الكتاب: شرح سنن النسائي
المؤلف: جلال الدين السيوطي
الجزء: ٤
الوفاة: ٩١١
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

سنن النسائي
بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي
الجزء الرابع
صححت هذه الطبعة بمعرفة أفاضل العلماء وقوبلت على عدة نسخ
وقرأت في المرة على حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الكبير
الشيخ حسن محمد المسعودي
المدرس بالقسم العالي بالأزهر
حقوق الطبع محفوظة
دار
احياء التراث العربي
بيروت - لبنان
1

كتاب الجنائز لا يتمنين أحدكم الموت اما محسنا فلعله أن يزداد خيرا وإما مسيئا فلعله أن يستعتب أي يرجع
2

عن الإساءة ويطلب الرضا قال بن مالك محسنا ومسيئا خبر يكون مضمرة
3

أكثروا من ذكر هاذم اللذات بالذال المعجمة بمعنى قاطع
4

لقنوا أمواتكم لا إله إلا الله قال القرطبي أي قولوا ذلك وذكروهم به عند الموت قال وسماهم
موتى لان الموت قد حضرهم وقال النووي معناه من حضره الموت والمراد ذكروه لا إله إلا الله
ليكون آخر كلامه كما في الحديث من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة
5

المؤمن يموت بعرق الجبين قال العراقي في شرح الترمذي اختلف في معنى هذا الحديث
فقيل إن عرق الجبين يكون لما يعالج من شدة الموت وعليه يدل حديث بن مسعود قال أبو عبد الله
القرطبي وفي حديث بن مسعود موت المؤمن بعرق الجبين يبقى عليه البقية من الذنوب فيجازي
بها عند الموت أو يشدد ليتمحص عنه ذنوبه هكذا ذكره في التذكرة ولم ينسبه إلى من خرجه
من أهل الحديث وقيل أن عرق الجبين يكون من الحياء وذلك أن المؤمن إذا جاءته البشرى مع
ما كان قد اقترف من الذنوب حصل له بذلك خجل واستحياء من الله تعالى فيعرق بذلك جبينه قال
القرطبي في التذكرة قال بعض العلماء إنما يعرق جبينه حياء من ربه لما اقترف من مخالفته لان
ما سفل منه قد مات وإنما بقيت قوى الحياة وحركاتها فيما علاه والحياء في العينين فذاك وقت
الحياء والكافر في عمى من هذا كله والموحد المعذب في شغل عن هذا بالعذاب الذي قد حل
به وإنما العرق الذي يظهر لمن حلت به الرحمة فإنه ليس من ولي ولا صديق ولا بر الا وهو
مستح من ربه مع البشرى والتحف والكرامات قال العراقي ويحتمل أن عرق الجبين علامة
جعلت لموت المؤمن وان لم يعقل معناه
6

حاقنتي هي الوهدة المنخفضة بين الترقوتين من الحلق وذاقنتي بالذال المعجمة الذقن وقيل طرف
الحلقوم وقيل ما يناله الذقن من الصدر وألقى السجف بكسر المهملة وسكون الجيم وفاء الستر
7

وقيل لا يسمى سجفا الا أن يكون مشقوق الوسط كالمصراعين
8

إذا طمح البصر أي امتد وعلا وحشرج الصدر قال في النهاية الحشرجة الغرغرة
9

عند الموت وتردد النفس
10

بالسنح بضم السين والنون وقيل بسكونها موضع بعوالي المدينة مسجى أي مغطى ببرد
حبرة قال في النهاية بوزن عنبة على الوصف والإضافة وهو برد يماني والجمع حبر وحبرات
11

والمبطون شهيد قال في النهاية أي الذي يموت بمرض بطنه كالاستسقاء ونحوه وقيل
أراد هنا النفاس وهو أظهر قال البيضاوي من مات بالطاعون أو بوجع البطن ملحق
بمن قتل في سبيل الله لمشاركته إياه في بعض ما يناله من الكرامة بسبب ما كابده من الشدة
لا في جملة الاحكام والفضائل وصاحب ذات الجنب قال في النهاية هي الدبيلة والدمل الكبيرة
التي تظهر في باطن الجنب وتنفجر إلى داخل وقلما يسلم صاحبها وصارت ذات الجنب علما لها
وان كانت في الأصل صفة مضافة والمرأة تموت بجمع شهيدة قال في النهاية قيل هي التي تموت
وفي بطنها ولد وقيل هي التي تموت بكرا والجمع بالضم بمعنى المجموع كالذخر بمعنى المذخور وكسر
14

الكسائي الجيم والمعنى أنها ماتت مع شئ مجموع فيها غير منفصل عنها من حمل أوب بكارة من
صئر الباب أي شق الباب قال فانطلق فاحث في أفواههن التراب يؤخذ من هذا أن التأديب
15

يكون بمثل هذا ونحوه وهذا إرشاد عظيم قل من يتفطن له لا إسعاد في الاسلام قال في
النهاية هو إسعاد النساء في المناحات أن تقوم المرأة فتقوم معها أخرى من جاراتها فتساعدها على
النياحة وقيل كان نساء الجاهلية تسعد بعضهن بعضا على ذلك قال الخطابي الاسعاد خاص في هذا
المعنى وأما المساعدة فعامة في كل معونة يقال أنها من وضع الرجل يده على ساعد صاحبه إذا
16

تماشيا في حاجة
17

سلق قال في النهاية أي رفع صوته عند المصيبة وقيل هو أن تصك المرأة وجهها وتمرشه والأول أصح
20

أرسلت بنت النبي صلى الله عليه وسلم إليه هي زينب كما في رواية بن أبي شيبة في المصنف
أن ابنا لي قبض قال الحافظ شرف الدين الدمياطي هو علي بن أبي العاص بن الربيع وقيل
البنت فاطمة والابن المذكور محسن ونفسه تتقعقع القعقعة حكاية صوت الشن اليابس
إذا حرك شبه البدن بالجلد اليابس الخلق وحركة الروح فيه بما يطرح في الجلد من حصاة ونحوها
الصبر عند الصدمة الولي قال الخطابي المعنى أن الصبر الذي يحمد عليه صاحبه ما كان عند
مفاجأة المصيبة بخلاف ما بعد ذلك فإنه على الأيام يسلو
22

ما من مسلم يتوفى له بضم أوله ثلاثة لم يبلغوا الحنث بكسر الحاء المهملة وسكون النون ومثلثة
وحكى بن قرقول عن الداودي أنه ضبطه بفتح الخاء المعجمة والموحدة وفسره بأن المراد لم يبلغوا أن
يعملوا المعاصي قال ولم يذكره كذلك غيره والمحفوظ الأول والمعنى لم يبلغوا الحلم فتكتب
عليهم الآثام قال الخليل بلغ الغلام الحنث أي جرى عليه القلم والحنث الذنب وقيل المراد بلغ إلى
زمان يؤاخذ بيمينه إذا حنث وقال الراغب عبر بالحنث عن البلوغ لما كان الانسان يؤاخذ
بما يرتكبه فيه بخلاف ما قبله وخص الاثم بالذكر لأنه الذي يحصل بالبلوغ لان الصبي قد يثاب
وخص الصغير بذلك لان الشفقة عليه أعظم والحب له أشد والرحمة له أوفر وعلى هذا فمن بلغ
الحنث لا يحصل لمن فقده ما ذكره من هذا الثواب وإن كان في فقد الولد أجر في الجملة وبهذا صرح
كثير من العلماء وفرقوا بين البالغ وغيره بأنه يتصور منه العقوق المقتضى لعدم الرحمة بخلاف الصغير
وقال الزين بن المنير بل يدخل الكبير في ذلك من طريق الفحوى لأنه إذا ثبت ذلك في الطفل الذي هو
24

كل على أبويه فكيف لا يثبت في الكبير الذي بلغ معه السعي ووصل له منه إليه النفع وتوجه إليه الخطاب
بالحقوق إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم أي بفضل رحمة الله للأولاد كما صرح في رواية بن ماجة
لا يموت لاحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار بالنصب في جواب النفي الا تحلة
القسم بفتح المثناة وكسر المهملة وتشديد اللام أي ما ينحل به القسم وهو اليمين قال الجمهور
25

والمراد بذلك قوله تعالى وإن منكم الا واردها قال الخطابي معناه لا يدخل النار ليعاقب بها ولكنه
يدخلها مجتازا ولا يكون ذلك الجواز الا قدر ما تحلل به اليمين وقيل لم يعن به قسم بعينه وإنما
معناه التقليل لامر ورودها وهذا اللفظ يستعمل في هذا تقول ما ينام فلان الا كتحليل الآلية
وتقول ما ضر به الا تحليلا إذا لم يبالغ في الضرب الا قدرا يصيبه منه مكروه لقد احتظرت
بحظار شديد من النار أي احتميت منها بحمى عظيم يقيك حرها ويؤمنك دخلوها تذرفان
26

بكسر الراء تسيلان يقال ذرفت العين بذال معجمة وراء مفتوحة وفاء أي جرى دمعها نعى
لهم النجاشي قال الزركشي فيه ثلاث لغات تشديد الياء مع فتح النون وكسرها وتخفيف
الياء مع فتح النون حكاه صاحب ديوان الأدب واسمه أصحمة لعلك بلغت معهم الكدى
قال في النهاية أراد المقابر وذلك لان مقابرهم كانت في مواضع صلبة وهي
جمع كدية وترؤ بالراء جمع كرية أو كروة من كريت الأرض وكروتها إذا حفرتها كالحفرة من حفرت لو بلغتها معهم
ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك أقول لا دلالة في هذا على ما توهمه المتوهمون لأنه لو مشت
امرأة مع جنازة إلى المقابر لم يكن ذلك كفرا موجبا للخلود في النار كما هو واضح وغاية ما في ذلك
27

أن يكون من جملة الكبائر التي يعذب صاحبها ثم يكون آخر أمره إلى الجنة وأهل السنة يؤولون
ما ورد من الحديث في أهل الكبائر أنهم لا يدخلون الجنة والمراد لا يدخلونها مع السابقين الذين
يدخلونها أولا بغير عذاب فأكثر ما يدل الحديث المذكور على أنها لو بلغت معهم الكدى لم تر
الجنة مع السابقين بل يتقدم ذلك عذاب أو شدة أو ما شاء الله من أنواع المشاق ثم يؤول أمرها إلى
دخول الجنة قطعا ويكون المعنى به كذلك لا ترى الجنة مع السابقين بل يتقدم ذلك الامتحان
وحده أو مع مشاق آخر ويكون معنى الحديث لم تر الجنة حتى يأتي الوقت الذي يراها فيه
جد أبيك فترينها حينئذ فتكون رؤيتك لها متأخرة عن رؤية غيرك من السابقين لها هذا مدلول
الحديث لا دلالة له على قواعد أهل السنة غير ذلك والذي سمعته من شيخنا شيخ الاسلام شرف الدين
المناوي وقد سئل عن عبد المطلب فقال هو من أهل الفترة الذين لم تبلغ لهم الدعوة وحكمهم في
المذهب معروف أن أم عطية الأنصارية قالت دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين
توفيت ابنته قال النووي هي زينب هكذا قال الجمهور وقال بعض أهل السير أنها أم كلثوم
28

والصواب زينب
29

فألقى إلينا حقوه هي في الأصل معقد الإزار ثم أريد بها الإزار للمجاورة وهو بفتح الحاء ويكسر
في لغة أشعرنها إياه أي جعلنه شعارها أي الثوب الذي يلي جسدها
30

إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه قال النووي في شرح المهذب هو بفتح الفاء كذا ضبطه الجمهور
وحكى القاضي عياض عن بعض الرواة إسكان الفاء أي فعل التكفين من الاسباغ والعموم والأول
هو الصحيح أي يكون الكفن حسنا قال أصحابنا والمراد بتحسينه بياضه ونظافته وسبوغه وكثافته
33

لا كونه ثمينا لحديث النهي عن المغالاة وفي كامل بن عدي من حديث أبي هريرة مثله وفي شعب
الايمان للبيهقي عن أبي قتادة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ولى أحدكم أخاه
فليحسن كفنه فإنهم يتزاورون في قبورهم وفي الضعفاء للعقيلي من حديث أنس مرفوعا إذا ولى أحدكم أخاه فليحسن
كفنه فإنهم يتزاورون في أكفانهم قال البيهقي بعد تخريج حديث أبي قتادة وهذا لا يخالف
قول أبي بكر الصديق في الكفن إنما هو للمهلة يعني الصديد لان ذلك في رؤيتنا ويكون كما شاء الله
في علم الله كما قال في الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون وهم كما تراهم يتشحطون في الدماء ثم يتفتتون
وإنما يكونون كذلك في رؤيتنا ويكونون في الغيب كما أخبر الله تعالى عنهم ولو كانوا في رؤيتنا
كما أخبر الله تعالى عنهم لارتفع الايمان بالغيب قلت لكن يحتاج إلى الجمع بين هذا وبين ما أخرجه
أبو داود عن علي بن أبي طالب قال لا تغالوا في كفني فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
لا تغالوا في الكفن فإنه يسلبه سلبا سريعا وأخرج بن أبي الدنيا عن يحيى بن راشد أن عمر بن الخطاب
قال في وصيته اقصدوا في كفني فإنه إن كان لي عند الله خير أبدلني ما هو خير منه وإن كان على غير
ذلك سلبني وأسرع وأخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد الزهد عن عبادة بن نسي قال لما
حضرت أبا بكر الوفاة قال لعائشة اغسلي ثوبي هذين وكفنيني بهما فإنما أبوك أحد رجلين
إما مكسو أحسن الكسوة أو مسلوب أسوأ السلب وأخرج بن سعد وابن أبي شيبة وسعيد بن
منصور وابن أبي الدنيا والحاكم والبيهقي من طرق عن حذيفة أنه قال عند موته اشتروا لي ثوبين
34

أبيضين ولا عليكم أن لا تغالوا فإنهما لم يتركا علي إلا قليلا حتى أبدل بهما خيرا منهما أو شرا منهما
وقد يجمع باختلاف أحوال الأموات فمنهم من يعجل له الكسوة لعلو مقامه كأبي بكر وعمر وعلي
وحذيفة ومن جرى مجراهم من الأعلين ومنهم من لم يبلغ هذا المقام وهو من المسلمين فيستمر في
أكفانه ويتزاورون فيها كما يقع ذلك في الموقف أنه يعجل الكسوة لأقوام ويؤخر آخرون
كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب في طبقات بن سعد إزار ورداء ولفافة
سحولية هو بضم أوله ويروى بفتحه لنسبته إلى سحول قرية باليمن وقال الأزهري بالفتح
المدينة وبالضم الثياب وقيل النسب إلى القرية بالضم وأما بالفتح فنسبة إلى القصار لأنه يسحل
الثياب أي ينقيها ووقع في رواية البيهقي سحولية جدد ليس فيها قميص ولا عمامة قال العراقي
في شرح الترمذي فيه حجة على أبي حنيفة ومالك ومن تابعهما في استحبابهم القميص والعمامة
في تكفين الميت وحملوا الحديث على أن المراد ليس القميص والعمامة من جملة الأثواب الثلاثة
وإنما هما زائدان عليها وهو خلاف ظاهر الحديث بل المراد أنه لم يكن في الثياب التي كفن فيها
35

قميص ولا عمامة مطلقا وهكذا فسره الجمهور يمانية بتخفيف الياء منسوب إلى اليمن والأصل
يمنية بالتشديد خفف بحذف إحدى ياءي النسب وعوض منها الألف كرسف بضم
الكاف والمهملة بينهما راء ساكنة هو القطن برد حبرة قال العراقي روى بالإضافة
والقطع حكاهما صاحب النهاية والأول هو المشهور وحبرة بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة
على وزن عنبة ضرب من البرود اليمانية قال الأزهري وليس حبرة موضعا أو شيئا معلوما إنما
هو شئ كقولك ثوب قرمز والقرمز صبغة وذكر الهروي في الغريبين أن برود حبرة هي ما كان
موشى مخططا لما مات عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اعطني قميصك
حتى أكفنه فيه وصل عليه واستغفر له فأعطاه قميصه قال الحافظ بن حجر يخالفه ما في حديث
36

جابر بعده حيث قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم قبر عبد الله بن أبي وقد وضع في حفرته فوقف
عليه فأمر به فأخرج له فوضعه على ركبتيه وألبسه قميصه قال وقد جمع بينهما بأن معنى قوله
في الحديث الأول فأعطاه قميصه أي أنعم له بذلك فأطلق على العدة اسم العطية مجازا لتحقق وقوعها
وقيل أعطاه أحد قميصيه أولا ثم أعطاه الثاني بسؤال ولده وفي الا كليل للحاكم ما يؤيد ذلك وقيل
ليس في حديث جابر دلالة على أنه ألبسه قميصه بعد إخراجه من قبره لان الواو لا ترتب فلعله
أراد أن يذكر ما وقع في الجملة من إكرامه له من غير إرادة ترتيب فجذبه عمر وقال قد نهاك الله
أن تصلي على المنافقين قال الحافظ بن حجر استشكل بأن نزول قوله تعالى ولا تصل على
أحد منهم مات أبدا كان بعد ذلك كما في سياق هذا الحديث فأنزل الله ولا تصل على أحد
منهم مات أبدا ولا تقم على قبره فترك الصلاة عليهم وقال محصل الجواب أن عمر فهم من قوله
37

فلن يغفر الله لهم منع الصلاة عليهم فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن لا منع وأن الرجاء لم ينقطع
بعد لم يأكل من أجره شيئا كناية عن الغنائم التي تناولها من أدرك زمن الفتوح
38

أينعت بفتح الهمزة وسكون التحتية وفتح النون أي نضجت يهدبها بفتح أوله وكسر المهملة
أي يجتنيها وضبطه النووي بكسر الدال وحكى بن التين تثليثها ولا تمسوه بضم أوله وكسر الميم
من أمس ولا تخمروا رأسه أي لا تغطوه قال مالك وأبو حنيفة هذا الحديث خاص بالاعرابي
39

بعينه وأما غيره فيفعل بالمحرم ما يفعل بالحلال فيغطي رأسه ويقرب طيبا
40

إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال قدموني قال ظاهره أن قائل ذلك هو الجسد المحمول على
الأعناق وقال بن بطال إنما يقول ذلك الروح ورده بن المنير بأن لا مانع أن يرد الله الروح إلى الجسد
في تلك الحال فيكون ذلك زيادة في بشرى المؤمن وبؤس الكافر وقال بن بزيزة قوله في آخر الحديث
إذا وضعت الجنازة قال الحافظ بن حجر يحتمل أن يريد بالجنازة نفس الميت وبوضعه جعله
في السرير ويحتمل أن يريد السرير والمراد وضعها على الكتف والأول أولى لقوله بعد ذلك فإن
كانت صالحة قالت فإن المراد الميت ويؤيده ما في حديث أبي هريرة قبله يسمع صوتها كل شئ دال
على أن ذلك بلسان المقال لا بلسان الحال ولو سمعها الانسان لصعق أي لغشي عليه من شدة
41

ما يسمعه وهو راجع إلى الدعاء بالويل أي يصيح بصوت منكر لو سمعه الانسان لغشي عليه قال بن بزيزة
هو مختص بالميت الذي هو غير صالح وأما الصالح فمن شأنه اللطف والرفق في كلامه فلا يناسب
الصعق من سماع كلامه قال الحافظ بن حجر ويحتمل أن يحصل الصعق من سماع كلام الصالح
لكونه غير مألوف وقد روى أبو القاسم بن منده هذا الحديث في كتابه الأهوال بلفظ لو سمعه
الانسان لصعق منه المحسن والمسئ فإن كان المراد به المفعول دل على وجود الصعق عند كلام الصالح
أيضا أسرعوا بالجنازة أي بحملها إلى قبرها وقيل المعنى الاسراع بتجهيزها وعلى الأول
المراد بالاسراع شدة المشي قال القرطبي مقصود الحديث أن لا يتباطأ بالميت عن الدفن لان البطء
ربما أدى إلى التباهي والاختيال فخير خبر مبتدأ محذوف أي فهو خير أو مبتدأ خبره محذوف
42

أي فلها خير أو فهناك خير إذا مرت بكم جنازة فقوموا فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع قال
القاضي عياض اختلف الناس في هذه المسألة فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي القيام منسوخ وقال
أحمد وإسحاق وابن حبيب وابن الماجشون المالكيان هو مخير قال واختلفوا في قيام من يشيعها
عند القبر فقال جماعة من الصحابة والسلف لا يقعد حتى توضع قالوا والنسخ إنما هو في قيام من
مرت به وبهذا قال الأوزاعي ومحمد بن الحسن وقال النووي المشهور في مذهبنا أن القيام
ليس مستحبا وقالوا هو منسوخ بحديث علي واختار المتولي من أصحابنا أنه مستحب وهذا هو
المختار فيكون الامر به للندب والقعود بيانا للجواز ولا يصح دعوى النسخ في مثل هذا لان
43

النسخ إنما يكون إذا تعذر الجمع بين الأحاديث ولم يتعذر إذا رأيتم الجنازة فقوموا حتى تخلفكم
بضم أوله وفتح المعجمة وتشديد اللام المكسورة أي تترككم وراءها ونسبة ذلك إليها على سبيل
44

المجاز لان المراد حاملها أنه من أهل الأرض أي من أهل الذمة وقيل لهم ذلك لان المسلمين
45

لما فتحوا البلاد أقروهم على عمل الأرض وحمل الخراج إن للموت فزعا قال القرطبي معناه ان
الموت يفزع إليه إشارة إلى استعظامه ومقصود الحديث أن لا يستمر الانسان على الغفلة بعد
رؤية الميت لما يشعر ذلك من التساهل بأمر الموت فمن ثم استوى فيه الميت مسلما أو غير مسلم
وقال غيره جعل نفس الموت فزعا مبالغة كما يقال رجل عدل وقال البيضاوي هو مصدر
46

جرى مجرى الوصف للمبالغة أو فيه تقدير أي الموت ذو فزع قال الحافظ بن حجر ويؤيد الثاني
رواية بن ماجة ان للموت فزعا وفيه تنبيه على أن تلك الحال ينبغي لمن رآها أن يقلق من أجلها
47

ويضطرب ولا يظهر منه عدم الاحتفال والمبالاة بن حلحلة بمهملتين مفتوحتين ولامين الأولى
ساكنة والثانية مفتوحة مر عليه بجنازة فقال مستريح ومستراح منه الواو بمعنى
أو أو هي للتقسيم وقال أبو البقاء في اعرابه التقدير الناس أو الموتى مستريح ومستراح منه
48

العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا هو التعب وزنا ومعنى وأذاها من عطف
العام على الخاص والعبد الفاجر قال بن التين يحتمل ان يريد به الكافر ويحتمل أن يدخل
فيه العاصي قال وكذا قوله المؤمن يحتمل أن يريد به التقى خاصة ويحتمل كل مؤمن يستريح
منه العباد والبلاد والشجر والدواب قال النووي أما استراحة العباد فمعناه اندفاع أذاه عنهم
وأذاه يكون من وجوه منها ظلمه لهم ومنها ارتكابه للمنكرات فإن أنكروها قاسوا مشقة من
ذلك وربما نالهم ضرر وإن سكتوا عنه أثموا واستراحة الدواب منه كذلك لأنه يؤذيها
بضربها وتحميلها ما لا تطيقه ويجيعها في بعض الأوقات وغير ذلك واستراحة البلاد والشجر
قال الداودي لأنها تمنع المطر بمعصيته وقال الباجي لأنه يغصبها ويمنعها حقها من الشرب وغيره
من أوصاب الدنيا جمع وصب بفتح الواو والمهملة ثم موحدة وهو دوام الوجع ويطلق
49

أيضا على فتور البدن مر بجنازة فأثنى عليها خيرا الحديث في مسند أحمد أنه صلى الله عليه وسلم
لم يصل على الذي أثنوا عليها شرا وصلى على الآخر أنتم شهداء الله في الأرض أي
المخاطبون بذلك من الصحابة ومن كان على صفتهم من الايمان وحكى بن التين أن ذلك مخصوص
بالصحابة لأنهم كانوا ينطقون بالحكمة بخلاف من بعدهم قال والصواب أن ذلك يختص بالثقات
50

والمتقين أنبأنا عبد الله بن بريدة عن أبي الأسود الديلي قال الحافظ بن حجر لم أره من رواية
عبد الله بن بريدة إلا معنعنا وقد حكى الدارقطني في كتاب التتبع عن علي بن المديني أن بن بريدة
إنما يروى عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود ولم يقل في هذا الحديث سمعت أبا الأسود وابن بريدة
ولد في عهد عمر فقد أدرك أبا الأسود بلا ريب قال أتيت المدينة زاد في رواية البخاري
وقد وقع بها مرض وهم يموتون موتا ذريعا أي سريعا فأثنى على صاحبها خيرا قال الحافظ
بن حجر كذا في جميع الأصول بالنصب وكذا شرا وقد غلط من ضبط أثنى بفتح الهمزة على
البناء للفاعل فإنه في جميع الأصول مبنى للمفعول قال بن التين والصواب بالرفع وفي نصبه بعد
في اللسان ووجهه غيره بأن الجار والمجرور أقيم مقام المفعول الأول وخيرا مقام الثاني وهو
جائز وإن كان المشهور عكسه وقال النووي هو منصوب بنزع الخافض أي أثنى عليها بخير وقال
بن مالك خيرا صفة لمصدر محذوف فأقيمت مقامه فنصبت لان أثنى مسند إلى الجار والمجرور
قال والتفاوت بين الاسناد إلى المصدر والاسناد إلى الجار والمجرور قليل أيما مسلم
شهد له أربعة بالخير أدخله الله الجنة الحديث قال الداودي المعتبر في ذلك شهادة أهل
51

الفضل والصدق لا الفسقة لأنهم قد يثنون على من يكون مثلهم ولا من بينه وبين الميت
عداوة لان شهادة العدو لا تقبل وقال الحافظ بن حجر اقتصار عمر على ذكر أحد الشقين
إما للاختصار وإما لاحالته السامع على القياس والأول أظهر وقال النووي في هذا الحديث
قولان للعلماء أحدهما أن هذا الثناء بالخير لمن أثنى عليه أهل الفضل وكان ثناؤهم مطابقا لأفعاله
فيكون من أهل الجنة فإن لم يكن كذلك فليس هو مرادا بالحديث والثاني وهو الصحيح المختار
أنه على عمومه وإطلاقه وأن كل مسلم مات فألهم الله الناس أو معظمهم الثناء عليه كان ذلك دليلا
على أنه من أهل الجنة سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا لأنه وان لم تكن أفعاله تقتضيه فلا
تحتم عليه العقوبة بل هو في حظر المشيئة فإذا ألهم الله عز وجل عباده الثناء عليه استدللنا بذلك
على أنه سبحانه وتعالى قد شاء المغفرة وبهذا تظهر فائدة أثناء وقوله صلى الله عليه وسلم وجبت
وأنتم شهداء الله في الأرض لو كان لا ينفعه ذلك إلا أن يكون أفعاله تقتضيه لم يكن للثناء فائدة
وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم فائدة لا تذكروا هلكاكم إلا بخير قيل ما الجمع بين
هذا ونحوه وبين الحديث السابق ومر بجنازة فأثنى عليها شرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم
وجبت ولم ينههم عن الثناء بالشر وأجاب النووي بأن النهي عن سب الأموات هو في غير المنافق
والكافر وفي غير المتظاهر بفسق أو بدعة فأما هؤلاء فلا يحرم ذكرهم بالشر للتحذير من طريقهم
52

ومن الاقتداء بآثارهم والتخلق بأخلاقهم قال والحديث الآخر محمول على أن الذي أثنوا عليه شرا
كان مشهورا بنفاق أو نحوه مما ذكرنا يتبع الميت ثلاث أهله وماله وعمله الحديث قال
53

الحافظ بن حجر هذا يقع في الأغلب ورب ميت لا يتبعه إلا عمله فقط والمراد من يتبع جنازته
من أهله ورفيقه ودوابه على ما جرت به عادة العرب وإذا انقضى أمر الحزن عليه رجعوا سواء
54

أقاموا بعد الدفن أم لا ومعنى بقاء عمله أنه يدخل معه القبر من تبع جنازة حتى يصلي عليها كان
له من الاجر قيراط نقل بن الجوزي عن بن عقيل أنه كان يقول القيراط نصف سدس درهم
أو نصف عشر دينار والإشارة بهذا المقدار إلى الاجر المتعلق بالميت في تجهيزه وجميع ما يتعلق به
فللمصلي عليه قيراط من ذلك ولمن يشهد الدفن قيراط وذكر القيراط تقريبا للفهم لما كان
الانسان يعرف القيراط ويعمل العمل في مقابلته وعد من جنس ما يعرف وضرب له المثل بما
يعلم قال الحافظ بن حجر وليس ما قاله ببعيد وقد روى البزار من حديث أبي هريرة مرفوعا
من أتى جنازة في أهلها فله قيراط فإن تبعها فله قيراط فإن صلى عليها فله قيراط فإن انتظرها حتى
تدفن فله قيراط فهذا يدل على أن لكل عمل من أعمال الجنازة قيراطا وان اختلفت مقادير
القراريط ولا سيما بالنسبة إلى مشقة ذلك العمل وسهولته وعلى هذا فيقال إنما خص قيراطي الصلاة
والدفن بالذكر لكونهما المقصودين بخلاف باقي أحوال الميت فإنها وسائل كل واحد منهما
أعظم من أحد قال بن المنير أراد تعظيم الثواب فمثله للعيان بأعظم الجبال خلقا وأكثرها إلى
55

النفوس المؤمنة حبا لأنه الذي قال في حقه إنه جبل يحبنا ونحبه زاد بن حجر ولأنه أيضا قريب
من المخاطبين يشترك أكثرهم في معرفته وقال في حديث واثلة عند بن عدي كتب له قيراطان
من أجر أخفهما في ميزانه يوم القيامة أثقل من جبل أحد قال فأفادت هذه الرواية بيان وجه التمثيل
56

بجبل أحد وأن المراد به زنة الثواب المرتب على ذلك العمل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بصبي من صبيان الأنصار يصلي عليه قالت عائشة رضي الله عنها فقلت طوبى لهذا عصفور من
عصافير الجنة لم يعمل سوءا ولم يدركه قال أو غير ذلك يا عائشة خلق الله الجنة وخلق لها أهلا وخلقهم في أصلاب آبائهم وخلق النار وخلق لها أهلا
وخلقهم في أصلاب آبائهم قال النووي
57

أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة والجواب
عن هذا الحديث أنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير دليل أو قال ذلك قبل أن يعلم أن
أطفال المسلمين في الجنة سئل عن أولاد المشركين فقال الله أعلم بما كانوا عاملين قال
58

بن قتيبة أي لو أبقاهم فلا تحكموا عليهم بشئ وتمسك به من قال إنهم في مشيئة الله تعالى وهو
منقول عن حماد وابن المبارك وإسحاق ونقله البيهقي في الاعتقاد عن الشافعي قال بن عبد البر
وهو مقتضى منع مالك وصرح به أصحابه وقال النووي المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه
المحققون أنهم في الجنة لقوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وإذا كان لا يعذب العاقل
لكونه لم تبلغه الدعوة فلان لا يعذب غير العاقل من باب أولى قال الحافظ بن حجر ويؤيده
ما رواه أبو يعلى من حديث بن عباس مرفوعا أخرجه البزار وروى بن عبد البر من طريق أبي معاذ
عن الزهري عن عائشة قالت سألت خديجة النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال هم مع آبائهم ثم
سألته بعد ذلك فقال الله أعلم بما كانوا عاملين ثم سألته بعدما استحكم الاسلام فنزلت ولا تزر وازرة
وزر أخرى فقال هم على الفطرة أو قال في الجنة وأبو معاذ هو سليمان بن أرقم ضعيف قال البيضاوي
الثواب والعقاب ليسا بالاعمال وإلا لزم أن يكون الذراري لا في الجنة ولا في النار بل الموجب لهما هو
اللطف الرباني والخذلان الإلهي المقدر لهم في الأزل فالواجب فيهم التوقف فمنهم من سبق القضاء بأنه سعيد
59

حتى لو عاش عمل بعمل أهل الجنة ومنهم بالعكس عن بن عباس قال سئل النبي صلى الله عليه
وسلم عن ذراري المشركين قال الحافظ بن حجر لم يسمع بن عباس هذا الحديث من النبي
صلى الله عليه وسلم بين ذلك أحمد من طريق عمار بن أبي عمار عن بن عباس قال كنت أقول في
أولاد المشركين هم منهم حتى حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلقيته فحدثني
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ربهم أعلم بهم هو خلقهم وهو أعلم بما كانوا عاملين فأمسكت
60

عن قولي عن عقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على
الميت وقال الشافعي في الام جاءت الاخبار كأنها عيان من وجوه متواترة أن النبي صلى الله
عليه وسلم لم يصل على قتلى أحد وما روى أنه صلى عليهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة لا يصح
وقد كان ينبغي لمن عارض بذلك هذه الأحاديث ان يستحيي على نفسه قال وأما حديث عقبة بن
عامر فقد وقع في نفس الحديث أن ذلك كان بعد ثمان سنين يعني والمخالف يقول لا يصلي على
القبر إذا طالت المدة قال وكأنه صلى الله عليه وسلم دعا لهم واستغفر لهم حين علم قرب أجله مودعا
لهم بذلك ولا يدل على نسخ الحكم الثابت وقال النووي المراد بالصلاة هنا الدعاء وقوله صلاته
على الميت أي مثل صلاته ومعناه أنه دعا لهم بمثل الدعاء الذي كانت عادته أن يدعو به للموتى وفي
رواية البخاري زيادة بعد ثمان سنين كالمودع للاحياء والأموات قال وكانت آخر نظرة نظرتها
61

إلى رسول الله صلى لله عليه وسلم إني فرط لكم الفرط هو الذي يتقدم ويسبق القوم
ليرتاد لهم الماء ويهئ لهم الدلاء والأرشية كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد
قال المظهري في شرح المصابيح معنى ثوب واحد قبر واحد إذ لا يجوز تجريدهما بحيث يتلاقى
بشرتاهما أنا شهيد على هؤلاء قال الكرماني أي أشهد لهم بأنهم بذلوا أرواحهم لله تعالى
62

أذلقته الحجارة بالذال المعجمة أي بلغت منه الجهد حتى قلق فشكت عليها ثيابها قال
في النهاية أي جمعت عليها ولفت لئلا تنكشف كأنها ضمت وزرت عليها بشوكة أو خلال وقيل
63

معناه أرسلت عليها ثيابها والشك الاتصال واللصوق
64

صلوا على صاحبكم فإن عليه دينا قال البيضاوي لعله صلى الله عليه وسلم امتنع عن الصلاة على المديون
الذي لم يترك وفاء تحذيرا من الدين وزجر عن المماطلة أو كراهة أن يوقف دعاؤه عن الإجابة بسبب ما عليه
65

من مظلمة الخلق أن رجلا قتل نفسه بمشاقص جمع مشقص بكسر الميم وفتح القاف وهو نصل السهم
إذا كان طويلا غير عريض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنا فلا أصلي عليه قال النووي
أخذ بظاهره من قال لا يصلي على قاتل نفسه لعصيانه وهو مذهب الأوزاعي وأجاب الجمهور بأنه
صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه زجرا للناس عن مثل فعله وصلت عليه الصحابة وهذا كما ترك
النبي صلى الله عليه وسلم في أول أمره الصلاة على من عليه دين زجرا لهم عن التساهل في الاستدانة
66

وعن اهمال وفائها وأمر الصحابة بالصلاة عليه فقال صلوا على صاحبكم من تردى من جبل
أي سقط ومن تحسى أي شرب يجأ بها في بطنه يقال وجأته بالسكين إذا ضربته بها
67

ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء الا في جوف المسجد قال النووي
بنو بيضاء ثلاثة سهل وسهيل وصفوان وأمهم البيضاء اسمها رعد والبيضاء وصف وأبوهم وهب
68

بن ربيعة القرشي الفهري وكان سهيل قديم الاسلام هاجر إلى الحبشة ثم عاد إلى مكة ثم هاجر إلى المدينة
وشهد بدرا وغيرها توفي سنة تسع من الهجرة اشتكت امرأة بالعوالي مسكينة اسمها أم محجن
69

صلى على أم فلان ماتت في نفاسها هي أم كعب فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الصلاة وسطها قال القرطبي قيدناه بإسكان السين ظرف أي في وسطها ومنهم من فتحها
71

وزوجا خيرا من زوجه قال طائفة من الفقهاء هذا خاص بالرجل ولا يقال في الصلاة على
73

المرأة أبدلها زوجا خيرا من زوجها لجواز أن تكون لزوجها في الجنة فإن المرأة لا يمكن الاشتراك
74

فيها والرجل يقبل ذلك
75

وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير قال في النهاية معناه وصفهم بالسكون والوقار وأنهم
لم يكن فيهم طيش ولا خفة لان الطير لا تكاد تقع الا على شئ ساكن زملوهم بدمائهم
أي لفوهم كلم هو الجرح
78

عن بن عباس قال جعلت تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دفن قطيفة حمراء زاد بن سعد
81

في طبقاته قال وكيع هذا للنبي صلى الله
82

عليه وسلم خاصة وله عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسط تحته شمل قطيفة حمراء كان يلبسها قال وكانت أرض ندية وله من طريق آخر عن
83

الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم افرشوا لي قطيفتي في لحدي فإن الأرض لم تسلط على
84

أجساد الأنبياء
85

على جنازة بن الدحداح قال النووي بدالين وحاءين مهملات ويقال أبو
الدحداح ويقال أبو الدحداحة قال بن عبد البر لا يعرف اسمه قلت حكى في أن اسمه ثابت فلما رجع أتى
بفرس معرورى قال أهل اللغة أعروريت الفرس إذا ركبته عريا فهو معروري وقالوا لم يأت
افعوعل على معدي الا قولهم اعروريت الفرس واحلوليت الشئ ونهى رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يبني على القبر قال العراقي في شرح الترمذي يحتمل أن المراد البناء على نفس القبر
ليرفع عن أن ينال بالوطئ كما يفعله كثير من الناس أو أن المراد النهي أن يتخذ حول القبر
بناء كمتربة أو مسجد أو مدرسة ونحو ذلك قال وعليه حمله النووي في شرح المهذب قال الشافعي
والأصحاب يستحب أن لا يزاد القبر على التراب الذي أخرج منه لهذا الحديث لئلا يرتفع القبر
ارتفاعا كثيرا أو يجصص قال العراقي ذكر بعض العلماء أن الحكمة في النهي عن تجصيص
86

القبور كون الجص أحرق بالنار قال وحينئذ فلا بأس بالتطيين كما نص عليه الشافعي زاد سليمان
بن موسى أو يكتب عليه قال المزي في الأطراف سليمان لم يسمع من جابر فلعل بن جريج
رواه عن سليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا أو عن أبي الزبير عن جابر مسندا ورواه
بن ماجة عن بن جريج عن سليمان عن موسى عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن يكتب على القبر شئ قال العراقي يحتمل أن المراد مطلق الكتابة كتابة اسم صاحب القبر
عليه أو تاريخ وفاته أو المراد كتاب شئ من القرآن وأسماء الله تعالى للتبرك لاحتمال أن يوطأ
أو يسقط على الأرض فيصير تحت الأرجل وقال الحاكم في المستدرك بعد تخريجه هذا الحديث
هذه الأسانيد صحيحة وليس العمل عليها فإن أئمة المسلمين من الشرق إلى الغرب يكتبون على
قبورهم وهو شئ أخذه الخلف عن السلف وتعقبه الذهبي في مختصره بأنه محدث ولم يبلغهم النهي
عن تقصيص القبور بالقاف قال في النهاية هو بناؤها بالقصة وهو الجص
87

عن أبي الهياج بفتح الهاء وتشديد الياء المثناة من تحت وآخره جيم أسمه حيان بفتح الحاء المهملة
88

وتشديد المثناة من تحت وآخره نون بن حسن الأسدي الكوفي ليس له في الكتب إلا هذا الحديث
الواحد ولا تقولوا هجرا قال في النهاية أي فحشا يقال أهجر في منطقة يهجر إهجارا إذا فحش
89

وكذلك إذا أكثر الكلام فيما لا ينبغي والاسم الهجر بالضم وهجر يهجر هجرا بالفتح إذا خلط
في كلامه وإذا هذى
90

فلم يلبث إلا ريثما ظن أي قدر ذلك وهو بفتح الراء وإسكان الياء وبعدها مثلثة وأخذ
رداءه رويدا أي برفق وتقنعت إزاري قال النووي كذا في الأصول بغير باء
وكأنه بمعنى لبست إزاري فلذا عدى بنفسه فأحضر بحاء مهملة وضاد معجمة أي عدا
والاحضار والحضر بالضم العدو مالك يا عائشة حشيا بفتح الحاء المهملة وإسكان
الشين المعجمة مقصور قال في النهاية أي مالك قد وقع عليك الحشا وهو الربو
والنهج الذي يعرض للمسرع في مشيه والمحتد في كلامه من ارتفاع النفس وتواتره يقال رجل
حشى وحشيان رابية أي مرتفعة البطن قالت لا في مسلم لا شئ وفي رواية لأبي شئ
وأنت السواد أي الشخص فلهزني بالزاي أي دفعني واللهز الضرب بجمع الكف
92

في الصدور وروى فلهدني بالدال المهملة قال النووي وهما متقاربان قال ويقرب منهما لكزه ووكزه
93

لا دريت ولا تليت قال الخطابي هكذا يرويه المحدثون والصواب ولا ائتليت على
وزن افتعلت من قولهم ما ألوت هذا الامر أي ما استطعته وقال معناه ولا قرأت أي لا تلوت
فقلبوا الواو ليزدوج الكلام مع دريت قال الأزهري ويروى أتليت يدعو عليه ان لا يتلو
أهله أي لا يكون لها أولاد تتلوها من يقتله بطنه قال في النهاية أي الذي يموت بمرض بطنه
98

كالاستسقاء ونحوه وقال القرطبي في التذكرة فيه قولان أحدهما أنه الذي يسببه الذرب وهو الاسهال
والثاني أنه الاستسقاء وهو أظهر القولين فيه لان العرب تنسب موته إلى بطنه يقول قتله بطنه
يعنون الداء الذي أصابه في جوفه وصاحب الاستسقاء قل أن يموت إلا بالذرب فكأنه قد جمع
الوصفين والوجود شاهد للميت بالبطن أن عقله لا يزال حاضرا وذهنه باقيا إلى حين موته
بخلاف من يموت بالسام والبرسام والحميات المطبقة أو القولنج أو الحصاة فتغيب عقولهم
لشدة الآلام ولورم أدمغتهم ولفساد أمزجتها فإذا كان الحال هكذا فالميت يموت وذهنه حاضر
وهو عارف بالله أخبرني إبراهيم بن الحسن حدثنا حجاج عن ليث بن سعد عن معاوية
بن صالح أن صفوان بن عمرو حدثه عن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم ان رجلا قال يا رسول الله ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد قال كفى ببارقة
السيوف على رأسه فتنة قال القرطبي في التذكرة معناه أنه لو كان في هؤلاء المقتولين نفاق كان
99

إذا التقى الزحفان وبرقت السيوف فر لان من شأن المنافق الفرار والروغان عند ذلك ومن شأن
المؤمن البذل والتسليم لله نفسا وهيجان حمية الله عز وجل والتعصب له لاعلاء كلمته فهذا قد أظهر
صدق ما في ضميره حيث برز للحرب والقتل فلماذا يعاد عليه السؤال في القبر قاله الترمذي الحكيم
قال القرطبي وإذا كان الشهيد لا يفتن فالصديق أجل خطرا أو أعظم أجرا فهو أحرى أن لا يفتن
لأنه المقدم ذكره في التنزيل على الشهداء في قوله تعالى فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من
النببين والصديقين والشهداء والصالحين قال وقد جاء في المرابط الذي هو أقل مرتبة من الشهداء
أن لا يفتن فكيف بمن هو أعلى مرتبة منه ومن الشهيد قلت قد صرح الحكيم الترمذي بأن
الصديقين لا يسئلون وعبارته ثم قال تعالى ويفعل الله ما يشاء وتأويله عندنا والله أعلم أن من
مشيئته أن يرفع مرتبة أقوام من السؤال وهم الصديقون والشهداء وما نقله القرطبي عن الحكيم
في توجيه حديث الشهيد يقتضي اختصاص ذلك بشهيد المعركة لكن قضية أحاديث الرباط
التعميم في كل شهيد وقد جزم الحافظ بن حجر في كتاب بذل الماعون في فضل الطاعون بأن
الميت بالطعن لا يسئل لأنه نظير المقتول في المعركة وبأن الصابر بالطاعون محتسبا يعلم أنه
لا يصيبه إلا ما كتب الله له إذا مات فيه بغير الطعن لا يفتن أيضا لأنه نظير المرابط وقد قال
الحكيم في توجيه حديث المرابط إنه قد ربط نفسه وسجنها وصيرها جيشا لله في سبيل الله لمحاربة
100

أعدائه فإذا مات على هذا فقد ظهر صدق ما في ضميره فوقي فتنة القبر هذا الذي تحرك له
العرش وفتحت له أبواب السماء وشهده سبعون ألفا من الملائكة لقد ضم ضمة ثم فرج عنه
زاد البيهقي في كتاب عذاب القبر يعني سعد بن معاذ وزاد في دلائل النبوة قال الحسن تحرك له
العرش فرحا بروحه وروى أحمد والبيهقي من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
إن للقبر ضغطة لو كان أحد ناجيا منها نجا منها سعد بن معاذ قال أبو القاسم السعدي لا ينجو من
ضغطة القبر صالح ولا طالح غير أن الفرق بين المسلم والكافر فيها دوام الضغط للكافر وحصول
هذه الحالة للمؤمن في أول نزوله إلى قبره ثم يعود إلى الانفساح له قال والمراد بضغط القبر
101

التقاء جانبيه على جسد الميت وقال الحكيم الترمذي سبب هذا الضغط أنه ما من أحد الا وقد ألم
بذنب ما فتدركه هذه الضغطة جزاء لها ثم تدركه الرحمة وكذلك ضغطة سعد بن معاذ في التقصير
من البول قلت يشير إلى ما أخرجه البيهقي من طريق بن إسحاق حدثني أمية بن عبد الله أنه سأل
بعض أهل سعد ما بلغكم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا فقالوا ذكر لنا أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال كان يقصر في بعض الطهور من البول وقال بن سعد
في طبقاته أخبر شبابه بن سوار أخبرني أبو معشر عن سعيد القبري قال لما دفن رسول الله صلى
الله عليه وسلم سعدا قال لو نجا أحد من ضغطه القبر لنجا سعد ولقد ضم ضمة اختلفت منها أضلاعه
من أثر البول وأخرج البيهقي عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين دفن سعد بن معاذ
أنه ضم في القبر ضمة حتى صار مثل الشعرة فدعوت الله أن يرفعه عنه وذلك بأنه كان لا يستبرئ
102

من البول ثم قال الحكيم وأما الأنبياء فلا يعلم أن لهم في القبور ضمة ولا سؤالا لعصمتهم وقال
النسفي في بحر الكلام المؤمن المطيع لا يكون له عذاب القبر ويكون له ضغطة القبر فيجد هول ذلك
وخوفه لما أنه تنعم بنعمة الله ولم يشكر النعمة وروى بن أبي الدنيا عن محمد التيمي قال كان يقال
أن ضمة القبر إنما أصلها أنها أمهم ومنها خلقوا فغابوا عنها الغيبة الطويلة فلما رد إليها أولادها
ضمتهم ضمة الوالدة غاب عنها ولدها ثم قدم عليها فمن كان لله مطيعا ضمته برأفة ورفق ومن كان
عاصيا ضمته بعنف سخطا منها عليه لربها قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الفتنة
التي يفتن بها المرء في قبره روى الإمام أحمد في كتاب الزهد وأبو نعيم في الحلية عن
103

طاوس قال إن الموتى يفتنون في قبورهم سبعا فكانوا يستحبون ان يطعموا عنهم تلك الأيام
وروى بن جريج في مصنفه عن الحرث بن أبي الحرث عن عبيد بن عمير قال يفتن رجلان مؤمن
ومنافق فأما المؤمن فيفتن سبعا وأما المنافق فيفتن أربعين صباحا قد أوحي إلي أنكم تفتنون في
القبور قال في النهاية يريد مسألة منكر ونكير من الفتنة وهي الامتحان والاختبار
قريبا من فتنة الدجال قال الكرماني وجه الشبه بين الفتنتين الشدة والهول والعموم
104

إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي قال القرطبي قيل ذلك مخصوص بالمؤمن
الكامل الايمان ومن أراد الله أنجاءه من النار وأما من كان من المخلطين الذين خلطوا عملا صالحا
وآخر سيئا فله مقعدان يراهما جميعا كما أنه يرى عمله شخصين في وقتين أو وقت واحد قبيحا
وحسنا وقد يحتمل أن يراد بأهل الجنة كل من يدخلها كيفما كان ثم قيل هذا العرض إنما هو على
الروح وحده ويجوز أن يكون مع جزء من البدن ويجوز أن يكون عليه مع جميع الجسد فترد إليه
الروح كما ترد عند المسألة حين يقعده الملكان ويقال له انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به
مقعدا من الجنة إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة قال الطيبي يجوز أن يكون المعنى إن كان
من أهلها فسيبشر بما لا يكتنه كنهه لأن هذه المنزلة طليعة بتأثير السعادة الكبرى لان الشرط
والجزاء إذا اتحدا دل على الفخامة كقولهم من أدرك الضمار فقد أدرك المدعي وقال النوربشتي
تقديره إن كان من أهل الجنة فمقعده من مقاعد أهل الجنة يعرض عليه هذا مقعدك حتى يبعثك الله
يوم القيامة قال الطيبي حتى للغاية ومعناه أنه يرى بعد البعث من عند الله كرامة ومنزلة ينسى
107

عنده هذا المقعد كما قال صاحب الكشاف في قوله تعالى وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين أي انك
مذموم مدعو عليك باللعنة إلى يوم الدين فإذا جاء ذلك اليوم عذبت بما تنسى اللعن عنده وفي
رواية مسلم حتى يبعثك الله إليه قال بن التين معناه لا تصل الجنة إلى يوم القيامة ان نسمة المؤمن
قال القرطبي أي روح المؤمن الشهيد طائر في شجر الجنة قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام
108

هذا العموم محمول على المجاهدين وقال القرطبي هذا الحديث ونحوه محمول على الشهداء وأما غيرهم
فتارة تكون في السماء لا في الجنة وتارة تكون على أفنية القبور قال ولا يتعجل الاكل والنعيم
لاحد الا للشهيد في سبيل الله بإجماع من الأمة حكاه القاضي أبو بكر بن العربي في شرح
الترمذي وغير الشهداء بخلاف هذا الوصف إنما يملا عليه قبره ويفسح له فيه قلت وقد ورد
التصريح بأن هذا الحديث في الشهداء في بعض طرقه عند الطبراني فاخرج من طريق سفيان بن عيينة
عن عمرو بن دينار عن بن شهاب عن بن كعب بن مالك عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم أرواح الشهداء في طير خضر تعلق حيث شاءت وقال الامام شمس الدين بن القيم عرض
المقعد لا يدل على أن الأرواح في القبر ولا على فنائه بل على أن لها اتصالا به يصح أن يعرض
عليها مقعدها فإن للروح شأنا آخر فتكون في الرفيق الاعلى وهي متصلة بالبدن بحيث إذا سلم
المسلم على صاحبه رد عليه السلام وهي في مكانها هناك وهذا جبريل عليه السلام رآه النبي صلى
الله عليه وسلم وله ستمائة جناح منها جناحان سدا الأفق وكان يدنو من النبي صلى الله عليه وسلم
حتى يضع ركبتيه على ركبتيه ويديه على فخذيه وقلوب المخلصين تتسع للايمان بأنه من الممكن
109

أنه كان هذا الدنو وهو في مستقره من السماوات وفي الحديث في رؤية جبريل فرفعت رأسي
فإذا جبريل صاف قدميه بين السماء والأرض يقول يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل فجعلت
لا أصرف بصري إلى ناحية الا رأيته كذلك وهذا محمل تنزله تعالى إلى سماء الدنيا ودنوه عشية
عرفة ونحوه فهو منزه عن الحركة والانتقال وإنما يأتي الغلط هنا من قياس الغائب على الشاهد
فيعتقد أن الروح من جنس ما يعهد من الأجسام التي إذا شغلت مكانا لم يمكن أن تكون في غيره
وهذا غلط محض وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة الاسراء موسى قائما يصلي في قبره
ويرد على من يسلم عليه وهو في الرفيق الاعلى ولا تنافي بين الامرين فإن شأن الروح غير شأن
الأبدان وقد مثل ذلك بعضهم بالشمس في السماء وشعاعها في الأرض وإن كان غير تام المطابقة من
حيث أن الشعاع إنما هو عرض للشمس وأما الروح فهي نفسها تنزل وكذلك رؤية النبي
صلى الله عليه وسلم الأنبياء ليلة الاسراء في السماوات الصحيح أنه رأى فيها الأرواح في مثال
الأجساد مع ورود أنهم أحياء في قبورهم يصلون وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من صلى علي
عند قبري سمعته ومن صلى علي نائيا بلغته وقال إن الله وكل بقبري ملكا أعطاه أسماع الخلائق
فلا يصلي علي أحد إلى يوم القيامة إلا أبلغني باسمه واسم أبيه هذا مع القطع بأن روحه في
110

أعلى عليين مع أرواح لأنبياء وهو الرفيق الاعلى فثبت بهذا أنه لا منافاة بين كون الروح في عليين
أو الجنة أو السماء وأن لها بالبدن اتصالا بحيث تدرك وتسمع وتصلي وتقرأ وإنما يستغرب هذا
لكون الشاهد الدنيوي ليس فيه ما يشاهد به هذا وأمور البرزخ والآخرة على نمط غير
المألوف في الدنيا إلى أن قال وللروح من سرعة الحركة والانتقال الذي كلمح البصر ما يقتضي
عروجها من القبر إلى السماء في أدنى لحظة وشاهد ذلك روح النائم فقد ثبت أن روح النائم
تصعد حتى تخترق السبع الطباق وتسجد لله بين يدي العرش ثم ترد إلى جسده في أيسر الزمان
وهل بن عمر بكسر الهاء أي غلط وزنا ومعنى إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم
أنهم الآن يعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق ثم قرأت قوله إنك لا تسمع الموتى قال
البيهقي العلم لا يمنع من السماع والجواب عن الآية أنهم لا يسمعهم وهم موتى ولكن الله أحياهم
حتى سمعوا كما قال قتادة ولم ينفرد بن عمر بحكاية ذلك بل وافقه والده عمر وأبو طلحة وابن
مسعود وغيرهم بل ورد أيضا من حديث عائشة أخرجه أحمد بإسناد حسن فإن كان محفوظا
فكأنها رجعت عن الانكار لما ثبت عندها من رواية هؤلاء الصحابة لكونها لم تشهد القصة
111

الا عجب الذنب زاد بن أبي الدنيا في كتاب البعث عن سعيد بن أبي سعيد الخدري قيل
يا رسول الله وما هو قال مثل حبة خردل قال القرطبي هو جزء لطيف في أصل الصلب وقيل هو
رأس العصعص منه خلق ومنه يركب أي أول ما خلق من الانسان هو ثم إن الله
112

تعالى يبقيه إلى أن يركب الخلق منه تارة أخرى كان رجل ممن كان قبلكم يسئ الظن بعمله
فلما حضرته الوفاة قال لأهله إذا أنا مت فاحرقوني الحديث قال بن الجوزي في جامع المسانيد
113

فان قيل هذا الذي ما عمل خيرا قط كافر فكيف يغفر له فالجواب قال بن عقيل هذا رجل لم
تبلغه الدعوة غرلا أي غير مختونين فأول الخلائق يكسى إبراهيم قال القرطبي في التذكرة
فيه فضيلة عظيمة لإبراهيم عليه السلام وخصوصية له كما خص موسى عليه السلام بأن النبي
صلى الله عليه وسلم يجده متعلقا بساق العرش مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أول من تنشق عنه
الأرض ولم يلزم من هذا أن يكون أفضل منه قال وتكلم العلماء في حكاية تقديم إبراهيم عليه
114

السلام في الكسوة فروى أنه لم يكن في الأولين والآخرين لله عز وجل عبد أخوف من
إبراهيم عليه السلام فتعجل له كسوته أمانا له ليطمئن قلبه ويحتمل أن يكون ذلك لما جاء به
الحديث من أنه أول من أمر بلبس السراويل إذا صلى مبالغة في الستر وحفظا لفرجه أن يمس
مصلاه ففعل ما أمر به فيجزى بذلك أن يكون أول من يستر يوم القيامة ويحتمل أن يكون
الذين ألقوه في النار جردوه ونزعوا عنه ثيابه على أعين الناس كما يفعل بمن يراد قتله وكان
ما أصابه من ذلك في ذات الله تعالى فلما صبر واحتسب وتوكل على الله رفع الله تعالى عنه شر
النار في الدنيا والآخرة وجزاه بذلك العرى أن جعله أول من يدفع عنه العرى يوم القيامة
على رؤوس الاشهاد وهذا أحسنها وإذا بدئ في الكسوة بإبراهيم عليه السلام وثنى بمحمد صلى
الله عليه وسلم أتى محمد صلى الله عليه وسلم بحلة لا يقوم بها البشر ليجبر التأخير بنفاسة الكسوة
فيكون كأنه كسى مع إبراهيم عليهما السلام قال الحليمي روى البيهقي في كتاب الأسماء والصفات
عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انكم محشورون حفاة عراة وأول من يكسى من
الجنة إبراهيم عليه السلام يكسى حلة من الجنة ويؤتى بكرسي فيطرح عن يمين العرش ثم يؤتى بي
فأكسى حلة من الجنة لا يقوم له البشر ثم أوتي بكرسي فيطرح لي على ساق العرش يحشر
الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق راغبين راهبين اثنان على بعير الحديث قال القاضي عياض
115

هذا المحشر في الدنيا قبل قيام الساعة وهو آخر أشراطها ويدل على أنه قبل يوم القيامة قوله
وتحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا
وتمسي معهم حيث أمسوا وفي حديث مسلم في أشراط الساعة وآخر ذلك نار تخرج من قعر
عدن ترحل الناس وفي رواية تطرد الناس إلى محشرهم وفي حديث آخر لا تقوم الساعة حتى
تخرج النار من أرض الحجاز وفي بعض الروايات في غير مسلم فإذا سمعتم بها فاخرجوا إلى الشام
كأنه أمر بسبقها إليه قبل ازعاجها لهم وذكر الحليمي أن ذلك في الآخرة فقال يحتمل أن قوله
عليه الصلاة والسلام يحشر الناس على ثلاث طرائق إشارة إلى الأبرار والمخلطين والكفار
فالأبرار الراغبون إلى الله تعالى فيما أعد لهم من ثوابه والراهبون هم الذين بين الخوف والرجاء
فأما الأبرار فإنهم يؤتون بالنجائب وأما المخلطون فهم الذين أريدوا في هذا الحديث وقيل أنهم
يحملون على الأبعرة وأما الفجار الذين تحشرهم النار فان الله تعالى يبعث إليهم ملائكة فتقيض لهم
نارا تسوقهم ولم يرد في الحديث الا ذكر البعير وأما ان ذلك من إبل الجنة أو من الإبل التي
تحيا وتحشر يوم القيامة فهذا ما لم يأت بيانه والأشبه أن لا تكون من نجائب الجنة لان من
خرج من جملة الأبرار وكان مع ذلك من جملة المؤمنين فإنهم بين الخوف والرجاء لان من هؤلاء
من يغفر الله له ذنوبه فيدخله الجنة ومنهم من يعاقبه بالنار ثم يخرجه منها ويدخله الجنة وإذا كانوا
كذلك لم يلق أن يردوا موقف الحساب على نجائب الجنة ثم ينزل الله بعضهم إلى النار لان من أكرمه
116

الله بالجنة لم يهنه بعد ذلك بالنار والى هذا القول ذهب الغزالي قال القرطبي في التذكرة
وما ذكره القاضي عياض من أن ذلك في الدنيا أظهر لما في الحديث نفسه من ذكر المساء
والصباح والمبيت والقائلة وليس ذلك في الآخرة وفوج يمشون ويسعون يلقى الله الآفة على الظهر
فلا يبقى أحد حتى أن الرجل ليكون له الحديقة يعطيها بذات القتب لا يقدر عليها قال القرطبي
117

هذا يدل على أن ذلك في الدنيا كما قال عياض أرسل ملك الموت لم يرد تسميته في حديث
مرفوع وورد عن وهب بن منبه أن اسمه عزرائيل رواه أبو الشيخ في العظمة إلى موسى فلما
جاءه صكه ففقأ عينه قال بن خزيمة أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث وقالوا إن كان موسى
118

عرفه فقد استخف به وإن كان لم يعرفه فكيف يقتص له من فق ء عينه والجواب أن موسى عليه
السلام إنما لطمه لأنه رأى آدميا دخل داره بغير اذنه ولم يعلم أنه ملك الموت وقد أباح الشارع
فق ء عين الناظر في دار المسلم بغير اذن وقد جاءت الملائكة إلى إبراهيم والى لوط عليهما السلام
في صورة آدميين فلم يعرفاهم ابتداء وعلى تقدير أن يكن عرفه فمن أين لهذا المبتدع مشروعية
القصاص بين الملائكة والبشر ثم من أين له أن ملك الموت طلب القصاص من موسى فلم يقتص
له ولخص الخطابي كلام بن خزيمة وزاد فيه أن موسى دفعه عن نفسه لما ركب فيه من
الحدة وأن الله تعالى رد عين ملك الموت ليعلم موسى أنه جاءه من عند لله فلهذا استسلم حينئذ
وقال بن قتيبة إنما فقأ موسى العين التي هي تخييل وتمثيل وليست عينا حقيقة ومعنى رد الله
عينه أي أعاده إلى خلقته وقيل هو على ظاهره ورد الله إلى ملك الموت عينه البشرية ليرجع
إلى موسى كمال الصورة فيكون ذلك أقوى في اعتباره وقال غيره إنما لطمه لأنه جاء لقبض
روحه من قبل أن يخيره لم ثبت أنه لم يقبض نبي حتى يخير فلهذا لما خيره في المرة الثانية أذعن
على متن ثور بفتح وسكون المثناة هو الظهر وقيل هو مكتنف الصلب بين العصب واللحم
ثم مه هي ما الاستفهامية حذفت ألفها وألحق بها هاء السكت فلو كنت ثم بفتح المثلثة
أي هناك تحت الكثيب الأحمر بالمثلثة وآخره موحدة بوزن عظيم الرمل المجتمع ويقال
119

ان ملك الموت أتاه بتفاحة من الجنة فشمها فمات وعن وهب بن منبه أن الملائكة تولوا
دفته والصلاة عليه وأنه عاش مائة وعشرين سنة
كتاب الصوم
المرتفق أي المتكئ على المرفقة وهي الوسادة وأصله من المرفق كأنه استعمل مرفقه واتكأ عليه
120

إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين بضم المهملة
126

وكسر الفاء المشددة أي شددت وأوثقت بالاغلال قال الحليمي يحتمل أن يكون
المراد أن الشياطين مسترقو السمع منهم وأن تسلطهم يقع في ليالي رمضان دون أيامه لأنهم
كانوا منعوا في زمن نزول القرآن من استراق السمع فزيد والتسلسل مبالغة في الحفظ ويحتمل
أن يكون المراد أن الشياطين لا يخلصون من إفساد المؤمنين إلى ما يخلصون إليه في غيره لاشتغالهم
بالصيام الذي فيه قمع الشهوات وبقراءة القرآن والذكر وقال غيره المراد بالشياطين بعضهم
وهم المردة منهم ويؤيده قوله في الحديث بعد هذا فتحت أبواب الرحمة قال ويحتمل أن
يكون فتح أبواب الجنة عبارة عما يفتحه الله تعالى لعباده من الطاعات وذلك أسباب لدخول
الجنة وغلق أبواب النار عبارة عن صرف الهمم عن المعاصي الآيلة بأصحابها إلى النار وتصفيد
127

الشياطين عبارة عن تعجيزهم عن الاغواء وتزيين الشهوات قال الزين بن المنير والأول أوجه
إذ لا ضرورة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره وأما الرواية التي فيها أبواب الرحمة وأبواب
السماء فمن تصرف رواته واصله أبواب الجنة بدليل ما يقابله وهو غلق أبواب النار وقال القرطبي
بعد أن رجح حمله على ظاهره فإن قيل فكيف ترى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيرا
فلو صفدت الشياطين لم يقع ذلك فالجواب أنها إنما تغل عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على
شروطه وروعيت آدابه أو المصفد بعض الشياطين وهم المردة لا كلهم والمقصود تقليل
الشرور منهم فيه وهذا أمر محسوس فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره إذ لا يلزم من تصفيد
128

جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية لان لذلك أسبابا غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات
القبيحة والشياطين الانسية وتغل فيه مردة الشياطين وقال عياض يحتمل أن الحديث
على ظاهره وحقيقته وان ذلك كله علامة للملائكة لدخول الشهر وتعظيم حرمته وكمنع
الشياطين من أذى المؤمنين ويحتمل أن يكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو أن الشياطين
129

يقل إغراؤهم فيصيرون كالمصفدين قال ويؤيد هذا الاحتمال الثاني قوله في الحديث الآخر
130

فإن غم عليكم بضم الغين المعجمة وتشديد الميم أي حال بينكم وبينه غيم وقال الزركشي
في التنقيح فيه ضمير يعود على الهلال أي ستر من غميت الشئ سترته وليس من الغيم ويقال
133

فيه غمي وغمى مخففا ومشددا رباعيا وثلاثيا فاقدروا له بالوصل وضم الدال وكسرها
134

يعني حققوا مقادير أيام شعبان حتى تكملوه ثلاثين يوما كما جاء في الرواية الأخرى
135

غياية بغين معجمة وتحتيتين بينهما ألف ساكنة هي السحابة
136

تسحروا فإن في السحور بركة قال النووي رووه بفتح السين وضمها قال في فتح الباري لان المراد
140

بالبركة الأجر والثواب فيناسب الضم لأنه مصدر بمعنى التسحر والبركة كونه يقوى على الصوم وينشط
له ويخفف المشقة فيه فيناسب لفتح لأنه ما يتسحر به وقيل البركة ما يتضمن من الاستيقاظ والدعاء في
السحر والأولى أن البركة في السحور تحصل بجهات متعددة وهي اتباع السنة ومخالفة أهل الكتاب
والتقوى به على العبادة والزيادة في النشاط والتسبب بالصدقة على من يسأل إذ ذاك ويجتمع معه على
الاكل والسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام وقال
141

بن دقيق العيد هذه البركة يجوز أن تعود إلى الأمور الأخروية فإن إقامة السنة توجب الاجر
وزيادة ويحتمل الأمور الدنيوية كقوة البدن على الصوم وتيسيره من غير إضرار بالصائم
قال ومما يعلل به استحباب السحور المخالفة لأهل الكتاب لأنه ممتنع عندهم وهذا أحد الأجوبة
المقتضية للزيادة في الأجور الأخروية قال وقد وقع للمتصوفة في مسألة السحور كلام من جهة
142

اعتبار حكمة الصوم وهي كسر شهوة البطن والفرج والسحور قد يباين ذلك قال والصواب
144

أن يقال ما زاد في المقدار حتى يعدم هذه الحكمة بالكلية فليس بمستحب كالذي يصنعه المترفون
من التأنق في المآكل وكثرة الاستعداد لها وما عدا ذلك تختلف مرتبه دخلت على النبي
صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر فقال إنها بكرة أعطاكم الله إياها فلا تدعوه قال القاضي عياض
145

هو مما اختصت به هذه الأمة في صومها عن موسى بن علي قال النووي هو بضم العين على
المشهور إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور قال النووي معناه
الفارق والمميز بين صيامنا وصيامهم السحور فإنهم لا يتسحرون ونحن نتسحر فيستحب لنا
السحور قال وأكلة السحور هي السحور وهي بفتح الهمزة هكذا ضبطه الجمهور وهو المشهور
146

في روايات بلادنا وهي عبارة عن المرة الواحدة من الاكل وان أكثر المأكول فيها كالغدوة
147

والعشوة وأما الأكله بالضم فهي اللقمة الواحدة وادعى القاضي عياض ان الرواية فيه بالضم
148

ولعله أراد رواية أهل بلادهم قال عياض والصواب الفتح لأنه المقصود هنا
149

من صام رمضان إيمانا واحتسابا قال الزين بن المنير الأولى أن يكون منصوبا على الحال بأن يكون
157

المصدر في معنى اسم الفاعل أي مؤمنا محتسبا والمراد بالايمان الاعتقاد لحق فرضية صومه والاحتساب
158

طلب الثواب من الله وقال الخطابي احتسابا أي عزيمة وهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه
طيبة نفسه بذلك غير مستثقل لصيامه ولا مستطيل لأيامه الصوم لي وأنا أجزي به
اختلف العلماء في المراد بهذا مع أن الاعمال كلها لله تعالى وهو الذي يجزى بها على أقوال أحدها
أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره قاله أبو عبيد قال ويؤيده حديث ليس في الصوم رياء
قال وذلك لن الاعمال إنما تكون بالحركات إلا الصوم فإنما هو بالنية التي تخفى عن الناس
159

قال هذا وجه الحديث عندي والحديث المذكور رواه البيهقي في الشعب من حديث
أبي هريرة بسند ضعيف قال الحافظ بن حجر ولو صح لكان قاطعا للنزاع وقد ارتضى هذا الجواب
المازري وابن الجوزي والقرطبي الثاني معناه أن الاعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها
تضعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير ويشهد له
مساق رواية الموطأ حيث قال كل عمل بن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف
إلى ما شاء الله قال الله إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به أي أجازي عليه خيرا كثيرا من غير
تعيين لمقداره الثالث معنى قوله الصوم لي أنه أحب العبادات إلي والمقدم عندي قال بن عبد البر
كفى بقوله الصوم لي فضلا للصيام على سائر العبادات وروى النسائي عليك بالصوم فإنه
لا مثل له لكن يعكر على هذا الحديث الصحيح واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة الرابع الإضافة
إضافة تشريف وتعظيم كما يقال بيت الله وان كانت البيوت كلها لله الخامس أن الاستغناء عن
الطعام وغيره من الشهوات من صفات الرب جل جلاله فلما تقرب الصائم إليه بما يوافق
صفاته أضافه إليه قال القرطبي معناه أن أعمال العباد مناسبة لأحوالهم إلا الصيام فإنه مناسب
لصفة من صفات الحق كأنه يقول إن الصائم يتقرب إلي بأمر هو متعلق بصفة من صفاتي
السادس أن المعنى كذلك لكن بالنسبة إلى الملائكة لان ذلك من صفاتهم السابع أنه خالص
لله تعالى وليس للعبد فيه حظ بخلاف غيره فإن له فيه حظا لثناء الناس عليه بعبادته الثامن
أن الصيام لم يعبد به غير الله بخلاف الصلاة والصدقة والطواف ونحو ذلك التاسع أن جميع
العبادات توفى منها مظالم العباد إلا الصوم روى البيهقي عن بن عيينة قال إذا كان يوم القيامة
يحاسب الله تعالى عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من عمله حتى لا يبقى له إلا الصوم فيتحمل
الله تعالى ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة ويؤيده حديث أبي هريرة رفعه قال
ربكم تبارك وتعالى كل العمل كفارة إلا الصوم الصوم لي وأنا أجزي به رواه الطيالسي وأحمد
في مسنديهما العاشر ان الصوم لا يظهر فتكتبه الحفظة كما لا تكتب سائر أعمال القلوب
160

قال الحافظ بن حجر فهذا ما وقفت عليه من الأجوبة وأقربها إلى الصواب الأول والثاني وأقرب
منهما الثامن والتاسع قال وقد بلغني أن بعض العلماء بلغها إلى أكثر من هذا وهو الطلقاني
في حظائر القدس له ولم أقف عليه قلت قد وقفت عليه فرأيته بلغها إلى خمسة وخمسين قولا
وسأسوقها إن شاء الله تعالى في التعليق الذي علي بن ماجة قال الحافظ اتفقوا على أن المراد
بالصيام هنا صيام من سلم صيامه من المعاصي قولا وفعلا وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام
هذا الحديث يشكل بقوله عز وجل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين يعني أن نصف
الفاتحة الأول ثناء على الله والنصف الثاني دعاء للعبد في مصالحة فقد صار لله غير الصوم قال
والجواب أن الإضافة الثانية لا تناقض الأولى إذ الثانية لأجل الثناء عليه عز وجل والأولى لأجل
أحد الوجوه المذكورة وإذا تعددت الجهة فلا تعارض حينئذ لخلوف فم الصائم بضم المعجمة
واللام وسكون الواو والفاء قال عياض هذه الرواية الصحيحة وبعض الشيوخ يقوله بفتح الخاء
قال الخطابي وهو خطأ وحكى عن القابسي الوجهين وبالغ النووي في شرح المهذب فقال
لا يجوز فتح الخاء واحتج غيره لذلك بأن المصادر التي جاءت على فعول بفتح اللام قليلة وليس
هذا منها أطيب عند الله من ريح المسك اختلف في ذلك مع أن الله منزه عن استطابة
الروائح إذ ذاك من صفات الحوادث ومع أنه يعلم الشئ على ما هو عليه فقال المازري هو مجاز
لأنه جرت العادة بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعير ذلك للصوم لتقريبه من الله فالمعنى أنه
أطيب عند الله من ريح المسك عندكم أي يقرب إليه من تقريب المسك إليكم والى ذلك أشار
161

بن عبد البر وقيل المراد ان ذلك في حق الملائكة وأنهم يستطيبون ريح الخلوف أكثر مما
يستطيبون ريح المسك وقيل المعنى أن حكم الخلوف والمسك عند الله على ضد ما هو عندكم
وهذا قريب من الأول وقيل المعنى أن الله يجزيه في الآخرة فتكون نكهته أطيب من ريح المسك
كما يأتي المكلوم وريح جرحه يفوح مسكا وقيل المراد أن صاحبه ينال من الثواب ما هو
أفضل من ريح المسك لا سيما بالإضافة إلى الخلوف حكاهما عياض وقال الداودي وجماعة المعنى
أن الخلوف أكثر ثوابا من المسك المندوب إليه في الجمع ومجالس الذكر ورجح النووي هذا
الأخير وحاصله حمله معنى الطيب على القبول والرضا فحصلنا على ستة أجوبة وقد نقل القاضي
162

حسين في تعليقه أن للطاعات يوم القيامة ريحا يفوح قال فرائحة الصيام فيها بين العبادات
كالمسك وقد تنازع بن عبد السلام وابن الصلاح في هذه المسألة فذهب بن عبد لسلام إلى
أن ذلك في الآخرة كما في دم الشهيد واستدل بالرواية التي فيها يوم القيامة وذهب بن الصلاح
إلى أن ذلك في الدنيا واستدل بما رواه الحسن بن سفيان في مسنده والبيهقي في الشعب من
حديث جابر في أثناء حديث مرفوع في فضل هذه الأمة في رمضان أما الثانية فإن خلوف أفواههم
حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك قال وذهب جمهور العلماء إلى ذلك يدع شهوته
وطعامه لابن خزيمة يدع الطعام والشراب من أجلي ويدع لذته من أجلي ويدع زوجته من أجلي
الصيام جنة بضم الجيم أي وقاية وستر قال بن عبد لبر من النار لتصريحه به في الحديث
الآتي وقال صاحب النهاية معنى كونه جنة أي بقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات وقال القرطبي جنة
أي سترة يعني بحسب مشروعيته فينبغي للصائم أن يصون صومه مما يفسده وينقص ثوابه
واليه الإشارة بقوله وإذا كان يوم صيام أحدكم فلا يرفث بضم الفاء وكسرها ومثلثة والمراد
بالرفث الكلام الفاحش وهو يطلق على هذا وعلى الجماع وعلى مقدماته وذكره مع النساء
163

أو مطلقا ويحتمل أن يكون النهي لما هو أعم منها ولا يصخب بفتح الخاء المعجمة أي لا يصيح
فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل أني صائم اختلف هل يخاطب بها للذي كلمه بذلك أو يقولها في
نفسه وبالثاني جزم المتولي ونقله الرافعي الأئمة ورجح النووي الأول في الأذكار وقال في شرح
164

المهذب كل منهما حسن والقول باللسان أقوى فلو جمعهما لكان حسنا
165

الصيام جنة ما لم يخرقها زاد الدارمي بالغيبة
167

فمن أصبح صائما فلا يجهل أي لا يفعل شيئا من أفعال أهل الجهل كالصياح والسفه ونحو ذلك
168

عليكم بالباءة قال في النهاية يعني النكاح والتزويج يقال فيها الباء والباءة وقد يقصر وهو
من المباءة المنزل لان من تزوج امرأة بوأها منزلا وقيل لان الرجل يتبوأ من أهله
أي يستمكن كما يتبوأ من منزله ومن لم يستطع فعليه بالصوم قال الأندلسي في شرح
المفصل الاغراء لا يكون إلا للمخاطب فلا يجوز فعليه بزيد وأما فعليه بالصوم فإنما حسن
لتقدم الخطاب في أول الحديث عليكم بالباءة كأنه قال ومن لم يستطع منكم فالغائب في الخبر في معنى
المخاطب فإنه له وجاء بكسر الواو والمد قال في النهاية الوجاء ان ترض أنثيا الفحل رضا شديدا
يذهب شهوة الجماع ويتنزل في قطعه منزلة لخصاء وقيل هو أن توجأ العروق والخصيتان بحالهما
169

أراد أن الصوم يقطع النكاح كما يقطع الوجاء وروى وجا بوزن عصا يريد التعب والجفاء وذلك
بعيد إلا أن يراد فيه معنى الفتور ولان من وجى فتر عن المشي فشبه الصوم في باب لنكاح
بالتعب في باب المشي من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج
ومن لم يستطع فليصم قال المازري ليس المراد بالباءة في هذا الحديث الجماع على ظاهره
170

لأنه قال ومن لم يستطع فليصم ولو كان غير مستطيع للجماع لم تكن له حاجة للصوم وقال القاضي
عياض لا يبعد أن يكون الاستطاعتان مختلفتين فيكون المراد أولا بقوله من استطاع منكم الباءة
الجماع أي من بلغه وقدر عليه فليتزوج ويكون قوله بعد ومن لم يستطع يعني على الزواج المذكور
ممن هو بالصفة المتقدمة فليصم وقال النووي اختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين
يرجعان إلى معنى واحد أصحهما أن المراد معناها اللغوي وهو الجماع فتقديره من استطاع منكم
الجماع لقدرته على مؤنه وهي مؤن النكاح فليتزوج ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه فعليه
بالصوم والثاني أن المراد هنا بالباءة مؤن النكاح سميت باسم ما يلازمها وتقديره من استطاع منكم
مؤن النكاح فليتزوج ومن لم يستطع فليصم والذي حمل القائلين لهذا على هذا أنهم قالوا العاجز
عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم لدفع الشهوة فوجب تأويل الباءة على المؤن وأجاب الأولون بما
قدماه أن تقديره ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه وهو يحتاج إلى الجماع فليصم من كان
منكم ذا طول بفتح الطاء أي سعة
171

من صام يوما في سبيل الله قال في النهاية سبيل الله عام يقع على كل عمل خالص لله سلك به
طريق التقرب إلى الله تعالى بأداء الفرائض والنوافل وأنواع التطوعات وإذا أطلق فهو في الغالب
واقع على الجهاد حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه زحزح الله وجهه عن النار
بذلك اليوم سبعين خريفا قال في النهاية أي نحاه وباعده عن النار مسافة تقطع في سبعين سنة
لأنه كلما مر خريف فقد انقضت سنة وقال التوربشتي كانت العرب تؤرخ أعوامها بالخريف لأنه كان
أوان جدادهم وقطافهم وإدراك غلاتهم وكان الامر على ذلك حتى أرخ عمر رضي اله عنه بسنة الهجرة
172

ليس من البر أي من الطاعة والعبادة الصيام في السفر قال النفي وقيل للتبعيض وليس بشئ وقال
الزركشي من زائدة لتأكيد بن بطال معناه ليس هو البر لأنه قد يكون الافطار أبر منه إذا كان في حج أو
جهاد ليقوى عليه كقوله ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ومعلوم أنه مسكين وأنه من أهل الصدقة
وإنما أراد المسكين الشديد المسكنة وقال الحطاوي خرج هذا الحديث على شخص معين وهو رجل
ظلل عليه وكان يجود بنفسه أي ليس من البر أن بلغ الانسان هذا المبلغ والله قد رخص له في الفطر
175

كراع الغميم بضم الكاف والغميم بفتح المعجمة اسم واد أمام عسفان
177

أتى قديدا بضم القاف على التصغير موضع قرب عسفان
183

اسرد الصوم أي أتابعه
186

هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه ولا يقال في
التطوع مثل هذا
187

الكديد بفتح الكاف وكسر الدال المهملة مكان بين عسفان وقديد قال عياض اختلفت
189

الروايات في الموضع الذي أفطر فيه صلى الله عليه وسلم والكل في قصة واحدة وكلها متقاربة
والجميع من عمل عسفان وابعثوا إلى أهل العروض قال في النهاية أراد فيها أكناف مكة
والمدينة يقال لمكة والمدينة واليمن العروض ويقال للرساتيق بأرض الحجاز العراض واحدها
192

عرض بالكسر
193

من لم يبيت الصيام أي ينوه من الليل يقال بيت فلان رأيه إذا فكر فيه وخمره وكل
ما فكر فيه ودبر بليل فقد بيت من لم يجمع الصيام قال الشيخ ولي الدين بضم الياء وسكون
الجيم وكسر الميم أي يعزم عليه ويجمع رأيه على ذلك وقال الخطابي الاجماع أحكام النية
196

والعزيمة أجمعت الرأي وأزمعته وعزمت عليه بمعنى
197

أيام البيض قال في النهاية هذا على حذف المضاف يريد أيام الليالي البيض وهي الثالث عشر
والرابع عشر والخامس عشر وسميت لياليها بيضا لان القمر يطلع فيها من أولها إلى آخرها
198

وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صياما منه في شعبان قال الزركشي
في التنقيح صياما بالنصب وروى بالخفض قال السهيلي وهو وهم وربما بنى اللفظ على الخط مثل
أن يكون رآه مكتوبا بميم مطلقة على مذهب من رأى الوقف على المنون المنصوب بغير ألف فتوهمه
مخفوضا لا سيما وصيغة أفعل تضاف كثيرا فتوهمها مضافة وإضافته هنا لا تجوز قطعا
200

عن عائشة قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان قال الزركشي يحتاج إلى الجمع
بين هذا وبين روايتها الأولى ما رأيته أكثر صياما منه في شعبان فقيل الأول مفسر للثاني ومخصص له
وأن المراد بالكل الأكثر وقيل كان يصوم مرة كله ومرة ينقص منه لئلا يتوهم وجوبه وقيل
في قولها كله أي يصوم في أوله وأوسطه وفي آخره ولا يخص شيئا منه ولا يعمه بصيامه وذكر
هذه الأقوال الثلاثة النووي في شرح مسلم قال وقيل في تخصيص شعبان بكثرة الصوم لكونه
ترفع فيه أعمال العباد وقيل غير ذلك فإن قيل في الحديث الآخر إن أفضل الصوم بعد
رمضان صوم المحرم فكيف أكثر منه في شعبان دون المحرم فالجواب لعله لم يعلم فضل المحرم
201

إلا في آخر الحياة قبل التمكن من صومه أو لعله كان يعرض فيه أعذار تمنع من إكثار الصوم
كسفر ومرض وغيرهما ذانك يومان تعرض فيهما الاعمال على رب العالمين قال الشيخ
ولي الدين ان قلت ما معنى هذا مع أنه ثبت في الصحيحين أن الله تعالى يرفع إليه عمل الليل
قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل قلت يحتمل أمرين أحدهما أن أعمال العباد تعرض
على الله تعالى كل يوم ثم تعرض عليه أعمال الجمعة في كل اثنين وخميس ثم تعرض عليه
أعمال السنة في شعبان فتعرض عرضا بعد عرض ولكل عرض حكمة يطلع عليها من يشاء
من خلقه أو يستأثر بها عنده مع أنه تعالى لا يخفى عليه من أعمالهم خافية ثانيهما أن المراد أنها
202

تعرض في اليوم تفصيلا ثم في الجمعة جملة أو بالعكس
203

سمعت معاوية يوم عاشوراء وهو على المنبر يقول يا أهل المدينة أين علماؤكم سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول في هذا اليوم إني صائم فمن شاء أن يصوم فليصم قال النووي الظاهر أن معاوية قال
أين علماؤكم لما سمع من يوجبه أو يحرمه أو يكرهه فأراد إعلامهم بأنه ليس بواجب
ولا محرم ولا مكروه قال وكلما بعد يقول بتمامه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء مبينا في رواية
204

النسائي أنه كله كلامه من صام الأبد فلا صام قال الكرماني فإن قلت كيف يكون كذلك قلت لان
صوم الأبد يستلزم صوم العيد وأيام التشريق وهو حرام لا صام ولا أفطر قال
في النهاية أي لم يصم ولم يفطر كقوله تعالى فلا صدق ولا صلى وهو إحباط الاجر على صومه
205

حيث خالف السنة وقيل هو دعاء عليه كراهية لصنعه
206

وحر الصدر قال في النهاية غشه ووساوسه وقيل الحقد والغيظ وقيل العداوة وقيل أشد الغضب
208

ولم يفتش لنا كنفا قال في النهاية أي لم يدخل يده معها كما يدخل الرجل يده مع زوجته في
دواخل أمرها وأكثر ما يروى بفتح الكاف والنون من الكنف وهو الجانب يعني أنه لم يقربها
210

هجمت له العين أي غارت ودخلت في موضعها ونفهت له النفس بكسر الفاء أي تعبت وكلت
214

وروى نثهت بالمثلثة بدل الفاء وقد استغربها بن الأثير قال ولا أعرف معناها قال الحافظ بن حجر
215

وكأنها أبدلت من الفاء فإنها تبدل منها كثيرا لا صوم فوق صوم داود شطر الدهر قال الحافظ بن
حجر بالرفع على القطع ويجوز النصب على إضمار فعل والجر على البدل من صوم داود قال ويجوز في قوله
صيام يوم وفطر يوم الحركات الثلاث وقال النووي اختلف العلماء فيه فقال المتولي من
أصحابنا وغيره من العلماء هو أفضل من السرد لظاهر هذا الحديث وفي كلام غيره إشارة إلى
تفضيل السرد وتخصيص هذا الحديث بعبد الله بن عمرو ومن في معناه وتقديره لا أفضل من
هذا في حقك ويؤيد هذا انه صلى الله عليه وسلم لم ينه حمزة بن عمرو عن السرد ويرشده إلى
يوم ويوم ولو كان أفضل في حق كل أحد لارشده إليه وبينه له فإن تأخير البيان عن وقت
الحاجة لا يجوز وقال قبل ذلك اختلف العلماء في صيام الدهر فذهب أهل الظاهر إلى منعه
قال القاضي وغيره وذهب جماهير العلماء إلى جوازه إذا لم يصم الأيام المنهى عنها وهو العيدان
والتشريق ومذهب الشافعي وأصحابه ان سرد الصيام إذا أفطر العيد والتشريق لا كراهة فيه
بل هو مستحب بشرط أن لا يلحقه به ضرر ولا يفوت حقا فإن تضرر أو فوت حقا فمكروه
واستدلوا بحديث حمزة بن عمرو أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني
رجل أسرد الصوم أفأصوم في السفر قال صم إن شئت فأقره صلى الله عليه وسلم على سرد
الصيام ولو كان مكروها لم يقره لا سيما في السفر وقد ثبت عن عمر أنه كان يسرد الصوم
وكذلك أبو طلحة وعائشة وخلائق وأجابوا عن حديث لا صام من صام الأبد بأجوبة أحدها
216

أنه محمول على حقيقته بأن يصوم معه العيد والتشريق وبهذا أجابت عائشة رضي الله عنها والثاني
أنه محمول على من تضرر به حقا يؤيده أن النهي كان خطابا لعبد الله بن عمرو وقد ذكر مسلم
عنه أنه عجز في آخر عمره وندم على كونه لم يقبل الرخصة قالوا فنهى بن عمرو لعلمه بأنه سيعجز
وأقر حمزة بن عمرو لعلمه بقدرته بلا ضرر والثالث أن معنى لا صام أنه لا يجد من مشقته ما يجدها
غيره فيكون خبرا لا دعاء قوال القرطبي إنما سأل حمزة بن عمرو عن صوم رمضان في
السفر لا عن سرد صوم التطوع كما هو مصرح به في رواية أبي داود ويؤيده قوله هنا هي رخصة
217

من الله فمن أخذ بها حسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه ولا يقال في التطوع مثل هذا انته
شهر الصبر هو شهر مضان وأصل الصبر الحبس فسمى الصوم صبرا لما فيه من حبس
218

النفس عن الطعام والشراب والنكاح
219

كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر يوم الاثنين من أول الشهر والخميس
الذي يليه ثم الخميس الذي يليه في الحديث الذي بعده أول خميس والاثنين قال الشيخ ولي الدين اختلاف هذه الروايات
يدل على أن المقصود كون هذه الأيام الثلاثة واقعة في اثنين وخميسين أو بالعكس على أي وجه كان
220

وأيام البيض ذكر بعضهم أن الحكمة في صومها أنه لما عم النور لياليها ناسب أن تعم العبادة
نهارها وقيل الحكمة في ذلك أن الكسوف يكون فيها غالبا ولا يكون في غيرها وقد أمرنا بالتقرب
إلى الله تعالى بأعمال البر عند الكسوف
221

الغر أي البيض الليالي بالقمر من الشهر روى الطبراني في الكبير بسند فيه جهالة
عن عبد الله بن عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صام نوح عليه السلام الدهر
222

إلا يوم الفطر والأضحى وصام داود عليه السلام نصف الدهر وصام إبراهيم عليه السلام
ثلاثة أيام من كل شهر صام الدهر وأفطر الدهر
(تم الجزء الرابع ويليه الجزء الخامس وأوله كتاب الزكاة)
223