي سنان الدؤلي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أخبره أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم قفل معه فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق الناس في العضاه يستظلون بالشجر ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سمرة فعلق بها سيفه
198

قال جابر فنمنا نومة ثم إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا فجئناه فإذا عنده أعرابي جالس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هاذا اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتا فقال لي من يمنعك مني قلت له الله فها هو ذا جالس ثم لم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم..
مطابقته للترجمة من حيث إن غزوته صلى الله عليه وسلم، قبل نجد هي غزوة ذات الرقاع، والدليل عليه أن في رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة: كنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بذات الرقاع.
وهذا الحديث بطريقيه قد مضى في الجهاد في: باب تفرق الناس عن الإمام عند القائلة، وأخرجه هنا أيضا نحوه. الأول: عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن مسلم الزهري عن سنان وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن جابر، وهذا الإسناد بعينه هناك. الثاني: عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه عبد الحميد عن سليمان بن بلال عن محمد بن أبي عتيق وهو محمد ابن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، نسب إلى جده، عن ابن شهاب عن سنان بن أبي سنان واسم أبي سنان يزيد ابن أمية، وماله في البخاري إلا هذا الحديث. وأخرجه من روايته عن أبي هريرة في الطب، وأخرج البخاري هذا هناك عن موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سنان عن جابر وليس فيه ذكر أبي سلمة.
قوله: (قبل نجد)، بكسر القاف وفتح الباء الموحدة: أي: جهته، وقال ابن الأثير: النجد ما ارتفع من الأرض وهو اسم خاص لما دون الحجاز مما يلي العراق، وقال الجوهري: نجد من بلاد العرب وهو خلاف الغور، والغور هو تهامة وكل ما ارتفع من تهامة إلى أرض العراق فهو نجد، وهو مذكور، والحاصل أن غزوة ذات الرقاع كانت بنجد.
قوله: (الدؤلي) بضم الدال وفتح الهمزة، قال الكرماني: ويروى بكسر الدال وسكون الياء آخر الحروف. قلت: الأول: نسبة إلى الدؤل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وهو بكسر الهمزة ولكنها فتحت في النسبة. والثاني: نسبة إلى الدؤل بن حفيفة بن لحيم، وإلى غير ذلك. قوله: (فلما قفل) أي: رجع. قوله: (القائلة) أي: شدة الحر وسط النهار. قوله: (العضاه) بكسر العين المهملة وتخفيف الضاد المعجمة وبالهاء: كل شجر عظيم له شوك كالطلح والعوسج، الواحدة عضه، الهاء أصلية، وقيل: عضهة، وقيل: عضاهة، فحذفت الهاء الأصلية كما حذفت في الشفة ثم ردت في العضاه كما ردت في الشفاه. قوله: (تحت شجرة) أي: شجرة كثيرة الورق. قوله: (قال جابر) هو موصول بالإسناد المذكور، وسقط ذلك من رواية معمر. قوله: (فإذا) كلمة: إذا، في الموضعين للمفاجأة. قوله: (أعرابي جالس) وفي رواية معمر: فإذا أعرابي قاعد بين يديه، واسمه غورث كما سيأتي. قوله: (اخترط سيفي) أي: سله. قوله: (صلتا) بفتح الصاد المهملة وسكون اللام وفي آخره تاء مثناة من فوق: أي مجردا من الغمد بمعنى مصلوتا، وانتصابه على الحال. قوله: (والله)، أي: الله يمنعني. قوله: (فها هو ذا جالس)، كلمة
: ها، للتنبيه و: هو ضمير الشأن وكلمة، ذا، للإشارة إلى الحاضر مبتدأ، و: جالس، خبره والجملة خبر لقوله: هو، فلا تحتاج إلى رابط كما عرف في موضعه. قوله: (ثم لم يعاقبه رسول الله، صلى الله عليه وسلم) وذلك لشدة رغبته في استئلاف الكفار ليدخلوا في الإسلام لم يؤاخذه بما صنع، بل عفا عنه. وذكر الواقدي: أنه أسلم وأنه رجع إلى قومه فاهتدى به خلق كثير.
(وقال أبان حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر قال كنا مع النبي
بذات الرقاع فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي
فجاء رجل من المشركين وسيف النبي
معلق بالشجرة فاخترطه فقال له تخافني قال لا قال فمن يمنعك مني قال الله فتهدده أصحاب النبي
وأقيمت الصلاة فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين وكان للنبي
أربع وللقوم ركعتاه)
هذا طريق آخر في حديث جابر وهو معلق أخرجه عن أبان بفتح الهمزة وتخفيف الباء الموحدة ابن يزيد العطار البصري ووصله مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عفان عن أبان بتمامه قوله ظليلة أي مظللة أي ذات ظل كثيف قوله
199

فجاء رجل هو غورث على ما يأتي بيانه الآن قوله وسيف النبي
الواو فيه للحال قوله وأقيمت الصلاة الخ واستشكل ابن التين هذه الرواية عن جابر لأنهم كانوا في سفر فكيف يصلي بكل طائفة ركعتين وهو يصلي أكثر من المأمومين وأجيب بأنه لا إشكال هنا لأنهم صلوا معه ركعتين ثم كملوا يدل عليه قوله ثم تأخروا فإن قلت قوله وكان للنبي
أربع وللقوم ركعتين ينافي هذا الجواب قلت معنى قوله وللقوم ركعتين مع الإمام وركعتين أخريين منفردين وأولوه كذا كما أولوا حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فرض الله عز وجل الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة حيث قالوا أن المراد ركعة مع الإمام وركعة أخرى يأتي بها منفردا كما جاءت الأحاديث الصحيحة في صلاة النبي
وأصحابه في الخوف وقال النووي لا بد من هذا التأويل جمعا بين الأدلة
(وقال مسدد عن أبي عوانة عن أبي بشر اسم الرجل غورث بن الحارث وقاتل فيها محارب خصفة)
أبو عوانة بفتح العين هو الوضاح اليشكري البصري وأبو بشر بكسر الباء الموحدة هو جعفر بن أبي وحشية وهذا التعليق أخرجه سعيد بن منصور عن أبي عوانة عن أبي بشر عن سليمان بن قيس يعني اليشكري الثقة عن جابر قوله اسم الرجل أراد الرجل الذي في قوله فجاء رجل من المشركين قوله غورث بفتح الغين المعجمة وسكون الواو وفتح الراء وبالثاء المثلثة وقيل بضم أوله مأخوذ من الغرث وهو الجوع وحكى الخطابي فيه غويرث بالتصغير قوله ' وقاتل فيها ' أي في تلك الغزوة قوله ' محارب خصفة ' مفعول قاتل ومحارب مضاف إلى خصفة وقد ذكرنا أن محارب قبائل كثيرة فذكر خصفة للتمييز وروى البيهقي من طريقين عن أبي عوانة عن أبي بشر عن سليمان بن قيس عن جابر قال قاتل رسول الله
محارب خصفة فرأوا من المسلمين غرة فجاء رجل منهم يقال له غورث بن الحارث حتى قام على رسول الله
فقال من يمنعك الحديث
(وقال أبو الزبير عن جابر كنا مع النبي
بنخل فصلى الخوف)
أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس علقه عنه البخاري وتقدم الكلام في رواية أبي الزبير عن جابر عن قريب قوله ' فصلى الخوف أي فصلى صلاة الخوف
(وقال أبو هريرة صليت مع النبي
في غزوة نجد صلاة الخوف وإنما جاء أبو هريرة إلى النبي
أيام خيبر)
هذا التعليق وصله أبو داود والطبراني وابن حبان من طريق أبي الأسود أنه سمع عروة يحدث عن مروان بن الحكم أنه سأل أبا هريرة هل صليت مع النبي
صلاة الخوف وقال أبو هريرة نعم قال مروان متى قال عام غزوة نجد قوله ' وإنما جاء أبو هريرة إلى آخره ' ذكر البخاري هذا تأكيدا لقوله أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد خيبر وذلك لأن أبا هريرة ما جاء إلى النبي
إلا في أيام خيبر وفيه نظر لا يخفى لأنه لا يلزم من قوله صليت مع النبي
في غزوة نجد صلاة الخوف أن يكون هذا في غزوة ذات الرقاع لأنه
غزا غزوات عديدة في جهة نجد *
((باب غزوة بني المصطلق من خزاعة وهي غزوة المريسيع))
أي هذا باب في بيان غزوة بني المصطلق بضم الميم وسكون الصاد المهملة وفتح الطاء المهملة وكسر اللام وفي آخره قاف -
33
((باب غزوة بني المصطلق من خزاعة وهي غزوة المريسيع))
أي: هذا باب في بيان غزوة بني المصطلق، بضم الميم وسكون الصاد المهملة وفتح الطاء المهملة وكسر اللام وفي آخره قاف،
200

وهو لقب من الصلق، وهو رفع الصوت، وأصله: مصتلق، فأبدلت الطاء من التاء لأجل الصاد، واسمه جذيمة بن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بطن من بني خزاعة، بضم الخاء المعجمة وتخفيف الزاي وفتح العين المهملة، وخزاعة هو ربيعة، وربيعة هو لحي بن حارثة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امريء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد، وقيل لهم: خزاعة لأنهم تخزعوا من بني مازن بن الأزد في إقبالهم معهم من اليمن أي: انقطعوا عنهم. قوله: (وهي غزوة بني المصطلق) هي: غزوة المريسيع، بضم الميم وفتح الراء وسكون اليائين التحتانيتين بينهما سين مهملة مكسورة وفي آخره عين مهملة، وهو اسم ماء لهم من ناحية قديد مما يلي الساحل، بينه وبين الفرع نحو يومين، وبين الفرع والمدينة ثمانية برد، من قولهم: رسعت عين الرجل إذا دمعت من فساد، وقال أبو نصر: الرسع فساد في الأجفان.
قال ابن إسحاق وذالك سنة ست
أي: قال محمد بن إسحاق صاحب (المغازي): وذلك، أي: غزو رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سنة ست من الهجرة، وقال في (السيرة) بعدما أورد قصة ذي قرد: فأقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالمدينة بعض جمادى الآخرة ورجبا ثم غزا بني المصطلق من خزاعة في شعبان سنة ست، وقال ابن هشام: واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري، ويقال: نميلة بن عبد الله الليثي، وقال ابن سعد: ندب رسول الله، صلى الله عليه وسلم الناس إليهم فأسرعوا الخروج وقادوا الخيل وهي ثلاثون فرسا في المهاجرين منها عشرة وفي الأنصار عشرون، واستخلف على المدينة زيد بن حارثة، وكان معه، أي: مع النبي صلى الله عليه وسلم فرسان: لزاز والظراب، وقال الصغاني: كان أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، حامل راية المهاجرين، وسعد بن عبادة حامل راية الأنصار، فقتلوا منهم عشرة وأسروا سائرهم.
وقال موساى بن عقبة سنة أربع
قيل: سنة أربع، سبق قلم من الكاتب في نسخ البخاري، والذي في (مغازي موسى بن عقبة) من عدة طرق أخرجها الحاكم وأبو سعيد النيسابوري والبيهقي في (الدلائل) وغيرهم: سنة خمس، ولفظه عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب، ثم قاتل رسول الله، صلى الله عليه وسلم بني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس، وقال الواقدي، كانت ليلتين من شعبان سنة خمس في سبعمائة من أصحابه وسبي النبي صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث فأعتقها وتزوجها، وكانت الأسرى أكثر من سبعمائة.
وقال النعمان بن راشد عن الزهري كان حديث الإفك في غزوة المريسيع
النعمان بن راشد الجزري أخو إسحاق الأموي مولاهم الحراني، وروى تعليقه الجوزقي والبيهقي في (الدلائل) من طريق حماد بن زيد عن النعمان بن راشد، ومعمر عن الزهري عن عروة عن عائشة، فذكر قصة الإفك في غزوة المريسيع، وبهذا قال ابن إسحاق وغير واحد من أهل المغازي: إن قصة الإفك كانت في رجوعهم من غزوة المريسيع.
4138 حدثنا قتيبة بن سعيد أخبرنا إسماعيل بن جعفر عن ربيعة بن أبي عبد الرحمان عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز أنه قال دخلت المسجد فرأيت أبا سعيد الخدري فجلست إليه فسألته عن العزل: قال أبو سعيد خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيا من سبي العرب فاشتهينا النساء واشتدت علينا العزبة وأحببنا العزل فأردنا أن نعزل وقلنا نعزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا قبل أن نسأله فسألناه عن ذالك فقال ما عليكم أن لا تفعلوا ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة..
201

مطابقته للترجمة في قوله: (في غزوة بني المصطلق) وإسماعيل بن جعفر بن كثير الأنصاري المدني، سكن بغداد وربيعة ابن أبي عبد الرحمن هو المشهور بربيعة الرأي، ومحمد بن يحيى بن حبان، بفتح المهملة وتشديد الباء الموحدة، وابن محيريز هو عبد الله بن محيريز، بضم الميم وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وكسر الراء وسكون الياء وفي آخره زاي: القرشي التابعي.
والحديث مر في البيوع في: باب بيع الرقيق فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن ابن محيريز... إلخ، وقد مر الكلام فيه هناك.
قوله: (العزل) وهو نزع الذكر من الفرج عند الإنزال. قوله: (ما عليكم أن لا تفعلوا) أي: لا بأس عليكم أن لا تفعلوا، و: لا، زائدة. قوله: (ما من نسمة) أي: ما من نفس كائنة في علم الله تعالى (إلا وهي كائنة) في الخارج أي: ما قدر الله كونها لا بد من مجيئها من العدم إلى الوجود، وقال شمر: النسمة كل دابة فيها روح، والنسيم الريح، وقال القزاز: كل إنسان نسمة، ونفسه نسمة.
33
((باب غزوة أنمار))
أي: هذا باب في ذكر غزوة أنمار، وقد يقال غزوة بني أنمار، وإنما قدرنا هكذا لأنه ليس فيه ذكر قصة أنمار، وإنما فيه ذكر لفظ: غزوة أنمار، ولا معنى لذكر هذا الباب هنا، وكان محله قبل غزوة بني المصطلق، وأنمار، بفتح الهمزة: قبيلة وقد ذكرناها.
4140 حدثنا آدم حدثنا ابن أبي ذئب حدثنا عثمان بن عبد الله بن سراقة عن جابر ابن عبد الله الأنصاري قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أنمار يصلي على راحلته متوجها قبل المشرق متطوعا.
هذا الحديث مضى في الصلاة في: باب صلاة التطوع على الدواب، وفي: باب ينزل للمكتوبة، وأخرجه هنا عن آدم بن أبي إياس عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، بلفظ الحيوان المشهور، عن عثمان بن عبد الله بن سراقة، بضم السين المهملة وتخفيف الراء وبالقاف: العدوي، كان والي مكة سنة ثمان وعشرة ومائة.
قوله: (قبل)، بكسر القاف، قوله: (متطوعا)، نصب على الحال من النبي صلى الله عليه وسلم.
202

35
((باب حديث الإفك))
أي: هذا باب في بيان حديث الإفك، وليس في بعض النسخ لفظ: باب، بل هكذا: حديث الإفك، أي: هذا حديث الإفك ولما كان حديث الإفك في غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع ذكره هنا.
الإفك والأفك بمنزلة النجس والنجس
أشار بهما إلى أنهما لغتان الأولى: الأفك، بكسر الهمزة وسكون الفاء: كالنجس، بكسر النون وسكون الجيم، والثانية: الأفك، بفتح الهمزة والفاء معا: كالنجس، بفتحتين، والأولى هي اللغة المشهورة. قوله: (بمنزلة النجس) أي: بنظير النجس والنجس في الضبط، وفي كونهما لغتين، ثم الإفك مصدر أفك الرجل يأفك من باب ضرب يضرب إذا كذب، والإفك، بضم الهمزة جمع أفوك، وهو الكثير الكذب، ذكره ابن عديس في الكتاب (الباهر).
يقال إفكهم وأفكهم وأفكهم
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون) * (الأحقاف: 28). قرىء في المشهور: إفكهم، بكسر الهمزة وسكون الفاء، وارتفاعه على أنه خبر لقوله: وذلك، وقرئ في الشاذ: أفكهم، بفتح الهمزة والفاء والكاف جميعا على أنه فعل ماض، وقرئ أيضا: وأفكهم، بتشديد الفاء للمبالغة، وآفكهم، بمد الهمزة وفتح الفاء أي: جعلهم آفكين وآفكهم بالمد وكسر الفاء، قال الزمخشري: أي قولهم الكذب كما تقول: قول كاذب.
فمن قال أفكهم
يعني من جعله فعلا ماضيا.
يقول صرفهم عن الإيمان وكذبهم كما قال يؤفك عنه من أفك يصرف عنه من صرف
يؤفك، بضم الياء صيغة المجهول، وفي الحديث: لقد أفك قوم كذبوك، وظاهروا عليك، أي صرفوا عن الحق ومنعوا منه، يقال: أفكه يأفكه أفكا إذا صرفه عن الشيء وقلبه، وأفك فهو مأفوك.
4141 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب قال حدثني عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا وكلهم حدثني طائفة من حديثها وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت له اقتصاصا وقد وعيت عن كل رجل منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة وبعض حديثهم يصدق بعضا وإن كان بعضهم أوعى له من بعض قالوا قالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين أزواجه فأيهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه قالت عائشة فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما أنزل الحجاب فكنت أحمل في هودجي وأنزل فيه فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل دنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى
203

رحلي فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه قالت وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلوني فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب عليه وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل فساروا ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها منهم داع ولا مجيب فتيممت منزلي الذي كنت به وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فعرفني حين رآني وكان رآني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي ووالله ما تكلمنا بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه وهوي حتى أناخ راحلته فوطيء على يدها فقمت إليها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش موغرين في نحر الظهيرة وهم نزول قالت فهلك في من هلك وكان الذي تولي كبر الإفك عبد الله بن أبي ابن سلول قال عروة أخبرت أنه كان يشاع ويتحدث به عنده فيقره ويستمعه ويستوشيه وقال عروة أيضا لم يسم من أهل الإفك أيضا إلا حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش في ناس آخرين لا علم لي بهم غير أنهم عصبة كما قال الله تعالى وإن كبر ذالك يقال عبد الله بن أبي ابن سلول قال عروة كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول إنه الذي قال:
* فإن أبي ووالده وعرضي
* لعرض محمد منكم وقاء
*
قالت عائشة فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمت شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك لا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكى إنما يدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول كيف تيكم ثم ينصرف فذالك يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت حين نقهت فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع وكان متبرزنا وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل وذالك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا قالت وأمرنا أمر العرب الأول في البرية قبل الغائط وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا قالت فانطلقت أنا وأم مسطح وهي ابنة أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد ابن المطلب فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت تعس مسطح فقلت لها بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا فقالت أي هنتاه ولم
204

تسمعي ما قال قالت وقلت ما قال فأخبرتني بقول أهل الإفك قالت فازددت مرضا على مرضي فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال كيف تيكم فقلت له أتأذن لي أن آتي أبوي قالت وأريد أن أستيقن الخبر من قبلهما قالت فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي يا أمتاه ماذا يتحدث الناس قالت يا بنية هوني عليك فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها لها ضرائر إلا كثرن عليها قالت فقلت سبحان الله أولقد تحدث الناس بهاذا قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي قالت ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يسألهما ويستشيرهما في فراق أهله قالت فأما أسامة فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم لهم في نفسه فقال أسامة أهلك ولا نعلم إلا خيرا وأما علي فقال يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وسل الجارية تصدقك قالت فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك قالت له بريرة والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمرا قط أغمصه غير أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبي وهو على المنبر فقال يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي والله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما يدخل على أهلي إلا معي قالت فقام سعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل فقال أنا يا رسول الله أعذرك فإن كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك قالت فقام رجل من الخزرج وكانت أم حسان بنت عمه من فخذه وهو سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج قالت وكان قبل ذالك رجلا صالحا ولاكن احتملته الحمية فقال لسعد كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد فقال لسعد بن عبادة كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين قالت فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر قالت فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت قالت فبكيت يومي ذالك كله لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم قالت وأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوما لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم حتى إني لأظن أن البكاء فالق كبدي فبينا أبواي جالسان عندي وأنا أبكي فاستأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي قالت فبينا نحن على ذالك دخل رسول الله صلى الله عليه
205

وسلم علينا فسلم ثم جلس قالت ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال أما بعد يا عائشة إنه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف ثم تاب تاب الله عليه قالت فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم عني فيما قال فقال أبي والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لامي أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال قالت أمي ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ من القرآن كثيرا إني والله لقد علمت لقد سمعتم هاذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به فلئن قلت لكم إني بريئة لا تصدقوني ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني فوالله لا أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف حين قال فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ثم تحولت واضطجعت على فراشي والله يعلم أني حينئذ بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه من العرق مثل الجمان وهو في يوم شات من ثقل القول الذي أنزل عليه قالت فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فكانت أول كلمة تكلم بها أن قال يا عائشة أما الله فقد برأك قالت فقالت لي أمي قومي إليه فقلت لا والله لا أقوم إليه فإني لا أحمد إلا الله عز وجل قالت وأنزل الله تعالى: * (إن الذين جاؤا بالإفك عصبة منكم) * (النور: 11). العشر الآيات ثم أنزل الله تعالى هاذا في براءتي قال أبو بكر الصديق وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال فأنزل الله تعالى: * (ولا يأتل أولوا الفضل منكم) * إلى قوله: * (غفور رحيم) * (النور: 22). قال أبو بكر الصديق بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال والله لا أنزعها منه أبدا قالت عائشة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش عن أمري فقال لزينب ماذا علمت أو رأيت فقالت يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت إلا خيرا قالت عائشة وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع قالت وطفقت أختها حمنة
تحارب لها فهلكت فيمن هلك. قال ابن شهاب فهاذا الذي بلغني من
206

حديث هاؤلاء الرهط ثم قال عروة قالت عائشة والله إن الرجل الذي قيل له ما قيل ليقول سبحان الله فوالذي نفسي بيده ما كشفت من كنف أنثى قط قالت ثم قتل بعد ذالك في سبيل الله..
مطابقته للترجمة ظاهرة، والحديث مضى في الشهادات في أول: باب تعديل النساء بعضهن بعضا، فإنه أخرجه هناك عن أبي الربيع سليمان بن داود... إلى آخره، وأخرجه هناك عن عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي المدني عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن صالح بن كيسان... إلى آخره، وليعتبر الناظر التفاوت بينهما من حديث الزيادة والنقصان، وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى، ولنتكلم هنا بما يحتاج إليه منه.
فقوله: (وأثبت له اقتصاصا) أي: أحفظ وأحسن إيرادا وسردا للحديث، وهذا الذي فعله الزهري من جمع الحديث عنهم جائز لا كراهة فيه، لأن هؤلاء الأربعة أئمة حفاظ ثقات من عظماء التابعين، فالحجة قائمة بقول أي كان منهم. قوله: (في غزوة غزاها)، إرادة الغزوة المصطلقية. قوله: (سهمي)، السهم في الأصل واحد السهام التي يضرب بها في الميسر، وهي القداح، ثم سمى بها ما يفوز به الفالح سهمه، ثم كثر حتى سمي كل نصيب سهما، والمراد من السهم هنا القدح الذي يقترع به. قوله: (أحمل) على صيغة المجهول. قوله: (في هودجي)، الهودج مركب من مراكب النساء مقتب وغيره مقتب. قوله: (من جزع ظفار)، الجزع بفتح الجيم وسكون الزاي وبالعين المهملة: خرز، وهو مضاف إلى: ظفار، بفتح الظاء المعجمة وتخفيف الفاء وبالراء مبنية على الكسر وهو اسم قرية باليمن. قوله: (ابتغاؤه)، أي: طلبه. قوله: (لم يهبلن)، بضم الباء الموحدة: من الهبل وهو كثرة اللحم والشحم. ويروى على صيغة المجهول من الإهبال، ويروى لم يهبلهن اللحم أي: لم يكثر عليهن، يقال: هبله اللحم إذا كثر عليه وركب بعضه بعضا. قوله: (العلقة)، بضم العين المهملة وهي القليل من الأكل. قوله: (فلم يستنكر القوم خفة الهودج)، وقد تقدم في كتاب الشهادات: ولم يستنكر القوم ثقل الهودج، والتوفيق بينهما أن الخفة والثقل من الأمور الإضافية فيتفاوتان بالنسبة. قوله: (فتيممت)، أي: قصدت. قوله: (وكان صفوان ابن المعطل)، بضم الميم وفتح العين والطاء المهملتين: ابن ربيضة بن خزاعي بن محارب بن مرة بن فالح بن ثعلبة بن بهثة بن سليم السلمي بالضم ثم الذكواني، يكنى أبا عمرو، ويقال: إنه أسلم قبل المريسيع وشهد المريسيع وما بعدها، قال أبو عمر: وكان يكون على ساقة النبي صلى الله عليه وسلم، وعن ابن إسحاق: أنه قتل في غزاة أرمينية شهيدا وأميرهم يومئذ عثمان بن العاصي سنة تسع عشرة في خلافة عمر، رضي الله تعالى عنه، وقيل: مات بالجزيرة في ناحية سميساط ودفن هناك، وقيل: غير ذلك. قوله: (باسترجاعه)، أي: بقوله: * (إنا لله وإنا إليه راجعون) * (البقرة: 156). قوله: (فحمرت) أي: غطيت من التخمير، بالخاء المعجمة: وهي التغطية. قوله: (وهوى)، أي: اسرع حتى أناخ أي: برك راحلته، ويقال: هوى يهوي هويا من باب ضرب يضرب إذا أسرع في السير، وهوى يهوي من باب علم يعلم هويا إذا أحب وهوى يهوى هويا بالضم: إذا صعد، وبالفتح إذا هبط، وفي رواية: وأهوى، بالهمزة في أوله من أهوى إليه إذا مال وأخذه. قوله: (فوطىء على يدها)، أي: وطئ صفوان على يد الراحلة ليسهل ركوبها ولا يحتاج إلى مساعدته. قوله: (موغرين)، يجوز أن يكون صيغة تثنية وأن يكون صيغة جمع نصبا على الحال، أي: داخلين في الوغرة، بالغين المعجمة، ويقال: أوغر الرجل أي: دخل في شدة الحر، كما يقال: أظهر إذا دخل في وقت الظهر، ووغرت الهاجرة وغرا، إذا اشتدت في وقت توسط الشمس السماء، ووغر الصدر بتحريك الغين المعجمة الغل والحرارة، ويروى: موعرين، بالعين المهملة من الوعر. قوله: (في نحر الظهيرة) أي: في صدر الظهر. قوله: (وهم نزول) أي: والحال أن الجيش نازلون. قوله: (فقالت) أي: عائشة، رضي الله تعالى عنها. قوله: (فهلك في)، بكسر الفاء وتشديد الياء، أرادت ما قالوا فيها من الكذب والبهتان والافتراء الذي هو سبب لهلاك القائلين، أي: لخزيهم وسواد وجوههم عند الله وعند الناس. قوله: (والذي تولى كبر الإفك) بكسر الكاف وفتح الباء الموحدة، أي: الذي باشر معظم الإفك وأكثره (عبد الله بن أبي) بضم الهمزة وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء: ابن سلول، بفتح السين المهملة وضم اللام الأولى، وهي امرأة من خزاعة وهي أم أبي بن مالك بن الحارث بن عبيد بن مالك بن سالم بن غنم بن الخزرج، وكان عبد الله هذا رأس المنافقين وابنه عبد الله من فضلاء الصحابة وخيارهم. قوله: (قال عروة) أي: ابن الزبير بن العوام أحد الرواة
207

المذكورين أول الحديث، وهو متصل بالسند الأول. قوله: (أخبرت) على صيغة المجهول وهو مقول عروة. قوله: (أنه كان يشاع ويتحدث به عنده) أي: أن الإفك كان يشاع عند عبد الله بن أبي وكل من يشاع ويتحدث على صيغة المجهول من باب تنازع العاملين في قوله: عنده. قوله: (فيقره) بضم الياء أي: فيقر عبد الله حديث الإفك و ينكره ولا ينهى من يقول به. قوله: (ويستوشيه) أي: يستخرجه بالبحث والمسألة ثم يفشيه ولا يدعه ينخمد، وقال الجوهري: يستوشيه أي يطلب ما عنده ليزيده. قوله: (لم يسم) على صيغة المجهول. قوله: (مسطح) بكسر الميم وسكون المهملة الأولى وفتح الثانية: ابن أثاثة، بضم الهمزة وتخفيف الثاء المثلثة الأولى: ابن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي القرشي المطلبي، يكنى أبا عبادة، وأمه سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، وهي ابنة خالة أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنهما، وقيل: أم مسطح بن عامر خالة أبي بكر، شهد بدرا ثم خاض في الإفك فجلده رسول الله، صلى الله عليه وسلم فيمن جلد، ويقال: مسطح، لقب واسمه: عوف، مات سنة أربع وثلاثين، وقيل: شهد مسطح صفين وتوفي سنة سبع وثلاثين. قوله: (وحمنة) بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وبالنون: بنت جحش، بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة وبالشين المعجمة: ابن رياب الأسدية، من بني أسد بن خزيمة، أخت زينب بنت جحش، كانت عند مصعب بن عمير فقتل عنها يوم أحد فتزوجها طلحة بن عبيد الله وكانت جلدت مع من جلد في الإفك. قوله: (في ناس آخرين) أي: حال كون المذكورين في جماعة آخرين في الإفك. قال عروة: (ولا علم لي بهم) أي: بأساميهم، غير أنهم كانوا عصبة. قال ابن فارس: العصبة العشرة، وقال الداودي: ما فوق العشرة
إلى الأربعين، وقيل: العصبة الجماعة. قوله: كما قال الله تعالى في قوله: * (إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم) * (النور: 11). أي: جماعة متعصبون منكم أي: من المسلمين. قوله: (وأن كبر ذلك) بضم الكاف وسكون الباء الموحدة أي: وأن متولي معظم الإفك يقال له عبد الله بن أبي. قوله: (أن يسب) على صيغة المجهول. قوله: (وتقول: إنه) أي: تقول عائشة: إن حسان قال: فإن أبي ووالده... إلى آخره. قوله: (فإن أبي) أراد به حسان أباه ثابتا، وأراد بقوله: (ووالده) أي: والد أبيه وهو منذر، وأبو جده: حرام، لأن حسان هو ابن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن مالك بن النجار النجاري الأنصاري، وحرام ضد الحلال وعاش كل واحد من حسان وأبيه وجده وجد أبيه مائة وعشرين سنة، وهذا من الغرائب. قوله: (وعرضي) بالكسر: هو موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو في سلفه أو من يلزمه أمره، وقيل: هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه ويحامي عنه أن ينتقص ويثلب. قوله: (وقاء) بكسر الواو، قال الجوهري: الوقاء والوقاء ما وقيت به شيئا. قوله: (فاشتكيت) أي: مرضت. قوله: (والناس يفيضون)، بضم الياء أي: يخوضون. قوله: (وهو يريبني)، بفتح الياء وضمها يقال: رابه وأرابه إذا أوهمه وشككه. قوله: (اللطف)، بضم اللام وسكون الطاء وبفتحها جميعا: البر والرفق. قوله: (كيف تيكم؟) إعلم أن: تأوته: ته، اسم يشار به إلى المؤنث، فإن خاطبت جئت بالكاف، فقلت: تيك وتيكما وتيكم، وما قبل الكاف لمن تشير إليه في التذكير والتأنيث والثنية والجمع. قوله: (حين نقهت)، بفتح القاف وكسرها أي: حين أفقت من المرض، يقال: نقه نقها ونقوها: إذا صح عقيب علته، وأنقهه الله فهو ناقة. قوله: (قبل المناصع)، بكسر القاف وفتح الباء الموحدة، والمناصع بالنون والصاد والعين المهملتين على وزن المساجد: مواضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيها، قاله الأزهري. وقال ابن الأثير: هي المواضع التي يتخلى فيها لقضاء الحاجة، واحدها منصع لأنه يبرز إليها ويظهر، من نصع الشيء ينصع إذا وضح وبان. قوله: (متبرزنا)، بتشديد الراء المفتوحة بعدها الزاي المفتوحة: وهو موضع البراز. قوله: (الكنف)، بضمتين جمع: كنيف، وهو كل ما ستر من بناء أو حظيرة. قوله: (الأول) بضم الهمزة وفتح الواو المخففة، ويروى بفتح الهمزة وتشديد الواو. قوله: (وهي ابنة أبي رهم)، بضم الراء وسكون الهاء واسمه: أنيس، بفتح الهمزة وكسر النون: ابن المطلب بن عبد مناف، ذكره الزبير وضبطه ابن ماكولا هكذا، ويقال اسمه صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة. قوله: (تعس)، بكسر العين، قاله الجوهري، وبفتحها قاله القاضي. قوله: (أي: هنتاه) يعني: يا هنتاه، بفتح الهاء وسكون النون وفتحها، وأما الهاء الأخيرة فتضم وتسكن وهذه اللفظة تختص بالنداء، ومعناه: يا هذه، وقيل: يا بلهاء كأنها نسبت إلى قلة المعرفة بمكائد الناس وشرورهم. قوله: (وضيئة)، أي: حسنة جميلة، من الوضاءة وهي الحسن. قوله: (إلا كثرن)، بتشديد الثاء المثلثة، ويروى: أكثرن، من
208

الإكثار، أي: كثرن القول الرديء عليها. قوله: (لا يرقأ) بالقاف والهمزة، أي: لا ينقطع يقال رقا الدمع والدم والعرق يرقأ رقوء بالضم: إذا سكن وانقطع. قوله: (أهلك)، قال الكرماني: بالرفع والنصب. قلت: وجه الرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف، والتقدير: هي أهلك ما بها شيء، ووجه النصب على تقدير: إلزم أهلك. قوله: (لم يضيق الله عليك) قول علي، رضي الله تعالى عنه، هذا لم يكن عداوة ولا بغضا، ولكن لما رأى انزعاج النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر وتقلقه به أراد إراحة خاطره وتسهيل الأمر عليه. قوله: (أي بريرة) يعني: يا بريرة، بفتح الباء الموحدة وكسر الراء الأولى، وهي مولاة عائشة، رضي الله تعالى عنها، قوله: (أغمصه) جملة وقعت صفة لقوله: أمرا، ومعناه: أعيبها به وأطع به عليها، ومادته: غين معجمة وميم وصاد مهملة. قوله: (الداجن)، بكسر الجيم وهي: الشاة التي تقتنى في البيت وتعلف، وقد تطلق على غير الشاة من كل ما يألف البيوت من الطير وغيره. قوله: (فاستعذر من عبد الله بن أبي)، أي: قال من يعذرني فيمن أذاني في أهلي؟ ومعنى: من يعذرني؟ ومن يقوم بعذري إن كافأته على قبح فعله؟ وقيل: معناه: من ينصرني؟ والعذير الناصر. قوله: (فقام سعد بن معاذ)، فإن قلت: حديث الإفك كان في المريسيع، وسعد قد مات قبله؟ قلت: ذكر ابن منده أن سعدا مات بالمدينة سنة خمس، وغزوة المريسيع كانت في شعبان سنة خمس، فكأن سعدا مات بعد شعبان من هذه السنة. وقال البيهقي: يشبه أن سعدا لم ينفجر جرحه إلا بعد المريسيع. قوله: (قلص دمعي)، أي: انقطع، قوله: (من البرحاء)، بضم الباء الموحدة وفتح الراء وتخفيف الحاء المهملة وبالمد، وبرحاء الحمى وغيرها: شدة الأذى. قوله: (الجمان)، بضم الجيم وتخفيف الميم وهو: اللؤلؤ الصغار، وقيل: حب يتخذ من الفضة أمثال اللؤلؤ. قوله: (من ثقل القول)، وضبطه ابن التين بكسر الثاء المثلثة وسكون القاف. قوله: * (ولا يأتل أولو الفضل منكم) * (النور: 22). أي: لا يحلف. قوله: (أحمى سمعي وبصري) هو مأخوذ من الحمى، تقول: أحميه من المآثم إن رأيت ما قيل، وبقية الكلام قد مرت في كتاب الشهادات مستوفاة.
4142 حدثني عبد الله بن محمد قال أملى علي هشام بن يوسف من حفظه قال أخبرنا معمر عن الزهري قال قال لي الوليد بن عبد الملك أبلغك أن عليا كان فيمن قذف عائشة قلت لا ولاكن قد أخبرني رجلان من قومك أبو سلمة بن عبد الرحمان وأبو بكر بن عبد الرحمان بن الحارث أن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت لهما كان علي مسلما في شأنها.
مطابقته للترجمة من حيث إنه يتعلق بالحديث السابق الطويل، وعبد الله بن محمد أبو جعفر الجعفي البخاري المعروف بالمسندي، وهشام بن يوسف أبو عبد الرحمن الصنعاني، والوليد بن عبد الملك بن مروان الأموي.
قوله: (أملى علي)، من الإملاء. قوله: (من حفظه)، فيه إشارة إلى أن الإملاء قد يقع من الكتاب. قوله: (قال لي الوليد)، وفي رواية عبد الرزاق عن معمر: كنت عند الوليد بن عبد الملك... أخرجه الإسماعيلي. قوله: (أبلغك؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار. قوله: (قلت: لا)، القائل هو الزهري، أي: لا، كان فيمن قذف عائشة لأن عليا، رضي الله تعالى عنه، منزه عن أن يقول مثل مقالة أهل الإفك. قوله: (أبو سلمة)، مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف،
وأبو بكر، عطف عليه تقديره: هما أبو سلمة وأبو بكر بن عبد الرحمن، والأولى أن يكون أبو سلمة عطف بيان، وأبو بكر عطف عليه، وأراد من قوله: (من قومك) قريشا، لأن أبا بكر بن عبد الرحمن مخزومي وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف زهري يجمعهما مع بني أمية رهط الوليد مرة بن كعب ابن لؤي بن غالب. قوله: (قالت لهما)، أي: قالت عائشة لأبي سلمة وأبي بكر. قوله: (مسلما) بكسر اللام المشددة، كذا في نسخ البخاري وفي رواية الحموي: مسلما، بفتح اللام، فالرواية الأولى من التسليم بمعنى تسليم الأمر بمعنى السكوت، والثانية من السلامة من الخوض فيه، وقال ابن التين: ويروى: مسيئا، يعني من الإساءة، وقال صاحب (التوضيح): فيه بعد، ورد عليه بأن عياضا ذكر أنه النسفي رواه عن البخاري بلفظ مسيئا وكذا رواه أبو علي بن السكن عن الفربري. قلت: الظاهر أن نسبة هذه اللفظة إلى علي، رضي الله تعالى عنه، من حيث إنه لم يقل مثل ما قال أسامة بن زيد: أهلك، ولا نعلم إلا خيرا، بل قال: لم يضيق الله عليك والنساء
209

سواها كثير، ومن هذا أن بعض الغلاة من الناصبية تقربوا إلى بني أمية بهذه اللفظة، فجزى الله تعالى الزهري خيرا حيث بين للوليد بن عبد الملك ما في الحديث المذكور.
فراجعوه فلم يرجع وقال مسلما بلا شك فيه وعليه كان في أصل العتيق كذلك
أي: فراجعوا الزهري في هذه المسألة فلم يرجع، أي: فلم يجب بغير ذلك. وقال معمر: قال الزهري: مسلما بلا شك في هذا اللفظ، وزاد أيضا لفظ: عليه، أي: على الوليد. قوله: (وقال: مسلما) أي: قال الزهري: قالت عائشة: قال علي بلفظ مسلما، لا بلفظ: مسيئا، وقال بعضهم: المراجعة في ذلك وقعت مع هشام بن يوسف فيما أحسب، وذلك أن عبد الرزاق رواه عن معمر فخالفه، فرواه بلفظ: مسيئا. قلت: الذي فسره الكرماني هو الصواب، ألا يرى أن الأصيلي لما رواه بلفظ: مسلما، قال: كذا قرأناه؟ والله أعلم.
173 - (حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن حصين عن أبي وائل قال حدثني مسروق بن الأجدع قال حدثتني أم رومان وهي أم عائشة رضي الله عنهما قالت بينا أنا قاعدة أنا وعائشة إذ ولجت امرأة من الأنصار فقالت فعل الله بفلان وفعل بفلان فقالت أم رومان وما ذاك قالت ابني فيمن حدث الحديث قالت وما ذاك قالت كذا وكذا قالت عائشة سمع رسول الله
قالت نعم قالت وأبو بكر قالت نعم فخرت مغشيا عليها فما أفاقت إلا وعليها حمى بنافض فطرحت عليها ثيابها فغطيتها فجاء النبي
فقال ما شأن هذه قلت يا رسول الله أخذتها الحمى بنافض قال فلعل في حديث تحدث به قالت نعم فقعدت عائشة فقالت والله ولئن حلفت لا تصدقوني ولئن قلت لا تعذروني مثلي ومثلكم كيعقوب وبنيه والله المستعان على ما تصفون قالت وانصرف ولم يقل شيئا فأنزل الله عذرها قالت بحمد الله لا بحمد أحمد ولا بحمدك)
مطابقته للترجمة من حيث أن له تعلقا بالحديث الطويل السابق وأبو عوانة بفتح العين الوضاح بن عبد الله اليشكري وحصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن الواسطي وأبو وائل شقيق بن سلمة الأزدي وأم رومان بضم الراء وسكون الواو تقدم ذكرها غير مرة والحديث مر في أحاديث الأنبياء في باب قوله تعالى * (لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين) * فإنه أخرجه هناك عن محمد بن سلام عن ابن فضيل عن حصين إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك ولنذكر هنا بعض شيء فقوله حدثتني أم رومان فيه إشكال استشكله الخطيب وآخرون لأن أم رومان ماتت في زمن النبي
ومسروق ليست له صحبة لأنه لم يقدم من اليمن إلا بعد موت النبي
في خلافة أبي بكر أو عمر رضي الله تعالى عنهما وقال الخطيب أيضا كان مسروق يرسل هذا الحديث عن أم رومان ويقول سئلت أم رومان فوهم حصين فيه حيث جعل السائل لها مسروقا أو يكون بعض النقلة كتب سئلت بالألف فصارت سألت فقرأت بفتحتين قال علي أن بعض الرواة قد رواه عن حصين على الصواب يعني بالعنعنة قال وأخرج البخاري هذا الحديث بناء على ظاهر الاتصال ولم تظهر له علته انتهى ورد على الخطيب ومن تبعه بوجهين الأول أن مستندهم في تاريخ وفاة أم رومان عن الواقدي فلا يضر ذلك الإسناد الصحيح (الثاني) ذكر أبو نعيم الأصبهاني أن أم رومان عاشت بعد النبي
ويؤيد هذا ما تقدم في علامات النبوة من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر في قصة أضياف أبي بكر قال عبد الرحمن وإنما هو أنا وأبي وأمي
210

وامرأتي وخادم وفي كتاب الأدب عند البخاري فلما جاء أبو بكر قالت له أمي احتبست عن أضيافك الحديث فهذا يدل على أن وفاة أم رومان تأخرت إلى زمن بعد النبي
قوله إذ ولجت أي إذ دخلت وكلمة إذ جواب قوله بينا قوله ' حمى بنافض ' النافض من الحمى ذات الرعدة قوله ' في حديث تحدث ' بضم التاء على صيغة المجهول قوله ' لئن حلفت ' أي على براءتي قوله ' لا تصدقوني ' ويروى لا تصدقونني قوله لا تعذروني أي لا تقبلوا مني العذر قوله ' وانصرف ' أي رسول الله
4144 حدثني يحيى حدثنا وكيع عن نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله تعالى عنها كانت تقرأ * (إذ تلقونه بألسنتكم) * (النور: 15). وتقول الولق الكذب.
قال ابن أبي مليكة وكانت أعلم من غيرها بذلك لأنه نزل فيها. (الحديث 4144 طرفه في: 4752).
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الذي قبله. ويحيى هو ابن جعفر بن أعين أبو زكريا البخاري البيكندي، ووكيع ابن الجراح، ونافع بن عمر بن عبد الله الجمحي القرشي من أهل مكة، يروي عن عبد الله بن أبي مليكة بضم الميم.
قوله: (إذ تلقونه) يعني: تقرأ بكسر اللام وضم القاف المخففة، وفسرته بقولها: من الولق وهو: الكذب، وقال الخطابي: هو الإسراع في الكذب، وقيل: هو الاستمرار فيه، وأصل: تلقونه، تولقونه، حذفت الواو لوقوعها بين الكسرة والياء آخر الحروف في فعل الغائب، وحذفت في فعل المخاطب وغيره طردا للباب. قوله
: (وكانت أعلم من غيرها) أي: وكانت عائشة أعلم بهذه القراءة من غيرها، وقراءة العامة: إذ تلقونه، بفتح اللام وتشديد القاف من التلقي، وأصله: إذ تتلقونه، فحذفت إحدى التاءين.
4145 حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبدة عن هشام عن أبيه قال ذهبت أسب حسان عند عائشة فقالت لا تسبه فإنه كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقالت عائشة استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في هجاء المشركين قال كيف بنسبي قال لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين. (انظر الحديث 3531 وطرفه).
مطابقته للترجمة من حيث إن حسانا مذكور في حديث الباب، وعبدة بسكون الباء الموحدة ابن سليمان الكلابي، وكان اسمه عبد الرحمن فغلب عليه لقبه عبدة، وهشام هو ابن عروة بن الزبير بن العوام.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن محمد بن سلام عن عبدة وأخرجه مسلم في الفضائل عن عثمان بن أبي شيبة.
قوله: (ينافح) بالحاء المهملة، يقال: نافحت عن فلان إذا خاصمت عنه. قوله: (كيف بنسبي؟) أي: تعمل في أمر نسبي، إذا هجوت قريشا من المشركين؟
وقال محمد بن عقبة وحدثنا عثمان بن فرقد سمعت هشاما عن أبيه قال سببت حسان وكان ممن كثر عليها
محمد بن عقبة، بضم العين المهملة وسكون القاف وبالباء الموحدة: أبو جعفر الطحان الكوفي أحد مشايخ البخاري، علق عنه، ووقع في رواية كريمة والأصيلي: حدثنا محمد بغير نسبة، وعرف نسبه من الرواية الأخرى، وعثمان بن فرقد، بفتح الفاء وسكون الراء وفتح القاف وبالدال المهملة: البصري، وله حديث آخر تقدم في أواخر البيوع. قوله: (وكان ممن كثر) بتشديد الثاء المثلثة من التكثير (عليها)، أي: على عائشة، رضي الله تعالى عنها، في ذكر قضية الإفك، فلذلك كان عروة يسبه.
176 - (حدثني بشر بن خالد أخبرنا محمد بن جعفر عن شعبة عن سليمان عن أبي الضحى عن مسروق قال دخلنا على عائشة رضي الله عنها وعندها حسان بن ثابت ينشدها شعرا يشبب بأبيات له وقال
* حصان رزان ما تزن بريبة
* وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
*
211

فقالت له عائشة لكنك لست كذلك قال مسروق فقلت لها لم تأذني له أن يدخل عليك وقد قال الله تعالى * (والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم) * فقالت وأي عذاب أشد من العمى قالت له إنه كان ينافح أو يهاجي عن رسول الله
)
مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا في الحديث الماضي وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن خالد أبو محمد العسكري الفرائضي وهو شيخ مسلم أيضا ومحمد بن جعفر وهو الملقب بغندر وسليمان هو الأعمش وأبو الضحى بضم الضاد المعجمة اسمه مسلم بن صبيح الكوفي والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن محمد بن بشار وعن محمد بن يوسف وأخرجه مسلم في الفضائل عن بشر بن خالد وعن محمد بن مثنى قوله يشبب بالشين المعجمة من التشبيب وهو ذكر الشاعر ما يتعلق بالغزل ونحوه قوله حصان إلى آخره وهو من قصيدة من الطويل وحصان بفتح الحاء أي عفيفة تمتنع من الرجال قوله رزان بفتح الراء وتخفيف الزاي أي صاحبة الوقار وقيل يقال امرأة رزان إذا كانت رزينة في مجلسها والرزان والثقال بمعنى واحد وهي قليلة الحركة وكلاهما على وزن فعال بفتح الفاء وهو يكثر في أوصاف المؤنث وفي الأعلام قوله ' ما تزن ' بضم التاء المثناة من فوق وفتح الزاي وتشديد النون أي ما تتهم بريبة يقال أزننت الرجل إذا اتهمته بريبة والريبة بكسر الراء التهمة قوله ' غرثى ' بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وبالثاء المثلثة أي جائعة يعني لا تغتاب الناس إذ لو كانت مغتابة لكانت آكلة من لحم أخيها فتكون شبعانة لا جوعانة ويقال رجل غرثان وامرأة غرثى ويقال وتصبح غرثى أي خميصة البطن من لحوم الغوافل وهن العفيفات قال تعالى * (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات) * جعلهن الله غافلات لأن الذي رمين به من الشر لم يهمن به قط ولا خطر على قلوبهن فهن في غفلة عنه وهذا أبلغ ما يكون من الوصف بالعفاف قوله لكنك لست كذلك الخطاب لحسان فيه إشارة إلى أنه اغتاب عائشة رضي الله تعالى عنها حين وقعت قصة الإفك وقد عمي في آخر عمره قوله فقلت لها أي لعائشة لم تأذني له أي لحسان قوله أن يدخل أي بأن يدخل وكلمة أن مصدرية قوله أنه كان ينافح أي أن حسان كان يذب عن رسول الله
بالشعر ويخاصم عنه * -
36
((باب غزوة الحديبية))
أي: هذا باب في بيان غزوة الحديبية وفي رواية الكشميهني باب عمرة الحديبية بدل غزوة الحديبية وهي بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وسكون الياء آخر الحروف وكسر الباء الموحدة قال الأصمعي هي مخففة الياء الأخيرة وزعم صاحب تثقيف اللسان أن تشديدها لحن، وقال أبو الخطاب خفف ياءها المتقنون وعامة المحدثين والفقهاء يشد دونها وهي قرية ليست بالكبيرة سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة بينها وبين المدينة تسع مراحل ومرحلة إلى مكة شرفها الله تعالى والشجرة سمرة بايع الصحابة تحتها قال مالك هي من الحرم وقال ابن القصار بعضها من الحل وبعضها من الحرم وكان يضارب النبي صلى الله عليه وسلم في الحل ومصلاه في الحرم وقال الخطابي
: أهل الحديث يشددونها وكذلك راء الجعرانة وأهل العربية يخففونها وقال البكري أهل العراق يشددون الياء وأهل الحجاز يخففونها وقال أبو جعفر النحاس سألت كل من لقيته ممن أثق بعلمه عن الحديبية فلم يختلفوا على أنها بالتخفيف وقيل سميت الحديبية بشجرة هناك حدباء فصغرت.
وقول الله تعالى لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة
وقول الله بالجر عطف على قوله غزوة الحديبية وأراد بذكر هذه الآية الكريمة الإشارة إلى أنها نزلت في قصة الحديبية وقد مر بيان قصة الحديبية في كتاب الصلح في أبواب متفرقة وكانت في هلال ذي القعدة يوم الاثنين سنة ست قال البيهقي هذا هو الصحيح وإليه ذهب الزهري وقتادة وابن عقبة وابن إسحاق وغيرهم واختلف فيه على عروة فقيل مثل الجماعة وقيل في رمضان فروى عنه خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم في رمضان وكانت العمرة في شوال وقال ابن سعد ولم يخرج
212

رسول الله، صلى الله عليه وسلم معه بسلاح إلا السيوف في القرب وساق سبعين بدنة فيها جمل أبي جهل الذي غنمه يوم بدر ومعه من المسلمين ألف وستمائة ويقال ألف وأربعمائة ويقال خمسمائة وخمسة وعشرون رجلا ومعه أم سلمة قال الحاكم والقلب أميل إلى رواية من روى ألفا وخمسمائة لاشتهاره ولمتابعة المسيب بن حزن له فيه قال ورواية موسى بن عقبة كانوا ألفا وستمائة ولم يتابع عليها. قلت: قاله أبو معشر وأبو سعيد النيسابوري قال وروى عن عبد الله بن أبي أوفى أنهم كانوا ألفا وثلاثمائة وسيأتي في رواية البراء أنهم كانوا ألفا وأربعمائة. فإن قلت: ما وجه التوفيق بين هذه الروايات؟ قلت: الوجه فيه أن بعضهم ضم إليهم النساء والاتباع وبعضهم حذف وقال ابن دحية اختلاف الروايات لأن ذلك من باب الحرز والتخمين لا من باب التحديد.
4147 حدثني خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال قال حدثني صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله عن زيد بن خالد رضي الله تعالى عنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فأصابنا مطر ذات ليلة فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ثم أقبل علينا بوجهه فقال أتدرون ماذا قال ربكم قلنا الله ورسوله أعلم فقال قال الله أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي فأما من قال مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله فهو مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنجم كذا فهو مؤمن بالكوكب كافر بي.
مطابقته للترجمة في قوله خرجنا عام الحديبية وخالد بن مخلد بفتح الميم واللام البجلي الكوفي وهو شيخ مسلم أيضا والحديث مر في كتاب الصلاة في باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم.
4148 حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام عن قتادة أن أنسا رضي الله تعالى عنه أخبره قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي كانت مع حجته عمرة من الحديبية في ذي القعدة وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة وعمرة مع حجته..
مطابقته للترجمة ظاهرة في قوله من الحديبية وهمام بتشديد الميم الأولى ابن يحيى البصري. والحديث قد مضى في كتاب الحج في باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه أخرجه هناك عن حسان بن حسان عن همام عن قتادة إلى آخره قوله: (عمرة من الحديبية) مراده أن عمرة الحصر عن الطواف محسوبة بعمرة وان لم يتم مناسكها قوله (من الجعرانة) بكسر الجيم وسكون العين المهملة وتخفيف الراء، وقد تشدد كما مر هناك فإن قلت: ذكر في الجهاد في باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطى المؤلفة، قال نافع ولم يعتمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم من الجعرانة ولو اعتمر لم يخف على عبد الله بن عمر قلت: الملازمة ممنوعة لاحتمال غيبته في ذلك الوقت أو نسيانه.
4149 حدثنا سعيد بن الربيع حدثنا علي بن المبارك عن يحيى عن عبد الله بن أبي قتادة أن أباه حدثه قال انطلقنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم أحرم..
مطابقته للترجمة ظاهرة وسعيد بن الربيع بفتح الراء العامري وعلي بن المبارك الهباري البصري ويحيى هو ابن أبي كثير اليمامي الطائي وعبد الله بن أبي قتادة يروي عن أبيه أبي قتادة وفي اسمه أقوال والأشهر الحرث بن ربعي الأنصاري الخزرجي والحديث قد مضى مطولا في كتاب الحج في باب إذا صاد الحلال فأهدى للمحرم الصيد أكله.
213

180 - (حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه قال تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحا ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية كنا مع النبي
أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحناها فلم نترك فيها قطرة فبلغ ذلك النبي
فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم مضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها غير بعيد ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا)
مطابقته للترجمة في قوله يوم الحديبية وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي يروي عن جده أبي إسحاق عن البراء بن عازب قوله ' تعدون أنتم الفتح فتح مكة ' أي كما في قوله تعالى * (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) * وقد كان فتحا ولكن بيعة الرضوان هي الفتح العظيم لأنها كانت مقدمة لفتح مكة وسببا لرضوان الله تعالى وذكر ابن إسحاق عن الزهري قال لم يكن في الإسلام فتح قبل فتح الحديبية أعظم منه قوله ' أربع عشرة مائة ' وكان القياس أن يقال ألفا وأربعمائة لكن الغرض منه الإشعار بأن الجيش كان منقسما إلى المآت وكانت كل مائة ممتازة عن الأخرى وقد مر الكلام عن قريب في اختلاف الروايات في العدد قوله ' والحديبية بئر ' أي اسم بئر ثم عرف المكان كله بذلك قوله ' فنزحناها ' كذا في الأصول وذكره ابن التين بلفظ ' فنزفناها ' ثم قال النزف والنزح واحد وهو أخذ الماء شيئا فشيئا قوله ' فتركناها غير بعيد ' أراد أنهم تركوها قدر ساعة يدل عليه رواية زهير فدعا ثم قال دعوها ساعة قوله ' أصدرتنا ' من الإصدار يقال أصدرته فصدر أي أرجعته فرجع قوله ' ما شئنا '
أي القدر الذي أردنا شربه والركاب بكسر الراء الإبل التي يسار عليها * -
4151 حدثني فضل بن يعقوب حدثنا الحسن بن محمد بن أعين أبو علي الحراني حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق قال أنبأنا البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ألفا وأربعمائة أو أكثر فنزلوا على بئر فنزحوها فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى البئر وقعد على شفيرها ثم قال ائتوني بدلو من مائها فأتي به فبصق فدعا ثم قال دعوها ساعة فأرووا أنفسهم وركابهم حتى ارتحلوا. (انظر الحديث 3577 وطرفه).
هذا طريق آخر في حديث البراء أخرجه عن فضل، بالضاد المعجمة: ابن يعقوب الرخامي البغدادي، وزهير هو ابن معاوية، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي. قوله: (فبصق)، ويقال فيه: بسق وبزق.
4152 حدثنا يوسف بن عيسى حدثنا ابن فضيل حدثنا حصين عن سالم عن جابر رضي الله تعالى عنه قال عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة فتوضأ منها ثم أقبل الناس نحوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لكم قالوا يا رسول الله ليس عندنا ماء نتوضأ به ولا نشرب إلا ما في ركوتك قال فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون قال فشربنا وتوضأنا فقلت لجابر كم كنتم يومئذ قال لو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة..
مطابقته للترجمة في قوله: (يوم الحديبية)، ويوسف بن عيسى أبو يعقوب المروزي وهو شيخ مسلم أيضا يروي عن محمد بن
214

فضيل مصغر فضل، بالمعجمة عن حصين، بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين: أبي عبد الرحمن عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله.
والحديث مضى في: باب علامات النبوة، فإنه أخرجه هناك عن موسى بن إسماعيل عن عبد العزيز بن مسلم عن حصين... إلى آخره، وقد مر الكلام فيه هناك، فإن قلت: حديث جابر هذا مغاير لحديث البراء المتقدم على ما لا يخفى. قلت: وقع ذلك في وقتين، وذكر في الأشربة أن حديث جابر في نبع الماء كان حين حضرت صلاة العصر عند إرادة الوضوء، وحديث البراء كان لإرادة ما هو أعم من ذلك، وقيل: يحتمل أنهم لما توضؤا من الماء الذي نبع من بين أصابعه ويده في الركوة صب الماء الذي بقي منها في البئر ففار الماء فيها وكثر.
4153 حدثنا الصلت بن محمد حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة قلت ل سعيد ابن المسيب بلغني أن جابر بن عبد الله كان يقول كانوا أربعة عشرة مائة فقال لي سعيد حدثني جابر كانوا خمس عشرة مائة الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية..
هذا طريق آخر في حديث جابر أخرجه عن الصلت بن محمد بن عبد الرحمن الخاركي البصري عن يزيد من الزيادة ابن زريع مصغر الزرع عن سعيد بن أبي عروبة... إلى آخره، ولا اختلاف فيه بين الروايتين لأن كلا يحكي على ما ظنه، ولعل بعضهم اعتبر الأكابر وبعضهم الأوساط وبعضهم الأصاغر، على أن التخصيص بالعدد لا يدل على نفي الزائد. قوله: (فقال لي سعيد) مقول قتادة، أي: قال لي سعيد بن المسيب: حدثني جابر... إلى آخره.
تابعه أبو داود حدثنا قرة عن قتادة
أي: تابع الصلت شيخ البخاري في روايته أبو داود سليمان بن داود الطيالسي عن قرة بن خالد عن قتادة، ووصل هذه المتابعة الإسماعيلي من طريق عمرو بن علي الفلاس عن أبي داود الطيالسي عن قرة عن قتادة، قال: سألت سعيد بن المسيب: كم كانوا في بيعة الرضوان؟ فذكر الحديث، وقال فيه أوهم يرحمه الله هو حدثني أنهم كانوا ألفا وخمسمائة. وقال أبو مسعود الدمشقي: حديث أبي داود مشهور عنه، وأما حديث سعيد هو ابن أبي عروبة فإن العباس بن الوليد رواه عن يزيد بن زريع، وقال فيه: نسي جابر، كانوا خمس عشرة مائة، ولم يقل فيه: حدثني، وكذلك رواه أبو موسى وبندار عن ابن أبي عدي عن سعيد كرواية العباس.
4154 حدثنا أبو داود حدثنا شعبة. حدثنا علي حدثنا سفيان قال عمر و سمعت جابر ابن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية أنتم خير أهل الأرض وكنا ألفا وأربعمائة ولو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة..
هذا طريق آخر في حديث جابر أخرجه عن علي بن عبد الله المعروف بابن المديني عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله... إلى آخره.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن قتيبة. وأخرجه مسلم في المغازي عن سعيد بن عمرو وآخرين، وأخرجه النسائي في التفسير عن محمد بن منصور.
قوله: (أنتم خير أهل الأرض)، هذا يدل صريحا على فضل أهل الشجرة، وهم الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم تحتها، وهم أهل بيعة الرضوان. وقال الداودي: ولم يرد دخول نفسه فيهم، واحتج به بعض الشيعة في تفضيل علي على عثمان، رضي الله تعالى عنهما، لأن عليا كان حاضرا وعثمان كان غائبا بمكة، ورد بأن عثمان كان في حكم من دخل تحت الخطاب لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان بايع عنه وهو غائب، فدخل عثمان فيهم، ولم يقصد في الحديث تفضيل بعضهم على بعض، واحتج به بعضهم على أن الخضر، عليه السلام، ليس بنبي، لأنه لو كان حيا مع ثبوت كونه نبيا للزم تفضيل غير النبي على النبي، وهذا باطل، فدل على أنه ليس بحي حينئذ، وأجاب من زعم أنه نبي وأنه حي بثبوت الأدلة الواضحة على نبوته، وأنه كان حاضرا معهم، ولم يقصد تفضيل بعض على بعض، وأجاب بعضهم بأنه كان حينئذ في البحر، وقال بعضهم: هذا جواب ساقط. قلت: لا نسلم سقوطه لعدم المانع من ذلك، وادعى ابن التين أنه حي وبنى عليه أنه ليس بنبي
215

لدخوله في عموم من فضل النبي صلى الله عليه وسلم أهل الشجرة عليهم، ورد عليه بأن إنكاره نبوة خضر غير صحيح لما ذكرنا، وقد بسطنا الكلام فيه في (تاريخنا الكبير). وزعم ابن التين أيضا أن إلياس، عليه السلام، ليس بنبي، وبناء على قول من زعم أنه حي. قلت: لم يصح أنه كان حيا حينئذ، ولئن سلمنا حياته حينئذ فالجواب ما ذكرناه الآن في حق الخضر، وأما نفي نبوته فباطل لأن القرآن نطق بأنه * (كان من المرسلين) * فلا يمكن أن يكون مرسلا وهو غير نبي. قوله: (ولو
كنت أبصر اليوم)، إنما قال ذلك لأنه كان عمي في آخر عمره. قوله: (لأريتكم)، من الإراءة. قوله: (مكان الشجرة)، وهي شجرة سمة التي بايعت الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم تحتها.
تابعه الأعمش سمع سالما سمع جابرا ألفا وأربعمائة
أي: تابع سفيان بن عيينة سليمان الأعمش في روايته: ألفا وأربعمائة، لأنه سمع سالم بن أبي الجعد أنه سمع جابرا يقول: ألفا وأربعمائة، وهذه المتابعة وصلها البخاري في آخر كتاب الأشربة، بأتم منه.
4155 وقال عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة حدثني عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنهما كان أصحاب الشجرة ألفا وثلاثمائة وكانت أسلم ثمن المهاجرين.
هذا التعليق موقوف أخرجه عن عبيد الله بن معاذ، بضم الميم وبالعين المهملة والذال المعجمة، عن أبيه معاذ بن معاذ بن نصر التميمي العنبري قاضي البصرة عن شعبة عن عمرو، بفتح العين: ابن مرة، بضم الميم وتشديد الراء: عن عبد الله بن أبي أوفى الصحابي وأبو أوفى اسمه علقمة الأسلمي.
وأخرجه مسلم، فقال: حدثنا عبيد الله بن معاذ... إلى آخره.
قوله: (أسلم)، بلفظ الماضي: قبيلة، وقال الرشاطي، هذا في خزاعة وفي مذحج وفي بجيلة. قوله: (ثمن المهاجرين)، بضم الثاء المثلثة وسكون الميم وبضمها، قال الواقدي: كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية من أسلم مائة رجل، فعلى هذا كان المهاجرون ثمانمائة، والله أعلم.
تابعه محمد بن بشار حدثنا أبو داود حدثنا شعبة
أي: تابع عبيد الله بن معاذ بن محمد بن بشار الملقب ببندار عن أبي سليمان بن داود الطيالسي عن شعبة، ووصل هذه المتابعة الإسماعيلي عن أبي عبد الكريم عن بندار به. وأخرجه مسلم عن أبي موسى محمد بن المثنى عن أبي داود به.
185 - (حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى عن إسماعيل عن قيس أنه سمع مرداسا الأسلمي يقول وكان من أصحاب الشجرة يقبض الصالحون الأول فالأول وتبقى حفالة كحفالة التمر والشعير لا يعبأ الله بهم شيئا)
مطابقته للترجمة في قوله وكان من أصحاب الشجرة وعيسى هو ابن يونس وإسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس هو ابن أبي حازم ومرداس بكسر الميم وسكون الراء وفتح الدال المهملتين ابن مالك الأسلمي الكوفي وحديثه هذا موقوف وأورده البخاري في الرقاق من طريق بيان عن قيس مرفوعا وليس له في البخاري إلا هذا الحديث ولا يعرف أنه روى عنه إلا قيس بن أبي حازم قاله بعضهم وقال أبو عمر ليس له حديث عن النبي
إلا هذا الحديث قوله ' الأول فالأول ' قال الكرماني أي الأصلح فالأصلح (قلت) الأول مرفوع بفعل محذوف تقديره يذهب الأول وقوله فالأول عطف عليه وحاصل المعنى يذهب الصالحون من وجه الأرض أولا فأولا قوله ' وتبقى حفالة ' بضم الحاء المهملة وبالفاء المخففة أي تبقى على وجه الأرض بعد ذهاب الصالحين رذالة من الناس كرديء التمر ونفايته وهو مثل الحثالة بالثاء المثلثة موضع الفاء قال ابن الأثير الحثالة الرديء من كل شيء ومنه حثالة الشعير والأرز والتمر وكل ذي قشر ويقال هو من حفالتهم ومن حثالتهم أي ممن لا خير فيه منهم وقيل هو الرذال من كل شيء والفاء والثاء كثيرا يتعاقبان نحو ثوم وفوم وفي التوضيح وفي غير البخاري حثالة بالثاء المثلثة وهي أشهر
216

كما قال الخطابي والجماعة على أنهما بمعنى قوله ' لا يعبأ الله بهم شيئا ' أي لا يبال بهم أي ليس لهم منزلة عنده وقال الجوهري ما عبأت بفلان عبأ أي ما باليت به
4158 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن مروان والمسور بن مخرمة قالا خرج النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه فلما كان بذي الحليفة قلد الهدي وأشعر وأحرم منها لا أحصي كم سمعته من سفيان حتى سمعته يقول لا أحفظ من الزهري الإشعار والتقليد فلا أدري يعني موضع الإشعار والتقليد أو الحديث كله..
مطابقته للترجمة في قوله: (عام الحديبية). وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، ومروان هو ابن الحكم، والمسور، بكسر الميم: ابن مخرمة، بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة.
والحديث قد مضى في كتاب الحج في: باب من أشعر وقلد بذي الحليفة، فإنه أخرجه هناك عن أحمد بن محمد عن عبد الله... إلى آخره، وسيأتي بأتم منه في هذا الباب.
قوله: (قلد الهدي)، من التقليد وهو أن يقلد في عنق البدنة شيء ليعلم أنه هدي. قوله: (وأشعر)، من الإشعار. وهو أن يضرب صفحة سنام البدنة اليمنى بحديدة فيلطخها بالدم ليشعر به أنها هدي. قوله: (لا أحصي...) إلى آخره، من كلام علي بن عبد الله شيخ البخاري. قوله: (حتى سمعته) أي: حتى سمعت سفيان يقول: لا أحفظ إنما كرره للتأكيد. قوله: (من الزهري)، وهو محمد بن مسلم الراوي. قوله: (الإشعار)، بالنصب لأنه مفعول: لا أحفظ (والتقليد) بالنصب أيضا عطف عليه. وقال الكرماني: قال علي بن المديني: لا أحصي كم مرة سمعت الحديث من سفيان، ويحتمل أن يريد: لا أحصي كم عددا سمعته أخمسمائة أم أربعمائة أم ثلاثمائة! وتعقب عليه بعضهم بأن حديث سفيان هذا ليس فيه تعرض للتردد في عددهم، بل الطرق كلها جازمة بأن الزهري قال في روايته: كانوا بضع عشرة مائة، وكذلك كل من رواه عن سفيان، وإنما وقع الاختلاف في ذلك في حديث جابر والبراء. انتهى. قلت: تعقبه ظاهر، ولكن الاحتمال غير مدفوع لعدم الجزم
به.
4159 حدثنا الحسن بن خلف قال حدثنا إسحاق بن يوسف عن أبي بشر ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال حدثني عبد الرحمان بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه وقمله يسقط على وجهه فقال أيؤذيك هوامك قال نعم فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق وهو بالحديبية ولم يبين لهم أنهم يحلون بها وهم على طمع أن يدخلوا مكة فأنزل الله الفدية فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطعم فرقا بين ستة مساكين أو يهدي شاة أو يصوم ثلاثة أيام..
مطابقته للترجمة في قوله: (وهو بالحديبية) والحسن بن خلف، بفتح الخاء المعجمة واللام: أبو علي الواسطي مات سنة ست وأربعين ومائتين، وهو من صغار شيوخ البخاري ثقة وما له عنه في (الصحيح) سوى هذا الموضع، وإسحاق بن يوسف ابن يعقوب الأزرق الواسطي، وأبو بشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: اسمه ورقاء، بفتح الواو وسكون الراء وبالقاف، والمد: ابن عمر بن كليب اليشكري، ويقال الشيباني، وأصله من خوارزم، ويقال: من الكوفة، سكن المدائن، يروي عن عبد الله بن أبي نجيح، بفتح النون وكسر الجيم وفي آخره حاء مهملة، واسمه: يسار ضد اليمين.
والحديث قد مضى في كتاب الحج في: باب النسك بشاة، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (فرقا)، بفتح الفاء والراء وقد تسكن، وهو مكيال يسع ستة عشر رطلا.
188 - (حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال حدثني مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال
217

خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى السوق فلحقت عمر امرأة شابة فقالت يا أمير المؤمنين هلك زوجي وترك صبية صغارا والله ما ينضجون كراعا ولا لهم زرع ولا ضرع وخشيت أن تأكلهم الضبع وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاري وقد شهد أبي الحديبية مع النبي
فوقف معها عمر ولم يمض ثم قال مرحبا بنسب قريب ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطا في الدار فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاما وحمل بينهما نفقة وثيابا ثم ناولها بخطامه ثم قال اقتاديه فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير فقال رجل يا أمير المؤمنين أكثرت لها قال عمر ثكلتك أمك والله إني لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصنا زمانا فافتتحاه ثم أصبحنا نستفيء سهمانهما فيه)
مطابقته للترجمة في قوله وقد شهد أبي الحديبية وأسلم والد زيد مولى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان من سبي اليمن ويقال من سبي عين التمر ابتاعه عمر بمكة سنة إحدى عشرة قوله ' فلحقت عمر امرأة شابة ' وفي رواية معن عن مالك عند الإسماعيلي فلقينا امرأة فتشبثت بثيابه وفي طريق سعيد بن داود عن مالك فتعلقت بثيابه وفي رواية الدارقطني إني امرأة مؤتمة قوله ' صبية ' بكسر الصاد وسكون الباء الموحدة جمع صبي قوله ' ما ينضجون كراعا ' بضم الياء وسكون النون وكسر الصاد المعجمة بعدها جيم يعني لا كراع لهم حتى ينضجونه أو لا كفاية لهم في ترتيب ما يأكلونه أو لا يقدرون على الإنضاج يعني أنهم لو حاولوا نضج كراع ما قدروا لصغرهم والكراع من الدواب ما دون الكعب ومن الإنسان ما دون الركبة قوله ' ولا لهم زرع ' أي نبات قوله ولا ضرع كناية عن النعم قوله ' أن تأكلهم الضبع ' بفتح الضاد المعجمة وضم الباء الموحدة وبالعين المهملة السنة المجدبة الشديدة وأيضا الحيوان المشهور وقال الداودي سميت بذلك لأنه يكثر الموتى فيها حتى لا يقبر أحدهم فتأكله الضبع وغيرها قيل فيه نظر قوله ' وأنا بنت خفاف ' بضم الخاء المعجمة وتخفيف الفاء الأولى ابن إيماء بكسر الهمزة وسكون الياء آخر الحروف وبالمد وقيل أيما بالفتح والقصر وهو منصرف ابن رحضة بالحاء المهملة ابن خزيمة بن خلان بن الحارث بن غفار الغفاري بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وبالراء وقال أبو عمر يقال لخفاف وأبيه وجده صحبة وكانوا ينزلون غيقة بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وقاف من بلاد غفار ويأتون المدينة كثيرا وقال ابن الكلبي خفاف بن إيماء من المعذرين من الأعراب وقال الواقدي كان فيمن جاء من الأعراب من بني غفار إلى رسول الله
وهو يريد تبوك يعتذرون إليه في التخلف عنه فلم يعذرهم الله ولخفاف هذا حديث موصول عند مسلم قوله ' شهد أبي الحديبية ' ذكر الواقدي من حديث أبي رهم الغفاري قال لما نزل النبي
بالأبواء أهدى له إيماء بن رحضة مائة شاة وبعيرين يحملان لبنا وبعث بها مع ابنه خفاف فقبل هديته وفرق الغنم في أصحابه ودعا بالبركة قوله مرحبا معناه أتيت سعة ورحبا قوله بنسب قريب يحتمل أن يريد به قرب نسب غفار من قريش لأن كنانة تجمعهم ويحتمل أنه أراد أنها انتسبت إلى شخص واحد معروف قوله ظهير أي قوي الظهر معد للحاجة وقال الجوهري بعير ظهير بين الظهارة إذا كان قويا وناقة ظهيرة قوله غرارتين تثنية غرارة بالغين المعجمة وهي التي تتخذ للتبن وغيره وقيل هي معربة قوله بخطامه أي بخطام البعير وهو الحبل الذي يقاد به سمي بذلك لأنه يقع على الخطم وهو الأنف قوله اقتاديه أمر من الاقتياد وفي رواية سعيد بن داود قودي هذا البعير قوله بخير وفي رواية سعيد بن داود بالرزق قوله ثكلتك أمك هي كلمة تقولها العرب للإنكار ولا يريدون حقيقتها كقولهم تربت يداك وقاتلك الله ومعناه الحقيقي فقدتك أمك وهو الدعاء بالموت من الثكل بضم الثاء وسكون الكاف وهو فقد الولد
218

ويقال امرأة ثاكل وثكلى ورجل ثاكل وثكلان قوله أبا هذه أي أبا هذه المرأة وهو خفاف وأخوها لم يدر اسمه وكان لخفاف ابنان الحارث ومخلد وهما تابعيان والحارث روى عن أبيه ومخلد يروي عن عروة وروى عنه ابن أبي ذئب حديث الخراج من الضمان أخرج له الأربعة وأما مخلد الغفاري فله صحبة ذكره البخاري في الصحابة وقال أبو حاتم الرازي ليس له صحبة وقول أبي عمران لخفاف وأبيه وجده صحبة يدل على أن يكون هؤلاء أربعة في نسق له صحبة وهم بنت خفاف وخفاف وأبوه إيماء وجده رحضة وفيه رد على من زعم أنه لم يوجد أربعة في نسق لهم صحبة سوى بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قوله حصنا أي حصنا من الحصون فافتتحاها وكان ذلك في غزوة لم يدر أي غزوة كانت قيل يحتمل أن تكون خيبر لأنها كانت بعد الحديبية ولها حصون قد حوصرت قوله نستفيء بفتح النون وسكون السين المهملة
وفتح التاء المثناة من فوق وبالفاء وبالهمزة في آخره من استفأت هذا المال أي أخذته فيئا أي نطلب الفيء من سهمانهما وسمي فيئا لأنه مال استرجعه المسلمون من يد الكفار ومنه تتفيأ ظلاله أي ترجع على كل شيء من حوله ومنه فإن فاؤا أي رجعوا والسهمان بضم السين وهو جمع سهم وهو النصيب وفي رواية الحموي نستقي بالقاف وبدون الهمزة
189 - (حدثني محمد بن رافع حدثنا شبابة بن سوار أبو عمرو الفزاري حدثنا شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال لقد رأيت الشجرة ثم أتيتها بعد فلم أعرفها)
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله لقد رأيت الشجرة لأنها كانت هي الحديبية وكانت شجرة جدباء فصغرت ومحمد بن رافع النيسابوري مر في الصلح وشبابة بفتح الشين المعجمة وتخفيف الباءين الموحدتين ابن سوار بفتح السين المهملة وتشديد الواو وبالراء الفزاري بفتح الفاء وبالزاي قوله الشجرة وهي الشجرة التي كانت بيعة الرضوان تحتها قوله بعد بضم الدال أي بعد ذلك
(قال أبو عبد الله قال محمود ثم أنسيتها بعد)
أبو عبد الله هو البخاري وليس في أكثر النسخ هذا قوله قال محمود هو ابن غيلان أبو أحمد المروزي شيخ البخاري ومسلم قوله أنسيتها على صيغة المجهول
190 - (حدثنا محمود حدثنا عبيد الله عن إسرائيل عن طارق بن عبد الرحمن قال انطلقت حاجا فمررت بقوم يصلون قلت ما هذا المسجد قالوا هذه الشجرة حيث بايع رسول الله
بيعة الرضوان فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته فقال سعيد حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله
تحت الشجرة قال فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها فقال سعيد إن أصحاب محمد
لم يعلموها وعلمتموها أنتم فأنتم أعلم)
مطابقته للترجمة مثل مطابقة ما قبله ومحمود قد ذكر الآن وعبيد الله هو ابن موسى وهو أيضا من شيوخ البخاري وحدث عنه بواسطة وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحق السبيعي وطارق بن عبد الرحمن البجلي الكوفي قوله ما هذا المسجد أريد به مسجد الشجرة وذلك لأنهم جعلوا تحتها مسجدا يصلون فيه قوله هذه الشجرة أراد بها الشجرة التي وقعت المبايعة تحتها كما ذكرنا الآن قوله نسيناها أي الشجرة وفي رواية الكشميهني والمستملي أنسيناها بضم الهمزة وسكون النون على صيغة المجهول أي أنسينا موضعها بدليل قوله ' فلم نقدر عليه ' قوله ' فقال سعيد ' أي سعيد بن المسيب إنما قال سعيد ما قاله هنا منكرا عليهم قوله ' فأنتم أعلم ' ليس على حقيقته وإنما هو تهكم وفي رواية قيس بن الربيع أن أقاويل الناس كثيرة * -
219

4164 حدثنا موسى حدثنا أبو عوانة حدثنا طارق عن سعيد بن المسيب عن أبيه أنه كان ممن بايع تحت الشجرة فرجعنا إليها العام المقبل فعميت علينا.
هذا طريق آخر في حديث سعيد بن المسيب أخرجه عن موسى بن إسماعيل التبوذكي عن أبي عوانة الوضاح اليشكري عن طارق بن عبد الرحمن المذكور آنفا.
قوله: (فعميت)، أي: استترت وخفيت، وكان سبب خفائها أن لا يفتتن الناس بها لما جرى تحتها من الخير ونزول الرضوان فلو بقيت ظاهرة معلومة لخيف تعظيم الجهال إياها وعبادتهم لها، فإخفاؤها رحمة من الله تعالى.
4166 حدثنا آدم بن أبي إياس حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت عبد الله بن أبي أوفى وكان من أصحاب الشجرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقة قال اللهم صل عليهم فأتاه أبي بصدقته فقال أللهم صل على آل أبي أوفى.
مطابقته للترجمة في قوله: (وكان من أصحاب الشجرة) والحديث مضى في كتاب الزكاة في: باب صلاة الإمام، ودعائه لصاحب الصدقة فإنه أخرجه هناك عن حفص بن عمر عن شعبة... إلخ، ومضى الكلام فيه هناك.
4167 حدثنا إسماعيل عن أخيه عن سليمان عن عمرو بن يحيى عن عباد بن تميم قال لما كان يوم الحرة والناس يبايعون لعبد الله بن حنظلة فقال ابن زيد على ما يبايع ابن حنظلة الناس قيل له على الموت قال لا أبايع على ذالك أحدا بعد رسول الله وكان شهد معه الحديبية. (انظر الحديث 2959).
مطابقته للترجمة في قوله: (وكان شهد معه الحديبية) وإسماعيل هو ابن أبي أويس، يروي عن أخيه عبد الحميد عن سليمان بن بلال عن عمرو بن يحيى المازني عن عباد، بتشديد الباء الموحدة، ابن تميم بن زيد بن عاصم المازني، وهؤلاء كلهم مدنيون.
والحديث مضى في كتاب الجهاد في: باب البيعة في الحرب، فإنه أخرجه هناك عن موسى بن إسماعيل عن وهيب عن عمرو بن يحيى... إلى آخره، ومضى بعض الكلام فيه هناك، ولنذكر بعض شيء أيضا.
فقوله: (يوم الحرة)، بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء: وهي حرة المدينة، ويومها هو يوم الوقعة التي وقعت بين عسكر يزيد وأهل المدينة وكانت في سنة ثلاث وستين، وكان السبب في ذلك خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية، ولما بلغ ذلك يزيد أرسل جيشا إلى المدينة وعين عليهم مسلم بن عقبة، قيل: في عشرة آلاف فارس، وقيل: في اثني عشر ألفا، وقال المدائني، ويقال: في سبعة وعشرين ألفا، اثني عشر ألف فارس وخمسة عشر ألف راجل، وجعل أهل المدينة جيشهم أربعة أرباع على كل ربع أمير، أو جعلوا أجل الأرباع عبد الله بن حنظلة الغسيل، وقصتهم طويلة، وملخصها: أنه لما وقع القتال بينهم كسر عسكر يزيد عسكر أهل المدينة وقتل عبد الله بن حنظلة وأولاده وجماعة آخرون، وسئل الزهري:
220

كم كان القتلى يوم الحرة؟ قال: سبعمائة من وجوه الناس من المهاجرين والأنصار، ووجوه الموالي وممن لا يعرف من حر وعبد وغيرهم عشرة آلاف، وقال المدائني: أباح مسلم بن عقبة المدينة ثلاثة أيام يقتلون الناس ويأخذون الأموال ووقعوا على النساء حتى قيل: إنه حبلت ألف امرأة في تلك الأيام. وعن هشام بن حسان: ولدت ألف امرأة من أهل المدينة من غير زوج. قوله: (والناس يبايعون لعبد الله بن حنظلة) بفتح الحاء المهملة وسكون النون والظاء المعجمة وفتح اللام: ابن أبي عامر الراهب، ويقال له: ابن الغسيل، لأن أباه حنظلة غسلته الملائكة، وقد مر بيانه غير مرة، وعبد الله هذا ولد على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وتوفي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو ابن سبع سنين ورآه وروى عنه وقتل يوم الحرة، كما ذكرناه الآن، ومعنى: يبايعون لعبد الله، أي: على الطاعة له وخلع يزيد بن معاوية، وقال بعضهم: وعكس الكرماني فزعم أنه كان يبايع الناس ليزيد بن معاوية وهو غلط كبير، انتهى. قلت: رجعت إلى (شرح الكرماني) فوجدت عبارته: كان يأخذ البيعة من الناس ليزيد بن معاوية، والظاهر أن هذا من الناسخ الجاهل، فذكر اللام موضع: على، وكان الذي كتبه: على يزيد بن معاوية. قوله: (قال ابن زيد) هو عبد الله بن زيد ابن عاصم عم عباد بن تميم الأنصاري المازني البخاري الذي قتل مسيلمة وقتل هو يوم الحرة، وهو صاحب حديث الوضوء، وغلط ابن عيينة فقال: هو الذي أري الأذان. قوله: (قيل: له على الموت) كذا وقع هنا، وقيل: على أن لا يفروا وقال الداودي: يحمل على أن لا يفروا حتى يموتوا، فسقط ذلك من بعض الرواة. قوله: (قال: لا أبايع على ذلك أحدا) أي: قال ابن زيد: لا أبايع على الموت أحدا بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفيه إشعار بأنه بايع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على الموت.
4168 حدثنا يحيى بن يعلى المحاربي قال حدثني أبي حدثنا إياس بن سلمة بن الأكوع قال حدثني أبي وكان من أصحاب الشجرة قال كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل فيه.
مطابقته للترجمة في قوله: (وكان من أصحاب الشجرة) ويحيى بن يعلى، بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وفتح اللام وبالقصر: المحاربي، بضم الميم وبالحاء المهملة وكسر الراء وبالباء الموحدة: الكوفي الثقة من قدماء شيوخ البخاري، مات سنة ست عشرة ومائتين، يروي عن أبيه يعلى بن الحارث المحاربي، ثقة أيضا مات سنة ثمان وستين ومائة، وما لهما في البخاري إلا هذا الحديث، وإياس، بكسر الهمزة وتخفيف الياء آخر الحروف: ابن سلمة بن الأكوع.
والحديث أخرجه مسلم في الصلاة عن يحيى بن يحيى وغيره، وأخرجه أبو داود فيه عن أحمد بن عبد الله بن يونس. وأخرجه النسائي فيه عن شعيب بن يوسف، وأخرجه ابن ماجة فيه عن بندار.
قوله: (نستظل فيه) ويروى: به، واحتج بهذا الحديث من جوز صلاة الجمعة قبل الزوال لأن الشمس إذا زالت ظهرت الظلال. وأجيب: بأن النفي إنما تسلط على وجود ظل يستظل به لا على وجود الظل مطلقا، والظل الذي يستظل به لا يتهيأ إلا بعد الزوال بعد أن يختلف في الشتاء والصيف.
221

4170 حدثني أحمد بن إشكاب حدثنا محمد بن فضيل عن العلاء بن المسيب عن أبيه قال ل قيت البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما فقلت طوبى لك صحبت النبي صلى الله عليه وسلم وبايعته تحت الشجرة فقال يا ابن أخي إنك لا تدري ما أحدثنا بعده.
مطابقته للترجمة في قوله: (تحت الشجرة) وأحمد بن إشكاب، بكسر الهمزة وفتحها وسكون الشين المعجمة: أبو عبد الله الصفار الكوفي ثم البصري، ومحمد بن فضيل مصغر الفضل بالمعجمة، والعلاء بالمد ابن المسيب يروي عن أبيه المسيب بن رافع التغلبي، بفتح الفوقانية وسكون المعجمة وكسر اللام وبالباء الموحدة الكاهلي.
قوله: (طوبى لك) مثل: هنيئا لك، أي: طيب العيش لك، وقيل: طوبى شجرة في الجنة. قوله: (يا ابن أخي) وفي رواية الكشميهني: يا ابن أخ، بلا إضافة وهو على عادة العرب في المخاطبة، أو أراد أخوة الإسلام. قوله: (إنك لا تدري ما أحدثنا بعده)، أي: بعد النبي صلى الله عليه وسلم، قال ذلك إما هضما لنفسه وتواضعا، وإما نظرا إلى ما وقع من الفتن بينهم.
4171 حدثنا إسحاق حدثنا يحيى بن صالح قال حدثنا معاوية هو ابن سلام عن يحيى عن أبي قلابة أن ثابت بن الضحاك أخبره أنه بايع النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة..
مطابقته للترجمة في قوله: (تحت الشجرة) وإسحاق هو ابن منصور بن بهرام الكوسج المروزي، وهو شيخ مسلم أيضا، ويحيى ابن صالح هو الرحاظي الحمصي وهو شيخ البخاري أيضا. وقد يحدث عنه بواسطة، ومعاوية بن سلام، بتشديد اللام ويحيى هو ابن أبي كثير، ووقع في رواية ابن السكن: عن زيد بن سلام، بدل: يحيى بن أبي كثير، قال أبو علي الجياني: ولم يتابع على ذلك، وأبو قلابة، بكسر القاف: عبد الله بن زيد الجرمي، وثابت بن الضحاك بن خليفة بن ثعلبة بن عدي بن كعب بن عبد الأشهل، ولد سنة ثلاث من الهجرة وسكن الشام ثم انتقل إلى البصرة ومات بها سنة خمس وأربعين، وقيل: إنه مات في فتنة ابن الزبير، رضي الله تعالى عنهم.
وهذا الحديث أورده هكذا مختصرا، وأخرج مسلم بقيته عن يحيى بن يحيى عن معاوية بهذا الإسناد.
4172 حدثني أحمد بن إسحاق حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه * (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) * (الفتح: 1). قال الحديبية قال أصحابه هنيئا مريئا فما لنا فأنزل الله * (ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار) * (الفتح: 5). قال شعبة فقدمت الكوفة فحدثت بهاذا كله عن قتادة ثم رجعت فذكرت له فقال أما إنا فتحنا لك فعن أنس وأما هنيئا مريئا فعن عكرمة. (الحديث 4172 طرفه في: 4834).
مطابقته للترجمة في قوله: (قال: الحديبية) وأحمد بن إسحاق بن الحصين أبو إسحاق السلمي السرماري، وسرمار قرية من قرى بخارى، مات في سنة اثنتين
وأربعين ومائتين، وعثمان بن عمر بن فارس البصري.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن بندار. وأخرجه النسائي في التفسير عن عمرو بن علي.
قوله: (قال: الحديبية)، أي: قال أنس: الفتح في قوله تعالى: * (إنا فتحنا لك) * (الفتح: 1). هو في الحديبية. قوله: (قال أصحابه) أي: أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قوله: (هنيئا) أي: لا إثم فيه. قوله: (مريئا) أي: لا داء فيه. يقال: هنأني الطعام ومرأني. وإذا لم يذكر هنأني يقول: امرأني، بالهمزة. قاله أبو عبيد الهروي، وقال ابن فارس: يقال مرأني الطعام وأمرأني أي: انهضم، وذكر ابن الأعرابي أنه لا يقال: مرأني. قوله: (فما لنا)، من قول الصحابة أيضا. قوله: (قال شعبة: فقدمت الكوفة...) إلى آخره، إشارة إلى أن بعض الحديث عند قتادة عن أنس، وبعضه عنده عن عكرمة،
222

وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق حجاج بن محمد عن شعبة، وجمع في الحديث بين أنس وعكرمة وساقه مساقا واحدا.
4173 حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا أبو عامر حدثنا إسرائيل عن مجزأة بن زاهر الأسلمي عن أبيه وكان ممن شهد الشجرة قال إني أوقد تحت القدر بلحوم الحمر إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاكم عن لحوم الحمر.
مطابقته للترجمة في قوله: (وكان ممن شهد الشجرة). وأبو عامر هو عبد الملك بن عمرو العقدي، بالعين المهملة والقاف المفتوحتين، ووقع في رواية ابن السكن: حدثنا عثمان بن عمر، بدل: أبي عامر، وإسرائيل هو ابن يونس، وإسرائيل هذا وقع في الأصول ولا بد منه، وقال بعضهم: وحكى بعض الشراح أنه وقع في بعض النسخ بإسقاطه، وأنكر عليه. قلت: أراد ببعض الشراح: صاحب (التوضيح)، وهو من مشايخه، ومجزأة، بفتح الميم وسكون الجيم وبالزاي والهمزة قبل الهاء، وقال أبو علي الجياني: المحدثون يسهلون الهمزة ولا يتلفظون بها، وقد يكسرون الميم، وهو يروي عن أبيه زاهر بن الأسود بن حجاج ابن قيس بن عبد بن دعبل بن أنس بن خزيمة بن مالك بن سلامان بن سلم بن أفضى الأسلمي. وليس له في البخاري إلا هذا الحديث والذي بعده.
قوله: (عن أبيه)، كذا وقع للجميع، ووقع في رواية الأصيلي: عن أبي زيد المروزي عن أنس، بدل قوله: عن أبيه. قال أبو علي الجياني: هو تصحيف. قوله: (قال: إني لأوقد تحد القدر...) إلى آخره، حكاية عما كان يوم خيبر من النهي المذكور، وليس في الحديث ما يدل على أنه كان يوم الحديبية، وإنما أورد البخاري الحديث لأجل قوله فيه: (وكان ممن شهد الشجرة) وقد اعترض الداودي هنا، وقال: ما وقع هنا وهم، فإن النهي عن لحوم الحمر الأهلية لم يكن بالحديبية. قلت: الجواب ما ذكرته، فلا حاجة إلى النسبة إلى الوهم.
4175 حدثني محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سويد بن النعمان وكان من أصحاب الشجرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أوتوا بسويق فلاكوه..
مطابقته للترجمة في قوله: (وكان من أصحاب الشجرة) وابن أبي عدي هو محمد، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وبشير، بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة: ابن يسار ضد اليمين الأنصاري، وسويد، بضم السين المهملة وفتح الواو: ابن النعمان بن مالك بن عائذ بن مجدعة بن جشم بن حارثة الأنصاري، يعد في أهل المدينة. والحديث مضى في كتاب الطهارة
223

في: باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (فلاكوه) من اللوك وهو مضغ الشيء وإدارته في الفم.
تابعه معاذ عن شعبة
أي: تابع ابن أبي عدي معاذ بن معاذ قاضي البصرة عن شعبة بن الحجاج، وق وصل هذه المتابعة الإسماعيلي عن يحيى بن محمد عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه مختصرا.
4176 حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع حدثنا شاذان عن شعبة عن أبي جمرة قال سألت عائذ بن عمرو رضي الله تعالى عنه وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أصحاب الشجرة هل ينقض الوتر قال إذا أوترت من أوله فلا توتر من آخره.
مطابقته للترجمة في قوله: (من أصحاب الشجرة) ومحمد بن حاتم، بالحاء المهملة: ابن بزيع، بفتح الباء الموحدة وكسر الزاي وسكون الياء آخر الحروف وبالعين المهملة، وشاذان، بالشين المعجمة وتخفيف الذال المعجمة: هو الأسود بن عامر الشامي ثم البغدادي، ولفظ: شاذان معرب، ومعناه: فرحين بالفاء، وأبو جمرة، بالجيم والراء: واسمه نصر بن عمران الضبيعي، وقال أبو علي الجياني، وقع في نسخة أبي ذر: عن أبي الهيثم، بالحاء والزاي، وهو وهم منه، والصواب: بالجيم والراء، وعائذ، بالذال المعجمة: ابن عمرو، بفتح العين: ابن هلال المزني، يكنى أبا عبيدة، وكان من صالحي الصحابة سكن البصرة وابتنى بها دارا في إمرة عبد الله ابن زياد أيام يزيد بن معاوية، وما له في البخاري إلا هذا الحديث ذكره موقوفا.
قوله: (هل ينقض؟) على صيغة المجهول (والوتر) مرفوع به يعني: إذا صلى مثلا ثلاث ركعات ونام، فهل يصلي بعد النوم شيئا آخر منه مضافا إلى الأول، محافظة على قوله: (إجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا؟) وإذا صلاها مرة فهل يصليها مرة أخرى بعد النوم؟ فأجاب باختيار الصفة الثانية (فقال: إذا أوترت...) إلى آخره، وقد اختلف في هذه المسألة، فكان أبو عمر ممن يرى نقض الوتر، والصحيح عند الشافعية أنه لا ينقض وهو قول مالك أيضا. قلت: وهو قول أصحابنا أيضا، وعليه الجمهور، والله أعلم.
203 - (حدثني عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله
كان يسير في بعض أسفاره وكان عمر بن الخطاب يسير معه ليلا فسأله عمر بن الخطاب عن شيء فلم يجبه رسول الله
ثم سأله فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه وقال عمر بن الخطاب ثكلتك أمك يا عمر نزرت رسول الله
ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك قال عمر فحركت بعيري ثم تقدمت أمام المسلمين وخشيت أن ينزل في قرآن فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي قال فقلت لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن وجئت رسول الله
فسلمت عليه فقال لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ إنا فتحنا لك فتحا مبينا)
مطابقته للترجمة إنما تتأتى على قول من يقول المراد بالفتح صلح الحديبية وقد اختلفوا فيه اختلافا كثيرا فقيل المراد فتح الإسلام بالسيف والسنان وقيل الحكم وقيل فتح مكة قيل هو المختار وقيل فتح الإسلام بالآية والبيان والحجة والبرهان وفي تفسير النسفي والأكثرون على أن الفتح كان يوم الحديبية وقال البراء بن عازب نحن نعد الفتح بيعة الرضوان وقال الشعبي هو فتح الحديبية وقال الزهري لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية ويقال الفتح في اللغة فتح المغلق والصلح الذي
224

جعل بين المشركين بالحديبية كان مشدودا متعذرا حتى فتحه الله وزيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب يروي عن أبيه أسلم عن عمر رضي الله تعالى عنه وظاهره أنه مرسل ولكن قول عمر رضي الله تعالى عنه فحركت بعيري إلى آخره يدل على أنه عن عمر والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن القعنبي وفي فضائل القرآن عن إسماعيل والكل عن مالك وأخرجه الترمذي في التفسير عن ابن بشار وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن عبد الله المخزومي قوله ' في بعض أسفاره ' الظاهر أنه كان في سفر الحديبية قوله ' أن ينزل ' على صيغة المجهول قوله ' في ' بكسر الفاء وتشديد الياء وكذلك في بعد قوله قد نزل قوله ' قد نزرت ' بفتح النون وتشديد الزاي أي ألححت وضيقت عليه حتى أحرجته وقيل المعروف بتخفيف الزاي من النزر وهو القلة ومنه البئر النزور أي قليلة الماء فقيل ذلك لمن كثر عليه السؤال حتى انقطع جوابه وقال ابن الأعرابي النزر الإلحاح في السؤال وعن الأصمعي نزر فلان فلانا إذا استخرج ما عنده قليلا قليلا قوله ' فما نشبت ' أي فما لبثت من نشب ينشب من باب علم يعلم يقال لم ينشب أن فعل كذا أي لم يلبث وحقيقته لم يتعلق بشيء غيره ولا اشتغل بسواه قوله ' إنا فتحنا لك فتحا مبينا ' قد مر تفسير الفتح آنفا واختلف في الموضع الذي نزلت فيه سورة الفتح فعند أبي معشر بالجحفة وفي الإكليل عن مجمع بن حارثة بكراع الغميم * -
4179 حدثني عبد الله بن محمد حدثنا سفيان قال سمعت الزهري حين حدث هذا الحديث حفظت بعضه وثبتني معمر عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يزيد أحدهما على صاحبه قالا خرج النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه فلما أتي ذا الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة وبعث عينا له من خزاعة وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان بغدير الأشظاظ أتاه عينه قال إن قريشا جمعوا لك جموعا وقد جمعو لك الأحابيش وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت ومانعوك فقال أشيروا أيها الناس علي أترون أن أميل إلى عيالهم وذراري هاؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت فإن يأتونا كان الله عز وجل قد قطع عينا من المشركين وإلا تركناهم محروبين قال أبو بكر يا رسول الله خرجت عامدا لهاذا البيت لا تريد قتل أحد ولا حرب أحد فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه قال امضوا على اسم الله..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وعبد الله بن محمد هو المعروف بالمسندي، وسفيان هو ابن عيينة، والمسور، بكسر الميم، ومخرمة بفتحها، وقد ذكر هؤلاء غير مرة.
والحديث مضى في كتاب الشروط في: باب الشروط في الجهاد، مطولا جدا، ومضى الكلام فيه هناك، ولنذكر هنا ما لم يذكر هناك.
قوله: (هذا الحديث)، أشار به إلى الحديث الذي ذكره هنا. قوله: (حفظت بعضه)، القائل هو سفيان أي: سمعت بعض الحديث عن الزهري. قوله: (وثبتني معمر)، أي: جعلني معمر بن راشد ثابتا فيما سمعته من الزهري ههنا. قوله: (عام الحديبية)، وهو عام ست من الهجرة، وقد بسطنا الكلام فيه في أول الباب، وكذلك مر الكلام في قوله: (بضع عشرة مائة) قوله: (فلما أتى ذا الحليفة) أي: فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم، المكان الذي يسمى ذا الحليفة، وهو ميقات أهل المدينة وهي التي تسمى: أبار على، رضي الله تعالى عنه. قوله: (وأشعره) من الإشعار، وقد ذكرناه عن قريب. قوله: (بعث عينا)، أي: جاسوسا. قوله: (من خزاعة)، بضم الخاء المعجمة وتخفيف الزاي، وهي في الأزد وفي قضاعة، والتي في الأزد تنسب إلى خزاعة وهو عمرو بن ربيعة، والتي في قضاعة بطن وهو خزاعة ابن مالك، واسم هذا العين: بسر بن سفيان بن عمرو بن عويمر الخزاعي، قال أبو عمر: أسلم سنة ست من الهجرة وشهد الحديبية،
225

وبسر، بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة. قوله: (بغدير الأشظاظ) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وبالظاءين المعجمتين، وقال الكرماني: بالمهملتين، وقيل: بالمعجمتين، موضع تلقاء الحديبية، وضبطه البكري أيضا بالمهملتين، وقال الهروي: هو بملتقى الطريقين من عسفان للخارج إلى مكة على يمينك بمقدار ميلين، وربما اجتمع فيه الماء وليس ثمة غدير غيره، والغدير مجتمع الماء. قوله: (الأحابيش)، بالحاء المهملة وبالباء الموحدة والشين المعجمة على وزن المصابيح الجماعة من الناس ليسوا من قبيلة واحدة، وقال ابن الأثير: هم أحياء من القارة انضموا إلى بني ليث في محاربتهم قريشا، والتحبش التجمع، وقيل: حالفوا قريشا تحت جبل يسمى حبيشا فسموا بذلك. قوله: (من المشركين) يتعلق بقوله: (قطع) أي: إن يأتونا كان الله تعالى قد قطع منهم جاسوسا، يعني الذي بعثه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أي: غايته أنا كنا كمن لم يبعث الجاسوس ولم يعبر الطريق، وواجههم بالقتال، وإن لم يأتونا نهبنا عيالهم وأموالهم وتركناهم محروبين، بالحاء المهملة الراء، أي: مسلوبين منهوبين، يقال: حربه إذا أخذ ماله وتركه بلا شيء، وقد حرب ماله، أي: سلبه فهو محروب، وقال الخطابي: المحفوظ منه كان الله قد قطع عنقا بالقاف أي: جماعة من أهل الكفر فيقل عددهم وتهن بذلك قوتهم، قال الخليل: جاء القوم عنقا أي: طوائف، والأعناق الرؤساء، قوله: (فتوجه) أمر من توجه يتوجه
. قوله: (له) أي: البيت. قوله: (ومن صدنا عنه)، أي: ومن منعنا من البيت.
4182 قال ابن شهاب وأخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر من المؤمنات بهاذه الآية * (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك) * (الممتحنة: 12). وعن عمه قال بلغنا حين أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يرد إلى المشركين ما أنفقوا على من هاجر من أزواجهم وبلغنا أن أبا بصير فذكره بطوله..
هذا طريق آخر في الحديث المذكور. وإسحاق هو ابن راهويه، ويعقوب هو ابن إبراهيم بن سعد وابن أخي ابن شهاب اسمه محمد بن عبد الله بن مسلم بن شهاب وعمه محمد بن مسلم بن شهاب الزهري.
قوله: (على قضية المدة)، أي: المصالحة في المدة المعينة. قوله: (أن يقاضي)، أي: يصالح ويحاكم. قوله: (وامعضوا)، بتشديد الميم وفتح العين المهملة وضم الضاد المعجمة، وأصله: انمعضوا، بالنون قبل الميم فأدغمت النون في الميم، وفي رواية الكشميهني: امتعضوا، بالتاء المثناء من: الامتعاض،
226

يقال: إنمعض من شيء سمعه وامتعض إذا غضب وشق عليه، وفي (المطالع) للأصيلي والهمداني: امتعظوا بمعنى كرهوا، وهو غير صحيح في الخط والهجاء، وإنما يصح: امتعضوا، بضاد غير مشالة كما عند أبي ذر وعبدوس بمعنى: كرهوا وأنفوا، ووقع عند القابسي: امعظوا، بتشديد الميم وظاء معجمة، وعند بعضهم: اتغظوا، من الغيظ، وعند بعضهم عن النسفي: وانغضوا، بغين معجمة وضاد معجم غير مشالة من الإنغاص وهو الاضطراب، قال: وكل هذه الروايات إحالات وتعبيرات ولا وجه لشيء من ذلك إلا: امتعضوا. قوله: (مهاجرات)، حال من المؤمنات. قوله: (أم كلثوم بنت عقبة)، بضم العين وسكون القاف: ابن أبي معيط واسمه أبان بن أبي عمرو، واسم أبي عمرو ذكوان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وقال أبو عمر: أسلمت أم كلثوم بمكة قبل أن تأخذ النساء في الهجرة إلى المدينة ثم هاجرت وبايعت فهي من المهاجرات المبايعات، وقيل: هي أول من هاجر من النساء، وكانت هجرتها سنة سبع في الهدنة التي كانت بين رسول الله، صلى الله عليه وسلم وبين المشركين من قريش، وقال ابن إسحاق: هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في هدنة الحديبية فخرج أخواها عمارة والوليد ابنا عقبة حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألانه أن يردها عليهما بالعهد الذي كان بينه وبين قريش في الحديبية، فلم يفعل، وقال: أبى الله ذلك. قال أبو عمر: يقولون إنها مشت على قدميها من مكة إلى المدينة، فلما قدمت المدينة تزوجها زيد بن حارثة فقتل عنها يوم مؤتة، فتزوجها الزبير بن العوام فولدت له زينب ثم طلقها، فتزوجها عبد الرحمن بن عوف فولدت له إبراهيم وعوفا، ومات عنها فتزوجها عمرو بن العاص، فمكثت عنده شهرا وماتت، وهي أخت عثمان لأمه، وأمها أورى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف. قوله: (وهي عاتق) أي: شابة، وقيل: من أشرفت على البلوغ، وقيل: من لم تتزوج.
قوله: (قال ابن شهاب: وأخبرني عروة) هو موصول بالإسناد المذكور، وقد وصله الإسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي خيثمة عن يعقوب بن إبراهيم به. قوله: (كان يمتحن)، من الامتحان وهو الابتلاء، أي: كان يمتحنهن بالحلف والنظر في الأمارات ليغلب على ظنه صدق إيمانهن، وعن ابن عباس: معنى: امتحانهن: أن يستحلفن من خرجن من بغض زوج، وما خرجن رغبة عن أرض إلى أرض، وما خرجن التماس دنيا، وما خرجن إلا حبا لله ورسوله. قوله: (بهذه الآية) وهي قوله تعالى: * (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن) * (الممتحنة: 12). الآية، وسبب نزول هذه الآية ما ذكره المفسرون: أن الله تعالى لما نصر رسوله وفتح مكة وفرغ من بيعة الرجال جاءت النساء يبايعنه، فنزلت هذه الآية، وهو على الصفا وعمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، أسفل منه وهو يبايع النساء بأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويبلغهن عنه. قوله: (وعن عمه)، هو عطف على قوله: (حدثني ابن أخي ابن شهاب عن عمه)، وهو موصول بالإسناد المذكور. قوله: (قال بلغنا...) إلى آخره، مرسل وهو موصول من رواية معمر. قوله: (ما أنفقوا)، أي: أمر النبي صلى الله عليه وسلم، برد ما أنفق المشركون على نسائهم المهاجرات إليهم، وقال أبو زيد من أصحابنا الحنفية: هو عند أهل العلم مخصوص بنساء أهل العهد والصلح، وكان الامتحان أن تستحلف المهاجرة أنها ما خرجت ناشزة ولا هاجرت إلا لله ولرسوله، فإذا حلفت لم ترد ورد صداقها إلى بعلها، وإن كانت من غيري أهل العهد لم تستحلف ولم يرد صداقها. قوله: (وبلغنا أن أبا بصير... فذكره مطولا) أشار به إلى ما مضى من قصة أبي بصير في كتاب الشروط مطولا، واختصره ههنا، وأبو بصير، بفتح الباء الموحدة وكسر الصاد المهملة، وقد اختلف في اسمه ونسبه، وقد مر الكلام فيه في كتاب الشروط.
4183 حدثنا قتيبة عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما خرج معتمرا في الفتنة فقال إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بعمرة من أجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أهل بعمرة عام الحديبية..
مطابقته للترجمة في قوله: (عام الحديبية) والحديث مضى في كتاب الحج في: باب إذا أحصر المعتمر، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك إلى آخره. قوله: (في الفتنة) أي: في أيام الفتنة. قوله: (إن صددت)، على صيغة المجهول أي: إن منعت.
227

207 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه أهل وقال إن حيل بيني وبينه لفعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حالت كفار قريش بينه وتلا * (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) *.
وهذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن مسدد عن يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر العمري عن نافع وهذا أيضا مضى في الحج في الباب المذكور مطولا
قوله (وبينه) أي وبين البيت
4185 حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء حدثنا جويرية عن نافع أن عبيد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله أخبراه أنهما كلما عبد الله بن عمر (ح).
وحدثنا موساى بن إسماعيل حدثنا جويرية عن نافع أن بعض بني عبد الله قال له لو أقمت العام فإني أخاف أن لا تصل إلى البيت قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فحال كفار قريش دون البيت فنحر النبي صلى الله عليه وسلم هداياه وحلق وقصر أصحابه وقال أشهدكم أني أوجبت عمرة فإن خلي بيني وبين البيت طفت وإن حيل بيني وبين البيت صنعت كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار ساعة ثم قال ما أرى شأنهما إلا واجدا أشهدكم أني قد أوجبت حجة مع عمرتي فطاف طوافا واحدا وسعيا واحدا حتى حل منهما جميعا..
هذا طريق آخر في حديث ابن عمر أخرجه عن عبد الله بن محمد... إلى آخره، وقد مضى في كتاب الحج في الباب المذكور بأتم منه، وجويرية مصغر الجارية ابن أسماء بن عبيد الله البصري.
قوله: (أن بعض بني عبد الله) يعني: عبد الله بن عمر، والمذكور في الحج عن نافع: أن عبيد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله أخبراه أنهما كلما عبد الله بن عمر ليالي نزل الجيش بابن الزبير، فقالا: لا يضرك أن لا تحج العام... الحديث، وقد مر الكلام فيه مستوفى هناك.
4186 حدثني شجاع بن الوليد سمع النضر بن محمد حدثنا صخر عن نافع قال إن الناس يتحدثون أن ابن عمر أسلم قبل عمر وليس كذلك ولاكن عمر يوم الحديبية أرسل عبد الله إلى فرس له عند رجل من الأنصار يأتي به ليقاتل عليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع عند الشجرة وعمر لا يدري بذالك فبايعه عبد الله ثم ذهب إلى الفرس فجاء به إلى عمر وعمر يستلئم للقتال فأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع تحت الشجرة قال فانطلق فذهب معه حتى بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي التي يتحدث الناس أن ابن عمر أسلم قبل عمر. (انظر الحديث 3916 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة، وشجاع بن الوليد أبو الليث البخاري، بالباء الموحدة، مؤدب الحسن بن العلاء السعدي الأمير، وهو من أقران البخاري، وسمع منه قليلا وليس له في البخاري إلا هذا الموضع، وقال الحافظ المزي، وقع في عامة النسخ من (الصحيح) أخبرنا شجاع بن الوليد، وفي بعضها: حدثني، وزعم أبو مسعود أنه في كتاب البخاري: شجاع بن الوليد، ولم يقل: حدثنا ولا أخبرنا، والنضر، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن محمد الجرشي، بضم الجيم وفتح الراء بعدها شين معجمة: اليماني أبو محمد، وروى عنه مسلم أيضا، وماله في البخاري إلا هذا الحديث، وصخر، بفتح الصاد المهملة وسكون الخاء المعجمة: ابن جويرية النميري، يعد في البصريين.
وظاهر هذا الطريق الإرسال ولكن الطريق التي بعدها
228

توضح أن نافعا حمله عن ابن عمر.
قوله: (وعمر يستلئم)، الواو فيه للحال، ومعنى: يستلئم، أي: يلبس لأمته بالهمز وهي السلاح، يعني: الدرع.
(وقال هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عمر بن محمد العمري أخبرني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن الناس كانوا مع النبي
يوم الحديبية تفرقوا في ظلال الشجر فإذا الناس محدقون بالنبي
فقال يا عبد الله انظر ما شأن الناس قد أحدقوا برسول الله
فوجدهم يبايعون فبايع ثم رجع إلى عمر فخرج فبايع)
هكذا وقع في كثير من النسخ بصورة التعليق وفي بعض النسخ وقال لي وأخرجه الإسماعيلي موصولا عن الحسن بن سفيان عن دحيم بضم الدال وفتح الحاء المهملتين واسمه عبد الرحمن بن إبراهيم عن الوليد بن مسلم بالإسناد المذكور قوله ' محدقون بالنبي
' أي محيطون به ناظرون إليه ومنه الحديقة سميت بها لإحاطة البناء بها من البساتين وغيرها قوله ' فقال يا عبد الله ' القائل هو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قوله ' قد أحدقوا ' كذا في رواية الكشميهني وغيره وهو الصواب ووقع للمستملي قال أحدقوا فجعل قال موضع قد قال وهذا تحريف (فإن قلت) السبب الذي هنا في أن ابن عمر بايع قبل أبيه غير السبب الذي قبله قلت هذا السؤال فيه تعسف فلا يرد أصلا وذلك أن ابن عمر تكررت منه المبايعة هنا وتوحدت في الحديث السابق وقد تكلف الشارحون ههنا بما ليس بطائل
4188 حدثنا ابن نمير حدثنا يعلى حدثنا إسماعيل قال سمعت عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنهما قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حين اعتمر فطاف معه وصلى وصلينا معه وسعى بين الصفا والمروة فكنا نستره من أهل مكة لا يصيبه أحد بشيء.
إنما ذكر هذا الحديث هنا لكون عبد الله بن أبي أوفى ممن بايع تحت الشجرة، وهي في عمرة الحديبية، وكان أيضا مع النبي صلى الله عليه وسلم، في عمرة القضاء.
وقد مر الحديث في الحج في: باب متى يحل المعتمر، فإنه أخرجه هناك عن إسحاق ابن إبراهيم عن جرير عن إسماعيل عن عبد الله بن أبي أوفى... إلى آخره بأتم منه، وهنا أخرجه عن محمد بن عبد الله بن نمير بضم النون، مصغر النمر عن يعلى، بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وفتح اللام: ابن عبيد بن أبي أمية أبي يوسف الطنافسي الحنفي الإيادي الكوفي عن إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي البجلي الكوفي، وقد مر الكلام فيه هناك، فافهم.
211 - (حدثنا الحسن بن إسحاق حدثنا محمد بن سابق حدثنا مالك بن مغول قال سمعت أبا حصين قال قال أبو وائل لما قدم سهل بن حنيف من صفين أتيناه نستخبره فقال اتهموا الرأي فلقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد على رسول الله
أمره لرددت والله ورسوله أعلم وما وضعنا أسيافنا على عواتقنا لأمر يفظعنا إلا أسهلن بنا إلي أمر نعرفه قبل هذا الأمر ما نسد منها خصما إلا انفجر علينا خصم ما ندري كيف نأتي له)
مطابقته للترجمة تأتي من حيث أن فيه ذكر أبي جندل الذي كانت قضيته يوم الحديبية وذلك أنه لما أتى إلى رسول الله
يوم الحديبية رده إلى أبيه لما جاء في طلبه وهو بفتح الجيم وسكون النون وفتح الدال المهملة وفي آخره لام وقد مر بيانه فيما مضى والحسن بن إسحاق بن زياد مولى بني الليث المروزي المعروف بحسنويه يكنى أبا علي وثقه
229

النسائي وقال أبو حاتم مجهول وقال ابن حبان في الثقات وكان من أصحاب ابن المبارك ومات سنة إحدى وأربعين ومأتين وما له في البخاري إلا هذا الحديث ومحمد بن سابق أبو جعفر التميمي البغدادي البزار وأصله فارسي كان بالكوفة ومات سنة ثلاث عشرة ومأتين وهو أحد مشايخ البخاري وروى عنه هنا بالواسطة ومالك بن مغول بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الواو البجلي بالباء الموحدة والجيم المفتوحتين مات سنة سبع وخمسين ومائة وأبو حصين بفتح الحاء المهملة وكسر الصاد المهملة عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي مات سنة ثمان وعشرين ومائة وأبو وائل شقيق بن سلمة الكوفي أدرك النبي
ولم يسمع منه شيئا وسهل بن حنيف بضم الحاء المهملة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره فاء الأنصاري الأوسي الصحابي قوله ' من صفين ' يعني من وقعة صفين التي كانت بين علي ومعاوية وصفين بكسر الصاد المهملة وتشديد الفاء موضع بين العراق والشام قوله ' اتهموا الرأي ' أي اتهموا رأيكم وذلك أن سهلا كان يتهم بالتقصير في القتال فقال اتهموا رأيكم فإني لا أقصر وما كنت مقصرا وقت الحاجة كما في يوم الحديبية فإني رأيت نفسي يومئذ بحيث لو قدرت على مخالفة حكم رسول الله
لقاتلت قتالا لا مزيد عليه لكن أتوقف عنه اليوم لمصلحة المسلمين قوله ' فلقد رأيتني ' أي فلقد رأيت نفسي قوله ' يوم أبي جندل ' أراد به يوم الحديبية وأضيف إليه إذ في ذلك اليوم رده رسول الله
كما ذكرناه الآن قوله ' ولو أستطيع أن أرد على رسول الله
أمره لرددت ' أراد بهذا الكلام أنه ما توقف يوم الحديبية عن القتال إلا لأمر رسول الله
بالكف عن القتال لا من جهة التقصير فيه ثم أكد كلامه بقوله والله ورسوله أعلم بما أقوله وبما كنت في يوم الحديبية قوله ' وما وضعنا أسيافنا ' على عواتقنا يريد به البأس والقوة والعواتق جمع عاتق وهو ما بين منكب الرجل إلى عنقه قوله ' يفظعنا ' جملة وقعت صفة لقوله لأمر بضم الياء وسكون الفاء وكسر الظاء المعجمة من أفظع الأمر إذا اشتد وقال ابن فارس يقال أفظع الأمر وفظع إذا اشتد ذكره في باب الفاء مع الظاء المعجمة وذكره ابن التين بالضاد ثم قال هو أمر مهول وقال أيضا روي بفتح الياء قلت حينئذ يكون ثلاثيا مجردا وعلى رواية الضم يكون ثلاثيا مزيدا فيه وفي المطالع قوله ' لأمر يفظعنا ' أي يفزعنا ويعظم أمره ويشتد علينا ذكره في باب الفاء مع الظاء المعجمة قوله قبل هذا الأمر لفظ قبل ظرف لقوله وضعنا وأراد بهذا الأمر مقاتلة علي ومعاوية قوله ' منها ' ويروى منه أي من هذا الأمر قوله ' إلا أسهلن بنا ' أي إلا استمرت بنا إلى أمر نعرفه قبل هذا الأمر وقيل معناه أفضت بنا إلى سهولة قوله خصما بضم الخاء المعجمة وسكون الصاد المهملة وهو الجانب الذي فيه العروة وقيل جانب كل شيء خصمه ويجمع على أخصام ومنه قيل للخصمين خصمان لأن كل واحد منهما يأخذ بالناحية من الدعوى غير ناحية صاحبه وأصله خصم القربة ولهذا استعاره هنا مع ذكر الانفجار كما ينفجر الماء من نواحي القربة وكان قول سهل بن حنيف هذا يوم صفين لما حكم الحكمان وقيل الخصم الحبل الذي تشد به الأحمال أي ما نلفق منه حبلا إلا انقطع آخر والحديث مضى في آخر الجهاد مختصرا * -
4190 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه قال أتى علي النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية والقمل يتناثر على وجهي فقال أيؤذيك هوام رأسك قلت نعم قال فاحلق وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو انسك نسيكة قال أيوب لا أدري بأي هاذا بدأ..
مطابقته للترجمة في قوله: (زمن الحديبية) وابن أبي ليلى هو عبد الرحمن، والحديث مضى في الحج في: باب قول الله تعالى: * (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه) * (البقرة: 196). وتقدم الكلام فيه هناك. قوله: (الهوام)، جمع هامة بتشديد الميم والمراد بها هنا: القمل، والنسيكة: الذبيحة.
230

4191 حدثنا محمد بن هشام أبو عبد الله حدثنا هشيم عن أبي بشر عن مجاهد عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ونحن محرمون وقد حصرنا المشركون قال وكانت لي وفرة فجعلت الهوام تساقط على وجهي فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال أيؤذيك هوام رأسك قلت نعم قال وأنزلت هاذه الآية فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك..
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن محمد عن هشام بن أبي عبد الله المروزي، سكن بغداد وهو من أفراده عن هشيم، بضم الهاء وفتح الشين المعجمة: ابن بشير، بضم الباء الموحدة: الواسطي أصله من بلخ، عن أبي بشر بكسر الباء الموحدة واسمه جعفر بن أبي وحشية، واسمه إياس الواسطي، ويقال: البصري. قوله: (ونحن محرمون) الواو فيه للحال. قوله: (وقد حصرنا) بفتح الراء، (والمشركون) فاعله قوله: (وفرة) بسكون الفاء وهي الشعر إلى شحمة الأذن. قوله: (تساقط) أصله: تتساقط، فحذفت إحدى التاءين.
37
((باب قصة عكل وعرينة))
أي: هذا باب في بيان قصة عكل، بضم العين المهملة وسكون الكاف، و: عرينة، بضم العين المهملة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون، وهما قبيلتان، وقد مر تفسيرهما في كتاب الطهارة في: باب أبوال الإبل.
4192 حدثني عبد الأعلى بن حماد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة أن أنسا رضي الله تعالى عنه حدثهم أن ناسا من عكل وعرينة قدموا المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم وتكلموا بالإسلام فقالوا يا نبي الله إنا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف واستوخموا المدينة فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود وراع وأمرهم أن يخرجوا فيه فيشربوا من ألبانها وأبوالها فانطلقوا حتى إذا كانوا ناحية الحرة كفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا الذود فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فبعث الطلب في آثارهم فأمر بهم فسمروا أعينهم وقطعوا أيديهم وتركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم قال قتادة بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كان يحث على الصدقة وينهى عن المثلة..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وسعيد هو ابن أبي ربيعة، والحديث مضى في الطهارة في: باب أبوال الإبل، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (وتكلموا بالإسلام) أي: تلفظوا بالكلمة وأظهروا الإسلام. قوله: (ضرع) بسكون الراء وهي الماشية من كل ذي ظلف وخف. قوله: (ريف) بكسر الراء وسكون الياء آخر الحروف: أرض فيها زرع وخصب. قوله: (واستوخموا المدينة) من قولهم: أرض وخيمة: إذا لم توافق ساكنها. قوله: (الذود) بفتح الذال المعجمة من الإبل ما بين الثلاث إلى العشرة. قوله: (الطلب) بفتح اللام جمع الطالب. قوله: (فسمروا أعينهم) أي: حموا المسامير ففقؤا بها أعينهم. قوله: (وتركوا) على صيغة المجهول.
قوله: (قال قتادة)، هو موصول بالإسناد المذكور. قوله: (بلغنا...) إلى آخره، قال الكرماني: هذا من مرسل قتادة. قلت: هذا البلاغ هو الذي بلغه بروايته من حديث سمرة بن جندب أخرجه أبو داود من طريق معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن الحسن عن هياج بن عمران عن سمرة: كان النبي صلى الله عليه وسلم، يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة، وهياج، بفتح الهاء وتشديد الياء آخر الحروف، وفي آخره جيم، وثقه ابن سعد وابن حبان، والمثلة بضم الميم الاسم، يقال: مثلت بالحيوان أمثل به مثلا إذا قطعت أطرافه وشوهت به، ومثلت بالقتيل إذا جدعت أنفه أو أذنه أو مذاكيره أو شيئا من أطرافه، وأما: مثل، بالتشديد فهو للمبالغة.
231

قال أبو عبد الله وقال شعبة وأبان وحماد عن قتادة من عرينة
أبو عبد الله هو البخاري نفسه، وليس في كثير من النسخ هذا، أعني قوله: قال أبو عبد الله، قوله: (قال شعبة...) إلى آخره، وقع عند أبي ذر بين غزوة ذي قرد وبين غزوة خيبر، وعند الباقين وقع هنا، وهو المناسب، ثم إنه أراد أن هؤلاء رووا هذا الحديث عن قتادة عن أنس فاقتصروا على ذكر عرينة ولم يذكروا لفظ عكل، أما رواية شعبة عن قتادة فرواها البخاري موصولة في كتاب الزكاة، وأما رواية أبان، بفتح الهمزة وتخفيف الباء الموحدة: ابن يزيد العطار فوصلها ابن أبي شيبة، وأما رواية حماد وهو ابن سلم فرواها موصولة أبو داود والنسائي.
وقال يحيى بن أبي كثير وأيوب عن أبي قلابة عن أنس قدم نفر من عكل
أشار بهذا إلى أن يحيى وأيوب رويا الحديث المذكور عن أبي قلابة، بكسر القاف: عبد الله بن زيد الجرمي عن أنس فاقتصرا على ذكر لفظ: عكل، ولم يذكرا لفظ: عرينة، أما رواية يحيى فوصلها البخاري في كتاب المحاربين، وأما رواية أيوب فوصلها البخاري أيضا في كتاب الطهارة.
4193 حدثني محمد بن عبد الرحيم حدثنا حفص بن عمر أبو عمر الحوضي حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب والحجاج الصواف قالا حدثني أبو رجاء مولى أبي قلابة وكان معه بالشام أن عمر بن عبد العزيز استشار الناس يوما قال ما تقولون في هذه القسامة فقالوا حق قض بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضت بها الخلفاء قبلك قال وأبو قلابة خلف سريره فقال عنبسة بن سعيد فأين حديث أنس في العرنيين قال أبو قلابة إياي حدثه أنس بن مالك قال عبد العزيز بن صهيب عن أنس من عرينة: وقال أبو قلابة عن أنس من عكل فذكر القصة..
مطابقته للترجمة ظاهرة، ومحمد بن عبد الرحيم الحافظ المشهور بصاعقة البزار أبو يحيى. وحفص بن عمر من مشايخ البخاري أيضا، روى عنه بالواسطة، وأيوب هو السختياني، والحجاج الصواف هو ابن أبي عثمان ميسرة البصري، وأبو رجاء ضد الخوف سليمان مولى أبي قلابة المذكور.
قوله: (حدثني أبو رجاء) كذا وقع في النسخ المعتمدة: حدثني، بالإفراد مع أن المذكور قبله اثنان، وكان القياس أن يقال: حدثاني بضمير التثنية، ولكن قيل: المراد الحجاج لأن أيوب قد اختلف عليه: هل هو عنده عن أبي قلابة بغير واسطة أو بواسطة؟ ولم يختلف على الحجاج أنه رواه بواسطة أبي رجاء عن أبي قلابة، فلذلك ذكر: حدثني، بالإفراد فافهم. قوله: (في هذه القسامة) هي قسمة الإيمان على الأولياء في الدم عند اللوث، أي: القرائن المغلبة على الظن، وقال الكرماني: كيف يدفع حديث العرنيين أي: المنسوب إلى عرينة القسامة؟ قلت: قتلوا الراعي وكان ثمة لوث، ولم يحكم رسول الله، صلى الله عليه وسلم بحكم القسامة: بل اقتص منهم. قوله: (عنبسة بن سعيد) بفتح العين المهملة وسكون النون. وفتح السين المهملة: ابن سعيد القرشي الأموي. قوله: (قال عبد العزيز بن صهيب) أشار به إلى أن عبد العزيز هذا روى الحديث عن أنس من عرينة، يعني لم يذكر عكلا، ورواه أبو قلابة عن من عكل، ولم يذكر: عرينة، والله أعلم.
38
((باب غزوة ذي قرد))
أي: هذا باب في بيان غزوة ذي قرد، بالقاف والراء المفتوحتين وبالدال المهملة، وحكى ضم أوله وفتح ثانيه، قال الحازمي: الأول: ضبط أصحاب الحديث. والثاني: عن أهل اللغة، وقال البلاذري: الصواب الأول، وهو ماء على نحو بريد مما يلي بلاد غطفان، ويقال: على مسيرة ليلتين من المدينة بينها وبين خيبر على طريق الشام، والقرد في اللغة: الصوف الرديء خاصة، وتسمى: غزوة الغابة، وكانت في ربيع الأول سنة ست، قاله ابن سعد والواقدي، وادعى القرطبي أنها في جمادى الأولى.
232

وهي الغزوة التي أغاروا على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم قبل خيبر بثلاث
أي: غزوة ذي قرد هي الغزوة التي أغاروا على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم، واللقاح، بكسر اللام: جمع لقحة بالكسر أيضا، وهي الناقة التي لها لبن، وقال ابن السكيت، واحدتها لقوح ولقحة، وقال ابن سعد: كانت لقاح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالغابة عشرين لقحة وكان ابن أبي ذر فيها وامرأته، فأغار عليهم عبد الرحمن بن عيينة بن حصين فقتلوا الرجل وأسروا المرأة، وقد مضى في الجهاد في: باب من رأى العدو فنادى بأعلى صوته: يا صباحاه، فذكر القصة بطولها، وفي (التوضيح): قوله: (قبل خيبر بثلاث) مما غلط فيه وأنها قبلها بسنة، فإن غزوة خيبر في جمادى الآخرة سنة سبع، نعم في (صحيح مسلم) من حديث سلمة بن الأكوع لما ذكر غزوة ذي قرد: فلما لبثنا بالمدينة إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر، وقال بعضهم: مستند البخاري في ذلك حديث إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه، ثم ذكر ما رواه مسلم. قلت: لا يصح أن يكون هذا مستندا، لأن القرطبي قال: لا يختلف أهل السير أن غزوة ذي قرد كانت قبل الحديبية، فيكون ما وقع في حديث سلمة بن الأكوع من وهم بعض الرواة.
4194 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حاتم عن يزيد بن أبي عبيد قال سمعت سلمة بن الأكوع يقول خرجت قبل أن يؤذن بالأولى وكانت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ترعى بذي قرد قال فلقيني غلام لعبد الرحمان بن عوف فقال أخذت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت من أخذها قال غطفان قال فصرخت ثلاث صرخات يا صباحاه قال فأسمعت ما بين لابتي المدينة ثم اندفعت على وجهي حتى أدركتهم وقد أخذوا يستقون من الماء فجعلت أرميهم بنبلي وكنت راميا وأقول.
* أنا ابن الأكوع
* اليوم يوم الرضع
*
وأرتجز حتى استنقذت اللقاح منهم واستلبت منهم ثلاثين بردة قال وجاء النبي صلى الله عليه وسلم والناس فقلت يا نبي الله قد حميت القوم الماء وهم عطاش فابعث إليهم الساعة فقال يا ابن الأكوع ملكت فأسجح قال ثم رجعنا ويردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته حتى دخلنا المدينة. (انظر الحديث 3041).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وحاتم بالحاء المهملة هو ابن إسماعيل، ويزيد بن أبي عبيد هو مولى سلمة بن الأكوع، والحديث مضى في الجهاد في: باب من رأى العدو فنادى بأعلى صوته: يا صباحاه، فإنه أخرجه هناك عليا عن مكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة، وهو من ثلاثيات البخاري وقد مر الكلام فيه هناك.
قوله: (قبل أن يؤذن بالأولى) يعني: صلاة الصبح. قوله: (غطفان) بالغين المعجمة والطاء المهملة وبالفاء المفتوحات، وفي رواية مكي بن إبراهيم: غطفان وفزارة، وهو من عطف الخاص على العام، لأن فزارة من غطفان. قوله: (فصرخت ثلاث صرخات) وفي رواية المستملي: بثلاث صرخات، بزيادة الموحدة، قوله: (يا صاحباه) كلمة تقال عند الغارة. قوله: (ما بين لابتي المدية) اللابتان الحرتان تثنية لابة، والحرة، بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء: أرض بظاهر المدينة فيها حجارة سود كثيرة. قوله: (ثم اندفعت على وجهي) يعني: لم ألتفت يمينا ولا شمالا، بل أسرعت الجري، وكان شديد الجري. قوله: (الرضع)، بضم الراء وتشديد الضاد المعجمة جمع: الراضع، أي: اللئيم، وأصله أن رجلا كان يرضع إبله أو غنمة ولا يحلبها لئلا يسمع صوت الحلبة الفقير فيطمع فيه، أي: اليوم يوم اللئام، أي: يوم هلاك اللئام. قوله: (وقد حميت القوم الماء) أي: منعتهم من الشرب. قوله: (فأسجع) بهمزة القطع، أمر من الإسجاع بالسين المهملة وبالجيم وفي آخره حاء مهملة، وهو تسهيل الأمر، والسجاحة السهولة. قوله: (على ناقته) وهي: العضباء.
39
((باب غزوة خيبر))
233

أي: هذا باب في بيان غزوة خيبر، وهي مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام، وذكر البكري أنها سميت باسم رجل من العماليق نزلها.
4195 حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن سويد بن النعمان أخبره أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر حتى إذا كنا بالصهباء وهي من أدنى خيبر صلى العصر ثم دعا بالأزواد فلم يؤت إلا بالسويق فأمر به فثري فأكل وأكلنا ثم قام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا ثم صلى ولم يتوضأ..
مطابقته للترجمة ظاهرة. ويحيى بن سعيد هو الأنصاري، وبشير، بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف: ابن يسار ضد اليمين ومضى الحديث في كتاب الوضوء في: باب من مضمض من السويق.
قوله: (إنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم) وكان خروجهم إلى خيبر في جمادي الأولى سنة سبع، وأبعد من قال: إنها في سنة ست، وقال موسى ابن عقبة:
لما رجع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الحديبية مكث بالمدينة عشرين يوما أو قريبا من ذلك. ثم خرج إلى خيبر وهي التي وعده الله إياها، وحكى موسى عن الزهري أن افتتاح خيبر في سنة ست، والصحيح أن ذلك في أول سنة سبع، وقال ابن إسحاق: ثم أقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين رجع من الحديبية ذا الحجة وبعض المحرم ثم خرج في بقية المحرم إلى خيبر. قوله: (بالصهباء) هو موضع على روحة من خيبر. قوله: (فثري) على صيغة المجهول من ثريت السويق، إذا بللته.
218 - (حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا حاتم بن إسماعيل عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال خرجنا مع النبي
إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر يا عامر ألا تسمعنا من هنياتك وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدو بالقوم يقول
* اللهم لولا أنت ما اهتدينا
* ولا تصدقنا ولا صلينا
*
* فاغفر فداء لك ما أبقينا
* وثبت الأقدام إن لاقينا
*
* وألقين سكينة علينا
* إنا إذا صيح بنا أتينا
*
* وبالصياح عولوا علينا
* فقال رسول الله
من هذا السائق قالوا عامر بن الأكوع قال يرحمه الله قال رجل من القوم وجبت يا نبي الله لولا أمتعتنا به فأتينا خيبر فحاصرناهم حتى أصابتنا مخمصة شديدة ثم إن الله تعالى فتحها عليهم فلما أمسى الناس مساء اليوم الذي فتحت عليهم أوقدوا نيرانا كثيرة فقال النبي
ما هذه النيران على أي شيء توقدون قالوا على لحم قال علي أي لحم قال لحم حمر الإنسية قال النبي
أهريقوها واكسروها فقال رجل يا رسول الله أونهريقها ونغسلها قال أو ذاك فلما تصاف القوم كان سيف عامر قصيرا فتناول به ساق يهودي ليضربه ويرجع ذباب سيفه فأصاب عين ركبة عامر فمات منه قال فلما قفلوا قال سلمة رآني رسول الله
وهو
234

آخذ بيدي قال مالك قلت له فداك أبي وأمي زعموا أن عامرا حبط عمله قال النبي
كذب من قاله إن له لأجرين وجمع بين أصبعيه إنه لجاهد مجاهد قل عربي مشي بها مثله)
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله بن مسلمة بفتح الميمين هو القعنبي شيخ مسلم أيضا وحاتم بالحاء المهملة مر عن قريب ومضى الحديث مختصرا في المظالم في باب هل تكسر الدنان التي فيها الخمر فإنه أخرجه هناك عن أبي عاصم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة قوله ' فقام رجل من القوم ' لم يعرف اسم الرجل قوله ' لعامر ' هو عم سلمة بن الأكوع واسم الأكوع سنان وهو اسم جد سلمة وأبو سلمة هو عمرو وهو سلمة بن عمرو بن الأكوع وعامر هو ابن الأكوع استشهد يوم خيبر على ما ذكر في الحديث قوله ' من هنياتك ' بضم الهاء وفتح النون وتشديد الياء آخر الحروف وبالتاء المثناة من فوق المكسورة هكذا هو في رواية الكشميهني وفي رواية غيره ' هنيهاتك ' بضم الهاء وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف بعدها هاء أخرى جمع هنيهة وهو مصغر هنة كما قالوا في مصغر سنة سنيهة وأصل هنة هنو كما أن أصل سنة سنو مصغره هنية وقد تبدل من الياء الثانية هاء فيقال هنيهة والجمع هنيهاة وجمع الأول هنيات ووقع في الدعوات من وجه آخر عن يزيد بن أبي عبيد لو أسمعتنا من هناتك بفتح الهاء والنون وبعد الألف تاء مثناة من فوق فيكون جمع هنة وقال الكرماني أما هن على وزن أخ فكلمة كناية عن الشيء وأصله هنو وتقول للمؤنث هنة وتصغيرها هنية والمراد بالهنيات الأراجيز جمع الأرجوزة وقال السهيلي الهنة كناية عن كل شيء لا يعرف اسمه أو تعرفه فتكنى عنه وقال الهروي كناية عن شيء لا تذكره باسمه ولا تخص جنسا من غيره وقال الأخفش كما تقول هذا فلان بن فلان تقول هذا هن بن هن وهذه هنة بنت هنة وهو نص بأن يكنى بها عن الأعلام وقال ابن عصفور وهو الصحيح قوله ' يحدو بالقوم ' من الحدو وهو سوق الإبل والغناء لها يقال حدوت الإبل حدوا وحداء ويقال للشمال حدواء لأنها تحدو السحاب والإبل تحب الحداء ولا يكون الحداء إلا شعرا أو رجزا وأول من سن حداء الإبل مضر بن نزار لما سقط عن بعيره فكسرت يده فبقي يقول وايداه وايداه قوله ' اللهم لولا أنت ما اهتدينا ' إلى آخره رجز وأكثره تقدم في الجهاد واختلف في الرجز أنه شعر أم لا فقيل أنه شعر وإن لم يكن قريضا وقد قيل أن هذا ليس بشعر وإنما هو أشطار أبيات وإنما الرجز الذي هو شعر هو سداسي الأجزاء أو رباعي الأجزاء قوله ' فداء لك ' بكسر الفاء وبالمد وحكى ابن التين فدى لك بفتح الفاء مع القصر وزعم أنه هنا بكسر الفاء مع القصر لضرورة الوزن وليس كما قال فإنه لا يتزن إلا بالمد على ما لا يخفى وقال المازري لا يقال لله فدى لك لأنه إنما يستعمل في مكروه يتوقع حلوله بالشخص فيختار شخص
آخر أن يحل ذلك به ويفديه منه فهو إما مجاز عن الرضا كأنه قال نفسي مبذولة لرضاك أو هذه الكلمة وقعت في البيت خطابا لسامع الكلام وقيل هذه لا يراد ظاهرها بل المراد بها المحبة والتعظيم مع قطع النظر عن ظاهر اللفظ وقيل المخاطب بهذا الشعر النبي
والمعنى لا تؤاخذنا بتقصيرنا في حقك ونصرك وقوله اللهم لم يقصد بها الدعاء وإنما افتتح بها الكلام والمخاطب بقوله لولا أنت النبي
إلى آخره (قلت) في هذين الجوابين نظر لا يخفى خصوصا في الجواب الثاني فإن قوله
* فأنزلن سكينة علينا
* وثبت الأقدام إن لاقينا
*
يرد هذا وينقضه والذي قاله المازري أقرب إلى التوجيه قوله ' ما أبقينا ' في محل النصب على أنه مفعول لقوله فاغفر وقوله ' فداء لك ' جملة معترضة ولفظ أبقينا بالباء الموحدة والقاف هكذا في رواية الأصيلي والنسفي ومعناه ما خلفنا وراءنا مما اكتسبناه من الآثام وفي رواية الأكثرين ما اتقينا من الاتقاء بتشديد التاء المثناة من فوق وبالقاف ومعناه ما تركناه من الأوامر وفي رواية القابسي ' ما لقينا ' بفتح اللام وكسر القاف من اللقاء ومعناه ما وجدنا من المناهي ووقع في رواية قتيبة عن حاتم بن إسماعيل كما سيأتي في الأدب ما اقتفينا من الاقتفاء بالقاف والفاء أي ما تبعنا من الخطايا من قفوت أثره إذا تبعته وكذا وقع لمسلم عن قتيبة وهي أشهر الروايات في هذا الرجز قوله ' وألقين ' أمر مؤكد بالنون الخفيفة وسكينة
235

مفعوله وفي رواية النسفي ' وألق السكينة ' بحذف النون وبالألف واللام في السكينة قوله ' إنا إذا صيح بنا أتينا ' من الإتيان أي إذا دعينا للقتال أو إلى الحق جئنا وقال الكرماني ' أبينا ' في بعض الروايات من الإباء ومعناه إذا دعينا إلى غير الحق أبينا أي امتنعنا عنه قيل هذه رواية النسفي قوله ' وبالصياح ' عولوا علينا أي وبالصوت العالي قصدونا واستغاثوا يقال عولت على فلان وعولت بفلان أي استعنت به ووقع عند أحمد من الزيادة في هذا الرجز في حديث إياس بن سلمة عن أبيه وهو قوله
* إن الذين قد بغوا علينا
* إذا أرادوا فتنة أبينا
*
* ونحن عن فضل الله ما استغنينا
*
قوله ' من هذا السائق ' أي من هذا الذي يسوق الإبل ويحدو قالوا عامر بن الأكوع يعني عم سلمة فإن قيل قد مضى في الجهاد أن رسول الله
هو الذي كان يقولها في حفر الخندق وأنها من أراجيز عبد الله بن رواحة وأجيب بعدم المنافاة بينهما لاحتمال التوارد قوله ' قال يرحمه الله ' أي قال النبي
يرحم الله عامرا وفي رواية إياس بن سلمة فقال غفر لك ربك قال وما استغفر رسول الله
لإنسان يخصه إلا استشهد قوله ' قال رجل من القوم ' هذا الرجل هو عمر رضي الله تعالى عنه سماه مسلم في رواية إياس بن سلمة ولفظه فنادى عمر بن الخطاب وهو على جمل يا نبي الله لولا متعتنا بعامر قوله ' وجبت ' أي وجبت الجنة له ببركة دعائك له وقيل وجبت له الشهادة بدعائك قوله ' لولا أمتعتنا به ' أي هلا أبقيته لنا لنتمتع بعامر يعني بشجاعته ويروى لولا متعتنا به من التمتع وهو الترفه إلى مدة ومنه في الدعاء يقال متعني الله بك قوله ' فحصرناهم ' أي حصرنا أهل خيبر ويروى فحاصرناهم وقال ابن إسحاق أول حصون خيبر فتحا حصن ناعم وعنده قتل محمود بن سلمة ألقيت عليه رحى منه فقتلته قوله ' مخمصة ' بفتح الميم أي مجاعة قوله ' على لحم ' أي توقد النيران على لحم قوله ' على أي لحم ' أي على أي لحم من أنواع اللحوم توقدونها قوله ' قالوا لحم حمر ' يجوز في لفظ لحم الرفع والنصب فالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هو لحم حمر والنصب بنزع الخافض والتقدير على لحم حمر والحمر بضمتين جمع حمار قوله ' الإنسية ' بالجر صفة حمر وهو بكسر الهمزة وسكون النون وكسر السين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف نسبة الحمر إلى الإنس ومعناه الحمر الأهلية وفي المطالع الأنسية بفتح الهمزة وفتح النون كذا ذكره البخاري عن ابن أبي أويس وكذا قيدناه عن الشيخ أبي بحر في مسلم وكذا قيده الأصيلي وابن السكن وأبو ذر وأكثر روايات الشيوخ فيه بكسر الهمزة وسكون النون وكلاهما صحيح وأما الأنس بفتح الهمزة والنون فهم الناس وكذلك الإنس قوله ' أهريقوها ' أي أريقوها والهاء فيه زائدة ويروى بدون الهمزة هريقوها قوله ' واكسروها ' وقد تقدم في المظالم قال اكسروها واهريقوها قوله أو نهريقها ونغسلها وفي المظالم قالوا ألا نهريقها ونغسلها قال اغسلوها وهنا قال أو ذاك أي أو الغسل ومر الكلام فيه هناك قوله سيف عامر وهو عامر بن الأكوع المذكور فيه وفي رواية إياس بن سلمة قال فلما قدمنا خيبر خرج ملكهم مرحبا يخطر بسيفه يقول
* قد علمت خيبر أني مرحب
* شاكي السلاح بطل مجرب
*
* إذا الحروب أقبلت تلهب
*
قال فبرز له عامر فقال
* قد علمت خيبر أني عامر
* شاكي السلاح بطل مغامر
*
قال فاختلفنا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر فذهب عامر يسفل له أي يضربه من أسفل فرجع سيفه على نفسه قوله ذباب سيفه وهو طرفه الذي يضرب به وقيل ذباب السيف حده قوله عين ركبة عامر أي رأس ركبته فمات منه قوله فلما قفلوا أي رجعوا من خيبر قوله وهو آخذ بيدي هكذا هو رواية الكشميهني بيدي بالباء الموحدة وفي رواية غيره يدي بدون الباء قوله حبط عمله أي عمل عامر لأنه قتل نفسه قوله أن له لأجرين وهما أجر الجهد في الطاعة وأجر المجاهدة في سبيل الله واللام فيه للتأكيد وهو رواية الكشميهني وفي رواية غيره أجرين بدون اللام قوله لجاهد مجاهد اللام فيه للتأكيد وجاهد اسم فاعل من جهد ومجاهد اسم فاعل أيضا من جاهد وروى أبو ذر عن الحموي والمستملي لجاهد وجاهد بلفظ الماضي
236

قوله ' قل عربي مشى بها مثله ' حاصل المعنى من العرب قليل مشى في الدنيا بهذه الخصلة الحميدة التي هي الجهاد مع الجهد أي الجد وكذا وقع في هذه الرواية مشى بلفظ الماضي من المشي قوله ' بها ' أي بالأرض أو المدينة أو الحرب أو الخصلة قوله ' مثله ' أي مثل عامر
(حدثنا قتيبة حدثنا حاتم قال نشأ بها)
أي حدثه قتيبة بن سعيد عن حاتم بالحاء المهملة ابن إسماعيل الكوفي نشأ بالنون وبالهمزة في آخره أي شب وكبر وحكى السهيلي أنه وقع في رواية مشابها بضم الميم اسم فاعل من المشابهة وحاصل معناه ليس له مشابه في صفة الكمال في القتال وانتصابه يكون على الحال أو بفعل محذوف والتقدير قل عربي رأيته مشابها قال السهيلي وروى قل عربيا نشأ بها مثله والفاعل مثله وعربيا منصوب على التمييز لأن في الكلام معنى المدح فهو على حد قولهم عظم زيد رجلا وقتل زيد أدبا
219 - (حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن حميد الطويل عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله أتى خيبر ليلا وكان إذا أتى قوما بليل لم يغر بهم حتى يصبح فلما أصبح خرجت اليهود بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأوه قالوا محمد والله محمد والخميس فقال النبي
خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين)
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مضى في الجهاد في باب دعاء النبي
إلى الإسلام فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة عن مالك إلى آخره قوله عن أنس وفي رواية أبي إسحاق الفزاري عن حميد سمعت أنسا كما تقدم في الجهاد قوله أتى خيبر ليلا أي في الليل ومعناه قرب منها وقال ابن إسحاق أنه نزل بواد يقال له الرجيع بينهم وبين غطفان ليلا يمدوهم وكانوا حلفاءهم قال فبلغني أن غطفان تجهزوا وقصدوا خيبر فسمعوا حسا خلفهم فظنوا أن المسلمين خلفوهم في ذراريهم فرجعوا فأقاموا وخذلوا أهل خيبر قوله لم يغر بهم بضم الياء وكسر الغين المعجمة من الإغارة هكذا رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر عن المستملي لم يقربهم بفتح الياء وسكون القاف من القرب وتقدم في الجهاد بلفظ لا يغير عليهم وفي الأذان من وجه آخر عن حميد بلفظ كان إذا غزا لم يغز بنا حتى نصبح وننظر فإن سمع أذانا كف عنهم وإلا أغار قوله خرجت اليهود بمساحيهم يعني طالبين زرعهم وذلك أنهم كانوا يخرجون في كل يوم متسلحين مستعدين فلا يرون أحدا حتى إذا كانت الليلة التي قدم فيها المسلمون ناموا فلم تتحرك لهم دابة ولم يصح لهم ديك وخرجوا بالمساحي طالبين مزارعهم فوجدوا المسلمين وفي رواية أحمد خرجت يهود بمساحيهم إلى زرعهم والمساحي جمع مسحاة وهي آلة الحرث والمكاتل جمع مكتل وهي القفة الكبيرة التي يحول فيها التراب وغيره قوله محمد أي هذا محمد قوله والخميس أي الجيش سمي خميسا لأنه خمسة أقسام الميمنة والميسرة والقلب والمقدمة والساقة ويجوز في الخميس الرفع والنصب فالرفع على العطف والنصب على أنه مفعول معه قوله بساحة قوم الساحة الفضاء وأصلها الفضاء بين المنازل قوله فساء من أفعال الذم والمنذرين بفتح الذال المعجمة فإن قلت كيف قال خربت خيبر قبل وقوعه قلت هذا من جملة معجزاته علم بطريق الوحي أنها تخرب وقيل أخذه من لفظ المسحاة لأنه من سحوت إذا قشرت وفيه أخذ التفاؤل من حيث الاشتقاق
220 - (أخبرنا صدقة بن الفضل أخبرنا ابن عيينة حدثنا أيوب عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال صبحنا خيبر بكرة فخرج أهلها بالمساحي فلما بصروا بالنبي
قالوا محمد والله محمد والخميس فقال النبي
الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين فأصبنا من لحوم الحمر -
4197 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن حميد الطويل عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى خيبر ليلا وكان إذا أتى قوما بليل لم يغربهم حتى يصبح فلما أصبح خرجت اليهود بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأوه قالوا محمد والله محمد والخميس فقال النبي صلى الله عليه وسلم خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين..
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث مضى في الجهاد في: باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، إلى الإسلام، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة عن مالك إلى آخره.
قوله: (عن أنس) وفي رواية أبي إسحاق الفزاري: عن حميد سمعت أنسا، كما تقدم في الجهاد. قوله: (أتى خيبر ليلا) أي: في الليل، ومعناه: قرب منها. وقال ابن إسحاق: إنه نزل بواد يقال له الرجيع بينهم وبين غطفان ليلا يمدوهم وكانوا حلفاءهم، قال: فبلغني أن غطفان تجهزوا وقصدوا خيبر فسمعوا حسا خلفهم، فظنوا أن المسلمين خلفوهم في ذراريهم فرجعوا فأقاموا وخذلوا أهل خيبر. قوله: (لم يغر بهم) بضم الياء وكسر الغين المعجمة: من الإغارة، هكذا رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر عن المستملي: لم يقربهم، بفتح الياء وسكون القاف، من القرب، وتقدم في الجهاد بلفظ، لا يغير عليهم، وفي الآذان من وجه آخر، عن حميد بلفظ: كان إذا غزا لم يغز بنا حتى نصبح وننظر فإن سمع أذانا كف عنهم وإلا أغار، قوله: (خرجت اليهود بمساحيهم)، يعني: طالبين زرعهم، وذلك أنهم كانوا يخرجون في كل يوم متسلحين مستعدين فلا يرون أحدا حتى إذا كانت الليلة التي قدم فيها المسلمون ناموا فلم تتحرك لهم دابة ولم يصح لهم ديك، وخرجوا بالمساحي طالبين مزارعهم فوجدوا المسلمين، وفي رواية أحمد: خرجت يهود بمساحيهم إلى زرعهم، والمساحي جمع مسحاة وهي آلة الحرث، والمكاتل جمع مكتل وهي القفة الكبيرة التي يحول فيها التراب وغيره. قوله: (محمد) أي: هذا محمد. قوله: (والخميس) أي: الجيش، سمى خميسا لأنه خمسة أقسام: الميمنة والميسرة والقلب والمقدمة والساقة، ويجوز في الخميس الرفع والنصب، فالرفع على العطف، والنصب على أنه مفعول معه. قوله: (بساحة قوم) الساحة الفضاء، وأصلها الفضاء بين المنازل. قوله: (فساء) من أفعال الذم (والمنذرين) بفتح الذال المعجمة. فإن قلت: كيف قال: خربت خيبر قبل وقوعه؟ قلت: هذا من جملة معجزاته، علم بطريق الوحي أنها تخرب، وقيل: أخذه من لفظ المسحاة، لأنه من سحوت إذا قشرت، وفيه أخذ التفاؤل من حيث الاشتقاق.
4198 أخبرنا صدقة بن الفضل أخبرنا عيينة حدثنا أيوب عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال صبحنا خيبر بكرة فخرج أهلها بالمساحي فلما بصروا بالنبي صلى الله عليه وسلم قالوا محمد والله محمد والخميس فقال النبي صلى الله عليه وسلم الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين فأصبنا من لحوم الحمر
237

فنادي منادي النبي صلى الله عليه وسلم إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر فإنها رجس..
هذا طريق آخر في حديث أنس المذكور أخرجه عن صدقة بن الفضل المروزي عن صدقة عن سفيان بن عيينة عن أيوب السختياني.
قوله: (الله أكبر) هذه اللفظة موجودة في أكثر الطرق. قوله: (صبحنا) بتشديد الباء. قوله: (ينهيانكم) فيه دليل على جواز جمع اسم الله مع غيره في ضمير واحد، فيرد به على من منع ذلك، قيل: في رواية سفيان للأكثر: ينهاكم بالإفراد، وفي رواية عبد الوهاب، بالتثنية، قوله: (فإنها) أي: قال: فإن لحوم الحمر (رجس) أي: قذر ونتن، وقيل: الرجس العذاب، فيحتمل أن يريد: أنها تؤديه إلى العذاب، والنهي عن لحوم الحمر الأهلية للتحريم عند الجمهور.
4199 حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا عبد الوهاب حدثنا أيوب عن محمد عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه جاء فقال أكلت الحمر فسكت ثم أتاه الثانية فقال أكلت الحمر فسكت ثم أتاه الثالصة فقال أفنيت الحمر فأمر مناديا فنادى في الناس إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فأكفئت القدور وإنها لتفور باللحم..
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن عبد الله بن عبد الوهاب أبي محمد الحجبي البصري، وهو من أفراده، عن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين.
قوله: (فأكفئت)، قال ابن التين: صوابه، فكفئت، قال الأصمعي: كفأت الإناء: قلبته، ولا يقال: أكفأته، قيل: يحتمل أن يريد: أمالوها حتى أزالوا ما فيها، فيكون: (أكفئت) صحيحا لأن الكسائي قال: أكفأت الإناء أملته. قوله: (لتفور)، من فارت القدر إذا اشتد غليانها.
4200 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس رضي الله تعالى عنه قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم الصبح قريبا من خيبر بغلس ثم قال الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين فخرجوا يسعون في السكك فقتل النبي صلى الله عليه وسلم المقاتلة وسبى الذرية وكان في السبي صفية فصارت إلى دحية الكلبي ثم صارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل عتقها صداقها فقال عبد العزيز بن صهيب لثابت يا أبا محمد آنت قلت لأنس ما أصدقها فحرك ثابت رأسه تصديقا له..
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث مر في صلاة الخوف في: باب التكبير والغلس بالصبح، فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن حماد بن زيد عن عبد العزيز بن صهيب، وثابت البناني عن أنس... إلى آخره، ومر الكلام فيه هناك مستوفى.
قوله: (فقتل النبي صلى الله عليه وسلم)، فيه حذف لا بد منه، لأن ظاهر العبارة يوهم أن ذلك وقع عقيب الدعاء عليهم، وليس كذلك، فإن ابن إسحاق قد ذكر أنه، صلى الله عليه وسلم، أقام على محاصرتهم بضع عشرة ليلة، وقيل: أكثر من ذلك، ويؤيد ذلك ما وقع في الحديث الماضي: (أصابتهم مخمصة شديدة)، فإنه يدل على طول مدة الحصار، إذ لو وقع الفتح من يومهم لم يقع لهم ذلك.
4201 حدثنا آدم حدثنا شعبة عن عبد العزيز بن صهيب قال سمعت أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه يقول سبى النبي صلى الله عليه وسلم صفية فأعتقها وتزوجها فقال ثابت لأنس ما أصدقها قال أصدقها نفسها فأعتقها..
[/ نه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (سبى النبي صلى الله عليه وسلم، صفية)، فإن سبيها كان في غزوة خيبر،
238

والحديث من أفراده.
قوله: (فأعتقها وتزوجها)، ظاهرة أن العتنق تقدم النكاح، وليس كذلك، لأن الواو لا تدل على الترتيب، على أن في الحديث الآخر: (وجعل عتقها صداقها)، ومنهم من جعل ذلك من خصائصه، صلى الله عليه وسلم، ومنهم من أجازه.
4202 حدثنا قتيبة حدثنا يعقوب عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه فقيل ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه من أهل النار فقال رجل من القوم أنا صاحبه قال فخرج معه كلما وقف وقف معه وإذا أسرع أسرع معه قال فجرح الرجل جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أشهد أنك رسول الله قال وما ذاك قال الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار فأعظم الناس ذالك فقلت أنا لكم به فخرجت في طلبه ثم جرح جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة..
لا وجه لذكر هذا الحديث هنا لأنه ليس فيه تعلق ما بغزوة خيبر ظاهرا، وقد تعسف بعضهم، فقال: يتحد هذا الحديث بحديث أبي هريرة الذي يليه في القصة، وصرح في حديث أبي هريرة أن ذلك كان بخيبر، فبينهما بون بعيد في ألفاظ المتن، يعرف ذلك من يقف عليهما.
ويعقوب هو ابن عبد الرحمن الإسكندراني، وأبو حازم سلمة بن دينار.
والحديث مضى في كتاب الجهاد في: باب لا تقول فلان شهيد، فإنه أخرجه هناك نحو هذا سندا ومتنا، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (فلما مال رسول الله، صلى الله عليه وسلم)، أي: فلما رجع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعد فراغ القتال في ذلك اليوم. قوله: (وفي أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رجل) قالوا: إن اسمه قزمان، بضم القاف وسكون الزاي: الظفري، بفتح الظاء المعجمة والفاء: نسبة إلى بني ظفر، بطن من الأنصار، وكان يكنى: أبا الغيداق، بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة وفي آخره قاف. قوله: (لا يدع)، أي: لا يترك. قوله: (شاذة)، بالشين المعجمة وتشديد الذال المعجمة، وهي الذي ينفرد عن الجماعة. قوله: (ولا فاذة)، بالفاء مثله، وهو الذي لا يختلط بهم، وهما صفتان لمحذوف أي: لا يدع نسمة شاذة ولا نسمة فاذة، ويجوز أن تكون التاء فيهما للمبالغة، كما في: علامة ونسابة، وقيل: المراد ما كبر وصغر، وقيل: الشاذ الخارج، والفاذ المنفرد. وقال بعضهم: والثاني اتباع. قلت: فيه نظر لا يخفى. قوله: (فقيل: ما أجزأ) ويروى: فقال، وقالوا: وفقلت. قوله: (فقال رجل من القوم) قيل: هو أكثم بن أبي الجون. قوله: (وذبابه)، بضم الذال المعجمة أي: طرفه الحد.
4203 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال شهدنا خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل ممن معه يدعي الإسلام
239

هاذا من أهل النار فلما حضر القتال قاتل الرجل أشد القتال حتى كثرت به الجراحة فكاد بعض الناس يرتاب فوجد الرجل ألم الجراحة فأهوى بيده إلى كنانته فاستخرج منها أسهما فنحر بها نفسه فاشتد رجال من المسلمين فقالوا يا رسول الله صدق الله حديثك انتحر فلان فقتل نفسه فقال قم يا فلان فأذن أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة. والحديث مضى في الجهاد في: باب إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر، فإنه أخرجه هناك بأتم منه من طريقين.
قوله: (لرجل) اللام فيه بمعنى، عن. كما في قوله تعالى: * (وقال الذين كفروا للذين آمنوا) * (مريم: 73). ويجوز أن يكون بمعنى: في كما في قوله تعالى: * (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) * (الأنبياء: 47، العنكبوت: 12، يس: 47، الأحقاف: 11). والمعنى: قال في شأنه. قوله: (فاشتد) أي: أسرع في الجري قوله: (انتحر) أي: نحر نفسه. قوله: (يرتاب)، أي: يشك في صدق الرسول وحقيقة الإسلام، وفي رواية معمر في الجهاد: أن يرتاب، ودخول: أن، على خبر: كاد، جائز مع قلة. قوله: (قم يا فلان) هو بلال، رضي الله تعالى عنه، كما وقع صريحا في الجهاد. قوله: (يؤيد) وفي رواية الكشميهني: ليؤيد. قوله: (بالرجل الفاجر)، يحتمل أن يكون: اللام للجنس فيعم كل فاجر أيد الدين وساعده بوجه من الوجوه، ويحتمل أن تكون للعهد عن ذلك الشخص المعين، وهو قزمان المذكور في الحديث السابق، ولكنه إنما يكون للعهد إذا كان الحديثان متحدين في الأصل، والظاهر التعدد، والله أعلم.
تابعه معمر عن الزهري
أي: تابع شعيبا معمر بن راشد عن الزهري في هذا الإسناد، وقد مرت هذه المتابعة موصولة في الجهاد في الباب الذي ذكرناه.
4204 وقال شبيب عن يونس عن ابن شهاب أخبرني ابن المسيل وعبد الرحمان بن عبد الله بن كعب أن أبا هريرة قال شهدنا مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر.
شبيب بفتح الشين المعجمة وكسر الباء الموحدة الأولى: ابن سعيد، مر في الاستقراض، ويونس هو ابن يزيد، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري، وهذا تعليق وصله النسائي عن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني عن محمد بن شبيب عن أبيه عن يونس، فذكره.
وقال ابن المبارك عن يونس عن الزهري عن سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم
ابن المبارك هو عبد الله المروزي، هذا تعليق ومرسل أراد بهذا أن ابن المبارك وافق شبيبا في لفظ حنين، وخالفه في الإسناد فأرسله، وقد مر طريق ابن المبارك في الجهاد، وليس فيه تعيين الغزوة.
تابعه صالح عن الزهري
أي: تابع ابن المبارك صالح بن كيسان عن الزهري، وقد روى البخاري هذه المتابعة في (تاريخه)، قال: قال لي عبد العزيز الأويسي عن إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب: أخبرني عبد الرحمن بن عبيد الله بن كعب بن مالك أن بعض من شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لرجل معه: (هذا من أهل النار...) الحديث، قال بعضهم: فظهر من هذا أن المراد بالمتابعة في ترك ذكر اسم الغزوة ليس إلا. قلت: لا نسلم ذلك، لأن ابن المبارك تابع شبيبا في لفظ: حنين، وصالح بن كيسان تابع ابن المبارك، والظاهر أن المتابعة أعم من أن تكون في لفظ: حنين، وفي غيره من المتن والإسناد، ولا يلزم من عدم ذكر لفظ: حنين، في رواية البخاري في (تاريخه) أن لا يكون المراد من قوله: ممن شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، شهوده في حنين لاحتمال طي بعض الرواة ذكره.
240

وقال الزبيدي أخبرني الزهري أن عبد الرحمان بن كعب أخبره أن عبيد الله بن كعب قال أخبرني من شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر
الزبيدي، بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة: وهو محمد بن الوليد أبو الهذيل الشامي الحمصي، وعبد الرحمن هو ابن عبيد الله بن كعب، وأما عبيد الله فمصغر عبد الله ويروى: عبد الله، مكبرا ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فحديثه مرسل لأنه تابعي بالتكبير والتصغير، قال الغساني: وأما عبيد الله فلا أدري من هو؟ ولعله وهم، والصحيح عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، وطريق الزبيدي هذا معلق مختصر.
قال الزهري وأخبرني عبيد الله بن عبد الله وسعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم
هذا أيضا معلق مرسل يرويه الزهري عن عبيد الله بالتصغير ابن عبد الله بالتكبير عن سعيد بن المسيب، ورواه الذهلي عن الزهري، قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله، وهذا أصوب من: عبيد الله بن عبد الله، نبه عليه أبو علي الجياني، وهذه روايات مختلفة فيها كلام كثير.
4205 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد عن عاصم عن أبي عثمان عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أو قال لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير الله أكبر الله أكبر لا إلاه إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم وأنا خلف دابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعني وأنا أقول لا حول ولا قوة إلا بالله فقال لي يا عبد الله بن قيس قلت لبيك رسول الله قال ألا أدلك على كلمة من كنز من كنوز الجنة قلت بلى يا رسول الله فداك أبي وأمي قال لا حول ولا قوة إلا بالله..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وعبد الواحد هو ابن زياد، وعاصم هو ابن سليمان الأحول، وأبو عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي. بالنون وهؤلاء كلهم بصريون، وأبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري.
والحديث مضى في الجهاد في: باب ما يكره من رفع الصوت بالتكبير.
قوله: (أو قال: لما توجه)، شك من الراوي، قوله: (أشرف الناس على واد)، ظاهر هذا يوهم أن ذلك وقع وهم ذاهبون إلى خيبر، وليس كذلك، بل إنما وقع ذلك حال رجوعهم لأن أبا موسى إنما قدم بعد فتح خيبر مع جعفر، فحينئذ يحتاج إلى تقدير ليصح الكلام، تقديره: لما توجه النبي صلى الله عليه وسلم، إلى خيبر فحاصرها ففتحها ففرغ، فرجع فأشرف الناس... إلى آخره. قوله: (إربعوا) بكسر الهمزة معناه: إرفقوا، يقال: ربع عليه يربع ربعا إذا كف عنه، وأربع على نفسه: كف عنها وأرفق بها. قوله: (لبيك رسول الله) يعني: يا رسول الله، وحذف حرف النداء كثير. قوله: (من كنز من كنوز الجنة)، كلمة: من، الأولى للتبيين، والثانية للتبعيض.
4206 حدثنا المكي بن إبراهيم حدثنا يزيد بن أبي عبيد قال رأيت أثر ضربة في ساق سلمة فقلت يا أبا مسلم ما هذه الضربة فقال هذه ضربة أصابتني يوم خيبر فقال الناس أصيب سلمة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فنفث فيه ثلاث نفثات فما اشتكيتها حتى الساعة.
مطابقته للترجمة في قوله: (يوم خيبر) والمكي هو علم وليس بنسبة إلى مكة، وقد وهم فيه الكرماني، فقال: المكي، منسوب إلى مكة، وسلمة هو ابن الأكوع وهذا الحديث من ثلاثيات البخاري وهو الرابع عشر منها.
قوله: (يا أبا مسلم)، كنية سلمة
241

ابن الأكوع. قوله: (فنفث فيه)، أي: في موضع الضربة، والنفثات جمع نفثة وهي فوق النفخ ودون التفل، وقد يكون بغير ريق بخلاف التفل، وقد يكون بريق خفيف بخلاف النفخ. قوله: (حتى الساعة)، بالنصب نحو: أكلت السمكة حتى رأسها بالنصب، هكذا قاله الكرماني قلت: تمثيله لا يتأتى إلا في حالة النصب، لأن فيه يجوز الأوجه الثلاثة: الرفع والنصب والجر، بخلاف حتى الساعة، فإنه لا يجوز فيه الرفع وهو ظاهر، أما وجه النصب فلا بد فيه من تقدير زمان تقديره: فما اشتكيتها زمانا حتى الساعة، وأما الجر فلكون حتى للعطف، والمعطوف داخل في المعطوف عليه، فافهم.
4207 حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا ابن أبي حازم عن أبيه عن سهل قال التقى النبي صلى الله عليه وسلم والمشركون في بعض مغازيه فاقتتلوا فمال كل قوم إلى عسكرهم وفي المسلمين رجل لا يدع من المشركين شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه فقيل يا رسول الله ما أجزأ أحدهم ما أجزأ فلان فقال إنه من أهل النار فقالوا أينا من أهل الجنة إن كان هاذا من أهل النار فقال رجل من القوم لأتبعنه فإذا أسرع وأبطأ كنت معه حتى جرح فاستعجل الموت فوضع نصاب سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أشهد أنك رسول الله فقال وما ذاك فأخبره فقال إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وإنه من أهل النار ويعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة..
هذا طريق آخر لحديث سهل بن سعد الذي مضى في هذا الباب عن قريب، وكان من الترتيب أن يذكره عقيبه، وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى، وابن أبي حازم هو عبد العزيز بن أبي حازم يروي عن أبيه أبي حازم، واسمه: سلمة بن دينار، يروي عن سهل بن سعد الساعدي الأنصاري، رضي الله تعالى عنه، قوله: (يضربها)، ويروى: (فضربها). قوله: (أحدهم)، ويروى: أحد. قوله: (نصاب سيفه)، وهو مقبضه. قوله: (بالأرض)، أي: ملتصقا بها، أو تكون الباء بمعنى: في.
4208 حدثنا محمد بن سعيد الخزاعي حدثنا زياد بن الربيع عن أبي عمران قال نظر أنس إلى الناس يوم الجمعة فرأى طيالسة فقال كأنهم الساعة يهود خيبر.
مطابقته للترجمة في قوله: (يهود خيبر) ومحمد بن سعيد بن الوليد أبو بكر الخزاعي البصري، وروى عنه البخاري هنا مفردا، وفي الجهاد مقرونا، وليس له في البخاري إلا هذين الموضعين. وهو ثقة من أفراد أحمد. وزياد، بكسر الزاي وتخفيف الياء آخر الحروف: ابن الربيع أبو خداش بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الدال المهملة وفي آخره شين: اليحمدي الأزدي البصري، وثقه أحمد وغيره، ونقل ابن عدي عن البخاري أنه قال: فيه نظر، وقال ابن عدي: وما أرى برواياته بأسا، وأبو عمران هو عبد الملك بن حبيب الجوني، بفتح الجيم وسكون الواو وبالنون: نسبة إلى بني الجون، بطن من الأزد.
قوله: (فرأى طيالسة) أي: عليهم، وهو جمع طيلسان، بفتح اللام والهاء في الجمع للعجمة، لأنه فارسي معرب، وقال الجوهري: والعامة تقول بكسر اللام. قوله: (كأنهم)، أي: كان هؤلاء الناس الذين رأى عليهم الطيالسة يهود خيبر، وهذا إنكار عليهم لأن التشبه بهم ممنوع، وأدنى الدرجات فيه الكراهة، وقد روى ابن خزيمة وأبو نعيم: أن أنسا قال: ما شبهت الناس اليوم في المسجد وكثرة الطيالسة إلا يهود خيبر، وقال بعضهم: ولا يلزم من هذا كراهية لبس الطيالسة. قلت: لا نسلم ذلك، لأنه إذا لم يفهم منه الكراهة فما فائدة تشبيهه إياهم باليهود في استعمالهم الطيالسة؟ وقال أيضا: وقيل: إنما أنكر ألوانها. قلت: ومن هو قائل هذا من العلماء حتى يعتمد عليه؟ ومن قال: إن اليهود في ذلك الزمن كانوا يستعملون الصفر من الطيالسة أو غيرها؟ ولئن سلمنا أنها
242

كانت صفراء، فلم يكن تشبيه أنس، رضي الله تعالى عنه، لأجل اللون، وقد روى الطبراني عن أنس قال: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم، ملحفة مصبوغة بالورس والزعفران يدور بها على نسائه، فإن كانت ليلة هذه رشها بالماء، وإن كانت ليلة هذه رشها بالماء، وقد روى الطبراني أيضا من حديث أم سلمة، رضي الله تعالى عنها، قالت: ربما صبغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم رداءه أو إزاره بزعفران أو ورس ثم يخرج فيهما.
4209 حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا حاتم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة رضي الله تعالى عنه قال كان علي رضي الله تعالى عنه تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر وكان رمدا فقال أنا أتخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم فلحق به فلما بتنا الليلة التي فتحت قال لأعطين الراية غدا أو ليأخذن الراية غدا رجل يحبه الله ورسوله يفتح عليه فنحن نرجوها فقيل هاذا علي فأعطاه ففتح عليه. (انظر الحديث 2975 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة، وقد تكرر ذكر رجاله، والحديث مر في الجهاد في: باب ما قيل في لواء النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (وكان رمدا) بفتح الراء وكسر الميم، وفي رواية ابن أبي شيبة: أرمد، وفي رواية جابر عند الطبراني في (الصغير): أرمد، بتشديد الدال، وفي حديث ابن عمر عند أبي نعيم في (الدلائل): أرمد لا يبصر. قوله: (فقال: أنا أتخلف؟) كأنه أنكر على نفسه تأخره عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (فلحق به) أي: بالنبي صلى الله عليه وسلم، فيحتمل أن يكون لحق به في الطريق، ويحتمل أن يكون بعد الوصول إلى خيبر. قوله: (أو ليأخذن الراية) شك من الراوي. قوله: (رجل) فاعل: ليأخذن. قوله: (يحبه الله ورسوله) صفة الرجل، والراية: العلم الذي يحمل في الحرب به موضع صاحب الجيش، وقد يحمله أمير الجيش، وربما يدفعه إلى مقدم العسكر، وقد صرح جماعة من أهل اللغة بأن الراية والعلم مترادفان، لكن روى أحمد والترمذي من حديث ابن عباس: كانت راية رسول الله، ومثله عند الطبراني عن بريدة، وعند ابن أبي عدي عن أبي هريرة، وزاد: مكتوب فيه: لا إلاه إلا الله محمد رسول الله، قوله: (فنحن نرجوها) أي: نرجو الراية أن تدفع إلينا أراد أن كل واحد منهم كان يرجو ذلك. قوله: (فقيل: هذا علي) أي: قد حضر. قوله: (ففتح عليه) فيه اختصار، أي: فلما حضر أعطاه رسول الله، صلى الله عليه وسلم الراية فتقدم بها وقاتل ففتح الله على يديه.
4210 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب بن عبد الرحمان عن أبي حازم قال أخبرني سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر لأعطين هاذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها فقال أين علي بن أبي طالب فقيل هو يا رسول الله يشتكي عينيه قال فأرسلوا إليه فأتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية فقال علي يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا فقال صلى الله عليه وسلم انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير من أن يكون لك حمر النعم.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو حازم سلمة بن دينار. والحديث قد مضى في الجهاد في: باب فضل من أسلم على يديه رجل، بعين هذا الإسناد والمتن، وهنا بعض زيادة، وهي قوله: (يدوكون ليلتهم) بضم الدال المهملة: من الدوك، وهو الاختلاط أي: باتوا في
243

اختلاط واختلاف. قوله: (كلهم يرجو) ويروى: يرجون. قوله: (فأتى به) على صيغة المجهول. قوله: (ودعا له) فقال اللهم أذهب عنه الحر والقر، قال: فما اشتكيتهما حتى يومي هذا، رواه الطبراني عنه. قوله: (فبرأ) بفتح الراء والهمزة على وزن: ضرب، قيل: ويجوز بكسر الراء على وزن: علم، وروى الطبراني من حديث علي: فما رمدت ولا صدعت منذ دفع إلي النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم خيبر. قوله: (أقاتلهم) حذف منه همزة الاستفهمام، قوله: (حتى يكونوا مثلنا) حتى يكونوا مسلمين مثلنا. قوله: (أنفذ) بضم الفاء وبالذال المعجمة. قوله: (فيه) أي: في الإسلام. قوله: (حمر النعم) بسكون الميم وبفتح النون في النعم والعين المهملة وهو من ألوان الإبل المحمودة، وكانت العرب تفتخر بها.
4211 حدثنا عبد الغفار بن داود حدثنا يعقوب بن عبد الرحمان ح وحدثني أحمد بن عيسى حدثنا ابن وهب قال أخبرني يعقوب بن عبد الرحمان الزهري عن عمر و مولى المطلب عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال قدمنا خيبر فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي ابن أخطب وقد قتل زوجها وكانت عروسا فاصطفاها النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه فخرج بها حتى بلغ بها سد الصهباء حلت فبنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صنع حيسا في نطع صغير ثم قال لي آذن من حولك فكانت تلك وليمته على صفية ثم خرجنا إلى المدينة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحوي لها وراءه بعباءة ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأخرجه من طريقين: أحدهما: عن عبد الغفار بن داود أبي صالح الحراني سكن مصر وهو من أفراده وقد أخرج عنه هنا وفي البيوع خاصة هذا الحديث الواحد. والآخر: عن أحمد بن عيسى في رواية كريمة، ولعلي بن شبويه عن الفربري أحمد بن صالح المصري وبه جزم أبو نعيم في (المستخرج)، وعمرو بفتح العين مولى المطلب، بتشديد الطاء وكسر اللام، وفي رواية عبد الغفار بن أبي عمرو واسم أبي عمرو ميسرة.
والحديث مضى في كتاب البيوع في: باب هل يسافر بالجارية قبل أن يستبرئها.
قوله: (الحصن)، اسمه القموص، قوله: (صفية بنت حيي)، بضم الحاء المهملة وفتح الياء آخر الحروف الأولى وتشديد الثانية: (ابن أخطب) بالخاء المعجمة وبالطاء المهملة. قوله: (زوجها)، واسمه: كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، بضم الحاء. قوله: (فاصطفاها) أي: اختارها لنفسه، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له سهم يدعى الصفي، إن شاء عبدا أو أمة أو فرسا يختاره من الخمس، فاختار صفية هنا، قوله: (سد الصهباء)، السد، بفتح السين المهملة وضمها، والصهباء موضع بأسفل خيبر، وقد تقدم ذكرها عن قريب، ووقع في رواية عبد الغفار هنا: سد الروحاء، والأول أصوب، قاله بعضهم، وقال الكرماني: وقال بعضهم: الصواب سد الروحاء، والروحاء بالراء مكان قريب من المدينة بينهما نيف وثلاثون ميلا من جهة مكة. قوله: (حلت)، أي: صارت حلالا لرسول الله، صلى الله عليه وسلم بالطهارة من الحيض ونحوه. قوله: (فبنى بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم) أي: فدخل عليها. قوله: (حيسا)، بفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالسين المهملة: هو تمر يخلط بسمن وأقط. قوله: (يحوي لها) بضم الياء وفتح الحاء المهملة وتشديد الواو المكسورة أي: يجعل لها حوية، وهي كساء محشو يدار حول الراكب.
4212 حدثنا إسماعيل قال حدثني أخي عن سليمان عن يحيى عن حميد الطويل سمع أنس ابن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام على صفية بنت حيي بطريق خيبر ثلاثة أيام حتى أعرس بها وكانت فيمن ضرب عليها الحجاب..
مطابقته للترجمة في قوله: (أقام على صفية بنت حيي بطريق خيبر)، وإسماعيل هو ابن أبي أويس، وأخوه أبو بكر بن عبد الحميد، وسليمان هو ابن بلال، ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري، وروايته عن حميد من رواية الأقران. والحديث أخرجه
244

النسائي أيضا في النكاح وفي الوليمة عن محمد بن نصر هو الفراء عن أيوب بن سليمان عن أبي بكر بن أبي أويس به.
قوله: (ثلاثة أيام)، أراد أنه أقام في المنزلة التي أعرس بها فيها ثلاثة أيام. لا أنه سار ثلاثة أيام ثم أعرس، وأعرس من الإعراس، ولا يقال: عرس بالتشديد من التعريس، يقال: أعرس الرجل فهو معرس إذا دخل بامرأته عند بنائها. قوله: (وكانت) أي: صفية (فيمن ضرب عليها الحجاب) أي: كانت من أمهات المؤمنين، لأن ضرب الحجاب إنما هو على الحرائر لا على ملك اليمين.
4213 حدثنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا محمد بن جعفر بن أبي كثير قال أخبرني حميد أنه سمع أنسا رضي الله تعالى عنه يقول أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبنى عليه بصفية فدعوت المسلمين إلى وليمته وما كان فيها من خبز ولا لحم وما كان فيها إلا أن أمر بلالا بالأنطاع فبسطت فألقى عليها التمر والأقط والسمن فقال المسلمون إحدى أمهات المؤمنين أو ما ملكت يمينه قالوا إن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه فلما ارتحل وطألها خلفه ومد الحجاب..
هذا طريق آخر لحديث أنس المذكور. قوله: (أقام النبي صلى الله عليه وسلم) وفي رواية أبي ذر عن السرخسي: قام، والأول أوجه، قوله: (إحدى أمهات المؤمنين) بأن صارت حرة مثل الحرائر. قوله: (وطأ لها)، من التوطئة، وهو إصلاح ما تحتها للركوب.
4214 حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة ح وحدثني عبد الله بن محمد حدثنا وهب حدثنا شعبة عن حميد بن هلال عن عبد الله بن مغفل رضي الله تعالى عنه قال كنا محاصري
خيبر فرمى إنسان بجراب فيه شحم فنزوت لآخذه فالتفت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم فاستحييت.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأخرجه من طريقين: الأول: عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي عن شعبة عن حميد ابن هلال عن عبد الله بن مغفل، بضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الفاء: المزني البصري. والثاني: عن عبد الله بن محمد المعروف بالمسندي عن وهب بن جرير بن حازم عن شعبة... إلى آخره.
والحديث مضى في الخمس في: باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب، أخرجه من طريق أبي الوليد... إلى آخره نحوه.
قوله: (فنزوت) أي: وثبت من: النزو، بالنون والزاي وهو الوثوب. قوله: (فاستحييت)، أي: من اطلاعه، صلى الله عليه وسلم، على حرصي عليه.
4215 حدثني عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع وسالم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن أكل الثوم وعن لحوم الحمر الأهلية. نهى عن أكل الثوم هو عن نافع وحده ولحوم الحمر الأهلية عن سالم..
مطابقته للترجمة في قوله: (يوم خيبر) وعبيد، بضم العين وفي بعض نسخ البخاري: عبد الله، وقال الجياني: هو عبد الله فغلب عليه عبيد حتى صار كاللقب، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وعبيد الله العمري، ونافع مولى ابن عمر، وسالم هو ابن عبد الله بن عمر، وهذا الحديث من أفراده.
قوله: (نهى عن أكل الثوم) ظاهره التحريم ولكن في مسلم من حديث أبي أيوب: أحرام هو؟ قال: لا، ولكني أكرهه من أجل ريحه، وقد صرح بأنه ليس بحرام، ولكنه مكروه، وكان صلى الله عليه وسلم لا يأكله لأجل الملك. قوله: (عن نافع وحده) أي: النهي عن أكل الثوم وروي عن نافع وحده ولم يرو عن سالم، وإنما الذي روي عن سالم هو النهي عن لحوم الحمر الأهلية، قال بعضهم: وفيه جواز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، لأن أكل لحم الحمر حرام، وأكل الثوم مكروه، وقد جمع بينهما بلفظ: النهي، فاستعمله في حقيقته وهو التحريم، وفي مجازه وهو الكراهة. انتهى. قلت: هذا ليس بجمع بين الحقيقة والمجاز، وإنما هو مستعمل في عموم المجاز.
245

4216 حدثني يحيى بن قزعة حدثنا مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل الحمر الإنسية.
مطابقته للترجمة في قوله: (يوم خيبر) والحديث أخرجه البخاري أيضا في الذبائح عن عبد الله بن يوسف عن مالك وفي النكاح عن مالك بن إسماعيل عن سفيان بن عيينة وفي ترك الحيل عن مسدد. وأخرجه مسلم في النكاح عن يحيى بن يحيى وغيره. وأخرجه الترمذي في النكاح عن ابن أبي عمرو غيره. وأخرجه النسائي في الصيد عن محمد بن منصور والحارث بن مسكين وغيرهما. وأخرجه ابن ماجة في النكاح عن محمد بن يحيى.
قوله: (نهى عن متعة النساء) نكاح المتعة هو النكاح الذي بلفظ التمتع إلى وقت معين، نحو أن يقول لامرأة: أتمتع بك كذا مدة بكذا من المال، وقال ابن عبد البر في (التمهيد): أجمعوا على أن المتعة نكاح لا إشهاد فيه، وأنه نكاح إلى أجل تقع فيه الفرقة بلا طلاق ولا ميراث بينهما، قال: وهذا ليس حكم الزوجات في كتاب الله ولا سنة رسوله. انتهى. وقال القاضي عياض في (الإكمال): اتفق العلماء على أن هذه المتعة كانت نكاحا إلى أجل لا ميراث فيه وفراقها يحصل بانقضاء الأجل من غير طلاق، وإذا تقرر أن نكاح المتعة هو الموقت فلو أقته بمدة تعلم بمقتضى العادة أنهما لا يعيشان إلى انقضاء أجلها كمائتي سنة ونحوها فهل يبطل لوجود التأقيت، أو يصح لأنه زال ما كان يخشى من انقطاع النكاح بغير طلاق، ومن عدم الميراث بين الزوجين أطلق الجمهور عدم الصحة، فإن قلت: هل ذهب أحد إلى جوازها؟ قلت: ادعى فيه غير واحد من العلماء الإجماع، وقال الخطابي في (المعالم): كان ذلك مباحا في صدر الإسلام ثم حرم، فلم يبق اليوم فيه خلاف بين الأئمة إلا شيئا ذهب إليه بعض الروافض، قال: وكان ابن عباس يتأول في إباحته للمضطر بطول الغربة وقلة اليسار والجدة، ثم توقف عنه وأمسك عن الفتوى به. وقال أبو بكر الحازمي: يروى عن ابن جريج جوازه، وقال المازري في (المعلم): تقرر الإجماع على منعه ولم يخالف فيه إلا طائفة من المبتدعة، وقال صاحب (المفهم): أجمع السلف والخلف على تحريمها إلا ما روي عن ابن عباس، وروي عنه أنه رجع، وإلا الرافضة، وحكى أبو عمر الخلاف القديم فيه، فقال: وأما الصحابة فإنهم اختلفوا في نكاح المتعة، فذهب ابن عباس إلى إجازتها وتحليلها لا خلاف عنه في ذلك، وعليه أكثر أصحابه منهم: عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وطاووس، قال: وروي أيضا تحليلها وإجازتها عن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله، قالا: تمتعنا إلى نصف من خلافة عمر، رضي الله تعالى عنه، حتى نهى عمر الناس عنها في شأن عمرو بن حريث، ونكاح المتعة قبل التحريم هل كان مطلقا أو مقيدا بالحاجة وبالأسفار؟ قال الطحاوي: كل هؤلاء الذين رووا عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إطلاقها أخبروا أنها كانت في سفر، وليس أحد منهم أخبر أنها كانت في حضر، وذكر حديث ابن مسعود أنه أباحها لهم في الغزو. وقال الحازمي: ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم، أباحها لهم وهم في بيوتهم، وقال القاضي عياض: قد ذكر في حديث ابن عمر: أنها كانت رخصة في أول الإسلام لمن اضطر إليها: كالميتة، وإذا تقرر أن نكاح المتعة غير صحيح فهل يحد من وطئ في نكاح متعة؟ فأكثر أصحاب مالك قالوا: لا يحد لشبهة العقد، وللخلاف المتقدم فيه، وأنه ليس من تحريم القرآن، ولكنه يعاقب عقوبة شديدة. وقال صاحب (الإكمال): هذا هو المروي عن مالك، وأصل هذا عند بعض شيوخنا التفريق في الحد بين ما حرمته السنة أو حرمه القرآن، وأيضا فالخلاف بين الأصوليين: هل يصح الإجماع على أحد القولين بعد الخلاف أو لا ينعقد؟ وحكم الخلاف باق. قال: وهذا مذهب القاضي أبي بكر، وقال الرافعي ما ملخصه: إن صح رجوع ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، وجب الحد لحصول الإجماع، وإن لم يصح رجوعه فيبنى على أنه لو اختلف أهل عصر في مسألة ثم اتفق من بعدهم على أحد القولي فيها، هل يصير ذلك مجمعا عليها؟ فيه وجهان أصوليان، إن قلنا: نعم، وجب الحد، وإلا فلا، كالوطء في سائر الأنكحة المختلف فيها. قال: وهو الأصح، وكذا صححه النووي، رحمه الله تعالى. قوله: (يوم خيبر) وفي لفظ الترمذي: زمن خيبر، وقال ابن عبد البر: وذكر
246

النهي عن المتعة يوم خيبر غلط، وقال السهيلي: النهي عن المتعة يوم خيبر لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الأثر، وقد روى الشافعي عن مالك بإسناده عن علي، رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نهى يوم خيبر عن أكل لحوم الحمر الأهلية، لم يزد على ذلك، وسكت عن قصة المتعة لما علم فيها من الاختلاف. قلت: قد اختلف في وقت النهي عن نكاح المتعة: هل كان زمن خيبر؟ أو في زمن الفتح؟ أو في غزوة أوطاس؟ وهي في عام الفتح، أو في غزوة تبوك؟ أو في حجة الوداع؟ أو في عمرة القضاء؟ ففي رواية مالك ومن تابعه في حديث علي، رضي الله تعالى عنه: أن ذلك زمن خيبر، كما في حديث الباب، وكذلك في حديث ابن عمر، رواه البيهقي من رواية ابن شهاب، قال: أخبرني سالم بن عبد الله أن رجلا سأل عبد الله بن عمر عن المتعة، فقال: حرام. قال: إن فلانا يقول بها: فقال: والله لقد علم أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حرمها يوم خيبر، وما كنا مسافحين، وفي حديث سبرة بن معبد الجهني عند مسلم: أنه أذن فيها في فتح مكة، وفيه: فلم أخرج حتى حرمها، وفي حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم أيضا، أنه رخص فيها عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها، وفي حديث سبرة عند أبي داود: أنه نهى عنها في حجة الوداع، وفي بعض طرق حديث علي، رضي الله تعالى عنه: أن ذلك كان في غزوة تبوك، ذكره ابن عبد البر، وكذلك في حديث أبي هريرة: أن ذلك كان في غزوة تبوك، رواه الطحاوي والبيهقي، وكذلك في حديث جابر رواه الحازمي في كتاب (الناسخ والمنسوخ) وفيه يقول جابر بن عبد الله: خرجنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك، حتى إذا كنا عند العقبة مما يلي الشام، جئن نسوة فذكرنا تمتعنا وهن يجلن في رحالنا، أو قال: يطفن في رحالنا، فجاءنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم فنظر إليهن، فقال: من هؤلاء النسوة؟ فقلنا: يا رسول الله نتمتع منهن. قال: فغضب رسول الله، صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه وتمعر لونه واشتد غضبه، فقام فينا خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم نهى عن المتعة، فتوادعنا يومئذ الرجال والنساء، ولم نعد ولا نعود لها أبدا فيها، فسميت يومئذ: تثنية الوداع، وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الحسن، قال: ما حلت المتعة قط إلا ثلاثا في عمرة القضاء، ما حلت قبلها ولا بعدها.
وقال ابن عبد البر: وهذا الباب فيه اختلاف شديد، وفيه أحاديث كثيرة لم نكتبها. قلت: الجمع بين هذه الأحاديث وترجيح بعضها عند عدم إمكان الجمع على وجوه ذكرها العلماء. فقال المازري: ليس هذا تناقضا لأنه يصح أن ينهى عنها في زمن ثم ينهى عنها في زمن آخر توكيدا، أو ليشتهر النهي ويسمعه من لم يكن سمعه أولا، فسمع بعض الرواة النهي في زمن، وسمعه آخرون في زمن آخر، فنقل كل منهم ما سمعه وأضافه إلى زمن سماعه. وقال القاضي عياض: يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أباحها لهم للضرورة بعد التحريم ثم حرمها تحريما مؤبدا، فيكون أنه حرمها يوم خيبر وفي عمرة القضاء، ثم أباحها يوم الفتح للضرورة، ثم حرمها يوم الفتح أيضا تحريما مؤبدا، وقال النووي: الصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين، وكانت حلالا قبل خيبر ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت يوم فتح مكة وهو يوم أوطاس لاتصالهما، ثم حرمت يومئذ بعد ثلاثة أيام تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة، وذكر بعضهم أنه لا يعرف شيء نسخ مرتين إلا نكاح المتعة. قلت: زاد بعضهم عليه أمر تحويل الصلاة أنه وقع مرتين، وزاد أبو بكر بن العربي ثالثا فقال: نسخ الله القبلة مرتين، ونسخ نكاح المتعة مرتين، وأباح أكل لحوم الحمر الأهلية مرتين، وزاد أبو العباس العوفي رابعا، وهو الوضوء مما مسته النار، على ما قاله ابن شهاب، وروى مثله عن عائشة، وزاد بعضهم: الكلام في الصلاة نسخ مرتين، حكاه القاضي عياض في (الإكمال) وكذلك المخابرة على قول ابن الأعرابي، وفي (التوضيح): هذا أغرب ما وقع في الشريعة، أبيح ثم نهى عنه يوم خيبر، ثم أبيح في عمرة القضاء وأوائل الفتح، ثم نهى عنه، ثم أبيح، ثم نهى عنها إلى يوم القيامة.
4217 حدثنا محأد بن مقاتل أخبرنا عبد الله حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية..
هذا طريق آخر لحديث عبد الله بن عمر المذكور عن قريب أخرجه عن محمد بن مقاتل المروزي عن عبد الله بن المبارك
247

المروزي عن عبيد الله بن عمر... إلى آخره، واقتصر في هذه الرواية على ذكر الحمر الأهلية.
4218 حدثني إسحاق بن نصر حدثنا محمد بن عبيد حدثنا عبيد الله عن نافع وسالم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الأهلية..
هذا طريق آخر لحديث ابن عمر أخرجه عن إسحاق بن نصر، وهو إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي البخاري، وكان ينزل المدينة بباب بني سعد عن محمد بن عبيد، بضم العين: الطيالسي عن عبيد الله بن عمر العمري... إلى آخره، وهنا أيضا اقتصر على ذكر الحمر الأهلية، ولكنه هنا زاد: سالما، فذكره مع نافع كلاهما عن عبد الله بن عمر.
4219 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن عمر و عن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية ورخص في الخيل.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعمرو، بفتح العين هو ابن دينار، ومحمد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنهم، هو أبو جعفر الباقر.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الذبائح عن سليمان بن حرب وفي الذبائح أيضا عن مسدد. وأخرجه مسلم في الذبائح عن يحيى بن يحيى وأبي الربيع وقتيبة. وأخرجه أبو داود في الأطعمة عن سليمان بن حرب به وعن إبراهيم بن الحسن المصيصي. وأخرجه النسائي في الصيد وفي الوليمة عن قتيبة وأحمد بن عبدة الضبي كلاهما عن حماد بن زيد.
قوله: (الأهلية)، في رواية الكشميهني، وليس في رواية غيره إلا لفظ: الحمر، واحتج بهذا الحديث من جوز أكل لحم الخيل، وهو قول أبي يوسف ومحمد والشافعي وأحمد وأبي ثور والليث وابن المبارك، وإليه ذهب ابن سيرين والحسن وعطاء والأسود بن يزيد وسعيد بن جبير، وقال أبو حنيفة: لا يؤكل لحم الخيل، وبه
قال مالك والأوزاعي وأبو عبيد، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: * (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة) * (النحل: 8). خرج مخرج الامتنان، والأكل من أعلى منافعها، والحكيم لا يترك الامتنان بأعلى النعم ويمتن بأدناها، ولما روى أبو داود والنسائي وابن ماجة من حديث خالد بن الوليد، رضي الله تعالى عنه، قال: نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن لحوم الخيل والبغال والحمر، فيعارض حديث جابر، والترجيح للمحرم. فإن قلت: حديث جابر صحيح، وحديث خالد متكلم فيه اسنادا ومتنا، والاعتماد على أحاديث الإباحة لصحتها وكثرة روايتها. قلت: سند حديث خالد جيد، ولهذا لما أخرجه أبو داود سكت عنه، فهو حسن عنده، وقال النسائي: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرني بقية حدثني ثور بن يزيد عن صالح... فذكره بسنده، وقد صرح فيه بقية بالتحديث عن ثور، وثور حمصي أخرج له البخاري وغيره، وبقية إذا صرح بالتحديث كان السند حجة، قاله ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة والنسائي وغيرهم، خصوصا إذا كان الذي حدث عنه بقية شاميا، وقال ابن عدي: إذا روى بقية عن أهل الشام فهو ثبت، وصالح وثقه ابن حبان، وأبوه يحيى ذكره الذهبي، قال: وثق، وأبوه مقدام بن معدي كرب صحابي، فإذا كان كذلك صحت المعارضة، فإذا تعارضا يرجح المحرم، فإن قلت: ادعى بعضهم أن حديث خالد منسوخ بحديث جابر، لأنه قال فيه: وأذن، وفي لفظ: ورخص، قلت: لا يصح الاستدلال على النسخ بقوله: أذن، أو رخص، لأنه يحتمل أن يكون إذنه في حالة المخمصة. إذهي أغلب أحوال الصحابة، رضي الله تعالى عنهم، وفي (الصحيح): أنهم ما وصلوا إلى خيبر إلا وهم جياع، فلا يدل على الإطلاق. فإن قلت: لو كانت الإباحة للمخمصة لما اختصت بالخيل. قلت: يمكن أن يكون في زمن الإباحة بالفرس ما أصابوا البغال والحمير. فإن قلت: قال ابن حزم: في حديث خالد دليل الوضع لأن فيه عن خالد: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم، خيبر، وهذا باطل، لأنه لم يسلم خالد إلا بعد خيبر بلا خلاف، قلت: ليس كما قال، بل فيه خلاف، فقيل: هاجر بعد الحديبية، وقيل: بل كان إسلامه بين الحديبية وخيبر، وقيل: أسلم سنة خمس بعد فراغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من بني قريظة، وكانت الحديبية في ذي القعدة
248

سنة ست، وخيبر بعدها سنة سبع، ولو سلم أنه أسلم بعد خيبر فغاية ما فيه أنه أرسل الحديث، ومراسيل الصحابة في حكم الموصول المسند، قاله ابن الصلاح وغيره.
4220 حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد عن الشيباني قال سمعت ابن أبي أوفى رضي الله تعالى عنهما أصابتنا مجاعة يوم خيبر فإن القدور لتغلي قال وبعضها نضجت فجاء منادي النبي صلى الله عليه وسلم لا تأكلوا من لحوم الحمر شيئا وأهريقوها قال ابن أبي أوفى فتحدثنا أنه إنما نهى عنها لأنها لم تخمس وقال بعضهم نهى عنها البتة لأنها كانت تأكل العذرة..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وسعيد بن سليمان الواسطي سكن بغداد يلقب بسعدويه، ويكنى أبا عثمان، وعباد، بفتح العين وتشديد الباء الموحدة: ابن العوام بن عمر الواسطي، مات سنة خمس وثمانين ومائة، والشيباني هو أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان، واسمه: فيروز الكوفي، يروي عن عبد الله بن أبي أوفى واسمه علقمة بن خالد الأسلمي.
والحديث قد مضى في الخمس عن موسى بن إسماعيل عن عبد الواحد.
قوله: (لتغلي)، من الغليان، واللام فيه للتأكيد. قوله: (فجاء منادي النبي صلى الله عليه وسلم)، وهو أبو طلحة. قوله: (وأهريقوها) أصله: أريقوها من الإراقة. قوله: (إنه) أي: الشأن. قوله: (عنها) أي: عن لحوم الحمر الأهلية. قوله: (لم تخمس)، على صيغة المجهول، من التخميس أي: لأنه لم يؤخذ منها الخمس. قوله: (قال بعضهم) أي: بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم، قوله: (البتة) أي: قطعا من البت وهو القطع يقال: لا أفعله البتة، لكل أمر لا رجعة فيه، وانتصابها على المصدرية تقديره: أبت البتة، وقال الكرماني: وألفها ألف قطع على غير القياس، وقال بعضهم ألفها ألف وصل ولم أر أحدا من أهل اللغة قال ذلك. قلت: عدم رؤيته لا ينفي ذلك، لأنه لم يحط بجميع ما قاله أهل اللغة، وجهل شخص بشيء لا ينافي علم غيره. قوله: (العذرة)، أي: النجاسة، قال الكرماني: وفي التعليلين مناقشة، لأن التبسط قبل القسمة في المأكولات قدر الكفاية حلال، وأكل العذرة موجب للكراهة لا للتحريم، وقال النووي: السبب في الأمر بالإراقة أنها نجسة، وقيل: نهى عنها للحاجة، وقيل: لأنها أخذوها قبل القسمة، وهذان التأويلان لأصحاب مالك القائلين بإباحة لحمها، وقال الواقدي: إن عدة الحمر التي ذبحوها كانت عشرين أو ثلاثين، كذا رواه بالشك.
4222 حدثنا حجاج بن منهال حدثنا شعبة قال أخبرني عدي بن ثابت عن البراء وعبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنهم أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأصابوا حمرا فطبخوها فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم أكفئوا القدور..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم) أي: في غزوة خيبر. وأخرجه عن البراء مقرونا بعبد الله بن أبي أوفى. والحديث أخرجه مسلم في الذبائح عن عبد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة عن عدي بن ثابت عن البراء، وابن أبي أوفى به، وفي حديث مسلم بن إبراهيم عن البراء وحده. قوله: (إكفؤا القدور) من الإكفاء، وهو القلب، وجاء الثلاثي أيضا بمعناه، وحاصل المعنى: أميلوها ليراق ما فيها.
4224 حدثني إسحاق حدثنا عبد الصمد حدثنا شعبة حدثنا عدي بن ثابت قال سمعت البراء وابن أبي أوفى رضي الله تعالى عنهم يحدثان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم خيبر وقد نصبوا القدور أكفؤا القدور...
هذا طريق آخر أخرجه عن إسحاق بن منصور عن عبد الصمد بن عبد الوارث إلى آخره.
249

244 - (حدثنا مسلم حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت عن البراء قال غزونا مع النبي
نحوه)
هذا طريق آخر أخرجه عن مسلم بن إبراهيم إلى آخره ولهذا الحديث ثلاث طرق كما رأيتها اثنان عاليان وواحد نازل فذكره بين العاليين لأن فيه التصريح بسماع التابعي له من الصحابيين دوهما فإنهما بالعنعنة * -
4226 حدثني إبراهيم بن موساى أخبرنا ابن أبي زائدة أخبرنا عاصم عن عامر عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما قال أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر أن نلقي الحمر الأهلية نيئة ونضيجة ثم لم يأمرنا بأكله بعد..
هذا وجه آخر أخرجه عن إبراهيم بن موسى عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن عاصم الأحول عن عامر الشعبي عن البراء... إلى آخره. وأخرجه مسلم في الذبائح عن زهير بن حرب وعن أبي سعيد الأشج. وأخرجه النسائي في الصيد عن محمد بن عبد الأعلى، وأخرجه ابن ماجة في الذبائح عن سويد بن سعيد.
قوله: (أن نلقي) بضم النون وسكون اللام وكسر القاف، من الإلقاء، وكلمة: أن، مصدرية التقدير: أمرنا بأن نلقي أي: بإلقاء الحمر الأهلية مطلقا، يعني نيئة ونضيجة، فقوله: نيئة، بكسر النون وسكون الياء آخر الحروف وفتح الهمزة وبالتاء، وذكره ابن الأثير في: باب: نيء، أعني في باب: النون بعدها الياء ثم الهمزة، وذكره الجوهري في باب: نوء، بالواو موضع الياء، قال: وأناء اللحم ينيئه إناءة: إذا لم ينضجه، وقد ناء اللحم ينئي نيئا فهو لحم نئي بالكسر مثل: بالكسر مثل: نيع: بين النيوء والنيوءة، وقال ابن الأثير: وقد تقلب الهمزة ياء فيقال: نيا بالتشديد، وقال الكرماني: نيئة ونضيحة، بالتنوين والإضافة، يعني: يجوز فيه الوجهان أحدهما نيئة ونضيجة بالتاء في آخرهما، والآخر: نيئها ونضيجها، بالإضافة إلى الضمير الذي يرجع إلى اللحوم، ففي الإضافة تحذف التاء، ولم أر أحدا من الشراح حقق هذا الموضع كما ينبغي. قوله: (بعد)، بضم الدال أي: بعد أمره صلى الله عليه وسلم، بإلقاء الحمر الأهلية. وفيه إشارة إلى استمرار تحريمها.
4227 حدثني محمد بن أبي الحسين حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي عن عاصم عن عامر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال لا أدري أنهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أنه كان حمولة الناس فكره أن تذهب حمولتهم أو حرمه يوم خيبر لحم الحمر الأهلية.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ومحمد بن أبي الحسين جعفر السماني الحافظ، وكان من أقران البخاري، وعاش بعده خمس سنين، وقد ذكر الكلاباذي ومن تبعه أن البخاري ما روى عنه غير هذا الحديث. وقال بعضهم: تقدم في العيدين حديث آخر، قال البخاري فيه: حدثنا محمد حدثنا عمر بن حفص، فالذي يظهر أنه هذا قلت: يحتمل أن يكون غيره، وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث بن طلق بن معاوية أبو حفص النخعي الكوفي، وهو أحد مشايخ البخاري، روى عنه هنا بالواسطة، وعاصم هو ابن سليمان الأحول، وعامر هو ابن شراحيل الشعبي.
والحديث أخرجه مسلم في الذبائح عن أحمد بن يوسف السلمي عن عمر بن حفص.
قوله: (أنهى عنه؟) أي: عن لحم الحمر الأهلية، والهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار. قوله: (حمولة الناس)، بفتح الحاء، وهي التي يحمل عليها الناس من الدواب سواء كانت عليها الأحمال أو لم تكن، كالركوبة. وقال الكرماني: الحمولة كل ما احتمل عليه الحي من حمار وغيره. قوله: (أو حرمه يوم خيبر؟) يعني تحريما مطلقا مؤبدا. قوله: (لحم الحمر الأهلية)، بيان للضمير الذي في: عنه، وفي: حرمه، ويجوز فيه النصب على تقدير: أعني لحم الحمر الأهلية، والرفع على تقدير: هو لحم الحمر الأهلية، فالنصب على المفعولية، والرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف.
250

4228 حدثنا الحسن بن إسحاق حدثنا محمد بن سابق حدثنا زائدة عن عبيد الله ابن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال قسم رسول الله ت يوم خيبر للفرس سهمين وللراجل سهما قال فسره نافع فقال إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم وإن لم يكن له فرس فله سهم. (انظر الحديث 2863).
مطابقته للترجمة في قوله: (يوم خيبر) والحسن بن إسحاق بن زياد المروزي يلقب بحسنويه الشاعر الثقة، وهو من أفراده، ومحمد بن سابق الكوفي البزار أصله فارسي كان بالكوفة، مات سنة ثلاث عشرة ومائتين، وهو من شيوخ البخاري حدث عنه بالواسطة، وزائدة هو ابن قدامة أبو الصلت الكوفي، وعبيد الله بن عمر العمري.
قوله: (فسره نافع)، أي: قال عبيد الله ابن عمر الراوي عن نافع، وهو موصول بالإسناد المذكور.
4229 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن جبير بن مطعم أخبره قال مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا ونحن بمنزلة واحدة منك فقال إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد قال جبير ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس وبني نوفل شيئا (انظر الحديث 3140 وطرفه).
مطابقته للترجمة في قوله: (من خمس خيبر) والحديث قد مر في الخمس في: باب ومن الدليل على أن الخمس للإمام، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب... إلى آخره، وقد مر الكلام فيه هناك.
قوله: (بني المطلب)، وهو المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب. قوله: (منك)، لأنهم كلهم بنو أعمام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان عثمان عبشميا، وجبير بن مطعم كان نوفليا. قوله: (شيء واحد)، لأن أحدهما لم يفارق الآخر لا في الجاهلية ولا في الإسلام فكانا محصورين معا في خيف بني كنانة. وقوله: (شيء) بالشين المعجمة وبالهمزة في رواية الأكثرين، وفي رواي المستملي: سي، بكسر السين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف. وقال ابن الأثير: (شيء واحد) هكذا رواه يحيى بن معين أي: مثل سواء، يقال: هما سيان أي: مثلان، والرواية المشهورة: شيء واحد بالشين المعجمة. قوله: (قال جبير بن مطعم) وهو موصول بالإسناد المذكور. قوله: (لبني عبد شمس) هو: ابن عبد مناف بن قصي بن كلاب.
4230 حدثني محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة حدثنا بريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موساى رضي الله تعالى عنه قال بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم إما قال في بضع وإما قال في ثلاثة وخمسين أو إثنين وخمسين رجلا من قومي فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبي طالب فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر وكان أناس من الناس يقولون لنا يعني لأهل السفينة سبقناكم بالهجرة. ودخلت أسماء بنت عميس وهي ممن قدم معنا على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرة وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجرن فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها فقال عمر حين رأى أسماء من هاذه قالت أسماء بنت عميس قال عمر الحبشية هاذه البحرية هاذه قالت أسماء نعم قال سبقناكم
251

بالهجرة فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم فغضبت وقالت كلا والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم وكنا في دار أو في أرض البعداء البغضاء بالحبشة وذالك في الله وفي رسوله صلى الله عليه وسلم وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن كنا نؤذي ونخاف وسأذكر ذالك للنبي صلى الله عليه وسلم وأسأله والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه. فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت يا نبي الله أن عمر قال كذا وكذا قال فما قلت له قالت قلت له كذا وكذا قال ليس بأحق بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان قالت فلقد رأيت أبا موساى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالا يسألوني عن هاذا الحديأ ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو بردة قالت أسماء فلقد رأيت أبا موساى وإنه ليستعيد هاذا الحديث مني.
قال أبو بردة عن أبي موسى قال النبي صلى الله عليه وسلم إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار ومنهم حكيم إذا لقي الخيل أو قال العدو قال لهم إن أصحابي يأمرونكم أن تنتظروهم.
مطابقته للترجمة في قوله: (حين افتتح خيبر) ومحمد بن العلاء أبو كريب الهمداني وهو شيخ مسلم، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وبريد، بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف: ابن عبد الله بن أبي بردة واسمه عامر بن أبي موسى الأشعري، سمع جده أبا موسى عبد الله بن قيس الأشعري، والحديث مضى مقطعا في الخمس وفي هجرة الحبشة.
قوله: (مخرج النبي صلى الله عليه وسلم)، بفتح الميم: إما مصدر ميمي بمعنى: خروجه، أو اسم زمان بمعنى: وقت خروجه، والواو في (ونحن باليمن) للحال. قوله: (أبو بردة) بضم الباء الموحدة وسكون الراء، واسمه عامر بن قيس (وأبو رهم) بضم الراء وسكون الهاء: ابن قيس الأشعري، وقال أبو عمر: وكان لأبي موسى ثلاثة أخوة وأبو بردة عامر وأبو رهم ومجدي بنو قيس بن سليم، وقيل: اسم أبي رهم مجدي، ومجدي، بفتح الميم وسكون الجيم وكسر الدال المهملة وتشديد الياء آخر الحروف، وجزم ابن حبان في (الصحابة) بأن اسمه محمد، وذكر ابن قانع أن اسمه): مجيلة، بكسر الجيم وسكون الياء آخر الحروف وباللام ثم الهاء. قوله: (أما قال في بضع) بكسر الباء الموحدة وسكون الضاد المعجمة، وقال ابن الأثير: وقد تفتح الباء، وهو ما بين الثلاث إلى التسع، وقيل: ما بين الواحد إلى العشرة لأنه قطعة من العدد. فإن قلت: في: بضع، يتعلق بماذا؟ وما محله من الإعراب؟ قلت: يتعلق بقوله: فخرجنا، ومحله النصب على الحال. قوله: (من قومي)، وفي رواية المستملي: (من قومه). قوله: (سفينتنا)، بالرفع لأنه فاعل ألقتنا. قوله: (إلى النجاشي) بفتح النون وتشديد الياء وتخفيفها، وهو اسم من ملك الحبشة. قوله: (فوافقنا جعفر بن أبي طالب)، يعني: صادفناه بأرض الحبشة. قوله: (حتى قدمنا جميعا) ذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي أن يجهز إليه جعفر بن أبي طالب، ومن معه، فجهزهم وأكرمهم وقدم بهم عمرو بن أمية وهو بخيبر، وسمى ابن إسحاق من قدم مع جعفر، وهم ستة عشر رجلا، فيهم امرأته أسماء بنت عميس، وخالد بن سعيد بن العاص وامرأته وأخوه عمرو بن سعيد، ومعيقيب بن أبي فاطمة. قوله: (أسماء بنت عميس) مصغر: العمس بالمهملتين ابن سعد بن الحارث بن تيم بن كعب الخثعمية، وأمها هند بنت عوف وهي أخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأخت لبابة أم الفضل زوجة العباس، وزوج أسماء جعفر بن أبي طالب ولما قتل جعفر تزوجها أبو بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، وولدت له محمد بن أبي بكر ثم مات عنها فتزوجها علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، فولدت له يحيى ابن علي بن أبي طالب. قوله: (وكان أناس)، سمى منهم: عمر، رضي الله تعالى عنه. قوله: (وهي ممن قدم معنا) هو كلام أبي موسى. قوله:
252

(على حفصة)، زاد أبو يعلى: زوج النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (زائرة)، نصب على الحال. قوله: (ألحبشية هذه؟) بهمزة الاستفهام، نسبها إلى الحبشة لسكناها فيهم. قوله: (البحرية؟)، بهمزة الاستفهام أيضا، وفي رواية أبي ذر: (البحيرية)، بالتصغير: نسبها إلى البحر لركوبها البحر. قوله: (في دار) بلا تنوين لأنه مضاف إلى (البعداء). قوله: (أو في أرض) شك من الراوي، و: البعداء، بضم الباء وفتح العين: جمع بعيد، أي: البعداء عن الدين. قوله: (البغضاء) بضم الباء الموحدة وبالمعجمتين المفتوحتين جمع بغيض، يعني البغضاء للدين، وفي رواية أبي يعلى: البعداء أو البغضاء، بالشك، وفي رواية النسفي: البعد، بضمتين، وفي رواية القابسي: البعد البعداء البغضاء، جمع بينهما، والظاهر أنه فسر الأولى بالثانية، وفي رواية ابن سعد: وكنا البعداء والطرداء. قوله: (وذلك في الله ورسوله) أي: لأجل الله وطلب رضاه، ولأجل رسوله. قوله: (وأيم الله) همزته همزة وصل، وقيل: همزة قطع، بفتح الهمزة، وقيل: بكسرها. يقال: أيم الله، وأيمن الله ومن الله، وقيل: أيمن جمع يمين، ولما كثر في كلامهم حذفوا النون كما قالوا في: لم يكن لم يك. قوله: (نؤذي ونخاف) كلاهما على صيغة المجهول.
قوله: (أهل السفينة) بنصب أهل على الاختصاص، أو على حذف حرف النداء. قوله: (هجرتان) إحداهما إلى النجاشي، والأخرى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قوله: (يأتوني) وفي رواية الكشميهني: يأتون. قوله: (إرسالا) بفتح الهمزة. أي: أفواجا يتبع بعضهم بعضا، والواحد: رسل، بفتحتين.
قوله: (قال أبو بردة عن أبي موسى) هو الراوي عنه لا أخو أبي موسى، لأنه له أخا يسمى أبا بردة أيضا، وقد ذكرناه. قوله: (رفقة الأشعريين) الرفقة، بضم الراء وكسرها: الجماعة ترافقهم في سفرك، والأشعريين، نسبة إلى أشعر أبو قبيلة من اليمن، وتقول العرب: جاءك الأشعرون، بحذف ياء النسبة. قوله: (حين يدخلون بالليل)، قال الدمياطي: صوابه يرحلون، بالحاء المهملة، وكذا حكاه عياض عن بعض رواة مسلم أنه اختاره، وقال النووي: الأول أصح والمراد: يدخلون منازلهم إذا خرجوا إلى المساجد. قوله: (منهم حكيم) قال عياض: قال أبو علي الصدفي: هو صفة لرجل منهم، وقال أبو علي الجياني: هو اسم علم على رجل من الأشعريين. قوله: (أو قال العدو) شك من الراوي. قوله: (أن تنتظروهم)، كذا هو في الأصول من: الانتظار، وذكره ابن التين بلفظ: تنظروهم، مثل: * (انظرونا نقتبس من نوركم) * (الحديد: 13). ومعنى كلامه: أن أصحابه يحبون القتال في سبيل الله ولا يبالون ما يصيبهم من ذلك، ويقال: معناه أن هذا الحكيم لفرد شجاعته كان لا يفر من العدو بل يواجههم، ويقول لهم: إذا أرادوا الانصراف مثلا انتظروا الفرسان حتى يأتوكم ليبعثهم على القتال، هذا بالنظر إلى قوله: (أو قال: العدو) بالنصب، أي: أو قال الحكيم: إذا لقي العدو، وأما بالنظر إلى قوله: (إذا لقي الخيل)، فيحتمل أن يريد خيل المسلمين، ويشير بذلك إلى أن أصحابه كانوا رجالة، فكان هو يأمر الفرسان أن ينتظروهم ليسيروا إلى العدو جميعا.
4233 حدثني إسحاق بن إبراهيم سمع حفص بن غياث حدثنا بريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موساى قال قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن افتتح خيبر فقسم لنا ولم يقسم لأحد لم يشهد الفتح غيرنا.
مطابقته للترجمة في قوله: (بعد أن افتتح خيبر). وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه، وبريد، بضم الباء: هو عبد الله بن أبي بردة الأشعري.
والحديث أخرجه أبو داود في الجهاد عن محمد بن العلاء. وأخرجه الترمذي في السير عن أبي سعيد الأشج عن حفص بن غياث.
قوله: (سمع حفص بن غياث) أي: أنه سمع حفص بن غياث. قوله: (قدمنا) يعني: هو وأصحابه مع جعفر ومن معه. قوله: (غيرنا) يعني: الأشعريين ومن معهم وجعفر ومن معه، واحتج أصحابنا بهذا الحديث على أن الذين يلحقون الغنيمة قبل إحرازها بدار الإسلام يشاركونهم فيها، خلافا للشافعية، فإنهم احتجوا بقوله، صلى الله عليه وسلم: الغنيمة لمن شهد الوقعة. قلت: هذا موقوف على عمر، رضي الله تعالى عنه، ورفعه غريب! فإن قلت: قال بعض الشافعية: حديث أبي موسى محمول على أنهم شهدوا قبل حوز الغنائم. قلت: يحتاج ذلك إلى بيان، وقال
253

ابن حبان في (صحيحه): إنما أعطاهم من خمس خمسه ليستميل به قلوبهم ولم يعطهم من الغنيمة، لأنهم لم يشهدوا فتح خيبر. قلت: الجواب ما ذكرناه.
4234 حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا معاوية بن عمر و حدثنا أبو إسحالق عن مالك بن أنس قال حدثني ثور قال حدثني سالم مولى ابن مطيع أنه سمع أبا هريرة رضي الله تعالى عنه يقول افتتحنا خيبر ولم نغنم ذهبا ولا فضة إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط ثم انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى ومعه عبد له يقال له مدعم أهداه له أحد بني الضباب فبينما هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم عائر حتى أصاب ذلك العبد فقال الناس هنيئا له الشهادة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل والذي نفسي بيده إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم بشراك أو بشراكين فقال هاذا شيء كنت أصبته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم شراك أو شراكان من نار. (الحديث 4234 طرفه في: 6707).
مطابقته للترجمة ظاهرة، وعبد الله بن محمد الجعفي المعروف بالمسندي ومعاوية بن عمرو بن المهلب الأزدي البغدادي وأصله كوفي، وهو من مشايخ البخاري، روى عنه بالواسطة وروى عنه في الجمعة بلا واسطة، وأبو إسحاق هو إبراهيم بن محمد الفزاري، وثور بلفظ الحيوان المشور ابن زيد أبو خالد الكلاعي السامي، حمصي ما ببيت المقدس سنة خمس وخمسين ومائة، وهو من أفراد البخاري، وسالم أبو الغيث مولى عبد الله بن مطيع بن الأسود القرشي العدوي المدني، روى عن أبي هريرة حديثا واحدا.
والحديث أخرجه البخاري في الأيمان والنذور عن إسماعيل بن عبد الله عن مالك، وههنا بينه وبين مالك ثلاثة أنفس، ونزل في هذا الحديث درجتين، لأن البخاري له حرص شديد على الإتيان بالطرق المصرحة بالتحديث. وأخرجه مسلم أيضا عن القعنبي وغيره. وأخرجه أبو داود عن القعنبي به، وأخرجه النسائي في السير عن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين.
قوله: (افتتحنا خيبر) وفي رواية عبيد الله بن يحيى عن يحيى عن أبيه في (الموطأ): حنين، بدل: خيبر، وخالفه محمد ابن وضاع عن يحيى بن يحيى فقال: خيبر، مثل الجماعة وحكى الدارقطني عن موسى بن هارون أنه قال: وهم ثور في هذا الحديث، لأن أبا هريرة لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، وإنما قدم بعد خروجهم وقدم عليهم خيبر بعد أن فتحت. قال أبو مسعود: ويؤيده حديث عنبسة بن سعيد عن أبي هريرة، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر بعدما افتتحوها، ولما روى محمد بن إسحاق هذا الحديث لم يذكر هذه اللفظة، لأنه استشعر توهم ثور بن زيد. وأخرجه ابن حبان والحاكم وابن منده من طريقه بلفظ: انصرفنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى، وقال بعضهم: إذا حمل: افتتحنا، على: افتتح المسلمون، لا يلزم شيء من ذلك. قلت: هذا بعيد بهذا الوجه. قوله: (ولم نغنم ذهبا) إلى قوله: (والحوائط) وهو جمع حائط وهو البستان من النخل، وفي رواية مسلم: غنمنا المتاع والطعام والثياب، وفي رواية (الموطأ):
إلا الأموال والمتاع والثياب. قوله: (إلى وادي القرى) جمع قرية، موضع بقرب المدينة وهو من أعمالها. قوله: (ومعه عبد الله) وفي رواية (الموطأ): عبد أسود، قوله: (مدعم)، بكسر الميم وسكون الدال وفتح العين المهملتين. قوله: (أهداه له) أي: أهدى العبد للنبي صلى الله عليه وسلم أحد بني الضباب، كذا في رواية أبي إسحاق، بكسر الضاد المعجمة وتخفيف الباء الموحدة الأولى بلفظ جمع: الضب، وفي رواية مسلم: أهداه له رفاعة بن زيد أحد بني الضبيب، بضم الضاد بصيغة التصغير، وفي رواية ابن إسحاق: رفاعة بن زيد الجذامي ثم الضبيني، بضم الضاد المعجمة وفتح الباء الموحدة بعدها نون، وقيل: بفتح المعجمة وكسر الموحدة: بطن من جذام، وضبطه الكرماني بضم المعجمة وفتح الموحدة الأولى
254

وسكون التحتانية بينهما. وقال الرشاطي: الضبيبي في جذام، وضبطه بضم الضاد المعجمة وفتح الباء الموحدة الأولى وكسر الثانية بينهما ياء آخر الحروف ساكنة، ثم قال ابن حبيب: في جذام الضبيب، ولم يرد شيئا، وذكر أبو عمر: رفاعة بن زيد بن وهب الجذامي ثم الضبيبي من بني الضبيب، قال: هكذا يقول بعض أهل الحديث، وأما أهل النسب فيقولون: الضبيني، يعني بالنون في آخره، يعني: من بني الضبين من جذام، قال: ولم أر هذا القول لأحد. وقال أبو يعلى العالي
: صوابه الضبيبي، يعني بفتح الضاد والباء الموحدة وبالنون من بني ضبينة من جذام. قلت: النسبة إلى لفظ فعيلة: فعلى، مثل الحنفي نسبة إلى أبي حنيفة، وكذلك الضبيني، فافهم فإنه موضع التباس، وقال الواقدي: قدم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم رفاعة بن زيد بن وهب الجذامي ثم الضبيني في هدنة الحديبية، قبل خيبر في جماعة من قومه فأسلموا وعقد له رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على قومه وهو الذي أهدى له عبدا. قوله: (إذ جاءه سهم عائر)، كلمة: إذ، للمفاجأة جواب قوله: (فبينما)، والعائر بالعين المهملة والهمزة بعد الألف أي: حائد عن قصده، وقيل: هو سهم لا يدري أين أتى. قوله: (بل والذي نفسي بيده)، وفي رواية الكشميهني: بلى، وهو تصحيف، وفي رواية مسلم: كلا والذي نفسي بيده، وهو رواية (الموطأ) قوله: (إن الشملة) هي كساء يشتمل به الرجل ويجمع على الشمال. قوله: (لتشتعل) خبر: إن، واللام المفتوحة فيه للتأكيد، ويحتمل أن يكون اشتعال النار حقيقة بأن تصير الشملة بعينها نارا فيعذب بها، ويحتمل أن يكون المراد أنها سبب لعذاب النار، وكذا القول في: الشراك الذي يأتي. قوله: (بشراك) بكسر الشين المعجمة وتخفيف الراء، وهو سير النعل على ظهر القدم. قوله: (أو بشراكين) شك من الراوي.
4235 حدثنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا محمد بن جعفر قال أخبرني زيد عن أبيه أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول أما والذي نفسي بيده لولا أن أترك آخر الناس ببانا ليس لهم شيء ما فتحت علي قرية إلا قسمتها كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر ولاكني أتركها خزانة لهم يقتسمونها.
مطابقته للترجمة في قوله: (كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم، خيبر). ومحمد بن جعفر ابن أبي كثير وزيد هو ابن أسلم مولى عمر، رضي الله تعالى عنه.
قوله: (ببانا) بفتح الباء الموحدة الأولى وتشديد الثانية وبالنون، معناه: شيئا واحدا، وقال الخطابي: ولا أحسب هذه اللفظة عربية ولم أسمعها في غير هذا الحديث، وقال الأزهري: بل هي لغة صحيحة لكنها غير فاشية، وقال صاحب (العين): يقال: هم على ببان واحد، أي: على طريقة واحدة، وقال ابن فارس: هم على ببان واحد أي: شيء واحد، وقال الجوهري: هو فعلان، وقال أبو سعيد الضرير: ليس في كلام العرب: ببان، وإنما هو: ببان، بفتح الباء الموحدة وتشديد الباء آخر الحروف. قال ابن الأثير: ببائين موحدتين وهو الصحيح، وقال الطبري: المعنى: لولا أن أتركهم فقراء معدمين لا شيء لهم، أي: متساويين في الفقر، ويقال: معناه لولا أترك الذين هم من بعدنا فقراء مستويين في الفقر لقسمت أراضي القرى المفتوحة بين الغانمين، لكني ما قسمتها بل جعلتها وقفا مؤبدا تركتها كالخزانة لهم يقتسمونها كل وقت إلى يوم القيامة. وغرضه أني لا أقسمها على الغانمين كما قسم رسول الله، صلى الله عليه وسلم نظرا إلى المصلحة العامة للمسلمين، وذلك كان بعد استرضائه لهم، كما فعل عمر بن الخطاب بأرض العراق وقال ابن الأثير: معناه: لأسوين بينم في العطاء حتى يكونوا واحدا لا فضل لأحد على غيره. قوله: (خزانة يقتسمونها) أي: يقتسمون خراجها.
253 - (حدثني محمد بن المثنى حدثنا ابن مهدي عن مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر رضي الله عنه قال لولا آخر المسلمين ما فتحت عليهم قرية إلا قسمتها كما قسم النبي
خيبر)
هذا طريق آخر في حديث عمر عن محمد بن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك إلى آخره وقد مضى هذا في
255

الجهاد في أبواب الخمس في باب الغنيمة لمن شهد الوقعة وقد مر الكلام فيه هناك قالوا وقد غنم رسول الله
غنائم وأراضي ولم ينقل عنه أنه قسم فيها إلا خيبر وذكر أنه إجماع السلف فإن رأى الإمام في وقت من الأوقات قسمتها رأيا لم يمتنع ذلك فيما يفتحه
254 - (حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال سمعت الزهري وسأله إسماعيل بن أمية قال أخبرني عنبسة بن سعيد أن أبا هريرة رضي الله عنه أتى النبي
فسأله قال له بعض بني سعيد بن العاص لا تعطه يا رسول الله فقال أبو هريرة هذا قاتل ابن قوقل فقال واعجبا لوبر تدلى من قدوم الضان)
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أن أبا هريرة أتى النبي
لأن إتيانه كان بخيبر بعد فتحها لأن هذا الحديث قد مضى في الجهاد في باب الكافر يقتل المسلم وفيه عن أبي هريرة قال أتيت النبي
وهو بخيبر بعدما افتتحوها فقلت يا رسول الله اسهم لي الحديث وسفيان هو ابن عيينة وإسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي وعنبسة بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة والسين المهملة ابن سعيد بن العاص وهو والد إسماعيل بن أمية قوله أن أبا هريرة أتى النبي
هذا مرسل وقد تقدم من وجه آخر متصلا في أوائل الجهاد قوله ' فسأله أي فسأل النبي
أن يعطيه من غنائم خيبر قوله ' قال له ' أي للنبي
بعض بني سعيد وهو أبان بن سعيد قوله ابن قوقل هو النعمان بن قوقل بفتح القافين وسكون الواو وباللام ويقال النعمان بن ثعلبة وثعلبة يدعى قوقل الأنصاري شهد بدرا وقتل يوم أحد شهيدا قتله أبان بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي وقال الزبير تأخر إسلامه بعد إسلام أخويه خالد وعمرو ثم أسلم أبان وحسن إسلامه وهو الذي أجار عثمان بن عفان حين بعثه رسول الله
إلى قريش عام الحديبية وحمله على فرس حتى دخل مكة واستعمله رسول الله
على البحرين برها وبحرها إذ عزل العلاء الحضرمي عنها فلم يزل عليها إلى أن مات رسول الله
وقتل أبان يوم أجنادين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة في خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه قوله واعجبا هو اسم فعل بمعنى أعجب وأصله واعجبي فأبدلت الكسرة فتحة كما في قوله واأسفا وكلمة وا تستعمل على وجهين (أحدهما) أن تكون حرف نداء مختصا بباب الندبة نحو وازيداه والثاني أن تكون اسما لأعجب وقد يقال واها قوله لوبر بفتح الواو وسكون الباء الموحدة وفي آخره راء هو دويبة تشبه النور وقيل أصغر من السنور لا ذنب لها لا يدجن في البيوت قال الخطابي وأحسب أنها تؤكل لوجوب الفدية فيها عن بعض السلف وكأنه حقر أبا هريرة ونسبه إلى قلة القدرة على القتال قوله تدلى أي نزل قوله من قدوم الضان بفتح القاف وتخفيف الدال المهملة والضان بالنون غير مهموز اسم جبل لدوس وقيل الضأن الغنم والقدوم بفتح القاف الطرف كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية الأصيلي بضم القاف وقد مر تحقيقه في الجهاد في باب يقتل المسلم
(ويذكر عن الزبيدي عن الزهري قال أخبرني عنبسة بن سعيد أنه سمع أبا هريرة يخبر سعيد بن العاصي قال بعث رسول الله
أبان على سرية من المدينة قبل نجد قال أبو هريرة فقدم أبان وأصحابه على النبي
بخيبر بعد ما افتتحها وإن حزم خيلهم لليف قال أبو هريرة قلت يا رسول الله لا تقسم لهم قال أبان وأنت بهذا يا وبر تحدر من رأس ضال فقال النبي
يا أبان اجلس فلم يقسم لهم) -
4237 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال سمعت الزهري وسأله إسماعيل بن أمية قال أخبرني عنبسة بن سعيد أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله قال له بعض بني سعيد بن العاص لا تعطه يا رسول الله فقال أبو هريرة هاذا قاتل ابن قوقل فقال واعجبا لوبر تدلى من قدوم الضان.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (إن أبا هريرة أتى النبي صلى الله عليه وسلم) لأن إتيانه كان بخيبر بعد فتحها، لأن هذا الحديث قد مضى في الجهاد في: باب الكافر يقتل المسلم، وفيه: عن أبي هريرة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بعد ما افتتحوها، فقلت: يا رسول الله! أسهم لي... الحديث.
وسفيان هو ابن عيينة، وإسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي، وعنبسة، بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة والسين المهملة: ابن سعيد بن العاص وهو والد إسماعيل ابن أمية.
قوله: (أن أبا هريرة أتى النبي صلى الله عليه وسلم) هذا مرسل، وقد تقدم من وجه آخر متصلا في أوائل الجهاد. قوله: (فسأله) أي: فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه من غنائم خيبر. قوله: (قال له) أي: للنبي صلى الله عليه وسلم (بعض بني سعيد) وهو أبان بن سعيد. قوله: (ابن قوقل) هو النعمان بن قوقل، بفتح القافين وسكون الواو وباللام، ويقال: النعمان بن ثعلبة، وثعلبة يدعى قوقل الأنصاري شهد بدرا وقتل يوم أحد شهيدا، قتله أبان بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، وقال الزبير: تأخر إسلامه بعد إسلام أخويه خالد وعمرو ثم أسلم أبان وحسن إسلامه، وهو الذي أجار عثمان بن عفان حين بعثه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى قريش عام الحديبية وحمله على فرس حتى دخل مكة، واستعمله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على البحرين برها وبحرها إذ عزل العلاء الحضرمي عنها، فلم يزل عليها إلى أن مات رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقتل أبان يوم أجنادين في جمادي الأولى سنة ثلاث عشرة في خلافة أبي بكر، رضي الله تعالى عنه. قوله: (واعجبا) هو اسم فعل بمعنى: أعجب، وأصله: واعجبي، فأبدلت الكسرة فتحة، كما في قوله: وا أسفاه. وكلمة: وا تستعمل على وجهين: أحدهما: أن تكون حرف نداء مختصا بباب الندبة نحو: وا زيداه. والثاني: أن تكون إسما لأعجب، وقد يقال: واها. قوله: (لوبر) بفتح الواو وسكون الباء الموحدة وفي آخره راء. هو دويبة تشبه السنور، وقيل: أصغر من السنور لا ذنب لها لا يدجن في البيوت، قال الخطابي: وأحسب أنها تؤكل لوجوب الفدية فيها عن بعض السلف، وكأنه حقر أبا هريرة ونسبه إلى قلة القدرة على القتال. قوله: (تدلى) أي: نزل. قوله: (من قدوم الضأن) بفتح القاف وتخفيف الدال المهملة، والضان بالنون، غير مهموز: اسم جبل لدوس، وقيل: الضأن الغنم، و: القدوم، بفتح القاف: الطرف كذا هو في رواية الأكثرين، وفي رواية الأصيلي بضم القاف، وقد مر تحقيقه في الجهاد في: باب يقتل المسلم.
4238 ويذكر عن الزبيدي عن الزهري قال أخبرني عنبسة بن سعيد أنه سمع أبا هريرة يخبر سعيد بن العاص قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبان على سرية من المدينة قبل نجد قال أبو هريرة فقدم أبان وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد ما افتتحها وإن حزم خيلهم لليف قال أبو هريرة قلت يا رسول الله لا تقسم لهم قال أبان وأنت بهاذا يا وبر تحدر من رأس ضال فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبان اجلس فلم يقسم لهم.
256

هذا وجه آخر في الحديث المذكور. ذكر بصيغة التمريض عن محمد بن الوليد الزبيدي، بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف، عن محمد بن مسلم
الزهري إلى آخره، ووصل هذا أبو داود من طريق إسماعيل بن عباس عنه.
قوله: (أبان) هو أبان بن سعيد المذكور الآن. قوله: (قبل نجد)، بكسر القاف أي: ناحية نجد. قوله: (بخيبر) في محل النصب على الحال، أي: حال كون النبي صلى الله عليه وسلم، في خيبر. قوله: (وإن حزم) بضم الحاء المهملة والزاي: جمع حزام. قوله: (الليف) مرفوع لأنه خبر: إن، واللام فيه للتأكيد. قوله: وفي رواية الكشميهني: الليف بدون لام التأكيد. قوله: (قلت: يا رسول الله) القائل أبو هريرة يقول: لا تسهم لأبان وأصحابه، من الإسهام يعني: لا تعطهم سهما من الغنيمة. فإن قلت: في الحديث الماضي القائل بقوله: لا تسهم، هو أبان بن سعيد، وهنا القائل بذلك أبو هريرة، فما التوفيق بينهما؟ قلت: لا منافاة بينهما ولا امتناع، لأن أبا هريرة أحتج على أبان بأنه قاتل ابن قول، وأبان احتج على أبي هريرة بأنه ليس ممن له في الحرب شيء يستحق به النفل. قوله: (قال أبان: وأنت بهذا؟) يخاطب به أبا هريرة، أي: أنت ملتبس بهذا القول؟ وقائل بهذا. قوله: (يا وبر)، فيه تعريض لتحقيره، وأشار إلى كنيته وأنه ليس في قدر من يشير بعطاء ولا منع. قوله: (تحدر) فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة، لأن تحدر فعل ماض، أي: نزل، وفي الرواية السابقة: تدلى، وهو بمعناه وفي الرواية التي تأتي الآن: تدأدأ، بدالين مهملتين بينهما همزة ساكنة، وقيل: أصله تدهده، فأبدلت الهاء همزة. قال ابن الأثير: معناه: أقبل علينا مسرعا، وهو من داد البعير وتدأدأ: إذا اشتد عدوه، ومعنى: تدهده تدحرج وسقط علينا، وفي رواية المستملي: تدارأ، براء بدل الدال الثانية بمعنى: سقط وهجم علينا، وفي رواية أبي زيد المروزي: تردى، من التردي وهو السقوط من مكان عال. قوله: (من رأس ضال) باللام في هذه الرواية، وفي الرواية السابقة: ضان، بالنون، والضال، بتخفيف اللام: السدر البري.
4239 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عمرو بن يحيء بن سعيد قال أخبرني جدي أن أبان بن سعيد أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فقال أبو هريرة يا رسول الله هذا قاتل ابن قوقل وقال أبان لأبي هريرة واعجبا لك وبر تدأدأ من قدوم ضأن ينعي علي امرءا أكرمه الله بيدي ومنعه أن يهينني بيده.
هذا وجه آخر للحديث السابق أخرجه عن موسى بن إسماعيل أبي سلمة المنقري التبوذكي عن عمرو بن يحيى بن سعيد عن جده سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص.
قوله: (هذا) أشار به أبو هريرة إلى أبان بن سعيد، وقال: هذا قاتل نعمان بن قوقل، وقد ذكرنا أنه قتله يوم أحد. قوله: (واعجبا) قد مر تفسيره عن قريب وزاد هنا لفظ: لك. قوله: (وبر) مبتدأ وتخصص بالصفة، وهي قوله: (تدأدأ) وقوله: (ينعى) بفتح الياء وسكون النون وفتح العين المهملة: أي: يعيب علي، يقال: نعى فلان على فلان أمرا إذا عابه به، وفي رواية أبي داود عن حامد بن يحيى عن سفيان يعيرني. قوله: (أمرا) أراد به النعمان بن قوقل. قوله: (أكرمه الله) حيث صار شهيدا على يدي. قوله: (ومنعه) أي: ومنع هذا المرء، وهو النعمان. قوله: (أن يهينني) أي: بالإهانة بيده، فإن النعمان لو قتل أبان بن سعيد كان له خزي وإهانة في الدارين لأنه يوم أحد لم يكن مسلما، ويروى: فلم يهني، بضم الياء وكسر الهاء وتشديد النون، وأصله يهينني، فأدغمت إحدى النونين في الأخرى.
4241 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن فاطمة عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر. فقال أبو بكر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وسلم
257

في هذا المال وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذالك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الأشهر فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك كراهية لمحضر عمر فقال عمر لا والله لا تدخل عليهم وحدك فقال أبو بكر وما عسيتهم أن يفعلوا بي والله لآتينهم فدخل عليهم أبو بكر فتشهد علي فقال إنا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك ولاكنك استبددت علينا بالأمر وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبا حتى فاضت عينا أبي بكر فلما تكلم أبو بكر قال والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي وأما الذي شجر بيني من هاذه الأموال فلم آل فيها عن الخمر ولم أترك أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيها إلا صنعته فقال علي لأبي بكر موعدك العشية للبيعة فلما صلى أبو بكر الظهر رقي على المنبر فتشهد وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة وعذره بالذي اعتذر إليه ثم استغفر وتشهد علي فعظم حق أبي بكر وحدث أنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر ولا إنكارا للذي فضله الله به ولكنا كنا نرى لنا في هاذا الأمر نصيبا فاستبد علينا فوجدنا أنفسنا فسر بذلك المسلمون وقالوا أصبت وكان المسلمون إلى علي قريبا حين راجع الأمر بالمعروف..
مطابقته للترجمة لا يبعد أن تؤخذ من قوله: (من خمس خيبر). ورجاله قد ذكروا غير مرة، وعقيل بضم العين ابن خالد الأيلي، والحديث مضى في: باب فرض الخمس، ولكن بينهما تفاوت في المتن بزيادة ونقصان.
قوله: (مما أفاء الله عليه) أي: مما أعطاه الله من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد، وأصله من الفيء وهو الرجوع، يقال: فاء يفيء فيئة وفيوء، كأنه كان في الأصل لهم فرجع إليهم، وأفاء، ثلاثي مزيد فيه. قوله: (بالمدينة)، وذلك من نحو أرض بني النضير حين أجلاهم، ومما صالح أهل فدك على نصف أرضها وكان النصف له، وما كان له أيضا من أرض خيبر لكنه ما استأثر بها، بل كان ينفقها على أهله والمسلمين فصارت بعده صدقة حرم التملك فيها. قوله: (فأبى أبو بكر)، أي: امتنع. قوله: (فوجدت)، أي: غضبت، من الموجدة. وهو الغضب، وكان ذلك أمرا حصل على مقتضى البشرية ثم سكن بعد ذلك. والحديث كان مؤولا
عندها بما فضل عن ضرورات معاش الورثة. قوله: (فهجرته)، أي: هجرت فاطمة أبا بكر، رضي الله تعالى عنهما، ومعنى هجرانها انقباضها عن لقائه وعدم الانبساط لا الهجران المحرم من ترك السلام. ونحوه. قوله: (وعاشت)، أي: فاطمة (بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ستة أشهر)، هذا هو الصحيح، وقيل: عاشت بعده سبعين يوما، وقيل: ثلاثة ؤشهر، وقيل: شهرين، وقيل: ثماني أشهر، وقال البيهقي. قوله: (وعاشت...) إلى آخره، مدرج، وذلك أنه وقع عند مسلم من طريق أخرى عن الزهري،
258

فذكر الحديث وقال في آخره: قلت للزهري: كم عاشت فاطمة بعده؟ قال: ستة أشهر. قوله: (ليلا) أي: في الليل، وذلك بوصية منها لإرادة الزيادة في التستر. فإن قلت: روى مسلم وأبو داود والنسائي من حديث جابر في النهي عن الدفن ليلا. قلت: هذا محمول على حال الاختيار لأن في بعضه: إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك. قوله: (ولم يؤذن بها أبا بكر) أي: ولم يعلم بوفاتها أبا بكر. قوله: (وصلى عليها) أي: صلى علي، رضي الله تعالى عنه، على فاطمة، وروى ابن سعد من طريق عمرة بنت عبد الرحمن: أن العباس صلى عليها. قوله: (حياة فاطمة)، لأنهم كانوا يعذرونه عن ترك المبايعة لاشتغاله بها وتسلية خاطرها من قرب عهد مفارقة رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قوله: (تلك الأشهر)، وهي الأشهر الستة، وقال المارزي: العذر لعلي، رضي الله تعالى عنه، في تخلفه مع ما اعتذر هو به أنه يكفي في بيعة الإمام أن يقع من آحاد أهل الحل والعقد، ولا يجب الاستيعاب، ولا يلزم كل أحد أن يحضر عندده ويضع يده في يده، بل يكفي التزام طاعته والانقياد له بأن لا يخالفه ولا يشق العصا عليه، وهذا كان حال علي، رضي الله تعالى عنه، ولم يقع منه إلا التأخر عن الحضور عند أبي بكر، رضي الله تعالى عنه. قوله: (كراهية لمحضر عمر) أي: لأجل الكراهة لحضور عمر، رضي الله تعالى عنه، و: المحضر، مصدر ميمي بمعنى الحضور، ويروى: كراهية ليحضر عمر، أي: لأن يحضر، وذلك لأن حضوره كان يوجب كثرة المعاتبة والمعادلة، فقصدوا التخفيف لئلا يفضي إلى خلاف ما قصدوه من المصافاة. قوله: (فقال عمر: لا والله لا تدخل عليهم وحدك) لأنه توهم أنهم لا يعظمونه حق التعظيم، وأما توهمه ما لا يليق بهم فحاشاه وحاشاهم من ذلك. قوله: (وما عسيتهم أن يفعلوا؟) بكسر السين وفتحها أي: ما رجوتهم أن يفعلوا، وكلمة: ما، استفهامية، وعسى استعمل استعمال الرجاء، فلهذا اتصل به ضمير المفعول، والغرض أنهم لا يفعلون شيئا لا يليق بهم. وقال ابن مالك: استعمل عسى استعمال حسب وكان حقه أن يكون عاريا من أن ولكن جيء به لئلا تخرج عسى بالكلية عن مقتضاها، ولأن: أن، قد تسد بصلتها مسد مفعوليه فلا يستبعد مجيئها بعد المفعول الأول سادة مسد ثاني المفعولين. وقال الكرماني: وفي بعض الروايات: وما عساهم أن يفعلوا بي؟ قوله: (ولم ننفس) بفتح النون الأولى وسكون الثانية وفتح الفاء، أي: لم نحسدك على الخلافة، يقال: نفست، بكسر الفاء أنفس بفتحها نفاسة. قوله: (استبددت) من الاستبداد وهو الاستقلال بالشيء، ويروى: استبدت، بدال واحدة وهو بمعناه وهذا مثل قوله: فظلتم تفكهون، أي: فظللتم. قوله: (بالأمر) أي: بأمر الخلافة (وكنا نرى) بضم النون وفتحها. قوله: (لقرابتنا من رسول الله، صلى الله عليه وسلم)، أي: لأجل قرابتنا من رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قوله: (شجر) أي: وقع من الاختلاف والتنازع. قوله: (فلم آل) بمد الهمزة وضم اللام، أي: فلم أقصر. قوله: (العشية) يجوز فيه النصب على الظرفية، والرفع على أنه خبر المبتدأ، وهو قوله: (موعدك). والعشية: بعد الزوال. قوله: (رقي) بكسر القاف أي: علا. قوله: (وعذره) أي: قبل عذره، وهو فعل ماض، هذا رواية أبي ذر، وفي رواية غيره: وعذره، بضم العين وسكون الذال وبالنصب عطفا على قوله: (وتخلفه) أي: وذكر عذره أيضا. قوله: (في هذا الأمر) أي: الخلافة. قوله: (الأمر بالمعروف) أي: موافقة سائر الصحابة بالمبايعة للخلافة.
4242 حدثني محمد بن بشار حدثنا حرمي حدثنا شعبة قال أخبرني عمارة عن عكرمة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت لما فتحت خيبر قلنا الآن نشبع من التمر.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وحرمي، بفتح الحاء المهملة والراء وكسر الميم وتشديد الياء آخر الحروف، وهو اسم بلفظ النسب: ابن عمارة، بضم العين المهملة وتخفيف الميم وبالراء: ابن أبي حفص العتكي، بفتح العين المهملة والتاء المثناة من فوق، وشعبة واسطة في الإسناد بين الولد وهو: حرمي، والوالد: عمارة، وعكرمة مولى ابن عباس، وليس له عن عائشة في البخاري إلا ثلاثة أحاديث: هذا والثاني: سبق في الطهارة والثالث: سيأتي في اللباس. والحديث من أفراده.
قوله: (قلنا: الآن نشبع من التمر...) فيه شيئان الأول: فيه دلالة على كثرة التمر والنخيل في خيبر، والثاني: فيه دلالة على أنهم كانوا في قلة عيش قبل فتح خيبر.
4243 حدثنا الحسن حدثنا قرة بن حبيب حدثنا عبد الرحمان بن عبد الله بن دينار
259

عن أبيه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال ما شبعنا حتى فتحنا خيبر.
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحسن هو ابن محمد بن الصباح الزعفراني، ووقع منسوبا في رواية أبي علي بن السكن عن الفربري، وقال الكلاباذي: يقال إنه الزعفراني، وقال الحاكم: هو الحسن بن شجاع البلخي أحد الحفاظ، وهو من أقران البخاري، ومات قبله باثنتي عشرة سنة وهو شاب، ووقع في تفسير سورة النور حديث آخر عن الحسن غير منسوب، فقيل أيضا: إنه هو، وقرة، بضم القاف وتشديد الراء: ابن حبيب ضد العدو القشيري البصري الرماحي صاحب القنا، ويقال له: القنوي أيضا. نسبة إلى بيع القنا، وأصله من نيسابور، وقد لقيه البخاري وحدث عنه في (الأدب المفرد): وليس له في الصحيح سوى هذا الموضع ومات سنة أربع وعشرين ومائتين.
40
((باب استعمال النبي صلى الله عليه وسلم على أهل خيبر))
أي: هذا باب في بيان استعمال النبي صلى الله عليه وسلم رجلا على أهل خيبر بد فتحها لقسمة الثمار.
حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن عبد المجيد بن سهيل عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر فجاءه بتمر جنيب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل تمر خيبر هكذا فقال لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين بالثلاثة فقال لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وإسماعيل بن أبي أويس، وعبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني. والحديث مر في البيوع في: باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه، فإنه أخرجه هناك عن قتيبة عن مالك... إلى آخره.
قوله: (رجلا) هو سواد بن غزية من بني عدي بن النجار الأنصاري. قوله: (جنيب) بفتح الجيم وكسر النون، وهو نوع من التمر الغريب، وهو أجود تمورهم. قوله: (بالثلاثة) بدل من الصاعين. قوله: (بع الجمع) وهو نوع رديء من التمر، وقيل: هو الأخلاط منها. قوله: (ثم ابتع) أي: ثم اشتر، وقد مر الكلام فيه مستوفى هنالك.
40
((باب استعمال النبي صلى الله عليه وسلم على أهل خيبر))
أي: هذا باب في بيان استعمال النبي صلى الله عليه وسلم رجلا على أهل خيبر بد فتحها لقسمة الثمار.
حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن عبد المجيد بن سهيل عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر فجاءه بتمر جنيب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل تمر خيبر هكذا فقال لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين بالثلاثة فقال لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وإسماعيل بن أبي أويس، وعبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني. والحديث مر في البيوع في: باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه، فإنه أخرجه هناك عن قتيبة عن مالك... إلى آخره.
قوله: (رجلا) هو سواد بن غزية من بني عدي بن النجار الأنصاري. قوله: (جنيب) بفتح الجيم وكسر النون، وهو نوع من التمر الغريب، وهو أجود تمورهم. قوله: (بالثلاثة) بدل من الصاعين. قوله: (بع الجمع) وهو نوع رديء من التمر، وقيل: هو الأخلاط منها. قوله: (ثم ابتع) أي: ثم اشتر، وقد مر الكلام فيه مستوفى هنالك.
4247 وقال عبد العزيز بن محمد عن عبد المجيد عن سعيد وأبا هريرة حدثاه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أخا بني عدي من الأنصار إلى خيبر فأمره عليها..
عبد العزيز بن محمد هو الدراوردي، وعبد المجيد هو ابن سهيل شيخ مالك، وسعيد هو ابن المسيب، وهذا تعليق وصله أبو عوانة والدارقطني من طريق الدراوردي. قوله: (بعث أخا بني عدي) هو سواد بن غزية المذكور. قوله: (فأمره) بتشديد الميم، أي: جعله أميرا عليها.
وعن عبد المجيد عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة وأبي سعيد مثله
هذا معطوف على الذي قبله وهو عبد العزيز الدراوردي عن عبد المجيد، فيه شيخان: أحدهما: سعيد بن المسيب، والآخر: أبو صالح السمان، واسمه ذكوان.
41
((باب معاملة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر))
أي: هذا باب في بيان معاملة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر اليهود بأن أعطاها لهم أن يزرعوها مشاطرة.
4248 حدثنا موساى بن إسماعيل حدثنا جويرية عن نافع عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال أعطى
260

النبي صلى الله عليه وسلم خيبر اليهود أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها..
مطابقته للترجمة ظاهرة وجويرية بن أسماء الضبعي. والحديث مضى في المزارعة بأتم منه، ومر الكلام فيه هناك. (والشطر) بالفتح: النصيب، وقد يطلق على البعض.
41
((باب الشاة التي سمت للنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر))
أي: هذا باب في بيان حال الشاة التي سموها لأجل النبي صلى الله عليه وسلم، حال كون النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر.
رواه عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم
أي: روى حديث السم عروة بن الزبير عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثني سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وسعيد هو ابن أبي سعيد المقبري. والحديث قد مر في الجزية في: باب إذا غدر المشركون بالمسلمين، فإنه أخرجه هناك بهذا الإسناد بأتم منه
، ومر الكلام فيه هناك مستوفى.))
41
((باب الشاة التي سمت للنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر))
أي: هذا باب في بيان حال الشاة التي سموها لأجل النبي صلى الله عليه وسلم، حال كون النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر.
رواه عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم
أي: روى حديث السم عروة بن الزبير عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثني سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وسعيد هو ابن أبي سعيد المقبري. والحديث قد مر في الجزية في: باب إذا غدر المشركون بالمسلمين، فإنه أخرجه هناك بهذا الإسناد بأتم منه، ومر الكلام فيه هناك مستوفى.))
42
((باب غزوة زيد بن حارثة))
أي: هذا باب في بيان غزوة زيد بن حارثة، بالحاء المهملة والثاء المثلثة: مولى النبي صلى الله عليه وسلم ووالد أسامة بن زيد.
4250 حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا سفيان بن سعيد حدثنا عبد الله ابن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة على قوم فطعنوا في إمارته فقال إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله وايم الله لقد كان خليقا للإمارة وإن كان من أحب الناس إلي وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده..
مطابقته للترجمة في قوله: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسامة على قوم) والحديث مضى في المناقب في: باب مناقب زيد بن حارثة، فإنه أخرجه هناك عن خالد بن مخلد عن سليمان عن عبد الله بن دينار إلى آخره، وكيفيته تأتي في أواخر المغازي. وقال بعضهم: والغرض منه قوله: (فقد طعنتم في إمارة أبيه) قلت: ليس هذا غرضه إذ لو كان غرضه ذلك لترجم بباب يناسبه، وبين الترجمة وبين ما ذكره بون جدا لا يخفى على من يتأمله، ويحيى بن سعيد هو القطان وسفيان بن سعيد هو الثوري الكوفي.
قوله: (أمر) بتشديد الميم، وروى أبو مسلم الكجي عن أبي عاصم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال: غزوت مع زيد بن حارثة سبع غزوات يؤمره علينا. قلت: (أولها): في جمادى الآخرة سنة خمس قبل نجد في مائة راكب (والثانية): في ربيع الآخر سنة ست إلى بني سليم. (والثالثة): في جمادى الأولى منها في مائة وسبعين فلقى عيرا لقريش وأسروا أبا العاص بن الربيع. (والرابعة): في جمادى الآخرة منها إلى بني ثعلبة. (والخامسة): إلى حسمى، بضم الحاء وسكون السين المهملتين مقصورا، كذا قاله بعضهم، وقال ابن الأثير والبكري، بكسر الحاء، موضع في أرض جذام، وكانوا في خمسمائة إلى ناس من بني جذام، بطريق الشام، كانوا قطعوا الطريق على دحية وهو راجع من عند هرقل. (والسادسة): إلى وادي القرى. (والسابعة): إلى ناس من بني فزارة، وكان خرج قبلها في التجارة فخرج عليه ناس من بني فزارة فأخذوا ما معه وضربوه فجهزه النبي صلى الله عليه وسلم، إليهم فأوقع وقتل أم قرفة، بكسر القاف وسكون الراء بعدها فاء، وهي: فاطمة بنت ربيعة بن بدر زوج مالك بن حذيفة بن بدر، عم عيينة بن حصن بن حذيفة، وكانت معظمة فيهم، فيقال: ربطها في ذنب فرسين وأجراهما فتقطعت وأسر بنتها وكانت جميلة.
261

43
((باب عمرة القضاء))
أي: هذا باب في بيان عمرة القضاء، كذا هوف في رواية الأكثرين، وفي رواية المستملي وحده باب غزوة القضاء، وسميت بالقضاء اشتقاقا مما كتبوا في كتاب الصلح يوم الحديبية: هذا ما قاضى عليه، لأمن القضاء الاصطلاحي، إذ لم تكن العمرة التي اعتمروا بها في السنة القابلة قضاء للتي تحللوا منها يوم الصلح، قاله الكرماني وفي (الإكليل): قال الحاكم: قد تواترت الأخبار عن أئمة المغازي أنه لما دخل هلال ذي القعدة من سنة سبع من الهجرة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصحابه أن يعتمروا قضاء عمرتهم، وأن لا يتخلف منهم أحد ممن شهد الحديبية، وخرج معه أيضا قوم من المسلمين ممن لم يشهدوا والحديبية عمارا. وكان المسلمون في هذه العمرة ألفين سوى النساء والصبيان. انتهى. قلت: وفيه رد على ما قاله الكرماني، وإنما ذكر العمرة في كتاب المغازي للخصومة التي جرت بينهم وبين الكفار في سنة التحلل والسنة القابلة أيضا وإن لم تكن بالمسايفة إذ لا يلزم من إطلاق الغزوة المقاتلة بالسيوف، وتسمى: عمرة القضية. وعمرة القصاص، وعمرة الصلح. قال السهيلي: تسميتها: عمرة القصاص، أولى لقوله تعالى: * (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص) * (البقرة: 194). وكذا رواه ابن جرير بإسناد صحيح عن مجاهد، وبه جزم سليمان التيمي في (مغازيه).
ذكره أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم
أي: ذكر حديث عمرة القضاء أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس، قال: لما دخل رسول الله صلى الله
عليه وسلم مكة في عمرة القضاء مشى عبد الله بن رواحة بين بديه، وهو يقول:
* خلوا بني الكفار عن سبيله
* قد أنزل الرحمن في تنزيله
*
* بأن خير القتل في سبيله
* نحن قتلناكم على تأويله
*
وأخرجه ابن حبان في (صحيحه) بزيادة وهي:
* ويذهل الخليل عن خليله
* يا رب إني مؤمن بقيله
*
فقال عمر رضي الله تعالى عنه يا ابن رواحة: أتقول الشعر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه يا عمر: لهذا أشد عليهم من وقع النبل.
4251 حدثني عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه قال لما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة بأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام فلما كتبوا الكتاب كتبوا هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله قالوا لا نقر بهذا لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئا ولكن أنت محمد بن عبد الله فقال أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله ثم قال لعلي امخ رسول الله قال علي لا والله لا أمحوك أبدا فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاضى محمد بن عبد الله لا يدخل مكة السلاح إلا السيف في القراب وأن لا يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه وأن لا يمنع من أصحابه إن أراد أن يقيم بها فلما دخلها ومضي الأجل أتوا عليا فقالوا قل لصاحبك اخرج عنا فقد مضي الأجل فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فتبعته ابنة حمزة تنادي يا عم يا عم فتناولها علي فأخذ بيدها وقال لفاطمة عليها السلام
262

دونك ابنة عمك حملتها فاختصم فيها علي وزيد وجعفر. قال علي أنا أخذتها وهي بنت عمي وقال جعفر ابنة عمي وخالتها تحتى وقال زيد ابنة أخي فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال الخالة بمنزلة الأم. وقال لعلي أنت مني وأنا منك وقال لجعفر أشبهت خلقي وخلقي وقال لزيد أنت أخونا ومولانا وقال علي ألا تتزوج بنت حمزة قال إنها ابنة أخي من الرضاعة..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبيد الله بن موسى بن باذام الكوفي، وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق، يروي عن جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي.
والحديث قد مضى في الصلح في: باب كيف يكتب: هذا ما صالح فلان بن فلان، بعين هذا الإسناد والمتن، وقال الحافظ المزي: قيل: مر الحديث في الحج، ولم أجده فيه.
قوله: (في ذي القعدة) أي: من سنة ست. قوله: (فأبى) من الإباء وهو الامتناع. قوله: (أن يدعوه) بفتح الدال أي: أن يتركوه. قوله: (حتى قاضاهم) أي: صالحهم وفاصلهم. قوله: (على أن يقيم بها) أي: بمكة (ثلاثة أيام) من العام المقبل. وصرح به في حديث ابن عمر الذي بعده. قوله: (فلما كتبوا) هكذا هو بصيغة الجمع عند الأكثرين، ويروى: (فلما كتب الكتاب)، بصيغة المجهول من الفعل الماضي المفرد. قوله: (هذا) إشارة إلى ما تصور في الذهن. قوله: (ما قاضى) في محل الرفع على أنه خبر لقوله: هذا، ووقع في رواية الكشميهني: (هذا ما قاضا)، قيل: هذا غلط لأنه لما رأى قوله: كتبوا ظن أن المراد كتب قريش، وليس كذلك بل المسلمون هم الذين كتبوا (فإن قلت) الكاتب كان واحدا فما وجه صيغة الجمع؟ (قلت): لما كانت الكتابة برأيهم أسندت إليهم مجازا. قوله: (لا نقرلك بهذا الأمر الذي تدعيه)، وهو النبوة وقد تقدم في الصلح بلفظ: (فقالوا إلا نقربها) أي: بالنبوة. قوله: (لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئا)، وزاد في رواية يوسف: (ولبايعناك)، وفي رواية النسائي عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى شيخ البخاري فيه: (ما منعناك بيته)، وفي رواية شعبة عن أبي إسحاق: (لو كنت رسول الله لم نقاتلك)، وفي حديث أنس: لاتبعناك، وفي حديث المسور: (فقال سهيل بن عمر: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك)، وفي رواية أبي الأسود عن عروة في المغازي: (فقال سهيل: ظلمناك إن أقرر نالك بها ومنعناك)، وفي رواية عبد الله ابن مغفل: (لقد ظلمناك إن كنت رسولا). قوله: (امح) بضم الميم من محا يمحو قوله (رسول الله) بالنصب لأنه مفعول امح ولكن تقديره امح لفظ رسول الله قوله (قال علي: لا والله لا أمحوك أبدا)، أي: لا أمحو اسمك أبدا، وإنما لم يمتثل الأمر لأنه علم بالقرائن أن أمره، عليه السلام، لم يكن متحتما. قوله: (وليس يحسن يكتب)، أي: والحال أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس يحسن الكتابة (هذا ما قاضى) (فإن قلت) قال الله تعالى: * (الرسول النبي الأمي) * (الأعراف: 157) والأمي لا يحسن الكتابة، فكيف كتب؟ (قلت): فيه أجوبة. (الأول): أن الأمي من لا يحسن الكتابة لا من لا يكتب. (الثاني): أن الإسناد فيه مجازي، إذ هو الآمر بها. وقال السهيلي: والحق أن قوله: فكتب، أي: أمر عليا أن يكتب. قلت: هو بعينه الجواب الثاني. (الثالث): أنه كتب بنفسه خرقا للعادة على سبيل المعجزة، وأنكر بعض
المتأخرين على أبي مسعود نسبة هذه اللفظة أعني قوله: (ليس يحسن يكتب) إلى تخريج البخاري، وقال: ليست هذه اللفظة في البخاري ولا في مسلم، وهو كما قال: ليس في مسلم هذا، ولكن ثبتت هذه اللفظة في البخاري، وكذلك في رواية النسائي عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى مثل ما هي هنا سواء، وكذا أخرجها أحمد عن يحيى بن المثنى عن إسرائيل. ولفظه: (فأخذ الكتاب)، وليس يحسن أن يكتب فكتب مكان رسول الله: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله. قوله: (لا يدخل) بضم الياء: من الإدخال، والسلاح منصوب به. قوله: (وأن لا يخرج)، على صيغة المعلوم. قوله: (في القراب)، وقراب السيف جفنه وهو وعاء يكون فيه السيف بغمده. قوله: فلما دخلها)، أي: في العام المقبل. قوله: (ومضى الأجل)، أي: ثلاثة أيام. قوله: (قل لصاحبك: أخرج عنا)، أراد بصاحب علي النبي صلى الله عليه وسلم،
263

وفي رواية يوسف: (مر صاحبك فليرتحل). قوله: (فتبعته ابنة حمزة) هكذا رواه الباري معطوفا على إسناد القصة التي قبله، وكذا أخرجه النسائي عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى، وكذا أخرجه الحاكم في (الإكليل) وادعى البيهقي أن فيه إدراجا لأن زكريا بن أبي زائدة رواه عن أبي إسحاق مفصلا فأخرج مسلم والإسماعيلي القصة الأولى من طريقه عن أبي إسحاق حديث البراء فقط، وأخرج البيهقي قصة بنت حمزة من طريقه عن أبي إسحاق من حديث علي رضي الله تعالى عنه واخرج أبو داود من طريق إسماعيل بن جعفر عن إسرائيل قصة بنت حمزة خاصة من حديث علي بلفظ: لما خرجنا من مكة تبعتنا بنت حمزة الحديث قيل: لا إدراج فيه لأن الحديث كان عند إسرائيل وكذا عند عبيد الله بن موسى عنه بالإسنادين جميعا، لكنه في القصة الأولى من حديث البراء أتم، وبالقصة الثانية من حديث علي أتم، واسم ابنة حمزة: عمارة، وفيل: فاطمة، وقيل: أمامة، وقيل: أمة الله، وقيل: سلمى، والأول أشهر. قوله: (تنادي يا عم) إنما خاطبت النبي صلى الله عليه وسلم، بذلك إجلالا له وإنما هو ابن عمها. أو بالنسبة إلى كون حمزة أخاه صلى الله عليه وسلم، من الرضاعة. قوله: (دونك) من أسماء الأفعال معناه: خذيها، وهي كلمة تستعمل في الإغراء بالشيء. قوله: (جملتها) بصيغة الفعل الماضي بتخفيف الميم. قيل: أصله: فحملتها بالفاء وكأنها سقطت، وكذا بالفاء في رواية أبي داود. وفي رواية أبي ذر عن السرخسي والكشميني: حمليها بتشديد الميم بصورة الأمر من التحميل، وقد مر في الصلح في هذا الموضع للكشميهني: إحمليها أكر من الإحمال، وروى الحاكم من مرسل الحسن، فقال علي لفاطمة، رضي الله تعالى عنها، وهي في هودجها: إمسكيها عندك، وعند ابن سعد من مرسل محمد بن علي بن الحسين الباقر بإسناد صحيح إليه: فبينما بنت حمزة تطوف في الرحال إذ أخذ علي بيدها فألقاها إلى فاطمة في هودجها. قوله: (فاختصم فيها) أي: في بنت حمزة علي بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وجعفر أخو علي، أراد أن كلا منهم أراد أن تكون ابنة حمزة عنده، وكانت الخصومة فيها بعد قدومهم المدينة، وثبت ذلك في حديث علي عند أحمد والحاكم. فإن قلت: زيد بن حارثة ليس أخا لحمزة لا نسبا ولا رضاعا، فكيف اختصم؟ قلت: قال الكرماني: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بينه وبين حمزة. انتهى. قلت: ذكر الحاكم في (الإكليل) وأبو سعيد في (شرف المصطفى) من حديث ابن عباس بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان آخى بين حمزة وزيد بن حارثة، وأن عمارة بنت حمزة كانت مع أمها بمكة. قلت اسم أمها سلمى بنت عميس وهي معدودة في الصحابة. فإن قلت: كيف تركت عند أمها في دار الحرب؟ قلت: أما أن أمها لم تكن أسلمت إلا بعد هذه القضية، وأما أنها قد ماتت، وروي عن ابن عباس أن عليا قال له: كيف تترك ابنة عمك مقيمة بين ظهراني المشركين؟ فإن قلت: كيف أخذوها وفيه مخالفة لكتاب العهد؟ قلت: قد تقدم في كتاب الشروط: أن النساء المؤمنات لم يدخلن في العهد، ولئن سلمنا كون الشرط عاما ولكن لا نسلم أنه صلى الله عليه وسلم، أخرجها ووقع في (مغازي سليمان التيمي) أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما رجع إلى أهله وجد بنت حمزة، فقال لها: ما أخرجك؟ قالت: رجل من أهلك، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر بإخراجها. وفي حديث علي عند أبي داود: أن زيد بن حارثة أخرجها من مكة. قوله: (وخالتها تحتي) أي: زوجتي، واسمها: أسماء بنت عميس. قوله: (والخالة بمنزلة الأم) أي في الحنو والشفقة وإقامة حث الصغير، وقال بعضهم: لا حجة فيه لمن زعم أن الخالة ترث لأن الأم ترث. قلت: هي من ذوي الأرحام، قال الله تعالى: * (وألو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) * (الأنفال: 75) وعلى هذا كانت الصحابة رضي الله تعالى عنهم، حتى روى أن عمر، رضي الله عنه، قضى في عم لأم وخالة، أعطى العم الثلثين والخالة الثلث، والحديث لا ينافي توريث الخالة، بل ظاهره يدل عليه من حيث العموم. قوله: (وقال لعلي) أي: وقال النبي صلى الله عليه وسلم، لعلي بن أبي طالب: أنت مني وأنا منك. أي: في النسب والصهر والسابقة والمحبة وغير ذلك، ولم يرد محض القرابة، وإلا فجعفر شريكه فيها. قوله: (وقال لجعفر: أشبهت خلقي وخلقي). بفتح الخاء في الأول وضمها في الثاني (أما الأول): فالمراد به الصورة، فقد شاركه فيها جماعة ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم، قيل: هم عشرة أنفس غير فاطمة، وقيل: أكثر من عشرة منهم: إبراهيم ولد النبي صلى الله عليه وسلم، وعبد الله وعون ولدا جعفر، وإبراهيم بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ويحيى بن القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي، والقاسم بن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي
264

طالب، ومنهم: علي بن عباد بن رفاعة الرفاعي، شيخ بصرى من أتباع التابعين. (وأما الثاني) أعني شبهه في الخلق فمخصوص بجعفر، وهذه منقبة عظيمة له قال الله تعالى: * (وإنك لعلى خلق عظيم) * (القلم: 4). قوله: (وقال لزيد: أنت أخونا) يعني في الإيمان، (ومولانا) يعني من جهة أنه أعتقه، وهو المولى الأسفل، وقد طيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، خواطر الجميع لكل أحد بما يناسبه. قوله: (وقال علي) رضي الله عنه. وهو موصول بالإسناد المذكور أولا. قوله: (إنها) أي: بنت حمزة (ابنة أخي من الرضاعة) وذلك أن ثوبية، بضم الثاء المثلثة وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة: مولاة أبي لهب، أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمزة، رضي الله تعالى عنه، وقال الذهبي في (تجريد الصحابة) إن ثويبة أسلمت.
4252 حدثني محمد بن رافع حدثنا سريج حدثنا فليح ح قال وحدثني محمد بن الحسين بن إبراهيم قال حدثني أبي حدثنا فليح بن سليمان عن نافع عن ابن عمر رضي الله
عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمرا فحال كفار قريش بينه وبين البيت فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية وقاضاهم على أن يعتمر العام المقبل ولا يحمل سلاحا عليهم إلا سيوفا ولا يقيم بها إلا ما أحبوا فاعتمر من العام المقبل فدخلها كما كان صالحهم فلما أن أقام بها ثلاثا أمروه أن يخرج فخرج..
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه في عمرة القضاء. وأخرجه من طريقين: (الأول): عن محمد بن رافع بن أبي زيد النيسابوري وهو شيخ مسلم أيضا هكذا وقع في رواية النسفي عن البخاري محمد بن رافع، ووقع لبعض رواة الفربري: حدثني محمد هو ابن رافع، وهو يروي عن سريج، بضم السين المهملة وفي آخره جيم: ابن النعمان أبي الحسين البغدادي الجوهري، وهو شيخ البخاري أيضا روى عنه بواسطة، وروى عن محمد غير منسوب في الحج، مات سنة سبع عشرة ومائتين، وهو يروي عن فليح، بضم الفاء وفتح اللام وفي آخره حاء مهملة ابن سليمان بن أبي المغيرة، وكان اسمه عبد الملك ولقبه فليح فغلب على اسمه، وهو يروي عن نافع مولى ابن عمر عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنهما، وهذا الطريق بعينه سندا ومتنا مضى في كتاب الصلح في: باب الصلح مع المشركين. (الطريق الثاني) عن محمد بن الحسين بن إبراهيم المعروف بابن أشكاب البغدادي، يروي عن أبيه الحسين بن إبراهيم الخراساني، سكن بغداد وطلب الحديث ولزم أبا يوسف وقد أدركه البخاري، فإنه مات سنة ست عشرة ومائتين، وليس له ولا لأبيه في البخاري سوى هذا الموضع. وهو يروى عن فليح عن نافع عن ابن عمر.
قوله: (خرج معتمرا) يعني: بالحديبية. قوله: (إلا سيوفا) يعني: في قرابها. قوله: (إلا ما أحبوا) هو مجمل بينه في حديث البراء أنهم اتفقوا على ثلاثة أيام. قوله: (فلما أن أقام بها) أي:: فلما أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثا أي: ثلاثة أيام. وقال ابن التين. قوله: (ثلاثا) يخالف قوله: إلا ما أحبوا ورد عليه بأن محبتهم لما كانت ثلاثة أيام أفصح بها الراوي بقوله: ثلاثا، مع البيان في حديث البراء كما ذكرنا.
4253 حدثني عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد قال دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما جالس إلى حجرة عائشة ثم قال كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قال أربعا إحداهم في رجب.. ثم سمعنا استنان عائشة قال عروة يا أم المؤمنين ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمان إن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر إحداهن في رجب فقالت ما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم عمرة إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قط..
265

مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (أربعا) لأن إحداهن عمرة القضاء والحديث مضى بأتم منه في الحج في: باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه أخرجه هناك عن قتيبة بن سعيد عن جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن مجاهد إلى آخره.
قوله: (استنان عائشة) من استن الرجل إذا استاك. قوله: (ألا تسمعين؟) وفي رواية الكشميهني: ألم تسمعي؟ قال الكرماني: ويروى: ألم تسمعين؟ وهو على لغة من لا يوجب الجزم بأدواته. قوله: (أبو عبد الرحمن) هو كنية عبد الله بن عمر. قوله: (ألا وهو شاهده) أي: إلا والحال أن عبد الله بن عمر شاهد النبي صلى الله عليه وسلم. أي: حاضر عنده. قوله: (وما اعتمر في رجب قط) هذا رد لقول ابن عمر لما قاله في هذا الحديث: أربع إحداهن في رجب أي: أربع عمر إحداهن في شهر رجب، وقد مر الكلام فيه في: باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم.
4255 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد سمع ابن أبي أوفى يقول لما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سترناه من غلمان المشركين ومنهم أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم..
مطابقته للترجمة في قوله: لما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن المراد منه عمرة القضاء، وسفيان هو ابن عيينة وابن أبي أوفى هو عبد الله بن أبي أوفى.
والحديث مضى في غزوة الحديبية فإنه أخرجه هناك عن ابن نمير عن يعلى عن إسماعيل عن عبد الله بن أبي أوفى، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (عن إسماعيل) وفي رواية الحميدي: حدثنا إسماعيل قوله: (ومنهم) أي: ومن المشركين. قوله: (أن يؤذوا) أي: خشية أن يؤذوه. وقال ابن أبي عمر عن سفيان بلفظ: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وطاف بالبيت في عمرة القضية كنا نستره من السفهاء والصبيان مخافة أن يؤذوه. وفي لفظ الإسماعيلي: كنا نستره من صبيان أهل مكة لا يؤذونه.
4256 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد هو ابن زيد عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال المشركون إنه يقدم عليكم وفد وهنهم حمى يثرب وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركنين ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه) أي: مكة لأجل عمرة القضاء. والحديث قد مر في الحج في: باب كيف كان بدء الرمل، بعينه سندا ومتنا. ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (وفد)، بفتح الواو وسكون الفاء أي: ثوم، ووقع في رواية ابن السكن. وقد بالقاف، فالواو للعطف وقد بفتح القاف وسكون الدال للتحقيق، وقال بعضهم: إنه خطأ ولم يبين وجه الخطأ: هل هو من حيث الرواية أو من حيث المعنى؟ ولا خطأ أصلا من حيث المعنى، فإن قال: الخطأ من حيث الرواية فعليه البيان. قوله: (وهنهم)، أي: أضعفهم، ويروى: وهنتهم بتأنيث الفعل، ويروي: أوهنتهم، بزيادة الألف في أوله. قوله: (يقرب) هو اسم المدينة، كانف ي الجاهلية. قال ابن عباس: ذكرها باعتبار ما كان. قوله: (إلا الإبقاء)، بكسر الهمزة وسكون الباء الموحدة وبالقاف، أي: الرفق بهم والشفقة عليهم، والمعنى: لم يمنعه أن يأمرهم بالرمل في جميع الأطواق إلا الرفق بهم. وقال القرطبي: يجوز الإبقاء بالرفع على أنه فاعل، لم يمنعه، أي: النبي صلى الله عليه وسلم، وبالنصب على وجه التعليل أي: لأجل الإبقاء. والمعنى: لم يمنع النبي صلى الله عليه وسلم، من أمره إياهم بالرمل في كل الطوفات إلا الأجل إبقائهم في الرفق شفقة عليهم، وقال بعضهم في
وجه النصب: يكون في: يمنعه، ضمير عائد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو فاعله. قلت: هذا ليس بصحيح، وليس في: يمنعه، ضمير مستتر، وإنما الضمير البارز فيه يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفاعل يمنع هو قوله: (أن يأمرهم) أي: بأن يأمرهم. وكلمة أن، مصدرية. والتقدير: هو الذي ذكرناه الآن.
وزاد ابن سلمة عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما قدم النبي صلى الله عليه
266

وسلم لعامه الذي استأمن قال ارملوا ليرى المشركون قوتهم والمشركون من قبل قعيقعان.
هذا تعليق، وابن سلمة هو حماد بن سلمة وقد شارك حماد بن زيد في روايته له عن أيوب، وزاد عليه تعيين مكان المشركين وهو جبل قعيقعان، مقابل لأبي قبيس، وهو بضم القاف الأولى وكسر الثانية وفتح العينين المهملتين وسكون الياء آخر الحروف، ووصل هذا التعليق الإسماعيلي نحوه، وزاد في آخره: فلما رملوا قال المشركون: ما وهنتهم. قوله: (لعامه الذي استأمن) وهو عام الحديبية. قوله: (ليرى المشركون) جملة من الفعل والفاعل، ويروى ليرى المشركين. بضم الياء أي ليرى النبي صلى الله عليه وسلم، قوة المسلمين. قوله: (من قبل) أي: من جهة جبل قعيقعان، وكانوا مشرفين من عليه.
4257 حدثني محمد عن سفيان بن عيينة عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال إنما سعى النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت وبين الصفا والمروة ليري المشركين قوته..
هذا وجه آخر عن ابن عباس أخرجه عن محمد هو ابن سلام عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دين ار عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قوله: (إنما سعى) أي: رمل ومعناه: هرول. قوله: (ليرى)، أي: لأن يرى من الإراءة أي: لأجل إراءته إياهم قوته يعني: بأنه قوي لم يؤثر فيه الحمى ولا غيرها.
4258 حدثنا موساى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم وبنى بها وهو حلال وماقت بسرف..
مطابقته للترجمة من حيث إن تزوجه صلى الله عليه وسلم، ميمونة كان في عمرة القضاة، ووهيب مصغر وهب ابن خالد البصري والحديث قد مر في الحج في: باب ترويج المحرم، من غير الطريق المذكور فإنه أخرجه عن أبي المغيرة عن الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم، تزوج ميمونة وهو محرم، وليس فيه، وبنى بها إلى آخره، وقد مر الكلام فيه هناك. (وسرف)، بفتح السين المهملة وكسر الراء وبالفاء، قال الكرماني: موضع بين الحرمين. قلت: على ستة أميال من مكة.
4259 قال أبو عبد الله وزاد بن إسحاق حدثني ابن أبي نجيح وأبان بن صالح عن عطاء ومجاهد عن ابن عباس قال تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة في عمرة القضاء..
أبو عبد الله هو البخاري نفسه، وليس هذا في كثير من النسخ، وابن إسحاق هو محمد بن إسحاق صاحب (السيرة) وابن أبي نجيح هو عبد الله بن أبي نجيح، بفتح النون وكسر الجيم وفي آخره حاء مهملة واسمه: يسار. وهذا تعليق وصله ابن إسحاق في (السيرة) وميمونة هي بنت الحارث، وكان الذي زوجه إياها العباس، وكانت قبله تحت أبي رهم بن عبد العزي، وقيل: تحت أخيه حويطب، وقيل: سخبرة بن أبي رهم، وأمها هند بنت عوف الهلالية.
4258 حدثنا موساى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم وبنى بها وهو حلال وماقت بسرف..
مطابقته للترجمة من حيث إن تزوجه صلى الله عليه وسلم، ميمونة كان في عمرة القضاة، ووهيب مصغر وهب ابن خالد البصري والحديث قد مر في الحج في: باب ترويج المحرم، من غير الطريق المذكور فإنه أخرجه عن أبي المغيرة عن الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم، تزوج ميمونة وهو محرم، وليس فيه، وبنى بها إلى آخره، وقد مر الكلام فيه هناك. (وسرف)، بفتح السين المهملة وكسر الراء وبالفاء، قال الكرماني: موضع بين الحرمين. قلت: على ستة أميال من مكة.
4259 قال أبو عبد الله وزاد بن إسحاق حدثني ابن أبي نجيح وأبان بن صالح عن عطاء ومجاهد عن ابن عباس قال تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة في عمرة القضاء..
أبو عبد الله هو البخاري نفسه، وليس هذا في كثير من النسخ، وابن إسحاق هو محمد بن إسحاق صاحب (السيرة) وابن أبي نجيح هو عبد الله بن أبي نجيح، بفتح النون وكسر الجيم وفي آخره حاء مهملة واسمه: يسار. وهذا تعليق وصله ابن إسحاق في (السيرة) وميمونة هي بنت الحارث، وكان الذي زوجه إياها العباس، وكانت قبله تحت أبي رهم بن عبد العزي، وقيل: تحت أخيه حويطب، وقيل: سخبرة بن أبي رهم، وأمها هند بنت عوف الهلالية.
44
((باب غزوة موتة من أرض الشام))
أي: هذا باب في بيان غزوة موتة بضم الميم وسكون الواو بغير همزة عند أكثر الرواة، وبه قال المبرد، وقال ثعلب، والجوهري وابن فارس. بالهمزة الساكنة بعد الميم، وحكى صاحب (الواعي) الوجهين، وقال: أبو العباس محمد بن يزيد، لا يهمز موته. قوله: (بأرض الشام). صفة لموته. أي: كائنة بأرض الشام، قال
ابن إسحاق: وهي بالقرب من أرض البلقاء، وقال الكرماني: هي على مرحلتين من بيت المقدس، والسبب فيها أن شرحبيل بن عمرو الغساني، وهو من أمراء قيصر على الشام، قتل رسولا أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى صاحب بصرى، واسم الرسول: الحارث بن عمير، ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسول غيره، فجهز لهم النبي صلى الله عليه وسلم عسكرا في ثلاثة آلاف وأمر عليهم زيد بن حارثة، فقال: إن أصيب فجعفر، وإن أصيب فعبد الله
267

ابن رواحة فتجهزوا وعسكروا بالجرف، وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير، وأن يدعوهم من هناك إلى الإسلام فإن أجابوا وإلا فقاتلوهم، وخرج مشيعا لهم حتى بلغ ثنية الوداع، ولما بلغ العدو مسيرهم جمعوا لهم أكثر من مائة ألف، وبلغهم أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من بهرا، ووائل وبكر ولخم وجذام. فقاتلهم المسلمون وقاتل الأمراء على أرجلهم، فقتل زيد طعنا بالرماح، ثم أخذ اللواء جعفر فنزل عن فرس له شقراء فعرقبها فكانت أول فرس عرقب في الإسلام، فقاتل حتى قتل، ضربه رجل من الروم فقطعه نصفين، فوجد في أحد نصفه بضعة وثلاثون جرحا، ثم أخذه عبد الله فقاتل حتى قتل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد، رضي الله تعالى عنه، فأخذ اللواء وانكشف الناس، فكانت الهزيمة على المسلمين، وتبعهم المشركون، فقتل من قتل من المسلمين ورفعت الأرض لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أخذ خالد اللواء قال صلى الله عليه وسلم الآن حمي الوطيس، وجعل خالد مقدمته ساقة وساقته مقدمة وميمنته ميسرة وميسرته ميمنة، فأنكر الروم ذلك، وقالوا: قد جاءهم مدد فرعبوا وانكشفوا منهزمين، فقتلوا منهم مقتلة لم يقتلها قوم، وغنم المسلمون بعض أمتعة المشركين وفي (الدلائل) للبيهقي ولما أخذ خالد للواء قال صلى الله عليه وسلم إنه سيف من سيوفك، فأنت تنصره، فمن يومئذ سمي خالد سيف الله وذكر في (مغازي) أبي الأسود عن عروة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيش إلى مؤتة في جمادى من سنة ثمان، وكذا قال ابن إسحاق وموسى بن عقبة وغيرهما من أهل المغازي، لا يختلفون في ذلك إلا ما ذكر خليفة في (تاريخه) أنها كانت سنة سبع.
4261 أخبرنا أحمد بن أبي بكر حدثنا مغيرة بن عبد الرحمان عن عبد اللهبن سعد عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة موتة زيد بن حارثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن قتل زيد فجعفر وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة قال عبد الله كنت فيهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى ووجدنا ما في جسده بضعا وتسعين من طعنة ورمية..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأحمد بن أبي بكر اسمه القاسم أبو حفص القرشي الزهري وهو شيخ مسلم أيضا. مات بالمدينة سنة اثنتين وأربعين ومائتين وهو ابن اثنتين وتسعين سنة. ومغيرة، بضم الميم وكسرها وبالألف واللام وبدونهما ابن عبد الرحمن المخزومي، وهو في طبقة مغيرة بن عبد الرحمن الخزامي، وهو أوثق من المخزومي. وليس للمخزومي في البخاري سوى هذا الحديث، وكان فقيه أهل المدينة بعد مالك وهو صدوق، وعبد الله بن سعد بن أبي هند المدني، وفي رواية مصعب: عبد الله
268

ابن سعيد، بالياء آخر الحروف.
قوله: (أمر)، بتشديد الميم من التأمير. قوله: (فجعفر)، أي: فالأمير جعفر. قوله: (قال عبد الله) أي: ابن عمر، وهو موصول بالإسناد المذكور. قوله: (فالتمسنا جعفر بن أبي طالب) أي: بعد قتله. قوله: (في القتلى) أي: بين القتلى كما في قوله تعالى: * (فادخلي في عبادي) * (الفجر: 29) أي: بين عبادي. قوله: (بضعا وتسعين)، وفي الرواية الماضية: (خمسين) ولا تنافي بينهما لأن الخمسين كانت في ظهره وهذا في جميع جسده، وكان ذلك من الطعنات والضربات، وهذا من الطعنات والرميات، والفرق بينهما أن الطعنة بالرمح والضربة بالسيف والرمية بالسهم مع أن التخصيص بالعدد لا يدل على نفي الزائد.
4262 حدثنا أحمد بن واقد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن حميد بن هلال عن أنس رض الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذ جعفر فأصيب ثم أخذ ابن رواحة فأصيب وعيناه تذرفان حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم..
مطابقته للترجمة ظاهرة وأحمد بن واقد هو أحمد بن عبد الملك بن واقد، بالقاف والدال المهملة: أبو يحيى الحراني، وقد نسبه البخاري هنا إلى جده وهو من أفراده، وحميد بن هبيرة العدوي البصري.
والحديث مضى في الجنائز عن أبي معمر وفي الجهاد عن يوسف بن يعقوب الصفار وفي علامات النبوة عن سليمان بن حرب وفي فضل خالد عن أحمد بن واقد أيضا.
قوله: (نعى زيدا) أي: أخبر بقتله. قوله: (ثم أخذ جعفر) أي: الراية. قوله: (ثم أخذ ابن رواحة) وهو عبد الله ابن رواحة. قوله: (وعيناه)، الواو فيه للحال. قوله: (تذرفان)، بالذال المعجمة والراء المكسورة أي: تدفعان الدموع. قوله: (سيف من سيوف الله) أراد به خالد بن الوليد، فمن يومئذ سمي خالد: سيف الله.
وفيه: جواز الإعلام بموت الميت، ولا يكون ذلك من النعي المنهي عنه. وفيه: جواز تعليق الإمارة بشرط، وجواز تولية عدة أمراء بالترتيب، واختلفوا: أهل تنعقد تولية الثاني في الحال أم لا؟ وفيه: جواز التأمير بغير مؤمر، وقال الطحاوي: هذا أصل يؤخذ منه أن على المسلمين أن يقدموا رجلا إذا غاب الإمام يقوم مقامه إلى أن يحضر. وفيه: جواز الاجتهاد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه: علم ظاهر من أعلام النبوة. وفيه: فضيلة تامة لخالد بن الوليد، رضي الله تعالى عنه.
273 - (حدثنا قتيبة حدثنا عبد الوهاب قال سمعت يحيى بن سعيد قال أخبرتني عمرة قالت سمعت عائشة رضي الله عنها تقول لما جاء قتل ابن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم جلس رسول الله
يعرف فيه الحزن قالت عائشة وأنا أطلع من صائر الباب تعني من شق الباب فأتاه رجل فقال أي رسول الله إن نساء جعفر قال وذكر بكاءهن فأمره أن ينهاهن قال فذهب
الرجل ثم أتى فقال قد نهيتهن وذكر أنه لم يطعنه قال فأمر أيضا فذهب ثم أتى فقال والله لقد غلبننا فزعمت أن رسول الله
قال فاحث في أفواههن من التراب قالت عائشة فقلت أرغم الله أنفك فوالله ما أنت تفعل وما تركت رسول الله
من العناء)
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي ويحيى بن سعيد الأنصاري وعمرة بنت عبد الرحمن بن سعد والحديث مضى في الجنائز في باب من جلس عند المصيبة فإنه أخرجه هناك عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب إلى آخره قوله ' لما جاء قتل زيد ' أي خبر قتله يحتمل أن يكون ذلك على لسان قاصد جاء من الجيش ويحتمل أن يكون على لسان جبريل عليه السلام كما دل عليه حديث أنس الذي قبله قوله ' جلس رسول الله
' أي في المسجد وكذا في رواية البيهقي من طريق
269

المقدمي عن عبد الوهاب قوله ' يعرف فيه الحزن للرحمة التي في قلبه ' ولا ينافي ذلك الرضا بالقضاء قوله ' من صائر الباب ' بالصاد المهملة والهمزة بعد الألف وقد فسره بقوله تعني من شق الباب وهذا التفسير إنما وقع في رواية القابسي فيكون من الراوي وذكر ابن التين وغيره أن الصواب ضير الباب بكسر الضاد وسكون الياء آخر الحروف وبالراء وقال الجوهري الضير شق الباب قوله أن نساء جعفر ظاهره يدل على أنه كانت له نساء ولكن لم يعرف له إلا امرأة واحدة وهي أسماء بنت عميس فعلى هذا يكون مراد الرجل امرأته ومن انتسب إليه من النساء وقوله أن نساء جعفر خبره محذوف تقديره يبكين كذا قاله الكرماني قلت فعلى هذا قوله قال وذكر بكائهن سد مسد الخبر ويروى قالت يعني عائشة والضمير في ذكر يرجع إلى الرجل وعلى رواية قال بالتذكير يكون فيه إدراج من الراوي قوله أن ينهاهن قيل وقع في رواية أبي ذر أن يأتيهن من الإتيان والظاهر أنه محرف قوله ' وذكر أنه لم يطعنه ' وفي رواية الكشميهني وذكر أنهن لم يطعنه بضم الياء من الإطاعة قوله لقد غلبننا أي في عدم الإطاعة قوله فاحث أمر من حثا يحثو وحثى يحثي إذا رمى فعلى هذا يجوز في الثاء في ثاء فاحث الضم والكسر قوله أرغم الله أنفك أي ألصقه بالرغام وهو التراب وهذا يستعمل في العجز عن الانتصاف والانقياد على كره قوله فوالله ما أنت تفعل أرادت لقصورك ما تفعل ما أمرت به ولا تخبر النبي
لقصورك عن ذلك حتى يرسل غيرك قوله ' وما تركت ' رسول الله من العناء بالعين المهملة والنون وبالمد وهو التعب ووقع في رواية العذري عند مسلم من الغي بالغين المعجمة وتشديد الياء وفي رواية الطبري مثله ولكن بالعين المهملة
274 - (حدثني محمد بن أبي بكر حدثنا عمر بن علي عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر قال كان ابن عمر إذا حيا ابن جعفر قال السلام عليك يا ابن ذي الجناحين)
مطابقته للترجمة من حيث أنه يتعلق بجعفر الذي استشهد بمؤتة ومحمد بن أبي بكر هو المقدمي وعمر بن علي عمه وعامر هو الشعبي قوله إذا حيا أي إذا سلم على ابن جعفر وهو عبد الله وإنما لقب بذلك لأنه لما قطعت يداه يوم مؤتة جعل الله له جناحين يطير بهما في الجنة وعن النبي
رأيت جعفرا يطير في الجنة مع الملائكة ولقب بالطيار أيضا وروى البيهقي في الدلائل من مرسل عاصم بن عمر بن قتادة أن جناحي جعفر من ياقوت وقال السهيلي جناحان ليسا كما يسبق إلى الوهم كجناحي الطائر وريشه لأن الصورة الآدمية أشرف الصور وأكملها والمراد بالجناحين صفة ملكية وقوة روحانية أعطيها جعفر وقد عبر القرآن عن العضد بالجناح توسعا في قوله تعالى * (واضمم يدك إلى جناحك) * قلت إذا لم يثبت خبر في بيان كيفيتهما فنؤمن به من غير بحث عن حقيقتهما والله أعلم * -
4265 حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن إسماعيل عن قيس بن أبي حازم قال سمعت خالد بن الوليد يقول لقد انقطعت في يدي يوم موتة تسعة أسياف فما بقي في يدي إلا ضعيفة يمانية.
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو نعيم، بضم النون: الفضل بن دكين، وسفيان هو الثوري، وإسماعيل هو ابن أبي خالد الأحمسي البجلي، وقيس بن أبي حازم البجلي، وهؤلاء كلهم كوفيون. قوله: (صعيفة يمانية) الصعيفة: السيف العريض، واليمانية: بتخفيف الياء على الأصح وأصله أن يقرأ بالتشديد لأنها ياء النسبة إلا أنهم خففوها. فقالوا سيف يمان، وأصله يماني.
4266 حدثني محمد بن المثنى حدثنا يحيى عن إسماعيل قال حدثني قيس سمعت خالد ابن الوليد يقول لقد دق في يدي يوم موتة تسعة أسياف وصبرت في يدي صعيفة لي يمانية..
هذا طريق آخر في حديث خالد. ويحيى هو ابن سعيد القطان. قوله: (دق) على صيغة المجهول، أي: تكسر قطعا قطعا. قوله: (وصبرت) أي: لم تنقطع ولم تندق.
270

4267 حدثني عمران بن ميسرة حدثنا محمد بن فضيل عن حصين عن عامر عن النعمان إن بشير رضي الله عنهما قال اغمي على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته عمرة تبكي واجبلاه واكذا واكذا تعدد عليه فقال حين أفاق ما قلت شيئا إلا قيل لي آنت كذلك.
قيل: لا مطابقة للترجمة في ذكر هذا الحديث هنا لأنه ليس فيه ما يدل على أنه كان في غزوة موتة. قلت: يمكن أن يوجه ذكره هنا بشيء وإن كان فيه نوع تعسف، وهو أن المذكور فيه من جملة ما جرى على عبد الله بن رواحة المذكور في الباب وهو الموت فيما مضى والمرض هنا.
وحصين، بضم الحاء هو ابن عبد الرحمن، وعامر هو الشعبي كما مر الآن.
قوله: (أخته عمرة) هي: والدة النعمان بن بشير راوي الحديث، ووقع في رواية هشيم عند أبي نعيم، وفي مرسل أبي عمر أن الجوني عند ابن سعد: أنها أم عبد الله
بن رواحة، قيل: هذا خطأ فاحش، واسم أمه كبشة بنت واقد قوله: (أغمي على عبد الله) يعني: مرض وحصل له الإغماء في مرضه: فلما رأت أخته عمرة هذه الحالة بكت وندبت، وقالت نادبة بقولها (واجبلاه) بالجيم واللام والواو فيه للندبة وهو حرف نداء، ولكنه يختص بالندبة والهاء فيه للسكن، وفي رواية هشيم عن حصين عند أبي نعيم في (المستخرج) واعضداه، وفي مرسل الحسن عند ابن سعد: واجبلاه واعزاه، وفي مرسل أبي عمران الجوني عنده واظهراه. قوله: (تعدد عليه) أي: على عبد الله بن رواحة، وتعدد، بضم التاء من التعديد، وهو ذكر أوصاف الميت ومحاسنه في أثناء البكاء. قوله: (فقال) أي: عبد الله (حين أفاق) من إغمائه مخاطبا لأخته عمرة: (ما قلت شيئا إلا قيل: أنت كذلك؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار. أي: قيل لي هذا الكلام على سبيل الإيذاء والإهانة، وفي مرسل أبي عمران الجوني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان عاده، يعني: عبد الله، فأغمي عليه. فقال: اللهم إن كان أجله قد حضر فيسر عليه وإلا فاشفه. قال: فوجد خفة، فقال: كان قد رفع مرزبة من حديد، يقول: أنت كذا؟ فلو قلت: نعم لقمعني بها.
4268 حدثنا قتيبة حدثنا عبثر عن حصين عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال أغمي على عبد الله بن رواحة بهذا فلما مات لم تبك عليه..
هذا طريق آخر في حديث النعمان بن بشير أخرجه عن قتيبة بن سعيد عن عبثر، بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة وفتح الثاء المثلثة وبالراء في آخره ابن القاسم الكوفي عن حصين بن عبد الرحمن عن عامر الشعبي. قوله: (بهذا) أي: بما ذكر في الحديث الماضي من قوله: فجعلت أخته تبكي إلى آخره. قوله: (فلما مات) أي: عبد الله في غزوة موتة بلغها الخبر لم تبكي عليه لأنه صلى الله عليه وسلم قد نهاها عن البكاء فامتثلت أمره صلى الله عليه وسلم.
4546 باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة
أي: هذا باب في بيان بعث النبي صلى الله عليه وسلم، أسامة بن زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم، قوله: (الحرقات) بضم الحاء المهملة وفتح الراء وبالقاف وهي قبيلة من جهينة، والظاهر أنه جمع حرقة، واسمه: جهيش بن عامر بن ثعلبة بن مودعة بن جهينة سمي: الحرفة لأنه حرق قوما بالنبل فبالغ في ذلك، ذكره ابن الكلبي، وجهينة بن زيد ابن ليث بن سود بن أسلم بضم اللام ابن الحاف بن قضاعة، قال ابن دريد الجهن الغلظ في الوجه وفي الجسم، وبه سمي جهينة وقضاعة ولد معد بن عدنان، وقيل: هو في اليمن وهو ابن مالك بن حمير، وقال ابن دريد: هو من انقطع الرجل من أهله إذا انقطع منهم وبعد.
4269 حدثني عمرو بن محمد حدثنا هشين أخبرنا حصين أخبرنا أبو ظبيان قال سمعت أسامة بن زيد رضي الله عنهما يقول بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة فصبحنا القوم
271

فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه قال لا إل
1764; ه إلا الله فكف الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا أسامة أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله قلت كان متعوذا فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذالك اليوم.
مطابقته للترجمة في قوله: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولكن ليس في هذا ولا في الترجمة ما يدل على أن أسامة كان أمير القوم، وهذه الغزوة مشهورة عند أصحاب المغازي بغزوة غالب الليثي الكلبي، قالوا وفيه نزلت: * (ولا تقولوالمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا) * (النساء: 94) وذكر ابن سعد أنه كان في رمضان سنة سبع وأن الأمير كان غالب بن عبد الله الليثي، أرسله صلى الله عليه وسلم، إلى بني عوال وبني عبد بن ثعلبة وهم بالميفعة وراء بطن نخل بناحية نجد، وبينها وبين المدينة ثمانية برد. في مائة وثلاثين رجلا وقال صاحب (التلويح) فينظر في هذا، هل المرجع إلى ما قاله البخاري أو إلى ما ذكره أهل التاريخ؟
وعمرو بن محمد بن بكير بن سابور الناقد البغدادي وهو شيخ مسلم أيضا، وهشيم مصغر هشم ابن بشير الواسطي، وحصين مصغر حصن. ابن عبد الرحمن الكوفي، وأبو ظبيان، بفتح الظاء المعجمة وكسرها وسكون الباء الموحدة وبالياء آخر الحروف. قال النووي: أهل اللغة يفتحون الظاء ويلحنون من يكسرها، وأهل الحديث يكسرونها، وكذا قيده ابن ماكولا وغيره، واسمه حصين بن جندب بن عمرو، كوفي توفي سنة تسعين.
والحديث أخره البخاري أيضا في الديات عن عمرو بن زرارة النيسابوري عن هشيم. وأخرجه مسلم في الأيمان: حدثنا يعقوب الدورقي، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين قال: حدثنا أبو ظبيان قال: سمعت أسامة بن زيد بن حارثة يحدث، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى الحرقة من جهينة فصبحنا القوم إلى آخره ونحوه وأخرجه أبو داود في الجهاد عن الحسن بن علي وعثمان بن أبي شيبة وأخرجه النسائي في السير عن محمد بن آدم وعن عمرو بن علي.
قوله: (رجلا) هو ومرداس، بكسر الميم وسكون الراء وبالمهملتين: ابن نهيك، بفتح النون وكسر الهاء وبالكاف: الفزاري، كان يرعى غنما له. قوله: (أقتلته؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار. قوله: (متعوذا) أي: من القتل قال الخطابي: ويشبه أن أسامة أول قوله تعالى: * (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا) * (غافر: 85)، فلذلك عزره النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يلزمه دية ونحوها. قوله: (فما زال) أي: النبي صلى الله عليه وسلم، يكررها أي: كلمة (أقتلته) بعد أن قال لا إل
1764; ه إلا الله؟. قوله: (حتى تمنيت) إلى آخره، وهو للمبالغة لا على الحقيقة، ويقال: معناه أنه كان يتمنى إسلاما لا ذنب في.
280 - (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حاتم عن يزيد بن أبي عبيد قال سمعت سلمة بن الأكوع يقول غزوت مع النبي
سبع غزوات وخرجت فيما يبعث من البعوث تسع غزوات مرة علينا أبو بكر ومرة علينا أسامة)
مطابقته للترجمة في قوله ومرة علينا أسامة وحاتم بالحاء المهملة ابن إسماعيل قد مر عن قريب وكذلك يزيد بن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع وأخرجه مسلم أيضا عن
قتيبة في المغازي قوله سبع غزوات وهي غزوته مع النبي
في عمرة الحديبية وخيبر والحديبية ويوم حنين ويوم القرد وغزوة الفتح وغزوة الطائف وغزوة تبوك وهي آخر الغزوات النبوية قوله وخرجت فيما يبعث من البعوث وهو جمع بعث وهو الجيش سمي به لأنه يبعث ثم يجمع وأصله من البعث الذي بمعنى الإرسال قوله تسع غزوات منها سرية أبي بكر الصديق إلى بني فزارة ذكره مسلم وسريته أيضا إلى بني كلاب ذكره ابن سعد وبعثه إلى الحج سنة تسع ومنها سرية أسامة التي وقع ذكرها في الباب وسريته إلى ابني بضم الهمزة وسكون الباء الموحدة ثم نون مقصورا وهي من نواحي
272

البلقاء وذلك في صفر فهذه الخمس التي ذكرها أصحاب المغازي ولم يذكروا غيرها على أن في بعض الروايات لم يذكر عدد في البعوث قوله أسامة هو ابن زيد بن حارثة
(وقال عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي عن يزيد بن أبي عبيد قال سمعت سلمة يقول غزوت مع النبي
سبع غزوات وخرجت فيما يبعث من البعث تسع غزوات علينا مرة أبو بكر ومرة أسامة)
عمر بن حفص من شيوخ البخاري وربما يروى عنه بواسطة وهنا ذكره معلقا ووصله أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي بشر إسماعيل بن عبد الله عن عمر بن حفص به * -
4272 حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد حدثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال غز وت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات وغزوت مع ابن حارثة استعمله علينا..
هذا طريق آخر في حديث سلمة بن الأكوع. وهذا هو الخامس عشر من ثلاثيات البخاري. قوله: (استعمله) أي: جعله أميرا علينا هكذا رواه البخاري مبهما عن شيخه، ولعل وجه الإبهام لمخالفته بقية روايات الباب في تعيين أسامة.
4273 حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا حماد بن مسعدة عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات فذكر خيبر والحديبية ويوم حنين ويوم القرد قال يزيد ونسيت بقيتهم..
هذا طريق آخر أخرجه عن محمد بن عبد الله قال الكلاباذي والبرقاني: هو الذهلي، نسبه إلى جده، وهو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس، وكان أبو داود إذا حدث عنه نسب أباه يحيى إلى جده فارس، ولا يذكر خالدا. وقيل: إن محمد بن عبد الله هذا هو المخزومي البغدادي الحافظ، وحماد بن مسعدة، بفتح الميم وسكون السين المهملة وفتح العين المهملة والدال التميمي البصري، مات سنة اثنتين ومائتين. قوله: (ويوم القرد) بفتح القاف والراء وبالدال المهملة، وهو ماء على نحو يوم من المدينة. قوله: (ونسيت بقيتهم) كذا وقع في النسب بالميم في ضمير جمع الغزوات، والأصل فيه التأنيث، ووقع في رواية النسفي كذلك بالميم، وقال الكرماني، ونسيت بقيتها، أي: الثلاثة الأخرى. وهذا على الصواب.
47
((باب غزوة الفتح))
أي هذا باب في بيان غزوة فتح مكة شرفها الله، وكان سبب ذلك أن قريشا نقضوا العهد الذي وقع بالحديبية، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فغزاهم.
وما بعث به حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بغزو النبي صلى الله عليه وسلم
هذا عطف على قوله: غزوة الفتح، والتقدير: وفي بيان ما بعث به حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بغزوة النبي صلى الله عليه وسلم، والمبعوث منه الكتاب، وصورته: أما بعد: يا معشر قريش، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاءكم بجيش كالليل، يسير كالسيل، فوالله لو جاءكم وحده نصره الله عليكم، وأنجز له وعده، فانظروا لأنفسكم والسلام.
4274 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار قال أخبرني الحسن بن محمد أله سمع عبيد الله بن أبي رافع يقول سمعت عليا رضي الله عنه يقول بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم
273

أنا والزبير والمقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعنة معها كتاب فخذوا منها قال فانطلقنا تعادي بناخيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة قلنا لها أخرجي الكتاب قالت ما معى كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب قال فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حاطب ما هذا قال يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرء ملصقا في قريش يقول كنت حلينا ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه قد صدقكم فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هاذا المنافق فقال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدرا قال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل الله السورة * (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق) * (الممتحنة: 1) إلى قوله: * (فقد ضل سواء السبيل) * (الممتحنة: 1)..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وسفيان هو ابن عيينة، والحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنهم، يعرف أبوه بابن الحنفية قال الواقدي: توفي زمن
عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه، وعبيد الله بن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو رافع اسمه أسلم.
والحديث قد مضى في الجهاد في: باب الجاسوس، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (والزبير) بالنصب عطف على الضمير المنصوب في: بعثني، وهو الزبير بن العوام. قوله: (والمقداد)، بالنصب أيضا عطفا على: والزبير، وأكد الضمير المنصوب في بعثني بلفظ: أنا كما في قوله تعالى: * (أن ترن أنا أقل منك مالا وولدا) * (الكهف: 39) (فإن قلت): في رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله تعالى عنه: بعثني وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام، كما تقدم في فضل من شهد بدرا، قلت: يحتمل أن يكون هؤلاء الثلاثة مع علي، فذكر أحد الراويين عنه ما لم يذكر الآخر، وذكر ابن إسحاق الزبير مع علي ليس إلا وساق الخبر بالتثنية، قال: فخرجا حتى أدركاها فاستنزلاها إلى آخره. قوله: (روضة خاخ) بخاءين معجمتين: موضع بين مكة والمدينة. قوله: (ظعينة) أي: امرأة واسمها سارة، وقال الواقدي: كنود، وفي رواية: أم سارة، وجعل لها حاطب عشرة دنانير على ذلك، وقيل: دينارا واحدا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتلها يوم الفتح مع هند بنت عتبة ثم استؤمن لها فأمنها، ثم بقيت حتى أوطأها رجل من الناس فرسا في زمن عمر، رضي الله تعالى عنه، فقتلها وكانت مولاة لبني عبد المطلب. قوله: (تعادي بنا خيلنا) أي: أسرعت بنا وتعدت عن مشيها المعتاد. قوله: (أو لتلقين) بكسر الياء وفتحها. قوله: (من عقاصها)، بكسر العين وبالقاف، وهي الشعور المظفورة (فإن قلت) تقدم في: باب، إذا اضطر الرجل إلى النظر، أنها أخرجته من الحجزة؟ قلت: قال الكرماني: لعلها أخرجته من الحجزة فأخفته في العقيصة، ثم أخرجته منها قلت: لا يخلو هذا من نظر، وقد مر الكلام فيه في الجهاد. قوله: (يقول: كنت حليفا) تفسير قوله: (وكنت امرأ ملصقا في قريش)، وقال السهيلي: كان حاطب حليفا لعبد الله بن حميد بن زهير بن أسد بن عبد العزي. قوله: (يدا) أي: منة وحقا. قوله: (فقال: إنه) أي: فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن حاطبا (شهد بدرا)، أي: غزوة بدر، وحاطب، بالمهملتين: ابن أبي بلتعة، واسمه: عمير بن سلمة بن صعب بن عتيك
274

وقال أبو عمر: حاطب بن أبي بلتعة اللخمي من ولد لخم بن عدي في قول بعضهم، وقيل: كان عبدا لعبد الله بن حميد المذكور آنفا بالكتابة، فأدى كتابتة يوم الفتح، مات سنة ثلاثين بالمدينة، وهو ابن اثنتين وستين سنة، وصلى عليه عثمان، رضي الله تعالى عنه، وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم، بكتاب إلى المقوقس صاحب مصر والإسكندرية في محرم سنة ست بعد الحديبية، فأقام عنده خمسة أيام ورجع بهدية منها مارية أم إبراهيم وأختها سيرين، فوهبها لحسان بن ثابت، وبغلته دلدل وحماره عفير وعسل وثياب وغير ذلك من الظرف، وقال أبو عمر: أهدى المقوقس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثلاث جوار منهن: أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرى وهبها لأبي جهم بن حذيفة العدوي، وأخرى وهبها لحسان بن ثابت، ثم بعثه الصديق، رضي الله تعالى عنه أيضا إلى المقوقس فصالحهم، فلم يزالوا كذلك حتى دخلها عمرو بن العاص فنقض الصلح وقاتلهم وافتتح مصر، وذلك في سنة عشرين، وكان حاطب تاجرا يبيع الطعام، وترك يوم مات أربعة آلاف دينار ودراهم وغير ذلك، وروى حاطب عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: من رآني بعد موتي فكأنما رآني في حياتي، ومن مات في أحد الحرمين يبعث في الآمنين يوم القيامة. وقال أبو عمر: لا أعلم له غير هذا الحديث، وفي الصحابة: حاطب، أربعة سواه. قاله صاحب (التوضيح) ولم يذكر أبو عمر إلا أربعة منهم: خاطب بن عمرو بن عتيك شهد بدرا ولم يذكره ابن إسحاق في البدريين، وحاطب بن عمرو بن عبد شمس، وحاطب بن الحارث مات بأرض الحبشة مهاجرا، وحاطب بن أبي بلتعة. قوله: (فأنزل الله السورة) إلى آخره، قال أبو عمر: قد شهد الله لحاطب بن أبي بلتعة بالإيمان في قوله: * (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) * (الممتحنة: 1) قال مجاهد: هذا صريح في نزول الآية فيه وفي قوم معه كتبوا إلى أهل مكة يخبرونهم. قوله: (تلقون إليهم بالمودة) أي: تلقون إليهم النصيحة بالمودة. قوله: (وقد كفروا) أي: والحال أن أهل مكة المشركين قد كفروا بما جاءكم الرسول من الحق وهو القرآن وأمره. قوله: (يخرجون الرسول) أي: من مكة، وهو استئناف كالتفسير لكفرهم، وقيل: حال من كفروا، أي: يخرجون الرسول وإياكم من مكة لأجل إيمانكم. قوله: (إن كنتم خرجتم) المعنى: إن كنتم خرجتم للجهاد ولطلب مرضاة الله (فلا تتخذوا عدوي وعدكم أولياء) قوله: (تسرون) بدل من: تلقون، وقيل: استئناف. قوله: (وأنا أعلم بما أخفيتم) فكيف يخفى علي تحذيركم الكفار؟ قوله: (ومن يفعله منكم) أي: ومن يفعل الإسرار في هذا فقد ضل أي: فقد أخطأ سواء السبيل أي: طريق الحق.
48
((باب غزوة الفتح في رمضان))
أي: هذا باب في بيان أن غزوة يوم فتح مكة كانت في شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة، وكان خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة يوم الأربعاء لعشر ليال خلون من رمضان، وروى ابن إسحاق عن الزهري أنه صلى الله عليه وسلم استعمل على المدينة أبارهم الغفاري.
4275 حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عباس أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا غزوة الفت في رمضان قال وسمعت ابن المسيب يقول مثل ذالك..
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث مضى في الصيام وغيره. قوله: (قال: وسمعت ابن المسيب) والقائل هو الزهري، وهو موصول بالإسناد المذكور.
وعن عبيد الله بن عبد الله أخبره أن ابن عباس رضي الله عنهما قال صام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا بلغ الكديد الماء الذي قديد وعسفان أفطر فلم يزل مفطرا حتى انسلخ الشهر.
275

هذا موصول بالإسناد المذكور، وقد تقدم في كتاب الصوم في: باب إذا صام أياما من رمضان ثم سافر، وأخرجه عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن ابن شهاب عن
عبيد الله عن ابن عباس.
قوله: (الكديد)، بفتح الكاف وكسر المهملة الأولى. قوله: (الماء الذي بين قديد وعسفان) بالنصب عطف بيان أو بدل من الكديد، وقديد، بضم القاف مصغر القدو قال البكري: قديد قرية جامعة كثيرة المياه والبساتين وبين قديد والكديد ستة عشر ميلا، والكديد أقرب إلى مكة، وعسفان، بضم العين وسكون السين المهملتين بالفاء هو موضع على أربع برد من مكة.
4276 حدثني محمود أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر قال أخبرني الزهري عن عبيد الله ابن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف وذالك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمه المدينة فسار هو ومن معه من المسلمين إلى مكة يصوم ويصومون حتى بلغ الكديد وهو ماء بين عسفان وقديد أفطر وأفطروا قال الزهري وإنما يؤخذ من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الآخر فالآخر..
هذا طريق آخر في حديث ابن عباس. وهو من مراسيله لأنه كان من المستضعفين بمكة. قاله ابن التين، ومحمود هو ابن غيلان أبو أحمد المروزي شيخ مسلم أيضا.
والحديث أخرجه مسلم أيضا في الصوم عن يحيى بن يحيى وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة.
قوله: (ومعه عشرة آلاف) أي: من سائر القبائل. وعند ابن إسحاق: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، في اثني عشر ألفا من المهاجرين والأنصار، وأسلم وغفار ومزينة وجهينة وسليم، ووالتوفيق بين الروايتين بأن العشرة آلاف من نفس المدينة ثم تلاحق به الألفان قوله: وذلك أي: خروجه على رأس ثمان سنين، قيل: هذا وهم، والصواب على رأس سبع سنين ونصف، وإنما وقع الوهم من كون غزوة الفتح كانت في سنة ثمان ومن أثناء ربيع الأول إلى أثناء رمضان نصف سنة سواء، فالتحرير أنها سبع سنين ونصف، وقال أبو نعيم، الحداد في (جمعه بين الصحيحين) كان الفتح بعد السنة الثامنة، وقال مالك: كان الفتح في تسعة عشر يوما من رمضان على ثمان سنين، وحقيقة الحساب على ما ذكره الشيخ أبو محمد في (مختصره): أنها سبع سنين وتسعة أشهر، لأن الفتح في الثامنة من رمضان، وكان مقدمه المدينة في ربيع الأول يدل عليه أن ابن عباس قال: أقمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، تسعة عشر يوما يقصر الصلاة، وهو لم يحضر الفتح لأنه كان من المستضعفين بمكة. قوله: (يصوم) حال، أي: النبي صلى الله عليه وسلم، قوله: (أفطر)، أي: النبي صلى الله عليه وسلم، (وأفطروا) أي: المسلمون الذين كانوا معه. قوله: (قال الزهري: وإنما يؤخذ) أي يجعل الآخر اللاحق ناسخا للأول السابق، والصوم في السفر كان أولا والإفطار آخرا. وفي الحديث رد على جماعة منهم عبيدة السلماني في قوله: ليس له الفطر إذا شهد أول رمضان في الحضر، مستدلا بقوله تعالى: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * (البقرة: 185) وهو عند الجماعة محمول على من شهده كله إذ لا يقال لمن شهد بعض الشهر: شهده كله.
4277 حدثني عياش بن الوليد حدثنا عبد الأعلى حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان إلى حنين والناس مختلفون فصائم ومفطر فلما استوى على راحلته دعا بإناء من لبن أو ماء فوضعه على راحته ثم نظر إلى الناس فقال المفطرون للصوام أفطروا..
مطابقته للترجمة من حيث إن خروجه صلى الله عليه وسلم إلى حنين عقيب الفتح، وعياش، بفتح العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة: ابن الوليد الرقام القطان البصري. مات سنة ست وعشرين ومائتين، وعبد الأعلى الشامي البصري، وخالد هو
276

ابن مهران الحذاء البصري.
والحديث انفرد به البخاري ولكن فيه إشكال نبه عليه الدمياطي، وهو أن قوله: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان إلى حنين) وقع كذا، ولم تكن غزوة حنين في رمضان، وإنما كانت في شوال سنة ثمان، وقال ابن التين: لعله يريد آخر رمضان لأن حنينا كانت عام ثمان إثر فتح مكة، وفيه نظر لأنه صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة في عاشر رمضان فقدم مكة في وسطه وأقام بها تسعة عشر يوما كما سيأتي في حديث ابن عباس، فيكون خروجه إلى حنين في شوال. وأجيب: بأن مراده أن ذلك في غير زمن الفتح، وكان في حجة الوداع أو غيرها، وفيه نظر، لأن المعروف أن حنينا في شوال عقيب الفتح. وقال الداودي: صوابه إلى خيبر أو مكة، لأنه صلى الله عليه وسلم قصدها في هذا الشهر، فأما حنين فكانت بعد الفتح بأربعين ليلة وكان قصد مكة أيضا في هذا الشهر، ورد عليه قوله: إلى خيبر، لأن الخروج إليها لم يكن في رمضان، وأجاب المحب الطبري عن الإشكال المذكور: بأن يكون المراد من قوله: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان إلى حنين) أنه قصد الخروج إليها وهو في رمضان، فذكر الخروج وأراد القصد بالخروج ومثل هذا شائع ذائع في الكلام.
(وحنين) بضم الحاء المهملة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف ونون أخرى: واد بمكة بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا، وسبب حنين أنه لما اجتمع صلى الله عليه وسلم على الخروج من مكة لنصرة خزاعة أتى الخبر إلى هوازن أنه يريدهم فاستعدوا للحرب حتى أتوا سوق ذي المجاز، فسار صلى الله عليه وسلم حتى أشرف على وادي حنين مساء ليلة الأحد، ثم صالحهم يوم الأحد النصف من شوال. قوله: (والناس مختلفون) يحتمل اختلافهم في كون بعضهم صائمين وبعضهم مفطرين، ويحتمل اختلافهم في أن النبي صلى الله عليه وسلم أصائم أو مفطر؟ قوله: فصائم أي: بعضهم صائم، وبعضهم مفطر. قوله: (بإناء من لبن أو ماء) شك من الراوي، قال الداودي: يحتمل أن يكون دعا بهذا مرة وبهذا مرة، ورد عليه بأن الحديث واحد والقصة واحدة فلا دليل على التعدد. قلت: ابن التين قال: إنه كانت قضيتان: إحداهما في الفتح والأخرى في حنين، والصواب: أن الراوي قد شك فيه، ويؤيده رواية طاوس عن ابن عباس في آخر الباب: دعا بإناء من ماء فشرب نهارا. قوله: (فوضعه على راحته) ويروى: على راحلته. قوله: (للصوام) بضم الصاد وتشديد الواو جمع صائم وفي رواية أبي ذر: للصوم، بدون الألف، وهو أيضا جمع صائم، وفي رواية الطبري في (تهذيبه): فقال المفطرون للصوام: أفطروا يا عصاة.
وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما خرج النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح..
أخرجه هكذا معلقا مختصرا، ووصله أحمد عن بعد الرزاق، وبقيته: خرج النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح في شهر رمضان فصام حتى مر بغدير في الطريق الحديث.
وقال حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم
هذا أيضا معلق، وهكذا وقع في بعض نسخ أبي ذر عن ابن عباس، وفي رواية غيره ليس فيه عن ابن عباس، وبه جزم الدارقطني وأبو نعيم في (المستخرج) وكذلك وصله البيهقي من طريق سليمان بن حرب أحد مشايخ البخاري عن حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة، فذكر الحديث بطوله في فتح مكة، ثم قال في آخره، لم يجاوز به أيوب عن عكرمة.
4279 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس قال سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فصام حتى بلغ عسفان ثم دعا بإناء من ماء فشرب نهارا ليريه الناس فأفطر حتى قدقم مكة قال وكان ابن عباس يقول صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر وأفطر فمن شاء صام ومن شاء أفطر..
277

مطابقته للترجمة من حيث أن سفره في رمضان كان في سنة الفتح والحديث أخرجه في كتاب الصوم في: باب من أفطر في السفر ليراه الناس، فإنه أخرجه هناك عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة عن منصور إلى آخره، ومر الكلام فيه هناك. قوله: (ليريه) بضم الياء من الإراءة، (والناس) بالنصب مفعولة.
49
((باب أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح))
أي: هذا باب يذكر فيه في أي مكان ركز النبي صلى الله عليه وسلم رايته أي: نصبها يوم فتح مكة.
288 - (حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه قال لما صار رسول الله
عام الفتح فبلغ ذلك قريشا خرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يلتمسون الخبر عن رسول الله
فأقبلوا يسيرون حتى أتوا مر الظهران فإذا هم بنيران كأنها نيران عرفة فقال أبو سفيان ما هذه لكأنها نيران عرفة فقال بديل بن ورقاء نيران بني عمرو فقال أبو سفيان عمر أقل من ذلك فرآهم ناس من حرس رسول الله
فأدركوهم فأخذوهم فأتوا بهم رسول الله
فأسلم أبو سفيان فلما سار قال للعباس احبس أبا سفيان عند حطم الخيل حتى ينظر إلى المسلمين فحبسه العباس فجعلت القبائل تمر مع النبي
تمر كتيبة كتيبة على أبي سفيان فمرت كتيبة قال يا عباس من هذه قال هذه غفار قال مالي ولغفار ثم مرت جهينة قال مثل ذلك ثم مرت سعد بن هذيم فقال مثل ذلك ومرت سليم فقال مثل ذلك حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلها قال من هذه قال هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن عبادة معه الراية فقال سعد بن عبادة يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة فقال أبو سفيان يا عباس حبذا يوم الذمار ثم جاءت كتيبة وهي أقل الكتائب فيهم رسول الله
وأصحابه وراية النبي
مع الزبير بن العوام فلما مر رسول الله
بأبي سفيان قال ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة قال ما قال قال قال كذا وكذا فقال كذب سعد ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكتسي فيه الكعبة قال وأمر رسول الله
أن تركز رايته بالحجون قال عروة وأخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال سمعت العباس يقول للزبير بن العوام يا أبا عبد الله ههنا أمرك رسول الله
أن تركز الراية قال وأمر رسول الله
يومئذ خالد بن الوليد أن يدخل من أعلى مكة من كداء ودخل النبي
من كدى فقتل من خيل خالد يومئذ رجلان حبيش بن الأشعر وكرز بن جابر الفهري)
مطابقته للترجمة في قوله وأمر رسول الله
أن تركز رايته بالحجون وعبيد بن إسماعيل أبو محمد القرشي الكوفي وأبو أسامة حماد بن أسامة وهشام بن عروة بن الزبير بن العوام وهذا الحديث من مراسيل التابعي قوله فبلغ ذلك أي سير النبي
قوله ' أبو سفيان ' اسمه صخر بن حرب بن أمية بن عبد
278

شمس الأموي القرشي غلبت عليه كنيته وقيل كانت له كنية أخرى أبو حنظلة كني بابن له يسمى حنظلة قتله علي بن أبي طالب يوم بدر كافرا وتوفي أبو سفيان بالمدينة سنة إحدى وثلاثين وهو ابن ثمان وثمانين سنة وحكيم بن حزام بن خويلد ابن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي يكنى أبا خالد وهو ابن أخي خديجة بنت خويلد زوج النبي
وتوفي بالمدينة في خلافة معاوية سنة أربع وخمسين وهو ابن مائة وعشرين سنة وبديل بضم الباء الموحدة وفتح الدال المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره لام
ابن ورقاء مؤنث الأورق ابن عبد العزى بن ربيعة الخزاعي من خزاعة أسلم يوم فتح مكة وابنه عبد الله بن بديل قوله مر الظهران بفتح الميم وتشديد الراء والعامة يسكون الراء وزيادة واو والظهران بفتح الظاء المعجمة وسكون الهاء بلفظ تثنية ظهر وهو موضع بقرب مكة وقال البكري بينه وبين مكة ستة عشر ميلا قوله فإذا هم كلمة إذا مفاجأة وهم يرجع إلى أبي سفيان وحكيم وبديل قوله كأنها نيران عرفة أي كأن هذه النيران مثل النيران التي كانوا يوقدونها وكانت عادتهم أنهم يشعلون نيرانا كثيرة في عرفة وقال ابن سعد أنه
لما نزل مر الظهران أمر أصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار ولما بلغ قريشا مسيره
وهم مغتمون لما يخافون من غزوه إياهم بعثوا أبا سفيان يتجسس الأخبار وقالوا إن لقيت محمدا فخذ لنا منه أمانا فخرج ومعه حكيم بن حزام وبديل فلما رأوا العسكر أفزعهم وعلى الحرس تلك الليلة عمر رضي الله تعالى عنه فسمع العباس صوت أبي سفيان فقال أبا حنظلة فقال لبيك قال هذا رسول الله في عشرة آلاف فأسلم ثكلتك أمك وقال ابن إسحاق إن أبا سفيان ركب مع العباس ورجع حكيم وبديل وقال موسى بن عقبة ذهبوا كلهم مع العباس إلى رسول الله
فأسلموا وقال أبو معشر إن الحرس جاؤوا بأبي سفيان إلى عمر رضي الله تعالى عنه فقال احبسوهم حتى أسأل رسول الله
فلما أخبره الخبر جاء العباس إلى أبي سفيان فأردفه فجاء به إلى رسول الله
وجاؤا بالآخرين وقال الطبري أنه
وجه حكيم بن حزام مع أبي سفيان بعد إسلامهما إلى مكة وقال من دخل دار حكيم فهو آمن وهي بأسفل مكة ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن وهي بأعلى مكة فكان هذا أمانا منه لكل من لم يقاتل من أهل مكة ولهذا قال جماعة من أهل العلم منهم الشافعي أن مكة مؤمنة وليست عنوة والأمان كالصلح ورأى أن أهلها مالكون رباعهم قوله ' ما هذه '؟ وكأنه جواب قسم محذوف أي والله لكأنها نيران ليلة عرفة قوله ' نيران بني عمرو ' يعني خزاعة وعمرو هو ابن لحي قوله ' من حرس رسول الله
' بفتح الحاء المهملة وهو جمع حرسى وقال ابن الأثير الحرس خدم السلطان المرتبون لحفظه وحراسته وفي مراسيل أبي سلمة وكان حرس رسول الله
نفرا من الأنصار وكان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عليهم تلك الليلة فجاؤوا به إليه فقالوا جئناك بنفر أخذناهم من أهل مكة فقال عمر والله لو جئتموني بأبي سفيان ما زدتم قالوا قد أتيناك بأبي سفيان قوله ' عند حطم ' الخيل قال ابن الأثير في باب الحاء المهملة وفي حديث الفتح قال للعباس احبس أبا سفيان عند حطم الخيل هكذا جاءت في كتاب أبي موسى وقال حطم الخيل الموضع الذي حطم منه أي ثلم منه فبقي متقطعا قال ويحتمل أن يريد عند مضيق الخيل حيث يزحم بعضهم بعضا ورواه أبو نصر الحميدي في كتابه بالخاء المعجمة وفسرها في غريبه فقال الخطم والخطمة رغن الجبل وهو الأنف البارز منه والذي جاء في كتاب البخاري وهو أخرج الحديث في ما قرأناه ورويناه في نسخ كتابه عند حطم الخيل هكذا مضبوطا يعني بالخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف فإن صحت الرواية به ولم تكن تحريفا من الكتبة فيكون معناه والله أعلم أن يحبسه في الموضع المتضايق الذي يتحطم فيه الخيل أي يدوس بعضها بعضا فيراها جميعا وتكثر في عينه بمرورها في ذلك الموضع وكذلك أراد بحبسه عند حطم الجبل يعني بالجيم على ما شرحه الحميدي فإن الأنف البارز من الجبل يضيق الموضع الذي يخرج منه وقال الخطابي خطم الجبل بالخاء المعجمة وهو ما خطم منه أي ثلم من عرضه فبقي متقطعا وكذا قاله ابن التين وقال الكرماني الخطم المتكسر المنخرق والجبل بالجيم قلت وفي رواية القابسي والنسفي الخطم بالخاء المعجمة والجبل بالجيم والباء الموحدة وهي رواية ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي وفي رواية الأكثرين بفتح الخاء من الخطم وبالخاء المعجمة من الخيل قوله كتيبة بفتح الكاف وكسر التاء المثناة من فوق وهي القطعة المجتمعة من الجيش وأصله من الكتب
279

وهو الجمع قوله ' هذه ' أي هذه الكتيبة غفار بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وبالراء وهو ابن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة قوله مالي ولغفار يعني ما كان بيني وبينهم حرب قوله ' جهينة ' بضم الجيم وفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون وهو ابن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بضم اللام ابن الحاف بن قضاعة قوله سعد بن هذيم بضم الهاء وفتح الذال المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره ميم والمعروف فيها سعد هذيم بالإضافة وسعد بن هذيم على المجاز وسعد بن هذيم طوائف من العرب وهذيم الذي نسب إليه سعد عبد كان رباه فنسب إليه قوله ومرت سلم بضم السين وفتح اللام وهو ابن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس غيلان قوله معه الراية أي راية الأنصار وكانت راية المهاجرين مع الزبير بن العوام قوله يوم الملحمة بالحاء المهملة أي يوم حرب لا يوجد فيه مخلص وقيل يوم القتل يقال لحم فلان فلانا إذا قتله قوله حبذا يوم الذمار بكسر الذال المعجمة وتخفيف الميم أي يوم الهلاك وقال الخطابي تمنى أبو سفيان أن يكون له يد فيحمي قومه ويدفع عنهم وقيل المراد هذا يوم الغضب للحريم والأهل والانتصار لهم لمن قدر عليه وقيل المراد هذا يوم يلزمك فيه حفظي وحمايتي من أن ينالني مكروه وقال ابن إسحاق زعم بعض أهل العلم أن سعدا لما قال اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة فسمعها رجل من المهاجرين فقال يا رسول الله ما آمن أن يكون لسعد في قريش فقال لعلي رضي الله تعالى عنه أدركه فخذ الراية منه فكن أنت تدخل بها وقال ابن هشام الرجل المذكور هو عمر رضي الله تعالى عنه وذكر الأموي في المغازي أن النبي
أرسل إلى سعد فأخذ الراية منه فدفعها إلى ابنه قيس وجزم موسى بن عقبة في المغازي عن الزهري أنه دفعها إلى الزبير بن العوام فإن قلت هذه ثلاثة أقوال فما التوفيق بينها قلت الجمع فيها أن عليا أرسل بنزعها وأن يدخل بها ثم خشي تغير خاطر سعد فدفعها لابنه قيس ثم أن سعدا خشي أن يقع من ابنه شيء ينكره النبي
فسأل النبي
أن يأخذها منه فحينئذ أخذها الزبير قوله ' وهي أقل الكتائب ' أي أقلها عددا قال عياض وقع للجميع بالقاف ووقع للحميدي بالجيم أي أجلها قوله ' فقال كذب سعد ' أي قال النبي
كذب أي أخطأ سعد قوله قال وأمر رسول الله
القائل بذلك هو عروة وهو من بقية الخبر وهو ظاهر الإرسال في الجميع إلا في القدر الذي صرح عروة بسماعه له من نافع بن جبير وأما باقيه فيحتمل أن يكون عروة تلقاه عن أبيه أو عن العباس فإنه أدركه وهو صغير قوله الحجون بفتح الحاء المهملة وضم الجيم الخفيفة هو مكان معروف بالقرب من مقبرة مكة شرفها الله تعالى قوله قال عروة وأخبرني نافع بن جبير بن مطعم إلى قوله وأمر هذا السياق يوهم أن نافعا أحضر المقالة المذكورة يوم فتح مكة وليس كذلك فإنه لا صحبة له ولكنه محمول على أنه سمع العباس يقول للزبير ذلك بعد ذلك في حجة اجتمعوا فيها إما في خلافة عمر أو في خلافة عثمان قوله وأمر رسول الله
إلى قوله من كداء بفتح الكاف وتخفيف الدال وبالمد وهو أعلى مكة وكدى بضم الكاف والقصر والتنوين قيل هذا مخالف للأحاديث الصحيحة الآتية أن خالدا دخل من أسفل مكة ودخل النبي
من أعلاها وضربت له هناك قبة قوله حبيش بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وبالشين وعند ابن إسحاق خنيس بضم الخاء المعجمة وفتح النون وبالسين المهملة وكلاهما مصغر ابن الأشعر وهو لقب واسمه خالد بن سعد بن منقد بن ربيعة بن حزم الخزاعي وهو أخو أم معبد التي مر بها النبي
مهاجرا واسمها عاتكة قوله وكرز بضم الكاف وسكون الراء وفي آخره زاي ابن جابر بن حسل بكسر الحاء وسكون السين المهملتين ابن الأحب بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة المشددة ابن حبيب الفهري وكان من رؤساء المشركين وهو الذي أغار على سرح النبي
في غزوة بدر الأولى ثم أسلم قديما وبعثه النبي
في طلب العرنيين وذكر ابن إسحاق أن هذين الرجلين سلكا طريقا فشذا عن عسكر خالد رضي الله تعالى عنه فقتلهما المشركون يومئذ -
280

4281 حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن معاوية بن قرة قال سمعت عبد الله بن مغفل يقول رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته وهو يقرأ سورة الفتح يرجع وقال لولا أن يجتمع الناس حولي لرجعت كما رجع.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو الوليد هشام بن عبد الملك، هكذا وقع في الأصول، وزعم خلف أنه وقع بذله: سليمان بن حرب.
وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن مسلم بن إبراهيم وفي فضائل القرآن عن حجاج بن منهال وعن آدم بن أبي إياس وفي التوحيد عن أحمد بن أبي سريج، وأخرجه مسلم في الصلاة عن أبي موسى وبندار عن يحيى بن حبيب وعن عبيد الله بن معاذ وعن أبي بكر بن أبي شيبة. وأخرجه أبو داود فيه عن حفص بن عمر. وأخرجه الترمذي في الشمائل عن محمود بن غيلان. وأخرجه النسائي في فضائل القرآن عن أبي قدامة وغيره.
قوله: (يرجع) بتشديد الجيم، من الترجيع، وهو ترديد القارئ الحرف في الحلق. قوله: (وقال)، القائل هو معاوية بن قرة راوي الحديث. قوله: (كما رجع) أي: ابن مغفل، ولفظ مسلم عن معاوية بن قرة، قال: سمعت عبد الله بن مغفل هو المزني، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته يقرأ سورة الفتح، قال: فقرأ ابن مغفل ورجع في قراءته، فقال معاوية: لولا الناس لأخبرتكم ذلك الذي ذكره ابن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم.
4282 حدثنا سليمان بن عبد الرحمان حدثنا سعدان بن يحيى حدثنا محمد بن أبي حفصة عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أنه قال زمن الفتح يا رسول الله أين تنزل غذا قال النبي صلى الله عليه وسلم وهل ترك لنا عقيل من منزل. ثم قال لا يرث المؤمن الكافر ولا يرث الكافر المؤمن قيل للزهري ومن ورث أبا طالب قال ورثه عقيل وطالب قال معمر عن الزهري أين تنزل غدا في حجته ولم يقل يونس حجته ولا زمن الفتح.
مطابقته للترجمة في قوله: (زمن الفتح) وهذا إسناد نازل لا يخلو عن نظر.
ورجاله سبعة: الأول: سليمان بن عبد الرحمن المعروف بابن ابنة شرحبيل بن أيوب الدمشقي، مات سنة ثلاثين ومائتين. الثاني: سعدان بن يحيى بن صالح، يقال: اسمه سعيد وسعدان لقبه أبو يحيى اللخمي الكوفي، سكن دمشق لينه الدارقطني، وماله في البخاري إلا هذا الموضع. الثالث: محمد بن أبي حفصة، واسم أبي حفصة: ميسرة، بصري يكنى أبا سلمة صدوق ضعفه النسائي وماله في البخاري سوى هذا الحديث، وآخر في الحج قرنه فيه بغيره. الرابع: محمد بن مسلم الزهري. الخامس: علي بن حسين بن علي بن أبي طالب، مات سنة أربع وتسعين. السادس: عمرو بن عثمان بن عفان القرشي الأموي. السابع: أسامة بن زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد مضى الحديث في كتاب الحج في: باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها، فإنه أخرجه هناك عن اصبغ عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن علي بن حسين إلى آخره، وقد مضى في الجهاد أيضا عن محمود عن بعد الرزاق عن الزهري، ومضى الكلام فيه هناك مستوفى.
قوله: (عقيل) بفتح العين هو ابن أبي طالب. قوله: (وقال معمر عن الزهري) هو متصل بالإسناد المذكور، وطريق معمر بن راشد تقدم موصولا في الجهاد. قوله: (ولم يقل يونس) هو ابن يزيد الأيلي، يعني: لم يقل في روايته لفظ: حجته، ولا لفظ: زمن الفتح، يعني سكت عن ذلك وبقي الاختلاف بين ابن أبي حفصة ومعمر، ومعمر أوثق وأتقن من محمد بن أبي حفصة.
4284 حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن عبد الرحمان عن أبي هريرة
281

رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلنا إن شاء الله إذا فتح الله الخيف حيث تقاسموا على الكفر..
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة. وأبو الزناد بالزاي والنون واسمه عبد الله بن ذكوان، و عبد الرحمن بن هرمز الأعرج.
قوله: (منزلنا) مبتدأ و (الخيف) خبره وعكس بعضهم فيه، والخيف، بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالفاء: ما ارتفع عن غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء. قوله: (حيث تقاسموا) أي: تحالفوا وذلك أنهم تحالفوا على إخراج الرسول وبني هاشم والمطلب من مكة إلى الخيف، وكتبوا بينهم الصحيفة المشهورة.
4285 حدثنا موساى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن سعد أخبرنا ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد حنينا منزلنا غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر..
هذا طريق آخر في حديث أبي هريرة عن موسى بن إسماعيل المعروف بالتبوذكي عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن محمد بن مسلم الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن إلى آخره.
قوله: (حين أراد حنينا) يعني: في غزوة الفتح، وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم النزول في ذلك الموضع ليتذكر ما كانوا فيه فيشكر الله تعالى على ما أنعم به عليه يوم الفتح العظيم وتمكنهم من دخول مكة ظاهرا على رغم من سعى في إخراجه منها، ومبالغة في الصفح عن الذين أساؤوا ومقابلتهم بالمن والإحسان.
4286 حدثنا يحيى بن قزعة حدثنا مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاء رجل فقال ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتله قال مالك ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نرى والله أعلم يومئذ محرما..
مطابقته للترجمة ظاهرة. ويحيى بن قزعة، بفتح القاف والزاي والعين المهملة. الحجازي من أفراده. والحديث قد مر في الحج عن عبد الله بن يوسف عن مالك في: باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (المغفر)، بكسر الميم: زرد ينسج من الدروع على مقدار القلنسوة يلبس تحت القلنسوة، وفي رواية يحيى بن بكير عن مالك: (مغفر من حديد). قوله: (ابن خطل)، هو عبد الله بن خطل، بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة، كان أسلم وارتد وقتل قتيلا بغير حق، وكانت له قينتان تغنيان بهجو النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (فقال: اقتله) أي: قال النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الرجل (اقتل ابن خطل)، وفي الحديث الذي مضى في الحج فقال: (اقتلوه)، بخطاب الجمع، وروى الدارقطني من رواية شبابة بن سوار عن مالك في هذا الحديث: (من رأى منكم ابن خطل فليقتله)، واختلف في قاتله، وجزم ابن إسحاق بأن سعيد بن حريث وأبا برزة الأسلمي اشتركا في قتله. وعن الواقدي: أن قاتله شريك بن عبدة العجلاني، ورجح أنه أبو برزة. وفي (التوضيح) وفيه دلالة على أن الحرم لا يعصم من القتل الواجب. قلت: إنما وقع قتل ابن خطل في الساعة التي أحل للنبي صلى الله عليه وسلم فيها القتال بمكة، وقد صرح بأن حرمتها عادت كما كانت فلم يصح الاستدلال به لما ذكره، وروى أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن تلك الساعة استمرت من صبيحة يوم الفتح إلى العصر. قوله: (قال مالك). إلى آخره وهو كما قال لأنه لم يرو أحد أنه تحلل يومئذ من إحرام، وقيل: يحتمل أن يكون محرما إلا أنه لبس المغفر للضرورة، أو أنه من خواصه صلى الله عليه وسلم، قوله: (فيما نرى) على صيغة المجهول أي: فيما نظن. قوله: (محرما) نصب لأنه خبر: لم يكن.
282

4287 حدثنا صدقة بن الفضل أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله رضي الله عنه قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب فجعل يطعنها بعود في يده ويقول جاء الحق وزهق الباطل جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد..
مطابقته للترجمة ظاهرة وصدقة بن الفضل المروزي وابن عيينة سفيان بن عيينة وابن أبي نجيح، بفتح النون: عبد الله واسم أبي نجيح يسار، وأبو معمر، بفتح الميمين عبد الله بن سخبرة، وعبد الله هو ابن مسعود.
والحديث أخرجه البخاري في كتاب المظالم في: باب هل يكسر الدنان؟ فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن سفيان عن ابن أبي نجيح إلى آخره.
قوله: (نصب)، بضم النون والصاد المهملة: وهو ما ينصب للعبادة من دون الله تعالى، ووقع في رواية ابن أبي شيبة عن ابن عيينة (صنما)، بدل نصب، ويطلق النصب ويراد به الحجارة التي كانوا يذبحون عليها للأصنام، والأنصاب الأعلام التي تجعل في الطريق. قوله: (يطعنها) بضم العين وفتحها، والأول أشهر، وفي حديث ابن عباس رواه الطبراني: (فلم يبق وثم استقبله إلا سقط على قفاه)، مع أنها كانت ثابتة بالأرض قد شد لهم إبليس أقدامها بالرصاص. قوله: (وزهق الباطل) أي: اضمحل وتلاشى، يقال: زهقت نفسه زهوقا، أي: خرجت روحه، والزهوق بالضم مصدر، وبالفتح الاسم.
4288 حدثني إسحاق حدثنا عبد الصمد قال حدثني أبي حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أبي أن يدخل البيت وفيه الآلهة فأمر بها فأخرجت فأخرج صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما من الأزلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم قاتلهم الله لقد علموا ما استقسما بها قط ثم دخل البيت فكبر في نواحي البيت وخرج ولم يصل فيه..
مطابقته للترجمة من حيث إن قدومه هذا مكة كان في سنة الفتح. وإسحاق هو ابن منصور، وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث ابن سعيد، وفي رواية الأصيلي: ليس فيه: حدثني أبي، بعد قوله عبد الصمد، قيل: لا بد منه.
والحديث مضى في كتاب الأنبياء، عليهم السلام، في: باب قول الله تعالى: * (واتخذ الله إبراهيم خليلا) * (النساء: 125) فإنه أخرجه هناك عن إبراهيم بن موسى عن هشام عن معمر عن أيوب عن عكرمة إلى آخره.
قوله: (أبى) أي: امتنع. قوله: (الآلهة) أي: الأصنام التي سماها المشركون بالآلهة. قوله: (فأمر بها فأخرجت). فإن قلت: من كان الذي أخرجها؟ قلت: روى أبو داود من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها، فلم
يدخلها حتى نحيت الصور، وكان عمر هو الذي أخرجها. قيل: إنه محا ما كان من الصور مدهونا، وأخرج ما كان مخروطا. فإن قلت: قد تقدم في الحج من حديث أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فرأى صورة فدعا بماء فجعل يمحوها قلت: هو محمول على محو بقية بقيت منها. قوله: الأزلام جمع: زلم، وهي السهام التي كانوا يستقسمون بها الخير والشر، وتسمى: القداح المكتوب عليها الأمر والنهي: إفعل ولا تفعل، كان الرجل منهم يضعها في وعاء له، وإذا أراد سفرا أو زواجا أو أمرا مهما أدخل يده فأخرج منها زلما فإن خرج الأمر مضى لشأنه، وإن خرج النهي كف عنه ولم يفعله. قوله: (ولم يستقسما بها) أي: ما استقسم إبراهيم وإسماعيل، عليهما السلام، بالأزلام قط، وهو من الاستسقام، وهو طلب القسم الذي قسم له وقدر، وهو استفعال منه كانوا يفعلون بالأزلام مثل ما ذكرنا وقال ابن الأثير: كان على بعضها مكتوب: أمرني ربي، وعلى الآخر: نهاني ربي، وعلى الآخر: غفل، فإن خرج: أمرني ربي، مضى لشأنه، وإن خرج: نهاني أمسك، وإن خرج الغفل أعاد حالها وضرب بها أخرى إلى أن يخرج الأمر أو النهي
283

قلت: الغفل، بضم الغين المعجمة وسكون الفاء وباللام: وهو الذي لا يرجى خيره ولا شره. قوله: (ولم يصل فيه) أي: في البيت، وفي الحديث الذي يأتي: صلى فيه، وقد علم أن رواية المثبت مقدمة على رواية النافي.
تابعه معمر عن أيوب
أي: تابع عبد الصمد عن أبيه معمر بن راشد عن أيوب السختياني، ووصل هذه المتابعة أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب.
وقال وهيب حدثنا أيوب عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم
هذا تعليق، ووهيب مصغر وهب ابن خالد العجلاني عن عكرمة مولى ابن عباس، وأشار بهذا إلى أنه رواه مرسلا، والرواية الموصولة مرجحة لاتفاق عبد الرزاق ومعمر على ذلك عن أيوب، فافهم.
49
((باب دخول النبي صلى الله عليه وسلم من أعلى مكة))
أي: هذا باب في بيان دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة حين قدمها يوم الفتح، وعن أنس، رضي الله تعالى عنه، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وذقنه على رحله متخشعا رواه الحاكم.
4289 وقال الليث حدثني يونس قال أخبرني نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته مردفا أسامة بن زيد ومعه بلال ومعه عثمان بن طلحة من الحجبة حتى أناخ في المسجد فأمره أن يأتي بمفتاح البيت فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة فمكث فيه نهارا طويلا ثم خرج فاستبق الناس فكان عبد الله بن عمر أول من دخل فوجد بلالا وراء الباب قائما فسأله أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار له إلى المكان الذي صلى فيه قال عبد الله فنسيت أن أسأله كم صلى من سجدة..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وهذا تعليق وصله البخاري في الجهاد في: باب الردف على الحمار، أخرجه هناك عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس بن يزيد الأيلي إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (من الحجبة)، جمع حاجب. قوله: (من سجدة)، أي: من ركعة.
مطابقته للترجمة ظاهرة هذا تعليق وصله البخاري في الجهاد في باب الردف على الحمار فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس بن يزيد الأيلي إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك قوله ' من الحجبة ' جمع حاجب قوله ' من سجدة ' أي من ركعة
297 - (حدثنا الهيثم بن خارجة حدثنا حفص بن ميسرة عن هشام بن عروة عن أبيه أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أن النبي
دخل عام الفتح من كداء التي بأعلى مكة)
مطابقته للترجمة ظاهرة والهيثم بفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة ابن خارجة ضد الداخلة أبو أحمد الخراساني المروزي سكن بغداد ومات بها سنة سبع وعشرين ومائتين وحفص بن ميسرة ضد الميمنة الصنعاني وليس له حديث موصول في البخاري إلا هذا الموضع قوله ' من كداء ' بفتح الكاف وتخفيف الدال المهملة وبالمد
(تابعه أبو أسامة ووهيب في كداء)
أي تابع حفص بن ميسرة أبو أسامة وهو حماد بن أسامة ووهيب بن خالد في روايتهما عن هشام بن عروة بهذا الإسناد وقالا في روايتهما دخل من كداء بالمد وطريق أسامة وصلها البخاري في الحج في باب من أين يخرج من مكة فإنه أخرجه هناك عن
284

محمود بن غيلان عن أبي أسامة عن هشام بن عروة إلى آخره وطريق وهيب وصله البخاري أيضا في الباب المذكور عن موسى عن وهيب عن هشام بن عروة إلى آخره
298 - (حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه دخل النبي
عام الفتح من أعلى مكة من كداء)
هذا طريق آخر في حديث هشام بن عروة ولكن لم يذكر فيه عائشة فهو مرسل لأن عروة تابعي * -
51
((باب منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح))
أي: هذا باب في بيان منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة.
52
((باب))
أي: هذا باب، كذا وقع في الأصول بلا ترجمة وهو كالفصل لما قبله.
4293 حدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن منصور عن أبي الضحاى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي..
وجه دخول هذا الحديث هنا من حيث إنه أورده مختصرا، وسيأتي في التفسير بلفظ: (ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم، صلاة بعد أن نزلت عليه: * (إذا جاء نصر الله والفتح) * (الفتح: 1) لا يقول فيها، فذكر الحديث.
والحديث مضى في الصلاة في: باب الدعاء في الركوع فإنه أخرجه هناك عن حفص بن عمر عن شعبة عن منصور إلى آخره. (وغندر) بضم الغين وسكون النون، وقد تكرر ذكره، وهو لقب محمد بن جعفر، ومنصور هو ابن المعتمر، وأبو الضحى مسلم بن صبيح الكوفي.
قوله: (وبحمدك) أي: نسبحك، والحال أنا متلبسون بحمدك، أو هذا تأويل قوله تعالى: * (فسبح بحمد ربك واستغفره) * (الفتح: 3).
4293 حدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن منصور عن أبي الضحاى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي..
وجه دخول هذا الحديث هنا من حيث إنه أورده مختصرا، وسيأتي في التفسير بلفظ: (ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم، صلاة بعد أن نزلت عليه: * (إذا جاء نصر الله والفتح) * (الفتح: 1) لا يقول فيها، فذكر الحديث.
والحديث مضى في الصلاة في: باب الدعاء في الركوع فإنه أخرجه هناك عن حفص بن عمر عن شعبة عن منصور إلى آخره. (وغندر) بضم الغين وسكون النون، وقد تكرر ذكره، وهو لقب محمد بن جعفر، ومنصور هو ابن المعتمر، وأبو الضحى مسلم بن صبيح الكوفي.
قوله: (وبحمدك) أي: نسبحك، والحال أنا متلبسون بحمدك، أو هذا تأويل قوله تعالى: * (فسبح بحمد ربك واستغفره) * (الفتح: 3).
285

4294 حدثنا أبو النعمان حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فقال بعضهم لم تدخل هاذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله فقال إنه ممن قد علمتم قال فدعاهم ذات يوم وداعاني معهم قال وما رئيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني فقال ما تقولون: * (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون) * (الفتح: 1 2) حتى ختم السورة فقال بعضهم أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا. وقال بعضهم لا ندري ولم يقل بعضهم شيئا فقال لي يا ابن عباس أكذاك تقول قلت لا قال فما تقول فلت هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له إذا جاء نصر الله والفتح فتح مكة فذاك علامة أجلك فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا قال عمر ما أعلم منها إلا ما تعلم.
مطابقته للترجمة التي هي قوله: باب غزوة الفتح، لأن فيه ذكر الفتح وهو فتح مكة، والأبواب التي بعده تابعة له، فافهم بالتيقظ.
وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي، وأبو عوانة، بفتح العين المهملة: الوضاح اليشكري، وأبو بشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: واسمه جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس اليشكري.
والحديث مضى مختصرا في علامات النبوة فإنه أخرجه هناك عن محمد بن عرعرة عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير إلى آخره.
قوله: (يدخلني) بضم الياء من الإدخال. قوله: (مع أشياخ بدر) الأشياخ جمع شيخ، وأراد بهم الذين حضروا غزوة بدر. قوله: (قال بعضهم) أراد به: عبد الرحمن بن عوف، ولم يقل ذلك حسدا، ولكنه أراد أن يكون أبناء له مثله. قوله: (لم تدخل؟) بكسر اللام وأصله: لما، وتدخل من الإدخال، وأراد بالفتى ابن عباس. قوله: (وما رئيته) على صيغة المجهول، والضمير المنصوب فيه يرجع إلى عمر. قوله: (إلا ليريهم) أي: إلا لأن يريهم، بضم الياء من الإراءة، والضمير المنصوب فيه يرجع إلى أشياخ بدر. قوله: (مني) أي: بعض فضيلتي. قوله: (أو لم يقل) شك من الراوي. قوله: (فقال لي: يا ابن عباس) أي: قال عمر بن الخطاب، هذا بحرف النداء في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره. ابن عباس، بدون حرف النداء. قوله: (أكذاك). الهمزة فيه للاستفهام أي: أمثل ما قالوا تقول أنت أيضا. قوله: (قلت: لا أي:) لا أقول مثل ما قالوا. قوله: (قال: فما تقول). أي: قال: فما تقول أنت يا ابن عباس؟ قوله: (ما أعلم منها)، أي: من هذه السورة (إلا ما تعلم) أنت يا ابن عباس، وفيه فضيلة بينة لعبد الله بن عباس.
4295 حدثنا سعيد بن شرحبيل حدثنا الليث عن المقبري عن أبي شريح العدوي أنه قال ل عمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولا قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به إنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس لا يحل لامرىء يؤمن بالله ولا باليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرا فإن أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقولوا له إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس وليبلغ الشاهد الغائب فقيل لأبي شريح ماذا قال لك عمرو قال قال أنا أعلم
بذالك منك يا با شريح إن الحرم لا يعيذ عاصيا ولا فارا بدم ولا فارا بخربة..
286

مطابقته للترجمة في قوله: (يوم الفتح) وسعيد بن شرحبيل، بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الحاء المهملة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره لام: الكندي، من قدماء شيوخ البخاري، وليس له عنه في (الصحيح) سوى هذا الموضع وآخر في علامات النبوة، وكل منهما عنده له متابع عن الليث بن سعد، والمقبري، بفتح الميم وسكون القاف وضم الباء الموحدة. هو سعيد بن أبي سعيد، واسم أبي سعيد كيسان، وكان يسكن مقبرة فنسب إليها، وأبو شريح، بضم الشين المعجمة وفي آخره حاء مهملة: واسمه خويلد مصغر خالد العدوي، بفتح المهملتين وبالواو، قال أبو عمر في كتابه (الاستيعاب) أبو شريح الكعبي الخزاعي اسمه خويلد بن عمرو، وقيل: ابن خويلد، وقيل: كعب بن عمرو، وقيل: هانىء بن عمرو، والأول أصح، أسلم قبل فتح مكة وكان يحمل ألوية بني كعب يوم فتح مكة، توفي بالمدينة سنة ثمان وستين، عداده في أهل الحجاز.
وقد مر الحديث في كتاب العلم في: باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي شريح إلى آخره، وقد مر الكلام فيه مستقصى، ولكن نذكر بعض شيء لبعد المسافة.
قوله: (لعمرو بن سعيد) أي: ابن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي، يعرف بالأشدق وليست له صحبة ولا من التابعين بإحسان، ووالده مختلف في صحبته، وكان أمير المدينة، وغزا ابن الزبير ثم قتله عبد الملك بن مروان بعد أن أمنه وكان قتله في سنة سبعين من الهجرة. قوله: (وهو يبعث البعوث) وهو جمع بعث وهو الجيش. قوله: (الغد) بالنصب على الظرفية، وهو اليوم الثاني من فتح مكة. قوله: (سمعته أذناي) تأكيد، وكذا قوله: (ووعاه قلبي) أي: حفظه، وكذا قوله: (وأبصرته عيناي). قوله: (حمد الله) بيان لقوله: تكلم. قوله: (ولا باليوم الآخر) كلمة: لا زائدة لتأكيد النفي. قوله: (ولا يعضد) من عضدت الشجرة بالنصب أعضدها بالكسر أي: قطعتها. قوله: (فإن أحد ترخص) أحد مفسر لقوله: ترخص. قوله: (لقتال النبي صلى الله عليه وسلم) أي: لأجل قتاله. قوله: (وليبلغ) يجوز بكسر اللام وتسكينها. قوله: (يا شريح) أصله: يا أبي شريح، حذفت الهمزة للتخفيف. قوله: (لا يعيذ) بضم الياء من الإعاذة بالذال المعجمة، أي: لا يعصم العاصي عن إقامة الحد عليه. قوله: (ولا فارا) بتشديد الراء أي: ملتجئا إلى الحرم خوفا من إقامة الحد عليه، ومعناه في الأصل: الهارب (ولا فارا بخربة) بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء بعدها باء موحدة، وهي السرقة، كذا ثبت تفسيرها في رواية المستملي: (ولا فارا بخربة) يعني: السرقة، وقال ابن بطال: الخربة، بالضم: الفساد، وبالفتح: السرقة. وقال القاضي وقد رواه جميع رواة البخاري غير الأصيلي بالخاء المعجمة.
4296 حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة إن الله ورسوله حرم بيع الخمر..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وبعض الحديث مضى في أواخر البيوع معلقا، وهو: وقال جابر: حرم النبي صلى الله عليه وسلم بيع الخمر، ثم ذكره في: باب بيع الميتة والأصنام مطولا بالإسناد المذكور بعينه، ومضى الكلام فيه هناك.
53
((باب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح))
أي: هذا باب في بيان مقام، بضم الميم، أي: إقامة النبي صلى الله عليه وسلم.
287

4298 حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا عاصم عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوما يصلي ركعتين..
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبدان لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي، وعاصم هو الأحول. والحديث مضى في قصر الصلاة في أول الباب، فإنه أخرجه هناك عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة عن عاصم وحصين عن عكرمة عن ابن عباس، والتوفيق بين حديثي أنس وابن عباس هو أن حديث أنس إنما هو في حجة الوداع، وحديث ابن عباس في الفتح، وقد مر الكلام فيه في: باب القصر.
4299 حدثنا أحمد بن يونس حدثنا أبو شهاب عن عاصم عن عكرمة عن ابن عباس قال أقمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر تسع عشرة نقصر الصلاة وقال ابن عباس ونحن نقصر ما بيننا وبين تسع عشرة فإذا زدنا أتممنا..
هذا طريق آخر في حديث ابن عباس، ولم يذكر فيه المكان، وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي الكوفي وأبو شهاب هو عبد ربه بن نافع المدائني الحناط، بالحاء المهملة وبالنون، وعاصم هو الأحول. قوله: (وقال ابن عباس)، هو موصول بالإسناد المذكور.
54
((باب))
أي: هذا باب كذا وقع في الأصول بغير ترجمة وليس بموجود في رواية النسفي، وقد ذكرنا غير مرة أن لفظ: باب إذا وقع بغير ترجمة يكون كالفصل لما قبله.
وقال الليث حدثني يونس عن ابن شهاب أخبرني عبد الله بن ثعلبة بن صعير وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد مسح وجهه عام الفتح.
هذا تعليق وصله البخاري في (التاريخ الصغير) قال: حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث فذكره، ويونس هو ابن يزيد الأيلي، وعبد الله بن ثعلبة بن صعير، بضم الصاد وفتح العين المهملتين، وثعلبة هذا يقال له ابن أبي صعير أيضا ابن عمرو بن زيد بن سنان العذري، بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة وبالراء: حليف بني
زهرة روى عنه ابنه عبد الله وهما صحابيان ويكنى عبد الله أبا محمد، ولد قبل الهجرة بأربع سنين وتوفي في سنة تسع وثمانين وهو ابن ثلاث وتسعين سنة، وقيل: إنه ولد بعد الهجرة وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن أربع سنين، وإنه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح على رأسه ووجهه زمن الفتح، وأبوه ثعلبة روى عنه عبد الرحمن بن كعب بن مالك وابنه عبد الله، قال الدارقطني: لثعلبة هذا ولابنه عبد الله صحبة، روى عنهما جميعا الزهري. فإن قلت: أين مقول قول الليث؟ قلت: غير مذكور لأن مقصود من ذكر عبد الله بن ثعلبة بيان وصفه بالمسح عام الفتح، وقد ذكرنا الآن أنه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح على رأسه ووجهه، وهو معنى قوله: (وكان النبي صلى الله عليه وسلم، قد مسح وجهه عام الفتح) وقال ابن التين: عبد الله هذا إن كان عقل ذلك أو عقل عنه كلمة كانت له صحبة، وإن لم يعقل عنه شيئا كانت له تلك فضيلة، وهو من الطبقة الأولى من التابعين. قلت: أغرب ابن التين في هذا، وقد ذكروا أن له ولأبيه صحبة.
4301 حدثني إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام عن معمر عن الزهري عن سنين أبي جميلة قال أخبرنا ونحن مع ابن المسيب قال وزعم أبو جميلة أنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وخرج معه عام الفتح.
مطابقته للترجمة التي هي قوله: باب غزوة الفتح، في قوله: (عام الفتح) وإبراهيم بن موسى بن يزيد الفراء، وأبو إسحاق الرازي
288

يعرف بالصغير وهو شيخ مسلم أيضا، وهشام وهو ابن يوسف أبو عبد الرحمن الصنعاني اليماني قاضيها، ومعمر، بفتح الميمين: ابن راشد، والزهري هو محمد بن مسلم، وسنين، بضم السين المهملة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره نون، وقيل: بتشديد الياء، ويكنى بأبي جميلة، بفتح الجيم الضمري، ويقال: السلمي، ذكره ابن منده وابن حبان وغيرهما في الصحابة، وقال أبو عمر في (الاستيعاب): قال مالك بن شهاب: أخبرني سنين أبو جميلة أنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح، وقال غيره: وحج معه حجة الوداع، ويرد بهذا قول ابن المنذر: أبو جميلة رجل مجهول، وقال البيهقي: قد قاله الشافعي أيضا وقال بعضهم بعد قوله: عن سنين، تقدم ذكره في الشهادات بما يغني عن إعادته. قلت: لم يغن ذكره في الشهادات عن إعادته هنا أصلا، لأن المذكور في الشهادات في: باب إذا زكى رجل رجلا كفاه، وقال أبو جميلة: وجدت منبوذا فلما رأى عمر رضي الله تعالى عنه، قال: عسى الغوير بؤسا، كأنه يتهمني، فقال: عريفي أنه رجل صالح، قال: كذاك إذهب وعلينا نفقته. انتهى، فمن أين حال أبي جميلة من هذا حتى يكون ذكره هناك مغنيا عن ذكره ههنا؟
قوله: (قال: أخبرنا ونحن مع ابن المسيب) أي: قال الزهري: أخبرنا أبو جميلة والحال نحن مع ابن المسيب، والمخبر به غير مذكور. قوله: (قال: وزعم) أي: قال الزهري: وزعم، أي: قال أبو جميلة إنه إلى آخره، وجمهور الأصوليين أن العدل المعاصر للرسول صلى الله عليه وسلم إذا قال: أنا صحابي، يصدق فيه ظاهرا.
4302 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن عمرو بن سلمة قال قال لي أبو قلابة ألا تلقاه فتسأله قال فلقيته فسألته فقال كنا بما ممر الناس كان يمر بنا الركبان فنسألهم ما للناس ما هاذا الرجل فيقولون يزعم أن الله أرسله أوحى إليه أو أوحى الله بكذا فكنت أحفظ ذلك الكلام وكأنما يغرى في صدري وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح فيقولون اتركوه وقومه فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم وبدر أبي قومي بإسلامهم فلما قدم قال جئتكم والله من عند النبي صلى الله عليه وسلم حقا فقال صلوا صلاة كذا وصلوا كذا في حين كذا فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنا فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآينا مني لما كنت أتلقى من الركبان فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين وكانت علي بردة كنت إذا سجدت تقلصت عني فقالت امرأة من الحي ألا تغطوا عنا است قارئكم فاشتروا فقطعوا قميصا فما فرحت بشيء فرحي بذالك القميص.
مطابقته للترجمة في قوله (بإسلامهم الفتح) وفي قوله: (وقعة أهل الفتح) وأيوب هو السختياني وأبو قلابة، بكسر القاف: اسمه عبد الله بن زيد الجرمي، وعمرو بن سلمة، بكسر اللام ابن قيس الجرمي، يكنى أبا يزيد، قال أبو عمر: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يؤم قومه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قيل: إنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أبيه. ولم يختلف في قدوم أبيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، نزل عمرو بن سلمة البصرة، ويقال: مختلف في صحبة عمرو وماله في البخاري سوى هذا الحديث، وكذا أبوه لكن وقع ذكر عمرو بن سلمة في حديث مالك بن الحويرث في صفة الصلاة.
قوله: (قال لي أبو قلابة) أي: قال أيوب: قال لي أبو قلابة: (لا تلقاه) أي: لا تلقى عمرو بن سلمة؟ قوله: (فقال:) أي: عمرو ابن سلمة. (كنا بماء) أراد به المنزل الذي ينزل عليه الناس. قوله: (ممر الناس) بالجر صفة. لماء، وهو بتشديد الراء اسم موضع المرور، ويجوز فيه الرفع على تقدير: هو ممر الناس. قوله: (الركبان) جمع راكب الإبل خاصة، ثم اتسع فيه فأطلق على من ركب دابة. قوله: (ما للناس؟ ما للناس؟) كذا هو مكرر مرتين. قوله: (ما هذا الرجل؟) أي: يسألون عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن حال العرب
289

معه. قوله: (أو أوحى الله بكذا) شك من الروي، يريد به حكاية ما كانوا يخبرونهم به مما سمعوه من القرآن. وفي (المستخرج) لأبي نعيم: فيقولون نبي يزعم أن الله أرسله، وأن الله أوحى إليه كذا وكذا، فجعلت أحفظ ذلك الكلام، ورواية أبي داود: وكنت غلاما حافظا فحفظت من ذلك قرآنا كثيرا. قوله: (ذلك الكلام) ويروي: ذاك الكلام. قوله: (فكأنما) ويروى: وكأنما. قوله: (يغري)، بضم الياء وفتح الغين المعجمة وتشديد الراء: من التغرية وهو الإلصاق بالغراء، ورجح القاضي عياض هذه الرواية، وفي رواية الكشميهني: يقر، بضم الياء وفتح القاف وتشديد الراء: من القراء، وفي رواية عنه بزيادة ألف مقصورا من التقرية، أي: يجمع، وفي رواية الأكثرين: يقرأ بالهمزة: من القراءة. قوله: (تلوم) بفتح التاء المثناة من فوق وفتح اللام وتشديد الواو: وأصله تتلوم، فحذفت إحدى التاءين ومعناه: تنتظر قوله: (الفتح) أي: فتح مكة. قوله: (وقومه)، منصوب على المعية. قوله: (بادر)، أي: أسرع، وكذا قوله: (بدر)، يقال: بدرت إلى شيء
وبادرت أي: أسرعت. قوله: (فلما قدم) أي: أبوه من عند النبي صلى الله عليه وسلم وقوله هذا يشعر بأنه ما وفد مع أبيه، ولكن لا يمنع أن يكون وفد بعد ذلك. قوله: فنظروا أي: إلى من كان أكثر قرآنا. قوله: (بردة) وهي الشملة المخططة، وقيل: كساء أسود مربع فيه صفر تلبسه الأعراب، وجمعها: برد. قوله: (تقلصت) أي: انجمعت وانضمت، وفي رواية أبي داود: تكشفت عني، وفي رواية له: فكنت أؤمهم في بردة موصولة فيها فتق، فكنت إذا سجدت خرجت أستي. قوله: (لا تغطوا) بحذف النون، كذا قال ابن التين، وفي الأصل: لا تغطون، لعدم الموجب لحذف النون، وفي رواية أبي داود: فقالت امرأة من النساء: داروا عنا عورة قارئكم. قوله: (فاشتروا) مفعولة محذوف أي: فاشتروا ثوبا، وفي رواية أبي داود: فاشتروا لي قميصا عمانيا، وهو بضم العين المهملة وتخفيف الميم، نسبة إلى عمان من البحرين.
4303 حدثني عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الليث حدثني يونس عن ابن شهاب أخبرني عروة ابن الزبير أن عائشة قالت كان عتبة بن أبي وقاس عهد إلى أخيه سعد أن يقبض ابن وليدة زمعة وقال عتبة إنه ابني فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في الفتح أخذ سعد بن أبي وقاص ابن وليدة زمعة فأقبل به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل معه عبد بن زمعة فقال سعد بن أبي وقاص هاذا ابن أخي عهد إلي أنه ابنه قال عبد بن زمعة رسول الله هاذا أخي هاذا ابن وليدة زمعة ولد على فراشه فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن وليدة زمعة فإذا أشبه الناس بعتبة بن أبي وقاص فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو لك هو أخوك يا عبد بن زمعة من أجل أنه ولد على فراشه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجبي منه يا سودة لما رأى من شبه عتبة بن أبي وقاص. قال ابن شهاب قالت عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر وقال ابن شهاب وكان أبو هريرة يصيح بذالك.
مطابقته للترجمة في قوله: (فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في الفتح) والحديث مضى في البيوع في: باب تفسير الشبهات، فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن قزعة عن مالك، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (عتبة) بضم العين وسكون التاء من فوق. قوله: (وليدة زمعة) الوليدة: الأمة، وزمعة بالزاي والميم والعين المهملة المفتوحات، وقيل بسكون الميم. قوله: (للعاهر الحجر) أي: وللزاني الخيبة والحرمان من الولد. قوله: (ابن شهاب. قالت عائشة) موصول بالإسناد المذكور. قوله: (يصبح بذلك) أي: بقوله: (الولد للفراش وللعاهر والحجر) ورواية ابن شهاب عن أبي هريرة مرسلة، وروى مسلم من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر.
290

4304 حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير أن امرأة سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعونه قال عروة فلما كلمه أسامة فيها تلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتكلمني في حد من حدود الله قال أسامة استغفر لي يا رسول الله فلعا كان العشي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة فقطعت يدها فحسنت توبتها بعد ذالك وتزوجت قالت عائشة فكانت تأتي بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم..
مطابقته للترجمة في قوله: (في غزوة الفتح) وعبد الله هو ابن المبارك. والحديث قد مضى في الشهادات في: باب شهادة القاذف فإنه أخرجه هناك عن إسماعيل إلى آخره.
قوله: (أن امرأة) هي فاطمة المخزومية. قوله: (في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: في زمانه، هذه صورة الإرسال، ولكن في آخره ما يقتضي أنه عن عائشة، وهو قوله في آخره: قالت عائشة رضي الله تعالى عنها. قوله: (ففزع) أي: التجأ قومها إلى أسامة بن زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم، يقال: فزعت إليه، بكسر الزاي فأفزعني: أي لجأت إليه فأغاثني، وفزعت عنه أي: كشفت عنه الفزع، ومنه قوله تعالى: * (حتى إذا فزع عن قلوبهم) * (سبإ: 23).
4305 حدثنا عمرو بن خالد حدثنا زهير حدثنا عاصم عن أبي عثمان قال حدثني مجاشع قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بأخي بعد الفتح فقلت يا رسول الله جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة قال ذهب أهل الهجرة بما فيها فقلت على أي شيء تبايعه قال أبايعه على الإسلام والأيمان والجهاد فلقيت معبدا بعد وكان أكبرهما فسألته فقال صدق مجاشع.
مطابقته للترجمة في قوله: (بعد الفتح) وأشار بهذا إلى أن هذه القصة وقعت بعد الفتح وزهير هو ابن معاوية، وعاصم هو ابن سليمان، وأبو عثمان هو عبد الرحمن بن مل النهدي، بفتح النون، ومجاشع، بضم الميم وبالجيم والشين المعجمة المكسورة وفي آخره عين مهملة: هو ابن مسعود بن ثعلبة بن وهب السلمي، بضم السين، قتل يوم الجمل قبل الاجتماع الأكبر.
والحديث مضى في الجهاد في: باب البيعة في الحرب أن لا يفروا، مختصرا.
قوله: (بأخي) هو مجالد بوزن أخيه مجاشع، وله صحبة قال أبو عمر: لا أعلم له رواية وكان إسلامه بعد إسلام أخيه بعد الفتح، وهو أيضا قتل يو الجمل وكنيته أبو معبد كما يذكره في الرواية الثانية، وفي هذا قال: فلقيت معبدا، هكذا رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني: فلقيت أبا معبد، كما في الرواية الثانية، وهو الصواب
. قوله: (ذهب أهل الهجرة بما فيها) يعني: أن الهجرة قد مضت لأهلها، والهجرة الممدوحة الفاضلة التي لأصحابها المزية الظاهرة إنما كانت قبل الفتح، فقد مضت لأهلها يعني: حصلت لمن وفق لها قبل الفتح. قوله: (قال: أبايعه) أي: قال النبي صلى الله عليه وسلم أبايعه على أن يفعل هذه الأشياء وهي: (الإسلام والإيمان والجهاد). قوله: (فلقيت معبدا) قد ذكرنا الآن اختلاف الرواية فيه. وفاعل: لقيت، أبو عثمان النهدي راوي الحديث، وقد صرح بذلك مسلم حيث قال: مضت الهجرة لأهلها. قلت: فبأي شيء تبايعه؟ قال: على الإسلام والجهاد والخير. قال أبو عثمان: فلقيت أبا معبد فأخبرته بقول مجاشع، قال: وفي رواية له: فلقيت أخاه، فقال: صدق مجاشع. قوله: (بعد) بضم الدال أي: بعد سماعي الحديث من مجاشع. قوله: (وكان أكبرهما) أي: وكان أبو معبد أكبر الأخوين. قوله:
291

(فسألته) أي: أبا معبد، والسائل هو أبو عثمان أيضا، وكان سؤاله عن حديث مجاشع الذي سمعه منه، فقال أبو معبد: صدق مجاشع، وهذا يدل على أن أبا عثمان روى عن الأخوين كليهما.
4308 حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا الفضيل بن سليمان حدثنا عاصم عن أبي عثمان النهدي عن مجاشع بن مسعود انطلقت بأبي معبد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه على الهجرة قال مضت الهجرة لأهلها أبايعه على الإسلام والجهاد فلقيت أبا معبد فسألته فقال صدق مجاشع وقال خالد عن أبي عثمان عن مجاشع أنه جاء بأخيه مجالد.
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن محمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم أبو عبد الله المعروف بالمقدمي، وهو شيخ مسلمأيضا يروي عن الفضيل، بضم الفاء: ابن سليمان النميري البصري عن عاصم بن سليمان عن أبي عثمان النهدي.
قوله: (انطلقت بأبي معبد) هو مجالد أخو مجاشع، وقد ذكر هنا بالكنية، ومسلم أيضا ما ذكره إلا بالكنية، وهو الصواب. قوله: (وقال خالد) هو الحذاء، هذا تعليق وصله الإسماعيلي من جهة خالد بن عبد الله الطحان عن خالد الحذاء عن أبي عثمان عن مجاشع بن مسعود: أنه جاء بأخيه مجالد بن مسعود، فقال: هذا مجالد يا رسول الله، فبايعه على الهجرة الحديث.
4309 حدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن أبي بشر عن مجاهد لابن عمر رضي الله عنهما إني أريد أن أهاجر إلى الشام قال لا هجرة ولكن جهاد فانطلق فاعرض نفسك فإن وجدت شيئا رجعت.
هذا ذكره هنا استطرادا، وقد مضى في أوائل الهجرة سندا ومتنا. وغندر، بضم الغين المعجمة وسكون النون: لقب محمد بن جعفر، وأبو بشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: واسمه جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس. قوله: (فإن وجدت شيئا) أي: من الجهاد أو من القدرة عليه، فذاك هو المطلوب. قوله: (وإلا أي:) وإن لم تجد شيئا من ذلك (رجعت).
4310 وقال النضر أخبرنا شعبة أخبرنا أبو بشر سمعت مجاهدا قلت لابن عمر فقال لا هجرة اليوم أو بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله.
هذا تعليق النضر، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة: ابن شميل، بضم الشين المعجمة مصغر الشمل ووصله الإسماعيلي من طريق أحمد بن منصور، وزاد في آخره: ولكن جهاد، فاعرض نفسك فإن أصبت شيئا وإلا فارجع. قوله: (أو بعد) شك من الراوي، قوله: (مثله) أي: مثل الحديث المذكور.
292

4312 حدثنا إسحاق بن يزيد حدثنا يحيى بن حمزة قال حدثني الأوزاعي عن عطاء ابن أبي رباح قال زرت عائشة مع عبيد بن عمير فسألها عن الهجرة فقالت لا هجرة اليوم كان المؤمن يقر أحدهم بدينه إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم مخافة أن يفتن عليه فأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام فالمؤمن يعبد ربه حيث شاء ولكن جهاد ونية. (انظر الحديث 3080 وطرفه).
هذا الحديث مثل الحديث المذكور في السند، غير أن هناك الأوزاعي عن عبدة عن مجاهد، وهنا عن عطاء وفي قوله: (لا هجرة) غير أن هناك: بعد الفتح، وهنا: لا هجرة اليوم، ومعناهما يؤول إلى معنى واحد. قول: (يفر بدينه) أي: بسبب حفظ دينه. قوله: (مخافة) نصب على التعليل. قوله: (ولكن جهاد) أي: ولكن الهجرة اليوم جهاد في سبيل الله. قوله: (ونية) أي: ثواب النية في الهجرة.
4313 حدثنا إسحاق حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج قال أخبرني حسن بن مسلم عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم الفتح فقال إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ولم تحلل لي ساعة من الدهر لا ينفر صيدها ولا يعضد شوكها ولا يختلى خلاها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد فقال العباس بن عبد المطلب إلا الإذخر يا رسول الله فإنه لا بد منه للقين والبيوت فسكت ثم قال إلا الإذخر فإنه حلال..
مطابقته للترجمة في قوله: (يوم الفتح) وهو مرسل، وقد مضى في الحج والجهاد وغيرهما موصولا. وإسحاق هو ابن منصور وبه جزم أبو علي الجياني، وقال الحاكم: هو إسحاق بن نصر، وأبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل، وهو من شيوخ البخاري روى عنه هنا بالواسطة ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز المكي، وحسن بن مسلم بن يناق المكي.
وعن ابن جريج أخبرني عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس بمثل هذا أو نحو هاذا رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (وعن ابن جريج) موصول بالإسناد الذي قبله، أي: رواه أبو عاصم عن ابن جريج عن عبد الكريم بن مالك الجزري عن عكرمة مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مضى في الحج في: باب لا يحل القتال بمكة، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق مجاهد عن طاوس عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قوله بمثل هذا أي: بمثل هذا الحديث المذكور. قوله: (أو نحو هذا) شك من الراوي، والفرق بين: المثل والنحو، أن المثل متحد في الحقيقة، والنحو أعم. وقيل: هما مترادفان. قوله: (رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وقد مضى في كتاب العلم في: باب كتابة العلم، عن
أبي نعيم عن شبيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة: أن خزاعة قتلوا رجلا الحديث بطوله، وقد مضى الكلام فيه هناك مستقصى.
55
((باب قول الله عز وجل: * (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته إلى قوله غفور رحيم) * (التوبة: 25))
أي: هذا باب في ذكر قول الله عز وجل: * (ويوم حنين) * إلى آخره، هكذا وقع في رواية أبي ذر، ووقع في رواية غيره إلى قوله: * (ثم أنزل الله سكينته) * ثم قال: * (إلا غفور رحيم) * ووقع في رواية النسفي: باب غزوة حنين، وقول الله تعالى: * (ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت) * إلى قوله: * (غفور رحيم) * قوله: * (ويوم حنين) * إلى آخره وأول
293

الآية: * (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة) * (التوبة: 25) وأراد بالمواطن الكثيرة وقعات: بدر وقريظة والنضير والحديبية وخيبر وفتح مكة وقوله: * (ويوم حنين) *، عطف على المواطن. قال الزمخشري: فإن قلت: كيف عطف الزمان على المكان وهو يوم حنين على المواطن؟ قلت: معناه: وموطن يوم حنين، أو في أيام مواطن كثيرة ويوم حنين، وحنين واد بين مكة والطائف، وقال البكري: هو واد قريب من الطائف بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا. والأغلب عليه التذكير. لأنه اسم ماء، وقيل: إنه سمي بحنين بن قانية بن مهلاييل. قوله: (إذ أعجبتكم كثرتكم) إما بدل من: يوم حنين، والتقدير: أذكر إذا أعجبتكم عند الملاقاة مع الكفار كثرتكم فلم تغن الكثرة عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت وكلمة: ما مصدرته والباء، بمعنى: أي: مع رحبها، أي: وسعها ثم: (وليتم مدبرين) أي: منهزمين، وقال ابن جريج عن مجاهد: هذه أول آية نزلت من سورة براءة يذكر الله للمؤمنين فضله عليهم في نصره إياهم في مواطن كثيرة أن ذلك من عنده لا يعددهم ولا عددهم ونبههم على أن النصر من عنده سواء قل الجمع أو كثر، فإن يوم حنين أعجبتهم كثرتهم ومع هذا ما أجدى ذلك عنهم شيئا. قوله: (مدبرين) إلا القليل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أنزل نصره وتأييده على رسوله وعلى المؤمنين الذين كانوا معه، كما سيجيء بيانه، إن شاء الله تعالى.
واعلم أن وقعة حنين كانت بعد فتح مكة في شوال سنة ثمان من الهجرة، وذلك لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من فتح مكة وتمهدت له أمورها وأسلم عامة أهلها وأطلعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بلغة أن هوازن قد جمعوا له ليقاتلوه وأميرهم مالك بن عون النضري، ومعه ثقيف بكمالها وبنو جشم وبنو سعد بن بكر وأوزاع من بني هلال، وهم قليل، وناس من بني عمرو بن عامر وعون ابن عامر، وأقبلوا ومعهم النساء والولدان والشاء والنعم، وجاؤوا بقضهم وقضيضهم، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حبيشه الذين جاؤوا معه للفتح، وهو: عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار، وقبائل العرب ومعه الذين أسلموا من أهل مكة وهم الطلقاء في ألفين، فسار بهم إلى العدو فالتقوا بواد بين مكة والطائف يقال له: حنين، فكانت فيه الوقعة من أول النهار في غلس الصبح وانحدروا في الوادي وقد كمنت فيه هوازن، فلما توجهوا لم يشعر المسلمون إلا بهم قد ساوروهم ورشقوا بالنبال واصلتوا السيوف وحملوا حملة رجل واحد، كما أمرهم ملكهم، فعند ذلك ولى المسلمون مدبرين، كما قال الله تعالى، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ على بغلته الشهباء يسوقها إلى نحو العدو، والعباس آخذ بركابه الأيمن، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بركابه الأيسر يثقلانه لئلا يسرع السير وهو ينوه باسمه ويدعو المسلمين إلى الرجعة، ويقول: أي عباد الله إلى أنا رسول الله، ويقول في تلك الحال.
* (أنا النبي لا كذب
* أنا ابن عبد المطلب)
*
وثبت معه من أصحابه قريب من مائة، وقيل: ثمانون، منهم: أبو بكر وعمر والعباس وعلي والفضل بن عباس وأبو سفيان بن الحارث وأيمن ابن أم أيمن وأسامة بن زيد وغيرهم رضي الله عنهم، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، عمه العباس، وكان جهير الصوت، بأن ينادي بأعلى صوته: يا أصحاب الشجرة، يعني: شجرة بيعة الرضوان، يا أصحاب سورة البقرة فجعلوا يقولون لبيك يا لبيك، فتراجع شرذمة من الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرهم أن يصدقوا الحملة، وأخذ قبضة من التراب بعد ما دعا ربه واستنصره، وقال: اللهم أنجز لي ما وعدتني ثم رمى القوم بها فما بقي إنسان منهم إلا أصابه منها في عينه وفمه ما يشغله عن القتال، ثم انهزموا واتبع المسلمون أقفيتهم يأسرون ويقتلون، وما تراجع بقية الناس إلا والأسارى مجدلة، أي: ملقاة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي (مسند أحمد) من حديث يعلى بن عطاء، قال: فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: لم يبق منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه ترابا، وسمعنا صلصلة بين السماء والأرض كإمرار الحديد على الطست الجديد. وقال محمد بن إسحاق: حدثني والدي إسحاق بن بشار عمن حدثه عن جبير بن مطعم قال: إنا لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم حنين والناس يقتلون إذ نظرت إلى مثل النجاد الأسود يهوي من السماء حتى وقع بيننا وبين القوم، فإذا نمل منثور قد ملأ الوادي، فلم يكن إلا هزيمة القوم، فما نشك أنها الملائكة. وقال أبو معشر: ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ مائة رجل: بضعة وثلاثون من المهاجرين وسائرهم من الأنصار، وسل النبي صلى الله عليه وسلم سيفه ثم طرح غمده، وقال
294

الرجز المذكور، وقال لأبي سفيان بن الحارث: ناولني ترابا فناوله، وكان صلى الله عليه وسلم، على بغلته البيضاء التي أهداها له فروة بن نفاثة، وقال ابن هشام: قال صلى الله عليه وسلم، حينئذ لبغلته الشهباء البدي، فوضعت بطنها على الأرض فأخذ حفنة فضرب بها وجوه هوازن وعند ابن سعد: هذه البغلة هي دلدل، وفي
مسلم: بغلته الشهباء يعني: دلدل التي أهداها له المقوقس، ويجوز أن يكون ركبهما يومئذ معا، والله أعلم.
قوله: (ثم أنزل الله سكينته) أي: الأمنة والطمأنينة بعد الهزيمة. وقال الزمخشري: رحمته التي سكنوا بها وآمنوا. قوله: (وانزل جنودا لم تر) قال ابن عباس: يعني الملائكة، وكانوا ثمانية آلاف، وقيل: خمسة آلاف، وقيل: ستة عشر ألفا، وكان سيماهم عمائم حمرا قد أرخوها بين أكتافهم. قوله: (وعذب الذين كفروا) أي: بالقتل والهزيمة، وقيل: بالخوف، وقيل: بالأسر وسبي الأولاد، وسبي النبي صلى الله عليه وسلم، منهم ستة آلاف رأس، ومن الإبل أربعة وعشرين ألف بعير، ومن الغنم أكثر من أربعين ألفا، ومن الفضة أربعة آلاف أوقية. قوله: (وذلك جزاء الكافرين) أي: ما ذكر من القتل والأسر جزاء الكافرين. قوله: (ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء فيهديه إلى الإسلام ولا يؤاخذه بما سلف منه والله غفور رحيم) وقد تاب الله على بقية هوازن وأسلموا وقدموا مسلمين ولحقوا النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قارب مكة عند الجعرانة، وذلك بعد الوقعة بقريب من عشرين يوما، فعند ذلك خيرهم بين سبيهم وأموالهم، فاختاروا سبيهم وقسم أموالهم بين الغانمين، ونفل ناسا من الطلقاء لتتألف قلوبهم على الإسلام فأعطاهم: مائة مائة من الإبل، وكان من جملة من أعطى مائة مالك بن عوف النضري فاستعمله على قومه، كما كان، وقال أبو عمر: مالك بن عوف بن سعد بن ربيعة بن يربوع بن واثلة بن دهمان بن نضر بن بكر بن هوازن النضري، انهزم يوم حنين كافرا ولحق بالطائف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أتاني مسلما لرددت إليه أهله وماله، فبلغه ذلك فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد خرج من الجعرانة فأسلم وأعطاه من الإبل كما أعطى سائر المؤلفة قلوبهم وهو أحدهم، وحسن إسلامه فامتدحه بقصيدته التي يقول فيها.
* ما إن رأيت ولا سمعت بمثله
* في الناس كلهم بمثل محمد
*
* أوفى وأعطى للجزيل إذا إحتدى
* ومتى يشاء يخبرك عما في غد
*
* وإذا الكتيبة غردت أنيابها
* بالسمهري وضرب كل مهند
*
* فكأنه ليث على أشباله
* وسط المياه جاذر في مرصد
*
4315 حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان عن أبي إسحاق قال سمعت البراء رضي الله
295

عنه وجاءه رجل فقال يا أبا عمارة أتوليت يوم حنين فقال أما أنا أشهد على النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يول ولكن عجل سرعان القوم فرشقتهم هوازن وأبو سفيان بن الحارث آخذ برأس بغلته البيضاء يقول.
أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب..
مطابقته للترجمة في قوله: (أتوليت يوم حنين) وسفيان هو الثوري، وأبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي، وقد مضى الحديث في الجهاد في: باب بغلة النبي صلى الله عليه وسلم، البيضاء.
قوله: (يا أبا عمارة) هي كنية البراء. قوله: (أتوليت؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار. أي: انهزمت؟ قوله: (أما أنا) إلى آخره، فيه جواب بديع يبين فيه أولا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يول أيضا لأن إخباره بقوله: (ولكن عجل سرعان القوم) إلى آخره يدل على أنه ثبت. لأن المولى لا يقدر على إخبار ما شاهده البراء في هذه القضية على هذه الصورة فإن قلت: جوابه لا يطابق سؤال الرجل، لأنه سأل عنه هل توليت أم لا؟ ولم يسأل عن حال النبي صلى الله عليه وسلم، قلت: لأنه فهم بقرينة الحال أنه سأل عن فرار الكل، فيدخل فيه النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤيده ما في الطريق الذي يأتي عقيبه: أوليتم مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ وأجاب بقوله: (أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يول) قوله: (سرعان القوم) بفتح السين المهملة وفتح الراء ويجوز بالتسكين أيضا، وقال الكرماني: وسرعان، بضم المهملة وكسرها جمع: السريع، حكى هذا عن بعضهم، وليس كذلك لأن جماعة منهم: ابن الأثير وغيره قد ضبطوه مثل ما ضبطناه، و قال: سرعان القوم أوائلهم الذين يسارعون إلى شيء ويقبلون عليه بسرعة، وقال الخطابي: بعضهم يقول بكسر السين، وهو خطأ. قوله: (فرشقتهم)، من الرشق بالشين المعجمة والقاف، وهو الرمي، وهوازن قبيلة كبيرة من العرب، فيها عدة بطون ينسبون إلى هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة، بالخاء المعجمة والصاد المهملة وبالفاء كلها مفتوحة: ابن قيس غيلان ابن الياس بن مضر، وأبو سفيان بن الحارث هو ابن عبد المطلب بن عبد المطلب بن هاشم، وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، قوله: (آخذ)، على وزن: فاعل. قوله: (يقول)، جملة وقعت حالا.
4316 حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قيل ل لبراء وأنا أسمع أوليتم مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين فقال أما النبي صلى الله عليه وسلم فلا كانوا رماة فقال:
أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب..
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي عن شعبة عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي عن البراء بن عازب.
قوله: (كانوا) أي هوازن. قوله: (رماة). جمع رام وفيه حذف تقديره: كانوا رماة فرشقوهم رشقا فانهزموا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم.
* أنا النبي لا كذب
*
فأشار به إلى أن صفة النبوة تنافي الكذب، فكأنه قال: أنا النبي والنبي لا يكذب فلست بكاذب فيما أقول حتى انهزموا، وأنا متيقن بنصر الله عز وجل، وأما انتسابه إلى عبد المطلب دون أبيه عبد الله فلشهرة عبد المطلب بين الناس، بخلاف عبد الله فإنه مات شابا، وبقية الكلام قد مرت في الجهاد في الباب الذي ذكرناه عن قريب.
4317 حدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق سمع البراء وسأله رجل من قيس أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فقال لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر كانت هوازن رماة وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم فاستقبلنا بالسهام ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء وإن أبا سفيان آخذ بزمامها وهو يقول:
* أنا النبي لا كذب
*
.
هذا طريق آخر قد مضى في الجهاد في: باب من قاد دابة غيره في الحرب، وأخرجه هنا عن محمد بن بشار، بالباء الموحدة
296

وتشديد الشين المعجمة: عن غندر، بالغين المعجمة، وهو لقب محمد بن جعفر.
قوله: (لم يفر) يجوز في القراءة الفتح والكسر ويجوز فيه لك الإدغام. قوله: (وإنا بكسر الهمزة). قوله: (انكشفوا) أي: انهزموا. قوله: (فاكببنا) أي: وقعنا على الغنائم وهو فعل لازم يقال: كببته فأكب، وأكب الرجل يكب على عمل يعمله إذا لزمه، وجاء أكببنا بفك الإدغام لتعذره. قوله: (فاستقبلنا) على صيغة المجهول. قوله: (أنا النبي لا كذب).
هذا المقدار قد ذكر في هذه الرواية، وفي رواية ذكر الشطر الثاني:
* أنا ابن عبد المطلب
*
كما في الرواية السابقة.
قال إسرائيل وزهير نزل النبي صلى الله عليه وسلم عن بغلته
قوله: إسرائيل، هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وزهير هو ابن معاوية الجعفي، وهذا تعليق معناه: رويا هذا الحديث عن أبي إسحاق عن البراء، فقالا في آخره: نزل النبي صلى الله عليه وسلم عن بغلته، أما تعليق إسرائيل فقد وصله البخاري في كتاب الجهاد في: باب من قال: خذها وأنا ابن فلان، وأما تعليق زهير فوصله أيضا في: باب من صف أصحابه عند الهزيمة وركوب النبي صلى الله عليه وسلم البغلة في الحرب يدل على غاية الثبات، ونزوله أثبت من ذلك.
4319 حدثنا سعيد بن عفير قال حدثني ل يث حدثني عقيل عن ابن شهاب ح وحدثني عقيل عن ابن شهاب ح وحدثني إسحاق حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن أخي ابن شهاب قال محمد بن شهاب وزعم عروة بن الزبير أن مروان والمسور بن مخرمة أخبراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم معي من ترون وأحب الحديث إلي أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال وقد كنت استأنيت بكم وكان أنظرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف فلما تبين لهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين قالوا فإنا نختار سبينا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإن إخوانكم قد جاؤونا تائبين وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل فقال الناس قد طيبنا ذلك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا هاذا الذي بلغني عن سبي هوازن..
مطابقته للترجمة ظاهرة، لأن مجيء وفد هوازن إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان في إثر غزوة حنين.
وأخرجه من طريقين: أحدهما: عن سعيد بن عفير، بضم العين المهملة وفتح الفاء وبالراء: عن ليث بن سعد ويجوز فيه الألف واللام وتركهما عن عقيل، بضم العين: ابن خالد الأيلي عن محمد بن مسلم بن شهاب. والآخر: عن إسحاق بن منصور المروزي عن يعقوب بن إبراهيم ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن
محمد بن عبد الله بن أخي الزهري الخ.
والحديث قد مضى في الخمس في: باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين، بعينه سندا أو متنا مثل الطريق الأولى، ومضى الكلام فيه هناك، ومضي في أول الشروط في صلح الحديبية أن الزهري رواه عن عروة عن المسور، ومروان عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فدل على أنه
297

في بقية المواضع حيث لا يذكر عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه مرسل لأن المسور يصغر عن إدراك القضية، ومروان أصغر منه.
قوله: (قال محمد بن شهاب)، هو الزهري. قوله: (وزعم عروة)، قيل: هذا معطوف على قصة صلح الحديبية، فلينظر فيه. قوله: (حين جاءه وفد هوازن) فيه اختصار بينه موسى بن عقبة في (المغازي) مطولا، ولفظه: (ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف في شوال إلى الجعرانة، وبها سبي هوازن، وقدمت عليه وفود هوازن مسلمين فهم تسعة عشر نفرا من أشرافهم، فأسلموا وبايعوا ثم من بعده، يعني: ما في رواية البخاري. وهو قوله: (فسألوه أن يرد إليهم) إلخ. قوله: (ومعنى من ترون) يعني: من الصحابة قوله: (أجدى الطائفتين)، الطائفة القطعة من الشيء، والمراد: أحد الأمرين. قوله: (وقد كنت استأنيت بكم) وفي رواية الكشميهني: استأنيت لكم، أي: انتظرت، أي: أخرت قسم السبي لتحضروا، وقد أبطأتم وكان صلى الله عليه وسلم ترك السبي بغير قسمة وتوجه إلى الطائف فحاصرها، كما سيأتي، ثم رجع عنها إلى الجعرانة، ثم قسم الغنائم هناك، فجاء وفد هوازن بعد ذلك. قوله: (وكان أنظرهم) أي: كان النبي صلى الله عليه وسلم انتظرهم بضع عشرة ليلة. قوله: (حين قفل) أي: رجع. قوله: (أن يطيب) بضم الياء من التطييب، أي: يعطيه عن طيب نفس منه بغير عوض. قوله: (على حظه) أي: على نصيبه. قوله: (حتى نعطيه)، بنون المتكلم مع الغير، قوله: (أول ما يفيء الله)، أي: من أول ما يحصل لنا من الفيء. قوله: (عرفاؤكم) جمع عريف وهو النقيب. قوله: (هذا الذي بلغني قول الزهري)، يعني هذا الذي بلغني عن سبي هوازن.
322 - (حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر قال يا رسول الله ح وحدثني محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال لما قفلنا من حنين سأل عمر النبي
عن نذر كان نذره في الجاهلية اعتكاف فأمره النبي
بوفائه)
مطابقته للترجمة في قوله لما قفلنا من حنين وأخرجه من طريقين ورجالهما قد ذكروا غير مرة وعبد الله هو ابن المبارك والطريق الأول مرسل مختصر وقد ساق بقيته في فرض الخمس بلفظ أن عمر قال لرسول الله
إنه كان على اعتكاف يوم في الجاهلية فأمره أن يفي به والثاني مضى في الاعتكاف في باب من لم ير عليه صوما إذا اعتكف وفي الباب الذي يليه ومضى الكلام فيه هناك وقيل قد عاب الإسماعيلي على البخاري جمعهما لأن قوله لما قفلنا من حنين لم يقع في رواية حماد بن زيد يعني في الرواية المرسلة وأجيب بأن البخاري نظر إلى أصل الحديث لا إلى أصل النقص والزيادة في ألفاظ الرواة وإنما أورد طريق حماد بن زيد المرسل للإشارة إلى أن رواية حماد بن زيد مرجوحة لأن جماعة من أصحاب شيخه أيوب خالفوه فيه فوصلوه بل بعض أصحاب حماد بن زيد رواه عنه موصولا
(وقال بعضهم حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر)
أراد بالبعض أحمد بن عبدة الضبي وحماد هو ابن زيد لأن حماد بن سلمة يذكر عقيبه بما يخالف سياقه وهذا التعليق وصله الإسماعيلي فقال أخبرني القاسم هو ابن زكريا حدثنا أحمد بن عبدة حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال كان عمر رضي الله تعالى عنه نذر اعتكاف ليلة في الجاهلية فسأل النبي
فأمره أن يفي به
(ورواه جرير بن حازم وحماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي
)
أي روى الحديث المذكور جرير بن حازم الخ يعني رواه هؤلاء موصولا أما تعليق جرير فوصله مسلم وغيره من رواية ابن وهب عن جرير بن حازم أن أيوب حدثه أن نافعا حدثه أن عبد الله بن عمر حدثه أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه سأل رسول الله
وهو بالجعرانة بعد أن رجع من الطائف فقال يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما في المسجد الحرام فكيف ترى قال اذهب فاعتكف وأما تعليق حماد بن
298

سلمة فوصله مسلم أيضا من طريق حجاج بن منهال حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب مقرونا برواية محمد بن إسحاق كلاهما عن نافع عن ابن عمر عن النبي
* -
4321 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى قتادة عن أبي قتادة قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فضربته من ورائه على جبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر فقلت ما بال الناس قال أمر الله عز وجل ثم رجعوا وجلس النبي صلى الله عليه وسلم فقال من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقلت من يشهد ثم جلست قال ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست قال ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله فقمت فقال ما لك يا أبا قتادة فأخبرته فقال رجل صدق وسلبه عندي فأرضه مني فقال أبو بكر لا ها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله
ورسوله صلى الله عليه وسلم فيعطيك سلبه فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق فأعطه فأعطانيه فابتعت به مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام..
مطابقته للترجمة ظاهرة. ويحيى بن سعيد هو الأنصاري قاضي المدينة، وعمر بن كثير ضد القليل ابن أفلح المدني مولى أبي أيوب الأنصاري وثقه النسائي وغيره من التابعين الصغار، ولكن ذكره ابن حبان في أتباع التابعين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث بهذا الإسناد، وحرف يحيى بن يحيى الأندلسي في روايته فقال: عمرو بن كثير، بفتح العين والصواب: عمر، بضم العين، وأبو محمد اسمه نافع بن عباس معروف باسمه وكنيته وهو مولى أبي قتادة، ويقال: مولى عقيلة بنت طلق، ويقال: عبلة بنت طلق، وأبو قتادة اسمه الحارث بن ربعي، وقيل: غيره.
والحديث مضى في الخمس في: باب من لم يخمس الأسلاب فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة عن مالك إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (جولة)، بفتح الجيم وسكون الواو، أي: تقدم وتأخر، وفي العبارة لطف حيث لم يقل: هزيمة، وهذه الجولة كانت في بعض المسلمين لا في رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن حواليه. قوله: (قد علا رجلا) أي: ظهر على قتله. قوله: (على حبل عاتقه). العاتق: موضع الرداء من المنكب، والحبل العصب. قوله: (بالسيف)، ويروى بسيف، بدون الألف واللام. قوله: (فقطعت الدرع) أي: اللبس الذي كان لابسه. قوله: (وجدت منها) أي: من تلك الضمة (ريح الموت) أي: من شدتها. قوله: (فأرسلني)، أي: أطلقني. قوله: (فلحقت عمر رضي الله عنه)، فيه حذف تقديره: فانهزم المسلمون وانهزمت معهم، فلحقت عمر. قوله: (ما بال الناس؟) أي: ما حالهم؟ قوله: (قال أمر الله)، أي: قال عمر: حكم الله تعالى وما قضا به، وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: محذوف، أي: هذا الذي أصابهم أمر الله. قوله: (ثم رجعوا) أي: ثم تراجعوا، وهكذا في الرواية الآتية، وكيفية رجوعهم قد تقدمت عن قريب قوله: (من قتل قتيلا) أي: مشرفا على القتل، فهو مجاز باعتبار المال قال الكرماني: ويحتمل أن يكون حقيقة بأن يراد بالقتيل القتيل بهذا القتل لا بقتل سابق، كما قال المتكلمون في جواب المغالطة المشهورة، وهو أن إيجاد المعدوم محال لأن الإيجاد إما حال العدم، فهو جمع بين النقيضين، وإما حال الوجود. وهو تحصيل للحاصل أن إيجاد الموجود بهذا الوجود لا بوجود متقدم. قوله: (فأرضه مني) هكذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره. فأرضه منه. قوله: (فقال أبو بكر) أي: الصديق، رضي الله عنه قوله: (لا ها الله) كلمة: ها، للتنبيه، وقد يقسم
299

بها يقال: لا ها الله ما فعلت أي: لا والله، وقال ابن مالك: فيه شاهد على جواز الاستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه. قال: ولا يكون ذلك إلا مع الله، أي: لم يسمع: لا ها الرحمن، كما سمع لا والرحمن وحكى ابن التين عن الداودي أنه روى رفع: الله، والمعنى: يأبى الله، وقيل: إن ثبتت الرواية بالرفع فيكون ها، للتنبيه والله، مبتدأ. وقوله: (لا يعمد) خبره، وفيه تأمل. قوله: (إذا)، بكسر الهمزة وبالذال المعجمة المنونة، وقال الخطابي: هكذا نرويه، وإنما هو في كلامهم أي: العرب لا ها الله، يعني بدون الهمزة في أوله، والهاء فيه بمنزلة الواو، والمعنى: لا والله لا يكون ذا وقال عياض في (المشارق): عن إسماعيل القاضي أن المازني قال: قول الرواة: لا ها الله إذا، خطأ، والصواب: لا ها الله ذا يميني وقسمي، وقال أبو زيد ليس في كلامهم: لا ها الله إذا، وإنما هو: لا ها الله ذا، وذا صلة في الكلام، والمعني: لا والله هذا ما أقسم به وقال الطيبي: ثبت في الرواية: لا ها الله إذا، فحمله بعض النحويين على أنه من تعبير بعض الرواة لأن العرب لا تستعمل: لا ها الله، بدون ذا، وإن سلم استعماله بدون ذا فليس هذا موضع إذا لأنها حرف جزاء، ومقتضى الجزاء أن لا يذكر إلا في قوله: (لا يعمد)، بل كان يقول: إذا يعمد إلى أسد ليصح جوابا لطالب السلب انتهى وقد أطال بعضهم الكلام في هذا جدا، مختلطا بعضه ببعض من غير ترتيب، فالناظر فيه إن كان له يد يشمئز خاطره من ذلك وإلا فلا يفهم شيئا أصلا، والذي يقال بما يجدي الناظر أنه إن كان إذا، على ما هو الموجود في الأصول يكون معناه حينئذ وإن كان ذا بدون الهمزة، فوجهه ما تقدم فلا يحتاج إلى الإطالة الغير الطائلة قوله: (لا يعمد)، أي: لا يقصد النبي صلى الله عليه وسلم، إلى رجل كأنه أسد في الشجاعة يقاتل عن دين الله ورسوله، فيأخذ حظه ويعطيكه بغير طيبة من نفسه، وقال الكرماني: ويعمد، بالغيبة والتكلم ووقع في (مسند أحمد) أن الذي خاطب النبي صلى الله عليه وسلم، بذلك عمر، ولفظه فيه: فقال عمر: والله لا يفيئها الله على أسد ويعطيكها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق عمر. قلت: صاحب القصة أبو قتادة فهو اتقن لما وقع فيها من غيره، وقيل: يحتمل الجمع بأن يكون عمر أيضا قال ذلك تقوية لأبي بكر رضي الله عنه. قوله: (فابتعت به)، أي: اشتريت بذلك السلب وقال الواقدي باعه الحاطب بن أبي بلتعة بسبع أواق. قوله: (مخرفا)، بفتح الميم والراء بينهما خاء معجمة، قيل: يجوز فيه كسر الخاء وهو البستان، وسمي بذلك لأنه يخترف منه التمر أي: يجني، وذكر الواقدي أن هذا البستان كان يقال له: الودنيين، والمخرف، بكسر الميم اسم الآلة التي يجتني بها. قوله: (في بني سلمة) بكسر اللام: بطن من الأنصار وهم ثوم أبي قتادة. قوله: (تأثلته)، بالتاء المثناة من فوق وفتح الهمزة وسكون الثاء المثلثة وضم التاء المثناة من فوق أي: اتخذته أصل المال واقتنيته، وأثلة كل شيء: أصله.
4322 وقال الليث حدثني يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة أن أبا قتادة قال لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين وآخر من المشركين يختله من ورائه من ورائه ليقتله فأسرعت إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني وأضرب يده فقطعتها ثم أخذني فضمني ضما شديدا حتى تخوفت ثم ترك فتحلل ودفعته ثم قتلته وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فإذا بعمر بن الخطاب في الناس فقلت له ما شأن الناس قال أمر الله ثم تراجع الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقام بينة على قتيل قتله فله سلبه فقمت لألتمس بينة على قتيلي فلم أر أحدا يشهد لي فجلست ثم بدا لي فذكرت أمره لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل من جلسائه سلاح هذا القتيل الذي يذكر عندي فأرضه منه فقال أبو بكر كلا لا يعطه أصيبغ من قريش ويدع أسدا من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأداه إلي فاشتريت منه خرافا فكان أول مال تاثلته في الإسلام..
300

هذا طريق آخر في الحديث المذكور وهو معلق وصله البخاري في الأحكام عن قتيبة عن الليث ويحيى بن سعد هو الأنصاري.
قوله: (يختله)، بالخاء المعجمة والتاء المثناة من فوق: أي يخدعه. قوله: (حتى تخوفت) أي: الهلاك، وهو مفعول قد حذف. قوله: (بدالي) أي: ظهر لي قوله: (الذي يذكر)، أي: أبو قتادة، وفي رواية الكشميهني: الذي ذكره. قوله: (كلا) كلمة ردع. قوله: (لا يعطه)، أي: لا يعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاح الرجل الذي هو سلبه. قوله: (أصيبغ) بضم الهمزة وفتح الصاد المهملة وسكون الياء آخر الحروف وكسر الباء الموحدة بعدها الغين المعجمة: وهو نوع من الطير ضعيف شبهه به لعجزه وهو أنه، وقيل: شبهه بالصبغاء، وهو نبت معروف، وقيل: نبت ضعيف كالثمام إذا طلع من الأرض يكون أول ما يلي الشمس منه أصفر، هذا الضبط رواية القابسي، وفي رواية أبي ذر: بالضاد المعجمة والعين المهملة، وعلى روايته هو تصغير: الضبع، على غير قياس، كأنه لما عظم أبا قتادة بأنه أسد صغر خصمه وشبهه بالضبع لضعف افتراسه وما يوصف به من العجز، وقال ابن مالك: أضيبع، بالضاد المعجمة والعين المهملة تصغير: أضبع ويكنى به عن الضعيف. قوله: (ويدع)، أي: يترك وهو بالنصب، وقال الكرماني: ويدع، بالرفع والجر نحو: لا تأكل السمك وتشرب اللبن.
((باب غزوة أوطاس))
أي هذا باب في بيان غزوة أوطاس قال عياض هو واد في ديار هوازن وهو موضع حرب حنين وهو من وطست الشيء وطسا إذا كددته وأثرت فيه والوطيس نقرة في حجر توقد حوله النار فيطبخ به اللحم والوطيس التنور
324 - (حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال لما فرغ النبي
من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصمة فقتل دريد وهزم الله أصحابه * قال أبو موسى وبعثني مع أبي عامر فرمي أبو عامر في ركبته رماه جشمي بسهم فأثبته في ركبته فانتهيت إليه فقلت يا عم من رماك فأشار إلى أبي موسى فقال ذاك قاتلي الذي رماني فقصدت له فلحقته فلما رآني ولى فاتبعته وجعلت أقول له ألا تستحي ألا تثبت فكف فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته ثم قلت لأبي عامر قتل الله صاحبك قال فانزع هذا السهم فنزعته فنزا منه الماء قال يا ابن أخي أقرىء النبي
السلام وقل له استغفر لي واستخلفني أبو عامر على الناس فمكث يسيرا ثم مات فرجعت فدخلت على النبي
في بيته على سرير مرمل وعليه فراش قد أثر رمال السرير بظهره وجنبيه فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر وقال قل له استغفر لي فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال اللهم اغفر لعبيد أبي عامر ورأيت بياض إبطيه ثم قال اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس فقلت ولي فاستغفر فقال اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما قال أبو بردة إحداهما لأبي عامر والأخرى لأبي موسى)
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو أسامة حماد بن أسامة وبريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء وكذا أبو بردة واسمه عامر وأبو موسى اسمه عبد الله بن قيس وبريد هنا يروي عن جده أبي بردة وهو يروي عن أبيه أبي موسى الأشعري والحديث مضى في الجهاد مقطعا وفي الدعوات يأتي وأخرجه مسلم في الفضائل قوله بعث أبا عامر واسمه عبيد بن سليم بن حضار الأشعري وهو
301

عم أبي موسى الأشعري وقال ابن إسحاق هو ابن عمه والأول أشهر قوله على جيش أي أميرا عليهم وذلك أن هوازن بعد الهزيمة اجتمع بعضهم في أوطاس فأراد رسول الله
استئصالهم فبعثه إليهم قوله ' فلقي دريد بن الصمة ' دريد بضم الدال مصغر الدرد بالمهملتين والراء والصمة بكسر الصاد المهملة وتشديد الميم ابن بكر بن علقمة ويقال ابن الحارث بن علقمة الجشمي بضم الجيم وفتح الشين المعجمة من بني جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن والصمة لقب لأبيه واسمه الحارث ودريد شاعر مشهور قوله ' فقتل دريد ' على صيغة المجهول واختلف في قاتله فعن محمد بن إسحاق قتله ربيعة بن رفيع بضم الراء وفتح الفاء وبالعين المهملة ابن وهبان بن ثعلبة بن ربيعة السلمي وكان يقال له ابن الذعنة بمعجمة ومهملة ويقال بالعكس وهي أمه وقال ابن هشام يقال اسمه عبد بن قبيع بن أهبان ويقال له أيضا ابن الدغنة وليس هو ابن الدغنة المذكور في قصة أبي بكر في الهجرة وروى البزار في مسند أنس بإسناد حسن ما يشعر بأن قاتل دريد بن الصمة هو الزبير بن العوام ولفظه لما انهزم المشركون انحاز دريد بن الصمة في ستمائة نفس على أكمة فرأوا كتيبة فقال خلوهم فخلوهم فقال هذه قضاعة ولا بأس عليكم ثم رأوا كتيبة مثل ذلك فقالوا هذه سليم ثم رأوا فارسا وحده فقال خلوه لي فقالوا معتجر بعمامة سوداء فقال هذا الزبير بن العوام وهو قاتلكم ومخرجكم من مكانكم هذا قال فالتفت الزبير فقال علام هؤلاء ههنا فمضى إليهم وتبعه جماعة فقتلوا منهم ثلاثمائة وحز رأس دريد بن الصمة فجعله بين يديه وكان دريد لما قتل ابن عشرين ويقال ابن ستين ومائة قوله قال أبو موسى وبعثني أي النبي
مع أبي عامر أي إلى من التجأ إلى أوطاس قوله ' فرمي ' على صيغة المجهول قوله ' جشمي ' أي رجل جشمي يعني من بني جشم بضم الجيم وفتح الشين المعجمة واختلف في اسم هذا الجشمي فقال ابن إسحاق زعموا أن سلمة بن دريد بن الصمة هو الذي رمى أبا عامر بسهم فأصاب ركبته فقتله وأخذ الراية أبو موسى الأشعري فقاتلهم ففتح الله عليه وقال ابن هشام حدثني من أثق به أن الذي رمى أبا عامر أخوان من بني جشم وهما أوفى والعلاء ابنا الحارث فأصاب أحدهما ركبته وقتلهما أبو موسى الأشعري وروى الطبري في الأوسط من وجه آخر عن أبي موسى الأشعري بإسناد حسن لما هزم الله المشركين يوم حنين بعث رسول الله
على خيل المطلب أبا عامر الأشعري وأنا معه فقتل ابن دريد أبا عامر فعدلت إليه فقتلته وأخذت اللواء الحديث فهذا يؤيد ما ذكره ابن إسحاق قوله ' ولى ' أي أدبر قوله ' فأتبعته ' ضبط بقطع الألف وصوابه بوصلها وتشديد التاء لأن معناه سرت في أثره ومعنى أتبعته بقطع الألف لحقته والمراد هنا سرت في أثره قوله فكف أي توقف وكف نفسه يتعدى ولا يتعدى قوله ' فنزا منه الماء ' أي انصب من موضع السهم وقال الكرماني فنزا أي وثب قلت ليس كذلك والصواب ما ذكرناه قوله يا ابن أخي هذا يرد قول
ابن إسحاق أنه ابن عمه قوله مرمل بضم الميم وفتح الراء وتشديد الميم أي معمول بالرمال وهي حبال الحصير التي يظفر بها الأسرة قوله وعليه فراش قال ابن التين وأنكره الشيخ أبو الحسن وقال الصواب ما عليه فراش فسقطت ما * قيل لا يلزم من كونه رقد على غير فراش أن لا يكون على سريره دائما فراش قوله فوق كثير من خلقك أي في المرتبة وفي رواية ابن عائذ في الأكثرين يوم القيامة من الناس قال الكرماني تعميم بعد تخصيص قلت بيان لقوله ' من خلقك ' لأن الخلق أعم من أن يكون من الناس وغيرهم قوله ' قال أبو بردة ' موصول بالإسناد المذكور قوله ' إحداهما ' أي الدعوتين * -
4321 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى قتادة عن أبي قتادة قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فضربته من ورائه على جبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر فقلت ما بال الناس قال أمر الله عز وجل ثم رجعوا وجلس النبي صلى الله عليه وسلم فقال من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقلت من يشهد ثم جلست قال ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست قال ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله فقمت فقال ما لك يا أبا قتادة فأخبرته فقال رجل صدق وسلبه عندي فأرضه مني فقال أبو بكر لا ها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيعطيك سلبه فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق فأعطه فأعطانيه فابتعت به مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام..
مطابقته للترجمة ظاهرة. ويحيى بن سعيد هو الأنصاري قاضي المدينة، وعمر بن كثير ضد القليل ابن أفلح المدني مولى أبي أيوب الأنصاري وثقه النسائي وغيره من التابعين الصغار، ولكن ذكره ابن حبان في أتباع التابعين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث بهذا الإسناد، وحرف يحيى بن يحيى الأندلسي في روايته فقال: عمرو بن كثير، بفتح العين والصواب: عمر، بضم العين، وأبو محمد اسمه نافع بن عباس معروف باسمه وكنيته وهو مولى أبي قتادة، ويقال: مولى عقيلة بنت طلق، ويقال: عبلة بنت طلق، وأبو قتادة اسمه الحارث بن ربعي، وقيل: غيره.
والحديث مضى في الخمس في: باب من لم يخمس الأسلاب فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة عن مالك إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (جولة)، بفتح الجيم وسكون الواو، أي: تقدم وتأخر، وفي العبارة لطف حيث لم يقل: هزيمة، وهذه الجولة كانت في بعض المسلمين لا في رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن حواليه. قوله: (قد علا رجلا) أي: ظهر على قتله. قوله: (على حبل عاتقه). العاتق: موضع الرداء من المنكب، والحبل العصب. قوله: (بالسيف)، ويروى بسيف، بدون الألف واللام. قوله: (فقطعت الدرع) أي: اللبس الذي كان لابسه. قوله: (وجدت منها) أي: من تلك الضمة (ريح الموت) أي: من شدتها. قوله: (فأرسلني)، أي: أطلقني. قوله: (فلحقت عمر رضي الله عنه)، فيه حذف تقديره: فانهزم المسلمون وانهزمت معهم، فلحقت عمر. قوله: (ما بال الناس؟) أي: ما حالهم؟ قوله: (قال أمر الله)، أي: قال عمر: حكم الله تعالى وما قضا به، وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: محذوف، أي: هذا الذي أصابهم أمر الله. قوله: (ثم رجعوا) أي: ثم تراجعوا، وهكذا في الرواية الآتية، وكيفية رجوعهم قد تقدمت عن قريب قوله: (من قتل قتيلا) أي: مشرفا على القتل، فهو مجاز باعتبار المال قال الكرماني: ويحتمل أن يكون حقيقة بأن يراد بالقتيل القتيل بهذا القتل لا بقتل سابق، كما قال المتكلمون في جواب المغالطة المشهورة، وهو أن إيجاد المعدوم محال لأن الإيجاد إما حال العدم، فهو جمع بين النقيضين، وإما حال الوجود. وهو تحصيل للحاصل أن إيجاد الموجود بهذا الوجود لا بوجود متقدم. قوله: (فأرضه مني) هكذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره. فأرضه منه. قوله: (فقال أبو بكر) أي: الصديق، رضي الله عنه قوله: (لا ها الله) كلمة: ها، للتنبيه، وقد يقسم بها يقال: لا ها الله ما فعلت أي: لا والله، وقال ابن مالك: فيه شاهد على جواز الاستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه. قال: ولا يكون ذلك إلا مع الله، أي: لم يسمع: لا ها الرحمن، كما سمع لا والرحمن وحكى ابن التين عن الداودي أنه روى رفع: الله، والمعنى: يأبى الله، وقيل: إن ثبتت الرواية بالرفع فيكون ها، للتنبيه والله، مبتدأ. وقوله: (لا يعمد) خبره، وفيه تأمل. قوله: (إذا)، بكسر الهمزة وبالذال المعجمة المنونة، وقال الخطابي: هكذا نرويه، وإنما هو في كلامهم أي: العرب لا ها الله، يعني بدون الهمزة في أوله، والهاء فيه بمنزلة الواو، والمعنى: لا والله لا يكون ذا وقال عياض في (المشارق): عن إسماعيل القاضي أن المازني قال: قول الرواة: لا ها الله إذا، خطأ، والصواب: لا ها الله ذا يميني وقسمي، وقال أبو زيد ليس في كلامهم: لا ها الله إذا، وإنما هو: لا ها الله ذا، وذا صلة في الكلام، والمعني: لا والله هذا ما أقسم به وقال الطيبي: ثبت في الرواية: لا ها الله إذا، فحمله بعض النحويين على أنه من تعبير بعض الرواة لأن العرب لا تستعمل: لا ها الله، بدون ذا، وإن سلم استعماله بدون ذا فليس هذا موضع إذا لأنها حرف جزاء، ومقتضى الجزاء أن لا يذكر إلا في قوله: (لا يعمد)، بل كان يقول: إذا يعمد إلى أسد ليصح جوابا لطالب السلب انتهى وقد أطال بعضهم الكلام في هذا جدا، مختلطا بعضه ببعض من غير ترتيب، فالناظر فيه إن كان له يد يشمئز خاطره من ذلك وإلا فلا يفهم شيئا أصلا، والذي يقال بما يجدي الناظر أنه إن كان إذا، على ما هو الموجود في الأصول يكون معناه حينئذ وإن كان ذا بدون الهمزة، فوجهه ما تقدم فلا يحتاج إلى الإطالة الغير الطائلة قوله: (لا يعمد)، أي: لا يقصد النبي صلى الله عليه وسلم، إلى رجل كأنه أسد في الشجاعة يقاتل عن دين الله ورسوله، فيأخذ حظه ويعطيكه بغير طيبة من نفسه، وقال الكرماني: ويعمد، بالغيبة والتكلم ووقع في (مسند أحمد) أن الذي خاطب النبي صلى الله عليه وسلم، بذلك عمر، ولفظه فيه: فقال عمر: والله لا يفيئها الله على أسد ويعطيكها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق عمر. قلت: صاحب القصة أبو قتادة فهو اتقن لما وقع فيها من غيره، وقيل: يحتمل الجمع بأن يكون عمر أيضا قال ذلك تقوية لأبي بكر رضي الله عنه. قوله: (فابتعت به)، أي: اشتريت بذلك السلب وقال الواقدي باعه الحاطب بن أبي بلتعة بسبع أواق. قوله: (مخرفا)، بفتح الميم والراء بينهما خاء معجمة، قيل: يجوز فيه كسر الخاء وهو البستان، وسمي بذلك لأنه يخترف منه التمر أي: يجني، وذكر الواقدي أن هذا البستان كان يقال له: الودنيين، والمخرف، بكسر الميم اسم الآلة التي يجتني بها. قوله
302

: (في بني سلمة) بكسر اللام: بطن من الأنصار وهم ثوم أبي قتادة. قوله: (تأثلته)، بالتاء المثناة من فوق وفتح الهمزة وسكون الثاء المثلثة وضم التاء المثناة من فوق أي: اتخذته أصل المال واقتنيته، وأثلة كل شيء: أصله.
4322 وقال الليث حدثني يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة أن أبا قتادة قال لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين وآخر من المشركين يختله من ورائه من ورائه ليقتله فأسرعت إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني وأضرب يده فقطعتها ثم أخذني فضمني ضما شديدا حتى تخوفت ثم ترك فتحلل ودفعته ثم قتلته وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فإذا بعمر بن الخطاب في الناس فقلت له ما شأن الناس قال أمر الله ثم تراجع الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقام بينة على قتيل قتله فله سلبه فقمت لألتمس بينة على قتيلي فلم أر أحدا يشهد لي فجلست ثم بدا لي فذكرت أمره لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل من جلسائه سلاح هذا القتيل الذي يذكر عندي فأرضه منه فقال أبو بكر كلا لا يعطه أصيبغ من قريش ويدع أسدا من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأداه إلي فاشتريت منه خرافا فكان أول مال تاثلته في الإسلام..
هذا طريق آخر في الحديث المذكور وهو معلق وصله البخاري في الأحكام عن قتيبة عن الليث ويحيى بن سعد هو الأنصاري.
قوله: (يختله)، بالخاء المعجمة والتاء المثناة من فوق: أي يخدعه. قوله: (حتى تخوفت) أي: الهلاك، وهو مفعول قد حذف. قوله: (بدالي) أي: ظهر لي قوله: (الذي يذكر)، أي: أبو قتادة، وفي رواية الكشميهني: الذي ذكره. قوله: (كلا) كلمة ردع. قوله: (لا يعطه)، أي: لا يعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاح الرجل الذي هو سلبه. قوله: (أصيبغ) بضم الهمزة وفتح الصاد المهملة وسكون الياء آخر الحروف وكسر الباء الموحدة بعدها الغين المعجمة: وهو نوع من الطير ضعيف شبهه به لعجزه وهو أنه، وقيل: شبهه بالصبغاء، وهو نبت معروف، وقيل: نبت ضعيف كالثمام إذا طلع من الأرض يكون أول ما يلي الشمس منه أصفر، هذا الضبط رواية القابسي، وفي رواية أبي ذر: بالضاد المعجمة والعين المهملة، وعلى روايته هو تصغير: الضبع، على غير قياس، كأنه لما عظم أبا قتادة بأنه أسد صغر خصمه وشبهه بالضبع لضعف افتراسه وما يوصف به من العجز، وقال ابن مالك: أضيبع، بالضاد المعجمة والعين المهملة تصغير: أضبع ويكنى به عن الضعيف. قوله: (ويدع)، أي: يترك وهو بالنصب، وقال الكرماني: ويدع، بالرفع والجر نحو: لا تأكل السمك وتشرب اللبن.
56
((باب غزوة أوطاس))
أي: هذا باب في بيان غزوة أوطاس، قال عياض: هو واد في ديار هوازن وهو موضع حرب حنين، وهو من وطست الشيء موطسا إذا كددته وأثرت فيه، والوطيس: نقرة في حجر توقد حوله النار فيطبخ به اللحم، والوطيس: التنور.
57
((باب غزوة الطائف))
أي: هذا باب في بيان غزوة الطائف، وهو بلد كبير مشهور كثير الأعناب والنخيل على ثلاث مراحل أو اثنتين من مكة من جهة المشرق، وأصل تسميته بالطائف أن هشاما ذكر أن رجلا من الصدف يقال له: لدمون بن عبيد بن مالك قتل ابن عم له يقال له عمر بحضرموت ثم هرب، ورأى مسعود بن معتب الثقفي يعرج ومعه مال كثير وكان تاجرا. فقال: أحالفكم لتزوجوني، وأزوجكم وأبني عليكم طوفا مثل الحائط لا يصل إليكم أحد من العرب؟ فبنى بذلك المال طوفا عليهم، فسمي به الطائف. وحكى السهيلي: أن الجنة التي ذكرها الله تعالى في قوله: * (فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون) * (القلم: 19) هي: الطائف
302

اقتلعها جبريل، عليه الصلاة والسلام، من موضعها فأصبحت كالصريم وهو الليل، ثم سار بها إلى مكة شرفها الله تعالى فطاف بها حول البيت ثم أنزلها حيث الطائف اليوم، فسمى بها وكانت تلك الجنة بضوران على فرسخ من صنعاء ومن ثم كان الماء والشجر بالطائف دون ما حوله من الأرض وكانت قصة هذه الجنة بعد عيسى، عليه الصلاة والسلام، بيسير.
في شوال سنة ثمان قاله موسى بن عقبة
أي: كانت غزوة الطائف في شوال سنة ثمان، قاله موسى بن عقبة بالقاف صاحب (المغازي) وعلى قول الجمهور من أهل المغازي.
4324 حدثنا الحميدي سمع سفيان حدثنا هشام عن أبيه عن زينب ابنة أبي سلمة عن أمها أم سلمة رضي الله عنها دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وعندي محنث فسمعته يقول لعبد الله بن أبي أمية يا عبد الله أرأيت إن فتح الله عليكم الطائف غدا فعليك بابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخلن هاؤلاء عليكن.
وجه ذكر هذا الحديث هو أن فيه ذكر فتح الطائف، والحميدي هو عبد الله بن الزبير نسب إلى أحد أجداده، وسفيان هو ابن عيينة، وهشام هو ابن عروة بن الزبير، وزينب ابنة أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي وكان اسمها برة فسماها النبي صلى الله عليه وسلم، زينب، واسم أمها أم سلمة هند بنت أبي أمية المخزومية زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الإسناد، لطيفة: هشام عن أبيه وهما تابعيان وزينب وأمها وهما صحابيتان.
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن محمود بن غيلان هنا وفي النكاح أيضا عن عثمان بن أبي شيبة وفي اللباس عن أبي غسان مالك بن إسماعيل. وأخرجه مسلم في الاستئذان عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره. وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن محمد بن آدم وغيره. وأخرجه ابن ماجة في النكاح وفي الحدود عن أبي بكر بن أبي
شيبة.
قوله: (مخنث) قال النووي: بكسر النون وفتحها والكسر أفصح والفتح أشهر وهو الذي خلقه خلق النساء، سمي به لانكسار كلامه ولينه، يقال: خنثت الشيء فتخنث أي: عطفته فتعطف. قوله: (يا عبد الله) هو أخو أم سلمة راوية الحديث، وكان إسلامه مع أبي سفيان بن الحارث في غزوة الفتح واستشهد بالطائف أصابه سهم فمات منه. قوله: (أرأيت؟) أي: أخبرني. قوله: (فعليك)، أي: إلزم ابنة غيلان، بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالنون واسم ابنته: بادية ضد الحاضرة وقيل: بادنة، بالنون بعد الدال وقال أبو نعيم: أسلمت وسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الاستحاضة، وأبو غيلان بن سلمة بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قيس، وهو ثقفي أسلم بعد فتح الطائف ولم يهاجر وهو أحد من قال: * (لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) * (الزخرف: 31) وكان أبيض طوالا جعدا فخما جميلا، ولما وفد على كسرى واستحسن عقله، قال له كسرى: ما غذاؤك؟ قال: البر. قال كسرى: هذا العقل من البر لا من اللبن والتمر، وذكر المبرد أن كسرى قال هذا لهوزة بن علي، قال السهيلي: والصحيح عند الإخبار بين أنه قاله لغيلان، وكذا قاله أبو الفرج الأصبهاني، وأم غيلان سبيعة بنت عبد شمس، وكان شاعرا محسنا توفي في آخر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. قوله: (فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان) قال: بثمان، ولم يقل: بثمانية، لأنه أراد الأطراف وهي مذكرة لأنه لم يذكرها، وكذلك بأربع ولم يقل: بأربعة، لأن العكن واحدتها عكنة وهو من التأنيث المعنوي، يقال: أربع على تأنيث العدد. وقال الخطابي، يريد أربع عكن في البطن من قدامها، فإذا أقبلت رؤيت مواضعها شاخصة منكسرة الغضون وأراد بالثمان أطراف هذه العكن من ورائها عند منقطع الجنبين. قلت: حاصله أن السمينة يحصل لها في بطنها أربع عكن ويرى من الوراء لكل عكنة طرفان، وقال الخطابي: وهذا إنما كان يؤذن له على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على أنه من جملة غير أولى إلا ربة من الرجال فلم ير بأسا به، وقال ابن الكلبي، إنه قال: تغدو وتدبر بمثان، مع ثغر كالأقحوان إن قعدت تثنت وإن تكلمت تغنت، بين رجليها مثل الإناء المكفوف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع، فقال: لقد غلغلت النظر إليها يا عدو الله، ثم أجلاه عن المدينة إلى الحمى، فلما فتح الطائف
303

تزوجها عبد الرحمن بن عوف فولدت له نزيهة. ولما قبض صلى الله عليه وسلم أبي أن يرده الصديق رضي الله تعالى عنه، ولما ولي عمر رضي الله عنه. قيل له: إنه قد ضعف وكبر فاحتاج، فأذن له أن يدخل كل جمعة فيسأل الناس ويرد إلى مكانه. وفي (صحيح ابن حبان): عن عائشة رضي الله عنها: دخل النبي صلى الله عليه وسلم وهيت ينعت امرأة من يهود، فأخرجه صلى الله عليه وسلم فكان بالبيداء يدخل كل جمعة يستطعم. وفي (مسند سعد بن أبي وقاص) إنه خطب امرأة بمكة وهو مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ليس عندي من يراها ولا من يخبرني عنها، فقال: هيت: أنا أنعتها إذا أقبلت أقبلت بست، وإذا أدبرت أدبرت بأربع، وكان يدخل على سودة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أراه إلا منكرا فمنعه، ولما قدم المدينة نفاه، ولأبي داود من حديث أبي هريرة: أتى النبي صلى الله عليه وسلم مخنث قد خضب يديه ورجليه، فقيل: يا رسول الله هذا يتشبه بالنساء، فنفاه إلى البقيع فقيل: ألا تقتله؟ فقال: إني نهيت عن قتل المصلين.
قال ابن عيينة وقال ابن جريج المخنث هيت
أي: قال سفيان بن عيينة وعبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج: اسم المخنث المذكور في الحديث: بكسر الهاء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخر تاء مثناة من فوق، وقيل: بفتح الهاء، ووجد هكذا بخط بعض الفضلاء المتقدمين، وقيل: هنب، بنون ساكنة بعد هاء مكسورة، وفي آخره باء موحدة، وقال ابن درستويه: هذا هو الصواب، وما سواه تصحيف. قال: والهنب الأحمق، وقيل: اسمه ماتع، بالتاء المثناة من فوق ذكره أبو موسى المديني في الصحابة، حيث قال: هيت ماتع وهو مولى عبد الله بن أبي أمية المذكور معه، وعند أبي موسى: نفى أبو بكر ماتعا إلى فدك وليس بها أحد يومئذ من المسلمين، وكان في المدينة مخنث آخر اسمه: الهدم، بكسر الهاء وسكون الدال وفي الطبراني من حديث واثلة بن الأسقع: أنه صلى الله عليه وسلم، أخرج الحر، وأخرج عمر رضي الله عنه، فلانا وفلانا، وكان هؤلاء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان فيهم لين في القول وخضاب في الأيدي والأرجل ولا يرمون بفاحشة، وربما لعب بعضهم بالكرج وفي مراسيل أبي داود أن عمر رضي الله عنه، رأى لاعبا بالكرج فقال: لولا أني رأيت هذا يلعب به على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لنفيتك من المدينة. قلت: الكرج، بضم الكاف وتشديد الراء المفتوحة وفي آخره جيم معرب: كرة.
4325 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن أبي العباس الشاعر الأعمى عن عبد الله بن عمرو قال لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف فلم ينل منهم شيئا قال إنا قافلون إن شاء الله فثقل عليهم وقالوا نذهب ولا نفتحه وقال مرة فقال اغدوا على القتال فغدوا فأصابهم جراح فقال إنا قافلون غدا إن شاء الله فأعجبهم فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال سفيان مرة فتبسم قال قال الحميدي حدثنا سفيان الخبر كله.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار، وأبو العباس الشاعر اسمه السائب بن فروخ المكي الأعمى، وعبد الله بن عمرو بن العاص، هكذا وقع عمرو، بالواو وفي رواية الكشميهني والنسفي والأصيلي وقرئ على ابني زيد المروزي فرده بضم العين المهملة، وقال الدارقطني: الصواب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكذلك عند ابن المديني والحميدي وغيرهما، من حفاظ أصحاب ابن عيينة عبد الله بن الخطاب، وقد بالغ الحميدي في (مسنده) في روايته عن ابن عيينة في الحديث عبد الله بن عمر بن الخطاب، وكذلك أخرجه البيهقي في (الدلائل) عن عبد الله بن عمر بن الخطاب وأخرجه بن أبي شيبة عن ابن عيينة، فقال عبد الله بن عمرو يعني: بالواو وكذا رواه عنه مسلم، وكذا روى عن يحيى بن معين، وهذا كما رأيت فيه اختلاف شديد، ولكن غير ضار.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدي عن قتيبة. وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره، وأخرجه النسائي في الموضعين من السير عن عبد
الجبار بن العلاء.
قوله:
304

(لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف) كانت مدة المحاصرة ثمانية عشر يوما، ذكره ابن سعد، ويقال: خمسة عشر يوما، وقال ابن هشام: سبعة عشر يوما، وعن مكحول: أنه صلى الله عليه وسلم، نصب المنجنيق على أهل الطائف أربعين يوما، وفي (الجمع بين الصحيحين) لأبي نعيم الحداد حصار الطائف كان أربعين ليلة، وروى يونس عن ابن إسحاق: ثلاثين ليلة أو قريبا من ذلك، وفي (السير) لسليمان بن طرخان أبي المعتمر: حاصرهم شهرا. وعند الزهري وابن حبان: بضع عشرة ليلة، وصححه ابن حزم، وعن الربيع بن سالم: عشرين يوما. قوله: (إنا قافلون) أي: راجعون إلى المدينة قوله: (فثقل عليهم)، يعني: قوله: (إنا قافلون)، وبين سبب ذلك بقولهم: نذهب ولا نفتحه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (أغدو على القتال)، يعني يروا أول النهار لأجل القتال. قوله: (فأصابهم جراح)، أي: من السهام والحجارة وسكك الحديد المحماة. قوله: (فأعجبهم) أي: قوله: (إنا قافلون غدا، إن شاء الله)، لأنهم كانوا تألموا منهم، فلما سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم، القفول فرحوا، فلذلك ضحك صلى الله عليه وسلم. قوله: (وقال سفيان)، أي: ابن عيينة الراوي (مرة: فتبسم) وهذا ترديد منه. قوله: (قال الحميدي حدثنا سفيان الخبر كله)، بالنصب أي: أخبرنا سفيان بجميع الحديث بلفظ: أخبرنا وأخبرني لا بغيره مثل العنعنة، ووقع في رواية الكشميهني: بالخبر كله.
4327 حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن عاصم قال سمعت أبا عثمان قال سمعت سعدا وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله وأبا بكرة وكان تسور حصن الطائف في أناس فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام.
مطابقته للترجمة في قوله: (وكان) أي: أبو بكرة (تسور حصن الطائفة) ولم يقع هذا إلا في وقت حصار النبي صلى الله عليه وسلم.
وغندر قد مر غير مرة وهو محمد بن جعفر، وعاصم هو ابن سليمان، وأبو عثمان هو عبد الرحمن النهدي، بالنون، وسعد هو ابن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة، وأبو بكرة اسمه نفيع، بضم النون وفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره عين مهملة: ابن مسروح، ويقال: نفيع بن كلدة، وكان من عبيد الحارث بن كلدة بن عمرو الثقفي غلبت عليه كنيته، واسم أمه سمية أمة للحارث بن كلدة، وهي أم زياد بن أبي سفيان، وتدلى أبو بكرة من حصن الطائف ببكرة ونزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكناه صلى الله عليه وسلم: أبا بكرة، وسكن البصرة ومات بها في سنة إحدى وخمسين، وكان ممن اعتزل يوم الجمل لم يقاتل مع واحد من الفريقين، وكان من فضلاء الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
قوله: (وكان تسور حصن الطائف) لأنه أسلم وهو في الحصن وعجز عن الخروج منه إلا بهذا الطريق، وتسور الحائط أي: تسلقه. قوله: (في أناس)، يعني من عبيد أهل الطائف، وذكر في الطبقات بضعة عشر رجلا منهم: المنبعث عبد عثمان بن عامر بن معتب، وكان اسمه المضطجع، فبدل رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه، ومنهم: الأزرق عبد الحارث بن كلدة المتطبب وزوج سمية مولاة الحارث وأم زياد، ثم حالف بني أمية لأن النبي صلى الله عليه وسلم دفعه إلى خالد بن سعيد بن العاص ليعلمه الإسلام، ومنهم: وردان كان لعبد الله بن ربيعة وهو جد الفرات بن زيد بن وردان، ومنهم: يحنس النبال كان لابن مالك الثقفي، ومنهم: إبراهيم بن جابر كان لخرشة الثقفي، ومنهم: بشار كان لعثمان بن عبد الله، ومنهم: نافع مولى الحارث بن كلدة، ومنهم: نافع مولى غيلان بن سلمة الثقفي، وهؤلاء الذين وجدنا أساميهم ليس إلا وجعل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاء هؤلاء العبيد لساداتهم حين أسلموا. قوله: (من ادعى إلى غير أبيه)، أي: من انتسب إلى غير أبيه (فالجنة عليه حرام) إما على سبيل التغليظ، وإما أنه إذا استحل ذلك.
وقال هشام وأخبرنا معمر عن عاصم عن أبي العالية أو أبي عثمان النهدي قال سمعت سعدا وأبا بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال عاصم قلت لقد شهد عندك رجلان
305

حسبك بهما قال أجل أما أحدهما فأول من رمى بسهم في سبيل الله وأما الآخر فنزل إلي النبي صلى الله عليه وسلم ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف.
هشام هو ابن يوسف الصنعاني، وعاصم قد مر الآن، وأبو العالية رفيع مصغر رفع ضد الخفض ابن مهران الرياحي البصري، أدرك الجاهلية وأسلم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين.
قوله: (أو أبي عثمان)، شك من الراوي، وهو مر عن قريب. قوله: (عندك)، خطاب لأبي العالية أو لأبي عثمان، والذي يخاطب هو عاصم. قوله: (رجلان)، أراد بهما سعدا وأبا بكرة. قوله: (حسبك بهما)، أي: كافيك بهذين الاثنين في الشهادة. قوله: (وأما الآخر) فهو: أبو بكرة. قوله: (ثالث ثلاثة وعشرين من الطائفة). أراد أن الذين نزلوا من أهل الطائف راغبين في الإسلام ثلاثة وعشرون، وأبو بكرة منهم. وأراد البخاري بهذه الرواية بيان عدد من أبهم في الرواية السابقة لأنه قال فيها: في أناس، وهو مبهم من حيث العدد، وبينه في هذه الرواية فإن قلت: قد زعم موسى بن عقبة في مغازيه أنه لم ينزل من سور الطائف غير أبي بكرة، وتبعه الحاكم في ذلك (قلت الذي في الصحيح) يرد عليه، ووفق بعضهم بين القولين بأن أبا بكرة نزل وحده أولا ثم نزل الباقون بعد، والله أعلم.
4328 حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة ومعه بلال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال ألا تنجز لي ما وعدتني فقال له أبشر فقال قد أكثرت علي من أبشر فأقبل على أبي موساى وبلال كهيئة الغضبان فقال رد البشرى فاقبلا أنتما قالا قبلنا ثم دعا بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه ثم قال اشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا فأخذا القدح ففعلا فنادت أم سلمة من وراء الستر أن أفضلا لأمكما فأفضلا لها منه طائفة. (انظر الحديث 188 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه من متعلقات غزوة حنين. وأبو أسامة هو حماد بن أسامة، وبريد وأبو بردة كلاهما بضم الباء الموحدة، وبريد بن عبد الله يروي عن جده أبي بردة عامر عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري.
وهذا الإسناد بعينه قد مضى ببعض الحديث في الطهارة في: باب الوضوء والغسل في المخضب والقدح. وأخرجه مسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (بالجعرانة)، بكسر الجيم، سكون العين المهملة وتخفيف الراء وقد تكسر العين وتشدد الراء، وقد مضى تفسيره غير مرة. قوله: (بين مكة والمدينة)، قال عياض: هي بين الطائف ومكة وإلى مكة أقرب، وقال الفاكهاني: بينها وبين مكة بريد، وقال الباجي: ثمانية عشر ميلا وقد أنكر الداودي قوله: إن الجعرانة بين مكة والمدينة، وقال: إنما هي بين مكة والطائف، وبه جزم النووي. قوله: (ألا تنجز لي؟): أي: ألا توفي لي ما وعدتني؟ وهذا الوعد الذي ذكره يحتمل أن يكون وعدا خاصا لهذا الأعرابي، ويحتمل أن يكون من الوعد العام الذي وعد أن يقسم غنائم حنين بالجعرانة بعد رجوعه من الطائف، وكان طلبه التعجيل بنصيبه منها. قوله: (أبشر)، بهمزة قطع يعني: أبشر أيها الأعرابي بقرب القسمة أو الثواب الجزيل على الصبر. قوله: (فنادت أم سلمة)، وهي زرج النبي صلى الله عليه وسلم، أم المؤمنين، فلهذا قالت: (لأمكما) قوله: (فأفضلا)، من الإفضال. قوله: (طائفة)، أي: بقية.
329 - (حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا إسماعيل حدثنا ابن جريج قال أخبرني عطاء أن صفوان بن يعلى بن أمية أخبره أن يعلى كان يقول ليتني أرى رسول الله
306

حين ينزل عليه قال فبينا النبي
بالجعرانة وعليه ثوب قد أظل به معه فيه ناس من أصحابه إذ جاءه أعرابي عليه جبة متضمخ بطيب فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعد ما تضمخ بالطيب فأشار عمر إلى يعلى بيده أن تعال فجاء يعلى فأدخل رأسه فإذا النبي
محمر الوجه يغط كذلك ساعة ثم سري عنه فقال أين الذين يسألني عن العمرة آنفا فالتمس الرجل فأتي به فقال أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجك)
مطابقته للترجمة في قوله ' بالجعرانة ' وإسماعيل هو ابن إبراهيم المعروف بابن علية وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي وعطاء هو ابن أبي رباح ويعلى بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة ابن أمية ويقال منية وهي أمه أخت عتبة بن غزوان وأبوه أيضا أمية بن أبي عبيدة بن همام بن الحارث قال أبو عمر ينسب حينا إلى أمه وحينا إلى أبيه قتل بصفين مع علي رضي الله تعالى عنه سنة ثمان وثلاثين بعد أن كان مع عائشة في وقعة الجمل روى هذا الحديث عنه ابنه صفوان وروى عنه عطاء في مواضع والحديث مضى في أوائل الحج في باب غسل الخلوق وأيضا مضى في باب يفعل في العمرة ما يفعل في الحج فإنه أخرجه هناك عن أبي نعيم عن همام عن عطاء قوله ' حين ينزل عليه ' أي الوحي قوله ' متضمخ ' بالرفع صفة أعرابي بعد صفة أو هو خبر مبتدأ محذوف أي هو متضمخ أي متلطخ قوله ' يغط ' يقال غط أي هدر في الشقشقة وغطيط النائم غيره قوله ' ثم سرى عنه ' أي انكشف وقد مر شرحه مستوفى في باب غسل الخلوق * -
4330 حدثنا موساى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا عمرو بن يحيى عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد بن عاصم قال لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئا فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس فخطبهم فقال يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي وكنتم متفرقين فألفكم الله بي وعالة فأغناكم الله بي كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله أمن قال ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله أمن قال لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا أترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار ولو سلك الناس واديا أو شعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها: الأنصار شعار والناس دثار إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض.
مطابقته للترجمة في قوله: (يوم حنين) ووهيب مصغر وهب ابن خالد البصري، وعمرو بن يحيى بن عمارة الأنصاري المدني، وعباد، بتشديد الباء الموحدة: ابن تميم بن زيد بن عاصم الأنصاري المازني، سمع عمه عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب بن عمرو الأنصاري المازني المدني، له ولأبويه ولأخيه حبيب صحبة، وهو الذي حكى وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج البخاري في التمني بعض هذا الحديث. وأخرجه مسلم في الزكاة عن شريح بن يونس.
قوله: (لما أفاء الله على رسوله) أي: لما أعطاه غنائم الذين قاتلهم يوم حنين، وأصل الفيء الرجوع، ومنه سمى الظل بعد الزوال فيئا لأنه يرجع من جانب إلى جانب، ومنه سميت أموال الكفار فيئا لأنها كانت في الأصل للمؤمنين، لأن الإيمان هو أصل والكفر طار عليه، ولكنهم غلبوا عليها
307

بالتعدي فإذا غنمها المسلمون فكأنها رجعت إليهم. قوله: (قسم)، مفعوله محذوف أي: قسم الغنائم في الناس. قوله: (في المؤلفة قلوبهم) بدل: البعض من الكل، والمراد بالمؤلفة قلوبهم هنا ناس حديثو العهد بالإسلام أعطاهم تأليفا لقلوبهم، وسرد أصحاب السير أسماءهم ما ينيف على الأربعين، منهم: أبو سفيان وابناه معاوية ويزيد. قوله: (وجدوا) أي: حزنوا، يقال: وجد في الحزن وجدا، بفتح الواو، ووجد في المال وجدا بالضم ووجدا بالفتح ووجدا بالكسر وجدة أي: استغنى، ووجده مطلوبه يجده وجودا، ووجد ضالته وجدانا، ووجد عليه في الغضب موجدة ووجدانا أيضا، حكاها بعضهم، وفي رواية أبي ذر، فكأنهم وجد بضمتين جمع: الواجد، ويروى بضم الواو وسكون الجيم، وحاصل رواية أبي ذر: فكأنهم وجد إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، أو كأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، أورده على الشك والتكرار، وقال الكرماني: فإن قلت: ما فائدة التكرار؟ قلت: إذا كان الأول إسما والثاني فعلا فهو ظاهر، أو أحدهما من الحزن والثاني من الغضب، أو هو شك من الراوي، ووقع للكشميهني وحده: وجدوا في الموضعين، وكذا وقع في أصل النسفي، وفي رواية مسلم، وقال عياض: وقع في نسخة من الثاني إن لم يصبهم، يعني
بفتح الهمزة وبالنون قال: وعلى هذا تظهر فائدة التكرار. قوله: (فخطبهم) زاد مسلم: فحمد الله وأثنى عليه قوله: (ضلالا) بضم الضاد وتشديد اللام جمع ضال. والمراد هنا: ضلالة الشرك وبالهداية الإيمان. قوله: (وعالة) جمع العائل وهو الفقير. قوله: (كلما قال شيئا أي:) كلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، من ذلك شيئا، قالوا: (أي الأنصار. قوله: (الله ورسوله ورسوله أمن) بفتح الهمزة والميم وتشديد النون، وهو أفعل التفضيل من: المن، ويوضحه حديث أبي سعيد. فقالوا: ماذا نجيبك يا رسول الله؟ لله ولرسوله المن والفضل. قوله: (قال: كلما قال شيئا) في المرة الثانية تكرار من الراوي للأول. قوله: (قال: لو شئتم) أي: قال رسول الله: لو شئتم (قلتم جئتنا)، بفتح التاء للخطاب، قوله: (كذا وكذا)، كناية عما يقال: جئتنا مكذبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريدا فآويناك، وعائلا فوا سيناك، وصرح بذلك في حديث أبي سعيد، وروى أحمد من حديث ابن أبي عدي عن حميد عن أنس بلفظ: أفلا تقولون: جئتنا خائفا فآمناك، وطريدا فآويناك، ومخذولا فنصرناك؟ قالوا: بل المن علينا لله ولرسوله، انتهى وإنما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم تواضعا منه وإنصافا، وإلا ففي الحقيقة الحجة البالغة والمنة الظاهرة في جميع ذلك له عليهم، فإنه لولا هجرته إليهم وسكناه عندهم لما كان بنيهم وبين غيرهم فرق، نبه صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله: (أترضون) الخ ويروى: ألا ترضون؟ ففيه تنبيه لهم على ما غفلوا عنه من عظيم ما اختصوا به بالنسبة إلى ما اختص به غيرهم من عرض الدنيا الفانية. قوله: (بالشاة والبعير)، كل منهما اسم جنس، فالشاة تقع على الذكر والأنثى والبعير على الجمل والناقة، وفي رواية الزهري: أترضون أن يذهب الناس بالأموال؟ وفي رواية أبي التياح: بالدنيا؟ قوله: (إلى رحالكم) أي: إلى بيوتكم ومنازلكم، وهو جمع رحل بالحاء المهملة. قوله: (لولا الهجرة) أي: لولا وجود الهجرة. قال الخطابي: أراد بهذا الكلام تألف الأنصار وتطيب قلوبهم والثناء عليهم في دينهم حتى رضي أن يكون واحدا منهم لولا ما يمنعه من الهجرة لا يجوز تبديلها، ونسبة الإنسان على وجوه الولادية: كالقرشية، والبلادية كالكوفية، والاعتقادية: كالسنية، والصناعية: كالصيرفية، ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد به الانتقال عن نسب آبائه إذ ذاك ممتنع قطعا، وكيف وأنه أفضل منهم نسبا وأكرمهم أصلا؟ وأما الاعتقادي فلا موضع فيه للانتقال إذا كان دينه ودينهم واحدا فلم يبق إلا القسمان الأخيران الجنائز فيهما الانتقال، وكانت المدينة دارا للأنصار والهجرة إليها أمرا واجبا، أي: لولا أن النسبة الهجرية لا يسعني تركها لانتقلت عن هذا الاسم إليكم ولانتسبت إلى داركم. قال الخطابي: وفيه وجه آخر، وهو أن العرب كانت تعظم شأن الخؤولة وتكاد تلحقها بالعمومة وكانت أم عبد المطلب امرأة من بني النجار، فقد يكون صلى الله عليه وسلم، ذهب هذا المذهب إن كان أراد نسبة الولادة. قوله: (ولو سلك الناس واديا أو شعبا). بكسر الشين المعجمة وهو اسم لما انفرج بين جبلين، وقيل: الطريق في الجبل، وقال الخطابي: لما كانت العادة أن المرء يكون في نزوله وارتحاله مع قومه، وأرض الحجاز كثيرة الأودية والشعاب، فإذا تفرقت في السفر الطرق سلك كل قوم منهم واديا وشعبا، فأراد أنه مع الأنصار. قال: ويحتمل أن يريد بالوادي المذهب، كما يقال: فلان في واد وأنا في واد. قوله: (شعار) بكسر الشيخ المعجمة والعين المهملة الخفيفة، وهو الثوب الذي يلي الجلد من الجسد و (الدثار)، وبكسر
308

الدال المهملة وبالثاء المثلثة الخفيفة، وهو الذي فوق الشعار، وهو كناية عن فرط قربهم منه، وأراد أنهم بطانته وخاصته وأنهم ألصق به وأقرب إليه من غيرهم، قوله: (آثرة) بضم الهمزة وسكون الثاء المثلثة وبفتحتين، وهو اسم من آثر يؤثر إيثارا إذا أعطى. قال ابن الأثير: أراد أنه يؤثر عليكم فيفضل غيركم من نصيبه من الفيء، ويروى إثرة، بكسر أوله مع الإسكان أي: الانفراد بالشيء المشترك دون من يشاركه فيه. قوله: (على الحوض)، أي: يوم القيامة، وفي رواية الزهري: حتى تلقوا الله ورسوله فإني على الحوض، أي: اصبروا حتى تموتوا فإنكم ستجدوني عند الحوض، فيحصل لكم الانتصاف ممن ظلمكم، والثواب الجزيل على الصبر.
4331 حدثني عبد الله بن محمد حدثنا هشام أخبرنا معمر عن الزهري قال أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال ناس من الأنصار حين أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ما أفاء من أموال هوازن فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يعطي رجالا المائة من الإبل فقالوا يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم قال أنس فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقالتهم فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم ولم يدع معهم غيرهم فلما اجتمعوا قام النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما حديث بلغني عنكم فقال فقهاء الأنصار أما رؤساؤنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا وأما ناس منا حديثة أسنانهم فقالوا يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطى قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به قالوا يا رسول الله قد رضينا فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ستجدون أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإني على الحوض قال أنس فلم يصبروا..
مطابقته للترجمة في قوله: (من أموال هوازن). وهشام هو ابن يوسف الصنعاني.
قوله: (فطفق)، من أفعال المقاربة، من الأفعال التي وضعت للدلالة على الشروع فيه، وخبره يكون جملة وهو هنا، قوله: (يعطي). قوله: (المائة)، منصوب بقوله: (يعطي). قوله: (وسيوفنا تقطر) من باب القلب. قوله: (فحدث)، على صيغة المجهول أي: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمقالتهم، وقال ابن إسحاق عن أبي سعيد الخدري: إن الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمقالتهم سعد بن عبادة. قوله: (من آدم)، بفتحتين جمع أديم، وهو الجلد الذي تم دباغه، وقال السيرافي: لم يجمع فعيل على فعل إلا أديم وأدم، وأفيق وافق، وقضيم وقضم، والقضم الصحيفة وهو بالقاف والضاد المعجمة. قوله: (غيرهم) أي: غير الأنصار قوله: (قام النبي صلى الله عليه وسلم)، أي: قام خطيبا. قوله: (رؤساؤنا)، جمع الرئيس ويروى: ريسانا، بكسر الراء بعدها الياء آخر الحروف. قوله: (حديثي عهد) أصله: حديثين. عهد فلما أضيف إلى العهد سقطت النون. قوله: (لما تنقلبون)، أي: للذي تنقلبون به، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم خير مما ينقلب هؤلاء بالأموال، واللام في: لما، بالفتح لأنه كلام التأكيد، وكلمة: ما، موصولة مبتدأ، وخبره قوله: (خير). قوله: (أثرة شديدة)، وجه الشدة أنهم
يستأثرون عليهم بما لهم، فيه اشتراك في الاستحقاق.
4332 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن أبي التياح عن أنس قال لما كان يوم فتح مكة قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم بين قريش فغضبت الأنصار قال النبي صلى الله عليه وسلم
309

أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا بلى قال لو سلك الناس واديا أو شعبا لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم..
هذا طريق آخر في حديث أنس. وأبو التياح فيه بفتح التاء المثناة وتشديد الياء آخر الحروف، واسمه يزيد بن حميد، قوله: (بين قريش) هكذا في رواية الكشميهني والأصيلي، وفي رواية أبي ذر: (غنائم في قريش)، ووقع للقابسي: (غنائم قريش). والمراد بالغنائم: غنائم هوازن لأنه لم يكن عند فتح مكة غنائم حتى تقسم. قوله: (وادي الأنصار) هو المكان المنخفض، وقيل: الذي فيه ماء، ولكن أراد به هنا: بلدهم.
4333 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا أزهر عن ابن عون أنبأنا هشام بن زيد بن أنس عن أنس رضي الله عنه قال لما كان يوم حنين التقى هوازن ومع النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف والطلقاء فأدبروا قال يا معشر الأنصار قالوا لبيك يا رسول الله وسعديك لبيك نحن بين يديك فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فقال أنا عبد الله ورسوله فانهزم المشركون فأعطى الطلقاء والمهاجرين ولم يعط الأنصار شيئا فقالوا فدعاهم فأدخلهم في قبة فقال أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لاخترت شعب الأنصار..
هذا طريق آخر في حديث أنس عن علي بن عبد الله المعروف بابن المديني عن أزهر بن سعد السمان البصري عن عبد الله ابن عون عن هشام بن زيد بن أنس عن جده أنس بن مالك.
والحديث أخرجه مسلم في الزكاة عن أبي موسى وإبراهيم ابن محمد بن عرعرة.
قوله: (التقى هوازن) أي: التقى النبي صلى الله عليه وسلم هوازن، والواو في: (ومع النبي صلى الله عليه وسلم)، للحال، (والطلقاء) هكذا في رواية الكشميهني، عشرة آلاف، والطلقاء بحرف الواو التي للعطف، ويروى: عشرة آلاف من الطلقاء، وليس بصواب لأن الطلقاء لم يبلغوا هذا القدر ولا عشر عشره، وقد تكلف بعضهم بأن الواو فيه مقدرة عند من جوز تقدير حذف العطف، وفيه نظر لا يخفى، والطلقاء جمع: طليق، وهو الأسير الذي أطلق عنه الأسر وخلى سبيله، ويراد بهم أهل مكة فإنه صلى الله عليه وسلم أطلق عنهم، وقال لهم: أقول لكم ما قال يوسف: * (لا تثريب عليكم اليوم) * (يوسف: 92) قوله: (فقالوا:)، أي: تكلموا في منع العطاء عنهم.
4334 ح دثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة قال سمعت قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال جمع النبي صلى الله عليه وسلم ناسا من الأنصار فقال إن قريشا حديث عهد بجاهلية ومصيبة وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم قالوا بلى قال لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت وادي الأنصار أو شعب الأنصار..
هذا طريق آخر في حديث أنس عن محمد بن بشار وهو بندار عن غندر وهو محمد بن جعفر إلى آخره.
والحديث أخرجه مسلم أيضا في الزكاة عن أبي موسى وبندار. وأخرجه الترمذي في المناقب عن بندار به. وأخرجه النسائي في الزكاة عن إسحاق بن إبراهيم.
قوله: (حديث عهد)، كذا وقع بالإفراد في (الصحيحين) والأصل أن يقال: حديثو عهد، كذا قال الدمياطي، وكتبه بخطه، وعند الإسماعيلي: (أن قريشا كانوا قريب عهد). قوله: (ومصيبة)، من نحو قتل أقاربهم وفتح بلادهم. قوله: (إن أجبرهم) بفتح الهمزة وسكون الجيم وبالباء الموحدة وبالراء من: الجبر ضد الكسر هكذا رواية الأكثرين، وفي رواية السرخسي والمستملي بضم أوله وكسر الجيم وسكون الياء آخر الحروف وبالزاي من: الجائزة.
310

4335 حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال لما قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسمة حنين قال رجل من الأنصار ما أراد بها وجه الله فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فتغير وجهه ثم قال رحمة الله على موسى لقد أوذي بأكثر من هاذا فصبر..
مطابقته للترجمة في قوله: (قسمة حنين)، وقبيصة بن عقبة، وسفيان بن عيينة، والأعمش سليمان، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وعبد الله هو ابن مسعود.
والحديث أخرجه مسلم أيضا في الزكاة.
قوله: (قال رجل من الأنصار)، قال الواقدي: هو معتب ابن قشير من بني عمرو بن عوف، وكان من المنافقين. وقال صاحب (التلويح) لم أر أحدا قال: إنه من الأنصار إلا ما وقع هنا وجزم بأنه حرقوص بن زهير السعدي ولم يصب في ذلك، فإن قصة حرقوص غير هذه، على ما يأتي عن قريب من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قوله: (ما أراد بها) أي: بهذه القسمة، وفي رواية منصور: ما أريد بها، على يعني: على صيغة المجهول على ما يأتي الآن. قوله: (فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته)، ويروي: فقلت: لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم.
4336 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه قال لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم ناسا أعطى الأقرع مائة من الإبل وأعطى عيينة مثل ذالك وأعطى ناسا فقال رجل ما أريد بهاذه القسمة وجه الله فقلت لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم قال رحم الله موساى قد أوذي بأكثر من هاذا فصبر..
هذا طريق آخر في حديث ابن مسعود، وقد مضى في الخمس في: باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم، يعطي المؤلفة قلوبهم، فإنه أخرجه هناك عن عثمان بن أبي
شيبة عن جرير عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله إلي آخره.
قوله: (آثر)، أي: اختص. قوله: (أعطى)، بيان للجملة السابقة. (والأقرع) هو ابن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع التميمي، ويقال: كان اسمه فراس، والأقرع لقبه (وعيينة) بضم العين المهملة وفتح الياء آخر الحروف الأولى وسكون الثاني وبالنون: ابن حصن ابن حذيفة بن بدر الفزاري. قوله: (مثل ذلك)، أي: مثل ما أعطى للأقرع. قوله: (وأعطى ناسا) أي: ناسا آخرين، وفي الحديث الذي مضى في الخمس: وأعطى ناسا من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في القسمة.
337 - (حدثنا محمد بن بشار حدثنا معاذ بن معاذ حدثنا ابن عون عن هشام بن زيد بن أنس بن مالك عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بنعمهم وذراريهم ومع النبي
عشرة آلاف ومن الطلقاء فأدبروا عنه حتى بقي وحده فنادى يومئذ نداءين لم يخلط بينهما التفت عن يمينه فقال يا معشر الأنصار قالوا لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك ثم التفت عن يساره فقال يا معشر الأنصار قالوا لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك وهو على بغلة بيضاء فنزل فقال أنا عبد الله ورسوله فانهزم المشركون فأصاب يومئذ غنائم كثيرة فقسم في المهاجرين والطلقاء ولم يعط الأنصار شيئا فقالت الأنصار إذا كانت شديدة فنحن ندعى ويعطى الغنيمة غيرنا فبلغه ذلك فجمعهم في قبة فقال يا معشر الأنصار ما حديث بلغني عنكم فسكتوا فقال يا معشر الأنصار ألا ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون برسول الله
تحوزونه إلى بيوتكم قالوا بلى فقال النبي
لو سلك الناس
311

واديا وسلكت الأنصار شعبا لأخذت شعب الأنصار فقال هشام يا با حمزة وأنت شاهد ذاك قال وأين أغيب عنه)
مطابقته للترجمة ظاهرة وكان الوجه أن يقدم حديث أنس هذا على حديث عبد الله بن مسعود الذي سبق لتوالي طرق حديث أنس قيل الظاهر أنه من تغيير الرواة عن الفربري فإن طريق أنس هذا سقط من رواة النسفي فلعل البخاري ألحقه فكتبه مؤخرا عن مكانه وقد أخرج هذا محمد عن ابن بشار عن معاذ بن نصر التميمي قاضي البصرة عن عبد الله بن عون إلى آخره وأخرج ذاك الطريق عن علي بن عبد الله عن الزهري عن عبد الله بن عون إلى آخره قوله ' بنعمهم ' بفتح النون والعين وهي الشاة والبعير قوله وذراريهم بتشديد الياء وتخفيفها وكانت عادتهم إذا أرادوا الثبات في القتال استصحبوا الأهالي وثقلهم معهم إلى موضع القتال قوله ' ومن الطلقاء ' ويروى من الطلقاء وليس بصواب وقد مر الكلام فيه عن قريب قوله ' شديدة ' يعني قضية شديدة مثل حرب قوله ' فنحن ندعى ' على صيغة المجهول أي نطلب قوله ويعطى أي النبي
قوله ' فبلغه ذلك ' أي فبلغ النبي
ذلك أي ما قالوه ويروى ذاك بدون اللام قوله ' تحوزونه ' بالحاء المهملة والزاي يقال حازه يحوزه إذا قبضه وملكه واستبد به ويروى تجيرونه بالجيم والراء قاله الكرماني وفسره بقوله تنقذونه فلينظر في ذلك قوله ' فقال هشام ' هو هشام بن زيد الراوي وهو موصول بالإسناد المذكور قوله ' يا با حمزة ' أصله يا أبي حمزة فحذفت الألف للتخفيف وأبو حمزة كنية أنس بن مالك قوله شاهد ذاك كذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره شاهد ذلك باللام فيه قوله ' وأين أغيب عنه ' استفهام إنكاري حاصل المعنى يا هشام لا تظن أن أنسا يغيب عن ذلك * -
58
((باب السرية التي قبل نجد))
أي: هذا باب في بيان السرية التي كانت قبل نجد، أي: جهته، وقبل، بككسر القاف وفتح الباء الموحدة، و: النجد، بفتح النون وسكون الجيم وهو ككل ما ارتفع من تهامة إلى أرض العراق، والسرية، طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تنبعث إلى العدو وتجمع على: سرايا، سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم والشيء السري أي: النفيس، وقيل: سموا بذلك لأنهم ينفذون سرا وخفية وليس بالوجه، لأن لام السر: راء، وهذه: ياء، وكانت هذه السرية قبل توجه النبي صلى الله عليه وسلم، لفتح مكة. وهكذا ذكرها أهل المغازي والبخاري ذكرها بعد غزوة الطائف، وقال ابن سعد: كانت في شعبان سنة ثمان، وذكر غيره أنها كانت قبل مؤتة، ومؤتة كانت في جمادي من السنة المذكورة، وقال ابن سعد: وكان أميرهم أبا قتادة أوصله النبي صلى الله عليه وسلم إلى أرض محارب بنجد ومعه خمسة عشر رجلا فغنموا مائتي بعير وألفي شاة وسبوا سبايا كثيرة، وكانت غيبتهم خمس عشرة ليلة، فجمعوا الغنائم فأخرجوا الخمس فعزلوه، وقسموا ما بقي على السرية. وقال ابن لاتين: وروي أنهم كانوا عشرة، وأنهم غنموا مائة وخمسين بعيرا، وأنه صلى الله عليه وسلم، أخذ الثلثين منها. قال: ولو كان النفل من خمس الخمس لم يعمهم ذلك.
312

59
((باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة))
أي: هذا باب في بيان بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، بفتح الجيم وكسر الذال المعجمة بعدها ياء آخر الحروف ساكنة. وهي قبيلة من عبد قيس، قاله الكرماني، وليس كذلك، لأنه ظن أنهم من بني جذيمة بن عوف بن بكر بن عوف قبيلة من عبد القيس، وإنما هو جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة، وهذا البعث كان عقيب فتح مكة في شوال قبل الخروج إلى حنين عند جميع أهل المغازي، وكانوا بأسفل مكة من ناحية يلملم، وقال ابن سعد: بعث النبي صلى الله عليه
وسلم إليهم خالد ابن الوليد في ثلاثمائة وخمسين من المهاجرين والأنصار داعيا إلى الإسلام لا مقاتلا.
313

60
((باب سرية عبد الله بن حذافة السهمي وعلقمة بن مجزر المدلجي ويقال إنها سرية الأنصاري))
أي: هذا باب في بيان سرية عبد الله إلى آخره، وليس في كثير من النسخ لفظ: باب، وقد مر تفسير السرية عن قريب. وعبد الله بن حذافة، بضم الحاء المهملة وتخفيف الذال المعجمة وبالفاء: ابن قيس بن عدي بن سعد بن سهم القرشي السهمي، أسلم قديما وكان من المهاجرين الأولين إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، ويقال: إنه شهد بدرا ولم يذكره ابن إسحاق في البدريين، وكانت فيه دعابة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعثه إلى كسرى. وقال خليفة بن خياط: وفي سنة تسع عشرة أسرت الروم عبد الله بن حذافة السهمي. وقال ابن لهيعة: توفي عبد الله بن حذافة السهمي بمصر ودفن بمقبرتها، وعلقمة بن مجزر، بضم الميم وفتح الجيم وكسر الزاي الأولى الثقيلة، وحكى فتحها، والأول أشهر، وقال عياض: وقع لأكثر الرواة بسكون الحاء المهملة وكسر الراء، وقال بعضهم: وأغرب الكرماني فضبطه بالحاء المهملة وتشديد الراء فتحا وكسرا وهو خطأ ظاهر، انتهى. قلت: هذا تشنيع ظاهر عليه من غير وجه لأنه لم يضبط إلا بقوله: بضم الميم وفتح الجيم وفتح الزاي المشددة وكسرها، وبزاي أخرى، ثم قال: وقال بعضهم: هو بالحاء المهملة وبالراء المشددة فتحا وكسرا، ثم بالزاي المعجمة، ونسبة الخطأ إليه خطأ، لأنه حكى ذلك عن بعضهم وليس عليه في ذلك مؤاخذة. وقال الذهبي: علقمة بن مجزز الأعور بن جعدة الكناني المدلجي، استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على سرية، وبعثه عمر رضي الله عنه، على جيش إلى الحبشة فهلكوا كلهم، وذكر أباه مجززا في الصحابة. وقال القائف: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (المدلجي)، بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر اللام وبالجيم، قال الرشاطي: المدلجي في كنانة ينسب إلى مدلج بن مرة بن عبد مناة، منهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: مجزز المدلجي القائف المذكور في حديث عائشة رضي الله عنها، وهو مجزز بن الأعور بن جعدة بن معاذ بن عتوادة بن عمرو بن مدلج، نسبه إلى ابن الكلبي. قوله: (يقال: إنها) أي: إن هذه السرية (سرية الأنصاري) وأراد بها عبد الله بن حذافة السهمي القرشي المهاجري، وقال ابن الجوزي: قوله: (الأنصاري) وهم من بعض الرواة، وإنما هو سهمي، يحتمل الحمل على المعنى الأعم، أي: أنه نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الجملة قلت: فيه نظر، لأن هذا الاحتمال يجري في جميع الصحابة، والأنصار خلاف المهاجرين، وليس المراد منه المعنى اللغوي.
340 - (حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد حدثنا الأعمش قال حدثني سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن علي رضي الله عنه قال بعث النبي
سرية فاستعمل عليها رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه فغضب فقال أليس أمركم النبي
أن تطيعوني قالوا بلى قال فاجمعوا لي حطبا فجمعوا فقال أوقدوا نارا فأوقدوها فقال ادخلوها فهموا وجعل بعضهم يمسك بعضا ويقولون فررنا إلى النبي
من النار فما زالوا حتى خمدت النار فسكن غضبه فبلغ النبي
فقال لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة الطاعة في المعروف)
مطابقته للترجمة في قوله ' فاستعمل رجلا من الأنصار ' فإنه عبد الله بن حذافة وقد مر الكلام في قوله ' الأنصاري ' عبد الواحد هو ابن زياد والأعمش سليمان وسعد بن عبيدة بالتصغير أبو حمزة الكوفي ختن أبي عبد الرحمن واسم أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأحكام عن عمر بن حفص وفي خبر الواحد عن بندار عن غندر وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي موسى وبندار وغيرهما وأخرجه أبو داود في الجهاد عن عمرو بن مسروق وأخرجه النسائي في البيعة والسير عن ابن المثنى وغيره قوله ' فغضب '
314

وفي رواية الأعمش في الأحكام فغضب عليهم وفي رواية مسلم فأغضبوه في شيء قوله ' فهموا ' فسره الكرماني بقوله وحزنوا وليس كذلك بل المعنى قصدوا الدخول والدليل عليه رواية حفص فلما هموا بالدخول فيها فقاموا ينظر بعضهم إلى بعض وفي رواية ابن جرير من طريق أبي معاوية عن الأعمش فقال لهم شاب منهم لا تعجلوا بدخولها وفي حديث أبي سعيد أنهم تحجزوا حتى ظن أنهم واثبون فيها فقال احبسوا أنفسكم فإنما كنت أضحك معكم قوله ' حتى خمدت النار ' بفتح الميم يعني انطفى لهيبها وحكى المطرزي كسر الميم قوله ' فبلغ النبي
' وفي رواية حفص فذكر ذلك للنبي
وفي رواية مسلم فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي
قوله ' لو دخلوها ما خرجوا منها ' وفي رواية حفص ما خرجوا منها أبدا يعني أن الدخول فيها معصية والعاصي يستحق النار والمراد بقوله إلى يوم القيامة التأبيد يعني لو دخلوها مستحلين له لما خرجوا منها أبدا قوله ' الطاعة في المعروف ' يعني الطاعة للمخلوق في أمر عرف بالشرع وفي كتاب خبر الواحد لا طاعة في معصية وفي حديث أبي سعيد من أمركم منهم بمعصية فلا تطيعوه وفيه أن الأمر المطلق يخص بما كان منه في غير معصية فافهم والله تعالى أعلم * -
315