الكتاب: تحفة الأحوذي
المؤلف: المباركفوري
الجزء: ٥
الوفاة: ١٢٨٢
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

تحفة الأحوذي
بشرح جامع الترمذي
للامام الحافظ أبي العلاء محمد عبد الرحمن
ابن عبد الرحيم المباركفوري 1283 - 1353 ه‍.
طبعة جديدة مقارنة مع الطبعتين
الهندية والمصرية، مع ملحق خاص
بالأحاديث المستدركة من جامع الترمذي
الجزء الخامس
تتمة أبواب الحدود - أبواب العيد - أبواب الأضاحي - أبواب النذور
والايمان - أبواب السير - أبواب فضائل الجهاد - أبواب الجهاد - أبواب اللباس - أبواب الأطعمة - أبواب الأشربة.
دار الكتب العلمية
بيروت. لبنان
1

الطبعة الأولى
1410 ه‍. 1990 م.
2

(باب ما جاء في كم يقطع السارق)
قوله: (كان يقطع) أي يد السارق والسارقة كان يأمر بالقطع لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم
يكن يباشر القطع بنفسه (في ربع دينار فصاعدا) قال صاحب المحكم يختص هذا بالفاء ويجوز
ثم بدلها ولا تجوز الواو وقال ابن جني هو منصوب على الحال أي ولو زاد ومن المعلوم أنه إذا
زاد لم يكن إلا صاعدا وقد وقع في رواية عند مسلم فما فوقه بدل فصاعدا وهو بمعناه
قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا ابن ماجة (وقد روي هذا
الحديث من غير وجه عن عمرة عن عائشة موقوفا) أخرجه الطحاوي من طريق مالك عن
عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة موقوفا وأخرجه مسلم عن
طريق أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة مرفوعا قال الحافظ في الفتح
وحاول الطحاوي تعليل رواية أبي بكر المرفوعة برواية ولده الموقوفة وأبو بكر أتقن وأعلم من
ولده على أن الموقوف في مثل هذا لا يخالف المرفوع لأن الموقوف محمول على الفتوى والعجب
أن الطحاوي ضعف عبد الله بن أبي بكر في وضع آخر ورام هنا تضعيف الرواية القوية بروايته
انتهى.
3

قوله: (قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجن) بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون هو النرس لأنه
يوارى حامله قيمته ثلاثة دراهم هذه الرواية لا تخالف رواية ربع دينار المتقدمة لأن ربع الدينار
كان يومئذ ثلاثة دراهم ففي رواية عائشة عند أحمد قال اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما
هو أدنى من ذلك وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم والدينار اثني عشر درهما وقال
الشافعي وربع الدينار موافق لرواية ثلاثة دراهم وذلك أن الصرف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
اثنا عشر درهما بدينار وكان كذلك بعده وقد ثبت أن عمر فرض الدية على أهل الورق
اثني عشر ألف درهم وعلى أهل الذهب ألف دينار
قوله: (وفي الباب عن سعد وعبد الله بن عمرو وابن عباس وأبي هريرة وأيمن) أما حديث أبي
سعد فأخرجه الطحاوي وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو داود والنسائي وأما
حديث ابن عباس فأخرجه الطحاوي وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فأخرجه الشيخان
وأما حديث أيمن فأخرجه الطحاوي
قوله (حديث ابن عمر حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله: (منهم أبو بكر الصديق قطع في خمسة دراهم) وأخرج ابن المنذر عن عمر أنه قال لا
تقطع الخمس إلا في خمس (وروي عن عثمان وعلي أنهما قطعا في ربع دينار) أخرج ابن المنذر أنه
أتي عثمان بسارق سرق أترجة فقومت بثلاثة دراهم من حساب الدينار باثني عشر فقطع وأخرج
أيضا والبيهقي من طريق جعفر عن أبيه أمير المؤمنين عليا رضي الله تعالى عنه قطع في ربع دينار
وكانت قيمته درهمين ونصفا وأخرج البيهقي أيضا من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن أمير
المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه القطع في ربع دينار فصاعدا وأخرج أيضا من طريقه عن أمير
المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه أنه قطع يد السارق في بيضة من حديد ثمنها ربع دينار ورجاله
ثقات ولكنه منقطع.
4

(وروي عن أبي هريرة وأبي سعيد أنهما قالا تقطع اليد في خمسة دراهم) وروى عنهما
القطع في أربعة دراهم قال الشوكاني في النيل المذهب الخامس أربعة دراهم نقله ابن المنذر عن
أبي هريرة وأبي سعيد وكذلك حكاه عنهما في البحر انتهى (والعمل على هذا عند بعض فقهاء
التابعين) وهو قول مالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحاق (رأوا القطع في ربع دينار فصاعدا)
قد ذهب إلى ما تقتضيه أحاديث الباب من ثبوت القطع في ثلاثة دراهم أو ربع دينار الجمهور من
السلف والخلف ومنهم الخلفاء الأربعة واختلفوا في ما يقوم به ما كان من غير الذهب والفضة
فذهب مالك في المشهور عنه إلى أنه يكون التقويم بالدراهم لا بربع الدينار إذا كان الصرف
مختلفا وقال الشافعي الأصل في تقويم الأشياء هو الذهب لأنه الأصل في جواهر الأرض كلها
حتى قال إن الثلاثة الدراهم إذا لم تكن قيمتها ربع دينار لم توجب القطع انتهى قال مالك وكل
واحد من الذهب والفضة معتبر في نفسه لا يقوم بالاخر وذكر بعض البغداديين أنه ينظر في
تقويم العروض بما كان غالبا في نقود أهل البلد (وقد روى عن ابن مسعود أنه قال لا قطع إلا في
دينار أو عشر دراهم وهو حديث مرسل رواه القاسم بن عبد الرحمن عن ابن مسعود
والقاسم لم يسمع من ابن مسعود) أخرج قول ابن مسعود هذا الطحاوي في شرح الآثار قال
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا عثمان بن عمر عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن أن
عبد الله بن مسعود فذكره.
(والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة
قالوا لا قطع في أقل من عشرة دراهم) وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وسائر فقهاء العراق
واحتجوا بقول ابن مسعود
المذكور وقد عرفت أنه منقطع واحتجوا أيضا بما أخرجه البيهقي
والطحاوي من حديث محمد بن إسحاق عن أيوب ابن موسى عن عطاء عن ابن عباس قال كان
ثمن المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم عشرة دراهم وأخرج نحو ذلك النسائي عنه وأخرج
5

عنه أبو داود أن ثمنه كان دينارا أو عشرة دراهم وأخرج البيهقي عن محمد بن إسحاق عن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كان ثمن المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم
وأخرج النسائي عن عطاء مرسلا أدنى ما يقطع فيه ثمن المجن قال وثمنه عشرة دراهم قالوا هذه
الروايات في تقدير ثمن المجن أرجح من الروايات الأولى وإن كانت أكثر وأصح ولكن هذه أحوط
والحدود تدفع بالشبهات فهذه الروايات كأنها شبهة في العمل بما دونها وروى نحو هذا عن ابن
العربي قال وإليه ذهب سفيان مع جلالته
ويجاب بأن الروايات المروية عن ابن عباس وابن عمرو بن العاص في إسنادها جميعا
محمد بن إسحاق وقد عنعن ولا يحتج بمثله إذا جاء بالحديث معنعنا فلا يصلح لمعارضة ما في
الصحيحين عن ابن عمر وعائشة وقد تعسف الطحاوي فزعم أن حديث عائشة مضطرب ثم
بين الاضطراب بما يفيد بطلان قوله وقد استوفى صاحب الفتح الرد عليه كذا في النيل
قلت الأمر كما قال الشوكاني قد أجاب الحافظ عما أورد الطحاوي على حديث عائشة
المذكور جوابا حسنا شافيا وقد أجاب أيضا عن الروايات التي تدل على أن ثمن المجن كان في
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا أو عشرة دراهم وأجاد فيه وأصاب ثم مقال الحافظ ولو ثبتت لم تكن
مخالفة لرواية الزهري بل بجمع بينهما بأنه كان أولا لا قطع فيما دون العشرة ثم شرع القطع في
الثلاثة فما فوقها فزيد في تغليظ الحد كما زيد في تغليظ حد الخمر وأما سائر الروايات فليس فيها
إلا الاخبار عن فعل وقع في عهده صلى الله عليه وسلم وليس فيه تحديد النصاب فلا ينافي رواية ابن عمر يعني
المذكور في هذا الباب أنه قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم وهو مع كونه حكاية فعل فلا يخالف
حديث عائشة من رواية الزهري فإن ربع دينار صرف ثلاثة دراهم
(باب ما جاء في تعليق يد السارق) قوله: (حدثنا الحجاج) هو ابن أرطأة (سمعت فضالة) بفتح الفاء (بن عبيد) بالتصغير
(أتى) بصيغة المجهول (فعلقت) بتشديد اللام مجهولا (في عنقه) أي ليكون عبرة ونكالا. قال ابن
6

الهمام المنقول عن الشافعي وأحمد أنه يسن تعليق يده في عنقه لأنه عليه الصلاة والسلام أمر به
وعندنا ذلك مطلق للإمام إن رآه ولم يثبت عنه عليه الصلاة والسلام في كل قطعه ليكون سنة
انتهى وقال في النيل في هذا الحديث دليل على مشروعية تعليق يد السارق في عنقه لأن في ذلك
من الزجر مالا مزيد عليه فإن السارق ينظر إليها مقطوعة معلقة فيتذكر السبب لذلك وما جر
إليه ذلك الأمر من الخسارة بمفارقة ذلك العضو النفيس وكذلك الغير يحصل له بمشاهدة اليد على
تلك الصورة ما تنقطع به وساوسه الرديئة وأخرج البيهقي أن عليا رضي الله عنه قطع سارقا
فمروا به ويده معلقة انتهى
قوله: (هذا حديث حسن غريب) قال في المنتقى أخرجه الخمسة إلا أحمد وفي إسناده
الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف انتهى (لا نعرفه إلا من حديث عمر بن علي المقدمي عن
الحجاج بن أرطأة) قال الحافظ في التخليص وهما مدلسان وقال النسائي الحجاج بن أرطأة
ضعيف ولا يحتج بخبره قال هذا بعد أن أخرجه بطريقة انتهى.
(باب في الخائن والمختلس والمنتهب)
الخائن من يأخذ المال خفية ويظهر النصح للمالك والمختلس الذي يسلب المال على
طريقة الخلسة وقال في النهاية هو من يأخذه سلبا ومكابرة والمنتهب هو من ينتهب المال على
جهة القهر والغلبة.
قوله: (ليس على خائن) قال ابن الهمام اسم فاعل من الخيانة وهو أن يؤتمن على شئ
بطريق العارية والوديعة فيأخذه ويدعي ضياعه أو ينكر أنه كان عنده وديعة أو عارية وعلله
صاحب الهداية بقصور الحرز لأنه قد كان في يد الخائن وحرزه لا حرز المالك على الخلوص وذلك
لان حرزه وإن كان حرز المالك إنه أحرزه بإيداعه عنده لكنه حرز مأذون للسارق في دخوله (ولا
منتهب) لأنه مجاهر بفعله لا مختف فلا سرقة ولا قطع (ولا مختلس) لأنه المختطف للشئ من البيت
7

ويذهب أو من يد المالك في المغرب الاختلاس أخذ الشئ من ظاهر بسرعة (قطع) اسم ليس
قال النووي في شرح مسلم قال القاضي عياض شرع الله تعالى إيجاب القطع على السارق ولم
يجعل ذلك في غيرها كالاختلاس والانتهاب والغصب لأن ذلك قليل بالنسبة إلى السرقة ولأنه
يمكن استرجاع هذا النوع بالاستغاثة إلى ولاة الأمور وتسهيل إقامة البينة عليه بخلافها فيعظم
أمرها واشتدت عقوبتها ليكون أبلغ في الزجر عنها انتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الخمسة كذا في المنتقى وأخرجه أيضا الحاكم
والبيهقي وابن حبان وصححه وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف عند ابن ماجة بنحو حديث
الباب وعن إنس عند ابن ماجة أيضا والطبراني في الأوسط وعن ابن عباس عند ابن الجوزي في
العلل وضعفه وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا ولا سيما بعد تصحيح الترمذي وابن حبان
لحديث الباب قاله الشوكاني
قوله: (والعمل على هذا عند أهل العلم) كذا قال الترمذي ولم يذكر اختلاف الأئمة في هذه
المسألة قال الشوكاني في النيل قد ذهب إلى أنه لا يقطع المختلس والمنتهب والخائن العترة
والشافعية والحنفية وذهب أحمد وإسحاق وزفر والخوارج إلى أنه يقطع وذلك لعدم اعتبارهم
الحرز انتهى
قلت والراجح هو قول الشافعية والحنفية لأحاديث الباب وهي بمجموعها صالحة
للاحتجاج.
(باب ما جاء لا قطع في ثمر ولا كثر)
قوله (لا يقطع في ثمر ولا كثر) يفتح الكاف والثاء المثلثة وهو الجمار قال في القاموس:
8

والكثر ويحرك جمار النخل أو طلعها وقال الجمار كرمان شحم النخل وقال في المجمع الكثر
بفتحتين جمار النخل وهو شحمه الذي في وسط النخلة وهو شئ أبيض وسط النخل يؤكل
الكثر الطلع أول ما يؤكل انتهى
قلت المراد بالكثر هو الجمار كما وقع في رواية النسائي قال في شرح السنة ذهب أبو حنيفة
إلى ظاهر هذا الحديث فلم يوجب القطع في سرقة شئ من الفواكه الرطبة سواء كانت محرزة أو غير
محرزة وقاس عليه اللحوم والألبان والأشربة والخبوز وأوجب الآخرون القطع في جميعها إذا كان
محرزا وهو قول مالك والشافعي وتأول الشافعي الحديث على الثمار المعلقة غير المحرزة وقال
نخيل المدينة لا حوائط لأكثرها والدليل عليه حديث عمر وبن شعيب وفيه دليل على أن ما كان
منها محرزا يجب القطع بسرقته انتهى
قلت حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أخرجه النسائي وأبو داود عنه قال سئل
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثمر المعلق فقال من أصاب منه يفيه من ذي حاجة غير متخذ خبثه فلا شئ
عليه ومن خرج بشئ فعليه غرامة مثليه والعقوبة ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرن
فبلغ ثمن المجن فعليه القطع وأخرجه أيضا الحاكم وصححه وأخرجه أيضا الترمذي مختصرا في
باب الرخصة في أكل الثمرة للمار بها وحسنه وحديث رافع بن خديج المذكور في الباب أخرجه
الخمسة وأخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وصححه البيهقي وابن حبان واختلف في وصله
وإرساله وقال الطحاوي هذا الحديث تلفت العلماء متنه بالقبول.
(باب ما جاء أن لا يقطع الأيدي في الغزو)
قوله وعن عياش بن عباس الأول بفتح العين المهملة والياء التحتية المشددة والثاني
9

بالموحدة المشددة وبالسين المهملة قال الحافظ ثقة (عن شييم) بكسر أوله وفتح التحتانية وسكون
مثلها بعدها (بن بيتان) بلفظ تثنية بيت القتباني المصري ثقة من الثالثة قاله الحافظ وفي المغنى
شييم بكسر معجمه ويقال بضمها وفتح تحتية أولى وسكون ثانية (عن جنادة) بضم الجيم وفتح
النون الخفيفة (بن أبي أمية) بضم الهمزة مصغرا الأزدي الشامي ومن ثقات التابعين (عن بسر)
بضم الموحدة وسكون السين المهملة (أرطأة) بفتح الهمزة وسكون الراء ويقال ابن أبي أرطأة من
صغار الصحابة
قوله (لا تقطع الأيدي في الغزو) روى أحمد وأبو داود والنسائي عن بسر بن أرطأة أنه وجد
رجلا يسرق في الغزو فجلده ولم يقطع يده وقال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القطع في الغزو قال
صاحب المنتقى وللترمذي منه المرفوع انتهى
وفي الباب عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جاهدوا الناس في الله القريب
والبعيد ولا تبالوا في الله لومة لائم وأقيموا الحدود في الحضر والسفر رواه عبد الله بن أحمد في
مسند أبيه وسيأتي الجمع بين هذين الحديثين
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد وغيره كما عرفت آنفا (وقد رواه غير ابن لهيعة
بهذا الإسناد نحو هذا) رواه أبو داود في سنته قال حدثنا أحمد بن صالح أخبرنا ابن وهب أخبرني
حياة بن شريح عن عياش بن عباس بإسناد الترمذي قال الشوكاني رجال إسناد أبي داود ثقات
إلى بسر قال وفي إسناد النسائي بقية ابن الوليد قال المنذري واختلف في صحبة بسر بن
أرطأة فقيل له صحبة وقيل لا وأن مولده قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنين وله أخبار مشهورة وكان
يحيى بن معين لا يحسن الثناء عليه وهذا يدل على أنه عنده لا صحبة له وغمزه الدارقطني
انتهى كلام المنذري ونقل في الخلاصة عن ابن معين أنه قال لا صحبة له وأنه رجل سوء ولي
اليمن وله بها آثار قبيحة انتهى (وقال) وفي بعض النسخ يقال وهو الظاهر (بسر بن أبي أرطأة) أي
بزيادة لفظ أبي بين بسر وأرطأة
10

قوله (كذلك قال الأوزاعي) قال العزيزي في شرح الجامع الصغير والجمهور على خلاف
ما قال به الأوزاعي انتهى وقال التوربشتي ولعل الأوزاعي رأى فيه احتمال افتتان المقطوع بأن
يلحق بدار الحرب أو رأى أنه إذا قطعت يده الأمير متوجه إلى الغزو ولم يتمكن من الدفع ولا يغني
عنا فيترك إلى أن يقفل الجيش قال القاضي ولعله عليه الصلاة والسلام أراد به المنع من القطع
فيما يؤخذ من المغانم انتهى قال الشوكاني ولا معارضة بين الحديثين يعني حديث بسر بن أرطأة
وحديث عبادة بن الصامت المذكورين لأن حديث بسر أخص مطلقا من حديث عبادة فيبني العام
على الخاص وبيانه أن السفر المذكور في حديث عبادة أعم مطلقا من الغزو المذكور في حديث
بسر لأن المسافر قد يكون غازيا وقد لا يكون وأيضا حديث يسر في حد السرقة وحديث عبادة
في عموم الحد انتهى
(باب ما جاء في الرجل يقع على جارية امرأته)
قوله (وأيوب بن مسكين) بكسر ميم وكاف قال في تهذيب التهذيب أيوب ابن أبي
مسكين ويقال مسكين التميمي أبو العلاء القصاب الواسطي روى عن قتادة وسعيد المقبري وأبي
سفيان وغيرهم قال أحمد لا بأس به وقال مرة رجل صالح ثقة انتهى وقال في التقريب
صدوق له أوهام من السابعة (عن حبيب ابن سالم) الأنصاري مولى النعمان بن بشير وكاتبه
لا بأس به من الثالثة (رفع إلى النعمان بن بشير) الأنصاري الخزرجي له ولأبويه صحبه ثم سكن
الشام ثم ولى إمرة الكوفة ثم قتل بحمص (لأقضين فيها) أي في هذه القضية وفي رواية أبي داود
فيك مكان فيها والخطاب للرجل (لئن كانت أحلتها له) أي إن كانت امرأته جعلت جاريتها حلالا
وأذنت له فيها (لأجلدنه مائة) وفي رواية أبي داود جلدتك مائة قال ابن العربي يعني أدبته تعزيرا
11

أو أبلغ به الحد تنكيلا لا إنه رأى حده بالجلد حدا له قال السندي بعد ذكر كلام ابن العربي
هذا لأن المحصن حده الرجم لا الجلد ولعل سبب ذلك أن المرأة إذا أحلت جاريتها لزوجها
فهو إعارة الفروج فلا يصح لكن العارية تصير شبهة ضعيفة فيعزر صاحبها انتهى
قوله (وفي الباب عن سلمة بن المحبق نحوه) يضم الميم وفتح الحاء المهملة وبعدها باء
موحدة مشددة مفتوحة ومن أهل اللغة من يكسرها وأخرج حديثه أبو داود والنسائي أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قضى في رجل وقع على جارية امرأته إن كان استكرهها فهي حرة وعليه لسيدتها مثلها
وإن كانت طاوعته فهي له وعليه لسيدتها مثلها قال النسائي لا تصح هذه الأحاديث وقال
البيهقي قبيصة ابن حريث يعني الذي روى هذا الحديث عن سلمة بن المحبق غير معروف
وروينا عن أبي داود أنه قال سمعت أحمد بن حنبل يقول رواه عن سلمة بن المحبق شيخ لا
يعرف لا يحدث عنه غير الحسن يعني قبيصة بن حريث وقال البخاري في التاريخ قبيصة بن
حريث سمع سلمة بن المحبق في حديثه نظر وقال ابن المنذر لا يثبت خبر سلمة بن المحبق
وقال الخطابي هذا حديث منكر وقبيصة بن حديث منكر وقبيصة بن حريث غير معروف والحجة لا تقوم بمثله وكان
الحسن لا يبالي أن يروي الحديث ممن سمع وقال بعضهم هذا كان قبل الحدود كذا في النيل
قوله (حديث النعمان في إسناده اضطراب الخ) أخرجه الخمسة كذا في المنتقى وقال
المنذري وقال النسائي أحاديث النعمان كلها مضطربة وقال الخطابي هذا الحديث غير متصل
وليس العمل عليه انتهى (إنما رواه عن خالد بن عرفطة) بضم العين وسكون الراء المهملتين
وضم الفاء وبعدها طاء مهملة مفتوحة وتاء تأنيث قال في التقريب مقبول من السادسة
قوله (وذهب أحمد وإسحاق إلى ما روى النعمان بن بشير الخ) قال الشوكاني وهذا هو
12

الراجح لأن الحديث وإن كان فيه المقال المقدم فأقل أحواله أن يكون شبهة يدرأ بها الحد انتهى
(باب ما جاء في المرأة إذا استكرهت على الزنا)
قوله (حدثنا معمر) بوزن محمد قال في التقريب معمر في التشديد ابن سليمان النخعي
أبو عبد الله الكوفي ثقة فاضل أخطأ الأزدي في تليينه وأخطأ من زعم أن البخاري أخرج له من
التاسعة
قوله (استكرهت امرأة) بصيغة المجهول أي جامعها رجل بالإكراه (فدرأ) أي دفع
(وأقامه) أي الحد (على الذي أصابها) أي جامعها (ولم يذكر) أي الراوي قال القاري في المرقاة
وفي نسخة يعني من المشكاة بصيغة المجهول أي ولم يذكر في الحديث (أنه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (جعل لها
مهرا) أي على مجامعها قال المظهر وكذا ابن الملك لا يذل هذا على عدم وجوب المهر لأنه
ثبت وجوبه لها إيجابه صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى
قوله (هذا حديث غريب وليس إسناده بمتصل) لأن عبد الجبار بن وائل لم يسمع من أبيه
(وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه) أي من غير هذا الإسناد وقد رواه الترمذي فيما بعد
فقال حدثنا محمد
بن يحيى الخ (سمعت محمدا) هو الإمام البخاري (عبد الجبار بن وائل بن
حجر لم يسمع من أبيه) هذا صحيح (ولا أدركه يقال إنه ولد بعد موت أبيه بأشهر) هذا ليس
بصحيح بل الصواب أنه ولد في حياة أبيه روى أبو داود في سننه قال حدثنا عبيد الله بن
13

عمر بن ميسرة حدثنا عبد الوارث بن سعيد أخبرنا محمد بن جحادة حدثني عبد الجبار بن وائل
قال كنت غلاما لا أعقل صلاة أبي فحدثني وائل بن علقمة عن أبي وائل صليت مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا كبر رفع يديه الحديث فقول عبد الجبار كنت غلاما لا أعقل صلاة أبي
نص صريح في أن عبد الجبار قد ولد في حياة أبيه قال الحافظ في تهذيب التهذيب وهذا القول
ضعيف جدا فإنه قد صح أنه قال كنت غلاما لا أعقل صلاة أبي ولو مات أبوه وهو حمل لم يقل
هذا القول انتهى
فإن قلت قال الحافظ في تهذيب التهذيب نص أبو بكر البزار على أن القائل كنت غلاما
لا أعقل صلاة أبي هو علقمة بن وائل لا أخوه عبد الجبار
قلت: قول أبي بكر البزار هذا ضعيف جدا فإنه لو كان قائل كنت غلاما لا أعقل صلاة
أبي هو علقمة لم يقل فحدثني علقمة بن وائل
قوله (تريد الصلاة) حال أو استئناف تعليل (فتلقاها رجل) أي قابلها (فتجللها) أي
فغشيها بثوبه فصار كالجل عليها (فقضى حاجته منها) قال القاضي أي غشيها وجامعها كنى به عن
الوطء كما كنى عنه بالغشيان (فانطلق) أي الرجل الذي جامعها (ومر بها رجل) أي آخر غير الذي
جللها (فقالت إن ذلك الرجل) أي المار الذي بما يجللها (فعل بي كذا وكذا) أي التجليل وقضاء
الحاجة منها والحال أن ذلك الرجل المار ما كان فعل بها (ومرت عصابة) بكسر العين أي جماعة
وفي رواية أبي داود ومرت عصابة (فأخذوا الرجل الذي ظنت أنه وقع عليها) وكان ظنها غلطا
(أنا صاحبها) أي أن الذي جللتها وقضيت حاجتي منها لا الذي أخذوه وأتوا به عندك (فقال لها
14

اذهبي فقد غفر الله لك) لكونها مكرهة (وقال للرجل) زاد في رواية أبي داود يعني الرجل المأخوذ
(قولا حسنا) لأنه كان مأخوذا من غير ذنب (وقال للرجل الذي وقع عليها ارجموه) لأنه كان معترفا
بما قالت المرأة وكان محصنا (وعلقمة بن وائل بن حجر سمع من أبيه وهو أكبر من عبد الجبار بن
وائل) أما كون علقمة أكبر من عبد الجبار فيدل عليه رواية أبي داود المذكورة وأما سماع علقمة
من أبيه فيدل عليه روايات عديدة
منها ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث القصاص من طريق سماك بن حرب عن
علقمة بن وائل حدثه أن أباه حدثه الحديث
ومنها ما أخرجه النسائي في باب رفع اليدين عند الرفع من الركوع أخبرنا سويد ابن نصر
أخبرنا عبد الله بن المبارك عن قيس بن سليم العنبري حدثني علقمة بن وائل حدثني أبي فذكر
الحديث وأخرجه البخاري في جزء رفع اليدين حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين أنبأنا قيس بن
سليم العنبري قال سمعت علقمة بن وائل بن حجر حدثني أبي فذكر الحديث فقوله إن أباه
حدثه في رواية مسلم وكذا قوله حدثني أبي في رواية النسائي والبخاري دليل صريح على سماع
علقمة من أبيه فالحق أن علقمة سمع من أبيه وأنه أكبر من أخيه عبد الجبار
فإن قيل قال الحافظ في التقريب علقمة بن وائل بن حجر صدوق إلا أنه لم يسمع من
أبيه انتهى وقد قال في أوائل التقريب إني أحكم على كل شخص منهم بحكم يشمل أصح ما قيل
فيه وأعدل ما وصف به انتهى فظهر أن أعدل الأقوال وأصحها أن علقمة لم يسمع من أبيه
قلت: قول الحافظ في التقريب بأن علقمة لم يسمع من أبيه معارض بقوله في بلوغ المرام في
صفة الصلاة بعد ذكر حديث من طريق علقمة بن وائل عن أبيه رواه أبو داود بإسناد صحيح
فقول الحافظ رواه أبو داود بإسناد صحيح يدل على أن علقمة سمع من أبيه والظاهر أن يقال
إن الحافظ كان قائلا أولا بعدم سماع علقمة من أبيه ثم تحقق عنده سماعه منه فرجع من قوله الأول
والله تعالى أعلم وإن لم يقل هذا فلا شك أن في قوله في التقريب بأن علقمة لم يسمع من أبيه يرده
رواية أبي داود المذكورة والله تعالى أعلم
15

(باب ما جاء فيمن يقع على البهيمة)
قوله (عن عمرو بن أبي عمرو) في التقريب عمرو بن أبي عمرو ميسرة مولى المطلب المدني
أبو عثمان ثقة ربما وهم من الخامسة (فاقتلوه) قال القاري أي فاضربوه ضربا شديدا أو أراد به
وعيدا أو تهديدا (واقتلوا البهيمة) قيل لئلا يتولد منها حيوان على صورة إنسان وقيل كراهة أن
يلحق صاحبها الخزي في الدنيا بقائها وفي شرح المظهر قال مالك والشافعي في أظهر قوليه وأبو
حنيفة وأحمد إنه يعزر وقال إسحاق يقتل إن عمل ذلك مع العلم بالنهي والبهيمة قيل إن
كانت مأكولة تقتل وإلا فوجهان القتل لظاهر الحديث وعدم القتل للنهي عن ذبح الحيوان إلا
لأهله (فقيل لابن عباس ما شأن البهيمة) أي لا عقل لها ولا تكليف عليها فما بالها تقتل (فقال ما
سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئا) أي من العلل والحكم (ولكن أرى) بضم الهمزة أي
أظن (أو ينتفع) بها أي بلبنها وشعرها وتوليدها وغير ذلك (وقد عمل بها ذاك العمل) أي
المكروه
قوله (هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث عمرو بن أبي عمرو الخ) أخرجه الخمسة
ورجاله موثقون إلا أن فيه اختلافا كذا في بلوغ المرام ويأتي باقي الكلام على هذا الحديث فيما بعد
(وروى سفيان الثوري عن عاصم) هو ابن أبي النجود (عن أبي رزين) هو مسعود بن مالك
الأسدي الكوفي ثقة فاضل من الثانية (من أتى بهيمة فلا حد عليه) هذا قول ابن عباس رضي الله
عنه زاد أبو داود وكذا قال عطاء وقال الحكم أرى أن يجلد ولا يبلغ به الحد وقال الحسن هو
بمنزلة الزاني قال أبو داود حديث عاصم يضعف حديث عمرو بن أبي عمرو انتهى
16

قلت عطاء تابعي جليل مشهور والحكم هذا هو ابن عتيبة الكوفي أحد الأئمة الفقهاء
والحسن هذا هو الحسن البصري قال الخطابي يريد (أي أبو داود بقوله حديث عاصم يضعف
حديث عمرو بن أبي عمرو) أن ابن عباس لو كان عنده في هذا الباب حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لما
يخالفه انتهى (وهذا) أي حديث عاصم الموقوف على ابن عباس (أصح من الحديث الأول) يعني
حديث عمرو بن أبي عمرو المذكور أولا وحديث عاصم هذا أخرجه أيضا أبو داود والنسائي
قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم) أي عملهم على حديث عاصم الموقوف يعني أنهم
قالوا بأنه لا حد على من أتى البهيمة (وهو قول أحمد وإسحاق) قال الخطابي وأكثر الفقهاء على
أنه يعزر وكذلك قال عطاء والنخعي وبه قال مالك والثوري وأحمد وأصحاب الرأي وهو أحد
قولي الشافعي انتهى
(باب ما جاء في حد اللوطي
قوله (من وجدتموه) أي علمتموه (يعمل عمل قوم لوط) أي بعمل قوم لوط اللواطة
(فاقتلوا الفاعل والمفعول به) قال في شرح السنة اختلفوا في حد اللوطي فذهب الشافعي في
أظهر قوليه وأبو يوسف ومحمد إلى أن حد الفاعل حد الزنا أي إن كان محصنا يرجم وإن لم يكن
محصنا يجلد مائة وعلى المفعول به عند الشافعي على هذا القول جلد مائة وتغريب عام رجلا كان
أو امرأة محصنا أو غير محصن لأن التمكين في الدبر لا يحصنها فلا يحصنها حد المحصنات وذهب
قوم إلى أن اللوطي يرجم محصنا كان أو غير محصن وبه قال مالك وأحمد والقول الاخر للشافعي
أنه يقتل الفاعل والمفعول به كما هو ظاهر الحديث وقد قيل في كيفية قتلهما هدم بناء عليهما وقيل
رميهما من شاهق كما فعل بقوم لوط وعند أبي حنيفة يعزر ولا يحد انتهى
17

قوله (وفي الباب عن جابر وأبي هريرة) أما حديث جابر فأخرجه الترمذي في هذا الباب
وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجة والحاكم عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اقتلوا الفاعل والمفعول به
أحصنا أو لم يحصنا وأسناده ضعيف وذكره الترمذي معلقا (فقال وقد روي هذا الحديث عن
عاصم بن عمر الخ) قال الحافظ وحديث أبي هريرة لا يصح وقد أخرجه البزار من طريق
عاصم بن عمر العمري عن سهيل عن أبيه عنه وعاصم متروك
قوله (واختلف أهل العلم في حد اللوطي فرأى بعضهم أن عليه الرجم أحصن أو لم
يحصن وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق) أخرج البيهقي عن علي رضي الله عنه أنه
رجم لوطيا قال الشافعي وبهذا نأخذ يرجم اللوطي محصنا كان أو غير محصن وروى ابن ماجة
من طريق عاصم بن عمر العمري عن أبي هريرة بلفظ فارجموا الأعلى والأسفل وقد عرفت أن
عاصما هذا متروك وأما رجم علي رضي الله عنه لوطيا فهو فعله (وقال بعض أهل العلم من
فقهاء التابعين منهم الحسن البصري وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح وغيرهم قالوا حد
اللوطي حد الزاني وهو قول الثوري وأهل الكوفة) وهو قول الشافعي فيجلد عند هؤلاء الأئمة
البكر ويغرب ويرجم المحصن واحتجوا بأن التلوط نوع من أنواع الزنا لأنه إيلاج فرج في فرج
فيكون اللائط والملوط به داخلين تحت عموم الأدلة الواردة في الزاني المحصن والبكر ويؤيد ذلك
18

حديث إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان أخرجه البيهقي من حديث أبي موسى وفي إسناده
محمد بن عبد الرحمن كذبه أبو حاتم وقال البيهقي لا أعرفه والحديث منكر بهذا الإسناد انتهى
ورواه أبو الفتح الأزدي في الضعفاء والطبراني في الكبير من وجه آخر عن أبي موسى وفيه بشر بن
المفضل البجلي وهو مجهول وقد أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عنه وعلى فرض عدم
شمول الأدلة المذكورة لهما فهما لاحقان بالزاني بالقياس
ويجاب عن ذلك بأن الأدلة الواردة بقال الفاعل والمفعول به مطلقا مخصصة لعموم أدلة الزنا
الفارقة بين البكر والثيب على فرض شمولها اللوطي ومبطلة للقياس المذكور على فرض عدم الشمول
لأنه يصير فاسد الاعتبار كما تقرر في الأصول
وذهب أبو حنيفة والشافعي في قول له إلى أنه يعزر اللوطي فقط ولا يخفي ما في هذا
المذهب من المخالفة للأدلة المذكورة في خصوص اللوطي والأدلة الواردة في الزاني على العموم
وأما الاستدلال لهذا بحديث لأن أخطئ في العفو خير من أن أخطئ في العقوبة فمردود بأن
ذلك أنما هو مع التباس والنزاع ليس هو في ذلك
قوله (إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط) أخوف ليدل أفعل تفصيل بمعنى المفعول
قال الطيبي أضاف أفعل إلى ما وهي نكرة موصوفة ليدل على أنه إذا استقصي الأشياء المخوف منها
شيئا بعد شئ لم يوجد أخوف من فعل قوم لوط
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه ابن ماجة
19

(باب ما جاء في المرتد)
أي في حكم الذي ارتد عن الإسلام
قوله: (إن عليا حرق قوما ارتدوا عن الإسلام) روى الطبراني في الأوسط من طريق
سويد بن غفلة أن عليا بلغه أن قوما ارتدوا عن الإسلام فبعث إليهم فأطعمهم ثم دعاهم إلى
الإسلام فأبوا فحفر حفيرة ثم أتى بهم فضرب أعناقهم ورماهم فيها ثم ألقى عليهم الحطب
فأحرقهم ثم قال صدق الله ورسوله وزعم أبو المظفر الإسفرايني في الملل والنحل أن الذين
أحرقهم على طائفة من الروافض ادعوا فيه الإلهية وهم السبائية وكان كبيرهم عبد الله بن سبأ
يهوديا ثم أظهر الإسلام وابتدع هذه المقالة كذا قال الحافظ في الفتح ذكر بإسناده رواية تؤيد ما
زعمه الإسفرايني في الملل والنحل (فبلغ ذلك ابن عباس) وكان ابن عباس حينئذ أميرا على البصرة
من قبل علي رضي الله عنه (لو كنت أنا) أنا تأكيد للضمير المتصل والخبر محذوف أي لو كنت أنا
بدله (من بدل دينه فاقتلوه) قال الحافظ قوله من عام يخص منه من بدله في الباطن ولم يثبت
عليه ذلك في الظاهر فإنه تجري عليه أحكام الظاهر ويستثنى منه من بدل دينه في الظاهر مع
الإكراه (لا تعذبوا بعذاب الله) أي بالقتل بالنار (فبلغ ذلك عليا فقال صدق ابن عباس) قال
الحافظ وفي رواية ابن علية فبلغ عليا فقال ويح أم ابن عباس كذا عند أبي داود وعند
الدارقطني بحذف أم وهو محتمل أنه لم يرض بما اعترض به ورأى أن النهي للتنزيه وهذا بناء على
تفسير ويح بأنها كلمة رحمة فتوجع له لكونه حمل النهي على ظاهره فاعتقد مطلقا فأنكر ويحتمل أن
يكون قالها رضا بما قال وأنه حفظ ما نسيه بناء على أحد ما قيل في تفسير ويح أنها تقال بمعنى المدح
والتعجب كما حكاه في النهاية انتهى
قلت لفظ الترمذي فبلغ ذلك عليا فقال صدق يدل على أن المراد بقوله ويح أم ابن
عباس المدح والتعجب
20

قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري
قوله: (وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق) وهو قول الجمهور وهو الأصح الموافق
لحديث الباب فإن لفظ (من) في قوله من بدل دينه عام شامل للرجل والمرأة (وقالت طائفة منهم
تحبس ولا تقتل) أي المرأة المرتدة (وهو قول سفيان الثوري وغيره من أهل الكوفة) وهو قول
الحنفية قال الحافظ في الفتح استدل بقوله صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه على قتل المرتدة كالمرتد
وخصه الحنفية بالذكر وتمسكوا بحديث النهي عن قتل النساء وحمل الجمهور النهي على الكافرة
الأصلية إذا لم تباشر القتال ولا القتل لقوله في بعض طرق حديث النهي عن قتل النساء لما رأى
المرأة مقتولة ما كانت هذه لتقاتل ثم نهى عن قتل النساء واحتجوا أيضا بأن من الشرطية لا تعم
المؤنث وتعقب بأن ابن عباس راوي الخبر قد قال تقتل المرتدة وقتل أبو بكر في خلافته امرأة
ارتدت والصحابة متوافرون فلم ينكر ذلك عليه أحد وقد أخرج ذلك كله ابن المنذر وأخرج
الدارقطني أثر أبي بكر من وجه حسن وأخرج مثله مرفوعا في قتل المرتدة لكن سنده ضعيف
وقد وقع في حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسله إلى اليمن قال له أيما رجل ارتد عن الاسلام
فادعه فإن عاد وإلا فاضرب عنقه وأيما امرأة ارتدت عن الاسلام فادعها فأن عادت وإلا
فاضرب عنقها وسنده حسن وهو نص في موضع النزاع فيجب المصير إليه ويؤيده اشتراك
الرجال والنساء في الحدود كلها الزنا والسرقة وشرب الخمر والقذف ومن صور الزنا رجم
المحصن فاستثنى ذلك من النهي عن قتل النساء فكذلك يستثنى قتل المرتدة انتهى.
(باب ما جاء فيمن شهر السلاح)
قال في القاموس شهر سيفه كمنع وشهره انتضاه فرفعه على الناس وقال في الصراح شهر
21

شمشير بركشيدن ازنيام والسلاح بالكسر آلة الحر ب وحديدتها ويؤنث والسيف والقوس بلا وتر
والعصا
قوله (من حمل علينا السلاح) وفي حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم من سل علينا
السيف ومعنى الحديث حمل السلاح على المسلمين لقتالهم به بغير حق لما في ذلك تخويفهم
وإدخال الرعب عليهم وكأنه كنى بالحمل عن المقاتلة أو القتل للملازمة الغالبة قال ابن دقيق
العيد يحتمل أن يراد بالحمل ما يضاد الوضع ويكون كناية عن القتال به ويحتمل أن يراد بحمل
حمله لإرادة القتال لقرينه قوله علينا ويحتمل أن يكون المراد حمله للضرب به وعلى كل حال
ففيه دلالة على تحريم قتال المسلمين والتشديد فيه قال الحافظ جاء الحديث بلفظ من شهر
علينا السلاح أخرج البزار من حديث أبي بكرة ومن حديث سمرة ومن حديث عمرو بن عوف وفي
سند كل منها لين لكنها يعضد بعضها بعضا وعند أحمد من حديث أبي هريرة بلفظ من رمانا
بالنبل فليس منا وهو عند الطبراني في الأوسط بلفظ الليل بدل النبل وعند البزار من حديث
بريدة مثله (فليس منا) أي ليس على طريقتنا أوليس متعبا لطريقتنا لأن من حق المسلم على
المسلم أن ينصره ويقاتل دونه لا أن يرعبه بحمل السلاح عليه لإرادة قتاله أو قتله ونظيره من
غشنا فليس منا وليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب وهذا في حق من لا يستحل ذلك
فأما من يستحله فإنه يكفر باستحلال المحرم بشرطه لا بمجرد حمل السلاح والأولى عند كثير من
السلف إطلاق لفظ الخبر من غير تعرض لتأويله ليكون أبلغ في الزجر وكان سفيان بن عينة ينكر
على من يصرفه عن ظاهره فيقول معناه ليس على طريقتنا ويرى أن الإمساك عن تأويله أولى لما
ذكرناه والوعيد المذكور لا يتناول من قاتل البغاة من أهل الحق فيحمل على البغاة وعلى من بدأ
بالقتال ظالما انتهى
قوله: (وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة وسلمة بن الأكوع) أما حديث ابن
عمر وأبي هريرة فأخرجه الشيخان بلفظ حديث الباب وأما حديث ابن الزبير فلينظر من
أخرجه وأما حديث سلمة بن الأكوع فأخرجه مسلم
قوله: (حديث أبي موسى حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري
22

(باب ما جاء في حد الساحر)
قوله: (حد الساحر ضربة بالسيف) قال في مجمع يروى بالتاء وبالهاء وعدل عن
القتل إلى هذا كي لا يتجاوز منه إلى أمر آخر واستدل به من قال إن حد الساحر القتل لكن
الحديث ضعيف
قوله: (هذا حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه) وأخرجه الدارقطني والحاكم
والبيهقي (وإسماعيل بن مسلم المكي يضعف في الحديث من قبل حفظه) قال في القريب
إسماعيل بن مسلم المكي أبو إسحاق كان من البصرة ثم سكن مكة وكان فقيها ضعيف الحديث
من الخامسة (وإسماعيل بن مسلم العبدي البصري قال وكيع هو ثقة ويروي عن الحسن أيضا)
أي كما يروي عنه إسماعيل بن مسلم المكي قال في التقريب إسماعيل بن مسلم العبدي أبو
محمد البصري القاضي ثقة من السادسة
قوله (وهو قول مالك بن انس الخ) قال النووي في شرح مسلم عمل السحر حرام وهو
من الكبائر بالإجماع قال وقد يكون كفرا وقد لا يكون كفرا بل معصية كبيرة فإن كان فيه قول
أو فعل يقتضي الكفر كفر وإلا فلا وأما تعلمه وتعليمه فحرام قال ولا يقتل عندنا يعني
الساحر فإن تاب قبلت توبته وقال مالك الساحر كافر بالسحر ولا يستتاب ولا تقبل توبته بل
يتحتم قتله والمسألة مبنية على الخلاف في قبول توبة الزنديق لأن الساحر عنده كافر كما ذكرنا
وعندنا ليس بكافر وعندما تقبل توبة المنافق والزنديق قال القاضي عياض وبقول مالك قال
23

أحمد بن حنبل وهو مروي عن جماعة من الصحابة والتابعين قال أصحابنا إذا قتل الساحر بسحره
إنسانا أو اعترف أنه مات بسحره وأنه يقتل غالبا لزمه القصاص وإن مات به ولكنه قد يقتل وقد
لا يقتل فلا قصاص وتجب الدية والكفارة وتكون الدية في ماله لا على عاقلته لأن العاقلة لا
تحمل ما ثبت باعتراف الجاني قال أصحابنا ولا يتصور القتل بالسحر بالبينة وإنما يتصور
باعتراف الساحر والله تعالى أعلم انتهى كلام النووي
(باب ما جاء في الغال ما يصنع به)
قوله: من وجدتموه غل في سبيل الله أي سرق من مال الغنيمة والغلول هو الخيانة في
المغنم (فاحرقوا متاعه) قد استدل بهذا الحديث من قال بحرق متاع الغال
قوله: (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه) وأخرجه أحمد وأبو داود والحاكم
والبيهقي
قوله (وهو قول الأوزاعي و أحمد وإسحاق) وهو قول مكحول وعن الحسن ويحرق متاعه
كله إلا الحيوان والمصحف وقال الطحاوي لو صح الحديث لاحتمل أن يكون حين كانت
العقوبة بالمال انتهى
قوله: (وهو منكر الحديث) قال المنذري صالح بن محمد بن زائدة تكلم فيه غير واحد من
24

الأئمة وقد قيل إنه تفرد به وقال البخاري عامة أصحابنا يحتجون بهذا في الغلول وهو باطل
ليس بشئ وقال الدارقطني أنكروا هذا الحديث على صالح بن محمد قال وهذا حديث لم
يتابع عليه ولا أصل لهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمحفوظ أن سالما أمر بذلك وصحح أبو
داود وقفه (وقال محمد وقد روى في غير حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغال ولم يأمر فيه بحرق متاعه)
الحرق يفتح الحاء المهملة والراء وقد تسكن الراء كما النهاية مصدر حرق بفتح الحاء وكسر
الراء وهذا لفظ رواية الترمذي عن البخاري رحمه الله ولفظ البخاري في صحيحه في كتاب
الجهاد في باب القليل من الغلول ولم يذكر عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرق متاعه يعني
في حديثه الذي ساقه في ذلك الباب وهو حديث عبد الله بن عمر قال كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم
رجل يقال له كركرة فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو في النار فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد
غلها ثم قال البخاري وهذا أصح قال في الفتح أشار إلى تضعيف حديث عبد الله بن عمر في
الامر بحرق رحل الغال انتهى
(باب ما جاء فيمن يقول للاخر يا مخنث)
بفتح النون المشددة ويكسر هو من يتشبه بالنساء سمي به لانكسار كلامه وقيل قياسه
الكسر والمشهور فتحه والتشبه قد يكون طبيعيا وقد يكون تكليفا ومن الثاني حديث لعن
المخنثين كذا في مجمع البحار
قوله (إذا قال الرجل للرجل) أي المسلم (يا يهودي) قال القاري وفي معناه يا نصراني
ويا كافر (فاضربوه عشرين) أي سوطا (وإذا قال يا مخنث فاضربوه عشرين) قال الطبي قوله يا
يهودي فيه تورية وإيهام لأنه يحتمل أن يراد به الكفر والذلة لأن اليهود مثل في الصغار والحمل
على الثاني أرجح للدرء في الحدود وعلى هذا المخنث انتهى (ومن وقع على ذات محرم فاقتلوه) أي
25

من وقع بالجماع متعمدا وفيه دليل لمن قال أن من وقع على ذات محرم يقتل قال المظهر حكم
أحمد بظاهر الحديث وقال غيره هذا زجر وإلا حكمه حكم سائر الزناة يرجم أن كان محصنا
ويجلد إن كان غير محصن كذا في المرقاة قلت والظاهر ما قال الإمام أحمد ولا حاجة لحمل
الحديث على الزجر
قوله: (وإبراهيم بن إسماعيل يضعف في الحديث) قال في التقريب إبراهيم بن إسماعيل ابن
أبي حبيبة الأنصاري الأشهلي مولاهم أبو إسماعيل المدني ضعيف من السابعة
قوله: (وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه رواه البراء بن عازب وقرة بن إياس المزني أن
رجلا الخ) تقدم حديث البراء وحديث قرة في باب من تزوج امرأة أبيه
قوله: (قالوا من أتى ذات محرم) أي جامعها (وهو يعلم) جملة حالية أي والحال أنه يعلم
بتحريمها (فعليه القتل) أي فعليه أن يقتل يعني يجب قتله وهو الظاهر وعليه تدل أحاديث الباب
وأما الذين قالوا إن عليه حد الزنا فأحاديث الباب حجة عليهم والله تعالى أعلم
(باب ما جاء في التعزير)
قال في المغرب التعزير تأديب دون الحد وأصله من العزر بمعنى الرد والردع قال ابن
الهمام وهو مشروع بالكتاب قال تعالى فاضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا أمر
بضرب الزوجات تأديبا وتهذيبا كذا في المرقاة القاري وقال فيه بعد ذكر أحاديث في ثبوت
التعزير ما لفظه وأقوى هذه الأحاديث قوله عليه الصلاة والسلام فاضربوهم على تركها بعشر
26

في الصبيان. فهذا دليل شرعية التعزير وأجمع عليه الصحابة انتهى كلامه وقال الحافظ التعزير
مأخوذ من العزر وهو الرد والمنع واستعمل في الدفع عن الشخص كدفع أعدائه عنه ومنعهم من
إضراره ومنه (وآمنتم برسلي وعزرتموهم) وكدفعة عن إتيان القبيح منه عزره القاضي شأن أدبه
لئلا يعود إلى القبيح ويكون بالقول وبالفعل يحسب ما يليق به انتهى
قوله: (لا يجلد) بضم أوله بصيغة النفي وروى بصيغة النهي مجزوما (فوق عشر جلدات)
وفي رواية فوق عشرة أسواط وفي رواية فوق عشر ضربات (إلا في حد من حدود الله) المراد به ما
ورد عن الشرع مقدرا بعدد مخصوص كحد الزنا والقذف ونحوهما وقيل المراد بالحد هنا عقوبة
المعصية مطلقا لا الأشياء المخصوصة فإن ذلك التخصيص إنما اصطلاح الفقهاء وعرف
الشرع أطلاق الحد على كل عقوبة لمعصية من المعاصي كبيرة أو صغيرة ونسب ابن دقيق العيد
هذه المقالة إلى بعض المعاصرين له وإليها ذهب ابن القيم وقال المراد بالنهي المذكور في التأديب
للمصالح كتأديب الأب ابنه الصغير واعترض على ذلك بأنه قد ظهر أن الشارع يطلق الحدود
على العقوبات المخصوصة ويؤكد ذلك قول عبد الرحمن بن عوف أن أخف الحدود ثمانون
ذكره الشوكاني ملخصا من كلام الحافظ قلت وقول عبد الرحمن بن عوف هذا رواه أحمد
ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل قد شرب الخمر فجلد
بجريدتين نحو أربعين قال وفعله أبو بكر فلما كان عمر استشار الناس عبد الرحمن
أخف الحدود ثمانون فأمر به عمر
قوله: (وهذا حديث غريب الخ) أخرجه الجماعة إلا النسائي
قوله: (وقد اختلف أهل العلم في التعزير الخ) قال الحافظ قد اختلف السلف في مدلول
هذا الحديث فأخذ بظاهره الليث وأحمد في المشهور عنه وإسحاق وبعض الشافعية وقال مالك
والشافعي وصاحبا أبي حنيفة تجوز الزيادة على العشر ثم اختلفوا فقال الشافعي
لا يبلغ أدنى
27

الحدود وهل الاعتبار بحد الحر أو العبد قولان وفي قول أو وجه يستنبط كل تعزير من جسم
حده ولا يجاوزه وهو مقتضى قول الأوزاعي لا يبلغ به الحد ولم يفصل وقال الباقون هو إلى
رأي الإمام بالغا ما بلغ وهو اختبار أبي ثور وعن عمر أنه كتب إلى أبي موسى لا تجلد في التعزير
أكثر من عشرين وعن عثمان ثلاثين وعن عمر أنه بلغ بالسوط مائة وكذا عن ابن مسعود
وعن مالك وأبي ثور وعطاء لا يعزر إلا من تكرر منه ومن وقع منه مرة واحدة معصية لا حد فيها
فلا يعزر وعن أبي حنيفة لا يبلغ أربعين وعن ابن أبي ليلى وأبي يوسف لا يزاد على خمس وتسعين
جلدة وفي رواية عن مالك وأبي يوسف لا يبلغ ثمانين
وأجابوا عن الحديث بأجوبة ذكرها الحافظ مع الكلام عليها وقال الشوكاني في النيل
والحق العمل بما دل عليه الحديث الصحيح المذكور في الباب يعني حديث أبي بردة وليس لمن
خالفه متمسك يصلح للمعارضة وقد نقل القرطبي عن الجمهور أنهم قالوا بما دل عليه حديث
الباب وخالفه النووي فنقل عن الجمهور عدم القول به ولكن إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل
فلا ينبغي لمنصف التعويل على قول أحد عند قول رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوا كل قول عند قول
محمد فما امن في دينه كمخاطر
28

(أبواب الصيد)
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
الصيد في الأصل مصدر صاد بصيد صيدا وعومل معاملة الأسماء فأوقع على الحيوان
المصاد، والاصطياد بحل في غير الحرم لغير المحرم، والصيد بحل إن كان مأكولا لقوله تعالى:
(وإذا حللتم فاصطادوا) وقوله تعلى: (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) والامر
للاستحباب.
(باب ما جاء ما يؤكل من صيد الكلب وما لا يؤكل)
قوله (إنا نرسل كلابا لنا معلمة) المراد بالمعلمة التي إذا أغراها صاحبها على الصيد طلبته
وإذا زجرها انزجرت وإذا أخذ الصيد حبسته على صاحبها وهذا الثالث مختلف في اشتراطه
واختلف متى يعلم ذلك منها فقال البغوي في التهذيب أقله ثلاث مرات وعن أبي حنيفة وأحمد
يكفي مرتين وقال الرافعي لم يقدره المعظم لاضطراب العرف واختلاف طباع الجوارح فصار
المرجع إلى العرف كذا في الفتح (كل ما أمسكن عليك) وفي رواية للبخاري إذا أرسلت كلبك
وسميت فكل قلت فإن أكل قال فلا تأكل فإنه لم يمسك عليك إنما أمسك على نفسه وفي
رواية أخرى له إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك وإن قتلن
29

إلا أن يأكل الكلب فإني أخاف أن يكون إنما أمسكه على نفسه قال الحافظ وفيه تحريم أكل
الصيد الذي أكل الكلب منه ولو كان الكلب معلما وقد علل في الحديث بالخوف من أمه إنما
أمسك على نفسه وهذا قول الجمهور وهو الراجح من قولي الشافعي وقال في القديم وهو
قول مالك ونقل عن بعض الصحابة يحل واحتجوا بما ورد في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده أن أعرابيا يقال له أبو ثعلبة قال يا رسول الله إن لي كلابا مكلبة فأفتني في صيدها قال
كل مما أمسكن عليك قال وإن أكل منه قال وإن أكل منه أخرجه أبو داود ولا بأس بسنده
وسلك الناس في الجمع بين الحديثين طرقا منها للقائلين بالتحريم حمل حديث أبي ثعلبة
على ما إذا قتله وخلاه ثم عاد فأكل منه ومنها الترجيح فرواية عدي في الصحيحين متفق على
صحتها ورواية أبي ثعلبه المذكورة في غير الصحيحين مختلف في تضعيفها وأيضا فرواية عدى
صريحة مقرونة بالتعليل المناسب للتحريم وهو خوف الامساك على نفسه متأيدة بأن الأصل في الميتة
التحريم فإذا شككنا في السبب المبيح رجعنا إلى الأصل وظاهر القران أيضا وهو قوله تعالى
(فكلوا مما أمسكن عليكم) فإن مقتضاها أن الذي يمسكه من غير إرسال لا يباح ويتقوى أيضا
بالشاهد من حديث ابن عباس عند أحمد إذا أرسلت الكلب فأكل الصيد فلا تأكل فإنما أمسك
على نفسه وإذا أرسلته فقتل ولم يأكل فكل فإنما أمسك على صاحبه وأخرجه البزار من وجه
اخر عن ابن عباس وابن أبي شيبة من حديث أبي رافع نحوه بمعناه ومنها للقائلين بالإباحة حمل
حديث عدى على كراهة التنزيه وحديث أبي ثعلبة على بيان الجواز انتهى (وإن قتلن ما لم يشركها
كلب من غيرها) وفي رواية للبخاري قلت أرسل كلبي فأجد معه كلبا اخر قال لا تأكل فإنك
إنما سميت على كلبك ولم تسم على الاخر وفيه أنه لا يحل أ كل ما شاركه فيه كلب اخر في
اصطياده قال الحافظ محله إذا استرسل بنفسه أو أرسله من ليس من أهل الزكاة فإن تحقق أنه
أرسله من هو من أهل الزكاة حل ثم ينظر فإن أرسلاهما معا فهو لهما وإلا فللأول ويؤخذ ذلك
من التعليل في قوله إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره فإنه يفهم منه أن المرسل لو سمي
على الكلب لحل (إنا نرمي بالمعراض) بكسر الميم وسكون العين المهملة واخره معجمة قال
الخليل وتبعه جماعة سهم لا ريش له ولا نصل وقال ابن دريد وتبعه ابن سيده سهم طويل له
أربع قذذ رقاق فإذا رمى به اعترض وقال الخطابي المعراض نصل عريض له ثقل ورزانة
وقيل عود رقيق الطرفين غليظ الوسط وهو المسمى بالخذافة وقيل خشبة ثقيلة اخرها عصا
30

محدد رأسها وقد لا يحدد وقوى هذا الأخير النووي تبعا لعياض وقال القرطبي إنه المشهور
وقال ابن التين المعراض عصا في طرفها حديد يرمي الصائد بها الصيد فما أصاب بحده فهو
ذكي فيؤكل وما أصاب بغير حده فهو وقيذ كذا في الفتح (ما خزق) بفتح الخاء المعجمة والزاي
بعدها قاف أي نفذ يقال سهم خازق أي نافذ (وما أصاب بعرضه) بفتح العين أي بغير طرفه
المحدد وهو حجة للجمهور في التفصيل المذكور وعن الأوزاعي من فقهاء الشام حل ذلك
قوله: (وهذا حديث حسن صحيح) أصله في الصحيحين
قوله: (ما ردت عليك قوسك) أي ما صدت بسهمك (فإن لم تجدوا غيرها فاغسلوا بالماء
ثم كلوا فيها واشربوا) قال البرماوي ظاهره أنه لا يستعمل آنيتهم بعد الغسل إذا وجد غيرها
وقد قال الفقهاء يجوز استعمال آنيتهم بعد الغسل بلا كراهية سواء وجد غيرها أو لا فتحمل
الكراهة في الحديث على أن المراد الآنية التي كانوا يطبخون فيها لحوم الخنزير ويشربون فيها
الخمر وإنما نهى عنها بعد الغسل للاستقذار وكونها معتادة النجاسة ومراد الفقهاء الأواني التي
ليست مستعملة في النجاسات غالبا وذكره أبو داود في سنته صريحا قال النووي ذكر هذا
الحديث البخاري ومسلم مطلقا وذكره أبو داود مقيدا قال إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون
في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا
فيها الحديث ثم ذكر مثل ما تقدم في كلام البرماوي وقال فالنهي بعد الغسل للاستقذار كما
يكره الأكل في المحجمة المغسولة كذا في المرقاة
31

قوله: (وفي الباب عن عدي بن حاتم) أراد الترمذي به غير حديث المذكور وله في الباب
أحاديث عديدة
قوله: (وهذا حديث حسن) أصله في الصحيحين (وعائذ الله أبو إدريس الخولاني) ولد في
حياة النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين وسمع من كبار الصحابة مات سنة ثمانين
(باب ما جاء في صيد كلب المجوسي)
(عن سلمان اليشكري) بفتح التحتانية بعدها معجمة ساكنة وبكاف مضمومة هو ابن قيس
البصري ثقة من الثالثة (نهينا) بصيغة المجهول (عن صيد كلب المجوس) فيه دليل على أن من لا
تحل ذبيحته من الكفرة لا يحل صيد جارحة أرسلها هو في شرح السنة يحل ما اصطاد المسلم
بكلب المجوس ولا يحل ما اصطاده المجوسي بكلب المسلم إلا أن يدركه المسلم حيا فيذبحه وإن
اشترك مسلم ومجوسي في إرسال كلب أو سهم على صيد فأصابه وقتله فهو حرام انتهى وأخرج
عبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما عن علي رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى مجوس
هجر يعرض عليهم الاسلام فمن أسلم قبل منه ومن لم يسلم ضرب عليهم الجزية غير ناكحي
نسائهم ولا آكلي ذبائحهم قال القاري وقد قال علماؤنا شرط كون الذابح مسلما لقوله تعالى
(إلا ما ذكيتم) وكتابيا ولو كان الكتابي حربيا لقوله تعالى (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل
لكم) والمراد به مذكاتهم لأن مطلق الطعام غير المذكى يحل من أي كافر كان ويشترط أن لا
يذكر الكتابي غير الله عند الذبح حتى لو ذبح بذكر المسيح أو عزير لا تحل ذبيحته لقول تعالى
(وما أهل لغير الله به) لا من لا كتاب له مجوسيا لما سبق أو وثنيا لأنه مثل المجوسي في عدم
التوحيد انتهى
قوله: (هذا الحديث غريب الخ) في إسناده
شريك وهو ابن عبد الله النخعي الكوفي
32

وحجاج وهو ابن أرطأة صدوق كثير الخطأ والتدليس (والقاسم بن أبي بزة هو القاسم بن نافع
المكي) قال في تهذيب التهذيب القاسم بن أبي بزة واسمه نافع ويقال يسار ويقال نافع بن
يسار المكي أبو عبد الله ويقال أبو عاصم القاري المخزومي مولاهم روى عن سليمان بن قيس
وغيره وعنه حجاج بن أرطأة وغيره قال ابن معين والعجلي والنسائي ثقة وذكره ابن حبان في
الثقات وقال ولم يسمع التفسير من مجاهد أحد غير القاسم وكل من يروي عن مجاهد التفسير فإنما
أخذه من كتاب القاسم انتهى
(باب في صيد البزاة)
بضم الموحدة جمع البازي قال في القاموس البازي ضرب من الصقور وقال فيه الصقر
كل شئ يصيد من البزاة والشواهين قال الدميري في حياة الحيوان البازي أفصح لغاته مخففة
الياء والثانية باز والثالثة بازي بتشديد الياء حكاهما ابن سيده وهو مذكر لا اختلاف فيه ويقال في
التثنية بازيان وفي الجمع بزاة كقاضيان وقضاة ويقال للبزاه والشواهين وغيرهما مما يصيد صقور
وهو أشد الحيوان تكبرا وأضيقها خلقا انتهى
قوله: (ما أمسك عليك فكل) وفي رواية أبي داود ما علمت من كلب أو باز ثم أرسلته
وذكرت اسم الله فكل مما امسك عليك قلت وإن قتل قال إذا قتل ولم يأكل منه شيئا فإنما
أمسكه عليك
قوله: (هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث مجالد عن الشعبي) قال المنذري وأخرجه
الترمذي مختصرا وقال بعد ذكر كلام الترمذي هذا ومجالد هذا هو ابن سعيد وفيه مقال انتهى
قال في التقريب مجالد بضم أوله وتخفيف الجيم ابن سعيد بن عمير الهمداني بسكون الميم أبو
33

عمرو الكوفي ليس بالقوي وقد تغير في اخر عمره من صغار السادسة انتهى قلت أخرج هذا
الحديث أيضا البيهقي وقال تفرد مجالد يذكر الباز فيه وخالف الحفاظ انتهى
قوله: (والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون بصيد البزاز والصقور بأسا) قال
الحافظ وفي معنى الباز الصقر والعقاب والباشق والشاهين (وقال مجاهد البزاة والطير الذي
يصاد به) من الجوارح التي قال الله تعالى (وما علمتم من الجوارح) فسر الكلاب والطير الذي يصاد
به) قال الحافظ وقد فسر مجاهد الجوارح في الآية بالكلاب والطيور وهو قول الجمهور إلا ما روى
عن عمر وابن عباس من الفرقة بين صيد الكلب والطير وقد رخص بعض أهل العلم
صيد البازي وإن أكل منه وقالوا إنما تعليمه إجابته قال أبو داود في سنته بعد رواية حديث
الباب الباز إذا أكل فلا بأس به والكلب إذا أكل كره وإن شرب الدم فلا بأس انتهى
(والفقهاء أكثرهم قالوا يأكل وإن أكل منه) الظاهر أن قولهم هذا مبني على تعليم البازي إنما هو
إجابته والله تعالى أعلم
(باب ما جاء في الرجل يرمي الصيد فيغيب عنه)
قوله: (فأجد فيه من الغد سهمي) أي في بعض زمن الاستقبال فمن للتبعيض كقوله
تعالى (منهم من كلم الله) أو بمعنى في كقوله تعالى (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة) وهو
الأظهر وقال الطيبي من فيه زائدة كما في قوله تعالى (لله الأمر من قبل ومن بعد) كذا في
المرقاة (إذا علمت أن سهمك قتله ولم تر فيه أثر سبع فكل) قال ابن الملك وإن رأيت فيه أثر سبع
فلا تأكل لأنه لا يعلم سبب قتله يقينا
34

قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه أبو داود والنسائي والطحاوي
قوله: (وفي الباب عن أبي ثعلبة الخشني) أخرجه أبو داود وفيه قال يا رسول الله أفتني في
قوسي قال كل ما ردت عليك قوسك قال ذكيا وغير ذكى قال وإن تغيب عني قال وإن
تغيب عنك ما لم يصل أو تجد فيه أثرا غير سهمك وقوله ما لم يصل بتشديد اللام أي ما لم ينتن
ويتغير ريحه يقال صل اللحم وأصل لغتان
(باب ما جاء فيمن يرمي الصيد فيجده ميتا في الماء)
قوله (إلا أن تجده قد وقع في ماء فلا تأكل) وجهه أنه يحصل حينئذ التردد هل قتله السهم
أو الغرق في الماء فلو تحقق أن السهم أصابه فمات فلم يقع في الماء إلا بعد أن قتله السهم حل
أكله
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد الكلب المعلم الخ) ليس في هذا الحديث ذكر
وجدان الصيد ميتا في الماء فلا مناسبة بينه وبين الباب إلا أن يقال أن في هذا الحديث ذكر مسألة
ما إذا خالطت الكلاب المعلمة كلابا أخرى ويستنبط من ذلك مسألة ما إذا وجد الصيد ميتا في
الماء فتفكر
35

قوله (قال سفيان كره له أكله) يعني المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم أنما ذكرت اسم الله على كلبك
الخ أنه كره أكل صيد الكلب المعلم إذا خالطه كلب آخر (وقال بعضهم في الذبيحة إذا قطع
الحلقوم فوقع قي الماء فمات فيه فإنه يؤكل) قال النووي في شرح مسلم إذا وجد الصيد في الماء
غريقا حرم بالاتفاق انتهى وقد صرح الرافعي بأن محله ما لم ينته الصيد بتلك الجراحة إلى حركة
المذبوح فإن انتهى إليها لقطع الحلقوم مثلا فقد تمت ذكاته كذا في النيل (وقد اختلف أهل العلم في
الكلب إذا أكل من الصيد فقال أكثر أهل العلم إذا أكل الكلب منه فلا يأكل الخ) وهو القول
الراجح كما عرفت فيما تقدم
(باب ما جاء في صيد المعراض)
بكسر الميم وسكون العين المهملة تقدم تفسيره في باب ما يؤكل من صيد الكلب وما لا
يؤكل
36

قوله (ما أصبت بحده) أي بطرفه المحدد وفي رواية كل ما خرق وما أصبت بعرضه
بفتح العين وسكون الراء أي بغير طرفه المحدد فهو وقيذ زاد في رواية للبخاري فلا تأكل
ووقيذ بالذال المعجمة بوزن عظيم فعيل بمعنى مفعول وهو ما قتل بعصا أو بحجر أو ما لا حد له
وحاصل الحديث أن السهم وما في معناه إذا أصاب الصيد بحده حل وكانت تلك زكاته وإذا
أصاب بعرضه لم يحل لأنه في معنى الخشبة الثقيلة والحجر ونحو ذلك من المثقل
قوله: (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله: (والعمل عند أهل العلم) أي على التفصيل المذكور في الحديث
(باب ما جاء في الذبح بالمروة)
بفتح الميم وسكون الراء المهملة هي الحجارة البيضاء وبه سميت مروة مكة وفي
المغرب المروة حجر أبيض دقيق وقال في القاموس المروة حجارة بيض براقة توري النار أو
أصلب الحجارة وقال في المجمع هي حجر أبيض ويجعل منه كالسكين
قوله (صاد أرنبا) بوزن جعفر يقال بالفارسية خركوش (أو اثنتين) شك من الراوي
(فتعلقهما) أي علقهما قال في القاموس علقه تعليقا جعله معلقا كتعلقة (فأمره بأكلهما) فيه
دليل على أنه يجوز الذبح بالمروة وعلى أن الأرنب حلال
قوله (وفي الباب عن محمد بن صفوان ورافع وعدي بن حاتم) وأما حديث محمد بن
37

صفوان فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وأما حديث رافع وهو ابن خديج فأخرجه
الشيخان والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة وأما حديث عدى بن حاتم فأخرجه أبو داود
والنسائي وابن ماجة
قوله: (وهو قول أكثر أهل العلم) وهو الحق يدل عليه حديث الباب وحديث أنس قال
أنفجنا أرنبا ونحن بمر الظهران فسعى القوم فغلبوا فأخذتها فجئت بها إلى أبي طلحه فذبحها
فبعث بوركيها أو قال بفخذيها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبلها قال الحافظ في الفتح في الحديث جواز أكل
الأرنب وهو قول العلماء كافة إلا ما جاء في كراهتها عن عبد الله بن عمر من الصحابة وعن عكرمة
من التابعين وعن محمد بن أبي ليلى من الفقهاء واحتج بحديث خزيمة بن جزء قلت يا رسول
الله ما تقول في الأرنب قال لا اكله ولا أحرمه قلت فإني اكل ما لا تحرمه ولم يا رسول الله
قال نبئت أنها تدمي وسنده ضعيف ولو صح لم يكن فيه دلالة على الكراهة وله شاهد عن
عبد الله بن عمر بلفظ جئ بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأكلها ولم ينه عنها زعم أنها تحيض أخرجه
أبو داود وله شاهد عن عمر عند إسحاق بن راهويه في مسنده وحكى الرافعي عن أبي حنيفة
أنه حرمها وغلطه النووي في النقل عن أبي حنيفة انتهى (وقد كره بعضهم أكل الأرنب) وقد
عرفت أسمائهم وما احتجوا به
قوله (وروى عاصم الأحول عن الشعبي عن صفوان) بن محمد أو محمد بن صفوان أي
رواه بالشك ورواية عاصم هذه أخرجها أبو داود (ومحمد بن صفوان أصح) وقال الطبراني
محمد بن صفوان هو الصواب وقال ابن عبد البر صفوان بن محمد أكثر كذا في تهذيب التهذيب
(ويحتمل أن يكون الشعبي روى عنهما جميعا) أي عن محمد بن صفوان وجابر بن عبد الله كليهما
38

(باب ما جاء في كراهية أكل المصبورة)
أي التي تحبس وترمى بالنبل حتى تموت
قوله: (عن أكل المجثمة) بتشديد المثلثة المفتوحة وضبطه الشمني بكسرها قال في النهاية
هي كل حيوان ينصب ويرمى ليقتل إلا أنه يكثر في الطير والأرنب وأشباه ذلك مما يجثم بالأرض
أي يلزمها ويلتصق بها (وهي التي تصبر) أي تحبس ويرمي إليها (بالنبل) بفتح النون وسكون
الموحدة أي بالسهم حتى تموت وهذا تفسير من أحد الرواة والنهي لأن هذا القتل ليس بذبح
قوله (وفي الباب عن عرباض بن سارية وأنس وابن عمر وابن عباس وجابر وأبي
هريرة) أما حديث العرباض فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث أنس فأخرجه البخاري
ولفظه نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم وأما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان عنه قال
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي عن أن تصبر بهيمة أو غيرها للقتل وأما حديث ابن عباس فأخرجه
الترمذي في هذا الباب وأما حديث جابر وأبي هريرة فلينظر من أخرجه
قوله: (عن كل ذي ناب) أي عن أكله (من السباع) أي سباع البهائم كالأسد والنمر
والفهد والدب والقردة والخنزير (وعن كل ذي مخلب) بكسر الميم وفتح اللام (من الطير) أي عن
أكل سباعه في شرح السنة أراد بكل ذي ناب ما يعدو بنابه على الناس وأموالهم كالذئب والأسد
والكلب ونحوها وأراد بذي مخلب ما يقطع ويشق بمخلبه كالنسر والصقر والبازي وغيرها (وعن
39

لحوم الحمر) بضمتين جمع حمار (الأهلية) أي الانسية ضد الوحشية (وعن المجثمة) سبق ذكرها
وسيأتي أيضا (وعن الخليسة) أي المأخوذة من السباع فتموت قبل أن تذكى وسميت بذلك
لكونها مخلوسة من السبع أي مسلوبة من خلس الشئ إذا سلبه (وأن توطأ) أي عن أن تجامع
(الحبالى) بفتح الحاء جمع الحبلى (وحتى يضعن ما في بطونهن) يعني إذا حصلت لشخص جارية
حبلى لا يجوز وطؤها حتى تضع حملها قال القاري وكذا إذا تزوج حبلى من الزنا ذكره بعض
علمائها يعني الحنيفة وقال المظهر إذا حصلت جارية لرجل من السبي لا يجوز له أن يجامعها
حتى تضع حملها إذا كانت حاملا وحتى تحيض وينقطع دمها إن لم تكن حاملا (قال محمد بن
يحيى) شيخ الترمذي وهو القطعي بضم القاف وفتح الطاء المهملة وهي جملة معترضة وضمير
هو راجع إلى محمد بن يحيى وقائلها هو الترمذي
(باب ما جاء في ذكاة الجنين)
أي في ذبحه والجنين هو الولد ما دام في بطن أمه قال في النهاية التذكية الذبح
والنحر يقال ذكيت الشاة تذكية والاسم الذكاة والمذبوح ذكي
قوله (عن أبي الوداك) بفتح الواو وتشديد الدال المهملة ويأتي ترجمته في اخر الباب
40

قوله (ذكاة الجنين ذكاة أمه) مرفوعان بالابتداء والخبر والمراد الاخبار عن ذكاة الجنين بأنها
ذكاة أمه فيحل بها كما تحل الأم بها ولا يحتاج إلى تذكية
قوله: (وفي الباب عن جابر وأبي أمامة وأبي الدرداء وأبي هريرة) وفي الباب أحاديث أخرى
وستعرف تخريجها
قوله: (وهذا حديث حسن) وأخرجه أيضا الدارقطني وابن حبان وصححه وضعفه
عبد الحق وقال لا يحتج بأسانيده كلها وذلك لأن في بعضها مجالدا ولكن أقل أحوال الحديث أن
يكون حسنا لغيره لكثرة طرقه ومجالد ليس إلا في الطريق التي أخرجها الترمذي وأبو داود منها
وقد أخرجه أحمد من طريق ليس فيها ضعيف والحاكم أخرجه من طريق فيها عطية عن أبي سعيد
وعطية فيه لين وقد صححه مع ابن حبان ابن دقيق العيد كذا في النيل
قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم قال الحافظ في
التلخيص قال ابن المنذر إنه لم يرو عن أحد من الصحابة ولا من العلماء أن الجنين لا يؤكل الا
باستئناف الذكاة الا ما روي عن أبي حنيفة انتهى (وهو قول سفيان) هو الثوري (وابن المبارك
والشافعي وأحمد وإسحاق) وإليه ذهب صاحبا أبي حنيفة وإليه ذهب أيضا ما لك واشترط أن
يكون قد أشعر وقال أبو حنيفة بتحريم الجنين إذا خرج ميتا وإنها لا تغني تذكية الأم عن
تذكية قال الإمام محمد في الموطأ أخبرنا مالك أخبرنا نافع أن عبد الله ابن عمر كان يقول إذا
نحرت الناقة فذكاة ما في بطنها ذكاتها إذا كان قد تم خلقه ونبت شعره فإذا خرج من بطنها ذبح
حتى يخرج الدم من جوفه وروى عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول ذكاة ما كان في بطن
الذبيحة ذكاة أمه إذا كان قد نبت شعره وتم خلقه ثم قال محمد وبهذا نأخذ إذا تم خلقه فذكاته
في ذكاة أمه فلا بأس بأكله فأما أبو حنيفة فكان يكره أكله حتى يخرج حيا فيذكى وكان يروى
عن حماد عن إبراهيم أنه قال لا تكون ذكاة نفس ذكاة نفسين انتهى
قلت استدلال الامام أبي حنيفة بقولي إبراهيم النخعي هذا على كراهة أكل الجنين ليس
بصحيح قال صاحب التعليق الممجد هذا استبعاد بمجرد الرأي فلا عبرة به بمقابلة النصوص
41

ولعلها لم تبلغه أو حملها على غير معناها وقال قوله إذا تم يعني إذا خرج من بطن الذبيحة جنين
ميت فإن كان تام الخلق نابت الشعر يؤكل وإن لم يكن تام الخلق فهو مضغة لا تؤكل وبه قال
مالك والليث وأبو ثور وقال أحمد والشافعي بحله مطلقا وقال أبو حنيفة لا يؤكل مطلقا وبه
قال زفر والحسن بن زياد فإن خرج حيا ذبح اتفاقا ودليل من قال بالحل مطلقا أو مقيدا بتمام
الخلقة حديث ذكاة الجنين ذكاة أمه رواه أحد عشر نفسا من الصحابة الأول أبو سعيد
الخدري أخرج حديثه اللفظ المذكور أبو داود وابن ماجة والترمذي وحسنه وابن حبان وأحمد
الثاني جابر أخرج حديثه أبو داود وأبو يعلى. الثالث أبو هريرة وأخرج حديثه الحاكم وقال صحيح
الاسناد، وفي سنده عبد الله بن سعيد المقبري متفق والدارقطني وفي سنده عمرو ابن
قيس ضعيف الرابع ابن عمر أخرج حديثه راجع الأصل وسنده ضعيف الخامس أبو
أيوب أخرج حديثه الحاكم السادس ابن مسعود أخرج حديثه الدارقطني ورجاله رجال
الصحيح السابع ابن عباس أخرجه الدارقطني الثامن كعب بن مالك حديثه عند الطبراني
التاسع والعاشر أبو أمامة وأبو الدرداء حديثهما عند البزار والطبراني الحادي عشر علي حديثه
عند الدارقطني قال وأجاب في المبسوط بأن حديث ذكاة الجنين ذكاة أمه لا يصح وفيه نظر
فإن الحديث صحيح وضعف بعض طرقه غير مضر وذكر في الأسرار أن هذا الحديث لعله لم
يبلغ أبا حنيفة فإنه لا تأويل له ولو بلغه لما خالفه وهذا حسن وذكر صاحب العناية وغيرها أنه
روى ذكاة الجنين ذكاة أمه بالنصب فهو على التشبيه أي كذكاة أمه كما يقال لسان الوزير لسان
الأمير وفيه نظر فإن المحفوظ عن أئمة الشأن الرفع صرح به المنذري ويوضحه ما ورد في
بعض طرق أبي سعيد الخدري قال السائل يا رسول الله إنا ننحر الإبل والناقة ونذبح البقر
فنجد في بطنها الجنين أفنلقيه أم نأكله فقال كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه وبالجملة فقول
من قال بموافقة الحديث أقوى هذا ملخص ما ذكره العيني في البناية انتهى ما في التعليق
الممجد
قلت: قد بسط الحافظ في التلخيص الكلام على أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله تعالى
عنهم فمن شاء الوقوف عليه فليرجع إليه
فإن قلت حديث الباب ليس بنص في أن ذكاة الجنين في ذكاة أمه وأن ذكاة الأم تغني عن
ذكاته ففي النهاية للجزري يروي هذا الحديث بالرفع والنصب فمن رفعه جعله خبرا للمبتدأ
الذي هو ذكاة الجنين فتكون ذكاة الأم هي ذكاة الجنين فلا يحتاج إلى ذبح مستأنف ومن نصب
كان التقدير ذكاة الجنين كذكاة أمه فلما حذف الجار نصب أو على تقدير يذكي تذكية مثل ذكاة أمه
42

فحذف المصدر وصفته وأقام المضاف إليه مقامه فلا بد عنده من ذبح الجنين إذا خرج حيا
ومنهم من يرويه بنصب الذكاتين أي ذكاة الجنين ذكاة أمه انتهى
قلت: نعم يروى هذا الحديث بالرفع والنصب لكن المحفوظ عند أئمة الحديث هو الرفع
قال الحافظ المنذري في تلخيص السنن والمحفوظ عن أئمة هذا الشأن في تفسير هذا الحديث
الرفع فيها وقال بعضهم في قوله فإن ذكاته ذكاة أمه ما يبطل هذا التأويل ويدحضه فإنه
تعليل لإباحته من غير إحداث ذكاة انتهى
قلت: روى أبو داود حديث الباب بلفظ قلنا يا رسول الله ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة
فنجد في بطنها الجنين أنلقيه أم نأكله قال كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه قال الخطابي في
هذا الحديث بيان جواز أكل الجنين إذا ذكيت أمه وإن لم تجدد للجنين ذكاة وتأوله بعض من لا
يرى أكل الجنين على معنى أن الجنين يذكى كما تذكى أمه فكأنه قال ذكاة الجنين كذكاة أمه وهذه
القصة (يعني المذكورة في رواية أبي داود هذه) تبطل هذا التأويل وتدحضه لأن قوله فإن
ذكاته ذكاة أمه تعليل لإباحته من غير إحداث ذكاة ثانية فثبت أنه على معنى النيابة عنها انتهى كلام
الخطابي
قلت: الأمر كما قال الخطابي وقال الشوكاني في النيل اعتذروا عن الحديث بما لا يغني
شيئا فقالوا المراد ذكاة الجنين كذكاة أمه
ورد بأنه لو كان المعنى على ذلك لكان منصوبا بنزع الخافض والرواية بالرفع ويؤيده أنه
روى بلفظ ذكاة الجنين في ذكاة أمه وروى ذكاة الجنين بذكاة أمه انتهى
واستدل للإمام أبي حنيفة بعموم قوله تعالى (حرمت عليكم الميتة) وأجيب بأن الجنين
إذا خرج ميتا فهو مذكى بذكاة أمه لأحاديث الباب فهو ليس بميتة داخلة تحت هذه الآية
أعلم أن من اشترط أن يكون الجنين قد أشعر أحتج بما في بعض روايات الحديث عن ابن
عمر بلفظ إذا أشعر الجنين فذكاته ذكاة أمه وقد تفرد به أحمد ابن عصام والصحيح أنه
موقوف وأيضا قد روى عن ابن أبي ليلى مرفوعا ذكاة الجنين ذكاة أمه أشعر أو لم يشعر وفيه
ضعف وأيضا قد روى من طريق ابن عمر نفسه مرفوعا أو موقوفا كما رواه البيهقي أنه قال
أشعر أو لم يشعر كذا في النيل وقال صاحب التعليق الممجد ولتعارضها لم يأخذ بهما
الشافعية فقالوا ذكاة الجنين ذكاة أمه مطلقا ومالك ألغى الثاني لضعفه وأخذ بالأول لاعتضاده
بالموقوف فقيد به حديث ذكاة الجنين ذكاة أمه انتهى
43

قوله (وأبو الوداك اسمه جبر) يفتح الجيم وسكون الموحدة وبالراء (بن نوف) بفتح النون
وسكون الواو وبالفاء الهمداني البكالي كوفي صدوق يهم من الرابعة
(باب ما جاء في كراهية كل ذي ناب وذي مخلب)
الناب السن الذي خلف الرباعية جمعه أنياب قال ابن سينا لا يجتمع في حيوان واحد
ناب وقرن معا وذو الناب من السباع كالأسد والذئب والنمر والفيل والقرد وكل ما له ناب
يتقوى به ويصطاد قال في النهاية هو ما يفترس الحيوان ويأكل قسرا كالأسد والنمر والذئب
ونحوها انتهى والمخلب بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام قال أهل اللغة المخلب
للطير والسباع بمنزلة الظفر للإنسان
قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع) جمع السبع قال في القاموس
السبع بضم الباء الموحدة وفتحها المفترس من الحيوان وفي الحديث دليل على تحريم كل ذي
ناب من السباع وهو قول الجمهور وهو الحق
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري وأبا داود
قوله: (الحمر الانسية) تقدم الكلام عليه (ولحوم البغال) فيه دليل على تحريم البغال وبه
قال الأكثر وهو الحق وخالف في ذلك الحسن البصري كما نقله الشوكاني عن البحر
44

قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة وعرباض بن سارية وابن عباس) أما حديث أبي هريرة
رضي الله عنه فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث عرباض فأخرجه الترمذي في باب
كراهية أكل المصبورة وأما حديث ابن عباس فأخرجه الجماعة إلا البخاري والترمذي ولفظه
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع وكل مخلب من الطير
قوله: (حديث جابر حديث حسن غريب) قال في النيل حديث جابر أصله في
الصحيحين وهو بهذا اللفظ بسند لا بأس به كما قاله الحافظ في الفتح انتهى
قوله: (هذا حديث حسن) قال في التلخيص حديث أبي هريرة كل ذي ناب من السباع
فأكله حرام أخرجه مسلم بهذا قال ابن عبد البر مجمع على صحته انتهى
قوله: (والعمل على هذا عند أهل العلم الخ) وهو الحق وأما من قال بإباحة كل ذي ناب
وكل ذي مخلب واحتج بقوله تعالى (قل لا أجد فيما أوحي إلي) الآية ففيه أن هذه الآية
مكية وأحاديث التحريم بعد الهجرة (وهو قول عبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق)
وهو قول أبي حنيفة وأما مالك فقال ابن العربي المشهور عنه الكراهة قال ابن رسلان مشهور
مذهبه على إباحة ذلك وكذا قال القرطبي
(باب ما جاء ما قطع من الحي فهو ميت)
قوله (وهم يجبون) بضم الجيم وتشديد الموحدة أي يقطعون (أسنمة الإبل) بكسر النون
45

جمع سنام (ويقطعون أليات الغنم) بفتح الهمزة وسكون اللام جمع ألية بفتح الهمزة طرف الشاة
(ما يقطع) ما موصول (من البهيمة) من بيانية (وهي حية) جملة حالية (فهو) أي ما يقطع والفاء
لتضمن المبتدأ معنى الشرط (ميتة) أي حرام كالميتة لا يجوز أكله قال ابن الملك أي كل عضو
قطع فذلك العضو حرام لأنه ميت بزوال الحياة عنه وكانوا يفعلون ذلك في حال الحياة فنهوا
عنه
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود قال المنذري في إسناده عبد
الرحمن بن عبد الله دينار المديني قال يحيى بن معين في حديثه ضعف وقال أبو حاتم
الرازي لا يحتج به وذكر أبو أحمد هذا الحديث وقال لا أعلم يرويه عن زيد بن أسلم غير عبد
الرحمن بن عبد الله هذا آخر كلامه وقد أخرجه ابن ماجة في سنته من حديث زيد بن أسلم عن
عبد الله بن عمر إسناده يعقوب بن حميد بن كاسب وفيه مقال
(باب ما جاء في الذكاة في الحلق واللبة)
بفتح اللام وتشديد الموحدة قال في النهاية هي الهزمة التي فوق الصدر وفيها تنحر الإبل
انتهى قيل وهي آخر الحلق وقال في الصراح لبة سر سينة
قوله: (عن أبي العشراء) بضم العين المهملة وفتح الشين المعجمة وبالمد اسمه أسامة بن
مالك الدارمي تابعي روي عن أبيه وعنه حماد بن سلمة يعد في البصريين وفي اسمه اختلاف
كثير وهذا أشهر ما قيل فيه قاله صاحب المشكاة قال الحافظ وهو أعرابي مجهول من الرابعة
(عن أبيه) قد ذكر الترمذي الاختلاف في اسمه في اخر الباب
46

قوله (أما تكون) الهمزة للاستفهام وما نافية والمراد التقرير أي أما تحصل (الذكاة)
بالذال المعجمة أي الذبح الشرعي (في الحلق واللبة) هي المنحر من البهائم لو طعنت في
فخذها بفتح فكسر ويجوز الكسر فالسكون أي في فخذ المذكاة المفهومة من الذكاة (لأجزأ
عنك) أي لكفي فخذها عن ذبحك إياها (قال أحمد بن منيع قال يزيد بن هارون هذا في
الضرورة) أي هذا الحديث أو قوله لو طعنت في حال الضرورة قال أهل العلم بالحديث
هذا عند الضرورة كالتردي في البئر وأشباهه وقال أبو داود بعد إخراجه هذا لا يصح إلا في
المتردية والنافرة والمتوحشة
قوله: (وفي الباب عن رافع بن خديج) أخرجه الترمذي في آخر أبواب الصيد
قوله: (هذا حديث غريب) قال الخطابي وضعفوا هذا الحديث لأن رواته مجهولون
وأبو العشراء لا يدري من أبوه ولم يرو عنه غير حماد بن سلمة قال في التلخيص وقد تفرد
حماد بن سلمة بالرواية عنه يعني أبا العشراء على الصحيح وهو لا يعرف حاله وقال في
تهذيب التهذيب قال الميموني سألت أحمد عن حديث أبي العشراء في الذكاة قال هو عندي غلط ولا
يعجبني ولا أذهب إليه إلا في موضع ضرورة وقال البخاري في حديثه واسمه وسماعه من أبيه
نظر وذكره ابن حبان في الثقات (ولا نعرف لأبي العشراء عن أبيه غير هذا الحديث) روى أبو
داود في غير السنن عن أبي العشراء عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العتيرة فحسنها قال أبو داود
في موضع اخر سمعه من أحمد بن حنبل رحمه الله فاستحسنه جدا كذا في تهذيب التهذيب
(فقال بعضهم اسمه أسامة بن قهطم) في القاموس: القهطم كزبرج اللئيم ذو الصخب وعلم
(ويقال يسار بن برز) بفتح الموحدة
وسكون اللام وبالزاي
47

(باب ما جاء في قتل الوزغ)
قال في مجمع البحار الوزغ بفتح واو وزاي وبمعجمة دابة لها قوائم تعدو في أصول
الحشيش وقيل إنها تأخذ ضرع الناقة فتشرب لبنها انتهى قلت يقال لها في لساننا الهندية
كركب وقال في الصراح وزغ جانوري جون كربشه انتهى وقال في القراح كربشه بروزن
اقمشه كربسه كه بمعنى جلباسه هندي جهيكلى انتهى
قوله: (من قتل وزغة بالضربة الأولى كان له كذا وكذا حسنة الخ) وفي رواية عند مسلم
من قتل وزغا في أول ضربة كتبت له مائه حسنة وفي الثانية دون ذلك وفي الثالثة دون ذلك قال
النووي سبب تكثير الثواب في قتله أول ضربة الحث على المبادرة بقتله والاعتناء به والحرص عليه
فإنه لو فاته ربما انفلت وفات قتله والمقصود انتهاز الفرصة بالظفر على قتله انتهى
قوله (وفي الباب عن ابن مسعود وسعد وعائشة وأم شريك) أما حديث ابن مسعود
فأخرجه أحمد وابن حبان عنه مرفوعا من قتل حية فله سبع حسنات ومن قتل وزغة فله حسنة
وأما حديث سعد فأخرجه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقا وأما حديث
عائشة فأخرجه الطبراني عنها مرفوعا من قتل وزغا كفر الله عنه سبع خطيئات وأما حديث أم
شريك فأخرجه عنها الشيخان بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وقال كان ينفخ على
إبراهيم
قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
48

(باب ما جاء في قتل الحيات)
جمع حية قوله (اقتلوا الحيات) أي كلها عموما (واقتلوا) أي خصوصا (ذا الطفيتين) بضم الطاء
المهملة وسكون الفاء أي صاحبهما وهي حية خبيثة على ظهرها خطان أسودان كالطفيتين
الطفية بالضم على ما في القاموس خوصة المقل والخوص بالضم ورق النخل الواحدة بهاء
والمقل بالضم صمغ شجرة وفي النهاية الطفية خوصة المقل شبه به الخطان اللذان على ظهر
الحية في قوله ذا الطفيتين (والأبتر) بالنصب عطفا على ذا قيل هو الذي يشبه المقطوع الذنب
لقصر ذنبه وهو من أخبث ما يكون من الحيات (فإنهما يلتمسان البصر) أي يطلبانه وفي رواية
الشيخين يطمسان البصر بفتح الياء وكسر الميم أي ويعميان البصر بمجرد النظر إليهما لخاصية
السمية في بصرهما (ويسقطان) من الاسقاط (الحبل) بفتحتين أي الجنين عند النظر إليهما
بالخاصة السمية قال القاضي وغيره جعل ما يفعلان بالخاصة كالذي يفعل بقصد وطلب وفي
خواص الحيوان عجائب لا تنكر وقد ذكر في خواص الأفعى أن الحبل يسقط عند موافقة
النظرين وفي خواص بعض الحيات أن رؤيتها تعمي ومن الحيات نوع يسمى الناظور متى وقع
نظره على إنسان مات من ساعته ونوع آخر إذا سمع الانسان صوته مات
قوله: (وفي الباب عن ابن مسعود وعائشة وأبي هريرة وسهل بن سعد) أما حديث ابن
مسعود فأخرجه أبو داود عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اقتلوا الحيات كلها إلا الجان الأبيض الذي
كأنه قضيب فضة وله حديث آخر عند أبي داود والنسائي والطبراني وأما حديث عائشة فلينظر
من أخرجه وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود وابن حبان في صحيحه مرفوعا بلفظ ما
سالمناهن منذ حاربناهن يعني الحيات ومن ترك قتل شئ منهن فليس منا وله أحاديث
أخرى في هذا الباب ذكرها المنذري في الترغيب وأما حديث سهل فلينظر من أخرجه
49

قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان (وقد روى عن ابن عمر عن أبي
لبابة) بضم اللام صحابي مشهور (نهى بعد ذلك عن قتل جنان البيوت) بكسر الجيم جمع جان
الحية الدقيقة وفي رواية الشيخين نهى بعد ذلك عن ذوات البيوت أي صواحبها لملازمتها (وهي)
أي جنان البيوت (العوامر) أي البيوت حيث تسكنها ولا تفارقها واحدتها عامرة وقيل سميت
بها لطول عمرها كذا في النهاية وقال التوربشتي عمار البيوت وعوامرها سكانها من الجن
وأخرج هذه الرواية الشيخان في حديث ابن عمر المذكور ولفظهما قال عبد الله فبينا أنا أطارد
حية اقتلها ناداني أبو لبابة لا تقتلها فقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الحيات فقال إنه نهي
بعد ذلك عن ذوات البيوت وهن العوامر
قوله: (ويروى عن ابن عمر عن زيد بن الخطاب أيضا) زيد بن الخطاب هذا هو أخو
عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما وكان زيد أسن من سن عمرو أسلم قبله وكان طويلا بائن الطول
وشهد بدرا والمشاهد له في الكتب حديث واحد في النهي عن قتل ذوات البيوت كذا في تهذيب
التهذيب
قلت حديث زيد بن الخطاب أخرجه مسلم وأبو داود
قوله (إن لبيوتكم عمارا) أي سواكن (فخرجوا عليهن ثلاثا) بتشديد الراء المكسورة أي
ضيقوا أي قولوا لها أنت في حرج أي ضيق إن عدت إلينا فلا تلومينا أن نضيق عليك بالتتبع
والطرد والقتل كذا في النهاية وفي شرح مسلم للنووي قال القاضي عياض روى ابن الحبيب
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول أنشدتكم بالعهد الذي أخذ عليكم سليمان بن داود عليهما السلام أن لا
تؤذونا ولا تظهروا لنا ونحوه عن مالك (فإن بدا) أي ظهر (بعد ذلك) أي بعد التحريج (فاقتلوه)
50

وفي رواية لمسلم فاقتلوه فإنه كافر وفي رواية أخرى له فاقتلوه فإنه شيطان قال القاري في
المرقاة أي فليس بجني مسلم بل هو إما جني كافر وإما حية وإما ولد من أولاد إبليس أو سماه
شيطانا لتمرده وعدم ذهابه بالإيذان وكل متمرد من الجن والإنس والدابة يسمى شيطانا وفي
شرح مسلم للنووي قال العلماء إذا لم يذهب بالإنذار علمتم أنه ليس من عوامر البيوت ولا ممن
أسلم من الجن بل هو شيطان فلا حرمة له فاقتلوه ولن يجعل الله له سبيلا إلى الاضرار بكم
قوله (وروى مالك بن أنس هذا الحديث) رواه في اخر الموطأ (وفي الحديث قصة) رواه
مسلم بقصته
قوله (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) أنصاري ولد لست سنين من خلافة عمر وقتل
بدجيل وقيل غرق بنهر البصرة وقيل فقد بدير الجماجم سنة ثلاث وثمانين في وقعة ابن
الأشعث حديثه في الكوفيين سمع أباه وخلفا كثيرا من الصحابة ومنه الشعبي ومجاهد وابن
سيرين وخلق وهو في الطبقة الأولى من تابعي الكوفيين ذكره صاحب المشكاة في حرف العين
وقال في حرف اللام ابن أبي ليلى اسمه عبد الرحمن بن أبي ليلى يسار الأنصاري ولد الخ ثم قال
وقد يقال ابن أبي ليلى أيضا لولده محمد وهو قاضي الكوفة إمام مشهور في الفقه صاحب مذهب
وقول وإذا أطلق المحدثون ابن أبي ليلى فإنما يعنون أباه وإذا أطلق الفقهاء ابن أبي ليلى فإنما
يعنون محمدا وولد محمد هذا سنة أربع وسبعين ومات سنة ثمان وأربعين ومائة (قال قال أبو
ليلى) الأنصاري صحابي والد عبد الرحمن شهد أحدا وما بعدها وعاش إلى خلافه علي
قوله (إنا نسألك بعهد نوح) ولعل العهد كان حين إدخالها في السفينة (أن لا تؤذينا) هذه
الياء ياء الضمير لا ياء الكلمة فإنها سقطت لاجتماع الساكنين فتكون ساكنة سواء قلنا إن أن
51

مصدرية ولا نافية والتقدير نطلب منك عدم الايذاء أو مفسرة ولا ناهية لأن في السؤال معنى
القول أي لا تؤذينا
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود
اعلم أنه ورد في قتل الحيات أحاديث مختلفة ولأجل ذلك اختلف أهل العلم فذهب طائفة
منهم إلى قتل الحيات أجمع في الصحاري والبيوت بالمدينة وغير المدينة ولم يستثنوا نوعا وجنسا
ولا موضعا واحتجوا في ذلك بأحاديث جاءت عامة وقالت تقتل الحيات أجمع إلا سواكن
البيوت بالمدينة وغيرها فإنهن لا يقتلن لما جاء في حديث أبي لبابة وزيد بن الخطاب من النهي
عن قتلهن بعد الأمر بقتل جميع الحيات وقالت طائفة تنذر سواكن البيوت في المدينة وغيرها فإن
بدين بعد الانذار قتلن وما وجد منهن في غير البيوت يقتل من غير إنذار وقال مالك يقتل ما
وجد منها في المساجد واستدل هؤلاء بقوله صلى الله عليه وسلم إن لهذه البيوت عوامر فإذا رأيتم منها شيئا
فحرجوا عليها ثلاثا فإن ذهب وإلا فاقتلوه وقالت طائفة لا تنذر إلا حيات المدينة فقط وأما
حيات غير المدينة في جميع الأرض والبيوت فتقتل من غير إنذار وقالت طائفة يقتل الأبتر وذو
الطفيتين من غير إنذار سواكن بالمدينة وغيرها ولكل من هذه الأقوال وجه قوي ودليل ظاهر كذا
في الترغيب للمنذري
(باب ما جاء في قتل الكلاب)
قوله (لولا أن الكلاب أمة من الأمم) يأتي شرح هذا الحديث في الباب الذي يليه
قوله (وفي الباب عن ابن عمر وجابر وأبي رافع وأبي أيوب) أما حديث ابن عمر
52

فأخرجه الشيخان وأخرجه الترمذي في الباب الذي يليه وأما حديث جابر فأخرجه مسلم عنه
قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب حتى إن المرأة تقدم من البادية بكلبها فنقتله ثم نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلها وقال عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان وأما حديث أبي
رافع فأخرجه أحمد عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يا أبا رافع اقتل كل كلب بالمدينة الحديث وأما حديث
أبي أيوب فلينظر من أخرجه
قوله: (حديث عبد الله بن مغفل حديث حسن صحيح)
وأخرجه أبو داود والدارمي وأخرجه الترمذي في الباب الذي يليه بزيادة (ويروي في بعض الحديث أن الكلب الأسود البهيم
شيطان) وهو حديث جابر الذي أشار إليه الترمذي وذكرنا لفظه
قال القاضي أبو ليلى فإن قيل ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الكلب الأسود إنه شيطان ومعلوم أنه
مولود من الكلب وكذلك قوله في الإبل إنها جن وهي مولودة من النوق فالجواب أنه إنما قال
ذلك على طريق التشبيه لهما بالشيطان والجن لأن الكلب الأسود شر الكلاب وأقلها نفعا وبل
شبه الجن في صعوبتها وصولتها وفي شرح السنة قيل في تخصيص كلاب المدينة بالقتل من حيث
أن المدينة كانت مهبط الملائكة بالوحي وهم لا يدخلون بيتا فيه كلب وجعل الكلب الأسود
البهيم شيطانا لخبثه فإنه أضر الكلاب وأعقرها والكلب أسرع إليه منه إلى جميعها وهي مع
هذا أقلها نفعا وأسوأها حراسة وأبعدها من الصيد وأكثرها نعاسا وحكى عن أحمد وإسحاق أنهما
قالا لا يحل صيد الكلب الأسود وقال النووي أجمعوا على قتل العقور واختلفوا فيما لا ضرر
فيه قال إمام الحرمين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها كلها ثم نسخ ذلك إلا الأسود البهيم ثم استقر
الشرع على النهي عن قتل جميع الكلاب حيث لا ضرر فيها حتى الأسود البهيم انتهى
(باب من أمسك كلبا ما ينقص من أجره)
قوله (من اقتنى كلبا) يقال اقتنى الشئ إذا اتخذه للادخار أي حبس وأمسك (أو اتخذ
53

كلبا) شك من الراوي (ليس بضار) بتخفيف الراء المكسورة المنونة أي ليس بمعلم قال
التوربشي الضاري من الكلاب ما يهيج بالصيد يقال ضرا الكلب بالصيد ضراوة أي تعوده
انتهى وقال الحافظ ضرا الكلب وأضراه صاحبه أي عوده وأغراه بالصيد (ولا كلب ماشية)
هو ما يتخذ من الكلاب لحفظ الماشية عند رعيها (نقص) بصيغة المجهول قال القاري وفي
نسخة يعني المشكاة بالمعلوم وهو يتعدى ولا يتعدى والمراد به هنا اللزوم أي انتقص (كل يوم)
بالنصب على الظريفة (قيراطان) فاعل أو نائبه قال القاري أي من أجر عمله الماضي فيكون
الحديث محمولا على التهديد لأن حبط الحسنة بالسيئة ليس مذهب أهل السنة والجماعة وقيل
أي من ثواب عمله المتقبل حين يوجد وهذا أقرب لأنه تعالى إذا نقص من ثواب عمله ولا
يكتب له كما يكتب لغيره من كمال فضله لا يكون حبطا لعمله وذلك لأنه اقتنى النجاسة مع
وجوب التجنب عنها من غير ضرورة وحاجة وجعلها وسيلة لرد السائل والضعيف قال النووي
واختلفوا في سبب نقصان الأجر باقتناء الكلب فقيل لامتناع الملائكة من دخول بيته وقيل لما
يلحق المارين من الأذى من ترويع الكلب لهم وقصده إياهم وقيل إن ذلك عقوبة لهم لاتخاذهم
ما نهي عن اتخاذه وعصيانهم في ذلك وقيل لما يبتلي به ولوغه في الأواني عند غفلة صاحبه ولا
يغسله بالماء والتراب
قوله (وفي الباب عن عبد الله بن مغفل وأبي هريرة) أخرج حديثهما الترمذي في هذا
الباب (وسفيان بن أبي زهير) أخرج حديثه الشيخان عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من
اقتنى كلبا لا يغني عنه زرعا ولا ضرعا نقص من عمله كل يوم قيراط
قوله (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
قوله (وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أو كلب زرع) رواه أبو هريرة وعبد الله بن
مغفل وسفيان بن أبي زهير
54

قوله (فقال إن أبا هريرة له زرع) أراد ابن عمر بذلك أن سبب حفظ أبي هريرة لهذه
الزيادة أنه صاحب زرع دونه ومن كان مشتغلا بشئ احتاج إلى تعرف أحكامه وهذا هو الذي
ينبغي حمل الكلام عليه وفي صحيح مسلم قال سالم وكان أبو هريرة يقول أو كلب حرث وكان
صاحب حرث وقد وافق أبا هريرة على ذكر الزرع عبد الله بن مغفل كما أخرجه الترمذي في
هذا الباب وسفيان بن أبي زهير كما أخرجه الشيخان
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
قوله (إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع) أو للتنويع لا للترديد (انتقص من أجره كل يوم
قيراط) وفي رواية ابن عمر المتقدمة قيراطان واختلفوا في اختلاف هاتين الروايتين المختلفتين
فقيل الحكم للزائد لكونه حفظ ما لم يحفظه الاخر أو أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أولا بنقص قيراط واحد فسمعه
الراوي الأول ثم أخبر ثانيا بنقص قيراطين زيادة في التأكيد والتنفير من ذلك فسمع الراوي الثاني
وقيل ينزل على حالين فنقص القراطين باعتبار كثرة الاضرار باتخاذها ونقص القيراط باعتبار قلته
وقيل يختص نقص القيراطين بمن اتخذها بالمدينة الشريفة خاصة والقيراط بما عداها وقيل غير
ذلك واختلف في القيراطين المذكورين هنا هل هما كالقيراطين المذكورين في الصلاة على الجنازة
واتباعها فقيل بالتسوية وقيل اللذان في الجنازة من باب الفضل اللذان هنا من
باب العقوبة وباب الفضل أوسع من غيره
قوله: (هذا حديث صحيح) أخرجه الجماعة
قوله: (أنه رخص في إمساك الكلب وإن كان للرجل شاة واحدة) إذا أمسكه لحفظ الشاة
الواحدة فإنه كلب ماشية قال ابن عبد البر في هذه الأحاديث إباحة اتخاذ الكلب للصيد
والماشية وكذلك للزرع
لأنها زيادة حافظ وكراهة اتخاذها لغير ذلك إلا أنه يدخل في معنى
55

الصيد وغيره مما ذكر اتخاذها لجلب المنافع ودفع المضار قياسا فتمحض كراهة اتخاذها لغير حاجة لما
فيه من ترويع الناس وامتناع دخول الملائكة إلى البيت الذي الكلاب فيه وقد استدل بهذا على
جواز اتخاذها لغير ما ذكر وأنه ليس بمحرم لأن ما كان اتخاذه محرما امتنع اتخاذه على كل حال
سواء نقص الأجر أم لا فدل ذلك على أن اتخاذها مكروه لا حرام كذا في النيل
قوله (لولا أن الكلاب) أي جنسها (أمة) أي جماعة (من الأمم) لقوله تعالى (وما من
دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) (فاقتلوا منها كل أسود بهيم) أي خالص
السواد قال الخطابي معنى هذا الكلام أنه صلى الله عليه وسلم كره إفناء أمة من الأمم وإعدام جيل من الخلق
لأنه ما من خلق لله تعالى إلا وفيه نوع من الحكمة وضرب من المصلحة يقول إذا كان الأمر على
هذا ولا سبيل إلى قتلهن فاقتلوا شرارهن وهي السود البهم وابقوا ما سواها لتنتفعوا بهن في
الحراسة قال الطيبي قوله أمة من الأمم إشارة إلى قوله تعالى (وما من دابة في الأرض ولا
طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) أي أمثالكم في كونها دالة على الصانع ومسبحة له قال
تعالى (وإن من شئ إلا يسبح بحمده) أي يسبح بلسان القال أو الحال حيث يدل على الصانع
وعلى قدرته وحكمته وتنزيهه عما لا يجوز عليه فبالنظر إلى هذا المعنى لا يجوز التعرض لها بالقتل
والافناء ولكن إذا كان لدفع مضرة كقتل الفواسق الخمس أو جلب منفعة كذبح الحيوانات
المأكولة جاز ذلك
قوله: (هذا حديث حسن) قال في الملتقى رواه الخمسة وصححه الترمذي انتهى
56

(باب ما جاء في الذكاة بالقصب وغيره)
قال في القاموس القصب محركة كل نبات ذي أنابيب
قوله: (إنا نلقي العدو غدا) لعله عرف ذلك بخير أو بقرينة وليست معنا مدى بضم الميم
مخفف مقصور جمع مدية بسكون الدال بعدها تحتانية وهي السكين سميت بذلك لأنها تقطع
مدى الحيوان أي عمره والرابط بين قوله تلتقي العدو وليست معنا مدى يحتمل أن يكون مراده أنهم
إذا لقوا العدو وصاروا بصدد أن يغنموا منهم ما يذبحونه ويحتمل أن يكون مراد أنهم يحتاجون
إلى ذبح ما يأكلونه ليتقووا به على العدو إذا لقوه (ما أنهر الدم) أي أساله وصبه بكثرة شبهه يجري
الماء في النهر قال عياض هذا هو المشهور في الروايات بالراء وذكره أبو ذر بالزاي وقال النهز بمعنى
الدفع وهو غريب وما موصلة في موضع الرفع بالابتداء وخبرها فكلوا والتقدير ما أنهر الدم فهو
حلال فكلوا ويحتمل أن تكون شرطية (وذكر اسم الله عليه) بصيغة المجهول وفيه دليل على
اشتراط التسمية لأنه علق الاذن بمجموع الأمرين وهما الأنهار والتسمية والمعلق على شيئين لا
يكتفي فيه إلا باجتماعهما وينتفي بانتفاء أحدهما (ما لم يكن سن أو ظفر) كذا في النسخ
بالرفع وكذلك في بعض نسخ أبي داود وفي بعضها سنا أو ظفرا بالنصب وهو الظاهر
(وسأحدثكم عن ذلك) اختلف في هذا هل هو من جملة المرفوع أو مدرج (أما السن فعظم)
قال البيضاوي هو قياس حذفت منه المقدمة الثانية لشهرتها عندهم والتقدير أما السن فعظم
وكل عظم لا يحل الذبح به وطوى النتيجة لدلالة الاستثناء عليها وقال ابن أبي الصلاح في
مشكل الوسيط هذا يدل على أنه عليه السلام كان قد قرر كونه الذكاة لا تحصل بالعظم فذلك
اقتصر على قوله فعظم قال ولم أر بعد البحث من نقل المنع من الذبح بالعظم معنى يعقل وكذا
وقع في كلام ابن عبد السلام وقال النووي معنى الحديث لا تذبحوا بالعظم فإنها تنجس
بالدم وقد نهيتم عن تنجيسها لأنها زاد إخوانكم من الجن وقال ابن الجوزي في المشكل هذا
57

يدل على أن الذبح بالعظم كان معهودا عنهم إنه لا يجزى وقررهم الشارع على ذلك (وأما
الظفر فمدى الحبشة) أي وهم كفار وقد نهيتم عن التشبيه بهم قاله ابن الصلاح وتبعه النووي
وقيل نهى عنهما لأن الذبح بهما تعذيب للحيوان ولا يقطع به غالبا إلا الخنق الذي هو على صورة
الذبح واعترض على الأول بأنه لو كان كذلك لامتنع الذبح بالسكين وسائر ما يذبح به الكفار
وأجيب بأن الذبح بالسكين هو الأصل وأما ما يلحق بهما فهو الذي يعتبر فيه التشبه ومن ثم
كانوا يسألون عن جواز الذبح بغير السكين وروي عن الشافعي أنه قال ألسن إنما يذكى بها إذا
كانت منتزعة فإما وهي ثابتة فلو ذبح بها لكانت منخنقة يعني فدل على عدم جواز التذكية
بالسن المنتزعة بخلاف ما نقل عن الحنيفة من جوازه بالسن المنفصلة قال وإما الظفر فلو كان
المراد به ظفر الانسان لقال فيه ما قال في السن لكن الظاهر أنه أراد به الظفر الذي هو طيب من
بلاد الحبشة وهو لا يقوى فيكون في معنى الخنق كذا في النيل
قلت: هو جسم صلب كالصدف أحد طرفيه رقيق محدد يقال له أظفار الطيب قال في بحر
الجواهر أظفار الطيب أقطاع صدفية في مقدار طيب الرائحة يستعمل في العطر انتهى
قلت: ويكون أكبر من مقدار الظفر أيضا
قوله (لم يذكر) أي والد سفيان (فيه) أي في حديثه (عن عباية عن أبيه) بل ذكر
عن رافع وترك ذكر أبيه والحديث أخرجه الجماعة
(باب)
قوله (عن عباية) بفتح العين المهملة والموحدة الخفيفة وبعد الألف تحتانية خفيفة
الأنصاري الزرقي المدني ثقة من الثالثة (ابن رفاعة) بكسر راء وخفة فاء وبعين مهملة ثقة (بن
58

رافع بن خديج) الأنصاري صحابي جليل أول مشاهده أحد ثم الخندق (فند بعير) أي هرب
وهو بفتح النون وتشديد الدال (ولم يكن معهم خيل) أي ولأجل ذلك لم يقدروا على أخذه (فحبسه
الله) أي أصابه السهم فوقف (أن لهذه البهائم) وفي رواية البخاري أن لهذه الإبل (أوابد كأوابد
الوحش) قال الجزري في النهاية الأوابد جمع ابدة وهي التي قد تأبدت أي توحشت ونفرت
من الإنس انتهى
والمراد أن لها توحشا وقال التوربشتي اللام بمعنى من (فما فعل منها هذا) أي فأي بهيمة من
هذه البهائم تهرب وتنفر (فافعلوا به هكذا) أي فارموه بسهم ونحوه والمعنى ما نفر من الحيوان
الأهلي من الإبل والبقر والغنم والدجاج كالصيد الوحشي في حكم الذبح فإن ذكاته
اضطرارية فجميع أجزائه محل الذبح قال في شرح السنة فيه دليل على أن الحيوان الانسي إذا
توحش ونفر فلم يقدر على قطع مذبحه يصير جميع بدنه في حكم المذبح كالصيد الذي لا يقدر
عليه وكذلك لو وقع بعير في بئر منكوسا فلم يقدر على قطع حلقومه فطعن في موضع من بدنه
فمات كان حلالا انتهى
قوله (وهذا أصح) والحديث أخرجه الجماعة
قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم) قال الحافظ في الفتح قد نقله ابن المنذر وغيره عن
الجمهور وخالفهم مالك والليث ونقل أيضا عن سعيد بن المسيب وربيعة فقالوا لا يحل أكل
الانسي أو الوحش إلا بتذكيته في حلقة أو لبته وحجة الجمهور حديث رافع انتهى
قلت ما ذهب إليه الجمهور هو الصواب وحجتهم حديث الباب وروى البيهقي من
طريق أبي العميس عن غضيان عن يزيد البجلي عن أبيه قال أعرس رجل من الحي فاشترى
جذورا فندت فعرقبها وذكر اسم الله فأمر عبد الله يعني ابن مسعود أن يأكلوا فما طابت
أنفسهم حتى جعلوا له منها بضعة ثم أتوه بها فأكل وأخرج عبد الرزاق عن عكرمة عن ابن
عباس قال إذا وقع البعير في البئر فاطعنه من قبل خاصرته واذكر اسم الله وكل وأخرج ابن أبي
59

شيبة من طريق أبي راشد السلمان قال كنت أرعى منائح لأهلي بظهر الكوفة فتردى منها بعير
فخشيت أن يسبقني بذكاته فأخذت حديدة فوجأت بها في جنبه أو سنامه ثم قطعته أعضاء وفرقته
على أهلي فأبوا أن يأكلوه فأتيت عليا فقمت على باب قصره فقلت يا أمير
المؤمنين يا أمير المؤمنين فقال يا لبيكاه يا لبيكاه فأخبرته خبره فقال كل وأطعمني وأخرج ابن أبي شيبة
عن عباية بلفظ تردى بعبير في ركية فنزل رجل لينحره فقال لا أقدر على نحره فقال له ابن
عمر اذكر اسم الله ثم اقتل شاكلته يعني خاصرته ففعل فأخرج مقطعا فأخذ منه ابن
عمر عشيرا بدرهمين أو أربعة
قوله (وهكذا رواه شعبة عن سعيد بن مسروق من رواية سفيان) كذا في بعض النسخ
بلفظ من رواية سفيان وفي بعض النسخ مثل رواية سفيان وهو الصواب ويؤيده أنه وقع في
بعض النسخ نحو رواية سفيان والمعنى أنه كما روى سفيان عن أبيه عن عباية بن رفاعة عن جده
رافع كذلك روى شعبة عن سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعية عن جده رافع ولم يذكره بين
عباية ورفاعة واسطة والد عباية ولذلك قال الترمذي وهذا أصح
60

(أبواب الأضاحي)
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع الأضحية
(باب ما جاء في فضل الأضحية)
قال النووي في الأضحية أربع لغات وهي اسم للمذبوح يوم النحر الأولى والثانية أضحية
وإضحية بضم الهمزة وكسرها وجمعها أضاحي بالتشديد والتخفيف والثالثة ضحية وجمعها ضحايا
والرابعة أضحاة بفتح الهمزة والجمع أضحى كأرطاة وأرطى وبها سمي يوم الأضحى
قوله (حدثنا أبو عمرو ومسلم بن عمرو بن مسلم الحذاء المديني) روى عن عبد الله ابن نافع
الصائغ وعنه ت س وقال صدوق (حدثني عبد لله بن نافع الصائغ) المخزومي مولاهم المدني ثقة
صحيح الكتاب في حفظه لين قاله الحافظ في القريب وقال الخزرجي في الخلاصة وثقة ابن
معين والنسائي (عن أبي المثنى) اسمه سليمان بن يزيد المدني عن سالم وسعيد المقبري وعنه ابن أبي
فديك وابن وهب حسن الترمذي حديثه ووثقه ابن حبان وقال أبو حاتم منكر الحديث كذا في
الخلاصة وقال في التقريب ضعيف
قوله (ما عمل ادمى) وفي رواية أبو ماجة ابن ادم (من عمل) من زائدة لتأكيد الاستغراق
أي عملا (يوم النحر بالنصب على الظرفية أحب) بالنصب صفة عمل وقيل بالرفع وتقديره هو
أحب قاله القاري (من إهراق الدم) أي صبه (وأنه) الضمير راجع إلى ما دل عليه إهراق الدم
61

قاله الطيبي (بقرونها) جمع قرن (وأشعارها) جمع شعر (وأظلافها) جمع ظلف وضمير التأنيث
باعتبار أن المهراق دمه أضحية قال القاري قال زين العرب يعني أفضل العبادات يوم العيد إراقة
دم القربات وأنه يأتي يوم القيامة كما كان في الدنيا من غير نقصان شئ منه ليكون بكل عضو منه
أجر ويصير مركبه على الصراط انتهى (وأن الدم ليقع من الله) أي من رضاه (بمكان) أي موضع
قبول (قبل أن يقع من الأرض) وفي رواية ابن ماجة قبل أن يقع على الأرض بحذف من أي
يقبله تعالى عند قصد الذبح قبل أن يقع دمه على الأرض (فطيبوا بها) أي بالأضحية (نفسا) تميز
عن النسبة قال ابن الملك الفاء جواب شرط مقدر أي إذا علمتم أنه تعالى يقبله ويجزيكم بها
ثوابا كثيرا فلتكن أنفسكم بالتضحية طيبة غير كارهة لها
قوله: (وفي الباب عن عمران بن حصين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة قومي إلى أضحيتك
فاشهديها فإنه يغفر لك عند أول قطرة من دمها كل ذنب عملتيه وقولي إن صلاتي ونسكي
ومحياي ومماتي لله إلى قوله من المسلمين أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق أبي حمزة الثمالي عن
سعيد بن جبير عن عمران بن حصين قال الذهبي في المستدرك أبو حمزة الثمالي ضعيف جدا
انتهى وقال البيهقي في إسناده مقال ورواه إسحاق ابن راهويه في مسنده أخبرنا يحيى بن ادم
وأبو بكر ابن عياش عن ثابت عن أبي إسحاق عن عمران بن حصين فذكره كذا في نصب الراية
ورواه الحاكم من حديث أبي سعيد الخدري وفيه عطية وقد قال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه
إنه حديث منكر ورواه الحاكم أيضا والبيهقي من حديث علي وفيه عمرو بن خالد الواسطي
وهو متروك كذا في التلخيص (وزيد بن أرقم) قال قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ما
هذه الأضحى قال سنة أبيكم إبراهيم عليه الصلاة والسلام قالوا فما لنا فيها يا رسول الله
قال بكل شعرة حسنة قالوا فالصوف يا رسول الله قال بكل شعرة من الصوف حسنة رواه
أحمد وابن ماجة والحاكم وقال صحيح الاسناد قلت في سنده عائذ الله المجاشعي قال البخاري
لا يصح حديثه ووثقه ابن حبان كذا في الخلاصة
قوله (وهذا حديث حسن غريب) ورواه الحاكم وقال صحيح الاسناد
62

تنبيه قال ابن العربي في شرح الترمذي ليس في فضل الأضحية حديث صحيح انتهى
قلت الأمر كما قال ابن العربي وأما حديث الباب فالظاهر أنه حسن وليس بصحيح والله تعالى
أعلم
قوله: (ويروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الأضحية ألخ) قال المنذري في الترغيب وهذا
الحديث الذي أشار إليه الترمذي رواه ابن ماجة والحاكم وغيرها كلهم عن عائد الله عن أبي داود
عن زيد بن أرقم قال قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ما هذه الأضاحي الخ وقد
ذكرنا لفظه انفا
(باب في الأضحية بكبشين)
الكبش: فحل الضأن في أي سن كان، واختلف في ابتدائه، فقيل إذا أثنى، وقيل إذا أربع
قاله الحافظ
قوله (بكبشين) استدل به على اختيار العدد في الأضحية ومن ثم قال الشافعية إن
الأضحية بسبع شياه أفضل من البعير لأن الدم المراق فيها أكثر والثواب يزيد بحسبه وإن من
أراد أن يضحي بأكثر من واحد يجعله وحكى الروياني من الشافعية استحباب التفريق على أيام
النحر قال النووي هذا أرفق بالمساكين لكنه خلاف السنة وفيه أن الذكر فيه أفضل من الأنثى
(أملحين) الأملح بالحاء المهملة قال ابن الأثير في النهاية هو الذي بياضه أكثر من سواده وقيل
هو النقي البياض انتهى وقال في القاموس الملحة بياض يخالطه سواد كالملح محركة كبش أملح
ونعجة ملحاة انتهى وقال الحافظ في الفتح هو الذي فيه سواد وبياض والبياض أكثر ويقال هو
الأغبر وهو قول الأصمعي وزاد الخطابي هو الأبيض الذي في خلل صوفه طبقات سود ويقال
الأبيض الخالص وقيل الذي يعلوه حمرة انتهى (ذبحها بيده) وهو المستحب لمن يعرف آداب
63

الذبح ويقدر عليه وإلا فليحضر عند الذبح لحديث عمران بن حصين المذكور قال الحافظ في
الفتح وقد اتفقوا على جواز التوكيل فيها للقادر لكن عند المالكية رواية بعدم الاجزاء مع
القدرة وعند أكثرهم يكره لكن يستحب أن يشهدها انتهى
قال البخاري في صحيحه أمر أبو موسى بناته أن يضحين بأيديهن انتهى قال الحافظ
وصله الحاكم في المستدرك ووقع لنا بعلو في خبرين كلاهما من طريق المسيب بن رافع أن أبا موسى
كان يأمر بناته أن يذبحن نسائكهن بأيديهن وسنده صحيح قال ابن التين فيه جواز ذبيحة المرأة
ونقل محمد عن مالك كراهته وعن الشافعية الأولى للمرأة أن تؤكل في ذبح أضحيتها ولا تباشر
الذبح بنفسها انتهى كلام الحافظ (وسمى وكبر) أي قال بسم الله والله أكبر والواو
الأولى لمطلق الجمع فإن التسمية قبل الذبح (ووضع رجله على صفاحهما) جمع صفح بالفتح
وسكون الفاء وهو الجنب وقيل جمع صفحة وهو عرض الوجه وقيل نواحي عنقها وفي النهاية
صفح كل شئ جهته وناحيته قال الحافظ وفيه استحباب وضع الرجل على صفحة عنق
الأضحية الأيمن واتفقوا على أن ضجاعها يكون على الجانب الأيسر فيضع رجله على الجانب
الأيمن ليكون أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين وإمساك رأسها بيده اليسار انتهى
قوله: (وفي الباب عن علي) أخرجه الحاكم وصححه على ما في المرقاة بلفظ أنه كان يضحي
بكبشين عن النبي صلى الله عليه وسلم وبكبشين عن نفسه وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أضحي عنه أبدا
فأنا أضحي عنه أبدا (وعائشة وأبي هريرة) أخرجه ابن ماجة وغيره من طريق عبد الله بن
محمد بن عقيل عن أبي سلمة عن عائشة أو أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يضحي اشترى
كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوئين الحديث قال الحافظ في الفتح ابن عقيل
المذكور في سنده مختلف انتهى (وجابر) أخرجه أبو داود وابن ماجة بلفظ قال ذبح النبي صلى الله عليه وسلم يوم
الذبح كبشين أقرنين أملحين موجوئين الحديث (وأبي أيوب) لينظر من أخرج حديثه (وأبي
الدرداء) قال ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين جذعين موجئين أخرجه أحمد من مسنده (وأبي رافع)
أخرجه أحمد وإسحاق بن راهويه في مسنديهما والطبراني في معجمه من طريق شريك عن
عبد الله بن محمد بن عقيل عن علي بن حسين عنه قال ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين
موجئين خصبين الحديث (وابن عمر) لينظر من أخرجه (وأبي بكرة) أخرجه الترمذي
64

قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله: (حدثنا شريك) هو ابن عبد الله النخعي الكوفي (عن أبي الحسناء) قال في
الخلاصة أبو الحسناء عن الحكم وعنه شريك اسمه الحسن أو الحسين انتهى وقال في الميزان
حدث عنه شريك لا يعرف له عن الحكم بن عتيبة انتهى وقال الحافظ في التقريب مجهول انتهى
(عن الحكم) هو ابن عتيبة ثقة ثبت (عن حنش) قال القاري بفتح الحاء المهملة وبالنون المفتوحة
والشين المعجمة هو ابن عبد الله السبائي قيل إنه كان مع علي بالكوفة وقدم مصر بعد قتل علي
انتهى قلت حنش هذا ليس ابن عبد الله السبي بل هو حنش بن المعتمر الكناتي أبو المعتمر
الكوفي كما صرح به المنذري
قوله (أنه كان يضحي بكبشين أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم وآخر عن نفسه) وفي رواية أبي
داود قال رأيت عليا رضي الله عنه يضحي بكبشين فقلت له ما هذا فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أوصاني أن أضحي عنه فأنا أضحي عنه وفي رواية صححها الحاكم على ما في المرقاة أنه كان
يضحي بكبشين عن النبي صلى الله عليه وسلم وبكبشين عن نفسه وقال إن رسول الله أمرني أن أضحي عنه
أبدا فأنا أضحي عنه أبدا فرواية الحاكم هذه مخالفة لرواية الترمذي ويمكن الجمع بأن يقال
إنه صلى الله عليه وسلم أمر عليا وأوصاه أن يضحي عنه من غير تقييد بكبش أو بكبشين فعلي قد يضحي عنه
وعن نفسه بكبش كبش وقد يضحي بكبشين كبشين والله تعالى أعلم (أمرني به يعني النبي صلى الله عليه وسلم
فلا أدعه) بفتح الدال المهملة أي لا أتركه
قوله (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك) قال المنذري حنش هو أبو
المعتمر الكناني الصنعاني وتكلم فيه غير واحد وقال ابن حبان البستي وكان كثير الوهم في
الأخبار ينفرد عن علي بأشياء لا يشبه حديث الثقات حتى صار ممن لا يحتج به وشريك هو ابن
عبد الله القاضي فيه مقال وقد أخرج له مسلم في المتابعات انتهى قلت وأبو الحسناء شيخ
عبد الله مجهول كما عرفت فالحديث ضعيف
65

قوله (وقد رخص بعض أهل العلم أن يضحي عن الميت ولم ير بعضهم أن يضحي عنه)
أي عن الميت واستدل من رخص بحديث الباب لكنه ضعيف (وقال عبد الله بن المبارك أحب
إلي أن يتصدق عنه ولا يضحي وإن ضحى فلا يأكل منها شيئا ويتصدق بها كلها) وكذلك حكى
الامام البغوي في شرح السنة عن ابن المبارك قال في غنية الألمعي ما محصله إن قول من رخص في
التضحية عن الميت مطابق للأدلة ولا دليل لمن منعها وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يضحي كبشين
أحدهما عن أمته ممن شهد له بالتوحيد وشهد له بالبلاغ والاخر عن نفسه وأهل بيته ومعلوم أن
كثيرا منهم قد كانوا ماتوا في عهده صلى الله عليه وسلم فدخل في أضحيته صلى الله عليه وسلم الأحياء والأموات كلهم والكبش
الواحد الذي يضحي به عن أمته كما كان للأحياء من أمته كذلك كان للأموات من أمته بلا
تفرقة ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتصدق بذلك الكبش كله ولا يأكل منه بل قال أبو رافع
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعمهما جميعا المساكين ويأكل هو وأهله منهما رواه أحمد وكان دأبه صلى الله عليه وسلم أنه
يأكل من الأضحية هو وأهله ويطعم منها المساكين وأمر بذلك أمته ولم يحفظ عنه خلافه فإذا
ضحى الرجل عن نفسه وعن بعض أمواته أو عن نفسه وعن أهله وعن بعض أمواته فيجوز أن
يأكل هو وأهله من تلك الأضحية وليس عليه أن يتصدق بها كلها نعم أن تخص الأضحية
للأموات من دون شركة الأحياء فيها فهي حق المساكين كما قال عبد الله بن المبارك انتهى ما في
غنية الألمعي محصلا
قلت: لم أجد في التضحية عن الميت منفردا حديثا مرفوعا صحيحا وأما حديث علي
المذكور في الباب فضعيف كما عرفت فإذا ضحى الرجل عن الميت منفردا فالاحتياط أن
يتصدق بها كلها والله تعالى أعلم
(باب ما يستحب من الأضاحي)
قوله (بكبش أقرن فحيل) قال في القاموس فحل فحيل كريم منجب في ضرابه انتهى
66

وكذلك في نهاية الجزري وقال الخطابي هو كريم المختار للفحلة وأما الفحل فهو عام في
الذكورة منها وقالوا ذكورة في النخل فحال فرقا بينه وبين سائر الفحول من الحيوان انتهى
وقال في النيل فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بالفحيل كما ضحى بالمخصي انتهى وقال ابن العربي
حديث أبي سعيد يعني حديث الباب بلفظ ضحى بكبش فحل أي كامل الخلقة لم تقطع أنثياه يرد
رواية موجوئين قال الحافظ في الفتح وتعقب باحتمال أن يكون وقع ذلك في وقتين انتهى
قوله: (يأكل في سواد) أي فمه أسود (ويمشي في سواد) أي قوائمه سود مع بياض سائره
(وينظر في سواد) أي حوالي عينيه سواد
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري وأخرجه
أيضا النسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان وهو على شرط مسلم قاله صاحب الاقتراح كذا في
النيل وأخرج مسلم من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ سواد وينظر في سواد
ويبرك في سواد فأتى به ليضحى به فقال يا عائشة هلمي المدية ثم قال اشحذيها بحجر
ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه الحديث
(باب ما لا يجوز من الأضاحي)
قوله: (عن عبيد بن فيروز) بفتح الفاء وسكون التحتية وعبيد بالتصغير ثقة من الثالثة
(رفعه) أي رواه مرفوعا (قال لا يضحي بالعرجاء بين ظلعها) بفتح الظاء وسكون اللام ويفتح
أي عرجها وهو أن يمنعها المشي (بين عورها) بفتحتين أي عماها في عين واحدة وبالأولى في
العينين (ولا بالمريضة بين مرضها) وهي التي لا تعتلف قاله القاري (ولا بالعجفاء) أي المهزولة
67

(التي لا تنقى) من الانقاء أي التي لا نقي لها بكسر النون وإسكان القاف وهو المخ قال
التوربشتي هي المهزولة التي لا نقي لعظامها يعني لا مخ من العجف يقال أنقت الناقة
أي صار فيها نقي أي سمنت ووقع في عظامها المخ
قوله: (نحوه بمعناه) يعني نحو الحديث المذكور بمعناه لا بلفظه وروى أبو داود أو من هذا
الطريق أعني من طريق شعبة عن سليمان بن عبد الرحمن عن عبيد بن فيروز عن البراء بلفظ
قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصابعي أقصر من أصابعه وأناملي أقصر من أنامله لا تجوز في الأضاحي
العوراء بين عورها والمريضة بين مرضها والعرجاء بين ظلعها والكسير التي لا تنقى
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وسكت عنه أبو
داود والمنذري
قوله: (والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم) قال النووي وأجمعوا أن العيوب
الأربعة المذكورة في حديث البراء لا تجزئ التضحية بها وكذا ما كان في معناها أو أقبح منها كالعمى وقطع الرجل وشبهه انتهى
(باب ما يكره من الأضاحي)
قوله: (أن نستشرف العين والأذن) بضم الذال ويسكن أي ننظر إليهما ونتأمل في سلامتهما
من آفة تكون بهما كالعور والجدع قيل والاستشراف إمعان النظر والأصل فيه وضع يدك على
حاجبك كيلا تمنعك الشمس من النظر مأخوذ من الشرف وهو المكان المرتفع فإن من أراد أن
68

يطلع على شئ أشرف عليه وقال ابن الملك الاستشراف الاستكشاف قال الطيبي وقيل هو
من الشرفة وهي خيار المال أي أمرنا أن نتخذهما أي نختار ذات العين والأذن الكاملتين (وأن لا
نضحي بمقابلة) بفتح الباء أي التي قطع من قبل أذنها شئ ثم ترك معلقا من مقدمها (ولا مدابرة)
وهي التي قطع من دبرها وترك معلقا من مؤخرها (ولا شرقاء) بالمد أي مشقوقة الأذن طولا من
الشرق وهو الشق ومنه أيام التشريق فإن فيها تشرق لحوم القرابين (ولا خرقاء) بالمد أي مثقوبة
الأذن ثقبا مستديرا وقيل الشرقاء ما قطع أذنها طولا والخرقاء ما قطع أذنها عرضا قوله (المقابلة ما قطع طرف أذنها) أي
من قدام قال في القاموس هي شاة قطعت أذنها من قدام وتركت معلفة ومثله في النهاية إلا أنه لم يقيد بقدام (والمدابرة ما قطع من جانب الأذن)
أي من مؤخرها قال في النهاية المدابرة أن قطع من مؤخر أذن الشاة شئ ثم يترك معلقا كأنه
زنمة انتهى (والشرقاء المشقوقة) أي المشقوقة الأذن قال في النهاية الشرقاء هي المشقوقة الأذن
باثنتين شرق أذنها يشرق إذا شقها انتهى وقال في القاموس شرق الشاة شرقا شق أذنها
وشرقت الشاة كفرح انشقت أذنها طولا فهي شرقاء انتهى (والخرقاء المثقوبة) أي المثقوبة الأذن
قال في النهاية الخرقاء في أذنها ثقب مستدير والخرق الشق انتهى وفي القاموس الخرقاء
من الغنم التي في أذنها خرق انتهى
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) قال الحافظ في بلوغ المرام أخرجه الخمسة وصححه
الترمذي وابن حبان والحاكم انتهى
69

باب في الجذع من الضأن في الأضاحي)
قال في القاموس الضأن خلاف الماعز من الغنم جمع ضأن ويحرك وكأمير وهي ضائنة
جمع ضوائن انتهى. ومثل ذلك في النهاية، وقال في الصراح: ضائن ميش نر خلاف معز، والجمع
ضأن مثل راكب وركب وضأن بالتحريك أيضا مثل حارس وحرس انتهى والجذع محركة قبل
الثني وهي بهاء اسم له في زمن وليس بسن تنبت أو تسقط والشاب الحدث جمع جذاع وجذعان
كذا في القاموس وقال الجزري في النهاية وأصل الجذع من أسنان الدواب وهو ما كان منها شابا
فتيا فهو من الإبل ما دخل في السنة الخامسة ومن البقر والمعز ما دخل في السنة الثانية وقيل البقر
في الثالثة ومن الضأن ما تمت له سنة وقيل أقل منها ومنهم من يخالف بعض هذا التقدير
انتهى وقال الحافظ في الفتح هو وصف لسن معين من بهيمة الأنعام فمن الضأن ما أكمل
السنة وهو قول الجمهور وقيل دونها ثم اختلف في تقديره فقيل ابن ستة أشهر وقيل ثمانية
وقيل عشرة وحكى الترمذي عن وكيع أنه ابن ستة أشهر أو سبعة أشهر وعن ابن الأعرابي أن
ابن الشابين يجذع لستة أشهر إلى سبعة وابن الهرمين يجذع لثمانية إلى عشرة قال والضأن
أسرع إجذاعا من المعز وأما الجذع فهو من المعز فهو ما دخل في السنة الثانية ومن البقر ما أكمل
الثالثة ومن الإبل ما دخل في الخامسة انتهى
قوله: (عن كدام) قال في التقريب كدام بالكسر والتخفيف ابن عبد الرحمن السلمي مجهول
من السادسة انتهى (عن أبي كباش) قال في التقريب بصيغة الجمع السلمي أو العيشي وقيل هو
أبو عياش أبو كباش لقب مجهول من الثالثة
قوله: (جلبت غنما) أي للتجارة (فكسدت) أي الغنم (علي) أي لعدم رغبة الناس فيها
ظنا منهم أنها لا تجوز في الأضاحي (نعم أو نعمت) شك من الراوي (فانتهبه الناس) كناية عن
المبالغة في الشراء
70

قوله (وفي الباب عن ابن عباس) لينظر من أخرجه (وأم بلال بنت هلال عن أبيها)
أخرجه ابن ماجة مرفوعا بلفظ يجوز الجذع من الضأن أضحية (وجابر) أخرجه مسلم وأبو داود
والنسائي وغيرهم مرفوعا لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن
(وعقبة بن عامر) أخرجه النسائي قال الحافظ في الفتح بسند قوي بلفظ ضحينا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم بجذع من الضأن (ورجل من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) أخرج أبو داود وابن ماجة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له مجاشع من بني سليم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إن الجذع يوفى
بما يوفي منه الثني وأخرجه النسائي من وجه اخر لكنه لم يسم الصحابي بل وقع عنده أنه رجل من
مزينة
قوله: (وحديث أبي هريرة حديث غريب) قال الحافظ في الفتح في سنده ضعف (وقد
روى هذا عن أبي هريرة موقوفا) قال الترمذي في علله الكبير سألت محمد بن إسماعيل عن هذا
الحديث فقال رواه عثمان بن واقد فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورواه غيره فوقفه على أبي هريرة وسألته عن
اسم أبي كباش فلم يرفعه انتهى
قوله: (والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن الجذع من
الضأن يجزئ في الأضحية) قال الحافظ في الفتح لكن حكى غيره عن أبي عمر والزهري أن
الجذع لا يجزئ مطلقا سواء كان من الضأن أو غيره وبه قال ابن حزم وعزاه لجماعة من السلف
وأطنب في الرد على من أجازه انتهى قلت وذهب الجمهور إلى الجواز وهو الحق يدل عليه
أحاديث الباب وأما حديث جابر المذكور لا تذبحوا إلا مسنة الخ فنقل النووي عن الجمهور
أنهم حملوه على الأفضل والتقدير لا يستحب لكم إلا مسنة فإن عجزتم فاذبحوا جذعة من
الضأن قال وليس فيه تصريح بمنع الجذعة من الضأن وأنها لا تجزئ
قوله: (أعطاه غنما) هو أعم من الضأن والمعز (يقسمها في أصحابه) يحتمل أن يكون
71

الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون لعقبة قاله الحافظ (ضحايا) حال أي يقسمها حال كونها
ضحايا (فبقي عتود) بفتح المهملة وضم المثناة الخفيفة وهو من أولاد المعز ما قوي ورعى وأتى عليه
حول والجمع أعتدة وعتدان وتدغم التاء في الدال فيقال عدان وقال ابن بطال العتود الجذع من
المعز ابن خمسة أشهر (أو جدي) أو للشك والجدي من أولاد المعز ذكرها جمعه أجد وجداء
وجديان بكسرهما كذا في القاموس
(باب في الاشتراك في الأضحية)
قوله: (فحضر الأضحى) أي يوم عيده (فاشتركنا في البقرة سبعة) أي سبعة أشخاص
بالنصب على تقدير أعني بيانا الجمع قاله الطيبي وقيل نصب على الحال وقيل مرفوع
بدلا من ضمير اشتركنا والظاهر عندي أنه منصوب على الحال (وفي البعير عشرة) فيه دليل على
أنه يجوز اشتراك عشرة أشخاص في البعير وبه قال إسحاق بن راهويه وسيأتي الكلام في هذه
المسألة
72

قوله (وفي الباب عن أبي الأشد الأسلمي عن أبيه عن جده وأبي أيوب) لينظر من أخرج
حديثهما
قوله: (حديث ابن عباس حديث حسن غريب الخ) أخرجه الخمسة إلا أبا داود قال
الشوكاني ويشهد له ما في الصحيحين من حديث رافع بن خديج أنه صلى الله عليه وسلم قسم فعدل عشرا من
الغنم ببعير
قوله: (نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية البدنة) قال في النهاية البدنة تقع على الجمل
والناقة والبقرة وهي الإبل أشبه وفي القاموس البدنة محركة من الإبل والبقر وفي الفتح أصل
البدن من الإبل وألحقت بها البقرة شرعا
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري
قوله: (والعمل على هذا عند أهل العلم الخ) أي على جواز اشتراك السبعة في البعير
والبقرة في الهدي والأضحية (وقال إسحاق يجزئ أيضا البعير عن عشرة واحتج بحديث ابن
عباس) أي المذكور في هذا الباب قال الشوكاني في النيل وقد اختلفوا في البدنة فقالت الشافعية
والحنفية والجمهور إنها تجزئ عن سبعة وقالت العترة وإسحاق بن راهويه وابن خزيمة
عن عشرة وهذا هو الحق هنا يعني في الأضحية لحديث ابن عباس يعني المذكور في الباب والأول
هو الحق في الهدي للأحاديث المتقدمة يعني بها حديث جابر المذكور في هذا الباب وما في معناه
وأما البقرة فتجزئ عن سبعة فقط اتفاقا في الهدي والأضحية انتهى
قوله: (عن حجية) بضم الحاء المهملة وفتح الجيم مصغرا قال في التقريب صدوق
73

يخطئ من الثالثة وقال في تهذيب التهذيب قال أبو حاتم شيخ لا يحتج بحديثه شبيه بالمجهول
وقال ابن سعد كان معروفا وليس بذلك وقال العجلي تابعي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات
انتهى (فالعرجاء) أي ما حكمها هل يجوز التضحية بها أم لا (قال إذا بلغت المنسك) بكسر السين
أي المذبح وهو المصلى أي فيجوز التضحية بها إذا بلغت المنسك (فمكسورة القرن قال لا بأس)
أي بالتضحية بها وفي رواية الطحاوي عن حجية بن عدي قال أتى رجل فسأله عن المكسورة
القرن قال لا يضرك الحديث وظاهره يدل على أنه يجوز عند علي رضي الله عنه تضحية
المكسورة القرن مطلقا من غير تقييد بالنصف أو أقل منه أو أكثر ولكن حديثه المرفوع الآتي يخالفه
كما ستقف عليه (أمرنا) بصيغة المجهول أو أمرنا بصيغة المعلوم وأو للشك (أن نستشرف العينين
والأذنين) قال في النهاية وأصل الاستشراف أن تضع يدك على حاجبك وتنظر كالذي يستظل من
الشمس حتى يستبين الشئ وأصله من الشرف العلو كأنه ينظر إليه من موضع مرتفع فيكون أكثر
لإدراكه ومنه حديث أمرنا أن نستشرف العين والأذن أي نتأمل سلامتهما من آفة تكون بهما
وقيل هو من الشرفة وهي خيار المال أي أمرنا أن تتخيرها انتهى
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الخمسة كذا في المتنقى وقال في التلخيص
رواه أحمد وأصحاب السنن والبزار وابن حبان والحاكم والبيهقي وأعله الدارقطني وقال في بلوغ
المرام صححه الترمذي ابن حبان والحاكم
قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضحي بأعضب القرن والأذن) أي مكسورة القرن
ومقطوع الأذن قاله ابن الملك فيكون من باب علفتها تبنا وماء بارد وقبل مقطوع القرن
والأذن والعضب القطع كذا في المرقاة (قال قتادة فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب) وفي
74

رواية أبي داود قلت يعني لسعيد بن المسيب ما الأعضب (فقال العضب ما بلغ النصف فما
فوق ذلك) قال الشوكاني في الحديث دليل على أنها لا تجزئ التضحية بأعضب القرن
والأذن وهو ما ذهب نصف قرنه أو أذنه وذهب أبو حنيفة والشافعي والجمهور إلى أنها
تجزئ التضحية بمكسورة القرن مطلقا وكرهه مالك إذا كان يدمي وجعله عيبا وقال في
القاموس إن العضباء الشاة المكسورة القرن الداخل فالظاهر أن المكسورة لا تجوز
التضحية بها إلا أن يكون الذاهب من القرن مقدارا يسيرا بحيث لا يقال لها عضباء لأجله أو
يكون دون النصف إن صح التقدير بالنصف المروي عن سعيد بن المسيب لغوي
أو شرعي كذلك لا تجزئ التضحية بأعضب الأذن وهو ما صدق عليه اسم العضب لغة أو
شرعا انتهى
قلت: قال في الفائق العضب في القرن في داخل الانكسار ويقال الانكسار في الخارج
القصم وكذلك في القاموس كما عرفت وقال فيه القصماء المعز المكسورة القرن الخارج
انتهى فالظاهر عندي أن المكسورة القرن الخارج تجوز التضحية بها وأما المكسورة القرن
الداخل فكما قال الشوكاني من أنها لا تجوز التضحية بها إلا أن يكون الذاهب من القرن
الداخل مقدارا يسيرا الخ والله تعالى أعلم
(باب ما جاء أن الشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت)
قوله (كان الرجل يضحي بالشاة) أي الواحدة (عنه) أي عن نفسه (وعن أهل بيته)
وفي رواية مالك في الموطأ نضحي بالشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته
(فيأكلون ويطعمون) من الاطعام (حتى تباهي الناس) أي تفاخروا وفي رواية مالك ثم
تباهى الناس بعد وفي رواية في موطأه ثم تباهى الناس بعد ذلك (فصارت) أي الضحايا
(كما ترى) وفي رواية مالك فصارت مباهاة
75

قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مالك في الموطأ وابن ماجة
قوله: (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق) وهو قول
مالك والليث والأوزاعي قال العيني في البناية بعد ما ذكر حديث عبد الله بن هشام قال
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي الشاة الواحدة عن جميع أهله وحديث أنه ذبح كبشا عن أمته
وبهذه الأخبار ذهب مالك وأحمد والليث والأوزاعي إلى جواز الشاة عن أكثر من واحد كذا
في التعليق الممجد وقال مالك في الموطأ أحسن ما سمعت في البدنة والبقرة والشاة
الواحدة أن الرجل ينحر عنه وعن أهل بيته البدنة ويذبح البقرة والشاة الواحدة هو يملكها
ويذبحها عنهم ويشركهم فيها انتهى واحتج هؤلاء الأئمة بحديث أبي أيوب المذكور في
هذا الباب وهو نص صريح في أن الشاة الواحدة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته وإن
كانوا كثيرين وهو الحق
قال الحافظ بن القيم في زاد المعاد وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن الشاة تجزئ عن الرجل
وعن أهل بيته ولو كثر عددهم كما قال عطاء بن يسار سألت أبا أيوب الأنصاري كيف
كانت الضحايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل
بيته فيأكلون ويطعمون قال الترمذي حديث حسن صحيح
واستدلوا أيضا بحديث أبي سريحة قال أحملني أهلي على الجفاء بعد ما علمت من
السنة كان أهل البيت يضحون بالشاة والشاتين والآن يبخلنا جيراننا رواه ابن ماجة قال
الشوكاني في النيل وحديث أبي سريحة إسناد في سنن ابن ماجة إسناده صحيح وقال
والحق أن الشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت وإن كانوا مائة نفس أو أكثر كما قضت
بذلك السنة انتهى
واستدلوا أيضا بما أخرج الحاكم عن أبي عقيل زهرة ابن معبد عن جده عبد الله بن
76

هشام وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وذهبت به أمه زينب بنت حميد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صغير
فمسح رأسه ودعا له قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله وقال
الحاكم صحيح الاسناد وهو خلاف من يقول إنها لا تجزئ إلا عن واحدة انتهى كذا في
تخريج الهداية للزيلعي وقال الزيلعي قبل هذا ويشكل على المذهب يعني مذهب
الحنيفة أيضا في منعهم الشاة لأكثر من واحد بالأحاديث المتقدمة أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبش
عنه وعن أمته وأخرج الحاكم عن أبي عقيل زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام الخ
واستدلوا أيضا بحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في
سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فأتى به ليضحي به قال يا عائشة هلمي المدية ثم قال
اشحذيها بحجر ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال بسم الله
اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ثم ضحى به، رواه مسلم قال الخطابي في
العالم: قوله: تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد دليل على أن الشاة الواحدة تجزئ
عن الرجل وعن أهله وأن كثروا. وروي عن أبي أبي هريرة وابن عمر أنهما كانا يفعلان ذلك
وأجازه مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه انتهى
فإن قلت هذه الأحاديث منسوخة أو مخصوصة لا يجوز العمل بها كما قال
الطحاوي في شرح الآثار
قلت: تضحية رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمته وإشراكهم في أضحيته مخصوص به صلى الله عليه وسلم وأما
تضحيته عن نفسه وآله فليس بمخصوص به صلى الله عليه وسلم ولا منسوخا والدليل على ذلك أن الصحابة
رضي الله عنهم كانوا يضحون الشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته كما عرفت
ولم يثبت عن أحد من الصحابة التضحية عن الأمة وإشراكهم في أضحيته البتة وأما ما ادعاه
الطحاوي فليس عليه دليل
فإن قلت: حديث أبي أيوب المذكور محمول على ما إذا كان الرجل محتاجا إلى
اللحم أو فقيرا لا يجب عليه الأضحية فيذبح الشاة الواحدة عن نفسه ويطعم اللحم أهل
بيته أو يشركهم في الثواب فذلك جائز وأما الاشتراك في الشاة الواحدة في الأضحية
الواجبة فلا فإن الاشتراك خلاف القياس وإنما جوز في البقر والإبل لورود النص أنهم
اشتركوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإبل والبقرة ولا نص في الشاة كذا في التعليق الممجد
نقلا عن البناية للعيني
قلت: كما ورد النص أنهم اشتركوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإبل والبقرة كذلك
77

ورد النص أنهم اشتركوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشاة الواحدة إلا أنه قد ثبت الاشتراك
في الإبل والبقرة من أهل أبيات شتى وثبت الاشتراك في الشاة من أهل بيت واحد كما
عرفت فالقول بأن الاشتراك في الشاة خلاف القياس وأنه لا نص فيه باطل جدا وأما
حملهم حديث أبي أيوب المذكور على ما إذا كان الرجل محتاجا إلى اللحم أو فقيرا لا
يجب عليه الأضحية فلا دليل عليه ولم يثبت أن من كان من الصحابة يجد سعة يضحي
الشاة عن نفسه فقط ولا يشرك أهله فيها ومن كان منهم لا يجد سعة يضحي الشاة الواحدة
عن نفسه وعن أهله ويشركهم فيها ولما لم يثبت هذا التفريق بطل حمل الحديث عليه
والظاهر أن أبا سريحة كان ذا سعة ولم يكن فقيرا ومع هذا كان يضحي الشاة الواحدة عن
أهل بيته فإنه لو كان فقيرا لم يحمله أهله على الجفاء ولم يبخله جيرانه
(باب)
قوله: (عن جبلة بن سحيم) بمهملتين مصغرا كوفي ثقة من الثالثة مات سنة خمس
وعشرين ومائة
قوله: (فأعادها) أي فأعاد الرجل تلك المقالة أي الأضحية أواجبة هي (عليه)
أي على لابن عمر رضي الله عنه (فقال) أي ابن عمر (العقل) أي أتقنهم (ضحى رسول الله
صلى الله عليه وسلم والمسلمون) الظاهر أنه لم يثبت عند ابن عمر وجوب الأضحية فلذا لم يقل في جواب
السائل نعم وقال البخاري في صحيحه قال ابن عمر رضي الله عنه سنة ومعروف
قال الحافظ في الفتح وصله حماد بن سلمة في مصنفه بسند جيد إلى ابن عمر
قوله: (هذا حديث حسن) ذكر الحافظ هذا الحديث وتحسين الترمذي في الفتح
وسكت عنه لكن في سنده الحجاج والظاهر أنه ابن أرطأة وهو مدلس ورواه عن جبلة
بلفظ عن
78

قوله: (والعمل على هذا عند أهل العلم أن الأضحية ليست بواجبة) قال الحافظ في
الفتح كأن الترمذي فهم من كون ابن عمر لم يقل في الجواب نعم أنه لا يقوله بالوجوب
فإن الفعل المجرد لا يدل على ذلك وكأنه أشار بقوله والمسلمون إلى أنها ليست من
الخصائص وكان ابن عمر حريصا على اتباع افعال النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك لم يصرح بعدم
الوجوب انتهى
قوله: (وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك) قال الشيخ عبد الحق في اللمعات
اختلفوا في أن الأضحية واجبة أو سنة فذهب أبو حنيفة وصاحباه وزفر إلى أنها واجبة على
كل حر مسلم مقيم موسر وعند الشافعي وفي رواية عن أبي يوسف سنة مؤكدة وهو
المشهور المختار في مذهب أحمد وفي رواية عنه أنه واجب على الغني وسنة على الفقير
وفي رسالة ابن أبي زيد في مذهب مالك أنه سنة واجبة على من استطاعها ودليل الوجوب ما
روى الترمذي وأبو داود والنسائي عن مخنف بن سليم فذكر حديثه وفيه على كل أهل بيت
في كل عام أضحية قال الشيخ وهذا صفة الوجوب وقال صلى الله عليه وسلم من وجد سعة ولم يضح
فلا يقربن مصلانا ومثل هذا الوعيد لا يليق إلا بترك الواجب انتهى كلام الشيخ
قلت قال الحافظ في الفتح قد احتج من قال بالوجوب بما ورد في حديث
مخنف بن سليم رفعه على كل أهل بيت أضحية أخرجه أحمد والأربعة بسند قوي ولا حجة
فيه لأن الصيغة ليست في الوجوب المطلق وقد ذكر معها العتيرة وليست بواجبة عند من قال
بوجوب الأضحية انتهى كلام الحافظ وأما حديث من وجد سعة فلا يقربن مصلانا فأخرجه
ابن ماجة وأحمد ورجاله ثقات لكن اختلف في رفعه ووقفه والموقوف أشبه بالصواب قاله
الطحاوي وغيره ومع ذلك فليس صريحا في الايجاب قاله الحافظ
واستدلوا أيضا بقوله (فصل لربك وانحر) والامر للوجوب
وأجيب بأن المراد تخصيص الرب بالنحر له لا للأصنام فالأمر متوجه إلى ذلك لأنه
القيد الذي يتوجه إليه الكلام ولا شك في وجوب تخصيص الله بالصلاة والنحر على أنه
قد روى أن المراد بالنحر وضع اليدين حال الصلاة على الصدر ولهم دلائل أخرى لكن لا
يخلو واحد منها عن كلام
79

واستدل من قال بعدم الوجوب بحديث ابن عباس مرفوعا ثلاث هن على فرائض
ولكم تطوع النحر والوتر وركعتا الضحى أخرجه البزار وابن عدي والحاكم وأجيب بأن
هذا الحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج وقد صرح الحافظ بأن الحديث ضعيف من
جميع طرقه
واستدلوا أيضا بما أخرجه البيهقي عن أبي بكر وعمر أنهما كانا لا يضحيان كراهة أن
يظن من رآهما أنها واجبة وكذلك أخرج عن ابن عباس وبلال وأبي مسعود وابن عمر
وأجيب بأن هذه آثار الصحابة رضي الله عنهم قال الشوكاني بعد ذكرها ألا حجة في شئ
من ذلك انتهى ولهم دلائل أخرى لا يخلو واحد منها عن كلام فنقول كما قال ابن عمر
رضي الله عنه ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم وضحى المسلمون والله تعالى علم
قوله: (أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنين يضحي) أي كل سنة قال القاري في
المرقاة فمواظبته دليل الوجوب انتهى
قلت: مجرد مواظبته صلى الله عليه وسلم على فعل ليس دليل الوجوب كما لا يخفي
قوله: (هذا حديث حسن في إسناده حجاج بن أرطأة وهو كثير الخطأ والتدليس)
ورواه عن نافع بالعنعنة
(باب في الذبح بعد الصلاة)
قوله: (فقام خالي) اسمه أبو بردة بن نيار (هذا يوم اللحم فيه مكروه) يعني بسبب كثرة
اللحم وكثرة النظر إليه يتشبع الطبع ويتنفر عنه وفي أول اليوم لا يكثر اللحم فلذا أني
80

عجلت الخ كذا قال بعض العلماء وقد وقع في رواية لمسلم هكذا هذا يوم اللحم فيه
مكروه ووقع في رواية أخرى له مقروم ومعناه يشتهي فيه اللحم يقال قرمت إلى اللحم
وقرمته إذا اشتهيته فهذه الرواية موافقة للرواية الأخرى أن هذا يوم يشتهي فيه اللحم
ولذلك صوب بعض أهل العلم هذه الرواية
قلت: لا منافاة بين الروايتين وكلتاهما صواب قال الحافظ في الفتح ووقع في رواية
منصور عن الشعبي كما مضى في العيدين وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب فأحببت أن
تكون شاتي أول ما يذبح في بيتي ويظهر لي أن بهذه الرواية يحصل الجمع بين الروايتين
وأن وصفه اللحم بكونه مشتهى وبكونه مكروها لا تناقض فيه وإنما هو باعتبارين فمن
حيث أن العادة جرت فيه بالذبائح فالنفس تتشوق له يكون مشتهى ومن حيث توارد الجميع
عليه حتى يكثر مملولا فانطلقت عليه الكراهة لذلك فحيث وصفه بكونه مشتهى أراد
ابتداء حاله وحيث وصفه بكونه مكروها أراد انتهاءه ومن ثم استعجل بالذبح ليفوز
بتحصيل الصفة الأولى عند أهله وجيرانه انتهى كلام الحافظ (نسيكتي) أي ذبيحتي (عندي
عناق لبن) بفتح العين وتخفيف النون الأنثى من ولد المعز عند أهل اللغة قال ابن التين
معنى عناق لبن أنها صغيرة سن ترضع أمها كذا في فتح الباري (هي خير من شاتي لحم)
المعنى أنها أطيب لحما وأنفع للآكلين لسمنها ونفاستها (ولا تجزئ جذعه بعدك) أي
جذعة من المعز
قوله: (وفي الباب عن جابر) أخرجه أحمد ومسلم (وجندب) وهو ابن سفيان البجلي
أخرج حديثه الشيخان (وأنس) أخرجه الشيخان (وعويمر بن أشقر) لينظر من أخرجه (وابن
عمر رضي الله عنه) أخرجه البخاري
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
81

قوله: (وقد رخص قوم من أهل العلم لأهل القرى في الذبح إذا طلع الفجر وهو قول ابن
المبارك) وهو قول أبي حنيفة وأحاديث الباب حجة على هؤلاء
(باب في كراهية أكل الأضحية فوق ثلاثة أيام)
قوله: (لا يأكل أحدكم من لحم أضحية فوق ثلاثة أيام) قال القاضي عياض يحتمل أن
يكون ابتداء الثلاث من يوم ذبح الأضحية وإن ذبحت بعد يوم النحر ويحتمل أن يكون من يوم
النحر وإن تأخر الذبح عنه قال وهذا أظهر ورجح ابن القيم الأول وهذا الخلاف لا يتعلق به
فائدة إلا باعتبار الاحتجاج بذلك على أن يوم الرابع ليس من أيام الذبح كذا في النيل
قوله: (وفي الباب عن عائشة وأنس) أما حديث عائشة فأخرجه الشيخان وأما حديث
أنس فلينظر من أخرجه
(باب في الرخصة في أكلها بعد ثلاث)
قوله: (ليتسع ذوو الطول) أي أصحاب الطول وذوو جمع ذو والطول بفتح الطاء
82

وسكون الواو القدرة والعنى والسعة (فكلوا ما بدا لكم) فيه دليل على عدم تقدير الأكل بمقدار وأن
للرجل أن يأكل من أضحيته ما شاء وإن كثر ما لم يستغرق بقرينة
قوله: وأطعموا (وادخروا) بتشديد الدال المهملة وكأن أصله إذ تخروا فأبدلت تاء
الافتعال بالدال المهملة وأبدلت الذال المعجمة أيضا بها ثم أدغمت الأولى في الثانية أي
اجعلوها ذخيرة
قوله: (وفي الباب عن ابن مسعود وعائشة ونبيشة وأبي سعيد وقتادة بن النعمان وأنس وأم
سلمة) أما حديث ابن مسعود فلينظر من أخرجه وأما حديث عائشة فقد تقدم تخريجه في الباب
المتقدم وأما حديث نبيشة فأخرجه أحمد وأبو داود وأما حديث أبي سعيد فأخرجه مسلم وأما
حديث قتادة بن النعمان وغيره فلينظر من أخرجه
قوله: (والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم) أحاديث الباب
تدل صراحة على نسخ تحريم أكل لحوم الأضاحي بعد الثلاث وادخارها وإليه ذهب الجماهير من
علماء الأمصار من الصحابة والتابعين فمن بعدهم وحكى النووي عن علي وابن عمر أنهما
يحرمان الامساك
83

(باب في الفرع والعتيرة قال في النهاية قوله (لا فرع ولا عتيرة) هكذا جاء
بلفظ النفي والمراد به النهي وقد ورد بلفظ النهي في رواية النسائي والإسماعيلي بلفظ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وقع في رواية لأحمد
لا فرع ولا عتيرة في الاسلام (والفرع أول النتاج) هكذا وقع في هذا الكتاب هذا التفسير
موصولا بالحديث وكذا وقع في صحيح مسلم من طريق عبد الرزاق عن معمر ولأبي داود من
رواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال الفرع أول النتاج الحديث
جعله موقوفا على سعيد بن المسيب وقال الخطابي أحسب التفسير فيه من قول الزهري قال
الحافظ قد أخرج أبو قرة في السنن الحديث عن عبد المجيد بن أبي داود عن معمر وصرح في
روايته أن تفسير الفرع والعتيرة من قول الزهري وقوله أول النتاج بكسر النون بعدها مثناة
خفيفة وآخره جيم (كان ينتج لهم) بضم أوله وفتح ثالثه يقال نتجت بضم النون وكسر المثناة إذا
ولدت ولا يستعمل هذا الفعل إلا هكذا وإن كان مبنيا للفاعل قاله الحافظ (فيذبحونه) وفي
رواية البخاري كانوا يذبحونه لطواغيتهم قال الحافظ زاد أبو داود عن بعضهم ثم يأكلون
ويلقى جلده على الشجر قال فيه إشارة إلى علة النهي
واستنبط الشافعي منه الجواز إذا كان الذبح لله جمعا بينه وبين حديث الفرع حق وهو
حديث أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم من رواية داود بن قيس عن عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده عبد الله بن عمر وكذا في رواية الحاكم سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفرع قال الفرع
حق وإن تتركه حتى يكون بنت مخاض أو ابن لبون فتحمل عليه في سبيل الله أو تعطيه أرملة
خير من أن تذبحه يلصق لحمه بوبر وقوله ناقتك قال الشافعي فيما نقله البيهقي من طريق المزني
عنه الفرع شئ كان أهل الجاهلية يذبحون يطلبون به البركة في أموالهم فكان يذبح
بكر ناقته أو شاته رجاء البركة فيما يأتي بعده فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن حكمها فاعلم أنه لا
كراهية عليهم فيه وأمرهم استحبابا أن يتركوه حتى يحمل عليه في سبيل الله وقوله حق أي ليس
بباطل وهو كلام خرج على جواب السائل ولا مخالفة بينه وبين حديث لا فرع ولا عتيرة فإن
84

معناه لا فرع واجب ولا عتيرة واجبة وقال غيره معنى قوله لا فرع ولا عتيرة أي ليس في تأكد
الاستحباب كالأضحية والأول أولى
قال النووي نص الشافعي في حرملة على أن الفرع والعتيرة مستحبان ويؤيده حديث
نبيشة فذكره ثم قال ففي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يبطل الفرع والعتيرة من أصلهما وإنما أبطل صفة
من كل منهما فمن الفرع كونه يذبح أول ما يولد ومن العتيرة خصوص الذبح في شهر رجب
هذا تلخيص ما في الفتح وذكر الحافظ فيه وقد أخرج أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان من
طريق وكيع بن عدس عن عمه أبي رزين العقيلي قال قلت يا رسول الله إنا كنا نذبح ذبائح في
رجب فنأكل ونطعم من جاءنا فقال لا بأس به قال وكيع بن عدس فلا أدعه وجزم أبو عبيد
بأن العتيرة تستحب وفي هذا تعقب على من قال إن ابن سيرين تفرد بذلك ونقل الطحاوي عن
ابن عون أنه كان يفعله ومال ابن المنذر إلى هذا وقال كانت العرب تفعلهما وفعلهما بعض أهل
الاسلام بالإذن ثم نهى عنهما والنهي لا يكون إلا عن شئ كان يفعل وما قال أحد أنه نهى عنهما
ثم أذن في فعلهما ثم نقل عن العلماء تركهما إلا ابن سيرين وكذا ذكر عياض أن الجمهور على
النسخ وبه جزم الحازمي وما تقدم نقله عن الشافعي يرد عليهم وقد أخرج أبو داود والحاكم
والبيهقي واللفظ له بسند صحيح عن عائشة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفرعة في كل خمسين واحدة
انتهى
قوله: (وفي الباب عن نبيشة) بضم النون وفتح الموحدة مصغرا وأخرج حديثه أبو داود
والنسائي وابن ماجة وصححه الحاكم وابن المنذر ولفظه قال نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا كنا
نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب فما تأمرنا قال اذبحوا لله في أي شهر كان قال إنا كنا نفرع في
الجاهلية قال في كل سائمة فرع تغذوه ماشيتك حتى إذا استعمل ذبحته فتصدقت بلحمه فإن
ذلك خير وفي رواية أبي داود عن أبي قلابة قال خالد قلت لأبي قلابة كم السائمة قال مائة
(ومخنف بن سليم) تقدم حديثه وفي الباب أحاديث أخرى مذكورة في المنتقى وفتح الباري
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
85

(باب ما جاء في العقيقة)
بفتح العين المهملة وهو اسم لما يذبح عن المولود واختلف في اشتقاقها فقال أبو عبيد
والأصمعي أصلها الشعر الذي يخرج على رأس المولود وتبعه الزمخشري وغيره وسميت الشاة
التي تذبح عنه في تلك الحالة عقيقة لأنه يحلق عنه ذلك الشعر عند الذبح وعن أحمد أنها مأخوذة
من العق وهو الشق والقطع ورجحه ابن عبد البر وطائفة قال الخطابي العقيقة اسم الشاة
المذبوحة عن الولد سميت بذلك لأنها تعق مذابحها أي تشق وتقطع قال وقيل هي الشعر الذي
يحلق وقال ابن فارس الشاة التي تذبح والشعر كل منهما يسمى عقيقة يقال عق يعق إذا حلق
عن ابنه عقيقته وذبح للمساكين شاة قال الحافظ في الفتح ومما ورد في تسمية الشاة عقيقة ما
أخرجه البزار من طريق عطاء عن ابن عباس رفعه للغلام عقيقتان وللجارية عقيقة وقال لا
نعلمه بهذا اللفظ إلا بهذا الاسناد انتهى قال الحافظ ووقع في عدة أحاديث عن الغلام شاتان
وعن الجارية شاة انتهى
قوله: (حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم) بضم الخاء المعجمة وبالمثلثة مصغرا (عن
يوسف بن ماهك) بفتح الهاء وبالكاف ترك صرفه كذا في المغني قال في التقريب يوسف بن
ماهك بن بهزاد الفارسي المكي ثقة من الثالثة
قوله: (شاتان مكافئتان) ووقع عند النسائي في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
شاتان مكافئتان ووقع في آخر الحديث قال يعني ابن قيس الراوي عن عمرو بن شعيب
سألت زيد بن أسلم عن المكافئتان قال الشاتان المشبهتان تذبحان جميعا انتهى قال الحافظ أي
لا يؤخر ذبح إحداهما عن الاخر وحكى أبو داود عن أحمد المكافئتان المتقاربتان قال الخطابي أي
في السنن وقال الزمخشري معناه متعادلتان لما يجزئ في الزكاة وفي الأضحية وأولى من ذلك كله
ما وقع في رواية سعيد بن منصور في حديث أم كرز في وجه آخر عن عبيد الله بن أبي يزيد بلفظ
شاتان مثلان ووقع عند الطبراني في حديث آخر قيل ما المكافئتان قال المثلان وما أشار إليه
86

زيد بن أسلم من ذبح إحداهما عقب الأخرى حسن ويحتمل الحمل على المعنيين معا انتهى
(وعن الجارية شاة) قال الحافظ في الفتح فيه حجة للجمهور في التفرقة بين الغلام والجارية
وعن مالك هما سواء فيعق عن كل واحد منهما شاة
واحتج له بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا أخرجه أبو داود
ولا حجة فيه فقد أخرجه أبو الشيخ من وجه اخر عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ كبشين
كبشين وأخرج أيضا من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مثله
وعلى تقدير ثبوت رواية أبي داود فليس في الحديث ما يرد به الأحاديث المتواردة في
التنصيص على التثنية للغلام بل غايته أن يدل على جواز الاقتصار وهو كذلك فإن العدد ليس
شرطا بل مستحب
واستدل بإطلاق الشاة والشاتين على أنه لا يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية وفيه
وجهان للشافعية وأصحهما يشترط وهو بالقياس لا بالخبر وبذكر الشاة والكبش على أنه يتعين
الغنم للعقيقة وبه ترجم أبو الشيخ الأصبهاني ونقله ابن المنذر عن حفصة بنت عبد الرحمن بن
أبي بكر وقال البندينجي من الشافعية لا نص للشافعي في ذلك وعندي أنه لا يجزئ غيرها
والجمهور على إجزاء الإبل والبقر أيضا وفيه حديث عند الطبراني وأبي الشيخ عن أنس رفعه
يعق عنه من الإبل والبقر والغنم ونص أحمد على اشتراط كاملة وذكر الرافعي بحثا أنها تتأدى
بالسبع كما في الأضحية والله أعلم انتهى كلام الحافظ
قلت: سند حديث أبي داود المذكور هكذا حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو قال أخبرنا
عبد الوارث قال أخبرنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن
الحديث والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وأما سند حديث أبي الشيخ بلفظ كبشين
كبشين فلم أقف عليه وكذلك لم أقف على سند ما أخرجه هو من طريق عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده مثله وأما حديث أنس يعق عنه من الإبل والبقر والغنم فليس مما يحتج به فإن في سنده
مسعدة بن اليسع الباهلي قال الحافظ الذهبي في الميزان مسعدة بن اليسع الباهلي سمع من
متأخري التابعين هالك كذبه أبو داود وقال أحمد بن حنبل خرقنا حديثه منذ دهر انتهى وقال
الطبراني في معجمه الصغير بعد روايته لم يرده عن حديث إلا مسعدة تفرد به عبد الملك بن معروف انتهى
قوله: (وفي الباب عن علي) أخرجه الترمذي وسيأتي (وأم كرز) بضم الكاف وسكون الراء
87

وبالزاي وأخرج حديثها أصحاب السنن الأربعة وأخرجه الترمذي في هذا الباب (وبريدة)
أخرجه أبو داود قال كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها فلما جاء
الاسلام كنا نذبح الشاة يوم السابع ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران والحديث سكت عنه أبو
داود وقال المنذري في إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال انتهى (وسمرة) أخرجه أحمد
والترمذي وأبو داود والنسائي وسيأتي (وأبي هريرة) أخرجه البزار وأبو الشيخ مرفوعا أن اليهود
تعق عن الغلام كبشا ولا تعق عن الجارية فعقوا عن الغلام كبشين وعن الجارية كبشا كذا في
فتح الباري (وعبد الله بن عمرو) أخرجه أبو داود والنسائي وفيه من ولد له ولد فأحب أن ينسك
عنه فلينسك عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري
(وأنس) أخرجه الطبراني وأبو الشيخ وقد تقدم (وسلمان بن عامر) أخرجه البخاري مرفوعا
بلفظ مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى (وابن عباس) أخرجه البزار وقد
تقدم لفظه في أول الباب وأخرج عنه أبو داود حديثا آخر وتقدم هو أيضا
قوله: (مع الغلام عقيقة) تمسك بمفهومه الحسن وقتادة فقالا يعق عن الصبي ولا يعق عن
الجارية وخالفهم الجمهور فقالوا يعق عن الجارية أيضا وهو الحق وحجتهم الأحاديث
المصرحة بذكر الجارية فلو ولد اثنان في بطن استحب عن كل واحد عقيقة ذكره ابن عبد البر
عن الليث وقال لا أعلم عن أحد من العلماء خلافه (فأهريقوا عنه دما) كذا أبهم ما يهراق في هذا
الحديث وفسر ذلك في حديث عائشة المذكور في الباب بلفظ: عن الغلام شاتان وعن الجارية
88

شاة وغير ذلك من الأحاديث المتقدمة (وأميطوا) أي أزيلوا وزنا ومعنى (الأذى) قال ابن سيرين
إن لم يكن الأذى حلق الرأس فلا أدري ما هو رواه أبو داود وأخرج الطبراني عنه قال لم أجد من
يخبرني عن تفسير الأذى انتهى وقد جزم الأصمعي بأنه حلق الرأس وأخرجه أبو داود بسند
صحيح عن الحسن كذلك ووقع في حديث عائشة عند الحاكم وأمر أن يماط عن رؤسهما الأذى
ولكن لا يتعين ذلك في حلق الرأس فقد وقع في حديث ابن عباس عند الطبراني ويماط عنه
الأذى ويحلق رأسه فعطفه عليه فالأولى حمل الأذى على ما هو أعم من حلق الرأس ويؤيد
ذلك أن في بعض طرق حديث عمرو بن شعيب ويماط عنه أقذاره رواه أبو الشيخ كذا في فتح
الباري
قوله: (هذا حديث صحيح) وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة
(باب الأذان في أذن المولود)
قوله: (عن عاصم بن عبيد الله) قال في التقريب عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن
عمر بن الخطاب العدوي المدني ضعيف من الرابعة
قوله: (أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة) أي أذن باذان الصلاة وفيه
دليل على سنية الأذان في أذن المولود قال القاري وفي شرح السنة روى عن عمر بن
عبد العزيز كان يؤذن في اليمنى ويقيم في اليسرى إذا ولد الصبي قال وقد جاء في مسند أبي يعلى
الموصلي عن الحسين مرفوعا من ولد له ولد فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى لم تضره أم
الصبيان كذا في الجامع الصغير للسيوطي انتهى كلام القاري.
89

قلت قال المناوي في شرح الجامع الصغير إسناده ضعيف انتهى وقال الحافظ في
التلخيص حديث عمر بن عبد العزيز أنه كان إذا ولد له ولد أذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه
اليسرى لم أره عنه مسندا وقد ذكره ابن المنذر عنه وقد روى مرفوعا أخرجه ابن السني من
حديث الحسين بن علي بلفظ من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى لم تضره أم
الصبيان وأم الصبيان هي التابعة من الجن انتهى
قوله: (هذا حديث صحيح) قال المنذر في تلخيص السنن بعد نقل قول الترمذي هذا وفي
إسناده عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب وقد غمزه الامام مالك وقال ابن
معين ضعيف لا يحتج بحديثه وتكلم فيه غيرهما وانتقد عليه أبو حاتم محمد بن حبان البستي
رواية هذا الحديث وغيره انتهى كلام المنذري
قلت: وقال العجلي لا بأس به وقال ابن عدي هو مع ضعفه يكتب حديثه وقال ابن
خزيمة لا أحتج به لسوء حفظه كذا في ميزان الاعتدال
قوله: (والعمل عليه) أي على حديث أبي رافع في التأذين في أذن المولود عقيب الولادة
فإن قلت كيف العمل عليه وهو ضعيف لأن في سنده عاصم بن عبيد الله كما عرفت
قلت: نعم هو ضعيف لكنه يعتضد بحديث الحسين بن علي رضي الله عنهما الذي رواه أبو
يعلي الموصلي وابن السني
قوله: (وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في العقيقة من غير وجه عن الغلام شاتان مكافئتان وعن
الجارية شاة) وإليه ذهب الجمهور (وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا أنه عق عن الحسن بن علي بشاة)
رواه الترمذي وهو ضعيف وسيأتي (وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث) وهو قول مالك
كما عرفت فيما تقدم وقد عرفت ما فيه
90

(باب)
قولة: عن عفير بالتصغير ابن معدان الحمصي المؤذن ضعيف من السابعة عن سليم
بالتصغير
قوله: (خير الأضحية الكبش) رواه أبو داود من حديث عبادة بن الصامت بلفظ خير
الأضحية الكبش الأقرن قال الطيبي ولعل فضيلة الكبش الأقرن على غيره لعظم جثته وسمنه
في الغالب انتهى (وخير الكفن الحلة) أي الإزار والرداء قال في النهاية الحلة واحد الحلل
وهي برود اليمن ولا يسمي حلة حتى يكون ثوبين من جنس واحد انتهى قال في اللمعات
والمقصود والله أعلم أنه لا ينبغي الاقتصار على الثوب الواحد والثوبان خير منه وإن أريد السنة
والكمال فثلاث على ما عليه الجمهور انتهى وهي نوع مخطط من ثياب القطن على ما قاله
بعضهم قال المطهر اختار بعض الأئمة أن يكون الكفن من برود اليمن بهذا الحديث والأصح
أن الأبيض أفضل لحديث عائشة كفن في السحولية وحديث ابن عباس كفنوا فيها موتاكم
انتهى قال القاري وفيه أن الحلة على ما في القاموس إزار ورداء أو غيره فمع هذا الاحتمال لا
يتم الاستدلال وقال ابن الملك الأكثرون على اختيار البيض وإنما قال ذلك في الحلة لأنها
كانت يومئذ أيسر عليهم
قوله: (هذا حديث غريب وعفير بن معدان يضعف في الحديث) ورواه أبو داود من
حديث عبادة بن الصامت بسند اخر ليس فيه عفير وسكت عنه هو والمنذري (باب)
قوله: (عن مخنف) بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة كمنبر (بن سليم) بالتصغير
91

قوله: (كنا وقوفا) أي واقفين (مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات) يعني في حجة الوداع (على كل أهل
بيت في كل عام أضحية وعتيرة) أي واجب عليهم (هي التي تسمونها الرجبية) أي الذبيحة
المنسوبة إلى رجب لوقوعها فيه وتقديم بيان العتيرة وقد احتج بهذا الحديث من قال بوجوب
الأضحية قال الحافظ في الفتح ولا حجة فيه لأن الصيغة ليست صريحة في الوجوب المطلق
وقد ذكر معها العتيرة وليست بواجبة عند من قال بوجوب الأضحية انتهى
قوله: (هذا حديث حسن غريب) قال الحافظ في الفتح أخرجه أحمد والأربعة بسند قوي
انتهى وقال في بحث الفرع والعتيرة من الفتح بعد ذكر هذا الحديث ضعفه الخطابي لكن حسنه
الترمذي وجاء من وجه آخر عن عبد الرزاق عن مخنف بن سليم
قلت: قال الزيلعي في نصب الراية قال عبد الحق إسناده ضعيف قال ابن القطان
وعلته الجهل بحال أبي رملة واسمه عامر فإنه لا يعرف إلا بهذا عن ابن عون انتهى وقال
الحافظ في التقريب عامر أبو رملة شيخ لابن عون لا يعرف من الثالثة
(باب)
قوله: (عن محمد بن علي بن الحسين) هو أبو جعفر الباقر محمد بن
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ثقة فاضل من الرابعة (وتصدق بزنة
شعره فضة) وفيه دليل على التصدق بزنة شعر المولود فضة
92

قوله (هذا حديث حسن غريب وإسناده ليس بمتصل)
فإن قلت كيف حسن الترمذي هذا الحديث مع الحكم عليه بأن إسناده ليس بمتصل
قلت الظاهر أنه حسنه بتعدد طرقه قال الحافظ في التلخيص حديث أن فاطمة بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنها وزنت شعر الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم فتصدقت
بوزنه فضة رواه مالك وأبو داود في المراسيل والبيهقي من حديث جعفر بن محمد زاد البيهقي عن
أبيه عن جده به ورواه الترمذي والحاكم من حديث محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن
محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن علي فذكر الحافظ حديث الباب قال وروى البيهقي من
حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن علي بن الحسين عن أبي رافع قال لما ولدت فاطمة حسنا
قالت يا رسول الله ألا أعق عن ابني بدم قال لا ولكن احلقي شعره وتصدقي بوزنه من الورق
على الأوفاض يعني أهل الصفة قال البيهقي وتفرد به ابن عقيل وروى الحاكم من حديث علي
قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فقال زني شعر الحسين وتصدقي بوزنه فضة وأعطي القابلة رجل
العقيقة ورواه حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا قال وفي الأحمدين من
معجم الطبراني الأوسط في ترجمة أحمد بن القاسم من حديث عطاء عن ابن عباس قال سبعة من
السنة في الصبي يوم السابع يسمى ويختن ويماط عنه الأذى ويثقب أذنه ويعق عنه وتحلق
رأسه وتلطخ بدم عقيقته ويتصدق بوزن شعر رأسه ذهبا أو فضة فيه رواد بن الجراح وهو
ضعيف وقد تعقبه بعضهم فقال كيف تقول يماط عنه الأذى مع قوله تلطخ رأسه بدم عقيقته
قال ولا إشكال فيه فلعل إماطة الأذى تقع بعد اللطخ والواو لا تستلزم الترتيب وأما زنة شعر
أم كلثوم وزينب فلم أره انتهى كلام الحافظ
(باب)
قوله: (خطب ثم نزل) فيه دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم خطب على شئ مرتفع وفي حديث جابر
93

لآتي نزل عن منبره (نزل عن منبره) فيه ثبوت وجود المنبر في المصلى وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب
عليه
قوله: (أن يقول الرجل إذا ذبح بسم الله والله أكبر) أي بالواو
قوله: (هذا حديث غريب من هذا الوجه) وأخرجه أبو داود بإسناد الترمذي وسكت عنه
قوله: (والمطلب بن عبد الله بن حنطب يقال إنه لا يسمع من جابر) قال المنذري في
تلخيص السنن بعد نقل كلام الترمذي هذا وقال أبو حاتم الرازي يشبه أن يكون أدركه انتهى
(باب)
قوله: (الغلام مرتهن بعقيقته) اختلف في معناه قال الخطابي اختلف الناس في هذا
وأجود ما قيل فيه ما ذهب إليه أحمد بن حنبل قال هذا في الشفاعة يريد أنه إذا لم يعق عنه فمات
94

طفلا لم يشفع في أبويه وقيل معناه أن العقيقة لازمة لا بد منها فشبه المولود في لزومها وعدم
انفكاكه منها بالرهن في يد المرتهن وهذا يقوي قول من قال بالوجوب وقيل المعنى أنه مرهون
بأذى شعره ولذلك فأميطوا عنه الأذى انتهى والذي نقل عن أحمد قاله عطاء الخرساني أسنده
عنه البيهقي وأخرج ابن حزم عن بريدة الأسلمي قال إن الناس يعرضون يوم القيامة على
العقيقة كما يعرضون على الصلوات الخمس وهذا لو ثبت لكان قولا آخر يتمسك به من قال
بوجوب العقيقة قال ابن حزم ومثله عن فاطمة بنت الحسين انتهى (يذبح عنه يوم السابع)
أي من يوم الولادة وهل يحسب يوم الولادة قال ابن عبد البر نص مالك على أن أول السبعة
اليوم الذي يلي يوم الولادة إلا إن ولد قبل طلوع الفجر وكذا نقله البويطي عن الشافعي ونقل
الرافعي وجهين ورجح الحسبان واختلف ترجيح النووي كذا في فتح الباري
قلت: الظاهر هو أن يحسب يوم الولادة والله تعالى أعلم
وقوله: يذبح على البناء للمجهول قال الحافظ فيه إنه لا يتعين الذابح وعند الشافعية
يتعين من تلزمه نفقة المولود وعن الحنابلة يتعين الأب إلا أن تعذر بموت أو امتناع قال الرافعي
وكأن الحديث أنه صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين مؤول قال النووي يحتمل أن يكون أبواه حينئذ
كانا معسرين أو تبرع بإذن الأب أو قوله عق أي أمر أو من خصائصه صلى الله عليه وسلم كما يضحي عمن لم
يضح عن أمته وقد عده بعضهم من خصائصه ونص مالك على أنه يعق عن اليتيم من ماله
ومنعه الشافعية (ويسمى) بصيغة المجهول وفيه دليل على سنيه تسمية المولود يوم السابع وقد ورد
فيه غير هذا الحديث ففي البزار وصحيحي ابن حبان والحاكم بسند صحيح عن عائشة قالت
عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين يوم السابع وسماهما وفي معجم الطبراني الأوسط عن ابن
عمر مرفوعا إذا كان اليوم السابع للمولود فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى وسموه وسنده
صحيح وقد ثبت تسمية المولود يوم يولد ففي صحيح البخاري عن أبي موسى قال ولد لي
غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم فحنكه بتمرة الحديث وفيه عن أبي أسيد أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم
بابنه حين ولد فسماه المنذر وفي صحيح مسلم عن أنس رفعه قال ولد لي الليلة غلام فسميته
باسم أبي إبراهيم الحديث (يحلق رأسه) أي جميعه لثبوت النهي عن القزع
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) قال المنذري وقال غير واحد من الأئمة إن حديث
95

الحسن عن سمرة كتاب إلا حديث العقيقة وتصحيح الترمذي له يدل على ذلك وقد حكى
البخاري في الصحيح ما يدل على سماع الحسن من سمرة حديث العقيقة انتهى
قوله: (والعمل على هذا عند أهل العلم يستحبون أن يذبح عن الغلام العقيقة يوم
السابع فإن لم يتهيأ يوم السابع فيوم الرابع عشرة فإن لم يتهيأ عق عنه يوم إحدى وعشرين) قال
الحافظ في الفتح بعد نقل قول الترمذي هذا ما لفظه لم أر هذا صريحا إلا عن أبي عبد الله
البوشنجي ونقله صالح بن أحمد عن أبيه وورد فيه حديث أخرجه الطبراني من رواية
إسماعيل بن مسلم عن عبد الله بن بريدة عن أبيه وإسماعيل ضعيف وذكر الطبراني أنه تفرد
به انتهى كلام الحافظ
قلت: قال الحافظ في التقريب إسماعيل بن مسلم المكي أبو إسحاق كان من البصرة ثم
سكن مكة وكان فقيها وكان ضعيف الحديث انتهى
قوله: (وقالوا لا يجزئ في العقيقة من الشاة إلا ما يجزئ في الأضحية) قد ورد في أحاديث
العقيقة لفظ الشاة والشاتين مطلقا من غير تقييد فإطلاق لفظ الشاة والشاتين يدل على أنه لا
يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية وفيه وجهان للشافعية وأصحهما يشترط قال الحافظ
وهو بالقياس لا بالخبر انتهى
قلت: لم يثبت الاشتراط بحديث صحيح أصلا بل ولا بحديث ضعيف فالذين قالوا
بالاشتراط ليس لهم دليل غير القياس قال الشوكاني في النيل هل يشترط في العقيقة ما يشترط في
الأضحية وفيه وجهان للشافعية وقد استدل بإطلاق الشاتين على عدم الاشتراط وهو الحق
لكن لا لهذا الاطلاق بل لعدم ورود ما يدل ههنا على تلك الشروط والعيوب المذكورة في الأضحية
وهي أحكام شرعية لا تثبت بدون دليل انتهى كلام الشوكاني
فائدة قال القسطلاني في شرح البخاري وسن طبخها كسائر الولائم إلا رجلها فتعطى
نيئة للقابلة لحديث الحاكم انتهى
قلت: قال الحافظ في التلخيص روى الحاكم من حديث علي قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
96

فاطمة فقال زني شعر الحسين وتصدقي بوزنه فضة وأعطي القابلة رجل العقيقة ورواه
حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا انتهى
فائدة: قد اشتهر أنه لا يكسر عظام العقيقة وقد ورد فيه حديث لكنه مرسل قال الحافظ
ابن القيم في زاد المعاد ذكر أبو داود في المراسيل عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في
العقيقة التي عقتها فاطمة عن الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما أن ابعثوا إلى بيت القابلة
برجل وكلوا وأطعموا ولا تكسروا منها عظما انتهى
فائدة: قد اشتهر أنه صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه وقد ورد فيه حديث لكنه ليس بصحيح قال الحافظ
في فتح الباري أخرج البزار من رواية عبد الله بن محرر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن
نفسه بعد النبوة قال البزار تفرد به عبد الله وهو ضعيف انتهى وأخرجه أبو الشيخ من وجهين
آخرين أحدهما من رواية إسماعيل بن مسلم عن قتادة وإسماعيل ضعيف أيضا وقد قال عبد
الرزاق إنهم تركوا حديث عبد الله بن محرر من أجل هذا الحديث فلعل إسماعيل سرقه منه
ثانيهما من رواية أبي بكر المستملي عن الهيثم بن جميل وداود بن محبر قالا حدثنا عبد الله بن المثنى
عن ثمامة عن أنس وداود ضعيف لكن الهيثم ثقة عبد الله من رجال البخاري فالحديث قوي
الاسناد ثم قال فلولا ما في عبد الله بن المثنى من المقال لكان هذا الحديث صحيحا وذكر ما
فيه من الجرح والتعديل ثم قال فهذا من الشيوخ الذين إذا انفرد أحدهم بالحديث لم يكن حجة
ويحتمل أو يقال إن صح هذا الخبر كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم كما قالوا في تضحيته عمن لم يضح من
أمته انتهى
فائدة: قال الشوكاني اختلف في مبدأ وقت ذبح العقيقة فقيل وقتها
وقت الضحايا أو من وقت الضحى أو غير ذلك وقيل إنها تجزئ في الليل وقيل لا على حسب الخلاف في الأضحية
وقيل تجزئ في كل وقت وهو الظاهر لما عرفت من عدم الدليل على أنه يعتبر فيها ما يعتبر في
الأضحية انتهى
فائدة: إذا ما ت المولود قبل يوم السابع هل يعق عنه أم لا فقيل لا يعق عنه وهو قول
مالك قال الحافظ في الفتح قوله صلى الله عليه وسلم يذبح عنه يوم السابع تمسك به من قال إن العقيقة مؤقتة
باليوم السابع وأن من ذبح قبله لم يقع الموقع وأنها تفوت بعده وهو قول مالك وقال أيضا إن
مات قبل السابع سقطت العقيقة وفي رواية ابن وهب عن مالك أن من لم يعق عنه في السابع
الأول عق عنه في السابع الثاني قال ابن وهب ولا بأس أن يعق عنه في السابع الثالث انتهى
كلام الحافظ
97

قلت والظاهر أن العقيقة مؤقتة باليوم السابع فقول مالك هو الظاهر والله تعالى أعلم
وأما رواية السابع الثاني والسابع الثالث فضعيفة كما عرفت فيما مر
(باب)
قوله (عن عمرو) بالواو أو (عمر بن مسلم) أي بغير الواو وأو للشك وصحح
الترمذي فيما بعد أنه هو عمرو بن مسلم بالواو (فلا يأخذن) بنون التأكيد (من شعره ولا من
أظفاره) وفي رواية لمسلم إذا دخل العشر وأراد بعضكم أن يضحي فلا يمسن من شعره وبشره
شيئا وفي رواية له أخرى فلا يأخذن شعرا ولا يقلمن ظفرا
قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة (والصحيح هو
عمرو بن مسلم) أي بالواو قال أبو داود في سننه واختلفوا على مالك وعلى محمد بن عمرو في
عمرو بن مسلم فقال بعضهم عمر وأكثرهم قال عمرو قال أبو داود وهو عمرو بن مسلم بن
أكيمة الليثي الجندعي انتهى قال في التقريب عمرو بن مسلم بن عمارة بن أكيمة بالتصغير
الليثي المدني وقيل اسمه عمر صدوق من السادسة (وقد روى) بصيغة المجهول (هذا الحديث
عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه نحو هذا) رواه مسلم وأبو
داود وغيرهما (وبه كان يقول سعيد بن المسيب) رواه عنه مسلم في صحيحه (وإلى هذا الحديث
ذهب أحمد وإسحاق) قال النووي في شرح مسلم اختلف أهل العلم في ذلك فقال سعيد بن
98

المسيب وربيعة وأحمد وإسحاق وداود وبعض أصحاب الشافعي إنه يحرم عليه أخذ شئ من
شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية وقال الشافعي وأصحابه هو مكروه كراهة تنزيه
وليس بحرام وقال أبو حنيفة لا يكره وقال مالك في رواية لا يكره وفي رواية يكره وفي
رواية يحرم في التطوع دون الواجب واحتج من حرم بهذه الأحاديث واحتج الشافعي وآخرون
بحديث عائشة قال كنت أقتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقلده ويبعث به ولا يحرم عليه شئ
أحله الله حتى ينحر هديه رواه البخاري ومسلم وقال البعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية
فدل على أنه لا يحرم ذلك وحمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه انتهى كلام النووي
(ورخص بعض أهل العلم في ذلك فقالوا لا بأس أن يأخذ من شعره وأظفاره وهو قول
الشافعي) وحكى النووي أن الشافعي وأصحابه قالوا إن ذلك مكروه كراهة التنزيه كما عرفت
فالظاهر أن المراد بقوله لا بأس أن يأخذ الخ أي جائز مع الكراهة (واحتج) أي الشافعي (
بحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم يبعث) الخ أخرجه الجماعة وحمل النهي في حديث أم سلمة
المذكور في الباب على كراهية التنزيه جمعا بين هذين الحديثين المختلفين
وأجاب الطحاوي عن حديث أم سلمة بأنه موقوف قال في شرح الآثار بعد رواية حديث
أم سلمة موقوفا ما لفظه فهذا هو أصل الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها انتهى
قلت لا شك في أن بعض الرواة روى حديث أم سلمة موقوفا لكن أكثرهم رووه
بأسانيد صحيحة مرفوعا فمنها ما رواه الطحاوي في شرح الآثار من طريق شعبة عن مالك بن
أنس عن عمرو بن مسلم عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من رأى منكم
هلال ذي الحجة الحديث
ومنها ما رواه الطحاوي أيضا من طريق الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال
عن عمرو بن مسلم أنه قال أخبرني سعيد بن المسيب أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله
ومنها ما رواه مسلم في صحيحه من طريق سفيان عن عبد الرحمن بن حميد بن عبد
الرحمن بن عوف سمع سعيد بن المسيب يحدث عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دخلت
العشر الحديث قيل لسفيان قال بعضهم لا يرفعه فقال لكني أرفعه
99

ومنها ما رواه مسلم من طريق محمد بن عمرو الليثي عن عمر بن مسلم عن عمار بن أكيمة
الليثي قال سمعت سعيد بن المسيب يقول سمعت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان له ذبح الحديث وقد أخرج مسلم أيضا في صحيحه من الطريقين
الذين ذكرناهما عن شرح الآثار
وهذه الطرق المرفوعة كلها صحيحة فكيف يصح القول بأن حديث أم سلمة الموقوف هو
أصل الحديث بل الظاهر أن أصل الحديث هو المرفوع وقد أفتت أم سلمة على وفق حديثها
المرفوع فروى بعضهم عنها موقوفا عليها من قولها والحاصل أن حديث أم سلمة وحديث
عائشة كليهما مرفوعان صحيحان ولحديث أم سلمة ترجيح لأنه قولي أو يقال كما قال الشافعي
رحمه الله من أن حديثها محمول على كراهة التنزيه والله تعالى أعلم
100

(أبواب النذور والأيمان الخ)
النذور جمع نذر وأصله الانذار بمعنى التخويف وعرفه الراغب بأنه إيجاب ما ليس
بواجب لحدوث أمر والأيمان بفتح الهمزة جمع يمين وأصل اليمين في اللغة اليد وأطلقت على
الحلف لأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كل يمين صاحبه وقيل لأن اليد اليمنى من شأنها حفظ الشئ
فسمى الحلف بذلك الحفظ المحلوف عليه وسمى المحلوف عليه يمينا لتلبسه بها ويجمع اليمين
أيضا على أيمن كرغيف وأرغف وعرفت شرعا بأنها توكيد الشئ بذكر اسم أو صفة لله وهذا
أخصر التعاريف وأقربها
(باب ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نذر في معصية)
قوله: (لا نذر في معصية) قال الطيبي أي لا وفاة في نذر معصية إنما قدر الوفاء لأن لا
لنفي الجنس تقتضي نفي الماهية فإذا نفيت ينتفي ما يتعلق بها وهو غير صحيح لقوله بعده وكفارته
كفارة اليمين فإذا يتعين تقديره الوفاء ويؤيد قوله في حديث عمران بن حصين ومن كان نذر في
معصية فذلك للشيطان ولا وفاء فيه ويكفر ما يكفر اليمين انتهى (وكفارته كفارة يمين) استدل به
من قال بوجوب الكفارة في نذر المعصية
101

قوله: (وفي الباب عن ابن عمر وجابر وعمران بن حصين) أما حديث ابن عمر فلينظر من
أخرجه وأما حديث جابر فأخرجه أحمد بلفظ: لا وفاء لنذر في معصية الله وأما حديث
عمران بن حصين فأخرجه النسائي مرفوعا بلفظ النذر نذران فمن كان نذر في طاعة فذلك لله
فيه الوفاء ومن كان نذر في معصية فذلك للشيطان ولا وفاء فيه ويكفره ما يكفر اليمين وهذا
الحديث ضعيف صرح به الحافظ في التلخيص
قوله: (وهذا حديث لا يصح لأن الزهري لم يسمع هذا الحديث من أبي سلمة) قال الحافظ
في التلخيص رواه أحمد وأصحاب السنن وهو منقطع لم يسمعه الزهري من أبي سلمة (وهذا حديث
غريب) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة قال النسائي سليمان بن أرقم متروك وقد خالفه
غير واحد من أصحاب يحيى بن أبي كثير يعني فرووه عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن الزبير
الحنظلي عن أبيه عن عمران انتهى
قلت ولهذا الحديث طرق أخرى ذكرها الحافظ في التلخيص مع الكلام عليها وقال
102

النووي في الروضة حديث لا نذر في معصية وكفارته كفارة اليمين ضعيف باتفاق المحدثين قال
الحافظ قد صححه الطحاوي وأبو علي بن السكن فأين الاتفاق انتهى
قوله: (وهو قول أحمد وإسحاق) قد اختلف فيمن وقع منه النذر في المعصية هل يجب فيه
كفارة فقال الجمهور لا وعن أحمد والثوري وإسحاق وبعض الشافعية والحنفية نعم واتفقوا
على تحريم النذر في المعصية واختلافهم إنما هو في وجوب الكفارة واحتج من أوجبها بأحاديث
الباب (وهو قول مالك والشافعي) وهو قول الجمهور وأجابوا عن أحاديث ضعيفة
قلت: والظاهر أنها بتعددها وتعدد طرقها تصلح للاحتجاج والله تعالى أعلم
قوله: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) الطاعة أعم من أن تكون في واجب أو مستحب
يتصور النذر في فعل الواجب بأن يؤقت كمن ينذر أن يصلي الصلاة في أول وقتها فيجب عليه
ذلك بقدر طاقته وأما المستحب من جميع العبادات المالية والبدنية فينقلب بالنذر واجبا ويتقيد
بما قيده به الناذر والخبر صريح في الأمر بوفاء النذر إذا كان في طاعة وفي النهي عن ترك الوفاء به
إذا كان في معصية (من نذر أن يعصى الله فلا يعصه) قال في شرح السنة فيه دليل على أن من نذر
معصية لا يجوز الوفاء به ولا يلزمه الكفارة إذا لو كانت فيه الكفارة لبينه صلى الله عليه وسلم قال القاري لا
دلالة في الحديث على نفي الكفارة ولا على إثباتها قلت الأمر كما قال القاري
103

قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري وأحمد وأبو داود والنسائي وابن
ماجة
قوله: (قالوا لا يعصي الله) هذا مجمع عليه ليس فيه
اختلاف (وليس فيه كفارة الخ) فيه اختلاف كما عرفت آنفا
(باب لا نذر في ما لا يملك ابن ادم)
قوله: (ليس على العبد نذر فيما لا يملك) أي لا يصح النذر ولا ينعقد في شئ لا يملكه حين
النذر حتى لو ملكه بعده لم يلزمه الوفاء به ولا الكفارة عليه
قوله: (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وعمران بن حصين) أم حديث عبد الله بن
عمرو فأخرجه أبو داود وأما حديث عمران فأخرجه مسلم
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود
(باب في في كفارة النذر إذا لم يسم)
قوله: (حدثني محمد مولى المغيرة بن شعبة) محمد هذا هو ابن يزيد بن أبي زياد الثقفي
104

قال الذهبي في الميزان مجهول قال وصحح له الترمذي (وقال حدثني كعب بن علقمة) بن كعب
المصري التنوخي أبو عبد الحميد صدوق من الخامسة (عن أبي الخير) اسمه مرثد بن عبد الله
اليزني المصري ثقة فقيه من الثالثة
قوله: (كفارة النذر إذا لم يسم) أي لم يعينه الناذر بأن قال إني نذرت نذرا أو على نذر ولم
يعين أنه صوم أو غيره (كفارة يمين) فيه دليل على أن كفارة اليمين إنما تجب فيما كان من النذور غير
مسمى قال النووي اختلف العلماء في المراد بهذا الحديث يعني حديث عقبة بن عامر الذي
أخرجه مسلم بلفظ كفارة النذر كفارة اليمين فحمله جمهور أصحابنا على نذر اللجاج فهو مخير بين
الوفاء بالنذر أو الكفارة وحمله مالك وكثيرون أو الأكثرون على النذر المطلق كقوله علي نذر وحمله
جماعة من فقهاء الحديث على جميع أنواع النذر وقالوا هو مخير في جميع أنواع المنذورات بين الوفاء
بما التزم وبين كفارة اليمين انتهى قال الشوكاني والظاهر اختصاص الحديث يعني حديث مسلم
المذكور بالنذر الذي لم يسم لأن حمل المطلق على المقيد واجب وأما النذور المسماة إن كانت طاعة
فإن كانت غير مقدورة ففيها كفارة يمين وإن كانت مقدورة وجب الوفاء بها سواء كانت متعلقة
بالبدن أو بالمال وإن كانت معصية لم يجز الوفاء بها ولا ينعقد ولا يلزم فيها الكفارة وإن كانت
مباحة مقدورة فالظاهر الانعقاد ولزوم الكفارة لوقوع الأمر بها في الأحاديث في قصة الناذرة بالمشي
إلى بيت الله وإن كانت غير مقدورة ففيها الكفارة لعموم ومن نذر نذرا لم يطقه هذا خلاصة ما
يستفاد من الأحاديث الصحيحة انتهى
قوله: (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه مسلم بدون زيادة إذا لم يسم وأخرجه
أيضا أبو داود والنسائي وابن ماجة وفي الباب عن ابن عباس مرفوعا بلفظ من نذر نذرا ولم
يسمه فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا لم يطقه فكفارته كفارة يمين أخرجه أبو داود وابن ماجة
قال الحافظ في بلوغ المرام إسناده صحيح إلا أن الحفاظ رجحوا وقفه
105

(باب فيمن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها)
قوله: (لا تسأل) بصيغة النهي (الإمارة) بكسر الهمزة أي الحكومة (فإنك إن أتتك) ألا
حصلت لك الامارة (عن مسألة) أي بعد سؤالك إياها (وكلت إليها) بضم الواو وكسر الكاف
مخففة أي خليت وتركت معها من غير إعانة فيها (أعنت عليها) بصيغة المجهول من
الإعانة أي أعانك الله على تلك الامارة (فأت الذي هو خير ولتكفر عن يمينك) وفي رواية
فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير قوله (وفي الباب عن عدي بن حاتم وأبي الدرداء وأنس وعائشة وعبد الله بن عمرو وأبي
هريرة وأم سلمة وأبي موسى) أما حديث عدي بن حاتم فأخرجه مسلم وأما حديث أبي
الدرداء وأنس فلينظر من أخرجه وأما حديث عائشة فأخرجه الحاكم وأما حديث عبد الله بن
عمرو فأخرجه أبو داود وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم وأما حديث أم سلمة فأخرجه
الطبراني وأما حديث أبي موسى فأخرجه الشيخان
قوله: (حديث عبد الرحمن بن سمرة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
106

(باب في الكفارة قبل الحنث)
قوله: (فليكفر عن يمينه وليفعل) استدل به من جوز له الكفارة قبل الحنث وفيه أن الواو
لمطلق الجمع نعم وقع في حديث أم سلمة الذي أشار إليه الترمذي لفظ ثم ولفظه فليكفر عن
يمينه ثم ليفعل الذي هو خير أخرجه الطبراني وكذلك وقع لفظ ثم في حديث عبد الرحمن بن
سمرة عند أبي داود ولفظه فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير قال الحافظ في بلوغ المرام
إسناد هذه الرواية صحيح قال الشوكاني وأخرج نحوها أبو عوانة في صحيحه وأخرج الحاكم
عن عائشة نحوها انتهى فهذه الروايات تدل على جواز تقديم الكفارة على الحنث
قوله: (وفي الباب عن أم سلمة) أخرجه الطبراني كما تقدم آنفا
قوله: (حديث أبي هريرة حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم
قوله: (وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق) قال ابن المنذر رأى ربيعة والأوزاعي
ومالك والليث وسائر فقهاء الأمصار غير أهل الرأي أن الكفارة تجزئ قبل الحنث إلا أن
الشافعي استثنى الصيام فقال لا يجزئ إلا بعد الحنث وقال أهل الرأي تجزئ لا الكفارة
قبل الحنث وعن مالك روايتان ووافق الحنفية أشهب من المالكية وداود الظاهري وخالفه ابن
حزم واحتج الأولون بالروايات التي وقع فيها تقديم الكفارة على الحنث وبالروايات التي وقع
فيها لفظ ثم وقد ذكرناه فيما تقدم واحتج الطحاوي لما ذهب إليه أهل الرأي بقوله تعالى
(ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) فإن المراد إذا حلفتم فحنثتم
107

ورده مخالفوه بل التقدير فأردتم الحنث قال الحافظ وأولى من ذلك أن يقال التقدير
أعم من ذلك فليس أحد التقديرين بأولى من الاخر انتهى
واحتجوا أيضا بأن ظاهر الآية أن الكفارة وجبت بنفس اليمين ورده من أجازها بأنها لو
كانت بنفس اليمين لم تسقط عمن لم يحنث اتفاقا
واحتجوا أيضا بأن الكفارة بعد الحنث فرض وإخراجها قبله تطوع فلا يقدم التطوع
مقام المفروض
وانفصل عنه من أجاز بأنه يشترط إرادة الحنث وإلا فلا تجزئ كما في تقديم الزكاة وذكر
عياض وجماعة أن عدة من قال بجواز تقديم الكفارة أربعة عشرة صحابيا وتبعهم فقهاء الأمصار
إلا أبا حنيفة وقد عرفت مما سلف أن المتوجه العمل برواية الترتيب المدلول عليه بلفظ ثم ولولا
الاجماع على جواز تأخير الكفارة عن الحنث لكان ظاهر الدليل أن تقديم الكفارة واجب قال
المازري للكفارة ثلاث حالات أحدها قبل الحلف فلا تجزئ اتفاقا ثانيها بعد الحلف والحنث
فتجزئ اتفاقا ثالثها بعد الحلف وقبل الحنث ففيها الخلاف وأحاديث الباب تدل على وجوب
الكفارة مع إتيان الذي هو خير وفي حديث عمرو بن شعيب ما يدل على أن ترك اليمين وإتيان
الذي هو خير هو الكفارة وقال أبو داود إنه ما ورد من ذلك إلا ما لا يعبأ به قال الحافظ كأنه
يشير إلى حديث يحيى بن عبيد الله عن أبي هريرة يرفعه من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها
فليأت الذي هو خير فهو كفارته ويحيى ضعيف جدا وقد وقع في حديث عدي بن حاتم عند
مسلم ما يوهم ذلك فإنه أخرجه عنه بلفظ من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي
هو خير وليترك يمينه هكذا أخرجه من وجهين ولم يذكر الكفارة ولكن أخرجه من وجه آخر
بلفظ فرأى غيرها خيرا منها فليكفرها وليأت الذي هو خير ومداره في الطرق كلها على عبد
العزيز بن رفيع عن تميم بن طرفة عن عدي والذي زاد ذلك حافظ فهو المعتمد انتهى
(باب في الاستثناء في اليمين
قوله: (من حلف على يمين فقال إن شاء الله فقد استثنى فلا حنث عليه) فيه دليل على أن التقييد بمشيئة
108

الله مانع من انعقاد اليمين أو يحل انعقادها وقد ذهب إلى ذلك الجمهور وادعى عليه ابن العربي
الاجماع قال أجمع المسلمون على أن قوله إن شاء الله يمنع انعقاد اليمين بشرط كونه متصلا قال
ولو جاز منفصلا كما روى بعض السلف لم يحنث أحد قط في يمين ولم يحتج إلى كفارة قال
واختلفوا في الاتصال فقال مالك والأوزاعي والشافعي والجمهور هو أن يكون قوله إن شاء الله
متصلا باليمين من غير سكون بينهما ولا يضر سكتة النفس عن طاوس والحسن وجماعة من
التابعين أن له الاستثناء ما لم يقم من مجلسه وقال قتادة ما لم يقم أو يتكلم وقال عطاء قدر حلبة
ناقة وقال سعيد بن جبير يصح بعد أربعة أشهر وعن ابن عباس له الاستثناء أبدا ولا فرق بين
الحلف بالله أو بالطلاق أو العتاق أن التقييد بالمشيئة يمنع الانعقاد وإلى ذلك ذهب الجمهور
وبعضهم فصل واستثنى أحمد العتاق قال لحديث إذا قال أنت طالق إن شاء الله لم تطلق وإن
قال لعبده أنت حر إن شاء الله فإنه حر وقد تفرد به حميد بن مالك وهو مجهول كما قال البيهقي
كذا في النيل
قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه الترمذي في هذا الباب (حديث بن عمر حديث
حسن) قال في المنتقى رواه الخمسة إلا أبا داود انتهى قال في النيل حديث ابن عمر رجاله رجال
الصحيح وله طرق كما ذكره صاحب الأطراف وهو أيضا في سنن أبي داود في الأيمان والنذور لا
كما قال المصنف يعني صاحب المنتقى
قوله: (وهو قول سفيان الثوري والأوزاعي الخ) وهو القول الراجح المعول عليه
109

قوله: (لأطوفن) اللام جواب القسم وهو محذوف أي والله لأطوفن ويؤيده قوله في اخره لم
يحنث كما في رواية لأن الحنث لا يكون إلا عن قسم والقسم لا بد له من مقسم به (على سبعين
امرأة) قد وقع في روايات هذا الحديث اختلاف كثير في العدد ذكرها الحافظ في الفتح وقال بعد
ذكرها ما لفظه فمحصل الروايات ستون وسبعون وتسع وتسعون ومائة والجمع بينها
أن الستين كن حرائر وما زاد عليهن كن سرارى أو بالعكس وأما السبعون فللمبالغة وأما
تسعون والمائة فكن دون المائة وفوق التسعين فمن قال تسعون ألقى الكسر ومن قال مائة جبره
وأما قول بعض الشراح ليس في ذكر القليل نفي الكثير وهو ومن مفهوم العدد ليس بحجة عند
الجمهور فليس بكاف في هذا المقام وذلك أن مفهوم العدد معتبر عند كثيرين وقد حكى
وهب بن منبه في المبتدأ أنه كان لسليمان ألف امرأة ثلاث مائة مهيرة وسبع مائة سرية ونحو ما
أخرج الحاكم في المستدرك من طريق أبي معشر عن محمد بن كعب قال إنه كان لسليمان ألف بيت
من قوارير فيها ثلاث مائة صريحة وسبع مائة سرية انتهى (وتلد كل امرأة غلاما) وفي رواية
للبخاري تحمل كل امرأة فارسا يجاهد في سبيل الله (فطاف عليهن) أي جامعهن قوله (إلا امرأة نصف
غلام) وفي رواية البخاري إلا واحدة ساقطا أحد شقيه (لو قال إن شاء الله لكان كما قال) وفي
رواية للبخاري لو قال إن شاء الله لم يحنث وفي هذه الرواية لأطوفن هذه الليلة بتسعين امرأة
كل تلد غلاما يقاتل في سبيل الله فقال له صاحبه قال سفيان يعني الملك قل إن شاء الله فنسي
الحديث قال في الفتح قوله لو قال إن شاء الله لم يحنث قيل هو خاص بسليمان عليه السلام
وأنه لو قال في هذه الواقعة إن شاء الله حصل مقصوده وليس المراد أن كل من قالها وقع ما أراد
ويؤيد ذلك أن موسى عليه السلام قالها عندما وعد الخضر أنه يصبر عما يراه منه ولا يسأله عنه
ومع ذلك فلم يصبر كما أشار إلى ذلك في الحديث الصحيح لوددنا لو صبر حتى يقص الله عليه من
110

أمرهما وقد قالها الذبيح فوقع في قوله عليه السلام (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) فصبر
حتى فداه الله بالذبح
قوله: (لأطوفن الليلة على مائة امرأة) رواه أحمد وأبو عوانة كما في الفتح
(باب في كراهية الحلف بغير الله)
قوله: (وهو يقول وأبي وأبي) الواو للقسم يعني يقسم بأبيه ويقول وأبي وأبي (فقال
ألا) بالتخفيف للتنبيه (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) قال العلماء السر في النهي عن الحلف
بغير الله أن الحلف بشئ يقتضي تعظيمه والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده وظاهر
الحديث تخصيص الحلف بالله خاصة لكن قد اتفق الفقهاء على أن اليمين تنعقد بالله وذاته
وصفاته العلية واختلفوا في انعقادها ببعض الصفات وكأن المراد بقوله بالله الذات لا خصوص
لفظ الله وأما اليمين بغير ذلك فقد ثبت المنع فيها وهل المنع للتحريم قولان عند المالكية كذا
قال ابن دقيق العيد والمشهور عندهم الكراهة والخلاف أيضا عند الحنابلة لكن المشهور
عندهم التحريم وبه جزم الظاهرية وجمهور أصحابه على أنه للتنزيه كذا في (ذاكرا ولا
آثرا) بالمد وكسر المثلثة أي حاكيا عن الغير أي ما حلفت بها ولا حكيت ذلك عن غيري
ويدل عليه ما وقع في رواية عقيل عن ابن شهاب عند مسلم ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم ينهى عنها ولا تكلمت بها وقد استشكل هذا التفسير لتصدير الكلام بحلفت والحاكي عن
غيره لا يسمى حالفا وأجيب باحتمال أن يكون العامل فيه محذوفا أي ولا ذكرتها اثرا عن غيري
أو يكون ضمن حلفت معنى تكلمت ويقويه رواية عقيل
111

قوله: (وفي الباب عن ثابت بن الضحاك وابن عباس وأبي هريرة وقتيلة وعبد الرحمن بن
سمرة) أما حديث ثابت بن الضحاك فأخرجه الشيخان وأما حديث ابن عباس فلينظر من
أخرجه وأما حديث أبي هريرة فأخرجه النسائي مرفوعا لا تحلفوا إلا بالله ولا تحلفوا إلا وأنتم
صادقون وأما حديث قتيلة وهي قتيلة بالمثناة والتصغير بنت صيفي الأنصارية أو الجهنية صحابية
من المهاجرات فأخرجه أحمد والنسائي عنها أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إنكم تنددون وإنكم
تشركون تقولون ما شاء الله وشئت وتقولون والكعبة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا
أن يحلفوا أن يقولوا ورب الكعبة ويقول أحدهم ما شاء الله ثم شئت
قوله: (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله: (قال أبو عبيد) هو إمام مشهور له تصانيف نافعة منها غريب الحديث قاله الحافظ
اسمه القاسم بن سلام البغدادي الامام المشهور ثقة فاضل مصنف من العاشرة ولم أر له في
الكتب حديثا مستندا بل من أقواله في شرح الغريب يقول (لا آثره عن غيره) أي لا أنقله عن
غيري قال في القاموس الصراح الأثر نقل كردن سخن ومنه حديث مأثور أي ينقله خلف عن سلف
قوله: (أدرك عمر وهو في ركب) وفي رواية البخاري وهو يسير في ركب وفي مسند
يعقوب بن شيبة من طريق ابن عباس عن عمر بينما أنا راكب أسير في غزاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
(وهو يحلف بأبيه) زاد في رواية وكان قريش تحلف بآبائها (ليحلف حالف بالله أو ليسكت) في
هذا الحديث من الفوائد الزجر عن الحلف بغير الله وإنما خص في حديث عمر بآباء لوروده على
سببه المذكور أو خص لكونه كان غالبا عليه لقوله في الرواية الأخرى وكانت قريش تحلف
بآبائها ويدل على النعيم قوله من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله
وأما ما ورد في القرآن من القسم بغير الله ففيه جوابان
112

أحدهما أن فيه حذفا والتقدير ورب الشمس ونحوه
الثاني أن ذلك يختص بالله فإذا أراد تعظيم شئ من مخلوقاته أقسم به وليس لغيره ذلك
وأما ما وقع مما يخالف ذلك كقوله عليه السلام للأعرابي أفلح وأبيه أن صدق
فأجيب عنه بأن ذلك كان قبل النهي أو بأنها كلمة جارية على اللسان لا يقصد بها الحلف كما
جرى على لسانهم عقري حلقي وما أشبه ذلك أو فيه إضمار اسم الرب كأنه قال ورب أبيه
وقيل هو خاص ويحتاج إلى دليل وحكى السهيلي عن بعض مشائخه أنه قال هو تصحيف وإنما
كان والله قصرت اللامان واستنكر القرطبي هذا وقال إنه يجزم الثقة بالروايات الصحيحة
وأقوى الأجوبة الأولان قاله الحافظ في الفتح وقد بسط الكلام فيه وأحاديث الباب تدل على
أن الحلف بغير الله لا ينعقد لأن النهي يدل على فساد المنهي عنه وإليه ذهب الجمهور وقال
بعض الحنابلة إن الحلف بنبينا صلى الله عليه وسلم ينعقد وتجب الكفارة
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
(باب)
قوله: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) كذا وقع في بعض النسخ بلفظ أو وكذا ذكره
الحافظ في الفتح نقلا عن جامع الترمذي بلفظ أو وقع في بعضها وأشرك بالواو وكذا ذكره
الحافظ في التلخيص نقلا عن الترمذي بالواو وقال الحافظ في الفتح والتعبير بقوله فقد كفر أو
أشرك للمبالغة في الزجر والتغليظ في ذلك وقد تمسك به من قال بتحريم ذلك
قوله: (هذا حديث حسن) قال الحافظ في الفتح وصححه الحاكم وقال في التلخيص
قال البيهقي لم يسمعه سعد بن عبيدة من ابن عمر قال الحافظ قد رواه شعبة عن منصور عنه
113

قال كنت عند ابن عمر ورواه الأعمش عن سعد عن أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن عمر
انتهى (من قال في حلفه باللات والعزى) صنمان معروفان في الجاهلية (فليقل لا إله إلا الله) قال
الحافظ وإنما أمر الحالف بذلك بقول لا إله إلا الله لكونه تعاطي صورة تعظيم الصنم حيث
حلف به قال جمهور العلماء من حلف باللات والعزى أو غيرهما من الأصنام أي قال إن فعلت
كذا فأنا يهودي أو نصراني أو برئ من الاسلام أو من النبي صلى الله عليه وسلم لم تنعقد يمينه وعليه أن
يستغفر الله ولا كفارة عليه ويستحب أن يقول لا إله إلا الله وعن الحنفية تجب الكفارة إلا في
مثل قوله أنا مبتدع أو برئ من النبي صلى الله عليه وسلم واحتج بإيجاب الكفارة على المظاهر مع أن الظهار منكر
من القول وزور كما قال الله تعالى والحلف بهذه الأشياء منكر وتعقب بهذا الخبر لأنه لم يذكر فيه
إلا الأمر بلا إله إلا الله ولم يذكر فيه كفارة والأصل عدمها حتى يقام الدليل وأما القياس على
الظهار فلا يصلح لأنهم لم يوجبوا فيه كفارة الظهار واستثنوا أشياء لم يوجبوا فيها كفارة إصلاح مع
أنه منكر من القول انتهى وحديث أبي هريرة هذا أخرجه الشيخان (الرياء شرك) روى ابن ماجة
من حديث معاذ بن جبل أن يسير الرياء شرك الحديث وقد فسر بعض أهل العلم هذه الآية
(فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا) الآية تمامها (ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) قال لا
يرائي يعني أن المراد من الشرك في هذه الرياء وأطلق على الرياء تغليظا ومبالغة في الزجر
عنه
114

(باب في من يحلف بالمشي ولا يستطيع)
قوله (عن عمران القطان) هو عمران بن داود بفتح الواو بعدها راء أبو العوام
البصري صدوق بهم ورمى برأي الخوارج
قوله: (مروها فلتركب) فيه دليل على أن من نذر أن يمشي إلى بيت الله وفيه تعذيبه نفسه
فعليه أن يترك المشي ويركب وأما قوله وفي تعذيبه نفسه فيدل عليه حديث أنس الآتي
قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة وعقبة بن عامر وابن عباس) أما حديث أبي هريرة فلينظر من
أخرجه
وأما حديث عقبة بن عامر فأخرجه الشيخان وغيرهما وأخرجه الترمذي أيضا فيما يأتي وأما
حديث ابن عباس فأخرجه أحمد وأبو داود عنه قال جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا
رسول الله إن أختي نذرت أن تحج ماشية فقال إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا لتخرج
راكبة ولتكفر عن يمينها والحديث هذا سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح
قوله: (وحديث أنس حديث حسن صحيح غريب) وأخرج الشيخان معناه
قوله: (يهادي) بصيغة المجهول (بين ابنيه) أي يمشي بين ابنيه معتمدا عليهما من ضعفه
(فقال ما بال هذا) أي ما حال هذا الشيخ (قالوا نذر يا رسول الله أن يمشي) وللنسائي في رواية
115

نذر أن يمشي إلى بيت الله (إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه) هذا فاعل المصدر ونفسه مفعوله
(فأمره أن يركب) أي لعجزه عن المشي
قوله: (هذا حديث صحيح) أخرجه الجماعة إلا ابن ماجة
قوله: (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وقالوا إذا نذرت المرأة أن تمشي فلتركب
ولتهد شاة) قد وقع في حديث عكرمة عن ابن عباس في قصة أخت عقبة بن عامر عند أحمد
فلتركب ولتهد بدنة وفي لفظ عند أبي داود فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تركب وتهدي هديا وقد بسط
الكلام ههنا الشوكاني في النيل من شاء الوقوف عليه فليرجع إلى النيل
(باب في كراهية النذور
قوله: (لا تنذروا) بضم الذال وكسرها (فإن النذر لا يغني) أي لا يدفع أو لا ينفع (من
القدر) بفتحتين أي من القضاء السماوي (شيئا) فإن المقدر لا يتغير (وإنما يستخرج به) أي يسبب
النذر (من البخيل) لأن غير البخيل يعطى باختياره بلا واسطة النذر قال القاضي عادة الناس
تعليق النذور على حصول المنافع ودفع المضار فنهى عنه فإن ذلك فعل البخلاء إذ السخي إذا
أراد أن يتقرب إلى الله تعالى استعجل فيه وأتى به في الحال والبخيل لا تطاوعه نفسه بإخراج شئ
من يده إلا في مقابلة عوض يستوفى أو لا فيلتزمه في مقابلة ما يحصل له ويعلقه على جلب نفع
أو دفع ضر وذلك لا يغني عن القدر شيئا أي نذر لا يسوق إليه خيرا لم يقدر له ولا يرد شرا
قضى عليه ولكن النذر قد يوافق القدر فيخرج من البخيل مالا لم يكن يريد أن يخرجه وقال
116

الخطابي معنى نهيه عن النذر إنما هو التأكد لأمره وتحذير التهاون به بعد إيجابه ولو كان معناه
الزجر عنه حتى يفعل لكان في ذلك إبطال حكمه وإسقاط لزوم الوفاء به إذ صار معصية وإنما
وجه الحديث أنه أعلمهم أن ذلك أمر لا يجلب لهم في العاجل نفعا ولا يصرف عنهم ضرا ولا يرد
شيئا قضاه الله تعالى فلا تنذروا على أنكم تدركون بالنذر شيئا لم يقدر الله لكم أو
تصرفون عن أنفسكم شيئا جرى القضاء به عليكم وإذا فعلتم ذلك فأخرجه عنه بالوفاء فإن
الذي نذرتموه لازم لكم
قال الطيبي: تحريره أنه علل النهي بقوله فإن النذر لا يغني من القدر ونبه به على أن النذر
المنهي عنه هو النذر المقيد الذي يعتقد أنه يغني عن القدر بنفسه كما زعموا وكم نرى في عهدنا
جماعة يعتقدون ذلك لما شاهدوا من غالب الأحوال حصول المطالب بالنذر وأما إذا نذر واعتقد
أن الله تعالى هو الذي يسهل الأمور وهو الضار والنافع والنذور كالذرائع والوسائل فيكون الوفاء
بالنذر طاعة ولا يكون منهيا عنه كيف وقد مدح الله تعالى جل شأنه الخيرة من عباده بقوله
(يوفون بالنذر) و (إني نذرت لك ما في بطني محررا) وأما معنى وإنما يستخرج به من البخيل
فإن الله تعالى يحب البذل والإنفاق فمن سمحت أريحته فذلك وإلا فشرع النذور ليستخرج به
من مال البخيل انتهى
قوله: (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه الجماعة إلا الترمذي ولفظه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن النذر وقال إنه لا يرد شيئا وإنما يستخرج به من البخيل
قوله: (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا أبا داود
قوله: (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كرهوا النذر) قال
الخطابي هذا باب من العلم غريب وهو أن ينهى عن فعل شئ حتى إذا فعل كان واجبا وقد
ذهب أكثر الشافعية ونقل عن نص الشافعي أن النذر مكروه وكذا عن المالكية وجزم الحنابلة
بالكراهة وقال النووي إنه مستحب صرح بذلك في شرح المهذب وروى ذلك عن القاضي
117

حسين والتولي والغزالي وجزم القرطبي في المفهم بحمل ما ورد في الأحاديث من النهي على نذر
المجازاة فقال هذا النهي أن يقول مثلا إن شفى الله مريضي فعلي صدقة ووجهه الكراهة أنه لما
وقف فعل القربة المذكورة على حصول الغرض المذكور ظهر أنه لم يتمحض له نية التقرب إلى الله
تعالى بما صدر منه بل سلك فيها مسلك المعارضة ويوضحه أنه لو لم يشف مريضه لم يتصدق بما
علقه على شفائه وهذه حالة البخيل فإنه لا يخرج من ماله شيئا إلا بعوض عاجل يزيد على ما
أخرج غالبا وهذا المعنى هو المشار إليه بقوله وإنما يستخرج به من البخيل قال وقد ينضم إلى
هذا اعتقاد جاهل يظن أن النذر يوجب حصول ذلك الغرض أو أن الله تعالى يفعل معه ذلك
الغرض لأجل ذلك النذر وإليهما الإشارة في الحديث بقوله فإنه لا يرد شيئا والحالة الأولى
تقارب الكفر والثانية خطأ صريح قال الحافظ بل تقرب من الكفر ثم نقل القرطبي عن
العلماء حمل النهي في الخبر على الكراهة قال والذي يظهر لي أنه على التحريم في حق من
يخاف عليه ذلك الاعتقاد الفاسد فيكون إقدامه على ذلك محرما والكراهة في حق من لم يعتقد
ذلك قال الحافظ وهو تفصيل حسن ويؤيده قصة ابن عمر راوي الحديث في النهي عن النذر
فإنها في نذر المجازاة انتهى
(باب وفاء النذر)
قوله (أوف بنذرك) زاد البخاري في رواية فاعتكف ليلة
قوله: (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وابن عباس) أما حديث عبد الله بن عمرو
فأخرجه أبو داود وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجة
قوله: (وحديث عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله: (وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث) قال الشوكاني في حديث عمر رضي
118

الله عنه دليل على أنه يجب الوفاء بالنذر من الكافر متى أسلم وقد ذهب إلى هذا بعض أصحاب
الشافعي وعند الجمهور لا ينعقد نذر الكافر وحديث عمر حجة عليهم وقد أجابوا عنه بأن
النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف بأن عمر قد تبرع بفعل ذلك أذن له لأن الاعتكاف طاعة ولا يخفى ما في
هذا الجواب من المخالفة للصواب وأجاب بعضهم بأنه صلى الله عليه وسلم أمره بالوفاء استحبابا لا وجوبا،
ويرد بأن هذا الجواب لا يصلح لمن ادعى عدم الانعقاد انتهى. واستدل تقوله فاعتكف ليلة على
جواز الاعتكاف بغير صوم لأن الليل ليس بوقت صوم وقد أمره صلى الله عليه وسلم أن يفي بنذره على الصفة
التي أوجبها وتعقب بأن في رواية لمسلم يوما بدل ليلة وقد جمع ابن حبان وغيره بأن نذر اعتكاف
يوم وليلة فمن أطلق ليلة أراد بيومها ومن أطلق يوما أراد بليلته وقد ورد الأمر بالصوم في
رواية أبي داود النسائي بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له اعتكف وصم أخرجه أبي داود والنسائي
من طريق عبد الله بن بديل ولكنه ضعيف وقد ذكر ابن عدي والدارقطني أنه تفرد بذلك عن
عمرو بن دينار قال في الفتح ورواية من روى يوما شاذة وقد وقع في رواية سليمان بن بلال
عند البخاري فاعتكف ليلة فدل أنه لم يزد على نذره شيئا وأن الاعتكاف لا صوم فيه وأنه
لا يشترط له حد معين (وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم لا اعتكاف إلا
بصوم) وهو قول أبي حنيفة ومالك والثوري والأوزاعي واستدلوا على ذلك بحديث عائشة
قالت السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا الحديث وفيه ولا اعتكاف إلا بصوم أخرجه أبو
داود وفي الحديث كلام (وقال آخرون من أهل العلم ليس على المعتكف صوم الخ) وأجابوا عن
حديث عائشة المذكور بما فيه من الكلام قال الشوكاني وهذا هو الحق لا كما قال ابن القيم إن
الراجح عليه جمهور السلف أن الصوم شرط في الاعتكاف وقد روي عن علي وابن
مسعود أنه ليس على المعتكف صوم إلا أن يوجبه على نفسه ويدل على ذلك حديث ابن عباس أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه رواه الدارقطني وقال رفعه أبو
بكر السوسي وغيره لا يرفعه وأخرجه الحاكم مرفوعا وقال صحيح الاسناد
119

(باب كيف كان يمين النبي صلى الله عليه وسلم)
قوله: (لا ومقلب القلوب لا لنفي الكلام السابق ومقلب القلوب هو الضم المقسم به والمراد
بتقليب القلوب تقليب أحوالها لا تقليب ذواتها وفيه جواز تسمية الله بما ثبت من صفاته على
وجه يليق به قال القاضي أبو بكر ابن العربي في الحديث جواز الحلف بأفعال الله تعالى إذا
وصف بها ولم يذكر اسمه تعالى وفرق الحنفية بين القدرة والعلم فقالوا إن من حلف بقدرة الله
تعالى انعقدت يمينه وإن حلف بعلم الله تعالى لم تنعقد لأن العلم يعبر به عن المعلوم كقوله تعالى
هل عندكم من علم فتخرجوه لنا والجواب أنه هنا مجاز إن سلم أن المراد به المعلوم والكلام إنما
هو في الحقيقة قال الراغب تقليب الله القلوب والأبصار صرفها عن رأي إلى رأي قال ويعبر
عن القلب عن المعاني التي تختص به من الروح والعلم والشجاعة
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا مسلما
(باب في ثواب من أعتق رقبة)
ذكر الترمذي في هذا الباب حديث أبي هريرة في ثواب العتق ثم عقد فيما بعد بابا اخر
بلفظ باب ما جاء في فضل من أعتق وذكر فيه حديث أبي أمامة رضي الله عنه في فضل العتق
والظاهر أن في هذا تكرار بلا فائدة ولو عقد واحدا من هذين البابين وأورد فيه هذين الحديثين كما
فعل صاحب المنتقى لكان أحسن
قوله: (عن عمر بن علي بن الحسين) بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني صدوق فاضل
120

(عن سعيد بن مرجانة) هو ابن عبد الله على الصحيح ومرجانة أمه حجازي وزعم الذهلي أنه
ابن يسار ثقة فاضل من الثالثة
قوله: (من أعتق رقبة مؤمنة) هذا مقيد لباقي الروايات المطلقة فلا يستحق الثواب
المذكور إلا من أعتق رقبة مؤمنة (أعتق الله) من باب المشاكلة والمراد أنجاه الله (منه) أي من العتق
بالكسر (بكل عضو منه) أي من المعتق بالفتح والمعنى أنجى الله تعالى بكل عضو من المعتق
بالفتح عضوا من المعتق بالكسر من النار (حتى يعتق) أي الله سبحانه وتعالى (فرجه) بالنصب أي
فرج المعتق بالكسر (بفرجه) أي بفرج المعتق بالفتح واستشكله ابن العربي فقال الفرج لا
يتعلق به ذنب يوجب النار إلا الزنا فإن حمل على ما يتعاطى من الصغائر كالمفاخذة لم يشك عتقه
من النار بالعتق وإلا فالزنا كبيرة لا تكفر إلا بالتوبة قال فيحتمل أن يكون المراد أن العتق
يرجح عند المؤازاة بحيث يكون مرجحا لحسنات المعتق ترجيحا يوازي سيئة الزنا انتهى قال
الحافظ ولا اختصاص لذلك بالفرج بل يأتي في غيره من الأعضاء كاليد في الغصب مثلا
انتهى
قوله (وفي الباب عن عائشة وعمرو بن عبسة وابن عباس وواثلة بن الأسقع وأبي أمامة
وكعب بن مرة وعقبة بن عامر) وأما حديث عائشة فلينظر من أخرجه وأما حديث عمرو بن
عبسة بفتح العين المهملة والموحدة والسين المهملة فأخرجه أبو داود وأما حديث ابن عباس
فلينظر من أخرجه وأما حديث واثلة فأخرجه الحاكم وأما حديث أبي أمامة فأخرجه الترمذي
وسيأتي وأما حديث كعب بن مرة فأخرجه أحمد وأبو داود وأما حديث عقبة بن عامر فأخرجه
الحاكم
قوله: (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه) وأخرجه البخاري
ومسلم
121

قوله (وهو مديني ثقة) قال الحافظ ثقة مكثر
(باب في الرجل يلطم خادمه)
في القاموس اللطم ضرب الخد وصفحة الجسد بالكف مفتوحة لطمة يلطمه وفي
الصراح لطم طابنجة زدن من باب ضرب يضرب (ما لنا خادم إلا واحدة) لفظ الخادم يطلق على
الغلام والجارية قال في القاموس خدمه يخدمه ويخدمه خدمة فهو خادم وخادمة
(فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نعتقها) فيه حث على الرفق بالمماليك وأجمع المسلمون على أن عتقه بهذا ليس
بواجب وإنما هو مندوب كفارة ذنبه فيه وإزالة إثم ظلمه قاله الطيبي
قوله: (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه مسلم عنه مرفوعا من ضرب غلاما له حدا لم
يأته أو لطمه فإن كفارته أن يعتقه
قوله: (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم من طرق
122

(باب)
وفي بعض النسخ باب ما جاء في كراهية الحلف بغير ملة الاسلام وفي بعضها باب ما جاء
فيمن حلف بملة غير ملة الاسلام
قوله: (عن ثابت بن الضحاك) هو أبو زيد الأنصاري الخزرجي كان ممن بايع تحت
الشجرة في بيعة الرضوان وهو صغير ومات في فتنة ابن الزبير
قوله: (من حلف بملة) بكسر الميم وتشديد اللام الدين والشريعة وهي نكرة في سياق
الشرط فتعمه جميع الملل كاليهودية والنصرانية والدهرية ونحوها (غير الاسلام) بالجر صفة ملة
(كاذبا) أي في حلفه (فهو كما قال) قال في الفتح يحتمل أن يكون المراد بهذا الكلام التهديد
والمبالغة في الوعيد لا الحكم كأن قال فهو مستحق مثل عذاب من اعتقد ما قال ونظيره من ترك
الصلاة فقد كفر أي استوجب عقوبة من كفر وقال ابن المنذري ليس على إطلاقه في نسبته إلى
الكفر بل المراد أنه كاذب كذب المعظم لتلك الجهة وقال اختلف فيمن قال الكفر بالله ونحوه
إن فعلت ثم فعل فقال ابن عباس وأبو هريرة وعطاء وقتادة وجمهور فقهاء الأمصار لا كفارة
عليه ولا يكون كافرا إلا إن أضمر ذلك بقلبه قال الأوزاعي والثوري والحنفية وأحمد وإسحاق
هو يمين وعليه الكفارة قال ابن المنذر والأول أصح لقوله صلى الله عليه وسلم من حلف باللات والعزى فليقل
لا إله إلا الله ولم يذكر كفارة زاد غيره وكذا قال من حلف بملة سوى الاسلام فهو كما قال فأراد
التغليظ في ذلك حتى لا يجترئ أحد عليه قال ابن دقيق العيد الحلف بالشئ حقيقة هو القسم
به وإدخال بعض حروف القسم عليه كقوله والله وقد يطلق على التعليق بالشئ يمين كقولهم
من حلف بالطلاق فالمراد بتعليق الطلاق وأطلق عليه الحلف لمشابهته لليمين في اقتضاء الحنث
أو المنع وإذا تقرر ذلك فيحتمل أن يكون المراد المعنى الثاني لقوله كاذبا والكذب يدخل القضية
الاخبارية التي يقع مقتضاها تارة ولا يقع أخرى وهذا بخلاف قولنا والله وما أشبهه فليس
الاخبار بها عن أمر خارجي بل هي لإنشاء القسم فتكون صورة الحلف هنا على وجهين
أحدهما أن تتعلق بالمستقبل كقوله إن فعل كذا فهو يهودي والثاني تتعلق بالماضي كقوله إن كان
123

كاذبا فهو يهودي وقد يتعلق بهذا من لم ير فيه الكفارة لكونه لم يذكر فيه كفارة بل جعل المرتب على
كذبه قوله فهو كما قال قال ولا يكفر في صورة الماضي إلا إن قصد التعظيم وفيه خلاف عند
الحنفية لكونه تنجيزا معنى فصار كما قول قال هو يهودي ومنهم من قال إذا كان لا يعلم أنه يمين لم
يكفر وإن كان يعلم أن يكفر بالحنث به كفر لكونه رضي بالكفر حيث أقدم على الفعل وقال
بعض الشافعية ظاهر الحديث أنه يحكم عليه بالكفر إذا كان كاذبا والتحقيق التفصيل فإن
اعتقد تعظيم ما ذكر كفر وإن قصد حقيقة التعليق فينظر فإن كان أراد أن يكون متصفا بذلك
كفر لأن إرادة الكفر كفر وإن أراد البعد عن ذلك لم يكفر لكن هل يحرم عليه ذلك أو يكره
تنزيها الثاني هو المشهور كذا في النيل
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا أبا داود
(باب)
قوله: (عن عبيد الله بن زحر) بفتح الزاي وسكون المهملة الضمري مولاهم الإفريقي
صدوق يخطئ من السادسة (عن أبي سعيد الرعيني) براء مضمومة وعين مهملة مصغرا اسمه
جعثل بضم الجيم والمثلثة بينهما مهملة ساكنة ابن هاعان بتقديم الهاء القتباني بكسر القاف
وسكون المثناة بعدها موحدة المصري صدوق فقيه من الرابعة (عن عبد الله بن مالك اليحصبي)
بفتح التحتانية وسكون المهملة وفتح الصاد المهملة بعدها موحدة مصري صدوق من الثالثة
124

قوله (إلى البيت) أي إلى بيت الله (حافية) أي غير منتعلة (إن الله لا يصنع بشقاء أختك)
بفتح الشين أي بتعبها ومشقتها (شيئا) أي من الصنع فإنه منزه من رفع الضرر وجلب النفع
(فلتركب ولتختمر) وفي رواية الشيخين لتمش ولتركب قال الحافظ في الفتح وإنما أمر الناذر
في حديث أنس أن تركب جزما وأمر أخت عقبة أن تمشي وأن تركب لأن الناذر في حديث أنس
كان شيخا ظاهر العجز وأخت عقبة لم توصف بالعجز فكأنه أمرها أن تمشي
إن قدرت وتركب إن عجزت انتهى
قلت: حديث أنس الذي أشار إليه الحافظ قد مر في باب من يحلف بالمشي ولا يستطيع
125

(باب قضاء النذر عن الميت)
قوله: (اقض عنها) فيه دليل على قضاء الحقوق الواجبة عن الميت وقد ذهب الجمهور إلى
أن من مات وعليه نذر مالي فإنه يجب قضاؤه من رأس ماله وإن لم يوص إلا إن وقع النذر في
مرض الموت فيكون من الثلث وشرط المالكية والحنفية أن يوصي بذلك مطلقا قال القاضي
عياض اختلفوا في نذر أم سعد هذا فقيل كان نذرا مطلقا وقيل كان صوما وقيل عتقا
وقيل صدقة واستدل كل قائل بأحاديث جاءت في قضية أم سعد والأظهر أنه كان نذرا في المال أو
نذرا مبهما ومذهب الجمهور أن الوارث لا يلزمه قضاء النذر الواجب على الميت إذا كان غير مالي
وإذا كان ماليا ككفارة أو نذر أو زكاة ولم يخلف تركة لا يلزمه لكن يستحب له ذلك وقال أهل
الظاهر يلزمه لهذا الحديث وعند الجمهور الحديث محمول على التبرع قاله الطيبي
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أصله في الصحيحين (باب في فضل من أعتق)
قوله: (حدثنا عمران بن عيينة) الكوفي صدوق له أوهام (عن حصين بالتصغير) هو ابن
عبد الرحمن السلمي أبو الهذيل الكوفي ثقة تغير حفظه في الاخر
قوله: (أيما امرئ مسلم) فيه دليل على أن هذا الأجر مختص بمن كان من المعتقين مسلما
126

فلا أجر للكافر في عتقه إلا إذا انتهى أمره إلى الاسلام (أعتق امرأ مسلما) فيه دليل على أن هذا
الاجر مختص بمن أعتق امرأ مسلما ولا خلاف في أن معتق الرقبة الكافرة مثاب على العتق
ولكنه ليس كثواب الرقبة المسلمة (كان فكاكه) بفتح الفاء وكسرها لغة أي خلاصة (يجزئ)
بالهمزة من الاجزاء كذا في النسخ الحاضرة وذكر صاحب المنتقى هذا الحديث وعزاه إلى الترمذي
بلفظ يجزي بغير الهمزة قال الشوكاني في شرح المنتقى قوله يجزي بضم الياء وفتح الزاي غير
مهموز فالظاهر أن نسخ الترمذي مختلفة في هذا اللفظ والحديث دليل على أن العتق من القرب
الموجبة للسلامة من النار وأن عتق الذكر أفضل من عتق الأنثى وقد ذهب البعض إلى تفضيل
عتق الأنثى على الذكر واستدل على ذلك بأن عتقها يستلزم حرية ولدها سواء تزوجها حر أم
عبد ومجرد هذه المناسبة لا يصلح لمعارضة ما وقع التصريح به في الأحاديث من فكاك المعتق إما
رجلا أو امرأتين وأيضا عتق الأنثى ربما أفضى في الغالب إلى صياغها لعدم قدرتها على التكسب
بخلاف الذكر قال في الفتح وفي قوله أعتق الله بكل عضو عضوا منه إشارة إلى أنه ينبغي ألا
يكون في الرقبة نقصان لتحصيل الاستيعاب
قوله: (هذا حديث حسن صحيح غريب) ولأحمد ولأبي داود معناه من رواية كعب بن مرة
أو مرة بن كعب السلمي وزاد فيه وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار
يجزي بكل عضو من أعضائها عضوا من أعضائها
127

(أبواب السير)
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
السير بكسر المهملة وفتح التحتانية جمع سيرة وأطلق ذلك على أبواب الجهاد لأنها متلقاة
من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته (باب ما جاء في الدعوة قبل القتال)
قوله: (عن أبي البختري) بفتح الموحدة والمثناة بينهما خاء معجمة ساكنة اسمه سعيد بن منصور بن
فيروز بن أبي عمران الطائي مولاهم الكوفي ثقة ثبت فيه تشيع قليل كثير الارسال من الثالثة (ألا
ننهد إليهم) أي لا ننهض إليهم (قال دعوني) أي اتركوني (أدعوهم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يدعوهم) أي إلى الاسلام فإن أبوا فإلى إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون فإن أبوا فإلى القتال
(فإن أسلمتم فلكم مثل الذي لنا) أي من الغنيمة والفئ (وعليكم مثل الذي علينا) أي من
أحكام المسلمين من الحدود ونحوها (وأعطونا الجزية عن يد) حال من الضمير أي عن يد مواتية
بمعنى منقادين أو عن يدكم بمعنى مسلمين بأيديكم غير باعثين بأيدي غيركم أو عن غنى
128

ولذلك لا تؤخذ من الفقير أو حال من الجزية بمعنى نقدا مسلمة عن يد إلى يد أو عن إنعام
عليكم فإن إبقاءكم بالجزية نعمة عظيمة (وأنتم صاغرون) حال ثان من الضمير أي ذليلون
(ورطن إليهم بالفارسية) أي تكلم فيها (وإن أبيتم نابذناكم على سواء) قال الجزري في النهاية
أي كاشفناكم وقاتلناكم على طريق مستقيم مستو في العلم بالمنابذة منا ومنكم بأن نظهر لهم العزم
على قتالهم ونخبرهم به إخبارا مكشوفا والنبذ يكون بالفعل والقول في الأجسام والمعاني ومنه
نبذ العهد إذا أنقضه وألقاه إلى من كان بينه وبينه انتهى
قوله: (وفي الباب عن بريدة الخ) أما حديث بريدة فأخرجه مسلم وأما حديث النعمان
فلينظر من أخرجه وأما حديث ابن عمر فأخرجه مسلم وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد
عنه قال ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما قط إلا دعاهم وأخرجه الحاكم أيضا قال في مجمع
الزوائد أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني ورجاله رجال الصحيح
قوله: (وحديث سلمان حديث حسن) وأخرجه أحمد
قوله: (ورأوا أن يدعوا) بصيغة المجهول أي العدو (وهو قول إسحاق بن إبراهيم) يعني
إسحاق بن راهويه (وأن تقدم) بصيغة المجهول من التقدم (وقال بعض أهل العلم لا دعوة اليوم
129

الخ) قال الحافظ في الفتح ذهب طائفة منهم عمر ابن عبد العزيز إلى اشتراط الدعاء إلى
الاسلام قبل القتال وذهب الأكثر إلى أن ذلك كان في بدء الأمر قبل انتشار دعوة الاسلام فإن
وجد من لم تبلغه الدعوة لم يقاتل حتى يدعي نصل عليه الشافعي وقال مالك من قربت داره
قوتل بغير دعوة لاشتهار الاسلام ومن بعدت داره فالدعوة أقطع للشك وروى سعيد بن
منصور بإسناد صحيح عن أبي عثمان النهدي أحد كبار التابعين قال كنا ندعو وندع قال
الحافظ وهو منزل على الحالين المتقدمين انتهى
(باب)
قوله (إذا رأيتم مسجدا أو سمعتم مؤذنا) أي إذا حققتم علامة فعلية أو قولية من شعائر
الاسلام (فلا تقتلوا أحدا) أي حتى تميزوا المؤمن من الكافر
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود
(باب في البيات والغارات)
جمع الغارة قال في مجمع البحار تبييت العدو أن يقصد في الليل من غير أن يعلم فيؤخذ
130

بغتة وهو البيات انتهى وقال فيه أغار أي هجم عليهم من غير علم والغارة اسم من
الإغارة
قوله: (وكان إذا جاء بقوم ليلا لم يغر عليهم) من الإغارة (حتى يصبح) ليعرف بالأذان أنه
بلاد الاسلام فيمسك أو أنه من بلاد الكفار فيغير (خرجت يهود بمساحيهم) جمع مسحاة وهي
المجرفة من الحديد وميمه زائدة من السحو بمعنى الكشف والإزالة لما يكشف به الطين عن وجه
الأرض (ومكاتلهم) جمع مكتل بكسر الميم وهو الزنبيل الكبير (قالوا محمد) أي هذا محمد أو جاء
محمد (وافق والله محمد الخميس) بالنصب والمعنى جاء محمد مع الخميس وهو الجيش سمي به لأنه
مقسم خمسة المقدمة والساقة والميمنة والميسرة والقلب (خربت خيبر) خبرا أو دعاء (إنا) أي
معشر الاسلام أو معاشر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (وإذا نزلنا بساحة قوم) قال الطيبي جملة
مستأنفة بيان لموجب خراب خيبر وقوله الله أكبر فيه معنى التعجب من أنه تعالى قدر نزوله
بساحتهم بعد ما أنذروا أثم أصبحهم وهم غافلون عن ذلك وفي شرح مسلم الساحة الفضاء
وأصلها الفضاء بين المنازل (فساء صباح المنذرين) بفتح الذال المعجمة أي الكفار واللام للعهد
أي بئس صباحهم لنزول عذاب الله بالقتل والإغارة عليهم إن لم يؤمنوا وفيه اقتباس من قوله
تعالى أفبعذابنا يستعجلون فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين
قوله: (كان إذا ظهر على قوم) أي غلب عليهم (أقام بعرصتهم) العرصة بفتح المهملتين
وسكون الراء بينهما هي البقعة الواسعة بغير بناء من دار وغيرها (ثلاثا) وفي رواية البخاري ثلاث
ليال قال المهلب حكمة الإقامة لإراحة الظهر والأنفس ولا يخفى أن محله إذا كان في أمن من
عدو طارق والاقتصار على ثلاث يؤخذ منه أن الأربعة إقامة وقال ابن الجوزي إنما كان يقيم
ليظهر تأثير الغلبة وتنفيذ الأحكام وقلة الاحتفال فكأنه يقول من كانت فيه قوة منكم فليرجع
131

إلينا وقال ابن المنير يحتمل أن يكون المراد أن تقع ضيافة الأرض التي وقعت فيها المعاصي بإيقاع
الطاعة فيها بذكر الله وإظهار شعار المسلمين وإذا كان ذلك في حكم الضيافة ناسب أن يقيم
عليها ثلاثا لأن الضيافة ثلاثة
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان (وحديث حميد عن أنس حديث
حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
(باب في التحريق والتخريب)
قوله: (حرق) بتشديد الراء (نخل بني النضير وقطع) أي أمر بتحريق نخلهم وقطعها وهم
طائفة من اليهود وقصتهم مشهورة مذكورة في كتب السير كالمواهب وفي تفسير سورة الحشر
كالبغوي (وهي البويرة) بضم الموحدة وفتح الواو موضع نخل لبني النضير (ما قطعتم من لينة)
أي أي شئ قطعتم من نخله (أو تركتموها) الضمير لما وتأنيثه لأنه مفسر باللينة (قائمة على
أصولها) أي لم يقطعوها (فبإذن الله) أي فبأمره وحكمه المقتضى للمصلحة والحكمة (وليخزي
الفاسقين) أي وفعلتم أو أذن لكم في القطع بهم ليجزيهم على فسقهم واستدل به على جواز هدم
ديار الكفار وقطع أشجارهم زيادة لغيظهم قال النووي اللينة المذكورة في القران هي أنواع
التمر كلها إلا العجوة وقيل كرام النخل وقيل كل النخل وقيل كل الأشجار وقيل إن أنواع
نخل المدينة مائة وعشرون نوعا
132

قوله (وفي الباب عن ابن عباس) لينظر من أخرجه
قوله: (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله: (وقد ذهب قوم من أهل العلم إلى هذا الخ) قال القاري وفي هذا الحديث جواز
قطع شجر الكفار وإحراقه وبه قال الجمهور وقيل لا يجوز قال ابن الهمام يجوز ذلك لأن
المقصود كبت أعداء الله وكسر شوكتهم وبذلك هذا يحصل ذلك فيفعلون ما يمكنهم من التحريق
وقطع الأشجار وإفساد الزرع لكن إذا لم يغلب على الظن أنهم مأخوذون بغير ذلك فإن كان
الظاهر أنهم مغلوبون وأن الفتح باد كره ذلك لأنه إفساد في غير محل الحاجة وما أبيح إلا لها انتهى
قوله: (وكره بعضهم ذلك وهو قول الأوزاعي قال الأوزاعي ونهى أبو بكر الصديق
أن يقطع شجرا مثمرا أو يخرب عامرا وعمل بذلك المسلمون بعده) قال الحافظ في الفتح
ذهب الجمهور إلى جواز التحريق والتخريب في بلاد العدو وكرهه الأوزاعي والليث وأبو ثور
واحتجوا بوصية أبي بكر لجيوشه ألا يفعلوا أشياء من ذلك وأجاب الطبري بأن النهي محمول على
القصد لذلك بخلاف ما إذا أصابوا ذلك في خلال القتال كما وقع في نصب المنجنيق على الطائف
وهو نحو ما أجاب به في النهي عن قتل النساء والصبيان وبهذا قال أكثر أهل العلم ونحو ذلك
القتل بالتغريق وقال غيره إنما نهى أبو بكر جيوشه عن ذلك لأنه علم أن تلك البلاد ستفتح فأراد
إبقاءها على المسلمين انتهى
قوله: (وقال أحمد وقد تكون في مواضع لا يجدون منه بدا) المعنى أن الجيوش قد يحتاجون
إلى التحريق والتخريب ولا يكون لهم بد من ذلك فحينئذ يجوز (فأما بالبعث) أي من غير ضرورة
وحاجة (فلا تحرق) وكذا لا تخرب (إذا كان أنكى فيهم) أنكى أفعل التفضيل من النكاية قال في
133

القاموس نكى العدو وفي نكاية قتل وجرح وقال في الصراح نكاية جراحت كردن وبد
سكاليدن وكشتن دشمن رامن باب ضرب يضرب
(باب ما جاء في الغنيمة)
قوله: (عن سيار) بمهملة بعدها تحتانية مشددة وآخره راء
قوله: (أو قال أمتي على الأمم) أو للشك أي إما قال فضلني على الأنبياء أو قال فضل أمتي
على الأمم (وأحل لنا الغنائم) قال الخطابي كان من تقدم على ضربين منهم من لم يؤذن له في
الجهاد فلم تكن لهم مغانم ومنهم من أذن له فيه لكن كانوا إذا غنموا أشياء لم يحل لهم أن يأكلوه
وجاءت نار فأحرقته وقيل المراد أنه خص بالتصرف في الغنيمة يصرفها كيف شاء والأول
أصوب وهو إن مضى لم تحل لهم الغنائم أصلا قاله الحافظ
قوله: (وفي الباب عن علي وأبي ذر وعبد الله بن عمرو وأبي موسى وابن عباس) أما حديث
علي فلينظر من أخرجه وأما حديث أبي ذر وغيره فأخرجه أحمد في مسنده بأسانيد حسان قاله
الحافظ في الفتح في كتاب التيمم تحت حديث جابر بن عبد الله بمعنى حديث الباب
قوله: (حديث أبي أمامة حديث حسن صحيح) تفرد به الترمذي وأخرج البخاري وغيره
معناه من حديث جابر بن عبد الله (وسيار هذا يقال له سيار مولى بني معاوية الخ) قال الحافظ
في الفتح تابعي شامي أخرج له الترمذي وذكره ابن حبان في الثقات انتهى وقال في التقريب
سيار الأموي مولاهم الدمشقي قدم بالبصرة صدوق من الثالثة قيل اسم أبيه عبد الله
134

قوله: (فضلت) بصيغة المجهول من التفضيل (على الأنبياء بست) أي بست خصال
(أعطيت جوامع الكلم) قال الحافظ جوامع الكلم القرآن فإنه تقع فيه المعاني الكثيرة
بالألفاظ القليلة وكذلك يقع في الأحاديث النبوية الكثير من ذلك انتهى وقال ابن رجب في
كتابه جامع العلوم والحكم ما لفظه جوامع الكلم التي خص بها النبي صلى الله عليه وسلم نوعان أحدهما ما هو
في القران كقوله تعالى (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء
والمنكر والبغي) قال الحسن لم تترك هذه الآية خيرا إلا أمرت به ولا شرا إلا نهت عنه والثاني ما
هو في كلامه صلى الله عليه وسلم وهو منتشر موجود في السنن المأثورة عنه صلى الله عليه وسلم انتهى (ونصرت بالرعب) زاد أبي
أمامة يقذف في قلوب أعدائي أخرجه أحمد وفي حديث جابر بن عبد الله المتفق عليه نصرت
بالرعب مسيرة شهر قال الحافظ مفهومه أنه لم يوجد لغيره النصر بالرعب في هذه المدة ولا في
أكثر منها أما ما دونها فلا لكن لفظ رواية عمرو بن شعيب ونصرت على العدو بالرعب ولو
كان بيني وبينهم مسيرة شهر فالظاهر اختصاصه به مطلقا وإنما جعل الغاية منها شهرا لأنه لم يكن
بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه وهذه الخصوصية حاصلة له على الاطلاق حتى لو كان
وحده بغير عسكر وهل هي حاصلة لأمته من بعده فيه احتمال انتهى
(وأحلت لي الغنائم) زاد في حديث جابر رضي الله عنه ولم تحل لأحد قبلي
(وجعلت لي الأرض مسجدا) أي موضع سجود لا يختص السجود منها بموضع دون غيره ويمكن
أن يكون مجازا عن المكان المبني للصلاة وهو من مجاز التشبيه لأنه لما جازت الصلاة في جميعها
كانت كالمسجد في ذلك قال ابن التيمي قيل المراد جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا
وجعلت لغيري مسجدا ولم تجعل له طهورا لأن عيسى كان يسبح في الأرض ويصلي حيث أدركته
الصلاة وسبقه إلى ذلك الداؤدي وقيل إنما أبيح لهم في موضع تيقنوا طهارته بخلاف هذه الأمة
فأبيح لها في جميع الأرض إلا فيما تيقنوا نجاسته قال الحافظ والأظهر ما قاله الخطابي وهو أن من
قبله إنما أبيحت لهم الصلاة في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع ويؤيده رواية عمرو بن
شعيب بلفظ وكان من قبلي إنما كانوا يصلون في كنائسهم وهذا نص في موضع النزاع فثبتت
الخصوصية ويؤيده ما أخرجه البزار من حديث ابن عباس نحو حديث الباب وفيه ولم يكن من
الأنبياء أحد يصلي حتى يبلغ محرابه (وطهورا) استدل به على أن الطهور هو المطهر لغيره لأن
135

الطهور لو كان المراد به الطاهر لم تثبت الخصوصية والحديث إنما سبق ثباتها وقد روى ابن
المنذر وابن الجارود بإسناد صحيح عن أنس رضي الله عنه مرفوعا جعلت لي كل الأرض طيبة
مسجدا وطهورا ومعنى طيبة طاهرة فلو كان معنى طهورا طاهرا للزم تحصيل الحاصل (وأرسلت
إلى الخلق كافة) وفي حديث جابر وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس
عامة. قال الحافظ ولا يعترض بأن نوحا عليه السلام كان مبعوثا إلى أهل الأرض بعد الطوفان
لأنه لم يبق إلا من كان مؤمنا معه وقد كان مرسلا إليهم لأن هذا العموم لم يكن في أصل بعثته
وإنما اتفق بالحادث الذي وقع هو انحصار الخلق في الموجودين بعد هلاك سائر الناس وأما
نبينا صلى الله عليه وسلم فعموم رسالته من أصل البعثة فثبت اختصاصه بذلك وأما قول أهل الموقف لنوح كما
صح في حديث الشافعية أنت أول رسول إلى أهل الأرض فليس المراد به عموم بعثته بل إثبات
أولية إرساله وعلى تقدير أن يكون مرادا فهو مخصوص بتنصيصه سبحانه وتعالى في عدة آيات على
أن إرسال نوح كان إلى قومه ولم يذكر أنه أرسل إلى غيرهم (وختم بي النبيون) فلا نبي بعده صلى الله عليه وسلم
(هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
(باب في سهم الخيل)
قوله: (قسم في النفل) أي الغنيمة قال في النهاية النفل بالتحريك الغنيمة وجمعه
أنفال (وللرجل بسهم) المراد من الرجل صاحب الفرس والمعنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى
الفارس ثلاثة أسهم سهما له وسهمين لفرسه يدل عليه رواية أحمد وأبي داود بلفظ أسهم
للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه وفي لفظ أسهم للفرس سهمين وللرجل
سهما متفق عليه
136

قوله: (وفي الباب عن مجمع بن جارية وابن عباس وابن أبي عمرة عن أبيه) أما حديث
مجمع وهو بضم الميم الأولى وفتح الجيم وكسر الميم الثانية المشددة فأخرجه أحمد وأبو داود عنه
قال: قسمت خيبر على أهل الحديبية فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمانية عشر سهما وكان الجيش
ألفا وخمسمائة فيهم ثلاثة مائة فارس فأعطى الفارس سهمين والراجل سهما وقال أبو داود
إن حديث ابن عمر أصح قال وأتى الوهم في حديث مجمع أنه قال ثلاث مائة فارس وإنما كانوا
مائتي فارس وأما حديث ابن عباس فأخرجه الدارقطني عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم لمائتي فرس
بخيبر سهمين سهمين وأما حديث ابن أبي عمرة عن أبيه فأخرجه أحمد وأبو داود عنه قال أتينا
رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة نفر ومعنا فرس فأعطى كل إنسان منا سهما وأعطى الفرس سهمين
واسم هذا الصحابي عمرو بن محسن كذا في المنتقى
قوله: (وحديث ابن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وله ألفاظ في
الصحيحين وغيره
قوله: (قالوا للفارس ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه وللراجل سهم) وهو قول أبي
يوسف ومحمد صحابي أبي حنيفة وهو القول الراجح واحتجوا بحديث ابن عمر المذكور في
الباب وما في معناه
وقال أبو حنيفة رحمه الله للفارس سهمان وللراجل سهم واستدل له بما رواه أحمد بن
منصور الرمادي عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة وابن نمير كلاهما عن عبيد الله بن عمر عن
نافع عن ابن عمر فيما أخرجه الدارقطني بلفظ أسهم للفارس سهمين
وأجاب الحافظ في الفتح عن ذلك بأنه لا حجة فيه لأن المعنى أسهم للفارس بسبب فرسه
سهمين غير سهمه المختص به وقد رواه ابن أبي شيبة في مصنفه ومسنده بهذا الاسناد فقال
للفرس وكذلك أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب الجهاد له عن أبي شيبة وكأن الرمادي رواه
بالمعنى وقد أخرجه أحمد عن أبي أسامة وابن نمير معا بلفظ أسهم للفرس وعلى هذا التأويل
137

أيضا يحمل ما رواه نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن عبيد الله مثل رواية الرمادي أخرجه
الدارقطني وقد رواه علي بن الحسن بن شقيق وهو أثبت من نعيم عن ابن المبارك بلفظ أسهم
للفرس
واستدل له أيضا بحديث مجمع بن جارية الذي أشار إليه الترمذي وذكرنا لفظه وفيه
فأعطى الفارس سهمين والراجل سهما
وأجاب عنه الحافظ بأن في إسناده ضعفا ولو ثبت يحمل على ما تقدم لأنه يحتمل الأمرين
والجمع بين الروايتين أولى ولا سيما والأسانيد الأولى أثبت ومع رواتها زيادة علم وأصرح من
ذلك ما أخرجه أبو داود من حديث أبي عمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى للفرس سهمين ولكل إنسان
سهما فكان للفارس ثلاثة أسهم وللنسائي من حديث الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب له أربعة
أسهم سهمين لفرسه وسهما له وسهما لقرابته وقد استدل لأبي حنيفة بدلائل أخرى لا يخلو
واحد منها عن كلام قادح للاستدلال
(باب ما جاء في السرايا)
جمع السرية وهي قطعة من الجيش قال في النهاية السرية هي طائفة من لجيش يبلغ
أقصاها أربع مائة تبعث إلى العدو وجمعها السرايا سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر
وخيارهم من الشئ السري النفيس
قوله: (خير الصحابة) بالفتح جمع صاحب ولم يجمع فاعل على فعالة غير هذا كذا في النهاية
(أربعة) أي ما زاد عن ثلاثة قال أبو حامد المسافر لا يخلو عن رحل يحتاج إلى حفظه وعن
حاجة يحتاج إلى التردد فيها ولو كانوا ثلاثة لكان المتردد واحدا فيبقى بلا رفيق فلا يخلو عن خطر
وضيق قلب لفقد الأنيس ولو تردد اثنان كان الحافظ وحده قال المظهر: يعني الرفقاء إذا كانوا
أربعة خير من أن يكونوا ثلاثة لأنهم إذا كانوا ثلاثة ومرض أحدهم، وأراد أن يجعل أحد رفيقيه
وصى نفسه لم يكن هناك من يشهد بإمضائه إلا واحد فلا يكفي ولو كانوا أربعة كفى شهادة
اثنين ولأن الجمع إذا كانوا أكثر يكون معاونة بعضهم بعضا أتم وفضل صلاة الجماعة أيضا
138

أكثر فخمسة خير من أربعة وكذا كل جماعة خير ممن هو أقل منهم لا ممن فوقهم (وخير السرايا
أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف ولا يغلب) بصيغة المجهول أي لا يصير مغلوبا (اثنا عشر
ألفا) قال الطيبي جميع قرائن الحديث دائرة على الأربع واثنا عشر ضعفا أربع ولعل الإشارة
بذلك إلى الشدة والقوة واشتداد ظهرانيهم تشبيها بأركان البناء وقوله من قلة معناه أنهم صاروا
مغلوبين لم يكن للقلة بل لأمر اخر سواها وإنما لم يكونوا قليلين، والأعداء مما لا يعد ولا يحصى
لان كل واحد من هذه الا ثلاث جيش قوبل بالميمنة أو الميسرة أو القلب فليكفها ولأن الجيش
الكثير المقاتل منهم بعضهم وهؤلاء كلهم مقاتلون ومن ذلك قول بعض الصحابة يوم حنين
وكانوا اثني عشر ألفا لن نغلب اليوم من قلة وإنما غلبوا من إعجاب منهم قال تعالى (ويوم
حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا) وكان عشرة آلاف من أهل المدينة وألفان من
مسلمي فتح مكة
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود والدارمي والحاكم وسكت عنه أبو
داود واقتصر المنذري في مختصر السنن على نقل كلام الترمذي وقال الحاكم هذا إسناد صحيح
على شرط الشيخين
قوله: (وقد رواه حبان بن علي العتري) بفتح العين والنون ثم زاي أبو علي الكوفي ضعيف من الثامنة.
(باب من يعطي الفئ)
قال في النهاية الفئ هو ما حصل المسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد
وأصل الفئ الرجوع كأنه كان في الأصل لهم فرجع إليهم انتهى
139

والظاهر أن المراد من الفئ هنا مال الغنيمة
قوله: (عن يزيد بن هرمز) المدني مولى بني ليث وهو غير يزيد الفارسي على الصحيح وهو
والد عبد الله ثقة من الثالثة (أن نجدة) بفتح النون وسكون الجيم بعدها دال مهملة (الحروري)
نسبة إلى قرية حروراء بفتح حاء مهملة وضم راء أولى مخففة وكسر ثانية وبينهما واو ساكنة وبالمد
وهي قرية بالكوفة ونجدة هذا هو ابن عامر الحنفي الخارجي وأصحابه يقال لهم النجدان
محركة
قوله: (يحذين) بصيغة المجهول من الحذو بالحاء المهملة والذال المعجمة أي يعطين قال
في القاموس الحذوة بالكسر العطية (وأما يسهم بصيغة المعلوم من الاسهام) والحديث دليل
على أن النساء إذا حضرت القتال مع الرجال لا يسهم لهن بل يعطين شيئا من الغنيمة
قوله: (وفي الباب عن أنس وأم عطية) لينظر من أخرج حديثهما
قوله: (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود قوله (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم الخ) وهو الأقوى دليلا (وقال بعضهم يسهم
للمرأة والصبي وهو قول الأوزاعي) قال الخطابي إن الأوزاعي قال يسهم لهن قال وأحسبه
ذهب إلى هذا الحديث يعني حديث حشرج بن زياد وإسناده ضعيف لا تقوم به حجة انتهى
وحديث حشرج أخرجه أحمد وأبو داود عنه عن جدته أم أبيه أنها خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة خيبر
سادس ست نسوة فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث إلينا فجئنا فرأينا فيه لغضب فقال مع من
خرجتن وبإذن من خرجتن فقلنا يا رسول الله خرجنا نغزل الشعر ونعين في سبيل الله ومعنا
دواء للجرحى ونناول السهام ونسقي السويق قال قمن فانصرفن حتى إذا فتح الله عليه
140

خيبر أسهم لنا كما أسهم للرجال قال فقلت لها يا جدة وما كان ذلك قالت تمرا قال
الشوكاني في النيل وأخرجه أيضا النسائي وسكت عنه أبو داود وفي إسناده رجل مجهول وهو
حشرج وقال الخطابي إسناده ضعيف لا تقوم به حجة انتهى (قال الأوزاعي وأسهم النبي صلى الله عليه وسلم
للنساء بخيبر الخ) هذا مرسل والمرسل لا تقوم به حجة على القول الراجح (يقول يرضخ لهن)
بصيغة المجهول من الرضخ قال في القاموس رضخ له أعطاه عطاء غير كثير
(باب هل يسهم للعبد)
قوله: (عن عمير) بالتصغير قال في التقريب عمير مولى أبي اللحم الغفاري صحابي شهد
خيبر (مولى أبي اللحم) هو اسم فاعل من أبى يأبى قال أبو داود قال أبو عبيدة كان حرم اللحم
على نفسه فسمى أبي اللحم (مع سادتي) جمع سيد (فكلموا في) بتشديد الياء (فكلموه أني مملوك)
قال الطيبي عطف على قوله فكلموا في أي كلموا في حقي وشأني أولا بما هو مدح لي ثم
أتبعوه بقولهم إني مملوك انتهى (فقلدت السيف) بصيغة المجهول من التقليد قال في
المجمع أي أمرني أن أحمل السلاح وأكون مع المجاهدين لأتعلم المحاربة فإذا أنا
أجره أي أجر السيف على الأرض من قصر قامتي لصغر سني (فأمرني بشئ من خرثي المتاع) بالخاء المعجمة
المضمومة وسكون الراء المهملة بعدها مثلثة وهو سقطة في النهاية هو أثاث البيت قال
141

في القاموس الخرثي بالضم أثاث البيت أو أردأ المتاع والغنائم (وعرضت عليه رقية كنت أرقي بها
المجانين فأمرني بطرح بعضها وحبس بعضها) أي بإسقاط بعض كلماتها التي تخالف القرآن
والسنة وإبقاء بعضها التي ليست كذلك وفيه دليل على جواز الرقية من غير القران والسنة
بشرط أن تكون خالية عن كلمات شركية وعما منعت عنه الشريعة
قوله: (وفي الباب عن ابن عباس رضي الله عنه) أخرجه أحمد
قوله: (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم
وصححه
قوله: (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم أن لا يسهم للمملوك الخ) وهو القول
الراجح المعول عليه
(باب ما جاء في أهل الذمة يغزون مع المسلمين هل يسهم لهم
قوله: (حتى إذا كان بحرة الوبر) الحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء والوبر بفتح الواو
والباء الموحدة بعدها راء وبسكون الموحدة أيضا موضع على أربعة أميال من المدينة (يذكر منه
جرأة ونجدة) بفتح النون وسكن الجيم أي شجاعة
142

قوله: (وفي الحديث كلام أكثر من هذا) أي روي هذا الحديث مطولا رواه أحمد ومسلم
بطوله. ففي المنتقى عن عائشة قالت خرج النبي صلى الله عليه وسلم قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل
قد كان تذكر منه جرأة ونجدة ففرح به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه فلما أدركه قال جئت
لأتبعك فأصيب معك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم تؤمن بالله ورسوله قال لا قال فارجع فلن
أستعين بمشرك قالت ثم مضى حتى إذا بلغ كان بالشجرة أدركه الرجل فقال هل كما قال أول مرة
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أو مرة فقال لا قال فارجع فلن أستعين بمشرك قال فرجع
فأدركه بالبيداء فقال له كما قال له أول مرة تؤمن بالله ورسوله قال نعم فقال له فانطلق
قوله: (هذا حديث حسن غريب) أخرج أحمد ومسلم مطولا كما عرفت الان
قوله: (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم قالوا لا يسهم لأهل الذمة وإن قاتلوا مع
المسلمين العدو) وهو القول الراجح (ويروى عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم لقوم من اليهود
قاتلوا معه) هذا مرسل وأخرجه أيضا أبو داود في المراسيل ومراسيل الزهري ضعيفة واستدل
به من قال إن أهل الذمة يسهم لهم إذا شهدوا القتال مع المسلمين قال الشوكاني في النيل
والظاهر أنه لا يسهم للنساء والصبيان والعبيد والذميين وما ورد من الأحاديث مما فيه إشعار بأن
النبي صلى الله عليه وسلم أسهم لأحد من هؤلاء فينبغي حمله على الرضخ وهو العطية القليلة جمعا بين الأحاديث
وقد صرح حديث ابن عباس يعني المذكور في باب من يرضخ له من الغنيمة بما يرشد إلى هذا
الجمع فإنه نفى أن يكون للنساء والعبيد سهم معلوم وأثبت الحذية وهكذا حديثه الاخر فإنه
143

صرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي المرأة والمملوك دون ما يصيب الجيش وهكذا حديث عمير
المذكور فإن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رضخ له بشئ من الأثاث ولم يسهم له فيحمل ما وقع في حديث
حشرج من أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم للنساء بخيبر على مجرد العطية من الغنيمة وهكذا يحمل ما وقع في
مرسل الزهري المذكور من الاسلام لقوم من اليهود وما وقع في مرسل الأوزاعي المذكور أيضا
من الاسهام للصبيان كما لمح إلى ذلك المصنف انتهى كلام الشوكاني
قلت: أراد بالمصنف صاحب المنتقى فإنه قال بعد ذكر مرسل الأوزاعي وغيره ما لفظه
ويحمل الاسهام فيه وفيما قبله على الرضخ انتهى
قوله: (قال قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) ذكر الترمذي هذا الحديث مختصرا وذكره
الشيخان مطولا (فأسهم لنا مع الذين افتتحوها) أستدل به من قال إنه يسهم لمن حضر بعد الفتح
قبل قسمة الغنيمة قال ابن التين يحتمل أن يكون إنما أعطاهم من جميع الغنيمة لكونهم وصلوا
قبل القسمة وبعد حوزها وهو أحد الأقوال للشافعي قال ابن بطال لم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم في غير
من شهد الوقعة إلا في خيبر فهي مستثناة من ذلك فلا تجعل أصلا يقاس عليه فإنه قسم
لأصحاب السفينة لشدة حاجتهم وكذلك أعطى الأنصار عوض ما كانوا أعطوا المهاجرين عند
قدومهم عليهم وقال الطحاوي يحتمل أن يكون استطاب أنفس أهل الغنيمة بما أعطى
الأشعريين وغيرهم ومما يؤيد أنه لا نصيب لمن جاء بعد الفراغ من القتال ما رواه عبد الرزاق
بإسناد صحيح وابن أبي شيبة عن عمر قال الغنيمة لمن شهد الوقعة وأخرجه الطبراني والبيهقي
مرفوعا وموقوفا وقال الصحيح موقوف وأخرجه ابن عدي من طريق أخرى عن علي موقوفا
ورواه الشافعي من قول أبي بكر وفيه انقطاع كذا في النيل
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله: (والعمل على هذا عند أهل العلم الخ) وفي بعض النسخ عند بعض أهل العلم وهو
الظاهر
144

(باب ما جاء في الانتفاع بآنية المشركين
قوله: (عن أبي ثعلبة) بفتح المثلثة بعدها عين مهملة ساكنة فلام مفتوحة فموحدة (الخشني)
بضم الخاء المعجمة فشين معجمة مفتوحة فنون نسبة إلى خشين ابن نمرة في قضاعة اسمه جرهم
بايع النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان وضرب له بسهم يوم خيبر وأرسله إلى قومه فأسلموا نزل بالشام
ومات بها سنة خمس وسبعين
قوله: (عن قدور المجوس) أي عن الطبخ فيها والقدور جمع القدر بكسر القاف وسكون
الدال (انقوها) من الانقاء (غسلا) تمييز (واطبخوا فيها) أي بعد الإنقاء بالغسل قال الحافظ في
الفتح بعد ذكر رواية الترمذي هذه وفي لفظه من وجه اخر عن أبي ثعلبة قلت إنما نمر بهذا اليهود
والنصارى والمجوس فلا نجد غير آنيتهم الحديث انتهى وروى الشيخان عن أبي ثعلبة الخشني
قال قالت يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل الكتاب أفنأكل في آنيتهم قال لا تأكلوا فيها إلا إن لا
تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها قال في سبل السلام استدل به على نجاسة انية أهل الكتاب
وهل هو لنجاسة رطوبتهم أو لجواز أكلهم الخنزير وشربهم الخمر أو للكراهة ذهب إلى الأول
القائلون بنجاسة رطوبة الكفار واستدلوا أيضا بظاهر قوله تعالى إنما المشركون نجس والكتابي
يسمى مشركا إذ قد قالوا (المسيح ابن الله) (وعزير ابن الله) وذهب الشافعي وغيره إلى طهارة
رطوبتهم وهو الحق لقوله تعالى وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم ولأنه
صلى الله عليه وسلم توضأ من مزادة مشركة ولحديث جابر عند أحمد وأبي داود كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فنصيب من آنية المشركين وأسقيتهم ولا يعيب ذلك علينا
وأجيب بأن هذا كان بعد الاستيلاء ولا كلام فيه قلنا في غيره من الأدلة غنية عنه فمنها ما
145

أخرجه أحمد من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم دعاه يهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأكل منها قال في
البحر لو حرمت رطوبتهم لاستفاض بين الصحابة نقل توقيهم لقلة المسلمين حينئذ مع كثرة
استعمالاتهم التي لا يخلو منها ملبوسا ومطعوما والعادة في مثل ذلك تقضي بالاستفاضة قال
وحديث أبي ثعلبة إما محمول على كراهة الأكل في آنيتهم للاستقذار لا لكونها نجسة إذ لو كانت
نجسة لم يجعله مشروطا بعدم وجدان غيرها إذ الاناء المتنجس بعد إزالة نجاسته هو وما لم
يتنجس على سواء ولسد ذريعة المحرم أو لأنها نجسة لما يطبخ فيها لا لرطوبتهم كما تفيده رواية
أبي داود وأحمد بلفظ: إنا نجاوز أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في
آنيتهم الخمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن وجدتم غيرها لحديث وحديثه الأول مطلق وهذا مقيد
بانية يطبخ فيها ما ذكر ويشرب فيحمل المطلق على المقيد وأما الآية فالنجس لغة المستقذر فهو
أعم من المعنى الشرعي وقيل معناه ذو نجس لأن معهم الشرك الذي هو بمنزلة النجس ولأنهم
لا يتطهرون ولا يغتسلون ولا يتجنبون النجاسات فهي ملابسة لهم وبهذا يتم الجمع بين هذا
وبين آية المائدة والأحاديث الموافقة حكمها وآية المائدة أصرح في المراد انتهى ما في السبل وقال
صاحب المنتقى ذهب بعض أهل العلم إلى المنع من استعمال آنية الكفار حتى تغسل إذا كانوا ممن
لا تباح ذبيحته وكذلك من كان من النصارى بموضع متظاهرا فيه بأكل لحم الخنزير متمكنا فيه أو
يذبح بالسن والظفر ونحو ذلك وأنه لا بأس بآنية من سواهم جمعا بذلك بين الأحاديث
واستحب بعضهم غسل الكل لحديث الحسن ابن علي قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم دع ما
يريبك إلى ما لا ريبك رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه انتهى وقد تقدم الكلام في هذه
المسألة في الباب الأول من أبواب الصيد (ونهى عن كل سبع ذي ناب) تقدم شرحه في كتاب
الصيد
قوله: (عائذ الله بن عبيد الله) كذا وقع في النسخة الأحمدية عبيد الله مصغرا وهو غلط
والصواب عائذ بن عبد الله مكبرا ووقع في الباب الأول من أبواب الصيد عائذ بن عبد الله
مكبرا وهو الصواب
146

قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
(باب في النفل)
قال في المجمع النفل بفتح الفاء وقد تسكن زيادة يخص بها بعض الغزاة وهو أيضا الغنيمة
انتهى قلت المراد هنا المعنى الأول
قوله: (عن أبي سلام) بفتح السين وتشديد اللام المفتوحة اسمه ممطور الأسود الحبشي ثقة
يرسل من الثالثة
قوله: (كان ينفل) من التنفيل (في البدأة) بفتح الموحدة وسكون الدال المهملة بعدها همزة
مفتوحة (الربع) أي ربع الغنيمة (وفي القفول) أي الرجوع (الثلث) أي ثلث الغنيمة وفي رواية
أحمد كان إذا غاب في أرض العدو نفل الربع وإذا أقبل راجعا وكل الناس نفل الثلث قال
الخطابي البدأة ابتداء السفر للغزو وإذا نهضت سرية من جملة العسكر فإذا وقعت بطائفة من
العدو فما غنموا كان لهم فيه الربع ويشركهم سائر العسكر في ثلاثة أرباعه فإن قفلوا من الغزوة
ثم رجعوا فأوقعوا بالعدو ثانية كان لهم مما غنموا الثلث لأن نهوضهم بعد القفل أشق لكون العدو
على حذر وحزم انتهى ورواية أحمد المذكورة تدل على أن تنفيل الثلث لأجل ما لحق الجيش من
الكلال وعدم الرغبة في القتال لا لكون العدو قد أخذ حذره منهم
قوله: (وفي الباب عن ابن عباس وحبيب بن مسلمة ومعن بن يزيد وابن عمر وسلمة بن
الأكوع) أما حديث ابن عباس فلينظر من أخرجه وأما حديث حبيب بن مسلمة فأخرجه أحمد
وأبو داود عنه مرفوعا بلفظ نفل الرابع بعد الخمس في بدأته ونفل الثلث بعد الخمس في رجعته
147

وأما حديث معن بن يزيد فأخرجه أحمد وأبو داود وصححه الطحاوي ولفظه قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا نفل إلا بعد الخمس وأما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان وأما
حديث سلمة بن الأكوع فأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود
قوله: (حديث عباده حديث حسن وأخرجه أحمد وابن ماجة وصححه ابن حبان
قوله: (تنفل سيفه) أي أخذه زيادة عن السهم (ذا الفقار) بفتح الفاء والعامة يكسرونها
كذا في المنتقى وهو بدل من سفيه (وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد) قال التوربشتي والرؤيا
التي رأى فيه أنه رأى في منامه يوم أحد أنه هز ذا الفقار فانقطع من وسطه ثم هزه هزة أخرى فعاد
أحسن مما كان وقيل الرؤيا هي ما قال فيه: رأيت في ذباب سيفي ثلثا فأولته هزيمة ورأيت
كأني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة الحديث
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه ابن ماجة
قوله: (فقال يخرج الخمس ثم ينفل مما بقي الخ) قال الشوكاني اختلف العلماء هل هو من
148

أصل الغنيمة أو من الخمس أو من خمس الخمس أو مما عدا الخمس على أقوال ثم بسط
الكلام فيه هذا الباب
(باب ما جاء في من قتل قتيلا فله سلبه)
قوله (عن عمر بن كثير بن أفلح) المدني مولى أبي أيوب ثقة من الرابعة (عن أبي محمد مولى
أبي قتادة) اسمه نافع قال في التقريب نافع بن عباس بموحدة ومهملة أو تحتانية ومعجمة أبو محمد
الأقرع المدني مولى أبي قتادة قيل له ذلك للزومه وكان مولى عقيلة العقارية ثقة من الثالثة
قوله: (من قتل قتيلا) وفي رواية من قتل كافرا أي لمن قتل (عليه) أي على قتل القتيل
(فله) أي لمن قتل (سلبه) بالتحريك هو ما يوجد مع المحارب من ملبوس وغيره عند الجمهور
وعن أحمد لا تدخل الدابة وعن الشافعي يختص بأداة الحرب
قوله: (وفي الحديث قصة) رواها الشيخان في صحيحهما
قوله: (وفي الباب عن عوف بن مالك وخالد بن الوليد وأنس وسمرة) أما حديث
عوف بن مالك وخالد بن الوليد فأخرجه مسلم ففيه عن عوف بن مالك أنه قال لخالد بن
الوليد أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل قال بلى وعن عوف وخالد أيضا أن
النبي صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب رواه أحمد وأبو داود رضي الله عنهما وأما حديث أنس فأخرجه أحمد وأبو داود وأما
حديث سمرة فلينظر من أخرجه
قوله: (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
149

قوله (وهو قول الأوزاعي والشافعي وأحمد) ذهب الجمهور إلى أن القاتل يستحق السلب
سواء قال أمير الجيش قبل ذلك من قتل قتيلا فله سلبه أم لا واستدلوا على ذلك بحديث أبي قتادة
هذا وهو الظاهر (وقال بعض أهل العلم للإمام أن يخرج من السلب الخمس) روى عن مالك
أنه يخير الامام بين أن يعطي القاتل السلب أو يخمسه واختاره القاضي إسماعيل قاله في النيل
(وقال الثوري النفل أن يقول الامام من أصاب شيئا فهو له ومن قتل قتيلا فله سلبه) قال
الشوكاني وذهب العترة والحنفية والمالكية إلى أنه لا يستحقه القاتل إلا أن شرط له الامام ذلك
(وقال إسحاق السلب للقاتل إلا أن يكون شيئا كثيرا فرأى الامام أن يخرج منه الخمس كما فعل
عمر بن الخطاب) احتج القائلون بتخميس السلب لعموم قوله تعالى (واعلموا أنما غنمتم من
شئ فأن لله خمسه) الآية فإنه لم يستثن شيئا
واستدل من قال إنه لا خمس فيه لحديث عوف بن مالك وخالد المذكور وجعلوه مخصصا
لعموم الآية
(باب في كراهية بيع المغانم حتى يقسم
قوله (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراء المغانم حتى
تقسم) أي عن بيعها واشترائها حتى
تقسم قال القاري قال القاضي المقتضى للنهي عدم الملك عند من يرى أن الملك يتوقف على القسمة وعند
من يرى الملك قبل القسمة المقتضى له الجهل بعين المبيع وصفته إذا كان في المغنم أجناس مختلفة
انتهى وتبعه ابن الملك وغيره من علمائنا يعني الحنفية قال المظهر يعني لو باع أحد من
150

المجاهدين نصيبه من الغنيمة لا يجوز لأن نصيبه مجهول ولأنه ملك ضعيف يسقط بالأعراض
والملك المستقر لا يسقط بالأعراض انتهى
قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة) لينظر من أخرجه
قوله: (وهذا حديث غريب) وأخرجه ابن ماجة والحديث ضعيف فإن في سنده
محمد بن إبراهيم الباهلي البصري قال أبو حاتم مجهول وأيضا في سنده محمد بن زيد العبدي
قال في التقريب لعله ابن أبي القموس وإلا فمجهول
(باب ما جاء في كراهية وطئ الحبالى من السبايا)
الحبالى بفتح الحاء المهملة جمع الحبلى والسبايا جمع سبية
قوله: (حدثتني أم حبيبة بنت عرباض بن سارية) قال في التقريب مقبولة من الثالثة (نهى أن
توطأ السبايا حتى يضعن ما في بطونهن) فيه دليل على أن يحرم على الرجل أن يطأ الأمة المسبية إذا
كانت حاملا حتى تضع حملها وروى أبو داود وأحمد عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سبي
أوطاس لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض حيضة وفيه دليل على أنه يحرم على
الرجل أن يطأ الأمة المسبية إذا كانت حاملا حتى تستبرئ بحيضة وقد ذهب إلى ذلك الشافعية
والحنفية والثوري والنخعي ومالك وظاهر قوله ولا غير حامل أنه يجب الاستبراء للبكر ويؤيده
القياس على العدة فإنها تجب مع العلم براءة الرحم وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن
الاستبراء إنما يجب في حق من لم تعلم براءة رحمها وأما من علمت براءة رحمها فلا استبراء في
حقها وقد روى عبد الرزاق عن ابن عمر أنه قال إذا كانت الأمة عذراء لم يستبرئها إن شاء وهو
في صحيح البخاري عنه ثم ذكر الشوكاني مؤيدات لهذا القول ثم قال ومن القائلين بأن
الاستبراء إنما هو للعلم ببراءة الرحم فحيث تعلم البراءة لا يجب وحيث لا يعلم ولا يظن يجب
151

أبو العباس بن سريج وأبو العباس بن تيمية وابن القيم ورجحه جماعة من المتأخرين منهم
الجلال والمقبلي والمغربي والأمير وهو الحق لأن العلة معقولة فإذا لم توجد مئنة كالحمل ولا مظنة
كالمرأة المزوجة فلا وجه يجاب الاستبراء والقول بأن الاستبراء تعبدي وأنه يجب في حق
الصغيرة وكذا في حق البكر والآيسة ليس عليه دليل انتهى كلام الشوكاني
قوله: (وفي الباب عن رويفع) بالتصغير وأخرج حديثه أحمد والترمذي وأبو داود عنه
مرفوعا من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقى ماءه ولد غيره وزاد أبو داود من كان يؤمن
بالله واليوم الآخر فلا يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها وفي لفظ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر
فلا ينكحن ثيبا من السبايا حتى تحيض رواه أحمد
قوله: (وحديث عرباض حديث غريب) وأخرجه ابن أبي شيبة من حديث علي بلفظ نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرئ بحيضة وفي إسناده ضعف
وانقطاع
قوله: (قال حدثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي سكن الشام روى
عن الأوزاعي وخلق وعنه علي بن خشرم وخلق قال في حاشية الأحمدية وفي نسخة صحيحة
علي بن يونس قلت هذا غلط والصواب عيسى بن يونس
(باب ما جاء في في طعام المشركين)
قوله: (سمعت قبيصة بن هلب) بضم الهاء وسكون اللام (قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن طعام
152

النصارى) وفي رواية سأله رجل فقال إن من الطعام طعاما أتحرج منه كذا في المشكاة (لا
يتخلجن في صدرك طعام) وفي رواية شئ مكان طعام ويتخلجن بالخاء المعجمة قال
التوربشتي يروى بالحاء المهملة وبالخاء المعجمة فمعناه بالمهملة لا يدخلن قلبك منه شئ فإنه
مباح نظيف وبالمعجمة لا يتحركن الشك في قلبك انتهى وقال في المجمع أصل الاختلاج
الحركة والاضطراب (ضارعت فيه النصرانية) أي شابهت لأجله أهل الملة النصرانية من حيث
امتناعهم إذا وقع في قلب أحدهم إنه حرام أو مكروه وهذا في المعنى تعليل النهي والمعنى لا
تتحرج فإنك إن فعلت ذلك ضارعت فيه النصرانية فإنه من دأب النصارى وترهيبهم وقال
الطيبي هو جواب شرط محذوف والجملة الشرطية مستأنفة لبيان الموجب أي لا يدخلن في
قلبك ضيق وحرج لأنك على الحنيفية السهلة السمحة فإنك إذا شددت على نفسك بمثل هذا
شابهت فيه الرهبانية فإن ذلك دأبهم وعادتهم قال تعالى (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها
عليهم) الآية
قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه أبو داود (قال محمود) هو ابن غيلان (عن مري) بضم
الميم وتشديد الراء المكسورة (قطري) بفتح القاف والطاء قال في التقريب مري بلفظ
النسب ابن قطري بفتحتين وكسر الراء مخففا الكوفي مقبول من الثالثة انتهى قلت ذكره ابن
حبان في الثقات وقال الذهبي لا يعرف تفرد عنه سماك
قوله: (والعمل على هذا عند أهل العلم من الرخصة في طعام أهل الكتاب) قد ذكر
الترمذي في الباب لفظ طعام المشركين وليس في الحديث ذكر المشركين فالظاهر أنه حمل المشركين
على أهل الكتاب في هذا الباب والله تعالى أعلم
153

(باب في كراهية التفريق بين السبي)
قوله: (أخبرني حيي) بضم أوله ويائين من تحت الأول مفتوحة ابن عبد الله بن شريح
المعافري المصري صدوق يهم من الثالثة
قوله: (من فرق بين والدة وولدها) أي بما يزيل الملك (فرق الله بينه وبين أحبته يوم
القيامة) قال المناوي التفريق بين أمة وولدها بنحو بيع حرام قبل التمييز عند الشافعي وقبل
البلوغ عند أبي حنيفة
قوله (وفي الباب عن علي) أخرجه الترمذي في باب كراهية أن يفرق بين الأخوين من
كتاب البيوع
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد والحاكم في المستدرك وقال صحيح
وتعقب قاله المناوي وتقدم هذا الحديث بهذا الاسناد في الباب المذكور وتقدم الكلام في هذه
المسألة هناك.
(باب ما جاء في قتل الأسارى والفداء)
قوله (هبط عليه) أي نزل عليه (فقال) أي جبريل (له) أي للنبي صلى الله عليه وسلم (خيرهم) بصيغة
154

الأمر من التخيير (يعني أصحابك) أي يريد بالضمير أصحابك وهذا التفسير إما من علي أو ممن
بعده من الرواة والمعنى قل لهم أنتم في أسارى بدر (القتل أو الفداء) بالنصب فيهما أي
فاختاروا القتل أو الفداء والمعنى أنكم مخيرون بين أن تقتلوا أسارى ولا يلحقكم ضرر من
العدو وبين أن تأخذوا منهم الفداء (على أن يقتل منهم) أي من الصحابة (قابل) كذا وقع في
بعض النسخ وفي بعضها قبل بالتنوين وهو الظاهر (مثلهم) يعني بعدد من يطلقون منهم يكون
الظفر للكفار فيها وقد قتل من الكفار يومئذ سبعون وأسر سبعون (قالوا) أي الصحابة
(الفداء) أي اخترنا الفداء (ويقتل منا) بالنصب بإضمار أن بعد الواو العاطفة على الفداء أي وأن
يقتل منا في العام المقبل مثلهم قال القاري وفي نسخة يعني من المشكاة بالرفع فيهما أي
اختيارنا فداءهم وقتل بعضنا بقتل من المسلمين يوم أحد مثل ما اقتدى المسلمون منهم يوم بدر
وقد قتل من الكفار يومئذ سبعون وأسر سبعون قال تعالى (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم
مثلها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم) وإنما اختاروا ذلك رغبة منهم في إسلام أسارى بدر
وفي نيلهم درجة الشهادة في السنة القابلة وشفقة منهم على الأسارى بمكان قرابتهم منهم قال
التوربشتي هذا الحديث مشكل جدا لمخالفته ما يدل على ظاهر التنزيل ولما صح من الأحاديث
في أمر أسارى بدر أن أخذ الفداء كان رأيا رأوه فعوتبوا عليه ولو كان هناك تخيير بوحي سماوي
لم تتوجه المعاتبة عليه وقد قال الله تعالى (ما كان لنبي أن تكون له أسرى) إلى قوله (لمسكم
فيما أخذتم عذاب عظيم) وأظهر لهم شأن العاقبة بقتل سبعين منهم بعد غزوة أحد عند نزول قوله
تعالى (وأما لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها) وممن نقل عنه هذا التأويل من الصحابة علي
رضي الله تعالى عنه فلعل عليا ذكر هبوط جبريل في شأن نزول هذه الآية وبيانها فاشتبه الأمر فيه
على بعض الرواة ومما جرأنا على هذا التقرير سوى ما ذكرناه هو أن الحديث تفرد به يحيى بن
زكريا بن أبي زائدة عن سفيان من بين أصحابه فلم يروه غيره والسمع قد يخطئ والنسيان
كثيرا يطرأ على الانسان ثم إن الحديث يروى عنه متصلا وروى عن غيره مرسلا فكان ذلك مما
يمنع القول لظاهره قال الطيبي أقول وبالله التوفيق لا منافاة بين الحديث والآية وذلك أن
التخيير في الحديث وارد على سبيل الاختيار والامتحان ولله أن يمتحن عباده بما شاء امتحن الله
تعالى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا
وزينتها فتعالين أمتعكن) الآيتين وامتحن الناس بتعليم السحر في قوله تعالى (وما يعلمان من
أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة) وامتحن الناس بالملكين وجعل المحنة في الكفر والإيمان بأن يقبل
العامل تعلم السحر فيكفر ويؤمن بترك تعلمه ولعل الله تعالى امتحن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بين
155

أمرين القتل والفداء وأنزل جبريل عليه السلام بذلك هل هم يختارون ما فيه رضا الله تعالى
من قتل أعدائه أم يؤثرون العاجلة من قبول الفداء فلما اختاروا الثاني عوقبوا بقوله تعالى (ما
كان لنبي أن تكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) قال القاري بعد ذكر هذا الكلام ما لفظه
قلت بعون الله إن هذا الجواب غير مقبول لأنه معلول ومدخول فإنه إذا صح التخيير لم يجز
العتاب والتعبير فضلا عن التعذيب والتعزير وأما ما ذكره من تخيير أمهات المؤمنين فليس فيه
أنهن لو اخترن الدنيا لعذبن في العقبى ولا في الأولى وغايته أنهن يحرمن من مصاحبة المصطفى
لفساد اختيارهن الأدنى بالأعلى وما قضية الملكين وقضية تعليم السحر فنعم امتحان من الله
وابتلاء لكن ليس فيه تخيير لأحد ولهذا قال المفسرون في قوله تعالى (من شاء فليؤمن ومن
شاء فليكفر) أنه أمر تهديد لا تخيير وأما قوله أم يؤثرون الأعراض العاجلة من قبول الفدية فلما
اختاروه عوقبوا بقوله (ما كان لنبي) الآية فلا يخفى ما فيه من الجرأة العظيمة والجناية الجسيمة
فإنهم ما اختاروا الفدية لا للتقوية على الكفار وللشفقة على الرحم ولرجاء أنهم يؤمنون أو في
أصلابهم من يؤمن ولا شك أن هذا وقع منهم اجتهادا وافق رأيه صلى الله عليه وسلم غايته أن اجتهاد عمر وقع
أصوب عنده تعالى فيكون من موافقات عمر رضي الله عنه ويساعدنا ما ذكره الطيبي من أنه
يعضده سبب النزول روى مسلم والترمذي عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنهم أنهم لما
أسروا الأسارى يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ما ترون في هؤلاء
الأسارى فقال أبو بكر يا رسول الله بنو العم والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا
قوة على الكفار فعسى الله أن يهديهم إلى الاسلام فقال صلى الله عليه وسلم ما ترى يا ابن الخطاب قلت لا
والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر ولكن أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم فإن هؤلاء
أئمة الكفر وصناديده فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت فلما كان من الغد فإذا
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدان يبكيان فقلت يا رسول الله أخبرني من أي شئ تبكي
وصاحبك فقال أبكي للذي عرض على
أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابهم
أدنى من هذه الشجرة وأنزل الله تعالى الآية انتهى قال القاري ويمكن أن يقال جمعا بين الآية
والحديث أن اختيار الفداء منهم أولا كان بالإطلاق ثم وقع التخيير بعده بالتقييد والله أعلم
قوله: (وفي الباب عن ابن مسعود وأنس وأبي برزة وجبير بن مطعم) أما حديث ابن
مسعود فأخرجه أبو داود وأما حديث أنس فأخرجه مسلم وأما حديث أبي برزة فلينظر من
أخرجه وأما حديث جبير بن مطعم فأخرجه البخاري
156

قوله (هذا حديث حسن غريب الخ) قال الطيبي قول ابن حبان هذا حديث غريب لا
يشعر بالطعن فيه لأن الغريب قد يكون صحيحا انتهى قال القاري وقد يكون ضعيفا
فيصلح للطعن في الجملة انتهى قلت الأمر كان قال الطيبي
قوله: (أبو داود الحفري) بفتح الحاء المهملة والفاء وبالراء نسبة إلى موضع بالكوفة (اسمه
عمر بن سعد) بن عبد ثقة عابد من التاسعة (فدي رجلين من المسلمين برجل من المشركين) زاد
في رواية أحمد من بني عقيل
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأخرجه مسلم مطولا
قوله: (وعم أبي قلابة هو أبو المهلب) بضم الميم وفتح الهاء وباللام المشددة المفتوحة
الجرمي البصري (واسمه عبد الرحمن بن عمر الخ ثقة من الثانية)
قوله: (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم الخ) قال الشوكاني في النيل مذهب
157

الجمهور أن الأمر في الأسارى الكفرة من الرجال إلى الإمام يفعل ما هو الأحظ للإسلام
والمسلمين وقال الزهري ومجاهد وطائفة لا يجوز أخذ الفداء من الكفار أصلا وعن الحسن
وعطاء لا تقتل الأسرى بل يتخير بين المن والفداء وعن مالك لا يجوز المن بغير فداء وعن
الحنفية لا يجوز المن أصلا لا بفداء ولا بغيره قال الطحاوي وظاهر الآية يعني قوله تعالى
فإما منا بعد وإما فداء حجة للجمهور وكذا حديث أبي هريرة في قصة ثمامة وقال أبو بكر
الرازي احتج أصحابنا لكراهية فداء المشركين بالمال بقوله تعالى لولا كتاب من الله سبق
الآية ولا حجة لهم في ذلك لأنه كان قبل حل الغنيمة كما قدمنا عن ابن عباس والحاصل أن
القرآن والسنة قاضيان بما ذهب إليه الجمهور فإنه قد وقع منه صلى الله عليه وسلم المن وأخذ الفداء ووقع منه
القتل فإنه قتل النضر ابن الحارث وعقبة بن معيط وغيرهما ووقع منه فداء رجلين من المسلمين
برجل من المشركين قال وقد ذهب إلى جواز فك الأسير من الكفار بالأسير من المسلمين جمهور أهل
العلم لحديث عمران بن حصين
(باب ما جاء في النهي عن قتل النساء والصبيان)
قوله (ونهى عن قتل النساء والصبيان) قال ابن الهمام ما أظن إلا أن حرمة قتل النساء
158

والصبيان إجماع وعن أبي بكر أنه أوصى يزيد بن أبي سفيان حين بعثه إلى الشام وقال لا تقتلوا
الولدان ولا النساء ولا الشيوخ الحديث قال لكن يقتل من قاتل من كل من قلنا إنه لا يقتل
كالمجنون والصبي والمرأة والشيوخ والرهبان إلا أن الصبي والمجنون يقتلان في حال قتالهما أما
غيرهما من النساء والرهبان ونحوهم فإنهم يقتلون إذا قاتلوا بعد الأسر والمرأة الملكة تقتل وإن لم
تقاتل وكذا الصبي الملك والمعتوه الملك لأن في قتل الملك كسر شوكتهم كذا في المرقاة قلت
في بعض كلام ابن الهمام هذا تأمل فتأمل
قوله: (وفي الباب عن بريدة ورباح ويقال رباح بن الربيع) قال الحافظ في الفتح رباح
بكسر الراء المهملة بعدها تحتانية وقال المنذري بالياء الموحدة ويقال بالياء التحتانية ورجح
البخاري أنه بالموحدة (والأسود بن سريع وابن عباس والصعب ابن جثامة) أما حديث بريدة
فأخرجه مسلم وإما حديث رباح فأخرجه أحمد وأبو داود وأما حديث الأسود بن سريع فأخرجه
أحمد وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد وفيه ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع وأما
حديث الصعب بن جثامة فأخرجه الترمذي في هذا الباب
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا النسائي
قوله: (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم الخ) قال الشوكاني أحاديث الباب تدل
على أنه لا يجوز قتل النساء والصبيان وإلى ذلك ذهب مالك والأوزاعي فلا يجوز ذلك عندهما
بحال من الأحوال حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان أو تحصنوا بحصن أو سفينة وجعلوا
معهم النساء والصبيان لم يجز رميهم ولا تحريقهم وذهب الشافعي والكوفيون إلى الجمع بين
الأحاديث المختلفة فقالوا إذا قاتلت المرأة جاز قتلها وقال ابن حبيب من المالكية لا يجوز القصد
إلى قتلها إذا قاتلت إلا إن باشرت القتل أو قصدت إليه ويدل على ما رواه أبو داود في المراسيل
عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بامرأة مقتولة يوم حنين فقال من قتل هذه فقال رجل أنا يا
رسول الله غنمتها فأردفتها خلفي فما رأت الهزيمة فيما أهوت إلى قائم سيفي لتقتلني فقتلتها
159

فلم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصله الطبراني في الكبير وفيه حجاج بن أرطأة وابن أبي شيبة عن
عبد الرحمن بن يحيى الأنصاري ونقل ابن بطال أنه اتفق الجميع على المنع من القصد إلى قتل
النساء والولدان أما النساء فلضعفهن وأما الولدان فلقصورهم عن فعل الكفار ولما في
استبقائهم جميعا من الانتفاع إما بالرق أو الفداء فيمن يجوز أن يفادي به انتهى (ورخص بعض
أهل العلم في البيات) بفتح الموحدة هو الغارة بالليل (وقتل النساء فيهم) أي في الكفار
(والولدان) عطف على النساء (وهو قول أحمد إسحاق رخصا في البيات) قال الحافظ في الفتح
قال أحمد لا بأس في البيات ولا أعلم أحدا كرهه انتهى
قوله: (أخبرني الصعب بن جثامة) بفتح الجيم وتشديد المثلثة الليثي صحابي عاش إلى
خلافة عثمان
قوله: (هم من آبائهم) وفي رواية البخاري هم منهم قال الحافظ أي في الحكم تلك
الحالة فليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى الاباء إلا
بوطء الذرية فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا النسائي وزاد أبو داود قال
الزهري ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان كذا في المنتقى قال الشوكاني استدل
به من قال إنه لا يجوز قتلهم مطلقا انتهى قال وهذه الزيادة أخرجها الإسماعيلي من طريق جعفر
الفريابي عن علي بن المديني عن سفيان بلفظ وكان الزهري إذا حدث بهذا الحديث قال وأخبرني أبي
ابن كعب بن مالك عن عمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث إلى ابن أبي الحقيق نهى عن قتل النساء
والصبيان وأخرجه أيضا ابن حبان مرسلا كأبي داود قال في الفتح وكأن الزهري أشار بذلك
إلى نسخ حديث الصعب انتهى
160

(باب)
قوله: (في بعث) أي في جيش (وإن النار لا يعذب بها إلا الله) هو خبر بمعنى النهي وقد
اختلف السلف في التحريق فكره ذلك عمر وابن عباس وغيرهما مطلقا سواء كان في سبب كفر أو
في حال مقاتلة أو في قصاص وأجازه علي وخالد بن الوليد وغيرهما قال المهلب ليس هذا النهي
على التحريم بل على سبيل التواضع ويدل على جواز التحريق فعل الصحابة وقد سمل
النبي صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين بالحديد وقد أحرق أبو بكر بالنار في حضرة الصحابة وحرق خالد بن
الوليد ناسا من أهل الردة وكذلك حرق علي
قوله: (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري وأبو داود
(باب ما جاء في الغلول)
قال المنذري في الترغيب الغلول هو ما يأخذه أحد الغزاة من الغنيمة مختصا به ولا يحضره
إلى أمير الجيش ليقسمه بين الغزاة سواء قل أو كثر وسواء كان الاخذ أمير الجيش أو أحدهم
161

واختلف العلماء في الطعام والعلوفة ونحوهما اختلافا كثيرا انتهى وقال الجزري في النهاية
الغلول الخيانة في المغنم والسرقة من الغنيمة قبل القسمة وكل من خان في شئ خفية فقد غل
وسميت غلولا لأن الأيدي فيها مغلولة أي ممنوعة مجعول فيها غل وهو الحديدة التي تجمع يد
الأسير إلى عنقه ويقال لها جامعة أيضا انتهى
قوله: (وهو برئ من الكبر) بكسر الكاف وسكون الموحدة وبالراء (والدين) بفتح الدال
المهملة وسكون التحتانية (دخل الجنة) يفهم منه أن من مات وهو ليس بريئا من هذه الثلاث لا
يدخل الجنة
قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني) أما حديث أبي هريرة فأخرجه
الشيخان وأما حديث زيد بن خالد فأخرجه مالك وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة
اعلم أن الترمذي لم يحكم على حديث ثوبان هذا بشئ من الصحة والضعف وقد
صححه الحاكم قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث رواه الترمذي والنسائي وابن
ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرطهما
قوله: (عن سعيد) هو ابن أبي عروبة (من فارق الروح الجسد) أي من فارق روحه
جسده وكذلك وقع في بعض نسخ الترغيب (الكنز) بفتح الكاف وسكون النون وبالزاي قال
في مجمع البحار لغة المال المدفون تحت الأرض فإذا أخرج منه الواجب لم يبق كنزا شرعا
وإن كان مكنوزا لغة ويشهد عليه ما ورد كل ما أديت زكاته فليس بكنز (هكذا قال سعيد
الكنز) يعني بالكاف والنون والزاي (وقال أبو عوانة في حديثه الكبر) يعني بالكاف الموحدة والراء
162

(ورواية سعيد أصح) قال البيهقي في كتابه عن أبي عبد الله يعني الحاكم الكنز مقيد بالزاي
والصحيح في حديث أبي عوانة بالراء
قوله: (حدثنا سماك أبو زميل) بضم الزاي المعجمة وفتح الميم مصغرا وسماك بكسر أوله
وتخفيف الميم وهو ابن الوليد اليمامي ليس به بأس من الثالثة (إن فلانا قد استشهد) بصيغة
المجهول أي صار شهيدا (قال كلا) زجر ورد لقولهم في هذا الرجل إنه شهيد محكوم له بالجنة أول
وهلة بل هو في النار بسبب غلوله (بعباءه) العباء والعباءة ضرب من الأكسية قاله الطيبي وقال
في القاموس العباء كساء كالعباءة
قوله: (هذا حديث حسن صحيح وأخرجه أحمد ومسلم وأحاديث الباب تدل على تحريم
الغلول من غير فرق بين القليل منه والكثير وقد ورد في حديث أبي هريرة عند مسلم لا يغل
أحدكم حين يغل وهو مؤمن ونقل النووي الاجماع على أنه من الكبائر وقد صرح القرآن والسنة
بأن الغال يأتي يوم القيامة والشئ الذي غله معه
(باب ما جاء في خروج النساء في الحرب)
قوله: (يسقين الماء ويداوين الجرحى) وفي حديث الربيع نسقي القوم ونخدمهم ونرد
القتلى والجرحى إلى المدينة وفي حديث أم عطية عند أحمد ومسلم وابن ماجة قالت غزوت مع
163

رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أخلفهم في رحا لهم وأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على
الزمني وفي هذه الأحاديث دليل على أنه يجوز خروج النساء في الحرب لهذه المصالح والجهاد
ليس بواجب على النساء يدل على ذلك حديث عائشة عند أحمد والبخاري قالت يا رسول الله نرى
الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد قال لكن أفضل الجهاد حج مبرور قال ابن بطال دل
حديث عائشة على أن الجهاد غير واجب على النساء ولكن ليس في قوله أفضل الجهاد حج
مبرور وفي رواية البخاري جهادكن الحج ما يدل على أنه ليس لهن أن يتطوعن بالجهاد وإنما
لم يكن واجبا لما فيه من مغايرة المطلوب منهن من الستر ومجانبة الرجال فلذلك كان الحج أفضل
لهن من الجهاد انتهى
قوله: (وفي الباب عن الربيع بنت معوذ) أخرجه أحمد والبخاري
قوله: (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
(باب ما جاء في قبول هدايا المشركين)
قوله: (عن ثوير) بضم الثاء المثلثة وفتح الواو مصغرا
قوله: (إن كسرى) بكسر الفاء وفتحها لقب ملوك الفرس (فقبل منهم) هذا الحديث من
الأحاديث التي تدل على جواز قبول هدايا المشركين وهي كثيرة وسيأتي التوفيق بينها وبين
الأحاديث التي تدل على المنع
قوله: (وفي الباب عن جابر) قال العيني في شرح البخاري روى في هذا الباب عن جماعة
من الصحابة عن جابر رضي الله عنه رواه ابن عدي في الكامل عنه قال أهدى النجاشي إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم قارورة من غالية وكان أول من عمل له الغالية قال العيني لم أجد في هدايا
الملوك له صلى الله عليه وسلم من حديث جابر إلا هذا الحديث والنجاشي كان قد أسلم ولا مدخل للحديث في
164

الباب إلا أن يكون أهداه له قبل إسلامه وفيه نظر ويحتمل أن يراد بالنجاشي نجاشي آخر من
ملوك الحبشة لم يسلم كما في الحديث الصحيح عند مسلم من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب
قبل موته إلى كسرى وقيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار يدعوهم الحديث وعن أبي حميد
الساعدي قال غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه وأهدى ملك أيلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء
فكساه رسول الله صلى الله عليه وسلم بردة وكتب له ببحرهم أخرجه الشيخان وعن أنس أخرجه مسلم
والنسائي من رواية قتادة عنه أن أكيدر دومة الجندل أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من سندس
ولأنس حديث آخر رواه ابن عدي في الكامل من رواية علي بن زيد عن أنس أن ملك الروم
أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ممشقة من سندس فلبسها أورده في ترجمة علي وضعفه قال العيني
الممشقة بضم الميم الأولى وفتح الثانية وتشديد الشين المعجمة وبالقاف هو الثوب المصبوغ
بالمشق بكسر الميم وهو المغيرة ولأنس حديث آخر رواه أبو داود من رواية عمارة بن زاذان عن
ثابت عن أنس أن ملك ذي يزن أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة أخذها بثلاثة وثلاثين ناقة فقبلها
وعن بلال بن رباح أخرجه أبو داود عنه حديثا مطولا وفيه ألم تر إلى الركائب المناخاة الأربع
فقلت بلى فقال إن لك رقابهن وما عليهن فإن عليهن كسوة وطعاما أهداهن إلي عظيم فدك
فاقبضهن فاقض دينك وعن حكيم بن حزام أخرجه أحمد في مسنده والطبراني في الكبير من رواية
عراك بن مالك أن حكيم بن حزام قال كان محمد أحب رجل في الناس إلي في الجاهلية فلما تنبأ
وخرج إلى المدينة شهد حكيم بن حزام الموسم وهو كافر فوجد حلة لذي يزن تباع فاشتراها
بخمسين دينارا ليهديها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم بها عليه المدينة فأراده على قبضها هدية فأبى قال
عبد الله حسبته قال إنا لا نقبل شيئا من المشركين ولكن إن شئت أخذناها بالثمن فأعطيته
حين أبى على الهداية انتهى ما في شرح البخاري للعيني
قوله: (وهذا حديث حسن غريب) وأخرجه أيضا البزار وأورده في التلخيص ولم يتكلم
عليه وفي إسناده ثوير بن أبي فاختة وهو ضعيف (وثوير هو ابن أبي فاختة) بخاء معجمة مكسورة
ومثناة مفتوحة (اسمه) أي اسم أبي فاختة (سعيد بن علاقة) بكسر العين المهملة
قوله (عن عياض) بكسر أوله وتخفيف التحتانية واخره ضاد معجمة (بن حمار) بكسر
المهملة وتخفيف الميم التميمي المجاشعي صحابي سكن البصرة وعاش إلى حدود الخمسين
165

قوله (إني نهيت) بصيغة المجهول (عن زبد المشركين) بفتح الزاي وسكون الباء الموحدة
وفي آخره دال مهملة وهو الرفد والعطاء
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود وصححه ابن خزيمة وفي
الباب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عند موسى بن عقبة في المغازي أن عامر بن مالك الذي
يدعي ملاعب الأسنة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشرك فأهدى له فقال إني لا أقبل هدية
المشركين الحديث قال في الفتح رجاله ثقات إلا أنه مرسل وقد وصله بعضهم ولا يصح
قوله: (واحتمل أن يكون هذا بعد ما كان يقبل منهم ثم نهى عن هداياهم قال الحافظ
في الفتح جمع الطبري بين هذه الأحاديث المختلفة بأن الامتناع فيما أهدى له خاصة والقبول فيما
أهدى للمسلمين وفيه نظر لأن من جملة أدلة الجواز ما وقعت الهدية فيه له صلى الله عليه وسلم خاصة وجمع غيره
بأن الامتناع في حق من يريد بهديته التودد والموالاة والقبول في حق من يرجى بذلك تأنيسه وتأليفه
على الاسلام وهذا أقوى من الأول وقيل يحمل القبول على من كان من أهل الكتاب والرد على من كان
من أهل الأوثان وقيل يمتنع ذلك لغيره من الأمراء وأن ذلك من خصائصه ومنهم من
ادعى نسخ المنع بأحاديث القبول ومنهم من عكس وهذه الأجوبة الثلاثة ضعيفة فالنسخ لا
يثبت بالاحتمال ولا التخصيص انتهى كلام الحافظ قلت يدل على قول من ادعى نسخ المنع بأحاديث القبول ما رواه أحمد عن عامر بن
عبد الله بن الزبير قال قدمت قتيلة ابنة عبد العزي بن سعد على ابنتها أسماء بهدايا ضباب وأقط
وسمن وهي مشركة فأبت أسماء أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل
الله تعالى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين إلى آخر الآية فأمرها أن تقبل هديتها
وأن تدخلها بيتها كذا في المنتقى
166

ولا يبعد أن يقال إن الأصل هو عدم جواز قبول هدايا المشركين لكن إذا كانت في قبول
هداياهم مصلحة عامة أو خاصة فيجوز قبولها والله تعالى أعلم
(باب ما جاء في سجدة الشكر)
قوله: (حدثنا بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة) قال الحافظ صدوق يهم (عن أبيه) أي
عبد العزيز بن أبي بكرة وهو صدوق (عن أبي بكرة) صحابي اسمه نقيع بن الحارث
قوله: (فسر به) بصيغة المجهول أي فصار مسرورا به (فخر) من الخرور
قوله: (هذا حديث حسن غريب) أخرجه الخمسة إلا النسائي قال الشوكاني في إسناده
بكار بن عبد العزيز وهو ضعيف عند العقيلي وغيره وقال ابن معين إنه صالح الحديث انتهى
وقال الحافظ صدوق يهم وفي الباب أحاديث كثيرة قال البيهقي في الباب عن جابر وابن عمر
وأنس وجرير وأبي جحيفة انتهى وقال المنذري وقد جاء حديث سجدة الشكر من حديث البراء
بإسناد صحيح ومن حديث كعب بن مالك وغير ذلك انتهى
قلت وفي الباب أيضا عن عبد الرحمن بن عوف أخرجه أحمد والبزار والحاكم عن سعد بن
أبي وقاص أخرجه أبو داود وقال في المنتقى وسجد أبو بكر حين جاء قتل مسيلمة رواه
سعيد بن منصور وسجد على حين وجد ذا الثدية في الخوارج رواه أحمد في مسنده وسجد
كعب بن مالك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لما بشر بتوبة الله عليه وقصته متفق عليها
قوله: (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم رأوا سجدة الشكر) قال الشوكاني في النيل
بعد ذكر أحاديث سجود الشكر ما لفظه وهذه الأحاديث تدل على مشروعية سجود الشكر وإلى
ذلك ذهب العترة وأحمد والشافعي وقال مالك وهو مروي عن أبي حنيفة أنه يكره إذا لم يؤثر عنه
صلى الله عليه وسلم مع تواتر النعم عليه صلى الله عليه وسلم وفي رواية عن أبي حنيفة أنه مباح لأنه لم يؤثر وإنكار ورود سجود
الشكر عن النبي صلى الله عليه وسلم من مثل هذين الامامين مع وروده عنه صلى الله عليه وسلم من هذه الطرق التي ذكرها
167

المصنف وذكرناها من الغرائب ومما يؤيد ثبوت سجود الشكر قوله صلى الله عليه وسلم في حديث سجدة ص:
هي لنا شكر ولداود توبة
(باب ما جاء في أمان المرأة والعبد)
قوله: (إن المرأة لتأخذ للقوم) أي تأخذ الأمان على المسلمين أي جاز أن تأخذ المرأة
المسلمة الأمان للقوم (يعني تجير على المسلمين) يقال أجرت فلانا على فلان أغثته منه ومنعته وإنما
فسره به لإبهامه فإن مفعول قوله لتأخذ محذوف أي الأمان والدال عليه قرائن الأحوال قاله
الطيبي
قوله: (وفي الباب عن أم هانئ) أخرجه الشيخان وفيه قوله صلى الله عليه وسلم قد أجرنا من أجرت يا
أم هانئ وأخرجه الترمذي أيضا مختصرا في هذا الباب
قوله: (وهذا حديث حسن غريب) ذكره الشوكاني في النيل وسكت عنه
قوله: (عن أبي مرة) بضم الميم وشدة الراء اسمه يزيد مدني مشهور بكنيته ثقة من الثالثة
(عن أم هانئ) بكسر نون وبهمزة اسمها فاختة وقيل عاتكة وقيل هند بنت أبي طالب أسلمت عام
فتح مكة (أجرت رجلين من أحمائي) جمع حمو قريب الزوج (قد أمنا) أي أعطينا الأمان
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان مطولا
168

(باب ما جاء في الغدر)
قوله: (أخبرني أبو الفيض) اسمه موسى بن أيوب ويقال ابن أبي أيوب المهري الحمصي
مشهور بكنيته ثقة من الرابعة (قال سمعت سليم بن عامر) بضم السين وفتح اللام مصغرا
الكلاعي ويقال الخبائري الحمصي ثقة من الثالثة غلط من قال إنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم
قوله: (كان بين معاوية وبين أهل الروم عهد) أي إلى وقت معهود (وكان يسير في بلادهم)
أي يذهب معاوية قبل انقضاء العهد ليقرب من بلادهم حين انقضى العهد (حتى إذا انقضى
العهد) أي زمانه (وهو يقول الله أكبر وفاء لا غدر) فيه اختصار وحذف لضيق المقام أي ليكن
منكم وفاء لا غدر يعني بعيد من أهل الله وأمة محمد صلى الله عليه وسلم ارتكاب الغدر وللاستبعاد صدر
الجملة بقوله الله أكبر (وإذا هو عمرو بن عبسة) بفتح العين المهملة والباء الموحدة والسين
المهملة كنيته أبو نجيح أسلم قديما في أول الاسلام قيل كان رابع أربعة في الاسلام عداده في
الشاميين قال في شرح السنة وإنما كره عمرو بن عبسة ذلك لأنه إذا هادنهم إلى مدة وهو مقيم في
وطنه فقد صارت مدة مسيرة بعد انقضاء المدة المضروبة كالمشروط مع المدة في أن لا يغزوهم
فيها فإذا صار إليهم في أيام الهدنة كان إيقاعه قبل الوقت الذي يتوقعونه فعد ذلك عمرو غدرا
169

وأما إن نقض أهل الهدنة بأن ظهرت منهم خيانة فله أن يسير إليهم على غفلة منهم (فسأله معاوية
عن ذلك) أي عن دليل ما ذكره (فلا يحلن عهدا) أي عقد عهد (ولا يشدنه) أراد به المبالغة عن
عدم التغيير وإلا فلا مانع من الزيادة في العهد والتأكيد والمعنى لا يغيرن عهدا ولا ينقضه بوجه
(حتى يمضي أمده) بفتحتين أي تنقضي غايته (أو ينبذ) بكسر الباء أي يرمي عهدهم (إليهم) بأن
يخبرهم بأنه نقض العهد على تقدير خوف الخيانة منهم (على سواء) أي ليكون خصمه مساويا معه
في النقض كيلا يكون ذلك منه غدرا لقوله تعالى وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على
سواء قال الطيبي على سواء حال قال المظهر أي يعلمهم أنه يريد أن يغزوهم وأن الصلح
قد ارتفع فيكون الفريقان في علم ذلك سواء
قوله: (هذا حديث صحيح) وأخرجه أبو داود
(باب ما جاء أن لكل غادر لواء يوم القيامة)
قوله: (حدثني صخر بن جويرية) أبو نافع مولى بني تميم أو بني هلال قال أحمد ثقة وقال
القطان ذهب كتابة ثم وجده فتكلم فيه لذلك من السابعة (إن الغادر) الغدر ضد الوفاء أي
الخائن لإنسان عاهده أو أمنه (لواء) أي علم خلفه تشهيرا له بالغدر وتفضيحا على رؤوس
الأشهاد (يوم القيامة) زاد في رواية أبي داود وغيره فيقال هذه غدرة فلان بن فلان
قوله: (وفي الباب عن علي وعبد الله بن مسعود وأبي سعيد الخدري وأنس) أما حديث
170

علي وابن مسعود فلينظر من أخرجه وأما حديث علي فأخرجه مسلم وأما حديث أنس
فأخرجه الشيخان
قوله: (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
(باب ما جاء في النزول على الحكم)
أي نزول العدو على حكم رجل من المسلمين
قوله: (رمي يوم الأحزاب) أي يوم غزوة الخندق (سعد بن معاذ) نائب الفاعل (فقطعوا) أي
الكفار (أكحلة) أي أكحل سعد والأكحل عرق في وسط الذراع يكثر قصده (أو) للشك
(أبحلة) الأبحل بالموحدة والجيم عرق في باطن الذراع (فحسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنار) أي قطع
الدم عنه بالكي (فنزفه) أي خرج منه دم كثير حتى ضعف (فحسمه أخرى) أي مرة أخرى (فلما
رأى ذلك) أي فلما رأى سعد عدم قطع الدم (اللهم لا تخرج نفسي) من الاخراج (حتى تقر عيني)
من الاقرار وهو من القر بمعنى البرد والمعنى لا تميتني حتى تجعل قرة عيني من هلاك بني قريظة
(فحكم أن تقتل رجالهم وتستحيي نساؤهم) وفي حديث أبي سعيد عند الشيخين فإني أحكم أن
تقتل مقاتلتهم وتسبي ذراريهم (يستعين بهن المسلمون) أي تقسم نساؤهم بين المسلمين
فيستعينون بهن ويستخدمون منهن (وكانوا أربعمائة) اختلف في عدتهم فعند ابن إسحاق أنهم
كانوا ستمائة وبه جزم أبو عمر بن عبد البر في ترجمة سعد بن معاذ وعند ابن عائذ من مرسل قتادة
171

كانوا سبعمائة وفي حديث جابر هذا كانوا أربعمائة فيجمع أن الباقين كانوا أتباعا وقد حكى ابن
إسحاق أنه قيل إنهم كانوا تسعمائة (انفتق عرقه) أي انفتح وفي الحديث دليل على أنه يجوز
نزول العدو على حكم من المسلمين ويلزمهم ما حكم به عليهم من قتل أو أسر واسترقاق
وقد ذكر ابن إسحاق أن بني قريظة لما نزلوا على حكم سعد جلسوا في دار بنت الحارث وفي رواية
أبي الأسود عن عروة بن دار أسامة بن زيد ويجمع بينهما بأنهم جعلوا في البيتين ووقع في حديث
جابر عند ابن عائذ التصريح بأنهم جعلوا في بيتين قال ابن إسحاق فخندقوا لهم خنادق
فضربت أعناقهم فجرى الدم في الخندق وقسم أموالهم ونساءهم وأبناءهم على المسلمين وأسهم
للخيل فكان أول يوم وقعت فيه السهمان لها وعند ابن سعد من مرسل حميد بن بلال أن
سعد بن معاذ حكم أيضا أن تكون دورهم للمهاجرين دون الأنصار فلامه الأنصار فقال إني
أحببت أن يستغنوا عن دوركم
قوله: (وفي الباب عن أبي سعيد وعطية القرظي) أما حديث أبي سعيد فأخرجه الشيخان
وأما حديث عطية القرظي فأخرجه الترمذي في هذا الباب
قوله: (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه النسائي وابن حبان
قوله: (اقتلوا شيوخ المشركين) أي الرجال الأقوياء أهل النجدة والبأس لا الهرمي الذين لا
قوة لهم ولا رأي (واستحيوا) وفي رواية واستبقوا (شرخهم) بفتح الشين المعجمة وسكون الراء
وبالخاء المعجمة قال المناوي أي المراهقين الذين لم يبلغوا الحلم فيحرم قتل الأطفال والنساء
انتهى (والشرخ الغلمان الذين لم ينبتوا) من الانبات أي لم ينبت شعر عانتهم
قوله: (هذا حديث صحيح غريب) وأخرجه أحمد وأبو داود
172

قوله: (عن عطية القرظي) بضم القاف وفتح الراء بعدها ظاء مشالة صحابي صغير له
حديث يقال سكن الكوفة (قال عرضنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي المشكاة قال كنت في سبي بني
قريظة الخ (يوم قريظة) يعني يوم غزوة بني قريظة (فكان من أنبت) أي الشعر (قتل) فإنه
من علامات البلوغ فيكون من المقاتلة (فخلى سبيله) أي لم يقتل
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وابن ماجة والدارمي
قوله: (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم أنهم يرون الانبات بلوغا إن لم يعرف
احتلامه ولا سنة) قال التوربشتي وإنما اعتبر الانبات في حقهم لمكان الضرورة إذ لو سئلوا عن
الاحتلام أو مبلغ سنهم لم يكونوا يتحدثوا بالصدق إذ رأوا فيه الهلاك انتهى (وهو قول أحمد
وإسحاق) فقد تقدم الكلام في هذه المسألة في باب حد بلوغ الرجل والمرأة
(باب ما جاء في الحلف)
بكسر الحاء وسكون اللام وبالفاء
قوله: (أوفوا) من الوفاء وهو القيام بمقتضى العهد (بحلف الجاهلية) أي العهود التي وقعت
فيها مما لا يخالف الشرع لقوله تعالى أوفوا بالعقود لكنه مقيد بما قال الله تعالى وتعاونوا على
البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان (فإنه) أي الاسلام (لا يزيده) أي حلف الجاهلية
173

الذي ليس بمخالف للإسلام (إلا شدة) أي شدة توثق فيلزمكم الوفاء به قال القاري فإن
الاسلام أقوى من الحلف فمن استمسك بالعاصم القوي استغنى عن العاصم الضعيف قال
في النهاية أصل الحلف المعاقدة على التعاضد والتساعد والاتفاق فما كان منه في الجاهلية على
الفتن والقتال بين القبائل فذلك الذي ورد النهي عنه في الاسلام بقوله صلى الله عليه وسلم لا حلف في
الاسلام وما كان منه في الجاهلية على نصرة المظلوم وصلة الأرحام ونحوهما فذلك الذي قال فيه
صلى الله عليه وسلم أيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الاسلام إلا شدة (ولا تحدثوا) من الاحداث أي لا تبتدعوا
(حلفا في الاسلام) قال المناوي لا تحدثوا فيه محالفة بأن يرث بعضكم بعضا فإنه لا عبرة فيه
انتهى وقال القاري أي لأنه كاف في وجوب التعاون قال الطيبي التنكير فيه يحتمل وجهين
أحدهما أن يكون للجنس أي لا تحدثوا حلفا ما والاخر أن يكون للنوع قال القاري الظاهر هو
الثاني ويؤيده قول المظهر يعني إن كنتم حلفتم في الجاهلية بأن يعين
بعضكم بعضا ويرث بعضكم من بعض فإذا أسلمتم فأوفوا به فإن الاسلام يحرضكم على الوفاء به ولكن لا تحدثوا
محالفة في الاسلام بأن يرث بعضكم من بعض انتهى
قوله: (وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف الخ) أما حديث جبير بن مطعم فأخرجه
مسلم وأبو داود عنه مرفوعا لا حلف في الاسلام وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الاسلام إلا
شدة وأما أحاديث عبد الرحمن وغيره فلينظر من أخرجها
قوله: (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد
(باب أخذ الجزية من المجوسي)
الجزية من جزأت الشئ إذا قسمته ثم سهلت الهمزة وقيل من الجزاء أي لأنها جزاء
تركهم ببلاد الاسلام أو من الاجزاء لأنها من تواضع عليه في عصمة دمه قال الله تعالى حتى
يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون أي ذليلون حقيرون وهذه الآية هي الأصل في مشروعية
174

الجزية ودل منطوق الآية مع أهل الكتاب ومفهومها أن غيرهم لا يشاركهم
فيها قال أبو عبيد ثبتت الجزية على اليهود والنصارى بالكتاب وعلى المجوس بالسنة واحتج
غيره بعموم قوله في حديث بريدة وغيره فإذا ألفيت عدوك من المشركين فادعهم إلى الاسلام فإن
أجابوا وإلا فالجزية واحتجوا أيضا بأن أخذها من المجوس يدل على ترك مفهوم الآية فلما انتقى
تخصيص أهل الكتاب بذلك دل على أن لا مفهوم لقوله من أهل الكتاب وأجيب بأن المجوس
كان لهم كتاب ثم رفع وروى الشافعي وغيره حديثا عن علي ذكره الحافظ في الفتح بإسناد
حسن
قوله: (عن بجالة) بفتح الموحدة وتخفيف الجيم (بن عبدة) التميمي مكي ثقة ويعد في أهل
البصرة (قال كنت كاتبا لجزء بن معاوية) بفتح الجيم وسكون الزاي وبهمزة هو تميمي تابعي كان
والي عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بالأهواز (على مناذر) بفتح الميم اسم موضع (انظر
مجوس من قبلك) بكسر القاف وفتح الموحدة (أخذ الجزية من مجوس هجر) بفتح هاء وجيم قاعدة
أرض البحرين كذا في المغنى وهو غير منصرف قال الطيبي اسم بلد باليمن يلي البحرين
واستعماله على التذكير والصرف وقال في القاموس هجر محركة بلد باليمن بينه وبين عثر يوم
وليلة مذكر مصروف وقد يؤنث ويمنع واسم لجميع أرض البحرين وقرية كانت قرب المدينة
ينسب إليها القلال وتنسب إلى هجر اليمنى قال في شرح السنة أجمعوا على أخذ الجزية من
المجوس وذهب أكثرهم إلى أنهم ليسوا من أهل الكتاب وإنما أخذت الجزية منهم بالسنة كما
أخذت من اليهود والنصارى بالكتاب وقيل هم من أهل الكتاب روى عن علي كرم الله وجهه
قال كان لهم كتاب يدرسونه فأصبحوا وقد أسرى على كتابهم فرفع بين أظهرهم كذا في المرقاة
قلت قال الحافظ روى الشافعي وعبد الرزاق وغيرهما بإسناد حسن عن علي كان
المجوس أهل كتاب يقرأونه وعلم يدرسونه فشرب أميرهم الخمر فوقع على أخته فلما أصبح دعا
أهل الطمع فأعطاهم وقال إن ادم كان ينكح أولاده بناته فأطاعوه وقتل من خالفه فأسرى على
كتابهم وعلى ما في قلوبهم منه فلم يبق عندهم منه شئ انتهى والحديث دليل على أن المجوس
يؤخذ منهم الجزية وفرق الحنفية فقالوا تؤخذ من مجوس العجم دون مجوس العرب وحكى
الطحاوي عنهم يقبل الجزية من أهل الكتاب ومن جميع كفار العجم ولا يقبل من مشركي العرب
175

إلا الاسلام أو السيف وعن مالك تقبل من جميع الكفار إلا من ارتد وبه قال الأوزاعي وفقهاء
الشام انتهى وقال القاري في شرح حديث بريدة الآتي في باب وصية النبي صلى الله عليه وسلم في القتال ما
لفظه والحديث مما يستدل به مالك والأوزاعي ومن وافقهما على جواز أخذ الجزية من كل كافر
عربيا كان أو عجميا كتابيا أو غير كتابي وقال أبو حنيفة تؤخذ الجزية من جميع الكفار إلا من
مشركي العرب ومجوسهم وقال الشافعي لا تقبل إلا من أهل الكتاب والمجوس أعرابا كانوا أو
أعاجم ويحتج بمفهوم الآية وبحديث سنوا به سنة أهل الكتاب وتأول هذا الحديث على أن
المراد بهؤلاء أهل الكتاب لأن اسم المشرك يطلق على أهل الكتاب وغيرهم وكان تخصيصه معلوما
عند الصحابة انتهى ما في المرقاة
قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد والبخاري وأبو داود
قوله: (وفي الحديث كلام أكثر من هذا) لهذا الحديث طرق وألفاظ بعضها اختصار وفي
بعضها طول ذكرها الشوكاني في النيل
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أصله في صحيح البخاري
(باب ما جاء ما يحل من أموال أهل الذمة)
قوله: (عن أبي لخير) اسمه مرثد بن عبد الله اليزني المصري ثقة فقيه من الثالثة (إنما نمر
بقوم) أي من أهل الذمة أو من المسلمين (فلاهم يضيفونا) بتشديد النون وكان أصله يضيفوننا
176

من الإضافة (إن أبوا) أي إن امتنعوا من الإضافة وأداء ما لكم عليهم من الحق (إلا أن تأخذوا
كرها) بفتح الكاف أي جبرا (فخذوا) أي كرها قال الخطابي إنما كان يلزم ذلك في زمنه صلى الله عليه وسلم
حيث لم يكن بيت مال وأما اليوم فأرزاقهم في بيت المال لا حق لهم في أموال المسلمين وقال ابن
بطال قال أكثرهم إنه كان هذا في أول الاسلام حيث كانت المواساة واجبة وهو منسوخ بقوله
" جائزته " كما في حديث أبي شريح الخزاعي مرفوعا من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه
جائزته الحديث قالوا والجائزة تفضل لا واجب قال الشوكاني الذي ينبغي عليه التعويل هو
أن تخصيص ما شرعه صلى الله عليه وسلم لأمته بزمن من الأزمان أو حال من الأحوال لا يقبل إلا بدليل ولم يقم
ههنا دليل على تخصيص هذا الحكم بزمن النبوة وليس فيه مخالفة للقواعد الشرعية لأن مؤنة
الضيافة بعد شرعتها قد صارت لازمة للمضيف لكل نازل عليه فللنازل المطالبة بهذا الحق
الثابت شرعا كالمطالبة بسائر الحقوق فإذا أساء إليه بإهمال حقه كان له مكافأة بما
أباحه له الشارع في هذا الحديث (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل
ما اعتدى عليكم) انتهى
قلت: كما أن تأويل هذا الحديث بتخصيصه بزمنه صلى الله عليه وسلم ضعيف كذلك تأويلاته الأخرى التي
تأولوه بها ضعيفة لا دليل عليها قال النووي حمل أحمد والليث الحديث على ظاهره وتأوله
الجمهور على وجوه أحدها أنه محمول على المضطرين فإن ضيافتهم واجبة وثانيها أن معناه أن
لكم أن تأخذوا من أعراضهم بألسنتكم وتذكروا للناس لؤمهم وثالثها أن هذا كان في أول
الاسلام وكانت المواساة واجبة فلما أشيع الاسلام نسخ ذلك وهذا التأويل باطل لأن الذي
ادعاه المؤول لا يعرف قائله ورابعها أنه محمول على من مر بأهل الذمة الذين شرط عليهم ضيافة من يمر بهم
من المسلمين وهذا أيضا ضعيف لأنه إنما صار هذا في زمن عمر بن الخطاب رضي الله
تعالى عنه انتهى قلت التأويل الثاني أيضا باطل قال القاري بعد ذكره ما أبعد هذا التأويل عن
سواء السبيل انتهى والتأويل الأول أيضا ضعيف لا دليل عليه فالظاهر هو ما قال أحمد والليث
من أن الحديث محمول على ظاهره ألا وقد قرره الشوكاني وأما المعنى الذي ذكره الترمذي وقال
هكذا روى في بعض الحديث مفسرا فإني لم أقف على هذا الحديث فإن كان هذا الحديث المفسر
قابلا للاحتجاج فحمل حديث الباب على هذا المعنى متعين والله تعالى أعلم
قوله: (هذا حديث حسن) أصله في الصحيحين
177

(باب ما جاء في الهجرة)
قوله: (لا هجرة بعد الفتح) أي فتح مكة قال الخطابي وغيره كان الهجرة فرضا في أول
الاسلام على من أسلم لقلة المسلمين بالمدينة وحاجتهم إلى الاجتماع فلما فتح الله مكة دخل
الناس في دين الله أفواجا فسقط فرض الهجرة إلى المدينة وبقي فرض الجهاد والنية على من قام به
أو نزل به عدو انتهى وكانت الحكمة أيضا في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من أذى ذويه
من الكفار فإنهم كانوا يعذبون من أسلم منهم إلى أن يرجع عن دينه وفيهم نزلت إن الذين
توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض
الله واسعة فتهاجروا فيها الآية وهذه الهجرة باقية الحكم في حق من أسلم في دار الكفر وقدر
على الخروج منها وقد روى النسائي من طريق بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده
مرفوعا لا يقبل الله من مشرك عملا بعدما أسلم ويفارق المشركين ولأبي داود من حديث سمرة
مرفوعا أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين وهذا محمول على من لم يأمن على دينه
(ولكن جهاد ونية) قال الطيبي وغيره هذا الاستدراك يقتضي مخالفة حكم ما بعده لما قبله
والمعنى أن الهجرة التي هي مفارقة الوطن التي كانت مطلوبة على الأعيان إلى المدينة انقطعت إلا
أن المفارقة بسبب الجهاد باقية وكذلك المفارقة بسبب نية صالحة كالفرار من دار الكفر والخروج
في طلب العلم والفرار بالدين من الفتن والنية في جميع ذلك (وإذا استنفرتم فانفروا) قال
النووي يريد أن الخير الذي انقطع بانقطاع الهجرة يمكن تحصيله بالجهاد والنية الصالحة وإذا
أمركم الامام بالخروج إلى الجهاد ونحوه من الأعمال الصالحة فاخرجوا إليه
178

قوله: (وفي الباب عن أبي سعيد وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن حبشي) وأما حديث
هؤلاء الصحابة رضي الله تعالى عنهم فلينظر من أخرجها
قوله: (وهذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا ابن ماجة
(باب ما جاء في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم)
قوله: (إذ يبايعوك) أي بالحديبية على أن يناجزوا قريشا ولا يسفروا (تحت الشجرة) كانت
هذه الشجرة سمرة (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت) وفي حديث
يزيد بن أبي عبيد الآتي قال قلت لسلمة بن الأكوع على أي شئ بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
الحديبية قال على الموت ولا تنافي بين هذين الحديثين لاحتمال أن يكون ذلك في مقامين أو
أحدهما يستلزم الاخر قاله الحافظ
قوله: (وفي الباب عن سلمة بن الأكوع وابن عمر وعبادة وجرير بن عبد الله) أما حديث
سلمة فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري وأما حديث
عبادة فأخرجه البخاري ومسلم وأما حديث جرير بن عبد الله فأخرجه البخاري
179

قوله: (قال على الموت) أي بايعنا على الموت والمراد بالمبايعة على الموت أن لا يفروا ولو
ماتوا وليس المراد أن يقع الموت فليس بين هذا الحديث والذي قبله منافاة
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه البخاري وغيره
قوله: (فيقول) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيما استطعتم) هذا يقيد ما أطلق في أحاديث أخرى
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري
قوله: (هذا) أي حديث جابر (حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
قوله: (ومعنى كلا الحديثين صحيح) أي لا مخالفة بينهما والمراد بالحديثين حديث جابر
وحديث سلمة بن الأكوع
180

(باب في نكث البيعة)
أي نقضها والنكث نقض العهد
قوله: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة) قال النووي قيل معنى لا يكلمهم الله تكليم من
رضي عنه بإظهار الرضا بل بكلام يدل على السخط وقيل المراد أنه يعرض عنهم وقيل لا
يكلمهم كلاما يسرهم وقيل لا يرسل إليهم الملائكة بالتحية ومعنى لا ينظر إليهم يعرض
عنهم ومعنى نظره لعباده رحمته لهم ولطفه بهم ومعنى لا يزكيهم لا يطهرهم من الذنوب
وقيل لا يثني عليهم انتهى (رجل بايع إماما) زاد في رواية البخاري لا يبايعه إلا لدنيا (فإن
أعطاه وفى له) وفي رواية البخاري فإن أعطاه ما يريد وفى له وإن لم يف له وفي رواية فإن
أعطاه ما يريد رضي وإلا سخط
اعلم أن الترمذي رحمه الله ذكر واحدا من الثلاثة وترك الاثنين اختصارا ولفظ الحديث
بتمامه في صحيح البخاري هكذا ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكهم ولهم عذاب أليم
رجل على فضل ماء بالطريق يمنع منه ابن السبيل ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه
ما يريد وفى له وإلا لم يف له ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف بالله لقد أعطى كذا
وكذا فصدقه فأخذها ولم يعط بها
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم
(باب ما جاء في بيعة العبد)
قوله: (فجاء سيده) وفي رواية مسلم فجاء سيده يريده (فاشتراه بعبدين أسودين) قال
181

النووي هذا محمول على أن سيده كان مسلما ولهذا باعه بالعبدين الأسودين والظاهر أنهما كانا
مسلمين ولا يجوز بيع العبد المسلم بكافر ويحتمل أنه كان كافرا وأنهما كانا كافرين ولا بد من
ثبوت ملكه للعبد الذي بايع على الهجرة إما ببينة وإما بتصديق العبد قبل إقراره بالحرية وفيه
جواز بيع عبد بعبدين سواء كانت القيمة متفقة أو مختلفة وهذا مجمع عليه إذا بيع نقدا وكذا
حكم سائر الحيوان فإن باع عبدا بعبدين أو بعيرا ببعيرين إلى أجل فمذهب الشافعي والجمهور
جوازه وقال أبو حنيفة والكوفيون لا يجوز وفيه مذهب لغيرهم انتهى (ولم يبايع أحدا بعد)
بالبناء على الضم أي بعد ذلك (حتى يسأله أعبد هو) بهمزة الاستفهام وفيه أن أحدا إذا جاء
الامام ليبايعه على الهجرة ولا يعلم أنه عبد أو حر فلا يبايعه حتى يسأله فإن كان حرا يبايعه وإلا
فلا
قوله: (وفي الباب عن ابن عباس) لم أقف عليه (حديث جابر حديث حسن غريب
صحيح) وأخرجه مسلم (ولا نعرفه إلا من حديث أبي الزبير) أي تفرد به أبو الزبير عن جابر وهذا
هو وجه كونه غريبا
(باب ما جاء في بيعة النساء)
قوله: (سمع أميمة) بضم الهمزة وفتح الميمين بينهما تحتانية ساكنة (بنت رقيقة) بضم الراء
وفتح القافين بينهما تحتانية ساكنة قال في التقريب اسم أبيها عبد الله بن بجاد التيمي لها حديثان
وهي غير أميمة بنت رقيقة الثقفية تابعية
قوله: (وأطقتن) من الإطاقة (قال سفيان تعني صافحنا) أي قال سفيان في تفسير قول
182

أميمة بايعنا تريد به صافحنا يعني أطلقت لفظ بايعنا وأرادت به صافحنا (فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قولي الخ) كذا روى الترمذي هذا الحديث مختصرا ورواه النسائي والطبري
أنها دخلت في نسوة تبايع فقلن يا رسول الله ابسط يدك نصافحك فقال إني لا أصافح النساء
ولكن سآخذ عليكن فأخذ علينا حتى بلغ ولا يعصينك في معروف فقال فيما أطقتن واستطعتن
إلخ
قوله: (وفي الباب عن عائشة وعبد الله بن عمرو وأسماء بنت يزيد) أما حديث عائشة
فأخرجه البخاري وغيره وفيه والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ما يبايعهن إلا بقوله قد
بايعتك على ذلك قال الحافظ قوله قد بايعتك كلاما أي يقول ذلك كلاما فقط لا مصافحة
باليد كما جرت العادة بمصافحة الرجال عند المبايعة وكأن عائشة أشارت بقولها والله ما مست الخ
إلى الرد على ما جاء عن أم عطية فعند ابن خزيمة وابن حبان والبزار والطبري وابن مردويه من
طريق إسماعيل بن عبد الرحمن عن جدته أم عطية في قصة المبايعة قال فمد يده من خارج البيت
ومددنا أيدينا من داخل البيت ثم قال لهم اشهد وكذا الحديث الذي بعده حيث قالت فيه
قبضت منا امرأة يدها فإنه يشعر بأنهن كن يبايعنه بأيديهن ويمسكن الجواب عن الأول بأن مد
الأيدي من وراء الحجاب إشارة إلى وقوع المبايعة وإن لم تقع مصافحة وعن الثاني بأن المراد
بقبض اليد التأخر عن القبول أو كانت المبايعة تقع بحائل فقد روى أبو داود في المراسيل عن
الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بايع النساء أتى ببرد قطري فوضعه في يده وقال لا أصافح النساء وعند
عبد الرزاق من طريق إبراهيم النخعي مرسلا نحوه وعند سعيد بن منصور من طريق قيس بن
أبي حازم كذلك وأخرج ابن إسحاق في المغازي من رواية يونس بن بكير عنه عن أبان بن صالح
أنه صلى الله عليه وسلم كان يغمس يده في إناء وتغمس المرأة يدها فيه ويحتمل التعدد وقد أخرج الطبراني أنه
بايعهن بواسطة عمر وقد جاء في أخبار أخرى أنهن كن يأخذن بيده عند المبايعة من فوق ثوب
أخرجه يحيى بن سلام في تفسيره عن الشعبي وفي المغازي لابن إسحاق عن أبان بن صالح أنه
كان يغمس يده في إناء فيغمسن أيديهن فيه انتهى ما في فتح الباري
اعلم أن السنة أن تكون بيعة الرجال بالمصافحة والسنة في المصافحة أن تكون باليد اليمنى
فقد روى مسلم في صحيحه عن عمرو بن العاص قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت أبسط يمينك
فلأبايعك فبسط يمينه الحديث قال القاري في شرح هذا الحديث أي افتح يمينك ومدها لأضع
183

يميني عليها كما هو العادة في البيعة انتهى وفي هذا الباب روايات أخرى صحيحة صريحة
وكذلك السنة أن تكون المصافحة باليد اليمنى عند اللقاء أيضا وأما المصافحة باليدين عند اللقاء
أو عند البيعة فلم تثبت بحديث مرفوع صحيح صريح وقد حققنا هذه المسألة في رسالتنا المسماة
بالمقالة الحسنى في سنية المصافحة باليد اليمنى
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه النسائي وغيره
(باب ما جاء في عدة أصحاب أهل بدر)
أي الذين شهدوا الوقعة مع النبي صلى الله عليه وسلم ومن ألحق بهم
قوله: (كعدة أصحاب طالوت) هو ابن قيس من ذرية بنيامين بن يعقوب شقيق يوسف
عليه السلام يقال إنه كان سقاء ويقال إنه كان دباغا والمراد بأصحاب طالوت الذين جاوزا
منه النهر ولم يجاوز معه إلا مؤمن كما في رواية البخاري وقد ذكر الله قصة طالوت في
القرآن في سورة البقرة وذكر أهل العلم في الأخبار أن المراد بالنهر نهر الأردن وأن جالوت كان
رأس الجبارين وأن طالوت وعد من قتل جالوت أن يزوجه ابنته ويقاسمه الملك فقتله داود فوفى
له طالوت وعظم قدر داود في بني إسرائيل حتى استقل بالمملكة بعد أن كانت نية طالوت تغيرت
لداود وهم بقتله فلم يقدر عليه فتاب وانخلع من الملك وخرج مجاهدا هو ومن معه من ولده حتى
ماتوا كلهم شهداء وقد ذكر محمد بن إسحاق قصته مطولة في المبتدأ كذا في فتح الباري (ثلاث مائة
وثلاثة عشر) كذا وقع ثلاثة عشر في حديث البراء هذا عند الترمذي وكذا وقع في حديث ابن
عباس قال الحافظ ولأحمد والبزار والطبراني من حديث ابن عباس كان أهل بدر ثلاث مائة وثلاثة
عشر وكذلك أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي من رواية عبيدة بن عمرو السلماني
أحد كبار
التابعين ومنهم من وصله بذكر علي وهذا هو المشهور عند ابن إسحاق وجماعة من أهل المغازي
184

انتهى وقد وقع في بعض الروايات أربعة عشر مكان ثلاثة عشر وفي بعضها خمسة عشر وفي
بعضها سبعة عشر وفي بعضها تسعة عشر وقد جمع الحافظ في الفتح بين هذه الروايات المختلفة
جمعا حسنا من شاء الوقوف عليه فليراجعه
قوله: (وفي الباب عن ابن عباس) تقدم تخريجه آنفا
قوله: (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
(باب ما جاء في الخمس)
بضم الخاء المعجمة والجمهور على أن ابتداء فرض الخمس كان بقوله تعالى واعلموا
أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول الآية وكان الغنائم تقسم على خمسة أقسام فيعزل
خمس منها يصرف فيمن ذكر في الآية وكان خمس هذا الخمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم واختلف فيمن
يستحقه بعده فمذهب الشافعي أنه يصرف في المصالح وعنه يرد على الأصناف الثمانية
المذكورين في الآية وهو قول الحنفية مع اختلافهم فيهم وقيل يختص به الخليفة ويقسم أربعة
أخماس الغنيمة على الغانمين إلا السلب فإنه للقاتل على الراجح كذا في الفتح
قوله: (عن أبي جمرة) بفتح الجيم وسكون الميم وبالراء اسمه نصر بن عمران الضبعي
الضاد المعجمة وفتح الموحدة مشهور بكنيته ثقة ثبت من الثالثة
قوله: (وفي الحديث قصة وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم بقصته
185

(باب ما جاء في كراهية النهبة)
قال في المجمع النهبة بالفتح مصدر وبالضم المال المنهوب
قوله: (عن عباية) بفتح أوله والموحدة الخفيفة وبعد الألف تحتانية خفيفة (ابن رفاعة) بكسر
الراء بن خديج الأنصاري الزرقي المدني ثقة من الثالثة
قوله: (فتقدم سرعان الناس) قال في المجمع سرعان الناس هو بفتحتين أوائلهم الذين
يتسارعون إلى المشي ويقبلون عليه بسرعة يجوز سكون الراء (فاطبخوا) هو افتعلوا من الطبخ
وهو عام لمن يطبخ لنفسه وغيره والإطباخ خاص لنفسه (في أخرى الناس) أي في الطائفة المتأخرة
عنهم (فاكفئت بصيغة) المجهول من الأكفاء أي قلبت وأريق ما فيها لأنهم ذبحوا الغنم قبل
القسمة وقد اختلف في هذا المكان في شيئين أحدهما سبب الإراقة والثاني هل أتلف اللحم أم
لا فأما الأول فقال عياض كانوا انتهوا إلى دار الاسلام والمحل الذي لا يجوز فيه الأكل من مال
الغنيمة المشتركة إلا بعد القسمة وأن محل جواز ذلك قبل القسمة إنما هو ما داموا في دار الحرب
قال ويحتمل أن سبب ذلك كونهم انتهبوها ولم يأخذوها باعتدال وعلى قدر الحاجة قال وقد وقع في
حديث آخر ما يدل لذلك يشير إلى ما أخرجه أبو داود من طريق عاصم بن كليب عن أبيه وله
صحبة عن رجل من الأنصار قال أصاب الناس مجاعة شديدة وجهد فأصابوا غنما فانتهبوها
فإن قدورنا لتغلي بها إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرسه فأكفأ قدورنا بقوسه ثم جعل يرمل اللحم
بالتراب ثم قال إن النهبة ليست بأحل من الميتة انتهى وهذا يدل على أنه عاملهم من أجل
استعجالهم بنقيض قصدهم كما عومل القاتل بمنع الميراث
وأما الثاني فقال الثوري المأمور به من إراقة القدور إنما هو إتلاف المرق عقوبة لهم وأما
اللحم فلم يتلفوه بل يحمل على أنه جمع ورد إلى المغنم ولا يظن أنه أمر بإتلافه مع أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن
إضاعة المال وهذا من مال الغانمين وأيضا فالجناية بطبخة لم تقع من جميع مستحقي الغنيمة فإن
186

منهم من لم يطبخ ومنهم المستحقون للخمس فإن قيل لم ينقل أنهم حملوا اللحم إلى المغنم قلنا
ولم ينقل أنهم أحرقوه أو أتلفوه فيجب تأويله على وفق القواعد انتهى
ويرد عليه حديث أبي داود فإنه جيد الاسناد وترك تسمية الصحابي لا يضر ورجال
الاسناد على شرط مسلم ولا يقال لا يلزم من تتريب اللحم إتلافه مكان تداركه بالغسل لأن
السياق يشعر بأنه أريد المبالغة في الزجر عن ذلك الفعل فلو كان بصدد أن ينتفع به بعد ذلك لم
يكن فيه كبير زجر لأن الذي يخص الواحد منهم نزر يسير فكان إفسادها عليهم مع تعلق قلوبهم
بها وحاجتهم إليها وشهوتهم لها أبلغ في الزجر كذا في فتح الباري
(فعدل بعيرا بعشر شياه) قال الحافظ وهذا محمول على أن هذا كان قيمة الغنم
إذ ذاك فلعل الإبل كانت قليلة أو نفيسة والغنم كانت كثيرة أو هزيلة بحيث كانت قيمة البعير
عشر شياه ولا يخالف ذلك القاعدة في الأضاحي من أن البعير يجزئ عن سبع شياه لأن ذلك
هو الغالب في قيمة الشاة والبعير المعتدلين وأما هذه القسمة فكانت واقعة عين فيحتمل أن
يكون التعديل لما ذكر من نفاسة الإبل دون الغنم وحديث جابر عند مسلم صريح في الحكم
حيث قال فيه أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة والبدنة تطلق
على الناقة والبقرة وأما حديث ابن عباس كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فحضر الأضحى
فاشتركنا في البقرة وفي البدنة عشرة فحسنه الترمذي وصححه ابن حبان وعضده بحديث
رافع بن خديج
هذا والذي يتحرر في هذا أن الأصل أن البعير بسبعة ما لم يعرض عارض من نفاسة ونحوها
فيتغير الحكم بحسب ذلك وبهذا تجتمع الأخبار الواردة في ذلك (وهذا أصح) أخرجه البخاري
قوله: (وفي الباب عن ثعلبة بن الحكم الخ) لينظر من أخرج أحاديث هؤلاء الصحابة
187

قوله: (من انتهب) أي أخذ ما لا يجوز له أخذه قهرا جهرا (فليس منا) أي ليس من
المطيعين لأمرنا لأن أخذ مال المعصوم بغير إذنه ولا علم رضاه حرام بل يكفر مستحله قاله
المناوي وقال القاري ليس من جماعتنا وعلى طريقتنا
قوله: (هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث أنس) وأخرجه أحمد والضياء
(باب ما جاء في التسليم على أهل الكتاب)
قوله: (لا تبدأوا اليهود والنصارى) أي ولو كانوا ذميين فضلا عن غيرهما من الكفار
(بالسلام لأن الابتداء به إعزاز للمسلم عليه ولا يجوز إعزازهم وكذا لا يجوز تواددهم وتحاببهم
بالسلام ونحوه) قال تعالى لا تحد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله
الآية ولأنا مأمورون بإذلالهم كما أشار إليه سبحانه بقوله: (وهم صاغرون) كذا في المرقاة
(فاضطروه) أي ألجئوه (إلى أضيقه) أي أضيق الطريق بحيث لو كان في الطريق جدار يلتصق
بالجدار وإلا فيأمره ليعدل عن وسط الطريق إلى أحد طرفيه وفي شرح مسلم للنووي قال بعض
أصحابنا يكره ابتداؤهم بالسلام ولا يحرم وهذا ضعيف لأن النهي للتحريم فالصواب تحريم
ابتدائهم وحكى القاضي عياض عن جماعة أنه يجوز ابتداؤهم للضرورة والحاجة وهو قول
علقمة والنخعي وقال الأوزاعي إن سلمت فقد سلم الصالحون وإن تركت فقد ترك
الصالحون وأما المبتدع فالمختار أنه لا يبدأ بالسلام إلا لعذر وخوف من مفسده ولو سلم على من
لم يعرفه فبان ذميا استحب أن يسترد سلامه بأن يقول استرجعت سلامي تحقيرا له وقال لأصحابنا
لا يترك للذمي صدر الطريق بل يضطر إلى أضيقه ولكن التضييق بحيث لا يقع في وهدة ونحوها
وإن خلت الطريق عن الزحمة فلا حرج انتهى
188

قوله (وفي الباب عن ابن عمر وأنس وأبي بصرة الغفاري) وأما حديث ابن عمر
فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان مرفوعا بلفظ إذا سلم
عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم وأما حديث أبي بصرة فلينظر من أخرجه
قوله: (فإنما يقول السام عليك) أي الموت العاجل عليك (فقل عليك) وفي المشكاة
وعليك بالواو قال القاري في المشكاة والمفهوم من كلام القاضي أن الأصل في هذا الحديث
عليك بغير واو وأنه روى بالواو أيضا قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
(باب ما جاء في كراهية المقام بين أظهر المشركين
قوله: (فاعتصم ناس بالسجود) أي ناس من المسلمين الساكنين في الكفار سجدوا
باعتماد أن جيش الاسلام يتركوننا عن القتل حيث يروننا ساجدين لأن الصلاة علامة الايمان
189

(فأمر لهم بنصف العقل) أي بنصف الدية قال في فتح الودود لأنهم أعانوا على أنفسهم بمقامهم
بين الكفرة فكانوا كمن هلك بفعل نفسه وفعل غيره قسقط حصة جنايته (بين أظهر المشركين) أي
بينهم ولفظ أظهر مقحم (لا تراءى ناراهما) من الترائي تفاعل من الرؤية يقال تراءى القوم إذا
رأى بعضهم بعضا تراءى الشئ أي ظهر حتى رأيته والأصل في تراءى تتراءى فحذت
إحدى التاءين تخفيفا وإسناد التراءي إلى النار مجاز من قولهم داري تنظر من دار فلان أي
تقابلها قال في النهاية أي يلزم المسلم يجب أن يتباعد منزله عن منزل المشرك ولا ينزل بالموضع
الذي إن أوقدت فيه ناره تلوح وتظهر للشرك إذا أوقدها في منزله ولكنه ينزل مع المسلمين هو
حث على الهجرة قال الخطابي في معناه ثلاثة وجوه قيل معناه لا يستوي حكمهما وقيل معناه
أن الله فرق بين داري الاسلام والكفر فلا يجوز لمسلم أن يساكن الكفار في بلادهم حتى إذا
أوقدوا نارا كان منهم بحيث يراها وقيل معناه لا يتسم المسلم بسمة المشرك ولا يتشبه به في هديه
وشكله
قوله: (وفي الباب عن سمرة) أخرجه أبو داود عنه مرفوعا من جامع المشرك وسكن معه
فهو مثله وذكره الترمذي بنحوه ولم يذكر سنده وحديث جرير المذكور في الباب أخرجه أيضا
190

أبو داود وابن ماجة ورجال إسناده ثقات ولكن صحح البخاري وأبو حاتم وأبو داود والترمذي
والدارقطني إرساله إلى قيس بن أبي حازم ورواه الطبراني أيضا موصولا كذا في النيل
(باب ما جاء في إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب)
الجزيرة اسم موضع من الأرض وهو ما بين حفر أبي موسى الأشعري إلى أقصى اليمن في
الطول وما بين رمل يزن إلى منقطع السموة في العرض قاله أبو عبيدة وقال الأصمعي من
أقصى عدن أبين إلى ريف العراق طولا ومن جدة وساحل البحر إلى أطراف الشام عرضا
قال الأزهري سميت جزيرة لأن بحر فارس وبحر السودان أحاطها بجانبيها وأحاط بالجانب الشمالي
دجلة والفرات وعن مالك أن جزيرة العرب مكة والمدينة واليمامة واليمن وفي القاموس جزيرة
العرب ما أحاط به بحر الهند وبحر الشام ثم دجلة والفرات
قوله: (فلا أترك فيها إلا مسلما) قال النووي أوجب مالك والشافعي وغيرهما من العلماء
إخراج الكافر من جزيرة العرب وقالوا لا يجوز تمكينهم سكناها ولكن الشافعي خص هذا الحكم
بالحجاز وهو عنده مكة والمدينة واليمامة وأعمالها دون اليمن وغيره وقال لا يمنع الكفار من التردد
مسافرين في الحجاز ولا يمكنون من الإقامة فيه أكثر من ثلاثة أيام قال الشافعي إلا مكة وحرمها
فلا يجوز تمكين كافر من دخولها بحال فإن دخلها بخفية وجب إخراجه فإن مات ودفن فيها نبش
وأخرج منها ما لم يتغير وجوز أبو حنيفة دخولهم الحرم وحجة الجماهير قوله تعالى إنما
المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وفي المعالم أراد منعهم من دخول
الحرم لأنهم إذا دخلوا الحرم فقد قربوا من المسجد الحرام قال وجوز أهل الكوفة المعاهد دخول
الحرم انتهى
191

قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة
قوله: (لئن عشت) أي بقيت قوله (إن شاء الله) قيد لقوله لأخرجن اليهود والنصارى
(باب ما جاء في تركة النبي صلى الله عليه وسلم)
بفتح الفوقانية وكسر الراء ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم
قوله: (لا نورث) بفتح الراء ويصح الكسر وحكمته أنهم كالاباء للأمة فمالهم لكلهم
أو لئلا يظن بهم الرغبة في الدنيا لوارثتهم ونزاع علي وعباس قبل علمهما بالحديث وبعده رجعا
وأعتقد أنه الحق بدليل أن عليا لم يغير الأمر حين استخلف. فأن قلت: فكيف نازعا عمر قلت:
طالبا في التصرف بعد أن يكونا متصرفين بالشركة وكره عمر القسمة حذرا من دعوى الملك كذا
في المجمع (لكن أعول من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوله) عال الرجل عياله يعولهم إذا قام بما
يحتاجون إليه من ثوب وغيره
قوله: (وفي الباب عن عمر وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد وعائشة) أما
حديث عمر وغيره فأخرجه الترمذي بعد هذا وأما حديث عائشة فأخرجه الشيخان عنها أن
192

أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن فقالت عائشة أليس
قال النبي صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركناه صدقة
قوله: (حديث أبي هريرة حديث غريب من هذا الوجه) وأخرجه أحمد قال صاحب
المنتقى بعد ذكر حديث أبي هريرة هذا رواه أحمد والترمذي وصححه انتهى قلت ليس في نسخ
الترمذي الحاضرة عندنا تصحيح الترمذي إنما فيها تحسينه فقط وروى الشيخان حديث أبي
هريرة بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتسم ورثتي دينارا ما بركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي
فهو صدقة وفي لفظ لأحمد لا يقتسم ورثتي دينارا ولا درهما
قوله: (أنشدكم بالله) أي أسألكم رافعا نشدتي صوتي (لا نورث) بالنون وهو
توارد عليه أهل الحديث في القديم والحديث كما قال الحافظ في الفتح وما تركنا في موضع الرفع
بالابتداء وسدقة خبره وقد زعم بعض الرافضة أن لا نورث بالياء التحتانية وصدقة
بالنصب على الحال وما تركناه في محل رفع على النيابة والتقدير لا يورث الذي تركناه حال
كونه صدقة وهذا خلاف ما جاءت به الرواية ونقله
الحفاظ وما ذلك بأول تحريف من أهل تلك
النحلة ويوضح بطلانه ما في حديث أبي هريرة المذكور بلفظ فهو صدقة وقوله لا تقتسم
ورثتي دينارا وقوله إن النبي لا يورث (قالوا نعم) قد استشكل هذا ووجه الاستشكال أن
أصل القصة صريح في أن العباس وعليا قد علما بأنه صلى الله عليه وسلم قال: " لا نورث " فأن كانا سمعاه من
النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يطلبانه من أبي بكر وإن كانا إنما سمعاه من أبي بكر في زمنه بحيث أفاد عندهما
العلم بذلك فكيف يطلبانه بعد ذلك من عمر
193

وأجيب بحمل ذلك على أنهما اعتقدا أن عموم لا نورث مخصوص ببعض ما يخلفه دون
بعض ولذلك نسب عمر إلى علي وعباس أنهما كانا يعتقدان ظلم من خالفهما كما وقع في صحيح
البخاري وغيره وأما مخاصمتهما بعد ذلك عند عمر فقال إسماعيل القاضي فيما رواه الدارقطني من
طريقه لم يكن في الميراث إنما تنازعا في ولاية الصدقة وفي صرفها كيف تصرف كذا قال لكن في
رواية النسائي وعمر بن شبة من طريق أبي البختري ما يدل على أنهما أرادا أن يقسم بينهما على
سبيل الميراث ولفظه في اخره ثم جئتما الان تختصمان يقول هذا أريد نصيبي من ابن أخي
ويقول هذا أريد نصيبي من امرأتي والله لا أقضي بينكما إلا بذلك أي إلا بما تقدم من تسليمها
لهما على سبيل الولاية وكذا وقع عند النسائي من طريق عكرمة بن خالد عن مالك بن أوس
نحوه وفي السنن لأبي داود وغيره أرادا أن عمر يقسمها بينهما لينفرد كل منهما ما يتولاه فامتنع
عمر من ذلك وأراد أن لا يقع عليها اسم القسمة ولذلك أقسم على ذلك وعلى هذا اقتصر أكثر
شراح الحديث واستحسنوه وفيه من النظر ما تقدم كذا في النيل
قوله: (وفي الحديث قصة طويلة الخ) أخرجه البخاري ومسلم بقصته الطويلة
(باب ما جاء قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة الخ)
قوله: (عن الحارث بن مالك بن برصاء) قال الحافظ في التقريب الحارث ابن مالك بن
قيس الليثي المعروف بابن البرصاء صحابي له حديث واحد تأخر إلى أواخر خلافة معاوية (لا
194

تغزي) بصيغة المجهول (هذه) أي مكة المكرم (بعد اليوم) أي بعد يوم فتح مكة قال في مجمع
البحار أي لا تعود كفر يغزي عليه أو لا يغزوها الكفار أبدا إذ المسلمون قد
غزوها مرات غزوها زمن يزيد بن معاوية بعد وقعة الحرة وزمن عبد الملك بن مروان مع الحجاج وبعده على
أن من غزاها من المسلمين لم يقصدوها ولا البيت وإنما قصدوا ابن الزبير مع تعظيم أمر مكة وإن
جرى عليه ما جرى من رميه بالنار في المنجنيق والحرقة ولو روى لا تغز على النهي لم يحتج إلى
التأويل انتهى
قوله: (وفي الباب عن ابن عباس وسليمان بن صرد ومطيع) لينظر من أخرج أحاديث
هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) هذا الحديث من أفراد الترمذي وقد تفرد بروايته
الحارث بن مالك كما عرفت به
(باب ما جاء في الساعة التي يستحب فيها القتال
قوله: (عن النعمان بن مقرن) بضم الميم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة وبالنون قال
صاحب المشكاة هو النعمان بن عمرو بن مقرن المزني روى أنه قال قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم في
أربعمائة من مزينة سكن البصرة ثم تحول إلى الكوفة وكان عامل عمر على جيش نهاوند واستشهد
يوم فتحها
قوله: (فكان) قال الطيبي ما أظهره من دليل على وجود الفاء التفصيلية لأن قوله غزوت مع
195

النبي صلى الله عليه وسلم مشتمل مجملا على ما ذكر بعده مفصلا (أمسك) أي عن الشروع القتال (فإذا زالت
الشمس) أي وصلى (العصر) أي إلى العصر (وكان يقال) أي يقول الصحابة الحكمة في
إمساك النبي صلى الله عليه وسلم عن القتال إلى الزوال عند ذلك الخ (عند ذلك) أي عند زوال الشمس وهو من
جملة المقول ظرف لقوله (تهيج) أي تجئ (ويدعو المؤمنون لجيوشهم في
صلواتهم) أي في أوقات فراغها أو في أثنائها بالقنوت عند النوازل قاله القاري قال الطيبي إشارة إلى أن
تركه صلى الله عليه وسلم القتال في الأوقات المذكورة كان لاشتغالهم بها فيها اللهم إلا بعد العصر فإن هذا الوقت
مستثنى منها لحصول النصر فيها لبعض الأنبياء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال غزا نبي من الأنبياء فدنا من
القرية صلاة العصر أو قريبا من ذلك فقال للشمس إنك مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علينا
فحبست حتى فتح الله عليه رواه البخاري عن أبي هريرة ولعل هذا السر خص في الحديث هذا
الوقت بالفعل المضارع حيث قال ثم يقاتل وفي سائر الأوقات قاتل على لفظ الماضي
استحضارا لتلك الحالة في ذهن السامع تنبيها على أن قتاله في هذا الوقت كان أشد وتحريمه فيه
أكمل انتهى
قوله: (وقد روى هذا الحديث عن النعمان بن مقرن بإسناد أوصل من هذا) يعني أن إسناد
حديث النعمان المذكور منقطع وقد روى هذا الحديث بإسناد موصول لي فيه انقطاع وذكر
الترمذي وجه الانقطاع بقوله وقتادة لم يدرك النعمان الخ وذكر الاسناد الموصول بقوله حدثنا
الحسن بن علي الخلال الخ
196

قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري بطوله
(باب ما جاء في الطيرة)
بكسر الطاء وفتح التحتانية
قوله: (الطيرة من الشرك) أي لاعتقادهم أن الطيرة تجلب لهم نفعا أو تدفع عنهم ضرا فإذا
عملوا بموجبها فكأنهم أشركوا بالله في ذلك ويسمى شركا خفيا وقال بعضهم يعني من أعتقد
أن شيئا سوى الله تعالى ينفع أو يضر بالاستقلال فقد أشرك أي شركا جليا وقال القاضي إنما
سماها شركا لأنهم كانوا يرون ما يتشاءمون به سببا مؤثرا في حصول المكروه وملاحظة الأسباب
في الجملة شرك خفي فكيف إذا انضم إليها جهالة وسوء اعتقاد (وما منا) أي لأحد (إلا) أي إلا من
يخطر له من جهة الطيرة شئ ما لتعود النفوس بها فحذف المستثنى كراهة أن يتفوه به قال
التوربشتي أي إلا من يعرض له الوهم من قبل الطيرة وكره أن يتم كلامه ذلك لما يتضمنه من
الحالة المكروهة وهذا نوع من الكلام يكتفي دون المكروه منه با شارة فلا يضرب لنفسه مثل
السوء (ولكن الله) بتشديد النون ونصب الجلالة (يذهبه) بضم الياء من الا ذهاب إي يزيل ذلك
الوهم المكروه (بالتوكل) أي يسبب الاعتماد عليه والاستناد إليه سبحانه وحاصله أن الخطرة
ليس بها عبرة فإن وقعت غفلة لا بد من رجعة وأوبة من حوبة كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من حديث
عبد الله بن عمرو مرفوعا من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك وكفارة ذلك أن يقول اللهم لا
خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك رواه أحمد والطبراني
قوله: (في هذا الحديث) أي في تحقيق شأنه وما يتعلق بقوله (وما منا إلا ولكن الله يذهبه
197

بالتوكل قال) أي سليمان بن حرب (هذا) أي قوله وما منا الخ (عندي قول ابن مسعود) أي في
ظني أنه موقوف على ابن مسعود وإنما المرفوع قوله الطيرة من الشرك فقط ويؤيده أن هذا
المقدار رواه جمع كثير عن ابن مسعود مرفوعا بدون الزيادة
قوله: (وفي الباب عن سعد وأبي هريرة وحابس التميمي وعائشة وابن عمر) أما حديث
سعد وهو ابن مالك فأخرجه أبو داود وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان وأما أحاديث
حابس وغيره رضي الله تعالى عنهم فلينظر من أخرجها
قوله: (هذا حديث حسن صحيح الخ) وأخرجه أبو داود وابن حبان في صحيحه قال
الحافظ المنذري قال أبو القاسم الأصبهاني وغيره في الحديث إضمار والتقدير وما منا إلا وقد
وقع في قلبه شئ من ذلك يعني قلوب أمته ولكن الله يذهب ذلك عن قلب كل من يتوكل على
الله ولا يثبت على ذلك هذا لفظ الأصبهاني والصواب ما ذكره البخاري وغيره أن قوله وما
منا الخ من كلام ابن مسعود مدرج غير مرفوع قال الخطابي وقال محمد بن إسماعيل كان
سليمان بن حرب ينكر هذا الحرف ويقول ليس من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنه قول ابن مسعود
وحكى الترمذي عن البخاري أيضا عن سليمان بن حرب نحو هذا انتهى ما في الترغيب
قوله: (لا عدوى) بفتح فسكون ففتح قال في القاموس إنه الفساد وقال التوربشتي
العدوي هنا مجاوزة العلة من صاحبها إلى غيره يقال أعدى فلان فلانا من خلفه أو من غرته
وذلك على ما يذهب إليه المتطببة في علل سبع الجذام والجرب والجدري والحصبة والبخر والرمد
والأمراض الوبائية
وقد اختلف العلماء في التأويل فمنهم من يقول المراد منه نفي ذلك وإبطاله على ما يدل
عليه ظاهر الحديث والقرائن المسوقة على العدوي وهم الأكثرون ومنهم من يرى أنه لم يرد
إبطالها فقد قال صلى الله عليه وسلم فر من المجذوم فرارك من الأسد وقال لا يوردن ذو عاهة على مصح
وإنما أراد بذلك نفي ما كان يعتقده أصحاب الطبيعة فإنهم كانوا يرون العلل المعدية مؤثرة لا
198

محالة فأعلمهم بقوله هذا أن ليس الأمر على ما يتوهمون بل هو متعلق بالمشيئة إن شاء كان وإن
لم يشأ لم يكن ويشير إلى هذا المعنى قوله فمن أعدى الأول أي إن كنتم ترون أن السبب في ذلك
العدوي لا غير فمن أعدى الأول وبين بقوله فر من المجذوم وبقوله لا يوردن ذو عاهة على
مصح أن مداناة ذلك بسبب العلة فليتقه اتقاء من الجدار المائل والسفينة المعيوبة وقد رد الفرقة
الأولى على الثانية في استدلالهم بالحديثين أن النهي إنما جاء شفقا على مباشرة أحد الأمرين
فتصيبه علة في نفسه أو عاهة في إبله فيعتقد أن العدوي حق
قلت: وقد اختاره العسقلاني يعني الحافظ ابن حجر
في شرح النخبة وبسطنا الكلام معه في شرح الشرح ومجمله أنه يرد عليه اجتنابه عليه السلام عن المجذوم عندما أراد المبايعة مع أن
منصب النبوة بعيد من أن يورد لحسم مادة ظن العدوي كلاما يكون مادة لظنها أيضا فإن الأمر
بالتجنب أظهر من فتح مادة ظن أن العدوي لها تأثير بالطبع وعلى كل تقدير فلا دلالة أصلا على
نفي العدوي مبينا والله أعلم
قال الشيخ التوربشتي وأرى الثاني أولى التأويلين لما فيه من التوفيق بين الأحاديث
الواردة فيه ثم لأن القول الأول يفضي إلى تعطيل الأصول الطية ولم يرد الشرع بتعطيلها بل ورد
بإثباتها والعبرة بها على الوجه الذي ذكرناه وأما استدلالهم بالقرائن المنسوقة عليها فإنا قد وجدنا
الشارع يجمع في النهي بين ما هو حرام وبين ما هو مكروه وبين ما ينهى عنه لمعنى وبين ما ينهى
عنه لمعان كثيرة ويدل على صحة ما ذكرنا قوله صلى الله عليه وسلم للمجذوم المبايع قد بايعناك فارجع في
حديث الشريد بن سويد الثقفي وقوله صلى الله عليه وسلم للمجذوم الذي أخذ بيده فوضعها معه في القصعة
كل ثقة بالله وتوكلا عليه ولا سبيل إلى التوفيق بين هذين الحديثين إلا من هذا الوجه بين بالأول
التوقي من أسباب التلف وبالثاني التوكل على الله جل جلاله ولا إله غيره في متاركة الأسباب وهو
حاله انتهى قال القاري وهو جمع حسن في غاية التحقيق انتهى
قلت: في كون هذا الجمع حسنا نظر كما لا يخفي على المتأمل وأما القول بأن الشرع ورد
بإثبات الأصول الطبية ففيه أن ورود الشرع ثبات جميع الأصول الطبية ممنوع بل قد ورد الشرع
لإبطال بعضها فإن المتطببين قائلون بحصول الشفاء بالحرام وقد ورد الشرع بنفي الشفاء
بالحرام وهم قائلون بثبوت العدوي في بعض الأمراض وقد ورد الشرع بأنه لا عدوى
فالظاهر الراجح عندي في التوفيق والجمع بين الأحاديث المذكورة هو ما ذكره الحافظ في شرح
النخبة والله تعالى أعلم
(ولا طيرة) نفى معناه النهي كقوله تعالى (لا ريب فيه) (وأحب الفأل) بصيغة المجهول المتكلم من
199

الإحباب (قالوا يا رسول الله ما الفأل) وإنما نشأ هذا السؤال لما في نفوسهم من عموم الطيرة الشامل
للتشاؤم والتفاؤل المتعارف فيما بينهم (قال) إشارة إلى أنه فرد خاص خارج عن العرف العام معتبر
عند خواص الأنام وهو قوله: (الكلمة الطيبة) أي الصالحة لأن يؤخذ منها الفأل الحسن
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرج الشيخان معناه من حديث أبي هريرة
قوله: (كان يعجبه) أي يستحسنه ويتفاءل به (أن يسمع يا راشد) أي واجد الطريق
المستقيم (يا نجيح) أي من قضيت حاجته
(باب ما جاء في وصية النبي صلى الله عليه وسلم في القتال
قوله: (أوصاه في خاصة نفسه) أي في حق نفسه خصوصا وهو متعلق بقوله (بتقوى الله)
وهو متعلق بأوصاه (ومن معه) معطوف على خاصة نفسه أي وفي من معه (من المسلمين) بيان لمن
(خيرا) منصوب بنزع الخافض أي بخير قال الطيبي ومن في محل الجر ومن باب العطف على
عاملين مختلفين كأنه قيل أوصى بتقوى الله في خاصة نفسه وأوصى بخير في من معه من
المسلمين وفي اختصاص التقوى بخاصة نفسه والخير بمن معه من المسلمين إشارة إلى أن عليه أن
200

يشد على نفسه فيها يأتي ويذر وأن يسهل على من معه من المسلمين ويرفق بهم كما ورد يسروا ولا
تعسروا وبشروا ولا تنفروا (وقال اغزوا بسم الله) أي مستعينين بذكره (وفي سبيل الله) أي لأجل
مرضاته وإعلاء دينه (قاتلوا من كفر بالله) جملة موضحة لا غزوا (ولا تغلوا) من الغلول من باب
نصر ينصر أي لا تخونوا في الغنيمة (ولا تغدروا) بكسر الدال أي لا تنقضوا العهد وقيل لا
تحاربوهم قبل أن تدعوهم إلى الاسلام (ولا تمثلوا) بضم المثلثة قال النووي في تهذيبه مثل به
بمثل كقتل إذا قطع أطرافه وفي القاموس مثل بفلان مثله بالضمير نكل كمثل تمثيلا وفي الفائق
إذا سودت وجهه أو قطعت أنفه ونحوه (ولا تقتلوا وليدا) أي طفلا صغيرا (فإذا لقيت) الخطاب
لأمير الجيش قال الطيبي هو من باب تلوين الخطاب خاطب أولا عاما فدخل فيه الأمير دخولا
أوليا ثم خص الخطاب به فدخلوا فيه على سبيل التبعية كقوله تعالى (يا أيها النبي إذا طلقتم)
خص النبي صلى الله عليه وسلم بالنداء (أو خلال) شك من الراوي والخصال والخلال بكسرهما جمع الخصلة
والخلة بفتحهما بمعنى واحد (فأيتها أجابوك) أي قبلوها منك (وكف عنهم) بضم الكاف وفتح الفاء
المشددة ويجوز ضمها وكسرها أي امتنع عنهم (ادعهم) أي أولا (والتحول) أي الانتقال (من
دارهم) أي من دار الكفر (إلى دار المهاجرين) أي إلى دار الاسلام وهذا من توابع الخصلة
الأولى بل قيل إن الهجرة كانت من أركان الاسلام قبل فتح مكة (أنهم إن فعلوا ذلك) أي
التحول (فإن لهم ما للمهاجرين) أي الثواب واستحقاق مال الفئ وذلك الاستحقاق كان في
زمنه صلى الله عليه وسلم فإنه كان ينفق على المهاجرين من حين الخروج إلى الجهاد في أي وقت أمرهم الامام سواء
كان من بإزاء العدو كافيا أو لا بخلاف غير المهاجرين فإنه لا يجب الخروج عليهم إلى الجهاد إن
كان بإزاء العدو من به الكفاية وهذا معنى قوله (وعليهم ما على المهاجرين) أي من الغزو (وإن
أبوا أن يتحولوا) أي من دارهم (كأعراب المسلمين) أي الذين لازموا أوطانهم في البادية لا في دار
الكفر (يجري عليهم ما يجري على الأعراب) وفي رواية مسلم يجري عليهم حكم الذي
يجري على المؤمنين أي من وجوب الصلاة والزكاة وغيرهما والقصاص والدية ونحوهما (إلا أن
201

يجاهدوا) أي مع المسلمين (وإذا حاصرت حصنا) وفي رواية مسلم أهل حصن (فأرادوك أن تجعل
لهم ذمة الله وذمة نبيه) أي عهدهما وأمانهما (فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه) أي لا بالاجتماع ولا
بالانفراد (فإنكم إن تخفروا) من الاخفار أي تنقضوا (فلا تنزلوهم) أي على حكم الله (فإنك لا
تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا) قال النووي قوله فلا تجعل لهم ذمة الله نهي تنزيه فإنه قد
ينقضها من لا يعرف حقها وينتهك حرمتها بعض الأعراب وسواد الجيش وكذا قوله فلا
تنزلهم على حكم الله نهي تنزيه وفيه حجة لمن يقول ليس كل مجتهد مصيبا بل المصيب واحد
وهو الموافق لحكم الله في نفس الأمر ومن يقول إن كل مجتهد مصيب يقول معنى قوله فإنك لا
تدري أتصيب حكم الله فيهم أنك لا تأمن أن ينزل علي وحي بخلاف ما حكمت كما قال
النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد من تحكيم سعد بن معاذ في بني قريظة لقد حكمت فيهم بحكم
الله وهذا المعنى منتف بعد النبي صلى الله عليه وسلم فيكون كل مجتهد مصيبا انتهى قال القاري وهو مذهب
المعتزلة وبعض أهل السنة
قوله: (وفي الباب عن النعمان بن مقرن) أخرجه أبو داود وأخرجه الترمذي في باب الساعة
التي يستحب فيها القتال
قوله: (وحديث بريدة حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
قوله: (وزاد) أي محمد بن بشار في روايته من طريق أبي أحمد (فإن أبوا) أي فإن امتنعوا عن
الاسلام (فخذ بهم الجزية) استدل به مالك والأوزاعي ومن وافقهما على جواز أخذ الجزية من
كل كافر عربيا كان أو عجميا كتابيا أو غير كتابي وقد تقدم الكلام في هذه المسألة في باب الجزية
202

قوله (لا يغير) من الإغارة (إلا عند صلاة الفجر) وفي رواية كان يغير إذا طلع الفجر
(فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار) قال القاضي أي كان يتثبت فيه ويحتاط في الإغارة حذرا عن
أن يكون فيهم مؤمن فيغير عليه غافلا عنه جاهلا بحاله قال الخطابي فيه بيان أن الأذان شعار
لدين الاسلام لا يجوز تركه فلو أن أهل بلد أجمعوا على تركه كان للسلطان قتالهم عليه انتهى
قال القاري وكذا نقل عن الإمام محمد من أئمتنا انتهى وفيه دليل على جواز قتال من بلغته
الدعوة بغير دعوة وفي هذا الحديث دليل على جواز الحكم بالدليل لكونه صلى الله عليه وسلم كف عن القتال
بمجرد سماع الأذان وفيه الأخذ بالأحوط في أمر الدماء لأنه كف عنهم في تلك الحال مع احتمال أن
لا يكون ذلك على الحقيقة (واستمع ذات يوم) لفظ ذات مقحم (فقال على الفطرة) فيه أن
التكبير من الأمور المختصة بأهل الاسلام وأن يصح الاستدلال به على إسلام أهل قرية سمع منهم
ذلك (قال خرجت من النار) هو نحو الأدلة القاضية بأن من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وهي
مطلقة مقيدة بعدم المانع جمعا بين الأدلة
قوله: (قال الحسن) هو الحسن بن علي الخلال (وحدثنا الوليد) كذا في النسخة الأحمدية
وهو غلط وفي بعض النسخ حدثنا أبو الوليد وهو الصواب واسمه هشام بن عبد الملك الباهلي
مولاهم الطيالسي روى عن حماد بن سلمة وغيره وعنه الحسن بن علي الخلال وغيره
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم
203

(باب فضل الجهاد)
قوله: (ما يعدل الجهاد) أي أي عمل يساوي الجهاد يعني في الفضل والثواب (مثل
المجاهد في سبيل الله مثل الصائم القائم) ولمسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة كمثل الصائم
القائم القانت بآيات الله زاد النسائي من هذا الوجه الخاشع الراكع الساجد وفي الموطأ وابن
حبان كمثل الصائم القائم الدائم ولأحمد والبزار من حديث النعمان بن بشير مرفوعا مثل
المجاهد في سبيل كمثل الصائم نهاره والقائم ليله وشبه حال الصائم القائم بحال المجاهد في
سبيل الله في نيل الثواب في كل حركة وسكون لأن المراد من الصائم القائم من لا يفتر ساعة عن
العبادة فأجره مستمر وكذلك المجاهد لا تضيع ساعة من ساعاته بغير ثواب لحديث إن المجاهد
لتستن فرسه فيكتب له حسنات وأصرح منه قوله تعالى (ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب
ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به
عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا
إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون) (لا يفتر) من الفتور من باب نصر ينصر أي
لا يسأم ولا يمل (حتى يرجع المجاهد في سبيل الله) أي إلى بيته أو حتى ينصرف عن جهاده
204

قوله (وفي الباب عن الشقاء وعبد الله بن حبشي وأبي موسى وأبي سعيد وأم مالك البهزية
وأنس بن مالك) أما حديث الشفاء فأخرجه أحمد في مسنده وأما حديث عبد الله بن حبشي
فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وأما حديث أبي موسى فأخرجه الترمذي في أواخر فضائل
الجهاد وأما حديث أبي سعيد فأخرجه ابن ماجة في باب فضل الجهاد في سبيل الله من أبواب
الجهاد وأما حديث أم مالك البهزية فأخرجه أحمد في مسنده وأما حديث أنس بن مالك فأخرجه
الترمذي في هذا الباب
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله: (يعني يقول الله) الظاهر أن قائله أنس أي يريد صلى الله عليه وسلم أن المجاهد في سبيل الخ من
الأحاديث الإلهية ووقع في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم وسلم فيما يحكي عن ربه قال
أيما عبد من عبادي خرج مجاهدا في سبيلي ابتغاء مرضاتي ضمنت له إن أرجعته أن أرجعه بما
أصاب من أجر أو غنيمة وإن قبضته غفرت له رواه النسائي (وهو علي ضامن) كذا في النسخ
الحاضرة بلفظ ضمان وفي ترغيب المنذري نقلا عن الترمذي بلفظ ضامن وكذا نقله الحافظ في
الفتح وقال قوله على ضامن أي مضمون أو معناه أنه ذو ضمان انتهى (وإن رجعته) أي
أرجعته قال في القاموس رجع يرجع رجوعا انصرف والشئ عن الشئ وإليه رجعا صرفه
ورده كأرجعه
قوله: (هذا حديث غريب صحيح) قال المنذري بعد ذكره وهو في الصحيحين وغيرهما
بنحوه من حديث أبي هريرة وتقدم انتهى
205

قلت ذكر المنذري فيما تقدم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تضمن الله لمن خرج
في سبيله لا يخرجه إلا الجهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي فهو ضامن أن أدخله الجنة أو
أرجعه إلى منزله الذي خرجه منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة الخ رواه مسلم واللفظ له ورواه
مالك والبخاري والنسائي ولفظهم تكفل الله من جاهد في سبيله الخ قال الحافظ في الفتح
تضمن الله وتكفل الله وانتدب الله بمعنى واحد ومحصله تحقيق المذكور في قوله تعالى (إن الله
اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) وذلك التحقيق على وجه الفضل منه سبحانه
وتعالى وقد عبر صلى الله عليه وسلم عن الله سبحانه وتعالى بتفضله بالثواب بلفظ الضمان ونحوه مما جرت به
عادة المخاطبين فيما تطمئن به نفوسهم
(باب ما جاء في فضل من مات مرابطا)
قوله (أنه سمع فضالة) بفتح الفاء والضاد المعجمة (بن عبيد) بالتصغير (كل ميت يختم)
بصيغة المجهول (على عمله) أي لا يكتب له ثواب جديد (فإنه ينمي له عمله) بفتح الياء وكسر
الميم أي يزيد ويجوز أن يكون بضم الياء وفتح الميم من الإنماء أي يزاد عمله بأن يصل إليه كل
لحظة أجر جديد فإنه فدى نفسه فيما يعود نفعه على المسلمين وهو إحياء الدين بدفع أعدائهم من
المشركين (ويأمن فتنة القبر) أي مع ذلك ولعله بهذا امتاز عن غيره الوارد في حديث مسلم عن
أبي هريرة مرفوعا إذا مات الانسان انقطع عمله إلا من ثلاثة الحديث
قوله: (المجاهد من جاهد نفسه) زاد في رواية الله أي قهر نفسه الأمارة بالسوء على ما فيه
رضا الله من فعل الطاعة وتجنب المعصية وجهادها أصل كل جهاد فإنه لم يجاهدها لم يمكنه
جهاد العدو الخارج
206

قوله (وفي الباب عن عقبة بن عامر وجابر) أما حديث عقبة فأخرجه أحمد والدارمي وأما
حديث جابر فأخرجه الطبراني في الأوسط عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رابط يوما
في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار سبع خنادق كل خندق كسبع سماوات وسبع أرضين قال
المنذري في الترغيب إسناده لا بأس به إن شاء الله ومتنه غريب
قوله: (حديث فضالة بن عبيد حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وليس في روايته
جملة المجاهد من جاهد نفسه وأخرجه ابن حبان مع هذه الجملة
(باب ما جاء في فضل الصوم في سبيل الله)
قوله: (من صام يوما في سبيل الله) قال ابن الجوزي إذا أطلق ذكر سبيل الله فالمراد به
الجهاد وقال القرطبي سبيل الله طاعة الله فالمراد من صام قاصدا وجه الله قال الحافظ
ويحتمل أن يكون ما هو أعم من ذلك ثم وجدته في فوائد أبي طاهر الذهلي من طريق عبد الله بن
عبد العزيز الليثي عن المقبري عن أبي هريرة بلفظ ما من مرابط يرابط
في سبيل الله فيصوم يوما في سبيل الله الحديث قال ابن دقيق العيد العرف الأكثر استعماله في الجهاد فإن حمل
كانت الفضيلة لاجتماع العبادتين قال ويحتمل أن يراد بسبيل الله طاعته كيف كانت والأول
أقرب ولا يعارض ذلك أن الفطر في الجهاد أولى لأن الصائم يضعف عن اللقاء لأن الفضل
المذكور محمول على من لم يخش ضعفا ولا سيما من اعتاد به فصار ذلك من الأمور النسبية فمن لم
يضعفه الصوم عن الجهاد فالصوم في حقه أفضل ليجمع بين الفضيلتين انتهى (زحزحه الله) أي
بعده (سبعين خريفا) قال الحافظ الخريف زمان معلوم من السنة والمراد به هنا العام وتخصيص
الخريف بالذكر دون بقية الفصول الصيف والشتاء والربيع لأن الخريف أزكى الفصول لكونه يجنى
فيه الثمار ونقل الفاكهاني أن الخريف يجتمع فيه الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة دون غيره
207

ورد بأن الربيع كذلك قال القرطبي ورد ذكر السبعين لإرادة التكثير كثيرا انتهى ويؤيده أن
النسائي أخرج الحديث المذكور عن عقبة بن عامر والطبراني عن عمرو بن عبسة وأبو يعلى عن
معاذ بن أنس فقالوا جميعا في رواياتهم مائة عام انتهى كلام الحافظ (أحدهما) أي أحد من عروة
وسليمان (يقول سبعين الاخر يقول أربعين) من روى بسبعين فروايته موافقة لحديث أبي سعيد
المتفق عليه الآتي في هذا الباب
قوله: (هذا حديث غريب من هذا الوجه) في إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف قال المنذري
في الترغيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من صام يوما في سبيل الله
زحزح الله وجه عن النار بذلك اليوم سبعين خريفا رواه النسائي بإسناد حسن والترمذي من
رواية بن لهيعة وقال حديث غريب ورواه ابن ماجة من رواية عبد الله بن عبد العزيز الليثي
وبقية رجال الاسناد ثقات انتهى (وأبو الأسود اسمه محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي
المديني) قال الحافظ هو يتيم عروة ثقة من السادسة
قوله: (وفي الباب عن أبي سعيد وأنس وعقبة بن عامر وأبي أمامة) أما حديث أبي سعيد
فأخرجه الشيخان وأما حديث أنس فلينظر من أخرجه وأما حديث عقبة بن عامر فأخرجه
النسائي وأما حديث أبي أمامة فأخرجه الترمذي في هذا الباب
قوله: (حدثنا عبد الله بن الوليد العدني) قال في التقريب عبد الله بن الوليد بن ميمون أبو
محمد المكي المعروف بالعدني صدوق ربما أخطأ من كبار العاشرة عن النعمان (بن أبي عياش) بفتح
عين مهملة وشدة تحتية وبشين معجمة (الزرقي) بضم زاي معجمة وفتح راء مهملة
الأنصاري المدني ثقة من الرابعة
قوله: (إلا باعد ذلك اليوم) أي صومه (النار) بالنصب مفعول باعد وذكر المنذري في
208

الترغيب هذا الحديث بلفظ ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه
عن النار سبعين خريفا وعزاه للبخاري ومسلم والترمذي والنسائي
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما كما عرفت آنفا
قوله: (حدثنا زياد بن أيوب) هو البغدادي المعروف بدلويه (جعل الله بينه وبين النار
خندقا) الخندق بوزن جعفر حول أسوار المدن معرب كنده كذا في القاموس
قوله: (هذا حديث غريب) ذكره المنذري في الترغيب وعزاه الترمذي وسكت عنه
(باب ما جاء في فضل النفقة في سبيل الله)
قوله: (عن الركين) بالتصغير (بن الربيع) بن عميلة الفزاري الكوفي ثقة من الرابعة (عن
أبيه) أي عن الربيع بن الفزاري الكوفي وثقه بن معين (عن يسير) بالتصغير (بن عميلة) بفتح
المهملة وكسر الميم الفزاري ويقال له أسير أيضا ثقة من الثالثة (عن خريم) بضم الخاء المعجمة
وفتح الراء وسكون التحتية (بن فإنك) بالفاء وكسر الفوقية الأسدي صحابي شهد الحديبية ولم
يصح أنه شهد بدرا مات في خلافة معاوية بالرقة (من أنفق نفقة) أي صرف نفقة صغيرة أو كبيرة
(كتبت له سبعمائة ضعف) أي مثل وهذا أقل الموعود والله يضاعف لمن يشاء قال المناوي أخذ
منه بعضهم أن هذا نهاية التضعيف ورد باية (والله يضاعف لمن يشاء) انتهى
209

قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه البزار عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بفرس يجعل كل
خطو منه أقصى بصره فسار وسار معه جبريل فأتى على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في كل يوم
كلما أحصدوا عاد كما كان فقال يا جبريل من هؤلاء قال هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف
لهم الحسنة بسبع مائة ضعف وما أنفقوا من شئ فهو يخلفه وذكر الحديث بطوله كذا في
الترغيب (هذا حديث حسن) وأخرجه النسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح
الاسناد وأخرجه أيضا أحمد
(باب ما جاء في فضل الخدمة في سبيل الله
قوله: (عن كثير بن الحارث) الدمشقي مقبول من السادسة
قوله: (قال خدمة عبد في سبيل الله) وفي رواية أبي أمامة الآتية منيحة خادم في سبيل الله
فالمراد بقوله خدمة عبد أي هبة عبد للمجاهد ليخدمه أو عاريته له (أو ظل فسطاط) بضم الفاء
وتكسر خيمة يستظل به المجاهد أي نصب خيمة أو خباء للغزاة يستظلون به (أو طروقة فحل)
بفتح الطاء فعولة بمعنى مفعولة أي مركوبة يعني ناقة أو نحو فرس بلغت أن يطرقها الفحل يعطيه
إياها ليركبها إعارة أو قرضا أو هبة
قوله: (أفضل الصدقات ظل فسطاط في سبيل الله ومنيحة خادم في سبيل الله أو طروقة
فحل في سبيل الله) قال المنذري في الترغيب طروقة الفحل بفتح الطاء وبالإضافة هي الناقة التي
صلحت لطرق الفحل وأقل سنها ثلاث سنين وبعض الرابعة وهذه هي الحقة ومعناه أن يعطي
الغازي خادما أو ناقة هذه صفتها فإن ذلك أفضل الصدقات
210

قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث
رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح فلم يذكر لفظ غريب وكذا في الجامع الصغير بغير
ذكر لفظ غريب وقال المناوي واعترض بأن حقة حسن لا صحيح انتهى وحديث أمامة
هذا أخرجه أيضا أحمد في مسنده
(باب ما جاء فيمن جهز غازيا)
تجهيز الغازي تحميله وإعداد ما يحتاج إليه في غزوة
قوله: (حدثنا أبو إسماعيل) اسمه إبراهيم بن عبد الملك البصري أو إسماعيل القناد
صدوق في حفظه شئ من السابعة
قوله: (قال من جهز غازيا) بتشديد الهاء أي هيأ أسباب سفره (في سبيل الله) أي في الجهاد
(فقد غزا) أي حكما وحصل له ثواب الغزاة (ومن خلف) بفتح اللام المخففة (غازيا) أي قام
مقام بعده وصار خلفا له برعاية أموره في أهله (فقد غزا) قال القاضي يقال خلفه في أهله إذا قام
211

مقامه في إصلاح حالهم ومحافظة أمرهم أي من تولى أمر الغازي وناب منابه في مراعاة أهله زمان
غيبته شاركه في الثواب لأن فراغ الغازي له واشتغاله به بسبب قيامه بأمر عياله فكأنه مسبب عن
فعله قال الحافظ في الفتح قوله فقد غزا قال ابن حبان معناه أنه مثله في الأجر وإن لم يغز
حقيقة ثم أخرج من وجه آخر عن بسر بن سعيد بلفظ كتب له مثل أجره غير أن لا ينقص من
أجره شئ ولابن ماجة وابن حبان من حديث عمر نحوه بلفظ من جهز غازيا حتى يستقل كان
له مثل أجره حتى يموت أو يرجع وأفادت فائدتين إحداهما أن الوعد المذكور مرتب على تمام
التجهيز وهو المراد بقوله حتى يستقل ثانيهما أنه يستوي معه في الأجر وماله يخبر إلى أن تنقضي تلك الغزوة
انتهى
فإن قلت ما وجه التوفيق بين حديث الباب وحديث أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث
بعثا وقال ليخرج من كل رجلين رجل والأجر بينهما رواه مسلم وفي رواية له ثم قال
للقاعد وأيكم خلف الخارج في أهله كان له مثل نصف أجر الخارج
قلت قال القرطبي لفظه نصف يشبه أن تكون مقحمة أي مزيدة من بعض الرواة وقال
الحافظ ولا حاجة لدعوى زيادتها بعد ثبوتها في الصحيح والذي يظهر في توجيهها أنها أطلقت
بالنسبة إلى مجموع الثواب للغازي والخالف له بخير فإن الثواب إذا انقسم
بينهما نصفين كان لكل منهما مثل ما للاخر فلا تعارض بين الحديثين انتهى
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما (وقد روى) بصيغة
212

المجهول (من غير هذا الوجه) أي من غير هذا الاسناد المذكور وقد ذكره الترمذي بقوله حدثنا
ابن أبي عمر الخ
قوله: (حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد الخ) قد وقعت هذه العبارة أعني قوله حدثنا محمد بن بشار
حدثنا يحيى بن سعيد إلى قوله نحوه في بعض النسخ قبل قوله حدثنا محمد بن
بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي الخ (حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان) العرزمي صدوق له
أوهام من الخامسة كذا في التقريب
(باب من اغبرت قدماه في سبيل الله)
أي بيان ماله من الفضل
قوله: (لحقني عباية) بفتح المهملة (بن رفاعة) بكسر الراء المهملة (وأنا ماش إلى الجمعة)
جملة حالية اعلم أن كذا وقع عند الترمذي وكذا عند النسائي أن القصة وقعت ليزيد بن أبي
مريم مع عباية وعند البخاري في باب المشي إلى الجمعة من رواية علي بن المديني عن الوليد بن
مسلم أن القصة وقعت لعباية مع أبي عباس فإن كان ما عند الترمذي والنسائي محفوظا احتمل أن
تكون القصة وقعت بكل منهما كذا في الفتح (فقال) أي عباية (أبشر) من الابشار قال في
الصراخ الابشار شاد شدن يقال بشرته بمولود فأبشر أي سر ويقال أبشر بخير ومنه قوله
تعالى (وأبشروا بالجنة) (فإن خطاك) جمع خطوة (في سبيل الله) أي في طريق يطلب فيها رضا
الله (سمعت أبا عباس) بسكون الموحدة هو ابن جبير بفتح الجيم وسكون الموحدة (من اغبرت
قدماه) أي أصابهما غبار (في سبيل الله) أي في الجهاد وقال المناوي في شرح الجامع الصغير أي في
طريق يطلب فيها رضا الله فشمل الجهاد وغيره كمطلب العلم قلت وأراد عباية بن رفاعة في
رواية الترمذي وكذا أبو عبس الراوي في رواية البخاري العموم (فهما حرام على النار) أي لا
213

تمسها النار وفي ذلك إشارة إلى عظم قدر التصرف في سبيل الله فإذا كان مجرد مس الغبار للقدم
يحرم عليها النار فكيف بمن سعى وبذل جهده واستنفد وسعه
قوله: (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد والبخاري والنسائي
قوله: (وفي الباب عن أبي بكر ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) لم أقف على من أخرج
حديثهما وفي الباب أيضا عن أبي الدرداء أخرجه الطبراني في الأوسط وعن جابر أخرجه ابن
حبان ذكر الحافظ لفظهما في الفتح تحت حديث الباب
قوله: (ويزيد بن أبي مريم وهو رجل شامي) قال في التقريب يقال اسم أبيه ثابت
الأنصاري أبو عبد الله الدمشقي إمام الجامع لا بأس به (روى عنه الوليد بن مسلم ويحيى بن
حمزة وغير واحد من أهل الشام) كالأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وغيرهما وهو روى عن أبيه
وعن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج ومجاهد وغيرهم كذا في تهذيب التهذيب (ويزيد بن أبي
مريم كوفي) يعني هذا رجل آخر غير يزيد بن أبي مريم الشامي المذكور (أبوه من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم واسمه مالك بن ربيعة) قال في تهذيب التهذيب مالك بن ربيعة أبو مريم السلولي من
أصحاب الشجرة سكن الكوفة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في النوم عن الصلاة وعنه ابنه يزيد بن
أبي مريم روى أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له أن يبارك له في ولده فولد له ثمانون ذكرا قال الحافظ ذكره ابن
حبان في الصحابة ثم ذكره ثقات التابعين
(باب ما جاء في فضل الغبار في سبيل الله)
قوله (عن محمد بن عبد الرحمن) بن عبيد القرشي مولى آل طلحة كوفي ثقة
214

قوله (لا يلج النار) أي لا يدخلها (رجل بكى من خشية الله) فإن الغالب من الخشية
امتثال الطاعة واجتناب المعصية (حتى يعود اللبن في الضرع) هذا من باب التعليق بالمحال كقوله
تعالى حتى يلج الجمل في سم الخياط (ولا يجتمع) أي على عبد كما في رواية غير الترمذي
(غبار في سبيل الله ودخان جهنم) فكأنهما ضدان لا يجتمعان كما أن الدنيا والآخرة نقيضان
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه النسائي والحاكم والبيهقي إلا أنهم قالوا ولا
يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري مسلم أبدا وقال الحاكم صحيح الاسناد
(باب ما جاء في من شاب شيبة في سبيل الله)
قوله: (واحذر) أي عن زيادة ونقصان فيه (من شاب شيبة) أي شعرة واحدة بيضاء (في
الاسلام) يعني أعم من أن يكون في الجهاد أو غيره (كانت له نورا يوم القيامة) أي ضياء ومخلصا
عن ظلمات الموقف وشدائده قال المناوي أي يصير الشعر نفسه نورا يهتدي به صاحبه
والشيب وإن كان ليس من كسب العبد لكنه إذا كان بسبب من نحو جهاد أو خوف من الله ينزل
منزلة سعيه انتهى
قوله: (وفي الباب عن فضالة بن عبيد وعبد الله بن عمرو) أما حديث فضالة فأخرجه
215

البزار والطبراني في الكبير والأوسط من رواية ابن لهيعة وبقية إسناده ثقات كذا في الترغيب ولفظه
مثل حديث الباب المذكور وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو داود
قوله: (حديث كعب بن مرة حديث حسن) وأخرجه النسائي وابن ماجة
قوله: (هكذا رواه الأعمش عن عمرو بن مرة) أي عن سالم بن أبي الجعد الخ (وقد روى
هذا الحديث عن منصور عن سالم بن أبي الجعد وأدخل) أي منصور بينه أي بين سالم بن أبي
الجعد (ويقال كعب بن مرة ويقال مرة بن كعب البهزي الخ) قال في تهذيب التهذيب
كعب بن مرة وقيل مرة بن كعب البهزي السلمي سكن البصرة ثم الأردن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم
وعنه شرحبيل بن السمط وسالم بن أبي الجعد وقيل لم يسمع منه وعبد الله بن شقيق وقال مرة بن
كعب وغيرهم قال ابن عبد البر والأكثر يقولون كعب بن مرة له أحاديث مخرجها عن أهل
الكوفة يروونها عن شرحبيل عنه وأهل الشام يروون تلك الأحاديث بأعيانها عن شرحبيل عن
عمرو بن عبسة فالله أعلم انتهى
قوله: (عن كثير بن مرة الحضرمي) الحمصي ثقة من الثانية ووهم من عدة في الصحابة كذا
في التقريب (عن عمرو بن عبسة) بعين موحدة مفتوحتين وإهمال سين ابن عامر بن خالد
السلمي كنيته أبو نجيح صحابي مشهور أسلم قديما وهاجر بعد أحد ثم نزل الشام
قوله: (من شاب شيبة في سبيل الله) وفي رواية النسائي في الاسلام قال الطيبي معناه
من مارس المجاهدة حتى يشيب طاقة من شعره فله مالا يوصف من الثواب دل عليه تخصيص
ذكر النور والتنكير فيه قال ومن روى في الاسلام بدل في سبيل الله أراد بالعام الخاص أو سمى
216

الجهاد إسلاما لأنه عموده وذروة سنامه انتهى قلت ويمكن أن يراد من سبيل الله في هذا
الحديث أعم من الجهاد والله تعالى أعلم
قوله: (هذا حديث حسن صحيح غريب) قال المنذري بعد ذكر هذا الحديث رواه النسائي
في حديث والترمذي وقال حديث حسن صحيح ولم يذكر المنذري لفظ غريب
(باب ما جاء من ارتبط فرسا في سبيل الله)
أي احتبسها وأعدها للجهاد
قوله: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) سيأتي شرح هذا في باب فضل الخيل
(الخيل لثلاثة) قال الحافظ وجه الحصر في الثلاثة أن الذي يقتني الخيل إما أن يقتنيها للركوب أو
للتجارة وكل منهما إما أن يقترن به فعل طاعة الله وهو الأول أو معصية وهو خير أو يتجرد عن
ذلك وهو الثاني (هي لرجل أجر) أي ثواب (وهي لرجل ستر) أي ساتر لفقره ولحاله (وهي على
رجل وزر) أي إثم وثقل (لا يغيب) بضم التحتية الأولى وشدة الثانية المكسورة أي لا يدخل
والضمير يرجع إلى الموصول وفي رواية مسلم لا تغيب بضم الفوقية والضمير يرجع إلى الخيل
وفي الحديث بيان أن الخيل إنما تكون في نواصيها الخير والبركة إذا كان اتخاذها في الطاعة أو في
الأمور المباحة وإلا فهي مذمومة والحديث أخرجه الترمذي مختصرا ورواه مسلم مطولا وفيه
الخيل ثلاثة فهي لرجل أجر ولرجل ستر ولرجل وزر فأما الذي هي له أجر فالرجل يتخذها
في سبيل الله ويعدها له فلا تغيب شيئا في بطونها إلا كتب الله له أجرا ولو رعاها في مرج ما أكلت
من شئ إلا كتب الله له بها أجرا ولو سقاها من نهر كان له بكل قطرة تغيبها في بطونها أجر حتى
ذكر الأجر في أبوالها وأرواثها ولو استنت شرفا أو شرفين كتب له بكل خطوة تخطوها أجر وأما
217

الذي هي له ستر فالرجل يتخذها تكرما وتجملا ولا ينسى حتى ظهورها وبطونها في عسرها
ويسرها وأما الذي هي عليه وزر فالذي يتخذها أشرا وبطرا وبذبحا ورياء الناس فذاك الذي
هي عليه وزر الحديث
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة
(باب ما جاء في فضل الرمي في سبيل الله
قوله: (عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين) بن الحارث بن عامر بن نوفل المكي
النوفلي ثقة عالم بالمناسك من الخامسة
قوله: (ليدخل بالسهم الواحد) أي بسبب رميه على الكفار (ثلاثة) وفي رواية ثلاثة نفر
(صانعه) بدل بعض من ثلاثة (يحتسب) أي حال كونه يطلب (في صنعته) أي لذلك السهم
(الخير) أي الثواب (والرامي به) أي كذلك محتسبا وكذا قوله (والممد به) من الامداد قال في
المجمع الممد به أي من يقوم عند الرامي وله فينا سهما بعد سهم أو يرد عليه النبل من الهدف من
أمددته بكذا إذا أعطيته إياه (ارموا واركبوا) أي تقتصروا على الرمي ماشيا واجمعوا بين الرمي
والركوب أو المعنى اعلموا هذه الفضيلة وتعلموا الرمي والركوب بتأديب الفرس والتمرين عليه
كما يشير إليه آخر الحديث وقال الطيبي عطف واركبوا يدل على المغايرة وأن الرامي يكون
راجلا والراكب رامحا فيكون معنى قوله (ولأن ترموا أحب إلى من أن تركبوا) أن الرمي بالسهم
أحب إلي من الطعن بالرمح انتهى كلام الطيبي وقال القاري والأظهر أن معناه أن معالجة
الرمي وتعلمه أفضل من تأديب الفرس وتمرين ركوبه لما فيه من الخيلاء والكبرياء ولما فيه الرمي
من النفع العام ولذا قدمه تعالى في قوله وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل مع
218

أن لا دلالة في الحديث على الرمح أصلا انتهى كلام القاري (كل ما يلهو به الرجل المسلم) أي
يشتغل ويلعب به (باطل) لا ثواب له (إلا رميه بقوس) احتراف عن رميه بالحجر والخشب
(وتأديبه فرسه) أي تعليمه إياه بالركض والجولان على نية الغزو (وملاعبته أهله فإنهن من الحق)
أي ليس من اللهو الباطل فيترتب عليه الثواب الكامل قال القاري وفي معناها كل ما يعين على
الحق من العلم والعمل إذا كان من الأمور المباحة كالمسابقة بالرجل والخيل والإبل والتمشية للتنزه
على قصد تقوية البدن وتطرية الدماغ ومنها السماع إذا لم يكن بالآلات المطربة المحرمة انتهى
كلام القاري
قلت في قوله ومنها السماع الخ نظر ظاهر فإن السماع ليس مما يعين على الحق والسماع
الذي هو فاش في هذا الزمان بين المتصوفة الجهلة لا شك في أنه معين على الفساد والبطالة وأما
الدليل على أن السماع ليس مما يعين على الحق فقوله تعالى ومن الناس يشتري لهو الحديث
قال الحافظ في التلخيص روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح أن عبد الله سئل عن قوله تعالى
(ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال الغناء والذي لا إله غيره وأخرجه الحاكم وصححه
البيهقي انتهى وعبد الله هذا هو ابن مسعود وقد صرح الحافظ به فيه وحديث عبد الله بن
عبد الرحمن بن أبي حسين هذا مرسل لأنه من صغار التابعين
قوله: (عن أبي الاسلام) الحبشي الأسود اسمه ممطور (عن عبد الله بن الأزرق) بتقديم الزاي
على الراء قال في الخلاصة عبد الله بن زيد الأزرق عن عقبة بن عامر وعنه أبو سلام وثقه ابن
حبان
قوله: (وفي الباب عن كعب بن مرة وعمرو بن عبسة وعبد الله بن عمرو) أما حديث
كعب بن مرة فأخرجه النسائي وابن حبان في صحيحه عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
من بلغ العدو بسهم رفع الله له درجة فقال له عبد الرحمن بن النحام وما الدرجة يا رسول الله
قال أما إنها ليست بعتبة أمك ما بين الدرجتين مائة عام وعنه أيضا قال سمعت
219

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رمى بسهم في سبيل الله كان كمن أعتق رقبة رواه ابن حبان في
صحيحه وأما حديث عمرو بن عبسة فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث عبد الله بن
عمرو فلينظر من أخرجه
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) الظاهر أن الترمذي أشار بقوله هذا إلى حديث عقبة بن عامر لا
إلى حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين فإنه مرسل وفي سنده محمد بن إسحاق وهو
مدلس ورواه عنه بالعنعنة وأما حديث عقبة فرواه أبو داود والنسائي والحاكم وقال صحيح
الاسناد والبيهقي من طريق الحاكم وغيرها وفي لفظ أبي داود ومنبله مكان والممد به قال
المنذري منبله بضم الميم وإسكان النون وكسر الباء الموحدة قال البغوي هو الذي يناول
الرامي النبل وهو يكون على وجهين أحدهما أن يقوم بجنب الرامي أو خلفه يناوله النبل واحدا
بعد واحد حتى يرمي والاخر أن يرد عليه النبل المرمي به ويروي والممدد به وأي الأمرين فعل
فهو ممد به انتهى قال المنذري ويحتمل أن يكون المراد بقوله منبله أي الذي يعطيه للمجاهد
ويجهز به من ماله إمدادا له وتقوية ورواية البيهقي تدل على هذا انتهى
قلت: في رواية البيهقي أن الله عز وجل يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه
الذي يحتسب في صنعته الخير والذي يجهز به في سبيل الله والذي يرمي به في سبيل الله
قوله: (فهو له عدل محرر) بكسر العين ويفتح أي مثل ثواب معتق
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والحاكم وقال صحيح على شرطهما ولم
يخرجاه (وأبو نجيح) بفتح النون وكسر الجيم وسكون التحتية وبالحاء المهملة (وهو عمرو بن
عبسة) بفتح العين الموحدة وبالسين المهملة صحابي مشهور
أسلم قديما وهاجر بعد أحد ثم
نزل الشام (وعبد الله بن الأزرق هو عبد الله بن زيد) والأزرق صفة لزيد فهو عبد الله بن زيد
الأزرق كما في الخلاصة وتهذيب التهذيب وميزان الاعتدال
220

(باب ما جاء في فضل الحرس في سبيل الله
قوله (حدثنا بشر بن عمر) هو الزهران الأزدي (حدثنا شعيب بن رزيق) بضم الراء
المهملة وفتح الزاي مصغرا الشامي أبو شيبة صدوق يخطئ من السابعة (حدثنا عطاء) بن أبي
مسلم أو عثمان الخراساني واسم أبيه ميسرة وقيل عبد الله صدوق يهم كثيرا ويرسل ويدلس من
الخامسة لم يصح أن البخاري أخرج له كذا في التقريب
قوله: (عينان لا تمسهما النار) أي لا تمس صاحبهما فعبر بالجزء عن الجملة وعبر بالمس
إشارة إلى امتناع ما فوقه بالأولى وفي رواية أبدا وفي رواية لا تريان النار (عين بكت من
خشية الله) وهي مرتبة المجاهدين مع النفس التائبين عن المعصية سواء كان عالما أو غير عالم (وعين
باتت تحرس) وفي رواية تكلأ (في سبيل الله) وهي مرتبة المجاهدين في العبادة وهي شاملة لأن
تكون في الحج أو طلب العلم أو الجهاد أو العبادة والأظهر أن المراد به الحارس للمجاهدين
لحفظهم عن الكفار قال الطيبي قوله عين بكت هذا كناية عن العالم العابد المجاهد مع نفسه
لقوله تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء حيث حصر الخشية فيهم غير متجاوز عنهم
فحصلت النسبة بين العينين عين مجاهد مع النفس والشيطان وعين مجاهد مع الكفار
قوله: (وفي الباب عن عثمان وأبي ريحانة) أما حديث عثمان فأخرجه الحاكم وقال صحيح
الاسناد ولفظه حرس ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها وأما
حديث أبي ريحانة فأخرجه أحمد ورواته ثقات والنسائي ببعضه والطبراني في الكبير والأوسط
والحاكم وقال صحيح الاسناد كذا في الترغيب
قوله: (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) وأخرجه الضياء والطبراني في الأوسط عن
أنس
221

(باب ما جاء في ثواب الشهيد
قوله: (في طير) جمع طائر ويطلق على الواحد (خضر) بضم فسكون جمع أخضر (تعلق)
قال المنذري بفتح المثناة فوق وعين مهملة وضم اللام أي ترعى من أعالي شجر الجنة انتهى
وقال في النهاية أي تأكل وهو في الأصل للإبل إذا أكلت العضاه يقال علقت علوقا فنقل
إلى الطير انتهى (من ثمر الجنة أو شجر الجنة) شك من الراوي وفي حديث ابن مسعود عند
مسلم: أرواحهم في أجواف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم
تأوى إلى تلك القناديل الحديث قال في المرقاة وقد تعلق بهذا الحديث وأمثاله بعض القائلين
بالتناسخ وانتقال الأرواح وتنعيمها في الصور الحسان المرفهة وتعذيبها في الصور القبيحة
وزعموا أن هذا هو الثواب والعقاب وهذا باطل مردود لا يطابق ما جاءت به الشرائع من إثبات
الحشر والنشر والجنة والنار ولهذا قال في حديث اخر حتى يرجعه الله إلى جسده يوم بعثه
الأجساد قال ابن الهمام إعلم أن القول بتجرد الروح يخالف هذا الحديث كما أنه يخالف قوله
تعالى فادخلي في عبادي انتهى وفي بعض حواشي العقائد إعلم أن التناسخ عند
أهله هو رد الأرواح إلى الأبدان في هذا العالم لا في الآخرة إذ هم ينكرون الآخرة والجنة والنار
ولذا كفروا انتهى
قلت: على بطلان التناسخ دلائل كثيرة واضحة في الكتاب والسنة منها قوله تعالى حتى
إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها
ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد في مسنده
قوله: (حدثنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي بصري أصله من بخارى ثقة قيل كان
222

يحيى بن سعيد لا يرضاه من التاسعة (عن عامر العقيلي) بالضم. قال في التقريب: عامر بن
عقبة، وقال ابن عبد الله العقيلي مقبول من الرابعة (عن أبيه) هو عقبة قال في تهذيب
التهذيب عقبة العقيلي روى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم عرض علي أول ثلاثة يدخلون الجنة
الحديث وعنه ابنه عامر العقيلي انتهى وقال في التقريب في ترجمته مقبول من الثالثة
قوله: (عر ض) بالبناء للمفعول (أول ثلاثة يدخلون الجنة) بصيغة الفاعل ويجوز كونه
للمفعول قال الطيبي أضاف أفعل إلى النكرة للاستغراق أي أول كل ثلاثة من الداخلين في
الجنة هؤلاء الثلاثة وأما تقديم أحد الثلاثة على الآخرين فليس في اللفظ إلا التنسيق عند علماء
المعاني انتهى قال القاري وقوله للاستغراق كأنه صفة النكرة أي النكرة المستغرقة لأن النكرة
الموصوفة تعم فالمعنى أول كل ممن يدخل الجنة ثلاثة ثلاثة هؤلاء الثلاثة ثم لا شك أن التقديم
الذكرى يفيد الترتيب الوجودي في الجملة وإن لم يكن قطعيا كما في آية الوضوء وقد قال صلى الله عليه وسلم
ابدأوا بما بدأ الله به في إن الصفا والمروة من شعائر الله وروى ثلة بالضم وهي
الجماعة أي أول جماعة يدخلون الجنة وروى برفع ثلاثة فضم أول للبناء كضم قبل وبعد ظرف
عرض أي عرض على أول أوقات العرض ثلاثة أو ثلة يدخلون الجنة (شهيد) فعيل بمعنى الفاعل أو المفعول
(وعفيف) عن تعاطي ما لا تحل (متعفف) أي عن السؤال باليسير عن طلب المفضول في
المطعم والملبس وقيل أي متنزه عما لا يليق به صابر على مخالفة نفسه وهواه (وعبد) أي مملوك
(أحسن عبادة الله) بأن قام بشرائطها وأركانها وقال الطيبي أي أخلص عبادته من قوله صلى الله عليه وسلم
الاحسان أن تعبد الله كأنك تراه (ونصح لمواليه) أي أراد الخير لهم وقام بحقوقهم
قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه والحاكم والبيهقي في السنن الكبرى
قوله: (حدثنا يحيى بن طلحة) بن أبي كثير اليربوعي الكوفي لين الحديث من العاشرة
قوله: (القتل) مصدر بمعنى المفعول قوله (يكفر كل خطيئة) أي يكون سببا لتكفير كل خطيئة
223

عن المقتول (إلا الدين) أي وما في معناه من حقوق العباد قال النووي فيه تنبيه على جميع حقوق
الآدميين وأن الجهاد والشهادة وغيرهما من أعمال البر ولا يكفر حقوق الآدميين وإنما تكفر حقوق الله
تعالى
قوله: (وفي الباب عن كعب بن عجرة وجابر وأبي هريرة وأبي قتادة) أما حديث كعب بن
عجرة فلينظر من أخرجه وأما حديث جابر فأخرجه الترمذي في التفسير وابن ماجة والحاكم وقال
صحيح الاسناد وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجة عنه قال ذكر الشهداء عند النبي صلى الله عليه وسلم
فقال لا تجف الأرض من دم الشهيد حتى تبتدره زوجتاه كأنهما ظئران أضلتا فصيلهما في براح من
الأرض وفي يد كل واحدة حلة خير من الدنيا وما فيها وله أحاديث أخرى في هذا الباب ذكرها
المنذري في الترغيب في الشهادة وما جاء في فضل الشهداء وأما حديث أبي قتادة
فأخرجه مسلم وأخرجه الترمذي أيضا في باب من يستشهد وعليه دين
قوله: (وحديث أنس حديث غريب) وأخرجه مسلم عن عبد الله بن عمرو بلفظ القتل
في سبيل الله يكفر كل شئ إلا الدين (لا نعرفه من حديث أبي بكر إلا من حديث هذا الشيخ)
يعني يحيى بن طلحة الكوفي (وقال) أي محمد بن إسماعيل البخاري (أرى) بضم الهمزة وفتح
الراء أي أظن (أنه) أي يحيى بن طلحة (أراد حديث حميد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
ليس أحد من أهل الجنة الخ) يعني أراد يحيى بن طلحة أن يحدث هذا الحديث فأخطأ ووهم
وحدث بحديث القتل يكفر كل شئ الخ
قوله: (يموت) صفة لعبد (له عند الله خير) أي ثواب صفة أخرى لعبد (يجب أن يرجع)
224

كلمة أن مصدرية ويرجع لازم (وأن له الدنيا) بفتح الهمزة عطف على أن يرجع ويجوز الكسر على
أن يكون جملة حالية (إلا الشهيد) مستثنى من قوله يجب أن يرجع (لما يرى) بكسر اللام التعليلية
(فيقتل) على صيغة المجهول بالنصب عطف على أن يرجع
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
(باب ما جاء في فضل الشهداء عند الله)
وفي بعض النسخ في أفضل الشهداء مكان في فضل الشهداء وهو الظاهر
قوله: (عن عطاء بن دينار) الهذلي مولاهم أبو الريان وقيل أبو طلحة المصري صدوق إلا
أن روايته عن سعيد بن جبير عن صحيفته من السادسة (عن أبي يزيد الخولاني) المصري مجهول
من الرابعة (أنه سمع فضالة بن عبيد) بن نافذ بن قيس الأنصاري الأوسي أو ما شهد أحدا
ثم نزل دمشق وولى قضاها مات سنة ثمان وخمسين وقيل قبلها
قوله: (الشهداء أربعة) أي أربعة أنواع أو أربعة رجال (رجل مؤمن جيد الايمان) أي
خالصه أو كامله (لقي العدو) أي من الكفار (فصدق الله) بتخفيف الدال أي صدق بشجاعته ما
عاهد الله عليه أو بتشديده أي صدقه فيما وعد على الشهادة (حتى قتل) بصيغة المجهول أي
حتى قاتل إلى أن استشهد قال الطيبي رحمه الله يعني أن الله وصف المجاهدين الذي قاتلوا
لوجهه صابرين محتسبين فتحرى هذا الرجل بفعله وقالت صابرا فكأنه صدق الله تعالى
بفعله قال تعالى رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه (فذاك) أي المؤمن (الذي يرفع الناس)
225

أي أهل الموقف (هكذا) مصدر قوله يرفع أي رفعا مثل رفع رأسي هكذا كما تشاهدون (ورفع
رأسه حتى وقعت) أي سقطت (قلنسوته) بفتحتين فسكون فضم أي طاقيته وهذا القول كناية
عن تناهي رفعه منزلته (فلا أدري) هذا قول الراوي عن فضالة بناء على أن قوله حتى وقعت
كلام فضالة أو كلام عمر والمعنى فلا أعلم (قلنسوة عمر أراد) أي فضالة (أم قلنسوة النبي صلى الله عليه وسلم
قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم وإعادته للفصل (ورجل مؤمن جيد الايمان) يعني لكن دون الأول في مرتبة
الشجاعة (فكأنما ضرب) أي مشبها بمن طعن (جلده بشوك طلح) بفتح فسكون وهو شجر عظيم
من شجر العضاه قال الطيبي إما كناية عن كونه يقشعر شعره من الفزع والخوف أو عن ارتعاد
فرائصه وأعضائه وقوله (من الجبن) بيان التشبيه قال القاري الأظهر أن من تعليلية
والجبن ضد الشجاعة وهما خصلتان جبليتان مركوزتان في الانسان وبه يعلم أن الغرائز
الطبيعية المستحسنة من فضل الله ونعمة يستوجب العبد بها زيادة درجة (أتاه سهم غرب) بفتح
المعجمة وسكون الراء وفتحها أي مثلا والتركيب توصيفي وجوز الإضافة والمعنى لا يعرف راميه
(فقتله) أي ذلك السهم مجازا (فهو في الدرجة الثانية) وفي الحديث إشعار بأن المؤمن القوي أحب
إلى الله من المؤمن الضعيف كما روى (ورجل مؤمن خلط عملا صالحا وآخر سيئا) الواو بمعنى
الباء أو للدلالة على أن كل واحد منها مخلوط بالاخر كما ذكره البيضاوي في تفسير قوله تعالى
(وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا) (حتى قتل) أي بوصف الشجاعة
(ورجل مؤمن أسرف على نفسه) أي بكثرة المعاصي (حتى قتل) أي بوصف الشجاعة المفهوم من
قوله فصدق الله (فذاك في الدرجة الرابعة) في الحديث دلالة على أن الشهداء يتفاضلون وليسوا في
مرتبة واحدة قال الطيبي الفرق بين الثاني والأول مع أن كليهما جيد الايمان أن الأول صدق الله
في إيمانه لما فيه من الشجاعة وهذا بذل مهجته في سبيل الله ولم يصدق لما فيه من الجبن والفرق
بين الثاني والرابع أن الثاني جيد الايمان غير صادق بفعله والرابع عكسه فعلم من وقوعه في
الدرجة الرابعة أن الايمان والإخلاص لا يعتريه شئ وأن مبنى الأعمال على الاخلاص قال
القاري فيه أنه لا دلالة للحديث على الاخلاص مع أنه معتبر في جميع مراتب الاختصاص بل
226

الفرق بين الأولين بالشجاعة وضدها مع اتفاقهما في الايمان وصلاح العمل ثم دونهما المخلط ثم
دونهم المسرف مع اتصافهما بالإيمان أيضا ولعل الطيبي أراد بالمخلط من جمع بين نية الدنيا
والآخرة وبالمسرف من نوى بمجاهدته الغنيمة أو الرياء والسمعة انتهى
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد (عن أشياخ من خولان) بفتح الخاء
وسكون الواو قبيلة باليمن ومنها أبو يزيد الخولاني
(باب ما جاء في غزو البحر)
قوله (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام) بفتح المهملتين وهي خالة أنس صحابية
مشهورة ماتت في خلافة عثمان وفي رواية البخاري في الاستئذان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب
إلى قباء يدخل على أم حرام (وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت) هذا ظاهره أنها كانت
حينئذ زوج عبادة وفي رواية البخاري في باب غزو المرأة في البحر من كتاب الجهاد فتزوجت
عبادة بن الصامت فركبت البحار وفي رواية لمسلم فتزوج بها عبادة بعد وظاهر هاتين الروايتين
أنها تزوجته بعد هذه المقالة ووجه الجمع أن المراد بقوله وكانت تحت عبادة بن الصامت الإخبار
عما آل إليه الحال بعد ذلك وهو الذي اعتمده النووي وغيره تبعا لعياض ذكره الحافظ في الفتح في
كتاب الاستئذان وقد بسط الكلام في هذا هناك فمن شاء الوقوف عليه فليراجعه (وحبسته تفلي
رأسه) بفتح المثناة وسكون الفاء وكسر اللام أي تفتش ما فيه من القمل (فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي
رواية لمسلم أتانا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عندنا (ثم استيقظ وهو يضحك) أي فرحا وسرورا لكون أمته
227

تبقى بعده متظاهرة أمور الاسلام قائمة بالجهاد حتى في البحر (قال ناس من أمتي عرضوا علي
غزاة) جمع غاز كقضاة جمع قاض بالنصب على الحالية وقوله عرضوا بصيغة المجهول وعلى
بتشديد التحتية (يركبون ثبج هذا البحر) قال الحافظ الثبج بفتح المثلثة والموحدة ثم جيم ظهر
الشئ هكذا فسره جماعة وقال الخطابي متن البحر وظهره وقال الأصمعي ثبج كل شئ
وسطه قال والراجح أن المراد هنا ظهره كما وقع في رواية عند مسلم يركبون ظهر البحر (ملوكا
على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة) بالشك من إسحاق الراوي عن أنس كما في رواية
البخاري: ووقع في رواية كالملوك على الأسرة من غير شك وفي رواية مثل الملوك على الأسرة
بغير شك أيضا وفي رواية لأحمد مثلهم كمثل الملوك على الأسرة ذكر الحافظ هذه الروايات في
الفتح قال ابن عبد البر أراد والله أعلم أنه رأى الغزاة في البحر من أمته ملوكا على الأسرة في
الجنة ورؤياه وحي وقد قال الله تعالى في صفة أهل الجنة على سرر متقابلين وقال على
الأرائك متكئون والأرائك السرر في الحجال وقال عياض هذا محتمل ويحتمل أيضا أن يكون
خبرا عن حالهم في الغزو من سعة أحوالهم وقوام أمرهم وكثرة عددهم وجودة عددهم فكأنهم
الملوك على الأسرة قال الحافظ وفي هذا الاحتمال بعد والأول أظهر لكن الاتيان بالتمثيل في
معظم طرقه يدل على أنه رأى ما يؤول إليه أمرهم لا أنهم نالوا ذلك في تلك الحالة أو موقع التشبيه
أنهم فيما هم من النعيم الذي أثبتوا به على جهادهم ملوك الدنيا على أسرتهم فالتشبيه
بالمحسوسات أبلغ في نفس السامع (فدعا لها) وفي رواية اللهم اجعلها منهم وفي رواية لمسلم
فإنك منهم ويجمع بأنه دعا لها فأجيب فأخبرها جازما بذلك (نحو ما قال في الأول) ظاهره أن
الفرقة الثانية يركبون البحر أيضا قال الحافظ ولكن رواية عمير بن الأسود تدل على أن الثانية
إنما غزت في البر لقوله يغزون مدينة قيصر وقد حكى ابن التين أن الثانية وردت في غزاة البر
وأقره وعلى هذا يحتاج إلى حمل المثلية في الخبر على معظم ما اشتركت فيه الطائفتان لا خصوص
ركوب البحر ويحتمل أن يكون بعض العسكر الذين غزوا مدينة قيصر ركبوا البحر إليها وعلى
تقدير أن يكون المراد ما حكى ابن التين فتكون الأولية مع كونها في البر مقيدة بقصد مدينة قيصر
وإلا فقد غزوا قبل ذلك في البر مرارا وقال القرطبي الأولى في أول من غزا البحر من الصحابة
والثانية في أول من غزا البحر من التابعين وقال الحافظ بل كان في كل منهما من الفريقين لكن
228

معظم الأولى من الصحابة والثانية بالعكس وقال عياض والقرطبي في السياق دليل على أن
رؤياه الثانية غير رؤياه الأولى وأن في كل نومه عرضت طائفة من الغزاة وأما قول أم حرام أدع
الله أن يجعلني منهم في الثانية فلظنها أن الثانية تساوي الأولى في المرتبة فسألت ثانيا ليتضاعف لها
الأجر لا أنها شكت في إجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لها في المرة الأولى وفي جزمه بذلك قال الحافظ لا
تنافي بين إجابة دعائه وجزمه بأنها من الأولين وبين سؤالها أن تكون من الآخرين لأنه لم يقع
التصريح لها أنها تموت قبل زمان الغزوة الثانية فجوزت أنها تدركها فتغزو معهم ويحصل لها أجر
الفريقين فأعلمها أنها لا تدرك زمان الغزوة الثانية فكان كما قال صلى الله عليه وسلم انتهى (أنت من الأولين)
قال النووي هذا دليل على أن رؤياه الثانية غير الأولى وأنه عرض فيه غير الأولين (فركبت
أم حرام البحر في زمن معاوية بن أبي سفيان) ظاهره يوهم أن ذلك كان في خلافة معاوية وليس
كذلك وقد اغتر بظاهره بعض الناس فوهم فإن القصة إنما وردت في حق أول من يغزو في
البحر وكان عمر ينهى عن ركوب البحر فلما ولي عثمان استأذنه معاوية في الغزو في البحر فأذن
له ونقله أبو جعفر الطبري عن عبد الرحمن بن يزيد بن أسلم ويكفي في الرد عليه التصريح في
الصحيح بأن ذلك كان أول ما غزا المسلمون في البحر ونقل أيضا من طريق خالد بن معدان
قال: أول من غزا البحر معاوية في زمن عثمان وكان استأذن عمر فلم يأذن له فلم يزل بعثمان حتى
أذن له وقال لا تنتخب أحدا بل من اختار الغزو فيه طائعا فأعنه ففعل كذا في الفتح
(فصرعت) بصيغة المجهول (عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت) وفي رواية فلما انصرفوا
من غزوهم قافلين إلى الشام قربت إليها دابة لتركبها فصرعت فماتت وفي رواية عند أحمد
فوقصتها بغلة لها شهباء فوقعت فماتت وفي رواية فوقعت فاندقت عنقها والحاصل أن البغلة
الشهباء قربت إليها لتركبها فشرعت لتركب فسقطت فاندقت عنقها فماتت
تنبيه قد أشكل على جماعة نومه صلى الله عليه وسلم عند أم حرام وتفليتها رأسه فقال النووي اتفق
العلماء على أنها كانت محرما له صلى الله عليه وسلم واختلفوا في كيفية ذلك فقال ابن عبد البر وغيره كانت
إحدى خالاته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة وقال آخرون بل
كانت خالة لأبيه أو لجده لأن عبد المطلب كانت أمه من بني النجار انتهى
قلت: في ادعائه الانفاق نظر ظاهر على أن في كونها محرما له صلى الله عليه وسلم تأملا فقد بالغ
الدمياطي في الرد على من ادعى المحرمية فقال ذهل كل من زعم أن أم حرام إحدى خالات
النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أو من النسب وكل من أثبت لها خؤولة تقتضي محرمية لأن أمهاته من
229

النسب واللاتي أرضعته معلومات ليس فيهن أحد من الأنصار البتة سوى أم عبد المطلب وهي
سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار وأم حرام
هي بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر المذكور فلا تجتمع أم حرام
وسلمى إلا في عامر بن غنم جدهما الأعلى وهذه خؤولة لا تثبت بها محرمية لأنها خؤولة مجازية
وهي كقوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص هذا خالي لكونه من بني زهرة وهم أقارب أمة امنة وليس
سعد أخا لا منة لا من النسب ولا من الرضاعة انتهى
وذكر ابن العربي عن بعض العلماء أن هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم لأنه كان معصوما يملك إربه
عن زوجته فكيف عن غيرها مما هو المنزه عنه وهو المبرأ عن كل فعل قبيح وقولة رفث
ورده عياض بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال وثبوت العصمة مسلم لكن الأصل عدم
الخصوصية وجواز الاقتداء به في أفعاله حتى يقوم على الخصوصية دليل
وقيل: يحمل دخوله عليها أنه كان قبل الحجاب قال الحافظ ورد بأن ذلك كان بعد
الحجاب جزما وقد قدمت في أول الكلام على شرحه أن ذلك كان بعد حجة الوداع
وقال الدمياطي ليس في الحديث ما يدل على الخلوة بها فلعل كان ذاك مع ولد أو خادم أو
زوج أو تابع قال الحافظ وهو احتمال قوي لكنه لا يدفع الاشكال من أصله لبقاء الملامسة في
تفلية الرأس وكذا النوم في الحجر ثم قال وأحسن الأجوبة دعوى الخصوصية ولا يردها
كونها لا تثبت إلا بدليل لأن الدليل على ذلك واضح والله أعلم انتهى
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي
وابن ماجة
(باب ما جاء في من يقاتل رياء وللدنيا)
قوله: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة) أي ليذكر بين الناس ويوصف
230

بالشجاعة (ويقاتل حمية) أي لمن يقاتل لأجله من أهل أو عشيرة أو صاحب (ويقاتل رياء) أي
ليرى الناس منزلته في سبيل الله وفي رواية البخاري في الجهاد ليرى مكانه (من قاتل لتكون كلمة
الله هي العليا فهو في سبيل الله) قال الحافظ المراد بكلمة الله ودعوة الله إلى الاسلام ويحتمل أن
يكون المراد أنه لا يكون في سبيل الله إلا من كان سبب قتاله طلب إعلاء كلمة الله فقط بمعنى أنه لو
أضاف إلى ذلك سببا من الأسباب المذكورة أخل بذلك ويحتمل أن لا يخل إذا حصل ضمنا لا
أصلا ومقصودا وبذلك صرح الطبري فقال إذا كان أصل الباعث هو الأول لا يضره ما عرض
له بعد ذلك وبذلك قال الجمهور لكن روى أبو داود والنسائي من حديث أبو أمامة بإسناد جيد
قال: جاء رجل فقال يا رسول الله أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ماله قال لا شئ له
فأعادها ثلاثا كل ذلك يقول لا شئ له ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لا يقبل من العمل إلا ما
كان له خالصا وابتغى به وجهه ويمكن أن يحمل هذا على من قصد الأمرين معا على حد واحد فلا
يخالف المرجح أولا فتصير المراتب خمسا أن يقصد الشيئين معا أو يقصد أحدهما صرفا أو
يقصد أحدهما ويحصل الاخر ضمنا فالمحذور أن يقصد غير الاعلاء فقد يحصل الاعلاء ضمنا
وقد لا يحصل ويدخل تحته مرتبتان وهذا ما دل عليه حديث أبي موسى ودونه أن يقصدهما معا
فهو محذور أيضا على ما دل عليه حديث أبي أمامة والمطلوب أن يقصد الاعلاء صرفا وقد يحصل
غير الاعلاء وقد لا يحصل عير الاعلاء وقد لا يحصل ففيه مرتبتان أيضا قال ابن أبي جمرة ذهب المحققون إلى أنه إذا كان
الباعث الأول قصد إعلاء كلمة الله لم يضره ما انضاف إليه انتهى قال الحافظ ويدل على أن
دخول غير الاعلاء ضمنا لا يقدح في الاعلاء إذا كان الاعلاء هو الباعث الأصلي ما رواه أبو داود
بإسناد حسن عن عبد الله بن حوالة قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أقدامنا لنغنم فرجعنا ولم نغنم
شيئا فقال اللهم لا تكلهم إلى الحديث قال وفي الحديث بيان أن الأعمال إنما تحتسب بالنية
الصالحة وأن الفضل الذي ورد في المجاهد يختص بمن ذكر وفي ذم الحرص على الدنيا وعلى
القتال لحظ النفس في غير الطاعة انتهى
قوله: (وفي الباب عن عمر) أخرجه الترمذي بعد هذا
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة
231

قوله: (إنما الأعمال) قال جماهير العلماء من أهل العربية والأصول وغيرهم لفظه إنما
موضوعة للحصر نثبت المذكور وتنفي ما سواه فتقدير هذا الحديث أن الأعمال تحسب بنية ولا
تحسب إذا كانت بلا نية قاله النووي والأعمال أعم من أن تكون أقوالا أو أفعالا فرضا أو نفلا
قليلة أو كثيرة صادرة من المكلفين المؤمنين (بالنية) بالإفراد ووقع في رواية البخاري في أول
صحيحه بالنيات بالجمع قال الحافظ كذا أورد هنا وهو من مقابلة الجمع بالجمع أي كل
عمل بنيته وقال الحربي كأنه أشار بذلك إلى أن النية تتنوع كما تتنوع الأعمال كمن قصد بعمله
وجه الله أو تحصيل موعوده أو الانقاء لوعيده ووقع في معظم الروايات بإفراد النية ووجهه أن
محل النية القلب وهو متحد فناسب إفرادها بخلاف الأعمال فإنها متعلقة بالظواهر وهي متعددة
فناسب جمعها ولأن النية ترجع إلى الاخلاص وهو أحد للواحد الذي لا شريك له انتهى
قال النووي والنية القصد وهو عزيمة القلب وتعقبه الكرماني بأن عزيمة القلب قدر زائد
على أصل القصد وقال البيضاوي النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا لغرض من
جلب نفع أو دفع ضرر حالا أو مآلا والشرع خصصه بالإرادة المتوجهة نحو الفعل لابتغاء رضا
الله وامتثال حكمه والنية في الحديث محمولة على المعنى اللغوي ليصح تطبيقه على ما بعده
وتقسيمه أحوال المهاجر فإنه تفصيل لما أجمل ولا بد من محذوف يتعلق به الجار والمجرور فقيل
تعتبر وقيل تكمل وقيل تصح وقيل تحصل وقيل تستقر وقيل الكون المطلق قال
البلقيني هو الأحسن قال الطيبي كلام الشارع محمول على بيان الشرع لأن المخاطبين بذلك
هم أهل اللسان فكأنهم خوطبوا بما ليس لهم به علم إلا من قبل الشارع فيتعين الحمل على ما يفيد
الحكم الشرعي انتهى (وإنما لامرئ ما نوى) قال الحافظ في الفتح قال القرطبي فيه تحقيق
لاشتراط النية والإخلاص في الأعمال فجنح إلى أنها مؤكدة وقال غيره بل تفيد غير ما أفادته
الأولى لأن الأولى نبهت على أن العمل يتبع النية بصاحبها فيترتب الحكم على ذلك والثانية
أفادت أن العامل لا يحصل له إلا ما نواه وقال ابن دقيق العيد الجملة الثانية تقتضي أن من نوى
شيئا يحصل له يعني إذا عمله بشرائطه أو حال دون عمله ما يعذر شرعا بعدم عمله وكل ما لم ينوه
لم يحصل له ومراده بقوله ما لم ينوه أي لا خصوصا ولا عموما أما إذا لم ينو شيئا مخصوصا لكن
كانت هناك نية عامة تشمله فهذا مما اختلف فيه أنظار العلماء ويتخرج عليه من المسائل ما لا
232

يحصى وقد يحصل غير المنوي لمدرك آخر كمن دخل المسجد فصلى الفرض أو الراتبة قبل أن يقعد
فإنه يحصل له تحية المسجد نواها أو لم ينوها لأن القصد بالتحية شغل البقعة وقد حصل وهذا
بخلاف من اغتسل يوم الجمعة عن الجنابة فإنه لا يحصل له غسل الجمعة على الراجح لأن غسل
الجمعة ينظر فيه إلى التعبد لا إلى محض التنظيف فلا بد من القصد إليه بخلاف تحية المسجد
والله أعلم
وقال النووي: أفادت الجملة الثانية اشتراط تعيين المنوي كمن عليه صلاة فائته لا يكفيه
أن ينوي الفائتة فقط حتى يعينها ظهرا مثلا أو عصرا ولا يخفي أن محله ما إذا لم تنحصر الفائتة
(فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله فهجرته إلى الله وإلى رسوله) الهجرة الترك والهجرة إلى
الشئ الانتقال إليه عن غيره وفي الشرع ترك ما نهى الله عنه وقد وقعت في الإسلام على
وجهين الأول الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن كما في هجرتي الحبشة وابتداء الهجرة من
مكة إلى المدينة الثاني الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان وذلك بعد أن استقر النبي صلى الله عليه وسلم
بالمدينة وهاجر إليه من أمكنه ذلك من المسلمين وكانت الهجرة إذ ذاك تختص بالانتقال إلى المدينة
إلى أن فتحت مكة فانقطع الاختصاص وبقي عموم الانتقال من دار الكفر لمن قدر عليه باقيا
فإن قيل الأصل تغاير الشرط والجزاء وقد وقعا في هذا الحديث متحدين
فالجواب أن التغاير يقع تارة باللفظ وهو الأكثر وتارة بالمعنى ويفهم ذلك من السياق ومن
أمثلته قوله تعالى ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا وهو مؤول على إرادة المعهود
المستقر في النفس كقولهم أنت أنت أي الصديق الخالص وقولهم هم هم أي الذين لا يقدر
قدرهم وقول الشاعر أنا أبو النجم وشعري وشعري أو هو مؤول على إقامة السبب مقام
المسبب لاشتهار السبب وقال ابن مالك قد يقصد بالخبر الفرد بيان الشهرة وعدم التغير فيتحد
بالمبتدأ لفظا كقول الشاعر
خليلي خليلي دون ريب وربما الآن امرؤ قولا فظن خليلا
وقد يفعل مثل هذا بجواب الشرط كقولك من قصدني فقد قصدني أي فقد قصد من
عرف بإنجاح قاصده وقال غيره إذا اتحد لفظ المبتدأ والخبر والشرط والجزاء علم منهما المبالغة إما
في التعظيم وإما في التحقير (إلى الدنيا) بضم الدال وبكسر وهي فعلي من الدنو وهو القرب لدنوها
إلى الزوال أو لقربها من الآخرة منا ولا تنون لأن ألفها مقصورة للتأنيث أو هي تأنيث أدنى وهي
كافية في منع الصرف وتنويها في لغة شاذة ولإجرائها مجرى الأسماء وخلعها عن الوصفية نكرت
233

كرجعي ولو بقيت على وصفيتها لعرفت كالحسنى واختلفوا في حقيقتها فقيل هي اسم مجموع
هذا العالم المتناهي وقيل هي ما على الأرض من الجو والهواء أو هي كل المخلوقات من الجواهر
والأعراض الموجودة قبل الآخرة قال النووي وهذا هو الأظهر ويطلق على كل جزاء منها مجازا
وأريد ههنا شئ من الحظوظ النفسانية (يصيبها) أي يحصلها لكن لسرعة مبادرة النفس إليها
بالجبلة الأصلية شبه حصولها بإصابة السهم للغرض والأظهر أنه حال أي يقصد إصابتها (أو
امرأة بتزوجها) خصت بالذكر تنبيها على سبب الحديث وإن كانت العبرة بعموم اللفظ كما رواه
الطبراني بسند رجاله ثقات عن ابن مسعود كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها أم قيس فأبت أن
تتزوجه حتى يهاجر فهاجر فتزوجها قال فكنا نسميه مهاجر أم قيس وفيه إشارة إلى أنه مع كونه
قصد في ضمن الهجرة سنة عظمية أبطل ثواب هجرته فكيف يكون غيره أو دلالة على أعظم فتن
الدنيا لقوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء ولقوله عليه السلام ما تركت
بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء لكن المرأة إذا كانت صالحة تكون خير متاعها ولقوله عليه
الصلاة والسلام الدنيا كلها متاع وخير متاعها المرأة الصالحة (فهجرته إلى ما هاجر إليه) أي
منصرفة إلى الغرض الذي هاجر إليه فلا ثواب له لقوله تعالى من كان يريد حرث الآخرة نزد له
في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب أو المعنى فهجرته
مردودة أو قبيحة
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة قال الحافظ إن هذا الحديث متفق
على صحته أخرجه الأئمة المشهورون إلا الموطأ ووهم من زعم أنه في الموطأ مغتر بتخريج
الشيخين له والنسائي من طريق مالك انتهى
قلت: قال السيوطي في شرح الموطأ في رواية محمد بن الحسن عن مالك أحاديث يسيرة
زائدة على سائر الموطات منها حديث إنما الأعمال بالنية الحديث وبذلك يتبين قول من عزا
روايته إلى الموطأ ووهم من خطأه في ذلك انتهى
تنبيه: قد تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم قدر هذا الحديث قال أبو عبد الله ليس في
234

أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شئ أجمع وأغنى وأكثر فائدة من هذا الحديث واتفق عبد الرحمن بن مهدي
والشافعي فيما نقله البويطي عنه وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني وأبو داود والترمذي والدارقطني
وحمزة والكناني على أنه ثلث الاسلام ومنهم من قال ربعه واختلفوا في تعيين الباقي وقال ابن
مهدي أيضا يدخل في ثلاثين بابا من العلم وقال الشافعي يدخل في سبعين بابا ويحتمل أن
يريد بهذا العدد المبالغة وقال عبد الرحمن بن مهدي أيضا ينبغي أن يجعل هذا الحديث رأس
كل باب ووجه البيهقي كونه ثلاث العلم بأن كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه فالنية أحد
أقسامها الثلاثة وأرجحها لأنها قد تكون عبادة مستقلة وغيرها يحتاج إليها ومن ثم " ورد نية المؤمن
خير من عمله " فإذا نظرت إليها كانت خير الأمرين وكلام الإمام أحمد يدل على أنه أراد بكونه
ثلث العلم أنه أحد القواعد الثلاث التي ترد إليها جميع الأحكام عنده وهي هذا ومن عمل عملا
ليس عليه أمرنا فهو رد والحلال بين والحرام بين
تنبيه: إعلم أن هذا الحديث المبارك يستأهل أن يفرد لشرحه جزء مبسوط بجميع
فوائده وما يستنبط منه من الأحكام وغير ذلك وقد أطنب في شرحه شراح البخاري كالحافظ
ابن حجر والعيني وغيرهما إطنابا حسنا مفيدا وإني قد اقتصرت الكلام في شرحه على ما لا بد
منه فعليك أن تراجع شروح البخاري
(باب في الغدو والرواح في سبيل الله)
أي الجهاد
قوله: (لغدوة في سبيل الله أو روحه) قال الحافظ الغدوة بالفتح المرة الواحدة من الغدو
وهو الخروج في أي وقت كان من أول النهار إلى انتصافه والروحة المرة الواحدة من الرواح وهو
الخروج في أي وقت كان من زوال الشمس إلى غروبها (خير من الدنيا وما فيها) قال ابن دقيق
العيد: يحتمل وجهين أحدهما أن يكون من باب تنزيل المغيب منزلة المحسوس تحقيقا له في النفس
لكون الدنيا محسوسة في النفس مستعظمة في الطباع فلذلك وقعت المفاضلة بها وإلا فمن
المعلوم أن جميع ما في الدنيا لا يساوي ذرة مما في الجنة والثاني أن المراد أن هذا القدر من الثواب
خير من الثواب الذي يحصل لمن لو حصلت له الدنيا كلها لأنفقها في طاعة الله تعالى قال
235

الحافظ ويؤيد الثاني ما رواه ابن المبارك في كتاب الجهاد من مرسل الحسن قال بعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا فيهم عبد الله ابن رواحة فتأخر ليشهد الصلاة مع
النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم والحاصل أن
المراد تسهيل أمر الدنيا وتعظيم أمر الجهاد وأن من حصل له من الجنة قدر سوط يصير كأنه حصل
له أمر عظيم من جميع ما في الدنيا فكيف بمن حصل منها أعلى الدرجات والنكتة في ذلك أن
سبب التأخير عن الجهاد الميل إلى سبب من أسباب الدنيا فنبه هذا المتأخر أن هذا القدر اليسير
من الجنة أفضل من جميع ما في الدنيا (ولقاب قوس أحدكم) أي قدره وألقاب بالقاف وآخره
موحدة معناه القدر وقيل ألقاب ما بين مقبض القوس وسيته وقيل ما بين الوتر والقوس وقيل
المراد بالقوس هنا الذراع الذي يقاس به وكأن المعنى بيان فضل قدر الذراع من الجنة (أو موضع
يده) شك من الراوي أي مقدار يده (خير من الدنيا وما فيها) أي من إنفاقها فيها لو ملكها أو
نفسها لو ملكها لأنه زائل لا محالة (أطلعت إلى الأرض) أي أشرفت عليها ونظرت إليها (لأضاءت
ما بينهما) أي ما بين المشرق والمغرب أو ما بين السماء والأرض وما بين الجنة والأرض وهو
الأظهر لتحقق ذكرهما في العبارة صريحا قاله القاري (ولملأت ما بينهما ريحا) أي طيبة (ولنصيفها)
بفتح النون وكسر الصاد المهملة بعدها تحتانية ساكنة ثم فاء هو الخمار بكسر المعجمة وتخفيف الميم
(على رأسها) قيد به تحقيرا له بالنسبة إلى خمار البدن جميعه (خير من الدنيا وما فيها) أي فكيف
الجنة نفسها وما فيها من نعيمها
قوله: (هذا حديث صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان وابن ماجة
قوله: (حدثنا العطاف بن خالد المخزومي) قال في التقريب عطاف بتشديد الطاء بن
خالد بن عبد الله بن العاص المخزومي أبو صفوان المدني يهم من السابعة مات قبل مالك
انتهى (عن أبي حازم) هو ابن دينار
236

قوله (غدوة) وعند البخاري الروحة والغدوة وعند ابن ماجة غدوة أو روحة (وموضع
سوط في الجنة) خص الصوت لأن من شأن الراكب إذا أراد النزول في منزل أن يلقي سوطه قبل
أن ينزل معلما بذلك المكان لئلا يسبقه إليه أحد
قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة وابن عباس وأبي أيوب وأنس) أما حديث أبي هريرة
فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث ابن عباس فأخرجه أيضا الترمذي في هذا الباب
وأما حديث أبي أيوب فأخرجه أحمد ومسلم والنسائي وأما حديث أنس فقد رواه الترمذي وهو
أول أحاديث الباب فلعله أشار إلى ما أخرجه أحمد والشيخان وابن ماجة عنه بلفظ غدوة في سبيل
الله أو روحة فيه خير من الدنيا وما فيها قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما
قوله: (والحجاج عن الحكم) يحتمل أن يكون عطفا على ابن عجلان فيكون لأبي خالد
الأحمر شيخان أحدهما ابن عجلان وهو روى عن أبي حازم عن أبي هريرة والثاني الحجاج وهو
روى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس ويحتمل أن يكون عطفا على أبي خالد الأحمر فيكون
لأبي سعيد الأشج شيخان أحدهما أبو خالد والثاني الحجاج فليتأمل والحجاج هذا هو ابن دينار
الواسطي قال في التقريب لا بأس به وله ذكر في مقدمة مسلم من السابعة انتهى والحكم هو
ابن عتيبة الكندي الكوفي ثقة ثبت فقيه إلا أنه ربما دلس من الخامسة
قوله: (هذا حديث حسن غريب أما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان وابن ماجة
237

وأما حديث ابن عباس فقال العيني في العمدة بعد ذكر هذا الحديث من طريق مقسم عن ابن عباس ونقل تحسينه انفرد بإخراجه الترمذي
قوله: (عن سعيد بن أبي هلال) قال في التقريب سعيد بن أبي هلال الليثي مولاهم أبو
العلاء المصري قبل مدني الأصل وقال ابن يونس بل نشأ بها صدوق لم أر لابن حزم في تضعيفه
سلفا إلا أن الساجي حكى عن أحمد أنه اختلط من السادسة انتهى وقد وقع في النسخة
الأحمدية المطبوعة في الهند عن سعد بن أبي هلال وهو غلط فاحش فإنه ليس في الرجال من اسمه
سعد بن أبي هلال (عن ابن أبي ذباب) هو عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن سعد بن أبي
ذباب بضم المعجمة وموحدتين ثقة من الثالثة
قوله: (مر رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بشعب) قال في القاموس الشعب بالكسر الطريق
في الجبل ومسيل الماء في بطن أرض أما انفرج بين الجبلين انتهى والظاهر أن المراد هنا هو المعنى
الأخير (فيه عيينة) تصغير عين بمعنى المنبع (من ماء) قال الطيبي صفة عيينة جئ بها مادحه لأن
التنكير فيها يدل على نوع ماء صاف تروق بها الأعين وتبهج به الأنفس (عذبه) بالرفع صفة عيينة
وبالجر على الجوار أي طيبة أو طيب ماؤها قال الطيبي وعذبة صفة أخرى مميزة لأن الطعم الألذ
سائغ في المرئ ومن ثم أعجب الرجل وتمنى الاعتزال عن الناس (فأعجبته) أي العيينة وما
يتعلق بها من المكان (فقال) أي الرجل (لو اعتزلت الناس) لو للتمني ويجوز أن تكون لو امتناعية
وقوله (فأقمت في هذا الشعب) عطف على اعتزلت وجواب لو محذوف أي لكان خيرا لي (فذكر
ذلك) أي ما خطر بقلبه (فقال لا نفعل) نهى عن ذلك لأن الرجل صحابي وقد وجب عليه الغزو
فكان اعتزاله للتطوع معصية لاستلزامه ترك الواجب ذكره ابن الملك تبعا للطيبي (فإن مقام
أحدكم) قال القاري بفتح الميم أي قيامه وفي نسخة يعني من المشكاة بضمها وهي الإقامة بمعنى
ثبات أحدكم (في سبيل الله) أي بالاستمرار في القتال مع الكفار خصوصا في خدمة سيد الأبرار
(أفضل من صلاته في بيته) يدل على أن طلبه كان مفضولا لا محرما (سبعين عاما) قال القاري
المراد به الكثرة لا التحديد فلا ينافي ما ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مقام الرجل في الصف في سبيل
238

الله أفضل عند الله من عبادة الرجل ستين سنة رواه الحاكم عن عمران بن حصين وقال على
شرط البخاري ورواه ابن عدي وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه ولفظه قيام أحدكم
انتهى (ألا) بالتخفيف للتنبيه (تحبون أن يغفر الله لكم) أي مغفرة تامة (يدخلكم الجنة) أي
إدخالا أوليا (اغزوا في سبيل الله) أي دوموا على الغزو في دينه تعالى (من قاتل في سبيل الله فواق
ناقة) قال في القاموس الفواق كغراب هو ما بين الحلبتين من الوقت ويفتح أو ما بين فتح يدك
وقبضها على الضرع انتهى وقال في المجمع هو ما بين الحلبتين لأنها تحلب ثم تترك سريعة
ترضع الفصيل لتدر ثم تحلب انتهى
قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ورواه أحمد من
حديث أبي أمامة أطول منه إلا أنه قال ولمقام أحدكم في الصف خير من صلاته ستين سنة كذا
في الترغيب
(باب ما جاء أي الناس خير)
قوله: (رجل ممسك بعنان فرسه) وفي رواية اخذ برأس فرسه (بالذي يتلوه) وفي رواية
بالذي يليه (رجل معتزل في غنيمة له) تصغير غنم وهو مؤنث سماعي ولذلك صغرت بالتاء والمراد
قطعة غنم قال النووي في الحديث دليل لمن قال بتفضيل العزلة على الخلطة وفي ذلك خلاف
مشهور فمذهب الشافعي وأكثر العلماء أن الاختلاط أفضل بشرط رجاء السلامة من الفتن
ومذهب طوائف من الزهاد أن الاعتزال أفضل واستدلوا بالحديث وأجاب الجمهور بأنه محمول
على زمان الفتن والحروب أو فيمن لا يسلم الناس منه ولا يصبر على أذاهم وقد كانت الأنبياء
239

صلوات الله عليهم وجماهير الصحابة والعلماء والزهاد مختلطين ويحصلون منافع
الاختلاط بشهود الجمعة والجماعة والجنائز وعيادة المريض وحلق الذكر وغير ذلك انتهى (رجل
يسأل بالله ولا يعطي به) هذا يحتمل الوجهين أحدهما أن قوله يسأل بلفظ وقوله
" يعطي " على بناء المعلوم أي شر الناس من يسأل منه صاحب حاجة بأن يقول اعطني لله وهو
يقدر ولا يعطي شيئا بل يرده خائبا والثاني أن يكون قوله يسأل على بناء المعلوم وقوله لا يعطي
على بناء المفعول أي يقول اعطني بحق الله ولا يعطي قال في المجمع هذا مشكل إلا أن يتهم
السائل بعدم استحقاقه وقال الطيبي الباء كالباء في كتبت بالقلم أي يسأل بواسطة ذكر الله أو
للقسم والاستعطاف أي بقول السائل أعطوني شيئا بحق الله وهذا مشكل إلا أن يكون السائل
متهما بحق الله ويظن أنه غير مستحق انتهى
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه النسائي وابن حبان في صحيحه ورواه مالك
عن عطاء بن يسار مرسلا كذا في الترغيب
(باب ما جاء فيمن سأل الشهادة)
قوله: (عن سليمان بن موسى) الأموي مولاهم الدمشقي الأشدق صدوق فقيه في حديثه
بعض لين وخولط قبل موته بقليل من الخامسة (عن مالك بن يخامر) بفتح التحتانية والمعجمة
وكسر الميم (السكسكي) الحمصي صاحب معاذ مخضرم ويقال له صحبة كذا في التقريب
قوله: (من سأل الله القتل في سبيله) أي الشهادة (صادقا من قلبه) قيد به لأنه معيار الأعمال
ومفتاح بركاتها (أعطاه الله أجر الشهيد) أي وإن لم يقتل في سبيله
240

قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه النسائي والحاكم كذا في الفتح
قوله: (حدثنا القاسم بن كثير) بن النعمان الإسكندري أبو العباس القاضي صدوق من
العاشرة (حدثنا عبد الرحمن بن شريح) بن عبد الله المعافري أبو شريح الإسكندراني ثقة فاضل
لم يصب ابن سعد في تضعيفه من السابعة (أنه سمع سهل بن أبي أمامة ابن سهل بن حنيف)
الأنصاري المدني نزيل مصر ثقة من الخامسة مات بالإسكندرية (يحدث عن أبيه) أي أبي أمامة بن
سهل بن حنيف واسمه أسعد وقيل سعد معروف بكنيته معدود في الصحابة له رؤية ولم يسمع من
النبي صلى الله عليه وسلم (عن جده) أي سهل بن حنيف بن واهب الأنصاري الأوسي صحابي من أهل بدر
واستخلفه علي على البصرة ومات في خلافته
قوله: (من سأل الله شهادة) أي الموت شهيدا (بلغه) بتشديد اللام أي أوصله (الله منازل
الشهداء) مجازاة له على صدق طلبه (وإن مات على فراشه) بكسر أوله أي ولو مات غير شهيد
فهو في حكم الشهداء وله ثوابهم قال القاري لأن كلا منهما نوى خيرا وفعل مقدوره فاستويا في
أصل الأجر انتهى
قوله: (هذا حديث حسن
غريب) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم
قوله: (وقد رواه عبد الله بن صالح) بن محمد بن مسلم الجهني أبو صالح المصري كاتب
الليث صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه وكانت فيه غفلة من العاشرة قاله في التقريب وقال في
تهذيب التهذيب في ترجمته روى عن أبي شريح عبد الرحمن بن شريح وغيره وروى له أبو داود
والترمذي وابن ماجة بواسطة الحسن بن علي الخلال
241

قوله (وفي الباب عن معاذ بن جبل) قد أخرج الترمذي حديثه في هذا الباب فلعله أشار
إلى ما روى أبو داود عنه مرفوعا من قاتل في سبيل الله فوافق ناقة فقد وجبت له الجنة ومن سأل
الله القتل من نفسه صادقا ثم مات أو قتل فإن له أجر شهيد الحديث
(باب ما جاء في المجاهد والمكاتب والناكح وعون الله إياهم)
قوله: (ثلاثة حق على الله عونهم) أي ثابت عنده إعانتهم أو واجب عليه بمقتضى وعده
معاونتهم (المجاهد في سبيل الله) أي بما يتيسر له الجهاد من الأسباب والآلات (والمكاتب الذي
يريد الأداء) أي بدل الكتابة (والناكح الذي يريد العفاف) أي العفة من الزنا قال الطيبي إنما
آثر هذه الصيغة إيذانا بأن هذه الأمور من الأمور الشاقة التي تفدح الانسان وتقصم ظهره لولا
أن الله تعالى يعينه عليها لا يقوم بها وأصعبها العفاف لأنه قمع الشهوة الجبلية المركوزة فيه وهي
مقتضى البهيمة النازلة في أسفل السافلين فإذا استعف وتداركه عون الله تعالى ترقى إلى منزلة
الملائكة وأعلى عليين
قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه
والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم
قوله: (ومن جرح) بصيغة المجهول (جرحا) بضم الجيم وبالفتح هو المصدر أي جراحة
242

كائنة (في سبيل الله) بسلاح من عدو (أو نكب) بصيغة المجهول أو أصيب (نكبة) بالفتح أي حادثة
فيها جراحة من غير العدو فأو للتنويع قيل الجرح والنكبة كلاهما واحد وقيل الجرح ما يكون
من فعل الكفار والنكبة الجراحة التي أصابته من وقوعه من دابته أو وقوع سلاح عليه قال القاري
هذا هو الصحيح وفي النهاية نكب أصبعه أي نالتها الحجارة والنكبة ما يصيب الانسان من
الحوادث (فإنها) أي النكبة التي فيها الجراحة (تجئ يوم القيامة) قال الطيبي قد سبق شيئان
الجرح والنكبة وهي ما أصابه في سبيل الله من الحجارة فأعاد الضمير إلى النكبة دلالة على أن
حكم النكبة إذا كان بهذه المثابة فما ظنك بالجرح بالسنان والسيف ونظيره قوله تعالى والذين
يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها انتهى قال القاري أو يقال إفراد الضمير باعتبار أن
مؤداهما واحد وهي المصيبة الحادثة في سبيل الله فهي تظهر وتتصور (كأغزر ما كانت) أي كأكثر
أوقات أكوانها في الدنيا قال الطيبي الكاف زائدة وما مصدرية والوقت مقدر يعني حينئذ تكون
غزارة دمه أبلغ من سائر أوقاته انتهى (لونها الزعفران وريحها كالمسك) كل منهما تشبيه بليغ
قوله: (هذا حديث صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه
والحاكم وقال صحيح على شرطهما كذا في الترغيب
(باب ما جاء في فضل من يكلم في سبيل الله)
قوله (لا يكلم) بضم أوله وسكون الكاف وفتح اللام أي يجرح (أحد في سبيل الله) قال
السيوطي أي سواء مات صاحبه منه أم لا كما يؤخذ من رواية الترمذي (والله أعلم بمن يكلم في
سبيله) جملة معترضة بين المستثنى والمستثنى منه قال النووي هذا تنبيه على الاخلاص في الغزو
وأن الثواب المذكور فيه إنما هو لمن أخلص فيه وقاتل لتكون كلمة الله هي العليا قالوا وهذا
الفضل وإن كان ظاهره أنه في قتال الكفار فيدخل فيه من خرج في سبيل الله في قتال البغاة وقطاع
243

الطريق وفي إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك (إلا جاء يوم القيامة اللون لون الدم
والريح ريح المسك) وفي رواية مسلم إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب اللون لون الدم
والريح ريح مسك قال النووي قوله صلى الله عليه وسلم وجرحه يثعب هو بفتح الياء والعين وإسكان
المثلثة بينهما ومعناه يجري متفجرا أي كثيرا قال والحكمة في مجيئه يوم القيامة كذلك أن يكون
معه شاهد فضيلته وبذله نفسه في طاعة الله تعالى انتهى
قوله: (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي
(باب أي الأعمال أفضل)
(حدثنا عبدة) هو ابن سليمان الكلابي أبو محمد الكوفي (عن محمد بن عمرو) ابن
علقمة بن وقاص الليثي المدني
قوله: (إيمان) التنكير للتفخيم (قيل ثم أي شئ قال الجهاد سنام العمل) وفي رواية
البخاري قيل ثم ماذا قال الجهاد في سبيل الله وهو ظاهر وأما رواية الترمذي هذه
فالظاهر أن الجواب فيها محذوف وأقيم دليله مقامه والتقدير قيل ثم أي شئ قال الجهاد في
سبيل الله فإنه سنام العمل هذا ما عندي والله أعلم وسنام كل شئ أعلاه (ثم حج مبرور) قال
في النهاية الحج المبرور هو الذي لا يخالطه شئ من المآثم وقيل هو المقبول المقابل بالبر
وهو الثواب يقال بر حجه وبر حجه وبر الله حجه وأبره برا بالكسر وإبرارا انتهى
244

قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي
(باب)
قوله: (بحضرة العدو) قال النووي هو بفتح الحاء وضمها وكسرها ثلاث لغات ويقال
أيضا بحضر الفتح الحاء والضاد بحذف الهاء انتهى (أن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف) قال
النووي في شرح مسلم قال العلماء معناه أن الجهاد وحضور معركة القتال طريق إلى الجنة وسبب
لدخولها وقال المناوي هو كناية عن الدنو من العدو في الحرب بحيث تعلوه السيوف بحيث
يصير ظلها عليه يعني الجهاد طريق إلى الوصول إلى أبوابها بسرعة والقصد الحث على الجهاد
(رث الهيئة) قال في النهاية متاع رث أي خلق بال (فرجع) أي الرجل (إلى أصحابه) أي من أهل
رحله (قال أقرأ عليكم السلام) أي سلام مودع (وكسر جفن سيفه) هو بفتح الجيم وإسكان الفاء
وبالنون وهو غمده (فضرب به حتى قتل) وفي رواية مسلم ثم كسر جفن سيفه فألقاه ثم مشى
بسيفه إلى العدو فضرب به حتى قتل
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد ومسلم
قوله: (هو اسمه) يعني اسمه كنيته
245

(باب ما جاء أي الناس أفضل)
قوله: (أي الناس أفضل) قال القاضي هذا عام مخصوص وتقديره هذا من أفضل
الناس وإلا فالعلماء أفضل وكذا الصديقون كما جاءت به الأحاديث (رجل) وفي رواية
الشيخين مؤمن بدل رجل قال الحافظ وكان المراد بالمؤمن من قام بما تعين عليه القيام به ثم
حصل هذه الفضيلة وليس المراد من اقتصر على الجهاد وأهمل الواجبات العينية وحينئذ يظهر
فضل المجاهدات لما فيه من بذل نفسه وماله لله تعالى ولما فيه من النفع المتعدي وإنما كان المؤمن
المعتزل يتلوه في الفضيلة لأن الذي يخالط الناس لا يسلم من ارتكاب الآثام فقد لا يفي هذا بهذا
وهو مقيد بوقوع الفتن انتهى (يجاهد في سبيل الله) زاد الشيخان بنفسه وماله (ثم مؤمن) وفي
رواية لمسلم ثم رجل معتزل (في شعب من الشعاب) قال النووي الشعب ما انفرج بين الجبلين
وليس المراد نفس الشعب بل المراد الانفراد والاعتزال وذكر الشعب مثالا لأنه خال عن الناس
غالبا قال الحافظ وفي الحديث فضل الانفراد لما فيه من السلامة من الغيبة واللغو ونحو ذلك
وأما اعتزال الناس أصلا فقال الجمهور محل ذلك عند وقوع الفتن كما سيأتي بسطه في الفتن
ويؤيد ذلك رواية بعجة بن عبد الله عن أبي هريرة مرفوعا يأتي على الناس زمان يكون خير الناس
فيه منزلة من أخذ بعنان فرسه في سبيل الله يطلب الموت في مظانه ورجل في شعب من هذه
الشعاب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويدع الناس إلا من خير أخرجه مسلم وابن حبان من طريق
أسامة بن زيد الليثي عن بعجة قال ابن عبد البر إنما وردت هذه الأحاديث بذكر الشعب
والجبل لأن ذلك في الأغلب يكون خاليا من الناس فكل موضع يبعد عن الناس فهو داخل في
هذا المعنى انتهى (يتقي ربه) أي يخافه فيما أمر ونهى (ويدع) أي يترك (الناس من شره) فلا
يخاصمهم ولا ينازعهم في شئ
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة
246

والحاكم بإسناد على شرطهما ولفظه قال عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل أي المؤمنين أكمل إيمانا قال
الذي يجاهد بنفسه وماله ورجل يعبد الله في شعب من الشعب وقد كفى الناس شره كذا في
الترغيب
(باب)
قوله: (حدثنا نعيم بن حماد) بن معاوية بن الحارث الخزاعي أبو عبد الله المروزي نزيل
مصر صدوق يخطئ كثيرا فقيه عارف بالفرائض من العاشرة وقد تتبع ابن عدي ما أخطأ فيه
وقال باقي حديثه مستقيم كذا في التقريب (عن بحير) بكسر المهملة (بن سعيد) السحولي
كنيته أبو خالد الحمصي ثقة ثبت من السادسة وقد وقع في النسخة الأحمدية المطبوعة عن بحير بن
سعد وهو غلط فإنه ليس في الرجال من اسمه بحير بن سعد
قوله: (للشهيد عند الله ست خصال) لا يوجد مجموعها لأحد غيره (يغفر له) بصيغة
المجهول (في أول دفعة) بضم الدال المهملة وسكوت الفاء هي الدفقة من الدم وغيره قاله
المنذري أي تمحي ذنوبه في أول صبة من دمه وقال في اللمعات الدفعة بالفتح المرة من
الدفع وبالضم الدفعة من المطر والرواية في الحديث بوجهين وبالضم أظهر أي يغفر للشهيد في
أول صبة من دمه (ويرى) بضم أوله على أنه من الإراءة ويفتح (مقعده) منصوب على أنه مفعول
ثان والمفعول الأول نائب الفاعل أو على أنه مفعول به وفاعله مستكن في يرى وقوله (من الجنة)
متعلق به قال القاري وينبغي أن يحمل قوله ويرى مقعده على أنه عطف تفسير لقوله يغفر له
لئلا يزيد الخصال على ست ولئلا يلزم التكرار في قوله (ويجار من عذاب القبر) أي يحفظ ويؤمن
إذ الإجارة مندرجة في المغفرة إذا حملت على ظاهرها (يأمن من الفزع الأكبر) قال القاري
فيه إشارة إلى قوله تعالى لا يحزنهم الفزع الأكبر قيل هو عذاب النار وقيل العرض عليها
وقيل هو وقت يؤمر أهل النار بدخولها وقيل ذبح الموت فييأس الكفار من التخلص من النار
بالموت وقيل وقت إطباق النار على الكفار وقيل النفخة الأخيرة لقوله تعالى ويوم ينفخ في
247

الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلى من شاء الله انتهى (ويوضع على رأسه تاج
الوقار) أي تاج هو سبب العزة والعظمة وفي النهاية التاج ما يصاغ للملوك من الذهب
والجواهر (الياقوتة منها) أي من التاج والتأنيث باعتبار أنه علامة العز والشرف أو باعتبار أنه
مجموع من الجواهر وغيرها (ويزوج) أي يعطي بطريق الزوجية (اثنتين وسبعين زوجة) في التقييد
بالثنتين والسبعين إشارة إلى أن المراد به التحديد لا التكثير ويحمل على أن هذا أقل ما يعطي ولا
مانع من التفضل بالزيادة عليها قاله القاري (من الحور العين) أي نساء الجنة واحدتها حوراء
وهي الشديدة بياض العين الشديدة سوادها والعين جمع عيناء وهي الواسعة العين (ويشفع)
بفتح الفاء المشددة على بناء المجهول أي يقبل شفاعته قوله (هذا حديث صحيح غريب) وأخرجه ابن ماجة
قوله: (غير الشهيد) قال النووي اختلف في سبب تسميته شهيدا فقال النضر بن شميل
لأنه حي فإن أرواحهم شهدت وحضرت دار السلام وأرواح غيرهم إنما تشهدها يوم القيامة
وقال ابن الأنباري إن الله تعالى وملائكته عليهم الصلاة والسلام يشهدون له بالجنة وقيل لأنه
شهد عند خروج روحه ما أعده الله تعالى من الثواب والكرامة وقيل لأن ملائكة الرحمة يشهدونه
فيأخذون روحه وقيل لأنه شهد له بالإيمان وخاتمة الخير بظاهر حاله وقيل لأن عليه شاهدا
بكونه شهيدا وهو الدم. وقيل لأنه ممن يشهد على الأمم يوم القيامة بإبلاغ الرسل الرسالة إليهم
وعلى هذا القول يشاركهم غيرهم في هذا الوصف انتهى (فإنه يحب أن يرجع إلى الدنيا يقول حتى
أقتل عشر مرات) وفي رواية الشيخين فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات (مما يرى
مما أعطاه الله من الكرامة) وفي رواية لمسلم لما يرى من فضل الشهادة قال ابن بطال هذا
248

الحديث أجل ما جاء في فضل الشهادة قال وليس في أعمال البر ما تبذل فيه النفس غير الجهاد
فلذلك عظم فيه الثواب
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله: (رباط يوم) أي ارتباط الخيل في الثغر والمقام فيه قال في النهاية الرباط في الأصل
الإقامة على جهاد العدو بالحرب وارتباط الخيل وإعدادها والمرابطة أن يربط الفريقان خيولهم
في ثغر كل منهما معد لصحابه فسمى المقام في الثغور رباطا فيكون الرباط مصدر رابطت أي
لازمت انتهى
قوله: (هذا حديث صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وغيرها كذا في الترغيب وقال
المناوي وهو من عزاه لمسلم
قوله: (مر سلمان الفارسي) أبو عبد الله ويقال له سلمان الخير أصله من أصبهان وقيل
من رامهرمز من أول مشاهده الخندق مات سنة أربع وثلاثين يقال بلغ ثلاثمائة سنة كذا في
التقريب وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته قال أبو عبد الله بن مندة وكان أدرك وصي
عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام فيما قيل وعاش مائتين وخمسين سنة أو أكثر وقال أبو
الشيخ سمعت جعفر ابن أحمد بن فارس يقول سمعت العباس بن يزيد يقول لمحمد بن
النعمان أهل العلم يقولون عاش سلمان ثلاث مائة وخمسين فأما مائتين وخمسين فلا يشكون
249

فيه قال الحافظ قد قرأت بخط أبي عبد الله الذهبي رجعت عن القول بأنه قارب الثلاثمائة أو
زاد عليها وتبين لي أنه ما جاوز الثمانين ولم يذكر مستنده في ذلك والعلم عند الله انتهى
(بشرحبيل بن السمط) بكسر المهملة وسكون الميم الكندي الشامي جزم ابن سعد بأن له وفادة
ثم شهد القادسية وفتح حمص وعمل عليها لمعاوية كذا في التقريب وقال في تهذيب التهذيب
مختلف في صحبته
قوله: (وهو في مرابط له) اسم ظرف من الرباط قوله (وقد شق) أي صعب القيام فيه قوله (رباط
يوم) وفي رواية مسلم يوم وليلة (وربما قال خير) أي مكان أفضل (من صيام شهر وقيامه) قال
الحافظ في الفتح قال ابن بزبزة لا تعارض بين حديث سلمان رباط يوم وليلة خير من صيام
شهر وقيامه وبين حديث عثمان رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل
لأنه يحمل على الاعلام بالزيادة في الثواب على الأول أو باختلاف العاملين انتهى (وفي فتنة
القبر) أي مما يفتن المقبور به من ضغطة القبر والسؤال والتعذيب (ونمى) ضبط في النسخة الأحمدية
بضم النون وكسر الميم بصيغة المجهول والظاهر أن يكون بفتح النون والميم على البناء للفاعل
فإنه لازم قال في الصراح نمو بضمتين كواليدن يعني نمو كردن وباليدن نبات وحيوان وقال في
القاموس نما ينمو نموا زاد كنما ينمى ونميا ونماء انتهى (له عمله إلى يوم القيامة) يعني أن ثوابه
مجرى له دائما ولا ينقطع بموته وفي رواية مسلم جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجرى عليه رزقه وأمن من الفتان قال النووي هذه
فضيلة ظاهرة للمرابط وجريان عمله عليه بعد موته فضيلة مختصة به لا يشاركه فيها أحد وقد جاء صريحا في غير مسلم كل ميت يختم عليه عمله
إلا المرابط فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة انتهى
قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي وابن حبان والطبراني وفي سند
الترمذي انقطاع كما صرح به الترمذي فيما بعد
قوله: (عن إسماعيل بن رافع) بن عويمر الأنصاري المدني نزيل البصرة يكنى أبا رافع
250

ضعيف الحفظ من السابعة (عن سمى) بصيغة التصغير مولى أبي بكر ابن عبد الرحمن بن
الحارث بن هشام ثقة من السادسة
قوله: (من لقي الله بغير أثر من جهاد) قال القاري في المرقاة الأثر بفتحتين ما بقي من
الشئ دالا عليه قاله القاضي والمراد هنا العلامة أي من مات بغير علامة من علامات الغزو
من جراحه أو غبار طريق أو تعب بدن أو صرف مال أو تهيئة أسباب وتهبه أسلحة انتهى (لقي
الله) أي جاء يوم القيامة (وفيه ثلمة) بضم المثلثة وسكون اللام أي خلل ونقصان بالنسبة إلى كمال
سعادة الشهادة ومجاهدة المجاهدة ويمكن أن يكون الحديث مقيدا بمن فرض عليه الجهاد ومات
من غير الشروع في تهيئة الأسباب الموصلة إلى المراد قاله القاري وقال المناوي قبل وذا خاص
بزمن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الطيبي قوله من جهاد صفة أثر وهي نكرة في سياق النفي فتعم كل
جهاد مع العدو والنفس والشيطان وكذلك الأثر بحسب اختلاف المجاهدة قال تعالى
سيماهم في وجوههم من أثر السجود والثلمة ههنا مستعارة للنقصان وأصلها أن تستعمل في
نحو الجدار ولما شبه الإسلام بالبناء في قوله بني الإسلام على خمس جعل كل خلل فيه
ونقصان ثلمة على سبيل الترشيح وهذا أيضا يدل على العموم انتهى
قوله: (هذا حديث غريب الخ) وأخرجه ابن معاوية والحاكم (وسمعت محمدا) يعني
البخاري (يقول هو ثقة مقارب الحديث) قد تقدم معنى مقارب الحديث وضبطه في المقدمة (وقد
روى هذا الحديث عن أيوب بن موسى) بن عمرو بن سعيد بن العاص كنيته أبو موسى المكي
الأموي ثقة من السادسة (عن مكحول عن شرحبيل بن السمط عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه)
أخرجه مسلم في صحيحه بهذا السند
251

قوله (حدثنا هشام بن عبد الملك) مولاهم أبو الوليد الطيالسي البصري ثقة ثبت
من التاسعة (حدثنا الليث بن سعد) بن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري ثقة ثبت فقيه
إمام مشهور من السابعة (حدثني أبو عقيل) بالفتح (زهرة) بضم الزاء وسكون الراء (بن معبد)
بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الموحدة بن عبد الله بن هشام القرشي التيمي المدني نزيل
مصر ثقة عابد من الرابعة (عن أبي صالح مولى عثمان بن عفان) مقبول من الثالثة اسمه الحارث
ويقال تركان بمثناة أوله ثم راء ساكنة قاله في التقريب وقال في تهذيب التهذيب ذكره ابن حبان
في الثقات وقال العجلي روى عنه زهرة بن معبد والمصريون ثقة انتهى
قوله: (كراهية تفرقكم عني) أي مخافة أن تتفرقوا عني وتذهبوا إلى الثغور للرباط بعد سماع
الحديث لما فيه من الفضيلة العظيمة (ثم بدا لي) أي ظهر لي (خير من ألف يوم فيما سواه) أي فيما
سوى الرباط أو فيما سوى سبيل الله فإن السبيل يذكر ويؤنث (من المنازل) قال القاري وخص
منه المجاهد في المعركة بدليل منفصل عقلي ونقلي وهو لا ينافي الرباط بانتظار الصلاة بعد
الصلاة في المساجد وقوله صلى الله عليه وسلم فذلكم الرباط فذلكم الرباط لأنه رباط دون رباط بل هو
مشبه بالرباط للجهاد فإنه الأصل فيه أو هذا رباط الجهاد الأكبر كما أن ذاك رباط للجهاد
الأصغر تفسير لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا فإن الرباط الجهادي
قد فهم مما قبله كما لا يخفي وقال الطيبي فإن قلت هو جمع محلى بلام الاستغراق فيلزم أن
يكون المرابط أفضل من المجاهد في المعركة ومن انتظار الصلاة بعد الصلاة في المسجد وقد قال فيه
فذلكم الرباط فذلكم الرباط وقد شرحنا ثمة قلت هذا في حق من فرض عليه المرابطة وتعين
بنصب الإمام قال القاري في الفرض العين لا يقاتل إنه خير من غيره لأنه متعين لا يتصور خلافه
إذ اشتغاله بغيره معصية انتهى
قوله: (هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه) وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة
252

قوله (وأحمد بن نصر) بن زياد (النيسابوري) الزاهد المقري أبو عبد الله بن أبي جعفر ثقة
فقيه حافظ من الحادية عشرة (حدثنا صفوان بن عيسى) الزهري أبو محمد البصري القسام ثقة من
التاسعة
قوله: (من مس القتل) وفي رواية ألم القتل (من مس القرصة) وفي رواية ألم القرصة
وهي بفتح القاف وسكون الراء هي المرة من القرص قال في القاموس القرص أخذك لحم
إنسان بإصبعيك حتى تؤلمه ولسع البراغيث انتهى وذا تسلية لهم عن هذا الخطب المهول
قوله: (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه النسائي وابن ماجة والدارمي وابن حبان في صحيحه ورواه الطبراني في الأوسط عن أبي قتادة
قوله: (حدثنا الوليد بن جميل) الفلسطيني أبو الحجاج صدوق يخطي من السادسة
قوله: (قطرة دموع) بحرها على البدل ويجوز رفعها ونصبها أي قطرة بكاء حاصلة (من
خشية الله) أي من شدة خوفه وعظمته المورثة لمحبته (قطرة دم تهراق) بصيغة المجهول وسكون
الهاء ويفتح وهو بصيغة التأنيث على أنه صفة قطرة (في سبيل الله) وهو بعمومه يشمل الجهاد وغيره
من سبيل الخير ولعل وجه إفراد الدم وجمع الدموع أن الدمع غالبا يتقاطر ويتكاثر بخلاف الدم
وقال الطيبي المراد بقطرة الدموع قطراتها فلما أضيفت إلى الجمع أفردت ثقة بذهن السامع وفي
إفراد الدم وجمع الدموع إيذان بتفضيل إهراق الدم في سبيل الله على تقاطر الدمع بكاء انتهى ولما
253

كان ما سبق في قوة قوله فأما القطرتان فكذا وكذا عطف عليه وقال (وأما الأثران فأثر في سبيل
الله) كخطوة أو غبار أو جراحة في الجهاد أو سواد حبر في طلب العلم (وأثر في فريضة من فرائض
الله) كإشقاق اليد والرجل من أثر الوضوء في البرد وبقاء بلل الوضوء واحتراق الجبهة من حر
الرمضاء التي يسجد عليها وخلوف فمه في الصوم واغبرار قدمه في الحج
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الضباء المقدسي
254

(كتاب الجهاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)
(باب ما جاء في الرخصة لأهل العذر في القعود)
المراد بالعذر ما هو أعم من المرض وعدم القدرة على السفر وأما حديث جابر عند مسلم
بلفظ حبسهم المرض فكأنه محمول على الأغلب
قوله: (ايتوني بالكتف أو اللوح) الظاهر أن أو للتنويع ويحتمل أن يكون للشك وفي
رواية للبخاري ادعوا فلانا فجاءه ومعه الدواة واللوح والكتف وفي رواية مسلم فأمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا فجاء بكتف قال النووي فيه جواز كتابه القران في الألواح والأكتاف وفيه
طهارة عظم المذكي وجواز الانتفاع به (فكتب) أي كتب بأمره وفي حديث زيد بن ثابت أملى
عليه (هل لي رخصة) وفي حديث زيد عند البخاري فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها علي قال يا
رسول الله والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت وكان أعمى فنزلت (غير أولى الضرر) قال النووي
قرئ غير بنصب الراء ورفعها قراءتان مشهورتان في السبع قرأ نافع وابن عامر والكسائي
بنصبها والباقون برفعها وقرئ في الشاذ بجرها فمن نصب فعلى الاستثناء ومن رفع فوصف
للقاعدين أو بد منهم ومن جر فوصف للمؤمنين أو بدل منهم وقال في قوله تعالى لا يستوي
القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر الآية، دليل لسقوط الجهاد عن المعذورين ولكن لا
255

يكون ثوابهم ثواب المجاهدين بل لهم ثواب نياتهم إن كان لهم فيه صالحة كما قال صلى الله عليه وسلم ولكن جهاد
ونية وفيه أن الجهاد فرض كفاية ليس بفرض عين وفيه يرد على من يقول إنه كان في زمن
النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين وبعده فرض كفاية والصحيح أنه لم يزل فرض كفاية من حين شرع وهذه
الآية ظاهرة في ذلك لقوله تعالى وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين
أجرا عظيما انتهى
قوله (وفي الباب عن ابن عباس وجابر وزيد بن ثابت) أما حديث ابن عباس فأخرجه
البخاري وأخرجه الترمذي أيضا في التفسير وأما حديث جابر فأخرجه مسلم عنه قال كنا مع
النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فقال إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم
حبسهم المرض وفي رواية إلا شركوكم في الأجر وأخرجه أيضا ابن ماجة وابن حبان وأبو
عوانة وأما حديث زيد فأخرجه الشيخان والترمذي في التفسير
قوله: (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن حبان
والترمذي في التفسير (وقد روى شبعة والثوري عن أبي إسحاق هذا الحديث) ذكر الحافظ في
الفتح أن ثمانية رجال رووا هذا الحديث عن أبي إسحاق
(باب ما جاء فيمن خرج إلى الغزو وترك أبويه
قوله: (جاء رجل) قال الحافظ يحتمل أن يكون هو جاهمة بن العباس بن مرداس فقد
روى النسائي وأحمد من طريق معاوية بن جاهمة أن جاهمة جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله
أردت الغزو وجئت لأستشيرك فقال هل لك من أم قال نعم قال ألزمها الحديث
ورواه البيهقي من طريق ابن جريج عن محمد بن طلحة بن ركانة عن معاوية بن جاهمة السلمي
256

عن أبيه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستأذنه في الجهاد فذكره انتهى (قال ففيهما) أي ففي خدمتهما
(فجاهد) وفي رواية فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما قال الطيبي فيهما متعلق بالأمر قدم
للاختصاص والفاء الأولى جزاء شرط محذوف والثانية جزائية لتضمن الكلام معنى الشرط أي إذا
كان الأمر كما قلت فاختص المجاهدة في خدمة الوالدين نحو قوله تعالى فإياي فاعبدون أي
إذا لم يخلصوا إلى العبادة في أرض فاخلصوها في غيرها فحذف الشرط وعوض منه تقديم المفعول
المفيد للاختصاص ضمنا وقوله فجاهد جئ به مشاكلة يعني حيث قال فجاهد في موضع
فاخدمهما لأن الكلام في الجهاد ويمكن أن يكون الجهاد بالمعنى الأعم الشامل للأكبر والأصغر
قال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا انتهى وقال العيني في العمدة قوله ففيهما
فجاهد أي ففي الوالدين فجاهد الجار والمجرور متعلق بمقدر وهو جاهد ولفظ جاهد المذكور
مفسر له لأن ما بعد الفاء الجزائية لا يعمل فيها قبلها ومعناه خصصهما بالجهاد وهذا كلام ليس
ظاهره مرادا لأن ظاهر الجهاد إيصال الضرر للغير وإنما المراد إيصال القدر المشترك من كلفة
الجهاد وهو بذل المال وتعب البدن فيؤول المعنى إلى إبذال مالك واتعب بدنك في رضى والديك
انتهى وقال في شرح السنة هذا في جهاد التطوع لا يخرج إلا بإذن الوالدين إذا كانا مسلمين
فإن كان الجهاد فرضا متعينا فلا حاجة إلى إذنهما وإن منعاه عصاهما وخرج وإن كانا كافرين
فيخرج بدون إذنهما فرضا كان الجهاد أو تطوعا وكذلك لا يخرج إلى شئ من التطوعات كالحج
والعمرة والزيارة ولا يصوم التطوع إذا كره الوالدان المسلمان أو أحدهما إلا بإذنهما انتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي (واسمه
السائب بن فروخ) ثقة من الثالثة
257

(باب ما جاء في الرجل يبعث وحده سرية)
لا يظهر معنى هذه الترجمة إلا أن يقدر لفظ على قبل سرية ويقال إن المراد أنه يجوز أن
يبعث الرجل وحده أميرا على سرية هذا ما عندي والله تعالى أعلم بمراد المصنف من هذه
الترجمة وقال في هامش النسخة الأحمدية لا يناسب هذه الترجمة حديث الباب لأن عبد الله جعل
أميرا وله قصة مذكورة في الأصول من أنه قال لرجال السرية احرقوا أنفسكم إن كنتم تطيعون
أولي الأمر فأبوا لعل المراد بالبعث بعثه عقيب السرية وحده وجعله أميرا عليها والله أعلم
كذا بلغني عن شيخنا انتهى ما في هامش النسخة الأحمدية
قوله: (حدثنا محمد بن يحيى) هو الامام الذهلي
قوله: (قال عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية)
ضمير قال راجع إلى ابن جريج وعبد الله بن حذافة مبتدأ وبعثه خبره والضمير المنصوب
لعبد الله بن حذافة أي قال ابن جريج إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حذافة على سرية وفي
رواية مسلم قال ابن جريج نزل (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر
منكم) في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية (أخبرنيه) هذا
مقول ابن جريج (يعلى بن مسلم) بن هرمز المكي أصله من البصرة ثقة من السادسة
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان
تنبيهان الأول قال العلماء المراد بأولى الأمر من أوجب الله طاعته من الولاة والأمراء
هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم وقيل هم العلماء وقيل الأمراء
والعلماء وأما من قال الصحابة خاصة فقط فقد أخطأ قاله النووي وقال الحافظ اختلف في
المراد بأولى الأمر في الآية فعن أبي هريرة قال هم الأمراء أخرجه الطبري بإسناد صحيح
258

وأخرج عن ميمون بن مهران وغيره نحوه وعن جابر بن عبد الله قال هم أهل العلم والخير
وعن مجاهد وعطاء والحسن وأبي العالية هم العلماء ومن وجه اخر أصح منه عن مجاهد قال
هم الصحابة وهذا أخص وعن عكرمة قال أبو بكر وعمر وهذا أخص من الذي قبله
ورجح الشافعي الأول واحتج له بأن قريشا كانوا لا يعرفون الامارة ولا ينقادون إلى أمير فأمروا
بالطاعة لمن ولى الأمر ولذلك قال صلى الله عليه وسلم من أطاع أميري فقد أطاعني متفق عليه واختار
الطبري حملها على العموم وإن نزلت في سبب خاص انتهى وذكر العيني في شرح البخاري في
تفسير قوله (أولي الأمر) أحد عشر قولا وقال الحادي عشر عام في كل من ولي أمر شئ وهو
الصحيح وإليه مال البخاري بقوله ذوي الأمر انتهى
قلت: الصحيح عندي هو ما صححه العيني ومال إليه البخاري من أن المراد بأولى الأمر
كل من ولى أمر شئ والدليل على ذلك أن واحد أولى ذو لأنها لا واحد لها من لفظها ومعنى
أولي الأمر ذوو الأمر ومن الظاهر أن ذا الأمر لا يكون إلا من ولى أمر شئ وأما أهل العلم فهم
أولو العلم لا أولو الأمر
الثاني روى البخاري في صحيحه عن علي قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فاستعمل رجلا من
الأنصار وأمرهم أن يطيعوه فغضب قال أليس أمركم النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني قالوا بلى
فاجمعوا لي حطبا فجمعوا فقال أوقدوا نارا فأوقدوها فقال ادخلوها فهموا وجعل بعضهم يمسك
بعضا ويقولون فررنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النار فما زالوا حتى خمدت النار فسكن غضبه فبلغ
النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة الطاعة في المعروف اختلف أهل
العلم في هذا الرجل الذي استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال على السرية فقيل إنه عبد الله بن حذافة
السهمي قال النووي وهذا ضعيف لأنه وقع في رواية أخرى أنه رجل من الأنصار فدل على أنه
غيره انتهى وقال ابن الجوزي قوله من الأنصار وهم من بعض الرواة وإنما هو سهمي قال
الحافظ ويؤيده حديث ابن عباس عند أحمد في قوله تعالى يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله
وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم الآية نزلت في عبد الله ابن حذافة بن قيس بن عدي بعثه
رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية انتهى
(باب ما جاء في كراهية أن يسافر الرجل وحده)
قوله (عن عاصم بن محمد) بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري المدني ثقة
259

من السابعة (عن أبيه) أي محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر المدني ثقة من الثالثة
قوله: (ما أعلم من الوحدة) ما موصولة والمعنى لو يعلم الناس ما أعلم ما في الوحدة من
الآفات التي تحصل من ذلك (ما سار راكب بليل يعني وحده) ما نافية قال الطيبي وكان من
حق الظاهر أن يقال ما سار أحد وحده فقيده بالراكب والليل لأن الخطر بالليل أكثر فإن
انبعاث الشر فيه أكثر والتحرز منه أصعب ومنه قولهم الليل أخفى للويل وقولهم اعذر الليل
لأنه إذا أظلم كثر فيه العذر لا سيما إذا كان راكبا فإن له خوف وجل المركوب من النفور من أدنى
شئ والتهوي في الوحدة بخلاف الراجل قال القاري ويمكن التقييد بالراكب ليفيد أن الراجل
ممنوع بطريق الأولى ولئلا يتوهم أن الوحدة لا تطلق على الراكب كما لا يخفى انتهى قال ابن
المنير السير لمصلحة الحرب أخص من السفر والخبر ورد في السفر فيؤخذ من حديث جابر
جواز السفر منفردا للضرورة والمصلحة التي لا تنتظم إلا بالانفراد كإرسال الجاسوس والطليعة
والكراهة لما عدا ذلك ويحتمل أن تكون حالة الجواز مقيدة بالحاجة عند الأمن وحالة المنع مقيدة
بالخوف حيث لا ضرورة وقد وقع في كتب المغازي بعث كل من حذيفة ونعيم بن مسعود
وعبد الله بن أنيس وخوات بن جبير وعمرو بن أمية وسالم بن عمير في عدة مواطن وبعضها في
الصحيح ذكره الحافظ في الفتح
قلت: وحديث جابر الذي أشار إليه ابن المنير أخرجه البخاري في الجهاد وغيره ولفظه
ندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس يوم الخندق فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير
ثلاثا قال النبي صلى الله عليه وسلم إن لكل نبي حواريا وحواري الزبير
قوله: (الراكب شيطان والراكبان شيطانان) قال المظهر يعني مشي الواحد منفردا منهي
وكذلك مشي الاثنين ومن ارتكب منهيا فقد أطاع الشيطان ومن أطاعه فكأنه هو ولذا أطلق صلى الله عليه وسلم
اسمه عليه وفي شرح السنة معنى الحديث عندي ما روى عن سعيد بن المسيب مرسلا
الشيطان يهم بالواحد والاثنين فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم وقال الخطابي معناه أن التفرد
والذهاب وحده في الأرض من فعل الشيطان وهو شئ يحمله عليه الشيطان ويدعوه إليه وكذلك
260

الاثنان فإذا صاروا ثلاثة فهو ركب أي جماعة وصحب قال والمنفرد في السفر إن مات لم يكن
بحضرته من يقوم بغسله ودفنه وتجهيزه ولا عنده من يوصي إليه في ماله ويحمل تركته إلى أهله
ويورد خبره إليهم ولا معه في سفره من يعينه على الحمولة فإذا كانوا ثلاثة تعاونوا وتناوبوا المهنة
والحراسة وصلوا الجماعة وأحرزوا الحظ فيها انتهى (والثلاثة ركب) بفتح فسكون أي جماعة
قال في النهاية الركب اسم من أسماء الجمع كنفر ورهط ولهذا صغر على لفظه وقيل هو جمع
راكب كصاحب وصحب ولو كان كذلك لقيل في تصغيره رويكبون كما يقال صويحبون
والراكب في الأصل هو راكب الإبل خاصة ثم اتسع فيه فأطلق على كل من ركب دابة انتهى
قوله: (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري وابن ماجة كذا في
الجامع الصغير (لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث عاصم) قال الحافظ في الفتح ذكر
الترمذي أن عاصم بن محمد تفرد برواية هذا الحديث وفيه نظر لأن عمر بن محمد أخاه قد رواه
معه عن أبيه أخرجه النسائي انتهى
قوله: (وحديث عبد الله بن عمرو) أي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فإن
جده هو عبد الله بن عمرو (أحسن) كذا في النسخة الأحمدية ووقع في بعض النسخ حسن وهو
الظاهر بل هو الصحيح وحديث عبد الله بن عمرو وهذا أخرجه أحمد ومالك وأبو داود والنسائي
وصححه
(باب ما جاء في الرخصة في الكذب والخديعة في الحرب)
قوله: (الحرب خدعة) قال النووي فيها ثلاث لغات مشهورات اتفقوا على أن أفصحهن
261

خدعة بفتح الخاء وإسكان الدال قال ثعلب وغيره وهي لغة النبي صلى الله عليه وسلم والثانية بضم الخاء
وإسكان الدال والثالثة بضم الخاء وفتح الدال واتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب
وكيف أمكن الخداع إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل وقد صحح في الحديث جواز
الكذب في ثلاثة أشياء أحدها في الحرب قال الطبري إنما يجوز من الكذب في الحرب المعاريض
دون حقيقة الكذب فإنه لا يحل قال النووي والظاهر إباحة حقيقة نفس الكذب لكن الاقتصار
على التعريض أفضل وقال ابن العربي الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص رفقا
بالمسلمين لحاجتهم إليه وليس للعقل فيه مجال ولو كان تحريم الكذب بالعقل ما انقلب حلالا
انتهى وقال القاضي عياض في المشارق بعد ذكر أربع لغات فيها وهي الخدعة والخدعة
والخدعة والخدعة ما لفظه فالخدعة بمعنى أن أمرها ينقضي بخدعة واحدة يخدع بها المخدوع فتزل
قدمه ولا يجد لها تلافيا ولا إقامة فكأنه نبه على أخذ الحذر من ذلك ومن ضم الخاء وفتح الدال
نسب الفعل إليها أي تخدع هي من اطمأن إليها أو أن أهلها يخدعون فيها ومن فتحهما جميعا كان
جمع خادع يعني أن أهلها بهذه الصفة فلا تطمئن إليهم كأنه قال أهل الحرب خدعة وأصل
الخدع إظهار أمر وإضمار خلافه وقال التوربشتي روى ذلك من وجوه ثلاثة بفتح الخاء وسكون
الدال أي أنها خدعة واحدة من تيسرت له حق الظفر وبضم الخاء وسكون الدال أي معظم
ذلك المكر والخديعة وبضم الخاء وفتح الدال أي أنها خداعة للإنسان بما تخيل إليه وتمنيه ثم إذا
لابسها وجد الأمر بخلاف ما خيل إليه انتهى
قوله: (وفي الباب عن علي وزيد بن ثابت وعائشة وابن عباس وأبي هريرة وأسماء بنت
يزيد وكعب بن مالك وأنس بن مالك) أما حديث علي فأخرجه أحمد وأما حديث زيد بن ثابت
فأخرجه الطبراني في الكبير وأما حديث عائشة فأخرجه ابن ماجة وأما حديث ابن عباس
فأخرجه أيضا ابن ماجة وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان وأما حديث أسماء بنت يزيد
فأخرجه أحمد والترمذي في باب إصلاح ذات البين من أبواب البر والصلة وأما حديث كعب بن
مالك فأخرجه أبو داود وأما حديث أنس بن مالك فأخرجه أحمد وابن حبان
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود
262

(باب ما جاء في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وكم غزا)
الغزوات جمع غزوة وأصل الغزو القصد ومغزى الكلام مقصده والمراد بالغزوات هنا
ما وقع من قصد النبي صلى الله عليه وسلم الكفار بنفسه وبجيش من قبله وقصدهم أعم من أن يكون إلى
بلادهم أو إلى الأماكن التي حلوها حتى دخل مثل أحد والخندق
قوله: (فقيل له) قال الحافظ القائل هو الراوي أبو إسحاق بينه إسرائيل بن يونس عن أبي
إسحاق كما سيأتي في آخر المغازي بلفظ سألت زيد بن أرقم (قال تسع عشرة) كذا قال ومراده
الغزوات التي خرج النبي صلى الله عليه وسلم فيها بنفسه سواء قاتل أو لم يقاتل قال الحافظ في الفتح لكن روى
أبو يعلى من طريق ابن الزبير عن جابر أن عدد الغزوات إحدى وعشرون وإسناده صحيح وأصله
في مسلم فعلى هذا ففات زيد بن أرقم ذكر اثنتين منها ولعلهما الأبواء وبواط وكأن ذلك خفي
عليه لصغره ويؤيد ما قلته ما وقع عند مسلم بلفظ قلت ما أول غزوة غزاها قال ذات العشير
أو العشيرة انتهى والعشيرة كما تقدم هي الثالثة وأما قول ابن التين يحمل قول زيد بن أرقم
على أن العشيرة أول ما غزا هو أي زيد بن أرقم والتقدير فقلت ما أول غزوة غزا أي وأنت
معه قال العشير فهو محتمل أيضا ويكون قد خفى عليه ثنتان مما بعد ذلك أو عد الغزوتين
واحدة فقد قال موسى بن عقبة قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمان بدر ثم أحد ثم الأحزاب ثم
المصطلق ثم خيبر ثم مكة ثم حنين ثم الطائف انتهى وأهمل غزوة قريظة لأنه ضمها إلى الأحزاب
لكونها كانت في إثرها وأفردها غيره لوقوعها منفردة بعد هزيمة الأحزاب وكذا وقع لغيره عد
الطائف وحنين واحدة لتقاربهما فيجتمع على هذا قول زيد بن أرقم وقول جابر وقد توسع ابن
سعد فبلغ عدة المغازي التي خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه سبعا وعشرين وتبع في ذلك
الواقدي وهو مطابق لما عده ابن إسحاق إلا أنه لم يفرد وادي القرى من خيبر أشار إلى ذلك
السهيلي وكأن الستة الزائدة من هذا القبيل وعلى هذا يحمل ما أخرجه عبد الرزاق بإسناد
صحيح عن سعيد بن المسيب قال غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا وعشرين وأخرجه يعقوب بن سفيان
عن سلمة بن شبيب عن عبد الرزاق فزاد فيه أن سعيدا قال أولا ثمان عشرة ثم قال أربعا
263

وعشرين قال الزهري فلا أدري أوهم أو كان شيئا سمعه بعد قال الحافظ وحمله على ما
ذكرته يدفع الوهم ويجمع الأقوال والله أعلم
وأما البعوث والسرايا فعند ابن إسحاق ستا وثلاثين وعند الواقدي ثمانيا وأربعين
وحكى ابن الجوزي في التلقيح ستا وخمسين وعند المسعودي ستين وبلغها شيخنا في نظم
السيرة زيادة على السبعين ووقع عند الحاكم في الإكليل أنها تزيد على مائة فلعله أراد ضم
المغازي إليها انتهى
(وأيتهن كان أول) كذا في النسخة الحاضرة عندنا والظاهر أن يكون وأيتهن كانت (ذات
العشيراء والعسيراء) الأول بضم العين المهملة وفتح الشين المعجمة مصغرا والثاني كذلك لكن
بالسين المهملة كذا في النسخ الحاضرة عندنا وقال الحافظ في الفتح ووقع في الترمذي العشير
أو العسير بلا هاء فيهما وفي رواية مسلم ذات العسير أو العشير قال النووي في شرح مسلم
قال القاضي في المشارق وهي ذات العشيرة بضم العين وفتح الشين المعجمة قال وجاء في
كتاب المغازي يعني من صحيح البخاري عسير بفتح العين وكسر السين المهملة بحذف الهاء
قال والمعروف فيها العشيرة مصغرة بالشين المعجمة والهاء قال وكذا ذكرها أو إسحاق وهي
من أرض مذحج وقال الحافظ قول قتادة العشيرة بضم العين المهملة وفتح الشين المعجمة
وإثبات الهاء هو الذي اتفق عليه أهل السير وهو الصواب وأما غزوة العسيرة بالمهملة فيه غزوة
تبوك قال الله تعالى الذين اتبعوه في ساعة العسيرة وسميت بذلك لما فيها من المشقة وهي
بغير تصغير وأما هذه فنسبت إلى المكان الذي وصلوا إليه واسمه العشير أو العشيرة يذكر ويؤنث
وهو موضع
وذكر ابن سعد أن المطلوب في هذه الغزاة هي عير قريش التي صدرت من مكة إلى الشام
بالتجارة ففاتهم وكانوا يترقبون رجوعها فخرج النبي صلى الله عليه وسلم يتلقاها ليغنمها فبسبب ذلك كانت وقعة
بدر قال ابن إسحاق فإن السبب في غزوة بدر ما حدثني يزيد بن رومان عن عروة أن أبا سفيان
كان بالشام في ثلاثين راكبا منهم مخرمة بن نوفل وعمرو بن العاص فأقبلوا في قافلة عظيمة فيها
أموال قريش فندب النبي صلى الله عليه وسلم إليهم وكان أبو سفيان يتجسس الأخبار فبلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم
استنفر أصحابه بقصدهم فأرسل ضمضم بن عمرو الغفاري
إلى قريش بمكة يحرضهم على
المجئ لحفظ أموالهم ويحذرهم المسلمين فاستنفرهم ضمضم فخرجوا في ألف راكب ومعهم
مائة فرس واشتد حذر أبي سفيان فأخذ طريق الساحل وجد في السير حتى فات المسلمين فلما
264

أمن أرسل إلى من يلقي قريشا يأمرهم بالرجوع فامتنع أبو جهل من ذلك فكان ما كان من وقعة
بدر انتهى
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
(باب ما جاء في الصف والتعبية عند القتال)
قال في القاموس تعبية الجيش تهيئته في مواضعه
قوله: (حدثنا سلمة بن الفضل) الأبرش مولى الأنصار قاضي الري صدوق كثير الخطأ من
التاسعة
قوله: (عبأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال في النهاية يقال عبأت الجيش عبا وعبأتهم تعبئة
وتعبيئا وقد يترك الهمز فيقال عبيتهم تعبية أي رتبتهم في مواضعهم وهيأتهم للحرب انتهى ببدر
ليلا) يعني سوى الصفوف وأقام كلا منا مقاما يصلح له في الليل ليكون على طبقه ووفقه في النهار
قوله: (وفي الباب عن أبي أيوب) أخرجه أحمد في مسنده
قوله: (هذا حديث غريب) في سنده محمد بن حميد الرازي وهو ضعيف (وحين رأيته) أي
حين لقيت البخاري (ثم ضعفه بعد) في تهذيب التهذيب قال البخاري فيه نظر فقيل له
ذلك فقال أكثر على نفسه
265

(باب ما جاء في الدعاء عند القتال)
قوله: (عن ابن أبي أوفى) هو عبد الله بن أبي أوفى علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي
صحابي شهد الحديبية وعمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم دهرا مات سنة سبع وثمانين وهو آخر من مات
بالكوفة من الصحابة كذا في التقريب
قوله: (اللهم) يعني يا الله يا (منزل الكتاب) أي القرآن (سريع الحساب) يعني يا سريع
الحساب إما يراد به أنه سريع حسابه بمجئ وقته وإما أنه سريع في الحساب (اهزم الأحزاب)
هزمهم الله تعالى بأن أرسل عليهم ريحا وجنودا لم تروها كما ورد في سورة الأحزاب وهم أحزاب
اجتمعوا يوم الخندق (وزلزلهم) قال النووي أي أزعجهم وحركهم بالشدائد قال أهل اللغة
الزلزال والزلزلة الشدائد التي تحرك الناس قال وقد اتفقوا على استحباب الدعاء عند لقاء العدو
انتهى وقال الحافظ المراد الدعاء عليهم إذا انهزموا أن لا يستقر لهم قرار وقال الداودي أراد
أن تطيش عقولهم وترعد أقدامهم عند اللقاء فلا يتثبتوا
قوله: (وفي الباب عن ابن مسعود) أخرجه أحمد في مسنده
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة
(باب ما جاء في الألوية)
جمع لواء بكسر اللام والمد قال في المغرب اللواء على الجيش وهو دون الراية لأنه شقة
266

ثوب يلوى ويشد إلى عود الرمح والراية علم الجيش ويكنى أم الحرب وهو فوق اللواء وقال
أبو بكر بن العربي اللواء غير الراية فاللواء ما يعقد في طرف الرمح ويلوى عليه والراية ما
يعقد فيه ويترك حتى تصفقه الرياح وقال التوربشتي الراية هي التي يتولاها صاحب الحرب
ويقاتل عليها وتميل المقاتلة إليها واللواء علامة كبكبة الأمير تدور معه حيث دار وفي شرح
مسلم الراية العلم الصغير واللواء العلم الكبير كذا في المرقاة
قوله: (ومحمد بن عمر بن الوليد الكندي) أبو جعفر الكوفي صدوق من الحادية عشرة
قوله: (دخل مكة) أي يوم الفتح
قوله: (هذا حديث غريب) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة (قال محمد والحديث
هو هذا) أي الحديث المحفوظ هو هذا الحديث لأنه رواه غير واحد عن شريك وأما حديث
يحيى بن آدم عن شريك بلفظ دخل مكة ولواؤه أبيض فليس بمحفوظ لتفرد يحيى بن آدم به
ومخالفته لغير واحد من أصحاب شريك (والدهن) بضم أوله وسكون الهاء بعدها نون
(باب في الرايات)
جمع راية قد عرفت معناها والفرق بينها وبين اللواء في الباب المتقدم قال الحافظ
267

وجنح الترمذي إلى التفرقة فترجم بالألوية وأورد حديث جابر ثم ترجم للرايات وأورد حديث
البراء وحديث ابن عباس
قوله: (حدثنا يونس بن عبيد مولى محمد بن القاسم) الثقفي مقبول من الرابعة (قال) أي
يونس (بعثني) أي أرسلني (أسأله عن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لونها وكيفيتها (كانت سوداء) قال
القاضي أراد بالسوداء ما غالب لونه سواد بحيث يرى من البعيد أسود لا ما لونه سواد خالص
لأنه قال (من نمرة) بفتح الكسر وهي بردة من صوف يلبسها الأعراب فيها تخطيط من سواد
وبياض ولذلك سميت نمرة تشبيها بالنمر ذكره القاري
قوله: (وفي الباب عن علي والحارث بن حسان وابن عباس) أما حديث علي فأخرجه
أحمد وأما حديث الحارث بن حسان فأخرجه ابن ماجة وأما حديث ابن عباس فأخرجه
الترمذي في هذا الباب ولأبي الشيخ عن ابن عباس كان مكتوبا على رايته لا إله إلا الله محمد
رسول الله قال الحافظ وسنده واه
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة (وأبو يعقوب الثقفي
اسمه إسحاق بن إبراهيم) الكوفي وثقه ابن حبان وفيه ضعف من الثامنة كذا في التقريب
قوله: (حدثنا يحيى بن إسحاق هو السالحاني) قال في التقريب يحيى بن إسحاق
السيلحيني بمهملة ممالة وقد تصير ألفا ساكنة وفتح اللام وكسر المهملة ثم تحتانية ساكنة ثم نون
أبو زكريا أو أبو بكر نزيل بغداد صدوق من كبار العاشرة (حدثنا يزيد بن حبان) النبطي
البلخي نزيل المدائن أخو مقاتل صدوق يخطئ من السابعة (سمعت أبا مجلز) بكسر الميم
268

وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي (لاحق بن حميد) بن سعيد السدوسي البصري مشهور
بكنيته ثقة من كبار الثالثة
قوله: (كانت راية النبي صلى الله عليه وسلم سوداء) قال ابن الملك أي ما غالب لونه أسود بحيث يرى
من البعيد أسود لا أنه خالص السواد يعني لما سبق أنها كانت من نمرة (ولواؤه أبيض) بالنصب على
أنه خبر كان ويجوز رفعه على الخبرية وروى أبو داود من طريق سماك عن رجل من قومه عن اخر
منهم رأيت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم صفراء ويجمع بينه وبين أحاديث الباب باختلاف الأوقات
قوله: (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن ماجة والحاكم قال المنذري وأخرج البخاري
هذا الحديث في تاريخه الكبير من رواية يزيد هذا مختصرا على الراية
(باب ما جاء في الشعار)
قال في القاموس الشعار ككتاب العلامة في الحرب والسفر وقال في النهاية ومنه
الحديث إن شعار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان في الغزو يا منصور (أمت أمت) أي علامتهم التي
كانوا يتعارفون بها في الحرب انتهى
قوله: (عن المهلب بن أبي صفرة) بضم المهملة وسكون الفاء واسمه ظالم بن سارق
العتكي الأزدي أبي سعيد البصري من ثقات الأمراء وكان عارفا بالحرب فكان أعداؤه يرمونه
بالكذب من الثانية وله رواية مرسلة قال أبو إسحاق السبيعي ما رأيت أمير أفضل منه كذا
في التقريب
قوله: (إن بيتكم العدو) أي إن قصدكم بالقتل ليلا واختلطتم معهم قال في النهاية
تبييت العدو هو أن يقصد في الليل من غير أن يعلم فيؤخذ بغتة وهو البيات (فقولوا) وفي رواية أبي
داود إن بيتم فليكن شعاركم (حم لا ينصرون) بصيغة المجهول قال القاضي معناه بفضل
269

السور المفتتحة بحم ومنزلتها من الله لا ينصرون وقال الخطابي معناه الخبر ولو كان بمعنى
الدعاء لكان مجزوما أي لا ينصروا وإنما هو إخبار كأنه قال والله إنهم لا ينصرفون وقد روى
عن ابن عباس أنه قال حم اسم من أسماء الله فكأنه حلف بالله أنهم لا ينصرون وقال الجزري
في النهاية قيل معناه اللهم لا ينصرون ويريد به الخبر لا الدعاء لأنه لو كان دعاء لقال لا
ينصروا مجزوما فكأنه قال والله لا ينصرون وقيل إن السور التي في أولها حم سور لها شأن فنبه
أن ذكرها لشرف منزلتها مما يستظهر به على استنزال النصر من الله وقوله لا ينصرون كلام
مستأنف كأنه حين قال قولوا حم قبل ماذا يكون إذا قلنا فقال لا ينصرون انتهى
قوله: (وفي الباب عن سلمة بن الأكوع) أخرج حديثه أبو داود والنسائي بلفظ قال غزونا
مع أبي بكر زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان شعارنا أمت أمت
(باب ما جاء في صفة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم)
قوله: (حدثنا محمد بن شجاع البغدادي) المروزي بفتح الميم وتشديد الراء المضمومة
وبالذال المعجمة ثقة من العاشرة (حدثنا أبو عبيدة الحداد) اسمه عبد الواحد بن واصل
السدوسي مولاهم البصري نزيل بغداد ثقة تكلم فيه الأزدي بغير حجة من التاسعة (عن
عثمان بن سعد) التميمي أبي بكر البصري الكاتب المعلم ضعيف من الخامسة
قوله: (صنعت سيفي على سيف سمرة) أي على هيئة سيفه (وكان حنفيا) قال في المجمع في حديث سيفه وكان حنيفا هو منسوب إلى أحنف بن قيس تابعي كبير وتنسب إليه لأنه أول من أمر
270

باتخاذها والقياس أحنفي انتهى وقال في هامش النسخة الأحمدية قوله حنيفا أي على هيئة
سيوف بني حنيفة قبيلة مسيلمة لأن صانعه منهم أو ممن يعمل كعملهم انتهى
(باب في الفطر عند القتال)
قوله: (عن قزعة) بزاي وفتحات ابن يحيى البصري ثقة من الثالثة
قوله: (مر الظهران) بفتح الميم والظاء قال في النهاية هو واد بين مكة وعسفان واسم
القرية المضافة إليه مر بفتح الميم وتشديد الراء انتهى (فاذننا) أي أعلمنا (فأمرنا بالفطر فأفطرنا
أجمعين) وفي رواية مسلم سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن صيام قال فنزلنا منزلا فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم رخصة فمنا من صام ومنا
من أفطر ثم نزلنا منزلا آخر فقال إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا وكانت
عزمة فأفطرنا وفيه دليل على أن الفطر لمن وصل في سفره إلى موضع قريب من العدو أولى لأنه
ربما وصل إليهم العدو إلى ذلك الموضع الذي هو مظنة ملاقاة العدو ولهذا كان الإفطار أولى ولم
يتحتم وأما إذا كان لقاء العدو متحققا فالإفطار عزيمة لأن الصائم يضعف عن منازلة الأقران
ولا سيما عند غليان مراجل الضراب والطعان ولا يخفى ما في ذلك من الإهانة لجنود المحقين
وإدخال الوهن على عامة المجاهدين من المسلمين
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود
(باب ما جاء في الخروج عند الفزع
قوله: (ركب النبي صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة) هو زيد بن سهل زوج أم أنس (يقال له مندوب)
271

قال الحافظ قيل سمى بذلك من الندب وهو الرهن عند السباق وقيل الندب كان في جسمه
وهو أثر الجرح (ما كان من فزع) أي خوف (وإن وجدناه لبحرا) قال الخطابي إن هي النافية
واللام في لبحرا بمعنى إلا أي ما وجدناه إلا بحرا قال ابن التين هذا مذهب الكوفيين وعند
البصريين إن مخففة من الثقيلة واللام زائدة كذا قال الأصمعي يقال للفرس بحر إذا كان واسع
الجرى أو لأن جريه لا ينفد كما لا ينفد البحر ويؤيده ما في رواية وكان بعد ذلك لا يجازى
قوله: (وفي الباب عن عمرو بن العاص) أخرجه أحمد في مسنده
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله: (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي مولاهم أبو عبد الله البصري المعروف بغندر (وابن
أبي عدي) هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي السلمي مولاهم القسملي
قوله: (كان فزع بالمدينة) أي خوف من عدو (فاستعار رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا لنا) وفي رواية
للبخاري فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرسا من أبي طلحة
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
(باب ما جاء في الثبات عند القتال)
قوله: (أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي رواية للبخاري أتوليت يوم حنين وفي رواية له
272

أوليتم مع النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية أخرى له أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا أبا عمارة) هي كنية
البراء (ولكن ولى سرعان الناس) قال في النهاية السرعان بفتح السين والراء أوائل الناس الذين
يتسارعون إلى الشئ ويقبلون عليه بسرعة ويجوز تسكين الراء انتهى (تلقتهم هوازن بالنبل) وفي
رواية للبخاري فرشقتهم هوازن والرشق بالشين المعجمة والقاف رمي السهام وهوازن قبيلة
كبيرة من العرب فيها عدة بطون ينسبون إلى هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس بن
غيلان بن إلياس بن مضر (ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته) هذه البغلة هي البيضاء كما في رواية
الشيخين (وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب) بن هاشم وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان
إسلامه قبل فتح مكة لأنه خرج إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلقيه في الطريق وهو سائر إلى فتح مكة فأسلم
وحسن إسلامه وخرج إلى غزوة حنين فكان فيمن ثبت كذا في الفتح (ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب) قال الحافظ في الفتح قال ابن التين كان بعض أهل العلم
يقوله بفتح الباء من قوله لا كذب ليخرجه عن الوزن
وقد أجيب عن مقالته صلى الله عليه وسلم هذا الرجز بأجوبة أحدها أنه نظم غيره وأنه كان فيه أنت النبي لا
كذب أنت ابن عبد المطلب فذكره بلفظ أنا في الموضعين
ثانيها أنه رجز وليس من أقسام الشعر وهذا مردود
ثالثها أنه لا يكون شعرا حتى يتم قطعته وهذه كلمات يسيرة ولا تسمى شعرا
رابعها أنه خرج موزونا ولم يقصد به الشعر وهذا أعدل الأجوبة وأما نسبته إلى عبد
المطلب دون أبيه عبد الله فكأنها لشهرة عبد المطلب بين الناس لما رزق من نباهة الذكر وطول
العمر بخلاف عبد الله فإنه مات شابا ولهذا كان كثير من العرب يدعونه ابن عبد المطلب كما
قال ضمام بن ثعلبة لما قدم أيكم ابن عبد المطلب وقيل لأنه كان اشتهر بين الناس أنه يخرج من
ذرية عبد المطلب رجل يدعو إلى الله ويهدي الله الخلق على يديه ويكون خاتم الأنبياء فانتسب
إليه ليتذكر ذاك من كان يعرفه وقد اشتهر ذلك بينهم وذكره سيف بن ذي يزن قديما
لعبد المطب قبل أن يتزوج عبد الله آمنة وأراد صلى الله عليه وسلم تنبيه أصحابه بأنه لا بد من ظهوره وأن العاقبة
له لتقوى قلوبهم إذا عرفوا أنه ثابت غير منهزم وأما قوله لا كذب ففيه إشارة إلى أن صفة
273

النبوة يستحيل معها الكذب فكأنه قال أنا النبي والنبي لا يكذب فلست بكاذب فيما أقول حتى
أنهزم وأنا + متيقن بأن الذي وعدني الله به من النصر حق فلا يجوز علي الفرار وقيل معنى قوله لا
كذب أي أنا النبي حقا لا كذب في ذلك انتهى ما في الفتح
قوله: (وفي الباب عن علي وابن عمر) أما حديث علي فأخرجه أحمد وأما حديث ابن عمر
فأخرجه الترمذي في هذا الباب
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله: (حدثنا محمد بن عمر بن علي) بن عطاء بن مقدم قوله: (المقدمي) بالتشديد البصري
صدوق من صغار العاشرة (عن سفيان بن حسين) بن حسن الواسطي ثقة في غير الزهري
باتفاقهم من السابعة مات بالري مع المهدي وقيل في أول خلافة الرشيد كذا في التقريب
قوله: (وإن الفئتين لموليتان) كذا في النسخ الحاضرة وأورد الحافظ هذا الحديث في الفتح
نقلا عن الترمذي وفيه وإن الناس لمولين مكان وإن الفئتين لموليتان حيث قال وروى
الترمذي من حديث ابن عمر بإسناد حسن قال لقد رأيتنا يوم حنين وإن الناس لمولين وما مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة رجل قال الحافظ وهذا أكثر ما وقفت عليه من عدد من أثبت يوم حنين
وروى أحمد والحاكم من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال كنت مع
النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين فولى عنه الناس وثبت معه ثمانون رجلا من المهاجرين والأنصار فكنا على
أقدامنا ولم نولهم الدبر وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة وهذا لا يخالف حديث ابن عمر فإنه
نفى أن يكونوا مائة وابن مسعود أثبت أنهم كانوا ثمانين
274

قوله: (أحسن الناس) أي خلقا وخلقا وصورة وسيرة ونسبا وحسبا ومعاشرة ومصاحبة
(وأجود الناس) أي أكثرهم كرما وسخاوة (وأشجع الناس) أي قوة وقلبا (ولقد فزع) بكسر
الزاي أي خاف (ليلة سمعوا صوتا) أي منكرا (فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم) وفي رواية لمسلم فتلقاهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا وقد سبقهم إلى الصوت (على فرس لأبي طلحة عرى) بضم فسكون أي
ليس عليه سرج (وهو) أي النبي صلى الله عليه وسلم (متقلد سيفه) وفي رواية لمسلم في عنقه السيف (لم تراعوا)
بضم التاء والعين مجهول من الروع بمعنى الفزع والخوف أي لم تخافوا ولم تفزعوا وأتى بصيغة
الجحد مبالغة في النفي وكأنه ما وقع الروع والفزع قط (لم تراعوا) كرره تأكيدا أو كل لخطاب قوم
من عن يمينه ويساره
قوله: (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان
(باب ما جاء في السيوف وحليتها)
قوله: (حدثنا محمد بن صدران أبو جعفر البصري) قال في التقريب محمد بن إبراهيم بن
صدران بضم المهملة والسكون الأزدي السلمي أبو جعفر المؤذن البصري وقد ينسب لجده
صدوق من العاشرة (حدثنا طالب بن حجين) بمهملة وجيم مصغرا العبدي البصري صدوق من
السابعة (عن هود بن عبد الله بن سعد) العبدي العصري مقبول من الرابعة (عن جده)
لأمه (مزيدة) بوزن كبيرة ابن جابر أو ابن مالك وهو أصح العصري صحابي مقل
قوله: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي مكة (فسألته) أي هودا (وكانت قبيعة السيف فضة) في
275

النهاية هي التي تكون على رأس قائم السيف وقيل ما تحت شاربي السيف وفي القاموس
قبيعة السيف ما على طرف مقبضه من فضة أو حديدة وقال الخطابي قبيعة السيف الثومة التي
فوق المقبض انتهى
قوله: (وفي الباب عن أنس) أخرج حديثه الترمذي في هذا الباب
قوله: (هذا حديث غريب) قال التوربشتي حديث مزيدة لا يقوم به حجة إذ ليس له سند
يعتد به ذكر صاحب الاستيعاب حديثه وقال إسناده ليس بالقوي انتهى وقال الذهبي
في الميزان في ترجمة طالب بن حجير بعد ذكر هذا الحديث ما لفظه قال الترمذي حسن غريب وقال
الحافظ أبو الحسن القطار هو عندي ضعيف لا حسن وصدق أبو الحسن تفرد طالب به وهو
صالح الأمر إن شاء الله وهذا منكر فما علمنا في حلية سيفه صلى الله عليه وسلم وسلم ذهبا انتهى كلام الذهبي
قلت: ويدل على ضعف هذا الحديث حديث أبي أمامة عند البخاري لقد فتح الفتوح قوم
ما كانت حلية سيوفهم الذهب ولا الفضة إنما كانت حليتهم العلابي والانك والحديد
قال الحافظ في شرح هذا الحديث وفي هذا الحديث أن تحلية السيوف وغيرها من آلات
الحرب بغير الذهب والفضة أولى وأجاب من أباحها بأن تحلية السيوف بالذهب والفضة إنما
شرع لإرهاب العدو وكان لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك غنية لشدتهم
في أنفسهم وقوتهم في إيمانهم انتهى
قوله: (حدثنا أبي) أي جرير بن حازم
قوله: (وكانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة) في شرح السنة فيه دليل على جواز
تحلية السيف بالقليل من الفضة وكذلك المنطقة واختلفوا في اللجام والسرج فأباحه بعضهم
276

كالسيف وحرم بعضهم لأنه من زينة الدابة وكذلك اختلفوا في تحلية سكين الحرب والمقلمة
بقليل من الفضة فأما التحلية بالذهب فغير مباح في جميعها
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود والنسائي والدارمي (وهكذا روي
عن همام عن قتادة عن أنس) أي كما رواه جرير عن قتادة عن أنس كذلك وراه همام عن قتادة عن
أنس وقد رواه النسائي عنهما جميعا فقال أخبرنا أبو داود قال حدثنا عمرو بن عاصم قال حدثنا
همام وجرير قال حدثنا عن أنس قال كان نعل سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من
فضة وقبيعة سيفه فضة وما بين ذلك حلق فضة (وقد روى بعضهم عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن الخ) المراد من
بعضهم هو هشام الدستوائي فقد روى أبو داود والنسائي من طريق هشام عن قتادة عن سعيد بن
أبي الحسن قال كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فضة وهذا الحديث مرسل لأن سعيد بن أبي
الحسن تابعي قال الحافظ في التقريب سعيد بن أبي الحسن البصري أخو الحسن ثقة من الثالثة
اعلم أن أبا داود والنسائي وغيرهما قد صرحوا بأن حديث هشام عن قتادة عن سعيد بن أبي
الحسن هو المحفوظ فقال أبو داود في سننه أقوى هذه الأحاديث حديث سعيد بن أبي الحسن
والباقية ضعاف وقال الدارمي في مسنده باب قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أبو النعمان
حدثنا جرير بن حازم عن قتادة عن أنس قال كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة قال
عبد الله يعني الدارمي هشام الدستوائي خالفه فقال قتادة عن سعيد ابن أبي الحسن عن
النبي صلى الله عليه وسلم وزعم الناس أنه هو المحفوظ وقال الزيلعي قال النسائي هذا حديث منكر والصواب
قتادة عن سعد بن أبي الحسن وما رواه عن همام غير عمرو بن عاصم انتهى وقال الحافظ في
تهذيب التهذيب قال أحمد حديث جرير عن قتادة عن أنس قال كانت قبيعة سيف
صلى الله عليه وسلم فضة خطأ والصواب عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن انتهى ما في تهذيب التهذيب
محصلا لكن قال الحافظ ابن القيم إن حديث قتادة عن أنس محفوظ لاتفاق جرير بن حازم وهمام
عن قتادة عن أنس والذي رواه عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن مرسلا هو هشام الدستوائي
وهشام وإن كان مقدما في أصحاب قتادة فليس همام وجرير إذا اتفقا بدونه انتهى
قلت: الظاهر قال ما قال ابن القيم والله تعالى أعلم
277

(باب ما جاء في الدرع وهو القميص المتخذ من الزرد)
قوله: (عن جده عبد الله بن الزبير) بن العوام القرشي الأسدي كان أول مولود في الاسلام
بالمدينة من المهاجرين وولي الخلافة تسع سنين وقتل في ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين كذا في
التقريب
قوله: (كان على النبي صلى الله عليه وسلم درعان) أي مبالغة في قوله تعالى خذوا حذركم وقوله
(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) إنها تشمل الدرع وإن فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بأقوى أفرادها حيث
قال ألا إن القوة الرمي قال القاري وفيه إشارة إلى جواز المبالغة في أسباب المجاهدة وأنه لا
ينافي التوكل والتسليم بالأمور الواقعة المقدرة (يوم أحد) بضمتين موضع معروف بالمدينة (فنهض)
أي قام متوجها (إلى الصخرة) أي التي كانت هناك يستوي عليها وينظر إلى الكفار ويشرف على
الأبرار (أوجب طلحة) أي الجنة كما في رواية والمعنى أنه أثبتها لنفسه بعمله هذا أو بما فعل في
ذلك اليوم فإنه خاطر بنفسه يوم أحد وفدى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلها وقاية له حتى طعن ببدنه
وجرح جميع جسده حتى شلت يده ببضع وثمانين جراحة كذا في المرقاة
قوله: (وفي الباب عن صفوان بن أبي أمية والسائب بن يزيد) أما حديث صفوان بن أمية
فأخرجه أحمد في مسنده وأما حديث السائب بن يزيد فأخرجه أبو داود وابن ماجة عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عليه يوم أحد درعان قد ظاهر بينهما
قوله: (هذا حديث حسن غريب الخ) وأخرجه أحمد كذا في المرقاة
278

(باب ما جاء في المغفر)
قال في القاموس المغفر كمنبر وبهاء وكتابة زرد من الدرع يلبس تحت القلنسوة أو حلق
يتقنع بها المتسلح انتهى وقال في الصراح زرد بالتحريك زرد بافته زراد زرة كر
قوله: (عام الفتح) أي عام فتح مكة (وعلى رأسه المغفر) زرد ينسج من الدروع على قدر
الرأس وقيل هو رفرف البيضة قال في المحكم وفي المشارق هو ما يجعل من فضل الدروع
الحديد على الرأس مثل القلنسوة وفي رواية زيد بن الحباب عن مالك يوم الفتح وعليه مغفر من
حديد أخرجه الدارقطني في الغرائب (فقيل له) أي النبي صلى الله عليه وسلم (ابن خطل) بفتح الخاء المعجمة
والطاء المهملة، اختلف في اسمه فقيل عبد الله وقيل عبد العزى وقيل غير ذلك. قال الحافظ:
والجمع بين ما اختلف فيه من اسمه أنه كان يسمى عبد العزى فلما أسلم سمي عبد الله، وأما من
قال هلال فالتبس عليه بأخ له اسمه هلال انتهى (قال اقتلوه) قال الحافظ والسبب في قتل ابن
خطل وعدم دخوله في قوله من دخل المسجد فهو آمن ما روى إسحاق في المغازي حدثني
عبد الله بن أبي بكر وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة قال لا يتقل أحد إلا من قاتل إلا
نفرا سماهم فقال اقتلوهم وإن وجدتموهم تحت أستار الكعبة منهم عبد الله بن خطل
وعبد الله بن سعد وإنما أمر بقتل ابن خطل لأنه كان مسلما فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا وبعث
معه رجلا من الأنصار وكان معه مولى يخدمه وكان مسلما فنزل منزلا فأمر المولى أن يذبح تيسا
ويصنع له طعاما فنام واستيقظ ولم يصنع له شيئا فعدى عليه فقتله ثم ارتد مشركا وكانت له
قينتان تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري في الحج وفي الجهاد وفي المغازي وفي
اللباس وأخرجه مسلم في المناسك وأبو داود في الجهاد والنسائي في الحج وفي السير وابن
ماجة في الجهاد
قوله: (لا نعرف كبير أحد رواه غير مالك عن الزهري) كذا في النسخ الحاضرة عندنا
279

ونقل الحافظ في الفتح هذه العبارة بلفظ لا يعرف كثير أحد رواه غير مالك عن الزهري كما
ستقف قال الحافظ وقيل إن مالكا تفرد به عن الزهري وممن جزم بذلك ابن الصلاح في علوم
الحديث له في الكلام على الشاذ وتعقبه شيخنا الحافظ أبو الفضل العراقي بأنه ورد من طريق ابن
أخي الزهري وأبي أويس ومعمر والأوزاعي وقال إن رواية ابن أخي الزهري عند البزار ورواية
أبي أويس عبد ابن سعد وابن عدي وأن رواية معمر ذكرها ابن عدي وأن رواية الأوزاعي ذكرها
المزني ولم يذكر شيخنا من أخرج روايتهما وقد وجدت رواية معمر في فوائد ابن المقري ورواية
الأوزاعي في فوائد تمام ثم نقل شيخنا عن ابن السدي أن ابن العربي قال حين قيل له لم يروه إلا
مالك قد رويته من ثلاثة عشر طريقا غير طريق مالك وإنه وعد بإخراج ذلك ولم يخرج شيئا
وأطال ابن السدي في هذه القصة وأنشد فيها شعرا وحاصلها أنهم اتهموا ابن العربي في ذلك
ونسبوه إلى المجازفة ثم شرح ابن السدي يقدح في أصل القصة ولم يصب في ذلك فراوي
القصة عدل متقن والذين اتهموا ابن العربي في ذلك هم الذين أخطأوا لقلة اطلاعهم وكأنه
بخل عليهم بإخراج ذلك لما ظهر له من إنكارهم وتعنتهم وقد تتبعت طرقه حتى وقفت على أكثر
من العدد الذي ذكره ابن العربي ولله الحمد ثم ذكر الحافظ تلك الطرق التي وجدها ثم قال
فتبين بذلك أن إطلاق ابن الصلاح متعقب وأن قول ابن العربي صحيح وأن كلام من اتهمه
مردود ولكن ليس في طرقه شئ على شرط الصحيح إلا طريق مالك فيحمل قول من قال انفرد
به مالك أي بشرط الصحة وقول من قال توبع أي في الجملة وعبارة الترمذي سالمة من
الاعتراض فإنه قال بعد تخريجه حسن صحيح غريب لا يعرف كثير أحد رواه غير مالك عن
الزهري فقوله كثير يشير إلى أنه توبع في الجملة انتهى كلام الحافظ مختصرا
(باب ما جاء في فضل الخيول)
قوله: (حدثنا عبثر) بفتح أوله وسكون الموحدة وفتح المثلثة (بن القاسم) الزبيدي بالضم
أبو زبيد كذلك الكوفي ثقة من الثامنة (عن عروة البارقي) هو ابن الجعد ويقال ابن أبي الجعد
ويقال اسم أبيه عياض صحابي سكن الكوفة وهو أول قاض بها
قوله: (الخير معقود في نواصي الخيل) أي ملازم بها كأنه معقود فيها كذا في النهاية والمراد
280

بالخيل ما يتخذ للغزو بأن يقاتل عليه أو يرتبط لأجل ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم الخيل لثلاثة الحديث
ولقوله في آخر الحديث الأجر والمغنم قال عياض إذا كان في نواصيها البركة فيبعد أن يكون فيها
شؤم فيحتمل أن يكون الشؤم في غير الخيل التي ارتبطت للجهاد وأن الخيل التي أعدت له هي
المخصوصة بالخير والبركة أو يقال الخير والشر يمكن اجتماعهما في ذات واحدة فإنه فسر الخير
بالأجر والمغنم ولا يمنع ذلك أن يكون ذلك الفرس مما يتشاءم به انتهى (الأجر والمغنم) بدل من
قوله الخير أو هو خير مبتدأ محذوف أي هو الأجر والمغنم ووقع عند مسلم من رواية جرير عن
حصين قالوا بم ذلك يا رسول الله قال الأجر والمغنم قال الطيبي يحتمل أن يكون الخير الذي
فسر بالأجر والغنم استعاره لظهوره وملازمته وخص الناصية لرفعة قدرها وكأنه شبهه لظهوره
بشئ محسوس معقود على مكان مرتفع فنسب الخير إلى لازم المشبه به وذكر الناصية تجديدا
للاستعارة والمراد بالناصية هنا الشعر المسترسل على الجبهة قاله الخطابي وغيره قالوا ويحتمل أن
يكون كنى بالناصية عن جميع ذات الفرس كما يقال فلان مبارك الناصية قال الحافظ ويبعده
لفظ الحديث الثالث يعني حديث أنس البركة في نواصي الخيل وقد روى مسلم من حديث
جرير قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوي ناصية فرسه بأصبعه ويقول فذكر الحديث فيحتمل أن
تكون الناصية خصت بذلك لكونها المقدم منها إشارة إلى أن الفضل في الاقدام بها على العدو دون
المؤخر لما فيه من الإشارة إلا الادبار
قوله: (وفي الباب عن ابن عمر وأبي سعيد وجرير وأبي هريرة وأسماء بنت يزيد
والمغيرة بن شعبة وجابر) أما حديث ابن عمر فأخرجه مالك وأحمد والشيخان والنسائي وابن
ماجة وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أحمد وأما حديث جرير فأخرجه أحمد ومسلم والنسائي
والطحاوي وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في باب من ارتبط فرسا في سبيل الله
وأخرجه أيضا مسلم والنسائي وابن ماجة وأما حديث أسماء بنت يزيد فأخرجه أحمد وأما
حديث المغيرة بن شعبة فأخرجه أبو يعلى وأما حديث جابر فأخرجه أحمد والطحاوي وفي الباب
أحاديث أخرى عن غير هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم ذكرها الحافظ في الفتح في شرح باب
الجهاد ماض مع البر والفاجر
281

قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة
والطحاوي
قوله: (قال أحمد بن حنبل وفقه هذا الحديث أن الجهاد مع كل إمام) أي برا كان أو فاجرا
(إلى يوم القيامة) يعني أن الجهاد ماض مع كل إمام إلى يوم القيامة وقال البخاري في صحيحه
باب الجهاد ماض مع البر والفاجر لقول النبي صلى الله عليه وسلم الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة
قال الحافظ سبقه إلى الاستدلال بهذا الإمام أحمد لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر بناء الخير في نواصي الخيل إلى يوم
القيامة وفسره بالأجر والمغنم والمغنم المقترن بالأجر إنما يكون من الخيل بالجهاد ولم يقيد ذلك
بما إذا كان الامام عادلا فدل على أن لا فرق في حصول هذا الفضل بين أن يكون الغزو مع الإمام العادل
والجائر انتهى
(باب ما يستحب من الخيل)
قوله: (حدثنا عيسى بن علي بن عبد الله) بن عباس الهاشمي الحجازي ثم البغدادي
صدوق مقل كان معتزلا للسلطان من السابعة (عن أبيه) أي علي بن عبد الله بن عباس ثقة
عابد من الثالثة
قوله: (بمن يختار) أي بركنها (في الشقر) بضم أوله جمع أشقر وهو أحمر قال في مختار
الصحاح الشقرة لون الأشقر وهي في الانسان حمرة صافية وبشرته مائلة إلى البياض وفي الخيل
حمرة صافية يحمر معها العرف والذنب فإن اسودا فهو الكميت
282

قوله: (هذا حديث حسن غريب الخ) وأخرجه أحمد وأبو داود
قوله: (حدثنا أحمد بن محمد) بن موسى أبو العباس السمسار المعروف بمردويه (عن علي بن
رباح) بن قصير ضد الطويل اللخمي البصري ثقة والمشهور فيه علي بالتصغير وكان يغضب منها
من صغار الثالثة
قوله: (خير الخيل الأدهم) قال التوربشتي: الأدهم الذي يشتد سواده وقوله (الأقرح)
الذي في وجهه القرحة بالضم وهي ما دون الغرة يعني فيه بياض يسير ولو قدر درهم (الأرثم)
بالمثلثة أي في جحفلته العليا بياض يعني أنه الأبيض الشفة العليا وقيل الأبيض الأنف قاله
القاري والجحفلة بمنزلة الشفة للخيل والبغال والحمير (ثم) أي بعد ما ذكر من الأوصاف
المجتمعة في الفرس (الأقرح المحجل) التحجيل بياض في قوائم الفرس أو في ثلاث منها أو في
رجليه قل أو كثر بعد أن يجاوز الأرساغ لا يجاوز الركبتين والعرقوبين (طلق اليمين) بضم الطاء
واللام ويسكن إذا لم يكن في إحدى قوائهما تحجيل (فإن لم يكن) أي الفرس (أدهم) أي أسود من
الدهمة وهي السواد على ما في القاموس (فكميت) بالتصغير أي بأذنيه وعرفه سواد والباقي أحمر
وقال التوربشتي الكميت من الخيل يستوي فيه المذكر والمؤنث والمصدر الكميتة وهي حمرة
يدخلها فترة وقال الخليل إنما صغر لأنه بين السواد والحمرة لم يخلص لواحد منهما فأرادوا
بالتصغير أنه قريب منهما (على هذه الشية) بكسر الشين المعجمة وفتح التحتية وأي العلامة وهي
في الأصل كل لون يخالف معظم لون الفرس وغيره والهاء عوض عن الواو الذاهبة من أوله وهمزها
لحن وهذه إشارة إلى الأقرح الأرثم ثم المحجل طلق اليمين
قوله: (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه أحمد وابن ماجة والدارمي والحاكم
283

(باب ما يكره من الخيل)
قوله: (حدثنا سلم بن عبد الرحمن) النخعي الكوفي أو حصين قيل يكنى أبا
عبد الرحيم صدوق من السادسة له عندهم حديث واحد كذا في التقريب
قوله: (أنه كره الشكال) بكر أوله (في الخيل) وفي رواية مسلم في الخيل وزاد في روايته
والشكال أن يكون الفرس في رجله اليمنى بياض وفي يده اليسرى ويده اليمنى ورجله اليسرى
قال النووي وهذا التفسير هو أحد الأقوال في الشكال وقال أبو عبيد وجمهور أهل اللغة
والغريب هو أن يكون منه ثلاث قوائم محجلة وواحدة مطلقة تشبيها بالشكال الذي يشك به
الخيل فإنه يكون في ثلاث قوائم غالبا قال أبو عبيد وقد يكون الشكال ثلاث قوائم مطلقة
وواحدة محجلة قال ولا يكون المطلقة من الأرجل أو المحجلة إلا الرجل قال ابن دريد
الشكال أن يكون محجلة من شق واحد في يده ورجله فإن كان مخالفا قيل الشكال مخالف قال
القاضي قال أبو عمرو المطرز قيل الشكال بياض الرجل اليمنى واليد اليمنى وقيل بياض
الرجل اليسرى واليد اليسرى وقيل بياض اليدين وقيل بياض الرجلين وقيل بياض الرجلين
ويد واحدة وقيل بياض اليدين ورجل واحدة وقال العلماء إنما كرهه لأنه على صورة
المشكول وقيل يحتمل أن يكون قد جرب ذلك الجنس فلم يكن فيه نجابة قال بعض العلماء
إذا كان مع ذلك أغر زالت الكراهة لزوال شبه الشكال
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وأصحاب السنن (قد رواه
شعبة بن عبد الله بن يزيد الخثعمي عن أبي زرعة عن أبي هريرة نحوه) قال في التقريب
عبد الله بن يزيد النخعي الكوفي عن أبي زرعة عن شكال الخيل قال أحمد صوابه سلم بن عبد
الرحمن أخطأ شعبة في اسمه وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته قال المؤلف وقال عبد الله بن
284

أحمد عن أبيه شعبة يخطئ في هذا يقول عبد الله بن يزيد وإنما هو سلم بن عبد الرحمن النخعي
انتهى
قوله: (حدثنا محمد بن حميد الرازي) حافظ ضعيف وكان ابن معين حسن الرأي فيه من
العاشرة (حدثنا جرير) هو ابن عبد الحميد
قوله: (فما خرم) من باب ضرب أي ما نقص يعني أنه كان في غاية من الحفظ والاتقان
(باب ما جاء في الرهان والسبق)
قال في القاموس الرهان والمراهنة المخاطرة والمسابقة على الخيل
قوله: (حدثنا محمد بن الوزير) بن قيس العبدي الواسطي ثقة عابد من العاشر
قوله: (أجرى المضمر) الاضمار والتضمير أن تعلف الخيل حتى تسمن وتقوى ثم يقلل
علفها بعد بقدر الفوت وتدخل بيتا وتعشى بالجلال حتى تحمى فتعرق فإذا جف عرقها خف
لحمها وقويت على الجري (من الحفياء) بفتح المهملة وسكون الفاء بعدها تحتانية ومد مكان
خارج المدينة ويجوز القصر وفي رواية للبخاري سابق وهو المراد من قوله أجرى (إلى ثنية الوداع)
مكان آخر خارج المدينة وأضيف الثنية إلى الوداع لأنها موضع التوديع (إلى مسجد بني زريق)
بضم الزاي وفتح الراء اسم رجل (وبينهما) أي بين الثنية والمسجد (ميل) إنما جعل غاية المضمرة
أبعد لكونها أقوى (فوثب بي فرسي جدارا) وفي رواية لمسلم قال عبد الله فجئت فطفف بي
285

الفرس المسجد قال النووي أي علا ووثب إلى المسجد وكان جداره قصيرا وهذا بعد مجاوزته
الغاية لأن الغاية هي هذا المسجد وهو مسجد بني زريق انتهى وفي الحديث مشروعية المسابقة
وأنه ليس من العبث بل من الرياضة المحمودة الموصلة إلى تحصيل المقاصد في الغزو والانتفاع بها
عند الحاجة وهي دائرة بين الاستحباب والإباحة بحسب الباعث على ذلك قال القرطبي لا
خلاف في جواز المسابقة على الخيل وغيرها من الدواب على الأقدام وكذا الترامي بالسهام
واستعمال الأسلحة لما في ذلك من التدريب على الحرب
وفيه جواز الخيل ولا يخفى اختصاص استحبابها بالخيل المعدة للغزو
وفيه مشروعية الاعلام بالابتداء والانتهاء عند المسابقة
تنبيه لم يتعرض في هذا الحديث للمراهنة على ذلك لكن ترجم الترمذي له باب المراهنة
على الخيل ولعله أشار إلى ما أخرجه أحمد من رواية عبد الله بن عمر المكبر عن نافع عن ابن
عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل وراهن قاله الحافظ وقال وقد أجمع العلماء على جواز
المسابقة بغير عوض لكن قصرها مالك والشافعي على الخف والخافر والنصل وخصة بعض
العلماء بالخيل وأجازه عطاء في كل شئ واتفقوا على جوازها بعوض بشرط أن يكون من غير
المتسابقين كالإمام حيث لا يكون له معهم فرس وجوز الجمهور أن يكون من أحد الجانبين من
المتسابقين وكذا إذا كان معهما ثالث محلل بشرط أن يكون من عنده شيئا ليخرج العقد عن
صورة القمار وهو أن يخرج كل منهما سبقا فمن غلب أخذ السبقين فاتفقوا على منعه ومنهم من
شرط في المحلل أن يكون لا يتحقق السبق في مجلس السبق
قلت: ويدل على قوله وكذا إذا كان معهما ثالث محلل الخ حديث أبي هريرة مرفوعا من
أدخل فرسا بين فرسين فإن كان يؤمن أن يسبق فلا خير فيه وإن كان لا بد لا يؤمن أن يسبق فلا بأس
به رواه في شرح السنة قال المظهر اعلم أن المحلل ينبغي أن يكون على فرس
المخرجين أو قريبا من فرسيهما في العدو فإن كان فرس المحلل جوادا بحيث يعلم المحلل أن
فرسي المخرجين لا يسبقات فرسه لم يجز بل وجوده كعدمه وإن كان لا يعلم أنه يسبق فرسي
المخرجين يقينا أو أنه يكون مسبوقا جاز وفي شرح السنة ثم في المسابقة من كان المال من جهة
الامام أو من جهة واحد من عرض الناس شرط للسابق من الفارسين مالا معلوما فجائز وإذا
سبق استحقه وإن كان من جهة الفارسين فقال أحدهما لصاحبه إن سبقتني فلك علي كذا وإن
سبقتك فلا شئ لي عليك فهو جائز أيضا فإذا سبق استحق المشروط وإن كان المال من جهة
كل واحد منهما بأن قال لصاحبه إن سبقتك فلي عليك كذا وإن سبقتني فلك علي كذا فهذا لا
286

يجوز إلا بمحلل يدخل بينهما إن سبق المحلل أخذ السبقين وإن سبق فلا شئ عليه وسمى محللا
لأنه محلل للسابق أخذ المال فبالمحلل يخرج العقد عن أن يكون قمارا لأن القمار يكون الرجل
مترددا بين الغنم والغرم فإذا دخل بينهما لم يوجد فيه هذا المعنى ثم إذا جاء المحلل أو لا ثم جاء
المستبقان معا أو أحدهما بعد الاخر أخذ المحلل السبقين وإن جاء المستبقان معا ثم المحلل فلا
شئ لأحد وإن جاء أحد المستبقين أولا ثم المحلل والمستبق الثاني إما معا أو أحدهما بعد الاخر
أحرز السابق سبقه وأخذ سبق المستبق الثاني ومن جاء المحلل وأحد المستبقين معا ثم جاء الثاني
مصليا أخذ السابقان سبقه كذا في المرقاة
قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة وجابر وأنس وعائشة) أما حديث أبي هريرة فأخرجه
الترمذي في هذا الباب وله حديث آخر تقدم لفظه وأما حديث جابر فأخرجه الدارقطني وأما
حديث أنس فأخرجه البخاري وأما حديث عائشة فأخرجه الشافعي وأبو داود وابن ماجة وابن
حبان والبيهقي ومن حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت سابقت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فسبقته فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال هذه بتلك قال الحافظ واختلف فيه على هشام
فقيل هكذا وقيل عن رجل عن أبي سلمة وقيل عن أبيه وعن أبي سلمة عن عائشة كذا في
التلخيص
قوله: (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه الشيخان
قوله: (عن نافع بن أبي رافع) البزار كنيته أبو عبد الله مولى أبي أحمد ثقة من الثالثة
قوله: (لا سبق) بفتحتين وقال في النهاية هو بفتح الباء ما يجعل من المال رهنا على
المسابقة وبالسكون مصدر سبقت أسبق وقال الخطابي الرواية الفصيحة بفتح الباء والمعنى لا
يحل أخذ المال بالمسابقة (إلا في نصل) أي للسهم (أو خف) أي للبعير (أو حافر) أي للخيل قال
الطيبي ولا بد فيه من تقدير أي ذي نصل وذي خف وذي حافر وقال ابن الملك المراد ذو
نصل كالسهم وذو خف كالإبل والفيل وذو حافر كالخيل والحمير أي لا يحل أخذ المال
بالمسابقة إلا في أحدها وألحق بعض بها المسابقة بالأقدام وبعض المسابقة بالأحجار وفي شرح
287

السنة ويدخل في معنى الخيل البغال والحمير وفي معنى الإبل الفيل قيل لأنه أغنى من الإبل في
القتال وألحق بعضهم الشد على الأقدام والمسابقة عليها وفيه إباحة أخذ المال على المناضلة لمن
نضل وعلى المسابقة على الخيل والإبل لمن سبق وإليه ذهب جماعة من أهل العلم لأنها عدة لقتال
العدو وفي بذل الجعل عليها ترغيب في الجهاد قال سعيد بن المسيب ليس برهان الخيل بأس
إذا أدخل فيها محلل والسباق بالطير والرجل وبالحمام وما يدخل في معناها مما ليس من عدة الحرب
ولا من باب القوة على الجهاد فأخذ المال عليه قمار محظور وسئل ابن المسيب عن الدحو بالحجارة
فقال لا بأس به يقال فلان يدحو بالحجارة أي يرمي بها قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر
حديث أبي هريرة هذا أخرجه أحمد وأصحاب السنن والشافعي والحاكم من طرق وصححه ابن
القطان وابن دقيق العيد وأعل الدارقطني بعضها بالوقف ورواه الطبراني وأبو الشيخ من حديث
ابن عباس انتهى
(باب ما جاء في كراهية أن ينزى الحمر على الخيل)
قوله: (حدثنا موسى بن سالم أبو جهضم) مولى آل العباس صدوق من السادسة (عن
عبد الله بن عبيد الله بن عباس) بن عبد المطلب الهاشمي ثقة من الرابعة
قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا مأمورا) أي بأوامره منهيا عن نواهيه أو مأمورا بأن يأمر
أمته بشئ وينهاهم عن شئ كذا قيل وقال القاضي أي مطوعا غير مستبد في الحكم ولا
حاكم يقتضى ميله وتشهيه حتى يخص من شاء بما شاء من الأحكام انتهى والأظهر أن يقال إنه
كان مأمورا بتبليغ الرسالة عموما لقوله تعالى يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك الآية
(ما اختصنا) أي أهل البيت يريد به نفسه وسائر أهل بيت النبوة (دون الناس) أي متجاوزا
عنهم (إلا بثلاث) أي ما اختصنا بكم لم يحكم به على سائر أمته ولم يأمرنا بشئ لم يأمرهم به انتهى
إلا بثلاث خصال (أمرنا أن نسبغ الوضوء) بضم أوله أي نستوعب ماءه أو نكمل
288

أعضاءه قال في المغرب أي وجوبا لأن إسباغ الوضوء مستحب للكل (وأن لا ننزى حمارا على
فرس) من أنزى الحمر على الخيل حملها عليه ولعله كان هذا نهي تحريم بالنسبة إليهم وقال
القاضي الظاهر أن قوله أمرنا الخ تفضيل للخصال وعلى هذا ينبغي أن يكون الأمر أمر
إيجاب وإلا لم يكن فيه اختصاص لأن إسباغ الوضوء مندوب على غيرهم وإنزاء الحمار على
الفرس مكروه مطلقا لحديث علي والسبب فيه قطع النسل واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو
خير البغلة لا تصلح للكر والفر ولذلك لا سهم لها في الغنيمة ولا سبق فيها على وجه ولأنه
علق بأن لا يأكل الصدقة وهو واجب فينبغي أن يكون قرينة أيضا كذلك وإلا لزم استعمال اللفظ
الواحد في معنيين مختلفين اللهم إلا أن يفسر الصدقة بالتطوع أو الأمر بالمشترك بين الايجاب
والندب ويحتمل أن المراد به أنه صلى الله عليه وسلم ما اختصنا بشئ إلا بمزيد الحث والمبالغة في ذلك انتهى
وفي الحديث رد بليغ على الشيعة حيث زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم اختص أهل البيت بعلوم
مخصوصة ونظيره ما صح عن علي رضي الله عنه حين سئل هل عندكم شئ ليس في القرآن
فقال والذي خلق الجنة بيده وبرأ النسمة ما عندنا إلا ما في القرآن إلا فهما يعطي الرجل
في كتابه وما في الصحيفة الحديث
قال الطحاوي في شرح الآثار بعد رواية حديث ابن عباس المذكور في الباب وحديث علي
الذي أشار إليه الترمذي ما لفظه ذهب قوم إلى هذا فكرهوا إنزاء الحمر على الخيل وحرموا ذلك
ومنعوا منه واحتجوا بهذه الآثار وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا بذلك بأسا وكان من الحجة
لهم في ذلك أن ذلك لو كان مكروها لكان ركوب البغال مكروها لأنه لولا رغبة الناس في البغال
وركوبهم إياها لما أنزلت الحمر على الخيل ألا ترى لما نهى عن إخصاء بني آدم كره بذلك
اتخاذ الخصيان لأن في اتخاذهم ما يحمل من تخصيصهم على إخصائهم لأن الناس إذا تحاموا اتخاذهم
لم يرغب أهل الفسق في إخصائهم ثم ذكر بسنده عن العلاء بن عيسى الذهبي أنه قال أتى
عمر بن عبد العزيز بخصي فكره أن يبتاعه وقال ما كنت لأعين على الاخصاء فكل شئ في ترك
كسبه ترك لبعض أهل المعاصي لمعصيتهم فلا ينبغي كسبه فلما أجمع على إباحة اتخاذ البغال
وركوبها دل ذلك على أن النهي الذي في الآثار الأول لم يرد به التحريم ولكنه أريد به معنى آخر
ثم ذكر أحاديث ركوبه صلى الله عليه وسلم على البغال ثم قال
فإن قال قائل فما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون
قيل له قد قال أهل العلم في ذلك معناه أن الخيل قد جاء في ارتباطها واكتسابها وعلفها
289

الأجر وليس ذلك في البغال فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنما ينزو فرس على فرس حتى يكون عنهما ما فيه
الأجر ويحمل حمارا على فرس فيكون عنهما بغل لا أجر في ارتباطه ثم ذكر أحاديث فضل ارتباط
الخيل ثم قال
فإن قال قائل فما معنى اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بني هاشم بالنهي عن إنزاء الحمير على الخيل
قيل له لما حدثنا ابن أبي داود قال حدثنا أبو عمر الحوضي قال حدثنا المرجي هو ابن رجاء
قال حدثنا أبو جهضم قال حدثني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال ما اختصنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بثلاث أن لا نأكل الصدقة وأن نسبغ الوضوء وأن لا ننزي حمارا على
فرس قال فلقيت عبد الله بن الحسن وهو يطوف بالبيت فحدثته فقال صدق كانت الخيل
قليلة في بني هاشم فأحب أن تكثر فيهم فبين عبد الله بن الحسن بتفسيره هذا المعنى الذي له
اختص رسول الله صلى الله عليه وسلم بني هاشم أن لا ننزأوا الحمار على فرس وأنه لم يكن للتحريم وإنما كانت
العلة قلة الخيل فيهم فإذا ارتفعت تلك العلة وكثرت الخيل في أيديهم صاروا في ذلك كغيرهم
وفي اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم إياهم بالنهي عند ذلك دليل على إباحته إياه لغيرهم ولما كان صلى الله عليه وسلم قد
جعل في ارتباط الخيل ما ذكرنا من الثواب والأجر وسئل عن ارتباط الحمير فلم يجعل في ارتباطها
شيئا والبغال التي هي خلاف الخيل مثلها كان من ترك أن تنتج ما في ارتباطه وكسبه ثواب وأنتج ما
لا ثواب في ارتباطه وكسبه من الذين لا يعلمون
فلقد ثبت بما ذكرنا إباحة نتج البغال لبني هاشم وغيرهم وإن كان إنتاج الخيل أفضل من
ذلك وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين انتهى كلام الطحاوي
مختصرا
قلت: في كلام الطحاوي هذا أنظار كما لا يخفى على المتأمل قال الطيبي لعل الانزاء غير
جائز والركوب والتزين به جائز من كان كالصور فإن عملها حرام واستعمالها في الفرش والبسط
مباح
قلت: وكذا تخليل الخمر حرام وأكل الخمر جائز على رأي بعض الأئمة
قوله: (وفي الباب عن علي) أخرجه أبو داود والطحاوي عنه قال أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم
بغلة فركبها فقال علي لو حملنا الحمير على الخيل فكانت لنا مثل هذه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما
يفعل ذلك الذين لا يعلمون
290

قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه النسائي والطحاوي
(باب ما جاء في الاستفتاح بصعاليك المسلمين)
الصعاليك جمع صعلوك قال في القاموس والصعلوك كعصفور الفقير وتصعلك افتقر
والمراد من الاستفتاح بهم الاستنصار بهم روى الطبراني عن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد
قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بصعاليك المسلمين قال المنذري رواته رواة الصحيح وهو
مرسل وفي رواية يستنصر بصعاليك المسلمين قال المناوي في شرح الجامع الصغير قوله
يستنصر بصعاليك المسلمين أي يطلب النصر بدعاء فقرائهم تيمنا بهم ولأنهم لانكسار خواطرهم
دعاءهم أقرب إجابة ورواه في شرح السنة بلفظ كان يستفتح بصعاليك المهاجرين قال
القاري أي بفقرائهم وببركة دعائهم وفي النهاية أي يستنصر بهم ومنه قوله تعالى إن
تستفتحوا فقد جاءكم الفتح قال القاري ولعل وجه التقييد بالمهاجرين لأنهم فقراء غرباء
مظلومون مجتهدون مجاهدون فيرجى تأثير دعائهم أكثر من عوام المؤمنين وأغنيائهم انتهى
قوله: (حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر) الأزدي أبو عتبة الشامي الداراني ثقة من
السابعة (حدثني زيد بن أرطاة) الفزاري الدمشقي أخو عدي ثقة عابد من الخامسة
قوله: (ابغوني) قال الطيبي بهمزة القطع والوصل يقال بغى يبغي بغاء إذا طلب وهذا
نهي عن مخالطة الأغنياء وتعليم منه انتهى
291

قلت الظاهر أنه بهمزة الوصل قال في القاموس بغيت الشئ أبغيه بغأ وبغا وبغية
بضمهن وبغية بالكسر طلبته كابتغيته وتبغيته واستبغيته انتهى وأما بهمزة القطع فلا يناسب
ههنا قال في القاموس أبغاه الشئ طلبه له وأعانه على طلبه (في ضعفائكم) أي فقرائكم (فإنما
ترزقون) بصيغة المجهول (تنصرون) أي على الأعداء وهذا أيضا بصيغة المجهول (بضعفائكم)
أي بسببهم أو ببركة دعائهم
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي
(باب ما جاء في الأجراس على الخيل)
الأجراس جمع جرس بالتحريك وهو الذي يعلق في عنق البعير والذي يضرب به أيضا كذا
في القاموس وقال الجزري في النهاية فيه حديث لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس هو
الجلجل الذي يعلق على الدواب قيل إنما كرهه لأنه يدل على أصحابه بصوته وكان عليه السلام
يحب أن لا يعلم العدو به حتى يأتيهم فجأة وقيل غير ذلك انتهى
قوله: (لا تصحب الملائكة) أي ملائكة الرحمة لا الحفظة (رفقة) بضم أوله أي جماعة
ترافقوا وهي مثلثة الراء على ما في القاموس وقال النووي بكسر الراء وضمها (فيها كلب) أي
لغير الصيد والحراسة (ولا جرس) بزيادة لا للتأكيد قال الطيبي جاز عطفه على قوله فيها
كلب وإن كان مثبتا لأنه في سياق النفي في المغرب الجرس بفتحتين ما يعلق بعنق الدابة وغيره
فيصوت قال النووي وسبب الحكمة في عدم مصاحبة الملائكة مع الجرس أنه شبيه بالنواقيس أو
لأنه من المعاليق المنهي عنها لكراهة صوتها ويؤيده قوله الجرس مزامير الشيطان وهو مذهبنا
ومذهب مالك وهي كراهة تنزيه وقال جماعة من متقدمي علماء الشام يكره الجرس الكبير دون
الصغير انتهى
قلت: لفظ الحديث مطلق فيدخل فيه كل جرس كبيرا كان أو صغيرا فالتقييد بالجرس
292

الكبير يحتاج إلى الدليل وروى أبو داود في سننه قال حدثنا علي بن سهل وإبراهيم بن الحسن
قالا أنبأنا حجاج عن ابن جريج قال أخبرني عمر بن حفص أن عامر بن عبد الله قال علي بن
سهل بن الزبير أخبره أن مولاة لهم ذهبت بابنه الزبير إلى عمر بن الخطاب وفي رجلها أجراس
فقطعها عمر ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن مع كل جرس شيطانا قال المنذري
مولاة لهم مجهولة وعامر بن عبد الله بن الزبير لم يدرك عمر انتهى وروى أيضا عن بناته مولاة
عبد الرحمن بن حيان الأنصاري عن عائشة قالت بينما هي عندها إذا دخل عليها بجارية وعليها
جلاجل يصوتن فقالت لا تدخلنها علي إلا أن تقطعوا جلاجلها وقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول لا تدخل الملائكة بيتا فيه جرس والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري
قوله: (وفي الباب عن عمر وعائشة وأم حبيبة وأم سلمة) أما حديث عمر فأخرجه أبو
داود وأما حديث عائشة فأخرجه أيضا أبو داود وتقدم لفظه ولفظ حديث عمر انفا وأما حديث
أم حبيبة فأخرجه أبو داود والنسائي وأما حديث أم سلمة فأخرجه النسائي
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود
(باب ما جاء من يستعمل على الحرب
أي من يجعل عاملا وأميرا على الحرب
قوله: (عن يونس بن أبي إسحاق) السبيعي أبي إسرائيل الكوفي صدوق يهم قليلا من
الخامسة (عن أبي إسحاق) هو السبيعي
قوله: (بعث جيشين) وفي حديث بريدة عند أحمد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثين إلى اليمن
(إذا كان القتال فعلي) وفي حديث بريدة إذا التقيتم فعلي على الناس وإن افترقتما فكل واحد
293

منكما على جند (قال فافتتح علي حصنا فأخذ منه جارية) وفي حديث بريدة فلقينا بني زيد من
أهل اليمن فاقتتلنا فظهر المسلمون على المشركين فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية فاصطفى على امرأة
من السبي لنفسه (بشئ به) قال في القاموس وشى به إلى السلطان وشيا ووشاية نم وسعى انتهى
(فقرأ الكتاب) وفي حديث بريدة رفعت الكتاب فقرئ عليه (وإنما أنا رسول) وفي حديث
بريدة فقلت يا رسول الله هذا مكان العائذ بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ففعلت ما
أرسلت به
قوله: (وفي الباب عن ابن عمر) لينظر من أخرجه
قوله: (هذا حديث حسن غريب) في إسناده أبو إسحاق السبيعي وهو مدلس ورواه عن
البراء معنعنا وقال في التقريب اختلط بآخره وأما حديث بريدة عند أحمد ففي سنده أجلح
الكندي وهو صدوق شيعي
(باب ما جاء في الامام
قوله: (ألا) للتنبيه (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم
صلاح ما اؤتمن على حفظه فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه والرعية كل من شمله حفظ
الراعي ونظره (فالأمير الذي على الناس راع) فيمن ولي عليهم (ومسؤول عن رعيته) هل راعى
294

حقوقهم أو لا (والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم) هل وفاهم حقهم من نحو نفقة
وكسوة وحسن عشرة (والمرأة راعية في بيت بعلها) أي زوجها وفي رواية للبخاري المرأة راعية
على أهل بيت زوجها وولده أي بحسن تدبير المعيشة والنصح له والشفقة والأمانة وحفظ نفسها
وماله وأطفاله وأضيافه (هي مسؤولة عنه) أي عن بيت زوجها هل قامت بما عليها أو لا (والعبد
راع على مال سيده) بحفظه والقيام بما يستحقه عليه من حسن خدمته ونصحه قال الخطابي
اشتركوا أي الامام والرجل ومن ذكر في التسمية أي في الوصف بالراعي ومعانيهم مختلفة فرعاية
الامام الأعظم حياطة الشريعة بإقامة الحدود والعدل في الحكم ورعاية الرجل أهله سياسة
لأمرهم وإيصالهم حقوقهم ورعاية المرأة تدبير أمر البيت والأولاد والخدم والنصيحة للزوج في
كل ذلك ورعاية الخادم حفظ ما تحت يده والقيام بما يجب عليه من خدمته (ألا فكلكم راع
وكلكم مسؤول عن رعيته) قال الطيبي في هذا الحديث إن الراعي ليس مطلوبا لذاته وإنما أقيم
لحفظ ما استرعاه المالك فينبغي أن لا يتصرف إلا بما أذن الشارع فيه وهو تمثيل ليس في الباب
ألطف ولا أجمع ولا أبلغ منه فإنه أجمل أولا ثم فصل وأتى بحرف التنبيه مكررا قال والفاء في
قوله ألا فكلكم جواب شرط محذوف وختم بما يشبه الفذلكة إشارة إلى استيفاء التفصيل وقال
غيره دخل في هذا العموم المنفرد الذي لا زوج له ولا خادم ولا ولد فإنه يصدق عليه أنه راع
على جوارحه حتى يعمل المأمورات ويجتنب المنهيات فعلا ونطقا واعتقادا فجوارحه وقواه وحواسه
رعيته ولا يلزم من الاتصاف بكونه راعيا أن لا يكون مرعيا باعتبار آخر
قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة وأنس وأبي موسى) أما حديث أبي هريرة فأخرجه الطبراني
في الأوسط ولفظه ما من راع إلا يسأل يوم القيامة أقام أمر الله أم أضاعه وأما حديث أنس
فأخرجه ابن عدي والطبراني في الأوسط مثل حديث ابن عمر المذكور وزاد في اخره فأعدوا
للمسألة جوابا قالوا وما جوابها قال أعمال البر ذكره الحافظ في الفتح وقال في سنده حسن
ولابن عدي بسند صحيح عن أنس إن الله سائل كل عما استرعاه حفظ ذلك أو ضيعه وأما
حديث أبي موسى فأخرجه الترمذي في هذا الباب
295

قوله (حديث ابن عمر حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود
قوله: (ورواه إبراهيم بن بشار الرمادي) بالفتح والتخفيف ومهملة نسبة إلى رمادة قرية
باليمن وبفلسطين أبو إسحاق البصري حافظ له أوهام من العاشرة (عن بريد بن عبد الله بن
أبي بردة) بن أبي موسى الأشعري الكوفي ثقة يخطئ قليلا من السادسة (عن أبي بردة) بن أبي
موسى الأشعري قيل اسمه عامر وقيل الحارث ثقة من الثالثة (أخبرني بذلك) أي بما قلنا من أنه
رواه إبراهيم بن بشار الرمادي الخ وهذا قول الترمذي (محمد) هو محمد بن إسماعيل البخاري
رحمه الله (عن إبراهيم بن بشار) وفي النسخة الأحمدية وغيرها ابن إبراهيم بن بشار بلفظ ابن
مكان عن وهو غلط (قال محمد) يعني البخاري رحمه الله (ورواه غير واحد عن سفيان عن
بريد بن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا) أي لم يذكروا أبا بردة وأبا موسى الأشعري (وهذا أصح)
لأنه رواه كذلك مرسلا غير واحد من أصحاب ابن عيينة وأما رواية إبراهيم بن بشار الرمادي
عن ابن عيينة متصلا فهي وهم منه قال الحافظ في تهذيب التهذيب
في ترجمته قال البخاري
يهم في الشئ بعد الشئ وهو صدوق وقال أيضا قال لي إبراهيم الرمادي حدثنا ابن عيينة عن
بريد عن أبي بردة عن أبي موسى كلكم راع قال أبو أحمد ابن عدي وهو وهم كان ابن عيينة يرويه
مرسلا قال ابن عدي لا أعلم أنكر عليه إلا هذا الحديث الذي ذكره البخاري وباقي حديثه
مستقيم وهو عندنا من أهل الصدق انتهى (قال محمد) هو البخاري رحمه الله (وروى
إسحاق بن إبراهيم) المعروف بابن راهويه المروزي (عن الحسن هو البصري)
296

باب ما جاء في طاعة الامام
قوله: (حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري) هو الامام الذهلي (عن العيزار) بفتح أوله وسكون التحتانية
بعدها زاي وآخره راء (بن حريث) العبدي الكوفي ثقة من الثالثة (عن أم الحصين الأحمسية)
صحابية شهدت حجة الوداع
قوله: (وعليه برد قد التفع به) أي التحف به (وأنا أنظر إلى عضلة عضده) العضلة محركة
في البدن كل لحمة صلبة مكتنزة ومنه عضلة الساق كذا في النهاية (ترتج) أي تهتز وتضطرب (وأن
أمر عليكم) بصيغة المجهول من باب التفعيل أي جعل أميرا (عبد حبشي مجدع) بتشديد الدال
المفتوحة أي مقطوع الأنف والأذن (فاسمعوا له وأطيعوا) فيه حث على المدارة والموافقة مع
الولاة وعلى التحرز عما يثير الفتنة ويؤدي إلى اختلاف الكلمة (ما أقام لكم كتاب الله) أي حكمه
المشتمل على حكم الرسول قال في المجمع فإن قيل شرط الامام الحرية والقرشية وسلامة
الأعضاء قلت نعم لو انعقد بأهل الحل والعقد أما من استولى بالغلبة تحرم مخالفته وتنفذ
أحكامه ولو عبدا أو فاسقا مسلما وأيضا ليس في الحديث أنه يكون إماما
بل يفرض إليه الامام
أمرا من الأمور انتهى
قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة وعرباض بن سارية) أما حديث أبي هريرة فأخرجه
الشيخان وأما حديث عرباض بن سارية فأخرجه الترمذي في باب الأخذ بالسنة واجتناب
البدعة من أبواب العلم وأخرجه أيضا أحمد وأبو داود وابن ماجة
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
297

(باب ما جاء لا طاعة المخلوق في معصية الخالق)
قوله: (السمع) الأولى الأمر بإجابة أقوالهم (والطاعة) لأوامرهم وأفعالهم (على المرء
المسلم) أي حق وواجب عليه (فيما أحب وكره) أي فيما وافق غرضه أو خالفه (ما لم يؤمر) أي
المسلم من قبل الامام (بمعصية) أي بمعصية الله (فإن أمر) بضم الهمزة (فلا سمع عليه ولا طاعة)
تجب بل يحرم إذا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وفيه أن الامام إذا أمر بمندوب أو مباح وجب
قال المطهر يعني سمع كلام الحاكم وطاعته واجب على كل مسلم سواء أمره بما يوافق طبعه أو لم
يوافقه بشرط أن لا يأمره بمعصية فإن أمره بها فلا تجوز طاعته ولكن لا يجوز له محاربة الامام
وقال النووي في شرح مسلم قال جماهير أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين لا ينعزل
الامام بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق ولا يخلع ولا يجوز الخروج عليه لذلك بل يجب وعظه
وتخويفه للأحاديث الواردة في ذلك قال القاضي وقد ادعى أبو بكر بن مجاهد في هذا الاجماع
وقد رد عليه بعضهم هذا بقيام الحسن وابن الزبير وأهل المدينة على بني أمية وبقيام جماعة عظيمة
من التابعين والصدر الأول على الحجاج مع ابن الأشعث وتأول هذا القائل قوله أن لا تنازع
الأمر أهله في أئمة العدل وحجة الجمهور أن قيامهم على الحجاج ليس بمجرد الفسق بل ما غير
من الشرع وظاهر من الكفر قال القاضي وقيل إن هذا الخلاف كان أولا ثم حصل الاجماع
على منع الخروج عليهم انتهى
قوله: (وفي الباب عن علي وعمران بن حصين والحكم بن عمرو الغفاري) أما حديث
علي فأخرجه الشيخان وأبو داود وابن ماجة وأما حديث عمران بن حصين والحكم بن عمرو
الغفاري فأخرجه البزار قال الحافظ في الفتح وعند البزار في حديث عمران بن حصين
والحكم بن عمرو الغفاري لا طاعة في معصية الله وسنده قوي انتهى
298

قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن
ماجة كذا في الجامع الصغير
(باب ما جاء في كراهية التحريش)
بين البهائم والضرب والوسم في الوجه
قوله: (وعن قطبة بن عبد العزيز) بن سياه بكسر مهملة وبخفة مثناه تحتية وبهاء منونة
بالصرف وتركه الأسدي الكوفي صدوق من الثامنة (عن أبي يحيى) القتات الكوفي اسمه زاذان
وقيل دينار وقيل مسلم وقيل يزيد وقيل زبان وقيل عبد الرحمن لين الحديث من السادسة
قوله: (عن التحريش بين البهائم) هو الإغراء وتهييج بعضها على بعض كما يفعل بين
الجمال والكباش والديوك وغيرها ووجه النهي أنه إيلام للحيوانات وإلعاب لها بدون فائدة بل
مجرد عبث وحديث ابن عباس هذا أخرجه أبو داود
قوله: (هذا أصح من حديث قطبة) أي حديث سفيان المرسل أصح من حديث قطبة
المتصل لأن سفيان أحفظ وأتقن من قطبة
299

قوله: (وفي الباب عن طلحة وجابر وأبي سعيد وعكراش بن ذويب) أما حديث جابر
فأخرجه الترمذي في هذا الباب وله حديث اخر أخرجه أبو داود عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه بحمار قد
وسم في وجهه فقال أما بلغكم أني لعنت من وسم البهيمة في وجهها أو ضربها في وجهها فنهى
عن ذلك وأما حديث طلحة وأبي سعيد وعكراش بن ذويب فلينظر من أخرجه
قوله: (حدثنا روح) هو ابن عبادة
قوله: (نهى عن الوسم في الوجه) كله من السمة وهي العلامة بنحو كي فيحرم وسم
الادمي وكذا غيره في وجهه على الأصح ويجوز في غيره (والضرب) أي في الوجه من كل حيوان
محترم فيحرم ولو غير آدمي لأنه مجمع المحاسن ولطيف يظهر فيه أثر الضرب قال النووي وأما
الضرب في الوجه فمنهي عنه في كل الحيوان المحترم من الادمي والحمير والخيل والإبل والبغال
والغنم وغيرها لكنه في الادمي أشد لأنه مجمع المحاسن مع أنه لطيف لأنه يظهر فيه أثر الضرب
وربما شانه وربما أذى بعض الحواس قال وأما الوسم في الوجه فمنهي عنه بالإجماع وأما وسم
غير الوجه من غير الادمي فجائز بلا خلاف عندنا لكن يستحب في نعم الزكاة والجزية ولا
يستحب في غيرها ولا ينهي عنه انتهى باختصار
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم
(باب ما جاء في حد بلوغ الرجل ومتى يفرض له)
أي متى يقدر له من بيت المال رزق له
قوله: (حدثنا محمد بن وزير الواسطي حدثنا إسحاق بن يوسف عن سفيان) هو الثوري
300

كما صرح به الترمذي في اخر البا ب وتقدم هذا الحديث بسنده ومتنه في باب حد بلوغ الرجل
والمرأة من أبواب الأحكام وتقدم هناك شرحه
قوله: (ثم كتب أن يفرض لمن بلغ الخمس عشرة) وفي رواية البخاري في الشهادات
وكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة قال الحافظ أي يقدروا لهم رزقا في ديوان
الجند وكانوا يفرقون بين المقاتلة وغيرهم في العطاء وهو الرزق الذي يجمع في بيت المال ويفرق
على مستحقيه
(باب ما جاء فيمن يستشهد وعليه دين
قوله: (أنه أقام) أي واعظا (فيهم) أي في أصحابه (أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله
أفضل الأعمال) قال القاري الواو لمطلق الجمع ولعل فيه الإشارة إلى أن الجهاد مع الايمان
أفضل أعمال القلب ولا يشكل بما عليه الجمهور من أن الصلاة أفضل الأعمال لاختلاف
301

الحيثيتين فالصلاة أفضل لمداومتها والجهاد أفضل لمشقته لا سيما الجهاد يستلزم الصلاة وإلا لا
فضيلة له انتهى (أرأيت) أي أخبرني (إن قتلت في سبيل الله) أي استشهدت (يكفر) على بناء
المفعول والاستفهام مقدر أي أيمحو الله عني خطاياي (وأنت صابر) أي غير جزع (محتسب)
أي طالب للأجر والمثوبة لا للرياء والسمعة (مقبل) أي على العدو (غير مدبر) أي عنه وهو تأكيد
لما قبله وقال النووي لعله احتراز ممن يقبل في وقت ويدبر في وقت والمحتسب هو المخلص لله
تعالى فإن قاتل لعصبية أو لأخذ غنيمة أو لصيت أو نحو ذلك فليس له هذا الثواب ولا غيره (ثم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف قلت) فقال (أرأيت) أي قلت أرأيت أو معناه كيف قلت أعد
القول والسؤال فقال أرأيت (أيكفر عن خطاياي) بهمزة الاستفهام هنا أي يمحي (نعم وأنت
صابر) أي نعم إن قلت والحال أنك صابر (إلا الدين) استثناء منقطع ويجوز أن يكون متصلا أي
الدين الذي لا ينوي أداءه قاله القاري وقال التوربشتي أراد بالدين هنا ما يتعلق بذمته من
حقوق المسلمين إذ ليس الدائن أحق بالوعيد والمطالبة منه من الجاني والغاصب والخائن والسارق
وقال النووي فيه تنبيه على جميع حقوق الآدميين وأن الجهاد والشهادة وغيرهما من أعمال البر لا
يكفر حقوق الآدميين وإنما يكفر حقوق الله تعالى (فإن جبريل قال لي ذلك) أي إلا الدين قال
الطيبي فإن قلت كيف قال صلى الله عليه وسلم كيف قلت وقد أحاط بسؤاله علما وأجابه بذلك الجواب قلت
ليسأل ثانيا ويجيبه بذلك الجواب ويعلق به إلا الدين استدراكا بعد إعلام جبريل عليه السلام إياه
صلوات الله وسلامه عليه
قوله: (وفي الباب عن أنس ومحمد بن جحش وأبي هريرة) أما حديث أنس فأخرجه
الترمذي في باب ثواب الشهيد وأما حديث محمد بن جحش فأخرجه النسائي في التغليظ في
الدين والطبراني في الأوسط والحاكم وقال صحيح الاسناد وأما حديث أبي هريرة فلينظر من
أخرجه
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
302

(باب ما جاء في دفن الشهداء)
قوله: (حدثنا أزهر بن مروان البصري) الرقاشي بتخفيف القاف والشين المعجمة النواء
بنون وواو مثقلة لقبه فريخ بالخاء المعجمة صدوق من العاشرة (عن أيوب) هو ابن أبي تميمة
السختياني (عن حميد بن هلال) العدوي كنيته أبو نصر البصري ثقة عالم توقف فيه ابن سيرين
لدخوله عمل السلطان من الثالثة (عن أبي الدهماء) بفتح المهملة وسكون الهاء والمد اسمه قرفة
بكسر أوله وسكون الراء بعدها فاء ابن بهيس بموحدة ومصغرا العدوي بصري ثقة من الثالثة
(عن هشام بن عامر) بن أمية الأنصاري النجاري صحابي يقال كان اسمه أولا شهابا فغيره
النبي صلى الله عليه وسلم
قوله: (شكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجراحات يوم أحد) وفي رواية أبي داود جاءت الأنصار
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقالوا أصابنا قرح وجهد فكيف تأمرنا وفي رواية النسائي شكونا
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقلنا يا رسول الله الحفر علينا لكل إنسان شديد (فقال احفروا) بهمزة
وصل من باب ضرب (وأوسعوا) بقطع الهمزة (وأحسنوا) أي أحسنوا إلى الميت في الدفن قاله في
الأزهار وقال زين العرب تبعا للمظهر أي اجعلوا القبر حسنا بتسوية قعره ارتفاعا وانخفاضا
وتقيته من التراب والقذاة وغيرهما وزاد أبو داود في رواية النسائي وأعمقوا قال في القاموس
أعمق البئر جعلها عميقة وفيه دليل على مشروعية إعماق القبر وقد اختلف في حد الاعماق
فقال الشافعي قامه وقال عمر بن عبد العزيز إلى السرة وقال مالك لا حد لإعماقه
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عمر بن الخطاب أنه قال أعمقوا القبر إلى قدر قامة وبسطة
303

قاله في النيل (وادفنوا الاثنين والثلاثة) بالنصب أي من الأموات (في قبر واحد) فيه جواز الجمع
بين جماعة في قبر واحد ولكن إذا دعت إلى ذلك حاجة كما في مثل هذه الواقعة (وقدموا أكثرهم
قرانا) أي إلى جدار اللحد ليكون أقرب إلى الكعبة وفيه إشارة إلى تعظيم المعظم علما وعملا
حيا وميتا (فمات أبي) أي عامر وهو قول هشام (فقدم بين يدي رجلين) ولفظ النسائي وكان أبي
ثالث في قبر واحد
قوله: (وفي الباب عن خباب وجابر وأنس) أما حديث خباب فأخرجه أحمد في مسنده
وأما حديث جابر فأخرجه الترمذي في باب ترك الصلاة على الشهيد وأخرجه أيضا البخاري وأبو
داود والنسائي وابن ماجة وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي في باب قتلى أحد وذكره حمزة
وأخرجه أيضا أبو داود
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة
(باب ما جاء في المشورة)
قال في المجمع المشورة بضم معجمة وسكون واو بسكون معجمة وفتح واو لغتان
وقال في القاموس أشار إليه بكذا أمر به وهي الشورى والمشورة مفعلة لا مفعولة واستشار
طلب منه المشورة انتهى وقال الحافظ في الفتح المشورة بفتح الميم وضم المعجمة وسكون الواو
وبسكون المعجمة وفتح الواو لغتان والأولى أرجح انتهى
قوله: (عن أبي عبيدة) قال في التقريب أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود مشهور بكنيته
304

والأشهر أنه لا اسم له غيرها ويقال اسمه عامر كوفي ثقة من كبار الثالثة والراجح أنه لا يصح
سماعه من أبيه انتهى
قوله: (وجئ بالأسارى) بضم الهمزة جمع أسارى وهو جمع أسير (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما
تقولون في هؤلاء الأسارى وذكر قصة طويلة) كذا أورده الترمذي هذا الحديث عن عبد الله بن
مسعود مختصرا بغير ذكر القصة وأورده البغوي مطولا عنه قال لما كان يوم بدر وجئ بالأسارى
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تقولون في هؤلاء فقال أبو بكر يا رسول الله قومك وأهلك استبقهم
واستأن بهم لعل الله أن يتوب عليهم وخذ منهم فدية تكون لنا قوة على الكفار وقال عمر يا
رسول الله كذبوك وأخرجوك فدعهم نضرب أعناقهم مكن عليا من عقيل فيضرب عنقه ومكن
حمزة من العباس فيضرب عنقه ومكني من فلان نسيب لعمر فأضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة
الكفر وقال عبد الله بن رواحة يا رسول الله أنظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه ثم اضرمه
عليهم نارا فقال له العباس قطعت رحمك فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجيبهم ثم دخل
فقال ناس يأخذ بقول أبي بكر وقال ناس يأخذ بقول عمر وقال ناس يأخذ بقول ابن رواحة
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللين ويشد قلوب
رجال حتى تكون أشد من الحجارة وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال فمن تبعني فإنه مني
ومن عصاني فإنك غفور رحيم ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى قال إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن
تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ومثلك يا عمر مثل نوح قال رب لا تذر على الأرض من
الكافرين ديارا ومثلك يا عبد الله بن رواحة كمثل موسى قال ربنا اطمس على أموالهم واشدد
على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم أنتم عالة فلا يفلتن
أحد منهم إلا بفداء أو ضرب عنق قال عبد الله بن مسعود إلا سهيل بن بيضاء فإني سمعته
يذكر الاسلام فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع على الحجارة من
السماء من ذلك اليوم حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سهيل بن بيضاء قال ابن عباس قال عمر بن
الخطاب فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت وأخذ منهم الفداء فلما كان من
الغد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدان يبكيان فقلت يا رسول الله أخبرني من أي شئ
تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكى على أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض على عذابهم أدنى من هذه
305

الشجرة لشجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل عليه ما كان لنبي أن يكون له
أسرى حتى يثخن في الأرض الآية
وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يشاور أصحابه قال الله تعالى وشاورهم في الأمر فإذا عزمت
فتوكل على الله وقال وأمرهم شورى بينهم
واختلفوا في أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم أن يشاور أصحابه فقالت طائفة في مكائد
الحروب وعند لقاء العدو تطييبا لنفوسهم وتأليفا لهم على دينهم وليروا أنه يسمع منهم ويستعين
بهم وإن كان العدو الله أغناه عن رأيهم بوحيه روى هذا عن قتادة والربيع وابن وإسحاق وقالت
طائفة فيما لم يأته وحي ليبين صواب الرأي وروى عن الحسن والضحاك قالا ما أمر الله نبيه
بالمشاورة لحاجته إلى رأيهم وإنما أراد أن يعلم ما في المشورة من الفضل وقال آخرون إنما أمر
بها مع غناه عنهم لتدبيره تعالى له وسياسته إياه ليستن به من بعده ويقتدوا به فيما ينزل بهم من
النوازل وقال الثوري وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستشارة في غير موضع استشارة أبا بكر وعمر
رضي الله عنهما في أسارى بدر وأصحابه يوم الحديبية
قوله: (وفي الباب عن عمر وأبي أيوب وأنس وأبي هريرة) أما حديث عمر فأخرجه مسلم
في باب الامداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم وأخرجه أبو داود في باب فداء الأسير
بالمال وأما حديث أبي أيوب وحديث أنس فلينظر من أخرجهما وأما حديث أبي هريرة فأخرجه
الترمذي في أثناء حديث في باب معيشة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
قوله: (هذا حديث حسن) تحسينه لشواهده وإلا فهو منقطع كما صرح به الترمذي بعد
(ويروى عن أبي هريرة قال ما رأيت أحدا أكثر مشورة الخ) قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا
الحديث رجاله ثقات إلا أنه منقطع
306

(باب ما جاء لا تفادي جيفة الأسير)
الجيفة جثة الميت إذا أنتن قاله في النهاية والمراد أنه لا تباع ولا تبادل جثة الأسير بشئ من
المال
قوله: (حدثنا سفيان) هو الثوري (عن ابن أبي ليلى) اسمه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى
(عن الحكم) هو ابن عتيبة
قوله: (فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم) فيه دليل على أنه لا يجوز بيع جيفة المشرك وإنما لا يجوز
بيعها وأخذ الثمن فيها لأنها ميتة لا يجوز تملكها ولا أخذ عوض عنها وقد حرم الشارع ثمنها وثمن
الأصنام في حديث جابر وقد عقد البخاري في صحيحه بابا بلفظ طرح جيف المشركين في البئر
ولا يؤخذ لهم ثمن وذكر فيه حديث ابن مسعود في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على أبي جهل بن هشام وغيره
من قريش وفيه فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر فألقوا في بئر
قال الحافظ قوله ولا يؤخذ لهم ثمن أشار به إلى حديث ابن عباس أن المشركين أرادوا
أن يشتروا جسد رجل من المشركين فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم أخرجه الترمذي وغيره وذكر ابن
إسحاق في المغازي أن المشركين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم جسد نوفل بن عبد الله بن المغيرة
وكان اقتحم الخندق فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا حاجة لنا بثمنه ولا جسده فقال ابن هشام بلغنا عن
الزهري أنهم بذلوا فيه عشرة آلاف وأخذه من حديث الباب من جهة أن العادة تشهد أن أهل
قتلى بدر لو فهموا أنه يقبل منهم فداء أجسادهم لبذلوا فيها ما شاء الله فهذا شاهد لحديث ابن
عباس وإن كان إسناده غير قوي انتهى
قوله: (ابن أبي ليلى لا يحتج بحديثه الخ) قال الحافظ في التقريب محمد بن عبد الرحمن بن
أبي ليلى الأنصاري الكوفي القاضي أبو عبد الرحمن صدوق سئ الحفظ جدا من السابعة انتهى
307

(قال فقهاؤنا ابن أبي ليلى) قال الحافظ في تهذيب التهذيب قال عبد الله بن أحمد عن أبيه كان
سيئ الحفظ مضطرب الحديث كان فقه ابن أبي ليلى أحب إلينا من حديثه وقال أبو حاتم عن
أحمد بن يونس ذكره زائدة فقال كان أفقه أهل الدنيا (وعبد الله بن شبرمة) بضم المعجمة
وسكون الموحدة وضم الراء ابن الطفيل بن حسان الضبي أبو شبرمة الكوفي القاضي ثقة فقيه من
الخامسة قاله الحافظ في التقريب وقال في تهذيب التهذيب كان الثوري إذا قيل له من مفتيكم
يقول ابن أبي ليلى وابن شبرمة وكان ابن شبرمة عفيفا حازما عاقلا فقيها يشبه النساك ثقة في
الحديث شاعرا حسن الخلق جوادا وقال محمد بن فضيل عن أبيه كان ابن شبرمة ومغيرة
والحارث العكلي والقعقاع بن يزيد وغيرهم يسمرون في الفقه فربما لم يقوموا إلى الفجر وقال ابن
حبان كان ابن شبرمة من فقهاء أهل العراق
(باب ما جاء في الفرار من الزحف)
أي من الجهاد ولقاء العدو في الحرب والزحف الجيش يزحفون إلى العدو أي يمشون يقال
زحف إليه زحفا إذا مشى نحوه كذا في النهاية
قوله: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية) قال في النهاية السرية طائفة من الجيش يبلغ
أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو وجمعها السرايا سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر
وخيارهم من الشئ السري النفيس وقيل سموا بذلك لأنهم ينفذون سرا وخفية وليس بالوجه
لأن لام السر راء وهذه باء انتهى (فحاص الناس) بإهمال الحاء والصاد أي جالوا جولة يطلبون
الفرار قاله في النهاية وفي المرقاة للقاري أي مالوا عن العدو ملتجئين إلى المدينة ومنه قوله تعالى
ولا يجدون عنها محيصا أي مهربا ويؤيد هذا المعنى قول الجوهري حاص عنه عدل وحاد
308

وفي الفائق حاص حيصة أي انحرف وانهزم انتهى (فاختبأنا بها) أي في المدينة حياء وفي
بعض النسخ فاختفيا بها (وقلنا) أي في أنفسنا أو لبعضنا (هلكنا) أي عصينا بالفرار ظنا منهم أن
مطلق الفرار من الكبائر وفي رواية أبي داود فحاص الناس حيصة فكنت فيمن حاص فلما
برزنا قلنا كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب فقلنا ندخل المدينة فنثبت فيها
لنذهب ولا يرانا أحد قال فدخلنا فقلنا لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كانت لنا
توبة أقمنا وإن كان غير ذلك ذهبنا قال فجلسنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر فلما خرج قمنا
إليه فقلنا نحن الفرارون الخ (قال بل أنتم العكارون) أي أنتم العائدون إلى القتال والعاطفون
يقال عكرت على الشئ إذا عطفت عليه وانصرفت إليه بعد الذهاب عنه قال الأصمعي رأيت
أعرابيا يفلي ثيابه فيقتل البراغيث ويترك القمل فقلت لم تصنع هذا قال أقتل الفرسان ثم أعكر
على الرجالة (وأنا فئتكم) في النهاية الفئة الجماعة من الناس في الأصل والطائفة التي تقوم وراء
الجيش فإن كان عليهم خوف أو هزيمة التجأوا إليه انتهى وفي الفائق ذهب النبي صلى الله عليه وسلم في
قوله وأنا فئتكم إلى قوله تعالى أو متحيزا إلى فئة يمهد بذلك عذرهم في الفرار أي
تحيزتم إلي فلا حرج عليكم
قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه أبو داود وابن ماجة
(باب)
قوله: (عن الأسود بن قيس) العبدي ويقال البجلي الكوفي يكنى أبا قيس ثقة من الرابعة
(سمعت نبيحا العنزي) قال في التقريب نبيح بمهملة مصغرا ابن عبد الله العنزي بفتح المهملة
والنون ثم زاي أبو عمر الكوفي مقبول من الثالثة انتهى
309

قوله: (جاءت عمتي) عمة جابر هذه فاطمة بنت عمرو بن حرام الأنصاري كما في المرقاة
(بأبي) الباء للتعدية (لتدفنه في مقابرنا) أي في المدينة (ردوا القتلى) جمع القتيل وهو المقتول أي
الشهداء (وإلى مضاجعها) أي مقاتلهم والمعنى لا تنقلوا الشهداء من مقتلهم بل ادفنوهم حيث
قتلوا قال القاري وكذا من مات في موضع لا ينقل إلا بلد آخر قال بعض علمائنا وقال في
الأزهار الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم ردوا القتلى للوجوب وذلك أن نقل الميت من موضع إلى موضع
يغلب فيه التغير حرام وكان ذلك زجرا عن القيام بذلك والإقدام عليه وهذا أظهر دليل وأقوى
حجة في تحريم النقل وهو التصحيح نقله السيد والظاهر أن نهي النقل مختص بالشهداء لأنه نقل
ابن أبي وقاص من قصره إلى المدينة بحضور جماعة من الصحابة ولم ينكروا والأظهر أن يحمل
النهي على نقلهم بعد دفنهم لغير عذر ويؤيده لفظ مضاجعهم ولعل وجه تخصيص الشهداء
قوله تعالى قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وفيه حكمة
أخرى وهو اجتماعهم في مكان واحدة حياة وموتا وبعثا وحشرا ويتبرك الناس بالزيارة إلى
مشاهدهم ويكون وسيلة إلى زيارة جبل أحد حيث قال عليه الصلاة والسلام أحد جبل يحبنا
ونحبه انتهى كلام القاري
وقال الحافظ في الفتح اختلف في جواز نقل الميت من بلد إلى بلد فقيل يكره لما فيه من
تأخير دفنه وتعريضه لهتك حرمته وقيل يستحب والأولى تنزيل ذلك على حالتين فالمنع حيث لم
يكن هناك غرض راجح كالدافن في البقاع الفاضلة وتختلف الكراهة في ذلك فقد تبلغ التحريم
والاستحباب حيث يكون ذلك بقرب مكان فاضل كما نص الشافعي على استحباب نقل الميت
إلى الأرض الفاضلة كمكة وغيرها والله أعلم انتهى
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والدارمي
(باب ما جاء في تلقي الغائب إذا قدم
قوله: (لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك) أي من غزوة تبوك وهي مكان معروف وهو نصف
310

طريق المدينة إلى دمشق ويقال بين المدينة وبينها أربع عشرة مرحلة والمشهور فيها عدم الصرف
للتأنيث والعلمية ومن صرفها أراد الموضع كذا في الفتح قوله (يتلقونه إلى ثنية الوداع) موضع بالمدينة
سميت بها لأن من سافر كان يودع ثمة ويشرع إليها والثنية ما ارتفع من الأرض وقيل الطريق في
الجبل (فخرجت مع الناس وأنا غلام) وفي رواية البخاري خرجت مع الغلمان إلى ثنية الوداع
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري في باب استقبال الغزاة وغيره
وأخرجه أبو داود في الجهاد
(باب ما جاء في الفئ)
قال الجزري في النهاية الفئ ما حصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا
جهاد وأصل الفئ الرجوع يقال فاء يفئ وفيوءا كأنه كان في الأصل لهم فرجع إليهم
ومنه قيل للظل الذي يكون بعد الزوال فئ لأنه يرجع من جانب الغرب إلى جهة المشرق وقال
الغنيمة ما أصيب من أموال أهل الحرب وأوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب يقال غنمت
أغنم غنما وغنيمة والغنائم جمعها والمغانم جمع مغنم والغنم بالضم الاسم وبالفتح المصدر
والغانم أخذ الغنيمة والجمع الغانمون انتهى
قوله: (عن مالك بن أوس بن الحدثان) بفتح المهملة والمثلثة النصري بالنون المدني له رؤية
وروى عن عمر قاله في التقريب (مما لم يوجف المسلمون عليه) في النهاية الايجاف سرعة السير
وقد أوجف دابته يوجفها إيجافا إذا حثها انتهى (بخيل ولا ركاب) قال في القاموس الركاب
ككتاب الإبل واحدتها راحلة ج ككتب وركابات وركائب انتهى (فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصا)
كذا في نسخ الترمذي بالتذكير وفي رواية للبخاري خالصة بالتأنيث وهو الظاهر وفي رواية
311

أخرى له خاصة (ثم يجعل ما بقي في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله) الكراع بالضم اسم
لجميع الخيل كذا في النهاية والعدة ما أعد للحوادث أهبة وجهازا للغزو وقال الحافظ وهذا لا
يعارض حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة على شعير لأنه يجمع بينهما بأنه كان يدخر لأهله
قوت سنتهم ثم في طول السنة يحتاج لمن يطرقه إلى إخراج شئ منه فيخرجه فيحتاج إلى أن يعوض
من يأخذ منها عوضة فلذلك استدان انتهى وقال السيوطي لا يعارضه خبر أنه كان لا يدخر شيئا
لغد لأن الادخار لنفسه وهذا لغيره وقال النووي في هذا الحديث جواز ادخار قوت سنة وجواز
الادخار للعيال وأن هذا لا يقدح في التوكل وأجمع العلماء على جواز الادخار فيما يستغله الانسان
من قريته كما جرى للنبي صلى الله عليه وسلم وأما إذا أراد أن يشتري من السوق ويدخره لقوت عياله فإن كان في
وقت ضيق الطعام لم يجز بل يشتري على المسلمين كقوت أيام أو شهر وإن كان في
وقت اشترى سنة وأكثر هكذا نقل القاضي هذا التفصيل عن أكثر العلماء وعن قوم
إباحته مطلقا انتهى
واختلف العلماء في مصرف الفئ فقال مالك الفئ والخمس سواء يجعلان في بيت المال
ويعطي الإمام أقارب النبي صلى الله عليه وسلم بحسب اجتهاده وفرق الجمهور بين خمس الغنيمة وبين الفئ
فقالوا الخمس موضوع فيما عينه الله فيه من أصناف المسلمين في آية الخمس من سورة الأنفال لا
يتعدى به إلى غيرهم وأما الفئ فهو الذي يرجع النظر في مصرفه إلى رأي الامام بحسب
المصلحة وانفرد الشافعي كما قال ابن المنذر وغيره بأن الفئ يخمس وأن أربعة أخماسه للنبي صلى الله عليه وسلم
وله خمس الخمس كما في الغنيمة وأربعة أخماس الخمس لمستحق نظيرها من الغنيمة وقال
الجمهور مصرف الفئ كله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتجوا بقول عمر فكانت هذه
لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة وتأول الشافعي قول عمر المذكور بأنه يريد الأخماس الأربعة كذا في
الفتح
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي
312

(أبواب اللباس عن الرسول صلى الله عليه وسلم)
(باب ما جاء في الحرير والذهب للرجال)
قوله: (حرم لباس الحرير والذهب) بالرفع عطف على لباس الحرير (على ذكور أمتي)
والذكور بعمومه يشمل الصبيان أيضا لكنهم حيث لم يكونوا من أهل التكليف حرم على من
ألبسهم والمراد بالذهب حلية وإلا فالأولى من الذهب والفضة حرام على الذكور والإناث
وكذا حلي الفضة مختص بالنساء إلا ما استثني للرجال من الخاتم وغيره (وأحل) أي ما ذكر أو كل
منهما لإناثهم بكسر الهمزة أي لإناث أمتي
قوله: (وفي الباب عن عمر وعلي وعقبة بن عامر وأم هانئ وأنس وحذيفة وعبد الله بن
عمرو وعمران بن حصين وعبد الله بن الزبير وجابر وأبي ريحانة وابن عمر والبراء) أما حديث
عمر وأنس وابن الزبير فأخرجه الشيخان ففي المشكاة وعن عمر وأنس وابن الزبير وأبي أمامة عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة متفق عليه انتهى وأما حديث علي
313

رضي الله عنه فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ
حريرا فجعله في يمينه وأخذ ذهبا فجعله في شماله ثم قال إن هذين حرام على ذكور أمتي وأما
حديث عقبة بن عامر فأخرجه الشيخان وأما حديث أم هانئ فأخرجه أحمد وأما حديث حذيفة
والبراء فأخرجه الجماعة وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه ابن ماجة والبزار وأبو يعلى
والطبراني وفي إسناده الإفريقي وهو ضعيف وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه أحمد وأبو
داود وأما حديث جابر فأخرجه أحمد وأما حديث أبي ريحانة فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي
وأما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان عنه قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يلبس الحرير في الدنيا
من لا خلاق له في الآخرة
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم وصححه
والطبراني وفي إسناده سعيد بن أبي هند عن أبي موسى قال أبو حاتم إنه لم يلفه وقال الدارقطني
في العلل لم يسمع سعيد بن أبي هند من أبي موسى وقال ابن حبان في صحيحه حديث
سعيد بن أبي هند عن أبي موسى معلول لا يصح وقد روي من طريق يحيى بن سليم عن
عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ذكر ذلك الدارقطني في العلل قال والصحيح عن
نافع عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى وقد اختلف فيه على نافع فرواه أيوب وعبيد الله بن
عمر عن نافع عن سعيد مثله ورواه عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن سعيد عن رجل عن
أبي موسى كذا في النيل
قوله: (عن سويد بن غفلة) بفتح المعجمة والفاء كنيته أبو أمية الجعفي مخضرم من كبار
التابعين قدم المدينة يوم دفن النبي صلى الله عليه وسلم وكان مسلما في حياته ثم نزل الكوفة ومات سنة ثمانين وله
مائة وثلاثون سنة كذا في التقريب
قوله: (بالجابية) بالجيم وكسر الموحدة مدينة بالشام إلا موضع (إصبعين) أي مقدار
إصبعين (أو ثلاث أو أربع) أو ههنا للتنويع والتخيير وفيه دلالة على إباحة العلم من الحرير في
الثوب إذا لم يزد على أربع أصابع وعليه الجمهور قال قاضي خان روى بشر عن أبي يوسف
عن أبي حنيفة أنه لا بأس بالعلم من الحرير في الثوب إذا كان أربع أصابع أو دونها ولم يحك فيها
314

خلافا كذا قال القاري في المرقاة وقال النووي في شرح مسلم في هذه الرواية بإباحة العلم من
الحرير في الثوب إذا لم يزد على أربع أصابع وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور وعن مالك رواية
بمنعه وعن بعض أصحابه بإباحة العلم بلا تقدير بأربع أصابع بل قال يجوز وإن عظم
وهذان القولان مردودان بهذا الحديث الصريح والله تعالى أعلم انتهى وقال الحافظ في فتح الباري
وفيه حجة لمن أجاز لبس العلم من الحرير إذا كان في الثوب وخصه بالقدر المذكور وهو أربع
أصابع وهذا هو الأصح عند الشافعية وفيه حجة على من أجاز العلم في الثوب مطلقا ولو زاد
على أربعة أصابع وهو منقول عن بعض المالكية وفيه حجة على من منع العلم في الثوب مطلقا
وهو ثابت عن الحسن وابن سيرين وغيرهما ولكن يحتمل أن يكونوا منعوه ورعا وإلا فالحديث
حجة عليهم فلعلهم لم يبلغهم انتهى
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم قال النووي هذا الحديث مما
استدركه الدارقطني على مسلم وقال لم يرفعه عن الشعبي إلا قتادة وهو مدلس ورواه شعبة عن
أبي السفر عن الشعبي من قول عمر موقوفا ورواه بيان وداود ابن أبي هند عن الشعبي
عن سويد عن عمر موقوفا عليه وكذا قال شعبة عن الحكم عن خيثمة عن سويد وقاله ابن عبد الأعلى عن
سويد وأبو حصين عن إبراهيم عن سويد هذا كلام الدارقطني وهذه الزيادة في هذه الرواية
انفرد بها مسلم لم يذكرها البخاري وقد قدمنا أن الثقة إذا انفرد برفع ما وقفه الأكثرون كان
الحكم لروايته وحكم بأنه مرفوع على الصحيح الذي عليه الفقهاء والأصوليون ومحققو المحدثين
وهذا من ذاك والله أعلم انتهى
قلت: لم يجب النووي عن تدليس قتادة إلا أنه قال في مقدمة
شرحه إعلم أن ما في
الصحيحين عن المدلسين بعن ونحوهما فمحمول على ثبوت السماع من جهة أخرى وقد جاء كثير
منه في الصحيحين بالطريقين جميعا فيذكر رواية المدلس بعن ثم يذكرها بالسماع ويقصد به هذا
المعنى الذي ذكرته انتهى
(باب ما جاء في لبس الحرير في الحرب)
قوله (شكيا القمل) قال في الصراح قمل سبس قملة يكى انتهى (فرخص لهما في قمص
315

الحرير) بضم القاف والميم جمع قميص وفي رواية الشيخين رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير
وعبد الرحمن بن عوف في لبس الحرير لحكة بهما ورجح ابن التين الرواية التي فيها الحكة وقال
لعل أحد الرواة تأولها فأخطأ وجمع الداودي باحتمال أن يكون إحدى العلتين بأحد الرجلين وقال
ابن العربي قد ورد أنه أرخص لكل منها فافراد يقتضي أن لكل حكمة قال الحافظ في الفتح
ويمكن الجمع بأن الحكة حصلت من القمل فنسبت العلة تارة إلى السبب وتارة إلى سبب السبب
انتهى
وقد ترجم الامام البخاري في صحيحه باب الحرير في الحرب وروى فيه حديث الباب عن
خمس طرق وفي بعضها أن عبد الرحمن والزبير شكيا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعني القمل فأرخص لهما في
الحرير فرأيته عليهما في غزاة قال الحافظ في الفتح وأما تقييده بالحرب فكأنه أخذه من قوله
فرأيته عليهما في غزاة ووقع في رواية أبو داود في السفر من حكة وجعل الطبري جوازه في
الغزو مستنبطا من جوازه للحكة فقال الرخصة في لبسه بسبب الحكة أن من قصد بلبسه ما
هو أعظم من أذى الحكة كدفع سلاح العدو ونحو ذلك فإنه يجوز وقد تبع الترمذي البخاري
فترجم له باب ما جاء في لبس الحرير في الحرب ثم المشهور عن القائلين بالجواز أنه لا يختص
بالسفر وعن بعض الشافعية يختص وقال القرطبي الحديث حجة على من منع إلا أن يدعي
الخصوصية بالزبير وعبد الرحمن ولا تصح تلك الدعوى قال الحافظ قد جنح إلى ذلك عمر
فروى ابن عساكر من طريق ابن عوف عن ابن سيرين أن عمر رأى على خالد بن الوليد قميص
حرير فقال ما هذا فذكر له خالد قصة عبد الرحمن بن عوف فقال وأنت مثل عبد الرحمن
أو لك مثل ما لعبد الرحمن ثم أمر من حضره فمزقوه ورجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا
وقد اختلف السلف في لباسه فمنع مالك وأبو حنيفة مطلقا وقال الشافعي وأبو يوسف
بالجواز للضرورة وحكى ابن حبيب عن ابن الماجشون أنه يستحب في الحرب وقال المهلب
لباسه في الحرب رهاب العدو وهو مثل الرخصة في الاحتيال في الحرب ووقع في كلام النووي
تبعا لغيره أن الحكمة في لبس الحرير للحكة لما فيه من البرودة وتعقب بأن الحرير حار فالصواب
أن الحكمة فيه لخاصة فيه لدفع ما تنشأ عنه الحكة كالقمل انتهى كلام الحافظ
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة
316

(باب)
قوله: (حدثنا واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ) الأنصاري الأشهلي أبو عبد الله المدني ثقة
من الرابعة
قوله: (فبكى) أي أنس (وقال إنك لشبيه بسعد) أي سعد بن معاذ (وإن سعدا) أي بن
معاذ (كان من أعظم الناس) أي رتبة (وأطول) أي جسما (وإنه بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم جبة من ديباج
منسوج فيها الذهب) الضمير في أنه للشأن وبعث بصيغة المجهول وجبة بالرفع نائب لفاعل
ومنسوج بالرفع على أنه صفة لجبة والذي بعثها هو أكيدر دومة كما يدل عليه رواية أحمد فإنه
روى في مسنده عن أنس عن مالك رضي الله عنه أن أكيدر دومة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم جبة سندس
أو ديباج قبل أن ينهى عن الحرير فلبسها فتعجب الناس عنها فقال والذي نفسي بيده لمناديل
سعد بن معاذ في الجنة أحسن منها (فلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم) كان هذا قبل النهي عن الحرير كما في
رواية أحمد المذكورة (فقام أو قعد) فشك من الراوي أي قام على المنبر أو جلس عليه (لمناديل
سعد) جمع منديل بكسر الميم ما يحمل في اليد للوسخ والامتهان (خير مما ترون) يعني الجبة أشار
به إلى أن عظيم رتبته أي أدنى ثياب سعد بن معاذ الأوسي خير من هذه الجبة وخصه لكون منديله
كان من جنس ذلك الثوب لونا أو كان الحال يقتضي استمالة قلبه أو كان يحب ذلك الجنس أو
كان اللامسون المتعجبون من الأنصار كذا في المجمع
قوله: (وفي الباب عن أسماء بنت أبي بكر) أخرجه مسلم بلفظ أنها أخرجت جبة طيالسة
317

كسروانية لها لبنة ديباج وفرجيها مكفوفين بالديباج وقالت هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند
عائشة فلما قبضت قبضتها وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها فنحن نغسلها للمرضى نستشفي بها
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي
(باب ما جاء في الرخصة في الثوب الأحمر للرجال)
قوله: (ما رأيت من ذي لمة) بكسر اللام وتشديد الميم قال الجزري في النهاية الجمة من
شعر الرأس ما سقط على المنكبين واللمة من شعر الرأس دون الجمة سميت بذلك لأنها ألمت
بالمنكبين والوفرة من شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن (في حلة) قال في القاموس الحلة
بالضم إزار ورداء برد أو غيره ولا يكون حلة إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة انتهى وقال النووي
الحلة هي ثوبان إزار ورداء قال أهل اللغة لا تكون إلا ثوبين سميت بذلك لأن أحدهما يحل
على الاخر وقيل لا يكون الحلة إلا الثوب الجديد الذي يحل من طيه (حمراء) قال ابن الهمام
الحلة الحمراء عبارة عن ثوبين من اليمن فيها خطوط حمر وخضر لا أنه أحمر بحت وقال ابن
القيم غلط من ظن أنها كانت حمراء بحتا لا يخالطها غيرها وإنما الحلة الحمراء بردان يمانيان
منسوجان بخطوط حمر مع الأسود كسائر البرود اليمانية وهي معروفة بهذا الاسم باعتبار ما فيها من
الخطوط وإنما وقعت شبهة من لفظ الحلة الحمراء انتهى
قال الشوكاني: ولا يخافك أن الصحابي قد وصفها بأنها حمراء وهو من أهل اللسان
والواجب الحمل على المعنى الحقيقي وهو الحمراء البحت والمصير إلى المجاز أعني كون بعضها
أحمر دون بعض لا يحمل ذلك الوصف عليه إلا لموجب فإن أراد يعني ابن القيم أن ذلك معنى
الحلة الحمراء لغة فليس في كتب اللغة ما يشهد لذلك وإن أراد أن ذلك حقيقة شرعية فيها
فالحقائق الشرعية لا تثبت بمجرد الدعوى والواجب حمل مقالة ذلك الصحابي على لغة العرب
لأنها لسانه ولسان قومه فإن قال إنما فسرها بذلك التفسير للجمع بين الأدلة فمع كون كلامه آبيا
عن ذلك لتصريحه بتغليط من قال إنها الحمراء البحت لا ملجئ إليه مكان الجمع بدونه مع أن
318

حملة الحلة الحمراء على ما ذكر ينافي ما احتج به في أثناء كلامه من إنكاره صلى الله عليه وسلم على القوم الذين رأى
على رواحلهم أكسية فيها خطوط حمر وفيه دليل على كراهية ما فيه الخطوط وتلك الحلة كذلك
بتأويله انتهى (له شعر يضرب منكبيه) أي إذا تدلى شعره الشريف يبلغ منكبيه (بعيد ما بين
المنكبين) بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وروى مكبرا أو مصغرا أي عريض أعلى الظهر ووقع في
حديث أبي هريرة عند ابن سعد رحب الصدر (ليس بالقصير ولا بالطويل) أي المعيوبين
والحديث يدل على جواز لبس الثوب الأحمر للرجال ويدل على ذلك أيضا حديث أبي جحيفة عند
البخاري قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة حمراء من أدم الحديث وفيه وخرج النبي صلى الله عليه وسلم في
حلة حمراء مشمرا صلى إلى العنزة بالناس ركعتين الخ وحديث هلال بن عامر عن أبيه قال
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى يخطب على بغلة وعليه برد أحمر وعلي أمامه يعبر عنه أخرجه أبو داود
قال الحافظ في الفتح وإسناده حسن وللطبراني بسند حسن عن طارق المحاربي نحوه لكن قال
بسوق المجاز وحديث جابر عن البيهقي أنه كان له صلى الله عليه وسلم ثوب أحمر يلبسه في العيدين والجمعة
وروى ابن خزيمة في صحيحه نحوه بدون ذكر الأحمر وحديث بريدة قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأقبل الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان الحديث أخرجه أبو داود والترمذي
والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب ونقل المنذري تحسين الترمذي
وأقره
قال الشوكاني في النيل قد احتج بهذه الأحاديث من قال بجواز لبس الأحمر وهم الشافعية والمالكية
وغيرهم وقال الحافظ في الفتح جاء الجواز مطلقا عن علي وطلحة وعبد الله بن جعفر والبراء
وغير واحد من الصحابة وعن سعيد بن المسيب والنخعي والشعبي وأبي قلابة وأبي وائل وطائفة
من التابعين انتهى
وذهبت الحنفية إلى الكراهة واحتجوا بحديث عبد الله بن عمر وقال مر بالنبي صلى الله عليه وسلم رجل
وعليه ثوبان أحمران فسلم عليه فلم يرد عليه أخرجه الترمذي وأبو داود وقال الحافظ هو
حديث ضعيف الاسناد وإن وقع في بعض نسخ الترمذي أنه قال حديث حسن وقال المنذري
في إسناده أبو يحيى القتات وقد اختلف في اسمه فقيل عبد الرحمن بن دينار وقيل زاذان وقيل
عمران وقيل مسلم وقيل زياد وهو كوفي لا يحتج بحديثه وقال أبو بكر البزار
هذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن عبد الله بن عمر ولا نعلم له طريقا إلا هذه الطريق
ولا نعلم رواه عن إسرائيل إلا إسحاق بن منصور
319

ومن أدلتهم حديث رافع بن خديج عند أبي داود قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر
فرأى على رواحلنا وعلى إبلنا أكسية فيها خطوط عهن حمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أرى هذه
الحمرة قد علتكم فقمنا سراعا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حنى نفر بعض إبلنا فأخذنا الأكسية فنزعناها
عنها وهذا الحديث لا تقوم به حجة لأن في إسناده رجلا مجهولا
ومن أدلتهم حديث أن امرأة من بني أسد قالت قلت يوما عند زينب امرأة
رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصبغ ثيابا لها بمغرة فبينا نحن كذلك إذا طلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى
المغرة رجع فلما رأت زينب علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كره ما فعلت فأخذت فغسلت ثيابها
ووارت كل حمرة ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع فاطلع فلما لم ير شيئا دخل أخرجه أبو داود وقال
الحافظ وفي سنده ضعف وقال المنذري في إسناده إسماعيل بن عياش وابنه محمد بن
إسماعيل بن عياش وفيهما مقال انتهى
ومن أقوى حججهم ما في صحيح البخاري من النهي عن المياثر الحمر وكذلك ما في سنن
أبي داود والنسائي وابن ماجة والترمذي من حديث علي قال نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس القسي
والميثرة الحمراء ولكنه لا يخفى عليك أن هذا الدليل أخص من الدعوى وغاية ما في ذلك تحريم
الميثرة الحمراء فما الدليل على تحريم ما عداها مع ثبوت لبس النبي صلى الله عليه وسلم له مرات
ومن أصرح أدلتهم حديث رافع بن برد أو رافع بن خديج كما قال ابن قانع مرفوعا بلفظ من
أن الشيطان يحب الحمرة فإياكم والحمرة وكل ثوب ذي شهرة أخرجه الحاكم في الكني وأبو نعيم في
المعرفة وابن قانع وابن السكن وابن منده وابن عدي ويشهد له ما أخرجه الطبراني عن عمران بن
حصين مرفوعا بلفظ إياكم والحمرة فإنها أحب الزينة إلى الشيطان وأخرج نحوه عبد الرزاق
من حديث الحسن مرسلا قال الشوكاني وهذا إن صح كان أنص أدلتهم على المنع ولكنك قد
عرفت لبسه صلى الله عليه وسلم للحلة الحمراء في غير مرة ويبعد منه صلى الله عليه وسلم أن يلبس ما حذرنا
من لبسه معللا ذلك بأن الشيطان يحب الحمرة ولا يصح أن يقال ههنا فعله لا يعارض القول
الخاص بنا كما صرح بذلك أئمة الأصول لأن تلك العلة مشعرة بعدم اختصاص الخطاب بنا إذ
تجنب ما يلابسه الشيطان هو صلى الله عليه وسلم أحق الناس به
فإن قلت: فما الراجح إن صح ذلك الحديث
قلت: قد تقرر في الأصول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا فعل فعلا لم يصاحبه دليل
خاص يدل على التأسي به فيه كان مخصصا له عن عموم القول الشامل له بطريق الظهور فيكون
320

لبس الأحمر مختصا به ولكن ذلك الحديث غير صالح للاحتجاج به كما صرح بذلك الحافظ وجزم
بضعفه لأنه من رواية أبي بكر الهذلي وقد بالغ الجوزقاني فقال باطل فالواجب البقاء على البراءة
الأصلية المعتضدة بأفعاله الثابتة في الصحيح لا سيما مع ثبوت لبسه لذلك بعد حجة الوداع ولم
يلبث بعدها إلا أياما يسيرة
واحتجوا أيضا بالأحاديث الواردة في تحريم المصبوغ بالعصفر قالوا لأن العصفر يصبغ
صباغا أحمر وهي أخص من الدعوى وستعرف أن الحق أن ذلك النوع من الأحمر لا يحل لبسه
وقد احتج من قال بتحريم لبس الأحمر للرجال بهذه الأحاديث وقد عرفت أنه لا يصلح واحد
منها للاحتجاج
وقد ذكر الحافظ في هذه المسألة سبعة أقوال الأول الجواز مطلقا والثاني المنع مطلقا
والثالث يكره لبس الثوب المشبع بالحمرة ما كان صبغه خفيفا جاء ذلك عن عطاء وطاؤس
ومجاهد وكان الحجة فيه حديث ابن عمر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المفدم أخرجه ابن ماجة
والمفدم بالفاء وتشديد الدال وهو المشبع بالعصفر فسره في الحديث والرابع يكره لبس الأحمر
مطلقا لقصد الزينة والشهرة ويجوز في البيوت والمهنة جاء ذلك عن ابن عباس والخامس يجوز
لبس ما كان صبغ غزله ثم نسج ويمنع ما صبغ بعد النسج جنح إلى ذلك الخطابي واحتج بأن
الحلة الواردة في الأخبار الواردة في لبسه صلى الله عليه وسلم الحلة الحمراء إحدى حلل اليمن وكذلك البرد الأحمر
وبرود اليمن يصبغ غزلها ثم ينسج والسادس اختصاص النهي بما يصبغ بالعصفر لورود النهي
عنه ولا يمنع ما صبغ بغيره من الأصباغ قال الحافظ ويعكر عليه حديث المغرة المتقدم والسابع
تخصيص المنع بالثوب الذي يصبغ كله وأما ما فيه لون آخر غير الأحمر من بياض وسواد وغيرهما
فلا وعلى ذلك تحمل الأحاديث الواردة في الحلة الحمراء فإن الحلل اليمانية غالبا تكون ذات
خطوط حمر وغيرها وقال الطبري بعد أن ذكر غالب هذه الأقوال الذي أراه جواز لبس الثياب
المصبغة بكل لون إلا أني لا أحب لبس ما كان مشبعا بالحمرة ولا لبس الأحمر مطلقا ظاهرا فوق
الثياب لكونه ليس من لباس أهل المروءة في زماننا فإن مراعاة زي الزمان من المروءة ما لم يكن
إثما وفي مخالفته الزي ضرب من الشهرة وهذا يمكن أن يلخص منه قول ثامن انتهى كلام
الحافظ
قلت: الراجح عندي من هذه الأقوال هو القول السادس وأما قول الحافظ ويعكر عليه
حديث المغرة المتقدم ففيه أن في سنده ضعفا كما صرح به الحافظ نفسه وقال المنذري في إسناده
321

إسماعيل بن عياش وابنه محمد بن إسماعيل بن عياش وفيهما مقال انتهى هذا ما عندي والله تعالى
أعلم
قوله: (وفي الباب عن جابر بن سمرة وأبي رمثة وأبي جحيفة) أما حديث جابر بن سمرة
فأخرجه الترمذي في باب الرخصة في لبس الحمرة للرجال من أبواب الأدب وأما حديث أبي رمثة
فلينظر من أخرجه وأما حديث أبي جحيفة فأخرجه البخاري في باب الصلاة في الثوب الأحمر وفي
عدة أبواب من صحيحه
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة
(باب ما جاء في كراهية المعصفر للرجال)
قوله: (عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين) الهاشمي مولاهم المدني (عن أبيه) أي
عبد الله بن حنين الهاشمي مولاهم مدني ثقة من الثالثة
قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس القسي) بفتح القاف وكسر السين المهملة المشددة على
الصحيح قال أهل اللغة وغريب الحديث هي ثياب مضلعة بالحرير تعمل بالقس بفتح القاف
موضع من بلاد مصر على ساحل البحر قريب من التنيس وقيل إنها منسوبة إلى القز وهو ردئ
الحرير فأبدلت الزاي سينا (والمعصفر) هو المصبوغ بالعصفر كما في كتب اللغة وشروح الحديث
والعصفر يصغ صباغا أحمر
والحديث دليل على تحريم لبس المعصفر للرجال لأن الأصل في النهي التحريم قال
الشوكاني في النيل الراجح تحريم الثياب المعصفرة والعصفر وإن كان يصبغ صبغا أحمر كما قال
ابن القيم فلا معارضة بينه وبين ما ثبت في الصحيحين من أنه صلى الله عليه وسلم كان يلبس حلة حمراء لأن النهي
322

في هذه الأحاديث يتوجه إلى نوع خاص من الحمرة وهي الحمرة الحاصلة عن صباغ العصفر
انتهى
وقد عقد الترمذي في أبواب الآداب بابا أيضا بلفظ باب ما جاء في كراهية لبس المعصفر
للرجال وأورد فيه حديث عبد الله بن عمرو أنه قال مر رجل وعليه ثوبان أحمران فسلم على
النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم السلام ثم قال ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم أنه كره
لبس المعصفر ورأوا أن ما صبغ بالحمرة بالمدر أو غير ذلك فلا بأس به إذا لم يكن معصفرا انتهى
قوله: (وفي باب عن أنس وعبد الله بن عمرو) أما حديث أنس فلينظر من أخرجه وأما
حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه فأخرجه مسلم عنه قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثوبين
معصفرين فقال إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها وفي الرواية الأخرى قال رأى
رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال أمك أمرتك بهذا قلت أغسلهما قال بل
أحرقهما وفي الباب أيضا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
من ثنية فالتفت إلي زعلي ريطة مضرجة بالعصفر فقال ما هذا فعرفت ما كره فأتيت أهلي وهم
يسجرون تنورهم فقذفتها فيه ثم أتيته من الغد فقال يا عبد الله ما فعلت الريطة فأخبرته فقال
ألا كسوتها بعض أهلك أخرجه أحمد وكذلك أبو داود وابن ماجة وزاد فإنه لا بأس بذلك
للنساء
قوله: (حديث علي حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري وابن ماجة كذا في
المنتقى
(باب ما جاء في لبس الفراء)
بكسر الفاء جمع فرو وهو لبس كالجبة يبطن من جلود بعض الحيوانات كالأرانب والسمور
يقال له بالفارسية بوستين
قوله: (عن سيف بن هارون) البرجمي قال في النيل هو ضعيف متروك وقال في تهذيب
323

التهذيب في ترجمته روى له الترمذي وابن ماجة حديثا واحدا في السؤال عن الفراء والسمن
والجبن الحديث.
قوله: (عن السمن والجبن) كعتل هو لبن يجمد يقال له بالفارسية بنير (والفراء) قال
القاري بكسر الفاء والمد جمع الفراء مدا وقصرا وهو حمار الوحش قال القاضي وقيل
هو ههنا جمع الفرو الذي يلبس ويشهد له صنيع بعض المحدثين كالترمذي فإنه ذكره في باب لبس
الفرو وذكره ابن ماجة في باب السمن والجبن وقال بعض الشراح من علمائنا وقيل هذا غلط بل
جمع الفرو الذي يلبس وإنما سألوه عنها حذرا من صنيع أهل الكفر في اتخاذهم الفراء من جلود
الميتة من غير دباغ ويشهد له أن علماء الحديث أوردوا هذا الحديث في باب اللباس انتهى
(الحلال ما أحل الله) أي بين تحليله (في كتابه والحرام ما حرم الله) أي بين تحريمه (في كتابه) يعني
إما مبينا وإما مجملا بقوله وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا لئلا يشكل بكثير
من الأشياء التي صح تحريمها بالحديث وليس بصريح في الكتاب قال الشوكاني في النيل المراد
من هذه العبارة وأمثالها مما يدل على حصر التحليل والتحريم على الكتاب العزيز هو باعتبار اشتماله
على جميع الأحكام ولو بطريق العموم أو الإشارة أو باعتبار الأغلب لحديث إني أوتيت القرآن
ومثله معه وهو حديث صحيح انتهى (وما سكت) أي الكتاب (عنه) أي عن بيانه أو وما أعرض
الله عن بيان تحريمه وتحليله رحمة من غير نسيان (فهو مما عفا عنه) أي عن استعماله وأباح في أكله
وفيه أن الأصل في الأشياء الإباحة ويؤيده قوله تعالى هو الذي خلق لكم ما في الأرض
جميعا
تنبيه: إعلم أن بعض أهل العلم قد استدل على إباحة أكل التنباك وشرب دخانه بقوله
تعالى هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا وبالأحاديث التي تدل على أن الأصل في
الأشياء الإباحة قال القاضي الشوكاني في إرشاد السائل إلى أدلة المسائل بعد ما أثبت أن كل ما في
الأرض حلال إلا بدليل ما لفظه إذا تقرر هذا علمت أن هذه الشجرة التي سماها بعض الناس
التنباك وبعضهم التوتون لم يأت فيها دليل على تحريمها وليست من جنس المسكرات ولا من
السموم ولا من جنس ما يضر آجلا أو عاجلا فمن زعم حرام فعليه الدليل ولا يفسد مجرد
القال والقيل انتهى
324

قلت لا شك في أن الأصل في الأشياء الإباحة لكن بشرط عدم الاضرار وأما إذا
كانت مضرة في الأجل أو العاجل فكلا ثم كلا وقد أشار إلى ذلك الشوكاني رحمه الله بقوله ولا
من جنس ما يضر آجلا أو عاجلا وأكل التنباك وشرب دخانه بلا مرية وإضراره عاجلا ظاهر غير
خفي وإن كان فيه شك فليأكل منه وزن ربع درهم أو سدسه ثم لينظر كيف يدور رأسه
وتختل حواسه وتتقلب نفسه حيث لا يقدر أن يفعل شيئا من أمور الدنيا أو الدين بل لا يستطيع
أن يقوم أو يمشي وما هذا شأنه فهو مضر بلا شك فقول الشوكاني ولا من جنس ما يضر آجلا
أو عاجلا ليس بصحيح وإذا عرفت هذا ظهر لك أن إضراره عاجلا هو الدليل على عدم إباحة أكله
وشرب دخانه هذا ما عندي والله تعالى أعلم
قوله: (وفي الباب عن المغيرة) لينظر من أخرجه
قوله: (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن ماجة والحاكم في المستدرك وفي سنده سيف بن
هارون وهو ضعيف كما عرفت
(باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت
قوله: (ألا نزعتم جلدها ثم دبغتموه فاستمتعتم به) فيه دليل على أن جلود الميتة لا يجوز
الاستمتاع بها أي استمتاع كان إلا بعد الدباغ وأما قبل الدباغ فلا يجوز الانتفاع كالبيع وغيره
وهو القول الراجح المعول عليه ولم يقع في رواية البخاري والنسائي ذكر الدباغ فهي محمولة على
الرواية المقيدة بالدباغ
325

قوله (وفي الباب عن سملة بن المحبق) بضم وفتح حاء مهملة وشدة موحدة مكسورة
وبقاف والمحدثون يفتحون الباء كذا في المغني (وميمونة وعائشة) أما حديث سلمة بن المحبق
فأخرجه ابن حبان عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دباغ جلود الميتة طهورها وقد أخرج غير ابن
حبان هذا الحديث بألفاظ أخرى ذكرها صاحب السبل وأما حديث ميمونة فأخرجه مالك وأبو
داود والنسائي وغيرهم وفيه فقال لو أخذتم إهابها فقالوا إنها ميتة فقال يطهرها الماء
والقرظ وأما حديث عائشة الخمسة إلا الترمذي ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن ينتفع
بجلود الميتة إذا دبغت
قوله: (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا أن ابن ماجة قال فيه
عن ميمونة جعل من مسندها
قوله: (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي
وأحمد وإسحاق) وهو قول أبي حنيفة رحمه الله قال الإمام محمد رحمه الله في موطأه بعد ذكر
حديث إذا دبغ الإهاب فقد طهر وبهذا نأخذ إذا دبغ إهاب الميتة فقد طهر وهو ذكاته ولا بأس
بالانتفاع به ولا بأس ببيعه وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا رحمهم الله انتهى وقال بعض
أهل العلم إنه لا يطهر شئ من الجلود بالدباغ واستدلوا بحديث عبد الله بن عكيم الآتي وهو
حديث لا يصلح للاحتجاج كما ستعرف
قوله: (وعن عبد الرحمن بن وعلة) بفتح الواو وسكون المهملة المصري صدوق (أيما
326

إهاب) ككتاب الجلد أو ما لم يدبغ قاله في القاموس وفي الصحاح الإهاب الجلد ما لم يدبغ (دبغ)
بصيغة المجهول صفة الإهاب والدباغ بكسر الدال عبارة عن إزالة الرائحة الكريهة والرطوبات
النجسة باستعمال الأدوية أو بغيرها وقد أخرجه الإمام محمد في كتاب الآثار عن أبي حنيفة عن
حماد عن إبراهيم قال كل شئ يمنع الجلد من الفساد فهو دباغ (فقد طهر) أي ظاهره وباطنه
ويجوز استعماله في الأشياء اليابسة والمائعة ولا فرق بين مأكول اللحم وغيره
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وابن ماجة (وقال الشافعي أيما
إهاب دبغ فقد طهر إلا الكلب والخنزير) استدل الشافعي على استثناء الخنزير بقوله تعالى
فإنه رجس وجعل الضمير عائذا إلى المضاف إليه وقاس الكلب عليه بجامع النجاسة قال لأنه
لا جلد له قال الشوكاني متعقبا على الإمام الشافعي ما لفظه واحتجاج الشافعي بالآية على
إخراج الخنزير وقياس الكلب عليه لا يتم إلا بعد تسليم أن الضمير يعود إلى المضاف إليه دون
المضاف وأنه محل نزاع ولا أقل من الاحتمال إن لم يكن رجوعه إلى المضاف راجحا والمحتمل لا
يكون حجة على الخصم وأيضا لا يمتنع أن يقال رجسية الخنزير على تسليم شمولها لجميعه لحما
وشعرا وجلدا وعظما مخصصة بأحاديث الدباغ انتهى (وكره بعض أهل العلم من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم لبس جلود السباع وشددوا في لبسها والصلاة فيها) لحديث أبي المليح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
ينهى عن جلود السباع وزاد الترمذي في رواية أن تفترش وسيأتي في باب ما جاء في النهي عن
جلود السباع قال الشوكاني أما الاستدلال بأحاديث النهي عن جلود السباع على أن الدباغ لا
يطهر جلود السباع بناء على أنها مخصصة للأحاديث القاضية بأن الدباغ مطهر على العموم فغير
ظاهر لأن غاية ما فيها مجرد النهي عن الركوب عليها وافتراشها ولا ملازمة بين ذلك وبين النجاسة
كما لا ملازمة بين النهي عن الذهب والحرير ونجاستهما فلا معارضة بل يحكم بالطهارة بالدباغ مع
منع الركوب عليها ونحوه مع أنه يمكن أن يقال إن أحاديث النهي عن جلود السباع أعم من وجه
من الأحاديث القاضية بأن الدباغ مطهر على العموم لشمولها لما كان مدبوغا من جلود السباع وما
كان غير مدبوغ انتهى كلام الشوكاني (قال إسحاق بن إبراهيم إنما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم أيما
327

إهاب دبغ فقد طهر إنما يعني به جلد ما يؤكل لحمه هكذا فسره النضر بن شميل وقال إنما
يقال إهاب الجلد ما يؤكل لحمه) قال الشوكاني هذا يخالف ما قال أبو داود في سننه قال النضر بن
شميل إنما يسمى إهابا ما لم يدبغ فإذا دبغ لا يقال له إهاب إنما يسمى شنا وقربة انتهى فليس
في رواية أبي داود تخصيصه بجلد المأكول ورواية أبي داود عنه أرجح لموافقتها ما ذكره أهل اللغة
كصاحب الصحاح والقاموس والنهاية وغيرها والمبحث لغوي فيرجح ما وافق اللغة ولم نجد في
شئ من كتب أهل اللغة ما يدل على تخصيص الاهاب بإهاب مأكول اللحم كما رواه الترمذي عنه
انتهى كلام الشوكاني قلت الأمر كما قال الشوكاني (وكره ابن المبارك وأحمد وإسحاق والحميدي
الصلاة في جلود السباع) أي ولو كانت مدبوغة لحديث المقدام بن معد يكرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها
قوله: (عن عبد الله بن عكيم) بالتصغير مخضرم من الثانية (أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب
ولا عصب) بفتحتين قال في شرح مواهب الرحمن وعصب الميتة نجس في الصحيح من الرواية
لأن فيه حياة بدليل تألمه بالقطع وقيل طاهر فإنه عظم غير متصل قال التوربشتي قيل إن هذا
الحديث ناسخ للأخبار الواردة في الدباغ لما في بعض طرقه أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته
بشهر والجمهور على خلافه لأنه لا يقاوم تلك الأحاديث صحة واشتهارا ثم إن ابن عكيم لم
يلق النبي صلى الله عليه وسلم وإنما حدث عن حكاية حال ولو ثبت فحقه أن يحمل على نهي الانتفاع قبل الدباغ
كذا في المرقاة
قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه النسائي وابن ماجة وفي كونه حسنا كلا كما ستقف
عليه (وليس العمل على هذا عند أكثر أهل العلم) قال صاحب المنتقى أكثر أهل العلم على أن
328

الدباغ يطهر في الجملة لصحة النصوص به وخبر ابن عكيم لا يقاربها في الصحة والقوة لينسخها
انتهى (ثم ترك أحمد هذا الحديث لما اضطروا في إسناده الخ) قال المنذري في تلخيص السنن بعد
نقل كلام الترمذي هذا وقال أبو بكر بن حازم الحافظ وقد حكى الخلال في كتابه أن أحمد توقف
في حديث ابن عكيم لما رأى تزلزل الرواة فيه وقال بعضهم رجع عنه وقال أبو الفرج عبد
الرحمن بن علي في الناسخ والمنسوخ تصنيفه وحديث ابن عكيم مضطرب جدا فلا يقاوم الأول
لأنه في الصحيحين يعني حديث ميمونة وقال أبو عبد الرحمن والنسائي في كتاب السنن أصح ما
في هذا الباب في جلود الميتة إذا دبغت حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله
عن ابن عباس عن ميمونة والله أعلم انتهى كلام المنذري
(باب ما جاء في كراهية جر الإزار
قوله: (لا ينظر الله) قال الحافظ في الفتح أي لا يرحمه فالنظر إذا أضيف إلى الله كان مجازا
وإذا أضيف إلى المخلوق كان كناية ويحتمل أن يكون المراد لا ينظر الله إليه نظر رحمة وقال
شيخنا الحافظ العراقي في شرح الترمذي عبر عن المعنى الكائن عند النظر بالنظر لأن من
نظر إلى متواضع رحمه ومن نظر إلى متكبر مقته فالرحمة والمقت متسببان عن النظر وقال
الكرماني نسبة النظر لمن يجوز عليه النظر كناية لأن من اعتد بالشخص التفت إليه ثم كثر حتى
صار عبارة عن الاحسان وإن لم يكن هناك نظر ولمن لا يجوز عليه حقيقة النظر وهو تقليب
329

الحدقة والله منزه عن ذلك فهو بمعنى الاحسان مجاز عما وقع في حق غيره كناية وقوله يوم القيامة
إشارة إلى أنه محل الرحمة المستمرة رحمة الدنيا فإنها قد تنقطع بما يتجدد من الحوادث
ويؤيده ما ذكر من حمل النظر على الرحمة أو المقت ما أخرجه الطبراني وأصله في أبي داود من حديث
أبي جري أن رجلا ممن كان قبلكم لبس بردة فتبختر فيها فنظر الله إليه فمقته فأمر الأرض فأخذته
الحديث انتهى قلت الأولى بل المتعين أن يحمل ما ورد من النظر ونحوه من صفات الله تعالى
على ظاهره من غير تأويل وقد تقدم الكلام في هذه المسألة مرارا (إلى من جر ثوبه) هو شامل
للإزار والرداء وغيرهما وروى أبو داود والنسائي وابن ماجة من رواية سالم بن عبد الله
عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الاسبال في الإزار والقميص والعمامة من جر منها شيئا خيلاء لم ينظر الله إليه
يوم القيامة (خيلاء) بضم المعجمة وفتح التحتية وبالمد قال النووي هو والمخيلة والبطر والكبر
والزهو والتبختر كلها متقاربة
قوله: (وفي الباب عن حذيفة وأبي سعيد وأبي هريرة وسمرة وأبي ذر وعائشة وهبيب بن
مغفل) أما حديث حذيفة فأخرجه ابن ماجة في باب موضع الإزار أين هو وأما حديث أبي سعيد
فأخرجه أبو داود وابن ماجة وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان وأما حديث سمرة
فأخرجه أحمد وأما حديث أبي ذر فأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأما
حديث عائشة فأخرجه البيهقي وفيه لا ينظر الله إلى مسبل وأما حديث هبيب بن مغفل
فأخرجه أحمد بإسناد جيد وأبو يعلى والطبراني وهبيب بضم الهاء وفتح الموحدة مصغرا ومغفل
بضم الميم وسكون المعجمة وكسر الفاء وقال الذهبي في التجريد قيل لوالد هبيب مغفل لأنه
أغفل سمة إبله
قوله: (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه مالك والبخاري ومسلم
والنسائي وابن ماجة
تنبيه قال الحافظ في الفتح في هذه الأحاديث أن إسبال الإزار للخيلاء كبيرة وأما
الإسبال لغير الخيلاء فظاهر الأحاديث تحريمه أيضا لكن استدل بالتقييد في هذه الأحاديث
بالخيلاء على أن الإطلاق في الزجر الوارد في ذم الإسبال محمول على المقيد هنا فلا يحرم الجر
والإسبال إذا سلم من الخيلاء قال ابن عبد البر مفهومه أن الجر
لغير الخيلاء لا يلحقه الوعيد إلا
330

أن جر القميص وغيره من الثياب مذموم على كل حال وقال النووي الإسبال تحت الكعبين
للخيلاء حرام فإن كان لغيرها فهو مكروه وهكذا نص الشافعي على الفرق بين الجر للخيلاء
ولغير الخيلاء قال والمستحب أن يكون الإزار إلى نصف الساق والجائز بلا كراهة ما تحته إلى
الكعبين وما نزل من الكعبين ممنوع منع تحريم إن كان للخيلاء وإلا فمنع تنزيه لأن الأحاديث
الواردة في الزجر عن الإسبال مطلقه فيجب تقييدها بالإسبال للخيلاء انتهى وقال ابن العربي
لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه ويقول لا أجره خيلاء لأن النهي قد تناوله لفظا ولا يجوز لمن
تناوله اللفظ حكما يقول لا أمتثله لأن تلك العلة ليست في فإنها دعوى غير مسلمة بل إطالته
ذيله دالة على تكبره انتهى
وحاصله أن الإسبال يستلزم جر الثوب وجر الثوب يستلزم الخيلاء ولو لم يقصد اللابس
الخيلاء ويؤيده ما أخرجه أحمد من منيع من وجه آخر عن ابن عمر في أثناء حديث رفعه وإياك
وجر الإزار فإن جر الإزار من المخيلة وأخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة بينما نحن مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لحقنا عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة إزار ورداء قد أسبل فجعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بناحية ثوبه ويتواضع لله ويقول عبدك وابن عبدك وأمتك حتى سمعها
عمرو فقال يا رسول الله إني حمش الساقين فقال يا عمرو إن الله قد أحسن كل شئ خلقه
يا عمرو وإن الله لا يحب المسبل الحديث وأخرجه أحمد من حديث عمرو نفسه لكن قال في روايته
عن عمرو بن فلان وأخرجه الطبراني أيضا فقال عن عمرو بن زرارة وفيه وضرب رسول
الله صلى الله عليه وسلم بأربع أصابع تحت ركبة عمرو فقال يا عمرو هذا موضع الإزار ثم ضرب بأربع أصابع
تحت الأربع فقال يا عمرو هذا موضع الإزار الحديث ورجاله ثقات وظاهره أن عمرا المذكور
لم يقصد بإسباله الخيلاء وقد منعه من ذلك لكونه مظنته وأخرج الطبراني من حديث الشريد
الثقفي قال أبصر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا قد أسبل إزاره فقال ارفع إزارك فقال إني أحنف تصطك
ركبتاي قال ارافع إزارك فكل خلق الله حسن وأخرجه مسدد وأبو بكر بن أبي شيبة من طرق
عن رجل من ثقيف لم يسم وفي آخره وذاك أقبح مما بساقك وأما ما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن
مسعود بسند جيد أنه كان يسبل إزاره فقيل له في ذلك فقال إني حمش الساقين فهو محمول على أنه
أسبله زيادة على المستحب وهو أن يكون إلى نصف الساق ولا يظن به أنه جاوز به الكعبين
والتعليل يرشد إليه ومع ذلك فلعله لم تبلغه قصة عمرو بن زرارة والله أعلم وأخرجه النسائي
وابن ماجة وصححه ابن حبان من حديث المغيرة بن شعبة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ برداء
سفيان بن سهيل وهو يقول يا سفيان لا تسبل فإن الله لا يحب المسبلين
331

(باب ما جاء في جر ذيول النساء)
قال في القاموس الذيل آخر كل شئ ومن الإزار والثوب ما جر
قوله: (يرخين) بضم أوله من الإرخاء وهو الإرسال أي يرسلن من ثيابهن (شبرا) أي من
نصف الساقين (إذا) بالتنوين (فيرخينه) أي الذيل (لا يزدن عليه) أي على قدر الذارع قال
الطيبي المراد به الذراع الشرعي إذ هو أقصر من العرفي
تنبيه: إعلم أن حديث ابن عمر هذا أخرجه البخاري في صحيحه وليست فيه زيادة
فقالت أم سلمة فكيف يصنع النساء بذيولهن الخ قال الحافظ في شرح حديث أبي هريرة لا
ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا ما لفظه قوله ومن يتناول الرجال والنساء في الوعيد
المذكور على هذا الفعل المخصوص وقد فهمت ذلك أم سلمة رضي الله عنها فأخرجه النسائي
والترمذي وصححه من طريق أيوب عن نافع بن عمر فقالت أم سلمة فكيف تصنع النساء
بذيولهن فقال يرخين شبرا فقالت إذا تنكشف أقدامهن قال فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه لفظ
الترمذي وقد عزا بعضهم هذه الزيادة لمسلم فوهم فإنها ليست عنده وكأن مسلما أعرض عن
هذه الزيادة للاختلاف فيها على نافع فقد أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما من طريق
عبيد الله بن عمر عن سليمان بن يسار عن أم سلمة وأخرجه أبو داود من طريق أبي بكر بن نافع
والنسائي من طريق أيوب بن موسى ومحمد بن إسحاق ثلاثتهم عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد
عن أم سلمة وأخرجه النسائي من رواية يحيى بن أبي كثير عن نافع عن أم سلمة نفسها وفيه
اختلافات أخرى ومع ذلك فله شاهد من حديث ابن عمر أخرجه أبو داود من رواية أبي بكر
الصديق عن ابن عمر قال رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمهات المؤمنين
شبرا ثم استزدنه فزادهن شبرا فكن يرسلن إلينا فنذرع لهن ذراعا وأفادت هذه الرواية قدر الذراع المأذون فيه وأنه
شبران بشبر اليد المعتدلة انتهى
332

قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه النسائي (وفي الحديث رخصة للنساء في جر
الإزار لأنه يكون أستر لهن) قال الحافظ إن للرجال حالين حال استحباب وهو أن يقتصر
بالإزار على نصف الساق وحال جواز وهو إلى الكعبين وكذلك للنساء حالان حال استحباب
وهو ما يزيد على ما هو جائز للرجال بقدر الشبر وحال جواز بقدر ذراع ويؤيد هذا التفصيل في
حق النساء ما أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق معتمر عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم شبر
لفاطمة من عقبها شبرا وقال هذا ذيل المرأة وأخرجه أبو يعلى بلفظ شبر من ذيلها شبرا أو
شبرين وقال لا تزدن على هذا ولم يسم فاطمة قال الطبراني تفرد به معتمر وأو شك من
الراوي والذي جزم بالشبر هو المعتمد ويؤيده ما أخرجه الترمذي من حديث أم سلمة يعني
الذي يأتي بعد هذا
قوله: (عن علي بن يزيد) هو معروف بعلي بن زيد بن جدعان ضعيف من الرابعة كذا في
التقريب قلت وقال الترمذي صدوق إلا أنه ربما رفع الشئ الذي يوقفه غيره يروي عن
الحسن البصري وأمه خيرة وخلق (عن أم الحسن) الحسن هذا هو البصري واسم أمه خيرة قال
في التقريب خيرة أم الحسن البصري مولاة أم سلمة مقبولة من الثانية (شبر) من التشبير قال في
القاموس شبر تشبيرا قدر (لفاطمة شبرا) بكسر الشين هو ما بين أعلى الإبهام وأعلى الخنصر (من
نطاقها) بكسر النون قال في القاموس النطاق ككتاب شقة تلبسها المرأة تشد وسطها فترسل
الأعلى على الأسفل إلى الأرض والأسفل ينجر على الأرض ليس لها حجزة ولا نيفق ولا ساقان
انتهى والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم قدر لفاطمة النبي صلى الله عليه وسلم أن ترخي قدر شبر من نطاقها قال
النووي أجمعوا على جواز الجر للنساء
قوله: (ورواه بعضهم عن حماد بن سلمة عن علي بن يزد عن الحسن عن أمه عن أم
333

سلمة) علي بن زيد يروي عن الحسن البصري وعن أمه أيضا فالظاهر أنه روى هذا الحديث عن
أم الحسن بواسطة الحسن وعنها بلا وساطة أيضا ولم يحكم الترمذي على هذا الحديث بشئ من
الصحة والضعف وفي سنده علي بن يزيد وقد عرفت حاله
(باب ما جاء في لبس الصوف)
قال في الصراح صوف يشم كوسيند قال ابن بطال كره مالك لبس الصوف لمن يجد
غيره لما فيه من الشهرة بالزهر لأن إخفاء العمل أولى قال ولم ينحصر التواضع في لبسه بل في
القطن وغيره ما هو بدون ثمنه
قوله: (كساء) بكسر الكاف هو ما يستر أعلى البدن والإزار ما يستر أسفله (ملبدا) اسم
مفعول من التلبيد قال في النهاية أي مرقعا وقال الحافظ في الفتح قال المهلب يقال للرقعة
التي يرقع القميص لبدة وقال غيره التي ضرب بعضها في بعض حتى تتراكب وتجتمع (قبض
رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين) أي في هذين الثوبين وكأنه إجابة لدعائه صلى الله عليه وسلم اللهم أحيني مسكينا
وأمتني مسكينا قال النووي في أمثال هذا الحديث بيان ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الزهادة في الدنيا
والإعراض عن متاعها وملاذها فيجب على الأمة أن يقتدوا وأن يقتفوا على أثره في جميع سيره
قوله: (وفي الباب عن علي وابن مسعود) أما حديث علي فأخرجه أبو يعلى ذكره المنذري في
الترغيب في ترك الترفع في اللباس تواضعا واقتداء بأشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وأما حديث ابن
مسعود فأخرجه الترمذي في هذا الباب
قوله: (حديث عائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله: (حدثنا خلف بن خليفة) بن صاعد الأشجعي مولاهم أبو أحمد الكوفي نزل واسط
334

ثم بغداد صدوق اختلط بآخره وادعى أنه رأى عمرو بن حريث الصحابي فأنكر عليه ذلك ابن
عيينة وأحمد من الثامنة كذا في التقريب (عن حميد الأعرج) الكوفي القاضي الملائي يقال هو
ابن عطاء أو ابن علي أو غير ذلك ضعيف من السادسة
قوله: (وكمة صوف) بضم كاف وشدة ميم هي القلنسوة الصغيرة
قوله: (هذا حديث غريب الخ) وأخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط البخاري قال
لمنذري توهم الحاكم أن حميدا الأعرج هذا هو حميد بن قيس المكي وإنما هو حميد بن علي وقيل
ابن عمار أحد المتروكين
(باب ما جاء في العمامة السوداء)
قوله: (وعليه عمامة سوداء) فيه دليل على مشروعية العمامة السوداء
قوله: (وفي الباب عن عمرو بن حريث وابن عباس وركانة) أما حديث عمرو بن حريث
فأخرجه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة عنه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه
335

عمامة سوداء قد أرخى طرفها بين كتفيه كما في النيل وأما حديث ابن عباس وحديث ركانة فلينظر
من أخرجهما
قوله: (حديث جابر حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة
(باب في سدل العمامة بين الكتفين)
أي إرسالها وإرخائها بينهما ولم يقع هذا الباب في بعض النسخ
قوله: (حدثنا يحيى بن محمد المديني) قال في التقريب يحيى بن محمد بن عبد الله بن
مهران المدني مولى بني نوفل يقال له الجاري بجيم وراء خفيفة صدوق يخطئ من كبار العاشرة
قوله: (إذا اعتم) بتشديد الميم أي لف العمامة على رأسه (سدل) أي أرسل وأرخى
(عمامته) أي طرفها الذي يسمى العلامة والعذبة (بين كتفيه) بالتثنية والحديث يدل على
استحباب إرخاء طرفها بين الكتفين وقد ورد في إرخاء العذبة أحاديث على أنواع فمنها
ما يدل على إرخائها بين الكتفين كحديث الباب وحديث عمرو بن حريث رضي الله عنه الذي
أشار إليه الترمذي في الباب المتقدم وتقدم لفظه هناك وحديث الحسن بن علي رضي الله عنه
قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفها بين كتفيه أخرجه أبو داود
على ما في عمدة القاري وحديث عبد الأعلى بن عدي أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة من
رواية إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن بشر عن عبد الرحمن بن عدي البهراني عن أخيه عبد
الأعلى بن عدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا علي بن أبي طالب يوم غدير خم فعممه وأرخى عذبة
العمامة من خلفه ثم قال هكذا فاعتموا الحديث وحديث عبد الله بن ياسر قال بعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى خيبر فعممه بعمامة سوداء ثم أرسلها من ورائه أو قال على
كتفه اليسرى أخرجه الطبراني وحسنه السيوطي وحديث جابر قال كان للنبي صلى الله عليه وسلم عمامة
سوداء يلبسها في العيدين ويرخيها خلفه أخرجه ابن عدي وقال لا أعلم يرويه عن أبي الزبير غير
336

العزرمي وعنه حاتم بن إسماعيل وحديث أبي موسى أن جبرئيل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم وعليه عمامة
سوداء قد أرخى ذؤابته من ورائه أخرجه الطبراني
ومنها ما يدل على إرخائها بين يدي المعتم ومن خلفه كحديث عبد الرحمن بن عوف عممني
رسول الله صلى الله عليه وسلم فسد لها من بين يدي ومن خلفي أخرجه أبو داود وفي إسناده شيخ مجهول
وحديث عائشة أخرجه ابن أبي شيبة عن عروة عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمم عبد الرحمن بن عوف
بعمامة سوداء من قطن وأفضل له من بين يديه مثل هذه وفي رواية عن نافع عن ابن عمر قال
عمم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عوف بعمامة سوداء كرابيس وأرخاها من خلفه قدر أربع أصابع قال
هكذا فاعتم وحديث ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتم أرخى عمامته بين يديه
ومن خلفه أخرجه الطبراني في الأوسط وفي الحجاج بن رشد وهو ضعيف
ومنها ما يدل على إرخائها من الجانب الأيمن كحديث أبي أمامة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قلما يولي واليا حتى يعممه ويرخي لها من جانبه الأيمن نحو الأذن أخرجه الطبراني في الكبير وفي
إسناده جميع بن ثوب وهو متروك
وقد استدل على جواز ترك العذبة ابن القيم في الهدي بحديث جابر عند مسلم وأبي داود
والترمذي والنسائي وابن ماجة بلفظ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء بدون
ذكر الذؤابة قال فدل على أن الذؤابة لم يكن يرخيها دائما بين كتفيه انتهى وفيه نظر إذ لا يلزم
من عدم ذكر الذؤابة في هذا الحديث عدمها في الواقع حتى يستدل به على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يرخي
الذؤابة
وأقوى أحاديث هذه الأنواع كلها وأصحها هو حديث عمرو بن حريث في إرخاء العذبة
بين الكتفين قال العيني في العمدة قال شيخنا زين الدين ما المراد بسدل عمامته بين كتفيه
هل المراد سدل الطرف الأسفل حتى تكون عذبة أو المراد سدل الطرف الأعلى بحيث يغرزها
ويرسل منها شيئا خلفه يحتمل كلا من الأمرين ولم أر التصريح يكون المرخي من العمامة عذبة إلا
في حديث عبد الأعلى بن عدي وفيه وأرخى عذبة العمامة من خلفه وتقدم وقال الشيخ مع أن
العذبة الطرف كعذبة السوط وكعذبة اللسان أي طرفه فالطرف الأعلى يسمى عذبة من حيث
اللغة وإن كان مخالفا للاصطلاح العرفي الان وفي بعض طرق حديث ابن عمر ما يقتضي أن
الذي كما يرسله بين كتفيه من الطرف الأعلى رواه أبو الشيخ وغيره من رواية أبي عبد السلام
337

عن ابن عمر رضي الله عنه قال قلت لابن عمر كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتم قال كان يدير
كور العمامة على رأسه ويغرزها من ورائه ويرخي له ذؤابة بين كتفيه انتهى
فائدة قد أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم عمم عبد الرحمن بن عوف
فأرسل من خلفه أربع أصابع أو نحوها ثم قال هكذا فاعتم فإنه أعرب وأحسن قال
السيوطي وإسناده حسن وأخرج ابن أبي شيبة أن عبد الله بن الزبير كان يعتم بعمامة سوداء قد
أرخاها من خلفه نحوا من ذراع وروى سعد بن سعيد عن رشدين قال رأيت عبد الله بن
الزبير يعتم بعمامة سوداء ويرخيها شبرا أو أقل من شبر قال في السبل من آداب العمامة تقصير
العذبة فلا تطول طولا فاحشا وقال النووي في شرح المهذب إرسال العذبة إرسالا فاحشا
كإرسال الثوب يحرم للخيلاء ويكره لغيره انتهى
فائدة أخرى: قال السيوطي في الحاوي في الفتاوي وأما مقدار العمامة الشريفة فلم يثبت
في حديث وقد روى البيهقي في شعب الايمان عن ابن سلام بن عبد الله بن سلام قال سألت ابن
عمر كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتم قال كان يدير العمامة على رأسه ويغرزها من ورائه ويرسل لها ذؤابة
بين كتفيه وهذا يدل على أنها عدة أذرع والظاهر أنها كانت نحو العشرة أو فوقها بيسير انتهى
قال الشوكاني ولا أدري ما هذا الظاهر الذي زعمه فإن كان الظهور من هذا الحديث الذي
ساقه باعتبار ما فيه من ذكر الإدارة والغرز إرسال الذؤابة فهذه الأوصاف تحصل في عمامة دون
ثلاثة أذرع وإن كان من غيره فما هو بعد إقراره بعدم ثبوت مقدارها في حديث انتهى وفي المرقاة
قال الجزري في تصحيح المصابيح قد تتبعت الكتب وتطلبت من السير والتواريخ لأقف على قدر
عمامة النبي صلى الله عليه وسلم فلم أقف على شئ حتى أخبرني من أثق به أنه وقف على شئ من كلام النووي
ذكر فيه أنه كان له صلى الله عليه وسلم عمامة قصيرة وعمامة طويلة وأن القصيرة كانت سبعة أذرع والطويلة
اثنى عشر ذراعا ذكره القاري وقال وظاهر كلام المدخل أن عمامته كانت سبعة أذرع مطلقا من
غير تقييد بالقصير والطويل انتهى
قلت لا بد لمن يدعي أن مقدار عمامته صلى الله عليه وسلم كان كذا وكذا من الذراع أن يثبته بدليل
صحيح وأما الادعاء المحض فليس بشئ
فائدة أخرى: قال في السبل من آداب العمامة إرسال العذبة بين الكتفين ويجوز تركها
بالأصالة وقال النووي في شرح المهذب لبس العمامة بإرسال طرفها وبغير إرساله ولا
كراهة في واحد منهما ولم يصح في النهي عن ترك إرسالها شئ انتهى
338

فائدة أخرى لم أجد في فضل العمامة حديثا مرفوعا صحيحا وكل ما جاء فيه إما
ضعيفة أو موضوعة
فمنها ما رواه القضاعي والديلمي في مسند الفردوس عن علي مرفوعا العمائم تيجان
العرب والاحتباء حيطانها وجلوس المؤمن في المسجد رباطه قال في المقاصد ضعيف
وأخرج البيهقي معناه من قول الزهري
ومنها حديث عليكم بالعمائم فإنها سيما الملائكة وأرخوها خلف ظهوركم أخرجه ابن
عدي والبيهقي في الخلاصة وهو موضوع وقال في اللآلئ لا يصح وقال له طريق آخر عن
ابن عباس أخرجه الحاكم في المستدرك
ومنها ما رواه ابن عساكر والديلمي عن ابن عمر مرفوعا صلاة تطوع أو فريضة بعمامة
تعدل خمسا وعشرين صلاة بلا عمامة وجمعة بعمامة تعدل سبعين جمعة بلا عمامة قال المناوي
قال ابن حجر موضوع وكذلك قال الشوكاني في كتابه الفوائد المجموعة في الأحاديث
الموضوعة وفي الباب روايات أخرى ذكرها الشوكاني وغيره في موضوعاتهم
قوله: (هذا حديث غريب) لم يحكم الترمذي على هذا الحديث بشئ من الصحة
والضعف والظاهر أنه حسن ويعضده حديث عمرو بن حريث عند مسلم وغيره الذي أشار
إليه الترمذي في الباب الذي قبله
قوله: (وفي الباب عن علي) لينظر من أخرجه
(باب ما جاء في كراهية خاتم الذهب)
الخاتم بفتح التاء وكسرها هما لغتان واضحتان وفيه لغات أخرى
339

قوله: (عن التختم بالذهب) أي عن لبس خاتم الذهب وهذا النهي للرجال لا للنساء
فإن الذهب حرام عليهم لا عليهن (وعن لباس القسي) تقدم ضبط القسي ومعناه في باب كراهية
المعصفر للرجال (وعن القراءة في الركوع والسجود) لأن الركوع موضع التسبيح وكذا السجود
(وعن لبس المعصفر) هو المصبوغ بالعصفر واستدل به من قال بتحريم لبس الثوب المصبوغ
بالمعصفر وقد تقدم الكلام في هذه المسألة في باب كراهية المعصفر للرجال
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري وابن ماجة وقد تقدم هذا
الحديث في باب النهي عن القراءة في الركوع والسجود
قوله: (حدثنا يوسف بن حماد المعنى) بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر النون وبياء
النسبة
قوله: (أشهد على عمران بن حصين أنه حدثنا) أراد حفص بقوله أشهد على عمران التأكيد
للرواية (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التختم بالذهب) قال النووي في شرح مسلم أجمع المسلمون
على إباحة خاتم الذهب للنساء وأجمعوا على تحريمه على الرجال إلا ما حكي عن أبي بكر بن
عمر بن محمد بن حرم أنه أباحه وعن بعض أنه مكروه لا حرام وهذان النقلان باطلان وقائلهما
محجوج بهذه الأحاديث التي ذكرها مسلم مع إجماع من قبله على تحريمه مع قوله صلى الله عليه وسلم في الذهب
والحرير إن هذين حرام على ذكور أمتي حل لإناثها انتهى
قوله: (وفي الباب عن علي وابن عمر وأبي هريرة ومعاوية) أما حديث علي فقد تقدم آنفا
فالظاهر أنه أشار إلى ما أخرجه عنه أحمد وأبو داود والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حريرا فجعله في
يمينه وأخذ ذهبا فجعله في شماله ثم قال إن هذين حرام على ذكور أمتي
وأما حديث ابن عمر
340

رضي الله عنه فأخرجه الشيخان وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم وأما حديث معاوية
فأخرجه أبو داود
قوله: (حديث عمران حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد
(باب ما جاء في خاتم الفضة)
قوله: (من ورق) بفتح الواو وكسر الراء أي فضة (وكان فصه حبشيا) ووقع في رواية
أخرى لأنس وكان فصه منه أي من الورق قال الحافظ في الفتح لا يعارضه قوله في رواية
أخرى وكان فصه حبشيا لأنه إما أن يحمل على التعدد وحينئذ فمعنى قوله حبشيا أي كان حجرا
من بلاد الحبشة أو على لون الحبشة أو كان جزعا أو عقيقا لأن ذلك قد يؤتى من بلاد الحبشة
ويحتمل أن يكون هو الذي فصه منه ونسب إلى الحبشة لصفة فيه إما الصياغة أو النقش انتهى
قوله: (وفي الباب عن ابن عمر وبريدة) أما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان وأما
حديث بريدة فأخرجه الترمذي في أواخر اللباس وأخرجه أيضا أبو داود والنسائي
قوله: (هذا حديث حسن صحيح الخ) قال الحافظ أخرجه مسلم وأصحاب السنن
(باب ما يستحب من الخاتم)
قال الجوهري الفص بفتح الفاء والعامة تكسرها وأثبتها غيره لغة وزاد بعضهم الضم
وعليه جرى ابن مالك في المثلث وقال في القاموس الفص للخاتم مثلثة والكسر غير لحن ووهم
الجوهري انتهى
قوله: (حدثنا حفص بن عمر عبيد الطنافسي) الكوفي ثقة من العاشرة (حدثنا زهير أبو
341

خيثمة) هو ابن معاوية بن حديج بضم مهملة وفتح دال مهملة وبجيم (عن حميد) هو ابن أبي حميد
الطويل
قوله: (فصه) أي الخاتم (منه) أي من الفضة وتذكيره لأنه بتأويل الورق وقيل
الضمير راجع إلى ما صنع منه الخاتم وهو الفضة وهو بعيد ويمكن من في (منه) للتبعيض والضمير
للخاتم أي فصه بعض من الخاتم بخلاف ما إذا كان حجرا فإنه منفصل عنه مجاور له وفي رواية
أبي داود من طريق زهير بن معاوية عن حميد عن أنس كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من فضة كله قال
الحافظ فهذا نص في أنه كله من فضة وأما ما أخرجه أبو داود والنسائي من طريق إياس بن
الحارث بن معيقيب عن جده قال كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من حديد ملويا عليه فضه فربما كان في
يدي قال وكان معيقيب على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم يعني كان أمينا عليه فيحمل على التعدد وقد
أخرج له ابن سعد شاهدا مرسلا عن مكحول أن خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من حديد ملويا عليه
فضة غير أن فصه باد وآخر مرسلا عن إبراهيم النخعي مثله دون ما في آخره وثالثا من رواية
سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص أن خالد بن سعيد يعني ابن العاص أتى وفي يده خاتم
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا اطرحه فطرحه فإذا خاتم من حديد ملوي عليه فضة قال ما
نقشه قال محمد رسول الله قال فأخذه فلبسه ومن وجه آخر عن سعيد بن عمرو والمذكور أن
ذلك جرى لعمرو بن سعيد أخي خالد بن سعيد انتهى كلام الحافظ
قوله: (هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه) وأخرجه البخاري وأبو داود
والنسائي
(باب ما جاء في لبس الخاتم في اليمين)
إعلم أنه قد وردت الأحاديث في التختم في اليمين وفي التختم في اليسار وقد اختلف أهل
العلم في الجمع بين هذه الأحاديث المختلفة فجنحت طائفة إلى استواء الأمرين وجمعوا بذلك بين
342

مختلف الأحاديث وإلى ذلك أشار أبو داود حيث ترجم باب التختم في اليمين واليسار ثم أورد
الأحاديث مع اختلافها في ذلك بغير ترجيح وقال البيهقي في الأدب يجمع بين هذه الأحاديث
بأن الذي لبسه في يمينه وهو خاتم الذهب كما صرح به في حديث ابن عمر والذي لبسه في يساره
هو خاتم الفضة وأما رواية الزهري عن أنس التي فيها التصريح بأنه كان من فضة ولبسه في يمينه
فكأنها خطأ فقد تقدم أن الزهري وقع له وهم في الخاتم الذي طرحه النبي صلى الله عليه وسلم وأنه وقع في
روايته أنه الذي كان من فضة وأن الذي في رواية غيره أنه الذي كان من ذهب فعلى هذا فالذي
كان لبسه في يمينه هو الذهب انتهى ملخصا
وجمع غيره أنه لبس الخاتم أولا في يمينه ثم حوله إلى يساره واستدل له بما أخرجه أبو
الشيخ وابن عدي من رواية عبد الله بن عطاء عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم تختم في يمينه ثم
إنه حوله في يساره قال الحافظ فلو صح هذا لكان قاطعا للنزاع ولكن سنده ضعيف انتهى
وأخرج ابن سعد من طريق جعفر بن محمد عن أبيه قال طرح رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمه الذهب ثم
تختم خاتما من ورق فجعله في يساره وهذا مرسل أو معضل وقد جمع البغوي في شرح السنة
بذلك وأنه تختم أولا في يمينه ثم تختم في يساره وكان ذلك آخر الأمرين وتعقبه الطبري بأن ظاهره
النسخ وليس ذلك مراده بل الاخبار بالواقع اتفاقا
قال الحافظ ويظهر لي أن ذلك يختلف باختلاف القصد فإن كان اللبس للتزين به
فاليمين أفضل وإن كان للتختم به فاليسار أولى لأنه كالمودع فيها ويحصل تناوله منها باليمين
وكذا وضعه فيها ويترجح التختم في اليمين مطلقا لأن اليسار آلة الاستنجاء فيصان الخاتم إذا
كان في اليمين عن أن تصيبه النجاسة ويترجح التختم في اليسار بما أشر إليه من التناول
انتهى
وقال النووي في شرح مسلم أجمع الفقهاء على جواز التختم في اليمين وعلى جوازه في
اليسار ولا كراهة في واحدة منهما واختلفوا أيتهما أفضل فتختم كثيرون من السلف في اليمين
وكثيرون في اليسار واستحب مالك اليسار وكره اليمين وفي مذهبنا وجهان لأصحابنا الصحيح
أن اليمين أفضل لأنه زينة واليمين أشرف وأحق بالزينة والإكرام انتهى
قوله: (حدثنا محمد بن عبيد) بن محمد بن واقد المحاربي الكندي أبو جعفر النحاس الكوفي
صدوق من العاشرة
قوله: (صنع خاتما) أي أمر بصنعه فصنع له (من ذهب) أي ابتدأ قبل تحريم الذهب على
343

الرجال (ثم نبذه الخ) وهذا يحتمل أن يكون كرهه من أجل المشاركة أو لما رأى من زهوهم بلبسه
ويحتمل أن يكون لكونه من ذهب وصادق وقت تحريم لبس الذهب على الرجال ويؤيد هذا
رواية عبد الله بن دينار عن ابن عمر عند البخاري بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس خاتما من
ذهب فنبذه فقال لا ألبسه أبدا وحديث ابن عمر هذا كذا رواه الترمذي مختصرا وزاد
البخاري من طريق عبيد الله عن نافع وقال لا ألبسه أبدا ثم اتخذ خاتما من فضة فاتخذ الناس
خواتيم الفضة
قوله: (وفي الباب عن علي وجابر وعبد الله بن جعفر الخ) أما حديث علي فأخرجه أبو داود
والنسائي والترمذي في الشمائل وابن حبان في صحيحه عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه
وأما حديث جابر فأخرجه الترمذي في الشمائل قال الحافظ بسند لين وأما حديث عبد الله بن
جعفر وحديث ابن عباس فأخرجهما الترمذي في هذا الباب وأما حديث عائشة فأخرجه البزار
بسند لين وأبو الشيخ بسند حسن قاله الحافظ في الفتح وأما حديث أنس فأخرجه مسلم عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس خاتم فضة في يمينه فيه حبشي كان يجعل فصه مما يلي كفه وفي الباب
أيضا عن أبي أمامة عند الطبراني بسند ضعيف وعن أبي هريرة عند الدارقطني في غرائب مالك
بسند ساقط قاله الحافظ في الفتح
قوله: (وحديث ابن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه ابن سعد وأصله في
الصحيحين
قوله (حدثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن محمد بن إسحاق) هو إمام المغازي (عن
الصلت بن عبد الله بن نوفل) بن الحارث بن عبد لمطلب الهاشمي روى عن ابن عباس وعنه
344

والزهري وابن إسحاق وغيرهما وثقه ابن حبان وقال الزبير بن بكار كان فقيها عابدا كذا في
الخلاصة وتهذيب التهذيب
قوله: (ولا إخاله) بكسر الهمزة قال في القاموس خال الشئ يخال خيلا وخيلة
ويكسران وخالا وخيلا لا محركه ومخيلة ومخالة وخيلولة ظنه وتقول في مستقبله إخال بكسر الألف
وتفتح في لغة انتهى
قوله: (قال محمد بن إسماعيل) يعين الامام البخاري رحمه الله (حديث محمد بن إسحاق
عن الصلت بن عبد الله بن نوفل حديث حسن صحيح) وفي بعض النسخ حسن فقط وليس فيه
صحيح والحديث أخرجه أبو داود وللطبراني من وجه آخر عن ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم يتختم
في يمينه وفي سنده لين قاله الحافظ في الفتح
قوله: (حدثنا حاتم بن إسماعيل) هو المدني (عن جعفر بن محمد) هو المعروف بالصادق
(عن أبيه) هو محمد بن علي الحسين بن علي بن أبي طالب أبو جعفر الباقر ثقة فاضل من الرابعة
كذا في التقريب
قوله: (كان الحسن والحسين يتختمان في يسارهما) هذا الأثر لا يناسب الباب ولو زاد
الترمذي في ترجمة الباب لفظ واليسار بعد قوله في اليمين لطابقه هذا الأثر أيضا
قوله: (هذا حديث صحيح وأخرجه البيهقي في الأدب من طريق أبي جعفر الباقر) قال
كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعلي والحسن والحسين يتختمون في اليسار ذكره الحافظ في الفتح
قوله: (رأيت ابن أبي رافع) هو عبد الرحمن بن أبي رافع ويقال بن فلان بن أبي رافع
روى عن عبد الله بن جعفر وعن عمه عن أبي رافع وعن عمته سلمى عن أبي رافع وعنه حماد بن
345

سلمة قال إسحاق بن منصور عن ابن معين صالح له عند الترمذي في التختم في اليمين وآخر
حديث في دعاء الكرب كذا في تهذيب التهذيب (فقال رأيت عبد الله بن جعفر) ابن أبي طالب
الهاشمي أحد الأجواد ولد بأرض الحبشة وله صحبة كذا في التقريب (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتختم في
يمينه) أي يلبس الخاتم في خنصر يده اليمنى
قوله: (قال محمد) يعني الامام البخاري رحمه الله (وهذا أصح شئ روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في
هذا الباب) وأخرجه أحمد وابن ماجة
(باب ما جاء في نقش الخاتم)
قوله: (ومحمد بن يحيى) هو الامام الحافظ الذهلي (حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري) هو
محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري (حدثني أبي) أي عبد الله بن المثنى الأنصاري (عن ثمامة) هو
ابن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري
قوله: (كان نقش الخاتم ثلاثة أسطر) قال ابن بطال ليس كون نقش الخاتم ثلاثة
أسطر أو سطرين أفضل من كونه سطرا واحدا قال الحافظ قد يظهر أثر الخلاف من أنه إذا كان
سطرا واحدا يكون الفص مستطيلا لضرروة كثرة الأحرف فإذا تعددت الأسطر أمكن كونه مربعا
أو مستديرا وكل منهما أولى من المستطيل انتهى (محمد سطر ورسول سطر والله سطر) قال
الحافظ هذا ظاهره أنه لم يكن فيه زيادة على ذلك لكن أخرج أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم من
رواية عرعرة بن البريد عن عزرة بن ثابت عن ثمامة عن أنس قال كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم
346

حبشيا مكتوبا عليه لا إله إلا الله محمد رسول وعرعرة ضعفه ابن المديني وزيادته هذه شاذة قال
وظاهره أيضا أنه كان على هذا الترتيب لكن لم تكن كتابته على السياق العادي فإن ضرورة
الاحتياج إلى أن يتختم به يقتضي أن تكون الأحرف المنقوشة مقلوبة ليخرج الخاتم مستويا وأما قول
بعض الشيوخ إن كتابته كانت من أسفل إلى فوق يعني أن الجلالة في أعلى الأسطر الثلاثة ومحمد في
أسفلها فلم أر التصريح بذلك في شئ من الأحاديث بل رواية الإسماعيلي يخالف ظاهر ذلك
فإنه قال فيها سطر والسطر الثاني رسول والسطر الثالث الله ولك أن تقرأ محمد بالتنوين
ورسول بالتنوين وعدمه والله بالرفع والجر انتهى
قوله: (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه الشيخان عنه قال اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من
ورق وكان في يده ثم كان بعد في يدي أبي بكر ثم كان بعد في يد عمر ثم كان بعد في يد عثمان حتى
وقع بعد في بئر أريس نقشه محمد رسول الله
قوله: (حديث أنس حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه البخاري
قوله: (لا تنقشوا عليه) في رواية الشيخين فلا ينقش أحد على نقشه وفي حديث ابن
عمر عند مسلم لا ينقش أحد على نقش خاتمي هذا قال النووي سبب النهي أنه صلى الله عليه وسلم إنما اتخذ
الخاتم ونقش فيه ليختم به كتبه إلى ملوك العجم وغيرهم فلو نقش غيره مثله لدخلت المفسدة
وحصل الخلل قال وفي الحديث جواز نقش الخاتم وجواز نقش اسم الله تعالى هذا مذهبنا
ومذهب سعيد بن المسيب ومالك والجمهور وعن ابن سيرين وبعضهم كراهة نقش اسم الله
تعالى وهذا ضعيف انتهى قال الحافظ وقد أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن ابن سيرين أنه
لم يكن يرى بأسا أن يكتب الرجل في خاتمه حسبي الله ونحوها فهذا يدل على أن الكراهة عنه لم
يثبت ويمكن الجمع بأن الكراهة حيث يخاف عليه حمله للجنب والحائض والاستنجاء بالكف
التي هو فيها والجواز حيث حصل الأمن من ذلك فلا تكون الكراهة لذلك بل من جهة ما يعرض
لذلك انتهى قال النووي قال العلماء وله أن ينقش عليه اسم نفسه أو أن ينقش عليه كلمة
حكمة وأن ينقش ذلك مع ذكر الله تعالى
347

قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله: (أخبرنا سعيد بن عامر) الضبعي أبو محمد البصري ثقة صالح وقال أبو حاتم ريما
وهم من التاسعة (والحجاج بن منهال) الأنماطي أبو محمد السلمي مولاهما البصري ثقة فاضل من
التاسعة (حدثنا همام) هو ابن يحيى الأزدي العوذي
قوله: (إذا دخل الخلاء) أي أراد دخوله قوله (نزع) أي أخرج من أصبعه (خاتمه) قال القاري
في المرقاة لأن نقشه محمد رسول الله وفيه دليل على تنحية المستنجي اسم الله واسم رسوله
والقران كذا قاله الطيبي قال الأبهري ويعم الرسل وقال ابن حجر استفيد منه أنه يندب
لمريد التبرز أن ينحي كل ما عليه معظم من اسم الله تعالى أو نبي أو مالك فإن خالف كره انتهى
وهذا هو الموافق لمذهبنا انتهى كلام القاري
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) قال الحافظ في التلخيص حديث أنه صلى الله عليه وسلم
إذا دخل الخلاء وصنع خاتمه أخرجه أصحاب السنن وابن حبان والحاكم من حديث الزهري عن
أنس به قال النسائي هذا حديث غير محفوظ وقال أبو داود منكر وذكر الدارقطني
الاختلاف فيه وأشار إلى شذوذه وصححه الترمذي وقال النووي هذا مردود عليه قاله في
الخلاصة وقال المنذري الصواب عندي تصحيحه فإن رواته ثقات أثبات وتبعه أبو الفتح
القشيري في اخر الاقتراح وعلته أنه من رواية همام عن ابن جريج عن الزهري عن أنس ورواته
ثقات لكن لم يخرج الشيخان رواية همام عن ابن جريج وابن جريج قيل لم يسمعه من الزهري
وإنما رواه عن زياد بن سعد عن الزهري بلفظ اخر وقد رواه مع همام مع ذلك مرفوعا يحيى بن
الضريس البجلي ويحيى بن المتوكل وأخرجهما الحاكم والدارقطني وقد رواه عمرو بن عاصم وهو
من الثقات عن همام موقوفا على أنس وأخرج له البيهقي شاهدا أو أشار إلى ضعفه ورجاله
ثقات ورواه الحاكم أيضا ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس خاتما نقشه محمد رسول الله فكان إذا
348

دخل الخلاء وضعه وله شاهد من حديث ابن عباس رواه الجوزقاني في الأحاديث الضعيفة وينظر
في سنده فإن رجاله ثقات إلا محمد بن إبراهيم الرازي فإنه متروك انتهى كلام الحافظ
(باب ما جاء في الصورة)
المراد بيان حكمها من جهة مباشرة صنعتها ثم من جهة استعمالها واتخاذها
قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصورة في البيت) أي عن اتخاذها وإدخالها فيه لأن الملائكة
لا تدخل بيتا فيه كلب ولا تصاوير كما في حديث أبي طلحة عند الشيخين والمراد بالبيت المكان
الذي يستقر فيه الشخص سواء كان بناء أو خيمة أم غير ذلك قال النووي في شرح مسلم قال
أصحابنا وغيرهم من العلماء تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر لأنه
متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث وسواء صنعه لما يمتهن أو لغيره فصنعته
حرام بكل حال لأن فيه مضاهاة بخلق الله تعالى وسواء ما كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار
أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها وأما تصوير صورة الشجر ورحال الإبل وغير ذلك مما ليس فيه
صورة حيوان فليس بحرام هذا حكم نفس التصوير وأما اتخاذ المصور فيه صور حيوان فإن كان
معلقا على حائط أو ثوبا ملبوسا أو عمامة ونحو ذلك مما لا يعد ممتهنا فهو حرام وإن كان في بساط
يداس ومخدة ووسادة ونحوها مما يمتهن فليس بحرام ولا فرق في هذا كله بين ماله ظل ومالا ظل
له هذا تلخيص مذهبنا في المسألة وبمعناهن قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم
وهو مذهب الثوري ومالك وأبي حنيفة وغيرهم وقال بعض السلف إنما ينهى عما كان له ظل
ولا بأس بالصور التي ليس لها ظل وهذا مذهب باطل وإن الستر الذي أنكر النبي صلى الله عليه وسلم الصورة
فيه لا يشك أحد أنه مذموم وليس لصورته ظل مع باقي الأحاديث المطلقة في كل صورة وقال
الزهري: النهي في الصورة على العموم وكذلك استعمال ما هي فيه ودخول البيت الذي هي فيه
سواء كانت رقما أو غير رقم وسواء كانت في حائط أو ثوب أو بساط ممتهن أو غير ممتهن
عملا بظاهر الأحاديث لا سيما حديث النمرقة الذي ذكره مسلم وهذا مذهب قوي وقال
آخرون يجوز منها ما كان رقما في ثوب سواء امتهن أم لا وسواء علق في حائط أم لا وكرهوا ما
349

كان له ظل أو كان مصورا في الحيطان وشبهها سواء كان رقما أو غيره واحتجوا بقوله في بعض
أحاديث الباب إلا ما كان رقما في ثوب وهذا مذهب القاسم بن محمد وأجمعوا على منع ما
كان له ظل ووجوب تغييره انتهى كلام النووي
قلت: قال ابن العربي إن الصورة التي لا ظل لها إذا بقيت على هيئتها حرمت سواء كانت
مما يمتهن أم لا وإن قطع رأسها أو فرقت هيئتها جاز انتهى وهذا القول هو الأحوط عندي وهو
المنقول عن الزهري وقواه النووي كما عرفت آنفا وقال ابن عبد البر إنه أعدل الأقوال
فائدة: روى البخاري عن عائشة قالت كنت ألعب بالبنات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لي
صواحب يلعبن معي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل ينقمعن منه فيسر بهن إلي فيلعبن معي قال
الحافظ استدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات واللعب من أجل لعب البنات بهن
وخص بذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور وبه جزم عياض ونقله عن الجمهور وأنهم أجازوا
بيع اللعب للبنات لتدريهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن قال وذهب بعضهم إلى أنه
منسوخ وإليه مال ابن بطال وحكى عن ابن أبي زيد عن مالك أنه كره أن يشتري الرجل لابنته
الصور ومن ثم رجح الداودي أنه منسوخ وقد ترجم ابن حبان لصغار النساء اللعب باللعب
وترجم له النسائي إباحة الرجل لزوجته اللعب بالبنات فلم يقيد بالصغر وفيه نظر قال البيهقي
بعد تخريجه ثبت النهي عن اتخاذ الصور فيحمل على أن الرخصة لعائشة في ذلك كان قبل
تحريم وبه جزم ابن الجوزي وقال المنذري إن كانت اللعب كالصورة فهو قبل التحريم
وإلا فقد يسمى ما ليس بصورة لعبة وبهذا جزم الحليمي فقال إن كانت صورة كالوثن لم يجز
وإلا جاز انتهى
قلت: قول الحليمي هو المختار عندي والله تعالى أعلم
قوله: (وفي الباب عن علي وأبي طلحة وعائشة وأبي هريرة وأبي أيوب) أما حديث علي
فأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه عنه مرفوعا لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة
ولا جنب ولا كلب قال المنذري كلهم من رواية عبد الله بن يحيى قال البخاري فيه نظر وأما
حديث أبي طلحة فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث عائشة فأخرجه الشيخان وعنها
350

في الباب أحاديث وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في باب إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه
صورة ولا كلب من أبواب الاستئذان والأدب وأما حديث أبي أيوب فلينظر من أخرجه
قوله: (يعوده) أي لعيادته في مرضه (فوجد عنده) أي عند أبي طلحة (سهل بن حنيف)
بصيغة التصغير (ينزع نمطا تحته) أي ليخرج نمطا كان تحته والنمط بفتح النون والميم وهو ظهارة
الفراش وقيل ظهر الفراش ويطلق أيضا على بساط لطيف له خمل يجعل على الهودج وقد يجعل
سترا (لم تنزعه) أي لأي سبب تخرجه من تحتك (لأن فيها) وفي رواية مالك في الموطأ لأن فيه
بتذكير الضمير وهو الظاهر أي في ذلك النمط (ما قد علمت) أي من أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه
صورة (إلا ما كان رقما) بالفتح أي نقشا قال النووي يحتج به من يقول إباحة ما كان رقما
مطلقا وجوابنا وجواب الجمهور عنه أنه محمول على رقم على صورة الشجر وغيره ما ليس
بحيوان وقد قدمنا أن هذا جائز عندنا انتهى وقال الحافظ في الفتح قال ابن العربي حاصل
ما في اتخاذ الصور أنها إن كانت ذات أجسام حرم بالإجماع وإن كانت رقما فأربعة أقوال
الأول: يجوز مطلقا على ظاهر قوله في حديث الباب إلا رقما في ثوب الثاني المنع مطلقا حتى
الرقم الثالث إن كانت الصورة باقية الهيئة قائمة الشكل حرم وإن قطعت الرأس أو تفرقت
الأجزاء جاز قال وهذا هو الأصح الرابع إن كان مما يمتهن جاز وإن كان معلق لم يجز انتهى
وقد حكم ابن عبد البر على القول الثالث بأنه أعدل الأقوال كما في التعليق الممجد (قال بلى) أي قد
قال ذلك (أطيب لنفسي) أي أطهر واختيار الأولى
واستدل بهذا الحديث على أن التصاوير إذا كانت في فراش أو بساط أو وسادة فلا بأس بها
قال محمد في موطئه بعد رواية هذا الحديث ما لفظه وبهذا نأخذ ما كان فيه من تصاوير من بساط
يبسط أو فراش يفرش أو وسادة فلا بأس بذلك إنما يكره من ذلك في الستر وما ينصب نصبا
وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا انتهى
قلت: في الاستدلال بهذا الحديث على هذا المطلوب نظر من وجهين الأول أن المراد
بقوله إلا ما كان رقما في ثوب غير الحيوان جمعا بين الأحاديث كما صرح به النووي
351

والثاني أنه لو كان المراد مطلق التصاوير سواء كان للحيوان أو لغيره لزم أن يكون اتخاذ التصاوير
كلها جائزا سواء كانت في الستر أو في ما ينصب نصبا أو في البساط والوسادة لأنه مطلق ليس فيه
تقييد بكونها في البساط أو غيره وهو كما ترى
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مالك في الموطأ
(باب ما جاء في المصورين)
قوله: (من صور صورة) كذا أطلق وظاهره التعميم فيتناول صورة ما لا روح فيه لكن
الذي فهم ابن عباس من بقية الحديث التخصيص بصورة ذوات الأرواح من قوله كلف أن ينفخ
فيها الروح فاستثنى ما لا روح فيه كالشجر (عذبه الله حتى ينفخ فيها) أي في تلك الصورة قال
الحافظ استعمال حتى هنا نظير استعمالها في قوله تعالى (حتى يلج الجمل في سم الخياط)
وكذا قولهم لا أفعل كذا حتى يشيب الغراب أي لا يمكنه ذلك فيكون معذبا
دائما وقد استشكل هذا الوعيد في حق المسلم فإن وعيد القاتل عمدا ينقطع عند أهل السنة
مع ورود تخليده بحمل على مدة مديدة وهذا الوعيد أشد منه لأنه مغيا بما لا يمكن وهو
نفخ الروح فلا يصح أن يحمل على أن المراد أنه يعذب زمانا طويلا ثم يتلخص والجواب أنه
يتعين تأويل الحديث على أن المراد به الزجر الشديد بالوعيد بعقاب الكافر أبلغ في
الارتداع وظاهره غير مراد وهذا في حق المعاصي بذلك وأما من فعله مستحلا فلا إشكال فيه
قال النووي في شرح مسلم هذه الأحاديث يعني حديث ابن عباس وغيره صريحة في تحريم
تصوير الحيوان وأنه غليظ التحريم وأما الشجر ونحوه مما لا روح فيه فلا يحرم صنعته ولا
التكسب به وسواء الشجر المثمر أو غيره وهذا مذهب العلماء كافة إلا مجاهدا فإنه جعل الشجر
المثمر من المكوره قال القاضي لم يقله أحد غير مجاهد واحتج مجاهد بقوله تعالى ومن أظلم ممن
352

ذهب يخلق خلقا كخلقي واحتج الجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم ويقال لهم أحيوا ما خلقتم أي اجعلوه
حيوانا ذا روح كما ضاهيتم وعليه رواية ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي ويؤيده
حديث ابن عباس إن كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له انتهى (ومن استمع إلى
حديث قوم يفرون منه) أي يبتعدون منه ومن استماعه كلامهم (صب) بضم صاد مهملة وتشديد
موحدة أي سكب (في أذنه الانك) بالمد وضم النون ومعناه الأسرب بالفارسية وفي النهاية هو
الرصاص الأبيض وقيل الأسود وقيل الخالص (يوم القيامة) الجملة دعاء كذا قيل والأظهر
أنه إخبار كما يدل عليه السابق واللاحق
قوله: (وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وأبي هريرة وأبي جحيفة وعائشة وابن عمر) أما
حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه الشيخان عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أشد الناس
عذابا عند الله المصورون وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد والشيخان عنه قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تعالى ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة أو
ليخلقوا حبة أو شعيرة وأما حديث أبي جحيفة فأخرجه البخاري في باب من لعن المصور وأما
حديث عائشة فأخرجه الشيخان وأما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم
قوله: (حديث بن عباس حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري
(باب ما جاء في في الخضاب)
أي تغيير لون شيب الرأس واللحية
قوله: (غيروا الشيب) أي بالخضاب (ولا تشبهوا) بحذف إحدى التاءين (باليهود) أي في
ترك خضاب الشيب وفي رواية أحمد وابن حبان زيادة والنصارى وفي رواية الشيخين أن
353

اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم قال في النيل يدل هذا الحديث على أن العلة في شرعية
الصباغ وتغيير الشيب هي مخالفة اليهود والنصارى وبهذا يتأكد استحباب الخضاب وقد كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يبالغ في مخالفة أهل الكتاب ويأمر بها وهذه السنة قد كثر اشتغال السلف بها
ولهذا ترى المؤرخين في التراجم لهم يقولون وكان يخضب وكان لا يخضب قال ابن الجوزي قد
اختضب جماعة من الصحابة والتابعين وقال أحمد بن حنبل وقد رأى رجلا قد خضب لحيته إني
لأرى رجلا يحيي ميتا من السنة وفرح به حين رآه صبغ بها انتهى
قوله: (وفي الباب عن الزبير وابن عباس وجابر وأبي ذر وأنس وأبي رمثة والجهدمة وأبي
الطفيل وجابر بن سمرة وأبي جحيفة وابن عمر) أما حديث الزبير وهو ابن العوام فأخرجه ابن أبي
عاصم من حديث هشام عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود
كذا في عمدة القاري ورواه النسائي أيضا وأما حديث ابن عباس فأخرجه أبو داود والنسائي عنه
مرفوعا يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد الحديث وسيأتي بتمامه وأخرجه أيضا وابن
حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الاسناد وأما حديث جابر وهو ابن عبد الله فأخرجه
الجماعة إلا البخاري والترمذي عنه قال جئ بأبي قحافة يوم الفتح الحديث وسيأتي بتمامه وأما
حديث أبي ذر فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث أنس فأخرجه أحمد وسيأتي وأما
حديث أبي رمثة فأخرجه أحمد عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يخضب بالخاء والكتم وكان شعره يبلغ
كتفيه أو منكبيه وفي لفظ لأحمد والنسائي وأبي داود أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أبي
وله لمة بها ردع من حناء ردع بالعين المهملة أي لطخ يقال به ردع من دم أو زعفران كذا في
المنتقى والنيل وأما حديث الجهدمة وأبي الطفيل وجابر بن سمرة وأبي جحيفة فلينظر من
أخرجها وأما حديث ابن عمر فأخرجه النسائي
قوله: (وحديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرج معناه الشيخان وغيرهما
قوله: (إن أحسن ما غير) بصيغة المجهول (به) الباء للسببية (الشيب) نائب الفاعل (الحناء
354

والكتم) بالرفع وهو خبر إن والكتم بفتحتين وتخفيف التاء قال في النهاية قال أبو عبيد الكتم
بتشديد التاء والمشهور التخفيف وهو نبت يخلط مع الوسمة ويصبغ به الشعر أسود وقيل هو
الوسمة ومنه حديث إن أبا بكر كان يصبغ بالحناء والكتم ويشبه أن يراد استعمال الكتم مفردا
عن الحناء فإن الحناء إذا خضب به مع الكتم جاء أسود وقد صح النهي عن السواد ولعل
الحديث بالحناء أو الكتم على التخيير ولكن الروايات على اختلافها بالحناء والكتم انتهى وقال
الحافظ في الفتح وهذا يحتمل أن يكون على التعاقب ويحتمل الجمع وقد أخرج مسلم من
حديث أنس قال اختضب أبو بكر بالحناء والكتم واختضب عمر بالحناء بحتا وقوله بحتا
بموحدة مفتوحة ومهملة ساكنة بعدها مثناة أي صرفا هذا يشعر بأن أبا بكر كان يجمع بينهما
دائما والكتم نبات باليمن يخرج الصبغ أسود يميل إلى الحمرة وصبغ الحناء أحمر فالصبغ بهما
معا يخرج بين السواد والحمرة انتهى
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة
قوله: (وأبو الأسود الديلي إلخ) قال في التقريب بكسر المهملة وسكون التحتانية ويقال
الدؤلي بالضم بعدها همزة مفتوحة البصري اسمه ظالم بن عمرو بن سفيان ويقال عمرو بن
ظالم ويقال بالتصغير فيهما ويقال عمرو بن عثمان أو عثمان بن عمرو ثقة فاضل مخضرم انتهى
فائدة: قال الحافظ في الفتح قد تمسك به يعني بحديث أبي هريرة المذكور من أجاز
الخضاب بالسواد وقد تقدمت في باب ذكر بني إسرائيل من أحاديث الأنبياء مسألة استثناء
الخضب بالسواد لحديثي جابر وابن عباس وأن من العلماء من رخص فيه في الجهاد ومنهم من
رخص فيه مطلقا وأن الأولى كراهته وجنح النووي إلى أنه كراهة تحريم وقد رخص فيه طائفة
من السلف منهم سعد بن أبي وقاص وعقبة بن عامر والحسن والحسين وجرير وغير واحد واختاره
ابن أبي عاصم في كتاب الخضاب له وأجاب عن حديث ابن عباس رفعه يكون قوم يخضبون
بالسواد لا يجدون ريح الجنة بأنه لا دلالة فيه على كراهة الخضاب بالسواد بل فيه الاخبار عن قوم
هذه صفتهم وعن حديث جابر جنبوه السواد بأنه في حق من صار شيب رأسه مستشبعا ولا
يطرد ذلك في حق كل أحد انتهى وما قاله خلاف ما يتبادر من سياق الحديثين نعم يشهد له ما
أخرجه هو عن ابن شهاب قال كنا نخضب بالسواد إذا كان الوجه جديدا فلما نغض الوجه
والأسنان تركناه وقد أخرج الطبراني وابن أبي عاصم من حديث أبي الدرداء رفعه من خضب
355

بالسواد سود الله وجهه يوم القيامة وسنده لين ومنهم من فرق في ذلك بين الرجل والمرأة فأجازه لها
دون الرجل واختاره الحليمي وأما خضب اليدين والرجلين فلا يجوز للرجال إلا في التداوي
انتهى كلام الحافظ
قلت: من أجاز الخضاب بالسواد استدل بأحاديث منها حديث أبي هريرة المذكور فإن
قوله صلى الله عليه وسلم: غيروا الشيب بإطلاقه يشمل التغير بالسواد أيضا ووقع في رواية البخاري وغيره
" إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم " قال الحافظ ابن أبي عاصم قوله فخالفوهم
إباحة منه أن يغيروا الشيب بكل ما شاء المغير له إذ لم يتضمن قوله خالفوهم أن أصبغوا بكذا
وكذا دون كذا وكذا انتهى
ومنها حديث جابر قال أتى بأبي قحافة أو جاء عام الفتح أو يوم الفتح وبرأسه ولحيته مثل
الثغام أو الثغامة فأمر أو فأمر به إلى نسائه قال غيروا هذا بشئ فإن قوله صلى الله عليه وسلم غيروا هذا بشئ
بإطلاقه يشمل التغيير بالسواد أيضا
وأجاب المانعون عن هذين الحديثين بأن المراد بالتغيير فيهما بغير السواد فإن حديث
جابر هذا رواه مسلم من طرق ابن جريج عن أبي الزبير عنه وزاد واجتنبوا السواد في هذه
الزيادة دلالة واضحة على أن المراد بالتغيير في الحديثين المذكورين التغيير بغير السواد
وأجابا المجوزون عن هذه الزيادة بأن في كونها من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرا ويؤيده أن
ابن جريج راوي الحديث عن أبي الزبير كان يخضب بالسواد كما ستقف عليه
ومنها حديث أبي ذر المذكور فإنه يدل على استحباب الخضاب بالحناء مخلوطا بالكتم وهو
يسود الشعر
وأجيب عنه بأن الخلط يختلف فإن غلب الكتم أسود وكذا إن استويا وإن غلب الحناء
أحمر والمراد بالخلط في الحديث إذا كان الحناء غالبا على الكتم جمعا بين الأحاديث
وفيه أن الحديث مطلق ليس مقيدا بصورة دون صورة ووجه الجمع ليس بمنحصر فيما
ذكر ومنها حديث صهيب رواه ابن ماجة قال حدثنا أبو هريرة الصيرفي محمد بن فراس حدثنا
عمر بن الخطاب بن زكريا الراسي حدثنا دفاع بن دغفل السدوسي عن عبد الحميد بن صيفي
عن أبيه على جده صهيب الخير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أحسن ما اختضبتم به لهذا السواد
أرغب لنسائكم فيكم وأهيب لكم في صدور عدوكم ويؤيد هذا الحديث ما روى عن عمر بن
الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه كان يأمر بالخضاب بالسواد ويقول هو تسكين للزوجة وأهيب
للعدور وذكره العيني في العمدة
356

وأجاب المانعون عن هذا الحديث بوجهين أحدهما أن دفاع بن دغفل وعبد الحميد بن
صيفي ضعيفان كما في التقريب وثانيهما أن عبد الحميد بن صيفي (وهو عبد الحميد بن زياد بن
صيفي) عن أبيه عن جده لا يعرف سماع بعضهم من بعض قاله البخاري كما في الميزان
وأجيب عن الوجه الأول بأن دفاع بن دغفل ضعفه أبو حاتم ووثقه ابن حبان قاله
الذهبي في الميزان وقال الحافظ في تهذيب التهذيب قال أبو حاتم ضعيف الحديث وذكره ابن
حبان في الثقات فتضعيف أبي حاتم وقوله ضعيف الحديث غير قادح لأنه لم يبين السبب قال
الزيعلي في نصب الرواية في الكلام على معاوية بن صالح وقول أبي حاتم لا يحتج به غير
قادح فإنه لم يذكر السبب وقد تكررت هذه اللفظة منه في رجال كثيرين من أصحاب الصحيح
للثقات الأثبات من غير بيان السبب كخالد الحذاء وغيره انتهى فتوثيق ابن حبان هو المعتمد
وعبد الحميد بن صيفي لم يثبت فيه جرح مفسر وقال أبو حاتم هو شيخ وذكره ابن حبان في
الثقات
وأجيب عن الوجه الثاني بأن قول الإمام البخاري لا يعرف سماع بعضهم من بعض مبني
على ما اشترطه في قبول الحديث المعنعن من بقاء بعض رواته من بعض ولو مرة وأما الجمهور فلم
يشترطوا ذلك والمسألة مذكورة مبسوطة في مقامها
ومنها حديث عائشة مرفوعا إذا خطب أحدكم المرأة وهو يخضب بالسواد فليعلم ما أنه
يخضب رواه الديلمي في مسند الفردوس
وأجيب عنه بأنه ضعيف لضعف عيسى بن ميمون قاله المناوي
واستدل المجوزون أيضا بأن جمعا من الصحابة رضي الله تعالى عنهم من الخلفاء الراشدين
في غيرهم قد اختضبوا بالسواد ولم ينقل الانكار عليهم من أحد فمنهم أبو بكر رضي الله عنه
روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فكان أسن الصحابة
أبو بكر فعلها بالحناء حتى قنأ لونها وفي القاموس قنأ لحيته سودها كفنأها انتهى وفي
المنجد قنأ قنوء الشئ اشتدت حمرته اللحية من الخضاب اسودت قنأ قنأ وقنأ تقنئة وتقنيأ لحيته
سودها بالخضاب قنأ الشئ حمره شديدا انتهى
وأجيب عنه بأن المراد بقوله حتى قنأ لونها اشتد حمرتها ففي النهاية في باب القاف مع
النون مررت بأبي بكر فإذا لحيته قانئة وفي حديث آخر وقد قنأ لونها أي شديدة الحمرة
انتهى وقال الحافظ في الفتح قوله حتى قنأ بفتح القاف والنون والهمزة أي اشتدت حمرتها
357

انتهى وقال العيني أي حتى اشتد حمرتها حتى ضربت إلى السواد انتهى وروى عن قيس بن
أبي حازم قال كان أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه يخرج إلينا وكأن لحيته ضرام العرفج من
الحناء والكتم ذكره العيني في العمدة قال الجوزي في النهاية بعد ذكر هذا الأثر الضرم لهب
النار شبهت به لأنه كان يخضبها بالحناء وقال في مادة (ع ر ف) العرفج شجر معروف صغير
سريع الاشتعال بالنار وهو من نبات الصيف
ومنهم عثمان رضي الله عنه قال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد قد صح عن الحسن
والحسين رضي الله عنهما أنهما كانا يخضبان بالسواد ذكر ذلك ابن جرير عنهما في كتاب تهذيب
الآثار وذكره عن عثمان بن عفان وعبد الله بن جعفر وسعد بن أبي وقاص وعقبة بن عامر
والمغيرة بن شعبة وجرير بن عبد الله وعمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين وحكاه عن جماعة
من التابعين منهم عمرو بن عثمان وعلي بن عبد الله بن عباس وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعبد
الرحمن بن الأسود وموسى بن طلحة والزهري وأيوب وإسماعيل بن معد يكرب رضي الله عنهم
أجمعين وحكاه ابن الجوزي عن محارب بن دثار ويزيد وابن جريج وأبي يوسف وأبي إسحاق وابن
أبي ليلى وزياد بن علافة وغيلان بن جامع ونافع بن جبير وعمرو بن علي المقدمي والقاسم بن
سلام رضي الله عنهم أجمعين انتهى
قلت وكان ممن يخضب بالسواد ويقول به محمد بن إسحاق صاحب المغازي والحجاج بن
أرطأة والحافظ بن أبي عاصم وابن الجوزي ولهما رسالتان مفردتان في جواز الخضاب بالسواد وابن
سيرين وأبو بردة وعروة بن الزبير وشرحبيل بن السمط وعنبسة بن سعيد وقال إنما شعرك بمنزلة
ثوبك فاصبغه بأي لون شئت وأحبه إلينا أحلكه
وأجيب عن ذلك بأن خضب هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم بالسواد ينفيه
الأحاديث المرفوعة فلا يصلح للاحتجاج وأما عدم نقل الانكار فلا يستلزم عدم وقوعه وفيه أن
الأحاديث المرفوعة في هذا الباب مختلفة فبعضها ينفيه وبعضها لا بل يثبته ويؤيده فتفكر
واستدل المانعون عن الخضاب بالسواد بأحاديث منها حديث جابر الذي رواه مسلم من
طريق ابن جريج عن أبي الزبير عنه قال أتى بأبي قحافة يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم غيروا هذا بشئ واجتنبوا السواد فقوله صلى الله عليه وسلم واجتنبوا السواد دليل
واضح على النهي عن الخضاب بالسواد
وأجيب عنه بأنه قوله واجتنبوا السواد مدرج في هذا الحديث وليس من كلام
358

النبي صلى الله عليه وسلم والدليل على ذلك أن مسلما روى هذا الحديث عن أبي خيثمة عن أبي الزبير عن جابر
إلى قوله غيروا هذا الشئ فحسب ولم يزد فيه قوله واجتنبوا السواد وقد سأل زهير أبا الزبير
هل قال جابر في حديثه جنبوه السواد فأنكر وقال لا ففي مسند أحمد حدثنا عبد الله حدثني أبي
حدثنا حسن وأحمد بن عبد الملك قالا حدثنا زهير عن
أبي الزبير عن جابر قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي قحافة أو جاء عام الفتح ورأسه ولحيته مثل الثغام
أو مثل الثغامة قال حسن فأمر به إلى نسائه قال غيروا هذا الشيب قال حسن قال زهير قلت
لأبي الزبير قال جنبوه السواد قال لا انتهى وزهير هذا هو زهير بن معاوية المكنى بأبي خيثمة
أحد الثقات الأثبات وحسن هذا هو حسن بن موسى أحد الثقات
ورد هذا الجواب بأن حديث جابر هذا رواه ابن جرير والليث بن سعد وهما ثقتان ثبتان
عن أبي الزبير عنه مع زيادة قوله واجتنوا السواد كما عند مسلم وأحمد وغيرهما وزيادة الثقات
الحفاظ مقبولة والأصل عدم الادراج وأما قول أبي الزبير لا في جواب سؤال زهير فمبني عليه أنه
قد نسي هذه الزيادة وكم من محدث قال قد نسي حديثه بعدما أحدثه وخضب ابن جريج بالسواد لا
يستلزم كون هذه الزيادة مدرجة كما لا يخفى
ومنها حديث ابن عباس رواه أبو داود وغيره عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون قوم
يخضبون في آخر الزمان بالسواد كخواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة فهذا الحديث صريح في
حرمة الخضاب بالسواد
وأجاب المجوزون عن هذا الحديث بوجوه ثلاثة
الأول: أن في سند عبد الكريم بن أبي المخارق أبا أمية كما صرح به ابن الجوزي وهو
ضعيف لا يحتج بحديثه
وقد رد هذا الجواب بأن عبد الكريم هذا ليس هو ابن المخارق أبا أمية بل هو عبد
الكريم بن مالك الجزري أبو سعيد وهو من الثقات قال الحافظ بن حجر في القول المسدد
أخطأ ابن الجوزي فإنما فيه عبد الكريم الجزري الثقة المخرج له في الصحيح انتهى وقال الحافظ
المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث ذهب بعضهم إلى أن عبد الكريم هذا هو ابن أبي
المخارق وضعف الحديث بسببه والصواب أنه عبد الكريم بن مالك الجزري وهو ثقة احتج به
الشيخان وغيرهما انتهى
والثاني: أن الوعيد الشديد المذكور في هذا الحديث ليس على الخضب بالسواد بل على
359

معصية أخرى لم تذكر كما قال الحافظ ابن أبي عاصم ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم يكون قوم
يخضبون في آخر الزمان بالسواد وقد عرفت وجود طائفة قد خضبوا بالسواد في أول الزمان وبعده
من الصحابة والتابعين وغيرهم رضي الله عنهم فظهر أن الوعيد المذكور ليس على الخضب
بالسواد إذا لو كان الوعيد على الخضب بالسواد لم يكن لذكر قوله في آخر الزمان فائدة
فالاستدلال بهذا الحديث على كراهة الخضب بالسواد ليس بصحيح
والثالث: أن المراد بالخضب بالسواد في هذا الحديث الخضب به لغرض التلبيس والخداع
لا مطلقا جمعا بين الأحاديث المختلفة وهو حرام بالاتفاق
ومنها حديث أنس رواه أحمد في مسنده عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غيروا الشيب ولا
تقربوه السواد
وأجيب عنه بأن في سنده ابن لهيعة وهو ضعيف قال الحافظ في التلخيص قال البيهقي
أجمع أصحاب الحديث على ضعف ابن لهيعة وترك الاحتجاج بما ينفرد به انتهى ثم هو مدلس
ورواه عن خالد بن أبي عمران بالعنعنة
ومنها حديث أبي الدرداء مرفوعا من خضب بالسواد سود الله وجهه يوم القيامة أخرجه
الطبراني وابن أبي عاصم
ومنها حديث ابن عمر مرفوعا الصفرة خضاب المؤمن والحمرة
خضاب المسلم والسواد خضاب الكافر أخرجه الطبراني والحاكم
ومنها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه من غير البياض بالسواد لم ينظر الله
إليه ذكره الحافظ في لسان الميزان
وأجيب عن هذه الأحاديث الثلاثة بأنها ضعيفة لا يصلح واحد منها للاحتجاج أما
الأول: فقد ضعفه الحافظ في الفتح كما عرفت وأما الثاني فقال المناوي في التيسير أنه منكر
وأما الثالث ففي سنده محمد بن مسلم العنبري وهو ضعيف كما في الميزان واللسان
هذا وقد ذكرنا دلائل المجوزين والمانعين مع بيان مالها وما عليها فعليك أن تتأمل فيها
وقد جمع الحافظ ابن القيم في زاد المعاد بين حديث جابر وحديث ابن عباس المذكورين بوجهين
فقال فإن قيل قد ثبت في صحيح مسلم النهي عن الخضاب بالسواد والكتم يسود الشعر
فالجواب من وجهين أحدهما أن النهي عن التسويد البحت فأما إذا أضيف إلى الحناء شئ آخر
كالكتم ونحوه فلا بأس به فإن الكتم والحناء يجعل الشعر بين الأحمر والأسود بخلاف الوسمة فإنها
360

تجعله أسود فاحما وهذا أصح الجوابين الجواب الثاني أن الخضاب بالسواد المنهي عنه خضاب
التدليس كخضاب شعر الجارية والمرأة الكبيرة تغر الزوج والسيد بذلك وخضاب الشيخ يغر المرأة
بذلك فإنه من الغش والخداع فأما إذا لم يتضمن تدليسا ولا خداعا فقد صح عن الحسن
والحسين رضي الله عنهما أنهما كانا يخضبان بالسواد الخ
قلت: الجواب الأول هو أحسن الأجوبة بل هو المتعين عندي وحاصله أن أحاديث النهي
عن الخضب بالسواد محمولة على التسويد البحت والأحاديث التي تدل على إباحة الخضب
بالسواد محمولة على التسويد المخلوط بالحمرة هذا ما عندي والله تعالى أعلم
(باب ما جاء في الجمة واتخاذ الشعر)
الجمة بضم الجيم وشدة الميم هي من شعر الرأس ما سقط على المنكبين والوفرة هي
شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن واللمة بكسر اللام وشدة الميم هي الشعر المتجاوز
شحمة الأذن ويكون دون الجمة
قوله: (ربعة) بفتح الراء وسكون الموحدة وقد تفتح يقال رجل ربعة ومربوع إذا كان بين
الطويل والقصير (ليس بالطويل ولا بالقصير) تفسير وبيان لربعة (ليس بجعد ولا سبط) بكسر
الموحدة وفتحها وسكونها وهو من السبوطة ضد الجعودة وهو الشعر المنبسط كما في غالب
شعور الأعاجم ففي القاموس السبط ويحرك وككتف نقيض الجعد وفيه الجعد من الشعر
خلاف السبط أو القصير منه جعد ككرم جعودة وجعادة وتجعد وجعده وهو جعد وهي بهاء انتهى
(إذا مشى يتكفأ) أي يتمايل إلى قدام وقيل أي يرفع القدم من الأرض ثم يضعها ولا يمسح قدمه
على الأرض كمشي المتبختر كأنما ينحط من صبب أي يرفع رجله من قوة وجلادة والأشبه أن
تكفأ بمعنى صب الشئ دفعة
361

قوله: (وفي الباب عن عائشة والبراء وأبي هريرة وابن عباس وأبي سعيد ووائل بن حجر
وجابر وأم هانئ) أما حديث عائشة فأخرجه الشيخان بلفظ قالت كنت أرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأنا حائض وأما حديث البراء فأخرجه الشيخان أيضا بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مريوعا بعيد ما
بين المنكبين له شعر بلغ شحمه أذنيه الحديث وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود مرفوعا
بلفظ من كان له شعر فليكرمه وأما حديث ابن عباس فأخرجه الشيخان وفيه ذكر فرق
الناصية وأما حديث أبي سعيد فلينظر من أخرجه وأما حديث وائل فأخرجه داود والنسائي
وابن ماجة وأما حديث جابر فأخرجه أبو داود والنسائي عنه قال أتانا النبي صلى الله عليه وسلم فرأى رجلا ثائر
الرأس فقال أما يجد هذا ما يسكن به شعره وهذا لفظ النسائي وأما حديث أم هانئ فأخرجه
الترمذي فيما بعد في باب بغير ترجمة
قوله: (حديث أنس حديث حسن غريب صحيح الخ) أصله في الصحيحين
قوله: (كنت أغتسل أنا ورسول الله) يحتمل أن يكون مفعولا معه ويحتمل أن يكون عطفا
على الضمير وهو من باب تغليب المتكلم على الغائب لكونها هي السبب في الاغتسال فكأنها أصل
في الباب (وكان له شعر فوق الجمة ودون الوفرة) بفتح الواو وسكون الفاء بعده راء ما وصل إلى
شحمة الأذن كذا في جامع الأصول والنهاية وشرح السنة وهذا بظاهر يدل على أن شعره صلى الله عليه وسلم
كان أمرا متوسطا بين الجمة والوفرة وليس بجمة ولا وفرة لكن جاء في بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم
كان له جمة ولعل ذلك باعتبار اختلاف أحواله صلى الله عليه وسلم
قوله: (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه أيضا في الشمائل بهذا اللفظ
362

تنبيه اعلم أن أبا داود أخرج هذا الحديث في سننه من طريق ابن أبي الزناد عن هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة بلفظ كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق الوفرة ودون الجمة فلفظ أبي داود
هذا عكس لفظ الترمذي قال الحافظ في الفتح وجمع بينها شيخنا في شرح الترمذي بأن المراد
بقوله: فوق ودون بالنسبة إلى المحل وتارة بالنسبة إلى الكثرة والقلة فقوله فوق الجمة أي أرفع في
المحل وقوله دون الجمة أي في القدر وكذا بالعكس وهو جمع جيد لولا أن مخرج الحديث
متحد انتهى كلام الحافظ وقال في فتح الودود بعد ذكر الاختلاف بين لفظ الترمذي وأبي داود ما
لفظه فتحمل رواية الترمذي على أن المراد بقوله فوق ودون بالنسبة إلى محل وصول الشعر أي
أن شعره صلى الله عليه وسلم كان أرفع في الملح من الجمة وأنزل فيه من الوفرة وفي رواية أبي داود بالنسبة إلى
طول الشعر وقصرها أي أطول من الوفرة وأكثر من الجمة فلا تعارض بين الروايتين انتهى (ولم
يذكروا فيه هذا الحرف) أي هذه الجملة فالمراد بقوله الحرف الجملة وقد بينه بقوله وكان له شعر
فوق الجمة (وهو ثقة حافظ) يعني وزيادة الثقة لحافظ مقبولة
(باب ما جاء في النهي عن الترجل إلا غبا)
قوله: (عن هشام) هو ابن حسان الأزدي الفردوس (عن الحسن) هو البصري
قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الترجل) قال في النهاية الترجل والترجيل تسريح الشعر
وتنظيفه وتحسينه انتهى (إلا غبا) بكسر الغين المعجمة وشدة الموحدة قال القاضي الغب أن
يفعل يوما ويترك يوما والمراد به النهي عن المواظبة عليه والاهتمام به لأنه مبالغة في التزيين وتهالك
في التحسين انتهى وقال في النهاية زرغبا تزدد حبا الغب من أوراد الإبل أن ترد الماء يوما
وتدعه يوما ثم تعود فنقله إلى الزيارة وإن جاء بعد أيام يقال غب الرجل إذا جاء زائرا بعد أيام
وقال الحسن: في كل أسبوع ومنه الحديث اغبوا في عيادة المريض أي لا تعوده في كل يوم لما
363

يجد من ثقل العواد انتهى والحديث يدل على كراهة الاشتغال بالترجيل في كل يوم لأنه نوع من
الترفة وقد ثبت عن فضالة بن عبيد عند أبي داود أنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهانا عن كثير
من الارفاه
فإن قلت ما وجه التوفيق بين حديث الباب وبين ما رواه النسائي عن أبي قتادة أنه كانت له
جمة ضخمة فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يحسن إليها وأن يترجل كل يوم ورجال إسناده كلهم
رجال الصحيح
قلت: قال المناوي حديث أبي قتادة محمول على أنه كان محتاجا للترجيل كل يوم لغزارة
شعره أو هو لبيان الجواز وذكر الحافظ السيوطي في حاشية أبي داود قال الشيخ ولي الدين
العراقي في حديث أبي داود نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتمشط أحدنا كل يوم هو نهي تنزيه لا تحريم
والمعنى فيه أنه من باب الترفه والتنعم فيجتنب ولا فرق في ذلك بين الرأس واللحية قال فإن
قلت روى الترمذي في الشمائل عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته
قلت لا يلزم من الاكثار التسريح كل يوم بل الاكثار قد يصدق على الشئ الذي يفعل بحسب
الحاجة
فإن قلت نقل أنه كان يسرح لحيته كل يوم مرتين
قلت لم أقف على هذا بإسناد ولم أر من ذكره إلا الغزالي في الاحياء ولا يخفى ما فيه من
الأحاديث التي لا أصل إليها
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي قال أبو الوليد
الباجي وهذا الحديث وإن كان رواته ثقات إلا أنه لا يثبت وأحاديث الحسن عن عبد الله بن
مغفل فيها نظر قال المنذري بعد نقل كلام الباجي هذا ما لفظه وفي ما قاله نظر وقد قال الإمام أحمد
ويحيى بن معين وأبو حاتم الرازي إن السن سمع من عبد الله بن مغفل وقد صحح
الترمذي حديثه عنه غير أن الحديث في إسناده اضطراب انتهى
قوله: (وفي الباب عن أنس) أخرجه الترمذي في شمائله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر
دهن رأسه وتسريح لحيته ويكثر القناع حتى كأن ثوبه ثوب زيات
364

(باب ما جاء في الاكتحال)
قوله: (اكتحلوا بالإثمد) بكسر الهمزة والميم ثاء مثلثة ساكنة وحكى فيه ضم الهمزة
حجر معروف أسود يضرب إلى الحمرة يكون في بلاد الحجاز وأجوده يؤتى به من أصبهان
واختلف هل هو اسم الحجر الذي يتخذ منه الكحل أو هو نفس الكحل ذكره ابن سيده وأشار
إليه الجوهري كذا في الفتح قال التوربشتي هو الحجر المعدني وقيل هو الكحل الأصفهاني
ينشف الدمعة والقروح ويحفظ صحة العين ويقوي غصنها لا سيما للشيوخ والصبيان وفي رواية
بالإثمد المروح وهو الذي أضيف المسك الخالص قاله الترمذي وفي سنن أبي داود أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإثمد المروح عند النوم وقال ليقة الصائم كذا في المرقاة (فإنه يجلو البصر) من
الجلاء أي يحسن النظر ويزيد نور العين وينظف الباصرة لدفع المواد الرديئة النازلة إليها من الرأس
(وينبت) من الاثبات (الشعر) بفتحتين ويجوز إسكان العين لكن قال ميرك الرواية بفتحها قال
القاري: ولعل وجهه مراعاة لفظ البصر وهو من المحسنات اللفظية البديعة والمناسبات السجعية
ونظيره ورود المشاكلة في لا ملجأ ولا منجا ورواية أذهب الباس رب الناس بإبدال همزة الباس
ونحوهما والمراد بالشعر هنا الهدب وهو بالفارسية مره وهو الذي ينبت على أشفار العين وعند
أبي عاصم والطبري من حديث علي بسند حسن عليكم بالإثمد فإنه منبتة الشعر مذهبة للقذى
مصفاة للبصر (وزعم) أي ابن عباس وهو المفهوم من رواية ابن ماجة وروايات الترمذي في
الشمائل أيضا وهو أقرب وبالاستدلال أنس وقيل أي محمد بن حميد شيخ الترمذي قاله القاري
قلت الأول هو المتعين المتعمد يدل عليه رواية الترمذي في باب السعوط من أبواب
الطب ثم قال القاري والزعم قد يطلق ويراد به القول المحقق وإن كان أكثر استعماله في
المشكوك فيه أو في الظن الباطل قال تعالى (زعم الذين كفروا) وفي الحديث بئس مطية
الرجل زعموا على ما رواه أحمد وأبو داود عن حذيفة فإن كان الضمير لابن عباس عن ما هو
المتبادر من السياق فالمراد به القول المحقق كقول أم هانئ عن أخيها علي رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم
زعم ابن أمي أنه قاتل فلان وفلان لاثنين من أصهارها أجرتهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم أجرنا من أجرت
وإن كان لمحمد بن حميد على ما زعم بعضهم فالزعم باق على حقيقته من معناه المتبادر إشارة إلى
365

ضعف حديثه بإسقاط الوسائط بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم لكن الظاهر من العبارة أنه لو كان القائل ابن
عباس لقيل وإن النبي ولم يكن لذكر زعم فائدة إلا أن يقال إنه أتى به لطول الفصل كما يقع عادة
قال في كثير من العبارات وإيماء إلى الفرق بين الجملتين بأن الأولى حديث قولي والثانية حديث
فعلي هذا ويؤيده أن السيوطي جعل الحديث حديثين وقال روى الترمذي وابن ماجة عن ابن
عباس أنه صلى الله عليه وسلم كان له مكحلة يكتحل منها كل ليلة ثلاثة في هذه وثلاثة في هذه ولما كان زعم تستعمل
غالبا بمعنى ظن ضبط قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم بفتح الهمزة (كان له مكحلة) بضمتين بينهما ساكنة
اسم آلة الكحل وهو الميل على خلاف القيام والمراد فهنا ما فيه الكحل (يكتحل بها) قال
القاري كذا بالياء في بعض نسخ المشكاة وفي جميع روايات الشمائل بلفظ منها فالباء بمعنى من كما
قيل في قوله تعالى يشرب بها عباد الله ويمكن أن تكون الباء للسببية (كل ليلة) أي قبل أن ينام
كما في رواية وعند النوم كما في أخرى (ثلاثة) أي ثلاث مرات متوالية (في هذه) أي اليمني
(وثلاثة) أي متتابعة (في هذه) أي اليسرى والمشار إليها عين الراوي بطريق التمثيل وقد ثبت أنه
صلى الله عليه وسلم قال اكتحل فليوتر على ما رواه أبو داود وفي الايتار قولان أحدهما ما سبق وعليه
الروايات المتعددة وهو أقوى في الاعتبار لتكرار تحقق الايتار بالنسبة إلى كل عضو كما اعتبر
التثليث في أعضاء الوضوء وثانيهما أن يكتحل فيهما خمسة ثلاثة في اليمني ومرتين في اليسرى على
ما روى في شرح السنة وعلى هذا ينبغي أن يكون الابتداء والانتهاء باليمين تفصيلا لها على
اليسار كما أفاده الشيخ مجد الدين الفيروزآبادي وجوز اثنين في كل عين وواحدة بينهما أو في
اليمني ثلاثا متعاقبة وفي اليسرى ثنتين فيكون الوتر بالنسبة إليهما جميعا وأرجحهما الأول لما ذكر
من حصول الوتر شفعا مع أنه يتصور أن يكتحل في كل عين واحدة ثم وثم، يؤول امره إلى
الوترين بالنسبة إلى العوضين لكن القياس على الباب طهارة الأعضاء بجامع التنظيف والتزيين هو
الأولى فتأمل
قوله: (وفي الباب عن جابر وابن عمر) قال الحافظ في الفتح وفي الباب عن جابر عند
الترمذي في الشمائل وابن ماجة وابن عدي من ثلاث طرق عن ابن المنكدر عنه بلفظ عليكم
366

بالإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر وعن علي عند ابن أبي عاصم والطبراني ولفظه عليكم
بالإثمد فإنه منبتة للشعر مذهبة للقذى مصفاة للبصر وسنده حسن وعن ابن عمر بنحوه عند
الترمذي في الشمائل وعن أنس في غريب مالك للدارقطني بلفظ كان يأمرنا بالإثمد وعن
سعيد بن هوذة عند أحمد بلفظ اكتحلوا بالإثمد فإنه الحديث وهو عند أبي داود من حديثه بلفظ
أنه أمر بالإثمد المروح عند النوم وعن أبي هريرة بلفظ خير أكحالكم الإثمد فإنه الحديث
أخرجه البزار وفي سنده مقال وعن أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل بالإثمد أخرجه البيهقي
وفي سنده مقال وعن عائشة كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم إثمد يكتحل به عند منامه في كل عين ثلاثا
أخرجه أبو الشيخ في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم بسند ضعيف انتهى
قوله: (حديث ابن عباس حديث حسن الخ) وأخرجه ابن ماجة وصححه ابن حبان
(باب ما جاء في النهي عن اشتمال الصماء والإحتباء في الثوب الواحد)
قوله: (نهى عن لبستين) بكسر اللام لأن المراد بالنهي الهيئة المخصوصة لا المرة الواحدة من
اللبس (الصماء) بالصاد المهملة والمد قال أهل اللغة هو أن يجلل جسده بالثوب لا يرفع منه
جانبا ولا يبقى ما يخرج منه يده قال ابن قتيبة سميت صماء لأنه يسد المنافذ كلها فيصير
كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق وقال الفقهاء هو أن يلتحف بالثوب ثم يرفعه من أحد
367

جانبيه فيضعه على منكبيه فيصير فرجه باديا قال النووي فعلى تفسير أهل اللغة يكون مكروها
لئلا تعرض له حاجة فيتعسر عليه إخراج يده فيلحقه الضرر وعلى تفسير الفقهاء يحرم لأجل
انكشاف العورة قال الحافظ ظاهر سياق البخاري من رواية يونس في اللباس أن التفسير
المذكور فيها مرفوع وهو موافق لما قال الفقهاء وعلى تقدير أن يكون موقوفا فهو حجة على
الصحيح لأنه تفسير من الراوي لا يخالف ظاهر الخبر انتهى
قلت رواية يونس في كتاب اللباس من صحيح البخاري التي فيها تفسير الصماء هكذا
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين وعن بيعتين الحديث وفيه والصماء أن يجعل ثوبه على عاتقيه فيبدو
أحد شقيه ليس عليه ثوب الخ (وأن يحتبي الرجل الخ) الاحتباء أن يقعد على أليته وينصب
ساقيه ويلف عليه ثوبا ويقال له الحبوة وكانت من شأن العرب
قوله: (وفي الباب عن علي وابن عمر وعائشة وأبي سعيد وجابر وأبي أمامة) أما حديث
علي وابن عمر وأبي أمامة فلينظر من أخرجها وأما حديث عائشة فأخرجه ابن ماجة وأما حديث
أبي سعيد فأخرجه الجماعة إلا الترمذي وأما حديث جابر فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي
قوله: (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرج معناه الشيخان
(باب ما جاء في مواصلة الشعر)
قوله: (قوله لعن الله الواصلة) أي التي تصل الشعر سواء كان لنفسها أم لغيرها
(والمستوصلة) أي التي تطلب وصل شعرها (والواشمة) هي التي تشم من الوشم قال أهل
اللغة الوشم بفتح ثم سكون أن يغرز في العضو إبرة أو نحوها حتى يسيل الدم ثم يخشى بنورة أو
368

غيرها فيخضر وقال أبو داود في السنن الواشمة التي تجعل الخيلان في وجهها بكحل أو مداد
والمستوشمة المعمول بها انتهى وذكر الوجه للغالب وأكثر ما يكون في الشفة وفي آخر حديث
الباب قال نافع الوشم في اللثة فذكر الوجه ليس قيدا وقد يكون في اليد وغيرها من الجسد
وقد يفعل ذلك نقشا ويجعل دوائر وقد يكتب اسم المحبوب وتعاطيه حرام بدلالة اللعن كما في
حديث الباب ويصير الموضع الموشوم نجسا لأن الدم النجس فيه فيجب إزالته إن أمكن ولو
بالجرح إلا إن خاف منه تلفا أو شيئا أو فوات منفعة عضو فيجوز إبقاؤه وتكفي التوبة في سقوط
الاثم ويستوي في ذلك الرجل والمرأة قاله الحافظ في الفتح (والمستوشمة) وهي التي تطلب
الوشم
(قال نافع الوشم في اللثة) ذكر اللثة للغالب كما عرفت
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة
قوله: (وفي الباب عن ابن مسعود وعائشة وأسماء بنت أبي بكر ومعقل بن يسار وابن
عباس ومعاوية) أما حديث ابن مسعود فأخرجه الأئمة الستة وأما حديث عائشة فأخرجه
الشيخان وأما حديث أسماء فأخرجه الشيخان وابن ماجة وأما حديث معقل بن يسار فأخرجه
أحمد وأما حديث ابن عباس فأخرجه أبو داود وغيره وأما حديث معاوية فأخرجه البخاري
(باب ما جاء في ركوب المياثر)
بفتح الميم جمع ميثرة بكسر الميم وسكون التحتانية وفتح المثلثة بعدها راء ثم هاء ولا همز
فيها وأصلها من الوثارة أو الوثرة بكسر الواو وسكون المثلثة والوثير هو الفراش الوطئ وامرأة
وثير كثيرة اللحم قال البخاري رحمه الله في صحيحه والميثرة كانت النساء تصنعه لبعولتهن
أمثال القطائف يصفونها قال الحافظ في الفتح أي يجعلونها كالصفة وإنما قال يصفونها بلفظ
369

المذكر للإشارة إلى أن النساء يصنعن ذلك والرجال هم الذين يستعملونها في ذلك قال الزبيدي
اللغوي والميثرة مرفقة كصفة السرج وقال الطبري هو وطاء يوضع على سرج الفرس أو رحل
البعير كانت النساء تصنعه لأزواجهن من الأرجوان الأحمر ومن الديباج وكانت مراكب العجم
وقيل هي أغشية للسروج من الحرير وقيل هي سروج من الديباج فحصلنا على أربعة أقوال في
تفسير الميثرة هي هي وطاء للدابة أو لراكبها أو هي السرج نفسه أو غشاوة وقال أبو عبيد
المياثر الحمر كانت من مراكب العجم من حرير أو ديباج
قوله: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ركوب المياثر) وفي رواية أخرى للبخاري نهانا النبي صلى الله عليه وسلم
عن المياثر الحمر قال الحافظ قال أبو عبيد الحمر التي جاء النهي عنها كانت من مراكب العجم
من ديباج وحرير وقال الطبري هي وعاء يوضع على سرج الفرس أو رجل البعير من الأرجوان
وحكى في المشارق قولا أنها سروج من ديباج وقولا أنها أغشية للسروج من حرير وقولا أنها
تشبه المخدة تحشى بقطن أو ريش يجعلها الراكب تحته وهذا يوافق تفسير الطبري والأقوال
الثلاثة يحتمل أن تكون متحالفة بل الميثرة تطلق على كل منها وتفسير أبي عبيد يحتمل الثاني
والثالث وعلى كل تقدير فالميثرة إن كانت من حرير فالنهي فيها كالنهي عن الجلوس على الحرير
ولكن تقييدها بالأحمر أخص من مطلق الحرير فيمتنع إن كانت حريرا ويتأكد المنع إن كانت مع
ذلك حمراء وإن كانت من غير حرير فالنهي فيها الزجر عن التشبه بالأعاجم قال ابن بطال
كلام الطبري يقتضي التسوية في المنع من الركوب عليه سواء كانت من حرير أم من غيره فكأن
النهي عنها إذا لم يكن للحرير للتشبيه أو للصرف أو التزين وبحسب ذلك تفصيل الكراهة بين
التحريم والتنزيه وأما تقييدها بالحمرة فمن يحمل المطلق على المقيد وهم الأكثر المنع بما كان
أحمر انتهى كلام الحافظ
قوله: (وفي الباب عن علي ومعاوية) أما حديث علي فأخرجه مسلم عنه نهاني
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على المياثر والمياثر قسي كانت تصنعه النساء لبعولتهن على الرحل
كالقطائف من الأرجوان وقد أخرج الجماعة إلا البخاري بغير هذا اللفظ وأما حديث معاوية
فلينظر من أخرجه
370

قوله: (حديث البراء حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان (وقد روى شعبة عن
أشعث بن أبي الشعثاء ونحوه وفي الحديث قصة) لعل الترمذي رحمه الله أراد بقوله في الحديث قصة
طوله فقد روى البخاري في باب خواتيم الذهب حديث الباب بلفظ نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن سبع
نهانا عن خاتم الذهب أو قال حلقه الذهب وعن الحرير والإستبرق والديباج والميثرة الحمراء
والقسي وآنية الذهب وأمرنا بسبع بعيادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس ورد
السلام وإجابة الداعي وإبرار المقسم ونصر المظلوم وقد بسط الحافظ الكلام ههنا في بيان
طرقه وألفاظه فعليك أن تراجع الفتح
(باب ما جاء في فراش النبي صلى الله عليه وسلم)
قوله
: (إنما كان فراش النبي صلى الله عليه وسلم) بكسر الفاء وفي رواية ابن ماجة كان ضجاع
رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ما حشوه ليف والضجاع بكسر الضاد المعجمة مما يرقد عليه (أدم) كذا وقع في
نسخ الترمذي الحاضرة عندنا بالرفع ووقع هذا الحديث في صحيح مسلم بعين إسناد الترمذي
ولفظه فيه أدما بالنصب الظاهر والأدم بفتحتين اسم لجمع الأديم وهو الجلد المدبوغ على ما
في المغرب (حشوة ليف) قال في القاموس ليف النخل بالكسر معروف وقال في الصراح ليف
بالكسر يوست درخت خرما وفي الحديث جواز اتخاذ الفراش والوسادة والنوم عليها والارتفاق
بها قاله النووي قال القاري الأظهر أنه يقال فيه بالاستحباب لمداومته عليه عليه السلام ولأنه
أكمل للاستراحة التي قصدت بالنوم للقيام على النشاط في العبادة
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
371

قوله: (وفي الباب عن حفصة وجابر) أما حديث حفصة فأخرجه الترمذي في الشمائل
بلفظ: كان فراشه مسحا والمسح بكسر الميم البلاس كما في القاموس وأما حديث جابر فلينظر
من أخرجه
(باب ما جاء في القمص)
جمع قميص
قوله: (عن عبد المؤمن بن خالد) المروزي القاضي لا بأس به من السابعة
قوله: (كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص) قال ميرك في شرح الشمائل نصب
القميص هو المشهور في الرواية ويجوز أن يكون القميص مرفوعا بالاسمية وأحب منصوبا
بالخبرية ونقل غيره من الشراح أنهما روايتان قال الحنفي والسر فيه أنه إن كان المقصود تعيين
الأحب فالقميص خبره وإن كان المقصود بيان حال القميص عنده عليه السلام فهو اسمه
ورجحه العصام بأن أحب وصف فهو أولى بكونه حكما ثم المذكور في المغرب أن الثوب ما يلبسه
الناس من الكتان والقطن الحرير والصوف والخز والفراء وأما الستور فليس من الثياب
والقميص على ما ذكره الجزري وغيره ثوب مخيط بكمين غير مفرج يلبس تحت الثياب وفي
القاموس: القميص معلوم وقد يؤنث ولا يكون إلا من القطن وأما الصوف فلا انتهى ولعل
حصره المذكور للغالب في الاستعمال لكن الظاهر أن كونه من القطن مراد هنا لأن الصوف يؤذي
البدن ويدر العرق ورائحته يتأذى بها وقد أخرج الدمياطي كان قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم قطنا
قصير الطول والكمين ثم قيل وجه أحبية القميص إليه صلى الله عليه وسلم أنه أستر للأعضاء من الإزار والرداء
ولأنه أقل مؤنة وأخف على البدن ولأن لبسه أكثر تواضعا كذا في المرقاة وقال الشوكاني في النيل
تحت هذا الحديث والحديث يدل على استحباب لبس القميص وإنما كان أحب الثياب إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه أمكن في الستر من الرداء والإزار اللذين يحتاجان كثيرا إلى الربط والإمساك
372

وغير ذلك بخلاف القميص ويحتمل أن يكون المراد من أحب الثياب إليه القميص لأنه يستر
عورته ويباشر جسمه فهو شعار الجسد بخلاف فوقه من الدثار ولا شك أن كل ما قرب
من الانسان كان أحب إليه من غيره ما يلبس ولهذا شبه صلى الله عليه وسلم الأنصار بالشعار الذي يلي البدن بخلاف
غيرهم فإنه شبههم بالدثار وإنما سمى القميص قميصا لأن الادمي ينقمص فيه أي يدخل فيه
ليستره وفي حديث المرجوم أنه يتمقص في أنهار الجنة أي ينقمص فيها
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي (وروى بعضهم)
كزياد بن أيوب كما في الرواية الآتية (هذا الحديث عن أبي تميلة) بضم الفوقانية وفتح الميم مصغرا
المروزي اسمه يحيى بن واضح الأنصاري مولاهم مشهور بكنيته ثقة من كبار التاسعة (عن
عبد الله بن بريدة عن أمه عن أم سلمة) أي بزيادة عن أمه
قوله: (حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث) بن سعيد العنبري مولاهم التنوري أبو سهل
البصري صدوق ثبت في شعبه من التاسعة
قوله: (بدأ) بالهمز أي ابتدأ في اللبس (بميامنه) أي بجانب يمين القميص ولذلك جمعه
373

ذكره الطيبي وكأنه أراد أن كل قطعة من جانب يمين القميص يطلق عليه القميص ويمكن أن
يكون الجمع لإرادة التعظيم لا سيما إذا كان المراد بيده اليمنى أنه كان يخرج اليد اليمنى من
الكم قبل اليسرى
قوله: (وقد روى غير واحد هذا الحديث الخ) والحديث أخرجه أيضا النسائي وذكره
الحافظ في التلخيص وسكت عنه ويشهد له حديث إذا توضأتم وإذا لبستم فابدأوا
بميامنكم أخرجه ابن حبان والبيهقي والطبراني قال ابن دقيق العيد هو حقيق بأن يصحح
ويشهد له أيضا حديث عائشة المتفق عليه بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيامن في تنعله
وترجله وطهوره وفي شأنه كله
قوله: (حدثنا عبد الله بن محمد بن الحجاج) بن أبي عثمان الصواف أبو يحيى البصري
وقد ينسب إلى جده وكان ختن معاذ بن هشام صدوق من الحادية عشرة (عن أسماء بنت
يزيد بن السكن الأنصارية) تكنى أم سلمة ويقال أم عامر صحابية لها أحاديث
قوله: (كان كم يد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ) كذا في نسخ الترمذي الموجودة ووقع في
المشكاة بالصاد قال القاري في المرقاة بضم فسكون وفي نسخه يعني من المشكاة إلى الرسغ
بالسين المهملة قال الطيبي هكذا هو بالصاد في الترمذي وأبي داود وفي الجامع بالسين
المهملة قال القاري أراد بالترمذي في جامعه وإلا فنسخ الشمائل بالسين بلا خلاف وأراد
بالجامع جامع الأصول ثم هو كذا بالسين في المصابيح وقال التوربشتي هو بالسين المهملة
والصاد لغة فيه وكذا في النهاية هو بالسين المهملة والصاد لغة فيه وهو مفصل ما بين الكف
والساعد انتهى ويسمى الكوع قال الجزري فيه دليل على أن السنة أن لا يتجاوز كم
القميص الرسغ وأما غير القميص فقالوا السنة فيه أن لا يتجاوز رؤوس الأصابع من جبة
وغيرها انتهى ونقل في شرح السنة أن أبا الشيخ بن حبان أخرج بهذا الإسناد بلفظ كان يد
قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم أسفل من الرسغ وأخرج ابن حبان أيضا من طريق مسلم بن يسار عن
374

مجاهد عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس قميصا فوق الكعبين مستوي الكمين
بأطراف أصابعه هكذا ذكره ابن الجوزي في كتاب الوفاء نقلا عن ابن حبان وفي الجامع
الصغير برواية ابن ماجة عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم كان يلبس قميصا فوق الكمين الحديث
وروى الحاكم في مستدركه عنه أيضا ولفظه كان قميصه فوق الكعبين وكان كمه مع
الأصابع ففيه أنه يجوز أن يتجاوز بكم القميص إلى رؤوس الأصابع ويجمع بين هذا وبين
حديث الكتاب إما بالحمل على تعدد القميص أو بحمل رواية الكتاب على رواية التخمين
أو بحمل الرسغ على بيان الأفضل وحمل الرؤوس على نهاية الجواز انتهى ما في المرقاة قال
ابن رسلان والظاهر أن نساءه صلى الله عليه وسلم كن كذلك يعني أن أكمامهن إلى الرسغ إذ لو كانت أكمامهن
تزيد على ذلك لنقل ولو نقل لوصل إلينا كما نقل في الذيول من رواية النسائي وغيره أن
أم سلمة لما سمعت هو جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه قالت يا رسول الله فكيف يصنع
النساء بذيولهن قال يرخيه شبرا قالت إذن ينكشف أقدامهن قال يرخينه ذراعا ولا يزدن
عليه ويفرق بين الكف إذا ظهر وبين القدم أن قدم المرأة عورة بخلاف كفها انتهى
تنبيه قال الحافظ في الفتح قال ابن العربي لم أر للقميص ذكرا صحيحا إلا في آية
(اذهبوا بقميصي هذا) وقصة ابن أبي ولم أر لهما ثالثا فيما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم قال هذا في كتابه
سراج المريدين وكأنه صنفه قبل شرح الترمذي فلم يستحضر حديث أم سلمة ولا حديث أبي
هريرة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لبس قميصا بدأ بميامنه ولا حديث أسماء بنت يزيد كانت يدكم
النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ ولا حديث معاوية بن قرة بن إياس المدني حدثني أبي قال أتيت
النبي صلى الله عليه وسلم في رهط من مزينة فبايعناه وإن قميصه لمطلق فبايعته ثم أدخلت يدي في جيب قميصه
فمسست الخاتم ولا حديث أبي سعيد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبا سماه باسمه
قميصا أو عمامة أو رداء ثم يقول اللهم لك الحمد الحديث وكلها في سنن وأكثرها في
الترمذي وفي الصحيحين حديث عائشة كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمسة أثواب ليس فيها
قميص ولا عمامة وحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف في قميص الحرير
لحكة كانت به وحديث ابن عمر رفعه لا يلبس المحرم القميص ولا العمائم الحديث وغير
ذلك انتهى
قوله: (هذا حديث حسن غريب) في إسناده شهر بن حوشب وفيه مقال مشهور
والحديث أخرجه أيضا أبو داود والنسائي
375

(باب ما يقول إذا لبس ثوبا جديدا)
قوله: (إذا استجد) أي لبس ثوبا جديدا وأصله على ما في القاموس صير ثوبه جديدا
وعند ابن حبان من حديث أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبا لبس يوم الجمعة
وكذا رواه الخطيب والبغوي في شرح السنة فالمعنى إذا أراد أن يلبس ثوبا جديدا لبسه يوم
الجمعة (سماه) أي الثوب المراد به الجنس (باسمه) أي المتعارف المتعين المشخص الموضوع له
(عمامة أو قميصا) أو رداء أي أو غيرها كالإزار والسروال والخف ونحوها والمقصود التعميم
فالتخصيص للتمثيل بأن يقول رزقني الله أو أعطاني أو كساني هذه العمامة أو القميص أو الرداء
وأو للتنويع أو يقول هذا قميص أو رداء أو عمامة (أسألك خيره وخير ما صنع له
وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له) قال ميرك خير الثوب بقاؤه ونقاؤه وكونه ملبوسا
للضرورة والحاجة وخير ما صنع له هو الضرورات التي من أجلها يصنع اللباس من الحر
والبرد وستر العورة والمراد سؤال الخير في هذه الأمور وأن يكون مبلغا إلى المطلوب الذي صنع
لأجله الثوب من العون على العبادة والطاعة لموليه وفي الشر عكس هذه المذكورات وهو كونه
حراما ونجسا ولا يبقى زمانا طويلا أو يكون للمعاصي والشرور والافتخار والعجب
والغرور عدم القناعة بثوب الدون وأمثال ذلك انتهى والحديث يدل على استحباب حمد الله
تعالى عند لبس الثوب الجديد وقد أخرج الحاكم في المستدرك عن عائشة رضي الله تعالى عنها
قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اشترى عبد ثوبا بدينار أو بنصف دينار فحمد الله إلا لم يبلغ
ركبتيه حتى يغفر الله له وقال حديث لا أعلم في إسناده أحدا ذكر بجرح
قوله: (وفي الباب عن عمر وابن عمر) أما حديث عمر فأخرجه الترمذي في الدعوات
وابن ماجة والحاكم وصححه وأما حديث ابن عمر فأخرجه النسائي وابن ماجة وابن حبان
376

وصححه وأعله النسائي وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها الحافظ في الفتح في باب ما يدعى
لمن لبس ثوبا جديدا
قوله، (هذا حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وسكت عنه أبو داود ونقل
المنذري تحسين الترمذي وأقره
(باب ما جاء في لبس الجبة والخفين)
قوله: (عن عروة بن المغيرة بن شعبة) الثقفي كنيته أبو يعفور الكوفي ثقة
قوله: (لبس) أي في السفر (جبة) بضم الجيم وتشديد الموحدة ثوبان بينهما قطن إلا أن
يكونا من صوف فقد تكون واحدة غير محشوة وقد قيل جبة البرد جنة البرد بضم الجيم وفتحها
(رومية) بتشديد الياء لا غير قال ميرك ولأبي داود جبة من صوف من جباب الروم لكن
وقع في أكثر روايات الصحيحين وغيرهما جبة شامية ولا منافاة بينهما لأن الشام حينئذ داخل
تحت حكم قيصر ملك الروم فكأنهما واحد من حيث الملك ويمكن أن يكون نسبة هيئتها المعتاد
لبسها إلى أحدهما ونسبة خياطتها أو إتيانها إلى الأخرى (ضيقة الكمين) بيان رومية أو ضعفه
ثانية وهذا كان في سفر كما دل عليه رواية من طريق زكريا بن زائدة عن الشعبي بهذا الإسناد
عن المغيرة قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر الخ ووقع في رواية مالك وأحمد وأبي داود أن ذلك
كان في غزوة تبوك ذكره ميرك ثم قال ومن فوائد الحديث الانتفاع بثياب الكفار حتى يتحقق
نجاستها لأنه صلى الله عليه وسلم لبس الجبة الرومية ولم يستفصل
واستدل به القرطبي على أن الصوف لا ينجس بالموت لأن الجبة كانت شامية وكانت
الشام إذ ذاك دار كفر
377

قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما
قوله: (حدثنا ابن أبي زائدة) المعروف بابن أبي زائدة رجلان زكريا وولده يحيى والظاهر
أن المراد هنا هو الثاني قال في التقريب يحيى بن زكريا بن أبي زائدة الهمداني أبو سعيد
الكوفي ثقة متقن من كبار التاسعة (عن الحسن بن عياش) بتحتانية ثم معجمة ابن سالم
الأسدي كنيته أبو محمد الكوفي أخو أبي بكر المقري صدوق من الثامنة (عن أبي إسحاق) اسمه
سليمان بن أبي سليمان (الشيباني) بفتح معجمة فتحتية موحدة الكوفي ثقة من الخامسة
قوله: (أهدى دحية) بكسر الدال وحكى فتحها لغتان ويقال إنه الرئيس بلغة أهل
اليمن وهو ابن خليفة الكلبي صحابي جليل كان أحسن الناس وجها وأسلم قديما وبعثه
النبي صلى الله عليه وسلم في اخر سنة ست وبعد أن رجع من الحديبية بكتابه إلى هرقل وكان وصول إلى هرقل
في المحرم سنة سبع قاله القاري (وقال إسرائيل عن جابر) أي ابن يزيد الجعفي (عن عامر)
هو الشعبي (وجبة) يعني زاد بعد قوله خفين وجبة (حتى تخرقا) من التخرق أي تمزقا وانخرقا
(أذكى) بهمزة الاستفهام وذكى بوزن فعيل (هما) أي الخفان فاعل لقوله ذكي (أم لا) المعنى
أنه صلى الله عليه وسلم لا يدري أن الخفين اللذين أهداهما دحية الكبي هل كانا من جلد المذكاة أو الميتة وفيه
دليل على أن الدباغ يطهر الإهاب وإن كان من الميتة
(باب ما جاء في شد الأسنان بالذهب)
قوله: (حدثنا علي بن هاشم بن البريد) بفتح الموحدة وبعد الراء تحتانية ساكنة صدوق
378

يتشيع من صغار الثامنة (وأبو سعد الصنعاني) اسمه محمد بن ميسر بتحتانية ومهملة وزن محمد
الجعفي الصاغاني بمهملة ثم معجمة البلخي الضرير نزيل بغداد ويقال له محمد بن أبي زكريا
ضعيف ورمى بالإرجاء من التاسعة كذا في التقريب وقد ذكر الترمذي في نسبه الصنعاني
بفتح صاد مهملة وسكون نون وبعين مهملة فألف فنون أخرى وقال الحافظ في تهذيب
التهذيب والخزرجي في الخلاصة الصاغاني بصاد مهملة ثم ألف ثم معجمة فألف فنون قوله (عن
أبي الأشهب) اسمه جعفر بن حيان السعدي العطاردي البصري مشهور بكنيته ثقة من
السادسة (عن عبد الرحمن بن طرفة) بفتح المهملة والراء والفاء بعدها هاء التأنيث ابن عرفجة
بفتح المهملة والفاء بينهما راء ساكنة ثم جيم ابن سعد التميمي وثقه العجي من الرابعة (عن
عرفجة بن أسعد) التميمي صاحبي نزل البصرة
قوله: (أصيب أنفي) أي قطع (يوم الكلاب) بضم الكاف وتخفيف اللام اسم ماء كان
هناك وقعة بل وقعتان مشهورتان يقال لهما الكلاب الأول والثاني قال التوربشتي ماء عن
يمين جبلة والشام وهما جبلان ويومه يوم الواقعة التي كانت عليه وللعرب به يومان مشهوران في
أيام أكثم بن صيفي والحاصل أن يوم الكلاب اسم حرب معروفة من حروبهم (فأمرني
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اتخذ أنفا من ذهب) وبه أباح العلماء اتخاذ الأنف من الذهب وكذا اربط
الأسنان بالذهب
قوله: (حدثنا الربيع بن بدر) بن عمر بن جراد والتميمي السعدي البصري يلقب عليلة
بمهملة مضمومة ولا مين متروك من الثامنة
قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي (وقد روى سلم بن زرير عن
عبد الرحمن بن طرفة الخ) وصله النسائي في سننه قال أخبرنا محمد بن معمر قال حدثنا حبان
379

قال حدثنا سلم بن زرير قال حدثنا عبد الرحمن بن طرفة عن جده عرفجة بن أسعد أنه أصيب
أنفه يوم الكلاب في الجاهلية فاتخذ أنفا من ورق الحديث وسلم بفتح السين المهملة وسكون
اللام وأبوه زرير بفتح الزاي المعجمة وبالراءين المهملتين بينهما تحتية بوزن عظيم العطاردي أبو
بشرى البصري وثقه أبو حاتم وقال النسائي ليس بالقوي من السادسة كذا في التقريب (وقال
ابن مهدي سلم بن زرين وهو وهم وزرير أصح) وفي تاريخ البخاري قال ابن مهدي
سلم بن رزين يعني بالنون وتقديم الراء قال أبو أحمد الحاكم وهو وهم وقال أبو علي
الجياني وقع لبعض رواة الجامع زرير بضم الزاي وهو خطأ والصواب الفتح انتهى كذا في
تهذيب التهذيب (وقد روى عن غير واحد من أهل العلم أنهم شدوا أسنانهم بالذهب وفي
هذا الحديث حجة لهم) قال الزيلعي في نصب الراية وفي الباب أحاديث مرفوعة وموقوفة
روى الطبراني في معجمه الوسط عن عبد الله بن عمرو أن أباه سقطت ثنيته فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن
يشدها بذهب انتهى وقال لم يروه عن هشام بن عروة إلا أبو الربيع السمان حديث رواه
ابن قانع في معجم الصحابة عن عبد الله بن عبد الله بن أبي سلول قال اندقت ثنيتي يوم
أحد فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أتخذ ثنية من ذهب انتهى ذكر الزيلعي هذين الحديثين بإسنادهما
قال وروى الطبراني في معجمه عن محمد بن سعدان عن أبيه قال رأيت أنس بن مالك
يطوف به بنوه حول الكعبة على سواعدهم وقد شدوا أسنانه بذهب انتهى أثر آخر في مسند
أحمد عن واقد بن عبد الله التميمي عن من رأى عثمان بن عفان أنه ضبب أسنانه بذهب
انتهى وليس من رواية أحمد أثر آخر روى النسائي في كتاب الكنى عن إبراهيم بن عبد
الرحمن أبي سهيل مولى موسى بن طلحة قال رأيت موسى بن طلحة قد شد أسنانه
بذهب انتهى أثر آخر روى ابن سعد في الطبقات في ترجمة عبد الملك بن مروان أخبرنا
حجاج بن محمد عن ابن جريج أن ابن شهاب الزهري سئل عن شد الأسنان بالذهب فقال
لا بأس به قد شد عبد الملك بن مروان أسنانه بالذهب انتهى أثر آخر قال ابن سعد أيضا
أخبرنا عمرو بن الهيثم أبو قطن قال رأيت بعض أسنان عبد الله بن عون مشدودة بالذهب
انتهى قال ابن سعد وعبد الله بن عون بن أرطبان مولى عبد الله بن درة يكنى أبا عون كان
ثقة ورعا عابدا توفي في خلافه أبي جعفر سنة إحدى وخمسين ومائة
380

(باب ما جاء في النهي عن جلود السباع)
قوله: (وعبد الله بن إسماعيل) بن أبي خالد قال أبو حاتم مجهول وذكره ابن حبان في
الثقات كذا في تهذيب التهذيب (عن أبي المليح) بن أسامة بن عمير أو عامر بن حنيف بن ناجية
الهذلي اسمه عامر وقيل زيد وقيل زياد ثقة من الثالثة (عن أبيه) هو أسامة بن عمير بن عامر
الأقيشر الهذلي صحابي تفرد ولده عنه (نهى عن جلود السباع أن تفترش) وفي حديث المقدام بن
معد يكرب نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها أخرجه أبو داود والنسائي وفي حديث أبي
معاوية بن سفيان نهى عن جلود النمور أن يركب عليها أخرجه أحمد وأبو داود وفي حديث أبي
هريرة لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر أخرجه أبو داود والنمور جمع نمر بفتح النون وكسر
الميم ويجوز سكونها مع كسر النون هو سبع أجرأ وأخبث من الأسد وهو منقوط الجلد نقط سود
وبيض وفيه شبه من الأسد إلا أنه أصغر منه ورائحة فمه طيبة بخلاف الأسد وبينه وبين الأسد
عداوة وهو بعيد الوثبة فربما وثب أربعين ذراعا وأحاديث الباب تدل على أن جلود السباع لا
يجوز الانتفاع بها وقد اختلف في حكمه النهي فقال البيهقي إن النهي وقع لما يبقى عليها من
الشعر لأن الدباغ لا يؤثر فيه وقال غيره يحتمل أن النهي عما لم يدبغ منها لأجل النجاسة أو أن
النهي لأجل أنها مراكب أهل السرف والخيلاء قال الشوكاني وأما الاستدلال بأحاديث الباب
على أن الدباغ لا يطهر جلود السباع بناء على أنها مخصصة للأحاديث القاضية بأن الدباغ مطهر
على العموم فغير ظاهر لأن غاية ما فيها مجرد النهي عن الركوب عليها وافتراشها ولا ملازمة بين
ذلك وبين النجاسة انتهى وتقدم كلامه الباقي في باب جلود الميتة إذا دبغت
381

قوله (عن يزيد الرشك) بكسر الراء وسكون المعجمة قال في التقريب تزيد بن أبي
يزيد الضبعي مولاهم أبو الأزهر البصري يعرف بالرشك ثقة عابد وهم من لينه من السادسة
قوله: (وهذا أصح) لأن شعبة أحفظ وأتقن من سعيد بن أبي عروبة والحديث أخرجه
أحمد وأبو داود والنسائي
(باب ما جاء في نعل النبي صلى الله عليه وسلم)
في النهاية النعل مؤنثة وهي التي تلبس في المشي تسمى الآن تاسومة وقال ابن العربي
النعل لباس الأنبياء وإنما اتخذ الناس غيرها لما في أرضهم من الطين وقد يطلق النعل على كل ما
يقي القدم قال صاحب المحكم النعل والنعلة ما وقيت به كذا في الفتح
قوله: (كان نعلاه لهما قبالان) بكسر القاف تثنية قبال قال الحافظ في الفتح القبال هو
الزمام وهو السير الذي يعقد فيه الشسع الذي يكون بين أصبعي الرجل انتهى وقال الجزري في
النهاية الشسع أحد سيور النعل وهو الذي يدخل بين الأصبعين ويدخل طرفه في الثقب الذي
في صدر النعل المشدود في الزمام وقال القاري قال الجزري كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيران
يضع أحدهما بين إبهام رجله والتي تليها ويضع الآخر بين الوسطى التي تليها ومجمع السيرين إلى
السير الذي على وجه قدمه صلى الله عليه وسلم وهو الشراك انتهى
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري
قوله: (وفي الباب عن ابن عباس وأبي هريرة) أما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي في
الشمائل وابن ماجة بسند قوي وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البزار والطبراني في الصغير كما في
الفتح
382

قوله: (كيف كان نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما) وفي بعض النسخ لها بالإفراد
(باب ما جاء في كراهية المشي في النعل الواحدة)
قوله: (لا يمشي أحد) نفي بمعنى النهي للتنزيه وفي الشمائل لا يمشين (في نعل واحدة) وفي
رواية في الشمائل واحد بالتذكير لتأويل النعل بالملبوس (لينعلهما) بضم الياء وكسر العينم من باب
الإفعال وبفتح الياء والعين من باب علم قال في القاموس نعل كفرح وتنعل وانتعل لبسها
وأنعل الدابة ألبسها النعل انتهى قال الحافظ في الفتح قال ابن عبد البر أراد القدمين وإن لم
يجر لهما ذكر وهذا مشهور في لغة العرب وورد في القرآن أن يؤتى بضمير لم يتقدم له ذكر لدلالة
السياق عليه وينعلهما ضبطه النووي بضم أوله من أنعل وتعقبه شيخنا في شرح الترمذي بأن
أهل اللغة نعل بفتح العين وحكى كسرها وانتعل أي لبس النعل لكن قد قال أهل اللغة
أيضا أنعل رجله ألبسها نعلا ونعل دابته جعل لها نعلا وقال صاحب المحكم أنعل الدابة
والبعير ونعلهما بالتشديد وكذا ضبط عياض في حديث عمر أن غسان تنعل الخيل بالضم أي
تجعل لها نعالا والحاصل أن الضمير إن كان للقدمين جاز الضم والفتح وإن كان للنعلين تعين
الفتح (أو ليحفهما) قال الحافظ كذا للأكثر ووقع في رواية أبي مصعب في الموطأ أو لينعلهما
وكذا في رواية لمسلم انتهى والإحفاء ضد الإفعال وهو جعل الرجل حافية بلا نعل وخف أي
ليمش حافي الرجلين قال القاضي إنما نهى عن ذلك لقلة المروة والاختلال والخبط في المشي وما
روي عن عائشة أنها قالت ربما مشى النبي صلى الله عليه وسلم في نعل واحدة إن صح فشئ نادر لعله اتفق في
داره بسبب قلت وعلى تقدير كونه بعد النهي يحمل على حال الضرورة أو بيان الجواز وأن النهي
383

ليس للتحريم قال الخطابي المشي يشق على هذه الحالة مع سماحته في الشكل وقبح منظره في
العين وقيل لأنه لم يعدل بين جوارحه وربما نسب فاعل ذلك إلى اختلال الرأي وضعفه وقال
ابن العربي العلة فيه أنها مشية الشيطان
تكملة قال الحافظ في الفتح قد يدخل في هذا كل لباس شفع كالخفين وإخراج اليد
الواحدة من الكم دون الأخرى والترمذي على أحد المنكبين دون الاخر قاله الخطابي قال وقد
أخرج ابن ماجة حديث الباب من رواية محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ
لا يمشي أحدكم في نعل واحدة ولا خف واحد وهو عند مسلم أيضا من حديث جابر وعند أحمد
من حديث أبي سعيد وعند الطبراني من حديث ابن عباس وإلحاق إخراج اليد الواحدة من الكم
وترك الأخرى بلبس النعل الواحدة أو الخف الواحد بعيد إلا إن أخذ من الأمر بالعدل بين
الجوارح وترك الشهرة وكذا وضع طرف الرداء على أحد المنكبين انتهى
قوله: (هذا حديث حسن صحيح وأخرجه الشيخان وغيرهما (وفي الباب عن جابر)
أخرجه مسلم.
قوله: (أخبرنا الحارث بن نبهان) بفتح النون وسكون الموحدة الجرمي أبو محمد البصري
متروك من الثامنة (عن عمار بن أبي عمار) مولى بني هاشم صدوق ربما أخطأ من الثالثة
قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتعل) من باب الافتعال أي يلبس النعل (وهو قائم) جملة
حالية قال الخطابي إنما نهى عن لبس النعل قائما لأن لبسها قاعدا أسهل عليه وأمكن له وربما كان
ذلك سببا لانقلابه إذا لبسها قائما فأمر بالقعود له والاستعانة باليد فيه ليأمن غائلته وقال
المظهر هذا فيما يلحقه التعب في لبسه كالخف والنعال التي تحتاج إلى شد شراكها
قوله: (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن ماجة ولا نعرف لحديث قتادة عن أنس أصلا
384

كذا قال الترمذي وحديث النهي عن الانتعال قائما أخرجه أبو داود عن جابر بلفظ نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتعل الرجل قائما وسكت عنه هو والمنذري وأخرجه ابن ماجة عن ابن عمر
رضي الله عنه بهذا اللفظ وإسناده هكذا حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع عن سفيان عن
عبد الله بن دينار عن ابن عمر الخ وهذا إسناد صحيح وأخرجه ابن ماجة أيضا عن أبي هريرة
بهذا اللفظ وإسناده هكذا حدثنا علي بن محمد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن
أبي هريرة وهذا إسناد رواته كلهم ثقات فقول الترمذي لا نعرف لحديث قتادة عن أنس أصلا
محل تأمل
قوله: (أبو جعفر) اسمه محمد بن جعفر (السمناني) بكسر السين المهملة وسكون الميم
ونونين القوسي ثقة من الحادية عشرة (حدثنا سليمان بن عبيد الله) الأنصاري أبو أيوب الرقي قال
الخزرجي في الخلاصة قال أبو حاتم صدوق وقال النسائي ليس بالقوي (حدثنا عبيد الله بن
عمرو) بن أبي الوليد الرقي أبو وهب الأسدي ثقة فقيه ربما وهم من الثالثة
قوله: (هذا حديث غريب) وأخرجه الضياء المقدسي
اعلم أن حديث أبي هريرة وحديث أنس المذكورين لا يطابقان الباب وكان للترمذي أن
يعقد لهما بابا آخر بلفظ باب ما جاء في النهي عن الانتعال قائما
(باب ما جاء في الرخصة في المشي في النعل الواحدة
قوله: (حدثنا إسحاق بن منصور السلولي) بفتح المهملة وضم اللام الأولى مولاهم أبو
385

عبد الرحمن صدوق تكلم فيه للتشيع من التاسعة (حدثنا هريم) مصغرا (وهو ابن سفيان
البجلي) أبو محمد الكوفي صدوق من كبار التاسعة (عن ليث) هو ابن أبي سليم (عن
عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي أبو محمد المدني ثقة جليل قال ابن
عيينة كان أفضل أهل زمانه من السادسة (عن أبيه) أي القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق
ثقة أحد الفقهاء بالمدينة قال أيوب ما رأيت أفضل منه من كبار الثالثة كذا في التقريب
قوله: (ربما) بتشديد الموحدة وتخفيفها وهو هنا للقلة أي قليلا (مشى النبي صلى الله عليه وسلم في نعل
واحدة) هذا على تقدير صحته محمول على حال الضرورة أو بيان الجواز وأن النهي ليس للتحريم
كما تقدم
قوله: (أنها مشت بنعل واحدة) ذكر في شرح السنة أنه قد ورد في الرخصة بالمشي في نعل
واحدة أحاديث وروى عن علي وابن عمر وكان ابن سيرين لا يرى بها بأسا كذا في المرقاة
قوله: (وهذا أصح) أي حديث ابن عيينة عن عبيد الرحمن بن القاسم موقوفا أصح من
حديث ليث مرفوعا لأنه كان قد اختلط أخيرا ولم يتميز حديثه فترك وأما ابن عيينة فهو ثقة
حافظ وقد تابعه سفيان الثوري وغيره
(باب ما جاء بأي رجل يبدأ إذا انتعل)
قوله: (إذا انتعل أحدكم) أي أراد لبس النعل (فليبدأ باليمين) وفي رواية باليمنى (وإذا
386

نزع) وفي رواية مسلم وإذا خلع (فلتكن اليمنى أولهما تنعل وآخرهما تنزع) قال الحافظ زعم
ابن وضاح فيما حكاه ابن التين أن هذا القدر مدرج وأن المرفوع انتهى عند قوله بالشمال وضبط
قوله أولهما وآخرهما بالنصب على أنه بر كان أو على الحال والخبر تنعل وتنزع وضبط بمثاتين
فوقانيتين وتحتانيتين مذكرين باعتبار النعل والخلع وقال الطيبي يحتمل الرفع على أنه مبتدأ
وتنعل خبره والجملة خبر كان قال ابن العربي البداءة باليمين مشروعة في جميع الأعمال الصالحة
لفضل اليمين حسا في القوة وشرعا في الندب إلى تقديمها وقال النووي يستحب البداءة باليمين
في كل ما كان من باب التكريم أو الزينة والبداءة باليسار في ضد ذلك كالدخول في الخلاء ونزع
النعل والخف والخروج من المسجد والاستنجاء وغيره من جميع المستقذرات وقال الحليمي وجه
الابتداء بالشمال عند الخلع أن اللبس كرامة لأنه وقاية للبدن فلما كانت اليمنى أكرم من اليسرى
بدأ بها في اللبس وأخرت في الخلع لتكون الكرامة لها أدوم وحظها منها أكثر انتهى
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان وابن ماجة
(باب ما جاء في ترقيع الثوب)
قوله: (حدثنا يحيى بن موسى) البلخي لقبه خت بفتح المعجمة وتشديد المثناة أصله من
الكوفة ثقة من العاشرة (حدثنا سعيد بن محمد الوراق) الثقفي أبو الحسن الكوفي نزيل بغداد
ضعيف من صغار الثامنة (وأبو يحيى الحماني) بكسر المهملة وتشديد الميم اسمه عبد الحميد بن عبد
الرحمن الكوفي لقبه بشمين صدوق يخطئ ورمي بالإرجاء من التاسعة (حدثنا صالح بن حسان)
النضري أبو الحارث المدني نزيل البصرة متروك من السابعة
قوله: (إن أردت اللحوق بي) أي ملازمتي في درجتي في الجنة كذا في التيسير (فليكفك من
الدنيا كزاد الراكب) أي مثله وهو فاعل يكف أي اقتنعي بشئ يسير من الدنيا فإنك عابرة سبيل
387

إلى منزل العقبى (وإياك ومجالسة الأغنياء) تحذير أي اتقى من مجالسة الأغنياء (ولا تستخلعي
ثوبا) بالخاء المعجمة والقاف أي لا تعديه خلقا من استخلق الذي هو نقيض استجد (حتى
ترقعيه) بتشديد القاف أي تخيطي عليه رقعة ثم تلبسيه في شرح السنة قال أنس رأيت عمر بن
الخطاب رضي الله تعالى عنه وهو يومئذ أمير المؤمنين وقد رقع ثوبه برقاع ثلاث لبد بعضها فوق
بعض وقيل خطب عمر رضي الله تعالى عنه وهو خليفته وعليه إزار فيه اثنا عشر رقعة انتهى
قوله: (هذا حديث غريب) قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث رواه الترمذي
والحاكم والبيهقي من طريقه وغيرها كلهم من رواية صالح بن حسان وهو منكر الحديث عن عروة
عنها وقال الحاكم صحيح الاسناد وذكره رزين فزاد فيه قال عروة فما كانت عائشة تستجد
ثوبا حتى ترقع ثوبها وتنكسه ولقد جاءها يوما من عند معاوية ثمانون ألفا فما أمسى عندها درهم
قالت لها جاريتها فهلا اشتريت لنا منه لحما بدرهم قالت لو ذكرتني لفعلت انتهى (سمعت
محمدا) يعني الامام البخاري رحمه الله (وصالح بن أبي حسان الخ) يعني أن صالح بن أبي حسان
الذي روى عنه ابن أبي ذئب غير صالح بن حسان المذكور في إسناد هذا الحديث فإن ذا ضعيف
كما عرفت وهذا ثقة قال الحافظ في التقريب صالح بن أبي حسان المدني صدوق من الخامسة
قوله: (من رأى من فضل عليه) بالفاء والمعجمة على البناء للمجهول (في الخلق) بفتح
الخاء أي الصورة ويحتمل أن يدخل في ذلك الأولاد والأتباع وكل ما يتعلق بزينة الحياة الدنيا
(فلينظر إلى من هو أسفل منه) وفي رواية فلينظر إلى من تحته ويجوز في أسفل الرفع والنصب
والمراد بذلك ما يتعلق بالدنيا (ممن هو فضل عليه) بصيغة المجهول (فإنه أجدر ألا يزدري نعمة
الله) أي هو حقيق بعدم الازدراء وهو افتعال من زريت عليه وأزريت به إذا نقصته في القاموس هو
يتنقصه يقع فيه ويذمه وفي معناه ما أخرجه الحاكم من حديث عبد الله بن الشخير رفعه
أقلوا الدخول على الأغنياء فإنه أحرى أن لا تزدروا نعمة الله قال ابن بطال هذا الحديث جامع
388

لمعاني الخير لأن المرء لا يكون بحال تتعلق بالدين من عبادة ربه مجتهدا فيها إلا وجد من هو فوقه
فمتى طلبت نفسه اللحاق به استقصر حاله فيكون أبدا في زيادة تقربه من ربه ولا يكون على
حال خسيسة من الدنيا إلا وجد من أهلها من هو أخس حالا منه فإذا تفكر في ذلك علم أن نعمة
الله وصلت إليه دون كثير ممن فضل عليه بذلك من غير أمر أوجبه فيلزم نفسه الشكر فيعظم
اغتباطه بذلك في معاده وقال غيره في هذا الحديث دواء الداء لأن الشخص إذا نظر إلى من هو
فوقه لم يأمن أن يؤثر ذلك فيه حسدا ودواؤه أن ينظر إلى من هو أسفل منه ليكون ذلك داعيا إلى
الشكر وحديث أبي هريرة هذا أخرجه الشيخان
(باب)
قوله: (وله أربع غدائر) جمع غديرة وهي الذؤابة كما في القاموس والنهاية وقال في
الصراح غديره كيسوي بافته وزاد في رواية ابن ماجة تعني ضفائر وهو تفسير غدائر من بعض
الرواة
قوله: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة) زاد أحمد في روايته مرة وكان له صلى الله عليه وسلم قدومات أربعة
بمكة: عمرة القضاء وفتح مكة وعمرة
الجعرانة وحجة الوداع وبعض الروايات تدل على أن هذا
المقدم يوم فتح مكة لأنه حينئذ اغتسل وصلى الضحى في بيتها قاله القاري في المرقاة (وله أربع
389

ضفائر) جمع ضفيرة قال في مجمع البحار قوله ضفائر وهي الذوائب المضفورة ضفر الشعر
أدخل بعضه في بعض انتهى والحديث رواه أبو داود وترجم له باب ضفر الرجل شعره ورواه ابن
ماجة وترجم له باب اتخاذ الجمة والضفائر قال في إنجاح الحاجة حاشية ابن ماجة وله
أربع غدائر لعله فعل ذلك لدفع الغبار انتهى قلت وهو الظاهر لأنه صلى الله عليه وسلم كان في السفر
قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة كلهم من طريق ابن أبي
نجيح عن مجاهد عن أم هانئ فإن قلت كيف حسن الترمذي الحديث مع أنه قد نقل عن
الامام البخاري أنه قال لا أعرف لمجاهد سماعا من أم هانئ قلت لعله حسنه على مذهب
جمهور المحدثين فإنهم قالوا إن عنعنة غير المدلس محمولة على السماع إذا كان اللقاء ممكنا وإن لم
يعرف السماع والله تعالى أعلم
(باب)
قوله: (حدثنا محمد بن حمران) بن عبد العزيز القيسي البصري صدوق فيه لين من التاسعة
(عن أبي سعيد وهو عبد الله بن بسر) السكسكي الحبراني الحمصي سكن البصرة ضعيف من
الخامسة (سمت أبا كبشة الأنماري) بفتح الهمزة وسكون النون منسوب إلى أنمار قاله في المغني
وقال في التقريب أبو كبشة الأنماري هو سعيد بن عمرو أو عمرو بن سعيد وقيل عمر أو
عامر بن سعد صحابي نزل الشام له حديث واحد وروى عن أبي بكر انتهى (وكانت كمام أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم) بكسر الكاف جمع كمة بالضم كقباب وقبة وهي القلنسوة المدورة سميت بها لأنها
تغطي الرأس قال الجزري في النهاية بعد ذكر هذا الحديث ما لفظه وفي رواية أمته هما جمع
كثرة وقلة للكمة القلنسوة يعني أنها كانت منبطحة غير منتصبة انتهى وقال في القاموس الكمة
بالضم القلنسوة المدورة وقال المنذري في الترغيب الكمة بمض الكاف وتشديد الميم القلنسوة
الصغيرة (بطحا) بمض الموحدة فسكون المهملة جمع بطحاء أي كانت مبسوطة على الرأس غير
مرتفعة عنها وقيل هي جمع كم بالضم لأنهم قلما كانوا يلبسون القلنسوة ومعنى بطحاء حينئذ أنها
390

كانت عريضة فهو جمع أبطح من قولهم للأرض المتسعة بطحاء والمراد أنها ما كانت ضيقة
رومية أو هندية بل كان وسعها بقدر شبر كما سبق كذا قال في القاري في المرقاة وأشار بقوله كما
سبق إلى ما نقل عن بعض كتب الحنفية أنه يستحب اتساع الكم بقدر شبر وقال بن حجر
الهيثمي المكي وأما ما نقل عن الصحابة من اتساع الكم فمبني على توهم أن الأكمام جمع كم
وليس كذلك بل جمع كمه وهي ما يجعل على الرأس كالقلنسوة فكأن قائل ذلك لم يسمع قول
الأئمة أن من البدع المذمومة اتساع الكمين انتهى قال القاري متعقبا عليه بأن يمكن حمل هذا
على السعة المفرطة وما نقل عن الصحابة على خلاف ذلك وهو ظاهر بل متعين انتهى
قلت: الحديث يحتمل الاحتمالين واختار الترمذي الاحتمال الثاني حيث فسر قوله
" بطحا " بقوله يعني واسعة ولا شك في أنه إن كان معنى بطحا واسعة فالمراد السعة الغير المفرطة
كما قال القاري فإن الاتساع المفرط في الأكمام مذموم بلا شك قال الحافظ ابن القيم في زاد
المعاد وأما الأكمام الواسعة الطوال التي هي كالأخراج فلم يلبسها هو ولا أحد من أصحابه البتة
وهي مخالفة لسنته وفي جوازها نظر فإنها من جنس الخيلاء انتهى وقال الشوكاني في النيل وقد
صار أشهر الناس بمخالفة هذه السنة في زماننا هذا العلماء فيرى أحدهم وقد يجعل لقميصه كمين
يصلح كل واحد منهما أن يكون جبة أو قميصا لصغير من أولاده أو يتيم وليس في ذلك شئ
من الفائدة إلا العبث وتثقيل المؤنة على النفس ومنع الانتفاع باليد في كثير من المنافع وتشويه الهيئة ولا
الدينية إلا مخالفة السنة والإسبال والخيلاء انتهى وأما الأكمام الضيقة فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لبس جبة
ضيقة الكمين في السفر كما روى الشيخان عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس جبة رومية ضيقة
الكمين كذا في المشكاة وترجم الامام البخاري لحديث المغيرة هذا في صحيحه في كتاب اللباس
باب من لبس جبة ضيقة الكمين في السفر قال الحافظ في الفتح كأنه يشير إلى لبس النبي صلى الله عليه وسلم
الجبة الضيقة إنما كان لحال السفر لاحتياج المسافر إلى ذلك وأن السفر يغتفر فيه لبس غير المعتاد
في الحضر
قوله: (هذا حديث منكر وعبد الله بن بسر بصري ضعيف عند أهل الحديث الخ) قال
الذهبي في الميزان عبد الله بسر الجبراني الحمصي عن عبد الله بن بسر المازني الصحابي وغيره
قال يحيى بن سعيد القطان رأيته وليس بشئ روي عن ابن بسر وأبي راشد الجيراني وقال أبو
391

حاتم وغيره ضعيف وقال النسائي ليس بثقة ثم ذكر الذهير حديث الباب في مناكيره وقال في
الخلاصة ضعفه القطان والنسائي والدارقطني ووثقه ابن حبان انتهى
(باب)
قوله: (عن أبي إسحاق) هو السبيعي (عن مسلم بن نذير) بالنون والذال المعجمة مصغرا
ويقال ابن يزيد كوفي يكنى أبا عياض مقبول من الثالثة كذا في التقريب وقال في الخلاصة قال
أبو حاتم لا بأس به (بعضلة ساقي أو ساقه) شك من الراوي والعضلة محركة وكسفينة كل عصبة
معها لحم غليظ كذا في القاموس وعضلة الساق هو المحل الضخم منه (هذا موضع الإزار) وفي
رواية النسائي موضع الإزار إلى أنصاف الساقين (فإن أبيت فأسفل) كذا وقعت هذه الجملة مرة
واحدة ووقعت في رواية ابن ماجة مرتين هكذا فإن أبيت فأسفل وقوله فأسفل بصيغة الأمر
قال في القاموس وقد سفل ككرم وعلم ونصر سفالا وسفولا وتسفل وسفل في خلقه وعلمه ككرم
سفلا ويضم وسفالا ككتاب وفي الشئ سفولا بالضم نزل من أعلاه إلى أسفله انتهى (فإن أبيت
فلا حق للإزار في الكعبين) وفي رواية النسائي فإن أبيت فيمن رواه الساق ولا حق للكعبين في
الإزار والحديث يدل على أن موضع الإزار إلى أنصاف الساقين ويجوز إلى الكعبين ولا حق للإزار
في الكعبين وفي الباب أحاديث غير حديث الباب فأخرج أبو داود والنسائي وصححها الحاكم
من حديث أبي جرى رفعه قال في أثناء حديث مرفوع وارفع إزارك إلى نصف الساق فإن أبيت
فإلى الكعبين وإياك وإسبال الإزار فإنه من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة وروى البخاري في
صحيحه عن أبي هريرة مرفوعا ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار وللطبراني من حديث ابن
عباس رفعه كل شئ جاوز الكعبين من الإزار في النار وله من حديث عبد الله بن مغفل رفعه
أزرة المؤمن إلى أنصاف الساقين وليس عليه حرج فيما بينه وبين الكعبين وما أسفل من ذلك ففي
النار (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه النسائي وابن ماجة وصححه الحاكم كذا في الفتح
392

(باب)
قوله: (عن أبي الحسن العسقلاني) قال في التقريب مجهول (عن أبي جعفر بن محمد بن
ركانة) قال في التقريب مجهول (أن ركانة) بضم أوله وتخفيف الكاف بن عبد يزيد بن هاشم بن
عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي من مسلمة الفتح ثم نزل المدينة ومات في أول خلافه معاوية
(صارع النبي صلى الله عليه وسلم) قال في الصراح مصارعه كشتى كرفتن يقال صارعته فصرعته أصرعة صرعا
بالفتح لتميم وبالكسر لقيس (فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم) أي غلبه في المصارعة وطرحه على الأرض (إن
فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس) جمع قلنسوة أي الفارق بيننا معشر المسلمين وبين
المشركين لبس العمائم فوق القلانس فنحن نتعمم على القلانس وهم يكفنون بالعمائم ذكره
الطيبي وغيره من الشراح وتبعهما ابن الملك كذا في المرقاة وقال العزيزي فالمسلمون يلبسون
القلنسوة وفوقها العمامة ولبس القلنسوة وحدها زي المشركين انتهى وكذا نقل الجزري عن بعض
العلماء وبه صرح القاضي أبو بكر في شرح الترمذي وقال ابن القيم في زاد المعاد وكان يلبسها
يعني العمامة ويلبس تحتها القلنسوة وكان يلبس القلنسوة بغير عمامة ويلبس العمامة بغير قلنسوة
انتهى وفي الجامع الصغير برواية الطبراني عن ابن عمر قال كان يلبس قلنسوة بيضاء قال
العزيزي: إسناده حسن وفيه برواية الروياني وابن عساكر عن ابن عباس كان يلبس القلانس
تحت العمائم وبغير العمائم ويلبس العمائم بغير قلانس وكان يلبس القلانس اليمانية وهن
البيض المضربة ويلبس القلانس ذوات الاذان في الحرب وكان ربما نزع قلنسوته فجعلها سترة
بين يديه وهو يصلي الحديث
قلت لم أقف على إسناد رواية ابن عباس هذه فلا أدري هل هي صالحة للاحتجاج أم
لا
393

قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أبو داود (وإسناده ليس بالقائم الخ) فيه ثلاثة مجاهيل
كما عرفت
(باب)
قوله: (عن عبد الله بن مسلم) السلمي كنيته أبو طيبة بفتح الطاء المهملة بعدها تحتانية
ساكنة ثم موحدة المروزي قاضيها صدوق يهم من الثامنة (مالي أرى عليك) مقوله صلى الله عليه وسلم وما
استفهام إنكار ونسبه إلى نفسه والمراد به المخاطب أي مالك (حلية أهل النار) بكسر الحاء أي زينة
بعض الكفار في الدنيا أو زينتهم في النار بملابسة السلاسل والأغلال وتلك في المتعارف بيننا
متخذة من الحديد وقيل إنما كرهه لأجل النتن (وعليه خاتم من صفر) بضم الصاد المهملة
وسكون الفاء يقال له بالهندية بيتل ووقع في رواية أبي داود وعليه خاتم من شبه قال القاري
بفتح الشين المعجمة والموحدة شئ يشبه الصفر وبالفارسية يقال له برنج سمى به لشبهه بالذهب
لونا وفي القاموس الشبه محركة النحاس الأصفر ويكسر انتهى كلام القاري (مالي أجد منك
ريح الأصنام) لأن الأصنام تتخذ من الصفر قاله الخطابي وغيره (ارم عنك حلية أهل
الجنة) يعني أن خاتم الذهب من حلية أهل الجنة يتختمون به فيها وأما في الدنيا فهو حرام على
الرحال (قال من ورق) أي اتخذه من فضة والورق بكسر الراء الفضة (ولا تتمه) بضم أوله
وتشديد الميم المفتوحة نهى من الانمام أي لا نكمله (مثقالا) أي لا نكمل وزن الخاتم من الورق
مثقالا قال ابن الملك تبعا للمظهر هذا نهى إرشاد إلى الورع فإن الأولى أن يكون الخاتم أقل
من مثقال لأنه أبعد من السرف وذهب جمع من الشافعية إلى تحريم ما زاد على المثقال لكن رجح
394

الآخرون الجواز منهم الحافظ العراقي في شرح الترمذي فإنه حمل النهي المذكور على التنزيه
قاله القاري (هذا حديث غريب) وأخرجه أبو داود والنسائي قال الحافظ ابن حجر في الفتح
أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان وفي سنده أبو طيبة بفتح المهملة وسكون التحتانية
بعدها موحدة اسمه عبد الله بن مسلم المروزي قال أبو حاتم الرازي يكتب ولا يحتج
به. وقال ابن حبان في الثقات يخطئ ويخالف فإن كان محفوظا حمل المنع على ما كان حديدا
صرفا وقد قال التيفاشي في كتاب الأحجار خاتم الفولاذ مطردة للشيطان إذا لوى عليه فضة
فهذا يؤيد المغايرة في الحكم انتهى كلام الحافظ قال في عون المعبود شرح أبي داود هذا الحديث
مع ضعفه يعارض حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها أخرجه أبو
داود وإسناده صحيح فإن هذا الحديث يدل على الرخصة في استعمال الفضة للرجال وأن في
تحريم الفضة على الرجال لم يثبت فيه شئ عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما جاءت الأخبار المتواترة في تحريم
الذهب والحرير على الرجال فلا يحرم عليهم استعمال الفضة إلا بدليل ولم يثبت فيه دليل وقال
قد استدل العلامة الشوكاني في رسالته الوشي المرقوم في تحريم حلية الذهب على العموم بهذا
الحديث على إباحة استعمال الفضة للرجال بقوله صلى الله عليه وسلم عليكم بالفضة فالعبوا بها وقال إسناده
صحيح ورواته محتج بهم وأخرجه أحمد في مسنده من حديث أبي موسى الأشعري حدثنا
عبد الصمد حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار حدثني أسيد بن أبي أسيد عن ابن أبي موسى
عن أبيه أو عن ابن أبي قتادة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من سره أن يحلق حبيبته حلقة من نار
فليحلقها حلقة من ذهب ومن سره أن يسور حبيبته سوارا من نار فليسورها سوارا من ذهب
ولكن الفضة فالعبوا بها لعبا انتهى وحسن إسناده الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد وأخرجه
الطبراني في الكبير والأوسط من حديث سهل بن سعد مرفوعا بلفظ من أحب أن يسور ولده
سوارا من نار فليسوره سوارا من ذهب ولكن الفضلة فالعبوا بها كيف شئتم قال الهيثمي في مجمع
الزوائد في إسناده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف انتهى
قلت: في الاستدلال على إباحة استعمال الفضة للرجال بقوله صلى الله عليه وسلم ولكن عليكم بالفضة
فالعبوا بها عندي نظر فإن المراد باللعب بالفضة التحلية بها للنساء من التحليق والتسوير بها لهن
وليس المراد به اللعب بها للرجال يدل على ذلك صدر الحديث أعني قوله صلى الله عليه وسلم من سره أن يحلق
حبيبته حلقه من نار فليحلقها حلقة من ذهب ومن سره أن يسور حبيبته سوارا من نار فليسورها
395

سوارا من ذهب كما في رواية أحمد ومعنى الحديث أن لا تحلقوا نساءكم حلقة من ذهب ولا
تسوروهن سوارا من الذهب ولكن العبوا لهن بالفضة من التحليق والتسوير بها لهن أو ما شئتم
من التحلية بها لهن هذا ما عندي والله تعالى أعلم
(باب)
قوله: (عن عاصم بن كليب) بن شهاب بن المجنون الجرمي الكوفي صدوق رمي بالإرجاء
من الخامسة
قوله: (نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القسي) تقدم تفسير القسي في باب النهي عن القراءة في
الركوع والسجود (والميثرة الحمراء) هي بكسر الميم وسكون التحتانية وفتح المثلثة بعدها راء ثم
هاء ولا همز فيها وأصلها من الوثارة أو الوثرة بكسر الواو وسكون المثلثة والوثير هو الفراش
الوطئ وامرأة وثيرة كثيرة اللحم وقد تقدم تفسير الميثرة في باب ركوب المياثر (وأن ألبس خاتمي في هذه وفي هذه وأشار إلى السبابة والوسطى) قال النووي أجمع المسلمون على أن السنة جعل
خاتم الرجل في الخنصر وأما المرأة فإنها تتخذ خواتيم في أصابع قالوا والحكمة في كونه في
الخنصر أنه أبعد من الامتهان فيما تعاطي باليد لكونه طرفا لأنه لا يشغل اليد عما تناولته من
اشتغالها بخلاف غير الخنصر ويكره للرجل جعله في الوسطى والتي تليها لهذا الحديث وهي
كراهة تنزيه انتهى
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
396

(باب)
قوله: (كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها) وفي رواية البخاري
أن يلبسها بزيادة أن فقوله يلبسها في رواية الترمذي صفة لأحب أو الثياب وخرج به ما يفرشه ونحوه والضمير
المنصوب للثياب أو لأحب والتأنيث باعتبار المضاف إليه وأما قوله أن يلبسها فقيل بلد من
الثياب وقال الطيبي متعلق بأحب أي كان أحب الثياب لأجل اللبس (الحبرة) بالنصب على أنه
خبر كان وأحب اسمه ويجوز أن يكون بالعكس والحبرة بكسر الحاء المهملة وفتح الموحدة بوزن
عنبة نوع من برود اليمن بخطوط حمر وربما تكون بخضر أو زرق فقيل هي أشرف الثياب عندهم
تصنع من القطن فلذا كان أحب وقيل لكونها خضراء وهي من ثياب أهل الجنة وقد ورد أنه
كان أحب الألوان إليه الخضرة على ما رواه الطبراني في الأوسط وابن السني وأبو نعيم في الطلب
قال القرطبي سميت حبرة لأنها تحبر أي تزين والتحبير التحسين يل ومنه قوله تعالى فهم
في روضة يحبرون وقيل إنما كانت هي أحب الثياب إليه صلى الله عليه وسلم لأنه ليس فيه كثير زينة ولأنها
احتمالا للوسخ قال الجزري وفيه دليل على استحباب لبس الحبرة وعلى جواز لبس المخطط
قال ميرك وهو مجمع عليه
قوله: (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي
397

(أبواب الأطعمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)
(باب ما جاء على ما كان يأكل النبي صلى الله عليه وسلم)
قوله: (عن يونس) هو الإسكاف كما في رواية البخاري ووقع رواية ابن ماجة عن يونس
ابن أبي الفرات الإسكاف قال الحافظ في الفتح وهو بصري وثقه أحمد وابن معين وغيرهما وقال
ابن عدي: ليس بالمشهور وقال ابن سعد كان معروفا وله أحاديث وقال ابن حبان لا يجوز
أن يحتج به كذا قال ومن وثقه أعرف بحاله من ابن حبان والراوي عنه هشام هو الدستوائي
وهو من المكثرين عن قتادة وكأنه لم يسمع منه هذا انتهى
قوله: (على خوان) الخاء بكسر الخاء المعجمة وبضم أي مائدة قال التوربشتي الخوان الذي
يؤكل عليه معرب والأكل عليه لم يزل من دأب المترفين وصنيع الجبارين لئلا يفتقروا إلى التطاطؤ
عند الأكل كذا في المرقاة وقال العيني في العمدة قوله على الخوان بسكر الخاء المعجمة وهو
المشهور رجاء ضمها وفيه لغة ثالثة إخوان بكسر الهمزة وسكون الخاء وهو معرب قال
الجوالقي تكلمت به العرب قديما وقال ابن فارس إنه اسم أعجمي وعن ثعلب سمي
بذلك لأنه يتخون ما عليه أي ينتقص وقال عياض إنه المائدة ما لم يكن عليه طعام ويجمع على
أخونه في القلة وخوون بالضم في الكثرة قال العيني ليس فيما ذكر كله بيان هيئة الخوان وهو طيق
كبير من نحاس تحته كرسي من نحاس ملزوق به طوله قدر ذراع يرص فيه الزباد ويوضع بين يدي
398

كبير من المترفين ولا يحمله إلا اثنان فما فوقهما انتهى (ولا سكرجة) بضم السين والكاف والراء
والتشديد إناء صغير يؤكل فيه الشئ القليل من الأدم وهي فارسية وأكثر ما يوضع فيه الكوامخ
ونحوها كذا في النهاية قيل والعجم كانت تستعملها في الكواميخ وما أشبهها من الجوارشات
يعني المخللات على الموائد حول الأطعمة للتشهي والهضم فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل على هذه
الصفة قط قال العراقي في شرح الترمذي تركه الأكل في السكرجة إما لكونها لم تكن تصنع
عندهم إذ ذاك أو استصغارا لها لأن عادتهم للاجتماع على الأكل أو لأنها كانت تعد لوضع الأشياء
التي تعين على الهضم ولم يكونوا غالبا يشبعون فلم يكن لهم حاجة بالهضم انتهى
(ولا خبز) ماض مجهول (له) أي لأجله (مرقق) قال القاضي عياض أي ملين محسن كخبز
الحوارى وشبهه والترقيق التليين ولم يكن عندهم مناخل وقد يكون المرقق الرقيق الموسع
انتهى قال الحافظ هذا هو متعارف وبه جزم ابن الأثير قال الرقاق الرقيق مثل طوال طويل
وهو الرغيف الواسع الرقيق وقال ابن الجوزي هو الخفيف كأنه مأخوذ من الرقاق وهي الخشبة
التي يرقق بها انتهى (نقلت) القائل هو يونس (فعلى ما) وكذا في أكثر نسخ البخاري وفي بعضها
فعلام بميم مفردة أي فعلى أي شئ
واعلم أن حرف الجر إذا دخل على ما الاستفهامية حذف الألف لكثرة الاستعمال لكن قد
ترد في الاستعمالات القليلة على الأصل نحو قول حسان على ما قال يشتمني لئيم
ثم اعلم أنه إذا اتصل الجار بما الاستفهامية المحذوفة الألف نحو حتام وعلام كتب معها
بالألف لشدة الاتصال بالحروف (قال) أي قتادة (على هذه السفر) بضم ففتح جمع سفرة في
النهاية السفرة الطعام يتخذه المسافر وأكثر ما يحمل في جلد مستدير فنقل اسم الطعام إلى الجلد
وسمي به كما سميت المزادة رواية وغيره ذلك من الأسماء المنقولة انتهى ثم اشتهرت لما يوضع عليه
الطعام جلدا كان أو غيره ما عدا المائدة لما مر من أنه شعار المتكبرين غالبا
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه البخاري في الأطعمة والنسائي في الرقائق
والوليمة وابن ماجة في الأطعمة
399

(باب ما جاء في أكل الأرنب)
قال الحافظ في الفتح هو دويبة معروفة تشبه العناق لكن في رجليها طول يخلان بها
والأرنب اسم جنس للذكر والأرنب اسم جنس للذكر والأنثى ويقال للذكر أيضا الخزز وزن عمر بمعجمات وللأنثى
عكرشة وللصغير خرنق هذا هو المشهور وقال الجاحظ لا يقال أرنب إلا للأنثى ويقال إن
الأرنب شديدة الجبن كثيرة الشبق وأنها تكون سنة ذكرا وسنة أنثى وأنها تحيض ويقال إنها تنام
مفتوحة العين انتهى ويقال للأرنب بالفارسية خركوش
قوله: (عن هشام بن زيد) بن أنس بن مالك الأنصاري ثقة من الخامسة
قوله: (أنفجنا أرنبا) بفاء مفتوحة وجيم ساكنة أي أثرنا يقال نفج الأرنب إذا ثار وعدا
وانتفج كذلك وأنفجته إذا أثرته من موضعه ويقال إن الانتفاج الاقشعرار فكأن المعنى جعلناها
بطلبنا لها تنتفج والانتفاع أيضا ارتفاع الشعر وانتفاشه (بمر الظهران) مر بفتح الميم وتشديد الراء
والظهران بفتح المعجمة بلفظ تثنية اسم موضع على مرحلة من مكة وقد يسمى بإحدى
الكلمتين تخفيفا وهو المكان الذي تسميه عوام المصريين بطن مرو والصواب مر بتشديد الراء
(فذبحها بمروة) بفتح ميم وسكون راء حجر أبيض ويجعل منه كالسكين (فبعث معي بفخذها أو
بوركها) هو شك من الراوي والورك بالفتح والكسر وككتف ما فوق الفخذ مؤنثة كذا في القاموس
(فأكله فقلت أكله قال قبله) قال الطيبي الضمير راجع إلى المبعوث أو بمعنى اسم الإشارة أي
ذاك انتهى وحاصله أنه راجع إلى المذكور وهذا الترديد لهشام بن زيد وقف جده أنسا على قوله
أكله فكأنه توقف في الجزم به وجزم بالقبول وقد أخرج الدارقطني من حديث عائشة أهدى إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم أرنب وأنا نائمة فخبأ لي منها العجز فلما قمت أطعمني وهذا الوصح لأشغر بأنه
أكل منها لكن سنده ضعيف ووقع في الهداية للحنفية أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من أرنب حين أهدي
إليه مشويا وأمر أصحابه بالأكل منه وكأنه تلقاه من حديثين فأوله من حديث الباب وقال ظهر ما
فيه والاخر من حديث أخرجه النسائي من طريق موسى بن طلحة عن أبي هريرة جاء أعرابي
400

إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأرنب قد شواها فوضعها بين يديه فأمسك وأمر أصحابه أن يأكلوا ورجاله ثقات
إلا أنه اختلف فيه على موسى ابن طلحة اختلافا كثيرا
قوله: (وفي الباب عن جابر وعمار ومحمد بن صفوان ويقال محمد بن صيفي) أما حديث
جابر فأخرجه الترمذي في باب الذبح بالمروة وأخرجه أيضا ابن حبان والبيهقي وأما حديث عمار
فلينظر من أخرجه وأما حديث محمد بن صفوان فأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن
ماجة وابن حبان والحاكم عنه أنه صاد أرنبين فذبحهما بمروتين فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بأكلهما
كذا في المنتقى والنيل وقال الحافظ في التلخيص بعد ذكر حديث محمد بن صفوان هذا وفي
رواية محمد بن صيفي قال الدارقطني من قال محمد بن صيفي فقد وهم
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة كما في المنتقى
قوله: (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم لا يرون يأكل الأرنب بأسا) قال النووي في
شرح مسلم أكل الأرنب حلال عند مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد والعلماء كافة إلا ما حكى
عن عبد الله بن عمرو بن العاص وابن أبي ليلى أنهما كرهاها دليل الجمهور هذا الحديث يعني
حديث الباب مع أحاديث مثله ولم يثبت في النهي عنها شئ انتهى (وقد كره بعض أهل العلم
الخ) كعبد الله بن عمرو من الصحابة وعكرمة من التابعين ومحمد بن أبي ليلى من الفقهاء
واحتجوا بحديث خزيمة بن جزء قلت يا رسول الله ما تقول في الأرنب قال لا اكله ولا أحرمه
قلت فإن اكل ما لا تحرمه ولم يا رسول الله قال نبئت أنها تدمي قال الحافظ وسنده
ضعيف ولو صح لم يكن فيه دلالة على الكراهة وله شاهد عن عبد الله بن عمرو بلفظ جئ بها
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأكلها ولم ينه عنها وزعم أنها تحيض أخرجه أبو داود وله شواهد عن عمر عند
إسحاق بن راهويه في مسنده انتهى
قلت: حديث عبد الله بن عمرو في سنده خالد بن الحويرث قال الحافظ في تهذيب
التهذيب في ترجمته قال عثمان بن سعيد الدارمي سألت يحيى بن معين عنه فقال لا أعرفه وقال
ابن عدي إذا كان يحيى لا يعرفه فلا يكون له شهرة ولا يعرف وذكره ابن حبان في الثقات
401

انتهى وفي سنده أيضا محمد ابنه وهو مستور كما صرح به الحافظ في التقريب وتهذيب التهذيب
وأما حديث عمر فقال الحافظ في باب الضب كل بعد ذكره سنده حسن
(باب في أكل الضب كل)
قال الحافظ هو دويبة تشبه الجرذون لكنه أكبر منه ويكنى أبا حسل ويقال للأنثى ضبة
ويقال إن لأصل ذكر الضب كل فرعين ولهذا يقال له ذكران وذكر ابن خالويه أن الضب كل يعيش
سبعمائة سنة وأنه لا يشرب الماء ويبول في كل أربعين يوما قطرة ولا يسقط له سن ويقال بل
أسنانه قطعة واحدة وحكى غيره أن أكل لحمه يذهب العطش ومن الأمثال لا أفعل كذا حتى
يرد الضب كل بقوله من أراد أن لا يفعل الشئ لأن الضب كل لا يرد بل يكتفي بالنسيم وبرد الهواء ولا
يخرج من جحره في الشتاء انتهى ويقال له بالفارسية سوسمار وبالهندية كوه
قوله: (لا آكله ولا أحرمه) فيه جواز أكل الضب كل قال النووي أجمع المسلمون على أن
أكل الضب كل حلال ليس بمكروه إلا ما حكي عن أصحاب أبي حنيفة من كراهته وإلا ما حكاه
القاضي عياض عن قوم أنهم قالوا هو حرام وما أظنه يصح عند أحد وإن صح عن أحد
فمحجوج بالنصوص وإجماع من قبله انتهى
فإن قلت لما لم يكن الضب كل حراما فما سبب عدم أكله صلى الله عليه وسلم
قلت: روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس عن خالد بن الوليد أنه دخل
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة فأتى بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقال بعض
النسوة أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل فقالوا هو ضب يا رسول الله فرفع يده
فقلت أحرام هو يا رسول الله قال لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه قال خالد
فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر قال الحافظ قوله فأجدني أعافه أي أكره أكله ووقع في
رواية سعيد بن جبير فتركهن النبي صلى الله عليه وسلم كالمتقذر لهن ولو كن حراما لما أكلن على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم
ولما أمر بأكلهن كذا أطلق الأمر وكأنه تلقاه من الاذن المستفاد من التقرير فإنه لم يقع في شئ
من طرق حديث ابن عباس بصيغة الأمر إلا في رواية يزيد بن الأصم عند مسلم فإن فيها فقال
402

لهم كلوا فأكل الفضل وخالد والمرأة وكذا في رواته الشعبي عن ابن عمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم كلوا
وأطعموا فإنه حلال أو قال لا بأس به ولكنه ليس طعامي وفي هذا كله بيان سبب ترك النبي صلى الله عليه وسلم
وأنه بسبب أنه ما اعتاده وقد ورد لذلك سبب اخر أخرجه مالك من مرسل سليمان بن يسار
فذكر معنى حديث ابن عباس وفي اخره فقال النبي صلى الله عليه وسلم كلا يعني لخالد وابن عباس فإنني
يحضرني من الله حاضرة قال المازري يعني الملائكة وكان للحم الضب كل ريحا فترك أكله لأجل
ريحه كما ترك أكل الثوم مع كونه حلالا قال الحافظ وهذا إن صح يمكن ضمه إلى الأول ويكون
لتركه الاكل من الضب كل سبيان انتهى
قوله: (وفي الباب عن عمر وأبي سعيد وابن عباس وثابت بن وديعه وجابر وعبد
الرحمن بن حسنة) أما حديث عمر فأخرجه مسلم وابن ماجة عن جابر أن عمر بن الخطاب قال في
الضب كل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرمه وأن عمر قال إن الله لينفع به غير واحد وإنما طعام عامة
الرعاء منه ولو كان عندي طعمته وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أحمد ومسلم وابن ماجة عنه
قال رجل يا رسول الله إنا بأرض مضبة فما تأمرنا قال ذكر لي أن أمة من بني إسرائيل مسحت
فلم يأمر ولم ينه وأما حديث ابن عباس فأخرجه الشيخان عنه قال أهدت خالتي أم حفيد إلى
النبي صلى الله عليه وسلم أقطا وسمنا وأضبا فأكل من الأقط والسمن وترك الأضب تقذرا قال ابن عباس
فأكل على مائدته ولو كان حراما لما أكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا في نصب الراية وأما
حديث ثابت بن وديعة فأخرجه أبو داود والنسائي عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش
فأصبنا ضبابا قال فشويت منها ضبا فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته بين يديه قال فأخذ عودا فعد
به أصابعه ثم قال إن أمة من بني إسرائيل مسخت دوابا في الأرض وإني لا أدري أي الدواب
هي قال فلم يأكل ولم ينه قال الحافظ وسنده صحيح وأما حديث جابر فأخرجه مسلم عنه
قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بضب فأبى أن يأكل منه وقال لا أدري لعله من القرون التي مسخت
وروى ابن ماجة عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم الضب كل ولكن قذره وإنه طعام عامة الرعاء وإن الله
عز وجل لينفع به غير واحد ولو كان عندي لأكلته وأما حديث عبد الرحمن بن حسنة فأخرجه
أحمد وأبو داود وابن حبان والطحاوي عنه قال نزلنا أرضا كثيرة الضباب الحديث وفيه أنهم
طبخوا منها فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض فأخشى أن تكون
هذه فاكفئوها قال الحافظ وسنده على شرط الشيخين إلا الضحاك فلم يخرجا له انتهى
403

قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان (وقد اختلف أهل العلم في أكل
الضب كل فرخص فيه بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم) وهو قول الجمهور وهو
الراجح المعول عليه وقد استدلوا على ذلك بأحاديث تدل على إباحة أكله فمنها حديث ابن عمر
المذكور في الباب ومنها أحاديث ابن عباس وعمر وجابر التي أشار إليها الترمذي وذكرنا ألفاظها
ومنها حديث خالد بن الوليد وقد تقدم لفظه ومنها حديث ابن عمر أخرجه البخاري ومسلم عنه
قال كان ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيه سعد فذهبوا يأكلون من لحم فنادتهم امرأة من
بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لحم ضب فأمسكوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلوا وأطعموا فإنه
حلال أو قال لا بأس به ولكنه ليس من طعامي كذا في نصب الراية
ومنها حديث يزيد بن الأصم أخرجه مسلم والطحاوي عنه قال دعانا عروس بالمدينة
فقرب إلينا ثلاثة عشر ضبا فآكل وتارك فلقيت ابن عباس من الغد فأخبرته فأكثر القوم حوله حتى
قال بعضهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا آكله ولا أنهى عنه ولا أحرمه فقال ابن عباس بئسما قلتم ما
بعث نبي الله صلى الله عليه وسلم إلا محللا ومحرما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو عند ميمونة وعنده الفضل بن
عباس وخالد بن الوليد وامرأة أخرى إذ قرب إليهم خوان عليه لحم فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأكل
قالت له ميمونة إنه لحم ضب فكف يده وقال هذا لحم لم آكله قط وقال لهم كلوا فأكل منه
الفضل وخالد بن الوليد والمرأة وقالت ميمونة لا آكل من شئ إلا شئ يأكل منه
رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومنها حديث سليمان بن يسار المرسل وقد تقدم
ومنها حديث أبي هريرة أخرجه الطحاوي عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بصحفة فيها ضباب فقال
كلوا فإني عائفه
ومنها حديث خزيمة بن جزء أخرجه ابن ماجة قال قلت يا رسول الله جئتك لأسألك
عن أحناش الأرض ما تقول في الضب كل قال لا آكله ولا أحرمه قال قلت فإني آكل مما لم تحرم
ولم يا رسول الله قال فقدت أمة من الأمم ورأيت خلقا رابني (وكرهه بعضهم) قال الطحاوي
في شرح الآثار وقد كره قوم أكل الضب كل منهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمة الله عليهم
404

أجمعين واحتج لهم محمد بن الحسن بحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى له ضب فلم يأكله فقام
عليهم سائل فأرادت عائشة رضي الله عنها أن تعطيه فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أتعطيه ما لا تأكلين
قال محمد فقد دل ذلك على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره لنفسه ولغيره أكل الضب كل قال فبذلك نأخذ
قال الطحاوي ما في هذا دليل على الكراهة قد يجوز أن يكون كره لها أن تطعمه السائل
لأنها إنما فعلت ذلك من أجل أنها عافته ولولا أنها عافته لما أطعمته إياه وكان ما تطعمه السائل
فإنما هو لله تعالى فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يكون ما يتقرب به إلى الله عز وجل إلا من خير الطعام
كما قد نهى أن يتصدق بالبسر الردئ والتمر الردئ قال فلهذا المعنى الذي كره رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله
تعالى عنها الصدقة بالضب لا لأن أكله حرام انتهى
واستدل لهم أيضا بحديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وددت أن عندي خبرة
بيضاء من برة سمراء ملبقة بسمن ولبن فقام رجل من القوم فاتخذه فجاء به فقال في أي شئ
كان هذا قال في عكة ضب قال ارفعه أخرجه أبو داود وابن ماجة
وأجيب عنه بأن أبا داود قال بعد روايته هذا حديث منكر على أنه ليس في هذا الحديث
دلالة على تحريم أكل الضب كل أو على كراهته قال الطيبي إنما أمر برفعه لتنفر طبعه عن الضب كل
لأنه لم يكن بأرض قومه كما دل عليه حديث خالد لا لنجاسة جلده وإلا لأمره بطرحه ونهاه عن
تناوله
واستدل لهم أيضا بحديث عبد الرحمن بن حسنة نزلنا أرضا كثيرة الضباب الحديث وفيه
أنهم طبخوا منها فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض فأخشى أن
تكون هذه فأفئوها وبحديث عبد الرحمن بن شبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحم
الضب كل أخرجه أبو داود
وأجيب عن ذلك بأن علة الأمر بالإكفاء والنهي عن الأكل إنما هي خشيته صلى الله عليه وسلم أن تكون
الضباب من الأمة الممسوخة وعدم علمه بأن الأمة الممسوخة لا يكون لها نسل ولا عقب فلما علم
صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل لم يهلك قوما أو يمسخ قوما فيجعل لهم نسلا ولا عاقبة ارتفعت العلة ومن
المعلوم أنه إذا ارتفعت العلة يرتفع المعلول على أن هذين الحديثين لا يقاومان الأحاديث
الصحيحة المتقدمة التي تدل صراحة على إباحة أكل الضب كل وقال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذين
الحديثين والأحاديث الماضية وإن دلت على الحل تصريحا وتلويحا نصا وتقريرا فالجمع بينها وبين
405

هذا حمل النهي فيه على أول الحال عند تجويز أن يكون مما مسخ وحينئذ أمر بإكفاء القدور ثم توقف
فلم يأمر به ولم ينه عنه وحمل الاذن فيه على ثاني الحال لما علم أن الممسوخ لا نسل له ثم بعد
ذلك كان يستقذره فلا يأكله ولا يحرمه وأكل على مائدته فدل على الإباحة وتكون الكراهة للتنزيه
في حق من يتقذره وتحمل الإباحة على من لا يتقذره ولا يلزم من ذلك أنه يكره مطلقا
انتهى (ويروى عن ابن عباس أنه قال أكل الضب كل الخ) رواه البخاري ومسلم وتقدم لفظه
(باب ما جاء في أكل الضبع)
بفتح الضاد المعجمة وضم الباء الموحدة حيوان معروف يقال له بالفارسية كفتار وبالهندية
بجو بكسر الجيم الموحدة وضم الجيم المشددة كما في نفائس اللغات ومخزن الأدوية وغيرهما وقيل
هو بالهندية هندار كما في غياث اللغات والأول هو الظاهر لأن الضبع معروف بنبش القبور
والحيوان الذي يقال له بالهندية هندار لم يعرف بنبش القبور قال في النيل ومن عجب أمره أنه
يكون سنة ذكرا وسنة أنثى فيلقح في حال الذكورة ويلد في حال الأنوثة وهو مولع بنبش القبور
لشهوته للحوم بني آدم انتهى
قوله: (عن عبد الله بن عبيد) بالتصغير (بن عمير بالتصغير أيضا الليثي المكي ثقة من
الثالثة استشهد غازيا سنة ثلاث عشرة ومائة (عن ابن أبي عمار) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن
أبي عمار بفتح العين وتشديد الميم المكي حليف بني جميع الملقب بالقس ثقة عابد من الثالثة
قوله: (الضبع أصيد هي قال نعم) زاد في رواية أبي داود ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم
(قلت آكلها) بصيغة المتكلم (قال نعم) فيه دليل على أن الضبع حلال وبه قال الشافعي وأحمد
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه النسائي والشعبي وابن ماجة وابن حبان في
صحيحه والبيهقي وقال الترمذي في علله قال البخاري حديث صحيح انتهى وقال الحافظ في
التلخيص وصححه البخاري والترمذي وابن حبان وابن خزيمة والبيهقي وأعله ابن عبد البر
406

بعبد الرحمن بن أبي عمار فوهم لأنه وثقه أبو زرعة والنسائي ولم يتكلم فيه أحد ثم إنه لم ينفرد به
انتهى وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا ولم يروا بأسا بأكل الضبع (وهو قول أحمد وإسحاق)
وهو قول الشافعي قال الشافعي ما زال الناس يأكلونها ويبيعونها بين الصفا والمروة من غير
نكير ولأن العرب تسطييه وتمدحه انتهى (وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في كراهية أكل الضبع
الخ) وهو حديث خزيمة بن جزء الآتي بعد هذا (وقد كره بعض أهل العلم أكل الضبع وهو قول
ابن المبارك) وهو قول أبي حنيفة ومالك واستدل لهم بحديث خزيمة من جزء وهو حديث
ضعيف لا يصح الاحتجاج به كما ستقف عليه واستدل لهم أيضا بأنها سبع وقد نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع ويجاب بأن حديث الباب خاص فيقدم على حديث
كل ذي ناب قال الخطابي في المعالم وقد اختلف الناس في أكل الضبع فروى عن سعد بن أبي
وقاص أنه كان يأكل الضبع وروى عن ابن عباس إباحة لحم الضبع وأباح أكلها عطاء
والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وكرهه الثوري وأصحاب الرأي ومالك وروي ذلك عن
سعيد بن المسيب واحتجوا بأنها سبع وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع
قال الخطابي وقد يقوم دليل الخصوص فينزع الشئ من الجملة وخبر جابر خاص وخبر تحريم
السباع عام انتهى وقال ابن رسلان وقد قيل من الضبع ليس لها ناب وسمعت من يذكر أن جميع
أسنانها عظم واحد كصفيحة نعل الفرس فعلى هذا لا يدخل في عموم النهي انتهى (وحديث ابن
جريج) أي المرفوع المذكور في الباب (أصح) فإن ابن جريج قد تابعه على رفعه إسماعيل بن أمية
عند ابن ماجة وأما جرير بن حازم فلم يتابعه أحد على وقفه
قوله: (حدثنا أبو معاوية) اسمه محمد بن خاذم الضرير الكوفي (عن إسماعيل بن مسلم)
هو المكي أبو إسحاق البصري (عن حبان) بكسر الحاء المهملة (بن جزء) بفتح الجيم بعدها زاي
407

ثم همزة صدوق من الثالثة قاله في التقريب وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته أخرج له الترمذي
وابن ماجة حديثا واحدا في السؤال عن الضب كل والأرنب والضبع والذئب وضعف إسناده الترمذي
انتهى (عن أخيه خزيمة بن جزء) صحابي لم يصح الاسناد إليه قاله في التقريب قاتل في تهذيب
التهذيب في ترجمته روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعنه أخواه خالد وحبان قال أبو منصور البارودي لم
يثبت حديثه لأنه من حديث عبد الكريم أبي أمية وقال البخاري في التاريخ لما ذكر حديثه في
الحشرات فيه نظر وقال البغوي ولا أعلم له غيره وقال الأزدي لا يحفظ روى عنه إلا حبان
ولا يحفظ له غير هذا الحديث قال وفي إسناده نظر انتهى
قوله: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الضبع فقال ويأكل الضبع أحد) بتقدير همزة
الاستفهام الانكاري وفي المشكاة أو يأكل الضبع أحد في رواية ابن ماجة ومن يأكل الضبع
(وسألته عن أكل الذئب) بالهمز ويبدل (ويأكل) وفي المشكاة أو يأكل أي أجهلت حكمه ويأكل
(الذئب أحد فيه خبر) أي صلاح وتقوى صفة أحد واستدل بهذا الحديث من قال بحرمته
الضبع والحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج
قوله: (هذا حديث ليس إسناده بالقوي لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن مسلم عن
عبد الكريم أبي أمية وقد تكلم بعض أهل الحديث في إسماعيل وعبد الكريم أبي أمية) قال
الزيلعي في نصب الراية بعد نقل كلام الترمذي هذا وضعفه ابن حزم بأن إسماعيل بن مسلم
ضعيف وابن المخارق ساقط وحبان بن جزء مجهول انتهى وقال الحافظ في التقريب
إسماعيل بن مسلم المكي أبو إسحاق ضعيف الحديث وقال في التلخيص وأما ما رواه الترمذي
من حديث خزيمة بن جزء قال أيأكل الضبع أحد فضعيف لاتفاقهم على ضعف عبد الكريم أبي
أمية والراوي عنه إسماعيل بن مسلم انتهى (وهو عبد الكريم بن قيس هو بن أبي المخارق) قال
في التقريب عبد الكريم بن أبي المخارق بضم الميم وبالخاء المعجمة أبو أمية المعلم البصري نزيل
408

مكة واسم أبيه قيس وقيل طارق ضعيف من السادسة وقد شارك الجزري في بعض المشائخ فربما
التبس به على من لا فهم له انتهى (وعبد الكريم بن مالك الجزري ثقة) قال في التقريب عبد
الكريم بن مالك الجزري أبو سعيد مولى بني أمية وهو الخضرمي بالخاء والضاد المعجمتين نسبة
إلى قرية من اليمامة ثقة متقن من السادسة انتهى
تنبيه) قال القاري في المرقاة معترضا على قول الترمذي ليس إسناده بالقوي ما لفظه وفيه
أن الحسن أيضا يستدل به على أن الجهاد المستند إليه سابقا يدل على أن صحيحه في نفس الأمر وإن
كان ضعيفا بالنسبة إلى إسناد واحد من المحدثين ويقويه رواية ابن ماجة لفظه ومن يأكل
الضبع ويؤيده أن ذو ناب من السباع فأكله حرام ومع تعارض الأدلة في التحريم والإباحة
فالأحوط حرمته وأما قوله عليه الصلاة والسلام الضبع لست آكله ولا أحرمه كما رواه الشيخان
وغيرهما فيفيد ما اختاره مالك من أنه يكره أكله إذ المكروه عنده ما أثم آكله ولا يقطع بتحريمه
ومقتضى قواعد أثمننا أن أكله مكروه كراهة تحريم لا أنه حرام محض لعدم دليل قطعي مع
اختلاف فقهي انتهى كلام القاري بلفظه
قلت: في كلام القاري هذا أوهام وأغلاط فأما قوله إن الحسن أيضا يستدل به ففيه أن
لا شك أن الحديث الحسن يستدل به لكن حديث خزيمة بن جزء هذا ليس بحسن بل هو
ضعيف لا يصلح للاحتجاج كما عرفت وأما قوله إن اجتهاد المستند إليه سابقا يدل على أنه
صحيح في نفس الأمر الخ ففاسد وقد بينا فساده فيما سبق وأما قوله ويقويه رواية ابن ماجة
ولفظه ومن يأكل الضبع ففيه أن في رواية ابن ماجة أيضا عبد الكريم فكيف تقويه وأما قوله
إنه ذو ناب من السباع فممنوع وسند المنع حديث جابر المذكور في الباب ولو سلم أنه ذو ناب
من السباع فحرمته ممنوعة لهذا الحديث وأما قوله ومع تعارض الأدلة في التحريم والإباحة
فالأحوط حرمته ففيه أن هذا كان دليل الحرمة ودليل الإباحة كلاهما صحيحين وأما إذا كان
دليل الحرمة ضعيفا ودليل الإباحة صحيحا كما في ما نحن فيه فكون الحرمة أحوط ممنوع وأما
قوله: إن قوله عليه الصلاة والسلام الضبع لست آكله ولا أحرمه كما رواه الشيخان وغيرهما يفيد
الخ ففيه وهم فاحش فإنه لم يرو الشيخان ولا غيرهما: الضبع لست أكله ولا أحرمه بل رووا
الضب لست آكله ولا أحرمه ولا أحرمه والضب غير الضبع قال الحافظ بن القيم في الاعلام وأما الضبع
فروى عنه فيها حديث صححه كثير من أهل العلم بالحديث فذهبوا إليه وجعلوه مخصصا لعموم
أحاديث التحريم كما خصصت العرايا لأحاديث المزابنة وطائفة لم تصححه وحرموا الضبع لأنها
من جملة ذات الأنياب وقالوا وقد تواترت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن أكل كل ذي ناب
409

من السباع وصحت صحة لا مطعن فيها من حديث علي وابن عباس وأبي هريرة وأبي ثعلبة
الخشني قالوا وأما حديث الضبع فتفرد به عبد الرحمن بن أبي عمارة وأحاديث تحريم ذوات
الأنياب كلها تخالفه
قالوا: ولفظ الحديث يحتمل معنيين أحدهما أن يكون جابر رفع الأكل إلى النبي صلى الله
عليه وآله وسلم وأن يكون إنما رفع إليه كونها صيدا فقط ولا يلزم من كونها صيدا جواز أكلها
فظن جابر أن كونها صيدا يدل على أكلها فأفتى به من قوله ورفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم
ما سمعه من كونها صيدا فروى الترمذي عن عبد الرحمن بن أبي عمارة قال قلت لجابر بن
عبد الله آكل الضبع قال نعم قلت أصيد هي قال نعم قلت أسمعت ذلك من رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قال نعم وهذا يحتمل أن المرفوع منه هو كونها صيدا ويدل على ذلك
أن جرير بن حازم قال عن عبيد بن عمير عن ابن أبي عمارة عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل
عن الضبع فقال هي صيد وفيها كبش
قالوا: وكذلك حديث إبراهيم الصائغ عن عطاء عن جابر يرفعه الضبع صيد إذا أصابه
المحرم ففيه جزاء كبش مسن ويؤكل قال الحاكم حديث صحيح وقوله ويؤكل يحتمل الوقف
والرفع وإذا احتمل ذلك لم يعارض به الأحاديث الصحيحة الصريحة التي تبلغ مبلغ التواتر في
التحريم
قالوا: ولو كان حديث جابر صريحا في الإباحة لكان فردا وأحاديث تحريم ذوات الأنياب
مستفيضة متعددة ادعى الطحاوي وغيره تواترها فلا يقدم حديث جابر عليها
قالوا: والضبع من أخبث الحيوان وأشرهه وهو مغري بأكل لحوم الناس ونبش القبور
الأموات وإخراجهم وأكلهم ويأكل الجيف ويكسر بنابه
قالوا: والله سبحانه قد حرم علينا الخبائث وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذوات الأنياب والضبع
لا يخرج عن هذا وهذا قالوا: وغاية حديث جابر يدل على أنها صيد يفدى في الاحرام ولا يلزم من ذلك أكلها
وقد قال بكر بن محمد سئل أبو عبد الله يعني الإمام أحمد عن محرم قتل ثعلبا فقال عليه الجزاء
هي صيد ولكن لا يؤكل وقال جعفر بن محمد سمعت أبا عبد الله سئل عن الثعلب فقال
الثعلب سبع فقد نص على أنه سبع وأنه يفدي في الاحرام ولما جعل النبي صلى الله عليه وسلم في الضبع كبشا
ظن جابر أنه يؤكل فأفتى به
410

والذين صححوا الحديث جعلوه مخصصا لعموم تحريم ذي الناب من غير فرق بينهما حتى
قالوا: ويحرم أكل كل ذي ناب من السباع إلا الضبع وهذا لا يقع مثله في الشريعة أن يخصص
مثلا على مثل من كل وجه من غير فرقان بينهما وبحمد الله إلى ساعتي هذه ما رأيت في الشريعة
مسألة واحدة كذلك أعني شريعة التنزيل لا شريعة التأويل ومن تأمل لفظه صلى الله عليه وسلم الكريمة تبين له
اندفاع هذا السؤال فإنه إنما حرم ما اشتمل على الوصفين أن يكون له ناب وأن يكون من السباع
العادية بطبعها كالأسد والذئب والنمر والفهد وأما الضبع فإنما فيها أحد الوصفين وهو كونها
ذات ناب وليست من السباع العادية ولا ريب أن السباع أخص من ذوات الأنياب والسبع إنما
حرم لما فيه من القوة السبعية التي تورث المغتذي بها شبهها فإن الغاذي شبيه بالمغذي ولا ريب
أن القوة السبعية التي في الذئب والأسد والنمر والفهد ليست في الضبع حتى تجب التسوية بينهما في
التحريم ولا تعد الضبع من السباع لغة مرفوعا انتهى ما في الأعلام
قلت: في أقوال المحرمين التي نقلها الحافظ ابن القيم خدشات أما قولهم إن حديث
الضبع انفرد به عبد الرحمن بن أبي عمار ففيه أنه ثقة ولم يتفرد به قال الحافظ في التلخيص وأعله
ابن عبد البر بعبد الرحمن بن أبي عمار فوهم لأنه وثقه أبو زرعة والنسائي ولم يتكلم فيه أخذ ثم إنه لم
ينفرد به انتهى وقال في الفتح وقد ورد في حل الضبع أحاديث لا بأس بها انتهى
وأما قولهم لفظ الحديث يحتمل معنيين أحدهما أن يكون جابر رفع الأكل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
وأن يكون إنما رفع إليه كونها صيدا فقط ففيه أن ظاهر الحديث يدل على أن جابرا رضي الله
تعالى عنه رفع الأكل وكونها صيدا كليهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويؤيده رواية أحمد بلفظ سألت
جابر بن عبد الله عن الضبع فقال حلال فقلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم
وأما قولهم والضبع لا يخرج عن هذا وهذا ففيه أن حديث جابر المذكور صحيح ثابت
قابل للاحتجاج فخروج الضبع عن هذا وهذا ظاهر وللفريقين مقالات أخرى في ذكرها
طول
(باب ما جاء في أكل لحوم الخيل)
قوله: (قالا حدثنا سفيان) هو ابن عيينة
411

قوله (أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل) وفي رواية البخاري رخص في لحوم الخيل
وفي رواية مسلم أذن بدل رخص وفي حديث ابن عباس عند الدارقطني أمر قال الطحاوي
في شرح الآثار وذهب أبو حنيفة إلى كراهة أكل الخيل وخالفه صاحباه وغيرهما واحتجوا
بالأخبار المتواترة في حلها ولو كان ذلك مأخوذا من طريق النظر لما كان بين الخيل والحمر الأهلية
فرق ولكن الآثار إذ صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواترت أولى أن يقال بها من النظر ولا سيما إذا
قد أخبر جابر أنه صلى الله عليه وسلم أباح لهم لحوم الخيل في الوقت الذي منعهم فيه من لحوم الحمر الأهلية فدل
ذلك على اختلاف حكمها انتهى كلام الطحاوي
قلت: الأمر كما قال الطحاوي ولا شك أن القول بحل أكل لحوم الخيل من دون كراهة هو
الحق لأحاديث الباب التي هي صحيحة صريحة في الحل وهو قول جمهور أهل العلم وقد نقل
الحل بعض التابعين عن الصحابة من غير استثناء أحد فأخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح على
شرط الشيخين عن عطاء قال لم يزل سلفك يأكلونه قال ابن جريج قلت له أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال نعم ذكره الحافظ في الفتح قال النووي اختلف العلماء في إباحة لحوم الخيل
فمذهب الشافعي الجمهور من السلف والخلف أنه مباح لا كراهة فيه وبه قال عبد الله بن الزبير
وفضالة بن عبيد وأنس بن مالك وأسماء بنت أبي بكر وسويد بن غفلة وعلقمة والأسود وعطاء
وشريج وسعد بن جبير والحسن البصري وإبراهيم النخعي وحماد بن سلمان وأحمد وإسحاق وأبو
يوسف ومحمد وداود وجماهير المحدثين وغيرهم وكرهها طائفة منهم ابن عباس والحكم ومالك
وأبو حنيفة قال أبو حنيفة يأثم بأكله ولا يسمى حراما انتهى كلام النووي وقال الحافظ
وصح الكراهة عن الحكم ابن عيينة ومالك وبعض الحنفية وعن بعض المالكية والحنفية التحريم
وقال الفاكهي المشهور عند المالكية الكراهة والصحيح عند المحققين منهم التحريم انتهى وقال
العيني في شرح البخاري في باب لحوم الخيل قيل الكراهة عند أبي حنيفة كراهة تحريم وقيل
كراهة تنزيه وقال فخر الاسلام وأبو معين هذا هو الصحيح قال وأخذ أبو حنيفة في ذلك
بقوله تعالى والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة خرج مخرج الامتنان والأكل من أعلى
منافعها والحكيم لا يترك الامتنان بأعلى النعم ويمتن بأدناها قال واحتج أيضا بحديث أخرجه
أبو داود عن خالد بن الوليد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير وأخرجه
النسائي وابن ماجة والطحاوي ولما رواه أبو داود سكت عنه فسكوته دلالة رضاه به ويعارض
حديث جابر والترجيح للمحرم انتهى وقال العيني في غزوة خيبر مثل هذا وقال سند حديث
خالد جيد ولهذا لما أخرجه أبو داود سكت عنه فهو حسن عنده انتهى
412

قلت قول العيني سند حديث خالد جيد ليس بجيد وليس مما يلتفت إليه فإن مدار هذا
الحديث على صالح بن يحيى بن يحيى بن المقدام بن معد يكرب وصالح هذا قال البخاري فيه نظر كما في
تهذيب التهذيب وقال ابن الهمام في التحرير إذا قال البخاري للرجل فيه نظر فحديثه لا يحتج به
ولا يستشهد به ولا يصح للاعتبار انتهى فحديث خالد هذا لا يصلح للاحتجاج ولا
للاستشهاد ولا للاعتبار وقد ضعفه أحمد والبخاري والدارقطني والخطابي وابن عبد البر
وعبد الحق وآخرون فلا يصلح لمعارضة حديث جابر وغيره من أحاديث الباب فإن قلت قال
العيني وصالح هذا وثقه ابن حبان وحديثه حسن عند أبي داود فإذا كان كذلك صحت
المعارضة فإذا تعارضا يرجح المحرم قلت توثيق ابن حبان صالحا هذا وسكون أبي داود على
حديثه لا يزن بشئ في جنب قول البخاري فيه نظر وتضعيف الأئمة المذكورين ولذلك لم
يسكت عنه المنذري في تلخيص السنن بل قال قال أبو داود هذا منسوخ وقال الإمام أحمد
هذا حديث منكر وقال البخاري صالح بن يحيى المقدام بن معد يكرب الكندي الشامي
عن أبيه فيه نظر وذكر الخطابي أن حديث جابر إسناده جيد وأما حديث خالد بن الوليد ففي
إسناده نظر وصالح بن يحيى بن المقدام عن أبيه عن جده لا يعرف سماع بعضهم عن بعضهم
وقال موسى بن هارون الحافظ لا يعرف صالح بن يحيى ولا أبوه إلا بجده وقال الدارقطني
هذا حديث ضعيف وقال الدارقطني أيضا هذا إسناد مضطرب وقال الواقدي لا يصح هذا
لأن خالدا أسلم بعد فتح مكة وقال البخاري خالد لم يشهد خيبر وكذلك قال الإمام أحمد بن
حنبل لم يشهد خيبر إنما أسلم بعد الفتح وقال أبو عمر النمري ولا يصح لخالد بن الوليد مشهد
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الفتح وقال البيهقي إسناده مضطرب ومع اضطرابه مخالف لحديث
الثقات انتهى (ونهانا عن لحوم الحمر) أي الأهلية وسيأتي حكم الحمر الأهلية في الباب الذي
بعده
قوله: (وفي الباب عن أسماء بنت أبي بكر) أخرجه البخاري قالت ذبحنا على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا ونحن بالمدينة فأكلناه وأخرجه مسلم أيضا وفي الباب أيضا عن ابن
عباس أخرجه الدارقطني بسند قوي ولفظه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وأمر
بلحوم الخيل قاله الحافظ في الفتح
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي
413

قوله (وروى حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي عن جار) بإدخال
محمد بن علي بين عمرو وجابر ومحمد بن علي هذا هو محمد بن علي بن الحسين بن علي وهو الباقر
أبو جعفر وهذه الرواية أخرجها البخاري ومسلم وأخرجها النسائي وقال لا أعلم أحدا وافق حمادا
على ذلك (ورواية بين عيينة أصح وسمعت محمدا يقول سفيان بن عيينة أحفظ من حماد بن
يزيد) لكن اقتصر البخاري ومسلم على تخريج طريق حماد بن زيد وقد وافقه ابن جريج عن عمر
وعلي إدخال الواسطة بين عمرو وجابر لكنه لم يسمه أخرجه أبو داود من طريق ابن جريج وله
طريق أخرى عن جابر أخرجها مسلم من طريق ابن جريج وأبو داود من طريق حماد والنسائي من
طريق حسين بن واقد كلهم عن أبي الزبير عنه وأخرجه النسائي صحيحا عن عطاء عن جابر
أيضا وأغرب البيهقي فجزم بأن عمرو بن دينار لم يسمعه من جابر واستغرب بعض الفقهاء
دعوى الترمذي أن رواية ابن عيينة أصح مع إشارة البيهقي إلى أنها منقطعة وهو ذهول فإن كلام
الترمذي محمول على أنه صح عنده اتصاله ولا يلزم من دعوى البيهقي انقطاعه كون الترمذي
يقول بذلك والحق أنه إن وجدت رواية فيها تصريح عمر بالسباع من جابر فتكون رواية حماد بن
المزيد في متصل الأسانيد وإلا فرواية حماد بن زيد هي المتصلة وعلى تقدير وجود التعارض من
كل جهة فللحديث طريق أخرى عن جابر غير هذه فهو صحيح على كل حال قاله الحافظ
(باب ما جاء في لحوم الحمر الأهلية)
أي غير الوحشية ويقال لها الحمر الإنسية والأنسية
قوله: (عن عبد الله والحسن بن محمد بن علي) أي ابن أبي طالب ومحمد بن علي هذا هو
الذي يعرف بابن الحنفية وابنه عبد الله يكنى بأبي هاشم وثقه ابن سعد والنسائي والعجلي وابنه
414

الحسن يكنى بأبي محمد ثقة فقيه (عن أبيهما) أي محمد بن علي المعروف بابن الحنفية الهاشمي أبي
القاسم ثقة عالم من كبار التابعين (عن علي) أي ابن أبي طالب رضي الله عنه
قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء) يعني نكاح المتعة وهو تزويج المرأة إلى أجل
فإذا انقضى وقعت الفرقة (زمن خيبر) قد أبيحت متعة النكاح مرارا ثم حرمت إلى يوم القيامة وقد
تقدم بيانه في كتاب النكاح (وعن لحوم الحمر الأهلية) فيه دليل على حرمة لحوم الحمر الأهلية
ويؤخذ من التقييد بالأهلية جواز أكل لحوم الحمر الوحشية وقد تقدم صريحا في حديث أبي قتادة
في الحج وقد جاء في حديث أنس عند البخاري بيان علة الحرمة ففيه أن الله ورسوله ينهاكم عن
لحوم الحمر الوحشية فإنها رجس قال النووي قال بتحريم الحمر الأهلية أكثر العلماء من
الصحابة فمن بعدهم ولم نجد أحد من الصحابة في ذلك خلافا لهم إلا عن ابن عباس وعند
المالكية ثلاث روايات ثالثها الكراهة
وأما الحديث الذي أخرجه أبو داود عن غالب بن الحر قال أصابتنا سنة فلم يكن في مالي
ما أطعم أهلي إلا سمان حمر فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إنك حرمت لحوم الحمر الأهلية وقد
أصابتنا سنة قال أطعم أهلك من سمين حمرك فإنما حرمتها من أجل حوالي القرية يعني الجلالة
وإسناده ضعيف والمتن شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة فالاعتماد عليها
وأما الحديث الذي أخرجه الطبراني عن أم نصر المحاربية أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن الحمر الأهلية فقال أليس ترعى الكلأ وتأكل الشجر قال نعم قال فأصب من
لحومها وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق رجل من بني مرة
قال سألت فذكر نحوه ففي السندين
مقال ولو ثبت احتمل أن يكون قبل التحريم كذا في الفتح وحديث علي هذا أخرجه
الشيخان وأخرجه الترمذي أيضا في باب نكاح المتعة من أبواب النكاح
قوله: (قال الزهري وكان أرضاهما الحسن بن محمد) وذكر البخاري في التاريخ بلفظ
وكان الحسن أوثقهما (وقال غير سعيد بن عبد الرحمن عن ابن عيينة وكان أرضاهما عبد الله بن
415

محمد) كذا عند الترمذي ولأحمد عن سفيان وكان الحسن أرضاهما إلى أنفسنا وكان عبد الرحمن يتبع
السبئية انتهى والسبئية بمهملة ثم موحدة ينسبون إلى عبد الله بن سبأ وهو من رؤساء الروافض
وكان المختار بن أبي عبيد على رأيه ولما غالب على الكوفة وتتبع قتلة الحسين فقتلهم أحبته الشيعة
ثم فارق أكثرهم لما ظهر منه من الأكاذيب وكان من رأى السبئية موالاة محمد بن علي بن أبي
طالب وكانوا يزعمون أنه المهدي وأنه لا يموت حتى يخرج في آخر الزمان ومنهم من أقر بموته
وزعم أن الأمر بعده صار إلى ابنه أبي هاشم هذا ومات أبو هاشم في آخر ولاية سليمان بن
عبد الملك سنة ثمان أو تسع وتسعين قاله الحافظ
قوله: (حدثنا حسين بن علي) بن الوليد الجعفي مولاهم الكوفي المقري ثقة عابد سنة
ثلاث أو أربع ومائتين وله أربع أو خمس وثمانون سنة قال موسى بن داود كنت عند ابن عيينة فجاء
حسين الجعفي فقام سفيان فقبل يده وكان زائدة يختلف إليه إلى منزله يحدثه فكان أروى الناس
عنه وكان الثوري إذا رآه عانقه وقال (هذا واهب الجعفي عن زائدة) هو ابن قدامة
قوله: (حرم يوم خيبر كل ذي ناب من السباع) قال في شرح السنة أراد بكل ذي ناب ما
يعدو بنابه على الناس وأموالهم كالذئب والأسد والكلب ونحوها (والمجثمة) قال الجزري في
النهاية هي كل حيوان ينصب ويرمي ليقتل إلا أنها تكثر في الطير والأرانب وأشباه ذلك مما يجثم في
الأرض أي يلزمها ويلتصق بها وجثم في الطير جثوما وهو بمنزلة البروك للإبل انتهى (والحمار
الانسي) بكسر الهمزة وسكون النون منسوب إلى الأنس ويقال فيه الأنسي بفتحتين وقد صرح
الجوهري أن الأنس بفتحتين ضد الوحشة والمراد بالحمار الانسي الحمار الأهلي
قوله: (وفي الباب عن علي وجابر والبراء وابن أبي أوفى وأنس والعرباض من سارية وأبي
ثعلبة وابن عمر وأبي سعيد) أما حديث علي فأشار إلى غير حديثه الذي أخرجه في هذا الباب ولم
أقف عليه فلينظر من أخرجه وأما حديث جابر فقد تقدم تخريجه في الباب المتقدم وأما حديث
البراء فأخرجه الشيخان وأما حديث ابن أبي أوفى أخرجه أيضا الشيخان وأما حديث أنس
416

فأخرجه أيضا الشيخان وأما حديث العرباض بن سارية فأخرجه الترمذي في باب كراهية أكل
المصبورة وأما حديث أبي ثعلبة فأخرجه الشيخان وأما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان
أيضا وأما حديث أبي سعيد فلينظر من أخرجه
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد
قوله: (وإنما ذكروا حرفا واحدا) أي جملة واحدة (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب
من السباع) بيان لقوله حرفا واحدا يعني اقتصروا على هذه الجملة ولم يذكروا النهي عن المجثمة
والحمار الانسي
(باب ما جاء في الأكل في آنية الكفار)
قوله: (حدثنا زيد بن أخزم) بمعجمتين (الطائي) النبهاني أبو طالب البصري ثقة حافظ من
الحادية عشرة (حدثنا سلم بن قتيبة) بفتح السين المهملة وسكون اللام الشعيري أبو قتيبة
الخراساني نزيل البصرة صدوق من التاسعة كذا في التقريب ووقع في النسخة الأحمدية
مسلم بن قتيبة بالميم وهو غلط (عن أبي قلابة) قال الحافظ في تهذيب التهذيب أبو قلابة لم يدرك
أبا ثعلبة الخشني انتهى ففي هذا الاسناد انقطاع (عن أبي ثعلبة) الخشني صحابي مشهور بكنيته
واختلف في اسمه اختلافا كثيرا
قوله: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قدور المجوس) القدور جمع قدر قال في القاموس القدر
بالكسر معروف وقال في الصراح بقدر بالكسر ديك وهي مؤنث وتصغيرها قدير بغير هاء على
خلاف قياس انتهى (أنقوها) من الانقاء (غسلا) أي بالغسل (واطبخوا) الطبخ الانضاج
اشتواء واقتدارا طبخ كنصر ومنع قاله في القاموس (فيها) أي في قدور المجوس
417

اعلم أن البخاري رح عقد بابا بلفظ باب آنية المجوس والميتة وأورد فيه حديث أبي
ثعلبة وفيه أما ما ذكرت أنكم بأرض أهل الكتاب فلا تأكلوا في آنيتهم إلا أن لا
تجدوا بدا فإن لم تجدوا فاغسلوا وكلوا قال الحافظ قال ابن التين كذا ترجم وأتى بحديث أبي ثعلبة وفيه ذكر أهل
الكتاب فلعله يرى أنهم أهل كتاب وقال ابن المنير ترجم للمجوس والأحاديث في أهل الكتاب
لأنه بنى على أن المحذور من ذلك واحد وهو عدم توقيهم النجاسات وقال الكرماني أو حكمه على
أحدهما بالقياس على الاخر وباعتبار أن المجوس يزعمون أنهم أهل كتاب قال الحافظ
وأحسن من ذلك أنه أشار إلى ما ورد في بعض طرق الحديث منصوصا على المجوس فعند
الترمذي من طريق أخرى عن أبي ثعلبة سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قدور المجوس فقال أنقوها
غسلا واطبخوا فيها وفي لفظ من وجه اخر عن أبي ثعلبة قلت إنا نمر بهذا اليهود والنصارى
والمجوس فلا نجد غير آنيتهم الحديث وهذه طريقة يكثر منها البخاري فما كان في سنده مقال
يترجم به ثم يورد في الباب ما يؤخذ الحكم منه بطريق الالحاق ونحوه والحكم في آنية المجوس لا
يختلف مع الحكم في آنية أهل الكتاب لأن العلة إن كانت لكونهم تحل ذبائحهم كأهل الكتاب فلا
إشكال أو لا تحل فتكون الآنية التي يطبخون فيها ذبائحهم ويغرفون قد تنجست بملاقاة الميتة
فأهل الكتاب كذلك باعتبار أنهم لا يتدينون باجتناب النجاسة وبأنهم يطبخون فيها الخنزير
ويضعون فيها الخنزير ويضعون فيها الخمر وغيرها ويؤيد الثاني ما أخرجه أبو داود والبزار عن جابر كنا نغزو مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصيب من آنية المشركين فنستمع بها فلا يعيب ذلك علينا لفظ أبي داود في رواية
البزار فنغسلها ونأكل فيها انتهى قال النووي قد يقال هذا الحديث مخالف لما يقول الفقهاء
فإنهم يقولون إنه يجوز استعمال أواني المشركين إذا غسلت ولا كراهة فيها بعد الغسل سواء وجد
غيرها أم لا وهذا الحديث يقتضي كراهة استعمالها إن وجد غيرها ولا يكفي غسلها في نفي
الكراهة وإنما يغسلها ويستعملها إذا لم يجد غيرها والجواب أن المراد النهي عن الأكل في آنيتهم
التي كانوا فيها لحم الخنزير ويشربون كما صرح به في رواية أبي داود وإنما نهى عن الأكل
فيها بعد الغسل للاستقذار وكونها معتادة للنجاسة كما يكره الأكل في المحجمة المغسولة وأما
الفقهاء فمرادهم مطلق آنية الكفار التي ليست مستعملة في النجاسات فهذه يكره استعمالها قبل
غسلها فإذا غسل فلا كراهة فيها لأنها طاهرة وليس فيها استقذار ولم يريدوا نفي الكراهة عن
آنيتهم المستعملة في الخنزير وغيره من النجاسات انتهى وقال الحافظ في الفتح ومشى ابن حزم
على ظاهريته فقال لا يجوز استعمال آنية أهل الكتاب إلا بشرطين أحدهما أن لا يجد غيره والثاني
غسلها وأجيب بأن أمره بالغسل عند فقد غيرها دال على طهارتها بالغسل والأمر باجتنابها عند
وجود غيرها للمبالغة في التنفير عنها كما في حديث سلمة الآتي بعد في الأمر بكسر القدور التي
418

طبخت فيها الميتة فقال رجل أو نغسلها فقال أو ذاك فأمر بالكسر للمبالغة في التنفير عنها ثم
أذن في الغسل ترخيصا فكذلك يتجه هذا هنا انتهى (ونهى عن كل سبع ذي ناب) الناب السن
الذي خلف الرباعية جمعه أنياب قال ابن سينا لا يجتمع في حيوان واحد قرن وناب معا
وذو الناب من السباع كالأسد والذئب والنمر والفيل والقرد وكل ماله ناب يتقوى به ويصطاد
وقال في النهاية وهو يفترس الحيوان ويأكل قسرا كالأسد والنمر والذئب ونحوها قال في
القاموس السبع بضم الباء وفتحها المفترس من الحيوان انتهى ووقع الخلاف في جنس السباع
المحرمة فقال أبو حنيفة رحمه الله كل ما أكل اللحم فهو سبع حتى الفيل والضب واليربوع
والسنور وقال الشافعي يحرم من السباع ما يعدو على الناس كالأسد والذئب والنمر وأما
الضبع والثعلب فيحلان عنده لأنهما لا يعدوان كذا في النيل
قوله: (وقد ذكر هذا الحديث عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن أبي ثعلبة) أي بزيادة
أبي أسماء الرحبي بين أبي قلابة وأبي ثعلبة فهذا الاسناد متصل
قوله: (حدثنا عبيد الله بن محمد العيشي) قال في التقريب عبيد الله بن محمد بن عائشة اسم
جده حفص بن عمر بن موسى بن عبيد الله بن معمر التيمي وقيل له ابن عائشة والعائشي
والعيشي نسبة إلى عائشة بنت طلحة لأنه من ذريتها ثقة جواد رمى بالقدر ولم يثبت من كبار
العاشرة انتهى ووقع في النسخة الأحمدية عبيد الله بن محمد القرشي بزيادة لفظ بن القرشي مكان
العيشي وهو غلط
قوله: (فارحضوها) أي اغسلوها قال في القاموس رحضة كمنعه غسله كأرحضه
انتهى قال الخطابي والأصل في هذا أنه إذا كان معلوما من حال المشركين أنهم يطبخون في
قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر فإنه لا يجوز استعمالها إلا بعد الغسل والتنظيف فأما
419

ثيابهم ومياههم فإنها على الطهارة كمياه المسلمين وثيابهم إلا أن يكونوا من قوم لا يتحاشون
النجاسات أو كان من عاداتهم استعمال الأبوال في طهورهم فإن استعمال ثيابهم غير جائز إلا أن
يعلم أنها لم يصبها شئ من النجاسات انتهى (إنا بأرض صيد) الإضافة لأدنى ملابسة أي بأرض
يوجد فيها الصيد أو يصيد أهلها (إذا أرسلت كلبك المكلب) أي المعلم قال في النهاية المكلب
المسلط على الصيد المعود بالاصطياد الذي قد ضري به انتهى (فذكى بصيغة المجهول من
التذكية أي ذبح)
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
(باب ما جاء في الفأرة تموت في السمن)
قوله: (حدثنا سعيد بن عبد الرحمن) هو المخزومي (وأبو عمار) اسمه حسين بن حريث
الخزاعي (حدثنا سفيان) هو ابن عيينة (عن عبيد الله) بن عبد الله ابن عتبة
قوله: (أن فأرة وقعت في سمن) وفي رواية النسائي من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن
مالك في سمن جامد (فماتت) أي فيه (فسئل عنها) أي ما يترتب على موتها (فقال ألقوها) أي
أخرجوا الفأرة واطرحوها (وما حولها) أي كذلك إذا كان جامدا (فكلوه) أي السمن يعني باقية في
شرح السنة فيه دليل على أن غير الماء من المائعات إذا وقعت فيه نجاسة ينجس قل ذلك المائع أو
كثر بخلاف الماء حيث لا ينجس عند الكثرة ما لم يتغير بالنجاسة واتفقوا على أن الزيت إذا مات
فيه فأرة أو وقعت فيه نجاسة أخرى أنه ينجس ولا يجوز أكله وكذا لا يجوز بيعه عند أكثر أهل
العلم وجوز أبو حنيفة بيعه واختلفوا في الانتفاع به فذهب جماعة إلى أنه يجوز الانتفاع به
420

لقوله صلى الله عليه وسلم فلا تقربوه وهو أحد قولي الشافعي وذهب قوم إلى أنه يجوز الانتفاع به بالاستصباح
وتدهين السفن ونحوه وهو قول أبي حنيفة وأظهر قولي الشافعي والمراد من قوله (فلا تقربوه)
أكلا وطعما لا انتفاعا انتهى قال الحافظ وقد تمسك ابن العربي بقوله وما حولها على أنه كان
جامدا قال لأنه لو كان مائعا لم يكن له حول لأنه لو نقل من أي جانب منها نقل لخلفه غيره في
الحال فيصير مما حولها فيحتاج إلى إلقائه كله كذا قال وقد وقع عند الدارقطني من رواية يحيى
القطان عن مالك في هذا الحديث فأمر أن يقور ما حولها فيرمي به قال الحافظ وهذا ظهر في
كونه جامدا من قوله وما حولها فيقوي ما تمسك به ابن العربي انتهى
قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه أحمد وأبو داود عنه مرفوعا إذا وقعت الفأرة في
السمن فإن كان جامدا فألقوها وما حولها وإن كان مائعا فلا تقربوه
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي (وحديث ابن
عباس عن ميمونة أصح الخ) قد ذكر الحافظ في الفتح في باب ما يقع من النجاسات في السمن
والماء من كتاب الوضوء وجه كون حديث ابن عباس عن ميمونة أصح وكذا ذكر فيه أيضا وجه
كون حديث معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة خطأ فمن شاء الوقوف على
ذلك فليراجعه
(باب ما جاء في النهي عن الأكل والشرب بالشمال)
قوله: (حدثنا عبد الله بن نمير) هو الهمداني أبو هشام الكوفي (عن أبي بكر بن عبيد الله بن
عبد الله بن عمر) بن الخطاب ثقة من الرابعة
421

قوله: (لا يأكل أحدكم بشماله ولا يشرب بشماله) قال الشوكاني فيه النهي عن الأكل
والشرب بالشمال والنهي حقيقة في التحريم كما تقرر في الأصول ولا يكون لمجرد الكراهة فقط إلا
مجازا مع قيام صارف قال النووي وهذا إذا لم يكن عذر فإن كان عذر يمنع الأكل والشرب
باليمين من مرض أو جراحة أو غير ذلك فلا كراهة في الشمال وقال فيه استحباب الأكل والشرب
باليمين وكراهتهما بالشمال
قلت: بل في هذا الحديث وجوب الأكل والشرب باليمين كما قال الشوكاني ويدل على
الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه الحديث
وقوله صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة كل بيمينك فإن الأصل في الأمر الوجوب قال الحافظ قال
شيخنا يعني الحافظ العراقي في شرح الترمذي حمله أكثر الشافعية على الندب وبه جزم الغزالي ثم
النووي لكن نص الشافعي في الرسالة وفي موضع آخر من الأم على الوجوب قال ويدل على
وجوب الأكل باليمين ورود الوعيد في الأكل بالشمال ففي صحيح مسلم من حديث سلمة بن
الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يأكل بشماله فقال كل بيمينك قال لا أستطيع قال
لا استطعت فما رفعها إلى فيه بعد وأخرج الطبراني من حديث سبيعة الأسلمية من حديث
عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى سبيعة الأسلمية تأكل بشمالها فقال أخذها داء غزة فقال إن بها
قرحة قال وإن فمرت بغزة فأصابها طاعون فماتت وأخرج محمد بن الربيع الجيزي في مسند
الصحابة الذين نزلوا مصر وسنده حسن وثبت النهي عن الأكل بالشمال وأنه من عمل الشيطان
من حديث ابن عمر ومن حديث جابر عند مسلم وعند أحمد بسند حسن عن عائشة رفعته من أكل بشماله
أكل معه الشيطان الحديث انتهى (فإن الشيطان يأكل بشماله الخ) قال التوربشتي
المعنى أنه يحمل أولياءه من الانس على ذلك الصنيع ليضاد به عباد الله الصالحين ثم إن من حق
نعمة الله والقيام بشكرها أن تكرم ولا يستهان بها ومن حق الكرامة أن تتناول باليمين ويميز بها
بين ما كان من النعمة وبين ما كان من الأذى قال الطيبي وتحريره أن يقال لا يأكلن أحدكم
بشماله ولا يشربن بها فإنكم فعلتم ذلك كنتم أولياء الشيطان فإن الشيطان يحمل أولياءه من
الانس على ذلك انتهى قال الحافظ وفيه عدول عن الظاهر والأولى حمل الخبر على ظاهره وأن
الشيطان يأكل حقيقة لأن العقل لا يحيل ذلك وقد ثبت الخبر به فلا يحتاج إلى تأويله وقال
422

القرطبي ظاهره أن من فعل ذلك تشبه بالشيطان وأبعد وتعسف من أعاد الضمير في شماله إلى
الأكل انتهى
قوله: (وفي الباب عن جابر وعمر بن أبي سلمة وسلمة بن الأكوع وأنس بن مالك
وحفصة) أما حديث جابر فأخرجه مسلم عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تأكلوا بالشمال فإن
الشيطان يأكل بالشمال وأما حديث عمر بن أبي سلمة فأخرجه الشيخان عنه قال كنت في حجر
رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل ما
يليك وأما حديث سلمة بن الأكوع فأخرجه مسلم وتقدم لفظه وأما حديث أنس بن مالك
فلينظر من أخرجه وأما حديث حفصة فأخرجه أحمد
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم (ورواية مالك وابن عيينة أصح)
لأن مالكا وابن عيينة أجل وأوثق من معمر وعقيل وقد تابعهما عبيد الله بن عمر
(باب ما جاء في لعق الأصابع بعد الأكل)
قوله: (حدثنا عبد العزيز بن المختار) الدباغ البصري مولى حفصة بنت سيرين ثقة من
السابعة
قوله: (إذا أكل أحدكم فليعلق) بفتح الياء والعين أي فليلحس (أصابعه) وقع في حديث
كعب بن عجرة عند الدارقطني في الأوسط صفة لعق الأصابع ولفظه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل
423

بأصابعه الثلاث بالإبهام والتي تليها والوسطى ثم رأيته يلعق أصابعه الثلاث قبل أن يمسحها
الوسطى ثم التي تليها ثم الابهام قال الحافظ قال شيخنا يعني الحافظ العراقي في شرح الترمذي
كأن السر فيه أن الوسطى أكثر تلويثا لأنها أطول فيبقى فيها من الطعام أكثر من غيرها ولأنها
لطولها أول ما تنزل في الطعام ويحتمل أن الذي يلعق يكون بطن كفه إلى جهة وجهة فإذا ابتدأ
بالوسطى انتقل إلى السبابة على جهة يمينه وكذلك الابهام انتهى (فإنه لا يدري في أيتهن) أي في
أية أصابعه (البركة) أي حاصله أو تكون البركة وفي حديث جابر عند مسلم إنكم لا تدرون في
أية البركة قال النووي معناه أن الطعام الذي يحضر الانسان فيه بركة ولا يدري أن تلك البركة
فيما أكله أو فيما بقي على أصابعه أو فيما بقي في أسفل القصعة أو في اللقمة الساقطة فينبغي أن
يحافظ على هذا كله لتحصل البركة وأصل البركة الزيادة وثبوت الخير والامتناع به والمراد هنا
ما يحصل به التغذية وتسلم عافيته من أذى ويقوي على طاعة الله تعالى وغير ذلك انتهى
وفي الحديث رد على من كره لعق الأصابع استقذارا نعم يحصل ذلك لو فعله في أثناء
الأكل لأنه يعيد أصابعه في الطعام وعليها أثر ريقه
قوله: (وفي الباب عن جابر وكعب بن مالك وأنس) أما حديث جابر فأخرجه أحمد ومسلم
عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة وقال إنكم لا تدرون في أية البركة وأما حديث
كعب بن مالك فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل
بثلاث أصابع ويلعق يده قبل أن يمسحها وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي في الباب الذي
يليه.
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه مسلم
(باب ما جاء في اللقمة تسقط
قوله: (فليمط) بضم الياء وكسر الميم من الإماطة أي فلينزل (ما رابه منها) أي من اللقمة
424

الساقطة والمعنى فلينزل ولينح ما يكره من غبار وتراب وقذى ونحو ذلك قال في المجمع رابني
الشئ وأرابني بمعنى شككني وقال فيه أيضا وفي حديث فاطمة يريبني ما يريبها أي يسوؤني ما
يسؤها ويزعجني ما يزعجها من رابني وأرابني إذا رأيت منه ما تكره انتهى وفي رواية مسلم
فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى (ثم ليطعمها) في رواية مسلم وليأكلها (ولا يدعها) بفتح
الدال أي لا يتركها (للشيطان) قال التوربشتي إنما صار تركها للشيطان لأن فيه إضاعة نعمة الله
والاستحقار بها من غير ما بأس ثم إنه من أخلاق المتكبرين والمانع عن تناول تلك اللقمة في
الغالب هو الكبر وذلك من عمل الشيطان انتهى قال النووي في الحديث استحباب أكل اللقمة
الساقطة بعد مسح أذى يصيبها هذا إذا لم تقع على موضع نجس فإن وقعت على موضع نجس
تنجست ولا بد من غسلها إن أمكن فإن تعذر أطعمها حيوانا ولا يتركها للشيطان انتهى
وحديث جابر هذا أخرجه مسلم قوله (وفي الباب عن أنس) أخرجه الترمذي بعد هذا
قوله: (لعق أصابعه الثلاث) وكان صلى الله عليه وسلم يأكل بأصابعه الثلاث بالإبهام والتي تليها والوسطى
(وأمرنا أن نسلت الصحفة) أي نمسحها ونتتبع ما بقي فيها من الطعام يقال سلت الصحفة
يسلتها من باب نصر ينصر إذا تتبع ما بقي فيها من الطعام ومسحها بالأصبع ونحوها والصحفة
بالفارسية كاسه بزرا قال الكسائي أعظم القصاع الجفنة ثم القصعة تليها تشبع العشرة ثم
الصفحة تشبع الخمسة ثم الميكلة تشبع الرجلين والثلاثة ثم الصحيفة تشبع الرجل كذا في
الصراح
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي
425

قوله (حدثنا المعلى) بضم أوله وفتح ثانيه وتشديد اللام المفتوحة (ابن راشد) الهذلي (أبو
اليمان) النبال البصري مقبول من الثامنة قاله في التقريب وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته
قال أبو حاتم شيخ يعرف بحديث حدث به عن جدته عن نبيشة الخير في لعق الصحفة وقال
النسائي ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات له في السنن الحديث الذي أشار إليه أبو حاتم
انتهى (حدثتني جدتي أم عاصم) مقبولة من الثالثة (وكانت أم ولد لسنان بن سلمة) ابن المحبق
البصري الهذلي ولد يوم حنين فله رؤية وقد أرسل أحاديث مات في اخر إمارة الحجاج (قالت
دخل علينا نبيشة الخير) قال في التقريب نبيشة بمعجمة مصغرا ابن عبد الله الهذلي ويقال له نبيشة
الخير صحابي قليل الحديث
قوله: (من أكل) أي طعاما (في قصعة) أي ونحوها (ثم لحسها) بكسر الحاء من باب سمع
أي لعقها والمراد أنه لحس ما فيها من طعام تواضعا وتعظيما لما أنعم الله عليه ورزقه وصيانة له
عن التلف (استغفرت له القصعة) ولعله أظهر في موضع المضمر لئلا يتوهم أن قوله
بصيغة المتكلم قال القاري ولما كانت تلك المغفرة بسبب لحس القصعة وتوسطها جعلت
القصعة كأنها تستغفر له مع أنه لا مانع من الجمل على الحقيقة قال التوربشتي استغفار القصعة
عبارة عما تعودت فيه من أمارة التواضع ممن أكل منها وبراءته من الكبر وذلك مما يوجب له المغفرة
فأضاف إلى القصعة لأنها كالسبب لذلك انتهى
قلت: الحمل على الحقيقة في هذا وأمثاله هو المتعين ولا حاجة إلى الحمل على المجاز
قوله: (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد وابن ماجة والدارمي كذا في المشكاة
426

(باب ما جاء في كراهية الأكل من وسط الطعام)
قوله: (حدثنا أبو رجاء) لم يظهر لي أن أبا رجاء هذا من هو وما اسمه (حدثنا جرير) هو ابن
عبد الحميد (عن سعيد بن جبير) بمضمومة فمفتوحة وسكون ياء الأسدي مولاهم الكوفي ثقة ثبت
فقيه من الثالثة وروايته عن عائشة وأبي موسى ونحوهما مرسلة قتل بين يدي الحجاج سنة خمس
وتسعين ولم يكمل الخمسين كذا في التقريب.
قوله: (إن البركة تنزل وسط الطعام) بسكون السين ويفتح والوسط أعدل المواضع فكان
أحق بنزول البركة فيه (فكلوا من حافيته) أي جانبيه قال في القاموس حافتا الوادي وغيره
جانباه والجمع حافات انتهى وليس المراد هنا خصوص التثنية ففي المشكاة أنه أتى بقصعة من
ثريد فقال كلوا من جوانبها وفي الجامع الصغير للسيوطي فكلوا من حافاته وفي رواية ابن
ماجة فخذوا من حافته (ولا تأكلوا من وسطه) فيه مشروعية الأكل من جوانب الطعام قبل
وسطه قال الرافعي وغيره يكره أن يأكل من أعلى الثريد ووسط القصعة وأن يأكل مما يلي أكيله
ولا بأس بذلك في الفواكه وتعقبه الأسنوي بأن الشافعي نص على التحريم فإن لفظه
في الأم
فإن أكل مما لا يليه أو من رأس الطعام أتم بالفعل الذي فعله إذا كان عالما واستدل بالنهي عن
النبي صلى الله عليه وسلم وأشار إلى هذا الحديث قال الغزالي وكذا لا يأكل من وسط الرغيف بل من استدارته
إلا إذا قل الخبز فليكسر الخبر والعلة في ذلك ما في الحديث من كون البركة تنزل في وسط
الطعام كذا في النيل
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والدارمي
وابن حبان في صحيحه والحاكم
427

قوله: (وفي الباب عن ابن عمر) لينظر من أخرجه
(باب ما جاء في كراهية أكل الثوم والبصل)
قوله: (من أكل من هذه) أي هذه الشجرة قوله (قال أول مرة الثوم) هذا قول ابن جريج
والضمير المرفوع في قال يرجع إلى عطاء كما في فتح الباري في شرح باب الثوم الني والبصل
والكراث وقوله الثوم بالحربيان لهذه (ثم قال) أي عطاء مرة أخرى (الثوم والبصل والكراث)
الثوم بضم الثاء المثلثة يقال له بالفارسية والهندية كندنا (فلا يقربنا في مسجدنا) قال النووي بعد
أن ذكر حديث مسلم بلفظ فلا يقربن المساجد هذا تصريح بنهي من أكل الثوم ونحوه عن
دخول كل مسجد وهذا مذهب العلماء كافة إلا ما حكاه القاضي عياض عن بعض العلماء أن النهي خاص بمسجد
النبي صلى الله عليه وسلم لقوله في رواية فلا يقربن مسجدنا وحجة الجمهور فلا يقربن
المساجد قال ابن دقيق العيد ويكون مسجدنا للجنس أو لضرب المثال فإنه معلل إما بتأذى
الآدميين أو بتأذي الملائكة الحاضرين وذلك قد يوجد في المساجد كلها ثم إن النهي إنما هو عن
حضور المسجد لا عن أكل الثوم والبصل ونحوهما فهذه البقول حلال بإجماع من يعتد به
وحكى القاضي عياض عن أهل الظاهر تحريمها لأنها تمنع عن حضور الجماعة وهي عندهم فرض
عين وحجة الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم في أحاديث كل فإني أناجي من لا تناجي قوله صلى الله عليه وسلم أيها الناس
إنه ليس لي تحريم ما أحل الله ولكنها شجرة أكره ريحها أخرجه مسلم وغيره
قال العلماء ويلحق بالثوم والبصل والكراث كل ماله رائحة كريهة من المأكولات وغيرها
قال القاضي عياض ويلحق به من أكل فجلا وكان يتجشى قال وقال ابن المرابط ويلحق به
من به بخوفي فيه أو به جرح له رائحة قال القاضي وقاس العلماء على هذا مجامع الصلاة غير
المسجد كمصلى العيد والجنائز ونحوها من مجامع العبادات وكذا مجامع العلم والذكر والولائم
ونحوها ولا يلتحق بها الأسواق ونحوها انتهى قال الشوكاني وفيه أن العلة إن كانت هي
التأذي فلا وجه لإخراج الأسواق وإن كانت مركبة من التأذي وكونه حاصلا للمشتغلين بطاعة
صح ذلك ولكن العلة المذكورة في الحديث هي تأذي الملائكة فينبغي الاقتصار على إلحاق
428

المواطن التي تحضرها الملائكة وقد ورد في حديث عند مسلم بلفظ لا يؤذينا بريح الثوم وهي
تقتضي التعليل بتأذي بني آدم قال ابن دقيق العيد والظاهر أن كل واحد منهما علة مستقلة انتهى
وعلى هذا الأسواق كغيرها من مجامع العبادات
قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه الشيخان وغيرهما
قوله: (وفي الباب عن عمر وأبي أيوب وأبي هريرة وأبي سعيد وجابر بن سمرة وقرة وابن
عمر) أما حديث عمر فأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة عنه أنه خطيب يوم الجمعة فقال في
خطبته ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين البصل والثوم لقد رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع فمن أكلهما
فليمتهما طبخا وأما حديث أبي أيوب فأخرجه مسلم في باب إباحة أكل الثوم وأما حديث أبي
أيوب فأخرجه مسلم في باب إباحة أكل الثوم وإما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم والنسائي وابن
ماجة عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا ولا يؤذينا بريح
الثوم وأما حديث أبي سعيد فأخرجه مسلم عنه وفيه من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئا فلا
يقربنا في المسجد فقال الناس حرمت حرمت فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال أيها الناس إنه ليس
لي تحريم ما أحل الله لي ولكنها شجرة أكره ريحها وأما حديث جابر بن سمرة فأخرجه الترمذي في
الباب الذي يليه وأما حديث قرة فأخرجه أبو داود والنسائي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن
هاتين الشجرتين وقال من أكلهما فلا يقربن مسجدنا وقال إن كنتم لا بد آكليهما فأميتوهما طبخا
وأما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان وأبو داود
(باب ما جاء في الرخصة في أكل الثوم مطبوخا
قوله: (نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي أيوب) أي حين قدم من مكة إلى المدينة مهاجرا (وكان
429

إذا أكل بعث إليه بفضله) قال النووي قال العلماء في هذا أنه يستحب للأكل والشارب أن يفضل
مما يأكل ويشرب فضله ليواسي بها من بعده لا سيما إن كان مما يتبرك بفضلته وكذا إذا كان في
الطعام قلة ولهم إليه حاجة ويتأكد هذا في حق الضيف لا سيما إن كانت عادة أهل الطعام أن
يخرجوا كل ما عندهم وينتظر عيالهم الفضلة كما يفعله كثير من الناس ونقلوا أن السلف كانوا
يستحبون إفضال هذه الفضلة المذكورة وهذا الحديث أصل ذلك كله (أحرام هو قال لا ولكني
أكرهه من أجل ريحه) هذا تصريح بإباحة الثوم وهو مجموع عليه لكن يكره لمن أراد حضور
المسجد أو حضور جمع في غير المسجد أو مخاطبة الكبار ويلحق بالثوم كل ماله رائحة كريهة
قال النووي واختلف أصحابنا في حكم الثوم في حقه صلى الله عليه وسلم وكذلك البصل والكراث ونحوها
فقال بعض أصحابنا هي محرمة عليه والأصح عندهم أنها مكروهة كراهة تنزيه ليست محرمة
لعموم قوله صلى الله عليه وسلم لا في جواب قوله أحرام هي ومن قال بالأول يقول معنى الحديث ليس بحرام في
حقكم انتهى
قوله: (هذا حديث حسن صحيح وأخرجه مسلم
قوله: (حدثنا محمد بن مدويه) هو محمد بن أحمد بن الحسين بن مدويه القرشي أبو عبد
الرحمن الترمذي قوله (حدثنا مسدد) بن مسرهد بن مسربل بن مستورد الأسدي البصري أبو الحسن
ثقة حافظ يقال إنه أول من صنف المسند بالبصرة من العاشرة ويقال اسمه عبد الملك بن
عبد العزيز كذا في التقريب (حدثنا الجراح ابن مليح) بن عدي الرؤاسي والد وكيع صدوق يهم
من السابعة قوله (عن أبي إسحاق) هو السبيعي (عن شريك بن حنبل) العبسي الكوفي وقيل ابن
شرحبيل ثقة من الثانية ولم يثبت أن له صحبة كذا في التقريب وقال في تهذيب التهذيب في
ترجمته روى له أبو دارد والترمذي حديثا في الثوم انتهى قوله (لا يصلح) بصيغة المجهول
قوله: (عن أكل الثوم) وفي معناه البصل والكراث ونحوهما
430

(إلا مطبوخا) هذا الحديث يفيد تقييد ما ورد من الأحاديث المطلقة في النهي (وقد روى هذا عن
علي أنه قال الخ) يعني حديث على المذكور بلفظ أنه قال نهى عن أكل الثوم الخ مرفوع وقد روى
عنه هذا موقوفا عليه ورواه الترمذي بعد هذا بقوله حدثنا هناد حدثنا وكيع الخ
قوله: (هذا حديث ليس إسناده بذلك القوي) في سنده أبو إسحاق السبيعي وهو مدلس
وقد اختلط بآخره والحديث أخرجه أبو داود أيضا
قوله: (عن عبيد الله) بالتصغير (ابن أبي يزيد) المكي مولى آل قارظ بن شيبة ثقة كثير
الحديث من الرابعة ووقع في النسخة الأحمدية عن عبد الله مكبرا وهو غلط (عن أبيه) أي أبي
يزيد المكي حليف بني زهرة يقال له صحبة وثقه ابن حبان من الثانية كذا في التقريب قوله (عن أم
أيوب) قال في تهذيب التهذيب أم أيوب الأنصارية الخزرجية زوج أبي أيوب وهي بنت قيس بن
سعد بن امرئ القيس روت عن النبي صلى الله عليه وسلم روى عبيد الله بن أبي يزيد عنها أنهم
تكلفوا للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما فيه بعض هذه البقول فقربوه فكرهه الحديث انتهى
قوله: (فتكلفوا له طعاما) قال في المجمع تكلفت الشئ تجشمته على مشقة وعلى خلاف
عادتك انتهى (فيه من بعض هذه القبول) من الثوم والبصل والكراث ونحوها (إني أخاف أن
أوذي صاحبي) أي جبريل عليه السلام. وفي حديث جابر عند الشيخين فإني أناجي من لا
تناجي
431

قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان كما في الفتح
قوله: (عن أبي خلدة) قال في التقريب خالد بن دينار التميمي السعدي أبو خلدة بفتح
المعجمة وسكون اللام مشهور بكنيته البصري الخياط صدوق من الخامسة (عن أبي العالية) اسمه
رفيع بالتصغير ابن مهران الرياحي ثقة كثير الارسال من الثانية كذا في التقريب
قوله: (الثوم من طيبات الرزق) يعني هو حلال وما ورد من النهي فيه فهو لأجل ريحه لا
لأنه حرام كما مر في حديث أبي أيوب
(باب ما جاء في تخمير الاناء وإطفاء السراج والنار عند المنام)
قوله: (وأغلقوا الباب) من الاغلاق زاد مسلم في رواية واذكروا اسم الله (وأوكوا) بفتح
الهمزة وضم الكاف من الايكاء (السقاء) بكسر السين أي شدوا واربطوا رأس السقاء بالوكاء
وهو ما يشد به القربة وزاد مسلم واذكروا اسم الله (وأكفئوا الاناء) أي اقلبوه قال في
القاموس كفأه كمنعه صرفه وكبه وقلبه كأكفأه انتهى (أو خمروا الاناء) بفتح معجمة وتشديد
ميم أي غطوه وفي رواية لمسلم وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله ولو أن تعرضوا عليها شيئا
(وأطفئوا) بهمزة قطع وكسر فاء فهمزة مضمومة (المصباح) أي السراج (فإن الشيطان لا يفتح
432

غلقا) بضم الغين المعجمة واللام أي مغلقا قال في التقريب القاموس باب غلق بضمتين مغلق انتهى
واللام في الشيطان للجنس إذ ليس المراد فردا بعينه والمعنى أن الشيطان لا يقدر على فتح باب
أغلق مع ذكر الله عليه لأنه غير مأذون فيه، بخلاف ما إذا كان مفتوحا أو مغلقا لم يذكر اسم الله
عليه. قال ابن الملك: وعن بعض الفضلاء أن المراد بالشيطان شيطان الانس لأن غلق الأبواب لا
يمنع الشياطين الجن وفيه نظر لأن المراد بالغلق الغلق المذكور فيه اسم الله تعالى فيجوز أن
يكون دخولهم من جميع الجهات ممنوعا ببركة التسمية وإنما خص الباب بالذكر لسهولة الدخول منه
فإذا منع منه كان المنع من الأصعب بالأولى وفي الجامع الصغير عن أبي أمامة مرفوعا أجيفوا
أبوابكم وأكفئوا آنيتكم وأوكؤا أسقيتكم وأطفئوا سرجكم فإنهم لم يؤذن لهم بالتسور عليكم
رواه أحمد (ولا يحل) بضم الحاء أي لا ينقض قال في القاموس حل العقدة نقضها (وكاء)
بكسر الواو (ولا يكشف انية) أي بشرط التسمية عند الأفعال جميعها وفي رواية لمسلم غطوا
الاناء وأوكوا السقاء فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء أو سقاء ليس
عليه وكاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء قال النووي ذكر العلماء للأمر بالتغطية فوائد منها
الفائدتان اللتان وردتا في هذه الأحاديث وهما صيانته من الشيطان فإن الشيطان لا يكشف غطاء
ولا يحل سقاء وصيانته من الوباء الذي ينزل في ليلة من السنة والفائدة الثالثة صيانته من
النجاسة والمقذرات والرابعة صيانته من الحشرات والهوام فربما وقع شئ منها فيه فشربه وهو
غافل أو في الليل فيتضرر به انتهى (فإن الفويسقة) قال القاري تعليل لقوله وأطفئوا المصباح
واعترض بينهما بالعلل للأفعال السابقة ولو ثبت الرواية هنا بالواو لكانت العلل مرتبة على طريق
اللف والنشر ثم رأيت في القاموس أن الفاء تجئ بمعنى الواو انتهى والفويسقة تصغير الفاسقة
والمراد الفأرة لخروجها من جحرها على الناس وإفسادها (تضرم) بضم التاء وإسكان الضاد أي
تحرق سريعا قال أهل اللغة ضرمت النار بكسر الراء وتضرمت وأضرمت أي التهبت
وأضرمتها أنا وضرمتها (على الناس بيتهم) وفي رواية البخاري واطفئوا المصابيح فإن الفويسقة
ربما جرت الفتيلة فأحرقت أهل البيت
قوله: (وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة وابن عباس) أما حديث ابن عمر فأخرجه
الترمذي في هذا الباب وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجة وأما حديث ابن عمر
فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث ابن عباس فأخرجه أبو داود وابن حبان والحاكم عنه قال جاءت فأرة تجر الفتيلة فألقتها بين يدي
رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدا عليها فأحرقت منها مثل موضع الدرهم فقال إذا نمتم
فأطفئوا سرجكم فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فيحرقكم
433

قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة
قوله: (لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون) قال النووي هذا عام يدخل فيه نار السراج
وغيرها وأما القناديل المعلقة في المساجد وغيرها فإن خيف حريق بسببها دخلت في الأمر
بالإطفاء وإن أمن ذلك كما هو الغالب فالظاهر أنه لا بأس بها لانتفاء العلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل
الأمر بالإطفاء في الحديث السابق بأن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم فإذا انتفت العلة
زال المانع انتهى
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجة باب ما جاء في كراهية
القران بين التمرتين القران بكسر القاف وتخفيف الراء ضم تمرة إلى تمرة لمن أكل مع جماعة
قوله: (وعبيد الله) هو ابن موسى العبسي الكوفي (عن جبلة) بفتح الجيم والموحدة (بن
سحيم) بمهملتين مصغرا كوفي ثقة من الثالثة
قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرن) أي يجمع وهو بضم الراء وكسرها لغتان يقال قرن بين
الشيئين قالوا ولا يقال أقرن (بين التمرتين) أي بأن يأكلهما دفعة (حتى يستأذن صاحبه) وفي
رواية لمسلم حتى يستأذن أصحابه أي الذين اشتركوا معه في ذلك التمر فإذا أذنوا جاز له
القران قال النووي هذا النهي متفق عليه حتى يستأذنهم فإذا أذنوا فلا بأس واختلفوا في أن
هذا النهي على التحريم أو على الكراهة والأدب فنقل القاضي عياض عن أهل الظاهر أنه
434

للتحريم وعن غيرهم أن للكراهة والأدب والصواب التفصيل فإن كان الطعام مشتركا بينهم
فالقران حرام إلا برضاهم ويحصل الرضا بتصريحهم به أو بما يقوم مقام التصريح من قرينة حال أو
إدلال عليهم كلهم بحيث يعلم يقينا أو ظنا قويا أنهم يرضون به ومتى شك في رضاهم فهو حرام
وإن كان الطعام لغيرهم أو لأحدهم اشترط رضاه وحده فإن قرن بغير رضاه فحرام ويستحب أن
يستأذن الاكلين معه ولا يجب وإن كان الطعام لنفسه وقد ضيفهم به فلا يحرم عليه القرآن ثم إن
كان في الطعام قلة فحسن أن يقرن لتساويهم وإن كان كثيرا بحيث يفضل عنهم فلا بأس
بقرانه لكن الأدب مطلقا التأدب في الأكل وترك الشره إلا أن يكون مستحيلا ويريد الإسراع
لشغل آخر وقال الخطابي إنما كان هذا في زمنهم وحين كان الطعام ضيقا فأما اليوم مع اتساع
الحال فلا حاجة إلى الإذن وليس كما قال بل الصواب ما ذكرنا من التفضيل فإن الاعتبار
لعموم اللفظ لا لخصوص السبب لو ثبت السبب كيف وهو غير ثابت انتهى كلام النووي
تنبيه: قد أخرج ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ وهو في مسند البزار من طريق ابن بريدة
عن أبيه رفعه كنت نهيتكم عن القران في التمر وإن الله وسع عليكم فاقرنوا قال الحافظ في
سنده ضعف وقال الحازمي حديث النهي أصح وأشهر إلا أن الخطب فيه يسير لأنه ليس من
باب العبادات وإنما هو من قبيل المصالح الدنيوية فيكتفي فيه بمثل ذلك ويعضده إجماع الأمة على
جواز ذلك قال الحافظ مراده بالجواز في حال كون الشخص مالكا لذلك المأكول ولو بطريق
الإذن له فيه كما قرره النووي وإلا فلم يجز أحد من العلماء أن يستأثر أحد بمال غيره بغير إذنه حتى
لو قامت قرينة تدل على أن الذي وضع الطعام بين الضيفان لا يرضيه استئثار بعضهم على بعض
حرم الاسئثار جزما وإنما تقع المكارمة في ذلك إذا قامت قرينة الرضا وذكر أو موسى المديني في
ذيل الغريبين عن عائشة وجابر استقباح القران لما فيه من الشره والطمع المزري بصاحبه وقال
مالك ليس بجميل أن يأكل أكثر من رفقته
قوله: (وفي الباب عن سعد مولى أبي بكر) أخرجه ابن ماجة
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة
435

(باب ما جاء في في استحباب التمر)
قوله: (حدثنا يحيى بن حسان) التنيس من أهل البصرة ثقة من التاسعة (حدثنا
سليمان بن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد ويقال أبو أيوب المدني ثقة من الثامنة
قوله: (بيت لا تمر فيه جياع) بكسر الجيم جمع جائع (أهله) قيل أراد به أهل المدينة ومن
كان قوتهم التمر أو المراد به تعظيم شأن التمر قال القاضي أبو بكر بن العربي في شرح
الترمذي لأن التمر كان قوتهم فإذا خلا منه البيت جاع أهله وأهل كل بلدة بالنظر إلى قوتهم
يقولون كذلك وقال النووي فيه فضيلة التمر وجواز الادخار للعيال والحث عليه قال الطيبي
ويمكن أن يحمل على الحث على القناعة في بلدة يكثر فيه التمر يعني بيت فيه تمر وقنعوا به لا يجوع
أهله وإنما الجائع من ليس عنده تمر وينصره حديث عائشة كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارا
إنما هو التمر والماء إلا أن يؤتى باللحم أخرجه الشيخان
قوله: (وفي الباب عن سلمى امرأة أبي رافع) أخرجه ابن ماجة عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
بيت لا تمر فيه كالبيت لا طعام فيه
قوله: (هذا حديث حسن غريب الخ) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجة
(باب ما جاء في الحمد على الطعام إذا فرغ منه
قوله: (حدثنا أبو أسامة) اسمه حماد بن أسامة (عن سعيد بن أبي بردة) بمضمومة فساكنة
436

وإهمال دال ابن أبي موسى الأشعري الكوفي ثقة ثبت وروايته عن ابن عمر مرسلة من الخامسة كذا
في التقريب
قوله: (إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل) أي بسبب أن يأكل أو لأجل أن يأكل أو مفعول
به ليرضى يعني يجب منه أن يأكل الأكلة قال النووي الأكلة هنا بفتح الهمزة وهي المرة
الواحدة من الأكل كالغذاء أو العشاء انتهى وقال القاري بفتح الهمزة أي المرة من الأكل حتى
يشبع ويروي بضم الهمزة أي اللقمة وهي أبلغ في بيان اهتمام أداء الحمد لكن الأول أوفق مع
قوله أو يشرب الشربة فإنها بالفتح لا غير وكل منها مفعول مطلق لفعله (فيحمده) بالنصب وهو
ظاهر ويجوز الرفع أي العبد يحمده (عليها) أي على لك واحدة من الأكلة والشربة قال
ابن بطال اتفقوا على استحباب الحمد بعد الطعام ووردت في ذلك أنواع يعني لا يتعين شئ
منها وقال النووي في الحديث استحباب حمد الله تعالى عقب الأكل والشرب وقد جاء في
البخاري صفة التحميد الحمد كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفى ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا
وجاء غير ذلك ولو اقتصر على الحمد لله حصل أصل السنة انتهى
قوله: (وفي الباب عن عقبة بن عامر وأبي سعيد وعائشة وأبي أيوب وأبي هريرة) أما حديث
عقبة بن عامر فلينظر من أخرجه وأما حديث أبي سعيد فأخرجه الترمذي في أبواب الدعوات
وأما حديث عائشة فلينظر من أخرجه وأما حديث أبي أيوب فأخرجه أبو داود والنسائي وابن
حبان عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أو شرب قال الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه
وجعل له مخرجا وأما حديث أبي هريرة فأخرجه النسائي وابن حبان والحاكم كما في الفتح
قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي
437

باب ما جاء في الأكل مع المجذوم
قوله: (حدثنا أحمد بن سعيد الأشقر) قال في التقريب أحمد بن سعيد بن إبراهيم المروزي
أبو عبد الله الأشقر ثقة حافظ من الحادية عشرة (وإبراهيم بن يعقوب) هو الجوزجاني (حدثنا
يونس بن محمد) بن مسلم البغدادي أبو محمد المؤدب ثقة ثبت من صغار التاسعة (حدثنا
المفضل بن فضالة) بن أبي أمية البصري كنيته أبو مالك أخو مبارك بن فضالة ضعيف من التاسعة
كذا في التقريب وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى عن أبيه وحبيب بن الشهيد وغيرهما
وعنه يونس بن محمد المؤدب وغيره قال الدوري عن ابن معين ليس بذاك وقال النسائي
ليس بالقوي وذكره ابن حبان في الثقات له في السنن حديثه عن حبيب عن ابن المنكدر عن
جابر أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد مجذوم فوضعها معه في القصعة الحديث قال ابن عدي لم أر له
أنكر من هذا يعني حديث جابر انتهى
قوله: (أخذ بيد مجذوم) قال الأردبيلي المجذوم الذي وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عمر يده في
القصعة وأكل معه هو معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي (فأدخله معه) وفي رواية ابن ماجة
فأدخلها معه وفي رواية أبي داود فوضعها معه فتذكير الضمير في قوله أدخله في رواية
الترمذي بتأويل العضو في (القصعة) بفتح القاف وفيه غاية التوكل من جهتين إحداهما الأخذ
بيده وثانيهما الأكل معه وأخرج الطحاوي عن أبي ذر كل مع صاحب البلاء تواضعا لربك
وإيمانا (كل بسم الله ثقة بالله) بكسر المثلثة مصدر بمعنى الوثوق كالعدة والوعد وهو مفعول مطلق
أي كل معي أثق ثقة بالله أي اعتمادا به وتفويضا للأمر إليه (وتوكلا) أي وأتوكل توكلا (عليه)
والجملتان حالان ثانيتهما مؤكدة للأولى قال الأدبيلي قال البيهقي أخذه صلى الله عليه وسلم بيد المحذوم
ووضعها في القصعة وأكله معه في حق من يكون حاله الصبر على المكروه وترك الاختيار في موارد
القضاء وقوله صلى الله عليه وسلم فر من المجذوم كما تفر من الأسد وأمره صلى الله عليه وسلم في مجذوم بني ثقيف بالرجوع في
حق من يخاف على نفسه العجز عن احتمال المكروه والصبر عليه فيحرز بما هو جائز في الشرع من
438

أنواع الاحترازات انتهى قال النووي قال القاضي قد اختلفت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة
المجذوم فثبت عنه الحديثان المذكوران يعني حديث فر من المجذوم وحديث المجذوم في وفد
ثقيف وروى عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل مع المجذوم وقال له كل ثقة بالله وتوكلا عليه وعن
عائشة قالت كان لنا مولى مجذوم فكان يأكل في صحافي ويشرب في أقداحي وينام على فراشي
قال وقد ذهب عمر وغيره من السلف إلى الأكل معه ورأوا أن الأمر باجتنابه منسوخ والصحيح
الذي قاله الأكثرون ويتعين المصير إليه أنه لا نسخ بل يجب الجمع بين الحديثين وحمل الأمر
باجتنابه والفرار منه على الاستحباب والاحتياط لا الوجوب وأما الأكل معه ففعله لبيان الجواز
انتهى
قوله: (هذا حديث غريب) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم
(والمفضل بن فضالة شيخ آخر بصري الخ) قال في التقريب المفضل بن فضالة بن عبيد بن
ثمامة القتباني المصري أبو معاوية القاضي ثقة فاضل عابد أخطأ ابن سعد في تضعيفه من الثامنة
انتهى وروي شعبة هذا الحديث عن حبيب بن الشهيد عن ابن بريدة قال الحافظ في تهذيب
التهذيب ابن بريدة هو عبد الله وأخوه سليمان قال البزار أما علقمة بن مرثد ومحارب بن دثار
ومحمد بن جحادة فإنما يحدثون عن سليمان فحيث أبهموا ابن بريدة فهو سليمان وكذا الأعمش
عندي وأما من عدا هؤلاء حيث أبهموا ابن بريدة فهو عبد الله انتهى (وحديث شعبة أشبه عندي
وأصح) حديث شعبة هذا منقطع قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة عبد الله بن بريدة
قال ابن أبي حاتم في المراسيل قال أبو زرعة لم يسمع من عمر انتهى
(باب ما جاء أن المؤمن يأكل في معي واحد)
قوله: (الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معا واحد) بكسر الميم منونا ويكتب
439

بالياء قال في القاموس المعى بالفتح وكإلى من أعفاج البطن وقد يؤنث والجمع أمعاء والعفج
بالكسر والتحريك وككتف ما ينتقل الطعام إليه بعد المعدة والجمع أعفاج انتهى
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه والشيخان وابن ماجة
قوله: (في الباب عن أبي هريرة وأبي سعيد وأبي بصرة الغفاري وأبي موسى وجهجاه الغفاري
وميمونة وعبد الله بن عمرو) أما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي بعد هذا وأما حديث أبي
سعيد فلينظر من أخرجه وأما حديث أبي نضرة فلم أقف عليه اعلم أنه قد وقع في النسخ
الحاضرة عن أبي نضرة بالنون والضاد المعجمة ولم أقف على من كنيته أبو نضرة بالنون والضاد
المعجمة من الصحابة نعم أبو بصرة بالموحدة والصاد المهملة صحابي قال في التقريب حميل
مثل حميد لكن آخره لام وقيل بفتح أوله وقيل بالجيم ابن بصرة بفتح الموحدة ابن وقاص أبو بصرة
الغفاري صحابي سكن مصر ومات بها انتهى وقد روى عنه ما يتعلق بالباب ففي مسند أحمد
عن أبي بصرة الغفاري قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجرت وذلك قبل أن أسلم فحلب لي شويهة كان
يحتلبها فشربتها فلما أصبحت أسلمت الحديث وفيه أن الكافر يأكل في سبعة أمعاء الخ
وأما حديث أبي موسى فأخرجه مسلم وابن ماجة وأما حديث جهجاه الغفاري فأخرجه ابن أبي
شيبة وأبو يعلى والبزار والطبراني كما في الفتح وأما حديث ميمونة فأخرجه أحمد وأما حديث
عبد الله بن عمرو فأخرجه الطبراني بسند جيد عنه قال جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم سبعة رجال فأخذ كل
رجل من الصحابة رجلا وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم رجلا فقال له ما اسمك قال أبو غزوان قال
فحلب له سبع شياه فشرب لبنها كله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل لك يا أبا غزوان أن تسلم قال
نعم فأسلم فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره فلما أصبح حلب له شاة واحدة فلم يتم لبنها فقال
ما لك يا أبا غزوان قال والذي بعثك نبيا لقد رويت قال إنك أمس كان لك سبعة أمعاء
وليس لك اليوم إلا معي واحد كذا في الفتح
قوله: (ضافه) أي نزل به (فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة) أي بأحلابها (فحلبت) بصيغة
440

المجهول (فشرب) أي الضيف الكافر حلابها (ثم أخرى) أي ثم حلبت شاة أخرى (حتى شرب
حلاب سبع شياه) الحلاب بكسر الحاء المهملة وخفة اللام اللبن الذي تحلبه والإناء الذي تحلب
فيه اللبن والمراد هنا الأول (ثم أصبح) أي الضيف الكافر (فلم يستتمها) أي فلم يقدر أن
يشرب لبن الشاة الثانية على التمام (والمؤمن يشرب في معا واحد) الخ قال الحافظ في الفتح
اختلف في معنى الحديث فقيل ليس المراد به ظاهره وإنما هو مثل ضرب للمؤمن وزهده في
الدنيا والكافر وحرصه عليها فكان المؤمن لتقلله من الدنيا يأكل في معي واحد والكافر لشدة
رغبته فيها واستكثاره منها يأكل في سبعة أمعاء فليس المراد حقيقة الأمعاء ولا خصوص الأكل
وإنما المراد التقلل من الدنيا والاستكثار منها فكأنه عبر عن تناول الدنيا بالأكل وعن أسباب ذلك
بالأمعاء ووجه العلاقة ظاهر و
قيل: المعنى أن المؤمن يأكل الحلال والكافر يأكل الحرام والحلال أقل من الحرام في
الوجود نقله ابن التين ونقل الطحاوي عن أبي جعفر بن عمران نحو الذي قبله وقيل المراد
حض المؤمن على قلة الأكل إذا علم أن كثرة الأكل صفة الكافر فإن نفس المؤمن تنفر من
الاتصاف بصفة الكافر ويدل على أن كثرة الأكل من صفة الكفار قوله تعالى والذين كفروا
يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام
وقيل: بل هو على ظاهر ثم اختلفوا في ذلك على أقوال أحدها أنه ورد في شخص بعينه
واللام عهدية لا جنسية جزم بذلك ابن عبد البر فقال لا سبيل إلى حمله على العموم لأن
المشاهدة تدفعه فكم من كافر يكون أقل أكلا من مؤمن وعكسه وكم من كافر أسلم فلم يتغير
مقدار أكله قال وحديث أبي هريرة يدل على أنه ورد في رجل
بعينه ولذلك عقب به مالك
الحديث والمطلق وكذا البخاري فكأنه قال هذا إذا كان كافرا كان يأكل في سبعة أمعاء فلما
أسلم عوفي وبورك له في نفسه فكفاه جزء من سبعة أجزاء مما كان يكفيه وهو كافر انتهى وقد
تعقب هذا الحمل بأن ابن عمر راوي الحديث فهم منه العموم فلذلك منع الذي رآه يأكل كثيرا
من الدخول عليه واحتج بالحديث ثم كيف يتأتى حمله على شخص بعينه مع ما تقدم من ترجيح
تعدد الواقعة ويورد الحديث المذكور عقب كل واحدة منها في حق الذي وقع له نحو ذلك
441

القول الثاني أن الحديث خرج مخرج الغالب وليست حقيقة العدد مرادة قالوا تخصيص
السبعة للمبالغة في التكثير كما في قوله تعالى والبحر يمده من بعده سبعة أبحر والمعنى أن من
شأن المؤمن التقلل من الأكل لاشتغاله بأسباب العبادة ولعلمه بأن مقصودا الشرع من الأكل ما
يسد الجوع ويمسك الرمق ويعين على العبادة ولخشيته أيضا من حساب ما زاد على ذلك والكافر
بخلاف ذلك كله فإنه لا يقف مع مقصود الشرع بل هو تابع لشهوة نفسه مسترسل فيها غير
خائف من تبعات الحرام فصار أكل المؤمن لما ذكرته إذا نسب إلى أكل الكافر كأنه بقدر السبع
منه ولا يلزم من هذا اطراده في كل مؤمن وكافر فقد يكون في المؤمنين من يأكل كثيرا إما بحسب
العادة وإما لعارض يعرض له من مرض باطن أو لغير ذلك ويكون في الكفار من يأكل قليلا إما
لمراعاة الصحة على رأي الأطباء وإما للرياضة على رأي الرهبان وإما لعارض كضعف المعدة
القول الثالث أن المراد بالمؤمن في هذا الحديث التام الإيمان لأن من حسن إسلامه وكمل
إيمانه اشتغل فكره فيما يصير إليه من الموت ما بعده فيمنعه شدة الخوف وكثرة الفكر واشفاق
على نفسه من استيفاء شهوته كما ورد في حديث لأبي أمامة رفعه من كثر تفكره قل طعمه ومن
قل تفكره كثر طعمه وقسا قلبه ويشير إلى ذلك حديث أبي سعيد الصحيح إن هذا المال حلوة
خضرة فمن أخذ بإشراف نفس كان كالذي يأكل ولا يشبع فدل على أن المراد بالمؤمن من يقصد
في مطعمه وأما الكافر فمن شأنه الشره فيأكل بالنهم كما تأكل البهيمة ولا يأكل بالمصلحة لقيام
البنية وقد رد هذا الخطابي وقال قد ذكر عن غير واحد من أفاضل السلف الأكل الكثير فلم يكن
ذلك نقصا في أيمانهم
الرابع: أن المراد أن المؤمن يسمي الله تعالى عند طعامه وشرابه فلا يشركه الشيطان
فيكفيه القليل والكافر لا يسمي فيشركه الشيطان وفي صحيح مسلم في حديث مرفوع إن
الشيطان يستحل الطعام إن لم يذكر اسم الله تعالى عليه
الخامس قال النووي المختار أن المراد أن بعض المؤمنين يأكل في معا واحد وأن أكثر
الكفار يأكلون في سبعة أمعاء ولا يلزم أن يكون كل واحد من السبعة مثل معي المؤمن انتهى
ويدل على تفاوت الأمعاء ما ذكره عياض عن أهل التشريح أن أمعاء الانسان سبعة المعدة ثم
ثلاثة أمعاء بعدها متصلة بها البواب ثم الصائم ثم الرقيق والثلاثة رقاق ثم الأعور والقولون
والمستقيم وكلها غلاظ فيكون المعنى أن الكافر لكونه يأكل بشره لا يشبعه إلا ملء أمعائه
السبعة والمؤمن يشبعه ملء معا واحد
442

السادس قال النووي يحتمل أن يريد بالسبعة في الكافر صفات هي الحرص والنشرة
وطول الأمل والطمع وسوء الطبع والحسد وحب السمن وبالواحد في المؤمن سد خلته
السابع قال القرطبي شهوات الطعام سبع شهوة الطبع وشهوة النفس وشهوة
العين وشهوة الفم وشهوة الأذن وشهوة الأنف وشهوة الجوع وهي الضرورية التي يأكل بها
المؤمن وأما الكافر فيأكل بالجميع انتهى ما في الفتح
قلت: في أكثر هذه الأقوال بعد كما لا يخفي والظاهر عندي هو القول الثاني والله تعالى
أعلم
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد ومسلم
(باب ما جاء في طعام الواحد يكفي الاثنين
قوله: (حدثنا الأنصاري) هو إسحاق بن موسى الأنصاري (طعام الاثنين) أي ما يشبعهما
(كافي الثلاثة) أي يكفيهم على وجه القناعة ويقويهم على الطاعة ويزيل الضعف عنهم لا أنه
يشبعهم والغرض منه أن الرجل ينبغي أن يقنع بدون البشع ويصرف الزائد إلى محتاج آخر
(وطعام الثلاثة كما في الأربعة) قال السيوطي أي شبع الأقل قوت الأكثر فيه الحث على مكارم
الأخلاق والتقنع بالكفاية
قوله: (وفي الباب عن ابن عمر وجابر) أما حديث ابن عمر فأخرجه الطبراني عنه مرفوعا
كلوا جميعا ولا تفرقوا فإن طعام الواحد يكفي الاثنين الحديث وأما حديث جابر فأخرجه الترمذي
بعد هذا وأخرجه أيضا أحمد ومسلم والنسائي
443

قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مالك والشيخان
قوله: (وروى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي
الأربعة الخ) في شرح السنة حكى إسحاق بن راهويه عن جرير قال تأويله شبع الواحد قوت
الاثنين وشبع الاثنين قوت الأربعة قال عبد إبراهيم بن عروة تفسير هذه ما قال عمر رضي الله عنه
عام الرفادة لقد هممت أن أنزل على أهل كل بيت مثل عددهم فإن الرجل لا يهلك على نصف
بطنه. قال النووي فبه الحث على المواساة في الطعام وأنه وإن كان قليلا حصلت منه الكفاية
المقصودة ووقعت فيه بركة تعم الحاضرين عليه انتهى وقال الحافظ وعند الطبراني من حديث ابن
عمر (يعني الذي أشار إليه الترمذي وذكرنا لفظه) ما يرشد إلى العلة في ذلك فيؤخذ منه أن الكفاية
تنشأ عن بركة الاجتماع وأن الجمع كلما كثرت ازدادت البركة انتهى
قوله: (عن أبي سفيان) اسمه طلحة بن نافع الواسطي الإسكاف نزل مكة صدوق من
الرابعة
(باب ما جاء في أكل الجراد)
بفتح الجيم وتخفيف الراء معروف والواحد جرادة والذكر والأنثى سواء كالحمامة ويقال
إنه مشتق من الجرد لأنه لا ينزل على شئ إلا جرده وخلقة الجرادة عجيبة فيها عشرة من
الحيوانات ذكر بعضها ابن الشهرزوري في قوله
لها فخذا أبكر وساقا نعامة وقادمتا نسر وجؤجؤ ضيغم
جنتها أفاعي الرمل بطنا وأنعمت عليها جياد الخيل بالرأس والفم
444

قيل وفاته عين الفيل وعنق الثور وقرن الأيل وذنب الحية وهو صنفان طيار ووثاب
ويبيض في الصخر فيتركه حتى ييبس وينتشر فلا يمر بزرع إلا اجتاحه وقد أجمع العلماء على جواز
أكله بغير تذكية إلا أن المشهور عند المالكية اشتراط تذكيته واختلفوا في صفتها فقيل بقطع رأسه
وقيل إن وقع في قدر أو نار حل قال ابن وهب أخذه ذكاته ووافق مطرف منهم الجمهور في أنه
لا يفتقر إلى ذكاته لحديث ابن عمر أحلت لنا ميتتان ودمان السمك والجراد والكبد والطحال
أخرجه أحمد والدارقطني مرفوعا وقال إن الموقوف أصح ورجح البيهقي أيضا الموقوف إلا أنه
قال إن له حكم الرفع كذا في الفتح
قوله: (حدثنا سفيان) هو ابن عيينة كما صرح به الترمذي بعد (عن أبي يعفور) بفتح
التحتانية وسكون العين وضم الفاء وبالراء اسمه وقدان بفتح الواو وسكون القاف العبدي الكوفي
مشهور بكنيته وهو الأكبر ويقال اسمه واقد ثقة من الرابعة كذا في التقريب
قوله: (نأكل الجراد) زاد البخاري في روايته معه قال الحافظ في الفتح يحتمل أن يريد
بالمعية مجرد الغزو دون ما تبعه من أكل الجراد ويحتمل أن يريد مع أكله ويدل على الثاني أنه وقع
في رواية أبي نعيم في الطب ويأكل معنا وهذا إن صح يرد على الصميري من الشافعية في زعمه
أنه صلى الله عليه وسلم عافه كما عاف الضب كل ثم وقفت على مستند الصميري وهو ما أخرجه أبو داود من حديث
سلمان سئل صلى الله عليه وسلم عن الجراد فقال لا آكله ولا أحرمه والصواب مرسل ولابن علي في ترجمة
ثابت بن زهير عن نافع عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الضب كل فقال لا آكله ولا أحرمه وسئل
عن الجراد فقال مثل ذلك وهذا ليس ثابتا لأن ثابتا قال فيه النسائي ليس بثقة ونقل النووي
الإجماع على حل أكل الجراد لكن فصل ابن العربي في شرح الترمذي بين جراد الحجاز وجراد
الأندلس فقال في جراد الأندلس لا يؤكل لأنه ضرر محض وهذا إن ثبت أنه يضر أكله بأن يكون
فيه سمية تخصه دون غيره من جراد البلاد تعين استثناؤه انتهى كلام الحافظ بلفظه
قوله: (هكذا روى سفيان بن عيينة عن أبي يعفور هذا الحديث وقال ست غزوات
وروى سفيان الثوري عن أبي يعفور هذا الحديث وقال سبع غزوات) ووقع في رواية شعبة
عند البخاري عن أبي يعفور عن ابن أبي أوفي سبع غزوات أو ستا بالشك قال الحافظ في
الفتح دلت رواية شعبة على أن شيخهم كان يشك فيحمل على أنه جزم مرة بالسبع ثم لما طرأ
445

عليه الشك صار يجزم بالست لأنه المتيقن ويؤيد هذا الحمل أن سماع سفيان بن عيينة عنه متأخر
دون الثوري ومن ذكر معه ولكن وقع عند ابن حبان من رواية أبي الوليد شيخ البخاري فيه سبعا
أو ستا يشك شعبة انتهى
قوله: (وفي الباب عن ابن عمر وجابر) أما حديث ابن عمر فقد تقدم تخريجه وأما حديث
جابر فلينظر من أخرجه
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) قال في المنتقي رواه الجماعة إلا ابن ماجة وأبو يعفور
الاخر اسمه عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس بكسر النون وسكون السين المهملة كوفي ثقة من
الخامسة كذا في التقريب وأبو يعفور هذا هو الأصغر والأول الأكبر
قوله: (حدثنا أبو أحمد) هو الزبير (والمؤمل) هو ابن إسماعيل (حدثنا سفيان) هو الثوري
قوله: (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوات نأكل الجراد) كذا في هذه الرواية من غير تقييد
بالست أو السبع وعند البخاري سبع غزوات أو ستا بالشك
(باب ما جاء في أكل لحوم الجلالة وألبانها)
بفتح الجيم وتشديد اللام من أبنية المبالغة وهي الحيوان الذي يأكل العذرة من الجلة بفتح
446

الجيم وهي البعرة وقال في القاموس الجلة مثلثة البعر أو البعرة انتهى وتجمع على جلالات
على لفظ الواحدة وجوال كدابة ودواب يقال جلت الدابة الجلة وأجلتها فهي جالة وجلالة
وسواء في الجلالة البقر والغنم وا بل وغيرها كالدجاج والإوز وغيرهما وادعى ابن حزم أنها لا
تقع إلا على ذات الأربع خاصة والمعروف التعميم ثم قيل إن كان أكثر علفها النجاسة فهي
جلالة وإن كان أكثر علفها الطاهر فليست جلالة وجزم به النووي في تصحيح التنبيه وقال في
الروضة تبعا للرافعي الصحيح أنه لا اعتداد بالكثرة بل بالرائحة والنتن فإن تغير ريح مرقها أو
لحمها أو طعمها أو لونها فهي جلالة كذا في النيل
قوله: (حدثنا عبدة) هو ابن سليمان الكلابي قوله (عن ابن أبي نجيح) قال في التقريب
عبد الله بن أبي نجيح يسار المكي أبو يسار الثقفي مولاهم ثقة رمى بالقدر وربما دلس من السادسة
انتهى
قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها) أي وعن شرب ألبانها قال الخطابي
اختلف الناس في أكل لحوم الجلالة وألبانها فكره ذلك أصحاب الرأي والشافعي وأحمد بن حنبل
وقالوا لا يؤكل حتى تحبس أياما وتعلف علفا غيرها فإذا طاب لحمها فلا بأس بأكله وقد روي
في حديث أن البقر تعلف أربعين يوما ثم يؤكل لحمها وكان ابن عمر يحبس الدجاجة ثلاثة أيام
ثم يذبح وقال إسحاق بن راهويه لا بأس أن يؤكل لحمها بعد أن يغسل غسلا جيدا وكان
الحسن البصري لا يرى بأسا بأكل لحوم الجلالة وكذا قال مالك بن أنس انتهى وقال ابن
رسلان في شرح السنن وليس للحبس مدة مقدرة وعن بعضهم في الإبل والبقر أربعين يوما وفي
الغنم سبعة أيام وفي الدجاجة ثلاثة واختاره في المهذب والتحرير ووقع في رواية لأبي داود
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة في الإبل أن يركب عليها أو يشرب من ألبانها وعلة النهي عن
الركوب أن تعرق فتلوث ما عليها بعرقها وهذا ما لم تحبس فإذا حبست جاز ركوبها عند
الجميع كذا في شرح السنن
قوله: (وفي الباب عن عبد الله بن عباس) أخرجه الترمذي في هذا الباب
447

قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود وابن ماجة والحاكم وروى الثوري
عن ابن نجيح عن مجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا قال الشوكاني وقد اختلف في حديث ابن
عمر علي ابن أبي نجيح فقيل عنه عن مجاهد عن ابن عمر وقيل عن مجاهد مرسلا وقيل عن
مجاهد عن ابن عباس انتهى
قوله: (نهى عن المجثمة) بالجيم والمثلثة المفتوحة التي تربط وتجعل غرضا للرمي فإذا
ماتت من ذلك لم يحل أكلها والجثوم للطير ونحوها بمنزلة البروك للإبل فلو جثمت بنفسها فهي
جاثمة ومجثمة بكسر المثلثة وتلك إذا صيدت على تلك الحالة فذبحت جاز أكلها وإن رميت
فماتت لأنها تصير موقوذة (عن لبن الجلالة) قد اختلف في طهارة لبن الجلالة فالجمهور على
الطهارة لأن النجاسة تستحيل في باطنها فيظهر بالاستحالة كالدم يستحيل في أعضاء الحيوانات
لحما ويصير لبنا ويأتي بقية الكلام في الجلالة في الباب الآتي (وعن الشرب من في السقاء) أي
فم القربة وسيأتي الكلام في هذه المسألة في باب اختناث الأسقية من أبواب الأشربة
قوله: (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو) أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم
والدارقطني والبيهقي عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وعن الجلالة عن
ركوبها وأكل لحومها
448

(باب ما جاء في في أكل الدجاج)
هو اسم جنس مثلث الدال ذكره المنذري في الحاشية وابن مالك وغيرهما ولم يحك النووي
الضم والواحدة دجاجة مثلث أيضا وقيل إن الضم فيه ضعيف قال الجوهري دخلتها الهاء
للوحدة مثل الحمامة وأفاد إبراهيم الحربي في غريب الحديث أن الدجاج بالكسر اسم للذكران
دون الإناث والواحد منها ديك وبالفتح الإناث دون الذكران والواحدة دجاجة بالفتح
أيضا قال وسمي سراعه في الاقبال والإدبار من دج يدج إذا أسرع انتهى وفي القاموس
الدجاجة معروف للذكر والأنثى ويثلث انتهى قوله (حدثنا زيد بن أخزم) هو الطائي
قوله: (حدثنا أبو قتيبة) اسمه سلم بن قتيبة (عن أبي
العوام) بفتح العين المهملة وشدة الواو اسمه عمران بن داور القطان البصري صدوق يهم ورمى
برأي الخوارج من السابعة كذا في التقريب (عن زهدم) بوزن جعفر هو ابن مضرب بضم أوله
وفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء المكسورة بعدها موحدة (الجرمي) بفتح الجيم أبو مسلم
البصري ثقة من الثالثة
قوله: (وهو يأكل الدجاجة) أي لحمها (فقال ادن) أمر من دنا يدنو دنوا ودناوة أي قرب
(فكل فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكله) في الحديث دخول المرء على صديقه في حال أكله واستدناه
صاحب الطعام الداخل وعرضه الطعام عليه ولو كان قليلا لان اجتماع الجماعة على الطعام سبب
للبركة فيه كما تقدم وفيه إباحة لحم الدجاج وملاذ الأطعمة
قوله: (عن سفيان) هو الثوري (عن أيوب) هو السختياني
449

قوله: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل لحم دجاج) فيه جواز أكل الدجاج إنسية ووحشية وهو
بالانفاق إلا عن بعض المتعمقين على سبيل الورع إلا أن بعضهم استثنى الجلالة وهي ما تأكل
الأقذار وظاهر صنيع أبي موسى أنه لم يبال بذلك وقد أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن ابن
عمر أنه كان يحبس الدجاجة الجلالة ثلاثا وقال مالك والليث لا بأس الجلالة من الدجاج
وغيره وإنما جاء النهي عنها للتقذر وقد ورد النهي عن أكل الجلالة من طرق أصحها ما أخرجه
الترمذي وصححه وأبو داود والنسائي من طريق قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم
نهى عن المجثمة وعن لبن الجلالة وعن الشرب من في السقاه وهو على شرط البخاري في رجاله
إلا أن أيوب رواه عن عكرمة فقال عن أبي هريرة أخرجه البيهقي والبزار من وجه اخر عن أبي
هريرة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة وعن شرب ألبانها وأكلها وركوبها ولابن أبي شيبة بسند
حسن عن جابر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة أن يؤكل لحمها أو يشرب لبنها ولأبي داود
والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر
الأهلية وعن الجلالة عن ركوبها وأكل لحمها وسنده حسن وقد أطلق الشافعية كراهة أكل
الجلالة إذا تغير لحمها بأكل النجاسة وفي وجه إذا أكثرت من ذلك ورجح أكثرهم أنها كراهة
تنزيه وهو قضية صنيع أبي موسى ومن حجتهم أن العلف الطاهر إذا صار في كرشها تنجس فلا
تتغذى إلا بالنجاسة ومع ذلك فلا يحكم على اللحم واللبن بالنجاسة فكذلك هذا
وتعقب بأن العلف الطاهر إذا تنجس بالمجاورة جاز إطعامه الدابة لأنها إذا أكلته لا تتغذى
بالنجاسة وإنما تتغذى بالعلف بخلاف الجلالة وذهب جماعة من الشافعية وهو قول الحنابلة إلى
أن النهي للتحريم وبه جزم ابن دقيق العيد عن الفقهاء وهو الذي صححه أبو إسحاق المروزي
والقفال وإمام الحرمين والبغوي والغزالي وألحقوا بلحمها ولبنها بيضها وفي معنى الجلالة ما
يتغذى بالنجس كالشاة ترضع من كلبة والمعتبر في جواز أكل الجلالة زوال رائحة النجاسة بعد أن
تعلف بالشئ الطاهر على الصحيح وجاء عن السلف فيه توقيت فعند ابن أبي شيبة عن ابن
عمر أنه كان يحبس الدجاجة الجلالة ثلاثا كما تقدم وأخرج البيهقي بسند فيه نظر عن
عبد الله بن عمر ومرفوعا أنها لا تؤكل حتى تعلف أربعين يوما قاله الحافظ في الفتح
إعلم أن الترمذي أورد هذا الحديث مختصرا مقتصرا على القدر المذكور وساقه في الشمائل
مطولا إلى هذا أشار
بقوله: (وفي الحديث كلام أكثر من هذا) وقد أخرجه البخاري مطولا في باب لحم الدجاج وغيره ومسلم في الايمان
450

قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان (وقد روى أيوب السختياني هذا
الحديث عن القاسم التميمي) هو ابن عاصم التميمي ويقال الكليني بضم الكاف وفتح اللام
بعدها تحتانية ثم نون نسبة إلى كلين قرية من قرى العراق مقبول من الرابعة
(باب ما جاء في أكل الحبارى)
بضم الحاء وفتح الراء المهملتين مقصورا قال في القاموس الحبارى طائر للذكر والأنثى
والواحد والجمع وألفه للتأنيث وغلط الجوهري إذ لو لم تكن له لانصرفت والجمع حباريات
انتهى وفي حياة الحيوان للدميري الحباري طائر كبير العنق رمادي اللون في منقاره بعض طول
ومن شأنها أن تصيد ولا تصاد انتهى وفي الصراح حباري بالضم شوات قال في غيات اللغات
شوات بفتح وضم أول وتاء فوقاني سرخاب ازبرهان وجها نكيري ودر تحفة السعادة وسروري
بمعنى جرزكه بعربي حباري كويند وبعض كوبندكه فيل مرغ انتهى وهو نوع من الطير مذكرها
ومؤنثها وواحدها وجمعها سواء وإن شئت قلت في الجمع حباريات وفي المثل كل شئ يحب
ولده حتى الحبارى وإنما خصوا الحبارى لأنه يضرب بها المثل في الحمق فهي على حمقها تحب
ولدها وتعلمه الطيران انتهى
قوله: (حدثنا إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي) البصري صدوق له مناكير قيل إنها من
قبل الراوي عنه من العاشرة كذا في التقريب (عن إبراهيم بن عمر بن سفينة) لقبه بريه وهو
تصغير إبراهيم مستور من السابعة (عن أبيه) أي عمر بن سفينة مولى أم سلمة صدوق من الثالثة قوله
(عن جده) أي سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عبدا لأم سلمة رضي الله عنها فأعتقته وشرطت
عليه أن يخدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم
451

قوله (أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حبارى) فيه دلالة على أن الحبارى حلال
قوله: (هذا حديث غريب) وأخرجه أبو داود قال في التلخيص بعد ذكر هذا الحديث
إسناده ضعيف ضعفه العقيلي وابن حبان (روى عنه ابن أبي فديك) بالفاء مصغرا هو محمد بن
إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك الديلي مولاهم المدني أبو إسماعيل صدوق من صغار الثامنة قوله
(ويقول) أي ابن أبي فديك في روايته (بريه) بضم الموحدة وفتح الراء بعدها تحتانية ساكنة وهاء
وقد عرفت أنه تصغير إبراهيم قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمته اسمه إبراهيم وبريه
لقب غلب عليه روى عن أبيه عن جده في أكل الحبارى وعنه ابن أبي فديك وغيره قال
البخاري إسناده مجهول وقال العقيلي لا يعرف إلا به انتهى
(باب ما جاء في في أكل الشواء)
بكسر المعجمة والمد قال في القاموس شوى اللحم شيا فاشتوى وانشوى هو الشواء
بالكسر والضم انتهى
قوله: (حدثنا حجاج بن محمد) هو الصيصي الأعور (أخبرني محمد بن يوسف) بن
عبد الله بن يزيد الكندي المدني الأعرج ثقة ثبت من الخامسة
قوله: (إنها قربت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جنبا مشويا فأكل منه) أي من الجنب المشوي
فإن قلت: ما وجه الجمع بين هذا الحديث وبين حديث أنس ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم خبزا
مرققا ولا شاة مسموطة حتى لقي الله عز وجل أخرجه البخاري
قلت: قال ابن بطال ما ملخصه يجمع بين هذا وبين حديث عمرو بن أمية أنه رأى
النبي صلى الله عليه وسلم يحتز من كنف شاة وحديث أم سلمة الذي أخرجه الترمذي بأن يقال يحتمل أن يكون
452

لم يتفق أن تسمط له شاة بكمالها لأنه قد احتز من الكتف مرة ومن الجنب الأخرى وذلك لحم
مسموط أو يقال إن أنسا قال لا أعلم ولم يقطع به ومن علم حجة على من لم يعلم وتعقبه ابن
المنير بأنه ليس في حز الكنف ما يدل على أن الشاة كانت مسموطة بل إنما حزها لأن العرب كانت
عادتها غالبا أنها لا تنضج اللحم فاحتيج إلى الحز قال الحافظ ولا يلزم أيضا من كونها مشوية
واحتز من كتفها أو جنبها أن تكون مسموطة فإن شئ المسلوخ أكثر من شئ المسموط لكن قد ثبت
أنه أكل الكراع وهو لا يؤكل إلا مسموطا هذا لا يرد على أنس في نفي رواية الشاة المسموطة
انتهى
قوله: (وفي الباب عن عبد الله بن الحارث والمغيرة وأبي رافع) أما حديث عبد الله بن
الحارث فأخرجه أحمد ص 190 وأما حديث المغيرة فأخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة وأما
حديث أبي رافع فأخرجه أحمد
قوله: (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد
(باب ما جاء في كراهية الأكل متكئا
قوله: (أما أنا فلا آكل متكئا) سبب هذا الحديث قصة الأعرابي المذكور في حديث
عبد الله بن بسر عند ابن ماجة والطبراني بسند حسن قال أهديت النبي صلى الله عليه وسلم شاة فجثى على
ركبتيه يأكل فقال له أعرابي ما هذه الجلسة فقال إن الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا
عنيدا قال ابن بطال إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم تواضعا لله ثم ذكر من طريق أيوب عن الزهري قال
أتى النبي صلى الله عليه وسلم ملك لم يأته قبلها فقال إن ربك يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا أو ملكا نبيا قال
فنظر إلى جبريل كالمستشير له فأومأ إليه أن تواضع فقال بل عبدا نبيا قال فما أكل متكئا
انتهى قال الحافظ وهذا مرسل أو معضل وقد وصله النسائي من طريق الزبيدي عن الزهري
عن محمد بن عبد الله بن عباس قال كان ابن عباس يحدث فذكر نحوه وأخرج أبو داود من
453

حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال ما رؤي النبي صلى الله عليه وسلم متكئا قط وأخرج ابن أبي
شيبة عن مجاهد قال ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم متكئا إلا مرة ثم نزع فقال اللهم إني عبدك ورسولك
وهذا مرسل ويمكن الجمع بأن تلك المرة التي في أثر مجاهد ما اطلع عليها عبد الله بن عمرو فقد
أخرج ابن شاهين في ناسخه من مرسل عطاء بن يسار أن جبريل رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا فنهاه
ومن حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نهاه جبريل عن الأكل متكئا لم يأكل متكئا بعد ذلك
واختلف في صفة الاتكاء فقيل أن يتمكن في الجلوس للأكل على أي صفة كان وقيل أن
يميل على أحد شقيه وقيل أن يعتمد على يده اليسرى من الأرض قال الخطابي تحسب العامة أن
المتكئ هو الأكل على أحد شقيه وليس كذلك بل هو المعتمد على الوطاء الذي تحته قال ومعنى
الحديث إني لا أقعد متكئا على الوطأ عند الأكل فعل من يستكثر من الطعام فإني لا اكل إلا
البلغة من الزاد فلذلك أقعد مستوفزا وفي حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم أكل تمرا وهو مقع وفي رواية وهو
محتضر والمراد الجلوس على وركيه غير متمكن وأخرج ابن عدي بسند ضعيف زجر النبي صلى الله عليه وسلم أن
يعتمد الرجل على يده اليسرى عند الأكل قال مالك هو نوع من الاتكاء قال الحافظ وفي
هذا إشارة من مالك إلى كراهة كل ما يبد الاكل فيه متمكنا ولا يختص بصفة بعينها وجزم ابن
الجوزي في تفسير الاتكاء بأنه الميل على أحد الشقين ولم يلتفت لإنكار الخطابي ذلك وحكى ابن
الأثير في النهاية أن من فسر الاتكاء بالميل على أحد الشقين تأوله على مذهب الطب بأنه لا ينحدر في
مجاري الطعام سهلا ولا يسيغه هنيئا وربما تأذى
واختلف السلف في حكم الأكل متكئا فزعم ابن القاص أن ذلك من الخصائص البوية
وتعقبه البيهقي فقال قد يكره لغيره أيضا لأنه من فعل المتعظمين وأصله مأخوذ من ملوك
العجم قال فإن كان بالمرء مانع لا يتمكن معه من الأكل إلا متكئا لم يكن في ذلك كراهة ثم
ساق عن جماعة من السلف أنهم أكلوا كذلك وأشار إلى حمل ذلك عنهم على الضرورة وفي الحمل
نظر وقد أخرج بن أبي شيبة عن ابن عباس وخالد بن الوليد وعبيدة السلماني ومحمد بن سيرين
وعطاء بن يسار والزهري جواز ذلك مطلقا وإذا ثبت كونه مكروها أو خلاف الأولى فالمستحب في
صفة الجلوس للأكل أن يكون جاثيا على ركبتيه وظهور قدميه أو ينصب الرجل اليمنى ويجلس على
اليسرى واستثنى الغزالي من كراهة الأكل مضطجعا أكل البقل
واختلف في علة الكراهة وأقوى ما ورد في ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي
قال كانوا يكرهون أن يأكلوا اتكاءة مخافة أن تعظيم بطونهم وإلى ذلك يشير بقية ما ورد
454

فيه من الأخبار فهو المعتمد ووجه الكراهة فيه ظاهر وكذلك ما أشار إليه ابن الأثير من جهة
الطب كذا في الفتح
قوله: (وفي الباب عن علي وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن العباس) أما حديث علي فلينظر
من أخرجه وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو داود وابن ماجة وتقدم لفظه وأما حديث
عبد الله بن العباس فأخرجه النسائي كما في الفتح
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة
(باب ما جاء في حب النبي صلى الله عليه وسلم)
الحلواء والعسل الحلواء بالمد والقصر لغتان وهي عند الأصمعي بالقصر تكتب بالياء وعند الفراء بالمد
تكتب بالألف وقال الليث الأكثر على المد وهو كل حلو يؤكل وقال الخطابي اسم الحلوى لا
يقع إلا على ما دخلته الصنعة وفي المخصص لابن سيده هي ما عولج من الطعام بحلاوة وقد
تطلق على الفاكهة
قوله: (حدثنا سلمة بن شبيب) هو النيسابوري (حدثنا أبو أسامة) اسمه حماد ابن أسامة
(عن هشام بن عروة) بن الزبير بن العوام الأسدي ثقة فقيه ربما دلس من الخامسة (عن أبيه) أي
عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي المدني ثقة فقيه مشهور من الثانية
قوله: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل) قال النووي المراد بالحلواء هنا كل شئ
455

حلو وذكر العسل بعدها تنبيها على شرافته ومزيته وهو من من باب ذكر الخاص بعد العام انتهى
قال ابن بطال الحلوى والعسل من جملة الطيبات المذكورة في قوله تعالى (كلوا من الطيبات)
وفيه تقوية لقول من قال المراد به المستلذ من المباحات ودخل في معنى هذا الحديث كل ما يشابه
الحلوى والعسل من أنواع المآكل اللذيذة وقال الخطابي وتبعه ابن التين لم يكن حبه صلى الله عليه وسلم على
معنى كثرة التشهي لها وشدة نزاع النفس إليها وإنما كان ينال منها إذا أحضرت إليه نيلا صالحا
فيعلم بذلك أنها تعجبه انتهى
قوله: (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه البخاري في الطلاق والأطعمة
والأشربة والطب وترك الحيل وأخرجه مسلم في الطلاق وأبو داود في الأشربة والنسائي في
الوليمة والطب وابن ماجة في الأطعمة (وفي الحديث كلام أكثر من هذا) يعني أن هذا الحديث
مطول واختصره الترمذي وأخرجه البخاري مطولا في الطلاق والحيل ومسلم في الطلاق
(باب ما جاء في إكثار ماء المرقة)
قال في القاموس المرق بالتحريك هو من الطعام معروف والمرقة أخص انتهى ويقال لها
بالفارسية شوربا
قوله: (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي أبو عمر والبصري ثقة مأمون مكثر
عمى بآخره من صغار التاسعة مات سنة اثنتين وعشرين وهو أكبر شيخ لأبي داود (حدثنا
محمد بن فضاء) بفتح الفاء والمعجمة مع المد الأزدي أبو بحر البصري ضعيف من السادسة
(حدثنا أبي) أي فضاء بن خالد الجهضمي البصري مجهول قوله (عن علقمة بن عبد الله المزني) قال في
التقريب علقمة بن عبد الله بن سنان وقبل اسم جده عمر والمزني البصري ثقة من الثالثة (عن
أبيه) أي عبد الله بن سنان بن نبيشة ابن سلمة المزني وقيل هو عبد الله بن عمرو بن هلال صحابي
نزل البصرة وكان أحد البكائين كذا في التقريب
456

قوله (إذا اشترى أحدكم لحما) ليطبخه والمراد حصله بشراء أو غيره فذكر الشراء غالبي
(فليكثر) من الاكثار (فإن لم يجد) أي أحدكم (وهو أحد اللحمين) لأن دسم اللحم يتحلل فيه
فيقوم مقام اللحم في التغذي والنفع
قوله: (وفي الباب عن أبي ذر) أخرجه الترمذي بعد هذا
قوله: (هذا حديث غريب) وأخرجه الحاكم والبيهقي وهو حديث ضعيف (ومحمد بن
فضاء هو المعبر وقد تكلم فيه سليمان بن حرب) قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمته قال
البخاري سمعت سليمان بن حرب يضعفه ويقول كان يبيع الشراب قال ابن معين ضعيف
الحديث ليس بشئ وقال ابن الجنيد قلت لابن معين محمد بن فضاء كان يعبر الرؤيا قال نعم
وحديثه مثل تعبيره وقال أبو زرعة ضعيف الحديث وقال النسائي ضعيف الحديث وقال
مرة ليس بثقة انتهى (وعلقمة هو أخو بكر بن عبد الله المزني) كذا قال الترمذي وكذا قال غير
واحد من أئمة الحديث قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمته وقال ابن حبان في الثقات
علقمة بن عبد الله بن عمرو بن هلال المزني أخو بكر بن عبد الله المزني روى عنه أهل البصرة
مات سنة مائة في خلافة عمر بن عبد العزيز وكذا قال البخاري في التاريخ الكبير وأبو حاتم وأبو
عبد الله بن مندة وأبو عمر بن عبد البر وغيرهم إنه أخو بكر بن عبد الله بن عمرو المزني وكذا
قال ابن عساكر في الأطراف وتبعه المؤلف وتردد هنا لما رواه الاجري عن أبي داود من أنه قيل لأبي
داود علقمة بن عبد الله هو أخو بكر بن عبد الله قال لا انتهى
قوله: (حدثنا الحسين بن علي بن الأسود البغدادي) العجلي أبو عبد الله الكوفي صدوق
يخطئ كثيرا لم يثبت أن أبا داود روى عنه من الحادية عشرة (حدثنا عمرو بن محمد العنقزي)
457

بفتح العين المهملة والقاف بينها نون ساكنة وبالزاي أبو سعيد الكوفي ثقة من التاسعة ووقع في
النسخة الأحمدية عمرو بن محمد بن العنقزي بزيادة لفظ ابن بين محمد والعنقزي وهو غلط
(حدثنا إسرائيل) هو ابن يونس (عن صالح بن رستم أبي عامر الخزاز) بمعجمات المزني مولاهم
البصري صدوق كثير الخطأ من السادسة
قوله: (لا يحقرن أحدكم شيئا من المعروف) قال الطيبي المعروف اسم جامع لكل ما
عرف من طاعة الله تعالى والإحسان إلى الناس وهو من الصفات الغالبة أي أمر معروف بين الناس
إذا رأوه لم ينكروه ومن المعروف النصفة وحسن الصحبة مع الأهل وغيرهم وتلقي الناس بوجه
طلق (وإن لم يجد) أي أحدكم شيئا من المعروف قوله (فليلق أخاه بوجه طلق) ضد العبوس وهو الذي
فيه البشاشة والسرور فإنه يصل إلى قلبه سرور ولا شك أن إيصال السرور إلى قلب مسلم
حسنة (وإذا اشتريت لحما أو طبخت قدرا) الظاهر أن أو للشك ويحتمل أن تكون للتنويع
والمعنى إذا طبخت لحما أو طبخت قدرا من غير اللحم كالسلق وغيره (وأغرق لجارك منه) أي
أعط غرفة منه لجارك قال في القاموس غرف الماء يغرفه ويغرفه أخذه بيده كاغترافه والغرفة
للمرة انتهى
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) قال الحافظ في الفتح أخرجه النسائي الترمذي
وصححه وكذلك ابن حبان
(باب ما جاء في فضل الثريد)
بفتح المثلثة وكسر الراء معروف وهو أن يثرد الخبز بمرق اللحم وقد يكون معه اللحم
458

ومن أمثالهم الثريد أحد اللحمين وربما كان أنفع وأقوى من نفس اللحم النضيج إذا ثرد
بمرقته
قوله: (كمل) بتثليث الميم قال في القاموس كمل كنصر وكرم وعلم كمالا وكمولا انتهى
أي صار كاملا أو بلغ مبلغ الكمال قوله (من الرجال كثير) أي كثيرون من أفراد هذا الجنس حتى صاروا
رسلا وأنبياء وخلفاء وعلماء وأولياء (ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة
فرعون) والتقدير إلا قليل منهن ولما كان ذلك القليل محصورا فيهما باعتبار الأمم السابقة نص
عليهما بخلاف الكمل من الرجال فإنه يبعد تعدادهم واستقصاؤهم بطريق الانحصار سواء أريد
بالكمل الأنبياء أو الأولياء قال الحافظ في الفتح استدل بهذا الحصر على أنهما نبيتان لأن أكمل
الانسان الأنبياء ثم الأولياء والصديقون والشهداء فلو كانتا غير نبيتين للزم أن لا يكون في النساء
ولية ولا صديقة ولا شهيدة والواقع أن هذه الصفات في كثير منهن موجودة فكأنه قال ولم ينبأ من
النساء إلا فلانة وفلانة ولو قال لم تثبت صفة الصديقية أو الولاية أو الشهادة إلا لفلانة وفلانة لم
يصح لوجود ذلك في غيرهن إلا أن يكون المراد في الحديث كمال غير الأنبياء فلا يتم الدليل على
ذلك لأجل ذلك انتهى
وقال الكرماني لا يلزم من لفظ الكمال ثبوت نبوتهما لأنه يطلق لتمام الشئ وتناهيه فيه بابه
فالمراد ببلوغهما إليه في جميع الفضائل التي للنساء قال وقد نقل الاجماع على عدم نبوة النساء كذا
قال وقد نقل عن الأشعري من النساء من نبئ وهن ست حواء وسارة وأم موسى وهاجر
وآسية ومريم والضابط عنده أن من جاءه الملك عن الله بحكم من أمر ونهى أو بإعلام مما سيأتي
فهو نبي وقد ثبت مجئ الملك لهؤلاء بأمور شتى من ذلك من عند الله عز وجل ووقع التصريح
بالإيحاء لبعضهن في القرآن وذكر ابن حزم في الملل والنحل أن هذه المسألة لم يحدث التنازع فيها
إلا في عصره بقرطبة وحكى عنهم أقوالا ثالثها الوقف قال: وحجة المانعين قوله تعالى (وما
أرسلنا من قبلك الا رجالا) قال: وهذا لا حجة فيه فإن أحدا لم يدع فيهن الرسالة وإنما الكلام
في النبوة فقط قال وأصرح ما ورد في ذلك قصة مريم وفي قصة أم موسى ما يدل على ثبوت
ذلك لها من مبادرتها بإلقاء ولدها في البحر بمجرد الوحي إليها بذلك قال وقد قال الله تعالى بعد
أن ذكر مريم والأنبياء بعدها أولئك الذي أنعم عليهم من النبيين فدخلت في عمومه والله
459

تعالى أعلم وقال القرطبي الصحيح أن مريم نبية لأن الله تعالى أوحى إليها بواسطة الملك وأما
آسية فلم يرد ما يدل على نبوتها كذا في الفتح (وفضل عائشة على النساء) أي على جنسهن من
نساء الدنيا جميعهن أو على نساء الجنة أو على نساء زمانها أو على نساء هذه الأمة (كفضل الثريد
على سائر الطعام) قال الحافظ ليس فيه تصريح بأفضلية عائشة رضي الله تعالى عنها على غيرها
لأن فضل الثريد على غيره من الطعام إنما هو لما فيه من تيسير المؤنة وسهولة الإساغة وكان أجل
أطعمتهم يومئذ وكل هذه الخصال لا تستلزم ثبوت الأفضلية له من كل جهة فقد يكون
مفضولا بالنسبة لغيره من جهات أخرى ويأتي بقية الكلام في هذا في فضل عائشة من أبواب
المناقب
قوله (وفي الباب عن عائشة وأنس) أما حديث عائشة فأخرجه النسائي في عشرة النساء
وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي في المناقب.
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري في كتاب الأنبياء وفي فضل عائشة
وفي الأطعمة وأخرجه مسلم في الفضائل والنسائي في المناقب وفي عشرة النساء وابن ماجة في
الأطعمة
(باب ما جاء أنه قال انهسوا اللحم نهسا)
قوله: (عن عبد الله بن الحارث) بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي أبو محمد
المدني أمير البصرة له رواية ولأبيه وجده صحبة قال ابن عبد البر أجمعوا على توثيقه كذا في
التقريب
قوله: (انهسوا اللحم نهسا) بالسين المهملة وفي بعض النسخ انهشوا اللحم نهشا
460

بالشين المعجمة قال في القاموس نهس اللحم كمنع وسمع أخذه بمقدم أسنانه ونتفه وقال في
باب الشين المعجمة نهشه كمنعه نهسه ونسعه وعضه أو أخذه بأضراسه وبالسين أخذه بأطراف
الأسنان انتهى وقال الحافظ في الفتح النهش بفتح النون وسكون الهاء بعدها شين معجمة أو
مهملة وهما بمعنى عند الأصمعي وبه جزم الجوهري وهو القبض على اللحم بالفم وإزالته عن
العظم أو غيره وقيل بالمعجمة هذا وبالمهملة تناوله بمقدم الفم وقيل النهس بالمهملة القبض على
اللهم ونتره عند الأكل انتهى (فإنه) أي النهس (أهنأ) من الهنئ وهو اللذيذ الموافق للغرض
(وأمرأ) من الاستمراء وهو ذهاب كظة الطعام وثقله ويقال هنأ الطعام ومرأ إذا كان سائغا أو
جاريا في الحلق من غير تعب قال الحافظ في الفتح قال شيخنا يعني الحافظ العراقي الأمر فيه
محمول على الإرشاد فإنه علله بكونه أهنأ وأمرأ أي أشد هنأ ومراءة ويقال هنئ صار هنيئا
ومرئ صار مريئا وهو أن لا يثقل على المعدة وينهضم عنها قال ولم يثبت النهي قطع
اللحم بالسكين بل ثبت الحز من الكتف فيختلف باختلاف اللحم كما إذا عسر نهشه بالسن قطع
بالسكين وكذا إذا لم تحضر السكين وكذا يختلف بحسب العجلة والتأني انتهى
قوله: (وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة) أما حديث عائشة فأخرجه أبو داود والبيهقي في
شعب الإيمان عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقطعوا اللحم بالسكين فإنه من صنع الأعاجم
وانهسوه فإنه أهنأ وأمرا قال أبو داود وليس هو بالقوي وقال المنذري في إسناده أبو معشر
السدي المدني واسمه نجيح وكان يحيى بن سعيد القطان لا يحدث عنه ويستضعفه جدا ويضحك
إذا ذكره غيره وتكلم فيه غير واحد من الأئمة وقال أبو عبد الرحمن النسائي أبو معشر له
أحاديث مناكير منها هذا ومنها عن أبي هريرة ما بين المشرق والمغرب قبله وأما حديث أبي
هريرة فأخرجه الترمذي في الباب الآتي بعد باب
قوله: (هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث عبد الكريم) وأخرجه أحمد والحاكم
461

(باب ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الرخصة في قطع اللحم بالسكين)
وفيه لغة أخرى وهي السكينة والأول أشهر قال الجوهري السكين يذكر ويؤنث والغالب
عليه التذكير انتهى ويقال له بالفارسية كارد
قوله: (عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري) المدني وهو أخو عبد الملك ابن مروان من
الرضاعة ثقة من الثالثة (عن أبيه) أي عمرو بن أمية بن خويلد ابن عبد الله الضمري صحابي
مشهور أول مشاهده ببر معونة مات في خلافة معاوية
قوله: (احتز) أي قطع بالسكين قال في النهاية هو افتعل من الحز القطع ومنه الحزة وهي
القطعة من اللحم وغيره وقيل الحز القطع في الشئ من غير إبانة يقال حززت العود احزه حزا
انتهى (من كتف شاة) قال في القاموس الكتف كفرح ومثل وجبل انتهى (ثم مضى إلى الصلاة
ولم يتوضأ) وفي رواية البخاري في الأطعمة فدعى إلى الصلاة فألقاها والسكين التي يحتز بها ثم
قام فصلى ولم يتوضأ قال العيني في العمدة فيه جواز قطع اللحم بالسكين وقال ابن حزم:
وقطع اللحم بالسكين للأكل حسن ولا يكره أيضا قطع الخبز بالسكين إذ لم يأت نهى صريح عن
قطع الخبز وغيره بالسكين فإن قلت روى الطبراني عن ابن عباس وأم سلمة رضي الله تعالى
عنهم: لا تقطعوا الخبز بالسكين كما تقطعه الأعاجم وإذا أراد أحدكم أن يأكل اللحم فلا يقطعه
بالسكين ولكن ليأخذه بيده فلينهسه بفيه فإنه أهنأ وأمرأ، وروى أبو داود من رواية أبي معشر عن
هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقطعوا
اللحم بالسكين فإنه من صنيع الأعاجم فانهسوه فإنه أهنأ وأمرا قلت في سند حديث الطبراني
عباد بن كثير الثقفي وهو ضعيف وحديث أبي داود قال النسائي أبو معشر له أحاديث مناكير منها
هذا وقال ابن عدي لا يتابع عليه هو ضعيف انتهى كلام العيني بلفظه
462

قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري في الطهارة والصلاة والجهاد
والأطعمة وأخرجه النسائي في الوليمة وابن ماجة في الطهارة
قوله: (وفي الباب عن المغيرة بن شعبة) قال الحافظ في الفتح أخرج أصحاب السنن
الثلاثة من حديث المغيرة بن شعبة بت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يحز لي من جنب حتى أذن بلال
فطرح السكين وقال ماله تربت يداه
(باب ما جاء أي اللحم كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)
قوله: (حدثنا واصل بن عند الأعلى) الأسد الكوفي (حدثنا محمد بن الفضيل) هو الضبي
الكوفي (عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير) بن عبد الله البجلي الكوفي قيل اسمه هرم وقيل
عمرو وقيل عبد الله وقيل عبد الرحمن وقيل جرير ثقة من الثالثة
قوله: (فدفع إليه الذراع) قال في القاموس الذراع بالكسر من طرف المرفق إلى طرف
الأصبع الوسطى والساعد وقد يذكر فيهما والجمع أذرع وذرعان بالضم ومن يدي البقر والغنم
فوق الكراع ومن يد البعير فوق الوظيف وكذلك من الخيل والبغال والحمير انتهى (وكان) أي
الذراع (يعجبه) أي يروقه وهو يستحسنه ويحبه قال النووي محبته صلى الله عليه وسلم للذراع لنضجها وسرعة
استمرارها مع زيادة لذتها وحلاوة مذاقها وبعدها عن مواضع الأذى (فنهس منها) أي من
الذراع قيل استحب النهس للتواضع وعدم التكبر ولأنه أهنأ وأمرأ كما مر في حديث صفوان بن
أمية
قوله: (وفي الباب عن ابن مسعود وعائشة وعبد الله بن جعفر وأبي عبيدة) أما حديث ابن
463

مسعود فأخرجه أبو داود والنسائي عنه قال كان أحب العراق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عراق الشاة
قال في القاموس العراق وكغراب العظم أكل لحمه جمعه ككتاب وغراب نادر أو العرق العظم
بلحمه فإذا أكل لحمه فعراق أو كلاهما لكليهما انتهى وأما حديث عائشة فأخرجه الترمذي
بعد هذا وأما حديث عبد الله بن جعفر فأخرجه أحمد وابن ماجة والحاكم والبيهقي عنه أنه سمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والقوم يلقون لرسول الله صلى الله عليه وسلم اللحم يقول أطيب اللحم لحم الظهر وأما
حديث أبي عبيدة فلينظر من أخرجه
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه ابن ماجة
قوله: (حدثنا يحيى بن عباد أبو عباد) الضبعي البصري نزيل بغداد صدوق من التاسعة
(حدثنا فليح بن سليمان) هو المدني (عن عبد الوهاب بن يحيى من ولد عباد الخ) قال في التقريب
عبد الوهاب بن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير مقبول من الخامسة
قوله: (ولكن كان لا يجد اللحم إلا غبا) بكسر الغين المعجمة وشدة الموحدة قال في
المجمع لا يأكلون اللحم إلا غبا أي لا يديمون على أكله وهو في أوراد الإبل أن تشرب يوما
وتدعه يوما وفي غيره أن تفعل الشئ يوما وتدعه أياما انتهى (فكان يعجل) بصيغة المجهول
من التعجيل أي فكان يعجل في تقديم الذراع وإحضاره إليه (إليه) صلى الله عليه وسلم (لأنه) أي لأن لحم الذراع
(أعجلها) أي أعجل اللحوم (نضجا) قال في القاموس نضج التمر واللحم كسمع نضجا
ونضجا أدرك انتهى قيل كون الذراع أعجل اللحوم نضجا أحد وجوه الاعجاب فلا مخالفة بين
هذا الحديث وبين حديث أبي هريرة المتقدم
464

(باب ما جاء في الخل)
قوله: (حدثنا الحسن بن عروة) هو العبدي البغدادي (حدثنا مبارك بن سعيد أخو سفيان
الخ) قال في التقريب مبارك بن سعيد بن مسروق الثوري الأعمى أبو عبد الرحمن الكوفي نزيل
بغداد صدوق من الثامنة انتهى وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى عن أبيه وأخويه
سفيان وعمر وغيرهم وعنه الحسن ابن عرفة وغيره
قوله: (نعم الإدام الخل) قال النووي الإدام بكسر الهمزة ما يؤتدم به يقال أدم الخبز يأدمه
بكسر الدال وجمع الإدام أدم بضم الهمزة والدال كإهاب وأهب وكتاب وكتب والأدم بإسكان
الدال مفرد كإدام انتهى وقال في النهاية الإدام بالكسر والأدم بالضم ما يؤكل مع الخبز أي شئ
كان انتهى قال الخطابي معنى الحديث مدح الاقتصار في المأكل ومنع النفس عن ملاذ الأطعمة
كأن يقول ائتدموا بالخل وما كان في معناه مما تخف مؤنته ولا يعز وجوده ولا تتأنقوا في الشهوات
فإنها مفسدة للدين مسقمة للبدن وذكر النووي كلام الخطابي هذا ثم قال والصواب الذي
ينبغي أن يجزم به أنه مدح للخل نفسه وأما الاقتصار في المطعم وترك الشهوات فمعلوم من
قواعد أخر انتهى
قوله: (حدثنا عبدة بن عبد الله الخزاعي) الصفار أبو سهل البصري كوفي الأصل ثقة من
الحادية عشرة (حدثنا معاوية بن هشام) القصار أبو الحسن الكوفي مولى بني أسد صدوق أوهام
من صغار التاسعة (عن محارب بن دثار) قال في التقريب محارب بضم أوله وكسر الراء بن دثار
بكسر المهملة وتخفيف المثلثة السدوسي الكوفي القاضي ثقة إمام زاهد من الرابعة
قوله: (وفي الباب عن عائشة وأم هانئ) أخرجهما الترمذي بعد هذا
قوله: (وهذا أصح الخ) والحديث أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة
465

قوله: (حدثنا يحيى بن حسان) هو التنيسي (أخبرنا سليمان بن بلال) هو التميمي
قوله: (نعم الادام الخل) فيه فضيلة الخل وأنه يسمى أدما وأنه أدم فاضل جيد
قوله: (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) هو الدارمي
قوله: (هذا حديث حسن صحيح غريب الخ) وأخرجه مسلم
قوله: (حدثنا أبو كريب) اسمه محمد بن العلاء (حدثنا أبو بكر بن عياش) هو الأسدي
الكوفي (عن أبي حمزة) الثمالي بضم المثلثة اسمه ثابت بن أبي صفية كوفي ضعيف رافضي من
الخامسة مات في خلافة أبي جعفر
قوله: (هل عندكم شئ) أي مما يؤكل (فقلت لا) أي لا شئ عندنا (إلا كسر) بكسر
الكاف وفتح السين المهملة جمع كسرة وهي القطعة من الشئ المكسور والمراد هنا كسر الخبز وفي
المشكاة إلا خبز يابس (يابسة) صفة (وخل) عطف على كسر قيل المستثنى منه محذوف والمستثنى
بدل منه ونظيره في الصحاح قول عائشة إلا شئ بعثت به أم عطية قال المالكي فيه شاهد على
إبدال ما بعد إلا من يحذف لأن الأصل لا شئ عندنا إلا شئ بعثت به أم عطية (قريبة) أي
أحضري ما عندك (فما أقفر) بالقاف قبل الفاء (بيت من أدم) متعلق بأقفر وقوله (فيه خل) صفة
466

بيت قال الجزري في النهاية أي ما خلا من الادام ولا عدم أهله الأدم والقفار الطعام بلا أدم
وأقفر الرجل إذا أكل الخبز وحده من القفر والقفار وهي الأرض الخالية التي لا ماء بها انتهى
فإن قلت لفظ بين موصوف وفيه خل صفته ووقع بينهما الفصل بقوله ن أدم وهو
أجنبي عنهما والفصل بين الموصوف وصفته بالأجنبي لا يجوز
قلت: قال القاري في المرقاة يمكن أن يقال إنه حال على تقدير الموصوف أي بيت من
البيوت كذا قاله الطيبي وفي شرح المفتاح للسيد في بحث الفصاحة أنه يجوز الفصل بين الصفة
والموصوف وأن يجئ الحال عن النكرة العامة بالنفي ولا يحتاج إلى تقديره الصفة وقال ابن
حجر: هو صفة بيت ولم يفصل بينهما بأجنبي من كل وجه لأن أقفر عامل في بيت وصفته وفيما
فصل بينهما انتهى
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الطبراني في الكبير وأبو في الحلية
(باب ما جاء في أكل البطيخ بالرطب)
البطيخ بكسر الموحدة وتشديد الطاء المهملة المكسورة بالفارسية خربزة وبالهندية خربوزه
والرطب بضم الراء وفتح الطاء وفتح الطاء نضيج البسر
قوله: (كان يأكل البطيخ بالرطب) زاد أبو داود في روايته يقول نكسر حر هذا ببرد هذا
وبرد هذا بحر هذا قال الحافظ في الفتح وقع في رواية الطبراني كيفية أكله لهما فأخرج في الأوسط
وهو في الطب لأبي نعيم من حديث أنس كان يأخذ الرطب بيمينه والبطيخ بيساره فيأكل الرطب
بالبطيخ وكان أحب الفاكهة إليه، وسنده ضعيف واخرج النسائي بسند صحيح عن حميد عن
أنس: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرطب والخزير وهو بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء
وكسر الموحدة بعدها زاي نوع من البطيخ الأصفر وفي هذا تعقب على من زعم أن المراد بالبطيخ
في الحديث الأخضر واعتل بأن في الأصفر حرارة كما في الرطب وقد ورد تعليل بأن أحدهما
467

يطفئ حرارة الاخر والجواب عن ذلك بأن في الأصفر بالنسبة للرطب برودة وإن كان فيه
لحلاوته طرف حرارة انتهى وقيل أراد قبل أن ينضج البطيخ ويصير حلوا فإنه بعد نضجه حار
وقبله بارد انتهى قال الخطابي فيه إثبات الطب والعلاج ومقابلة الشئ الضار بالشئ المضاد له
في طبعه على مذهب الطب والعلاج
قوله: (وفي الباب عن أنس) تقدم تخريجه في كلام الحافظ
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود والنسائي والبيهقي في السنن الكبرى
قال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد جاء في البطيخ عدة أحاديث لا يصح منها شئ غير هذا
الحديث الواحد (وقد روى يزيد بن رومان) المدني مولى آل الزبير ثقة من الخامسة وروايته عن
أبي هريرة مرسلة كذا في التقريب
(باب ما جاء في أكل القثاء بالرطب)
قال في المصباح القثاء بكسر القاف وتشديد الثاء المثلثة ويجوز ضم القاف وهو اسم
جنس لما يقوله الناس الخيار وبعض الناس يطلق القثاء على نوع يشبه الخيار وهو مطابق لقول
الفقهاء: لو حلف لا يأكل الفاكهة حنث بالقثاء والخيار وهو يقتضي أن يكون نوعا غيه فتفسير
القثاء بالخيار تسامح انتهى
قوله: (حدثنا إبراهيم بن سعد) هو الزهري أبو إسحاق المدني (عن أبيه) أي سعد بن
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن عبد الله بن جعفر) بن أبي طالب الهاشمي (كان النبي صلى الله عليه وسلم
يأكل القثاء بالرطب) وقع في رواية الطبراني صفة أكله لهما فأخرج في الأوسط من حديث
عبد الله بن جعفر قال رأيت في يمين النبي صلى الله عليه وسلم قثاء وفي شماله رطبا وهو يأكل من ذا مرة ومن
468

ذا مرة وفي سنده ضعف كذا في الفتح قال النووي فيه جواز أكلهما معا والتوسع في الأطعمة
ولا خلاف بين العلماء في جواز هذا وما نقل عن بعض السلف من خلاف هذا فمحمول على
كراهة اعتياد التوسع والترفه والإكثار منه لغير مصلحة دينية انتهى
وقال القرطبي يؤخذ من هذا الحديث جواز مراعاة صفات الأطعمة وطبائعها واستعمالها
على الوجه الأليق بها على قاعدة الطب لأن في الرطب حرارة وفي القثاء برودة فإذا أكلا معا اعتدلا
وهذا أصل كبير في المركبات من الأدوية ومن فوائد أكل هذا المركب المعتدل تعديل المزاج
وتسمين البدن كما أخرجه ابن ماجة من حديث عائشة أنها قالت أرادت أمي أن تهيئني للسمن
لتدخلني على النبي صلى الله عليه وسلم فما استقام لها ذلك حتى أكلت الرطب بالقثاء فسمنت كأحسن السمن
انتهى
قوله: (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجة
وأبو يعلى
(باب ما جاء في شرب أبوال الإبل)
قوله: (أن ناسا من عرينة الخ) تقدم هذا الحديث في باب ما جاء في بول ما يؤكل لحمه
بإسناده ومتنه وتقدم هناك شرحه
469

(باب الوضوء قبل الطعام وبعده)
قوله: (حدثنا يحيى بن موسى) هو البلخي (حدثنا عبد الله بن نمير) هو الهمداني أبو هشام
الكوفي (حدثنا قيس بن الربيع) هو الأسدي أبو محمد الكوفي (حدثنا عبد الكريم) بن محمد
الجرجاني القاضي مقبول من التاسعة مات قديما في حدود الثمانين ومائة كذا في التقريب (عن أبي
هاشم) الرماني الواسطي اسمه يحيى بن دينار وقيل ابن الأسود وقيل ابن نافع ثقة من السادسة
(عن زاذان) هو أبو عمر الكندي البزار (عن سلمان) أي الفارسي رضي الله تعالى عنه
قوله: (قرأت في التوراة) أي قبل الاسلام (أن بركة الطعام) بفتح أن ويجوز كسرها
(الوضوء) أي غسل اليدين والفم من الزهومة إطلاقا للكل على الجزء مجازا أو بناء على المعنى
اللغوي والعرفي (بعده) أي بعد أكل الطعام (فذكرت ذلك) المقروء المذكور (وأخبرته بما قرأت في
التوراة) هو عطف تفسيري ويمكن أن يكون المراد بقوله فذكرت أي سألت هل بركة الطعام
الوضوء بعده والحال أني أخبرته بما قرأته في التوراة من الاختصار على تقييد الوضوء بما بعده (بركة
الطعام الوضوء قبله) تكريما له (والوضوء بعده) إزالة لما لصق قال القاري وهذا يحتمل منه صلى الله عليه وسلم
أن يكون إشارة إلى تحريف ما في التوراة وأن يكون إيماء إلى أن شريعته زادت الوضوء قبله أيضا
استقبالا للنعمة بالطهارة المشعرة للتعظيم على ما ورد بعثت لأتمم مكارم الأخلاق وبهذا يندفع
ما قاله الطيبي من أن الجواب من أسلوب الحكيم قال والحكمة في الوضوء أولا أيضا أن الأكل
بعد غسل اليدين يكون أهنأ وأمرأ ولأن اليد لا تخلو عن التلوث في تعاطي الأعمال فغسلها أقرب
إلى النظافة والنزاهة ولأن الأكل يقصد به الاستعانة على العبادة فهو جدير بأن يجري مجرى
الطهارة من الصلاة فيبدأ بغسل اليدين والمراد من الوضوء الثاني غسل اليدين والفم من
الدسومات قال صلى الله عليه وسلم من بات وفي يده غمر ولم يغسله فأصابه شئ فلا يلومن إلا نفسه أخرجه
الترمذي قيل ومعنى بركة الطعام من الوضوء قبله النمو والزيادة فيه نفسه وبعده النمو والزيادة
470

في فوائدها واثارها بأن يكون سببا لسكون النفس وقرارها وسببا للطاعات وتقوية للعبادات
وجعله نفس البركة للمبالغة وإلا فالمراد أنها تنشأ عنه انتهى
قوله: (وفي الباب عن أنس وأبي هريرة) أما حديث أنس فأخرجه عنه ابن ماجة قال حدثنا
جبارة بن المغلس حدثنا كثير بن سليم سمعت أنس بن مالك يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من
أحب أن يكثر الله خير بيته فليتوضأ إذا حضر غذاؤه وإذا رفع وهو من ثلاثيات ابن ماجة وجبارة
وكثير كلاهما ضعيفان وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في آخر الأطعمة وأخرج ابن
ماجة عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج من الغائط فأتى بطعام فقال رجل يا رسول الله ألا آتيك
بوضوء قال أأريد الصلاة
قوله: (لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث قيس بن الربيع) وأخرجه أحمد وأبو داود
والحاكم (وقيس يضعف في الحديث) قال المنذري بعد نقل كلام الترمذي هذا قيس بن الربيع
صدوق وفيه كلام لسوء حفظه لا يخرج الاسناد عن حد الحسن انتهى (وأبو هاشم الرماني) بضم
الراء وتشديد الميم وكان نزل قصر الرمان كذا في الخلاصة
(باب في ترك الوضوء قبل الطعام)
قوله: (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) هو المعروف بابن علية (عن أيوب) هو السختياني (عن
ابن أبي مليكة قال في التقريب عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة) بالتصغير ابن عبد الله بن
جدعان قال اسم أبي مليكة زهير التيمي المدني أدرك ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثقة فقيه من
الثالثة انتهى
قوله: (خرج من الخلاء) بفتح الخاء ممدودا المكان الخالي وهو هنا كناية عن موضع قضاء
الحاجة (فقالوا) أي بعض الصحابة رضي الله عنهم (ألا تأتيك بوضوء) بفتح الواو أي ماء يتوضأ
471

به ومعنى الاستفهام على العرض نحو ألا تنزل عندنا والمعنى ألا تتوضأ في رواية ظنا منهم
أن الوضوء واجب قبل الأكل (قال إنما أمرت) أي وجوبا (بالوضوء) أي بعد الحدث (إذا قمت
إلى الصلاة) أي أردت القيام لها وهذا باعتبار الأعم الأغلب وإلا فيجب الوضوء عند سجدة
التلاوة ومن الصحف وحال الطواف وكأنه صلى الله عليه وسلم علم من السائل أنه اعتقد أن الوضوء الشرعي
قبل الطعام واجب مأمور به فنفاه على طريق الأبلغ حيث أتى بأداة الحصر وأسند الأمر لله تعالى
وهو لا ينافي جوازه بل استحبابه فضلا عن استحباب الوضوء العرفي سواء غسل يديه عند شروعه
في الأكل أم لا والأظهر أنه ما غسلهما لبيان الجواز مع أنه أكد لنفي الوجوب المفهوم من جوابه
صلى الله عليه وسلم وفي الجملة لا يتم استدلال من احتج به على نفي الوضوء مطلقا قبل الطعام مع أن في نفس
السؤال إشعارا بأنه كان الوضوء عند الطعام من دأبه عليه السلام وإنما نفى الوضوء الشرعي
فبقي الوضوء العرفي على حاله ويؤيده المفهوم أيضا فمع وجود الاحتمال سقط الاستدلال كذا
قال القاري في المرقاة
قلت: وفي بعض كلامه نظر كما لا يخفي
قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي (وقد رواه عمرو بن دينار
عن سعيد بن الحويرث) ويقال ابن أبي الحويرث المكي مولى السائب ثقة من الرابعة (عن ابن
عباس) أخرجه مسلم في صحيحه بهذا الطريق (وقال علي بن المديني قال يحيى بن سعيد كان
سفيان الثوري يكره الخ) قال النووي في شرحه حديث ابن عباس المراد بالوضوء الوضوء
الشرعي وحمله القاضي عياض على الوضوء اللغوي وجعل المراد غسل الكفين وحكى اختلاف
العلماء في كراهة غسل الكفين قبل الطعام واستحبابه وحكى الكراهة عن مالك والثوري
والظاهر ما قدمناه أن المراد الوضوء الشرعي انتهى وقال الحافظ بن القيم في حاشية السنن في
هذه المسألة قولان لأهل العلم أحدهما يستحب غسل اليدين عند الطعام والثاني لا يستحب
وهما في مذهب أحمد وغيره الصحيح أنه لا يستحب وقال الشافعي في كتابه الكبير باب ترك
غسل اليدين قبل الطعام ثم ذكر من حديث بن جريج عن سعيد بن الحويرث عن ابن عباس
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبرز ثم خرج فطعم ولم يمس ماء وإسناده صحيح ثم قال غسل الجنب يده إذ طعم
472

وساق من حديث الزهري عن أبي سلمة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو
جنب توضأ وضوءه للصلاة وإذا أراد أن يأكل غسل يديه وهذا التبويب والتفصيل في المسألة هو
الصواب وقال الخلال في الجامع عن مهنا قال سألت أحمد عن حديث قيس بن الربيع عن أبي
هاشم عن زاذان عن سلمان فذكر الحديث فقال أبو عبد الله هو منكر فقلت ما حدث هذا إلا
قيس بن الربيع قال لا وسألت يحيى بن معين وذكرت له حديث قيس بن الربيع فقال لي
يحيى بن معين ما أحسن الوضوء قبل الطعام وبعده فقلت له بلغني عن سفيان الثوري أنه
كان يكره الوضوء قبل الطعام قال مهنا سألت أحمد قلت بلغني عن يحيى بن سعيد أنه قال
كان سفيان يكره غسل اليد عند الطعام قلت لم كره سفيان ذلك قال لأنه من زي العجم
وضعف أحمد حديث قيس بن الربيع قال الخلال وأنبأنا أبو بكر المروزي قال رأيت أبا
عبد الله يغسل يديه قبل الطعام وبعده وإن كان على وضوء انتهى كلام ابن القيم
(باب ما جاء في أكل الدباء)
بضم الدال وتشديد الموحدة والمد وقد يقصر القرع والواحدة دباءة ويقال له بالفارسية
والهندية كدو وقيل هو خاص بالمستدير من القرع
قوله: (حدثنا الليث) هو ابن سعد (عن معاوية بن صالح) بن حدير الحضرمي (عن أبي
طالوت) الشامي مجهول من الخامسة قاله في التقريب وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى
عن أنس في أكل القرع وعنه معاوية بن صالح الحضرمي قال الذهبي لا يدري من هو انتهى
قوله: (وهو يأكل القرع) بفتح القاف وسكون الراء (يا لك) اللام للتعجب (شجرة)
بالنصب على التمييز (ما أحبك) صيغة التعجب
قوله: (وفي الباب عن حكيم بن جابر عن أبيه) قال الحافظ في الفتح أخرج الترمذي
والنسائي وابن ماجة من طريق حكيم بن جابر عن أبيه قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته
وعنده هذا الدباء فقلت ما هذا قال القرع وهو الدباء نكثر منه طعامنا انتهى
473

قوله: (هذا حديث غريب من هذا الوجه) وفي سنده أبو طالوت وهو مجهول كما عرفت
قوله: (حدثنا محمد بن ميمون) الخياط البزار أبو عبد الله المكي أصله من بغداد صدوق
ربما أخطأ من العاشرة
قوله: (يتتبع) أي يتطلب (في الصحفة) وفي رواية الشيخين يتتبع الدباء من حوالي القصعة
أي جوانبها والقصعة بفتح القاف ما يشبع عشرة أنفس والصحفة ما يشبع خمسة أنفس (فلا
أزال أحبه) قال النووي في الحديث فضيلة أكل الدباء وأنه يستحب أن يحب الدباء وكذلك كل
شئ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه وأنه يحرص على تحصيل ذلك وأما تتبع الدباء من حوالي الصحفة
يحتمل وجهين أحدهما من حوالي جانبه وناحية من الصحفة لا من حوالي جميع جوانبها فقد أمر
بالأكل مما يلي الانسان والثاني أن يكون من جميع جوانبها وإنما نهى ذلك لئلا يتقذره جليسه
ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتقذره أحد بل يتبركون باثاره صلى الله عليه وسلم فقد كانوا يتبركون ببصاقه صلى الله عليه وسلم ونخامته
ويدلكون بذلك وجوههم وشرب بعضهم بوله وبعضهم دمه وغير ذلك مما هو معروف من
عظيم اعتنائهم باثاره صلى الله عليه وسلم التي يخالفه فيها غيره
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي
(باب ما جاء في أكل الزيت)
قوله: (حدثنا يحيى بن موسى) هو البلخي (حدثنا عبد الرزاق) هو الحميري مولاهم أبو
بكر الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد الأزدي
474

قوله (كلوا الزيت) أي مع الخبز واجعلوه إداما فلا يرد أن الزيت مائع فلا يكون تناوله
أكلا (وأدهنوا به) أمر من الادهان بتشديد الدال وهو استعمال الدهن فنزل منزله اللازم (فإنه) أي
الزيت يحصل (من شجره مباركة) يعني (زيتونة لا شرقية ولا غريبة يكاد زيتها يضئ ولو لم
تمسسه نار نور على نور) ثم وصفتها بالبركة لكثرة منافعها وانتفاع أهل الشام بها كذا قيل
والأظهر لكونها تنبت في الأرض التي بارك الله فيها للعالمين قيل بارك فيها سبعون نبيا منهم
إبراهيم عليه السلام وغيرهم ويلزم من بركة هذه الشجرة بركة ثمرتها وهي الزيتون وبركة ما
يخرج منها وهو الزيت كذا في المرقاة
قوله: (هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث عبد الرزاق عن معمر) وأخرجه بن ماجة
(وكان عبد الرزاق يضطرب في رواية هذا الحديث) قال المنذري في الترغيب بعد نقل كلام
الترمذي هذا ما لفظه ورواه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين وهو كما قال انتهى
قوله: (حدثنا أبو داود سليمان بن معبد) بن كوسجان السنجي ثقة صاحب
حديث رحال أديب من الحادية عشرة
قوله: (وأبو نعيم) اسمه الفضل بن دكين (حدثنا سفيان) هو الثوري (عن عبد الله بن
عيسى) بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي ثقة فيه تشيع من السادسة (عن رجل يقال
له عطاء من أهل الشام) قال الحافظ في التقريب عطاء الشامي أنصاري سكن الساحل مقبول
475

من الرابعة انتهى وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى عن أبي أسيد بن ثابت الأنصاري
عن النبي صلى الله عليه وسلم كلوا الزيت وادهنوا به وعنه عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى
ذكره ابن حبان في الثقات قال البخاري لم يقم حديثه وذكره العقيلي في الضعفاء انتهى (عن أبي
أسيد) قال في التقريب أبو أسيد بن ثابت الأنصاري المدني صحابي قيل اسمه عبد الله له
حديث والصحيح فيه فتح الهمزة قاله الدارقطني انتهى
قوله: (فإنه) أي فإن ما يخرج منه الزيت (شجرة مباركة) أي كثيرة المنافع
قوله: (هذا حديث غريب الخ) وأخرجه أحمد والحاكم وقال صحيح الاسناد
(باب ما جاء في الأكل مع المملوك والعيال)
قوله: (عن أبيه) أي أبي خالد البجلي الأحمسي اسمه سعد أو هرمز أو كثير مقبول من
الثالثة.
قوله: (ذلك) وفي بعض النسخ بذلك وهذا اللفظ لا وجه لذكره ههنا كما لا يخفى (إذا
كفا أحدكم) بالنصب (خادمه) بالرفع، والخادم يطلق على الذكر والأنثى أعم من أن يكون رقيقا
أو حرا (طعامه) يعني إذا قام خادم أحدكم مقامه في صنع الطعام وتحمل مشقته من كفاه الأمر إذا
قام به مقامه (حره ودخانه) بالنصب بدل من طعامه (فليأخذه بيده) أي بيد الخادم (فليقعد معه)
أمر من الاقعاد للاستحباب (فإن أبى) قال الحافظ فاعل أبي يحتمل أن يكون السيد والمعنى إذا
ترفع عن مؤاكلة غلامه ويحتمل أن يكون الخادم إذا تواضع عن مؤاكلة سيده ويؤيد الاحتمال
الأول أن في الأول رواية جابر عند أحمد أمرنا أن ندعوه فإن كره أحدنا أن يطعم معه فليطعمه في يده
وإسناده حسن انتهى (فليأخذ لقمة فليطعمه إياها) وفي رواية البخاري فليناوله أكلة أو أكلتين
476

قال الحافظ بضم الهمزة أي اللقمة أو للتقسيم بحسب حال الطعام و حال الخادم وفي رواية
مسلم تقييد ذلك بما إذا كان الطعام قليلا ولفظه فإن كان الطعام مشفوها قليلا ومقتضى ذلك أن
الطعام إذا كان كثيرا فإما أن يقعده معه وإما أن يجعل حظه منه كثيرا انتهى قال النووي في هذا
الحديث الحث على مكارم الأخلاق والمواساة في الطعام لا سيما في حق من صنعه أو حمله لأنه ولى
حره ودخانه وتعلقت به نفسه وشم رائحته وهذا كله محمول على الاستحباب انتهى
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود وابن ماجة
(باب ما جاء في فضل إطعام الطعام)
قوله: (حدثنا يوسف بن حماد) هو المعنى البصري (حدثنا عثمان بن عبد الرحمن الجمحي)
البصري ليس بالقوي من الثامنة كذا في التقريب وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته له عند
الترمذي حديث أبي هريرة أفشوا السلام وعند ابن ماجة حديث أنس صنعت أم سليم خبزة
انتهى (عن محمد بن زياد) هو الجمحي أبو الحارث البصري
قوله: (أفشوا السلام) أي أظهروه وعموا به الناس ولا تخصوا المعارف (وأطعموا الطعام)
أراد به قدرا زائدا على الواجب في الزكاة سواء فيه الصداقة والهدية والضيافة (واضربوا الهام)
رؤوس الكفار جمع هامة بالتخفيف الرأس (تورثوا) بصيغة المجهول (الجنان) التي وعد بها المتقون
لأن أفعالهم هذه لما كانت تخلف عليهم الجنان فكأنهم ورثوها
قوله: (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وابن عمر وأنس وعبد الله بن سلام وعبد
الرحمن بن عائش وشريح بن هانئ عن أبيه) أما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الترمذي في
477

هذا الباب وأما حديث ابن عمر فأخرجه ابن ماجة وأما حديث أنس فأخرجه البيهقي عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الصدقة أن تشبع كبدا جائعا وأما حديث عبد الله بن سلام
فأخرجه الترمذي قبل صفة أبواب الجنة وأما حديث عبد الرحمن بن عائش فأخرجه البغوي في
شرح السنة وذكره صاحب المشكاة في الفصل الثاني من باب المساجد ومواضع الصلاة وأما
حديث شريح بن هانئ عن أبيه فأخرجه الطبراني عنه أنه قال يا رسول الله أخبرني بشئ يوجب
لي الجنة قال طيب الكلام وبذل السلام وإطعام الطعام وأخرجه أيضا ابن حبان في حديث
والحاكم وصححه
قوله: (هذا حديث حسن صحيح غريب الخ) في سنده عثمان بن عبد الرحمن الجمحي
وهو ليس بالقوي كما قال الحافظ
قوله: (حدثنا أبو الأحوص) اسمه سلام بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي
قوله: (اعبدوا الرحمن) أي أفردوه بالعبادة (تدخلوا الجنة بسلام) أي فإنكم إذا فعلتم ذلك ومتم
عليه دخلتم الجنة آمنين لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) ذكره الحافظ المنذري في الترغيب ونقل تصحيح
الترمذي وأقره
(باب ما جاء في فضل العشاء)
بفتح العين بوزن سماء هو طعام العشي والعشي والعشية آخر النهار كذا في القاموس
قوله (حدثنا يحيى بن موسى) هو البلخي (حدثنا محمد بن يعلى الكوفي) السلمي لقبه
478

زنبور ضعيف من التاسعة (عن عبد الملك بن علاق) بمهملة مفتوحة ولا مثقلة مجهول من
الخامسة كذا في التقريب إعلم أنه وقع في التقريب والخلاصة علاق بالقاف ووقع في المغنى
وتهذيب التهذيب بالفاء ووقع في الميزان بالقاف وعلى هامشه بالفاء ولم يصرح واحد من أصحاب
هذه الكتب أنه بالقاف أو بالفاء فليحرر
قوله: (تعشوا) من التعشي وهو أكل طعام العشي (ولو بكف) أي بملء كف (من حشف)
بفتحتين أردأ التمر أو الضعيف لا نوى له أو اليابس الفاسد أي لا تتركوا العشاء ولو بشئ
حقير يسير (فإن ترك العشاء مهرمة) أي مظنة للهرم وهو الكبر قال القتيبي هذه الكلمة جارية
على ألسنة الناس ولست أدري أرسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدأها أم كانت تقل قبله كذا في النهاية وقال
المناوي بفتح الميم والراء أي مظنة للضعف والهرم لأن النوم مع خلو المعدة يورث تحليلا
للرطوبات الأصلية لقوة الهاضمة انتهى
قوله: (هذا حديث منكر لا نعرفه إلا من هذا الوجه وعنبسة بضعف في الحديث وعبد
الملك بن علاق مجهول) وفي محمد بن يعلى الكوفي وهو أيضا ضعيف والحديث تفرد به الترمذي
من بين أصحاب الكتب الستة
(باب ما جاء في التسمية على الطعام)
قال الحافظ في الفتح المراد بالتسمية على الطعام قول بسم الله في ابتداء الأكل وأصرح ما
ورد في صفة التسمية ما أخرجه أبو داود والترمذي من طريق أم كلثوم عن عائشة مرفوعا إذا أكل
أحدكم طعاما فليقل بسم الله فإن نسي فليقل بسم الله في أوله واخره وله شاهد من حديث
أمية بن مخشى عند أبي داود والنسائي وأما قول النووي في آداب الأكل من الأذكار صفة التسمية
من أهم ما ينبغي معرفته والأفضل أن يقول بسم الله الرحمن الرحيم فإن قال بسم الله كفاه
479

وحصلت السنة فلم أر لما ادعاه من الأصلية دليلا خاصا وأما ما ذكره الغزالي في آداب الأكل
من الاحياء أنه لو قال في كل لقمة بسم الله كان حسنا وأنه يستحب أن يقول مع الأولى بسم الله
ومع الثانية بسم الله الرحمن ومع الثالثة بسم الله الرحمن الرحيم فلم أر لاستحباب ذلك دليلا
والتكرار قد بين هو وجهه بقوله حتى لا يشغله الأكل عن ذكر الله انتهى كلام الحافظ
قوله: (حدثنا عبد الأعلى) هو ابن عبد الأعلى (عن عمر بن أبي سلمة) بن عبد الأسد
المخزومي ربيب النبي صلى الله عليه وسلم صحابي صغير أمه أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأمره علي على البحرين
ومات سنة ثلاث وثمانين على الصحيح كذا في التقريب
قوله: (أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده طعام قال أدن يا بني فسم الله وكل بيمينك وكل
مما يليك) أي مما يقربك لا من كل جانب وفي رواية الشيخين يقول كنت غلاما في حجر
رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا غلام سم الله
الحديث قال النووي فيه استحباب التسمية في ابتداء الطعام وهذا مجمع عليه وكذا
يستحب حمد الله تعالى في آخره كما سبق في موضعه وكذا تستحب التسمية في أول الشراب بل
في أول كل أمر ذي بال قال العلماء ويستحب أن يجهر بالتسمية ليسمع غيره وينبهه عليها ولو
ترك التسمية في أول الطعام عامدا أو ناسيا أو جاهلا أو مكرها أو عاجزا لعارض آخر ثم تمكن في
أثناء أكله منها استحب أن يسمي ويقول بسم الله أوله واخره والتسمية في شرب الماء واللبن
والعسل والمرق والدواء وسائر المشروبات كالتسمية على الطعام في كل ما ذكرناه وتحصل التسمية
بقوله بسم الله فإن قال بسم الله الرحمن الرحيم كان حسنا وسواء في استحباب التسمية
الجنب والحائض وغيرهما قال وفيه استحباب الأكل مما يليه لأنه أكله من موضع يد صاحبه سوء
عشرة وترك مروءة فقد يتقذره صاحبه لا سيما في الأمراق وشبهها وهذا في الثريد والأمراق
وشبهها فإن كان تمرا وأجناسا فقد نقلوا إباحة اختلاف الأيدي في الطبق ونحوه والذي ينبغي
تعميم النهي حملا للنهي على عمومه حتى يثبت دليل مخصص انتهى قال القاري سيأتي حديث
عكراش أنه صلى الله عليه وسلم قال في أكل التمر يا عكراش كل من حيث شئت فإنه من غير لون واحد
قلت حديث عكراش هذا أخرجه الترمذي بعد هذا وهو ضعيف جدا كما ستقف عليه
وقال الحافظ في نقل النووي الاجماع على استحباب التسمية على الطعام في أوله نظر إلا أن أريد
بالاستحباب أنه راجح الفعل وإلا فقد ذهب جماعة إلى وجوب ذلك وهو قضية القول بإيجاب
الأكل باليمين لأن صيغة الأمر بالجميع واحدة انتهى
480

قوله: (وقد روي عن هشام بن عروة عن أبي وجزة السعدي عن رجل من مزينة عن
عمر بن أبي سلمة) قال المنذري في تلخيص السنن بعد نقل كلام الترمذي هذا وأخرجه النسائي
أي كما ذكره الترمذي وقال النسائي هذا هو الصواب عندي والله أعلم (وقد اختلف أصحاب
هشام بن عروة في رواية هذا الحديث) قال الحافظ فكأن البخاري عرج عن هذه الطريق لذلك
انتهى وحديث عمر بن أبي سلمة أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة (أبو وجزة
السعدي الخ) قال في التقريب يزيد بن عبيد أبو وجزة بفتح الواو وسكون الجيم بعدها زاي
السعدي المدني الشاعر ثقة من الخامسة
قوله: (حدثنا العلاء بن الفضل بن عبد الملك بن أبي السوية أبو الهذيل المنقري البصري
ضعيف من صغر التاسعة حدثني عبيد الله بن عكراش بكسر المهملة وسكون الكاف وآخره
معجمة ابن ذؤيب التميمي قال البخاري لا يثبت حديثه من الثالثة كذا في التقريب عن أبيه
عكراش بن ذؤيب بمضمومة وبمثناة تحت وبموحدة تصغير ذئب السعدي صحابي قليل الحديث
عاش مائة سنة
قوله: (فأتينا) أي جئ لنا بجفنة بفتح جيم فسكون فاء أي قصعة كثيرة الثريد والوذر
بفتح الواو وسكون الذال المعجمة جمع وذرة وهي قطع من اللحم لا عظم فيها على ما في الفائق
وغيره وفي القاموس الوذرة من اللحم القطعة الصغيرة لا عظم فيها ويحرك فخبطت أو
ضربت بيدي في نواحيها من خبط البعير بيده إذا ضربه بها وقال الطيبي أي ضربت فيها من
غير استواء من قولهم خبط خبط عشواء وراعى الأدب حيث قال في جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم
481

وجالت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجولان والمعنى أدخلت يدي أو أوقتها في نواحي القصعة
(وأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين يديه) أي مما يليه فقبض بيده اليسرى على يدي اليمنى يجوز فتح
ياء الإضافة وسكونها وهذا ملاحظة فعلية كل من موضع واحد أي مما يليك فإنه طعام واحد
أي فلا يحتاج إلى جانب آخر مع ما فيه من التطلع على ما في أيدي الناس والشره والحرص والطمع
الزائد ثم أتينا بطبق بفتحتين الذي يؤكل عليه فيه ألوان التمر أي أنواع من التمر فجعلت
آكل من بين يدي أي تأدبا وجالت من الجولان أي ودارت في الطبق أي في جوانبه وحواليه
وهذا تعليم فعلي لبيان الجواز قال تأكيدا لما فيه من الفعل كل من حيث شئت أي الآن
والظاهر استثناء الأوسط فإنه محل تنزل الرحمة ويحتمل أنه يكون مخصوصا بلون واحد أو بالمختلط
حتى صار كأنه شئ واحد فإنه اي التمر الموجود في الطبق غير لون واحد بل ألوان كما سبق
قال ابن الملك فيه تنبيه على أن الفاكهة إذا كان لونها واحدا لا يجوز أن أن يخبط بيده كالطعام وعلى
أن الطعام إذا كان ذا ألوان يجوز أن يخبط ويأكل من أي نوع يريده وقال يا عكراش هذا الوضوء
أي العرفي مما غيرت النار اي مسته قال الطيبي قوله مما غيرت النار خبر المبتدأ ومن
ابتدائية اي هذا الوضوء لأجل طعام طبخ بالنار
قوله: (هذا حديث غريب الخ وأخرجه ابن ماجة مختصرا وقد تفرد العلاء بهذا
الحديث) قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمته عبيد الله بن عكراش بعد نقل كلام الترمذي
هذا قال الساجي وحدثني أبو زيد سمعت العباس بن عبد العظيم يقول وضع العلاء بن
الفضل هذا الحديث حديث صدقات قومه الذي رواه عن عبيد الله وقال العقيلي قال
البخاري في إسناده نظر وقال ابن حزم عبيد الله بن عكراش ضعيف جدا انتهى وفي
الحديث قصة قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة العلاء بن الفضل ذكر ابن حبان حديث
عبيد الله بن عكراش بطوله انتهى
482

قوله: (عن بديل) مصغرا (بن ميسرة) العقيلي بضم العين البصري ثقة من الخامسة (عن
عبد الله بن عبيد بن عمير) هو الليثي (عن أم كلثوم) قال في تهذيب التهذيب أم كلثوم الليثية
المكية عن عائشة في التسمية على الأكل والشرب وعنها عبد الله بن عبيد عن عمير الليثي ووقع
في رواية أبي داود من طريق عبد الله بن عبيد الله بن عمير المذكور عن امرأة منهم يقال لها
أم كلثوم ولهذا ترجم المصنف بكونها ليثية لكن الترمذي قال عقب حديثها أم كلثوم هذه هي
بنت محمد بن أبي بكر الصديق فعلى هذا نقول ابن عمير عن امرأة منهم قابل للتأويل فينظر فيه
فلعل منهم أي كانت منهم بسبب إما بالمصاهرة أو بغيرها من الأسباب والعمدة على قول
الترمذي انتهى وقال المنذري في تلخيص السنن ووقع في بعض روايات الترمذي أم كلثوم
الليثية وهو الأشبه لأن عبيد بن عمير ليثي ومثل بنت أبي بكر لا يكنى عنها بامرأة ولا سيما مع قوله
منهم وقد سقط هذا من بعض نسخ الترمذي وسقوط الصواب والله عز وجل أعلم وقد ذكر
الحافظ أبو القاسم الدمشقي في أطرافه لأم كلثوم بنت أبي بكر عن عائشة أحاديث وذكر بعدها
أم كلثوم الليثية ويقال المكية وذكر لها هذا الحديث وقد أخرج أبو بكر بن أبي شيبة هذا الحديث
في مسنده عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عائشة ولم يذكر فيه أم كلثوم انتهى
قلت: ليس في نسخ جامع الترمذي الموجودة عندنا بلفظ الليثية بعد أم كلثوم وكذا ليس
فيها عقب هذا الحديث أم كلثوم هذه هي بنت محمد بن أبي بكر الصديق قوله (فإن نسي) بفتح
النون وكسر السين المخففة أي ترك نسيانا (في أوله) أي فإن نسي حين الشروع في الأكل ثم تذكر
في أثنائه أنه ترك التسمية أولا (فليقل بسم الله في أوله واخره) والمعنى في جميع أجزائه كما يشهد له
المعنى الذي قصد به التسمية فلا يقال ذكرهما يخرج الوسط فهو كقوله تعالى ولهم رزقهم
فيها بكرة وعشيا مع قوله عز وجل أكلها دائم ويمكن أن يقال المراد بأوله النصف الأول
وبآخره النصف الثاني فيحصل الاستيفاء والاستحباب
وفي الحديث دليل على مشروعية التسمية للأكل وأن الناسي يقول أثنائه بسم الله في
أوله واخره وكذا التارك للتسمية عمدا يشرع له التدارك في أثنائه قال في الهدي والصحيح
483

وجوب التسمية عند الأكل وهو أحد الوجهين لأصحاب أحمد وأحاديث الأمر بها صحيحة
صريحة لا معارض لها ولا إجماع يسوغ مخالفتها ويخرج عن مظاهرها انتهى
قوله: (فأكله بلقمتين) أي بغير التسمية (أما) حرف التنبيه (إنه لو سمي) وفي رواية ابن
ماجة إنه لو كان قال بسم الله (لكفاكم) أي الطعام
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة
(باب ما جاء في كراهية البيتوتة وفي يده ريح غمر)
قال في النهاية الغمر بالتحريك الدمس والزهومة من اللحم كالوضر من السمن انتهى
قوله: (إن الشيطان حساس) بحاء مهملة وشدة السين المهملة أي شديد الحس والإدراك
(لحاس) بالتشديد أي يلحس بلسانه اليد المتلوثة من الطعام (فاحذروه على أنفسكم) أي خافوه
عليها فاغسلوا أيديكم بعد فراغ الأكل من أثر الطعام (وفي يده غمر) بفتحتين أي دسم ووسخ
وزهومة من اللحم والجملة حالية (فأصابه شئ) عطف على بات والمعنى وصله شئ من إيذاء
الهوام وقيل أو من الجان لأن الهوام وذوات السموم ربما تقصده في المنام لرائحة الطعام في يديه
فتؤديه وللطبراني من حديث أبي سعيد من بات وفي يده ريح غمر فأصابه وضح أي برص (فلا
يلومن إلا نفسه) لأنه مقصر في حق نفسه
قوله: (هذا حديث غريب من هذا الوجه) قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث
484

رواه الترمذي والحاكم كلاهما عن يعقوب بن الوليد المدني عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي
هريرة وقال الترمذي حديث غريب من هذا الوجه وقد روى من حديث سهيل بن أبي صالح
عن أبيه عن أبي هريرة انتهى وقال الحاكم صحيح الاسناد قال يعقوب بن الوليد الأزدي هذا
كذب وإنهم لا يحتجون به لكن رواه البيهقي والبغوي وغيرهما من حديث زهير بن معاوية عن
سهيل بن أبي صالح عن أبيه أبي هريرة كما أشار إليه الترمذي وقال البغوي في شرح السنة
حديث حسن وهو كما قال فإن سهيل بن أبي صالح وإن كان تكلم فيه فقد روى له مسلم في
الصحيح احتجاجا واستشهادا وروى له البخاري مقرونا قال السلمي سألت الدارقطني لم
ترك سهيلا في الصحيح فقال لا أعرف له فيه عذرا وبالجملة فيه طويل وقد
روى عنه شعيبة ومالك ووثقه الجمهور وهو حديث حسن انتهى كلام المنذري (وقد روى من
حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة الخ) كذا ذكره الترمذي معلقا ووصله أبو داود
وابن ماجة
قوله: (حدثنا محمد بن إسحاق) الصغاني (أبو بكر البغدادي) ثقة ثبت من الحادية عشرة
(حدثنا محمد بن إسحاق) البزاز أبو جعفر المدائني صدوق فيه لين من التاسعة (حدثنا منصور بن
أبي الأسود) الليثي الكوفي يقال اسم أبيه حازم صدوق رمى بالتشيع من الثالثة
قوله: (من بات) وفي رواية أبي داود من نام (وفي يده غمر) زاد أبو داود ولم يغسله قال
الشوكاني: وفي رواية إطلاقه يقتضي حصول السنة بمجرد الغسل بالماء قال ابن رسلان والأولى غسل اليد
منه بالأشنان والصابون وما في معناهما
قوله: (هذا حديث حسن غريب الخ) وأخرجه أبو داود وابن ماجة وابن حبان في صحيحه
وأخرجه ابن ماجة أيضا عن فاطمة رضي الله تعالى عنها بنحوه
485

(أبواب الأشربة الخ)
جمع شراب وهو ما يشرب من ماء وغيره من المائعات
(باب ما جاء في شارب الخمر)
أي من الوعيد والتهديد
قوله: (حدثنا يحيى بن درست) بضم الدال والراء المهملتين وسكون السين المهملة ابن
زياد البصري ثقة روي عن حماد بن زيد وإسماعيل القناد وعنه الترمذي والنسائي وابن ماجة
وغيرهم كذا في التقريب والخلاصة (كل مسكر خمر) فيه دليل عل أن كل مسكر يسمى خمرا وهو
مذهب الجمهور وهو القول المنصور وسيأتي الكلام في هذا في باب الحبوب التي يتخذ منها الخمر
(وكل مسكر حرام) قال النووي فيه تصريح بتحريم جميع الأنبذة المسكرة وأن كلها تسمى خمرا
سواء في ذلك الفضيخ ونبيذ التمر والرطب والبسر والزبيب والشعير والذرة والعسل وغيرها هذا
مذهبنا وبه قال مالك وأحمد والجماهير من السلف والخلف انتهى (فمات وهو يدمنها) أي يداوم
على شربها بأن لم يتب عنها حتى مات على ذلك قال في القاموس أدمن الشئ أدامه (لم يشربها في
الآخرة) وفي رواية لمسلم من شرب الخمر في الدنيا فلم يتب منها حرمها في الآخرة قال
النووي معناه أنه يحرم شربها في الجنة وإن دخلها فإنها من فاخر شراب الجنة فيمنعها هذا
العاصي بشربها في الدنيا قيل إنه ينسى شهوتها لأن الجنة فيها كل ما يشتهى وقيل لا يشتهيها وإن
486

ذكرها ويكون هذا نقص نعيم في حقه تمييزا بينه وبين تارك شربها وفي هذا الحديث دليل على أن
التوبة تكفر المعاصي الكبائر وهو مجمع عليه انتهى وقال الجزري في النهاية هذا من باب التعليق
في البيان أراد أنه لم يدخل الجنة لأن الخمر من شراب أهل الجنة فإذ لم يشربها في الآخرة لم يكن قد
دخل الجنة انتهى وكذلك قال الخطابي والبغوي والأولى عندي أن يحمل قوله صلى الله عليه وسلم لم يشربها في
الآخرة على ظاهره ففي إحدى روايات البيهقي من شرب الخمر في الدنيا ولم يتب لم يشربها في
الآخرة وإن دخل الجنة روى أحمد بسند حسن عن عبد الله بن عمر ورفعه من مات من أمتي
وهو يشرب الخمر حرم الله عليه شربها في الجنة وفي حديث أبي سعيد مرفوعا من لبس الحرير في
الدنيا لم يلبسه في الآخرة وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو أخرجه الطيالسي وصححه
ابن حبان قال ابن العربي ظاهر الحديثين أنه لا يشرب الخمر في الجنة ولا يلبس الحرير فيها
وذلك لأنه استعجل ما أمر بتأخيره ووعد به فحرمه عند ميقاته كالوارث فإنه إذا قتل مورثة فإنه
يحرم ميراثه لاستعجاله وبهذا قال نفر من الصحابة ومن العلماء انتهى وقال القرطبي ظاهر
الحديث تأييد التحريم فإن دخل الجنة شرب من جميع أشربتها إلا الخمر ومع ذلك فلا يتألم لعدم
شربها ولا يحسد من يشربها وبكون حاله كحال أصحاب المنازل في الخفض والرفعة فكما لا
يشتهي منزلة من هو أرفع منه لا يشتهيها أيضا وليس ذلك بعقوبة له انتهى
قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة وأبي سعيد وعبد الله بن عمرو وعبادة وأبي مالك
الأشعري وابن عباس) أما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي
والنسائي وعنه في الباب أحاديث أخرى ذكرها الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب وأما
حديث أبي سعيد فأخرجه مسلم وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد والطبراني عنه وعن
النبي صلى الله عليه وسلم قال من مات من أمتي وهو يشرب الخمر حرم الله عليه شربها في الجنة ومن مات من
أمتي وهو يتحلى الذهب حرم الله عليه لباسه في الجنة قال المنذري رواه أحمد ثقات وأما
حديث عبادة فأخرجه عبد الله بن أحمد في زياداته عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده
ليبيتن أناس من أمتي على أشر وبطر ولعب ولهو فيصبحوا قردة وخنازير باستحلالهم المحارم
واتخاذهم القينات وشربهم الخمر وبأكلهم الربا ولبسهم الحرير وأما حديث أبي مالك الأشعري
فأخرجه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تشرب ناس من
أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات يخسف الله بهم الأرض
487

ويجعل الله منهم القردة والخنازير وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد عن ابن المنكدر قال
حدثت عن ابن عباس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مدمن الخمر إن مات لقي الله
كعابد وثن قال المنذري رواه أحمد هكذا ورجاله رجال الصحيح ورواه ابن حبان في صحيحه عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لقي الله مدمن خمر لقيه كعابد
وثن وفي الباب أحاديث أخرى عن عدة من الصحابة غير الذين ذكرهم الترمذي إن شئت
الوقوف عليها فارجع إلى الترغيب والترهيب للمنذري
قوله: (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود
والنسائي
قوله: (عن عبد الله بن عبيد) ابن عمير بالتصغير أيضا الليثي الجندعي المكي روى عن أبيه
وعن ابن عمر وعنه بديل بن ميسرة وغيره وثقه أبو حاتم قال عمرو بن علي مات سنة ثلاث
عشرة ومائة (عن أبيه) هو عبيد بن عمير بن قتادة الليثي أبو عاصم المكي ولد على عهد
النبي صلى الله عليه وسلم قاله مسلم وعده غيره في كبار التابعين وكان قاض أهل مكة مجمع على ثقته
قوله: (من شرب الخمر) أي ولم يتب منه (لم تقبل له صلاة) بالتنوين (أربعين صباحا)
ظرف قال القاري في المرقاة وفي نسخة يعني من المشكاة بإضافة يعني بإضافة صلاة إلى
أربعين والمعنى لم يكن له ثواب وإن برئ الذمة وسفط القضاء بأداء أركانه مع شرائطه كذا
قالوا وقال النووي إن لكل طاعة اعتبارين أحدهما سقوط القضاء عن المؤدي وثانيهما ترتيب
حصول الثواب فعبر عن عدم ترتيب الثواب بعدم قبول الصلاة انتهى وخص الصلاة بالذكر
لأنها سبب حرمتها أو لأنها أم الخبائث على ما رواه الدارقطني عن ابن عمر كما أن الصلاة أم
العبادات كما قال الله تعالى إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وقيل إنما خص الصلاة
بالذكر لأنها أفضل عبادات البدن فإذا لم يقبل منها فلأن لا يقبل منها عبادة أصلا كان أولى
488

والمتبادر إلى الفهم من قوله أربعين صباحا أن المراد صلاة الصبح وهي أفضل الصلوات ويحتمل
أن يراد به اليوم أي صلاة أربعين يوما (فإن تاب) أي من شرب الخمر بالإقلاع والندامة (تاب الله
عليه) أي قبل توبته (فإن عاد) أي إلى شربها (فإن عاد الرابعة) أي رجع الرابعة (فإن تاب
لم يتب الله عليه) هذا مبالغة في الوعيد والزجر الشديد وإلا فقد ورد ما أصر من استغفر وإن عاد
في اليوم سبعين مرة رواه أبو داود والترمذي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه (وسقاه من نهر
الخبال) بفتح الخاء المعجمة والمعنى أن صديد أهل النار لكثرته يصير جاريا كالأنهار
قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه الحاكم وقال صحيح الاسناد وأخرجه النسائي
موقوفا على ابن عمر مختصرا ولفظه من شرب الخمر فلم ينتش لم تقبل له صلاة ما دام في جوفه أو
عروقه منها شئ وإن مات مات كافرا وإن انتشى لم تقبل له صلاة أربعين يوما وإن مات فيها
مات كافرا
قوله: (وقد روى نحو هذا عن عبد الله بن عمرو) أخرجه النسائي ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال من اشرب الخمر فجعلها في بطنه لم تقبل منه صلاة سبعا وإن مات فيها مات كافرا فإن
أذهبت عقله عن شئ من الفرائض وفي رواية عن القرآن لم تقبل منه صلاة أربعين يوما وإن
مات فيها مات كافرا (وابن عباس) أخرجه أبو داود
(باب ما جاء كل مسكر حرام)
قوله: (سئل عن البتع) بكسر الموحدة وسكون الفوقية وقد يحرك وهو نبيذ العسل كذا
489

وقع تفسيره في رواية الشيخين وقال في القاموس البتع بالكسر وكعنب نبيذ العسل المشتد أو
سلالة العنب أو بالكسر الخمر (فقال كل شراب أسكر فهو حرام) وهو مذهب الشافعي ومالك
وأحمد والجماهير من السلف والخلف كما تقدم وهو الحق قال الطيبي قوله كل شراب أسكر
فهو حرام جوابا عن سؤالهم عن البتع يدل على تحريم كل مسكر وعلى جواز القياس بالطرد
العلة انتهى فإن قال أهل الكوفة إن قوله صلى الله عليه وسلم كل شراب أسكر يعني به الجزء الذي يحدث
عقبه السكر فهو حرام فالجواب أن الشراب اسم جنس فيقتضي أن يرجع إلى التحريم إلى الجنس
كله كما يقال هذا الطعام مشبع والماء مر ويريد به الجنس وكل جزء منه يفعل ذلك الفعل
فاللقمة تشبع العصفور وما هو أكبر منها يشبع ما هو أكبر من العصفور وكذلك جنس الماء يروي
الحيوان على هذا الحد فكذلك النبيذ قال الطبري يقال لهم أخبرونا عن الشربة التي يعقبها
السكر أهي التي أسكرت صاحبها دون ما تقدمها من الشراب أم أسكرت باجتماعها مع ما تقدم
وأخذت كل شربة بحظها من الاسكار فإن قالوا إنما أحدث له السكر الشربة الآخرة التي وجد
خبل العقل عقبها قيل لهم وهل هذه التي أحدثت له ذلك إلا كبعض ما تقدم من الشربات
قبلها في أنها لو انفردت دون ما قبلها كانت غير مسكرة وحدها وأنها إنما أسكرت باجتماعها واجتماع
عملها فحدث عن جميعها السكر كذا في النيل
واعلم أن حديث عائشة هذا أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة لكن
الترمذي لم يقل بعد روايته بأن حسن أو صحيح وروى بعد هذا حديث ابن عمر وقال بعد
روايته هذا حديث حسن صحيح ثم قال وفي الباب عن عمر الخ ثم قال هذا حديث حسن
فإن كانت الإشارة بقوله هذا حديث حسن إلى حديث عائشة المذكور ففيه بعد كما لا يخفى وإن
كانت الإشارة إلى حديث ابن عمر فهو غير صحيح لأنه قد أشار إليه بقوله هذا حديث حسن
صحيح فالظاهر أن يكون قوله هذا حديث حسن صحيح بعد روايته حديث عائشة وأن
يكون قوله هذا حديث حسن بعد رواية حديث ابن عمر
قوله: (حدثنا عبيد بن أسباط) بمفتوحة وسكون مهملة وبموحدة وطاء مهملة وترك صرف
كذا في المغني (بن محمد القرشي) الكوفي روى عن أبيه وعبد الله بن إدريس وعنه زت ق وثقه
مطين وقال مات سنة خمسين ومائتين كذا في الخلاصة
490

قوله: (كل مسكر حرام) تقدم الكلام عليه
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) حديث ابن عمر هذا أخرجه الترمذي مطولا في الباب
المتقدم
قوله: (وفي الباب عن عمر وعلي الخ) حديث عمر بلفظ كل مسكر حرام عند أبي يعلى
وفيه الإفريقي وحديث علي بلفظ اجتنبوا ما أسكر عند أحمد وهو حسن وحديث ابن مسعود
عند ابن ماجة من طريق لين بلفظ عمر وأخرجه أحمد من وجه آخر لين أيضا بلفظ علي
وحديث أبي سعيد أخرجه البزار بسند صحيح بلفظ عمر وحديث الأشج العصري أخرجه أبو
يعلى كذلك بسند جيد وصححه ابن حبان وحديث ديلم أخرجه أبو داود بسند حسن فيه قال
هل يسكر قال نعم فاجتنبوه وحديث ميمونة أخرجه أحمد بسند حسن بلفظ وكل
شراب أسكر فهو حرام وحديث ابن عباس أخرجه أبو داود من طريق جيد بلفظ عمر والبزار
من طريق لين بلفظ واجتنبوه كل مسكر وحديث قيس بن سعد أخرجه أحمد بلفظ حديث
عمر وحديث النعمان بن بشير أخرجه أبو داود بسند حسن بلفظ وإني أنهاكم عن كل مسكر
وحديث معاوية أخرجه ابن ماجة بسند حسن بلفظ عمر وحديث عبد الله بن مغفل أخرجه أحمد
بلفظ اجتنبوا المسكر وحديث أم سلمة أخرجه أبو داود بسند حسن بلفظ نهى عن كل مسكر
ومفتر وحديث بريدة أخرجه مسلم في أثناء حديث ولفظه مثل لفظ عمر وحديث أبي هريرة
أخرجه النسائي بسند حسن وحديث وائل بن حجر أخرجه ابن عاصم وحديث قرة المزني
أخرجه البزار بلفظ عمر بسند لين كذا في الفتح
قلت: وأما حديث أبي موسى فأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة وأما
حديث عائشة فأخرجه الترمذي في الباب الآتي وفي الباب أحاديث أخرى عن غير هؤلاء
491

الصحابة رضي الله عنهم ذكرها الحافظ في الفتح في باب الخمر من العسل وهو البتع (وقد روى
عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه) أخرجه أحمد والنسائي
(باب ما أسكر كثيره فقليله حرام)
قوله: (عن داود بن بكر بن أبي الفرات) الأشجعي مولاهم المدني صدوق من السابعة
قوله: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) فيه رد على من قال من الحنفية إن الخمر يحرم قليله
وكثيره وغيره من المسكرات يحرم قدر المسكر منه دون القليل وهو باطل يبطله الأحاديث الكثيرة
الصحيحة الصريحة
قوله: (وفي الباب عن سعد وعائشة وعبد الله بن عمرو وابن عمر وخوات بن جبير) أما
حديث سعد وهو ابن أبي وقاص فأخرجه الدارقطني والنسائي عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قليل ما
أسكر كثيره وأما حديث عائشة فأخرجه أحمد عنها مرفوعا ما أسكر منه الفرق فملء الكف منه
حرام وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الدارقطني وفيه حرام قليل ما أسكر كثيره
وأخرجه أيضا أحمد والنسائي وابن ماجة وأما حديث ابن عمر فأخرجه أحمد وابن ماجة
والدارقطني وصححه ولفظه مثل لفظ حديث الباب وأما حديث خوات بن جبير فأخرجه
الدارقطني والطبراني والحاكم في المستدرك وقال المنذري بعد الكلام على حديث جابر المذكور في
الباب ما نصه وقد روى هذا الحديث من رواية علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص
وعبد الله بن عمرو وحديث سعد بن أبي وقاص أجودها إسنادا فإن النسائي رواه في سننه عن
محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي وهو أحد الثقات عن الوليد بن كثير وقد احتج به البخاري
492

ومسلم في الصحيحين عن الضحاك بن عثمان وقد احتج به مسلم في صحيحه عن بكير بن
عبد الله الأشج عن عارم بن سعد بن أبي وقاص وقد احتج البخاري ومسلم بهما في الصحيحين
انتهى
قوله: (هذا حديث حسن غريب من حديث جابر) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة
وابن حبان وصححه وقال الحافظ ابن حجر رجاله ثقات
قوله: (عن مهدي بن ميمون) الأزدي المغولي البصري ثقة من صغار السادسة (عن
عثمان الأنصاري) المدني قاضي مرو مقبول من الرابعة
قوله: (ما أسكر الفرق) بفتح الراء وسكونها والفتح أشهر وهو مكيال يسع ستة عشر
رطلا وقيل هو بفتح الراء كذلك فإذا سكنت فهو مائة وعشرون رطلا (منه) أي من كل مسكر
(فملء الكف منه حرام) قال الطيبي الفرق وملء الكف عبارتان عن التكثير والتقليل لا
التحديد ويؤيده الحديث السابق
قوله: (قال أحدهما) أي محمد بن بشار وعبد الله بن معاوية (في حديثه الحسوة منه حرام)
أي مكان ملء الكف منه حرام والحسوة بضم الحاء المهملة وسكون السين الجرعة من الشراب
بقدر ما يحسى مرة وبالفتح المرة
قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وأبو داود ورواته كلهم محتج بهم في الصحيحين
سوى أبي عثمان عمرو ويقال عمر بن سالم الأنصاري مولاهم المدني ثم الخراساني وهو مشهور
ولي القضاء بمرو ورأى عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الله بن عباس وسمع
من القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وروى عنه غير واحد قال المنذري لم أر أحدا قال
493

فيه كلاما وقال الحاكم هو معروف بكنيته وأخرجه أيضا ابن حبان وأعله الدارقطني بالوقف
كذا في النيل
(باب ما جاء في نبيذ الجر)
قال الجزري في النهاية النبيذ هو ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة
والشعير وغير ذلك يقول نبذت التمر والعنب إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذا فصرف من
مفعول إلى فعيل وانتبذته اتخذته نبيذا وسواء كان مسكرا أو غير مسكر انتهى والنبيذ حلال
اتفاقا ما دام اتفاقا ما دام حلوا ولم ينته إلى حد الاسكار لقوله صلى الله عليه وسلم كل مسكر حرام والجر بفتح الجيم
وتشديد الراء جمع جرة كتمر جمع تمرة وهو بمعنى الجرار الواحدة جرة وهي كل ما يصنع من
مدر
قوله: (حدثنا ابن علية) هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم (حدثنا سليمان التيمي) هو ابن
طرخان (عن طاؤس) هو ابن كيسان
قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم) بحذف همزة الاستفهام وفي رواية النسائي أنهى بذكر الهمزة
(فقال نعم) أي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبيذ الجر قال في النهاية الجر والجرار جمع جرة وهو
الاناء المعروف من الفخار وأراد بالنهي عن الجرار المدهونة لأنها أسرع في الشدة والتخمير
انتهى وهذا يدخل فيه جميع أنواع الجرار من الختم وغيره وهو منسوخ كما سيأتي وروى مسلم
عن سعيد بن جبير أنه قال لابن عباس ما الجر فقال كل شئ يصنع من المدر قال النووي
هذا تصريح من ابن عباس بأن الجر يدخل فيه جميع أنواع الجرار المتخذة من المدر الذي هو التراب
انتهى (فقال طاؤس الخ) هذا قول سليمان التيمي
494

قوله: (وفي الباب عن ابن أبي أوفى وأبي سعيد وسويد وعائشة وابن الزبير وابن عباس)
أما حديث ابن أبي أوفى فأخرجه البخاري وغيره عنه قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجر الأخضر
قلت أيشرب في الأبيض قال لا وأما حديث أبي سعيد فأخرجه مسلم وأما حديث سويد
وهو ابن مقرن فأخرجه أحمد عنه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بنبيذ في جرة فسألته فنهاني عنها
فكسرتها وأما حديث عائشة فأخرجه ابن ماجة عنها أنها قالت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينبذ في
الجر وفي كذا وفي كذا إلا الخل وأما حديث ابن الزبير فأخرجه النسائي وأما حديث ابن عباس
فأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم والنسائي
(باب ما جاء في كراهية أن ينبذ في الدباء والنقير والحنتم)
الدباء بضم الدال المهملة وتشديد الباء وهو القرع اليابس وهو من الآتية التي يسرع
الشراب في الشدة إذا وضع فيها وأما النقير فبالنون المفتوحة والقاف وهو فعيل بمعنى مفعول من
نقر ينقر وكانوا يأخذون أصل النخلة فينقرونه في جوفه ويجعلونه إناء ينتبذون فيه لأن له تأثيرا في
شدة الشراب وأما الحنتم فبحاء مهملة مفتوحة ثم نون ساكنة ثم تاء مثناة من فوق مفتوحة ثم
ميم الواحدة حنتمة
قوله: (عن عمرو بن مرة) هو الجميل المرادي أبو عبد الله الكوفي
قوله: (سألت ابن عمر عن ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوعية الخ) وفي رواية مسلم
قال قلت لابن عمر حدثني بما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من الأشربة بلغتك وفسره لي بلغتنا فإن لكم
لغة سوى لغتنا (وأخبرناه بلغتكم) أي وقلت له أخبرناه أي حدثنا
بما نهى النبي صلى الله عليه وسلم بلغتكم (وهي
495

الجرة) قال النووي اختلف في الحنتم وأصح الأقوال وأقواها أنها جرار خضر وهذا التفسير
ثابت في كتاب الأشربة من صحيح مسلم عن أبي هريرة وهو قول عبد الله بن مغفل الصحابي
وبه قال الأكثرون أو كثيرون من أهل اللغة وغريب الحديث والمحدثين والفقهاء والثاني أنها
الجرار كلها قاله عبد الله بن عمر وسعيد بن جبير وأبو سلمة والثالث أنها جرار يؤتى بها من مصر
مقيرات الأجواف وروى ذلك عن أنس بن مالك رضي الله عنه ونحوه عن ابن أبي ليلى وزاد أنها
حمر والرابع عن عائشة رضي الله تعالى عنها جرار أحمر أعناقها في جنوبها يجلب فيها الخمر من
مصر والخامس عن ابن أبي ليلى أيضا أفواهها في جنوبها يجلب فيها الخمر من الطائف وكان ناس
ينتبذون فيها يضاهون به الخمر والسادس عن عطاء جرار كانت تعمل من طين وشعر ودم انتهى
(وهي القرعة) أي اليابسة (ونهى عن النقير وهي أصل النخل ينقر نقرا أي ينسج نسجا) كذا في
النسخ الموجودة بالجمي قال الجزري في النهاية هي النخلة تنسج نسجا هكذا جاء في مسلم
والترمذي وقال بعض المتأخرين هو وهم وإنما هو بالحاء المهملة قال ومعناه أن ينحى قشرها
عنها وتملس وتحفر وقال الأزهري النسج ما تحات عن التمر من قشره وأقماعه مما يبقى في أسفل
الوعاء انتهى ووقع في رواية مسلم تنسح نسحا بالحاء المهملة قال النووي هكذا هو في
معظم الروايات والنسح بسين وحاء مهملتين أي تقشر ثم تنقر فتصير نقيرا ووقع لبعض الرواة
في بعض النسخ تنسج بالجيم قال القاضي وغيره هو تصحيف وادعى بعض المتأخرين أنه وقع
في نسخ صحيح مسلم وفي الترمذي بالجيم وليس كما قال بل معظم نسخ مسلم بالحاء انتهى
(ونهى عن المزفت) بتشديد الفاء المفتوحة وهو الاناء المطلي بالزفت وهو الاناء المطلي بالزفت وهو القير (وهو النفير) بضم
الميم وفتح القاف والياء المشددة قال النووي معنى النهي عن هذه الأربع هو أنه نهى عن الانتباذ
فيها وهو أن يجعل في الماء حبات من تمر أو زبيب أو نحوهما ليحلو ويشرب وإنما خصت هذه بالنهي
لأنه يسرع إليه الاسكار فيها يصير حراما نجسا وتبطل ماليته فنهى عنه لما فيه من إتلاف المال
ولأنه ربما شربه بعد إسكاره من لم يطلع عليه انتهى (وأمر أن ينتبذ في الأسقية) قال النووي لم ينه
عن الانتباذ في أسقية الأدم بل أذن فيها لأنها لرقتها لا يحفى فيها المسكر بل إذا صار مسكرا شقها
غالبا انتهى
وقال القاري المراد بالنهي عن هذه الأربع ليس استعمالها مطلقا بل النقيع فيها والشرب
496

منها ما يسكر وإضافة الحكم إليها خصوصا إما لاعتيادهم استعمالها في المسكرات أو لأنها أوعية
تسرع بالاشتداد فيها يستنقع لأنها غليظة لا يترشح منها الماء ولا ينفذ فيها الهواء فلعلها تغير النقيع
في زمان قليل ويتناوله صاحبه على غفلة بخلاف السقاء فإن التغير فيه يحدث على مهل والدليل
على ذلك ما روى أنه قال نهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا
مسكرا وقيل هذه الظروف كانت مختصة بالخمر فلما حرمت الخمر حرم النبي صلى الله عليه وسلم استعمال هذه
الظروف إما لأن في استعمالها تشبيها بشرب الخمر وإما لأن هذه الظروف كان فيها أثر الخمر
فلما أمضت مدة أباح النبي صلى الله عليه وسلم استعمال هذه الظروف فإن أثر الخمر زال عنها وأيضا في ابتداء
تحريم شئ يبالغ ويشدد ليتركه الناس مرة فإذا تركه الناس واستقر الأمر يزول التشديد بعد
حصول المقصود انتهى كلام القاري
قال النووي ثم إن هذا النهي كان في أول الأمر ثم نسخ بحديث بريدة رضي الله عنها يعني
الذي يأتي في الباب الذي يليه
قوله: (وفي الباب عن عمر وعلي وابن عباس الخ) أما حديث عمر فلينظر من أخرجه
وأما حديث علي فأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وأما حديث ابن عباس فأخرجه أيضا
الشيخان وأبو داود والنسائي وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أحمد وأما حديث
أبي هريرة فأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وأما حديث عبد الرحمن بن يعمر بفتح
التحتانية وسكون المهملة وفتح الميم فأخرجه ابن ماجة عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء
والحنتم وأما حديث سمرة فأخرجه أحمد وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان والنسائي وأما
حديث عائشة فأخرجه أيضا الشيخان والنسائي وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه أحمد
وأما حديث عائذ بن عمرو وحديث الحكم الغفاري فلينظر من أخرجهما وأما حديث ميمونة
فأخرجه أحمد عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تنبذوا في الدباء ولا في المزفت ولا في النقير ولا في الجرار
وقال كل مسكر حرام
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي
497

(باب ما جاء في الرخصة أن ينبذوا في الظروف)
قوله: (والحسن بن علي) هو الخلال الحلواني (حدثنا أبو عاصم) اسمه الضحاك بن مخلد
النبيل (حدثنا سفيان) هو الثوري
قوله: (إني كنت نهيتكم عن الظروف) أي عن الانتباذ في ظرف من هذه الظروف المذكورة
في الباب المتقدم (وأن ظرفا لا يحل) بضم أوله أي لا يبيح (ولا يحرمه وكل مسكر حرام) وفي
رواية لمسلم نهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكرا قال
النووي كان الانتباذ في الحنتم والدباء والنقير والمزفت منهيا عنه في أول الاسلام خوفا من أن
يصير مسكرا فيها ولا نعمل به لكثافتها فيتلف ماليته وربما شربه الانسان ظانا أن لم يصر مسكرا
فيصير شاربا للمسكر وكان العهد قريبا بإباحة المسكر فلما طال الزمان واشتهر تحريم
المسكرات وتقرر ذلك في نفوسهم نسخ ذلك وأبيح لهم الانتباذ في كل وعاء بشرط أن لا تشربوا
مسكرا وهذا صريح قوله صلى الله عليه وسلم في حديث بريدة كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في سقاء الحديث
قال هذا الذي ذكرناه من كونه منسوخا هو مذهبنا ومذهب جماهير العلماء قال الخطابي القول
بالنسخ هو أصح الأقاويل قال وقال قوم التحريم باق وكرهوا الانتباذ في هذه الأوعية ذهب
إليه مالك وأحمد وإسحاق وهو مروي عن عمر وابن عباس رضي الله عنهم انتهى
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) قال في المنتقى رواه الجماعة إلا البخاري وأبا داود
قوله: (عن سفيان) هو الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن سالم ابن أبي الجعد) هو
الأشجعي الكوفي
498

قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الظروف) جمع ظرف وهو الوعاء أي عن الانتباذ فيها وفي
رواية مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر نهى عن الدباء والمزفت (فقالوا ليس لنا وعاء) وفي
رواية البخاري فقالت الأنصار إنه لا بد لنا منها (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلا إذا) قال الحافظ
جواب وجزاء أي إذا كان كذلك لا بد لكم منها فلا تدعوها وحاصله أن النهي كان ورد على
تقدير عدم الاحتياج أو وقع وحي في الحال بسرعة أو كان الحكم في تلك المسألة مفوضا لرأيه
صلى الله عليه وسلم وهذه الاحتمالات ترد على من جزم بأن الحديث حجة في أنه صلى الله عليه وسلم كان يحكم بالاجتهاد
انتهى وفي عمدة القاري قال ابن بطال النهي عن الأوعية إنما كان قطعا للذريعة فلما قالوا
لا بد لنا قال انتبذوا فيها وكذلك كل نهي كان لمعنى النظر إلى غيره كنهيه عن الجلوس في
الطرقات فلما ذكروا أنهم لا يجدون بدا من ذلك قال إذا أبيتم فأعطوا الطريق حقه وقال أبو
حنيفة وأصحابه الانتباذ في جميع الأوعية كلها مباح وأحاديث النهي عن الانتباذ منسوخة
بحديث جابر هذا ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام أطلق لهم جميع الأوعية والظروف حين قال
له الأنصار لا بد لنا منها فقال فلا إذا ولم يستثن منها شيئا انتهى
قوله: (وفي الباب عن ابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد وعبد الله بن عمرو) أما حديث
ابن مسعود فأخرجه ابن ماجة عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني كنت نهيتكم عن نبيذ الأوعية ألا
وإن وعاء لا يحرم شيئا كل مسكر حرام وأما حديث أبي هريرة وحديث أبي سعيد فلينظر من
أخرجهما وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الشيخان عنه قال لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
النبيذ في الأوعية قالوا ليس كل الناس يجد فأرخص لهم في الجر غير المزفت
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي
(باب ما جاء في السقاء)
أي في الانتباذ في السقاء
499

قوله: (عن يونس بن عبيد) بن دينار العبدي (عن أمه) اسمها خيرة مولاة أم سلمة مقبولة
من الثانية
قوله: (كنا ننبذ) بكسر الموحدة ويجوز ضم النون الأولى مع تخفيف الموحدة
وتشديدها وفي القاموس النبذ الطرح والفعل كضرب والنبيذ الملقى وما نبذ من عصير
ونحوه وقد نبذه وأنبذه وانتبذه ونبذه انتهى أي نطرح الزبيب ونحوه (في سقاء) بكسر أوله
ممدودا (يوكأ أعلاه) أي يشد رأسه بالوكاء وهو الخيط الذي يشد به رأس القربة اعلم أنه قد وقع
في النسخ الموجودة يوكأ بالهمز وكذا وقع في صحيح مسلم قال النووي قولها في سقاء يوكأ هذا
مما رأيته يكتب ويضبط فاسدا وصوابه يوكي بالياء غير مهموز انتهى وذكر صاحب القاموس في
المعتل وقال الوكاء ككساء رباط القرية وغيرها وقد وكاها وأوكاها وعليها انتهى وكذا ذكره
صاحب النهاية في المعتل ويدل على أنه معتل لا مهموز قوله صلى الله عليه وسلم أوكوا السقاء في حديث جابر
بضم الكاف (له) أي لسقاء (عزلاء) بفتح العين المهملة وإسكان الزاي وبالمد وهو الثقب الذي
يكون في أسفل المزادة والقربة قال ابن الملك أي له ثقبة في أسفله يشرب منه الماء (ننبذه) أي
نطرح التمر ونحوه في السقاء (غدوة) بالضم ما بين الصلاة الغدوة وطلوع الشمس (ويشربه) أي
هو يعني النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك المنبوذ (عشاء) بكسر العين وفتح الشين وبالمد وهو ما بعد الزوال إلى
المغرب على ما في النهاية وحديث عائشة هذا لا يخالف حديث ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
ينبذ له الزبيب في السقاء فيشربه يومه والغد وبعد الغد فإذا كان مساء الثالثة شربه وسقاه فإن
فضل شئ أهراقه أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة فإن الشرب في يوم لا يمنع
الزيادة وقال بعضهم لعل حديث عائشة كان زمن الحر وحيث يخشى فساده في الزيادة على يوم
وحديث أبي عباس في زمن يؤمن فيه التغير قبل الثلاث وقيل حديث عائشة محمول على نبيذ قليل
يفرغ في يومه وحديث ابن عباس في كثير لا يفرغ فيه
قوله: (وفي الباب عن جابر وأبي سعيد وابن عباس) أما حديث جابر فأخرجه مسلم وأبو
داود والنسائي وابن ماجة عنه قال كان ينتبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سقاء فإذا لم يجدوا سقاء نبذ له
في تور من حجارة وأما حديث أبي سعيد فلينظر من أخرجه وأما حديث ابن عباس فقد تقدم
تخريجه ولفظه آنفا
500

قوله (وهذا حديث حسن غريب) وأخرجه مسلم وأبو داود
(باب ما جاء في الحبوب التي يتخذ منها الخمر)
قوله: (حدثنا محمد بن يحيى) الظاهر أنه هو الذهلي (حدثنا محمد بن يوسف) هو الضبي
مولاهم الفريابي (حدثنا إسرائيل) هو ابن يونس (حدثنا إبراهيم بن مهاجر) هو البجلي الكوفي
قوله: (إن من الحنطة خمرا) قال ابن الملك تسميته خمرا مجاز لإزالته العقل
قلت: قول ابن الملك هذا ليس بصحيح بل هذا الحديث نص صريح في أن تسميته خمرا
على سبيل الحقيقة لا على سبيل المجاز وقد قال عمر رضي الله عنه إنه قد نزل تحريم الخمر وهي
من خمسة أشياء العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل والخمر ما خامر العقل أخرجه
الشيخان قال الخطابي في حديث النعمان بن بشير تصريح من النبي صلى الله عليه وسلم بما قاله
عمر من كون الخمر من هذه الأشياء وليس معناه أن الخمر لا تكون إلا من هذه الخمسة بأعيانها وإنما جرى
ذكرها خصوصا لكونها معهودة في ذلك الزمان فكلما كان في معناها من ذرة أو سلت أو لب ثمرة
وعصارة شجرة فحكمها حكمها كما قلنا في الربا ورددنا إلى الأشياء الأربعة المذكورة في الخبر كلما
كان في معناها من غير المذكور فيه انتهى قال الحافظ في الفتح هذا الحديث يعني قول عمر
نزل تحريم الخمر وهي من خمسة أشياء الخ أورده أصحاب المسانيد والأبواب في الأحاديث
المرفوعة لأن له عندهم حكم الرفع لأنه خبر صحابي شهد التنزيل أخبر عن سبب نزولها وقد
خطب به عمر على المنبر بحضرة كبار الصحابة وغيرهم فلم ينقل عن أحد منهم إنكاره وأراد
عمر بنزول تحريم الخمر نزول قوله تعالى إنما الخمر والميسر الآية فأراد عمر التنبيه على أن
المراد بالخمر في هذه الآية ليس خاصا بالمتخذ من العنب بل يتناول المتخذ من غيرها قال قوله
501

والخمر ما خامر العقل أي غطاه أو خالطه فلم يتركه على حاله وهو من مجاز التشبيه والعقل هو
آلة التمييز فلذلك حرم ما غطاه أو غيره لأن بذلك يزول الادراك الذي طلبه الله من عباده ليقوموا
بحقوقه قال الكرماني هذا تعريف بحسب اللغة وأما بحسب العرف فهو ما يخامر العقل من
عصير العنب خاصة قال الحافظ وفي نظر لأن عمر ليس في مقام تعريف اللغة بل هو في مقام
تعريف الحكم الشرعي فكأنه قال الخمر الذي وقع تحريمه في لسان الشرع هو ما خامر العقل
على أن عند أهل اللغة اختلافا في ذلك كما قدمته ولو سلم أن الخمر في اللغة يختص بالمتخذ من
العنب فالاعتبار بالحقيقة الشرعية وقد تواردت الأحاديث على أن المسكر من المتخذ من غير
العنب يسمى خمرا والحقيقة الشرعية مقدمة على اللغوية وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي
هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة قال البيهقي
ليس المراد الحصر فيهما لأنه ثبت أن الخمر تتخذ من غيرهما في حديث عمر وغيره وإنما فيه الإشارة
إلى أن الخمر شرعا لا تختص بالمتخذ من العنب وقال الحافظ يحمل حديث أبي هريرة على الغالب
أي أكثر ما يتخذ الخمر من العنب والتمر ويحمل حديث عمر ومن وافقه على إرادة استيعاب ذكر
ما عهد حينئذ أنه يتخذ منه الخمر
قال الراغب في مفردات القرآن سمى الخمر لكونه خامرا للعقل أي ساترا له وهو عند
بعض الناس اسم لكل مسكر وعند بعضهم للمتخذ من العنب خاصة وعند بعضهم للمتخذ
من العنب والتمر وعند بعضهم لغير المطبوخ فرجح أن كل شئ يستر العقل يسمى خمرا
حقيقة وكذا قال أبو نصر بن القشيري في تفسيره سميت الخمر خمرا لسترها العقل أو
لاختمارها وكذا قال غير واحد من أهل اللغة منهم أبو حنيفة الدينوري وأبو نصر الجوهري
ونقل عن ابن الأعرابي قال سميت الخمر لأنها تركت حتى اختمرت واختمارها يغير رائحتها وقيل
سميت بذلك لمخامرتها العقل نعم جزم ابن سيده في المحكم بأن الخمر حقيقة إنما هي للعنب
وغيرها من المسكرات يسمى خمرا مجازا وقال صاحب الفائق في حديث إياكم والغبيراء فإنها
خمر العالم هي نبيذ الحبشة متخذة من الذرة سميت الغبيراء لما فيها من الغيرة وقوله خمر العالم
أي هي مثل خمر العالم لا
فرق بينها وبينها وقيل أراد أنها معظم خمر العالم
وقال صاحب الهداية من الحنفية الخمر عندنا ما اعتصر من ماء العنب إذا اشتد وهو
المعروف عند أهل اللغة وأهل العلم قال وقيل هو اسم لكل مسكر لقوله صلى الله عليه وسلم كل مسكر
خمر ولأنه من مخامرة العقل وذلك موجود في كل مسكر قال ولنا إطباق أهل اللغة على
تخصيص الخمر بالعنب ولهذا اشتهر استعمالها فيه ولأن تحريم الخمر قطعي وتحريم ما عدا المتخذ
502

من العنب ظني قال وإنما سمي الخمر خمرا لتخمره لا لمخامرة العقل قال ولا ينافي ذلك كون
الاسم خاصا فيه كما في النجم فإنه مشتق من الظهور ثم هو خاص بالثريا انتهى
قال الحافظ والجواب عن الحجة الأولى ثبوت النقل عن بعض أهل اللغة بأن غير المتخذ
من العنب يسمى خمرا وقال الخطابي يزعم قوم أن العرب لا تعرف الخمر إلا من العنب فيقال
لهم إن الصحابة الذين سموا غير المتخذ من العنب خمرا عرب فصحاء فلو لم يكن هذا الاسم
صحيحا لما أطلقوه وقال ابن عبد البر قال الكوفيون إن الخمر من العنب لقوله تعالى
(أعصر خمرا) قال فدل على أن الخمر هو ما يعتصر لا ينتبذ قال ولا دليل فيه على الحصر
وقال أهل المدينة وسائر الحجازيين وأهل الحديث كلهم كل مسكر خمر وحكمه حكم ما اتخذ من
العنب ومن الحجة لهم أن القرآن لما نزل بتحريم الخمر فهم الصحابة وهم أهل اللسان أن كل
شئ يسمى خمرا يدخل في النهي فأراقوا المتخذ من التمر والرطب ولم يخصوا ذلك بالمتخذ من
العنب وعلى تقدير التسليم فإذا ثبت تسمية كل مسكر خمرا من الشرع كان حقيقة شرعية وهي
مقدمة على الحقيقة اللغوية
وعن الثانية أن اختلاف مشتركين في الحكم في الغلط لا يلزم منه افتراقهما وفي التسمية
كالزنا مثلا فإنه يصدق على من وطئ أجنبية وعلى وطء امرأة جاره والثاني أغلظ من الأول
وعلى من وطئ محرما له وهو أغلظ واسم الزنا مع ذلك شامل للثلاثة وأيضا فالأحكام الفرعية
لا يشترط فيها الأدلة القطعية فلا يلزم من القطع بتحريم المتخذ من العنب وعدم القطع بتحريم
المتخذ من غيره أن لا يكون حراما بل يحكم بتحريمه إذا ثبت بطريق ظني تحريمه وكذا تسميته
خمرا
وعن الثالثة ثبوت النقل عن أعلم الناس بلسان العرب بما نفاه هو وكيف يستجيز أن
يقول لا لمخامرة العقل مع قول عمر بمحضر الصحابة الخمر ما خامر العقل وكان مستنده ما
ادعاه من اتفاق أهل اللغة فيحمل قول عمر على المجاز لكن اختلف قول أهل اللغة في سبب
تسمية الخمر خمرا فقال أبو بكر بن الأنباري سميت الخمر خمرا لأنها تخامر العقل أي تخالطه
قال ومنه قولهم خامره الداء أي خالطه وقيل لأنها تخمر العقل أي تستره ومنه خمار المرأة لأنه
يستر وجهها وهذا أخص من التفسير الأول لأنه لا يلزم من المخالطة التغطية وقيل سميت خمرا
لأنها تخمر حتى تدرك كما يقال خمرت العين فتخمر أي تركته حتى أدرك ومنه خمرت الرأي أي
تركته حتى ظهر وتحرر وقيل سميت خمرا لأنها تغطي حتى تغلي ومنه حديث المختار بن فلفل قلت
لأنس الخمر من العنب أو من غيرها قال ما خمرت من ذلك فهو الخمر أخرجه ابن أبي شيبة
503

بسند صحيح ولا مانع من صحة هذه الأقوال كلها لثبوتها عن أهل اللغة وأهل المعرفة باللسان
قال ابن عبد البر الأوجه كلها موجودة في الخمر لأنها تركت حتى أدركت وسكنت فإذا شربت
خالطت العقل حتى تغلب عليه وتغطيه
وقال القرطبي الأحاديث الواردة عن أنس وغيره على صحتها وكثرتها تبطل مذهب
الكوفيين القائلين بأن الخمر لا يكون إلا من العنب وما كان من غيره لا يسمى خمرا ولا يتناوله اسم
الخمر وهو قول مخالف للغة العرب وللسنة الصحيحة وللصحابة لأنهم لما نزل تحريم الخمر
فهموا من الأمر باجتناب الخمر تحريم كل مسكر ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب وبين ما يتخذ
من غيره بل سووا بينهما وحرموا كل ما يسكر نوعه ولم يتوقفوا ولا استفصلوا ولم يشكل عليهم
شئ من ذلك بل بادروا إلى إتلاف ما كان من غير عصير العنب وهم أهل اللسان وبلغتهم نزل
القرآن فلو كان عندهم فيه تردد لتوقفوا عن الإراقة حتى يستكشفوا ويستفصلوا ويتحققوا التحريم
لما كان تقرر عندهم من النهي عن إضاعة المال فلما لم يفعلوا ذلك وبادروا إلى الاتلاف علمنا أنهم
فهموا التحريم نصا فصار القائل بالتفريق سالكا غير سبيلهم ثم انضاف إلى ذلك خطبة عمر
بما يوافق ذلك وسمعه الصحابة وغيرهم فلم ينقل عن أحد منهم إنكار ذلك وقد ذهب إلى
التعميم عمر وعلي وسعد وابن عمر وأبو موسى وأبو هريرة وابن عباس وعائشة ومن التابعين
سعيد بن المسيب وعروة والحسن وسعيد بن جبير وآخرون وهو قول مالك الأوزاعي والثوري
وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق وعامة وأهل الحديث
قال الحافظ ويمكن الجمع بأن من أطلق على غير المتخذ من العنب حقيقة يكون أراد الحقيقة الشرعية ومن نفي أراد
الحقيقة اللغوية وقد أجاب بهذا ابن عبد البر وقال إن الحكم
إنما يتعلق بالاسم الشرعي دون اللغوي وقد تقرر أنه نزل تحريم الخمر وهي من البسر إذ ذاك
فيلزم من قال إن الخمر حقيقة في ماء العنب مجاز في غيره أن يجوز إطلاق اللفظ الواحد على حقيقته
ومجازه لأن الصحابة لما بلغهم تحريم الخمر أراقوا كل ما يطلق عليه لفظ الخمر حقيقة ومجازا
وهو لا يجوز ذلك فصح أن الكل خمر حقيقة ولا انفكاك عن ذلك وعلى تقدير إرخاء العنان
والتسليم بأن الخمر حقيقة من ماء العنب خاصة فإنما ذلك من
حيث الحقيقة اللغوية فأما من حيث الحقيقة الشرعية فالكل خمر حقيقة لحديث كل مسكر
خمر فكل ما اشتد كان خمرا وكل خمر يحرم قليله وكثيره وهذا يخالف قولهم وبالله التوفيق انتهى كلام الحافظ
قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه الترمذي بعد هذا
504

قوله: (هذا حديث غريب) أخرجه الخمسة إلا النسائي كذا في المنتقى قال الشوكاني
في إسناده إبراهيم بن المهاجر البجلي الكوفي قال المنذري قد تكلم فيه غير واحد من الأئمة
انتهى قال ابن المديني إبراهيم بن مهاجر نحو أربعين حديثا وقال أحمد لا بأس به وقال
النسائي والقطان ليس بالقوي انتهى
قلت: وقال في التقريب صدوق لين الحفظ
قوله: (الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة) قال الخطابي هذا غير مخالف لما تقدم
ذكره من حديث النعمان بن بشير وإنما وجهه ومعناه أن معظم ما يتخذ منه الخمر إنما هو من
النخلة والعنبة وإن كانت الخمر قد تتخذ أيضا من غيرهما وإنما هو من باب التوكيد لتحريم ما
يتخذ من هاتين الشجرتين لضراوته وشدة سورته وهذا كما يقال الشبع في اللحم والدفء في
الوبر ونحو ذلك من الكلام وليس فيه نفي الشبع من غير اللحم ولا نفي الدفء عن غير الوبر
ولكن فيه التوكيد لأمرهما والتقديم لهما على غيرهما في نفس ذلك المعنى انتهى
قلت الأمر كان قال الخطابي وغاية ما هناك أن مفهوم الخمر المدلول عليه باللام معارض
بالمنطوقات وهي أرجح بلا خلاف
505

قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري كذا في المنتقى (وأبو كثير
السحيمي) بضم السين وفتح الحاء المهملتين مصغرا (هو الغبري) بضم الغين المعجمة وفتح
الموحدة (اسمه يزيد بن عبد الرحمن بن غفيلة) بضم الغين المعجمة وفتح الفاء مصغرا اليمامي
الأعمى ثقة من الثالثة
(باب ما جاء في خليط البسر والتمر)
أصل الخلط تداخل أجزاء الأشياء بعضها في بعض والبسر بضم الموحدة نوع من ثمر
النخل معروف والمراد هنا التمر قبل إرطابه كما في القاموس
قوله: (عن عطاء بن أبي رباح) بفتح الراء والموحدة واسم أبي رباح أسلم القرشي
المكي ثقة فقيه فاضل لكنه كثير الارسال من الثالثة وقيل أنه تغير باخره مولاهم ولم يكن ذلك منه
قوله: (نهى أن ينتبذ البسر والرطب جميعا) وفي رواية لمسلم نهى أن يخلط الزبيب والتمر
والبسر والتمر وفي أخرى له لا تجمعوا بين الرطب والبسر وبين الزبيب والتمر نبيذا قال
النووي هذه الأحاديث صريحة في النهي عن انتباذ الخليطين وشربهما وهما تمر وزبيب أو تمر
ورطب أو تمر وبسر أو رطب وبسر أو زهو وواحد من هذه المذكورات ونحو ذلك قال
أصحابنا وغيرهم من العلماء سبب الكراهة فيه أن الاسكار يسرع إليه بسبب الخلط قبل أن يتغير
طعمه فيظن الشارب أنه ليس مسكرا ويكون مسكرا ومذهبنا ومذهب الجمهور أن هذا النهي
لكراهة التنزيه ولا يحرم ذلك ما لم يصر مسكرا وبهذا قال جماهير العلماء وقال بعض المالكية
هو حرام وقال أبو حنيفة وأبو يوسف في روايته عنه لا كراهة فيه ولا بأس به لأن ما
حل مفردا حل مخلوطا وأنكر عليه الجمهور وقالوا منابذة لصاحب الشرع فقد ثبت الأحاديث الصحيحة
الصريحة في النهي عنه فإن لم يكن حراما كان مكروها واختلف أصحاب مالك في أن النهي هل
يختص بالشرب أم يعمه وغيره والأصح التعميم أما خلطهما لا في الانتباذ بل في معجون وغير
506

فلا بأس به انتهى كلام النووي وقال العيني في شرح البخاري هذه جرأة شنيعة على إمام أجل
من ذلك وأبو حنيفة لم يكن قال ذلك برأيه وإنما مستنده في ذلك أحاديث منها ما رواه أبو داود عن
عبد الله الجربي عن مسعر عن موسى بن عبد الله عن امرأة من بني أسد عن عائشة رضي الله تعالى
عنها أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان ينبذ له زبيب فيلقى فيه تمر أو تمر فيلقى فيه
زبيب وروى أيضا عن زياد الحساني حدثنا أبو بحر حدثنا عتاب بن عبد العزيز حدثتني صفية
بنت عطية قالت دخلت مع نسوة من عبد القيس على عائشة رضي الله عنها فسألنا عن التمر
والزبيب فقالت كنت آخذ قبضة من تمر وقبضة من زبيب فألقيه في الإناء فأمرسه ثم أسقيه
النبي صلى الله عليه وسلم وروى محمد بن الحسن في كتاب الآثار أخبرنا أبو حنيفة عن أبي إسحاق وسليمان
الشيباني عن ابن زياد أنه أفطر عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فسقاه شرابا فكأنه أخذ منه
فلما أصبح غدا إليه فقال له ما هذا الشراب ما كدت أهتدي إلى منزلي فقال ابن عمر ما زدناك
على عجوة وزبيب
فإن قلت قال ابن حزم في الحديث الأول لأبي داود امرأة لا تسم وفي الثاني أبو بحر لا
يدري من هو عن عتاب وهو مجهول عن صفية ولا يدري من هي
قلت: هذه ثلاثة أحاديث يشد بعضها بعضا انتهى كلام العيني
قلت: في سند حديث عائشة الأول امرأة مجهولة وفي سند حديثها الثاني صفية بنت عطية
وهي أيضا مجهولة وفي أبو بحر عبد الرحمن بن عثمان قال المنذري لا يحتج بحديثه وأما
الحديث الثالث فليس بمرفوع فكيف يقال إن هذه الأحاديث يشد بعضها بعضا ولو سلم أن
بعضها يشد بعضا فغاية ما فيها أنها تدل على مطلق الجواز فهي قرينة على أن النهي في حديث جابر
وما في معناه من الأحاديث الصحيحة المرفوعة محمول كراهة التنزيه ولذلك ذهب الجمهور
إلى الكراهة التنزيهية ولذلك أنكروا على الامام أبي حنيفة رحمه الله تعالى في قوله بالجواز بلا كراهة
فاعتراض العيني على النووي بقوله هذه جرأة شنيعة الخ ليس مما ينبغي
قوله: (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة بزيادة
قوله: (حدثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن سليمان التيمي) هو ابن طرخان (عن أبي
نضرة) هو العبدي
507

قوله: (نهى عن البسر والتمر أن يخلط بينهما) يعني في الانتباذ وفي رواية لمسلم من شرب
النبيذ منكم فليشربه زبيبا فردا أو تمرا فردا أو بسرا فردا
قوله: (وفي الباب عن أنس وجابر وقتادة وابن عباس وأم سلمة ومعبد بن كعب عن
أمه) أما حديث أنس فأخرجه أحمد والنسائي عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجمع بين
شيئين نبيذا يبغي أحدهما على صاحبه وأما حديث جابر فأخرجه الجماعة إلا الترمذي
بلفظ نهى أن ينبذ التمر والزبيب جميعا ونهى أن ينبذ الرطب والبسر جميعا قال في
المنتقى بعد ذكره رواه الجماعة إلا الترمذي فإن له منه فصل الرطب والبسر انتهى وأما
حديث أبي قتادة فأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة وأما حديث ابن عباس
فأخرجه مسلم والنسائي وأما حديث أم سلمة فأخرجه أبو داود عن كبشة بنت أبي مريم
قالت: سألت أم سلمة رضي الله تعالى عنها ما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنه قالت كان ينهانا
أن نعجم النوى طبخا أو نخلط الزبيب والتمر وأما حديث معبد بن كعب عن أمه فلينظر من
أخرجه
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم
(باب ما جاء في كراهية الشرب في آنية الذهب والفضة)
قوله: (حدثنا بندار) هو محمد بن بشار (سمعت ابن أبي ليلى) هو عبد الرحمن
قوله: (إن حذيفة استسقى) وفي رواية البخاري كان حذيفة بالمدائن فاستسقى والمدائن
508

اسم بلفظ الجمع هو بلد عظيم على دجلة بينها وبين بغداد سبعة فراسخ وكان حذيفة رضي الله
عنه عاملا عليها في خلافة عمر ثم عثمان إلى أن مات بعد قتل عثمان (فأتاه إنسان) وفي رواية
للبخاري فأتاه دهقان وفي رواية أخرى له فسقاه مجوسي قال الحافظ لم أقف على اسمه بعد
البحث (فرماه به) وفي رواية فرمى به في وجهه (وقال إني كنت قد نهيته فأبى أن ينتهي) وفي رواية
للبخاري فقال إني لم أرمه إلا أني نهيته فلم ينته (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب في آنية
الذهب والفضة) كذا وقع في معظم الروايات عن حذيفة الاقتصار على الشرب ووقع عند أحمد
عن طريق مجاهد عن ابن أبي ليلى بلفظ نهى أن يشرب في آنية الذهب والفضة وأن يؤكل فيها
(ولبس الحرير والديباج) قال في النهاية الديباج هو الثياب المتخذة من الإبريسم فارسي معرب
وقد تفتح داله ويجمع على ديباج ودبابيج بالياء والباء لأن أصله دباج انتهى قيل الديباج نوع
من الحرير مختص بهذا الاسم فتخصيصه لئلا يتوهم عدم دخوله فيه (وقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم
(هي لهم) أي للكفار (في الدنيا ولكم في الآخرة) ليس المراد بقوله هي لهم في الدنيا إباحة
استعمالهم إياها وإنما المعنى هم الذين يستعملونها مخالفة لزي المسلمين وكذا قوله ولك في
الآخرة أي تستعملونها مكافأة لكم على تركها في الدنيا ويمنع أولئك جزاء لهم على معصيتهم
باستعمالها قاله الإسماعيلي قال الحافظ ويحتمل أن يكون فيه إشارة إلى أن الذي يتعاطى ذلك
في الدنيا لا يتعاطاه في الآخرة كما في شرب الخمر انتهى
قوله: (وفي الباب عن أم سلمة والبراء وعائشة) أما حديث أم سلمة فأخرجه الشيخان
عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم وفي رواية
لمسلم إن الذي يأكل ويشرب في آنية الفضة والذهب كذا في المشكاة وأما حديث البراء فأخرجه
الشيخان أيضا عنه قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع أمرنا بعيادة المريض الحديث
وفيه ونهانا عن خواتيم الذهب وعن الشرب في الفضة الخ وأما حديث عائشة فأخرجه أحمد
وابن ماجة بنحو حديث أم سلمة وفي الباب أيضا عن أبي هريرة وابن عمر ذكر حديثيهما
المنذري في كتابه الترغيب والترهيب أحاديث الباب تدل على تحريم الأكل والشرب في انية
الذهب والفضة على كل مكلف رجلا كان أو امرأة ولا يلتحق ذلك بالحلى للنساء لأنه ليس من
509

التزين الذي أبيح لها في شئ قال القرطبي وغيره في الحديث تحريم استعمال أواني الذهب
والفضة في الأكل والشرب ويلحق بهما ما في معناهما مثل الطيب والتكحل وسائر وجود
الاستعمالات وبهذا قال الجمهور كذا في فتح الباري
قلت: وقد أجاز الأمير والقاضي الشوكاني استعمال الأواني من الفضة في غير الأكل
والشرب كالتطيب والتكحل وغير ذلك قال الأمير في السبل الحديث دليل على تحريم الأكل
والشرب في آنية الذهب والفضة وصحافهما سواء أكان الاناء خالصا ذهبا أو مخلوطا بالفضة إذ هو
مما يشمله أنه إناء ذهب وفضة قال وهذا في الأكل والشرب فيما ذكر لا خلاف فيه وأما غيرهما
ففيها الخلاف من سائر الاستعمالات قيل لا تحرم لأن النص لم يرد إلا في الأكل والشرب وقيل
تحرم سائر الاستعمالات إجماعا ونازع في الأخير بعض المتأخرين وقال النص في الأكل والشرب لا
غير وإلحاق سائر الاستعمالات بهما قياسا لا يتم فيه شرائط القياس والحق ما ذهب إليه القائل
بعدم تحريم غير الأكل والشرب فيهما إذ هو الثابت بالنص ودعوى الاجماع غير صحيحة انتهى
كلام صاحب السبل مختصرا
قال الشوكاني في النيل ولا شك أن أحاديث الباب تدل على تحريم الأكل والشرب وأما
سائر الاستعمالات فلا والقياس على الأكل والشرب قياس مع الفارق فإن علة النهي عن الأكل
والشرب هي التشبه بأهل الجنة حيث يطاف عليه بآنية من فضة وذلك مناط معتبر للشارع كما
ثبت عنه لما رأى رجلا متختما بخاتم من ذهب فقال مالي أرى عليك حلية أهل الجنة أخرجه
الثلاثة من حديث بريدة وكذلك في الحرير وغيره وإلا لزم تحريم التحلي بالحلي والافتراش
للحرير لأن ذلك استعمال وقد جوزه البعض من القائلين بتحريم الاستعمال والحاصل أن الأصل
الحل فلا تثبت الحرمة إلا بدليل يسلمه الخصم ولا دليل في المقام بهذه الصفة فالوقوف على
ذلك الأصل المعتضد بالبراءة الأصلية هو وظيفة المنصف الذي لم يخبط بسوط هيبة الجمهور لا سيما
وقد أيد هذا الأصل حديث ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها لعبا أخرجه أحمد وأبو داود
ويشهد له ما سلف أن أم سلمة جاءت بجلجل من فضة فيه شعر من شعر رسول الله
فخضخضت الحديث انتهى كلام الشوكاني باختصار
قلت: أثر أم سلمة في استعمالها الجلجل من الفضة أخرجه البخاري
عن عثمان بن
عبد الله بن موهب قال أرسلني أهلي إلى أم سلمة بقدح من ماء فجاءت بجلجل من فضة فيه شعر من
شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا أصاب الانسان عين أو شئ بعث إليها بإناء فخضخضت
له فشرب منه فاضطلعت في الجلجل فرأيت شعرات حمرا قال الكرماني ويحمل على أنه كان
510

مموها بفضة لا أنه كان كله فضة قال الحافظ وهذا ينبئ على أن أم سلمة كانت لا تجيز استعمال
آنية الفضة في غير الأكل والشرب ومن أين له ذلك فقد أجاز ذلك جماعة من العلماء قال
الشوكاني والحق الجواز في الأكل والشرب لأن الأدلة لم تدل على غيرها بين الحالتين انتهى
قلت: وأما قول الشوكاني بأنه قد أيد هذا الأصل حديث ولكن عليكم بالفضلة فالعبوا بها
لعبا ففيه نظر ظاهر قد بينا ذلك في أواخر أبواب اللباس
قوله: (هذا حديث صحيح حسن) أخرجه الأئمة الستة
(باب ما جاء في النهي عن الشرب قائما)
قوله: (عن سعيد) هو ابن أبي عروبة
قوله: (فقيل الأكل قال ذاك أشد) وفي رواية مسلم قال قتادة فقلنا فالأكل فقال ذاك
أشر أو أخبث وسيأتي الجمع بينه وبين ما يخالفه في الباب الذي يليه
قوله: (هذا حديث صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم
قوله: (حدثنا خالد بن الحارث) هو الهجيمي أبو عثمان البصري (عن سعيد) هو ابن أبي
عروبة (عن أبي مسلم الجذمي) بالجيم المعجمة مقبول من الثالثة (عن الجارود بن العلاء) قال في
التقريب الجارود العبدي اسمه بشر واختلف في اسم أبيه فقيل المعلى أو العلاء وقيل عمرو
صحابي جليل استشهد سنة إحدى وعشرين
قوله: (نهى عن الشرب قائما) أي نهى تنزيه كما سيتضح لك
511

قوله: (وفي الباب عن أبي سعيد وأبي هريرة وأنس) أما حديث سعيد فأخرجه أحمد
ومسلم بلفظ نهى عن الشرب قائما وفي رواية لمسلم زجر عن الشرب قائما وأما حديث أبي
هريرة فأخرجه مسلم عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يشربن أحد منكم قائما فمن نسي
فليستق وأما حديث أنس فأخرجه مسلم وأبو داود بلفظ زجر عن الشرب قائما
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الطحاوي في معاني الآثار (وهكذا روى غير
واحد هذا الحديث عن سعيد عن قتادة عن أبي سليم عن جارود عن النبي صلى الله عليه وسلم) يعني بغير واسطة
بين قتادة وبين أبي مسلم (وروى عن قتادة عن يزيد بن عبد الله بن الشخير عن أبي مسلم عن
الجارود) يعني بذكر واسطة يزيد بن عبد الله بين قتادة وبين أبي مسلم ولا يلزم من هذا انقطاع
حديث الجارود في النهي عن الشرب قائما المذكور في الباب فإن الظاهر أن قتادة سمع حديث
النهي عن الشرب قائما من أبي مسلم بغير واسطة وروى حديث الضالة عن أبي مسلم بواسطة
يزيد بن عبد الله وقتادة كما يروى عن يزيد بن عبد الله كذلك يروى عن أبي مسلم أيضا قال
الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة أبي مسلم الجذمي روى عن الجارود العبدي وغيره وعنه
مطرف وأبو العلاء يزيد ابنا عبد الله بن الشخير وقتادة وغيرهم وقال في ترجمة يزيد بن
عبد الله بن الشخير روى عنه قتادة وغيره
قوله: (ضالة المسلم) في النهاية هي الضائعة من كل ما يقتنى من الحيوان وغيره يقال
ضل الشئ إذا ضاع وهي في الأصل فاعلة ثم اتسع فيها فصارت من الصفات الغالبة وتقع على
الذكر والأنثى والانثين والجمع ويجمع على ضوال والمراد بها في هذا الحديث الضالة من الإبل
والبقر مما يحمى نفسه ويقدر على الإبعاد في طلب المرعى والماء بخلاف الغنم (حرق النار) بفتح
الحاء والراء قد يسكن لهبها أي أن ضالة المؤمن إذا أخذها إنسان ليتملكها أدته إلى النار كذا في
النهاية وحديث الجارود هذا أخرجه أحمد والنسائي وابن حبان والدارمي
512