الكتاب: عمدة القاري
المؤلف: العيني
الجزء: ٢٠
الوفاة: ٨٥٥
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة: بيروت - دار إحياء التراث العربي
الناشر: دار إحياء التراث العربي
ردمك:
ملاحظات:

701
((سورة أرأيت))
أي: هذا في تفسير بعض شيء من سورة أرأيت، وتسمى سورة الماعون أيضا وهي مكية وهي مائة وثلاثة وعشرون حرفا، وخمس وعشرون كلمة، وسبع آيات. قال الثعلبي: قال مقاتل والكلبي نزلت في العاص بن وائل السهمي. وعن السدي وابن كيسان: في الوليد بن المغيرة، وعن الضحاك في عمرو بن عائذ، وقيل: في هبيرة بن وهب المخزومي، وقال الفراء، وقرأ ابن مسعود: أرأيتك الذي يكذب، قال: والكاف صلة، وقال النسفي: أرأيت؟ هل عرفت الذي يكذب بالدين بالجزاء من هو؟ إن لم تعرفه فذلك الذي يكذب بالجزاء، هو الذي يدع اليتيم أي: يقهره ويزجره.
وقال مجاهد يدع، يدفع عن حقه ويقال: هو من دععت يدعون يدفعون
أي: قال مجاهد في قوله تعالى: * (فذلك الذي يدع اليتيم) * (الماعون: 2) أي: يدفعه عن حقه، من دع يدع دعا، وعن أبي رجاء: يدع اليتيم أي يتركه ويقصر في حقه. قوله: (ويقال: هو من دععت) أشار به إلى اشتقاقه وأن ماضيه: دععت لأن عند اتصال الضمير لا يدغم قوله: (يدعون) أشار به إلى قوله تعالى * (يوم يدعون) * (الطور: 31) أي: يدفعون، وقرأ الحسن وأبو رجاء بالتخفيف، ونقل عن علي رضي الله تعالى عنه، أيضا.
ساهون لاهون
أشار به إلى قوله تعالى: * (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) * وفسر بقوله: (لاهون) ورواه الطبري عن مجاهد كذلك، وقال سعد بن أبي وقاص، رضي الله تعالى عنه: يؤخرونها عن وقتها، وقال غير واحد: هو الترك، وعن ابن عباس: هم المنافقون يتركون الصلاة في السر إذا غاب الناس ويصلونها في العلانية إذا حضروا، وعن قتادة: ساه لا يبالي صلى أم لم يصل.
والماعون المعروف كله. وقال بعض العرب الماعون الماء؛ وقال عكرمة أعلاها الزكاة المفروضة وأدناها عارية المتاع
ذكر في تفسير الماعون ثلاثة أقوال: الأول: المعروف كله: وهو الذي يتعاطاه الناس بينهم: كالدلو والفأس والقدر والقداحة ونحوها، وهو قول الكلبي ومحمد بن كعب. الثاني: الماعون: الماء وهو قول سعيد بن المسيب والزهري ومقاتل، قالوا: الماعون الماء بلغة قريش. الثالث: قول عكرمة، وهو (أعلاها الزكاة) إلى آخره، وهو قول ابن عمرو والحسن وقتادة قوله: (عارية المتاع) أي: الماعون اسم جامع لمتاع البيت كالمنخل والغربال والدلو ونحو ذلك مما يستعمل في البيوت، وقيل: الماعون ما لا يحمل منعه مثل الماء
2

والملح والنار، وقيل غير ذلك والله أعلم.
801
((سورة: إنا أعطيناك الكوثر))
أي: هذا في تفسير بعض شيء من سورة * (إنا أعطيناك الكوثر) * (الكوثر: 1) وقيل: سورة الكوثر، وهي مكية عند الجمهور، وقال قتادة والحسن وعكرمة: مدنية، وسبب الاختلاف فيه لأجل الاختلاف في سبب النزول فعن ابن عباس: نزلت في العاص ابن وائل: فإنه قال في حق النبي صلى الله عليه وسلم: الأبتر، وقيل: في عقبة بن أبي معيط. وعن عكرمة: في جماعة من قريش، وقيل: في أبي جهل: وقال السهيلي: في كعب بن الأشرف، قال: ويلزم من هذا أن تكون السورة مدنية، وفيه تأمل؛ وهي اثنان وأربعون حرفا، وعشر كلمات، وثلاث آيات.
وقال ابن عباس شانئك عدوك
أي قال ابن عباس في قوله تعالى: * (إن شانئك هو الأبتر) * أي: عدوك هو الأبتر، وهكذا في رواية المستملي بذكر: قال ابن عباس، وفي رواية غيره بدون ذكره.
1
((باب))
4694 حدثنا آدم حدثنا شيبان حدثنا قتادة عن أنس، رضي الله عنه، قال: لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال: أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ مجوفا، فقلت: ما هاذا يا جبريل؟ قال: هاذا الكوثر
.
مطابقته للترجمة ظاهرة وآدم هو ابن أبي إياس، وشيبان هو ابن عبد الرحمن أبو معاوية النحوي.
والحديث أخرجه مسلم.
قوله: (حافتاه) أي: جانباه تثنية حافة بالحاء المهملة والفاء. قوله: (الكوثر) بن علي
وزن فوعل من الكثرة والعرب تسمى كل شيء كثير في العدد أو في القدر والخطر: كوثرا، واختلف فيه، والجمهور بن علي
أنه الحوض. وقال ابن الجوزي. وقيل: الكوثر حوض النبي صلى الله عليه وسلم، وقال عياض: أحاديث الحوض صحيحة والإيمان به فرض والتصديق به من
الإيمان، وهو بن علي
ظاهره عند أهل السنة والجماعة لا يتأول ولا يختلف، وحديثه متواتر النقل رواه خلائق من الصحابة، وحديث عائشة المذكور هنا: الكوثر نهر ما ييجيء عن قريب، وعن ابن عمر، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الكوثر نهر في الجنة حافتاه من الذهب ومجراه من الدر والياقوت وتربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأشد بياضا من الثلج) وروي البيهقي من حديث عبد الله بن أبي نجيح، قالت عائشة: ليس أحد يدخل إصبعيه في أذنيه إلا سمع خرير الكوثر، وعن عكرمة: الكوثر النبوة والقرآن والإسلام، وعن مجاهد: الخير كله، وقيل: نور في قلبه صلى الله عليه وسلم دله بن علي
الحق وقطعه عمن سواه، وقيل: الشفاعة، وقيل: المعجزات، وقيل: قول لا إله إلا الله محمد رسول الله، وقيل: الفقه في الدين، وقيل: الصلوات الخمس، وقيل فيه أقوال أخرى كثيرة.
5694 حدثنا خالد بن يزيد الكاهلي حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عائشة، رضي الله عنها، قال: سألتها عن قوله تعالى: إنآ أعطيناك الكوثر) * (الكوثر: 1) قالت نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم، شاطئاه عليه در مجوف آنيته كعدد النجوم.
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، يروي عن جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله عن أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن مسعود عن أم المؤمنين عائشة.
والحديث أخرجه النسائي في التفسير عن أحمد بن حرب.
قوله: (قال: سألتها) أي: قال أبو عبيدة: سألت عائشة قوله: (أعطيه) بن علي
صيغة المجهول. قوله: (شاطئاه) أي: جانباه وهو تثنية شاطىء موهو الجانب. قوله: (عليه) يرجع إلى جنس الشاطئ، ولهذا لم يقل عليهما، ودر مرفوع بن علي
أنه مبتدأ ومجوف صفته وخبره عليه، والجملة خبر المبتدأ الأول أعني: شاطئا.
راوه زكرياء وأبو الأحوص ومطرف عن أبي إسحاق
أي: روي الحديث المذكور زكرياء بن أبي زائدة، وأبو الأحوص سلام بن سليم، ومطرف بن طريف بالطاء المهملة فرواية زكرياء رواها علي بن المديني عن يحيى بن زكرياء عن أبيه، ورواية أبي الأحوص رواها أبو بكر بن أبي شيبة عنه أبي، ولفظه:
3

(الكوثر نهر بفناء الجنة شاطئاه در مجوف وفيه من بقي عدد النجوم، ورواية مطرف رواها النسائي من طريقه.
6694 حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشيم حدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أنه قال في الكوثر: هو الخير الذي أعطاه الله إياه: قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: فإن الناس يزعمون أنه نهر في الجنة فقال سعيد النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه.
(انظر الحديث 8756 في طرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة. ويعقوب بن إبراهيم الدورقي يروي عن هشيم، مصغر هشيم، ابن بشير، مصغر بشر، الواسطي عن أبي بشر بكسر الباء الموحدة جعفر بن أبي وحشية الواسطي. والحديث أخرجه البخاري أيضا في ذكر الحوض. وأخرجه النسائي في التفسير عن محمد بن كامل، وقول سعيد بن جبير هذا جمع بين حديثي عائشة وابن عباس، والحاصل أن قول ابن عباس يشمل جميع الأقوال التي ذكروها في الكوثر لأن جميع ذلك من الخير الذي أعطاه الله تعالى إياه.
901
((سورة قل يا أيها الكافرون))
أي: هذا في تفسير بعض شيء ممن سورة: * (قل يا أيها الكافرون) * (الكافرون: 1) ويقال لها سورة الكافرين، والمتشقسة، أي: المبرئة من النفاق، وهي مكية وهي أربعة وتسعون حرفا، وست وعشرون كلمة، وست آيات والخطاب لأهل مكة منهم الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والحارث بن قيس السهمي والأسود بن عبد يغوث والأسود بن عبد المطلب وأمية بن خلف، قالوا: يا محمد فاتبع ديننا ونتبع دينك ونشركك في أمرنا كله تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، فقال: معاذ الله أن أشرك به غيره، فأنزل الله تعالى: * (قل يا أيها الكافرون) * (الكافرون: 1) إلى آخر السورة.
لكم دينكم الكفر ولي دين الإسلام، ولم يقل ديني لأن الآيات بالنون فحذفت الياء كما قال: يهدين ويشفين
أشار به إلى تفسير قوله تعالى: * (لكم دينكم ولي دين) * (الكافرون: 6) أي: لكم دين الكفر ولي دين الإسلام، هكذا فسره الفراء، وقرأ نافع وحفص وهشام: ولي، بفتح الياء والباقون بسكونها وهذه الآية منسوخة بآية السيف قوله: (ولم يقل ديني) إلى آخره حاصله أن النونات أي: الفواصل كلها بحذف الياء رعاية للمناسبة، وذلك كما في قوله تعالى: * (الذي خلقني فهو يهدين. والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين) * (الشعراء: 87 18) فإن الياء حذفت في كلها رعاية للفواصل والتناسب وهذا نوع من أنواع البديع.
وقال غيره: لا أعبد ما تعبدون الآن ولا أجيبكم فيما بقي من عمري ولا أنتم عابدون ما أعبد وهم الذين قال: * ((5) وليزيدن كثيرا منهم. ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا) * (المائدة: 46)
ليس في رواية أبي ذر لفظ: (وقال غيره) وقال بعضهم، والصواب إثباته لأنه ليس من بقية كلام الفراء بل هو كلام أبي عبيدة. قلت: الصواب حذفه لأنه لم يذكر قبله، وقال الفراء حتى يقال بعده: وقال غيره، وهذا ظاهر، وحاصل قوله (لا أعبد) إلى قوله: (وهم الذين) أي: لا أعبد في الحال ولا في الاستقبال ما تعبدون إنما قال: ما، ولم يقل من، لأن المراد الصفة، كأنه قال: لا أعبد الباطل وأنتم لا تعبدون الحق. وقيل: ما مصدرية أي: لا أعبد عبادتكم ولا تعبدون عبادتي ثم وجه التكرار فيه التأكيد لأن من مذاهب العرب التكرار إرادة التأكيد والإفهام، كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز، وهذا بحسب ما يقتضيه الحال، وقال الكرماني: هو إما للحال حقيقة وللاستقبال مجازا أو بالعكس، أو هو مشترك، وكيف جاز الجمع بينهما، ثم أجاب بقوله. قلت: الشافعية جوزوا ذلك مطلقا، وأما غيرهم فجوزوه بعموم المجاز. قوله: (وهم الذين) أي: المخاطبون بقوله: أنتم
4

هم الذين قال الله في حقهم: * (وليزيدن كثيرا منهم) * (المائدة: 46) إلى آخر.
سورة إذا جآء نصر الله والفتح) * (النصر: 1)
أي: هذا في تفسير بعض شيء ممن سورة: * (إذا جاء نصر الله) * (النصر: 1) ويقال: سورة النصر، وقال ابن العباس: هي مدنية بلا خلاف وقال ابن النقيب: وروي عن ابن عباس أنها آخر سورة نزلت، وقال الواحدي: وذلك منصرف سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين، وعاش بعد نزولها سنتين، وقال مقاتل: لما نزلت قرأها صلى الله عليه وسلم بن علي
أبي بكر وعمر، رضي الله تعالى عنهما ففرحا وسمعها عبد الله بن عباس فبكى فقال صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك؟ قال: نعيت إليك نفسك، فقال: صدقت فعاش بعدها ثمانين يوما فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بن علي
رأسه وقال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)، وهي تسعة وتسعون حرفا، وست وعشرة كلمة، وثلاث آيات.
بسم الله الرحمان الرحيم.
تثبت البسملة لأبي ذر.
1
((باب))
7694 حدثنا الحسن بن الربيع حدثنا أبو الأحوص عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة بعد أن نزلت عليه إذا جآء نصر الله والفتح) * (النصر: 1) إلا يقول فيها: سبحانك ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي
.
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحسن بن الربيع بفتح الراء ضد الخريف ابن سليمان البجلي الكوفي، يعرف بالبوراني، وهو من مشايخ مسلم أيضا مات سنة إحدى وعشرين ومائتين بالكوفة، وأبو الأحوص سلام بن سليم، وأبو الضحى مسلم بن صبيح، ومسروق بن الأجدع. والحديث مر في الصلاة في باب التسبيح والدعاء في السجود، عن حفص بن عمر، ومر الكلام فيه هناك.
2
((باب))
8694 حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثن جيري عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن.
.
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر آلى آخره قوله: (يتأول القرآن) أي: يعمل بما أمر به في القرآن وهو قوله: (فسبح بحمد ربك واستغفره) (النصر: 3) قوله: (سبحانك) أي: سبحت بحمدك، وإضافة الحمد إلى الله وهو الفاعل، والمراد لأزمه أي التوفيق أو إلى المفعول أي: بحمدي لك.
3
((باب قوله: * (ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا) * (النصر: 2))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (ورأيت الناس يدخلون) * (النصر: 2) هو في محل النصب إما بن علي
الحال بن علي
أن رأيت بمعنى أبصرت أو عرفت أو بن علي
أنه مفعول ثان بن علي
أنه بمعنى: علمت، وقيل: المراد بالناس أهل اليمن. قوله: (أفواجا) أي: فوجا بعد فوج، وزمرا بعد زمر القبيلة بأسرها والقوم بأجمعهم من غير قتال.
9694 حدثنا عبد الله بن أبي شيبة حدثنا عبد الرحمان عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن عمر، رضي الله عنه، سألهم عن قوله تعالى: إذا جآء نصر الله والفتح (النصر: 2) قالوا: فتح المدائن والقصور، قال: ما تقول يا ابن عباس؟ قال: أجل أو مثل ضرب لمحمد صلى الله عليه وسلم نعيت له نفسه.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الله هو ابن محمد بن أبي شيبة أخو عثمان بن أبي شيبة، و عبد الرحمن هو ابن مهدي، و سفيان هو الثوري، والحديث من أفرادهي.
قوله: (أجل). بالتنوين وكذا قوله: (أو مثل) بالتنوين. قوله: (ضرب) من الضرب بمعنى
5

التوقيت في قوله: (أجل) ومن ضرب المثل في قوله: (أو مثل)، قوله: (نعيت)، بن علي
صيغة المجهول من نعي الميت ينعاه نعيا ونعيا إذا أذاع موته وأخبر به.
4
((باب * (فسبح اسم ربك واستغفره إنه كان توابا) * (النصر: 3))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (فسبح بحمد ربك) * (النصر: 3) المعنى: إذا دخل النا في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك فإنك حينئذ لا حق به ذائق الموت كما ذاق من قبلك من الرسل.
تواب على العباد، والتواب من الناس التائب من الذنب
أشار بهذا إلى أن التواب له معنيان: أحدهما: تواب يقال لله تعالى بمعنى أنه رجاع عليهم بالمغفرة وقبول التوبة، وقيل: الذي يرجع إلى كل مذنب بالتوبة وأصله من التوب وهو الرجوع، وقيل: هو الذي ييسر للمذنبين أسباب النوبة ويوفقهم ويسوق إليهم ما ينبههم عن رقدة الغفلة ويطلعهم بن علي
وخامة عواقب الزلة، فسمي المسبب للشيء باسم المباشر له كما أسند إليه فعله في قولهم: بنى الأمير المدينة. والآخرة: تواب يقال للعبد بمعنى أنه تائب من الذنوب التي اقترفها.
0794 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه، فقال: لم تدخل هاذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه من حيث علمتم، فدعا ذات يوم فادخله معهم، فما رئيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم، قال: ما تقولون في قول الله تعالى: إذا جآء نصر الله والفتح) * (النصر: 1)؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا فتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا، فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا. قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعلمه له قال: إذا جآء نصر الله والفتح) * (النصر: 1) وذالك علامة أجلك فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) * (النصر: 3) فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة تؤخذ من قوله: * (فسبح بحمد ربك) * (النصر: 3) إلى آخره و موسى بن إسماعيل أبو سلمة البصري التبوذكي، و أبو عوانة بفتح العين الوضاح بن عبد الله اليشكري، وأبو بشر بكسر الباء الموحدة جعفر بن أبي وحشية إياش اليشكري البصري، ويقال الواسطي.
والحديث مر في المغازي في باب مجرد عقيب: باب منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فإنه أخرجه هناك عن أبي النعمان عن أبي عوانة إلى آخره.
قوله: (يدخلني) بضم الياء من الإدخال. قوله: (مع أشياخ بدر). يعني: من المهاجرين والأنصار. قوله: (فكأن بعضهم) هو عبد الرحمن بن عوف قوله: (وجد)، أي غضب قوله: (أنه من حيث علمتم). أي: أن عبد الله بن عباس ممن علمتم فضله وزيادة علمه وعرفتم قدمه. قوله: (فما رئيت) بن علي
صيغة المجهول بضم الراء وكسر الحمزة. وفي غزوة الفتح في رواية المستملي: فما أريته بتقديم الهمزة والمعنى واحد. قوله: (إلا ليريهم) بضم الياء من الإراءة. قوله: (قلت: لا) أي: لا أقول مثل ما يقول هؤلاء قال عمر: فما تقول يا عبد الله؟ قوله: (ما أعلم منها) أي: من المقالات التي قال بعضهم.
111
((سورة * (تبت يدا أبي لهب) * (المسد: 1))
أي: هذا في تفسير بعض شيء ممن سورة * (تبت يدا أبي لهب) * (المسد: 1) وليس في بعض النسخ لفظ سورة، وهي مكية، وهي سبعة وسبعون حرفا، وثلاث وعشرون كلمة، وخمس آيات وأبو لهب بن عبد المطلب واسمه عبد العزي وأمه خزاعية وكنى أبا لهب فقيل: بابنه لهب، وقيل: لشدة حمرة وجنتيه وكان وجهه يتلهب من حسنه ووافق ذلك مات آل إليه، أمره وهو دخوله * ((111) نارا ذات
6

لهب) * (المسد: 3) وكان من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم وتمادى بن علي
عداوته حتى مات بعد بدر بأيام ولم يحضرها بل أرسل عنه بديلا فلما بلغه ما جرى لقريش مات غما.
بسم الله الرحمن الرحيم
تثبت البسملة لأبي ذر.
وتب: خسر تباب: خسران: تتبيب: تدمير
أشار به إلى قوله تعالى: * (وتب ما أغنى عنه ماله) * (المسد: 1 2) وفسر: (تب) بقوله: (تباب) بقوله (خسران) وأشار به إلى قوله تعالى: * (وما كيد فرعون إلا في تباب) * وأشار بقوله (تتبيب) إلى قوله تعالى: * (وما زادوهم غير تتبيب) * (هود: 101) أي: غير تدمير، أي غير هلاك، والواو في وتب للعطف فالأول دعاه والثاني خبر، ولفظ: يد أصله تقول العرب: يد الدهر ويد الرزايا، وقيل: المراد ملكه وماله، يقال: فلان قليل ذات اليد، يعنون به المال، وقيل: يذكر اليد ويراد به النفس من قبيل ذكر الشيء ببعض أجزائه.
1
((باب))
1794 حدثنا يوسف بن موسى ا حدثنا أبو أسامة حدثنا الأعمش حدثنا عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: لما نزلت وأنذر عشيرتك الاقربين ورهطك منهم المخلصين) * (الشعراء: 412 512) خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى صعد الصفا فهتف: يا صباحاه! فقالوا: من هاذا؟ فاجتمعوا إليه، فقال: أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلا تخرج من صفح هاذا الجبل أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبا قال: فإني * ((34) نذير لكم بين يدي عذاب شديد) * (سبأ: 64) قال أبو لهب: تبا لك! ما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام فنزلت: تبت يدآ أبى لهب وتب) * (المسد: 1) وقد تب، هاكذا قرأها الأعمش يومئذ.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة وفيه بيان سبب نزول السورة. يوسف بن موسى بن راشد بن بلال القطان الكوفي، مات ببغداد سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وهذا من مرسل الصحابي لأن ابن عباس لم يخلق حينئذ.
والحديث قد قتدم بتمامه في مناقب قريش، وببعضه في الجنائز.
قوله: (ورهطك منهم المخلصين) أما تفسير لقوله: عشيرتك، وإما قراءة شاذة رواها، قال الإسماعيلي: قرأها ابن عباس، وقال النووي عبارة ابن عباس مشعرة بأنها كانت قرآنا ثم نسخت تلاوته. قوله: (فهتف) أي: صاح. قوله: (يا صباحاه!) هذه كلمة يقولها المستغيث، وأصلها إذا صاحوا اللغارة لأنهم أكثر ما كانوا يغيرون بالصباح ويسمون يوم الغارة يوم الصباح، وكان القائل: يا صباحاه، يقول: قد غشينا العدو. قوله: (من سفح) بالسين أو الصاد: وجه الجبل وأسفله.
2
((باب قوله * (وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب) * (المسد: 1 2))
أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (وتب ما أغنى عنه) * (المسد: 1 2) أي: عن أبي لهب ماله من عذاب الله، وقيل: ماله أغنامه، وكان صاحب سائمة. قوله: (وما كسب) قال الثعلبي: يعني: ولده لأن ولده من كسبه، وقال النسفي كلمة: ما، موصولة يعني: والذي كسب من الأموال والأرباح، ويجوز أن تكون مصدرية يعني: وكسبه.
2794 حدثنا محمد بن سلام أخبرنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم، خرج إلى البطحاء فصعد إلى الجبل فنادى: يا صباحاه! فاجتمعت إليه قريش، فقال: أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم تصدقوني؟ قالوا: نعم. قال: فإني * ((34) نذير لكم بين يدي عذاب شديد) * (سبأ: 64) فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا؟ تبا لك. فأنزل الله عز وجل تبت يدآ أبى لهب وتب) * (المسد: 1) آلى آخرها.
7

.
هذا هو الحديث المذكور أخرجه من طريق آخر عن محمد بن سلام بتشديد اللام عن أبي معاوية محمد بن خازم الضرير عن سليمان الأعمش إلى آخره.
قوله: (إلى البطحاء) بفتح الباء الموحدة، وبطحاء مكة وأبطحها مسيل واديها ويجمع بن علي
البطاح والأباطح. قوله: (مصبحكم) من التصبيح وممسيكم من الإمساء قوله: (تصدقوني) ويروي: تصدقونني.
3
((باب قوله: * (نارا ذات لهب) * (المسد: 3))
أي: هذا باب في قوله تعالى: سيصلى أي: أبو لهب سيدخل نارا ذات لهب، والسين فيه للوعيد إذ هو كائن لا محالة وإن تأخر وقته.
4
((باب * (وامرأته حمالة الحطب) * (المسد: 4))
أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (وامرأته حمالة الحطب) * (المسد: 4) قرأ عاصم: حمالة، بالنصب بن علي
الذم والباقون بالرفع بن علي
تقدير: سيصلى نارا هو وامرأته، وتكون امرأته، عطفا بن علي
الضمير في سيصلى، وحمالة بدل منها، وقد ذكرنا أن امرأته أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان، وقال الضحاك: كانت تنشر السعدان بن علي
طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطؤه كما يطأ أحدكم الحرير، وعن مرة الهمداني: كانت أم جميل تأتي كل يوم بحزمة من الحسك والشوك والسعدان فتطرحها بن علي
طريق المسلمين، فبينما هي ذات يوم بحملة أعيت فقعدت بن علي
حجر تستريح، فأتى ملك فجذبها من خلفها فأهلكها.
وقال مجاهد: حمالة الحطب: تمشي بالنميمة
أي: قال مجاهد في قوله تعالى: * (وامرأته حمالة الحطب) * (المسد: 4) كانت تمشي بالنميمة، رواه عبد بن حميد عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، وكانت تنم بن علي
النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المشركين، وقال الفراء: كانت تنم فتحرش فتوقع بينهم العداوة، فكنى عن ذلك: بحمالة الحطب.
فى جيدها حبل من مسد) * (المسد: 5) يقال: مسد ليف المقل، وهي السلسلة التي في النار
هذان قولان حكاهما الفراء الأول: معنى قوله: (في جيدها حبل من مسد) (المسد: 4) أي: في عنقها حبل من ليف المقل، هذا كان في الدنيا حين كانت تحمل الشوك. والثاني: أن معنى قوله: من مسد، هي السلسلة التي في النار، وهو في الآخرة عن ابن عباس وعروة: سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعا تدخل من فيها وتخرج من دبرها وتلوى سائرها في عنقها، والله أعلم.
211
((سورة قل هو الله أحد) * (الإخلاص: 1))
أي: هذا في تفسير بعض شيء من سورة * (قل هو الله أحد) * (الإخلاص: 1) تسمى سورة الإخلاص: وهي مكية، مدنية، وهي سبعة وأربعون حرفا، وخمس عشرة كلمة، وأربع آيات. نزلت لما قالت قريش أو كعب بن الأشرف أو مالك بن الصعب أو عامر بن الطفيل العامري: أنسب لنا ربك.
يقال: لا ينون (أحد) أي: واحد
أي: قد يحذف التنوين من: أحد، في حال الوصل فيقال: هو الله أحد الله، كما قال الشاعر:
* فألقيته غير مستعتب
* ولا ذاكر الله إلا قليلا
*
قوله: (أي: واحد) تفسير. قوله: (أحد). أراد أنه لا فرق بينهما، وهذا قول قاله بعضهم، والصحيح الفرق بينهما، فقيل: الواحد بالصفات والأحد بالذات، وقيل: الواحد يدل بن علي
أزليته وأوليته لأن الواحد في الأعداد ركنها وأصلها ومبدؤها، والأحد يدل بن علي
تميزه من خلقه في جميع صفاته ونفي أبواب الشرك عنه، فالأخذ لنفي ما يذكر معه من العدد،
8

والواحد اسم لمفتح العدد، فأحد يصلح في الكلام في موضع الجحود، والواحد في موضع الإثبات، تقول: يأتني منهم أحد، وجاءني منهم واحد ولا يقال: جاءني منهم أحد لأنك إذا قلت: لم يأتني منهم أحد فمعناه أنه لا واحد أتاني ولا اثنان، وإذا قلت: جاءني منهم واحد، فمعناه أنه لم يأتني اثنان، وقال ابن الأنباري: أحد في الأصل واحد.
4794 حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قال الله تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذالك، وشتمني ولم يكن له ذالك، فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته؛ وأما شتمه إياي فقوله: * ((2) اتخذ الله ولدا) * (البقرة: 611) وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفئا أحد.
(انظر الحديث 3913 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو اليمان الحكم بن نافع، وشعيب بن حمزة، وأبو الزناد، بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز.
والحديث قد مضى في سورة البقرة في: باب * (قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه) * (البقرة: 611) عن أبي اليمان عن شعيب عن عبد الله بن أبي حسين عن نافع بن جبير عن ابن عباس نحو رواية أبي هريرة.
قوله: (وشتمني) الشتم توصيف الشخص بارزاء ونقص فيه لا سيما فيما يتعلق بالنسب.
2
((باب قوله الله الصمد) * (الإخلاص: 2))
أي: هذا باب في قوله عز وجل * (الله الصمد) * (الإخلاص: 2) ولم تثبت هذه الترجمة إلا لأبي ذر.
والعرب تسمي أشرافها الصمد. قال أبو وائل: هو السيد الذي انتهى سودده
أشار بهذا إلى أن معنى الصمد عند العرب الشرف، ولهذا يسمون رؤساءهم: الأشراف بالصمد. وعن ابن عباس: هو السيد الذي قد كمل أنواع الشرف والسؤدد، وقيل: هو السيد المقصود في الحوائج، تقول العرب: صمدت فلانا أصمده صمدا، بسكون الميم: إذا قصدته والمصمود صمد، ويقال: بيت مصمود إذا قصده الناس في حوائجهم. قوله: (وقال أبو وائل) بالهمزة بعد الألف كنية شقيق بن مسلمة، وهذا ثبت النسفي هنا، وقد ذكر في تفسير الصمد معاني كثيرة.
5794 حدثنا إسحاق بن منصور قال: وحدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذالك، وشتمني ولم يكن له ذلك؛ أما تكذيبه إياي أن يقول: إني لن أعيده كما بدأته، وأما شتمه إياي أن يقول * ((2) اتخذ الله ولدا) * (البقرة: 611) وأنا الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفؤا أحد.
(انظر الحديث 3913 وطرفه).
هذا طريق آخر في حديث أبي هريرة المذكور أخرجه عن إسحاق بن منصور المروزي عن عبد الرزاق بن همام عن معمر بن راشد عن همام بن منبه عن أبي هريرة.
قوله: (كذبني ابن آدم)، أي: بعض بني آدم، والمراد بهم المنكرون للبعث من مشركي العرب وغيرهم من عباد الأوثان والنصارى. قوله: (ولم يكن له ذلك) ثبت هذا في رواية الكشميهني ولم يثبت لبقية الرواة عن الفربري، وكذا النسفي. قوله: (أما تكذيبه إياي أن يقول) القياس: أن يقال: فأن يقول، بالفاء وهذا دليل من جوز حذف الفاء من جواب أما قوله: (ولم يكن لي كفؤا أحد) كذا في رواية الأكثرين، ووقع في رواية الكشميهني: ولم يكن له، بطريق الالتفات.
كفؤا وكفيئا وكفاء واحد
9

أشار به إلى أن كفوا بضمتين بدون الهمزة، وكفيئا بن علي
وزن فعيل. وكفاء بن علي
وزن فعال بالكسر بمعنى واحد، والكفؤ المثل والنظير وليس لله عز وجل كفؤ ولا مثيل ولا شبيه، وقال الثعلبي في قوله: ولم يكن له كفؤا أحد، بن علي
التقديم والتأخير أي ليس له أحد كفؤا. وقرأ حمزة ويعقوب: كفئا، ساكنة الفاء ممهوزة ومثله روي العباس عن أبي عمرو وإسماعيل عن نافع وحفص عن عاصم وقرأ الباقون بضم الفاء وفتح حفص الواو بغير همزة، وروي في الشواذ عن سليمان بن بن علي
أنه قرأ: كفاء، بكسر ثم مد، وروي عن نافع مثله لكن بغير مد.
311
((سورة قل أعوذ برب الفلق) * (الفلق: 1))
أي: هذا في تفسير بعض شيء من سورة: * (قل أعوذ برب الفلق) * (الفلق: 1) وفي بعض النسخ * (قل أعوذ برب الفلق) * من غير ذكر سورة وفي بعضها وفي بعضها سورة الفلق.
* (بسم الله الرحمان الرحيم) *
لم تثبت البسملة إلا لأبي ذر.
وهي مدنية في قول سفيان وفي رواية همام وسعيد عن قتادة مكية وكذا قاله السدي وقال سفيان الفلق والناس تزلتا فيما كانلبيد بن الأعصم سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصته مسهورة في التفاسير وهي أربعة وسبعون حرفا وثلاث وعشرون كلمة وخمس آيات والفلق الصبح كذا روى عن ابن عباس وعنه سجن في جهنم وعن السدي جب في جهنم وعن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه بسند لا بأس به الفلق جب فيجهنم مغطى وعن كعب الجب بيت في جهنم إذا فتح صاح أهل النار من شر حره وقيل غير ذلك.
* (وقال مجاهد الفلق الصبح وغاسق الليل إذا وقب غروب الشمس يقال أبين من فرق وفلق الصبح وقب إذا دخل في كل شيء وأظلم) *
أي قال مجاهد في قوله تعالى * (ومن شر غاسق إذا وقب) * أن الغاسق الليل وإذا وقب غروب الشمس وكذا روى عن أبي عبيدة ووقب من الوقوب وهو غروب الشمس والدخول في موضعها ويقال وقب إذا دخل في كل شيء وأظلم وهو كلام الفراء وكذا قوله يقال أبين من فرق وفلق الصبح من كلام الفراء.
472 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن عاصم وعبدة عن زر بن حبيش قال سألت أبي بن كعب عن المعوذتين فقال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي فقلت فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مطابقته للترجمة ظاهرة للترجمة ظاهرة وسفيان وهو ابن عيينة وعاصم هو ابن أبي النجود بفتح النون وضم الجيم وبالمهملة أحد القراء السبعة وعبدة ضد الحرة ابن أبي لبابة بضم اللام وتخفيف الموحدة الأولى الأسدي وزر بكسر الزاي وشدة الراء ابن جبيش مصغر الحبش بالحاء المهملة والباء الموحدة والشين المعجمة والحديث أخرجه النسائي أيضا عن قتيبة قوله: (عن المعوذتين) بكسر الواو ومعنى السؤال عنهما لأجل قول ابن مسعود أن المعوذتين ليستا من القرآن فسأل عنهما من أبى من هذه الجهة فقال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قيل لي أعوذ أي إقرأنيهما جبريل عليه الصلاة والسلام يعنى أنهما من القرآن قوله (فنحن نقول) من كلام أبي رضى الله تعالى عنه.
((سورة * (قل أعوذ برب الناس) *))
أي هذا في تفسير بعض شيء من سورة (قل أعوذ برب الناس) وفي بعض النسخ لم يذكر لفظ: سورة وفي بعضها بسورة الناس، وهي مدنية، وهي تسعة وتسعون حرفا، وعشرون كلمة، وست آيات.
ويذكر عن ابن عباس: الوسواس إذا ولد خنسة الشيطان فإذا ذكر الله عز وجل ذهب، وإذا لم يذكر الله ثبت على قلبه
10

كذا في وقع لغير أبي ذر، ووقع له: وقال ابن عباس، والأول أولى لأن إسناد الحديث إلى ابن عباس ضعيف أخرجه الطبري والحاكم في إسناده حكيم بن جبير وهو ضعيف، ولفظه: ما من مولود إلا بن علي
قلبه الوسواس، فإذا عمل فذكر الله خنس، وإذا غفل وسوس. قوله: (خنس الشيطان)، قال الصاغاني الأولى نخسه الشيطان، مكان خنسه الشيطان، فإن سلمت اللفظة من الانقلاب والتصحيف فالمعنى، والله أعلم: أخره وأزاله عن مكانه لشدة نخسه وطعنه في خاصرته.
7794 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا عبدة بن أبي لبابة عن زر بن حبيش وحدثنا عاصم عن زر قال: سألت أبي بن كعب قلت: يا أبا المنذر! إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا، فقال أبي: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: قيل لي. فقلت. قال، فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
.
هذا طريق آخر في حديث ابن أبي كعب أخرجه عن علي بن عبد الله بن المديني عن سفيان بن عيينة إلى آخره.
قوله: (وحدثنا عاصم) القائل: وحدثنا عاصم، هو سفيان وكأنه كان يجمعهما تارة ويفردهما أخرى، وأبو المنذر كنية أبي بن كعب وله كنيته أخرى: أبو الطفيل. قوله: (إن أخاك) يعني في الدين. قوله: (كذا وكذا)، يعني: أنهما ليستا من القرآن. قوله: (قيل لي)، أي: إنهما من القرآن، وهذا كان مما اختلف فيه الصحابة ثم ارتفع الخلاف ووقع الإجماع عليه، فلو أنكر اليوم أحد قرآنيتهما كفر، وقال بعضهم: ما كانت المسألة في قرآنيتهما بل في صفة من صفاتهما وخاصة من خاصتهما، ولا شك أن هذه الرواية تحتملهما، فالحمل عليها أولى والله أعلم. فإن قلت: قد أخرج أحمد وابن حيان من رواية حماد بن سلمة عن عاصم بلفظ: أن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، وأخرج عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني وابن مردويه من طريق الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي. قال: كان عبد الله بن مسعود يحك المعوذتين من مصاحفه، ويقول: إنهما ليستا من القرآن، أو من كتاب الله تعالى. قلت: قال البزار: لم يتابع ابن مسعود بن علي
ذلك أحد من الصحابة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأها في الصلاة، وهو في صحيح مسلم عن عبة بن عامر وزاد فيه ابن حيان من وجه آخر عن عقبة بن عامر فإن استطعت أن لانفوتك قراءتهما في صلاة فافعل، وأخرج أحمد من طريق أبي العلاء بن الشخير عن رجل من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه المعوذتين، وقال له: إذا أنت صليت فاقرأ بهما، وإسناده صحيح، وروي سعيد بن منصور من حديث معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح فقرأ فيهما بالمعوذتين قوله: (قال: فنحن نقول)، القائل هو أبي بن كعب.
بسم الله الرحمان الرحيم
تثبت البسملة لأبي ذر وحده.
66
((كتاب فضائل القرآن))
أي: هذا كتاب في بيان فضائل القرآن، ولم يقع لفظ كتاب، إلا في رواية أبي ذر، والمناسبة بين كتاب التفسير وبين كتاب فضائل القرآن ظاهرة لا تخفي، والفضائل جمع فضيلة قال الجوهري: الفضل والفضيلة خلاف النقص والنقيصة.
1
((باب: كيف نزول الوحي وأول ما نزل))
أي: هذا باب في بيان كيفية نزول الوحي وبيان أول ما نزل من الوحي. قوله: (كيف نزول الوحي) كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر: كيف نزل الوحي، بلفظ الماضي، وقال بعضهم، كيف نزول الوحي: بصيغة الجمع. قلت: كأنه ظن من عدم وقوفه بن علي
العلوم العربية أن لفظ النزول جمع وهو غلط فاحش، وءنما هو مصدر من نزل ينزل نزولا وقد تقدم في أول الكتاب كيفية نزوله وبيان أول ما نزل.
11

وقال ابن عباس المهيمن الأمين القرآن أمين على كل كتاب قبله
أي: قال ابن عباس في قوله تعالى: * (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه) * (المائدة: 84) وفسر المهيمن بالأمين، ومن أسماء الله تعالى: المهيمن، قيل: أصله مؤيمن فقبلت الهمزة هاء كما قبلت في أرقت. هرقت، ومعناه: الأمين الصادق وعده، وذكر له معان أخر. قوله: (القرآن أمين بن علي
كل كتاب قبله) يعني: من الكتب والصحف المنزلة بن علي
الأنبياء والرسل، عليهم السلام، وأثر ابن عباس هذا رواه عبد بن حميد في تفسيره عن سليمان بن داود عن شعبة عن أبي إسحاق، قال: سمعت التميمي عن ابن عباس.
9794 حدثنا عبيد الله بن موسى ا عن شيبان عن يحيى عن أبي سلمة، قال: أخبرتني عائشة وابن عباس، رضي الله عنهم، قالا: لبث النبي صلى الله عليه وسلم، بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن وبالمدينة عشرا.
.
مطابقته للجزء الأول للترجمة الظاهرة وشيبان أبو معاوية النحوي؛ ويحيى هو ابن أبي كثير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
والحديث مضى في المغازي.
قوله: (عشرا) مهم كذا هو في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني: عشر سنين، يذكر مميزه وهو يفسر الإبهام المذكور، فإن قلت: يعارض هذا ما ذكره أيضا من حدث ابن عيينة: سمعت عمرو بن دينار: قلت لعروة إن ابن عباس يقول: لبث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بضع عشر سنة قلت يحمل الأول بن علي
أنه من حيث حمي الوحي وتتابع ورواية مقامه بمكة ثلاث عشرة سنة يريد من حين البعثة، وقيل: يحمل بن علي
أن إسرافيل، عليه السلام، وكل به صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين ثم جاءه جبريل عليه السلام بالقرآن.
0894 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا معتمر قال: سمعت أبي عن عثمان، قال: أنبئت أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أم سلمة، فجعل يتحدث فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: من هاذا؟ أو كما قال؟ قالت: هاذا دحية، فلما قام قالت: والله ما حسبته إلا إياه حتى سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم، يخبر خبر جبريل، أو كما قال: قال أبي: قلت لأبي عثمان. ممن سمعت هذا؟ قال: من أسامة بن زيد.
.
هذا أيضا يطابق الجزء الأول للترجمة، ومعتمر هو ابن سليمان التميمي، يروي عن أبيه عن أبي عثمان عبد الرحمن الهندي، بفتح النون؟ والحديث قد مضر في علامات النبوة فإنه أخرجه هناك عن عباس بن الوليد النرسي.
قوله: (أنبئت) بن علي
صيغة المجهول من الإنباء أي: أخبرت. قوله: (أو كما قال) شك من الراوي. قوله: (ما حسبته إلا إياه) كلام أم سلمة قوله: (يخبر خبر جبريل عليه الصلاة والسلام) ويروي بخبر جبريل بالباء الموحدة في رواية مسلم: فقالت: أيمن الله ما حسبته إلا إياه. قوله: (إلا إياه) أي: دحية. وقال بعضهم: يحتمل أن يكون هذا في قصة بني قريظة فقد وقع في دلائل البيهقي من رواية عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يكلم رجلا وهو راكب، فلما دخل قلت: من هذا الذي كنت تكلمه؟ قال: بمن تشبهين؟ قلت: بدحية. قال: ذاك جبريل عليه السلام، يأمرني أن أمضي إلى بني قريظة. قلت: هذا بعيد من وجوه: الأول: أن الرائية في حديث الباب أم سلمة وهنا عائشة. والثاني: فيه اختلاف الرواة عنهما الثالث: أن الظاهر أن أم سلمة رأته في بيتها وعائشة رأته خارج بيتها لقولها. فلما دخل، وأنها رأته وهو راكب، فعلى كل الوجوه لا دلالة بن علي
أن قصة أم سلمة كانت في قصة بني قريظة، والله أعلم. قوله: (قال أبي) بفتح الهمزة وكسر الباء الموحدة، أي: قال معتمر بن سليمان. قال أبي: لأبي عثمان، وهو عبد الرحمن المذكور: ممن سمعت هذا الحديث؟ قال: سمعته من أسامة بن زيد الصحابي، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر أبو مسعود هذا الحديث في مسند أسامة وكذلك الحافظ
12

المزي، وقال الحميدي في مسند أم سلمة: وقالوا: فيه فضيلة أم سلمة ودحية، وقال بعضهم: وفيه نظر لأن أكثر الصحابة رأوا جبريل، عليه السلام، في صورة الرجل. قلت: هذا فيه نظر لأن ذكر هذا الأم سلمة فضيلة لا يستلزم نفي فضيلة غيرها من النساء. وقوله: أكثر الصحابة رأوا جبريل، غير مسلم بن علي
ما لا يخفى.
1894 حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليت حدثنا سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من الأنبياء نبي إلا اعطي ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكثرهم تابعا يوم القيامة.
مطقابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (أوتيته وحيا أوحاه الله) وسعيد المقبري يروي عن أبيه كيسان.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاعتصام عن عبد العزيز بن عبد الله وأخرجه مسلم في الأيمان. وأخرجه النسائي في التفسير وفي فضائل القرآن جميعا عن قتيبة. قوله: (ما من الأنبياء نبي إلا أعطي) يدل بن علي
أن النبي لا بد لهمن معجزه تقتضي إيمان من شاهدها بصدقه ولا يضره ممن أصر بن علي
المعاندة. قوله: (ما مثله) كلمة: ما، موصولة في محل النصب لأنه مفعول ثان لأعطي. قوله: (مثله) مبتدأ. (وآمن عليه البشر) خبره، والجملة صلة الموصول، والمثل يطلق ويراد به عين الشيء أو ما يساويه. قوله: (عليه) القياس يقتضي أن يقال: به، لأن الأيمان يستعمل بالباء أو باللام ولا يستعمل بعلى، ولكن فيه تضمين معنى الغلبة أي: يؤمن بذلك مغلوبا عليه بحيث لا يستطيع دفعه عن نفسه، لكن قد يخذل فيعاند، وقال الطيبي: لفظ (عليه) هو حال أي: مغلوبا عليه في التحدي والمباراة، أي: ليس نبي إلا قد أعطاه الله من المعجزات الشيء الذي صفته أنه إذا شوهد اضطر الشاهد إلى الأيمان به، وتحريره أن كل نبي اختص بما يثبت
دعواه من خارق العادات بحسب زمانه: كقلب العصا ثعبانا، لأن الغلبة في زمان موسى للسحر، فأتاهم بما فوق السحر فاضطرهم إلى الأيمان به، وفي زمان عيسى الطب، فجاء بما هو أعلى من الطب وهو إحياء الموتى، وفي زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغة فجاءهم بالقرآن. قوله: (آمن)، وقع في رواية حكاها ابن قرقول (أو من) بضم ثم واو، قال أبو الخطاب: كذا قيدناه في رواية الكشميهني والمستملي، وقال ابن دحية: وقيده بعضهم أيمن بكسر الهمزة بعدها ياء وميم مضمومة، وفي رواية القابسي: أمن بغير مدمن الأمان، والكل راجع إلى معنى: الإيمان، والأول هو المشهور.
وقال النووي اختلف في معنى هذا الحديث بن علي
أقوال: أحدها: أن كل نبي أعطى من المعجزات ما كان مثله لمن كان قبله من الأنبياء فآمن به البشر وأما معجزتي العظيمة الظاهرة فهي القرآن الذي لم يعط أحد مثله فلهذا أنا أكثرهم تبعا. والثاني: أن الذي أوتيته لا يتطرق إليه تخييل بسحر أو تشبيه، بخلاف معجزة غيري فإنه قد يخيل الساحر بشيء مما يقارب صورتها كما خيلت السحرة في صورة عصا موسى، عليه السلام، والخيال قد يروج بن علي
بعض العوام، والفرق بين المعجزة والتخييل يحتاج إلى فكر، فقد يخطئ الناظر فيعتقدهما سواء. والثالث: أن معجزات الأنبياء، عليهم السلام، انقرضت بانقراضهم ولم يشاهدها إلا من حضرها بحضرتهم، ومعجزة نبينا صلى الله عليه وسلم القرآن المستمر إلى يوم القيامة.
قوله: (وإنما كان الذي أوتيته وحيا) كلمة: إنما، للحصر، ومعجزة الرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن منحصرة في القرآن، وإنما المراد أنه أعظم معجزاته وأفيدها فإنه يشتمل بن علي
الدعوة والحجة وينتفع به الحاضر والغائب إلى يوم القيامة، فلهذا راتب عمله قوله: (فأرجوان أكون أكثرهم) أي: أكثر الأنبياء تابعا أي أمة تظهر يوم القيامة.
2984 حدثنا عمرو بن محمد حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب. قال: أخبرني أنس بن مالك، رضي الله عنه، أن الله تعالى تابع على رسوله صلى الله عليه وسلم الوحي قبل وفاته حتى توفاه أكثر ما كان الوحي، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد.
مطابقته للترجمة ظاهرة وعمرود وبالفتح ابن محمد البغدادي الملقب بالناقد، ويعقوب بن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.
والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب عن الناقد وغيره وأخرجه النسائي في
13

فضائل القرآن عن إسحاق بن منصور.
قوله: (تابع) أي أنزل الله تعالى الوحي متتابعا متواترا أكثر مما كان، وكان ذلك قرب وفاته قوله: (حتى توفاه أكثر ما كان الوحي) أي: الزمان الذي وقعت فيه وفاته ما كان نزول الوحي فيه أكثر من غيره من الأزمنة. قوله: (بعد) بالضم مبني لقطع الإضافة عنه أي: بعد ذلك.
3894 حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيانخ عن الأسود بن قيس قال: سمعت جندبا يقول: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يقم ليلة أو ليلتين، فأنته امرأة فقالت: يا محمد! ما أرى شيطانك إلا قد تركك؟ فأنزل الله عز وجل ووضعنا عنك وزرك) * (الضحى: 1 3).
.
وجه إيراده هذا الحديث هنا الإشارة إلى أن تأخير النزول لا لقصد الترك أصلا وإنما هو لوجوه من الحكمة: تسهيل حفظه، لأنه لو نزل دفعة واحدة لشق عليهم لأنهم أمة أمية وغالبهم لا يقرأ أو لا يكتب، وتردد رسول الله صلى الله عليه وسلم عز وجل إليه ولا ينقطع إلى أن يلقى الله تعالى، ونزوله بحسب الوقائع والمصالح، وكون القرآن بن علي
سبعة أحرف مناسب أن ينزل مفرقا إذ في نزوله دفعة واحدة كانت مشقة عليهم.
والحديث مر عن قريب في سورة الضحى، فإنه أخرجه هناك عن أحمد بن يونس عن زهير عن الأسود، وهنا أخرجه عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن سفيان الثوري عن الأسود. ومر الكلام فيه هناك.
2
((باب نزل القرآن بلسان قريش والعرب))
أي: هذا باب في بيان القرآن نزل بلسان قريش، أي: معظمه وأكثره، لأن في القرآن همزا كثيرا وقريش لا تهمز، وفيه كلمت بن علي
خلاف لغة قريش، وقد قال الله تعالى * (قرآنا عربيا) * (طه: 311) ولم يقل: قرشيا، ويحتمل أن يكون قوله: (بلسان قريش) أي: ابتداء نزوله ثم أبيح أن يقرأ بلغة غيرهم قوله: (والعرب) أي: ولسان العرب، وهو من قبيل عطف العام بن علي
الخاص لأن قريشا من العرب لكن فائدة ذكر قريش بعدد دخوله في العرب لزيادة شرف قريش بن علي
غيرهم من العرب، وذلك كما في قوله تعالى: * (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) * (الحجر: 78). وقال الحكيم الترمذي في كتابه علم الأولياء إن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى لم ينزل وحيا قط إلا بالعربية، وترجم جبريل عليه السلام، لكل رسول بلسان قومه، والرسول صاحب الوحي يترجم بلسان أولئك، فأما الوحي فباللسان العربي.
* ((20) قرآنا عربيا) * (طه: 311) بلسان عربي مبين
ذكر هذا في معرض الاستدلال بأن القرآن بن علي
لسان العرب، ولهذا وقع في رواية أبي ذر لقول الله تعالى * (قرآنا عربيا) * (طه: 311) بسان عربي مبين.
4894 حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب عن الزهري، وأخبرني أنس بن مالك قال: فأمر عثمان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمان بن الحارث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف، وقال لهم: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في عربية من عربية القرآن فاكتبوها بلسان قريش فإن القرآن أنزل بلسانهم ففعلوا.
(انظر الحديث 6053 وطرفه).
مطابقته للترجمة في قوله: (فاكتبوها بلسان قريش) وأبو اليمان الحكم بن نافع. وهذا الإسناد بعينه قد مر مرارا كثيرة مع اختلاف المتون.
والحديث قد مضى في: باب نزول القرآن بلسان قريش في: باب المناقب.
قوله: (وأخبرني) وفي رواية أبي ذر: فأخبرني، بالفاء قوله: (أن ينسخوها)، أي: السور والآيات التي أحضرت من بيت حفصة، وفي رواية الكشميهني: أن ينسخوا ما في المصاحف، أي ينقلوا الذي فيها إلى مصاحف أخرى، والأول هو المعتمد لأنه كان في صحف لا في مصاحف، وقد ذكر عن ابن شهاب أنه قال: اختلفوا يومذ في التابوت، فقال زيد بن ثابت إنه التابوه، وقال ابن الزبير ومن معه التابوت،
14

فترافعوا إلى عثمان رضي الله تعالى عنه فقال: أكتبوه التابوت بلغة قريش. قوله: (في عربية) أي: في لغة عربية من عربية القرآن أي: من لغته قوله: (فإن القرآن أنزل بلسانهم) أي: بلسان قريش، والمراد معظم القرآن كما ذكرناه عن قريب قوله: (ففعلوا) أي: ففعل هؤلاء الصحابة الذي أمر به عثمان من كتابة القرآن بلغة قريش، وقال ابن عباس نزل القرآن بلغة قريش ولسان خزاعة لأن الدار كانت واحدة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أفصحكم لأنى من قريش ونشأت في بني سعد بن مالك فلا يجب لذلك أن يقال: القرآن نزل بلغة سعد بن بكر، بل لا يمنع أن يقال: بلغة أفصح العرب ومن دونها في الفصاحة إذا كانت فصاحتهم غير متفاوتة، وقد جاءت الروايات أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بلغة قريش وغير لغتها، كماأخرجه ابن أبي شيبة عن الفضل ابن أبي خالد، سمعت أبا العالية يقول: قرأ القرآن بن علي
النبي صلى الله عليه وسلم، خمسة رجال، فاختلفوا في اللغة فرضي قراءتهم كلها، وكان بنو تميم أعرب القوم، فهذا يدل بن علي
أنه كان يقرأ بلغة بني تميم وخزاعة وأهل لغات مختلفة قد أقر جميعها ورضيها.
5894 حدثنا أبو نعيم حدثنا همام حدثنا عطاء.
(ح) وقال مسدد حدثنا يحيى عن ابن جريح قال: أخبرني عطاء قال أخبرني صفوان بن يعلى بن أمية أن يعلى كان يقول: ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين ينزل عليه الوحي، فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة وعليه ثوب قد أظل عليه ومعه ناس من أصحابه، إذ جاءه رجل متضمخ بطيب، فقال: يا رسول الله! كيف ترى في رجل أحرم في جبة بعد ما تضمخ بطيب؟ فنظر النبي صلى الله عليه وسلم ساعة فجاءه الوحي، فأشار عمر إلى يعلى أن تال، فجاء يعلى فأدخل رأسه، فإذا هو محمر الوجه يغظ كذالك ساعة ثم سري عنه، فقال: أين الذي يسألني عن العمرة آنفا؟ فالتمس الرجل فجيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات، وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجك.
.
قيل: وجه دخول هذا الحديث في هذا الباب هو التنبيه بن علي
أن القرآن والسنة كلاهما بوحي واحد ولسان واحد، وقيل: أشار البخاري بذلك إلى أن قوله تعالى: * (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) * (إبراهيم: 4) لا يستلزم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أرسل بلسان قريش فقط لكونهم قومه، بل أرسل بلسان جميع العرب لأنه أرسل إليهم كلهم بدليل أنه خاطب الأعرابي الذي سأله بما يفهمه بعد أن نزل الوحي عليه بجواب مسألته، فدل أن الوحي كان ينزل عليه بما بفهمه من العرب، قرشيا كان أو غير قرشي، والوحي أعم من أن يكون قرآنا يتلى أو لا يتلى، وقيل غير ذلك، والكل لا يشفى العليل ولا يروي الغليل، ولهذا قال بعضهم: ذكر هذا الحديث في الترجمة التي قبل هذه أظهر وأبين، فلعل ذلك وقع من بعض النساخ. وقال آخر مثله وهو: أن إدخال هذا الحديث في الباب الذي قبله أليق، ثم اعتذر عنه، فقال: فلعله قصد التنبيه بن علي
أن الوحي بالقرآن والسنة كان بن علي
صفة واحدة لسان واحد؟ انتهى. وقد مضى هذا الحديث في الحج في: باب إذا أحرم جاهلا وعليه قميص، وأخرجه هناك عن أبي الوليد بن همام عن عطاء،. قال: حدثني صفوان بن يعلى عن أبيه الحديث، وهنا أخرجه عن أبي نعيم، بضم النون: الفضل بن دكين عن همام بن يحيى عن عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى إلى آخره. وأخرجه من طريق آخر بقوله: وقال مسدد، وهذا بطريق المذاكرة مع أن مسددا شيخه وهو يروي عن يحيى بن سعيد القطان عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية إلى آخره، وقد مضى الكلام فيه هناك مستوفى. والجعرانة بسكون العين المهملة وتخفيف الراء، وقد تكسر وتشدد الراء، وهي موضع قريب من مكة، وهي في الحل ومقيات للإحرام. والتضمخ بالمعجمتين التلطخ، وغطيط النائم نخيره، وسري أي كشف
15

وأزيل عنه.
3
((باب جمع القرآن))
أي: هذا باب في بيان كيفية جمع القرآن، والمراد به جمع مخصوص وهو جمع المتفرق منه في صحف ثم تجمع تلك الصحف في مصحف واحد مرتب السور والآيات.
6894 حدثنا موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد حدثنا ابن شهاب عن عبيد بن السباق: أن زيد بن ثابت، رضي الله عنه قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر، رضي الله عنه: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. قلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هاذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر.
قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدر الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره * ((9) لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم) * (التوبة: 821) حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهما.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبيد بن السباق، بفتح السين المهملة وتشديد الباء المدني التابعي، يكنى أبا سعيد وليس له في البخاري غير هذا الحديث. لكن كرره في الأبواب.
والحديث مضى في التفسير في آخر سورة براءة فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري، قال: أخبرني ابن السباق أن زيد بن ثابت إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك، ولنتكلم في بعض شيء.
فقوله: (مقتل أهل اليمامة) أي: بعد قتل مسيلمة الكذاب، وقتل من القراء يومئذ سبعمائة وقيل أكثر. قوله: (قد استحر) بسين مهملة ومثناة من فوق مفتوحة وحاء مهملة مفتوحة وراء مشددة أي: اشتد وكثر وهو بن علي
وزن استفعل من الحر خلاف البرد قوله: (بالمواطن)، أي: في المواطن أي الأماكن التي يقع فيها القتال مع الكفار. قوله: (لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم)، قال الخطابي وغيره: يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم إنما لم يجمع القرآن في الصحف لما كان يترقب من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته، فلما انقضى نزوله بوفاته صلى الله عليه وسلم ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء لوعده الصادق بضمان حفظه بن علي
هذه الأمة المحمدية، فكان ابتداء ذلك بن علي
يد الصديق، رضي الله تعالى عنه، بمشورة عمر، رضي الله تعالى عنه، ويؤيده ما أخرجه ابن أبي داود في المصاحف بإسناد حسن عن عبد خير قال: سمعت عليا، رضي الله تعالى عنه، يقول: أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر رحمة الله بن علي
أبي بكر، هو أول من جمع كتاب الله. فإن قلت: أخرج ابن أبي داود في المصاحف من طريق ابن سيرين، قال: قال علي، رضي الله تعالى عنه: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم آليت أن لا آخذ بن علي
ردائي إلا لصلاة جمعة حتى أجمع القرآن، فجمعه قلت: إسناده ضعيف لانقطاعه، ولئن سلمنا كونه
16

محفوظا فمراده بجمعه حفظه في صدره قوله: (والله خير)، يعني: خير في زمانهم. قوله: (فتتبع القرآن) صيغة أمر، وكذلك قوله: (فاجمعه) قوله: (فتتبعت القرآن أجمعه) حال أي: حال كوني أجمعه، وقت التتبع. قوله: (من العسب) بضم العين والسين المهملتين بعدهما باء موحدة جمع عسب وهو جريد النخل كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف العريض، وقيل: العسب طرف الجريد العريض الذي لم ينبت عليه الخوص، والذي ينبت عليه الخوص هو السعف، ووقع في رواية ابن عيينة عن ابن شهاب: القصب والعسب والكرانيف وجرائد النخل. وفي الرواية المتقدمة في التفسير من الرقاع، الأكتاف والعسب وصدور الرجال، والرقاع جمع رقعة، وقد يكون من جلد أو ورق أو كاغد، وفي رواية عمارة بن غزية: وقطع الأديم. وفي رواية ابن أبي داوود من طريق أبي داوود الذيالسي عن إبراهيم بن سعد: والصحف وفي رواية ابن أبي داود والأضلاع، وعنده أيضا: والأقتاب جمع قتب البعير. قوله: (واللخاف)، بكسر اللام وبالخاء المعجمة وبعد الألف فاء وهو جمع لخفة، بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة وهو الحجر الأبيض الرقيق، وقال الخطابي: اللخاف صفائح الحجارة الرقاق. قوله: (مع أبي خزيمة الأنصاري) ووقع في رواية عبد الرحمن بن مهدي عن إبراهيم بن سعد مع خزيمة بن ثابت، أخرجه أحمد والترمذي، ورواية من قال: مع أبي خزيمة أصح، والذي وجد معه آخر سورة التوبة أبو خزيمة بالكنية، والذي وجد معه الآية من الأحزاب خزيمة، واسم أبي خزيمة لا يعرف وهو مشهور بكنيته وهو ابن أوس بن زيد بن أصرم. قوله: (فكانت) أي: الصحف التي جمعها زيد بن ثابت عند أبي بكر إلى أن توفاه الله تعالى. قوله: (ثم عند عمر حياته)، أي: ثم كانت عند عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، مدة حياته. قوله: (ثم عند حفصة)، أي: ثم بعد عمر كانت عند حفصة بنت عمر في خلافة عثمان، رضي الله تعالى عنه، وإنما كانت عند حفصة لأن
عمر أوصى بذلك فاستمرت عندها إلى أن طلبها من له الطلب.
7894 حدثنا موسى ا حدثنا إبراهيم حدثنا ابن شهاب: أن أنس بن مالك حدثه أن حذيفة ابن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهلع الشأم في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نزدها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمان بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف. وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم. ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يخرق.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة وموسى هو ابن إسماعيل، وإبراهيم هو ابن سعد، وهذا الإسناد إلى ابن شهاب هو الذي قبله بعينه، أعاده إشارة إلى أنهما حديثان لابن شهاب في قصتين مختلفتين، وإن اتفقا في كتابة القرآن وجمعه، وله قصة أخرى عن خارجة بن زيد في آخر هذا الحديث، بن علي
ما يأتي الآن.
قوله: (وكان يغازي)، أي: يغزى، أي: كان عثمان يجهز أهل الشام وأهل العراق لغزو أرمينية وأذربيجان وفتحهما، وأرمينية بكسر الهمزة وسكون الراء وكسر الميم بعدها ياء آخر الحروف ساكنة ثم نون مكسورة، وقال ابن السمعاني بفتح الهمزة، وقال أبو عبيد: هي بلد معروف يضم كورا كثيرة سميت بذلك لكون الأرمن فيها، وهي أمة كالروم، وقيل: سميت بأرمون بن ليطى بن يؤمن بن يافث بن نوح، عليه السلام: وقال
17

الرشاطي: افتتحت في سنة أربع وعشرين في خلافة عثمان، رضي الله تعالى عنه، بن علي
يد سلمان بن ربيعة الباهلي، قال: وأهلها بنو أرمي بن أرم بن نوح عليه السلام، وأذربيجان بفتح الهمزة وسكون الذال المعجمة وبالراء المفتوحة والباء الموحدة المكسورة ثم الياء آخر الحروف الساكنة ثم الجيم والألف والنون، وقال ابن قرقول: فتح عبد الله بن سليمان الياء، وعن المهلب بالمد وكسر الراء بعدها ياء ساكنة بعدها باء مفتوحة، وقال أبو الفرج: ألفها مقصورة وذالها ساكنة كذلك قراءته بن علي
أبي منصور، ويغلط من يمده. وفي المبتدىء: من يقدم الياء أخت الواو بن علي
الباء الموحدة وهو جهل، وفي النوادر لابن الأعرابي: العرب تقوله بقصر الهمزة، وكذا ذكره صاحب تثقيف اللسان ولكن كسر الهمزة، وقال أبو إسحاق البحتري: من الفصيح أذربيجان، وقال الجواليقي: الهمزة في أولها أصلية لأن أذر مضموم إليه الآخر، وقال ابن الأعرابي: اجتمعت فيها أربع موانع من الصرف: العجمة والتعريف، والتأنيث والتركيب، وهي بلدة بالجبال من بلاد العراق يلي كور أرمينية من جهة الغرب، وقال الكرماني: الأشهر عند العجم أذربايجان، بالمدو الألف بين الموحدة والتحتانية، هو بلدة تبريز وقصباتها. قوله: (مع أهل العراق) وفي رواية الكشميهني: في أهل العراق. قوله: (فأفزع) من الإفزاع، و (حذيفة) بالنصب. مفعوله، (واختلافهم) بالرفع فاعله، وفي رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه: فيتناز عون في القرآن حتى سمع حذيفة من اختلافهم ما ذعره، وفي رواية يونس: فتذاكروا القرآن واختلفوا فيه حتى كاد يكون بينهم فتنة، وفي رواية عمارة بن غزية أن حذيفة قدم من غزوة فلم يدخل بيته حتى أتى عثمان فقال: يا أمير المؤمنين أدرك الناس! قال: وما ذاك؟ قال: غزوت فرج أرمينية فإذا أهل الشام يقرأون بقراءة أبي بن كعب فيأتون بما لم يسمع أهل العراق، وإذا أهل العراق يقرأون بقراءة عبد الله بن مسعود فيأتون بما لم يسمع أهل الشام فيكفر بعضهم بعضا انتهى. وكان هذا سببا لجمع عثمان القرآن في المصحف، والفرق بينه وبين الصحف أن الصحف هي الأوراق المحررة التي جمع فيها القرآن في عهد أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وكانت سورا مفرقة كل سورة مرتبة بآياتها بن علي
حدة، لكن لم يرتب بعضها إثر بعض، فلما نسخت ورتب بعصها إثر بعض صارت مصحفا، ولم يكن مصحفا إلا في عهد عثمان، بن علي
ما ذكر في الحديث من طلب عثمان الصحف من حفصة وأمره للصحابة المذكورين في الحديث بكتابة مصاحف وإرساله إلى كل ناحية بمصحف، قوله: (فأمر زيد بن ثابت) هو الأنصاري، والبقية قرشيون. قوله: (فنسخوها) أي: الصحف أي: ما في الصحف التي أرسلتها حفصة إلى عثمان، رضي الله تعالى عنهما. قوله: (للرهط القرشيين) وهم عبد الله بن الزبير الأسدي وسعيد بن العاص الأموي وعبد الرحمن بن الحرث المخرومي. قوله: (فإنما نزل بلسانهم) أي: فإنما نزل القرآن بلسان قريش أي: معظم القرآن، كما ذكرنا. قوله: (وأرسل إلى كل أفق) أي: ناحية، ويجمع بن علي
: آفاق، وفي رواية شعيب: فأرسل إلى كل جند من أجناد المسلمين بمصحف. واختلف في عدد المصاحف التي أرسل بها عثمان إلى الآفاق فالمشهور أنها خمسة، وأخرج ابن أبي داود في كتاب المصاحف من طريق حمزة الزيات، قال: أرسل عثمان أربعة مصاحف وبعث منها إلى الكوفة بمصحف فوقع عند رجل من مراد فبقي حتى كتبت مصحفي منه، وقال ابن أبي داود: وسمعت أبا حاتم السجستاني يقول: كتبت سبعة مصاحف: إلى مكة وإلى الشام وإلى اليمين وإلى البحرين وإلى البصرة وإلى الكوفة وحبس بالمدينة واحدا. قوله: (أن يخرق)، بالخاء المعجمة رواية الأكثين وبالمهملة رواية المروزي وبالوجهين رواية المستملي، وبالمعجمة أثبت، وفي رواية الإسماعيلي: أن يمحى أو يحرق، وقال الكرماني: فإن قلت: كيف جاز إحراق القرآن؟ قلت: المحروق هو القرآن المنسوخ أو المختلط بغيره من التفسير أو بلغة غير قريش أو القراءات الشاذة، وفائدته أن لا يقع الاختلاف فيه، قلت: هذه الأجوبة جواب من لم يطلع بن علي
كلام القوم ولم يتأمل ما يدل عليه قوله في آخر الحديث وقال عياض: غسلوها بالماء ثم أحرقوها مبالغة في إذهابها، وعند أبي داود والطبراني: وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسل به، قال: فذلك زمان أحرقت المصاحف بالعراق بالنار، وفي رواية سويد بن غفلة عن علي، رضي الله تعالى عنه، قال: لا تقولوا لعثمان في إحراق المصاحف إلا خيرا وفي رواية بكير بن الأشج: فأمر بجمع المصاحف فأحرقها ثم بث في الأجناد التي كتبت، ومن طريق مصعب بن سعد قال: أدركت الناس متوافرين حين أحرق عثمان المصاحف، فأعجبهم ذلك أو قال: لم ينكر ذلك منهم أحد.
18

وقال ابن بطال: في هذا الحديث جواز تحريق الكتب التي فيها اسم الله، عز وجل، بالنار وإن ذلك إكرام لها وصون عن وطئها بالأقدام، وقيل: هذا كان في ذلك الوقت، وأما الآن فالغسل إذا دعت الحاجة إلى إزالته، وقال أصحابنا الحنيفة: إن المصحف إذا بلي بحيث لا ينتفع به يدفن في مكان طاهر بعيد عن وطء الناس.
8894 حدثنا قال ابن شهاب: وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت سمع زيد بن قابت، قال: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول لله صلى الله عليه وسلم، يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري * ((33) من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) * (الأحزاب: 32) فألحقناها في سورتها في المصحف.
.
هذا موصول بالإسناد الأول، وذكره البخاري موصولا مفردا في الجهاد وفي تفسير سورة الأحزاب ورواه أيضا في الأحكام عن موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد عن الزهري كما رواه هنا، وظاهر حديث زيد بن ثابت هذا أنه فقد آية الأحزاب من الصحف التي كان نسخها في خلافة أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، حتى وجدها مع خزيمة بن ثابت، رضي الله تعالى عنه ووقع في رواية إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن ابن شهاب أن فقده إياها إنما كان خلافة أبي بكر، وهو وهم منه، والصحيح ما في الصحيح وأن الذي فقده في خلافة أبي بكر آيتان من آخر براءة، وأما التي في الأحزاب ففقدها لما كتب المصحف في خلافة عثمان، وجزم ابن كثير بما وقع في رواية ابن مجمع، وليس كذلك والله أعلم. قيل: كيف ألحقها بالمصحف وشرط القرآن التواتر؟ وأجيب بأنه كانت مسموعة عندهم من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسورتها وموضعها معلومة لهم ففقدوا كتابتها. قيل: لما كان القرآن متواترا فما هذا التتبع والنظر في العسب؟ وأجيب للاستظهار، وقد كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وليعلم هل فيها قراءة لغير قراءته من وجوهها أم لا قيل: شرط القرآن كونه متواترا فكيف أثبت فيه ما لم يجده مع أحد غيره؟ وأجيب: بأن معناه لم يجده مكتوبا عند غيره، وأيضا لا يلزم من عدم وجدانه أن لا يكون متواترا وأن لا يجد غيره، أو الحفاظ نسوها ثم تذكروها.
4
((باب كاتب النبي صلى الله عليه وسلم))
أي: هذا باب في بيان كاتب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي بعض النسخ: باب ذكر كاتب النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنه وقع عند البعض: باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم بالجمع، وقد ترجم: كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر إلا زيد بن ثابت، وهذا عجيب، فكأنه لم يقع له بن علي
شرط غير هذا فإن صح ذكر الترجمة بالجمع فكلامه موجه وإلا فليس بذاك، وكتاب النبي صلى الله عليه وسلم كثيرون غير ويد بن ثابت لأنه أسلم بعد الهجرة وكان له كتاب بمكة، فأول من كتب له بمكة من قريش عبد الله بن أبي سرح ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام يوم الفتح، وكتب له في الجملة الخلفاء الأربعة والزبير بن العوام وخالد وأبان ابنا سعيد بن العاص بن أمية وحنظلة بن الربيع الأسدي ومعيقيب بن أبي فاطمة وعبد الله بن الأرقم الزهري وشرحبيل بن حسنة وعبد الله بن رواحة، وأول من كتب بالمدينة أبي بن كعب، كتب له قبل زيد بن ثابت وجماعة آخرون كتبوا له.
9894 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب: أن ابن السباق قال: إن زيد بن ثابت قال: أرسل إلي أبو بكر رضي الله عنه، قال: إنك كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبع القرآن فتبعت حتى وجدت آخر سورة التوبة آيتين مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره: * ((9) لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم) * (التوبة: 821) إلى آخرها.
.
مطابقته للترجمة في قوله: (إنك كنت تكتب الوحي لرسول صلى الله عليه وسلم) وابن السباق هو عبيد، وقد مر الحديث في الباب الذي قبله، وهذا طرف منه.
19

09994 حدثنا عبيد الله بن موسى ا عن إسرائيل عن إسحاق عن البراء قال: لما نزلت لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجعاهدون في سبيل الله قال النبي صلى الله عليه وسلم ادع لي زيدا وليجىء باللوح والدواة والكتف أو الكتف والدواة ثم قال: اكتب: * ((4) لا يستوي القاعدون) * (النساء: 59) وخلف ظهر النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أم مكتوم الأعمى قال: يا رسول الله! فما تأمرني فإني رجل ضرير البصر؟ فنزلت مكانها * ((4) لا يستوي القاعدون من المؤمنين) * في سبيل الله * ((4) غير ولي الضرر) * (النساء: 59).
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبيد الله بن موسى بن باذام الكوفي وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي يروي عن جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله عن البراء بن عازب والحديث قد مر في سورة النساء.
قوله: (أو الدواة والكتف) شك من الراوي في تقديم الدواة بن علي
الكتف، وتأخيرها. قوله: (مكانها) أي: في مكان الآية أي في الحال. قوله: * (لا يستوي القاعدون من المؤمنين في سبيل الله غير أولي الضرر) * (النساء:
59)، وقد وقع لفظ غير أولى الضرر، بعد لفظ: في سبيل الله، وفي القرآن بعد لفظ: المؤمنين، وقد تقدم عن إسرائيل من وجه آخر بن علي
الصواب.
5
((باب أنزل القرآن على سبعة أحرف))
أي: هذا باب في بيان قوله صلى الله عليه وسلم: (إن القرآن أنزل بن علي
سبعة أحرف) أي: سبعة أوجه، وهو سبع لغات، يعني يجوز أن يقرأ بكل لغة منها، وليس المراد أن كل كلمة منه تقرأ بن علي
سبعة أوجه قيل: قد يوجد بعض الكلمات يقرأ بن علي
أكثر من سبعة أوجه وأجيب: بأن غالب ذلك من قبيل الاختلاف في كيفية الأداء، كما في المد والإمالة ونحوهما، وقيل: ليس المراد بالسبعة حقيقة العدد بل المراد التيسير والتسهيل، ولفظ السبعة يطلق بن علي
إرادة الكثرة في الآحاد كما يطلق السبعون في المشرات، والسبعمائة في المئات ولا يراد العدد المعين، وإلى هذا مال عياض ومن تبعه.
1994 حدثنا سعيد بنخ عفير قال: حدثني الليث قال: حدثني عقيل عن ابن شهاب قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله: أن ابن عباس رضي الله عنهما حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وسعيد بن عفير هو سعيد بن كثير بن عفير بضم العين المهملة ينسب إلى جده وهو من حفاظ المصريين وثقاتهم وعبيد الله بن عبد الله بتصغير الابن وتكبير الأب ابن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة.
والحديث مضى في كتاب بدء الخلق، وفيه ابن عباس لم يصرح بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه سمعه عن أبي بن كعب لأن النسائي أخرجه من طريق عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب نحوه.
قوله: (فراجعته) وفي رواية مسلم: فرددت إليه أن هون علي أمتي، وفي رواية: إن أمتي لا تطيق ذلك. قوله: (إلى سبعة أحرف) أي: سبع قراآت أو سبع لغات.
2994 حدثنا سعيد بن عفير قال: حدثني الليث قال: حدثني عقيل عن ابن شهاب، قال: حدثني عروة بن الزبير: أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمان بن عبد القاري حدثاه أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سلم، فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هاذه السورة التي سمعتك تقرأ؟. قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: كذبت، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت
20

إني سمعت هاذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسله: اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذلك أنزلت. ثم قال: اقرأ يا عمر، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذالك أنزلت إن هاذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث مضى في كتاب الخصومات ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (وعبد الرحمن بن عبد) بالتنوين غير مضاف إلى شيء (والقاري) بتشديد الياء نسبة إلى قارة بطن من خزيمة بن مدركة. قوله: (هشام بن حكيم) ابن حزام هو الأسدي له ولأبيه صحبة وكان إسلامهما يوم الفتح، وهشام مات قبل أبيه وليس له فيالبخاري رواية، وأخرجه له مسلم حديث واحدا مرفوعا من رواية عروة عنه. قوله: (أساوره) أي: أواثبه. وقال الحربي: أي آخذه برأسه، والأول أشبه. قوله: (حتى سلم) أي: من صلاته. قوله: (فلببته برادئه) أي: جمعت عليه ثيابه عند لبته لئلا ينفلت مني. قوله: (كذبت)، فيه إطلاق ذلك بن علي
غلبة الظن أو المراد بقوله له: كذبك أخطأت، لأن أهل الحجاز يطلقون الكذب في موضع الخطأ. قوله: (أقوده) كأنه لما لببه صار يجره. قوله: (إن هذا القرآن) إلى آخره إنما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم تطمينا لعمرو، رضي الله تعالى عنه، لئلا ينكر تصويب الشيئين المختلفين، قوله: (ما تيسر منه)، أي: من المنزل، وفيه إشارة إلى أن التعدد في القراءة للتيسير بن علي
القارئ، هذا يقوي قول من قال: المراد بالأحرف تأدية المعنى باللفظ المرادف ولو كان من لغة واحدة، لأن لغة هشام بلسان قريش وكذلك عمر، رضي الله تعالى عنه، ومه ذلك فقد اختلفت قراءتهما، قال ذلك ابن عبد البر، ونقل ذلك عن أكثر أهل العلم: أن هذا هو المراد بالأحرف السبع، والله أعلم.
6
((باب تأليف القرآن))
أي: هذا باب في بيان تأليف القرآن أي: جمع آيات السورة الواحدة، أو جمع السور مرتبة.
3994 حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يوسف أن ابن جري أخبرهم قال: وأخبرني يوسف بن ماهك قال: إني عند عائشة أم المؤمنين. رضي الله عنها إذ جاءها عراقي فقال: أي الكفن خير؟ قالت: ويحك! وما يضرك؟ قال: يا أم المؤمنين! أريني مصحفك. قالت: لم؟ قال: لعلي أؤلف القرآن عليه فإنه يقرأ غير مؤلف. قالت: وما يضرك أية قرأت قبل؟ إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا: لا تدع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا لقالوا: لا تدع الزنا أبدا لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب: بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) * (القمر: 64) وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده عنده، قال: فأخرجت له المصحف فأملت عليه آي السورة.
(انظر الحديث 6784).
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ من قوله: (لعلي أؤلف القرآن عليه فإنه يقرأ غير مؤلف) وإبراهيم بن موسى بن يزيد الفراء أبو إسحاق الرازي يعرف بالصغير وهو شيخ مسلم أيضا. وابن جريج ويوسف بن ماهك بفتح الهاء معرب لأن ماهك بالفارسية قمير مصغر القمر وماه اسم القمر والتصغير عندهم بالحق الكاف في آخر الاسم قال الكرماني: والأصح فيه الانصراف قلت: الأصح فيه عدم الانصراف للعجمة والعلمية.
والحديث أخرجه النسائي في التفسير وفي فضائل القرآن عن يوسف بن سعيد بن مسلم.
قوله: (قال: وأخبرني يوسف)، أي: قال ابن جريج:
21

وأخبرني يوسف قال بعضهم: وما عرفت ماذا عطف عليه، ثم رأيت الواو ساقطة في رواية النسفي. قلت: يجوز أن يكون معطوفا بن علي
محذوف تقديره أن يقال: قال ابن جريج: أخبرني فلان بكذا وأخبرني يوسف بن ماهك إلى آخره قوله: (إذ جاءها)، كلمة إذ للمفاجأة. قوله: (عراقي) أي: رجل من أهل العراق ولم يدر اسمه. قوله: (أي الكفن خير؟) يحتمل أن يكون سؤاله عن الكم يعني لفافه أو أكثر؟ وعن الكيف يعني: أبيض أو غيره وناعما أو خشنا؟ وعن النوع أنه قطن أو كتان مثلا؟ قوله: (ويحك) كلمة ترحم. قوله: (وما يضرك؟) أي: أي شيء يضرك بعد موتك وسقوط التكليف عنك في أي كفن كفنت؟ لبطلان حسك بالنعومة والخشونة وغير ذلك قوله: (قالت: لم) أي: لم أريك مصحفي؟ قال: لعلي أؤلف عليه القرآن. قيل: قصة العراقي كانت قبل أن يرسل عثمان المصاحف إلى الآفاق. ورد عليه بأن يوسف بن ماهك لم يدرك زمان إرسال عثمان المصاحف إلى الآفاق، وقد صرح يوسف في هذا الحديث أنه كان عند عائشة حين سألها هذا العراقي، والظاهر أن هذا العراقي كان ممن أخذ بقراءة ابن مسعود، وكان ابن مسعود لما حضر مصحف عثمان إلى الكوفة لم يوافق بن علي
الرجوع عن قراءته ولا بن علي
إعدام مصحفه، وكان تأليف مصحف العراقي مغايرا لتأليف مصحف عثمان، فلذلك جاء إلى عائشة وسأل الإملاء من مصحفها. قوله: (آية) بالنصب أي: أي آي القرآن قرأت قوله: (قبل) أي: قبل قراءة السورة الأخرى. قوله: (منه) أي: من القرآن. قوله: (من المفصل) قال الخطابي: سمي مفصلا لكثرة ما يقع فيها من فصول التسمية بين السور، وقد اختلف في أول المفصل. فقيل: هو سورة، وقيل: سورة محمد صلى الله عليه وسلم، قال النووي: سمي بالفصل لقصر سورة وقرب انفصالهن بعضهن من بعض. قوله: (أول ما أنزل منه) أي: من القرآن من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، وأول ما نزل إما المدثر وإما اقرأ، ففي كل منهما ذكر الجنة والنار، أما في المدثر فصريح وهو قوله: * (وما أدرك ما سقر) * (المدثر: 72) وقوله: * (في جنات يتساءلون) * (المدثر: 04) وأما في اقرأ فيلزم ذكرهما من قوله: * (كذب وتولى) * (العلق: 31) * (وسندع الزبانية) * (العلق: 81) وقوله: * (إن كان بن علي
الهدى) * (العلق: 11) وبهذا التقرير يرد بن علي
بعضهم في قوله: هذا ظاهره يغاير ما تقدم أن أول شيء نزل * (اقرأ باسم ربك) * (العلق: 1) وليس فيها ذكر الجنة والنار. قوله: (حتى إذا تاب)، أي: رجع. قوله: (نزل الحلال والحرام)، أشارت به إلى الحكمة الإل
1764; هية في ترتيب التنزيل. وأنه أول ما نزل من القرآن الدعاء إلى التوحيد والتبشير للمؤمنين والمطيعين بالجنة، والإنذار والتخويف للكافرين بالنار، فلما اطمأنت النفوس بن علي
ذلك أنزلت الأحكام، ولهذا قالت: (ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر) إلى آخره. وذلك لانطباع النفوس بالنفرة عن ترك المألوف. قوله: (لقد نزل مكة)، إلى آخره إشارة منها إلى تقوية ما ظهر لها من الحكمة المذكورة، وهو تقدم سورة القمر وليس فيها شيء من الأحكام بن علي
نزول سورة البقرة والنساء مع كثرة اشتمالهما بن علي
الأحكام. قوله: (إلا وأنا عنده)، يعني: بالمدينة، لأن دخوله عليها إنما كان بعد الهجرة بلا خلاف. قوله: (فأملت عليه)، أي أملت عائشة بن علي
العراقي من الإملاء، ويروى من الإملا. وهما بمعنى واحد، قيل: في الحديث رد بن علي
النحاس في قوله: إن سورة النساء مكية، مستندا إلى أن قوله تعالى: * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) * (النساء: 85) نزلت بمكة اتفاقا في قصة مفتاح الكعبة، وهي حجة واهية لأنه لا يلزم من نزول آية أو آيات من سورة طويلة بمكة إذا أنزل معظمها بالمدينة أن تكون مكية، والله أعلم.
4994 حدثنا آدم حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت عبد الرحمان بن يزيد قال: سمعت ابن مسعود يقول: في بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء: إنهن من العتاق الأول وهن من تلادي.
(انظر الحديث 8074 وطرفه).
مطابقته للترجمة من حيث إن هذه السورة نزلت بمكة وأنها مرتبة في مصحف ابن مسعود كما هي في مصحف عثمان. وأبو إسحاق هو السبيعي عمرو بن عبد الله و عبد الرحمن بن يزيد من الزيادة ابن قيس النخعي.
والحديث مضى في تفسير سورة بني إسرائيل بسنده.
قوله: (في بني إسرائيل) أي: في شأن هذه السورة، قال الكرماني: ويروي بدون كلمة في فالقياس أن يقول: بنو إسرائيل، فلعله باعتبار حذف المضاف وابقاء المضاف إليه بن علي
حاله أي، سورة بني إسرائيل، أو بن علي
سبيل الحكاية عما في القرآن، وهو قوله: * (وجعلناه هدى لبني إسرائيل) * (السجدة: 32). قوله: (العتاق)، جمع عتيق وهو ما بلغ الغاية في الجودة يريد تفضيل هذه السور لما
22

يتضمن مفتتح كل منها أمرا غريبا والأولية باعتبار حفظها أو نزولها. قوله: (تلادي) بكسر التاء المثناة من فوق وهو ما كان قديما ويحتمل أن يكون العتاق بمعناه، فيكون الثاني تأكيدا للأول.
5994 حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة أنبأنا أبو إسحاق سمع البراء، رضي الله عنه، قال: تعلمت سبح اسم ربك الاعلى) * (الأعلى: 1) قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم.
مطابقته للترجمة من حيث إن هذه السورة متقدمة في النزول. وهي في أواخر المصحف والتأليف بالتقديم والتأخير. وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وأبو إسحاق عمرو.
قوله: (قبل أن يقدم)، أي: المدينة، ويروي أيضا بلفظ المدينة والحديث مضى في تفسير سورة * (سبح اسم ربك الأعلى) * (الأعلى: 1).
7
((باب: كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم))
أي هذا باب في بيان ما كان جبريل عليه السلام (يعرض القرآن)، أي: يستعرضه ما أقراه إياه.
وقال مسروق عن عائشة، رضي الله عنها، عن فاطمة عليها السلام: أسر النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل يعارضني بالقرآن كل سنة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي.
هذا التعليق وصله البخاري بتمامه في علامات النبوة ومسروق هو ابن الأجدع الهمداني الكوفي التابعي ثقة.
قوله: (عن فاطمة)، رضي الله تعالى عنها، ليس لها في البخاري ومسلم إلا هذا الحديث، قاله صاحب التوضيح و التلويح. قوله: (يعارضني) أي: يدارسني. قوله: (إنه عارضني) وفي رواية السرخسي: وإني عارضني. قوله: (العام) أي: في هذا العام. قوله: (ولا أراه) بضم الهمزة
23

أي: ولا أظنه (إلا حضر أجلي) ويروى: إلا حضور أجلي.
8994 حدثنا خالد بن يزيد حدثنا أبو بكر عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان يعتكف كل عام عشرا، فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه.
(انظر الحديث 4402).
مطابقتة للترجمة ظاهرة لأن معنى قوله: (كان يعرض) أي: جبريل فطوى ذكره وقد صرح به إسرائيل في روايته عن أبي حصين أخرجه الإسماعيلي، وروي: كان يعرض، بن علي
صيغة، المجهول أي: القرآن وأخرج هذا الحديث عن خالد ابن يزيد الكاهلي عن أبي بكر بن عياش، بالياء آخر الحروف والشين المعجمة، عن أبي حصين بفتح الحاء المهملة عثمان بن عاصم عن أبي صالح ذكوان السمان.
في هذا الإسناد من اللطافة أنه مسلسل بالكنى إلا شيخه.
والحديث مضى في الاعتكاف عن عبد الله بن أبي شيبة.
قوله: (يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، وسقط لفظ: القرآن، لغير الكشميهني.
8
((باب القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم))
أي: هذا باب في بيان من اشتهر بالحفظ من القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم الذين تصدوا للتعليم.
9994 حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمر و عن إبراهيم عن مسروق ذكر عبد الله ابن عمر و عبد الله بن مسعود فقال: لا أزال أحبه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود وسالم ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب رضي الله عنهم.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعمرو هو ابن مرة، وبينه البخاري في المتاقب من هذا الوجه، وقال الكرماني: هو عمرو أبو إسحاق السبيعي، وهو وهم منه وإبراهيم هو النخعي، ومضى الحديث في مناقب سالم.
قوله: (ذكر)، بن علي
صيغة المعلوم وفاعله: (عبد الله بن عمرو) ومفعوله: (وعبد الله بن مسعود) قوله: (فقال)، أي: عبد الله بن عمرو: (لا أزال أحبه)، أي: أحب عبد الله بن مسعود.
قوله: (خذوا القرآن)، أي: تعلموه منهم. قوله: (من عبد الله بن مسعود) إلى آخره. تفسير الأربعة منهم: سالم بن معقل، بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف، مولى أبي حذيفة، وتخصيص الأربعة لكونهم تفرغوا للأخذ منه. وقال الكرماني: يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أراد الإعلام بما يكون بعده، أي: أن هؤلاء الأربعة يبقون حتى ينفردوا بذلك، وورد عليه بأنهم لم ينفردوا
24

بل الذين مهروا في تجويد القرآن بعد العصر النبوي أضعاف المذكورين، وقد قتل سالم بعد النبي صلى الله عليه وسلم في وقعة اليمامة، ومات معاذ بن جبل في خلافة عمر، رضي الله تعالى عنه، ومات أبي بن كعب وابن مسعود في خلافة عثمان، رضي الله تعالى عنه، وقد تأخر زيد بن ثابت، رضي الله تعالى عنه، وانتهت إليه الرياسة في القراءة، وعاش بعدهم زمانا طويلا وقال أبو عمر: اختلفوا في وقت وفاته فقيل: سنة خمس وأربعين، قيل: سنة إحدى أو اثنين وخمسين، وصلى عليه مروان.
0005 حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي الأعمش حدثنا شقيق بن سلمة، قال: خطبنا عبد الله بن مسعود فقال: والله! لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أني من أعلمهم بكتاب الله وما أنا يخيرهم.
قال شقيق: فجلست في الحلق أسمع ما يقولون، فما سمعت ردا يقول غير ذالك.
مطابقته للترجمة تؤخذ من ظاهر الحديث، أخرجه عن عمر بن حفص عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش إلخ وحكي الجياني أنه وقع في رواية الأصيلي عن الجرجاني: حدثنا حفص بن عمر حدثنا أبي وهو خطأ مقلوب وليس لحفص بن عمر أب يروي عنه في الصحيح، وإنما هو عمر بن حفص بن غياث، بالغين المعجمة وتخفيف الياء آخر الحروف وفي آخره ثاء مثلثة.
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن إسحاق بن إبراهيم وأخرجه النسائي في فضائل القرآن عن إسحاق بن إبراهيم به. وفي الزينة عن إبراهيم بن يعقوب.
قوله: (من في رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: من فمه. قوله: (بضعا) بكسر الباء الموحدة وهو ما بين الثلاث إلى التسع. قوله: (إني من أعلمهم بكتاب الله)، ووقع في رواية عبدة وابن شهاب جميعا عن الأعمش، أني أعلمهم بكتاب الله، بحذف من وزاد: ولو أعلم أن أحدا أعلم مني فرحلت إليه، وفيه: جواز ذكر الإنسان نفسه بالفضيلة للحاجة، وإنما النهي عن التزكية فإنما هو لمن مدحها للفخر والإعجاب. قوله: (وما أنا بخيرهم)، يعني: ما أنا بأفضلهم، إذ العشرة المبشرة أفضل منه بالاتفاق، وفيه أن زيادة العلم لا توجب الأفضلية، لأن كثرة الثواب لها أسباب أخر من التقوى والإخلاص وأعلاء كلمة الله وغيرها مع أن الأعلمية بكتاب الله لا تستلزم الأعلمية مطلقا، لاحتمال أن يكون غيره أعلم بالسنة.
قوله: (قال شقيق) أي: بالإسناد المذكور. قوله: (في الحلق)، بفتح الحاء واللام. قوله: (رادا) أي: عالما يرد الأقوال لأن رد الأقوال لا يكون إلا للعلماء، وغرضه أن أحدا لم يرد عليه هذا الكلام بل سلموا إليه.
1005 حدثني محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: كنا بحمص فقرأ ابن مسعود سورة يوسف، فقال رجل: ما هاكذا أنزلت. قال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أحسنت. ووجد منه ريح الخمر، فقال: أتجمع تكذب بكتاب الله وتشرب الخمر؟ فضربه الحد.
مطابقته للترجمة تؤخد من قوله قال: قرأت بن علي
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وسفيان هو ابن عيينة وإبراهيم هو النخعي وعلقمة ابن قيس النخعي.
قوله: (بحمص) وهي: بلدة مشهورة من بلاد الشام غير منصرف بن علي
الأصح، وظاهر الحديث أن علقمة حضر القصة، وكذا أخرجه الإسماعيلي عن أبي خليفة عن محمد بن كثير شيخ البخاري، وفي رواية مسلم من طريق جرير عن الأعمش ولفظه: عن عبد الله بن مسعود، قال: كنت بحمص فقرأت فذكر الحديث، وهذا يقضي أن علقمة لم يحضر القصة، وإنما نقلها عن ابن مسعود. قوله: (فقال رجل). قيل: إنه نهيك بن سنان الذي تقدمت له القصة في القرآن غير هذه. قوله: (قرأت بن علي
رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وفي رواية مسلم: فقلت: ويحك؟ والله لقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (ووجد منه؟) أي من الرجل المذكور، وفي رواية مسلم: فبينا أنا أكلمه إذ وجدت منه ريح الخمر. قوله: (فضربه الحد) أي: فضربه
25

ابن مسعود حد شرب الخمر. وقال النووي: هذا محمول بن علي
أنه كانت ولاية إقامة الحدود لكونه نائبا للإمام عموما أو خصوصا وعلى أن الرجل اعترف بشربها بلا عذرو إلا فلا يحد بمجرد ريحها، وعلى أن التكذيب كان بإنكار بعضه جاهلا إذا لو أنكر حقيقة لكفر، وقد أجمعوا بن علي
أن من جحد حرفا معجما عليه من القرآن فهو كافر، وقيل: يحتمل أن يكون معنى قوله: فضربه الحد أي: رفعه إلى الإمام فضربه، وأسند الضرب إلى نفسه مجازا لكونه كان سببا فيه، وقال القرطبي: إنما أقام عليه الحد لأنه جعل له ذلك من الولاية أو لأنه رأى أنه أقام عن الإمام بواجب أو لأنه كان في زمان ولايته الكوفة فإنه وليها في زمان عمر، رضي الله عنه، وصدرا من خلافة عثمان، رضي الله عنه. انتهى. قوله: أو لأنه كان في زمان ولايته الكوفة، مردود، وذهول عما كان في أول الخبر أن ذلك كان بحمص، ولم يلها ابن مسعود، وإنما دخلها غازيا، وكان ذلك في خلافة عمر، رضي الله عنه. وقول النووي: بن علي
أن الرجل اعترف بشربها بلا عذر وإلا فلا يحد بمجرد ريحها فيها نظر لأن المنقول عن ابن مسعود أنه كان يرى وجوب الحد بمجرد وجود الرائحة.
وقال القرطبي: في الحديث حجة بن علي
من يمنع وجوب الحد بالرائحة كالحنيفة، وقد قال به مالك وأصحابه وجماعة من أهل الحجاز. قلت: لا حجة عليهم فيه لأن ابن مسعود ما حد الرجل إلا باعترافه، لأن نفس الريح ليس بقطعي الدلالة بن علي
شرب الخمر لاحتمال الاشتباه ألا يرى أن رائحة السفرجل المأكول يشبه رائحة الخمر، فلا يثبت إلا بشهادة أو باعتراف.
2005 حدثنا عمر بن حفص حدقنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا مسلم عن مسروق قال: قال عبد الله، رضي الله عنه: والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أعلم أين أنزلت ولا. أنزلت ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت ولو أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه.
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن أبي الضحى مسلم بن صبيح عن مسروق بن الأجدع عن عبد الله بن مسعود.
قوله: (فيم أنزلت) وفي رواية الكشميهني: فيما، بن علي
الأصل. قوله: (ولو أعلم أحدا تبلغه الإبل) وفي رواية الكشميهني: تبلغنيه. قوله: (لركبت إليه) ويروي: لرحلت إليه.
وفيه جواز ذكر الإنسان نفسه بما فيه من الفضيلة بقدر الحاجة، وأما المذموم فهو الذي يقع من الشخص فحرا وإعجابا.
3005 حدثنا حفص بن عمر حدثنا همام حدثنا قتادة قال: سألت أنس بن مالك، رضي الله عنه: من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد رضي الله عنه.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (أربعة) وهم القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحفص بن عمر بن الحارث أبو عمر الحوضي، وهمام بن يحيى.
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن سليمان بن معبد.
قوله: (أربعة) أي: جمعه أربعة. قوله: (أبي بن كعب) أي: أحدهم أبي بن كعب، والثاني: معاذ بن جبل، والثالث: زيد بن ثابت والرابع: أبو زيد اسمه سعد بن عبيد الأوسي، وقيل: قيس بن السكن الخزرجي، وقيل: ثابت بن زيد الأشهلي، تقدم في مناقب زيد بن ثابت، وليس في ظاهر الحديث ما يدل بن علي
الحصر لأن جماعة من الصحابة غيرهم قد جمعوا بن علي
ما تبينه الآن، وأنه لامفهوم له فلاف يلزم أن لا يكون غيرهم جمعه. فإن قلت: في رواية عن أنس: لم يجمع القرآن بن علي
عهد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أربعة وكذا في رواية الطبري. قلت: قد قلنا إنه لا مفهوم له لأنه عدد.
ولئن سلمنا فالجواب من وجوه: الأول: أريد به الجمع بجميع وجوهه ولغاته وحروفه، وقراآته التي أنزلها الله عز وجل. وأذن للأمة فيها وخيرها في القراءة بما شاءت منها. الثاني: أريد به الأخذ من في رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقينا وأخذا
26

دون واسطة. الثالث: أريد، به أن هؤلاء الأربعة ظهروا به وانتصبوا لتلقيته وتعليمه. الرابع: أريد به مرسوما في مصحف أو صحف. الخامس: قاله أبو بكر بن العربي: أريد به أنه لم يجمع ما نسخ منه وزيد رسمه بعد تلاوته إلا هؤلاء الأربعة. السادس: قال الماوردي: أريد به أنه لم يذكره أحد عن نفسه سوى هؤلاء. السابع: أريد، به أن من سواهم ينطق بإكماله خوفا من الرياء واحتياطا بن علي
النيات. وهؤلاء الأربعة أظهروه لأنهم كانوا آمنين بن علي
أنفسهم، أو لرأي اقتضى ذلك عندهم. الثامن: أريد بالجمع الكتابة فلا ينفي أن يكون غيرهم جمعه حفظا عن ظهر قلبه، وأما هؤلاء فجمعوه كتابة وحفظوه عن ظهر القلب. التاسع: أن قصارى الأمر أن أنسا قال: جمع القرآن بن علي
عهده صلى الله عليه وسلم أربعة، قد يكون المراد: أني لا أعلم سوى هؤلاء، ولا يلزمه أن يعلم كل الحافظين لكتاب الله تعالى. العاشر: أن معنى قوله: جمع أي:
سمع له وأطاع. وعمل بموجبه، كما روي أحمد في كتاب الزهد: أن أبا الزاهرية أتى أبا الدرداء، فقال: إن ابني جمع القرآن، فقال: اللهم اغفر، إنما جمع القرآن من سمع له وأطاع، لكن يعكر بن علي
هذا أن الخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة كلهم كانوا سامعين مطيعين، وأما الذين جمعوه غيرهم، فالخلفاء الأربعة جمعوا القرآن بن علي
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكره أبو عمرو وعثمان بن سعيد الداني، وقال أبو عمر: جمعه أيضا بن علي
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو بن العاص، وعن محمد بن كعب القرظي: جمع القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم عبادة بن الصامت وأبو أيوب خالد بن زيد، ذكره ابن عساكر، وعن الداني: جمعه أيضا أبو موسى الأشعري ومجمع بن جارية، ذكره ابن إسحاق وقيس ابن أبي صعصعة عمرو بن زيد الأنصاري البدري، ذكره أبو عبيد بن سلام في حديث مطول، وذكر ابن حبيب في المحبر جماعة ممن جمع القرآن بن علي
عهده صلى الله عليه وسلم فيهم: سعد بن عبيد بن النعمان الأوسي، وقال ابن الأثير: وممن جمع القرآن بن علي
عهده صلى الله عليه وسلم: قيس بن السكن وأم ورقة بنت نوفل، وقيل: بنت عبد الله بن الحارث وذكر ابن سعد أنها جمعت القرآن، وذكر أبو عبيدة القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فعد من المهاجرين الأربعة وطلحة وسعدا وابن مسعود وحذيفة وسالما وأبا هريرة وعبد الله بن السائب والعبادلة، ومن النساء: عائشة وحفصة وأم سلمة، وذكر ابن أبي داود من المهاجرين أيضاتميم بن أوس الداري وعقبة بن عامر ومن الأنصار: معاذ الذي يكنى أبا حليمة وفضالة بن عبيد ومسلمة بن مخلد، وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قرأت القرآن وأنا ابن عشر سنين، وقد ظهر من هذا أن الذين جمعوا القرآن بن علي
عهده صلى الله عليه وسلم لا يحصيهم أحد ولا يضبطهم عدد، وذكر القاضي أبو بكر: فإن قيل: إذا لم يكن دليل خطاب فلأي شيء خص هؤلاء الأربعة بالذكر دون غيرهم؟ قيل له: إنه يحتمل أن يكون ذلك لتعلق غرض المتكلم بهم دون غيرهم، أو يقول: إن هؤلاء فيهم دون غيرهم. فإن قلت: قد حاول بعض الملاحدة فيه بأن القرآن شرطه التواتر في كونه قرآنا، ولا بد من خبر جماعة أحالت العادة تواطئهم بن علي
الكذب قلت: ضابط التواتر العلم به، وقد يحصل بقول هؤلاء الأربعة، وأيضا ليس من شرطه أن يتقبل جميعهم بل لو حفظه كل جزء منه عدد التواتر لصارت الجملة متواترا، وقد حفظ جميع أجزائه مئون لا يحصون.
تابعه الفضل عن حسين بن واقد عن ثمامة عن أنس
أي: تابع حفص بن عمر في روايته هذا الحديث الفضل بن موسى السيناني عن حسين بن واقد بالقاف عن ثمامة بضم الثاء المثلثة ابن عبد الله قاضي البصرة عن جده أنس بن مالك، ووصل هذه المتابعة إسحاق بن راهويه في مسنده عن الفضل ابن موسى فذكره.
4005 حدثنامعلى بن أسدغ حدثنا عبد الله بن المثنى قال: حدثني ثابت البناني وثمامة عن أنس قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد، قال: ونحن ورثناه.
مطابقته للترجمة من حيث إن هؤلاء المذكورين فيه من القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
والحديث من أفراده، وهذا يخالف رواية قتادة عن أنس من وجهين: أحدهما: التصريح بصيغة الحصر في الأربعة. الآخر: ذكر أبي الدرداء بدل أبي بن كعب، وقد مر
27

الجواب عن الأول: وأما الثاني، فقال الإسماعيلي هذان الحديثان مختلفان ولا يجوزان في الصحيح مع تباينهما، بل الصحيح أحدهما، وجزم البيهقي أن ذكر أبي الدرداء وهم أنس حدث بهذا الحديث في وقتين. فذكر مرة أبي بن كعب ومدة أخرى بدله أبا الدرداء، انتهى: فكيف يكون الصواب أبي بن كعب. وقال الداودي: لا أرى ذكر أبي الدرداء محفوظا، وقال الكرماني: ذكر في الطريق الأول أبي بن كعب من الأربعة، وفي هذا الطريق لم يذكره، وذكر قوله أبا الدرداء، والراوي فيهما أنس، وهذا أشكل الأسئلة. قلت: أما الأول: فلا قصر فيه فلا ينفي جمع أبي الدرداء، وأما الثاني فلعل اعتقاد السامع كان أن هؤلاء الأربعة لم يجمعوا وأبا الدرداء لم يكن من الجامعين، فقال ردا عليه: لم يجمعه إلا هؤلاء الأربعة، ادعاه ومبالغة فلا يلزم منه النفي عن غيره حقيقة إذا لحصر ليس بالنسبة إلى نفس الأمر بل بالنسبة إلى اعتقاده انتهى. قلت: قوله: أما الأول فلا قصر فيه، ظاهر وأما قوله: وأما الثاني إلى آخره، ففيه تأمل وهو غير شاف في دفع السؤال لأن قوله: فقال ردا عليه: لم يجمعه إلا هؤلاء الأربعة إن كان مراده من هؤلاء الأربعة هم المذكورون في الرواية الأولى فلا سؤال فيه من الوجه الذي ذكر، وإن كان مراده أنهم هم المذكورون في الرواية الثانية فالسؤال باق بن علي
ما لا يخفي بن علي
الناظر إذا أمعن نظره فيه، وقد نقل بعضهم كلام الكرماني هذا وسكت عنه كأنه رضي به للوجه الذي ذكرناه، وكان من عادته أن ينقل شيئا من كلامه الواضح ويرد عليه لعدم المبالاة به، ورضاه هنا لأجل دفع سؤال السائل في هاتين الروايتين المتباينتين اللتين ذكرهما البخاري حتى قال في جملة كلامه: ويحتمل أن يكون هذا الجواب بهذا الاحتمال الواهي مقنعا للسائل مع أن أصل الحديث واحد والراوي واحد؟ قوله: (ونحن ورثناه) أي: قال أنس: نحن ورثنا أبا زيد لأنه مات ولم يترك عقبا وهو أحد عمومة أنس، وقد تقدم في مناقب زيد بن ثابت، قال قتادة: قلت: ومن أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي.
5005 حدثنا صدقة بن الفضل أخبرنا يحيى عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس، قال: قال عمر: أبي اقرؤنا، وإنا لندع من لحن أبي، وأبي يقول: أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أتركه لشيء، قال الله تعالى: * ((2) ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) * (البقرة: 601)
(انظر الحديث 1844).
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (أبي اقرؤنا) لأنه يدل بن علي
أنه أقر القراء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحيى هو ابن سعيد القطان وسفيان هو الثوري.
والحديث أخرجه البخاري في تفيسر سورة البقرة عن عمرو بن علي: حدثنا يحيى أخبرنا سفيان عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: قال عمر، رضي الله تعالى عنه: أقرؤنا أبي وأقضانا علي وإنا لندع إلى آخره. وقال المزي في الأطراف: ليس في رواية صدقة ذكر علي؟ قلت: كذا في رواية الأكثرين ولكن ثبت في رواية النسفي في البخاري، وكذا ألحق الحافظ الدمياطي ذكر علي هنا وصححه، وقال بعضهم: ليس هذا بجيد لأنه ساقط من رواية الفربري التي عليها مدار روايته. قلت: هذا عجيب، وكيف ينكر هذا بن علي
الدمياطي وقد سبقه النسفي به؟ والذي لاح للدمياطي ما لاح لهذا القائل، فلهذا قدم الإنكار.
قوله: (وإنا لندع) أي: لنترك. قوله: (من لحن أبي) ولحن القول فحواه ومعناه، والمراد به هنا القول. وقال الهروي: اللحن بسكون الحاء اللغة وبالفتح الفطنة، واللحن أيضا إزالة الإعراب عن وجهه بالإسكان. قوله: (وأبي يقول) جملة حالية. قوله: (لشيء) أي: لناسخ، وكان أبي لا يسلم نسح بعض القرآن، وقال: لا أترك القرآن الذي أخذته من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأجل ناسخ، واستدل عمر، رضي الله تعالى عنه، بالآية الدالة بن علي
النسخ.
9
((باب فضل فاتحة الكتاب))
أي: هذا باب في بيان فضل فاتحة الكتاب، وفي بعض النسخ: باب في فضائل فاتحة الكتاب، وفي بعضها: باب فضل الفاتحة، ومن أول قوله: باب فضائل القرآن، إلى هنا ليس فيها شيء يتعلق بفضائل القرآن، نعم يتعلق بأمور القرآن وهي التراجم التي ذكرها إلى هنا.
28

6005 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا شعبة قال: حدثني خبيب بن عبد الرحمان عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد بن المعلى، قال: كنت أصلي، فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم، فلم أجبه، قلت: يا رسول الله! إني كنت أصلي. قال: ألم يقل الله: * ((8) استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم) * (الأنفال: 42). ثم قال: ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد؟ فأخذ بيدي، فلما أردنا أن نخرج قلت: يا رسول الله! إنك قلت: لا علمنك أعظم سورة من القرآن، قال: الحمد لله رب العالمين) * (الفاتحة: 2) هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن) إلى آخره.
وعلي بن عبد الله المعروف بابن المديني، و يحيى بن سعيد القطان، وخبيب بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة ابن عبد الرحمن الخزرجي، و حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، وأبو سعيد اسمه الحارث بن علي
اختلاف فيه ابن المعلى بلفظ اسم المفعول من التعلية.
والحديث قد مر في أول كتاب التفسير في: باب ما جاء في فاتحتة الكتاب، وقد مر الكلام فيه مستقصى.
7005 حدثني محمد بن المثنى حدثنا وهب حدثنا هشام عن محمد عن معبد عن أبي سعيد الخدري قال: كنا في مسير لنا، فنزلنا فجاءت جارية فقالت: إن سيد الحي سليم، وإن نفر ناغيب فهل منكم راق؟ فقام رجل ما كنا نأبنه برقية، فرقاه فبرأ، فأمر له بثلاثين شاة وسقانا لبنا، فلما رجع قلنا له: أكنت تحسن رقية أو كنت ترقي؟ قال: لا ما رقيت إلا بأم الكتاب، قلنا: لا تحدثوا شيئا حتى نأتي أو نسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: وكا كان يدريه أنها رقية؟ اقسموا واضربوا لي بسهم.
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه يدل بن علي
فضل الفاتحة ظاهرا. وقد مضى هذا الحديث مطولا في كتاب الإجارة في: باب ما يعطى في الرقية، فإنه أخرجه هناك عن أبي النعمان عن أبي عوانة عن أبي بشر عن أبي المتوكل عن أبي سعيد، رضي الله تعالى عنه، وهنا أخرجه عن محمد بن المثنى عن وهب بن جرير عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن معبد بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الباء الموحدة وبالدال المهملة ابن سيرين أخي محمد بن سيرين عن أبي سعيد الخدري واسمه سعد بن مالك مشهور باسمه وكنيته وبكنيته أكثر وبينهما تفاوت في الإسناد وفي المتن أيضا، بالزيادة والنقصان، وهناك قال أبو سعيد: انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها الحديث، وهنا قال: كنا في مسير لنا، وهذا يدل بن علي
أن أبا سعيد كان مع النفر الذين سافروا في الحديث الذي هناك، ولهذا قالوا: إن الرجل الراقي هو أبو سعيد نفسه الراوي للحديث.
قوله: (سليم) أي: لديغ، وكأنهم تفاءلوا بهذا اللفظ. قوله: (غيب) بفتح الغين المعجمة وفتح الياء آخر الحروف المخففة وفي آخره باء موحدة وهو جمع غائب ويروي: غيب، بضم الغين وتشديد الياء المفتوحة. قوله: (راق) اسم فاعل من رقي يرقي من باب ضرب يضرب، وأصله راقي فأعل إعلال قاص. قوله: (ما كنا نأبنه) أي: ما كنا نعلمه أنه يرقي فنعينه، ومادته همزة وباء موحدة ونون، من أبنت الرجل ابنه وابنه إذا رميته بخلة سوء، وهو مأبون والابن بفتح الهمزة وسكون الباء التهمة. قوله: (وكنت ترقي) بكسر القاف. قوله: (ما رقيت) بفتح القاف. قوله: (إلا بأم الكتاب) وهي الفاتحة. قوله: (لا تحدثوا) من الإحداث أي: لا تحدثوا أمرا ولا تعلموا شيئا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (أو نسأل) شك من الراوي. فإن قلت: يروي أبو داود من حديث ابن مسعود، قال: كان صلى الله عليه وسلم يكره الرقيا إلا بالمعوذات. قلت: قال البخاري في صحيحه: لا يصح، وقال ابن المديني: وفي
29

إسناده من لا يعرف: وابن حرملة لا نعرفه في أصاب عبد الله. وقال أبو حاتم: ليس بحديث عبد الرحمن بأس ولم أر أحدا ينكره أو يطعن عليه، وقال الساجي: لا يصح حديثه، وأما ابن حبان فذكره في ثقاته، وأخرج حديثه في صحيح وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وبقية الكلام تقدمت هناك.
وقال أبو معمر: حدثنا عبد الوارث حدثنا هشام حدثنا محمد بن سيرين حدثني معبد بن سيرين عن أبي سعيد الخدري بهاذا
أبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو المقعد مات سنة أربع وعشرين ومائتين وهو شيخ البخاري، وعبد الوارث بن سعيد، وهشام بن حسان، وأراد بهذا التعليق التصريح بالتحديث من محمد بن سيرين لهشام ومن معبد لمحمد فإنه في الإسناد اذي ساقه أولا بالعنعنة في الموضعين، وقد وصله الإسماعيلي من طريق محمد بن يحيى الذهلي عن أبي معمر كذلك.
01
((باب فضل سورة البقرة))
أي: هذا باب في بيان فضل سورة البقرة، وفي بعض النسخ: فضل سورة البقرة، بلا لفظ: باب، ومعنى سورة البقرة السورة التيتذكر فيها البقرة.
8005 حدثنا محمد بن كثير أخبرنا شعبة عن سليمان عن إبراهيم عن عبد الرحمان عن أبي مسعود، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من قرأ بالآيتين.
.
9005 حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن عبد الرحمان بن يزيد عن أبي مسعود، رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه.
.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (كفتاه) لأن أحد معانيه: كفتاه عن قيام الليل.
وسليمان هو الأعمش، وإبراهيم النخعي، و عبد الرحمن بن يزيد النخعي، وأبو مسعود عقبة بن عمرو البدري، وهذا رجال الطريق الأول، ورجال الطريق الثاني: أبو نعيم، بضم النون: الفضل بن دكين، وسفيا بن عيينة، ومنصور بن المعتمر، وفي نسخة أبي محمد: عن عبد الرحمن عن ابن مسعود، والصواب: أبو مسعود، مكني لأنه حديثه ومشهور به وعنه خرجه مسلم والناس.
والحديث مضى في المغازي عن موسى بن إسماعيل.
قوله: (بالآيتين) وهما من قوله: (آمن الرسول) إلى آخر السور، ووجه تخصيصهما بما تضمنتا من الثناء بن علي
الله عز وجل وعلى الصحابة لجميل انقيادهم إلى الله تعالى وابتهالهم ورجوعهم إليه في جميع أمورهم، ولما حصل فيهما من إجابة دعواهم.
قوله: (كفتاه) أي: عن قيام الليل، وقيل: ما يكون من الآفات تلك الليلة، وقيل: من الشيطان وشره، وقيل: كفتاه من حزبه إن كان له حزب من القرآن، وقيل: حسبه بهما أجرا وفضلا، وقيل: أقل ما يكفي في قيام الليل آيتان مع أم القرآن وقال المظهري: أي دفعتا عن قاريهما شر الإنس والجن، وقال الكرماني: قال النووي: كفتاه عن قراءة سورة الكهف وآية الكرسي. انتهى. لم يقل النووي ذلك وكان سبب وهمه أنه عند النووي عقيب هذا باب فضل سورة الكهف
وآية الكرسي، فلعل النسخة التي كانت له سقط منها شيء فصحف عليه.
0105 حدثنا وقال عثمان بن الهيثم: حدثنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحتو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقص الحديث، فقال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال معك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدقك وهو كذوب ذاك شيطان.
30

(انظر الحديث 1132 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة وعثمان بن الهيثم، بفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة، فالبخاري تارة يروي عنه بالواسطة وأخرى بدونها وكأنه أخذ عنه مذاكرة، ورواه النسائي عن إبراهيم بن يعقوب: حدثنا عثمان بن الهيثم به، وعوف هو الأعرابي.
والحديث مضى مطولا في كتاب الوكالة في: باب إذا وكل رجل رجلا فترك الوكيل شيئا، وذكر هنا بهذا الإسناد بعينه، فقال: وقال عثمان بن الهيثم إلى آخره، وذكرنا
هناك جميع ما يحتاج إليه.
قوله: (زكاة رمضان) هو الفطرة. قوله: (فقص الحديث) هو قوله: فقال إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة، قال: فخليت عنه فأصبحت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة؟ ما فعل أسيرك البارحة؟ قال: قلت: شكى حاجة شديدة يا رسول الله وعيالا فرحمته فحليت سبيله، قال: أما أنه قد كذب وسيعود، فعاد إلى ثلاث مرات وقال في الثالثة: (إذا أويت) من الثلاثي بدون المد قوله: (لن يزال)، ويروى: لم يزل. قوله: (حافظا) بالنصب والرفع. أما النصب فعلى أنه خبر: لن يزال، وأما الرفع فعلى أنه اسمه. قوله: (صدقك) أي: في نفع قراءة آية الكرسي، لكن شأنه وعادته الكذب والكذوب قد يصدق. قوله: (ذاك شيطان)، ووقع في كتاب الوكالة: (ذاك الشيطان)، بالألف واللام إما للجنس وإما للعهد الذهني لأن لكل آدمي شيطانا وكل به، ويجوز أن يكون عوضا عن المضاف إليه أي: ذاك شيطانك.
11
((باب فضل سورة الكهف))
أي: هذا باب في بيان فضل سورة الكهف، وكذا في رواية أبي الوقت: فضل سورة الكهف، ولم يثبت لفظ: باب إلا لأبي ذر.
1105 حدثنا عمرو بن خالد حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عن البراء، قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين، فتغشته سحابة، فجعلت تدنو وتدنو، وجعل فرسه ينفر. فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: تلك السكينة تنزلت بالقرآن.
(انظر الحديث 4163 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وزهير هو ابن معاوية، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي.
والحديث قد مضى في تفسير سورة الفتح، فإنه أخرجه هناك عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق إلى آخره، ولم يذكر فيه سورة الكهف، وإنما قال: يقرأ وفرس له مربوط في الدار.
قوله: (كان رجل) قيل: هو أسيد بن حضير. قوله: (حصان) بكسر الحاء، هو الفحل الكريم من الخيل قوله: (بشطنين) تثنية شطن بفتح الشين المعجمة والطاء المهملة، وهو الحبل، وإنما كان الربط بشطنين لأجل جموحه واستصعابه. قوله: (فتغشته) أي: أحاطت به سحابة. قوله: (تدنو) أي: تقرب. قوله: (ينفر) بالنون والفاء من النفرة، وفي رواية مسلم: ينفر بالقاف والزاي، وقال عياض: هو خطأ فإن كان ما قاله من حيث الرواية فله وجه، وإن كان من حيث اللغة فليس بذاك. قوله: (تلك السكينة) واختلف أهل التأويل في تفسير السكينة، فعن علي، رضي الله تعالى عنه: هي ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان، وعنه: إنها ريح خجوج ولها رأسان، وعن مجاهد: لها رأس كرأس الهر وجناحان وذنب كذنب الهر، وعن الربيع: هي دابة مثل الهر لعينيها شعاع فإذا التقى الجمعان أخرجت فنظرت إليهم فينهزم ذلك الجيش من الرعب وعن ابن عباس والسدي: هي طست من ذهب من الجنة يغسل فيها قلوب الأنبياء، عليهم الصرة والسلام، وعن ابن مالك: طست من ذهب ألقى فيها موسى، عليه السلام، الألواح والتوراة والعصا. وعن وهب: روح من الله يتكلم، إذا اختلفوا في شيء بين لهم ما يريدون. وعن الضحاك: الرحمة، وعن عطاء ما يعرفون من الآيات فيسكنون إليها، وهو اختيار الطبري، وقال النووي: المختار أنها من المخلوقات فيه طمأنينة ورحمة ومعه الملائكة، وقد تكرر في القرآن والحديث لفظ السكينة، فيحل فيكل موضع وردت فيه بن علي
ما يليق به من المعاني المذكورة، والذي يليق في المذكور في الباب قول الضحاك، والله أعلم.
قوله: (تنزلت) في رواية الكشميهني: تنزل، بضم اللام بن علي
صيغة المضارع، وأصله: تتنزل بتاءين فحذفت إحداهما.
21
((باب فضل سورة الفتح))
أي: هذا باب في بيان فضل سورة الفتح، وليس لفظ: باب إلا لأبي ذر.
31

2105 حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلا، فسأله عمر عن شيء فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، فقال عمر: ثكلتك أمك! نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك، قال عمر: فحركت بعيري حتى كنت أمام الناس وخشيت أن ينزل في قرآن، فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ، قال: فقلت: لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن، قال: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فقال: لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، ثم قرأ * (إنا قتحنا لك فتحا مبينا) * (الفتح: 1).
(انظر الحديث 7714 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة في قوله: (لقد أنزلت علي) إلى آخره. وإسماعيل هو ابن أوس ابن أخت مالك بن أنس، وزيد بن أسلم يروي عن أبيه أسلم مولى عمر بن الخطاب وصورة هذا صورة الإرسال.
وأخرجه الترمذي من هذا الوجه فقال: عن أبي سمعت عمر، رضي الله تعالى عنه، ثم قال: حديث حسن غريب، وقد رواه بعضهم عن مالك فأرسله وأشار بذلك إلى الطريق الذي أخرجه البخاري. وليس كذلك فإن في أثناء السياق ما يدل بن علي
أنه من رواية أسلم عن عمر لقوله فيه: قال عمر: فحركت بعيري إلى آخر. والحديث مضى في تفسير سورة الفتح فإنه أخرجه هناك عند عبد الله بن مسلمة عن مالك إلى آخره.
قوله: (ثكلتك أمك) دعاء من عمر بن علي
نفسه. قوله: (نزرت) بفتح النون والزاي المخففة أو المشددة أي: ألححت عليه وبالغت أي في شأني من جرأتي بن علي
رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلحاحي عليه قوله: (فما نشبت) أي: فما لبثت قوله أحب إلى آخره، وكانت أحب لما فيها من مغفرته ما تقدم وما تأخر وإتمام النعمة عليه والرضا عن أصحابه تحت الشجرة، والله أعلم.
31
((باب فضل * (قل هو الله أحد) * (الإخلاص: 1))
أي: هذا باب في بيان فضل * (قل هو الله أحد) * (الإخلاص: 1) وليس في بعض النسخ لفظ باب.
فيه: عمرة عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم
أي: في فضل * (قل هو الله أحد) * (الإخلاص: 1) روت عمر بنت عبد الرحمن عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الكرماني: ولما لم يكن بن علي
طريقة شرط البخاري لم ينقله بعينه فاكتفى بالأخبار عنه إجمالا قلت: ليس الأمر كذلك بل هذا بن علي
شرطه، وقد أخرجه بتمامه في أول كتاب التوحيد، قال: حدثنا محمد حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثنا عمرو عن ابن أبي هلال أن أبا الرجال محمد بن عبد الرحمن حدثه عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن وكانت في حجرة عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا بن علي
سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاته فيختم ب * (قل هو الله أحد) * (الإخلاص: 1) الحديث، وفي آخره: أخبروه أن الله يحبه.
3105 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن عبد الرحمان بن عبد الله بن عبد الرحمان ابن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن رجلا سمع رجلا يقرأ: قل هو الله أحد) * يرددها، فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذالك له، وكأن الرجل يتقالها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثلث القرآن.
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، كذا هو في الموطأ ورواه أبو صفوان الأموي عن مالك، فقال: عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه. أخرجه الدارقطني، والصواب هو الذي في الصحيح وكذا قال النسائي الصواب عبد الرحمن بن عبد الله، بعدما روي هذا الحديث.
قوله: (أن رجلا سمع رجلا) الرجل السامع كان أبو
32

سعيد الخدري راوي الحديث، والرجل القارئ قتاذة بن النعمان. قوله: (يرددها) أي: يكررها. قوله: (يتقالها) بتشديد اللام، أي: يعد أنها قليلة، في رواية ابن الطباع. كأنه يقللها، وفي رواية يحيى القطان عن مالك: فكأنه يستقلها والمراد استقلال قراءته لا التنقيص. قوله: (إنها) أي: إن قراءة * (قل هو الله أحد) * (الإخلاص: 1) لتعدل ثلث القرآن.
واختلف في معناه. فقال المازري: القرآن ثلاثة أنحاء: قصص وأحكام وصفات الله، عز وجل، وهذه السورة متمحضة للصفات، وهي ثلث وجزء من الثلاثة، وقيل: ثوابها يضاعف بقدر ثواب ثلث القرآن بغير تضعيف، وقيل: القرآن لا يتجاوز ثلاثة أقسام: الإرشاد إلى معرفة ذات الله تعالى، ومعرفة أسماء وصفاته ومعرفة أفعاله وسننه، ولما اشتملت هذه السورة بن علي
التقديس وازنها رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، بثلث القرآن. وقيل: إن من عمل بما تضمنته من الإقرار بالتوحيد والإذعان بالخالق كمن قرأ ثلث القرآن، وقيل: قال ذلك لشخص بعينه قصده رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وقال أبو عمر: نقول بما ثبت عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ولا نعده ونكل ما جهلناه من معناه فنره إليه، صلى الله تعالى عليه وسلم، ولا ندري لم تعدل هذه ثلث القرآن. وقال ابن راهويه: ليس معناه أن لو قرأ القرآن كله كانت قراءة * (قل هو الله أحد) * (الإخلاص: 1) تعدل ذلك إذاقرأها ثلاث مرات، لا، ولو قرأها أكثر من مائتي مرة. وقال أبو الحسن القابسي: لعل الرجل الذي بات يرددها كانت منتهى حفظه فجاء يقلل عمله، فقال له سيدنا رسوله الله صلى الله عليه وسلم: إنها التعدل ثلث القرآن ترغيبا في عمل الخير، وإن قل: ولله عز وجل أن يجازي عبده بن علي
اليسير بأفضل مما يجازي لكثير. وقال الأصيلي: معناه يعدل ثوابها ثلث القرآن ليس فيه * (قل هو الله أحد) * (الإخلاص: 1) وأما تفضيل كلام ربنا بعضه بن علي
بعض فلا، لأنه كله صفة له، وهذا ما ماش بن علي
أحد المذهبين أنه لا تفضيل فيه، ونقله المهلب عن الأشعري وأبي بكر بن أبي الطيب وجماعة علماء السنة. فإن قلت: في مسند ابن ووهب عن ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن أبي الهيثم عن أبي سعيد، رضي الله تعالى عنه، أنه قال: بات قتادة بن النعمان يقرأ * (قل هو الله أحد) * (الإخلاص: 1) حتى أصبح، فذكرها
لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: والذي نفسي بيده أنها لتعدت ثلث القرآن أو نصفه. قلت: قال أبو عمر: هذا شك من الرواي لا يجوز أن يكون شكا من النبي صلى الله عليه وسلم بن علي
أنها لفظة غير محفوظة في هذا الحديث، ولا في غيره والصحيح الثابت في هذا الحديث وغيره أنها لتعدل ثلث القرآن من غير شك، وقد روي ثلث القرآن جماعة من الصحابة، رضي الله تعالى عنهم، أبي بن كعب وعمر، ذكرهما أبو عمر وأبو أيوب وأبو مسعود الأنصاري وسماك عن النعمان بن بشير وأبان عن أنس.
4105 وزاد أبو معمر: حدثنا إسماعيل بن جعفر عن مالك بن أنس عن عبد الرحمان بن عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أخي قتادة بن النعمان أن رجلا قام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ من السحر: قل هو الله أحد) * (الإخلاص: 1) لا يزيد عليها، فلما أصبحنا أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
أبو معمر هذا هو عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري، قاله الدمياطي. وقال ابن عساكر والمزي: هو إسماعيل بن إبراهيم بن معمر بن الحسن أبو معمر الهذلي الهروي، سكن بغداد وجزم به صاحب التلويح، وقال صاحب التوضيح: كذا وقع لشيخنا، يعني: إسماعيل بن إبراهيم واستصوب بعضهم ما قاله ابن عساكر والمزي، وقال: وإن كان كل منهما يكنى أبا معمر هما من شيوخ البخاري لأن هذا الحديث يعرف الهذلي بل لا يعرف للمنقري عن إسماعيل بن جعفر شيئا. قلت: كلا القولين محتمل وترجيح أحدهما بعدم علمه للمنقري عن إسماعيل رواية لا يستلزم نفي علم غيره بذلك.
وأما هذا التعليق فقد وصله النسائي والإسماعيلي من طرق عن أبي عمر عن إسماعيل إلى آخره.
قوله: (نحوه) أي: نحو سياق الحديث المذكور. قوله: (يقرأ من السحر) أي: في السحر، أو كلمة: من، بيانية.
5105 حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا إبراهيم والضحاك المشرقي عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن
33

في ليلة؟ فشق ذالك عليهم وقالوا: أينا يطيق ذلك يا رسول الله؟ فقال: الله الواحد الصمد ثلث القرآن.
مطابقته للترجمة في قوله: (الله الواحد الصمد ثلث القرآن)، وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن إبراهيم النخعي، وعن الضحاك بن شراحيل، ويقال: ابن شرحبيل وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر يأتي في كتاب الأدب وحكى البزار أن بعضهم زعم أنه الضحاك بن مزاجم وهو غلط.
قوله: (المشرقي) بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وفتح الراء: نسبة إلى مشرق بن زيد بن جشم بن حاشد، بطن من همدان، وهكذا ضبطه العسكري. وقال: من فتح الميم فقد صحف، فكأنه يشير إلى ابن أبي حاتم فإنه قال: مشرق موضع باليمن، وضبطه بفتح الميم وكسر الراء الدارقطني وابن ماكولا وتبعهما السمعاني في موضع، ثم ذهل فذكره بكسر الميم، كما قال العسكري، لكن جعل قافه فاء ورد عليه ابن الأثير فأصاب فيه. قوله: (أيعجز؟) الهمزة فيه للاستفهام بن علي
سبيل الاستخبار. ويعجز بكسر الجيم لأنه من باب ضرب يضرب. وأما عجزت المرأة تعجز من باب نصر ينصر فمعناه: صارت عجوزا بفتح العين وعجوز بالضم مصدر عجزت المرأة وأما عجزت المرأة بكسر الجيم تعجز من باب علم يعلم عجزا بفتحتين وعجزا بضم العين وسكون الجيم فمعناه: عظمت عجيزتها. قوله: (الواحد الصمد) كناية عن * (قل هو الله أحد) * (الإخلاص: 1) فيها ذكر الإل
1764; هية والوحدة والصمدية، وفي رواية الإسماعيلي من رواية أبي خالد الأحمر عن الأعمش فقال: يقرأ * (قل هو الله أحد) * (الإخلاص: 1) فهي ثلث القرآن.
قال الفربري: سمعت أبا جعفر محمد بن أبي حاتم وراق أبي عبد الله يقول: قال أبو عبد الله: عن إبراهيم مرسل. وعن الضحاك المشرقي مسند
هذا ثبت عند أبي ذر عن شيوخه، والفربري هو أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر، ونسبته إلى فربر قرية بينها وبين بخاري ثلاث مراحل، وقال: سمع كتاب الصحيح لمحمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل فما بقي أحد يرويه غيري، مات سنة عشرين وثلاثمائة، وأبو جعفر محمد بن أبي حاتم كان يورق للبخاري أي ينسخ له، وكان من الملازمين له العارفين به المكثرين عنه. قوله: (وراق أبي عبد الله). هو البخاري. وكذلك قوله: (قال أبو عبد الله) هو البخاري. قوله: (عن إبراهيم) النخعي عن أبي سعيد (مرسل) وهذا منقطع في اصطلاح القوم، ولكن البخاري أطلق بن علي
المنقطع لفظ المرسل. قوله: (وعن الضحك) أي: الذي يرويه عن ابن سعيد (مسند) يعني متصل.
41
((باب فضل المعوذات))
أي: هذا باب في بيان فضل المعوذات، وهي بكسر الواو جمع معوذة والمراد بها السور الثلاث وهي: سورة الإخلاص وسورة الفلق وسورة الناس، والدليل بن علي
ذلك ما رواه أصحاب السنن الثلاثة وأحمد وابن خزيمة وابن حبان من حديث عقبة بن عامر، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: * (قل هو الله أحد) * (الإخلاص: 1) و * (قل أعوذ برب الفلق) * (الفلق: 1) و * (قل أعوذ برب الناس) * (الناس: 1) تعوذ بهن فإنه لم يتعوذ بمثلهن وفي لفظ: اقرأ المعوذات دبر كل صلاة، فذكرهن فإن قلت: التعوذ ظاهر في المعوذتين، وكيف هو في سورة الإخلاص؟ قلت: لأجل ما اشتملت عليه من صفة الرب أطلق عليه المعوذ وإن لم يصرح فيه. ومنهم من ظن أن الجمع فيه من باب إن أقل الجمع اثنان. وليس كذلك، فافهم.
6105 حدثناعبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة، رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح بيده رجاء بركتها.
مطابقته للترجمة ظاهرة.
والحديث أخرجه مسلم في الطب عن يحيى بن يحيى. وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي. وأخرجه النسائي في الطب وفي التفسير وفي اليوم والليلة عن قتيبة. وأخرجه ابن ماجة في الطب عن سهل بن أبي سهل وعن غيره.
قوله: (إذا اشتكى) أي: إذا مرض قوله: (ينفث) من النفث وهو إخراج الريح من الفم مع شيء من الريق.
34

7105 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا المفضل عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما: قل هو الله أحد) * (الإخلاص: 1) و قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق * ومن شر غاسق إذا وقب * ومن شر النفاثات فى العقد * ومن شر حاسد إذا حسد) * (الفلق: 1) و قل أعوذ برب الناس) * (الناس: 1) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذالك ثلاث مرات.
مطابقته للترجمة ظاهرة. أخرجه عن قتيبة بن سعيد عن المفضل بن علي
صيغة اسم المفعول من التفضيل ابن فضالة بفتح الفاء وتخفيف المعجمة، وهذا الحديث غير الحديث الأول، وجعلهما أبو مسعود الدمشقي حديثا واحدا وعاب ذلك عليه أبو العباس الطرقي وفرق بينهما في كتابه، وكذا فعله خلف الواسطي، وأجدر به أن يكون صوابا لتباينهما.
قوله: (إذا أوى)، يقال: أويت إلى منزلي، بقصر الألف، وأويت غيري وآويته بالقصر والمد. وأنكر بعضهم المقصور المتعدي، وأبى ذلك الأزهري فقال: هي لغة فصيحة. قوله: (يبدأ بهما). إلخ. وعلم المبتدأ من لفظ: يبدأ، وأما المنتهى فلا يعلم إلا من مقدر تقديره: ثم ينتهي إلى ما أدبر من جسده. قال المطهري في شرح المصابيح: ظاهر الحديث يدل بن علي
أنه نفث في كفه أولا ثم ققرأ وهذا لم يقل به أحد ولا فائدة فيه. ولعله سهو من الراوي، والنفث ينبغي أن يكون بعد التلاوة ليوصل بركة القرآن إلى بشرة القارئ أو المقروء له، وأجاب الطيبي عنه: بأن الطعن فيما صحت روايته لا يجوز، وكيف والفاء فيه مثل ما في قوله تعالى: * (فإذا قرأت القرآة فاستعذ) * (النحل: 89) فالمعنى: جمع كفيه ثم عزم بن علي
النفث فيه أو لعل السر في تقديم النفث فيه مخالفة السحرة، والله أعلم.
51
((باب نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن))
أي: هذا باب في بيان كيفية نزول السكينة، وعطف عليها الملائكة. قيل: جمع بينهما وليس في حديث الباب ذكر السكينة، ولا في حديث البراء السابق في فضل سورة الكهف ذكر الملائكة، ووجه ذلك ما قاله أبو العباس بن المنير: فهم البخاري تلازمهما، وفهم من الظلة أنها السكينة، فلهذا ساقها في الترجمة. وقال ابن بطال: دل بن علي
أن السكينة كانت في تلك الظلة وأنها تنزل أبدا مع الملائكة.
8105 وقال الليث: حدثني يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أسيد بن حضير قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوط عنده، إذ جالت الفرس فسكت فسكنت. فقرأ، فجالت الفرس فسكت فسكنت الفرس، ثم قرأ فجالت الفرس، فانصرف وكان ابنه يحيى قريبا منها فأشفق أن تصيبه، فلما اجتره رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: اقرأ يا ابن حضير، قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى وكان منها قريبا، فرفعت رأسي فانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها، قال: وتدري ما ذاك؟ قال: لا. قال: تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم.
مطابقه للترجمة من حيث إن البخاري فهم من الظلة السكينة، وأما الملائكة ففي قوله: (تلك الملائكة) ويزيد من الزيادة هو ابن أسامة بن عبد الله بن شداد بن الهاد بحذف الياء للتخفيف، وسمي بالهاد لأنه كان يوقد ناره للأضياف ولمن سلك الطريق ليلا، وقال أبو عمرو: وقيل اسم شداد أسامة بن عمرو وشداد لقب والهاد هو عمرو وقال أبو عمرو وكان شداد بن الهاد سلفا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، لأنه كان تحت سلمى بنت عميس أخت أسماء بنت عميس وهي أخت
35

ميمونة بنت الحارث لأمها، وله رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، سكن المدينة ثم تحول إلى الكوفة، وسلف الرجل زوج أخت امرأته، ومحمد بن إبراهيم هو التيمي من صغار التابعين ولم يدرك أسيد بن حضير فروايته عنه منقطعة، لكن الاعتماد في وصل الحديث المذكور بن علي
الإسناد الثاني وهو قوله: (قال ابن الهاد) بن علي
ما يجيء عن قريب، وهذا الإسناد منقطع ومعلق وصله أبو عبيد في فضائل القرآن عن يحيى بن بكير عن الليث بالإسنادين جميعا.
والحديث أخرجه النسائي أيضا في فضائل القرآن عن محمد بن عبد الله وغيره، وفي المناقب عن أحمد بن سعيد الرياحي.
قوله: (بينما) كلمة بين زيدت فيها ما يضاف إلى الجملة ويحتاج إلى الجواب، وهنا جوابها هو قوله: (إذ جالت الفرس) يقع بن علي
الذكر والأنثى ولهذا قال: (فجالت الفرس) بالتأنيث وقال في قوله: (وفرسه مربوط) بالتذكير. قوله: (من الليل) أي: في الليل، ووقع في رواية إبراهيم بن سعد في رواية مسلم والنسائي: (بينما هو يقرأ في مربده) أي في المكان الذي فيه التمر فإن قلت: وقع في رواية أبي عبيد أنه كان يقرأ بن علي
ظهر بيته، وبينهما تغاير قلت: قوله: (وفرسه مربوط إلى جانبه) يرد رواية ظهر البيت، إلا أن يراد بظهر البيت خارجه لا أعلاه فينتفي التغاير. فإن قلت: تقدم في باب فضل الكهف: كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان، وقد قيل: إن هذا الرجل هو أسيد بن حضير، وإنه كان يقرأ سورة الكهف. قلت: قال الكرماني: لعله قرأهما يعني السورتين الكهف وسورة البقرة أو كان ذلك الرجل غير أسيد، هذا هو الظاهر. قوله: (جالت) من الجولان وهو الاضطراب الشديد. قوله: (قريبا منها) أي: من الفرس، يعني: كان في ذلك الوقت قريبا منها. قوله: (فلما اجتره) بجيم وتاء مثناة من فوق وراء مشددة، من الاجترار من الجر أي: فلما جر أسيد ابنه يحيى من المكان الذي هو فيه حتى لا يطأ الفرس رفع رأسه، وفي رواية القابسي: أخره، بخاء معجمة مشددة وراء من التأخير أي: أخره من الموضع الذي كان فيه خشية عليه. قوله: (يا ابن حضير) وقع مرتين أمره صلى الله عليه وسلم بالقراءة في الاستقبال والحض عليها، أي: كان ينبغي أن تستمر بن علي
القراءة وتغتنم ما حصل لك من نزول السكينة والملائكة، والدليل بن علي
طلب دوام القراءة جوابه: بأني خفت إن دمت عليها أن يطأ الفرس ولدي. قوله: (وكان منها) أي: وكان يحيى قريبا من الفرس. قوله: (مثل الظلة) بضم الظاء المعجمة: شيء مثل الصفة، فأول بسحابة نظل. قوله: (فخرجت) بلفظ المتكلم. ويروى بلفظ الغائبة، فقيل: صوابه فعرجت بالعين. قوله: (دنت) أي: قربت لصوتك، وكان حسن الصوت وفي رواية الإسماعيلي: اقرأ أسيد فقد أوتيت من مزامير آل داود. قوله: (ولو قرأت) وفي رواية ابن أبي ليلى: إما إنك لو مضيت. قوله: (لا تتوارى منهم) أي: لا تستتر من الناس، وكذا وقع في رواية إبراهيم بن سعد وفي رواية ابن أبي ليلى: لرأيت الأعاجيب، وفيه جواز رؤية بني آدم الملائكة فالمؤمنون يرونهم رحمة والكفار عذابا، لكن بشرط الصلاح وحسن الصوت، والذي في الحديث إنما نشأ عن قراءة خاصة من سورة خاصة بصفة خاصة، ولو كان بن علي
الإطلاق لحصل ذلك لكل قارىء.
وفيه: فضيلة أسيد، وفضيلة قراءة سورة البقرة في صلاة الليل.
قال ابن الهاد. حدثنيهذا الحديث عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري عن أسيد بن حضير
هذا الإسناد الذي عليه العمدة لأن ابن الهاد رواه هنا عن عبد الله بن خباب بن علي
وزن فعال بتشديد الباء الموحدة مولى بن عدي بن النجار الأنصاري عن أبي سعيد الخدري عن أسيد بن حضير، وهذا التعليق وصله أبو نعيم الحافظ، قال: حدثنا أبو بكر بن خلاد حدثنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث بن سعد حدثني يزيد بن الهاد.
61
((باب: من قال لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما بين الدفتين))
أي: هذا باب في بيان من قال إلى آخره، وقد ترجم لهذا الباب للرد بن علي
الروافض الذين ادعوا أن كثيرا من القرآن ذهب لذهاب حملته وأن التنصيص بن علي
إمامة علي بن أبي طالب واستحقاقه الخلافة عند موت النبي صلى الله عليه وسلم كان ثابتا في القرآن، وأن الصحابة كتموه، وهذه دعوى باطلة مردودة وحاشا الصحابة عن ذلك. قوله: (إلا ما بين الدفتين) أي: القرآن
36

المكتوب بين دفتي المصاحف، وهي تثنية دفة بفتح الدال وتشديد الفاء قال في المغرب: الدفة الجنب وكذلك الدف: ومن دفتا السرج للوحين اللذين يقعان بن علي
جنبي الدابة، ودفتا المصحف اللتان ضمتاه من جانبيه، والمراد به ههنا الجلدان اللذان بين جانبي المصحف، وقيل: ترك من الحديث أكثر من القرآن. وأجيب: بأنه ما ترك مكتوبا بأمره إلا القرآن. وقيل: قد تقدم في باب كتابة العلم. من حديث الشعبي عن أبي جحيفة، قال: قلت لعلي، رضي الله تعالى عنه: هل عندكم كتاب؟ قال: لا إلا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة الحديث وأجيب بأنه لعلها لم تكن مكتوبة بأمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم. وقال الكرماني: وقد يجاب بأن بعض الناس كانوا يزعمون أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، أوصى إلي علي، فالسؤال هو عن شيء يتعلق بذكر الإمامة فقال: ما ترك شيئا متعلقا بذكر الإمامة إلا ما بين الدفتين من الآيات التي يتمسك بها في الأمة. وهذا حسن وفي التلويح: (إلا ما بين الدفتين) يحتمل أنه ما ترك شيئا من الدنيا أو ما ترك علما مسطورا سوى القرآن العزيز.
9105 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن عبد العزيز بن رفيع قال: دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس، رضي الله عنهما، فقال له شداد بن معقل: أترك النبي صلى الله عليه وسلم: من شيء؟ قال: ما ترك إلا ما بين الدفتين. قال: ودخلنا على محمد بن الحنفية فسألناه، فقال: ما ترك إلا ما بين الدفتين.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وقد ذكر هذا الحديث في الاستدلال بن علي
الروافض وبيان بطلان دعواهم بقول محمد بن الحنفية وهو ابن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية، وهي خولة بنت جعفر من نبي حنيفة، وكانت سبي اليمامة الذين سباهم أبو بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، وبقول عبد الله بن عباس: وفيه نكتة لطفية من البخاري حيث استدل بن علي
الروافض في بطلان مذهبهم بمحمد بن الحنفية الذين يدعون إمامته. فلو كان شيء يتعلق بإمامة أبيه علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، لما كان يسعه كتمانه لجلاله قدره وقوة دينه، وكذلك استدل بقول ابن عباس: فإنه ابن عمر علي بن أبي طالب وأشد الناس له لزوما وإطلاعا بن علي
حاله، فلو كان عنده شيء من ذلك ما وسعه كتمانه لكثرة علمه وقوة دينه وجلالة قدره. وأخرج هذا الحديث عن قتيبة بن سعيد عن سفيان بن عيينة عن عبد العزيز بن رفيع بضم الراء وفتح الفاء الأسدي المكي، سكن الكوفة ومات بعد الثلاثين ومائة، وشداد بن علي
وزن فعال بالتشديد ابن معقل، بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف وباللام: الأسدي الكوفي التابعي الكبير من أصحاب ابن مسعود، علي بن أبي طالب، ولم يقع له ذكر في البخاري إلا في هذا الموضع.
قوله: (اترك النبي صلى الله عليه وسلم) الهمزة فيه للاستفهام بن علي
سبيل الاستخبار. قوله: (من شيء) في رواية الإسماعيلي: شيئا سوى القرآن. قوله: (قال: ودخلنا) القائل هو عبد العزيز بن رفيع.
71
((باب فضل القرآن على سائر الكلام))
أي: هذا باب في بيان فضل القرآن بن علي
سائر الكلام، وقد وقع مثل لفظ هذه الترجمة في حديث أخرجه ابن عدي من رواية شهر بن حوشب عن أبي هريرة مرفوعا: فضل القرآن بن علي
سائر الكلام كفضل الله بن علي
خلقه في إسناده عمر بن سعيد الأشج وهو ضعيف.
0205 حدثنا هدبة بن خالد أبو خالد حدثنا همام حدثنا قتادة حدثنا أنس عن أبي موسى ا عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: مثل الذي يقرأ القرآن كالأترجة، طعمها طيب وريحها طيب والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة
37

ريحها طيب وطعمها ومثل الفاجر الذي لا ي قرأ القرآن كمثل الحنظلة، طعمها مر ولا ريح لها.
قيل: الحديث في بيان فضل قارىء القرآن، وليس فيه التعرض إلى ذكر فضل القرآن. قلت: لما كان لقارىء القرآن فضل كان للقرآن فضل أقوى منه، لأنه الفضل للقارئ إنما يحصل من قراءة القرآن فتأتي مطابقة الحديث للترجمة من هذه الحيثية.
وهمام هو ابن يحيى بن دينار الشيباني البصري.
والحديث فيه رواية تابعي عن صحابي ورواية صحابي عن صحابي وهي رواية قتادة عن أنس بن مالك عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري.
وأخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن موسى بن إسماعيل. وأخرجه مسلم في الصلاة عن هدبة، وعن غيره وأخرجه أبو داود في الأدب عن مسدد به وعن عبيد الله بن معاذ، وأخرجه الترمذي في الأمثال عن قتيبة به وأخرجه النسائي في الوليمة وفي فضائل القرآن عن عبيد الله بن سعيدوفي الأيمان عن عمرو بن علي. وأخرجه ابن ماجة عن محمد بن المثنى ومحمد بن بشار.
قوله: (مثل الذي يقرأ القرآن) إلى آخره إعلم أن هذا التشبيه والتمثيل في الحقيقة وصف اشتمل بن علي
معنى معقول صرف لا يبرزه عن مكنونة إلا تصويره بالمحسوس المشاهد، ثم إن كلام الله المجيد له تأثير في باطن العبد وظاهره، وإن العباد متفاوتون في ذلك، فمنهم من له النصيب الأوفر من ذلك التأثير وهو المؤمن القارئ، ومنهم من لا نصيب له البتة وهو المنافق الحقيقي، ومنهم من تأثر ظاهره دون باطنه وهو المرائي أو بالعكس، وهو المؤمن الذي لم يقرأه، وإبراز هذه المعاني وتصويرها في المحسوسات ما هو مذكور في الحديث ولم يجد ما يوافقها ويلايمها أقرب ولا أحسن ولا أجمع من ذلك لأن المشبهات والمشبه بها واردة بن علي
التقسيم الحاضر، لأن الناس إما مؤمن أو غير مؤمن والثاني إما منافق صرف أو ملحق به، والأول إما مواظب عليها، فعلى هذا قس الأثمار المشبه بها ووجه التشبيه في المذكورات مركب منتزع من أمرين محسوسين: طعم وريح، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل بما تنبته الأرض ويخرجه الشجر للمشابهة التي بينها وبين الأعمال فإنها من ثمرات النفوس، فحص ما يخرجه الشجر من الأترجة والتمر بالمؤمن، وبما تنبته الأرض من الحنظلة والريحانة بالمنافق تنبيها بن علي
علو شأن المؤمن وارتفاع علمه ودوام ذلك، وتوقيفا بن علي
ضعة شأن المنافق وإحباط عمله وقلة جدواه. قوله: (مثل الذي يقرأ) فيه إثبات القراءة بن علي
صيغة المضارع، وفي قوله: (لا يقرأ) بالنفي ليس المراد منها حصولها مرة ونفيها بالكلية بل المراد منها الاستمرار والدوام عليها، وأن القراءة دأبه وعادته وليس ذلك من هجيراه كقوله: فلان يقري الضيف ويحمي الحريم. قوله: (كالأترجة)، بضم الهمزة وسكون التاء المثناة من فوق وضم الراء وتشديد الجيم وقد تخفف، ويروى أترنجة، بالنون الساكنة بعد الراء. وحكى أبو زيد: ترنجة وترنج وترج، وجه التشبيه بالأترنجة لأنها أفضل ما يوجد من الثمار في سائر البلدان، وأجدى
لأسباب كثيرة جامعة للصفات المطلوبة منها، والخواص الموجودة فيها فمن ذلك كبر جرمها وحسن منظرها وطيب مطعمها ولين ملمسها تأخذ الأبصار صبغة ولونا فاقع لونها تسر الناظرين تتوق إليها النفس قبل التناول تفيد آكلها بعد الالتذاذ بذوقها طيب نكهة ودباغ معدة وهضم اشتراك الحواس الأربع البصر والذوق والشم واللمس في الاحتظاء بها ثم إن أجزاءها تنقسم بن علي
طبائع: قشرها حار يابس، ولحمها حار ورطب، وحماضها بارد يابس، وبرزها حار مجفف، وفيها من المنافع ما هو مذكور في الكتب الطبية. قوله: (ولا ريح لها) ويروي فيها. قوله: (ومثل الفاجر) أي: المنافق. قوله: كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها، ووقع في الترمذي كمثل الحنظلة طعهمها مر وريحها مر. قيل: الذي عند البخاري أحسن لأن الريح لا طعم له إذ المرارة عرض والريح عرض والعرض لا يقوم بالعرض ووجه هذا بأن ريحها لما كان كريها استعير للكراهة لفظ المرارة لما بينهما من الكراهة المشتركة.
1205 حدثنا مسدد عن يحيى عن سفيان حدثني عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم كما بين صلاة العصر ومغرب الشمس ومثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عمالا. فقال:
38

من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط فعلمت اليهود. فقال: من يعمل لي من نصف النهار إلى العصر على قيراط، فعملت النارى، ثم أنتم تعلمون من العصر إلى المغرب بقيراطين قيراطين. قالوا: نحن أكثر عملا وأقل عطاء. قال: هل ظلمتكم من حقكم؟ قالوا: لا. قال: فذاك فضلي أوتيه من شئت.
.
مطابقته للترجمة ما قيل مع إصلاح الفقير إياه من أن ثبوت فضل هذه الأمة بن علي
غيرها من الأمم بالقرآن الذي أمروا بالعمل به. فإذا ثبت الفضل بالقرآن فضل لا فضل فوقه، وتأتي المطابقة من هذه الجهة. وإن كان فيه بعض تعسف.
وأخرج الحديث عن مسدد عن يحيى القطان عن سفيان الثوري إلى آخره، وقد مر الحديث في كتاب مواقيت الصلاة في: باب من أدرك ركعة من العصر، وقد مضى الكلام فيه هناك مستوفي.
81
((باب الوصاية بكتاب الله عز وجل))
أي: هذا باب في بيان الوصاية بكتاب الله عز وجل بالهمزة بعد الألف وبالياء آخر الحروف وفتح الواو وكسرها، وفي رواية الكشميهني، باب الوصية، والمراد بالوصية بكتاب الله حفظه حسا ومعنى، وإكرامه وصونه، ولا يسافر به إلى أرض العدو، ويتبع ما فيه فيعمل بأوامره ويجتنب نواهيه ويداوم تلاوته وتعلمه وتعليمه، ونحو ذلك.
2205 حدثنا محمد بن يوسف حدثنا مالك بن مغول حدثنا طلحة قال: سألت عبد الله بن أبي أوفى آوصى النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا. فقلت: كيف كتب بن علي
الناس الوصية امروا بها ولم يوص؟ قال: أوصى بكتاب الله.
(انظر الحديث 5472 وطرفه).
مطابقته للترجمة في قوله: (أوصى بكتاب الله) ومالك بن مغول، بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الواو، وفي آخره لام: البجلي، وطلحة بن مصرف بن علي
وزن اسم فاعل من التصريف اليامي بالياء آخر الحروف، واسم أبي أو في علقمة.
والحديث مضى في كتاب الوصايا عن خلاد بن يحيى وفي المغازي عن أبي نعيم، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (بكتاب الله) قيل إنه مناف لقوله: (لا) وأجيب بأنه مخصوص بما يتعلق بالمال أو بأمر الخلافة.
91
((باب من لم يتغن بالقرآن))
أي: هذا باب في بيان من لم ير التغني بالقرآن. وهذه الترجمة لفظ حديث أخرجه البخاري في الأحكام من طريق ابن جريج عن ابن شهاب بسند حديث الباب بلفظ: من لم يتغن بالقرآن فليس منا، وبهذا يحصل الجواب عن قول الكرماني. فإن قلت: الحديث أثبت التغني بالقرآن، فلم ترجم الباب بقوله: من لم يتغن؟ بصورة النفي، وفي جوابه: هو وهم وذهول حيث قال. قلت: أما باعتبار ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من لم يتغن بالقرآن فليس منا، فأراد الإشارة إلى ذلك الحديث، ولما لم يكن بشرطه لم يذكره انتهى وجه الوهم أنه قال: ولما لم يكن بشرطه، فكيف يقول ذلك وقد أخرجه البخاري في الأحكام كما ذكرناه؟ ويأتي عن قريب تفسير التغني.
وقوله تعالى: * ((29) أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم) * (العنكبوت: 15)
وقوله تعالى، مجرور عطفا بن علي
قوله: من لم يتغن لأنه في محل الجر بإضافة لفظ باب إليه، وإنما أورد هذه الآية إشارة إلى أن معنى التغني الاستغناء لأن مضمون الآية الإنكار بن علي
من لم يستغن بالقرآن عن غير من الكتب السالفة، وهي نزلت في قوم آتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بكتاب فيه خبر من أخبار الأمم، فالمراد بالآية الاستغناء بالقرآن عن أخبار الأمم، وليس المراد بها الاستغناء الذي هو ضد الفقر واتبع البخاري الترجمة بهذه الآية ليدل بن علي
أن هذا
39

مذهب في الحديث، وهو موافق لتأويل سفيان، يتغنى به، لكنه حمله بن علي
ضد الفقر، والبخاري حمله بن علي
ما هو أعم من ذلك، وهو إلا كتفاء مطلقا.
3205 حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثني الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمان عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم يأذن الله لشيء ما أذن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتغنى بالقرآن.
وقال: صاحب له يريد يجهر به.
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة والحديث من أفراده وأخرجه في التوحيد أيضا.
قوله: (للنبي) بالنون والباء الموحدة في رواية رواة البخاري كلهم، وفي رواية الإسماعيلي: لشيء، بالشين المعجمة، وكذا في رواية مسلم في جميع طرقه. قوله: (ما أذن للنبي) بالألف واللام عند أبي ذر، وعن، غيره لنبي، بدون الألف واللام، وقال بعضهم: فإن كانت محفوظة بالألف واللام فهي للجنس ووهم من ظنها للعهد، وتوهم أن المراد نبينا صلى الله عليه وسلم، فقال: ما أذن للنبي صلى الله عليه وسلم، وشرحه بن علي
ذلك. قلت: هذا الذي ذكره عين الوهم، والأصل في الألف واللام أن يكون للعهد خصوصا في المفرد، وعلى ما ذكره يفسد المعنى لأنه يكون بن علي
هذه الصورة لم يأذن الله لنبي من الأنبياء ما أذن لجنس النبي وهذا فاسد. قوله: (أن يبتغى) كذا في رواية الكل بلفظة: أن وفي رواية أبي نعيم من وجه آخر: عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه بدون: أن وزعم ابن الجوزي أن الصواب حذف (أن) وأن إثباتها وهم من بعض الرواة لأنهم كانوا يروون بالمعنى، فربما ظن بعضهم المساواة فوقع في الخطأ لأن الحديث لو كان بلفظ أن لكان من الإذن بكسر الهمزة وسكون الذال بمعنى الإباحة والإطلاق، وليس ذلك مرادا هنا، وإنما هو من الأذن بفتحتين وهو الاستماع. قوله: (أذن) أي: استمع، والحاصل أن لفظة: أذن، بفتحة ثم كسرة في الماصي، وكذا في المضارع مشترك بين الإطلاق والاستماع تقول: آذنت آذن بالمد، فإن أردت الإطلاق فالمصدر بكسر ثم سكون، وإن أردت الاستماع فالمصدر أذن بفتحتين وقال القرطبي: أصل الأذن بفتحتين أن المستمع يميل بأذنه إلى جهة من يسمعه، وهذا المعنى في حق الله لا يراد به ظاهر، وإنما هو بن علي
سبيل التوسع بن علي
ما جرى به عرف التخاطب، والمراد به في حق الله تعالى إكرام القارئ وإجزال ثوابه، لأن ذلك ثمرة الإصغاء.
واختلفوا في معنى التغني، فعن الشافعي: تحسين الصوت بالقرآن، ويؤيده قول ابن أبي مليكة في سنن أبي داود إذا لم يكن حسن الصوت يحسنه ما استطاع، وقيل: يستغني به، وكذا وقع في رواية أحمد عن وكيع وقيل: يستغني به عن أخبار الأمم الماضية والكتب المتقدمة، وقيل: معناه التشاغل به والتغني، وقيل: ضد الفقر، وقيل: من لم يرتح لقراءته وسماعه، وقال الإمام: أوضح الوجوه في تأويله: من لم يغنه القرآن ولم ينفعه في إيمانه ولم يصدق بما فيه من وعد ووعيد فليس منا، ومن تأول بهذا التأويل كره القراءة بالألحان والترجيع، روي ذلك عن أنس وسعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين وسعيد بن جبير والنخعي وعبد الرحمن بن القاسم وعبد الرحمن بن الأسود فيما ذكره ابن أبي شيبة في كتاب الثواب وقالوا: كانوا يكرهونها بتطريب، وهو قول مالك، وممن قال: المراد به تحسين الصوت والترجيع بقراءته والتغني بما شاء من الأصوات واللحون الشافعي وآخرون، وذكر عمر بن شبة قال: ذكرت لأبي عاصم النبيل تأويل ابن عيينة الذي ذكره عن قريب، فقال: ما يصنع ابن عيينة شيئا، حدثنا ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير قال: كان لداود عليه الصلاة والسلام، معزفة يتغنى عليها ويبكى ويبكى، وعن ابن عباس: أنه كان يقرأ الزبور بسبعين لحنا ويقرأ قراءة يطرب منها المحموم، فإذا أراد أن يبكي نفسه لم تيقدابة في بر أو بحر إلا أنصتن يسمعن ويبكين، ومن الحجة لهذا القول أيضا حديث ابن مغفل في وصف قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه: ثلاث مرات، وهذا غاية الترجيع، ذكره البخاري في الاعتصام، وسئل الشافعي عن تأويل ابن عيينة، فقال: نحن أعلم بهذا لو أراد الاستغناء لقال: من لم يستغن بالقرآن، ولكن لما قال: من لم يتغن بالقرآن، علمنا أنه أراد به التغني، وكذلك فسره
40

ابن أبي مليكة أنه تحسين الصوت، وهو قول ابن المبارك والنضر بن شميل، وممن أجاز الألحان في القراءة فيما ذكره الطبري عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، أنه كان يقول لأبي موسى، رضي الله تعالى عنه: ذكرنا ربنا، فيقرأ أبو موسى ويتلاحن، وقال مرة: من استطاع أن يغني بالقرآن غناء أبي موسى فليفعل، وكان عقبة بن عامر، رضي الله تعالى عنه، من أحسن الناس صوتا بالقرآن، فقال له عمر، رضي الله تعالى عنه: أعرض علي سورة كذا، فقرأ عليه فبكى عمر، وقال: ما كنت أظن أنها نزلت، واختاره ابن عباس وابن مسعود، وروي عن عطاء بن أبي رباح، واحتج بحديث عبيد بن عمير، وكان عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد يتتبع الصوت الحسن في المساجد في شهر رمضان، وذكر الطحاوي عن أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه، وأصحابه أنهم كانوا يستمعون القرآن بألحان، وقال محمد بن عبد الحكم رأيت أبي والشافعي ويوسف بن عمرو يسمعون القرآن بألحان، واحتج الطبري لهذا القول، وأن معنى الحديث: تحسين الصوت، بما روي سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة يرفعه: (ما أذن الله لشيء وما أذن لنبي حسن الترنم بالقرآن)، وقال الطبري: ومعقول: إن الترنم لا يكون إلا بالصوت إذا حسنه
وطرب به وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: تحمل الأحاديث التي جاءت في حسن الصوت بن علي
التحزن والتخويف والتشويق، وروي سفيان عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه صلى الله عليه وسلم سئل: أي الناس أحسن صوتا بالقرآن؟ قال: (الذي إذا سمعته رأيته خشي الله تعالى وعند الآجري من حديث عبد الله بن جعفر عن إبراهيم عن أبي الزبير عن جابر يرفعه: أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا سمعته يقرأ حسبته يخشى الله عز وجل.
قوله: (وقال صاحب له) أي: لأبي سلمة، والصاحب هو عبد الحميد بن عبد الرحمن بينه الزبيدي عن ابن شهاب في هذا الحديث أخرجه ابن أبي داود عن محمد بن يحيى الذهلي في الزهريات من طريقه بلفظ: (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن)، قال ابن شهاب: أخبرني عبد الحميد بن عبد الرحمن عن أبي سلمة يتغنى بالقرآن يجهر به، فكأن هذا التفسير لم يسمعه ابن شهاب من أبي سلمة، وسمعه من عبد الحميد عنه فكان تارة يسميه وتارة يبهمه، وقال الكرماني: يجهر به معناه بتحسين صوته وتحزينه وترقيقه، ويستحب ذلك ما لم تخرجه الألحان عن حد القراءة فإن أفرط حتى زاد حرفا أو أخفى حرفا فهو حرام.
4205 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ما أذن الله لشيء ما أذن للنبي أن يتغنى بالقرآن. قال سفيان: تفسيره يستغني به.
هذا طريق آخر في حديث أبي هريرة المذكور أخرجه عن علي بن أبي عبد الله بن المديني عن سفيان بن عيينة عن ابن شهاب الزهري إلى آخره. قوله: (قال سفيان)، هو ابن عيينة الراوي تفسيره أي تفسير قوله: (يتغنى يستغنى به) وقد مر الكلام فيه عن قريب.
4205 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ما أذن الله لشيء ما أذن للنبي أن يتغنى بالقرآن. قال سفيان: تفسيره يستغني به.
هذا طريق آخر في حديث أبي هريرة المذكور أخرجه عن علي بن أبي عبد الله بن المديني عن سفيان بن عيينة عن ابن شهاب الزهري إلى آخره. قوله: (قال سفيان)، هو ابن عيينة الراوي تفسيره أي تفسير قوله: (يتغنى يستغنى به) وقد مر الكلام فيه عن قريب.
02
((باب اغتباط صاحب القرآن))
أي: هذا باب في بيان اغتباط صاحب القرآن، والاغتباط من الغبطة وهو حسد خاص، يقال: غبطت الرجل أغبطه غبطا إذا اشتهيت أن يكون لك مثل ماله، وأن يدوم عليه ما هو فيه، وحسدته أحسده حسدا إذا اشتهيت أن يكون لك مثله، وأن يزول عنه ما هو فيه، واعتراض بن علي
هذه الترجمة بأن صاحب القرآن لا يغتبط نفسه بل يغتبطه غيره، وأجاب عنه بعضهم بأن الحديث لما كان دالا بن علي
أن غير صاحب القرآن يغتبط صاحب القرآن بما أعطيه من العمل بالقرآن، فاغتباط صاحب القرآن بعمل نفسه أولى. قلت: هذا ليس بذاك، وكيف يوجه هذا الكلام وقد علم أن الغبطة اشتهاه مثل ما أعطى فلان مثلا، وكيف يتصور اغتباط من أعطى مثل ما أعطى غيره، والأحسن فيه أن يقدر في الترجمة محذوف تقديره: باب باغتياط الرجل صاحب القرآن، ولا يحتاج إلى تعسفات بعيدة.
41

5205 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال: حدثني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا حسد إلا على اثنتين رجل آتاه الله الكتاب وقام به آناء الليل، ورجل أعطاه الله مالا فهو يتصدق به آناء الليل وآناء النهار.
مطابقته للترجمة في قوله: (لا حسد إلا بن علي
اثنتين)، فإن المراد بالحسد هنا الحسد الخاص وهو الغبطة، تدل عليه الترجمة، وأبو اليمان الحكم بن نافع. والحديث من أفراده.
قوله: (لا حسد) أي: لا رخصة في الحسد إلا في خصلتين، قيل: الحسد قد يكون في غيرهما فما معنى الحصر؟ وأجيب بأن المقصود: لا حسد جائز في شيء من الأشياء إلا فيهما وقيل: أربد بالحسد شدة الحرص والترغيب. قوله: (إلا بن علي
اثنتين) وفي حديث ابن مسعود المتقدم في كتاب العلم إلا في اثنتين، وكذا في حديث أبي هريرة الآتي، وكلمة بن علي
تأتي بمعنى: في، كما في قوله تعالى: * (ودخل المدينة بن علي
حين غفلة) * (القصص: 51) * (واتبعوا ما تتلوا الشياطين بن علي
ملك سيلمان) * (البقرة: 201) أي: في ملكه. قوله: (آناء الليل) الآناء جمع أني مثل معي، قاله الأخفش، وقيل: أنى وأنو. يقال: مضى أنيان من الليل وأنوان، وآناء الليل ساعاته ولم يذكر فيه النهار ولم يذكر فيه النهار وفي مستخرج أبي نعيم، من طريق أبي بكر بن زنجويه عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه: آناء الليل وآناء النهار، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق إسحاق بن يسار عن أبي اليمان، وكذا هو عند مسلم من وجه آخر عن الزهري، والمراد بالقيام بالكتاب العمل به.
6205 حدثنا علي بن إبراهيم حدثنا روح حدثنا شعبة عن سليمان سمعت ذكوان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه إناء الليل وآناء النهار فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعلمت مثل ما يعمل به.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وعلي بن إبراهيم شيخ البخاري اختلف فيه فقيل: هو الواسطي في قول الأكثرين واسم جده عبد المجيد اليشكري وهو ثقة متقن عاش بعد البخاري نحو عشرين سنة، وقيل: هو علي بن الحسين بن إبراهيم نسب إلى جده، وبهذا جزم ابن عدي، وقال الدارقطني وابن منده: هو علي بن عبد الله بن إبراهيم، نسب إلى جده، وقال الحاكم: قيل: هو علي بن إبراهيم المروزي وهو مجهول، وقيل: الواسطي، وروح هو ابن عبادة، وسليمان هو الأعمش، وذكوان بفتح الذال المعجمة هو أبو صالح السمان.
والحديث أخرجه النسائي في الفضائل عن محمد بن المثنى.
قوله: (أوتيت) في الموضعين، وأوتي كذلك كلها بن علي
صيغة المجهول. قوله: (يهلكه) بضم الياءمن الإهلاك. قوله: (في الحق)، قيد لأنه إذا كان في غير الحق فلا غبطة فيه والله أعلم.
12
((باب: خيركم من تعلم القرآن وعلمه))
أي: هذا باب يذكر فيه خيركم من تعلم القرآن وعلمه ووضع الترجمة من نفس الحديث.
7205 حدثنا حجاج بن منهال حدثنا شعبة قال: أخبرني علقمة بن مرثد سمعت سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمان السلمي عن عثمان، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: خيركم من تعلم القرآن وعلمه.
الترجمة والحديث واحد. وعلقمة بن مرثد، بفتح الميم وسكون الراء وفتح المثلثة وبالدال المهملة: الحضرمي الكوفي، وسعد بن عبيدة أبو حمزة الكوفي السلمي ختن أبي عبد الرحمن واسمه عبد الله بن حبيب بن ربيعة بالتصغير السمي الكوفي
42

القارئ، لأبيه صحبه.
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن أبي نعيم عن سفيان، وأخرجه أبو داود في الصلاة عن حفص ابن عمرو وأخرجه الترمذي في فضائل القرآن عن محمود بن غيلان وغيره وأخرجه النسائي فيه عن أبي قدامة السرخسي وغيره. وأخرجه ابن ماجة في السنة عن محمد بن بشار به وغيره وهنا أدخل شعبة بين علقمة وأبي عبد الرحمن بن سعد بن عبيدة. وفي الحديث الآتي خالف الثوري شعبة ولم يدخله بينهما، وقد تابع شعبة جماعة وعدهم الحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد العطار في كتابه الهادي في القراءات فوق الثلاثين منهم، عبد بن حميد وقيس بن الربيع، قال: وقد تابع سفيان أيضا جماعة وعدهم فوق العشرين، منهم: مسعر وعمرو بن قيس الملائي وأخرج البخاري الطريقين، فكأنه ترجح عنده أنهما جميعا محفوظان: ورجح الحفاظ رواية الثوري، وعدوا رواية شعبة من المزيد في متصل الأسانيد، ويحمل بن علي
أن علقمة سمعه أولا من سعد ثم لقي أبا عبد الرحمن فحدثه به أو سمعه مع سعد من أبي عبد الرحمن، فثبت فيه سعد.
وعلل أبو الحسن القشيري هذا الحديث بثلاث علل: الأولى: الاختلاف المذكور. الثانية: وقف من وقفه، وإرسال من أرسله. الثالثة: ما روي عن شعبة أنه قال: لم يسمع أبو عبد الرحمن من عثمان، وقيل لأبي حاتم: أسمع من عثمان قال: روي عنه لا يذكر سماعا. وأجيب عن الأولى: بأنه لا يوجب القدح في الحديث لأنا نعلم أن سفيان وشعبة إذا اختلفا في الحديث فالحديث حديث سفيان. قال وكيع: روي شعبة حديثا فقيل له: إن سفيان يخالفك فيه، قال: دعوا حديثي، سفيان أحفظ مني وعن الثانية: إن الاعتلال بالوقف والإرسال ليس بقادح لأن الزيادة عن الحافظ الثقة مقبولة إجماعا. وعن الثالثة: بأن بعضهم قالوا: إن الأكابر من الصدر الأول قالوا: إن أبا عبد الرحمن قرأ القرآن بن علي
عثمان وعلي رضي الله تعالى عنهما،، فإن قلت: روي أبو الحسن سعيد بن سلام العطار البصري هذا الحديث عن محمد بن أبان عن علقمة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن أبان بن عثمان بن عفان عن أبيه عثمان. قلت: قال الدارقطني: وهم في ذكر أبان في إسناده، فقال أبو العلاء: فإن ثبت روايته فالحديث غريب بن علي
أنه يحتمل أن يكون السلمي سمع الحديث من أبان ثم سمعه من عثمان نفسه، وروي عاصم بن علي في إحدى الروايتين عنه عن شعبة عن مسعر عن علقمة عن سعد بن عبيدة عن السلمي عن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، فإن ثبتت هذه الرواية فهو غريب جدا ورواه محمد بن أبي بكر الحضرمي عن شريك عن عاصم بن بهدلة عن السلمي عن ابن مسعود، قال الدارقطني: وأصحها: علقمة عن سعد عن أبي عبد الرحمن عن عثمان مرفوعا، وقد أدرج بعض الرواة في هذا الحديث كلمات يظن من لا علم له بمساق الحديث إنها مرفوعة، وهو أن أبا يحيى إسحاق بن سليمان الرازي روي عن الجراح بن الضحاك روي عن الجراح بن الضحاك عن علقمة عن السلمي عن عثمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيركم من تعلم القرآن وعلمه، وفضل بن علي
سائر الكلام كفضل الخالق بن علي
المخلوق، وذلك أنه منه، وهذه الزيادة إنما هي من كلام أبي عبد الرحمن، قال ذلك عامة الحفاظ بينها إسحاق بن راهويه وغيره.
قوله: (وعلمه) بواو العطف عند الأكثرين، وفي رواية السرخسي: أو علمه، بكلمة أو للتنويع لا للشك. وفي الحديث دلالة بن علي
أن قراءة القرآن أفضل أعمال البر كلها، لأنه لما كان من تعلم القرآن أو علمه أفضل الناس أو خيرهم دل علي بن علي
ما قلنا. فإن قلت: إيما أفضل تعلم القرآن أو تعلم الفقه؟ قلت: قال ابن الجوزي: تعلم اللازم منهما فرض بن علي
الأعيان، وتعلم جميعهما فرض بن علي
الكفاية إذا قام به قوم سقط عن الباقين، فإن فرضنا الكلام في التزيد منهما بن علي
قدر الواجب في حق الأعيان فالمتشاغل بالفقه أفضل، وذلك راجع إلى حاجة الإنسان لأنه الفقه أفضل من القراءة، وإنما كان القارئ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأفقه فلذلك قدم القارئ في الصلاة.
قال: وأقرأ أبو عبد الرحمان في إمرة عثمان حتى كان الحجاج، قال: وذاك الذي أقعدني مقعدي هاذا.
أي: قال سعد بن عبيدة أقرأ أبو عبد الرحمن من الإقراء يعني أقرأ أبو عبد الرحمن الناس في إمرة عثمان بن عفان إلى أن انتهى إقراؤه الناس إلى زمن الحجاج بن يوسف الثقفي، وهذه مدة طويلة، ولم يبين ابتداء إقرائه، ولا انتهاء آخره بن علي
التحرير، غاية ما في الباب أن بين أول خلافة عثمان وآخر ولاية الحجاج العراق ثنتان وسبعون سنة إلا ثلاثة أشهر، وبين آخر
43

خلافة عثمان وأول ولاية الحجاج العراق ثمان وثلاثون سنة. قوله: (قال: وذاك الذي) أي: قال أبو عبد الرخمن السلمي: وذاك إشارة إلى الحديث المرفوع أي: إن الحديث الذي حدث به عثمان في أفضلية من تعلم القرآن وعلمه حملني بن علي
أن أقعدني مقعدي هذا وأشار به إلى مقعده الذي كان يقرأ الناس فيه. وفي الحقيقة مراده من المعقد الذي أقعد فيه منزلته التي حصلت لع مع طول المدة ببركة تعليمه القرآن الكريم للناس، وإسناده إليه إسناد مجازي، ويؤيد ما ذكرنا صريحا ما رواه أحمد عن محمد بن جعفر وحجاج بن محمد جميعا عن شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة قال: قال أبو عبد الرحمن: فذاك الذي أقعدني هذا المقعد وقال الكرماني: وفي بعض نسخ البخاري: أقرأني، بذكر المفعول وهذا أنسب لقوله: وذلك أي إقراؤه إياي هو الذي أقعدني في هذا المقعد الرفيع والمنصب الجليل، ورد عليه بعضهم بقوله: إن الكرماني كأنه ظن أن قائل: وذاك الذي أقعدني، هو سعد بن عبيدة وليس كذلك: بل هو أبو عبد الرحمن، ولو كان كما ظن للزم أن تكون المدة الطويلة سبقت لبيان زمان قراءة أبي عبد الرحمن لسعد بن عبيدة، وليس كذلك وأيضا فكان يلزم أن يكون سعد بن عبيدة قرأ بن علي
أبي عبد الرحمن من زمن عثمان، وسعد لم يدرك زمان عثمان، فإن أكبر شيخ له المغيرة بن شعبة وقد عاش بعد عثمان خمس عشر سنة. انتهى. قلت: ما قاله هو الصواب، وقد تاه الكرماني في هذا، وما اكتفى بنقله رواية: أقرأني الني ما صحت حتى بنى عليها كلامه الذي صدر من غير روية.
8205 حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمان السلمي عن عثمان بن عفان، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أفضلكم من تعلم القرآن أو علمه.
(انظر الحديث 7205).
هذا طريق آخر في الحديث المذكور. أخرجه عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن سفيان بن عيينة إلى آخره.
قوله: (إن أفضلكم)، وذكر في الطريق الماضي: خيركم، ولا فرق بينهما في المعنى لأن قوله: خيركم، تقديره: أخيركم، ولا شك أن أخيرهم هو أفضلهم. قوله: (أو علمه) بكلمة: أو ثبت عندهم وقد ذكرنا وجهه، ووقع في رواية الترمذي من طريق بشر بن السري عن سفيان: خيركم أو أفضلكم، ووقع التنويع بين الخيرية والأفضلية كما نراه.
9205 حدثنا عمرو بن هون حدثنا حماد عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: مالي في النساء من حاجة، فقال رجل: زوجنيها. قال: أعطها ثوبا. قال: لا أجد. قال: أعطها ولو هاتما من حديد، فاعتل له، فقال: ما معك من القرآن؟ قال: كذا وكذا. قال: فقد زوجتكها بما معك من القرآن.
.
قيل مطابقته للترجمة من حيث إنه صلى الله عليه وسلم زوج المرأة لحرمة القرآن، واعترض عليه بأن السياق يدل بن علي
أنه زوجها له بن علي
أن يعلمها قلت: في كل منهما نظر. أما الأول: فلأن الترجمة ليست في بيان حرمة القرآن، وأما الثاني: فدلالته بن علي
التزويج بن علي
تعليم القرآن، ويمكن أن يوجه المطابقة من قوله: كذا وكذا أي: سورة كذا، بن علي
ما وقع هكذا في الباب الذي يليه، وهو أن الفضل ظهر بن علي
الرجل بحفظه كذا وكذا، سورة، ولم يحصل له هذا الفضل إلا من فضل القرآن، فدخل تحت قوله: (خيركم من تعلم القرآن)، لأنه تعلم ودخل في المتعلمين، ودخل أيضا تحت قوله: (وعلمه) لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم، إنما زوجه إياها بن علي
أن يعلمها القرآن.
وبقي الكلام هنا في فصول.
الأول: في رجال الحديث، وهم: عمرو بالفتح ابن عون بن أوس الواسطي، نزل البصرة وروي مسلم عنه بواسطة، وحماد هو ابن زيد، وأبو حازم بالحاء المهملة
والزاي سلمة بن دينار، وسهل بن سعد بن مالك الساعدي الأنصاري، رضي الله تعالى عنه، وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين، والعنعنة في موضعين.
الثاني: أنه أخرجه البخاري هنا أيضا عن قتيبة بن علي
ما يأتي، وأخرجه أيضا في النكاح في مواضع في: باب النظر إلى المرأة قبل التزويج، عن قتيبة عن يعقوب بأتم من هذا، وهنا اختصره في: باب إذا قال الخاطب للولي:
44

زوجني فلانة، عن أبي النعمان عن حماد بن زيد إلى آخره مختصرا وفي: باب التزويج بن علي
القرآن عن علي بن عبد الله وفي: باب المهر بالعروض عن يحيى عن وكيع مختصرا. وأخرجه بقية الجماعة فمسلم أخرجه في النكاح عن قتيبة بن سعيد، وأبو داود فيه عن القعنبي والترمذي فيه عن الحسن بن علي والنسائي فيه وفي فضائل القرآن عن هارون بن عبد الله وابن ماجة في النكاح عن حفص بن عمرو.
الثالث: في معناه قوله: (امرأة)، اختلف في اسم هذه المرأة الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، فقيل: هي خولة بنت حكيم، وقيل: هي أم شريك الأزدية، وقيل: ميمونة، حكي هذه الأقوال الثلاثة أبو القاسم بن بشكوال في كتاب المبهماتوق ال شيخنا زين الدين لا يصح شيء من هذه الأقوال الثلاثة أما خوله فإنها لم تتزوج، وكذلك أم شريك لم تتزوج، وأما ميمونة فكانت إحدى زوجاته، فلا يصح أن تكون هذه لأن هذه قدر زوجها لغيره. قوله: (ولو خاتما)، بالنصب أي: ولو كان الذي يعطيها خاتما، ويروي بالرفع، فوجهه إن صحت الرواية يكون مرفوعا بكان التامة المقدرة أي: ولو كان خاتم. قوله: (من حديد) كلمة من بيانية. قوله: (فاعتل له) أي: حزن وتضجر لأجل ذلك، وقد جاء اعتل بمعنى تشاغل. قوله: (ما معك من القرآن؟) أي: أي شيء تحفظ من القرآن؟ قوله: (قال: كذا وكذا)، وقد جاء في رواية أبي داود سورة البقرة والتي تليها.
الرابع: في استنباط الأحكام منه وفيه: جواز عقد النكاح بلفظ الهبة، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي. وصورته أن يقول الرجل: قد وهبت لك ابنتي، فيقول الآخر: قبلت أو تزوجت، وسواه في ذلك سميا المهر أو لا فإن سمياه فلها المسمى وإلا فلها مهر مثلها. وقال الشافعي: لا ينعقد بلفظ الهبة، وبه قال ربيعة وأبو ثور وأبو عبيد ومالك بن علي
اختلاف عنه. ولا خلاف في جواز هبة المرأة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو من خصائصه لقوله عز وجل: * (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي) * (الأحزاب: 05) وقال ابن القاسم عن مالك: لا تحل الهبة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه ما يستدل به الشافعي بن علي
جواز النكاح بما تراضى عليه الزوجان: كالسوط والنعل، وإن كانت قيمته أقل من درهم، وبه قال ربيعة وأبو الزناد وابن أبي ذئب ويحيى بن سعيد والليث بن سعد ومسلم بن خالد الزنجي وأحمد وإسحاق والثوري والأوزاعي وداود وابن وهب من المالكية، وقال مالك لا يجوز أقل من ربع دينار قياسا بن علي
القطع في السرقة، وقال ابن حزم: وجائز أن يكون صداقا كل ماله نصف قل أو كثر، ولو أنه حبة بر أو حبة شعير أو غير ذلك، واستدل بن علي
ذلك بقوله: (ولو خاتما من حديد) وعن إبراهيم النخعي: أكره أن يكون المهر بمثل أجر البغي ولكن العشرة والعشرين، وعنه: السنة في النكاح الرطل من الفضة، وعن الشعبي: كانوا يكرهون أن يتزوج الرجل بن علي
أقل من ثلاث أواقي. وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يجوز أن يكون الصداق أقل من عشرة دراهم، لما روي ابن أبي شيبة في مصنفه: عن شريك عن داود الزعافري عن الشعبي، قال: قال علي، رضي الله تعالى عنه: لا مهر أقل من عشرة دراهم. والظاهر أنه قال توفيقا لأنه باب لا يوصل إليه بالاجتهاد والقياس. فإن قلت: قال ابن حزم: الرواية عن علي باطلة لأنها عن داود الزعافري، وهو في غاية السقوط، ثم هي مرسلة لأن الشعبي لم يسمع من علي قط حديثا. قلت: قال ابن عدي: لم أر له حديثا منكرا جاوز الحد إذا روي عنه ثقة، وإن كان ليس بقوي في الحديث فإنه يكتب حديثه ويقبل إذا روي عنه ثقة، وذكر عن المزي أن الشعبي سمع علي بن أبي طالب، ولئن سلمنا أن روايته مرسلة فقد قال العجلي: مرسل الشعبي صحيح ولا يكاد يرسل إلا صحيحا. والجواب عن قوله: (ولو خاتما من حديد) أنه خارج مخرج المبالغة كما في قوله: تصدقوا ولو بظلف محرق، وفي لفظ: ولو بفرسن شاة، وليس الظلف والفرسن مما يتصدق بهما ولا مما ينتفعه بهما، ويقال: ولعل الخاتم كان يساوي ربع دينار، ويقال: لعل التماسه للخاتم لم يكن كل الصداق بل شيء يعجله لها قبل الدخول: وفيه: إجازة اتخاذ خاتم الحديد. واختلف العلماء في جواز لبسه، وفيه: ما يستدل به الشافعي وأحمد في رواية، والظاهرية بن علي
جواز التزويج بن علي
سورة من القرآن، وعليه أن يعلمها ولم يجوز ذلك أبو حنيفة وأصحابه ومالك وأحمد في رواية صحيحة والليث بن سعد وإسحاق بن راهويه، وقالوا: إذا تزوجها علي تعليم سورة فالنكاح صحيح ويجب فيه مهر مثلها، وهذا كمن تزوج امرأة ولم يسم لها مهرا فإنه يجب مهرا لمثل وأجاب الطحاوي عنه بأن قوله: (زوجتكها بما معك من القرآن) أن حمل بن علي
الظاهر، فذلك بن علي
السورة لا بن علي
تعليمها، وإذا كان ذلك بن علي
السورة فهو بن علي
حرمتها، وليس فيه التعرض للمهر كما في تزوج أم سليم بن علي
إسلامه
45

فلم يكن ذلك الإسلام مهرا في الحقيقة، والسورة من القرآن لا تكون مهرا بالإجماع، ويكون المعنى: زوجتكها بسبب حرمة ما معك من القرآن وبركته، فتكون الباء للتعليل كما في قوله: * (فكلا أخذنا بذنبه) * (العنكبوت: 04) فإن قلت: في رواية ابن ماجة ذو جتكها بن علي
ما معك من القرآن وفي مسند أحد السنة: ما معك من القرآن. قلت أما بن علي
فإنها تجيء للتعليل أيضا كالباء كما في قوله تعالى: * (ولتكبروا الله بن علي
ما هداكم) * (البقرة: 581) أي: لهدايته إياكم، ويكون المعنى زوجتكها لأجل ما معك من القرآن ولا ينافي هذا تسمية المال، وأما مع، فإنها للمصاحبة والمعنى، زوجتكها لمصاحبتك القرآن فإن قلت: الأصل في الباء للمقابلة فتكون ههنا نحو وقولك: بعتك ثوبي بدينار. قلت: لا يصح هنا أن تكون للمقابلة لأنه يلزم أن تكون المرأة موهوبة وذلك لا يجوز إلا للنبي صلى الله عليه وسلم. فإن قلت: المعنى زوجتكها بأن تعلمها ما معك من القرآن، أو مقدار ما منه، ويكون ذلك صداقها، والدليل عليه ما جاء في رواية مسلم: أنطلق فقد زوجتكها فعلمها من القرآن، وفي رواية عطاء: فعلمها عشرين آية. قلت: قد ذكرنا غير مرة أن هذا لا ينافي تسمية المال فيكون قد زوجها منه مع تحريضه بن علي
تعليم القرآن، ويكون المهر مسكوتا عنه إما النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، قد أصدق عنه، كما كفر عن الواطىء في رمضان إذ لم يكن عنده شيء موفقا بأمته، وإما أنه أبقى الصداق في ذمته إلى أن ييسر الله عليه.
22
((باب القراءة عن ظهر القلب))
أي: هذا باب في بيان القراءة عن ظهر القلب أي بغير نظر في المصحف.
0305 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب بن عبد الرحمان عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! جئت لأهب لك نفسي لك نفسي فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد النظر إليها وصوبه ثم طأطأ رأسه، فلما رأت المرأة لم يقض فيها شيئا جلست، فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله! إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها. فقال له: هل عندك من يء؟ فقال: لا والله يا رسول اا. قال: إذهب إلى أهلك فانظر هل نجد شيئا؟ فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله، ما وجدت شيئا. فقال: انظر ولو خاتما من حديد، فطهب ثم رجع، فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد، ولاكن هاذا إزاري. قال سهل: ماله رداء فلها نصفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تصنع بإزارك؟ إن لبسته لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته لم يكن عليك شيء، فجلس الرجل حتى طال مجلسه، ثم قام فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم موليا، فأمر به فدعي فلما جاء قال: ماذا معك من القرآن؟ قال: معي سورة كذا وسورة كذا وسورة كذا، عدها. قال: أتقرؤهن عن ظهر قلبك؟ قال: نعم. قال: إذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن.
.
مطابقته للترجمة في قوله: (قال: أتقرؤهن عن ظهر قلبك) وهو حديث سهل المذكور في الباب السابق.
وأخرجه هنا وهو أتم من ذاك قيل: لا مطابقة هنا لأن قوله صلى الله عليه وسلم: (أتقرؤهن عن ظهر قلبك) إنما هو لاستثبات أنه يحفظ تلك السورة التي عدها وذلك ليتمكن من تعليمه المرأة، ولا يدل بن علي
أن القراءة عن ظهر القلب أفضل. وأجاب بعضهم بأن المراد به بقوله: باب القراءة عن ظهر القلب، مشروعيتها أو استحبابها، وهو مطابق لما ترجم به، ولم يتعرض لكونها أفضل من القراءة نظرا. قلت: سبحان الله، ما أبعد هذا الجواب عن الصواب وأبرده، والباب مذكور في بيان فضائل القرآن، فكيف يقول: ولم يتعرض لكونها أفضل من القراءة نظرا؟ ولم يضع هذه الترجمة إلا لبيان أفضلية القراءة نظرا. وإن كان فيه الاستثبات أيضا وهو لا ينافي الأفضلية
46

أيضا بن علي
أنه ورد أحاديث كثيرة في هذا الباب فمنها: ما رواه زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري مرفوعا: (أعطوا أعينكم حظها من العبادة، قالوا: يا رسول الله! وما حظها من العبادة؟ قال: النظر في المصحف والتفكر فيه والاعتبار عند عجائبه): ومنها ما رواه أبو عبيد في فضائل القرآن من طريق عبيد الله بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رفعه قال: (فضل قراءة القرآن نظرا بن علي
من يقرأه ظهرا كفضل الفريضة بن علي
النافلة) وإسناده ضعيف، ومن طريق ابن مسعود موقوفا: (أديموا النظر في المصحف)، وإسناده صحيح، وقال يزيد بن حبيب: (من قرأ القرآن في المصحف خفف عن والديه العذاب وإن كانا كافرين). رواه ابن وضاح.
قوله: (فصعد النظر إليها) بتشديد العين أي: رفع. قوله: (وصوبه)، أي: خفضه، وقال ابن العربي: يحتمل أن ذلك كان قبل الحجاب، ويحتمل أن يكون بعده وهي متلففة، وأي ذلك فإنه يدخل في باب نظر الرجل المرأة المخطوبة. قوله: (ثم طأطأ رأسه) أي: خفضه. قوله: (قال سهل: ماله رداء فلها نصفه)، مدرج
من كلام سهل يريد به أن إزاره يكون بينهما، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته) أي المرأة إن لبست الإزار (لم يكن عليك شيء) إنما قال ذلك حين أراد الرجل قطعه ويعطيها نصفه. قوله: (فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم موليا) أي: مدبرا ذاهبا معرضا. قوله: (فدعي)، بن علي
صيغة المجهول. قوله: (عن ظهر قلبك)، أي: من حفظك لامن النظر، ولفظ: الظهر، مقحم أو بمعنى الاستظهار. قوله: (ملكتكها) ويروى: (ملكتها) بن علي
صيغة المجهول. قال الدارقطني: هذه الرواية وهم والصواب رواية من روي: (زوجتكها). وقال النووي: يحتمل أن يكون جرى لفظ التزويج أولا فملكها ثم قال له: اذهب فقد ملكتها بالتزويج السابق فليس بوهم.
وفيه: جواز الحلف بغير الاستحلاف، وتزويج العسر، وجواز النظر إلى امرأة يريد أن يتزوجها.
32
((باب استذكار القرآن وتعاهده))
أي: هذا باب في بيان استذكار القرآن، أي: طلب ذكر بضم الذال. قوله: (وتعاهده) أي: تجديد يد العهد بملازمته القراءة وتحفظه وترك الكسل عن تكراره.
1305 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة إن عاهدها أمسكها وإن أطلقها ذهبت.
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث أخرجه مسلم في الصلاة وأخرجه النسائي في الفضائل والصلاة.
قوله: (المعقلة)، بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد القاف أي: المشدودة وبالعقال بالكسر وهو الحبل الذي يشد به ركبة البعير، شبه درس القرآن واستمرار تلاوته بربط البعير الذي يخشى منه الهروب، فما دام التعاهد موجودا فالحفظ موجود، كما أن البعير ما دام مشدودا بالعق ال فهو محفوظ، وخص الإبل بالذكر لأنه أشد الحيوان الأنسي نفورا، وفي تحصيلها بعد استمكان نفورها صعوبة. قوله: (ذهبت)، أي: انفلتت.
2305 حدثنا محمد بن عرعرة حدثنا شعبة عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: بئس ما لأحدهم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل نسي، واستذكروا القرآن فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم.
مطابقته للترجمة في قوله: (استذكروا القرآن) ومحمد بن عرعرة، بفتح المهملتين وإسكان الراء الأولى: الناجي الشامي البصري القرشي أبو عبد الله، ويقال: أبو إبراهيم، روي مسلم عنه بواسطة، ومنصور هو ابن المعتمر، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وعبد الله هو ابن مسعود.
والحديث أخرجه مسلم في الصلاة عن عثمان بن أبي شيبة وغيره. وأخرجه الترمذي في القراءات
47

عن محمود بن غيلان. وأخرجه النسائي في الصلاة وفي فضائل القرآن عن محمد بن منصور وغيره.
قوله: (بئس)، قال القرطبي: بئس أخت نعم، الأولى للذم والأخرى للمدح، وهما فعلان غير متصرفين يرفعان الفاعل ظاهرا أو مضمرا إلا أنه إذا كان ظاهرا لم يكن في الأمر العام إلا بالألف واللام للجنس أو يضاف إلى ما هما فيه حتى يشتمل بن علي
الموصوف بأحدهما، ولا بد من ذكره تعيينا كقوله: نعم الرجل زيد، وبئس الرجل عمرو، فإن كان الفاعل مضمرا فلا بد من ذكر اسم نكرة ينصب بن علي
التفسير للمضمر كقولك: نعم رجلا زيد، وقد يكون هذا التفسير ما بن علي
نص عليه سيبويه كما في هذا الحديث، وكما في قوله: فنعما هي: وما، نكرة موصوفة. قوله: (أن يقول) مخصوص بالذم أي: بئس شيئا كائنا أحدهم. يقول قوله: (نسيت)، بفتح النون وتخفيف السين اتفاقا. قوله: (كيت وكيت) قال القرطبي: كيت وكيت، يعبر بهما عن الجمل الكثيرة، والحديث الطويل، ومثلها: ذيت وذيت، وقال ثعلب: كيت للأفعال، وذيت للأسماء، وحكى ابن التين عن الداودي أن هذه الكلمة مثل: كذا إلا بالمؤنث، وزعم أبو السعادات أن أصلها: كيه، بالتشديد والتاء فيها بدل من إحدى الياءين والهاء التي في الأصل محذوفة وقد تضم التاء وتكسر. قوله: (بل نسي) بضم النون وكسر السين المهملة المشددة. وقال القرطبي: رواه بعض رواة مسلم بالتخفيف، وقال عياض: كان أبو الوليد الوقشي لا يجوز في هذا غير التخفيف، وقال القرطبي: التثقيل معناه أنه عوقب بوقوع النسيان عليه لتفريطه في معاهدته واستذكاره، قال: ومعنى التخفيف أن الرجل تركه غير ملتفت إليه، والحاصل أن الذم فيه يرجع إلى المقال فنهي أن يقال: نسيت آية كذا إلا أنه يتضمن التساهل فيه والتغافل عنه وهو كراهة تنزيه، وقال القاضي: الأولى أن يقال: إنه ذم الحال لازم المقال، أي: بئس حال من حفظ القرآن فيغفل عنه حتى نسيه، وقال الخطابي: بئس، يعني: عوقب بالنسيان بن علي
ذنب كان منه أو بن علي
سوء تعهده بالقرآن حتى نسيه، وقد يحتمل معنى آخر وهو أن يكون ذلك في زمنه صلى الله عليه وسلم حين النسخ وسقوط الحفظ عنهم. فيقول القائل منهم: نسيت كذا، فنهاهم عن هذا القول لئلا يتوهموا بن علي
محكم القرآن الضياع، فأعلمهم أن ذلك بإذن الله، ولما رآه من المصلحة في نسخه، ومن أضاف النسيان إلى الله تعالى فإنه خالقه وخالق الأفعال كلها، ومن نسبه إلى
نفسه فلأن النسيان فعل منه يضاف إليه من جهة الاكتساب والتصرف. ومن نسب ذلك إلى الشيطان. كما قال يوشع بن نون، عليه السلام * (وما أنسانيه إلا الشيطان) * (الكهف: 36) فلما جعل الله له من الوسوسة، فلكل إضافة منها وجه صحيح. قوله: (واستذكروا القرآن). أي: واظبوا بن علي
تلاوته واطلبوا من أنفسكم المذاكره به، وقال الطيبي: وهو عطف من حيث المعنى بن علي
قوله: بئس ما لأحدكم أي لا تقتصروا في معاهدته واستذكروه. قوله: (تفيصا)، بفتح الفاء وتشديد الصاد المكسورة بعدها الياء آخر الحروف. هو الانفصال والانفلات والتخلص. يقال تفصيت كذا أي: أحطت بتفاصيله، والاسم الفصة. قوله: (من النعم) وهي الإبل ولا واحد له من لفظه.
52 - (حدثنا عثمان حدثنا جرير عن منصور مثله)
عثمان هو ابن أبي شيبة وجرير هو ابن عبد الحميد ومنصور هو المذكور في الإسناد الذي قبله وهذا الطريق ثبت عند الكشميهني وحده وثبت أيضا في رواية النسفي وقد أخرجه مسلم عن عثمان بن أبي شيبة مقرونا بإسحق بن راهويه وزهير بن حرب ثلاثتهم عن جرير ولفظه مساو للفظ شعبة المذكور إلا أنه قال استذكروا بغير واو وقال فهو أشد بدل قوله فإنه وزاد بعد قوله من النعم بعقلها قوله ' مثله ' أي مثل الحديث الذي قبله
(تابعه بشر عن ابن المبارك عن شعبة وتابعه ابن جريج عن عبدة عن شقيق سمعت عبد الله سمعت النبي
)
أي تابع محمد بن عرعرة بشر بن عبد الله المروزي شيخ البخاري عن عبد الله بن المبارك المروزي في رواية هذا الحديث عن شعبة وليس بشر وابن المبارك بمنفردين في هذه المتابعة فإن الإسماعيلي روى هذه المتابعة عن الفريابي حدثنا مزاحم بن سعيد حدثنا عبد الله بن المبارك حدثنا شعبة قوله ' وتابعه ابن جريج ' أي تابع محمد بن عرعرة عبد الملك بن
48

عبد العزيز بن جريج عن عبدة بسكون الباء الموحدة ابن أبي لبابة بضم اللام وباءين موحدتين مخففتين عن شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود وهذه المتابعة وصلها مسلم من طريق محمد بن بكر عن ابن جريج قال حدثني عهدة بن لبابة عن شقيق بن سلمة سمعت عبد الله بن مسعود فذكر الحديث إلى قوله بل هو نسي ولم يذكر ما بعده * -
3305 حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تقصيا من الإبل في عقلها.
مطابقته للترجمة في قوله: (تعاهدوا). وأخرجه عن محمد بن العلاء أبو كريب الهمداني الكوفي وهو شيخ مسلم أيضا عن أبي أسامة حماد بن أسامة عن بريد، بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة: ابن عبد الله عن أبي بردة، بضم الباء الموحدة: واسمه عامر بن أبي موسى الأشعري: والحاصل أن بريد بن عبد الله يروي عن جده أبي بردة: وهو يروي عن أبيه أبي موسى الأشعري، واسمه: عبد الله بن قيس. والحديث مضى في الصلاة.
قوله: (تعاهدوا) مثل: تعهدوا، ومعناه: واظبوا عليه بالحفظ والترداد. قوله: (في عقلها) بضم العين وضم القاف ويجوز تسكينها، جمع عقال وهو الحبل. وقد مر تفسيره عن قريب. وذكر الكلاماني في بعض النسخ: من عللها، يعني بلامين بدل: من عقلها. قيل: هو تصحيف. قلت: ربما يكون: من غللها بضم الغين المعجمة وباللامين جمع غل وهو القيد، وهذا له وجه بن علي
ما لا يخفي، ووقع هنا: (في عقلها). بكلمة: في يروي: من عقلها بكلمة: من قال القرطبي: من رواه من عقلها، فهو بن علي
الأصل الذي يقتضيه التعدي من لفظ التفصي، ومن رواه بكلمة: في يحتمل أن يكون بمعنى: من أو بمعنى الظرف. قلت: كلمة في تأتي بمعنى: من، كما في قول الشاعر:
* ألا عم صباحا أيها الطلل البالي
* وهل يعمن من كان في العصر الخالي
*
* وهل يعمن من كان أحدث عهده
* ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال
*
ويجوز أن يكون في ههنا بمعنى المصاحبة، يعني: مع عقلها، وتأتي: في، بمعنى مع كما، في قوله تعالى: * (ادخلوا في أمم) * (الأعراف: 83).
42
((باب القراءة على الدابة))
أي: هذا باب في بيان جواز القراءة للراكب بن علي
الدابة، وكأنه أراد بهذا الرد بن علي
من كره القراءة بن علي
الدابة، نقله ابن أبي داود عن بعض السلف، كيف يكره وأصل القراءة بن علي
الدابة موجود في القرآن؟ قال عز وجل: * (لتستووا بن علي
ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم استوتيم عليه) * (الزخرف: 31) الآية. وقال ابن بطال: القراءة بن علي
الدابة سنة موجودة، وأصل هذه السنة قوله تعالى: * (لتستووا) * (الزخرف: 31) الآية.
4305 حدثنا حجاج بن منهال حدثنا شعبة قال: أخبرني أبو إياس قال: سمعت عبد الله بن مغفل قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم فتح مكة وهو يقرأ على راحلته سورة الفتح.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو إياس، بكسر الهمزة: معاوية بن قرة المزني البصري، وعبد الله بن مغفل، بفتح الغين المعجمة وتشديد الفاء: المزني.
والحديث قد مر في المغازي عن أبي الوليد، وفي التفسير عن مسلم بن إبراهيم، ويجيء في التوحيد عن أحمد بن أبي شريح الرازي. وأخرجه بقية الجماعة غير ابن ماجة.
52
((باب تعليم الصبيان القرآن))
أي: هذا باب في بيان جواز تعليم الصبيان القرآن، وكأنه أشار بذلك إلى الرد بن علي
من كره ذلك، وقد جاءت كراهية ذلك عن سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي، رواه ابن أبي داود عنهما، فلفظ سعيد بن جبير: كانوا يحبون أن يكون يقرأ الصبي بعد حين، معناه: أن يترك الصبي أولا مرفها ثم يؤخذ بالجد بن علي
التدريج، ولفظ إبراهيم: كانوا يكرهون أن يعلم الغلام القرآن حتى يعقل.
49

5305 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال: إن الذي تدعونه المفضل هو المحكم، قال: وقال ابن عباس، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم.
مطابقته للترجمة من حيث إن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، قرأ المحكم من القرآن وعمره عشر سنين، ويطلق عليه الغلام، كما ذكرناه عن قريب.
وأخرجه عن موسى بن إسماعيل المنقري الذي يقال له التبوذكي عن أبي عوانة، بفتح العين المهملة الوضاح ابن عبد الله اليشكري الواسطي عن أبي بشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: جعفر بن أبي وحشية إياس اليشكري الواسطي إلى آخره.
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن يعقوب بن إبراهيم عن هشيم.
قوله: (قرأ المحكم) وهو الذي لا نسخ فيه، ويطلق المحكم بن علي
ضد المتشابه في اصطلاح أهل الأصول، وهذا سعيد بن جبير فسر المفصل بالمحكم، وغيره فسره بأنه من الحجرات إلى آخر القرآن بن علي
الصحيح، وسمي بالفصل للسور التي كثرت فصولها فيه. قوله: (وأنا ابن عشر سنين)، وقد اختلف فيه، ففي رواية البخاري في الصلاة من وجه آخر: أنه كان في حجة الوداع قد ناهز الاحتلام، وفي رواية أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عنه: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ختين وكانوا لا يخنتون الغلام حتى يدرك، وفي لفظ: (وأنا ابن خمس عشرة سنة). وقال ابن حبان: وهو ابن أربع عشرة سنة، وقال عمرو بن بن علي
: الصحيح عندنا أنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد استوفي ثلاث عشرة ودخل في أربع عشرة، وقد استشكل عياض قول ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين، وقال الإسماعيلي: هذا يخالف الذي مضى في الصلاة، وبالغ الداودي في هذا فقال: حديث أبي بشر الذي في هذا الباب وهم وأجاب عياض بأنه يحتمل أن يكون قوله: أونا ابن عشر سنين، راجعا إلى حفظ القرآن لا إلى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون تقدير الكلام توفي النبي صلى الله عليه وسلم وقد جمعت المحكم وأنا ابن عشر سنين، ففيه تقديم وتأخير. انتهى. قلت: الجملتان: أعني قوله: (وأنا ابن عشر سنين)، وقوله: (وقد قرأت المحكم) وقعتا حالين والحال قيد فكيف يقال فيه تقديم وتأخيره؟ وقال بعضهم: ويمكن الجمع بين مختلف الروايات بأن كون ناهز الاحتلام لما قارب ثلاث عشرة ثم بلغ لما استكملها ودخل في التي بعدها، وإطلاق خمس عشرة بالنظر إلى جبر الكسر، وإطلاق العشر بالنظر إلى إلغاء الكسر انتهى. قلت: لا كسر هنا حتى يجبر أو يلغى لأن الكسر بن علي
نوعين: أصم وهو الذي لا يمكن أن ينطق به إلا بالجزئية كجزء من أحد عشر وجزء من تسعة وعشرين، ومنطق وهو بن علي
أربعة أقسام: مفرد وهو من النصف إلى العشر وهي الكسور التسعة، ومكرر كثلاثة أسباع وثمانية أتساع، ومركب وهو الذي يذكر بالواو العاطفة: كنصف وثلث وكربع وتسع، وضاف كنصف عشر وثلث سبع وثمن تسع، وقد يتركب من المنطق والأصم: كنصف جزء من أحد عشر، والظاهر أنه الصواب مع الداودي، والله أعلم.
6305 حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، رضي الله عنهما: جمعت المحكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: وما المحكم؟ قال: المفصل.
هذا طريق آخر في الحديث المذكور.
قوله: (حدثني) ويروي: حدثنا، بصيغة الجمع، وهشيم مصغر هشم بن بشير وقد تكرر وذكره وقال بعضهم: فاعل. قلت: أبو بشر، له أي لسعيد بن جبير، واحتج في ذلك بأن تفسير المحكم والمفصل من كلام سعيد بن جبير. قلت: هذا تصرف واه لأن قوله: (فقلت) عطف بن علي
كلام ابن عباس، عطف سعيد بن جبير كلامه بن علي
كلام ابن عباس بعد ما سأله، وأيضا لا يستلزم كون تفسير ابن جبير المفصل والمحكم هناك أن يكون هنا أيضا منه.
62
((باب نسيان القرآن، وهل يقول: نسيت آية كذا وكذا))
أي: هذا باب في بيان نسيان القرآن بسبب تعاطي أسبابه المقتضية لذلك. قوله: (وهل يقول) إلى آخره، صورة الاستفهام
50

الإنكاري لكن ليس الإنكار عن الإتيان بقوله: نسيت آية كذا وكذا، بن علي
ما لا يجيء الآن، ولكن الإنكار بن علي
ارتكاب أسبابه الداعية إلى ذلك.
وقول الله تعالى سنقرئك فلا تنسى) * (الأعلى: 6 7)
وقول الله عطف علي قوله: نسيان القرآن، أي: وفي قول الله، عز وجل: * (سنقرئك) * (الأعلى: 6) من الإقراء، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجل بالقراء إذا لقيه جبريل، عليه الصلاة والسلام، فقيل: لا تعجل لأن جبريل مأمور بأن يقرأه عليك قراءة مكررة إلى أن تحفظه فلا تنساه إلا ما شاء الله لم يذكر بعد النسيان، وكلمة: لا، للنفي، وكأن البخاري صار إليه وأن الله أقرأه إياه وأخبره أنه لا ينساه، وقيل: لا للنهي وزيدت الألف الفاصلة، كقولك: السبيلا، يعني: فلا تترك قراءته وتكريره فتنساه إلا ما شاء الله أن ينسكه يرفع تلاوته للمصلحة، وقال الفراء: الاستثناء للتبرك وليس هناك شيء استثنى، وعن الحسن وقتادة * (إلا ما شاء الله) * (الأعلى: 7) أي: قضى أن ترفع تلاوته، وعن ابن عباس: إلا ما أراد الله أن ينسيكه لتنس. وقيل: معناه لا تترك العمل به إلا ما أراد الله أن ينسخه فتترك العمل به. والله أعلم.
7305 حدثنا ربيع بن يحيى حدثنا زائدة حدثنا هشام عن عروة عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: سمع النبي صلى الله عليه وسلم، رجلا يقرأ في المسجد، فقال: يرحمه الله! لقد أذكرني كذا وكذا آية من سورة كذا.
.
مطابقته للترجمة من حيث إن معناه أنه صلى الله عليه وسلم نسي كذا وكذا آية ثم تذكرها. وقال ابن التين: وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان ينسى القرآن ثم يتذكره.
وربيع ضد الخريف ابن يحيى أبو الفصل، مر في: باب من أحب العتاق في الكسوف، وزائدة من الزيادة ابن قدامة بضم القاف وتخفيف الدال، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عن عائشة.
والحديث من إفراده.
قوله: (رجلا) أي: صوت رجل. قوله: (أذكرني) إلى آخره ولم يبين فيه تعيين الآيات المذكورة ولا عددها.
واستنبط بعضهم من هذا مسألة فقهية إنها كانت إحدى وعشرين آية، وهي أن رجلا لو قال، لفلان علي كذا وكذا درهما يلزمه أحد وعشرون درهما لأنه فصل بين كذا وكذا بحرف العطف، وأقل ذلك من العدد المفسر أحد وعشرون، حتى قال: كذا كذا درهما بغير حرف العطف يلزمه أحد عشر درهما، لأن أقل ذلك من العدد المفسر أحد عشر، لأنه ذكر عددين مبهمين. وعند الشافعي: يلزمه درهم. وله صورة كثيرة موضعها الفروع. فإن قلت: كيف جاز النسيان بن علي
النبي صلى الله عليه وسلم؟ قلت: الإنساء ليس باختياره، وقال الجمهور: جاز النسيان عليه فيما ليس طريقه البلاغ والتعليم بشرط أن لا يقرأ عليه، بل لا بد أن يذكره، وأما غيره فلا يجوز قبل التبليغ، وأما نسيان ما بلغه كما في هذا الحديث فهو جائز بلا خلاف.
حدثنا محمد بن عبيد بن ميمون حدثنا عيسى عن هشام، وقال: أسقطتهن من سورة كذا.
أشار بذلك إلى أن هشاما زاد في هذه الرواية لفظ: (اسقطتهن من سورة كذا) وأخرجه عن محمد بن عبيد بن ميمون عن عيسى بن يونس بن أبي إسحاق. قوله: (اسقطتهن)، أي: بالنسيان، وقد تقدم في الشهادات بعين هذا الإسناد، أعني: عن محمد بن عبيد بن ميمون عن عيسى بن يونس عن هشام عن أبيه عن عائشة، قالت: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في المسجد، فقال: رحمه الله! لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتهن من سورة كذا وكذا.
تابعه علي بن مسهر وعبدة عن هشام
أي: تابع محمد بن عبيد علي بن مسهر، بضم الميم بن علي
صيغة اسم الفاعل من الإسهار. قوله: (وعبدة)، عطف عليه أي: وتابعه أيضا عبدة بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة: ابن سليمان، وهكذا وقع في رواية
الأكثرين بعطف عبدة بن علي
سليمان، ووقع لأبي ذر عن الكشميهني: تابعه علي بن مسهر عن عبدة. قيل: هذا غلط فإن عبدة هنا رفيق علي بن مسهر لا شيخه، وقد أخرج البخاري طريق علي بن مسهر في آخر الباب الذي يلي هذا بلفظ: أسقطتها، وأخرج طريق عبدة في الدعوات مثل لفظ علي بن مسهر سواء.
51

9305 حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: بئس ما لأحدهم يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نسي.
(انظر الحديث 2305)
[/ ح.
قد مر هذا الحديث في: باب استذكار القرآن، فإنه أخرجه هناك عن محمد بن عرعرة عن شعبة عن منصور إلى آخره، وهنا عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن سفيان بن عيينة عن منصور بن المعتمر عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود، ومر الكلام فيه هناك.
72
((باب: من لم ير بأساأن يقول: سورة البقرة، وسورة كذا وكذا))
أي: هذا باب في بيان من لم ير بأسا: إلخ فكأنه أراد بهذه الترجمة الرد بن علي
من قال: لا يقال: سورة البقرة، ولا يقال: إلا السورة التي تذكر فيها البقرة، ونحو ذلك.
0405 حدثنا عمر بن حفض حدثنا أبي الأعمش قال: حدثني إبراهيم عن علقمة وعبد الرحمان بن يزيد عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: الآيتان من آخر سورة البقرة، من قرأ بهما ليلة كقتاه.
.
مر هذا الحديث عن قريب في فضل سورة البقرة فإنه أخرجه هناك من طريقين: أحدهما: عن محمد بن كثير. والآخر: عن أبي نعيم وأخرجه هنا عن عمر بن حفص عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس وعبد الرحمن بن يزيد عن أبي مسعود عقبة بن عمرو والبدري. ومر كلام فيه هناك.
1405 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير عن حديث المسور بن مخرمة وعبد الرحمان بن عبد القاري أنهما سمعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكذبت أساوره في الصلاة، فانتظرته حتى سلم فلببته فقلت: من أقرأك هاذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت له: كذبت، فوالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهو أقرأني هذه السورة التي سمعتك، فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوده، فقلت: يا رسول الله! إني سمعت هاذا يقرأ سورة الفرقان على حروف
52

لم تقر رئنيها وإنك أقرأتني سورة الفرقان. فقال: يا هشام اقرأها، فقرأها القراءة التي، سمعته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هاكذا أنزلت، ثم قال: اقرأ يا عمر، فقرأتها التي أقرأنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هاكذا أنزلت: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه.
.
مطابقته للترجمة في قوله: سورة الفرقان والحديث قد مر في باب أنزل القرآن بن علي
سبعة أحرف، فإنه أخرجه هناك عن سعيد بن عفير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير إلى آخره. وأخرجه هنا عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن مسلم الزهري إلى آخره، وقد مر الكلام فيه هناك ولا نعيده لقرب المسافة.
2405 حدثنا بشر بن آدم أخبرنا علي بن مسهر أخبرنا هشام عن أبيه عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: سمع النبي صلى الله عليه وسلم قارئا يقرأ من الليل فيالمسجد، فقال: يرحمه الله! لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتها من سورة كذا وكذا.
.
هذا أيضا مضى عن قريب في: باب نسيان القرآن أخرجه هناك من طرق، ومر الكلام فيه هناك.
82
((باب الترتيل في القراءة))
أي: هذا باب في بيان الترتيل في قراءة القرآن، وهو تبيين حروفها والتأني في أدائها لتكون أدعى إلى فهم معانيها. وقيل: الترتيل تبيين الحروف وإشباع الحركات.
وقوله تعالى * ((73) ورتل القرآن ترتيلا) * (المزمل: 4)
وقوله تعالى، بالجر عطف بن علي
الترتيل في القرآن، ومعنى: رتل القرآن أقرأه قراءة بينه، قاله الحسن، وعن مجاهد: بعضه بن علي
أثر بعض بن علي
تؤدة بينة بيانا، وعن قتادة: تثبت فيه تثبيتا، وقيل: فصله تفصيلا ولا تعجل في قراءته، وهو من قول العرب: ثغر رتل، إذا كان مفلجا.
وقوله * ((17) وقرآنا فرقناه لتقرأه بن علي
الناس بن علي
مكث) * (الإسراء: 601)
وقوله، هذا عطف بن علي
قوله الأول. قوله: (وقرآنا فرقناه)، يعني: نزلناه نجوما لا جملة واحدة بخلاف الكتب المتقدمة، يدل عليه قوله: * (لتقرأه بن علي
الناس بن علي
مكث) * (الإسراء: 601).
وما يكره أن يهذ كهذ الشعر
هذا عطف بن علي
قوله باب الترتيل. وقد ذكرنا أن التقدير: باب في بيان الترتيل. وكذلك التقدير هنا، أي: في بيان ما يكره أن يهذر، كلمة: ما، مصدرية وكذلك كلمة: أن، والتقدير: أي وفي بيان كراهة الهذ كهذ الشعر، والهذ بالذال المعجمة المشددة: سرعة القطع والمرور فيه من غير تأمل للمعنى، كما ينشد الشعر وتعد أبياته وقوافيه، وقال النووي: هو الإفراط في العجلة في حفظه ورواياته لا فيإنشاده وترنمه لأنه يزيد في الإنشاد والترنم في العادة.
فيها يفرق: يفصل
أشار به إلى قوله تعالى: * (فيها يفرق كا أمر حكيم) * (الدخان: 4) وفسر: (يفرق)، بقوله: (وكذا فسره أبو عبيدة).
وقال ابن عباس: فرقناه: فصلناه
أي: قال ابن عباس في قوله تعالى: * (وقرآنا فرقناه) * (الإسراء: 601) أن معناه: فصلناه، وهذا التعليق رواه ابن المنذر عن علي بن المبارك: حدثنا زيد حدثنا ابن ثور عن ابن جريج عن عطاء عنه. وأخرجه ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عنه.
3405 حدثنا أبو النعمان حدثنا مهدي بن ميمون حدثنا واصل عن أبي وائل عن عبد الله، قال: غدونا على عبد الله، فقار رجل: قرأت المفصل البارحة، فقال: هذا كهذ الشعر؟ إنا قد سمعنا القراءة وإني
53

لأحفظ القرناء التي كان يقرأ بهن النبي صلى الله عليه وسلم ثماني عشرة سورة من المفصل وسورتين من آل حم.
مطابقته لقوله في الترجمة: وما يكره أن يهذ كهذ الشعر. وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي، وواصل بن حبان الأحدب الأسدي الكوفي، وأبو وائل شقيق بن سلمة.
والحديث مر في الصلاة في: باب الجمع بين السورتين في الركعة فإنه أخرجه هناك عن آدم عن شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي وائل، ومر الكلام فيه. قوله: (بن علي
عبد الله) أي: ابن مسعود قوله: (فقال رجل) هو نهيك بن سنان كما أخرجه مسلم من طريق منصور عن أبي وائل في هذا الحديث. قوله: (هذا) نصب بن علي
المصدر أي: هذذت هذا. قوله: (إنا قد سمعنا القراءة) قال الكرماني: القراءة بلفظ المصدر، ويروي القراءة جمع القارئ. قوله: (لأحفظ القرناء) أي: النظائر في الطول والقصر. قوله: (ثماني عشرة) إلى آخره، وقد تقدم في: باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه عشرون سورة، وعد ثمة: حم من المفصل، وههنا قد أخرجه منه وأجيب بأن مراده ثمة أن معظم العشرين منه. قوله: (من آل حم) أي: السور التي أولها حم، كقولك: فلان من آل فلان، قاله النووي. وقال غيره المراد حم نفسها، يعني لفظ: آل، مقحمة كقولك: آل داود، يريد داود نفسه. وقال الكرماني: لولا أنه في الكتابة منفصل لحسن أن يقال: إنه الألف واللام التي لتعريف الجنس، يعني: وسورتين من جنس الحواميم، وقال الداودي: قوله: (من آل حم) من كلام أبي وائل وإلا كان أول المفصل عند ابن مسعود من أول الجاثية، قيل: إنما يرد لو كان ترتيب مصحف ابن مسعود كترتيب المصحف العثماني، والأمر بخلاف ذلك، فإن ترتيب السور في مصحف ابن مسعود يغاير الترتيب في المصحف العثماني، فلعل هذا منها، ويكون أول المفصل عنده الجاثية، والدخان متأخرة في ترتيبه عن الجاثية.
4405 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن موسى بن أبي عائشة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، رضي الله عنهما، في قوله: * ((75) لا تحرك به لسانك لتعجل به) * (القيامة: 61) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه جبريل بالوحي وكان مما يحرك به لسانه وشفتيه فيشت، عليه، وكان يعرف منه، فأنزل الله الآية التي في لا أقسم بيوم القيامة) * (القيامة: 1) لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرءانه * فإذا قرأناه فاتبع قرءانه) * (القيامة: 61 81
) فإذا أنزلناه فاستمع ثم إن علينا بيانه) * (القيامة: 91) قال: إن علينا أن نبينه بلسانك قال: وكان إذا أتاه جبريل أطرق، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله.
.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: * (لا تحرك به لسانك لتعجل به) * (القيامة: 51) لأنه يقتضي استحباب التأني فيه ومنه يحصل الترتيل. وجرير هو ابن عبد الحميد، وموسى ابن أبي عائشة أبو بكر الهمداني. والحديث قد مر في تفسير سورة القيامة فإنه أخرجه هناك بطرق كثيرة. ومضى الكلام فيه هناك.
92
((باب مد القراءة))
أي: هذا باب في بيان مد القراءة، والمد هو إشباع الحرف الذي بعده ألف أو واو أو ياء.
5405 حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا جرير بن حازم الأزدي حدثنا قتادة قال: سألت أنس بن مالك عنقراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كان يمد مدا.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وجرير بالجيم ابن حازم بالحاء المهملة والزاي الأزدي بالزاي والدال المهملة أبو النضر البصري.
والحديث أخرجه أبو داود في الصلاة عن مسلم بن إبراهيم. وأخرجه الترمذي في الشمائل عن بندار وأخرجه النسائي في الصلاة عن عمرو بن علي. وأخرجه ابن ماجة فيه عن محمد بن المثنى.
قوله: (كان يمد) أي: يمد الحرف الذي يستحق المد قوله: (مدان نصب) بن علي
المصدرية.
54

6405 حدثنا عمرو بن عاصم حدثنا همام عن قتادة. قال: سئل أنس: كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كانت مدا ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم. يمد ببسم الله ويمد بالرحمان ويمد بالرحيم.
(انظر الحديث 5405).
هذا طريق آخر أخرجه عن عمرو بالفتح ابن عاصم بن عبيد الله القيسي البصري. وهمام هو ابن يحيى.
قوله: (كانت مدا) أي: كانت قراءته مدا أي: ذات، مد ووقع عنه أبي نعيم من طريق أبي النعمان عن جرير بن حازم: كان يمد صوته، وفي رواية أبي داود: كان يمد قراءته قوله: (يمد ببسم الله) كذا وقع بباء موحدة قبل الموحدة التي في: بسم الله، كأنه حكى في: بسم الله، كما حكي لفظ: الرحمن في قوله: (ويمد بالرحمن) ووقع عند أبي نعيم من طريق الحسن الحلواني عن عمرو بن عاصم شيخ البخاري فيه: يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم، من غير باء موحدة في الثلاثة، ويقال: إنما أدخل الباء في الباء إما لأنه ذكر اسم الله بن علي
سبيل الحكاية، وإما لأنه جعله كالكلمة الواحدة علما لذلك، والمد إنما يكون في الواو والألف والياء، ومد الرحمن والرحيم ليس كمد غيرهما لأنه ليس في البسملة همزة توجب المد في حروف المد واللين، وللقراءة في موضع المد في مقداره وجوهات بينت في موضعها.
03
((باب الترجيع))
أي: هذا باب في بيان الترجيع: هو تقارب ضروب الحركات في القراءة، وأصله الترديد، وترجيع الصوت تريده في الحلق كقراءة أصحاب الألحان: وقال ابن الأثير: الترجيع ترديد القراءة، ومنه ترجيع الأذان.
7405 حدثنا آدم بن أبي إياس حدثنا شعبة حدثنا أبو إياس، قال: سمعت عبد الله بن مغفل قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، يقرأ وهو على ناقته أو جمله وهي تسير به وهو يقرأ سورة الفتح أو من سورة الفتح قراءة لينة يقرأ وهو يرجع.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو إياس، بكسر الهمزة وتخفيف الياء آخر الحروف وبالمهملة: واسمه معاوية بن قرة، بضم القاف وتشديد الراء: البصري، وعبد الله بن مغفل، بضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الفاء المفتوحة.
والحديث مضى في المغازي عن أبي الوليد وفي التفسير عن مسلم بن إبراهيم، وفي فضائل القرآن وعن حجاج بن منهال، وقد مر الكلام فيه، والواوات في: (وهو يقرأ) في الموضعين (وهي تسير) كلها للحال.
قوله: (أو جمله)، شك من الراوي. وكذلك قوله: (أو من سورة الفتح) وقالوا: ترجيع النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل أمرين: أحدهما: أنه حصل من هز الناقة والآخر: أنه أشبع المد في موضعه فحدف ذلك، وقيل: الترجيع تحسين التلاوة لا ترجيع الغناء، لأن القراءة بترجيع الغناء ينافي الخشوع الذي هو المقصود من التلاوة.
13
((باب حسن الصوت بالقراءة))
أي: هذا باب في بيان مطلوبية حسن الصوت بالقراة ء، وفي رواية أبي ذر: باب حسن الصوت بالقراءة للقرآن، وقيل: الإجماع بن علي
استحباب سماع القرآن من ذي الصوت الحسن: وأخرج ابن أبي داود من طريق أبي مسجعة، قال: كان عمر، رضي الله تعالى عنه، يقدم الشاب الحسن الصوت لحسن صوته بين يدي القوم.
8405 حدثنا محمد بن خلف أبو بكر حدثنا أبو يحيى الحماني حدثنا بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن أبي موسى، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا أبا موسى! لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود.
55

مطابقته للترجمة من حيث إن راوي الحديث، وهو أبو موسى الأشعري، كان حسن الصوت جدا. ولهذا قال له صلى الله عليه وسلم: لقد أوتيت مزمارا أي: صوتا حسنا، وأصله الآلة أطلق اسمها بن علي
الصوت الحسن للمشابهة بينهما.
ومحمد بن خلف أبو بكر المقري البغدادي الحدادي، بالمهملات وفتح أوله وتشديد الدال الأولى، من صغار شيوخ البخاري، وعاش بعد البخاري خمس سنين وليس له ولا لشيخه في البخاري إلا في هذا الموضع، وأبو يحيى اسمه عبد الحميد بن عبد الرحمن الملقب ببشمين، بفتح الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة وكسر المم وبالنون بعد الياء آخر الحروف. فارسي معناه: الصوفي، الحماني، بكسر الحاء المهملة وتشديد الميم وبالنون: نسبة إلى حمان قبيلة من تميم، الكوفي أصله من خوارزم، مات سنة ثنتين ومائتين، وبريد، بضم الباء الموحدة وفتح الراء ابن عبد الله بن أبي بردة، بضم الباء الموحدة وسكون الراء: واسمه عامر، يروي بريد المذكور عن جده عن أبي موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس، ويروي أبو يحيى الحماني: سمعت بريد بن عبد الله بدل حدثنا بريد بن عبد الله.
والحديث أخرجه الترمذي عن موسى بن عبد الرحمن الكندي.
قوله: (مزمارا)، بكسر الميم، قد مر تفسيره الآن قوله: (آل داود)، لفظه آل مقحمة والمراد نفس داود، عليه الصلاة والسلام لأنه لم يذكر أن أحدا من آل داود قد أعطي من حسن الصوت ما أعطي داود، عليه الصلاة والسلام.
23
((باب من أحب أن يسمع القرآن من غيره))
أي: هذا باب في بيان من أحب أن يسمع القرآن من غيره، وفي رواية الكشميهني: القراءة.
9405 حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي عن الأعمش قال: حدثني إبراهيم عن عبيدة عن عبده الله، رضي الله عنه، قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: اقرأ علي القرآن. قلت: اقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري.
.
مطابقته للترجمة من حيث إنه صلى الله عليه وسلم أحب أن يسمع القرآن من غيره ليكون عرض القرآن سنة، ويحتمل أن يكون لأجل تدبره وزيادة تفهمه، لأن المستمع أقوى بن علي
ذلك وأنشط من القارئ لاشتغاله بالقراءة، بخلاف قراءته صلى الله عليه وسلم بن علي
أبي بن كعب، فإنه كان لإرادة تعليمه كيفية أداء القراءة ومخارج الحروف ونحو ذلك، وهذا أخرجه مختصرا، والذييأتي عقيبه بأتم منه، ونذكر رجاله فيه لأنهما حديث واحد.
33
((باب قول المقرىء للقارىء: حسبك))
أي: هذا باب في بيان قول المقرئ وهو الذي يقرئ غيره للقارئ الذي يقرأ: حسبك أي: يكفيك.
0505 حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله ابن مسعود قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: اقرأ علي. قلت: يا رسول الله! اقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: نعم فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هاذه الآية فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هاؤلا
1764; ء شهيدا) * (النساء: 14) قال: حسبك الآن، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان.
.
مطابقته للترجمة في قوله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود: (حسبك) وسفيان بن عيينة، وسليمان، وإبراهيم النخعي، وعبيدة، بفتح العين وكسر الباء الموحدة: السلماني، وعبد الله هو ابن مسعود.
والحديث مر في تفسير سورة النساء، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (تذرفان) بالذال المعجمة وكسر الراء وبالفاء أي: تسيلان دمعا، من ذرفت العين تذرف إذا سال دمعها. فإن قلت: ما وجه قوله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود: (حسبك) عند وصوله إلى الآية المذكورة؟ قلت: تنبيها بن علي
الموعظة والاعتبار في هذه الآية، ولهذا
56

بكى وبكاؤه إشارة منه إلى معنى الوعظ لأنه تمثل لنفسه أهوال يوم القيامة وشدة الحال الداعية له إلى شهادته لأمته بتصديقه والإيمان به وسؤاله الشفاعة لهم ليربحهم من طول الموقف وأهواله، وهذا أمر يحق له طول البكاء والحزن.
43
((باب في كم يقرأ القرآن))
أي: هذا باب في بيان كم من مدة من الوقت يقرأ القارئ القرآن فيها ولم يبين فيه المدة لأنه لم يرد فيه شيء من الحد العين، ولكنه يريد بذلك الرد بن علي
من قال: أقل ما يجزئ من القراءة في كل يوم وليلة جزء من أربعين جزءا من القرآن، حكي ذلك عن إسحاق بن راهويه والحنابلة.
وقول الله تعالى * ((73) فاقرءوا ما تيسر منه) * (المزمل: 02)
أورد هذا في معرض الاستدلال بن علي
عدم التحديد في كمية القراءة لأنه عام يشمل الجزء من القرآن وأقل منه وأكثر منه بن علي
حسب التيسير، فلا يقتضي جزءا معينا، ولا محدودا، ولا وقتا محدودا ولا معينا، وما ورد فيه من الأحاديث والأخبار لا يدل بن علي
تنصيص الكمية في القدر والوقت، فافهم.
1505 حدثنا علي حدثنا سفيان قال لي ابن شبرمة: نظرت كم يكفي الرجل من القرآن فلم أجد سورة أقل من ثلاث آيات، فقلت: لا ينبغي لأحد أن يقرأ أقل من ثلاث آيات.
.
مطابقته للترجمة من حيث إنه إشارة إلى الكمية بثلاث آيات، ولكنه ليس بتحديد بحسب الوجوب لا بحسب السنة.
وعلي هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة وابن شبرمة، بضم الشين المعجمة وسكون الباء الموحدة وضم الراء وفتح الميم: هو عبد الله بن شبرمة بن الطفيل الضبي أبو شبرمة الكوفي القاضي ففيه أهل الكوفة، عداده في التابعين، روي عن أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه، وكان عفيفا صارما عاقلا فقيها يشبه النساك ثقة في الحديث، شاعرا حسن الخلق جوادا وكان قاضيا لأبي جعفر بن علي
سواد الكوفة وضياعها، مات سنة أربع وأربعين ومائة استشهد به البخاري في الصحيح وروي له في الأدب وروي له الباقون سوى الترمذي.
قوله: (كم يكفي الرجل من القرآن) قال بعضهم: أي في الصلاة. قلت: ليس كذلك، بل مراده: كم يكفيه في اليوم والليلة من قراءة القرآن مطلقا.
قال علي: حدثنا سفيان أخبرنا منصور عن إبراهيم عن عبد الرحمان بن يزيد أخبره علقمة عن أبي مسعود: ولقيته وهو يطوف بالبيت فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن من قرأ بالآيتين من إخر سورة البقرة في ليلة كفتاه
أي: قال علي بن المديني، وهذا موصول من تتمة الخبر المذكور. قوله: (حدثنا) أي: سفيان أخبرنا منصور بن المعمر عن إبراهيم النخعي عن عبد الرحمن بن يزيد عن علقمة بن قيس عن أبي مسعود عقبة بن عامر البدري، ومطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (من قرأ الآيتين) من حيث إنه يدل بن علي
الاكتفاء بالآيتين، بخلاف ما قال ابن شبرمة: بثلاث. وعبد الرحمن بن يزيد روي هنا عن علقمة عن أبي مسعود وروي في: باب فضل سورة البقرة، وفي: باب من لم ير بأسا أن يقول: سورة البقرة، عن أبي مسعود، وذلك لأنه تارة يروي بواسطة وتارة بلا بواسطة، وكلاهما صحيح، والكلام في الحديث مر في فضل سورة البقرة.
2505 حدثنا موسى حدثنا أبو عوانة عن مغيرة عن مجاهد عن عبد الله بن عمر وقال: أنكحني أبي امرأة ذات حسب فكان يتعاهد كنته فيسألها عن بعلها، فتقول: نعم الرجل من رجل، لم يطأ لنا فراشا ولم يفدش لنا كنفا مذ أتيناه، فلما طال ذالك عليه ذكر للنبي صلى الله عليه
57

وسلم، فقال: القيني به، فليقيته بعد، فقال: كيف تصوم؟ قال: كل يوم. قال: وكيف تختم؟ قال: كل ليلة، قال صم في كل شهر ثلاثة، واقرإ القرآن في كل شهر. قال: قلت: أطيق أكثر من ذلك. قال: صم ثلاثة أيام في الجمعة. قال: قلت: أطيق أكثر من ذالك. قال: أفطر يومين وصم يوما، قال: قلت أطيق أكثر من ذالكقال: صم أفضل الصوم صوم داود: صيام يوم وإفطار يوم، واقرأ في كل سبع ليال مرة، فليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذاك أني كبرت وضعفت، فكان يقرأ على بعض أهله السبع من القرآن بالنهار والذي يقرؤه يعرضه من النهار ليكون أخف عليه بالليل، وإذا أراد أن يتقوى أفطر أياما وأحصي، وصام مثلهن كراهية أن يترك شيئا، فارق النبي صلى الله عليه وسلم عليه.
قال أبو عبد الله: وقال بعضهم: في ثلاث وفي خمس، وأكثرهم على سبع.
.
مطابقته للترجمة في قوله: (كيف تختم؟ قال: كل ليلة). وموسى هو ابن إسماعيل المنقري التبوذكي، وأبو عوانة، بفتح العين المهملة: الوضاح بن عبد الله اليشكري، ومغيرة هو ابن مقسم، بكسر الميم: الكوفي.
والحديث أخرجه النسائي في فضائل القرآن عن محمد بن بشر به وفي الصوم عن محمد بن معمر وغيره.
قوله: (أنكحني أبي) أي: زوجني، وهو محمول بن علي
أنه كان المشير عليه بذلك، وإلا فعبد الله بن عمرو وكان رجلا كاملا، أو كان محتملا عنه بالصداق، أو زوجه بالفضول فأجازه. قوله: (امرأة ذات حسب) أي: ذات شرف بالآباء، وجاء في رواية أحمد: امرأة من قريش، وهي أم محمد بنت محمية، بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الميم وفتح الياء آخر الحروف الخفيفة: ابن جزء الزبيدي حليف قريش. قوله: (فكان يتعاهد) أي: فكان أبي وهو عمرو بن العاص يتعاهد أي: يتفقد. قوله: (كنته) بفتح الكاف وتشديد النون، وهي امرأة ابنه. قوله: (عن بعلها) أي: عن زوجها وهو عبد الله. قوله: (فتقول) أي الكنة تقول في جواب عمرو حين يسألها عنه. قوله: (نعم الرجل من رجل) قال الكرماني: المخصوص بالمدح محذوف، ثم قال: يحتمل أن يكون معناه: نعم الرجل من بين الرجال، والنكرة في الإثبات قد تفيد التعميم، كما قال الزمخشري في قوله تعالى: * (علمت نفس ما أحضرت) * (التكوير: 41) أو أن يكون من باب التجريد كأنها جردت من رجل موصوف بكذا وكذا رجلا، فقالت: نعم الرجل المجرد من كذا فلان، وقال المالكي في الشواهد: تضمن هذا الحديث وقوع التمييز بعد فاعل نعم ظاهرا، وسيبويه لا يجوز أن يقع التمييز بعد فاعله إلا إذا اضمر الفاعل، وأجازه المبرد وهو الصحيح. قوله: (لم يطأ لنا فراشا) أي: لم يضاجعنا حتى يطأ فراشنا. قوله: (ولم يفتش لنا)، بفاه مفتوحة وتاء مثناة من فوق مشددة: كذا في رواية الأكثرين، وكذا في رواية أحمد والنسائي، وفي رواية الكشمهيني: ولم يغش، بغين معجمة ساكنة بعدها شين معجمة. قوله: (كنفا) بفتح الكاف والنون بعدها فاء وهو الستر والجانب، وأرادت بذلك الكناية عن عدم جماعة لها، وقال الكرماني: والكنف الساتر والوعاء أو بمعنى الكنيف. فإن قلت: ما المقصود من الجملتين؟ قلت: تعني لم يضاجعنا حتى يطأ فراشا، ولم يطعم عندنا حتى يحتاج أن يفتش عن موضع قضاء الحاجة، انتهى. وقال بعضهم: الأول أولى. قلت: لم يبين وجه الأولوية ولم يكن قصده إلا غمزة في حقه. قلت: حاصل الكلام هنا أن هذه المرأة شكرت عبد الله أولا بأنه قوام بالليل صوام بالنهار، ثم شكت من حيث إنه لم يضاجعها ولم يطعم شيئا عندها، فحط عليه أبوه عمر، ويؤيد ذلك ما جاء في رواية هشيم: فأقبل علي يلومني، فقال: أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب فعضلتها وفعلت، ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكاني. قوله: (فلما طال ذلك عليه) أي: بن علي
عمرو، ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (فقال القني به) أي: فقال النبي صلى الله عليه وسلم، لعمرو بن العاص: القني به أي: بعبد الله، والقني مشتق من اللقاء. والمعنى: اجتمعا عندي. قوله: (فلقيته بعد) أي: لقيت عبد الله، قائله النبي صلى الله عليه وسلم. وقال صاحب التوضيح: اختلف الرواة كيف كان لقي النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل: إنه صلى الله عليه وسلم أتاه، وقيل: لقيته اتفاقا، فقال له: اجتمع بي. قوله: (بعد) مبني بن علي
الضم لانقطاعه عن الإضافة أي: بعد ذلك. قوله: (فقال) أي: النبي صلى الله عليه وسلم:
58

(كيف تصوم). وقد مضى في كتاب الصوم ما يتعلق به قوله: (أطيق أكثر من ذلك) وليس فيه مخالفة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم لأنه علم أن مراده تسهيل الأمر وتخفيفه عليه، وليس الأمر للإيجاب. قوله: (صم ثلاثة أيام في الجمعة قال: أطيق أكثر من ذلك) أي: من ثلاثة أيام قوله: (قال: صم يوما) أي: قال له النبي صلى الله عليه وسلم: صم يوما وأفطر يومين. قلت: أطيق أكثر من ذلك، وقال الداودي: هذا وهم من الراوي لأن ثلاثة أيام من الجمعة أكثر من فطر يومين وصيام يوم؛ وكذا قاله عبد الملك، وقال الداودي: إلا أن يريد ثلاثة من قوله: (أفطر يوما وصم يوما) وهذا خروج عن الظاهر. قوله: (صيام يوم) ويجوز فيه النصب بن علي
تقدير: كان يصوم صيام يوم، ويجوز الرفع بن علي
أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هو صيام يوم. قوله: (إفطار يوم) عطف عليه بن علي
الوجهين. قوله: (واقرأ في كل سبع ليال مرة) أي: اختم في كل سبع ليال مرة واحدة. قوله: (فكان يقرأ) هو كلام مجاهد يصف صنيع عبد الله بن عمر ولما كبر، وقد قع مصرحا به في رواية هشيم. قوله: (كبرت) بكسر الباء في السن، وأما كبرت بالضم ففي القدرة. قوله: (والذي يقرؤه) أي: والذي أراد أن يقرأه بالليل يعرضه بالنهار. قوله: (وأحصي) أي: عدم أيام الإفطار. قوله: (كراهية) نصب بن علي
التعليل، أي: لأجل كراهية أن يترك شيئا، وكلمة أن يترك شيئا، وكلمة: أن مصدرية. فإن قلت: قد فارق النبي صلى الله عليه وسلم بن علي
صوم الدهر وقد ترك ذلك؟ قلت: غرضه أنه ما ترك السرد والتتابع في الجملة، وهو الذي فارقه عليه.
قوله: (قال أبو عبد الله)، هو البخاري نفسه. قوله: (وقال بعضهم في ثلاث) أي: قال بعض الرواة: قرأ في كل ثلاث ليال مرة وكأنه أشار بذلك إلى رواية شعبة عن مغيرة بالإسناد المذكور، فقال: اقرأ القرآن في كل شهر، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، فما زال حتى قال: في ثلاث، وروي أبو داود والترمذي مصححا من طريق يزيد بن عبد الله بن الشخير عن عبد الله بن عمرو مرفوعا: لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث، وهو اختيار أحمد وأبي عبيد وإسحاق بن راهويه وآخرون. قوله: (وفي خمس) أي: اقرأه في كل خمس ليال، وروي الدارمي من طريق أبي فروة عن عبد الله بن عمرو، قال: قلت: يا رسول الله! في كم أختم القرآن؟ قال: أختمه في شهر. قلت: إني أطيق قال أختمه في خمسة وعشرين. قلت: إني أطيق قال: أختمه في عشرين. قلت) إني أطيق، قال: اختمه في خمس عشرة، قلت إني أطيق قال اختمه في خمس. قبت إني إطيق. قال: لا وأبو فروة بالفاء عروة بن الحارث الجهني الكوفي الثقة. قوله: (وأكثرهم بن علي
سبع) أي: أكثر الرواة عن عبد الله بن عمرو: بن علي
سبع ليال، يعني: إقرأ في كل سبع ليال مرة، وروي أبو داود والترمذي والنسائي من ذريق وهب بن منبه عن عبد الله بن عمرو أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: في كم يقرأ القرآن؟ قال: في أربعين يوما، ثم قال: في شهر، قال: في عشرين، ثم قال: في خمس عشرة، ثم قال: في عشر، ثم قال: في سبع، ثم لم ينزل عن سبع فإن قلت: كيف التوفيق بين هذا وبين حديث أبي فروة المذكور؟ قلت: بتعدد القصة، فلا مانع أن يتكرر قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو، ولأن النهي عن الزيادة ليس للتحريم كما أن الأمر في جميع ذلك ليس للوجوب.
3505 حدثنا سعد بن حفص حدثنا شيبان عن يحيى ا عن محمد بن عبد الرحمان عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم في كم تقرأ القرآن؟
.
4505 وحدثني إسحاق أخبرنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن يحيى ا عن محمد بن عبد الرحمان مولى زهرة عن أبي سلمة، قال: وأحسبني قال: سمعت أنا من أبي سلمة عن عبد الله بن عمر وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرإ القرآن في شهر. قلت: إني أجد قوة، حتى قال: فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك.
.
مطابقته للترجمة في قوله: (فاقرأه في سبع) وفي قوله: (كم تقرأ القرآن؟) وأخرجه من طريقين: أحدهما: عن سعد بن حفص أبي محمد الطلحي الكوفي يقال له الضخم عن أبي معاوية شيبان النحوي عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن مولى بني زهرة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف. والآخر: عن إسحاق بن منصور عن عبيد الله بن موسى وهو من شيوخ البخاري، روي عنه بواسطة.
والحديث أخرجه مسلم في الصلاة عن القاسم بن زكرياء عن عبيد الله به. وأخرجه أبو داود في الصلاة عن مسلم بن إبراهيم.
قوله: (وأحسبني) قائل هذا هو يحيى بن أبي كثير وأحسبني أي: أظن نفسي أني سمعت هذا
59

من أبي سلمة. وكان يحيى يحدث بهذا عن أبي سلمة، ثم توقف فيه وتححق أنه سمعه بواسطة محمد بن عبد الرحمن، ولا يضر هذا لأن يحيى من روي عن أبي سلمة، وقد تقدم في الصيام من طريق الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة مصرحا بالسماع من غير توقف. قوله: (ولا تزد بن علي
ذلك) أي: بن علي
سبع قال الكرماني. مقتضى لا تزد أن لا تجوز الزيادة. قلت: لعل ذلك بالنظر إلى المخاطب، خاطبه لضعفه وعجزه. أو أن النهي ليس للتحريم، وكان أبي بن كعب يختمه في ثمان. وكان الأسود يختمه في ست، وعلقمة في خمس، وروي عن معاذ بن جبل، وكانت طائفة تقرأ القرآن كله في ليلة أو ركعة. وروي ذلك عن عثمان بن عفان وتميم الداري. وكان سليم يختك القرآن في ليلة ثلاث مرات، ذكر ذلك أبو عبيد. وقال صاحب التوضيح: أكثر ما بلغنا، قراءة ثمان ختمات في اليوم والليلة، وقال السلمي: سمعت الشيخ أبا عثمان المغربي يقول: ابن الكاتب يختم بالنهار أربع ختمات وبالليل أربع ختمات.
53
((باب البكاء عند قراءة القرآن))
أي: هذا باب ف بيان حسن البكاء عند قراءة القرآن، لأنه صفة العارفين وشعار الصالحين قال الله تعالى: * (يخرون للأذقان يبكون) * (الإسراء: 901) * (خروا سجدا وبكيا) * (مريم: 85).
5505 حدثنا صدقة أخبرنا يحياى عن سفيان عن سليمان عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله قال يحيى ا: بعض الحديث عن عمرو بن مرة، قال لي النبي صلى الله عليه وسلم.
ح وحدثنا مسدد عن يحيى عن سفيان عن الأعمش عن إبراهيم وعن عبيدة عن عبد الله قال الأعمش؛ وبعض الحديث حدثني عمرو بن مرة عن إبراهيم وعن أبيه عن أبي الضحى عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ علي. قال: قلت آقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أشتهي أن أسمعه من غيري قال: فقرأت النساء حتى إذا بلغت * ((4)؟ 41) * (النساء: 14) قال لي: كف أو أمسك، فرأيت عينيه تذرفان.
.
مطابقته للترجمة في قوله: (قرأيت عينيه نذرفان). والحديث مربعين هذا الإسناد في تفسير سورة النساء، كما أخرجه هنا عن صدقة بن الفضل عن يحيى القطان عن سفيان الثوري عن سليمان الأعمش عن إبراهيم النخعي عن عبيدة، بفتح العين: السلماني عن عبد الله بن مسعود. أخرجه عن قريب في باب قول المقرئ للقارئ: حسبك، عن محمد بن يوسف عن سفيان بن عيينة عن الأعمش إلى آخره، ومر في الكلام فيه.
قوله: (وبعض الحديث) منصوب بقوله: حدثني عمرو بن مرة عن إبراهيم النخعي. قوله: (وعن أبيه) عطف بن علي
قوله: (عن سليمان). قوله: (وعن أبيه) أي: عن أبي سفيان، واسمه سعيد بن مسروق الثوري والحاصل أن سفيان الثوري روي هذا الحديث عن سليمان الأعمش ورواه أيضا عن أبيه سعيد وأبوه روي عن أبي الضحى مسلم بن صبيح الكوفي عن عبد الله بن مسعود، وهو منقطع لأن أبا الضحى لم يدرك ابن مسعود ورواية إبراهيم عن أبي عبيدة عن ابن مسعود متصلة. قوله: (كف أو أمسك) شك من الراوي، وفي الرواية المتقدمة: حسبك، ووقع في رواية محمد بن فضالة الظفري: أن ذلك
كان وهو صلى الله عليه وسلم في بني ظفر أخرجه ابن أبي حاتم والطبراني وغيرهما من طريق يونس بن محمد بن فضالة عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في بني ظفر ومعه ابن مسعود وناس من أصحابه، فأمر قارئا فقرأ، فأتى بن علي
هذه الآية * (فكيف إذا جئنا من أكل أمة بشهيد) * (النساء: 14) فبكى حتى ضرب لحياه ووجنتاه، فقال: يا رب هذا شهدت بن علي
أمن أنا بين ظهريه، فكيف بن علي
من ألم أره؟ وأخرج ابن المبارك في الزهد من طريق سعيد بن المسيب قال: ليس من يوم إلا يعرض بن علي
النبي صلى الله عليه وسلم أمته غدوة وعشية فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم، فلذلك يشهد عليهم ففي هذا المرسل ما يرفع الإشكال الذي تضمنه حديث ابن فضالة.
5505 حدثنا صدقة أخبرنا يحياى عن سفيان عن سليمان عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله قال يحيى ا: بعض الحديث عن عمرو بن مرة، قال لي النبي صلى الله عليه وسلم.
ح وحدثنا مسدد عن يحيى عن سفيان عن الأعمش عن إبراهيم وعن عبيدة عن عبد الله قال الأعمش؛ وبعض الحديث حدثني عمرو بن مرة عن إبراهيم وعن أبيه عن أبي الضحى عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ علي. قال: قلت آقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أشتهي أن أسمعه من غيري قال: فقرأت النساء حتى إذا بلغت * ((4)؟ 41) * (النساء: 14) قال لي: كف أو أمسك، فرأيت عينيه تذرفان.
.
مطابقته للترجمة في قوله: (قرأيت عينيه نذرفان). والحديث مربعين هذا الإسناد في تفسير سورة النساء، كما أخرجه هنا عن صدقة بن الفضل عن يحيى القطان عن سفيان الثوري عن سليمان الأعمش عن إبراهيم النخعي عن عبيدة، بفتح العين: السلماني عن عبد الله بن مسعود. أخرجه عن قريب في باب قول المقرئ للقارئ: حسبك، عن محمد بن يوسف عن سفيان بن عيينة عن الأعمش إلى آخره، ومر في الكلام فيه.
قوله: (وبعض الحديث) منصوب بقوله: حدثني عمرو بن مرة عن إبراهيم النخعي. قوله: (وعن أبيه) عطف بن علي
قوله: (عن سليمان). قوله: (وعن أبيه) أي: عن أبي سفيان، واسمه سعيد بن مسروق الثوري والحاصل أن سفيان الثوري روي هذا الحديث عن سليمان الأعمش ورواه أيضا عن أبيه سعيد وأبوه روي عن أبي الضحى مسلم بن صبيح الكوفي عن عبد الله بن مسعود، وهو منقطع لأن أبا الضحى لم يدرك ابن مسعود ورواية إبراهيم عن أبي عبيدة عن ابن مسعود متصلة. قوله: (كف أو أمسك) شك من الراوي، وفي الرواية المتقدمة: حسبك، ووقع في رواية محمد بن فضالة الظفري: أن ذلك كان وهو صلى الله عليه وسلم في بني ظفر أخرجه ابن أبي حاتم والطبراني وغيرهما من طريق يونس بن محمد بن فضالة عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في بني ظفر ومعه ابن مسعود وناس من أصحابه، فأمر قارئا فقرأ، فأتى بن علي
هذه الآية * (فكيف إذا جئنا من أكل أمة بشهيد) * (النساء: 14) فبكى حتى ضرب لحياه ووجنتاه، فقال: يا رب هذا شهدت بن علي
أمن أنا بين ظهريه، فكيف بن علي
من ألم أره؟ وأخرج ابن المبارك في الزهد من طريق سعيد بن المسيب قال: ليس من يوم إلا يعرض بن علي
النبي صلى الله عليه وسلم أمته غدوة وعشية فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم، فلذلك يشهد عليهم ففي هذا المرسل ما يرفع الإشكال الذي تضمنه حديث ابن فضالة.
6505 حدثنا قيس بن حفص حدثنا عبد الواحد حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة
60

السلامني عن عبد الله، رضي الله عنه، قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: اقرأ علي. قلت أقرأ عليك وعليك أنزل قال: إني أحب أن أسمعه من غيري.
.
هذا طريق آخر في الحديث المذكور وأخرجه عن قيس بن حفص بن القعقاع أبو محمد البصري الدارمي من أفراده عن الخمسة، وليس في شيوخ السنة من اسمه: قيس، غيره قال البخاري: مات سنة تسع وعشرين ومائتين وهو يروي عن عبد الواحد بن زياد عن سليمان الأعمش عن إبراهيم النخعي إلى آخره.
63
((باب من رايا بقراءته القرآن أو تأكل به، أو فجر به))
أي: هذا باب في بيان إثم من رأيا من المرايات، ويروي من: رأى، بهمزة وفي بعض النسخ: باب إثم من رأيا. قوله: (بقراءته القرآن) بنصب القرآن، ويروي: بقراءة القرآن، بالجر بن علي
الإضافة. قوله: (أو تأكل). من باب: تفعل، بالتشديد أي: طلب الأكل به، أي: بالقرآن. قوله: (أو فجر) بالجيم في رواية الأكثرين من الفجور، وقال ابن التين في رواية: بالخاء المعجمة من الفخرة.
7505 حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حثنا الأعمش عن خيثمة عن سويد بن غفلة قال: قال علي، رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي ي آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من قول خير البرية، يمرقون من الأسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة.
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث وهي أن القراءة إذا كانت لغير الله فهي للرياء أو للتأكل به أو نحو ذلك.
وأبو سعيد الخدري أكل بالقرآن وما تأكل، وفرق بين الأكل والتأكل أو أنه قرأ لجهة الرقية لا لجهة القراءة.
وأخرجه عن محمد بن كثير عن سفيان بن عيينة عن سليمان الأعمش عن خيثمة، بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة: ابن عبد الرحمن الكوفي عن سويد، بضم السين المهملة وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف ابن غفلة، بالغين المعجمة والفاء المفتوحتين، مر في كتاب اللقطة عن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه. والحديث مضى بأتم منه في علامات النبوة بعين هذا الإسناد.
قوله: (سفاء الأحلام)، أي: العقول. قوله: (يقولون من قول خير البرية)، قيل: صوابه: قول خير البرية. وأجيب: بأنه من باب القلب أو معناه خير من قول البرية، أي: من كلام الله، وهو المناسب للترجمة أو خير أقوال الخلق، أي: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (يمرقون)، أي: يخرجون. قوله: (الرمية)، بكسر الميم الخفيفة وتشديد الياء آخر الحروف، فعلية بمعنى المفعول أي: الصيد المرمي مثلا. قوله: (حناجرهم)، جمع حنجرة، وهي رأس الغلصمة حيث تراه ناتئا من خارج الحلق. قوله: (فاقتلوهم) قال مالك: من قدر عليه منهم استتيب، فإن تاب وإلا قتل. وقال سحنون: من كان يدعو إلى بدعة قوتل حتى يؤتى عليه أو يرجع إلى الله. وإن لم يدع يضنع به ما صنع عمر، رضي الله تعالى عنه، يسجن ويكرر عليه الضرب حتى يموت. قوله: (يوم القيامة) ظرف للأجر لا للقتل.
8505 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمان عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وعملكم مع عملهم، ويقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما
61

يمرق السهم من الرمية، ينظر في النصل فلا يرى شيئا وينظر في القدح فلا يرى شيئا. وينظر في الريش فلا يرى شيئا، ويتمارى في الفوق.
.
مطابقته للترجمة نحو مطابقة الحديث الذي قبله. وهذا الحديث مضى في علامات النبوة مطولا، ومضى الكلام فيه هناك، ولنذكر بعض شيء.
قوله: (وعملكم مع عملهم) من عطف العام بن علي
الخاص. قوله: (ينظر) أي: الرامي: هل فيه شيء من أثر الصيد من الدم ونحوه، ولا يرى أثرا منه، والنصل هو حديد السهم، والقدح بكسر القاف السهم قبل أن يراش ويركب بنصله. قوله: (ويتمارى) أي: يشك الرامي (في الفوق) بضم الفاء وهو مدخل الوتر منه هل فيه شيء من أثر الصيد يعني: نفذ السهم المرمي بحيث لم يتعلق به شيء ولم يظهر أثره فيه، فكذلك قراءتهم لا تحصل لهم منها فائدة قال الكرماني: ويحتمل أن يكون ضمير: يتمارى، راجعا إلى الراوي، أي: يشك الراوي في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الفوق أم لا، والله أعلم.
9505 حدثنا مسدد حدثنا يحيى ا عن شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كالأترجة، طعمها طيب وريحها طيب، والمئمن الذي: لا يقرأ القرآن ويعمل به كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل المنافق الذييقرأ القرآن كالريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كالحنظلة طعمها مر أو خبيث مر.
مطابقته للترجمة ظاهرة، والحديث مضى في: باب فضل القرآن بن علي
سائر الكلام، فإنه أخرجه هناك عن هدبة بن خالد عن همام عن قتادة عن أنس بن مالك عن أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس.
قوله: (كالتمرة) بالتاء المثناة من فوق لا بالمثلثة. قوله: (ويعمل به كالتمرة) عطف بن علي
قوله: (لا يقرأ) لا، بن علي
(يقرأ).
73
((باب اقرؤا القرآن ما ائتلفت قلوبكم))
أي: هذا باب يذكر فيه: اقرؤا القرآن ما ائتلف أي: اجتمعت قلوبكم عليه، وفي بعض النسخ لفظ عليه موجود.
0605 حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد عن أبي عمران الجوني عن جندب بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اقرؤوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه.
الترجمة نصف الحديث الذي رواه عن أبي النعمان محمد بن الفضل السدوسي عن حماد بن زيد عن أبي عمران عبد الملك بن حبيب الجوني، بفتح الجيم وسكون الواو وبالنون: نسبة إلى أحد الأجداد.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاعتصام عن إسحاق وأخرجه مسلم في القدر عن يحيى بن يحيى وغيره. وأخرجه النسائي في فضائل القرآن عن عمرو بن علي وغيره.
قوله: (اقرءوا القرآن ما ائتلف قلوبكم) يعني: اقرءوه عل نشاط منكم وخواطركم مجموعة، فإذا حصل لكم ملالة فاتركوه فإنه أعظم من أن يقرأه أحد من غير حضور القلب، كذا فسره الطيبي، وقال الكرماني: الظاهر أن المراد اقرءوا القرآن ما دام بين أصحاب القراءة ائتلاف، فإذا حصل اختلاف فقوموا عنه. وقال ابن الجوزي: كان اختلاف الصحابة يقع في القراءات واللغات فأمروا بالقيام عند الاختلاف لئلا يجحد أحدهم ما يقرأه الآخر، فيكون جاحدا لما أنزل الله عز وجل.
1605 حدثنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمان بن مهدي حدثنا سلام بن مطيع عن أبي عمران الجوني عن جندب قال النبي صلى الله عليه وسلم: اقرءوا القرآن ما اتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا.
62

هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن عمرو بن علي بن بحر أبي حفص الباهلي البصري الصيرفي، وهو شيخ مسلم أيضا، وسلام، بتشديد اللام.
قوله: (ما ائتلفت عليه) لفظ: في هذه الرواية دون الرواية السابقة.
تابعه الحارث بن عبيد وسعيد بن زيد عن أبي عمران
أي: تابع سلام بن أبي مطيع الحارث بن عبيد مصغر عبد أبو قدامة الإيادي، بكسر الهمزة البصري، وتابعه أيضا سعيد بن زيد هو أخو حماد بن زيد، والمتابعة في رفع الحديث المروي عن جندب، أما متابعة الحارث فرواها الدارمي عن أبي غسان مالك بن إسماعيل عنه، ولفظه مثل رواية حماد بن زيد المذكور في سند الحديث المذكور أولا، وأما متابعة سعيد بن زيد فرواها الحسن بن سفيان في مسند من طريق أبي هشام المخزومي عنه، قال: سمعت أبا عمر قال: حدثنا جندب فذكر الحديث مرفوعا في آخره: فإذا اختلفتم فيه فقوموا.
ولم يرفعه حماد بن سلمة وأبان
أي: ولم يرفع الحديث المذكور حماد بن وأبان: بفتح الهمزة وتخفيف الباء الموحدة: ابن يزيد العطار حاصله رويا الحديث المذكور موقوفا بن علي
جندب، ولكن مسلما روي حديث أبان مرفوعا، فقال: حدثني أحمد بن سعيد بن صخر الدارمي حدثنا حسان حدثنا أبان حدثنا أبو عمران قال: قال لنا جندب ونحن غلمان بالكوفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فيه فقوموا، ولعل البخاري وقعت له رواية أبان موقوفة، فلذلك قال: ولم يرفعه حماد وأبان.
وقال غندر عن شعبة عن أبي عمران سمعت جندبا قوله
غندر بضم الغين المعجمة وسكون النون وقد تكرر ذكره وهو لقب محمد بن جعفر. وأشار به إلى أن غندرا روى هذا الحديث المذكور عن شعبة عن أبي عمران الجوني يقول: (سمعت جندبا) قوله: يعني لم يرفعه. ووصله الإسماعيلي من طريق بندار، بضم الباء الموحدة وسكون النون لقب محمد بن بشار.
وقال ابن عون عن أبي عمران عن عبد الله بن الصامت عن عمر قوله
أي: قال عبد الله بن عون الإمام المشهور. وهو من أقران أبي عمران، يعني: روى الحديث المذكور عن أبي عمران عن عبد الله بن الصامت عن عمر بن الخطاب قوله: (يعني قول عمر) ووصل هذه الرواية أبو عبيدة عن معاذ بن معاذ عن عبد الله بن عون وأخرجه النسائي أيضا عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم عن إسحاق الأزرق عن عبد الله بن عون به.
وجندب أصح وأكثر
أي: الرواية عن جندب أصح إسناد وأكثر من الرواية عن عمر رضي الله تعالى عنه يعني: في هذا الحديث، وذلك أن الجم الغفير رووه عن أبي عمران عن جندب، إلا أنهم اختلفوا عليه في رفعه ووقفه، والذين رفعوه ثقات حفاظ فالحكم لهم، وأما رواية ابن عون فشاذة ولم يتابع عليها. وقال أبو بكر بن أبي داود لم يخطأ ابن عون قط إلا في هذا، والصواب عن جندب، قيل: يحتمل أن يكون ابن عون حفظه ويكون لأبي عمران فيه شيخ آخر، وإنما توارد الرواة بن علي
طريق جندب العلماء لعلوها والتصريح برفعها.
2605 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة عن عبد الله أنه سمع رجلا يقرأ آية سمع النبي صلى الله عليه وسلم، خلافها. فأخذت بيده فانطلقت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كلاكما محسن فاقرآ. أكثر علمي قال: فإن من كان قبلكم اختلفوا فأهلكهم.
(انظر الحديث 0842 وطرفه).
مطابقته للترجمة في آخر الحديث. (والنزال)، بفتح النون وتشديد الزاي وباللام: ابن سبرة، بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة وفتح الراء: الهلالي تابعي كبير، وقد قيل: إن له صحبة، وذهل المزي فجزم في الأطراف بأن له صحبة، وجزم في التهذيب
63

بأن له رواية عن أبي بكر مرسلة، وعبد الله هو ابن مسعود.
والحديث قد مر في الأشخاص عن أبي الوليد، في ذكر بني إسرائيل عن آدم.
قوله: (سمع رجلا)، قيل: يحتمل أن يكون هو أبي بن كعب. قوله: (كلاكما محسن)، أي: في القراءة، وقيل: الإحسان راجع إلى ذلك الرجل بقراءته إلى ابن مسعود بسماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحربه في الاحتياط. قوله: (فاقرآ)، أمر للاثنين.
قوله: (أكثر علمي)، هذا الشك من شعبة، وأكثر بالثاء المثلثة، ويروي بالباء الموحدة أي، غالب ظني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أن من كان قبلكم
اختلفوا). قوله: (فأهلكهم)، أي: الله، وفي رواية المستملي: (فأهلكوا)، بن علي
صيغة المجهول. واعلم أن الاختلاف المنهي هو الخارج عن اللغات السبع. أو ما لا يكون متواترا، وأما غيره فهو رحمة لا بأس به. وذلك مثل الاختلاف بزيادة الواو ونقصانها في: * (قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه) * (البقرة: 611) وبالجمع والإفراد * (كطي السجل للكتب) * (الأنبياء: 401) والكتاب والتأنيث نحو: * (لتحصنكم من بأسكم) * (الأنبياء: 08) والاختلاف التصريفي كقوله: كذابا بالتشديد والتخفيف، ومن يقنط، بالفتح والكسر، والنحوي نحو: * (ذو العرش المجيد) * (البروج: 51) بالرفع والجر واختلاف الأدوات مثل: ولكن الشياطين، بتشديد النون وتخفيفها، واختلاف اللغات كالإمالة والتفخيم، وقد فسر بعضهم: أنزل القرآن بن علي
سبعة أحرف، بهذه الوجوه من الاختلاف، والله أعلم.
76
((كتاب النكاح))
أي: هذا كتاب في بيان أحكام النكاح، قال الأزهري: أصل النكاح في كلام العرب، الوطء، وقيل للتزويج: نكاح لأنه سبب الوطء، وقال الزجاجي: هو في كلام العرب الوطء والعقد جميعا، وفي المغرب: وقولهم النكاح الضم مجاز، وفي المغيث: النكاح التزويج، وقال القرطبي: اشتهر إطلاقه بن علي
العقد، وحقيقته عند الفقهاء بن علي
ثلاثة أوجه حكاها القاضي حسين: أصحها: أنه حقيقة في العقد مجاز في الوطىء. وهو الذي صححه أبو الطيب وبه قطع المتولي وغيره الثاني: أنه حقيقة فيالوطء مجاز في العقد وبه، قال أبو حنيفة. والثالث: أنه حقيقة فيهما بالاشتراك. وقال أبو علي الفارسي: فرقت العرب بينهما فرقا لطيفا، فإذا قالوا: نكح فلانة أو بنت فلانة أو أخته، أرادوا عقد عليها، وإذا قالوا: أنكح امرأته أو زوجته لم يريدوا إلا الوطء، لأن بذكر امرأته أو زوجته يستغنى عن ذكر العقد، وقال الفراء: العرب تقول: نكح المرأة بضم النون بضعها، وهي كناية عن الفرج، فإذا قالوا: نكحها أرادوا: أصاب نكحها، وهو فرجها. وفي المحكم: النكاح البضع وذلك في نوع الإنسان خاصة، واستعمله ثعلب في الذئاب، نكحها ينكحها نكحا ونكاحا، وليس في الكلام فعل يفعل مما لام الفعل منه حاء إلا ينكح وينطح ويمنح وينضح وينبح ويرجح ويأنح ويأزح ويملح القدر، والاسم: النكح، والنكح ونكحها الذي يتزوجها وهي نكحته، وامرأة كح ذات زوج وقد جاء في الشعر: ناكحة بن علي
الفعل، واستنكحها كنكحها. قلت: هذه الأفعال التي قالوا إنها جاءت بن علي
: يفعل، بكسر العين يعني في المضارع قد جاء منها بفتح العين أيضا في المضارع. قال الجوهري: نطحه الكبش ينطحه وينطحه بكسر عين الفعل وفتحها، ومنحه يمنحه من المنح وهو العطاء، ويقال: نضحت القربة بالفتح، قاله الجوهري، ونبح الكلب ينبح بالفتح وينبح بالكسر نبحا ونبيحا ونباحا ونباحا بالضم والكسر، ورجع الميزان يرجع بالكسر والفتح ويرجع بالضم، ويقال: أنح الرجل يأنح بالكسر أنحا وأنيحا وأنوحا: إذا ضجر من ثقل يجده من مرض أو بهر كأنه يتنخنخ ولا يبين، وأزح الرجل يأزح أزوحا بالزاي: إذا تفيض، وملحت القدر يملحها بالفتح والكسر ملحا بالفتح إذا طرحت فيها من الملح بقدر، وإذا قلت: أملحت القدر إذا أكثرت فيها الملح حتى فسدت. وفي التوضيح؛ وللنكاح عدة أسماء جمعهاأبو القاسم اللغوي فبلغت ألف اسم وأربعين اسما.
1
((باب الترغيب في النكاح لقوله عز وجل: * ((4) فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * (النساء: 3))
أي: هذا باب في الترغيب في النكاح: واستدل عليه بقوله تعالى: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * (النساء: 3) زاد الأصيلي وأبو الوقت الآية. قال بعضهم: وجه الاستدلال أنها صيغة أمر تقتضي الطلب. وأقل درجاته الندب فيثبت الترغيب، انتهى. قلت: لا دلالة
64

فيه بن علي
الترغيب أصلا. لأن الآية سيقت لبيان ما يجوز الجمع بينه من أعداد النساء. وقوله: (يقتضي الطلب) كلام من لم يذق شيئا من الأصول، فإن الأمر إباحة كما في قوله تعالى: * (وإذا حللتم فاصطادوا) * (المائدة: 2)، وهل يقال: طلب الله منه النكاح، أو طلب منه الصيد غاية ما في الباب أنه أباح النكاح بالعدد المذكور، وأباح الصيد بعد التحليل من الإحرام، ثم بنى هذا القائل بن علي
هذا الكلام الواهي. قوله: وأقل دجاته الندب، فيثبت الترغيب.
3605 حدثنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا محمد بن جعفر أخبرنا حميد بن الطويل أنه سمع أنس بن مالك، رضي الله عنه، يقول: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال أخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني.
مطابقته للترجمة في قوله: (فمن رغب عن سنتي فليس مني). قوله: (ثلاثة رهط) وفي رواية مسلم من حديث ثابت عن أنس: أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله
تعالى عليه وآله وسلم، والفرق بين الرهط والنفر أن الرهط من ثلاثة إلى عشرة، والنفر من ثلاثة إلى تسعة، وكل منهما اسم جمع لا واحد له، ولا منافاة بينهما من حيث المعنى، ووقع في مرسل سعيد بن المسيب من رواية عب الرزاق: أن الثلاثة المذكورين هم: علي بن أبي طالب. وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعثمان بن مظعون. قوله: (يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم) وفي رواية مسلم: عن عمله في السر، قوله: (فلما أخبروا) بضم الهمزة بن علي
صيغة المجهول. قوله: (تقالوها) بتشديد اللام المضمومة أي: عدوها قليلة، وأصله: تقاللوا فأدغمت اللام في اللام لاجتماع المثلين. قوله: (قد غفر له) بن علي
صيغة المجهول. هذا في رواية الحموي والكشميهني، وفي رواية غيرهما: غفر الله له. قوله: (أما أنا) بفتح الهمزة وتشديد الميم للتفصيل. قوله: (أبدا)، قيد لليل لا لقوله: أصلي. قوله: (ولا أفطر)، أي: بالنهار سوى أيام العيد والتشريق ولهذا لم يقيد بالتأبيد. قوله: (فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقال: وفي رواية مسلم: فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وقال: ما بال أقوام قالوا كذا.. والتوفيق بينهما بأنه منع من ذلك عموما جهرا مع عدم تعيينهم، وخصوصا فيما بينه وبينهم رفقا بهم، وسترا عليهم. قوله: (أما والله) بفتح الهمزة وتخفيف الميم حرف تنبيه. قوله: (إني لأخشاكم لله وأتقاكم له) يعني: أكثر خشية وأشد تقوى، وفيه رد لما بنوا عليه أمرهم من أن المغفور لا يحتاج إلى مزيد في العبادة، بخلاف غيره، فأعلمهم أنه مع كونه يشدد في العبادة غاية الشدة أخشى لله وأتقى من الذين يشددون. قوله: (لكني) استدراك من شيء محذوف تقديره أنا وأنتم بالنسبة إلى العبودية سواء، لكن أنا أصوم إلى آخره. قوله: (فمن رغب عن سنتي) أي: فمن أعرض عن طريقتي (فليس مني) أي: ليس بن علي
طريقتي، ولفظ رغب إذا استعمل بكلمة: عن فمعناه: أعرض. وإذا استعمل بكلمة: في، فمعناه أقبل إليه، والمراد بالسنة الطريقة وهي أعم من الفرض والنفل، بل الأعمال والعقائد وكلمة: من في مني، اتصالية أي: ليس متصلا بي قريبا مني.
وفيه: أن النكاح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وزعم المهلب أنه من سنن الإسلام، وأنه لا رهبانية فيه. وأن من تركه راغبا عن سننه النبي صلى الله عليه وسلم، فهو مذموم مبتدع ومن تركه من أجل أنه أرفق له وأعون بن علي
العبادة فلا ملامة عليه، وزعم داود ومن تبعه أنه واجب. وأن الواجب عندهم العقد لا الدخول فإنه إنما يجب عندهم في العمر مرة، وعند أكثر العلماء هو مندوب إليه وعند أحمد في رواية: يلزمه الزواج أو التسري إذا خاف العنت، وغيره لم يشترط خوف العنت. فإن قلت: ظاهر الآية يدل بن علي
وجوبه؟ قلت: حصل الجواب عنه بما ذكرناه في أول الباب، وأيضا فإن آخر الآية وهو قوله: * (أو ما ملكت أيمانكم) * (النساء: 3) وينافي الوجوب، وذلك لأن فيه
65

التخيير بين النكاح والتسري، فالتسري لا يجب بالاتفاق، فكذالك النكاح لأنه لا يصح التخيير بين واجب وغيره، وعند الشافعي: التخلي للعبادة أفضل لقوله عز وجل في يحيى عليه الصلاة والسلام وسيدا وحصورا وهو الذي لا يأتي النساء مع القدرة بن علي
إتيانهن، فمدح الله به، ولو كان النكاح أفضل ما مدح به والجواب عنه أن الشافعي لا يرى شرع من قبلنا شرعا لنا، فكيف يحتج بما لا يراه؟ ونحن نقول: شرع لنا ما لم ينص الله بن علي
إنكاره. وقال الشافعي: إن النكاح معاملة فلا فضل لها بن علي
العبادة. قلنا: هذا نظر إلى ظاهره دون معناه، وليس له أن ينظر إلى الصور ويترك المعاني، فإنه ليس من أصله ذلك، ولو كان التخلي للعبادة خيرا من النكاح نظرا إلى صورته ما قطع النبي صلى الله عليه وسلم وحكم الصورة بالسنة، وليس في مدح حال يحيى، عليه الصلاة والسلام، ما يدل بن علي
أنه أفضل من النكاح، فإن مدح الصفة في ذاتها لا يقتضي ذم غيرها ذلك أن النكاح لم يفضل بن علي
التخلي للعبادة بصورته، وإنما تميز عنه بمعناه في تحصين النفس، وبقاء الولد الصالح وتحقيق المنة في النسب والصهر، فقضاء الشهوة في النكاح ليس مقصودا في ذاته، وإنما أكد النكاح بالأمر قولا، وأكده بخلق الشهوة خلقة حتى يكون ذلك أدعى للوفاء بمصالحه، والتيسير بمقاصده، وهذا أمر تفطن له أبو حنيفة، رضي الله تعالى عنه. ومن قال بقوله: ومن الثابت برهانه بن علي
فضيلة النكاح أنه يجوز مع الإعسار، ولا ينتظر به حالة الثروة، بل هو سببها أن كانا فقيرين. قال الله تعالى: * (أن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) * (النور: 23) فندب إليه ووعد به الغني، وقد سبق حديث الرجل الذي لم يجد خاتما من حديد يصدق به زوجته، وهو نص بن علي
نكاح من لا يقدر بن علي
فطر ليلة بنائه بها، ولا شك أن الترجيح يتبع المصالح ومقاديرها مختلفة، وصاحب الشرع صلى الله عليه وسلم أعلم بتلك المقادير والمصالح.
4605 حدثنا علي سمع حسان بن إبراهيم عن يونس بن يزيد عن الزهري قال: أخبرني عروة أنه سأل عائشة عن قوله تعالى: وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النسآء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذالك أدنى ألا تعولوا) * (النساء: 3) قالت: يا ابن أختي اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في مالها وجمالها يريد أن يتزوجها بأدنى من سنة صداقها، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن فيكملوا الصداق، وأمروا بنكاح من سواهن من النساء.
.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فيرغب في مالها وجمالها) ولكن فرق بين ترغيب وترغيب.
وعلي هو ابن المديني، وجزم به الحافظ المزي تبعا لأبي مسعود، وحسان بن إبراهيم العنزي، بفتح العين المهملة والنون وبالزاي الكرماني، كان قاضي كرمان ووثقه ابن معين وغيره، ولكن له أفراد، وقال ابن عدي: وهو من أهل الصدق إلا أنه ربما غلط، والبخاري أدركه بالسن، ولكن لم يلقه، مات سنة ست ومائتين قبل أن يرحل البخاري، وعروة بن أسماء بنت أبي بكر الصديق، وعائشة خالته، رضي الله تعالى عنهم، والحديث قد مضى في تفسير سورة النساء بأتم منه، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (في حجر) بفتح الحاء وكسرها. قوله: (بأدنى من سنة صداقها) أي: بأقل من مهر مثلها.
2
((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: من استطاع منكم الباءة فليتزوج لأنه أغض للبصر وأحصن للفرج، وهل يتزوج من لا أرب له في النكاح))
أي: هذا باب في قوله صلى الله عليه وسلم: (من استطاع): إلى آخره، ولم يقع في بعض النسخ لفظة: منكم لأنه تصرف فيه، ولم يذكر هذه اللفظة. قوله: لأنه وقع هكذا في رواية السرخسي، والأولى فإنه، لأنه لفظ الحديث، وبقيته قوله: أي لأن التزوج دل عليه قوله: فليتزوج. كما في قوله تعالى: * (اعدلوا هو أقرب للتقوى) * (المائدة: 8) أي: العدل. قوله: (وهل يتزوج) إلى آخره من الترجمة، وهو عطف بن علي
قوله: (باب قول النبي صلى الله عليه وسلم)، والتقدير: وباب هل يتزوج. قوله: (لا أرب له) بفتح الهمزة والراء أي: لا حاجة
66

له في النكاح، وكلمة: هل، للاستفهام، ولم يذكر الجواب اعتمادا بن علي
ما عرف في موضعه، وهو أن العلماء اختلفوا فيمن لا يتوق إلى النكاح هل يندب له النكاح أم لا؟
5605 حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش، قال: حدثني إبراهيم عن علقمة، قال: كنت مع عبد الله فلقيه عثمان بمنى، فقال: يا أبا عبد الرحمان! لي إليك حاجة فخليا، فقال عثمان: هل لك يا أبا عبد الرحمان في أن نزوجك بكرا تذكرك ما كنت تعهد؟ فلما رأى عبد الله أن ليس له حاجة إلا هاذا، أشار إلي، فقال: يا علقمة! فانتهيت إليه، وهو يقول: أما لئن قلت ذالك لقد قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.
(انظر الحديث 5091 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وهذا السند بهؤلاء الرجال قد ذكر غيره مرة، فإن عمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس عن عبد الله بن مسعود، هذا الإسناد مما ذكر أنه أصح الأسانيد.
والحديث قد مضى في كتاب الصوم في باب الصوم لمن خاف بن علي
نفسه العزوبة، فإنه أخرجه هناك بأخضر منه عن عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن إبراهيم إلى آخره.
قوله: (كنت مع عبد الله) يعني: ابن مسعود. قوله: (بمنى) ووقع في رواية زيد بن أبي أنيسة عن الأعمش، عند ابن حبان بالمدينة، وهي شاذة. قوله: (فقال: يا أبا عبد الرحمن) هي كنية عبد الله بن مسعود، قيل: المخاطب بذلك عبد الله بن عمر لأنها كنيته المشهورة، ثم قال هذا القائل: هذا يدل بن علي
أن ابن عمه شدد بن علي
نفسه في زمن الشباب لأنه كان في زمن عثمان شابا، وهذا غيرصحيح، لأن ابن عمر لا مدخل له في هذه القصة، والحديث لابن مسعود، وقوله: وكان في زمان عثمان شابا فيه نظر لأنه إذ ذاك كان جاوز الثلاثين. قوله: (فحليا) كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية الأصيلي: فخلوا، قال ابن التين: وهو الصواب لأنه واوي من الخلوة، مثل: دعوا، ومعناه: دخلا في موضع خال. قوله: (تذكرك ما كنت تعهد)، يعني: من نشاطك وقوة شبابك، وقيل: لعل عثمان رأى به قشفا ورثاثة هيئة فحمل ذلك بن علي
فقده الزوجة التي ترفهه، وفي رواية مسلم: لعلها أن تذكرك ما مضى من زمانك، وعنده في رواية أخرى: لعلك ترجع إليك من نفسك ما كنت تعهد. وفي رواية ابن حبان لعلها أن تذكرك ما فاتك. قوله: (فلما رأى عبد الله) يرفع عبد الله أن ليس له حاجة أي: لعثمان إلا هذا، أي: الترغيب في النكاح، ويروي بنصب عبد الله أي: فلما رأى عثمان عبد الله أن ليس له حاجة إلى هذا أي: الزواج، وهنا جاءت كلمة إلا التي هي أداة الاستثناء، وكلمة إلى التي هي حرف الجر، فالمعنى في الوجه الأول بن علي
كلمة إلا، وفي الوجه الثاني بن علي
كلمة إلى قوله: (أشار) قال الكرماني، أشار عبد الله. قلت: الذي يقتضيه الحال أن الذي أشار هو عثمان. قوله: (إلي)، بتشديد الياء قوله: (وهو يقول) جملة حالية. قوله: (ذاك)، إشارة إلى قوله: (نزوجك) وفي رواية مسلم عن عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة، قال: إني لأمضي مع عبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنه، بمنى إذ لقيه عثمان، فقال: هلم يا أبا عبد الرحمن. قال: فاستخلاه، فلما رأى عبد الله أن ليست له حاجة، قال: تعال يا علقمة! قال: فجئت. فقال له عثمان: ألا نزوجك يا أبا عبد الرحمن جارية بكرا لعله يرجع إليك من نفسك ما كنت تعهد؟ فقال عبد الله لئن قلت ذاك لقد قال لنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم الحديث. قوله: (يا مشعر الشباب)، المعشر هم الطائفة الذين يشملهم وصف. فالشباب معشر والشيوخ معشر، والشباب جمع شاب ويجمع أيضا بن علي
شببة وشبان بضم أوله وتشديد الباء، وذكر الأزهري أنه لم يجمع فاعل بن علي
فعلان غيره، وأصله الحركة والنشاط، وقال النووي: والشاب عند أصحابنا هو من بلغ ولم يجاوز ثلاثن سنة، وقال القرطبي: يقال له: حدث إلى ست عشرة سنة ثم شاب إلى اثنين وثلاثين، ثم كهل وكذا ذكر الزمخشري، وقال ابن شاس المالكي في الجواهر إلى أربعين، وإنما خص الشباب بالخطاب لأن الغالب وجود قوة الداعي فيهم
67

إلى النكاح، بخلاف الشيوخ. قوله: (الباءة) قد مر تفسير في كتاب الصوم، ولكن نذكر منه بعض شيء. وقال النووي: فيها أربع لغات: المشهور بالمد والهاء، والثانية بلا مد، والثالثة بالمد بلا هاء، والرابعة بلا مد وأصلها لغة الجماع، ثم قيل: لعقد النكاح، وقال الجوهري: الباء مثل الباعة، لغة في الباء، ومنه سمي النكاح باء وباه، لأن الرجل يتبوء من أهله أي يستمكن منها كما يتبوأ من داره. قوله: (وجاء) بكسر الواو وبالمد، وهو رض الخصيتين، قيل: عليه إغراء غائب، وهو من النوادر، ولا تكاد العرب تغري إلا الحاضر. تقول عليك: زيدا، ولا تقول عليه: زيدا، وفيه استحباب عرض الصاحب هذا بن علي
صاحبه، ونكاح الشابة فإنها ألذ استمتاعا وأطيب نكهة وأحسن عشرة وأفكه محادثة وأجمل منظرا، وألين ملمسا وأقرب إلى أن يعودها زوجها الأخلاق التي يرتضيها واستحباب الإسرار بمثله.
3
((باب: من لم يستطع الباءة فليصم))
أي: هذا باب في بيان نت لن يستطع الباءة فليصم.
6605 حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش قال: حدثني عمارة عن عبد الرحمان بن يزيد، قال: دخلت مع علقمة والأسود على عبد الله، فقال عبد الله: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شبابا لا نجد شيئا، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.
(انظر الحديث 5091 وطرفه).
مطابقته للترجمة في قوله: (ومن لم يستطع) فعليه بالصوم وهذا طريق آخر في الحديث المذكور، أخرجه عن عمر بن حفص عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن عمارة، بضم العين المهملة وتخفيف الميم وبالراء: ابن عمير التيمي الكوفي عن عبد الرحمن بن يزيد عن قيس النخعي، وعلقمة عمه والأسود أخوه يعني: دخلت مع أخي وعمي بن علي
عبد الله بن مسعود. قوله: (أغض) بمعنى الفاعل لا المفعول أي: أشد غضا. قوله: (وأحصن) أي: أشد إحصانا له ومنعا من الوقوع في الفاحشة. قوله: (فإنه) أي فإن الصوم. قوله: (وجاء) جملة في محل الرفع بن علي
الخبرية. وفال النووي: اختلف العلماء في المراد بالباءة هنا بن علي
قولين: يرجعان إلى معنى واحد، أصحهما: أن المراد معناها اللغوي وهو الجماع، فتقدير من استطاع منكم الجماع لقدرته بن علي
مؤونته وهي مؤن النكاح فليتزوج، ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه فعليه بالصوم ليقطع شهوته يقطع شر منيه كما يقطعه الوجاء، وعلى هذا القول وقع الخطاب مع الشباب الذين هم مظنة شهوة النساء ولا ينفكون عنها غالبا. والقول الثاني: إن المراد هنا بالباءة مؤن النكاح، سمعت باسم ما يلازمهما، وتقديره: من استطاع منكم مؤن النكاح فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم. قالوا: والعاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم لدفع الشهوة، فوجب تأويل الباءة بن علي
المؤن، وانفصل القائلون بالأول عن ذلك بالتقدير المذكور. انتهى. قلت: مفعول (من لم يستطع) محذوف فيحتمل أن يكون المراد به. ومن لم يستطع الباءة أو من لم يستطع التزوج، وقد وقع كل منهما صريحا فروي الترمذي من حديث عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شباب لا نقدر بن علي
شيء فقال: يا معشر الشباب عليكم بالباءة فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج. فمن لم يستطع منكم الباءة فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء، وروي الإسماعيلي من حديث الأعمش: من استطاع منكم أن يتزوج فليتزوج، ويؤيده رواية النسائي: من كان ذا طول فلينكح، والحمل بن علي
المعنى الأعم أولى بأن يراد بالباءة القدرة بن علي
الوطء ومؤن التزوج. قوله: (وجاء) ووقع في رواية مسلم: فإنه له وجاء، وهو الإخصاء وهي زيادة مدرجة في الخبر، وتفسير الوجاء بالإخصاء فيه نظر، فإن الوجاء: رض الأنثيين، والإخصاء: قلعهما، وإطلاق الوجاء بن علي
الصيام من مجاز المشابهة، وقال أبو عبيدة قال بعضهم: وجاء، بفتح الواو مقصور والأول أكثر، واستدل به الخطابي بن علي
جواز المعالجة لقطع شهوة النكاح بالأدوية، وحكاه البغوي في شرح السنة وينبغي أن يحمل بن علي
دواء يسكن الشهوة دون ما يقطعها أصالة لأنه قد يقدر بعد فيندم لفوات ذلك في حقه، وقد صرح الشافعية
68

بأنه لا يكسرها بالكافور ونحوه، واستدل به بعض المالكية بن علي
تحريم الاستمناء، وقد ذكر أصحابنا الحنفية أنه يباح عند العجز لأجل تسكين الشهوة.
4
((باب كثرة النساء))
أي: هذا باب في بيان كثرة النساء لمن قدر بن علي
العدل بينهن.
7605 حدثنا إبراهيم بن موسى ا أخبرنا هشام بن يوسف أن جريج أخبرهم قال: أخبرني عطاء قال: حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة بسرف، فقال ابن عباس: هاذه زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها وارفقوا فإنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم تسع كان يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة.
مطابقته للترجمة في قوله: (تسع) هذه كثرة النساء، ولكن هذا العدد في حقه صلى الله عليه وسلم وفي حق غيره أربع أو ثلاث أو ثنتان، ويطلق عليها الكثرة.
ورجاله قد ذكروا غير مرة وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وعطاء هو ابن أبي رباح.
والحديث أخرجه مسلم في النكاح عن إسحاق بن إبراهيم وغيره. وأخرجه النسائي فيه عن سليمان بن يوسف وفي عشرة النساء عن يوسف بن سعيد.
قوله: (ميمونة) هي بنت الحارث الهلالية، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ست من الهجرة وتوفيت بسرف، بفتح السين المهملة وكسر الراء وبالفاء: وهو مكان معروف بظاهر مكة بينها وبين مكة اثنا عشر ميلا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بنى بها فيها، وكانت وفاتها سنة إحدى وخمسين، وقيل: ثلاث وخمسين، وقيل: سنة ست وستين، وصلى عليها ابن عباس، ونزول في قبرها، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد وهي خالة أبيه. قوله: (نعشها) بفتح النون وسكون العين وبالشين المعجمة وهو السرير الذي يوع عليه الميت. قوله: (فلا تزعزعوها) من الزعزعة بزاءين معجمتين وعينين مهملتين، وهي تحريك الشيء الذي يرفع. قوله: (لا تزلزلوها) من الزلزلة وهي الاضطراب. قوله: (وارفقوا بها) من الرفق. وأراد به السير الوسط المعتدل. والمقصود منه حرمة المؤمن بعد موته فإن حرمته باقية كما كانت في حياته ولا سيما هي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (فإنه) أي: فإن الشان (كان عند النبي صلى الله عليه وسلم، تسع) أي: تسع نسوة، أي عند موته، وهن: سودة وعائشة وحفصة وأم سلمة وزينب بنت جحش وأم حبيبة وجويرية وصفية وميمونة، هذا ترتيب تزويجه، إياهن. ومات وهن في عصمته صلى الله عليه وسلم. قوله: (كان يقسم) من القسم، بفتح القاف وسكون السين: مصدر قسمت الشيء فانقسم، وبالكسر واحد الأقسام وبمعنى النصيب، يقال: كلاهما بمعنى النصيب ولكن الأول يستعمل في موضع خاص بخلاف الثاني، والقسم بفتحتين اليمين قوله: (لثمان) أي: لثمان نسوة (ولا يقسم لواحدة) أي: لامرأة واحدة، وهي: سودة بنت زمعة بن قيس القرشية العامرية، توفيت في آخر خلافة عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، وكانت قد أسنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم بطلاقها، فقالت له: لا تطلقني وأنت في حل من شأني، فإنما أريدأن أحشر في أزواجك، وإني قد وهبت يومي لعائشة، وإني لا أريد ما تريد النساء؛ فأمسكها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي عنها مع سائر من توفي عنهن من أزواجه. فإن قلت: روي مسلم الحديث المذكور من طريق عطاء، ثم قال في آخره: قال عطاء التي لا يقسم لها صفية بنت حيي بن أخطب قلت: حكى عياض عن الطحاوي أن هذا وهم وصوابه سودة، وإنما غلط فيه ابن جريج راوية عن عطاء، وقال النووي: هذا وهم من ابن جريج الراوي عن عطاء، وإنما الصواب سودة، كما في الأحاديث فإن قلت: يحتمل أن تكون رواية ابن جريج صحيحة ويكون ذلك في آخر أمره حيث روي الجميع، فكان يقسم لجميعهن إلا لصفية. قلت: قد أخرج ابن سعد من ثلاثة طرق أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم لصفية كما يقسم لنسائه. فإن قلت: قد أخرج ابن سعد هذه الطرق كلها من رواية الواقدي، وهو ليس بحجة قلت: ما للواقدي وقد روي عنه الشافعي وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو عبيد وأبو خيثمة، وعن مصعب الزبيري ثقة مأمون، وكذا قال المسيبي،
69

وقال أبو عبيد: ثقة، وعن الداروردي: الواقدي أمير المؤمنين في الحديث، مات قاضيا ببغداد سنة سبع ومائتين ودفن في مقابر الخيزران وهو ابن ثمان وسبعين سنة.
8605 حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس، رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم. كان يطوف على نسائه في ليلة واحدة وله تسع نسوة. وقال لي خليفة: حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة أن أنسا حدثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وسعيد هو ابن أبي عروبة واسمه مهران البصري. والحديث قد مضى في كتاب الغسل بأتم منه. قوله: (وقال لي خليفة) هو أحد مشايخ البخاري، إنما قصد بذلك تصريح قتادة بتحديث أنس له بذلك.
9605 حدثنا علي بن الحكم الأنصاري حدثنا أبو عوانة عن رقبة عن طلحة اليامي عن سعيد بنجبير قال: قال لي ابن عباس: هل تزوجت؟ قلت: لا. قال: فتزوج فإن خير هاذه الأمة أكثرها نساء.
مطابقته للترجمة في قوله: (أكثرها نساء) وعلي بن الحكم بفتحتين الأنصاري المروزي من قرية من قرى مرو يدعي غزا مات سنة ست وعشرين ومائتين وأبو عوانة بفتح العين المهملة الوضاح بن عبد الله اليشكري، وطلحة هو ابن مصرف اليامي بالياء آخر الحروف وتخفيف الميم، ويقال الأيامي في همدان ينسب إلى أيام بن أصبي بن رافع بن مالك بن جشم بن حاشد بن خيران بن نوف بن أوسلة وهو همدان.
قوله: (فإن خير هذه الأمة) المراد به رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه أكثر نساء من غيره، والأمة الجماعة أي: خير هذه الجماعة الإسلامية وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه أكثرهم نساء لأن له تسعا، وإنما قيد بهذه الأمة لأن سليكان، عليه السلام، أكثر زوجات من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل: كانت ألف امرأة: ثلاثمائة حرائر وسبعمائة إماء، وأبلوه داود، عليه السلام، كانت له تسع وتسعون امرأة، وقيل: معناه خير أمة محمد صلى الله عليه وسلم من هو أكثر نساء من غيره إذا تساووا في الفضائل، وقيل له: الخيرية من هذه الجهة لا مطلقا، فافهم.
5
((باب من هاجر أو عمل خيرا لتزويج امرأة فله ما نوى))
أي: هذا باب يذكر فيه أن من هاجر إلى دار الإسلام وكان قصده تزويج امرأة، أو عمل خير من أنواع الخير ليتوسل به إلى تزويج امرأة أو يجعلها زوجة نفسه، أو التزويج بمعنى التزوج، فله ما نوى لقوله صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات، بن علي
ما يجيء الآن.
0705 حدثنا يحيى بن قزعة حدثنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن لحارث عن علقمة بن وقاص عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: العمل بالنية، وإنما لامرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ويحيى بن قزعة، بالقاف والزاي والعين المهملة المفتوحات: الحجازي. والحديث قد مر في أول الكتاب فإنه إخرجه هناك عن الحميدي عن سفيان عن يحيى بن سعيد الأنصاري، وقد مر الكلام فيه مستوفى.
6
((باب تزويج المعسر الذي معه القرآن والإسلام))
أي: هذا باب في بيان تزويج المعسر أي: الفقير الذي ليس معه شيء ومعه القرآن، يعني: يحفظ شيئا من القرآن. قوله: (والإسلام) قال ابن بطال: دل هذا بن علي
أن الكفاءة إنما هي في الدين لا في المال، وقد نبه بهذه الترجمة
70

على جواز ذلك آخذا بما وقع من حال ذلك الرجل الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: التمس ولو خاتما من حديد، فلم يجد، وزوجه بما معه من القرآن.
فيه سهل عن النبي صلى الله عليه وسلم
أي: في هذا الباب ورد حديث سهل بن سعد الأنصاري الساعدي، وقد مر حديثه في: باب القراءة عن ظهر القلب، وفيه: ماذا معك من القرآن؟ قال: معي سورة كذا وكذا، قال: اتقرؤهن عن ظهر قلبك؟ قال: نعم. قال: فقد ملكتكها بما معك من القرآن.
1705 حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى حدثنا إسماعيل قال: حدثني قيس عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم، ليس لنا نساء، فقلنا: يا رسول الله ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذالك.
(انظر الحديث 5164 وطرفه).
مطابقته للترجمة تعلم بالدقة في النظر، وهو أنه صلى الله عليه وسلم لما نهاهم عن الاختصاء مع احتياجهم إلى النساء ومع فقرهم، كما صرح به في هذا الخبر بن علي
ما يأتي إن شاء الله تعالى، وكان مع كل منهم شيء من القرآن كأنه أجاز لهم التزويج بما معهم من القرآن.
ويحيى هو ابن سعيد القطان، وإسماعيل هو ابن أبي خالد سعد البجلي الكوفي، وقيس هو ابن أبي حازم عوف الأحمسي البجلي. قدم المدينة بعدما قبص النبي صلى الله عليه وسلم والحديث قد مر التفسير.
قوله: (عن ذلك) أي: عن الاستخصاء، فدل بن علي
أنه حرام في الآدمي صغيرا كان أو كبيرا، لأن فيه تغيير خلق الله تعالى، ولما فيه من قطع النسل وتعذيب الحيوان. قال البغوي: وكذا كل حيوان لا يؤكل، وأما المأكول فيجوز في صغره ويحرم في كبره.
7
((باب قول الرجل لأخيه: انظر أي زوجتي شئت حتى أنزل لك عنها، رواه عبد الرحمان بن عوف))
أي: هذا باب في قول الرجل إلى آخره، والذي يظهر لي أنه إنما وضع هذه الترجمة التي هي لفظ حديث عبد الرحمن بن عوف الذي مضى في أول البيوع، إشارة إلى أنه رواه فيه من طريقين: أحدهما: عن نفس عبد الرحمن بن عوف. والآخر: عن أنس من طريق زهير عن حميد عنه يخبر عن عبد الرحمن بن عوف، وهنا أيضا رواه من حديث سفيان عن حميد عنه يخبر عن عبد الرحمن. وأخذ البخاري فيه هذه الألفاظ التي هي الترجمة من نفس الحديث ووضعها ترجمة تنبيها بن علي
فوائد كثيرة: منها: وضعة تراجم غريبة في مواضع كثيرة في الكتاب، ومنها: الإشارة إلى اتساع روايته، ومنها: بيان ما فيه من الاختلاف في الأسانيد وفي المتون
وغير ذلك.
قوله: (حتى أنزل لك عنها) أي: حتى أطلقها وتنقضي عدتها ثم تأخذها. قوله: (رواه عبد الرحمن بن عوف) أي: روي هذا الباب الذي هو الترجمة في حديثه، بن علي
ما مر في أول البيوع.
2705 حدثنا محمد بن كثير عن سفيان عن حميد الطويل قال: سمعت أنس بن مالك قال: قدم عبد الرحمان بن عوف فآخى النبي صلى الله عليه وسلم، بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، وعند الأنصاري امرأتان، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال: بارك لله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق. فأتى السوق فربح شيئا من أقط وشيئا من سمن، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أيام وعليه وضر من صفرة، فقال: مهيم يا عبد الرحمان؟ فقال: تزوجت أنصارية. قال: فما سقت إليها قال: وزن نواة من ذهب. قال: أولم ولو بشاة.
.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (وعند الأنصاري امرأتان فعرض عليه أن يناصفه أهله) وقد ذكرنا أنه مضى في أول البيوع.
قوله: (وضر) بفتح الواو والضاد المعجمة وبالراء أي: وهو اللطخ من الخلوق ومن كل طيب له لون. قوله: (مهيم) بفتح الميم
71

وسكون الهاء وفتح الياء آخر الحروف، وفي آخره ميم: أي: ما حالك وما شأنك؟ قوله: (فما سقت) أي: إليها، ويروي هكذا. قوله: (وزن نواة من ذهب) وهو اسم لخمسة دراهم، أي: مقدار خمسة دراهم وزنا من الذهب، وبقية الكلام قد مرت هناك.
8
((باب ما يكره من التبتل والخصاء))
أي: هذا باب في بيان ما يكره من التبتل وأصله الانقطاع من قولهم تبتلت الشيء اتبتله من باب ضرب يضرب إذا قطعته، والمراد بالتبتل المنهي عنه في الحديث الانقطاع عن النساء وترك التزويج، وأما معنى قوله تعالى: * (وتبتل إليه تبتيلا) * (المزمل: 8) فالمراد به الانقطاع إليه والتعبد لا ترك التزويج فإنه لم يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم، بل قال ابن عباس: خير هذه الأمة أكثرها نساء، ويريد به النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرناه. قوله: (والخصاء) بكسر الخاء وبالمد: مصدر خصيت الفحل، إذا سللت خصيتيه، والرجل خصي والجمع خصيان وخصية.
3705 حدثنا أحمد بن يونس حدثنا إبراهيم بن سعد أخبرنا ابن شهاب سمع بن سعيد بن المسيب يقول: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: رد رسول الله صلى الله عليه وسلم، على عثمان ابن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأحمد بن يونس هو أبو عبد الله التيمي اليربوعي الكوفي، وهو شيخ مسلم أيضا، وإبراهيم بن سعد بن عبد لرحمن بن عوف، كان بن علي
قضاء بغداد، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري.
والحديث أخرجه مسلم أيضا في النكاح عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره. وأخرجه الترمذي فيه عن الحسن بن علي الحلال. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن عبيد. وأخرجه ابن ماجة فيه عن أبي مروان محمد بن عثمان العثماني.
قوله: (رد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، بن علي
عثمان بن مظعون التبتل) أي: لم يأذن له فيه حين استأذن في ذلك، ويقال: معنى: رد، نهي عن التبتل وقد ذكرنا معناه الآن. قوله: (ولو أذن له) أي: لو أذن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم. لعثمان بن مظعون (لاختصينا) من اختصيت، إذا فعلت ذلك بنفسك. وكان مناسبا أن يقول: أذن له لتبتلنا، فعدل إلى: اختصينا، إرادة المبالغة أي: لو أذن له لبالغنا في التبتل حتى الاختصاء، وكان التبتل من شريعة النصارى فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته عنه ليكثر النسل ويدوم الجهاد.
وقال القرطبي يقال: يلزم من جواز التبتل عن النساء جواز الخصاء، وهو قطع عضوين بهما قوام النسل، وفيه ألم عظيم لأنه ربما يفضي إلى الهلاك. وهو محرم بالاتفاق، ثم أجاب بأن ذلك لازم من حيث إن مطلق التبتل يتضمنه، فكأن هذا القائل ظن أن التبتل الحقيقي الذي يؤمن معه شهوة النساء وهو الخصاء، وأخذ بأكثر ما يقع عليه الاسم، وقوله: فيه ألم عظيم، مسلم لكن يصغر في جنب صيانة الدين، كقطع اليد للأكلة والكي والبط ونحوها. وقوله: ربما يفضي إلى الهلاك، غير مسلم لأن وقوع الهلاك منه نادر، وخصاء الحيوان يشهد لذلك. وأجاب النووي عن ذلك بأن معناه: لو أذن في الانقطاع عن النساء وغيرهن من ملاذ الدنيا لاختصينا لدفع شهوة النساء لتمكننا من التبتل، قال: وهذا محمول بن علي
أنهم كانوا يظنون جواز الاختصاء باجتهادهم ولم يكن ظنهم هذا موافقا، فإن الاختصاء في الآدمي حرام مطلقا. وقال شيخنا زين الدين، رحمه الله: وفي كل من جوابي القرطبي والنووي نظر، بل الجواب الصحيح أنه: لو وقع إذن من النبي صلى الله عليه وسلم فيما سأله عنه عثمان بن مظعون من التبتل لجاز لهم الاختصاء، لأن استئذان عثمان في التبتل كانت صورته استئذانا في الاختصاء كما هو مبين في حديث عائشة بنت قدامة بن مظعون عن أبيها عن أخيه عثمان بن مظعون، أنه قال: يا رسول الله! إنه ليشق علينا العزبة في المغازي، أفتأذن لي يا رسول الله في الخصاء فأختصى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ولكن عليك يا ابن مظعون بالصيام فإنه مجفر) ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب وذكر أيضا أن عثمان بن مظعون وعليا وأبا ذر هموا أن يختصوا ويبتلوا فنهاهم رسول الله صلى الله عليه تعالى
وسلم، عن ذلك. ونزلت فيهم: * (ليس بن علي
الذين آمنوا وعلموا الصالحات جناح فيما طعموا) * (المائدة: 39) الآية. وأخرج الطبراني من حديث عثمان بن مظعون نفسه أنه قال: يا رسول الله! إني رجل يشق علي العزوبة فاذن لي في الخصاء، قال: لا ولكن عليك بالصيام.
72

4705 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب أنه سمع سعد بن أبي وقاص يقول: لقد رد ذلك يعني النبي صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون ولو أجاز له التبتل لاختصينا.
(انظر الحديث 3705).
هذا طريق آخر في الحديث المذكور وأخرجه عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن الزهري: إلى آخره.
5705 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن إسماعيل عن قيس قال: قال عبد الله: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس لنا شيء، فقلنا: ألا نستحصي؟ فناهانا عن ذالك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب، ثم قرأ علينا ياأيها الذين ءامنوا لا تحرموا طيبات مآ أحل الله لكم ولا تعتدو
1764; ا إن الله لا يحب المعتدين) * (المائدة: 78).
(انظر الحديث 5164 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وجرير هو ابن عبد الحميد، وإسماعيل هو ابن أبي خالد البجلي، وقيس هو ابن أبي حازم، وعبد الله هو ابن مسعود، وقد مر هذا الحديث عن قريب إلى قوله: (فنهانا عن ذلك) فإنه أخرجه عن محمد بن المثنى عن يحيى عن إسماعيل إلى آخره.
قوله: (ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب) هذا نكاح المتعة، وهذا يدل بن علي
أن ابن مسعود يرى بجواز المتعة. وقال القرطبي: لعله لم يكن حينئذ بلغه الناسخ ثم بلغه فرجع، ويدل بن علي
ذلك ما ذكر الإسماعيلي أنه وقع في رواية أبي معاوية عن إسماعيل ابن أبي خالد: ففعلنا، ثم ترك ذلك. قال: وفي رواية لابن عيينة عن إسماعيل، ثم جاء تحريمها بعد وفي رواية أبي معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد: ففعلنا، ثم ترك ذلك. قال: وفي رواية لابن عيينة عن إسماعيل، ثم جاء تحريمها بعد. وفي رواية معمر عن إسماعيل ثم نسخ. قوله: (ثم قرأ علينا * (يا أيهاالذين آمنوا لا تحرموا) * (المائدة: 78) الآية، وفي رواية مسلم: ثم قرأ علينا عبد الله رضي الله تعالى عنه. وروي الواحدي في أسباب النزول من رواية عثمان بن سعد عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني إذا أكلت من هذا اللحم انتشرت إلى النساء، وإني حرمت علي اللحم. فنزلت: * (لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) * (المائدة: 78) فعلى هذا لا يجوز لأحد من المسلمين تحريم شيء مما أحل الله لعباده المؤمنين بن علي
نفسه من طيبات المطاعم والملابس والمناكح بإحلال ذلك لها بعض المشقة، أو أمنه، ولا فضل في ترك شيء مما أحله الله تعالى لعباده والفضل والبر فيما هو فعل ما ندب الله عباده إليه، وعمل به رسوله وسنه لأمته وتبعه بن علي
هذا المنهاج الأئمة الراشدون، فإذا كان ذلك تبين خطأ من آثر لباس الشعر والصوف بن علي
لباس القطن والكتان إذا قدر بن علي
لبس ذلك من حله، وآثر أكل الفول والعدس بن علي
خبز البر والشعير، وترك أكل اللحم والودك حذرا من عارض الحاجة إلى النساء، والأولى بالأجسام إصلاحها لتعينه بن علي
طاعة ربه، ولا شيء أضر بالجسم من المطاعم الرديئة لأنه مفسد لعقله ومضغة لأدواته التي جعلها الله تعالى سببا إلى طاعته، ومن ذلك التبتل والترهب لأنه داخل في معنى الآية المذكورة. وقال المهلب: إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك من أجل أنه مكاثر ربهم الأمم يوم القيامة وأنه في الدنيا يقاتل بهم طوائف الكفار، وفي آخر الزمان يقاتلون الدجال فأراد صلى الله عليه وسلم أن يكثر النسل، ولا التفات إلى ما روي خيركم بعد المائتين الخفيف الحاذ الذي لا أهل له ولا ولد، فإنه ضعيف بل موضوع، وكذلك قول حذيفة: إذا كان سنة خمسين ومائة فلأن يربي أحدكم جرو كلب خير له من أن يربي ولدا.
6705 حدثنا وقال أصبغ: أخبرني ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله! إني رجل شاب وأنا أخاف على نفسي العنت ولا أجد ما أتزوج به النساء، فسكت عني ثم قلت: مثل ذالك فسكت غني، ثم قلت مثل ذالك فسكت عني، ثم قلت مثل ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة! جف القلم بما أنت لاق فاختص على ذلك أو ذر.
أي قال أصبغ بن الفرج وراق عبد الله بن وهب، كذا وقع في عامة الأصول: قال أصبغ، وكذا ذكره أبو مسعود وخلف
73

وخالف ذلك الحافظان أبو نعيم والطرقي فقالا: رواه البخاري عن أصبغ، ولئن سلمنا صحة ما وقع في الأصول وأنه رواه عنه معلقا فقد رواه الإسماعيلي: حدثنا ابن الهاد حدثنا أصبغ أخبرني ابن وهب، وقد وقع في كتاب الطرقي: رواه البخاري ابن محمد وهو غير صحيح لأنه ليس للبخاري شيخ اسمه أصبغ بن محمد، ولا في الكتب الستة. والحديث من أفراده.
قوله: (إني رجل شاب وأنا أخاف) وفي رواية الكشميهني: وإني أخاف، وكذا في رواية حرملة. قوله: (العنت) بفتح النون وبالتاء المثناة من فوق وهو الحمل بن
علي
المكروه. وقد عنت يعنت من باب علم يعلم، والعنت الإثم، وقد عنت اكتسب إثما، والعنت الفجور والزنا وكل شاق ذكره في المنتهى وفي التهذيب: الإعنات تكليف غير الطاقة، وقال ابن الأنباري: أصل العنت التشديد، والمراد به ههنا الزنا. قوله: (جف القلم بما أنت لاق) أي: نفذ المقدر بما كتب في اللوح المحفوظ فبقي القلم الذي كتب به جافا لا مداد فيه لفراغ ما كتب به. قوله: (فاختص) صورته صورة أمر من الاختصاء، ولكن هذا من قبيل قوله تعالى: * (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) * (الكهف: 92) وليس الأمر فيه لطلب الفعل بل هو للتهديد، وحاصل المعنى: إن فعلت أو لم تفعل فلا بد من نفوذ القدر، ووقع في بعض الأصول اقتصر، موضع اختص. وكذا وقع في المصابيح فإن صحت فلا حاجة إلى تأويل الأول. قوله: (بن علي
ذلك) كلمة: بن علي
، متعلقة بمقدر محذوف أي: اختص حال استعلائك بن علي
العلم بأن الكل بتقدير الله عز وجل قال القاضي البيضاوي: المعنى أن الاقتصار بن علي
التقدير والتسليم له وتركه الإعراض عنه سواء. فإن ما قدر لك من خير أو شر فهو لا محالة يأتيك، وما لم يكتب فلا طريق لك إلى حصوله. وقال الطيبي: أي اقتصر بن علي
ما ذكرت لك وارض بقضاء الله تعالى أو ذر ما ذكرته وامضلشأنك واختص، فيكون تهديدا. وقال الكرماني: وقال بعضهم: معناه قد سبق في قضاء الله تعالى جميع ما يصدر عنك ويلاقيك فاقتصر بن علي
ذلك، فإن الأمور مقدرة أودعه فلا تخض فيه. قوله: (أو ذر)، أي: أو اترك، وهو أمر من يذر، وقالت: الصرفيون، أماتوا ماضي يذر ويدع. قلت: قد جاء ماضي يدع في قوله تعالى: * (ما ودعك) * (الضحى: 3) قرىء بالتخفيف فإن قيل: لم يؤمر أبو هريرة بالصيام لكسر شهوته كم أمر به غيره، وأجيب بأن لغالب من حال أبي هريرة كان الصوم لأنه منأهل الصفة وكانوا مستمرين بن علي
الصوم، وقيل: وقع ذلك في الغزو كما وقع لابن مسعود، وكانوا في الغزو يؤثرون الفطر بن علي
الصيام للتقوي بن علي
القتال فأداه اجتهاده في حسم مادة الشهوة بالاختصاء، كما ظهر لعثمان بن مظعون فمنعه صلى الله عليه وسلم.
9
((باب نكاح الأبكار))
أي: هذا باب في بيان نكاح الأبكار، وهو جمع بكر، والبكر خلاف الثيب ويقعان بن علي
الرجل والمرأة. ومنه: البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة.
وقال ابن أبي مليكة، قال ابن عباس لعائشة: لم ينكح النبي صلى الله عليه وسلم بكرا غيرك
ابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة. بضم الميم واسمه زهير بن عبد الله التيمي الأحول المكي القاضي بن علي
عهد ابن الزبير، وهذا الذي قاله طرف من حديث وصله البخاري في تفسير سورة النور.
7705 حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال: حدثني أخي عن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قلت: يا رسول الله! أرأيت لو نزلت واديا وفيه شجرة قد أكل منها ووجدت شجرا لم يؤكل منها في أيها كنت ترتع بعيرك؟ قال: في التي لم يرتع منها، تعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرا غيرها.
مطابقته للترجمة في قوله: (لم يتزوج بكرا غيرها) وإسماعيل بن أبي أويس بن أخت مالك بن أنس وأخوه عبد الحميد وسليمان هو ابن بلال. والحديث من أفراده.
قوله: (أرأيت) أي: أخبرني. قوله: (وفيه شجرة قد أكل منها ووجدت شجرا لم يؤكل منها) كذا وقع في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره: ووجدت شجرة، وذكره الحميدي بلفظ: فيه
74

شجر قد أكل منها، وكذا أخرجه أبو نعيم في المستخرج بلفظ الجمع وهو أصوب لقوله بعد: (في أيها كنت ترتع) أي: في أي الشجر؟ ولو أراد الموضعين لقال: في أيهما. قوله: (ترتع) بضم أوله من الإرتاع، يقال: ارتع بعيره، إذا تركه يرعيشيئا، ورتع البعير في المرعى إذا أكل ما شاء، ورتعه الله أي: أنبت له ما يرعاه بن علي
سعة. قوله: (قال: في الذي لم يرتع منها) والأصل أن يقال: في التي لم يؤكل منها وكذا في رواية أبي نعيم: قال في الشجرة التي، وهو الأصل. قوله: (تعني). أي: عائشة، رضي الله تعالى عنها، وزاد أبو نعيم قبل هذا ناهيه، بكسر الهاء وفتح الياء آخر الحروف وسكون الهاء، وهي للسكت.
8705 حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أريتك في المنام مرتين إذا رجل يحملك في سرقة حرير، فيقول: هاذه امرأتك، فأكشفها فإذا هي أنت، فأقول: إن يكن هاذا من عند الله يمضه.
.
مطابقته للترجمة من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم، تزوج عائشة وهي بكر بعد رؤيته إياها في المنام الصادق. وعبيد اسمه في الأصل عبد الله بن إسماعيل يكنى أبا محمد الهباري القرشي الكوفي، وأبو أسامة. والحديث أخرجه البخاري أيضا في التعبير عن عبيد المذكور وأخرجه مسلم في الفصائل عن أبي كريب عن أبي أسامة.
قوله: (أريتك)، بضم الهمزة وكسر الكاف لأنه خطاب لعائشة. قوله: (إذا رجل يحملك)، كلمة: إذا، للمفاجأة، وأراد بالرجل ملكا في صورة رجل، وفي رواية الترمذي: أن الملك الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصورتها هو جبريل، عليه الصلاة والسلام، وفي صحيح ابن حبان جاءني جبريل عليه الصلاة والسلام، في خرقة حرير فقال: هذه زوجتك في الدنيا والآخرة، وفي رواية لمسلم: جاءني لك الملك، وفي طبقات ابن سعد عنها: جاء جبريل، عليه الصلاة والسلام، بصورتي من السماء في حريرة وأصلها بالفارسية: سره، أي: جيد فعرب كما عرب إستبرق، وقيل: هي شقة من الحرير الأبيض، وادعى المهلب أنه كالكلة والبرقع، وهو غريب. قوله: (فأكشفها) أي: فأكشف السرقة، قيل: إنما رأى منها ما يجوز للخاطب أن يراه. قوله: (فإذا هي أنت) كلمة: إذا، للمفاجأة وهي ترجع إلى الصورة التي في السرقة. قوله: (إن يكن من عند الله)، أي: إن يكن هذا الذي رأيته كائنا من عند الله (يمضه) بضم الياء من الإمضاء، وهو الإنفاذ، وقال ابن العربي: لم يشك صلى الله عليه وسلم فيما رأى فإن رؤيا الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، وحي وإنما احتمل عنده أن تكون الرؤيا اسما. واحتمل أن تكون كنية. فإن للرؤيا اسما وكنية. فسموها بأسمائها وكنوها بكناها، واسمها أن تخرج بعينها، وكنيتها أن تخرج بن علي
مثالها، أو هي أختها أو قرينتها أو جارتها أو سميتها، وذكر عياض أن هذه الرؤيا تحتمل أن تكون قبل النبوة فقال: تزوجها فإنها امرأتك. قوله: (في سرقة) بفتح السين المهملة وفتح الراء. وهي قطعة من حرير وإن كانت بعد النبوة فلها ثلاثة معان: الأول: أن تكون الرؤيا بن علي
وجهها فظاهرها لا يحتاج إلى تعبير وتفسير فيسمضه الله وينجزه، فالشك عائد إلى أنها رؤيا بن علي
ظاهرها أم تحتاج إلى تعبير وصرف عن ظاهرها. الثاني: المراد إن كانت هذه الزوجية في الدنيا يمضه الله، عز وجل، فالشك أنها هل هي زوجته في الدنيا أو في الآخرة. الثالث: أنه لم يشك، ولكن أخبر بن علي
التحقيق وأتى بصورة الشك، وهذا نوع من البلاغة يسمى: مزج الشك باليقين.
01
((باب تزويج الثيبات))
أي: هذا في باب في بيان تزويج النساء الثيبات، وهو جمع ثيب. وقال بعضهم: جمع ثيبة، وليس كذلك بل جمع ثيب وقال المطرزي: الثيب بالضم في جمعها ليس من كلامهم. والثيب من ليس ببكر، وقد ذكرنا أنه يقال: رجل ثيب وامرأة ثيب، وقال ابن الأثير: ويقع بن علي
الذكر والأنثى، وفي المغرب والثيب من النساء التي قد تزوجت فبانت بوجه، وعن الليث: ولا يقال للرجل وعن الكسائي: رجل ثيب بامرأته، وامرأة ثيب إذا دخل بها، كما يقال: بكر وأيم، وهو فيعل من ثاب لمعاودتهما التزوج
75

في غالب الأمور، ولأن الخطاب يثاوبونها أي: يعاودونها. وقولهم: ثيبت المرأة تثييبا كعجزت الناقة وثيبت الناقة إطا صارت عجوزا.
وقالت أم حبيبة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن
مطابقته للترجمة في قوله: (بناتكن) لأنه خطاب أزواجه ونهاهن أن يعرضن عليه ربائبه لحرمتهن وهن ثيبات قطعا، وهو تحقيق أنه صلى الله عليه وسلم تزوج الثيب ذات البنت، وقال بعضهم: استنبط المصنف الترجمة من قوله: (بناتكن) لأنه خطاب بذلك نساءه فاقتضى أن لهن بنات من غيره، فيستلزم أنهن ثيبات. انتهى. قلت: سبحان الله! ما أبعد هذا الكلام عن المقصود، والمقصود إثبات المطابقة للترجمة وليس فيما قاله وجه المطابقة، لأن الذي قال: إن لنسائه بنات من غيره، وأنه يستلزم أنهن ثيبات والترجمة في زويج الثيبات لا في بيان أن لهن بنات، فمن أين يفهم من قوله هذا؟ وقد أخذ كلام الناس وأفسده، ولا يخفي ذلك بن علي
المتأمل وأما تعليق أم حبيبة أم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان الأموي، فإن البخاري أسنده عن الحكم بن نافع عن شعيب عن الزهري عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم حبيبة، وسيأتي بعد عشرة أبواب إن شاء الله تعالى. قوله: (لا تعرضن) قال ابن التين: ضبط بضم الضاد ولا أعلم له وجها لأنه إما خاطب النساء أو واحدة منهن، فإن كان خطابه لجماعة النساء فصوابه تسكينها لأنه دخل عليه النون المشددة فيجتمع ثلاث نونات فيفصل بينهما بألف، فيقال: لا تعرضنان، ولا تدخل النون الخفيفة في جماعة النساء، ولا في تثنيتهن، وإن كان خطابه لأم حبيبة خاصة فتكون الضاد مكسورة والنون مشددة أو نون خفيفة. قلت: عند يونس تدخل النون الخفيفة في جماعة النساء وتثنيتهن، كما عرف في موضعه.
5705 حدثنا أبو النعمان حدثنا هشيم حدثنا سيار عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال: قفلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، من غزوة، فتعجلت على بعير لي قطوف، فلحقني راكب من خلفي فنخس يعيري بعنزة كانت معه، فانطلق بعيري كأجود ما أنت راء من الإبل، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما يعجلك؟ قلت: كنت حديث عهد بعرص. قال: أبكرا أم ثيبا؟ قلت: ثيب. قال: فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك؟ قال: فلما ذهبنا لندخل، قال: أملهوا حتى تدخلوا ليلا أي: عشاء لكي تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة.
.
مطابقته للترجمة في قوله: (قلت: ثيب) وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي، وهشيم بن مصغر هشم بن بشير مصغر بشر وسيار، بفتح السين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وفي آخره راء: ابن أبي سيار واسمه وردان أبو الحكم العنزي الواسطي، والشعبي عامر بن شراحيل.
والحديث قد مر مطولا ومختصرا في البيوع، والاستقراض والجهاد والشروط ومر الكلام فيه في كل باب بما يحتاج إليه.
قوله: (قفلنا) أي: رجعنا. قوله: (من غزوة) وهي غزوة تبوك. قوله: (قطوف) بفتح القاف أي: بطيء. قوله: (بعنزة) وهي أقصر من الرمح وأطول من العصا، وفي البيوع: ضربه بمحجن وهو الصولجان، ولا منافاة بينهما لأنه إذا كان أحد طرفيه معوجا والآخر فيه حديد يصدق اللفظان عليه. قوله: (فإذا النبي) أي: فإذا هو النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (ما يعجلك) أي: ما سبب إسراعك؟ قوله: (حديث عهد بعرس) أي: قريب عهدبالدخول بن علي
المرأة. قوله: (أبكرا) منصوب بمقدر أي: أتزوجت بكرا؟ قوله: (ثيب) خبرمبتدأ محذوف أي: هي تيب. قوله: (فهلا جارية) أي: فهلا تزوجت جارية، وكلمة هلا، للتخصيص. قوله: (ليلا أي غشاء) قال الكرماني: إنما فسر الليل بالعشاء لئلا ينافي ما تقدم في كتاب العمرة في: باب لا يطرق أهله، أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يطرق أهله ليلا. قلت: هذا غير مخالف لأن هذا قاله لمن يقدم بغنة من غير أن يعلم أهله به، وأما هنا فتقدم خبر مجيء الجيش والعلم بوصوله وقت كذا وكذا. قوله: (الشعثة) بفتح الشين المعجمة وكسر العين المهملة بعدها ثاء مثلثة، لأن التي يغيب زوجها في مظنة عدم التزين، وقيل: الشعثة منتشرة الشعر مغبرة الرأس. قوله: (وتستحد المغيبة) أي: تستعمل الحديدة في إزالة الشعر، والمغيبة، بضم الميم وكسر الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة: من أغابت المرأة إذا غاب زوجها فهي مغيبة.
76

0805 حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا محارب قال: سمعت جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، يقول: تزوجت. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تزوجت؟ فقلت: تزوجت ثيبا فقال: مالك وللعذارى ولعابها، فذكرت ذلك لعمرو بن دينار، فقال عمرو: سمعت جابر بن عبد الله يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلا جارية تلاعبها وتلاعبك.
.
مطابقته للترجمة في قوله: (تزوجت ثيبا) وقد ذكرنا أن هذا الحديث رواه البخاري في مواضع كثيرة بوجوه كثيرة. ومحارب، بكسر الراء: ابن دثار، بكسر الدال السدوسي.
قوله: (مالك والعذاري) جمع العذراء وهي البكر. قوله: (ولعابها) بكسر اللام بمعنى الملاعبة. قوله: (هلا جارية) أي: هلا تزوجت جارية؟ قوله: (فذكرت ذلك) القائل هو محارب، وذلك: إشارة إلى قوله: (مالك وللعذارى ولعابها).
11
((باب تزويج الصغار من الكبار))
أي: هذا باب في بيان حكم تزويج الصغار من الكبار في السن.
1805 حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث عن يزيد عن عراك عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب عائشة إلى أبي بكر، فقال له أبو بكر: إنما أنا أخوك. فقال: أنت أخي في دين الله وكتابه، وهي لي حلال.
مطابقته للترجمة من حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة وهي صغيرة، وكان عمرها ست سنين، واعترض الإسماعيلي هذا بوجهين: أحدهما: أن صغر عائشة من كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم معلوم من غير هذا الخبر. والآخر: أن هذا مرسل، فإن كان مثل هذا يدخل في الصحيح فيلزمه في غيره من المراسيل. وأجاب بعضهم عن الأول بقوله: يمكن أن يؤخذ من قول أبي بكر: (إنما أنا أخوك) فإن الغالب في بنت الأخ أن تكون أصغر من عمها. قلت: هذا ليس بشيء، لأن الترجمة في تزويج الصغار من الكبار، وليست في مجرد بيان الصغار من الكبار، والجواب الصحيح الذي ذكرته، والجواب عن الثاني: وإن كانت صورته صورة الإرسال ولكن الظاهر أن عروة حمله عن عائشة، يدل عليه أن أبا العباس الطرقي في ذكره في كتابه مسندا عن عروة عن عائشة وغيرها من نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عبد البر: مثل هذا يدخل في المسند.
قوله: (خطب عائشة إلى أبي بكر) قيل: كلمة: إلى، هنا بمعنى من، والأولى أن تكون بن علي
حالها للغاية أي: أنهى خطبته إلى أبي بكر كما في قولهم: أحمد إليك الله أي: أنهي حمده إليك. قوله: (إنما أنا أخوك) كأن أبا بكر، رضي الله تعالى عنه، أعتقد أنه لا يحل له أن يتزوج ابنته للمؤاخاة والخلة التي كانت بينهما، فاعلمه صلى الله عليه وسلم أن أخوة الإسلام ليست كأخوة النسب والولادة فقال: إنها لي حلال بوحي الله تعالى، كما قال إبراهيم، عليه السلام، الذي أراد أن يأخذ منه زوجته: هي أختي، يعني في الإيمان، لأنه لم يكن أحد مؤمنا غيرهما في ذلك الوقت.
واعترض صاحب التلويح هنا بوجهين: أحدهما: أن الخلة لأبي بكر إنما كانت في المدينة والخطبة إنما كانت بمكة، فكيف يلتئم قوله. في هذا؟ والآخر: أنه صلى الله عليه وسلم ما باشر الخطبة بنفسه، كما ذكر ابن عاصم من حديث يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون يخطبها، فقال لها أبو بكر، رضي الله تعالى عنه: وهل تصلح له؟ إنما هي ابنة أخيه؟ فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: إرجعي وقولي له: أنت أخي في الإسلام، فابنتك تصلح لي. فأتت أبا بكر فذكرت له، فقال: ادعي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه فأنكحه انتهى.
قلت: أما الجواب عن الأول: فهو أنه: لا مانع أن الخلة إنما كانت في مكة ولكن ما ظهرت إلا بالمدينة، وأما الجواب عن الثاني: فيحتمل أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، لما جاء إلى أبي بكر خطب بنفسه أيضا، فوقع بينهما ما ذكر في الحديث. ثم إنه لما علم حقيقة الأمر أنكحها من النبي صلى الله عليه وسلم
77

، وقال ابن بطال: أجمع العلماء أنه يجوز للآباء تزويج الصغار من بناتهم وإن كن في المهد، إلا أنه لا يجوز لأزواجهن البناء بهن إلا إذا صلحن للوطء واحتملن الرجال، وأحوالهن في ذلك مختلف في قدر خلقهن وطاقتهن، واختلف العلماء في تزويج غير الآباء اليتيمة، فقال ابن أبي ليلى ومالك والليث والثوري والشافعي وابن الماجشون وأبو ثور: ليس لغير الأب أن يزوج اليتيمة الصغيرة، فإن فعل فالنكاح باطل، وحكى ابن المنذر عن مالك أنه قال يزوج القاضي الصغيرة دون الأولياء ووصي الأب والجد عند الشافعي عند عدم الأب كلأب، وقالت طائفة: إذا زوج الصغيرة غير الأب من الأولياء فلها الخيار إذا بلغت، يروي هذا عن عطاء والحسن وطاووس. وهو قول الأوزاعي وأبي حنيفة ومحمد، إلا أنهما جعلا الجد كالأب لا خيار في تزويجه. وقال أبو يوسف: لا خيار لها في جميع الأولياء. وقال أحمد: لا أرى للولي ولا للقاضي أن يزوج اليتيمة حتى تبلغ تسع سنين، فإذا بلغت ورضيت فلا خيار لها.
21
((باب إلى من ينكح؟ وأي النساء خير؟ وما يتحب أن يتخير لنطفه من غير إيجاب))
أي: هذا باب في بيان من إذا أراد أن يتزوج ينتهي أمره إلى من يتزوج من النساء، أو إلى من يعقد، وقد ذكرنا أن النكاح يأتي بمعنى التزويج وبمعنى العقد، وقد اشتملت هذه الترجمة بن علي
ثلاثة أنواع، وحديث الباب واحد. الأول: قوله: (إلى من ينكح) والثاني: قوله: (وأي النساء خير) و الثالث: وما يستحب أن يتخير لنطفه. ومن الحديث تؤخذ المطابقة للأول والثاني ظاهرا أو الثالث لا تؤخذ إلا بطريق اللزوم، بيانه أن الذي يريد النكاح ينبغي أن يتزوج من قريش لأن نساءهن خير النساء، وهذا نوعان ظاهر إن في المطابقة، وأما النوع الثالث فهو أنه لما ثبت أن نساء قريش خير النساء، وأن الذي تزوج منهن قد تخير لنطفه لأجل أولاده، وهذا لا يفهم من الحديث صريحا، ولكن بطريق اللزوم، بن علي
أنا نقول: يحتمل أنه أشار إلى حديث أخرجه ابن ماجة من حديث عائشة مرفوعا: تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء، وأخرجه الحاكم أيضا وصححه. فإن قلت: كيف يكون نساء قريش أفضل من مريم أم عيسى، عليهما السلام، ولا سيما بن علي
قول من يقول: إنها نبيه؟ قلت: أجاب بعضهم بأن في الحديث: خير نساء ركبن الإبل، ومريم، عليها السلام، ولم تركب بعيررا. قلت: هذا جواب لا يجدى. وقد أطنب هذا القائل هنا وكله غير كاف، ويمكن أن يجاب عن هذا بأنه صلى الله عليه وسلم قيد بقوله: صالحو نساء قريش، ومريم عليها السلام، ليست من قريش، وقال النووي: معنى خير أي: من خير، كما يقال: أحسنهم كذا، أي: من أحسنهم أي: أحسن من هنالك، وقد يقال: إن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: خير نساء ركبن الإبل صالحو نساء قريش، يعني في زمانهن. قوله: (من غير إيجاب) أراد به أن الذي ذكره في هذه الترجمة من الأنواع الثلاثة ليس من باب الإيجاب، بل هو من باب الاستحباب.
2805 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: خير نساء ركبن الإبل صالحو نساء قريش: أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده.
(انظر الحديث 4343 وطرفه).
قد مر بيان وجه المطابقة الآن، وهذا الإسناد بعين هؤلاء الرواة قد مر غير مرة.
وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة، وأبو الزناد، بالزاي والنون: عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز.
والحديث مر في أحاديث الأنبياء في باب قوله تعالى: * (إذ قالت الملائكة يا مريم) * (آل عمران: 24 و 54) بأتم منه، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (صالحو) أصله: صالحون، سقطت النون للإضافة ويروى: صالح نساء قريش، بالإفراد، ويروى: صلح نساء قريش، بضم الصاد وتشديد اللام، جمع: صالح، وهو رواية الكشميهني والمراد بالإصلاح هنا صلاح الدين وصلاح المخالطة للزوج وغيره. قوله: (أحناه) من الحنو وهو الشفقة، والحانية هي التي تقوم بن علي
ولدها بعد يتمه فلا تتزوج، فإن تزوجت فليست بحانية، وكان القياس أن يقال: أحناهن، وأن يقال: صالحة نساء قريش، ولكن ذكره باعتبار لفظ الخبر أو باعتبار الشخص أو هو من باب ذي كذا، وأما الإفراد فهو بالنظر
78

إلى لفظ الصالح، وأما بقصد الجنس. قوله: (بن علي
ولده) في رواية الكشميهني بن علي
ولد بلا ضمير، ووقع في رواية مسلم: بن علي
يتيم، وفي أخرى بن علي
طفل. قوله: (وأرعاه بن علي
زوج) أي: أحفظه وأصون لما له بالأمانة فيه والصيانة، له وترك التبذير في الإنفاق. قوله: (في ذات يده) أي: في ماله المضاف إليه.
21
((باب اتخاذ السراري ومن أعتق جاريته ثم تزوجها))
أي: هذا باب في بيان اتخاد السراري أي: اقتنائها، والسراري، بتشديد الياء وتخفيفها: جمع سرية بضم السين وكسر الراء المشددة ثم الياء آخرالحروف المشددة، وقد تكسر السين، وهو من تسررت من السر، وهو النكاح أو من السرور، فأبدلت إحدى الراآت ياء، وقيل: إن أصلها الياء من الشيء السري النفيس، وفي المغرب: السرية فعلية من السر، الجماع، أو مفعولة من التسر السيادة والأول أشهر، وقد ورد الأمر باقتناء السراري في حديث أبي الدرداء. مرفوعا: عليكم بالسراري. فإنهن مباركات الأرحام. أخرجه الطبراني بإسناد واه قوله: (ومن أعتق جاريته) عطف هذا الحكم بن علي
اتخاذ السراري لأنه قد يقع بعد التسري، وقد يقع قبله.
3805 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد حدثنا صالح الهمداني حدثنا الشعبي، قال: حدثني أبو بردة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران، وأيما رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران، وأيما مملوك أدى حق مواليه وحق ربه فله أجران.
.
مطابقته للجزء الثاني من الترجمة ظاهرة. وعبد الواحد بن زياد، وصالح بن صالح مسلم الثوري الهمداني، بسكون الميم وبالدال المهملة بالنون: الكوفي، والشعبي عامر بن شراحيل، وأبو بردة، بضم الباء الموحدة وسكون الراء اسمه عامر، يروي عن أبيه أبي موسى الأشعري، واسمه عبد الله بن قيس.
والحديث قد مر في كتاب العلم في: باب تعليم الرجل أمته، فإنه أخرجه هناك عن محمد بن سلام عن المحاربي عن صالح بن حيان عن عامر الشعبي: حدثني أبو بردة عن أبيه الحديث فإن قلت: هذا صالح بن حيان الذي يروي عن الشعبي في كتاب العلم هو صالح بن صالح الذي في هذا الحديث أم غيره. قلت نعم: هو إياه ولكنه نسبه في كتاب العلم إلى جد أبيه لأنه صالح بن صالح بن مسلم بن حيان، وهنا نسبه إلى أبيه، وليس هو صالح بن حيان القرشي الكوفي الذي يحدث عن أبي وائل بردة ويروي عنه يعلى بن عبيد ومروان بن معاوية. فافهم.
قوله: (وليدة) أي: أمة وأصلها: ما ولد من الإماء في ملك الرجل ثم أطلق بن علي
كل أمة، وقد مر الكلام فيه هناك مستقصى.
قال الشعبي: خذها بغير شيء، قد كان الرجل يرحل فيما دونها إلى المدينة
أي: قال عامر الشعبي لصالح المذكور الذي روي الحديث المذكور عنه، هذا بحسب ظاهر الكلام، وبه جزم الكرماني، والرد عليه في هذا الموضع كالرد عليه في كتاب العلم: بأن الخطاب في قول الشعبي: خذها، لرجل من أهل خراسان فلينظر فيه هناك من يريد تحريره. قوله: (خذها) أي: خذ هذه المسألة أو هذه المقالة. (بغير شيء) يعني: مجانا بدون أخذها منك بن علي
جهة الأجرة عليه، وإلا فلا شيء أعظم من الأجر الأخروي الذي هو ثواب التبليغ والتعليم. قوله: (قد كان الرجل) إلى آخره معناه أني أعطيك هذه المسألة بغير شيء، وقد كان الرجل يرحل أي: يسافر دونها أي: فيما دون المسألة إلى المدينة، أي: مدينة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، اللام فيها للعهد، ولفظه في كتاب العلم: قال عامر: أعطيناكها بغير شيء، قد كان يركب فيما دونها إلى المدينة.
وقال أبو بكر عن أبي حصين عن أبي بردة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أعتقها ثم أصدقها
79

أي: قال أبو بكر بن عياش، بتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة: القارئ، قيل: اسمه شعبة، وقيل: سالم يروي عن أبي حصين، بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين: عثمان بن عاصم عن أبي بردة، بضم الباء الموحدة: عامر عن أبيه أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس، وهذا وقع مسلسلا بالكنى وكلهم كوفيون. وقال الكرماني: وفي بعض الرواية عن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى، وهو سهو. قلت: غلط ظاهر، هذا التعليق أسنده أبو داود الطيالسي في مسنده، وقال: حدثنا أبو بكر الخياط، فذكره بإسناده بلفظ: إذا أعتق الرجل أمته أمهرها مهرا جديدا كان له أجران. وأبو بكر الخياط هو أبو بكر بن عياش المذكور، فكأنه كان يتعاطى الخياطة وقت، وهو أحد الحفاظ المشهورين في الحديث والقراء المذكورين في القراءات. قوله: (أعتقها ثم أصدقها) أراد أن أبا بكر بن عياش روي في الحديث المذكور بلفظ: (أعتقها ثم أصدقها) موضع قوله فيه: ثم أعتقها وتزوجها، ومعناهما واحد.
4805 حدثنا سعيد بن تليد قال: أخبرني ابن وهب قال: أخبرني جرير بن حازم عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم.
وحدثنا سليمان عن حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة: لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات بينما: إبراهيم مر بجبار ومعه سارة فذكر الحديث، فأعطاها هاجر، قالت: كف الله يد الكافر وأخدمني آجر. قال أبو هريرة. فتلك أمكم يا بني ماء السماء.
.
قيل: مطابقته للترجمة من حيث إن هاجر كانت مملوكة وإن إبراهيم، عليه السلام، أولدها بعد أن ملكها، فهي سرية. واعترض عليه بعضهم بأنه إن أراد أن ذلك وقع
صريحا في الصحيح، فليس بصحيح، وإنما الذي في الصحيح أن سارة ملكتها وأن إبراهيم، عليه السلام، أولدها إسماعيل. عليه السلام. انتهى. قلت: اعتراضه عليه بأنه أراد إلى آخره غير موجه، لأن من قال: إنه أراد ذلك وإنما حاصل كلامه في أصل الحديث اتخاذ إبراهيم هاجر سرية بعد أن ملكها، فيطابق الترجمة بن علي
ما لا يخفي، وقد جرت عادة البخاري مثل ذلك في أمثال ذلك
وأخرجه من طريقين: أحدهما: عن سعيد بن تليد، بفتح التاء المثناة من فوق وكسر اللام وبالدال المهملة: وهو سعيد بن عيسى بن تليد أبو عثمان الرعيني المصري، يروي عن عبد الله بن وهب المصري عن جرير بن حازم، بالحاء المهملة والزاي، عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة. والآخر: عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن أيوب عن محمد، كذا في رواية الأكثرين، ووقع في رواية أبي ذر عن أيوب عن مجاهد. وهو خطأ، وقال الكرماني: والأول أكثر وأصح. قلت: قوله يدل بن علي
الصحة مع القلة، وليس كذلك: بل هو خطأ محض.
قوله: (عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم) كذا وقع مرفوعا في أكثر الأصول. وذكر أبو مسعود وخلف أنه موقوف، وأبى ذلك الطرقي وغيره. ووقع أيضا موقوفا في رواية أبي كريمة والنسفي، وكذا ذكر أبو نعيم أنه وقع هنا للبخاري موقوفا. وبذلك جزم الحميدي، وساق البخاري هذا الحديث هنا مختصرا وساقه في أحاديث الأنبياء، عليهم السلام، في: باب قول الله تعالى: * (واتخذ الله إبراهيم خليلا) * (النساء: 521) بأتم منه. قوله: (بجبار)، أي: ملك حران، قاله الكرماني، وقال غيره: ملك مصر. قوله: (آجر) أي: هاجر بالهمزة بدل الهاء، وقد مر الكلام فيه هناك مستقصى. قوله: (قال أبو هريرة: فتلك أمكم)، أي: هاجر أمكم يا بني ماء السماء، أراد به العرب، لأن هاجر أم إسماعيل، عليه الصلاة والسلام، والعرب من نسله وسموا به لأنهم سكان البوادي وأكثر مياههم من المطر.
5805 حدثنا قتيبة حدثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس، رضي الله عنه، قال: أقامع النبي صلى الله عليه وسلم: بين خيبر والمدينة ثلاثا يبنى عليه بصفية بنت حيي، فدعوت المسلمين إلى وليمته، فما كان فيها من خبز ولا لحم أمر بالأنطاع فألقى فيها من التمر والأقط والسمن، فكانت وليمته
80

فقال المسلمون: إحدى المؤمنين، أو مما ملكت يمينه؟ فقالوا: إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه. فلما ارتحل وطأ لها خلفه ومد الحجاب بينها وبين الناس.
.
مطابقته للترجمة من حيث إن الصحابة تردد في أن صفية: هل هي زوجته أو سريته؟ فيطابق الجزء الأول من الترجمة.
والحديث مضى في المغازي في غزوة خيبر، ويأتي في الأطعمة عن قتيبة أيضا. وحمد بن سلام فرقهما.
وأخرجه النسائي في النكاح وفي الوليمة عن علي بن حجر، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (يبنى عليه) بن علي
صيغة المجهول من البناء وهو الدخول بالزوجة، والأصل فيه أن الرجل، إذا تزوج امرأة بني عليها قبة ليدخل بها فيها، فيقال: بنى الرجل بن علي
أهله، وقال الجوهري: ولا يقال بني بأهله. قوله: (إحدى) الهمزة الاستفهامية مقدرة أي: أإحدى إلي آخره. قوله: (وطأها خلفه) أي: هيأ لصفيه شيئا تقعد عليه خلفه بن علي
الناقة.
31
((باب من جعل عتق الأمة صداقها))
أي: هذا باب في بيان من جعل عتق الأمة صداقها، معناه: أن يعتق أمة بن علي
أن يتزوج بها ويكون عتقها صداقها، ولم يذكر في الترجمة حكم هذا، وقد اختلف العلماء فيه، فقال سعيد بن المسيب والحسن البصري، وإبراهيم النخعي وعامر الشعبي والأوزاعي ومحمد بن مسلم الزهري وعطاء بن أبي رباح وقتادة وطاووس والحسن بن حيي وأحمد وإسحاق: جاز ذلك، فإذا عقد عليها لا تستحق عليه مهرا غير ذلك العتاق وممن قال بهذا القول: سفيان الثوري وأبو يوسف صاحب أبي حنيفة، وذكر الترمذي أنه مذهب الشافعي. وقال النووي: قال الشافعي: فإن أعتقها بن علي
هذا الشرط فقلبت عتقت ولا يلزمها أن تتزوجه بل له عليها قيمتها لأنه لم يرض بعتقها مجانا. فإن رضيت وتزوجها بن علي
مهر يتفقان عليه فله عليها القيمة ولها عليه المهر المسمى من قليل أو كثير، وإن تزوجها بن علي
قيمتها فإن كانت قيمتها معلومة أولها صح الصداق ولا يبقى له عليها قيمة ولا لها عليه صداق، وإن كانت مجهولة ففيه وجهان لأصحابنا: أحدهما: يصح الصداق، وأصحهما، وبه قال جمهور أصحابنا: لا يصح الصداق بل يصح النكاح ويجب لها مهر المثل، انتهى. وقال الليث بن سعد وابن شبرمة وجابر بن زيد وأبو حنيفة ومحمد وزفر ومالك: لا يجوز ذلك، وقال الطحاوي: ليس لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل هذا فيتم له النكاح بغير صداق سوى العتاق، إنما كان ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله، عز وجل، جعل له أن يتزوج بغير صداق، ويكون له التزوج بن علي
العتاق الذي ليس بصداق. وقال أبو حنيفة: إن فعل ذلك رجل وقع العتاق ولها عليه مهر المثل، فإن أن تتزوجه تسعى له في قيمتها، وقال مالك وزفر: لا شيء له عليها.
6805 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حماد عن ثابت وشعيب بن الحبحاب عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وحماد هو ابن زيد، وثابت هو ابن أسلم البناني، بضم الموحدة وتخفيف النون الأولى، وشعيب بن الحبحاب، بفتح الحاءين المهملتين وسكون الباء الموحدة الأولى: البصري.
والحديث قد مر في غزوة خيبر.
واحتجت الطائفة الأولى أعني: سعيد بن المسيب والحسن البصري ومن معهما بهذا الحديث فيما ذهبوا إليه، وأجابت الطائفة الثانية بأجوبة منها أنهم قالوا: هذا من قول أنس لأنه لم يسنده فلعله تأويل منه إذ لم لها صداق، ومنها ما قاله الطحاوي: إنه مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم وليس لغيره أن يفعل ذلك، ومنها أن الطحاوي روي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل في جويرية بنت الحارث مثلما فعله في صفية، ثم قال ابن عمر: بعد النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا الحكم أنه يجدد لها صداقا، فدل هذا أن الحكم في ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بن علي
غير ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون ذلك سماعا سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون دله بن علي
هذا خصوصيته صلى الله عليه وسلم بذلك، وعلى كلا التقديرين تقوم الحجة لأهل المقالة الثانية قلت: ومما يؤيد كلام ابن
81

عمر ما رواه البيهقي من حديث القواريري: حدثتنا عليلة بنت الكميت عن أمها أميمة بنت رزينة عن أمها رزينة، قالت: لما كان يوم قريظة والنضير جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية يقودها سبية حتى فتح الله عليه وذراعها في يده، فأعتقها وخطبها وتزوجها وأمهرها رزينة. قلت: رزينة، بضم الراء وفتح الزاي وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون: خادمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن المرابط: قول أنس: أصدقها نفسها، أنه من رأيه وظنه، وإنما قال ذلك مدافعة للسائر. ألا ترى أنه قال: فقال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين؟ فكيف علم أنس أنه أصدقها نفسها قبل ذلك؟ وقد صح عنه أنه يعلم أنها زوجته إلا بالحجاب، فدل أن قوله هذا لم يشهده بن علي
نبينا صلى الله عليه وسلم ولا غيره، وإنما ظنه أنس والناس معه ظنا، مع أن كتاب الله أحق أن يتبع قال: * (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي) * (الأحزاب: 05) الآية فهذا يدل بن علي
أنه أعتقها وخيرها في نفسها فاختارته صلى الله عليه وسلم فنكحها بما خصه الله تعالى بغير صداق، وأما وجه النظر فيه أنا إذا جعلنا العتق صداقا. فإما أن يتقرر العتق حالة الرق وهو محال لتناقضهما، أو حالة الحرية فيلزم سبقيته بن علي
العقد، فيلزم وجود العتق فرض عدمه وهو محال، لأن الصداق لا بد أن يتقدم تقرره بن علي
الزوج إما نصا وإما حكما حتى تملك الزوجة طلبه، وإن لم يتعين لها حالة العقد شيء، لكنها تملك المطالبة، فثبت أنه ثابت لها حالة العقد شيء يطالب به الزوج، ولا يتأتى مثل ذلك في العتق، فاستحال أن يكون صداقا، فافهم. وقال ابن الجوزي: فإن قيل: ثواب العتق عظيم، فكيف فوته حيث جعله مهرا وكان يمكن جعل المهر غيره؟ فالجواب أن صفية بنت مالك ومثلها لا يقنع في المهر إلا بالكثير ولم يكن عنده صلى الله عليه وسلم إذ ذاك ما يرضيها به، ولم ير أن يقصر بها فجعل صداقها نفسها، وذلك عندها أشرف من المال الكثير.
41
((باب تزويج المعسر لقوله تعالى * ((24) إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) * (النور: 23))
أي: هذا باب في بيان جواز تزويج المعسر، واستدل عليه بقوله تعالى: * (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) * (النور: 23)، وحاصل المعنى: أن الأعسار في الحال لا يمنع التزويج لاحتمال حصول المال في المآل.
7805 حدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد الساعدي قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! جئت أهب لك نفسي. قال: فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد النظر إليها وصوبه ثم طأطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست، فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله! إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، فقال: وهل عندك من شيء؟ قال: لا والله يا رسول الله، فقال: اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا، فذهب ثم رجع فقال: لا والله ما وجدت شيئا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنظر لو خاتما من جديث. فذهب ثم رجع فقال لا والله يا رسول الله، ولا خاتما من حديد ولاكن هاذا إزاري، قال: سهل: ماله رداء فلها نصفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تصن بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك شيء؟ فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم موليا، فأمر به فدعي، فلما جاء قال: ماذا معك من القرآن؟ قال: معي سورة كذا وسورة كذا، عددها، فقال: تقرؤهن عن ظهر قلبك؟ قال: نعم. قال: إذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد العزيز بن أبي حازم، بالحاء المهملة والزاي، يروي عن أبيه أبي حازم سلمة بن دينار، وهذه الترجمة ذكرها البخاري فيما قبل في كتاب النكاح بقوله: باب تزويج المعسر الذي معه القرآن والإسلام، وقال فيه: سهل عن
82

النبي صلى الله عليه وسلم، والفرق بين الترجمتين أن تلك أخص من هذه، وأورد حديث سهل هذا فيما قبل في: باب القراءة عن ظهر القلب، أخرجه بتمامه عن قتيبة بن سعيد عن يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم عن سهل بن سعد، وأعاد هنا بهذه الترجمة عن قتيبة عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل إلى آخره، بنحو ذاك المتن بعينه، ومر الكلام فيه هناك مستوفي.
قوله: (فصعد النظر إليها) أي: رفع نظره إلى تلك المرأة. قوله: (وصوبه) أي: خفض نظره. قوله: (عن ظهر قلبك)، لفظ: الظهر، مقحم، أو معناه بن علي
استظهار قلبك.
51
((باب الأكفاء في الدين))
أي: هذا باب في بيان أن الأكفاء الآتي بالإجماع هي أن يكون في الدين فلا يحل للمسلمة أن تتزوج بالكافر، ولأكفاء جمع كفء بضم الكاف وسكون الفاء بعدها همزة، وهو المثل والنظير.
وقوله وهو الذى خلق من المآء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا) * (الفرقان: 45)
وقوله: بالجر عطف بن علي
الأكفاء أي: وفي بيان قوله عز وجل في القرآن: * (وهو الذي خلق من الماء) * (الفرقان: 45) الآية، وغرضه من إيراد هذه الآية الإشارة إلى أن النسب والصهر مما يتعلق بهما حكم الكفاءة، وعن ابن سيرين: أن هذه الآية نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، زوج، عليه السلام، فاطمة، رضي الله تعالى عنها، عليا وهو ابن عمه وزوج ابنته فكان نسبا وكان صهرا. قوله: * (وهو الذي خلق من الماء) * (الفرقان: 45) أي: من النطفة بشرا، فجعل البشر بن علي
قسمين: نسبا ذوي نسب أي ذكورا ينسب إليهم، فيقال: فلان ابن فلان وفلانة بنت فلان. وصهرا ذوات صهر أي: إناثا يصاهر بهن، وعن علي، رضي الله تعالى عنه: النسب ما لا يحل نكاحه، والصهر ما يحل نكاحه، وقال الضحاك وقتادة ومقاتل: النسب سبعة والصهر خمسة. واقرؤا قوله تعالى: * (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) * (النساء: 32) إلى آخر الآية.
8805 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة، رضي الله عنها: أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وكان ممن شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم، تبنى سالما وأنكحه بنت أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة وهو مولى لامرأة من الأنصار، كما تبنى النبي صلى الله عليه وسلم زيدا، وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث من ميراثه حتى أنزل الله من) * إلى قوله * ((5) ومواليكم) * (الأحزاب: 5) فردوا إلى آبائهم فمن لم يعلم له أب كان مولى وأخا في الدين، فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشي ثم العامري، وهي امرأة أبي حذيفة بن عتبة النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! إنا كنا نرى سالما ولدا، وقد أنزل الله فيه ما قد علمت فذكر الحديث.
(انظر الحديث 0004).
مطابقته للترجمة تؤخذ من تزويج أبي حذيفة بنت أخيه هندا سالم الذي تبناه. وهو مولى لامرأته من الأنصار، ولم يعتبر فيه الكفاءة إلا في الدين.
وأبو اليمان الحكم بن نافع، وشعيب بن أبي حمزة، والزهري محمد بن مسلم.
والحديث أخرجه النسائي أيضا في النكاح عن عمران بن بكار عن أبي اليمان شيخ البخاري.
قوله: (أن أبا حذيفة)، اسمه: مهشم، بن علي
المشهور وقيل: هاشم، وقيل: هشيم، وقيل غير ذلك، وهو خال معاوية بن أبي سفيان. قوله: (ابن عتبة)، بضم العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق ابن ربيعة بفتح الراء ابن عبد شمس القرشي العبشمي، وكان من فضلاء الصحابة من المهاجرين الأولين، صلى القبلتين وهاجر الهجرتين وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتل يوم اليمامة شهيدا وهو ابن ثلاث أو أربع وخمسين سنة. قوله: (تبنى سالما) أي: اتخذه ابنا، وسالم هو ابن معقل، بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف، وفي
83

آخره لام، يكنى أبا عبد الله، وقال أبو عمر: هو من أهل فارس من إصطخر، وقيل: إنه من عجم الفرس من كرمد، وكان من فضلاء الموالي ومن خيار الصحابة وكبارهم، وهو معدود في المهاجرين وفي الأنصار أيضا لعتق مولاته الأنصارية، فقال أبو عمر: شهد سالم بدرا وقتل يوم اليمامة شهيدا هو ومولاه أبو حذيفة فوجد رأس أحدهما عند رجلي الآخر، وذلك سنة اثنتي عشرة من الهجرة. قوله: (وأنكحه بنت أخيه هند) أي: زوجه بنت أخيه. فقوله: (هند) يجوز فيه الصرف
ومنعه، أما منعه فللعلمية والتأنيث، وأما صرفه فلأن سكون أوسطه يقاوم أحد السببين، وهو هنا في محل النصب لأنه عطف بيان عن بنت، ووقع عند مالك: وأنكحه بنت أخيه فاطمة، ولا كلام فيه لأنها ربما كانت تسمى باسمين، والوليد بن عتبة قتل ببدر كافرا، وقال ابن التين: ووقع في بعض الروايات: بنت أخته، بضم الهمزة وسكون الخاء وبالتاء المثناة من فوق وهو غلط. قوله: (وهو مولى) أي: سالم المذكور مولى لامرأة من الأنصار واسمها ثبيتة، بضم الثاء المثلثة وفتح الباء الموحدة وإسكان الياء آخر الحروف وفتح التاء المثناة من فوق: بنت يعار، بفتح الياء آخر الحروف وتخفيف العين المهملة وبعد الألف راء: ابن زيد بن عبيد بن مالك بن عمرو بن عوف الأنصارية، كانت من المهاجرات الأول ومن فضلاء نساء الصحابة، وهي زوج أبي حذيفة المذكور، وهي مولاة سالم بن معقل المذكور، ويقال له: سالم مولى أبي حذيفة، أعتقته ثبيتة فوالى سالم أبا حذيفة، فلذلك يقال: سالم مولى أبي حذيفة. وقال أبو طوالة: اسم هذه المرأة من الأنصار عمرة بنت يعار الأنصارية، وقال ابن إسحاق: اسمها سلمى بنت يعار. قوله: (كما تبنى النبي صلى الله عليه وسلم) أي: كما اتخذ النبي، عليه السلام، زيد بن حارثة ابنا له، حتى يقال: ابن محمد. قوله: (وكان من تبنى) كلمة: من اسم كان. قوله: (دعاه الناس إليه) خبره أي: كانوا يقولون للذي تبناه: هذا ابن فلان، وكان يرث من ميراثه أيضا كما يرث ابنه من النسب حتى أنزل الله تعالى * (أدعوهم لآبائهم) * (الأحزاب: 5) وقبل الآية * (وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل أدعوهم لأبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا أباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم) * (الأحزاب: 4 5) قوله * (وما جعل أدعياءكم) * (الأحزاب: 4) يعني: من سميتموهم أبناءكم، نزلت في زيد بن حارثة الكلبي من بني عبدو كان عبدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه وتبناه قبل الوحي وآخى بينه وبين حمزة بن عبد المطلب في الإسلام، فجعل الفقراء أخا للغني ليعود عليه، فلما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش الأسدي، وكانت تحت زيد بن حارثة، قال اليهود والمنافقون: تزوج محمد امرأة ابنه ونهى الناس عنها، فأنزل الله تعالى هذه الآية: * (ذلكم قولكم) * (الأحزاب: 4) ولا حقيقة له يعني: قولهم: زيد بن محمد بن عبد الله * (والله يقول الحق وهو يهدي السبيل) * (الأحزاب: 4) أي: سبيل الحق ثم قال: * (ادعوهم لآبائهم) * (الأحزاب: 5) الذين ولدوهم، وبين أن دعاءهم لآبائهم هو أدخل الأمرين في القسط والعدل عند الله، فإن لم تعلموا لهم آباء تنسبونهم إليهم فإخوانكم أي: فهو إخوانكم في الدين مواليكم إن كانوا محرريكم. قوله: (فردوا) بن علي
صيغة المجهول (إلى آبائهم) الذين ولدهم. قوله: (فمن لم يعلم) بن علي
صيغة المجهول، وقوله: (أب) مرفوع به كان مولى وأخا في الدين قوله: (فجاءت سهلة) وهي التي روت عن النبي صلى الله عليه وسلم الرخصة في رضاع الكبير، روى عنها القاسم بن محمد. قوله: (وهي امرأة أبي حذيفة) وهي ضرة معتقة سالم، هذه قرشية وتلك أنصارية. قوله: (النبي) بالنصب بقوله: (فجاءت سهلة) قوله: (إنا كنا نرى) بفتح النون بمعنى نعتقد. قوله: (ما قد علمت) أرادت به قوله تعالى: * (ادعوهم لآبائهم) * (الأحزاب: 5) وقوله: قوله: (وما جعل أدعياءكم أبناءكم) (الأحزاب: 4) قوله: (فذكر الحديث) أي: فذكر أبو اليمان الحديث، قاله البخاري ولم يذكره وهو، ورواه أبو داود من حديث الزهري عن عروة عن عائشة وأم سلمة، وقال الحميدي في الجمع: أخرجه البرقاني في كتابه بطوله من حديث أبي اليمان بسنده بزيادة: فكيف ترى يا رسول الله؟ فقال: أرضعيه، فأرضعته خمس رضعات، فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة، فبذلك كانت عائشة، رضي الله تعالى عنها، تأمر بنات أخيها وأختها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها وإن كان كبيرا خمس رضعات فيدخل عليها، وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحدا من الناس، ويروى أن سهلة قالت: يا رسول الله! إن سالا بلغ مبلغ الرجال وإنه يدخل علينا، وإني أظن من نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا. فقال: أرضعيه تحرمي عليه ويذهب ما في نفسه، فأرضعته فذهب الذي في نفسه. وفي مسلم من حديث القاسم عن عائشة: جاءت سهلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت:
84

يا رسول الله! إني أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم، فقال: أرضعيه وهو رجل كبير؟ فتبسم وقال: قد علمت أنه رجل كبير، وفي رواية ابن أبي مليكة: أرضعيه تحرمي عليه ويذهب الذي في وجه أبي ذيفة، فرجعت وقالت: قد أرضعته، فذهب الذي في نفس أبي حذيفة. وقال القاضي: لعلها حلبته ثم شربه من غير أن يمس ثديها ولا التقت بشرتاهما. هذا الذي قاله حسن، وقال النووي: يحتمل أنه عفي عن مسه للحاجة كما خص بالرضاعة مع الكبر، وبهذا قالت عائشة وداود، وتثبت حرمة الرضاع برضاع البالغ كما تثبت برضاع الطفل، وعند جمهور العلماء من الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار: إلى الآن لا تثبت إلا برضاع من له دون سنتين، وعند أبي حنيفة: بسنتين ونصف، وعند زفر: بثلاث سنين، وعن مالك: بسنتين وأيام، واحتجوا فيه بقوله تعالى: * (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) * (البقرة: 332) وبأحاديث كثيرة مشهورة، وأجابوا عن حديث سهلة بن علي
أنه مختص بها وبسالم، وقيل: إنه منسوخ، والله أعلم.
9805 حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير، فقال لها: لعلك أردت الحج؟ وقالت: والله لا أجدني إلا وجعة. فقال لها: حجي واشترطي، قولي: اللهم محلي حيث حبستني، وكانت تحت المقداد بن الأسود.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (وكانت) أي: ضباعة (تحت المقداد بن الأسود) بيانه أن المقداد هو ابن عمرو بن ثعلبة بن مالك الكندي، وقد نسب إلى الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة الزهري لأنه كان تبناه، وخالفه في الجاهلية فقيل: المقداد بن الأسود، وقال أبو عمر: قد قيل: إنه كان عبدا حبشيا للأسود بن عبد يغوث فتبناه، والأول أصح، وتزوج ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب الهاشمية بنت عم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ولو كانت الكفاءة معتبرة في النسب
لما جاز للمقداد أن يتزوج ضباعة وهي فوقه في النسب، فوافق الحديث الترجمة في أن اعتبار اكفاءة في الدين، وسنذكر الخلاف فيه، وكان المقداد من الفضلاء النجباء الكبار الخيار من أصحاب النبي صلى الله تعالى ليه وسلم، وعن ابن مسعود: أن أول من أظهر الإسلام سبعة، فذكر منهم المقداد، وشهد المقداد فتح مصر ومات في أرضه بالجرف فحمل إلى المدينة ودفن بها وصلى عليه عثمان، رضي الله تعالى عنه، سنة ثلاث وعبيد بن إسماعيل اسمه في الأصل: عبد الله بن إسماعيل أبو محمد الهباري القرشي الكوفي، مات في ربيع الأول يوم الجمعة سنة خمسين ومائتين، روي عن أبي أسامة حماد بن أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة، رضي الله تعالى عنها.
والحديث أخرجه مسلم في الحج. قوله: (لا أجدني) أي: لا أجد نفسي، وكون الفاعل والمفعول ضميرين لشيء واحد من خصائص أفعال القلوب. قوله: (واشترطي) أي: إنك حيث عجزت عن الإتيان بالمناسك وانحبست عنها بسبب قوة المرض تحللت، وقولي: اللهم مكان تحللي عن الإحرام مكان حبستني فيه عن النسك بعلة المرض.
واختلفوا في هذا الاشتراط، فأجازه عمر وعثمان وعلي ابن مسعود وعمار وابن عباس وسعيد بن المسيب وعروة وعطاء وعلقمة وشريح، وقال صاحب التوضيح: وهو الأظهر عند الشافعي، وهو قول أحمد وإسحاق وأبي ثور. ومنعه طائفة وقالوا: هو باطل، روي ذلك عن ابن عمر وعائشة، وهو قول النخعي والحكم وطاووس، وسعيد بن جبير، وإليه ذهب مالك والثوري وأبو حنيفة، وقالوا: لا ينفعه اشتراط ويمضي بن علي
إحرامه حتى يتم، وكان ابن عمر ينكر ذلك ويقول: أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم؟ فإنه لم يشترط، فإن حبس أحدكم بحابس عن الحج فليأت البيت فليطف به وبين الصفا والمروة ويحلق أو يقصر، وقد حل من كل شيء حتى يحج قابلا ويهدي أو يصوم إن لم يجد هديا، وأنكر ذلك طاووس وسعيد بن جبير وهما رويا الحديث عن ابن عباس، وأنكره الزهري وهو رواة عن عروة، فهذا كله مما يوهن الاشتراط. وزعم ابن المرابط أن عدم ذكر البخاري هذا الحديث في كتاب الحج دلالة بن علي
أن الاشتراط عنده لا يصح.
قلت فيه نظر لا يخفي.
قوله: (وجعه) بفتح الواو وكسر الجيم وهو من الصفات المشبهة أي: إني ذات وجع أي: مرض. قوله: (محلي) أي: موضع تحللي من الإحرام.
وفيه: أن المحصر يحل حيث يحبس وينحر هديه هناك حلا كان أو حراما، وفيه خلاف.
85

0905 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فأظفر بذات الطين تربت يداك.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (ولدينها) ولا سيما أمر فيه بطلب ذات الدين ودعا له أو عليه بقوله (تربت يداك) إذا ظفر بذات الدين وطلب غيرها، وإنما قلنا: له أو عليه، لاستعمال تربت يداك في النوعين بن علي
ما نذكر الآن.
ويحيى هو ابن سعيد القطان، وعبيد الله بن عمر العمري، وسعيد بن أبي سعيد المقبري يروي عن أبيه أبي سعيد واسمه كيسان عن أبي هريرة.
والحديث أخرجه مسلم في النكاح أيضا عن محمد وغيره. وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد به. وأخرجه النسائي فيه عن عبيد الله بن سعيد به وأخرجه ابن ماجة عن يحيى بن حكيم.
قوله: (تنكح المرأة) بن علي
صيغة المجهول، والمرأة مرفوع به. قوله: (لأربع) أي: لأربع خصال. قوله: (لمالها) لأنها إذا كانت صاحبة مال لا تلزم زوجها بما لا يطيق ولا تكلفه في الإنفاق وغيره، وقال المهلب: هذا دال بن علي
أن للزوج الاستمتاع بمالها فإنه يقصد لذلك فإن طابت به نفسا فهو له حلال، وإن منعته فإنما له من ذلك بقدر ما بذل من الصداق. واختلفوا إذا أصدقها وامتنعت أن تشتري شيئا من الجهاز؟ فقال مالك: ليس لها أن تقضي به دينها، وأن تنفق منه ما يصلحها في عرسها، إلا أن يكون الصداق شيئا كثيرا فتنفق منه شيئا يسيرا في دينها. وقال أبو حنيفة والثوري والشافعي: لا تجبر بن علي
شراء ما لا تريد، والمهر لها تفعل فيه ما شاءت. قوله: (ولحسبها) هو إخباره عن عادة الناس في ذلك، والحسب ما يعده الناس من مفاخر الآباء، ويقال: الحسب في الأصل الشرف بالآباء وبالأقارب، مأخوذ من الحساب لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم وحسبوها، فيحكم لمن زاد عدده بن علي
غيره، وقيل: المراد بالحسب هنا الفعال الحسنة، وقيل: المال، وهذا ليس بشيء لأن المال ذكر قبله. قوله: (وجمالها) لأن الجمال مطلوب في كل شيء ولا سيما في المرأة التي تكون قرينته وضجيعته. قوله: (ولدينها) لأنه به يحصل خير الدنيا والآخرة، واللائق بأرباب الديانات وذوي المروآت أن يكون الدين مطمح نظرهم في كل شيء، ولا سيما فيما يدوم أمره، ولذلك اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم بآكدوجه وأبلغه، فأمر بالظفر الذي هو غاية البغية، فلذلك قال: (فاظفر بذات الدين) فإن بها تكتسب منافع الدارين (تريت يداك) إن لم تفعل ما أمرت به. وقال الكرماني: (فاظفر) جزاء شرط محذوف أي: إذا تحققت تفصيلها فاظفر أيها المسترشد بها
.
واختلفوا في معنى (تربت يداك). فقيل: هو دعاء في الأصل، إلا أن العرب تستعملها للإنكار والتعجب والتعظيم والحث بن علي
الشيء، وهذا هو المراد به ههنا، وفيه الترغيب في صحبة أهل الدين في كل شيء، لأن من صاحبهم يستفيد من أخلاقهم ويأمن المفسدة من جهتهم. وقال محي السنة: هي كلمة جارية بن علي
ألسنتهم كقولهم: لا أب لك، ولم يريدوا وقوع الأمر، وقيل: قصده بها وقوعه لتعدية ذوات الدين إلى ذوات المال ونحوه، أي: تربت يداك إن لم تفعل ما قلت لك من الظفر بذات الدين، وقيل: معنى تربت يداك أي لصقت بالتراب، وهو كناية عن الفقر. وحكي ابن العربي أن معناه. استغنت يداك، ورد بأن المعروف: أترب إذا استغنى، وترب إذا افتقر، وقيل: معناه ضعف عقلك، وقال القرطبي: معنى الحديث أن هذه الخصال الأربع هي التي ترغب في نكاح المرأة لا أنه وقع الأمر بذلك، بل ظاهره إباحة النكاح لقصد كل من ذلك، لكن قصد الدين أولى. قال: ولا يظن أن هذه الأربع تؤخذ منها الكفاءة؟ أي: تنحصر فيها. فإن ذلك لم يقل به أحد وإن كانوا اختلفوا في الكفاءة ما هي؟ انتهى. وقال المهلب: الأكفاء في الدين هم المتشاكلون وإن كان في النسب تفاضل بين الناس، وقد نسخ الله ما كانت تحكم به العرب في الجاهلية من شرف الأنساب بشرف الصلاح في الدين، فقال: * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * (الحجرات: 31) وقال ابن بطال: اختلف العلماء في الأكفاء منهم فقال مالك: في الدين دون غيره والمسلمون أكفاء بعضهم لبعض، فيجوز أن يتزوج العربي والمولي القرشية، روي ذلك عن عمر وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز وابن سيرين، واستدلوا بقوله تعالى: * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * (الحجرات: 31) وبحديث سالم وبقوله صلى الله عليه وسلم: عليك بذات الدين، وعزم عمر رضي الله تعالى عنه، أن يزوج ابنته من سلمان، رضي الله عنه، وبقوله صلى الله عليه وسلم: (يا بني بياضة أنكحوا أبا هند) فقالوا يا رسول الله!
86

أنزوج بناتنا من موالينا؟ فنزلت: * (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) * (الحجرات: 31) الآية، رواه أبو داود، وقال: صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي من حديث أبي هريرة: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، قال: ورواه أبو الليث عن ابن عجلان عن أبي هريرة مرسلا، وقال أبو حنيفة: قريش كلهم أكفاء بعضهم لبعض ولا يكون أحد من العرب كفؤا لقرشي، ولا أحد من الموالي كفؤا للعرب، ولا يكون كفؤا من لا يجد المهر والنفقة. وفي التلويح: احتج له بما رواه نافع عن مولاه مرفوعا: قريش بعضها لبعض أكفا. إلا حائك أو حجام، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: هو حديث منكر، ورواه هشام الرازي فزاد فيه، أودباغ. قلت: هذا الحديث رواه الحاكم: حدثنا الأصم الصنعاني حدثنا شجاع بن الوليد حدثنا بعض إخواننا عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العرب بعضهم أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة ورجل برجل، والموالي بعضهم أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة ورجل برجل، إلا حائك أو حجام. وقال صاحب التنقيح: هذا منقطع إذ لم يسم شجاع بن الوليد بعض إخوانه، ورواه البيهقي ورواه أبو يعلى الموصلي في مسنده من حديث بقية بن الوليد عن زرعة بن عبد الله، والزبيدي عن عمران بن أبي الفضل الأيلي عن نافع عن ابن عمر نحوه سواء، قال ابن عبد البر. هذا حديث منكر موضوع، وقد روي ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عمر مرفوعا مثله، ولا يصح عن ابن جريج. ورواه ابن حبان في كتاب الضعفاء وأعله بعمران بن أبي الفضل وقال: إنه يروي الموضوعات عن الأثبات لا يحل كتب حديثه، وقالوا في اعتبار الكفاءة أحاديث لا تقوم بأكثرها الحجة وأمثلها حديث علي بن أبي طالب. رضي الله عنه، رواه الترمذي: حدثنا قتيبة حدثنا عبد الله بن وهب عن سعيد بن عبد الله الجهني عن محمد بن عمر بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يا علي! ثلاث لا تؤخرها: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت كفؤا، وقال الترمذي: غريب وما أرى إسناده متصلا، وأخرجه الحاكم كذلك، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
1905 حدثنا إبراهيم بن حمزة حدثنا ابن أبي حازم عن أبيه عن سهل قال: مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما تقولون في هاذا؟ قالوا حري إن خطب أن ينكح شفع أن يشفع وإن قال أن يستمع، قال: ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين، فقال: ما تقولون في هاذا؟ قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يستمع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هاذا خير من ملء الأرض مثل هاذا.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (هذا خير) إلى آخره، لأن فيه تفضيل الفقير بن علي
الغني مطلقا في الدين فيكون كفؤا لمن يريدها من النساء مطلقا، وأخرجه إبراهيم بن حمزة أبي إسحاق الزبيري الأسدي المديني عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه أبي حازم سلمة بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي الأنصاري، وأخرجه البخاري أيضا في الرقاق عن إسماعيل بن عبد الله. وأخرجه ابن ماجة في الزهد عن محمد بن الصباح وفي التلويح: وحديث سهل بن سعد ذكره الحميدي وأبو مسعود وابن الجوزي في المتفق عليه وأبى ذلك الطرقي وخلف فذكراه في البخاري فقط. قلت: وكذا ذكره المزي في الأطراف واقتصر بن علي
البخاري.
قوله: (مر رجل) لم بدر اسمه. قوله: (حري) بفتح الحاء وكسر الراء وتشديد الياء أي: حقيق وجدير، قوله: (أن ينكح) بن علي
صيغة المجهول، أي: لأن ينكح. قوله: (أن يشفع) بضم أوله وتشديد الفاء المفتوحة بن علي
صيغة المجهول، أي: لأن تقبل شفاعته. قوله: (أن يستمع) أي: يستمع، بن علي
صيغة المجهول أيضا. قوله: (ومر رجل من فقراء المسلمين) قيل: إنه جعيل بن سراقة، وقال أبو عمر: جعال بن سراقة، ويقال: جعيل بن سراقة الضمري،
ويقال الثعلبي، وكان من فقراء المسلمين وكان رجلا صالحا دميما قبيحا أسلم قديما وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا. قوله: (هذا) أي: هذا الفقير من فقراء المسلمين (خير من ملء الأرض) بكسر الميم وبالهمزة في آخره. قوله: (مثل هذا) أي: مثل هذا الغني، ويجوز في مثل،
87

الجر والنصب، وقال الكرماني. فإن قلت: كيف كان ذلك؟ قلت: إن كان الأول كافرا فوجهه ظاهر. وإلا فيكون ذلك معلوما لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالوحي، وقال بعضهم: يعرف المراد من الطريق الأخرى التي ستأتي في الرقاق بلفظ: قال رجل من أشراف الناس: هذا والله حري إلخ قلت: في كل من كلاميهما نظر، أما كلام الكرماني فقوله: بالوحي، ليس كذلك لأنه قال: مر رجل بن علي
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد شاهده وعرفه أنه مسلم أو كافر، والظاهر أنه مسلم كان شريفا بين قومه ولكن المار الثاني إن كان كما قيل: إنه جعيل بن سراقة، وهو من أصحابه من خيار عباد الله الصالحين، وأما قول بعضهم: فأنزل، من كلام الكرماني بن علي
ما لا يخفي بن علي
المتأمل.
61
((باب الأكفاء في المال وتزويج المقل المثرية))
أي: هذا باب في بيان حكم الأكفاء في المال فهذا باب مختلف فيه عند من يشترط الكفاءة، والأشهر عند الشافعية أنه لا يعتبر. ونقل صاحب الإفصاح عن الشافعي أنه قال: الكفاءة في الدين والمال والنسب، وجزم باعتباره أبو الطيب والصيمري وجماعة واعتبره الماوردي في أهل الأمصار، وخص الخلاف بأهل البوادي والقرى المتفاخرين بالنسب دون المال. قوله: (وتزويج) أي: وفي بيان تزويج (المقل) بضم الميم وكسر القاف وتشديد اللام وهو الفقير المفتقر، ولفظ تزويج مصدر مضاف إلى فاعله وقوله: (المثرية) بالنصب مفعوله، وهو بضم الميم وسكون الثاء المثلثة وكسر الراء وفتح الياء آخر الحروف، وهي المرأة التي لها ثراة بفتح أوله وبالمد، وهو الغنى، وحاصلة تزويج الفقير الغنية.
2905 حدثني يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة أنه سأل عائشة، رضي الله عنها، * ((4) وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى) * (النساء: 3) قالت: يا ابن أختي: هاذه اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في جمالها ومالها ويريد أن ينتقص صداقها، فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا في إكمال الصداق، وأمروا بنكاح من سواهن. قالت: واستفتى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد ذالك فأنزل الله: * ((4) ويستفتونك في النساء) * (النساء: 721) إلى * ((4) وترغبون أن تنكحوهن) * (النساء: 721) فأنزل الله لهم. أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال ومال رغبوا في نكاحها ونسبها في إكمال الصداق، وإذا كانت مرغوبة عنها في قلة المال والجمال تركوها وأخذوا غيرها من النساء، قالت: فكما تتركونها حين يرغبون عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى في الصداق.
.
مطابقته للترجمة من حيث إن الرجل إذا كان ولي اليتيمة الغنية وهو فقير يجوز له أن يتزوجها إذا أقسط في صداقها وعدل، فصح أن اكفاءة معتبرة في المال. والحديث قد مر في تفسير سورة النساء، ومضى الكلام فيه هناك.
(والحجر) بكسر الحاء وفتحها، ورغب فيها: إذا مال إليها، ورغب عنها: إذا أعرض عنها ولم يردها.
71
((باب ما يتقى من شؤم المرأة وقوله تعالى: * ((64) إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم) * (التغابن: 41))
أي: هذا باب في بيان ما يتقي، أي: ما يحتسب من شؤم المرأة، والواو فيه في الأصل همزة ولكن هجر الأصل حتى لم ينطق بها مهموزة، يقال: تشاءمت بالشيء وشأمت به شؤما وهو ضد اليمن، وشؤم المرأة أت لا تلد، ويقال: شؤم المرألا عقرها وغلاء مهرها وسوء خلقها. قوله: (وقوله تعالى) إلخ ذكره إشارة إلى أن اختصاص الشؤم ببعض النساء دون بعض دل عليه كلمة: من في قوله: * (إن من أزواجكم) * (التغابن: 41) لأن من هنا، للتبعيض.
3905 حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن ابن شهاب عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن
88

عمر عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشؤم في المرأة والدار والفرس.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسماعيل بن أبي أويس عبد الله ابن أخت مالك بن أنس والحديث قد مضى في كتاب الجهاد فإنه أخرجه هناك في: باب ما يذكر من شؤم الفرس عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن سالم بن عبد الله: أن عبد الله بن عمر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إنما الشؤم في ثلاثة: الفرس والمرأة والدار، ومضى الكلام فيه هناك، وشؤم الدار ضيقها وسوء جارها، وشؤم الفرس أن لا يغزى عليها وجماحها ونحوه.
4905 حدثنا محمد بن منهال حدثنا يزيد بن زخريع حدثنا عمر بن محمد العسقلاني عن أبيه عن ابن عمر قال: ذكروا الشؤم عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس.
.
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن محمد بن منهال البصري عن يزيد بن زريع، بضم الزاي، عن عمر بن محمد العسقلاني عن أبيه محمد بن زيد عن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
5905 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن كان في شيء ففي الفرس والمرأة والمسكن.
(انظر الحديث 9582).
أبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار الأعرج.
والحديث أخرجه البخاري في الطب عن القعنبي. وأخرجه مسلم أيضا في الطب عن القعنبي. وأخرجه ابن ماجة في النكاح عن عبد السلام عن عاصم.
قوله: (إن كان في شيء) أي: إن كان الشؤم في شيء، وفي رواية مسلم: إن كان ففي المرأة والفرس والمسكن، يعني: الشؤم، وفي رواية له من حديث أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن كان في شيء ففي الربع والخادم والفرس، وروي أحمد والحاكم وابن حبان من حديث سعد مرفوعا: من سعادة ابن آدم ثلاثة: المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح، ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة: المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء وفي رواية لابن حبان: المركب الهني والمسكن الواسع، وفي رواية للحاكم: وثلاث من الشقاء: المرأة تراها وتسوؤك وتحمل لسانها عليك، والدابة تكون قطوفا فإن ضربتها أتعبتك وإن تركتها لم تلحق أصحابك، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق. وروي الطبراني من حديث أسماء: أن من شقاء المرء في الدنيا: سوء الدار والمرأة والدابة، وفيه: سوء الدار ضيق ساحتها وخبث جيرانها، وسوء الدابة منعها ظهرها وسوء ضلعها، وسوء المرأة عقم رحمها وسوء خلقها.
6905 حدثنا آدم حدثنا شعبة عن سليمان التيمي قال: سمعت أبا عثمان النهدي عن أسامة بن زيد، رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء.
مطابقته للترجمة من حيث إن الشؤم أشد منهن. ولهذا ذكره بعد حديثي ابن عمرو سهل بن سعد، وفتنتهن أشد الفتن وأعظمها، ويشهد له قوله عز وجل: * (زين للناس حب الشهوات من النساء) * (آل عمران: 41) فقدمهن بن علي
جميع الشهوات لأن المحنة بهن أعظم المحن بن علي
قدر الفتنة بهن، وقد أخبر الله عز وجل أن منهن لنا أعداء فقال: * (إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم) * (التغابن: 41) ويروي، أن الله عز وجل لما خلق المرأة فرح الشيطان فرحا شديدا، وقال: هذه حبالتي التي لا تكاد يخطيني من نصبتها له، وجاء في الحديث النساء حبائل الشيطان، وروي: استعيذوا من شرار النساء وكونوا من خيارهن بن علي
حذر، وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: أوثق سلاح إبليس النساء.
وسليمان التيمي هو سليمان بن طرخان أبو المعتمر التيمي البصري، وأبو عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي، بفتح النون وسكون الهاء. وبالدال المهملة.
والحديث أخرجه مسلم في آخر الدعوات عن سعيد بن منصور وغيره. وأخرجه الترمذي في الاستئذان عن محمد بن عبد الأعلى.
89

وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن عمرو بن علي. وأخرجه ابن ماجة في الفتن عن بشر بن هلال.
قوله: (أضر) وذلك أن المرأة ناقصة العقل والدين، وغالبا ترغب زوجها عن طلب الدين، وأي فساد أضر من ذلك؟ وروي عنه، صلى الله تعالى عليه وسلم، قالوا: يا رسول الله! وما فتنتهن؟ قال: إذا لبس ربط الشام وحلل العراق وعصب اليمن وملن كما تميل أسنمة البخت، فإذا فعلن ذلك كلفن الغير ما ليس عنده. وقد أخرج مسلم من حديث أبي سعيد في إثناء حديث: واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت من النساء.
81
((باب الحرة تحت العبد))
أي: هذا باب في بيان كون المرأة الحرة تحت العبد، يعني: تحت عقده، والمعنى: باب في بيان جواز نكاح العبد الحرة، إذا رضيت به.
7905 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمان عن القاسم ابن محمد عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: كان في بريرة ثلاث سنن عتقت فخيرت، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الولاء لمن أعتق، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبرمة على النار فقرب إليه خبز وأدم البيت؟ فقال: ألم أر البرمة؟ فقيل: لحم تصدق به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة، قال: هو عليها صدقة ولنا هدية.
.
مطابقته للترجمة من حيث أن زوج بريرة كان عبدا. وفي التلويح: وليس فيه تصريح بكون زوجها عبدا ولا غيره، وقد تجاذبت فيه الروايات، فقائل: كان حرا وقائل: كان عبدا، فلا يتمحض للبخاري استدلاله ولم يأت في حديثه بشيء من ذلك. ولا يقال: ترجح عنده كونه عبدا لأن أبا حنيفة، رضي الله تعالى عنه، في الجانب الآخر يرجح كونه حرا عنده، وليس قول أحدهما بأولى من الآخر إلا بترجيح نقلي من خارج انتهى. قلت: هذا الذي ذكره لا يدفع وجه المطابقة لأنه وضع هذه الترجمة وساق لها الحديث المذكور بناء بن علي
ترجح عنده، وأما ترجيح أحد القولين بن علي
الآخر بالنقل من خارج فلا دخل له ههنا في وجه المطابقة. فافهم.
و ربيعة بن أبي عبد الرحمن المشهور بربيعة الرأي، واسم أبي عبد الرحمن فروخ مات سنة ست وثلاثين ومائة، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنهم.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطلاق عن إسماعيل بن عبد الله وفي الأطعمة عن قتيبة. وأخرجه مسلم في الزكاة وفي العتق عن أبي الطاهر بن السرح. وأخرجه النسائي في الطلاق عن محمد بن سلمة.
قوله: (في بريرة) بفتح الباء الموحدة وكسر الراء الأولى. اسم جارية اشترتها عائشة، رضي الله تعالى عنها، فأعتقتها وكانت مولاة لبعض بني هلال فكاتبوهم باعوها لعائشة. قوله: (ثلاث سنين) أي: ثلاث طرق أحكاما شرعية، بعضها مر في كتاب الكتابة. قوله: (عتقت) بن علي
صيغة المجهول، أي: أعتقتها عائشة، رضي الله تعالى عنها. قوله: (فخيرت)، بن علي
صيغة المجهول، أيضا أي: خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا أول السنن الثلاث وهو أن الأمة التي تحت العبد إذا أعتقت لها الخيار في فسخ نكاحها، وروي ابن سعد في الطبقات: أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء عن داود بن أبي هند عن عامر الشعبي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريرة لما أعتقت: قد عتق بضعك معك فاختاري، وهذا مرسل.
واختلفوا في هذه المسألة، فقال الشعبي والنخي والثوري ومحمد بن سيرين وطاووس ومجاهد وحماد بن أبي سليمان والحسن بن مسلم وأبو قلابة وأيوب السختياني والحسن بن صالح وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور: الأمة إذا أعتقت لها الخيار في نفسها سواء كان زوجها حرا أو عبدا، وهو مذهب أهل الظاهر أيضا. وقال عطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيب والحسن البصري وابن أبي ليلى والأوزاعي والزهري والليث بن سعد ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق إن كان زوجها عبدا فلها الخيار، وإن كان حرا فلا خيار لها.
واختلفوا في زوج بريرة: هل كان حرا أو عبدا فروي أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، من
90

حديث الأسود عن عائشة أنه كان حرا، وكذلك رواه البيهقي، وروي الطحاوي ومسلم وأبو داود أيضا من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أنه كان عبدا، وروي مسلم أيضا من حديث عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة: أنه كان عبدا، وكذلك رواه النسائي، وروي البخاري في الطلاق من حديث عكرمة عن ابن عباس: إن زوج بريرة كان عبدا يقال له: مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل بن علي
لحيته والحديث، وهذه أحاديث متعارضة قد أكثر الناس في معانيهاوتخريج وجوهها، فلمحمد بن جرير الطبري: في ذلك كتاب، ولمحمد بن خزيمة كتاب، ولجماعة في ذلك أبواب أكثرها تكلف واستخراجات محتملة وتأويلات ممكنة لا يقطع بصحتها، والأصل في ذلك أن يحمل بن علي
وجه لا يكون فيه تضاد، والحرية تعقب الرق ولا ينعكس، فثبت أنه كان حرا عندما خيرت بريرة، وعبدا قبله، ومن أخبر بعبوديته لم يعلم بحريته قبل ذلك، ولم يخيرها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان عبدا ولا لأنه كان حرا، وإنما خيرها لأنها أعتقت، فوجب تخيير كل معتقة. وروي في بعض الآثار أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: ملكت نفسك فاختاري، كذا في التمهيد فكل من ملكت نفسها تختار سواء كان زوجها حرا أو عبدا.
قوله: (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاء لمن أعتق) هذا ثاني السنن الثلاث، وقد مر في كتاب العتق. قوله: (ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى آخره، ثالث السنن الثلاث وذكر الثلاث لا ينفي الزائد. قوله: (وبرمة بن علي
النار)، وبرمة مبتدأ وهي نكرة، ولكن اعتمادها بن علي
واو الحال جوز ذلك، وأشار إليه ابن مالك، والبرمة، بضم الباء الموحدة: القدر المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز واليمن، والفرق بين الصدقة والهدية أن الصدقة إعطاء لثواب الآخر، والهدية إعطاء لإكرام المنقول إليه، والصدقة تكون ملكا للقابض فلها حكم سائر المملوكات، وبطل عنها حكم الصدقة.
91
((باب لا يتزوج أكثر من أربع))
أي: هذا باب يذكر فيه أنه لا يتزوج الرجل أكثر من أربع نسوة، وهذا لا خلاف فيه بالإجماع، ولا يتلفت إلى قول الروافض بأنه يتزوج إلى تسع نسوة.
لقوله تعالى: * ((4) مثنى وثلاث ورباع) * (النساء: 3). وقال علي بن الحسين، عليهما السلام. يعني مثنى أو ثلاث أو رباع، وقوله جل ذكره * ((35) أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع) * (فاطر: 1) يعني: مثنى أو ثلاث أو رباع
أي: لأجل قوله تعالى، ذكره في معرض الاستدلال بن علي
أن الأكثر من الأربع لا يجوز بيانه أم المراد به التخيير بين الأعداد الثلاثة لا الجمع، لأنه لو أراد الجمع بين تسع لم يعدل عن لفظ الاختصار، ولقال: فانحكوا تسعا، والعرب لا تدع أن تقول: تسعة، وتقول: اثنان وثلاثة وأربعة، فلما قال: مثنى وثلاث ورباع، صار التقدير مثنى مثنى وثلاث وثلاث ورباع ورباع، فيفيد التخيير، وقد علم أن مثنى معدول عن اثنين اثنين، وثلاث عن ثلاثة ثلاثة، ورباع عن أربعة أربعة. قوله: (وقال علي بن الحسين)، وهو علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب، رضي الله تعالى عنهم، أشار به إلى أن الواو هنا بمعنى: أو التي هي للتنويع، كما في قوله تعالى في ذكر صفة أجنحة الملائكة: * (مثنى وثلاث ورباع) * (فاطر: 1) أراد: مثنى أو ثلاث أو رباع، واستدلاله بقول علي بن الحسين زين العابدين، رضي الله تعالى عنه، من أحسن الأدلة في الرد بن علي
الروافض لكونه من أئمتهم الذين يرجعون إلى قولهم ويدعون أنهم معصومون، فإن قالوا: النبي صلى الله عليه وسلم مات عن تسع، ولنا به أسوة، قلنا: إن ذاك من خصائصه، كما خص أن ينكح بغير صداق، وأن أزواجه لا ينكحن بعده، وغيره ذلك من خصائصه، وموته عن تسع كان اتفاقا، وصح أن غيلان بن سلمة أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له صلى الله عليه وسلم (إختر منهن أربعا وفارق سائرهن).
8905 حدثنا محمد أخبرنا عبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة: * ((4) وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى) * (النساء: 3) قالت اليتيمة تكون عند الرجل وهو وليها فيتزوجها على ما لها ويسيء صحبتها ولا يعدل في
91

مالها، فليتزوج ما طاب له من النساء سواها مثنى وثلاث ورباع.
.
مطابقته للترجمة في آخر الحديث. ومحمد هو ابن سلام البخاري البيكندي، وعبدة، بفتح العين وسكون الباء الموحدة: هو ابن سليمان، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة، وقد مضى هذا الحديث في تفسير قوله عز وجل: * (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) * (النساء: 3) قوله: (أن لا تقسطوا). أي: أن لا تعدلوا. قوله: (قالت)، أي: عائشة في تفسير قوله: * (وإن خفتم أن لا تقسطوا) * ويروي: قال، بالتذكير، فإن صحت فوجهها أن يقال: قال عروة راويا عن عائشة. قوله: (ويسئ)، بضم الياء من الإساءة. قوله: (فليتزوج)، جواب الشرط.
02
((باب * ((4) وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) * (النساء: 32))
أي: هذا باب يذكر فيه حكم الرضاع لقوله تعالى: * (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) * (النساء: 32) وهو عطف بن علي
قوله: * (حرمت عليكم أمهاتكم) * (النساء: 32) أي: وحرمت عليكم أمهاتكم اللاتي أرضعنكم.
ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب
هذا قطعة من حديث عائشة أخرجه الجماعة عنها إلا ابن ماجة، واللفظ لمسلم: أن عمها من الرضاع يسمى أفلح، استأذن عليها فحجبته، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها: (لا تحتجبي منه فإنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب)، وفي لفظ الباقين: (ما يحرم من الولادة)، وفي لفظ: (ما تحرم الولادة)، وإنما ذكره البخاري لبيان بعض ما يحرم بالرضاعة).
9905 حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرحمان أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرتها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان عندها وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة، قالت: فقلت: يا رسول الله هاذا رجل يستأذن في بيتك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أراه فلانا، لعم حفصة من الرضاعة، قالت عائشة: لو كان فلان حيا لعمها من الرضاعة دخل علي؟ فقال: نعم الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة.
.
مطابقته للشق الثاني من الترجمة ظاهرة. وإسماعيل هو ابن أبي أويس، وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري.
والحديث مضى في كتاب الشهادات في: باب الشهادة بن علي
الأنساب، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (أخبرتها) أي: أخبرت عائشة عمرة بنت عبد الرحمن. قوله: (صوت رجل) لم يدر اسمه. قوله: (أراه) بضم الهمزة أي: أظنه. قوله: (لعم حفصة) قال بعضهم: اللام بمعنى: عن، أي: قال ذلك عن عم حفصة. قلت: اللام بمعنى عن ذكره ابن الحاجب في قوله تعالى: * (وقال الذين كفروا للذين آمنوا) * (مريم: 37، والعنكبوت: 21، ويس: 74، والأحقاف: 11) وقال ابن مالك وغيره: هي لام التعليل، وهنا أيضا كذلك، أي: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لأجل عم حفصة، ولم يدر اسمه. قوله: (لو كان فلان) لم يدر اسمه، وقيل: هو أفلح أخو أبي القعيس، وقال بعضهم: هو وهم، لأن أبا القعيس والد عائشة من الرضاعة، وأما أفلح فهو أخوه وهو عمها من الرضاعة، وأما قولها: لو كان حيا، يدل بن علي
أنه مات. انتهى. قلت: يحتمل أن يكون أخا آخر لها، ويحتمل أنها ظنت أنه مات لبعد عهدها به ثم قدم بعد ذلك فاستأذن. قوله: (الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة) وهذا إجماع لا خلاف فيه بين الأئمة، فإذا حرمت الأم فكذا زوجها لأنه والده لأن اللبن منهما جميعا، وانتشرت الحرمة إلى أولاده: فأخو صاحب اللبن عم، وأخوها خاله من الرضاع فيحرم من الرضاع: العمات والخالات والأعمام والأخوات وبناتهن كالنسب.
0015 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة عن قتادة عن جابر بن زيد ابن عباس قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا تزوج ابنة حمزة؟ قال: إنها ابنة أخي من الرضاعة.
(انظر الحديث 5462).
مطابقته للشق الثاني للترجمة ظاهرة. ويحيى هو ابن سعيد القطان، وجابر بن زيد هو أبو الشعثاء البصري مشهور بكنيته، وأما
92

جابر بن يزيدبالياء آخر الحروف في أول اسم أبيه فهو الكوفي، وليس له في الصحيح شيء.
والحديث مر في كتاب الشهادات في: باب الشهادة بن علي
الأنساب، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (قيل للنبي صلى الله عليه وسلم) القائل له هو علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، كذا قاله بعضهم، ثم قال: كما أخرجه مسلم من حديثه، قال: قلت: يا رسول الله! مالك تتوق في قريش وتدعنا؟ قال: وعندكم شيء؟ قلت: نعم ابنة حمزة الحديث. قلت: أخرج مسلم هذا الحديث من رواية أبي عبد الرحمن عن علي، رضي الله تعالى عنه، وأخرج أيضا عن ابن عباس نحو رواية البخاري، وأخرج أيضا من حديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أين أنت يا رسول الله عن ابنة حمزة؟ الحديث، فمن أين تعين في حديث ابن عباس أن القائل فيه هو علي حتى جزم هذا القائل: إن القائل للنبي صلى الله عليه وسلم هو علي بن أبي طالب؟ فلم لا يجوز أن تكون أم سلمة أو غيرها؟ قوله: (ألا تزوج) بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد الواو وضم الجيم، أصله: تتزوج، فحذفت إحدى التاءين وروي أيضا بلا حذف التاء. قوله: (إنها) أي: إن بنت حمزة بنت أخي من الرضاعة، لأن ثويبة أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما كانت أرضعت حمزة، وقال ابن إسحاق: كان حمزة أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين، وقيل: بأربع، وثوبية بضم الثاء المثلثة مصغر ثوبة وكانت مولاة لأبي لهب بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقها، واختلف في إسلامها، وذكرها ابن مندة في الصحابة، وقال أبو نعيم: ولا أعلم أحدا أثبت إسلامها غير ابن مندة وكان صلى الله تعالى عليه وسلم، يكرمها، وكانت تدخل عليه بعد أن تزوج خديجة، رضي الله تعالى عنها، ويصلها من المدينة حتى ماتت بعد فتح خيبر وكانت خديجة تكرمها. قوله: (تتوق) في رواية مسلم ضبط بوجهين: أحدهما: تتوق بتاءين أولاهما مفتوحة والأخرى مضمومة من التوق وهو الميل مع الاشتهاء. والثاني: تنوق، بفتح التاء المثناة من فوق وفتح النون وتشديد الواو، ومعناه: تختار من النيقة، بكسر النون وسكون الياء آخر الحروف وهي الخيار من الشيء، فإن قلت: كيف قال علي، رضي الله تعالى عنه، للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا تزوج ابنة حمزة وهو يعلم حكم الرضاع؟ قلت. قيل: لم يعلم بذلك. وقال القرطبي: هذا بعيد أن يقال في حق علي، لم يعلم بذلك، والأحسن أن يقال: إنه لم يعلم بأن حمزة رضيع النبي صلى الله عليه وسلم، أو جوز الخصوصية، أو كان ذلك قبل تقرير الحكم.
وقال بشر بن عمر: حدثنا شعبة سمعت قتادة سمعت جابر بن زيد مثله
بشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: ابن عمر الزهراني، وهذا تعليق رواه مسلم عن محمد بن يحيى القطعي عنه، وفائدته عند البخاري لبيان سماع قتادة من جابر بن زيد لأنه مدلس.
1015 حدثنا الحكم بن نافع أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير أن زينب ابنة أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة بنت أبي سفيان أخبرتها أنها قالت: يا رسول الله! انكح أختي بنت أبي سفيان. فقال: أو تحبين ذلك؟ فقلت: نعم، لست لك بمخلية وأحب من شاركني في خير أختي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن ذلك لا يحل لي. قلت: فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة؟ قال: بنت أم سلمة؟ قلت: نعم. فقال: لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن.
قال عروة: وثويبة مولاة لأبي لهب، كان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات أبو لهب أرية بعض أهله بشر حيبة، قال له: ماذا لقيت؟ قال أبو لهب: لم ألق بعدكم، غير أني سقيت في هاذه بعتاقتي ثويبة.
93

مطابقته للترجمة في الشق الثاني وزينب بنت أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمها أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وكان اسم زينب برة فسماها النبي صلى الله عليه وسلم زينب، ولدتها أمها بأرض الحبشة وقدمت بها وحفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت زينب عند عبد الله بن زمعة بن الأسود، فولدت له، وأبو سلمة اسمه عبد الله بن عبد الأسد وأمة برة بنت عبد المطلب، وهاجر الهجرتين وشهد بدرا وخرج يوم أحد فمات منه. وذلك لثلاث مضين لجمادى الآخرة سنة ثلاث من الهجرة، وأم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وسلم واسمها ملة بلا خلاف.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النفقات عن يحيى بن بكير وفي النكاح أيضا عن عبد الله بن يوسف عن الليث به، وعن الحميدي عن سفيان وعن قتيبة عن الليث وأخرجه مسلم في النكاح عن أبي كريب وغيره وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة وغيره وأخرجه ابن ماجة عن محمد بن رمح وعن أبي بكر بن أبي شيبة.
قوله: (أنكح أختي): أي: تزوج، وفي رواية مسلم والنسائي: (أنكح أختي عزة بنت أبي سفيان)، وفي رواية الطبراني قالت: يا رسول الله هل لك في أختي حمنة بنت أبي سفيان، وعند أبي موسى في الذيل مدرة بنت أبي سفيان بضم الدال المهملة، وحكى عياض عن بعض رواة مسلم أنه ضبطها بفتح الذال المعجمة، وقال النووي: هو تصحيف. قوله: (أو تحبين ذلك؟) هذا استفهام تعجب مع ما طبع عليه النساء من الغيرة. قوله: (بمخيلة)، بضم الميم وسكون الخاء المعجمة وكسر اللام اسم فاعل من الإخلاء متعديا ولازما من أخليت بمعنى خلوت من الضرة، والمعنى: لست بمنفردة عنك ولا خالية من ضرة، وقال ابن الأثير: معناه لم أجد خاليا من الزوجات، وليس هو من قولهم: امرأة مخلية، أي: خالية من الأزواج، وقال الكرماني: وفي بعض الروايات بلفظ المفعول. قوله: (وأحب) مبتدأ مضاف إلى: من. قوله: (أختي)، خبره. قوله: (في خبر) كذا بالتنوين في رواية الأكثرين أي: أي خبر كان؟ وفي رواية هشام: وأحب من شركني فيك أختي، وعرف أن
المراد بالخيرذاته، صلى الله تعالى عليه وسلم. قوله: (إن ذلك لا يحل لي). لأنه جمع بين الأختين، وهذا كان قبل علم أم حبيبة بالحرمة، أو ظنت أن جوازه من خصائص النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، لأن أكثر حكم نكاحه يخالف أحكام أنكحة الأمة. قوله: (فإنا نحدث)، بضم النون وفتح الحاء والدال المشددة بن علي
صيغة المجهول، وفي رواية هشام: وفي رواية أبي داود: (فوالله لقد أخبرت). قوله: (إنك تريد أن تنكح)، وفي رواية هشام: بلغني أنك تخطب. قوله: (فقال: إنها) أي: بنت أبي سلمة. قوله: (في حجري)، خرج مخرج الغالب، وإلا فالربيبة حرام مطلقا سواء كانت في حجر زوج أمها أم لا. قوله: (لابنة أخي) اللام فيه مفتوحة للتأكيد، وأشار بهذا إلى أن حرمتها عليه بسببين وهما: كونها ربيبته صلى الله عليه وسلم، وكونها بنت أخيه من الرضاع. والحكم يثبت بعلل شتى. قوله: (وأبا سلمة)، أي: وأرضعت أبا سلمة، وقدم المفعول بن علي
الفاعل، والفاعل هو ثويبة، وقد مر الكلام فيها عن قريب. قوله: (فلا تعرضن)، بفتح التاء وسكون العين وكسر الراء وبالنون الخفيفة: خطاب لجماعة النساء، ويروي (ولا تعرضن)، بالنون المشددة، خطاب لأم حبيبة. قوله: (علي)، بتشديد الياء. قوله: (قال عروة) هو بالإسناد المذكور. قوله: (أريه)، بضم الهمزة وكسر الراء بن علي
صيغة المجهول، أي: رأى أبا لهب بعض أهله في المنام. قوله: (بشر حيبة)، بكسر الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة أي: بن علي
أسوء حالة، يقال: بات الرجل بحيبة سوء أي: بحالة رديئة. وقال ابن الأثير: الحيبة والحوبة الهم والحزن، ووقع في شرح السنة للبغوي. بفتح الحاء، ووقه عند المستملي بفتح الخاء المعجمة، أي: في حالة خائبة من كل خير، وقال ابن الجوزي: هو تصحيف. قلت: هذا أقرب من جهة المعنى ولهذا قال القرطبي: يروي بالمعجمة، وحكى في المشارق بالجيم في رواية المستملي، ولا أظنه إلا تصحيفا. قوله: (ماذا لقيت) أي: قال الرائي لأبي لهب: ماذا لقيت بعد موتك؟ قوله: (لم ألق بعدكم) كذا في الأصول بحذف المفعول، وعند عبد الرزاق عن معمر عن الزهري: لم ألق بعدكم راحة، وقال ابن بطال: سقط المفعول من رواية البخاري، ولا يستقيم الكلام إلا به. قوله: (سقيت) بن علي
صيغة المجهول. قوله: (في هذه) كلمة: هذه إشارة. ولم يبين المشار إليه وبينه عبد الرزاق في روايته بالإشارة إلى النقرة التي بين الإبهام والمسبحة، وفي رواية الإسماعيلي: وأشار إلى النقرة التي بين الإبهام والتي تليها من الأصابع، وحاصل المعنى إشارة إلى حقارة ما سقى من الماء، وقال القرطبي: سقي نقطة من ماء في جهنم بسبب ذلك، قال: وذلك أنه جاء في الصحيح أنه رثي في
94

النوم فقيل له: ما فعل ربك هناك؟ فقال: سقيت مثل هذه، وأشار إلى ظفر إبهامه. قوله: (بعتاقتي) أي: بسبب عتاقتي ثوبية، وعتاقة بفتح العين، وفي رواية عبد الرزاق: بعتقي، وقال بعضهم: وهو أوجه، والوجه أن يقول: بإعتاقي لأن المراد التخلص من الرق. قلت: هذا القائل أخذ ما قاله من كلام الكرماني، فإنه قال: فإن قلت: معناه التخلص من الرقية، فالصحيح أن يقال: بإعتاقي. قلت: كل من الناقل والمنقول منه لم يحرر كلامه، فإن العتق والعتاقة والعتاق كلها مصادر من عتق العبد، وقول الناقل: وهو أوجه، غير موجه، لأن العتق والعتاقة واحد في المعنى، فكيف يقول العتق أوجه؟ ثم قوله: والأوجه أن يقول: بإعتاقي لأن المراد التخلص من الرق، كلام من ليس له وقوف بن علي
كلام القوم، فإن صاحب المغرب قال: العتق الخروج من المملوكية وهو التخلص من الرقية، وقد يقوم العتق مقام الإعتاق الذي هو مصدر أعتقه مولاه. وفي التوضيح: وفيه أي: وفي هذا الحديث من الفقه أن الكافر قد يعطى عوضا من أعماله التي يكون منها قربة لأهل الإيمان بالله، كما في حق أبي طالب. غير أن التخفيف عن أبي لهب أقل من التخفيف عن أبي طالب، وذلك لنصرة أبي طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحياطته له وعداوة أبي لهب له. وقال ابن بطال: وصح قول من تأول في معنى الحديث الذي جاء عن الله تعالى: إن رحمته سبقت غضبه، إن رحمته لا تنقطع عن أهل النار المخلدين فيها، إذ في قدرته أن يخلق لهم عذابا يكون عذاب النار لأهلها رحمة وتخفيفا بالإضافة إلى ذلك العذاب ومذهب المحققين أن الكافر لا يخفف عنه العذاب بسبب حسناته في الدنيا، بل يوسع عليه بها في دنياه. وقال القاضي عياض: انعقد الإجماع بن علي
أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب، ولكن بعضهم أشد عذابا بحسب جرائمهم. وقال الكرماني: لا ينفع الكافر العمل الصالح. إذ الرؤيا ليست بدليل، وعلي تقدير التسليم يحتمل أن يكون العمل الصالح والخير الذي يتعلق لرسول الله صلى الله عليه وسلم مخصوصا، كما أن أبا طالب أيضا ينتفع بتخفيف العذاب. وذكر السهيلي أن العباس، رضي الله تعالى عنه، قال: لما مات أبو لهب رأيته في منامي بعد حول في شر حال، فقال: ما لقيت بعدكم راحة إلا أن العذاب يخفف عني كل يوم اثنين. قال: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين وكانت ثويبة بشرت أبا لهب بمولده فأعتقها. ويقال: إن قول عروة لما مات أبو لهب: أريه بعض أهله إلى آخره خبر مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدثه به، وعلى تقدير أن يكون موصولا فالذي في الخبر رؤيا منام فلا حجة فيه، ولعل الذي رآها لم يكن إذ ذاك أسلم بعد، فلا يحتج به. وأجيب ثانيا: بن علي
تقدير القبول، يحتمل أن يكون ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم مخصوصا من ذلك بدليل قصة أبي طالب حيث خفف عنه. فنقل من الغمرات إلى الضحضاح، وقال القرطبي: هذا التخفيف خاص بهذا وبمن ورد النص فيه، والله أعلم. ومن جملة ما يشتمل هذا بن علي
حرمة الجمع بين الأختين بلا خلاف، واختلف في الأختين بملك اليمين، وكافة العلماء بن علي
التحريم أيضا خلافا لأهل الظاهر، واحتجوا بما روي عن عثمان: حرمتهما آية وأحلتهما آية، والآية المحلة لها قوله تعالى: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * (النساء:
42) وحكاه الطحاوي وعن علي وابن عباس، رضي الله تعالى عنهم، وقد روي المنع عن عمرو علي أيضا وابن مسعود وابن عباس وعمار وابن عمر وعائشة وابن الزبير، رضي الله تعالى عنهم، ومما يشتمل هذا أيضا بن علي
ثبوت حرمة الرضاع بين الرضيع والمرضعة، فإنها تصير بمنزلة أمه من الولادة، ويحرم عليه نكاحها أبدا ويحل له النظر إليها والخلوة بها والمسافرة معها، ولا يترتب عليه أحكام الأمومة من كل وجه، فلا توارث ولا نفقة ولا عتق بذلك بالملك ولا ترد شهادته لها ولا يعقل عنها ولا يسقط عنهما القصاص بقتلهما، ومن ذلك انتشار الحرمة بين المرضعة وأولاد الرضيع وبين الرضيع وأولاد المرضعة وحرمة الرضاع بين الرضيع وزوج المرضعة ويصير الرضيع ولدا له وأولاد الرجل إخوة الرضيع، وإخوة الرجل أعمام الرضيع وأخواته عماته ويكون أولاد الرضيع أولاد الرجل، ولم يخالف في ذلك إلا أهل الظاهر وابن علية فإنهم قالوا بحرمة الرضاع بين الرجل الرضيع، كذا نقله الخطابي وعياض عنهما، وزاد الخطابي، ابن المسيب.
12
((باب من قل لا رضاع بعد حولين))
أي: هذا باب في بيان قول من قال: لا رضاع بعد سنتين، وممن قال ذلك عامر الشعبي وابن شبرمة والثوري والأوزاعي
95

والشافعي وأحمد أبو يوسف ومحمد وإسحاق وأبو ثور، وهو قول مالك في الموطأ، وقال بعضهم: أشار البخاري بهذا إلى قول الحنيفة: إن أقصى مدة الرضاع ثلاثون شهرا قلت: سبحان الله! هذا نتيجة فكر صاحبه نائم، وما وجه الإشارة في هذا إلى قول الحنفية؟ والترجمة ما وضعت إلا لبيان من قال: لا رضاع بعد حولين مطلقا، وهو أعم من أن يكون بعد الحولين قول الحنفية أو غيرهم، وتخصيص الحنفية بالجمع أيضا غير صحيح، لأن أبا يوسف ومحمدا للذين هما من أكبر أئمة الحنفية لم يقولا بالرضاع بعد الحولين، والإمام مالك الذي هو أحد أركان المذاهب الأربعة روي الوليد بن مسلم عنه: ما كان بعد الحولين بشهر أو شهرين يحرم، وزفر الذي هو من أعيان أصحاب أبي حنيفة قال: ما كان يجتزىء باللبن ولم يطعم، وإن أتى عليه ثلاث سنين فهو رضاع، والأوزاعي، إمام أهل الشام، قال: إن فطم وله عام واحد واستمر فطامه ثم رضع في الحولين لم يحرم هذا الرضاع الثاني شيئا وإن تمادى رضاعه.
لقوله تعالى: * ((2) حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) * (البقرة: 332)
ذكر هذا في معرض الاحتجاج لمن قال: لا رضاع بعد حولين، وقوله: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) وأقل مدة الحمل ستة أشهر فبقي للفطام حولان وأبو حنيفة يستدل فيقوله: إن مدة الرضاع ثلاثون شهرا بقوله تعالى: * (فإن أراد فصالا عن تراض منهما وتشاور) * (البقرة: 332) بعد قوله تعالى: * (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) * (البقرة: 332) فثبت أن بعد الحولين رضاع، فلا يمكن قطع الولد عن اللبن دفعة واحدة، فلا بد من زيادة مدة يعتاد فيها الصبي مع اللبن الفطام، فيكون غذاؤه اللبن تارة والطعام أخرى إلى أن ينسى اللبن، وأقل مدة تنتقل بالعادة ستة أشهر اعتبارا بمدة الحبل فإن قلت: روي الدارقطني عن الهيثم بن جميل عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا رضاع إلا ما كان من حولين قلت: لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل، قال ابن عدي: يغلط بن علي
الثقات وأرجو أنه لا يتعمد الكذب، وغيره يوفقه بن علي
ابن عباس، وقال ابن بطال الراوي عن الهيثم أبو الوليد بن برد الأنطاكي وهو لا يعرف، وقال النسائي: الهيثم بن جميل وثقه الإمام أحمد والعجلي وغير واحد، وكان من الحفاظ إلا أنه وهم في رفع هذا الحديث، والصحيح وقفه بن علي
ابن عباس، ورواه سعيد بن منصور عن ابن عيينة موقوفا، ورواه عبد الرزاق. أخبرنا معمر عن عمرو عن ابن عيينة به موقوفا، وكذا رواه ابن أبي شيبة موقوفا، ورواه أيضا ابن أبي شيبة موقوفا بن علي
ابن مسعود علي بن أبي طالب، وأخرجه الدارقطني موقوفا بن علي
عمر، رضي الله تعالى عنه، قال: لا رضاع إلا في الحولين في الصغير.
وما يحرم من قليل الرضاع وكثيره
(وما يحرم) عطف بن علي
قوله: من قال أي: في بيان ما يحرم من التحريم، وكأنه أشار بهذا إلى أنه ممن يرى أن قليل الرضاع وكثيره سواء في الحرمة، وهو قول علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن وعطاء ومكحول وطاووس والحكم وأبي حنيفة وأصحابه والليث بن سعد ومالك والأوزاعي والثوري لإطلاق الآية، وهو المشهور عن أحمد. وقالت طائفة: إن الذي يحرم ما زاد بن علي
الرضعة. ثم اختلفوا، فعن عائشة: عشر رضعات، وعنها سبع رضعات، وعنها: خمس رضعات. وروى مسلم عنها: كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات، ثم نسخن بخمس رضعات محرمات، فتوفي رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وهن مما يقرأ، وإلى هذا ذهب الشافعي وأحمد في رواية، وذهب أحمد في رواية وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر وداود وأتباعه إلا ابن حزم إلى أن الذي يحرم ثلاث رضعات، ومذهب الجمهور أقوى لأن الأخبار اختلفت في العدد فوجب الرجوع إلى أقل ما ينطلق عليه الاسم، وقول عائشة الذي رواه مسلم لا ينتهض حجة لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، والراوي روي هذا بن علي
أنه قرآن لا خبر، فلم يثبت كونه قرآنا، ولا ذكر الراوي أنه خبر ليقبل قوله فيه.
2015 حدثنا أبو اوليد حدثنا شعبة عن الأشعث عن أبيه عن مسروق عن عائشة رضي
96

الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل، فكأنه تغير وجهه كأنه كره ذالك، فقالت: إنه أخي، فقال: انظرن من إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة.
(انظر الحديث 7462).
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فإنما الرضاعة من المجاعة) لأن الترجمة في ذكر الرضاع، وحديث الباب يبين أن الرضاعة تكون من المجاعة أي الجوع.
وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، والأشعث هو ابن أبي الشعثاء واسمه سليم بن الأسود المحاربي الكوفي، ومسروق بن الأجدع.
والحديث مر في الشهادات في: باب الشهادة بن علي
الأنساب وأخرجه عن محمد بن كثير، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (رجل) لم يدر اسمه، وقيل بالتخمين: هو ابن أبي القعيس، ومن قال: هو عبد الله بن يزيد، فقد غلط لأنه تابعي باتفاق الأئمة، وكانت أمه أرضعت عائشة، عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم فولدته فلذلك قيل له: رضيع عائشة قوله: (فكأنه تغير وجهه كأنه كره ذلك) وفي رواية مسلم من طريق أبي الأحوص عن أبي الأشعث: وعندي رجل قاعد، فاشتد ذلك عليه ورأيت الغضب في وجهه، وفي رواية أبي داود عن حفص بن عمر عن شعبة. فشق ذلك عليه وتغير وجهه. قوله: (إنه أخي) وفي رواية غندر عن شعبة: إنه أخي من الرضاعة. قوله: (انظرن من إخوانكن) هذه رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: ما إخوانكن، والأول أوجه، معناه: تحققن صحة الرضاعة ووقتهاد فإنما تثبت الحرمة إذا وقعت بن علي
شرطها وفي وقتها. قوله: (فإنما الرضاعة من المجاعة) أي: الجوع، يعني: الرضاعة التي تثبت بها الحرمة ما تكون في الصغر حين يكون الرضيع طفلا يسد اللبن جوعته، لأن معدته ضعيفة يكفيها اللبن وينبت لحمه بذلك فيصير كجزء من المرضعة، فيكون كسائر أولادها، وهذا أعم من أن يكون قليلا أو كثيرا وفي رواية: فإنما الرضاعة عن المجاعة، ويروي: أو المطعم من المجاعة ويقال: كأنه قال: لا رضاعة معتبرة إلا المغنية عن الجوع أو المطعمة عنه، ومن شواهده حديث ابن مسعود: لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم، أخرجه أبو داود مرفوعا موقوفا، وحديث أم سلمة: لا يحرم من الرضاع ما فتق الأمعاء، أخرجه الرمذي وصححه ويمكن أن يستدل بن علي
أن الرضعة الواحدة لا تحرم لأنها لا تغني من جوع، فإذن يحتاج إلى تقدير، فأولى ما يؤخذ به ما قدرته الشريعة وهو خمس رضعات، قلنا: هذا كله زيادة بن علي
مطلق النص، لأن النص غير مقيد بالعدد والزيادة بن علي
النص نسخ فلا يجوز، وكذلك الجواب عن كل حديث فيه عدد مثل حديث عائشة، رضي الله تعالى عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تحرم المصة ولا المصتان، وفي رواية النسائي عنها: لا تحرم الخطفة والخطفتان، وقال ابن بطال: أحاديث عائشة كلها مضطربة فوجب تركها ولارجوع إلى كتاب الله تعالى. وروي أبو بكر الرازي عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أنه قال: قولها: لا تحرم الرضعة والرضعتان، كان فأما اليوم فالرضعة الواحدة تحرم فجعله منسوخا، وكذلك الجواب عن قولها: لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان.
22
((باب لبن الفحل))
أي: هذا باب في بيان لبن الفحل، بفتح الفاء وسكون الهاء المهملة أي: الرجل، ونسبة اللبن إليه مجاز لكونه سببا فيه. واختلف فيه فقال قوم: لبن الفحل يحرم. وهو قول ابن عباس فيما ذكره الترمذي، وقول عائشة فيما ذكره ابن عبد البر، وبه قال عروة بن الزبير وطاووس وعطاء وابن شهاب ومجاهد وأبو الشعثاء وجابر بن زيد والحسن والشعبي وسالم والقاسم بن محمد وهشام بن عروة بن علي
خلاف فيه، وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأصحابهم والثوري والأوزاعي والليث بن سعد وإسحاق وأبي ثور. وقال قوم: ليس لبن الفحل بمحرم، روي ذلك عن جماعة من الصحابة منهم: ابن عمر وجابر وعائشة بن علي
اختلاف عنها ورافع بن خديج وعبد الله بن الزبير، ومن التابعين قول سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وأخيه عطاء بن يسار ومكحول وإبراهيم النخعي وأبي قلابة وإياس بن معاوية والقاسم بن محمد وسالم والشعبي بن علي
خلاف عنه، وكذا الحسن وإبراهيم بن علية وداود الظاهري فيما حكاه عنه أبو عمر في التمهيد، والمعروف عن داود خلافه، وقال القاضي عياض: لم يقل أحد من أئمة الفقهاء وأهل الفتوى بإسقاط حرمة لبن الفحل إلا أهل الظاهر وابن علية، والمعروف عن داود موافقة الأئمة الأربعة. قلت: معنى لبن الفحل يحرم أنه يثبت حرمة الرضاع بينه وبين الرضيع
97

ويصير ولدا له، ويكون أولاد الرضيع أولاد الرجل، خلافا لمن قال: لبن الرجل لا يحرم.
3015 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة: أن أفلح أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها وهو عمتها من الرضاعة بعد أن
نزل الحجاب فأبيت أن آذن له، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بالذي صنعت، فأمرني أن آذن له.
.
مطابقته للترجمة من حيث ثبوت الحرمة بين عائشة وبين أفلح المذكور الذي هو عمها من الرضاع، فلذلك أذن لها بدخول أفلح عليها، وقال إنه عمك، لما قالت: إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل، كذا في رواية الترمذي، فدل بن علي
أن ماء الرجل يحرم.
والحديث مضي في كتاب الشهادات في: باب الشهادة بن علي
الأنساب، وقد مضى الكلام فيه هناك، ونذكره ههنا بأكثر منه وأوضح.
فقوله: (إن أفلح أخا أبي القعيس)، كذا هو في صحيح مسلم والنسائي أيضا وفي رواية لمسلم: أفلح بن أبي القعيس، وفي رواية له وللنسائي قالت: استأذن وكذا في رواية أبي داود وابن ماجة. وفي رواية لمسلم: قال استأذن عليها أبو القعيس، وفي رواية له وللنسائي، قالت: استأذن علي عمي من الرضاعة أبو الجعيد، فرددته، قال هشام: إنما هو أبو القعيس. والصواب أنه أفلح وكنيته أبو الجعيد، وهو أخو أبي القعيس، وقال القرطبي في المفهم: هذا هو الصحيح وما سوى ذلك وهم من بعض الرواة، ولا يعرف لأبي القعيس ولا لأخيه أفلح ذكر إلا في هذا الحديث، ويقال: إنهما من الأشعريين، وفي رواية الترمذي، قالت: جاء عمي من الرضاعة، ذكرته مبهما، وأفلح، بفتح الهمزة واللام وسكون الفاء وبالحاء المهملة، وأبو القعيس، بضم القاف وفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالسين المهملة. قوله: (وهو عمها من الرضاعة) فيه التفات، وكان القياس يقتضى أن تقول: وهو عمي، واختلف في كيفية ثوبت العمومة لأفلح هذا فزعم بعضهم ممن رأى أن لبن الفحل لا يحرم أن أفلح هذا رضع مع أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، فكان عما لعائشة من الرضاعة. وهذا خطأ يرده ما في رواية الترمذي عن عائشة، قالت: إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل، وكذا في رواية البخاري، بن علي
ما يأتي إن شاء الله تعالى، والصواب أن عائشة ارتضعت من امرأة أبي القعيس، وأفلح أخوه فصار عمها من الرضاعة، وفي رواية لمسلم: جاء أفلح أخو أبي القعيس يستأذن عليها وكان أبو القعيس أبا عائشة من الرضاعة وفي رواية له: وكان أبو القعيس زوج المرأة التي أرضعت عائشة. قوله: (جاء يستأذن عليها) فيه دليل بن علي
مشروعية الاستئذان. ولو في حق المحرم، لجواز أن تكون المرأة بن علي
حال لا يحل للمحرم أن يراها عليه. قوله: (بعد أن نزل الحجاب) فيه أنه يجوز للمرأة أن تأذن للرجل الذي ليس بمحرم لها في الدخول عليها، ويجب عليها الاحتجاب منه بالإجماع، وما ورد من بروز النساء فإنما كان قبل نزول الحجاب، وكنت قصة أفلح مع عائشة بعد نزول الحجاب، كما صرح به هنا. قوله: (فأبيت) أي: امتنعت، فيه دليل بن علي
أن الأمر المتردد فيه التحريم والإباحة ليس لمن لم يترجح عنده أحد الطرفين الإقدام عليه، خصوصا بعد نزول الحجاب، وتردد عائشة فيه هل هو محرم فتأذن له؟ أوليس بمحرم فتمنعه؟ فامتنعت تغليبا للتحريم بن علي
الإباحة. قوله: (فأمرني أن آذن له) وفي رواية شعيب الماضية في الشهادات: إئذني له فإنه عمك تربت يمينك، وفي رواية سفيان: يداك أو يمينك، وفي رواية مالك عن هشام بن عروة: إنه عمك فليلج عليك، وفي رواية الحكم: صدق أفلح إئذني له.
واستدل بهذا الحديث بن علي
أن من ادعى الرضاع وصدقه الرضيع يثبت حكم الرضاع بينهما فلا يحتاج إلى بينة لأن أفلح ادعاه وصدقته عائشة وأذن الشارع بمجرد ذلك، ورد هذا باحتمال أن الشارع اطلع بن علي
ذلك من غير دعوى أفلح وتسليم عائشة، واستدل به أيضا بن علي
أن قليل الرضاع يحرم كما يحرم كثيره. وقال بعضهم: وألزم بعضهم بهذا الحديث الحنفية القائلين: إن الصحابي إذا روي حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم وصح عنه، ثم صح عنه العمل بخلافه، أن العمل بما رأى لا بما روى، لأن عائشة صح عنها أن الاعتبار بلبن الفحل، وأخذ الجمهور منهم الحنفية بخلاف ذلك وعملوا بروايتها في قصة أخي أبي القعيس وحرموا بلبن الفحل، وكان يلزمهم بن علي
قاعدتهم أن يتبعوا عائشة ويعرضوا عن روايتها، وهذا إلزام قوي انتهى. قلت: لو علم هذا القائل مدرك ما قالته الحنفية في ذلك لما صدر منه
98

هذا الكلام، ولكن عدم الفهم وأريحية العصبية يحملان الرجل بن علي
أن أخبط من هذا، وقاعدة أصحابنا فيما قالوه ليست بن علي
الإطلاق بل هي لا يخلو الصحابي في عمله بما رأى لا بما روي أنه إن كان عمله أو فتواه قبل الرواية أو قبل بلوغه إليه كان الحديث حجة، وإن كان بعد ذلك لم يكن حجة، لأنه ثبت عنده أنه منسوخ، فلذلك عمل بما رآه لا بما رواه، بن علي
أن ابن عبد البر قد ذكر أن عائشة أيضا كانت ممن حرم لبن الفحل.
32
((باب شهادة المرضعة))
أي: هذا باب في بيان شهادة المرضعة بالرضاع وحدها، وفيه خلاف، فروي عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، وطاووس جواز شهادة واحدة فيه إذا كانت مرضعة، وتستحلف مع شهادتها، وهو قول الزهري، والأوزاعي وأحمد وإسحاق، وعن الأوزاعي: إنه أجاز شهادة امرأة واحدة في ذلك إذا شهدت قبل أن تتزوجه، فأما بعده فلا وروي عن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، أنه: لا يقبل في ذلك إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وقال مالك: تقبل شهادة امرأتين دون رجل، وبه قال الحكم، وقالت طائفة: لا يقبل في ذلك أقل من أربع نسوة، روي ذلك عن عطاء والشعبي، وهو قول الشافعي.
4015 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أخبرنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة قال: حدثني عبيد بن أبي مريم عن عقبة بن الحارث قال: وقد سمعته من عقبة لكني لحديث عبيد أحفظ، قال: تزوجت امرأة فجاءتنا امرأة فجاءتنا امرأة سوداء، فقالت: أرضعتكما فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: تزوجت فلانة بنت فلان فجاءتنا امرأة سوداء فقالت لي: إني قد أرضعتكما، وهي كاذبة، فأعرض عني فأتيته من قبل وجهه، قلت: إنها كاذبة. قال: كيف بها وقد زعكت أنها قد أرضعتكما؟ دعها عنك. وأشار إسماعيل بإصبعيه السبابة والوسطى يحكي أيوب.
.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (كيف بها)؟ إلى آخره، وبه أخذ الليث وقال يجواز شهادة المرضعة.
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وإسماعيل بن إبراهيم هو إسماعيل بن علية، وهي أمه وأيوب هو السختياني وعبيد بن أبي مريم المكي ماله في الصحيح غير هذا الحديث، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وعقبة بضم العين وسكون القاف ابن الحارث القرشي المكي الصحابي، وهو من أفراده.
والحديث مضى في كتاب العلم في باب الرحلة وفي كتاب الشهادات أيضا في: باب شهادة الإماء والعبيد.
قوله: (قال: وقد سمعته) أي: قال عبد الله بن أبي مليكة: سمعت هذا الحديث من عقبة بن الحارث، والاعتماد بن علي
سماعه منه. قوله: (تزوجت امرأة) وهي أم يحيى بنت أبي إهاب، بكسر الهمزة، التميمي. قوله: (امرأة سوداء) ولم يدر اسمها. قوله: (فأعرض عني) وفي رواية المستملي: فأعرض عنه، بطريق الالتفات. قوله: (من قبل وجهه) بكسر القاف وفتح الباء الموحدة. قوله: (كيف بها) استبعاد منه أي: وكيف تجتمع بها بعد أن قيل هذا. قوله: (دعها) أي: اتركها وهو أمر من يدع أمره بالترك والأخذ بالورع والاحتياط لا بن علي
الإيجاب، وروي ابن مهدي بإسناده عن رجل من بني عبس، قال: سألت عليا وابن عباس، رضي الله تعالى عنهم، عن رجل تزوج امرأة فجاءت امرأة فزعمت أنها أرضعتهما، فقالا: ينزه عنها فهو خير، وإما أن يحرمها عليه أحد فلا، وقد قال زيد بن أسلم: إن عمر بن الخطاب لم يجز شهادة امرأة واحدة في الرضاع. قوله: (وأشار إسماعيل) هو إسماعيل بن إبراهيم الراوي، قوله: (بأصبعيه) يعني أشار بهما حكاية عن أيوب السختياني في إشارته إلى الزوجين.
42
((باب ما يحل من النساء وما يحرم))
أي: هذا باب في بيان ما يحل نكاحه من النساء وما لا يحل.
99

وقوله تعالى: * ((4) حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم.. وأخواتكم وعماتكم وخلاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت) * (النساء: 32) الآية إلى قوله * ((4) إن الله كان عليما حكميا) * (النساء: 42)
وقوله، بالجر عطف بن علي
قوله: ما يحل، وهكذا في رواية كريمه، وفي رواية أبي ذر * (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) * (النساء: 32) الآية إلى * (عليما حكيما) * (النساء: 42) قوله: الآية، وفي بعض النسخ: الآيتين، لأن من قوله * (حرمت) * (النساء: 32) إلى قوله: * (عليما حكيما) * (النساء: 42) آيتين الأولى من * (حرمت عليكم) * (النساء: 32) إلى قوله * (إن الله كان غفورا رحيما) * (النساء: 32) والثانية من قوله * (والمحصنات من النساء) * إلى قوله * (إن الله كان عليما حكيما) * (النساء: 42) وقد بين الله تعالى هنا المحرمات من النساء وهن أربع عشرة امرأة: سبع من نسب وسبع بسبب، فالسبع التي من نسب هي قوله: * (حرمت عليكم أمهاتكم) * إلى قوله * (وبنات الأخت) * (النساء: 32) الأولى: الأمهات والمراد بها الوالدات ومن فوقهن من الجدات من قبل الأمهات والآباء، الثانية: البنات والمراد بها بنات الأصلاب ومن أسفل منهن من بنات الأبناء والبنات، وإن سفلن الثالثة: الأخوات والمراد الشقيقات وغيرهن من الآباء والأمهات. الرابعة: العمان والمراد أخوات الآباء وأخوات الأجداد وإن علون. الخامسة: الخالات وهي أخوات الأمهات الوالدات لآبائهن وأمهاتهن. السادسة: بنات الأخ من الأب والأم أو من الأب أو من الأم. وبنات بناتهن وإن سفلن. السابعة: بنات الأخت، كذلك من أي جهة كن، وأولاد أولادهن وإن سفلن. وإما السبع التي من جهة السبب فهي من قوله تعالى: * (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) * (النساء: 42) إلى آخر الآية، والمراد الأم المرضعة ومن فوقها من أمهاتهاوإن بعدن وقام ذلك مقام الوالدة ومقام أمهاتها والأخت من الرضاع التي أرضعتها أمك بلبان أبيك سواء أرضعتها معك أو مع ولد قبلك، أو بعدك. والأخت من الأب دون الأم وهي التي أرضعتها زوجة أبيك بلبان أبيك، والأخت من الأم دون الأب وهي التي أرضعتها أمك بلبان رجل آخر، وأم المرأة حرام عليه دخل بها أو لم يدخل بها، وهو قول أكثر الفقهاء، وقال علي
وابن عباس وابن الزبير ومجاهد وعكرمة: له أن يتزوج قبل الدخول بها، والربيبة وهي بنت امرأة الرجل من غيره، وإنما تحرم بالدخول بالأم، ولا تحرم بمجرد العقد، وذكر الحجر بطريق الأغلب لا بن علي
الشرط، وحليلة الابن أي: زوجته، وإنما قال من أصلابكم تحرزا عن زوجات المتبني، والجمع بين الأختين حرتين كانت أو أمتين وطئتا في عقد واحد في حال الحياة، وحكي عن داود أنه جوز ذلك بملك اليمين، وقد مضى الكلام فيه عن قريب.
وقال أنس * ((4) والمحصنات من النساء) * ذوات الأزواج الحرائر حرام * ((4) إلا ما ملكت أيمانكم) * (النساء: 42) لا يرى بأسا أن ينزع الرجل جاريته من عبده
أي: قال أنس بن مالك في قوله تعالى: * (والمحصنات) * أي: النساء المحصنات اللاتي لهن أزواج حرام إلا بعد طلاق أزواجهن وانقضاء العدة منهن، وقيل: المحصنات أي العفائف حرام إلا بعد النكاح، وسبب نزول هذه الآية ما رواه أبو سعيد الخدري، قال: أصبنا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج، فكرهنا أن نقع عليهن، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية. قوله: (إلا ما ملكت) يعي إلا الأمة المزوجة بعبد، فإن لسيده أن ينزعها من تحت نكاح زوجها. قوله: (ولا يرى بها) أي: فيها (بأسا) أي: حرجا (أن ينزع الرجل جاريته من عنده) وفي رواية الكشميهني: جارية من عبده.
وقال * ((2) ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * (البقرة: 122)
أي: قال الله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * (البقرة: 122) أي: لا تتزوجوهن حتى يؤمن بالله، وقرئ بضم التاء أي: ولا تزوجوهن، والمراد بالمشركات الحربيات، والآية ثابتة، وقيل: المشركات الكتابيات والحربيات أهل الكتاب من أهل الشرك لقوله تعالى: * (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله) * (التوبة: 03) وهي منسوخة بقوله: * (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) * (المائدة: 5).
وقال ابن عباس، ما زاد على أربع فهو حرام كأمه وابنته وأخته
100

أي: ما زاد بن علي
أربع نسوة، وهذا وصله إسماعيل بن زياد في تفسيره عن جويبر عن الضحاك منه.
5015 وقال لنا أحمد بن حنبل: حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان حدثني حبيب عن سعيد عن ابن عباس: حرم من النسب سبع ومن الصهر سبع، ثم قرأ * ((4) حرمت عليكم أمهاتكم) * (النساء: 32) الآية.
قوله: (قال لنا أحمد بن حنبل) وهو الإمام المشهور، وأخذ البخاري عنه هنا مذاكرة. ولم يقل: حدثنا ولا أخبرنا، وروي عن أحمد بن الحسن الترمذي عنه حديثا واحدا في آخر المغازي في مسند بريدة قوله: إنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة، وقال في كتاب الصدقات: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا أبي حدثنا ثمامة: الحديث، ثم قال عقيبة: وزادني أحمد بن حنبل عن محمد بن عبد الله الأنصاري، وقال هنا: قال أحمد، روي عن يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير.
قوله: (حرم)، أي: حرم من النسب سبع نسوة ومن الصهر كذلك والصهر واحد الأصهار وهم أهل بيت المرأة، ومن العرب من يجعل الصهر من الأحماء والأختان جميعا. وقال ابن الأثير: الأختان من قبل المرأة، والأحماء من قبل الرجل: والصهر يجمعهما وخان الرجل إذا تزوج إليه قيل: الآية لا تدل بن علي
السبع الصهري. وأجيب بأنه اقتصر بن علي
ذكر الأمهات والبنات لأنهما كالأساس منهن. وهذا بترتيب ما في القرآن من النسب. وقيل: ما فائدة ذكر الأختين بعدها؟ وأجيب: الإشعار بأن حرمتهما ليست مطلقا ودائما كالأصل والفرع، عند الجمع. ولم يذكر الأربعة الأخرى لأن حكمهن يعلم من الأختين بالقياس عليهما لأن علة حرمتهما الجمع الموجب لقطيعة الرحم، وذلك حاصل فيهما.
وقد جمع عبد الله بن جعفر بين ابنة علي وامرأة علي
أي: قد جمع عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بين ابنة علي بن أبي طالب وامرأته ليلى بنت مسعود، فكانتا عنده جميعا. وفي حديث ابن لهيعة عن يونس عن ابن شهاب، قال: حدثني غير واحد أن عبد الله بن جعفر جمع بين امرأة علي وابنته، ثم ماتت بنت علي فتزوج عليها بنتا له أخرى قال: وحدثنا قبيصة عن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن بن مهران، قال: جمع ابن جعفر بن أبي طالب بين بنت علي وامرأته في ليلة، وعند ابن سعد من حديث ابن أبي ذئب: حدثني عبد الرحمن بن مهران أن ابن جعفر تزوج زينب بنت علي وتزوج معها امرأته ليلى بنت مسعود، وقال ابن سعد: فلما توفيت زينب تزوج بعدها أم كلثوم بنت علي بنت فاطمة، رضي الله تعالى عنهم.
وقال ابن سيرين: لا بأس به وكرهه الحسن مرة، ثم قال: لا بأس به
أي: قال محمد بن سيرين: لا بأس بهذا الجمع، وقال القاسم بن سلام: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا أيوب عن ابن سيرين أنه كان لا يرى بذلك بأسا، وقال القاسم، وكذلك قول سفيان. وأهل العراق لا يرون به بأسا، ولا أحسبه إلا قول أهل الحجاز وكذلك هو عندنا، ولا أعلم أحدا كرهه إلا شيئا يروي عن الحسن ثم رجع عنه. قلت: أشار إليه البخاري بقوله: (وكرهه الحسن مرة ثم قال: لا بأس به) وقال ابن بطال قال ابن أبي ليلى: لا يجوز هذا النكاح، وكرهه عكرمة، وقال ابن المنذر:
ثبت رجوع الحسن عنه وأجازه أكثر أهل العلم. وفعل ذلك صفوان بن أمية، وأباحه بن سيرين وسليمان بن يسار والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق والكوفيون وأبو عبيد وأبو ثور، وقال مالك: لا أعلم ذلك حراما، وبه نقول، وفي الإسناد إلى عكرمة في كراهته مقال.
وجمع الحسن بن الحسن بن علي بين ابنتي عم في ليلة
أي: جمع الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب إلى آخره، وهذا التعليق رواه أبو عبيد بن سلام في كتاب النكاح تأليفه: عن حجاج عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار أن الحسن بن محمد أخبره: أن الحسن بن الحسن بن علي بني في ليلة واحدة
101

ببنت محمد بن علي وببنت عمر بن علي، فجمع بينهما، يعني: بين ابنتي العم، وأن محمد بن علي قال: هو أحب إلينا منهما، ما يعني ابن الحنفية، قال ابن بطال: وكرهه مالك وليس بحرام، إنما هو لأجل القطيعة، قال: وهو قول عطاء وجابر بن زيد، وفي المصنف: عن عطاء يكره الجمع بينهما لفساد بينهما. وكذا ذكره عن الحسن، وحدثنا ابن نمير عن سفيان حدثني خالد الفأفاء عن عيسى بن طلحة، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينكح المرأة بن علي
قرابتها مخافة القطيعة.
وكرهه جابر بن زيد للقطيعة، وليس فيه تحريم لقوله تعالى: * ((4) وأحل لكم ما وراء ذلكم) * (النساء: 42)
أي: كره هذا النكاح المذكور جابر بن زيد أبو الشعثاء الأزدي اليحمدي الجوفي بالجيم ناحية عمان البصري التابعي، وهو من أفراد البخاري. قوله: (للقطعية) أي: لوقوع التنافس بينهما في الحظوة عند الزوج، فيؤدي ذلك إلى قطيعة الرحم. قوله: (وليس فيه تحريم) من كلام البخاري، وقد صرح به قتادة قبله.
وقال عكرمة عن ابن عباس: إذا زنى بأخت امرأته لم تحرم عليه امرأته
هذا التعليق رواه ابن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن هشام عن قيس بن سعد عن عطاء، وقال ابن بطال: إنما حرم الله الجمع بين الأختين بالنكاح خاصة لا بالزنا، ألا ترى أنه يجوز نكاح واحدة بهد أخرى من الأختين ولا يجوز ذلك في المرأة وابنتها من غيره، والكوفيون بن علي
أنه إذا زنى بالأم حرم عليه بنتها، وكذا عكسه وهو قول الثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق: إنه يحرم عليه ابنتها وأمها. وهي رواية ابن القاسم في المدونة وخالف فيه ابن عباس وسعيد بن المسيب وعروة وربيعة والليث، فقالوا: الحرام لا يحرم حلالا. وهو قوله: في (الموطأ)، ويه قال الشافعي وأبو ثور.
ويروى عن يحيى الكندي عن الشعبي وأبي جعفر فيمن يلعب بالصبي إن أدخله فيه فلا يتزوجن أمه، ويحيى هاذا غير معروف لم يتابع عليه
يحيى هذا هو ابن قيس الكندي، روي عن شريح وروي عنه أبو عوانة وشريك الثوري، وقول البخاري: ويحيى هذا غير معروف أي غير معروف العدالة وإلا فاسم الجهالة ارتفع عنه برواية هؤلاء المذكورين، وقد ذكر البخاري في تاريخه وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحا، وذكره ابن حبان في الثقات بن علي
عادته فيمن لم يجرح. قوله: (عن الشعبي) هو عامر بن شراحيل. قوله: (وأبي جعفر)، وفي رواية أبي ذر عن المستملي: وابن جعفر. والأول هو المعتمد، وكذا وقع في رواية ابن المهدي عن المستملي كالجماعة. وهكذا وصله وكيع عن سفيان عن يحيى. قوله: (فيمن يلعب بالصبي إن أدخله فيه) أراد به إذا لاط به فلا يتزوجن أمه، يعني: تحرم عليه، الحاصل أنه يثبت حرمة المصاهرة. وقال ابن بطال: أما تحريم النكاح باللواطة فأصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي لا يحرمون به شيئا، وقال الثوري: إذا لعب بالصبي خرمت عليه أمه. وهو قول أحمد بن حنبل، قال: إذا تلوط بابن امرأته أو أبيها أو أختها حرمت عليه امرأته، وقال الأوزاعي: إذا لاط غلام بغلام وولد للمفجور به بنت لم يجز للفاجر أن يتزوج بها لأنها بنت من قد دخل هو به.
وقال عكرمة عن ابن عباس: إذا زنى بها لا تحرم عليه امرأته
أي: قال عكرمة مولى ابن عباس عن مولاه ابن عباس: إذا زنى رجل بأم امرأته لا تحرم عليه امرأته، ووصله البيهقي من طريق هشام عن قتادة عن عكرمة بلفظ: في رجل غشي أم امرأته لا تحرم عليه امرأته.
ويذكر عن أبي نصر أن ابن عباس حرمه، وأبو نصر هاذا لم يعرف سماعه من ابن عباس
أبو نصر هذا بسكون الصاد المهملة يذكر عنه أن ابن عباس حرمه أي: حرم العقد الذي بينه وبين امرأته بوطء أمها، ووصله الثوري في جامعه من طريقه ولفظه: أن رجلا قال إنه أصاب أم امرأته، فقال له ابن عباس: حرمت عليك امرأتك،
102

وذلك بعد أن ولدت منه سبعة أولاد كلهن بلغ مبلغ الرجال. قوله: (وأبو نصر) هذا لم يعرف سماعه عن ابن عباس، هكذا في رواية الأكثرين، وفي رواية ابن المهدي عن المستملي: لا يعرف بسماعه، وعدم المعرفة بسماعه عن ابن عباس هو قول البخاري، وعرفه أبو زرعة بأن أسدي وأنه ثقة، وروي عن ابن عباس أنه سأله عن قوله عز وجل: * (والفجر وليال عشر) * (الفجر: 1 2) انتهى. فإن كانت الطريق إليه صحيحة فهو يرد قول البخاري، ولا شك أن عدم معرفة البخاري بسماعه من ابن عباس لا تستلزم نفي معرفة غيره به عل أن الإثبات أولى من النفي.
ويروى عن عمران بن حصين وجابر بن زيد والحسن وبعض أهل العراق، وقال: تحرم عليه
عمران بن الحصين: بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين الصحابي المشهور، وجابر بن زيد التابعي، والحسن هو البصري وبعض أهل العراق مثل إبراهيم النخعي والثوري وأبي حنيفة وأصحابه، فكلهم يقولون: إن من وطئ أم امرأته تحرم عليه امرأته، أما قول عمران بن حصين فوصله عبد الرزاق من طريق الحسن البصري عنه، قال: من فجر بأم امرأته حرمتا عليه جميعا، وأما قول جابر بن زيد والحسن فوصله ابن أبي شيبة من طريق قتادة عنهما، قال: كان جابر بن زيد والحسن
يكرهان أن يمس الرجل أم امرأته يعني في الرجل يقع بن علي
أم امرأته، وأما قول بعض أهل العراق فأخرجه ابن أبي شيبة عن جرير عن مغيرة عن إبراهيم وعامر في رجل وقع بن علي
ابنة امرأته، قالا: حرمتا عليه كلتاهما، وروي عن جرير عن حجاج عن ابن هانىء الخولاني، قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: من نظر إلى فرج امرأة لم تحل له أمها ولا بنتها.
وقال أبو هريرة: لا تحرم حتى يلزق بالأرض، يعني: يجامع
أي: لا تحرم البنت إذا وطئ أمها، وبالعكس أيضا. قوله: (حتى يلزق)، قال ابن التين بفتح أوله وضبطه غيره بالضم، وهو أوجه، فسره البخاري بقوله: (يعني بجامع) وكأنه أحترز به عما إذا لمسها أو قبلها من غير جماع لا تحرم.
وجوزه ابن المسيب وعروة والزهري، وقال الزهري: قال علي: لا تحرم
أي: جوز سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير ومحمد بن مسلم الزهري النكاح بينه وبين امرأة قد وطئ أمها، وقد روي عبد الرزاق من طريق الحارث بن عبد الرحمن قال: سألت سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير عن الرجل يزني بالمرأة: هل تحل له بنتها؟ فقالا لا يحرم الحرام الحلال، وروي عن معمر عن الزهري مثله. قوله: (وقال الزهري: قال علي) أي: علي بن أبي طالب: لا يحرم، ووصله البيهقي من طريق يحيى بن أيوب عن عقيل عن الزهري أنه سئل عن رجل وطئ أم امرأته، فقال: قال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: لا يحرم الحرام الحلال.
وهاذا مرسل
أي: هذا الذي رواه الزهري مرسل، وفي رواية الكشميهني: وهو مرسل أي: منقطع، وأطلق المرسل بن علي
المنقطع وهذا أمر سهل.
52
((باب * ((4) وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) * (النساء: 32))
أي: هذا باب في بيان قوله عز وجل: * (وربائبكم) * (النساء: 32) وهو جمع: ريبية، وهي بنت امرأة الرجل من غيره، فعيلة بمعنى مفعولة، سميت بها لأنها يربيها زوج أمها غالبا. قوله: (في حجوركم)، جمع حجر، بفتح الحاى وكسرها، يقال: فلان في حجر فلان أي: في كنفه ومنعته، وهي من المحرمات بشرط دخول الرجل بن علي
أن الريبية: وأجمعوا بن علي
أن الرجل إذا تزوج امرأة ثم طلقها أو ماتت قبل أن يدخل بها حل له تزويج ابنتها، وهو قول الحنيفة والثوري ومالك والأوزاعي ومن قال بقوله من أهل الشام والشافعي وأصحابه، وإسحاق وأبي ثور، وروي عن جابر بن عبد الله وعمران بن حصين أنهما قالا: إذا طلقها قبل أن يدخل بها يتزوج ابنتها.
واختلفوا في معنى الدخول الذي يقع به تحريم الربائب، فقالت طائفة: الدخول الجماع، روي ذلك عن ابن عباس، وبه قال طاووس وعمرو بن دينار. وهو الأصح من قول الشافعي. وقال آخرون: هو الخلوة، وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد، وهنا قول آخر وهو: أن يحرم ذلك التفقيس والعقود بين الرجلين، هكذا قال عطاء
103

وقال الأوزاعي إن دخل بالأم فعراها ولمسها بيده أو أغلق بابا أو أرخى سترا فلا يحل له نكاح ابنتها. واختلفوا في النظر، فقال مالك: إذا نظر إلى شعرها أو صدرها أو شيء من محاسنها بلذة حرمت عليه أمها وبنتها. وقال الكوفيون: إذا نظر إلى فرجها بشهوة كان بمنزلة اللمس بشهوة، وقال ابن أبي ليلى: لا تحرم بالنظر حتى يلمس. وبه قال الشافعي، وقد روي التحريم بالنظر عن مسروق والتحريم باللمس عن النخعي والقاسم ومجاهد.
وقال ابن عباس: الدخول والمسيس واللماس: هو الجماع
أشار به إلى أن معنى هذه الألفاظ الجماع، ذكرها الله تعالى في القرآن، وروي عبد الرزاق من طريق بكر بن أبي عبد الله المزني قال: قال ابن عباس: الدخول والعشي والإفضاء والمباشرة والرفث: الجماع، إلا أن الله تعالى حي كريم يكني بما شاء عمن شاء.
ومن قال: بنات ولدها من بناته في التحريم لقول النبي صلى الله عليه وسلم. لأم حبيبة: لا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن
يعني الذي قال: حكم بنات ولد المرأة كحكم بنات المرأة في التحريم بن علي
الرجل محتجا بقوله صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة: (لا تعرضن علي بناتكن) ووجه دلالة الحديث عليه أن لفظ البنات متناول لبنات البنات، وإن لم يكن في حجره يعني: الربيبة مطلقا. وحديث أم حبيبة قد تقدم عن قريب.
قوله: (ومن قال) إلى قوله: حدثنا الحميدي، لم يثبت في رواية أبي ذر عن السرخسي.
وكذلك ولد الأبناء هن حلائل الأبناء
أي: كذلك في الترحيم ولد الأبناء هن حلائل الأبناء أي: أزواجهم، وهذا لا خلاف فيه.
وهل تسمى الربيبة وإن لم تكم في حجره
إنما ذكره بالاستفهام لأن فيه خلافا. وهو أن التقييد بالحجر شرط أم لا؟ وعند الجمهور: ليس بشرط، وذكر لفظ الحجر بالنظر إلى الغالب ولا اعتبار لمفهوم المخالفة إذا كان الكلام خارجا بن علي
الأغلب والعادة، وعند الظاهرية. لا تحريم إلا إذا كانت في حجره، وقد مر الكلام فيه عن قريب.
ودفع النبي صلى الله عليه وسلم، ربيبة له إلى من يكفلها
ذكر هذا في معرض الاحتجاج بن علي
كون الربيبة في الحجر ليس بشرط، كما ذهب إليه أهل الظاهر، ووجهه أنه صلى الله عليه وسلم دفع ربيبة له إلى من يكلفها. قوله: (دفع النبي صلى الله عليه وسلم) طرف من حديث رواه البزار والحاكم من طريق أبي إسحاق عن فروة بن نوفل الأشجعي عن أبيه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم دفع إليه زينب بنت أم سلمة، وقال: إنما أنت ظئري. قال: فذهب بها ثم جاء فقال: ما فعلت الجويرية؟ قال: عند أمها يعني من الرضاعة، وجئت لتعلمني، فذكر حديثا فيما يقرأ عند النوم. قلت: نوفل الأشجعي له صحبة نزل الكوفة، قال أبو عمر: لم يرو عنه غير بنيه: فروة وعبد الرحمن وسحيم بنو نوفل، حديثه في * (قل يا أيها الكافرون) * (الكافرون: 1) مختلف فيه مضطرب الإسناد قلت: حديثه في سنن أبي داود رحمه الله تعالى، فأن قلت: احتج أهل الظاهر بقوله صلى الله عليه وسلم: لو لم يكن ربيبتي في حجري، فشرط الحجر. قلت: هذا أخرجه صالح بن أحمد عن أبيه. وأخرجه أبو عبيد أيضا، وقال ابن المنذر والطحاوي أنه غير ثابت عنه، فيه إبراهيم بن عبيد بن رفاعة لا يعرف، وأكثر أهل العلم تلقوه بالدفع والخلاف واحتجوا في دفعه بقوله لأم حبيبة: فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن، فدل ذلك بن علي
انتفائه، ووهاه أبو عبيد أيضا.
وسمى النبي صلى الله عليه وسلم ابن ابنته إبنا
104

ذكر هذا أيضا في معرض الاحتجاج لقوله: ومن قال بنات ولدها، وقوله: وكذلك ولد الأبناء، ووجهه أنه قاله في حديث أبي بكر الذي مضى في المناقب: إن ابني هذا سيد، يعني الحسن بن علي، رضي الله تعالى عنهما.
43 - (حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا هشام عن أبيه عن زينب عن أم حبيبة قالت قلت يا رسول الله هل لك في بنت أبي سفيان قال فأفعل ماذا قلت تنكح قال أتحبين قلت لست لك بمخلية وأحب من شركني فيك أختي قال إنها لا تحل لي قلت بلغني أنك تخطب قال ابنة أم سلمة قلت نعم قال لو لم تكن ربيبتي ما حلت لي أرضعتني وأباها ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن)
مطابقته للترجمة ظاهرة والحميدي عبد الله بن الزبير منسوب إلى أحد أجداده حميد وسفيان بن عيينة وهشام بن عروة بن الزبير وزينب بنت أبي سلمة ربيبة رسول الله
والحديث مضى عن قريب في باب وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ومر الكلام فيه قوله فأفعل ماذا فإن ما قلت ماذا له صدر الكلام قلت تقديره فماذا أفعل ماذا قوله بمخلية من باب الأفعال أي لست خالية عن الضرة قوله وأباها أي أبا ابنة أبي سلمة
(وقال الليث حدثنا هشام درة بنت أبي سلمة)
يعني روى الليث بن سعد عن هشام بن عروة فسمى بنت أبي سلمة درة بضم الدال المهملة وتشديد الراء وقد ذكرنا الخلاف فيه في باب وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم * -
62
((باب * ((4) وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) * (النساء: 32))
أي: هذا باب فيه قوله عز وجل: * (وأن تجمعوا) * (النساء: 32) الآية، وقد مر فيها أن الجمع بين الأختين حرام بالعقد.
7015 حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير أخبره أن زينب ابنة أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة قالت: قلت: يا رسول الله! أنكح أختي بنت أبي سفيان. قال: وتحبين؟ قلت: نعم لست بمخلية وأحب من شاركني في خير أختي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن ذالك لا يحل لي قلت: يا رسول الله! فوالله إنا لنتحدث أنك تريد أن تنكح درة بنت أبي سلمة. قال: بنت أم سلمة، فقلت: نعم. قال: فوالله لو لم تكن في حجري ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وقد أخرجه البخاري في مواضع، ففي كل موضع وضع ترجمة مطابقة لموضع في الحديث، وهنا موضع الترجمة، وهو قوله: (فلا تعرضن) إلخ.
72
((باب: لا تنكح المرأة بن علي
عمتها))
أي: هذا ابا في بيان عدم جواز إنكاح المرأة بن علي
عمتها، يعني: لا يجوز الجمع بين المرأة وعمتها بنكاح.
45 - (حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا عاصم عن الشعبي سمع جابرا رضي الله عنه قال نهى رسول الله
أن تنكح المرأة بن علي
عمتها أو خالتها)
مطابقته للترجمة ظاهرة واقتصر فيها بن علي
لفظ العمة لكون الخالة مثلها وعبدان لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي
105

وعبيد الله هو ابن المبارك المروزي وعاصم هو ابن سليمان الأحول البصري والشعبي هو عامر بن شراحيل والحديث أخرجه النسائي أيضا في النكاح عن محمد بن آدم وغيره قوله أو خالتها أي أو لا تنكح بن علي
خالتها وكلمة أو ليست للشك لأن حكمهما واحد وظاهر الحديث تخصيص المنع مما إذا تزوج إحداهما بن علي
الأخرى ويؤخذ منه منع تزويجهما معا فإن جمع بينهما بعقد بطلا أو مرتبا بطل الثاني وقال الخطابي وفي معنى خالتها وعمتها خالة أبيها وعمته وعلى هذا القياس كل امرأتين لو كانت إحداهما رجلا لم تحل له الأخرى وإنما نهى عن الجمع بينهما لئلا يقع التنافس في الحظوة من الزوج فيفضي إلى قطع الأرحام وعند ابن حبان نهى أن تزوج المرأة بن علي
العمة والخالة وقال إنكن إذا فعلتن ذلك قطعتن أرحامكن
(وقال داود وابن عون عن الشعبي عن أبي هريرة)
داود هو ابن أبي هند واسمه دينار القشيري وابن عون هو عبد الله بن عون بفتح العين المهملة وبالنون البصري قوله ' عن الشعبي ' أي رويا كلاهما عن عامر الشعبي عن أبي هريرة وذكر روايتهما معلقة أما رواية داود فوصلها أبو داود والترمذي والدارمي فلفظ أبي داود لا تنكح المرأة بن علي
عمتها ولا بن علي
خالتها ولفظ الترمذي نهى أن تنكح المرأة بن علي
عمتها أو العمة بن علي
ابنة أختها والمرأة بن علي
خالتها أو الخالة بن علي
ابنة أختها ولا تنكح الصغرى بن علي
الكبرى ولا الكبرى بن علي
الصغرى ولفظ الدارمي نحوه ولما أخرج الترمذي حديث أبي هريرة وأخرج حديث ابن عباس أيضا هكذا قال حديث ابن عباس وأبي هريرة حديث صحيح قال وفي الباب عن علي وابن عمر وعبد الله بن عمرو وأبي سعيد وأبي أمامة وجابر وعائشة وأبي موسى وسمرة بن جندب رضي الله تعالى عنهم وقال شيخنا زين الدين حديث علي رواه أحمد في مسنده وحديث ابن عمر رواه ابن أبي شيبة في مصنفه وفيه جعفر بن برقان فالجمهور بن علي
تضعيفه وحديث عبد الله بن عمرو رواه أحمد وابن أبي شيبة ولفظه أن النبي
قال يوم فتح مكة لا تنكح المرأة بن علي
عمتها ولا بن علي
خالتها وحديث أبي سعيد أخرجه ابن ماجة ولفظه سمعت رسول الله
نهى عن نكاحين أن يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها وأخلى شيخنا موضعا لحديث أبي أمامة وحديث جابر عند البخاري وحديث عائشة أخلى موضعه أيضا وحديث أبي موسى أخرجه ابن ماجة بإسناد ضعيف وحديث سمرة بن جندب رواه الطبراني في الكبير وأخرج شيخنا عن عتاب بن أسيد عن الطبراني فيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف عندهم وبقي الكلام في موضعين الأول أن أبا عمر ذكر في التمهيد عن بعض أهل الحديث أنه كان يزعم أن هذا الحديث لم يسنده أحد غير أبي هريرة ولم يسم قائل ذلك من أهل الحديث قال شيخنا أظنه أراد به الشافعي رضي الله تعالى عنه فإن كان أراده فهو لم يقل لم يروه وإنما قال لم يثبت وقد روى كلامه البيهقي في السنن والمعرفة أيضا فرواه بإسناده الصحيح إليه أنه قال ولم يرو من جهة يثبته أهل الحديث عن النبي
إلا عن أبي هريرة قال قد روى من حديث لا يثبته أهل الحديث من وجه آخر قلت اعترض صاحب الجوهر النقي بن علي
البيهقي بأن قال وقد أثبته أهل الحديث من رواية اثنين غير أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فإنه أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عباس وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح وأخرجه البخاري من حديث جابر فيحمل بن علي
أن الشعبي سمعه منهما أعني أبا هريرة وجابرا وهذا أولى من تخطئة أحد الطرفين إذ لو كان كذلك لم يخرجه البخاري في الصحيح وقال شيخنا سماع الشعبي منهما صرح به حماد بن سلمة في روايته لهذا الحديث عن عاصم عن الشعبي عن جابر وأبي هريرة وكذلك ذكره الحافظ المزي في الأطراف إلا أن البيهقي في المعرفة حكى
عن الحفاظ أن رواية عاصم خطأ وذلك أن حديث جابر وإن أخرجه البخاري فإنه عقبه بذكر الاختلاف فيه فقال بعد أن رواه من رواية عاصم عن الشعبي عن جابر ورواه داود وابن عون عن الشعبي عن جابر ورواه داود وابن عون عن الشعبي عن أبي هريرة وإذا تبين لك الاختلاف الذي وقع فيه فقد أحالك بن علي
الترجيح فنظرنا بين عاصم الأحول وبين داود وابن عون وكل واحد منهما لو انفرد كان أول ما يؤخذ بقوله دون عاصم لأنهما مجمع بن علي
عدالتهما ولم يتكلم أحد فيهما وتكلم في عاصم غير واحد عموما وخصوصا أما عموما فقال ابن علية
106

كل من اسمه عاصم في حفظه شيء وأما خصوصا فقد قال يحيى بن معين كان يحيى بن سعيد القطان لا يحدث عن عاصم الأحول يستضعفه وقال أبو أحمد الحاكم ليس بالحافظ عندهم ولم يحمل عنه ابن إدريس لسوء ما في سيرته وقال بعضهم نصرة للبخاري أن هذا الاختلاف لا يقدح عند البخاري لأن الشعبي أشهر بجابر منه بأبي هريرة وللحديث طريق آخر عن جابر بشرط الصحيح أخرجه النسائي من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر والحديث أيضا محفوظ من أوجه عن أبي هريرة فلكل من الطريقين ما يعضده انتهى قلت قوله وللحديث طريق آخر إلى آخره غير صحيح لأن رواية أبي الزبير لا يحتج بها لأنه مدلس وقد قال الشافعي لا نقبل رواية المدلس حتى يقول حدثنا وقال غير الشافعي أيضا ومع ذلك قال الشافعي لا يحتج بروايات أبي الزبير الموضع الثاني مشتمل بن علي
أحكام. الأول احتج به بن علي
تخصيص الكتاب بالسنة ولكن فيه خلاف فعندنا يجوز بالأحاديث المشهورة قال صاحب الهداية هذا الحديث من الأحاديث المشهورة التي يجوز بمثلها الزيادة بن علي
الكتاب وعند الشافعي وآخرين يجوز تخصيص عموم القرآن بخبر الآحاد. الثاني أجمع العلماء بن علي
القول بهذا الحديث فلا يجوز عند جميعهم نكاح المرأة بن علي
عمتها وإن علت ولا بن علي
ابنة أخيها وإن سفلت ولا بن علي
خالتها وإن علت ولا بن علي
ابنة أخيها وإن سفلت وقال ابن المنذر لا أعلم في ذلك خلافا إلا عن فرقة من الخوارج ولا يلتفت إلى خلافهم مع الإجماع والسنة وذكر ابن حزم أن عثمان البتي أباحه وذكر الإسفرايني أنه قول طائفة من الشيعة محتجين بقوله تعالى * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * قال أبو عبيد فيقال لهم لم يقل الله تعالى إني لست أحرم عليكم بعد وقد فرض الله تعالى طاعة رسوله بن علي
العباد في الأمر والنهي فكان مما نهى عن ذلك وهي سنة بإجماع المسلمين عليها. الثالث يدخل في معنى هذا الحديث تحريم نكاح الرجل المرأة بن علي
عمتها من الرضاعة وخالتها منها لأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. الرابع كما يحرم الجمع بين من ذكر في الحديث بالنكاح يحرم الجمع بينهما بملك اليمين أيضا فيهما أو في أحدهما والحكم للنكاح المتقدم أما إذا كان أحدهما بالنكاح والأخرى بملك اليمين فالحكم للنكاح وإن تأخر لأنه أقوى كما إذا وطئ أمته بملك اليمين ثم تزوج عمتها أو خالتها أو بنت أخيها فإن النكاح صحيح وتحرم عليه الموطوءة بملك اليمين حتى تبين منه التي تزوجها آخرا. الخامس إنما يحرم ذلك بسبب القرابة والرضاع فقط أما بسبب المصاهرة فلا بن علي
الصحيح وذلك كالجمع بين المرأة وزوجة أبيها أو بينها وبين أم زوجها فإنه لو قدر إحداهما ذكر أحرم عليه نكاح الأخرى ومع ذلك فلا يحرم الجمع بينهما لأن هذا بالمصاهرة وذاك بالقرابة وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي والأوزاعي وغيرهم وحكى ابن عبد البر عن قوم من السلف أنه يحرم الجمع أيضا بن علي
هذه الصورة. السادس أن عند أبي حنيفة وأحمد أنه إذا طلق العمة أو الخالة أو ابنة الأخ أو ابنة الأخت طلاقا بائنا فلا يحل له نكاح الأخرى ما دام في زمن العدة وذهب مالك والشافعي إلى أنه يباح له الأخرى بمجرد البينونة وإن لم تنقض العدة لانقطاع الزوجية حينئذ وليس فيه الجمع بينهما * -
9015 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ورجاله قد ذكروا غير مرة. وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز.
والحديث أخرجه مسلم وأبو داود من رواية قبيصة بن ذؤيب عن أبي هريرة.
0115 حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله قال: أخبرني يونس عن الزهري قال: حدثني قبيصة بن ذؤيب أنه سمع أبا هريرة يقول: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها والمرأة وخالتها، فنرى خالة أبيها بتلك المنزلة. لأن عروة حدثني عن عائشة قالت: حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب.
.
107

عبدان لقب عبد الله بن عثمان امروزي، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، ويونس هو ابن يزيد الأيلي، والزهري محمد بن مسلم، وقبيصة، بفتح القاف وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وبالصاد المهملة: ابن ذؤيب مصغر ذئب الحيوان المشهور الخزاعي، مات سنة ست وثمانين.
قوله: (فنرى) إلى آخره، من كلام الزهري، وهو بفتح النون وضمها، فالبفتح بمعنى نعتقد، وبالضم بمعنى نظن خالة أبيها مثل خالتها في الحرمة، ويروي: فيرى، بالياء آخر الحروف، قاله الكرماني، وقال صاحب التوضيح: استدلال الزهري غير صحيح لأنه استدل بن علي
تحريم من حرمت بالنسب، فلا حاجة إلى تشبيهها من الرضاع.
82
((باب الشغار))
أي: هذا باب في بيان حكم الشغار، بكسر الشين المعجمة وتخفيف الغين المعجمة، وهو في اللغة الرفع، من قولهم: شغر الكلب برجله إذا رفعها ليبول، فكأن المتناكحين ورفعا المهر بينهما. وقال أبو زيد: رفع رجله بال أو لم يبل، وعبارة صاحب العين: رفع إحدى رجليه ليبول، وقال أبو زيد: شغرت المرأة شغورا إذا رفعت رجليها عند الجماع، وقيل لأنه رفع العقد من الأصل فارتفع النكاح، وقيل: من شغر المكان إذا خلا لخلوه عن الصداق أو عن الشرائط، ويجيء الآن معناه الشرعي.
2115 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهى عن الشغار، والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ليس بينهما صداق..
مطابقته للترجمة من حيث إنها من لفظ الحديث.
وأخرجه مسلم أيضا في النكاح عن يحيى بن يحيى. وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي. وأخرجه الترمذي فيه عن إسحاق بن موسى عن معن بن عيسى. وأخرجه النسائي فيه عن هارون بن عبد الله عن معن بن عيسى وغيره. وأخرجه ابن ماجة فيه عن سويد بن سعيد، ستتهم عن مالك به.
قوله: (نهى عن الشغار) ولفظ مسلم: لا شغار في الإسلام. قوله: (والشغار) إلخ. تفسير الشغار من حيث الشرع، وقال الخطيب: تفسير الشغار ليس من كلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من قول مالك وصل بالمتن المرفوع، بين ذلك القعنبي وابن مهدي ومحرز في روايتهم عن مالك، ولما رواه الإسماعيلي من حديث محرز بن عون ومعن بن عيسى عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار، قال: قال محرز: قال مالك: والشغار أن يزوج الرجل ابنته الحديث. وقال الشافعي، فيما حكاه البيهقي عنه بعد روايته الحديث عن مالك: لا أدري تفسير الشغار في الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم أو من ابن عمر أو من نافع أو من مالك. وقال شيخنا في صحيح مسلم من غير طريق مالك: أن تفسير الشغار من قول نافع، رواه من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع، وفيه: أن في حديث عبيد الله قال: قلت لنافع: ما الشغار؟ وفي كتاب الموطآت للدارقطني: حدثنا أبو علي محمد بن سليمان حدثنا بندار عن ابن مهدي عن مالك: نهى عن الشغارة، قال بندار: الشغار أن يقول: زوجني ابنتك أزوجك ابنتي.
واختلف العلماء في صورة نكاح الشغار المنهي عنه، فعن مالك: هو أن الرجل يزوج أخته أو وليته من رجل آخر بن علي
أن يزوج ذلك الرجل منه ابنته أيضا أو وليته، ويكون بضع كل واحد منهما صداقا للأخرى دون صداق، وكذا ذكره خليل بن أحمد في كتابه، وقال الغزالي في الوسيط: صورته الكاملة أن يقول: زوجتك ابنتي بن علي
أن تزوجني ابنتك، بن علي
أن يكون بضع كل واحدة منهما صداقا للأخرى، ومهما انعقد نكاح ابنتي انعقد نكاح ابنتك. وقال الرافعي: هذا فيه تعليق وشرط عقد في عقد وتشريك في البضع، وقال شيخنا زين الدين: ينبغني أن يزاد في هذه الصورة. وأن لا يكون مع البضع صداق آخر حتى يكون مجمعا بن علي
تحريمه، فإنه إذا ذكر فيه الصداق فيه الخلاف. قلت: هذا بن علي
مذهبهم، وأما عند الحنفية فالشغار هو أن يشاغر الرجل الرجل، يعني يزوج ابنته أو أخته بن علي
أن يزوجه الآخر ابنته أو أخته أو أمته ليكون أحد العقدين عوضا عن الآخر، فالعقد الصحيح، ويجب مهر المثل.
وقال ابن المنذر: واختلفوا في تزوج الرجل ابنته بن علي
أن يزوجه الآخر ابنته ويكون مهر كل واحدة منهما نكاح الأخرى؛ فقالت طائفة: النكاح جائز ولكل واحدة منهما صداق مثلها، هذا قول عطاء وعمرو بن
108

دينار والزهري ومكحول والثوري والكوفيين، وإن طلقها قبل الدخول بها فلها المتعة في قول النعمان ويعقوب، وقالت طائفة: عقد النكاح بن علي
الشغار باطل وهو كالنكاح الفاسد في كل أحكامه، هذا قول الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور، وكان مالك وأبو عبيد يقولان: نكاح الشغار منسوخ بن علي
كل حال، وفيه قول ثالث وهو: أنهما إن كانا لم يدخلا بهما فسخ ويستقبل النكاح بالبينة والمهر، وإن كانا قد خلا بهما فلهما مهر مثلهما. وهو قول الأوزاعي: وأجاب أصحابنا عن الحديث بأنه ورد، ولا خلاية عن تسمية المهر واكتفائه بذلك من غيرأن يجب فيه شيء آخر من المال بن علي
ما كانت عليه عادتهم في الجاهلية، أو هو محمول بن علي
الكراهة.
92
((باب: هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد))
أي: هذا باب في بيان: هل يحل للمرأة أن تهب نفسها لأحد من الرجال؟ وصورته أن يقع العقد بلفظ الهبة بأن تقول المرأة: وهبت نفسي لك، والرجال يقول: قبلت،
ولم يذكر المهر، فإن جماعة ذهبوا إلى بطلان النكاح، يعني: لا ينعقد النكاح بهذا، وبه قال الشافعي، وهو قول المغيرة وابن دينار وأبي ثور. وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري: ينعقد به العقد ولها صداق المثل، وكذا ينعقد بلفظ الصدقة بلفظ البيع بدون لفظ النكاح أو التزويج أنه يصح، وعند الشافعي: لا يصح إلا بهذين اللفظين.
49 - (حدثنا محمد بن سلام حدثنا ابن فضيل حدثنا هشام عن أبيه قال كانت خولة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهن للنبي
فقالت عائشة أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل فلما نزلت * (ترجي من تشاء منهن) * قلت يا رسول الله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك)
مطابقته للترجمة تؤخذ من أول الحديث وابن فضيل هو محمد بن فضيل مصغر فضل وهشام يروي عن أبيه عروة بن الزبير والحديث قد مر في تفسير سورة الأحزاب وخولة بفتح الخاء المعجمة بنت حكيم بفتح الحاء المهملة ويقال خويلة بالتصغير بنت حكيم بن أمية كانت امرأة عثمان بن مظعون وكانت امرأة صالحة وقال أبو عمر تكنى أم شريك وهي التي وهبت نفسها للنبي
في قول بعضهم وقد ذكرنا الاختلاف فيه في سورة الأحزاب قوله ' إلا يسارع في هواك ' أي في الذي تحبه يعني ما أرى إلا أن الله تعالى موجد لمرادك بلا تأخير منزلا لما تحبه وترضى وقال القرطبي هذا قول أبرزه الدلال والغيرة وهو من نوع قولها ما أحمدكما وما أحمد إلا الله وإلا فإضافة الهوى إلى النبي
لا يحمل بن علي
ظاهره لأنه لا ينطق عن الهوى ولا يفعل بالهوى ولو قالت إلى مرضاتك لكان أليق ولكن الغيرة تغتفر لأجلها إطلاق مثل ذلك قلت الذي ذكرته أحسن من هذا بن علي
ما لا يخفى
(رواه أبو سعيد المؤدب ومحمد بن بشر وعبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة يزيد بعضهم بن علي
بعض)
أي روى الحديث المذكور أبو سعيد واسمه محمد بن مسلم بن أبي الوضاح الجزري وهو من رجال مسلم والترمذي وكان مؤدب موسى بن الهادي ومات ببغداد في خلافته ويقال أن اسم أبي الوضاح المثنى ورواه أيضا محمد بن بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة العبدي الكوفي ورواه أيضا عبدة بفتح العين وسكون الباء الموحدة ابن سليمان كلهم رووا عن هشام عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة قوله ' يزيد بعضهم ' أي يزيد بعضهم في روايته بن علي
بعض أما رواية أبي سعيد فوصلها ابن مردويه في التفسير والبيهقي من طريق منصور بن أبي مزاحم عنه مختصرا قالت التي وهبت نفسها للنبي
خولة بن حكيم وأما رواية محمد بن بشر فوصلها الإسماعيلي قال حدثنا القاسم حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو أسامة حدثنا محمد بن بشر عن هشام وأما حديث عبدة فوصله مسلم وقال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبدة بن سليمان عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت تقول أما تستحي المرأة تهب نفسها لرجل حتى أنزل الله تعالى * (ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء) * فقلت إن ربك ليسارع لك في هواك
109

03
((باب نكاح المحرم))
أي: هذا باب في بيان نكاح المحرم هل يصح أم لا. قال بعضهم: كأنه يميل إلى الجواز لأنه لم يذكر في الباب إلا حديث ابن عباس ليس إلا، ولم يخرج حديث المنع كأنه لم يصح عنده. قلت: الظاهر أن مذهبه جواز نكاح المحرم. قوله: ولم يخرج حديث المنع إلى آخره، فيه تأمل، لأن عدم تخريجه حديث المنع لا يستلزم عدم صحته عنده، ولئن سلمنا ذلك فلا مانع أن يصح عند غيره ويعمل به.
4115 حدثنا مالك بن إسماعيل أخبرنا ابن عيينة أخبرنا عمرو حدثنا جابر بن زيد، قال: أنبأنا ابن عباس رضي الله عنهما، تزوج النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم.
مطابقته للترجمة من حيث إنه بين الإبهام الذي في الترجمة ومالك بن إسماعيل بن زياد النهدي الكوفي، وقال البخاري: مات سنة تسع عشرة ومائتين يروي عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد أبي الشعثاء أنه قال: أنبأنا ابن عباس أي: أخبرنا: تزوج النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، والحال أنه محرم.
والحديث مضى في الحج في: باب تزويج المحرم، وفيه ذكر التي تزوجها. وأخرجه عن أبي المغيرة عبد القدوس بن الحجاج عن الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم، وقد مضى الكلام فيه هناك مستوفي، ولنذكر بعض شيء فقال النووي: قال أبو حنيفة يصح نكاح المحرم لقصة ميمونة، وهو رواية ابن عباس. فأجيب عنه بأن ميمونة نفسها روت أنه تزوجها حلالا وهي أعرف بالقضية من ابن عباس لتعلقها بها، وبأن المراد بالمحرم أنه في الحرم، ويقال لمن هو في الحرم: محرم، وإن كان حلالا قال الشاعر:
قتلوا ابن عفان الخليفة محرما
أي: في حرم المدينة، وبأن فعله معارض بقوله: لا ينكح المحرم، وإذا تعارضا يرجح القول، وبأن ذلك من خصائصه، صلى الله تعالى عليه وسلم. انتهى.
قلت: أجاب عن حديث ابن عباس بأربعة أجوبة نصرة لمذهب إمامه، والكل ما يجدي شيئا. فالجواب عن الأول: كيف يحكم بأن ميمونة أعرف بالقضية من ابن عباس ولا تلحق ميمونة ابن عباس في هذه القضية وفير غيرها؟ ومع هذا روي عن جماعة من الصحابة ما يوافق في ذلك رواية ابن عباس، وهو عبد الله بن مسعود وأنس بن مالك وأبو هريرة وعائشة ومعاذ وأبو عبد الله بن مسعود، أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: حدثنا وكيع عن جرير بن حازم عن سليمان الأعمش عن إبراهيم عن عبد الله
أنه لم يكن يرى بتزويج المحرم بأسا، ورواه الطحاوي عن محمد بن خزيمة عن حجاج عن جرير بن حازم عن سليمان الأعمش عن إبراهيم: أن ابن مسعود كان لا يرى بأسا أن يتزوج المحرم. وأثر أنس بن مالك أخرجه الطحاوي: حدثنا روح بن الفرج حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن أبي فديك حدثني عبد الله ابن محمد بن أبي بكر، قال: سألت أنس بن مالك عن نكاح المحرم، قال: وما بأس به، هل هو إلا كالبيع؟ وهذا إسناد صحيح. وحديث أبي هريرة مرفوعا رواه الطحاوي: حدثنا سليمان بن شعيب حدثنا خالد بن عبد الرحمن حدثنا كامل أبو العلاء عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال: تزوج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو محرم، وكذلك أخرج الطحاوي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها،: حدثنا محمد بن خزيمة حدثنا معلى بن أسد نا أبو عوانة عن مغيرة عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة قالت: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض نسائه وهو محرم. وأخرجه البيهقي أيضا من حديث علي بن عبد العزيز: حدثنا معلى بن أسد إلى آخره نحوه. فإن قلت: قال البيهقي: ويروي من مسدد عن أبي عوانة عن مغيرة، فقال: عن إبراهيم، بدل: أبي الضحى؟ قال أبو علي النيسابوري: كلاهما خطأ، والمحفوظ عن مغيرة عن سباك عن أبي الضحى عن مسروق مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، كذا رواه جرير عن مغيرة قلت: لا نسلم أنه خطأ، بل هو محفوظ أخرجه ابن حبان في صحيحه أنا الحسن بن سفيان حدثنا إبراهيم بن الحجاج حدثنا أبو عوانة عن المغيرة عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض نسائه وهو محرم، واحتجم وهو محرم، وأما معاذ فذكره ابن حزم معهم. وقال الطحاوي: والذين رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم أهل علم، وثبت أصحاب ابن عباس سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وطاوس ومجاهد وعكرمة
110

وجابر بن زيد، وهؤلاء كلهم فقهاء يحتج برواياتهم وآرائهم، والذين نقلوا منهم فكذلك أيضا منهم عمرو بن دينار وأيوب السختياني وعبد الله بن أبي نجيح فهؤلاء أيضا أئمة يقتدى برواياتهم. وحديث ميمونة الذي أخرجه مسلم فيه زيد بن الأصم، وقد ضعفه عمرو بن دينار في خطابه للزهري وترك الزهري الإنكار عليه، وأخرجه من أهل العلم وجعله أعرابيا بوالا بن علي
عقيبة، وكيف يكون طعن أكثر من ذلك؟ وقصده من هذا الكلام نسبته إلى الجهل بالسنة. فأن قلت: الزهري احتج به قلت احتجابه لا ينفي طعن عمرو بن دينار فيه، فإن عمرو بن دينار في نفسه حجة ثبت ولا ينقص عن الزهري، بن علي
أن بعضهم قد رجحوه بن علي
مثل عطاء ومجاهد وطاووس، والذي رواه الترمذي من حديث ميمونة، في إسناده مطر الوراق، قال الطحاوي: ومطر عندهم ممن يحتج بحديثه، وقال النسائي: مطر بن طهمان الوراق ليس بالقوي، وعن أحمد: كان في حفظه سوء، ولئن سلمنا أنه مجمع عليه في توثيقه وضبطه ولكنه ليس كرواة حديث ابن عباس ولا قريبا منهم، فافهم.
والجواب عن الثاني: وهو قوله: (المراد بالمحرم أنه في الحرم) إلى قوله: وبان فعله أن الجوهري ذكر ما يخالف ذلك، فإنه قال: أحرم الرجل إذا دخل في الشهر الحرام، وأنشد البيت المذكور بن علي
ذلك، وأيضا فلفظ البخاري: أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم وبني بها وهو حلال، يدفع هذا التفسير ويبعده.
والجواب عن الثالث: وهو قوله بأن فعله معارض إلى قوله: يرجح القول، أنه ليس مما اتفق عليه الأصوليون، فإن فيه خلافا.
والجواب عن الرابع: إنه دعوى فيحتاج إلى برهان. وقال الطبري: الصواب من القول عندنا أن نكاح المحرم فاسد لحديث عثمان، رضي الله تعالى عنه، وأما قصة ميمونة فتعارضت الأخبار فيها. انتهى
قلت: أين ذهب حديث عبد الله بن عباس؟ وأما حديث عثمان الذي أخرجه مسلم عنه أنه قال: المحرم لا ينكح ولا يخطب ففي إسناده نبيه بن وهب وليس كعمرو بن دينار ولا كجابر بن دينار ولا له موضع في العلم كموضع عمرو وجابر، وقال ابن العربي: ضعف البخاري حديث عثمان وصحح حديث ابن عباس، فلو علم أن رواة حديث عثمان يساوون رواه حديث ابن عباس لصحح كلا الحديثين، ولئن سلمنا أنهم متساوون، فنقول: معنى لا ينكح المحرم ولا يطأ، وهو محمول بن علي
الوطء أو الكراهة لكونه سببا للوقوع في الرفث لا إن عقده لنفسه أو لغيره، كما مر ممتنع، ولهذا قرنه بالخطبة، ولا خلاف في حوازها، وإن كانت مكروهة فكذا النكاح والإنكاح وصار كالبيع وقت النداء.
13
((باب نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة آخرا))
أي: هذا باب يذكر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة. قوله: (آخرا)، يشير إلى أنها كانت مباحة أولا. فإن قيل: ذكر في هذا الباب عدة أحاديث وليس فيها التصريح بذلك.
أجيب: بأنه قال في آخر الباب: إن عليا بين أنه منسوخ، وقد وردت جملة أحاديث صحيحة تصريح بالنهي عنها بعد الإذن فيها.
5115 حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا ابن عيينة أنه سمع الزهري يقول: أخبرني الحسن بن محمد بن علي وأخوه عبد الله عن أبيهما: أن عليا رضي الله عنه، قال لابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر.
مطابقته للترجمة ظاهرة ومالك بن إسماعيل مر عن قريب، يروي عن سفيان بن عيينة عن محمد بن مسلم الزهري عن الحسن بن محمد وأخيه عبد الله بن محمد كلاهما
يرويانعن أبيهما محمد بن علي بن أبي طالب أن عليا قال لعبد الله بن عباس إلى آخره، ومحمد هو المعروف بابن الحنفية.
والحديث مضى في المغازي في غزوة خيبر فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن قزعة عن مالك عن ابن شهاب إلى آخه ومضى الكلام فيه مستقصى فلا حاجة إلى إعادته.
6115 حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن أبي جمرة قال: سمعت ابن عباس سئل عن متعة النساء فرخص فقال له مولى: إنما ذلك في الحال الشديد وفي النساء قلة أو نحوه، فقال ابن عباس: نعم.
111

مطابقته للترجمة من حيث إنه يتضمن النهي عن الترخيص المطلق، فافهم.
وغندر هو محمد بن جعفر، وأبو جمرة بالجيم والراء واسمه نصر بن عمران الضبعي البصري. والحديث من أفراده.
قوله: (سئل)، بن علي
صيغة المجهول. قوله: (فرخص)، أي في المتعة. قوله: (فقال له مولى له)، قيل بالظن إنه عكرمة. قوله: (إنما ذلك) أي: الترخيص في الحال الشديد نحو العزبة الشديدة، وفي رواية الإسماعيلي: إنما كان ذلك في الجهاد والنساء قلائل. قوله: (نعم) يعني: الأمر كذلك، وفي رواية الإسماعيلي: صدق، وروي الخطابي من حديث سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس: لقد سارت بفتياك الركبان، وقال فيها الشعراء، يعني في المتعة، فقال: والله ما بهذا أفتيت، وما هي إلا كالميتة لا تحل إلا للمضطر.
7115 حدثنا علي حدثنا سفيان قال، عمر وعن الحسن بن محمد عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا: كنا في جيش فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه قد أذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا.
ليس في النهي عن المتعة، فلا يطابق الترجمة، إلا أن يقال بالتعسف إن فيه ذكر الاستمتاع، والأوجه أن يقال: إن في آخر حديث حابر في رواية مسلم: حتى نهى عنها عمر، رضي الله تعالى عنه، وقد جرت عادته أنه يشير إلى ما يطابق الترجمة من غير أن يصرح به، وهو المتعة.
وعلي هو ابن عبد الله المعروف بابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار، والحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنهم.
والحديث أخرجه مسلم في النكاح عن بندار عن غندر وغيره.
قوله: (كنا في جيش) بفتح الجيم وسكون لاياء آخر الحروف وبالشبن المعجمة هكذا هو عامر الروايات، وقال الكرماني: في بعض الروايات: حنين، بضم الحاء المهملة وبالنونين. وهو الموضع الذي كانت فيه الوقعة المشهورة. قوله: (رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم) قيل بالظن: يشبه أن يكون بلالا، رضي الله تعالى عنه. قوله: (أن تستمتعوا) أي: بأن تستمتعوا، وكلمة. أن مصدرية أي: بالاستمتاع قوله: (فاستمتعوا) يجوز فيه الوجهان: أحدهما: أن يكون بن علي
صورة الماضي، والآخر: أن يكون بن علي
صيغة الأمر، والمعنى: جامعوهن بالوقت المعين.
9115 وقال ابن أبي ذئب حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما رجل وامرأة توفقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال، فإن أحبا أن يتزايدا أو يشاركا تشاركا فما أدري أشيء (كان لنا خاصة) أم للناس عامة.
ابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب، بلفظ الحيوان المشهور، واسم أبي ذئب: هشام بن سعد، وإياس بكسر الهمزة وتخفيف الياء آخر الحروف يروى عن أبيه سلمة بن الأكوع.
وهذا التعليق وصله الإسماعيلي عن ابن ناجية: حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى لفظه وبندار وحميد بن زنجويه قالوا: حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن ابن أبي ذئب عن إياس، بلفظ: أيما رجل وامرأة أيام الحج تراضيا فعشرة ما بينهما ثلاثة أيام.
قوله: (توافقا) أي: في النكاح بينهما مطلقا من غير ذكر أجل. قوله: (فعشرة)، بكسر العين أي: فمعاشرة ما بينهما ثلاث ليال، أراد أن الإطلاق محمول بن علي
ثلاثة أيام بلياليهن. قوله: (فعشرة) بالفاء رواية الأكثرين، وكذا في رواية الإسماعيلي كما مر، وفي رواية المستملي: بعشرة، بالباء الموحدة، والأول أوجه. قوله: (فإن أحبا) أي: الرجل والمرأة المذكوران إن أحبا (أن يتزايدا) يعني: بن علي
ثلاث ليال، وجواب: إن، محذوف تقديره: فإن أحبا أن يتزايدا تزايدا، ووقع في تخريج أبي نعيم الأصبهاني: فإن أحبا أن يتناقصا تناقصا وإن أحبا أن يتزايدا في الأجل تزايدا. قوله: (أو يتتاركا) الكلام فيه كالكلام فيما قبله، أي: وإن أرادا أن يتتاركا أي: أن يتركا التوافق يعني: إن أرادا المفارقة. قوله: (تتاركا)، جواب: إن أي: تفارقا، وهو من باب التفاعل من الترك، أي: ترك ما توافقا ويجوز أن يكون معناه التناقص من المدة، كما في رواية أبي نعيم. قوله: (فما أدري؟) أي: فما أعلم؟ القائل سلمة
112

بن الأكوع راوي الحديث أي: لا أعلم جوازه كان خاصا بالصحابة أو كان عاما للأمة؟ ووقع في حديث أبي ذر، رضي الله تعالى عنه، التصريح بالاختصاص، أخرجه البيهقي عنه، قال: إنما أحلت لنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متعة النساء ثلاث أيام ثم نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو عبد الله: وبينه علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه منسوخ
أبو عبد الله هو البخاري نفسه، وليس في بعض النسخ هذا، أي: وقد بين علي بالتصريح بالنهي عنها بعد الإذن فيها، وروي عبد الرزاق عن علي، رضي الله تعالى
عنه، من وجه آخر: نسخ رمضان كل صوم، ونسخ المتعة الطلاق والعدة والميراث.
23
((باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح))
أي: هذا باب في بيان جواز عرض المرأة نفسها بن علي
الرجل الصالح رغبة لصلاحه، قيل: لما علم البخاري الخصوصية في قصة الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم استنبط من الحديث ما لا خصوصية فيه، وهو جواز عرض المرأة نفسها للرجل الصالح. انتهى. قلت: لما علم في قصة الواهبة أن النبي صلى الله عليه وسلم مخصوص بهذا، كيف يستنبط منها ما لا خصوصية فيه؟ ففي ما قاله لا خصوصية لأح، فإن قيل: العرض غير الهبة. أجيب: في حديث سهل بن سعد ما جاء إلا بلفظ العرض، وهو عبارة عن الهبة أو هو مقدمة الهبة، فلا طائل تحت قوله.
0215 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا مرحوم قال: سمعت ثابتا البناني قال: كنت عند أنس وعنده ابنة له، قال أنس: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، تعرض عليه نفسها، قالت: يا رسول الله! ألك بي حاجة؟ فقالت بنت أنس: ما أقل حياءها، واسوأتاه واسوأتاه. قال: هي خير منك، رغبت في النبي صلى الله عليه وسلم فعرضت عليه نفسها.
مطابقته للترجمة في قوله: (تعرض عليه نفسها) وفي قوله: (فعرضت عليه نفسها) وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، ومرحوم، بن علي
صيغة اسم المفعول من الرحمة: ابن عبد العزيز بن مهران البصري مولى آل أبي سفيان ثقة، مات سنة سبع وثمانين ومائة وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وأورد الحديث أيضا في الأدب بهذا الإسناد، وثابت البناني بضم الباء الموحدة وتخفيف النون الأولى.
والحديث أخرجه النسائي في النكاح عن ابن المثنى وغيره، وأخرجه ابن ماجة فيه عن بكر بن خلف وغيره.
قوله: (حدثنا مرحوم) كذا في رواية الأكثين مذكور بغير نسبة، وفي رواية أبي ذر مرحوم بن عبد العزيز بن مهران. قوله: (وعنده ابنة له) أي: ابنة لأنس ولم يدر اسمها، وقيل بالظن، لعلها أمينة بالتصغير. قوله: (جاءت امرأة) لم يدر اسمها، وقال بعضهم: وأشبه من رأيت بقصتها ممن تقدم ذكر اسمهن في الواهبات ليلى بنت قيس بن الخطيم. قلت: هذا حديث أنس وهو غير حديث سهل بن سعد، فتخلف صاحبة القصة. قوله: (وا سوأتاه) الواو فيه للنداء، ولكن هي الواو التي تختص بالندبة والألف فيه للندبة والهاء للسكت نحو: أزيداه، والسوأة بفتح السين المهملة وسكون الواو بعدها همزة وهي الفعلة الفاحشة والفضيحة، ويطلق بن علي
الفرج أيضا، والمراد هنا لأول، وهي هنا مكررة. قوله: (هي خير منك) فيه دليل بن علي
جواز عرض المرأة نفسها بن علي
الرجل الصالح وتعرف رغبتها فيه لصلاحه وفضله، أو لعلمه وشرفه، أو لخصلة من خصال الدين، وأنه لا عار عليها في ذلك، بل ذلك يدل بن علي
فضلها، وبنت أنس، رضي الله تعالى عنهما، نظرت إلى ظاهر الصورة ولم تدرك هذا المعنى حتى قال أنس: هي خير منك، وأما التي تعرض نفسها بن علي
الرجل لأجل غرض من الأغراض الدنياوية فأقبح ما يكون من الأمر وأفضحه.
1215 حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا أبو غسان قال: حدثني أبو حازم عن سهل
113

أن امرأة عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له رجل: يا رسول الله! وزوجنيها. فقال ما عندك؟ قال: ما عندي شيء. قال: اذهب فالتمس ولو خاتما من حديد، فذهب ثم رجع فقال: لا والله ما وجدت شيئا ولا خاتما من حديد، ولاكن هاذا إزاري ولها نصفه قال سهل: وما له رداء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وما تصنع بإزارك؟ إن لبسته لم يكن عليها منه شيء؟ وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء؟ فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه النبي صلى الله عليه وسلم، فدعاه، أو دعي له، فقال له: ماذا معك من القرآن؟ فقال: معي سورة كذا وسورة كذا؟ لسور يعددها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أملكناها لك بما معك من القرآن.
.
مطابقته للترجمة في قوله: (إن امرأة عرضت نفسها بن علي
النبي صلى الله عليه وسلم) وسعيد هو ابن محمد بن الحكم بن أبي مريم الجمحي المصري، وأبو غسان، بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة: محمد بن مطرف، بكسر الراء المشددة: الليثي المدني وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار، وسهل بن سعد الأنصاري. والحديث قد مر في فضائل القرآن في: باب خيركم من تعلم القرآن، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (أملكناها لك) ويروى: أملكناكها.
33
((باب عرض الأنسان ابنته أو أخته على أهل الخير))
أي: هذا باب في بيان جواز عرض الرجل ابنته أو أخته بن علي
أهل الخير والصلاح، ولا نقص فيه.
2215 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال: أخبرني سالم بن عبد الله أنه سمع عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، يحدث أن عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوفي بالمدينة فقال عمر بن الخطاب: أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة، فقال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هاذا. قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق، فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئا، وكنت أوجد عليه مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكحتها إياه فلقيني أبو بكر، فقال: لعل وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئا قال عمر، قلت نعم قال أبو بكر فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلتها.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى القرشي العامري الأويسي المديني، وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أبو إسحاق القرشي الزهري المديني، كان بن علي
قضاء بغداد.
والحديث مضى في المغازي في باب مجرد عقيب: باب شهود الملائكة بدرا، فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري إلى آخره، وذكر الحميدي وأبو مسعود هذا الحديث في مسند أبي بكر، وذكره خلف وابن عساكر في مسند عمر، رضي الله تعالى عنه.
قوله: (تأيمت حفصة) يقال: تأيمت المرأة وآمت إذا أقامت لا تتزوج، والعرب تقول: كل امرأة لا زوج لها وكل رجل لا امرأة له: أيم، ومعنى: (تأيمت حفصة)
114

مات زوجها خنيس بن حذافة فصارت أيما، وذكر الدارقطني أن تأيم حفصة من ابن حذافة أنه طلقها، وقال أبو عمر وغيره: إنه توفي عنها من جراحة أصابته بأحد، وعلى هذين القولين يحمل قول من قال: تزوج حفصة بعد ثلاثين شهرا من الهجرة، ورواية من روي سنتين في عقب بدر، ورواية من روي: توفي زوجها بعد خمسة وعشرين شهرا، وقال أبو عمر: تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أكثرهم في سنة ثلاث من الهجرة، وقال أبو عبيدة: تزوجها سنة ثنتين من التاريخ، وماتت حفصة حين بايع الحسن بن علي، رضي الله تعالى عنهما، لمعاوية، وذلك في جمادى سنة إحدى وأربعين، وقيل: في خمس وأربعين. قوله: (من خنيس) بضم الخاء المعجمة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف ثم سين مهملة: ابن حذافة، بضم الحاء المهملة ابن قيس بن عدي بن سعد بن سهم القرشي السهمي، وكان من المهاجرين الأولين شهد بدرا بعد هجرته إلى أرض الحبشة، ثم شهد أحدا ونالته ثم جراحة مات منها بالمدينة. وقال ابن طاهر: قال يونس عن الزهري: خنيس، بفتح الخاء المعجمة وكسر النون، وكل معمر بن راشد يقول: حبيش، بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف ثم شين معجمة. وقال الجياني: روي أن معمرا كان يصحف في هذا الاسم، فيقول: حبيش، وروي ابن المديني عن هشام بن يوسف قال: قال معمر في حديث: تأيمت حفصة، فقال: من حبيش بن حذافة؟ فرد عليه: خنيس فقال: لا بل هو حبيش. وقال الدارقطني: وقد اختلف بن علي
عبد الرزاق عن معمر فروى عنه خنيس، بالسين المهملة بن علي
الصواب، وروي عنه: خنيس أو حبيش بن علي
الشك، وذكره البخاري وموسى بن عقبة ويونس وابن أخي الزهري بن علي
الصواب بخاء معجمة بعدها نون. قوله: (فعرضت عليه حفصة)، فيه: عرض الرجل وليته إذا كان بن علي
كفء ليس بمنقصة عليه. قوله: (سأنظر في أمري) أي: أتفكر، ويستعمل النظر أيضا بمعنى الرأفة، لكن تعديته باللام، وبمعنى الروية وهو الأصل وبعدي بإلى، وقد يأتي بغير صلة بمعنى الانتظار. قوله: (فصمت أبو بكر)، أي: سكت وزنا ومعنى. قوله: (ولم يرجع)، بفتح الياء، وهذا تأكيد لرفع المجاز لاحتمال أنه صمت زمانا ثم تكلم. قوله: (وكنت أوجد عليه)، أي: أشد بن علي
أبي بكر موجدة أي غضبا (مني بن علي
عثمان) وذلك لأمرين: أحدهما: ما كان بينهما من محبة أكيدة. والثاني: أن عثمان أن أجابه أولا ثم اعتذر له ثانيا، ولكون أبي بكر لم يعد عليه جوابا. وقال الكرماني في قوله: وكنت أوجد عليه نفسه هو المفضل والمفضل عليه، لكن الأول باعتبار أبي بكر، رضي الله تعالى عنه. والثاني باعتبار عثمان رضي الله عنه قوله: (لعلك وجدت علي) هذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: لقد وجدت علي والأول هو الأجه. قوله: (فلم أرجع) بكسر الجيم أي: لم أعد عليك الجواب. قوله: (لأفشي) بضم الهمزة من الإفشاء وهو الإظهار، وقال ابن بطال: كان إسرار النبي صلى الله عليه وسلم تزويج حفصة لأبي بكرعلى سبيل المشورة، أو لأنه علم قوة إيمان أبي بكر، وأنه لا يتغير لذلك لكون ابنته عند النبي صلى الله عليه وسلم وكتمان أبي بكر لذلك خشية أن يبدو للنبي صلى الله عليه وسلم في نكاحها أمر فيقع في قلب عمر ما وقع في قلبه لأبي بكر.
وفي هذا الحديث فوائد.
فيه: أن من عرض عليه ما فيه الرغبة فله النظر والاختيار وعليه أن يخبر بعد ذلك بما عنده لئلا يمنعها من غيره، لقول عثمان بعد ليال: قد بدا ليأن لا أتزوج. وفيه: الاعتذار اقتداء بعثمان في مقالته هذه وفيه: كتمان السر، فإن أظهره الله أو أظهره صاحبه جاز للذي أسر إليه إظهاره. وفيه: أنه يجوز للرجل أن يذكر لأصحابه ولمن يثق به أنه يخطب امرأة قبل أن يظهر خطبتها وفيه: الرخصة في تجويز من عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بخطبة أو أراد أن يتزوجها ألا ترى إلى قول الصديق: لو تركها تزوجتها؟ وقد جاء في خبر آخر الرخصة في نكاح من عقد النبي صلى الله عليه وسلم عليها النكاح ولم يدخل بها. وأن الصديق كرهه ورخص فيه عمر، رضي الله تعالى عنه، وروي داود بن أبي هند عن عكرمة: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من كندة يقال لها: قيلة، فمات ولم يدخل بها ولا حجبها، فتزوجتها عكرمة بن أبي جهل فغضب أبو بكر وقال: تزوجت امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: ما هي من نسائه، ما دخل بها ولا حجبها، ولقد ارتدت مع من ارتد فسكت. وقال صاحب التوضيح وفيه: فساد قول من قال: إن للمرأة البالغة المالكة أمرها تزويج نفسها وعقد النكاح عليها دون وليها انتهى. قلت: نسبة هذا القول إلى الفساد من الفساد، لأن من قال هذا لم يقل من عنده، وإنما اعتمد بن علي
حجة قوية، وهي ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة
115

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن. قالوا يا رسول الله! كيف إذنها؟ قال: أن تسكت وروي من حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صمانها. فإن قلت: المراد بالأيم في الحديث الثيب دون غيرها، ذكره المزني عن الشافعي؟ قلت: هذا لفظ عام يتناول البكر والثيب والمطلقة والمتوفى عنها زوجها ويجب العمل بعموم العام، وأنه يوجب الحكم فيما يتناوله قطعا، وتخصيصه بالثيب هنا إخراج للكلام عن عمومه. فإن قلت: جاءت الرواية: الثيب أحق بنفسها، وهذه تفسر تلك الرواية. قلت: لا إجمال فيها فلا يحتاج إلى التفسير، بل يعمل بكل واحدة منهما، فيعمل برواية الأيم بن علي
عمومها، وبرواية الثيب بن علي
خصوصها ولا منافاة بين الروايتين، بن علي
أن أبا حنيفة، رضي الله تعالى عنه، رجح العمل بالعام بن علي
الخاص، كما رجح قوله: ما أخرجته الأرض ففيه العشر، بن علي
الخاص الوارد فيه، وهو قوله: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة. فإن قلت: قال الترمذي: قد احتج به أي: بقوله صلى الله عليه وسلم بعض الناس: الأيم أحق بنفسها.
وقد روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي، وهكذا أفتى به بعد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال: لا نكاح إلا بولي. قلت: هذا عجب عظيم من الترمذي يقول بما لا يليق بحاله، لأن حديث ابن عباس: لا نكاح إلا بولي متى يساوي هذا الحديث الصحيح المجمع بن علي
صحته؟
وقد تكلموا في حديث: لا نكاح إلا بولي، فقال أحمد: ليس يصح في هذا شيء إلا حديث سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة بن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، رواه أبو داود والترمذي. قلت: سليمان بن موسى متكلم فيه. قال ابن جريج والبخاري: عنده مناكير، وقال علي بن المديني: مطعون عليه، وقال العقيلي: خولط قبل موته بيسير، ولئن سلمنا صحة: لا نكاح إلا بولي، في رواية ابن عباس، فالصحيح أنه موقوف، فمتى يداني أو يقرب هذا الحديث الصحيح المرفوع الثابت عند أهل النقل؟ ولهذا تجنب البخاري ومسلم في تخريجه عن ابن عباس وغيره، وقال الخطابي: قوله: لا نكاح إلا بولي، فيه ثبوت النكاح بن علي
عمومه وخصوصه بولي، وتأوله بعضهم بن علي
نفي الفضيلة والكمال، وهذا تأويل فاسد، لأن العموم يأتي بن علي
أصله جوازا وكمالا، والنفي في المعاملات يوجب الفساد. قلت: سلمنا أنه بن علي
عمومه ولكن معناه محمول بن علي
الكمال، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، وجعله النكاح من المعاملات فاسد لأنه من العبادات حتى إنه أفضل من الصلاة النافلة فيكون له جهتان من جواز: ناقص وكامل، فإن قلت: روي: لا نكاح إلا بولي، عن أبي هريرة وعمران بن حصين وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن عمر ومعاذ بن جبل، رضي الله تعالى عنهم؟ قلت: حديث أبي هريرة عند أحمد بن عدي، وحديث عمران عند حمزة السهمي في تاريخ جرجان وعند الدارقطني، وحديث أنس عند الحاكم في المستدرك، وحديث جابر عند أبي يعلى الموصلي، وحديث أبي سعيد عند الدارقطني، وحديث ابن عمر عند الدارقطني أيضا، وحديث معاذ عند ابن الجوزي في العلل المتناهية. أما حديث أبي هريرة ففي إسناده المغيرة بن موسى قال البخاري: منكر الحديث وقال ابن حبان: يأتي عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات، فبطل الاحتجاج به. وأما حديث عمران ففي إسناده عبد الله بن عمرو الوافقي، قال علي: كان يضع الحديث. وقال الدارقطني: كان يكذب. وأما حديث أنس... وأما حديث جابر فمحمول بن علي
نفي الكمال، وأما حديث أبي سعيد ففي إسناده ربيعة بن عثمان. قال أبو حاتم: منكر الحديث، وأما حديث عبد الله بن عمر ففي إسناده ثابت بن زهير، قال النسائي: ليس بثقة. وأما حديث معاذ ففي إسناده أبو عصمة نوح، قال ابن الجوزي: كان يتهم بالوضع، وقال الدارقطني. متروك.
3215 حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك أن زينب ابنة أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنا قد تحدثنا أنك
116

ناكح درة بنت أبي سلمة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلى أم سلمة؟ لو لم أنكح أم سلمة ما حلت لي إن أباها أخي من الرضاعة.
.
مطابقته للترجمة من حيث إن هذا الحديث طرف من الحديث الذي مضى قريبا في: باب: * (وأن تجمعوا بين الأختين) * (النساء: 32) وفيه: قالت أم حبيبة يا رسول الله! أنكح أختي بنت أبي سفيان الحديث، وهذا عرض أختها بن علي
أهل الخير. قوله: (درة) بضم الدال المهملة. قوله: (أعلى أم سلمة) أي: أتزوج بن علي
أمها؟ يعني: كيف أتزوج درة وهي ربيبتي، ولو لم تكن ربيبتي لما حلت لي أيضا لأنها بنت أخي؟ أبا سلمة، لأن ثوبية أرضعت أبا سلمة ورسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا.
43
((باب قول الله جل وعز * ((2) ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم أنفسكم علم الله) * (البقرة: 532) الآية إلى قوله * ((2) غفور حليم) * (البقرة: 532))
أي: هذا باب في بيان قول الله عز وجل: * (ولا جناح عليكم) * (البقرة: 532) إلى آخر ما ذكره، وهكذا في رواية الأكثرين، وحذف ما بعد: * (أكننتم) * من رواية أبي ذر، ووقع في شرح ابن بطال سياق الآية والتي بعدها إلى قوله * (أجله) * الآية. وقال ابن التين: تضمنت الآية أربعة أحكام: اثنان مباحان: التعريض والإكنان، واثنان ممنوعان: النكاح في العدة والمواعدة فيها.
أكننتم: أضمرتم في أنفسكم، وكل صنته أو أضمرته فهو مكنون
قوله: (أكننتم) من الإكنان وهو الإضمار في النفس، وأشار بقوله: (فهو مكنون) إلى أن ثلاثي أكننتم من: كن يكن فهو مكنون أي: مستور ومحفوظ. وقال ابن الأثير: يقال: كننته أكنه كنا، والاسم: يعني المصدر بالفتح والاسم بالكسر، وفي التفسير: يعني أضمرتم في قلوبكم ولم تذكروه بألسنتكم، وهذا خطبة النساء، وقد نفي الله الجناح في التعريض في خطبة النساء، وقد نفى الله الجناح في التعريض في خطبة النساء وهن في العدة، وذكر أولا التعريض بقوله: * (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء) * (البقرة: 532) والتعريض أن يقول: إنك لجميلة، أو صالحة ومن غرضي أن أتزوج، وعسى الله أن ييسر لي امرأة صالحة، ونحو ذلك من الكلام الموهم أنه يريد نكاحها حتى تحبس نفسها عليه إن رغبت فيه، ولا يصرح بالنكاح فلا يقول: إني أريد أن أنكحك أو أتزوجك أو أخطبك، والفرق بين التعريض والكناية أن التعريض أن تذكر شيئا يدل بن علي
شيء لم تذكره، كما يقول المحتاج للمحتاج إليه: جئتك لأسلم عليك ولأنظر إلى وجهك الكريم، والكناية أن يذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له، كقولك: طويل النجاد لطول القامة، وكثير الرماد للمضياف. ثم قال الله تعالى: * (علم الله أنكم ستذكرونهن) * (البقرة: 532) يعني: لا تصبرون عن النطق برغبتكم فيهن، وفيه نوع توبيخ. ثم قال: * (ولكن لا تواعدوهن) * (البقرة: 532) فيه حذف تقديره: فاذكروهن ولكن لا تواعدوهن سرا، وهو كناية عن النكاح الذي هو الوطء. ثم عبر بالسر عن النكاح الذي هو المقدر بقوله: * (إلا أن تقولوا قولا معروفا) * (البقرة: 532) وهو أن تعرضوا ولا تصرحوا، ثم قال: * (ولا تعزموا عقدة النكاح) * (البقرة: 532) أي: لا تقصدوها * (حتى يبلغ الكتاب أجله) * (البقرة: 532) يعني: ما كتب وفرض من العدة.
4215 وقال لي طلق: حدثنا زائدة عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس * ((2) فيما عرضتم به من خطبة النساء) * (البقرة: 532) يقول: إني أريد التزويج ولوددت أنه تيسر لي امرأة صالحة.
طلق بفتح الطاء وسكون اللام: ابن غنام. بفتح الغين المعجمة وتشديد النون: ابن طلق بن معاوية أبو محمد النخعي الكوفي أحد مشايخ البخاري. وقال ابن سعد: مات في رجب سنة: إحدى عشر ومائتين. وزائدة بن قدامة، بضم القاف وتخفيف الدال المهملة، ومنصور بن المعتمر، فظن صاحب التوضيح أن هذا معلق وليس بتعليق لأن قوله: (قال لي) يدل بن علي
أنه سمعه من طلق، ثم قال: أخرجه ابن أبي شيبة عن جرير بن عبد الحميد عن منصور بلفظ: إني فيك لراغب وإني أريد امرأة أمرها كذا وكذا، ويعرض لها بالقول. قوله: (ولو ددت) أي: ولأحببت. قوله: (أنه) أي: أن الشأن. قوله: (تيسر لي) بفتح التاء
117

المثناة من فوق الياء آخر الحروف وتشديد السين وضم الراء، وأصله تتيسر. بتاءين مثناتين من فوق فحذفت إحداهما للتخفيف، وضبطه بعضهم بقوله: ييسر، بضم التحتانية وفتح أخرى مثلها بعدها وفتح السين المهملة. قلت: ليس كذلك، بل هو مثل ما ضبطنا فياليته يقول: بضم الفوقانية وفتح التحتانية، ولكن القصور عن فن يؤدي إلى أكثر من هذا إثم قال هذا القائل: وفي رواي الكشميهني: يسر لي بتحتانية واحدة وكسر المهملة، ولم أدر ما وجهه فياليته قال: بضم تحتانية وتشديد السين المكسورة
بن علي
صيغة مجهولة للماضي من التيسير.
وقال القاسم: يقول: إنك علي كريمة وإني فيك لراغب، وإن الله لسائق إليك خيرا، أو نحو هاذا
القاسم هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق، وهذا التعليق رواه ابن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه في المرأة يتوفي عنها زوجها ويريد الرجل خطبتها وكلامها، قال: يقول: إني بك لمعجب، وإني عليك لحريض، وإني فيك لراغب، وأشباه ذلك. قوله: (أو نحو هذا) مثل أن يقول: إني حريص عليك، أو أسأل الله تعالى أن يرزقني امرأة صالحة وأمثال هذا كثيرة.
وقال عطاء: يعرض ولا يبوح يقول: إن لي حاجة، وأبشري، وأنت بحمد الله نافقة، وتقول هي: قد أسمع ما تقول، ولا تعد شيئا ولا يواعد وليها بغير علمها، وإن واعدت رجلا في عدتها ثم نكحها بعد لم يفرق بينهما
أي: قال عطاء بن أبي رباح: (يعرض) بتشديد الراء من التعريض (ولا يبوح) أي: ولا يصرح من باح بالشيء يبوح به إذا أعلنه قوله: (نافقة) بالنون والفاء، والقاف أي: رائجة بالجيم. قوله: (وتقول هي) المرأة. قوله: (ولا تعد) من الوعد أي: المرأة لا تعد له بالعقد وأنها تتزوج به، ولا تقول شيئا غير قولها: (اسمع ما تقول). قوله: (ولا يواعد) أي: الرجل (وليها) أي الذي بلي أمرها بغير علمها، وإن واعدت هي رجلا في حالة العدة ثم نكحا بعد بضم الدال أي: بعد المواعدة وبعد انقضاء العدة، لم يفرق بينهما لصحة العقد وعدم المانع، وإن صرح بالخطبة في العدة لكن لم يعقد إلا بعد انقضاء العدة صح العقد عند أبي حنيفة والشافعي، ولكن ارتكب المنهي. وقال مالك: يفارقها، دخل بها أو لم يدخل، ولو وقع العقد في العدة ودخل بها يفرق بينهما بلا خلاف بين الأئمة. وقال مالك والليث والأوزاعي: لا يحل له بعد ذلك نكاحها، وقال الباقون: يحل له إذا انقضت العدة أن يتزوجها إن شاء.
وقال الحسن * ((2) لا توعدوهن سرا) * (البقرة: 532) الزنا
أي: قال الحسن البصري في تفسير السر في قوله عز وجل: * (ولكن لا تواعدوهن سرا) * (البقرة: 532) أنه الزنا، ووصله عبد بن حميد من طريق عمران بن جدير عن الحسن بلفظه: فإن قلت: أين المستدرك بقوله: * (ولكن لا تواعدوهن) * (البقرة: 532) قلت: هو محذوف لدلالة: * (ستذكرونهن) * (البقرة: 532) عليه تقديره * (علم الله أنكم ستذكرونهن فاذكروهن ولكن لا تواعدوهن سرا) * (البقرة: 532) والسر وقع كناية عن النكاح الذي هو الوطء لأنه مما يسر. قاله الزمخشري، وقال الشعبي: هو أن يأخذ عليها عهدا أن لا تتزوج غيره، وقال مجاهدا: سرا يخطبها في عدتها، وقال ابن سيرين: يلقي الولي فيذكر عنه رغبة وحرصا. وقال الشافعي: هو الجماع وهو التصريح بما لا يحل له في حالته، وقد قال إبراهيم النخعي وأبو الشعثاء مثل ما قال الحسن، ولكن فيه تأمل، لأن الزنا لا يجوز المواعدة به سرا ولا جهرا.
ويذكر عن ابن عباس: * ((2) الكتاب أجله) * (البقرة: 532): تنقضي العدة
أي: يذكر عن ابن عباس في قوله تعالى: * (حتى يبلغ الكتاب أجله) * (البقرة: 532) حتى تنقضي العدة، ووصله الطبري من طريق عطاء الخراساني عنه به، وقد حرم الله تعالى عقد النكاح في العدة بقوله: * (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) * (البقرة: 532) وهذا
118

من المحكم المجتمع بن علي
تأويله أن بلوغ أجله انقضاء العدة وأباح التعريض في العدة وذكر ابن أبي شيبة جواز التعريض عن مجاهد والحسن وعبيدة السلماني وسعيد بن جبير والشعبي وأبي الضحى، وقال إبراهيم: لا بأس بالهدية في تعريض النكاح، وقال الشافعي، رحمه الله: العدة التي أذن الله تعالى بالتعريض فيها هي العدة من وفاة الزوج، ولا أحب ذلك في العدة من الطلاق البائن احتياطا، وأما التي لزوجها عليها رجوع فلا يجوز لأحد أن يعرض لها بالخطبة فيها.
53
((باب النظر إلى المرأة قبل التزويج))
أي: هذا باب في بيان جواز النظر إلى المرأة قبل أن يتزوجها، وكان ينبغي أن يقال: قبل التزوج، لأن النظر فيه لا في التزويج، والظاهر أن هذا من الناسخ. وهذا الباب اختلف فيه العلماء، فقال طاووس والزهري والحسن والبصري والأوزاعي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والشافعي ومالك وأحمد وآخرون: يباح النظر إلى المرأة التي يريد نكاحها. وقال عياض: وقال الأوزاعي: ينظر إليها ويجتهد وينظر منها مواضع اللحم. وقال الشافعي وأحمد وسواء: بإذنها أو بغير إذنها إذا كانت مستترة، وحكى بعض شيوخنا، تأويلا بن علي
قول مالك: إنه لا ينظر إليها إلا بإذنها لأنه حق لها، ولا يجوز عند هؤلاء المذكورين أن ينظر إلى عورتها ولا وهي حاسرة، وعن داود ينظر إلى جميعها حتى قال ابن حزم: يجوز النظر إلى فرجها. وقالت العلماء: لا ينظر إلى فرجها. وقالت العلماء: لا ينظر إليها نظر تلذة وشهوة ولا لريبة، وقال أحمد: ينظر إلى الوجه بن علي
غير طريق لذة، وله أن يردد النظر إليها متأملا محاسنها، وإذا لم يمكنه النظر استحب أن يبعث امرأة يثق بها تنظر إليها وتخبره، لما روي البيهقي من حديث ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يتزوج امرأة فبعث بامرأة لتنظر إليها، فقال: (شمي عوارضها وانظري إلى عرقوبيها) الحديث. قال البيهقي: كذا رواه شيخنا في المستدرك، ورواه أبو داود في المراسيل مختصرا. قلت: العوارض الأسنان التي في عرض الفم، وهي ما بين الثنايا والأضراس، واحدتها عارض، وذلك
لاختبار النكهة. قالت ظائفة، منهم يونس بن عبيد، وإسماعيل بن علية وقوم من أهل الحديث. لا يجوز النظر إلى الأجنبية مطلقا إلا لزوجها أو ذي رحم محمرم منها، واحتجوا في ذلك بحديث علي، رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا علي! إن لك في الجنة كنزا وإنك ذو قرنيها، فلا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى). رواه الطحاوي والبزار. ومعنى: لا تتبع النظرة النظرة أي: لا تجعل نظرتك إلى الأجنبية تابعة لنظرتك الأولى التي تقع بغتة، وليست لك النظرة الآخرة، لأنها تكون عن قصد واختيار فتأثم بها أو تعاقب، وبما رواه مسلم من حديث جرير بن عبد الله، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري. قالوا: فلما كانت النظرة الثانية حراما لأنها عن اختيار خولف بين حكمها وحكم ما قبلها إذا كانت بغير اختيار، دل ذلك بن علي
أنه ليس لأحد أن ينظر إلى وجه امرأة إلا أن يكون بينها وبينه من النكاح أو الحرمة.
واحتجت الطائفة الألى بحديث محمد بن مسلمة: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، يقول: (إذا ألقى في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها)، رواه الطحاوي وابن ماجة والبيهقي، وبحديث أبي حميد الساعدي، وقد كان رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها للخطبة، وإن كانت لا تعلم)، رواه الطحاوي وأحمد والبزار، وبحديث جابر رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب أحدكم المرأة فقدر بن علي
أن يرى منها ما يعجبه فليفعل)، رواه الطحاوي وأبو داود، وبحديث أبي هريرة أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة من الأنصار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (انظر إليها فإن في أعين نساء الأنصار شيئا)، يعني: الصغر، رواه الطحاوي وأخرجه مسلم وليس في روايته: يعني الصغر، وبحديث المغيرة بن شعبة أنه أراد أن يتزوج امرأة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما) وأخرجه الطحاوي والترمذي، وقال: حديث حسن، وقال: معنى قوله: (أن يؤدم بينكما) أي: أحرى أن تدوم المودة بينكما؛ وأجابوا عن حديث علي، رضي الله تعالى عنه، بأن النظر فيه لغير الخطبة، فذلك حرام، وأما إذا كان للخطبة فلا يمنع منه لأنه للحاجة، ألا يرى كيف جوز به في الإشهاد عليها ولها؟ فكذلك النظر للخطبة. والله أعلم.
5215 حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن هشام عن أبيه عن عائشة، رضي الله عنها،
119

قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيتك في المنام تجيء بك الملك في سرقة من حرير، فقال لي: هاذه امرأتك، فكشفت عن وجهك الثوب فإذا أنت هي فقلت: إن يك هاذا من عند الله يمضه.
.
هذا الحديث مضي في أوائل كتاب النكاح في: باب نكاح الأبكار، فإنه أخرجه هناك عن عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة إلى آخره وفيه: أريتك، بن علي
صيغة المجهول مرتين، وهنا رأيتك، وهناك: إذا رجل يحملك في سرقة من حرير، وهناك: فأكشفها، وهنا: فكشفت وهناك: فإذا هي أنت، وهنا: فإذا أنت هي، وهذا: مثل: زيد أخوك، وأخوك زيد، ووجه إيراد هذا الحديث في الترجمة المذكورة من حيث الاستئناس به في جواز النظر إلى الأجنبية للخطبة، وذلك لأن منام الأنبياء وحي، بن علي
أن ظاهر قوله: (يجيء بك الملك) يدل بن علي
أنه صلى الله عليه وسلم شاهد حقيقة صورة عائشة، وكانت هي في سرقة من حرير، وبقية الكلام مرت هناك.
6215 حدثنا قتيبة حدثنا يعقوب عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! جئت لأهب لك نفسي، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصعد النظر إليها وصوبه، ثم طأطأ رأسه فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست، فقام رجل من أصحابه، فقال: أي رسول الله! إن لم تكن لك حاجة فزوجنيها. فقال: هل عندك من شيء؟ قال: لا والله يا رسول الله، قال: اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا؟ فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله، ما وجدت شيئا. قال: انظر ولو خاتما من حديد، فذهب ثم رجع فقال: ولا والله يا رسول الله، ولا خاتما من حديد، ولاكن هذا إزاري. قال سهل: ماله رداء فلها نصفه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تصنع بإزارك؟ إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك شيء، فجلس الرجل حتى طال مجلسه، ثم قام، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم موليا فأمر به فدعي، فلما جاء قال: ماذا معك من القرآن؟ قال: معي سورة كذا وسورة كذا وسورة كذا، عددها قال: أتقرؤهن عن ظهر قلبك، قال: نعم، قال: إذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن.
.
مطابقته للترجمة في قوله: فنظر إليها رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم. والحديث قد مر فيما قبله عن قريب في كتاب النكاح في: باب تزويج المعسر، وفيما قبله في فضائل القرآن في: باب القراءة عن ظهر القلب.
وأخرجه في هذا المواضع الثلاثة عن قتيبة بن سعيد، لكن هنا وفي فضائل القرآن عن قتيبة عن يعقوب بن عبد الرحمن، وفي: باب تزويج المعسر، عن قتيبة عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه سلمة بن دينار.
قوله: (عددها)، ويروي: عادها، ومد الكلام فيه مستقصى.
63
((باب من قال: لا نكاح إلا بولي))
أي: هذا باب في بيان (من قال: لا نكاح إلا بولي)، هذا لفظ الحديث رواه أبو داود والترمذي من حديث أبي موسى الأشعري، وإنما ترجم بهذا ولم يخرجه لكونه ليس بن علي
شرطه، وكذلك لم يخرجه مسلم وفيه كلام كثيرة قد ذكرناه عن قريب، ولكن لما كان ميله إلى من قال: لا نكاح إلا بولي، احتج بثلاث آيات ذكر هنا في كل آية قطعة وهي قوله.
لقول الله تعالى * ((2) فلا تعضلوهن) * (البقرة: 232)
وفي بعض النسخ لقوله تعالى: * (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعلضلوهن) * (البقرة: 232) وجه الاستدل به أن الله تعالى نهى
120

الأولياء عن عضلهن أي: منعهن من التزويج، فلو كان العقد إليهن لم يكن ممنوعات. قلت: لا يتم الاستدل به لأن ظاهر الكلام أن الخطاب للأزواج الذين يعاقون نساءهم ثم يعضلونها بعد انقضاء العدة تأثما. ولحمية الجاهلية لا يتركونهن يتزوجهن من شئن من الأزواج. فإن قلت: هذه الآية نزلت في قصة معقل بن يسار، بن علي
ما رواه البخاري، بن علي
ما يأتي عن قريب، ورواه أبو داود والترمذي والنسائي في الكبرى من رواية الحسن عن مقعل بن يسار، قال: كانت لي أخت تخطب فأمنعها الحديث، وفيه: فأنزل الله تعالى: * (فلا تعضلوهن) * (البقرة: 232) فقال: من قال: لا نكاح إلا بولي: أمر الله تعالى بترك عضلهن، فدل ذلك أن إليهم عقد نكاحهن. قلت: هذا الحديث روي من وجوه كثيرة مختلفة، وكذلك ذكرت وجوه في سبب نزول هذه الآية، فمنهم من قال: الخطاب فيه للأولياء، ومنهم من قال الخطاب: للأزواج الذيم طلقوا، ومنهم من قال: الخطاب لسائر الناس، فعلى هذا الأيتم به الاستدلال بن علي
ما ذكرنا. وأيضا يحتمل أن يكون عضل معقل بن يسار لأجل تزهيده وترغيبه أخته في المراجعة، فتقف عند ذلك، فأمر بترك ذلك. وقال أبو بكر الجصاص، بعد أن روي حديث معقل من رواية سماك عن ابن أخي معقل عن معقل بن يسار: إن هذا الحديث غير ثابت بن علي
مذهب أهل النقل لأن في سنده رجلا مجهولا، وأما حديث الحسن البصري فمرسل، وأما الآية فالظاهر أنها خطاب للأزواج، كما ذكرنا.
فدخل فيه الثيب وكذلك البكر
أي: فدخل في قوله عز وجل: * (فلا تعضلوهن) * (البقرة: 232) الثيب والبكر لعموم لفظ النساء، وفي بعض النسخ: قال أبو عبد الله: فدخلت فيه الثيب والبكر، وأبو عبد الله هو البخاري نفسه.
وقال: * ((2) ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) * (البقرة: 122)
وجه الاستدلال به أن الله خاطب الأولياء ونهاهم عن إنكاح المشركين مولياتهم المسلمات. قلت: الآية منسوخة بقوله: * (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) * (المائدة: 5) والخطاب أعم من أن يكون للأولياء أو غيرهم، فلا يتم الاستدلال به.
وقال: * ((24) وانكحوا الأيامى منكم) * (النور: 23)
لا وجه للاستدلال به لمن قال: لا نكاح إلا بولي، لأن المفسرين قالوا: معناه أيها المؤمنون زوجوا من لا زوج له من أحرار رجالكم ونسائكم والصالحين من عبادكم وإمائكم، ومن كان فيه صلاح من غلمانكم وجواربكم، والأيامى جمع أيم وهو أعم من المرأة كما ذكرنا لتناوله الرجل، فلا يصح أن يراد بالمخاطبين الأولياء وإلا كان للرجل ولي. وقال الكرماني: خرج الرجل منه بالإجماع فبقي الحكم في المرأة بحاله. قلت: هذه عوى تحتاج إلى البرهان.
7215 قال يحيى بن سليمان: حدثنا ابن وهب عن يونس. يحيى بن سليمان بن يحيى بن سعيد بن مسلم بن عبيد بن مسلم أبو سعيد الجعفي الكوفي المقرئ، قال المنذري: قدم يحيى بن سليمان مصر وحدث بها، وتوفي بها سنة ثمان، ويقال: سبع وثلاثين ومائتين، وهو أحد شيوخ البخاري، يروي عن عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد الأيلي عن ابن شهاب، والبخاري يحكى عن يحيى بطريق النقل عنه بدون: حدثنا أو أخبرنا، ولكن يروي عن أحمد بن صالح، وهو قوله:
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء: فينكاح منها نكاح الناس اليوم، يخطب الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها، ونكاح الآخر: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها: أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذالك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذالك رغبة في نجابة الولد، فكان هاذا النكاح نكاح
121

الاستبضاع، ونكاح آخر: يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليالي بعد أن تضع حملها، أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، تقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد ولدت فهو ابنك يا فلان، تسمي من أحبت باسمه، فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع به الرجل. ونكاح الرابع: يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها، وهن البغايا، كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما، فمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها ودعوا لهم القافة، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاط به ودعي ابنه لا يمتنع من ذالك، فلما بعث
محمد صلى الله عليه وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (منها نكاح الناس اليوم) إلى قوله: (ونكاح آخر).
وأحمد بن صالح أبو جعفر المصري، وعنبسة، بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة والسين المهملة: ابن خالد بن أخي يونس.
والحديث أخرجه أبو داود أيضا في النكاح عن أحمد بن صالح به.
قوله: (بن علي
أربعة أنحاء) أي: أربعة أنواع، وهو جمع نحو، يأتي لمعان بمعنى الجهة والنوع والمثل والعلم المعروف في العربية. قوله: (وابنته) كلمة: أو، للتنويع لا للشك. قوله: (فيصدقها) بضم الياء وسكون الصاد، أي: يجعل لها صداقا معينا. قوله: (ونكاح الآخر) هو النوع الثاني، وهو بالإضافة في رواية، أي: نكاح الصنف الآخر، وفي رواية الباقين: ونكاح آخر، بالتنوين: وآخر، بدون الألف واللام صفته. قوله: (إذا طهرت) بلفظ الغائبة. قوله: (من طمثها) بفتح الطاء المهملة وسكون الميم وبالثاء المثلثة أي: من حيضها. قوله: (فاستبضعي) أي: اطلبي منه المباضعة أي المجامعة، وهي مشتقة من البضع وهو الفرج، ووقع في رواية إصبغ عند الدارقطني: استرضعي، بالراء بدل الباء الموحدة قال: رواية محمد بن إسحاق الصاغاني الأول هو الصواب يعني: الباء الموحدة. قوله: (ولا يمسها) أي: ولا يجامعها. قوله: (تستبضع منه) أي: من الرجل الذي تستبضع المرأة منه أي تطلب منه الجماع. قوله: (أصابها) أي: جامعها زوجها. قوله: (وإنما يفعل ذلك) أي: الاستبضاع من فلان قوله: (رغبة) أي: لأجل رغبة (في نجابة الولد) من نجب ينجب إذا كان فاضلا نفيسا في نوعه، وكانوا يطلبون ذلك اكتسابا من ماء الفحل وكانوا يطلبونه من أشرافهم ورؤسائهم وأكابرهم. قوله: (نكاح الاستبضاع) بالنصب لأنه خبر: كان، ويجوز بالرفع بن علي
تقدير: هو نكاح الاستبضاع. قوله: (ونكاح آخر) هو النوع الثالث من الأنواع الأربعة قوله: (يجتمع الرهط) وقد مر غير مرة أن الرهط اسم لما دون العشرة، ولا يكون فيهم امرأة ولا واحد له من لفظه، ويجمع بن علي
أرهط وأرهاط وأراهط جمع الجمع، وإنما قال: ما دون العشرة، احترازا عن قول البعض: إن الرهط إلى الأربعين. قوله: (كلهم يصيبها) أي: كلهم يجامعونها وذلك برضاها وبالتواطؤ بينهم. قوله: (ومر عليها ليال) وفي رواية أبي ذر: ومر ليال، بدون لفظ: عليها. قوله: (قد عرفتم) خطاب لأولئك الرجال، وفي رواية فالتاطته وفي رواية الكشميهني: قد عرفت، بصيغة الخطاب للواحد منهم. قوله: (وقد ولدت) بضم التاء لأنه كلامها. قوله: (فهو ابنك) الظاهر أنه إذا كان ذكرا تقول: هو ابنك، ويحتمل أنه إذا كان بنتا لا تقول: هذه بنتك، لأنهم كانوا يكرهون البنات، حتى إن منهم من كان يقتل بنته الحقيقية وهي الموؤودة. قوله: (فيلحق به ولدها) هكذا في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره: فيلتحق به ولدها ويلحق أن قرىء بفتح الياء يكون قوله ولدها مرفوعا به وإن كان بضم الياء من الالحاق يكون فيه الضمير يرجع إلى المرأة ويكون ولدها منصوبا. قوله: (لا يستطيع أن يمتنع به) وفي رواية الكشميهني: منه قوله: (ونكاح الرابع) بالإضافة وقطعها، ووجهه ما ذكرناه عند قوله: (ونكاح الآخر). قوله: (لا تمتنع) أي: المرأة ممن جاءها، ويروي: لا تمنع من جاءها. قوله: (البغايا) جمع بغي، وهي الزانية يقال: بغت المرأة تبغي بغيا بالكسر: إذا زنت فهي بغي. قوله: (رايات) جمع راية. قوله: (تكون علما) أي:
122

علامة لمن أرادهن. قوله: (أرادهن) هو رواية الكشميهني، وفي رواية غيره، فمن أراد، فقط. قوله: (القافة)، وهو جمع قائف وهو الذي يلحق الولد بالوالد بالآثار الخفية. قوله: (فالتاط به) أي: فالتصق به، يقال: هذا لا يلتاط به أي: لا يلتصق به، واستلاطوه أي: استلحقوه، وأصل اللوط بالفتح اللصوق، وفي رواية الكشميهني: فالتاطه، بغير التاء المثناة يعني: استلحقه. قوله: (نكاح الجاهلية) وفي رواية الدارقطني: نكاح الجاهلية. قوله: (كله) أي: كل ما ذكرت عائشة من أنواع الأنكحة الثلاثة، وقال الداودي: ذكرت عائشة أربعة أنكحة وبقي عليها أنحاء لم تذكرها. الأول: نكاح الخدن، وهي في قوله تعالى: * (ولا متخذات أخدان) * (النساء: 52) كانوا يقولون: ما استتر فلا بأس به وما ظهر فهو لوم الثاني: نكاح المتعة. الثالث: نكاح البدل، وقد أخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة: كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل: إنزل لي عن امرأتك، وأنزل لك عن امرأتي وأزيدك، وإسناده ضعيف جدا.
9215 حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا هشام أخبرنا معمر حدثنا الزهري قال: أخبرني سالم أن ابن عمر أخبره أن عمر حين تأيمت حفصة بنت عمر من ابن حذافة السهمي، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، من أهل بدر، توفي بالمدينة، فقال عمر: لقيت عثمان بن عفان فعرضت عليه، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة. فقال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي ثم لقيني فقال: بدا لي أن لا أتزوج يومي هاذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة.
.
مطابقته للترجمة كمطابقة الحديث السابق وعبد الله بن محمد هو المعروف بالمسندي، وهشام هو ابن يوسف الصنعاني اليماني قاضيها، ومعمر بفتح الميمين هو ابن راشد.
والحديث قد مر بأتم منه عن قريب في: باب عرض الإنسان ابنته أو أخته، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (سأنظر في أمري) النظر إذا استعمل بكلمة: في، يكون بمعنى التفكر، وإذا استعمل باللام يكون بمعنى الرأفة، وإذا استعمل بكلمة: إلى، يكون بمعنى الرؤية، وإذا استعمل بدون الصلة يكون بمعنى الانتظار، نحو: انظرونا نقتبس من نوركم.
0315 حدثنا أحمد بن أبي عمرو قال: حدثني أبي قال: حدثني إبراهيم عن يونس عن الحسن: * ((4) فلا تعضلوهن) * (النساء: 52) قال: حدثني معقل بن
يسار أنها نزلت فيه، قال: زوجت أختا لي من رجل فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك وفرشتك وأكرمتك فطلقتها، ثم
123

جئت تخطبها؟ و والله لا تعود إليك أبدا وكان رجلا لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله هاذه الآية: * ((2) فلا تعضلوهن) * (البقرة: 232) فقلت: الآن أفعل يا رسول الله، قال: فزوجها إياه.
مطابقته للترجمة ظاهرة عند من لا يرى النكاح إلا بولي، ولمن يجوز لها أن نزوج نفسها بنفسها أن يقول: هذا الحديث لا يدل بن علي
ما تذهبون إليه لأن قوله: (زوجت أختا لي) لا يدل بن علي
أنه زوجها بغير رضاها.
قوله: (لا تعود إليك أبدا) خارج مخرج العادة في الكلام الرجال فيمن يتعلق بهم من النساء، وأما قوله: * (فلا تعضلوهن) * (البقرة: 232) فيدل علي أن الولاية لها ما لا يخفي.
وأحمد بن أبي عمرو هو النيسابوري قاضيها يكنى أبا علي، وقد مر في الحج وهو يروى عن أبيه أبي عمرو اسمه حفص بن عبد الله بن راشد النيسابوري وهو من أفراده يروي عن إبراهيم بن طهمان عن يوسن بن عبيد بن دينار البصري عن الحسن البصري، ومعقل، بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف: ابن يسار، بفتح الياء آخر الحروف وتخفيف السين المهملة: ابن عبد الله المزني، سكن البصرة وابتنى بها دارا وإليه ينسب نهر معقل بالبصرة، شهد بيعة الحديبية وتوفي بالبصرة في آخر خلافة معاوية، وقد قيل: إنه توفي في أيام يزيد بن معاوية.
ومر الحديث في تفسير سورة البقرة معلقا، ومر الكلام فيه عن قريب مفصلا.
قوله: (زوجت أختا لي) اسمها جميل بالجيم مصغرا بنت يسار، وقيل بغير تصغير حكى البيهقي، أن اسمها ليلى، وتبعه الحافظ المنذري، ووقع عند ابن إسحاق أن اسمها فاطمة، واسم الرجل الذي تحته جميل أبو البداح بن عاصم بن عدي القضاعي حليف الأنصار، وقيل: أبو البداح لقب غلب عليه وكنيته أبو عمرو، وقيل: أبو بكر، والأول أكثر، وقد اختلف في صحبته فقيل: الصحبة لأبيه وهو من التابعين، وقال المنذري: هذا الحديث يصحح صحبته، والبداح بفتح الباء الموحدة وتشديد الدال المهملة وفي آخره حاء مهملة. قوله: (يخطبها) من الأحوال المقدرة. قوله: (وفرشتك) أي: جعلتها لك فراشا، يقال: فرشت الرجل إذا فرشت له. قوله: (وكان رجلا لا بأس به) أي: كان جيدا.
73
((باب إذا كان الولي هو الخاطب))
أي: هذا باب في بيان ما إذا كان الولي في النكاح هو الخاطب، وقال بعضهم: أي هل يزوج نفسه أم يحتاج إلى ولي آخر؟ قلت: هذه الترجمة قط لا تقتضي ما قاله، بل الذي يفهم منها أن الولي إذا كان الخاطب هل يجوز أم لا؟ فأبهم ولكن الآثار التي ذكرها تدل بن علي
الجواز أما أثر عطاء فإنه يدل صريحا بن علي
أنه يجوز، وأما بقية الآثار، فإن كان فيها أمر الولي غيره بأن تزوجه فليس فيها ما يدل بن علي
المنع صريحا من تزويجه نفسه، فافهم.
وخطب المغيرة بن شعبة امرأة هو أولى الناس بها، فأمر رجلا فزوجه
هذا الأثر وصله وكيع في مصنفه، والبيهقي من طريقه عن الثوري عن عبد الملك بن عمير أن المغيرة بن شعبة أراد أن يتزوج امرأة وهو وليها، فجعل أمرها إلى رجل، والمغيرة أولى منه فزوجه. وأخرجه سعيد بن منصور من طريق الشعبي ولفظه: أن المغيرة خطب بنت عمه عروة بن مسعود فأرسل إلى عبد الله بن أبي عقيل، فقال: زوجنيها، فقال: ما كنت لأفعل، أنت أمير البلد وابن عمها، فأرسل المغيرة إلى عثمان بن أبي العاص فزوجها منه، وقد أوضح فيه اسم الرجل الميهم في الأثر المذكور.
وقال عبد الرحمان بن عوف لأم حكيم بنت قارظ: أتجعلين أمرك إلي؟ قالت: نعم. فقال: قد تزوجتك
هذا الأثر وصله ابن سعد من طريق ابن أبي ذئي عن سعيد بن خالد أن أم حكيم بنت قارظ قالت لعبد الرحمن بن عوف: إنه قد خطبني غير واحد فزوجني أيهم رأيت، فقال: وتجعلين ذلك إلي؟ فقالت: نعم. قال: قد تزوجتك. قال ابن أب ذئب: فجاز نكاحه، وقال الكرماني: وإدخال البخاري هذه الصورة في هذه الترجمة مشعرة بأن عبد الرحمن كان وليها يوجه من وجوه الولايات. انتهى. قلت: قوله: (أتجعلين أمرك إلي) تفويض منها، وهو الوكالة ولا يفهم منه إلا أنه وكيل، ولا يفهم أنه وليها.
124

غاية ما في الباب أنه يفهم منه جواز هذا الحكم ليس إلا، وقد ذكر ابن سعد أم حكيم في النساء اللواتي لم يدركن النبي صلى الله عليه وسلم وروين عن أزواجه.
وقال عطاء: ليشهد أني قد نكحتك، أو ليأمر رجلا من عشيرتها
أي: قال عطاء بن أبي رباح: ليشهد المرأة أن فلانا خطبها وأشهد أني نكحتك، يخاطب به رجلا. قال ابن جريج لعطاء: امرأة خطبها رجل، فقال عطاء: ليشهد أبي قد نكحتك أو لتأمر رجلا من عشيرتها، أي: من قبيلتها وأوضح هذا عبد الرزاق روي عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: امرأة خطبها ابن عم لها لا رجل لها غيره، قال
: فليشهد أن فلانا خطبها وإني أشهدكم أني قد نكحتها، أو لتأمر رجلا من عشيرتها. وقال الكرماني. قوله: عشيرتها، يعني: تفوض الأمر إلى الولي الأبعد، أو تحكم رجلا من أقربائها، أو يكتفي بالإشهادة، وللمجتهدين في مثله مذاهب، وليس قول بعضهم حجة بن علي
الآخر. انتهى. وقال الكرماني: في الوجه الأول ليس من معنى قول عطاء، وليس يناسب معناه إلا في الإشهاد أو التحكيم.
وقال سهل: قالت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم: أهب لك نفسي. فقال رجل: يا رسول الله! إن لم تكن لك بها حاجة فزوجنيها
أي: قال سهل بن سعد، هذا طرف من حديث الواهبة، وقد مضى موصولا في: باب تزويج المعسر، وفي: باب النظر إلى المرأة قبل التزويج وغيرهما، ووصله في هذا الباب بلفظ آخر، وأقر بها إلى هذا التعليق رواية يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم بلفظ: أي أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي إلى قوله) فقام رجل من أصحابه فقال) أي رسول الله! إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها الحديث. ووجه دخوله في هذا الباب من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لما طلب الرجل وقال له ما قال، ثم زوجها منه كأنه خطبها له، والحال أنه وليها لأنه صلى الله عليه وسلم ولي كل من لا ولي له.
1315 حدثنا ابن سلام أخبرنا أبو معاوية حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة، رضي الله عنها في قوله: * ((4) ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن) * (النساء: 721) إلى آخر الآية، قالت: هي اليتيمة تكون في حجر الرجل قد شركته في ماله فيرغب عنها أن يتزوجها ويكره أن يزوجها غيره فيدخل عليه في ماله فيحبسها، فنهاهم الله عن ذلك.
.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فيرغب عنها أن يتزوجها) لأنه أعم من أن يتولى ذلك بنفسه، أو يأمر غيره فيزوجه، وبه احتج محمد بن الحسن بن علي
الجواز، لأن الله عاتب الأولياء في تزويج من كانت من أهل المال والجمال بدون سنتها من الصداق، وعاتبهم بن علي
ترك تزويج من كانت قليلة المال والجمال، دل بن علي
أن الولي يصح منه تزويجها من نفسه، إذ لا يعاتب أحد بن علي
ترك ما هو حرام عليه.
وابن سلام هو محمد بن سلام بتشديد اللام وتخفيفها، وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير، وهشام بن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين.
والحديث مضى في تفسير سورة النساء بأتم منه، ومضى الكلام فيه هناك.
2315 حدثنا أحمد بن المقدام حدثنا فضيل بن سليمان حدثنا أبو حازم حدثنا سهل بن سعد قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، جلوسا، فجاءته امرأة تعرض نفسها عليه، فخفض فيها النظر ورفعه فلم يردها، فقال رجل من أصحابه: زوجنيها يا رسول الله. قال: أعندك من شيء؟ قال: ما عندي من شيء. قال: ولا خاتما من حديد؟ قال: ولا خاتما من حديد، ولاكن أشق بردني هاذه
125

فاعطيها النصف وآخذ النصف، قال: لا! هل معك من القرآن شيء؟ قال: نعم. قال: اذهب فقد زوجتكها بما معك من القرآن.
.
مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا فوق حديث عائشة في حديث سهل، وأحمد بن المقدام، بكسر الميم: العجلي البصري، وفضيل مصغر فضل بن سليمان النميري البصري، وأبو حازم سلمة بن دينار.
وهذا الحديث قد مضى مكررا بطرق مختلفة ومتون بزيادة ونقصان.
قوله: (فجاءته) ويروي: فجاءت. قوله: (فخفض فيها النظر) ويروي: البصر. قوله: (أعندك؟) ويروي: هل عندك؟ قوله: (فلم يردها) بضم الياء من الإرادة، وقال بعضهم: وحكى بعض الشراح بفتح أوله وتشديد الدال، وهو محتمل. قلت: هو الكرماني، فإنه هو الحاكي بذلك. قوله: وهو محتمل، يدل بن علي
أنه ما يأخذ كلامه بالقبول.
83
((باب إنكاح الرجل ولده الصغار))
أي: هذا في باب في بيان جواز إنكاح الرجل ولده الصغار، بضم الواو وسكون اللام جمع ولد، ويروي بفتح الواو والدال وهو اسم جنس يتناول الذكور والإناث.
لقوله تعالى: * ((65) واللائي لم يحضن) * (الطلاق: 4) فجعل عدتها ثلاثة أشهر قبل البلوغ
ذكره قوله تعالى: * (اللائي لم يحضن) * (الطلاق: 4) إلى آخره في معرض الاحتجاج في جواز تزويج الرجل ولده الصغير، بيانه أن الله تعالى لما جعل عدتها ثلاثة أشهر قبل البلوغ دل ذلك بن علي
جواز تزويجها قبله، قيل ليس في الآية تخصيص ذلك بالآباء ولا بالبكر فلا يتم الاستدلال. وأجيب: بأن الأصل في الإيضاع التحريم إلا ما دل عليه الدليل. وقد ورد في حديث عائشة أن أبا بكر، رضي الله تعالى عنه، زوجها وهي دون البلوغ، فبقي ما عداه بن علي
الأصل، ولهذه النكتة أورد حديث عائشة في هذا الباب. وقال صاحب التلويح: وكأن البخاري أراد بهذه الترجمة الرد بن علي
ابن شبرمة، فإن الطحاوي حكى عنه أن تزويج الآباء الصغار لا يجوز، ولهن الخيار إذا بلغن. قال: وهذا لم يقل به أحد غيره. ولا يلتفت إليه لشذوذه ومخالفته دليل الكتاب والسنة. وقال المهلب: أجمعواعلى أنه يجوز للأب تزويج اينته الصغيرة التي لا يوطأ مثلها العموم قوله: * (واللائي لم يحضن) * (الطلاق: 4) فيجوز نكاح من لم يخضن من أول ما يخلقن. وإنما اختلفوا في غير الآباء، وقال ابن حزم: لا يجوز للأب ولا لغيره إنكاح الصغير الذكر حتى يبلغ، فإن فعل فهو مفسوخ أبدا، واختاره قوم. وفيه دليل بن علي
جواز نكاح لا وطء فيه لعلة بأحد الزوجين لصغر أو آفة أو غير إرب في الجماع، بل لحسن العشرة والتعاون بن علي
الدهر وكفاية المؤنة والخدمة، خلافا لمن يقول: لا يجوز نكاح لا وطء فيه، يؤيده حديث سودة، وقولها: ما لي في الرجال من أرب.
3315 حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن هشام عن أبيه عن عائشة، رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها بنت ست سنين وأدخلت عليه وهي بنت تسع ومكثت عنده تسعا.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن أبا بكر، رضي الله تعالى عنه، زوج النبي صلى الله عليه وسلم بنته عائشة وهي صغيرة.
ومحمد بن يوسف البيكندي البخاري، وسفيان هو ابن عيينة.
قوله: (وأدخلت) بن علي
صيغة المجهول من الماضي. قوله: (ومكثت عنده) أي: عند النبي صلى الله عليه وسلم (تسع سنين). ومات النبي صلى الله عليه وسلم وعمرها ثمانية عشرة سنة. وتوفيت عائشة سنة سبع وخمسين من الهجرة النبوية.
واختلف بن علي
هشام بن عروة في سن عائشة حين العقد، فروي عنه سفيان بن سعيد وعلي بن مسهر، وأبو أسامة وأبو معاوية وعباد بن عباد وعبدة: ست سنين لا غير، ورواه الزهري عنه وحماد بن زيد وجعفر بن سليمان، فقالوا: سبع سنين، وطريق الجمع بينهما أنه كانت لها سنين وكسر، ففي رواية أسقط الكسر وفي أخرى أثبته لدخولها في السبع أو أنها قالته تقديرا لا تحقيقا ويؤيد قول من قال: سبع سنين، ما رواه ابن ماجة من حديث أبي عبيدة عن أبيه: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت سبع سنين.
واختلف العلماء في الوقت الذي تدخل فيه المرأة بن علي
زوجها إذا اختلف الزوج وأهل المرأة، فقالت
126

طائفة، منهم أحمد وأبو عبيد: يدخل وهي بنت تسع اتباعا لحديث عائشة، وعن أبي حنيفة: نأخذ بالتسع غير أنا نقول: إن بلغت التسع ولم تقدر بن علي
الجماع كان لأهلها منعها، وإن لم تبلغ التسع وقويت بن علي
الرجال لم يكن لهم منعها من زوجها، وكان مالك يقول: لا نفقة لصغيرة حتى تدرك أو تطيق الرجال، وقال الشافعي: إذا قاربت البلوغ وكانت جسيمة تحتمل الجماع فلزوجها أن يدخل بها وإلا منعها أهلها حتى تحتمله أي: الجماع.
93
((باب تزويج الأب ابنته من الإمام))
أي: هذا باب في بيان تزويج ابنته من الإمام أي: الإمام الأعظم.
وقال عمر: خطب النبي صلى الله عليه وسلم إلي حفصة، فأنكحته
هذا طرف من حديث عمر الذي تقدم موصولا قريبا. قوله: (إلي) بتشديد الياء. قوله: (فأنكحته) أي: أنكحت النبي صلى الله عليه وسلم حفصة.
4315 حدثنا معلى بن أسد حدثنا وهيب عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم، تزوجها وهي بنت ست سنين وبنى بها وهي بنت تسع سنين، قال هشام: وأنبئت أنها كانت عنده تسع سنين.
.
طابقته للترجمة ظاهرة وهو أن أبا بكر أبا عائشة زوجها من النبي صلى الله عليه وسلم وهو الإمام.
ومعلى، بتشديد اللام المفتوحة: ابن أسد العمي البصري، ووهيب بن خالد البصري. والحديث من أفراده.
قوله: (وهي) الواو فيه في الموضعين للحال. قوله: (وأنبئت) بن علي
صيغة المجهول من الإنباء وهو الإخبار، ولم يسم من أنبأه. قيل: يشبه أن يكون حمله بن علي
امرأته فاطمة بنت المنذر عن جدتها أسماء، وقال ابن بطال: دل حديث الباب علي أن الأب أولى في تزويج ابنته من الإمام، وأن السلطان ولي من لا ولي له، وأن الولي من شروط النكاح، ورد عليه بأنه دلالة فيه بن علي
اشتراط شيء من ذلك. قلت: هكذا هو، وإنما فيه الإخبار عما ذكر فيه ليس إلا.
04
((باب السلطان ولي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: زوجناكها بما معك من القرآن))
أي: هذا باب فيه: أن السلطان ولي من لا ولي له، وقال ابن بطال: أجمع العلماء بن علي
أن السطان ولي من لا ولي له، وأجمعوا بن علي
أن له أن يزوجها إذا دعت إلى كفء وامتنع الولي أن يزوجها. واختلفوا إذا غاب عن البكر أبوها وعمي خبره، وضربت فيه الآجال من يزوجها؟ فقال أبو حنيفة ومالك: يزوجها أخوها بإذنها، وقال الشافعي: يزوجها السلطان دون باقي الأولياء، وكذلك الثيب إذا غاب أقرب أوليائها. واختلفوا في الولي من هو؟ فقال مالك والليث والثوري والشافعي: هو العصبة الذي يرث وليس الخال ولا الجد لأم ولا الأخوة للأم أولياء عند مالك في النكاح، وقال محمد بن الحسن: كل من لزمه اسم ولي فهو ولي يعقد النكاح وبه قال أبو ثور. واختلفوا فيمن أولى بالنكاح الولي أو الوصي؟ فقال بيعة ومالك وأبو حنيفة والثوري: الوصي أولى، وقال الشافعي: الولي أولى ولا ولاية للوصي بن علي
الصغير، وقال ابن حزم: ولا إذن للوصي في إنكاح أصلا لا لرجل ولا لامرأة صغيرين كانا أو كبيرين. قوله: (لقول النبي صلى الله عليه وسلم) ذكرع في معرض الاحتجاج بن علي
أن السلطان ولي من لا ولي له، ويروي: بقول النبي صلى الله عليه وسلم، بالباء الموحدة موضع اللام، قوله: (زوجناكها) بنون الجمع للتعظيم، كذا في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره: زوجتكها، بالإفراد.
5315 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن أبي حازم عن سهل سعد قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني وهبت من نفسي، فقامت طويلا، فقال رجل: زوجنيها إن لم تكن بها حاجة. قال: هل عندك من شيء تصدقها؟ قال: ما عندي إلا إزاري. فقال: إن أعطيتها إياه
127

جلست لا إزار لك فالتمس شيئا. فقال: ما أجد شيئا. فقال: التمس ولو خاتما من حديد، فلم يجد، فقال: أمعك من القرآن شيء؟ قال: نعم سورة كذا وسورة كذا لسور سماها. فقال: زوجناكها بما معك من القرآن.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث قد مر غير مرة، ومر الكلام فيه قريبا وبعيدا.
قوله: (إني وهبت من نفسي) كلمة: من، زائدة، وجوز الكوفيون زيادتها في المثبت وقياسه: وهبت لك، ويروي: وهبت منك نفسي. قال النووي: وكذلك: من، هنا زائدة.
14
((باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا يرضاها))
أي: هذا باب في بيان أنه لا ينكح الأب إلى آخره، وينكح بضم الياء من الإنكاح، والأب بالرفع فاعله، وغيره عطف عليه أي: وغير الأب من الأولياء. قوله: البكر، منصوب بن علي
المفعولية، والثيب عطف عليه.
6315 حدثنا معاذ بن فضالة حدثنا هشام عن يحيى ا عن أبي سلمة أن أبا هريرة حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن. قالوا: يا رسول الله! وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ومعاذ، بضم الميم وبالعين المهملة والذال المعجمة: ابن فضالة، بفتح الفاء وتخفيف الضاد المعجمة، وهشام هو الدستوائي، ويحيى هو ابن أبي كثير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، رضي الله تعالى عنه.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في ترك الحيل عن مسلم بن إبراهيم. وأخرجه مسلم في النكاح عن القواريري. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن عبد الأعلى.
قوله: (لا تنكح) بن علي
صيغة المجهول. والأيم قد مر تفسير. قوله: (حتى تستأمر) من الاستئمار، وهو طلب الأمر، وقيل: المشاورة. قوله: (حتى تستأذن) أي: حتى يطلب منها الإذن. قوله: (لا تنكح الأيم) المراد به الثيب هنا بقرينة قوله: (ولا تنكح البكر) وإن كان الأيم يتناول الثيب والبكر، وبهذا احتج أبو حنيفة بن علي
أن الولي لا يجبر الثيب ولا البكر بن علي
النكاح فالثيب تستأمر والبكر تستأذن، والمرأة البالغة العاقلة، إذا زوجت نفسها من غير ولي ينفذ نكاحها عنده، وعند أبي يوسف وعند محمد يتوقف بن علي
إجازة الولي. وقال الشافعي ومالك وأحمد: لا ينعقد بعبارة النساء أصلا لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي. والحديث المذكور حجة عليهم، ومر الكلام في حديث: لا نكاح إلا بولي، مستوفى، خلاصته أنه: ليس بمتفق عليه فلا يعارض ما اتفق عليه، ولهذا قال البخاري ويحيى بن معين: لم يصح في هذا الباب
حديث، يعني في اشتراط الولي. فإن قلت: روي الترمذي من حديث الزهري عن عروة عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل. الحديث. قلت: قال الترمذي: قد تكلم بعض أهل الحديث في حديث الزهري. قال ابن جريج: ثم لقيت الزهري فسألته فأنكر. وضعفوا هذا الحديث من أجل هذا. فإن قلت: قال الرمذي هذا حديث حسن. قلت: من أين له الحسن وقد أنكره الزهري؟ فإن قلت: إنكاره لا يعين التكذيب بل يحتمل أنه رواه فنسيه إذ كل محدث لا يحفظ ما رواه. قلت: إذا احتمل التكذيب والنسيان فلا يبقى حجة، ويلزم المحتج به أن يقول بمفهوم الخطاب ومفهوم هذا يقتضي صحة النكاح بإذن الولي فلا تقول به.
7315 حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق قال: أخبرنا الليث عن ابن أبي مليكة عن أبي عمرو مولى عائشة عن عائشة أنها قالت: يا رسول الله! إن البكر تستحي؟ قال: رضاها صمتها.
مطابقته للترجمة من حيث إنه صلى الله عليه وسلم قال: ولا تنكح البكر حتى تستأذن. قالوا: يا رسول الله إن البكر تستحي؟ قال: رضاها
128

صمتها، ولم يجوز الإجبار عليها، والضحك رضا دلالة، فإنه علامة السرور والفرح بما سمعت. وقيل: إذا ضحكت كالمستهزئة لم رضا بخلاف ما إذا بكت فإنه دليل السخط والكراهية.
وعمرو بن الربيع بن طارق الهلالي المصري، مات سنة تسع عشرة ومائتين، وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي مليكة زهير المكي الأحول القاضي بن علي
عبد بن الزبير، وأبو عمرو مولى عائشة، وخادمها واسمه ذكوان، قد دبرته وكان من أفصح القراء.
والحديث أخرجه مسلم في النكاح عن إسحاق بن إبراهيم وغيره. وأخرجه النسائي فيه عن إسحاق بن منصور.
قوله: (إن البكر تستحي) بخلاف الثيب لأن كمال حيائها قد زال بممارسة الرجال. قوله: (رضاها صمتها) أي: سكوتها، وفي رواية ابن جريج: قال: سكوتها إذنها، وفي لفظ له قال: إذنها صماتها، وفي رواية مسلم من طريق ابن جريج أيضا قال: فكذلك إذنها إذا هي سكتت.
24
((باب إذا زوج ابنته وهي كارهة فنكاحها مردود))
أي: هذا باب يذكر فيه إذا زوج ابنته والحال أنها كارهة فنكاحها مردود، وقوله: ابنته، يشمل البكر والثيب. قيل: هذه الترجمة مخالفة للترجمة السابقة حيث قال: باب نكاح الرجل ولده الصغار، وأجيب بأن المراد بنته البالغة، يدل عليه قوله: وهي كارهة، لأن هذه الصفة للبالغات.
8315 حدثنا إسمااعيل قال: حدثني مالك عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية عن خنساء بنت خذام الأنصارية: أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه.
مطابقته للترجمة ظاهرة. و إسماعيل هو ابن أبي أويس ابن أخت مالك، ومالك يروي عن عبد الرحمن وهو يروي عن أبيه القاسم والقاسم يروي عن عبد الرحمن وأخيه مجمع، بضم الميم وفتح الجيم وكسر الميم في آخره عين مهملة، وهما ابنا يزيد بالياء آخر الحروف ابن جارية بالجيم ابن عامر بن العطاف الأنصاري الأوسي من بني عمرو بن عوف، وهو ابن أخي مجمع بن جارية الصحابي الذي جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه قيل: إن المجمع بن يزيد صحبة، وليس كذلك وإنما الصحبة لعمه مجمع بن جارية، وليس لمجمع بن يزيد في البخاري سوى هذا الحديث، وقد قرنه فيه بأخيه عبد الرحمن بن يزيد وعبد الرحمن ولد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذكره العسكري وغيره، وهو أخو عاصم بن عمر بن الخطاب لأمه، وقال ابن سعد: ولي القضاء لعمر بن عبد العزيز لما كان أمير المدينة، ومات سنة ثلاث وتسعين، وقيل: سنة ثمان، ووثقه جماعة، وما له في البخاري سوى هذا الحديث.
قوله: (عن خنساء)، بفتح الخاء المعجمة وسكون النون وبالسين المهملة والمد: (بنت خذام) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الذال المعجمة، وقيل: اسم أبيه وديعة، والصحيح أن اسم أبيه خالد، ووديعة اسم جده، وقال أبو عمر: خنساء بنت خذام بن وديعة الأنصارية من الأوس، وفي التوضيح: خنساء اسمها زينب بنت خذام، وفي رواية لأبي موسى المديني في كتابه: اسمها ربعة بدل خنساء واستغربه، وفي رواية أم ربعة، ولعلها كنيتها، وكان خذام من أهل مسجد الضرار ومن داره أخرج، ووقع في طريق محمد بن إسحاق: خناس، بضم الخاء وتخفيف النون بن علي
وزن فلان، وهو مشتق من خنساء كما يقال زناب في زينب. قوله: (أن أباها زوجها وهي ثيب)، ووقع في رواية الثوري: (أن أباها زوجها وهي بكر)، وقال أبو عمر: وذكر ابن المبارك عن الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن عبد الله بن يزيد بن وديعة عن خنساء بنت خذام أنها كانت يومئذ بكرا، والصحيح نقل مالك في ذلك، وروي عبد الرزاق عن معمر عن سعيد بن عبد الرحمن الجحشي عن أبي بكر بن محمد: أن رجلا من الأنصار تزوج خنساء بنت خذام فقتل عنها يوم أحد فأنكحها أبوها رجلا، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبي أنكحني وإن عم ولدي أحب إلي، فهذا يدل بن علي
أنها ولدت من زوجها الأول، وقال الواقدي واسمه بن قتادة وقيل اسمه، وأنه استشهد ببدر وروى الدارقذني والذبراني من طريق هشيم عن عمرو بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة: أن خنساء بنت خذام زوجها أبوها وهي كارهة فأتت النبي
129

صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها، ولم يقل فيه: بكرا ولا ثيبا، قال الدارقطني: رواه أبو عوانة عن عمر مرسلا، ولم يذكر أبا هريرة.
وقد جاءت أحاديث بمثل حديث خنساء، منها: حديث عطاء عن جابر أن رجلا زوج ابنته بكرا ولم يستأذنها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما، وأخرجه النسائي، وقال: الصحيح إرساله، والأول وهم. ومنها: أن ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، تزوج ابنة خاله وأن عمها هو الذي زوجها الحديث، وفيه: فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها، أخرجه الدارقطني. ومنها: حديث ابن عباس: أن جارية بكرا أنكحها أبوها وهي كارهة، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه أبو داود بإسناده بن علي
شرط الصحيحين، وقال أبو داود: والصحيح مرسل. وقال أبو حاتم: رفعه خطأ، وقال ابن حزم: صحيح في غاية الصحة. ولا معارض له وابن القطان صححه، وقد احتج أصحابنا بحديث الباب وبهذه الأحاديث بن علي
أنه ليس للولي إجبار البكر البالغة بن علي
النكاح. وفي التوضيح: اتفق أئمة الفتوى بالأمصار بن علي
أن الأب إذا زوج ابنته الثيب بغير رضاها أنه لا يجوز ويرد احتجاجا بحديث خنساء وغيره، وشذا الحسن البصري والنخعي فخالفا الجماعة، فقال الحسن: نكاح الأب جائز بن علي
ابنته بكرا كانت أو ثيبا كرهت أو لم تكره، وقال النخعي: إن كانت البنت في عياله زوجها ولم يستأمرها، وإن لم تكن في عياله أو كانت نائية عنه استأمرها، ولم يتلفت أحد من الأئمة إلى هذين القولين لمخالفتهما السنة الثابتة في خنساء وغيرها.
واختلف الأئمة القائلون بحديث خنساء بغير إذنها ثم بلغها فأجازت، فقال إسماعيل القاضي: أصل قول مالك: إنه لا يجوز وإن أجازته إلا أن يكون بالقرب كأنه في فور، ويبطل إذا بعد لأن عقده بغير أمرها ليس بعقد ولا يقع فيه طلاق. وقال الكوفيون: إذا أجازته جاز إذا أبطلته بطل. وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور: إذا زوجها بغير إذنها فالنكاح باطل وإن رضيته لأنه صلى الله عليه وسلم رد نكاح خنساء ولم يقل: إلا أن تحيزه، واستدل به الشافعي، رضي الله تعالى عنه، بن علي
إبطال النكاح الموقوف بن علي
إجازة من له الإجازة، وهو أحد قولي مالك، واستدل به الخطابي بن علي
أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه، في قوله: لا يزوج البكر البالغ إلا برضاها، وذلك أن الثيوبة إنما ذكرت هنا ليعلم أنها علة الحكم. قلت سبحان الله! مقصوده هؤلاء ومجرد الحط بن علي
أبي حنيفة، وذلك أن الثيوبة إذا كانت علة فلم لا يجوز أن تكون البكارة أيضا علة؟ والحال أنها ذكرت أيضا في الحديث المذكور، وجاء أيضا بدون هذين القيدين، كما ذكرنا، ولا نسلم أيضا أن العلة في الرد هي الثيوبة أو البكارة، والظاهر أن العلة هي كراهة المنكوحة.
9315 حدثنا إسحاق أخبرنا بزيد أخبرنا يحياى أن القاسم بن محمد حدثه أن عبد الرحمان بن يزيد ومجمع بن يزيد حدثاه: أن رجلا يدعى خذاما أنكح ابنة له: نحوه.
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن إسحاق، قال بعضهم: هو ابن راهويه، وقيل: ابن منصور نسبه صاحب التوضيح إلى اليجاني، ويزيد بالياء آخر الحروف هو ابن هارون، و يحيى هو ابن سعيد الأنصاري. وأخرجه أحمد عن يزيد بن هارون بهذا الإسناد: أن رجلا منهم يدعى خذاما أنكح ابته فكرهت نكاح أبيها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فرد عنها نكاح أبيها فتزوجت أبا لبابة بن عبد المنذر. قوله: (نحوه) أي: نحو الحديث المذكور.
34
((باب تزويج اليتيمة))
أي: هذا باب في بيان حكم تزويج اليتيمة.
* ((4) وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا) * (النساء: 3).
في أكثر النسخ لقوله عز وجل: * (وإن خفتم) * (النساء: 3)، وهذا هو الأوجه لأنه ذكر هذه القطعة من الآية في معرض الاحتجاج، وقد مر الكلام فيه في تفسير سورة النساء.
وإذا قال للولي: زوجني فلانة، فمكث ساعة أو قال: ما معك؟ فقال: معي كذا وكذا، أو لبثا ثم قال: زوجتكها، فهو جائز
130

يعني: إذا قال رجل لولي من له عليها الولاية: إلى آخره، وهذه ثلاث صور: الأولى: أن يقول زوجني فلانة ثم مكث الولي ساعة. الثانية: أن يقول له: زوجني فلانة، وقال الولي: ما معك حتى تصدق؟ فقال: معي كذا وكذا، وذكر شيئا مما يصدق به. الثالثة: أن يلبث كلاهما بعد هذا القول، ثم قال الولي: زوجتكها، فهو جائز في الصور المذكورة، والحاصل أنه التفريق إذا كان بين الإيجاب والقبول في المجلس لا يضر وإن تخلل بينهما، كلام، وإذا حصل الإيجاب في مجلس والقبول في آخر لا يجوز العقد قيل: أخذ هذا من حديث الباب فيه نظر، لأن قصته واقعة عين فيطرقها احتمال أن يكون قبل عقيب الإيجاب.
فيه سهل عن النبي صلى الله عليه وسلم
أي: في هذا الباب حديث سهل بن سعد، وفيه قال رجل: زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة الحديث بطوله، وفي آخره: ملكتكها أو زوجتكها، وجرى بين قوله: زوجينها وبين قوله، عليه السلام: زوجتكها، أشياء كثيرة كما ذكرها في الحديث ولم يضر ذلك لاتحاد المجلس.
0415 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري، وقال الليث: حدثني عقيل عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أنه سأل عائشة، رضي الله عنها، قال لها يا أمتاه: * ((4) وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى) * إلى * ((4) ما ملكت أيمانكم) * (النساء: 3) قالت عائشة: يا ابن أختي! هذه اليتمة تكون في حجر وليها فيرغب في جمالها ومالها ويريد أن ينتقص من صداقها، فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق، وأمروا بنكاح من سواهن من النساء، قالت: عائشة: استفتى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد ذلك فأنزل الله: * ((4) ويستفتونك في النساء) * إلى * ((4) وترغبون) * (النساء: 721) فأنزل الله عز وجل لهم في هاذه الآية: أن اليتيمة إذا كانت ذات مال وجمال رغبوا في نكاحها ونسبها، والصداق، وإذا كانت مرغوبا عنها في قلة المال والجمال تركوها وأخذوا غيرها من النساء، قالت: فكما يتركونها حين يرغبون عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى من الصداق.
.
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث، وهو أن حكم اليتيمة في التزوج بها ما ذكره فيه.
وأخرجه عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة إلخ، وقد مر هذا الحديث مكررا في سورة النساء وغيرها في كتاب النكاح، وتقدم طريق الليث موصولا في: باب الأكفاء في المال، وساق المتن هناك بن علي
لفظه وهنا بن علي
لفظ شعيب، وقد أفرده بالذكر في كتاب الوصايا.
44
((باب إذا قال الخاطب للولي: زوجني فلانة، فقال: قد زوجتك بكذا وكذا، جاز النكاح وإن لم يقل للزوج: أرضيت أو قبلت))
أي: هذا باب في بيان ما إذا قال الخاطب لولي المرأة إلخ. وفي رواية الكشميهني: إذا قال الخاطب: زوجني، بدون لفظ للولي. قوله: (وإن لم يقل) أي: الولي للزوج أي: الخاطب، وقال المهلب: توقف الخاطب بن علي
الرضا ليس في كل نكاح، بل يسأل أرضي بالصداق والشرط أم لا؟ إلا أن يكون مثل هذا المعسر الراغب في النكاح فلا يحتاج إلى توقفه بن علي
الرضا لعلمهم به.
1415 حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن أبي حازم عن سهل بن سعد، رضي
131

الله عنه، أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فعرضت عليه نفسها، فقال: مالي اليوم في النساء من حاجة، فقال رجل يا رسول الله! زوجنيها. قال: ما عندك؟ قال: ما عندي شيء. قال: أعطها ولو خاتما من حديد. قال: ما عندي شيء. قال: فما عندك من القرآن؟ قال: كذا وكذا، قال: فقد ملكتكها بما معك من القرآن.
.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فقال رجل) إلخ، ولا يخفي ذلك بن علي
الفطن.
وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي وأبو حازم سلمة بن دينار، وقد مر حديث سهل بن سعد مرارا عديدة، ولكن في هذه الرواية فقال: (مالي اليوم في النساء من حاجة) قيل: فيه إشكال من جهة أن فيه: سعد النظر إليها وصوبه، فهذا دليل بن علي
أنه كانت لو حاجة، وأجيب باحتمال أن جواز النظر من خصائصه وإن لم يرد التزوج.
54
((باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع))
أي: هذا باب في بيان لا يخطب الرجل بن علي
خطبة أخيه، والخطية بكسر الخاء من خطبت المرأة خطبة، وبالضم في الوعظ وغيره. قوله: (أو يدع) أي: أو يترك، وذكره في الباب عن أبي هريرة بلفظ: ويترك، بن علي
ما يأتي. وأخرجه مسلم من حديث عقبة بن عامر: حتى يذر، وهو بمعنى: يترك، أيضا.
2415 حدثنا مكي بن إبراهيم حدثنا ابن جريج قال: سمعت نافعا يحدث أن ابن عمر، رضي الله عنهما، كان يقول: نهى النبي صلى الله عليه وسلم، أن يبيع بعضكم على بيع بعض ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب.
مطابقته للترجمة في شقة الثاني، ومكي بن إبراهيم بن بشير بن فرقد، ويقال: ابن فرقد بن بشير البرجمي التميمي الحنظلي البلخي، يكنى أبا السكن، قال البخاري: توفي سنة أربع عشرة أو خمس عشرة ومائتين. وقال الكرماني: ومكي بلفظ المنسوب إلى مكة المشرفة. قلت: ظنه منسوبا ولم يدر أنه اسمه، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، والشطر الأول من الحديث قد مر في كتاب البيوع في: باب لا بيع بن علي
بيع أخيه من حديث ابن عمر مختصرا أو مر الكلام فيه هناك، ومر فيه بكماله من حديث أبي هريرة. قوله ولا يخطب بالنصب ولا زائدة وبالرفع نفيا وبالكسر نهيا بتقدير
قال مقدرا عطفا بن علي
نهي أي نهى وقال لا يخطب قوله أخيه يتناول الأخ النسبي والرضاعي والديني قوله أو يأذن له الخاطب أي حتى يأذن الأول للثاني وقيل هذا النهي منسوخ بخطبة الشارع لأسامة فاطمة بنت قيس بن علي
خطبة معاوية وأبي جهم وفقهاء الأمصار بن علي
عدم النسخ وأنه باق وخطبة الشارع كانت قبل النهي وأغرب أبو سليمان فقال إن هذا النهي للتأديب لا للتحريم ونقل عن أكثر العلماء أنه لا يبطل وعند داود بطلان نكاح الثاني والأحاديث دالة بن علي
إطلاق التحريم وقد أخرج مسلم من حديث عقبة بن عامر أنه
قال لا يحل لمؤمن أن يخطب بن علي
خطبة أخيه حتى يذر ولا يحل له أن يبتاع بن علي
بيع أخيه حتى يذر وهو قول ابن عمر وعقبة بن عامر وابن هرمز وقال ابن العربي اختلف علماؤنا هل الحق فيه لله عز وجل أو للخاطب فقيل بالأول فيتحلل فإن لم يفعل فارقها قاله ابن وهب وقيل أن النهي في حال رضا المرأة به وركونها إليه وبه فسر في الموطأ دون ما إذا لم يركن ولم يتفقا بن علي
صداق وقال أبو عبيد هو وجه الحديث وبه يقول أهل المدينة وأهل العراق واستثنى ابن القاسم من النهي ما إذا كان الخاطب فاسقا وهو مذهب الأوزاعي واستثنى ابن المنذر فيما إذا كان الأول كافرا وهو خلاف قول الجمهور والحديث خرج بن علي
الغالب ولا مفهوم له وقال ابن نافع يخطب وإن رضيت بالأول حتى يتفقا بن علي
صداق وخطأه ابن حبيب وقالت الشافعية والحنابلة محل التحريم ما إذا صرحت المخطوبة أو وليها الذي أذنت له حيث يكون إذنها معتبرا بالإجابة فلو وقع التصريح بالرد فلا تحريم ولم يعلم الثاني بالحال فيجوز الهجوم بن علي
الخطبة لأن الأصل الإباحة وعند الحنابلة في ذلك روايتان وإن وقعت الإجابة بالتعريض كقولها لا رغبة عنك فقولان عند الشافعية الأصح وهو قول المالكية والحنفية لا يحرم أيضا وإذا لم ترد ولم تقبل فيجوز -
132

3415 حدثنا يحياى بن بكير حدثنا الليث عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج قال: قال أبو هريرة يأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا. ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك.
.
مطابقته للترجمة في قوله: (ولا يخطب) إلى آخره. والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز. والحديث من أفراده.
قوله: (يأثر أي) يروي من أثرت الحديث آثره بالمد أثرا بفتح أوله وسكون الثاني إذا ذكرته عن غيرك. قوله: (إياكم والظن) تحذير منه. وقال البيضاوي: التحذير عن الظن إنما هو فيما يجب فيه القطع والتحديث مع الاستغناء عنه، وقال ابن التين: يريد به أن تحقق الظن قد يوقع به في الإثم، قيل: (وإياكم والظن) تحذير منه والحال أنه يجب بن علي
المجتهد متابعة ظنه، وكذا بن علي
مقلده. وأجيب بأن ذلك من أحكام الشريعة، وقيل: إحسان الظن بالله عز وجل وبالمسلمين واجب، وأجيب بأن هذا تحذير من ظن السوء بهم، وقيل: الجزم سوء الظن وهو ممدوح، وأجيب بأن ذلك بالنسبة إلى أحوال نفسه وما يتعلق بخاصته، وحاصله أن المدح للاحتياط فيما هو ملتبس به قوله: (فإن الظن أكذب الحديث) يعني أن الظن أكثر كذبا من الكلام. وقيل: إن إثم هذا الكذب أزيدمن إثم الحديث أو من سائر الأكاذيب، وإنما كان إثمه أكثر لأنه أمر قلبي والاعتبار به كالإيمان ونحوه، وقيل: الظن ليس كذبا، وشرط أفعل أن يكون مضافا إلى جنسه، وأجيب بأنه لا يلزم أن يكون الكذب صفة للقول بل هو صادق أيضا بن علي
كل اعتقاد وظن ونحوهما إذا كان مخالفا للواقع، أو الظن كلام نفساني، وأفعل قد يضاف إلى غير جنسه، أو بمعنى: أن الظن أكثره كذب، أو المظنونات يقع فيها الكذب أكثر من المجزومات. وقال الخطابي: تحقيق الظن دون ما يهجس في النفس فإن ذلك لا يملك أي: المحرم من الظن ما يصر صاحبه عليه ويستمر في قلبه دون ما يعرض ولا يستقر، والمقصود أن الظن يهجم صاحبه بن علي
الكذب إذا قال بن علي
ظنه ما لم يتيقنه فيقع الخبر عنه حينئذ كذبا. أي: أن الظن منشأ أكثر الكذب. قوله: (ولا تجسسوا ولا تحسسوا) الأول بالجيم والثاني بالحاء المهملة، ويروى بالعكس،، واختلفوا فيهما: التحسس بالحاء الاستماع لحديث القوم، بالجيم البحث عن العورات، وقيل: بالحاء هو أن تطلبه لغيرك، وقيل: هما بمعنى، وهو طلب معرفة الأخبار الغائبة والأحوال، قاله الحربي، وقيل: بالحاء في الخير وبالجيم في الشر. وقال ابن حبيب: بالحاء أن تسمع ما يقول أخوك فيك، وبالجيم أن ترسل من يسأل لك عما يقال لك في أخيك من السوء. قوله: (ولا تباغضوا) من باب التفاعل الذي هو اشتراك الجماعة، وهو من البغض ضد الحب. قوله: (وكونوا إخوانا) كإخوان في جلب نفع ودفع مضرة. قوله: (حتى ينكح) قيل: كيف يصح هو غاية لقوله: لا يخطب؟ وأجيب بأن بعد النكاح لا يمكن الخطبة، فكأنه قال: لا يخطب
بن علي
الخطبة أصلا كقوله عز وجل: * (حتى يلج الجمل في سم الخياط) * (الأعراف: 04).
64
((باب تفسير ترك الخطبة))
أي: هذا باب في بيان تفسير ترك الخطبة. وهو أن يكون صريحا كما تقدم في الحديث الذي سبق، وهو قوله في آخر الحديث حتى ينكح أو يترك، وقال الكرماني: قوله: تفسير ترك الخطبة أي: الاعتذار عن تركها.
5415 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني سالم بن عبد الله أنه سمع عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما يحدث أن عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة، قال عمر: لقيت أبا بكر فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيني أبو بكر فقال: إنه لعم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت إلاأني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لقبلتها.
133

مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فلقيني أبو بكر) إلى آخره، فإن فيه اعتذار أبي بكر لعمر عن ترك خطبته وإجابته لعمر نعلمه بأن صلى الله عليه وسلم يريد خطبتها، وهذا تفسير من أبي بكر لترك الخطبة. والحديث قد مضى عن قريب في: باب عرض الإنسان ابنته أو أخته بن علي
أهل الخير، ومضى الكلام فيه.
تابعه يونس وموسى بن عقبة وابن عتيق عن الزهري
أي: تابع شعيب بن أبي حمزة يونس بن يزيد وموسى بن عقبة، بضم العين المهملة وسكون القاف، وابن أبي عتيق وهو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق، بفتح العين المهملة وكسر التاء المثناة من فوق: الصديقي التميمي القرشي، ومتابعة يونس وصلها الدارقطني في العلل من طريق إصبغ عن ابن وهب عن يونس، ومتابعة موسى ابن أبي عتيق وصلها الذهلي في الزهريات من طريق سليمان بن بلال عنهما، وسبق هذا الحديث للبخاري من رواية معمر، ومن رواية صالح بن كيسان عن الزهري.
74
((باب الخطبة))
أي: هذا باب في بيان الخطبة، بضم الخاء عند العقد.
6415 حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن زيد بن أسلم قال: سمعت ابن عمر يقول: جاء رجلان من المشرق فخطبا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من البيان سحرا.
قيل: لا وجه لإدخال هذا الحديث في كتاب النكاح لأنه ليس موضعه. وقد أطنب الشراح هنا في الرد بن علي
قائل هذا القول بما لا يجدي، والأوجه أن يقال: إن خطبة الرجلين المذكورين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تخل عن قصد حاجة ما، والخطبة عند الحاجة من الأمر القديم المعمول به لأجل استمالة القلوب والرغبة في الإجابة، فمن ذلك الخطبة عند النكاح لذلك المعنى.
وقد ورد في تفسير خطبة النكاح أحاديث أشهرها ما رواه أصحاب السنن عن ابن مسعود، قال: علمنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، التشهد في الصلاة والتشهد في الحاجة... الحديث، وفيه التشهد في الحاجة: إن الحمد لله نستعينه ونستغفره إلى آخره، وهذا اللفظ الترمذي، ولما ذكره قال: حديث حسن، وترجم له بقوله: باب ما جاء في خطبة النكاح. وأخرجه أبو عوانة وابن حبان وصححاه. ومن ذلك استحب العلماء الخطبة عند النكاح. وقال الترمذي: وقد قال بعض أهل العلم: إن النكاح جائز بغير خطبة، وهو قول سفيان الثوري وغيره من أهل العلم. قلت: وأوجبها أهل الظاهر فرضا واحتجوا بأنه صلى الله عليه وسلم خطب عند تزوج فاطمة، رضي الله تعالى عنها، وأفعاله بن علي
الوجوب، واستدل الفقهاء بن علي
عدم وجوبها بقوله في حديث سهل بن سعد: قد زوجتها بما معك من القرآن، ولم يخطب ثم إنه خرج الحديث المذكور عن قبيصة بن عقبة عن سفيان الثوري، ويروي عن سفيان بن عيينة ولا قدح بهذا لأنهما بشرط البخاري.
وزيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطب عن عبد الله بن يوسف عن مالك به. وأخرجه أبو داود في الأدب عن القعنبي عن مالك به. وأخرجه الترمذي في البر عن قتيبة عن عبد العزيز بمعناه، وقال: حسن صحيح.
قوله: (حاء رحلان) وهما: الزبرقان بن بدر التميمي وعمرو بن الأهتم التميمي، وفدا بن علي
النبي صلى الله عليه وسلم في وجوه قومهماوساداتهم وأسلما، وكان في سنة تسع من الهجرة. قوله: (من المشرق) أراد به مشرق المدينة، وهو طرف نجد. قوله: (فخطبا)، فقال الزبرقان: يا رسول الله! أنا سيد تميم والمطاع فيهم والمجاب، أمنعهم من الظلم وآخذ لهم بحقوقهم، وهذا يعلم ذلك. يعني عمرا فقال عمرو: إنه لشديد المعارضة مانع لجانبه مطاع في أدانيه، فقال الزبرقان: والله يا رسول الله، لقد علم مني غير ما قال: وما منعه أن يتكلم إلا الحسد، فقال عمرو: أنا أحسدك؟
فوالله يا رسول الله إنه للئيم الحال حديث المال أمق الولد مضيع في العشيرة، والله يا رسول الله لقد صدقت في الأولى وما كذبت في الأخرى، ولكني رجل إذا رضيت قلت أحسن ما علمت، وإذا غضبت قلت أقبح ما وجدت. فقال صلى الله عليه وسلم: (إن من البيان سحرا إن من البيان سحرا). قوله: (إن من البيان سحرا)، هكذا في رواية الكشميهني، وفي رواية
134

غيره: (إن من البيان لسحرا) باللام التي هي للتأكيد، والبيان بن علي
نوعين: بيان تقع به الإبانة عن المراد بأي وجه كان، وبيان بلاغة وهو الذي دخلته الصنعة بحيث يروق السامعين ويستميل به قلوبهم، وهو الذي يشبه بالسحر إذا جلب القلوب وغلب بن علي
النفوس، وفي الحقيقة هو تصنع في الكلام وتكلف لتحسينه وصرف الشيء عن ظاهرة كالسحر الذي هو تخييل لا حقيقة له، والمذموم من هذا الفصل أن يقصد به الباطل واللبس فيوهمك المنكر معروفا وهذا مذموم، وهو أيضا مشبه بالسحر لأن السحر صرف الشيء عن حقيقته. وحكى يونس أن العرب تقول، ما سحرك عن وجه كذا؟ أي: صرفك، وروي أبو داود في الأدب من حديث صخر بن عبد الله بن بريدة عن أبيه عبد الله بن بريدة يرفعه: (إن من البيان سحرا وإن من العلم جهلا وإن من الشعر حكما وإن من القول عيالا). فقال صعصعة بن صوحان العبدي: صدق نبي الله صلى الله عليه وسلم. أما قوله: إن من البيان سحرا فالرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بالحجج من صاحب الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق. وأما قوله: (إن من العلم جهلا)، فهو أن يتكلف العالم إلى علمه ما لم يعلم فيجهل لذلك، وأما قوله: (إن من الشعر حكما)، فهي هذه المواعظ والأمثال التي يتعظ بها الناس، ولما قوله: (إن من القول عيالا)، فعرضك كلامك بن علي
من ليس من شأنه ولا يريده. وقال ابن الأثير: أن من القول عيلا، ثم فسره بما ذكرنا، ثم قال: علت الضالة أعيل عيلا إذا لم تدر أي جهة تبغيها، كأنه لم يهتد لمن يطلب فعرضه بن علي
من لا يريده.
84
((باب ضرب الدف في النكاح والوليمة))
أي: هذا باب في بيان إباحة ضرف الدف في النكاح، والأفصح في الدف ضم ادال وقد تفتح، وهو الذي بوجه واحد، وقد اختلف في الضرب بالوجه من الوجهين. قوله: (والوليمة) أي: ضرب الدف في الوليمة، وهو من عطف العام بن علي
الخاص، قيل: يحتمل أن يريد وليمة النكاح خاصة، وأن ضرب الدف يشرع في النكاح عند العقد وعند الخول مثلا وعند الوليمة كذلك، والأول أقرب.
7415 حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا خالد بن ذكوان قال: قالت الربيع بنت معوذ بن غفراء: جاء النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل حين بني علي، فجلس على فراشس كمجلسك مني، فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف وينذبن من قتل من آبائي يوم بدر إذ قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال: دعي هاذه وقولي بالذي كنت نقولين.
(انظر الحديث 1004).
مطابقته للترجمة ظاهرة، وبشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: ابن المفضل من التفضيل بن علي
صيغة اسم المفعول ابن لاحق البصري، وخالد بن ذكوان أبو الحسن المدني، والربيع، بضم الراء، مصغر الربيع. ضد الخريف: بنت معوذ بلفظ اسم الفاعل من التعويذ بالعين المهملة والذال المعجمة، والعفراء مؤنث الأعفر بالعين المهملة والفاء والراء من العفرة، وهو بياض ليس بالناصع.
والحديث قد مر في المغازي في باب مجرد بعد: باب شهودالملائكة بدرا، فإنه أخرجه هناك عن علي عن بشر بن المفضل إلى آخره.
قوله: (حين بني علي) أرادت به ليلة دخل عليها زوجها وبني، بن علي
صيغة المجهول: وعلي بتشديد الياء. قوله: (كمجلسك) بفتح اللام مصدر ميمي أي: كجلوسك، ويروي بكسر اللام. قوله: (يندبن) بضم الدال من الندب وهو تعديد محاسن الميت والبكاء عليه. قوله: (من آبائي) وفي رواية مرت في المغازي: وفي آبائهن. قوله: (إذ قالت إحداهن) أي: إحدى الجويريات، وهو جمع جويرية مصغر جارية. قوله: (قال: دعي) أي: قال النبي صلى الله عليه وسلم لتلك الجارية التي قالت: وفينا نبي يعلم أم في غد، دعي أي: اتركي هذا القول، لأن مفاتح الغيب عند الله لا يعلمها إلا هو. قوله: (وقولي بالذي كنت تقولين) يعني: اشتغلي بالأشعار التي تتعلق بالمغازي والشجاعة ونحوها.
وفي الحديث فوائد منها: تشريف الربيع بدخول النبي صلى الله عليه وسلم عليها وجلوسه أمامها حيث يجلس الرأس، وقال الكرماني: فإن قلت: كيف صح هذا؟ قلت: أما أنه جلس من وراء الحجاب أو كان قبل نزول آية الحجاب أو جاز النظر لحاجة أو عند الأمن من الفتنة، واستحسن بعضهم الجواب الأخير
135

قلت: كل هذا دوران لطلب شيء لا يظفر به، والجواب الصحيح أن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم جواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها كما ذكرنا في قصة أم حرام بنت ملحان. في دخوله عليها، ونومه عندها وتفليها رأسه ولم يكن بينهما محرمية ولا زوجية. ومنها: الضرب بالدف في العرس بحضرة شارع الملة ومبين الحل من الحرمة وإعلان النكاح بالدف والغناء المباح، فرقا بينه وبين ما يستتر به من السفاح. وقال الترمذي: حدثنا أحمد بن منيع حدثنا هشيم حدثنا أبو بلج عن محمد بن حاطب الجمحي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت، وقال: حديث حسن وصححه ابن حبان والحاكم، وقال ابن
طاهر: ألزم الدارقطني مسلما إخراجه: قال وهو صحيح، وقال الترمذي وأبو بلج: اسمه يحيى بن أبي سليم ويقال: ابن سليم أيضا. ومحمد بن حاطب قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام صغير. قلت: هذا أخرجه النسائي عن مجاهد بن موسى، وابن ماجة عن عمرو بن رافع كلاهما عن هشيم وأبو بلج هذا بفتح الباء الموحدة وسكون اللام وبالجيم، وقال شيحنا زين الدين: وثقه يحيى بن معين ومحمد بن سعد وأبو حاتم والنسائي والدارقطني، وأما البخاري فقال: فيه نظر، وقال شيخنا: أبو بلج هذا هو الكبير، وأما أبو بلج الصغير فاسمه جارية بن بلج الواسطي، وذكر ابن ماكولا ثالثا وهو: أبو بلج مولى عثمان بن عفان، روي عن عثمان، رضي الله تعالى عنه، وروي الترمذي أيضا من حديث عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف، وقال: هذا حديث حسن غريب، وأخرجه ابن ماجة وليس في لفظه: واجعلوه في المساجد، وقال: واضربوا عليه بالغربال، وروي النسائي من حديث عامر بن سعد عن قرظة بن كعب وأبي مسعود، قالا: رخص لنا في اللهو عند العرس، وروي الطبراني عن السائب بن يزيد: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جواري يغنين ويقلن: حيونا نحييكم، قال: لا تقولوا هكذا، ولكن قولوا: حيانا وحياكم، فقال رجل: يا رسول الله ترخص للناس في هذا! قال: نعم! إنه نكاح لا سفاح. وروي ابن ماجة من حديث عائشة أنها أنكحت ذات قربة لها من الأنصار، فقال صلى الله عليه وسلم. أهديتم الفتاة؟ قالوا: نعم قال: أرسلتم معها من يغني؟ قالت: قلت: لا فقال: إن الأنصار قوم فيهم غزل، فلو بعثتم معها من يقول: أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم هذا حديث ضعيف، وقال أحمد: حديث منكر، ومنها: إقبال الإمام والعالم إلى العرس، وإن كان لهو ولعب مباح فإنه يورث الألفة والانشراح، وليس الامتناع من ذلك من الحياء الممدوح، بل فعله هو الممدوح المشروع. ومنها: جواز مدح الرجل في وجهه بما فيه، والمكروه من ذلك مدحه بما ليس فيه.
94
((باب قول الله تعالى: * ((4) وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) * (النساء: 4) وكثرة المهر وأدنى ما يجوز من الصداق وقوله تعالى: * ((4) وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) * (النساء: 02) وقوله جل ذكره * ((2) أو تفرضوا لهن) * (البقرة: 632))
وقال سهل: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ولو خاتما من حديد.
أي: هذا باب في بيان ما يدل عليه قوله الله: * (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) * (النساء: 4) أي: أعطوا النساء مهورهن وكأن البخاري أشار بهذا وبما ذكر بعده أن المهر لا يقدر أقله، وسيجئ الكلام فيه مفصلا. والصدقات جمع صدقة بفتح الصاد وضم الدال. وهو مهر المرأة، وقرئ: صدقاتهن، بفتح الصاد وسكون الدال وصدقاتهن بضم الصاد وسكون الدال وصدقاتهن بضم الصاد وضم الدال قوله: * (نحلة) * (النساء: 4) منصوب بن علي
المصدر لأن النحلة والإيتاء بمعنى الإعطاء؛ والتقدير: نحلوهن مهورهن نحلة، ويجوز أن يكون منصوبا بن علي
الحال من المخاطبين أي: آتوهن مهورهن ناحلين طيبي النفوس بالإعطاء، ويجوز أن يكون حالا من الصدقات، ويكون معنى: نحلة، ملة يقال: نحلة الإسلام خير النحل، ويكون التقدير: وآتو النساء صدقاتهن منحولة معطاة، ويجوز أن يكون منصوبا بن علي
التعليل أي: آتوهن صدقاتهن للنحلة والديانة. قوله: (وكثرة المهر) بالجر عطفا بن علي
: قول الله تعالى، أي: في بيان كثرة المهر، وأشار به إلى جواز كثرة المهر فلأجل ذلك ذكر قوله تعالى: * (وآتيتم
136

إحداهن قنطارا) * (النساء: 02) والقنطار المال العظيم من قنطرت الشيء إذا رفعته، ومنه القنطرة.
قاله الزمخشري: واختلفوا فيه: هل هو محدود أم لا؟ فقال أبو عبيد: هو وزن لا يحد، وقيل: هو محدود، ثم اختلفوا فيه، فقيل: هو ألف ومائتا أوقية، رواه أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم وبه قال معاذ بن جبل وابن عمر، وقيل: إثنا عشر ألف أوقية، رواه أبو هريرة، وقيل: ألف ومائتا دينار، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وقيل: سبعون ألف دينار، وروي عن ابن عمر ومجاهد، وقيل: ثلاثون ألف درهم أو مائة رطل من الذهب، وقيل: سبعة آلاف دينار، وقيل: ثمانية آلاف دينار، وقيل: ألف مثقال ذهب أو فضة، وقيل: ملء مسك ثور ذهبا، وكل ذلك تحكم، إلا ما روي عن خبر، وعن ابن عباس في هذه الآية: وإن كرهت امرأتك وأردت أن تطلقها وتتزوج غيرها فلا تأخذ منها شيئا من مهرها ولو كان قنطارا من الذهب.
قوله: * (أو تفرضوا لهن) * (البقرة: 632) وزاد أبو ذر: فريضة. قوله: وقال سهل بن سعد في حديث الواهبة نفسها: ولو خاتما من حديد، وقد مضى حديث سهل مرارا عديدة، وذكر هنا طرفا منه، وأشار به البخاري أيضا إلى أن المهر لا يقدر بشيء.
وقد اختلف العلماء في أكثر الصداق وأقله. فزعم المهلب أنه لا حد لأكثره قوله تعالى: * (وآتيتم إحداهن قنطارا) * (النساء: 02) وذكر عبد الرزاق عن قيس بن الربيع عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه: لا تغالوا في صدقات النساء، فقالت امرأة: ليس ذلك يا عمر، إن الله عز وجل قال: * (وآتيتم إحداهن قنطارا) * (النساء: 02) فقال: إن امرأة خاصمت عمر فخصمته، وذكر أبو الفرج الأموي وغيره: أن عمر صدق أم كلثوم ابنة علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنهم، أربعين ألفا، وأن الحسن بن علي تزوج امرأة فأرسل إليها مائة جارية ومائة ألف درهم، وتزوج معصب بن الزبير عائشة بنت طلحة فأرسل إليها ألف درهم، فقيل في ذلك:
* بضع الفتاة بألف ألف كامل
* وتبيت سادات الجيوش شياعا
*
وأصدق النجاشي أم حبيبة، رضي الله تعالى عنها، عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرهه أبو داود أربعة آلاف درهم وكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الحربي: وقيل: أصدقها أربعمائة دينار، وقيل: مائتي دينار. وفي مسلم: قالت عائشة: كان صداق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ثنتي عشرة أوقية ونشا فذلك خمسمائة درهم. وقال الحربي: أصدق صلى الله عليه وسلم سودة بيتا ورثه، وعائشة بن علي
متاع بيت قيمته خمسون درهما، رواه عطية عن أبي سعيد، وأصدق زينب بنت خزيمة ثنتي عشرة أوقية ونشا، وأم سلمة بن علي
متاع قيمته عشرة دراهم، وقيل: كان جرتين ورحى ووسادة حشوها ليف، وعند أبي الشيخ: علي جرار خضر ورحى يد، وعند الترمذي: بن علي
أربعمائة درهم، وفي مسلم: لما قال الأنصاري وقد تزوج: بكم تزوجتها؟ قال: بن علي
أربع أواق، فقال صلى الله عليه وسلم: (أربع أواق؟ كأنكم تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل). وعند ابن حبان عن أبي هريرة: كان صداقنا إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أواق، زاد أبو الشيخ في كتاب النكاح، فطبق يده. وذاك أربعمائة درهم. وعن عدي بن حاتم: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو صداق بناته أربعمائة درهم، وبسند لا بأس به أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج ربيعة بن كعب الأسلمي امرأة من الأنصار بن علي
وزن نواة من ذهب، وروي عن أنس: قيمة النواة خمسة دءاهم. وفي رواية: ثلاثة دراهم وثلث درهم، وإليه ذهب أحمد بن حنبل، وعن بعض المالكية: النواة ربع دينار. وقال أبو عبيدة: لم يكن هناك ذهب إنما هي خمسة دراهم تسمى نواة كما تسمى الأربعون أوقية، وبسند جيد عن أبي الشيخ عن جابر: إن كنا لننكح المرأة بن علي
الحفنة أو الحفنتين من الدقيق، ولما ذكره المرزباني استغربه، وعند البيهقي: قال صلى الله عليه وسلم: (لو أن رجلا تزوج امرأة بن علي
ملء كفه من طعام لكان ذلك صداقا). وفي لفظ قال صلى الله عليه وسلم: (من أعطى في صداق امرأة ملء الحفنة سويقا أو تمرا فقد استحل). قال البيهقي: رواه ابن جريج فقال فيه: كنا نستمتع بالقبضة، وابن جريج أحفظ، وفي كتاب أبي داود: عن يزيد عن موسى عن مسلم بن رومان عن أبي الزبير عن جابر، يرفعه: (من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقا أو تمرا فقد استحل). وقال ابن القطان: وموسى لا يعرف. وقال أبو محمد: لا يعول عليه، وروي الترمذي من حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه أن امرأة من بني فزارة تزوجت بن علي
نعلين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟ قالت: نعم. فأجازه). وروي البيهقي في المعرفة والدارقطني في سننه والطبراني في معجمه: عن محمد بن عبد الرحمن السلماني عن أبيه عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
137

قال: (أدوا العلائق. قالوا: يا رسول الله! ما العلائق؟ قال: ما تراضي عليه الأهلون ولو قضيبا من أراك). قلت: هو معلول بمحمد بن عبد الرحمن السلماني، قال ابن القطان: قال البخاري: منكر الحديث. وقال ابن القاسم: لو تزوجها بدرهمين ثم طلقها قبل الدخول لم يرجع إلا بدرهم، وعن الثوري: إذا تراضوا بن علي
درهم في المهر فهو جائز، وروي عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عكرمة عن ابن عباس، قال: النكاح جائز بن علي
جوزة إذا هي رضيت، وذهب ابن حزم إلى جوازه بكل ماله نصف قل أو أكثر، ولو أنه حبة بر أو حبة شعيرة وشبههما، وسئل ربيعة عما يجوز من النكاح، فقال: درهم قيل: فأقل؟ قال: ونصف. قيل: فأقل، قال: حبة حنطة أو قبضة حنطة. وقال الشافعي: سألت الدراوردي: هل قال أحد بالمدينة: لا يكون صداق أقل من ربع دينار؟ فقال: لا والله ما عملت أحدا قاله قبل مالك. قال الدراوردي: أخذه عن أبي حنيفة يعني في اعتبار ما يقطع به اليد، قال الشافعي: روي بعض أصحاب أبي حنيفة في ذلك عن علي فلا يثبت مثله لو لم يخالفه غيره أنه لا يكون مهرا أقل من عشرة دراهم. قلت: قال أصحابنا: أقل المهر عشرة دراهم سواء كانت مضروبة أو غيرها حتى يجوز وزن عشرة تبرا وإن كانت قيمته أقل بخلاف السرقة لما روي الدارقطني من حديث جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تنكحوا النساء إلا للأكفاء ولا يزوجهن إلا الأولياء ولا مهر دون عشرة دراهم). فإن قلت: فيه مبشر بن عبيد متروك الحديث أحاديثه لا يتابع عليها، قاله الدارقطني، وقال البيهقي في المعرفة: عن أحمد بن حنبل أنه قال: أحاديث بشر بن عبيد موضوعة كذب قلت: رواه البيهقي من طرق، والضعيف إذا روي من طريق يصير حسنا فيحتج به، ذكره النووي في شرح المهذب، وعن علي، رضي الله تعالى عنه أنه قال: أقل ما يستحيل به المرأة عشرة دراهم، ذكره البيهقي أبو عمر بن عبد البر.
8415 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس أن عبد الرحمان بن عوف تزوج امرأة على وزن نواة فرأي النبي صلى الله عليه وسلم بشاشة العرس، فسأله، فقال: إني تزوجت امرأة على وزن نواة.
.
مطابقته للترجمة من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع من عبد الرحمن ما قاله سكت، فيدل بن علي
أن المهرة غير مقدر، وأنه بن علي
التراضي بين الزوجين، والنواة زنة خمسة دراهم.
والحديث أخرجه مسلم في النكاح عن إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن قدامة.
قوله: (بشاشة العرس)، وهي الفرح الذي حصل منه، وبشاشة اللقاء الفرح بالمرء والانبساط إليه والأنس به، ويروي: فرأى النبي صلى الله عليه وسلم شيئا يشبه
العرس. قال ابن قرقول: كذا في كتاب الأصيلي والقابسي والنسفي وبعض رواة البخاري وهو تصحيف، وصوابه: بشاشة العرس، كالأبى ذر وابن السكن، ويروي العروس، وفي رواية مسلم: قال عبد الرحمن بن عوف: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بشاشة العرس، وفي رواية له عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى بن علي
عبد الرحمن أثر صفرة، فقال: ما هذا؟ قال: يا رسول الله! تزوجت امرأة بن علي
وزن نواة من ذهب. قال: (فبارك الله لك أو لم ولو بشاة).
وعن قتادة عن أنس أن عبد الرحمان بن عوف تزوج امرأعة على وزن نواة من ذهب
هو عطوف بن علي
قوله: عن عبد العزيز بن صهيب، وهي رواية شعبة عنهما، فبين أن عبد العزيز بن صهيب أطلق عن أنس النواة، وقتادة زاد أنها من ذهب، ويحتمل أن يكون قوله: وعن قتادة معلقا.
05
((باب التزويج على القرآن وبغير صداق))
أي: هذا باب في بيان التزويج بن علي
تعليم القرآن، والتزويج بغير صداق أي: بغير ذكر صداق مالي.
9415 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان سمعت أبا حازم يقول: سمعت سهل بن سعد الساعدي يقول: إني لفي القوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ قامت امرأة فقالت: يا رسول الله! إنها قد وهبت
138

نفسها لك فر فيها رأيك. فلم يجبها شيئا، ثم قامت فقالت: يا رسول الله! إنها قد وهبت نفسها لك فر فيها رأيك، فلم قامت الثالثة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لك فر فيها رأيك. فقام رجل فقال: يا رسول الله! أنكحنيها. قال: هل عندك من شيء؟ قال: لا. قال: إذهبفاطلب ولو خاتما من حديد، فذهب فطلب ثم جاء فقال: ما وجدت شيئا ولا خاتما من حديد، فقال: هل معك من القرآن شيء؟ قال: معي سورة كذا وسورة كذا. قال: إذهب فقد أنكحتكها بما معك من القرآن.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة فإن فيه التزويج بن علي
القرآن من غير ذكر صداق. وعلي بن عبد الله بن المديني، وسفيان بن عيينة وأبو حازم سلمة بن دينار. والحديث قد مر بطرق كثيرة ومتون مختلفة وقد ذكرنا أن الشافعي ذهب إلى هذه الأحاديث وإلى أن آخذ الأجر بن علي
تعليم القرآن جائز. وقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك والليث والمزني. لا يكون تعليم القرآن مهرا، زاد أبو حنيفة، رضي الله تعالى عنه، وأصحابه: فإن تزوج بن علي
ذلك فالنكاح جائز، وهو في حكم من لم يسم لها مهرا فلها مهر مثلها إن دخل بها، وإن لم يدخل بها فلها المتعة. وقال الطحاوي: قوله: أنكحتكها أو زوجتكها أو أملكتكها بما معك من القرآن خاص بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز لغيره، لأن الله تعالى أباح له ملك البضع بغير صداق، ولم يجعل ذلك لغيره، بقوله: خالصة لك من دون المؤمنين، فكان له خصه الله تعالى أن ملك غيره ما كان له ملكه صداق، ويكون ذلك خاصا به. وقال الليث: لا يجوز لأحد أن يتزوج بالقرآن، والدليل بن علي
صحة ذلك أنها قالت: قد وهبت لك نفسي، فقام رجل فقال: إن لم تكن حاجة لك بها حاجة فزوجنيها، ولم يذكر في الحديث أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شاورها في نفسها، ولا أنها قالت: زوجني منه، فدل بن علي
أنه صلى الله عليه وسلم كان له أن يهبها بالهبة التي جاز له نكاحها. فإن قلت: يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم سألها أن يزوجها منه ولم ينقل؟ قلت: يحتمل أن يكون جعل لها مهرا غير السور ولم ينقل، ليس أحدهما أولى من الآخر. فإن قلت: قد روي أنه استأذنها وأنه قال: له عوضها إذا زوقك الله. قلت: قد ذكرنا خصوصيته صلى الله عليه وسلم فلا يحتاج إلى شيء آخر. وقال أبو عمر: أجمع علماء المسلمين بن علي
أنه لا يجوز لأحد أن يطأ فرجا وهب له دون رقبته، وأنه لا يجوز وطء في نكاح بغير صداق مسمى دينا أو نقدا، وأن المفوض إليه لا يدخل حتى يسمي صداقا مسمى. انتهى ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم زوجها بما معه من القرآن لحرمته، وعلى وجه التعظيم للقرآن وأهله لا بن علي
أنه مهر، ويحتمل أن يريد بقوله: (ولو خاتما من حديد) تعجيل شيء يقدمه من الصداق وإن كان قليلا، فيدل بن علي
ذلك أنه كان يجوز أن يزوجه بن علي
مهر في ذمته، وقال ابن العربي: ذكر خاتم الحديد كان قبل النهي عنه بقوله صلى الله عليه وسلم: إنه حلية أهل النار، فنسخ النهي جوازه وطلبه له. قال بعض المالكية: لعل الخاتم كان يساوي ربع دينار فصاعدا لقلة الصناع يومئذ عندهم. قلت: للحنفي أيضا أن يقول: لعله كان يساوي عشرة فما فوقها.
قوله: (إذ قامت امرأة) كلمة: إذ للمفاجأة، وقد مر الكلام فيه لأن هذا الحديث قد ذكر إلى هنا في كتاب النكاح ثمان مرات مطولا ولا مختصرا. قوله: (فقالت: يا رسول الله! إنها قد وهبت نفسها) فيه التفات. وكذا في رواية حماد بن زيد، لكن قال: إنها وهبت نفسها لله ولرسوله، ووقع في رواية مالك: إني وهبت نفسي لك، هذا بن علي
ما يقتضيه سياق الكلام. قوله: (فر) الفاء للعطف و: ر، وحدها أمر من: رأى يرأى بن علي
وزن: ف، لأن عين الفعل ولامه محذوفان، لأن أصله: أرأى، بن علي
وزن: افعل، حذفت لام الفعل للجزم لأن الأمر مجزوم ثم نقلت حركة الهمزة إلى الراء للتخفيف فاستغنيت عن همزة الوصل فحذفت فبقي: ر، بن علي
وزن: ف، وقال الكرماني: ويروى بهمزة بعد الراء. قلت: القاعدة في مثل هذا الباب نحو: ر، و: ق، و: ع، وغيرها أن يلحقها هذه السكت، فيقال: ره، وقه، وعه. لأن الابتداء بكلمة الوقوف عليها وهي حرف واحد فيه بعض تعسر واستثقال، وبقية الكلام فيه قد مرت بالتكرار.
15
((باب المهر بالعروض وخاتم من حديد))
أي: هذا باب في بيان المهر الذي يجعل بالعروض، بضم العين جمع عرض بفتح أوله وسكون ثانيه، وهو ما يقابل النقد، وقيل:
139

هو متاع لا نقد فيه، والعرض بالضم الناحية وبالكسر موضع المدح والذم من الإنسان. قوله: وخاتم من حديد، من عطف الخاص بن علي
العام، والترجمة مأخوذة من حديث الباب: الخاتم، بالتنصيص والعروض بالإلحاق.
0515 حدثنا يحيى ا حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي حازم عن سهل بن سعد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: تزوج ولو بخاتم من حديد.
.
هذا الطريق إلى هنا هو الطريق التاسع الذي ذكره في حديث سهل. ويحيى، إما ابن جعفر البيكندي البخاري، وإما ابم موسى بن عبد ربه البلخي الذي يقال له: خت. وسفيان هو الثوري، وأبو حازم سلمة بن دينار.
وأخرجه مختصرا من الحديث الذي سبق في الباب قبله، ومر الكلام فيه غير مرة.
25
((باب الشروط في النكاح))
أي: هذا باب في بيان الشروط التي تشترط في عقد النكاح، وهي بن علي
أنواع: منها: ما يجب الوفاء به كحسن الشعرة. ومنها: ما لا يلزم كسؤال طلاق أختها. ومنها: هو مختلف فيه مثل أن لا يتزوج عليها.
وقال عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط
هذا التعليق قد مر في كتاب الشروط في: باب ما لا يجوز من الشروط في النكاح، وفيه زيادة وهي قوله: ولك ما شرطت وأخرج هذا التعليق أبو عبيد عن ابن عيينة عن يزيد بن يزيد بن جابر عن إسماعيل بن عبد الله عن عبد الرحمن بن غنم قال: شهدت عمر، رضي الله تعالى عنه، قضى في رجل شرط لامرأته دارها، فقال: لها شرطها. فقال رجل: إذا يطلقها؟ فقال: إن مقاطع الحقوق عند الشروط، والمقاطع جمع مقطع، أراد أن المواضع التي تقطع الحقوق فيها عند وجود الشروط، وأراد به الشروط الواجبة فإنها يجب الوفاء بها.
واختلف العلماء في الرجل يتزوج المرأة ويشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو لا يتزوجا عليها أو لا يتسرى أو نحو ذلك من الشروط المباحة بن علي
قولين: أحدهما: أنه يلزمه الوفاء بذلك، ذكر عبد الرزاق وابن عبد المنذر عن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، أن رجلا شرط لزوجته أن لا يخرجها، فقال عمر: لها شرطها. ثم ذكرا عنه ما ذكره البخاري، وقال عمرو بن العاص: أرى أن يفي لها شروطها، وروي مثلها عن طاووس وجابر بن زيد، وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق، وحكاه ابن التين عن ابن مسعود والزهري، واستحسنه بعض المتأخرين. والثاني: أن يؤمر الزوج بتقوى الله والوفاء بالشروط ولا يحكم عليه بذلك حكما، فإن أبى إلا الخروج لها كان أحق الناس بأهله إليه ذهب عطاء والشعبي وسعيد بن المسيب والنخعي والحسن وابن سيرين وربيعة وأبو الزناد وقتادة، وهو قول مالك وأبي حنيفة والليث والثوري والشافعي، وقال عطاء: إذا شرطت أنك لا تنكح ولا تتسري ولا تذهب ولا تخرج بها، بها بطل الشرط إذا نكحها. فإن قلت: روي ابن وهب عن الليث عن عمرو بن الحارث عن كثير بن فرقد عن ابن السباق: أن رجلا تزوج امرأة بن علي
عهد عمر، رضي الله تعالى عنه، فشرط لها أن لا يخرجها من دارها. فوضع عنه عمر بن الخطاب الشرط، وقال: المرأة مع زوجها. زاد أبو عبيد: ولم يلزمها الشرط، وعن علي مثله، وقال: شرط الله قبل شروطهم. قلت: قال أبو عبيد: تضادت الرواية عن عمر، رضي الله تعالى عنه، واختلف فيه التابعون فمن بعدهم، فقال الأوزاعي: نأخذ بالقول الأول ونرى أن لها شرطها. وقال الليث بالقول الآخر ووافقه مالك وسفيان بن سعيد.
وقال المسور بن مخرمة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ذكر صهرا له فأثنى عليه في مصاهرته فأحسن، قال: حدثني فصدقني ووعدني فوقاني
مطابقته للترجمة من حيث إنه صلى الله عليه وسلم أثنى بن علي
صهره لأجل وفائه بما شرط له.
والمسور، بكسر الميم وسكون السين المهملة: ابن مخرمة، بفتح الميمين وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء: ابن نوفل القرشي الزهري أبو عبد الرحمن، ولد بمكة بعد الهجرة بسنتين وقدم به المدينة في عقب ذي الحجة سنة ثمان، وقبض النبي صلى الله عليه وسلم وعمره ثمان سنين، وسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وحفظ
140

عنه وبقي في المدينة إلى أن قتل عثمان، رضي الله تعالى عنه، ثم انحدر إلى مكة فلم يزل بها حتى قدم الحصين بن نمير مكة لقتال ابن الزبير وحاصر مكة، وفي محاصرته أهل مكة أصابه حجر من حجارة المنجنيق وهو يصلي في الحجر، فقتله، وذلك في ربيع الأول سنة أربع وستين، وصلى عليه ابن الزبير بالحجون.
ومر هذا التعليق في المناقب في: باب ذكر أصهار النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو العاص بن الربيع، وأخرجه هناك مطولا عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري. ومر الكلام فيه.
قوله: (ذكر صهرا له) هو أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي العبشمي صهر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، زوج ابنته زينب أكبر بناته، واختلف في اسمه فقيل: لقيط، وقيل: مهشم، وقيل: هشيم: والأكثر: لقيط، وأمه هالة بنت خويلد بن أسد أخت خديجة لأبيها وأمها، وكان أبو العاص فيمن شهد بدرا مع كفار قريش وأسر يوم بدر مع من أسر، فلما بعث أهل مكة في فداء أساراهم قدم في فدائه أخوه عمرو بن الربيع بمال دفعته زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقصته مشهورة، وكان مواخيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مصافيا، وكان أبى أن يطلق زينب إذ مشى إليه مشركو قريش في ذلك فشكر رسول الله صلى الله عليه وسلم مصاهرته وأثنى عليه بذلك خيرا، وهاجرت زينب مسلمة وتركته بن علي
شركة، ثم بعد ذلك جرى عليه ما جرى حتى أسلم بعد قدومه بن علي
النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ورد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ابنته إليه. واختلف: هل ردها بعقدجديد أو بن علي
عقده الأول؟ وتوفي في ذي الحجة سنة اثني عشرة. قوله: (فأحسن) أي: في الثناء عليه. قوله: (فصدقني) من صدق الحديث بتخفيف الدال، ويقال أيضا: صدق في الحديث، من الصدق خلاف الكذب، وصدقني بتشديد الدال الذي يصدقك في حديثك. قوله: (فوفاني) من وفى الشيء وأوفى ووفى بالتشديد بمعنى،، ووفى الشيء إذا تم، وأصل الوفاء التمام، ويروي: فوفى لي.
1515 حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك حدثنا ل يث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أحق ماأ وفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج.
(انظر الحديث 1272).
مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه وهو وقوع الشرط في النكاح.
وليث هو الليث بن سعد، وفي أكثر النسخ الليث، بالألف واللام، ويزيد بن أبي حبيب أبي رجاء المصري، واسم أبي حبيب سويد، وأبو الخير مرثد عبد الله اليزني، وعقبة بن عامر الجهني.
والحديث مضى في كتاب الشروط في: باب الشروط في المهر عند عقدة النكاح، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن الليث إلى آخره، ومر الكلام فيه.
قوله: (أحق ما أوفيتم من الشروط) أحق، مبتدأ مضاف وخبره قوله: (أن توفوا) و: أن مصدرية أي: بأن توفوا أي: بإيفاء ما استحللتم أي بالشرط. قوله: (الفروج) بالنصب مفعول: استحللتم، وفي رواية مسلم: إن أحق الشروط أن يوفي به)، وحاصل المعنى: أحق الشروط بالوفاء شروط النكاح، لأن امرأة أحوط وبابه أضيق. وفي التوضيح: معنى أحق الشروط إلى آخره، يحتمل أن يكون معناه المشهور الذي أجمع أهل العلم عليه، بن علي
أن بن علي
الزوج الوفاء بها يحتمل أن يكون ما شرط بن علي
الناكح في عقدة النكاح مما أمر الله تعالى به من إمساكه بمعروف أو تسريح بإحسان، فإذا احتمل الحديث معاني كان ما وافق الكتاب والسنة أولى، وقد أبطل الشارع كل شرط ليس في كتاب الله. وقال شيخنا زين الدين، رحمه الله: قوله: أحق الشروط، هل المراد به أحق الحقوق اللازمة أو هو من باب الأولوية؟ قال صاحب الإكمال: أحق هنا بمعنى أولى لا بمعنى الإلزام عند كافة العلماء. قال: وحمله بعضهم بن علي
الوجوب، وقال ابن بطال: فإن كان في هذه الشروط ما ليس بطلاق أو عتق وجب ذلك عليه ولزمه عند مالك والكوفيين، عند كل من يرى الطلاق قبل النكاح بشرط الطلاق لازما، وكذلك العتق، وهو قول عطاء والنخعي والجمهور. قال النخعي: كل شرط في النكاح فالنكاح يهدمه إلا الطلاق ولا يلزمه شيء من هذه الأيمان عند الشافعي لأنه لا يرى الطلاق قبل النكاح لازما ولا العتق قبل الملك، واستدل به بعضهم بن علي
أنه إذا شرط الولي لنفسه شيئا غير الصداق أنه يجب بن علي
الزوج القيام به، لأنه من الشروط التي استحل به فرج المنكوحة.
لكن اختلف العلماء: هل يكون ذلك للولي أو للمرأة؟ فذهب عطاء وطاوس والزهري إلى أنه للمرأة، وبه قضى عمر بن عبد العزيز، وهو قول الثوري وأبي عبيد. وذهب علي بن الحسن ومسروق
141

إلى أنه للولي. وقال عكرمة: إن كان الذي هو ينكح فهو له، وخص بعضهم ذلك بالأب، حكاه صاحب المفهم فقال: وقيل: هذا مقصور بن علي
الأب خاصة لتبسطه في مال الولد، وذهب سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير إلى التفرقة بين أن يشترط ذلك قبل عقدة النكاح أو بعدها، فقالا: أيما امرأة نكحت بن علي
صداق أو عدة لأهلها، فإن كان قبل عصمة النكاح فهو لها، وما كان من حباء أهلها فهو لهم. وقال مالك: إن كان هذا الاشتراط في حال العقد فهو للمرأة، وإن كان بعده فهو لمن وهب له، وبه قال الشافعي، في القديم، ونص عليه الإملاء، وقال في كتاب الصداق: الصداق فاسد، ولها مهر مثلها. وهذا الذي صححه أصحاب الشافعي.
وقال الرافعي: الظاهر من الخلاف القول بالفساد ووجوب مهر المثل، وقال النووي: إنه المذهب.
35
((باب الشروط التي لا تحل في النكاح))
أي: هذا باب في بيان الشروط التي لا يحل لها اشتراطها في النكاح.
وقال ابن مسعود: لا تشترط المرأة طلاق أختها
أي: قال عبد الله بن مسعود: لا تشترط المرأة طلاق أختها، وهذا موقوف عليه أورده معلقا، ووقع بهذا اللفظ مرفوعا في بعض طرق حديث أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه. قوله: (لا تشترط المرأة) وفي حديث الباب: لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها، وقال النووي: معنى هذا الحديث نهى المرأة الأجنبية أن تسأل رجلا طلاق زوجته ليطلقها ويتزوج بها. قوله: (أختها)، قال النووي: المراد بأختها غيرها سواء كانت أختها من النسب أو الرضاع أو الدين، ويلحق بذلك الكافرة في الحكم وإن لم تكن أختا في الدين إما لأن المراد الغالب أو أنها أختها في الجنس الآدمي. وقال أبو عمر: الأخت هنا الضرة، فقال: الفقه فيه أنه لا ينبغي أن تسأل المرأة زوجها أن يطلق ضرتها لتنفرد. قيل: هذا يمكن في الرواية التي وقعت: لا تسأل المرأة طلاق أختها، وأما الرواية التي فيها لفظ الشرط فظاهرها أنها في الأجنبية، والمراد بالأخت هنا الأخت في الدين، يوضح هذا ما رواه ابن حبان من طريق أبي كثير عن أبي هريرة بلفظ: (لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها فإن المسلمة أخت المسملة.
2515 حدثنا عبيد الله بن موسى عن زكرياء هو ابن أبي زائدة عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة، رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها لتستفحرغ صحفتها، فإنما لها ما قدر لها.
.
مطابقته للترجمة في قوله: (لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها).
وعبيد الله بن موسى بن باذام العبسي الكوفي، واسم أبي زائدة خالد وقيل: هبيرة، وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الرحمن. والحديث من أفراده من هذا الوجه.
قوله: (لا يحل)، ظاهره التحريم لكنه محمول بن علي
ما إذا لم يكن هناك سبب يجوز ذلك: كريبة في المرأة لا ينبغي معها أن تستمر في عصمة الزوج، ويكون ذلك ذلك بن علي
سبيل النصيحة المحصنة أو لضرر يحصل لها من الزوج، أو للزوج منها، أو يكون سؤالها ذلك بعوض و للزوج رغبة في ذلك فيكون كالخلع مع الأجنبي، إلى غير ذلك من المقاصد المختلفة. وقال ابن حبيب: حمل العلماء هذا النهي بن علي
الندب، فلو فعل ذلك لم ينفسخ النكاح، واعترض عليه ابن بطال بأن نفي الحل تحريم صريح، ولكن لا يلزم منه فسخ النكاح وإنما فيه التغليظ بن علي
المرأة أن تسأل طلاق الأخرى، ولترض، بما قسم الله لها، وفي رواية أبي نعيم في المستخرج من طريق ابن الجنيد عن عبيد الله بن موسى شيخ البخاري المذكور بلفظ: (لا يصلح لامرأة أن تشترط طلاق أختها لتكتفىء إناءها). وأخرجه البيهقي ولفظه: (لا ينبغي) بدل لا يصلح، وقال لتكفأ. ولفظ الترمذي: لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفىء بما في إناءها. قوله: (لتكتفىء)، من كفات الإناء إذا أملته، وقال الكسائي: أكفأت الإناء كببته وكفأته وأكفأته: أملته قوله: (لتستفرغ صحفتها) أي: لتقلب ما في إنائها وأصله من أفرغت الإناء إفراغا، وفرغته، إذا قبلت ما فيه، لكن هو مجاز عما كان للتي
142

يطلقها من النفقة والمعروف والمعاشرة، وقال بعضهم: المراد بالصحفة ما كان يحصل من الزوج قلت: هذا غلط فاحش، وقال ابن الأثير، في هذا الحديث: الصحفة إناء كالقصعة المبسوطة ونحوها وجمعها صحاف، ويقال: الصحفة القصعة التي تشبع الخمسة، قال: وهذا مثل تريد الاستئثار عليها بحظها، فيكون كمن استفرغ صحفة غيره وقلب ما في إنائه إلى إناء نفسه، وقال الطيبي: هذه استعارة مستملحة تمثيلية، شبه النصيب والبخت بالصحفة وحظوظها وتمتعاتها بما يوضع في الصحفة من الأطعمة اللذيذة، وشبه الافتراق المسبب عن الطلاق باستفراغ الصحفة عن تلك الأطعمة، ثم أدخل المشبه في جنس المشبه به، واستعمل في المشبه ما كان مستعملا في المشبه به من الألفاظ. قوله: (فإنما لها) أي: للمرأة التي تسأل طلاق أختها ما قدر لها في الأزل، وإن سألت ذلك وألحت فيه واشترطته فإنه لا يقع من ذلك إلاما قدره الله تعالى. وقال الطحاوي: أجاز مالك والكوفيون والشافعي أن يتزوج المرأة بن علي
أن يطلق زوجته، فإن تزوجها بن علي
ألف أن يطلق زوجته فعند الكوفيين: النكاح جائز ولكنه إن وفى بما قال فلا شيء عليه غير الألف، وإن لم يوف أكمل لها مثل مهرها. وقال ربيعة ومالك والثوري: لها ما سمي لها وفى أو لم يوف. وقال الشافعي: لها مهر المثل وفى أو لم يوف فإن قلت: ظاهر الحديث التحريم فإذا وقع فهو غير لازم؟.
قلت: النهي فيه للتغليظ عليها أن لا تسأل طلاق أختها، وليس التحريم في حقها يوجب أن الطلاق إذا وقع أن يكون غير لازم. والله أعلم.
45
((باب الصفرة للمتزوج))
أي: هذا باب في بيان جواز الصفرة للمتزوج، وهي أن يتخلق بشيء من الزعفران ونحوه.
ورواه عبد الرحمان بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم
أي: روي حديث الصفرة عبد الرحمن بن عوف، وأشار به إلى الحديث الذي مضر موصولا مطولا في أول كتاب البيوع، وفيه: جاء عبد الرحمن وعليه أثر صفرة، وقال الكرماني فإن قلت: ما فائدة هذا القول وقد روي الحديث مسندا عن عبد الرحمن بما يدل عليه؟ قلت: الحديث من مرويات أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم، فبينهما تفاوت.
3515 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك، رضي الله عنه: أن عبد الرحمان بن عوف جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه أثر صفرة، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، قال: كم سقت إليها؟ قال: زنة نواة من ذهب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولم ولو بشاة.
.
مطابقته للترجمة في قوله: (وبه أثر صفرة) والحديث أخرجه النسائي في النكاح عن محمد بن سلمة. قوله: (وبه أثر صفرة) الواو فيه للحال، وفي لفظ: رأى عبد الرحمن بن عوف وبه ردع زعفران، أي: ملطخ منه، وثوب رديع أي مصبوغ بالزعفران، وفي رواية: وضر صفرة، أي: لطخ من طيب، وفي رواية: فرأى عليه بشاشة العروس، ورواية: ردع من زعفران، تدل بن علي
أنه مما التصق بجسمه من الثياب المزعفرة التي يلبسها العروس، وقيل: إن من كان ينكح في الإسلام يلبس ثوبا مصبوغا بصفرة علامة العروس والسرور، ألا ترى إلى قوله: وعلي بشاشة العروس، وقيل: إنما كان يلبسها ليعينه الناس بن علي
وليمته ومؤونته. وقال ابن عباس: أحسن الألوان كلها الصفرة لقوله تعالى: * (صفراء فاقع لونها تسر الناظرين) * (البقرة: 96) فقرن السرور بالصفر، فكان صلى الله عليه وسلم يحب الصفرة. ألا ترى إلى قول ابن عباس، حين سئل عن صبغه بها، فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة؟ فأنا أصبغ بها وأحبها. ونقل ابن عبد البر عن الزهري: أن الصحابة كانوا يتخلقون ولا يرون به بأسا، وقال ابن سفيان: هذا جائز عند أصحابنا في الثياب دون لجسد، وكره أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما أن يصبغ الرجل ثيابه أو لحيته بالزعفران لحديث أنس: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل. قوله: (تزوج امرأة من الأنصار) ذكر الزبيز أنها ابنة أبي الحسن واسمه أنس بن رافع. قوله: (كم سقت إليها؟) أي: كم أعطيت صداقها؟ قوله: (زنة نواة)، أي: وزن نواة، والزنة أصله: وزن،
143

حذفت الواو منه وعوض عنها التاء، والنواة وزن خمسة دراهم، وكلمة: من في الذهب للبيان. قوله: (أولم ولو بشاة) كلمة: أولم، أمر من أولم يولم والوليمة اسم للطعام الذي يصنع عند العرس. وقال ابن سيده: هي طعام العرس والأملاك، وقيل: هي كل طعام يصنع لعرس غيره. وقال النووي: هي مشتقة من الولم وهو الجمع لأن الزوجين يجتمعان، وقال ابن الأعرابي: أصلها تمام الشيء واجتماعه والفعل منها أولم، وقال أبو منصور: النقيعة طعام الإملاك قاله النضر، قال: وربما تقعوا عن عدة من الإبل، أي: نحروه، وقال: إذا زوج الرجل فأطعم عيلته قلنا: نقع لهم، وعن الأصمعي: النقيعة ما نحر من النهب، خاصة قبل القسم، وقال الأزهري: ومأخذها عندي من النقع وهو النحر أو القتل.
وفي المخصص: النقع طعام المأتم، والعذير والعذيرة والأعذار ما عمل من الطعام لحدث كالختان، وقال ابن الأثير: الإعذار الطعام الذي يطعم في الختان، وفي الأصل: الإعذار الختان، يقال عذرته وأعذرت فهو معذور ومعذر، والفرع طعام يصنع عند نتاج الإبل، والسفر طعام المسافر، والسمعة ما سمع به من طعام وغيره، والعلقة والعلاق الطعام يتبلغ به إلى وقت الغذاء، والعجالة ما استعجل به من طعام، وقيل: هو ما يتزوده الراكب مما لا يتعبه أكله نحو التمر والسويق، والركاث ما يستعجل به الغذاء، والكرزمة أكل نصف النهار، والعوافة ما يأكل الأسد بالليل، والقفي ما يكرم به الرجل من الطعام، والعنادة ما يرفع من المرق للإنسان، والعوادة ما أعيد بن علي
الرجل من الطعام بعدما يفرغ القوم يختص به، والعقيقة يوم سابع المولود، والمأدبة كل طعام صنع لدعوة، والوضيمة قال ابن سيده: طعام المأتم، والحذاق طعام حذق الصبي للقرآن العظيم، يعني: يوم ختمه، والخبيرة الدعوة بن علي
عقيقة الغلام. قاله العسكري، والخديقة بن علي
وزن الهريسة طعام العرب، والسندخية طعام الأملاك، قاله ابن دريد، والقرى طعام الضيف، والتحفة طعام الزائر وطعام المتعلل قبل الغداء، والسلفة واللهنة طعام
المستعجل قبل إدراك الغداء، والخرسة الطعام الذي تأكله المرأة النفساء وحدها.
قوله: (أولم) احتج به الظاهرية وقالوا فرض بن علي
كل من تزوج أن يولم بما قل أو كثر، وبه قال أبو سليمان، وقال القرطبي: وهو أحد قولي الشافعي ومشهور مذهب مالك، وقال ابن التين وهو مذهب أحمد وفيه نظر لأن ابن قدامة قال في المغني: ويستحب لمن تزوج أن يولم ولو بشاة لا خلاف بين أهل العلم في أن الوليمة في العرس سنة مشروعة، وليست بواجبة في قول أكثر أهل العلم، وقال بعض أصحاب الشافعي: هي واجبة لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بها عبد الرحمن بن عوف، رضي الله تعالى عنه. وقال ابن قدامة: هو طعام سرور حادث فأشبه سائر الأطعمة، والخبر بن علي
الاستحباب لقوله: (ولو بشاة) ولا خلاف في أنها لا تجب، وقال عياض. لا خلاف أنه لا حد لقليل الوليمة ولا لكثيرها، وقال المهلب: فعل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الولائم المختلفة إنما تجب بن علي
قدر اليسار في ذلك الوقت، وليس في قوله لعبد الرحمن: أولم ولو بشاة منعا لما دون ذلك، وإنما جعل الشاة غاية في التقليل ليساره وغناه، وقيل: يحتمل أنه قال له ذلك لعسر الصحابة حين هجرتهم، فلما توسعوا بفتح خيبر وشبه ذلك أولم سيدنا الحيس وشبهه، وقد اختلف السلف في وقتها: هل هو عند العقد أو عقيبة؟ أو عند الدخول أو عقيبه؟ أو موسع من ابتداء العقد إلى انتهاء الدخول؟ بن علي
أقوال. قال النووي: اختلفوا، فقال عياض: إن الأصح عند المالكية استحبابه بعد الدخول، وعن جماعة منهم: أنها عند العقد، وعند ابن حبيب: عند العقد وبعد الدخول، وقال في موضع آخر: يجوز قبل الدخول وبعده، وقال الماوردي: عند الدخول، وحديث أنس: فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عروسا بزينب فدعي القوم، صريح أنها بعد الدخول، واستحب بعض المالكية أن تكون عند البناء ويقع الدخول عقيبها، وعليه عمل الناس.
55
((باب))
أي: هذا باب، وهو كالفصل لما قبله وليس بمعرب، إلا بعد التركيب، ولم يذكر لفظ: باب، في رواية النسفي، وكذا في شرح ابن بطال.
4515 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن حميد عن أنس قال: أولم النبي صلى الله عليه وسلم، بزينب فأوسع المسلمين خبزا، فخرج كما يصنع إذا تزوج، فأتى حجر أمهات المؤمنين يدعو ويدعون له، ثم انصرف فرأى رجلين فرجع، لا أدري أخبرته أو أخبر بخروجهما.
.
144

قيل لا وجه لذكر هذا الحديث في باب الصفرة للمتزوج. وأجيب بثبوت لفظ: باب، في أكثر الروايات، ورد بأن لفظ: باب، كما ذكرنا كالفصل لما قبله، وهو داخل فيه.
وقال بعضهم: مناسبته للترجمة من جهة أنه لم يقع في قصة تزويج زينب بنت جحش ذكر للصفرة، فكأنه يقول: الصفرة للمتزوج من الجائز لا من الشروط لكل متزوج. انتهى قلت: هذا كلام واه جدا لأن الترجمة في الصفرة للمتزوج، والحديث ليس فيه ذكر الصفرة مطلقا، فكيف تقع المطابقة؟ والأوجه أن يقال: إن المطابقة من حيث إنه صلى الله عليه وسلم أمر بالوليمة في الحديث السابق، وفي هذا الحديث: أولم هو وبين أمره بشيء وفعله إياه اتحاد فلا مطابقة أتم من هذا، وقد ذكرنا أن ذكر: باب، مجرد كالفصل، وأنه داخل فيه بن علي
أن لفظ: باب، ساقط في عامة الروايات.
ويحيى هو القطان. والحديث قد مضى بأتم منه في تفسير سورة الأحزاب، وتقدم الكلام فيه.
قوله: (خبزا) بالباء الموحدة والزاي، وفي الرواية الماضية في سورة الأحزاب: فاشبع الناس خبزا ولحما. قوله: (كما يصنع) أي: خرج كما هو عادته إذا تزوج بجديدة يأتي الحجرات ويدعو لهن. قوله: (ويدعون) أي: أمهات المؤمنين، وهذه اللفظة مشتركة بين جمع المذكر وجمع المؤنث، والفرق يحصل بالتقدير، فوزن الجمع المذكر: يفعون، ووزن الجمع المؤنث: يفعلن. قوله: (له) أي: للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم يسلم عليهن واحدة واحدة وهن يرددن عليه، عليه السلام، ويدعون بالبركة والخير. قوله: (ثم انصرف) أي: من حجرات أمهات المؤمنين. قوله: (فرأى رجلين) يعني: من الناس الذين حضروا الوليمة. وكانوا قد خرجوا من بيت النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن فرغوا من الأكل، وكان هذان الرجلان تأخرا في البيت يتحدثان، وذلك قبل نزول الحجاب، ولما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من بيوت أمهات المؤمنين رآهما في البيت فرجع، وقال أنس: لما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم وثبا مسرعين، فما أدري أنا أخبرته بخروجهما من البيت، أو أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بخروجهما فرجع حتى دخل البيت وأرخى الستربيني وبينه؟ فأنزلت آية الحجاب. وروايات أنس التي تقدمت في سورة الأحزاب تفسر هذا الحديث الذي روي عنه ههنا، وذلك أن الأحاديث التي تروي في قضية واحدة يفسر بعضها بعضا.
65
((باب كيف يدعى للمتزوج))
أي: هذا باب في بيان كيفية الدعاء للذي يتزوج؟ قال ابن بطال: أراد بهذا الباب رد قول العامة عند العرس بقولهم: بالرفاء والبنين فإن قلت: روي الطبراني في الكبير
من حديث معاذ بن جبل، رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد أملاك رجل من الأنصار فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنكح الأنصاري، وقال: بن علي
الألفة والخير والبركة والطائر الميمون والسعة في الرزق وأخرجه أبو عمر النوقاني في كتاب (معاشرة الأهلين) من حديث أنس، وزاد فيه: والرفاء والبنين؟ قلت: الذي أخرجه الطبراني في الكبير ضعيف، وأخرجه أيضا في الأوسط بسند أضعف منه، وفي حديث النوقاني أبان العبدي وهو ضعيف، وأخرج الترمذي: حدثنا قتيبة أنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفأ الإنسان إذا تزوج، قال: (بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير). وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه أبو داود أيضا عن قتيبة والنسائي في الكبير واليوم والليلة عن عبد الرحمن بن عبيد، وابن ماجة عن سويد بن سعيد. قوله: (إذا رفأ)، قال شيخنا: هو بفتح الراء وتشديد الفاء مهموز، وهو المشهور في الرواية مأخوذ من الالتئام والاجتماع، ومنه رفو الثوب، وقال الجوهري: الرفاء بالمد الالتئام والاتفاق، يقال للمتزوج: بالرفاء والبنين، ورواه بعضهم: رفى، مقصورا بغير همزة، ورواه بعضهم: رفح، بالحاء المهملة موضع الهمزة، ومعنى الأول أعني المقصور القول بالرفاء والاتفاق، ومعنى الثاني بن علي
أنه رفاء بالهمزة ولكنه أبدل الهمزة حاء، وأخرج النسائي من رواية أشعث عن الحسن عن عقيل بن أبي طالب أنه تزوج امكرأة من بني حبشم فقالوا: بالرفاء والبنين، فقال: لا تقولوا هكذا، ولكن قولوا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم بارك لهم وبارك عليهم، وهو مرسل.
5515 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد هو ابن زيد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمان بن عوف أثر صفرة، قال: ما هاذا؟ قال: إني تزوجت
145

امرأة على وزن نواة من ذهب، قال: بارك الله لك، أولم ولو بشاة.
.
مطابقته للترجمة من حيث إن قوله صلى الله عليه وسلم: (بارك الله لك) يوضح معنى قوله: كيف يدعى للمتزوج. وحديث أنس هذا مختصر من حديث حميد عن أنس الذي مضى في الباب الذي قبل الباب المجرد، وفيه زيادة بن علي
ذلك، وهو قوله: (بارك الله لك) وهذه اللفظة ترد القول: بالرفاء والبنين، لأنه من أقوال الجاهلية، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يكره ذلك لموافقتهم فيه، وهذا هو الحكمة في النهي، وقيل: لأنه لا حمد فيه ولا ثناء، ولا ذكر لله عز وجل، وقيل: لما فيه من الإشارة إلى بغض البنات لتخصيص البنين بالذكر. قلت: فعلى هذا إذا قيل: بالرفاء والأولاد لا ينبغي أن لا يكره. فإن قلت: روي ابن أبي شيبة من طريق عمر بن قيس الماصر قال: شهدت شريحا وأتاه رجل من أهل الشام، فقال: إني تزوجت امرأة، فقال: بالرفاء والبنين: قلت: هذا محمول بن علي
أن شريحا لم يبلغه النهي عن ذلك.
75
((باب الدعاء للنساء اللاتي يهدين العروس وللعروس))
أي: هذا باب في بيان الدعاء للنساء إلى آخره. قوله: للنساء، رواية الكشميهني، وفي رواية الأكثرين: للنسوة. قوله: (يهدين) بفتح الياء من هديت الطريق، ويروي بضم الياء من الإهداء، (والعروس) بن علي
وزن فعول قال ابن الأثير: يقال للرجل عروس كما يقال للمرأة. وهو اسم لهما عند دخول أحدهما بالآخر. قوله: (وللعروس) أي والدعاء أيضا للعروس، هذا ظاهر المعنى، وسيجئ أيضا ما قيل فيه.
6515 حدثنا فروة حدثنا علي بن مسهر عن هشام عن أبيه عن عائشة، رضي الله عنها: تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم، فأتتني أمي فأدخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار في البيت فقلن: على الخير والبركة، وعلى خير طائر.
.
قيل: ظاهر الحديث مخالف للترجمة لأن النسوة في الحديث هن الداعيات، وفي الترجمة: هن المدعو لهن، وأجاب صاحب التوضيح بقوله: لعله أراد صفة دعائهن للعروس، لأنه قال: (فقلن بن علي
الخير) إلى آخره. قلت: نقل هذا عن ابن التين وليس بشيء لأن ظاهر اللفظ يخالفه وقال الكرماني: الأم هي الهادية للعروس المجهزة لأمرها فهن دعون لها ولمن معها، وللعروس حيث (قلن: بن علي
الخير)، أي: جئتن عليه أو قدمتن، ونحو هذا. فإن قلت: لم لا تكون اللام للنسوة للاختصاص. يعني: الدعاء المختص بالنسوة والهاديات للغير؟ قلت: يلزم المخالفة بين اللامين اللام التي في العروس لأنها بمعنى المدعو لها، والتي في النسوة لأنها بمعنى الداعية، وفي جواز مثله خلاف. انتهى كلامه. ونقل بعضهم كلام الكرماني هذا برمته مع تغيير عبارته، ثم قال: والجواب الأول أحسن ما يوجه به الترجمة، ثم قال: وحاصله أن مراد البخاري بالنسوة من يهدي العروس سواء كن قليلا أو كثيرا وأن من حضر ذلك يدعو لمن أحضر العروس، ولم يرد الدعاء للنسوة الحاضرات في البيت قبل أن يأتي العروس، ويحتمل أن تكون اللام بمعنى الباء بن
علي
حذف، أي: المختص بالنسوة ويحتمل أن يكون بمعنى: من، أي: الدعاء الصادر من النسوة. انتهى كلامه. قلت: هذا كله تعسفات في تصرفهم، وأكثر كلامهم خارج عن القانون، فالترجمة موضوعة بن علي
الصحة وبينها وبين الحديث مطابقة لأن الألف واللام في قوله: باب الدعاء، بدل من المضاف إليه فتقديره: باب دعاء النسوة الداعيات للنسوة اللاتي يهدين العروس، فالمراد بالنسوة الداعيات هي النسوة من الأنصار اللاتي كن في بيت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، قبل مجيء العروس، والمراد بالنسوة الهاديات هي أم عائشة ومن معها من النساء، لأن العادة أن أم العروس إذا أتت بالعروس إلى بيت زوجها يكون معها نساء قليلات كن أو كثيرات، فأم عائشة ومن معها والعروس هن مدعو لهن، والنسوة من الأنصار اللاتي كن في البيت هن الداعيات، لقوله فيه: (فقلن: بن علي
الخير) إلى آخره. وقول بعضهم: يحتمل أن يكون اللام بمعنى الباء أو بمعنى من غير صحيح، لأنهم ذكروا أن اللام الجارة تأتي لاثنين وعشرين معنى. وليس فيها مجيئها بمعنى الباء ولا بمعنى من، نعم ذكروا أنها تجيء بمعنى: عن ونسبوه لابن الحاجب، ورد عليه ابن مالك وغيره.
ثم الكلام في الحديث، فنقول: فروة، بفتح
146

الفاء وسكون الراء وفتح الواو: ابن أبي المغراء، بفتح الميم وإسكان الغين المعجمة وبالراء وبالمد: أبو القاسم الكندي الكوفي، مات سنة خمس وعشرين ومائتين، وعلي بن مسهر بضم الميم بن علي
وزن اسم الفاعل من الإسهار أبو الحسن القرشي الكوفي، تولى قضاء نواحي الموصل، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة، رضي الله تعالى عنها.
وهذا مختصر من حديث مطول مضى بتمامه بهذا السند بعينه في: باب تزويج عائشة، قيل أبواب الهجرة إلى المدينة.
قوله: (فأتتني أمي) وهي أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس. قوله: (فإذا نسوة) قد ذكرنا أن كلمة: إذا، للمفاجأة، ونسوة، بكسر النون وبفتحها أيضا جمع نساء تقديره: نسوة كائنة من نساء الأنصار. قوله: (فقلن: بن علي
الخير) قد مر تفسيره عن قريب قوله: (وعلى خير طائر) كناية عن الفأل، وطائر الإنسان عمله الذي قلدوه، وقال ابن الأثير: طائر الإنسان ما حصل له في علم الله عز وجل مما قدر له، وقيل: الطائر الحظ.
85
((باب من أحب البناء قبل الغزو))
أي: هذا باب في بيان من أحب البناء أي: الدخول بن علي
امرأته ولم يدخل بها، يقال: فلان بني علي أهله أي: زفها، والأصل فيه أن الداخل بأهله يضرب عليها قبة ليلة الدخول، فقيل لكل داخل بأهله: بان. قوله: (قبل الغزو) يعني: إذا حضر الجهاد وكان قد تزوج امرأة ولم يدخل عليها وأحب أن يدخل عليها قبل الغزو ليكون فكره مجتمعا.
7515 حدثنا محمد بن العلاء حدثنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن همام عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولم يبن بها.
(انظر الحديث 4213).
مطابقته للترجمة من حيث إن كلام هذا النبي يشعر بأن البناء ينبغي أن يكون قبل حضوره الغزو ولما ذكرنا من المعنى، وليس ذلك يقتضي الوجوب.
وابن المبارك هو عبد الله بن المبارك المروز، ومعمر بفتح الميمين هو ابن راشد، وهما بن علي
وزن فعال بالتشديد هو ابن منبه.
والحديث قد مر في الجهاد في: باب من اختار الغزو بن علي
البناء، فيه أبو هريرة وذكر أيضا: باب من غزا وهو حديث عهد بعرسه، فيه جابر معه النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر في الخمس في: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أحلت لكم الغنائم. وقال: حدثنا محمد بن العلاء إلى آخره مطولا، ومضى الكلام فيه هناك.
قال الكرماني: ذكر في بعض النسخ تمام الحديث؟ قلت: الذي في النسخ المعتبرة هذا المقدار الذي ذكره مختصرا. قوله: (غزا نبي) قيل: هو يوشع، وقيل: داود، عليه السلام.
95
((باب من بني بامرأة وهي بنت تسع سنين))
أي: هذا باب في بيان من بني إلى آخر. قيل: لا فائدة في هذه الترجمة. قلت: بلى فيها فائدة وهي بيان أن من تزوج صغيرة ينبغي أن لا يبني إلا وقد تم عمرها تسع سنين، لأن النبي الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، بني بعائشة وعمرها تسع سنين، وهو الأصح وإن كان عند الفقهاء الاعتبار للطاقة، فإن لم تطلق لا يبنى بها ولو
كان عمر تسع سنين، وإن أطاقت بأن كانت عبلة وعمرها ثمان سنين يبني بها.
8515 حدثنا قبيصة بن عقبة حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن عروة: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي ابنة ست، وبنى بها وهي ابنة تسع، ومكثت عنده تسعا.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة وسفيان هو الثوري وعروة تابعي. والحديث مرسل، والحديث مضى عن قريب في: باب إنكاح الرجل ولده الصغار، فإنه أخرجه هناك عن محمد بن يوسف عن سفيان إلى آخره.
06
((باب البناء في السفر))
أي: هذا باب في بيان دخول الرجل بن علي
امرأته في حالة السفر، وفي بعض النسخ: باب بناء العروس في السفر.
9515 حدثنا محمد بن سلام أخبرنا إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس قال: أقام النبي
147

صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاثا يبنى عليه بصفية بنت حيي، فدعوت المسلمين إلى وليمته فما كان فيها من خز ولا لحم، أمر بالأنطاع فألقي فيها من التمر والأقط والسمن، فكانت وليمته. فقال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين أو مما ملكت يمينه؟ فقالوا: إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه، فلما ارتخل خلفه ومد الحجاب بينها وبين الناس.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وهو بناء النبي صلى الله عليه وسلم بن علي
صفية، وهو في السفر بين خيبر والمدينة.
وقد مر الحديث في غزوة خيبر من وجوه، وفي النكاح أيضا في: باب اتخاذ السراري، فإنه أخرجه فيه عن قتيبة عن إسماعيل بن جعفر إلى آخره نحوه، ومر الكلام فيه، وراجع إليه والمسافة قريبة.
16
((باب البناء بالنهار بغير مركب ولا نيران))
أي هذا باب في بيان جواز دخول الرجل بن علي
امرأته بالنهار، ولا يختص بالليل. قوله: (بغير مركب) أي: بغير ركوب ناس للإعلان، ويروي: بغيره موكب بالواو وبدل الراء وهو القوم الركوب بن علي
الإبل المزينة. قوله: (ولا نيران) أي: ولا نيران توقد بين يدي العروس، وحاصله أن زيادة الإعلان بركوب القوم بين يدي العروس أو بإيقاد النيران مكروه، وقد روي سعيد بن منصور من طريق عروة بن رويم أن عبد الله بن قرظ الثمالي، وكان عامل عمر، رضي الله تعالى عنهما، بن علي
حمص، فمرت به عروس وهم يوقدون النيران بين يديها، فضربهم بدرته حتى تفرقوا عن عروسهم، ثم خطب فقال: إن عروسكم أوقدوا النيران وتشبهوا بالكفرة، والله مطفىء نارهم.
0615 حدثنا فروة بن أبي المغراء حدثنا علي بن مسهر عن هشام عن أبيه عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم فأتتني أمي فأدخلتني الدار، فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ضحى.
.
هذا الحديث بهذا السندبعينه قد مضى قبله بثلاثة أبواب، غير أن ذاك مرسل وهذا مسند وأن في ذاك الزيادة وهي قوله: (فإذانسوة من الإنصار) إلخ، وهنا الزيادة هي قوله: (فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى)، فلأجل هذه اللفظة عقد الترجمة المذكورة، غير أنه ذكر فيها: بغير مركب ولا نيران، ولم يذكر لأجلها شيئا.
قوله: (فلم يرعني) أي: فلم يفجأني ولم يخوفني. قوله: (ضحى) بالضم والقصر فوق الضحوة، وهو ارتفاع أول النهار، ومعنى: ضحى، أي: وقت الضحى أرادت أن دخوله عليها كان وقت الضحى، فلذلك عقد الترجمة كما ذكرنا.
26
((باب الأنماط ونحوها للنساء))
أي: هذا باب في بيان جواز اتخاذ الأنماط ونحوها للنساء، وفي ترجمة مسلم: باب جواز اتخاذ الأنماط، والأنماط بفتح الهمزة جمع نمط بفتحتين وهو ظهارة الفراش، وقيل ظهر الفراش وقيل: ضرب من البسط له خمل رقيق. وقال النووي: يجعل بن علي
الهودج، وقد يجعل سترا. قلت: النمط يأتي بمعنى الطريق من الطرائق والضرب من الضروب، يقال: ليس هذا من ذلك النمط أي: من ذلك الضرب، وفي حديث علي، رضي الله تعالى عنه: خير هذه الأمة النمط الأوسط، ويروي: الوسط، كره بن علي
الغلو والتقصير في الدين، والنمط الجماعة من الناس أمرهم واحد. قوله: (ونحوها)، مثل الكلل والأستار والفرش.
1615 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر بنه عبد الله، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل اتخذتم أنماطا؟ قلت: يا رسول الله! وأتى لنا أنماط؟ قال: إنها ستكون.
(انظر الحديث 1363).
148

مطابقته للترجمة ظاهرة. وسفيان هو ابن عيينة، وقد مر هذا الحديث في علامات النبوة عن عمر وابن عباس عن ابن مهدي عن جابر، إلخ ولفظه: (هل لكم من أنماط؟) وسفيان فيه هو الثوري.
قوله: (وأنى لنا) بفتح الهمزة وتشديد النون أي: ومن أين لنا الأنماط، قوله: ستكون، أي الأنماط، وهي تامة بمعنى ستوجد. وفيه إخباره بها وهي معجزة ظاهرة لأنها كانت كما أخبر، وقال النووي: وفيه: جواز اتخاذ الأنماط إذا لم تكن من حرير. قلت: أما جواز اتخاذها فيؤخذ من قوله: (إنها ستكون) وفي حديث مسلم بعد قوله: (إنها ستكون)، قال جابر: وعند امرأتي نمط فأنا أقول: نحيه، وتقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنها ستكون). وفي حديث عائشة ذكره مسلم في: باب الصور، قالت: فأخذت نمطا فنشرته بن علي
الباب. وأما عدم استعمالها من الحرير فبأحاديث أخر. وفي التوضيح، وفيه: اتخاذ شورة البيوت للنساء. وفيه: دليل أن الشورة للمرأة دون الزوج، وأنها عليها في المعروف من أمر الناس القديم، وإنما قال صلى الله عليه وسلم لجابر لأن أباه ترك تسع بنات، فقام عليهن جابر وشورهن وزوجهن، رضي الله تعالى عنه.
36
((باب النسوة اللاتي يهدين المرأة إلى زوجها))
أي: هذا باب في بيان أمر النسوة اللاتي يهدين بضم الياء من الإهداء. قوله: (اللاتي) هو في رواية الكشميهني بصغة الجمع، وفي رواية غيره بصيغة الإفراد، والأولى أولى، ووقع في رواية أبي ذر بعد قوله: (إلى زوجها): ودعائهن بالبركة، وليس في حديث الباب الإشارة إليه فلا محل لذكره. وقال بعضهم: لعله أشار إلى ما ورد في بعض طرق حديث عائشة، رواه أبو الشيخ في كتاب النكاح من طريق بهية عن عائشة: أنها زوجت يتيمة كانت في حجرها رجلا من الأنصار، قالت: وكنت فيمن أهداها إلى زوجها، فلما رجعنا قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما قلتم يا عائشة؟ قالت: قلت: سلمنا ودعونا الله بالبركة ثم انصرفنا). قلت: هذا بعيد جدا لأنا لا نسلم أنه وقف بن علي
هذا الحديث، ولئن سلمنا فكيف يضع ترجمة بعقد باب وليس فيه حديث مطابق لها.
2615 حدثنا الفضل بن يعقوب حدثنا محمد بن سابق حدثنا إسرائيل عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة! ما كان معكم لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو.
مطابقته للترجمة في قوله: (زفت امرأة) لأنه من زففت العروس أزفها إذا أهديتها إلى زوجها.
والفضل بن يعقوب البغدادي مات في أول جمادى الأولي سنة ثمان وخمسين ومائتين. قاله الحافظ المنذري. ومحمد بن سابق أبو جعفر التميمي البغدادي البزار أصله فارسي كان بالكوفة أحد مشاريخ البخاري روي عنه هنا بالواسطة وروي عنه بلا واسطة في كتاب الوصايا فقط، فقال: حدثنا محمد بن سابق أو الفضل بن يعقوب عنه، وروي مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن محمد بن سابق، مات سنة ثلاث عشرة ومائتين، وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي. والحديث من أفراده.
قوله: (زفت امرأة) معنى: زفت مر الآن وقد تقدم في رواية أبي الشيخ أن المرأة كانت يتيمة في حجر عائشة، رضي الله تعالى عنها، وذكر ابن الأثير أن اسم هذه اليتيمة: فارغة بنت أسعد بن زرارة، وأن اسم زوجها نبيط بن جابر الأنصاري، وقال أبو عمر: الفارغة بنت أبي أمامة أسعد بن زرارة الأنصاري، كان أبو لبابة أوصى بها وبأختيها حبيبة وكبشة بنات أبي أمامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلمنبيط بن جابر من بني مالك بن النجار، وحبيبة تزوجها سهل بن حنيف فولدت له أبا أمامة، وروي ابن ماجة من حديث ابن عباس: أنكحت عائشة قرابة لها، وروي أبو الشيخ من حديث جابر: أن عائشة زوجت بنت أختها، أو ذات قرابة منها، وفي أمالي المحاملي من وجه آخر عن جابر: نكح بعض أهل الأنصار بعض أهل عائشة فأهدتها إلى قباء، والجمع بين هذه الروايات بالحمل بن علي
التعدد. قوله: (ما كان معكم لهو؟) وفي رواية شريك: فقال: فهل بعثتم جارية تضرب بالدف وتغني؟ الحديث. قوله: (فإن الأنصار يعجبهم اللهو)، في حديث ابن عباس وجابر: قوم فيهم غزل، وفي حديث جابر عند المحاملي: أدركيها يا زينب، امرأة كانت تغني بالمدينة. وفي التوضيح: اتفق العلماء بن علي
جواز اللهو في وليمة النكاح كضرب الدف وشبهه، وخصت
149

الوليمة بذلك ليظهر النكاح وينتشر، فتثبت حقوقه وحرمته، وقال مالك: لا بأس بالدف والكبر في الوليمة لأني أراه خفيفا، ولا ينبغي ذلك في غير العرس، وسئل مالك عن اللهو يكون فيه البوق؟ فقال: إن كان كبيرا مشتهرا، فإني أكرهه، وإن كان خفيفا فلا بأس بذلك، وقال إصبغ: ولا يجوز الغناء في العرس ولا في غيره إلا مثل
ما يقول نساء الأنصار، أو رجز خفيف. وأخرج النسائي من طريق عامر بن سعد عن قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاريين، قالا: إنه رخص لنا في اللهو عند العرس... الحديث، وصححه الحاكم. قلت: الكبر، بفتحتين الطبل ذو الرأسين، وقيل: الطب الذي له وجه وأحد، والبوق بضم الباء الموحدة وسكون الواو وفي آخره قاف: آلة ينفخ فيها ويجمع بن علي
بيقان وبوقان، كذا قال في المغرب قلت القياس: أبواق، وسئل أبو يوسف عن الدف أتكرهه في غير العرس مثل المرأة في منزلها والصبي؟ قال: فلا أكرهه، فأنما الذي يجيء منه اللعب الفاحش والغناء فإني أكرهه.
46
((باب الهدية للعروس))
أي: هذا باب في بيان إهداء الهدية للعروس صبيحة ليلة الدخول.
3615 وقال إبراهيم: عن أبي عثمان واسمه الجعد عن أنس بن مالك قال: مر بنا في مسجد بني رفاعة فسمعته يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم: إذا مر بجنبات أم سليم دخل عليها فسلم عليها، ثم قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم عروسا بزينب فقالت لي أم سليم: لو أهدينا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، هدية؟ فقلت لها: إفعلي، فعمدت إلي تمر وسمن وأقط فاتخذت حيسة في برمة فأرسلت بها معي إليه، فانطلقت بها إليه فقال لي: ضعها، ثم أمرني فقال: ادع لي رجالا سماهم وادع لي من لقيت، قال: ففعلت الذي أمرني فرجعت فإذا البيت غاص بأهله، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم، وضع يديه على تلك الحيسة وتكلم بها ما شاء الله، ثم جعل يدعو عشرة عشرة يأكلون منه، ويقول لهم: اذكروا اسم الله وليأكل كل رجل مما يليه، قال: حتى تصدعوا كلهم عنها، فخرج منهم من خرج وبقي نفر يتحدثون، قال: وجعلت أغتم، ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم نحو الحجرات وخرجت في إثره فقلت: إنهم قد ذهبوا فرجع فدخل البيت وأرخى الستر وإني لفي الحجرة، وهو يقول: * ((33) يا أيها الذين آمنوا لا. تدخلوا بيوت النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يؤذن لكم إلا طعام غير ناظرين إناه، ولكن إذا دعيتم فأدخلوا فإذا ذعمتم فانتشروا. ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق) *.
قال أبو عثمان: قال أنس: إنه خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين.
.
مطابقته للترجمة في قوله: (لو أهدينا) إلى قوله: (فانطلقت بها إليه).
وإبراهيم هو ابن طهمان، بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء: الهروي أبو سعيد، سكن نيسابور ثم سكن مكة، مات سنة ستين ومائة، وأبو عثمان اسمه الجعد، بفتح الجيم وسكون العين المهملة: ابن دينار اليشكري البصري الصيرفي.
كذا ذكر البخاري هذا الحديث معلقا غير متصل، ووصله مرة بقوله: حدثنا الصلت بن محمد حدثنا حماد بن زيد عن الجعد أبي عثمان وعن هشام عن محمد وسنان بن ربيعة عن أنس. وأخرجه مسلم في النكاح عن قتيبة عن جعفر بن سليمان عن الجعد وعن غيره. وأخرجه الترمذي في التفسير عن قتيبة بإسناده نحوه. وأخرجه النسائي في النكاح والوليمة عن قتيبة به وفي التفسير عن محمد بن عبد الأعلى، وقال صاحب التلويح: والتعليق عن إبراهيم رواه النسائي عن أحمد بن حفص بن عبد الله عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان عن أبي عثمان به، وقال بعض من لقيناه من الشراح: زعم أن النسائي أخرجه عن أحمد بن حفص بن عبد الله بن راشد عن أبيه عنه، ولم أقف على
150

ذلك. قلت: إن كان مراده بقوله: من لقيناه من الشراح، صاحب التلويح فإنه لم يلقه لأنه مات في سنة اثنين وستين وسبعمائة وهو في ذلك الوقت لم يكن مولودا، وإن كان مراده صاحب التوضيح فهو تبع في ذلك شيخه صاحب التلويح وإن كان مراده الكرماني، وهو لم يدخل الديار المصرية أصلا ولا هذا القائل رحل إلى تلك البلاد، ومع هذا لم يذكر الكرماني ذلك. وقوله: لم أقف بن علي
ذلك، لا يستلزم نفي وقوف غيره.
قوله: (قال: مر بنا) أي قال أبو عثمان الجعد: (مر بنا أنس في مسجد بني رفاعة) بكسر الراء وتخفيف الفاء وبالعين المهملة، وبنو رفاعة بن الحرث بن بهثة بن سليم، قبيلة نزلوا الكوفة والبصرة وبنوا مساجد وغيرها، والمراد بمسجد بني رفاعة هنا المسجد الذي بنوه ببصرة. قوله: (فسمعته يقول) أي: فسمعت أنسا يقول: قوله: (بجنبات أم سليم) وهي جمع جنبة بالجيم والنون وهي الناحية، ويقال: يحتمل أن يكون مأخوذا من الجناب وهو الفناء، فكأنه يقول: إذا مر بفنائها، وأم سليم بضم السين وهي أم أنس بن مالك، وهي بنت ملحان بن خالد. واختلف في اسمها، فقيل: سهلة، وقيل: رميلة، وقيل: رمية، وقيل: غير ذلك. قوله: (عروسا بزينب) وقد مر غير مرة أن العروس يشمل الذكر والأنثى، وزينب بنت جحش الأسدية أم المؤمنين، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث، قاله خليفة، وقال الواقدي: سنة خمس وكانت قبله عند زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، ماتت سنة عشرين من الهجرة، وصلى عليها عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه. قوله: (حيسة) بفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة، وهو الطعام المتخذ من التمر والأقط والسمن، ويدخل عوض الأقط الدقيق أو الفتيت. قوله: (في برمة) بضم الباء الموحدة، وقال ابن الأثير: البرمة القدر مطلقا، وهي في الأصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز واليمن. قوله: (فأرسلت بها معي إليه) أي: أرسلت أم سليم بالهدية معي إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. قوله: (فإذا البيت) كلمة: إذا،
للمفاجأة والبيت مرفوع بالابتداء، (وغاص) خبره، أي: ممتلئ، ومادته: غين معجمة وصاد مهملة، وأصله من: غصصت بالماء أغص غصصا فأنا غاص وغصان إذا امتلأ حلقك بالماء وشرقت به. قوله: (حتى تصدعوا) أي: حتى تفرقوا. قوله: (وبقي نفر) النفر من الثلاثة إلى العشرة، وفي رواية أنهم ثلاثة، وفي أخرى وفي الترمذي: وجلس طوائف يتحدثون في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (أغتم)، من الاغتمام بالغين المعجمة أي: أحزن من عدم خروجهم، وتفسير الآية قد مر في سورة الأحزاب. قوله: (غير ناظرين أناه) أي: إدراكه ونضجه، وفيه التفاف، ومات رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو ابن عشرين سنة ومات أنس سنة ثلاث أو اثنتين وتسعين، وقد نيف بن علي
المائة بزيادة سنتين أو ثلاث.
وفيه فوائد: الأولى: كونه أصلا في هدية العروس. وكان الإهداء، قديما فأقرها الإسلام. الثانية: كونها قليلة فالمودة إذا صحت سقط التكلف فحال أم سليم كان أقل. الثالثة: اتخاذ الوليمة في العرس قال ابن العربي بعد الدخول، وقال البيهقي: كان دخوله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الوليمة. الرابعة: دعاء الناس إلى الوليمة بغير تسمية ولا تكلف وهي السنة. الخامسة: فيه معجزة عظمى دعى الجمع الكثير إلى شيء قليل، ووقع في رواية مسلم: أنهم كانوا زهاء ثلاثمائة. السادس: لطفه صلى الله عليه وسلم وحياؤه الغريز حيث كان يدخل ويخرج ولا يقول لمن كان جالسا: أخرج. السابعة: فيه الصبر بن علي
أذى الصديق الثامنة من سنة العرس إذا فضل عنده طعام أن يدعو له من خف عليه من إخوانه، فيكون زيادة إعلان بالنكاح. التاسعة: فيه التسمية بن علي
الأكل. العاشرة: السنة الأكل مما يليه.
56
((باب استعارة الثياب للعروس وغيرها))
أي: هذا باب في بيان استعارة الثياب لأجل العروس. قوله: (وغيرها) أي: واستعارة غير الثياب مما يتجمل به العروس من الحلي.
4615 حدثني عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة، رضي الله عنها، أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من أصحابه
151

في طلبها، فأدركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم شكوا ذالك إليه فنزلت آية التيمم، فقال أسيد بن حضير: جزاك الله خيرا، فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل الله لك منه مخرجا وجعل للمسلمين فيه بركة.
.
قيل لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأنها استعارة الثياب للعروس، واستعارة عائشة من أسماء قلادة وليست بثوب، وأجيب بأنه قال: وغيرها، وهو يتناول القلادة وغيرها، كما ذكرنا الآن، ورد بأن الترجمة في استعارة الثياب وغيرها للعروس، وعائشة رضي الله تعالى عنها، حين استعارتها لم تكن عروسا، وقال بعضهم في وجه المطابقة: القلادة وغيرها من أنواع الملبوس الذي يتزين به المزوج أعم من أن يكون عند العرس أو بعده. قلت: بين ما قاله وبين ما يفهم من الترجمة بعد عظيم، والرد الذي ذكرنا رد أيضا لهذا، ولكن إذا أعدنا الضمير في غيرها: إلى العروس، تتأتى المطابقة بن علي
ما لا يخفى.
وأبو أسامة حماد بن أسامة، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عرو بن الزبير بن العوام.
والحديث قد مر في كتاب التيمم في: باب إذا لم يجد ماء ولا ترابا، فإنه أخرجه هناك عن زكرياء بن يحيى عن عبد الله بن نمير عن هشام عن أبيه عن عائشة إلى آخره نحوه ومر الكلام فيه قوله فوالله ما نزل بك أمر إلى آخره وهناك هكذا فوالله نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله لك وللمسلمين فيه خيرا.
66
((باب ما يقول الرجل إذا أتى أهله))
أي: هذا باب في بيان ما يقول الرجل إذا أتى أهله يعني إذا أراد الجماع.
5615 حدثنا سعد بن حفص حدثنا شيبان عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: وأما لو أن أحدكم يقول حين يأتي أهله: باسم الله، أللهم جنبني الشيطان ما رزقتنا، ثم قدر بينهما في ذالك أو قضي ولد لم يضره شيطان أبدا.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وسعد بن حفص أبو محمد الطلحي الكوفي، يقال: له الضخم، وشيبان بن عبد الرحمن النحوي ومنصور هو ابن المعتمر، وكريب مصغر كرب مولى ابن عباس.
ومضى الحديث في الطهارة في: باب التسمية بن علي
كل حال. ومضى أيضا في بدء الخلق في: باب صفة إبليس وجنوده، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم حرف استفتاح بمنزلة: ألا. قوله: (لو أن أحدكم) كذا في رواية الكشميهني. وفي رواية غيره بحذف: أن وفي الذي تقدم
في: بده الخلق، بحذف أما لو أن أحدكم إذا أتى أهله. قال: وفي رواية أبي داود وغيره: لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله، وفي رواية الإسماعيلي: أما أن أحدكم، أو يقول: حين يجامع مع أهله، وفي رواية له: لو أن أحدهم إذا جامع امرأته ذكر الله. قوله: (بسم الله اللهم جنبني) وفي رواية روح: ذكر الله قال: اللهم جنبني، وجنبني بالإفراد أيضا في: بدء الخلق، وفي رواية همام: جنبنا بالجمع. قوله: (أو قضي) كذا بالشك، وفي رواية سفيان بن عيينة عن منصور: فإن قضى الله بينهما ولدا، وفي رواية مسلم من طريقه، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك، وفي رواية جرير: ثم قدر أن يكون، والباقي مثله: وفي رواية همام: ثم رزقا ولدا والفرق بين القضاء والقدر من حيث اللغة، وأما من حيث الاصطلاح فالقضاء هو الأمر الكلي الإجمالي الذي في الأزل، والقدر هو جزئيات ذلك الكلي وتفاصيل ذلك المجمل الواقعة في ما لا يزال، وفي القرآن إشارة إليه * (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) * (الحجر: 12). قوله: (لم يضره) بفتح الراء وضمها. قوله: (شيطان) كذا بالتنكير، وفي رواية مسلم وأحمد لم يسلط عليه الشيطان، أو: لم يضره الشيطان، معناه: لم يسلط عليه بحيث لم يكن له العمل الصالح، وقال القاضي: لم يحمله أحد بن علي
العموم في جميع الضرر والوساوس فقيل المراد إنه لا يصرعه شيطان، وقيل: لا يطعن في بطنه عند ولادته، وفيه نظر لقوله صلى الله عليه وسلم: ما من مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان غير مريم وابنها، وقيل: لم يسلط عليه من أجل بركة التسمية، بل يكون من جملة العباد الذين قيل فيهم: * (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) * (الحجر: 24) وقيل: لم يضر في بدنه، وقيل: لم يضره بمشاركة أبيه في جماع أمه
152

كما جاء عن مجاهد: إن الذي يجامع ولا يسمى يلتف الشيطان بن علي
أحليله فيجامع معه.
76
((باب الوليمة حق))
أي: هذا باب ترجمته الوليمة حق، وليس في ألفاظ حديث الباب لفظ: حق وإنما جاء لفظ: حق، في حديث أخرجه البيهقي عن أنس مرفوعا: الوليمة في أول يوم حق، وفي الثاني معروص، وفي الثالث رياء وسمعة. ثم قال البيهقي: ليس بقوي، فيه بكر بن خنيس تكلموا فيه. قلت: قال العجلي: كوفي ثقة وأخرج الحاكم حديثه، وحسن الترمذي حديثه، وجاء لفظ: حق، أيضا في حديث رواه أبو الشيخ من حديث مجاهد عن أبي هريرة مرفوعا: الوليمة حق وسنة الحديث، وجاء أيضا في حديث أخرجه الطبراني من حديث وحشي بن حرب رفعه: الوليمة حق، والثانية معروف، والثالثة فخر. وفي رواية مسلم عن أبي هريرة قال: شر الطعام الوليمة، يدعي الغني ويترك المسكين، وهي أحق، أي: ثابت في الشرع، وليس المراد به الوجوب، خلافا لأهل الظاهر، وقد مر الكلام فيه مع الخلاف فيه في: باب الصفرة للمتزوج.
وقال عبد الرحمان بن عوف: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: أولم ولو بشاة
هذا التعليق وصله البخاري مطولا في أو كتاب البيوع، والأمر فيه للاستحباب. وعند الظاهرية للوجوب، وبه قال بعض الشافعية لظاهر الأمر، وفي التوضيح للشافعي قول آخر: إنها واجبة أي: الوليمة، وكذا روي عن أحمد، وهو مشهور مذهب مالك قاله القرطبي.
6615 حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثني الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني أنس بن مالك، رضي الله عنه، أنه كان ابن عشر سنين مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فكان أمهاتي يواظبنني على خدمة النبي صلى الله عليه وسلم، فخدمته عشر سنين وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشرين سنة، فكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل، وكان أول ما أنزل في مبتني رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب ابنة جحش، أصبح النبي صلى الله عليه وسلم، بها عروسا، فدعا القوم فأصابوا من الطعام ثم خرجوا، وبقي رهط منهم عند النبي صلى الله عليه وسلم فأطالوا المكث فقام النبي صلى الله عليه وسلم فخرج وخرجت معه لكي يخرجوا فمشى النبي صلى الله عليه وسلم ومشيت حتى جاء عتبة حجرة عائشة ثم ظن أنهم خرجوا فرجع ورجعت معه حتى إذا دخل على زينب فإذا هم جلوس لم يقوموا، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم ورجعت معه حتى إذا بلغ عتبة حجرة عائشة وظن أنهم خرجوا فضرب النبي صلى الله عليه وسلم يبني وبينه وأنزل الحجاب.
.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فدعا القوم فأصابوا من الطعام) كان للوليمة ولكن المطابقة من هذه الحيثية فقط لأنه ليس فيه ذكر لفظ: حق، كما ذكرنا. والحديث عن أنس قد مضى في: باب الهدية للعروس عن قريب.
قوله: (مقدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم)، بالنصب بن علي
الظرف، أي: زمان قدومه. قوله: (فكان أمهاتي)، ويروى: كان أمهاتي، من قبيل: أكلموني البراغيث، والأصل: وكانت أمهاتي، وأراد أمه وأخواتها يعني: خالات أنس. قوله: (يواظبني) من المواظبة بن علي
الشيء وهو الاستمرار عليه، وفي رواية الكشميهني: يواظئنني، من المواطأة بالطاء المهملة وهي: وطأت نفسي بن علي
الشيء إذا رعيته وحرصت عليه. قوله: (في مبتني) أي: زمان ابتناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش، ووقت دخوله عليها. قوله: (وبقي رهط)، وفي رواية: باب الهدية للعروس: نفر، بدل: رهط، وقال ابن الأثير: النفر رهط الإنسان وعشيرته، وهو اسم جمع يقع بن علي
جماعة الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى الشعرة ولا واحد له من لفظه، وقال: الرهط عشيرة
153

الرجل وأهله، من الرجال ما دون العشرة، وقيل: إلى الأربعين ولا يكون فيهم امرأة ولا واحد له من لفظة. قوله: (وأنزل الحجاب)، وهو قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي) * (الأحزاب: 35) الآية.
86
((باب الوليمة ولو بشاة))
أي: هذا باب فيه الوليمة حق ولو عملت بشاة، وقد ذكرنا أن معنى: معنى ثابت في الشرع، وقال ابن بطال: يعني أن الزوج يندب إليها، ويجب عليه وجوب سنة وفضيلة، وهي بن علي
قدر الإمكان الوجوب لإعلان النكاح.
7615 حدثنا علي حدثنا سفيان قال: حدثني حميد أنه سمع أنسا، رضي الله عنه، قال: سأل النبي صلى الله عليه وسلم، عبد الرحمان بن عوف وتزوج امرأة من الأنصار: كم أصدقتها؟ قال: وزن نواة من ذهب.
وعن حميد: سمعت أنسا قال: لما قدموا المدينة نزل المهاجرون على الأنصار، فنزل عبد الرحمان بن عوف على سعد بن الربيع فقال: أقاسمك مالي وأنزل لك عن إحدى امرأتي. قال: بارك الله لك في أهلك ومالك، فخرج إلى السوق فباع واشترى فأصاب شيئا من أقط وسمن، فتزوج فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أولم ولو بشاة..
مطابقته للترجمة في قوله: (أولم ولو بشاة). وعلي هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة.
قوله: (وتزوج امرأة من الأنصار) جملة حالية أي: وقد تزوج امرأة وهي بنت أبي الحيسر بن رافع بن امرئ القيس، بفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح السين المهملة وفي آخره راء، واسمه أنس بن رافع الأوسي. قوله: (وزن نواة)، بنصب النون من وزن بن علي
المفعولية، أي: أصدقت وزن نواة، ويجوز الرفع بن علي
أنه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: الذي أصدقتها وزن نواة.
قوله: (وعن حميد سمعت أنسا) عطوف بن علي
الأول قيل: ويحتمل أن يكون معلقا، والعمدة بن علي
الأول، وفي رواية الكشميهني أنه سمع أنسا مثل الذي قبله، وصرح في الكل بسماع حميد من أنس فحصل الأمن من التدليس. وأخرجه الحميدي في مسنده ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج عن سفيان بالحديث كله مفرقا، وقال في كل منهما: أنا حميد أنه سمع أنسا، وأخرجه ابن أبي عمر في مسنده عن سفيان ومن طريقه الإسماعيلي، فقال: عن حميد عن أنس وسق الجميع حديثا واحدا، وقدم القصة الثانية بن علي
الأولى كما في رواية غير سفيان، والبخاري فرقه حديثين: فذكر في الأول: سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن عن قدر الصداق، وفي الثاني: أول القصة، قال: لما قدموا المدينة إلخ، وروي البخاري هذا الحديث في أوائل النكاح في: باب قول الرجل: أنظر أي زوجتي شئت؟ من طريق سفيان الثوري، وفي: باب الصفرة للمتزوج من رواية مالك، وفي فضل الأنصار من طريق إسماعيل بن جعفر، وفي أول البيوع من رواية زهير بن معاوية، وسيأتي في الأدب من رواية يحيى القطان، كلهم عن حميد عن أنس، ومضى في: باب ما يدعى للمتزوج من رواية ثابت، وفي: باب * (وآتوا النساء صدقاتهن) * (النساء: 4) عن عبد العزيز بن صهيب وقتادة كلهم عن أنس.
قوله: (بن علي
سعد بن الربيع) والربيع هو ابن عمرو بن أبي زهير الأنصاري الخزرجي عقبي بدري نقيب، كان أحد نقباء الأنصار، وكان كاتبا في الجاهلية وشهد العقبة الأولى والثانية وشهد بدرا وقتل يوم أحد شهيدا، وكان ذا غنى. قوله: (إحدى امرأتي) بفتح التاء ويشديد الياء، وفي رواية إسماعيل بن جعفر: ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك أطلقها، فإذا حلت تزوجتها. وفي حديث عبد الرحمن بن عوف. فأقسم لك نصف مالي وانظر أي زوجتي هويت فأنزل لك عنها، فإذا حلت تزوجتها. ونحوه. وفي رواية يحيى بن سعيد، وفي لفظ: فانظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، وفي رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أحمد. فقال له سعد: أي أخي إنا أكثر أهل المدينة مالا فانظر شطر مالي فخذه، وتحتى امرأتان فانظر أيهما أعجب إليك حتى أطلقها. وقيل: اسم إحدى امرأتيه عمرة بنت حزم الأنصارية، واسم الأخرى: حبيبة بنت زيد ابن أبي زهير. قوله: (أولم ولو بشاة) قال بعضهم: كلمة: لو، هنا للتمني. قلت: ليس كذلك، بل هي للتقليل نحو: تصدقوا ولو بظلف محرقة.
154

8615 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن ثابت عن أنس قال: ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من نسائه ما أولم على زينب، أولم بشاة.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة. حماد هو ابن زيد.
والحديث أخرجه مسلم في النكاح عن أبي الربيع وأبي كامل وقتيبة. وأخرجه أبو داود في الأطعمة عن قتيبة ومسدد. وأخرجه النسائي في الوليمة عن قتيبة. وأخرجه ابن ماجة في النكاح عن أحمد بن عبدة.
قوله: (ما أولم بن علي
زينب) أي: زينب بنت جحش. قوله: (أولم بشاة) هذا ليس للتحديد، وإنما وقع اتفاقا. وقال القاضي عياض: الإجماع بن علي
أنه لأحد لأكثرها، وقال بعضهم: وقد يؤخذ من عبارة صاحب التنبيه من الشافعية: أن الشاة حد لأكثر الوليمة لأنه قال: وأكملها شاة. قلت: لم لا يجوز أن يكون معنى: أكملها بالنسبة إلى التمر والأقط والسمن المذكورة في ولائم النبي الله صلى الله تعالى عليه وسلم؟ أو يكون معناه. أفضلها بالنسبة إلى الأشياء المذكورة.
9615 حدثنا مسدد عن عبد الوارث عن شعيب عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعتق صفية وتزوجها وجعل عتقها صداقها، وأولم عليها بحيس.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وعبد الوارث هو ابن سعيد البصري، وشعيب بن الحبحاب بالحاءين المهملتين وسكون الباء الموحدة الأولى، أبو صالح البصري.
والحديث أخرجه مسلم في النكاح عن زهير بن حرب وغيره. وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن منصور وغيره، وقد مر وجوه في جعل العتق الصداق، وأصحها أنه صلى الله عليه وسلم أعتقها تبرعا ثم تزوجها برضاها بلا صداق. قوله: (بحيس) قد مر تفسيره عن قريب، فإن قلت: قد مضى في: باب اتخاذ السراري من طريق حميد عن أنس: أنه أمر بالأنطاع فألقي فيها من الأقط والتمر والسمن، فكانت وليمة قلت: لا مخالفة بينهما لأن هذه من أجزاء الحيس.
07615 حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا زهير عن بيان قال: سمعت أنسا يقول: نبي النبي صلى الله عليه وسلم، بامرأة فأرسلني فدعوت رجالا إلى الطعام.
.
هذا وجه آخر عن أنس بن مالك. وهو الحديث الخامس كله عنه.
وزهير مصغر زهر هو ابن معاوية الجعفي، وبيان، بفتح الباء الموحدة وتخفيف الياء آخر الحروف وبالنون: هو ابن بشر الأحمسي.
والحديث أخرجه الترمذي في التفسير عن عمر بن إسماعيل وقال: حسن غريب. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن حاتم.
قوله: (بني النبي صلى الله عليه وسلم) من البناء وهو الدخول بزوجته، وقد ذكر غير مرة. قوله: (بامرأة) هي زينب بنت جحش، قاله الكرماني. قلت: هو كذلك، وقط ظهر ذلك من رواية الترمذي لأنه ذكر فيه نزول. قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي) * (الأحزاب: 35) الآية، وهذا في قصة زينب لا محالة، ومضى شرحها في سورة الأحزاب.
96
((باب من أولم على بعض نسائه أكثر من بعض))
أي: هذا باب في بيان من أولم بن علي
بعض نسائه أكثر من بعض.
1715 حدثنا مسدد حماد بن زيد عن ثابت قال: ذكر تزويج زينب ابنة جحش عند أنس، فقال: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أولم على أحد من نسائه ما أولم عليها! أولم بشاة.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث أخرجه مسلم أيضا وقال الكرماني: لعل السر في أنه صلى الله عليه وسلم أولم بن علي
زينب أكثر كان شكرا لنعمة الله عز وجل، لأنه زوجه، إياها بالوحي إذا قال تعالى: قوله: * (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) * (الأحزاب: 73) قال ابن بطال: لم يقع ذلك قصدا لتفضيل بعض النساء بن علي
بعض، بل باعتبار ما اتفق، وأنه لو وجد الشاة في كل منهن لأولم بها. لأنه كان أجود الناس، ولكن كان لا يبالغ في أمور الدنيا كالتأنق، وقيل: كان ذلك لبيان الجواز، وقال صاحب التوضيح: لا شك أن من زاد في وليمته فهو أفضل لأن ذلك زيادة في الإعلان واستزادة من الدعاء بالبركة في الأهل والمال. قلت: الذي ذكره الكرماني هو أحسن
155

الوجوه. فإن قلت: قد نفي أنس أن يكون أولم بن علي
غير زينب بأكثر مما أولم عليها، وقد أولم بن علي
ميمونة بنت الحارث لما تزوجها في عمرة القضية بمكة بأكثر من شاة. قلت: ففيه محمول بن علي
ما انتهى إليه علمه، أو لما وقع من البركة في وليمتها حيث أشبع المسلمين خبزا ولحما من الشاة الواحدة. ولأن قضية ميمونة كانت بعد فتح خيبر، وكانت التوسعة موجودة في ذلك الوقت بالتوسعة الحاصلة من فتح خيبر.
07
((باب من أولم بأقل من شاة))
أي: هذا باب في بيان من أولم بأقل من شاة، وإنما ذكر هذا للتنصيص الذي وقع فيه وإن كان هذا مستفادا من الأحاديث التي قبلها.
2715 حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن منصور بن صفية عن أمه صفية بنت شيبة قالت: أولم النبي صلى الله عليه وسلم، على بعض نسائه بمدين من شعير.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ومحمد بن يوسف هو الفريابي كما جزم به الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما وسفيان هو الثوري، وقال الكرماني ما ملخصه: إنه يحتمل أن يكون محمد بن يوسف البيكندي، وسفيان هو ابن عيينة لأن كلا من المحمدين روي عن السفيانين، ولا قدح في الإسناد بهذا الالتباس لأن كلا منهما بشرط البخاري، ومنصور هو ابن عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث بن طلحة بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب العبدري الحجبي المكي، قال أبو حاتم: صالح الحديث، وكان خاشعا بكاء، قتل جده الحارث كافرا يوم أحد، قتله قزمان، وصفية بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة مختلف في صحبتها وكانت أحاديثها مرسلة، وقال الحافظ الدمياطي: والصحيح في رواية صفية عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أبو الحسن رحمه الله: انفرد البخاري بالإخراج عن صفية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي من الأحاديث التي تعد فيما أخرج من المراسيل. وقد اختلف في رؤيتها النبي صلى الله عليه وسلم. وقال البرقاني: وصفية هذه ليست بصحابية فحديثها مرسل. وقال البرقاني: ومن الرواة من غلط فيه فقال: عن منصور بن صفية عن صفية بنت حيي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما ذكره الإسماعيلي في كتابه قال: هذا غلط لا شك فيه، وقال البرقاني: روى هذا الحديث عبد الرحمن بن مهدي ووكيع بن اليمان عن الثوري فجعلوه من رواية صفية بنت شيبة، ورواه أبو أحمد الزبيري ومؤمل بن إسماعيل ويحيى بن اليمان، عن الثوري فقالوا فيه: عن صفية بنت شيبة عن عائشة، قال: والأول أصح فإن قلت: ذكر المزي في الأطراف أن البخاري أخرج في كتاب الحج، عقيب حديث أبي هريرة وابن عباس في تحريم مكة، قال: وقال أبان بن صالح: عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم... مثله، قال: ووصله ابن ماجة من هذا الوجه قلت: قال المزي أيضا: لو صح هذا لكان صريحا في صحبتها، لكن أبان بن صالح ضعيف، وكذا ضعفه ابن عبد البر في التمهيد قلت يحيى بن معين وأبو حاتم وأبو زرعة وآخرون وثقوه، وذكر المزي أيضا حديث صفية بنت شيبة قالت: طاف النبي صلى الله عليه وسلم بن علي
بعير يستلم الركن بمحجن وأنا أنظر إليه أخرجه أبو داود وابن ماجة، وقال المزي: وهذا يضعف قول من أنكر أن يكون لها رؤية فإن إسناده حسن، قيل: إذا ثبت رؤيتها فما المانع أن تسمع خطبته. ولو كانت صغيرة.
قوله: (بن علي
بعض نسائه)، لم يدر تعيينها صريحا، قيل: أقرب ما يفسر به أم سلمة، رضي الله تعالى عنها، فقد أخرج ابن سعد عن الواقدي بسند له إلى أم سلمة، قالت: لما خطبني النبي صلى الله عليه وسلم فذكر قصة تزويجه بها، قالت أم سلمة: فأدخلني بيت زينب بنت خزيمة فإذا جرة فيها شيء من شعير، فأخذته فطحتنه ثم عصدته في البرمة وأخذت شيئا من إهالة فأدمته، فكان ذلك طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (بمدين من شعير)، وهما نصف صاع لأن المدين تثنية مد. والمد ربع الصاع.
وفيه: أن الوليمة تكون بن علي
قدر الموجود واليسار وليس فيها أحد لا يجوز الاقتصار بن علي
دونه.
17
((باب إجابة الوليمة والدعوة ومن أولم سبعة أيام ونحوه ولم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم يوما ولا يومين))
156

أي: هذا في باب بيان إجابة الوليمة، وفي بعض النسخ: باب حق إجابة الوليمة، وقد ذكرنا فيما مضى عن قريب أن الوليمة طعام العرس والأملاك، وقيل: طعام العرس خاصة، وقال أبو عمر: أجمعوا بن علي
وجوب الإتيان إلى الوليمة في العرس، واختلفوا فيما سوى ذلك.
قوله: (والدعوة)، بفتح الدال وبضمها في الحرب، وبكسرها في النسب، وعطف الدعوة بن علي
الوليمة من عطف العام بن علي
الخاص لأن الوليمة مختصة بطعام العرس، وقد وردت أحاديث كثيرة في إجابة الدعوة. منها: حديث أبي موسى المذكور في الباب، وكذا حديث البراء فيه. قوله: (ومن أولم سبعة أيام)، عطف بن علي
قوله: إجابة الدعوة، أي: وفي بيان من أولم سبعة أيام ونحوها... أي: نحو سبعة أيام، وليس في بعض النسخ لفظ: نحوها، قيل: إن البخاري ترجم بن علي
جواز الوليمة سبعة أيام ولم يأت فيه بحديث، فاستدل بن علي
جواز سبعة أيام ونحوها بإطلاق الأمر بإجابة الداعي من غير تقييد، فاندرج فيه السبعة المدعي أنها ممنوعة. وقال صاحب التلويح كأن البخاري، رضي الله تعالى عنه، أراد بقوله: (ومن أولم سبعة أيام) ما رواه البيهقي بسند صحيح من حديث وهيب عن أيوب عن محمد: حدثتني حفصة أن سيرين عرس بالمدينة فأولم، فدعا الناس
سبعا، فكان فيمن دعى أبي بن كعب، رضي الله تعالى عنه، وهو صائم فدعا لهم بخير وانصرف، وكذا ذكره حماد بن زيد إلا أنه لم يذكر حفصة في إسناده وقال معمر عن أيوب: ثمانية أيام، والأول أصح، ورواه ابن أبي شيبة أيضا من طريق حفصة بنت سيرين، قالت: لما تزوج أبي دعا الصحابة سبعة أيام، فلما كان يوم الأنصار دعا أبي بن كعب وزيد بن ثابت وغيرهما فكان أبي صائما فلما طعموا دعا أبي وأثنى. قوله: (ولم يوقت) أي: لم يعين النبي الله صلى الله تعالى عليه وسلم، للوليمة يوما لا يومين للإيجاب أو للاستحباب، وذلك يقتضي الإطلاق ويمنع التحديد إلا بحجة يجب التسليم لها. فإن قلت: روي أبو داود بسند صحيح عن عبد الله بن عثمان الثقفي عن رجل أعور من بني ثقيف، كان يقال له زهير معروف أي: يثنى عليه خيرا، وإن لم يكن اسمه زهير بن عثمان فلا أدري ما اسمه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الوليمة أول يوم حق، والثاني معروف، واليوم الثالث رياء وسمعه. انتهى. فكيف يقول البخاري: ولم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم يوما لا يومين؟ قلت: قالوا إنه لم يصح عنده وقال في تاريخه الكبير: لا يصح إسناده ولا يعرف له صحبة، ولما ذكره أبو عمر تبع البخاري فقال: في إسناده نظر، يقال: إن حديثه مرسل وليس له غيره. ولكن قال غيره: هذا حديث صحيح سنده حسن متنه، وإذا لم يعرفه هو فقد عرفه غيره، وقال ابن حبان في كتاب الصحابة: له صحبة، وذكره في جملتهم من غير تردد جماعة كثيرة منهم ابن أبي خيثمة في تاريخه الأوسط وأبو أحمد العسكري والترمذي في تاريخه وابن السكن وابن قانع وأبو عمرو الفلاس وأبو الفتح الأزدي في كتابه المخزون والبغويان أحمد في مسنده الكبير وابن بنته، وقال: لا أعلم لزهير غير هذا: وأبو حاتم الرازي وأبو نعيم وابن منده الأصبهانيان ومحمد بن سعد كاتب الواقدي وذكر غير واحد أن الحسن روي عنه فإن قلت: دخل بينهما عبد الله بن عثمان قلت: لا يضر ذلك لأنه معدود أيضا في جملة الصحابة عند أبي موسى المديني، وقال أبو القاسم الدمشقي: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم واستشهد باليرموك. فإن قلت: روي النسائي عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا. قلت: لا يضر ذلك الحديث لأن الحسن صاحب فتوى وفقه، فربما يسأل عن شيء يكون مسندا فيذكره بغير سند، وربما ينشط فيذكر سنده، وهذه عاده أشباهه من أصحاب الفتوى، ولئن سلمنا للبخاري في إرساله فالاصطلاح الحديثي: أن المرسل إذا جاء نحوه مسندا من وجه آخر قوى حتى لو عارضه حديث صحيح لكان الرجوع إليهما أولى، وقد مر أن لمتنه أصلا فلذلك حكموا بن علي
المتن بالحسن، من ذلك ما رواه عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، قال: طعام أول يوم حق، وطعام يوم الثاني سنة، وطعام يوم الثالث سمعة ومن سمع سمع الله به، رواه الترمذي وانفرد به، وقال: لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث زياد بن عبد الله وهو كثير الغرائب والمناكير، ومنه ما رواه ابن ماجة من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الوليمة أول يوم حق، والثاني معروف، والثالث رياء وسمعة، وفي سنده عبد الملك بن حسين النخعي الواسطي تكلم فيه غير واحد، ومنه ما رواه البيهقي من حديث أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوليمة أول يوم حق، والثاني معروف، والثالث رياء وسمعة، وقال صاحب التلويح: سنده صحيح فإن قلت: قد قال البيهقي: ليس هذا الحديث بقوى وفيه بكير بن خنيس تكلموا فيه. قلت: أثنى عليه جماعة منهم أحمد بن صالح
157

العجلي، قال: كوفي ثقة، وقال البرقي عن يحيى بن معين: لا بأس به، وخرج الحاكم حديثه في المستدرك.
3715 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها.
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث أخرجه في النكاح عن يحيى بن يحيى. وأخرجه أبو داود في الأطعمة عن القعنبي وأخرجه النسائي في الوليمة عن أبي قدامة عبيد الله بن سعيد. قوله: (فليأتها) أي: فليحضرها. وقيل: فليأت مكاتبها. أي: مكان الوليمة، واختلف في هذا الأمر فقال الكرماني: والأصح أنه إيجاب، وقد مر الكلام فيه فيما مضى عن قريب.
4715 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان قال: حدثني منصور عن أبي وائل عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فكوا العاني وأجيبوا الداعي وعودوا المريض.
.
مطابقته للترجمة في قوله: (وأجيبوا الداعي) ويحيى هو القطان، وسفيان هو الثوري، ومنصور بن المعتمر، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وأبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري.
والحديث قد مر في الجهاد في: باب فكاك الأسير.
قوله: (العاني) أي: الأسير وقال ابن التين: (وأجيبوا الداعي) يريد إلى وليمة العرس. وقال الكرماني: الداعي أعم من أن يكون إلى وليمة العرس أو إلى غيرها. ولكنه خص بإجابة صاحب الوليمة لما فيه من الإعلان بالنكاح وإظهار أمره. فإن قلت: فالأمر مستعمل بإطلاق واحد في الإيجاب والندب وذلك ممنوع عند الأصوليين. قلت: جوزه الشافعي وأما عند غيره فيحمل بن علي
عموم المجاز. قوله: (وعودوا المريض) ويروى: وعوداو المرضى بالجمع.
5715 حدثنا الحسن بن الربيع حدثنا أبو الأحوص عن الأشعث عن معاوية بن سويد، قال: قال البراء بن عازب، رضي الله تعالى عنهما: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنازة وتشميت العاطس وإبرار القسم ونصر المظلوم وإفشاء السلام وإجابة الداعي، ونهانا عن خواتيم الذهب
وعن آنية الفضة وعن المياثر والقسية الإستبرق والديباج.
.
مطابقته للترجمة في قوله: (وإجابة الداعي). وأبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي مولى بني حنيفة، والأشعث هو ابن أبي الشعثاء بالمثلثة فيها واسم أبي الشعثاء سليم المحاربي، ومعاوية بن سويد بضم السين المهملة وفتح الواو.
ورجال السند كلهم كوفيون، والبراء أيضا نزل الكوفة.
والحديث مر في كتاب الجنائز في: باب اتباع الجنائز.
قوله: (وتشميت العاطس) بالشين المعجمة وبالمهملة أيضا، والأول أفصح اللغتين وهو الدعاء بالخير والبركة. قوله: (وإبرار القسم) هو تصديق من أقسم عليك، وهو أن تفعل ما سأله، يقال: أبر القسم إذا صدقه وقيل: المراد أنه لو حلف أحد بن علي
أمر مستقبل وأنت تقدر بن علي
تصديق يمينه كما لو أقسم. أن لا يفارقك حتى تفعل كذا وأنت تستطيع فعله فافعله لئلا يحنث، ويروى: وإبراز المقسم بن علي
صيفه اسم الفاعل من أقسم قوله: (وإجابة الداعي) وروي أبو الشيخ من حديث إسرائيل عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقبلوا الهدية وأجيبوا الداعي، وعند مسلم عن جابر يرفعه: إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائما فليصل، وإن كان مفطرا فليطعم. وفي لفظ: إن شاء طعم وإن شاء ترك، وعند أحمد عن أنس: أن يهوديا دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه، وعنده أيضال من حديث أبي هريرة عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عنه: شر الطعام طعام الوليمة تدعى لها الأغنياء وتترك الفقراء، ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله. قوله: (وعن المياثر). جمع الميثرة بفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة والراء: وهي فراش صغير من الحرير محشو بالقطن يجعله الراكب تحته. قوله: (والقسية) بفتح القاف وتشديد السين المهملة وتشديد الياء آخر
158

الحروف: ضرب من ثياب كتان مخلوط بحرير ينسب إلى قرية بالديار المصرية. قلت: القسي، بلدة كانت بن علي
ساحل البحر بالقرب من دمياط ركب عليها البحر فاندرست وكان ينسج فيها القماش من الحرير ولا يوجد له نظير من حسنه، وقال الكرماني: وقيل: هو القز وهو الرديء من الحرير أبدلت الزاي سينا. قوله: (والإستبرق) وهو ما غلظ من الحرير. وهي لفظة أعجمية معربة لأصلها باستبره (والديباج) الثياب المتخذة من الإبر يسم، فارسي معرب وقد يفتح أوله ويجمع بن علي
ديابيح وديابيج بالياء والباء لأن أصله دباج بالتشديد قال الكرماني: فإن قلت: المنهي عنها ست لا سبع؟ قلت: السابع هو الحرير، وسيجئ صريحا في كتاب اللباس.
تابعه أبو عوانة والشيباني عن أشعث في إفشاء السلام
أي: تابع أبا الأحوص سلام بن سليم المذكورأبو عوانة بفتح العين المهملة الوضاح بن عبد الله اليشكري في رواي عن أشعث المذكور في إفشاء السلام، يعني في رواية بلفظ: إفشاء السلام. لأن غيره روي رد السلام وهو رواية شعبة عن أشعث كما مر في الجنائز فإن فيها ورد السلام، ووصل هذه المتابعة البخاري أيضا في كتاب الأشربة في: باب آنية الفضة حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن الأشعث إلى آخره، ولفظه: وإفشاء السلام. قوله: (والشيباني) أي: تابع أبا الأحوص أيضا أبو إسحاق سليمان الشيباني، في رواية عن أشعث بلفظ: إفشاء السلام، ووصل هذه المتابعة البخاري أيضا في كتاب الاستئذان عن قتيبة عن جرير عن الشيباني عن أشعث إلى آخره: وإفشاء السلام.
6715 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: دعا أبو أسيد الساعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرسه، وكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العروس قال سهل: تدرون ما سقت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أنقعت له تمرات من الليل، فلما أكل سقته إياه.
مطابقته للترجمة ظاهرة فإن فيه دعوة أبي أسيد النبي صلى الله عليه وسلم وإجابة النبي صلى الله عليه وسلم إياه، واسم أبي حازم سلمة بن دينار يروي عن سهل بن سعد ويروي عنه ابنه عبد العزيز. وقال الكرماني: ويروي عبد العزيز بن أبي حازم عن سهل وهو سهو إذ لا بد أن يكون بينهما أبوه أو رجل آخر.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأشربة عن علي. وأخرجه مسلم في الأشربة عن قتيبة. وأخرجه ابن ماجة في النكاح عن محمد بن الصباح.
قوله: (أبو أسيد) بضم الهمزة وفتح السين: مصغر أسد، وقيل بفتح الهمزة وكسر السين، والصواب الأول واسمه مالك بن ربيعة الساعدي، وقيل: إنه آخر من مات من البدريين سنة ستين أو خمس وستين، له عقب بالمدينة وبغداد. قوله: (وكانت امرأته) أي: امرأة أبي أسيد، واسمها سلامة ابنة وهب بن سلامة بن أمية. قوله: (خادمهم) لفظ الخادم يقع بن علي
الذكر والأنثى، وكان ذلك قبل نزول الحجاب. قوله: (وهي العروس) أي: وكانت خادمهم امرأة أبي أسيد هي العروس. وقد مر أن العروس يطلق بن علي
كل من الزوجين، قال صاحب العين: رجل عروس في رجال عرس وامرأة عروس في نساء عرس، قال: والعروس نعت استوى فيه المذكر والمؤنث ما داما في تعريسهما، أما إذا عرس أحدهما بالآخر فالأحسن أي يقال للرجل: معرس لأنه قد أعرس أي: اتخذ عروسا. قوله: (تدرون) همزة الاستفهام فيه مقدرة أي: أتدرون؟ قوله: (ما سقت) أي: امرأة أبي أسيد العروس. قوله: (أنقعت) بن علي
لفظ الغائبة من الماضي من أنقعت الشيء في الماء، ويقال: طال إنقاع الماء واستنقاعه ومادته نون وقاف وعين مهملة. قوله: (فلما أكل)، أي: النبي صلى الله عليه وسلم (الطعام سقته إياه) أي: سقت نقيع النبي الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
وفيه: إجابة الدعوة وقد ذكرنا الاختلاف فيه إذا كانت لغير العرس من الدعوات، فقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري ومالك: يجب إتيان وليمة العرس ولا يجب إتيان غيرها من الدعوات، ومن شرط الإجابة أن لا يكون هناك منكر، وقد رجع ابن مسعود وابن عمر، رضي الله تعالى عنهم. لما رأيا تصاوير ذات الأرواح.
27
((باب من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله))
أي: هذا باب في بيان حال من ترك الدعوة أي: إجابة الدعوة، وظاهره يقتضي أن يكون المعنى من ترك دعوة الناس ولم يدع
159

أحدا، وليس كذلك لأن العصيان عند ترك الإجابة لدلالة الحديث عليه. فإن قلت: قوله صلى الله عليه وسلم الوليمة حق، يقتضي العصيان عند ترك الدعوة. قلت: قد ذكرنا أن معنى: حق، غير باطل ولا خلاف أن الوليمة في العرس سنة مشروعة وليست بواجبة وما ورد فيه من الأمر فمحمول بن علي
الاستحباب.
7715 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أنه كان يقول: شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء، ومن ترك الدعوة فقد عضى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
مطابقته للترجمة ظاهرة. والأعرج عبد الرحمن بن هرمز، وقال الكرماني: الزهري يروي عن الرجلين كلاهما أعرج واسمهما عبد الرحمن: أحدهما: عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي. والثاني: عبد الرحمن بن سعد المخزومي، والظاهر أن هذا هو الأول لا الثاني. وفي رجال البخاري: أعرج آخر ثالث يروي عن أبي هريرة اسمه ثابت بن عياض القرشي، ويقال له: الأحنف. قلت: كأن الكرماني: يستغرب هذاحتى ذكره، ومثل هذا الذي تتفق أسماؤهم وأسماء آبائهم في الرواة كثير، فيحصل التمييز بينهم بالقرائن.
والحديث أخرجه مسلم في النكاح عن يحيى بن يحيى وغيره. وأخرجه أبو داود في الأطعمة عن القعنبي عن مالك به. وأخرجه النسائي في الوليمة عن قتيبة. وأخرجه ابن ماجة في النكاح عن علي بن محمد الطنافسي وهذا موقوف بن علي
أبي هريرة، وقال أبو عمران: رجل رواة مالك لم يصرحوا برفعه، وقال فيه روح بن القاسم عن مالك بسنده. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وكذا أخرجه الدارقطني في غرائب مالك من طريق إسماعيل بن مسلمة بن قعنب عن مالك، وقال ابن بطال: أول هذا الحديث موقوف وآخره يقتضي رفعه لأن مثله لا يكون رأيا.
قوله: (شر الطعام)، قال الكرماني: ما معنى قوله: شر مطلقا، وقد يكون بعض الأطعمة شرا منها، ثم أجاب بأن المراد شر أطعمة الولائم طعام وليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء، وقال القاضي البيضاوي: أي من شر الطعام، كما يقال: شر الناس من أكل وحده، أي: من شرهم، وإنما سماه شرا لما ذكر عقيبه فكأنه قال: شر الطعام طعام الوليمة الت شأنها ذلك، وقال الطيبي: شيخ شيخي التعريف في الوليمة للعهد الخارجي إذ كان من عادتهم دعوة الأغنياء وترك الفقراء. قوله: (يدعي) إلى آخره استئناف بيان لكونها شر الطعام فلا يحتاج إلى تقدير: من لأن الرياء شرك خفي. قوله: (ومن ترك الدعوة)، حال والعامل يدعى يعني: يدعى الأغنياء. لها والحال أن الإجابة واجبة فيجيب المدعو ويأكل شر الطعام، ووقع في لفظ مسلم: بئس الطعام طعام الوليمة، وفي لفظ له مثل لفظ البخاري. قوله: (ويترك الفقراء)، وفي رواية الإسماعيلي من طريق معن بن عيسى بن مالك: المساكين، بدل: الفقراء. قوله: (ومن ترك الدعوة)، وفي لفظ مسلم: فمن لم يأت الدعوة، وفي لفظ: (ومن لم يجب الدعوة). قوله: (يدعي لها)، ويروي: يدعي إليها، والجملة حالية، وفي رواية ثابت الأعرج: يمنعها من يأتيها ويدعي إليها من يأباها، وفي رواية الطبراني من حديث ابن عباس: بئس الطعام طعام الوليمة يدعي إليه الشبعان ويحبس عنه الجيعان. قوله: (ومن ترك الدعوة) أي: إجابة الدعوة، وقد مضى الكلام فيه في الترجمة، ووقع في رواية لابن عمر: (من دعى إلى وليمة فلم يأتها فقد عصى الله ورسوله). فهذا دليل وجوب الإجابة لأن العصيان لا يطلق إلا بن علي
ترك الواجب، وقال ابن بطال: لا خلاف بين الصحابة والتابعين في وجوب الإجابة إلى دعوة الوليمة إلا ما روي عن ابن مسعود أنه قال: (نهينا أن نجيب دعوة من يدعو الأغنياء ويترك الفقراء). وقد دعا ابن عمر في دعوته الأغنياء والفقراء، فجاءت قريش والمساكين معهم، فقال ابن عمر للمساكين: ههنا اجلسوا لا تفسدوا عليهم ثيابهم فإنا سنطعمكم مما يأكلون. وقال ابن حبيب: ومن فارق السنة في وليمة فلا دعوة له ولا معصية في ترك إجابته، وقد حدثني ابن المغيرة أنه سمع سفيان الثوري يقول: إنما تفسير إجابة الدعوة إذا دعاك من لا يفسد عليك دينك ولا قلبك، وقال الكرماني: فإن قلت: أوله أي: أول الحديث مرغب عن حضور الوليمة بل محرم وآخره مرغب فيه، بل موجب. قلت: الإجابة
160

لا تستلزم الأكل فيحضر ولا يأكل، فالترغيب في الإجابة والتحذير عن الأكل انتهى. قلت: المحرم فعل صاحب الطعام وليس يحرم الطعام لدعوة الأغنياء وترك الفقراء. وروي عن أبي هريرة أنه كان يقول: أنتم العاصون في الدعوة، تدعون من لا يأتي وتدعون من يأتيكم وقوله: والتحذير عن الأكل فيه نظر لأن الأكل مأمور به إلا إذا كان صائما لحديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم: إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان مفطرا فليطعم، وإن كان صائما فليصل أي: فليدع، وفعله ابن عمر ومد يده وقال: بسم الله، كلوا. فلما مد القوم أيديهم، قال: كلوا فإني صائم. وقال قوم: ترك الأكل مباح وإن لم يصم إذا أجاب الدعوة، وقد أجاب علي بن أبي طالب، رضي الله
تعالى عنه، ولم يأكل. قلت: إباحة ترك الأكل بن علي
زعم هؤلاء القوم لا يستلزم التحذير عنه كما قاله الكرماني فيما مضى الآن، والترغيب عن الأكل. ويمكن أن عليا ترك الأكل لكونه صائما، وهذا ابن عمر صرح بأنه صائم وتركه الأكل كان لكونه صائما لوجوب التحذير عنه.
37
((باب من أجاب إلى كراع))
أي: هذا باب في بيان من أجاب إلى دعوة فيها كراع، وفي بعض النسخ: باب من دعي إلى كراع، والكراع، بضم الكاف وتخفيف الراء وبالعين المهملة: مستدق الساق من الرجل ومن حد الرسغ من اليد وهو من البقر والغنم بمنزلة الوظيف من الفرس والبعير. وقيل: الكراع ما دون الكعب من الدواب، وقال ابن فارس: كراع كل شيء طرفه.
8715 حدثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو دعيت إلى كراع لأجبت ولو أهدي إلي ذراع لقبلت.
(انظر الحديث 8652).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبدان لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة، وأبو حمزة بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون السكري المروزي، والأعمش سليمان بن مهران، وأبو حازم سلمان الأشجعي، جالس أبا هريرة خمس سنين وتوفي في حدود المائة.
والحديث أخرجه أيضا في كتاب الهبة في: باب القليل من الهبة وأخرجه النسائي في الوليمة عن بشر بن خالد العسكري.
قوله: (لو دعيت) بن علي
صيغة المجهول. قوله: (إلى كراع) المراد به كراع الشاة، وقد مر تفسير الكراع آنفا، وقال بعضهم: وزعم بعض الشراح أن المراد بالكراع في هذا الحديث المكان المعروف بكراع الغميم بفتح الغين المعجمة وهو موضع بين مكة والمدينة، وزعم أنه أطلق ذلك بن علي
سبيل المبالغة في الإجابة، ولو بعد المكان. انتهى. قلت: هذا نفلة الكرماني في شرحه حيث قال: في كراع، المراد عند الجمهور كراع الشاة، وقيل: هو كراع الغميم بفتح الغين المعجمة وهو موضع بن علي
مراحل من المدينة من جهة مكة، هذا كلامه في شرحه وهو نقل هذا بقوله، وقيل: وما زعم وهو بذلك فكيف يقول هذا القائل: وزعم بعض الشراح؟ وكان ينبغي أن يقول: ونقل بعض الشراح كذا وكذا. قوله: (لو أهدي) بن علي
صيغة المجهول من الإهداء واللام في (لأجبت) وفي (لقبلت) للتأكيد، وصرح الغزالي في الإحياء بأنه كراع الغميم حيث قال: ولو دعيت إلى كراع الغميم، وكان ينبغي لهذا القائل أن يناقشه في هذه الزيادة، زيادة بن علي
قوله، ولا أصل لهذه الزيادة.
وفي هذا الحديث: دليل بن علي
حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وتواضعه وجبره لقلوب الناس، وعلى قبول الهدية وإن كانت قليلة، وإجابة من يدعو الرجل إلى منزله، ولو أعلم أن الذي يدعوه إليه قليل، وقال المهلب: لا باعث بن علي
الدعوة إلى الطعام إلا صدق المحبة وسرور الداعي بأكل المدعو من طعامه والتحبب إليه بالمواكلة وتوكيد الذمام معه بها، فلذلك حض النبي صلى الله عليه وسلم بن علي
الإجابة ولو كان المدعو إليه نزرا.
47
((باب إجابة الداعي في العرس وغيرها))
أي: هذا باب في بيان إجابة الداعي، أي: في إجابة المدعو الداعي. والمصدر مضاف إلى مفعوله، وطوى ذكر الفاعل. قوله: (في العرس) بضم الراء وسكونهاوهو طعام الوليمة، وهو الذي يعمل عند العرس يسمى عرسا باسم سببه. قوله: (وغيره) أي: وغير العرس أي: وإجابة الداعي في غير العرس نحو طعام الختان وطعام قدوم المسافر ونحو ذلك، وروي مسلم من حديث الزبيدي عن نافع
161

عن عبد الله بن عر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دعي إلى عرس ونحوه فليجب.
9715 حدثنا علي بن عبد الله بن إبراهيم حدثنا الحجاج بن محمد قال: قال ابن جريج: أخبرني موسى بن عقبة عن نافع، قال: سمعت عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجيبوا هاذه الدعوة إذا دعيتم لها، قال: وكان عبد الله يأتي الدعوة في العرس وغير العرس وهو صائم.
(انظر الحديث 3715).
مطابقته للترجمة فيقوله: (وكان عبد الله) إلى آخره. وعلي بن عبد الله بن إبراهيم البغدادي أخرج البخاري عنه هنا فقط، وسئل البخاري عنه فقال: متقن، وابن جريج
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج.
والحديث أخرجه مسلم أيضا في النكاح: حدثني هارون بن عبد الله حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج قال: أخبرني موسى بن عقبة عن نافع قال: سمعت عبد الله بن عمر إلى آخره نحوه، وفي آخره: ويأتيها وهو صائم.
قوله: (هذه الدعوة) أي: دعوة الوليمة. قوله: (قال) القائل هو نافع قوله: (وهو صائم) الواو فيه لحال، وأشار به إلى أن الصوم ليس بعذر في ترك الإجابة، وفائدة حضوره إرادة صاحب الوليمة التبرك به والتجمل به والانتفاع بدعائه ونحو ذلك.
وهل يستمر بن علي
صومه أو يستحب له أن يفطر إن كان صومه تطوعا فعند أكثر الشافعية وبعض الحنابلة: إن كان يشق بن علي
صاحب الدعوة صومه فالأفضل الفطر وإلا فالصوم، وأطلق الروياني استحباب الفطر، وقال أصحابنا: ينبغي للرجل أن يجيب دعوة الوليمة وإن لم يفعل فهو آثم. وإن كان صائما أجاب ودعا، وإن كان غير صائم أكل.
57
((باب ذهاب النساء والصبيان إلى العرس))
أي: هذا باب في بيان جواز ذهاب النساء والصبيان إلى وليمة العرس، وعقد هذه الترجمة لئلا يتخيل عدم جواز ذلك.
0815 حدثنا عبد الرحمان بن المبارك حدثنا عبد الوارث حدثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: أبصر النبي صلى الله عليه وسلم نساء وصبيانا مقبلين من عرس فقام ممتنا فقال: اللهم! أنتم من أحب الناس إلي.
(انظر الحديث 5873).
مطابقته للترجمة ظاهرة. و عبد الرحمن بن المبارك بن عبد الله العيشي بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة، وقال المنذري: يكنى أبا محمد، وقيل: أبا بكر، مات سنة ثمان وعشرين ومائتين، و عبد الوارث هو ابن سعيد.
ورجال الإسناد كلهم بصريون.
والحديث مضى في فضائل الأنصار في: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: أنتم أحب الناس إلى، فإنه أخرجه هناك عن أبي معمر عن عبد الوارث إلى آخره.
قوله: (أبصر) وفي فضائل الأنصار: رأى، موضع: أبصر، قوله: (مقبلين) نصب بن علي
الحال. قوله: (فقام ممتنا) بضم الميم الأولى وسكون الثانية المثناة وفتح التاء المثناة من فوق وتشديد النون أي: قام قياما قويا مأخوذ من المتنة بضم الميم وهو القوة، وحاصل المعنى: قام قياما مسرعا مشتدا في ذلك فرحا بهم، ويقال: ممتنا من الامتنان أي: منعما متفضلا مكرما لهم، هكذا فسره أبو مروان بن سراج ومال إليه القرطبي، وقال: لأن من قام له النبي صلى الله عليه وسلم وأكرمه بذلك فقد امتن عليه بشيء لا أعظم منه، ونقل ابن بطال عن القابسي، قال: قوله: (ممتنا) يعني: متفضلا عليهم بذلك فكأنه قال: يمتن عليهم بمحبته، ويروي متينا، بن علي
وزن كريم أي: قام قياما مستويا منتصبا طويلا ووقع في رواية ابن السكن: فقام يمشي، قال عياض: وهو تصحيف، ووقع في رواية فضائل الأنصار: فقام ممثلا بضم الميم الأولى وفتح الثانية وتشديد الثاء المثلثة المكسورة أي: منتصبا قائما متكلفا نفسه، وضبطه أيضا: ممثلا بضم الميم الأولى وسكون الثانية وكسر الثاء المثلثة وقد تفتح. وقال ابن التين: وأصله في اللغة من: مثل يمثل من باب كرم يكرم، ومثل يمثل من باب نصر ينصر مثولا، فهو مائل إذا انتصب قائما ووقع في رواية الإسماعيلي: مثيلا، بن علي
وزن كريم فعيل بمعنى فاعل. قوله: (اللهم) ذكره تبركا، وكأنه استشهد بالله في ذلك تأكيدا لصدقه.
وفي التوضيح وفيه: استحسان شهود النساء والصبيان للأعراس لأنها شهادة لهم علينا ومبالغة في الإعلان بالنكاح.
162

67
((باب هل يرجع إذا رأى منكرا في الدعوة؟))
أي: هذا باب فيه هل يرجع المدعو إذا رأى شيئا منكرا في مجلس الدعوة؟ وإنما ذكره بالاستفهام لمكان الخلاف فيه، ولم يشر في الباب إلى ذلك، وإنما المذكور في الباب أنه إذا رأى منكرا يرجع. قلت: قال صاحب الهداية: إجابة الدعوة سنة فلا يتركها لما اقترن بها من البدعة من غيرها، يعني: لا يترك السنة لأجل حرام اقترن بها، وهي في غيرها كصلاة الجنازة واجب الإقامة وإن حضرتها نياحة يعني: لا يتركها لأجل النياحة التي في غيرها، فإن قدر بن علي
المنع منعهم، يعني: إذا كان صاحب شوكة أو كان ذا جاه أو كان عالما مقتدي مسموع الكلمة فإنه يجب عليه المنع، وإن لم يقدر يصبر ولا يخرج لما قلنا، وإن كان المنكرعلى المائدة لا يقعد وإن لم يكن مقتدى، وهذا كله بعد الحضور، ولو علم قبل الحضور لا يحضر لأن إجابة الدعوة إنما تلزم إذا كانت بن علي
وجه السنة.
ورأى ابن مسعود صورة في البيت فرجع
عبد الله بن مسعود، هكذا وقع في رواية المستملي والأصيلي والقابسي وعبدوس، وفي رواية الباقين: أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري، وقال بعضهم: والأول تصحيف فيما أظن، فإني لم أر الأثر المعلق إلا عن أبي مسعود عقبة بن عمرو. قلت: إن بعض الظن إثم ولا يلزم من عدم رؤيته الأثر المذكور إلا عن أبي مسعود أن لا يكون أيضا لعبد الله بن مسعود، مع أن هذا القائل قال: يحتمل أن يكون ذلك وقع لعبد الله بن مسعود، فإذا كان الاحتمال موجودا كيف يحكم بالتصحيف بالظن؟
ودعا ابن عمر أبا أيوب فرأى في البيت سترا على الجدار، فقال ابن عمر: غلبنا عليه النساء، فقال: من كنت أخشى عليه فلم أكن أخشى عليك، والله لا أطعم لكم طعاما، فرجع
مطابقته للترجمة ظاهرة. ويوضح هذا الأثر أن معنى: هل يرجع؟ بالاستفهام جانب الإثبات أي: دعا عبد الله بن عمر أبا أيوب خالد بن زيد، رضي الله تعالى عنهم، وكانت دعوته في عرس ابنه سالم بن عبد الله، فلما جاء أبو أيوب إلى بيت عبد الله رأى في جدار البيت ستارة، فأنكر بن علي
عبد الله، فقال ابن عمر: غلبنا بفتح الباء الموحدة، جملة من الفعل والمفعول: والنساء بالرفع فاعله. قوله: فقال: (من كنت) إلى آخره أي: إن كنت أخشى بن علي
أحد يعمل في بيته مثل هذا المنكر ما كنت أخشى عليك. وهذا الأثر المعلق وصله أحمد في كتاب الورع ومسدد في مسنده، ومن طريقه الطبراني من رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنهم، قال: أعرست في عهد أبي، فأذن أبي الناس فكان أبو أيوب فيمن أذنا، وقد ستروا بيتي ببجاد أخضر، فأقبل أبو أيوب فاطلع فرآه، فقال: با عبد الله أتسترون الجدار؟ فقال أبي واستحيى: غلبنا عليه النساء يا أبا أيوب. فقال: من خشيك أن يغلبه النساء، فذكره والبجاد، بكسر الباء الموحدة وتخفيف الجيم: الكساء.
1815 حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن نافع عن القاسم بن محمد عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها أخبرته: أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قام على الباب فلم يدخل، فعرفت في وجهه الكراهية، فقلت: يا رسول الله! أتوب إلى الله وإلى رسوله ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال هاذه النمرقة؟ قالت: فقلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أصحاب هاذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ماخلقتم، وقال: إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة.
.
قيل لا مطابقة فيه، لأن امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن الدخول في بيت عائشة، رضي الله تعالى عنها، لم يكن لأجل المنكر في الدعوة، وإنما كان لأجل الصورة، والترجمة فيما إذا رأى منكرا هل له أن يرجع؟ وقال بعضهم: موضع الترجمة
163

منه قولها: (قام بن علي
الباب ولم يدخل) قلت: هذا مثل الأول وليس فيه ما يجدي في وجه المطابقة، ولكن يمكن أن يقال: لما كان من جملة المنكرات التي تقتضي جواز ترك إجابة الدعوة وجود الصورة فيها، احتاج إلى بيان كون الصورة من جملة الموانع عن حضور الدعوة، فذكر هذا الحديث الذي فيه ما يقتضي منع الحضور في المكان الذي فيه الصورة، سواء كان فيه دعوة أو لا.
وأخرج هذا الحديث هنا عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن نافع مولى ابن عمر عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن عمته عائشة، رضي الله تعالى عنها. وأخرجه في الملائكة في: باب إذا قال أحدكم: آمين، عن محمد بن مخلد عن ابن جريج عن إسماعيل بن أمية عن نافع إلخ ومر الكلام فيه.
قوله: (نمرقة) بضم النون، وهو الوسادة الصغيرة وبالكسر لغة، والتصاوير التماثيل، كذا قاله في المغرب قوله: (وتوسدها) أي: وتتوسدها فحذفت إحدى التاءين واللام فيه مقدرة أي: لتوسدها، قوله: (أحيوا) الأمر فيه للتعجيز.
77
((باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس))
أي: هذا باب في بيان قيام المرأة بن علي
الرجال من: قام فلان بن علي
الشيء إذا ثبت عليه، وتمسك به. قوله: (وخدمتهم) أي: وعلى خدمتهم. قوله: (بالنفس) أي: بنفسها.
2815 حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا أبو غسان قال: حدثني أبو حازم عن سهل قال: لما عرس أبو أسيد الساعدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فما صنع طعاما ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد، بلت تمرات في تور من حجارة من الليل، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته له فسقته تنحنه بذلك.
..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (إلا امرأته أم سيد بلت تمرات من تور) وأبو غسان، بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة وبالنون: محمد بن مطرف، بالطاء المهملة وكسر الراء المشددة، وأبو حازم سلمة بن دينار الأعرج، وسهل ين سعد الساعدي الأنصاري، رضي الله تعالى عنه.
والحديث أخرجه مسلم في الأشربة عن محمد بن سهل بن عسكر عن ابن أبي مريم.
قوله: (لما عرس) أي: اتخذ عروسا. قال الجوهري: يقال: أعرس ولا يقال: عرس، وهذا حجة عليه. قوله: (أبو أسيد)، بضم الهمزة بن علي
الأصح واسمه مالك بن ربيعة. قوله: (أم أسيد) بضم الهمزة وهي ممن وافقت كنيتها كنية تزوجها، واسمها سلامة بنت وهيب. قوله: (بلت)، بفتح الباء الموحدة وتشديد اللام من البلل ووقع في شرح ابن التين (ثلاث تمرات) قيل: إنه تصحيف. قوله: (في تور)، بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الواو وفي آخره راء، قال الداودي: التور قدح من أي شيء كان، ويقال: إناء يكون من نحاس وغيره، وقد بين هنا أنه من حجارة. قوله: (من الليل) يتعلق بقوله: بلت. قوله: (أماثته). بفتح الثاء المثلثة وسكون التاء المثناة من فوق، وقال ابن التين: وقع هكذا رباعيا، وأهل اللغة يقولون: ثلاثيا عاثنه بغير ألف أي: مرسته بيدها، يقال: ماثه يموثه ويميثه بالواو وبالياء، وقال الخليل: مثت الملح في الماء مثا أذبته، وقد أنماث، وعن الهروي: أماثه لغتان بالألف وبدونها قوله: (له) أي: للنبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك الضمير المنصوب في (فسقته) وفي (تتحفه) يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعنى: تتحفه من الإتحاف تقدم له تحفة، والتحفة في الأصل طرفة الفاكهة، ثم استعمل في غير الفاكهة من الألطاف. هذا هكذا رواية النسفي، وفي رواية المستملي والسرخسي: تحفة بذلك بن علي
وزن لقمة، قال الكرماني: أي هدية، وعن الأصيلي روايتان: في رواية مثل رواية المستملي، وفي أخرى: تحفة، بفتح التاء وضم الحاء والفاء المشددة: أي تخدمه وتعطف عليه بذلك، أي: بالذي بلته أم أسيد، وفي المثل: من حفنا أو رقنا فليقتصد أي: من خدمنا وتعطف علينا، وفي رواية ابن السكن: فسقته تخصه بذلك، بضم الخاء المعجمة وتشديد الصاد المهملة. فإن قلت: كيف إعرابه في هذه الوجوه المذكورة؟ قلت: في رواية: تحفه وحفه وتخصه، محلها الصب بن علي
الحال من الضمير المرفوع في قوله: فسقته، ويجوز إن يكون منصوبا بفعل مقدر تقديره: فسقته وأرادت تحفته بذك، ويجوز أن يكون منصوبا بن علي
الحال بن علي
معنى: فسقته حال كونها متحفة بذلك.
وفيه: جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه عند الأمن
164

من الفتنة، وجواز الشرب بما لا يسكر في الوليمة، وجواز، إيثار كبير القوم في الوليمة بشيء دون القوم.
87
((باب النقيع والشراب الذي لا يسكر في العرس))
أي: هذا باب في بيان اتخاذ النقيع، وهو التمر الذي ينقع في الماء ليخرج حلاوته، وكذلك الزبيب. قوله: (والشراب)، من عطف العام بن علي
الخاص لأنه أعم من نقيع التمر وغيره. قوله: (الذي لا يسكر) صفة الشراب، قيد به لأنه إذا أسكر لا يجوز شربه، وهو أيضا قيد في النقيع.
3815 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا يعقوب بن عبد الرحمان القاري عن أبي حازم قال: سمعت سهل بن سعد: أن أبا أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم، لعرصه فكانت امرأته خادمهم يومئذ وهي العروس، فقالت: أو قال: أتدرون ما أنقعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أنقعت له تمرات من الليل في تور.
.
هذا طريق آخر في حديث سهل الذي مضى في الباب الذي قبله. والقارىء، بالقاف والراء وتشديد الياء نسبة إلى قارة بنوا لهون بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر.
والحديث أخرجه البخاري: أيضا في الأشربة عن قتيبة وأخرجه النسائي في الوليمة عن قتيبة أيضا. قوله: (لعرسه)، أي: لأجل عرسه. قوله: (خادمهم) الخادم يطلق بن علي
الذكر والأنثى. قوله: (وهي العروس) الواو فيه للحال. قوله: (فقالت أو قال) بالشك. في غير رواية الكشميهني، وللكشميهني: فقالت: أتدرون، بلا شك، وعلى رواية غيره معناه: فقالت امرأة أو قال سهل: وتقدم في الرواية الماضية، قال سهل: وهي الرواية المعتمدة لأن الحديث من رواية سهل وليس لامرأته أم أسيد فيه رواية، فعلى هذا قوله: (أنقعت) في الموضعين بن علي
صيغة الماضي للغائبة، وعلى قول الكشميهني بن علي
صيغة المتكلم، يعني بضم التاء، فافهم.
97
((باب المداراة مع النساء))
أي: هذا باب في بيان مداراة النساء، من داريت زيدا أي: جاملته ولاينته. وهي بغير همز، وأما الهمز فمعناه: دافعته وليس المراد هنا، إلا المعنى الأول، وقد سوى أبو عبيدة بينهما في: باب ما يهمز، والمداراة أصل الألفة واستمالة القلوب من أجل ما جبل الله عليه وطبعهم من اختلاف الأخلاق، وقال صلى الله عليه وسلم: مداراة الناس صدقة.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم إنما المرأة كالضلع
وقول: بالجر عطفا بن علي
قوله: المداراة، أي: وفي بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما المرأة كالضلع) هذا تعليق، ووصله البخاري بحديث الباب الذي رواه عن أبي هريرة، والضلع بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام وقد تسكن اللام، إنما قال: كالضلع لأنها عوجاه كالضلع. وقال الداودي: إنما قال: كالضلع، لأنها خلقت من ضلع آدم. وعن ابن عباس: إن حواء خلقت من ضلع آدم، عليه الصلاة والسلام. الأقصر الأيسر وهو نائم. ويقال: نام آدم نومة فاستل الملك ضلعه فحلقت منه حواه فاستيقظ وهي جالسة عنده فضمها إليه.
4815 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: المرأة كالضلع إن أقمتها كسرتها وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج.
(انظر الحديث 1333 وطرفه).
مطابقته للشطر الثاني من الترجمة ولكن في الترجمة بلفظ: إنما، وفي حديث الباب بدون لفظ: إنما، ووقع في رواية الإسماعيلي من الوجه الذي أخرجه البخاري بلفظ: إنما في أوله كما في الترجمة.
وقد أخرجه الدارقطني من طريق خالد بن مخلد بلفظ: إن المرأة، وكذا أخرجه مسلم من رواية سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج بلفظ: إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك
165

على طريقة، وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز.
قوله: (المرأة) مبتدأ و (كالضلع) خبره وقوله: (إن أقمتها) إلى آخره بيان لقوله: كالضلع، ومعنى: إن أقمنها إن أردت إقامتها كسرتها. قوله: (وفيها عوج) الواو فيه للحال وهو بكسر العين وفتح الواو، وقال ابن السكيت: هو بفتح العين فيما كان منتصبا كالحائط والعود ما كان في بساط أو دين أو معاش فهو بكسر العين، يقال في دينه عوج، قال الله عز وجل: * (لا ترى فيها عوجا ولا أمتا) * (طه: 701) وقال: هو بالفتح في كل شيء مرئي وبالكسر فيما ليس بمرئي كالرأي والكلام، وقال أبو عمرو الشيباني: هو بالكسر فيهما جميعا ومصدرهما بالفتح معا، حكاه ثعلب عنه، وقال الجوهري: هو بالفتح مصدر قولك: عوج، بالكسر فهو أعرج والاسم العوج بكسر العين.
08
((باب الوصاة بالنساء))
أي: هذا باب فب بيان الوصاة، بفتح الواو والصاد المهملة وهو بمعنى: الوصية، وقيل: هو لغة في الوصية، وفي بعض النسخ: باب الوصاية.
5815 حدثنا إسحاق بن نصر حدثنا الحسين الجعفي عن زائدة عن ميسرة عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره. واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا.
(انظر الحديث 1333 وطرفه).
مطابقته للترجمة في قوله: (استوصوا بالنساء خيرا). وإسحاق ين نصر هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر أبو إبراهيم السعدي البخاري، كان ينزل بالمدينة بباب بني سعد، والحسين بضم الحاء هو ابن علي بن الوليد الجعفي، بضم الجيم وسكون العين المهملة وبالفاء، قال الرشاطي: الجعفي في مذحج ينسب إلى جعفي بن سعد العشيرة بن مالك، ومالك هو جماع مذحج وزائدة هو ابن قدامة، وميسرة ضد الميمنة ابن عمار الأشجعي، وأبو حازم سلمان الأشجعي مرلى عزة، بفتح العين المهملة والزاي المشددة.
والحديث قد مضى في بدء الخلق في: باب قول الله عز وجل * (وإذ قال ربك للملائكة) * (البقرة: 03، و الحجر: 82، و ص: 17) فإنه أخرجه هناك عن أبي كريب وموسى بن حزام كلاهما عن حسين بن علي عن زائدة عن ميسرة إلى آخره.
قوله: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) أي: من كان يؤمن بالمبدأ والمعاد (فلا يؤذي جاره) ومفهومه من آذاه لا يكون مؤمنا، ولكن المعنى لا يكون كاملا في الإيمان.
قوله: (واستوصوا) قال البيضاوي: الاستئصاء قبول الوصية والمعنى: أوصيكم بهن خيرا فاقبلوا وصيتي فيهن فإنهن خلقن من ضلع، واستعير الضلع للعوج أي: خلقن خلقا فيه اعوجاج فكأنهن خلقن من أصل معوج فلا يتهيأ الانتفاع بهن إلا بمداراتهن والصبر بن علي
اعوجاجهن. وقال الطيبي: الأظهر أن السين للطلب مبالغة أي: اطلبوا الوصية من أنفسكم في حقهن بخير، وقال الزمخشري: السين للمبالغة أي: يسألون أنفسهم الفتح عليهم، كالسين في استعجبت، ويجوز أن يكون من الخطاب العام أي: يستوصي بعضكم من بعض في حقهن.
وفيه: الحث بن علي
الرفق وأنه لا مطمع في استقامتهن. قوله: (وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه) ذكر هذا لتأكيد معنى الكسر لأن الإقامة أظهر في الجهة الأعلى أو بيان أنها خلقت من أعوج أجزاء الضلع، فكأنه قال: خلقن من أعلى الضلع وهو أعوجاجه، وإنما قال: أعلاه، ولم يقل: أعلاها، مع أن الضلع مؤنثة، وكذلك قوله: (لم يزل أعوج)
ولم يقل: عوجاه، لأن تأنيثه ليس بحقيقي، فإن قيل: العوج من العيوب فكيف يصح منه أفعل التفضيل؟ وأجيب: بأنه أفعل الصفة أو أنه شاذ، أو الامتناع عند الالتباس بالصفة، فحيث يميز عنه بالقرينة جاز البناء عليه. وفي رواية مسلم: لن تستقيم لك بن علي
طريقة فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها. وفيه: إشعار باستحالة تقويمها، أي: إن كا لا بد من الكسر فكسرها طلاقها. قال:
* هي الضلع العوجاء لست تقيمها
* ألا إن تقويم الضلوع انكسارها
*
166

* أتجمع ضعفا واقتدارا بن علي
الهوى
* أليس عجيبا ضعفها واقتدارها
*
7815 حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: كنا نتقي الكلام والإنبساط إلى نسائنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم هيبة أن ينزل فينا شيء، فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم تكلمنا وانبسطنا.
قيل: لا مطابقة بين الترجمة وبين هذا الحديث لأن فيه الأخبار بأنهم كانوا يتقون الخوض في الكلام والانبساط إلى النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وليس فيه ما يتعلق بالترجمة. قلت: يمكن أن تؤخذ المطابقة من قوله: (وانبسطنا) لأن الانبساط إليهن من جملة الوصاية بهن.
وأبو نعيم الفضل بن دكين، وسفيان هو الثوري.
والحديث أخرجه ابن ماجة في الجنائز في: باب ذكره وفاة النبي صلى الله عليه وسلم عن محمد بن بشار.
قوله: (كنا نتقي) أي: نجتنب الكلام الذي يخشى منه سوء العاقبة. قوله: (والانبساط) أي: ونتقي أيضا الانبساط إلى نسائنا، وأراد به التقصير في حقهن وترك الرفق بهن. قوله: (هيبة) مفعول له. لقوله: (تتقي) أي: نتقي لخوف (أن ينزل فينا) أي في شأننا شيء من الوحي، وكلمة: أن، مصدرية أي: خوف النزول. قوله: (تكلمنا وانبسطنا) يريد به تغبير شأنهم عما كانوا عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والدليل عليه ما رواه ابن ماجة أيضا عقيب الحديث المذكور من حديث أبي بن كعب، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما وجهنا واحد، قبض نظرنا هكذا وهكذا، وروي أيضا من حديث أنس بن مالك، قال: لما كنا اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء، وما نفضنا عن النبي صلى الله عليه وسلم الأيدي حتى أنكرنا فلوبنا.
18
((باب * (قوا أنفسكم وأهليكم نارا) * (التحريم: 6))
أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم) * (التحريم: 6) يعني: احفظوا أنفسكم بترك المعاصي وفعل الخيرات والطاعات، وقو أمر من: وقى يقي، أصله: أوقيوا، لأنك تقول: أوق أوقيا أوقيوا، واستثقلت الضمة بن علي
الياء فنقلت إلى ما قبلها بعد سلب حركتها فحذفت فصار: أوقوا، وحذفت الواو تبعا لفعله الذي أخذ منه أعني: يقي، لأن أصله: يوقي، فحذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة واستغنت عن الهمزة فصار، قوا، بن علي
وزن: عوا، لأن المحذوف منه، فاء الفعل ولامه، فافهم. قوله: * (وأهليكم نارا) * (التحريم: 6) يعني: مروهم بالخير وانهوهم عن الشر وعلموهم وأدبوهم، وقيل: وأهليكم بأن تأخذوهم بما تأخذون به أنفسكم تقوهم بذلك * (نارا وقودها الناس والحجارة) * (التحريم: 6).
8815 حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول، فالإمام راع وهو مسؤول، والرجل راع على أهله وهو مسؤول، والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسؤولة، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول.
.
مطابقته للترجمة في قوله: (والرجل راع بن علي
أهله) لأن أهل الرجل من جملة رعيته، وقال زيد بن أسلم: لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله! هذا وقينا أنفسنا، فكيف بأهلينا؟ قال: تأمرونهم بطاعة الله تعالى وتنهونهم عن معاصي الله. وروي ذلك عن علي، رضي الله تعالى عنه. ويطلق الأهل بن علي
زوجة الرجل كقول أسامة في حديث الإفك: أهلك يا رسول الله! والأهل إنم يطلق بن علي
تلزمه نفقته شرعا كقول نوح (إن ابني من أهلي) وكقوله في قصة أيوب (ووهبنا له أهله) وكانوا زوجته وولده والأهل يطلق بن علي
العبد قال صلى الله عليه وسلم: سلمان منا أهل البيت.
وأخرج الحديث أولا في كتاب الصلاة في: باب الجمعة في القرى والمدن عن بشر بن محمد، وأخرجه أيضا في الاستقراض والعتق وغيرها، وههنا أخرجه عن أبي النعمان محمد بن الفضل السدوسي عن حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن نافع بن عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنهما، وقد مر الكلام فيه غير
167

مرة.
قوله: (كلكم راع) أصله: راعي، لأنه من: رعى يرعى رعاية، استثقلت الضمة بن علي
الياء فحذفت فالتقى ساكنان فحذفت الياء فصار: راع، بن علي
وزن: فاع، لأن المحذوف لام الفعل، والرعاية الحفظ والأمانة، يقال: عاك الله، أي: حفظك، وراعي الغنم أي الحافظ لها والأمين، وإذا لم يكن للرجل رعية يكون راعيا بن علي
أعضائه وجوارحه وقوة حواسه.
28
((باب حسن المعاشرة مع الأهل))
أي: هذا باب في بيان حسن معاشرة الرجل مع أهله. وقال الكرماني: المعاشرة من العشرة بالكسر وهي الصحبة وهي من باب المفاعلة الموضوعة لمشاركة اثنين أحدهما متعلق بالآخر بن علي
ما عرف في موضعه.
9815 حدثنا سليمان بن عبد الرحمان وعلي بن حجر قالا: أخبرنا عيسى بن يونس حدثنا هشام بن عروة عن عبد الله بن عروة عن عائشة، قالت: جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا: قالت الأولى: زوجي لحم جمل غث على رأس جبل، لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل، قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، إني أخاف أن لا أذره إن أذكره أذكر عجره وبجره. قالت الثالثة: زوجي العشنق، إن أنطق أطلق وإن أسكت أعلق؛ قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر ولا مخافة ولا سآمة. قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد وإن خرج أسد ولا يسأل عما عهد. قالت السادسة: زوجي إن أكل لف وإن شرب اشتف وإن اضطجع التف ولا يولج الكف ليعلم البث؛ قالت السابعة: زوجي غياياء أو عياياء طباقاء كل داء له داء شجك أو فلك أو جمع كلا لك؛ قالت الثامنة: زوجي المس مس أرنب والريح ريح زرنب. قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد طويل النجاد عظيم الرماد قريب البيت من الناد؛ قالت العاشرة: زوجي مالك وما مالك مالك خير من ذالك، له إبل كثيرات المبارك قليلات المسارح، وإذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك؛ قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع. فما أبو زرع؟ أناس من حلي أذني وملأ من شحم عضدي وبجحني فبجحت إلي نفسي وجدني في أهل غنيمة بشق فجعلني في أهل صهيل وأطيط ودائس ومنق، فعنده أقول فلا أقبح، وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتقمح، أم أبي زرع، فما أم أبي زرع؟ عكومها رداح، وبيتها فساح. ابن أبي زرع، فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسل شطبة، ويشبعه ذراع الجفرة. بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها وطوع أمها وملء كسائها وغيظ جارتها جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع؟ لا تبث حديثنا تبثيثا، ولا تنقث ميرتنا تنقيثا، ولا تملأ بيتنا تعشيشا. قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمانتين، فطلقني ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريا ركب عشريا وأخذ خطيا وأراح علي نعما ثريا وأعطاني من كل رائحة زوجا، وقال: كلي أم زرع وميري أهلك. قالت: فلو جمعت كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع. قالت عائشة، رضي الله عنها، قال رسول الله
168

صلى الله عليه وسلم: كنت لك كأبي زرع لأم زرع.
مطابقته للترجمة في الإحسان في معاشرة الأهل بن علي
مالا يخفي من الحديث.
وسليمان بن عبد الرحمن المعروف بابن بنت شرحبيل الدمشقي، ولد سنة ثلاث وخمسين ومائة وتوفي سنة ثلاثين ومائتين، وعلي بن حجر، بضم الحاء المهملة وسكون الجيم وبالراء: السعدي، وعيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، ووقع كذا منسوبا عند الإسماعيلي، وعبد الله بن عروة بن الزبير بن العوام يروي عن أبيه عروة، ويروي عنه أخوه هشام بن عروة.
والحديث أخرجه النسائي من حديث عباد بن منصور عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، والمحفوظ حديث هشام عن أخيه، وكذا رواه مسلم في الفضائل عن علي بن حجر وعن أحمد بن جناب، بفتح الجيم والنون: كلاهما عن عيسى بن يونس عن هشام: أخبرني أخي عبد الله بن عروة. وأخره الترمذي في الشمائل، والنسائي أيضا في عشرة النساء جميعا عن علي بن حجر، وهذا من نوادر ما وقع لهشام بن عروة في حديث أبيه حيث أدخل بينهما أخا له واسطة. وقال أبو الفضل عياض بن موسى: اختلف في سند هذا الحديث ورفعه مع أنه لا اختلاف في صحته وأن الأئمة قبلوه ولا مخرج له فيما انتهى إلي إلا من رواية عروة عن عائشة، فروي من غير طريق: عن عروة عن عائشة من قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كله، هكذا رواه عباد بن منصور والدراوردي وعبد الله بن مصعب الزبيري ويونس بن أبي إسحاق كلهم عن هشام عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا رفعه جماعة آخرون، وقال عياض: لا خلاف في رفع قوله. في هذا الحديث: (كنت ل كأني
زرع لأم زرع) وإنما الخلاف في بقيته. وقال الخطيب: المرفوع من هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (كنت لم كأبي زرع لأم زرع) وما عداه، فمن كلام عائشة.
قوله: (حدثنا سليمان) في رواية أبي ذر: حدثني سليمان. قوله: (جلس إحدى عشرة امرأة)، قال ابن التين: التقدير: جلس جماعة إحدى عشرة، ومثل هذا * (وقال نسوة في المدينة) * (يوسف: 03) وقال الزمخشري: النسوة اسم مفرد لجمع المرأة وتأنيثه غير حقيقي كتأنيث اللمة، ولذلك لم يلحقفعله تاء التأنيث. انتهى قلت: كذلك هنا (إحدى عشرة امرأة) نسوة، فلذلك ذكر الفعل، وفي رواية أبي عوانة: جلست، وفي رواية أبي عبيد: اجتمعت، وفي رواية أبي يعلى: اجتمعن، بن علي
لغة أكلوني البراغيث. قال عياض: إن في بعض الروايات إحدى عشرة نسوة، قال: فإن كان بالنصب احتاج إلى إضمار، أعني: أو بالرفع فهو بدل من إحدى عشرة، ومنه قوله عز وجل: * (وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا) * (الأعراف: 061) وقال الفارسي: هي بدل من قطعناهم وليس بتمييز، وكان اجتماعهن وجلوسهن بقرية من قرى اليمن، كذا وقع رواية الزبير بن بكار، ووقع في رواية الهيثم: أنهن كن بمكة. وقال عياض: إنهن كن من خثعم، ووقع في رواية ابن أبي أويس عن أبيه: أنهن كن في الجاهلية، وكذا عند النسائي في رواية. قوله: (فتعاهدن وتعاقدن)، أي: ألزمن أنفسهن عهدا وعقدن بن علي
الصدق من ضمائرهن عقدا. قوله: (أن لا يكتمن) أي: بأن لا يكتمن، ووقع في رواية أبي أويس: (أن يتصادقن بينهن ولا يكتمن)، وفي رواية سعيد بن سلمة عند الطبراني: (أن ينعتن أزواجهن ويصدقن)، وفي رواية الزبير: (فتبايعن بن علي
ذلك).
قوله: (قالت الأولى)، أي: المرأة الأولى، ولم أقف بن علي
اسمها. قوله: (غث)، بفتح الغين المعجمة وتشديد الثاء المثلثة وهو: الهزيل الذي يستغيث من هزاله، مأخوذ من قولهم: غث الجرح غثا وغثيثا إذا سأل منه القيح، واستغثه صاحبه، ومنه: أغث الحديث، ومنه: غث فلان في حلقه، وكذا استعماله في مقابلة السمين، فيقال للحديث المختلط فيه: الغث والسمين، والغث الفاسد من الطعام. قوله: (بن علي
رأس جبل) قال أبو عبيدة: تصف قلة خيره وبعده مع القلة كالشئ في قبة الحبل الصعب لا ينال إلا بالمشقة، وفي رواية الترمذي: (بن علي
رأس جبل وعر)، وفي رواية الزبير بن بكار: وغث. وهي أوفق للسجع. قوله: (وعر)، أي: كثير الصخر شديد الغلطة يعصب الرقي إليه، والوعث، بالثاء المثلثة: الصعب المرتقي بحيث توحل فيه الأقدام فلا يتخلص ويشق فيه المشيء، ومنه: وعثاء السفر. قوله: (لا سهل فيرتقي)، يجوز فيه أوجه ثلاثة: الأول: بالفتح بلا تنوين، الثاني: الرفع بن علي
أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: لا هو سهل. الثالث: الجر بن علي
أنه صفة جبل، وكذلك الأوجه الثلاثة في قوله: (ولا سمين) ووقع في رواية عند النسائي بالنصب منونا، فيهما: (لا سهلا ولا سمينا)، وفي أخرى عنده: (لا بالسهل ولا بالسمين)، وقال عياض: أحسن الوجوه الرفع فيهما. قوله: (فيرتقي)، بن علي
صيغة المجهول، أي: فإن يرتقى أي يصعد. قوله: (فينتقل)، بالفتح أي: فإن ينتقل، والانتقال ههنا بمعنى النقل أي: لا يأتي إليه أحدا لصعوبة المسلك، ولا يؤتى به إلى
169

أحد، أي: لا تنقله الناس إلى بيوتهم لرداءته، وفي رواية أبي عبيد: (فينتقى)، من النقى بكسر النون وهو المخ، أي: يستخرج نقيه، وحاصله: أنه قليل الخير من جهة أنه لحم جمل لا لحم غنم، وأنه مهزول رديء وأنه صعب التناول لا يوصل إليه إلا بمشقة شديدة أي: خيره قليل ذاتا وصفة. وقال أبو سعيد النيسابوري: ليس شيء أخبث غثاثة بين الأنعام من الجمل لأنه يجمع خبث الريح وخبث الطعم حتى ضرب به المثل، وصفت زوجها بالبخل وقلة الخيروبعده من أن ينال خيره مع قلته كاللحم الهزيل المنتن الذي يزهد فيه فلا يطلب، فكيف إذا كان في رأس جبل صعب وعر لا ينال إلا بمشقة، وذهب الخطابي إلى أن تمثيلها بالجبل الوعر هنا إشارة إلى سوء خلقه، والذهاب بنفسه وترفعه تيها وكبرا، تريد أنه: مع قلة خيره يتكبر بن علي
عشيرته فيجمع إلى البخل سوء الخلق، وهو تشبيه الجلي بالخفي، والمتوهم بالمحسوس والحقير بالخطير.
قوله: (وقالت الثانية) أي: المرأة الثانية، وهي عمرة بنت عمرو التميمي. قوله: (لا أبث) من البث بالباء الموحدة والثاء المثلثة وهو الإظهار والإشاعة، وفي رواية حكاها عياض: (لا أنثه). بالنون بدل الباء أي: لا أنشره ولا أشيعه، ووقع في رواية الطبراني: (لا أنم)، بالنون والميم من النميمة. قوله: (إني أخاف أن لا أذره) فيه تأويلان لأن الهاء إما عائدة إلى الخبر أي: خبره طويل إن شرعت في تفصيله لا أقدر بن علي
إتمامه لكثرته أو إلى الزوج وتكون: لا، زائدة أي: أخاف أن يطلقني فأذره، أي: فأتركه. وقال الكرماني: التأويل الثالث أن يقال: إن معناه أخاف أن أبث خبره، إذ عدم الترك وهو الإبثاث والتبيين، ووقع في رواية الزبير: زوجي من لا أذكره ولا أبث خبره. قوله: (أذكر عجره وبجره) جواب: إن، والعجر، بضم العين المهملة وفتح الجيم، والبجر بضم الباء الموحدة وفتح الجيم، والمراد بهما: عيوبه، والمشهور في الاستعمال أن يراد به الأمور كلها، وقيل: العجرة نفخة في الظهر والبجرة نفخة في السرة، ويقال: العجر معقد العروق والعصب في الجسد حتى تراها ناتئة في الجسد، والبجر كذلك إلا أنها مختصة بالبطن فيما ذكره الأصمعي،
وأحدها بجرة، ومنه قيل: رجل أبجر إذا كان عظيم البطن، وامرأة بجراء، ويقال الفلان بجرة إذا كان ناتىء السرة عظيمها، وقال الأخفش: العجر العقد تكون في سائر البدن، والبجر تكون في القلب، وقال أبو سعيد النيسابوري: لم يأت أبو عبيدة بالمعنى في هذا، وإنما عنت أن زوجها كثير العيوب في أخلاقه منعقد النفس عن المكارم، وقال ابن فارس: يقال في المثل: أفضيت إليه بعجري وبجري أي: بأمري كله وعن الأصمعي: يستعلمل ذلك في المعائب، أي: ذكر عيوبه، وقال يعقوب: أسراره، وعبارة غيره: عيوبه الباطنة وأسراره الكامنة، وعن علي، رضي الله تعالى عنه، في وقعة الجمل: (إلى الله أشكو عجري وبجري) أي: همومي وأحزاني، وقيل: العجر ظاهرها والبجر باطنها. قال الشاعر:
* لم يبق عندي ما يباع بدرهم
* يكفيك عجر حالتي عن بجري
*
* إلا بقايا ماء وجه صنته
* لأبيعه، فعسى تكون المشتري
*
قوله: (قالت الثالثة)، أي: المرأة الثالثة وهي: حيي بنت كعب اليماني. قوله: (العشنق) بفتح العين المهملة والمعجمة وفتح النون المشددة، وبالقاف، وقال أبو عبيدة وجماعة: هو الطويل، وزاد الثعالبي: المذموم الطول، وقال الخليل: هو طويل العنق وقال ابن حبيب: هو المقدام بن علي
ما يريد الشرس في أموره، وقيل: السئ الخلق، وقال الأصمعي: أرادت أنه ليس عنده أكثر من طوله بلا نفع، ويجمع بن علي
: عشانقة، والمرأة عشنقة، وقال أبو سعيد الضرير: الصحيح أن العشنق الطويل النجيب الذي يملك أمر نفسه ولا يحكم النساء فيه، بل يحكم فيهن بما شاء، فزوجته تهابة أن تنطق بحضرته فهي تسكن بن علي
مضض. قال الزمخشري: وهي الشكاية البليغة. قوله: (إن أنطق أطلق) يعني: إن ذكرت عيوبه يطلقني (وإن أسكت أعلق) يعني: إن أسكت عنه أعلق يعني يتركني لا عزبا ولا مزوجة، كما في قوله تعالى: * (فتذروها كالمعلقة) * (النساء: 921) فكأنها قالت: أنا عنده لا ذات زوج فانتفع به ولا مطلقة فأتفرغ لغيره. فهي كالمعلقة بين العلو والسفل لا تستقر بأحدهما، وكل واحد من قولها: (أطلق) و (أعلق) بن علي
صيغة المجهول مجزومان لأنهما جواب الشرط.
قوله: (قالت الرابعة)، وهي: مهدد، بفتح الميم وإسكان الهاء وفتح الدال المهملة الأولى، ويقال: مهرة بالراء بنت أبي هرومة بالراء المضمومة، ويقال: أرومة. قوله: (كليل تهامة) شبهت زوجها بليل تهامة، وتمدحه أي: كليل أهل مكة أصحاب الأمن، أو كليل ركدت الرياح فيه، أو كليل الربيع وقت تغير الهواء من البرودة إلى الحرارة وظهور اعتداله،
170

وليس فيه أذى بل فيه راحة ولذاذة عيش، كليل تهامة لذيذ معتدل ليس فيه حر مفرط ولا برد، ولا أخاف له غائلة لكرم أخلاقه، ولا يسامني ولا يستثقل بي فيمل صحبتي، وتهامة، بكسر التاء المثناة من فوق، وهو اسم لكل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز، وهو من المتهم، بفتح التاء والهاء: وهو ركود الريح، ويقال: تهتم الدهن، إذا تغير قوله: (ولا قر) بالضم وهو البرد. قوله: (ولا سآمة) أي: ولا ملالة، وكل واحد من هذه الألفاظ الثلاثة بني بغير تنوين، وجاء الرفع مع التنوين، وهي رواية أبي عبيد كما في قوله تعالى: * (لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة) * (البقرة: 452) ووقع في رواية عمر بن عبد الله عند النسائي: ولا برد، بدل: ولا قر، وزاد في رواية الهيثم بن عدي، ولا وخامة، بالخاء المعجمة أي: لا ثقل عنده تصف زوجها بذلك، أنه لين الجانب خفيف الوطأة بن علي
الصاحب، وفي رواية الزبير بن بكار: والغيث، غيث غمامة، وقال ابن الأنباري: أرادت بقولها: ولا مخافة أن أهل تهامة لا يخافون لتحصنهم بجبالها، أو أرادت أن زوجها حامي الذمار مانع لداره وجاره ولا مخافة عند من يأوي إليه، ثم وصفته بالجود.
قوله: (قالت الخامسة) أي: المرأة الخامسة وهي كبشة. قوله: (إن دخل فهد)، أي: إن دخل البيت فهد بكسر الهاء أي: فعل فعل الفهد، شبهته بالفهد في كثرة نومه، يعني إذا دخل البيت يكون في الاستراحة معرضا عما تلف من أمواله وما بقي منها. وقيل: معنى فهد أنه إذا دخل البيت وثب بن علي
وثوب الفهد، كأنها تريد المبادرة إلى الجماع. قوله: (وإن خرج أسد) أي: وإن خرج من البيت أسد بكسر السين يعني: فعل فعل الأسد تصفه بالشجاعة يعني: إذا صار بين الناس كان الأسد، يعني: سهل مع الأحباء صعب بن علي
الأعداء كقوله تعالى: * (أشداء بن علي
الكفار رحماء بينهم) * (الفتح: 92) وقال ابن السكيت: تصفه بالنشاط في الغزو، وقال عياض: فيه مطابقة لفظية بين دخل وخرج، وبين أسد وفهد مطابقة معنوية، وتسمى أيضا المقابلة. قوله: (ولا يسأل عما عهد) أي: لا يتفقد ما ذهب من ماله ولا يلتفت إلى معائب البيت وما فيه كأنه ساه عن ذلك. وقال عياض: وهذا يقتضي تفسيرين: لعهد عهد قبل فهو يرجع إلى تفقد المال وعهد الآن فهو بمعنى الإغضاء عن المعائب والاختلال.
قوله: (قال السادسة): أي المرأة السادسة، واسمها هند قوله: (إن أكل لف) باللام والفاء المشددة فعل ماض من اللف وهو الإكثار من الطعام مع التخليط من
صنوفه حتى لا يبقى منه شيئا. قال عياض: حكي رف، بالراء بدل اللام قال: وهو بمعناه. قوله: (وإن شرب اشتف) من الاشتفاف بالفاءين، وهو أن يستوعب جميع ما في الإناء مأخوذ من الشفافة بضم الشين المعجمة وهي اسم ما بقي في الإناء من المال، فإذا شربه قيل: اشتفه، ويروى: استف، بالسين المهملة وهي بمعناها. وقال عياض: روي بالقاف بدل الشين. قال الخليل: قفاف كل شيء جماعة واستيعابه، ومنه سميت الفقه لجمعها ما وضع فيها. قوله: (وإن اضطجع التلف) من الالتفاف، يعني: إذا نام التلف في ثيابه في ناحية، وفي رواية للنسائي: إذا نام بدل اضطجع، وزاد: وإذا ذبح اغتث أي: تحرى الغث وهو الهزيل كما مضى. قوله: (ولا يولج الكف) أي: لا يدخل كفه معناه لا يمد يده ليعلم ما هي عليه من الحزن، وهو معنى قوله: (ليعلم البث) بفتح الباء الموحدة وتشديد يد الثاء المثلثة وهو الحزن وفي رواية الطبراني: ولا يدخل، بدل ولا يولج، وفي رواية الترمذي والطبراني: فيعلم، بالفاء بدل اللام، وقال الخطابي: معناه أنه يتلفف منتبذا عنها ولا يقرب منها فيولج كفه داخل ثوبها فيكون منه إليها ما يكون من الرجل لامرأته، ومعنى البث ما تضمر من الحزن بن علي
عدم الحظوة منه، وقال أبو عبيد: أحسبها كان بجسدها عيب أو داء يحزن به، وكأنه لا يدخل يده في ثوبها لئلا يلمس ذلك فيشق عليها، فوصفته بالمروءة وكرم الخلق، ورد عليه ابن قتيبة بأنها قد ذمته في صدر الكلام فكيف تمدحه في آخره؟ فقال ابن الأنباري: الرد مردود، لأن النسوة تعاقدن لا يكتمن شيئا مدحا أو ذما، فمنهن من كانت أوصاف زوجها كلها حسنة فوصفته بها، ومنهن بالعكس، ومنهن من كانت أوصافه مختلطة منهما فذكرتهما كليهما.
قوله: (قالت السابعة) أي: المرأة السابعة واسمها حيى بنت علقمة قوله: (زوجي عياياء) بفتح العين المهملة وتخفيف الياء آخر الحروف وبعد الألف ياء أخرى وبالمد وهو الذي عي بالأمر والمنطق وجمل عياياء إذا لم يهتد إلى الضراب. قوله: (أو غياياء) شك من الراوي وهو عيسى بن يونس فإنه شك هل هو بالمهملة أو بالمعجمة، وقال الكرماني: أو تنويع من الزوجة القائلة، والأكثرون لم يشكوا، وقالوا بالمهملة وأما غياياء، بالغين المعجمة فمعناه لا يهتدي إلى مسلك أو إنه كالظل
171

المتكاثف المظلم الذي لا إشراق فيه. أو أنه غطى عليه أموره، أو أنه منهمك في الشر قال تعالى: * (فسوف يلقون غيا) * (مريم: 95) وقال عياض: قال أبو عبيد إن الغياياء، بالغين المعجمة ليس بشيء. ولم يفسره وتابعه بن علي
ذلك سائر الشراح، فقد ظهر لي فيه معنى صحيح فذكر ما ذكرناه الآن، وذكر أيضا أنه مأخوذ من الغياية. وهي كل ما أظلك فوق رأسك من سحاب وغيره، ومنه سميت الراية غاية، فكأنه غطى عليه من جهله وسترت مصالحة. قوله: (طباقاء) بالطاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة وبالقاف ممدودة. وهو المطبقة عليه الأمور حمقا، وقيل: الذي يعجز عن الكلام، وقال ابن حبان: الطباق من الرجال الذي فيه رعونة وحمق كالمطبق عليه في حمقه ورعونته، وقيل: الطباق من الرجال الثقيل الصدر الذي لا يطبق صدره بن علي
صدر المرأة. قوله: (كل داء له دواء) أي: كل شيء من أدواء الناس فيه، قال الزمخشري: تعني كل داء تفرق في الناس فهو فيه، ومن أدوائه أنه قد اجتمعت فيه المعائب. قوله: (شجك أو فلك) كلمة: أو للتنويع ومعنى شجك: جرحك في رأسك وجراحات الرأس تسمى شجا بالشين المعجمة بالشين المعجمة وتشديد الجيم، ومعنى: فلك بالفاء وتشديد اللام: جرحك في جميع الجسد وقيل: الفل الطعن، وقال ابن الأنباري: فلك كسرك، ويقال: ذهب بمالك، ويقال: كسرك بخصومته، وصفته بالحمق والتناهي في جميع النقائص والعيوب وسوء العشرة مع الأهل وعجزه عن حاجتها مع ضربها وأذاه لها وإذا حدثته سبها وإذا مازحته شجها وإذا غضب إما أن يشجها في رأسها أو يكسر عضوا من أعضائها. وزاد ابن السكيت في روايته: بجك، بفتح الباء الموحدة وتشديد الجيم: أي طعنك في جراحتك فشقها، والبج شق القرحة، وقيل: هو الطعنة. قوله: (أو جمع كلا لك) أي: أو جمع كل هذه الأشياء وهي: الضرب والجرح وكسر الأعضاء والكسر بالخصومة والكلام الموجع وأخذ مالها.
قوله: (قالت الثامنة) أي: المرأة الثامنة وأسمها ياسر بنت أوس بن عبد. قوله: (المس مس أرنب والريح ريح زرنب) وصفته بحسن الخلق ولين الجانب كمس الأرنب إذا وضعت يدك بن علي
ظهره، لأن وبره ناعم جدا، والزرنب بوزن الأرنب لكن أوله زاي، وهو نبت طيب الريح، وقيل: هي شجرة عظيمة بالشام بن علي
جبل لبنان لا تثمر ولها ورق بين الخضرة والصفرة، وكذا ذكره عياض، ورده أصحاب المفردات. وقيل: هي حشيشة طيبة الرائحة رقيقة، وقيل: هو الزعفران وليس بشيء، وقيل: وهو مسك، والألف واللام في المس نائبة عن الضمير لأن أصله زوجي مسه. وكذا في الريح أي: ريحه وفيهما حذف تقديره: زوجي المس منه كما في السمن. منوان بدرهم، أي منه، وقال عياض: هذا من التشبيه بغير أداة، وفيه حسن المناسبة والموازنة والتسجيع، وفي رواية الزبير والنسائي فيه زيادة وهي قولها. وأنا أغلبه والناس يغلب، في رواية للنسائي والطبراني بلفظ: ونغلبه، بنون الجمع وفيه نوع من البديع يسمى التتميم لأنها لو اقتصرت بن علي
قولها: وأنا أغلبه لظن أنه جبان ضعيف، فلما قالت: والناس يغلب، دل بن علي
أن غلبتها إياه إنما هو من باب كرم سجاياه فتممت بهذه الكلمة المبالغة في حسن أوصافه.
قوله: (قالت التاسعة) أي: المرأة التاسعة: ولم أقف بن علي
اسمها عند أحد قوله: (رفيع العماد) كناية عن وصفه بالشرف في نسبه وسؤدده في قومه فهو رفيع فيهم. والعماد في الأصل عماد البيت وهو العمود الذي يدعم به البيت، تعني: أن بيته في حسبه رفيع في قومه، ويحتمل أنها أرادت أن بيته عال لحشمته وسعادته لا كبيوت غيره من الفقراء والمساكين، يجعله مرتفعا ليراه أرباب الحوائج والأضياف فيأتونه. وهذه صفة بيوت الأجواد. قوله: (طويل النجاد). بكسر النون كناية عن طول القامة لأن النجاد حمائل السيف، فمن كان طويل القامة
كانت حمائل سيفه طويلة، فوصفته بالطول والجود. قوله: (عظيم الرماد). كناية عن المضافية، لأن كثرة الرماد تستلزم كثرة النار وكثرة النار تستلزم كثرة الطبخ وكثرة الطبخ تستلزم كثرة الأضياف، وقيل: إن ناره لا تطفأ في الليل ليهتدي بها الضيفان، والأجواد يعظمون النيران في ظلام الليل ويوقدونها بن علي
التلال لاهتداء الضيف بها قوله: (قريب البيت من الناد) كناية عن الكرم والسؤدد، لأن النادي مجلس القوم ولا يقرب منه إلا من هذه صفته، لأن الضيفان يقصدون النادي، يعني: ينزل بين ظهراني الناس ليعلموا مكانه وينزلوا عنده، واللئام يتباعدون منه فرارا من نزول الضيف. وقال
172

صاحب (التلويح) في قولها: (قريب البيت من النادي) كذا هو في النسخ: النادي، بالياء هو الفصيح في العربية. ولكن المشهور في الرواية خذفها اليتم السجع، وفي رواية الزبير بن بكار بعد قوله: (قريب البيت من الناد) لا يشبع ليلة يضاف، ولا ينام ليلة يخاف.
قوله: (وقالت العاشرة) أي: المرأة العاشرة واسمها: كبشة، مثل الخامسة بنت الأرقم بالراء والقاف. قوله: (زوجي مالك، وما مالك؟ مالك خير من ذلك). أردت بهذه الألفاظ تعظيم زوجها لأن كلمة: ما استفهامية وفيها معنى التعظيم والتهويل، وحقيقة: ما مالك، أي: ما هو، أي: أي شيء هو ما أعظمه وأكبره وأكرمه مثل قوله عز وجل: * (الحاقة ما الحاقة) * (الحاقة: 1) * (القارعة ما القارعة) * (القارعة: 1) أي: أي شيء هو ما أعطم أمرها وأهولها. وقولها: (مالك خير من ذلك) زيادة في التعظيم وتفسير لبعض الإبهام وأنه خير مما أشير إليه من ثناء وطيب ذكرا وفوق ما أعتقده فيه من سؤدد وفخر قولها: (ذلك) إشارة إلى: مالك، أي: خير من كل مالك، والتعميم يستفاد من المقام أو هو نحو: تمرة خير من جرادة أي كل تمرة خير من كل جرادة، أو هو إشارة إلى ما في ذهن المخاطب، أي: مالك خير مما في ذهنك من مالك الأموال. قوله: (له إبل) أي: لزوجي إبل (كثيرات المبارك) وهو جمع مبرك وهو موضع البروك أرادت أنه يبركها في معظم أوقاتها بفناء داره لا يوجهها تسرح إلا قليلا قدر الضرورة حتى إذا نزل به الضيف كانت الإبل حاضرة فيقريه من ألبانها ولحومها، ويروى: عظيمات المبارك، وهو كناية عن سمنها وعظم جسومها فيعظم مباركها لذلك. قوله: (قليلات المسارح)، وهو جمع مسرح وهو الموضع الذي تسرح إليه الماشية بالغداة المرعى، يقال: سرحت الماشية تسرح فهي سارحة. وسرحتها يأتي لازما ومتعديا. وقال ابن الأثير: نصفه بكثرة الإطعام وسقي الألبان أي: أن إبله بن علي
كثرتها لا تغيب عن الحي ولا تسرح إلى المراعي البعيدة ولكنها تبرك بفنائه ليقري الضيفان من لبنها ولحمها خوفا من أن ينزل به ضيف وهي بعيدة عازبة، وقيل: إن معناه أن إبله كثيرة في حال بروكها، فإذا سرحت كانت قليلة لكثرة ما تحرمنها في مباركها للأضياف. وفي رواية الهيثم عن هشام في آخر هذا الكلام: وهو إمام القوم في المهالك. قوله: (وإذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك)، أي: إذا سمعت الإبل صوت المزهر، بكسر الميم وهو: العود الذي يضرب به أي: إن زوجها عود الإبل إذا نزل به الضيفان أتاهم بالعيدان والمعازف وآلات الطرف ونحولهم منها، فإذا سمعت الإبل صوت المزهر علمت يقينا أنه قد جاء الضيفان وأنهن منحورات هوالك، وقال أبو سعيد النيسابوري: لم تكن تعرف العرب العود إلا الذين خالطوا الحضر، والذي يذهب إليه إنما هو المزهر، يعني: بضم الميم وكسر الهاء وهو الذي يزهر النار للأضياف، فإذا سمعن صوت ذلك ومعمعان النار أيقنت بالعقر. وقال عياض: لا تعرف أحدا رواه المزهر، كما قال النيسابوري: والذي رواه الناس كلهم المزهر، يعني بكسر الميم وهو الصواب. والضمير في سمعهن وأيقن برجع إلى الإبل كما ذكرناه، والهوالك جمع هالكة.
قوله: (قالت الحادية عشرة) أي: المرأة الحادية عشرة، قال النووي: وفي بعض النسح: الحادي عشرة، وفي بعضها: الحادية عشر، والصحيح الأول، وهي: أم زرع بنت أكيمل بن ساعدة اليمنية، وهذا الحديث مشهور: بحديث أم زرع. قوله: (زوجي أبو زرع! فما أبو زرع؟) هو كقول العاشرة: مالك وما مالك؟ أخبرت أولا أن زوجها أبو زرع، ثم عظمت شأنه بقولها: فما أبو زرع؟ يعني: إنكن لا تعرفنه لأنكن لم تعهدن مثله. قوله: (أبو زرع). في رواية النسائي: نكحت أبا زرع. قوله: (فما أبو زرع؟) وفي رواية أبي ذر: وما أبو رزع، بالواو وهو المحفوظ للأكثرين، وزاد الطبراني في رواية: صاحب نعم وزرع. قوله: (أناس من حلي أذني) أناس فعل ماض من النوس وهو الحركة من كل شيء معتدل يقال: ناس ينوس نوسا، وأناسه غيره إناسة، والحلي بضم الحاء المهملة وكسر اللام وتشديد الياء جمع: حلي، بفتح الحاء وسكون اللام وتخفيف الياء، وهو اسم لكل ما يتزين به من مصاغ الذهب والفضة، (وأذني) بتشديد الياء، تثنية أذن أرادت: حلاني قرطة وشنوفا يعني ملأ أذني بما جرت به عادة النساء من التحلي به في الأذن من القرط وهو الحلق من ذهب وفضة ولؤلؤ ونحو ذلك، وقال ابن السكيت: معني أناس: أثقل أذني حتى تدلى واضطرب قوله: (وملأ من شحم عضدي) بتشديد الياء تثنية عضد. وقال أبو عبيد: لم ترد العظم وحده وإنما أرادت الجسد كله. لأن العضف إذا سمنت سمن سائر الجسد، وخصت العضد لأنها أقرب ما يلي بصر الإنسان من جسده. قوله: (وبجحني) بفتح الباء الموحدة وفتح الجيم وفتح الحاء المهملة وفي رواية النسائي بتشديد الجيم من التبجيح وهو التفريح، وقال ابن الأنباري: معناه عظمني، وقال ابن أبي أويس: وسع
173

علي وترفني قوله: (فبجحت) بسكون التاء (ونفسي) فاعله وإلي بتشديد الياء وفائدة ذكر إلى التأكيد، إذ فيه التجريد وبيان الانتهاء، هذا هو المشهور في الروايات. وفي رواية لمسلم: فتبجحت من: باب التفعل، وفي رواية للنسائي: وبجح نفسي فتبجحت إلي، بالتشديد وفي رواية أخرى له: فبجحت، بضم التاء بن علي
صيغة نفس المتكلم من الماضي، وإلي، بالتخفيف. قوله: (غنيمة) مصغر: غنم. قوله: (بشق)، بالشين المعجمة والقاف: وأهل الحديث يروونه بكسر الشين، وقال أبو عبيد: وهو بالفتح وهو اسم موضع. وقال الهروي: هو الصواب، وقال ابن الأنباري: هو اسم موضع بالفتح والكسر، وقال ابن أبي أويس وابن حبيب: بشق جبل لقلتهم، زاد ابن أبي أويس: لقلة غنمهم. وقال عياض: كأنها تريدانهم لقلتهم وقلة غنمهم حملهم بن علي
سكنى شق الجبل: (أي) ناحية الجبل أو بعضه، لأن الشق يقع بن علي
الناحية من الشيء ويقع بن علي
بعضه، والشق أيضا النصف، وعن نفطويه: معنى الشق بالكسر: الشظف من العيش والجهد منه، وقال ابن دريد: يقال: هو بشق وشظف من العيش أي: بجهد منه. قوله: (في أهل صهيل)، أي: أصحاب صهيل وهو صوت الخيل. وقوله: (وأطيط). وهو أصوات الإبل يعني: أنه ذهب بها إلى أهله وهم أهل خير وإبل، وفي رواية النسائي: وجامل وهو جمع جمل والمراد اسم فاعل لمالك الجمال كما يقال لابن وتامر، وقال عياض: وأصل الأطيط أعواد المحامل والرحال. ويشبه أن تريد بها هذا المعنى، فكأنها تريد أنهم أصحاب محامل ورفاهية، لأن المحامل لا يركبها إلا أصحاب السعة، وكانت قديما من مراكب العرب. قوله: (ودائس) اسم فاعل من الدوس، وفي رواية النسائي: (ودياس). وقال ابن السكيت: الدائس الذي يدوس الطعام. وقال أبو عبيد: تأوله بعضهم من دياس الطعام وهو دراسة، وأهل العراق يقولون: الدياس، وأهل الشام: الدراس، فكأنها أرادت أنهم أصحاب زرع قوله (ومنق) قال الكرماني: هو الذي ينقيه من التبن ونحوه بالغربال، وقال بعضهم بكسر النون وتشديد القاف، قال أبو عبيد: لا أدري معناه، وأظنه بالفتح من تنقية الطعام. وقال صاحب (التلويح): المحدثون يقولونه بالكسر، وقال ابن أبي أويس: المنق، بالكسر: نقيق أصواب المواشي والأنعام، تصف كثرة ماله. وقال أبو سعيد النيسابوري: هو مأخوذ من نقيقة الدجاج، أي: أنهم أهل طير، وقال القرطبي: لا يقال لشيء من أصوات المواشي نق، وإنما يقال نق الضفدع والعقرب والدجاج، ويقال في الهر: بقلة، وقال ابن السراج: ويجوز أن يكون منق بالإسكان إن كان روي، أي: وإنعام ذات نقي أي سمان. قوله: (فعنده أقول) أي: عند زوجي أقول كلاما فلا أقبح بن علي
صيغة المجهول أي: فلا أنسب إلى التقبيح في القول، بل يقبل مني، وفي رواية النسائي: فعنده أنطق، وفي رواية الزبير: أتكلم. قوله: (وأرقد فأتصبح) أي: أنام الصبيحة، وهي في أول النهار، ولا أوقظ لأن عندي من يكفيني الخدمة من الإماء وغيرها. قوله: (واشرب فأتقمح) بالقاف وتشديد الميم أي: أروى حتى لا أحب الشرب، مأخوذ من الناقة المقامح وهي التي ترد الحوض فلا تشرب وترفع رأسها ريا، كذا قاله أبو عبيد، وكل رافع رأسه فهو مقامح، وبعض الناس يرويه. فاتقنح، بفتح النون، وقال أبو عبيد: لا أعرف هذا الحرف ولا أرى المحفوظ إلا بالميم، وقال عياض: لم نروه في (صحيح البخاري) (ومسلم) إلا بالنون، وكذا في جميع النسخ وقال البخاري: قال بعضهم: فاتقمح بالميم، قال: وهو الأصح، والذي بالنون معناه: أقطع الشرب وأتمهل فيه، وقيل: هو الشرب بعد الري، وحكى أبو علي القالي في (البارع) و (الأمالي) يقال: قنحت الإبل، تفتح بفتح النون في الماضي والمستقبل. قنحا بإسكان النون. قال شمر: إذا تكارهت الشرب. وفي (التلويح) ومن رواه: أتفتح، بالفاء والتاء المثناة من فوق إن لم يكن وهما فمعناه والتكبر والزهو والتيه، ويكون هذا التكبر والتيه من الشراب لنشوة سكره، وهو بن علي
كل حال يرجع إلى عزتها عنده وكثرته الخير لديها. وقيل: معنى أتقنح كناية عن سمن جسمها واتساعه. قوله: (أم بي زرع فما أم أبي زرع) الكلام فيه مثل الكلام في زوجي أبو زرع، فما أبو زرع؟ ويروى: أم زرع وما أم زرع؟ بحذف أداة الكنية، الأول هو ظاهر الرواية. قوله: (عكومها رداح) العكوم جمع عكم بكسر العين وسكون الكاف كجلود جمع جلد، وهي الأعدال والأحمال التي تجمع فيها الأمتعة، وقيل: هي نمط تجعل المرأة فيها ذخيرتها، حكاه الزمخشري، ورداح بكسر الراء بفتحها وآخره حاء مهملة أي: عظام كثيرة الحشو. قاله أبو عبيد، وقال الهروي: ثقيله، ويقال للكتيبة الكبيرة: رداح إذا كانت بطيئة السير لكثرة من فيها، ويقال للمرأة إذا كانت عظيمة الكفل
174

ثقيلة الورك ورداح.
وقال الكرماني: الرداح مفرد والعكوم جمع، يعني: كيف يكون المفرد خبرا عن الجمع؟ ثم أجاب بأنه أراد كل عكم رداح بكسر الراء لا بفتحها، أو بكون الرداح ههنا مصدرا كالذهاب قلت: أجوبة أخرى: الأول: أن يكون رداح بكسر الراء لا بفتحها جمع رداح كقائم وقيام، ويخبر عن الجمع بالجمع. الثاني: أن يكون ردا خبر مبتدأ محذوف أي: عكومها كلها رداح بن علي
أن رداح واحد جمعه ردح بضمتين. الثالث: أن الخبر عن الجمع قد جاء بالواحد مثل: أدرع دلاص، أي براق، ومنه * (أولياؤهم الطاغوت) * (البقرة: 752) قوله: (وبيتها فساخ) بفتح الفاء وتخفيف السين المهملة وبالحاء المهملة أي: واسع يقال: بيت فسيح وفساح وفياح بفتح الفاء وتخفيف الياء آخر الحروف، ومنهم من يشد الياء للمبالغة، والمعنى: أنها وصفت والدة زوجها بأنها كثيرة الآلات والأثاث والقماش، واسعة المال كبيرة البيت أما حقيقة فيدل بن علي
عظم الثروة، وأما كناية عن كثرة الخير ورغد العيش والبر بمن ينزل بهم لأنهم يقولون: فلان رحيب المنزل، أي: يكرم من ينزل عليه. قوله: (ابن أبي زرع! فما ابن أبي زرع؟) لما وصفت أم أبي زرع بما ذكر شرعت تصف ابن أبي زرع بقولها: (مضجعه كمسل شطبة) المسل، بفتح الميم والسين المهملة وتشديد اللام مصدر ميمي بمعنى: المسلول، أو اسم مكان ومعناه: كمسلول الشطبة، وقال ابن الأعرابي أرادت بمسل الشطبة سيفا سل من عمده، فمضحعه الذي ينام فيه في الصغر كقدر مسل شطبة واحدة. وقال أبو عبيد: وأصل الشطبة ما يشطب من جريد النخل فيشق منه قضبان رقاق تنسج منها الحصر، ويقال للمرأة التي تفعل ذلك: الشاطبة، أخبرت أنه مهفهف ضرب اللحم، شبهته بتلك الشطبة. وقال أبو سعيد النيسابوري: تريد كأنه سيف مسلول من غمده، وسيوف اليمن كلها ذات شطب، وهي الطرائق التي في متن السيف، وقد شبهت العرب الرجال بالسيوف إما لخشونة الجانب وشدة المهابة، وإما لجمال الرونق وكمال اللألاء، وإما لكمال صورتها في اعتدالها واستوائها. قوله: (ويشبعه ذراع الجفرة) ويروى: ويكفيه ذراع الجفرة، وهي بفتح الجيم وسكون الفاء وبالراء: الأنثى من أولاد الضأن، وقيل: من أولاد المعز، والذكر جفر وهي التي مر لها من عمرها أربعة أشهر، وأرادت به أنه قليل الأكل، وزاد بعد هذا في رواية لابن الأنباري: وترويه فيقة اليعرة. (ويميس في حق النترة). قوله: (وتروية) من الإرواء، والفيقة بكسر الفاء وسكون الياء آخر الحروف بعدها قاف ما يجتمع في الضرع بين الحلبتين، والفواق بضم الفاء: الزمان الذي بين الحلبتين، واليعرة بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة بعدها راء العناق، واليعر الجدي. قوله: (ويميس) أي يتبختر، والنترة بفتح النون وسكون
التاء المثناة من فوق: الدرع اللطيفة أو القصيرة، وقيل: اللينة الملمس، وقيل: الواسعة. والحاصل أنها وصفته بهيف القد وأنه ليس ببطين ولا جافي قليل الأكل والشرب ملازم لآلة الحر، يختال في موضع الحرب والقتال، وكل ذلك مما يتمادح به العرب قوله: (بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع) هذا في مدح بنت أبي زرع بعد مدح ابن أبي زرع، وفي رواية مسلم: وما بنت أبي زرع؟ بالواو. قوله: (طوع أبيها) أي: هي طوع أبيها وطوع أمها يعني: بارة بهما لا تخرج عن أمرهما، وفي رواية الزبير. وزين أهلها ونسائها. أي: يتجملون بها، وفي رواية النسائي: زين أمها وزين أبيها، بدل لفظ طوع، في الموضعين، وفي رواية للطبراني: وقرة عين لأبيها وأمها وزين لأهلها، وفي رواية لابن السكيت: قباء هضيمة الحشا جائلة الوشاح عنكاء فعماء نجلاء دعجاء زجاء قنواء مؤنقة مقنعة. قلت: قباء، بفتح القاف وتشديد الباء الموحدة وبالمد خميصة البطن، وهضيمة الحشا من الهضم بالتحريك وهو انضمام الجنبين، يقال: رجل أهضم وامرأة هضماء، والحشا بفتح الحاء المهملة مقصورا، وهو ما انضمت عليه الضلوع، وجائلة الوشاح، بكسر الواو وبالشين المعجمة وفي آخره حاء مهملة، وهو شيء ينسج عريضا من أدم، وربما رصع بالجوهر والخرز وتشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها ويقال فيه: إشاح، والحائلة، بالجيم من الجولان يعني: يدور وشاحها لضمور بطنها، وعكناء، بفتح العين المعملة وسكون الكاف وبالنون والمد أي: ذات عكن وهي الطيات في بطنها، وفعماء بفح الفاء وسكون العين المهملة وبالمد أي: ممتلئة الأعضاء: ونجلاء بفتح النون وسكون وبالمد، أي واسعة العينين، ودعجاء من الدعج، وهي شدة سواد العين في شدة بياضها، وزجاء بالزاي والجيم المشددة من الزجج وهو تقوس في الحاجب مع طول في أطرافه وامتداده، وقيل بالراء وتشديد الجيم أي: كبير الكفل ترتج من عظمه، وقنواء، بفتح القاف وسكون النون من القنو، وهو طول
175

في الأنف ودقة الأرنبة مع جدب في وسطه، ومؤنقة بالنون والقاف من الشيء الأنيق وهو المعجب ومقنعة مغطاة الرأس بالقناع، وقيل: مونقة، بتشديد النون ومعنقة بوزنه أي: مغذية بالعيش الناعم. قوله: (وملء كسائها) كناية عن امتلاء جسمها وسمنها. قوله: (وغيظ جارتها)، المراد بالجارة الضرة أي: يغيظها ما ترى من حسنها وجمالها وأدبها وعفتها، وفي رواية مسلم: وعقر جارتها، بفتح العين المهملة وسكون القاف أي: دهشها أو قتلها، وفي رواية النسائي والطبراني وحير جارتها، بالحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف من الحيرة، وفي أخرى له: وحين جارتها، بالنون عوض الراء وهو الهلاك، وفي رواية الهيثم بن عدي: وعبر جارتها، بضم العين المهملة وسكون الباء الموحدة من العبرة بالفتح أي: تبكي حسدا لما تراه منها، أو بالكسر، أي: تعتبر بذلك، وفي رواية سعيد بن سلمة: وخبر نسائها، فاختلف في ضبطه فقيل بالمهملة والموحدة من التحبير، وقيل بالمعجمة والياء آخر الحروف من الخيرية. قوله: (جارية أبي زرع! فما جارية أبي زرع) وصفت أولا زوجها، ثم وصفت حماتها وهي أم أبي زرع، ثم ابن أبي زرع، ثم بنته، ثم وصفت هنا جارية أبي زرع بقولها: (جارية أبي زرع! فما جارية أبي زرع؟) والكلام فيه كما ذكرنا عند قولها زوجي أبو زرع. قوله: (لا تبث) من بث الحديث إذا أظهره وأفشاه. ومادته: باء موحدة وثاء مثلثة. ويروى: لا تنث، بالنون موضع الباء وهو بمعناه، وقيل: بالنون في الشر، وفي رواية الزبير: ولا تخرج حديثا. قوله: (تبثيثا) مصدر من بثث بن علي
وزن فعل بالتشديد، وهذا فيه ما ليس في بث من المبالغة، وهذا بن علي
غير أصل فعله لأن مصدر بث الخبر بثا، وقال الجوهري بث الخبر وأبثه بمعنى، أي نشرة، وبثث الخبر بالتشديد للمبالغة وقال: نث الحديث في باب النون ينثه نثا إذا أفشاه. قوله: (ولا تنقث) بضم التاء المثناة من فوق وفتح النون وتشديد القاف المكسورة بعدها الثاء المثلثة أي: لا تسرع في الميرة بالخيانة. والميرة بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وبالراء: الزاد. وأصله ما يحصله البدوي من الحضر ويحمله إلى منزله لينتفع به، وضبطه عياض في مسلم بفتح أوله وسكون النون وضم القاف، والمعنى: لا تأخذ الطعام فتذهب به، تصفها بالأمانة. قوله: (تنقيثا) مصدر بن علي
أصل الضبط الأول، وعلى ضبط عياض بن علي
غير أصله ويجيء المصدر بن علي
غير أصل فعله نحو: * (والله أنبتكم من الأرض نباتا) * (نوح: 71) والأصل أن يقال: إنباتا، وقد وقع في رواية المسلم نحو الضبط الأول، والتنقيث إخراج ما في منزل أهلها إلى غيرهم، قاله أبو سعيد، وقال ابن حبيب: لا تفسده، وفي رواية أبي عبيد: ولا تنقل، وكذا للزبير عن عمه مصعب، ولأبي عوانة: ولا تنتقل، وفي رواية ابن الأنباري: ولا تعت، بالعين المهملة والفوقانية، أي تفسد، وأصله من العتة بالضم وهي السوسة، وفي رواية للنسائي: ولا تفش ميرتنا تفشيشا، بفاء ومعجمتين من الإفشاش وهو طلب الأكل من هنا وهنا، ويقال: فش ما بن علي
الخوان إذا أكله أجمع، ووقع عند الخطابي: ولا تفسد ميرتنا تغشيشا، بالمعجمات، وقال: مأخوذ من غشيش الخبز إذا فسد، وضبطه الزمخشري بالفاء الثقيلة بدل القاف، وقال في شرحه: التفث والتفل بمعنى، وأرادات المبالغة في براءتها من الخيانة. قوله: (ولا تملأ بيتنا تعشيشا) بالعين المهملة وبالشين المعجمتين أي: لا ترك الكناسة والقمامة في البيت مفرقة كعش الطائر، بل هي مصلحة للبيت معتنية بتنظيفه، وقيل: معناه لا تخوننا في طعامنا فتخبئه في زوايا البيت كأعشاش الطير، وروي بإعجام الغين من الغش في الطعام، وقيل: من النميمة أي: لا تتحدث بها. وقال الخطابي: التغشيش من قولهم: غشش الخبر إذا انكدح وفسد أي: أنها تحسن مراعاة الطعام وتعهده بأن تطعم أولا فأولا لا تغفل عن أمره فيتكدح. ويفسد في البيت، ووقع في رواية الطبراني: ولا تعش بيتنا تعشيشا، وفي رواية الهيثم عن هشام: ضيف أبي زرع! وما ضيف أبي زرع؟ في شبع وروى ورتع. طهاة أبي زرع! فما طهاة أبي زرع؟ لا تفتر ولا تعدى، تقدح قدر أو تنصب أخرى فتلحق الآخرة بالأولى، مال أبي زرع! فما مال أبي زرع؟ بن علي
الجمم معكوس وعلى العفاة محبوس. قوله: وري بكسر الراء وتشديد الياء. قوله: (ورتع) بفتح الراء المثناة أي: تنعم قوله: طهاة جمع طاه وهو الطباخ من طهي
الرجل إذا طبح قوله: لا تفتر، بالفاء الساكنة وبالتاء المثناة من فوق المضمومة أي: لا تسكن ولا تضعف قوله: (ولا تعدى) بضم التاء وتشديد الدال أي: لا تترك ذلك ولا تتجاوز عنه. قوله: (تقدح) أي: تغرف قدرا وتنصب قدرا أخرى، يقال: قدح القدر إذا غرف ما فيها بالمقدحة، وهي الغرفة. قوله: فتلحق
176

الآخرة، أي: تلحق القدرة الآخرة بالقدرة الأولى التي غرف ما فيها، وحاصله أنها لم تزل في الطبخ والغرف، ولا تعدى عن ذلك قوله: (بن علي
الجمم) بضم الجيم وتخفيف الميم الأولى: جمع جمة، وهم القوم يسألون في الدية قوله: (معكوس) أي: مردود والعكس في أوصل ردك آخر الشيء إلى أوله. قوله: العفاة، بضم العين المهملة وتخفيف الفاء، جمع عاف. كالقضاة جمع قاض، وهم السائلون. قوله: محبوس أي موقوف عليهم. قوله: (قالت: خرج أبو زرع)، وفي رواية النسائي: خرج من عندي، وفي رواية الحارث ابن أبي أسامة ثم خرج من عندي قوله: (والأوطاب تمخض) الواو فيه للحال، والأوطاب جمع وطب وهو سقاء اللبن خاصة. وقال الكرماني: هو جمع بن علي
غير قياس، وكذا قال أبو سعيد: إن فعلا لا يجمع بن علي
أفعال، بل يجمع بن علي
فعال. قلت: يرد قولهما قول الخليل: جمع وطب بن علي
وطاب وأوطاب، كما جمع: فرد بن علي
أفراد. قوله: (تمحض) من المخض وهو أخذ الزبد من اللبن، وعن عياض: رأيت في رواية حمزة عن النسائي: والأطاب، بغير واو، فإن كان مضبوطا فهو بن علي
إبدال الواو همزة، كما قالوا: أكاف ووكاف ثم إن قول أم زرع هذا يحتمل وجهين: أحدهما: إنكار خروجه من منزلها غدوة وعندهم خير كثير ولبن غزير يشرب صريحا ومخيضا ويفضل عندهم ما يمخضوه في الأوطاب، والآخر: أنها أرادت أن خروجه كان في استقبال الربيع وطيبه، وأن خروجه إما السفر أو غيره، فلم تدر ما ترتب عليها بسبب خروجه من تزوج غيرها والظاهر أنه لما رأى أم زرع تعبت من مخض اللبن واستقلت لتستريح خرج، فرأى امرأة فتزوجها، وهو معنى قولها: (فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين) وفي رواية لابن الأنباري: كالصقرين، وفي رواية لغيره: كالشبلين، وفي رواية إسماعيل بن أبي أويس: سارين حسنين نفيسين، وسبب وصفها لهما التنبيه بن علي
سبب تزويج أبي زرع لها، لأن العرب كانت ترغب في كون الأولاد من النساء النجيبات في الخلق والخلق. وتظاهرت الروايات بن علي
أن الغلامين كانا ابنين للمرأة المذكورة إلا ما رواه أبو معاوية عن هشام: أنهما كانا أخويها، وقال عياض: يتأول بأن المراد أنهما ولداها ولكنهما جعلا أخويها في حسن الصورة. قوله: (يلعبان من تحت حضريها برمانتين) أرادت بهذا أن هذه المرأة كانت ذات كفل عظيم فإذا استقلت بن علي
ظهرها ارتفع كفلها بها من الأرض حتى تصير تحتها فجوة يجري فيها الرمان. وفي رواية الحارث: من تحت درعها. وفي رواية الهيثم: من تحت صدرها، وعن ابن أبي أويس: أن الرمانتين هما الثديان. وقال أبو عبيد: ليس هذا موضعه، ولا سيما وقد روي: من تحت درعها برمانتين، ويؤيده ما وقع في رواية أبي معاوية: وهي مستقلية بن علي
قفاها ومعها رمانة يرميان بها من تحتها فتخرج من الجانب درعها برمانتين، ويؤيده ما وقع في رواية أبي معاوية: وهي مستلقية بن علي
قفاها ومعها رمانة يرميان بها من تحتها فتخرج من الجانب الآخر من عظم أليتيها. قوله: (فطلقني ونكحها) وفي رواية الحارث: فأعجبته فطلقني، وفي رواية أبي معاوية: فخطبها أبو زرع فتزوجها فلم تزل به حتى طلق أم زرع، وفي رواية الهيثم: فاستبدلت بعده وكل بدل أعور، وهو مثل معناه: أن البدل من الشيء غالبا لا يقوم مقام المبدل منه، بل هو دونه وأنزل منه، والمراد بالأعور المعيب. وقال ثعلب: الأعور الرديء من كل شيء كما يقال: كلمة عوراء أي: قبيحة. قوله: (رجلا سريا) بفتح السين المهملة وكسر الراء وتشديد الياء آخر الحروف أي سيدا شريفا من قولهم: فرس سري أي: خيار، ومنه: هذا من سراة المال أي: خياره. قوله: (ركب شربا) بالشين المعجمة أي فرسا شريا وهو الذي يستشري في سيره أي يلج ويمضي بلا فتور وقال عياض عن ابن السكيت شريا بالشين المعجمة يعني: سيدا سخيا ركب شريا، بالمعجمة فقط. وقال النووي فرسا شريا بالمعجمة بالاتفاق. قلت: ما ذكرنا الآن يرده، وفي رواية الحارث: ركب فرسا عربيا، وفي رواية الزبير: أعوجيا، وهو منسوب إلى أعوج فرس مشهور تنسب إليه العرب خيار الخيل، كانت لبني كندة ثم لبني سليم ثم لبني هلال. قوله: (وأخذه خطيا) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة أي: أخذ رمحا خطيا أي: منسوبا إلى الخط، وهو موضع معروف بنواحي البحرين تجلب الرماح منه، وقيل: أصلها من الهند تحمل في البحر إلى الخط، المكان المذكور، ثم تفرق منه في البلاد. قوله: (وأراح) من الإراحة وهو السوق إلى موضع المبيت بعد الزوال. قوله: (بن علي
) بالتشديد. قوله: (نعما ثريا) بفتح الثاء المثلثة وكسر الراء الخفيفة وتشديد الياء، وهو الكثير من المال ومن الإبل وغيرها، وهو صفة: نعما، وإنما ذكر لأجل السجع، وقال عياض: النعم الإبل خاصة، وكذا قاله ابن بطال وابن التين، وقال غيرهم: النعم الإبل والبقر والغنم، قال تعالى: * (ومن الأنعام حمولة وفرشا) * (الأنعام: 241) ثم قال: * (ثمانية أزواج) * (الزمر: 6) فذكر أنواع الماشية،
177

ويروى نعما، بكسر النون جمع: نعمة، والأول هو الأشهر. قوله: (وأعطاني من كل رائحة زوجا) أي: من كل ما يروح من النعم والعبيد والإماء زوجا. أي: اثنين ويحتمل أنها أرادت صنفا وفي رواية مسلم: وأعطاني من كل ذابحة أي مذبوحة. مثل * (عيشة راضية) * (الحاقة: 12) أي: مرضية، وحاصل المعني:
أعطاني من كل شيء يذبح زوجا، وفي رواية الطبراني: وأعطاني من كل سائمة، والسائمة الراعية، والرائحة الآتية وقت الرواح وهو آخر النهار قوله: (وميري أهلك) بكسر الميم أي: صلى أهلك بالميرة وهي الطعام قوله: (قالت) أي أم زرع. قوله: (كل شيء أعطانيه)، أي: الزوج الثاني الذي تزوج بها بعد أبي زرع. قوله: (ما بلغ) خبر لقوله: (كل شيء) وفي رواية مسلم أعطاني، بلا هاء. وفي رواية النسائي: ما بلغت إناء، وفي رواية الطبراني: فلو جمعت كل شيء أصبته منه فجعلت في أصغر وعاء من أوعية أبي زرع ما ملاه.
قوله: (قالت عائشة رضي الله عنها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت لك كأبي زرع لأم زرع) قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم تطبيبا لنفسها، وإيضاحا لحس عشرته إياها، ثم استثنى من ذلك الأمر المكروه منه أنه طلقها، وإني لا أطلقك، تتميما لطيب نفسها وإكمالا لطمأنينة قلبها ورفعا للإبهام لعموم التشبيه بجملة أحوال أبي زرع إذا لم يكن فيها ما تذمه سوى طلاقه لها، وقول عائشة رضي الله تعالى عنها: بأبي أنت وأمي، بل أنت خير لي من أبي زرع، جواب مثلها في فضلها، فإن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخبرها أنه لها كأبي زرع لأم زرع، لفرط محبة أم زرع له وإحسانه لها، أخبرته هي أنه عندها أفضل وهي له أحب من أم زرع لأبي زرع. وقال الكرماني: وكان هي زائدة أي: أنا لك. قلت: يؤيد قوله: في زيادة كان، رواية الزبير: أنا لك كأبي زرع لأم زرع، وقال القرطبي: قوله: (كنت لك) معناه أنا لك، وهذا نحو قوله عز وجل: * (كنتم خير أمة) * (آل عمران: 011) أي أنتم خير أمة. قال: ويمكن بقاؤها بن علي
ظاهرها، أي: كنت لك في علم الله السابق، ويمكن أن يريد به مما أريد به الدوام كقوله تعالى: * (وكان الله سمعيا بصيرا) * (النساء: 852)
[/ ح.
وفي هذا الحديث فوائد منها: ذكر محاسن النساء للرجال إذا كن مجهولات بخلاف المعينات، فهذا منهي عنه لقوله صلى الله عليه وسلم: ولا تصف المرأة المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها. ومنها: جواز إعلام الرجل بمحبته للمرأة إذا أمن عليها من هجر وشبهه. ومنها: ما يدل بن علي
التكلم بالألفاظ العربية والأسجاع، وإنما يكره من ذلك التكلف. ومنها: ما قاله المهلب فيه: التأسي بأهل الإحسان من كل أمة. ألا يرى أن أم زرع أخبرت عن أبي زرع بجميل عشرته، فامتثله النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال عياض: وهذا عندي غير مسلم. لأنا لا نقول إن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إقتدى بأبي زرع، بل أخبر أنه لها كأبي زرع. وأعلم أن حاله معها مثل حاله ذلك لا بن علي
التأسي به، وأما قوله بجواز التأسي بأهل الإحسان من كل أمة فصحيح ما لم تصادمه الشريعة. ومنها: شكر المرأة إحسان زوجها، وكذا ترجم عليه النسائي، وخرج معه في الباب حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر زوجها. ومنها: مدح الرجل في وجهه بما فيه إذا علم أن ذاك غير مفسد له ولا مغير نفسه، والنبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، مظنة كل مدح ومستحق كل ثناء، وأن من أثنى بما أثنى فهو فوق ذلك كله. ومنها: أن كنايات الطلاق لا يقع بها الطلاق إلا بالنية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت لك كأبي زرع، ومن جملة أفعال أبي زرع أنه طلق امرأته أم زرع، ولم يقع بن علي
النبي صلى الله عليه وسلم طلاق لتشبهه لكونه لم ينو الطلاق وقد جاء في رواية إلا أن أبا زرع طلق أم زرع، وأنا لم أطلقك.
قال أبو عبد الله: قال سعيد بن سلمة عن هشام ولا تعشش بيتنا تعشيشا.
قال أبو عبد الله: وقال بعضهم أتقمح، بالميم وهاذا أصح.
أبو عبد الله هو البخاري نفسه، هذا إلى آخره ليس في بعض النسخ. قال الكرماني: صوابه في هذه المتابعة كما في بعض النسخ هو: قال أبو سلمة عن سعيد بن سلمة إلى آخره، وأبو سلمة هذا هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، وسعيد بن سلمة بالفتحات ابن أبي الحسام العدوي المديني، مولى آل عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، يكنى أبا عمرو ومن رجال مسلم، روى عنه موسى بن إسماعيل، وهو حديث واحد: حديث أم زرع، وماله في البخاري إلا هذا الموضع، وهشام هو ابن عروة بن الزبير، روى عنه سعيد بن سلمة بهذا الإسناد، وقد وصله مسلم عن الحسن بن علي عن موسى بن إسماعيل عن سعيد بن سلمة عن هشام
178

بن عروة، ولكنه لم يسق فيه لفظه بتمامه. قوله: (ولا تعشش بيتنا تعشيشا) قد مر الاختلاف في ضبطه عن قريب، فقيل بالعين المهملة وقيل بالمعجمة قوله: (قال أبو عبد الله). هو البخاري أيضا، قال بعضهم: أتقمح، بالميم وقد مر الكلام فيه في قوله: قالت الحادية عشرة، وهي أم أبي زرع. قوله: (وهذا أصح) أشار به إلى أنه وقع في أصل رواية أتقنح، بالنون، وبالميم أصح.
0915 حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا هشام أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: كان الحبش يلعبون بحرابهم، فسترني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنظر، فما زلت أنظر حتى كنت أنا أنصرف، فاقدروا قدر الجارية
مطابقته للترجمة في اشتماله بن علي
ذكر حسن المعاشرة. وعبد الله بن محمد هو المعروف بالمسندي، وهشام هو ابن يوسف الصنعاني، ومعمر بفتح الميمين هو ابن راشد.
والحديث قد مر في كتاب صلاة العيد، والحبش هو الجيل المعروف من السودان، والحراب جمع حربة.
قوله: (فاقدروا) بضم الدال وكسرها، لغتان أي: اقدروا رغبتها في ذلك إلى أن تنتهي. قوله: (الحديثة السن) أي: الشابة، وأنها تحب اللهو والتفرج والنظر إلى اللعب حبا بلغيا وتحرص عل إقامته ما أمكنها ولا تمل ذلك إلا بعد زمان طويل، ومر الكلام فيه هناك، وذكرنا أنها كانت يومئذ بنت خمس عشرة سنة أو أزيد، وقال بعضهم، هو منسوخ بالقرآن والسنة، أما القرآن فقوله عز وجل: * (في بيوت أذن الله أن ترفع) * (النور: 63) والسنة قوله صلى الله عليه وسلم: (جنبوا
مساجدكم صبيانكم ومجانينكم)، وقال بعضهم: يحتمل أن يكون منسوخا، لأن نظر النساء إلى الرجال وإلى اللهو فيه ما فيه.
38
((باب موعظة الرجل ابنته بحال زوجها))
أي: هذا باب في بيان موعظة الرجل ابنته بحال زوجها. ويروى: لحال زوجها، باللام أي: لأجل حال زوجها، والموعظة اسم للوعظ وهو النصح والتذكير بالعواقب.
1915 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، قال: لم أزل حريصا بن علي
أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، اللتيتن قال الله تعالى: * ((66) إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) * (التحريم: 4) حتى حج وحججت معه، وعدل وعدلت معه بأدواة، فتبرز ثم جاء فسكبت على يديه منها فتوضأ فقلت له: يا أمير المؤمنين من المرأتن من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، اللتان قال الله تعالى: * ((66) تنوبا إلى الله فقد صنعت قلوبكما) * (التحريم: 4) قال: واعجبا لك يا ابن عباس، هما عائشة وحفصة ثم استقبل عمر الحديث يسوقه. قال: كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهم من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على النبي صلى الله عليه وسلم فينزل يوما وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته بما حدث من خبر ذالك اليوم من الوحي أو غيره، وإذا نزل فعل مثل ذالك، وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار فصخبت بن علي
امرأتي فراجعتني، فأنكرت أ تراجعني، قالت: ولم تنكر أن أراجعك. فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل، فأفرغني ذالك وقلت لها: قد خاب من فعل ذالك منهن، ثم جمعت علي ثيابي فنزلت فدخلت على حفصة، فقلت لها:
179

أي حفصة! أتغاضب إحداكن النبي صلى الله عليه وسلم اليوم حتى الليل؟ قالت: نعم فقلت: قد خبت وخسرت أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم فتهلكي؟ لا تستكثري النبي صلى الله عليه وسلم ولا تراجعيه في شيء ولا تهجريه، وسليني ما بدا لك، ولا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد عائشة قال عمر: وكنا قد تحدثنا أن غسان تنعل الخيل لغزونا، فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته فرجع إلينا عشاء فضرب بابي ضربا شديدا وقال: أثم هو؟ ففزعت فخرجت إليه، فقال: قد حدث اليوم أمر عظيم. قلت: ما هو؟ أجاء غسان؟ قال: لا بل أعظم من ذالك وأهول طلق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه. فقلت: خابت حفصة وخسرت، قد كنت أظن هاذا يوشك أن يكون. فجمعت علي ثيابي فصليت صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم مشربة له فاعتزل فيها، ودخلت على حفصة فإذا هي تبكي. فقلت ما يبكيك؟ ألم أكن حذرتك هاذا؟ أطلقكن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: لا أدري، ها هو ذا معتزل في المشربة، فخرجت فجئت إلى المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم، فجلست معهم قليلا ثم غلبني ما أجد فجئت المشربة التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت لغلام له أسود استأذن لعمر فدخلل الغلام فكلم النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع، فقال: كلمت النبي صلى الله عليه وسلم وذكرتك له فصمت، فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر، ثم غلبني ما أجد فجئت فقلت للغلام استأذن لعمر، فدخل ثم رجع فقال: قد ذكرتك له فصمت، فرجعت فجلست مع الرهط الذين عند المنبر، ثم غلبني ما أجد فجئت الغلام، فقلت: استأذن لعمر فدخل ثم رجع إلي فقال: قد ذكرتك له فصمت فلما وليت منصرفا، قال: إذا الغلام يدعوني، فقال: قد أذن لك النبي صلى الله عليه وسلم، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه متكئا على وسادة من أدم حشوها ليف، فسلمت عليه ثم قلت وأنا قائم: يا رسول الله! أطلقت نساءك؟ فرفع إلي بصره فقال: لا. فقلت: الله أكبر، ثم قلت وأنا قائم: أستأنس يا رسول الله؟ لو رأيتني وكنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة إذا قوم تغلبهم نساؤهم، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قلت: يا رسول الله! لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت لها لا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يريد عائشة، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم تبسمة أخرى، فجلست حين رأيته تبسم فرفعت بصري في بيته، فوالله ما رأيت في بيته شيئا يرد البصر غير أهبة ثلاثة، فقلت: يا رسول الله! ادع الله فليوسع على أمتك، فإن فارسا والروم قد وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وكان متكئا فقال: أو في هاذا أنت يا ابن الخطاب؟ إن أولئك قوم عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا، فقلت: يا رسول الله! استغفر لي. فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه من
180

أجل ذالك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة تسعا وعشرين ليلة، وكان قال: ما أنا بداخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله، فلما مضت تسع وعشرون ليلة دخل على عائشة فبدأ بها، فقالت له عائشة: يا رسول الله! إنك كنت قد أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا، وإنما أصبحت من تسع وعشرين ليلة أعدها عدا!! فقال: الشهر تسع وعشرون، فكان ذالك الشهر تسعا وعشرين ليلة، قالت عائشة: ثم أنزل الله تعالى آية التخيير، فبدأ بي أول امرأة من نسائه فاخترته ثم خير نساءه كلهن، فقلن مثل ما قالت عائشة رضي الله عنها.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فدخلت بن علي
حفصة فقلت: أي حفصة) إلى قوله: (يريد عائشة).
وأبو اليمان هو الحكم بن نافع، وشعيب هو ابن أبي حمزة، وهذا الإسناد بعينه قد مر غير مرة.
والحديث قد مضى في تفسير سورة التحريم، ومضى أيضا مطولا في كتاب المظالم في: باب الغرفة والعلية المشرفة، ومضى أيضا مختصرا في كتاب العلم أخرجه
عن أبي اليمان عن شعيب ومضى الكلام فيه في المواضع المذكورة، فالناظر فيه يعتبر التفاوت من حيث الزيادة والنقصان في الإسناد والمتن.
قوله: (عدل) أي: عن الطريق الجادة المسلوكة إلى طريق لا يسلك غالبا ليقضي حاجته، ووقع في رواية عبيد: فخرجت معه، فلما رجعنا وكنا ببعض الطريق عدل، إلى الأراك لحاجة له، وفي رواية مسلم أن المكان المذكور هو مر الظهران. قوله: (فتبرز) قال الكرماني: أي ذهب إلى البزار لقضاء الحاجة قلت: تبرز أي قضى حاجته لأن قوله: فعدل هو في نفس الأمر بمعنى خرج إلى البراز، لقضاء الحاجة (قلت) تبرز: أي قضى حاجته لأن قوله: فعدل هو في نفس الأمر بمعنى: خرج إلى البراز نعم هو من البزار، وهو المكان الخالي البارز عن البيوت، ولكنه أطلق بن علي
نفس الفعل. قوله: (منها)، أي: من الإداوة. قوله: (اللتان)، كذا في الأصول بالتثنية ووقع عند ابن التين التي، بالإفراد قال: والصواب اللتان بالتثنية قوله: (إن تتوبا إلى الله)، أي: عن التعاون بن علي
رسول الله صلى الله عليه وسلم * (فقد صغت قلوبكما) * (التحريم: 4) قوله: (واعجبا لك)؟ يجوز فيه التنوين وتركه بن علي
ما قاله ابن مالك، إن كان منونا فهو اسم فعل بمعنى: أعجب قلت يجوز أن يكون منصوبا، بفعل محذوف تقديره أعجب عجبا، وإن كان غير منون فالأصل فيه: واعجبي، وكذا وقع في رواية معمر بن علي
الأصل فأبدلت الكسرة فتحة فصارت ألفا كما في قوله: يا أسفا ويا حسرتا، وكلمة، واهنا اسم لأعجب كما في قوله:
* وبابي أنت وفوك الأشنب
*
والأصل في وا، أن يستعمل في المنادى المندوب، وقد يستعمل في غيره كما هنا، وإليه ذهب المبرد ومن النحاة من منعه وهو حجة عليه. قوله: (هما عائشة وحفصة)، كذا في أكثر الروايات، ووقع في رواية حماد بن سلمة وحده: (حفصة وأم سلمة)، كذا حكاه عنه مسلم، إنما تعجب عمر من ابن عباس مع شهرته بعلم التفسير كيف خفي عليه هذا القدر؟ وقال الزمخشري: كأنه كره ما سأله عنه، وكذا قال الزهري: كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه، ذكر مسلم عنه في هذه القصة. قوله: (ثم استقل) من الاستقلال بالأمر وهو الاستبداد به، ويقال: استقل بالأمر إذا تفرد به دون غيره. قوله: (يسوقه) حال أراد القصة التي كانت سبب تزول الآية المسؤول عنها. قوله: (في بني أمية) بن زيد بن مالك بن عمرو بن عوف من الأوس قوله: (عوالي المدينة) يعني: السكان والعوالي جمع عالية وهي القرى التي بأعلى المدينة بن علي
أربعة أميال وأكثر وأقل، وهي مما يلي المشرق وكانت منازل الأوس. قوله: (وكنا نتناوب النزول) أي: كنا نجعله نوبة، يوما ينزل فيه عمر ويوما ينزل فيه جار له. واسمه أوس بن خولى بن عبد الله بن الحارث الأنصاري، وقيل: عتبان بن مالك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بينه وبين عمر، رضي الله تعالى عنه، والأول هو الأصح، ولا يلزم من المؤاخاة التجاور قوله: (معشر قريش) منصوب بن علي
الاختصاص. قوله: (نغلب النساء) أي: نحكم عليهن ولا يحكمن علينا، بخلاف الأنصار فإن النساء كن يحكمن عليهم. قوله: (إذا) كلمة مفاجأة. قوله: (فطفق نساؤنا) بكسر الفاء، وقد تفتح وهو من أفعال المقاربة الذي معناه: الأخذ والشروع في الشيء. قوله: (من أدب نساء الأنصار) أي: من طريقتهن وسيرتهن. قوله: (فصخبت) بفتح الصاد المهملة وكسر الخاء المعجمة من الصخب وهو الصياح، وهو بالصاد رواية الكشميهني، وفي رواية غيره
181

بالسين المهملة وهما بمعنى واحد، ويروى: فصحت قوله: فراجعتني من المراجعة هي المراددة في القول. قوله: (ولم) بكسر اللام وفتح الميم يعني: لماذا تنكر علي أن أراجعك أي مراجعتك. قوله: (ليراجعنه) بكسر الجيم وسكون العين وفتح النون. قوله: (لتهجره اليوم إلى الليل) اللام في لتهجره للتأكيد والضمير المنصوب فيه يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، واليوم نصب بن علي
الظرف، والليل مجرور بكلمة حتى التي بمعنى إلى، للغاية ويجوز فيه النصب بن علي
أن حتى حرف عطف وهو قليل. قوله: (فأفزعني) من الفزع وهو الخوف. قوله: (ثم جمعت بن علي
ثيابي) أي: هيأت مشمرا ساق العزم. قوله: (فدخلت بن علي
حفصة) يعني: ابنته بدأ بها لمنزلتها منه. قوله: (أي حفصة!) يعني: يا حفصة: قوله: (أتغاضب؟) الهمزة فيه للاستفهام بن علي
سبيل الإنكار. قوله: (أن يغضب الله؟) كلمة: أن مصدرية، أي: عضب الله قوله: (فتهلكي)، كذا هو في رواية الأكثرين، ووقع في رواية عقيل: (فتهلكين) وفي رواية عبيد بن حنين: (فيهلكن)، بسكون الكاف بن علي
صيغة جماعة النساء الغائبة. وقال بعضهم بن علي
خطاب جماعة النساء. قلت جماعة النساء الغائبات بالياء آخر الحروف وإن كان للحاضرات فبالتاء المثناة من فوق، وهذا القائل لم يميز بينهما. قوله: (لا تستكثري) أي: لا تطلبي منه الكثير من حوائجك، ويؤيد هذا رواية يزيد بن رومان: (لا تكلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تسأليه فإن رسول الله ليس عنده دنانير ولا دراهم، فإن كان لك من حاجة حتى دهنة فسليني. قوله: (ولا تراجعيه في شيء) أي: لا ترادديه في الكلام ولا تردي عليه قوله: (ولا تهجريه) أي: لا تهجري النبي صلى الله عليه وسلم، ولو هجرك النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (ما بدا لك) أي: ما ظهر لك مما تريدين قوله: (إن كانت)، بفتح الهمزة وكسرها.
قوله: (جارتك) أي: ضرتك، ويجوز أن يكون بن علي
حقيقته لأنها كانت مجاورة لعائشة رضي الله تعالى عنها، وكان ابن سيرين يكره تسميتها ضرة، ويقول: إنها لا تضر ولا تنفع ولا تذهب من رزق الأخرى بشيء، وإنما هي جارة، والعرب تسمي صاحب الرجل وخليطه جارا، وتسمى الزوجة أيضا جارة لمخالطتها الرجل، وقال القرطبي: اختار عمر رضي الله تعالى عنه، تسميتها جارة أدبا منه أن يضاف لفظ الضرر إلى إحدى أمهات المؤمنين. قوله: (أوضأ منك) من الوضاءة وهو الحسن ووقع في رواية معمر: (أوسم) من الوسامة وهي الجمال. قوله: (وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم) المعنى: لا تغتري بكون عائشة تفعل ما نهيتك عنه فلا يؤاخذها بذلك، فإنها تدل بجمالها ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم لها فلا تغتري أنت بذلك لاحتمال أن لا تكوني عنده بتلك المنزلة، وفي رواية عبيد بن حنين التي مضت في سورة التحريم: ولا يغرنك هذه التي أعجبها حسنها حب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها، ووقع في رواية سليمان بن بلال عند مسلم: أعجبها حسنها وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بواو العطف، وقيل في رواية عبد بن حنين المذكورة حذف الواو تقديره: (وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم) ومنعه السهيلي وقال: هو مرفوع بن علي
البدل، بيانه أن قوله: هذه فاعل قوله: لا يغرنك، وقوله: التي أعجبها صفة وقوله حب رسول الله صلى الله عليه وسلم بدل اشتمال كما في قولك: أعجبني يوم الجمعة صوم فيه، وجوز عياض بدل الاشتمال وحذف واو العطف، وقال ابن التين: حب فاعل وحسنها بالنصب مفعول لأجله، والتقدير: أعجبها حب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها من أجل حسنها. قال: والضمير الذي يلي أعجبها منصوب فلا يصح بدل الحسن منه ولا الحب. قوله: (أن غسان) قال الكرماني: غسان، بفتح الغين المعجمة وتشديد المهملة ملك من ملوك الشام قلت: ليس كذلك، وإنما معناه قبيلة غسان وملكهم في ذلك الوقت الحارث بن أبي شمر وأن غسان في الأصل ماء بسد مأرب كان شربا لولد مازن فسموا به، ويقال غسان ماء بالمشلل قريب من الجحفة، والذين شربوا منه سموا به قبائل من ولد مازن جماع غسان، فمن نزل من بنيه ذلك الماء فهو غساني، وأنشىء منهم ملوك فأول من نزل منهم ببلاد الشام جفنة بن عمرو بن ثعلبة وآخرهم جبلة بن الأيهم وهو الذي أسلم في خلافه عمر رضي الله تعالى عنه، ثم عاد إلى الروم وتنصر، وقد اختلفوا في مدة ملك الغسانية، فقيل: أربعمائة سنة، وقيل: ستمائة سنة، وقيل غير ذلك، وقيل: إنهم سبع وثلاثون ملكا أو لهم جفنة وآخرهم جبلة. قوله: (تنعل الخيل)، بضم أوله، قال الجوهري: يقال أنعلت الدابة، ولا تقل: نعلت، وحكى عياض في تنعيل الخيل وجهين، وهو كناية عن استعدادهم للقتال مع أهل المدينة. قوله: (ففزعت) أي: خفت. قوله: (خابت حفصة وخسرت) إنما حضها بالذكر لمكانتها منه لكونها ابنته. قوله: (يوشك) بكسر الشين
182

بمعنى: يقرب لأنه من أفعال المقاربة قوله: (مشربة) بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وضم الراء وفتحها، وهي الغرفة. قوله: (ثم غلبني ما أجد) أي: من شغل قلبي أي: من اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه وأن ذلك لا يكون إلا من غضب منه قوله: (لغلام له أسود) واسمه رباح بفتح الراء وتخفيف الباب الموحدة وآخره حاء مهملة. قوله: (بن علي
رمال) بكسر الراء، وقد يضم، وفي رواية معمر: بن علي
رمل، بكسر الميم وهو المنسوج من الحصير، يقال: رملت الحصير أي: نسجته قوله: (من أدم) بفتحتين جمع أديم. قوله: (استأنس) أي: استأذن الجلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والمحادثة معه وأتوقع عوده إلى الرضا وزوال غضبه. قوله: (غير أهبة) بفتحات واحده أهب وهي الجلد ما لم يدبغ، والأهب بفتحتين جمع بن علي
غير قياس وقيل بالضم وهو القياس. قوله: (أو في هذا أنت؟) الهمزة للاستفهام والواو للعطف بن علي
مقدر بعد الهمزة أي: أأنت في مقام استعظام التجملات الدنياوية واستعجالها؟ قوله: (استعفر لي) أي عن جراءتي بهذا القول بحضرتك أو عن اعتقادي أن التجملات الدنياوية مرغوب فيها أو عن إرادتي ما فيه المشابهة للكفار في ملابسهم ومعايشهم. قوله: (من أجل ذلك الحديث) وهو إشارة إلى ما روى أنه صلى الله عليه وسلم خلى بمارية القبطية في يوم عائشة وعلمت به حفصة فأفشته حفصة إلى عائشة. قوله: (تسعا وعشرين ليلة) راجع إلى قوله: (فاعتزل) قوله: (من شدة موجدته) بفتح الميم وسكون الواو وكسر الجيم، أي: من شدة حزنه، وعاتبه الله تعالى بقوله: * (لم تحرم ما أحل الله لك) * (التحريم: 1) وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم قال لحفصة: لا أعود إليها فاكتمي علي فإني حرمتها بن علي
نفسي. قوله: (من تسع) وفي رواية عقيل: لتسع باللام وفي رواية السرخسي: بتسع، بالباء الموحدة قوله: (آية التخيير) وهي قوله عز وجل: * (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها) * إلى قوله: * (أجرا عظيما) * (الأحزاب: 82، 92)
[/ ح.
وفي هذا الحديث فوائد فيه: بذل الرجل المال لابنته لتحسين عشرة زوجها، لأن ذلك صيانة لعرضها وعرضها. وبذل المال في صيانة العرض واجب فيه: تعريض الرجل لابنته بترك الاستكثار من الزوج، إذا كان ذلك يؤذيه ويحرجه. وفيه: سؤال العالم عن بعض أمور أهله وإن كان عليه فيه غضاضة إذا كان في ذلك سنة تنقل ومسألة تحفظ. وفيه: توقير العالم ومهابته عن استفسار ما يخشى من تغيره عند ذكره. وفيه: ترقب خلوات العالم ليسأل عما لعله لو سئل عنه بحضرة الناس أنكره بن علي
السائل. وفيه: أن شدة الوطأة بن علي
النساء مذمومة. فإن قلت: روى ابن عباس مرفوعا: علق سوطك حيث يراه الخادم، وروى أبو ذر: أخف أهلك في الله ولا ترفع عنهم عصاك. قلت: أسانيدها واهية، وضرب المرأة لغير الهجر في المضجع لا يجوز بل حرام قال الله تعالى: * (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات) * (الأحزاب: 85) الآية. وفيه: البحث في العلم في الطرق والخلوات وفي حال القعود والمشي. وفيه: الصبر بن علي
الزوجات والإغضاء عن خطئهن والصفح عما يقع منهن من زلل في حق المرء دون ما يكون من حق الله. وفيه: جواز اتخاذ الحاكم عند الخلوة بوابا يمنع من دخل إليه بغير إذنه. وفيه: مشروعية الاستئذان بن علي
الإنسان وإن كان وحده لاحتمال أن يكون بن علي
حالة يكره الاطلاع عليها. وفيه: جواز تكرار الاستئذان لمن لم يؤذن له إذا رجى حصول الإذن ولا يتجاوز به ثلاث مرات. وفيه: أن لكل لذة أو شهوة قضاها المرء في الدنيا فهو استعجال له من نعيم الآخرة وفيه أن الإنسان إذا رأى صاحبه مهموما استحب له أن يحدث بما يزيل همه ويطيب نفسه. وفيه: جواز الاستعانة في الوضوء بالصب بن علي
يد المتوضىء. وفيه: خدمة الصغير للكبير وإن كان الصغير أشرف نسبا من الكبير. وفيه: تذكير الحالف بيمينه إذا وقع منه ما ظاهره نسيانها. وفيه: التناوب في مجالس العلماء إذا لم يتيسر المواظبة بن علي
حضوره لشاغل شرعي من أمر ديني أو دنيوي. وفيه: قبول خبر الواحد ولو كان الآخذ فاضلا والمأخوذ عنه مفضولا. ورواية الكبير عن الصغير. وفيه: أن الغضب والحزن يحمل الرجل الوقور بن علي
ترك التاني المألوف منه. وفيه: شدة الفزع والجرع للأمور المهمة. وفيه: جواز نظر الإنسان نواحي بنت صاحبه وفيه: كراهة تسخط النعمة واحتقار ما أنعم الله به ولو كان قليلا. وفيه: المعاتبة بن علي
إفشاء ما لا يليق لمن أفشاه. وفيه: حسن تلطف ابن عباس وشدة حرصه بن علي
الاطلاع بن علي
فنون التفسير. وفيه: إن سكوته صلى الله عليه وسلم عن الإذن في تلك الحال الرفق بالأصهار والحياء منهم. وفيه: جواز ضرب الباب ودقه إذا لم يسمع الداخل بغير ذلك. وفيه: دخول الآباء بن علي
البنات بغير إذن الزوج والتفحص عن أحوالهن، لا سيما فيما يتعلق بالزوجات.
183

48
((باب صوم المرأة بإذن زوجها تطوعا))
أي: هذا باب في بيان حكم صوم المرأة حال كونها ملتبسة بإذن زوجها في صومها. قوله: (تطوعا) يجوز أن يكون بمعنى متطوعة فيكون نصبا بن علي
الحال ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف أي: صوما تطوعا، وإنما قيد بإذن الزوج لأنها لا تصوم التطوع إلا بإذنه لأن حقه مقدم بن علي
صوم التطوع، بخلاف رمضان فإنه لا يحتاج فيه إلى الإذن لأنه أيضا صائم، والخلاف في صوم قضاء رمضان فمنهم من قال: ليس لها ذلك بل تؤخره إلى شعبان، ومنهم من قال: لها ذلك.
2915 حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه.
مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضحها لأنه ليس فيها الحكم بالجواز وبعدم الجواز.
ومحمد بن مقاتل المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، ومعمر بفتح الميمين ابن راشد، وهمام بتشديد الميم الأولى ابن منبه بن علي
صيغة اسم الفاعل من التنبيه.
قوله: (لا يصوم) والنفي لا يجزم وزعم ابن التين، أن الصوب: لا تصم، لأنه نهي وهو مجزوم وقال صاحب (التلويح): واتفق العلماء مثل ما بوب البخاري.
والحديث أخرجه مسلم أيضا، وفي لفظ لا يحل للمرأة أن تصوم مكان لا تصوم، وفي لفظ أبي داود لا تصومن امرأة يوما سوى شهر رمضان وزوجها شاهد إلا بإذنه، ورواه الترمذي أيضا ولفظه: لا تصوم المرأة وزوجها شاهد يوما من غير شهر رمضان إلا بإذنه. وقال: حديث أبي هريرة حديث حسن. وأخرجه ابن حبان وصححه.
قوله: (وبعلها) أي: زوجها: (شاهد) أي: حاضر، يعني مقيم في البلد إذ لو كان مسافرا فلها الصوم لأنه لا يتأتي منه الاستمتاع بها. وقال الكرماني: قال أصحابنا: النهي للتحريم. وقال النووي في (شرح المهذب): وقال بعض أصحابنا: يكره فلو صامت بغير إذنه صح وأثمت. وقال المهلب: النهي بن علي
التنزيه لا للإلزام.
58
((باب إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها))
أي: هذا باب في بيان حكم ما إذا باتت المرأة مهاجرة أي: تاركة فراش زوجها ومعرضة عنه، ولم يذكر جواب إذا الذي هو الحكم اعتمادا بن علي
ما يفهم من حديث الباب وهو عدم الجواز لأن فيه استحقاقها اللعنة من الملائكة فلا تستحق ذلك إلا بمباشرة أمر محظور.
3915 حدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن سليمان عن أبي حازم عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح.
مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا في ترجمة الباب الذي قبله قوله: (محمد بن بشار) هو بندار، وذكر أبو علي الجياني أنه وقع في بعض النسخ محمد بن سنان بكسر السين المهملة وتخفيف النون الأولى وهو غلط، وابن عدي، بفتح العين المهملة وكسر الدال المهملة، وسليمان هو الأعمش، وأبو حازم، بالحاء المهملة وبالزاي: هو سليمان الأشجعي مولى عزة الأشجعية.
والحديث قد مر في بدء الخلق فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن أبي عوانة عن الأعمش إلى آخره.
قوله: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه)، كناية عن الجماع. قوله: (فأبت) أي: امنتعت. قوله: (أن تجيء) كلمة: أن مصدرية أي: عن المجيء قوله: (حتى تصبح)، ظاهره اختصاص اللعن بما إذا وقع ذلك منها ليلا وليس ذلك بقيد، وإنما ذكر ذلك لأن مظنة ذلك غالبا بالليل وإلا فهو عام في الليل والنهار، يوضح ذلك ويؤيده ما رواه مسلم من حديث يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة بلفظ: (والذي نفسي بيده، ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها، وما رواه ابن خزيمة وابن حبان من حديث جابر رفعه: (ثلاثة لا تقبل لهم صلاة ولا يصعد لهم إلى السماء حسنة: العبد الآبق حتى يرجع، والسكران حتى يصحو، والمرأة الساخط
184

عليها زوجها حتى يرضى) فهذا الإطلاق يتناول الليل والنهار، وروى ابن الجوزي في (كتاب النساء) من حديث محمد بن ربيعة: حدثنا يحيى بن العلاء حدثنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه: سمعت أبا هريرة قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المسوفة والمغلسة، أما المسوفة فهي المرأة التي إذا أرادها زوجها قالت: سوف، والمغلسة في لفظ المغسلة، هي التي إذا أرادها زوجها قالت: إني حائض، وليس بحائض، وروى ابن أبي شيبة من حديث ليث عن عبد الملك عن عطاء عن ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! ما حق الزوج بن علي
المرأة؟ قال: لا تمنعه نفسها، وإن كانت بن علي
ظهر قتب. وروى الطبراني في (كتاب العشرة) من حديث يحيى بن العلاء بلفظ: لا تمنعه نفسها وإن كانت بن علي
رأس تنور، ورواه ابن عدي، ولفظه: بن علي
رأس تنور أو ظهر بيت، ويحيى بن العلاء ضعيف، وفي حديث الباب: إن الملائكة تدعو لأهل الطاعة إذا كانوا بن علي
طاعتهم وتدعو بن علي
أهل المعصية إذا كانوا في معصية.
وفيه: جواز لعن العاصي المسلم إذا كان بن علي
سبيل الإرهاب عليه لئلا يواقع الفعل فإذا واقعه فإنما يدعى له بالتوبة والهدى.
4915 حدثنا محمد بن عرعرة حدثنا شعبة عن قتادة عن زرارة عن أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ويوضح المراد من الترجمة المذكورة مطلقة، وزرارة بضم الزاي وبتكرير الراء المخففة: ابن أوفى بالواو والفاء مقصورا.
والحديث أخرجه مسلم في النكاح عن أبي موسى وبندار.
قوله: (مهاجرة) من باب المفاعلة في الأصل ولكن هنا بمعنى: هاجرة لأن فاعل قد يأتي بمعنى فعل نحو قوله تعالى: * (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) * (آل عمران: 331) أي: اسرعوا، وتوضحه رواية مسلم: إذا باتت المرأة هاجرة، وهو اسم فاعل من هجر ومهاجرة اسم فاعل من هاجر، وإذا كان الهجر منه فلا يترتب عليها شيء من ذلك. قوله: (حتى ترجع) أي: عن الهجرة (فإن قلت) هؤلاء الملائكة هم الحفظة أو غيرهم؟ (قلت) قيل: يحتمل الأمرين وأنا أقول إن الله عز وجل خلق الملائكة بن علي
أنواع شتى: منهم مرصدون لأمور كالموكلين بالقطر والرياح والسحب، والموكلين بمساءلة من في القبور، والسياحين في الأرض يبتغون مجالس الذكر، والموكلين بقذف الشياطين بالشهب، والموكلين بأمور قال فيهم: * (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) * (التحريم: 6) ويحتمل أن تكون الملائكة الذين يلعنون ناسا من بني آدم بن علي
أمور محظورة تقع منهم من هذا النوع، وهو الظاهر.
وفيه: الإرشاد إلى مساعدة الزوج وطلب مرضاته. وفيه: أن صبر الرجل بن علي
ترك الجماع أضعف من صبر المرأة. وفيه: أن أقوى التشويشات بن علي
الرجل داعية النكاح. ولذلك حض الشارع النساء بن علي
مساعدة الرجل في ذلك.
68
((باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحد إلا بإذنه))
.
أي: هذا باب يذكر فيه: لا تأذن المرأة إلى آخره، والمراد ببيت زوجها مسكنه سواء كان ملكه أم لا.
5915 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه، وما أنفقت من نفقة عن غير أمره فإنه يؤدى إليه شطره.
مطابقته للترجمة في قوله: (ولا تأذن في بيته إلا بإذنه) وهذا السند بعينه قد مر غير مرة لمتون مختلفة.
وأبو اليمان الحكم بن نافع، وشعيب هو ابن أبي حمزة دينار الحمصي، وأبو الزناد، بكسر الزاي وتخفيف النون: عبد الله بن ذكوان، والأعرج هو عبد الرحمان بن هرمز.
والحديث أخرجه النسائي في الصوم عن محمد بن علي بن ميمون عن أبي اليمان بقصة الصوم.
وهذا الحديث مشتمل بن علي
ثلاثة أحكام: الأول: في صوم المرأة تطوعا وقد مر عن قريب. الثاني: قوله: (ولا تأذن في بيته) أي: لا تأذن المرأة في بيت زوجها لا لرجل ولا لامرأة يكرهها زوجها، لأن ذلك يوجب سوء الظن ويبعث بن علي
الغيرة التي هي سبب القطيعة، وفي رواية مسلم من طريق همام عن أبي هريرة: وهو شاهد إلا بإذنه، وهذا القيد لا مفهوم له، بل خرج مخرج
185

الغالب وإلا فغيبة الزوج لا تقتضي الإباحة للمرأة أن تأذن لمن يدخل بيته بل يتأكد حينئذ عليها المنع لورود الأحاديث الصحيحة في النهي عن الدخول بن علي
المغيبات، أي من غاب زوجها، وأما عند الداعي للدخول عليها للضرورة كالإذن لشخص في دخول موضع من حقوق الدار التي هي فيها أو إلى دار منفردة عن مسكنها، أو الإذن لدخول موضع معد للضيفان، فلا حرج عليها في الإذن بذلك لأن الضرورات مستثناة في الشرع. الثالث: قوله: (وما أنفقت) أي المرأة (من نفقة عن غير أمر زوجها فإنه يؤدي إليه شطرة) أي: نصفه، والمراد به نصف الأجر، وقد جاء واضحا في رواية همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فله نصف أجره، وقد مر في أوائل البيوع في باب قول الله تعالى: * (أنفقوا من طيبات ما كسبتم) * (البقرة: 762) وفي رواية أبي داود: فلها نصف أجره، وقال الخطابي قوله: (يؤدي إليه شطره) محمول بن علي
المال المنفق وإنه يلزم المرأة إذا أنفقت بغير أمر زوجها زيادة بن علي
الواجب لها أن تغرم القدر الزائد، وأن هذا هو المراد بالشطر في الخبر، لأن الشطر يطلق بن علي
النصف وعلى الجزء. وقال الكرماني: فكل ما أنفقت بن علي
نفسها من ماله وبغير إذنه فوق ما يجب لها من القوت بالمعروف غرمت شطره، يعني: قدر الزيادة بن علي
الواجب لها. وقال صاحب (التلويح): معنى (يؤدي إليه شطره) يتأدى إليه من أجر الصدقة مثل ما يتأدى إلى البمتصدقة من الأجر ويصيران في الأجر نصفين سواء، ويشهد له قوله صلى الله عليه وسلم: الدال بن علي
الخير كفاعله، وهذا يقتضي المساواة. وقال ابن الرابط: وهذه النفقة هي الخارجة عن المعروف الزائدة بن علي
العادة بدليل قصة هند بالمعروف، وحديث: أن للخازن فيما أنفق أجرا وللزوجة أجرا يعني بالمعروف، وهذا النصف يجوز أن يكون النصف الذي أبيح لها أن تتصدق به بالمعروف. وقال الكرماني: وأما ما روى البخاري أعني حديثا آخر، فيخالف معناه وهو أنه قال: إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فله نصف أجره، فهو إنما يتأول بن علي
أن تكون المرأة قد خلطت الصدقة من ماله بالنفقة المستحقة لها حتى كانا شطرين. قلت: هذا لا يدفع أن يكون غرامة زيادة ما أنفقت لازمة لها أن لم تطب نفس الزوج بها، وروى ابن الجوزي من حديث ليث عن عطاء عن ابن عمر وابن عباس، رضي الله تعالى عنهم: لا تتصدق المرأة من بيته بشيء إلا بإذنه، فإن فعلت كان له الأجر وعليها الوزر، ولا تصوم يوما إلا بإذنه، فإن فعلت أثمت ولم تؤجر وعن أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه أنه سئل: المرأة تتصدق من مال زوجها؟ قال لا إلا من قوتها والأجر بينهما وأما من ماله فلا.
ورواه أبو الزناد أيضا عن موسى عن أبيه عن أبي هريرة في الصوم
أي: روى الحديث المذكور أبو الزناد عبد الله بن ذكوان عن موسى بن أبي عثمان الذي يقال له التبان بالتاء المثناة من فوق والباء الموحدة الثقيلة، واسمه سعيد، ويقال له: عمران، وهو مولى المغيرة بن شعبة له في البخاري سوى هذا الموضع، وأشار بهذا إلى أن رواية شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج اشتملت بن علي
ثلاثة أحكام كما ذكرنا، وأن لأبي الزناد أيضا إسنادا آخر عن موسى المذكور في الصوم خاصة، وهو معنى قوله: (في الصوم) ووصل هذه الرواية أحمد والنسائي والدارمي والحاكم من طريق الثوري عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان بقصة الصوم.
78
((باب))
أي: هذا باب، كذا وقع مجردا في رواية الكل، وقد قلنا غير مرة إن هذا كالفصل لما قبله، وسقط لفظ: باب، في رواية النسفي.
6915 حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل أخبرنا التيمي عن أبي عثمان عن أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قمت بن علي
باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين. وأصحاب الجد محبوسون غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار، وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء.
مطابقته للترجمة المذكورة من حيث إن الحديث المذكور فيها يشتمل بن علي
أحكام متعلقة بالنساء وأنهن يرتكبن النهي المذكور فيه غالبا، فلذلك كن أكثر من يدخل النار، وأما لفظ باب المجرد فإنه داخل في الترجمة المذكورة.
وإسماعيل هو ابن
186

علية، والتيميم هو سليمان بن طرخان البصري، وأبو عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي بفتح النون وسكون الهاء، وأسامة هو ابن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والحديث أخرجه مسلم في آخر كتاب الدعوات عن هدبة بن خالد وغيره. وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن قتيبة بن سعيد وفي المواعظ والرقائق عن عبد الله بن سعيد.
قوله: (الجد) بفتح الجيم وتشديد الدال وهو الغنى والحظ، ويجيء بمعنى القطع وأب الأب، وبالكسر: الاجتهاد قوله: (محبوسون) أي: بن علي
باب الجنة أو بن علي
الأعراف، كذا وقع لفظ محبوسون بالحاء المهملة في الأصول من الحبس، وكذا عند أبي ذر، وقال ابن التين: وكذا عند الشيخ أبي الحسن ولعله بفتح التاء والواو: محتوشون، اسم مفعول من قولهم: احتوش فلان بالمكان إذا قام به، يعني موقوفون لا يستطيعون الفرار، وقال الداودي: أرجو أن يكون المحبوسون أهل التفاخر، لأن أفاضل هذه الأمة كان لهم أموال ووصفهم الله تعالى بأنهم سابقون. وقال ابن بطال: إنما صار أصحاب الجد محبوسين لمنعهم حقوق الله تعالى الواجبة للفقراء في أموالهم فحبسوا للحساب كما منعوه، فأما من أدى حقوق الله تعالى في ماله فإنه لا يحبس عن الجنة إلا أنهم قليل، وإذا كثر المال تضيع حقوق الله فيه لأنه محنة وفتنة. قوله: (غير أن أهل النار) وهم الذين استحقوا دخول النار، وقد أمر بهم أي: أمر الله بهم إلى النار. قوله: (فإذا) كلمة المفاجأة أضيفت إلى الجملة لأن قوله: (عامة من دخلها) مبتدأ أو قوله: (النساء) خبره.
88
((باب كفران العشير وهو الزوج وهو الخليط من المعاشرة))
أي: هذا باب في بيان كفران المرأة العشير، وأراد بالكفران ضد الشكر وهو جحود النعمة والإحسان وليس المراد منه الكفر الذي يخرج به عن أصل الإيمان، والكفران مصدر من كفر يكفر كفورا وكفرا وكفرانا مثل ضده شكر يشكر شكورا وشكرا أو شكرانا. قوله: (وهو الزوج) أي: العشير هو الزوج، والعشير بن علي
وزن فعيل بمعنى معاشر كالمصادق في الصديق لأنها تعاشرا ويعاشرها من العشرة وهي الصحبة. قوله: (وهو الخليط) أي: العشير هو الخليط أي المخالط لأن بينهما مخالطة. قوله: (من المعاشر) أراد به أن العشير الذي هو الزوج مأخوذ من المعاشرة التي بمعنى المصاحبة، واحترز به عن العشير الذي بمعنى العشر، بالضم كما في الحديث تسعة أعشراء الرزق في التجارة، وهو جمع عشير كنصيب وأنصباء ومن العشير الذي بمعنى المعشور فإنه من عشرت المال أعشره إذا أخذت عشره.
فيه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم
أي: في هذا المعنى روى عن أبي سعيد بن مالك الخدري.
7915 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس أنه قال: خفت الشمس بن علي
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس معه فقام قياما طويلا نحوا من سورة البقرة، ثم ركع ركوعا طويلا ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول، ثم رفع سجد ثم قام فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا وهو الركوع الأول، ثم رفع ثم سجد ثم انصرف وقد تجلت الشمس فقال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذالك فاذكر الله. قالوا: يا رسول الله! رأيناك تناولت شيئا في مقامك هاذا، ثم رأيناك
187

تكعكعت. فقال: إني رأيت الجنة أو أريت الجنة، فتناولت منها عنقودا، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار فلم أر كاليوم منظرا قط، ورأيت أكثر أهلها النساء قالوا: لم يا رسول الله؟ قال: بكفرهن. قيل: يكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت: ما رأيت منك خيرا قط.
مطابقته للترجمة في قوله: (يكفرن العشير) وعطاء بن يسار بفتح الباء آخر الحروف وتخفيف السين المهملة. والحديث قد مضى في الصلاة في: باب صلاة الكسوف جماعة، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (تكعكعت) أي: تأخرت.
8916 حدثنا عثمان بن الهيثم حدثنا عوف عن أبي رجاء عن عمران عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اطلعت في الجتة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء.
مطابقته للترجمة من حيث إنهن لما كن مصرات بن علي
كفر النعمة وعدم الشكر في حق أزواجهم وهو معصية، والمعصية من أسباب العذاب استحققن دخول النار، وأما كونهن أكثر أهل النار وفبالنظر إلى وقت دخولهن، وقيل: هذا من باب التغليظ وفيه نظر.
وعثمان بن الهيثم، بفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة البصري كان مؤذنا بجامع البصرة، مات سنة عشرين ومائتين وهو من أفراد البخاري، وعوف هو الأعرابي وأبو رجاء بالجيم عمران بن ملحان جاهلي أسلم يوم الفتح عاش مائة وعشرين سنة وتوفي في خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه. وقيل: غير ذلك، وعمران هو ابن أبي الحصين، رضي الله تعالى عنه. والحديث قد مضى في صفة الجنة.
تابعه أيوب وسلم بن زرير
أي: تابع عوفا عن أبي رجاء أيوب السختياني، ووصل النسائي متابعته من حديث أيوب عن أبي رجاء عن عمران هكذا في رواية عبد الوارث، وفي رواية غيره: عن أيوب عن أبي رجاء عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما. قوله: (وسلم) أي وتابع عوفا أيضا سلم بفتح السين المهملة وسكون اللام ابن زرير بفتح الزاء وكسر الراء الأولى البصري، ووصل متابعته البخاري في صفة الجنة في بدء الخلق، وفي: باب فضل الفقر من الرقاق.
98
((باب لزوجك عليك حق))
أي: هذا باب يذكر فيه أن لزوجك عليك حقا. وأراد بالزوج الزوجة. قوله: (حق) بالرفع مبتدأ وقوله: (لزوجك عليك) مقدما خبره ولكل واحد من الزوجين حق بن علي
الآخر، ومن جملة حق المرأة بن علي
زوجها أن يجامعها، واختلفوا في مقداره فقيل: يجب مرة، وقيل في كل أربع ليال، وقيل: في كل طهر مرة. وقال ابن حزم: فرض بن علي
الرجل أن يجامع امرأته التي هي زوجته، وأدنى ذلك مرة في كل طهر إن قدر بن علي
ذلك، وإلا فهو عاص لله تعالى، وروى عبد الرزاق عن الثوري عن مالك بن مغول عن الشعبي، قال: جاءت امرأة إلى عمر، رضي الله تعالى عنه، فقالت: يا أمير المؤمنين! إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل. فقال عمر: لقد أحسنت الثناء بن علي
زوجك فقال كعب بن سوار: لقد اشتكت فقال عمر: أخرج من مقالتك فقال: أترى أن ينزل منزلة الرجل له أربع نسوة فله ثلاثة أيام ولياليها ولها يوم وليلة. وقال أحمد: وقال مالك: إذا كف رجل عن جماع أهله من غير ضرورة لا يترك حتى يجامع أو يفارق أحب ذلك أو كرهه، لأن مضار بها. وبنحوه قال أحمد، وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه: يؤمر أن يبيت عندها. وقال الشافعي، رضي الله تعالى عنه: لا يفرض عليه من الجماع شيء بعينه، وإنما يفرض لها النفقة والكسوة وأن يأوي إليها. وقال الثوري: إذا اشتكت زوجها جعل له ثلاثة أيام ولها يوم وليلة، وهو قول أبي ثور.
قاله أبو جحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم
أي: قال: (لزوجك عليك حق) أبو جحيفة، بضم الجيم وفتح الحاء المهملة: اسمه وهب بن عبد الله، ووصله البخاري في كتاب الصوم في: باب من أقسم بن علي
أخيه ليفطر، فإنه أخرجه هناك مطولا.
188

9915 حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا الأوزاعي قال: حدثني: يحيى بن أبي كثير قال: حدثني: أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: حدثني: عبد الله بن عمر بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله! ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: فلا تفعل، صم وأفطر وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا.
مطابقته للترجمة في آخر الحديث. وعبد الله هو ابن المبارك، والأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو، وقد مضى حديث عبد الله بن عمرو في هذا الباب في كتاب الصوم بوجوده كثيرة وطرق مختلفة، ومضى الكلام فيه هناك مشروحا مفصلا. وقال الكرماني: في هذا الحديث إشارة إلى أن وراء الجسد يعني هذا الهيكل المحسوس للإنسان شيء آخر يعبر عنه تارة بالروح وأخرى بالنفس.
09
((باب المرأة راعية في بيت زوجها))
أي: هذا باب يذكر فيه المرأة راعية في بيت زوجها.
0025 حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والأمير راع، والرجل راع بن علي
أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
مطابقته للترجمة في قوله: (والمرأة راعية بن علي
بيت زوجها) وعبدان لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة، وعبد الله هو ابن المبارك، وموسى بن عقبة بضم العين وسكون القاف والحديث قد مر في صلاة الجمعة في: باب الجمعة في القرى والمدن بأتم منه، ومضى الكلام فيه هناك.
19
((باب قول الله تعالى: * ((4) الرجال قوامون بن علي
النساء بما فضل الله بعضهم بن علي
بعض) * إلى قوله: * ((4) إن الله كان عليا كبيرا) * (النساء: 43))
أي: هذا باب في ذكر قول الله عز وجل: * (الرجال قوامون بن علي
النساء) * إلى آخره وفي رواية أبي ذر (الرجال قواموان بن علي
النساء) فحسب، وفي رواية غيره إلى قوله: * (عليا كبيرا) * قوله: (قوامون) أي: يقومون عليهن آمرين ناهين كما تقوم الولاة بن علي
الرعايا، والضمير في بعضهم، يرجع إلى الرجال والنساء جميعا، كذا قاله الزمخشري ثم قال: يعني إنما كانوا مسيطرين عليهن بسبب تفضيل الله بعضهم وهم الرجال بن علي
بعض وهم النساء. قوله: (وبما أنفقوا) أي: وبسبب ما أخرجوا في نكاحهن من أموالهم في المهور والنفقات. قوله: (فالصالحات) أي: المحسنات لأزواجهن، وقرئ: فالصوالح قوانت حوافظ. قوله: (والقانتات) أي: المطيعات والحافظات غيبة أزواجهن من صيانة أنفسهن. قوله: (فعظوهن) يعني؛ مروهن بتقوى الله وطاعته. (واللاتي) أي: النساء اللاتي تخافون نشوزهن أي: عصيانهن. قوله: (فاهجروهن في المضاجع) أي في المراقد، وهو كناية عن ترك الجماع، وقيل ترك الكلام وأن يوليها ظهره، وقيل: يترك فراشها وينام وحده * (واضربوهن) * ضربا غير مبرح ولا مهلك، وهو ما يكون تأديبا تزجز به عن النشوز * (فإن أطعنكم) * فيما يلتمس منهن * (فلا تبغوا عليهن سبيلا) * من الاعتراض والأذى والتوبيخ * (إن الله كان عليا كبيرا) * فاحذروه واعلموا أن قدرته أعظم من قدرتكم بن علي
من تحت أيديكم من نسائكم وعبيدكم.
1025 حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان قال: حدثني: حميد عن أنس، رضي الله عنه، قال:
189

آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرا وقعد في مشربة له فنزل لتسع وعشرين. فقيل: يا رسول الله إنك آليت على شهر؟ قال: إن الشهر تسع وعشرون.
مطابقته للترجمة من حيث إن في الآية: * (واهجروهن في المضاجع) * (النساء: 43) وقد هجرهن صلى الله عليه وسلم شهرا بن علي
ما يذكر الآن، وبهذا يرد بن علي
الإسماعيلي قوله: لم يتضح لي دخول الحديث في ترجمة الباب.
وخالد بن مخلد بفتح الميم وسكون الخاء وفتح اللام القطواني الكوفي، وسليمان هو ابن بلال، وحميد هو ابن أبي حميد الطويل البصري.
والحديث مضى في الصوم أخرجه عن عبد العزيز بن عبد الله.
قوله: (آلى) بمد الهمزة أي: حلف من الإيلاء، ولا يراد به المعنى الفقهي بل المعنى اللغوي، وإنما قدم المعنى اللغوي هنا بن علي
المعنى الشرعي للقرينة الدالة بن علي
ذلك وهي كونها شهرا واحدا، وكان سبب إيلائه صلى الله عليه وسلم شهرا إفشاء حفصة سره صلى الله عليه وسلم إلى عائشة رضي الله تعالى عنها، وذلك أنه أصاب مارية في بيت حفصة، رضي الله تعالى عنها، وهجرهن صلى الله عليه وسلم شهرا وقعد في مشربة له وهي الغرفة وقد مر تفسيرها عن قريب. قوله: (فنزل) أي من الغرفة قوله: (لتسع) أي عند تسع وعشرين ليلة قوله: (فقيل) القائل هو عائشة، وقيل: سألة عمر وغيره عن ذلك قوله: (بن علي
شهر)، كذا في رواية المستملي والكشميهني وفي رواية غيرهما: إنك آليت شهرا.
29
((باب هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في غير بيوتهن))
أي: هذا باب في بيان هجر النبي صلى الله عليه وسلم أي: إعراضه عنهن وتركهن شهرا، وسكناه في غير بيوتهن.
ويذكر عن معاوية بن حيدة رفعه غير أن لا تهجر إلا ي البيت، والأول أصح
معاوية بن حيدة صحابي مشهور، وحيدة، بفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف والدال المهملة المفتوحة ابن معاوية بن حيدة القشيري، معدود في أهل البصرة غزا خراسان ومات بها وهو جد بهز بن حكيم بن معاوية. قوله: (ويذكر) بصيغة التمريض. قال الكرماني: المذكور ولا يهجر إلا في البيت. (ورفعه) جملة حالية أي: ويذكر عنه: ولا يهجر إلا في البيت مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (والأول) أي: الهجر في غير البيوت أصح إسنادا من الهجر فيها، وفي بعضها غير أن لا يهجر إلا في البيت وحينئذ فاعل: يذكر هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في غير بيوتهن أي: ويذكر عن معاوية رفعه، غير أن لا يهجر أي رويت عنه قصة الهجر مرفوعة إلا أنه قال: أن لا يهجر إلا في البيت، وهذا الذي لمحه غلط محض، فإن معاوية بن حيدة ما روى قصة هجر النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه ولا يوجد هذا في شيء من المسانيد ولا في الأجزاء، وليس مراد البخاري ما ذكره، وإنما مراده حكاية ما ورد في سياق حديث معاوية بن حيدة، فإن في بعض طرقه ولا يقبح ولا يضرب الوجه غير أن لا تهجر إلا في البيت، فظن الكرماني أن الاستثناء من تصرف البخاري وليس كذلك بل هو حكاية منه عما ورد من لفظ الحديث. انتهى.
قلت: نسبة الكرماني إلى غلط محض غلط محض منه، وفيه ترك الأدب وذلك أن الكرماني ما تصرف في هذا الحديث إلا بن علي
حسب ما يقتضيه اختلاف الروايتين المذكورتين اللتين ذكرهما، ومع هذا يحتمل أن يكون معاوية قد روى قصة هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه، فإن باب الرواية واسع جدا. وقوله: فإن معاوية بن حيدة ما روى قصة هجر النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه ولا يوجد هذا في شيء من المسانيد ولا في الأجزاء دعوى بلا برهان، وليت شعري كيف يدعي هذه الدعوى وهو لم يحط بما جاء من المسانيد ومن الأجزاء، ولا وقف هو بن علي
قدر عشر معشار ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، بن علي
أن كلام الكرماني إثبات وكلامه نفي، والإثبات مقدم لأنه إخبار عن موجود، والنفي إخبار عن معدوم.
قال صاحب (التلويح) قول البخاري: ويذكر عن معاوية إلى آخره، يريد بذلك ما رواه أبو داود قلت: رواه أبو داود في كتاب النكاح في: باب حق المرأة بن علي
الزوج: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد قال: أخبرنا أبو قزعة سويد بن حجير الباهلي عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: (أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت). قال أبو داود: ولا تقبح، أي: لا تقول: قبحك الله. وقال المهلب: وهذا الذي أشار إليه البخاري لا يكون إلا في غير بيوت الزوجات من
190

أجل ما فعله صلى الله عليه وسلم أراد أن يستن الناس بذلك في هجر نسائهم لما فيه من الرفق، لأن هجرانهن في بيوتهن آلم لقلوبهن وأوجع لما ينظرن من الغضب والإعراض، ولما في غيبة الرجل عن أعينهن من تسليتهن عن الرجال قال: وهذا الذي أشار إليه ليس بواجب، لأن الله تعالى أمر بهجرانهن في المضاجع فضلا عن البيوت، ورد عليه بأن الهجران في غير البيوت أنكى لهن وأبلغ في عقوبتهن، روى ابن وهب عن مالك بلغني أن عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه، كان يغاضب بعض نسائه، فإذا كانت ليلتها بات عندها ولم يبت عند غيرها من غير أن يكلمها ولا ينظر إليها. قلت: لمالك: وذلك له واسع؟ فقال: نعم، وذلك في كتاب الله تعالى: * (واهجروهن في المضاجع) * (النساء: 43) وقيل: الحق في هذا أنه يختلف باختلاف الأحوال، فربما يكون الهجران في البيوت أشد من الهجران في غيرها، وبالعكس، بل الغالب أن الهجران في غير البيوت أشد ألما للنفوس، ورب نسوة تتألم بمجرد بيتوتة الرجل في غير بيوتها من غير هجران ولا سيما مع الهجران، وهذا ظاهر لا يخفى.
2025 حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج وحدثني محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا بن جريج قال: أخبرني يحيى بن عبد الله بن صيفي أن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث أخبره أن أم سلمة أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم، حلف لا يدخل على بعض أهله شهرا فلما مضى تسعة وعشرون يوما غدا عليهن أو راح. فقيل له: يا نبي الله! حلفت أن لا تدخل عليهن شهرا. قال: إن الشهر يكون تسعة وعشرين يوما.
(انظر الحديث 0191)
مطابقته للترجمة من حيث أن في طريق من طرق هذا الحديث غير أم سلمة أنه قعد في مشربة له، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما هجر بعض نسائه طلع إلى مشربة له وقعد فيها، ومنه تؤخذ المطابقة وروي هذا الحديث من طريقين. أحدهما: عن أبي عاصم النبيل، واسمه الضحاك بن مخلد، يروي عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، والأخرى: عن محمد بن مقاتل المروزي عن عبد الله بن المبارك المروزي عن ابن جريج عن يحيى بن عبد الله بن صيفي بتشديد الياء للنسبة عن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة، وهو أخو أبي بكر بن عبد الرحمن أحد الفقهاء السبعة، وليس له في البخاري غير هذا الحديث، ومضى هذا الحديث في كتاب الصوم في: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الهلال فصوموا، وأنه أخرجه هناك من طريق أبي عاصم وحده.
قوله: (حلف) في كتاب الصوم إلى قوله: (بن علي
بعض أهله) ويروى: بن علي
بعض نسائه. قوله: (أو راح) شك من الراوي. قوله: (فقيل له) أي النبي صلى الله عليه وسلم، والقائل له هي عائشة رضي الله تعالى عنها، قوله: (أن لا تدخل شهرا) ويروى: أن لا يدخل عليهن شهرا. قوله: (قال أن الشهر)، ويروى فقال.
3025 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا مروان بن معاوية حدثنا أبو يعفور قال تذاكرنا عند أبي الضحى، فقال: حدثنا ابن عباس، قال: أصبحنا يوما ونساء النبي صلى الله عليه وسلم، يبكين عند كل امرأة منهن، فخرجت إلى المسجد، فإذا هو ملآن من الناس، فجاء عمر بن الخطاب فصعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في غرفة له، فسلم فلم يجبه أحد ثم سلم فلم يجبه أحد، ثم سلم فلم يجبه أحد، فناداه فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أطلقت نساءك؟ فقال: لا ولكن آليت منهن شهرا، فمكث تسعا وعشرين ثم دخل على نسائه.
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، ومروان بن معاوية الفزاري، بالفاء والزاي، وأبو يعفور هو المشهور بالأصغر، وهو بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وضم الفاء وسكون الواو وفي آخره راء: واسمه عبد الرحمن بن عبيد، كوفي ثقة وليس له في البخاري إلا هذاالحديث، وأبو الضحى مسلم بن صبيح.
والحديث أخرجه النسائي في الطلاق
191

عن أحمد بن عبد الله بن الحكم عن مروان بن معاوية.
قوله: (تذاكرنا) لم يذكر ما تذاكروا به، وبينه في رواية النسائي ولفظه: تذاكرنا الشهر، فقال بعضنا: ثلاثين، وقال بعضنا: تسعا وعشرين. قوله: (ونساء النبي صلى الله عليه وسلم) الواو فيه للحال. قوله: (فإذا هو ملآن) كلمة إذا، للمفاجأة وملآن، بن علي
وزن فعلان كذا هو في الأصول بالنون، وقال ابن التين عند أبي الحسن ملأى، وعند غيره ملآن وهو الصحيح، وإنما ملآى نعت للمؤنث. فإن أريد البقعة فيصح ذلك قوله: (وهو في غرفة) وفي رواية النسائي: في علية، بضم العين المهملة وقد تكسر وتشديد اللام المكسورة وتشديد الياء آخر الحروف، وهو المكان العالي، وهي الغرفة، وقد تقدم فيما مضى أنها مشربة. قوله: (فناداه) فعل ومفعول وهو الضمير المنصوب الذي يرجع إلى عمر رضي الله تعالى عنه. ولم يذكر الفاعل في النسخ الموجودة، ووقع في رواية أبي نعيم مصرحا. بأن الذي ناداه بلال رضي الله تعالى عنه، ولفظه: فلم يجبه أحد فانصرف فناداه بلال فسلم ثم دخل، وكذا وقع في رواية النسائي هكذا، ولكن فنادى بلال، بحذف المفعول. قلت: لا خلاف في جواز حذف المفعول ولكن لا يجوز حذف الفاعل لأنه ركن في الكلام. قيل: والظاهر أن ذكر الفاعل هنا سقط من الناسخ. قلت: لم لا يجوز أن يكون الفاعل هو النبي صلى الله عليه وسلم، لأن عمر رضي الله تعالى عنه، صعد إلى الغرفة التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم، ووقف بن علي
الباب فسلم ولم يسمع شيئا، هكذا ثلاث مرات، ثم لما أراد الانصراف ناداه النبي صلى الله عليه وسلم فدخل. فإن قلت: وقع في رواية الإسماعيلي عن أبي يعفور: في غرفة له ليس عنده فيه إلا بلال، وفي رواية مسلم: عن ابن عباس عن عمر أن اسم الغلام الذي أذن له رباح. قلت: التوفيق بينهما أن يقال: إن بلالا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم في الغرفة، وإن رباحا كان خارج الغرفة بن علي
الباب، فلما أذن له النبي صلى الله عليه وسلم بلغه بلال لرباح ورباح ونادى عمر رضي الله تعالى عنه. قوله: (أطلقت نساءك؟) الهمزة فيه للاستفهام بن علي
سبيل الاستخبار. قوله: (ولكن آليت) أي: حلفت، وقد ذكرنا عن قريب أنه ليس المراد الإيلاء الشرعي، فافهم.
39
((باب ما يكره من ضرب النساء وقوله: * (واضربوهن ضربا غير مبرح))
أي: هذا باب في بيان ما يكره من ضرب النساء، وأراد به الضرب المبرح فإنه يكره كراهة تحريم، وإنما ذكر قوله تعالى: * (واضربوهن) * توفيقا بين الكتاب والسنة، ولهذا قال: * (غير مبرح) * بكسر الراء المشددة ومعناه غير شديد الأذى، وعن قتادة: غير شائن، وعن الحسن البصري: غير مؤثر، وقال ابن بطال: قال بعضهم: أمر الله، عز وجل، بهجر النساء في المضاجع وضربهن تذليلا منه لهن وتصغيرا بن علي
إيذاء بعولتهن، ولم يأمر بشيء في كتابه بالضرب صريحا إلا في ذلك وفي الحدود العظام، فتساوى معصيتهن لأزواجهن بمعصية أهل الكبائر، وولى الأزواج ذلك دون الأئمة وجعله لهم دون القضاة بغير شهود ولا بينة ائتماناا من الله عز وجل للأزواج بن علي
النساء. وقال المهلب: إنما يكره من ضرب النساء التعدي فيه والإسراف، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال: ضرب العبد من أجل الرق يزيد فوق ضرب الحر لتباين حاليهما، ولأن ضرب النساء إنما جاز من أجل امتناعها بن علي
زوجها من أجل المباضعة، وقال ابن التين: واختلف في وجوب ضربها في الخدمة والقياس يوجب أنه إذا جاز ضربها في المباضعة جاز في الخدمة الواجبة للزوج عليها بالمعروف، وقال ابن حزم: لا يلزمها أن تخدم زوجها في شيء أصلا، لا في عجين ولا في طبخ ولا كنس ولا غزل ولا غير ذلك، ثم نقل عن أبي ثور أنه قال: عليها أن تخدمه في كل شيء، ويمكن أن يحتج له بالحديث الصحيح: أن فاطمة، رضي الله تعالى عنها، شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تجد من الرحى، وبقول أسماء، رضي الله تعالى عنها: كنت أخدم الزبير، رضي الله تعالى عنه، ولا حجة فيهما لأنه ليس فيهما أنه صلى الله عليه وسلم أمرهما، وإنما كانتا متبرعتين.
4025 حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن زمعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في آخر اليوم.
)
192

مطابقته للترجمة ظاهرة. ومحمد بن يوسف هو الفريابي، وسفيان هو الثوري، وهشام هو ابن عروة بن الزبير بن العوام، وعبد الله بن زمعة بالزاي والميم والعين بالمهملة المفتوحات وجاء بسكون الميم أيضا ابن الأسود بن المطلب بن أسد الأسدي.
والحديث قد مر بأتم منه في تفسير سورة: * (والشمس وضحاها) * (الشمس: 1)
[/ ح.
قوله: (لا يجلد) بصيغة النهي في نسخ البخاري، ورواية الإسماعيلي عن أحمد بن سفيان النسائي عن محمد بن يوسف الفريابي المذكور بصيغة الخبر. قوله: (جلد العبد) بالنصب أي: مثل جلد العبد، وعنده مسلم في رواية: ضرب الأمة، وعند النسائي من طريق ابن عيينة ضرب العبد أو الأمة، وفي رواية أحمد بن سفيان جلد البعير أو العبد وسيأتي في الأدب إن شاء الله تعالى من رواية ابن عيينة: ضرب الفحل أو العبد، والمراد بالفحل البعير، ووقع لابن حبان كضربك إبلك. قيل: لعله تصحيف، وفي حديث لقيط بن صبرة عند أبي داود: ولا تضرب ظغينتك ضربك أمتك. قوله: (ثم يجامعها) جاء في لفظ آخر: ثم لعله يعانقها، وفي الترمذي مصححا. ثم لعله أن يضاجعها من آخر يومه. قوله: (في آخر اليوم) ويروى من آخر اليوم أي: يوم جلدها، وعند أحمد: من آخر الليل. وعند النسائي: آخر النهار.
وفي الحديث: جواز ضرب العبد بالضرب الشديد للتأديب. وفيه: أن ضرب النساء دون ضرب العبيد. وفيه: استبعاد وقوع الأمرين من العاقل أن يبالغ في ضرب امرأته ثم يجامعها في بقية يومه أو ليلته، وذلك أن المضاجعة إنما تستحسن مع ميل النفس والرغبة، والمضروب غالبا ينفر من ضاربه، ولكن يجوز الضرب اليسير بحيث لا يحصل منه النفور التام فلا يفرط في الضرب ولا يفرط في التأديب.
49
((باب لا تطيع المرأة زوجها في معصية))
أي: هذا باب يذكر ففيه بعض من حديث لا تطيع المرأة في معصية لأنه لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق.
5025 حدثنا خلاد بن يحيى حدثنا إبراهيم بن نافع عن الحسن هو ابن مسلم عن صفية عن عائشة: أن امرألا من الأنصار زوجت ابنتها فتمعط شعر رأسها، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقالت: إن زوجها أمرني أن أصل في شعرها، فقال: لا، إنه قد لعن الموصلات.
(انظر الحديث 5025 طرفه في: 4395)
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث وخلاد بتشديد اللام ابن يحيى السلمي بضم السين المهملة الكوفي، سكن مكة وهو من أفراده، وإبراهيم بن نافع المخزومي المكي، والحسن بن مسلم بن يناق المكي، وصفية هي بنت شيبة المكية.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في اللباس عن آدم. وأخرجه مسلم في اللباس عن ابن المثنى وغيره. وأخرجه النسائي في الزينة عن محمد بن وهب.
قوله: (فتمعط) بتشديد العين المهملة أي: تساقط وتمزق، ويقال: معط الشعر وأمعط معطا إذا تناثر، ومعطته أنا إذا نتفته، والأمعط من الرجال السنوط بفتح السين المهملة وضم النون وهو الذي لا لحية له، يقال: رجل سنوط وسناط، وقال أبو حاتم: والذئب يكنى أبا معيط. قوله: (الموصلات) بضم الميم وفتح الواو وبالصاد المهملة بالفتح والكسر وفي رواية الكشميهني الموصولات. ثم العلة في تحريمه أما لكونه شعار الفاجرات أو تدليسا وتغيير خلق الله عز وجل، ولا يمنع من الأدوية التي تزيل الكلف وتحسن الوجه للزوج، وكذا أخذ الشعر منه، وسئلت عائشة، رضي الله تعالى عنها عن قشر الوجه فقالت: إن كان شيء ولدت وهو بها فلا يحل لها إخراجه، وإن كان شيء حدث فلا بأس بقشره، وفي لفظا إن كان للزوج فافعلي، ونقل أبو عبيد عن الفقهاء الرخصة في كل شيء وصل به الشعر ما لم يكن الوصل شعرا. وفي (مسند أحمد) من حديث ابن مسعود: نهى منه إلا من داء.
وفي الحديث: حجة بن علي
من جوزه من الشافعية بإذن الزوج.
59
((باب * (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) * (النساء: 821))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (وإن امرأة) * إلى آخره، وليس في رواية أبي ذر: (أو إعراضا) قوله: (وإن امرأة) أي: وإن خافت امرأة كما في قوله: * (وإن أحد من المشركين استجارك) * (التوبة: 6) وسبب نزول هذه الآية ما ذكره المفسرون بأن سودة خشيت أن يطلقها النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! لا تطلقني واجعل يومي لعائشة، ففعل صلى الله عليه وسلم فنزلت: (من بعلها) أي: من
193

زوجها. قوله: (بنشوزا) وهو الترفع عنها ومنع النفقة. قوله: (أو إعراضا) وهو الانصراف عن مسله إلى غيرها، وجواب: إن هو قوله: * (فلا جناح عليهما) *.
6025 حدثنا ابن سلام أخبرنا أبو معاوية عن هشام عن أبيه عن عائشة، رضي الله عنها * (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) * (النساء: 821) قالت:
هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها فيريد طلاقها ويتزوج غيرها، تقول له: أمسكني ولا تطلقني ثم تزوج غيري، فأنت في حل من النفقة علي والقسمة لي فذلك قوله تعالى: فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما صلحا والصلح خير.
)
مطابقته للترجمة ظاهرة. وابن سلام هو محمد بن سلام بتشديد اللام وتخفيفها، وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير، يروي عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
والحديث قد مضى في تفسير سورة النساء، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (ولا يستكثر) أي: لا يستكثر من مضاجعتها ومحادثتها والاختلاط بها ولا تعجبه. قوله: (فأنت في حل) أي: أحللت عليك النفقة والقسمة فلا تنفق علي ولا تقسم لي قوله: (أن يصالحا) أي: أن يصطلحا، وقرئ أن يصلحا بمعنى يصطلحا أيضا قوله: (والصلح خير) لأن فيه قطع النزاع، وقام الإجماع بن علي
جواز هذا الصلح.
واختلفوا: هل ينتقض هذا الصلح؟ فقال عبيدة: هما بن علي
ما اصطلحا عليه، وإن انتقض فعليه أن يعدل أو يفارق، وهو قول إبراهيم ومجاهد وعطاء، قال ابن المنذر: هو قول الثوري والشافعي وأحمد، وقال الكوفيون: الصلح في ذلك جائز. قال أبو بكر: لا أحفظ في الرجوع شيئا، وقال الحسن: ليس لها أن تنقض، وهما بن علي
ما اصطلحا عليه، وهو قول قتادة، وقول الحسن هو قياس قول مالك فيمن انظره بالدين أو أعاره عارية إلى مدة أن لا يرجع في ذلك. وقول عبيدة هو قياس قول أبي حنيفة والشافعي: لأنها منافع طارئة لم تقبض، فجاز فيها الرجوع.
69
((باب العزل))
أي: هذا باب في بيان حكم عزل الرجل ذكره من الفرج لينزل منيه خارج الفرج فرارا من الإحبار.
7025 حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن عطاء عن جابر قال: كنا نعزل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
(ي: 8025، 9025)
مطابقته للترجمة من حيث أنه فسر الإبهام الذي في الترجمة ويحيى بن سعيد هو القطان يروي عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله.
والحديث من أفراده بهذا الوجه، وروى هذا عن جابر بوجوه أخرى، فروى البخاري أيضا من طريق عمرو عن عطاء عن جابر قال: كنا نعزل والقرآن ينزل. وأخرجه مسلم أيضا نحوه، وروى النسائي والترمذي من حديث معمر: عن يحيى بن أبي كثر عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر، قال: قلنا: يا رسول الله! إنا كنا نعزل، فزعمت اليهود أنها الموؤودة الصغرى، فقال: كذبت اليهود، إن الله إذا أرد أن يخلقه لم يمنعه. وروى مسلم من رواية معقل وهو ابن عبيد الله الجزري عن عطاء، قال: سمعت جابرا يقول: لقد كنا نعزل بن علي
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى مسلم أيضا من حديث أبي الزبير عن جابر قال: كنا نعزل بن علي
عهد نبي الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا. وروى أيضا النسائي من رواية عروة بن عياض عن جابر بن عبد الله، قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن عندي جارية لي وأنا أعزل عنها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ذلك لم يمنع شيئا أراد الله الحديث، وروى أيضا أبو داود من رواية زهير عن أبي الزبير عن جابر، قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي جارية أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل فقال: اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها الحديث. ولفظ أبي داود أخرجه ابن حبان في (صحيحه) من رواية سالم بن أبي الجعد عن جابر نحوه.
قوله: (كنا نعزل بن علي
عهد النبي صلى الله عليه وسلم) قول الصحابي: كنا نفعل كذا إن أضافه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فحكمه حكم المرفوع بن علي
الصحيح عند أهل الحديث من الأصوليين، وذهب أبو بكر
194

الإسماعيلي إلى أنه موقوف لاحتمال أن يكون، صلى الله تعالى عليه وسلم، اطلع بن علي
ذلك، وهذا الخلاف لا يجيء هنا لوجود النقل باطلاعه صلى الله عليه وسلم بن علي
ذلك، كما ثبت في (صحيح مسلم) من رواية أبي الزبير عن جابر من قوله: (فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا)، ثم استدل بهذا الحديث بن علي
جواز العزل.
فمن قال به من الصحابة: سعد بن أبي وقاص وأبو أيوب الأنصاري وزيد بن ثابت وعبد الله بن عباس، ذكره عنهم مالك في (الموطأ) ورواه ابن أبي شيبة أيضا عن أبي بن كعب ورافع بن خديج وأنس بن مالك، ورواه أيضا عن غير واحد من الصحابة، لكن في العزل عن الأمة وهم: عمر بن الخطاب وخباب بن الأرت. وروى
كراهته عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن عمر وأبي أمامة رضي الله تعالى عنهم، وكذا روى عن سالم والأسود من التابعين، وروي عن غير واحد من الصحابة التفرقة بين الحرة والأمة، فتستأمر الحرة ولا تستأمر الأمة وهم: عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر، ومن التابعين سعيد بن جبير ومحمد بن سيرين وإبراهيم التيمي وعمرو بن مرة وجابر بن زيد والحسن وعطاء وطاووس، وإليه ذهب أحمد بن حنبل، وحكاه صاحب (التقريب) عن الشافعي، وكذا غزاه إليه ابن عبد البر في (التمهيد) وهو قول أكثر أهل العلم.
وتفصيل القول فيه: أن المرأة إن كانت حرة فقد ادعى فيه ابن عبد البر في (التمهيد) أنه لا خلاف بين العلماء في أنه لا يعزل عنها إلا بإذنها وقال شيخنا زين الدين، رحمه الله دعوى الإجماع لا تصح، فقد اختلف أصحاب الشافعي بن علي
طريقين: أظهرها كما قال الرافعي رحمه الله: إنها إن رضيت جاز لا محالة، وإلا فوجهان أصحهما عند الغزالي الجواز، وكذا قال الرافعي في (الشرح الصغير) والنووي في (شرح مسلم) إنه الأصح وقال في (الروضة) إنه المذهب والطريق الثاني: أنها إن لم تأذن لم يجز، وإن أذنت فوجهان؟ وإن كانت المرأة المزوجة أمة فاختلف العلماء في وجوب استئذان سيدها فحكى ابن عبد البر في (التمهيد): عن مالك وأبي حنيفة وأصحابهما أنهم قالوا: الإذن في العزل عنها إلى مولاها وقال الشافعي: له أن يعزل عنها بدون إذنها وإذن مولاها، وإن كانت المرأة أمة له، فقال ابن عبد البر: لا خلاف بين فقهاء الأمصار أنه يجوز العزل عنها بغير إذنها وإنه لا حق لها في ذلك، وقال شيخنا زين الدين، رحمه الله هكذا أطلق نفي الخلاف وليس بجيد، وقد فرق أصحاب الشافعي في الأمة بين المستولدة وغيرها، فإن لم يكن قد استولدها فقال الغزالي وتبعه الرافعي والنووي: لا خلاف في جوازه، قال الرافعي: صيانة للملك، واعترض صاحب (المهمات) بأن فيه وجها حكاه الروياني في البحر أنه لا يجوز لحق الولد، وإن كانت مستولدة له فقال الرافعي: رتبها مرتبون بن علي
المنكوحة الرقيقة، وأولى بالمنع لأن الولد حر، وآخرون بن علي
الحرة والمستولدة أولى بالجواز لأنها ليست راسخة في الفراش، ولهذا لا تستحق القسم. قال الرافعي: وهذا أظهر.
8025 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال عمر و: أخبرني عطاء سمع جابرا رضي الله عنه، قال: كنا نعزل والقرآن ينزل وعن عمر وعن عطاء عن جابر قال: كنا نعزل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والقرآن ينزل.
(انظر الحديث 7025 وطرفه)
هذان وجهان في حديث جابر: أحدهما: عن علي بن عبد الله المديني عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار، وذكر فيه الإخبار والسماع، ولم يذكر بن علي
عهد النبي صلى الله عليه وسلم. والآخر: بالإسناد المذكور عن عمرو، وذكره بالعنعنة وذكر فيه بن علي
عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ووقع في رواية الكشميهني كان يعزل بضم الياء آخر الحروف وفتح الزاي بن علي
صيغة المجهول. (فإن قلت) روى مسلم من حديث أبي الأسود عن عروة عن عائشة عن جد أمة بنت وهب أخت عكاشة: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس الحديث. وفيه: ثم سألوه عن العزل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك الوأد الخفي، وبه استدل إبراهيم النخعي وسالم بن عبد الله والأسود بن يزيد. وطاووس وقالوا: العزل مكروه لأنه صلى الله عليه وسلم جعل العزل بمنزلة الوأد إلا أنه خفي، لأن من يعزل عن امرأته إنما يعزل هربا من الولد، فلذلك سمي: الموؤودة الصغرى، والموؤودة الكبرى هي التي تدفن وهي حية، كان إذا ولد لأحدهم بنت في الجاهلية دفنوها في التراب وهي حية فكيف التوفيق بين هذا وبين حديث جابر وأبي سعيد وغيرهما وفي حديث جابر: قلنا يا رسول الله إنا كنا نعزل، فزعمت اليهود أنها الموؤودة الصغرى، فقال: كذبت اليهود، إن الله إذا أراد أن يخلقه لم يمنعه
195

رواه الترمذي قلت: أجيب عن هذا بوجوه: الأول: أنه يحتمل أن يكون الأمر في ذلك كما وقع في عذاب القبر لما قالت اليهود إن الميت يعذب في قبره، فكذبهم النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يطلعه الله بن علي
ذلك، فلما أطلعه الله بن علي
عذاب القبر أثبت ذلك واستعاذ بالله منه، وههنا كذلك. الثاني: ما قاله الطحاوي: إنه منسوخ بحديث جابر وغيره فإن قلت: ذكروا أن جذامة أسلمت عام الفتح فيكون حديثها متأخرا فيكون ناسخا لغير قلت: ذكروا أيضا أنها أسلمت قبل الفتح، وقال عبد الحق: هو الصحيح. الثالث: قال ابن العربي: حديث جذامة مضطرب الرابع: يرجع إلى الترجيح، فحديث جذامة يرد من حديثها، وحديث جابر برجال الصحيح وله شاهد من حديث أبي سعيد بن علي
ما سيأتي، وحديث أبي هريرة الذي أخرجه النسائي من حديث أبي سلمة عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن العزل؟ فقيل: إن اليهود تزعم أنها الموؤودة الصغرى، فقال: كذبت يهود.
0125 حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء حدثنا جويرية عن مالك بن أنس عن الزهري عن ابن محيريز عن أبي سعيد الخدري قال: أصبنا سبيا فكنا نعزل فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أو إنكم تفعلون؟ قالها ثلاثا، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هي كائنة.
(انظر الحديث 9222)
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الله شيخ البخاري ابن أخي جويرية، وأسماء وجويرية من الأسماء المشتركة بين الرجال والنساء، وابن محيريز مصغر محراز بالحاء
المهملة والزاي واسمه عبد الله، وكذلك وقع في رواية يونس كما سيأتي في القدر عن الزهري: أخبرني عبد الله بن محيريز الجمحي. وهو مدني سكن الشام، وأبو محيريز جنادة كان من رهط أبي محدورة المؤذن، وكان يتيما في حجره.
والحديث قد مر في البيوع في: باب بيع الرقيق، فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري، قال: أخبرني ابن محيريز الحديث.
قوله: (سبيا) أي: جواري أخذناها من الكفار أسرا وذلك في غزوة بني المصطلق، وروى ابن أبي شيبة في (مصفنه) من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي أمامة بن سهل جميعا عن أبي سعيد، قال: لما أصبنا سبي بني المصطلق استمتعنا من النساء وعزلنا عنهن قال: ثم إني وقفت بن علي
جارية في سوق بني قينقاع، فمر رجل من اليهود فقال: ما هذه الجارية يا أبا سعيد؟ قلت: جارية لي أبيعها. قال: هل كنت تصيبها؟ قال: قلت: نعم. قال: فلعلك تبيعها وفي بطنها مثل سخلة، قال: كنت أعزل عنها. قال: هذه الموؤودة الصغرى، قال: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: كذبت يهود، كذبت يهود. قوله: (أو إنكم تفعلون) اختلفوا في معناه، فقالت طائفة: ظاهره الإنكار والزجر فنهى عن العزل، وحكى ذلك أيضا عن الحسن، وكأنهم فهموا من كلمة: لا، في رواية أخرى: لا! ما عليكم أن لا تفعلوا، وهي رواية ابن القاسم وغيره عن مالك إنها للنهي عما سئل عنه، وأن كلمة؛ لا في: أن لا تفعلوا، لتأكيد النهي كأنه قال: لا تعزلوا وعليكم أن لا تفعلوا. وقالت طائفة: إن هذا إلى النهي أقرب. وقالت طائفة أخرى: كأنها جعلت جوابا لسؤال. قوله: (عليكم أن لا تفعلوا) أي: ليس عليكم جناح في أن لا تفعلوا. وقول هؤلاء أولى بالمصير إليه بدليل قوله: (ما من نسمة) إلى آخره، وبقوله: افعلوا أو لا تفعلوا، إنما هو القدر، وبقوله إذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء، وهذه الألفظا كلها مصرحة بأن العزل لا يرد القدر ولا يضر، فكأنه قال: لا بأس به، وبهذا تمسك من رأى إباحته مطلقا عن الزوجة والأمة، وبه قال كثير من السلف من الصحابة والتابعين، كما ذكرناه قوله: (ما من نسمة)، بفتحات هي: النفس، أي ما من نفس قدر كونها إلا وهي تكون سواء عزلتم أو لا، أي: ما قدر وجوده لا يمنعه العزل. وفي حديث جابر أيضا: إن ذلك لم يمنع شيئا أراده الله، وفي حديثه أيضا وفي رواية مسلم: أعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها وفي حديث البراء، رواه الترمذي في كتاب (العلل) ليس من كل الماء يكون الولد.
79
((باب القرعة بين النساء إذا أراد سفرا))
أي: هذا باب في بيان حكم القرعة بين النساء إذا أراد الرجل السفر، وأراد أن يأخذ معه إحدى نسائه.
1125 حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد الواحد بن أيمن قال حدثني: ابن أبي مليكة عن القاسم عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج أقرع بين نسائه، فطارت القرعة لعائشة وحفصة،
196

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث، فقالت حفصة: ألا تركبين الليلة بعيري وأركب بعيرك تنظرين وأنحظر؟ فقالت: بلى، فركبت فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، إلى جمل عائشة وعليه حفصة، فسلم عليها ثم سار حتى نزلوا، وافتقدته عائشة، فلما نزلوا جعلت رجليها بين الإذخر وتقول: يا رب سلط علي عقربا أو حية تلدغني، ولا أستطيع أن أقول له شيئا.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو نعيم بضم النون: الفضل بن دكين، وعبد الواحد بن أيمن ضد الأيسر المخزومي المكي يروي عن عبد الله بن عبيد بن أبي مليكة بضم الميم، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنهم.
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن أحمد بن سليمان ثلاثتهم عن أبي نعيم.
قوله: (كان إذا خرج) أي: إلى السفر (أقرع بين نسائه) وقال النووي: هو واجب في حق غير النبي صلى الله عليه وسلم، وأما النبي صلى الله عليه وسلم ففي وجوب القسم في حقه خلاف فمن قال بوجوبه يجعل إقراعه واجبا، ومن لم يوجبه يقول: فعل ذلك من حسن العشرة ومكارم الأخلاق وتطييبا لقلوبهن، وأما الحنفيون فقالوا: لا حق لهن في القسم حالة السفر، يسافر الزوج بمن شاء والأولى أن يقرع بينهن. وقال القرطبي: وليست أيضا بواجبة عند مالك، وقال ابن القصار: ليس له أن يسافر بمن شاء منهن بغير قرعة، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي، وقال مالك مرة: له أن يسافر بمن شاء منهن بغير قرعة. وقال المهلب: وفيه: العمل بالقرعة في المقاسمات والاستهام. وفيه: أن القسم يكون بالليل والنهار. قوله: (فطارت القرعة لعائشة) أي: حصلت لها ولحفصة بنت عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنهما، وطير كل إنسان نصيبه، يعني: كان هذا في سفره من سفرات النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (يتحدث) جملة في محل النصب بن علي
الحال، والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في هذه السفرة وكانت عائشة وحفصة معه، فإذا كان الليل وهم سائرون يسير مع عائشة يتحدث معها كما هي عادة المسافرين لقطع المسافة، واستدل به المهلب بن علي
أن القسم لم يكن واجبا بن علي
النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لو كان واجبا عليه لحرم بن علي
حفصة ما فعلت في تبديل بعيرها ببعير عائشة، ورد عليه ذلك لأن القائل بوجوب القسمة عليه لا يمنع من حديث الأخرى في غير وقت القسم لجواز دخوله إلى غير صاحبة النوبة وقد روى أبو داود والبيهقي، واللفظ له، من طريق ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: قل يوم إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف علينا جميعا، فيقبل ويلمس ما دون الوقاع، فإذا جاء إلى التي هو يومها بات عندها. انتهى. وعماد القسم في حق المسافر وقت نزوله، وحالة السير ليست منه
ليلا كان، أو نهارا. قوله: (فقالت حفصة) أي قالت حفصة لعائشة: (ألا تركبين الليلة) أي: في هذه الليلة بعيري وأركب أنا بعيرك تنظرين إلى ما لم تكوني تنظرين وأنظر أنا إلى ما لم أنظر؟ وإنما حمل حفصة بن علي
ذلك الغيرة التي تورث الدهش والحيرة وفيه: إشعار أن عائشة وحفصة لم تكونا متقارنتين بل كانت كل واحدة منهما في جهة قوله: فقالت: بلى. أي: فقالت عائشة لحفصة بلى اركبي وأنا أركب جملي. قوله: (فركبت) أي حفصة جمل عائشة قوله: (فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى جمل عائشة) بناء بن علي
أن عائشة بن علي
جملها، والحال أن عليه حفصة قال الكرماني: ويروى: عليها بن علي
تأويل الجمل بمؤنث. قوله: (فسلم عليها) أي: بن علي
حفصة ولم يذكر في الخبر أنه تحدث، ويحتمل أنه تحدث ولم ينقل. قوله: (وافتقدته عائشة) أي: افتقدت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: في حالة المسايرة، لأن قطع المألوف صعف قوله: (جعلت رجليها) أي جعلت عائشة رجليها بين الأذخر وهو نبت معروف توجد فيه الهوام غالبا في البرية، وإنما فعلت هذا لما عرفت أنها الجانية فيما أجابت إلى حفصة وأرادت أن تعاقب نفسها بن علي
تلك الجناية. قوله: (وتقول: يا رب سلط علي) هكذا في رواية المستملي بحرف النداء وفي رواية غيره رب سلط، بدون حرف النداء، وكذا في رواية مسلم. قوله: (تلدغني) بالغين المعجمة. قوله: (ولا أستطيع أن أقول له) أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال الكرماني الظاهر أنه كلام حفصة ويحتمل أن يكون كلام عائشة. قلت: الأمر بالعكس، بل الظاهر أنه من كلام عائشة، وظاهر العبارة يشعر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعرف القصة، ويحتمل أن يكون قد عرفها بالوحي وبالقرائن وتغافل صلى الله عليه وسلم عما جرى إذا لم يجز منها شيء يترتب عليه حكم. وعند مسلم. وتقول: رب سلط
197

علي عقربا أو حية تلدغني، رسولك لا أستطيع أن أقول له شيئا، ورسولك بالنصب بإضمار فعل تقديره: انظر رسولك، ويجوز الرفع بن علي
الابتداء وإضمار الخبر تقديره: هو رسولك.
وقال المهلب. وفيه: أن دعاء الإنسان بن علي
نفسه عند الحرج معفو عنه غالبا لقول الله عز وجل: * (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير) * (يونس: 11) الآية.
89
((باب المرأة تهب يومها من زوجها لضرتها، وكيف يقسم ذلك؟))
أي: هذا باب فيه المرأة التي تهب يومها إلى آخره فقوله المرأة، مبتدأ وقوله: (تهب يومها) خبره وقوله: (من زوجها) في محل النصب بن علي
أنه صفة لقوله يومها، أي يومها المختص لها في القسم الكائن من زوجها قوله: (لضرتها) يتعلق بقوله تهب. قوله: (وكيف يقسم ذلك) أي: المذكور من هبة المرأة يومها لضرتها كيف يقسم، ولم يبين كيفية ذلك، وإنما ذكر ذلك بن علي
سبيل الاستفهام؟ عن وجه القسمة أي: بن علي
أي وجه يقسم وهب المرأة يومها من القسم لضرتها، بيان ذلك أن تكون فيه الموهوبة بمنزلة الواهبة في رتبة القسمة، فإن كان يوم سودة ثالثا ليوم عائشة أو رابعا أو خامسا استحقته عائشة بن علي
حسب القسمة التي كانت لسودة، ولا يتأخر عن ذلك اليوم ولا يتقدم ولا يكون ثانيا ليوم عائشة إلا أن يكون يوم سودة بعد يوم عائشة.
2125 حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا زهير عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها، أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة.
مطابقته للترجمة من حيث إنه مشتمل عليها لأن قوله: إن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة، يشمل الشطر الأول من الترجمة. وقوله: (كان يقسم) إلى آخره، مشتمل بن علي
الشطر الثاني منها. وهو قول: وكيف يقسم ذلك، مع أنه يوضح معنى ذلك وهو أنه يقسم لعائشة الموهوب لها يومها المختص لها ويوم سودة الواهبة يومها لها بن علي
الوجه الذي ذكرناه الآن.
ومالك بن إسماعيل هو أبو غسان النهدي بالنون المفتوحة وسكون الهاء، وزهير مصغر زهر بن معاوية الجعفي الكوفي، سكن الجزيرة يروي عن هشام بن عروة عن أبي عروة بن الزبير عن عائشة، رضي الله تعالى عنها.
والحديث أخرجه مسلم في النكاح أيضا عن عمرو الناقد عن الأسود بن عامر عن زهير به.
قوله: (أن سودة بنت زمعة) بسكون الميم وفتحها ابن قيس، القرشية العامرية، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد موت خديحة، رضي الله تعالى عنها، ودخل عليها بها، وكان دخولها بها قبل دخوله بن علي
عائشة رضي الله تعالى عنها، بالاتفاق وهاجرت معه وتوفيت في آخر خلافة عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه. قوله: (وهبت يومها لعائشة)، وقد تقدم في
الهبة من طريق الزهري عن عروة بلفظ: يومها وليلتها، وزاد في آخره تبتغي بذلك رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقع في رواية مسلم من طريق عقبة بن خالد عن هشام: لما أن كبرت سودة رضي الله تعالى عنها جعلت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة، وروى أبو داود عن أحمد بن يونس عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا بن علي
بعض في القسم الحديث وفيه: ولقد قالت سودة بنت زمعه حين أسنت وخافت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! يومي لعائشة، فقبل ذلك منها، وفيها وفي أشباهها نزلت: * (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا) * (النساء: 821) الآية. وتابعه ابن سعد عن الواقدي عن ابن أبي الزناد في وصله، وعند الترمذي من حديث ابن عباس موصولا نحوه. وأخرج ابن سعد بسند رجاله ثقات من رواية القاسم بن أبي بزة مرسلا: أن النبي صلى الله عليه وسلم طلقها فقعدت له بن علي
طريقه، فقالت: والذي بعثك بالحق مالي في الرجال حاجة، ولكن أحب أن أبعث مع نسائك يوم القيامة، فأنشدك بالذي أنزل عليك الكتاب هل طلقني لموجدة وجدتها علي؟ قال: لا. قالت: فأنشدك لما راجعتني، فراجعها، قالت: فإني جعلت يومي وليلتي لعائشة حبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة) يعني بن علي
الوجه الذي ذكرناه، وفي رواية جرير عن هشام عند مسلم: فكان يقسم لعائشة يومين: يومها ويوم سودة انتهى.
وكان صلى الله عليه وسلم، يقسم لكل واحدة من نسائه يوما وليلة كما تظاهرت عليه الأحاديث ففي بعضها: يوم، والمراد بليلته، وفي بعضها ليلة، والمراد مع اليوم، وفي بعضها: يوم وليلة. وذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه لا يزاد في
198

القسم بن علي
يوم وليلة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبه قال مالك وأبو ثور وأبو إسحاق المروزي من الشافعية. وقال شيخنا زين الدين رحمه الله: وحمل الشافعي ذلك بن علي
الأولوية والاستحباب، ونص بن علي
جواز القسم ليلتين ليلتين وثلاثا وثلاثا. وقال في (المختصر) وأكره مجاوزة الثلاث فحمله الأكثرون بن علي
المنع ونقل عن نصه في (الإملاء) أنه كان يقسم مياومة ومشاهرة ومسانهة، قال الرافعي: فحملوه بن علي
ما إذا رضين ولم يجعلوه قولا آخر، وحكى عن صاحب (التقريب) أنه: يجوز أن يقسم سبعا سبعا. وعن الشيخ أبي محمد الجويني وغيره أنه تجوز الزيادة ما لم تبلغ التربص بمدة الإيلاء وقال إمام الحرمين: لا يجوز أن يبني القسم بن علي
خمس سنين مثلا، وحكى الغزالي في (البسيط) وجها: أنه لا تقدير بزمان ولا توقيت أصلا فإنما التقدير إلى الزوج انتهى كلامه.
قلت: وقال ابن المنذر: ولا أرى مجاوزة يوم إذ لا حجة مع من تحظى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غيرها. ألا ترى قوله في الحديث: أن سودة وهبت يومها لعائشة، ولم يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قسمته لأزواجه أكثر من يوم وليلة، ولو جاز ثلاثة لجاز خمسة شهرا، ثم يتخطى بالقول إلى ما لا نهاية له، فلا يجوز معارضة السنة.
وفيه: مشروعية القسم بين النساء وهو متفق بن علي
استحبابه، فإما وجوبه فادعى صاحب (المفهم) الاتفاق بن علي
وجوبه، فقال شيخنا: وفي دعوى الاتفاق نظر فقال النووي في (شرح مسلم: مذهبنا إنه لا يلزم أن يقسم لنسائه، بل له إحسانهن كلهن، لكن يكره تعطيلهن. قال الرافعي: وعن القاضي أبي حامد حكاية أنه يجب القسم بينهن ولا يجوز له الإعراض.
99
((باب العدل بين النساء. * (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء) * إلى قوله: * (واسعا حكيما) * (النساء: 921، 031))
.
أي: هذا باب في بيان العدل بين النساء، يعني إذا كان رجل له امرأتان أو ثلاث أو أربع يجب عليه أن يعدل بينهن في القسم، إلا برضاهن، بأن يرضين بتفضيل بعضهن بن علي
بعض، ويحسن معهن عشرتهن ولا يدخل بينهن من التحاسد والعداوة ما يكدر صحبته لهن، وتمام العدل أيضا بينهن تسويتهن في النفقة والكسوة والهبة ونحوها قوله: * (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء) * (النساء: 921) أي: لن تطيقوا أيها الرجال أن تسووا بين نسائكم في حبهن بقلوبكم حتى تعدلوا بينهن في ذلك لأن ذلك مما لا تملكونه، ولو حرصتم في تسويتكم بينهن في ذلك، وروت الأربعة من حديث عبد الله بن يزيد عن عائشة رضي الله تعالى عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل، ويقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك قوله: فيما أملك أي: فيما قدرتني عليه مما يدخل تحت القدرة والاختيار بخلاف ما لا قدرة عليه من ميل القلب فإنه لا يدخل تحت القدرة. وروى الأربعة أيضا من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جات يوم القيامة وشقه ساقط. قيل: المراد سقوط شقه حقيقة أو المراد سقوط حجته بالنسبة إلى إحدى امرأتيه التي مال عليها مع الأخرى؟ والظاهر الحقيقة، تدل
عليها رواية أبي داود: وشقه مائل، والجزاء من جنس العمل، ولما لم يعدل أو حاد عن الحق، والجور الميل كان عذابه بأن يجيء يوم القيامة بن علي
رؤوس الأشهاد وأحد شقيه مائل فإن قلت: أمر المزوجون بالعدل بين نسائهم، والآية تخبر بأنهم لا يستطيعون أن يعدلوا قلت: المنفي في الآية العدل بينهن من كل جهة ألا ترى كيف قال النبي صلى الله عليه وسلم: فلا تلمني فيما تملك ولا أملك؟ وقال الترمذي: يعني به الحب والمودة لأن ذلك مما لا يملكه الرجل ولا هو في قدرته. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنه عنهما: لا تستطيع أن تعدل بالشهوة فيما بينهن ولو حرصت، وقال ابن المنذر: دلت هذه الآية بن علي
أن التسوية بينهن في المحبة غير واجبة، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عائشة أحب إليه من غيرها من أزواجه، فلا تميلوا كل الميل بأهوائكم حتى يحملكم ذلك بن علي
أن تجوروا في القسم بن علي
التي لا تحبون. قوله: إلى قوله: * (وسعا حكيما) * (النساء: 031) يعني: إلى آخر الآيتين. وأولهما من قوله: * (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وأن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما وإن يتفرقا يغن الله كلا سعته وكان الله واسعا حكيما) * (النساء: 921، 031) قوله: (فلا تميلوا كل الميل) أي: فلا تجوروا بن علي
المرغوب عنها كل الجور فتمنعوها قسمتها من غير رضاها. قوله: (فتذروها) أي فتتركوها كالمعلقة وهي التي ليست بذات بعل ولا مطلقة، وقيل: لا أيم ولا ذات زوج. قوله: (وأن تصلحوا) أي: فيما بينكم وبينهن بالاجتهاد منكم في العدل
199

بينهن وتتقوا الميل فيهن فإن الله غفور ما عجزت عنه طاقتكم من بلوغ الميل منكم فيهن. قوله: (وإن يتفرقا) يعني: وإن يفارق كل منهما صاحبة يغن الله كلا يعني: يرزقه زوجا خيرا من زوجه وعيشا أهنأ من عيشه، والسعة: الغني والقدرة، والواسع: الغني المقتدر.
001
((باب إذا تزوج البكر على الثيب))
أي: هذا باب في بيان ما يفعل الرجل إذا تزوج امرأة بكرا بن علي
امرأة ثيب ولم يذكر جواب: إذا، الذي هو يبين الحكم اكتفاء بما في حديث الباب، والبكر خلاف الثيب ويقعان بن علي
الرجل والمرأة،، وقال ابن الأثير: الثيب من ليس ببكر، ويقع بن علي
الذكر والأنثى، يقال: رجل ثيب وامرأة ثيب، وقد يطلق بن علي
المرأة البالغة وإن كانت بكرا مجازا واتساعا، واصل الكلمة الواو لأنه من ثاب يثوب إذا رجع، فإن الثيب بصدد العود والرجوع قلت: أصل الثيب ثويب اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء، فافهم.
3125 حدثنا مسدد حدثنا بشر حدثنا خالد عن أبي قلابة عن أنس، رضي الله عنه، ولو شئت أن أقول قال النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن قال: السنة إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا.
(انظر الحديث 3125 طرفه في: 4125)
مطابقته للترجمة ظاهرة. وبشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: ابن المفضل بن لاحق أبو إسماعيل البصري، وخالد هو ابن مهران الحذاء البصري، وأبو قلابة، بكسر القاف وتخفيف اللام: عبد الله بن زيد الجرمي.
والحديث أخرجه مسلم في النكاح عن محمد بن رافع وغيره. وأخرجه الترمذي فيه عن أبي سلمة يحيى بن خلف. وأخرجه ابن ماجة فيه عن هناد بن السري عن عبدة بن سليمان.
قوله: (ولو شئت أن أقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم) اختلف في قائل هذا القول أعني قوله: (ولو شئت) فقيل: خالد الحذاء راوي الحديث. وقد صرح به في رواية مسلم، قال: حدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا هشيم عن خالد عن أبي قلابة عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، قال: إذا تزوج البكر بن علي
الثيب أقام عندها سبعا وإذا تزوج الثيب بن علي
البكر أقام عندها ثلاثا، قال خالد: ولو قلت إنه رفعه لصدقت، ولكنه قال: السنة كذلك انتهى. وقيل: هو أبو قلابة الراوي، وقد صرح بهما البخاري في الحديث الذي يأتي عقيب هذا الباب، بن علي
ما يأتي إن شاء الله قوله: (ولكن قال: السنة إذا تزوج البكر) إلى آخره، أي: ولكن قال أنس رضي الله تعالى عنه السنة إلى آخره، وخالد أو أبو قلابة لو قال: قال أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم لكان صادقا في تصريحه برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه رأى أن المحافظة بن علي
اللفظ أولى، وقوله: (السنة) يقتضي أن يكون مرفوعا بطريق اجتهادي احتمالي. وقال النووي: هذا اللفظ يقتضي رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا قال الصحابي: السنة كذا، أو من السنة كذا فهو في الحكم كقوله: قال التبي صلى الله عليه وسلم قوله: (سبعا) أي: سبع ليالي ويدخل فيها الأيام، وقال الخطابي: السبع تخصيص للبكر لا يحسب بها وعليها، وكذا الثلاث للثيب، ويستأنف القسمة بعده، وهذا من المعروف الذي أمر الله به في معاشرتهن، وذلك أن البكر لما فيها من
الحياء ولزوم الخدر تحتاج إلى فضل إمهال وصبر وتأن ورفق، والثيب قد جربت الرجال إلا أنها من حيث استجداد الصحبة أكرمت بزيادة الوصلة، وهي مدة الثلاث.
101
((باب إذا تزوج الثيب على البكر))
أي: هذا باب في بيان ما يفعل الرجل إذا تزوج امرأة ثيبا بن علي
امرأة بكر، وهذه الترجمة عكس الترجمة التي قبلها، وقد ذكرنا هناك أن جواب: إذا محذوف، وهنا كذلك.
4125 حدثنا يوسف بن راشد حدثنا أبو أسامة عن سفيان حدثنا أيوب وخالد عن أبي قلابة عن أنس قال: من السنة إذا تزوج الرجل البكر على الثيب أقام عندها سبعا وقسم، وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثا ثم قسم قال أبو قلابة: ولو شئت لقلت: إن أنسا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
(انظر الحديث 3125 طرفه في: 4125)
200

هذا طريق آخر في الحديث السابق أخرجه عن يوسف بن موسى بن راشد نسب إلى جده وهو القطان الكوفي، سكن بغداد وهو من أفراده. وأبو أسامة، وسفيان وهو الثوري، وأيوب هو السختياني، وأبو قلابة هو عبد الله بن زيد.
وأخرج الطحاوي هذا الحديث من عشر طرق صحاح، ثم قال: فذهب قوم إلى أن الرجل إذا تزوج الثيب أنه بالخيار إن شاء سبع لها وسبع لسائر نسائه، وإن شاء أقام عندها ثلاثا ودار بن علي
بقية نسائه يوما يوما وليلة ليلة قلت: أراد بالقوم إبراهيم النخعي وعامر الشعبي ومالكا والشافعي وأحمد وإسحاق وأبا ثور وأبا عبيد، ثم قال: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: إن ثلث لها ثلث لسائر نسائه كما إذا سبع لها وسبع لسائر نسائه. قلت: أراد بالقوم هؤلاء: حماد بن أبي سليمان والحكم بن عتبة وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا رحمهم الله، واحتجوا في ذلك بحديث أم سلمة أخرجه الطحاوي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: (إن شئت سبعت عندك سبعت عندهن) وأخرجه أحمد في (مسنده) مطولا وأخرجه الطبراني بأطول منه وأخرجه أبو يعلى أيضا والبيهقي. قال الطحاوي: فلما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئت سبعت لك سبعت عندهن، أي: أعدل بينهن وبينك فاجعل لكل واحدة منهن سبعا، كذلك إذا جعل لها ثلاثا جعل لكل واحدة منهن ثلاثا. وقالت الشافعية: حديث أنس المذكور حجة بن علي
الحنفية قلت: كذلك حديث أم سلمة حجة بن علي
الشافعية، واحتجت الحنفية أيضا بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل الحديث رواه الأربعة، وقد مر عن قريب، فظاهره يقتضي المساواة بينهن مطلقا.
قوله: (من السنة) قد ذكرنا عن قريب أن هذا اللفظ يقتضي كون الحديث مرفوعا ولما ذكر الترمذي حديث خالد الحذاء صححه ثم قال: وقد رفعه محمد بن إسحاق عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس ولم يرفعه بعضهم. قلت: ورواه ابن ماجة من طريق ابن إسحاق مرفوعا عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: للثيب ثلاث وللبكر سبع وأخرجه الإسماعيلي أيضا مرفوعا كذلك من طريق عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك أخرجه ابن خزيمة وابن حبان في (صحيحهما) مرفوعا. قوله: (وقسم ثم قال: أقام عندها ثلاثا ثم قسم) بالواو في الأول وبلفظ ثم في الثاني، ووقع عند الإسماعيلي وأبي نعيم من طريق حمزة بن عون بلفظ: ثم في الموضعين قوله: (ثلاثا) أي ثلاث ليالي مع أيامها.
واختلف العلماء في المقام المذكور. هل هو من حقوق المرأة بن علي
الزوج أو من حقوق الزوج بن علي
سائر نسائه؟ فقالت طائفة: هو حق المرأة إن شاءت طالبته وإن شاءت تركته، وقال آخرون: هو من حق الزوج إن شاء أقام عندها وإن شاء لم يقم، فإن أقام عندها ففيه الخلاف المذكور، وإن لم يقم عندها إلا ليلة دار، وكذلك إن أقام ثلاثا دار بن علي
ما مضى من الخلاف المذكور، الأول أولى لإخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك حق البكر والثيب، وهل يتخلف العروس في هذه المدة عن صلاة الجماعة والجمعة؟ فروى ابن القاسم عن مالك أنه لا يتخلف عنها. وقال سحنون قد قال بعض الناس: أنه لا يخرج لأن ذلك حق لها بالسنة.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا سفيان عن أيوب وخالد قال خالد: ولو شئت قلت رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
أي: قال عبد الرزاق في الحديث المذكور بالمتن المذكور عن سفيان الثوري عن أيوب السختياني وخالد الحذاء كلاهما عن أبي قلابة عن أنس قال: من السنة إلى آخره ووصله مسلم قال: وحدثني محمد بن رافع قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا سفيان عن أيوب وخالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس قال: من السنة أن تقيم عند البكر سبعا، قال خالد: ولو سئت لقلت رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (رفعه) أي: رفع الحديث أنس إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
201
((باب من طاف على نسائه في غسل واحد))
أي: هذا باب في بيان من طاف بن علي
نسائه أي: جامعهن في غسل واحد أراد به أنه لم يغتسل لكل جماع بغسل بن علي
حدة.
5125 حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذ تسع نسوة.
)
201

مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الأعلى بن حماد بن نصر أبو يحيى أصله بصري سكن بغداد، ويزيد من الزيادة ابن زريع مصغر زرع.
والحديث مضي بأتم منه في كتاب الغسل في باب إذا جامع ثم عاد ومن دار بن علي
نسائه في غسل واحد، وبسطنا الكلام فيه هناك.
قوله: (وله تسع نسوة) وتقدم هناك وكان يدور بن علي
نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة، وجمع بينهما بأن أزواجه كن تسعا في هذ الوقت وسريتاه مارية وريحانة، بن علي
رواية من روى أن ريحانة كانت أمة، وروى بعضهم أنها كانت زوجة، ولقد سمعت أساتذتي الكبار رحمهم الله تعالى، أن كل نبي من الأنبياء عليهم السلام أعطي قوة أربعين رجلا وأعطي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قوة أربعين نبيا، فتكون قوته بن علي
هذا قوة ألف رجل وستمائة رجل، فانظر إلى ورعه وصبره العظيم الذي لم يعط أحد مثله كيف اكتفى بهذا المقدار، وانظر إلى سليمان عليه السلام، حيث كانت له ألف امرأة بن علي
ما قيل، منها ثلاثمائة حرائر وسبعمائة إماء أما داود عليه السلام، فكانت له مائة امرأة، ومع هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يطوي الأيام لا يأكل ويواصل في الصوم حتى كان يشد الحجر بن علي
بطنه ويقوم بالليالي حتى تتورم قدماه، وما هذه إلا فضائل خصه الله بها وجعله أفضل خلقه وسيد أنبيائه، صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.
301
((باب دخول الرجل على نسائه في اليوم))
أي: هذا باب في بيان جواز دخول الرجل بن علي
نسائه في النهار، لأن لكل واحد من نسائه يوما في القسم تبعا لليلته، وكان لا ينبغي أن يدخل بن علي
واحدة في غير يومها، ولا عليهن جميعا في يوم، ولكن جوز دخوله لضرورة كوضع متاع ونحوه، ولا ينبغي أن يطول مكثه ولا تجب التسوية في الإقامة نهارا، ويقال: ليس حقيقة القسم بين النساء إلا في الليل خاصة لأن للرجل التصرف نهاره في معيشته وما يحتاج إليه في أموره، فإذا كان دخول امرأة في غير يومها دخولا خفيفا في حاجة بعضها فلا خلاف بين العلماء في جواز ذلك، وقال مالك: لا يأتي إلى واحدة من نسائه في يوم الأخرى إلا لحاجة أو عيادة، نقله ابن المواز عنه، وقال غيره: وأما جلوسه عندها ومحادثتها تلذذا فلا يجوز ذلك عندهم في غير يومها.
6125 حدثنا فروة حدثنا علي بن مسهر عن هشام عن أبيه عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا انصرف من العصر دخل على نسائه يدنو من إحداهن فدخل على حفصة فاحتبس أكثر ما كان يحتبس.
مطابقته للترجمة في دخوله صلى الله عليه وسلم بن علي
نسائه في اليوم. وفروة، بفتح الفاء وسكون الراء: ابن أبي المغراء الكندي الكوفي مات في سنة خمس وعشرين ومائتين، قاله البخاري، وعلي بن مسهر بضم الميم بن علي
صيغة اسم الفاعل، من الإسهار بالمهملة والراء، يروي عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، وهذا طرف من حديث طويل يأتي في كتاب الطلاق في: باب * (لم تحرم ما أحل الله لك) * (التحريم: 1) وقال ابن المهلب: هذا إنما كان يفعله صلى الله عليه وسلم نادرا ولم يكن يفعله أبد الدهر، وإنما كان يفعله لما أباح الله تعالى له بقوله: * (ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء) * (الأحزاب: 15) فكان يذكرهن بهذا الفعل في الغب إفضاله عليهن في العدل بينهن لئلا يظنون أن القسمة حق لهن عليه، وأجاز مالك أن يأتي إلى الأخرى في حاجة وليضع شأنه إذا كان بن علي
غير ميل، وقال أيضا: لا يقيم عند إحداهما إلا من عذر، وقال ابن الماجشون: لا بأس أن يقف بباب إحداهما ويسلم من غير أن يدخل وأن يأكل مما يبعث إليه.
401
((باب إذا استأذن الرجل نساءه في أن يمرض في بيت بعضهن فأذن له))
أي: هذا باب في بيان جواز استئذان الرجل نساءه في أن يمرض، بن علي
صيغة المجهول من التمريض، وهو القيام بن علي
المريض وتعاهد حاله. قوله: (فأذن) بتشديد النون لأنه جمع مؤنث غيبة من الماضي.
202

7125 حدثنا إسماعيل قال: حدثني سليمان بن بلال قال هشام بن عروة: أخبرني أبي عن عائشة، رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يسأل في مرضه الذي مات فيه: أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟ يريد يوم عائشة فأذن له أزوجه يكون حيث، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها. قالت عائشة، فمات في اليوم الذي يدور علي فيه في بيتي، فقبضه الله وإن رأسه لبين سحري ونحري، وخالط ريقه ريقي.
مطابقته للترجمة في قوله: (فأذن له أزواجه) وإسماعيل هو ابن أبي أويس. والحديث قد مضى في: باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، بأتم منه بعين هذا الإسناد، ومضى الكلام فيه.
قوله: (أين أنا غدا؟) مكرر مرتين وهو استفهام للاستئذان منهن أن يكون عند عائشة، وقال الكرماني: وقد يحتج بهذا بن علي
وجوب القسم عليه صلى الله عليه وسلم إذا لو لم يجب لم يحتج إلى الإذن. قلت: لك يكن الاستئذان إلا لتطييب قلوبهن ومراعاة خواطرهن، وإلا فلا وجوب عليه. قوله: (في اليوم) أي: في يوم نوبتي حين كان يدور في ذلك الحساب. قوله: (فيه) يتعلق بقوله: يدور، وقوله: (في بيتي) يتعلق بقوله: (فمات وإن رأسه) الواو فيه للحال. قوله: (سحري) بفتح السين وسكون الحاء المهملتين، قال الجوهري: هي الرئة. قوله: (ونحري) بفتح النون وسكون الحاء هو موضع القلادة. قوله: (وخالط ريقه) بالرفع فاعل بن علي
خالط. وقوله: (ريقي) مفعوله أي: خالط ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ريقي، ذلك أنها أخذت سواكا وسوته بأسنانها وأعطته رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستاك به عند وفاته صلى الله عليه وسلم.
501
((باب حب الرجل بعض نسائه أفضل من بعض))
أي: هذا باب في ذكر حب الرجل بعض نسائه حبا أفضل أي أزيد حبا من حب بعض والحب في اللغة خلاف البغض، وفي الاصطلاح: الحب ميل القلب وتوجهه إلى شيء وذكره إياه في أكثر أوقاته بلسانه وذكره بقلبه.
8125 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا سليمان عن يحيى عن عبيد بن حنين سمع ابن عباس عن عمر، رضي الله عنهم، دخل على حفصة فقال: يا بنية لا يغرنك هاذه التي أعجبها حسنها حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إياها يريد عائشة، فقصصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبسم.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (حب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها يعني: عائشة) فإنه صلى الله عليه وسلم كان يحبها أكثر من سائر نسائه ولا حرج بن علي
الرجل إذا آثر بعض نسائه في المحبة إذا سوى بينهن في القسم والمحبة مما لا تجلب بالاكتساب والقلب لا يملكها ولا يستطاع فيه العدل، ورفع الله عز وجل فيه عن عباده الحرج، قال الله عز وجل: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * (البقرة: 682) وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى العامري الأويسي المديني، وهو من أفراده، وسليمان هو ابن بلال، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعبيد بن حنين مولى زيد بن الخطاب، وحنين مصغر حن بالحاء المهملة.
وهذا طرف من حديث ابن عباس عن عمر، رضي الله تعالى عنه، وقد مر في: باب موعظة الرجل ابنته وقد مر الكلام فيه.
قوله: (يا بنية) كذا هو في الأصول، وكذا رواه أبو ذر، وروى: يا بني، مرخما ويفتح ياؤه ويضم قوله: (أعجبها حسنها حب رسول الله صلى الله عليه وسلم) ويروى: وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الكرماني: حب، بدون الواو إما بدل أو عطف بتقدير حرف العطف عند من جوز تقديره. قلت: هذا بدل الغلط ولا يقع هذا في القرآن ولا في الحديث الصحيح الفصيح، والصواب أن يقال: إن قوله حب، مرفوع بن علي
أنه فاعل: أعجب، وحسنها منصوب بن علي
التعليل، والتقدير: أعجبها حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأجل حسنها.
601
((باب المتشبع بما لم ينل وما ينهى من إضجار الضرة))
أي: هذا باب في بيان ذم المتشبع بما لم ينل، ولفظ الباب معرب لأنه أضيف إلى المتشبع وسنذكر تفسيره في الحديث. قوله: (وما ينهى) أي: وفي بيان ما ينهى. وكلمة: ما مصدرية أي: وفي بيان النهي عن إضجار الضرة أي إلحاق الغم والقلق إياها. وفي (المغرب):
203

الضجر قلق من غم وضيق نفس مع الكلام. قال الجوهري: ضرة المرأة امرأة زوجها. وقال صاحب (المحكم): الضرتان امرأتا الرجل كل واحدة منهما ضرة لصاحبتها وهن الضرائر.
9125 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن هشام عن فاطمة عن أسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وحدثني محمد بن المثنى حدثنا يحياى عن هشام حدثتني فاطمة عن أسماء أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن لي ضرة، فهل علي جناح إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وقوله: (المتشبع) يشمل شطري الترجمة.
وهشام هو ابن عروة بن الزبير، وفاطمة هي بنت المنذر بن الزبير، وأسماء هي بنت أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه.
والحديث أخرجه مسلم: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا وكيع وعبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن امرأة قال: يا رسول الله! أقول: إن زوجي أعطاني ما لم يعط. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور، قال الدارقطني في (العلل): عن هشام عن أبيه عن عائشة: إنما يرويه هكذا معمر والمبارك بن فضالة، والصحيح: عن فاطمة عن أسماء. وإخراج مسلم حديث هشام عن أبيه عن عائشة لا يصح، والصواب حديث عبدة ووكيع وغيرهما عن هشام عن فاطمة عن أسماء. ولما رواه النسائي في (سننه) من حديث معمر عن هشام عن أبيه عن عائشة، قال: هذا خطأ والصواب حديث أسماء. قلت: ومسلم أخرجه أيضا من حديث هشام عن فاطمة عن أسماء، فيحتمل أن يكون كلاهما صحيحين عنده. ثم إن البخاري أخرج هذا الحديث من طريقين أحدهما: عن سليمان بن حرب عن هشام عن حماد بن زيد عن فاطمة عن أسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر: عن محمد بن المثنى عن يحيى بن سعيد القطان عن هشام بن عروة إلى آخره.
قوله: (إن لي ضرة) وفي رواية الإسماعيلي: إن لي جارة، وهي الضرة أيضا. قوله: (جناح) أي: إثم. قوله: (إن تشبعت من زوجي) أي: قالت أسماء الراوية: إن تشبعت من زوجي الزبير بن العوام؟ كذا سميت المرأة وضرتها وبعضهم قال: لم أقف بن علي
تعيين هذه المرأة وزوجها. قوله: (المتشبع) قال أبو عبيدة: المتشبع المتزين بأكثر مما عنده يتكثر بذلك ويتزين بالباطل، كالمرأة تكون لها ضرة فتشبع عندها بما تدعيه من الحظوة عند زوجها بأكثر مما عنده لها تريد بذلك غيظ صاحبها وإدخال الأذى عليها، وكذلك هذا في الرجل، وقال النووي: المتكثر بما ليس عنده مذموم مثل من لبس ثوبي زور، وقيل: هو من يلبس قميصا واحدا ويصل بكميه كمين آخرين فيظهر أن عليه قميصين، وقال الزمخشري في (الفائق): المتشبه بالشبعان وليس به، واستعير للتحلي بفضيلة لم يرزقها وشبه بلابس ثوبي زور، أي: ذي زور، وهو الذي يزور بن علي
الناس بأنت يتزيا بزي أهل الصلاح رياء، وأضاف الثوبين إليه لأنهما كانا ملبوسين لأجله وهو المسوغ للإضافة، وأراد أن المتجلي كمن لبس ثوبين من الزور، وقد ارتدى بأحدهما واتزر بالآخر. كقوله:
* إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا
*
وقال الكرماني: معناه المظهر للشبع وهو جائع كالمزور الكاذب الملتبس بالباطل، وشبه الشبع بلبس الثوب بجامع أنهما يغشيان الشخص تشبيها تحقيقا أو تخييليا، كما قرر السكاكي في قوله تعالى: * (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف) * (النحل: 211) قال: وفائدة التشبيه المبالغة إشعارا بأن الإزار والرداء زور من رأسه إلى قدمه أو الإعلام بأن في التشبع حالتين مكروهتين: فقدان ما تشبع به، وإظهار الباطل. وقال الخطابي: هذا متأول بن علي
وجهين: أحدهما: أن الثوب مثل، ومعناه: المتشبع بما لم يعط صاحب زور وكذب، كما يقال للرجل إذا وصف بالبراءة من العيوب إنه طاهر الثوب نقي الجيب، ونحوه من الكلام، فالثوب في ذلك مثل، والمراد به نفسه وطهارتها. والثاني: أن يراد به نفس الثوب، قالوا: كان في الحي رجل له حبة حسنة، فإذا احتاجوا إلى شهادة الزور فيشهد لهم، فيقبل لنبله وحسن ثوبه، وقال ابن التين: معناه أن المرأة تلبس ثوب وديعة أو عارية ليظن الناس أنهما لها، فلباسها لا يدوم وتفتضح بكذبها. وقال الداودي: إنما كره ذلك لأنها تدخل
204

بين المرأة الأخرى وزوجها البغضاء فيصير كالسحر الذي يفرق بين المرء وزوجه. قوله: (بما لم يعط) بن علي
صيغة المجهول، وفي رواية معمر: بما لم يعطه، وفي الترجمة: بما لم ينل، وقال ابن الأثير: المتشبع بما لا يملك، والكل متقارب في المعنى.
701
((باب الغيرة))
أي: هذا باب في بيان الغيرة، بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الراء. قال صاحب (المحكم): من غار الرجل بن علي
امرأته والمرأة بن علي
بعلها يغار غيرة وغيرا وغارا وغيارا ورجل غيران، والجمع: غيارى وغيارى ورجل غيور والجمع غير بضم الياء، ومن قرأ رسل قال: غير، ويقال: امرأة غيرى وغيور والجمع كالجمع، والمغيار شديد الغيرة، وفلان لا يتغير بن علي
أهله أي لا يغار. وقال الجوهري نحوه إلا أنه لم يقل في المصادر غيارا وزاد بعد قوله: ورجل مغيار وقوم مغايير، وزاد صاحب (المشارق) في اسم الفاعل منه رجل غائر، وقال: معنى الغيرة تغير القلب وهيجان الغضب بسبب المشاركة في الاختصاص من أحد الزوجين بالآخر وتحريمه وذبه عنه، وقال صاحب (النهاية) الغيرة هي الحمية والأنفة. وقال عياض: الغيرة مشتقة من تغير القلب وهيجان الغضب بسبب المشاركة فيما به الاختصاص، وأشد ما يكون ذلك بين الزوجين، هذا محله في حق الآدمي، وأما في حق الله تعالى فيأتي عن قريب في حديث الباب.
وقال وراد عن المغيرة: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه! والله أغير مني.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ووراد، بفتح الواو والراء المشددة وبالدال المهملة: اسم لمولى المغيرة بن شعبة وكاتبه، وسعد بن عبادة، بضم العين المهملة وتخفيف الباب الموحدة: ابن دليم الخزرجي الساعدي نقيب بني ساعدة قيل: شهد بدرا ونزل الشام فأقام بحوران إلى أن مات سنة خمس عشرة، وقيل: قبره بالمنيحة، فرية من قرى غوطة دمشق.
ووصل البخاري هذا المعلق الذي ذكره هنا مختصرا في كتاب الحدود: عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة عن عبد الملك بن عمير عن داود. وأخرجه مسلم من حديث سليمان بن بلال عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة.
قوله: (غير مصفح) بضم الميم وسكون الصاد المهملة وفتح الفاء وكسرها أي: غير ضارب بعرضه بل بحده، تأكيدا لبيان ضربه به لقتله. قال عياض: فمن فتحه جعله وصفا للسيف وحالا منه، ومن كسره جعله وصفا للضارب وحالا منه. يقال: أصفحت بالسيف فأنا مصفح والسيف مصفح به إذا ضربت بعرضه، وقال ابن قتيبة: أصفحت بالسيف إذا ضربت بعرضه، وقال ابن التين: مصفح، بتشديد الفاء في سائر الأمهات، وللسيف صفحتان وهما وجهاه العريضان، وله حدان، فالذي يضرب بالحد يقصد القتل، والذي يضرف بالصفح يقصد التأديب. ووقع في رواية مسلم: غير مصفح عنه، قال بعضهم: هذه يترجح فيها كسر الفاء ويجوز الفتح أيضا بن علي
البناء للمجهول. قلت: قوله: بن علي
البناء للمجهول غلط فاحش، والصواب أن يقال: بن علي
البناء للمفعول، وقد يفرق بينهما من له أدنى مسكة من علم التصريف. قوله: (أتعجبون)؟ الهمزة فيه للاستفهام يجوز أن يكون بن علي
سبيل الاستخبار، ويجوز أن يكون بن علي
سبيل الانكار، يعني: لا تعجبوا من غيرة سعد وأنا أغير منه، أي من سعد، واللام في قوله: (لأنا) للتأكيد، وأكده باللام وبالجملة الإسمية. قوله: (والله أغير مني) قد ذكرنا الآن معنى غيرة العبد، وأما معنى غيرة الله تعالى فالزجر عن الفواحش والتحريم لها والمنع منها، لأن الغيور هو الذي يزجر عما يغار عليه، وقد بين ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: ومن غيرته حرم الفواحش، أي: زجر عنها ومنع منها. وقال صلى الله عليه وسلم: غيرة الله أن لا يأتي المؤمن ما حرم الله عليه.
ومعنى الحديث سعد: أنا أزجر عن المحارم منه، والله أزجر مني واستدل ابن المواز من المالكية بحديث سعد هذا أنه إن وقع ذلك ذهب دم المقتول هدرا، وسيأتي الكلام فيه في: باب الحدود. وقيل: الغيرة محمودة ومذمومة، وقد جاءت التفرقة بينهما في حديث جابر بن عتيك وعقبة بن عامر، فحديث جابر بن عتبيك رواه أحمد في (مسنده)، وأبو داود والنسائي وابن حبان في (صحيحه) من رواية يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم عن ابن جابر بن عتيك الأنصاري عن جابر بن عتيك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من الغيرة ما يحبه الله، ومنها ما يبغضه
205

الله، وإن من الخيلاء ما يحبه الله ومنها ما ببغض الله، فأما الغيرة التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير الريبة. وابن جابر بن عتيك هذا قال المزي في (التهذيب) لعله عبد الرحمن؟ قال شيخنا: ليس هو عبد الرحمن، وإنما هو أبو سفيان بن جابر بن عتيك لم يسم، وقد بين ذلك ابن حبان في (صحيحه) وذكره في الثقات، وحديث عقبة بن عامر، رضي الله تعالى عنه، رواه أحمد في (مسنده) قال: حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن عبد الله بن زيد الأزرق عن عقبة بن عامر الجهني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غيرتان إحداهما يحبها الله عز وجل والأخرى يبغضها الله عز وجل: الغيرة في الريبة يحبها، والغيرة في غيرها يبغضها الله....) الحديث. وقال شيخنا: لكن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فرب رجل شديد التخيل فيظن ما ليس بريبة ريبة، ورب رجل متساهل في ذلك فيحمل الريبة بن علي
محمل يحسن به ظنه.
0225 حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من أحد أغير من الله من أجل ذالك حرم الفواحش، وما أحد أحب إليه المدح من الله.
)
مطابقته للترجمة ظاهرة.
ورجاله قد ذكروا غير مرة، وحفص هو ابن غياث والأعمش هو سليمان، وشقيق هو ابن سلمة، وعبد الله هو ابن مسعود.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد بهذا السند. وأخرجه مسلم في التوبة عن عثمان ب أبي شيبة وغيره وأخرجه النسائي في التفسير عن أبي كريب وغيره.
قوله: (ما من أحد) كلمة: من زائدة وزيادتها في النفي لا خلاف فيه، والخلاف في زيادتها في الإثبات. قوله: (أغير) أفعل التفضيل، وقد مر معنى الغيرة في حق الله عز وجل ويجوز في أغير الرفع والنصب بتاء بن علي
اللغتين الحجازية والتميمة في كلمة ما قوله: (من أجل ذلك) أي: من أجل أن الله أغير من كل أحد (حرم الفواحش) وهو جمع فاحشة وهي كل خصلة قبيحة من الأقوال والأفعال، وقال ابن الأثير: الفحش والفاحشة والفواحش في الحديث كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي، وكثيرا ما ترد الفاحشة بمعنى الزنا. قوله: (ما أحد) بالرفع لأنه اسم: ما وقوله: (أحب) بالنصب خبرها إن جعلتها حجازية، وترفعه بن علي
أنه خبر لأحد إن كانت تميمية. وقوله: (المدح) مرفوع لأنه فاعل أحب. وقال الكرماني: وهو مثل مسألة الكحل، ويروى بالرفع بن علي
إلغاء عمل: ما قيل: ولا يجوز أن يرفع أحب بن علي
أنه خبر للمدح أو مبتدأ و المدح خبره، لأنك تكون حينئذ تفرق بين الصلة والموصول بالخبر لأن من الله، صلة أحب، وتمامه: فلا تفرق بين تمام المبتدأ وصلته بالخبر الذي هو المدح وحقيقة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما أحد أحب إليه المدح من الله، إنه مصلحة للعباد لأنهم يثنون عليه سبحانه وتعالى فيثيبهم فينتفعون، والله سبحانه غني عن العالمين لا ينفعه مدحهم ولا يضره تركهم ذلك.
وفيه: تنبيه بن علي
فضل الثناء عليه وتسبيحه وتهليله وتحميده وتكبيره وسائر الأذكار.
1225 حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة، رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أمة محمد! ما أحد أغير من الله أن يرى عبده أو أمته تزني، يا أمة محمد! لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا.
مطابقته للترجمة ظاهرة وهذا حديث مختصر من حديث الكسوف.
وأخرجه النسائي أيضا في النعوت عن قتيبة وعن محمد بن سلمة.
قوله: (أو أمته تزني)، هكذا وقع في صلاة الكسوف في: باب الصدقة في الكسوف: (يا أمة محمد! والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته) قال بعضهم: الذي يظهر أنه من سبق القلم هنا، أو لعل لفظه تزني سقطت هنا غلطا من الأصل فأخرها الناسخ عن محلها. قلت: لا يحتاج هنا إلى نسبة هذا إلى الغلط وتصرف الناسح بغير وجه فإن قوله: (تزني) يجوز فيه التذكير والتأنيث، فالتذكير بالنظر إلى أنه خبر عن العبد في الأصل، والتأنيث بالنظر إلى أنه خبر عن الأمة. قوله: (ما أعلم) أي: من شؤم الزنا ووخامة عاقبته، أو ما أعلم من أحوال الآخرة وأهوالها.
206

2225 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا همام عن يحيى عن أبي سلمة أن عروة بن الزبير حدثه عن أمة أسماء أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا شيء أغير من الله؛ وعن يحيى أن أبا سلمة حدثه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وهمام هو ابن يحيى بن دينار البصري، ويحيى هو ابن أبي كثير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وأسماء هي بنت أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنها.
وأخرجه مسلم في التوبة حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي قال: حدثنا بشر بن المفضل عن همام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا شيء أغير من الله) قوله: (وعن يحيى) هو معطوف بن علي
السند الذي قبله تقديره: حدثنا موسى عن همام عن يحيى أن أبا سلمة حدثه، وأن أبا هريرة حدثه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسبق هنا المتن. وأخرجه مسلم: حدثنا عمر والناقد عن إسماعيل بن إبراهيم بن عليه عن حجاج بن أبي عثمان، قال: قال يحيى: وحدثني أبو سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يغار وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه. قوله: (لا شيء أغير من الله) يقرأ برفع الراء ونصبها، فمن نصب جعله نعتا لشيء بن علي
إعرابه لأن شيئا منصوب، ومن رفع جعله نعتا لشيء قبل دخول لا عليه كقوله تعالى: * (مالكم من إله غيره) * (الأعراف: 95 56) ويجوز رفع شيء مثل: * (لا لغو فيه) * (الطور: 32).
3225 حدثنا أبو نعيم حدثنا شيبان عن يحيى عن أبي سلمة أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله.
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو نعيم، بضم النون: الفضل بن دكين، وشيبان هو النحوي.
قوله: (أن يأتي) قال الغساني: في جميع النسخ: أن لا يأتي، والصواب أن يأتي. قال الكرماني: لا شك أنه ليس معناه أن غيرة الله هو نفس الإتيان أو عدمه، فلا بد من تقدير نحو أن لا يأتي أي: غيرة الله بن علي
النهي عن الإتيان، أو بن علي
عدم إتيان المؤمن به، وهو الموافق لما تقدم حيث قال: ومن ذلك حرم الفواحش، فيكون ما في النسخ صوابا، ثم نقول: إن كان المعنى لا يصح مع لا فذلك قرينة لكونها زائدة نحو: * (ما منعك أن لا تسجد) * (الأعراف: 21) قال الطيبي: هو مبتدأ وخبر بتقدير اللام أي: غيرة الله ثابتة لأجل أن لا يأتي.
4225 حدثنا محمود حدثنا أبو أسامة حدثنا هشام قال: أخبرني أبي عن أسماء بنت أبي بكر، رضي الله عنهما، قالت: تزوجني الزبير وماله في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضج وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء وأخرز غربه وأعجن ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكن نسوة صدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بن علي
رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ فجئت يوما والنوى على رأسي فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار فدعاني ثم قال: إخ إخ ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت فمضى، فجئت الزبير فقلت: لقيني
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه فأناح لأركب فاستحييت منه وعرفت غيرتك. فقال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه. قالت: حتى أرسل إلي
207

أبو بكر بعد ذالك بخادم يكفيني سياسة الفرس فكأنما أعتقني.
(انظر الحديث 1513)
مطابقته للترجمة في قوله: (وذكرت الزبير وغيرته) وفي قوله: (وعرفت غيرتك).
ومحمود هو ابن غيلان بالغين المعجمة المروزي وأبو أسامة هو حماد بن أسامة، وهشام هو ابن عروة بن الزبير بن العوام.
والحديث أخرجه البخاري في الخمس مقتصرا بن علي
قصة النوى. وأخرجه مسلم في النكاح عن إسحاق بن إبراهيم وفي الاستئذان عن أبي كريب. وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن محمد بن عبد الله بن المبارك المخزومي.
قوله: (الزبير) هو ابن العوام. قوله: (من مال) والمال في الأصل ما يملك من الذهب والفضة. ثم أطلق بن علي
كل ما يقتنى ويملك من الأعيان، وأكثر ما يطلق المال عند العرب بن علي
الإبل لأنها كانت أكثر أموالهم، والظاهر أن المراد بالمال هنا الإبل لأنها أعز أموال العرب. قوله: (ولا مملوك) عطف خاص بن علي
عام، والمراد به العبيد والإماء. قوله: (ولا شيء) عطف عام بن علي
خاص وهو يشمل كل ما يتملك ويتمول، لكن أرادت إخراج ما لا بد منه من مسكن وملبس ومطعم ونحوها من الضروريات، ولهذا استثنت منه الناضح وهو الجمل الذي يستقي عليه. فإن قلت: الأرض التي أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم، للزبير رضي الله تعالى عنه من أعز الأموال وأفخرها. قلت: لم تكن مملوكة له ولا يملك رقبتها، وإنما ملك منفعتها فلذلك لم تستثنها أسماء، رضي الله تعالى عنه. قوله: (فكنت أعلف فرسه) وزاد مسلم في رواية أبي كريب عن أبي أسامة: وأكفيه مؤونته وأسوسه وأدق النوى وأرضخه وأعلفه، ولمسلم أيضا من طريق ابن أبي مليكة عن أسماء: كنت أخدم الزبير خدمة البيت، وكان له فرس وكنت أسوسه فلم يكن في خدمته شيء أشد علي من سياسة الفرس، كنت أحتش له فأقوم عليه. قوله: (وأستقي الماء) وفي رواية السرخسي: وأسقي، بغير التاء المثناة من فوق وهو بن علي
حذف المفعول أي: وأسقي الفرس أو الناضح الماء وأستقي الذي هو من باب الافتعال أشمل وأكثر فائدة. قوله: (وأخرز) بخاء معجمة وراء ثم زاي من الخرز وهو الخياطة في الجلود ونحوها. قوله: (غربه) بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وبالباء الموحدة وهو الولد الكبير. قوله: (ولم أكن أحسن) بضم الهمزة و (أخبز) بفتح الهمزة والمعنى: ولم أحسن أن أخبز الخبز قوله: (وكان تخبز جارات لي) وهو جمع جارة، في رواية مسلم: وكان يخبز لي. قوله: (وكن) أي: الجارات (نسوة صدق) بالإضافة والصفة، والصدق بمعنى الصلاح والجودة أرادت كن نساء صالحات في حسن العشرة والوفاء بالعهد ورعاية حق الجوار. قوله: (وكنت أنقل النوى من أرض الزبير) وكانت هذه الأرض مما أفاء الله تعالى بن علي
رسوله من أموال بني النضير وكان النبي صلى الله عليه وسلم، أقطعه إياها وكان ذلك في أوائل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة. قوله: (وهي مني) أي: الأرض المذكورة من مكان سكناي (بن علي
ثلثي فرسخ) والفرسخ ثلاثة أميال كل ميل أربعة آلاف خطوة. قوله: (والنوى)، الواو فيه للحال. قوله: (إخ إخ) بكسر الهمزة وسكون الخاء المعجمة وهي كلمة تقال عند إناخة البعير، وقال الزمخشري: نخ، مشددة ومخففة صوت إناخته، وهخ واخ مثله. قوله: (ليحملني خلفه) أرادت به الارتداف، وإنما عرض عليها الركوب لأنها ذات محرم منه، لأن عائشة عنده، صلى الله تعالى عليه وسلم، وهي أختها أو كان ذلك قبل الحجاب كما فعل بأم صبية الجهنية. قوله: (فاستحييت)، بياءين بن علي
الأصل، لأن الأصل حي وفي لغة: استحيت، بياء واحدة، يقال: استحى واستحيى. قوله: (قال: والله لحملك النوى) أي: قال الزبير لأسماء: والله لحملك النوى، اللام فيه للتأكيد، وحملك مصدر مضاف إلى فاعله، والنوى مفعوله (كان أشد علي) خبر المبتدأ أعني: قوله: (لحملك) فإنه مبتدأ. قوله: (كان أشد علي من ركوبك معه) كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية السرخسي: كان أشد عليك وليس هذه اللفظة. وفي رواية مسلم، ووجه قول الزبير هذا أنه لا عار في الركوب مع النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف حمل النوى فإنه يتوهم منه الناس خسة النفس ودناءة الهمة، وقلة التمييز، وأما عدم العار في الركوب مع صلى الله عليه وسلم فلما ذكرنا عن قريب، وأما وجه صبره بن علي
ذلك وسكوت زوجها وأبيها بن علي
ذلك فلكونها مشغولين بالجهاد وغيره، وكانا لا يتفرغان للقيام بأمور البيت ولضيق ما بأيديهما عن استخدام من يقوم بذلك. قوله: (حتى أرسل إلي) بتشديد الياء، (وأبو بكر) فاعل أرسل. قوله: (بخادم يكفيني) إلى آخره، وفي رواية لابن أبي مليكة عند مسلم: جاء النبي صلى الله عليه وسلم سبي فأعطاه خادما، والتوفيق بينهما بأن السبي لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أبا بكر منه خادما ليرسله إلى بنته أسماء، فصدق
208

أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المعطي ولكن وصل إليها بواسطة. فافهم. واستدل قوم بهذه القصة، منهم أبو ثور، بن علي
أن بن علي
المرأة القيام بجميع ما يحتاج إليه زوجها من الخدمة والجمهور أجابوا عن هذا بأنها كانت متطوعة بذلك ولم يكن لازما.
5225 حدثنا علي حدثنا ابن علية عن حميد عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم، عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم، في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت فجمع النبي صلى الله عليه وسلم، فلق الصحفة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: غارت أمكم، ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها وأمك المكسورة في بيت التي كسرت فيه.
(انظر الحديث 1842)
مطابقته للترجمة في قوله: (غارت أمكم) وعلي هو ابن المديني، وابن علية، بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد الياء آخر الحروف: هو إسماعيل بن إبراهيم الأسدي البصري، وعليه اسم أمة كانت مولاة لبني أسد، وحميد هو ابن أبي حميد الطويل أبو عبيدة البصري.
والحديث من أفراده.
قوله: (عند بعض نسائه) هي عائشة رضي الله تعالى عنها. قوله: (إحدى أمهات المؤمنين) هي زينب بنت جحش، وقال الكرماني: هي صفية، وقيل؛ زينب، وقيل: أم سلمة. قوله: (بصحفة) هي إناء كالقصعة المبسوطة ونحوها ويجمع بن علي
صحاف. قوله: (فلق الصحفة) بكسر الفاء وفتح اللام جمع فلقة وهي القطعة. قوله: (غارت أمكم) الخطاب للحاضرين والمراد بالأم هي الضاربة. وقال صاحب (التلويح): غارت أمكم يريد سارة لما غارت بن علي
هاجر حتى أخرج إبراهيم إسماعيل، عليهما الصلاة والسلام، طفلا مع أمه إلى واد غير ذي زرع. ثم قال: أو يريد كاسرة الصحفة وهو الأظهر. قوله: (فدفع الصحفة الصحيحة) إلى آخره. وقال الكرماني: القصعة ليس من المثليات بل هي من المتقومات. ثم أجاب بقوله: كانت القصعتان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فله التصرف بما شاء فيهما.
قالوا: وفي الحديث: إشارة إلى عدم مؤاخذة الغيرة بما يصدر منها لأنها في تلك الحالة يكون عقلها محجوبا بشدة الغضب الذي أثارته الغيرة، وقد أخرج أبو يعلى بسند لا بأس به عن عائشة، رضي الله تعالى عنها مرفوعا أن الغيرة لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه. وعن ابن مسعود رفعه: إن الله كتب الغيرة بن علي
النساء، فمن صبر منهن كان له أجر شهيد، رواه البزار برجال ثقات.
6225 حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا معتمر عن عبيد الله عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: دخلت الجنة أو: أتيت الجنة فأبصرت قصرا. فقلت: لمن هاذا؟ قالوا: لعمر بن الخطاب، فأردت أن أدخله فلم يمنعني إلا علمي بغيرتك قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي يا نبي الله أو عليك أغار.
(انظر الحديث 9763)
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن أبي بكر المقدمي، بفتح الدال المشددة بن علي
صيغة اسم المفعول من التقديم، ومعتمر هو ابن سليمان، وعبيد الله هو ابن عمر العمري.
والحديث معضى مطولا في مناقب عمر، رضي الله تعالى عنه. ومضى شرحه هناك.
قوله: (بأبي)، الباء متعلق بمحذوف تقديره أنت مفدى بأبي وأمي.
وفيه: منقبة عمر رضي الله تعالى عنه. وفيه: أن الجنة مخلوقة.
7225 حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله عن يونس عن الزهري قال: أخبرني ابن المسيب عن أبي هريرة، قال: بيما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، جلوس فقال رسول الله
209

صلى الله عليه وسلم، بينما أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا؟ قالوا: هذا لعمر فذكرت غيرته، فوليت مدبرا فبكى عمر وهو في المجلس. ثم قال: أو عليك يا رسول الله أغار؟
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبدان لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، ويونس هو ابن يزيد الأيلي.
والحديث مضى في باب ما جاء في صفة الجنة، فإنه أخرجه هناك عن سعيد بن أبي مريم عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب إلى آخر. وأخرجه مسلم في فضائل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، عن حرملة بن يحيى عن ابن وهب عن يونس إلى آخره نحوه.
قوله: (جلوس) جمع جالس. قوله: (رأيتني) أي: رأيت نفسي قوله: (فإذا) كلمة مفاجأة قوله: (تتوضأ) قال الكرماني: إما من الوضوء وإما من الوضاء. قلت: الأوجه أن يكون من الوضاءة بن علي
ما لا يخفى، وذكر ابن قتيبة في قوله: (فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر) فإذا امرأة شوهاء إلى جانب قصر من حديث ابن شهاب عن سعيد بن المسيب، وفسره،
وقال: الشوهاء الحسنة الرائعة، حدثني بذلك أبو حاتم عن أبي عبيدة، قال: ويقال: فرس شوهاء، ولا يقال: فرس أشوه، وقال في (المطالع): رجل أشوه وامرأة شوهاء، يعني قبيحة قال: ويقال أيضا: الحسنة، وهو من الأضداد. والشوهاء أيضا الواسعة الفم، وأيضا الصغيرة الفم. وقال ابن بطال: يشبه أن تكون هذه الرواية هي الصواب، وتتوضأ تصحيف لأن الحور طاهرات فلا وضوء عليهن، فلذلك كل من دخل الجنة لا يلزمه طهارة ولا عبادة، وحروف شوهاء يمكن تصحيفها بحروف تتوضأ، لقرب صور بعضها من بعض. وقال ابن التين: تتوضأ، قيل: إنها تصحيف لأن الجنة لا تكليف فيها، وفيما قاله ابن بطال نظر لأن أحدا ما ادعى أن عليهن الوضوء، ومن ادعى أن كل من دخل الجنة يلزمه طهارة أو عبادة فلم لا يجوز أن يصدر عن أحد من أهل الجنة عبادة باختياره ما شاء من أنواع العبادة. قال عز وجل: * (ولكن فيها ما تشتهي أنفسكم) * (فصلت: 13) ويرد كلام ابن التين أيضا بما ذكراناه.
801
((باب غيرة النساء ووجدهن))
أي: هذا باب في بيان غيرة النساء، وقد مر تفسيرها. قوله: (ووجدهن) بفتح الواو وسكون الجيم قال الكرماني: أي غضبهن وحزنهن، وقال الجوهري: وجد عليه في الغصب موجدة، ووجد في الحزن وجدا بالفتح، وقال ابن الأثير: يقال: وجدت بفلانة إذا أحببتها حبا شديدا، ولم يبين حكم الباب لاختلاف ذلك بختلاف الأحوال والأشخاص.
157 - (حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت قال لي رسول الله
إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبى قالت فقلت من أين تعرف ذلك فقال أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين لا ورب محمد وإذا كنت علي غضبى قلت لا ورب إبراهيم قالت قلت أجل والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك)
مطابقته للشطر الثاني من الترجمة وعبيد بن إسماعيل الهباري القرشي الكوفي واسمه في الأصل عبد الله وأبو أسامة حماد ابن أسامة يروي عن هشام عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها والحديث أخرجه مسلم في فضل عائشة عن أبي كريب عن أسامة قوله حدثنا عبيد وفي رواية أبي ذر حدثني بالإفراد قوله إني لأعلم إلى آخره فيه أنه يعلم أن المرأة هل هي راضية بن علي
زوجها أو غضبى عليها بحالها من فعلها وقولها قوله ورب إبراهيم إنما ذكرت إبراهيم دون غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولأنه أولى الناس به كما نص عليه القرآن وفيه دلالة بن علي
فطنة عائشة وقوة ذكائها قوله ' أجل ' أي نعم قوله ما أهجر إلا اسمك قال الطيبي رحمه الله هذا الحصر في غاية من اللطف لأنها أخبرت إذا كانت في غاية الغضب الذي يسلب العاقل اختياره لا يغيرها عن كمال المحبة
210

المستغرقة ظاهرها وباطنها الممتزجة بروحها وإنما عبرت عن الترك بالهجران لتدل به بن علي
أنها تتألم من هذا الترك الذي لا اختيار لها فيه قال الشاعر
* إني لأمنحك الصدود وإنني
* قسما إليك مع الصدود لأميل
*
وقال المهلب قولها ما أهجر إلا اسمك يدل بن علي
أن الاسم من المخلوقين غير المسمى ولو كان عين المسمى وهجرت اسمه لهجرته بعينه ويدل بن علي
ذلك أن من قال أكلت اسم العسل لا يفهم منه أنه أكل العسل وإذا قلت لقيت اسم زيد لا يدل بن علي
أنه لقي زيدا وإنما الاسم هو المسمى في الله عز وجل وحده لا فيما سواه من المخلوقين لمباينته عز وجل وأسمائه وصفاته حكم أسماء المخلوقين وصفاتهم انتهى والتحقيق في هذه المسألة أن قولهم الاسم هو المسمى بن علي
معان ثلاثة. الأول ما يجري مجرى المجاز والثاني ما يجري مجرى الحقيقة. والثالث ما يجري مجرى المعنى فالأول نحو قولك رأيت جملا يتصور من هذا الاسم في نفس السامع ما يتصور من المسمى الواقع تحته لو شاهده فلما ناب الاسم من هذا الوجه مناب المسمى في التصور وكان التصور في كل واحد منهما شيئا واحدا صح أن يقال أن الاسم هو المسمى بن علي
ضرب من التأويل وإن كنا لا نشك في أن العبارة غير المعبر عنه والثاني أكثر ما يتبين في الأسماء التي تشتق للمسمى من معان موجودة فيه قائمة به كقولنا لمن وجدت منه الحياة حي ولمن وجدت منه الحركة متحرك فالاسم في هذا النوع لازم للمسمى يرتفع بارتفاعه ويوجد بوجوده الثالث العرب تذهب بالاسم إلى المعنى الواقع تحت التسمية فيقولون هذا مسمى زيد أي اسم هذا المسمى بهذه اللفظة التي هي الزاي والياء والدال ويقولون في المعنى هذا اسم زيد فيجعلون الاسم والمسمى في هذا الباب مترادفين بن علي
المعنى الواقع تحت التسمية كما جعلوا الاسم والتسمية مترادفين بن علي
العبارة
9225 حدثني أحمد بن أبي رجاء حدثنا النضر عن هشام، قال: أخبرني أبي عن عائشة أنها قالت: ما غرت على امرأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما غرت على خديجة لكثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها وثنائه عليها، وقد أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبشرها ببيت لها في الجنة من قصب.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأحمد بن أبي رجاء ضد الخوف واسم أبي رجاء عبد الله بن أيوب الحنفي الهروي، والنضر، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة: هو ابن شميل، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين.
والحديث قد مر بطرق كثيرة في: باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (من قصب) وهو أنابيب من جوهر.
901
((باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف))
أي: هذا باب في بيان ذب الرجل بالذال المعجمة، أي: دفعه بن علي
ابنته الغيرة، وفي بيان الانصاف لها، والإنصاف من أنصف إذا عدل، يقال: أنصفه من نفسه وانتصفت أنا منه وتناصفوا أي: أنصف بعضهم بعضا من نفسه.
0325 حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وهو على المنبر: إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها.
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه الإخبار عن ذب النبي صلى الله عليه وسلم، عن ابنته فاطمة، رضي الله تعالى عنها، في الغيرة والإنصاف لها.
وابن أبي مليكة وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي مليكة اسم أبي مليكة زهير بن عبد الله التيمي الأحول المكي القاضي بن علي
عهد ابن الزبير، والمسور كسر الميم وسكون السين المهملة: ابن مخرمة، بفتح الميمين وسكون الخاء
211

المعجمة ابن نوفل الزهري.
والحديث مضى في مناقب فاطمة، رضي الله عنها، وسيجئ في الطلاق أيضا. وأخرجه بقية الجماعة أيضا وهنا كذا رواه الليث وتابعه عمرو بن دينار وغير واحد وخالفهم أيوب فقال: عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير أخرجه الترمذي، وقال: حسن، وذكر الاختلاف فيه، ثم قال: يحتمل أن يككون ابن أبي مليكة حمله عنهما.
قوله: (وهو بن علي
المنبر)، الواو فيه للحال قوله: (إن بني هشام)، وقع في رواية مسلم: هاشم بن المغيرة، والصواب: هشام. لأنه جد المخطوبة. وبنو هشام هم أعماهم بنت أبي جهل، لأنه أبو الحكم عمرو بن هشام بن المغيرة، وقد أسلم أخواه الحارث بن هشام وسلمة بن هشام عام الفتح وحسن إسلامهما، وممن يدخل في إطلاق بني هشام بن المغيرة عكرمة بن أبي جهل بني هشام جد المخطوبة، وقد أسلم أيضا وحسن إسلامه. قوله: (استأذنوا)، في رواية الكشميهني: استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، وجاء أن عليا رضي الله عنه استأذن بنفسه بن علي
ما أخرجه الحاكم بإسناده صحيح إلى سويد بن غفلة، قال: خطب علي بنت أبي جهل إلى عمها الحارث بن هشام، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: عن حسبها تسألني؟ فقال: لا، ولكن أتأمرني بها، قال: لا، فاطمة بضعة مني ولا أحسب إلا أنها تحزن أو تجزع. فقال علي، رضي الله تعالى عنه: لا آتي شيئا تكرهه. واسم المخطوبة جويرة أو العوراء أو جميلة. قوله: (لا آذن)، ذكر ثلاثة مرات تأكيدا. قوله: (إلا أن يريد ابن أبي طالب) هو علي، رضي الله تعالى عنه، فكأنه كره ذلك من علي، فلذلك لم يقل علي بن أبي طالب. وفي رواية الزهري أيضا: وإني لست أحرم أحرم حلالا ولا أحلل حراما، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله أبدا. وفي رواية مسلم مكانا واحدا أبدا، وفي رواية شعيب عند رجل واحد. قوله: (بضعة)، بفتح الباء الموحدة وسكون الضاد المعجمة أي: قطعة، ووقع في رواية سويد بن غفلة مضغة، بضم الميم وبالغين المعجمة. قوله: (يريبني ما أرابها) بضم الياء ن أراب يريب، ووقع في رواية مسلم: يرئبني من رأب ثلاثي، يقال: أرأبني فلان إذا رأى مني ما يكرهه، وهذا لغة هذيل أعني: بزيادة الألف في أول ماضيه، وزاد في رواية الزهري: وأنا أتخوف أن يفتن في دينها يعني أنها لا تصبر بن علي
الغيرة فيقع منها في حق زوجها في حال الغضب ما لا يليق بحالها في الدين، وفي رواية شعيب: وأنا أكره أن يسوءها أي: تزويج غيرها عليها. قوله: (ويؤذيني ما أذاها) في رواية أبي حنظلة: (فمن آذاها فقد آذاني)، وفي حديث عبد الله بن الزبير: يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها، من النصب بنون وصاد مهملة وباء موحدة وهو التعب والمشقة.
وفيه: تحريم أدنى أذى من يتأذى النبي صلى الله عليه وسلم بتأذيه. وفيه: بقاء العار الحاصل للآباء في أعقابهم لقوله: بنت عدو الله. وفيه: إكرام من ينتسب إلى الخير أو الشرف أو الديانة.
011
((باب يقل الرجال ويكثر النساء))
أي: هذا باب يذكر فيه: يقل الرجال ويكثر النساء، يعني: في آخر الزمان.
وقال أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم. وترى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يلذن به من قلة الرجال وكثرة النساء.
أبو موسى عبد الله قيس الأشعري، وهذا التعليق مضى موصولا في كتاب الزكاة في: باب الصدقة قبل الرد. قوله: (أربعون امرأة)، هكذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: أربعون نسوة، وهو خلاف القياس. قوله: (يلذن) من لاذ يلوذ لوذا بالذال المعجمة إذا التجأ به وانضم واستغاث، وذلك إما لكونهن نساءه وسرايره، وقيل: من البنات والأخوات وشبههن من القرابات، وتكون قلة الرجال من اشتداد الفتن وترادف المحن فيقل الرجال.
1325 حدثنا حفص بن عمر الحوضي حدثنا هشام عن قتادة عن أنس، ري الله عنه، قال: ل أحدثنكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحدثكم به أحد غيري، معت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويكثر الجهل ويكثر الزنا ويكثر شرب الخمر ويقل الرجال ويكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد.
212

مطابقته للترجمة ظاهرة. والحوضي نسبة إلى حوض داود وهي محلة ببغداد، وداود هو ابن المهدي المنصور، وهشام هو الدستوائي في رواية الأكثرين، ووقع في رواية أبي أحمد الجرجاني: همام، وقال الغساني: والأول هوالمحفوظ، وهشام وهمام كلاهما من شيوخ حفص بن عمر شيخ البخاري.
والحديث مضى في كتاب العلم في: باب رفع العلم فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن يحيى عن شعبة عن قتادة عن أنس الخ نحوه.
قوله: (حتى يكون لخمسين امرأة)، (فإن قلت) في الحديث السابق أربعون؟ قلت: الأربعون داخل في الخمسين، وقيل: الغدد غير مراد، بل المراد المبالغة في كثرة النساء بالنسبة إلى الرجال، وقيل: الأربعون عدد من يلذن به، والخمسون عدد من يتبعنه وهو أعم من أن يلذن به. قوله: (القيم)، أي: الذي يقوم بأمورهن ويتولى مصالحهن، قيل: يحتمل بان يكنى به عن اتباعهن له لطلب النكاح حلالا أو حراما.
111
((باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم والدخول على المغيبة))
أي: هذا باب يذكر فيه: لا يخلون رجل بامرأة... الخ. وهذه الترجمة مشتملة بن علي
حكمين: أحدهما: عدم جواز اختلاء الرجل بامرأة أجنبية. والثاني: عدم جواز الدخول بن علي
المغيبة، فحديث الباب يدل بن علي
الحكم الأول، والحكم الثاني ليس فيه صريحا، وإنما يؤخذ بطريق الاستنباط. قوله: (إلا ذو محرم) وهو من لا يحل له نكاحها من الأقارب كالأب والابن والأخ والعم ومن يجري مجراهم قوله: (والدخول) بالجر والرفع، قال بعضهم: ولم يبين وجههما. قلت: أما الجر فللعطف علي بامرأة، بن علي
تقدير: ولا بالدخول بن علي
المغيبة، وأما الرفع فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره: وكذا الدخول بن علي
المغيبة، وهو بضم الميم وكسر الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة، وهي التي غاب عنها زوجها، يقال: أغابت المرأة إذا غاب زوجها فهي مغيبة، وتجمع بن علي
: مغيبات، وقد روى الترمذي حديث نصر بن علي: حدثنا عيسى بن يونس عن مجالد عن الشعبي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تلجوا بن علي
المغيبات، فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم... الحديث. وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه، وقد تكلم بعضهم في مجالد بن سعيد من قبل حفظه.
2325 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ل يث بن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله! أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت.
مطابقته للشطر الأول من الترجمة كما ذكرناه. وليث هو ابن سعد، ويزيد من الزيادة ابن أبي حبيب المصري، واسم أبي حبيب سويد، أعتقه امرأة مولاة لبني حسان بن عامر بن لؤي القرشي، وأم يزيد مولاة لنجيب، وأبو الخير ضد الشر اسمه مرثد، بفتح الميم وسكون الراء وفتح الثاء المثلثة وبالدال المهملة ابن عبد الله اليزني المصري، وعقبة بن عامرا لجهني، رضي الله تعالى عنه.
والحديث أخرجه مسلم في الاستئذان عن قتيبة وغيره وأخرجه الترمذي في النكاح عن قتيبة، وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن قتيبة فهؤلاء الأربعة اشتركوا في إخراجه عن قتيبة، ومسلم أخرجه عن غيره أيضا.
قوله: (عن عقبة) وفي رواية أبي نعيم سمعت عقبة. قوله: (إياكم والدخول) بالنصب بن علي
التحذير، وإياكم مفعول بفعل مضمر تقديره: اتقوا أنفسكم أن تدخلوا بن علي
النساء، ويتضمن منع مجرد الدخول منع الخلوة بها بالطريق الأولى. قوله: (أفرأيت الحمو) بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وبالواو يعني: أخبرني عن دخول الحمو
؟ فأجاب صلى الله عليه وسلم: (الحمو الموت). وقال الترمذي: يقال الحمو أب الزوج، كأنه كره له أن يخلو بها، وفي رواية ابن وهب عند مسلم: وسمعت الليث يقول: الحمو أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج ابن العم ونحوه، وقال النووي: المراد من الحمو في الحديث أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه لأنهم محارم للزوجة يجوز لهم الخلوة بها، ولا يوصفون بالموت. قال: وإنما المراد: الأخ وابن الأخ والعم وابن العم وابن الأخت ونحوهم ممن يحل لها تزوجيه لو لم تكن متزوجة، وجرت العادة بالتساهل فيه، فيخلو الأخ بامرأة أخيه فشبهه بالموت. وقال القاضي: الخلوة بالأحماء مؤدية إلى الهلاك في
213

الدين. وقيل: معناه، احذروا الحمو كما يحذر الموت، فهذا في أب الزوج فكيف في غيره؟ وقال ابن الأعرابي: هي كلمة تقولها العرب كما يقال الأسد الموت، أي لقاؤه مثل الموت، وكما يقال: السلطان نار، ويقال: معناه فليمت ولا يفعل ذلك، وقال القرطبي: معناه أنه يفضي إلى موت الدين أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج، أو برجمها إن زنت معه.
وفي (مجمع الغرائب): يحتمل أن يراد بالحديث أن المرأة إذا خلت فهي محل الآفة فلا يؤمن عليها أحد فليكن حموها الموت، أي: لا يجوز أن يدخل عليها أحد إلا الموت، كما قال الآخر: والقبر صهر ضامن، وهذا متجه لائق بكمال الغيرة والحمية، والحمو مفرد الأحماء، قال الأصمعي: الأحماء من قبل الزوج، والأختان من قبل المرأة، والأصهاري يجمع الفريقين. وفي (الإفصاح) لابن بزي: عن الأصمعي: الأحماء من قبل المرأة، وقال القرطبي: حاء الحمو هنا مهموزا والمهموز أحد لغاته، ويقال فيه: حمو، بواو مضمومة متحركة كدلو، وحمى مقصور كعصا، قال: والأشهر فيه أنه من الأسماء الستة المعتلة المضافة التي تعرب في حال إضافتها إلى غير ياء المتكلم بالواو رفعة وبالألف نصبا وبالياء خفضا، ويكون بن علي
قول الأصمعي إنه مهموز مثل كمء وإعرابه بالحركات كسائر الأسماء الصحيحة، ومن قصره لا يدخله سوى التنوين في الرع والنصب والجر إذا لم يضف، وحكى عياض: هذا حمؤك، بإسكان الميم وهمزة مرفوعة، وحم كأب.
3325 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا عمر و عن أبي معبد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله! امرأتي خرجت حاجة واكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: إرجع فحج مع امرأتك.
)
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار، وأبو معبد، بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الباء الموحدة وبالدال المهملة واسمه نافذ، بالنون والفاء وبالذال المعجمة: مولى ابن عباس.
والحديث مضى بأتم منه في كتاب الحج في: باب حج النساء فإنه أخرجه هناك عن أبي النعمان عن حماد بن زيد عن عمرو عن أبي معبد... الخ، ومضى الكلام فيه هناك.
وفيه: إباحة الرجوع عن الجهاد إلى إحجاج امرأته، لأن سترها وصيانتها فرض عليه، والجهاد في ذلك الوقت كان يقوم به غيره، فلذلك أمره صلى الله عليه وسلم أن يحج معها إذا لم يكن معها محرم يحج معها، وهذا صريح في أن الحج لا يجب بن علي
المرأة عند الاستطاعة إلا بزوجها أو بمحرم معها. والله أعم.
211
((باب ما يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس))
أي: هذا باب في بيان ما يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة، حاصلة أن الرجل الأمين ليس عليه بأس إذا خلا بامرأة في ناحية من الناس لما تسأله عن بواطن أمرها في دينها وغير ذلك من أمورها، وليس المراد من قوله: (أن يخلو الرجل) أن يغيب عن أبصار الناس، فلذلك قيده بقوله: (عند الناس) وإنما يخلو بها حيث لا يسمع الذي بالحضرة كلامها ولا شكواها إليه. فإن قلت ليس في حديث الباب أنه خلا بها عند الناس قلت: قول أنس في الحديث فخلا بها، يدل بن علي
أنه كان مع الناس فتنحى بها ناحية لأن أنسا الذي هو راوي الحديث كان هناك، وجاء في بعض طرقه أنه كان معها صبي أيضا، فصح أنه كان عند الناس، ولا سيما. أنهم سمعوا قوله صلى الله عليه وسلم: أنتم أحب الناس إلي، يريد بهم الأنصار، وهم قوم المرأة.
4325 حدثنا محمد بن بشار غندر حدثنا شعبة عن هشام قال: سمعت أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: جاءت امرأة من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخلا بها، فقال: والله إنكن لأحب الناس إلي.
(انظر الحديث 6873 وطرفه)
مطابقته للترجمة في قوله: (فخلا بها). وغندر قد تكرر ذكره وهو لقب محمد بن جعفر، وهشام هو ابن زيد بن أنس بن مالك يروي عن جده أنس.
والحديث مضى في فضل الأنصار عن يعقوب بن إبراهيم عن بهز بن أسد عن شعبة عن هشام بن زيد،
214

وليس فيه: (فخلا بها) ومعها صبي لها، وفيه: إنكم أحب الناس إلي، مرتين.
وأخرجه في الأيمان والنذور من طريق وهب بن جرير عن شعبة لفظ ثلاث مرات، ومر الكلام فيه هناك.
وفيه: أن مفاوضة المرأة الأجنبية سرا لا يقدح في الدين عند أمن الفتنة. وفيه: سعة حلم النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه وصبره بن علي
قضاء حوائج الصغير والكبير. وفيه: منقبة عظيمة للأنصار. وفيه: تعليم الأمة وكيفية الخلوة بالمرأة.
311
((باب ما ينهى من دخول المتشبهين بالنساء على المرأة.))
أي: هذا باب في بيان ما ينهى، وكلمة: ما، مصدرية أي: في بيان النهي من دخول الرجال الذين يتشبهون بالنساء في أخلاقهن. قوله: (بن علي
المرأة)، يتعلق بقوله: من دخول.
5325 حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب ابنة أم سلمة عن أم سلمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها. وفي البيت مخنث، فقال المخنث لأخي أم سلمة عبد لله بن أبي أمية: إن فتح الله لكم الطائف غدا أدلك على ابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يدخلن هذا عليكم.
)
مطابقته للترجمة في آخر الحديث. وعثمان بن أبي شيبة أخو أبي بكر بن أبي شيبة، واسم أبي شيبة إبراهيم بن عثمان، وعثمان شيخ البخاري هو محمد بن أبي شيبة واسم أخيه أبي بكر عبد الله، وكلاهما من شيوخ البخاري ومسلم، وعبدة ضد الحرة ابن سليمان، وزينب بنت أم سلمة هند بنت أبي أمية، وزينب ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، ولدت بأرض الحبشة وكان اسمها برة فسماها النبي صلى الله عليه وسلم، زينب وأبوها أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد.
والحديث مضى في المغازي في: باب غزوة الطائف، فإنه أخرجه هناك عن الحميدي عن سفيان عن هشام عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أمها أم سلمة. الخ، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (حدثنا عثمان)، ويروى: حدثني. قوله: (عن زينب ابنة أم سلمة عن أم سلمة) وفي رواية سفيان عن هشام بن عروة في غزوة الطائف: عن أمها أم سلمة، وروى حماد بن سلمة عن هشام، فقال: عن أبيه عن عمرو بن أبي سلمة، وقال معمر: عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، ورواه معمر أيضا عن الزهري عن عروة، وأرسله مالك فلم يذكر فوق عروة أحدا، أخرجه النسائي قوله: (وفي البيت)، أي: البيت الذي هي فيه قوله: (مخنث)، بفتح النون وكسرها وهو الذي يشبه النساء في أخلاقهن، وهو بن علي
نوعين: من خلق كذلك فلا ذم عليه، لأنه معذور، ولهذا لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم، أولا دخوله عليهن، ومن يتكلف ذلك وهو المذموم، واسم هذا المخنث: هيت، بكسر الهاء وسكون الياء آخر الحروف وبالتاء المثناة من فوق بن علي
الأصح، وذكر ابن إسحاق في المغازي أن اسم المخنث في حديث الباب: ماتع، بالتاء المثناة من فوق، وقيل: بالنون، وحكى أبو موسى المديني في كون ماتع لقب هيت أو بالعكس أو أنهما اثنان خلافا، وجزم الواقدي بالتعدد فإنه قال: كان هيت مولى عبد الله بن أبي أمية، وكان ماتع مولى فاختة، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم نفاهما إلى الحمى، وذكر الماوردي في (الصحابة) من طريق إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر بن حفص أن عائشة قالت لمخنث كان بالمدينة يقال له: أنه، بفتح الهمزة وتشديد النون: ألا تدلنا بن علي
امرأة نخطبها بن علي
عبد الرحمن بن أبي بكر؟ قال: بلى، فوصف امرأة تقبل بأربع وتدبر بثمان، فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أنه أخرج من المدينة إلى حمراء الأسد وليكن بها منزلك، وقال ابن حبيب: المخنث هو المؤنث من الرجال وإن لم يعرف منه فاحشة، مأخوذة من التكسر في الشيء وغيره، وأخرج أبو داود من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد أتى بمخنث قد خضب يديه ورجليه، فقيل: يا رسول الله إن هذا يتشبه بالنساء، فنفاه إلى النقيع بالنون ثم القاف. قوله: (فقال المخنث لأخي أم سلمة) وقد وقع في مرسل ابن المنكدر أنه قال ذلك لعبد الرحمن بن أبي بكر، رضي الله تعالى عنهما، فيحمل بن علي
تعدد القول لكل منهما لأخي عائشة، ولأخي أم سلمة، والعجب أنه لم يقدر أن المرأة الموصوفة حصلت لواحد منهما، لأن الطائف لم يفتح حينئذ، وقتل عبد الله بن أبي أمية في حال الحصار قلت: عبد الله بن
215

أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أخو أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأمه عاتكة بنت عبد المطلب بن هاشم، وكان شديدا بن علي
المسلمين مخالفا مبغضا وهو الذي * (قال لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) * (الإسراء: 09) * (ويكون ذلك بيت من زخرف) * (الإسراء: 39) الآية، وكان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أنه خرج مهاجرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلقيه بالطريق بين السقيا والعرج وهو يريد مكة عام الفتح، فتلقاه فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة بعد مرة، فدخل إلى أخته وسألها أن تشفع فشفعت له أخته أم سلمة وهي أخته لأبيه فشفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه. وأسلم وحسن إسلامه وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة مسلما، وشهد حنينا والطائف ورمي يوم الطائف بسهم فقتله ومات يومئذ، وقال أبو عمر بن عبد البر: وزعم مسلم بن الحجاج أن عروة بن الزبير روى عنه أنه: رأى النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أم سلمة في ثوب واحد ملتحفا به مخالفا بين طرفيه، وذلك غلط، وإنما الذي روى عنه عروة بن عبد الله بن أبي أمية. قوله: (إن فتح الله لكم الطائف غدا). ووقع في رواية أبي أسامة عن هشام في أوله وهو محاصر الطائف يومئذ. قوله: (فعليك) كلمة إغراء معناه احرص بن علي
تحصيلها والزمها. قوله: (بن علي
ابنة غيلان)، وفي رواية حماد بن سلمة: لو قد فتحت لكم الطائف لقد أريتك بادية بنت غيلان، وهي بالباء الموحدة وكسر الدال المهملة وتخفيف الياء آخر الحروف ضد الحاضرة وعليه الجمهور. وقيل بالنون موضع الباء الموحدة، وغيلان بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف: ابن مسلمة بن معتب، بفتح العين المهملة وتشديد التاء المثناة من فوق وفي آخره باء موحدة ابن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قسي وهو ثقيف وأمه سبيعة بنت عبد شمس، أسلم بعد فتح الطائف، ولم يهاجر وكان أحد وجوه ثقيف ومقدميهم وكان شاعرا محسنا، وتوفي في آخر خلافة عمر، رضي الله تعالى عنه، وهو الذي أسلم وتحته عشر نسوة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار أربعة. قوله: (تقبل بأربعة وتدبر بثمان) أي أن لها أربع عكن لسمنها تقبل بهن من كل ناحية ثنتان ولكل واحدة طرفان، فإذا أدبرت صارت الأطرف ثمانية أي السمينة لها في بطنها عكن أربع وترى من ورائها لكل عكنة طرفان قلت: العكنة بالضم الطي الذي في البطن من السمن، وقال ابن حبيب: عن مالك في معنى قوله: (تقبل بأربع وتدبر بثمان) أن أعكانها ينعطف بعضها بن علي
بعض وهي في بطنها أربع طرائق وتبلغ أطرافها إلى حاضرتها في كل جانب أربع ولإرادة العكن ذكر الأربع والثمان وإلا فلو أراد الأطراف لقال: ثمانية. قوله: (لا يدخلن هذا عليكم)، وفي رواية الكشميهني: عليكن، وهي رواية مسلم. وقال المهلب: إنما حجبه عن الدخول إلى النساء لما سمعه يصف المرأة بهذه الصفة التي تهيج قلوب الرجال، فمنعه لئلا يصف الأزواج للناس فيسقط معنى الحجاب. انتهى. ويقال: إنما كان يدخل عليهن لأنهن يعتقدنه من غير أولي الإربة، فلما وصف هذا الوصف دل بن علي
أنه من أولى الإربة، فاستحق المنع لدفع فساده، وغير أولي الإربة هو الأبله العنين الذي لا يفطن بمحاسن النساء ولا إرب له فيهن، والأرب بالكسر الحاجة.
411
((باب نظر المرأة إلى الحبش وغيرهم من غير ريبة.))
أي: هذا باب في جواز نظر المرأة إلى الحبشة وغيرهم من غير ريبة. أي: من غير تهمة، وأشار بهذا إلى أن عنده جواز نظر المرأة إلى الأجنبي دون نظر الأجنبي إليها، وإنما ذكر الحبشة، وإن كان الحكم في غيرهم كذلك، لأجل ما ورد في حديث الباب بن علي
ما يأتي. وأراد البخاري به الرد لحديث ابن شهاب عن نبهان مولى أم سلمة أنها قالت: كنت أنا وميمونة جالستين عند بن علي
ما يأتي. وأراد البخاري به الرد لحديث ابن شهاب عن نبهان مولى أم سلمة أنها قالت: كنت أنا وميمونة جالستين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستأذن عليه ابن أم مكتوم، فقال: احتجبا منه، فقلنا: يا رسول الله: أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال: أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟ أخرجه الأربعة. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وكذا صححه ابن حبان فإن قلت ما وجه رد حدث نبهان وهو حديث صححه الأئمة بإسناد قوي؟ قلت: قال ابن بطال: حديث عائشة، أعني: حديث الباب أصح من حديث نبهان، لأن نبهان ليس بمعروف بنقل العلم. ولا يروي إلا حديثين هذا، والمكاتب إذا كان معه ما يؤدي احتجبت عنه سيدته، فلا يعمل بحديث نبهان لمعارضته الأحاديث الثابتة. فإن قلت: قد عرف نبهان بنقل العلم جماعة منهم ابن حبان
216

والحاكم إذ صححا حديثه وأبو علي الطوسي وحسنه، وروى عنه ابن شهاب ومحمد بن عبد الرحمن مولى طلحة، وذكره ابن حبان في (الثقات) ومن يعرفه الزهري ويصفه بأنه مكاتب أم سلمة ولم يخرجه حد لا ترد روايته، وأما المعارضة فلا نقول بها بل نقول: إن عائشة إذ ذاك كانت صغيرة فلا خرج عليها في النظر إليهم، أو نقول: إنه رخص في الأعياد ما لا يرخص في غيرها أو نقول: حديث نبهان ناسخ لحديث عائشة، أو نقول: إن زوجاته صلى الله عليه وسلم قد خصصن بما لم يخصص به غيرهن لعظم حرمتهن، أو نقول: إن الحبشة كانوا صبيانا ليسوا بالغين. قلت: الأوجه أن يقال بالجمع بين الحديثين لاحتمال تقدم الواقعية، أو أن يكون في حديث نبهان شيء يمنع النساء من رؤيته، لكون ابن أم مكتوم أعمى، فلعله كان منه شيء ينكشف ولا يشعر به، ويؤيد قول من قال بالجواز استمرار العمل بن علي
جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال، ولم يؤمر الرجال قط بالانتقاب لئلا تراهم النساء، فدل بن علي
مغايرة الحكم بين الطائفتين.
6325 حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي عن عيسى عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد حتى أكون أنا الذي أسأم، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو.
مطابقته للترجمة ظاهرة والحنظلي هو إسحاق المعروف بابن راهويه، وعيسى هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، والأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو، والزهري محمد بن مسلم بن شهاب، وعروة بن الزبير بن العوام.
والحديث مر بأتم منه في أبواب العيدين في: باب الحراب والدرق يوم العيد، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (في المسجد) أي: في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (أنا الذي أسأم) كذا وقع في الأصول، وذكر ابن التين: أنا الذي، ثم قال: وصوابه: أنا التي قوله: (أسأم)، أي أمل من السآمة وهي الملالة. قوله: (فاقدروا قدر الجارية) من قدرت الأمر كذا إذا نظرت فيه ودبرته، ورادت به أنها وكانت صغيرة دون البلوغ، قاله النووي، ويرد عليه أن في بعض طرق الحديث أن ذلك كان بعد قدوم وفد الحبشة، وأن قدومهم كان سنة سبع، ولعائشة يومئذ ست عشرة سنة، فكانت بالغة، وكان ذلك بعد الحجاب.
وفي (التلويح): في الحديث: جواز نظر النساء إلى اللهو واللعب لا سيما حديثة السن فإنه صلى الله عليه وسلم قد عذرها، أي: عائشة، لحداثة سنها، ويعكر عليه ما ذكرناه الآن. قال: وفيه: أنه لا بأس بنظر المرأة إلى الرجل من غير ريبة، ألا ترى ما اتفق عليه العلماء من الشهادة عليها أن ذلك لا يكون إلا بالنظر إلى وجهها؟ ومعلوم أنها تنظر إليه حينئذ كما ينظر الرجل إليها، والله أعلم.
511
((باب خروج النساء لحوائجهن))
أي: هذا باب في بيان جواز خروج النساء لأجل حوائجهن، وهو جمع حاجة. وقال الداودي: جمع الحاجة حاجات وجمع الجمع حاج، ولا يقال: حوائج، وقال ابن التين: والذي ذكر أهل اللغة أن جمع حاجة حوائج، وقول الداودي غير صحيح، وفي (المنتهى): الحاجة فيها لغات: حاجة وحوجاء وحائجة، فجمع السلامة: حاجات، وجمع التكسير: حاج، مثل راحة وراح، وجمع حوجاء حواج، مثل: صحراء وصحار، ويجمع بن علي
حوج أيضا نحو عوجاء وعوج، وجمع الحاجة حوائج مثل حائجة وحوائج، وكان الأصمعي ينكره، ويقول: هو مولد، وإنما أنكره لخروجه عن القياس في جمع حاجة، وإلا فهو كثير في الكلام، قال الشاعر:
* نهار المرء أمثل حين يقضي
* حوائجه من الليل الطويل
*
ويقال: ما في صدره حوجاء ولا لوجاء ولا شك ولا مرية بمعنى واحد، ويقال: ليس في أمرك حويجاء ولا لويجاء، ولا لفلان عندك حاجة ولا حائجة ولا حوجاء ولا حواشية بالشين والسين ولا لماسة ولا لبابة ولا إرب ولا مأربة ونواة وبهجة وأشكلة وشاكلة وشكلة وشهلاء، كله بمعنى واحد.
7325 حدثنا فروة بن أبي المغراء حدثنا علي بن مسهر عن هشام عن أبيه عن عائشة. قالت: خرجت سودة بنت زمعة ليلا فرآها عمر فعرفها. فقال: إنك والله يا سودة ما تخفين علينا
217

فرجععت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له وهو في حجرتي يتعشى، وإن في يده لغرقا فأنزل الله عليه فرفع عنه وهو يقول: قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن.
مطابقته للترجمة في آخر الحديث. وهذا السند بعينه قد مر عن قريب في: باب دخول الرجل بن علي
نسائه في اليوم.
والحديث قد مر بأتم منه في تفسير سورة الأحزاب. ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (ما تخفين)، بفتح الفاء وسكون الياء وأصله: تخفين، بن علي
وزن تفعلين فاستثقلت الكسرة بن علي
الياء فحذفت فاجتمع ساكنان وهما الياءان فحذفت الياء الأولى لأن الثانية ضمير المخاطبة فبقي تخفين بن علي
وزن تفعين. قوله: (لعرقا)، اللام فيه مفتوحة، والعرق بفتح العين المهملة وسكون الراء وبالقاف وهو العظم الذي أخذ لحمة. قوله: (فأنزل الله عليه)، ويروي: فأنزل عليه بصيغة المجهول، وفي الرواية المتقدمة: فأوحى الله إليه.
وقال ابن بطال: في هذا الحديث دليل بن علي
أن النساء يخرجن لكل ما أبيح لهن الخروج فيه من زيارة الآباء والأمهات وذوي المحارم وغير ذلك مما تمس الحاجة إليه، وذلك في حكم خروجهن إلى المساجد. وفيه: خروج المرأة بغير إذن زوجها إلى المكان المعتاد للإذن العام فيه. وفيه: منقبة عظيمة لعمر، رضي الله تعالى عنه، وفيه: تنبيه أهل الفضل بن علي
مصالحهم ونصحهم.
611
((باب استئذان المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد وغيره))
أي: هذا باب في بيان استئذان المرأة أي: طلب الإذن من زوجها لأجل الخروج إلى المسجد. قوله: (وغيره) أي: غير المسجد مما لها فيه حاجة ضرورية شرعية.
8325 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها.
مطابقته للترجمة ظاهرة في المسجد، في غير المسجد بالقياس عليه، والشرط في الجواز فيهما الأمن من الفتنة.
وعلى ابن عبد الله هو ابن المديني. وسفيان هو ابن عيينة يروي عن محمد بن مسلم الزهري وهو يروى عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومضى الحديث في أواخر كتاب الصلاة في باب خروج النسائي إلى المساجد بالليل والغلس.
711
((باب ما يحل من الدخول والنظر إلى النسا في الرضاع))
أي: هذا باب في بيان ما يحل من الدخول بن علي
النساء والنظر إليهن في وجود الرضاع بين الداخل والمدخول إليها لأن وجود الرضاع يبيح ذلك.
9325 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: جاء عمي من الرضاعة فاستأذن علي فأبيت أن آذن له حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك. فقال: إنه عمك فأذني له. قالت: فقلت: يا رسول الله! إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه عمك فليلج عليك. قالت عائشة: وذالك بعد أن ضرب علينا الحجاب. قالت عائشة: يحرم من الولادة.
مطابقته للترجمة ظاهرة في قوله: (إنه عمك فليلج عليك) أي: فليدخل من الولوج وهو الدخول.
وقد مضى الحديث في كتاب النكاح في: باب الفحل بهذا الإسناد بعينه. وقد مر الكلام فيه.
قوله: (جاء عمي) هو أفلح، وفائدة هذا الباب أنه أصل في أن الرضاع يحرم من النكاح ما يحرم من النسب، وينبغي أن يستأذن بن علي
الأقارب كالأجانب لأنه متى فاجأهن في
218

الدخول يمكن أن يصادف منهن عورة لا يجوز له الاطلاع عليها، أو أمرا يكرهن الوقوف عليه، وأما زوجته وأمته الجائز له وطؤها فلا يستأذنهما، لأن أكثر ما في ذلك أن يصادفهما منكشفين، وقد أبيح له النظر إلى ذلك، والأم والأخت وسائر ذوات المحارم سواء في الاستئذان منهن. قوله: (من الولادة) أي: من النسب، والله أعلم.
811
((باب لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها))
أي: هذا باب يذكر فيه: لا تباشر، من المباشرة وهي الملامسة في الثوب الواحد، وكذا قيد في رواية النسائي. قوله: (فتنعتها) أي: فتصفها من النعت وهو الوصف، وهذه الترجمة لفظ الحديث. قال القابسي: هذا الحديث من أبين ما يحمى به الذرائع فإنها أن وصفتها لزوجها بحسن خيف عليه الفتنة حتى يكون ذلك سببا لطلاق زوجته ونكاج تيك، إن كانت أيما وإن كانت ذات بعل كان ذلك سببا لبغض زوجته، ونقصان منزلتها عنده، وإن وصفتها بقبح كان ذلك غيبة.
0425 حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها.
(انظر الحديث 0425 طرفه في: 1425)
مطابقته للترجمة من حيث إنها غيبة، كما ذكرنا، أخرجه عن محمد بن يوسف البيكندي البخاري عن سفيان بن عيينة عن منصور بن المعتمر عن أبي وائل شقيق بن سلمة... الخ. وقال صاحب (التلويح): محمد بن يوسف هذا هو الفريابي، وسفيان هو الصوري يحتاج فيه إلى التحرير.
والحديث أخرجه النسائي في عشرة النساء عن إبراهيم بن يوسف البلخي، وقد مر شرحه الآن.
1425 حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش قال: حدثني: شقيق، قال: سمعت عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تباشر المرأة فتنعتها لزوجا كأنه ينظر إليها.
(انظر الحديث 0425)
هذا طريق آخر في الحديث لمذكور أخرجه عن عمر بن حفص عن أبيه حفص بن غياث، بكسر الغين المعجمة وتخفيف الياء آخر الحروف وبالثاء المثلثة: عن سليمان الأعمش عن شقيق هو أبو وائل المذكور وفي الحديث السابق، وروى شقيق عن عبد الله بن مسعود في الطريق الأول بالعنعنة، وفي هذا بالسماع، وقال الداودي: إن قوله فتنعتها... الخ. من كلام ابن مسعود، وقال ابن التين وظاهره أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
911
((باب قول الرجل لأطوفن الليلة على نسائه))
أي: هذا باب في بيان قول الرجل: (لأطوفن) أي: لأدورن بن علي
نسائي في هذه الليلة بالجماع، وهذه الترجمة إنما وضعها في قول سليمان، عليه الصلاة والسلام: لأطوفن الليلة بمائة امرأة، بن علي
ما يجيء الآن، وقال بعضهم: تقدم في كتاب الطهارة، باب من دار بن علي
نسائه في غسل واحد. وهو قريب من معنى هذه الترجمة، والحكم في الشريعة المحمدية أن ذلك لا يجوز في الزوجات. قلت: هذا الكلام هنا طائح لأنه لم يقصد من الترجمة هذا، وإنما قصد بذلك بيان قول سليمان، عليه السلام، فلذلك أورد حديثه. وقال صاحب (التلويح): لا يجوز أن يجمع الرجل جماع زوجاته في غسل واحد
ولا يطوف عليهن في ليلة إلا إذا ابتدأ القسم بينهن أو أذن له في ذلك، أو إذا قدم من سفر ولعله لم يكن في شريعة سليمان بن داود عليهما السلام. من فرض القسم بين النساء والعدل بينهن ما أخذه الله عز وجل بن علي
هذه الأمة.
2425 حدثنا محمود حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال سليمان بن داود، عليهما السلام: لأطوفن الليلة بمائة امرأة تلد كل امرأة غلاما يقاتل في سبيل الله، فقال له الملك: قل شاء الله، فلم يقل ونسي فأطاف بهن ولم تلد منهن إلا امرأة نصف إنسان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو قال: إن شاء الله، لم يحنث وكان أرجى لحاجته.
219

مطابقته للترجمة ظاهرة، ومحمود هو ابن غيلان، ومعمر بفتح الميمن هو ابن راشد، وابن طاووس هو عبد الله يروي عن أبيه طاووس.
والحديث مضى في كتاب الجهاد في: باب من طلب الولد للجهاد. وأخرجه مسلم في الأيمان والنذور عن عبد بن حميد. وأخرجه النسائي فيه عن عباس العنبري.
قوله: (لأطوفن الليلة بمائة امرأة) وفي كتاب الجهاد: لأطوفن الليلة بن علي
مائة امرأة أو تسع وتسعين، وقال ابن التين: وفي بعض الروايات: لأطوفن بن علي
سبعين، وفي بعضها بألف. قلت: ذكر أهل التاريخ أنه كانت له ألف امرأة: ثلاثمائة حرائر وسبعمائة إماء، والله أعلم. وقال الكرماني: قال البخاري: الأصح تسعون، ولا منافاة بين الروايات إذ التخصيص بالعدد لا يدل بن علي
نفي الزائد. قوله: (فقال له الملك) أي جبرائيل، عليه السلام، أو الملك من الكرام الكاتبين. قلت: يجوز أن يكون ملكا غيرهما أرسله الله. قوله: (فأطاف بهن) أي ألم بهن وقاربهن. قوله: (إلا امرأة نصف إنسان) وهناك جاءت بشق رجل، والذي نفس محمد بيده لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (لم يحنث) أي: لم يتخلف مراده لأن الحنث لا يكون إلا عن يمين، ويحتمل أن يكون سليمان حلف بن علي
ذلك، وقيل: ينزل التأكيد المستفاد من قوله: (لأطوفن) بمزلة اليمين فليتأمل. وقال المهلب: (لم يحنث) لم يخب ولا عوقب بالحرمان حين لم يستثن مشيئة الله ولم يجعل الأمر له، وليس في الحديث يمين فيحنث فيها، وإنما أراد أنه: لما جعل لنفسه القوة والفعل عاقبه الله تعالى بالحرمان، فكان الحنث بمعنى التخييب. وقد احتج بعض الفقهاء به بن علي
أن الاستثناء بعد السكوت عن النهي جائز بخلاف قول مالك: واحتجوا بقوله: لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وليس كما توهموه، لأن هذا لم يمكن يمينا وإنما كان قولا جعل الأمر لنفسه ولم يجب فيه كفارة فتسقط عنه بالاستثناء.
021
((باب لا يطرق أهله ليلا إذا أطال الغيبة مخافة أن يخونهم أو يلتمس عثراتهم))
أي: هذا باب يذكر فيه: لا يطرق الغائب أهله ليلا. ويطرق بضم الراء: من الطروق وهو إتيان المنزل ليلا، يقال: أتانا طروقا إذا جاء ليلا وهو مصدر في موضع الحال. قوله: (ليلا) تأكيد لأن الطروق لا يكون إلا ليلا. وذكر ابن فارس أن بعضهم حكى أن الطروق قد يقال في النهار، فعلى هذا التأكيد لا يكون إلا بن علي
القول الأول، وهو المشهور، وقيد بقوله: (إذا أطال الغيبة) لأنه إذا لم يطلها لا يتوهم ما كان يتوهم عند إطالة الغيبة. قوله: (مخافة) نصب بن علي
التعليل وهو مصدر ميمي أي: لأجل خوف أن يخونهم، وكلمة: أن مصدرية أي: لأجل خوف تخوينه إياهم وهو بالنون من الخيانة أي: ينسبهم إلى الخيانة. قوله: (أو يلتمس) أي: يطلب عثراتهم جمع عثرة، وهو بالمثلثة الزلة، قال ابن التين. قوله: (إذا أطال) إلى آخره ليس في أكثر الروايات.
3425 حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا محارب بن دثار قال: سمعت جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يأتي الرجل أهله طروقا.
مطابقته للترجمة تؤخذ من لفظ الحديث. والترجمة مشتملة بن علي
ثلاثة أجزاء. الأول: قوله: لا يطرق أهله ليلا، وهذا الحديث يطابقه الجزء الثاني قوله إذا أطال الغيبة فلا يطابقه إلا الحديث الذي يأتي وهو رواية الشعبي عن جابر الجزء الثالث قوله مخافة أن يخونهم لا يطابقه شيء من حديث الباب وإنما ورد هذا في طريق آخر لحديث جابر: أخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن محارب بن دثار عن جابر، رضي الله عنه، قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلا فيخونهم أو يطلب عثراتهم وأخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عنه. وأخرجه النسائي من رواية أبي نعيم عن سفيان كذلك وأخرجه أبو عوانة من وجه آخر عن سفيان كذلك، فبين الشارع بهذا اللفظ المعنى الذي من أجله نهى أن يطرق أهله ليلا ومعنى كون طروق الليل سببا لتخوينهم أنه وقت خلوة وانقطاع مراقبة الناس بعضهم لبعض، فكان ذلك سببا لتوطن أهله به، ولا سيما إذا أطال الغيبة لأن طول الغيبة مظنة الأمن من الهجوم، بخلاف ما إذا خرج لحاجته مثلا نهارا ورجع ليلا لا يتأتى له ما يحذر من الذي يطيل الغيبة، ومن أعلم أهله بوصوله في وقت كذا مثلا لا يتناوله هذا النهي. وأخرج حديث جابر هذا عن آدم ابن أبي
220

إياس عن شعبة عن محارب ضد المصالح ابن دثار ضد الشعار عن جابر، ومضى الحديث في الحج عن مسلم بن إبراهيم، وكان السبب في ذلك ما أخرجه أبو عوانة من حديث محارب بن دثار عن جابر بن عبد الله بن أن عبد الله رواحة أتى امرأته ليلا وعندها امرأة تمشطها، فظنها رجلا فأشار إليها بالسيف، فلما ذكر ذلك للنبي صلى
الله عليه وسلم نهى أن يطرق الرجل أهله ليلا.
4425 حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا عاصم بن سليمان عن الشعبي أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلا.
قد ذكرنا وجه المطابقة آنفا. ومحمد بن مقاتل المروزي، وعبد الله بن المبارك المروزي، وعاصم بن سليمان الأحول البصري، والشعبي عامر بن شراحيل.
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن بندار عن غندر. وأخرجه مسلم في الجهاد عن بندار عن غندر وعن يحيى بن حبيب. وأخرجه أبو داود فيه عن عثمان عن جرير. وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن بندار وعن قتيبة.
قوله: (إذا أطال أحدكم الغيبة) نهى عن الطروق عند إطالة الغيبة لأنها تبعد مراقبتها له وتكون آيسة من تعجيله إليها فيجد الشيطان سبيلا إلى إيقاع سوء الظن، ولم أر أحدا من الشراح وغيرهم ذكر حد طول الغيبة، والظاهر أنه يعلم من علم مقصد الرجل في ذهابه إليه والله أعلم.
121
((باب طلب الولد))
أي: هذا باب في بيان طلب الرجل الولد بالاستكثار من جماع المرأة بن علي
قصد الاستيلاد لا الاقتصار بن علي
مجرد اللذة، وطلب الولد مندوب إليه لقوله صلى الله عليه وسلم إني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة، رواه ابن حبان في (صحيحه) والبيهقي في (سننه) من رواية حفص ابن أخي أنس عن أنس، رضي الله تعالى عنه.
5425 حدثنا مسدد عن هشيم عن سيار عن الشعبي عن جابر قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في غزوة فلما قفلنا تعجلت على بعير قطوف، فلحقني راكب من خلفي فالتفت فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما يعجلك؟ قلت: إني حديث عهد بعرس، قال؛ فبكرا تزوجت أم ثيبا؟ قلت: بل ثيبا قال: فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك؟ قال: فلما قدمنا ذهبنا لندخل، فقال: أمهلوا حتى تدخلوا ليلا أي: عشاء لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة.
قال: وحدثني: الثقة أنه قال في هاذا الحديث: الكيس الكيس يا جابر، يعني الولد.
مطابقته للترجمة لا يتأتي أخذها إلا من قوله صلى الله عليه وسلم: (الكيس الكيس يا جابر يعني الولد) والمراد منه الحث بن علي
ابتغاء الولد. يقال: أكيس الرجل إذا ولد له أولاد أكياس.
وهشيم مصغر هشم ابن بشير الواسطي أصله من بلخ نزل واسط للتجارة وسيار، بفتح السين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف، وبعد الألف راء هو ابن أبي سيار واسمه وردان أن أبو الحكم العنزي الواسطي، يروي عن عامر بن شراحيل الشعبي.
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن أبي النعمان ويعقوب بن إبراهيم وعن محمد بن الوليد عن غندر عن شعبة. وأخرجه مسلم في النكاح عن يحيى بن يحيى وفي الجهاد عنه وعن إسماعيل وعن أبي موسى. وأخرجه أبو داود في الجهاد عن أحمد بن حنبل عن هشيم به. وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن الحسن بن إسماعيل وغيره.
قوله: (عن سيار عن الشعبي) وفي رواية أبي عوانة من طريق شريح بن النعمان: حدثنا سيار حدثنا الشعبي، وفي رواية أحمد من وجه آخر: سمعت الشعبي. قوله: (قفلنا) بالقاف وبفتح الفاء المخففة، أي: رجعنا. قوله: (قطوف) بفتح القاف أي: بطيء المشي. قوله: (ما يعجلك؟) بضم الياء أي: أي شيء أي يعجلك؟ قوله: حديث عهد بعرس، أي: جديد التزويج، وطابق السؤال الجواب بلازمه وهو الحداثة. قوله: (فبكرا تزوجت؟). منصوب بقوله: زوجت، والضمير المنصوب فيه محذوف أي تزوجته. قوله: (بل ثيبا) منصوب بفعل مقدر أي تزوجت ثيبا. قوله: (أي عشاء) إنما فسر به لئلا يعارض ما تقدم أنه لا يطرق أهله ليلا، مع أن المنافاة
221

منتفية من حيث إن ذلك فيمن جاء بغتة وأما هنا فقد بلغ خبر مجيئهم وعلم الناس وصولهم. قوله: (الشعثة) بفتح الشين المعجمة وكسر العين المهملة وبالثاء المثلثة وهي المغبرة الرأس المنتشرة الشعر. قوله: (وتستحد المغيبة) وقد فسرناها عن قريب، وهي التي غاب عنها زوجها، والاستحداد استعمال الحديد في شعر العانة وهي إزالته بالموسى، هذا في حق الرجال، وأما النساء فلا يستعملن إلا النورة أو غيرها مما يزيل الشعر.
قوله: (قال: وحدثني الثقة) القائل هو هشيم، أشار إليه الإسماعيلي، وقال الكرماني: الظاهر أنه البخاري أو مسدد. قلت: هو جرى بن علي
ظاهر اللفظ والمعتمد ما قاله الإسماعيلي: لا يقال هذا رواية عن مجهول لأنه إذا ثبت عند الراوي عنه أنه ثقة فلا بأس بعدم العلم باسمه. وقال الكرماني: إنما لم يصرح بالاسم لأنه لعله نسيه أو لم يحققه. وفيه تأمل. قوله: (قال في هذا الحديث)، وفي رواية النسائي عن أحمد بن عبد الله بن الحكم عن محمد بن جعفر قال: وقال، بإثبات الواو، وكذا أخرجه أحمد عن محمد بن جعفر، ولفظه: قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخلت فعليك الكيس الكيس. قوله: (الكيس الكيس) مذكور مرتين ومنصوب بن علي
الإغراء، والكيس والجماع والعقل، والمراد حثه بن علي
ابتغاء الولد. وقال الخطابي: الكيس هنا يجري مجرى الحذر من العجز عن الجماع. ففيه الحث بن علي
الجماع، وقد يكون بمعنى الرفق وحسن التائي، وقال ابن الأعرابي: الكيس العقل كأنه جعل طلب الولد عقلا. وفي اللغة: الكوس، بالسين المهملة والمعجمة: الجماع، يقال كأس الجارية وكاسها وكارسها وكاوسها مكاوسة وكواسا واكتاسها كل ذلك: إذا جامعها.
6425 حدثنا محمد بن الوليد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سيار عن الشعبي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخلت ليلا فلا تدخل على أهلك حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فعليك بالكيس الكيس.
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن محمد بن الوليد بن عبد الحميد الملقب بحمدان، روى عنه مسلم أيضا. ومحمد بن جعفر هو غندر.
تابعه عبيد الله عن وهب عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكيس.
أي: تابع الشعبي عبيد الله بن عمر العمري عن وهب بن كيسان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في رواية لفظ الكيس، والمتابع في الحقيقة هو وهب لكنه نسبها إلى عبيد الله لتفرده بذلك عن وهب، وتقدمت رواية عبيد الله بن عمر موصولة في أوائل البيوع في أثناء حديث أوله: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فأبطأ بي حملي الحديث بطوله.
22
((باب تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة))
أي: هذا باب يذكر فيه تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة، وقد مر تفسيرهما الآن.
7425 حدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشيم أخبرنا سيار عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال: كن مع النبي صلى الله عليه وسلم، في غزوة فلما قفلنا كنا قريبا من المدينة تعجلت على بعير لي قطوف، فلحقني راكب من خلفي فنخس بعيري بعنزة كانت معه فسار بعيري كأحسن ما أنت راء من الإبل، فالتفت فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! إني حديث عهد بعرس! قال: أتزوجت؟ قلت: نعم. قال: أبكرا أم ثيبا؟ قال: قلت: بل ثيبا. قال: فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك؟ قال: فلما قدمنا ذهبنا لندخل، فقال: أمهلوا حتى تدخلوا ليلا أي: عشاء لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة.
222

هذا وجه آخر في حديث جابر المذكور فيما قبله، وتقدم الكلام فيه مستقصى.
قوله: (فنخس) بالنون وبالخاء المعجمة وبالسين المهملة، وأصل النخس الدفع والحركة، قاله ابن الأثير في تفسير هذا الحديث، وفي (الغرب): نخس دابته إذا طعنها بعود ونحوه، والعنزة عصى نحو نصف الرمح.
321
((باب * ((24) ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن) * إلى قوله * ((24) لم يظهروا بن علي
عورات النساء) * (النور: 13))
أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (ولا يبدين زينتهن) * أي ولا يظهرن (زينتهن) يعني: ما يتزين به من حلي أو كحل أو خضاب، والزينة منها ما هو ظاهر وهو الثياب والرداء فلا بأس بإبداء هذا للأجانب، ومنها ما هو خفي كالخلخال والسوار والدملج والقرط والقلادة والإكليل والوشاح، ولا يبدينها (إلا لبعولتهن) وهو جمع بعل وهو الزوج * (أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن) * وهو جمع أخ * (أو بني أخواتهن أو نسائهن) * قال الزمخشري: قيل في نسائهن: هن المؤمنات لأنه ليس للمؤمنة أن تتجرد بين يدي مشركة أو كنابية. والظاهر أنه عني بنسائهن وما ملكت أيمانهن في صبحتهن وخدمتهن من الحرائر والإماء، والنساء كلهن سواء في حل نظر بعضهن إلى بعض، وقيل: ما ملكت أيمانهن هم الذكور والإناث جميعا. قوله: (أو التابعين) هم القوم الذين يتبعون القوم ويكونون معهم لإرفاقهم إياهم، أو لأنهم نشأوا فيهم * (غير أولي الإربة) * أي: الحاجة (من الرجال)، ولا حاجة لهم في النساء ولا يشتهونهن، وقيل: التابع الأحمق الذي لا تشتهيه المرأة ولا يغار عليه الرجل، وقيل: هو الأبله الذي يريد الطعام ولا يريد النساء، وقيل: العنين، وقيل: الشيخ الفاني، وقيل: إنه المجبوب، والمعنى لا يبدين زينتهن لمماليكهن ولا أتباعهن إلا أن يكونوا غير أولي الإربة * (أو الطفل الذين لم يظهروا بن علي
عورات النساء) * فيعطلوا عليها. قيل: لم يظهروا، إما من ظهر بن علي
الشيء إذا اطلع عليه، أي: لا يعرفون ما العورة ولا يميزون بينها وبين غيرها، وإما من ظهر بن علي
فلان إذا قوي عليه أي: لم يبلغوا أوان القدرة بن علي
الوطء. وقال المفسرون: هذه الآية نزلت بعد الحجاب، ثم الزينة هي الوجه والكفان، وقيل: اليدان إلى المرافقين، وقال المهلب: إنما أبيح للنساء أن يبدين زينتهن لمن ذكر في هذه الآية إلا في العبيد، وعن سعيد بن المسيب لا تغرنكم هذه الآية، إنما عنى بها الإماء ولم يعن به العبيد، وكان الشعبي يكره أن ينظر المملوك إلى شعر مولاته، وهو قول عطاء ومجاهد، وعن ابن عباس: يجوز ذلك، فدل بن علي
أن الآية عنده بن علي
العموم في المماليك، وقيل: لم يذكر في الآية الخال والعم؟ وأجيب: بأنه استغنى عن ذكرهما بالإشارة إليهما لأن العم ينزل منزلة الأب، والخال منزلة الأم.
8425 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن أبي حازم قال: اختلف الناس بأي شيء دووي جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد؟ فسأل سهل بن سعد الساعدي
وكان من آخر من بقي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقال: وما بقي من الناس أحد أعلم به مني. كانت فاطمة، عليها السلام تغسل الدم عن وجهه وعلي يأتي بالماء على ترسه فأخذ حصير فحرق فحشي به جرحه.
وجه المطابقة بين هذه الآية وبين الحديث إنما يظهر من قوله: * (إلا لبعولتهن أو آبائهن) * وسفيان هو ابن عيينة، وأبو حازم هو سلمة بن دينار.
والحديث قد مر في كتاب الطهارة في: باب غسل المرأة الدم عن وجه أبيها، فإنه أخرجه هناك عن محمد بن سفيان إلى آخره.
قوله: (فحرق) وفي الأصل فأحرق من باب الأفعال، وحرق من باب التفعيل بن علي
صيغة المجهول، وبقية الكلام قد مرت هناك.
421
((باب * ((24) والذين لم يبلغوا الحلم منكم) * (النور: 85))
أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (والذين لم يبلغوا الحلم منكم) * (النور: 85) وقبله: * (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات) * إلى قوله: * (والله عليم حكيم) * (النور: 85) وفي (تفسير النسفي): عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما من الأنصار يقال له مدلج بن عمرو إلى عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، وقت الظهيرة
223

ليدعوه، فدخل فرأى عمر بحالة كره عمر رؤية ذلك، فقال: يا رسول الله! وددت لو أن الله أمرنا ونهانا في حالة الاستئذان فنزلت هذه الآية، وقال مقاتل تزلت هذه الآية في أسماء بنت مرثد الحارثية، وكان لها غلام كبير فدخل عليها وفي وقت كرهته، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حالة نكرهها فأنزل الله الآية قيل: ظاهر الخطاب للرجال والمراد به الرجال والنساء تغليبا للمذكر بن علي
المؤنث. قال الإمام: والأولى أن يكون الخطاب للرجال والحكم ثابت للنساء بقياس جلي لأن النساء في باب حفظ العورة أشد حالا من الرجال. ومعنى الكلام: ليستأذنكم مماليككم في الدخول عليكم، قال أبو يعلى: والأظهر أن يكون المراد العبيد الصغار لأن العبد البالغ بمنزلة الحر البالغ في تحريم النظر إلى مولاته: * (والذين لم يبلغوا الحلم منكم) * أي من الأحرار من الذكور والإناث قوله: * (ثلاث مرات) * أي: ثلاث أوقات في اليوم والليلة من قبل صلاة الفجر لأنه وقت القيام من المضاجع وطرح ما ينام فيه من الثياب ولبس ثياب اليقظة * (وحين تضعون ثيابكم) * من الظهيرة القائلة، ومن بعد صلاة العشاء لأنه وقت التجرد من ثياب اليقظة والالتحاف بثياب النوم، وإنما خص هذه الأوقات لأنها ساعات الغفلة والخلوة ووضع الثياب والكسوة. قوله: (ثلاث عورات لكم) سمى كل واحدة من هذه الأحوال عورة لأن الناس يختل تسترهم وتحفظهم فيها، والعورة الخلل.
9425 حدثنا أحمد بن محمد أخبرنا عبد الله أخبرنا سفيان عن عبد الرحمان بن عابس سمعت ابن عباس رضي الله عنهما، سأله رجل: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، العيد أضحى أو فطرا؟ قال: نعم، ولولا مكاني منه ما شهدته يعني من صغره قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى ثم خطب ولم يذكر أذانا ولا إقامة، ثم أتى النساء فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة، فرأيتهن يهوين إلى آذانهن وحلوقهن يدفعن إلى بلال، ثم ارتفع هو وبلال إلى بيته.
مطابقته للترجمة ما قاله المهلب: كان ابن عباس في هذا لوقت ممن يطلع بن علي
عورات النساء، ولذلك قال: لولا مكاني من الصغر ما عهدته، وهذا هوموضع الترجمة بقوله: باب * (والذين لم يبلغوا الحلم) * قال: وكان بلال من البالغين قال تعالى: * (ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم) * (النور: 85) فأجرى الذين ملكت أمانهم مجرى الذين لم يبلغوا الحلم، وأمر بالاستئذان في العورات الثلاث، لأن الناس ينكشفون في تلك الأوقات ولا يكونون في التستر فيها كما يكونون في غيرها.
وأحمد بن محمد الملقب بمردويه، بفتح الميم وسكون الراء وضم الدال المهملة وفتح الياء آخر الحروف: السمسار المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، وسفيان هو الثوري، و عبد الرحمن بن عابس بكسر الباء الموحدة من العبوس النخعي الكوفي.
والحديث قد مر في صلاة العيد فن باب العلم الذي بالمصلى، فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن يحيى بن سفيان عن عبد الرحمن بن عابس إلى آخره، ومر الكلام فيه.
قوله: (لولا مكاني منه) أي: منزلتي من النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (من صغره)، فيه التفات، وفي رواية السرخسي: من صغري بن علي
الأصل، كذا قال بعضهم. قلت: الظاهر أن قوله: (من صغره) ليس من كلام ابن عباس، بل من كلام أحد الرواة بدليل قوله: (يعني من صغره) بن علي
ما لا يخفى، وأما بن علي
رواية السرخسي فمن كلامه بلا نزاع فافهم. قوله: (ويهوين)، من باب ضرب يضرب قال الكرماني: من الإهواء أي: يقصدن، قلت: فحينئذ بضم الياء من أهوى إذا أراد أن يأخذ شيئا. قوله: (يدفعن) حال قوله: (ثم ارتفع هو) أي: النبي صلى الله عليه وسلم أي: رجع هو وبلال معه وفي رواية صلاة العيد: ثم انطلق هو وبلال إلى بيته. وقال ابن التين: اختلف في أول من ابتدع الأذان أولا للعيد، فقيل: ابن الزبير، وقيل: معاوية، وقيل: ابن هشام، وعن الداودي: مروان، وقال القضاعي: زياد.
521
((باب قول الرجل لصاحبه: هل أعرستم الليلة؟ وطعن الرجل ابنته في الخاصرة عند العتاب))
.
أي: هذا باب في ذكر قول الرجل لصاحبه هل أعرستم الليلة؟ وهذا المقدار زاده ابن بطال في شرحه ولم يذكره غيره
224

إلا ناب طعن الرجل ابنته في الخاصرة عند العتاب، ثم قال ابن بطال: لم يخرج البخاري فيه حديثا، واخرج في أول كتاب العقيقة رواية أنس، قال: كان ابن لأبي طلحة يشتكي، فخرج أبو طلحة فقبض الصبي، فلما رجع أبو طلحة قال: ما فعل ابني؟ قالت أم سليم: هو أسكن مما كان، فقربت إليه العشاء فتعشى، ثم أصاب منها... الحديث إلى أن قال: أعرستم الليلة؟ فذكره، وهو من أعرس الرجل فهو معرس إذا دخل بامرأته عند بنائها وأراد به ههنا الوطء، فسماه إعراسا لأنه من توابع الإعراس، ولا يقال فيه عرس، قوله: (وطعن الرجل) عطف بن علي
قول: الرجل، وهو مصدر مضاف إلى فاعل، وابنته بالنصب مفعوله. قوله: (عند العتاب) أي في حالة المعاتبة.
0525 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه عن عائشة، قالت: عاتبني أبو بكر وجعل يطعنني بيده صلى الله عليه وسلم في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه على فخذي.
الترجمة المذكورة مشتملة بن علي
جزءين أحدهما هو قوله: قول الرجل لصاحبه: هل أعرستم الليلة؟ فإن كان هذا الجزء مفقودا في أكثر الروايات، بن علي
ما قاله ابن بطال، فلا وجه إلى ذكر شيء. وقال الكرماني: وعلى تقديره وجوده فوجهه أن البخاري يترجم ولا يذكر حديثا يناسبه إشعارا بأنه لم يجد حديثا بشرطه يدل عليه. قلت: هذا ليس بوجه، فإن الحديث الذي ذكره في كتاب العقيقة عن أنس يطابقه، وهو بن علي
شرطه فكان ينبغي أن يذكره ههنا، وقيل: لما كانت كل واحدة من الحالتين ممنوعة في غير الحالة التي ورد فيها، كان ذلك جامعا بينهما، فإن طعن الخاصرة لا يجوز إلا مخصوصا بحالة العتاب، وكذلك سؤال الرجل عن الجماع لا يجوز إلا في مثل حالة أبي طلحة من تسليته من مصيبته وبشارته بغير ذلك. قلت: هذا لا يخلو عن تعسف، والجزء الثاني وهو قوله: وطعن الرجل... إلى آخره، ومطابقة حديث الباب له ظاهرة.
وعبد الرحمن هو ابن القاسم يروي عن أبيه القاسم عن عائشة، رضي الله تعالى عنه. والحديث مختصر من حديث عائشة، وقد مضى في أول كتاب التيمم مطولا ومر الكلام فيه هناك.
86
((كتاب الطلاق))
أي: هذا كتاب في بيان أحكام الطلاق وأنواعه، ووجه المناسبة بين الكتابين ظاهر إذ الطلاق يعقب النكاح في الوجود، فكذلك في وضع الأحكام فيهما. والطلاق اسم للتطليق كالسلام اسم للتسليم، يقال: طلق يطلق تطليقا، وطلقت بفتح اللام تطلق طلاقا فهي طالق وطالقة أيضا. وقال الأخفش: لا يقال: طلقت، بالضم وطلقت أيضا بضم أوله وكسر اللام الثقيلة، فإن خففت فهو خاص بالولادة، والمضارع فيهما بضم اللام، والمصدر في الولادة: طلق، بسكون اللام فهي طالق فيهما. ومعنى الطلاق في اللغة: رفع القيد مطلقا، مأخوذ من إطلاق البعير وهو إرساله من عقاله، وفي الشرع: رفع قيد النكاح ويقال: حل عقدة التزويج.
1
((باب وقول الله تعالى: * ((65) يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة أحصيناه حفظناه وعددناه) * (الطلاق: 1) أحصيناه حفظناه وعددناه.))
وقول الله، بالجر عطف بن علي
قوله: الطلاق قوله: * (يا أيها النبي) * خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، بلفظ الجمع تعظيما،. أو بن علي
إرادة ضم أمته، إليه والتقدير: يا أيها النبي وأمته (إذا طلقتم النساء) أي إذا أردتم تطليق النساء (فطلقوهن لعدتهن) يعني: طلقوهن مستقبلات لعدتهن. كقولك: آتية لليلة بقيت من المحرم أي: مستقبلا لها، والمراد أن يطلقهن في طهر لم يجامعهن فيه ثم يخلين حتى تنقضي عدتهن، وهذا أحسن الطلاق وأدخله في السنة وأبعده من الندم. وقال النسفي (فطلقوهن لعدتهن) وهو أن يطلقها ثلاثا من غير جماع. وقيل: طلقوهن لطهرهن الذي يحصينه من عدتهن ولا تطلقوهن لحيضهن الذي لا يعتدن به من قرئهن، وهذا للمدخول بها، لأن من لم يدخل بها لا عدة عليها.
واختلف المفسرون فيمن نزلت هذه الآية، فقال الواحدي:
225

عن قتادة عن أنس قال: طلق النبي صلى الله عليه وسلم حفصة فأنزل الله عز وجل قوله تعالى: قوله: * (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) * (الطلاق: 1) الآية. وقيل له: راجعها فإنها صوامة قوامه، وهي من إحدى أزواجك ونسائك في الجنة. وقال السدي: نزلت في عبد الله بن عمر، وذلك أنه طلق امرأته حائضا، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها. وقال مقاتل: نزلت في عبد الله بن عمر وعقبة بن عمرو المازني، وطفيل بن الحارث بن المطلب، وعمرو بن سعيد بن العاص، وفي (تفسير ابن عباس): قال عبد الله: وذلك أن عمر ونفرا معه من المهاجرين كانوا يطلقون بغير عدة ويراجعون بغير شهود، فنزلت والطلاق أبغض المباحات وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أبغض الحلال إلى الله الطلاق، وقال: تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز منه العرش، وقال: لا تطلقوا
النساء إلا من ريبة فإن الله لا يحب الذواقين ولا يحب الذواقات، وقال: ما حلف بالطلاق ولا استحلف به إلا منافق.
وطلاق السنة أنح يطلقبها طاهرا من غير جماع، ويشهد شاهدين
أي: الطلاق السني أن يطلق امرأته حالة طهارتها عن الحيض، ولا تكون موطوءة في ذلك الطهر وأن يشهد شاهدين بن علي
الطلاق، فمفهومه: أنه إن طلقها في الحيض أو في طهر وطئها فيه أو لم يشهد يكون طلاقا بدعيا. واختلفوا في طلاق السنة، فقال مالك: طلاق السنة أن يطلق الرجل امرأته في طهر لم يسمها فيه تطليقة واحدة ثنم يتركها حتى تنقضي العدة برؤية أول الدم من الحيضة الثالثة. وهو قول الليث والأوزاعي. وقال أبو حنيفة: هذا حسن من الطلاق، وله قول آخر، وهو: ما إذا أراد أن يطلقها ثلاثا طلقها عند كل طهر طلقة واحدة من غير جماع، وهو قول الثوري وأشهب، وزعم المرغيناني أن الطلاق بن علي
ثلاثة أوجه عند أصحاب أبي حنيفة: حسن وأحسن وبدعي، فالأحسن أن يطلقها وهي مدخول بها تطليقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه ويتركها حتى تنقضي عدتها، والحسن وهو طلاق السنة وهو أن يطلق المدخول بها ثلاثا في ثلاثة أطهار، والبدعي أن يطلقها ثلاقا بكلمة واحدة، أو ثلاثا في طهر واحد، فإذا فعل ذلك وقع الطلاق وكان عاصيا.
1525 حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال: حدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ذلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء.
إسماعيل بن عبد الله هو إسماعيل بن أبي أويس ابن أخت مالك بن أنس.
والحديث أخرجه مسلم أيضا في الطلاق عن يحيى بن يحيى عن مالك وأخرجه أبو داود أيضا عن القعنبي عن مالك. وأخرج النسائي أيضا فيه عن محمد بن سلمة عن ابن القاسم.
قوله: (طلق امرأته) وهي آمنة بنت غفار، بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء، قاله النووي في (تهذيبه) وقيل: بنت عمار، بفتح العين المهملة وتشديد الميم، ووقع في (مسند أحمد) أن اسمها نوار، ويمكن الجمع بينهما بأن يكون اسمها: آمنة ونوار لقبها، وآمنة بهمزة مفتوحة ممدودة وميم مكسورة ونون، ونوار بنون مفتوحة. قوله: (وهي حائض)، قيل: هذه جملة من المبتدأ والخبر، فالمطابقة بينهما شرط. وأجيب بأن الصفة إذا كانت خاصة بالنساء فلا حاجة إليها، وفي رواية قاسم بن إصبغ من طريق عبد الحميد بن جعفر عن نافع عن ابن عمر: أنه طلق امرأته وهي في دمها حائض، وعند البيهقي من طريق ميمون بن مهران عن ابن عمر: أنه طلق امرأته في حيضها وأخرج الطحاوي هذا الحديث من ثمان طرق صحاح. منها: عن نصر بن مرزوق وابن أبي داود كلاهما عن عبد الله بن صالح عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر أخبره: أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر، رضي الله تعالى عنه، لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتراجعها ثم
226

ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها، فتلك العدة كما أمر الله) قوله: (بن علي
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في زمنه وأيامه، كذا وقع هذا في رواية مالك، وكذا وقع عند مسلم في رواية أبي الزبير عن ابن عمر، وأكثر الرواة لم يذكروا هذا لأن قوله فسأله عمر عن ذلك يغني عن هذا. قوله: (فسأل عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك)، أي: عن حكم طلاق ابنه عبد الله بن علي
هذا الوجه، ووقع في رواية ابن أبي ذئب عن نافع: فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، أخرجه الدارقطني وكذا وقع في رواية مسلم في رواية يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين عن يونس بن جبير. قوله: (مره) أي: مر عبد الله.
اختلفوا في معنى هذا الأمر، فقال مالك: هذا للوجوب ومن طلق زوجته حائضا أو نفساء فإنه يجبر بن علي
رجعتها فسوى دم النفاس بدم الحيض، وقال ابن أبي ليلى والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وهو قول الكوفيين: يؤمر برجعتها ولا يجبر بن علي
ذلك، وحملوا الأمر في ذلك بن علي
الندب ليقع الطلاق بن علي
سنة. وفي (التوضيح): وهم من قال: إن قوله: (مره فليراجعها) من كلام ابن عمر لا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن صريح فيه وقول بعضهم: إنه أمر عمر لابنه أغرب منه، وههنا مسألة أصولية، وهي أن الأمر بالأمر بالشيء: هل هو أمر بذلك الشيء أم لا، لأنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر، رضي الله تعالى عنه: مره، فأمره بأن يأمر بأمره حكاها ابن الحاجب، فقال: الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرا بذلك الشيء، وقال الرازي: الأمر بالأمر بالشي أمر بالشيء وبسطها في الأصول.
قوله: (فليراجعها) في رواية أيوب عن نافع: فأمره أن يراجعها، وفي رواية لمسلم: فراجعها عبد الله كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلف في وجوب الرجعة فذهب إليه مالك وأحمد في رواية، والمشهور عنه، وهو قول الجمهور: إنها مستحبة، وذكر صاحب (الهداية) أنها واجبة لورود الأمر بها. قوله: * (
ليمسكها) * أي: ليستمر بها في عصمته حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، وفي رواية عبيد الله بن عمر عن نافع: ثم ليدعها حتى تطهر ثم تحيض حيضة أخرى، فإذا طهرت فليطلقها، ونحوه في رواية الليث وأيوب عن نافع، وكذا عند مسلم في رواية عبد الله بن دينار. قوله: (إن شاء أمسك بعد) أي: بعد الطهر من الحيض الثاني قوله: (قبل أن يمس) أي: قبل أن يجامع. قوله: (فتلك العدة التي أمر الله تعالى) أي بقوله: * (فطلقوهن لعدتهن) * (الطلاق: 1) وقال الكرماني: اللام بمعنى: في يعني في يعنى في قوله: أن يطلق لها النساء. قلت: لا نسلم أن اللام ههنا بمعنى الظرف لأن معانيها التي جاءت ليس فيها ما يدل بن علي
كونها ظرفا بل اللام هنا للاستقبال كما في قولهم: تأهب للشتاء، وكما في قولهم: لثلاث بقين من الشهر، أي مستقبلا لثلاث، وقال الزمخشري في قوله تعالى: * (فطلقوهن لعدتهن) * يعني: مستقبلات لعدتهن.
ويستنبط من هذا الحديث أحكام: الأول: أن الطلاق في الحيض محرم ولكنه واقع، وذكر عياض عن البعض أنه لا يقع. قلت: هو قول الظاهرية، وروى مثل ذلك عن بعض التابعين وهو شذوذ لم يعرج عليه أصلا. الثاني: أن الأمر فيه بالرجعة بن علي
الوجوب أم لا؟. وقد مر الكلام فيه عن قريب. الثالث: يستفاد منه أن طلاق السنة أن يكون في طهر الرابع: قوله: (فليراجعها) دليل بن علي
أن الطلاق غير البائن لا يحتاج فيه إلى رضا المرأة. الخامس: فيه دليل بن علي
أن الرجعة تصح بالقول، ولا خلاف فيه. وأما بالفعل ففيه خلاف، فأبو حنيفة أثبته، والشافعي نفاه. السادس: استدل به أبو حنيفة أن من طلق امرأته وهي حائض أثم وينبغي له أن يراجعها، فإن تركها حتى مضت العدة بانت منه بطلاق، وفي هذا الموضع كلام كثير جدا، فمن أراد الوقوف عليه فليراجع إلى (شرحنا لمعاني الآثار للطحاوي) رحمه الله تعالى.
2
((باب إذا طلقت الحائض يعتد بذلك الطلاق))
أي: هذا باب فيه إذا طلقت المرأة وهي حائض يعتبر ذلك الطلاق، وعليه أجمع أئمة الفتوى من التابعين وغيرهم، وقالت الظاهرية والخوارج والرافضة لا يقع، وحكى عن ابن علية أيضا.
2525 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن أنس بن سيرين قال: سمعت ابن عمر قال: طلق ابن عمر امرأته وهي حائض، فذكر عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ليراجعها قلت: تحتسب؟ قال: فمه.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأنس بن سيرين هو أخو محمد بن سيرين.
والحديث أخرجه مسلم في الطلاق عن محمد بن المثنى
227

وعن آخرين.
قوله: (ليراجعها) دليل بن علي
وقوع الطلاق في الحيض. قوله: (قلت: تحتسب) القائل أنس بن سيرين، وتحتسب بن علي
صيغة المجهول، أي: تحتسب طلقة من عدد الطلقات؟ (قال: فمه) أي: قال ابن عمر: فيه أصله فما للاستفهام وأبدل الألف: خاء أي، فما يكون إن لم تحتسب طلقة؟ ويحتمل أن يكون كلمة: مه، للكف والزجر أي: انزجر عنه فإنه لا شك في وقوع الطلاق. وكونه محسوبا في عدد الطلقات،.
وقال عبد الحق: روى ابن وهب عن ابن أبي ذئب أن نافعا أخبره عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر عن ذلك، فقال: مره فليراجعها ثم يمسكها... الحديث، وفي آخره: وهي واحدة، وكذلك ذكره الدارقطني عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هي واحدة، وبهذا رد عبد الحق بن علي
ابن حزم في قوله: إنه لا يحتسب من الطلاق. قال: فهذا نص في موضع الخلاف، وليس في ما تقدم من الكلام شيء يصلح أن يعود عليه الضمير إلا الطلاق المتقدم. وقال ابن حزم: لعل قوله: وهي واحدة، ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. قال عبد الحق: كيف هذا وفي الحديث: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقال ابن حزم: أو يكون معنى قوله: وهي واحدة أي: واحدة أخطأ فيها ابن عمر أو قضية واحدة لازمة لكل مطلق قال عبد الحق: ويكفي في هذا التأويل سماعه، ولو فعل هذا غيره لقام وقعد.
وعن قتادة عن يونس بن جبير عن ابن عمر، قال: مره فليراجعها قلت: تحتسب؟ قال: أرأيت إن عجز واستحمق؟.
هو معطوف بن علي
قوله: عن أنس بن سيرين فهو موصول. ويونس بن جبير، بضم الجيم وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آر الحروف وفي آخره راء: أبو غلاب، بفتح الغين المعجمة وتشديد اللام وبالباء الموحدة: الباهلي البصري، مات قبل أنس وأوصى أن يصلي عليه أنس.
قوله: (قلت تحتسب؟) القائل يونس بن جبير، وهي بن علي
صيغة المجهول. قوله: (أرأيت؟) هكذا في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: أرأيته؟ وقال الخطابي: يريد: (أرأيت إن عجز واستحمق؟) أي: أيسقط عجزه وحمقه حكم الطلاق الذي أوقعه في الحيض؟ وهذا من المحذوف الجواب الذي يدل عليه الفحوى. وقال النووي: أفيرتفع عنه الطلاق وإن عجز واستحمق؟ وهو
استفهام إنكاري، وتقديره: نعم، يحتسب ولا يمنع احتسابها لعجزه وحماقته، والقائل لهذا الكلام هو ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، صاحب القصة وبريد به نفسه، وإن أعاد: الضمير بلفظ الغيبة، وقد جاء في رواية مسلم أن ابن عمر قال: مالي لا أعتد بها وإن كنت عجزت واستحمقت؟ وقال القاضي: أي: إن عجز عن الرجعة، وفعل فعل الأحمق. وقال الكرماني: يحتمل أن يكون كلمة... أن نافية أي: ما عجز ابن عمر، وما استحمق يعني: ليس طفلا ولا مجنونا حتى لا يقع طلاقه والعجز لازم الطفل، والحمق لازم الجنون وهو من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم، وأن يكون مخففة من الثقيلة، لو صحت الرواية بالفتح فالمعنى أظهر، وقال ابن الخشاب: التاء في استحمق مفتوحة والمعنى: فعل فعلا يصير به أحمق عاجزا، فيسقط عنه عجزه وحمقه حكم الطلاق، وهذه المادة، أعني: مادة الاستفعال، إشارة إلى أنه تكلف الحمق بما فعله من تطليق امرأته، وهي حائض. قيل: قد وقع في بعض الأصول بضم التاء، أعني بن علي
صيغة المجهول، أي أن الناس استحمقوه بما فعل. وقال المهلب: معنى قوله: (إن عجز واستحمق) يعني في المراجعة التي أمر بها عن إيقاع الطلاق أو فقد عقله فلم يكن منه الرجعة، أتبقى المرأة معلقة لا ذات بعل ولا مطلقة؟ وقد نهى الله عز وجل عن ذلك، فلا بد أن يحتسب بتلك التطليقة التي أوقعها بن علي
غير وجهها، كما أنه لو عجز عن فرض آخر لله تعالى فلم يقمه واستحمق فلم يأت به ما كان يعذر بذلك، وسقط عنه.
3525 حدثنا وقال أبو معمر: حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال: حسبت علي بتطليقة.
(انظر الحديث 8094)
أبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو المنقري البصري المقعد، كذا في رواية الأكثرين، قال أبو معمر: وفي رواية أبي ذر: حدثنا أبو معمر، وليس هذا الحديث في رواية النسفي أصلا، وعبد الوارث بن سعيد وأيوب السختياني. قوله: (حسبت) بن علي
صيغة المجهول. قوله: (علي) بتشديد الياء المفتوحة. وأخرج هذا المعلق أبو نعيم من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه مثل ما أخرجه البخاري مختصرا، وزاد يعني: حين طلق امرأته، فسأل عمر، رضي الله تعالى عنه، النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن
228

حزم: حسبت علي تطليقة، لم يصرح فيه من الذي هو حسبها عليه، ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأجيب بأن هذا مثل قول الصحابي: أمرنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، هكذا فإنه ينصرف إلى من له الأمر حينئذ، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، قيل: محل هذا لا يكون فيه اطلاع صريح من النبي صلى الله عليه وسلم بن علي
ذلك، وفي قصة ابن عمر هذه، النبي صلى الله عليه وسلم هو الآمر بالمراجعة، فهذه أقوى من قول الصحابي: أمرنا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بكذا، مع أن فيه خلافا، ولا يتوهم في ابن عمر أنه يفعل في القصة شيئا برأيه، مع أن الدارقطني خرج من طريق زيد بن هارون عن ابن أبي ذئب وابن إسحاق جميعا عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هي واحدة.
3
((باب من طلق، وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق؟))
أي: هذا باب وهو مشتمل بن علي
جزأين: أحدهما: قوله: (من طلق) وهذا كلام لا يفيد، إلا بتقدير شيء، فقال بعضهم: كأن البخاري قصد إثبات مشروعية جواز الطلاق، وحمل حديث: أبغض الحلال إلى الله الطلاق، بن علي
ما إذا وقع من غير سبب. قلت: هذا بعيد جدا، فكيف قوله: من يطلق، بن علي
هذا المعنى؟ ولهذا حذف ابن بطال هذا من الترجمة لأنه لم يظهر له معنى، وعلى تقدير وجوده يمكن أن يقال: تقديره: هذا باب في بيان حكم من طلق امرأته هل يباح له ذلك؟ ولم يذكر جوابه، وهو: نعم يباح ذلك، لأن الله عز وجل شرع الطلاق كما شرع النكاج. الجزء الثاني: وهو قوله: (وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق) وهذا الاستفهام معطوف بن علي
الاستفهام الذي قدرناه، ولم يذكر جوابه أيضا، اعتمادا بن علي
ما يفهم من حديث الباب.
4525 حدثنا الحميدي حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي قال: سألت الزهري أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم استعاذت منه؟ قال: أخبرني عروة عن عائشة، رضي الله عنها، أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودنا منها، قالت: أعوذ بالله منك. فقال لها: لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك.
مطابقته للترجمة تؤخذه من قوله: (إلحقي بأهلك) لأنه كناية عن الطلاق، وقد واجهها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فدل بن علي
أنه يجوز، ولكن تركه أرفق وألطف، إلا أن احتيج إلى ذلك.
والحميدي هو عبد الله بن الزبير بن عيسى منسوب إلى حميد أحد أجداده، والوليد هو ابن مسلم الدمشقي، والأوزاعي عبد الرحمن بن عمر، والزهري محمد بن مسلم.
والحديث أخرجه النسائي في النكاح أيضا عن حسين بن حريث وأخرجه ابن ماجة فيه أيضا عن دحيم.
قوله: (إن ابنة الجون)، بفتح الجيم وسكون الواو وفي آخره نون: اسمها أميمة، وقال الكرماني مصغر الأمة قلت: مصغر الأمة أمية وهذه أميمة مصغر أمة بضم
الهمزة وتشديد الميم وقع في (كتاب الصحابة) لأبي نعيم: عن عائشة أن عمرة بنت الجون تعوذت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين أدخلت عليه، وفي سنده عبيد بن القاسم متروك، وقيل: اسمها أسماء بنت كند الجونية، رواه يونس عن ابن إسحاق، وقال ابن عبد البر: أجمعوا بن علي
أنه تزوج أسماء بنت النعمان بن أبي الجون بن شراحيل، وقيل: أسماء بنت الأسود بن الحارث بن النعمان الكندية، واختلفوا في فراقها، فقيل: لما دخلت عليه دعاها فقالت: تعال أنت، وأبت أن تجيء، وزعم بعضهم أنها استعاذت منه فطلقها، وقيل بل كان بها وضح كوضح العامرية، ففعل بها كفعله بها، وقيل: المستعيذة امرأة من بلعنبر من سبي ذات الشقوق، بضم الشين المعجمة وبالقافين أولاهما مضمومة، وهي اسم منزل بطريق مكة، وكانت جميلة فخافت نساؤه أن تغلبهن عليه، فقلن لها: إنه يعجبه أن تقولي أعوذ بالله منك. وقال ابن عقيل: نكح صلى الله عليه وسلم امرأة من كندة وهي الشقية، فسألته أن يردها إلى أهلها فردها إلى أهلها مع أبي أسيد، فتزوجها المهاجر بن أبي أمية، ثم خلف عليها قيس بن مكشوح.
وفي (الاستيعاب): تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، عمرة بنت يزيد الكلابية، فبلغه أن بها بياضا فطلقها، وقيل: إنها هي التي تعوذت منه. وذكر الرشاطي أن أباها وصفها لسيدنا رسول الله، فقال: وأزيدك أنها لم تمرض قط. فقال: ما لهذه عند الله خير قط، فطلقها ولم يبين عليها. وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا أسيد الساعدي ليخطب عليه هند بنت يزيد بن البرصاء، فقدم بها عليه، فلما بنى عليها ولم يكن رآها رأى بها بياضا فطلقها، وذكر الشهرستاني: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت الضحاك الكلابية، فلما خير نساءه اختارت قومها فكانت تلقط البعر
229

وتقول: أنا الشقية.
قوله: (لقد عذت) بالذال المعجمة من العوذ وهو الالتجاء. قوله: (بعظيم) أي: برب عظيم. قوله: (إلحقي) بكسر الهمزة وسكون اللام من اللحوق، وقال ابن المنذر: اختلفوا في قول إلحقي بأهلك وشبهه من كنايات الطلاق، فقالت طائفة، ينوي في ذلك فإن أراد طلاقا، وإن لم يرده لم يلزمه شيء، هذا قول الثوري وأبي حنيفة، قالا: إذا نوى واحدة أو ثلاثا فهو ما نوى، وإن نوى ثنتين فهي واحدة، وقال مالك: إن أراد به الطلاق فهو ما نوى واحدة أو ثنتين أو ثلاثا، وإن لم يرد شيئا فليس بشيء. وقال الحسن والشعبي: إذا قال: إلحقي بأهلك، أو: لا سبيل عليك أو: الطريق لك واسع إن نوى طلاقا فهي واحدة وإلا فليس بشيء.
قال أبو عبد الله: رواه حجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري أن عروة أخبره أن عائشة قالت.
أبو عبد الله هو البخاري نفسه وليس بموجود في بعض النسخ. قوله: (رواه) أي: روى الحديث المذكور حجاج ابن أبي منيع، بفتح الميم وكسر النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره عين مهملة، وهو حجاج بن يوسف بن أبي منيع، واسم أبي منيع عبيد الله بن أبي زياد الوصافي بفتح الواو وتشديد الصاد المهملة وبالفاء، وكان يكون بحلب، ولم يخرج له البخاري إلا معلقا، وكذا لجده، وهذا التعليق رواه يعقوب بن سفيان النسوي في مشيخته، وليس فيه ذكر للجونية إنما فيه: أنها كلابية، وقال: حدثنا حجاج بن أبي منيع عبيد الله بن أبي زياد بحلب، حدثنا جدي عن الزهري قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم العالية بنت ظبيان بن عمرو، من بني أبي بكر بن كلاب، فدخل بها فطلقها، وقال حجاج: حدثنا جدي حدثنا محمد بن مسلم أن عروة أخبره أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: فدل الضحاك بن سفيان من بني أبي بكر بن كلاب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: بيني وبينها الحجاب يا رسول الله، هل لك في أخت أم شبيب؟ قالت: وأم شبيب امرأة الضحاك.
5525 حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد الرحمن بن غسيل عن حمزة بن أبي أسيد عن أبي أسيد، رضي الله عنه، قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى انطلقنا إلى حائط يقال له الشوظ حتى انتهينا إلى حائطين فجلسنا بينهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اجلسوا هاهنا، ودخل وقد أتي بالجونية فأنزلت في بيت في نخل في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل ومعها دايتها حاضنة لها، فلما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم، قال: هبي نفسك لي: قالت: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة؟ قال: فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن، فقالت أعوذ بالله منك فقال: قد عذت بمعاذ ثم خرج علينا فقال: يا أبا أسيد! إكسها رازقيين وألحقها بأهلها.
(انظر الحديث 5525 طرفه في: 7525)
مطابقته للترجمة من حيث إنه صلى الله عليه وسلم لم يواجه الجونية المذكورة في الحديث بقوله الحقي بأهلك، وإنما قال لأبي أسيد: (ألحقها بأهلها). والترجمة بالاستفهام من غير تعيين شيء من أمر المواجهة وعدمها، وقد ذكرنا أنه يحتمل الوجهين، غير أن ترك المواجهة أرفق وألطف، وههنا المطابقة في ترك المواجهة. فافهم.
وقال الكرماني: فإن قلت: كيف دل الحديث بن علي
الترجمة إذ لا طلاق إذ لم يكن ثمة عقد نكاح، إذا ما وهبت نفسها ولم يكن أيضا بالمواجهة إذ قال بعد الخروج: (ألحقها بأهلها؟) قلت: له صلى الله عليه وسلم أن يزوج من نفسه بلا إذن المرأة ووليها، وكان صدور قوله: (هبي بنفسك لي) منه لاستماله خاطرها وأما حكاية المواجهة فقد ثبتت في الحديث السابق بقوله: الحق بأهلك، وأمره أبا أسيد بالإلحاق بعد الخروج لا ينافيه، بل يعضده انتهى. قلت: هذا كله كلام لا طائل تحته، لأن سؤاله أولا بقوله: إذ لا طلاق، إلى: ولم يكن أيضا بالمواجهة، غير موجه لأنه كان من المعلوم قطعا أن الذي ذكره في الجواب من خصائصه صلى الله عليه وسلم فلم يقع سؤاله في محله، وكذلك قوله وأما حكاية المواجهة... الخ غير واقع في محله، لأن ثبوت المواجهة في الحديث السابق لا يستلزم المواجهة في هذا الحديث، فكيف يثبت بهذا الكلام المطابقة بين الترجمة والحديث؟ ومع هذا لم يرد صلى الله عليه وسلم في خطابه إياها بن علي
قوله: (قد عذت بمعاذ) ولم
230

يأمر بالإلحاق إلا لأبي أسيد، فأين المواجهة لها بذلك؟ وكذلك قوله وأمره أبا أسيد بالإلحاق بعد الخروج، لا ينافيه غير صواب لأن عدم المنافاة إنما يكون لو قال لها صلى الله عليه وسلم: إلحقي بأهلك ثم قال لأبي أسيد: ألحقها بأهلها، ولم يكتف بما قال هذه المقالة حتى يقول: بل يعضده، وكيف يعضده شيء لم يقله؟ وهذا عجيب جدا ومما يؤكده ما قلناه ما قاله ابن بطال: ليس في هذا أنه واجهها بالطلاق، واعترض عليه بعضهم بأن ذلك ثبت في حديث عائشة، رضي الله تعالى عنها، أول أحاديث الباب، فيحمل بن علي
أنه قال لها: إلحق بأهلك، ثم لما خرج إلى أبي أسيد قال له: ألحقها بأهلها، فلا منافاة، فالأول قصد به الطلاق، والثاني أراد به حقيقة اللفظ، وهو أن يعيدها إلى أهلها انتهى. قلت: يرد هذا الاعتراض بما رددنا به كلام الكرماني، لأن كلاميهما من وجه واحد، وأعجب من الكل أن بعضهم نقل كلام الكرماني برمته بطريق الإدماج حيث قال: واعترض بعضهم بأنه لم يتزوجها، إذ لم يجر ذكر صورة العقد، وساقه مثل ما قاله الكرماني، لكن بتغيير العبارة، ورضي به حيث قال في آخر كلامه: ويؤيده قوله في رواية لابن غسيل أنه اتفق مع أبيها بن علي
مقدار صداقها، وأن أباها قال له: أنها رغبت فيك وحطت إليك، انتهى. قلت: سبحان الله ما أبعد هذا عن المقصود، لأن الكلام في أمر المواجهة وعدمها، وقد ذكرنا وجه ذلك من غير تعميق فيما لا ينبغي.
ثم إن البخاري أخرج هذا الحديث عن أبي نعيم وهو الفضل بن دكين يروي عن عبد الرحمن بن غسيل بدون الألف واللام في رواية الأكثرين، وفي رواية النسفي: عبد الرحمن بن الغسيل، بالألف واللام وعبد الرحمن هذا هو ابن سليمان بن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الأنصاري، وحنظلة هو غسيل الملائكة، استشهد بأحد وهو جنب فغسلته الملائكة، وقصته مشهورة وعبد الرحمن المذكور نسب إلى جد أبيه، ولعل الرواية كانت ابن غسيل الملائكة، فسقطت لفظة: الملائكة، وعوضت عنها الألف واللام، وحمزة بن أبي أسيد بضم الهمزة وفتح السين، يروي عن أبيه أبي أيد، واسمه مالك بن ربيعة بن البدن بالباء الموحدة والنون، وقيل: البدي بالياء آخر الحروف، وهو تصحيف ابن عامر بن عوف بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة الأنصاري الساعدي شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات بالمدينة سنة ستين فيما ذكره المدائني، وهو آخر من مات من البدريين. والحديث من أفراده.
قوله: (إلى حائط)، هو البستان من النخيل إذا كان عليه جدار. قوله: (الشوظ) بفتح الشين المعجمة وسكون الواو في آخره ظاء معجمة، وقيل: مهملة، وهو بستان في المدينة معروف. قوله: (ودخل) أي: إلى الحائط. قوله: (وقد أتى) بن علي
صيغة المجهول. قوله: (بالجونية) نسبة إلى الجون، قال الكرماني بضم الجيم، قلت: ليس كذلك بل بفتح الجيم وسكون الواو وبالنون، وقال ابن الأثير: بنو الجون قبيلة من الأزد، وقال الرشاطي: الجون في كندة وفي الأزد، فالذي في كندة الجون وهو معاوية بن حجر آكل المرار، وساقه إلى كندة، ثم قال: منهم أسماء بنت النعمان بن الأسود بن الحارث بن شراحيل بن كندة تزوج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتعوذت منه فطلقها، وقال ابن حبيب: والجونية امرأة من كندة وليست بأسماء، والذي في الأزد الجون بن عوف بن مالك، وقال الكرماني: اسم الجونية أمامه. قوله: (في بيت في نخل في بيت) كلها بالتنوين. قوله: (أميمة) بالرفع بدل عن الجونية أو عطف بيان لها وهي بنت النعمان بن شراحيل، بفتح الشين المعجمة وتخفيف الراء وكسر الحاء المهملة. قوله: (ومعها دايتها) بالدال المهملة وبعد الألف ياء آخر الحروف المفتوحة بالتاء المثناة من فوق قال: أي ظئرها، وقال بعضهم: الظئر المرضع، قلت: ليس كما قال، وإنما الداية هي المرأة التي تولد الأولاد، وهي القابلة، وهو لفظ معرب. قوله: (هي) أمر للمؤنث من وهب يهب وأصله: أوهبي حذفت الواو تبعا لفعله المضارع، واستغنيت عن الهمزة فصارت هي بن علي
وزن بن علي
قوله: (للسوقة)، بضم السين المهملة، يقال للواحد من الرعية والجمع، وإنما قيل لهم ذلك لأن الملك يسوقهم فيساقون له بن علي
مراده، وأما أهل السوق فالواحد منهم يسمى سوقيا وقال الجوهري: السوقة خلاف الملك، ولم تعرف النبي صلى الله عليه وسلم، لا وكانت بعد ذلك تسمي نفسها بالشقية. قوله: فأهوى بيده أي أمالها إليها، ووقع في رواية لابن سعد: فأهوى إليها ليقبلها. قوله: (فقالت أعوذ بالله منك)، روى ابن سعد عن هشام بن محمد عن عبد الرحمن بن الغسيل بإسناد حديث الباب: أن عائشة وحفصة، رضي الله تعالى عنهما، دخلتا عليها أول ما قدمت، فمشطتاها وخضبتاها، وقالت لها إحداهما: إن النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه من المرأة إذا
231

دخل عليها أن تقول: أعوذ بالله منك. قوله: (قد عذت بمعاذ) بفتح الميم قال الكرماني: اسم مكان العوذ قلت يجوز أن يكون مصدرا ميميا بمعنى العوذ والتنوين فيه للتعظيم، وفي رواية ابن سعد: فقال بمكة بن علي
وجهه وقال: عذت معاذا، ثلاث مرات وفي رواية أخرى له: أمن عائذ الله. قوله: (ثم خرج) أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (رازقيين) براء وبعد الألف زاي مكسورة ثم قاف بن علي
لفظ تثنية صفة موصوفها محذوف أي: بثوبين رازقيين والرازقية ثياب من كتان بيض طوال قاله أبو عبيدة، وقيل؛ يكون في داخل بياضها زرقة، والرازقي الصفيق، ومعنى: اكسها رازقيين: أعطها ثوبين من ذلك الجنس، وقال ابن التين متعها بذلك، إما وجوبا وإما تفضلا لقولها. قوله: (وألحقها) بفتح الهمزة من الإلحاق.
6525 وقال الحسين بن الوليد النيسابوري: عن عبد الرحمان عن عباس بن سهل عن أبيه، وأبي أسيد قالا: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم، أميمة بنت شراحيل فلما أدخلت عليه بسد يده إليها فكأنها كرهت ذالك، فأمر أبا أسيد أن يخرجها ويكسوها ثوبين رازقيين.
(انظر الحديث 5525)
الحسين بن الوليد، بفتح الواو النيسابوري الفقيه السخي الورع ورواية البخاري عنه معلقة لأن وفاة الحسين سنة ثنتين ومائتين ومولد البخاري سنة أربع وتسعين ومائة، ووفاته سنة ست وخمسين ومائتين و عبد الرحمن هو ابن الغسيل و عباس بن سهل يروي عن أبيه سهل بن سعد وأبي أسيد المذكور، كلاهما قالا: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخره، وهذا التعليق وصله أبو نعيم في (المستخرج) من طريق أبي أحمد الفراء عن الحسين بن الوليد.
قوله: (أميمة بنت شراحيل) وهي أميمة بنت النعمان بن شراحيل المذكورة في الحديث السابق، ولكن هنا نسبها إلى جدها. قوله: (أن يخرجها) ويروى: ويجهزها ويكسوها، قال ابن المرابط: أمر صلى الله عليه وسلم بالكسوة لها تفضلا منه عليها، لأن ذلك لم يكن لازما له لأنها لم تكن زوجة، وبهذا التبويب خرجه النسائي، فإن قلت: قال ابن الجوزي: إن بعض نسائه صلى الله عليه وسلم قالت لها: إذا أردت الخطوة فقولي له: أعوذ بالله منك قلت: فيه نظر لما في نفس الحديث من أنها لم تعرفه، وإنما نظر إليها نظر الخاطب للمخطوبة. فإن قلت: ذكر الدارقطني في (سننه) عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كشف خمار امرأة ونظر إليها فقد وجب الصداق دخل بها أو لم يدخل قلت: هذا مع إرساله فيه ابن لهيعة، ويحمل بن علي
أنه بعد العقد، وذكر المهلب أن هذه الكسوة هي المتعة التي للمطلقة التي لم يدخل بها. وقال ابن التين: يحتمل أن يكون عقد نكاحها تفويضا فيكون لها المتعة، أو يكون سمى لها صداقا فتفضل عليها بذلك.
7525 حدثني عبد الله بن محمد حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير حدثنا عبد الرحمان عن حمزة عن أبيه وعن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه بهذا.
(انظر الحديث 6525 طرفه: 7365)
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن عبد الله بن محمد المعروف بالمسندي عن إبراهيم بن أبي الوزير واسم أبي الوزير عمر بن مطرف الحجازي: نزل البصرة وقد أدركه البخاري، ولم يلقه، وروى عنه بواسطة. وذكره في (تاريخه) ما مات في بضع عشرة ومائتين وليس له في البخاري سوى هذا الموضع، وهو يروي عن عبد الرحمن بن الغسيل عن حمزة بن أبي أسيد عن أبيه أبي أسيد، ويروى أيضا عن عباس بن سهل وهو يروي عن أبيه سهل بن سعد. قوله: (حدثني) ويروى: حدثنا. قوله: (بهذا) أي: بالحديث المذكور.
8525 حدثنا حجاج بن منهال حدثنا همام بن يحيى عن قتادة عن أبي غلاب يونس ابن جبير قال: قلت لابن عمر: رجل طلق امرأته وهي حائض، فقال: تعرف ابن عمر؟ إن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض، فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فأمره أن يراجعها، فإذا
232

طهرت طهرت فأراد أن يطلقها فليطلقها. قلت: فهل عد ذالك طلاقا؟ قال: أرأيت إن عجز واستحمق.
كان وجه إيراد هذا الحديث في الباب الذي قبله. ولكن يمكن أن يقال بالتعسف إن قوله: (إن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض) أعم من أنه واجهها بالطلاق أو لا. ولكن قيل: إنه واجهها لأنه طلقها عن شقاق، وفيه نظر لا يخفى، والكلام فيه قد مر في الباب الذي قبله.
وهمام بن علي
وزن فعال بالتشديد هو ابن يحيى بن دينار البصري، ويحيى هو ابن أبي كثير، وأبو غلاب بفتح الغين المعجمة وتشديد اللام وبالباء الموحدة هو كنية يونس بن جبير بضم الجيم وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء الباهلي البصري.
قوله: (فقال: أتعرف ابن عمر) إنما قال له ذلك مع أنه يعرف أنه يعرفه، وهو الذي يخاطبه ليقرر بن علي
اتباع السنة، وعلى القبول من ناقلها وإنه يلزمه العامة الاقتداء بمشاهير العلماء فقرره بن علي
ما يلزمه من ذلك لا أنه ظن أنه لا يعرفه. قوله: (أرأيت) أي: أخبرني ولم يشترط هنا تكرار الطهر بخلاف الحديث الذي سبق لأن التكرار هو الأولوية والأفضلية وإلا فالواجب هو حصول الطهر فقط.
4
((باب من أجاز طلاق الثلاث لقول الله تعالى: * ((2) الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) * (البقرة: 922))
أي: هذا باب في بيان من أجاز تطليق المرأة بالطلاق الثلاث دفعة واحدة. وفي رواية أبي ذر: باب من جوز الطلاق الثلاث، وهذا أوجه واضح، ووضع البخاري هذه الترجمة إشارة إلى أن من السلف من لم يجوز وقوع الطلاق الثلاث، وفيه خلاف. فذهب طاووس ومحمد بن إسحاق والحجاج بن أرطأة والنخعي وابن مقاتل والظاهرية إلى أن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا معا فقد وقعت عليها واحدة، واحتجوا في ذلك بما رواه مسلم من حديث طاووس: أن أبا الصهباء قال لابن عباس: العلم إنما كانت الثلاث تجعل واحدة بن علي
عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وثلاثا من إمارة عمر. فقال ابن عباس: نعم. وأخرجه الطحاوي أيضا وأبو داود والنسائي وقيل: لا يقع شيء ومذهب جماهير العلماء من التابعين ومن بعدهم منهم: الأوزاعي والنخعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه ومالك وأصحابه ومالك وأصحابه والشافعي وأصحابه وأحمد وأصحابه،
وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وآخرون كثيرون، عل أن من طلق امرأته ثلاثا وقعن، ولكنه يأثم، وقالوا: من خالف فيه فهو شاذ مخالف لأهل السنة، وإنما تعلق به أهل البدع ومن لا يلتفت إليه لشذوذه عن الجماعة التي لا يجوز عليهم التواطؤ بن علي
تحريف الكتاب والسنة. وأجاب الطحاوي عن حديث ابن عباس بما ملخصه إنه منسوخ، بيانه أنه لما كان زمن عمر رضي الله تعالى عنه، قال: (يا أيها الناس! قد كان لكم في الطلاق أناة وإنه من تعجل أناة الله في الطلاق ألزمناه إياه)، رواه الطحاوي بإسناد صحيح وخاطب عمر رضي الله تعالى عنه، بذلك الناس الذين قد علموا ما قد تقدم من ذلك ففي زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فلم ينكر عليه منهم منكر ولم يدفعه دافع، فكان ذلك أكبر الحجج في نسخ ما تقدم من ذلك، وقد كان في أيام النبي صلى الله عليه وسلم أشياء بن علي
معان فجعلها أصحابه من بعده بن علي
خلاف تلك المعاني، فكان ذلك حجة ناسخة لما تقدم، من ذلك: تدوين الدواوين وبيع أمهات الأولاد قد كن يبعن قبل ذلك، والتوقيت في حد الخمر ولم يكن فيه توقيت. فإن قلت: ما وجه هذا النسخ وعمر، رضي الله تعالى عنه، لا ينسخ؟ وكيف يكون النسخ بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قلت: لما خاطب عمر الصحابة بذلك فلم يقع إنكار صار إجماعا، والنسخ بالإجماع جوزه بعض مشايخنا بطريق أن الإجماع موجب علم اليقين كالنص فيجوز أن يثبت النسخ به، والإجماع في كونه حجة أقوى من الخبر المشهور، فإذا كان النسخ جائزا بالخبر المشهور في الزيادة بن علي
النص فجوازه بالإجماع أولى فإن قلت: هذا إجماع بن علي
النسخ من تلقاء أنفسهم فلا يجوز ذلك في حقهم قلت: يحتمل أن يكون ظهر لهم نص أوجب النسخ ولم ينقل إلينا ذلك، بن علي
أن الطحاوي وقد روى أحاديث عن ابن عباس تشهد بانتساخ ما قاله من ذلك، منها: ما رواه من حديث الأعمش عن مالك بن الحارث قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إن عمي طلق امرأته ثلاثا، فقال: إن عمك عصى الله فأثمه الله وأطاع الشيطان، فلم يجعل له مخرجا. فقلت: فكيف ترى في رجل يحلها له؟ فقال: من يخادع الله يخادعه). وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه: يشبه أن يكون ابن عباس ثقد علم شيئا ثم نسخ لأنه لا يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ثم يخالفه بشيء
233

لا يعلمه كان من النبي صلى الله عليه وسلم، فيه خلاف، فأجاب قوم عن حديث ابن عباس المتقدم: إنه في غير المدخول بها، وقال الجصاص: حديث ابن عباس هذا منكر. قوله: (لقوله تعالى: * (الطلاق مراتان) * (البقرة: 922)) إلى آخره وجه الاستدلال به أن قوله تعالى: * (الطلاق مرتان) * معناه: مرة بعد مرة، فإذا جاز الجمع بين ثنتين جاز بين الثلاث، وأحسن منه أن يقال إن قوله: * (أو تسريح بإحسان) * (البقرة: 922) عام متناول لأيقاع الثلاث دفعه واحدة. وقال ابن أبي حاتم: أنا يونس بن عبد الأعلى قراءة عليه، أنا ابن وهب أخبرني سفيان الثوري حدثني إسماعيل بن سميع سمعت أبا رزين يقول: حاء رجل إلى النبي، فقال: يا رسول الله! أرأيتت قول الله عز وجل: * (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) * (البقرة: 922) أين الثالثة؟ قال: التسريح بالإحسان، هذا إسناده صحيح ولكنه مرسل، ورواه ابن مردويه من طريق قيس بن الربيع عن إسماعيل بن سميع عن أبي رزين مرسلا، ثم قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد الرحيم حدثنا أحمد بن يحيى حدثنا عبيد الله بن جرير بن خالد حدثنا عنبسة عن حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! ذكر الله الطلاق مرتين فأين الثالثة؟ قال: * (إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) *.
وقال ابن الزبير في مريض طلق: لا أرى أن ترث مبتوتته
أي: قال عبد الله بن الزبير بن العوام، رضي الله تعالى عنهما. في مريض طلق امرأته أي: طلاقا باتا (لا أرى) بفتح الهمزة (أن ترث مبتوتته) أي: التي طلقت طلاقا باتا، وفي رواية أبي ذر: مبتوتة، بقطع الضمير لأنه يعلم أنها متبوتة هذا المطلق. وقد اختلف العلماء في قول الرجل: أنت طالق البتة، فذكر ابن المنذر عن عمر رضي الله تعالى عنه، أنها واحدة، وإن أراد ثلاثا فهي ثلاث، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي.. وقالت طائفة: البتة ثلاث، روي ذلك عن علي وابن عمر وابن المسيب وعروة والزهري وابن أبي ليلى ومالك والأوزاعي وأبي عبيد، وهذا التعليق رواه أبو عبيد القاسم، قال: حدقنا يحيى بن سعيد القطان قال: حدثنا ابن جريج عن ابن أبي مليكة أنه سئل ابن الزبير عن المبتوتة في المرض فقال: طلق عبد الرحمن بن عوف ابنة الإصبغ الكلبية فبتها ثم مات وهي في عدتها فورثها عثمان، قال ابن الزبير: وأما أنا فلا أرى أن ترث المبتوتة.
وقال الشعبي ترثه
أي: قال عامر بن شراحيل الشعبي: ترث المبتوتة زوجها في الصورة المذكورة، وهذا التلعيق وصله سعيد بن منصور عن أبي عوانة عن مغيرة عن إبراهيم والشعبي في رجل طلق امرأته ثلاثا في مرضه، قالا: تعتد عدة المتوفى عنها زوجها وترثه ما كانت في العدة، وروى ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، في المطلق ثلاثا في مرضه: ترثه ما دامت في العدة ولا يرثها، وورث علي رضي الله تعالى عنه أم البنين من عثمان رضي الله تعالى عنه لما احتضر وطلقها، وقال إبراهيم: ترثه ما دامت في العدة، قال طاووس وعروة بن الزبير وابن سيرين وعائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها: يقولون: كل من فر من كتاب الله رد إليه، وقال عكرمة: لو لم يبق من عدتها إلا يوم واحد ثم مات ورثت، واستأنفت عدة المتوفى عنها زوجها.
وقال ابن شبرمة تزوج إذا انقضت العدة؟ قال: نعم. قال: أرأيت إن مات الزوج الآخر فرجع عن ذالك؟
أي: قال عبد الله بن شبرمة، بضم الشين المعجمة وسكون الباء الموحدة وضم الراء: الضبي قاضي الكوفة التابعي، يعني: قال للشعبي: تزوج أي: هل تتزوج هذه
المرأة بعد العدة وقبل وفاة الزوج الأول أم لا؟ قال: نعم أي: قال الشعبي: نعم تزوج، وأصل تزوج تتزوج وهو فعل مضارع، فحذفت منه إحدى التاءين للتخفيف، كما في قوله عز وجل: * (نارا تلظى) * (الليل: 41) أصله: تتلظى. قوله: (قال أرأيت؟) أي: قال ابن شبرمة للشعبي: أرأيت؟ أي: أخبرني أن الزوج الآخر إذا مات ترث منه أيضا فيلزم إرثها من الزوجين معا في حالة واحدة. قوله: (فرجع) أي الشعبي عن ذلك أي: رجع عما قاله من أنها ترثه، ما دامت في العدة، وقد اختصر البخاري هذا جدا.
9525 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن عويمرا العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له: يا عاصم! أرأيت رجلا
234

وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ سل لي يا عاصم عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عاصم عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رجع عاصم إلى أهله جاء عويمر فقال: يا عاصم! ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عاصم: لم تأتني بخير قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة التي سألته عنها. قال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأله عنها، فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط الناس، فقال: يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك، فاذهب فأت بها، قال سهل: فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغا قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلا ث قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن شهاب: فكانت تلك سنة المتلاعنين.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فطلقها) وأمضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر عليه فدل بن علي
أن من طلق ثلاثا يقع ثلاثا.
والحديث قد مضى في تفسير سورة النور في موضعين: أحدهما: مطولا عن إسحاق عن محمد بن يوسف عن الأوزاعي عن الزهري. والآخر: عن سليمان بن داود عن أبي الربيع عن فليح عن الزهري.
قوله: (أرأيت) أي: أخبرنا عن حكمه. قوله: (وكره المسائل)، أي: التي لا يحتاج إليها سيما ما فيه إشاعة فاحشة. قوله: (حتى كبر)، بضم الباء أي: عظم وشق. قوله: (قد أنزل الله فيك)، أي: آية اللعان. قوله: (وتلك) أي: التفرقة، وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى.
0625 حدثنا سعيد بن عفير قال: حدثني الليث قال: حدثني عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته أن امرأة رفاعة القرطي جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن رفاعة طلقني فبت طلاقي وإني نكحت بعده عبد الرحمان بن الزبير القرظي، وإنما معه مثل الهدبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: فبت طلاقي، أي: قطع قطعا كليا فاللفظ يحتمل أن يكون الثلاث دفعة واحدة وهو محل الترجمة أو متفرقة.
وسعيد بن عفير هو سعيد بن كثير بن عفير، بضم العين المهملة وفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وبالراء: المصري، وروى مسلم عنه بواسطة.
قوله: (إن امرأة رفاعة)، بكسر الراء وتخفيف الفاء وبعد الألف عين المهملة: ابن سموأل، ويقال: رفاعة بن رفاعة القرطي من بني قريظ، واسم المرأة تميمة بنت وهب، وروى الطبراني في (معجمه الأوسط) من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. قالت: كانت امرأة من قريظ يقال لها: تميمة بنت وهب تحت عبد الرحمن بن الزبير، فطلقها فتزوجها رفاعة رجل من بني قريظة ثم فارقها، فأرادت أن ترجع إلى عبد الرحمن بن الزبير، فقالت: والله يا رسول الله ما هو منه إلا كهدبة الثوب، فقال: والله يا تميمة لا ترجعين إلى عبد الرحمن حتى يذوق عسيلتك رجل غيره، وهذا المتن عكس متن الصحيح، وإنما أوردناه هنا لأجل بيان اسم المرأة المذكورة. قوله: (عبد الرحمن بن الزبير) بفتح الزاي وكسر الباء الموحدة: ابن باطيا القرظي. قوله: (مثل الهدبة) بضم الهاء وسكون الدال: هدبة الثوب، وهو طرفه مما يلي طرته، ويقال لها: هدابة الثوب. قوله: (لا) أي: لا ترجعين. قوله: (عسيلتك) هي كناية عن الجماع، والعسل ربما يؤنث في بعض اللغات فيصغر بن علي
عسيلة، وروى أحمد في (مسنده) حدثنا مروان أنبأنا أبو عبد الملك المكي حدثنا عبد الله بن
235

أبي مليكة عن عائشة قال: العسيلة هي الجماع. وأخرجه الدارقطني في (سننه)، والمكي مجهول في (التلويح) لفظ النكاح في جميع القرآن العظيم أريد به العقد لا الوطء إلا في قوله تعالى: * (حتى تنكح زوجا غيره) * (البقرة: 032) فإنه أريد بلفظ النكاح العقد والوطء جميعا بدليل حديث العسيلة، فإن العسيلة. فإن العسيلة هنا الوطء وفيه نظر لأن لفظ النكاح أسند إلى المرأة فلو أريد به الوطء لكن المعنى: حتى تطأ زوجا غيره، وهذا فاسد، لأن المرأة موطوءة لا واطئة والرجل واطىء، بل معناه أيضا: العقد، ووجب الوطء بحديث العسيلة فإنه خبر مشهور يجوز به الزيادة بن علي
النص، وهذا لا خلاف فيه إلا لسعيد بن المسيب فإنه قال: العقد الصحيح كاف، ويحصل به التحليل للزوج الأول ولم يوافقه بن علي
هذا أحد إلا طائفة من الخوارج، وذكر في (كتاب القنية) لأبي الرجاء مختار بن محمود الزاهدي: إن سعيد بن المسيب رجع عن مذهبه هذا فلو قضى به قاض لا ينفذ قضاؤه، وإن أفتى به أحذ عزر. وقال الحسن البصري: الإنزال شرط، لا تحل للأول حتى يطأها الثاني وطأ فيه إنزال، وزعم أن معنى العسيلة الإنزال، وخالفه
سائر الفقهاء، فقالوا: التقاء الختانين يحلها للزوج الأول. وهو ما يفسد الصوم والحج ويوجب الحد والغسل ويحصن الزوجين ويكمل الصداق. وقال ابن المنذر: لو أتاها الزوج الثاني وهي نائمة أو معنى عليها لا تشعر أنها لا تحل للزوج حتى يذوقان جميعا العسيلة، إذ غير جائز أن يسوي صلى الله عليه وسلم بينهما في ذوق العسيلة وتحل بأن يذوق أحدهما.
وقال ابن بطال: اختلفوا في عقد نكاح المحلل، فقال مالك: لا يحلها إلا بنكاح رغبة، فإن قصد التحليل لم يحلها، وسواء علم الزوجان بذلك أو لم يعلما، ويفسخ قبل الدخول وبعده، وهو قول الليث وسفيان بن سعيد والأوزاعي وأحمد، وقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي: النكاح جائز وله أن يقيم بن علي
نكاحه أو لا، وهو قول عطاء والحكم، وقال القاسم وسالم وعروة والشعبي: لا بأس أن يتزوجها ليحلها إذا لم يعلم بذلك الزوجان، وهو مأجور بذلك. وهو قول ربيعة ويحيى بن سعيد، وذهب الشافعي وأبو ثور إلى أن نكاح الذي يفسد هو الذي يعقد عليه في نفس عقد النكاح أنه إنما يتزوجها ليحللها ثم يطلقها، ومن لم يشترط ذلك، فهو عقد صحيح، وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة مثله، وروى أيضا عن محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة أنه إذا نوى الثاني تحليلها للأول لم يحل له ذلك، وهو قول أبي يوسف ومحمد، وروى الحسن بن زياد عن زفر عن أبي حنيفة أنه إن شرط عليه في نفس العقد أنه إنما يتزوجها ليحلها للأول فإنه نكاح صحيح ويحصنان به ويبطل الشرط، وله أن يمسكها، فإن طلقها حلت للأول. وفي (القنية) إذا أتاها الزوج الثاني في دبرها لا تحل للأول، وإن أولج إلى محل البكارة حلت للأول، والموت لا يقوم مقام الدخول في حق التحليل، وكذا الخلوة فافهم. فإن قلت: روى الترمذي والنسائي من غير وجه عن سفيان الثوري عن أبي قيس واسمه عبد الرحمن بن ثروان الأودي عن هذيل بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود، قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه أحمد في (مسنده): ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجة عن الحارث عن علي رضي الله تعالى عنه: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له، وروى الترمذي عن مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله بنحوه سواء، وروى ابن ماجة من حديث الليث بن سعد قال: قال لي أبو مصعب مشرح بن هاعان قال عقبة بن عامر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا بلى يا رسول الله. قال: هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له، وروى ابن ماجة من حديث ابن عباس بنحوه سواء، وروى أحمد والبزار وأبو يعلى وإسحاق بن راهويه في (مسانيدهم) من حديث المقبري عن ابن عباس بنحوه سواء، وروى ابن أبي شيبة من رواية قبيصة بن جابر عن عمر، رضي الله تعالى عنه، قال: لا أوتي بمحلل ومحلل له إلا رجمتها، وروى عبد الرزاق عن الثوري عن عبد الله بن شريك العامري سمعت ابن عمر يسأل عمر: طلق امرأته ثم ندم، فأراد رجل أن يتزوجها ليحللها له، فقال ابن عمر: كلاهما زان ولو مكثا عشرين سنة، فهذه الأحاديث والآثار كلها تدل بن علي
كراهية النكاح المشروط به التحليل، وظاهره يقتضي التحريم. قلت: لفظ المحلل يدل بن علي
صحة النكاح، لأن المحلل هو المثبت للحل، فلو كان فاسدا لما سماه محللا، ولا يدخل أحد منهم تحت اللعنة إلا ءذا قصد الاستحلال وحديث بن علي
رضي الله تعالى عنه، فيه شك أبو داود حيث قال: لا أراه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعلول بالحارث، وحديث عقبة بن عامر قال عبد الحق: إسناده حسن، وقال
236

الترمذي في (علله الكبرى) الليث بن سعد: ما أراه سمع من مشرح بن هاعان، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عن حديث رواه الليث بن سعد عن مشرج بن هاعان بن علي
عقبة بن عامر فذكره، فقال: لم يسمع الليث من مشرح ولا روى عنه، وأما أثر عمر الذي رواه ابن أبي شيبة، فقال الطحاوي: هو محمول عن التشديد والتغليظ كنحو ما هم به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحرق بن علي
من تخلف عن الجماعة بيوتهم، وكذا ما روى عن ابنه عبد الله.
1625 حدثني محمد بن بشار حدثنا يحيى عن عبيد الله قال: حدثني القاسم بن محمد عن عائشة أن رجلا امرأته ثلاثا فتزوجت، فطلق، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم: أتحل للأول؟ قال: لا حتى يذوق عسيلتها كما ذاق الأول.
ول الله بالجر عطف بن علي
قوله: من خير نساءه، لأن محله مجرور بإضافة لفظ: باب إليه، وقد مر الكلام فيه في سورة الأحزاب.
2625 حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا مسلم عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها، قالت: خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترنا الله ورسوله، فلم يعد ذالك علينا شيئا.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث، والأعمش هو سليمان، ومسلم هو ابن صبيح بالتصغير أبو الضحى مشهور بكنيته أكثر من اسمه، وقال بعضهم: في طبقته مسلم البطين وهو من رجال البخاري لكنه، وإن روى عنه الأعمش، لا يروي عن مسروق، وفي طبقتهما مسلم بن كيسان الأعور وليس هو من رجال الصحيح ولا له رواية عن مسروق، وقال الكرماني: ومسلم بلفظ فاعل الإسلام. يحتمل أن يكون هو أبو الضحى بن صبيح مصغر الصبح وأن يكون مسلم البطين بفتح الباء الموحدة ابن أبي عمران لأنهما يرويان عن مسروق، ويروي الأعمش عنهما، ولا قدم بهذا الالتباس لأنهما يرويان بشرط البخاري. انتهى قلت: ذكر في كتاب (رجال الصحيحين) أن مسلما البطين سمع مسروقا روى عنه الأعمش، فهذا يرد كلام بعضهم المذكور، ولكن الحافظ المزي قال: مسلم بن صبيح أبو
الضحى، عن مسروق عن عائشة حديث: خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والحديث أخرجه مسلم في الطلاق عن يحيى بن يحيى وغيره. وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد. وأخرجه الترمذي في النكاح عن بندار. وأخرجه النسائي فيه عن بشر بن خلف وفي الطلاق عن محمد بن عبد الأعلى وغيره. وأخرجه ابن ماجة في الطلاق عن أبي بكر بن أبي شيبة.
قوله: (فلم يعد) بضم العين وتشديد الدال من العدد، ويروى: فلم يعدد، بفك الإدغام. ويروى: فلم يعتد، بسكون العين وفتح التاء المثتاة من فوق وتشديد الدال من الاعتداد. قوله: (ذلك) إشارة إلى التخبير الذي يدل عليه قوله: (خيرنا) قوله: (شيئا) أي: طلاقا. وفي رواية مسلم: فلم يعده طلاقا.
3625 حدثنا مسدد حدثنا يحياى عن إسماعيل حدثنا عامر عن مسروق قال: سألت عائشة
237

عن الخيرة فقالت خيرنا النبي صلى الله عليه وسلم، أفكان طلاقا؟ قال مسروق: لا أبالي أخيرتها واحدة أو مائة بعد أن تختارني.
(انظر الحديث 2625)
هذا طريق آخر في حديث عائشة أخرجه عن مسدد عن يحيى القطان بن أبي خالد عن عامر الشعبي.
قوله: (عن الخيرة) بكسر الخاء وفتح الياء آخر الحروف، وهي جعل الطلاق بيد المرأة. قوله: (أفكان طلاقا) استفهام بن علي
سبيل الإنكار، أرادت لم يكن طلاقا لأنهن اخترن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية أحمد عن وكيع عن إسماعيل: فهل كان طلاقا؟ وكذا في رواية النسائي عن يحيى القطان عن إسماعيل قوله: (قال مسروق) إلى آخره موصول بالإسناد المذكور. قوله: (أخيرتها؟) أي: امرأتي، وكذا في رواية مسلم، قال: ما أبالي خيرت امرأتي واحدة أو مائة أو ألفا بعد أن تختارني، ولكن قول مسروق هذا وقع في رواية مسلم قبل قوله: سألت عائشة رضي الله تعالى عنها، وقد روى مثل قول مسروق عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس وعائشة، رضي الله تعالى عنهم، ومن التابعين قول عطاء وسليمان بن يسار وربيعة والزهري. كلهم قالوا: إذا اختارت زوجها فليس بشيء، وهو قول أئمة الفتوى. وإن اختارت نفسها؟ فحكى الترمذي عن علي أنه واحدة بائنة، وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية، وعن زيد بن ثابت: إن اختارت نفسها فثلاث، وإن اختاررت زوجها فواحدة بائنة، وعن عمر وابن مسعود: إن اختارت نفسها فواحدة بائنة وعنهما رجعية، وإن اختارت زوجها فلا شيء.
6
((باب إذا قال: فارقتك أو سرحتك أو: الخلية أو البرية أو ما عني به الطلاق فهو على نيته.))
أي: هذا باب في بيان حكم ما إذا قال الرجل لامرأته: فارقتك أو سرحتك أو أنت خلية أو برية، فالحكم في هذه الألفاظ يعتبر بنيته وهو معنى قوله: (فهو بن علي
نيته) لأن هذه كنايات عن الطلاق، فإن نوى الطلاق وقع وإلا فلا يقع شيء، وإنما كانت الكناية للطلاق ولم تكن للنكاح لأن النكاح لا يصح إلا بالإشهاد. وقال الشافعي في القديم: لا صريح إلا لفظ الطلاق وما يتصرف منه، ونص في الجديد بن علي
أن الصريح لفظ الطلاق. والفراق والسراح لورود ذلك في القرآن، وقدر حج الطبري والمحاملي وغيرهما قوله القديم، واختاره القاضي عبد الوهاب من المالكية، وقال أبو يوسف في قوله: فارقتك أو خلعتك أو خليت سبيلك، أو لا ملك لي عليك إنه ثلاث، واختلفوا في الخلية والبرية، فعن علي: أنه ثلاث. وبه قال الحسن البصري، وعن ابن عمر: ثلاث في المدخول بها، وبه قال مالك ويدين في التي لم يدخل بها بتطليقة واحدة أراد أم ثلاثا، وقال الثوري وأبو حنيفة تعتبر نيته في ذلك، فإن نوى ثلاثا فثلاث، وإن نوى واحدة فواحدة بائنة، وهي أحق بنفسها وإن نوى ثنتين فهي واحدة، وفي (التلويح). وقال الشافعي: هو في ذلك كله غير مطلق حتى يقول، أردت بمخرج الكلام مني طلاقا فيكون ما نواه، فإن نوى دون الثلاث كان جميعا، ولو طلقها واحدة بائنة كانت رجعية. وقال إسحاق: هو إلى نيته يدين، وقال أبو ثور: هي تطليقة رجعية ولا يسأل عن نيته في ذلك، وحكى الدارمي عن ابن خيران أن من لم يعرف إلا الطلاق فهو صريح في حقه فقط، ونحوه للروياني فإنه لو قال: اغربي فارقتك، ولم يعرف أنها صريحة لا يكون صريحا في حقه، واتفقوا عل أن لفظ الطلاق وما يتصرف منه صريح، لكن أخرج أبو عبيد في (غريب الحديث) من طريق عبيد الله بن شهاب الخولاني عن عمر رضي الله تعالى عنه، أنه رفع إليه رجل قالت له امرأته يشبهني. فقال: كأنك ظبية. قالت: لا قال: كأنك حمامة. قالت: لا أرضى حتى تقول: أنت خلية طالق، فقال له عمر: خذ بيدها فهي امرأتك. قال أبو عبيد قوله خلية طالق أي: ناقة كانت معقولة ثم أطلقت من عقالها، وخلى عنها فسميت خلية لأنها خليت عن العقال، وطالق لأنها أطلقت منه فأراد الرجل أنها تشبه الناقة ولم يقصد الطلاق بمعنى الفراق أصلا، فأسقط عمر عنه الطلاق، وقال أبو عبيد: وهذا أصل لكل من تكلم بشيء من ألفاظ الطلاق، ولم يرد الفراق بل أراد غيره فالقول قوله فيه فيما بينه وبين االله تعالى. وفي (المحيط): لو قال: أنت طالق، وقال: عنيت به عن الوثاق لا يصدق قضاء ويصدق ديانة، ولو قال: أنت طالق من وثاق لم يقع شيء في القضاء، ولو قال: أردت أنها طالق من العمل لم يدين فيما بينه وبين الله تعالى،
238

وعن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه، أنه يدين، لو قال: أنت طالق من هذا العمل وقف في القضاء ولا يقع فيما بينه وبين الله تعالى، ولو قال؛ أنت طالق من هذا القيد لم تطلق.
وقول الله عز وجل: * ((33) وسرحوهن سراحا جميلا) * (الأحزاب: 94) وقال: * ((33) وأسرحكن سراحا جميلا) * (الأحزاب: 82) وقال: * ((2) فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) * (البقرة: 922) وقال: * ((65) أو فارقوهن بمعروف) * (الطلاق: 2)
[/ ح.
لما ذكر في الترجمة لفظ المفارقة والتسريح ذكر بعض هذه الآيات التي فيها ذكر الله تعالى هذين اللفظين منها. قوله تعالى: * (وسرحوهن سراحا جميلا) * وأوله: * (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) * أي: من قبل أن تجامعوهن * (فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن) * أي: أعطوهن ما يستمتعن به. وقال قتادة: هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: * (فنصف ما فرضتم) * (البقرة: 732) قيل: هو أمر ندب، والمتعة مستحبة ونصف المهر. وأجب: وسرحوهن أي: أرسلوهن وخلوا سبيلهن، وقيل: أخرجوهن من منازلكم إذ ليس لكم عليهن عدة. وكان البخاري: أورد هذا إشارة إلى أن لفظ التسريح هنا بمعنى الإرسال لا بمعنى الطلاق، وفي (تفسير النسفي): وقيل: طلقوهن للسنة، وفيه نظر، لأنه ذكر قبله * (ثم طلقوهن من قبل أن تمسوهن) * يعني: قبل الدخول، ولم يبق محل للطلاق بعد التطليق قوله: (سراحا) نصب بن علي
المصدرية بمعنى: تسريحا. قوله: (جميلا) يعني: بالمعروف، ومنها قوله تعالى: * (وأسرحكن سراحا جميلا) * وأوله قوله تعالى: * (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا) * وقال بعضهم: التسريح في هذه الآية يحتمل التطليق والإرسال، فإذا كان صالحا للأمرين انتفى أن يكون صريحا في الطلاق. قلت: قال المفسرون: معنى قوله: أسرحكن، أطلقكن، وهذا ظاهر لأنه لم يسبق هنا طلاق، فمن أين يأتي الاحتمال وليس المراد إلا التطليق؟ ومنها قوله تعالى: * (فإمساك بمعروف) * وقبله قوله تعالى: * (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) * فالمراد بالتسريح هنا الطلقة الثالثة. والمعنى: الطلاق مرة بعد مرة يعني ثنتين، وكان الرجل إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا فنسخ ذلك فقال الله تعالى * (الطلاق مرتان) * الآية، وعن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما: إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين فليتق الله في الثالثة فله أن يمسكها بمعروف فيحسن صحبتها أو يسرحها بإحسان فلا يظلهما من حقها شيئا، وقد ذكرنا عن قريب: أن أبا رزين قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أرأيت قول الله عز وجل: * (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) * أين الثالثة؟ قال: التسريح بالإحسان، ومنها قوله عز وجل: * (أو فارقوهن بمعروف) *.
وقالت عائشة: قد علم النبي صلى الله عليه وسلم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه
هذا التعليق طرف من حديث التخيير الذي في أوائل تفسير سورة الأحزاب، ومر الكلام فيه هناك.
7
((باب من قال لامرأته: أنت علي حرام))
أي: هذا باب في بيان حكم من قال لامرأته: أنت علي حرام. ولم يذكر جواب من الذي هو حكم هذا الكلام اكتفاء بما ذكره في الباب.
وقال الحسن: نيته
أي: قال الحسن البصري: إذا قال لامرأته: أنت علي حرام، الاعتبار فيه نيته، ووصل عبد الرزاق هذا التعليق عن معمر عنه، قال: إذا نوى طلاقا فهو طلاق وإلا فهو يمين انتهى. وهو قول ابن مسعود وابن عمر، وبه قال النخعي وطاووس. وفي (التوضيح): في هذه الصورة أربعة عشر مذهبا. قلت: ذكر القرطبي ثمانية عشر قولا. قيل: وزاد غيره عليها، وذكر ابن بطال منها ثمانية أقوال. فقالت طائفة: هي ثلاث، ولا يسأل عن نيته، روى ذلك عن علي وزيد بن ثابت وابن عمر، وبه قال الحسن البصري في رواية الحكم بن عتيبة وابن أبي ليلى ومالك، وروى عنه وعن أكثر أصحابه أن قال ذلك لامرأته قبل الدخول فثلاث، إلا أن يقول: نويت واحدة. وقال عبد العزيز بن أبي سلمة هي واحدة إلا أن يقول أردت ثلاثا فثلاث، وإن نوى واحدة فواحدة
239

بائنة وإن نوى يمينا فهو يمين يكفرها وإن لم ينو فرقة ولا يمينا فهي كذبة، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، غير أنهم قالوا: إن نوى اثنتين فهي واحدة، وإن لم ينو طلاقا فهي يمين وهو قول. وقال ابن مسعود: إن نوى طلاقا فهي تطليقه وهو أملك بها وإن لم ينو طلاقا فهي يمين يكفرها. وعن ابن عمر مثله. وقال الشافعي: ليس قوله: (أنت حرام) بطلاق حتى ينويه فإن أراد الطلاق فهو ما أراد من الطلاق، وإن قال: أردت تجريما لا طلاق كان عليه كفارة يمين وليس بقول، وقال ابن عباس: يلزمه كفارة ظهار، وهو قول أبي قلابة وسعيد بن جبير وأحمد، وقيل: إنها يمين فيكفر، وروى عن الصديق وعمر وابن مسعود وعائشة وسعيد بن المسيب وعطاء والأوزاعي وأبي ثور، وقيل: لا شيء فيه ولا كفارة كتحريم الماء، وروي عن الشعبي ومسروق وأبي سلمة، وقال أبو سلمة: ما أدري حرمتها أوحرمت القرآن، وهو شذوذ.
وقال أهل العلم: إذا طلق ثلاثا فقد حرمت عليه، فسموه حراما بالطلاق والفراق، وليس هاذا كالذي يحرم الطعام لأنه لا يقال لطعام الحل: حرام، ويقال للمطلقة: حرام. وقال في الطلاق ثلاثا: لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
لما وضع الترجمة بقوله: من قال لامرأته أنت علي حرام ولم يذكر الجواب فيها أشار بقوله: (وقال أهل العلم) الخ. إلى أن تحريم الحلال ليس بن علي
إطلاقه، فإن من طلق امرأته ثلاثا تحرم عليه، وهو معنى قوله: (فقد حرمت عليه) فسموه أي: فسماه العلماء حراما بالطلاق، أي: بقول الرجل: طلقت امرأتي ثلاثا. قوله: (والفراق) أي وبقوله: فارقتك، ومن حرم عليه أكل الطعام لا يحرم عليه وهو معنى قوله: (وليس هذا) أي: الحكم المذكور في الطلاق ثلاثا كالذي يحرم الطعام أي كحكم الذي يقول: هذا الطعام بن علي
حرام لا آكله فإنه لا يحرم، وأشار إلى الفرق بينهما بقوله: لا يقال لطعام الحل أي الحلال حرام، ويقال للمطلقة ثلاثا حرام. والدليل عليه قوله تعالى: * (فإن طلقها
) * أي: الثالثة * (فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره) * (البقرة: 032) وقال المهلب: من نعم الله تعالى بن علي
هذه الأمة، فيما خفف عنهم، أن من قبلهم كانوا إذا حرموا بن علي
أنفسهم شيئا حرم عليهم، كما وقع ليعقوب، عليه الصلاة والسلام، فخفف الله ذلك عن هذه الأمة ونهاهم عن أن يحرموا بن علي
أنفسهم شيئا مما أحل لهم، فقال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) * (المائدة: 78) انتهى. وحاصل الكلام أن بين المسألتين فرقا، وأن تحريم المباح يمين، وأن فيه ردا بن علي
من لم يفرق بين قوله لامرأته: أنت علي حرام، وبين قوله: هذا الطعام علي حرام، حيث لا يلزمه شيء فيهما، كما ذكرنا عن قريب من قال ذلك، وذكرنا أقوال العلماء فيه.
4625 حدثنا وقال الليث عن نافع: كان ابن عمر إذا سئل عمن طلق ثلاثا، قال: لو طلقت مرة أو مرتين فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرني بهاذا، فإن طلقها ثلاثا حرمت حتى تنكح زوجا غيرك.
لا مناسبة بينهما. وقال صاحب (التوضيح): وكأن البخاري أراد بإيراد هذا أن فيه لفظة: حرمت عليك، وإلا فلا مناسبة بينهما في الباب (قلت) هذا أقرب إليه، وصاحب (التلويح) أبعد.
قوله: (عن نافع) ويروى: حدثني نافع (كان عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنهما، إذا سئل عمن طلق امرأته ثلاثا) أي ثلاث تطليقات، قال: لو طلقت مرة أي طلقة واحدة أو مرتين أي: طلقتين قال الكرماني: وجواب لو، يعني جزاؤه محذوف، وهو لكان خيرا، أو هو حرف لو للتمني فلا يحتاج إلى جواب، وقال بعضهم: ليس كما قال، بل الجواب لكان لك الرجعة. قلت: مقصود الكرماني أن: لو إذا كان للشرط لا بد له من جزاء. فلذلك قدره بقوله: لكان خيرا، وهو معنى قوله: لكان لك الرجعة، وذلك لانسداد باب الرجعة بعد الثلاث، بخلاف ما بعد مرة أو مرتين. وهذا القرطبي أيضا قال في هذا الموضع: فكأنه قال للسائل: إن طلقت تطليقة أو تطليقتين فأنت مأمور بالمراجعة لأجل الحيض، وإن طلقت ثلاثا لم يكن لك مراجعة، لأنه لا تحل لك إلا بعد زوج انتهى.
240

وهكذا قدر الجزاء بما ذكره، وتقدير الكرماني مثله أو قريب منه، فلا حاجة إلى الرد عليه بغير وجه. قوله: (فإن النبي صلى الله عليه وسلم، أمرني بهذا) أي: بأن راجع بعد المرتين. قوله: (فإن طلقها) كذا هو في رواية الكشميهني بصيغة المفرد الغائب من الماضي: (حرمت عليه) بضمير الغائب، وفي رواية غيره: فإن طلقتها بتاء المخاطب حرمت عليك. حتى تنكح أي المرأة زوجا غيرك ويروى: غيره. وهذا لا يجيء إلا بن علي
رواية الكشميهني فافهم. والتعليق المذكور رواه مسلم في (صحيحه) عن يحيى بن يحيى وقتيبه ومحمد بن رمح عن الليث.
5625 حدثنا محمد حدثنا أبو معاوية حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: طلق رجل امرأته فتزوجت زوا غيره فطلقها وكانت معه مثل الهدبة فلم تصل منه إلى شيء تريده، فلم يلبث أن طلقها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! إن زوجي طلقني، وإني تزوجت زوجا غيره فدخل بي ولم يكن معه إلا مثل الهدبة فلم يقربني إلا هنة واحدة لم يصل مني إلى شيء، فأحل لزوجي الأول؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تحلين لزوجك الأول حتى يذوق الآخر عسيلتك وتذوقي عسيلته.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (لا تحلين لزوجك) فإنه كان قد طلقها ثلاثا وأنه أطلق الحرام بعد الطلقات الثلاث.
وحديث عائشة في هذا الباب قد مر، وهذه رواية أخرى عنها أخرجها البخاري عن محمد بن سلام عن أبي معاوية محمد بن خازم بالخاء المعجمة والزاي عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها.
قوله: (مثل الهدبة) قد مر تفسيرها أنها طرف الثوب مما يلي طرته. قوله: (فلم تصل منه) أي: لم تصل المرأة من زوجها إلى شيء تريده هي، وهو الوطء المشبع. قوله: (وإلا هنة واحدة)، بفتح الهاء وتخفيف النون، وقد حكى الهروي تشديدها وأنكره الأزهري قبله، وقال الخليل هي كلمة يكنى بها عن شيء يستحي من ذكره باسمه، وقال ابن التين: معناه لم يطأني إلا مرة واحدة، يقال هنا: امرأته إذا غشيها، وروى ابن السكن بباء موحدة ثقيلة أي: مرة واحدة، ذكره صاحب (المشارق) عنه، وكذا ذكره الكرماني، وقال: في أكثر النسخ بموحدة ثقيلة أي: مرة، وقال صاحب (المشارق) وعند الكافة بالنون، وقيل: هي من هب إذا احتاج إلى الجماع، يقال: هب التيس يهب هبيبا.
8
((باب * ((66) لم تحرم ما أحل الله لك) * (التحريم: 1))
وقد مر تفسيره في أول سورة التحريم، وليس في رواية النسفي لفظ: باب، ووقع عوضها: قوله تعالى: * ((66) لم تحرم) *.
6625 حدثنا الحسن بن الصباح سمع الربيع بن نافع حدثنا معاوية عن يحيى بن أبي كثير عن يعلى بن حكيم هن سعيد بن جبير أنه أخبره أنه سمع ابن عباس يقول: إذا حرم امرأته ليس بشيء. وقال: لكم في رسول الله أسوة حسنة.
(انظر الحديث 1194)
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحسن بن الصباح بتشديد الباء الموحدة البزار بالراء في آخره الواسطي، ونزل بغداد وثقة الجمهور، ولينه النسائي قليلا. وأخرج عنه
البخاري في غير موضوع ولم يكثر، مات يوم الاثنين لثمان بقين من ربيع الآخر سنة تسع وأربعين ومائتين وللبخاري شيخ آخر يقال له: الحسن بن الصباح الزعفراني، لكن إذا وقع هكذا يكون منسوبا لجده فهو الحسن بن محمد بن الصباح، وهو الذي روى عنه في الحديث الثاني من هذا الباب، وله أيضا في الرواة عن شيوخه ومن في طبقتهم محمد بن الصباح الدولابي أخرج عنه في الصلاة والبيوع وغيرهما وليس هو أخا للحسن بن الصباح، وفيهم أيضا محمد بن الصباح الجرجر. أخرج عنه أبو داود وابن ماجة، وهو غير الدولابي، وعبد الله بن الصباح أخرج عنه البخاري في البيوع وغيره
241

وليس أحد من هؤلاء أخا للآخر، والربيع بن نافع الحلبي أبو ثوبة سكن طرسوس، ومعاوية هو ابن سلام بتشديد اللام، ويحيى ويعلى وسعيد كلهم من التابعين روى بعضهم عن بعض.
والحديث مر في أول سورة التحريم عن معاذ بن فضالة.
قوله: (وإذا حرم امرأته) أي: إذا حرم رجل امرأته بأن قال: أنت علي حرام. قوله: (ليس بشيء) يعني هذا القول ليس بشيء يعني: لا يترتب عليه الحكم، وهذا هكذا في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: ليست بشيء. أي: هذه الكلمة والمقالة ليست بشيء قوله: (وقال: لكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة) وقال ابن الأثير: الأسوة القدوة، والمواساة المشاركة. وفي (المغرب) الأسوة اسم من ائتسى به إذا اقتدى به واتبعه، وأشار به ابن عباس مستدلا بن علي
ما ذهب إليه إلى قصة التحريم، وبينا ذلك في سورة التحريم.
7625 حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: زعم عطاء أنه سمع عبيد بن عمير يقول: سمعت عائشة، رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب ابنة جحش ويشرب عندها عسلا، فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير؟ فدخل على إحداهما فقالت له ذالك، فقال: لا بل شربت عسلا عند زينب ابنة جحش، ولن أعود له. فنزلت: * ((66) يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) * * ((66) إن تتوبا إلى الله) * (التحريم: 1 4) لعائشة وحفصة و * ((66) إذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا) * (التحريم: 3) لقوله: بل شربت عسلا.
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحسن بن محمد بن الصباح هو الزعفراني. وقد مر ذكره عن قريب، وحجاج هو ابن محمد الأعور، وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وعطاء هو ابن أبي رباح، وأهل الحجاز يطلقون الزعم بن علي
مطلق القول، والمعنى: قال: قال عطاء، ووقع في رواية هشام بن يوسف عن ابن جريج عن عطاء، وقد مضى في التفسير: وعبيد بن عمير كلاهما بالتصغير هو أبو عاصم الليثي المكي.
وهنا ثلاثة مكيون متوالية، وهم: ابن جريج وعطاء وعبيد.
والحديث قد مر في سورة التحريم. ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (فتواصيت) بالصاد المهملة قال بعضهم من المواصاة. قلت: ليس كذلك، بل من التواصي، ومن لم يفرق بين باب التفاعل وباب المفاعلة كيف تقدم إلى ميدان الشرح، وفي رواية هشام: فتواطأت بالطاء، وكذلك قال القائل المذكور إنه من المواطأة، وليس كذلك بل هو من التواطؤ. وفيه: قوله: (أن أيتنا) بفتح الهمزة وتشديد الياء آخر الحروف المفتوحة وفتح التاء المثناة من فوق، وهي كلمة: أي، أضيفت إلى نون المتكلم، وقال الكرماني: ويروى أن أوتينا ودخل علينا. قلت: ولا تحققت لي صحتها، ويروى: ما دخل وكلمة: ما زائدة. قوله: (مغافير) بالياء آخر الحروف بعد الفاء في جميع نسخ البخاري، ووقع في بعض النسح عند مسلم في بعض المواضع: مغافر بحذف الياء، وقال عياض: الصواب إثباتها لأنها عوض عن الواو التي للمفرد، لأنه جمع مغفور بضم الميم وإسكان الغين المعجمة وضم الفاء وبالواو والراء، وليس في كلامهم مفعول بالضم إلا مغفور ومغرور بالغين المعجمة من أسماء الكماة، ومنخور من أسماء الأنف ومغلوق بالغين المعجمة، واحد المغاليق وقال ابن قتيبة: المغفور صمغ حلو له رائحة كريهة، وذكر البخاري: إن المغفور شبيه بالصمغ يكون في الرمث بكسر الراء وسكون الميم وبالثاء المثلثة وهو من الشجر التي ترعاها الإبل، وهو من الحمض، وفي الصمغ المذكور حلاوة وذكر أبو زيد الأنصاري أن المغفور يكون في العشر بضم العين المهملة وفتح الشين المعجمة وبالراء في الثمام بالثاء المثلثة والسدر والطلح، ويقال: المغافير جمع مغفار، وقال الكرماني: وهو نوع من الصمغ يحلب عن بعض الشجر يحل بالماء ويشرب، وله رائحة كريهة: وقال أبو حنيفة في (كتاب النبات): يقال: معثور، بالثاء المثلثة موضع الفاء، وقيل: الميم فيه زائدة، وبه قال الفراء والجمهور بن علي
أنها أصلية. قوله: (أكلت مغافير؟) أصله بهمزة الاستفهام فحذفت. قوله: (فدخل) أي النبي صلى الله عليه وسلم بن علي
إحداهما
242

أي إحدى المذكورتين وهما عائشة وحفصة، ولم يعلم أيتهما كانت قبل، وبالظن أنها حفصة. قوله: (لا بل شربت عسلا) كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر عن شيوخه: لا شربت بل بل عسلا، قوله: قوله: (ولن أعود له) أي للشرب، وزاد في رواية هشام: وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا، فظهر بهذه الزيادة أن الكفارة في قوله: * (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) * (التحريم: 2) لأجل يمينه صلى الله عليه وسلم بقوله، وقد حلفت ولم يكن لمجرد التحريم، وبهذه الزيادة أيضا مناسبة. قوله: (في رواية حجاج بن محمد) فنزلت * (يا أيها النبي) * (التحريم: 3) الآية وبدون هذه الزيادة لا يظهر لقوله: فنزلت، معنى يطابق ما قبله. قوله إلى * (إن تنويا) * (التحريم: 1) أي قرأ من أول السور إلى هذا الموضع قوله: (لعائشة وحفصة) أي: الخطاب لهما في قوله: إن تتوبا قوله: * (وإذا
أسر النبي) * (التحريم: 3) إلى آخره، من بقية الحديث، وكذا وقع في رواية مسلم في آخر الحديث، وكان المعنى: وأما المراد بقوله تعالى: * (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا) * (التحريم: 3) ففهو لأجل قوله: (بل شربت عسلا).
8625 حدثنا فروة بن أبي المغراء حدثنا علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحب العسل والحلواء، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن، فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس أكثر ما كان يحتبس فغرت فسألت عن ذالك فقيل لي: أهدت لها امرأة من قومها عكة من عسل فسقت النبي صلى الله عليه وسلم، منه شربة فقلت: أما والله لنحتالن له. فقلت لسودة بنت زمعة: إنه سيدنو منك، فإذا دنا منك فقولي: أكلت مغافير؟ فإنه سيقول لك: لا، فقولي له: ما هاذه الريح التي أجد منك؟ فإنه سيقول لك سقتني حفصة شربة عسل، فقولي له: جرست نحله العرفط. وسأقول ذلك، وقولي أنت يا صفية ذاك، قالت: تقول سودة: فوالله ما هو إلا أن قام على الباب، فأردت أن أبادئه بما أمرتني به فرقا منك، فلما دنا منها قالت له سودة: يا رسول الله أكلت مغافير؟ قال: لا. قالت: فما هاذه الريح التي أجد منك؟ قال: سقتني حفصة شربة عسل، فقالت: جرست نحله العرفط، فلما دار إلي قلت له نحو ذالك، فلما دار إلى صفية قالت له مثل، فلما دار إلى حفصة قالت: يا رسول الله ألا أسقيك منه؟ قال: لا حاجة لي فيه. قالت: تقول سودة: والله لقد حرمناه. قلت لها: اسكتي.
مطابقته للترجمة من حيث أن فيه منع النبي صلى الله عليه وسلم نفسه عن شرب العسل، يفهم ذلك من قوله: (لا حاجة لي فيه) ويؤيد هذا زيادة هشام في روايته في الحديث السابق: وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا، فنزلت: * (يا أيها النبي لم تحرم) * الآية. وقال القاضي: اختلف في سبب نزول هذه الآية، فقالت عائشة: في قصة العسل، وعن زيد بن أسلم: أنها نزلت في تحريم مارية جاريته وحلفه أن لا يطأها. والصحيح في سبب نزول الآية أنه في قصة العسل لا في قصة مارية المروي في غير (الصحيحين) وقال النووي: ولم تأت قصة مارية من طريق صحيح قال النسائي: حديث عائشة في العسل حديث صحيح غاية.
ثم إن البخاري أخرج طرفا من هذا الحديث في كتاب النكاح في: باب دخول الرجل بن علي
نسائه في اليوم، عن فروة عن علي بن مسهر عن هشام عن أبيه عن عائشة، ثم أخرجه هنا مطولا بهذا الإسناد ثم صدره بقول عائشة، رضي الله تعالى عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب العسل والحلواء، تمهيدا لما سيذكره من قصة العسل مع أنه أفرد ذكر محبة العسل، والحلواء في كتاب الأطعمة، وكتاب الأشربة وغيرهما بن علي
ما سيأتي إن شاء الله تعالى وأخرجه مسلم أيضا من طريق أبي أمامة عن هشام عن أبيه عن عائشة مطولا نحو إخراج البخاري، ثم قال: وحدثنيه سويد بن سعيد، قال: حدثنا علي بن مسهر عن هشام بن عروة بهذا الإسناد نحوه، مطولا ولكن وقع في رواية مسلم: (كان يحب الحلواء والعسل)، بتقديم الحلواء بن علي
العسل، وههنا قدم العسل بن علي
الحلواء. وقال
243

الكرماني: ذكر العسل بعده للتنبيه بن علي
شرفه، وهو من باب عطف العام بن علي
الخاص. وقال النووي في (شرح مسلم): قال العلماء: المراد بالحلواء هنا كل شيء حلو، وذكر العسل بعدها تنبيها بن علي
شرفه ومزيته وهو من باب ذكر الخاص بعد العام. وقال بعضهم: ولتقديم كل منهما بن علي
الآخر جهة من جهات التقديم، فتقديم العسل لشرفه ولأنه أصل من أصول الحلواء ولأنه مفرد والحلواء مركب، وتقديم الحلواء لشمولها وتنوعها لأنها تتخذ من العسل وغيره، وليس ذلك من عطف العام بن علي
الخاص كما زعم بعضهم، وإنما العام الذي يدخل الجميع فيه انتهى قلت: الظاهر أن تشنيعه بن علي
الكرماني لا وجه له لأن الصريح من كلامه أنه من باب عطف العام بن علي
الخاص كما في قوله تعالى: * (ولقد آتناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) * (الحجر: 78) وقوله: إنما العام الذي يدخل فيه الجميع يرد عليه كلامه: لأن الحلواء يدخل فيها كل شيء حلو، كما ذكره النووي، فكيف يقول: وليس ذلك من باب عطف العام بن علي
الخاص؟ وهذه مكابرة ظاهرة، فأما النووي فإنه صرح بأنه من باب عطف الخاص بن علي
العام، كما في قوله تعالى: * (تنزل الملائكة والروح) * (القدر: 4) وكل منهما ذكر ما يليق بالمقام.
قوله: (العسل)، وهو في الأصل يذكر ويؤنث. قوله: (والحلواء) فيه المد والقصر، قاله ابن فارس، وقال الأصمعي: هي مقصورة تكتب بالياء، ووقعت في رواية علي بن مسهر بالقصر، وفي رواية أبي أسامة بالمد. قوله: (من العصر)، أي: من صلاة العصر، كذا ذكر في رواية الأكثرين، وخالفهم حماد بن سلمة عن هشام بن عروة، فقال: من الفجر، أخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن أبي النعمان عن حماد، وتساعده رواية يزيد بن رومان عن ابن عباس، ففيها: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح جلس في مصلاه وجلس الناس حوله حتى تطلع الشمس، ثم يدخل بن علي
نسائه امرأ امرأة يسلم عليهن ويدعو لهن، فإذا كان يوم إحداهن كان عندها... الحديث أخرجه ابن مردويه. (فإن قلت) كيف التوفيق بين هاتين الروايتين؟ قلت:
رواية عائشة من العصر محفوظ، ورواية حماد شاذة ولئن سلمنا فيمكن أن فيمكن أن تحمل رواية، إذا انصرف من صلاة الفجر أو الصبح، بن علي
أنه كان الذي يقع منه في أول النهار محض السلام والدعاء، والذي كان بعد العصر الجلوس والاستئناس والمحادثة، أو نقول: إنه كان في أول النهار تارة وفي آخره تارة، ولم يكن مستمرا في واحد منهما. قوله: (دخل بن علي
نسائه)، وفي رواية أبي أسامة: أجاز إلى نسائه أي: مضى قوله: (فيدنو من إحداهن) أي: يقرب منهن. والمراد التقبيل والمباشرة من غير جماع. قوله: (فاحتبس)، أي: مكث زمانا عند حفصة وفي رواية أبي أسامة: (فاحتبس عندها أكثر ما كان يحتبس)، وكلمة ما مصدرية أي: أكثر احتباسه خارجا عن العادة. قوله: (فغرت) أي: قالت عائشة: فغرت، بكسر الغين المعجمة وسكون الراء وضم التاء: من الغيرة، وهي التي تعرض للنساء من الضرائر. قوله: (فسألت عن ذلك) أي: عن احتباسه الخارج عن العادة عند حفصة، ووقع في حديث ابن عباس بيان ذلك. ولفظه: فأنكرت عائشة احتباسه عند حفصة، فقالت لجويرية حبشية يقال لها خضراء: إذا دخل بن علي
حفصة فادخلي عليها فانظري ماذا تصنع، فإن قلت: في الحديث السابق أنه شرب في بيت زينب، وفي هذا الحديث أنه شرب في بيت حفصة، فهذا ما في (الصحيحين)، وروى ابن مردويه من طريق ابن أبي مليكة عن ابن عباس: أن شرب العسل كان عند سودة. قلت: قالوا طريق الجمع بين هذا الاختلاف الحمل بن علي
التعدد، فلا يمتنع تعدد السبب للأمر الواحد، وأما ما وقع في (تفسير السدي): أن شرب العسل كان عند أم سلمة، أخرجه الطبري وغيره، فهو مرجوح لإرساله وشذوذه. قوله: (أهدت لها) أي: لحفصة رضي الله تعالى عنها، (امرأة من قوهمها) لم يدر اسمها (عكة من عسل) وفي حديث ابن عباس: عسل من طائف، والعكة، بضم العين المهملة وتشديد الكاف: وهي الزق الصغير. وقيل: آنية السمن. قوله: (أما والله) كلمة: أما، بفتح الهمزة وتخفيف الميم حرف استفتاح، ويكثر قبل القسم. قوله: (لنحتالن) بفتح اللام للتأكيد من الاحتيال. قال الكرماني: كيف جاز بن علي
أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم الاحتيال؟ فأجاب بأنه من مقتضيات الغيرة الطبيعية للنساء وهو صغيرة معفو عنها مكفرة. قوله: (إنه) أي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم (سيدنو منك)، وقد مر بيان المراد من الدنو عن قريب. قوله: (فإذا دنا منك) وفي رواية حماد بن سلمة: إذا دخل بن علي
إحداكن فلتأخذ بأنفها، فإذا قال ما شأنك؟ فقولي: ريح المغافير، وقد مر تفسيره عن قريب. قوله: (سقتني حفصة شربة عسل) وفي رواية حماد بن سلمة: إنما هي عسيلة سقتنيها حفصة. ققوله: (جرست نحله العرفط) جرست بفتح الجيم والراء والسين المهملة أي: رعت، وقال الكرماني: أي أكلت، وقال
244

صاحب (العين) جرست النحل بالعسل يجرسه جرسا وهو لحسها إياه، والعرفط بضم العين المهملة والفاء وسكون الراء وبالطاء المهملة من شجر العضاة، والعضاة كل شجر له شوك، وإذا استيك به كانت له رائحة حسنة تشبه رائحة طيب الند، ويقال: هو نبات له ورقة عريضة تفترش بن علي
الأرض له شوكة حجناء وثمرة بيضاء كالقطن مثل ذر القميص خبيث الرائحة يلحسه النحل ويأكل منه ليحصل منه العسل، قيل: هو الشجر الذي صمغه المغافير. قوله: (يا صفية) أي: بنت حيي أم المؤمنين قوله: (ذاك) إشارة إلى قوله: (أكلت المغافير؟) قوله قالت: تقول سودة أي: قالت عائشة حكاية عن قول سودة لما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (فوالله) إلى قوله: (فلما دنا منها) مقول سودة. قوله: (ما هو إلا أن قام بن علي
الباب) أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (فأردت أن أناديه) بالنون من المناداة. هكذا في رواية ابن عساكر، وفي أكثر الروايات: أبادئه، بالباء الموحدة والهمزة، من المبادأة وفي رواية أبي أسامة: أبادره، من المبادرة، وهي المسارعة. قوله: (فرقا منك) أي: خوفا. والخطاب للعائشة. قوله: (فلما دنا منها) أي: فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من سودة. قوله: (فلما دار ءلى) من الدوران، معناه: لما دخل عليها، وكذا في رواية مسلم، قال الكرماني: فلم دار رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها ولم يكن لها نوبة. فأجاب بأنه صلى الله عليه وسلم كان يدخل عليها ويتردد إليها، أو كان هذا قبل هبة نوبتها، وكذا معنى قوله: (فلما دار إلى صفية). قوله: (قالت له مثل ذلك) أي: مثل ما قالت سودة: (جرست نحلة العرفط) فإن قلت: قال عند إسناد القول إلى صفية مثل ذلك، وفي إسناده إلى سودة نحو ذلك أي نحو ما قالت عائشة لأنها أيضا قالت، لأنه قال فيما قبل عن عائشة، وسأقول ذلك، وقولي أنت يا صفية. قلت: قال بعضهم ما ملخصه: إن عائشة لما كانت مبتكرة لهذا الأمر، قيل: نحو ذلك لهذا الأمر، وأما صفية فإنها كانت مأمورة به، وليس لها تصرف قيل مثل ذلك، ثم قال: رجعت إلى سياق أبي أسامة فوجدته عبر بالمثل في الموضعين فغلب بن علي
الظن أن تغيير ذلك من ترف الرواة. قلت: لم يذكر جوابا بشفي العليل ولا يروي الغليل، فإذا علم الفرق بين النجوم والمثل علمت النكتة فيه، فالنحو في اللغة عبارة عن القصد، يقال: نحوت نحوك أي: قصدت قصدك، ومثل الشيء شبهة ومماثل له، ثم إنهم يستعملون لفظ النحو بمعنى المثل إذا كان لهم قصد كلي في بيان المماثلة، بخلاف لفظة المثل، فإن فيها مجرد بيان المماثلة مع قطع النظر عن غيرها، ولما كانت عائشة رضي الله تعالى عنها، قاصدة بالقصد الكلي تبليغ هذه الكلمة، أعني لفظ: (جرست نحله العرفط) قالت سودة: نحو ذلك، بخلاف صفية فإنها لم تقصد ذلك أصلا، ولكنها قالته للامتثال، ولا ينبغي أن يظن في الرواة التغيير بالظن الفاسد، فأقل الأمر فيه أن يقال: هذا من باب التفنن فإن فيه تحصيل الرونق للكلام فافهم قوله: (جرمناه) بتخفيف الراء المفتوحة أي: منعناه، من حرم يحرم من باب ضرب يضرب، يقال: حرمه الشيء يحرمه حرما بالكسر وحرمه كذلك وحريمه وحرمانا إذا منعه، وكذلك أحرمه، وأما حرم الشيء بضم الراء فمصدره: حرمة بالضم. قوله: (قلت لها: اسلتي) أي: قالت عائشة لسودة كأنها خشيت أن يفشو ذلك فيظهر ما دبرته من كيدها لحفصة.
ثم اعلم أن في هذا الحديث فوائد منها: أن الغيرة مجبولة في النساء طبعا، فالغيري تعذر في منع ما يقع منها من الاحتيال في وقع ضرر الضرة. ومنها: ما فيه بيان
علو مرتبة عائشة عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى كانت ضرتها تهابها وتطيعها في كل شيء تأمرها به حتى في مثل هذه القضية مع الزوج الذي هو أرفع الناس قدرا. ومنها: أن عماد القسم الليل وإن النهار يجوز فيه الاجتماع بالجميع بشرط ترك المجامعة إلا مع صاحبة النوبة، ومنها: أن الأدب استعمال الكنايات فيما يستحي من ذكره كما في قوله في الحديث: فيدنو منهن والمراد التقبيل والتحضين لا مجرد الدنو، ومنها: أن فيه فضيلة العسل والحلواء لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم إياهما. ومنها: أن فيه بيان صبر النبي صلى الله عليه وسلم غاية ما يكون ونهاية حلمه وكرمه الواسع.
9
((باب لا طلاق قبل النكاح))
أي: هذا باب في بيان أنه: لا طلاق قبل وجود النكاح. وقال الكرماني: مذهب الحنفية صحة الطلاق قب النكاح، فأراد البخاري الرد عليهم. قلت: لم تقل الحنفية: إن الطلاق يقع قبل وجود النكاح، وليس هذا بمذهب لأحد، فالعجب من الكرماني ومن وافقه في كلامه هذا كيف يصدر منهم مثل هذا الكلام، ثم يردون به عليهم من غير وجه، وإنما تشبثهم في
245

هذا بمسألة التعليق وهي ما إذا قال رجل لأجنبية، إذا تزوجتك فأنت طالق، فإذا تزوجها يقع الطلاق عند الحنفية، خلافا للشافعية، فإن أشلاءهم بن علي
الحنفية ههنا، ويحتجون فيما ذهبوا إليه بقول ابن عباس، بن علي
ما يجيء الآن، بما رواه أحمد وابن ماجة من قوله صلى الله عليه وسلم: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا طلاق لابن آدم فيما لا يملك، ولا بيع فيما لا يملك والحنفية يقولون: هذا تعليق بالشرط وهو يمين فلا يتوقف صحته بن علي
وجود ملك المحل كاليمين بالله، وعند وجود الشرط يقع الطلاق وهو طلاق بعد وجود النكاح، فكيف يقال: إنه طلاق قبل النكاح؟ والطلاق قبل النكاح فيما إذا قال لأجنبيه: أنت طالق فهذا كلام لغو، وفي مثل هذا يقال لا طلاق قبل النكاح، والحديث المذكور لم يصح، قاله أحمد، وقال أبو الفرج: روي بطريق مخية بمرة، قال ابن العربي: أخبارهم ليس لها أصل في الصحة فلا تشتغل بها، ولئن صح فهو محمول بن علي
التخيير.
وقول الله تعالى: ياأيها الذين ءامنو
1764; ا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا) * (الأحزاب: 94)
[/ ح.
أكثر النسخ هكذا: باب * (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات) * الآية، وليس فيه: لا طلاق قبل النكاح، وكذا في رواية أبي ذر، غير أنه قال: * (يا أيها الذين آمنوا) * وساقها إلى قوله: * (من عدة) * وحذف الباقي. وقال: الآية، وفي رواية النسفي: باب * (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات) * الآية، وعليه أكثر النسخ كما ذكرناه، وقال ابن التين: احتجاج البخاري بهذه الآية بن علي
عدم الوقوع لا دلالة فيه، وكذا قال ابن المنير: ليس فيها دليل لأنها إخبار عن صورة وقع فيه الطلاق بعد النكاح، ولا حصر هناك، وليس في السياق ما يقتضيه. وقال بعضهم: احتج بالآية قبل البخاري ترجمان القرآن عبد الله بن عباس ومراده هو قوله: جعل الله الطلاق بعد النكاح. قلت: هذا هروب من هذا القائل لعجزه عن الجواب عما قاله ابن التين وابن المنير، وانباض عرق العصبية لمذهبه، ولترويج كلام البخاري في الترجمة المذكورة، ونتكلم في هذا الآن بما يقتضيه طريق الصواب من غير ميل عن الحق في الجواب.
وقال ابن عباس جعل الله الطلاق بعد النكاح
هذا تعليق رواه ابن أبي شيبة عن عبد الله بن نمير عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس، بلفظ: (لا طلاق إلا بعد نكاج ولا عتق إلا بعد ملك) انتهى، هذا لا خلاف فيه أن الله جعل الطلاق بعد النكاح، والحنفية قائلون به، فلا يجوز للشافعية أن يحتجوا به عليهم في مسألة التعليق، فإن تعليق الطلاق غير الطلاق، لأنه ليس بطلاق في الحال، فلا يشترط لصحته قيام المحل. وحكى أبو بكر الرازي عن الزهري في قوله: لا طلاق إلا بعد نكاح، قال: هو الرجل يقال له: تزوج فلانة، فيقول: هي طالق، فهذا ليس بشيء، فأما من قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، فإنما تطلق حين يتزوجها، وروى عبد الرزاق في (مصنفه) فقال: أخبرنا معمر عن الزهري أنه قال في رجل قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، وكل أمة تشتريها فهي حرة، كما قال: فقال معمر: أوليس قد جاء: لا طلاق قبل النكاح ولا عتق إلا بعد ملك؟ قال: إنما ذلك أن يقول الرجل: امرأة فلان طالق وعبد فلان حر، واحتج بعضهم أيضا بما رواه ابن خزيمة والبيهقي من طريقه عن سعيد بن جبير، قال: سئل ابن عباس عن الرجل يقول: إن تزوجت فلانة فهي طالق قال ليس بشيء، إنما الطلاق لما ملك. قالوا: فابن مسعود كان يقول: إذا وقت وقتا فهو كما قال! قال: رحم الله أبا عبد الرحمن لو كان كما قال لقال الله تعالى: * (إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن) * انتهى. قالوا: الآية دلت بن علي
أنه إذا وجد النكاح ثم طلق قبل المسيس فلا عدة، ولم تتعرض الآية لصورة النزاع أصلا، وقال الطحاوي: قال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله تعالى عنه: حبس الأصل وسبل الثمرة، فدل بن علي
جواز المعقود فيما لم يملكه وقت العقد، بل فيما يستأنف، وأجمعوا بن علي
أن لو أوصى بثلث ماله أنه يعتبر وقت الموت لا وقت الوصية، وقال تعالى: * (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن) * (التوبة: 57) فهذا نظير: إن تزوجت فلانة فهي طالق، وفي (الاستذكار) لم يختلف عن مالك أنه إن عمم لم يلزمه. وإن سمى امرأة أو أرضا أو قبيلة لزمه، وبه قال ابن أبي ليلى والحسن
246

بن صالح والنخعي والشعبي والأوزاعي والليث، وروى عن الثوري، وقال ابن أبي شيبة: حدثنا عبد الله بن نمير وأبو أسامة عن يحيى بن سعيد، قال: كان القاسم وسالم وعمر بن عبد العزيز يرون الطلاق جائزا عليه إذا عين، وقال: حدثنا أبو أسامة عن عمر بن حمزة أنه سأل القاسم بن محمد وسالما وأبا بكر بن عبد الرحمن وأبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وعبد الله بن عبد الرحمن عن رجل قال: يوم أتزوج فلانة فهي طالق البتة، فقالوا كلهم: لا يتزوجها وقال أيضا: حدثنا حفص بن غياث عن عبيد الله بن عمر، قال: سألت القاسم عن رجل قال: يوم أتزوج فلانة فهي طالق، قال: هي طالق.
ويروى في ذالك عن علي وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبي بكر بن عبد الرحمان وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبان بن عثمان وعلي بن حسين وشريح وسعيد بن جبير والقاسم وسالم وطاووس والحسن وعكرمة وعطاء وعامر بن سعد وجابر بن زيد ونافع بن جبير ومحمد بن كعب وسليمان بن يسار ومجاهد والقاسم بن عبد الرحمان وعمر و بن هرم والشعبي: أنها لا تطلق.
أي: يروى في أن لا طلاق قبل النكاح، عن علي بن أبي طالب إلى آخره، وذكر الرواية عنهم بصيغة التمريض، ولو ثبت عنده في ذلك خبر مرفوع صحيح لذكره، وهؤلاء الأربعة وعشرون ذهبوا إلى أن لا طلاق قبل النكاح، وهؤلاء كلهم تابعيون، إلا أولهم وهو علي بن أبي طالب، وإلا ابن هرم فإنه من أتباع التابعين. أما التعليق عن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، فرواه ابن أبي شيبة عن محمد بن فضل عن ليث عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال عنه، وأما التعليق عن عروة فرواه أيضا عن الثقفي عن عروة فذكره، وأما التعليق عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فرواه يعقوب بن سفيان والبيهقي من طريقه عن يزيد بن الهاد عن المنذر بن علي بن أبي الحكم أن ابن أخيه خطب ابنة عمه، فتشاجروا في بعض الأمر فقال الفتى: هي طالق إن نكحتها حتى آكل الغضيض، قال: والغضيض طلع النخل الذكر، ثم ندموا بن علي
ما كان من الأمر، فقال المنذر: أنا آتيكم بالبيان من ذلك، فانطلق إلى سعيد بن المسيب فذكر له فقال ابن المسيب: ليس عليه شيء طلق ما لا يملك. ولا طلاق له فيما لا يملك قال: ثم إني سألت عروة بن الزبير فقال مثل ذلك، ثم سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن فقال مثل ذلك. ثم سألت أبا بكر بن عبد الرحمن بن هشام فقال مثل ذلك، ثم سألت عبيد الله بن عتيبة بن مسعود فقال مثل ذلك، ثم سألت عمر بن عبد العزيز، فقال: هل سألت أحدا؟ قلت: نعم. فسماهم قال: ثم رجعت إلى القوم فأخبرتهم، وأما تعليق عبيد الله بن عبد الله بن عتيبة ففي ما ذكره يعقوب بن سفيان المذكور الآن، وأما تعليق أبان بن عثمان فلم يذكره أحد من الشراح، وأما تعليق علي بن حسين بن علي المشهور بزين العابدين فذكره في (الغيلانيات) من طريق شعبة عن الحكم هو ابن عتيبة؛ سمعت علي بن حسين بن علي يقول: (لا طلاق إلا بعد نكاح)، وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة عن غندر عن شعبة. وأما تعليق شريح القاضي فرواه أيضا ابن أبي شيبة عن أبي أسامة ووكيع حدثنا شعبة عن سعيد بن جبير عنه، قال: لا طلاق قبل نكاح. وأما تعليق سعيد بن جبير فرواه ابن أبي شيبة أيضا عن عبد الله بن نمير عن عبد الملك بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير في الرجل يقول: يوم أتزوج فلانة فهي طالق، قال: ليس بشيء، إنما الطلاق بعد النكاح. وأما تعليق القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، فرواه أبو عبيد في (كتاب النكاح) له عن هشيم، ويزيد بن هارون كلاهما عن يحيى بن سعيد، قال: كان القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر وعمر بن عبد العزيز لا يرون الطلاق قبل النكاح. وأما تعليق سالم بن عبد الله فهو المذكور الآن وأما تعليق طاووس فرواه أبو بكر بن أبي شيبة أيضا عن معتمر عن ليث عن عطاء. وطاووس به. وأما تعليق الحسن فرواه عبد الرزاق عن معمر عن الحسن وقتادة قالا: لا طلاق قبل النكاح ولا عتق قبل الملك. وأما تعليق عكرمة فرواه أبو بكر الأثرم عن الفضل بن دكين عن سويد بن نجيح، قال: سألت عكرمة مولى ابن عباس. قلت: رجل قالوا له: تزوج فلانة
247

قال: هي يوم أتزوجها طالق. كذا، وكذا قال: إنما الطلاق بعد النكاح. وأما تعليق عطاء فقد مر مع طاووس. وأما تعليق عامر بن سعد، قيل: البجلي الكوفي من كبار التابعين. فلم أقف بن علي
أثره. وقال الكرماني: هو عامر بن سعد بن أبي وقاص، وقال بعضهم: فيه نظر. قلت: لم يذكر صاحب (رجال الصحيحين) عامر بن سعد البجلي هذا، والظاهر أنه عامر بن سعد بن أبي وقاص فإنه أيضا من كبار التابعين. وأما تعليق جابر بن زيد وهو أبو الشعثاء البصري فأخرجه سعيد بن منصور من طريقه وأما تعليق نافع بن جبير بن مطعم ومحمد بن كعب القرظي فأخرجه ابن أبي شيبة عن جعفر بن عون عن أسامة بن زيد عنهما قالا: لا طلاق إلا بعد نكاح وأما تعليق سليمان بن يسار فأخرجه سعيد بن منصور عن عتاب بن بشير عن خصيف عن سليمان بن يسار أنه حلف في امرأة إن تزوجها فهي طالق، فتزوجها فأخبر بذلك عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه، وهو أمير بن علي
المدينة، فأرسل إليه: بلغني أنك حلفت في كذا؟ قال: نعم قال: أفلا تخلي سبيلها؟ قال؛ لا، فتركه عمرو ولم يفرق بينهما. وأما تعليق مجاهد فرواه ابن أبي شيبة من طريق الحسين بن الرماح، سألت سعيد بن المسيب ومجاهدا وعطاء عن رجل قال: يوم أتزوج فلانة فهي طالق، فكلهم قالوا: ليس بشيء زاد سعيد: أيكون سيل قبل مطر؟ وأما تعليق القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود فرواه ابن أبي شيبة عن وكيع عن معروف بن واصل، قال: سألت القاسم بن عبد الرحمن، فقال: لا طلاق إلا بعد نكاح. وأما تعليق عمرو بن هرم الأزدي، من أتباع التابعين، فأخرجه أبو عبيد من طريقه، قاله بعض الشراح. وأما تعليق عامر الشعبي فرواه وكيع عن منصور عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي. أنه قال: كل امرأة تزوجها فهي طالق، فليس بشيء وإذا وقت لزمه، وهذا كما رأيت البخاري وقد ذكر هؤلاء
المذكورين بصيعة التمريض ونسب جميع من ذكر عنهم إلى القول بعدم الوقوع مطلقا مع أن في بعض من ذكر عنه تفصيلا، وفي سند البعض كلاما بن علي
ما نشير إلى البعض.
فنقول: أثر علي بن أبي طالب رواه عبد الرزاق من طريق الحسن البصري، والحسن لم يسمع من علي. وأما رواية ابن أبي شيبة عن عبد الملك بن ميسرة ضعفه يحيى بن معين، فإن قلت: أخرج ابن ماجة عن جويبر عن الضحاك عن النزار بن سبرة عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لا طلاق قبل النكاح. قلت: جويبر بن سعيد البلخي ضعيف. فإن قلت: روى الترمذي: حدثنا أحمد بن منيع حدثنا حدثنا هشيم عامر الأحول عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ولا عتق له فيما لا يملك. وقال: حديث عبد الله بن عمرو حديث حسن صحيح، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب. قلت: رواه أبو داود وابن ماجة أيضا، وفي رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده كلام كثير فمن الناس من رده فعن أحمد: عمرو بن شعيب له أشياء مناكير، وإنما يكتب حديثه ويعتبر به فأما أن يكون حجة فلا. وقال أبو عبيد الآجري: قيل لأبي داود عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: لا ولا نصف حجة. وقال البخاري: رأيت أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني وإسحاق بن راهويه وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: ما تركه أحد من المسلمين قال البخاري من الناس بعدهم، وأجاب أصحابنا بعد التسليم بصحته. أنا أيضا قائلون بأنه لا طلاق للرجل فيما لا يملك، ووقوع الطلاق فيما قلنا بعد أن يملك بالتزويج المعلق فيكون الطلاق بعد النكاح، كما ذكرنا في أول الباب، ولما أخرج الترمذي هذا الحديث قال: وفي الباب عن علي ومعاذ بن جبل وجابر وابن عباس وعائشة، رضي الله تعالى عنهم. قلت: حديث علي قد ذكرناه، وحديث معاذ بن جبل رواه الدارقطني من رواية عبد الحميد وهو ابن رواد عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن طاووس عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لا طلاق قبل نكاح ولا نذر فيما لا يملك. قلت: وطاووس عن معاذ منقطع، ورواه أيضا من رواية يزيد بن عياض عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا طلاق إلا بعد نكاح، وإن سميت المرأة بعينها. قال الدارقطني: يزيد بن عياض ضعيف، وقال شيخنا: ابن المسيب عن معاذ مرسل، ورواه ابن عدي في (الكامل) من رواية عمر بن عمرو السقلاني عن أبي فاطمة النخعي عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل مرفوعا لإطلاق إلا بعد ملك، وعمر بن عمرو
248

يروي الموضوعات، وأبو فاطمة لا يعرف. وأما حديث جابر فرواه الحاكم في (المستدرك) من رواية ابن أبي ذئب عن عطاء عن جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا طلاق لمن لم يملك ولا عتاق لمن لم يملك. وقال: هذا حديث صحيح بن علي
شرط الشيخين ولم يخرجاه. قلت: قال شيخنا: واختلف في علي بن أبي ذئب فرواه أبو مجلز الحنفي هكذا، وخالفه وكيع فرواه عنه محمد بن المنكدر عن جابر يرفعه. وأما حديث ابن عباس فأخرجه الدارقطني من رواية سليمان بن أبي سليمان عن يحيى بن أبي كثير عن طاووس عن ابن عباس قال: قال رسو الله صلى الله عليه وسلم: لا نذر إلا فيما أطيع الله فيه ولا يمين في قطيعة رحم ولا عتاق ولا طلاق فيما لا يملك. قلت: ذكره عبد الحق في أحكامه من جهة الدارقطني، وقال: إسناده ضعيف، وقال ابن القطان: وعلته سليمان بن أبي سليمان فإنه شيخ ضعيف الحديث، قاله أبو حاتم الرازي، وقال صاحب (التنقيح): هذا حديث لا يصح فإن سليمان بن أبي سليمان بن داود اليماني متفق بن علي
ضعفه، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه وأما حديث عائشة فرواه الدارقطني من رواية الوليد بن سلمة الأزدي عن يونس عن الزهري عن غروة عن عائشة، قالت: بعث النبي صلى الله عليه وسلم، أبا سفيان بن حرب فكان فيما عهد إليه أن لا يطلق الرجل ما يتزوج ولا يعتق ما لا يملك قلت: قال: في (التنقيح): الولد بن سلمة الأزدي قال ابن حبان كان يضع الحديث.
فإن قلت: وفي الباب عن المسور بن مخرمة وعبد الله بن عمرو وأبي ثعلبة الخشني. أما حديث المسور فأخرجه ابن ماجة من رواية هشام بن سعد المخزومي عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا طلاق قبل النكاح ولا عتق قبل ملك قلت: أورده ابن عدي في (الكامل) في ترجمة هشام بن سعد وضعفه، وقال: رواه مرة مرفوعا ومرة عن عروة مرسلا وأما حديث عبد الله بن عمر فأخرجه الدارقطني من رواية أبي خالد الواسطي عن أبي هاشم الرماني عن سعيد بن جبير عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن رجل قال يوم أتزوج فلانة فهي طالق، قال: طلق ما لا يملك. قال صاحب (التنقيح) هذا حديث باطل، وأبو خالد الواسطي هو عمرو بن خالد وضاع. وقال أحمد ويحيى: كذاب. وأما حديث أبي ثعلبة الخشني فرواه الدارقطني عن علي بن قرين حدثنا بقية عن الثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال عم لي: أعمل لي عملا حتى أزوجك ابنتي فقال: إن تزوجهتا فهي طالق ثلاثا ثم بدا لي أن أتزوجها، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته، فقال: تزوجها فإنه لا طلاق إلا بعد النكاح، قال: فتزوجتها فولدت لي سعدا وسعيدا. قلت: قال صاحب (التنقيح): هذا أيضا باطل، وعلي بن قرين كذبه يحيى بن معين وغيره، وقال ابن عدي: يسرق الحديث. قلت: أبو ثعلبة الخشني اختلف في اسمه وفي اسم أبيه اختلافا كثيرا. فقيل: اسمه جرهم، وقيل: جر ثوم. وقيل: ابن ناشب، وقيل: ابن ناشم وقيل: بل اسمه عمرو بن جر ثوم، وقيل غير ذلك، ولم يختلفوا في صحبته، وقال أبو عمر: بايع تحت الشجرة ثم نزل الشام ومات في خلافه معاوية، ونسبته إلى خشين بضم الخاء وفتح الشين المعجمتين وهو وائل بن الثمر بن وبرة بن ثعلبة بن حلوان بن عمران بن ألحاف بن قضاعة، والله أعلم.
01
((باب إذا قال لامرأته وهو مكره هاذه أختي، فلا شيء عليه))
أي: هذا باب في بيان حكم من قال لامرأته، والحال أنه مكره: هذه أختي، فلا شيء عليه، يعني: لا يكون طلاقا ولا ظهارا.
قال إبراهيم لسارة هاذه أختي، وذلك في ذات الله عز وجل.
أي: قال إبراهيم خليل الله عليه الصلاة والسلام، لزوجته سارة أم إسحاق عليه الصلاة والسلام ووقع في (شرح الكرماني): أم إسماعيل، وهو خطأ، والظاهر أنه من الناسخ، وأم إسماعيل هاجر وسارة ابنة عم إبراهيم هاران أخت لوط، عليه الصلاة والسلام، ولقول إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، هذه أختي قصة، وهي أن الشام وقع فيه قحط فسار إبراهيم عليه الصلاة والسلام، إلى مصر ومعه سارة ولوط،، عليهما الصلاة والسلام، وكان بها فرعون وهو أول الفراعنة عاش دهرا طويلا، وكانت سارة من أجمل النساء، فأتى إلى فرعون رجل وأخبره بأنه قدم رجل ومعه امرأة من أحسن
249

النساء فأرسل إلى إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، فقال: ما هذه المرأة منك؟ قال: أختي وخاف أن يقول له هذه امرأتي أن يقتله، فلما دخلت عليه أهوى إليها بيده فيبست إلى صدره، فقال لها: سلي إلهك أن يطلق عني فقالت سارة اللهم إن كان صادقا فأطلق له يده، فأطلقها الله، قيل: فعل ذلك مرات، فلما رأى ذلك ردها إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ووهب لها هاجر وهي جارية قبطية. قوله: (وذلك في ذات الله تعالى) أي: قول إبراهيم لسارة: أختي لرضا الله تعالى، لأنها كانت أخته في الدين ولم يكن يومئذ مسلم غيره وغير سارة ولوط، وقال ابن بطال: أراد البخاري بهذا التبويب رد قول من نهى أن يقول الرجل لامرأته: يا أختي، فمن قال لامرأته كذلك وهو ينوي ما نواه إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، فلا يضره شيء قال أبو يوسف: إن لم يكن له نية فهو تحريم، وقال محمد بن الحسن: هو ظهار إذا لم يكن له نية، ذكره الخطابي، وقال بعضهم: وقيد البخاري بكون قائل ذلك إذا كان مكرها لم يضره، وتعقبه بعض الشراح بأنه لم يقع في قصة إبراهيم إكراه، وهو كذلك. قلت: لا تعقب بن علي
البخاري لأنه أراد بذكر قصة إبراهيم الاستدلال بن علي
أن من قال ذلك في حالة الإكراه لا يضره، قياسا بن علي
ما وقع في قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام. قلت: قوله: وهو كذلك، ليس كذلك لأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، كان يتحقق أن هذا الفرعون كان يقتل من خالفه فيما يرده، وكان حاله في ذلك الوقت مثل حال المكره، بل أقوى، لشدة كفر هذ الفرعون وشدة ظلمه وتعذيبه لمن يخالفه بأدنى شيء فكيف إذا خالفه من حاله في مثل هذه القضية؟ والله أعلم.
11
((باب الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون وأمرهما والغلط والنسيان في الطلاق والشرك وغيره))
أي: هذا باب في بيان حكم الإغلاق أي: الإكراه، لأن المكره يغلق عليه في أمره. ويقال: كأنه يغلق عليه الباب ويضيق عليه حتى يطلق. وقيل: لا يطلق التطليقات في دفعة واحدة حتى لا يبقى منه شيء، لكن يطلق طلاق السنة. وفي (المحكم) وغيره: احتد فلان فنشب في حدته وغلق في (الجامع): غلق إذا غضب غضبا شديدا، ولما ذكر الفارسي في كتابه (مجمع الغرائب) قول من قال: الإغلاق الغضب، قال: هذا غلط لأن أكثر طلاق الناس في الغضب إنما هو الإكراه، وأخرج أبو داود حديث عائشة: (لا طلاق ولا عتاق في إغلاق)، قال أبو داود: الغلاق أظنه الغضب، وترجم بن علي
الحديث الطلاق بن علي
غيظ، ووقع عنده بغير ألف في أوله، وحكى البيهقي أنه روى بالوجهين، فوقع عند ابن ماجة في هذا الحديث: الإغلاق، بالألف، وترجم عليه: طلاق المكره، وقال ابن المرابط: الإغلاق حرج النفس وليس يقع بن علي
أن مرتكبه فارق عقله حتى صار مجنونا فيدعى أنه كان في غير عقله، ولو جاز هذا لكان لكل واحد من خلق الله عز وجل ممن يجوز عليه الحرج أن يدعي في كل ما جناه أنه كان في حال إغلاق فتسقط عنه الحدود وتصير الحدود خاصة لا عامة لغير الحرج، وقال ابن بطال: فإذا ضيق بن علي
المكره وشدد عليه لم يقع حكم طلاقه، فكأنه لم يطلق. وفي (مصنف ابن أبي شيبة): أن الشعبي كان يرى طلاق المكره جائزا، وكذا قاله إبراهيم وأبو قلابة وابن المسيب وشريح. وقال ابن حزم: وصح أيضا عن الزهري وقتادة وسعيد بن جبير. وبه أخذ أبو حنيفة وأصحابه، وروى الفرج بن فضالة عن عمرو بن شراحيل أن امرأة أكرهت زوجها بن علي
طلاقها فطلقها، فرفع ذلك إلى عمر فأمضى طلاقها. وعن ابن عمر نحوه، وكذا عن عمر بن عبد العزيز، وأما من لم يره شيئا فعلي بن أبي طلب وابن عمر وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز وعطاء والحسن بن أبي الحسن وعبد الله بن عباس وعمر بن الخطاب والضحاك. قال ابن حزم: وصح أيضا عن طاووس وجابر بن زيد قال: وهو قول مالك والأوزاعي والحسن بن حيى والشافعي وأبي سليمان وأصحابهم، وعن إبراهيم تفصيل آخر، وهو أنه: إن ورى المكره لم يقع، وإلا وقع. وقال الشعبي: إن أكرهه اللصوص وقع وإن أكرهه السلطان فلا، أخرجه ابن أبي شيبة. قوله: (والكره) بضم الكاف وسكوت الراء في النسخ كلها وهو بالجر ظاهره أنه عطف بن علي
قوله: (في الإغلاق) لكن هذا لا يستقيم إلا إذا فسر الإغلاق بالغضب كما فسره أبو داود وترجم عليه بقوله: الطلاق بن علي
غيظ. ولكن في روايته الغلاق، بدون الألف في أوله. وقد فسروه أيضا مع وجود الألف في أوله بالغضب، ولكن إن قدر قبل الكاف ميم لأنه
250

عطف عليه لفظ السكران فيستقيم الكلام ويكون المعنى: باب حكم الطلاق في الإغلاق وحكم المكره والسكران إلى آخره، فهذه الترجمة تشتمل بن علي
أحكام ولم يذكرها اكتفاء بالحديث الذي ذكره.
أما حكم الطلاق في الغضب فإنه يقع، وفي رواية عن الحنابلة إنه لا يقع، قيل: وأراد البخاري بذلك الرد بن علي
مذهب من يرى أن الطلاق في الغضب لا يقع، وأما حكم الإكراه فقد مر، وأما طلاق السكران هل يقع أم لا؟ فإن الناس اختلفوا فيه، فممن قال: إنه لا يقع، عثمان بن عفان وجابر بن زيد وعطاء وطاووس وعكرمة والقاسم وعمر بن عبد العزيز، ذكره ابن أبي شيبة، وزاد ابن المنذر عن ابن عباس وربيعة والليث وإسحاق والمزني، واختاره الطحاوي، وذهب مجاهد إلى أن طلاقه يقع، وكذا قاله محمد والحسن وسعيد بن المسيب وإبراهيم بن يزيد النخعي وميمون بن مهران وحميد بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار والزهري والشعبي وسالم بن عبد الله والأوزاعي والثوري، وهو قول مالك وأبي حنيفة، واختلف فيه قول الشافعي، فأجازه مرة ومنعه أخرى، وألزمه مالك الطلاق والقود من الجراح ومن القتل ولم يلزمه النكاح والبيع، وقال الكوفيون: أقول السكران وعقوده كلها ثابتة كفعل الصاحي إلا الردة فإذا ارتد لا تبين امرأته استحسانا، قال أبو يوسف: يكون مرتدا في حال سكره وهو قول الشافعي إلا إنا لا نقتله في حال سكره ولا نستتيبه، وأما المجنون فالإجماع واقع بن علي
أن طلاق المجنون والمعتوه واقع، وقا لمالك: وكذلك المجنون الذي يفيق أحيانا يطلق في حال جنونه والمبرسم قد رفع عنه القلم لغلبة العلم بأنه فاسد المقاصد، وأما حكم طلاق الغالط أو الناسي فإنه واقع، وهو قول عطاء والشافعي في قول، وإسحاق ومالك والثوري وابن أبي ليلى والأوزاعي والكوفيين، وعن الحسن: أن الناسي كالعامد إلا أن اشترط فقال: إلا أن أنسي، وأما المخطىء فذهب الجمهور إلى أنه لا يقع طلاقه، وعند الحنفية إذا أراد رجل أن يقول لامرأته شيئا فسبق لسانه، فقال: أنت طالق، يلزمه الطلاق.
قوله: (وأمرهما) أي: أمر السكران والمجنون، أي: في بيان أمرهما من أقوالهما وأفعالهما هل حكمهما واحد أو مختلف؟ بن علي
ما يجيء. قوله: (والغلط والنسيان) أي: وفي بيان الغلط والنسيان الحاصلين في الطلاق، أراد أنه لو وقع من المكلف ما يقتضي الطلاق غلطا أو نسيانا. قوله: (والشرك)، أي؛ وفي بيان الشرك لو وقع من المكلف ما يقتضي الشرك غلطا أو نسيانا هل يحكم عليه به؟ وقال صاحب (التوضيح) وقع في كثير من النسخ: والنسيان في الطلاق والشرك بكسر الشين المعجمة وسكون الراء فهو خطأ والصواب في الشك، مكان الشرك. قلت: سبقه بهذا ابن بطال حيث قال: وقع في كثير من النسخ. والنسيان في الطلاق والشرك وهو خطأ، والصواب: والشك مكان الشرك، وأما طلاق المشرك فجاء عن الحسن وقتادة وربيعة أنه لا يقع، ونسب إلى مالك وداود، وذهب الجمهور إلى أنه يوقع كما يصح نكاحه وعتقه وغير ذلك من أحكامه. قوله: (وغيره) قال بعضهم: أي: وغير الشرك مما هو دونه. قلت: ليس معناه كذا، وإنما المعنى: وغير المذكور من الأشياء المذكورة نحو الخطأ وسبق اللسان والهزل، وقد ذكرنا الآن حكم الخطأ وسبق اللسان، وأما حكم الهازل في طلاقه ونكاحه ورجعته فإنه يؤخذ به، ولا يلتفت إلى قوله: (كنت هازلا) ولا يدين أيضا فيما بينه وبين الله تعالى، وذلك لما روى الترمذي من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب والعمل بن علي
هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، واعلم أنه ذكر هذه الأشياء ولم يذكر ما الجواب فيها اكتفاء بقوله.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الأعمال بالنية ولكل امرىء ما نوى
أشار بهذا الحديث الصحيح الذي سبق ذكره في أول الكتاب بن علي
اختلاف الألفاظ فيه أن الاعتبار في الأشياء المذكورة النية، لأن الحكم في الأصل إنما يتوجه بن علي
العاقل المختار العامد الذاكر والمكره غير مختار والسكران غير عاقل في سكره، وكذلك المجنون في حال جنونه، والغالط والناسي غير ذاكرين، وقد ذكرنا الأحكام فيها مستقصاة.
وتلا الشعبي: * ((2) لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) * (البقرة: 682)
251

أي: قرأ عامر بن شراحيل الشعبي هذه الآية لما سئل عن طلاق الناسي والمخطىء، واحتج بها بن علي
عدم وقوع طلاق الناسي والمخطىء، وجه الاستدلال بها ظاهر.
وما لا يجوز من إقرار الموسوس
هو عطف بن علي
قوله: الطلاق في الإغلاق، والتقدير: وفي بيان ما لا يجوز من إقرار الموسوس بن علي
صيغة الفاعل وسوس توسوس نفسه إليه، والوسوسة حديث النفس ولا مؤاخذة بما يقع في النفس.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم، للذي أقر على نفسه أبك جنون؟
أشار بهذا إلى الاستدلال به في عدم وقوع طلاق المجنون، وهو قطعة من حديث أخرجه في المتحاربين عن أبي هريرة قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فناداه، فقال: يا رسول الله! إني زنيت، فأعرض عنه حتى ردده عليه أربع مرات، فلما شهد بن علي
نفسه أربع شهادات دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبك جنون؟ فقال: لا... الحديث، وسيأتي الكلام فيه في موضعه إن شاء الله تعالى قوله: (للذي أقر) أي
: الرجل الذي أقر بن علي
نفسه بالزنا، وإنما قال له: أبك جنون؟ لأنه لو كان ثبت عنه أنه مجنون كان أسقط الحد عنه.
وقال علي: بقر حمزة خواصر شارفي، فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة، فإذا حمزة قد ثمل محمرة عيناه ثم قال حمزة هل أنتم إلا عبيد لأبي؟ فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أنه ثمل، فخرج وخرجنا معه.
أشار بهذا إلى الاستدلال بأن السكران لا يؤاخذ بما صدر منه في حال سكره من طلاق وغيره، وعلي هو ابن أبي طالب، رضي الله عنه، وهذا قطعة من حديث قد مضت في غزوة بدر في باب مجرد عقيب: باب شهود الملائكة بدرا. مطولا. قوله: (بقر) بفتح الباء الموحدة وتخفيف القاف أي: شق قوله: (خواصر) جمع خاصرة. قوله: (شارفي) تثنية شارف أضيف إلى ياء المتكلم والفاء المفتوحة والياء مشددة، والشارف بالشين المعجمة وكسر الراء وهي المسنة من النوق قوله: (فطفق النبي صلى الله عليه وسلم) أي: شرع النبي صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة بن عبد المطلب بن علي
فعله هذا قوله فإذا كلمة مفاجأة وحمزة مبتدأ وقد ثمل خبره بفتح الثاء المثلثة وكسر الميم أي: قد أخذه الشراب والرجل ثمل بكسر الميم أيضا، ولكنه في الحديث ماض في الموضعين، وفي قولنا: الرجل ثمل، صفة مشبهة فافهم، ويروى: فإذا حمزة ثمل، بن علي
صيغة الصفة المشبهة فافهم. قوله: (محمرة عيناه) خبر بعد خبر ويجوز أن يكون حالا فحينئذ تنصب محمرة، قوله: (فخرج) أي: النبي صلى الله عليه وسلم من عند حمزة وخرجنا معه. واعترض المهلب بأن الخمر حينئذ كانت مباحة، قال: فبذلك سقط عنه حكم ما نطق به في تلك الحال، قال: وبسب هذه القصة كان تحريم الخمر، ورد عليه بأن الاحتجاج بهذه القصة إنما هو بعدم مؤاخذة السكران. لما يصدر منه، ولا يفترق الحال بين أن يكون الشرب فيه مباحا أولا، وبسبب هذه القسعة كان تحريم الخمر، غير صحيح، لأن قصة الشارفين كانت قبل أحد اتفاقا، لأن حمزة، رضي الله تعالى عنه، استشهد بأحد وكان ذلك بين بدر وأحد عند تزويج علي بفاطمة، رضي الله تعالى عنهما، وقد ثبت في (الصحيح) أن جماعة اصطحبوا الخمر يوم أحد واستشهدوا في ذلك اليوم، فكان تحريم الخمر بعد أحد لهذا الحديث الصحيح.
وقال عثمان ليس لمجنون ولا لسكران طلاق
أي: قال عثمان بن عفان أمير المؤمنين: ليس لمجنون ولا لسكران طلاق، يعني: لا يقع طلاقهما، ورواه ابن أبي شيبة عن وكيع بسند صحيح: حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبان بن عثمان عنه بلفظ: كان لا يجيز طلاق السكران والمجنون، وكان عمر بن عبد العزيز يجيز ذلك جتى حدثه أبان بهذا.
قال ابن عباس: طلاق السكران والمستكره ليس بجائز
هذا التعليق وصله ابن أبي شيبة بسند صحيح: عن هشيم عن عبد الله بن طلحة الخزاعي عن أبي يزيد المديني عن عكرمة
252

عن ابن عباس بلفظ: ليس لسكران ولا لمضطهد طلاق، يعني المغلوب المقهور والمضطهد بضاد معجمة ساكنة ثم طاء مهملة مفتوحة ثم هاء ثم دال مهملة. قوله: (ليس بجائز) ليس باقع.
وقال عقبة بن عامر: لا يجوز طلاق الموسوس
عقبة، بضم العين وسكون القاف: ابن عامر بن عبس الجهني من جهينة ابن زيد بن سود بن أسلم بن عمرو بن الحاف ابن قضاعة، وقال أبو عمر: سكن عقبة بن عامر مصر وكان واليا عليها وابتنى بها دارا، وتوفي في آخر خلافه معاوية قلت: ولي مصر من قبل معاوية سنة أربع وأربعين، ثم عزله بمسلمة بن مخلد، وكان له دار بدمشق بناحية قنطرة سنان من باب تومما، وذكر خليفة بن خياط قتل أبو عامر عقبة بن عامر الجهني يوم النهروان شهيدا، وذلك في سنة ثمان وثلاثين، قال أبو عمر: هذا غلط منه، وقال الواقدي: شهد صفين مع معاوية وتحول إلى مصر وتوفي آخر خلافه معاوية ودفن بالمقطم، وقال الكرماني: عقبة بن عامر الجهني الصحابي الشريف المقري الفرضي الفصيح، هو كان البريد إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عن، بفتح دمشق، ووصل إلى المدينة في سبعة أيام ورجع منها إلى الشام في يومين ونصف بدعائه عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، بذلك، وإنما قال: لا يجوز طلاق الموسوس لأن الوسوسة حديث النفس، ولا مؤاخذة بما يقع في النفس.
وقال عطاء: إذا بدأ بالطلاق فله شرطه
عطاء هو ابن أبي رباح. قوله: (إذا بدأ بالطلاق) يعني إذا أراد أن يطلق وبدأ (فله شرطه) أي فله أن يشترط ويعلق طلاقها بن علي
شرط، يعني: لا يلزم أن يكون الشرط مقدما بن علي
الطلاق، بل يصح أن يقال: أنت طالق إن دخلت الدار، كما في العكس، ونقل عن البعض أنه لا ينتفع بشرطه.
وقال نافع: طلق رجل امرأته البتة إن خرجت، فقال ابن عمر: إن خرجت فقد بتت منه، وإن لم تخرج فليس بشيء.
أي: قال نافع مولى ابن عمر له: ما حكم رجل طلق امرأته البتة يعني: بائنا إن خرجت من الدار؟ فأجاب ابن عمر: إن خرجت وقع طلاقه بائنا، وإن لم تخرج لا يقع شيء، لأنه تعليق بالشرط فلا يتنجز إلا عند وجود الشرط. قوله: (البتة) نصب بن علي
المصدرية من بته بيته ويبته بضم الباء الموحدة وكسرها، والبت القطع، ويقال: لا أفعله بتة، ولا أفعله البتة، لكل أمر لا رجعة فيه، ويقال: طلقها ثلاثا بتة، أي قاطعة. وقال الكرماني: قالت النحاة: قطع همزة البتة بمعزل عن القياس، وقال بعضهم في دعوى أنها تقال بالقطع نظر، فإن ألف البتة ألف وصل قطعا، والذي قاله
أهل اللغة البتة: القطع، وهو تفسيرها بمرادفها لأن المراد أنها تقال بالقطع قلت النحاة لم يقولوا البتة القطع فحسب، وإنما قالوا: قطع همزة البتة، بتصريح نسبة القطع إلى الهمزة قوله: (فقد بتت) بن علي
صيغة المجهول أي: انقطعت عن الزوج بحيث لا رجعة فيها، ويروى: فقد بانت. قوله: (وإن لم تخرج) أي: وإن لم يحصل الشرط فلا شيء عليه.
وقال الزهري فيمن قال: إن لم أفعل كذا وكذا فامرأتي طالق ثلاثا عما يسأل قال وعقد عليه قلبه حين حلف بتلك اليمين، فإن سمى أجلا أراده وعقد عليه قبه حين حلف جعل ذلك في دينه وأمانته.
أي: قال محمد بن مسلم الزهري: صور المسألة ظاهرة لأنها تعليق يتنجز عند وجود الشرط غير أن الزهري زاد فيها قوله: يسأل عما قال... إلى آخره. قوله: (جعل ذلك في دينه) يعني: يدين بينه وبين الله تعالى.
وقال إبراهميم: إن قال: لا حاجة لي فيك، نيته
أي: قال إبراهيم النخعي: إن قال رجل لامرأته: لا حاجة لي فيك نيته. أي تعتبر فيه نيته، فإن قصد طلاقا طلقت، وإلا فلا. وأخرجه ابن أبي شيبة عن حفص هو ابن غياث عن إسماعيل عن إبراهيم في رجل قال لامرأته: لا حاجة لي فيك، قال: نيته.
253

وطلاق كل قوم بلسانهم
أي: قال إبراهيم: طلاق كل قوم من عربي وعجمي جائز بلسانهم، وروى ابن أبي شيبة عن ابن إدريس وجرير، فالأول: عن مطرف، والثاني: عن مغيرة كلاهما عن إبراهيم، قال: طلاق العجمي بلسانه جائز، وقال صاحب (المحيط): الطلاق بالفارسية المتعارفة أربعة: أحدها: لو قال لها: هشتم ترا، أو بهشتم ترا أززني، روى ابن رستم في (نوادره) عن أبي حنيفة: لا يكون طلاقا إلا بالنية لأن معناه يؤول إلى معنى التخلية ولفظ التخلية لا يصح إلا بالنية واللفظ الثاني: لو قال؛ بله كردم، واللفظ الثالث: لو قال: اي كشادة كردم، يقع راجعيا بلا نية. واللفظ الرابع: لو قال: دست باز داشتم، قيل: يكون رجعيا، وقيل: بائنا، ولو قال: جهار راه برتو كشاده است، لا يقع وإن نوى. ولو قال بالتركي: (بو شادم سني بر طلاق) تقع واحدة رجعية، ولو قال: (إيكي طلاق) يقع ثتنان، ولو قال: (أوج طلاق) يقع ثلاث.
وقال قتادة: إذا قال؛ إذا حملت فأنت طالق ثلاثا، يغشاها عند كل طهر مرة، فإن استبان حملها فقد بانت منه.
أي: قال قتادة بن دعامة: إذا قال رجل لامرأته: إذا حملت فأنت طالق ثلاثا، يغشاها أي؛ يجامعها في كل طهر مرة لا مرتين لاحتمال أنه بالجماع الأول صارت حاملا، فطلقت به. وقال ابن سيرين: يغشاها حتى تحمل، وبه قال الجمهور، وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة نحوه.
وقال الحسن: إذا قال: إلحقي بأهلك، نيته
أي: قال الحسن البصري: إذا قال لامرأته: إلحقي بأهلك تعتبر نيته أراد أنه كناية يعتبر فيه قصده إن نوى الطلاق وقع وإلا فلا. وروى عبد الرزاق بلفظ: هو ما نوى.
وقال ابن عباس: الطلاق عن وطر والعتاق ما أريد به وجه الله تعالى
أي: قال ابن عباس: الطلاق عن حاجة أراد به أنه لا يطلق امرأته إلا عند الحاجة مثل النشوز، وكلمة: عن، تتعلق بمحذوف أي: الطلاق لا ينبغي وقوعه إلا عند الحاجة، والوطر بفتحتين، قال أهل اللغة: لا يبني منه فعل. قوله: والعتاق أريد به وجه الله، يعني: العتاق لله فهو مطلوب دائما.
وقال الزهري: إن قال: ما أنت بامرأتي نيته، وإن نوى طلاقا فهو ما نوى
أي: قال محمد بن مسلم الزهري: إن قال رجل لامرأته: ما أنت بامرأتي تعتبر نيته، فإن نوى طلاقا فهو ما نوى، وبه قال مالك وأبو حنيفة والأوزاعي، وقال أبو يوسف ومحمد: ليس بطلاق، وقال الليث: هي كذبة.
وقال علي: ألم تعلم أن القلم رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق. وعن الصبي حتى يدرك وعن النائم حتى يستيقظ
أي: قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: ألم تعلم؟ يخاطب به عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، وذلك أن عمر أتى بمجنونة قد زنت وهي حبلى، فأراد أن يرجمها، فقال علي له: ألم تعلم... إلى آخره، وذكر بصيغة جزم لأنه حديث ثابت، وقال ابن المنذر: ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: رفع القلم... الحديث، وهذا التعليق رواه ابن حبان في (صحيحه) مرفوعا من حديث ابن وهب عن جرير عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس عن علي، رضي الله تعالى عنهم، ورواه أبو داود والنسائي من رواية أبي ظبيان عن ابن عباس، قال: مر بن علي
علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، بمجنونة، وفيه فقال علي: أو ما تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب بن علي
عقله، عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم؟ قال: صدقت) ورواه ابن ماجة من رواية ابن جريج عن القاسم بن يزيد عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
254

قال: (رفع القلم عن الصغير وعن المجنون وعن النائم) قوله: (حتى يدرك) أي: حتى يبلغ، وفي (الفتاوى الصغرى) لأبي يعقوب بن يوسف الجصاصي: إن
الجنون الطبق عن أبي يوسف أكثر السنة وفي رواية عنه أكثر من يوم وليلة، وفي رواية سبعة أشهر، والصحيح ثلاثة أيام. واختلفوا في طلاق الصبي، فعن ابن المسيب والحسن: يلزم إذا عقل وميز، وحده عند أحمد أن يطيق الصيام ويحصي، وعند عطاء إذا بلغ اثنتي عشر سنة، وعن مالك رواية إذا ناهز الاحتلام.
وقال علي وكل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه
أي: قال علي بن أبي طالب، وذكره أيضا بصيغة الجزم لأنه ثابت، ووصله البغوي في (الجعديات) عن علي بن الجعد عن شعبة عن الأعمش عن إبراهيم النحعي عن عابس بن ربيعة: أن عليا قال: كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه، والمعتوه، بفتح الميم وسكون العين المهملة وضم التاء المثناة من فوق وسكون الواو بعدها: وهو الناقص العقل فيدخل فيه الطفل والمجنون والسكران. وقد روى الترمذي: حدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا مروان بن أبي معاوية الفزاري عن عطاء بن عجلان عن عكرمة بن خالد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه والمغلوب بن علي
عقله). قال: هذا حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث عطاء بن عجلان، وهو ضعيف ذاهب الحديث، والعمل بن علي
هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: إن طلاق المعتوه المغلوب بن علي
عقله لا يجوز إلا أن يكون معتوها يفيق الأحيان فيطلق في حال إفاقته. وقال شيخنا زين الدين هذا حديث أبي هريرة انفرد بإخراجه الترمذي، وعطاء بن عجلان ليس له عند الترمذي إلا هذا الحديث الواحد، وليس له في بقية الكتاب الستة شيء، وهو حنفي بصري يكنى أبا محمد، ويعرف بالعطار، اتفقوا بن علي
ضعفه. قال ابن معين والفلاس: كذاب، وقال أبو حاتم والبخاري: منكر الحديث، زاد أبو حاتم جدا، وهو متروك الحديث. قوله: (وكل طلاق)، ويروى: (وكل الطلاق)، بالألف واللام. قوله: (جائز) أي: واقع.
9625 حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام حدثنا قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبي هريرة، رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم.
(انظر الحديث 8252 وطرفه)
مطابقته للترجمة يمكن أن يكون بينه وبين حديث عقبة بن عامر المذكور في أخبار باب الترجمة المذكورة، وهو قوله: لا يجوز طلاق الموسوس، وقد أعلم أن الوسوسة من أحاديث النفس، فإذا تجاوز الله عن عبده ما حدثت به نفسه يدخل فيه طلاق الموسوس أنه لا يقع.
وهشام هو الدستوائي، وزرارة بضم الزاي وخفة الراء الأولى ابن أوفى بن علي
وزن أفعل من الوفاء العامري قاضي البصرة.
والحديث مضى في العتق في: باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق، فإنه أخرجه هناك عن الحميدي عن سفيان عن مسعر عن قتادة... إلى آخره، وقد ذكرنا هناك أن الحديث أخرجه الجماعة ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (ما حدثت به أنفسها) بالفتح بن علي
المفعولية، وذكر المطرزي عن أهل اللغة أنهم يقولونه بالضم يريدون بغير اختيارها. قلت قوله: بالضم، ليس بجيد، بل الصواب بالرفع، ولا تعلق له بأهل اللغة بل الكل سائغ في اللغة: حدثت نفسي بكذا، وحدثتني نفسي بكذا. قوله: (ما لم تعمل)، أي: في العمليات (أو تتكلم) في القوليات. وقال الكرماني: قالوا: من عزم بن علي
ترك واجب أو فعل محرم ولو بعد عشرين سنة مثلا عصى في الحال. وأجاب بأن المراد بحديث النفس ما لم يبلغ إلى حد الجزم ولم يستقر. أما إذا عقد قلبه به واستقر عليه فهو مؤاخذة بذلك الجزم، نعم لو بقي ذلك الخاطر ولم يتركه يستقر لا يؤاخذه خذ به بل يكتسب له به حسنة. وفيه إشارة إلى أن هذا من خصائص هذه الأمة، وأن الأمم المتقدمة كانوا يؤاخذون بذلك، وقد اختلف أيضا: هل كان ذلك يؤاخذ به في أول الإسلام؟ ثم نسخ وخفف ذلك عنهم، أو هو تخصيص وليس بنسخ، وذلك قوله تعالى: * (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم الله) * (البقرة: 482) فقد قال غير واحد من الصحابة، منهم: أبو هريرة وابن عباس وابن عساكر: إنها منسوخة بقوله تعالى: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * (البقرة: 682) واعلم أن المراد بالكلام كلام اللسان لأن الكلام حقيقة، وقول ابن العربي المراد به الكلام النفسي، وإن
255

القول الحقيقي هو الموجود بالقلب الموافق للعلم، مردود عليه، وإنما قاله تعصبا لما حكى عن مذهبه من وقوع الطلاق بالعزم وإن لم يتلفظ، وليس لأحد خلاف أنه إذا نوى الطلاق بقلبه ولم يتلفظ به أنه لا شيء عليه إلا ما حكاه الخطابي عن الزهري ومالك: أنه يقع بالعزم، وحكاه ابن العربي عن رواية أشهب عن مالك في الطلاق والعتق والنذر أنه يكفي فيه عزمه وجزمه في قلبه بكلامه النفسي، وهذا في غاية البعد ونقضه الخطابي بن علي
قائله بالظهار وغيره، فإنهم أجمعوا بن علي
أنه لو عزم بن علي
الظهار لم يلزمه حتى يتلفظ به، ولو حدث نفسه بالقذف لم يكن قاذفا، ولو حدث نفسه في الصلاة لم يكن عليه إعادة. وقد حرم الله الكلام في الصلاة، فلو كان حديث النفس في معنى الكلام لكانت صلاته تبطل، وقد قال عمر، رضي الله تعالى عنه: إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة، وممن قال: إن طلاق النفس لا يؤثر عطاء بن
أبي رباح وابن سيرين والحسن وسعيد بن جبير والشعبي وجابر بن زيد وقتادة والثوري وأبو حنيفة وأصحابه الشافعي وأحمد وإسحاق واستدل به جماعة أنه إذا كتب بالطلاق وقع لأن الكتابة عمل، وهو قول محمد بن الحسن وأحمد بن حنبل، وشرط فيه مالك الإشهاد بن علي
الكتابة، وجعله الشافعي غاية إن نوى به الطلاق وقع وإلا فلا، وفي (المحيط): إذا كتاب طلاق امرأته في كتاب أو لوح أو بن علي
حائض أو أرض وكان مستبينا ونوى به الطلاق يقع، وإن لم يكن مستبينا أو كتب في الهواء والماء لا يقع، وإن نوى.
وقال قتادة: إذا طلق في نفسه فليس بشيء
وقع هذا في بعض النسخ قبل الحديث المذكور، وهنا أنسب كما لا يخفى بن علي
الفطن، ووصله عبد الرزاق عن معمر عن قتاد والحسن قالا: من طلق سرا في نفسه فليس طلاقه ذلك بشيء.
0725 حدثنا أصبغ أخبرنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمان عن جابر أن رجلا من أسلم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فقال: إنه قد زنى، فأعرض عنه فتنحى لشقه الذي أعرض، فشهد على نفسه أربع شهادات، فدعاه فقال: هل بك جنون؟ هل أحصنت؟ قال: نعم، فأمر به أن يرجم بالمصلى، فلما أذلقته الحجارة جمز حتى أدرك بالحرة فقتل.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله في الترجمة: والمجنون، فإن الرجل الذي قتل لو كان مجنونا لم يعمل بإقراره.
وإصبغ هو ابن الفرج بالجيم أبو عبد الله المصري يروي عن عبد الله بن وهب المصري عن يونس بن يزيد الأيلي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن جابر بن عبد الله، رضي الله تعالى عنهما.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المحاربين عن محمد بن مقاتل. وأخرجه مسلم في الحدود عن إسحاق بن إبراهيم وغيره. وأخرجه أبو داود فيه عن محمد بن المتوكل. وأخرجه الترمذي فيه عن الحسن بن علي. وأخرجه النسائي في الجنائز عن محمد بن يحيى وفي الرجم عن ابن السرح وغيره.
قوله: (أن رجلا) هو ماعز بكسر العين المهملة وبالزاي ابن مالك الأسلمي، معدود في المدنيين ونسبته إلى أسلم قبيلة. قوله: (فتنحى) قال الخطابي: تفعل من نحى إذا قصد الجهة، أي: التي إليها وجهه ونحى نحوه، ويقال: قصد شقه الذي أعرض إليه. قوله: (فشهد بن علي
نفسه أربع شهادات) المراد بها أربع أقارير.
والدليل عليه ما رواه ابن حبان في (صحيحه) من حديث أبي هريرة، قال: جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الأبعد زنى، فقال له: ويل لك، ما يدريك من الزنا. فأمر به فطرد وأخرج، ثم أتاه الثانية فقال مثل ذلك، فأمر به فطرد وأخرج، ثم أتاه الثالثة فقال ذلك فأمر به فطرد وأخرج. ثم أتاه الرابعة، فقال مثل ذلك، قال: أدخلت وأخرجت؟ قال: نعم، فأمر به أن يرجم. وسنذكر الخلاف فيه بين الأئمة. وأخرج أبو داود والنسائي وأحمد من حديث هشام بن سعد: أخبرني يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه قال: كان ماعز بن مالك في حجر أبي فأصاب جارية من الحي. فقال له أبي: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنعت لعله يستغفر لك، وإنما يريد بذلك رجاء أن يكون له مخرج، فأتاه فقال: يا رسول الله إني زنيت فأقم علي كتاب الله عز وجل، فأعرض عنه إلى أن أتاه الرابعة، قال: هل باشرتها؟ قال: نعم. قال: هل جامعتها. قال: نعم. فأمر به فرجم. فوجد مس الحجارة فخرج
256

يشتد فلقيه عبد بن أنيس فنزع له بوظيف بعير فقتله، وذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه. وزاد فيه أحمد: قال هشام فحدثني يزيد بن نعيم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له حين رآه يا هزال! لو كنت سترته لكان خيرا لك مما صنعت به. قال في (التنقيح) إسناده صالح وهشام بن سعد روى له مسلم وكذلك روى ليزيد بن نعيم. قلت: يزيد بن نعيم بن هزال ويزيد من رجال مسلم كما ذكرنا ونعيم مختلف في صحبته وهزال هو ابن دياب بن يزيد بن كليب الأسلمي روى عنه ابنه ومحمد بن المنكدر حديثا واحدا، قال أبو عمر ما أظن له غيره، وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا هزال لو سترته بردائك.
قوله: (هل بك جنون) إنما قال ذلك ليتحقق حاله، فإن الغالب أن الإنسان لا يصر بن علي
ما يقتضي قتله مع أن له طريقا إلى سقوط الإثم بالتوبة. قوله: (هل أحصنت؟) بن علي
صيغة المجهول أي: هل تزوجت قط؟ قوله: (بالمصلى) وهو الموضع الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيه الأعياد وعلى الموتى، وقال الكرماني: والأكثر بن علي
أنه مصلى الجنائز وهو بقيع الفرقد. قوله: (فلما أذلقته الحجارة) بالذال المعجمة وباللام والقاف أي أقلقته يعني: بلغ منه الجهد حتى قلق، ويقال: أي أصابته بحدها فعقرته، وذلق كل شيء حده. قوله: (جمز) بالجيم والميم والزاء أي: أسرع هاربا من القتل، يقال: جمز يجمز جمزا من باب ضرب يضرب. قوله: (حتى أدرك) بن علي
صيغة المجهول. قوله: (بالحرة) بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء، وهي أرض ذات حجارة سود خارج المدينة. قوله: (فقتل) بن علي
صيغة المجهول.
ويستفاد منه أحكام:
الأول: فيه فضيلة ماعز حيث لم يرجع عن إقراره بالزنا حتى رجم، وقال في حديث رواه أبو داود والنسائي عن أبي هريرة في قصة ماعز، وفي آخره: والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها، وفي حديث أخرجه أحمد عن أبي ذر في قصة ماعز، وفي آخره قال: يا أبا ذر! ألم تر إلى صاحبكم؟ غفر له وأدخل الجنة.
الثاني: أنه لا يجب حد الزاني بن علي
المعترف بالزنا حتى يقر به بن علي
نفسه أربع مرات، وهو قول سفيان الثوري وابن أبي ليلى والحكم بن عتيبة وأبي حنيفة وأصحابه وأحمد في الأصح وإسحاق، واحتجوا فيما ذهبوا إليه بقوله: (فشهد بن علي
نفسه أربع شهادات) وقال حماد بن أبي سليمان وعثمان البتي والحسن بن حي ومالك والشافعي وأحمد في رواية، وأبو ثور: إذا أقر الزاني بالزنا مرة واحدة يجب عليه الحد، ولا يحتاج إلى مرتين أو أكثر، واحتجوا فيه بحديث الغامدية، فإنه صلى الله عليه وسلم، قال لأنيس: أغد يا أنيس فارجمها، وكانت اعترفت مرة واحدة، وأجاب الطحاوي بأنه قد يجوز أن يكون أنيس قد كان بن علي
الاعتراف الذي يوجب الحد بن علي
المعترف ما هو بما علمهم النبي صلى الله عليه وسلم، في ماعز وغيره، وقيل أيضا: إن الراوي قد يختصر الحديث فلا يلزم من عدم الذكر عدم الوقوع، بن علي
أنه قد ورد في بعض طرق حديث الغامدية أنه ردها أربع مرات، أخرجه البزار في (مسنده) فإن قلت: الإقرار حجة في الشرع لرجحان جانب الصدق بن علي
جانب الكذب، وهذا المعنى عند التكرار والتوحيد سواء. قلت: هذا هو القياس، ولكنا تركناه بالنص وهو أنه رد ماعزا أربع مرات. فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون رده أربع مرات لكونه اتهمه بأنه لا يدري ما الزنا؟ قلت: روى مسلم من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه: أن ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إني قد ظلمت نفسي وزنيت، وإني أريد أن تطهرني فرده، فلما كان من الغد أتاه فقال: يا رسول الله! إني قد زنيت، فرده الثانية، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى قومه فقال: أتعلمون بعقله بأسا تنكرون منه شيئا؟ فقالوا: ما تعلمه إلا وفي العقل من صالحينا فيما نرى، فأتاه الثالثة فأرسل إليهم أيضا فسألهم عنه فأخبروه أنه لا بأس به ولا بعقله، فلما كانت الرابعة حفر له حفرة... الحديث، فقد غفل الكرماني عن هذا الحديث حيث قال: الإقرار بالأربع لم يكن بن علي
سبيل الوجوب بدليل أنه صلى الله عليه وسلم قال: أغد يا أنيس بن علي
امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، ولم يشترط عددا، وقد مر الجواب الآن عن حديث أنيس وكيف لا يشترط العدد، وقد ورد في حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال لماعز: إنك قد قلتها أربع مرات، وفي لفظ له عن ابن عباس: إنك شهدت بن علي
نفسك أربع مرات، وفي لفظ لابن أبي شيبة: أليس أنك قلتها أربع مرات؟ فرتب الرجم بن علي
الأربع، وإلا فمن المعلوم أنه قالها أربع مرات.
257

الثالث: أن الإحصان شرط في الرجم لقوله صلى الله عليه وسلم: (هل أحصنت) والإحصان بن علي
نوعين: إحصان الرجم وإحصان القذف. أما إحصان الرجم فهو في الشرع عبارة عن اجتماع صفات اعتبرها لوجوب الرجم وهي سبعة: العقل والبلوغ، والحرية، والاسلام، والنكاح الصحيح، والدخول في النكاح الصحيح. وأما إحصان القذف فخمسة: العقل، والبلوع والحرية، والإسلام، والعفة عن الزنا. وشرط أبو حنيفة الإسلام في الإحصان لقوله صلى الله عليه وسلم: من أشرك بالله فليس بمحصن. رواه إسحاق بن راهويه في (مسنده) من حديث نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: من أشرك بالله فليس بمحصن. وقال أبو يوسف والشافعي وأحمد: ليس الإسلام بشرط في الإحصان لأنه صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين. قلنا: كان ذلك بحكم التوراة قبل نزول آية الجلد في أول ما دخل صلى الله عليه وسلم المدينة فصار منسوخا بها، ثم نسخ الجلد في حق الزاني المحصن.
الرابع: أنه صلى الله عليه وسلم لم يجمع في ماعز بين الجلد والرجم، وقال الشعبي والحسن البصري وإسحاق وداود وأحمد في رواية: يجلد المحصن ثم يرجم، قال الترمذي: وهو مذهب جماعة من الصحابة. منهم: علي بن أبي طالب وأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وغيرهم، واحتجوا بحديث جابر: أن رجلا زنى فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فجلد، ثم أخبر أنه كان قد أحصن فأمر به فرجم، رواه أب داود والطحاوي، وقال إبراهيم النخعي والزهري والثوري والأوزاعي وعبد الله بن المبارك وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد ومالك والشافعي وأحمد في الأصح: حد المحصن الرجم فقط لحديث ماعز. فإن قلت: روى عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا: البكر يجلد وينفى، والثيب يجلد ويرجم، رواه مسلم وغيره. قلت: حديث عبادة منسوخ بحديث العسيف، أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة، وفيه: فإن اعترفت فارجمها... الحديث، وهذا آخر الأمرين، لأن أبا هريرة متأخرة الإسلام ولم يتعرض فيه للجلد، واستدل الأصوليون أيضا بن علي
تخصيص الكتاب بالسنة بأنه صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا ولم يجلده، وآية الجلد شاملة للمحصن وغيره.
الخامس: فيه: الاستفسار عن حال الذي اعترف فإنه صلى الله عليه وسلم قال لماعز: (هل أحصنت؟) وجاء في حديثه أيضا: هل جامعتها وهل باشرتها، فيما رواه
أبو داود، وفي رواية له: فأقبل في الخامسة، فقال: أنكحتها؟ قال: نعم. قال حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ قال: نعم، قال: كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر؟ قال: نعم. قال: فهل تدري ما الزنا؟ قال: نعم، أتيت منها حراما مثل ما أتى الرجل من امرأته حلالا... الحديث.
وفي حديث ماعز يستفاد أحكام أخرى غير ما ذكرنا هنا.
منها: أن الستر فيه مندوب لقول النبي صلى الله عليه وسلم لهزال لما أرسل ماعزا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال له: لو سترته بثوبك لكان خير لك، أخرجه أبو داود والنسائي عن يزيد بن نعيم عن أبيه، وروى مسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة.
ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم أخر الحد إلى أن يتم الإقرار أربع مرات. ومنها: أن بن علي
الإمام أن يرادد المقر بالزنا بقوله: لعلك قبلت أو مسست، وفي لفظ البخاري، بن علي
ما يأتي: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت. قال: لا. قال: أفنلتها؟ قال: نعم.
ومنها: أن المرجوم يصلى عليه، كما روى البخاري بن علي
ما سيأتي في كتاب المحاربين: عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر، فذكر قصة ماعز، وفي آخره، ثم أمر به فرجم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم خيرا، وصلى عليه. فإن قلت: قيل للبخاري قوله: وصلى عليه، قاله غير معمر، قال: لا، ورواه أبو داود عن محمد بن المتوكل والحسن بن علي كلاهما عن عبد الرزاق به، ورواه الترمذي عن الحسن بن علي به، وقال: حسن صحيح، ورواه النسائي في الجنائز عن محمد بن يحيى ومحمد بن رافع ونوح بن حبيب، ثلاثتهم عن عبد الرزاق به، وقالوا كلهم فيه: ولم يصل عليه. قلت: أجيب بأن معنى قوله: فصلى عليه، دعا له، وبهذا تتفق الأخبار، ولكن يعكر بن علي
هذا ما رواه أبو قرة الزبيري عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي بكر عن أبي أيوب عن أبي أمامة بن سهل الأنصاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر يوم رجم ماعز، فطول في الأوليين حتى كاد الناس يعجزون من طول الصلاة، فلما انصرف ومر به فرجم فلم يصل حتى رماه عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، بلحي بعير فأصاب رأسه فقتله، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم والناس فإن قلت: روى أبو داود في (سننه) عن أبي عوانة عن أبي بشر: حدثني ثقة من أهل البصرة عن أبي برزة الأسلمي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل بن علي
ماعز بن مالك ولم ينه عن الصلاة عليه. قلت: ضعفه ابن الجوزي في (التحقيق) بأن فيه مجاهيل. فإن قلت:
258

أخرج أبو داود أيضا عن ابن عباس: أن ماعز بن مالك أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنه زنى، فأمر به فرجم ولم يصل عليه. قال النووي في (الخلاصة): إسناده صحيح. قلت: أخرجه النسائي مرسلا، ولئن سلمنا صحته فإن رواية الإثبات مقدمة لأنها زيادة علم.
ومنها: أنها يفعل بالمرجوم كما يفعل بسائر الموتى لما روى ابن أبي شيبة في (مصنفه) في كتاب الجنائز حدثنا أبو معاوية عن أبي حنيفة عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه، قال: (لما رجم ماعز قالوا: يا رسول الله! ما نصنع به؟ قال: اصنعوا به ما تصنعون بموتاكم من الغسل والكفن والحنوط والصلاة عليه).
ومنها: أنه يحفر للمرجوم، لما رواه أحمد في (مسنده) من حديث أبي ذر، رضي الله تعالى عنه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه رجل يقال إنه زنى، فأعرض عنه ثم ثنى ثم ثلث ثم ربع فأمرنا فحفرنا له فرجم. وقال النووي في (شرح مسلم): أما الحفر للمرجوم والمرجومة ففيه مذاهب للعلماء، قال مالك وأبو حنيفة وأحمد في المشهور عنهم: لا يحفر لواحد منهما. وقال قتادة وأبو ثور وأبو يوسف وأبو حنيفة في رواية: يحفر لهما، وقال بعض المالكية وأصحابنا: لا يحفر للرجل سواء ثبت زناه بالبينة أم بالإقرار، وأما المرأة ففيها ثلاثة أوجه لأصحابنا: أحدها: يستحب الحفر إلى صدرها ليكون أستر لها. والثاني: لا يستحب ولا يكره بل هو إلى خيرة الإمام. والثالث: وهو الأصح: إن ثبت زناها بالبينة استحب، وإن ثبت بالإقرار فلا يمكنها الهرب إن رجعت فإن قلت: في حديث أبي ذر المذكور الحفر، وجاء في حديث أبي سعيد أخرجه مسلم: أن رجلا من أسلم... الحديث. وفيه: فما وثقناه ولا حفرنا له قلت: قالوا: إن المراد في قوله: ولا حفرنا له، يعني: حفرة عظيمة.
ومنها: درء الحد عن المعترف إذا رجع كما ورد في حديث ماعز، أخرجه الترمذي عن أبي هريرة، قال: (جاء ماعز الأسلمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنه قد زنى...) الحديث، وفي آخره: هلا تركتموني؟ يعني حين ولى ماعزها هاربا من ألم الحجارة، وأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ذلك.
ومنها: أن المرجوم والمقتول في الحدود والمحاربة وغيرهم يصلى عليهم، وقال الزهري: لا يصلي أحد بن علي
المرجوم وقاتل نفسه، وأبو يوسف معه في قاتل النفس، وقال قتادة: لا يصلي بن علي
ولد الزنا.
ومنها: أن الإمام وأهل الفضل يصلون بن علي
المرجوم كما يصلي عليه غيرهم، خلافا لبعض المالكية.
ومنها: أن التلقين للرجوع يستحب لأن حذ الزنا لا يحتاط له بالتحرير والتنقير عنه بل الاحتياط في دفعه، وقد روى الترمذي من حديث الزهري عن عروة عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ادرؤا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام لو يخطئ في
العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة). وانفرد بإخراجه الترمذي، وأخرج ابن ماجة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ادفعوا الحدود ما وجدتم له مدفعا). وفي سنده إبراهيم بن الفضل وهو ضعيف. وأخرج أبو داود والنسائي من حديث ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب). وروى الدارقطني والبيهقي من رواية مختار التمار عن أبي مطر عن علي، رضي الله تعالى عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إدرؤا الحدود...) ومختار هو ابن نافع ضعيف، وروى ابن عدي من رواية ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عكرمة عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إدرؤا الحدود بالشبهات، وأقيلوا الكرام عثراتهم إلا في حد من حدود الله).
1725 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمان وسعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال: أتى رجل من أسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فناداه فقال: يا رسول الله! إن الآخر قد زنى، يعني نفسه، فأعرض عنه فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال: يا رسول الله إن الآخر قد زنى، فأعرض عنه فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله، فقال له ذالك، فأعرض عنه فتنحى له الرابعة، فلما شهد على نفسه أربع شهادات
259

دعاه فقال: هل بك جنون؟ قال: لا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به فارجموه، وكان قد أحصن. حدثنا وعن الزهري قال: أخبرني من سمع جابر بن عبد الله الأنصاري قال: كنت فيمن رجمه، فرجمناه بالمصلى بالمدينة، فلما أذلقته الحجارة جمز حتى أدركناه بالحرة فرجمناه حتى مات.
هذا حديث آخر في قصة ماعز عن أبي هريرة أخرجه عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن مسلم الزهري. وأخرجه مسلم أيضا في الحدود عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي. وأخرجه النسائي في الرجم عن عمرو بن منصور كلاهما عن أبي اليمان.
قوله: (أتى رجل)، هو ماعز بن مالك الأسلمي. قوله: (وهو في المسجد) الواو فيه للحال. قوله: (أن الآخر)، بفتح الهمزة وكسر الخاء أي المتأخر عن السعادة المدبر المنحوس، وقيل: الأرذل، وقيل اللئيم. قوله: (قبله) بكسر القاف وفتح الباء الموحدة.
قوله: (وعن الزهري) عطف بن علي
قوله: شعيب عن الزهري إلى آخره، إنما لم يبين الزهري هنا من هو الذي سمعه منه، وقد صرح فيما قبله بأن الذي سمعه منه هو أبو سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب إشارة إلى أن له شيخا آخر غير أبي سلمة، وسعيد قد سمع عن أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه.
21
((باب الخلع وكيف الطلاق فيه))
أي: هذا باب في بيان الخلع، بضم الخاء المعجمة وسكون اللام، مأخوذ من خلع الثوب والنعل ونحوهما، وذلك لأن المرأة لباس للرجل، كما قال الله تعالى: * (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) * (البقرة: 781) وإنما جاء مصدره بضم الخاء تفرقة بين الإجرام والمعاني، يقال خلع ثوبه ونعله خلعا بفتح الخاء، وخلع امرأته خلعا وخلعة بالضم، وأما حقيقته الشرعية فهو فراق الرجل امرأته بن علي
عوض يحصل له، هكذا قاله شيخنا في (شرح الترمذي) وقال: هو الصواب، وقال كثير من الفقهاء: هو مفارقة الرجل امرأته بن علي
مال، وليس بجيد، فإنه لا يشترط كون عرض الخلع مالا، فإنه لو خالعها عليه من دين أو خالعها بن علي
قصاص لها عليه فإنه صحيح، وإن لم يأخذ الزوج منها شيئا فلذلك عبرت بالحصول لا بالأخذ. قلت: قال أصحابنا: الخلع إزالة الزوجية بما يعطيه من المال. وقال النسفي: الخلع الفصل من النكاح بأخذ المال بلفظ الخلع، وشرطه شرط الطلاق، وحكمه وقوع الطلاق البائن، وهو من جهته يمين ومن جهتها معاوضة. وأجمع العلماء بن علي
مشروعية الخلع إلا بكر بن عبد الله المزني التابعي المشهور، حكاه ابن عبد البر في (التمهيد) قال عقبة بن أبي الصهباء: سألت بكر بن عبد الله المزني عن الرجل يريد أن يخالع امرأته، فقال: لا يحل له أن يأخذ منها شيئا. قلت: فأين قوله تعالى: * (فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت) * (البقرة: 922) قال: هي منسوخة. قلت: وما نسخها؟ قال: ما في سورة النساء، قوله تعالى: * (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا) * (النساء: 02) الآية قال ابن عبد البر: قول بكر بن عبد الله هذا خلاف السنة الثابتة في قصة ثابت بن قيس وحبيبة بنت سهل وخالف جماعة الفقهاء والعلماء بالحجاز والعراق والشام انتهى وخصص ابن سيرين وأبو قلابة جوازه بوقوع الفاحشة فكانا يقولان: لا يحل للزوج الخلع حتى يجد بن علي
بطنها رجلا، لأن الله تعالى يقول: * (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) * (النساء: 91، الطلاق: 1) قال أبو قلابة: فإذا كان ذلكف قد جاز له أن يضارها ويشق عليها حتى تختلع منه. قال أبو عمر: ليس هذا بشيء لأن له أن يطلقها أو يلاعنها، وأما أن يضارها ليأخذ مالها فليس له ذلك. قوله: وكيف الطلاق فيه؟ أي: كيف حكم الطلاق في الخلع؟ هل تقع الطلاق بمجرده أو لا يقع حتى يذكر الطلاق إما اللفظ أو بالنية؟ وللفقهاء فيه خلاف فعند أصحابنا الواقع بلفظ الخلع والواقع بالطلاق بن علي
مال بائن. وعند الشافعي في القديم فسخ وليس بطلاق، يروى ذلك عن ابن عباس، حتى لو خالعها مرارا ينعقد النكاح بينهما بغير تزوج بزوج آخر، وبه قال أحمد، وفي قول الشافعي: إنه رجعي، وفي قول وهو أصح أقواله: إنه طلاق بائن كمذهبنا لقوله صلى الله عليه وسلم: الخلع تطليقة بائنة، وهو مروي عن عمر وعلي وابن مسعود، رضي الله تعالى عنهم، وقد نص الشافعي في الإملاء بن علي
أنه من صرائح الطلاق.
وفي (التوضيح): اختلف العلماء في البينونة بالخلع بن علي
قولين: أحدهما: إنه تطليقة بائنة، روي عن عثمان وعلي وابن مسعود، إلا أن تكون سمت ثلاثا فهي ثلاث، وهو قول مالك والثوري
260

والأوزاعي والكوفيين وأحد قولي الشافعي. والثاني: إنه فسخ وليس بطلاق إلا أن ينويه، روي ذلك عن ابن عباس وطاووس وعكرمة، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور. وهو قول الشافعي الآخر. انتهى. والحديث الذي احتج به أصحابنا وذكروه في كتبهم مروي عن ابن عباس رواه الدارقطني والبيهقي في (سننهما) من حديث عباد بن كثير عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: جعل الخلع تطليقة بائنة، ورواه ابن عدي في (الكامل) وأعله بعباد بن كثير الثقفي وأسند عن البخاري، قال: تركوه، وعن النسائي متروك الحديث، وعن شعبة: إحذروا حديثه، وسكت عنه الدارقطني إلا أنه أخرجه عن ابن عباس خلافه من رواية طاووس عنه، قال: الخلع فرقة وليس بطلاق وروى عبد الرزاق في (مصنفه): حدثنا بن جريج عن داود بن أبي عاصم عن سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخلع تطليقة، وكذلك رواه ابن أبي شيبة في (مصنفه).
وقول الله تعالى: * ((2) ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا) * إلى قوله: * ((2) الظالمون) * (البقرة: 922)
وقول الله بالجر عطف بن علي
قوله الخلع، المضاف إليه لفظ الباب، وفي لفظ رواية أبي ذر: وقول الله: * (ولا يحل لكم) * إلى قوله: * (إلا أن يقيما حدود الله) * (البقرة: 922) وفي رواية النسفي: وقول الله تعالى: * (ولا يحل لكم) * إلى قوله: * (إلا أن يخافا) * وفي رواية غيرهما من أول الآية إلى قوله: * (الظالمون) * وهذا كله ليس مما يحتاج إليه، بل ذكر بعض الآية كاف، وإنما ذكر هذه الآية لأنها نزلت في قضية امرأة ثابت ابن قيس بن شماس التي اختلعت منه، وهو أول خلع كان في الإسلام، وفيها بيان ما يفعل في الخلع. قوله: (ولا يحل لكم أن تأخذوا) أي: لا يحل لكم أن تضاجروهن وتضيقوا عليهن ليفتدين منكم بما أعطيتموهن من الأصدقة أو ببعضه. وقال الزمخشري: إن قلت الخطاب للأزواج لم يطابقه: * (فإن أن لا يقيما حدود الله) * وإن قلت للأئمة والحكام، فهؤلاء ليسوا بآخذين منهم ولا بمؤتيهن. ثم أجاب بأنه يجوز الأمران جميعا أن يكون أول الخطاب للأزواج وآخره للأئمة والحكام، وأن يكون الخطاب كله للأئمة والحكام لأنهم الذين يأمرون بالأخذ والإيتاء عندالترافع إليهم، فكأنهم الآخذون والمؤتون. قوله: (مما آتيتموهن) أي: مما أعطيتموهن من الصدقات. قوله: (إلا أن يخافا) أي: الزوجان * (أن لا يقيما حدود الله) * أي: ألا يقيما ما يلزمهما من مواجب الزوجية لما يحدث من نشوز المرأة وسوء خلقها، وقرأ الأعرج وحمزة: يخافا بضم الياء وفي قراءة عبد الله: إلا أن يخافوا. قوله: * (فلا جناح عليهما) * أي: بن علي
الزوج فيما أخذ وعلى المرأة فيما أعطت، وأما إذا لم يكن لها عذر وسألت الافتداء منه فقد دخلت في قوله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة. أخرجه الترمذي من حديث ثوبان، ورواه ابن جرير أيضا، وفي آخره قال: المختلعات من المنافقات.
وأجاز عمر الخلع دون السلطان
أي: أجاز عمر بن الخطاب الخلع دون السلطان، أي: بغير حضور السلطان، وأراد به الحاكم، ووصله ابن أبي شيبة عن وكيع عن شعبة عن الحكم عن خيثمة، قال: أتى بشر بن مروان في خلع كان بين رجل وامرأته، فلم يجزه، فقال له عبد الله بن شهاب: شهدت عمر بن الخطاب أتى في خلع كان بين رجل وامرأته فأجازه، وحكاه أيضا عن ابن سيرين والشعبي ومحمد بن شهاب ويحيى بن سعيد، وقال الحسن: لا يكون الخلع دون السلطان، أخرجه سعيد بن منصور عن هشيم عن يونس عنه.
وأجاز عثمان الخلع دون عقاص رأسها
أي: أجاز عثمان بن عفان الخلع دون عقاص رأسها أي: رأس المرأة والعقاص بكسر العين جمع عقصة أو عقيصة، وهي الضفيرة. وقيل: هو الخيط الذي يعقص به أطراف الذوائب. قال ابن الأثير: والأول أوجه، والمعنى أن المختلعة إذا افتدت نفسها من زوجها بجميع ما تملك كان له أن يأخذ ما دون عقاص شعرها من جميع ملكها. وقال صاحب (التلويح): هذا اللفظ يعني قوله: أجاز عثمان الخلع دون عقاص رأسها، لم أره إلا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، رواه أبو بكر عن عفان: حدثنا همام حدثنا مطر عن ثابت عن عبد الله بن رباح: أن عمر قال: اخلعها بما دون عقاصها، وفي لفظ
261

اخلعها ولو من قرطها، وعن ابن عباس: حتى من عقاصها. وقال صاحب (التوضيح) وأثر عثمان لا يحضرني نعم أخرجه ابن أبي شيبة عن عفان... الخ نحو ما قاله صاحب (التلويح) وقال بعضهم: إنه رواه موصولا في (أمالي أبي القاسم) من طريق شريك عن عبد الله بن محمد عن عقيل عن الربيع بنت معوذ قالت: اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي، فأجاز ذلك عثمان، رضي الله تعالى عنه. وأخرجه البيهقي من طريق روح بن القاسم عن ابن عقيل مطولا، وقال في آخره: فدفعت إليه كل شيء حتى أجفت الباب بيني وبينه، وهذا يدل بن علي
أن معنى: دون، سوى أي: أجاز للرجل أن يأخذ من المرأة في الخلع ما سوى عقاص رأسها. انتهى. قلت: قول ابن عباس الذي ذكرناه آنفا يدل بن علي
أنه يأخذ عقاص شعرها، وهو الخيط الذي يعقص به أطراف الذوائب، كما ذكرناه. وقال ابن كثير: ومعنى هذا أنه لا يجوز أن يأخذ كل ما بيدها من قليل وكثير، ولا يترك لها سوى عقاص شعرها، وبه قال مجاهد وإبراهيم، وقال ابن المنذر: وبنحوه قال ابن عمر وعثمان بن عفان والضحاك وعكرمة، وهو قول الشافعي وداود
وروى عبد الرزاق عن المعتمر بن سليمان عن ليث بن أبي سليم عن الحكم بن عتيبة: أن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، قال: لا يأخذ من المختلعة فوق ما أعطاها. وقال ابن حزم: هذا لا يصح عن علي لأنه منقطع، وفيه ليث، وذكر هذا ابن أبي شيبة في (مصنفه) عن عطاء وطاووس وعكرمة والحسن ومحمد بن شهاب الزهري وعمرو بن شعيب والحكم وحماد وقبيصة بن ذؤيب، وقال ابن كثير في (تفسيره): وهذا مذهب مالك والليث والشافعي وأبي ثور، واختاره ابن جرير، وقال أصحاب أبي حنيفة: إن كان الإضرار من جهته لم يجز أن يأخذ منها شيئا، وإن أخذ جاز في القضاء وفي (التلويح) قال أبو حنيفة: فإن أخذ أكثر مما أعطاهم فليتصدق به. وقال الإمام أحمد وأبو عبيد وإسحاق: لا يجوز أن يأخذ أكثر مما أعطاها، وعن ميمون بن مهران: إن أخذ أكثر مما أعطاها فلم يسرح بإحسان، وعن عبد االملك الجزري: لا أحب أن يأخذ منها كل ما أعطاها حتى يدع لها ما يعيشها.
وقال طاووس: * ((2) إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله) * (البقرة: 922) فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة، ولم يقل قول السفهاء لا يحل حتى تقول: لا أغتسل لك من جنابة.
أي: قال طاووس في تفسير قوله تعالى: * (إلا أن يخافا) * أي: الزوجان * (أن لا يقيما حدود الله) *... الخ قوله: (لم يقل) أي: ولم يقل الله (قول السفهاء): لا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن تقول المرأة: لا أغتسل لك من جنابة، لأنها حينئذ تصير ناشزة فيحل الأخذ منها. وقولها: (لا اغتسل) إما كناية عن الوطء وإما حقيقة. وهذا التعليق رواه ابن أبي شيبة عن ابن علية حدثنا ابن جريج عنه بلفظ: يحل له الفداء، كما قال الله عز وجل: * (إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله) * ولم يكن يقول قول السفهاء حتى تقول: لا أغتسل لك من جنابة، ولكنه كان يقول: * (إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله) * فيما افترض لكل واحد منهما بن علي
صاحبه في العشرة.
3725 حدثنا أزهر بن جميل حدثنا عبد الوهاب الثقفي حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس: أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! ثابت بن قسس! ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتردين عليهه حديقته؟ قالت: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقبل الحديقة وطلقها تطليقة.
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه بيان كيف الطلاق في الخلع. وأزهر، بفتح الهمزة وسكون الزاي وفتح الهاء: ابن جميل بفتح الجيم أبو محمد البصري، مات سنة إحدى وخمسين ومائتين، وهو من أفراده لم يخرج عنه في الخلع غير هذا الموضع. وقد أخرجه النسائي عنه أيضا، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي بالثاء المثلثة والقاف والفاء، وخالد هو ابن مهران الحذاء.
قوله: (أن امرأة ثابت بن قيس) أبهم البخاري اسمها هنا وفي الطريق التي بعدها، وسماها في آخر الباب بجميلة، بفتح الجيم وكسر الميم. قال
262

أبو عمر: جميلة بنت أبي بن سلول امرأة ثابت بن قيس التي خالعته وردت عليه حديقته، هكذا روى البصريون، وخالفهم أهل المدينة فقالوا: إنها حبيبة بنت سهل الأنصاري، قال: وكانت جميلة قبل ثابت بن قيس تحت حنظلة بن أبي عامر الغسيل، ثم تزوجها بعده ثابت بن قيس بن مالك بن دخشم ثم تزوجها بعده حبيب بن أساف الأنصاري.
وقال شيخنا زين الدين، رحمه الله تعالى: اختلفت طرق الحديث في اسم امرأة ثابت بن قيس التي خالعها، ففي أكثر طرقه أن اسمها: حبيبة بنت سهل، هكذا عند مالك في (الموطأ) من حديثها ومن طريقه رواه أبو داود والنسائي، وكذا في حديث عائشة عند أبي داود، وكذا في حديث عبد الله بن عمر، وعند ابن ماجة بإسناد صحيح عن ابن عباس: إنها جميلة بنت سلول، وسلول هي أمها، ويقال: اختلف في سلول: هل هي أم أبي أو امرأته، ووقع في رواية النسائي والطبراني من حديث الربيع بنت معوذ: جميلة بنت عبد الله بن أبي، وبذلك جزم ابن سعد في (الطبقات) فقال: جميلة بنت عبد الله بن أبي، ووقع في رواية البخاري عن عكرمة: أخت عبد الله بن أبي، وهو كبير الخزرج ورأس النفاق، وقع عند النسائي وابن ماجة بإسناد جيد من حديث الربيع بنت معوذ أن اسمها: مريم المغالية، وعند الدارقطني والبيهقي من رواية أبي الزبير: أن ثابت بن قيس كانت عنده زينب بنت عبد الله بن أبي بن سلول. قال الشيخ: وأصح طرقه حديث حبيبة بنت سهل بن علي
أنه يجوز أن يكون الخلع قد تعدد غير مرة من ثابت بن قيس لهذه فإن في بعض طرقه: أصدقها حديقة، وفي بعضها: حديقتين، ولا مانع أن يكون واقعتين فأكثر. وقد صح كونها حبيبة وصح كونها جميلة، وصح كونها مريم، وأما تسميتها زينب فلم يصح قلت: لم يذكر أبو عمر مريم وذكرها الذهبي، وقال: مريم الأنصارية المغالية من بني مغالة امرأة ثابت بن قيس، لها ذكر في حديث الربيع انتهى. وثابت بن قيس بن شماس بن مالك بن امرئ القيس الخزرجي، وكان خطيب الأنصار، ويقال: خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يقال لحسان بن ثابت: شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد أحدا وما بعدها من المشاهد وقتل يوم اليمامة شهيدا في خلافة أبي بكر، رضي الله تعالى عنه.
قوله: (وما أعتب)، بضم التاء المثناة من فوق وكسرها من عتب عليه إذا وجد عليه يقال: عتب بن علي
فلان أعتب عتبا والاسم المعتبة، والعتاب هو الخطاب بإدلال، ويروى: وما أعيب، بالياء آخر الحروف من العيب أي: لا أغضب عليه، ولا أريد مفارقته لسوء خلقه ولا لنقصان دينه، ولكن أكرهه طبعا فأخاف بن علي
نفسي في الإسلام ما ينافي مقتضى الإسلام باسم ما ينافي في نفس الإسلام، وهو الكفر، ويحتمل أن يكون من باب الإضمار أي: لكني أكره لوازم الكفر من المعاداة
والنفاق والخصومة ونحوها، وجاء في رواية جرير بن حازم إلا أني أخاف الكفر، قيل: كأنها أشارت إلى أنها قد تحملها شدة كراهتها بن علي
إظهار الكفر لينفسخ نكاحها منه، وهي تعرف أن ذلك حرام، لكن خشيت أن يحملها شدة البغض بن علي
الوقوع فيه. وقيل: يحتمل أن يريد بالكفر كفران العشير إذ هو تقصير المرأة في حق الزوج، وجاء في رواية ابن جرير: والله ما كرهت منه خلقا ولا ذنبا إلا أني كرهت دمامته، وفي رواية أخرى له قالت: يا رسول الله! لا يجمع رأسي ورأسه شيئا أبدا إني رفعت جانب الحياء فرأيته أقبل في عدة فإذا هو أشدهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها... الحديث، وفي رواية ابن ماجة: كان رجلا دميما، فقالت: يا رسول الله! والله لولا مخافة الله إذا دخل علي بصقت في وجهه وعن عبد الرزاق عن معمر، قال: بلغني أنها قالت: يا رسول الله! وبي من الجمال ما ترى وثابت رجل دميم فإن قلت: جاء في رواية النسائي: أنه كسر يدها فكيف تقول لا أعتب... الخ؟ قلت: أردت أنه سئ الخلق لكنها ما تعيبته بذلك، ولكن تعييبها إياه كان بالوجوه التي ذكرناها. قوله: (حديقته)، أي: بستانه الذي أعطاها. قوله: (وطلقها) الأمر فيه للإرشاد والاستصلاح لا للإيجاب والإلزام، ووقع في رواية جرير بن حازم: فردت عليه فأمره ففارقها.
قال أبو عبد الله: لا يتابع فيه عن ابن عباس، رضي الله عنهما
أبو عبد الله هو البخاري نفسه أي: لا يتابع أزهر بن جميل بن علي
ذكر ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، في هذا الحديث بل أرسله غيره، ومراده بذلك خصوص طريق خالد الحذاء عن عكرمة، ولهذا عقبه برواية خالد بن علي
ما يأتي الآن.
263

4725 إسحاق الواسطي حدثنا خالد عن خالد الحذاء عن عكرمة: أن أخت عبد الله بن أبي بهاذا، وقال: تردين حديقته؟ قالت: نعم، فردتها وأمره يطلقها وقال إبراهيم بن طهمان عن خالد عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ذكر هذا تأييدا لقوله: لا يتابع فيه عن ابن عباس، أراد أنه عن عكرمة فقط أخرجه عن إسحاق الواسطي وهو إسحاق ابن شاهين أبو بشر، يروي عن خالد بن عبد الله الطحان عن خالد الحذاء عن عكرمة مولى ابن عباس، رضي الله تعالى عنه، مرسلا.
قوله: (وقال إبراهيم بن طهمان) بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء: الهروي وسكن نيسابور، ويروي عن خالد الحذاء عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر فيه ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، بل أرسله، ووصل هذا الإسماعيلي عن إبراهيم عن أيوب بن أبي تميمة رضي الله تعالى عنهم، بن علي
ما يجيء الآن.
6725 حدثنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي حدثنا قراد أبو نوح حدثنا جرير بن جازم عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا سول الله! ماأنقم على ثابت في دين ولا خلق إلا أني أخاف اللكفر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتردين عليه حديقته؟ فقالت: نعم. فردت عليه وأمره ففارقها.
هذا طريق آخر وهو موصول أخرجه عن محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وكسر الراء المشددة: منسوب إلى محلة من محال بغداد أبي جعفر الحافظ قاضي حلوان، مات سنة أربع وخمسين ومائتين، وقراد بضم القاف وتخفيف الراء لقب، واسمه عبد الرحمن بن غزوان، وكنيته أبو نوح وهو من كبار الحفاظ وثقوه، ولكن خطؤه في حديث واحد حدث به عن الليث خولف فيه، وليس له في البخاري سوى هذا الموضع.
قوله: (فردت عليه) بصيغة المجهول أي: ردت الحديقة بن علي
ثابت. قوله: (وأمره) أي: وأمره النبي صلى الله عليه وسلم ففارقها.
7725 حدثنا سليمان حدثنا حماد عن أيوب عن عكرمة أن جميلة فذكر الحديث.
(انظر الحديث 3725 أطرافه)
أشار بهذا إلى أن اسم المرأة التي خالعها ثابت بن قيس جميلة بالجيم، وقد ذكرنا الاختلاف فيه عن قريب، أخرجه عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن أيوب السختياني، فذكر الحديث المذكور الخ.
31
((باب الشقاق وهل يشير بالخلع عند الضرورة))
264

أي: هذا باب في بيان الشقاق المذكور في قوله تعالى: * (وإن خفتم شقاق بينهما) * قال ابن عباس الخوف هنا بمهنى العلم والشقاق بالكسر: الخلاف، وقيل: الخصام. قوله: (هل يشير بالخلع) فاعل يشير محذوف وهو إما الحكم من أحد الزوجين أو الولي أو أحد منهما أو الحاكم إذا ترافعا إليه، والقرينة الحالية والمقالية تدل بن علي
ذلك. قوله: (عند الضرورة) وعند النسفي للضرر أي لأجل الضرر الحاصل لأحد الزوجين أو لهما.
وقوله تعالى: * ((4) وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله) * إلى قوله * ((4) خبيرا) * (النساء: 53).
وقوله بالجر عطف بن علي
: الشقاق، المجرور بالإضافة، وفي بعض النسخ: وقول الله تعالى، وعند أبي ذر والنسفي: وقوله تعالى: * (وإن خفتم شقاق بينهما) * الآية، وزاد غيرهما. * (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) * إلى قوله: * (خبيرا) * قوله: (وإن خفتم) الخطاب للحكام، وشقاق مضاف إلى قوله: بينهما، بن علي
طريق الاتساع كما في قوله تعالى: * (بل مكر الليل والنهار) * (سبأ: 33) والضمير يرجع إلى الزوجين ولم يجر ذكرهما لجري ذكر ما يدل عليهما، وهو الرجال والنساء، وقال ابن بطال: المراد بقوله: * (إن يريد إصلاحا) * الحكمان، وإن الحكمين يكون أحدهما من جهة الرجل والآخر من جهة المرأة إلا أن لا يوجد من أهلهما من يصلح فيجوز أن يكون من الأجانب ممن يصلح لذلك، وأنهما إذا اختلفا لم ينفذ قولهما، وإن اتفقا نفذ في الجميع بينهما من غير توكيل.
واختلفوا فيما إذا اتفقا بن علي
الفرقة، فقال مالك والأوزاعي وإسحاق: ينفذ من غير توكيل ولا إذن من الزوجين، وقال الكوفيون والشافعي وأحمد: يحتاجان إلى الإذن، لأن الطلاق بيد الزوج، فإن أذن في ذلك وإلا فالحاكم طلق عليه، وذكر ابن أبي شيبة عن علي رضي الله تعالى عنه قال: الحكمان بهما يجمع الله وبهما يفرق. وقال الشعبي: ما قضى الحكمان جاز، وقال أبو سلمة: الحكمان إن شاءا جمعا وإن شاءا فرقا. وقال مجاهد نحوه، وعن الحسن: إذا اختلفا جعل غيرهما وإن اتفقا جاز حكمهما. وسئل عامر عن رجل وامرأة حكما رجلا ثم بدا لهما أن يرجعا، فقال: ذلك لهما ما لم يتكلما، فإذا تكلما فليس لهما أن يرجعا. وقال مالك في الحكمين يطلقان ثلاثا، قال: تكون واحدة وليس لهما الفراق بأكثر من واحدة بائنة. وقال ابن القاسم: يلزم الثلاث إن اجتمعا عليه، وقال المغيرة وأشهب وابن الماجشون وإصبغ: وقال ابن المواز: إن حكم أحدهما بواحدة والآخر بثلاث فهي واحدة، وحكى ابن حبيب عن إصبغ أن ذلك ليس بشيء.
23 - (حدثنا أبو الوليد حدثنا الليث عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة الزهري قال سمعت النبي
يقول إن بني المغيرة استأذنوا في أن ينكح علي ابنتهم فلا آذن)
قال ابن التين ليس في الحديث دلالة بن علي
ما ترجم أراد أنه لا مطابقة بين الحديث والترجمة وعن المهلب حاول البخاري بإيراده أن يجعل قول النبي
فلا آذن خلعا ولا يقوى ذلك لأنه قال في الخبر إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي فدل بن علي
الطلاق فإن أراد أن يستدل بالطلاق بن علي
الخلع فهو ضعيف وقيل في بيان المطابقة بين الحديث والترجمة بقوله يمكن أن تؤخذ من كونه
أشار بقوله فلا آذن إلى أن عليا رضي الله تعالى عنه يترك الخطبة فإذا ساغ جواز الإشارة بعدم النكاح التحق به جواز الإشارة بقطع النكاح انتهى وأحسن من هذا وأوجه ما قاله الكرماني بقوله أورد هذا الحديث هنا لأن فاطمة رضي الله تعالى عنها ما كانت ترضى بذلك وكان الشقاق بينها وبين علي رضي الله تعالى عنه متوقعا فأراد
دفع وقوعه انتهى وقيل يحتمل أن يكون وجه المطابقة من باقي الحديث وهو إلا أن يريد علي أن يطلق ابنتي فيكون من باب الإشارة بالخلع وفيه تأمل وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ملكية واسمه زهير المكي القاضي بن علي
عهد ابن الزبير والمسور بكسر الميم ابن مخرمة بفتح الميمين الزهري وهذا قطعة من حديث في خطبة علي رضي الله تعالى عنه بنت أبي جهل وقد مر في كتاب النكاح في باب ذب الرجل عن ابنته فإنه أخرجه هناك عن قتيبة عن الليث عن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك *
265

41
((باب لا يكون بيع الأمة طلاقا))
أي: هذا باب يذكر فيه لا يكون بيع الأمة المزوجة طلاقا، وفي رواية المستملي طلاقها، وهو مروي عن عمر وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، ومذهب كافة الفقهاء، وقال آخرون: بيعها طلاق، روي عن ابن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس وابن السيب والحسن ومجاهد.
9725 حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال: حدثني مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمان عن القاسم بن محمد عن عائشة، رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: كان في بريرة ثلاث سنن: إحدى السنن أنها أعتقت فخيرت في زوجها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الولاء لمن أعتق، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، والبرمة تفور بلحم، فقرب إليه خبز وأدم من أدم البيت، فقال: ألم أر البرمة فيها لحم؟ قالوا: بلى ولكن ذلك لحم تصدق به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة. قال: عليها صدقة ولنا هدية.
مطابقته للترجمة من حيث إن العتق إذا لم يكن طلاقا فالبيع بطريق الأولى، ولو كان ذلك طلاقا لما خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإسماعيل بن عبد الله هو إسماعيل بن أبي أويس ابن أخت مالك، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه.
وقصة بريرة مضت في سبعة عشر موضعا. وأخرج أولا في كتاب الصلاة في: باب ذكر البيع والشراء بن علي
المنبر في المسجد، ومضت أيضا في عدة مواضع منها في: باب المكاتب في مواضع، ومنها في الهبة في: باب قبول الهدية، ومنها في الشروط في: باب الشروط في الولاء، وفي: باب المكاتب وما لا يحل من الشروط، ومنها في آخر كتاب العتق ومضى الكلام فيه.
وبريرة بفتح الباء الموحدة وكسر الراء الأولى مولاة عائشة، رضي الله تعالى عنها، قيل: إنها نبطية بفتح النون والباء الموحدة، وقيل: قبطية بكسر القاف وسكون الباء
الموحدة، واختلف في مواليها ففي رواية أسامة بن زيد، رضي الله تعالى عنه عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم عن عائشة أن بريرة كانت لناس من الأنصار، وكذا عند النسائي من رواية سماك عن عبد الرحمن، وقيل: لآل بني هلال أخرجه الترمذي من رواية جرير عن هشام.
قوله: (ثلاث سنن) وفي رواية هشام بن عروة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه: ثلاث قضيات، وفي حديث ابن عباس عند أحمد وأبي داود قضى فيها النبي صلى الله عليه وسلم أربع قضيات، فذكر نحو حديث عائشة، وزاد: وأمرها أن تعتد عدة الحرة، أخرجها الدارقطني، ولم تقع هذه الزيادة في حديث عائشة، فلذلك اقتصرت علي ثلاث. قوله: (أعتقت فخيرت) كلاهما بن علي
صيغة المجهول. قوله: (في زوجها) قد ذكرنا فيما مضى أن اسمه مغيث، وكان عبدا أسود. قوله: (ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: دخل بيت عائشة، وكذا وقع في رواية إسماعيل بن جعفر. قوله: (والبرمة) الواو فيه للحال، والبرمة بضم الباء الموحدة وهي القدر مطلقا، وهي في الأصل المتخدة من الحجر المعروف بالحجاز واليمن. قوله: (وأدم) بضم الهمزة الأدام، وقد أكثر الناس في الكلام في معنى هذا الحديث وتخريج وجوهه، وللناس فيه تصانيف، وقد استقصينا الكلام فيه في مواضع متعددة.
51
((باب خيار الأمة تحت العبد))
أي: هذا باب في بيان جواز الخيار للأمة التي كانت تحت العبد إذا أعتقت، وهذه الترجمة تدل بن علي
أن البخاري ترجح عنده قول من قال: كان زوج بريرة عبدا، واعترض عليه بأنه ليس في حديث الباب أن زوجها كان عبدا وأجيب: بأن عادته أنه يشير إلى ما في بعض طرق الحديث الذي يورده، وقصة بريرة لم تتعدد فترجح عنده أنه كان عبدا أسود. وأخرج الجماعة إلا مسلما عن عكرمة عن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبدا أسود فالبخاري أخرجه في هذا الباب وأخرجه أبو داود في الطلاق
266

عن قتادة به. وأخرجه الترمذي في الرضاع عن أيوب وقتادة عن عكرمة. وأخرجه النسائي في القضاء عن خالد الحذاء به. وأخرجه ابن ماجة في الطلاق عن خالد الحذاء عن عكرمة به. وأخرجه الدارقطني وزاد فيه: وأمرها أن تعتد عدة الحرة، هكذا عزاه عبد الحق في أحكامه للدارقطني ولم أجده فليراجع لكنه في ابن ماجة من حديث عائشة: وأمرها أن تعتد ثلاث حيض، وإليه ذهب عطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيب والحسن البصري وابن أبي ليلى والأوزاعي والزهري والليث بن سعد ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق واستدلوا أيضا بما أخرجه مسلم وأبو داود عن هشام بن عروة عن عائشة محيلا بن علي
ما قبله في قصة بريرة، وزاد وقال: وكان زوجها عبدا فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاختارت نفسها، ولو كان حرا لم يخيرها. انتهى. قيل: هذا الأخير من كلام عروة قطعا لوجهين: أحدهما: أنه قال: وفاعله مذكر. والثاني: أن النسائي صرح فيه بقوله: قال عروة. ولو كان حرا ما خيرها، وكذلك رواه ابن حبان في (صحيحه) بلفظ النسائي، وقال الطحاوي: يحتمل أن يكون هذا من كلام عائشة، ويحتمل أن يكون من كلام عروة. فبالاحتمال الأول: لا يثبت الاحتجاج القطعي، ولئن سلمنا أنه من كلام عائشة، ولكن قد تعارضت روايتاها فسقط الاحتجاج بهما. فإن قلت: رواية الأسود قد عارضها من هو ألصق بعائشة وأقعد بها من الأسود، وهما: القاسم بن محمد وعروة بن الزبير، فرويا عنها أنه كان عبدا، والأسود كوفي سمع منها من وراء الحجاب، وعروة والقاسم كانا يسمعان منها بغير حجاب، لأنها خالة عروة وعمة القاسم فهما أقعد بها من الأسود. قلت: لا كلام في صحة الطريقين، والأقعدية لا تنافي التعارض، فافهم. واستدلت طائفة بأنه كان حرا بحديث أخرجه الترمذي من حديث إبراهيم عن الأسود عن عائشة، قالت: كان زوج بريرة حرا حين أعتقت وأنها خيرت وكذلك في رواية النسائي وابن ماجة: كان حرا. وذهب طائفة أنه كان حرا وهم: الشعبي والنخعي والثوري ومحمد بن سيرين وطاووس ومجاهد وأبو ثور وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وآخرون، ولكنهم قالوا: الأمة إذا أعتقت فلها الخيار في نفسها سواء أكان زوجها حرا أو عبدا، وإليه ذهب الظاهرية. وقالت الطائفة الأولى: إن كان زوجها عبدا فلها الخيار، وإن كان حرا فلا خيار لها.
0825 حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة وهمام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: رأيته عبدا، يعني زوج بريرة.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو الوليد هشام. وقد مر عن قريب، وهمام بالتشديد ابن يحيى البصري.
والحديث أخرجه أبو داود أيضا في الطلاق عن عثمان بن أبي شيبة، والاحتجاج به بن علي
أنه كان عبدا حين أعتقت بريرة غير قوي لأن قوله: (رأيته عبدا يعني زوج بريرة) لا يدل بن علي
أنه كان عبدا حين أعتقت بريرة، لأن الظاهر أنه يخبر بأنه كان عبدا فلا يتم الاستدلال به. والتحقيق فيه أن نقول: إن اختلافهم فيه في صفتين لا يجتمعان في حالة واحدة فنجعلها في حالتين بمعنى أنه كان عبدا في حالة، حرا في أخرى، فب الضرورة تكون إحدى الحالتين متأخرة عن الأخرى، وقد علم أن الرق تعقبه الحرية والحرية لا يعقبها الرق، وهذا مما لا نزاع فيه، فإذا كان كذلك جعلنا حال العبودية متقدمة وحال الحرية متأخرة، فثبت بهذا الطريق أنه كان حرا في الوقت الذي خيرت فيه بريرة وعبدا قبل ذلك فيكون قول من قال كان عبدا، محمولا بن علي
الحالة المتقدمة، وقول من قال: كان حرا، محمولا بن علي
الحالة المتأخرة، فإذا لا يبقى تعارض، ويثبت قول من قال: إنه كان حرا فيتعلق الحكم به، ولئن سلمنا أن جميع الروايات أخبرت بأنه كان عبدا فليس فيه ما يدل بن
علي
صحة ما يذهب ممن يذهب أن زوج الأمة إذا كان حرا فأعتقت الأمة ليس لها الخيار. لأنه ليس فيه ما يدل بن علي
ذلك، لأنه لم يأت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنما خيرتها لأن زوجها عبد، وهذا لا يوجد أصلا في الآثار، فثبت أنه خيرها لكونها قد أعتقت، فحينئذ يستوي فيه أن يكون زوجها حرا أو عبدا، ورد بهذا بن علي
صاحب (التوضيح) في قوله: (لأن خيارها إنما وقع من أجل كونه عبدا) ولو اطلع هذا بن علي
ما قلنا من التحقيق لما قال هكذا.
267

1825 حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا وهيب حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال: ذاك مغيث عبد ببني فلان، يعني: زوج بريرة كأني أنظر إليه يتبعها في سكك المدينة يبكي عليها.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ووهيب مصغر وهب، وأيوب هو السختياني.
والحديث مضى في الصلاة عن قتيبة عن الثقفي وأخرجه الترمذي في النكاح عن هناد.
قوله: (ذاك) إشارة إلى زوج بررة، وقد وضحه بقوله: (يعني زوج بريرة) قوله: (مغيث) بضم الميم وكسر الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره ثاء مثلثة، ووقع عند العسكري بفتح العين المهملة وتشديد الياء وفي آخره باء موحدة، والظاهر أنه تصحيف، وذكر ابن عبد البر مغيثا هذا في الصحابة، قال: وكان عبدا لبعض بني مطيع، وفي رواية الترمذي: كان عبدا أسود لابن المغيرة، في رواية هشيم عند سعيد بن منصور: وكان عبدا لآل بني المغيرة من بني مخزوم، ووقع في (المعرفة) لابن منده: مغيث مولى ابن أحمد بن جحش، وفي رواية أبي داود: عبدا لآل أبي أحمد، والجمع بينهم بعيد، إلا أن يقال: إنه كان مشتركا بينهم، وفيه تأمل. قوله: (في سكك المدينة) جمع سكة، والسكة في الأصل المصطفة من النخل، ومنها قيل للأزقة: سكك، لاصطفاف الدور فيها.
2825 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد الوهاب عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان زوج بررة عبدا أسود يقال له: مغيث، عبدا لبني فلان كأني أنظر إليه يطوف وراءها في سكك المدينة.
)
هذا طريق آخر في حديث عكرمة عن ابن عباس أخرجه عن قتيبة بن سعيد عن عبد الوهاب الثقفي عن أيوب السختياني عن خالد الحذاء... الخ، ويروى ههنا أيضا: يبكي عليها كما في الرواية الأولى.
61
((باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة))
أي: هذا باب في بيان شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ففي زوج بريرة لأجل أن تعود بريرة إلى عصمته. قيل: موضع هذه الترجمة من الفقه: تسويغ الشفاعة للحاكم عند الخصم في خصمه أن يحط عنه أو يسقط أو يترك دعواه ونحو ذلك، واعترض بن علي
هذا بأن قصة بريرة لم يقع الشفاعة فيها عند الترافع. قلت: هذا الاعتراض ساقط لأنه صلى الله عليه وسلم قال لها: لو راجعته، فلم يكن هذا إلا عند الترافع.
3825 حدثنا محمد أخبرنا عبد الوهاب حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس: أن زوج بريرة كان عبدا يقال له مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباس: يا عباس! ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو راجعته؟ قالت: يا رسول الله! تأمرني؟ قال: إنما أنا أشفع. قالن: لا حاجة لي فيه.
)
مطابقته للترجمة في قوله: (إنما أشفع). ومحمد هو ابن سلام البيكندي البخاري، ويحتمل أن يكون محمد بن بشار أو محمد بن المثنى فإنهما من شيوخ البخاري، فإن النسائي أخرجه عن محمد بن بشار، وابن ماجة من حديث محمد بن مثنى وكلاهمنا رويا عن عبد الوهاب الثقفي، وخالد هوالحذاء.
قوله: (لعباس)، هو ابن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم ووالد راوي الحديث، قيل: هذا يدل بن علي
أن قصة بريرة كانت متأخرة في السنة التاسعة أو العاشرة، لأن العباس إنما سكن المدينة بعد رجوعهم من غزوة الطائف. وكان ذلك في أواخر سنة ثمان، ويؤيد هذا قول ابن عباس: إنه شاهد ذلك، وهو إنما قدم المدينة مع أبويه، وهذا يرد قوله من قال: إن قصة بريرة قبل الإفك، والذي حمل هذا القائل بن علي
هذا وقوع ذكرها في حديث الإفك. قوله: (ألا تعجب)؟ محل التعجب هنا هو أن الغالب في العادة أن المحب لا يكون إلا محبوبا وبالعكس. قوله: (لو راجعته) كذا في الأصول بكسر
268

التاء المثناة من فوق بعدها ضمير، ووقع في رواية ابن ماجة: لو راجعتيه، بإثبات الياء آخر الحروف بعد التاء، وهي لغة ضعيفة، قاله بعضهم قلت: إن صح هذا في الرواية فهي لغة فصيحة لأنها من أفصح الخلق، وزاد ابن ماجة في روايته: فإنه أبو ولدك. قوله: (تأمرني؟) ووقع في رواية الإسماعيلي بعده. قال: لا قيل فيه إشعار بأن صيغة الأمر لا تنحصر في لفظ: افعل، وفيه نظر، لأن الأمر هو قول القائل إفعل، وإنما معنى قولها: أتأمرني؟ أشيء واجب علي؟ كما وقع هكذا في
مرسل ابن سيرين فقال: يا رسول الله! أشيء واجب علي؟ قال: لا.
ويستفاد منه فوائد الأولى: استشفاع الإمام والعالم والخليفة في حوائج الرعية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (اشفعوا تؤجروا ويقضي الله بن علي
لسان نبيه ما شاء)، والساعي فيه مأجور وإن لم تنقض الحاجة. الثانية: أنه لا حرج بن علي
الإمام والحاكم إذا ثبت الحق بن علي
أحد الخصمين إذا سأله الذي عليه الحق أن يسأل من الذي ثبت له تأخير حقه، أو وضعه عنه. الثالثة: أن من يسأل من الأمور مما هو غير وأحب عليه فعله فله رد سائله وترك قضاء حاجته، وإن كان الشفيع سلطانا أو عالما أو شريفا، لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر بن علي
بريرة ردها إياه فيما شفع فيه. الرابعة: أن بغض الرجل للرجل المسلم لا بن علي
وجه العداوة له، ولمن لاختيار البعد عنه لسوء خلقه وخبث عشرته، أو لأجل شيء يكرهه الناس جائز كما في قصة امرأة ثابت بن قيس بن شماس، فإنها بغضته مع مكانته مع الدين والفضل لغير بأس لأجل دمامته وسوء خلقه، حتى افتدت منه. الخامسة: أنه لا حرج بن علي
مسلم في هوى امرأة مسلمة وحبه لها، ظهر ذلك أو خفي، لا إثم عليه في ذلك؟ وإن أفرط ما لم بات محرما ولم يغش إثما.
71
((باب))
أي: هذا باب ذكره مجردا لأنه كالفصل لما قبله وقد جرت عادته بذلك كما يذكر الفقهاء في كتبهم فصل، بعد ذكر لفظه: كتاب أو باب.
4825 حدثنا عبد الله بن رجاء أخبرنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود أن عائشة أرادت أن تشتري بريرة، فأبى مواليها إلا أن يشترطوا الولاء، فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: اشتريها وأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق، وأتي النبي بلحم فقيل صلى الله عليه وسلم: إن هاذا ما تصدق به على بريرة، فقال: هو لها صدقة ولنا هدية.
ما ذكر هذا هنا، لأنه من تعلقات قصة بريرة التي ذكرت مرارا عديدة. أخرجه عن عبد الله بن رجاء ضد الإياس، وقال الكرماني: ضد الخوف، وليس كذلك الغداني البصري، وروى مسلم عنه بواسطة.. والحكم بفتحتين ابن عتيبة بضم العين المهملة وفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة، وإبراهيم النخعي، والأسود بن يزيد، وقد مر الكلام فيه غير مرة.
قوله: (ومواليها)، أي: ملاكها الذين باعوها، قالوا: لا نبيعها إلا بشرط أن يكون ولاؤها لنا.
حدثنا آدم حدثنا شعبة، وزاد: فخيرت من زوجها.
هذا طريق آخر أخرجه عن آدم بن أبي إياس عن شعبة ولم يسق لفظه لكن قال: (وزاد فخيرت من زوجها) وقد أخرجه في الزكاة بهذا الإسناد ولم يذكر هذه الزيادة. وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن آدم شيخ البخاري فيه، فجعل هذه الزيادة من قول إبراهيم ولفظه في آخره: قال الحكم: قال إبراهيم: وكان زوجها حرا فخيرت من زوجها، فظهر أن هذه الزيادة مدرجة، لم يذكرها في الزكاة.
81
((باب قول الله تعالى: * ((2) ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمونة خير من مشركة ولو أعجبتكم) *))
قال: فحجز الناس عنهن حتى نزلت الآية التي بعدها:؛ والمحصنات الذين أوتوا الكتاب من قبلكم)
أي: هذا باب في قول الله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات) * وهذا المقدار في رواية الأكثرين، وفي رواية كريمة إلى قوله: * (ولو أعجبتكم) * وإنما ذكر هذه الآية الكريمة توطئة للأحاديث التي ذكرها في هذا الباب وفي البابين اللذين بعده، وإنما لم ينبه بن علي
المقصود من إيرادها للاختلاف القائم فيها، وقد أخذ ابن عمر بعموم قوله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * حتى كره نكاح
269

أهل الكتاب، وأشار إليه البخاري بإيراد حديثه في هذا الباب: وعن ابن عباس: أن الله تعالى استثنى من ذلك نساء أهل الكتاب فخصت هذه الآية بالآية التي في المائدة، وهي قوله عز وجل: * (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) * (المائدة: 5) وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن ابن عباس، قال: نزلت هذه الآية: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * (البقرة: 122) فنكح الناس نساء أهل الكتاب، ونكح جماعة من الصحابة نساء نصرانيات، ولم يروا بذلك بأسا، وقال أبو عبيد: وبه جاءت الآثار، وعن الصحابة والتابعين وأهل العلم بعدهم: أن نكاح الكتابيات حلال، وبه قال مالك والأوزاعي والثوري والكوفيون والشافعي وعامة العلماء، وقال غيره: ولا يروى خلاف ذلك إلا عن ابن عمر، فإنه شذ عن جماعة الصحابة والتابعين ولم يجز نكاح اليهودية والنصرانية وخالف ظاهر قوله والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ولم يلتفت أحد من العلماء إلى قوله: (وقد تزوج) عثمان بن عفان نائلة بنت الفرافضة الكلبية، وهي نصرانية تزوجها بن علي
نسائه، وتزوج طلحة بن عبيد الله يهودية، وتزوج حذيفة يهودية وعنده حرتان مسلمتان، وعنه إباحة نكاح المجوسية، وتأول قوله تعالى: * (ولأمة مؤمنة خير من مشركة) * (البقرة: 122) بن علي
أن هذا ليس بلفظ التحريم، وقيل: بني بن علي
أن لهم كتابا. فإن قلت: روى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن إدريس عن الصلت عن شقيق بن سلمة، قال: تزوج حذيفة يهودية، ومن طريق أخرى: وعنده عربيتان، فكتب إليه عمر رضي الله تعالى عنه: أنه خل سبيلها. قلت: أرسل حذيفة إليه: أحرام هي؟ فكتب إليه عمر: لا، ولكن أخاف أن يتواقع المؤمنات منهن؟ يعني الزواني منهن، وقال أبو عبيد: والمسلمون اليوم بن علي
الرخصة في نساء أهل الكتاب، ويرون أن التحليل ناسخ للتحريم، قلت: فدل هذا بن علي
أن قوله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات) * (البقرة: 122) منسوخ بقوله تعالى: * (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب) * (المائدة: 5) وروى أيضا عن ابن عباس أنه قال: إن آية البقرة منسوخة بآية المائدة، وقيل: المراد بقوله: * (ولا تنكحوا المشركات) * (البقرة: 122) يعني من عبدة الأوثان. وقال ابن كثير في (تفسيره) * (والمحصنات من المؤمنات) * (المائدة: 5) قيل: الحرائر دون الإماء؟ والظاهر أن المراد بالمحصنات العفائف عن الزنا، كما قال في آية أخرى: * (محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان) * (النساء: 52) ثم اختلف المفسرون أنه: هل يعم كل كتابية عفيفة سواء كانت حرة أو أمة؟ فقيل: الحرائر العفيفات، وقيل: المراد بأهل الكتاب ههنا الإسرائيليات، وهو مذهب الشافعي، وقيل: المراد بذلك الذميات دون الحربيات، والله أعلم.
5825 حدثنا قتيبة حدثنا ل يث عن نافع أن ابن عمر كان إذا سئل عن نكاح النصرانية واليهودية قال: إن الله حرم المشركات بن علي
المؤمنين، ولا أعلم من الإشراك شيئا أكبر من أن تقول المرأة: ربها عيسى، وهو عبد من عباد الله.
مطابقته للترجمة من حيث إن ابن عمر قد عمل بعموم الآية التي هي الترجمة ولم يرها مخصوصة ولا منسوخة.
وهذا الحديث من أفراده.
قوله: (أكبر)، بالباء الموحدة وبالمثلثة، وهو إشارة إلى ما قالت النصارى: المسيح ابن الله، واليهود قالوا: عزير ابن الله قوله: (وهو) أي عيسى عليه السلام عبد من عباد الله.
91
((باب نكاح من أسلم من المشركات وعدتهن))
أي: هذا باب في بيان حكم من أسلم من المشركات وبيان حم عدتهن؛ فإذا أسلمت المشركة وهاجرت إلى المسلمين فقد وقعت الفرقة بإسلامها بينها وبين زوجها الكافر عند جماعة الفقهاء، ووجب استبراؤها بثلاث حيض ثم تحل للأزواج، هذا قول مالك والليث والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد والشافعي، وقال أبو حنيفة، رضي الله عنه: لا عدة عليها، وإنما عليها استبراء رحمها بحيضة، واحتج بأن العدة إنما تكون عن طلاق، وإسلامها فسخ وليس بطلاق.
6825 حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام عن ابن جريج، وقال عطاء عن ابن عباس: كان المشركون على منزلتين من النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين: كانوا مشركي أهل حرب
270

يقاتلهم ويقاتلونه، ومشركي أهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه، وكان إذا هاجرت امرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر فإذا طهرت حل لها النكاح، فإن هاجر زوجها قبل أن تنكح ردت إليه، وإن هاجر عبد منهم أو أمة فهما حران ولهما ما للمهاجرين، ثم ذكر من أهل العهد مثل حديث مجاهد، وإن هاجر عبد أو أمة للمشركين أهل العهد لم يردوا وردت أثمانهم.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإبراهيم بن يزيد الفراء الرازي أبو إسحاق يعرف بالصغير، وهشام هو ابن يوسف الصنعاني أبو عبد الرحمان اليماني قاضيها وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج قوله: (وقال عطاء معطوف بن علي
شيء محذوف)، كأنه كان في جملة أحاديث حدث بها ابن جريج عن عطاء، ثم قال: وقال عطاء عن ابن عباس.
وهذا الحديث من أفراده. وقال أبو مسعود الدمشقي: هذا الحديث في (تفسير ابن جريج): عن عطاء الخراساني عن ابن عباس، وكان البخاري ظنه عطاء بن أبي رباح، وابن جريج لم يسمع التفسير من عطاء الخراساني، بل إنما أخذ الكتاب من ابنه ونظر فيه، ونبه بن علي
هذه العلة أيضا شيخ البخاري علي بن المديني الذي عليه العمدة في هذا الفن بن علي
ما لا يخفى. وأجيب: بأنه يجوز أن يكون الحديث عند ابن جريج بالإسنادين لأن مثل ذلك لا يخفى بن علي
البخاري مع تشدده في شرط الا تصال.
قوله: (لم تخطب) بصيغة المجهول. قوله: (منهم)، أي من أهل الحرب. قوله: (ولهما) أي: للعبد والأمة (ما للمهاجرين) من مكة إلى المدينة في تمام حرمة الإسلام والحرية. قوله: (ثم ذكر) أي: عطاء. قوله: (من أهل العهد) أي: من قصة أهل العهد (مثل حديث مجاهد) الذي وصفه بالمثلية، وهو ما ذكره بعده من قوله: (وإن هاجر عبد أو أمة للمشركين أهل العهد لم يردوا وردت أثمانهم) وهذا من باب فداء أسرى المؤمنين ولم يجز تملكهم لانتفاء علة الاسترقاق التي هي الكفر فيهم، وقيل: يحتمل أن يريد به كلاما آخر يتعلق بنساء أهل العهد، وهو أولى لأنه قسم المشركين بن علي
قسمين من أهل حرب وأهل عهد، وذكر حكم نساء أهل الحل والحرب، ثم ذكر أرقاءهم فكأنه أحال حكم نساء أهل العهد بن علي
حديث مجاهد، ثم عقبه بذكر أرقائهم وحديث مجاهد وصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عنه في قوله: * (وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم) *
(الممتحنة: 11) أي: إن أصبتم مغنما من قريش فأعطوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا عوضا.
7825 حدثنا وقال عطاء عن ابن عباس: كانت قريبة بنت أبي أمية عند عمر بن الخطاب فطلقها فتزوجها معاوية ابن أبي سفيان، وكانت أم الحكم ابنة أبي سفيان تحت عياض بن غنم الفهري فطلقها فتزوجها عبد الله بن عثمان الثقفي.
هو معطوف بن علي
قوله: عن ابن جريج، وقال عطاء عن ابن عباس بالتقدير الذي مر ذكره هناك.
قوله: (قريبة) بضم القاف وفتح الراء مصغر قربة كذا هو في أكثر النسخ، وضبطها الحافظ الدمياطي فتح القاف وكسرا الراء وكذا في حديث عائشة الذي مضى في الشروط، وكذا هو في رواية الكشميهني وهي بنت أبي أمية أخت أم سلمة أم المؤمنين، وأبو أمية ابن المغيرة ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم، واسم أبي أمية حذيفة، وقيل سهيل، واسم أم سلمة: هند، وقريبة ذكرت في الصحابيات ذكرها الذهبي أيضا، وكانت حاضرة ببناء رسول الله صلى الله عليه وسلم، بن علي
أختها، وأم الحكم أسلمت يوم الفتح وكانت أخت أم حبيبة ومعاوية لأبيهما، وقال أبو عمر: كانت في حين نزول: * (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) * (الممتحنة: 01) تحتب عياض بن غنم الفهري فطلقها حينئذ فتزوجها عبد الله بن عثمان الثقفي، وهي أم عبد الرحمن بن الحكم، وقال ابن سعد: أمها هند بنت عتبة بن ربيعة، وعياض ابن غنم بفتح الغين المعجمة وسكون النون، قال أبو عمر: لا أعلم خلافا أنه افتتح عامة بلاد الجزيرة والرقة وصالحه وجوه أهلها، وهو أول من أجاز الدرب إلى الروم، وكان شريفا في قومه، مات بالشام سنة عشرين وهو ابن ستين سنة، وعبد الله بن عثمان الثقفي، بالثاء المثلثة.
271

02
((باب إذا أسلمت المشركة أو النصرانية تحت الذمي أو الحربي.))
أي: هذا باب في بيان ما إذا أسلمت المشركة أو النصرانية، واقتصاره بن علي
النصرانية ليس بقيد لأن اليهودية أيضا مثلها. ولو قال: إذا أسلمت المشركة أو الذمية لكان أحسن وأشمل، ولم يذكر جواب: إذا الذي هو الحكم لإشكاله. قال بعضهم: قلت: هذا غير موجه فإذا كان مشكلا فما فائدة وضع الترجمة؟ بل جرت عادته بن علي
أنه يذكر غالب التراجم مجردة عن بيان الحكم فيها اكتفاء بما يعلم الحكم من أحاديث الباب التي فيه، وحكم المسألة التي وضعت الترجمة له هو أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها هل تقع الفرقة بينهما بمجرد إسلامها أو يثبت لها الخيار أو يوقف في العدة؟ فإن أسلم استمر النكاح وإلا وقعت الفرقة بينهما.
وفيه اختلاف مشهور. وقال ابن بطال: الذي ذهب إليه ابن عباس وعطاء إن إسلام النصرانية قبل زوجها فاسخ لنكاحها لعموم قوله عز وجل: * (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) * (الممتحنة: 01) فلم يخص وقت العدة من غيرها، وروى مثله عن عمر رضي الله تعالى عنه، وهو قول طاووس وأبي ثور. وقالت طائفة: إذا أسلم في العدة تزوجها، هذا قول مجاهد وقتادة، وبه قال مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد. وقالت طائفة: إذا عرض بن علي
زوجها الإسلام فإن أسلم فهما بن علي
نكاحهما وإن أبى أن يسلم فرق بينهما، وهو قول الثوري وأبي حنيفة إذا كانا في دار الإسلام، وأما في دار الحرب فإذا أسلمت وخرجت إلينا بانت منه بافتراق الدارين، وفيه قول آخر يروى عن عمر بن الخطاب أنه: خير نصرانية أسلمت وزوجها نصراني إن شاءت فارقته وإن شاءت أقامت معه.
وقال عبد الوارث: عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس: إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها بساعة حرمت عليه.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وتوضيح الترجمة أيضا أورده معلقا عن عبد الوارث بن سعيد التميمي البصري عن خالد الحذاء إلى آخره، وهو من أفراده، وهو عام يشمل المدخول بها وغيرها.
وقال داود: عن إبرااهيم الصائغ سئل عطاء عن امرأة من أهل العهد أسلمت ثم أسلم زوجها في العدة أهي امرأته؟ قال: لا، إلا أن تشاء هي بنكاح جديد وصداق.
أخرج هذا المعلق عن داود ن أبي الفرات واسمه عمرو بن الفرات عن إبراهيم بن ميمون الصائغ المروزي، قتل سنة إحدى وثلاثين ومائة، وعطاء هو ابن أبي رباح. قوله: (من أهل العهد) أي: من أهل الذمة إلى آخره. وأخرج ابن أبي شيبة بمعناه: عن عبادة بن العوام عن حجاج عن عطاء في النصرانية تسلم تحت زوجها، قال: يفرق بينهما.
وقال مجاهد: إذا أسلم في العدة يتزوجها.
أخرج هذا المعلق أيضا عن مجاهد: إذا أسلم ذمي في عدة المرأة صورته أسلمت امرأته، ثم أسلم هو في عدتها له أن يتزوجها، ووصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عنه.
وقال الله تعالى: * ((60) لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) * (الممتحنة: 01)
[/ ح.
أورد البخاري هذه الآية للاستدلال بها في تقوية قول عطاء المذكور (الآن) وأنه اختار هذا القول، وهو أن النصرانية إذا أسلمت ثم أسلم زوجها في العدة فإنها لا تحل له إلا بنكاح جديد وصداق. فإن قلت: روى عطاء في الباب الذي قبله عن ابن عباس أن المرأة إذا هاجرت من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر، فإذا طهرت
حل لها النكاح، فإن هاجر زوجها قبل أن تنكح ردت إليه.. الحديث، فبين قوله، وروايته عن ابن عباس تعارض. قلت: أجيب بأن قوله: لم تخطب حتى تحيض وتطهر، يحتمل أن يراد به انتظار إسلام زوجها ما دامت هي في عدتها، ويحتمل أيضا أن تأخير الخطبة إنما هو لكون المعتدة لا تخطب ما دامت في العدة، فإذا حمل بن علي
الاحتمال الثاني ينتفي التعارض.
272

وقال الحسن وقتادة في مجوسيين أسلما: هما على نكاحهما، وإذا سبق أحدهما صاحبه وأبى الآخر بانت، لا سبيل له عليها.
أي قال الحسن البصري وقتادة ن دعامة. إلى آخره، وهو ظاهر، وأخرج ابن أبي شيبة عن كل منهما نحوه.
وقال ابن جريج: قلت لعطاء: امرأة من المشركين جاءت إلى المسلمين، أيعاوض زوجها منها؟ لقوله تعالى * ((60) وآتوهم ما أنفقوا) * (الممتحنة: 01) قال: لا! إنما كان ذاك بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل العهد.
أي: قال عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج إلى آخره.. قوله: (أيعاوض) بن علي
صيغة المجهول، من المعاوضة، ويروى: أيعاض، من العوض أراد: هل يعطى زوجها المشرك عوض صداقها؟ قال عطاء: لا يعطى لأن قوله تعالى: * (وآتوهم ما أنفقوا) * إنما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين المشركين من أهل العهد، وكان الصلح انعقد بينهم بن علي
ذلك، وأما اليوم فلا. وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قلت لعطاء... إلى آخره نحوه.
وقال مجاهد: هذا كله في صلح بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش.
أشار بقوله هذا إلى إعطاء المرأة التي جاءت إلى المسلمين زوجها المشرك عوض صداقها. ويوضح هذا ما رواه ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: * (واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا) * (الممتحنة: 01) قال: من ذهب من أزواج المسلمين إلى الكفار فليعطهم الكفار صدقاتهن وليمسكوهن، ومن ذهب من أزواج الكفار إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فكذلك، هذا كله في صلح كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش.
8825 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب. وقال إبراهيم بن المنذر: حدثني ابن وهب حدثني يونس قال ابن شهاب: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يمتحنهن بقول الله تعالى: * ((60) يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم.. فامتحنوهن) * (الممتحنة: 01) إلى آخر الآية. قالت عائشة: فمن أقر بهاذا الشرط من المؤمنات فقد أقر بالمحنة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا أقررن بذلك من قولهن قال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلقن فقد بايعتكن لا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم. يد امرأة قط غير أنه بايعهن بالكلام، والله ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، بن علي
النساء إلا بما أمره الله يقول لهن إذا أخذ عليهن: قد بايعتكن كلاما.
ابقته للترجمة من حيث إن له تعلقا بأصل المسألة الذي تضمنتها الترجمة ولا يلزم التنقير في وجه المطابقة، بل الوجه اليسير كاف فافهم.
وأخرج هذا الحديث من طريقين: أحدهما موصول: عن يحيى بن بكير وهو يحيى بن عبد الله ابن بكير المخزومي المصري عن الليث بن سعد المصري عن عقيل بضم العين ابن خالد الأموي الأيلي عن محمد بن مسلم ابن شهاب الزهري. والآخر معلق: عن إبراهيم بن المنذر بن عبد الله المديني عن عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد الأيلي عن ابن شهاب فرواية الموصول تقدمت في أول الشروط فيما مضى، والمعلق وصله ابن مسعود عن إبراهيم بن المنذر.
قوله: (إذا هاجرن) أي: من مكة إلى المدينة قبل عام الفتح. قوله: (يمتحنهن) أي: يختبرهن فيما يتعلق بالإيمان فيما يرجع إلى ظاهر الحال دون الاطلاع بن علي
ما في القلوب، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: * (الله اعلم بإيمانهن) * (الممتحنة: 01) قوله: (والمؤمنات) سماهن مؤمنات لتصديقهن بألسنتهن ونطقهن بكلمة الشهادة. ولم يظهر منهن ما ينافي ذلك قوله: (مهاجرات) نصب بن علي
الحال جمع مهاجرة
273

أي: حال كونهن مهاجرات من دار الكفر إلى دار الإسلام. قوله تعالى: * (فامتحنوهن) * (الممتحنة: 01) أي: فابتلوهن بالحلف والنظر في الأمارات ليغلب بن علي
ظنونكم صدق إيمانهن. وعن ابن عباس: معنى امتحانهن أن يستحلفن ما خرجن من بغض زوج، وما خرجن رغبة من أرض إلى أرض، وما خرجن لالتماس دنيا، وما خرجن إلا حبا لله ورسوله. قوله: (الله أعلم بإيمانهن) يعني: أعلم منكم لأنكم لا تكسبون فيه علما تطمئن معه نفوسكم وإن استحلفتموهن. وعند الله حقيقة العلم به، فإن علمتموهن مؤمنات العلم الذي تبلغه طاقتكم، وهو الظن الغالب بالحلف وظهور الأمارات، فلا ترجعوهن إلى الكفار يعني: لا تردوهن إلى أزواجهن الكفار، لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن لأنه أي: لا حل بين المؤمنة والمشرك، وآتوهم ما أنفقوا مثل ما دفعوا إليهن من المهر. ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن أي: مهورهن، وإن كان لهن أزواج كفار في دار الحرب لأنه فرق الإسلام بينهم. قوله: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) (الممتحنة: 01) قال ابن عباس: لا تأخذوا بعقد الكوافر، فمن كانت له امرأة كافرة بمكة فلا يعتدن بها فقد انقطعت عصمتها منه وليست له بامرأة، وإن جاءت امرأة من أهل مكة ولها بها زوج فلا تعتدن به فقد انقطعت عصمته منها، والعصم جمع عصمة وهي ما يعتصم به من عقد. قوله: (واسألوا ما أنفقتم) أي: أسالوا أيها المؤمنون الذين ذهبت أزواجهم فلحقن
بالمشركين ما أنفقتم عليهن من الصداق من يزوجهن منهم. قوله: (وليسألوا) يعني المشركين الذين لحقت أزواجهم بكم مؤمنات إذا تزوجهن فيكم من يتزوجها منكم ما أنفقوا، أي: أزواجهن المشركون من المهر. قوله: (ذلكم) إشارة إلى جميع ما ذكر في هذه الآية، حكم الله يحكم بينكم كلام مستأنف، وقيل: حال من حكم الله بن علي
حذف الضمير أي: يحكمه الله بينكم والله عليم بجميع أحوالكم، حكيم يضع الأشياء في محلها، وإنما فسرت هذه الآية بكمالها لأنه قال: (فامتحنوهن..) الآية. قوله: (قالت عائشة) موصول بالإسناد المذكور. قوله: (فمن أقر بهذا الشرط) وهو أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين. قوله: (فقد أقر بالمحنة) أي: بالامتحان، وقال الكرماني: ما المراد بالإقرار بالمحنة؟ فأجاب بقوله: من أقر بعدم الإشراك ونحوه فقد أقر بوقوع المحنة ولم يحوجه في وقوعها إلى المبايعة باليد ونحوها، ولهذا جاء في بقية الرواية: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التزمن هذه الأمور كان يقول: انطلقن، يعني: فقد حصل الامتحان. قوله: (انطلقن فقد بايعتكن) بينت هذا بعد ذلك بقولها في آخر الحديث: فقد بايعتكن كلاما، أي: بقوله، ووقع في رواية عقيل: كلاما ما يكلمها به ولا يبايع بضرب اليد بن علي
اليد كما كان يبايع الرجال، وأوضحت ذلك بقولها: لا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم... إلى آخره. وفي رواية عقيل في المبايعة: غير أنه بايعهن بالكلام.
12
((باب قول الله تعالى: * ((2) للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) * إلى قوله: * ((2) سميع عليم) * (البقرة: 622 722))
وفي رواية كريمة من لفظ: باب إلى (سميع عليم) وفي رواية الأكثرين إلى قوله: (تربص أربعة أشهر) وفي بعض النسخ: باب الإيلاء وقوله تعالى: * (للذين يؤلون) * الآية. الإيلاء في اللغة الحلف، يقال: آلى يولي إيلاء: حلف قوله: (تربص أربعة أشهر) مبتدأ وقوله: (للذين يؤلون) خبره أي: للذين يحلفون بن علي
ترك الجماع من نسائهم تربص أي: انتظار (أربعة أشهر) من حين الحلف ثم يوقف ويطالب بالفيئة أو الطلاق، ولهذا قال: (فإن فاؤا) أي رجعوا (إلى ما كانوا عليه) وهو كناية عن الجماع، قاله ابن عباس ومسروق والشعبي وسعيد بن جبير وغير واحد، منهم ابن جرير * (فإن الله غفور رحيم) * (البقرة: 622) أي: لما سلف من التقصير في حقهن بسبب اليمين، وفي قوله تعالى: * (فإن فاؤا فإن الله غفور رحيم) * (البقرة: 622) دلالة لأحد قولي العلماء، وهو القول القديم للشافعي: إن المولي إذا فاء بعد الأربعة أشهر أنه لا كفارة عليه، وفي التفسير: فإن فاؤا أي: في الأشهر، بدليل قراءة عبد الله فإن فاؤا فيهن.
واعلم أن الكلام ههنا في مواضع.
الأول: الإيلاء المذكور في قوله: * (للذين يؤلون) * ما هو؟ هو الحلف بن علي
ترك قربان امرأته أي: وطئها أربعة أشهر وأكثر منها، كقوله لامرأته: والله لا أقربك أربعة أشهر، أو: لا أقربك، وهو قول الثوري وأبي حنيفة وأصحابه، ويروى عن عطاء، قال ابن المنذر: أكثر أهل العلم قالوا: لا يكون الإيلاء أقل من أربعة أشهر، قال ابن عباس: كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنتين وأكثر، فوقت لهم أربعة أشهر، فمن كان إيلاؤه أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء قالت طائفة: إذا حلف لا يقرب امرأته يوما أو أقل أو أكثر ثم لم يطأها أربعة أشهر بانت منه بالايلاء، روي هذا عن ابن مسعود
274

والنخعي وابن أبي ليلى والحكم، وبه قال إسحاق، وقال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور: الإيلاء أن يحلف أن لا يطأ امرأته أكثر من أربعة أشهر، فإن حلف بن علي
أربعة أشهر، أو: فما دونها لم يكن موليا، وهذا عندهم يمين مخفي لو وطئ في هذا اليمين حنث ولزمته الكفارة، وإن لم يطأ حتى انقضت المدة لم يكن عليه شيء كسائر الأيمان. وقال ابن المنذر: روي عن ابن عباس لا يكون موليا حتى يحلف أن لا يطأها أبدا.
الموضع الثاني: في حكم الإيلاء: وهو أنه أن وطئها في الأربعة الأشهر كفر لأنه حنث في يمينه وإن لم يطأها حتى مضت أربعة أشهر بانت المرأة منه بتطليقة واحدة، وهو قول ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وبه قال ابن سيرين ومسروق والقاضي والقاسم وسالم والحسن وقتادة وشريح القاضي وقبيصة بن ذؤيب والحسن بن صالح، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه، وعند سعيد بن المسيب ومكحول وربيعة والزهري ومروان بن الحكم: يقع تطليقة رجعية. وذكر البخاري عن ابن عمر: أن المولى يوقف حتى يطلق، وقال مالك: كذلك الأمر عندنا، وبه قال الليث والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور، فإن طلق فهي واحدة رجعية، إلا أن مالكا قال: لا تصح رجعته حتى يطأ في العدة، ولا يعلم أحد قاله غيره.
والموضع الثالث: في أن الإيلاء لا يصح إلا باسم الله تعالى. أو بشيء يتحقق به اليمين، كما لو حلف بحج بأن قال: إن قربتك فلله علي حجة، أو بصوم بأن قال: إن قربتك فلله علي صوم شهر، أو صدقة بأن قال: إن قربتك فلله علي أن أتصدق بمائة درهم مثلا، أو عتق بأن قال: إن قربتك فلله علي عتق رقبة أو فعبدي حر فهو مول بهذه الأشياء عند أبي حنيفة وأبي يوسف، بخلاف الحلف بالصلاة أو الغزو. وعند محمد يكون موليا فيهما أيضا لأنه قربة وهو قول أبي يوسف أولا. وفي عتق العبد المعين خلاف لأبي يوسف، وقال ابن حزم: ومن حلف في ذلك بطلاق أو عتق أو صوم أو صدقة أو مشي أو غير ذلك فليس بمول، وعليه الأدب. وفي (الروضة) للشافعية: هل يختص الإيلاء باليمين بالله وصفاته؟ فيه قولان: القديم: نعم، والجديد الأظهر: لا، بل إذا قال: إن وطئتك فعلي صوم أو صلاة أو حج أو فعبدي حر أو فأنت طالق أو فضرتك طالق أو نحو ذلك كان موليا وفي (الجواهر) للمالكية: المحلوف به هو الله تعالى أو صفة من صفاته النفسية المعنوية أو ما فيه التزام من عتق أو طلاق أو لزوم صدقة أو صوم أو نحوه بن علي
بالوطء كل ذلك إيلاء. وفي (الحاوي) في فقه أحمد: الإيلاء بحلفه بالله أو باسمه أو بصفته، فإن حلف بعتق أو طلاق أو نذر أو ظهار أو تحريم مباح، أو يمين أخرى فروايتان، وعنه: لا ينعقد بغير يمين مكفرة.
الموضع الرابع: أن إيلاء الذمي منعقد عند أبي حنيفة، خلافا لهما ولمالك، وبقول أبي حنيفة قال الشافعي وأحمد، وفي (الروضة): سواء في صحة الإيلاء العبد والأمة والكافر وأضدادهم ولا ينحل الإيلاء بإسلام الكافر، وإذا ترافع إلينا ذميان وقد آلى، أوجبنا الحكم، وإن لم نوجبه لم يجبر الحاكم الزوج بن علي
الفيئة ولا الطلاق، ولا يطلق عليه، بل لا بد من رضاه. وقال أحمد فيما حكى عنه الخلال في (علله) يروى عن الزهري أنه كان يقول: إيلاء العبد شهران، وقال ابن حزم: وصح عن عطاء أنه قال: لا إيلاء للعبد دون سيده وهو شهران، وبه قال الأوزاعي والليث ومالك وإساق، وقالت طائفة: الحكم في ذلك للنساء، فإن كانت أمة فلزوجها الحر والعبد عليها شهران، وهو قول إبراهيم وقتادة والحسن والحكم والشعبي والضحاك والثوري وأبي حنيفة وأصحابه، وقالت طائفة: إيلاء الحر والعبد من الزوجة الحرة والأمة سواء، وهو أربعة أشهر، وهو قول الشافعي وأحمد وأبي ثور وأبي سليمان وأصحابهم.
الموضع الخامس: أنها تعتد بثلااث حيض، قاله مسروق وشريح وعطاء قال ابن عبد البر: كل الفقهاء فيما علمت يقولون: إنها تعتد بعد الطلاق عدة المطلقة إلا جابر بن زيد فإنه يقول: لا تعتد، يعني: إذا، كانت حاضت ثلاث حيض في الأربعة الأشهر، وقال بقوله طائفة، وكان الشافعي يقول به في القديم ثم رجع عنه، وقد روي عن ابن عباس نحوه.
الموضع السادس: في حكم الفيء للعاجز، قال أصحابنا: وإن عجز المولي عن وطئها بسبب مرضه أو مرضها أو بسبب الرتق، وهو انسداد فم الرحم بلحمة أو عظمة أو نحوهما، أو بسبب الصفراء أو لبعد مسافة بينهما ففيؤه أن يقول: فئت إليها بشرط أن يكون عاجزا من وقت الإيلاء إلى أن تمضي أربعة أشهر، حتى لو آلى منها وهو قادر ثم عجز عن الوطء بعد ذلك لمرض أو بعد مسافة أو حبس أو أسر أو جب أو نحو ذلك، أو كان عاجزا حين آلى وزال العجز في المدة لم يصح فيؤه باللسان. وقال الشافعي: لا يصح الفيء باللسان أصلا، وإليه ذهب الطحاوي وأحمد، وتحرير مذهب
275

الشافعي ما ذكره في (الروضة) إذا وجد مانع من الجماع بعد مضي المدة المحسوبة نظر أهو فيها أم في الزوج؟. فإن كان فيها بأن كانت مريضة لا يمكن وطؤها أو محبوسة لا يمكن الوصول إليها، أو حائضا أو نفساء أو محرمة أو صائمة أو معتكفة لم يثبت لها الفيئة بالمطالبة لا فعلا ولا قولا، وإن كان المانع فيه فهو طبيعي وشرعي، فالطبيعي: أن يكون مريضا لا يقدر بن علي
الوطء أو يخاف منه زيادة العلة أو بطء البرء فيطالب بالفيئة باللسان أو بالطلاق إن لم يف، والفيئة باللسان أن يقول: إذا قدرت فئت، واعتبر الشيخ أبو حامد أن يقول مع ذلك: ندمت بن علي
ما فعلت، وإن كان مجوسا ظلما فكالمريض، وإن حبس في دين يقدر بن علي
وفائه أمر بالأداء والفيئة بالوطء أو الطلاق، وأما الشرعي: فكالصوم والإحرام والظهار قبل التكفير ففيه وجهان: أحدهما: وهو الأصح: يطالب بالطلاق، والآخر: يقنع منه بفيئة اللسان. ومذهب أحمد إن كان العذر بالرجل طويلا أو عجز عن الوطء شرعا أو حسا فاء نطقا، وإن كان مظاهرا لم يطأ حتى يكفر. ومذهب مالك: لا مطالبة للمريضة التي لا تتحمل الجماع ولا للرتقاء ولا للحائض حالة الحيض، وإن كان للرجل مانع طبيعي كالمرض فلها مطالبته بالوعد والفيئة باللسان وتكفير اليمين، وإن كان شرعيا كالظهار والصوم والإحرام فليس لها المطالبة، وعليه أن يطلق إلا أن يقضي بالوطء. وقيل: لا يصح بالوطء المحرم، وقال ابن القاسم: إذا آلى وهي صغيرة لا يجامع مثلها لم يكن موليا حتى تبلغ الوطء، ثم يوقف بعد مضي أربعة أشهر منذ بلغت الوطء، قال: ولا يوقف الخصي بل إنما يوقف من قدر بن علي
الجماع. وقال الشافعي: إذا لم يبق للخصي ما ينال به من المرأة ما يناله الصحيح بمغيب الحشفة فهو كالمجبوب فاء بلسانه ولا شيء عليه، وقال في موضع آخر: لا إيلاء بن علي
مجبوب، واختاره المزني، وقال أبو حنيفة: ولو كان أحدهما محرما بالحج وبينه وبين وقت الحج أربعة أشهر لم يكن فيئه إلا بالجماع، وكذا المحبوس، وقال زفر: فيئه بالقول، وقال الشافعي: إذا آلى وهي بكر وقال: لا أقدر بن علي
افتضاضها أجل أجل العنين.
فإن فاؤا رجعوا.
أشار به إلى أن معنى: فاؤا في قوله تعالى: * (فإن فاؤا فإن الله غفور رحيم) * (البقرة: 622) رجعوا عن اليمين، هكذا فسره أبو عبيدة في هذه الآية، يقال: فاء يفيء فيئا وأخرج الطبري عن إبراهيم النخعي قال: الفيء الرجوع باللسان، ومثله عن أبي قلابة، وعن سعيد بن المسيب والحسن وعكرمة: الفيء الرجوع بالقلب واللسان لمن به مانع عن الجماع، وفي غيره بالجماع.
9825 حدثنا إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه عن سليمان عن حميد الطويل أنه سمع أنس بن مالك يقول: آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، من نسائه وكانت انفكت رجله، فأقام في مشربة له تسعا وعشرين ثم نزل، فقالوا: يا رسول الله! آليت شهرا، فقال: الشهر تسع وعشرون.
ل: لا وجه لإيراد هذا الحديث في هذا الباب لأن الإيلاء المعقود له الباب حرام يأثم به من علم بحاله، فلا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى. قلت: يرد ما قاله ما رواه الترمذي: حدثنا الحسن بن قزعة البصري حدثنا مسلم بن علقمة حدثنا داود عن عامر عن مسروق عن عائشة رضي الله تعالى عنهما، قالت: آلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه وحرم، فجعل الحرام حلالا وجعل في اليمين كفارة. انتهى. قلت: فسر شيخنا زين الدين، رحمه الله قوله: وحرم فجعل الحرام حلالا، ليس قوله: فجعل، بيانا للتحريم في قوله: وحرم، ولو كان كذلك لقال: فجعل الحلال حراما، وإنما هو بيان لما جعله الله فيمن حرم حلالا، وعلى هذا فإما أن يكون فاعل حرم هو الله تعالى، أو يكون فاعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه الذي بين الحكم عن الله تعالى. قلت: فيه نظر قوي الأن قوله: وحرم. عطف بن علي
قوله آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يكون فاعله هو الله تعالى؟ لأن فيه انفكاك الضمير فلا يجوز، ظاهر المعنى أنه صلى الله عليه وسلم حرم ثم جعل ذلك الحرام الذي كان في الأصل مباحا حلالا، ولهذا قال: وجعل في اليمين كفارة، لأن تحريم المباح يمين ففيه الكفارة، والذي يقال هنا إن المراد بالإيلاء المذكور في الآية الإيلاء الشرعي وهو الحلف بن علي
ترك قربان امرأته أربعة أشهر أو أكثر، كما ذكرناه في أول الباب، والإيلاء المذكور في حديث الباب الإيلاء اللغوي وهو الحلف، فالمعنى
276

اللغوي لا ينفك عن المعنى الشرعي، فمن هذه الحيثية توجد المطابقة بين الترجمة والحديث، وأدنى المطابقة كاف فافهم.
وإسماعيل ابن أبي أويس ابن أخت مالك بن أنس، وأبو أويس اسمه عبد الله، وأخوه عبد الحميد، وسلميان هو ابن هلال.
والحديث قد مر في الصوم عن عبد العزيز بن عبد الله، وسيجئ في النذر عنه أيضا. وفي النكاح عن خالد بن مخلد. ومضى الكلام فيه.
قوله: (مشربة)، بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وفتح الراء وضمها وبالباء الموحدة: وهي الغرفة. قوله: (الشهر) أي: ذلك الشهر المعهود (تسع وعشرون يوما) أراد أنه كان ناقصا.
0925 حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن نافع أن ابن عمر، رضي الله عنهما، كان يقول، في الإيلاء الذي سمى الله تعالى: لا يحل لأحد بعد الأجل إلا أن يمسك بالمعروف أو يعزم بالطلاق كما أمر الله عز وجل.
مطابقته للترجمة ظاهرة هذا وما بعده إلى آخر الباب لم يثبت في رواية النسفي، وثبت في رواية الباقين، واحتج بهذا الحديث جماعة منهم الشافعي، وقالوا: إن المدة إذا انقضت يخير الحالف إما أن يفيء وإما أن يطلق، وقال أصحابنا الحنفية: إن فاء بالجماع قبل انقضاء المدة استمرت العصمة، وإن مضت المدة وقع الطلاق بنفس مضي المدة، واحتجوا بما رواه عبد الرزاق في (مصنفه): حدثنا معمر عن عطاء الخراساني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهما، كانا يقولان في الإيلاء: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة واحدة، وهي أحق بنفسها، وتعتد عدة المطلقة، وقال: أخبرنا معمر عن قتادة أن عليا وابن مسعود وابن عباس، رضي الله تعالى عنهم، قالوا: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة، وهي أحق بنفسها وتعتد عدة المطلقة، فإن قلت: قد روي عن علي خلاف هذا مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، أنه كان يقول: إذا آلى الرجل من امرأته لم يقع عليه الطلاق، فإن مضت الأربعة أشهر يوقف حتى يطلق أو يفيء. قلت: هذا ابن عمر أيضا روي عنه خلاف ما روي في هذا الباب، رواه ابن أبي شيبة في (مصنفه): حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وابن عمر قالا: إذا آلى فلم يفيء حتى مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة.
1925 حدثنا وقال لي إسماعيل: حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر: إذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق.
إسماعيل هو ابن أبي أويس المذكور آنفا. ويروى: قال إسماعيل، بدون لفظة: لي، وبه جزمت جماعة، فيكون تعليقا والعمدة بن علي
الأول وهو أيضا رواية أبي ذر وغيره، وإنما لم يقل حدثني إشعارا بالفرق بين ما يكون بن علي
سبيل التحديث وما يكون بن علي
سبيل المحاورة، والمذاكرة، وقد ذكرنا الآن في رواية ابن أبي شيبة خلاف هذا عن ابن عمر.
ويذكر ذالك عن عثمان وعلي وأبي الدرداء وعائشة واثنى عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
ذلك إشارة إلى الإيقاف الذي يدل عليه قوله: (يوقف حتى تطلق) أي: يحبس ولا يقع الطلاق بنفسه بعد انقضاء المدة والامتناع من الفيء. قوله: (يذكر)، بن علي
صيغة المجهول لأجل التمريض، أما الذي ذكره ممرضا عن عثمان رضي الله تعالى عنه، رواه ابن أبي شيبة: حدثنا ابن علية عن مسعر عن حبيب بن أبي ثابت عن طاووس عن عثمان قال أبو حاتم: طاووس أدرك زمن عثمان؟ قلت: روى عن عثمان خلاف هذا، وقد ذكرناه عن عبد الرزاق آنفا. وقول أبي حاتم: طاووس أدرك زمن عثمان، لا يستلزم سماعه عنه، وأما أثر علي، رضي الله عنه، فرواه ابن أبي شيبة أيضا عن وكيع عن سفيان عن الشيباني عن بكير ابن الأخفش عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه. قلت: قد ذكرنا في رواية عن عبد الرزاق عن علي خلاف هذا، وأما أثر أبي الدرداء فرواه أيضا ابن أبي شيبة عن عبيد الله بن موسى عن أبان العطار عن قتادة عن سعيد بن المسيب عنه أنه قال: يوقف في الإيلاه عند انقضاء الأربعة، فإما أن يطلق وإما أن يفيء. قلت: في سماع سعيد بن المسيب عن أبي الدرداء نظر، وأما أثر عائشة، رضي الله تعالى عنها، فرواه سعيد بن منصور بسند صحيح عنها بلفظ: أنها كانت لا ترى الإيلاء حتى يوقف،
277

وأما الرواية بذلك عن اثني عشر رجلا من الصحابة فرواه البخاري في (التاريخ) من طريق عبد ربه بن سعيد بن ثابت بن عبيد مولى زيد بن ثابت عن اثني عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: الإيلاء لا يكون طلاقا حتى يوقف، وأخرجه الشافعي، رضي الله تعالى عنه، من هذا الوجه فقال: بضعة عشر. وأخرج إسماعيل القاضي من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن سليمان بن يسار، قال: أدركت بضعة عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا:
الإيلاء لا يكون طلاقا حتى يوقف. وأخرج الدارقطني من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه أنه قال: سألت اثني عشر رجلا من الصحابة عن الرجل يولي. فقالوا: ليس عليه شيء حتى تمضي أربعة أشهر فيوقف، فإن فاء لا طلاق. قلت: قد جاء عن جماعة من الصحابة معينين بخلاف ذلك. وهو أقوى من الذكر بالإجمال وهم: عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت، وقد ذكرنا الروايات عن الكل هنا في هذا الباب ما خلا رواية عمر بن الخطاب فنذكرها الآن فروى الدارقطني من حديث سعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن: أن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، كان يقول: إذا مضت أربعة أشهر فهي طالق تطليقة، وهو أملك بردها في عدتها.
22
((باب حكم المفقود في أهله وماله))
أي: هذا باب في بيان حكم المفقود حال كونه في أهله وماله، وحكم المال لا يتعلق بأبواب الطلاق ولكنه ذكره هنا استطرادا، وحكم الأهل يتعلق ولكنه ما أفصح به اكتفاء بما يذكره في بابه جريا بن علي
عادته في ذلك كذلك.
وقال ابن المسيب: إذا فقد في الصف عند القتال تربص امرأته سنة.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وتعليق سعيد بن المسيب هذا وصله عبد الرزاق بأتم منه عن الثوري عن داود بن أبي هند عنه قال: إذا فقد في الصف تربصت امرأته سنة، وإذا فقد في غير الصف فأربع سنين. قوله: (تربص امرأته) بفتح التاء وضم الصاد، أصله تتريص فحذفت منه إحدى التاءين كما في * (نارا تلظى) * (الليل: 41) أصله: تتلظى. قوله: (سنة) كذا هو في جميع النسخ والشروح وغيرها من المستخرجات إلا ابن التين فإنه قد وقع عنده: ستة أشهر، فلفظ: ستة تصحيف ولفظ: أشهر، زيادة. قوله: (تربص) يعني تنتظر سنة يعني تؤجل، وروى أشهب عن مالك أنه يضرب لامرأته أجل سنة بعد أن ينظر في أمرها ولا يضرب لها من يوم فقد، وسواء فقد في الصف بين المسلمين أو في قتال المشركين. وروى عيسى عن ابن القاسم عن مالك: إذا فقد في المعترك أو في فتن المسلمين بينهم أنه ينتظر يسيرا بمقدار ما ينصرف المنهزم ثم تعتد امرأته ويقسم ماله، وروى ابن القاسم عن مالك في المفقود في فتن المسلمين أنه يضرب لامرأته سنة ثم تتزوج، وقال الكوفيون والثوري في الذي يفقد بين الصفين كقولهم في المفقود ولا يفرق بينهما، والكوفيون يقولون: لا يقسم ماله حتى يأتي عليه من الزمان ما لا يعيش مثله، وقال الشافعي: لا يقسم ماله حتى تعلم وفاته.
واشترى ابن مسعود جارية والتمس صاحبها سنة فلم يجده وفقد فأخذ يعطى الدرهم والدرهمين، وقال: اللهم عن فلان فإن أبى فلان فلي وعلي. وقال: هاكذا فافعلوا باللقطة.
لم يقع هذا من رواية أبي ذر عن السرخسي. ووصل هذا التعليق سفيان بن عيينة في (جامعه) من رواية سعيد بن عبد الرحمن عنه. وأخرجه أيضا سعيد بن منصور عنه بسند له جيد إن ابن مسعود اشترى جارية بسبعمائة درهم فإما غاب عنها صاحبها وإما تركها فنشده حولا فلم يجده، فخرج بها إلى مساكين عند سدة بابه وجل يقبض ويعطي، ويقول: اللهم عن صاحبها فإن أبى فمني وعلي الغرم. وأخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح عن شريك عن عامر بن شقيق عن أبي وائل بلفظ: اشترى عبد الله جارية بسبعمائة درهم فغاب صاحبها فأنشده حولا، أو قال: سنة ثم خرج إلى المسجد فجعل يتصدق ويقول: اللهم فله، وإن أبى فعلي. ثم قال: هكذا افعلوا باللقطة والضالة. قوله: (والتمس صاحبها) أي طلب بائعها ليسلم إليه الثمن
278

فلم يجده فأخذ عبد الله يعطى الدرهم والدرهمين للفقراء من ثمن الجارية، ويقول: اللهم تقبله عن فلان أي: صاحب الجارية. قوله: (فإن أبى) من الإباء وهو الامتناع، هكذا في رواية الكشميهني وفي رواية الأكثرين: فإن أتى، بالتاء المثناة من فوق من الإتيان، أي: فإن جاء. قوله: (فلي وعلي) فلي الثواب وعلي الغرامة. أراد أن صاحبها إذا جاء بعد الصدقة بثمنها وأبى فعله ذلك وطلب ثمنها. وقال الكرماني: فإن أبى فالثواب والعقاب ملتبسان بي، أو فالثواب لي وعلي دينه من ثمنها. وقال بعضهم: وغفل بعض الشراح، وأراد به الكرماني، فإنه نقل كلامه مثل ما قلنا ثم نسبه إلى الغفلة ثم قال: والذي قلته أولى لأنه وقع مفسرا في رواية ابن عيينة كما ترى. قلت: الغفلة منه لا من الكرماني، لأن الذي فسره لا يخالف تفسير ابن عيينة في الحقيقة بل أدق منه. يظهر ذلك بالنظر والتأمل. قوله: (وقال: هكذا) أي: قال ابن مسعود. (هكذا افعلوا باللقطة)، وعرف حكم اللقطة في موضعها في الفروع. وقال بعضهم: أشار بذلك إلى أنه انتزع فعله في ذلك من حكم اللقطة للأمر بتعريفها سنة والتصرف فيها بعد ذلك انتهى. قلت: لأن حكم اللقطة معلوما عندهم، ولم تكن قضية ابن مسعود معلومة عندهم، فلذلك قال لهم: افعلوا مثل اللقطة؟ يعني افعلوا في مثل قضيتي إذا وقعت مثل ما كنتم تفعلونه في اللقطة بالتعريف سنة والتصرف فيها بعد ذلك بن علي
الوجه المذكور في الفروع.
وقال ابن عباس نحوه.
هذا التعليق عن ابن عباس لم يثبت إلا في رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني، ووصله سعد بن منصور من طريق عبد العزيز بن ربيع عن أبيه: أنه ابتاع ثوبا من رجل بمكة فضل منه في الزحام، قال: فأتيت ابن عباس فقال: إذا كان العام المقبل فأنشده في المكان الذي اشتريت منه فإن قدرت عليه وإلا تدق بها، فإن جاء فخيره بين الصدقة وإعطاه الدراهم.
وقال الزهري في الأسير يعلم مكانه: لا تتزوج امرأته ولا يقسم ماله، فإذا انقطع خبره فسنته سنة المفقود.
أي: قال محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الخ، ووصل تعليقه ابن أبي شيبة من طريق الأوزاعي. قال: سألت الزهري عن الأسير في أرض العدو متى تزوج امرأته؟ فقال: لا تزوج ما علمت أنه حي، ومن وجه آخر عن الزهري قال: يوقف مال الأسير وامرأته حتى يسلما أو يموتا. قوله: (فسنته) أي: حكمه حكم المفقود، ومذهب الزهري في امرأة المفقود أنها تربص أربع سنين، وقال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم بن علي
أن زوجة الأسير لا تنكح حتى يعلم يقين وفاته ما دام بن علي
الإسلام، هذا قول النخعي والزهري ومكحول ويحيى الأنصاري، وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأبي ثور وأبي عبيد، وبه نقول.
وقال ابن بطال: اختلف العلماء في حكم المفقود إذا لم يعلم مكانه وعمي خبره، فقالت طائفة: إذا خرج من بيته وعمي خبره فإن امرأته لا تنكح أبدا ولا يفرق بينه وبينها حتى يوقن بوفاته أو ينقضي تعميره، وسبيل زوجته سبيل ماله، روي هذا القول عن علي رضي الله عنه، وهو قول الثوري وأبي حنيفة ومحمد والشافعي، وإليه ذهب البخاري. وقالت طائفة: تتربص امرأته أربع سنين ثم تعتد عدة الوفاة. وروي أيضا عن علي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمرو وعطاء وابن أبي رباح، وإليه ذهب مالك وأهل المدينة وأحمد وإسحاق.
2925 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن يزيد مولاى المنبعث أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ضالة الغنم فقال: خذها فإنما هي لك أو لإخيك أو للذئب. وسئل عن ضالة الإبل فغضب واحمرت وجنتاه. وقال: مالك ولها معه الحذاء والسقاء؟ تشرب الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها. وسئل عن اللقطة، فقال: اعرف وكاءها وعفاصها وعرفها سنة، فإن جاء من يعرفها وإلا فاخلطها بمالك.
قال سفيان: فلقيت ربيعة بن أبي عبد الرحمان قال سفيان: ولم أحفظ عنه شيئا غير هاذا، فقلت: أرأيت حديث يزيد مولى المنبعث في أمر الضالة هو عن زيد
279

ابن خالد؟ قال: نعم، قال يحيى: ويقول ربيعة عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد قال سفيان: فلقيت ربيعة فقلت له.
ابقته للترجمة من حيث إن الضالة كالمفقود فكما لم يزل ملك المالك فيها فكذلك يجب أن يكون النكاح باقيا بينهما.
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة، و يحيى بن سعيد الأنصاري و يزيد من الزيادة مولى المنبعث بضم الميم وسكون النون وفتح الباء الموحدة وكسر العين المهملة وبالمثلثة المديني التابعي.
وهذا الحديث قد مضي في كتاب العلم وفي كتاب اللقطة فإنه أخرجه هناك في ثلاثة أبواب متوالية ومضى الكلام فيه هناك، وهذا ظاهره في الأول مرسل ويعلم من قوله في آخره: (فقلت: أرأيت حديث يزيد)؟ إلى آخره أنه مسند.
قوله: (معها الحذاء) وهو ما وطئ عليه البعير من خفه، والحذاء النعل. قوله: (والسقاء) قربه الماء والمراد هنا بظنها قوله: (عن اللقطة) وهي في اصطلاح الفقهاء: ما ضاع عن الشخص بسقوط أو غفلة فيأخذه، وهي بفتح القاف بن علي
اللغة الفصيحة المشهورة، وقيل بسكونها، وقال الخليل بالفتح هو اللاقط وبالسكون الملقوط (والوكاه) بكسر الواو وهو الذي يشد به رأس الصرة والكيس ونحوهما (والعفاص) بكسر العين المهملة وبالفاء وبالصاد المهلمة هو ما يكون فيه النفقة. قوله: (فاخلطها بمالك) أخذ بظاهره داود بن علي
أنه يملكها، وخالف فقهاء الأمصار والمراد: خلها به بن علي
جهة الضمان، بدليل الرواية الأخرى: فإن جاء طالبها يوما من الدهر فأدها إليه.
قوله: (ربيعة بن عبد الرحمن) هو المشهور بربيعة الرأي. قوله: (قال: يحيى) يعني ابن سعيد الذي حدثه مرسلا، وإنما قال ذلك لأن أكثر مقاصد سفيان الحديث والغالب بن علي
ربيعة الفقه. قوله: (قلت له) قيل: لم كرره؟ وأجيب بأنه ليس بمكرر إذ المفعول الثاني له هو نقله عن يحيى، وهو غير ما قال له أولا، فافهم والله أعلم.
32
((باب الظهار))
أي: هذا باب في بيان أحكام الظهار، وهو بكسر الظاء. وقال صاحب (كتاب العين): هو مظاهرة الرجل من امرأته إذا قال: هي بن علي
كظهر ذات رحم محرم، وفي (المحكم): ظاهر الرجل امرأته مظاهرة وظهارا إذا قال: هي علي كظهر ذات رحم محرم، وقد تظهر منها وتظاهر، زاد المطرزي: وظاهر، وفي (الجامع) للقزاز: ظاهر الرجل من ارمأته إذا قال: أنت بن علي
كظهر أمي، أو: كذات محرم، وتبعه بن علي
هذا غير واحد من اللغويين، وقال حافظ الدين النسفي: الظهار تشبيه المنكوحة بامرأة محرمة عليه بن علي
التأبيد مثل: (الأم والبنت والأخت، حرم عليه الوطء ودواعيه بقوله: أنت علي كظهر أمي) حتى يكفر، وقيل: إنما خص الظهر بذلك دون سائر الأعضاء لأنه محل الركوب غالبا، ولذلك يسمى المركوب ظهرا فشبه الزوجة بذلك لأنها مركوب ظهرا فشبه الزوجة بذلك لأنها مركوب الرجل، فلو أضاف لغير الظهر مثل البطن والفخذ والفرج كان ظهارا بخلاف اليد، وعند الشافعي في القديم: لا يكون ظهارا لو قال كظهر أختي، بل يختص بالأم، ولو قال: كظهر أبي مثلا لا يكون ظهارا عند
الجمهور، وعن أحمد في رواية: ظهار.
وقول الله تعالى: * ((58) قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) * إلى قوله: * ((58) فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا) * (المجادلة: 1 4)
[/ ح.
وقول الله بالجر عطفا بن علي
قوله الظهار. وقوله: إلى قوله: (فمن لم يستطع) يعني لم يسبق بالتلاوة قوله تعالى: * (قد سمع الله) * إلى قوله: * (ستين مسكينا) * كذا في رواية أبي ذر والأكثرين، وفي رواية كريمة ساق الآيات كلها بالكتابة إلى الموضع المذكور، وهي ثلاث آيات قوله: (قول التي) أي: قول المرأة التي تجادلك أي: تخاصمك وتحاورك في زوجها وهي امرأة من الأنصار ثم من الخزرج، واختلفوا في اسمها ونسبها، فعن ابن عباس: هي خولة بنت خويلد وعن أبي العالية: خولة بنت دليم، وعن قتادة: خويلة بنت ثعلبة، وعن مقاتل بن حيان: خولة بنت ثعلبة بن مالك بن حرام الخزرجية من بني عمرو بن عوف، وعن عطية عن ابن عباس: خولة بنت الصامت، وروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن اسمها: جميلة وزوجها أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت، وقيل: كانت أمة لعبد الله بن أبي، وهي التي نزل فيها: * (ولا تكرهوا فتياتكم بن علي
البغاء) * (النور: 33) وقال أبو عمر: هي خولة بنت ثعلبة بن أصرم بن
280

فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف وهو الأصح، ولا يثبت شيء غير ذلك، وزوجها أوس بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر ابن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف بن الخزرج الأنصاري، شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقي إلى زمن عثمان، رضي الله عنه.
ثم الكلام فيه بن علي
أنواع:
الأول في سبب نزول هذ الآيات، وهو أن خولة بنت ثعلبة كانت امرأة جسيمة الجسم فرآها زوجها ساجدة في صلاتها فنظر إلى عجيزتها، فلما انصرفت أرادها فامتنعت عليه وكان أمرأ فيه سرعة ولمم فقال لها: أنت علي كظهر أمي، ثم ندم بن علي
ما قال. وكان الإيلاء والظهار من طلاق أهل الجاهلية، فقال لها: ما أظنك إلا قد حرمت علي، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن زوجي أوس بن الصامت تزوجني وأنا شابة غنية ذات مال وأهل حتى أكل مالي وأفنى شبابي وتفرق أهلي وكبر سني ظاهر مني، وقد ندم فهل من شيء يجمعني وإياه ينعشني به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حرمت عليه، فقالت: يا رسول الله! والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقا وإنه أبو ولدي وأحب الناس إلي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حرمت عليه. فقالت: أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي. قد طالت صحبتي ونفضت له بطني، أي: كثر ولدي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أراك إلا قد حرمت عليه، ولم أومر في شأنك بشيء، فجعلت تراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: حرمت عليه، هتفت وقالت: أشكو إلى الله فاقتي وشدة حالي، اللهم أنزل بن علي
لسان نبيك، وكان هذا أول ظهار في الإسلام، فأنزل الله تعالى عليه: * (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) * (المجادلة: 1)... الآيات قال لها: إدعي زوجك، فجاء فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد سمع الله) الآيات ثم قال له: هل تستطيع أن تعتق رقبة؟ قال: إذا يذهب مالي كله، الرقبة غالية وأنا قليل المال. فقال صلى الله عليه وسلم: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: والله يا رسول الله إن لم آكل في اليوم ثلاث مرات كل بصري وخشيت أن تغشو عيني، قال فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا؟ قال: لا والله إلا أن تعينني بن علي
ذلك يا رسول الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أني معينك بخمسة عشر صاعا، واجتمع لهما أمرهما، فذلك قوله تعالى: * (الذين يظاهرون منكم من نسائهم) * (المجادلة: 2) وكلمة: منكم، توبيخ للعرب وتهجين لعادتهم في الظهار لأنه كان من إيمان أهل جاهليتهم خاصة دون سائر الأمم. قوله: * (ما هن أمهاتهم) * أي: ليست النساء اللاتي يظاهرون منهن أمهاتهم، لأنه تشبيه باطل لتباين الحالين. * (إن أمهاتهم) * أي: ما أمهاتهم * (إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول) * (المجادلة: 2) لا يعرف صحته * (وزورا) * يعني: كذبا باطلا منحرفا عن الحق.
النوع الثاني: في صورة الظهار: إعلم أن الألفاظ التي يصير بها المرء مظاهرا بن علي
نوعين: صريح، نحو أنت علي كظهر أمي، أو أنت عندي كظهر أمي، وكناية نحو: أن يقول: أنت علي كأمي، أو مثل أمي، أو نحوهما، يعتبر فيه نيته، فإن أراد ظهارا كان ظهارا، وإن لم ينو لا يصير ظهارا وعند محمد بن الحسن: هو ظهار، وعن أبي يوسف: هو مثله إن كان في الغضب وعنه أن يكون إيلاء وإن نوى طلاقا. كان طلاقا بائنا.
النوع الثالث: لا يكون الظهار إلا بالتشبيه بذات محرم، فإذا ظاهر بغير ذات محرم فليس بظهار، وبه قال الحسن وعطاء والشعبي، وهو قول أبي حنيفة والشافعي في قول، وعنه وهو أشهر أقواله: إن كل من ظاهر بامرأة حل له نكاحها يوما من الدهر فليس ظهارا، ومن ظاهر بامرأة لم يحل له نكاحها قط فهو ظهار. وقال مالك: من ظاهر بذات محرم أو بأجنبية فهو كله ظهار، وعن الشعبي: لا ظهار إلا بأم أو جده، وهو قول للشافعي رواه عنه أبو ثور، وبه قالت الظاهرية.
واختلفوا فيمن ظاهر من أجنبية ثم تزوجها، فروى القاسم بن محمد عن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه: إن تزوجها فلا يقربها حتى يكفر، وهو قول عطاء
وسعيد بن المسيب والحسن وعروة، قال ابن حزم: صح ذلك عنهم. قلت: إن أراد بالصحة عن المذكورين فالأثر عن عمر منقطع لأن القاسم لم يولد إلا بعد قتل عمر رضي الله تعالى عنه، وإن أراد الباقين فيمكن. وقال في (التلويح): قال ابن عمر: قال ابن أبي ليلى والحسن بن حي: إن قال: كل امرأة أتزوجها فهي بن علي
كظهر أمي، أو سمي قرية أو قبيلة لزمه الظهار، وقال الثوري فيمن قال: إن تزوجتك فأنت طالق، وأنت علي كظهر أمي، ووالله لا أقربك أربعة أشهر فما زاد، ثم تزوجها وقع الطلاق وسقط الظهار والإيلاء لأنه بدأ بالطلاق.
النوع الرابع: فيمن يصح منه الظهار ومن لا يصح، كل زوج صح طلاقه صح ظهاره سواء كان حرا أو رقيقا مسلما أو ذميا دخل بالمرأة أو لم
281

يدخل بها، أو كان قادرا بن علي
جماعها أو عاجزا عنه، وكذلك يصح من كل زوجة صغيرة كانت أو كبيرة عاقلة أو مجنونة أو رتقاء أو سليمة محرمة أو غير محرمة ذمية أو مسلمة أو في عدة تملك رجعتها. وقال أبو حنيفة: لا يصح ظهار الذمي، وقال مالك: لا يصح ظهار العبد، وقال بعض العلماء: لا يصح ظهار غير المدخول بها، وقال المزني: إذا طلق الرجل امرأته طلقة رجعية ثم ظاهر منها فإنه لا يصح.
واختلف في الظهار من الأمة وأم الولد، فقال الكوفيون والشافعي: لا يصح الظهار منهما، وقال مالك والثوري والأوزاعي والليث: لا يكون من أمته مظاهرا. احتج الكوفيون بقوله تعالى: * (والذين يظاهرون من نسائهم) * (المجادلة: 2)... والأمة ليست من نسائنا.
النوع الخامس: في بيان الكفارة، وهو تحرير رقبة قبل الوطء سواء كانت ذكرا أو أنثى صغيرة أو كبيرة مسلمة أو كافرة لإطلاق النص. وقال الشافعي: لا تجوز الكفارة بالكافرة وبه قال مالك وأحمد، وقال ابن حزم: يجوز المؤمن والكافر والسالم والمعيب والذكر والأنثى، وقال أبو حنيفة والشافعي ومالك: لا تجوز الرقبة المعيبة وقال ابن حزم: وروينا عن النخعي والشعبي أن عتق الأعمى يجزي في ذلك، وعن ابن جريج: إن الأشل يجزي في ذلك، وقال أبو حنيفة: المجنون لا يصح.
وأعلم أن الكفارة بن علي
أنواع:
الأول: عتق الرقبة. فإن عجز صام شهرين متتابعين ليس فيهما شهر رمضان والأيام المنهية، وهي يوما العيدين وأيام التشريق، فإن وطئ فيهما ليلا أو نهارا ناسيا أو عامدا استأنف الصوم، وذكر ابن حزم عن مالك أنه إذا وطئ التي ظاهر منها ليلا قبل تمام الشهرين يبتدئ بهما من ذي قبل. وقال أبو حنيفة والشافعي: يتمهما بانيا بن علي
ما صام منهما. وقال أصحابنا: فإن وطئها في الشهرين ليلا عامدا أو يوما ناسيا، أو أفطر فيهما مطلقا يعني: سواء كان بعذر أو بغير عذر استأنف الصوم عندهما وقال أبو يوسف: ولا يستأنف إلا بالإفطار. وبه قال الشافعي. وقال مالك وأحمد: إن كان بعذر لا يستأنف ولم يجز للعبد إلا الصوم، فإن لم يستطع الصوم أطعم ستين مسكينا كالفطرة في قدر الواجب يعني: نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو شعير، وقال الشافعي: لكل مسكين مد من غالب قوت بلده، وعند مالك مد بمد هشام وهو مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم، وعند أحمد من البر مد ومن تمر وشعير مدان، وإن طعم ثلاثين مسكينا، ثم وطيء، فقال الشافعي وأبو حنيفة: يتم الإطعام كما لو وطئ قبل أن يطعم لم يكن عليه إلا إطعام واحد. وقال الليث والأوزاعي ومالك يستأنف إطعام ستين مسكينا.
النوع السادس: فيمن ظاهر ثم كرر ثانية أو ثالثة فليس عليه إلا كفارة واحدة، فإن كرر رابعة فعليه كفارة أخرى. قاله ابن حزم، وعن علي رضي الله تعالى عنه. إذا ظاهر في مجلس واحد مرارا فكفارة واحدة، وإن ظاهر في مقاعد شتى فعليه كفارات شتى، والإيمان كذلك وهو قول قتادة وعمرو بن دينار، وقال ابن حزم: صح ذلك عنهما، وقال آخرون: ليس في ذلك إلا كفارة واحدة، قال ابن حزم: روينا عن طاووس وعطاء والشعبي أنهم قالوا: إذا ظاهر من امرأة خمسين مرة فإنما عليه كفارة واحدة، وصح مثله عن الحسن، وهو قول الأوزاعي، وقال الحسن أيضا: إذا ظاهر مرارا فإن كان في مجالس شتى فكفارة واحدة ما لم يكفر والإيمان كذلك، قال معمر: وهو قول الزهري، وقول مالك، وقال أبو حنيفة: إن كان كرر الظهار في مجلس واحد ونوى التكرار فكفارة واحدة، وإن لم يكن له نية فلكل ظهار كفارة، وسواء كان ذلك في مجلس واحد أو مجالس.
النوع السابع: فيما يجوز للمظاهر أن يفعل مع امرأته التي ظاهر منها، روي عن الثوري أنه: لا بأس أن يقتل التي ظاهر منها قبل التكفير، ويباشرها فبما دون الفرج لأن المسيس هنا الجماع، وهو قول الحسن وعطاء وعمرو بن دينار وقتادة وقول أصحاب الشافعي، وروي عنه أنه قال: أحب إلي أن يمتنع من القبلة والتلذذ احتياطا، وقال أحمد وإسحاق: لا بأس أن يقبل ويباشر وأبي مالك من ذلك ليلا أو نهارا. وكذا في صيام الشهرين، قال: ولا ينظر إلى شعرها ولا إلى صدرها حتى يكفر، وقال الأوزاعي: يأتي منها ما دون الإزار كالحائض، وقال أصحابنا، كما يحرم عليه الوطء قبل التكفير حرمت عليه دواعيه كاللمس والقبلة بشهوة.
النوع الثامن: فيمن وجبت عليه كفارة الظهار، ولم تسقط بموته ولا بموتها ولا طلاقه لها هي من رأس ماله إن مات أوصى بها أو لم يوص، وهذا مذهب الشافعية وعند أصحابنا الديون نوعان حقوق الله وحقوق العباد، فحق الله أن
282

لم يوص به يسقط سواء كان صلاة أو زكاة، ويبقى عليه الإثم والمطالبة في حكم الآخرة، وإن أوصى به يعتبر من الثلث، فعلى الوارث أن يطعم عنه لكل صلاة، وقت نصف صاع كما في الفطرة، وللوتر أيضا عند أبي حنيفة، وإن كان صوما يصوم لكل يوم كصلاة كل وقت، وإن كان حجا فعلى الوارث الإحجاج عنه من الثلث وكذا الحكم في النذور والكفارات، وأما دين العباد فهو مقدم بكل حال.
النوع التاسع: في ظهار العبد. ففي (موطأ مالك) أنه سأل ابن شهاب عن ظهار العبد، فقال نحو ظهار الحر، وقال مالك: صيام العبد في الظهار شهران. وقال أبو عمر: لا خلاف بين العلماء أن الظهار للعبد لازم. وأن كفارته المجمع عليها الصوم، قال: واختلفوا في العتق والإطعام، فأجاز أبو ثور وداود للعبد العتق إن إعطاه سيده وأبي ذلك سائر العلماء، وقال ابن القاسم عن مالك أن أطعم بإذن مولاه جاز، وإن أعتق بلا إذنه لم يجز وأحب إلينا أن يصوم، وقال مالك: وإطعام العبد كإطعام الحر ستين مسكينا لا أعلم فيه خلافا.
النوع العاشر: في بيان العود. المذكور في الآية. واختلفوا في معناه. فقال الشافعي: العود الموجب للكفارة أن يمسك عن طلاقها بعد الظهار بمضي مدة يمكنه أن يطلقها فلم يطلقها، وقال قتادة في قوله تعالى: * (ثم يعودون لما قالوا) * (المجادلة: 3) يريد أن يغشاها ويطأها بعدما حرمها وإليه ذهب أبو حنيفة قال: إن عزم بن علي
وطئها ونوى أن يغشاها يكون عودا ويلزمه الكفارة، وإن لم يعزم بن علي
الوطء لا يكون عودا، وقال مالك: إن وطئها كان عودا وإن لم يطأها لم يكن عودا. وقال أصحاب الظاهر: إن كرر اللفظ كان عودا وإلا لم يكن عودا. وهو قول أبي العالية وذكر ابن بطال أن العود عند مالك هو العزم بن علي
الوطء، وحكى عنه أن الوطء بعينه، ولكن تقدم الكفارة عليه وهو قول ابن القاسم وأشار في (الموطأ) إلى أنه العزم بن علي
الإمساك والإصابة، وعليه أكثر أصحابه، وقال ابن المنذر: وهو قول أبي حنيفة وأحمد وإسحاق وذهب الحسن وطاووس والزهري إلى أن الوطء نفسه هو العود. وقال الطحاوي: معنى العود عند أبي حنيفة أنه لا يستبيح وطأها إلا بكفارة يقدمها. وفي (التلويح) قال أبو حنيفة، رضي الله تعالى عنه: معنى العود أن الظهار يوجب تحريما لا يرفعه إلا الكفارة إلا أنه إن لم يطأها مدة طويلة حتى ماتت فلا كفارة عليه، سواء أراد في خلال ذلك وطأها أو لم يرد، فإن طلقها ثلاثا فلا كفارة عليه، فإن تزوجها بعد زوج آخر عاد عليه حكم الظهار ولا يطؤها حتى يكفر، وقال أبو حنيفة: الظهار قول كانوا يقولونه في الجاهلية فنهوا عنه. فكل من قاله فقد عاد لما قال. وقال ابن حزم: هذا لا يحفظ عن غيره، قال ابن عبد البر: قاله قبله غيره، وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف أنه لو وطئها ثم مات أحدهما لم يكن عليه كفارة، ولا كفارة بعد الجماع.
وقال لي إسماعيل: حدثني مالك أنه سأل ابن شهاب عن ظهار العبد، فقال: نحو ظهار الحر. قال مالك: وصيام العبد شهران.
أي: قال البخاري قال لي إسماعيل: وهو ابن أبي أويس، كذا وقع في رواية الأكثرين بكلمة لي بعد قوله؛ قال: ووقع في رواية النسفي: قال إسماعيل، بدون لفظة لي، وهذا حكمه حكم الموصول، ويستعمل هذا فيما تحمله عن شيوخه بطريق المذاكرة. قوله: سأل ابن شهاب، وهو محمد بن مسلم الزهري، وقد مر الكلام فيه عن قريب.
وقال الحسن بن الحر: ظهار الحر والعبد من الحرة والأمة سواء.
الحسن بن الحر، بضم الحاء المهملة وتشديد الراء النخعي الكوفي ثم الدمشقي، مات سنة ثلاث وثلاثين ومائة، وليس له في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع، وقال الكرماني: ويروي الحسن بن حي ضد الميت الهمداني الفقيه، مات سنة تسع وستين ومائة ونسبته لجد أبيه وهو الحسن بن صالح بن حي، واسم حي حيان فقيه ثقة عابد من طبقة الثوري: قلت: رواية الأكثرين: الحسن بن الحر، وفي رواية: أبي ذر عن المستملي: الحسن بن حي، ويروى: الحسن مجردا، ويحتمل أن يكون أحد الحسنين المذكورين، وقد أخرج الطحاوي في كتاب (اختلاف العلماء) عن الحسن بن حي هذا الأثر، ويروى عن إبراهيم النخعي مثله.
283

وقال عكرمة: إن ظاهر من أمته فليس بشيء، إنما الظهار من النساء.
عكرمة مولى ابن عباس قوله: (من النساء) قال الكرماني: أي المزوجات الحرائر. قلت: لفظ النساء يتناول الحرائر والإماء فلذلك هو فسرها بالمزوجات الحرائر، ولو قيل: من الحرائر، لكان أولى. وقال ابن حزم: وروى الشعبي مثله ولم يصح عنهما، وصح عن مجاهد وابن أبي مليكة وهو قول أبي حنيفة ومحمد بن إدريس الشافعي وأحمد وإسحاق، إلا أن أحمد قال: في الظهار من ملك اليمين كفارة، وروي عن عكرمة خلافه، قال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج أخبرني الحكم ابن أبان عن عكرمة مولى ابن عباس يكفر عن ظهار الأمة مثل كفارة الحرة، قيل: يحتمل أن يكون المنقول عن عكرمة الأمة المزوجة، فلا يكون بين قوليه اختلاف، والله أعلم.
وفي العربية: لما قالوا: أي فيما قالوا، وفي نقص ما قالوا، وهاذا أولى لأن الله تعالى لم يدل على المنكر وعلى قول الزور.
أي: يستعمل في كلام العرب لفظ عاد له، بمعنى: عاد فيه، أي: نقضه وأبطله، وقال الزمخشري: ثم يعودون لما قالوا، أي: يتداركون ما قالوا، لأن المتدارك للأمر عائد إليه أي: تداركه بالإصلاح بأن يكفر عنه. قوله: (وفي نقض ما قالوا) بالنون والقاف في رواية الأكثرين، وفي رواية الأصيلي والكشميهني، وفي بعض بالباء الموحدة والعين المهملة. قوله: (وهذا أولى) أي: معنى يعودون لما قالوا، أي: ينقضون ما قالوا أولى مما قالوا: إن معنى العود هو تكرار لفظ الظهار، وغرض البخاري من هذا الرد بن علي
داود الظاهري حيث قال: إن العود هو تكرير كلمة الظهار. قوله: (لأن الله لم يدل) تعليق لقوله: وهذا أولى، وجه الأولوية أنه إذا كان معناه كما زعمه داود لكان الله دالا بن علي
المنكر وقول الزور تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وقال الفراء والأخفش: المعنى بن علي
التقديم والتأخير، أي: والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة، وقال ابن بطال: وهو قول حسن، وقال غيره: يجوز أن يكون: ما، بتقدير المصدر، والتقدير: ثم يعودون للقول، سمى القول باسم المصدر، كما قالوا: نسج اليمن ودرهم ضرب الأمير، وإنما هو منسوج اليمن ومضروب الأمير، وقال آخرون: يجوز أن يكون: ما بمعنى: من كأنه قال: ثم يعود دون لمن قالوا فيهن، أولهن، أنتن علينا كظهور أمهاتنا. وقال ابن المرابط: قالت فرقة: ثم يعودون لما قالوا من الظهار فيقولون بالظهار مرة أخرى، وهو الذي أنكره البخاري. فإن قلت: اقتصر البخاري في: باب الظهار بن علي
ذكر. قوله تعالى: * (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) * (المجادلة: 1 4) إلى قوله: * (فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا) * (المجادلة: 1 4) وعلى ذكر بعض الآثار، وقد ورد فيه أحاديث عن ابن عباس وسلمة بن صخر الأنصاري البياضي وخولة بنت ثعلبة وأوس ابن الصامت وعائشة، رضي الله عنهم، ولم يذكر منها حديثا. قلت: ليس فيها حديث بن علي
شرطه فلذلك لم يذكر منها حديثا، غير أنه ذكر في أوائل كتاب التوحيد من حديث عائشة معلقا، بن علي
ما سيأتي إن شاء الله تعالى، إما حديث ابن عباس فأخرجه الأربعة، وأما حديث سلمة بن صخر، ويقال: سليمان بن صخر، فأخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة، وأما حديث خولة فأخرجه أبو داود، وأما حديث أوس بن الصامت زوج خولة فأخرجه أبو داود أيضا، وذكرنا هذا المقدار طلبا للاختصار.
42
((باب الإشارة في الطلاق والأمور))
أي: هذا باب في بيان حكم الإشارة في الطلاق، وقال ابن التين: أراد الإشارة التي يفهم منها الطلاق من الصحيح والأخرس، وقال المهلب: الإشارة إذا فهمت يحكم بها وأوكد ما أتى بها من الإشارة ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم، في أمر السوداء حين قال لها: أين الله؟ فأشارت إلى السماء. فقال: أعتقها فإنها مؤمنة، فأجاز الإسلام بالإشارة الذي هو أصل الديانة، وحكم بإيمانها كما يحكم بنطق من يقول ذلك، فيجب أن تكون الإشارة عامة في سائر الديانات، وهو قول عامة الفقهاء. وقال مالك: الأخرس إذا أشار بالطلاق يلزمه. وقال الشافعي في الرجل يمرض فيختل لسانه: فهو كالأخرس في الطلاق
284

والرجعة. وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن كانت إشارته تعرف في طلاقه ونكاحه وبيعه فهو جائز عليه، وإن كان يشك فيه فهو باطل، وقال: وليس ذلك بقياس، وإنما هو استحسان، والقياس في هذا كله باطل لأنه لا يتكلم ولا تعقل إشارته، وقال ابن المنذر: وفي ذلك إقرار من أبي حنيفة أنه حكم بالباطل لأن القياس عنده حق، فإذا حكم بضده وهو الاستحسان فقد حكم بضد الحق، وفي إظهار القول بالاستحسان وهو ضد القياس دفع منه للقياس الذي هو عنده حق انتهى. قلت: هذا كلام من لا يفهم دقائق الأحكام مع المكابرة والجرأة بن علي
مثل الإمام الأعظم الذي انتشى في خير القرون، وقول أبي حنيفة: القياس في هذا باطل، هل يستلزم بطلان الأقيسة كلها، وليس الاستحسان ضد القياس، بل هو نوع منه لأن القياس بن علي
نوعين: جلي وخفى والاستحسان قياس خفي، ومن لا يدري هذا كيف يتحدث بكلام فيه افتراء وجرأة بغير حق؟ وكذلك ابن بطال الذي أطلق لسانه في أبي حنيفة بوجه باطل حيث قال حاول البخاري بهذا الباب الرد بن علي
أبي حنيفة لأنه صلى الله عليه وسلم حكم بالإشارة في هذه الأحاديث، وأشار به إلى أحاديث الباب، ثم نقل كلام ابن المنذر، ثم قال: وإنما حمل أبا حنيفة بن علي
قوله هذا لأنه لم يعلم السنن التي جاءت بجواز الإشارات في أحكام مختلفة. انتهى. قلت: هذا الذي قاله أدب فمن قال: إن أبا حنيفة لم يعلم هذه السنن، ومن نقل عنه أنه لم يجوز العمل بالإشارة، وهذه كتب أصحابنا ناطقة بجواز ذلك كما نبهنا بن علي
بعض شيء من ذلك وقال أصحابنا إشارة الأخرس وكتابته كالبيان باللسان فيلزمه الأحكام بالإشارة والكتابة حتى يجوز نكاحه وطلاقه وعتاقه وبيعه وشراؤه وغير ذلك من الأحكام، بخلاف معتقل اللسان يعني: الذي حبس لسانه فإن إشارته غير معتبرة لأن الإشارة لا تنبىء عن المراد إلا إذا طالت وصارت معهودة كالأخرس، وقدر التمرتاشي الامتداد بالسنة وعن أبي حنيفة: أن العقلة إن دامت إلى وقت الموت يجعل إقراره بالإشارة، ويجوز الإشهاد عليه. قالوا: وعليه الفتوى، وفي (المحيط): ولو أشار بيده إلى امرأة وقال: زينب أنت طالق فإذا هي عمرة، طلقت عمرة لأنه أشار وسمى، فالعبرة للإشارة لا للتسمية. قوله: (والأمور) أي: الأمور الحكمية وغيرها.
وقال ابن عمر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يعذب الله بدمع العين ولاكن يعذب بهاذا فأشار إلى لسانه.
مطابقته للترجمة من حيث إن الإشارة التي يفهم منها الأمر من الأمور كالنطق باللسان، وهذا التعليق أخرجه في كتاب الجنائز مسندا بأتم منه في: باب البكاء عند المريض.
وقال كعب بن مالك: أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلي أي تخذ النصف.
تقدم هذا التعليق في كتاب الملازمة مسندا عن كعب بن مالك: أنه كان له بن علي
عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي دين، فلقيه فلزمه فتكلما حتى ارتفعت أصواتهما، فمر بهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا كعب، وأشار بيده، كأنه يقول: النصف
: فأخذ نصف ما عليه وترك نصفا.
وقالت أسماء صلى النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف، فقلت لعائشة: ما شأن الناس وهي تصلي؟ فأومأت برأسها إلى الشمس، فقلت: آية. فأومأت برأسها: أن نعم.
تقدم هذا التعليق أيضا مسندا في الكسوف في: باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف عن أسماء بنت أبي بكر، رضي الله تعالى عنهما، أنها قالت: أتيت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين خسفت الشمس فإذا الناس قيام يصلون فإذا هي قائمة تصلي، فقلت: للناس؟ فأشارت بيدها إلى السماء، وقالت: سبحان الله. فقلت: آية؟ فأشارت، أي: نعم، ومضى الكلام فيه هناك.
وقال أنس: أومأ النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي بكر أن يتقدم.
تقدم هذا التعليق أيضا في كتاب الصلاة مسندا في: باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة، عن أنس، رضي الله تعالى عنه، لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا فأقيمت الصلاة... الحديث، وفيه: فأومأ النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي بكر أن يتقدم إلى آخره.
وقال ابن عباس: أومأ الني صلى الله عليه وسلم بيده: لا حرج.
تقدم هذا التعليق أيضا مسندا في كتاب الحج قاله صاحب (التلويح). قلت: بهذا اللفظ مضى في كتاب العلم في: باب الفتيا بإشارة
285

اليد والرأس عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل في حجته، فقال: ذبحت. قبل أن أرمي قال: فأوما بيده، قال: ولا حرج.
وقال أبو قتادة قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصيد للمحرم: آحد منكم أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟ قالوا: لا. قال: فكلوا.
تقدم هذا التعليق أيضا في الحج في: باب لا يشير المحرم إلى الصيد عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج حاجا الحديث، وفيه: فرأينا حمر وحش فحمل عليها أبو قتادة، إلى أن قال: فحملنا ما بقي من لحمها. قال: أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟ قالوا: لا. قال: فكلوا ما بقي من لحمها.
3925 حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمر و حدثنا إبراهيم عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس قال: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، بن علي
بعيره وكان كلما أتى على الركن أشار إليه وكبر، وقالت زينب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل هاذه وهاذه، وعقد تسعين.
دم حديث ابن عباس في الحج أيضا في: باب من أشار إلى الركن إذا أتى عليه. عن ابن عباس نحوه، وفي آخره: أشار إليه بشيء كان عنده وكبر.
وأبو عامر عبد الملك العقدي وإبراهيم قال الكرماني: هو ابن طهمان وجزم به الحافظ المزي وقيل: هو أبو إسحاق الفزاري.
وأما تعليق زينب بنت جشح أم المؤمنين فقد مضى موصولا في أحاديث الأنبياء، عليهم السلام، في: باب علامات النبوة، عن زينب بنت جشح أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعا يقول: لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا، وحلق بإصبعه وبالتي تليها... الحديث. قيل: ليس فيه الإشارة. وأجيب: بأن عقد الأصابع نوع من الإشارة.
4925 حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: في الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم قائم يصلي فسأل الله خيرا إلا أعطاه، وقال بيده، ووضع أنملته على بطن الوسطى والخنصر، قلنا: يزهدها.
(انظر الحديث: 539 وطرفه).
مطابقته للجزء الأخير من الترجمة في قوله: (وقال بيده) لأن معناه أشار بيده، وتؤخذ المطابقة أيضا من قوله: (ووضع أنملته) إلى آخره، لأن وضع الأنملة بن علي
الوسطى إيماء إلى أن تلك الساعة في وسط النهار، وعلى الخنصر إلى أنها في آخر النهار.
وبشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: ابن المفضل بن علي
صيغة اسم المفعول من التفضيل بالضاد المعجمة البصري، وسلمة بفتحتين ابن علقمة التميمي.
والحديث تقدم في كتاب الجمعة في: باب الساعة التي في يوم الجمعة، ولكن من حديث الأعرج عن أبي هريرة. وفي آخره: وأشار بيده يقللها، وهنا: يزهدها. من التزهيد وهو التقليل.
5925 وقال الأويسي. حدثنا إبراهيم بن سعد عن شعبة بن الحجاج عن هشام ابن زيد عن أنس بن مالك قال: عدا يهودي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جارية فأخذ أوضاحا كانت عليها ورضخ رأسها، فأتى بها أهلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في آخر رمق، وقد صمتت فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قتلك؟ فلان لغير الذي قتلها فأشارت برأسها أن لا قال. فقال لرجل آخر غير الذي قتلها. فأشارت أن لا، فقال: ففلان لقاتلها، فأشارت أن نعم، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضخ رأسه بين حجرين.
286

مطابقته للجزء الأخير من الترجمة ظاهرة. والأويسي، بضم الهمزة وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف وبالسين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف: هو عبد العزيز
بن عبد الله بن يحيى بن عمرو بن أويس العامري المديني، أحد شيوخ البخاري، وقد مر في العلم ونسبته إلى أحد أجداده أويس، وهشام بن زيد بن أنس بن مالك يروي عن جده أنس.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الديات عن محمد وهو ابن سلام وعن بندار عن غندر. وأخرجه مسلم في الحدود عن أبي موسى وغيره. وأخرجه أبو داود في الديات عن عثمان بن أبي شيبة وأخرجه النسائي فيه عن إسماعيل بن مسعود. وأخرجه ابن ماجة فيه عن بندار وغيره.
قوله: (عدا يهودي)، يعني: تعدى قوله: (في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، أي: في زمنه وأيامه قوله: (فأخذ أوضاحا)، بفتح الهمزة جمع وضح بالضاد المعجمة والحاء المهملة، وهو نوع من الحلي يعمل من الفضة سميت بها لبياضها وصفائها، وقال الكرماني: الأوضاح الحلي من الدراهم الصحاح، سميت بذلك لوضوحها وبياضها وصفائها، وقيل: ومنه أنه أمر بصيام الأواضح، وهي أيام البيض، وفي حديث آخر: (صوموا من وضح إلى وضح)، أي: من الضوء إلى الضوء، وقيل: من الهلال إلى الهلال، وهو الوجه لأن سياق الحديث يدل عليه، وتمامه: فإن خفي عليكم فأتموا العدة ثلاثين يوما. قلت: الأواضح جمع واضحة لأن أصله وواضح قلبت الواو الأولى همزة. قوله: (كانت عليها)، جملة وقعت صفة لأوضاح. قوله: (ورضخ) بالمعجمتين من الرضخ وهو الدق والكسر ههنا، ويجيء بمعنى الشدخ والقطعة. قوله: (في آخر رمق)، الرمق بقية الروح. قوله: (وقد أصمتت) بن علي
صيغة المعلوم وبمعنى المجهول أيضا. يقال: صمت العليل وأصمت فهو صامت ومصمت إذا اعتقل لسانه وسكت، والصموت والإصمات بمعنى. قوله: (فلان؟) أي: أفلان؟ الهمزة فيه مقدرة، ويروى كذلك. قوله: (أن لا) أي: ليس فلان قتلني، وكلمة: أن تفسيرية في المواضع الثلاثة. قوله: (فرضخ) بن علي
صيغة المجهول وقد مر معناه.
وقد اختلفت ألفاظ هذا الحديث هنا، فروي: رض رأسه بين حجرين، كذا في رواية لمسلم، وفي رواية لأبي داود عن أنس: أن يهوديا قتل جارية من الأنصار بن علي
حلي لها ثم ألقاها في قليب ورضح رأسها بالحجارة، فأخذ فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر به أن يرجم حتى يموت، فرجم حتى مات، واستدل بهذا الحديث جماعة بن علي
أن القاتل يقتل بما قتل به، وهم: عمر بن عبد العزيز وقتادة والحسن وابن سيرين ومالك والشافعي وأحمد وأبو إسحاق وأبو ثور وابن المنذر وجماعة الظاهرية.
وخالفهم آخرون وقالوا: كل من وجب عليه القود لم يقتل إلا بالسيف، وهم: الشعبي والنخعي والحسن البصري وسفيان الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد، وقال ابن حزم: وهو قول أبي سليمان. واحتجوا في ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا قود إلا بالسيف)، روى هذا عن خمسة من الصحابة وهم: أبو بكرة والنعمان بن بشير وابن مسعود وأبو هريرة وعلي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنهم. أما حديثأبي بكرة فرواه ابن ماجة من حديث الحسن عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لا قود إلا بالسيف)، وأما حديث النعمان فأخرجه ابن ماجة أيضا عن جابر الجعفي عن أبي عازب عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا قود إلا بالسيف)، وأما حديثابن مسعود فأخرجه الطبراني في (معجمه) من حديث علقمة عنه مرفوعا نحوه. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الدارقطني في (سننه) من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. نحوه وأما حديث علي، رضي الله تعالى عنه، فأخرجه الدارقطني أيضا من حديث عاصم بن ضمرة عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا قود في النفس وغيرها إلا بحديدة.
فإن قلت: قال البزار في حديث أبي بكرة بعد أن أخرجه: الناس يروونه عن الحسن مرسلا. قلت: تابعه الوليد بن صالح ابن محمد الأيلي عن مبارك بن فضالة عن الحسن عن أبي بكرة مرفوعا. فإن قلت: رواه ابن عدي في (الكامل) وأعله بالوليد، وقال: أحاديثه غير محفوظة، وقال البيهقي: والمبارك بن فضالة لا يحتج به. قلت: أخرج له ابن حبان في (صحيحه) والحاكم في (مستدركه) ووثقه، والمرسل: الذي أشار إليه البزار رواه أحمد في (مسنده) مرفوعا: حدثنا هشيم حدثنا أشعث عن عبد الملك عن الحسن مرفوعا: لا قود إلا بحديدة. وكذلك أخرجه ابن أبي شيبة في (مصنفه): حدثنا عيسى بن يونس عن أشعث وعمر وعن الحسن مرفوعا نحوه. فإن قلت: في حديث النعمان عن جابر الجعفي وهو ضعيف، وقال ابن الجوزي: اتفقوا على
287

ضعفه، قاله في (التنقيح). قلت: عجبا منه فإنه قال في غيره: وجابر الجعفي قد وثقه الثوري وشعبة، وناهيك بهما فكيف يقول هذا ثم يحكي الاتفاق بن علي
ضعفه؟ هذا تناقض بين. وأبو عازب اسمه مسلم بن عمرو، فإن قلت: في سند حديث ابن مسعود عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف. قلت: حديثه قد تقوى بغيره. فإن قلت: في سند حديث أبي هريرة سليمان ابن أرقم وهو متروك. قلت: في غيره كفاية. فإن قلت: في سند حديث علي معلى بن هلال وهو متروك. قلت: المتروك قد يستعمل عند وجود المقبول. وقد يسكت عنه لحصول المقصود بغيره. ولا شك أن بعض هذه الأحاديث تشهد لبعض وأقل أحواله أن يكون حسنا فيصح الاحتجاج به، والعجب من الكرماني حيث يقول: وفيه أي: وفي حديث الباب ثبوت القصاص بالمثل خلافا للحنفية، فلم. لا يقول في هذه الأحاديث: لا قود إلا بالسيف خلافا للشافعية؟ وأعجب منه صاحب (التوضيح) حيث يقول: وهو حجة بن علي
أبي حنيفة في قوله: لا يقاد إلا بالسيف، فما معنى تخصيص أبي حنيفة من بين الجماعة الذين قالوا بقوله وهم: الشعبي والحسن البصري وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وهؤلاء أساطين في أمور الدين؟ ولكن هذا من نبض عرق العصبية الباردة.
وأجاب أصحاب أبي حنيفة عن حديث الباب بأجوبة. الأول: بأنه كان في ابتداء الإسلام يقتل القاتل بقول المقتول وبما قتل به. الثاني: ما قتله النبي صلى الله عليه وسلم. إلا باعترافه، فإن لفظ الاعتراف أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي، وفي (صحيح مسلم): فأخذ اليهودي فاعترف. وفي لفظ للبخاري: فلم يزل به حتى أقر.
الثالث: أنه صلى الله تعالى عليه وسلم، علمه بالوحي، فلذلك لم يحتج إلى البينة ولا إلى الإقرار. والرابع: ما قاله الطحاوي: إنه يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم رأى أن ذلك القاتل يجب قتله لله، إذ كان إنما قتل بن علي
مال قد، بين ذلك في بعض الحديث، ثم روى الحديث المذكور، فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل دم ذلك اليهود قد وجب لله عز وجل كما يجب دم قاطع الطريق لله تعالى، فكان له أن يقتله كيف شاء بسيف وبغير ذلك. الخامس: إنما كان هذا في زمن كانت المثلة مباحة، كما في العرنيين، ثم نسخ ذلك بانتساخ المثلة.
6925 حدثني قبيصة حدثنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: الفتنة من هنا، وأشار إلى المشرق.
ابقته للجزء الأخير من الترجمة ظاهرة، وقبيصة هو ابن عقبة الكوفي، وسفيان هو الثوري. والحديث من أفراده.
7925 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا جرير بن عبد الحميد عن أبي إسحاق الشيباني عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما غربت الشمس قال لرجل: انزل فاجدح لي. قال: يا رسول الله! لو أمسيت. ثم قال: انزل فاجدح. قال: قال يا رسول الله لو أمسيت! إن عليك نهارا، ثم قال: انزل فاجدح، فنزل فجدح له في الثالثة، فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أومأ بيده إلى المشرق فقال: إذا رأيتم الليل قد أقبل من هاهنا فقد أفطر الصائم.
ابقته للجزء الأخير من الترجمة في قوله: (ثم أومأ بيده إلى المشرق).
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وأبو إسحاق الشيباني سليمان بن أبي سليمان واسمه فيروز الكوفي، وعبد الله بن أبي أوفي، وقيل: ابن أوفى، فليس بصحيح واسم أبي أوفى علقمة الأسلمي، قال الواقدي: مات سنة ست وثمانين وهو آخر من مات بالكوفة من الصحابة. رواه أبو حنيفة، رضي الله تعالى عنه.
والحديث قد مر في كتاب الصوم في: باب متى يحل فطر الصائم، فإنه أخرجه هناك عن إسحاق الواسطي عن خالد عن الشيباني إلى آخره، وقد مر الكلام فيه هناك.
قوله: (فاجدح) أمر من الجدح بالجيم وبالمهملتين وهو بل السويق بالماء. قوله: (فقد أفطر الصائم) أي: قد دخل وقت الإفطار نحو: أحصد الزرع.
288

8925 حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا يزيد بن زريع عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يمنعن أحدا منكم نداء بلال، أو قال: أذانه من سحوره فإنما ينادي أو قال: يؤذن ليرجع قائمكم وليس أن يقول كأنه يعني الصبح أو الفجر، وأظهر يزيد يديه ثم مد إحداهما من الأخرى.
ابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (وأظهر يزيد) إلى آخره، وفي الرواية المتقدمة في الأذان، وقال بأصابعه ورفعهما إلى فوق وطأطأ إلى أسفل حتى يقول: هكذا، وبه يظهر المراد من الإشارة.
وعبد الله بن مسلمة بفتح الميم في أوله، ويزيد من الزيادة ابن زريع مصغر زرع، وسليمان التيمي هو سلميان بن طرخان وأبو عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي، بفتح الون.
والحديث قد مر في كتاب الصلاة في: باب الأذان قبل الفجر فإنه أخرجه هناك عن أحمد بن يونس عن زهير عن سليمان التيمي إلى آخره، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (أو قال)، شك من الراوي. قوله: (من سحوره)، بضم السين وهو التسحر. قوله: (ليرجع)، يجوز أن يكون من الرجوع أو من الرجع، وقائمكم بالنصب بن علي
المفعولية، والقائم هو المتهجد أي: يعود إلى الاستراحة بأن ينام ساعة قبل الصبح قوله: (كأنه)، غرضه أن اسم ليس هو الصبح يعني: ليس المعتبر هو أن يكون الضوء مستطيلا من العلو إلى أسفل، وهو الكاذب، بل الصبح هو الضوء المعترض من اليمين إلى الشمال وهو الصبح الصادق. قوله: (أو الفجر)، شك من الراوي. قوله: (وأظهر)، فعل ماض (ويزيد) فاعله وهو يزيد بن زريع الراوي، أي: جعل إحدى يديه بن علي
ظهر الأخرى ومدها عنها، والحاصل أن قوله: (وأظهر يزيد..،) إلى آخره إشارة إلى صورة الصبح الكاذب. قوله: (ثم مد إحداهما من الأخرى)، إشارة إلى الصبح الصادق.
9925 قال الليث: حدثني جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمان بن هرمز سمعت أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من لدن ثدييهما إلى تراقيهما، فأما المنفق فلا ينفق شيئا إلا مادت على جلده حتى تجن بنانه وتعفو أثره، وأما البخيل فلا يريد ينفق إلا لزمت كل حلقة موضعها فهو يوسعها فلا تتسع، ويشير بأصبعه إلى حلقه.
ابقته للترجمة في قوله: (ويشير بإصبعه إلى حلقه). والليث هو ابن سعد.
والحديث قد مر موصولا في الزكاة في: باب التصدق والبخيل، فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد عن عبد الرحمن أنه سمع أبا هريرة، وقال هناك أيضا: قال الليث: حدثني جعفر عن ابن هرمز: سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: جبتان، وسكت وهنا ساقه بتمامه.
قوله: (جبتان)، بضم الجيم وتشديد الباء الموحدة، وهناك جنتان بالنون موضع الموحدة، وقد مضى الكلام فيه هناك. قوله: (من لدن ثدييهما) بالتثنية، كذا في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره: ثديهما، بضم الثاء وكسر الدال وتشديد الياء جمع ثدي قوله: (إلى تراقيهما)، جمع ترقوة وهي العظم الكبير الذي بين ثغرة النحر والعاتق، ووزنها فعلوه. قوله: (إلا مادت)، بتشديد الدال أصله: ماددت، فأدغمت الدال في الدال، وذكر ابن بطال أنه مارت براء خفيفة بدل الدال، ونقل عن
الخليل: مار الشيء يمور مورا إذا تردد. قوله: (حتى تجن)، بفتح أوله وكسر الجيم كذا ضبطه ابن التين، قال: ويجوز بضم أوله وكسر الجيم من: أجن، وهو الذي ثبت في أكثر الروايات، ومعناه: تستر بنانه وهو أطراف الأصابع. قوله: (وتعفو)، أي: تمحو، من عفي الشيء إذا محاه.
52
((باب اللعان))
أي: هذا باب في بيان أحكام اللعان، وهو مصدر: لا عن يلاعن ملاعنة ولعانا وهو مشتق من اللعن. وهو الطرد والإبعاد لبعدهما من الرحمة أو لبعد كل منهما عن الآخر، ولا يجتمعان أبدا. واللعان والالتعان، والملاعنة بمعنى، ويقال: تلاعنا والتعنا ولاعن
289

الحاكم بينهما. والرجل ملاعن والمرأة ملاعنة وسمي به لما فيه من لعن نفسه في الخامسة، وهي من تسمية الكل باسم البعض كالصلاة تسمى ركوعا وسجودا، ومعناه الشرعي: شهادات مؤكدات بالأيمان مقرونة باللعن. وقال الشافعي: هي أيمان مؤكدات بلفظ الشهادة فيشترط أهلية اليمين عنده فيجري بين المسلم وامرأته الكافرة، وبين الكافر والكافرة، وبين العبد وامرأته، وبه قال مالك وأحمد، وعندنا يشترط أهلية الشهادة فلا يجري إلا بين المسلمين الحرين العاقلين البالغين غير محدودين في قذف، واختير لفظ اللعن بن علي
لفظ الغضب وإن كنا مذكورين في الآية لتقدمه فيهما، ولأن جانب الرجل فيه أقوى من جانب المرأة، لأنه قادر بن علي
الابتداء باللعان دونها. ولأنه قد ينكف لعانه عن لعانها ولا ينعكس، واختصت المرأة بالغضب لعظم الذنب بالنسبة إليها لأن الرجل إن كان كاذبا لم يصل ذنبه إلى أكثر من القذف، وإن كانت هي كاذبة فذنبها أعظم لما فيه من تلويث الفراش والتعرض لإلحاق من ليس من الزوج به فتنتشر المحرمية وتثبت الولاية والميراث لمن لا يستحقهما، وجوز اللعان لحفظ الأنساب ودفع المعرة عن الأزواج، واجمع العلماء بن علي
صحته.
وقول الله تعالى: * ((24) والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) * إلى قوله: * ((24) إن كان من الصادقين) * (النور: 6)
[/ ح.
وقول الله بالجر عطفا بن علي
لفظ اللعان المضاف إليه لفظ باب، وهذا المقدار ذكر من الآية عند الأكثرين، وفي رواية كريمة ساق الآيات كلها، ونزلت هذه الآيات في شعبان سنة تسع في عويمر العجلاني منصرفه من تبوك، أو في هلال بن أمية، وعليه الجمهور، وقال المهلب: الصحيح أن القاذف عويمر وهلال بن أمية بن سعد بن أمية خطا، وقد روى أبو القاسم عن ابن عباس أن العجلاني عويمر قذف امرأته، كما روى ابن عمر وسهل بن سعد، وأظنه غلطا من هشام بن حسان، ومما يدل بن علي
أنها قصة واحدة توقفه صلى الله عليه وسلم فيها حتى نزلت الآية الكريمة، ولو أنهما قضيتان لم يتوقف بن علي
الحكم في الثانية بما نزل عليه في الأولى، والظاهر أنه تبع في هذا الكلام محمد بن جرير فإنه قال في (التهذيب) يستنكر قوله في الحديث: هلال ابن أمية، وإنما القاذف عويمر بن الحارث بن زيد بن الجد بن عجلان. وقال صاحب (التلويح): وفيما قالاه نظر، لأن قصة هلال وقذفه زوجته بشريك ثابتة في (صحيح البخاري) في موضعين: في الشهادات والتفسير، وفي (صحيح مسلم) من حديث هشام عن محمد قال: (سألت أنس بن مالك، وأنا أرى أن عنده منه علما، فقال: إن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سمحاء، وكان أخا للبراء بن مالك لأمه، وكان أول رجل لا عن في الإسلام قال: فتلاعنا).. الحديث.
فإذا قذف الأخرس امرأته بكتابة أو إشارة أو بإيماء معروف فهو كالمتكلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قد أجاز الإشارة في الفرائض، وهو قول بعض أهل الحجاز وأهل العلم، وقال الله تعالى: * ((19) فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا) * (مريم: 92) وقال الضحاك: إلا رمزا: إلا إشارة.
وقال بعض الناس: لا حد ولا لعان، ثم زعم أن الطلاق بكتاب أو إشارة أو إيماء جائز، وليس بين الطلاق والقذف فرق، فإن قال: القذف لا يكون إلا بكلام، قيل له: كذلك الطلاق لا يجوز إلا بكلام، وإلا بطل الطلاق والقذف، وكذلك الأصم يلاعن.
وقال الشعبي وقتادة: إذا قال: أنت طالق، فأشار بأصابعه تبين منه بإشارته.
وقال إبراهيم: الأخرس إذا كتب الطلاق بيده لزمه.
وقال حماد: الأخرس والأصم إن قال برأسه جاز.
أراد البخاري بهذا الكلام كله بيان الاختلاف بين أهل الحجاز وبين الكوفيين في حكم الأخرس في اللعان والحد، فلذلك قال: فإذا قذف الأخرس إلى آخره، بالفاء عقيب ذكر قوله تعالى: * (والذين يرمون أزواجهم) * (النور: 6)... الآية. وأخذ بعموم قوله: يرمون، لأن الرمي أعم من أن يكون باللفظ أو بالإشارة المفهمة، وبنى بن علي
هذا كلامه، فقال: إذا قذف الأخرس امرأته
290

بكتابة، وعند الكشيهني: بكتاب، بدون التاء إذا فهم الكتابة. قوله: (أو إشارة) أي: أو قذفه بإشارة مفهمة أو إيماء مفهم أشار إليه بقوله: (معروف) وقيد به لأنه إذا لم يكن معروفا منه ذلك لا يبنى عليه حكم. والفرق بين الإشارة والإيماء بأن المتبادر إلى الذهن في الاستعمال إن الإشارة باليد والإيماء بالرأس أو الجفن ونحوه. قوله
: (فهو كالمتكلم) جواب: (فإذا قذف) أي: فحكمه حكم المتكلم، يعني: حكم الناطق به، وإنما أدخل الفاء لتضمن إذا معنى الشرط، وهو قوله: معروف، وهو وإن كان صفة لقوله أو إيماء، بحسب الظاهر ولكنه في نفس الأمر يرجع إلى الكل لأنه إذا لم يفهم الكتابة أو الإشارة أو الإيماء لا يبنى عليه حكم، ثم إنه إذا كان كالمتكلم يكون قذفه بهذه الأشياء معتبر فيترتب عليه اللعان وحكمه. قوله: (لأن النبي صلى الله عليه وسلم)، أشار به إلى الاستدلال بما ذكره بيانه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (قد أجاز الإشارة في الفرائض) أي: في الأمور المفروضة كما في الصلاة فإن العاجز عن غير الإشارة يصلي بالإشارة قوله: (وهو قول بعض أهل الحجاز) أي: ما ذكر من قذف الأخرس... إلى آخره قول بعض أهل الحجاز، وأراد به الإمام مالكا ومن تبعه فيما ذهب إليه. قوله: (وأهل العلم) أي: وبعض أهل العلم من غير أهل الحجاز، وممن قال من أهل العلم وأبو ثور فإنه ذهب إلى ما قاله مالك. قوله: (قال الله تعالى: * (فأشارت إليه) *) (مريم: 92) إلى قوله: (إلا إشارة) استدلال من البخاري لقول بعض أهل الحجاز بقوله تعالى: * (فأشارت إليه) * أي: أشارت مريم إلى عيسى عليه الصلاة والسلام، وقالت لقومها بالإشارة لما قالوا لها: * (لقد جئت شيئا فريا) * (مريم: 72) كلموا عيسى وهو في المهد * (قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا) * (مريم: 92) فعرفوا من إشارتها ما كانوا عرفوه من نطقها. قوله: (وقال الضحاك إلا رمزا إلا إشارة) هذا استدلال آخر بقوله تعالى: * (آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا) * (آل عمران: 14) وحكى عن الضحاك بن مزاحم قال بعضهم: كذا ابن مزاحم، وقال الكرماني: الضحاك بن شراحيل الهمداني التابعي المفسر، قلت: الضحاك بن مزاحم أبو القاسم الهلالي الخراساني كان يكون بسمرقند وبلخ ونيسابور، روى عن جماعة من الصحابة: ابن عباس وابن عمرو وزيد بن أرقم وأبي سعيد الخدري ولم يثبت سماعه منهم، ووثقه يحيى بن معين، وقال أبو زرعة: ثقة كوفي مات سنة خمس ومائة، وروى له الترمذي وابن ماجة، وفسر قوله: (إلا رمزا)، بقوله: (إلا إشارة) ولولا أنه يفهم منها ما يفهم من الكلام لم يقل الله عز وجل لا تكلمهم إلا رمزا، وهذا في قضية زكريا عليه الصلاة والسلام، ولما قال الله تعالى: * (يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى) * (مريم: 7). فقال: يا رب * (أنى يكون لي غلام) * إلى قوله: قال رب اجعل لىءاية قال ءايتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) * (مريم: 8 01) وذكر في سورة آل عمران قال: * (آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا) * (آل عمران: 14) وفسره الضحاك بقوله: (إلا إشارة) قوله: (وقال بعض الناس) أراد به الكوفيين لأنه لما فرغ من الاحتجاج لكلام أهل الحجاز شرع في بيان قول الكوفيين في قذف الأخرس. وقال الكرماني: قوله: بعض الناس، يريد به الحنفية، حيث قالوا لا حد بن علي
الأخرس لأنه لا اعتبار لقذفه ولا لعان عليه، وقال صاحب (الهداية): قذف الأخرس لا يتلق به اللعان لأنه يتعلق بالصريح كحد القذف، ثم قال: ولا يعتد بالإشارة في القذف لانعدام القذف صريحا. ثم قال: وطلاق الأخرس واقع بالإشارة لأنها صارت معهودة، فأقيمت مقام العبارة دفعا للحاجة. قوله: (ثم زعم..) الخ أي: ثم زعم بعض الناس وأراد بهم الحنفية، وقيل: ثم زعم، أي: أبو حنيفة، لأن مراده من قوله: وقال بعض الناس، هو أبو حنيفة، وأشار بهذا الكلام إلى أن ما قاله الحنفية من ذلك تحكم لأنهم قالوا: إلا اعتبار لقذف الأخرس واعتبروا طلاقه، فهو فرق بدون الافتراق وتخصيص بلا اختصاص، وأجابت الحنفية: بأن صحة القذف تتعلق بصريح الزنا دون معناه، وهذا لا يحصل من الأخرس ضرورة فلم يكن قاذفا، والشبهة تدرأ الحدود. قوله: (وليس بين الطلاق والقذف فرق). من كلام البخاري، ودعوى عدم الفرق بينهما ممنوعة لأن لفظ الطلاق صريح في أداء معناه، بخلاف القذف فإنه إن لم يكن فيه التصريح بالزنا لا يترتب عليه شيء، والفرق بينهما ظاهر لفظا ومعنى. قوله: (فإن قال: القذف لا يكون إلا بكلام؟) أي: فإن قال ذلك البعض المذكور في قوله: وقال بعض الناس، هذا سؤال يورده البخاري من جهة البعض من الناس بن علي
قوله: فإذا قذف الأخرس.. الخ، بيان السؤال، إذا قالوا: القذف لا يكون إلا بكلام وقذف الأخرس ليس بكلام فلا يترتب عليه حد ولا لعان، ثم
291

أجاب عن هذا السؤال بقوله: (كذلك الطلاق لا يجوز إلا بكلام) وهذا الجواب واه جدا لأن بين الكلامين فرقا عظيما دقيقا لا يفهمه كما ينبغي إلا من له دقة نظر، وذلك أن المراد بالكلام في الطلاق إظهار معناه، فإن لم يتلفظ بلفظ الطلاق لا يقع شيء، بخلاف الأخرس، فإنه ليس له كلام ضرورة، وإنما له الإشارة، والإشارة تتضمن وجهين فلم يجز إيجاب الحد بها كالكتابة والتعريض. ألا ترى أن من قال لآخر: وطئت وطأ حراما. لم يكن قذفا لاحتمال أن يكون وطئ وطأ شبهة فاعتقد القائل بأنه حرام؟ والإشارة لا يتضح بها التفصيل بين المعنيين، ولذلك لا يجب الحد بالتعريض. وقال بعضهم: وأجاب ابن القصار بالنقض عليهم بنفوذ القذف بغير اللسان العربي وهو ضعيف، ونقض غيره بالقتل فإنه ينقسم إلى عمد وشبه عمد وخطأ، ويتميز بالإشارة. وهو قوي، واحتجوا أيضا بأن اللعان شهادة، وشهادة الأخرس مردودة بالإجماع. وتعقب بان مالكا ذكر قبولها فلا إجماع. وبأن اللعان عند الأكثرين يمين. انتهى.
قلت: الإيرادات المذكورة كلها غير واردة. أما الأول: فلأن الشرط التصريح بلفظ الزنا ولا يتأتى هذا كما ينبغي في غير لسان العرب. وأما الثاني الذي قال هذا القائل، وهو قوي. فأضعف من الأول لأن القتل ينقسم إلى عمد وشبه عمد وخطأ والجاري مجرى الخطأ والقتل بالسبب، فالتمييز عن الأخرس فيها متعذر. وأما الثالثفإن شهادة الأخرس مردودة، فاللعان عندنا شهادة مؤكدة باليمين فلا يحتاج أن يقول بالإجماع لأن شهادته مردودة عندنا سواء كان فيه قول بالقبول أو لا. وأما الرابع، فقد قلنا: إن اللعان شهدة فلا مشاحة في الاصطلاح.
قوله: (وإلا بطل الطلاق والقذف)، يعني: وإن لم يقل بالفرق فلا بد من بطلانهما لأن بطلان القذف فقط. قوله: (وكذلك العتق) أي: كذلك حكمه حكم القذف فيجب أيضا أن تبطل إشارته بالعتق، ولكنهم قالوا بصحته. قوله: (وكذلك الأصم يلاعن) أي: إذا أشير إليه حتى فهم، وقال المهلب: في أمره إشكال لكن قد يرتفع بترداد الإشارة إلى أن ينفهم معرفة ذلك.
قوله: (وقال الشعبي) وهو عامر بن شراحيل، وقتادة بن دعامة: إذا قال الأخرس لامرأته: أنت طالق فأشار بأصابعه تبين منه بإشارته واحدة أو ثنتان أو ثلاث، يعني: إذا عبر عما نواه من العدد بالإشارة يظهر منها ما نواه من واحدة أو أكثر.
قوله: (وقال إبراهيم) أي النخعي: إذا كتب الأخرس الطلاق بيده لزمه، وبه قال مالك والشافعي، وقال الكوفيون: إذا كان رجل أصمت أياما فكتب لم يجز من ذلك شيء، وقال الطحاوي: الخرس مخالف للصمت، كما أن العجز عن الجماع العارض بالمرض يوما أو نحوه مخالف للعجز المأنوس منه الجماع، نحو الجنون في باب خيار المرأة في الفرقة.
قوله: (وقال حماد) أي: ابن أبي سليمان شيخ أبي حينفة رضي الله تعالى عنهما: (الأخرس والأصم إن قال برأسه جاز) أي: إن أشار برأسه فيما يسأل عنه، وقال بعضهم: كأن البخاري أراد إلزام الكوفيين بقول شيخهم. قلت: لم يدر هذا القائل ما مراد الشيخ من هذا، ولو عرف لما قال هذا ومراد الشيخ من هذا أن إشارة الأخرس معهودة فأقيمت مقام العبارة، والكوفيون قائلون به، فمن أين يأتي إلزمهم؟.
0035 حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه سمع أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا اخبركم بخير دو الأنصار؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: بنو النجار، ثم الذين يلونهم: بنو عبد الأشهل، ثم الذين يلونهم: بنو الحارث بن الخزرج، ثم الذين يلونهم: بنو ساعدة، ثم قال بيده فقبض أصابعه ثم بسطهن كالرامي بيده، ثم قال: وفي كل دور الأنصار خير.
قيل: هذا الحديث وما بعده لا تعلق له باللعان الذي عقد عليه الترجمة. وأجيب: لعلها كانت متقدمة فأخرها الناسخ عنه. قلت: هذا ليس بشيء، بل ذكر هذا الحديث والأحاديث الأربعة التي بعدها كلها في الإشارة تحقيقا لها بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللعان، والإشارة في هذا الحديث. في قوله: (ثم قال بيده) لأن معناه: ثم أشار بيده.
والحديث قد مضى في مناقب
292

الأنصار في: باب فضل دور الأنصار، من طريق آخر. وفيه: عن أنس عن أبي أسيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (كالرامي بيده) أي: كالذي بيده الشيء، فضم أصابعه عليه ثم رماه فانتشر.
1035 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان، قال أبو حازم: سمعته من سهل بن سعد الساعدي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بعثت أنا والساعة كهذه من هاذه، أو قال: كهاتين، وفرق بين السبابة والوسطى.
(انظر الحديث 6394 وطرفه).
مطابقته للحديث السابق في قوله كذهه من هذه لأنه إشارة وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وأبو حازم سلمة بن دينار الأعرج.
والحديث من أفراده وأخرجه الإسماعيلي ولفظه: حدثنا سفيان عن أبي حازم، وصرح الحميدي عن سفيان بالتحديث، وفي رواية أبي نعيم عن أبي حازم أنه سمع سهلا.
قوله: (صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم) ذكره بأنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع علمه بذلك وكونه معلوما لبيان تعظيمه للعالم والإعلام للجاهل قوله: (كهذه من هذه) أي: كقرب هذه، وأشار به إلى السبابة وأشار بقوله: (من هذه) إلى الوسطى. قوله: (وكهاتين) شك من الراوي. وقال الكرماني: قد انقضى من يوم بعثته إلى يومنا سبعمائة وثمانون سنة، فكيف تكون مقارنة الساعة مع بعثته؟ ثم أجاب بما قاله الخطابي: يريد أن ما بيني وبين الساعة من مستقبل الزمان بالقياس إلى ما مضى منه مقدار فضل الوسطي بن علي
السبابة، ولو كان النبي أراد غير هذا المعنى لكان قيام الساعة مع بعثته في زمان واحد. انتهى قلت: لا حاجة إلى هذا التكلف، بل هذه كناية عن شدة القرب جدا، وقول الكرماني: إلى يومنا سبعمائة وثمانون سنة إشارة إلى أن وجوده كان في هذا التاريخ ومات رحمه الله بطريق الحجاز بمنزلة تعرف بروض مهنى في رجوعه من مكة المشرفة، ونقل إلى بغداد وذلك يوم الخميس الخامس عشر من محرم سنة ست وثمانين وسبعمائة وهو الشيخ الإمام شمس الدين محمد بن يوسف بن علي السعيدي الكرماني. قوله: (وفرق) بالفاء من التفريق، ويروى: وقرن بالقاف.
2035 حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا جبلة بن سحيم سمعت ابن عمر يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: الشهر هاكذا وهاكذا يعني: ثلاثين، ثم قال: وهاكذا وهاكذا وهاكذا، يعني: تسعا وعشرين، يقول مرة ثلاثين ومرة تسعا وعشرين.
ابقته للحديث الذي قبله في قوله: (هكذا وهكذا وهكذا). وآدم هو ابن أبي إياس، وجبلة بالجيم والباء الموحدة المفتوحتين ابن سحيم مصغر سحم بالمهملتين الكوفي. والحديث مر في كتاب الصيام في: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنا لا نكتب ولا نحسب.
46 - (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن سعيد عن إسماعيل عن قيس عن أبي مسعود قال وأشار النبي
بيده نحو اليمن الإيمان ههنا مرتين ألا وإن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين حيث يطلع قرنا الشيطان ربيعة ومضر)
مطابقته للذي قبله في قوله وأشار ويحيى بن سعيد هو القطان وإسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس هو ابن أبي حازم وأبو مسعود هو عقبة بن عمرو البدري ووقع في رواية القابسي والكشميهني ابن مسعود قال عياض هو وهم وهو كما قال لأن الحديث مضى في بدء الخلق في باب الجن وهو مصرح باسمه ولفظه حدثني قيس عن عقبة بن عمرو أبي مسعود قوله الإيمان ههنا مقول قوله قال النبي
قوله وأشار النبي
بيده نحو اليمن جملة معترضة بينهما ومعنى قوله الإيمان يمان لأن الإيمان بدأ من مكة وهي من تهامة وتهامة من أرض اليمن ولهذا يقال للكعبة اليمانية وقيل إنما قال هذا القول وهو بتبوك ومكة
293

والمدينة يومئذ بينه وبين اليمن فأشار إلى ناحية اليمن وهو يريد مكة والمدينة وقيل أراد بهذا القول الأنصار لأنهم يمانيون وهم نصروا الإيمان والمؤمنين وآووهم فنسب الإيمان إليهم قوله وغلظ القلوب بكسر الغين المعجمة وفتح اللام قوله ' في الفدادين ' بالتشديد جمع فداد وهو الشديد الصوت وبالتخفيف جمع الفدان وهو آلة الحرث وإنما ذم أهله لأنه يشتغل عن أمر الدين ويكون معها قساوة القلب ونحوها قوله قرنا الشيطان أي جانبا رأسه وذلك لأنه ينتصب في محاذاة مطلع الشمس حتى إذا طلعت كانت بين قرنيه فتقع سجدة عبدة الشمس له قوله ربيعة ومضر بدل من الفدادين وهما قبيلتان مشهورتان
4035 حدثنا عمرو بن زرارة أخبرنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا وكافل اليتيم في الجنة هاكذا، وأشار بالسباية والوسطى وفرج بينهما شيئا.
(الحديث 4035 طرفه في: 5006).
مطابقته للحديث الذي قبله في قوله: (وأشار). وعمرو بن زرارة بضم الزاي وخفة الراء الأولى النيسابوري، وسهل هو ابن سعد المذكور في الحديث الثاني من أحاديث الباب.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن عبد الله بن عبد الوهاب. وأخرجه الترمذي في البر عن عبد الله بن عمران.
قوله: (كافل اليتيم) أي: القيم بأمره ومصالحه. قوله: (بالسبابة) ويروى: بالسماحة وإنما فرح بينهما إشارة إلى التفاوت بين درجة الأنبياء وآحاد الأمة والسباية هي المسبحة، ويقال: لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذلك استوت سبايته ووسطاه استواء بينا في تلك الساعة ثم عادتا إلى حالهما الطبيعية الأصلية، وذلك لتوكيد أمر كفالة اليتيم.
62
((باب إذا عرض بنفي الولد))
أي: هذا باب في بيان حكم من عرض بالتشديد بنفي الولد، وعرض كناية تكون مسوقة لأجل موصوف غير مذكور، وقال الزمخشري، التعريض أن تذكر شيئا تدل به بن علي
شيء لم تذكره، والكناية أن تذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له.
5035 حدثنا يحيى بن قزعة حدثنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ولد لي غلام أسود فقال: هل لك من إبل؟ قال: نعم قال: ما ألوانها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أورق؟ قال: نعم. قال: فأنى ذالك؟ قال: لعله نزعة عرق قال: فلعل ابنك هاذا نزعه.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (ولد لي غلام أسود) فإن فيه تعريضا لنفيه عنه يعني: أنا أبيض وهذا أسود فلا يكون مني؟
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المحاربين عن إسماعيل بن عبد الله عن مالك.
قوله: (أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم) وفي رواية أبي مصعب: جاء أعرابي، وكذا سيأتي في الحدود عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك، وفي رواية النسائي: وجاء رجل من أهل البادية، وكذا في رواية أشهب عن مالك عند الدارقطني، وفي رواية أبي داود: أن أعرابيا من بني فزارة، وكذا عند مسلم، واسم هذا الأعرابي ضمضم بن قتادة. قوله: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية ابن أبي ذئب صرح بالنبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (حمر) بضم الحاء وسكون الميم، وفي رواية محمد بن مصعب عن مالك عند الدارقطني: رمك، جمع أرمك وهو الأبيض إلى حمرة. قوله: (أورق) وهو الذي في لونه بياض إلى سواد، ويقال: الأورق الأغبر الذي فيه سواد وبياض وليس بناصع البياض كلون الرماد، ومنه سميت الحمامة: ورقاء، لذلك. قوله: (فأنى ذلك؟) أي: فمن أين ذلك؟ قوله: (لعله نزعه عرق) أي: جذبه إليه وأظهر لونه عليه، يعني: أشبهه، هذه رواية كريمة، وفي رواية الباقين: لعل نزعه عرق، بدون الضمير، والعرق الأصل من النسب، قيل: الصواب لعل عرقا نزعه عرق. قلت: لعله عرق نزعه أيضا صواب لأن الهاء ضمير الشأن، وهو: اسم لعل، والجملة التي بعد خبره فافهم. قوله: (فلعل ابنك هذا نزعه) أي: نزع العرق، وقال الداودي: (لعل) هنا للتحقيق.
واستدل بهذا الحديث الكوفيون والشافعي، فقالوا: لا حد في التعريض ولا لعان به لأنه صلى الله عليه وسلم لم يوجب بن علي
هذا الرجل الذي عرض بامرأته حدا، وأوجب مالك الحد بالتعريض واللعان به أيضا إذا
294

فهم منه ما يفهم من التصريح وقال ابن العربي: وفي الحديث دليل قاطع بن علي
صحة القياس والاعتبار بنظيره من طريق واحدة قوية، وهو اعتبار الشبه الخلقي. وقال النووي: وفيه يلحق الولد الزوج، وإن اختلفت ألوانها ولا يحل له نفيه بمجرد المخالفة في اللون، وفيه زجر عن تحقيق ظن السوء.
72
((باب إحلاف الملاعن))
أي: هذا باب في بيان إحلاف الملاعن، والمراد به هنا النطق بكلمات اللعان المعروفة.
6035 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جويرية عن نافع عن عبد الله، رضي الله عنه، أن رجلا من الأنصار قذف امرأته، فأخلفهما النبي صلى الله عليه وسلم ثم فرق بينهما.
ابقته للترجمة ظاهرة وجويرية، تصغير جارية بالجيم ابن أسماء، وهو من الأسماء المشتركة بين الذكور والإناث.
والحديث من أفراده مختصرا هنا وسيأتي بعد ستة أبواب من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع، ومضى في تفسير سورة النور من وجه آخر بلفظ: لاعن بين رجل وامرأة.
قوله: (فأحلفهما النبي صلى الله عليه وسلم) وقال ابن بطال: يريد بهذا أيمان اللعان المعروفة، لأن الرجل لما قذف امرأته كان عليه الحد إن لم يأت بشهود أربعة. يصدقونه، فلما رمى هذا العجلاني زوجته أنزل الله عز وجل: * (والذين يرمون أزواجهم) * (النور: 6) فأخرج الزوج عن عموم الآية وأقام أيمانه الأربع مع الخامسة مقام الشهود الأربعة ليدرأ عن نفسه الحد، كما يدرأ سائر الناس عن أنفسهم بالشهود الأربعة حد القذف، فإذا حلف بها لزم المرأة الحد إن لم تلتعن، فإن التعنت وحلفت دفعت عن نفسها الحد كما فعل الزوج.
82
((باب يبدأ الرجل بالتلاعن))
أي: هذا باب فيه يبدأ الرجل بالملاعنة قبل المرأة.
7035 حدثني محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن هشام بن حسان حدثنا عكرمة عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن هلال بن أمية قذف امرأته فجاء فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يعلم أن أحدكما كاذب. فهل منكما تائب؟ ثم قامت فشهدت.
(انظر الحديث 1762 وطرفه).
مطابقته للترجمة من حيث إنه يتضمن اللعان والبادي فيه الرجل. وابن أبي عدي هو محمد، واسم أبي عدي إبراهيم أبو عمرو البصري، وهلال بن أمية أحد الثلاثة الذي تخلفوا عن غزوة تبوك وتاب الله عليهم.
وهذا الحديث مختصر من حديث طويل أخرجه في سورة النور بهذا الإسناد بعينه، ومر الكلام فيه هناك مستوفى. وقال ابن بطال: أجمع العلماء بن علي
أن الرجل يبدأ باللعان قبل المرأة لأن الله بدأ به، فإن بدأت المرأة قبل زوجها لم يجز وأعادت اللعان بعده بن علي
ما رتبه الله، عز وجل، ونبيه صلى الله عليه وسلم، وقال ابن التين: فإن التعنت قبله صح مع مخالفة السنة، قاله ابن القاسم وأبو حنيفة، وقال أشهب والشافعي: لا يصح وتعيده.
قوله: (إن الله يعلم أن أحدكما كاذب) ظاهره يقتضي أنه إنما قاله بعد الملاعنة لأنه حينئذ تحقق الكذب ووجبت التوبة، وذهب بعضهم إلى أنه قاله قبل اللعان لا بعده تحذيرا لهما ووعظا، وقال بعضهم: وكلاهما قريب من معنى الآخر.
92
((باب اللعان ومن طلق بعد اللعان))
أي: هذا باب في اللعان وفيمن طلق امرأته بعد اللعان أي: بعد أن لاعن، وفيه إشارة إلى خلاف: هل تقع الفرقة في اللعان بنفس اللعان أو بإيقاع الحاكم بعد الفراغ أو بإيقاع الزوج؟ فذهب مالك والشافعي ومن تبعهما إلى أن الفرقة تقع بنفس اللعان، قال مالك وغالب أصحابه: بعد فراغ المرأة. وقال الشافعي واتباعه وسحنون من المالكية: بعد فراغ الزوج، وقال الثوري وأبو حنيفة وأتباعهما: لا تقع الفرقة حتى يوقعها عليهما الحاكم، وعن أحمد روايتان، وذهب عثمان البتي إلى أنه لا تقع الفرقة حتى يوقعها الزوج، ونقل الطبري نحوه عن أبي الأشعث جابر بن زيد، وقال أبو عبيد: الفرقة تقع بينهما بنفس القذف ولو لم يقع اللعان، وكأنه مفرع بن علي
وجوب اللعان بن علي
من تحقق ذلك من المرأة، فإذا أخل به عوقب بالفرقة تغليظا عليه.
295

8035 حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن عويمرا العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له: يا عاصم! أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ سل لي يا عاصم عن ذالك. فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ذالك فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، المسائل وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر فقال: يا عاصم! ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عاصم لعويمر: لم تأتني بخير، قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة التي سألته عنها. فقال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأله عنها، فأقبل عويمر حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط الناس، فقال: يا رسول الله! أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم
كيف يفعل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها؛ قال سهل: فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن شهاب: فكانت سنة المتلاعنين.
مطابقته للترجمة للجزء الأول منها في قوله: (فتلاعنا) وللجزء الثاني وهو قوله: ومن طلق بعد اللعان في قوله: (فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم) فإنه طلقها بعد أن لاعن.
وهذا الحديث أول ما ذكره البخاري في كتاب الصلاة مختصرا في: باب القضاء واللعان في المسجد. وأخرجه في التفسير في سورة النور في قوله تعالى: * (والذين يرمون أزواجهم) * (النور: 6) الآية عن إسحاق وأخرجه أيضا في قوله: * (والخامسة أن لعنة الله عليه) * (النور: 7) عن سليمان بن داود، وقد ذكرنا هناك من أخرجه غيره، وما يتعلق بمعانيه والأحكام المستنبطة منه مستوفى فإذا أعدنا الكلام يطول بلا فائدة.
03
((باب التلاعن في المسجد))
أي: هذا باب في بيان جواز التلاعن في المسجد، وقال بعضهم أشار بهذه الترجمة إلى خلاف الحنفية: أن اللعان لا يتعين في المسجد، وإنما يكون حيث كان الإمام أو حيث شاء. قلت: الذي يفهم مما قاله إنما وضع هذه الترجمة لتعين اللعان في المسجد وليس كذلك، وإنما هذا بيان ما قد وقع من التلاعن في المسجد، ولا يلزم من ذلك أن يكون المسجد متعينا، ولهذا قال صاحب (التوضيح): استحب جماعة أن يكون التلاعن بعد العصر في أي مكان كان، والمسجد الجامع أحرى.
9035 حدثنا يحيى بن جعفر أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني ابن شهاب عن المتلاعنة وعن السنة فيها عن حديث سهل بن سعد أخي بني ساعدة: أن رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله أم كيف يفعل؟ فأنزل الله في شأنه ما ذكر في القرآن من أمر المتلاعنين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد قضى الله فيك وفي امرأتك، قال: فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد، فلما فرغا قال: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين فرغا من التلاعن، ففارقها عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ذاك تفريق بين كل متلاعنين. قال ابن جريج: قال ابن شهاب: فكانت السنة بعدهما أن يفرق بين المتلاعنين، وكانت حاملا وكان ابنها يدعى لأمه
296

قال: ثم جرت السنة في ميراثها أنها ترثه ويرث منها ما فرض الله له.
قال ابن جريج عن ابن شهاب عن سهل بن سعد الساعدي في هاذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن جاءت به أحمر قصيرا كأنه وحرة فلا أراها إلا قد صدقت وكذب عليها، وإن جاءت به أسود أعين ذا أليتين فلا أراه إلا قد صدق عليها، فجاءت به على المكروه من ذلك.
ابقته للترجمة في قوله: (فتلاعنا في المسجد). ويحيى هو ابن جعفر البخاري البيكندي، مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين، وقال الكرماني، يحيى هذا إما ابن موسى الختي، بفتح الخاء المعجمة وشدة التاء المثناة من فوق، وإما يحيى بن جعفر البخاري، قال البخاري: حدثني يحيى، وفي بعض النسخ: حدثنا يحيى، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج.
قوله: (أخبرنا عبد الرزاق)، وفي بعض النسخ حدثنا. قوله: (أخي بني ساعدة) الغرض منه أنه ساعدي فهو في الأنصار في الخزرج ينسب إلى ساعدة بن كعب بن الخزرج، وقال ابن دريد: ساعدة اسم من أسماء الأسد. والحديث قدر مر في التفسير. قوله: (أرأيت؟) أي: أخبرني. قوله: (أم كيف يفعل؟) بن علي
صيغة المجهول. قوله: (فتلاعنا في المسجد) يقال: فيه دلالة بن علي
أنه ينبغي لكل حاكم من حكام المسلمين كل من أراد استحلافه بن علي
عظيم من الأمر كالقسامة بن علي
الدم وعلى المال ذي القدر والخطر العظيم ونحو ذلك في المساجد العظام، وإن كانا بالمدينة فعند منبرها، وإن كانا بمكة فبين الركن والمقام، وإن كانا ببيت المقدس ففي مسجدها في موضع الصخرة، وإن كانا ببلدة غيرها ففي جامعها وحيث يعظم منها، وإنما أمرهما صلى الله عليه وسلم باللعان في مسجده لعلمه أنهما يعظمانه فأراد التعظيم عليهما ليرجع المبطل منهما إلى الحق وينحجز عن الأيمان الكاذبة، وكذلك كان لعانهما بعد العصرلعظم اليمين الكاذبة في ذلك الوقت. وقال الشافعي: يلاعن في المسجد إلا أن تكون حائضا فعلى باب المسجد. قوله: (قال ابن جريج قال ابن شهاب) موصول إليه بالسند المتقدم. قوله: (وكانت حاملا) أي: كانت المرأة حاملا حين وقع اللعان بينهما، وقد مر هذا الحديث في سورة النور في باب: * (والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين) * (النور: 7) وفيه: وكانت حاملا فأنكر حمالها، وفيه دليل بن علي
جواز الملاعنة بالحمل وإليه ذهب ابن أبي ليلى ومالك وأبو عبيد وأبو يوسف في رواية فإنهم قالوا: من نفى حمل امرأته لاعن بينهما القاضي وألحق الولد بأمه. وقال الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف في المشهور عنه ومحمد وأحمد في رواية ابن الماجشون من المالكية وزفر بن الهذيل: لا يلاعن بالحمل، وأجابوا عن الحديث بأن اللعان فيه كان بالقذف لا بالحمل، وقد بسطنا الكلام فيه هناك. قوله: (في ميراثها) أي: في ميراث الملاعنة. وأجمع العلماء بن علي
جريان التوارث بين الولد وبين أصحاب الفروض من جهة أمه وهم إخوته وأخواته من أمه وجداته من أمه ثم إذا دفع إلى أمه فرضها وإلى أصحاب الفروض وبقي شيء
فهو لمولى أمه إن كان عليها ولاء. وإلا يكون لبيت المال عند من لا يرى بالرد ولا بتوريث ذوي الأرحام. قوله: (ما فرض الله لها)، وهو الثلث إن لم يكن له ولد ولا ولد ابن ولا اثنان من الإخوة والأخوات، فإن كان شيء من ذلك فلها السدس، فإن فضل شيء من أصحاب الفروض فهو لبيت المال عند الزهري والشافعي ومالك وأبي ثور. وقال الحكم وحماد: ترثه ورثة أمه، وقال آخرون: عصبته عصبة أمه، روي هذا عن علي وابن مسعود وعطاء أحمد بن حنبل. قال أحمد: فإن انفردت الأم أخذت جميع ماله بالعصوبة، وقال أبو حنيفة: إذا انفردت أخذت الجميع الثلث بالفرض والباقي بالرد بن علي
قاعدته.
قوله: (قال ابن جريج عن ابن شهاب)، هو أيضا موصول بالسند المتقدم. قوله: (إن جاءت به) أي: إن جاءت الملاعنة بالولد المنفي (أحمر قصيرا) وفي رواية أبي داود: أحيمر بالتصغير، وفي رواية الشافعي: أشقر، وقال ثعلب: المراد بالأحمر الأبيض لأن الحمرة إنما تبدو في البياض قوله: (وحرة)، بفتح الواو والحاء المهملة وبالراء وهي: دويبة تترامى بن علي
الطعام واللحم وتفسده هي من نوع الوزغ، وقيل: دويبة حمراء تلزق بالأرض. قوله: (أعين) بلفظ أفعل الصفة، أي واسع العين. قوله: (ذا أليتين) أي: أليتين عظيمتين. قوله: (فجاءت به بن علي
المكروه من ذلك)، وهو الأسود إنما كره لأنه مستلزم لتحقيق الزنا وتصديق الزوج.
13
((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت راجعا بغير بينة))
297

أي: هذا باب في قوله صلى الله عليه وسلم: (لو كنت راجما) أجدا (بغير بينة) لرجمته، وجواب: لو، محذوف وهو الذي قدرناه.
0135 حدثنا سعيد بن عفير قال: حدثني الليث عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمان بن القاسم عن القاسم بن محمد عن ابن عباس: أنه ذكر التلاعن عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال عاصم بن عدي في ذالك قولا ثم انصرف. فأتاه رجل من قومه يشكو إليه أنه قد وجد مع امرأته رجلا، فقال عاصم: ما ابتليت بهاذا إلا لقولي، فذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي وجد عليه امرأته، وكان ذالك الرجل مصفرا قليل اللحم سبط الشعر، وكان الذي ادعى عليه أنه وجده عند أهله خدلا آدم كثير اللحم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم بين، فجاءت به شبيها بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجده، فلاعن النبي صلى الله عليه وسلم بينهما، قال رجل لابن عباس في المجلس: هي التي قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو رجمت أحدا بغير بينة رجمت هاذه؟ فقال: لا تلك امرأة كانت تظهر في الإسلام السوء.
قال أبو صالح وعبد الله بن يوسف: خدلا.
(الحديث 0135 أطرافه: في: 6135، 5586، 6586، 8327).
مطابقته للترجمة في قوله: (لو رجمت أحدا بغير بينة رجمت هذه) وسعيد بن عفير هو سعيد بن كثير بن عفير بضم العين المهملة وفتح الفاء مولى الأنصار المصري، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري، و عبد الرحمن بن القاسم يروي عن أبيه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم، ووقع في رواية النسائي عن أبيه.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المحاربين عن عبد الله بن يوسف، وفي الطلاق عن إسماعيل بن أبي أويس أيضا. وأخرجه مسلم في اللعان عن محمد بن رمح وغيره. وأخرجه النسائي في الطلاق وفي الرجم عن عيسى بن حماد به، وفي الطلاق أيضا عن يحيى بن محمد.
قوله: (أنه ذكر التلاعن)، يعني: أنه قال: ذكر فحذف لفظ: قال: وصرح به في رواية سليمان التي تأتي. قوله: (ذكر) بن علي
صيغة المجهول أسند إلى التلاعن أي: ذكر حكم الرجل الذي يرمي امرأته بالزنا، فعبر عنه بالتلاعن باعتبارها آل إليه الأمر بعد نزول الآية، ووقع في رواية سليمان ذكر المتلاعنان. قوله: (فقال عاصم بن عدي) أي: ابن الجد بن العجلان بن حارثة بن ضبيعة العجلاني ثم البدري، وهو صاحب عويمر العجلاني الذي قال له: سل لي يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث اللعان، وعاصم شهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها، وقيل: لم يشهد بدرا بنفسه لأنه صلى الله عليه وسلم قد استخلفه حين خرج إلى بدر بن علي
قباء وأهل العالية وضرب له بسهمه فكأنه كان قد شهدها وتوفي سنة خمس وأربعين، وقد بلغ قريبا من عشرين ومائة سنة. قوله: (في ذلك) قولا هو أنه كان قد قال عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لو وجد مع امرأته رجلا لضربه بالسيف حتى يقتله، فابتلي بعويمر العجلاني وهو من قومه ليريه الله تعالى كيف حكمه في ذلك وليعرفه أن التسليط في الدماء لا يسوغ في الدعوى، ولا يكون إلا بحكم الله تعالى، ليرفع أمر الجاهلية. وقال الكرماني قولا أي: كلاما لا يليق نحو ما يدل بن علي
عجب النفس والنخوة والغيرة وعدم الحوالة إلى إرادة وحوله وقوته. وقال بعضهم: كان ذلك بمعزل عن الواقع ثم طول الكلام. قلت: ليس في كلامه ما هو بمعزل عن الواقع، لكنه لم يصرح فيه. قوله: إنه لو وجد مع امرأته رجلا لضربه بالسيف، وذكرها ما يقتضيه أن يفعل فعل من عنده نخوة ومروءة وغيرة عند وجودهذا الأمر، وأما عدم حوالة الأمر فيه إلى الله تعالى فيمكن أنه لم يكن علم ما حكم الله في هذا حتى ابتلي وعرف. قوله: (ثم انصرف) أي: عاصم من عند النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (فأتاه رجل) هو عويمر. قوله: (من قومه) لأن كلا منهما عجلاني. قوله: (إليه) أي: إلى عاصم. قوله: (ما ابتليت) بن علي
صيغة المجهول (إلا لقولي) وهو قوله: لو وجدت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف، أو كان عيرا أحدا فابتلي به، كذا قاله الداودي، ورد عليه
298

بعضهم بأن هذا بمعزل عن الواقع، فقد وقع في مرسل مقاتل بن حبان عند ابن أبي حاتم: فقال عاصم: إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا والله سؤالي عن هذا الأمر بين
الناس فابتليت به، والذي كان قال: لو رأيته لضربته بالسيف هو سعد بن عبادة، رضي الله تعالى عنه. قلت: فيه نظر، لأن قول سعد بن عبادة في قضية هلال بن أمية، وقول عاصم في قضية عويمر، فالكلامان مختلفان، وذكر أن ابن سيرين عير رجلا بفلس ثم ندم وانتظر العقوبة أربعين سنة ثم نزل به. قوله: (وكان ذلك الرجل) أي: الذي رمى امرأته به. قوله: (مصفرا) بتشديد الراء أي: قوي الصفرة، وهذا لا يخالف قوله في حديث سهل: إنه كان أحمر أو أشقر، لأن ذاك لونه الأصلي والصفرة عارضة. قوله: (قليل اللحم) أي: نحيف الجسم. قوله: (سبط الشعر) بفتح السين المهملة وكسر الباء الموحدة وإسكانها وهو ضد الجعودة أي: مسترسلا غير جعد. قوله: (خدلا) بفتح الخاء المعجمة وإسكان الدال المهملة وهو الممتلىء الساق الضخم، وقال ابن الفارس: ممتلئ الأعضاء، وقال الطبري: لا يكون إلا مع غلظ العظم مع اللحم، وقال ابن التين: ضبط في بعض الكتب بكسر الدال وتخفيف اللام وفي بعضها بتشديد اللام، وفي بعضها بسكون الدال، وكذلك هو في كتب اللغة، وكذا ضبط في رواية أبي صالح وابن يوسف. قوله: (اللهم بين) أي: حكم المسألة، ويقال: معناه الحرص بن علي
أن يعلم من باطن المسألة ما يقف به بن علي
حقيقتها وإن كات شريعته قد احكمها الله في القضاء بالظاهر، وإنما صارت شرائع الأنبياء، عليهم السلام، يقضى فيها بالظاهر لأنها تكون سببا لمن بعدهم من أممهم ممن لا سبيل له إلى وحي يعلم به بواطن الأمور. قوله: (فجاءت) في رواية سليمان بن بلال: فوضعت. قوله: (فلاعن النبي صلى الله عليه وسلم بينهما) قيل: اللعان مقدم بن علي
وضع الولد، فعلى ما عطف: فلاعن؟ وأجيب: بأن المراد منه: فحكم بمقتضى اللعان، وقيل: ظاهره أن الملاعنة بينهما تأخرت حتى وضعت، ولكن معناه أن قوله: (فلاعن) معقب بقوله: فذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي وجد عليه امرأته، واعترض قوله: (وكان ذلك الرجل...) إلى آخره. قوله: (فقال رجل) هو عبد الله بن شداد ذكره البخاري في كتاب المحاربين. قوله: (قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو رجمت أحدا بغير بينة رجمت هذه)، أراد به امرأة عويمر، يعني: إنما لاعن بينها وبين زوجها ولم يرجمها بالشبه، لأن الرجم لا يكون إلا ببينة. قوله: (تلك امرأة) إشارة إلى امرأة عويمر، وأراد: بالسوء، الفاحشة. قال الداودي: فيه جواز الغيبة لمن يظهر السوء، وفي الحديث: لا غيبة لمجاهر.
قوله: (قال أبو صالح) هو عبد الله بن صالح الجهني بالجيم والهاء والنون، وهو كاتب الليث بن سعد وعبد الله بن يوسف التنيسي، بكسر التاء المثناة من فوق وتشديد النون المكسورة وسكون الياء آخر الحروف وبالسين المهملة: نسبة إلى تنيس بلدة كانت في جزيرة في وسط بحيرة بالقرب من دمياط وخربت وبادت. قوله: (خدلا) قال الكرماني: هما قالا آدم خدلا بدون ذكر: كثير اللحم؟ قلت: رواية عبد الله بن يوسف أخرجها البخاري في كتاب المحاربين ولفظه: وجده عند أهله آدم خدلا كثير اللحم، فالذي قاله الكرماني يخالف هذه، وإنما قال ذلك بالتخمين، بل المراد أن في روايتهما خدلا بفتح الخاء وكسر الدال، وفي الرواية المتقدمة: خدلا، بسكون الدال. فافهم.
((صداق الملاعنة))
أي: هذا باب في بيان الحكم في صداق المرأة الملاعنة.
0135 حدثنا سعيد بن عفير قال: حدثني الليث عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمان بن القاسم عن القاسم بن محمد عن ابن عباس: أنه ذكر التلاعن عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال عاصم بن عدي في ذالك قولا ثم انصرف. فأتاه رجل من قومه يشكو إليه أنه قد وجد مع امرأته رجلا، فقال عاصم: ما ابتليت بهاذا إلا لقولي، فذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي وجد عليه امرأته، وكان ذالك الرجل مصفرا قليل اللحم سبط الشعر، وكان الذي ادعى عليه أنه وجده عند أهله خدلا آدم كثير اللحم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم بين، فجاءت به شبيها بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجده، فلاعن النبي صلى الله عليه وسلم بينهما، قال رجل لابن عباس في المجلس: هي التي قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو رجمت أحدا بغير بينة رجمت هاذه؟ فقال: لا تلك امرأة كانت تظهر في الإسلام السوء.
قال أبو صالح وعبد الله بن يوسف: خدلا.
(الحديث 0135 أطرافه: في: 6135، 5586، 6586، 8327).
مطابقته للترجمة في قوله: (لو رجمت أحدا بغير بينة رجمت هذه) وسعيد بن عفير هو سعيد بن كثير بن عفير بضم العين المهملة وفتح الفاء مولى الأنصار المصري، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري، و عبد الرحمن بن القاسم يروي عن أبيه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم، ووقع في رواية النسائي عن أبيه.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المحاربين عن عبد الله بن يوسف، وفي الطلاق عن إسماعيل بن أبي أويس أيضا. وأخرجه مسلم في اللعان عن محمد بن رمح وغيره. وأخرجه النسائي في الطلاق وفي الرجم عن عيسى بن حماد به، وفي الطلاق أيضا عن يحيى بن محمد.
قوله: (أنه ذكر التلاعن)، يعني: أنه قال: ذكر فحذف لفظ: قال: وصرح به في رواية سليمان التي تأتي. قوله: (ذكر) بن علي
صيغة المجهول أسند إلى التلاعن أي: ذكر حكم الرجل الذي يرمي امرأته بالزنا، فعبر عنه بالتلاعن باعتبارها آل إليه الأمر بعد نزول الآية، ووقع في رواية سليمان ذكر المتلاعنان. قوله: (فقال عاصم بن عدي) أي: ابن الجد بن العجلان بن حارثة بن ضبيعة العجلاني ثم البدري، وهو صاحب عويمر العجلاني الذي قال له: سل لي يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث اللعان، وعاصم شهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها، وقيل: لم يشهد بدرا بنفسه لأنه صلى الله عليه وسلم قد استخلفه حين خرج إلى بدر بن علي
299

قباء وأهل العالية وضرب له بسهمه فكأنه كان قد شهدها وتوفي سنة خمس وأربعين، وقد بلغ قريبا من عشرين ومائة سنة. قوله: (في ذلك) قولا هو أنه كان قد قال عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لو وجد مع امرأته رجلا لضربه بالسيف حتى يقتله، فابتلي بعويمر العجلاني وهو من قومه ليريه الله تعالى كيف حكمه في ذلك وليعرفه أن التسليط في الدماء لا يسوغ في الدعوى، ولا يكون إلا بحكم الله تعالى، ليرفع أمر الجاهلية. وقال الكرماني قولا أي: كلاما لا يليق نحو ما يدل بن علي
عجب النفس والنخوة والغيرة وعدم الحوالة إلى إرادة وحوله وقوته. وقال بعضهم: كان ذلك بمعزل عن الواقع ثم طول الكلام. قلت: ليس في كلامه ما هو بمعزل عن الواقع، لكنه لم يصرح فيه. قوله: إنه لو وجد مع امرأته رجلا لضربه بالسيف، وذكرها ما يقتضيه أن يفعل فعل من عنده نخوة ومروءة وغيرة عند وجودهذا الأمر، وأما عدم حوالة الأمر فيه إلى الله تعالى فيمكن أنه لم يكن علم ما حكم الله في هذا حتى ابتلي وعرف. قوله: (ثم انصرف) أي: عاصم من عند النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (فأتاه رجل) هو عويمر. قوله: (من قومه) لأن كلا منهما عجلاني. قوله: (إليه) أي: إلى عاصم. قوله: (ما ابتليت) بن علي
صيغة المجهول (إلا لقولي) وهو قوله: لو وجدت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف، أو كان عيرا أحدا فابتلي به، كذا قاله الداودي، ورد عليه بعضهم بأن هذا بمعزل عن الواقع، فقد وقع في مرسل مقاتل بن حبان عند ابن أبي حاتم: فقال عاصم: إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا والله سؤالي عن هذا الأمر بين الناس فابتليت به، والذي كان قال: لو رأيته لضربته بالسيف هو سعد بن عبادة، رضي الله تعالى عنه. قلت: فيه نظر، لأن قول سعد بن عبادة في قضية هلال بن أمية، وقول عاصم في قضية عويمر، فالكلامان مختلفان، وذكر أن ابن سيرين عير رجلا بفلس ثم ندم وانتظر العقوبة أربعين سنة ثم نزل به. قوله: (وكان ذلك الرجل) أي: الذي رمى امرأته به. قوله: (مصفرا) بتشديد الراء أي: قوي الصفرة، وهذا لا يخالف قوله في حديث سهل: إنه كان أحمر أو أشقر، لأن ذاك لونه الأصلي والصفرة عارضة. قوله: (قليل اللحم) أي: نحيف الجسم. قوله: (سبط الشعر) بفتح السين المهملة وكسر الباء الموحدة وإسكانها وهو ضد الجعودة أي: مسترسلا غير جعد. قوله: (خدلا) بفتح الخاء المعجمة وإسكان الدال المهملة وهو الممتلىء الساق الضخم، وقال ابن الفارس: ممتلئ الأعضاء، وقال الطبري: لا يكون إلا مع غلظ العظم مع اللحم، وقال ابن التين: ضبط في بعض الكتب بكسر الدال وتخفيف اللام وفي بعضها بتشديد اللام، وفي بعضها بسكون الدال، وكذلك هو في كتب اللغة، وكذا ضبط في رواية أبي صالح وابن يوسف. قوله: (اللهم بين) أي: حكم المسألة، ويقال: معناه الحرص بن علي
أن يعلم من باطن المسألة ما يقف به بن علي
حقيقتها وإن كات شريعته قد احكمها الله في القضاء بالظاهر، وإنما صارت شرائع الأنبياء، عليهم السلام، يقضى فيها بالظاهر لأنها تكون سببا لمن بعدهم من أممهم ممن لا سبيل له إلى وحي يعلم به بواطن الأمور. قوله: (فجاءت) في رواية سليمان بن بلال: فوضعت. قوله: (فلاعن النبي صلى الله عليه وسلم بينهما) قيل: اللعان مقدم بن علي
وضع الولد، فعلى ما عطف: فلاعن؟ وأجيب: بأن المراد منه: فحكم بمقتضى اللعان، وقيل: ظاهره أن الملاعنة بينهما تأخرت حتى وضعت، ولكن معناه أن قوله: (فلاعن) معقب بقوله: فذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي وجد عليه امرأته، واعترض قوله: (وكان ذلك الرجل...) إلى آخره. قوله: (فقال رجل) هو عبد الله بن شداد ذكره البخاري في كتاب المحاربين. قوله: (قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو رجمت أحدا بغير بينة رجمت هذه)، أراد به امرأة عويمر، يعني: إنما لاعن بينها وبين زوجها ولم يرجمها بالشبه، لأن الرجم لا يكون إلا ببينة. قوله: (تلك امرأة) إشارة إلى امرأة عويمر، وأراد: بالسوء، الفاحشة. قال الداودي: فيه جواز الغيبة لمن يظهر السوء، وفي الحديث: لا غيبة لمجاهر.
قوله: (قال أبو صالح) هو عبد الله بن صالح الجهني بالجيم والهاء والنون، وهو كاتب الليث بن سعد وعبد الله بن يوسف التنيسي، بكسر التاء المثناة من فوق وتشديد النون المكسورة وسكون الياء آخر الحروف وبالسين المهملة: نسبة إلى تنيس بلدة كانت في جزيرة في وسط بحيرة بالقرب من دمياط وخربت وبادت. قوله: (خدلا) قال الكرماني: هما قالا آدم خدلا بدون ذكر: كثير اللحم؟ قلت: رواية عبد الله بن يوسف أخرجها البخاري في كتاب المحاربين ولفظه: وجده عند أهله آدم خدلا كثير اللحم، فالذي قاله الكرماني يخالف هذه، وإنما قال ذلك بالتخمين، بل المراد أن في روايتهما خدلا بفتح الخاء وكسر الدال، وفي الرواية المتقدمة: خدلا، بسكون الدال. فافهم.
((صداق الملاعنة))
أي: هذا باب في بيان الحكم في صداق المرأة الملاعنة.
1135 حدثني عمرو بن زرارة أخبرنا إسماعيل عن أيوب عن سعيد بن جبير قال: قلت ل ابن عمر: رجل قذف امرأته؟ فقال: فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان، وقال: الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟ فأبيا، فقال: الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟ فأبيا، فقال: الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟ فأبيا، ففرق بينهما. قال أيوب: فقال لي عمرو بن دينار: إن في الحديث شيئا لا أراك تحدثه. قال: قال الرجل: ما لي؟ قال: قيل: لا مال لك، إن كنت صادقا فقد دخلت بها، وإن كنت كاذبا فهو أبعد منك.
.
299

مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله (لا مال لك) إلى آخره، لأن المراد منه الصداق الذي لها عليه ودخل بها، وانعقد الإجماع بن علي
أن المدخول بها تستحق جميع الصداق، والخلاف في غير المدخول بها، فالجمهور بن علي
: أن لها النصف كغيرها من المطلقات قبل الدخول وقال أبو الزناد والحكم وحماد: بل لها جميعه، وقال الزهري: لا شيء لها أصلا، وروي عن مالك نحوه. وعمرو بن زرارة مر عن قريب.
وإسماعيل هو ابن علية وأيوب هو السختياني.
والحديث أخرجه مسلم في اللعان عن أبي الربيع الزهراني وغيره. وأخرجه أبو داود في الطلاق عن أحمد بن حنبل. وأخرجه النسائي فيه عن زياد بن أيوب.
قوله: (رجل قذف امرأته)، يعني: ما الحكم فيه. قوله: (بين أخوي بني العجلان)، حاصل معناه: بين الزوجين كليهما من قبيلة بني عجلان. وقوله: (بين أخوي بني العجلان) من باب التغليب حيث جعل الأخت كالأخ، وإطلاق الإخوة بالنظر إلى أن المؤمنين أخوة، والعرب تطلق الأخ عل الواحد من قوم فيقولون: يا أخا بني تميم، يريدون واحدا منهم، ومنه قوله تعالى: * (إذ قال لهم أخوهم نوح) * (الشعراء: 601). قيل: أخوهم لأنه كان منهم. قوله: (وقال: الله يعلم أن أحدكما كاذب)، يحتمل أن يكون قبل اللعان تحذيرا لهما منه وترغيبا في تركه، وأن يكون بعده، والمراد بيان أنه يلزم الكاذب التوبة، وفي رواية المستملي: أحدكما لكاذب، باللام. قوله: (فهل منكما تائب؟) ظاهره أن ذلك كان قبل صدور اللعان منهما.
قوله: (قال أيوب) موصول بالسند المتقدم، وهو أيوب السختاين الراوي. قوله: (قال لي عمرو بن دينار...) إلى آخره، حاصله أن عمرو بن دينار وأيوب سمعا الحديث من سعيد بن جبير فحفظ عمرو ما لم يحفظه أيوب وهو قوله: (قال الرجل: مالي) أي: الصداق الذي دفعه إليها، فقيل له: لا مال لك لأنك إن كنت صادقا فيما ادعيته عليها فقد دخلت بها واستوفيت حقك منها قبل ذلك، وإن كنت كاذبا فيما قلته فهو أبعد لك من مطالبتها بمال، لئلا تجمع عليها الظلم في عرضها ومطالبتها بمال قبضته منك قبضا صحيحا تستحقه.
وقال ابن المنذر: فيه: دليل بن علي
وجوب صداقها، وأن الزوج لا يرجع عليها بالمهر وإن أقرت بالزنا لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن كنت صادقا..) الخ.
33
((باب قول الإمام للمتلاعنين: إن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟.))
أي: هذا باب في بيان قول الإمام إلى آخره، وقال بعضهم: فيه تغليب المذكر بن علي
المؤنث. قلت: لا يقال في مثل هذا: تغليب للمذكر بن علي
المؤنث، لأن التثنية إذا كانت للخطاب يستوفي فيها المذكر والمؤنث، وقال عياض: في قوله: أحدكما، رد بن علي
من قال من النحاة: إن لفظ أحد لا يستعمل إلا في النفي، وعلى من قال منهم: لا يستعمل إلا في الوصف، وأنه لا يوضع موضع واحد ولا يقع موقعه، وقد جاء في هذا الحديث في غير وصف ولا نفي، وبمعنى: واحد، ورد عليه بأن الذي قالته النحاة إنما هو في أحد الذي للعموم نحو: في الدار من أحد، وما جاءني من أحد، وأما أحد بمعنى واحد فلا خلاف في استعماله في الإثبات. نحو: * (قل هو الله أحد) * (الإخلاص: 1) ونحو: * (فشهادة أحدهم) * (النور: 6) ونحو: أحدكما كاذب. قوله: (فهل منكما تائب) يحتمل أن يكون إرشادا لأنه لم يحصل منهما ولا من أحدهما اعتراف، ولأن الزوج إذا أكذب نفسه كانت توبة منه.
2135 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال عمر و: سمعت سعيد بن جبير، قال: سألت ابن عمر عن المتلاعنين، فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم، للمتلاعنين: حسابكما على الله، أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها. قال: مالي؟ قال: لا مال لك، إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت فهو من فرجها وإن كنت كذبت عليها فذاك أبعد لك.
قال سفيان: حفظته من عمر و. وقال أيوب سمعت سعيد بن جبير قال: قلت لابن عمر: رجل لا عن امرأته، فقال باصبعيه، وفرق سفيان بين أصبعيه السباية والوسطى، وفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان، وقال: الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟ ثلاث مرات، قال سفيان: حفظته من عمر و وأيوب كما أخبرتك.
300

مطابقته للترجمة ظاهرة. وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار.
قوله: (عن المتلاعنين) أي: عن حكمهما. قوله: (لا سبيل لك عليها) أي: بن علي
الملاعنة لأن اللعان رفع سبيله عليها. قوله: (فذاك) ويروى: فذلك إشارة إلى الطلب، واللام في ذلك للبيان نحو: هيت لك.
قوله: (وقال أيوب) موصول بالسند المتقدم وليس بتعليق. قوله: (فقال بإصبعيه) هو من إطلاق القول بن علي
الفعل. قوله: (قال سفيان: حفظته من عمرو وأيوب)، هذا من كلام علي بن عبد الله شيخ البخاري، يريد به سماع سفيان من عمرو وأيوب.
43
((باب التفريق بين المتلاعنين))
أي: هذا باب في بيان التفريق بين الزوجين المتلاعنين، وهذه الترجمة ثبتت للمستملي وثبت لفظ: باب، فقط عند النسفي بلا ترجمة وسقط ذلك للباقين.
3135 حدثني إبراهيم بن المنذر حدثنا أنس بن عياض عن عبيد الله عن نافع: أن ابن عمر، رضي الله عنهما، أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين رجل
وامرأة قذفها وأحلفهما.
ابقته للترجمة ظاهرة وعبيد الله هو ابن عمر العمري. قوله: (قذفها) جملة وقعت حالا أي: حال كونه قذف المرأة بالزنا. قوله: (واحلفهما) من الإحلاف قوله: (فرق)، دليل لأبي حنيفة وصاحبيه أن اللعان لا يتم إلا بتفريق الحاكم، وهو قول الثوري أيضا وقد مر الكلام فيه بسوطا.
4135 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله أخبرني نافع عن ابن عمر قال: لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، بين رجل وامرأة من الأنصار، وفرق بينهما.
ا طريق آخر في حديث ابن عمر. أخرجه عن مسدد عن يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر العمري إلى آخره.
قوله: (بين رجل وامرأة) من الأنصار، فالرجل هو هلال بن أمية الأنصاري وهو الذي قذف امرأته بشريك بن السحماء وهو شريك بن عبد بن مغيث حليف للأنصار وسحماء بالسين المهملة اسم أمه، وقال أبو عمر رحمه الله: روي جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما قذف هلال بن أمية امرأته قيل له: والله ليجلدنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمانين. فقال: الله أعدل، وقد علم أني رأيت، فنزلت آية الملاعنة. وقال ابن التين: الأصح أن هلالا لاعن قبل عويمر وقال الماوردي في (الحاوي): الأكثرون بن علي
أن قصة هلال أسبق من قصة عويمر، وفي (الشامل) لابن الصباغ: قصة هلال تنبىء أن الآية الكريمة نزلت فيه أولا، وما قيل لعويمر: قد أنزل فيك وفي صاحبتك، يعني: ما نزل في قصة هلال، لأن ذلك حكم عام لجميع الناس. قلت: هذا الذي يقوله الأصوليون العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب. فإن قلت: قال في الرواية الأولى: فرق بين رجل وامرأة قذفها واحلفهما، وفي هذه الرواية: قال: (لاعن النبي صلى الله عليه وسلم...) إلى آخره، ثم قال: وفرق بينهما. قلت: لا فرق بينهما في المعنى في الحقيقة لأنه لا بد من الملاعنة.. والتفريق من الحاكم. وهو حجة قوية للحنفية أن اللعان لا يتم إلا بتفريق الحاكم بينهما، وقد ذكرنا الخلاف فيه عن قريب.
53
((باب يلحق الولد بالملاعنة))
أي: هذا باب في بيان أن الولد يلحق بالمرأة الملاعنة إذا نفاه الزوج قبل الوضع أو بعده.
5135 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا مالك قال: حدثني نافع عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين رجل وامرأته فانتفى من ولدها، ففرق بينهما وألحق الولد بالمرأة.
ابقته للترجمة ظاهرة.
والحديث رواه البخاري أيضا في الفرائض عن يحيى بن قزعة. وأخرجه مسلم في اللعان عن يحيى بن يحيى وغيره. وأخرجه أبو داود في الطلاق عن القعنبي. وأخرجه الترمذي في النكاح، والنسائي في الطلاق جميعا عن قتيبة. وأخرجه ابن ماجة في الطلاق عن أحمد بن سنان عن عبد الرحمن بن مهدي سبعتهم عن مالك به.
وهذا الحديث
301

مشتمل بن علي
ثلاثة أحكام.
الأول: اللعان، وليس فيه خلاف وأجمعوا بن علي
صحته ومشروعيته.
الثاني: التفرقة. واختلف العلماء فيها، وقد ذكرنا عن قريب عن مالك والشافعي أنه تقع الفرقة بينهما بنفس التلاعن، وعن أبي حنيفة. لا يحصل إلا بتفريق الحاكم لظاهر الحديث المذكور، وهو حجة بن علي
المخالفين.
الثالث: إلحاق الولد بالأم. بظاهر الحديث، وذلك أنه إذا لاعنها ونفى عنه نسب الحمل انتفى عنه ويثبت نسبه من الأم ويرثها وترث منه، وقد مر الكلام فيه عن قريب. وقال الطحاوي: ذهب قوم إلى أن الرجل إذا نفى ولد امرأته لم ينتف به ولم يلاعن به، واحتجوا في ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهد الحجر. قلت: أخرجه الجماعة من حديث عائشة غير الترمذي قالوا: الفراش يوجب حق الولد في إثبات نسبه من الزوج والمرأة فليس لهما إخراجه بلعان ولا غيره. قلت: أراد الطحاوي بالقوم هؤلاء: عامر الشعبي ومحمد بن أبي ذئب وبعض أهل المدينة، وخالفهم الآخرون وهم جمهور الفقهاء من التابعين ومن بعدهم، منهم الأئمة الأربعة وأصحابهم فإنهم قالوا: إذا نفى الرجل ولد امرأته يلاعن وينتفي نسبه منه، ويلزم أمه ثم فيه خلاف آخر من وجه آخر، فقال أصحابنا: إذا كان القذف بنفي الولد بحضرة الولادة أو بعدها بيوم أو يومين أو نحو ذلك من مدة يأخذ فيها التهنئة وابتياع آلات الولادة عادة صح ذلك. فإن نفاه بعد ذلك لا ينتفي، ولم يوقت أبو حنيفة، رحمه الله، وقتا، وروى عنه أنه وقت لذلك سبعة أيام وأبو يوسف ومحمد وقتاه بأكثر النفاس وهو أربعون يوما، والشافعي، رحمه الله: اعتبر الفور، فقال: إن نفاه بن علي
الفور انتفى وإلا لا. وأجابوا عن حديث أهل المقالة الأولى أنه: لا ينفي وجوب اللعان بنفي الولد، ولا يعارض الأحاديث التي تدل بن علي
ذلك.
63
((باب قول الإمام: اللهم بين))
أي: هذا باب في بيان قون الإمام في اللعان: اللهم بين، أي: أظهر حكم هذه المسألة الواقعة. وقال ابن العربي، رحمه الله: ليس معنى هذا الدعاء طلب ثبوت صدق قول الإمام فقط، بل معناه أن تلد ليظهر الشبه.
6135 حدثنا إسماعيل قال: حدثني سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال: أخبرني عبد الرحمان بن القاسم عن القاسم بن محمد عن ابن عباس أنه قال: ذكر المتلاعنان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عاصم بن عدي في ذلك قولا ثم انصرف، فأتاه رجل من قومه فذكر له أنه وجد مع امرأته رجلا، فقال عاصم: ما ابتليت بهاذا الأمر إلا لقولي، فذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بالذي وجد عليه امرأته، وكان ذلك الرجل مصفرا قليل اللحم سبط الشعر، وكان الذي وجد عند أهله آدم خدلا كثير اللحم جعدا قططا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم بين، فوضعت شبيها بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجد عندها، فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بينهما فقال رجل لابن عباس في المجلس: هي التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو رجمت أحدا بغير بينة لرجمت هاذه؟ فقال ابن عباس: لا، تلك امرأة كانت تظهر السوء في الإسلام.
ابقته للترجمة في قوله: (اللهم بين فوضعت..) إلى آخره. وإسماعيل هو ابن أبي أويس، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري. والحديث قد مر قبله بأربعة أبواب، ومضى الكلام فيه مبسوطا.
قوله: (قططا) بالفتحات معناه: الشديد الجعودة، وقيل: الحسن الجعودة، الأول أكثر. قوله: (فوضعت) أي: ولدا، وفي الرواية المتقدمة: فجاءت شبيها بالرجل الذي ذكره.
73
((باب إذا طلقها ثلاثا ثم تزوجت بعد العدة زوجا غيره فلم يمسها))
أي: هذا باب في بيان ما إذا طلقها الملاعن ثلاث طلقات ثم تزوجت الملاعنة بعد انقضاء عدتها زوجا غيره فلم يمسها. أي: فلم
302

يجامعها، وجواب: إذا، محذوف تقديره: هل تحل للأول إن طلقها الثاني، قبل المسيس أم لا؟ وتمام الجواب: لا تحل للأول إلا بطلاق الزوج الثاني، وكان قد وطئها.
7135 حدثنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا هشام قال: حدثني أبي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: أن رفاعة القرظي تزوج امرأة ثم طلقها فتزوجت آخر فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أنه لا يأتيها وأنه ليس معه إلا مثل هدبة، فقال: لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك.
ابقته للترجمة ظاهرة، ويوضح الحديث معنى الترجمة.
وأخرجه من طريقين. الأول: عن عمرو بن علي الفلاس بالفاء وتشديد اللام عن يحيى القطان عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة. الثانيعن عثمان بن أبي شيبة أخي أبي بكر بن أبي شيبة عن عبدة بفتح العين وسكون الباء الموحدة ابن سليمان الكوفي، واسمه عبد الرحمن وعبدة لقبه عن هشام إلى آخره.
والحديث قد مر في: باب من أجاز الطلاق الثلاث، ومضى الكلام فيه هناك.
* (بسم الله الرحمان الرحيم) *
7135 حدثنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا هشام قال: حدثني أبي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: أن رفاعة القرظي تزوج امرأة ثم طلقها فتزوجت آخر فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أنه لا يأتيها وأنه ليس معه إلا مثل هدبة، فقال: لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك.
ابقته للترجمة ظاهرة، ويوضح الحديث معنى الترجمة.
وأخرجه من طريقين. الأول: عن عمرو بن علي الفلاس بالفاء وتشديد اللام عن يحيى القطان عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة. الثانيعن عثمان بن أبي شيبة أخي أبي بكر بن أبي شيبة عن عبدة بفتح العين وسكون الباء الموحدة ابن سليمان الكوفي، واسمه عبد الرحمن وعبدة لقبه عن هشام إلى آخره.
والحديث قد مر في: باب من أجاز الطلاق الثلاث، ومضى الكلام فيه هناك.
* (بسم الله الرحمان الرحيم) *
((كتاب العدة))
أي: هذا باب في بيان أحكام العدة، ولفظ: كتاب، وقع في كتاب ابن بطال وهو الصواب، والعدة اسم لمدة تتربص بها المرأة عن الزوج بعد وفاة زوجها أو فراقه لها إما بالولادة أو بالإقراء أو بالأشهر. قلت: العدة مصدر من عد يعد، يقال: عددت الشيء إذا أحصيته، وفي الشرع: هي تربص أي انتظار مدة تلزم المرأة عند زوال
النكاح أو شبهه، وعدة المرأة الحرة للطلاق أو الفسخ بغير طلاق مثل خيار العتق والبلوغ، وملك أحد الزوجين صاحبه، والردة، وعدم الكفاءة: ثلاثة أقراء إن كانت من ذوات الحيض وكان بعد الدخول بها، وثلاثة أشهر لصغر أو كبر، وللموت أربعة أشهر وعشرة أيام سواء كانت المرأة مسلمة أو كتابية تحت مسلم، صغيرة أو كبيرة قبل الدخول أو بعده، وللأمة قرآن في الطلاق إن كانت ممن تحيض، وإن كانت ممن لا تحيض لصغر أو كبر أو كانت توفي عنها زوجها شهر ونصف في الطلاق بعد الدخول، وشهران وخمسة أيام في الوفاة، ولا فرق في ذلك بين القنة وأم الولد والمدبرة والمكاتبة ومعتقة البعض عند أبي حنيفة، وعدة الحامل وضعه أي: وضع الحمل سواء كانت حرة أو أمة، وسواء كانت العدة عن طلاق أو وفاة أو غير ذلك، وعدة الفار أبعد الأجلين من عدة الوفاة من عدة الطلاق عند أبي حنيفة ومحمد، وعند أبي يوسف: تعتد عدة الوفاة.
83
((باب قول الله * (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم) *))
.
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (واللائي) *. إلى آخره، وسقط لفظ: باب، لأبي ذر ولكريمة، وثبت للباقين، وقال الفراء في (كتاب معاني القرآن): ذكروا أن معاذ بن جبل، رضي الله عنه، سأل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! قد عرفنا عدة التي تحيض، فما عدة الكبيرة التي يئست؟ فنزلت؟ * (فعدتهن ثلاثة أشهر) * (الطلاق: 4)، فقام رجل فقال: فما عدة الصغيرة التي لم تحض؟ فقال * (واللائي لم يحضن) * بمنزلة الكبيرة التي قد يئست عدتها ثلاثة أشهر، فقام آخر فقال: فالحوامل يا رسول الله ما عدتهن؟ فقال: * (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) * (الطلاق: 4) فإذا وضعت الحامل ذا بطنها حلت للزوج وإن كان الميت بن علي
السرير لم يدفن، وذكره عبد بن حميد في تفسيره عن عمر بن الخطاب نحوه، وعند الواحدي من حديث أبي عثمان عمرو بن سالم قال: لما نزلت عدة النساء في سورة البقرة قال أبي بن كعب: يا رسول الله! إن أناسا من أهل المدينة يقولون: قد بقي من النساء ما لم يذكر فيهن شيء... قال: وما هو؟ قال: الصغار والكبار وذوات الحمل؟ فنزلت هذه الآية الكريمة. وفي (تفسير مقاتل) قال خلاد الأنصاري:
303

يا رسول الله! ما عدة من لم تحض؟ فنزلت.
قال مجاهد: إن لم تعلموا يحضن أو لا يحضن واللائي قعدن عن الحيض واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر.
أي: قال مجاهد في تفسير قوله: * (إن أرتبتم) * (الطلاق: 4) بقوله: (إن لم تعلموا).. الخ ووصل هذا التعليق عبد بن حميد عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه، وقد أجمع العلماء بن علي
أن عدة الآيسة من المحيض ثلاثة أشهر، وأما أولات الأحمال.. فقال إسماعيل بن إسحاق: أكثر العلماء، والذي، مضى عليه العمل أنها إذا وضعت حملها فقد انقضت عدتها، وخالف في ذلك علي وابن عباس، رضي الله تعالى عنهم، فإنهما قالا: عدتها آخر الأجلين، وروي أيضا عن سحنون، وروي عن ابن عباس: الرجوع عن ذلك، ويؤيد ذلك أن أصحابه عطاء وعكرمة وجابر بن زيد قالوا كقول الجماعة، وقال حماد بن أبي سليمان: لا تخرج عن العدة حتى ينقضي نفاسها وتغتسل منه.
93
((باب قوله تعالى: * ((65) وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) * (الطلاق: 4).))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (وأولات الأحمال) * (الطلاق: 4) وقد مر بيانه عن قريب، وأولات الأحمال الحبالى.
8135 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمان بن هرمز الأعرج قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن زينب ابنة أبي سلمة أخبرته عن أمها أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن امرأة من أسلم يقال لها: سبيعة، كانت تحت زوجها توفي عنها وهي حبلى، فخطبها أبو السنابل بن بعكك، فأبت أن تنكحه، فقال: والله ما يصلح أن تنكحيه حتى تعتدي آخر الأجلين، فمكثت قريبا من عشر ليال ثم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنكحي.
(انظر الحديث: 9094).
مطابقته للترجمة ظاهرة. ورجاله قد ذكروا غير مرة.
والحديث أخرجه النسائي في الطلاق أيضا عن عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد عن أبيه عن جده به.
قوله: (من أسلم) بلفظ أفعل التفضيل نسبة إلى أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو. قوله: (سبيعة) مصغر السبعة التي بعد الستة بنت الحارث، وزوجها سعد بن خولة من بني عامر بن لؤي من أنفسهم، وقيل: هو حليف لهم، مات بمكة في حجة الوداع وهو الصحيح. قوله: (وهي حبلى) الواو فيه للحال. قوله: (أبو السنابل) جمع سنبلة، واسمه عمرو، وقيل: حبة بن بعكك بن الحجاج بن الحارث ابن السباق بن عبد الدار بن قصي القرشي العبدري، كان من مسلمة الفتح، وكان شاعرا ومات بمكة. قوله: (فأبت أن تنكحه) أي: فامتنعت من أن تنكحه، وأن مصدرية. قوله: (فقال) القائل هو أبو السنابل، ووقع عند الشيخ أبي الحسن: فقالت، وهو تحريف لأن أبا السنابل خاطبها بذلك. قوله: (آخر الأجلين) يعني: وضع الحمل وتربص أربعة أشهر وعشر، يعني: تعتدي بأطولها. قوله: (أنكحي) أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالنكاح لأن مدتها انقضت بوضع الحمل لقوله تعالى: * (وأولات الأحمال) * (الطلاق: 4)... الآية وقوله صلى الله عليه
وسلم: هذا أيضا خصص عموم الآية لأن الآية وهي قوله تعالى: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا) * (الطلاق: 4) عامة في كل معتدة من طلاق أو وفاة إذ جاءت مجملة لم يذكر فيها أنها للمطلقة خاصة، ولا للمتوفى عنها زوجها، خاصة. والعمل بن علي
حديث الباب بالحجاز والعراق والشام، ولا يعلم فيه مخالف إلا ما روي عن علي وابن عباس، رضي الله تعالى عنهم، وقد ذكرناه في آخر الباب الذي قبل.
9135 حدثنا يحيى بن بكير عن الليث عن يزيد أن ابن شهاب كتب إليه أن عبيد الله ابن عبد الله أخبره عن أبيه أنه كتب إلى ابن الأرقم أن يسأل سبيعة الأسلمية: كيف أفتاها النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: أفتاني إذا وضعت أن أنكح.
(انظر الحديث: 1993).
304

هذا طريق آخر عن يحيى بن بكير عن يزيد، ويزيد هذا من الزيادة هو ابن أبي حبيب أبو رجاء المصري واسم أبي حبيب سويد، أعتقته امرأة مولاة لبني حسان بن عامر بن لؤي القرشي، وأم يزيد مولاة نجيب، كذا قال أبو مسعود في (أطرافه) إنه يزيد بن أبي حبيب، وصرح به أبو نعيم والطبراني والنسائي في رواياتهم. وقال صاحب (التلويح): وأبي ذلك شيخنا أبو محمد الدمياطي، فقال: يزيد هذا هو ابن عبد الله بن أسامة بن الهاد، وخالفهم وخالف الشراح أيضا. وقال صاحب (التلويح) وصاحب (التوضيح): فينظر، وقيل: هذا وهم منه. قلت: الظاهر أنه وهم.
قوله: (كتب إليه) فيه حجة في جواز الرواية بالمكاتبة. قوله: (أن عبيد الله بن عبد الله أخبره عن أبيه)، هو عبد الله بن عتبة بن مسعود. قوله: (إلى ابن الأرقم) هو عمر بن عبد الله بن الأرقم، كذا في (صحيح مسلم) مصرحا به، ولفظه: عن ابن شهاب قال: حدثني عبيد الله بن عتبة بن مسعود أن أباه كتب إلى عمر بن عبد الله ابن الأرقم، وجميع الشراح جزموا أنه عبد الله بن الأرقم، والظاهر أن أول شارح للبخاري وهم فيه ثم تبعه كل من أتى بعده من الشراح، وأما ترجمة عبد الله فهو: عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة، أسلم يوم الفتح وكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لأبي بكر ثم لعمر، واستعمله عثمان بن علي
بيت المال سنين، ثم استعفاه فأعفاه. وقال خليفة بن خياط: لم يزل عبد الله بن الأرقم بن علي
بيت المال خلافة عمر كلها وسنتين من خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه. وقال عمر رضي الله تعالى عنه: ما رأيت أحدا أخشى لله منه.
0235 حدثنا يحيى بن قزعة حدثنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن المسور بن مخرمة أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال، فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأذنته أن تنكح، فأذن لها فنكحت.
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن يحيى بن قزعة إلى آخره.
قوله: (نفست)، بضم النون وفتحها وكسر الفاء من النفاس بمعنى الولادة، وقال الهروي: إذا حاضت فالفتح لا غيره. قوله: (بليال)، قيل: خمس وعشرون ليلة، وقيل: أقل من ذلك، ووقع في رواية الزهري: (فلم تلبث أن وضعت)، وعند أحمد: (فلم أمكث إلا شهرين حتى وضعت)، وفي الرواية الماضية في تفسير الطلاق: فوضعت بعد موته بأربعين ليلة، وعند النسائي: بعشرين ليلة، وعند أبي حاتم: بعشرين أو خمس عشرة، وعند الترمذي والنسائي: بثلاثة وعشرين يوما أو خمسة وعشرين يوما، وعند ابن ماجة ببضع وعشرين، والجمع بين هذه الروايات متعذر لاتحاد القصة، فلعل ذلك هو السر في إبهام من أبهم المدة.
04
((باب قول الله تعالى: * ((2) والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) * (البقرة: 822))
.
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (والمطلقات) *.. إلى آخره، وسقط لفظ: باب، لأبي ذر، وثبت لغيره، والمراد بالمطلقات المدخول بهن من ذوات الإقراء. قوله: (يتربصن) أي: ينتظرن، وهذا خبر بمعنى الأمر * (ثلاثة قروء بعد طلاق زوجها ثم تتزوج إن شاءت، وقد أخرج الأئمة الأربعة من هذا العموم الأمة إذا طلقت فإنها تعتد عندهم بقرأين لأنها بن علي
النصف من الحرة، والقرء لا يتبعض فكمل لها قرآن، ولما رواه ابن جريج عن مظاهر بن أسلم المخزومي المدني عن القاسم عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان)، ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجة، قال ابن كثير: ولكن ظاهر هذا ضعيف بالكلية، وقال الدارقطني وغيره: الصحيح أنه من قول القاسم بن محمد نفسه، ورواه ابن ماجة من طريق عطية العوفي عن ابن عمر مرفوعا، قال الدارقطني: والصحيح ما رواه سالم ونافع عن ابن عمر. قوله: وهكذا روي عن عمر بن الخطاب، قالوا: ولم يعرف بين الصحابة خلاف، وقال بعض السلف: بل عدتها عدة الحرة لعموم الآية، ولأن هذا أمر جبلي فالحرائر والإماء في ذلك سواء، وحكى هذا القول أبو عمر عن ابن سيرين وبعض أهل الظاهر وضعفه.
وقال إبراهيم، فيمن تزوج في العدة فحاضت عنده ثلاث حيض: بانت من الأول
305

ولا تحتسب به لمن بعده.
إبراهيم هو النخعي، وهذه مسألة اجتماع العدتين، فنقول أولا: إن العلماء مجمعون بن علي
أن الناكح في العدة يفسخ نكاحه ويفرق بينهما، فإذا تزوج في العدة فحاضت عنده ثلاث حيض بانت من الأول لأنها عدتها منه. قوله: (ولا تحتسب به) أي لا تحتسب هذه المرأة بهذا الحيض لمن بعده أي: بعد الزوج الأول، بل تعتد عدة أخرى للزوج الثاني، هذا قول إبراهيم رواه ابن أبي شيبة عن عبدة بن أبي سليمان عن إسماعيل بن
أبي خالد عنه، وروى المدنيون عن مالك: إن كانت حاضت حيضة أو حيضتين من الأول أنها تتم بقية عدتها منه ثم تستأنف عدة أخرى من الآخر، بن علي
ما روي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، وهو قول الليث والشافعي وأحمد وإسحاق. وروى ابن القاسم عن مالك: أن عدة واحدة تكون لهما جميعا، وهو قول الأوزاعي والثوري وأبي حنيفة وأصحابه.
وقال الزهري: تحتسب، وهذا أحب إلى سفيان، يعني: قول الزهري.
أي: قال محمد بن مسلم الزهري: تحتسب هذا الحيض فيكون عدة لهما، كما ذكرنا الآن، وهذا أي قول الزهري أحب إلى سفيان الثوري وحجة الزهري ومن تبعه في هذا إجماعهم أن الأول لا ينكحها في بقية العدة من الثاني، فدل بن علي
أنها في عدة من الثاني، ولولا ذلك لنكحها في عدتها منه، وحجة الأولين أنهما حقان قد وجبا عليها لزوجين كسائر الحقوق لا يدخل أحدهما في صاحبه.
وقال معمر: يقال: أقرأت المرأة إذا دنا حيضها، وأقرأت إذا دنا طهرها، ويقال: ما قرأت بسلى قط: إذا لم تجمع ولدا في بطنها.
معمر بفتح الميمين وسكون العين هو أبو عبيدة بن المثنى مات سنة عشر ومائتين. قوله: (يقال: أقرأت المرأة) غرضه أن القرء يستعمل بمعنى الحيض والطهر، يعني: هو من الأضداد، واختلف العلماء في الأقراء التي تجب بن علي
المرأة إذا طلقت، فقال الضحاك والأوزاعي والثوري والنخعي وسعيد بن المسيب وعلقمة والأسود ومجاهد وعطاء وطاووس وسعيد بن جبير وعكرمة ومحمد بن سيرين والحسن وقتادة والشعبي والربيع، ومقاتل بن حبان والسدي ومكحول وعطاء الخراساني: الإقراء الحيض، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وأحمد في أصح الروايتين وإسحق، وهكذا روي عن أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وأبي الدرداء وعبادة بن الصامت وأنس بن مالك وابن مسعود وابن عباس ومعاذ وأبي بن كعب وأبي موسى الأشعري، رضي الله تعالى عنهم، وقال سالم والقاسم وعروة وسليمان بن يسار وأبو بكر بن عبد الرحمن وأبان ابن عثمان والزهري وبقية الفقهاء السبعة ومالك والشافعي وأبو ثور وداود وأحمد في رواية: الأقراء هي الأطهار، وروي عن أن عباس وزيد بن ثابت، وقال أبو عمر، وهو قول عائشة وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر: فالمطلقة عندهم تحل للأزواج بدخولها في الدم من الحيضة الثالثة، وسواء بقي من الطهر الذي طلقت فيه المرأة يوم واحد أو أكثر أو ساعة واحدة فإنها تحتسب به المرأة قرءا. وقالت الطائفة الأولى: المطلقة لا تحل للأزواج حتى تغتسل من الحيضة الثالثة، وطائفة أخرى توقفوا في الأقراء هل هي حيض أم أطهار؟ وهم: سليمان بن يسار وفضالة بن عبيد وأحمد في رواية. قوله: (ويقال: ما قرأت بسلى) بكسر السين المهملة وبالقصر، وهي الجلدة الرقيقة التي يكون فيها الولد من المواشي، معناه: لم تضم رحمها بن علي
ولد. وأشار بهذا إلى أن القرء جاء بمعنى الجمع والضم أيضا. وقال الأصمعي: القرء بضم القاف، وقال أبو زيد بفتح القاف، وأقرأت المرأة إذا استقر الماء في رحمها، وقعدت المرأة أيام إقرائها أي: أيام حيضها. وقال أبو عمر: أصل القرء في اللغة الوقت والطهر والحمل والجمع، وقال ثعلب: القروء الأوقات والواحدة قرء، وهو الوقت وقد يكون حيضا ويكون طهرا، وقال قطرب: تقول العرب: ما أقرأت الناقة سلا قط، أي: لم ترم به، وأقرأت الناقة قرءا، وذلك معاودة الفحل إياها، وأن كل ضراب، وقالوا أيضا: قرأت المرأة قرءا إذا حاضت وطهرت، وقرأت أيضا إذا حملت، وقيل: هو من الأسماء المشتركة، وقيل: حقيقة في الحيض، مجاز في الطهر.
306

14
((باب قصة فاطمة بنت قيس))
أي: هذا باب في بيان قصة فاطمة بنت قيس، لم يذكر لفظ: باب، في رواية الأكثرين، ولبعضهم ذكر لفظ: باب، وعليه مشى ابن بطال. وفاطمة بنت قيس بن خالد الأكبر بن وهب بن ثعلبة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر القرشية الفهرية أخت الضحاك بن قيس، يقال: إنها كانت أكبر منه بعشر سنين، وكانت من المهاجرات الأول، وكانت ذات جمال وعقل وكمال، وفي بيتها اجتمعت أصحاب الشورى عند قتل عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، وخطبوا خطبتهم المأثورة، وقال الزبير: وكانت امرأة بخودا، والبخود: النبيلة، قال أبو عمر: روى عنها الشعبي وأبو سلمة، وأما الضحاك بن قيس فإنه كان من صغار الصحابة. وقال أبو عمر: يقال: إنه ولد قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسبع سنين أو نحوها، وينقون سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وكان بن علي
شرطة معاوية ثم صار عاملا له بن علي
الكوفة بعد زياد، وولاه عليها معاوية سنة ثلاث وخمسين وعزله سنة سبع وخمسين وولى مكانه عبد الرحمن بن أم الحكم وضمه إلى الشام، فكان معه إلى أن مات معاوية، فصلى عليه، وقام بخلافته حتى قدم يزيد ابن معاوية، فكان معه إلى أن مات يزيد، ومات بعده ابنه معاوية بن يزيد، ووثب مروان بن علي
بعض أهل الشام وبويع له فبايع الضحاك بن قيس أكثر أهل الشام لابن الزبير وعاد إليه فاقتتلوا فقتل الضحاك بن قيس بمرج راهط للنصف من ذي الحجة سنة أربع وستين، روى عنه الحسن البصري وتميم بن طرفة ومحمد بن سويد الفهري وميمون بن مهران وسماك بن حرب.
وأما قصة فاطمة بنت قيس فقد رويت من وجوه صحاح متواترة، وقال مسلم في (صحيحه): باب المطلقة ثلاثا لا نفقة لها، ثم روى قصتها من طرق متعددة فأول ما روي: حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت بن علي
مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود ابن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمر بن حفص طلقها البتة وهو غائب، فأرسل إليها وكيله
بشعير فسخطته، فقال: والله مالك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: ليس لك عليه نفقة، فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدى عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فإذا حللت فأذنيني. قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، أنكحي أسامة بن زيد فكرهته ثم قال: أنكحي أسامة فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتبطت. وفي رواية أخرى لا نفقة لك ولا سكنى، وفي رواية: لا نفقة لك فانتقلي فاذهبي إلى ابن أم مكتوم فكوني عنده، وفي رواية أبي بكر بن أبي الجهم. قال: سمعت فاطمة بنت قيس تقول: أرسل إلي زوجي أبو عمر بن حفص بن المغيرة عياش بن أبي ربيعة بطلاقي، وأرسل معه بخمسة آصع تمر وخمسة آصع شعير، فقلت: أمالي نفقة إلا هذا وألا اعتد في منزلكم؟ قال: لا. قالت: فشددت علي ثيابي وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كم طلقك؟ قلت: ثلاثا. قال: صدق، ليس لك نفقة اعتدى في بيت ابن عمك ابن أم مكتوم.. الحديث.
وأخرج الطحاوي حديث فاطمة بنت قيس هذه من ستة عشر طريقا كلها صحاح. منها: ما قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون، قال: حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى قال: حدثنا أبو سلمة قال: حدثني فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص المخزومي طلقها ثلاثا. فأمر لها بنفقة فاستقلتها. وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه نحو اليمن، فانطلق خالد بن الوليد، رضي الله تعالى عنه، في نفر من بني مخزوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت ميمونة فقال: يا رسول الله إن أبا عمرو بن حفص طلق فاطمة ثلاثا فهل لها من نفقة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس لها نفقة ولا سكنى وأرسل إليها أن تنتقل إلى أم شريك، ثم أرسل إليها أن أم شريك يأتيها المهاجرون الأولون فانتقلي إلى ابن أم مكتوم فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك.
ثم العلماء اختلفوا في هذا الباب في فصلين. الأول: أن المطلقة ثلاثا لا تجب لها النفقة ولا السكنى عند قوم إذا لم تكن حاملا، واحتجوا بالأحاديث المذكورة، وهم: الحسن البصري وعمرو بن دينار وطاووس وعطاء بن أبي رباح وعكرمة والشعبي وأحمد وإسحاق وإبراهيم في رواية وأهل الظاهر، وقال قوم: لها النفقة والسكنى حاملا أو غير حامل، وهم حماد وشريح والنخعي والثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة والحسن بن صالح وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وهو مذهب عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعد رضي الله تعالى عنهما
307

وقال قوم: لها السكنى بكل حال والنفقة إذا كانت حاملا، وهم: عبد الرحمن بن مهدي ومالك والشافعي وأبو عبيدة واحتج أصحابنا فيما ذهبوا إليه بأن عمر وعائشة وأسامة بن زيد ردوا حديث فاطمة بنت قيس وأنكروه عليها وأخذوا في ذلك بما رواه الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عمر، رضي الله تعالى عنه، أنه قال: لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة وهمت أو نسيت، وكان عمر يجعل لها النفقة والسكنى، وروى مسلم: حدثنا أبو أحمد حدثنا عمار بن زريق عن أبي إسحاق قال: كنت مع الأسود بن يزيد جالسا في المسجد الأعظم ومعنا الشعبي، فحدث الشعبي حديث فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة، ثم أخذ الأسود كفا من حصا فحصبه به، فقال: ويلك تحدث بمثل هذا؟ قال عمر، رضي الله تعالى عنه: لا نترك كتاب الله وسنة نبينا بقول امرأة لا ندري حفظت أو نسيت لها السكنى والنفقة قال الله تعالى: * (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) * (الطلاق: 1) وأخرجه أبو داود ولفظه: لا ندري أحفظت أو لا، وأخرجه النسائي ولفظه: قال عمر لها إن جئت بشاهدين يشهدان أنهما سمعاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا لم نترك كتاب الله لقول امرأة.
الفصل الثاني: في حكم خروج المبتوتة بالطلاق من بيتها في عدتها، فمنعت من ذلك طائفة، روي ذلك عن ابن مسعود وعائشة، وبه قال سعيد بن المسيب والقاسم وسالم وأبو بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد وسليمان بن يسار، وقالوا: تعتد في بيت زوجها حيث طلقها، وحكى أبو عبيد هذا القول عن مالك والثوري والكوفيين، وأنهم كانوا يرون أن لا تبيت المبتوتة والمتوفى عنها زوجها إلا في بيتها، وفيه قول آخر: أن المبتوتة تعتد حيث شاءت، روي ذلك عن ابن عباس وجابر وعطاء وطاووس والحسن وعكرمة، وكان مالك يقول: المتوفى عنها زوجها تزور وتقيم إلى قدر ما يهدأ الناس بعد العشاء ثم تنقلب إلى بيتها، وهو قول الليث والشافعي وأحمد، وقال أبو حنيفة: تخرج المتوفى عنها نهارا ولا تبيت إلا في بيتها، ولا تخرج المطلقة ليلا ولا نهارا. قال محمد: لا تخرج المطلقة ولا المتوفى عنها زوجها ليلا ولا نهارا في العدة، وقام الإجماع بن علي
أن الرجعية تستحق السكنى والنفقة، إذ حكمها حكم الزوجات في جميع أمورها.
وقوله تعالى: * ((65) واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة كبينة وتلك حدود الله. ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) * (الطلاق: 1) * ((65) أسكنوهن من حيث سكنتم من.. حتى يضعن حملهن) * إلى قوله: * ((65) بعد عسر يسرا) * (الطلاق: 6 7)
[/ ح.
وقوله بالجر أي: قول الله تعالى: * (واتقوا الله) * هذا المقدار من الآية ثبت هنا في رواية الأكثرين، وفي رواية النسفي بعد قوله: بيوتهن الآية إلى قوله: * (بعد عسر يسرا) *. وفي رواية كريمة ساق الآيات كلها وهي ست آيات أولها من قوله: * (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) * (الطلاق: 1) إلى قوله: * (سيجعل الله بعد عسر يسرا) * (الطلاق: 7) قوله: * (واتقوا الله ربكم) * أوله قوله تعالى: * (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم) * (الطلاق: 1) أي: خافوا الله ربكم الذي خلقكم ولا تخرجوهن من بيوتهن أي: من مساكنهن التي يسكنها وهي بيوت الأزواج، وأضيفت إليهن لاختصاصها بهن من حيث السكنى قوله: (الآية) يعني: اقرأ الآية إلى آخرها، وهي قوله تعالى: * (ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم
نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) * قوله: (ولا يخرجن) أي: من مساكنهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، قيل: هي الزنا، فيخرجن لإقامة الحد عليهن، وقيل: الفاحشة النشوز، والمعنى: إلا أن يطلقن بن علي
نشوزهن فيخرجن لأن النشوز يسقط حقهن في السكنى، وقيل: إلا أن يبذون فيحل إخراجهن لبذائهن، والبذاء بالباء الموحدة والذال المعجمة وبالمد: الفحش في الأقوال، يقال: فلان بذيء اللسان إذا كان أكثر كلامه فاحشا. قوله: (وتلك) أي: الأحكام المذكورة (حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) استحق عقاب الله. قوله: (لا ندري) أي النفس، وقيل: لا تدري أنت يا محمد، وقيل: لا تدري أيها المطلق. قوله: (لعل الله يحدث بعد ذلك) أي: بعد الطلاق مرة أو مرتين. (أمرا) أي رجعة ما دامت في العدة، وهنا آخر الآية
308

من سورة الطلاق. قوله: (أسكنوهن من حيث سكنتم) ابتداء آية أخرى من سورة الطلاق أيضا إلى قوله: * (سيجعل الله بعد عسر يسرا) * قوله: (أسكنوهن) أي: اسكنوا المطلقات من نسائكم. قوله: (من حيث سكنتم) كلمة من للتبعيض أي: من بعض مكان سكناكم، وعن قتادة: إن لم يكن له إلا بيت واحد فإنه يسكنها في بعض جوانبه. قوله: (من وجدكم) بيان وتفسير لقوله: (من حيث سكنتم) كأنه قيل: أسكنوهن مكانا من سكنكم من سعتكم وطاقتكم حتى تنقضى عدتهن. قوله: (ولا تضاروهن) أي: ولا تؤذوهن لتضيقوا عليهن مساكنهن فيخرجن. قوله: (وإن كن أولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) فيخرجن من العدة. قوله: (فإن أرضعن لكم) أي: أولادكم منهم فآتوهن أجورهن بن علي
رضاعهن. قوله: (وائتمروا بينكم بمعروف) يعني: ليقبل بعضكم بن علي
بعض إذا أمروا بالمعروف، وقال الفراء أي: هموا، وقال الكسائي: أي شاوروا، وقيل: فإن أرضعن لكم يعني هؤلاء المطلقات إن أرضعن لكم ولدا من غيرهن أو منهن بعد انقطاع عصمة الزوجية فآتوهن أجورهن وحكمهن في ذلك حكم الآظار، ولا يجوز عند أبي حنيفة وأصحابه الاستئجار إذا كان الولد منهن ما لم تبن ويجوز عند الشافعي. قوله: (وإن تعاسرتم) يعني في الإرضاع فأبى الزوج أن يعطى المرأة أجرة رضاعها وأبت الأم أن ترضعه فليس له إكراهها بن علي
إرضاعه (فسترضع له أخرى) أي فستوجد ولا تعوز مرضعة غير الأم ترضعه. قوله: (لينفق ذو سعة من سعته) أي: بن علي
قدر غناه، ومن قدر عليه أي ومن ضيق عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله. أي: فلينفق من ذلك الذي أعطاه الله، وإن كان قليلا لا بكلف الله نفسا إلا ما آتاها أي إلا ما أعطاها من المال. قوله: (سيجعل الله بعد عسر) أي: بعد ضيق في المعيشة (يسرا) أي: سعة هذا وعد لفقراء الأزواج بفتح أبواب الرزق عليهم.
أجورهن مهورهن.
أشار إلى تفسير قهول: (أجورهن) في قوله تعالى: * (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) * (النساء: 42) أي: مهورهن، هذا في سورة النساء، ولا يتأتى أن يصرف هذا إلى قوله هنا: * (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) * (الطلاق: 6) لأن المراد من الأجور هنا الذي هو جمع أجر بمعنى أجرة الرضاع، والذي في سورة النساء جمع أجر بمعنى المهر، وفي ذكره نوع بعد، ولهذا لا يوجد في بعض النسخ.
1235، 2235 حدثنا إسماعيل حدثنا مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد وسليمان ابن يسار أنه سمعهما يذكران أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق بنت عبد الرحمان بن الحكم، فانتقلها عبد الرحمان، فأرسلت عائشة أم المؤمنين إلى مروان، وهو أمير المدينة: اتق الله وارددها إلى بيتها. قال مروان في حديث سليمان: إن عبد الرحمان بن الحكم غلبني.
وقال القاسم ابن محمد: أو ما بلغك شأن فاطمة بنت قيس؟ قالت: لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة، فقال مروان بن الحكم: إن كان بك شر فحسبك ما بين هاذين من الشر
.
مطابقته للترجمة من حيث إن فيها بعض شيء من قصة فاطمة بنت قيس.
وإسماعيل هو ابن أبي أويس، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري: والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنهم، وسليمان بن يسار. ضد اليمين مولى ميمونة، ويحيى بن سعيد بن العاص بن أمية، وكان أبوه أمير المدينة لمعاوية، ويحيى هو أخو عمرو بن سعيد المعروف بالأشدق، وبنت عبد الرحمن بن الحكم هي بنت أخي مروان الذي كان أمير المدينة أيضا لمعاوية حينئذ، وولي الخلافة بعد ذلك، واسمها: عمرة.
والحديث أخرجه أبو داود أيضا في الطلاق عن القعنبي عن مالك.
قوله: (أنه) أي: أن يحيى بن سعيد (سمعهما) أي: سمع القاسم ابن محمد وسليمان بن يسار. قوله: (فانتقلها) أي: نقلها عبد الرحمن بن الحكم أبوها من مسكنها الذي طلقت فيه. قوله: (فأرسلت عائشة) فيه حذف أي: سمعت عائشة بنقل عبد الرحمن بن الحكم بنته من مسكنها الذي طلقها فيه يحيى بن سعيد فأرسلت إلى مروان بن الحكم، وهو يومئذ أمير بالمدينة، تقول له عائشة: (اتق الله وارددها) أي: المطلقة المذكورة، يعني: احكم عليها بالرجوع
309

إلى بيتها يعني إلى مسكنها الذي طلقت فيه. فأجاب مروان لعائشة، في رواية سليمان بن يسار، إن عبد الرحمن بن الحكم غلبني، يعني: لم أقدر بن علي
منعه عن نقلها.
وقال القاسم في روايته: إن مروان قال لعائشة: أو ما بلغك الخطاب لعائشة شأن فاطمة؟ يعني: قصة فاطمة بنت قيس؟ وهي أنها لم تعتد في بيت زوجها بل انتقلت
إلى غيره. قوله: (قالت: لا يضرك) أي: قالت عائشة لمروان: لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة أرادت: لا تحتج في تركك نقلها إلى بيت زوجها بحديث فاطمة بنت قيس، لأن انتقالها من بيت زوجها كان لعلة وهي أن مكانها كان وحشا مخوفا عليه، وقيل: فيه علة أخرى وهي أنها كانت لسنة استطالت بن علي
أحمائها. قوله: (فقال مروان) أي: في جواب عائشة مخاطبا لها: إن كان بك شر في فاطمة أو في مكانها علة لقولك لجواز انتقالها، فحسبك. أي فكفاك في جواز انتقال هذه المطلقة أيضا ما بين هذين أي: الزوجين من الشر لو سكنت دار زوجها، وقيل: الخطاب لبنت أخي مروان المطلقة أي: لو كان شر ملصقا بك فحسبك من الشر ما بين هذين الأمرين من الطلاق والانتقال إلى بيت الأب. وقال ابن بطال: قول مروان لعائشة: (إن كان بك شر فحسبك) يدل أن فاطمة إنما أمرت بالتحويل إلى الموضع الآخر لشر كان بينها وبينهم. قلت: حاصل الكلام من هذا كله أن عائشة لم تعمل بحديث فاطمة بنت قيس وكانت تنكر ذلك، وكذلك عمر كان ينكر ذلك، وكذا أسامة وسعيد بن المسيب وآخرون، عمر رضي الله تعالى عنه، أنكر ذلك بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم ينكر ذلك عليه منكر، فدل تركهم الإنكار في ذلك عليه أن مذهبهم فيه كمذهبه.
3235، 4235 حدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها قالت: ما لفاطمة؟ ألا تتقي الله؟ يعني في قولها: لا سكنى ولا نفقة.
مطابقته للترجمة ظاهرة: وغندر بضم الغين المعجمة وسكون النون محمد بن جعفر وقد تكرر ذكره.
والحديث أخرجه مسلم أيضا عن محمد بن المثنى عن غندر.
قوله: (حدثني محمد بن بشار) قال الحافظ المزي: أخرج البخاري هذا الحديث عن محمد ولم ينسبه وهو محمد بن بشار، وكذا نسبه أبو مسعود. قوله: (ما لفاطمة؟) أي: ما شأنها وما جرى عليها (ألا تتقى الله) يعني: ألا تخاف الله في قولها: المطلقة البتة لا نفقة لها ولا سكن بن علي
زوجها، والحال أنها تعرف قصتها يقينا في أنها إنما أمرت بالانتقال لعذر وعلة كانت بها، وقال المهلب: إنكار عائشة بن علي
فاطمة فتياها بما أباح لها الشارع من الانتقال وتركه السكنى، ولم يخبر بالعلة.
5235، 6235 حدثنا عمرو بن عباس حدثنا ابن مهدي حدثنا سفيان عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه قال: قال عروة بن الزبير لعائشة: ألم ترين إلى فلانة بنت الحكم طلقها زوجها البتة فخرجت؟ فقالت: بئس ما صنعت. قال: ألم تسمعي في قول فاطمة؟ قالت: أما إنه ليس لها خير في ذكر هاذا الحديث.
وزاد بن أبي الزناد عن هشام عن أبيه: عابت عائشة أشد العيب، وقالت: إن فاطمة كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها، فلذلك أرخص لها النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا طريق آخر في حديث عائشة، رضي الله تعالى عنها أخرجه عن عمرو بن عباس أبي عثمان البصري عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري.
قوله: (عن أبيه) هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه. قوله: (قال عروة بن الزبير) وفي بعض النسخ: قال عروة، بدون ذكر أبيه. قوله: (ألم ترين) ويروى بن علي
الأصل: ألم ترى. قوله: (إلى فلانة بنت الحكم) نسبها إلى جدها. وهي بنت عبد الرحمن بن الحكم كما ذكر في الطريق الأول. قوله: (البتة) همزتها للقطع لا للوصل والمقصود أنها بانت منه ولم يكن طلقها رجعيا. قوله: (فخرجت) أي: من مسكن الفراق. قوله: (بئس ما صنعت) وفي رواية الكشميهني: بئس صنع أي: زوجها في تمكينها من ذلك، أو بئس ما صنع أبوها في موافقها. قوله: (قال: ألم تسمعي) يحتمل أن يكون فاعل
310

قال هو عروة، كذا قال بعضهم. قلت: فاعل قال هو عروة بلا احتمال، فليتأمل. قوله: (إما أنه) بفتح همزة أما وتخفيف ميمها، وهي حرف استفتاح بمنزلة ألا وكلمة: أن، بعدها تكسر بخلاف، إما، التي بمعنى: حقا فإنها تفتح بعدها، والضمير في: أنه، للشأن. قوله: (ليس لها خير في ذكر هذا الحديث) لأن الشخص لا ينبغي له أن يذكر شيئا عليه فيه غضاضة.
قوله: (وزاد ابن أبي الزناد)، أي: زاد عبد الرحمن بن أبي الزناد بالنون واسمه عبد الله أبو محمد المدني فيه مقال، فقال النسائي: لا يحتج بحديثه، وقال ابن عدي: بعض رواياته لا يتابع عليها، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صدوق وفي بعض حديثه ضعف، وعن يحيى بن معين: أثبت الناس في هشام بن عروة، استشهد به البخاري في (صحيحه) وروى له في غيره، وروى له مسلم في مقدمة كتابه، وروى له الأربعة، ووصل هذه الزيادة المعلقة أبو داود عن سليمان بن داود: أنبأنا ابن وهب أخبرني عبد الحمن بن أبي الزناد.. فذكره. قوله: (عابت عائشة)، يعني: بن علي
فاطمة بنت قيس، وقالت يعني: عائشة. قوله: (وحش) بفتح الواو وسكون الحاء المهملة وبالشين المعجمة أي: مكان خال لا أنيس به. قوله: (فلذلك) أي: فلأجل كونها في مكان وحش أرخص لها بالانتقال وقد احترق ابن حزم هنا، فقال: هذا حديث باطل لأنه من رواية ابن أبي الزناد وهو ضعيف جدا، ورد بما ذكرنا، ولا سيما قول يحيى بن معين: هو أثبت الناس في هشام بن عروة.
والحاصل من هذه الأحاديث بيان رد عائشة حديث فاطمة بنت قيس بن علي
الوجه الذي ذكرته من غير بيان العلة فيه، وأن المطلقة المبانة لها النفقة والسكنى. وقال صاحب (الهداية): وحديث فاطمة رده عمر، رضي الله تعالى عنه، فإنه قال: لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم بقول امرأة لا ندري صدقت أم كذبت، حفظت أم نسيت؟ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
للمطلقة الثلاث النفقة والسكنى ما دامت في العدة، ورده أيضا زيد بن ثابت وأسامة بن زيد وجابر وعائشة رضي الله عنهم، وقال بعضهم: ادعى. بعض الحنفية أن في بعض طرق حديث عمر: للمطلقة ثلاثا السكنى والنفقة، ورده ابن السمعاني بأنه من قول بعض المجازفين فلا تحل روايته، وقد أنكر أحمد ثبوت ذلك عن عمر أصلا ولعله أراد ما ورد من طريق إبراهيم النخعي عن عمر رضي الله تعالى عنه، لكونه لم يلقه. انتهى. قلت: ما المجازف إلا من ينسب المجازفة إلى العلماء من غير بيان، فإن كان مستنده إنكار أحمد ثبوت ذلك عن عمر رضي الله تعالى عنه، فلا يفيده ذلك لأن الذين قالوا بذلك يقولون بثبوت ذلك عن عمر، فالمثبت أولى من النافي لأن معه زيادة علم. وقد قال الطحاوي، الذي هو إمام جهبذ في هذا الفن: لما جاءت فاطمة بنت قيس فروت عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لها: إنما السكنى والنفقة لمن كانت عليها الرجعة، خالفت بذلك كتاب الله تعالى نصا، لأن كتاب الله تعالى قد جعل السكنى لمن لا رجعة عليها، وخالفت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن عمر رضي الله عنه، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ما روت، فخرج المعنى الذي منه أنكر عليها عمر ما أنكر خروجا صحيحا، وبطل حديث فاطمة فلم يجب العمل به أصلا انتهى. وأراد بقوله: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ما روت. قوله: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول لها: السكنى والنفقة، أي للمبتوتة، وكذا روى جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: المطلقة ثلاثا لها السكنى والنفقة، رواه الدارقطني من حديث حرب بن أبي العالية عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره. فإن قلت: قال عبد الحق في (أحكامه): وحرب بن أبي العالية لا يحتج به، ضعفه يحيى بن معين في رواية الداروردي عنه، وضعفه في رواية ابن أبي خيثمة، والأشبه وقفه بن علي
جابر. انتهى. قلت: حديث حرب بن أبي العالية في (صحيح مسلم) وأخرج له أيضا الحاكم في (مستدركه) ويكفي توفيق مسلم إياه، وروى الطحاوي أيضا من حديث الشعبي عن فاطمة أنها أخبرت عمر بن الخطاب بأن زوجها طلقها ثلاثا، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لا نفقة لك ولا سكنى، فأخبرت بذلك النخعي فقال: أخبر عمر ذلك فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: لها السكنى والنفقة. فإن قلت: لم يدرك إبراهيم عمر لأنه ولد بعده بسنتين. قلت: لا يضر ذلك لأن مرسل إبراهيم يحتج به، ولا سيما بن علي
أصلنا، فافهم.
24
((باب المطلقة إذا خشي عليها في مسكن زوجها أن يقتحم عليها أو تبذو بن علي
أهلها بفاحشة))
311

أي: هذا باب في بيان حكم المرأة المطلقة إذا خشي عليها في مسكن زوجها في أيام عدتها أن يقتحم عليها زوجها من الاقتحام وهو الهجوم بن علي
الشخص من غير إذن. قوله: (أو تبذو) من البذاء بالباء الموحدة والذال المعجمة. وهو القول الفاحش. وهذه الترجمة مشتملة بن علي
شيئين: أحدهما: الخشية من اقتحام زوجها. والآخر: بذاءة اللسان، ولم يذكر ما يطابق الثاني وكأنه قاس الثاني بن علي
الأول، والجامع بينهما رعاية المصلحة وشدة الحاجة إلى الاحتراز عنه، ويؤيده ما جاء عن عائشة: أخرجك هذا اللسان، ولم يذكر جواب: إذا بن علي
عادته إما أن يقدر نحو: تنتقل أولهم نقلها إلى مسكن غير مسكن زوجها، وإما أن يكتفي بما يبين في الحديث وفي رواية الكشميهني بن علي
أهله.
7235، 8235 حدثني حبان أخبرنا عبد الله أخبرنا ابن جريج عن ابن شهاب عن عروة: أن عائشة رضي الله عنها، أنكرت ذالك بن علي
فاطمة.
أخرج هذا الحديث مختصرا عن حبان بكسر الحاء المهملة وتشديدالباء الموحدة ابن موسى المروزي عن عبد الله بن المبارك المروزي عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير أن عائشة أنكرت ذلك أي: قولها في سكنى المعتدة. فالبخاري أورد هذا من طريق ابن جريج عن ابن شهاب مختصرا، أو أورده مسلم من طريق صالح بن كيسان عن ابن شهاب أن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أخبره أن فاطمة بنت قيس أخبرته أنها كانت تحت أبي عمرو بن حفص بن المغيرة، فطلقها آخر ثلاث تطليقات، فزعمت أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستفتيه في خروجها من بيتها فأمرها أن تنتقل إلى ابن أم مكتوم الأعمى، فأبى مروان أن يصدق في خروج المطلقة من بيتها، وقال عروة: إن عائشة أنكرت بن علي
فاطمة بنت قيس.
وحدثنيه محمد بن رافع قال: حدثنا حجين قال: حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب بهذا الإسناد مثله مع قول عروة: إن عائشة أنكرت ذلك بن علي
فاطمة.
34
((باب قول الله تعالى: * ((2) ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) * (البقرة: 822) من الحيض والحمل))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (ولا يحل لهن) * أي: للنساء * (أن يكتمن) * أي: يخفين * (ما خلق الله في أرحامهن) * من الحيض والحمل. كذا وقع في رواية الأكثرين. قوله: (من الحيض والحمل) وهو تفسير لما قبله، وليس من الآية، وكذا فسره ابن عباس وابن عمر ومجاهد والشعبي والحكم بن عتيبة والربيع بن
أنس والضحاك وغير واحد. قوله: (والحمل) بالميم، ويروى بالباء الموحدة، وقال الزمخشري: ما خلق الله في أرحامهن من الولد أو من أو من دم الحيض، وذلك إذا أرادت المرأة فراق زوجها فكتمت حملها لئلا تنتظر لطلاقها أن تضع، ولئلا تشفق بن علي
الولد فيترك، أو كتمت حيضها. فقالت وهي حائض قد طهرت، استعجالا للطلاق. انتهى. وفصل أبو ذر بين قوله: * (في أرحامهن) * وبين قوله: من الحيض والحمل، بدائرة إشارة إلى أنه أريد به التفسير لا أنها قراءة، وليس في رواية النسفي لفظة: من في قوله: من الحيض، والمقصود من الآية أن أمر العدة لما دار بن علي
الحيض والطهر والاطلاع بن علي
ذلك يقع من جهة النساء غالبا، جعلت المرأة مؤتمنة بن علي
ذلك. وقال أبي بن كعب: إن من الأمانة أن المرأة ائتمنت بن علي
فرجها، وقال إسماعيل: هذه الآية تدل بن علي
أن المرأة المعتدة مؤتمنة بن علي
رحمها من الحيض والحمل، فإن قالت: قد حضت كانت مصدقة، وإن قالت: قد ولدت كان مصدقة، إلا أن تأتي من ذلك ما يعرف من كذبها فيه، وكذلك كل مؤتمن فالقول قوله.
9235 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينفر إذا صفية بن علي
باب خبائها كئيبة. فقال لها: عقرى أو حلقى، إنك لحابستنا، أكنت أفضت يوم النحر؟ قالت: نعم. قال: فانفري إذا.
ابقته للترجمة من حيث إن فيه شاهدا لتصديق النساء فيما يدعينه من الحيض، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم لم يمتحن صفية في قولها ولا أكذبها.
والحكم هو ابن عتيبة، وإبراهيم هو النخعي، والأسود هو ابن يزيد.
والحديث قد مر في الحج في باب التمتع.
312

قوله: (أن ينفر) أي: من الحج وللحج نفر إن النفر الأول هو اليوم الثاني من أيام التشريق، والنفر الثاني هو اليوم الثالث. قوله: (إذا) للمفاجأة، وصفية هي بنت حيي أم المؤمنين. قوله: (كئيبة) أي: حزينة. قوله: (عقرى) معناه: عقر الله جسدها وأصابها وجع في حلقها، وقيل: هو مصدر كدعوى، وقيل: مصدر بالتنوين والألف في الكتابة، وقيل: هو جمع عقير، وقال الأصمعي وأبو عمرو يقال ذلك للمرأة إذا كانت مسوفة مؤذية، وقيل: العرب تقول ذلك لمن دهمه أمر وهو بمعنى الدعاء لكنه جرى بن علي
لسانهم من غير قصد إليه. قوله: (أو حلقي) شك من الراوي، وروى بالتنوين في: عقري وحلقي، بجعلهما مصدرين، هذا هو المعروف في اللغة، وأهل الحديث بن علي
ترك التنوين. قوله: (لحابستنا) أسند الحبس إليها لأنها كانت سببت توقفهم إلى وقت طهارتها عن الحيض. قوله: (أكنت؟) الهمزة فيه للاستفهام. قوله: (أفضت). أي: طفت طواف الزيارة. قوله: (أنفري) أي: إذهبي لأن طواف الوداع ساقط عن الحائض.
44
((باب * ((2) وبعولتهن أحق بردهن) * (البقرة: 822) في العدة وكيف يراجع المرأة إذا طلقها واحدة أو ثنتين))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (وبعولتهن أحق بردهن) * والبعولة جمع بعل وهو الزوج، قال المفسرون: زوجها الذي طلقها أحق بردها ما دامت في عدتها، وهو معنى قوله: في العدة، وقيد بذلك لأن عدتها إذا انقضت لا يتبقى محلا للرجعة فيحتاج في ذلك إلى الاستئذان والإشهاد والعقد الجديد بشروطه. قوله: (في العدة) ليس من الآية، ولذلك فصل أبو ذر بين قوله: (بردهن) وبين قوله: (في العدة) بدائرة إشارة إلى أنه ليس من الآية، وإشارة إلى أن المراد بأحقية الرجعة من كانت في العدة، وهو قول جمهور العلماء. وفي بعض النسخ: * (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) * أي: في العدة، وهذا واضح فلا يحتاج إلى ذكر شيء، وفي بعض النسخ أيضا بعد قوله في العدة. * (ولا تعضلوهن) * ولم يثبت هذا في رواية النسفي، واختلفوا فيما يكون به مراجعا، فقالت طائفة: إذا جامعها فقد راجعها، روي ذلك عن سعيد بن المسيب وعطاء وطاووس والأوزاعي، وبه قال الثوري وأبو حنيفة، وقالا أيضا: إذا لمسها أو نظر إلى فرجها بشهوة من غير قصد الرجعة فهي رجعة، وينبغي أن يشهد. وقال مالك وإسحاق: إذا وطئها في العدة وهو يريد الرجعة وجهل أن يشهد فهي رجعة، وينبغي للمرأة أن تمنعه الوطء حتى يشهد. وقال ابن أبي ليلى: إذا راجع ولم يشهد صحت الرجعة، وهو قول أصحابنا أيضا، والإشهاد مستحب. وقال الشافعي: لا تكون الرجعة إلا بالكلام، فإن جامعها بنية الرجعة فلا رجعة ولها عليه مهر المثل، واستشكل لأنها في حكم الزوجات. وقال مالك: إذا طلقها وهي حائض أو نفساء أجبر بن علي
رجعتها، وروى ابن أبي شيبة عن جابر بن زيد إذا راجع في نفسه فليس بشيء قوله: (وكيف يراجع) جزء آخر للترجمة، ويراجع بن علي
صيغة المجهول، ولم يذكر جواب المسألة إما بناء بن علي
عادته اعتمادا بن علي
معرفة الناظر بذلك، وإما اكتفاء بما يعلم من أحاديث الباب.
0335 حدثني محمد أخبرنا عبد الوهاب حدثنا يونس عن الحسن قال: زوج معقل اخته فطلقها تطليقة.
1335 حدثني محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن قتادة حدثنا الحسن أن معقل بن يسار كانت أخته تحت رجل فطلقها، ثم خلى عنها حتى انقضت عدتها ثم خطبها، فحمي معقل من ذالك أنفا، فقال: خلى عنها وهو يقدر عليها ثم يخطبها؟ فحال بينه وبينها، فأنزل الله تعالى * ((2) وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن) * (البقرة: 232)... إلى آخر الآية، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه فترك الحمية واستقاد لأمر الله.
مطابقته للترجمة في قوله: (ثم خلى عنها) قاله الكرماني. وأخرج هذا الحديث من طريقين: أحدهما: عن محمد فذكره بغير نسبة، كذا وقع في رواية الجميع، قال الكرماني: قيل: هو ابن سلام، وقال غيره بالجزم: إنه ابن سلام عن عبد الوهاب بن عبد المجيد عن يونس بن عبيد البصري عن الحسن البصري. الطريق الثاني: عن محمد بن المثنى عن عبد الأعلى عن سعيد بن أبي عروبة
313

عن قتادة عن الحسن البصري: إن معقل، بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف: ابن يسار ضد اليمين.
والحديث مر في التفسير في سورة البقرة في باب * (وإذا طلقتم النساء) * (البقرة: 132 و 232) الآية، وفي النكاح في: باب من قال: (لا نكاح إلا بولي)، ومر الكلام فيه في الموضعين.
قوله: (فحمي)، بكسر الميم من قولهم: حميت عن كذا حمية بالتشديد إذا أنفت منه وداخلك عار. قوله: (أنفا)، بفتح الهمزة والنون وبالفاء أي: اترك الفعل غيظا وترفعا. قوله: (وهو يقدر عليها) بأن يراجعها قبل انقضاء العدة. قوله: (فترك الحمية). بالتشديد. قوله: (واستقاد)، بالقاف في رواية الأكثرين: أي أعطى مقادته يعني طاوع وامتثل لأمر الله، وفي رواية الكشميهني: واستراد بالراء بدل القاف من الرود وهو الطلب أي: طلب الزوج الأول ليزوجها لأجل حكم الله بذلك، أو أراد رجوعها إلى الزوج الأول، ورضي به لحكم الله به، وكذا وقع في أصل الدمياطي بالراء وفسره بقوله: لأن ورجع وانقاد... ذكره ابن التين بلفظ: استعاد، وقال كذا وقع عند الشيخ أبي الحسن، بتشديد الدال وبالألف، وليس كذلك لأن ألف المفاعلة لا تجتمع مع سين الاستفعال، ثم قال: وعند أبي ذر: واستقاد لأمر الله، أي: أذعن وأطاع، وهذا ظاهر.
2335 حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن نافع أن ابن عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما، طلق امرأة له وهي حائض تطليقة واحدة، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض عنده حيضة أخرى ثم يمهلها حتى تطهر من حيضها، فإن أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها. فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء. وكان عبد الله إذا سئل عن ذالك قال لأحدهم: إن كنت طلقتها ثلاثا فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك.
وزاد فيه غيره عن الليث: حدثني نافع، قال ابن عمر: لو طلقت مرة أو مرتين فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرني بهاذا.
ابقته للجزء الثاني للترجمة ظاهرة. والحديث مضى في أول كتاب الطلاق، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (غيره) أي: غير قتيبة شيخ البخاري. قوله: (لو طلقت مرة) جزاؤه محذوف أي: لكان خيرا.
314