الكتاب: تحفة الأحوذي
المؤلف: المباركفوري
الجزء: ٤
الوفاة: ١٢٨٢
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

تحفة الأحوذي
بشرح
جامع الترمذي
للامام الحافظ أبي العلا محمد عبد الرحمن
ابن عبد الرحيم المباركفوري
1283 - 1353 ه‍.
طبعة جديدة مقارنة مع الطبعتين
الهندية والمصرية، مع ملحق خاص
بالأحاديث المستدركة من جامع الترمذي
الجزء الأول
أبواب الطهارة - أبواب الصلاة.
دار الكتب العلمية
بيروت - لبنان
1

الطبعة الأولى
1410 ه‍. 1990 م
2

88 ما جاء في العمرة من التنعيم
بفتح المثناة وسكون النون وكسر المهملة مكان معروف خارج مكة وهو على أربعة أميال من
مكة إلى جهة المدينة
قوله (أن يعمر) بضم الياء من الاعمار قال صاحب الهدى لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر مدة إقامته بمكة قبل
الهجرة ولا اعتمر بعد الهجرة إلا داخلا إلى مكة ولم يعتمر قط خارجا من مكة إلى الحل ثم يدخل مكة بعمرة كما يفعل
الناس اليوم ولا ثبت عن أحد من الصحابة أنه فعل ذلك في حياته إلا عائشة وحدها إنتهى قال
الحافظ في الفتح وبعد أن فعلته عائشة بأمره دل على مشروعيته قال واختلفوا هل يتعين التنعيم
لمن اعتمر من مكة فروى الفاكهي وغيره من طريق محمد بن سيرين قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقت لأهل مكة التنعيم ومن طريق عطاء قال من أراد العمرة ممن هو من أهل مكة أو غيرها
فليخرج إلى التنعيم أو إلى الجعرانة فليحرم منها وأفضل ذلك أن يأتي وقتا أي ميقاتا من مواقيت
الحج قال الطحاوي ذهب قوم إلى أنه لا ميقات للعمرة لمن كان بمكة إلا التنعيم ولا ينبغي
مجاوزته كمالا ينبغي مجاوزة المواقيت التي للحج وخالفهم آخرون فقالوا ميقات العمرة الحو إنما
أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بالإحرام من التنعيم لأنه كان أقر ب الحل من مكة ثم روى من طريق ابن
أبي مليكة عن عائشة في حديثها قالت وكان أدنانت من الحرم التنعيم فاعتمرت منه قال فثبت
بذلك أن ميقات مكة للعمرة الحل وأن التنعيم وغيره في ذلك سواء إنتهى كلام الحافظ
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن
ماجة
3

باب ما جاء في العمرة من الجعرانة
فيها لغتان إحداهما كسر الجيم وسكون العين المهملة وفتح الراء المخففة والثانية كسر
العين وتشديد الراء وإلى التخفيف ذهب الأصمعي وصوبه الخطابي وهي ما بين الطائف ومكة
وهي إلى مكة أقرب قاله العيني
قوله (عن مزاحم بن أبي مزاحم) المكي مولى عمر بن عبد العزيز روى عنه وعن عبد
العزيز بن عبد الله وغيرهما (عن محرش) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر الراء المشدد وشين
معجمة على المشهور وقيل بكسر الميم وخاء معجمة ساكنة وفتح الراء قاله السيوطي قال الحافظ
صحابي له حديث في عمرة الجعرانة
قوله (فأصبح بالجعرانة كبائت) اسم فاعل من بات يبيت يعني أصبح صلى الله عليه وسلم بالجعرانة كأنه
بات فيها ولم يخرج عنها ولم يذهب منها إلى مكة (في بطن سرف) بكسر الراء موضع على نحو ثلاثة
أميال من مكة
قوله (هذا حديث حسن غريب الخ) قال في تهذيب التهذيب في ترجمة مزاحم بن أبي
مزاحم أخرج الشافعي عن ابن عينية عن إسماعيل بن أمية عنه حديث محرش الكعبي في العمرة
من الجعرانة وأخرجه النسائي من طريق ابن عيينة
4

باب ما جاء في عمرة رجب
قوله (إلا وهو معه تعني ابن عمر) أي حاضر معه وقالت ذلك مبالغة في نسبته إلى
النسيان (وما اعتمر في شهر رجب قط) زاد عطاء عن عروة عند مسلم في اخره قال وابن عمر يسمع
فما قال لا ولا نعم سكت قال النووي هذا يدل على أنه اشتبه عليه أو نسي أو شك ولهذا سكت
عن الانكار على عائشة ومراجعتها بالكلام فهذا الذي ذكرته هو الصواب الذي يتعين المصير
إليه
قوله (اعتمر أربعا إحداهن في رجب) هكذا رواه الترمذي مختصرا ورواه الشيخان من
طريق جرير عن منصور عن مجاهد مطولا فلفظ البخاري قال دخلت أنا وعروة بن الزبير
المسجد فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة وإذا أناس يصلون في المسجد صلاة
الضحى قال فسألناه عن صلاتهم فقال بدعة ثم قال له كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قال أربع
إحداهن في رجب فكرهنا أن نرد عليه قال وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين في الحجرة فقال
عروة يا أماه يا أم المؤمنين ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن قالت ما يقول قال يقول إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمرات إحداهن في رجب قالت يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر
عمرة إلا وهو شاهد وما اعتمر في رجب قط إنتهى وروى الشيخان عن أنس رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته عمرة من
الحديبية أو زمن الحديبية في ذي القعدة وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة وعمرة من جعرانة حيث قسم
غنائم حنين في ذي القعدة وعمرة حجته
5

باب ما جاء في عمرة ذي القعدة
قوله (حدثنا العباس بن محمد الدوري) أبو الفضل البغدادي خوارزمي الأصل ثقة
حافظ من الحادية عشر كذا في التقريب وقال في الخلاصة أحد الحفاظ الأعلام عن حسين
الجعفي وأبي داود الطيالسي وشبابة وخلق ولزم ابن معين وأخذ عنه الجرح والتعديل وعنه أهل
السنن الأربعة إنتهى وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ ولد سنة 851 ثمان وخمسين ومائة وتوفي في
صفر سنة 172 إحدى وسبعين ومائتين قال وكتابه في الرجال عن ابن معين مجلد كبير نافع ينبئ
عن بصره بهذا الشأن إنتهى (السلولي) بفتح السين وباللامين وصدوق تكلم فيه للتشيع
قوله (اعتمر في ذي القعدة) وفي رواية البخاري من طريق إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن
أبي إسحاق قال سمعت البراء بن عازب يقول اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة قبل أن يحج
مرتين إنتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري من وجه اخر
قوله (وفي الباب عن ابن عباس) لينظر من أخرجه
ما جاء في عمرة رمضان
قوله (أخبرنا أبو أحمد الزبيري) بضم الزاي وفتح الموحدة وسكون الياء هو محمد بن
عبد الله بن الزبير الكوفي ثقة ثبت إلا أنه قد يخطئ في حديث الثوري (عن ابن أمعقل) قال
6

العيني في عمدة القاري ص 41 ج 5 ابن أبي معقل الذي لم يسم في رواية الترمذي اسمه معقل
كذا ورد مسمى في كتاب الصحابة لابن مندة من طريق عبد الرزاق عن الأوزاعي عن يحيى بن
أبي كثير عن أبي سلمة عن معقل بن أبي معقل عن أمعقل قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة في رمضان تعدل حجة
ومعقل هذا معدود في الصحابة من أهل المدينة قال محمد بن سعد صحب النبي صلى الله عليه وسلم وروى
عنه وهو معقل بن أبي معقل بن نهيك بن أساف بن عدي إنتهى بقدر الحاجة قلت ليس في رواية
الترمذي بن أبي معقل بل فيها ابن أم معقل (عن أم معقل) الأسدية أو الأشجعية زوج أبي
معقل ويقال لها الأنصارية صحابية لها حديث في عمرة رمضان كذا في التقريب
قوله (عمرة في رمضان تعدل حجة) في الثواب لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض
للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض وقال ابن العربي حديث العمرة هذا
صحيح وهو فضل من الله ونعمة فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها وقال ابن
الجوزي فيه أن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وخلوص
المقصد
قوله (وفي الباب عن ابن عباس وجابر وأبي هريرة وأنس ووهب ابن خنبش) بمعجمة
ونون وموحدة وزن جعفر الطائي صحابي نزل الكوفة ويقال اسمه هرم ووهب أصح قاله في
التقريب أما حديث ابن عباس فأخرجه الشيخان وأما حديث جابر فأخرجه ابن ماجة عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال عمرة في رمضان تعدل حجة وأما
حديث أبي هريرة فلينظر من أخرجه وأما حديث أنس فأخرجه أبو أحمد بن عدي في الكامل عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول عمرة في
رمضان كحجة معي وفي إسناده مقال وأما حديث وهب بن خنبش فأخرجه ابن ماجة من رواية
سفيان عن بيان وجابر عن الشعبي عن وهب بن خنبش مرفوعا عمرة في رمضان تعدل حجة
وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها العيني في عمد القاري ص 41 ج 5
7

قوله (وحديث أم معقل حديث حسن غريب من هذا الوجه) وأخرجه أبو داود من وجه
اخر وأخرجه النسائي أيضا من وجه اخر
قوله (قال إسحاق معنى هذا الحديث مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ قل هو الله
أحد فقد قرأ ثلث القران) وقال ابن خزيمة إن الشئ يشبه بالشئ ويجعل عدله إذا أشبهه في
بعض المعاني لا جميعها لأن العمرة لا يقضي بها فرض الحج ولا النذر إنتهى
ما جاء في الذي يهل بالحج فيكسر
بصيغة المجهول (أو يعرج) بصيغة المعروف قال العيني في شرح البخاري اختلف
العلماء في الحصر بأي شئ يكون وبأمعنى فقال قوم يكون الحصر بكل حال من مرض أو عدو
وكسر وذهاب نفقة ونحوها مما يمنعه عن المضي إلى البيت وهي قول أبي حنيفة رضي الله عنه
وأصحابه وروى ذلك عن ابن عباس وابن مسعود وزيد بن ثابت وقال آخرون وهم
الليث بن سعد ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق لا يكون الاحصار إلا بالعدو فقط ولا يكون
بالمرض انتهى قلت قال الحافظ في الفتح وصح عن ابن عباس أن لا حصر إلا بالعدو
وأخرج عبد الرزاق عن معمر وأخرج الشافعي عن ابن عيينة كلاهما عن ابن طاوس عن أبيه عن
ابن عباس قال لاحصر إلا من حبسه عدو فيحل بعمرة وليس عليه حج ولا عمرة انتهى وإليه
ذهب ابن عمر رضي الله عنه روى مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه قال من حبس
دون البيت بالمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت وروى مالك عن أيوب عن رجل من أهل
البصرة قال خرجت إلى مكة حتى إذا كنت بالطريق كسرت فخذي فأرسلت إلى مكة وبها
عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر والناس فلم يرخص لي أحد في أن أحل فأقمت على ذلك إلى
تسعة أشهر ثم
حللت بعمرة
8

واحتج من قال أن لا إحصار إلا بالعدو اتفاق أهل النقل على أن قوله تعالى فإن أحصرتم
فما استيسر من الهدى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله نزل في قصة الحديبية حين صد
النبي صلى الله عليه وسلم عن البيت فسمى الله صد العدو إحصارا
وحجة الآخرين التمسك بعموم قوله تعالى (فإن أحصرتم) وبحديث الباب والظاهر هو
قول من قال بتعميم الاحصار والله تعالى أعلم
قوله (من كسر) بضم الكاف وكسر السين (أو عرج) زاد أبو داود في رواية له أو مرض
قال في القاموس عرج أصابه شئ في رجله وليس بخلقة فإذا كان خلقة فعرج كفرح أو يثلث في
غير الخلقة (فقد حل) أي يجوز له أن يترك الاحرام ويرجع إلى وطنه (وعليه حجة أخرى) زاد أبو
داود من قابل أي يقضي ذلك الحج في السنة المستقبلة قال الخطابي هذا فيمن كان حجه عن
فرض فأما المتطوع بالحج إذا أحصر فلا شئ عليه غير هذا الاحصار وهذا على قول
مالك رحمه الله والشافعي رحمه الله وقال أبو حنيفة رحمه الله وأصحابه عليه حجة وعمرة
وهو قول النخعي وعن مجاهد والشعبي وعكرمة عليه حجة من قابل انتهى
قوله (فذكرت ذلك لأبي هريرة وابن عباس الخ) وفي رواية أبي داود قال عكرمة فسألت
ابن عباس وأبا هريرة عن ذلك فقال صدق
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أبو داود وسكت عنه ونقل المنذري تحسين الترمذي
وأقره ورواه أيضا النسائي وابن ماجة وقال القاري في المرقاة وقال غير الترمذي صحيح
9

باب ما جاء في الاشتراط في الحج
قوله (أن ضباعة) بضم الضاد المعجمة وبالوحدة والعين المهملة (بنت الزبير) أي
ابن عبد المطلب بن هاشم (محلى) بفتح الميم وكسر الحاء أي محل خروجي من الحج وموضع حلالي
من لاحرام أي زمانه ومكانه (حيث تحبسني) أي تمنعني يا الله
قوله (وفي الباب عن جابر) أخرجه البيهقي (وأسماء) أي بنت أبي بكر رضي الله عنه
أخرجه ابن ماجة (وعائشة) قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير فقال لها لعلك
أردت الحج قالت والله ما أجدني إلا وجعة فقال لها حجي واشترطي وقولي اللهم محلى حيث
حبستني وكانت تحت المقداد بن الأسود أخرجه الشيخان قال الحافظ في الفتوح في الباب
عن ضباعة نفسها وعن سعدى بنت عوف وأسانيدها كلها قوية انتهى وفي الباب أيضا عن أنس
وابن مسعود وأم سليم عند البيهقي وعن أم سلمة عند أحمد والطبراني في الكبير وفي إسناده ابن
إسحاق ولكنه صرح بالتحديث وبقية رجاله رجال الصحيح وعن ابن عمر رضي الله عنه في
الطبراني في الكبير وفيه علي بن عاصم وهو ضعيف
قوله (حديث ابن عباس حديث
حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري
10

قوله (وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) قال الحافظ في الفتح وصح القول بالاشتراط
عن عمر وعثمان وعلي وعمار وابن مسعود وعائشة وأم سلمة وغيرهم من الصحابة ولم يصح إنكاره
عن أحد من الصحابة إلا عن ابن عمر ووافقه جماعة من التابعين ومن بعدهم من الحنفية
والمالكية انتهى
قوله (ولم ير بعض أهل العلم الاشتراط في الحج الخ) وهو قول أبي حنيفة ومالك وبعض
التابعين وأجابوا من حديث ضباعة بأجوبة منها أنه خاص بضباعة قال النووي وهو تأويل
باطل وقيل معناه محلى حيث حبسني الموت إذا أدركتني الوفاة انقطع إحرامي حكاه إمام الحرمين
وأنكره النووي وقال إنه ظاهر الفساد وقيل إن الشرط خاص بالتحلل من العمرة لا من الحج
حكاه المحب الطبري وقصة ضباعة ترده كما تقدم من سياق مسلم وقد أطنب ابن حزم في
التعقب على من أنكر الاشتراط بما لا مزيد عليه قاله الحافظ
باب منه
قوله (عن أبيه) أي عبد الله بن عمر (أنه كان ينكر الاشتراط في الحج) أشار ابن عمر
بإنكار الاشتراط إلى ما كان يفتى به ابن عباس قال البيهقي لو بلغ ابن عمر حديث ضباعة في
الاشتراط لقال به كذا في الفتح (ويقول أليس حسبكم سنة نبيكم) أي ليس يكفيكم سنة نبيكم
لأن معنى الحسب الكفاية ومنه حسبنا الله أي كافينا وحسبكم مرفوع لأنه اسم ليس وسنة نبيكم
منصوب على أنه خبر ليس
11

قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه البخاري مطولا
ما جاء في المرأة تحيض بعد الإفاضة
أي بعد طواف الزيارة
قوله (ذكر) بصيغة المجهول (أن صفية بنت حي) بضم الحاء المهملة وبالتحتيين مصغرا
(فقال أحابستنا هي) الهمزة فيه الاستفهام أي أمانعتنا من التوجه من مكة في الوقت الذي أردنا
التوجه فيه ظنا منه صلى الله عليه وسلم أنها ما طافت طواف الإفاضة (قد أفاضت) أي طافت طواف الزيارة (فلا
إذا) أي فلا حبس علينا حينئذ أي إذا أفاضت فلا مانع لنا من التوجه لأن الذي يجب عليها قد
فعلته
قوله (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه الترمذي والنسائي والحاكم (وابن عباس) قال
كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينفر أحد حتى يكون اخر عهده بالبيت
أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجة وفي رواية أمر الناس أن يكون اخر عهدهم بالبيت
إلا أنه خفف عن المرأة الحائض أخرجه الشيخان
قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (وهو قول الثوري
والشافعي وأحمد وإسحاق) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله
12

قوله (ورخص لهن) أي للنساء اللاتي حضن بعد أن طفن طواف الزيارة أن يتركن طواف
الوداع
قوله (حديث ابن عمر حديث صحيح) وأخرجه النسائي وصححه الحاكم كذا في النيل
قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم) قال ابن المنذر قال عامة الفقهاء بالأمصار
ليس على الحائض التي أفاضت طواف الوداع وروينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابن
عمر وزيد بن ثابت أنهم أمروها بالمقام إذا كانت حائضا لطواف الوداع وكأنهم أوجبوا عليها
طواف الإفاضة إلى أن قال وقد ثبت رجوع ابن عمر وزيد
بن ثابت عن ذلك وبقي عمر
فخالفناه لثبوت حديث عائشة انتهى بقدر الحاجة
ما جاء ما تقضي الحائض من المناسك
قوله (أن أقضي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت) وفي رواية للشيخين (أهلي بالحج
واصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت) وقد روى هذا الحديث عن عائشة من غير هذا
الوجه أيضا أي من غير هذا الاسناد الذي أخرجه الترمذي وقد روى هذا الحديث الشيخان
وغيرهما وله ألفاظ
13

قوله (حدثنا زياد بن أيوب) ابن زياد البغدادي وأبو هاشم الطوسي المحار الأصل يلقب دلويه
وكان يغضب منها ولقبه أحمد شعبة الصغير ثقة حافظ من العاشرة (أخبرنا مروان بن شجاع)
الجزري أبو عمرو ويقال أبو عبد الله الأموي مولاهم نزل بغداد صدوق له أوهام ويقال له
الخصيفي لكثرة روايته عن خصيف
قوله (أن النفساء والحائض تغتسل وتحرم الخ) وفي رواية أبي داود الحائض والنفساء إذا
أتتا على الوقت تغتسلان وتحرمان وتقضيان المناسك كلها الخ قال النووي فيه صحة إحرام
النفساء والحائض واستحباب اغتسالهما للإحرام وهو مجمع على الأمر به لكن مذهبنا ومذهب
مالك وأبي حنيفة والجمهور أنه مستحب وقال الحسن وأهل الظاهر هو واجب والحائض
والنفساء يصح منهما جميع أفعال الحج إلا الطواف وركعتيه لقوله صلى الله عليه وسلم إصنعي ما يصنع الحاج غير
أن لا تطوفي وفيه أن ركعتي الاحرام سنة ليستا بشرط لصحة الحج لأن أسماء لم تصلهما انتهى
قوله (هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه) وأخرجه أبو داود قال المنذري وأخرجه
الترمذي وقال غريب من هذا الوجه هذا اخر كلامه
وفي إسناده خصيف وهو ابن عبد الرحمن الحراني
كنيته أبو عون وقد ضعفه غير واحد انتهى كلام المنذري
ما جاء من حج واعتمر فليكن اخر عهده بالبيت
قوله (حدثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي) الناجي الوشاء ثقة روى عن عبد الله ابن
إدريس وعبد الرحمن بن محمد المحاربي وغيرهما وروى عنه الترمذي وابن ماجة وغيرهما (أخبرنا
14

المحاربي) هو عبد الرحمن بن محمد بن زياد الكوفي لا بأس به وكان يدلس من التاسعة (عن عبد
الملك بن مغيرة) الطائفي مقبول من الرابعة وقال في تهذيب التهذيب روى عن ابن عباس
وعبد الرحمن بن البيلماني وغيرهما وعنه الحجاج بن أرطاة وغيره وذكره ابن حبان في الثقات (عن
عبد الرحمن بن البيلماني) بفتح الموحدة ثم تحتانية ساكنة وفتح اللام كذا في الخلاصة وقال في
التقريب هو مولى عمر رضي الله عنه مدني نزل حران ضعيف من السادسة وقال في تهذيب
التهذيب عبد الرحمن بن أبي زيد هو ابن البيلماني روى عن ابن عباس وعمرو بن أوس وغيرهما
(عن عمرو بن أوس) الثقفي الطائفي تابعي كبير من الثانية وهم من ذكره في الصحابة (عن
الحارث بن عبد الله بن أوس) قال في تهذيب التهذيب الحارث بن أوس ويقال ابن عبد الله بن
أوس الثقفي حجازي سكن الطائف روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر وعنه عمرو بن أوس
الثقفي
قوله (من حج هذا البيت أو اعتمر فليكن اخر عهده بالبيت) كذا في هذا الحديث بزيادة
أو اعتمر رواه أبو داود في سننه وليس فيه هذه الزيادة وليس هذه الزيادة في حديث ابن عباس
الذي أشار إليه الترمذي فهذه الزيادة غير محفوظة (فقال له عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
(خررت من يديك) قال الجزري في النهاية أي سقطت من أجل مكروه يصيب يديك من قطع أو
وجع وقيل هو كناية عن الخجل يقال خررت عن يدي أي خجلت وسياق الحديث يدل
عليه وقيل معناه سقطت إلى الأرض من سبب يديك أي من جنايتهما كما يقال لمن وقع في
مكروه إنما أصابه ذلك من يده أي من أمر عمله وحيث كان العمل باليد أضيف إليها انتهى
ووقع في رواية أبي داود أربت عن يديك قال الجزري أي سقطت أرابك من اليدين خاصة
وقال الهروي معناه ذهب ما في يديك حتى تحتاج وفي هذا نظر لأنه قد جاء في رواية أخرى لهذا
الحديث خررت عن يديك وهي عبارة عن الخجل مشهورة كأنه أراد أصابك خجل أو ذم
ومعنى خررت سقطت انتهى قال في حاشية النسخة الأحمدية فإن قلت كان عمر رضي الله
عنه يرى ذلك برأيه واجتهاده فلم غضب عليه قلت غضبه على أنه كان ينبغي له أن يبلغ هذا
الحديث عند أداء المناسك لكي يرى الناس ذلك سنة ولم يسنده إلى اجتهاد عمر ورأيه انتهى
15

قلت هذا ليس بصحيح بل وجه ذلك مذكور صراحة في رواية أبي داود فقد رواها عن الحارث بن
عبد الله بن أوس قال أتيت عمر بن الخطاب فسألته عن المرأة تطوف بالبيت يوم النحر ثم
تحيض قال ليكن اخر عهدها بالبيت قال فقال الحارث كذلك أفتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
عمر أربت عن يديك سألتني عن شئ سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لكي ما أخالف
قوله (وفي الباب عن ابن عباس رضي الله عنه) قال كان الناس ينصرفون في كل وجه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينفر أحد حتى يكون اخر عهده بالبيت رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن
ماجة وفي رواية أمر الناس أن يكون اخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض
متفق عليه كذا في المنتقى
قوله (حديث الحارث بن عبد الله بن أوس حديث غريب) قال المنذري وأخرجه
النسائي والإسناد الذي أخرجه أبو داود والنسائي حسن وأخرجه الترمذي بإسناده ضعيف وقال
غريب انتهى كلام المنذري قلت في إسناد الترمذي الحجاج بن أرطاة وهو صدوق كثير الخطأ
والتدليس وروي هذا الحديث عن عبد الملك بن مغيرة بالعنعنة وفي إسناده أيضا عبد الرحمن بن
البيلماني وهو ضعيف كما عرفت وأما أبو داود والنسائي فأخرجاه بإسناد اخر غير إسناد
الترمذي وفي أحاديث الباب دليل على وجوب طواف الوداع قال النووي وهو قول أكثر
العلماء ويلزم بتركه دم وقال مالك وداود وابن المنذر هو سنة لا شئ في تركه قال
الحافظ والذي رأيته لابن المنذر في الأوسط أنه واجب إلا أنه لا يجب بتركه شئ انتهى قال
الشوكاني وقد اجتمع في طواف الوداع أمره صلى الله عليه وسلم ونهيه عن تركه وفعله الذي هو بيان
للمجمل الواجب ولا شك أن ذلك يفيد الوجوب والله تعالى أعلم
ما جاء أن القارن يطوف طوافا واحدا
قوله (فطاف لهما طوافا واحدا) استدل به من قال بكفاية الطواف الواحد للقارن وإليه
ذهب الجمهور
16

قوله (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه أحمد وابن ماجة مرفوعا من قرن بين حجه
وعمرته أجزأه لهما طواف واحد وأخرجه الترمذي أيضا ويأتي لفظه (وابن عباس رضي الله عنه)
أخرجه ابن ماجة عن عطا وطاوس ومجاهد عن جابر بن عبد الله وابن عمر وابن عباس أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطف هو وأصحابه لعمرتهم وحجتهم حين قدموا إلا طوافا واحدا وفي الباب
أيضا عن عائشة قالت خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع الحديث وفيه فطاف الذين كانوا
أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافا اخر بعد أن رجعوا من منى
لحجهم وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا أخرجه الشيخان
قوله (حديث جابر حديث حسن) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة بلفظ لم
يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا طوافه الأول
قوله (وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) وبه قال مالك وهو قول الجمهور كما صرح به
النووي وغيره وتمسكوا بأحاديث الباب
قوله (وهو قول الثوري وأهل الكوفة) قال النووي وهو يحكى عن علي بن أبي طالب وابن
مسعود والشعبي والنخعي انتهى قال الحافظ في الفتح واحتج الحنفية بما روي عن علي أنه جمع
بين الحج والعمرة فطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل
وطرقه عن علي عند عبد الرزاق والدارقطني وغيرهما ضعيفة وكذا أخرج من حديث ابن مسعود
بإسناد ضعيف نحوه وأخرج من حديث ابن عمر نحو ذلك وفيه الحسن ابن عمارة وهو متروك
والمخرج في الصحيحين وفي السنن عنه من طرق كثيرة الاكتفاء بطواف واحد وقال البيهقي إن
ثبتت الرواية أنه طاف طوافين فيحمل على طواف القدوم وطواف الإفاضة وأما السعي مرتين
فلم يثبت وقال ابن حزم لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه في ذلك شئ أصلا
17

قال الحافظ لكن روى الطحاوي وغيره مرفوعا عن علي وابن مسعود ذلك بأسانيد لا بأس بها إذا
اجتمعت ولم أر في الباب أصح من حديثي ابن عمر وعائشة المذكورين في هذا الباب ثم ذكر
الحافظ كلاما حسنا من شاء الوقوف عليه فليرجع إلى فتح الباري وأراد بحديث ابن عمر
الحديث الذي أشار إليه الترمذي وتقدم تخريجه ولفظه وأراد بحديث عائشة الحديث الذي
أخرجه البخاري وغيره وفيه وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا قلت
القول الراجح هو أن القارن لا يجب عليه إلا طواف واحد كالمفرد
قوله (حدثنا عبد العزيز بن محمد) هو الدراوردي قوله (من أحرم بالحج والعمرة
أجزأه طواف واحد وسعى واحد منهما) أي من الحج والعمرة ورواه سعيد بن منصور بلفظ من
جمع بين الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد وسعي واحد كذا في فتح الباري وهذا لحديث
نص صريح في أن القارن لا يجب عليه إلا طواف واحد وسعى واحد (هذا حديث حسن غريب
صحيح) وأخرجه أحمد وابن ماجة
ما جاء أن مكث المهاجر بعد الصدر ثلاث
قال في النهاية الصدر بالتحريك رجوع المسافر من مقصد والشاربة من الورد يقال صدر
يصدر صدورا وصدرا انتهى وقال في المجمع أي بعد الرجوع من منى وكان إقامة المهاجر بمكة حراما
ثم أبيح بعد قضاء النسك ثلاثة أيام انتهى
قوله (يمكث) بضم الكاف من باب نصر ينصر أي يقيم (المهاجر بعد قضاء نسكه) أي
18

بعد رجوعه من منى كما قال في الرواية الأخرى بعد الصدر أي الصدر من منى قاله النووي (بمكة
ثلاثا) أي يجوز له مكث هذه المدة لقضاء حوائجه ولا يجوز له الزيادة عليها لأنها بلدة تركها لله
تعالى فلا يقيم فيها أكثر من هذه المدة لأنه يشبه العود إلى ما تركه لله تعالى قال النووي معنى
الحديث أن الذين هاجروا من مكة قبل الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم عليهم استيطان مكة
ولإقامة بها ثم أبي لهم إذا وصلوها بحج أو عمرة أو غيرهما أن يقيموا بعد فراغهم ثلاثة أيام
ولا يزيدوا على الثلاثة انتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري في الهجرة ومسلم في الحج وأبو داود
أيضا في الحج وأخرجه النسائي أيضا في الحج وفي الصلاة وابن الولاجه في الصلاة (وقد روى من غير هذا الوجه بهذا الاسناد
مرفوعا) إن شئت الوقوف على ذلك فارجع إلى الصحيحين والسنن وقد ذكرنا مواقع الحديث
فيها
ما جاء ما يقول عند القفول من الحج والعمرة
أي عند الرجوع منهما
قوله (إذا قفل) أي رجع فعلا) الفاء للعطف وعلا فعل ماضي (فدفدا) بتكرار إلفاء
المفتوحة والدال المهملة المكان الذي فيه ارتفاع وغلظ قاله السيوطي وكذلك في النهاية وجمعه
فدافد أو شرفا) بفتح الشين المعجمة والراء المكان المرتفع (كبر) جواب إذا (ائبون) بهمزة ممدودة
بعدها همزة مكسورة اسم فاعل من أب يئوب إذا رجع أي نحن راجعون من السفر بالسلامة إلى
أوطاننا (تائبون) أي من المعصية إلى الطاعة (عابدون) أي لمعبودنا (سائحون) جمع سائح من
19

ساح الماء يسيح إذا جرى على وجه الأرض أي سائرون لمطلوبنا ودائرون لمحبوبنا قاله القاري في
المرقاة (لربنا حامدون) أي لا لغيره لأنه هو المنعم علينا (صدق الله وعده) أي في وعده بإظهار
الدين (ونصر عبده) أراد نفسه النفيسة (وهزم الأحزاب) أي القبائل المجتمعة من الكفار المختلفة
لحرب النبي صلى الله عليه وسلم والحزب جماعة فيهم لغط (وحده) لقوله تعالى وما النصر إلا من عند الله وكانوا
اثني عشر ألفا توجهوا من مكة إلى المدينة واجتمعوا حولها سوى من انضم إليهم من اليهود ومضى
عليهم قريب من شهر لم يقع بينهم حرب إلا الرامي بالنبل أو الحجارة زعما منهم أن المؤمنين لم
يطيقوا مقابلتهم فلا بد أنهم يهربون فأرسل الله عليهم ريحا ليلة سفت التراب على وجوههم
وأطفأت نيرانهم وقلعت أوتادهم وأرسل الله ألفا من الملائكة فكبرت في معسكراتهم فحاصت
الخيل وقذف في قلوبهم الرعب فانهزموا ونزل قوله تعالى يا أيها الذين امنوا اذكروا نعمة الله
عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها ومنه يوم الأحزاب وهو غزوة
الخندق وقيل المراد أحزاب الكفار في جميع المواطن قاله القاري
قوله (وفي الباب عن البراء) أخرجه الترمذي في الدعوات (وأنس) أخرجه أبو نعيم
الحافظ ذكر لفظه العيني في عمدة القاري (وجابر) أخرجه الدارقطني عنه كنا إذا سافرنا مع
النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعدنا كبرنا وإذا هبطنا سبحنا كذا في عمدة القاري قلت وأخرجه البخاري
أيضا
قوله (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري في الحج والدعوات
ومسلم في الحج وأبو داود في الجهاد والنسائي في السير
ما جاء في المحرم يموت في إحرامه
قوله (فوقص) بصيغة المجهول أي كسر عنقه قال في النهاية الوقص كسر عنق وقصت
20

عنقه أقصها وقصا ووقصت به راحلته كقولك خذ الخطام وخذ بالخطام ولا يقال وقصت العنق
نفسها ولكن يقال وقص الرجل فهو موقوص انتهى (ولا تخمروا رأسه) أي لا تغطوه (يهل أو
يلبى) شك من الراوي والجملة حال أي يبعث ملبيا
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق) وهو قول الجمهور قالوا لا
ينقطع إحرام المحرم بعد موته فلا يغطى رأسه ويكفن في ثوبيه واستدلوا بحديث الباب
قوله (وقال بعض أهل العلم إذا مات المحرم ينقطع إحرامه ويصنع به ما يصنع بغير
المحرم) وهو قول الحنفية والمالكية واستدلوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه إذا مات ابن ادم
انقطع عمله الحديث رواه مسلم وأجاب العيني والزرقاني وغيرهما عن الحنفية والمالكية عن
حديث الباب بأن النبي صلى الله عليه وسلم لعله عرف بالوحي بقاء إحرامه بعد موته فهو خاص بذلك الرجل
وبأنه واقعة حال لا عموم لها وبأنه علله بقوله فإنه يبعث ملبيا وهذا الأمر لا يتحقق في غيره
وجوده فيكون خاصا به قال صاحب التعليق الممجد بعد ذكر هذه الأجوبة ما لفظه ولا يخفى
على المنصف أن هذا كله تعسف فإن البعث ملبيا ليس بخاص به بل هو عام في كل محرم حيث ورد
يبعث كل عبد على ما مات عليه أخرجه مسلم وورد من مات على مرتبة من هذه المراتب بعث
عليها يوم القيامة أخرجه الحاكم وورد أن المؤذن يبعث وهو يؤذن والملبي يبعث وهو يلبي
أخرجه الأصبهاني في الترغيب والترهيب وورد غير ذلك مما يدل عليه أيضا كما بسطه السيوطي
في البدور السافرة في أحوال الآخرة فهذا التعليل لا دلالة له على الاختصاص وإنما علل به لأنه لما
حكم بعدم التخمير المخالف لسنن الموتى نبه على حكمه فيه وهو أنه يبعث ملبيا فينبغي إبقاؤه على
صورة الملبين واحتمال الاختصاص بالوحي مجرد احتمال لا يسمع وكونه واقعة حال لا عموم لها
إنما يصح إذا لم يكن فيه تعليل وأما إذا وجد وهو عام فيكون الحكم عاما والجواب عن أثر ابن
عمر يعني الذي رواه محمد عن مالك عن نافع أن ابن عمر كفن ابنه واقد بن عبد الله وقد مات
محرما بالجحفة وخمر رأسه أنه يحتمل أنه لم يبلغه الحديث ويحتمل أن يكون بلغه وحمله على
21

الأولوية وجوز التخمير ولعل هذا هو الذي لا يتجاوز الحق عنه انتهى كلام صاحب التعليق
الممجد وقال الحافظ في فتح الباري قال أبو الحسن بن القصار لو أريد تعميم هذا الحكم في
كل محرم لقال فإن المحرم كما جاء أن الشهيد يبعث وجرحه يثعب دما وأجيب بأن الحديث
ظاهر في أن العلة في الأمر المذكور كونه كان في النسك وهي عامة في كل محرم والأصل أن كل
ما ثبت لواحد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت لغيره حتى يتضح التخصيص انهما
جاء أن المحرم يشتكي عينه فيضمدها بالصبر
ككتف ولا يسكن إلا بضرورة الشعر وهو عصارة جامدة من نبات كالسوسن بين صفرة
وحمرة منه سقوطرى ومنه عربي ومنه سميخاني أفضله سقوطرى كذا في القاموس وبحر الجواهر
والضماد بالكسر أن يخلط الدواء بمائع ويلين ويوضع على العضو وأصل الضمد الشد من باب
ضرب يقال ضمد رأسه وجرحه إذا شده بالضمادة وهي خرقة يشد بها العضو المؤوف ثم نقل لوضع
الدواء على الجرح وغيره وان لم يشد
قوله (عن نبيه بن وهب) بنون مضمومة وباء موحدة مصغرا قوله (اشتكى عينيه) وفي
رواية لمسلم رمدت عينه (يقول اضمدها بالصبر) بكسر الميم وفي رواية لمسلم فإن عثمان
حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجل إذا اشتكى عينيه وهو محرم ضمدها بالصبر قوله (هذا
حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم الخ) قال النووي اتفق العلماء على جواز تضميد
العين وغيرها بالصبر ونحوه مما ليس بطيب ولا فدية في ذلك فإن احتاج إلى ما فيه طيب جاز له فعله
وعليه الفدية واتفق العلماء على أن للمحرم أن يكتحل بكحل لا طيب فيه إذا احتاج إليه ولا فدية
22

عليه فيه وأما الاكتحال للزينة فمكروه عند الشافعي وآخرين ومنعه جماعة منهم أحمد
وإسحاق وفي مذهب مالك قولان كالمذهبين وفي إيجاب الفدية عندهم بذلك خلاف انتهى
ما جاء في المحرم يحلق رأسه في إحرامه ما عليه
قوله (عن كعب بن عجرة) بضم العين وسكون الجيم صحابي مشهور
قوله (مر به) أي بكعب بن عجرة (وهو) أي كعب (بالحديبية) بضم الحاء المهملة وفتح
الدال مصغرا قال الجزري في النهاية هي قرية قريبة من مكة سميت ببئر فيها وهي مخففة وكثير
من المحدثين يشددها انتهى (وهو محرم وهو يوقد تحت قدر) الضميران يرجعان إلى كعب وفي
رواية أبي وائل عن كعب وأنا أطبخ قدرا لأصحابي قاله الحافظ (والقمل) بفتح القاف وسكون
الميم دويبة يتولد من العرق والوسخ إذا أصاب ثوبا أو بدنا أو شعرا يقال له بالفارسية سبس
(يتهافت) بالفاء أي يتساقط شيئا فشيئا (هوامك) بتشديد الميم جمع هامة وهي ما يدب من
الأخشاش والمراد بها ما يلازم جسد الانسان إذا طال عهده بالتنظيف وقد عين في كثير من
الروايات أنها القمل قاله الحافظ (وأطعم فرقا) بفتح الفاء والراء وقد تسكن قاله ابن فارس وقال
الأزهري كلام العرب بالفتح والمحدثون قد يسكنونه وآخره قاف مكيال معروف بالمدينة
(والفرق ثلاثة آصع) بمد الهمزة وضم الصاد جمع صاع وأصله أصوع فقلب وأبدل الواو
همزة والهمزة ألفا وجاء في رواية أصوع على الأصل وذلك مثل آدر في جمع دار كذا في اللمعات
ولمسلم من طريق أبي قلابة عن ابن أبي ليلى أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين قال
الحافظ في فتح الباري وإذا ثبت أن الفرق ثلاثة آصع اقتضى أن الصاع خمسة أرطال وثلث خلافا
لمن قال إن الصاع ثمانية أرطال (أو انسك) بضم السين (نسيكة) أي اذبح
الذبيحة والنسيكة الذبيحة (قال ابن أبي نجيح أو اذبح شاة) أي مكان أو انسك نسيكة
23

قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الشيخان قوله (فعليه الكفارة بمثل ما روى
عن النبي صلى الله عليه وسلم) أي في حديث الباب من الاطعام أو الصيام أو ذبح شاة
ما جاء في الرخصة للرعاة أن يرموا يوما ويدعوا يوما
الرعاة بضم الراء جمع الراعي
قوله (حدثنا ابن أبي عمر) هو محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني نزيل مكة صدوق صنف
المسند وكان لازم ابن عيينة لكن قال أبو حاتم كانت فيه غفلة وقال في الخلاصة وثقه ابن حبان
وقال أبو حاتم صدوق حدث بحديث موضوع عن ابن عيينة (أخبرنا سفيان) هو ابن عيينة (عن
أبي البداح) بفتح الموحدة وتشديد المهملة واخره مهملة ابن عاصم بن عدي بن الجد بفتح الجيم
يقال اسمه عدي ويقال كنيته أبو عمرو وأبو البداح لقب ثقة من الثالثة (عن أبيه) أي عاصم بن
عدي قال السيوطي في قوت المغتذي ليس لأبي البداح ولا لأبيه عند المصنف إلا هذا الحديث
قوله (رخص للرعاء) بكسر الراء جمع الراعي (أن يرموا يوما ويدعوا يوما) بفتح الدال
أي يتركوا يعني يجوز لهم أن يرموا اليوم الأول من أيام التشريق ويذهبوا إلى إبلهم فيبيتوا عندها
24

ويدعوا يوم النفر الأول ثم يأتوا في اليوم الثالث فيرموا ما فاتهم في اليوم الثاني مع رمي اليوم
الثالث وفيه تفسير ثان وهو أنهم يرمون جمرة العقبة ويدعون رمي ذلك اليوم ويذهبون ثم يأتون
في اليوم الثاني من التشريق فيرمون ما فاتهم ثم يرمون عن ذلك اليوم كما تقدم وكلاهما جائز وإنما
رخص للرعاء لأن عليهم رعي الإبل وحفظها لتشاغل الناس بنسكهم عنها ولا يمكنهم الجمع
بين رعيها وبين الرمي والمبيت فيجوز لهم ترك المبيت للعذر والرمي على الصفة المذكورة كذا
في النيل
(هكذا روى ابن عيينة) يعني روى عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن أبي
البداح بن عدي عن أبيه فقال ابن عيينة عن أبي البداح بن عدي عن أبيه فيظهر منه أن عديا والد
أبي البداح وهو يروي هذا الحديث عنه وليس الأمر كذلك فإن عديا هو جد أبي البداح ووالد
أبي البداح هو عاصم بن عدي وهو يروي هذا الحديث عن والده عاصم بن عدي وقد صرح به
الامام مالك في الرواية الآتية وقال الإمام محمد رحمه الله في موطئه أخبرنا مالك حدثنا عبد الله بن
أبي بكر أن أباه أخبره أن أبا البداح بن عاصم بن عدي أخبره عن أبيه عاصم بن عدي عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رخص لرعاء الإبل الحديث (وروى مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر عن
أبيه عن أبي البداح بن عاصم بن عدي عن أبيه) فقال مالك عن أبي البداح بن عاصم بن عدي
عن أبيه يعني عاصم بن عدي وهذا هو الصحيح فإن أبا البداح يروي هذا الحديث عن أبيه وهو
عاصم لا عن جده وهو عدي وهذا ظاهر لمن تتبع كتب الرجال ولذلك قال الترمذي (ورواية مالك
أصح) يعني قول مالك عن أبي البداح بن عاصم بن عدي عن أبيه صحيح وأما قول سفيان بن عيينة عن
أبي البداح بن عدي عن أبيه ليس بصحيح فإن قلت قال الحافظ في التلخيص من قال عن أبي
البداح بن عدي فقد نسبه إلى جده انتهى قلت يخدشه قوله عن أبيه بعد قوله عن أبي البداح بن
عدي فتفكر
تنبيه وجه كون رواية مالك أصح ظاهر لكن لم يفهمه صاحب العرف الشذي فاعترض
على الترمذي حيث قال كيف الفرق بين رواية مالك وابن عيينة ثم ذكر وجوها للأصحية واهية
من عند نفسه ثم ردها ولم يرض بها ثم قال فالحاصل أني لم أجد وجها شافيا لترجيح رواية مالك
على رواية ابن عيينة انتهى قلت لو تأمل صاحب العرف الشذي في كلام الترمذي تأملا صادقا
لوجد الوجه الشافي لأصحية رواية مالك
25

قوله (في البيتوتة) مصدر بات أي في القيام ليلا بمنى اللائق للحجاج أي أباح لرعاة الإبل
ترك البيتوتة بمنى (أن يرموا يوم النحر) أي جمرة العقبة (ثم يجمعوا رمي يومين) أي الحادي عشر
والثاني عشر (فيرمونه) أي رمي اليومين (في أحدهما) أي في أحد اليومين لأنهم مشغولون
برعي الإبل قال الطيبي رحمه الله أي رخص لهم أن لا يبيتوا بمنى ليالي أيام التشريق وأن يرموا
يوم العيد جمرة العقبة فقط ثم لا يرموا في الغد بل يرموا بعد الغد رمي اليومين القضاء والأداء
ولم يجوز الشافعي ومالك رحمهما الله أن يقدموا الرمي في الغد انتهى كلام الطيبي قال القاري
وهو كذلك عند أئمتنا
قوله (قال مالك ظننت أنه) أي عبد الله بن أبي بكر قوله (في الأول منهما) أي في اليوم الأول من
اليومين (ثم يرمون يوم النفر) أي يوم الانصراف من منى وهو اليوم الثالث عشر وهو يوم النفر
الثاني
قوله (هذا حديث حسن صحيح) قال في المنتقى أخرجه الخمسة وصححه الترمذي
وقال في النيل أخرجه أيضا مالك والشافعي وابن حبان والحاكم انتهى وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها الشوكاني في النيل
باب
قوله (حدثنا سليم) بفتح أوله (بن حيان) بفتح المهملة وتشديد التحتانية الهزلي البصري
ثقة من السابعة (قال سمعت مروان الأصفر) أبا خليفة البصري قيل اسم أبيه خاقان وقيل سالم
ثقة من الرابعة
26

قوله (بما أهللت) قال أهللت بما أهل به (رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي حديث جابر الطويل
عند مسلم ماذا قلت حين فرضت الحج قال قلت اللهم إني أهل بما أهل به رسولك (قال لولا
أن معي هديا لأحللت) وفي حديث جابر الطويل قال فإن معي الهدى فلا تحل وفي الحديث
دليل على أنه يجوز تعليق إحرام الرجل على إحرام غيره
باب
قوله (فقال يوم النحر) لما فيه من أكثر أحكام الحج من رمي الجمرة العقبة والحلق والذبح
وطواف الزيارة وغيرها قوله (وهذا أصح من الحديث الأول) أي أرجح من الحديث الأول
وأقل ضعفا منه فهما ضعيفان لأن في سندهما الحارث وهو الأعور وهو ضعيف وبين الترمذي وجه
الأصحية بقوله روى غير واحد من الحفاظ الخ وفي الباب عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فقال هذا يوم الحج الأكبر أخرجه
البخاري وغيره
تنبيه قد اشتهر بين العوام أن يوم عرفة إذا وافق يوم الجمعة كان الحج حجا أكبر ولا أصل
له نعم روى رزين عن طلحة بن عبيد الله بن كرز أرسله أفضل الأيام يوم عرفة وإذا وافق يوم
جمعة فهو أفضل من سبعين حجة في غير يوم جمعة كذا في جمع الفوائد وهو حديث مرسل ولم أقف
على إسناده
27

فائدة قال الحافظ واختلف في المراد بالحج الأصغر فالجمهور على أنه العمرة وقيل
الحج الأصغر يوم عرفة والحج الأكبر يوم النحر لأن فيه تتكمل بقية المناسك وذكر الحافظ أقوالا
أخرى وإن شئت الوقوف عليها فارجع إلى الفتح
باب
قوله (عن ابن عبيد) بالتصغير اسمه عبد الله ثقة من الثالثة (بن عمير) بالتصغير أيضا
(عن أبيه) عبيد بن عمير يكنى أبا عاصم الليثي الحجازي قاضي أهل مكة ولد في زمن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ويقال رآه وهو معدود في كبار التابعين مات قبل ابن عمر رضي الله عنه
قوله (أن ابن عمر كان يزاحم) أي يغالب الناس (على الركنين) أي الحجر الأسود
والركن اليماني (زحاما) قال الطيبي أي زحاما عظيما وهو يحتمل أن يكون في جميع الأشواط أو
في أوله وآخره فإنهما آكد أحوالها وقد قال الشافعي في الأم ولا أحب الزحام في الاستلام إلا في بدء
الطواف وآخره لكن المراد ازدحام لا يحصل فيه أذى للأنام لقوله عليه الصلاة والسلام لعمر إنك
رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وهلل
وكبر رواه الشافعي وأحمد (يزاحم عليه) أي على ما ذكر أو على كل واحد وقد جاء أنه ربما دمى
أنفه من شدة تزاحمه وكأنهم تركوه لما يترتب عليه من الأذى فالاقتداء بفعلهم سيما هذا الزمان
أولى قاله القاري في المرقاة قلت روى سعيد بن منصور من طريق القاسم بن محمد قال رأيت
ابن عمر يزاحم على الركن حتى يدمى ومن طريق أخرى أنه قيل له في ذلك فقال هوت الأفئدة
إليه فأريد أن يكون فؤادي معهم وروى الفاكهي من طرق عن ابن عباس كراهة المزاحمة وقال
لا يؤذي كذا في فتح الباري (إن أفعل) أي هذا الزحام فلا ألام فإن شرطية والجزاء مقدر ودليل
الجواب قوله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ قاله القاري وقال الشيخ عبد الحق في اللمعات أي
أن أزاحم فلا تنكروا على فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل استلامهما فإني لا أطيق الصبر عنه
28

(وسمعته) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا (سبوعا) كذا وقع في النسخ الموجودة بلا ألف ووقع في
المشكاة أسبوعا بالألف قال في المجمع طاف أسبوعا أي سبع مرات والأسبوع الأيام السبعة
وسبوع بلا ألف لغة انتهى وقال القاري وقال القاري أي سبعة أشواط كما في رواية (فأحصاه) قال السيوطي
أي لم يأت فيه بزيادة أو نقص وقال القاري بأن يكمله ويراعي ما يعتبر في الطواف من الشروط
والآداب (لا يضع) أي الطائف (إلا حط الله عنه بها) أي إلا وضع الله ومحا عنه بها أي إلا وضع الله ومحا عن الطائف بكل
قدم
باب
قوله (الطواف حول البيت) احتراز من الطواف بين الصفا والمروة (مثل الصلاة) بالرفع على
الخبرية وجوز النصب أي نحوها (إلا أنكم تتكلمون فيه) أي في الطواف قال القاري في
المرقاة أي تعتادون الكلام فيه والاستثناء متصل أي مثلها في كل معتبر فيها وجودا وعدما إلا
التكلم يعني وما في معناه من المنافيات من الأكل والشرب وسائر الأفعال الكثيرة وإما منقطع أي
لكن رخص لكم في الكلام وفي العدول عن قوله إلا الكلام نكتة لطيفة لا تخفى ويعلم من
فعله عليه الصلاة والسلام عدم شرطية الاستقبال وليس لأصل الطواف وقت مشروط وبقي بقية
شروط الصلاة من الطهارة الحكمية والحقيقية وستر العورة فهي معتبرة عند الشافعي كالصلاة
وواجبات عندنا لأنه لا يلزم من مثل الشئ أن يكون مشاركا له في كل شئ على الحقيقة مع أن
الحديث من الآحاد وهو ظني لا يثبت به الفرضية مع الاتفاق أنه يعفي عن النجاسة التي بالمطاف
29

إذ شق اجتنابها لأن في زمنه عليه الصلاة والسلام وزمن أصحابه الكرام ومن بعدهم لم تزل فيه
نجاسة زرق الطيور وغيرها لم يمتنع أحد من الطواف به لأجل ذلك ولا أمر من يقتدي به بتطهير ما
هنالك (فمن تكلم فيه فلا يتكلم إلا بخير) أي من ذكر الله وإفادة علم واستفادته على وجه لا
يشوش على الطائفين
قوله (وقد روى عن ابن طاوس وغيره عن طاوس عن ابن عباس موقوفا الخ) قال
الحافظ في التلخيص رواه الترمذي والحاكم والدارقطني من حديث ابن عباس وصححه ابن
السكن وابن خزيمة وابن حبان وقال الترمذي روى مرفوعا وموقوفا ولا نعرفه مرفوعا إلا من
حديث عطاء ومداره على عطاء بن السائب عن طاوس عن ابن عبا س واختلف في رفعه
ووقفه ورجح الموقوف النسائي والبيهقي وابن الصلاح والمنذري والنووي وزاذان رواية الرفع
ضعيفة وفي إطلاق ذلك نظر فإن عطاء بن السائب صدوق وإذا روى عنه الحديث مرفوعا تارة
وموقوفا أخرى فالحكم عند هؤلاء الجماعة للرفع والنووي ممن يعتمد ذلك ويكثر منه ولا يلتفت
إلى تعليل الحديث به إذا كان الرافع ثقة فيجئ على طريقته أن المرفوع صحيح فإن اعتل عليه
بأن عطاء بن السائب اختلط ولا تقبل إلا رواية من رواه عنه قبل اختلاطه وأجيب بأن الحاكم
أخرجه من رواية سفيان الثوري عنه والثوري ممن سمع قبل اختلاطه باتفاق وإن كان الثوري قد
اختلف عليه في وقفه ورفعه فعلى طريقتهم تقدم رواية الرفع أيضا والحق أنه من رواية سفيان موقوف
ووهم عليه من رفعه وقد بسط الحافظ الكلام ههنا من شاء الوقوف عليه فليرجع إلى التلخيص
ص 47
باب
قوله (أخبرنا جرير) هو ابن عبد الحميد بن قرط الضبي ثقة (عن ابن خثيم) بالخاء
المعجمة والمثلثة مصغرا هو عبد الله بن عثمان بن خثيم القاري المكي أبو عثمان ثقة
30

قوله (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجر) أي في شأن الحجر الأسود ووصفه (ليبعثنه الله) أي
ليظهرنه (له عينان يبصر بهما) فيعرف من استلمه (يشهد على من استلمه بحق) قال العراقي على
هنا بمعنى اللام وفي رواية أحمد والدارمي وابن حبان يشهد لمن استلمه قال والباء في بحق يحتمل
تعلقها بيشهد أو باستلمه كذا في قوت المغتذي وقال الشيخ في اللمعات كلمة على باعتبار
تضمين معنى الرقيب والحفيظ وقوله بحق متعلق باستلمه أي استلمه إيمانا واحتسابا ويجوز
أن يتعلق بيشهد والحديث محمول على ظاهره فإن الله تعالى قادر على إيجاد البصر والنطق في
الجمادات فإن الأجسام متشابهة في الحقيقة يقبل كل منها ما يقبل الاخر من الأعراض ويأوله
الذين في قلوبهم زيغ التفلسف ويقولون إن ذلك كناية عن تحقيق ثواب المستلم وإن سعيه لا
يضيع والعجب من البيضاوي أنه قال إن الأغلب على الظن أن المراد هذا وإن لم يمتنع حمله على
الظاهر ولا عجب فإنه مجبول على التفلسف في تفسير القران وشرح الأحاديث تجاوز الله عنه
انتهى كلام الشيخ
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه ابن ماجة والدارمي قال الحافظ في الفتح في صحيح
ابن خزيمة عن ابن عباس مرفوعا إن لهذا الحجر لسانا وشفتين يشهدان لمن استلمه يوم القيامة
بحق وصححه أيضا ابن حبان والحاكم وله شاهد من حديث أنس عند الحاكم أيضا انتهى ولو
أورد الترمذي هذا الحديث في باب فضل الحجر الأسود لكان أحسن
قوله (عن فرقد السبخي) قال في التقريب فرقد بن يعقوب السبخي بفتح المهملة
والموحدة وبخاء معجمة أبو يعقوب البصري صدوق عابد لكنه لين الحديث كثير الخطأ من
الخامسة انتهى وقال الذهبي هي الميزان قال أبو حاتم ليس بقوي وقال ابن معين ثقة وقال
البخاري في حديثه مناكير وقال النسائي ليس بثقة وقال أيضا هو والدارقطني ضعيف وقال
يحي القطان ما يعجبني الرواية عن فرقد انتهى وقال في ترجمة محمد بن يونس القرشي الشامي
نقلا عن ابن حبان فرقد السبخي ليس بشئ انتهى
31

قوله (غير المفتت) قال في القاموس زيت مفتت طبخ فيه الرياحين أو خلط بأدهان طيبة
انتهى والحديث يدل على جواز الادهان بالزيت الذي لم يخلط بشئ من الطيب لكن الحديث
ضعيف قال ابن المنذر أجمع العلماء على أنه يجوز للمحرم أن يأكل الزيت والشحم والسمن
والشيرج وأن يستعمل ذلك في جميع بدنه سوى رأسه ولحيته قال وأجمعوا على أن الطيب لا يجوز
استعماله في بدنه وفرقوا بين الطيب والزيت في هذا كذا في الفتح والنيل قلت ظاهر كلام
الحنفية أن الادهان ممنوع عندهم مطلقا قال المرغيناني الحنفي في الهداية ولا يمس طيبا لقوله
عليه السلام الحاج الشعث التفل وكذا لا يدهن لما روينا انتهى قال ابن الهمام والشعث انتشار
الشعر وتغيره لعدم تعهده فأفاد منع الادهان انتهى
قوله (هذا حديث غريب الخ) ومع كونه غريبا ضعيف لأن مداره على فرقد السبخي وقد
عرفت حاله والحديث أخرجه أحمد وابن ماجة أيضا
باب
قوله (حدثنا خلاد بن يزيد الجعفي) الكوفي صدوق له أوهام من العاشرة (أخبرنا
زهير بن معاوية) بن خديج الجعفي الكوفي نزيل الجزيرة ثقة ثبت إلا أن سماعه عن أبي إسحاق
بأخره من السابعة
قوله (كان يحمله) فيه دليل على استحباب حمل ماء زمزم إلى المواطن الخارجة عن مكة
قوله (هذا حديث حسن غريب الخ) وأخرجه البيهقي والحاكم وصححه كذا في النيل
32

باب قوله (ومحمد بن الوزير الواسطي) ثقة عابد من العاشرة (أخبرنا إسحاق بن يوسف
الأزرق) بتقديم الزاي على الراء ثقة من التاسعة (عن سفيان) هو الثوري صرح به الحافظ (عن
عبد العزيز بن رفيع) بالفاء مصغرا المكي نزيل الكوفة ثقة من الرابعة (أين صلى الظهر يوم
التروية) أي يوم الثامن من ذي الحجة وسمى التروية بفتح المثناة وسكون الراء وكسر الواو
وتخفيف التحتانية لأنهم كانوا يروون فيها إبلهم ويتروون من الماء لأن تلك الأماكن لم تكن إذ ذاك
فيها آبار ولا عيون وأما الان فقد كثر ت جدا واستغنوا عن حمل الماء وقيل في تسمية التروية
أقوال أخرى ذكرها الحافظ في الفتح لكنها شاذة (يوم النفر) بفتح النون وسكون الفاء هو اليوم
الثالث من أيام التشريق (بالأبطح) أي البطحاء التي بين مكة ومنى وهي ما انبطح من الوادي
واتسع وهي التي يقال لها المحصب والمعرس وحدها ما بين الجبلين إلى المقبرة كذا في فتح الباري
(ثم قال) أي أنس (افعل كما يفعل أمراؤك) أي لا تخالفهم فإن نزلوا به فأنزل به فإن تركوه
فاتركه حذرا مما يتولد على المخالفة من المفاسد فيفيد أن تركه لعذر لا بأس به
قوله (هذا حديث صحيح يستغرب الخ) يعني إسحاق تفرد به قال الحافظ في الفتح
وأظن أن لهذه النكتة أردفه البخاري بطريق أبي بكر بن عياش عن عبد العزيز ورواية أبي بكر
وإن كان قصر فيها متابعة قوية بطريق إسحاق وقد وجدنا له شواهد ثم ذكر الحافظ شواهده
والحديث أخرجه البخاري ومسلم
33

أبواب الجنائز عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال النووي الجنازة بكسر الجيم وفتحها والكسر أفصح ويقال بالفتح للميت وبالكسر
للنعش عليه ميت ويقال عكسه والجمع جنائز بالفتح لا غير قال والجنازة مشتقة من جنز إذا
ستر ذكره ابن فارس وغيره والمضارع يجنز بكسر النون انتهى
ما جاء في ثواب المريض
قوله (شوكة) بالفتح وهو في الفارسية خار (فما فوقها) يمكن أن يراد به ما هو فوقها في
الصغر والقلة فيرجع إلى ما هو أقل منها أو ما هو فوقها في الكبر والتألم فيرجع إلى ما هو أكبر منها
وقد فسروا بالوجهين قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها والمعنى
الأول أنسب وأفيد قاله أبو الطيب السندي
قوله (وفي الباب عن سعد بن أبي وقاص وأبي عبيدة بن الجراح وأبي هريرة وأبي أمامة
وأبي سعيد وأنس وعبد الله بن عمرو وأسد بن كرز وجابر وعبد الرحمن بن أزهر وأبي موسى) أما
حديث سعد بن أبي وقاص فأخرجه الترمذي وابن ماجة والدارمي وأما حديث أبي عبيدة بن
الجراح فأخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأصله في النسائي بسند جيد وصححه الحاكم
34

وذكره الحافظ في الفتح في كتاب المرضى وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مالك في الموطأ
والترمذي وأما حديث أبي أمامة فأخرجه ابن أبي الدنيا والطبراني في الكبير كذا في الترغيب وأما
حديث أبي سعيد فأخرجه الشيخان وأما حديث أنس فأخرجه أحمد ورواته ثقات قاله المنذري
وأما حديث عبد الله بن عمرو فلينظر من أخرجه وأما حديث أسد بن كرز فأخرجه عبد الله بن
أحمد في زوائده وابن أبي الدنيا بإسناد حسن وأما حديث جابر فأخرجه أحمد والبزار وأبو يعلى وابن
حبان في صحيحه وأما حديث عبد الرحمن بن أزهر فلينظر من أخرجه وأما حديث أبي موسى
فأخرجه البخاري وأبو داود
قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم
قوله (وما من شئ) ما نافية ومن زائدة للاستغراق قوله (من نصب) بفتحتين التعب والألم
الذي يصيب البدن من جراحة وغيرها (ولا حزن) بضم الحاء وسكون الزاي وبفتحهما وهو
الذي يظهر منه في القلب خشونة يقال مكان حزن أي خشن (ولا وصب) بفتحتين الألم اللازم
والسقم الدائم (حتى الهم) بالرفع فحتى ابتدائية والجملة بعد الهم خبره وبالجر فحتى عاطفة أو
بمعنى إلى فالجملة بعده حاله (يهمه) أي يذيبه من هممت الشحم إذا أذبته من باب نصر ينصر قال
في القاموس الهم الحزن هم السقم جسمه أذابه وأذهب لحمه وفي رواية البخاري ما
يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم قال في الفتح الهم ينشأ
من الفكر فيما يتوقع حصوله مما يتأذى به والغم كرب يحدث للقلب بسبب ما حصل والحزن
يحدث لفقد ما يشق على المرء فقده وقيل الهم والغم بمعنى واحد انتهى (إلا يكفر الله به عنه
سيئاته) ظاهره تعميم جميع السيئات لكن الجمهور خصوا ذلك بالصغائر لحديث الصلوات
الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر
فحملوا المطلقات الواردة في التفكير على هذا المقيد
35

قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه البخاري ومسلم (وقد روى بعضهم هذا الحديث عن
عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) رواه البخاري في صحيحه من طريق محمد بن
عمرو بن حلحلة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
قوله (قال وسمعت الجارود) أي قال الترمذي سمعت الجارود وهو الجارود بن معاذ
السلمي الترمذي شيخ أبي عيسى الترمذي ثقة من العاشرة (يقول سمعت وكيعا) هو وكيع بن
الجراح الكوفي ثقة حافظ عابد من كبار التاسعة (أنه) أي وكيعا
ما جاء في عيادة المريض
قوله (عن أبي أسماء الرحبي) هو عمرو بن مرثد ويقال اسمه عبد الله ثقة من الثالثة مات
في خلافة عبد الملك
قوله (لم يزل في خرفة الجنة) زاد مسلم حتى يرجع والخرفة بضم الخاء وسكون الراء
وفتح الفاء قال الهروي في غريبه الخرفة ما يخترف من النخل حين يدرك ثمرة قال أبو بكر بن
الأنياري شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحرزه عائد المريض من الثواب بما يحرز المخترف من الثمر
وحكى الهروي عن بعضهم أن المراد بذلك الطريق فيكون معناه أنه طريق يؤديه إلى الجنة كذا في
قوت المغتذي وقال ابن العربي قوله لم يزل في خرفة الجنة فإن ممشاه إلى المريض لما كان من
الثواب على كل خطوة كان الخطى سببا إلى نيل الدرجات في النعيم المقيم عبر بها عنها لأنه بسببها مجاز
انتهى
36

قوله (وفي الباب عن علي) أخرجه الترمذي (وأبي موسى) أخرجه البخاري (والبراء)
أخرجه الشيخان (وأبي هريرة) أخرجه مسلم (وأنس) أخرجه أبو داود (وجابر) أخرجه الديلمي
في الفردوس بلفظ أفضل العيادة أجرا سرعة القيام من عند المريض
قوله (حديث ثوبان حديث حسن) وأخرجه مسلم
قوله (وروى أبو غفار) بكسر المعجمة وتخفيف الفاء آخره راء اسمه مثنى بن سعد أو
سعيد الطائي ليس به بأس من السادسة (نحوه) أي نحو حديث خالد الحذاء (قال) أي أبو عيسى (
وسمعت محمدا) يعني الامام البخاري رحمه الله (من روى هذا الحديث عن أبي الأشعث عن أبي
الأسماء فهو أصح) أي من روى عن أبي الأسماء بحذف واسطة أبي الأشعث (الا هذا الحديث) أي
جميع أحاديثه غير هذا الحديث (إنما هي عن أبي أسماء) أي بلا واسطة أبي الأشعث (إلا هذا الحديث) أي
المذكور (وهو عندي عن أبي الأشعث عن أبي أسماء) أي بواسطة أبي الأشعث فمن روى هكذا
فهو أصح (وزاد فيه قيل ما خرقة الجنة قال جناها) بفتح الجيم قال في النهاية الجنا اسم ما يجتني
من الثمر ويجمع الجنا على أجن مثل عصى وأعص انتهى
قوله (عن ثوير) بضم المثلثة مصغرا ابن فاختة بمعجمة مكسورة ومثناة مفتوحة سعيد بن
37

علاقة بكسر المهملة الكوفي ضعيف رمي بالرفض من الرابعة (عن أبيه) سعيد بن علاقة الهاشمي
مولاهم أبو فاختة الكوفي مشهور بكنيته ثقة من الثالثة
قوله (أخذ علي) أي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه (إلى الحسن) أي ابن علي رضي الله
تعالى عنه (غدوة) بضم الغين ما بين صلاة الغدوة وطلوع الشمس كذا قاله ابن الملك والظاهر
أن المراد به أول النهار وما قبل الزوال (إلا صلى عليه) أي دعا له بالمغفرة (حتى يمسي) من الإمساء
(وإن عاده) إن نافية بدلالة إلا ولمقابلتها ما (عشية) أي ما بعد الزوال أو أول الليل (وكان له) أي
للعائد (خريف) أي بستان وهو في الأصل الثمر المجتني أو مخروف من ثمر الجنة فعيل بمعنى
مفعول قوله (هذا حديث غريب حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي (واسم أبي فاختة) هو
ثوير كما عرفت
فائدة قال أبو بكر بن العربي تكرار العيادة سنة لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل بسعد بن معاذ حين
ضرب له خيمة في المسجد ليعوده من قريب قال ويعاد المريض من كل ألم دق أو جل ويعاد من
الرمد وقد روى أن زيد بن أرقم عاده رسول الله صلى الله عليه وسلم من رمد أصابه وما روي عن أبي هريرة
مرفوعا لا يعاد من وجع العين ولا من وجع الضرس ولا من الدمل فليس بصحيح انتهى كلامه
محصلا
ما جاء في النهي عن تمني الموت
قوله (عن حارثة بن مضرب) بالحاء المهملة والثاء المثلثة وأبوه بضم الميم وفتح الضاد
38

المعجمة وكسر الراء المشددة وآخره باء موحدة وليس له عند المصنف إلا هذا الحديث قاله
السيوطي وقال الحافظ في التقريب ثقة من الثانية غلط من نقل عن ابن المديني أنه تركه انتهى
قوله (دخلت على خباب) بالتشديد أي ابن الأرت بتشديد الفوقية تميمي سبي في الجاهلية
وبيع بمكة ثم حالف بني زهرة وأسلم في السنة السادسة وهو أول من أظهر إسلامه فعذب عذابا
شديدا لذلك وشهد بدرا والمشاهد كلها ومات سنة سبع وثلاثين منصرف علي كرم الله وجهه من
صفين فمر على قبره فقال رحم الله خبابا أسلم راغبا وهاجر طائعا وعاش مجاهدا وابتلي في
جسمه أحوالا ولن يضيع الله أجره (وقد اكتوى في بطنه) قال الطيبي الكي علاج معروف في كثير
من الأمراض وقد ورد النهي عن الكي فقيل النهي لأجل أنهم كانوا يرون أن الشفا منه وأما إذا
أعتقد أنه سبب وأن الشافي هو الله فلا بأس به ويجوز أن يكون النهي من قبل التوكل وهو درجة
أخرى غير الجواز انتهى ويؤيده حديث لا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون (لقد كنت
وما أجد درهما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) كأكثر الصحابة لأن الفتوحات العظيمة لم تقع إلا بعد
ألا ترى أن عبد الله بن أبي السرح لما افتتح إفريقية في زمن عثمان بلغ سهم الفارس فيه ثلاثة آلاف
دينار (وفي ناحية بيتي أربعون ألفا) وفي رواية أحمد وإن في جانب بيتي الآن لأربعين ألف درهم
(نهانا أو نهى) شك من الراوي بين هذين اللفظين (أن يتمنى) بصيغة المجهول (لتمنيته) أي
لأستريح من شدة المرض الذي من شأن الجبلة البشرية أن تنفر منه ولا تصبر عليه والحديث رواه
أحمد وزاد قال ثم أتى بكفنه فلما رآه بكى وقال لكن حمزة لم يوجد له كفن إلا بردة ملحاء إذا جعلت
على رأسه قلصت عن قدميه وإذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه حتى مدت على رأسه وجعل على قدميه الإذخر (وفي الباب عن أبي هريرة وأنس وجابر) أما حديث أبي هريرة فأخرجه
البخاري ولفظه لا يتمنى أحدكم الموت إما محسنا فلعله أن يزداد خيرا وإما مسيئا فلعله أن
يستعتب وأما حديث أنس فأخرجه البخاري ومسلم وأما حديث جابر فأخرجه أحمد
قوله (حديث خباب حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد
39

قوله (بضر) بضم الضاد وتفتح أي بسبب ضرر مالي أو بدني ووجه النهي أن تمني الموت
من أجل الضر أنه يدل على الجزع في البلاء وعدم الرضاء بالقضاء (ما كانت الحياة خيرا لي) أي
من الموت وهو أن تكون الطاعة غالبة على المعصية والأزمنة خالية عن الفتنة والمحنة (وتوفني) أي
أمتني (إذا كانت الوفاة) أي الممات (خيرا لي) أي من الحياة بأن يكون الأمر عكس ما تقدم
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
ما جاء في التعوذ للمريض
قوله (إن جبريل) بكسر الجيم وفتحها (أتى النبي صلى الله عليه وسلم) أي للزيارة أو العيادة (اشتكيت)
بفتح الهمزة للاستفهام وحذف همزة الوصل وقيل بالمد على إثبات همزة الوصل وإبدالها ألفا
وقيل بحذف الاستفهام (قال بسم الله أرقيك) بفتح الهمزة وكسر القاف مأخوذ من الرقية (من شر
كل نفس) أي خبيثة (وعين حاسدة) وفي رواية مسلم أو عين حاسد قال النووي في شرح
مسلم قيل يحتمل أن المراد بالنفس نفس الادمي وقيل يحتمل أن المراد بها العين فان النفس
تطلق على العين يقال رجل منفوس إذا كان يصيب الناس بعينه كما قال في الرواية الأخرى
من شر كل ذي عين ويكون قوله أو عين حاسد من باب التوكيد بلفظ مختلف أو شكا من الراوي
في لفظه انتهى كلام النووي
40

قوله (وثابت البناني) بضم الموحدة (يا أبا حمزة) هذا كنية أنس
قوله (رب الناس) بالنصب بحذف حرف النداء (مذهب الباس) أي مزيل شدة المرض
قال الحافظ ابن حجر الباس بغير همزة للازدواج فإن أصله الهمزة (شفاء) بالنصب على أنه مفعول
مطلق لا شف والجملتان معترضتان بين الفعل والمفعول المطلق (لا يغادر) بالغين المعجمة أي لا
يترك (سقما) بفتحتين وبضم وسكون أي مرضا والتنكير للتقليل وفائدة التقييد أنه قد يحصل
الشفاء من ذلك المرض فيخلفه مرض آخر يتولد منه مثلا فكان يدعو بالشفاء المطلق لا بمطلق
الشفاء
قوله (وفي الباب عن أنس) أخرجه أحمد وابن السني (وعائشة) أخرجه الشيخان و
النسائي قوله (حديث أبي سعيد حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة
قوله (قال) أي أبو عيسى (سألت أبا زرعة) هو عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ
الرازي إمام حافظ ثقة مشهور روى عنه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة قال إسحاق
كل حديث لا يعرفه أبو زرعة ليس له أصل مات سنة أربع وستين ومائتين (أخبرنا عبد الصمد بن
عبد الوارث الخ) هذا مقول أبي زرعة واستدل بقوله هذا على كون كلا الحديثين صحيحا
41

باب ما جاء في الحث على الوصية
قوله (ما) أي ليس (حق امرئ مسلم) قال الحافظ كذا في أكثر الروايات وسقط لفظ
مسلم من رواية أحمد عن إسحاق بن عيسى عن مالك والوصف بالمسلم خرج مخرج الغالب فلا
مفهوم له أو ذكر للتهييج لتقع المبادرة لامتثاله لما يشعر به من نفي الاسلام عن تارك ذلك
ووصية الكافر جائزة في الجملة وحكى ابن المنذر فيه الاجماع وقد بحث فيه السبكي من جهة
أن الوصية شرعت زيادة في العمل الصالح والكافر لا عمل له بعد الموت وأجاب بأنهم نظروا إلى
أن الوصية كالإعتاق وهو يصح عن الذمي والحربي (يبيت) كأن فيه حذفا تقديره أن يبيت وهو
كقوله تعالى (ومن آياته يريكم البرق) الآية ويجوز أن يكون يبيت صفة لمسلم وبه جزم الطيبي
(وله شئ) جملة حالية (يوصي فيه) صفة شئ (إلا ووصيته مكتوبة عنده) قال الطيبي رحمه الله
ما بمعنى ليس ويبيت صفة ثالثة لامرئ ويوصي فيه صفة شئ والمستثنى خبر أي لليس ثم قيد
ليلتين على ما قاله المظهر تأكيد وليس بتحديد والمعنى لا ينبغي له أن يمضي عليه زمان وإن كان
قليلا في حال من الأحوال إلا أن يبيت بهذه الحال وهي أن يكون وصيته مكتوبة عنده لأنه لا يدري
متى يدركه الموت قال الطيبي رحمه الله وفي تخصيص ليلتين تسامح في إرادة المبالغة أي لا ينبغي
أن يبيت ليلة وقد سامحناه في هذا المقدار فلا ينبغي أن يتجاوز عنه قال النووي فيه دليل على
وجوب الوصية والجمهور على أنها مندوبة وبه قال الشافعي رحمه الله ومعناه ما الحزم والاحتياط
لمسلم إلا أن تكون وصيته مكتوبة عنده وقال داود وغيره من أهل الظاهر هي واجبة بهذا
الحديث ولا دلالة فيه على الوجوب لكن إن
كان على الانسان دين أو وديعة لزمه الايصاء بذلك
ويستحب تعجيلها وأن يكتبها فصحيفة ويشهد عليه فيها وإن تجدد له أمر يحتاج إلى الوصية به
ألحقه بها
قوله (وفي الباب عن ابن أبي أوفى) أخرجه البخاري من طريق طلحة بن مصرف قال سألت عبد الله بن أبي أوفى هل كان النبي صلى الله عليه وسلم أوصى فقال لا فقلت كيف كتب على الناس الوصية
42

أو أمروا بالوصية قال أوصى بكتاب الله قوله (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح)
وأخرجه البخاري ومسلم
ما جاء في الوصية بالثلث والربع
قوله (هم أغنياء بخير) قال في مجمع البحار قوله بخير خبر بعد خبر أو صفة أغنياء قوله (فما زلت أناقصه) قال في
مجمع البحار أي أراجعه في النقصان أي أعد ما ذكره ناقصا ولو روى بضاد معجمة لكان من
المناقضة انتهى قلت في جميع النسخ الحاضرة أناقص بالصاد المهملة وأورد الشيخ ولي الدين
هذا الحديث في المشكاة وفيه أيضا بالصاد المهملة لكن قال القاري في المرقاة وفي نسخة
بالمعجمة وقال فيه نقلا عن ابن الملك أي قال سعد فما زلت أناقض النبي صلى الله عليه وسلم من المناقضة أي
ينقض عليه الصلاة والسلام قولي وأنقض قوله أراد به المراجعة حرصا على الزيادة وروى بالصاد
المهملة عن النقصان انتهى ما في المرقاة قلت وقع في رواية للنسائي أوص بالعشر فما زال يقول
وأقول حتى قال أوص بالثلث الخ وقال الجزري في النهاية في حديث صوم التطوع فناقضني
وناقضته أي ينقض قولي وأنقض قوله من نقض البناء أراد به المراجعة والمرادة انتهى (والثلث
كبير) وقع في رواية البخاري كثير بالمثلثة قال الحافظ في الفتح كذا في أكثر الروايات ومعناه
كثير بالنسبة إلى ما دونه قال ويحتمل أن يكون قوله والثلث كثير مسوقا لبيان الجواز بالثلث وأن
الأولى أن ينقص عنه ولا يزيد عليه وهو ما يبتدره الفهم ويحتمل أن يكون لبيان أن التصدق
بالثلث هو الأكمل أي كثير أجره ويحتمل أن يكون معناه كثير غير قليل قال الشافعي رحمه الله
وهذا أولى معانيه يعني أن الكثرة أمر نسبي وعلى الأول عول ابن عباس انتهى قلت المراد بالأول
الاحتمال الأول وهو أن قوله والثلث كثير مسوق لبيان الجواز وأن الأولى أن ينقص عنه روى
البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال لو غفر الناس إلى الربع لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الثلث
43

والثلث كبير أو كثير قال الحافظ في الفتح قوله لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هو كالتعليل لما اختاره من
النقصان عن الثلث وكأن ابن عباس أخذ ذلك من وصفه صلى الله عليه وسلم الثلث بالكثرة انتهى (قال أبو عبد
الرحمن فنحن نستحب أن ينقص من الثلث لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم والثلث كثير) يعني لوصفه
صلى الله عليه وسلم الثلث بالكثرة وكذلك قال ابن عباس رضي الله عنه كما عرفت آنفا وقال النووي في شرح
مسلم إن كان الورثة فقراء استحب أن ينقص منه وإن كانوا أغنياء فلا
قوله (وفي الباب عن ابن عباس) أخرجه البخاري ومسلم وتقدم لفظه
قوله (حديث سعد حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم
قوله (وقد روى عنه كبير) أي بالموحدة (ويروي كثير) أي بالمثلثة
قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون أن يوصي الرجل بأكثر من الثلث) قال
العيني في شرح البخاري إذا أوصى المسلم بأكثر من ثلث ماله فإن لم يكن له ورثة جاز وإن كان له
ورثة فإن أجازوا جازت الوصية وإن ردوا بطلت الوصية وقال مالك والشافعي وأحمد لا يجوز
إلا في الثلث ويوضع الثلثان لبيت المال إنتهى (ويستحبون أن ينقص من الثلث وقال سفيان
الثوري كانوا يستحبون في الوصية الخمس دون الربع والربع دون الثلث الخ) قال العيني في
شرح البخاري إعلم أن الاجماع قائم على أن الوصية بالثلث جائزة وأوصى الزبير رضي الله عنه
بالثلث واختلف العلماء في القدر الذي تجوز الوصية به هل هو الخمس أو السدس أو الربع
فعن أبي بكر رضي الله عنه أنه أوصى بالخمس وقال إن الله تعالى رضي من غنائم المؤمنين
بالخمس وقال معمر عن قتادة أوصى عمر رضي الله عنه بالربع وقال إسحاق السنة الربع كما
44

روى عن ابن عباس وروى عن علي رضي الله عنه لأن أوصى بالخمس أحب إلى من الربع
ولأن أوصى بالربع أحب إلى من الثلث واختار آخرون السدس وقال إبراهيم كانوا يكرهون
أن يوصوا مثل نصيب أحد الورثة حتى يكون أقل وكان السدس أحب إليهم من الثلث واختار
آخرون العشر واختار آخرون لمن كان ماله قليلا وله وارث ترك الوصية روى ذلك عن علي وأين
عباس وعائشة وفي التوضيح وقام الاجماع من الفقهاء أنه لا يجوز لأحد أن يوصي بأكثر من
الثلث إلا أبا حنيفة وأصحابه وشريك بن عبد الله قال العيني هو قول ابن مسعود وعبيدة
ومسروق وإسحاق وقال زيد بن ثابت لا يجوز لأحد أن يوصي بأكثر من ثلثه وإن لم يكن له
وارث وهو قول مالك والأوزاعي والحسن بن حي والشافعي إنتهى كلام العيني
ما جاء في تلقين المريض عند الموت والدعاء له
قوله (عن عمارة بن غزية) بفتح المعجمة وكسر الزاء بعدها تحتانية ثقيلة ابن الحارث
الأنصاري والمدني لا بأس به
قوله (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) قال النووي في شرح مسلم معناه من حضره الموت
ذكروه إله إلا الله ليكون آخر كلامه كما في الحديث من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل
الجنة والأمر بهذا التلقين أمر ندب وأجمع العلماء على هذا التلقين وكرهوا الاكثار عليه والموالاة
لئلا يضجر بضيق حاله وشدة كربه فيكره ذلك بقلبه أو يتكلم بما لا يليق إنتهى قال القاري في
المرقاة الجمهور على أنه يندب هذا التلقين وظاهر الحديث يقتضي وجوبه وذهب إليه جمع بل
نقل بعض المالكية الاتفاق عليه إنتهى قلت الأمر كما قال القاري والله تعالى أعلم قال الحافظ
ابن حجر في فتح الباري المراد بقول لا إله إلا الله في هذا الحديث وغيره كلتا الشهادة فلا يرد
إشكال ترك ذكر الرسالة قال الزين بن المنير قول لا إله إلا الله لقب جرى على النطق بالشهادتين
شرعا إنتهى
45

إعلم أن المراد من الموتى في هذا الحديث من حضره الموت لا الميت حقيقة فإن ابن حبان
روى عن أبي هريرة بمثل حديث البا ب وزاد فإنه من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة يوما
من الدهر وإن أصابه ما أصابه قبل ذلك ذكره الحافظ في التلخيص وقال فيه وروى من
حديث عطاء بن السائب عن أبيه عن جده بلفظ من لقن عند الموت شهادة أن لا إله إلا الله دخل
الجنة إنتهى وأخرج البيهقي في شعب الايمان عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال افتحوا على
صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله ولقنوهم عند الموت لا إله إلا الله فإنه من كان أول كلامه
لا إله إلا الله ثم عاش ألف سنة ما سئل عن ذنب واحد أخرجه الحاكم في تاريخه والبيهقي في
شعب الايمان عن ابن عباس وقال غريب كذا في جمع الجوامع للسيوطي
قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه مسلم (وأم سلمة) أخرجه مسلم (وعائشة)
أخرجه النسائي (وجابر) أخرجه العقيلي في الضعفاء والطبراني في الدعاء وفيه عبد الوهاب بن
مجاهد وهو متروك كذا في التلخيص (وسعدى المرية) بضم السين وسكون العين بنت عوف لها
صحبة (وهي امرأة طلحة بن عبيد الله) أحد العشرة استشهد يوم الجمل قوله (حديث أبي سعيد حديث غريب حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري
قوله (عن الأعمش) اسمه سليمان بن مهران أبو محمد الكاهلي ثقة حافظ
قوله (إذا حضرتم المريض أو الميت) أي الحكمي فأو للشك أو الحقيقي فأو للتنويع قاله
القاري (فقولوا خيرا) أي للمريض أشفه وللميت اغفر له ذكره المظهر كذا في المرقاة (فإن
الملائكة يؤمنون) بالتشديد أي يقولون آمين (على ما تقولون) من الدعاء خيرا أو شرا قال
46

النووي فيه الندب إلى قول الخير حينئذ من الدعاء والاستغفار له وطلب اللطف به والتخف
عنه ونحوه وفيه حضور الملائكة حينئذ وتأمينهم انتهى (وأعقبني منه عقبى حسنة) أعوضني منه
عوضا حسنا (فأعقبني الله منه من هو خير منه) أي أعطاني الله بدله من هو خير منه
(رسول الله صلى الله عليه وسلم) بدل من من هو خير منه
قوله (حديث أم سلمة حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
قوله (وروى عن ابن المبارك) هو عبد الله بن المبارك المروزي أحد الأئمة الأعلام وشيوخ
الاسلام قال ابن عيينة ابن المبارك عالم المشرق والمغرب وما بينهما وقال شعبة ما قدم علينا
مثله ثقة ثبت فقيه عالم جواد جمعت فيه خصال الخير مات سنة إحدى وثمانين ومائة (وإنما معنى قول
عبد الله) أي ابن المبارك (إنما أراد ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من كان آخر قوله الخ) أخرجه أبو داود
والحاكم عن معاذ بن جبل وقد روى ابن أبي حاتم في ترجمة أبي زرعة أنه لما احتضر أرادوا تلقينه
فتذاكروا حديث معاذ فحدثه به أبو زرعة بإسناده وخرجت روحه في آخر قول لا إله إلا الله
ما جاء في التشديد عند الموت
قوله (عن ابن الهاد) هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي أبو عبد الله المدني ثقة
مكثر من الخامسة (عن أبي موسى بن سرجس) بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم بعدها
47

مهملة مدني مستور من السادسة (عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق ثقة أحد الفقهاء
بالمدينة من كبار الثالثة
قوله (وهو بالموت) أي مشغول أو ملتبس به (ثم يمسح وجهه بالماء) دفعا لحرارة الموت أو
دفعا للغشيان وكربه (اللهم أعني على غمرات الموت) أي شدائده أي أعني على دفعها قال في
القاموس غمرة الشئ شدته ومزدحمه ج غمرات وغمار انتهى وقال في مجمع البحار غمرات
الموت شدائده انتهى (وسكرات الموت) أي شدائده جمع سكرة بسكون الكاف وهي شدة
الموت قال سراج أحمد في شرح الترمذي هو عطف بيان لما قبله والظاهر أن يراد بالأولى الشدة
وبالأخرى ما يترتب عليها من الدهشة والحيرة الموجبة للغفلة وقال القاضي في تفسير قوله تعالى
وجاءت سكرة الموت بالحق إن سكرته شدته الذاهبة بالعقل انتهى
قوله (هذا حديث غريب) لم يحكم عليه الترمذي بشئ من الصحة والضعف والظاهر أنه
ضعيف لأن موسى بن سرجس مستور كما تقدم
قوله (والحسن بن الصباح البزار) آخره راء أبو علي الواسطي نزيل بغداد صدوق يهم
وكان عابدا فاضلا من العاشرة (أخبرنا مبشر) بكسر المعجمة الثقيلة صدوق من التاسعة (عن
عبد الرحمن بن العلاء) بن اللجلاج نزيل حلب مقبول من السابعة (عن أبيه) العلاء بن اللجلاج
ثقة من الرابعة
قوله (ما أغبط) بكسر الباء يقال غبطت الرجل أغبطه إذا اشتهيت أن يكون لك مثل ماله
وأن يدوم عليه ما هو فيه أي ما أحسد (أحدا) ولا أتمنى ولا أفرح لأحد (بهون موت) الهون بالفتح
الرفق واللين أي بسهولة موت والإضافة فيه إضافة الصفة إلى الموصوف أي لما رأيت شدة وفاته
علمت أن ذلك ليس من المنذرات الدالة على سوء عاقبة المتوفى وأن هون الموت وسهولته ليس من
48

المكرمات وإلا لكان صلى الله عليه وسلم أولى الناس به فلا أكره شدة الموت لأحد ولا أغبط أحدا يموت من غير
شدة قوله (هو ابن العلاء اللجلاج) بجيمين وسكون الأول منهما قوله (وإنما أعرفه من هذا
الوجه) لم يحكم عليه بشئ من الصحة والضعف والظاهر أنه حسن
باب
قوله (حدثنا ابن بشار) هو محمد بن بشار بندار ثقة من العاشرة
قوله (المؤمن يموت بعرق الجبين) قيل هو عبارة عن شدة الموت وقيل هو علامة الخير عند
الموت قال ابن الملك يعني يشتد الموت على المؤمن بحيث يعرق جبينه من الشدة لتمحيص ذنوبه
أو لتزيد درجته وقال التوربشتي فيه وجهان أحدهما ما يكابده من شدة السياق التي يعرق دونها
الجبين والثاني أنه كناية عن كد المؤمن في طلب الحلال وتضييقه على نفسه بالصوم والصلاة حتى
يلقى الله تعالى والأول أظهر كذا في المرقاة وقال العراقي اختلف في معنى هذا الحديث فقيل إن
عرق الجبين لما يعالج من شدة الموت وقيل من الحياء وذلك لأن المؤمن إذا جاءته البشرى مع ما
كان قد اقترف من الذنوب حصل له بذلك خجل واستحياء من الله تعالى فعرق لذلك جبينه كذا
في قوت المغتذي
قوله (في الباب عن ابن مسعود) أخرجه الشيخان كذا قال سراج أحمد في شرحه وإني لم
أجد في الصحيحين حديثا عن ابن مسعود في هذا الباب والله تعالى أعلم
قوله (هذا حديث حسن) والحديث أخرجه النسائي وابن ماجة أيضا ورواه الحاكم وقال
على شرطهما وأقره الذهبي كذا في المرقاة
49

باب
قوله (حدثنا سيار بن حاتم) بفتح السين المهملة وتشديد التحتانية صدوق له أوهام من
كبار التاسعة (أخبرنا جعفر بن سليمان) الضبعي صدوق زاهد لكنه يتشيع من الثامنة
قوله (وهو بالموت) أي في سكراته (كيف تجدك) قال ابن الملك أي كيف تجد قلبك أو
نفسك في الانتقال من الدنيا إلى الآخرة راجيا رحمة الله أو خائفا من غضب الله (أرجو الله) أي
أجدني أرجو رحمته (وإني) أي مع هذا (أخاف ذنوبي) قال الطيبي علق الرجاء بالله والخوف
بالذنب وأشار بالفعلية إلى أن الرجاء حدث عند السياق وبالإسمية والتأكيد بان إلى أن خوفه كان
مستمرا محققا (لا يجتمعان) أي الرجاء والخوف (في مثل هذا الموطن) أي في هذا الوقت وهو زمان
سكرات الموت ومثله كل زمان يشرف على الموت حقيقة أو حكما كوقت المبادرة وزمان
القصاص ونحوهما فلا يحتاج إلى القول بزيادة المثل وقال الطيبي مثل زائدة والموطن إما مكان أو
زمان كمقتل الحسين رضي الله تعالى عنه انتهى (ما يرجو) أي من الرحمة (وآمنه مما يخاف) أي من
العقوبة بالعفو والمغفرة قوله (هذا حديث
غريب) قال ميرك عن المنذري إسناده حسن ورواه
ابن أبي الدنيا أيضا كذا في المرقاة قلت ورواه ابن ماجة أيضا
50

باب ما جاء في كراهية النعي
بفتح النون وسكون العين المهملة وتخفيف الياء وفيه أيضا كسر العين وتشديد الياء وهو
في اللغة الإخبار بموت الميت كما في الصحاح والقاموس وغيرهما من كتب اللغة وفي النهاية نعى
الميت نعيا إذا أذاع موته وأخبر به
قوله (أخبرنا عبد القدوس بن بكر بن خنيس) بضم الخاء المعجمة وفتح النون مصغرا
قال أبو حاتم لا بأس به (أخبرنا حبيب بن سليم) بضم السين وفتح اللام مصغرا قال الشيخ
محمد طاهر في كتابه المغني سليم كله بالضم إلا سليم بن حبان بفتحها (العبسي) بفتح العين
المهملة وسكون الموحدة قال الحافظ في تهذيب التهذيب أخرجا يعني الترمذي وابن ماجة له
حديثا واحدا في الجنائز وحسنه الترمذي وذكره ابن حبان في الثقات (عن بلال بن يحي العبسي)
روى عن حذيفة بن اليمان وغيره وعنه حبيب بن سليم العبسي وغيره قال إسحاق بن منصور
يحيى بن معين ليس به بأس قاله الحافظ في تهذيب التهذيب وقال في التقريب صدوق (عن
حذيفة) هو ابن اليمان صحابي جليل
قوله (فلا تؤذنوا بي أحدا) من الايذان بمعنى الاعلام أي لا تخبروا بموتي أحدا (وينهي عن
النعي) الظاهر أن حذيفة رضي الله عنه أراد بالنعي في هذا الحديث معناه اللغوي وحمل النهي على
مطلق النعي وقال غيره من أهل العلم إن المراد بالنعي في هذا الحديث النعي المعروف في
الجاهلية قال الأصمعي كانت العرب إذا مات فيها ميت له قدر ركب راكب فرسا وجعل يسير
في الناس ويقول نعاء فلان أي انعيه وأظهر خبر وفاته قال الجوهري وهي مبنية على الكسر
مثل دراك ونزال كذا في قوت المغتذي وإنما قالوا هذا لأنه قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي وأيضا
قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بموت زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة حين قتلوا
بمؤتة وأيضا قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال حين أخبر بموت السوداء أو الشاب الذي كان يقم المسجد ألا
آذنتموني فهذا كله يدل على أن مجرد الإعلام بالموت لا يكون نعيا محرما وإن كان باعتبار اللغة
51

يصدق عليه اسم النعي ولذلك قال أهل العلم إن المراد بالنعي في قوله ينهي عن النعي النعي
الذي كان في الجاهلية جمعا بين الأحاديث قال ابن العربي يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث
حالات الأولى إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح فهذا سنة الثانية دعوة الحفل
للمفاخرة فهذه تكره الثالثة الإعلام بنوع آخر كالنياحة ونحو ذلك فهذا يحرم انتهى
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه ابن ماجة أيضا وقال الحافظ في الفتح بإسناد حسن قوله (أخبرنا حكام) بفتح الحاء المهملة وتشديد الكاف (ابن سلم) بفتح السين المهملة وسكون
اللام ثقة له غرائب من الثامنة (عن أبي خمرة) هو ميمون الأعور وليس بالقوي عند أهل الحديث
قال الحافظ ميمون أبو حمزة الأعور مشهور بكنيته ضعيف من
السادسة (عن إبراهيم) هو النخعي (عن عبد الله) هو ابن مسعود رضي الله عنه
قوله (إياكم والنعي) أي اتقوا النعي المراد بالنعي في هذا الحديث ما يكون على طريقة
الجاهلية كما تقدم عن إبراهيم أنه قال لا بأس إذا مات الرجل أن يؤذن صديقه وأصحابه إنما
كان يكره أن يطاف في المجالس فيقال أنعى فلانا فعل أهل الجاهلية رواه سعيد بن منصور في
سننه قوله (والنعي أذان بالميت) أي إعلام بموته
قوله (وفي الباب عن حذيفة) قد أخرج الترمذي حديث حذيفة في هذا الباب فلعله
أشار إلى حديث اخر له والله تعالى أعلم (وقد كره بعض أهل العلم النعي والنعي عندهم أن
ينادى في الناس بأن فلانا مات ليشهدوا جنازته) قال أبو الطيب في شرحه أي يركب راكب
52

وينادي في الناس فهذا نعي الجاهلية وهو مكروه ويؤيده حديث عبد الله إياكم والنعي فإن
النعي من عمل الجاهلية وقوله وقال بعض أهل العلم لا بأس بأن يعلم الخ يعني إن نعى نعي
غير أهل الجاهلية فلا بأس به وتركه أولى والذي عليه الجمهور أن مطلق الإعلام بالموت جائز
وليس فيه ترك الأولى بل ربما يقال إنه سنة لما ورد أنه صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي رواه البخاري وقال بعض
الفضلاء معنى قوله والنعي عندهم الخ أي حملوا النهي على مطلق النعي وهو خبر الموت كما في
مقتضى كلام حذيفة على طريق الاحتمال حيث قال فإني أخاف فقولوا قال بعضهم الخ أي يحمل
الحديث على نعي أهل الجاهلية انتهى أقول توجيه حسن أنه يأبى تفسيره للقول الأول بما فسره
به تفسيرهم بقولهم أن ينادي اه والله أعلم انتهى كلام أبي الطيب قلت فيما قال بعض الفضلاء
في شرح كلام الترمذي شئ وكذا فيما قال أبو الطيب لكن قول بعض الفضلاء أظهر مما قال أبو
الطيب فتفكر قال الحافظ في فتح الباري والحاصل أن محض الإعلام بذلك لا يكره فإن زاد على
ذلك فلقد كان بعض السلف يشدد في ذلك حتى كان حذيفة إذا مات له الميت يقول لا تؤذنوا
به أحدا إني أخاف أن يكون نعيا الخ
قوله (وروي عن إبراهيم النخعي أنه قال الخ) أخرجه سعيد بن منصور في سننه وتقدم
لفظه وأخرج أيضا عن ابن سيرين أنقال لا أعلم بأسا أن يؤذن الرجل صديقه وحميمه ذكره
الحافظ في الفتح ما جاء أن الصبر في الصدمة الأولى
قوله (عن يزيد بن أبي
حبيب) مولى شريك بن الطفيل الأزدي المصري قال الليث يزيد
عالمنا وسيدنا وقال ابن سعد ثقة كثير الحديث مات سنة ثمان وعشرين ومائة (عن سعد بن
سنان) ويقال سنان بن سعد الكندي المصري وصوب الثاني البخاري وابن يونس صدوق له
أفراد من الخامسة كذا في التقريب
قوله (الصبر في الصدمة الأولى) وفي الرواية الآتية عند الصدمة الأولى وفي رواية للبخاري
53

عند أول صدمة وأصل الصدم ضرب الشئ الصلب بمثله فاستعير للمصيبة الواردة على القلب
والمعنى إذا وقع الثبات أول شئ يهجم على القلب من مقتضيات الجزع فذلك هو الصبر الكامل
الذي يترتب عليه الأجر قال الطيبي إذ هناك سورة المصيبة فيثاب على الصبر وبعدها تنكسر
السورة ويتسلى المصاب بعض التسلي فيصير الصبر طبعا فلا يثاب عليها انتهى
قوله (هذا حديث غريب من هذا الوجه) أي من هذا الطريق يعني من طريق الليث عن
يزيد بن حبيب عن سعد بن سنان عن أنس وهذا الحديث مشهور من طريق شعبة عن ثابت
البناني عن أنس أو بهذا الطريق أخرجه الشيخان في صحيحهما وأخرجه الترمذي أيضا بهذا
الطريق فيما بعد
قوله (الصبر عند الصدمة الأولى) أي عند قوة المصيبة وشدتها قال الخطابي المعنى أن
الصبر الذي يحمد عليه صاحبه ما كان عند مفاجأة المصيبة بخلاف ما يعد ذلك فإنه على الأيام
يسلو انتهى وقال الحافظ في الفتح الصبر عند الصدمة الأولى أي هو المطلوب المبشر عليه
بالصلاة والرحمة
قوله هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي
ما جاء في تقبيل الميت
قوله (عن عاصم بن عبيد الله) بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي مدني ضعيف كذا
في الخلاصة والتقريب (قبل عثمان بن مظعون) هو أخ رضاعي لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال صاحب
54

المشكاة هاجر الهجرتين وشهد بدرا وكان حرم الخمر في الجاهلية وهو أول من مات من
المهاجرين بالمدينة في شعبان على رأس ثلاثين شهرا من الهجرة ولما دفن قال نعم السلف هو لنا
ودفن بالبقيع وكان عابدا مجتهدا من فضلاء الصحابة انتهى (وهو ميت) حال من المفعول
(وهو) أي النبي صلى الله عليه وسلم (أو قال عيناه تدرفان) أي تجريان دمعا وفي رواية ابن ماجة فكأني أنظر إلى
دموعه تسيل على خديه والحديث يدل على أن تقبيل المسلم بعد الموت والبكاء عليه جائز
قوله (وفي الباب عن ابن عباس وجابر وعائشة قالوا) أي هؤلاء الثلاثة (إن أبا بكر قبل الخ) روى البخاري عن عائشة وابن عباس أن أبا بكر قبل النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته انتهى قال
الشوكاني فيه جواز تقبيل الميت تعظيما وتبركا لأنه لم ينقل أنه أنكر أحد من الصحابة على أبي بكر
فكان إجماعا انتهى
قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) قال المنذري في تلخيص السنن قال
الترمذي حسن صحيح وفي إسناده عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب وقد تكلم
فيه غير واحد من الأئمة انتهى كلام المنذري
ما جاء في غسل الميت
قال ابن العربي في العارضة خبر الواحد مقبول في الأحكام الشرعية باتفاق من أهل
السنة واختلف العلماء هل يقبل خبر الواحد فيما تعم به البلوى فرده أبو حنيفة وقد بيناه في أصول
الفقه وأنه قد تناقض في مسائل قبل فيها خبر الواحد ومن هذا الباب غسل الميت إذ ليس في
الباب حديث سواه انتهى
قوله (أخبرنا خالد) هو الحذاء (ومنصور) هو ابن زاذان (وهشام) هو ابن حسان (فأما
خالد وهشام فقالا عن محمد وحفصة) محمد هذا هو ابن سيرين وحفصة هذه هي بنت سيرين
55

وقال منصور عن محمد) أي ولم يذكر
وحفصة (عن أم عطية) فروى خالد وهشام عن محمد وحفصة عن أم عطية وروى منصور عن محمد عن
أم عطية قال الحافظ في الفتح مدار حديث أم عطية على محمد وحفصة ابني سيرين قال ابن المنذر ليس في أحاديث الغسل للميت أعلى من
حديث أم عطية وعليه عول الأئمة
قوله (توفيت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم) هي زينب زوج أبي العاص بن الربيع كما في مسلم
وهو المشهور وقيل إنها أم كلثوم زوج عثمان كما في ابن ماجة ولفظه دخل علينا ونحن نغسل ابنته
أم كلثوم وكذا وقع لابن بشكوال في المبهمات عن أم عطية والدولابي في الذرية الطاهرة قال
الحافظ ابن حجر في الفتح فيمكن ترجيح أنها أم كلثوم بمجيئه من طرق متعددة ويمكن الجمع
بأن تكون أم عطية حضرتهما جميعا فقد جزم ابن عبد البر في ترجمتها بأنها كانت غاسلة الميتات
(من ذلك) بكسر الكاف لأنه خطاب للمؤنث (إن رأيتن) أي إن احتجتن إلى أكثر من ثلاث أو
خمس للإنقاء لا للتشهي فافعلنه قاله الطيبي (واغسلنها بماء وسدر) قال القاضي هذا لا يقتضي
استعمال السدر في جميع الغسلات والمستحب استعماله في الكرة الأولى ليزيل الأقذار ويمنع عنه
تسارع الفساد ويدفع الهوام قال ابن الهمام الحديث يفيد أن المطلوب المبالغة في التنظيف لا
أصل التطهير وإلا فالماء كاف فيه ولا شك أن تسخين الماء كذلك مما يزيد في تحقيق المطلوب فكان
مطلوبا شرعيا وعند الشافعي لا يغلى قيل يبدأ بالقراح أولا ليبتل ما عليه من الدرن أولا فيتم قلعه
بالماء والسدر ثم يحصل تطييب البدن بعد النظافة بماء الكافور والأولى أن يغسل الأوليان بالماء
والسدر كما هو ظاهر كتاب الهداية وأخرج أبو داود عن ابن سيرين أنه كان يأخذ الغسل عن أم
عطية يغسل بالسدر مرتين والثالث بالماء والكافور وسنده صحيح كذا في المرقاة
قلت قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر حديث أبي داود هذا نقلا عن النووي
إسناده على شرط البخاري ومسلم انتهى وسكت عنه أبو داود والمنذري
تنبيه وقع في المرقاة المطبوعة قال القاضي هذا لا يقتضي استعمال السدر في جميع
الغسلات الخ قلت الظاهر أن يكون هذا يقتضي استعمال السدر في جميع الغسلات بحذف
كلمة لا كما قال الزين بن المنير ظاهره أن السدر يخلط في كل مرة من مرات الغسل لأن قوله بماء
وسدر يتعلق بقوله اغسلنها انتهى (كافورا أو شيئا من كافور) شك من الراوي أي اللفظين قال
56

والأول محمول على الثاني لأنه نكرة فيصدق بكل شئ منه (فآذنني) بالمد وكسر الذال وتشديد النون
الأولى أمر لجماعة النساء من الإيذان وهو الإعلام والنون الأولى أصلية ساكنة والثانية ضمير فاعل
وهي مفتوحة والثالثة للوقاية (فألقى إلينا حقوه) بفتح المهملة ويجوز كسرها بعدها قاف ساكنة
والمراد به هنا الإزار كما وقع مفسرا في رواية للبخاري والحقو في الأصل معقد
الإزار وأطلق على الإزار مجازا قاله الحافظ (أشعرنها به) أي بالحقو في النهاية أي اجعلنه شعارها والشعار الثوب
الذي يلي الجسد لأنه يلي شعره قال الطيبي أي اجعلن هذا الحقو تحت الأكفان بحيث يلاصق
بشرتها والمراد إيصال البركة إليها
قوله (وفي حديث غير هؤلاء) أي خالد ومنصور وهشام (وضفرنا شعرها) الضفر فتل
الشعر قال الطيبي من الضفيرة وهي النسج ومنه ضفر الشعر وإدخال بعضه في بعض (ثلاثة
قرون) أي ثلاث ضفائر ووقع في رواية للبخاري ناصيتها وقرينها أي جانبي رأسها وفي رواية
أخرى للبخاري أنهن جعلن رأس بنت النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة قرون نقضنه ثم غسلنه ثم جعلنه ثلاثة
قرون (فألقيناه خلفها) أي فألقينا الشعر خلف ظهرها قال الحافظ في فتح الباري واستدل به
على ضفر شعر الميت خلافا لمن منعه فقال ابن القاسم لا أعرف الضفر بل يكف وعن
الأوزاعي والحنفية يرسل شعر الميت خلفها وعلى وجهها مفرقة قال القرطبي وكأن سبب
الخلاف أن الذي فعلته أم عطية هل استندت فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أم فعلته استحسانا كلا الأمرين
محتمل لكن الأصل أن لا يفعل بالميت شئ من جنس القرب إلا بإذن من الشرع محقق ولم يرد
ذلك مرفوعا كذا قال وقال النووي الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره قال الحافظ ابن حجر
وقد رواه سعيد بن منصور بلفظ الأمر عن أم عطية قالت قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اغسلنها وترا واجعلن شعرها ضفائر وأخرج ابن حبان في صحيحه عن أم عطية اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا
واجعلن لها ثلاثة قرون انتهى (وفي الباب عن أم سليم) لينظر من أخرجه
قوله (حديث أم عطية حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
57

قوله (قد روي عن إبراهيم النخعي أنه قال غسل الميت كالغسل من الجنابة) يعني يراعى
في غسل الميت ما يراعى في الغسل من الجنابة
قوله (وقال مالك بن أنس ليس لغسل الميت عندنا حد مؤقت وليس لذلك صفة
معلومة) قال مالك في الموطأ وليس لغسل الميت عندنا حد موصوف وليس لذلك صفة معلومة
ولكن يغسل فيطهر انتهى
قلت بل له حد موصوف وصفة معلوم فيغسل الميت وترا ثلاثا أو خمسا أو
سبعا أو أكثر من ذلك إن رأى الغاسل ويبدأ بميامنه ومواضع الوضوء منه ويغسل بماء وسدر
ويجعل في الغسلة الأخيرة الكافور وإن كان الميت امرأة فيضفر شعر رأسها ثلاثة قرون ويجعل
خلفها وهذه الصفات كلها قد جاءت في حديث أم عطية الصحيح المتفق عليه فلا حاجة إلى
القول المجمل بأنه ليس لغسل الميت حد موصوف وليس لذلك صفة معلومة (قال الشافعي إنما
قال مالك قول مجملا يغسل وينقى) ولم يفصل ولم يبين (وإذا أنقي) بصيغة المجهول من الانقاء
(بماء القراح) قال في القاموس القراح كسحاب الماء لا يخالطه ثفل من سويق وغيره والخالص
كالقريح (ولا يرى) وفي بعض النسخ أو لا يرى بهمزة الاستفهام (ولم يؤقت) من التوقيت أي لم
يحدد والمعنى أن المقصود من قوله اغسلنها ثلاثا أو خمسا هو الإنقاء لا التحديد فإن حصل النقاء
والطهارة بأقل من ثلاث مرات أجزأ
قوله (وكذلك قال الفقهاء وهم أعلم بمعاني الحديث) المراد بالفقهاء الفقهاء من المحدثين
كسفيان الثوري والإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل وعبد الله بن المبارك
وإسحاق بن راهويه وغيرهم وقد صرح الترمذي بذلك في كتاب العلل
58

قوله (وقال أحمد وإسحاق وتكون الغسلات بماء وسدر) أي قالا بكون جميع الغسلات
بالماء والسدر لإطلاق قوله صلى الله عليه وسلم واغسلنها بماء وسدر وظاهره أن السدر يخلط في كل مرة من مرات
الغسل (ويكون في الآخرة) أي في الغسلة الآخرة (شئ من كافور) قال ابن العربي وقد قالوا
الأولى بالماء القراح والثانية بالماء والسدر والثالثة بالماء والكافور وقد قال النخعي لا يجعل الكافور
في الماء وليس هذا في لفظ الحديث ولم يقتضيه بلفظ الحديث من خلط الماء بالسدر والكافور انتهى
ما جاء في المسك للميت
قوله (حدثنا سفيان بن وكيع) بي الجراح الرواسي الكوفي أبو محمد قال البخاري
يتكلمون فيه وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم لين (حدثنا أبي) هو وكيع بن الجراح أبو سفيان
أحد الأئمة الأعلام ثقة حافت (عن خليد) بالتصغير (بن جعفر) بن طريف الحنفي البصري
صدوق لم يثبت أن ابن معين ضعفه قاله الحافظ
قوله (فقال هو أطيب طيبكم) أي أفضله فهو أفخر أنواعه وسيدها وتقديم العنبر عليه
خطأ كما قال ابن القيم ومطابقة الحديث للباب بأن من المعلوم أن الطيب سنة للميت والمسك فرد
من الطيب بل هو من أفضل أفراده فهو أيضا سنة له تنبيه
قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية ص بعد ذكر هذا الحديث أخرجه مسلم
في الطب وأخرجه أبو داود والنسائي في الجنائز وبوبا عليه باب الطيب للميت قال ولم أعرف
مطابقته للباب انتهى قلت ليس في واحدة من نسخ أبي داود الموجودة عندنا باب الطيب للميت
بل وقع في جميعها باب في المسك للميت ووقع في نسخة النسائي المطبوعة الموجودة عندنا المسك
وليس فيها لفظ باب ولا لفظ للميت فالحديث مطابق لتبويبها كما عرفت
59

قوله (وهو قول أحمد وإسحاق واستدل لهما بحديث الباب وما أخرج الحاكم في
المستدرك عن أبي وائل) قال كان عند علي رضي الله تعالى عنه مسك فأوصى أن يحنط به وقال هو
فضل حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى وسكت ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه ورواه البيهقي في سننه
قال النووي إسناده حسن وبما أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن سلمان أنه استودع امرأته مسكا
وقال إذا مت فطيبوني به فإنه يحضرني خلق من خلق لا ينالون من الطعام والشراب يجدون الريح
انتهى
قوله (وقد كره بعض أهل العلم المسك للميت) لم أقف على وجه الكراهة والحق هو
الجواز قوله (وقد رواه المستمر بن الريان الخ) بفتح الراء المهملة وشدة التحتانية وأخرج
روايته مسلم وأبو داود والنسائي قوله (قال علي) وهو علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح
السعدي مولاهم أبو الحسن ابن المديني البصري ثقة ثبت إمام أعلم أهل عصره بالحديث وعلله
(قال يحيى بن سعيد) بن فروخ أبو سعيد القطان أحد أئمة الجرح والتعديل
ما جاء في الغسل من غسل الميت
قوله (من غسله الغسل) وفي رواية أبي داود من
طريق عمرو بن عمير عن أبي هريرة
بلفظ من غسل الميت فليغتسل ومن حمله فليتوضأ (يعني الميت) هذا تفسير من بعض الرواة
للضمير المجرور في قوله من غسله ومن حمله
60

قوله (وفي الباب عن علي) أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما ولفظ أبي داود قال قلت
للنبي صلى الله عليه وسلم إن عمك الشيخ الضال قد مات قال اذهب فوار أباك ثم لا تحدثن شيئا حتى تأتيني
فذهبت فواريته وجثته فأمرني فاغتسلت ودعا لي انتهى قال الحافظ مدار كلام البيهقي على أنه
ضعيف ولا يتبين وجه ضعفه قال وقع عند ابن أبي شيبة في مصنفه بلفظ فقلت إن عمك
الشيخ الكافر قد مات فما ترى فيه قال أرى أن تغسله وتجنه كذا في التلخيص (وعائشة) أخرجه
أبو داود وغيره بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من أربع من الجنابة ويوم الجمعة ومن الحجامة
ومن غسل الميت انتهى والحديث ضعيف
قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن) قال الحافظ في الفتح هو معلول لأن أبا صالح لم
يسمعه من أبي هريرة وقال ابن أبي حاتم عن أبيه الصواب عن أبي هريرة موقوف انتهى
وقال في التلخيص بعد ما ذكر طرقا عديدة لحديث أبي هريرة هذا ما لفظه وفي الجملة هو بكثرة
طرقه أسوأ أحواله أن يكون حسنا فإنكار النووي على الترمذي تحسينه معترض وقد قال
الذهبي في مختصر البيهقي طرق هذا الحديث أقوى من عدة أحاديث احتج بها الفقهاء ولم يعلوها
بالوقف بل قدموا رواية الرفع انتهى قلت الحق أن حديث أبي هريرة هذا بكثرة طرقه وشواهده
لا ينزل عن درجة الحسن وقد صحح هذا الحديث ابن حبان كما ذكره الحافظ في التلخيص
قوله (فقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إذا غسل ميتا فعليه
الغسل) أي فالغسل عليه واجب وروي ذلك عن علي وأبي هريرة واستدلوا على الوجوب
بحديث الباب وما في معناه فإنه بظاهره يدل على الوجوب وقال مالك بن أنس أستحب الغسل
من غسل الميت ولا أرى ذلك واجبا وهكذا قال الشافعي وقال أحمد من غسل ميتا أرجو أن
لا يجب عليه الغسل واستدل هؤلاء أيضا بحديث الباب لكنهم حملوا الأمر فيه على الاستحباب
لحديث ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس عليكم في غسل
ميتكم غسل إذا غسلتموه إن ميتكم يموت طاهرا وليس بنجس فحسبكم أن تغسلوا أيديكم أخرجه البيهقي وقد حسن الحافظ
إسناده وقال فيجمع بينه وبين الأمر في حديث أبي هريرة بأن الأمر على الندب أو المراد بالغسل
61

غسل الأيدي كما صرح به في هذا الحديث انتهى ولحديث ابن عمر رضي الله عنه كنا نغسل الميت
فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل قال الحافظ في التلخيص إسناده صحيح وهو يؤيد أن الأمر
في حديث أبي هريرة للندب وهو أحسن ما جمع به بين مختلف هذه الأحاديث انتهى ولحديث أسماء
بنت عميس امرأة أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنها غسلت أبا بكر حين توفي ثم خرجت فسألت
من حضرها من المهاجرين فقالت إن هذا يوم شديد البرد وأنا صائمة فهل على من غسل قالوا
لا رواه مالك في الموطأ قال الشوكاني في النيل وهو من الأدلة الدالة على استحباب الغسل
دون وجوبه وهو أيضا من القرائن الصارفة عن الوجوب فإنه يبعد غاية البعد أن يجهل أهل
ذلك المجمع الذين هم أعيان المهاجرين والأنصار واجبا من الواجبات الشرعية ولعل
الحاضرين منهم جل المهاجرين وأجلهم لأن موت مثل أبي بكر حادث لا يظن بأحد من
الصحابة الموجودين في المدينة أن يتخلف عنه وهم في ذلك الوقت لم يتفرقوا كما تفرقوا من بعد
انتهى وقال فيه والقول بالاستحباب هو الحق لما فيه من الجمع بين الأدلة بوجه مستحسن
انتهى (وقد روي عن عبد الله بن المبارك أنه قال لا يغتسل ولا يتوضأ من غسل الميت) استدل
من ذهب إلى عدم استحباب الاغتسال من غسل الميت بحديث ابن عباس المذكور وبحديث
أسماء بنت عميس المذكور وأجابوا عن حديث الباب بأنه ضعيف قال علي بن المديني وأحمد بن
حنبل لا يصح في الباب شئ وقال الذهلي لا أعلم فيه حديثا ثابتا ولو ثبت للزمنا استعماله
وقال الرافعي لم يصحح علماء الحديث في هذا الباب شيئا مرفوعا وقد عرفت أن الحق أن حديث الباب
بكثرة طرقه وشواهده لا ينحط عن درجة الحسن وأجابوا أيضا بأن حديث الباب منسوخ وقد جزم
به أبو داود ونقله عن أحمد وفيه أن النسخ لا يثبت بالاحتمال بل إذا وجد ناسخ صريح وهو متأخر
ما يستحب من الأكفان
قوله (البسوا) بفتح الباء (من ثيابكم) من تبعيضية أو بيانية مقدمة (البياض) أي ذات
62

البياض (فإنها) أي الثياب البيض (وكفنوا فيها موتاكم) قال القاري الأمر فيه للاستحباب قال
ابن الهمام وأحبها البياض ولا بأس بالبرد والكتان للرجال ويجوز للنساء الحرير والمزعفر
والمعصفر اعتبارا للكفن باللباس في الحياة انتهى قال النووي استحباب التكفين في البياض
مجمع عليه
قوله (وفي الباب عن سمرة) أخرجه أحمد والنسائي والترمذي (وابن عمر) أخرجه ابن
عدي في الكامل (وعائشة) أخرجه الشيخان بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب يمانية
بيض سحولية إلخ وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها الشوكاني في النيل
قوله (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) أخرجه الخمسة إلا النسائي كذا في
المنتقى وصححه ابن القطان (وقال ابن المبارك أحب إلى أن يكفن في ثيابه التي كان يصلي فيها)
لأنها ثياب عبادة قد تعبد فيها وروى ابن سعد عن طريق القاسم بن محمد بن أبي بكر قال
أبو بكر كفنوني في ثوبي اللذين كنت أصلي فيهما كذا في فتح الباري في تذكرة الحفاظ
للذهبي قال الزهري إن سعدا لما احتضر دعا بخلق جبة صوف وقال كفنوني فيها فإني قاتلت
فيها يوم بدر إنما خبأتها لهذا
قوله (ويستحب حسن الكفن) يأتي بيان حسنه في الباب الآتي
باب
قوله (فليحسن) ضبط بفتح الحاء وإسكانها قال النووي كلاهما صحيح (كفنه) قال
63

السيوطي في قوت المغتذي المشهور في رواية هذا الحديث فتح الفاء وحكى بعضهم سكونها على
المصدر انتهى والمراد بإحسان الكفن نظافته ونقاؤه وكثافته وستره وتوسطه وكونه من جنس لباسه
في الحياة لا أفخر منه ولا أحقر وليس المراد بإحسانه السرف والمغالاة ونفاسته لحديث علي رضي
الله عنه مرفوعا لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سلبا سريعا رواه أبو داود
قوله (وفيه عن جابر) أخرجه مسلم قوله (قال سلام) بتشديد اللام وسلام هذا هو
شيخ ابن المبارك ثقة صاحب سنة في رواية عن قتادة ضعف من السابعة قاله الحافظ (هو الصفا)
أي النظيف (وليس بالمرتفع) أي في الثمن
ما جاء في كم كفن النبي صلى الله عليه وسلم
قوله (يمانية) بتخفيف الياء على اللغة الفصيحة المشهورة وحكى سيبويه والجوهري
وغيرهما لغة في تشديدها وجه الأول أن الألف بدل من ياء النسبة فلا يجتمعان فيقال يمنية أو يمانية
بالتخفيف وكلاهما نسبة إلى اليمن (ليس فيها قميص ولا عمامة) فيه دليل على أن القميص ليس
بمستحب في الكفن وهو قول الجمهور وقال مالك والحنفية باستحبابه وأجابوا عن قول عائشة
رضي الله عنها ليس فيها قميص ولا عمامة بأنه يحتمل نفي وجودهما ويحتمل أن يكون
المراد نفي المعدود أي الثلاثة خارجة عن القميص والعمامة وهما زائدان وأن يكون معناه ليس فيها قميص
جديد أوليس فيها القميص الذي غسل فيه أوليس فيها قميص مكفوف الأطراف ويجاب
بأن الاحتمال الأول هو الظاهر وما عداه متعسف فلا يصار إليه كذا في النيل
قوله (فذكروا لعائشة قولهم في ثوبين وبرد حبرة) بكسر الحاء المهملة وفتح الموحدة ما كان
64

من البرود مخططا وروى أبو داود عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثوبين وبرد حبرة انتهى قال
الحافظ في الفتح إسناده حسن لكن روى مسلم والترمذي من حديث عائشة أنهم نزعوها عنه
انتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة
قوله (كفن حمزة بن عبد المطلب) عم رسول الله صلى الله عليه وسلم (في نمرة) بفتح نون وكسر ميم هي
شملة فيها خطوط بيض وسود أو بردة من صوف يلبسها الأعراب كذا في القاموس (في ثوب
واحد) بدل من في نمرة وروى أحمد في سنده عن خباب أن حمزة لم يوجد له كفن إلا بردة ملحاء
إذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه حتى مدت على رأسه وجعل على قدميه الأذخر انتهى
قوله (وفي الباب عن علي) أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد والبزار بلفظ قال كفن النبي صلى الله عليه وسلم
في سبعة أثواب وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل وهو سئ الحفظ لا يصلح الاحتجاج
بحديثه إذا خالف الثقات كما هنا كذا في النيل (وابن عباس) أخرجه أحمد وأبو داود بلفظ أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب قميصه الذي مات فيه وحلة نجرانية الحلة ثوبان وفي إسناده
يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف كبر فتغير قاله الحافظ (وعبد الله بن مغفل) لينظر من أخرجه
(وابن عمر) أخرجه الحاكم بمعنى حديث علي المذكور
قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه الجماعة (والعمل على هذا عند أكثر
أهل العلم) أي عمل أكثر أهل العلم على أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا
65

عمامة وهو قول مالك والشافعي وأحمد بن حنبل قال القاري في المرقاة نقلا عن المواهب قال
مالك والشافعي وأحمد يستحب أن يكون الثلاث لفائف ليس فيها قميص ولا عمامة وقال
الحنفية الأثواب الثلاثة إزار وقميص ولفافة انتهى
قوله (يجزئ ثوب واحد الخ) قال الحافظ في الفتح إن الثلاث في حديث عائشة ليست
شرطا في الصحو إنما هو مستحب وهو قول الجمهور واختلف فيما إذا شح بعض الورثة بالثاني
أو الثالث والمرجح أنه لا يلتفت إليه وأما الواحد الساتر لجميع البدن فلا بد منه بالاتفاق
انتهى
قوله (وقالوا تكفن المرأة في خمسة أثواب) لحديث ليلى بنت قائف الثقفية قالت كنت
فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاتها وكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخفا ثم
الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد ذلك في الثوب الآخر الحديث رواه أحمد وأبو داود
وقال القاضي ابن العربي في العارضة قوله في هذا الحديث أم كلثوم وهم إنما هي زينب لأن أم
كلثوم توفيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم غائب ببدر انتهى
ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت
قوله (لما جاء نعي جعفر) أي ابن أبي طالب أي خبر موته بمؤتة وهي موضع عند تبوك سنة
ثمان (ما يشغلهم) بفتح الياء والغين وقيل بضم الأول وكسر الثالث قال في القاموس شغله
كمنعه شغلا ويضم وأشغله لغة جيدة أو قليلة أو رديئة والمعنى جاءهم ما يمنعهم من الحزن عن
تهيئة الطعام لأنفسهم فيحصل الهم والضرر وهم لا يشعرون قال الطيبي دل على أنه يستحب
66

للأقارب والجيران تهيئة طعام لأهل الميت انتهى قال ابن العربي في العارضة والحديث أصل في
المشاركات عند الحاجة وصححه الترمذي والسنة فيه أن يصنع في اليوم الذي مات فيه لقوله
صلى الله عليه وسلم فقد جاءهم ما يشغلهم عن حالهم فحزن موت وليهم اقتضى أن يتكلف لهم عيشهم وقد
كانت للعرب مشاركات ومواصلات في باب الأطعمة باختلاف الأسباب وفي حالات اجتماعها
انتهى قال القاري والمراد طعام يشبعهم يومهم وليلتهم فإن الغالب أن الحزن الشاغل عن تناول
الطعام لا يستمر أكثر من يوم ثم إذا صنع لهم ما ذكر سن أن يلح عليهم في الأكل لئلا يضعفوا
بتركه استحياء أو لفرط جزع انتهى وقال ابن الهمام ويستحب لجيران أهل الميت والأقرباء
الأباعد تهيئة طعام يشبعهم يومهم وليلتهم لقوله صلى الله عليه وسلم اصنعوا لآل جعفر طعاما وقال يكره اتخاذ
الضيافة من أهل الميت لأنه شرع في السرور لا في الشرور وهي بدعة مستقبحة انتهى وقال
القاري واصطناع أهل البيت الطعام لأجل اجتماع الناس عليه بدعة مكروهة بل صح عن جرير
رضي الله عنه كنا نعده من النياحة وهو ظاهر في التحريم انتهى قلت حديث جرير رضي الله
عنه أخرجه أحمد وابن ماجة بلفظ قال كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه
من النياحة انتهى وإسناده صحيح
فإن قلت حديث جرير هذا مخالف لحديث عاصم بن كليب الذي رواه أبو داود في سننه
بسند صحيح عنه عن أبيه عن رجل من الأنصار قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على القبر يوصي لحافرا أوسع من قبل رجليه أوسع من قبل رأسه فلما رجع
استقبله داعي امرأته فأجاب ونحن معه فجئ بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم فأكلوا
الحديث رواه أبو داود والبيهقي في دلائل النبوة هكذا في المشكاة في باب المعجزات فقوله فلما
رجع استقبله داعي امرأته الخ نص صريح في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاب دعوة أهل البيت واجتمع
هو وأصحابه بعد دفنه وأكلوا فإن الضمير المجرور في امرأته راجع إلى ذلك الميت الذي خرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازته فما التوفيق بين هذين الحديثين المختلفين
قلت قد وقع في المشكاة لفظ داعي امرأته بإضافة لفظ امرأة إلى الضمير وهو ليس بصحيح
بل الصحيح داعي امرأة بغير الإضافة والدليل عليه أنه قد وقع في سنن أبو داود داعي امرأة
بغير الإضافة قال في عون المعبود داعي امرأة كذا وقع في النسخ الحاضرة وفي المشكاة داعي امرأته بالإضافة انتهى وروى هذا الحديث الإمام
أحمد في مسنده ص 293 ج 5 وقد وقع فيه أيضا داعي امرأة بغير الإضافة بل زاد فيه بعد داعي
امرأة لفظ من قريش فلما ثبت أن الصحيح في حديث عاصم بن كليب هذا لفظ داعي امرأة
بغير إضافة امرأة إلى الضمير ظهر أن حديث جرير المذكور ليس بمخالف لحديث عاصم بن
كليب هذا فتفكر هذا ما عندي والله تعالى أعلم
67

قوله (هذا حديث حسن) وصححه ابن السكن والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجة
قوله (وجعفر بن خالد هو ابن سارة) بمهملة وخفة راء وقيل بشدته كذا ذكر صاحب المغني
(وهو ثقة) ووثقه أيضا أحمد وابن معين والنسائي وغيرهم (روى عنه ابن جريج) وابن عيينة قال
البغوي لا أعلم روى عنه غيرهما كذا في تهذيب التهذيب
ما جاء في النهي عن ضرب الخدود
قوله (حدثني زبيد) بزاي موحدة مصغرا (الأيامي) بفتح الهمزة ويقال له اليامي بحذف
الهمزة أيضا
قوله (ليس منا) أي من أهل سنتنا وطريقتنا وليس المراد به إخراجه عن الدين ولكن
فائدة إيراده بهذا اللفظ المبالغة في الردع عن الوقوع في مثل ذلك كما يقول الرجل لولده عند
معاتبته لست منك ولست مني أي ما أنت على طريقتي وقيل المعنى ليس على ديننا الكامل أي
أنه خرج من فرع من فروع الدين وإن كان معه أصله قال الحافظ في الفتح ويظهر لي أن هذا
النفي يفسره التبري المذكور في حديث أبي موسى حيث قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة
والحالقة والشاقة وأصل البراءة الانفصال من الشئ وكأنه وعده بأن لا يدخله في شفاعته
مثلا قال وحكى عن سفيان أنه كان يكره الخوض في تأويله ويقول ينبغي أن يمسك عن ذلك
ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر انتهى (من شق الجيوب) جمع جيب بالجيم والموحدة وهو
ما يفتح من الثوب ليدخل فيه الرأس والمراد بشقه إكمال فتحه إلى آخره وهو من علامات
التسخط (وضرب الخدود) جمع الخد خص الخد بذلك لكونه الغالب في ذلك وإلا فضرب بقية
68

الوجه داخل في ذلك (ودعا بدعوة الجاهلية) أي بدعائهم يعني قال عند البكاء ما لا يجوز شرعا
مما يقول به أهل الجاهلية كالدعاء بالويل والثبور وكوا كهفاه وا جبلاه
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم
ما جاء في كراهية النوح
قوله (قران) بضم أوله وتشديد الراء (بن تمام) بتشديد الميم الأول ثقة
قوله (يقال له قرظة) بفتح القاف والراء والظاء المشالة أنصاري خزرجي كان أحد من
وجهه عمر إلى الكوفة ليفقه الناس وكان على يده فتح الري واستخلفه علي على الكوفة وجزم
ابن سعد وغيره بأنه مات في خلافته وهو قول ح ح مرجوح لما ثبت في صحيح مسلم أن وفاته حيث كان
المغيرة بن شعبة أميرا على الكوفة وكانت إمارة المغيرة على الكوفة من قبل معاوية من سنة إحدى
وأربعين إلى أن مات وهو عليها سنة خمسين كذا في فتح الباري (من نيح) مجهول ناح (ما نيح عليه)
أي ما دام نيح عليه وفي رواية الصحيحين من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة
قوله (وفي الباب عن عمر رضي الله عنه) أخرجه الشيخان والترمذي (وعلي) أخرجه ابن
أبي شيبة (وأبي موسى) أخرجه أحمد مرفوعا بلفظ الميت يعذب ببكاء الحي إذا قالت النائحة
وا عضداه وا ناصراه وا كاسباه حبذ الميت وقيل له أنت عضدها أنت ناصرها أنت كاسبها
إنتهى أخرجه الترمذي (وقيس بن عاصم) أخرجه النسائي (وأبي هريرة) أخرجه الترمذي
وأخرجه ابن عدي من حديث الحسن عن أبي هريرة بلفظ لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النائحة
69

والمستمعة وهو ضعيف ذكره الحافظ في التلخيص (وجنادة بن مالك) أخرجه الطبراني (وأنس)
وأخرج مسلم عن أنس أن عمر قال لحفصة أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المعول عليه يعذب في
قبره زاد ابن حبان قالت بلى كذا في التلخيص (وأم عطية) أخرجه الشيخان والنسائي أخرجه
البزار (وسمرة) أخرجه البزار أيضا (وأبي مالك الأشعري) أخرجه أحمد ومسلم مرفوعا بلفظ
أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب
والاستسقاء بالنجوم والنياحة الحديث وفي الباب أحاديث كثيرة مذكورة في عمدة القاري
صفحة 59 ج 4 قوله (حديث المغيرة بن شعبة حديث غريب حسن صحيح) أخرجه الشيخان
قوله (أربع في أمتي) أي خصال أربع كائنة في أمتي (من أمر الجاهلية) أي حال كونهن من
أمور الجاهلية وخصالها (لن يدعهن) بفتح الدال أي لن يتركهن (النياحة) هي قول وا ويلاه
وا حسرتاه والندبة عد شمائل الميت مثل وا شجاعاه وا أسداه وا جبلاه قاله القاري (والطعن في
الأحساب) جمع الحسب ومن يعده الرجل من الخصال التي تكون فيه كالشجاعة والفصاحة وغير
ذلك وقيل الحسب ما يعده الانسان من مفاخر آبائه قال ابن السكيت الحسب والكرم يكونان
في الرجل وإن لم يكن لآبائه شرف والشرف والمجد لا يكونان إلا بالآباء (والعدوي) بفتح العين
المهملة وسكون الدال المهملة قال الجزري في النهاية هو اسم من الأعداء كالرعوي والبقوي
من الإرعاء والإبقار يقال أعداه الداء يعديه إعداء وهو أن يصيبه مثل ما بصاحب الداء وذلك
أن يكون ببعير جرب مثلا فتنتقي مخالطته بإبل أخرى خدارا أن يتعدى ما به من الجرب إليها
فيصيبها ما أصابه وقد أبطله الاسلام لأنهم كانوا يظنون أن المرض بنفسه يتعدى فأعلمهم النبي
صلى الله عليه وسلم أنه ليس الأمر كذلك وإنما الله هو الذي يمرض وينزل الداء (أجرب بعير) أي صار ذا جرب
(من أجرب البعير الأول) هذا رد عليهم أي من أين صار فيهم الجرب (والأنواء مطرنا بنوء كذا
70

وكذا) الأنواء جمع نوء قال النووي في شرح مسلم نقلا عن الشيخ أبي عمر الصلاح النوء في
أصله ليس هو نفس الكوكب فإنه مصدر ناء النجم ينوء نوءا أي سقط وغاب وقيل نهض وطلع
وبيان ذلك أن ثمانية وعشرين نجما معروفة المطالع في أزمنة السنة كلها وهي المعروفة بمنازل
القمر الثمانية والعشرين يسقط في كل ثلاث عشرة ليلة منها نجم في المغرب مع طلوع الفجر
ويطلع آخر يقابله في المشرق من ساعته فكان أهل الجاهلية إذا كان عند ذلك مطر ينسبونه إلى
الساقط الغارب منهما وقال الأصمعي إلى الطالع منهما قال أبو عبيد ولم أسمع أن النوء
السقوط إلا في هذا الموضع ثم إن النجم نفسه قد يسمى نوأ تسمية للفاعل بالمصدر قال أبو
إسحاق الزجاج في أمالية الساقطة في المغرب هي الأنواء والطالعة في المشرق هي البوارج
إنتهى
كلام النووي
ما جاء في كراهية البكاء على الميت
قوله (الميت يعذب ببكاء أهله عليه) فيه دلالة على أنه لا يجوز البكاء على الميت لأنه
سبب لتعذيبه وإليه ذهب بعض أهل العلم كما ستعرف وقد حكى النووي إجماع العلماء
على اختلاف مذاهبهم أن المراد بالبكاء الذي يعذب الميت عليه هو البكاء بصوت ونياحة لا
بمجرد دمع العين
قوله (وفي الباب عن ابن عمر وعمران بن حصين) أما حديث ابن عمر فأخرجه
الشيخان بمثل حديث عمر رضي الله عنه ولأحمد ومسلم عنه بلفظ الميت يعذب في قبره بما نيح
عليه وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه النسائي مرفوعا بلفظ الميت يعذب بنياحة أهله
عليه الحديث
قوله (حديث مر حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
71

قوله (وقد كره قوم من أهل العلم البكاء على الميت وقالوا الميت يعذب ببكاء أهله عليه
الخ) وقد ذهب إلى هذا جماعة من السلف منهم عمر وابنه وروي عن أبي هريرة أنه رد هذه
الأحاديث وعارضها بقوله تعالى ولا تزر وإزرة وزر أخرى وروى عنه أبو يعلى أنه قال تالله
لئن انطلق رجل مجاهد في سبيل الله فاستشهد فعمدت امرأته سفها وجهلا فبكت عليه ليعذبن
هذا الشهيد بذنب هذه السفيهة وإلى هذا جنح جماعة من الشافعية منهم الشيخ أبو حامد وغيره
وذهب جمهور العلماء إلى تأويل هذه الأحاديث لمخالفتها للعمومات القرآنية وإثباتها لتعذيب من لا
ذنب له واختلفوا في التأويل فذهب جمهورهم كما قال النووي إلى تأويلها بمن أوصى بأن يبكى
عليه لأنه بسببه ومنسوب إليه قالوا وقد كان ذلك من عادة العرب كما قال طرفة بن العبد
إذا مت فأبكيني بما أنا أهله وشقي على الجيب يا أم معبد قال في الفتح
واعترض بأن التعذيب بسبب الوصية يستحق بمجرد صدور الوصية والحديث دال على أنه
إنما يقع عند الامتثال والجواب أنه ليس في السياق حصر لا يلزم من وقوعه عند الامتثال أن لا
يقع إذا لم يمتثلوا مثلا إنتهى قلت والحق هو ما ذهب إليه الجمهور من تأويل هذه الأحاديث
الصحيحة ولا وجه لردها مع إمكان التأويل ولهم تأويلات بعضها قريبة وبعضها بعيدة فتؤخذ
القريبة وتترك البعيدة وإن شئت الوقوف على هذه التأويلات فارجع إلى فتح الباري وغيره من
شروح البخاري (وقال ابن المبارك أرجو إن كان ينهاهم في حياتهم أن لا يكون عليه من ذلك
شئ) وهذا هو رجائي والله تعالى أعلم
قوله (حدثني أسيد بن أبي أسيد) بفتح الهمزة وكسر السين فيهما المراد أبو سعيد المديني
صدوق
قوله (ما من ميت) أي حقيقي أو مشرف على الموت (يموت) قال الطيبي هو كقول ابن
72

عباس يمرض المريض أو تضل الضالة فسمى المشارف للموت والمرض والضلال ميتا ومريضا
وضالة وهذه الحالة هي التي ظهرت على عبد الله بن رواحة إنتهى قلت وقصة عبد الله بن
رواحة أخرجها البخاري وقد ذكرتها في اخر هذا الباب يلهزانه) بفتح الهاء أي يضربانه
ويدفعانه وفي النهاية اللهز الضرب بجمع اليفي الصدر يقال لهزه بالرمح أي طعنه في الصدر
(أهكذا كنت) أي توبيخا وتقريعا
قوله (هذا حديث حسن غريب) قال الحافظ في التلخيص ورواه الحاكم وصححه
وشاهده في الصحيح عن النعمان بن بشير قال أغمي على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته تبكي
وتقول وا جبلاه وا كذا وا كذا فلما أفاق قال ما قلت شيئا إلا قيل لي أنت كذا فلما مات لم تبك عليه
ما جاء في الرخصة في البكاء على الميت
أي في الرخصة في البكاء الذي ليس به صوت ولا نياحة
قوله (عن عمرة) بفتح العين هي بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية
أكثرت عن عائشة رضي الله عنها ثقة من الثالثة
قوله (وذكر) بصيغة المجهول (لها) أي لعائشة (غفر الله لأبي عبد الرحمن) كنيته
عبد الله بن عمر رضي الله عنه وهذا من الآداب الحسنة المأخوذة من قوله تعالى (عفا الله عنك لم
أذنت لهم) فمن استغرب من غيره شيئا ينبغي أن يوطى ويمهد له بالدعاء إقامة لعذره فيما وقع منه
وأنه لم يتعمد ومن ثم زادت على ذلك بيانا واعتذارا بقولها (أما) بالتخفيف للتنبيه أو للافتتاح
يؤتي بها لمجرد التأكيد (إنه) أي ابن عمر (ولكنه نسي) أي مورده الخاص (أو أخطأ) أي في إرادته
73

العام (يبكي عليها) بصيغة المجهول (إنهم) أي اليهود (وإنها) أي اليهودية (لتعذب في قبرها) أي
لكفرها قال القاري في المرقاة ولا يخفي أن هذا الاعتراض وارد لو لم يسمع الحديث إلا في هذا
المورد وقد ثبت بألفاظ مختلفة وبروايات متعددة عنه وعن غيره غير مقيدة بل مطلقة دخل هذا
الخصوص تحت ذلك العموم فلا منافاة ولا معارضة فيكون اعتراضها بحسب اجتهادها انتهى
وقال الحافظ في فتح الباري قال القرطبي إنكار عائشة ذلك وحكمها على الراوي بالتخطئة أو النسيان أو على أنه سمع بعضا ولم يسمع بعضا بعيد لأن الرواة لهذا المعنى من الصحابة كثيرون
وهم جازمون فلا وجه للنفي مع إمكان حمله على محمل صحيح إنتهى
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه الشيخان
قوله (فقالت عائشة يرحمه الله لم يكذب ولكنه وهم الخ) وكذلك حكمت عائشة رضي الله
عنها على عمر رضي الله عنه أيضا التخطئة ففي رواية ابن عباس عن عائشة عند البخاري
ومسلم فقالت يرحم الله عمر والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه وقالت حسبكم القرآن قوله ولا
تزر وازرة وزر أخرى قال الحافظ في الفتح وهذه التأويلات عن عائشة متخالفة وفيه إشعار
بأنها لم ترد الحديث بحديث آخر بل بما استشعرته من معارضة القرآن قال الداودي رواية ابن
عباس عن عائشة بينت ما نفته عمرة وعروة عنها إلا أنها خصته بالكافر لأنها أثبتت أن الميت يزداد
عذابا ببكاء أهله فأي فرق بين أن يزداد بفعل غيره أو يعذب ابتداء انتهى
قوله (وفي الباب) أي في باب الرخصة في البكاء على الميت (عن ابن عباس) أخرجه أحمد
74

بلفظ قال ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكت النساء فجعل عمر يضربهن بسوطه فأخره
رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال مهلا يا عمر ثم قال إياكن ونعيق الشيطان ثم قال إنه مهما كان من
العين ومن القلب فمن الله عز وجل ومن الرحمة وما كان من اليد ومن اللسان فمن الشيطان انتهى
(وقرظة بن كعب) لينظر من أخرجه قوله (وأبي هريرة) أخرجه أحمد والنسائي قال مات ميت من آل
رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمع النساء يبكين عليه فقام عمر ينهاهن ويطردهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهن
يا عمر فإن العين دامعة والقلب مصاب والعهد قريب انتهى (وابن مسعود) لينظر من أخرجه
(وأسامة بن زيد أخرجه الشيخان قال أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إليه أن ابنا لي قبض فأتنا الحديث
وفيه ففاضت عيناه فقال سعد يا رسول الله ما هذا فقال هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده
فإنما يرحم الله من عباده الرحماء انتهى قوله
(حديث عائشة حديث حسن صحيح) أصل القصة رواها الشيخان
قوله (يجود بنفسه) أي يخرجها ويدفعها كما يدفع الانسان ماله قاله الحافظ (أو لم تكن
نهيت) بالبناء للفاعل على المشهور وضبطه بعضهم بالبناء للمفعول كذا في قوت المغتذي (صوت)
بالجر بدل من صوتين (خمش وجوه) مصدر خمشت المرأة وجهها خمشا إذا قشرت بالأظفار قاله أبو
الطيب السندي (ورنة الشيطان) بفتح راء وتشديد نون صوت مع بكاء فيه ترجيع كالقلقلة كذا في
مجمع البحار قال النووي في الخلاصة المراد به الغناء والمزامير قال وكذا جاء مبينا في رواية
البيهقي قال العراقي ويحتمل أن المراد به رنة النوح لا رنة الغناء ونسب إلى الشيطان لأنه ورد في
الحديث أول من ناح إبليس وتكون رواية الترمذي قد ذكر فيها أحد الصوتين فقط واختصر
75

الآخر ويؤيده أن في رواية البيهقي إني لم أنه عن البكاء إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين
صوت نغمة لهو ولعب ومزامير شيطان وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة وهذا
هو رحمة ومن لا يرحم لا يرحم كذا في قوت المغتذي
قوله (هذا حديث حسن) أصل قصة هذا الحديث في الصحيحين من حديث أنس رضي
الله عنه
باب في المشي أمام الجنازة
قوله (عن الزهري عن سالم عن أبيه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم الخ) أخرج هذا الحديث أحمد وأصحاب
السنن والدارقطني وابن حبان والبيهقي من حديث ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه به
قال أحمد إنما هو عن الزهري مرسل وحديث سالم فعل ابن عمر وحديث ابن عيينة وهم كذا
في التلخيص
قوله (عن الزهري قال كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يمشون أمام الجنازة) هذه الرواية
مرسلة ورواية سفيان المتقدمة عن الزهري موصولة والأصح الارسال كما صرح به الترمذي فيما
76

بعد قوله (وأخبرني سالم أن أباه) أي عبد الله بن عمر رضي الله عنه قوله (وفي الباب عن
أنس) أخرجه الترمذي
قوله (وأهل الحديث كلهم يرون أن الحديث المرسل في ذلك أصح) لكن البيهقي اختار
ترجيح الموصول لأنه من رواية ابن عيينة وهو ثقة حافظ وعن علي بن المديني قال قلت لابن عيينة
يا أبا محمد خالفك الناس في هذا الحديث فقال استيقن الزهري حدثني مرارا لست أحصيه يعيده
ويبديه سمعته من فيه عن سالم عن أبيه قال الحافظ في التلخيص وهذا لا ينفي عنه الوهم فإنه
ضابط لأنه سمعه منه عن سالم عن أبيه والأمر كذلك إلا أن فيه إدراجا لعل الزهري أدمجه إذ
حدث به ابن عيينة وفصله لغيره وقد أوضحته في المدرج بأتم من هذا وجزم أيضا بصحته ابن
المنذر وابن حزم انتهى كلام الحافظ
قوله (وهو قول الشافعي وأحمد) وهو قول مالك وهو مذهب الجمهور على ما صرح به
الحافظ في الفتح واستدلوا بحديث ابن عمر المذكور في الباب واستدلوا أيضا بما أخرج عبد
الرزاق في مصنفه عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه كان يضرب الناس يقدمهم أمام
جنازة زينب بنت جحش رضي الله عنها وبما أخرج ابن أبي شيبة حدثنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن
77

صالح مولى التوأمة قال رأيت أبا هريرة رضي الله تعالى عنه وأبا قتادة وابن عمر وأبا أسيد رضي الله عنهم
يمشون أمام الجنازة
ما جاء في المشي خلف الجنازة
قوله (عن يحيى إمام بني تيم الله) يحيى هذا بن عبد الله بن
الحارث الجابر أبو الحارث الكوفي لين الحديث من السادسة (عن أبي ماجد) قيل اسمه عائذ بن فضلة مجهول لم يرو
عنه غير يحيى الجابر من الثانية كذا في التقريب ويقال له أبو ماجدة أيضا كما في قوت المغتذي
قوله (فقال ما دون الخبب) هو سرعة المشي مع تقارب
الخطى كذا في قوت المغتذي
(فلا يبعد) قال العراقي يحتمل ضبطه وجهين أحدهما بناؤه للمفعول ويكون المراد أن حاملها يبعدها
عنه بسرعة بها لكونه من أهل النار ويحتمل أن يكون بفتح الياء والعين أيضا من بعد بالكسر يبعد
بالفتح إذا هلك انتهى (والجنازة متبوعة) أي حقيقة وحكما فيمشي خلفها (ولا تتبع) بفتح التاء
والباء وبرفع العين على النفي وبسكونها على النهي أي لا تتبع الناس هي فلا تكون عقيبهم وهو
تصريح بما علم ضمنا (ليس منها من تقدمها) أي لا يثبت له الأجر
78

قوله (فقال طائر طار فحدثنا) أشار إلى أنه مجهول (وبه يقول الثوري وإسحاق) وبه يقول
الأوزاعي واستدل لهم بحديث الباب وبما رواه سعيد بن منصور وغيره عن علي قال المشي خلفها
أفضل من المشي أمامها كفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ قال الحافظ إسناده حسن وهو
موقوف له حكم المرفوع لكن حكى الأثرم عن أحمد أنه تكلم في إسناده انتهى وفي الباب
أحاديث أخر ذكرها الحافظ الزيلعي في نصب الراية
قوله (وله حديثان عن ابن مسعود) الحديث الآخر ما رواه أبو الأحوص عن يحيى
التميمي عن أبي ماجدة عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عفو يحب العفو كذا في
الميزان وقوت المغتذي
قوله (ويحيى إمام بني تيم الله ثقة) قال العراقي هذا مخالف بقول الجمهور فقد ضعفه ابن
معين وأبو حاتم والنسائي والجوزجاني وقال البيهقي ضعفه جماعة من أهل النقل ثم قال فيه أحمد
وابن عدي لا بأس به كذا في قوت المغتذي (ويقال له يحيى الجابر ويقال له يحيى المجبر أيضا)
لأنه كان يجبر الأعضاء كذا في تهذيب التهذيب
باب ما جاء في كراهية الركوب خلف الجنازة
قوله (ألا تستحيون إن ملائكة الله الخ) إن هذه بكسر الهمزة قاله القاري والحديث يدل
79

على كراهة الركوب خلف الجنازة ويعارضه ما أخرج أبو داود عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال الراكب يسير خلف الجنازة والماشي يمشي خلفها وأمامها وعن يمينها ويسارها قريبا منها
الحديث والجمع بن هذين الحديثين بوجوه منها أن حديث المغيرة في حق المعذور بمرض أو شلل
أو عرج ونحو ذلك وحديث الباب في حق غير المعذور ومنها أن حديث الباب محمول على أنهم
كانوا قدام الجنازة أو طرفها فلا ينافي حديث المغيرة ومنها أن حديث المغيرة لا يدل على عدم
الكراهة وإنما يدل على الجواز فيكون الركوب جائزا مع الكراهة
قوله (وفي الباب عن المغيرة بن شعبة) أخرجه أبو داود وتقدم لفظه وأخرجه أحمد
والنسائي وابن ماجة بلفظ الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها (وجابر بن سمرة)
أخرجه مسلم والترمذي (حديث ثوبان قد روى عنه موقوفا) لم يتكلم الترمذي على حديث ثوبان
المرفوع المذكور بحسن ولا ضعف وفي إسناده أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف
باب ما جاء في الرخصة في ذلك
قوله (في جنازة ابن الدحداح) بفتح الدالين المهملتين وحائين مهملتين (وهو على فرس
له) أي حين رجع كما في الرواية الآتية (يسعى) قال العراقي روى بالياء والنون (وهو يتوقص به)
بالقاف المشددة والصاد المهملة أي يتثوب به وفي مصنف ابن أبي شيبة يتوقس بالسين
المهملة وهما نعتان كذا في قوت المغتذي وقال في المجمع أي يثب ويقارب الخطو قوله (عن الجراح) بتشديد
80

قوله (ورجع على فرس) فيه دليل على جواز الركوب عند الانصراف وقال العلماء
لا يكره الركوب في الرجوع من الجنازة اتفاقا لانقضاء العبادة كذا في المرقاة وقال النووي فيه
إباحة الركوب في الرجوع عن الجنازة وإنما يكره الركوب في الذهاب معها إنتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
ما جاء في الاسراع بالجنازة
قوله (يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم) أي يرفع الحديث إليه صلى الله عليه وسلم قوله (أسرعوا) أمر من الاسراع قال الحافظ في الفتح نقل ابن قدامة أن الأمر فيه
للاستحباب بلا خلاف بين العلماء وشذ ابن حزم فقال بوجوبه والمراد بالإسراع شدة المشي
وعلى ذلك حمله بعض السلف وهو قول الحنفية قال صاحب الهداية ويمشون بها مسرعين دون
الخبب وفي المبسوط ليس فيه شئ مؤقت غير أن العجلة أحب إلى أبي حنيفة وعن الشافعي
والجمهور المراد بالإسراع ما فوق سجية المشي المعتاد ويكره الإسراع الشديد ومال عياض إلى
نفي الخلاف فقال من استحبه أراد الزيادة على المشي المعتاد ومن كرهه أراد الإفراط فيه كالرمل
والحاصل أنه يستحب الإسراع بها لكن بحيث لا ينتهي إلى شدة يخاف معها حدوث مفسدة بالميت
أو مشقة على الحامل أو المشيع لئلا ينافي المقصود من النظافة أو إدخال المشقة على المسلم إنتهى
كلام الحافظ (بالجنازة) أي بحملها إلى قبرها (فإن تك) أي الجثة المحمولة قاله الحافظ وقال
القاري أي فلن تكن الجنازة قال المظهر الجنازة بالكسر الميت وبالفتح السرير فعلى هذا أسند
الفعل إلى الجنازة وأريد بها الميت (خيرا) أي ذا خير وفي رواية الشيخين صالحة (تقدموها) أي
الجنازة (إليه) أي الخير وفي رواية
الشيخين فإن تكن صالحة فخير تقدمونها إليه قال القاري
81

فإن كان حال ذلك الميت حسنا طيبا فأسرعوا به حتى يصل إلى تلك الحالة الطيبة عن قريب قال
الحافظ وفي الحديث استحباب المبادرة إلى دفن الميت لكن بعد أن يتحقق أنه مات أما مثل
المطعون والمفلوج والمسبوت فينبغي أن لا يسرع بدفنهم حتى يمضي يوم وليلة ليتحقق موتهم نبه
على ذلك ابن بزيزة إنتهى
قوله (وفي الباب عن أبي بكرة) أخرجه أبو داود من طريق عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه
أنه كان في جنازة عثمان بن أبي العاص وكنا نمشي مشيا خفيفا فلحقنا أبو بكرة فرفع سوطه فقال لقد
رأيتنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نرمل رملا انتهى وسكت عنه أبو داود والمنذري وقال النووي في
الخلاصة سنده صحيح قال العيني نرمل رملا من رمل رملان ورملانا إذا أسرع في المشي وهز
منكبيه ومراده الإسراع المتوسط ويدل عليه ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه من حديث
عبد الله بن عمرو أن أباه أوصاه قال إذا حملتني على السرير فامش مشيا بين المشيين وكن خلف
الجنازة فإن مقدمتها للملائكة وخلفها لبني آدم انتهى
قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة
ما جاء في قتلى أحد وذكر حمزة
قتلى جمع قتيل
قوله (قد مثل به) قال في الدر النثير مثلت بالقتيل جدعت أنفه أو أذنه أو مذاكيره أو شيئا
من أطرافه والاسم مثلة (لولا أن تجد) أن تحزن وتجزع (صفية) هي بنت عبد المطلب عمة
رسول الله صلى الله عليه وسلم وشقيقة حمزة رضي الله عنهما (حتى تأكله العافية) قال الخطابي هي السباع والطير
التي تقع على الجيف فتأكلها وتجمع على العوافي (حتى يحشر يوم القيامة من بطونها) إنما أراد ذلك
82

ليتم له به الأجر ويكمل ويكون كل البدن مصروفا في سبيله تعالى إلى البعث أو البيان أنه ليس
عليه فيما فعلوا به من المثلة تعذيب حتى إن دفنه وتركه سواء قاله أبو الطيب (بنمرة) بفتح نون
وكسر ميم بردة من صوف وغيره مخططة وقيل الكساء
قوله (ولم يصلى عليهم) واستدل به من قال بأن الشهيد لا يصلي عليه وسيجئ الكلام على هذه المسألة في باب ترك الصلاة على الشهيد
قوله (حديث أنس حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود وسكت عنه وذكر المنذري قول الترمذي هذا وأقره
باب اخر
قوله (ويركب الحمار) قال ابن الملك فيه دليل على أن ركوب الحمار سنة قال القاري
فمن استنكف من ركوبه كبعض المتكبرين وجماعة من جهلة الهند فهو أخس من الحمار انتهى
قلت كيف وقد قال تعالى (والخيل والبغال والحمير لتركوها وزينة) (وكان يوم بني قريظة)
بضم القاف وفتح الظاء المعجمة المشالة بوزن جهينة قبيلة من يهود خيبر وكانت هذه الوقعة لسبع
83

بقين من ذي القعدة سنة خمس (محطوم بحبل) أي مجعول في أنفه بحبل (من ليف) بكسر اللام
بالفارسية بوست درخمت خرما قال في القاموس خطمه بالخطام أي جعله على أنفه كخطمه به
أو جر أنفه ليضع عليه الخطام وهو ككتاب كل ما وضع في أنف البعير أي ونحوه لينقاد به (عليه)
أي على الفرس (إكاف ليف) بكسر الهمزة ويقال له الوكاف بالواو وهو للحمار كالسرج للفرس
وإكاف ليف بالإضافة وفي بعض النسخ إكاف من ليف
قوله (ومسلم الأعور يضعف) قال النسائي وغيره متروك كذا في الميزان (وهو مسلم بن
كيسان الملائي) بميم مضمومة وخفة لام وبياء في آخره نسبة إلى بيع الملاء نوع من الثياب كذا في
المعنى
باب
قوله (اختلفوا في دفنه) أي في موضع دفنه فقال بعضهم يدفن بمكة وقال الآخرون
بالمدينة في البقيع وقيل في القدس كذا في اللمعات (ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يحب أن
يدفن فيه) إكراما له حيث لم يفعل به إلا ما يحبه ولا ينافيه كراهة الدفن في البيوت لأن من
خصائص الأنبياء أنهم يدفنون حيث يموتون
قوله (هذا حديث غريب) قال المناوي ضعيف
لضعف ابن أبي مليكة انتهى قلت قد و
هم المناوي فإن ابن أبي مليكة ليس بضعيف بل هو ثقة وضعف هذا الحديث إنما هو لضعف
عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبيد الله بن أبي مليكة قال الحافظ في التقريب ضعيف وقال
الترمذي يضعف من قبل حفظه
84

باب آخر قوله (أذكروا محاسن موتاكم) محاسن جمع حسن على غير قياس والأمر للندب (وكفوا)
أمر للوجوب أي امتنعوا (عن مساويهم) جمع سوء على غير قياس أيضا قال حجة الاسلام غيبة
الميت أشد من الحي وذلك لأن عفو الحي واستحلاله ممكن ومتوقع في الدنيا بخلاف الميت وفي
الأزهار قال العلماء وإذا رأى الغاسل من الميت ما يعجبه كاستنارة وجهه وطيب ريحه وسرعة
انقلابه على المغتسل استحب أن يتحدث به وإن رأى ما يكره كنتنه وسواد وجهه أو بدنه أو
انقلاب صورته حرم أن يتحدث به كذا في المرقاة قوله (هذا حديث غريب) ورواه أبو داود وابن حبان
قوله (وعمران بن أنس مصري الخ) يعني أن عمران بن أنس اثنان مصري ومكي
والمصري أثبت وأقدم من المكي قاله الحافظ في التقريب
ما جاء في الجلوس قبل أن توضع
قوله (عن بشر بن رافع) الحارثي أبو الأسباط فقيه ضعيف الحديث (عن عبد الله بن
85

سليمان بن جنادة) بضم الجيم وبالنون ضعيف من السادسة (عن أبيه) سليمان بن جنادة منكر
الحديث من السادسة (عن جده) جنادة بن أبي أمية الأزدي ثقة
قوله (حتى توضع في اللحد) بفتح اللام وسكون الحاء الشق في جانب القبلة من القبر
فعرض له حبر) بفتح الحاء وتكسر أي عالم أي ظهر له صلى الله عليه وسلم عالم من اليهود (فجلس رسول الله
صلى الله عليه وسلم) أي بعد ما كان واقفا أو بعد ذلك (وقال خالفوهم) قال القاري فبقي القول بأن التابع لم
يقعد حتى توضع عن أعناق الرجال هو الصحيح انتهى قلت هذا الحديث ضعيف لأن في
إسناده بشر بن رافع وعبد الله بن سليمان وأباه سليمان جنادة وهؤلاء كلهم ضعفاء وقد روى
الشيخان وغيرهما عن أبي سعيد الخدري مرفوعا إذا رأيتم الجنازة فقوموا فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع قال الحازمي قد اختلف أهل العلم في هذا الباب فقال قوم من تبع جنازة فلا
يقعدن حتى توضع عن أعناق الرجال وممن رأى ذلك الحسن بن علي وأبو هريرة وابن عمر وابن
الزبير والأوزاعي وأهل الشام وأحمد وإسحاق وذكر إبراهيم النخعي والشعبي أنهم كانوا
يكرهون أن يجلسوا حتى توضع عن مناكب الرجال وبه قال محمد بن الحسن وخالفهم في ذلك
آخرون ورأوا الجلوس أولى واعتقدوا الحكم الأول منسوخا وتمسكوا في ذلك بأحاديث ثم ذكر
بإسناده حديث الباب وقال هذا حديث غريب أخرجه الترمذي في كتابه وقال بشر بن رافع ليس
بقوي في الحديث وقد روي هذا الحديث من غير هذا الطريق وفيه أيضا كلام ولو صح لكان
صريحا في النسخ غير أن حديث أبي سعيد أصح وأثبت فلا يقاومه هذا الإسناد ثم روى الحازمي
بإسناده عن علي رضي الله عنه قال قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أول ما قدمنا فكان النبي صلى الله عليه وسلم
لا يجلس حتى توضع الجنازة ثم جلس بعد وجلسنا معه فكان يؤخذ بالاخر فالاخر من أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث بهذه الألفاظ غريب أيضا ولكنه يشيد ما قبله انتهى كلام
الحازمي
86

باب فضل المصيبة إذا احتسب أي صبر وطلب الثواب
قوله (على شفير القبر) أي على طرفه (حدثني ضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب) بفتح
المهملة وسكون الراء وفتح الزاي ثم موحدة ثقة من الثالثة (قال الله لملائكته) أي ملك الموت
وأعوانه (قبضتم) على تقدير الاستفهام (ولد عبدي) أي روحه (فيقول قبضتم ثمرة فؤاده) أي
يقول ثانيا إظهارا لكمال الرحمة كما أن الوالد العطوف يسأل الفصاد هل فصدت ولدي مع أنه بأمره
ورضاه وقيل سمى الولد ثمرة فؤاده لأنه نتيجة الأب كالثمرة للشجرة (واسترجع) أي قال إنا
لله وإنا إليه راجعون (وسموه بيت الحمد) أضاف البيت إلى الحمد الذي قاله عند المصيبة لأنه
جزاء ذلك الحمد قاله القاري
باب ما جاء في التكبير على الجنازة
قوله (صلى على النجاشي) بفتح النون وتخفيف الجيم وبعد الألف شين معجمة ثم ياء
87

ثقيلة كياء النسب وقيل بالتخفيف وهو لقب من ملك الحبشة وحكى المطرزي عن بعضهم تشديد
الجيم وخطأه كذا في فتح الباري واسمه أصحمة بوزن أربعة وهو ممن آمن به صلى الله عليه وسلم ولم يره وكان
ردءا للمسلمين المهاجرين إليه مبالغا في الإحسان إليهم (فكبر أربعا) فيه دليل على أن التكبير على
الجنازة أربع تكبيرات وعليه عمل الأكثر
قوله (وفي الباب عن ابن عباس وابن أبي أوفى وجابر وأنس ويزيد بن ثابت) أما حديث
ابن عباس فأخرجه الحازمي في كتاب الاعتبار عنه قال آخر ما كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجنائز
أربعا وكبر عمر رضي الله عنه على أبي بكر أربعا وكبر عبد الله بن عمر على عمر أربعا وكبر
الحسن بن علي على علي أربعا وكبر الحسين على الحسن أربعا وكبرت الملائكة على آدم أربعا
وأخرجه الدارقطني مختصرا وهو حديث ضعيف وله طرق أخرى كلها ضعيفة ذكرها الزيلعي في
نصب الراية وأما حديث ابن أبي أوفى فأخرجه أحمد عن عبد الله بن أبي أوفى أنه مات له ابن فكبر
أربعا وقام بعد الرابعة قدر ما بين التكبيرتين يدعو ثم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هكذا
ورواه أبو بكر الشافعي في الغيلانيات من هذا الوجه وزاد ثم سلم عن يمينه وشماله ثم قال لا
أزيد على ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه وأما حديث
جابر فأخرجه الشيخان عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على أصحمة النجاشي فكبر عليه أربعا وأما حديث
أنس فأخرجه الحازمي في كتاب الناسخ والمنسوخ عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر على أهل بدر سبع
تكبيرات وعلي بني هاشم سبع تكبيرات وكان اخر صلاته أربعا حتى خرج من الدنيا قال وإسحاق واهي وقد روى اخر صلاته كبر أربعا من عدة روايات كلها ضعيفة كذا في نصب الراية
وقد روى أبو داود في سننه عن أنس حديثا طويلا وفيه فكبر أربع تكبيرات لم يطل ولم يسرع ورفعه إلى
النبي صلى الله عليه وسلم وأما حديث يزيد بن ثابت فأخرجه أحمد وابن ماجة وفيه ثم أتى القبر فصففنا خلفه
فكبر عليه أربعا
قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة
88

قوله (وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق)
وهو قول أبي حنيفة وقد استدلوا بحديث الباب قال الحافظ ابن حجر في الفتح وقد اختلف
السلف في ذلك فروى مسلم عن زيد بن أرقم أنه يكبر خمسا ورفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وروى ابن
المنذر عن ابن مسعود أنه صلى على جنازة رجل من بني أسد فكبر خمسا وروى ابن المنذر وغيره
عن علي أنه كان يكبر على أهل بدر ستا وعلى الصحابة خمسا وعلى سائر الناس أربعا وروى أيضا
بإسناد صحيح عن أبي معبد قال صليت خلف ابن عباس على جنازة فكبر ثلاثا قال ابن المنذر
ذهب أكثر أهل العلم إلى أن التكبير أربع وفيه أقوال أخر فذكر ما تقدم قال والذي نختار ما
ثبت عن عمر ثم ساق بإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب قال كان التكبير أربعا وخمسا فجمع
عمر الناس على أربع وروى البيهقي بإسناد حسن إلى أبي وائل قال كانوا يكبرون على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعا وستا وخمسا وأربعا فجمع عمر الناس على أربع كأطول الصلاة إنتهى
قوله (فإنه يتبع الامام) أي المقتدي يتبع الإمام قال العيني ظاهر كلام الخرقي أن
الامام إذا كبر خمسا تابعه المأموم ولا يتابعه في زيادة عليها ورواه الأثرم
عن أحمد وروى حرب عن أحمد إذا كبر خمسا لا يكبر معه ولا يسلم إلا مع الامام وممن لا يرى متابعة الامام في زيادة
على أربع الثوري ومالك وأبو حنيفة والشافعي واختاره ابن عقيل كذا ذكره العيني نقلا عن ابن
قدامة قلت الراجح عندي أن الامام إذا كبر خمسا تابعه المأموم
89

باب ما يقول في الصلاة على الميت
قوله (حدثني أبو إبراهيم الأشهلي) مقبول من الثالثة قيل إنه عبد الله بن أبي قتادة ولا
يصح قاله الحافظ في التقريب
قوله (صغيرنا وكبيرنا) ههنا إشكال وهو أن الصغير غير مكلف لا ذنب له فما معنى
الاستغفار له وذكروا في دفعه وجوها فقيل الاستغفار في حق الصغير لرفع الدرجات وقيل
المراد بالصغير والكبير الشاب والشيخ وقال التوربشتي عن الطحاوي أنه سئل عن معنى
الاستغفار للصبيان مع أنه لا ذنب لهم فقال معناه السؤال من الله أن يغفر له ما كتب في اللوح
المحفوظ أن يفعله بعد البلوغ من الذنوب حتى إذا كان فعله كان مغفورا وإلا فالصغير غير مكلف
لا حاجة له إلى الاستغفار (وذكرنا وأنثانا المقصود من القرائن الأربع الشمول والاستيعاب كأنه
قيل اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات كلهم أجمعين (قال يحيى) أي ابن أبي كثير (فأحيه على
الاسلام) أي الاستسلام والانقياد للأوامر والنواهي (فتوفه على الايمان) أي التصديق القلبي إذا
لا نافع حينئذ غيره ورواه أبو داود من طريق يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة وزاد اللهم لا
تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده ووقع في هذه الرواية اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان ومن
توفيته منا فتوفه على الإسلام قال الشوكاني في النيل ولفظ فأحيه علي الإسلام هو الثابت عند
الأكثر وعند أبي داود فأحيه على الإيمان وتوفه على الإسلام
قوله (وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف وعائشة وأبي قتادة وجابر وعوف بن مالك)
90

أما حديث عبد الرحمن وأبي قتادة وجابر فلينظر من أخرجه وأما حديث عائشة فأخرجه الحاكم
وأما حديث عوف بن مالك أخرجه مسلم
قوله (حديث والد أبي إبراهيم حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي ورواه أبو
داود والنسائي وغيرهما من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة (وروى هشام
الدستوائي الخ) قال ابن أبي حاتم سألت أبي عن حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي
هريرة فقال الحفاظ لا يذكرون أبا هريرة إنما يقولون أبو سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا لا يوصله
بذكر أبي هريرة إلا غير متقن والصحيح أنه مرسل وروى عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير
عن أبي سلمة عن عائشة الخ قال الحاكم بعد رواية حديث أبي هريرة المذكور وله شاهد
صحيح فرواه من حديث أبي سلمة عن عائشة نحوه وأعله الترمذي بقوله (وحديث عكرمة بن
عمار غير محفوظ وعكرمة ربما يهم في حديث يحيى) قال الحافظ في التقريب عكرمة بن عمار
العجلي أبو عمار اليمامي أصله من البصرة صدوق يغلط وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب
ولم يكن له كتاب (وروى عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم)
وقد توهم بعض الناس أن أبا إبراهيم المذكور هو عبد الله بن
أبي قتادة وهو غلط أبو إبراهيم من بني عبد الأشهل وأبو قتادة من بني سلمة قاله الحافظ في
التلخيص نقلا عن ابن أبي حاتم عن أبيه
91

قوله (ففهمت من صلاته) وفي رواية لمسلم فحفظت من دعائه وفي رواية أخرى له
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم على جنازة يقول (واغسله بالبرد) بفتحتين وهو حب الغمام قاله العيني
روى الترمذي هذا الحديث هكذا مختصرا ورواه مسلم مطولا ولفظه صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على
جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع
مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدله
دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر
ومن عذاب النار انتهى قال النووي فيه إشارة إلى الجهر بالدعاء في صلاة الجنازة وقد اتفق
أصحابنا على أنه إن صلى عليها بالنهار أسر بالقراءة وإن صلى بالليل ففيه وجهان الصحيح الذي
عليه الجمهور يسر والثاني يجهر وأما الدعاء فيسر به بلا خلاف وحينئذ يتأول هذا الحديث على أن
قوله حفظت من دعائه أي علمنيه بعد الصلاة فحفظته انتهى قلت ويرد هذا التأويل قوله في
رواية أخرى سمعت وقال القاري في المرقاة وهذا يعني قوله حفظت لا ينافي ما تقرر في الفقه من
ندب الإسرار لأن الجهر هنا للتعليم لا غير انتهى وقال الشوكاني في النيل قوله سمعت النبي
صلى الله عليه وسلم وكذا قوله فحفظت من دعائه يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالدعاء وهو خلاف ما صرح به
جماعة من استحباب الإسرار بالدعاء وقد قيل إن جهره صلى الله عليه وسلم بالدعاء لقصد تعليمهم وأخرج
أحمد عن جابر قال ما أباح لنا في دعاء الجنازة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر وفسر أباح
بمعنى قدر قال الحافظ والذي وقفت عليه باح بمعنى جهر والظاهر أن الجهر والإسرار بالدعاء
جائزان انتهى كلام الشوكاني
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم (وقال محمد بن إسماعيل أصح شئ
في هذا الباب هذا الحديث) أي حديث عوف بن مالك وقد ورد في هذا الباب أحاديث منها
ذكره الترمذي ومنها حديث وائلة بن الأصقع أخرجه أبو داود ومنها حديث عبد الله بن أبي
أوفى أخرجه أحمد وابن ماجة قال الحافظ ابن حجر واختلاف الأحاديث في ذلك محمول
على أنه يدعو لميته بدعاء ولآخر بآخر انتهى قال الشوكاني إذا كان المصلي عليه طفلا
92

استحب أن يقول المصلي اللهم اجعله لنا سلفا وفرطا وأجرا روى ذلك البيهقي من حديث
أبي هريرة وروى مثله سفيان في جامعه عن الحسن قال والظاهر أنه يدعو بهذه الألفاظ الواردة
في هذه الأحاديث سواء كان الميت ذكرا أو أنثى ولا يحول الضمائر المذكرة إلى صيغة التأنيث
إذا كانت الميت أنثى لأن مرجعها الميت وهو يقال على الذكر والأنثى انتهى
باب ما جاء في القراءة على الجنازة بفاتحة الكتاب
قوله (أخبرنا إبراهيم بن عثمان) هو أبو شيبة الواسطي قال الحافظ مشهور بكنيته متروك
الحديث (قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب) أي بعد التكبيرة الأولى وقد أخرج الشافعي والحاكم
عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على الميت أربعا وقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى ولفظ الحاكم
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر على جنائزنا أربعا ويقرأ بفاتحة الكتاب في التكبيرة الأول وفيه
إبراهيم بن محمد بن أبي يحي فقد وثقه جماعة منهم الشافعي وابن الأصبحاني وابن عدي وابن
عقدة وضعفه آخرون قاله ابن القيم في جلاء الأفهام وقد صرح العراقي في شرح الترمذي بأن
إسناد حديث جابر ضعيف
قوله (وفي الباب عن أم شريك) أخرجه ابن ماجة عنها قالت أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان
نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب وفي إسناده ضعف يسير كما قال الحافظ في التلخيص وفي الباب
أيضا عن أم عفيف النهدية قالت أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب على ميتنا رواه أبو نعيم
كذا في عمدة القاري وعن أبي أسامة بن سهل بن حنيف قال السنة في الصلاة على الجنازة أن
يكبر ثم يقرأ بأم القرآن ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخلص الدعاء للميت ولا يقرأ إلا في الأولى
أخرجه عبد الرزاق والنسائي قال الحافظ في الفتح إسناده صحيح انتهى قلت روى
النسائي في سننه قال أخبرنا قتيبة قال حدثنا الليث عن ابن شهاب عن أبي أمامة قال السنة في
الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافتة ثم تكبر ثلاثا والتسليم عند
93

الآخرة وقال النووي في الخلاصة إن إسناده على شرط الشيخين قاله العيني في شرح
البخاري
قوله (إبراهيم بن عثمان هو أبو شيبة الواسطي منكر الحديث) قال في التقريب بكنيته
متروك الحديث
قوله
(والصحيح عن ابن عباس قوله من السنة القراءة على الجنازة بفاتحة الكتاب) قال
الحافظ في الفتح بعد ذكر قول الترمذي هذا ما لفظه هذا مصير منه يعني من الترمذ إلى الفرق
بين الصيغتين (أي بين قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب وبين قوله من السنة القراءة
على الجنازة بفاتحة الكتاب ولعله أراد الفرق بالنسبة إلى الصراحة والاحتمال انتهى)
قوله (إن ابن عباس صلى على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب فقلت له فقال إنه من
السنة أو من تمام السنة) شك من الراوي وفي رواية النسائي فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة جهر حتى
أسمعنا فلما فرغ أخذت بيده فسألته فقال سنة وحق وللحاكم من طريق ابن عجلان أنه سمع
سعيد يقول صلى ابن عباس على جنازة فجهر بالحمد ثم قال إنما جهرت لتعلموا أنها
سنة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري والنسائي وابن حبان والحاكم
قوله (وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) وقولهم هو الحق يدل عليه أحاديث الباب (وقال
بعض أهل العلم لا يقرأ في الصلاة الخ) وهو قول أبي حنيفة رحمه الله قال محمد في موطأه
لا قراءة على الجنازة وهو قول أبي حنيفة رحمه الله انتهى واستدل لهم بحديث أبي هريرة مرفوعا
94

إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء رواه أبو داود وابن ماجة قلت هذا الاستدلال ليس
بشئ فإن المراد بقوله فأخلصوا له الدعاء ادعوا له بالإخلاص وليس فيه نفي القراءة على
الجنازة كيف وقد روى القاضي إسماعيل في كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي أمامة أنه قال
إن السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ بفاتحة الكتاب ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخلص الدعاء
للميت حتى يفرغ ولا يقرأ إلا مرة ثم يسلم وأخرجه ابن الجارود في المنتقى قال الحافظ
ورجاله مخرج لهم في الصحيحين ففي هذا الحديث أن السنة في الصلاة على الجنازة قراءة الفاتحة وإخلاص الدعاء للميت وكذا وقع الجمع بين القراءة
وإخلاص الدعاء للميت في رواية عبد
الرزاق وقد تقدمت هذه الرواية واستدل الطحاوي على ترك القراءة في التكبيرة الأولى بتركها في
باقي التكبيرات وترك التشهد قلت هذا الاستدلال أيضا ليس بشئ فإنه قياس في مقابلة
النص وأجابوا عن أحاديث الباب بأن قراءة الفاتحة في الصلاة على الجنازة كانت على وجه الدعاء قال الطحاوي ولعل قراءة من قرأ الفاتحة من الصحابة كانت على وجه
الدعاء لا على وجه التلاوة قلت هذا ادعاء محض لا دليل عليه فهو مما لا يلتفت إليه قال صاحب التعليق
الممجد قد صنف حسن الشرنبلالى من متأخري أصحابنا يعني الحنفية رسالة سماها بالنظم
المستطاب بحكم القراءة في صلاة الجنازة بأم الكتاب ورد فيها على من ذكر الكراهة بدلائل
شافية وهذا هو الأولى لثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه انتهى كلام صاحب التعليق
الممجد
فائدة قال الشوكاني في النيل ذهب الجمهور إلى أنه لا يستحب الجهر بالقراءة في صلاة الجنازة وتمسكوا بقول ابن عباس لم أقرأ أي جهرا إلا لتعلموا أنه سنة وبقوله في حديث أبي
أمامة سرا في نفسه انتهى كلام الشوكاني قلت وقع في حديث أبي أمامة عند النسائي السنة في
الصلاة على الجنازة أن يقرأ بأم القرآن مخافتة وقد تقدم هذا الحديث آنفا وأما لفظ سرا في نفسه
فقد وقع عند الشافعي فأخرج في مسنده أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري أخبرني
أبو أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر
الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرا في نفسه الحديث وأما قول ابن عباس
الذي ذكره الشوكاني فأخرجه الحاكم من طريق شرحبيل ابن سعد عن ابن عباس أنه صلى على
جنازة بالأبواء فكبر ثم قرأ الفاتحة رافعا صوته ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال اللهم عبدك وابن
95

عبدك الحديث وفي آخره ثم انصرف فقال يا أيها الناس إني لم أقرأ عليها أي جهرا إلا لتعلموا
أنها سنة قال الحافظ في الفتح وشرحبيل مختلف في توثيقه انتهى وأخرج ابن الجارود في المنتقى
من طريق زيد بن طلحة التيمي قال سمعت ابن عباس قرأ على جنازة فاتحة الكتاب وسورة
وجهر بالقراءة وقال إنما جهرت لأعلمكم أنها سنة وأخرجه أيضا من طريق طلحة بن عبد الله
قال صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة فجهر حتى سمعت الحديث
وقد تقدم رواية الحاكم بلفظ إنما جهرت لتعلموا أنها سنة قال الشوكاني وقيل يستحب الجهر
بالقراءة فيها واستدل على ذلك بما رواه النسائي من حديث ابن عباس فقد وقع فيه فقرأ بفاتحة
الكتاب وسورة وجهر فلما فرغ قال سنة وحق وقال بعض أصحاب الشافعي إنه يجهر بالليل
كالليلية انتهى كلام الشوكاني
قلت قول ابن عباس إنما جهرت لتعلموا أنها سنة يدل على أن جهره كان للتعليم وأما
قول بعض أصحاب الشافعي يجهر بالليل كالليلية فلم أقف على رواية تدل على هذا والله تعالى
أعلم
فائدة أخرى قد وقع في رواية النسائي التي ذكرتها آنفا فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة وهذا
يدل على أن السنة قراءة فاتحة الكتاب وسورة معها قال الشوكاني فيه مشروعية قراءة سورة مع
الفاتحة في صلاة الجنازة ولا محيص عن المصير إلى ذلك لأنها زيادة خارجة عن مخرج صحيح
انتهى قلت قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر أثر ابن عباس أنه قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب
وقال إنها سنة ما لفظه ورواه أبو يعلى في مسنده من حديث ابن عباس وزاد وسورة قال
البيهقي ذكر السورة غير محفوظ وقال النووي إسناده صحيح انتهى
باب كيف الصلاة على الميت والشفاعة له
قوله (عن مرثد) بفتح الميم وسكون الراء بالتاء المثلثة المفتوحة (بن عبد الله اليزني) بفتح
التحتانية والزاي بعدها نون ثقة فقيه قوله (كان مالك بن هبيرة) بالتصغير السكوني الكندي
صحابي نزل حمص ومصر مات في أيام مروان وكان أميرا لمعاوية رضي الله عنه على الجيوش
96

وغزو الروم (فتقال الناس عليها) تفاعل من القلة أي رآهم قليلا (جزأهم ثلاثة أجزاء) من التجزئة أي
فرقهم وجعل القوم الذين يمكن أن يكونوا صفا واحدا ثلاثة صفوف وفي رواية أبي داود جزأهم
ثلاثة صفوف قال القاري في المرقاة أي قسمهم ثلاثة أقسام أي شيوخا وكهولا وشبابا أو
فضلاء وطلبة العلم والعامة انتهى قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي بعد ذكر هذا
القول هذا بعيد جدا انتهى قلت لا شك في بعده بل الحق والصواب أن المراد جعلهم ثلاثة
صفوف كما في رواية أبي داود (ثم قال) أي استدلالا لفعله (من صلى عليه ثلاثة صفوف) وأقل
الصف أن يكون اثنين على الأصح قاله القاري قلت ولاحد لأكثره (فقد أوجب) في رواية أبي
داود وجبت له الجنة وفي رواية البيهقي غفر له كذا في قوت المغتذي فمعنى أوجب أي
أوجب الله عليه الجنة أو أوجب مغفرته وعدا منه وفضلا
قوله (وفي الباب عن عائشة) أخرجه مسلم والترمذي (وأم حبيبة) لم أقف على حديثها
(وأبي هريرة) أخرجه ابن ماجة بسند صحيح عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من صلى عليه مائة من
المسلمين غفر له كذا في فتح الباري (وميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) أخرجه النسائي من حديث أبي
المليح حدثني عبد الله عن إحدى أمهات المؤمنين وهي ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت أخبرني النبي
صلى الله عليه وسلم قال ما من ميت يصلي عليه أمة من الناس إلا شفعوا فيه فسألت أبا المليح عن الأمة قال
أربعون
قوله (حديث مالك بن هبيرة حديث حسن) وصححه الحاكم كما قال الحافظ في الفتح
وأخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري وأخرجه ابن ماجة
97

قوله (رضيع كان لعائشة) بالجر بدل من عبد الله بن يزيد قال الحافظ في التقريب
عبد الله بن يزيد رضيع عائشة بصري وثقه العجلي من الثالثة قلت قال في القاموس رضيعك
أخوك من الرضاعة
قوله (فليصلي عليه أمة) أي جماعة (فيشفعوا له) من المجرد أي دعوا له (إلا شفعوا فيه) من
التفعيل على بناء المفعول أي قبلت شفاعتهم (فيه) في حقه وروى مسلم عن ابن عباس مرفوعا
ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله
فيه وفي هذه الأحاديث استحباب تكثير جماعة الجنازة ويطلب بلوغهم إلى هذا العدد الذي
يكون من موجبات الفوز وقد قيد ذلك بأمرين الأول أن يكونوا شافعين فيه أي مخلصين له الدعاء
سائلين له المغفرة الثاني أن يكونوا مسلمين ليس فيهم من يشرك بالله شيئا كما في حديث ابن
عباس قال النووي في شرح مسلم قال القاضي قيل هذه الأحاديث خرجت أجوبة لسائلين
سألوا عن ذلك فأجاب كل واحد عن سؤاله قال ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بقبول شفاعة
مائة فأخبر به ثم بقبول شفاعة أربعين ثم ثلاثة صفوف وإن قل عددهم فأخبر به ويحتمل أيضا أن
يقال هذا مفهوم عدد ولا يحتج به جماهير الأصوليين فلا يلزم من الإخبار عن قبول شفاعة مائة
منع قبول ما دون ذلك وكذا في الأربعين مع ثلاثة صفوف وحينئذ كل الأحاديث معمول بها
ويحصل الشفاعة بأقل الأمرين من ثلاثة صفوف وأربعين انتهى كلام النووي وقال التوربشتي
لا تضاد بين هذه الأحاديث لأن السبيل في أمثال هذا المقام أن يكون الأقل من العددين متأخرا
على الأكثر لأن الله تعالى إذا وعد المغفرة لمعنى لم يكن من سنته النقصان من الفضل الموعود بعد
ذلك بل يزيد تفضلا فيدل على زيادة فضل الله وكرمه على عباده انتهى
قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) أخرجه مسلم والنسائي
قوله (وقد أوقفه بعضهم ولم يرفعه) قال النووي قال القاضي عياض رواه سعيد بن
منصور موقوفا على عائشة فأشار إلى تعليله بذلك وليس معللا لأن من رفعه ثقة وزيادة الثقة مقبولة
انتهى
98

باب ما جاء في كراهية الصلاة على الجنازة
عند طلوع الشمس وعند غروبها
قوله (ثلاث ساعات) أي أوقات (أن نصلي فيهن) هو بإطلاقه يشمل
صلاة الجنازة لأنها صلاة (أو نقبر فيهن موتانا) من باب نصر أي ندفن فيهن موتانا يقال قبرته إذا دفنته وأقبرته إذ
جعلت له قبرا يوارى فيه ومنه قوله تعالى (فأقبره) كذا في المرقاة وقال النووي وهو بضم الباء
الموحدة وكسرها لغتان انتهى (حين تطلع الشمس بازغة) أي طالعة ظاهرة حال مؤكدة (وحين
يقوم قائم الظهيرة) قال النووي الظهيرة حال استواء الشمس ومعناه حين لا يبقى للقائم في
الظهيرة ظل في المشرق ولا في المغرب انتهى وقال ابن حجر الظهيرة هي نصف النهار وقائمها
أما الظل وقيامه وقوفه من قامت به دابته وقفت والمراد بوقوفه بطوء حركته الناشئ من
بطوء حركة الشمس حينئذ باعتبار ما يظهر للناظر بادي الرأي وإلا فهي سائرة على
حالها وأما القائم فيها لأنه حينئذ لا يميل له ظل إلى جهة المشرق ولا إلى جهة المغرب وذلك كله
كناية عن وقت استواء الشمس في وسط السماء (حتى تميل) أي الشمس من المشرق إلى المغرب
وتزول عن وسط السماء إلى الجانب الغربي وميلها هذا هو الزوال قال ابن حجر ووقت الاستواء
المذكور وإن كان وقتا ضيقا لا يسع صلاة إلا أنه يسع التحريمة فيحرم تعمد التحريمة فيه
(وحين تضيف) بفتح التاء والضاد المعجمة وتشديد الياء أي تميل قاله النووي وأصل الضيف
الميل سمي الضيف لميله إلى من ينزل عليه
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة
99

قوله (وقال ابن المبارك معنى هذا الحديث أو أن نقبر فيهن موتانا يعني الصلاة) أي ليس
المراد بقوله أو نقبر الدفن كما هو الظاهر بل المراد صلاة الجنازة قلت قد حمل الترمذي قوله نقبر
فيهن موتانا على صلاة الجنازة ولذلك بوب عليه باب ما جاء في كراهية الصلاة على الجنازة عند
طلوع الشمس وعند غروبها ونقل في تأييده قول ابن المبارك وحمله أبو داود على الدفن الحقيقي
فإنه ذكره في الجنائز وبوب عليه باب الدفن عند طلوع الشمس وعند غروبها قال الزيلعي في
نصب الراية قد جاء بتصريح الصلاة فيه رواه الإمام أبو حفص عمر بن شاهين في كتاب الجنائز
من حديث خارجة بن مصعب عن ليث بن سعد عن موسى بن علي به قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن نصلي على موتانا عند ثلاث عند طلوع الشمس إلى آخره انتهى ما في نصب الراية قلت لو
صحت هذه الرواية لكانت قاطعة للنزاع ولوجب حمل قوله أو نقبر فيهن موتانا على الصلاة لكن
هذه الرواية ضعيف فإن خارجة بن مصعب ضعيف قال الحافظ في التقريب في ترجمته متروك
وكان يدلس عن الكذابين ويقال إن ابن معين كذبه
تنبيه قال النووي في شرح مسلم قال بعضهم إن المراد بالقبر صلاة الجنازة وهذا
ضعيف لأن صلاة الجنازة لا تكره في هذا الوقت بالإجماع فلا يجوز تفسير الحديث بما يخالف
الإجماع بل الصواب أن معناه تعمد تأخير الدفن إلى هذه الأوقات كما يكره تعمد تأخير العصر إلى
اصفرار الشمس بلا عذر وهي صلاة المنافقين فأما إذا وقع في هذه الأوقات بلا تعمد فلا يكره
انتهى كلام النووي قلت قوله صلاة الجنازة لا تكره في هذا الوقت بالإجماع فيه نظر ظاهر كما
ستقف على ذلك في بيان المذاهب
قوله (وهو قول أحمد وإسحاق) وهو قول مالك والأوزاعي والحنفية وهو قول ابن عمر
رضي الله تعالى عنهما روى أبي شيبة من طريق ميمون بن مهران قال كان ابن عمر يكره الصلاة
على الجنازة إذا طلعت الشمس وحين تغرب قال الحافظ في فتح الباري وإلى قول ابن عمر
ذهب مالك والأوزاعي والكوفيون وأحمد وإسحاق انتهى قال القاري في المرقاة والمذهب عندنا
أن هذه الأوقات الثلاثة يحرم فيها الفرائض والنوافل وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة إلا إذا
حضرت الجنازة أو تليت آية السجدة حينئذ فإنهما لا يكرهان لكن الأولى تأخيرهما إلى خروج
100

الأوقات انتهى واستدل هؤلاء بحديث الباب وقولهم هو الظاهر والله تعالى أعلم (وقال
الشافعي لا بأس أن يصلي على الجنازة في الساعات التي يكره فيهن الصلاة) وأجيب من جانبه عن حديث الباب بأنه محمول على الدفن الحقيقي قال البيهقي ونهيه عن القبر في هذه الساعات
لا يتناول الصلاة على الجنازة وهو عند كثير من أهل العلم محمول على كراهية الدفن في تلك
الساعات انتهى كذا نقل الزيلعي عن البيهقي في نصب الراية وتعقب بأنه كيف لا يتناول
الصلاة على الجنازة وقد رواه إسحاق بن راهويه في كتاب الجنائز بلفظ نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
نصلي على موتانا عند ثلاث عند طلوع الشمس الخ وقد عرفت أنها رواية ضعيفة فإن قيل
صلاة الجنازة صلاة وكل صلاة منهي عنها في هذه الساعات فكيف قال الشافعي لا بأس أن
يصلي على الجنازة في هذه الساعات يقال ليس كل صلاة منهما عنها في هذه الساعات عند
الشافعي بل المنهي عنها إنما هي الصلوات التي لا سبب لها وأما ذوات الأسباب من الصلوات
فهي جائزة عنده في هذه الساعات والصلاة على الجنازة من ذوات الأسباب
باب ما جاء في الصلاة على الأطفال
قوله (بشر بن آدم ابن بنت أزهر السمان) قال في التقريب بشر بن آدم بن يزيد البصري
أبو عبد الرحمن ابن بنت أزهر السمان صدوق فيه لين من العاشرة انتهى وقال في الخلاصة روى
عن جده لأمه أزهر السمان وابن مهدي وزيد بن الحباب وعنه دت عس ق قال أبو حاتم ليس
بقوي وقال النسائي لا بأس به (عن زياد بن جبير بن حية) بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتانية
المفتوحة ثقة
قوله (الراكب خلف الجنازة) أي يمشي خلفها (والماشي حيث شاء منها) أي يمشي حيث
أراد من الجنازة خلفها أو قدامها أو يمينها أو شمالها زاد في رواية أبي داود قريبا منها (والطفل
يصلى عليه) قال في القاموس الطفل بالكسر الصغير من كل شئ والمولود وفي رواية أبي داود
والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة قال في القاموس السقط مثلثة الولد لغير تمام انتهى
101

قوله (هذا حديث حسن صحيح) وصححه ابن حبان وأخرجه الحاكم بلفظ السقط
يصلى عليه ويدعى لوالديه بالعافية والرحمة قال الحاكم صحيح على شرط البخاري لكن رواه
الطبراني موقوفا على المغيرة وقال لم يرفعه سفيان ورجح الدارقطني في العلل الموقوف كذا في
التلخيص والحديث أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وفي الباب أيضا عن علي
أخرجه ابن عدي في ترجمة عمرو بن خالد وهو متروك ومن حديث ابن عباس أخرجه ابن عدي
أيضامن رواية شريك عن ابن إسحاق عن عطاء عنه وقواه ابن طاهر في الذخيرة وقد ذكره
البخاري من قول الزهري تعليقا ووصله ابن أبي شيبة وأخرج ابن ماجة من رواية البختري بن
عبيد عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا صلوا على أطفالكم فإنهم من أفراطكم إسناده ضعيف كذا
في التلخيص
قوله (قالوا يصلى على الطفل وإن لم يستهل بعد أن يعلم أنه خلق وهو قول أحمد
وإسحاق) قال الخطابي في المعالم اختلف الناس في الصلاة على السقط فروي عن ابن عمر أنه
قال يصلى عليه وإن لم يستهل وبه قال ابن سيرين وابن المسيب وقال أحمد بن حنبل
وإسحاق بن راهويه كل ما نفخ فيه الروح وتمت له أربعة أشهر وعشر صلي عليه وقال إسحاق
إنما الميراث بالاستهلال فأما الصلاة فإنه يصلى عليه لأنه نسمة تامة قد كتب عليها الشقاوة
والسعادة فلأي شئ تترك الصلاة عليه وروي عن ابن عباس أنه قال إذا استهل ورث وصلي
عليه وعن جابر إذا استهل صلى عليه وإن لم يستهل لم يصل عليه وبه قال أصحاب الرأي
وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي انتهى كلام الخطابي وما ذهب إليه أحمد وإسحاق رجحه
العلامة ابن تيمية في المنتقى حيث قال وإنما يصلى عليه إذا نفخت فيه الروح وهو أن يستكمل
أربعة أشهر فأما إن سقط لدونها فلا لأنه ليس بميت إذ لم ينفخ فيه روح وأصل ذلك حديث ابن
مسعود قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه
أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله إليه ملكا بأربع
كلمات يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح متفق عليه انتهى قال
الشوكاني في النيل بعد ذكر كلام ابن تيمية هذا ومحل الخلاف فيمن سقط بعد أربعة أشهر ولم
102

يستهل وظاهر حديث الاستهلال أنه لا يصلى عليه وهو الحق لأن الاستهلال يدل على وجود
الحياة قبل خروج السقط كما يدل على وجودها بعده فاعتبار الاستهلال من الشارع دليل على أن
الحياة بعد الخروج من البطن معتبرة في مشروعية الصلاة على الطفل وأنه لا يكتفي بمجرد العلم
بحياته في البطن فقط انتهى كلام الشوكاني
باب ما جاء في ترك الصلاة على الطفل حتى يستهل
قوله (الطفل لا يصلى عليه ولا يرث ولا يورث حتى يستهل) قال في النهاية استهلال
الصبي تصويته عند ولادته انتهى وكذا في المجمع وفيه أراد العلم بحياته بصياح أو اختلاج أو
نفس أو حركة أو عطاس انتهى وقال ابن الهمام الاستهلال أن يكون منه ما يدل على الحياة من
حركة عضو أو رفع صوت انتهى وقد أخرج البزار عن ابن عمر مرفوعا استهلال الصبي
العطاس قال الحافظ في التلخيص وإسناده ضعيف انتهى
قوله (هذا حديث قد اضطرب الناس فيه الخ) قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذا
الحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وفي إسناده إسماعيل المكي عن أبي الزبير عنه أي
عن جابر رضي الله عنه وهو ضعيف قال الترمذي رواه أشعث وغير واحد عن أبي الزبير عن
جابر موقوفا وكأن الموقوف أصح وبه جزم النسائي وقال الدارقطني في العلل لا يصح رفعه
وقد روى عن شريك عن أبي الزبير مرفوعا ولا يصح ورواه ابن ماجة من طريق الربيع بن بدر عن
أبي الزبير مرفوعا والربيع ضعيف ورواه ابن أبي شيبة من طريق أشعث بن سوار عن أبي الزبير
موقوفا ورواه النسائي أيضا وابن حبان في صحيحه والحاكم من طريق إسحاق الأزرق عن
سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووهم لأن أبا الزبير
ليس من شرط البخاري وقد عنعن فهو علة هذا الخبر إن كان محفوظا عن سفيان الثوري ورواه
الحاكم أيضا من طريق المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير مرفوعا وقال لا أعلم أحدا رفعه عن أبي
الزبير غير المغيرة وقد وقفه ابن جريج وغيره ورواه أيضا من طريق بقية عن الأوزاعي عن أبي
103

الزبير مرفوعا انتهى ما في التلخيص (وكأن هذا أصح من المرفوع) قال القاري في المرقاة بعد ذكر
كلام الترمذي هذا ما لفظه وأنت سمعت غير مرة أن المختار في تعارض الوقف والرفع تقديم
الرفع لا الترجيح بالأحفظ والأكثر بعد جود أصل الضبط والعدالة انتهى كلام القاري قلت
هذا ليس بمجمع عليه ثم قد عرفت ما فيه من المقال
قوله (وهو قول الثوري والشافعي) وبه قال أصحاب الرأي وهو قول مالك والأوزاعي
كما عرفت في كلام الخطابي وقال الشوكاني هو الحق وقد تقدم كلامه
باب ما جاء في الصلاة على الميت في المسجد
قوله (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء في المسجد) وفي رواية لمسلم والله لقد
صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد سهيل وأخيه قال النووي قال العلماء بنو
البيضاء ثلاثة إخوة سهل وسهيل وصفوان وأمهم البيضاء واسمها وعد والبيضاء وصف وأبوهم
وهب عن ربيعة القرشي الفهري وكان سهيل قديم الإسلام هاجر إلى الحبشة ثم عاد إلى مكة ثم
هاجر إلى المدينة وشهد بدرا وغيرها توفي سنة تسع من الهجرة انتهي
كلام النووي قوله (هذا حديث حسن) أخرجه الجماعة إلا البخاري
104

قوله (قال الشافعي قال مالك لا يصلي على الميت في المسجد) وهو قول ابن أبي ذئب وأبي
حنيفة وكل من قال بنجاسة الميت واحتجوا بحديث أبي هريرة مرفوعا من صلى على جنازة في
المسجد فلا شئ له رواه أبو داود وسيجئ بيان ما فيه من الكلام واحتج بعضهم بأن العمل
استقر على ترك ذلك لأن الذين أنكروا ذلك على عائشة رضي الله عنها كانوا من الصحابة قال
الحافظ ابن حجر ورد بأن عائشة لما أنكرت ذلك الإنكار سلموا لها فدل على أنها حفظت ما
نسوه انتهى
قوله (وقال الشافعي يصلى على الميت في المسجد واحتج بهذا الحديث) وبه قال أحمد
وإسحاق وهو قول الجمهور واستدلوا بحديث الباب واستدل لهم أيضا بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على
النجاشي بالمصلى كما في صحيح البخاري وللمصلى حكم المسجد فيما ينبغي أن يجتنب فيه بدليل
حديث أم عطية ويعتزل الحيض المصلى قال الحافظ في فتح الباري وقد روى ابن أبي شيبة
وغيره أن عمر صلى على أبي بكر في المسجد وأن صهيبا صلى على عمر في المسجد زاد في رواية
ووضعت الجنازة تجاه المنبر وهذا يقتضي الإجماع على جوا ذلك انتهى قلت والحق هو الجواز
وأما حديث أبي داود المذكور فأجيب عنه بأجوبة قال النووي في شرح مسلم أجابوا عنه بأجوبة
أحدها أنه ضعيف لا يصح الاحتجاج به قال أحمد بن حنبل هذا حديث ضعيف تفرد به صالح
مولى التوأمة وهو ضعيف الثاني أن الذي في النسخ المشهورة المحققة المسموعة من سنن أبي
داود من صلى على جنازة في المسجد فلا شئ عليه ولا حجة لهم حينئذ فيه الثالث أنه لو ثبت
الحديث وثبت أنه قال فلا شئ له لوجب تأويله على فلا شئ عليه ليجمع بين الروايتين وبين
هذا الحديث وحديث سهيل بن بيضاء وقد جاء له بمعنى عليه كقوله تعالى وإن أسأتم فلها
الرابع أنه محمول على نقص الأجر في حق من صلى في المسجد ورجع ولم يشيعها إلى المقبرة لما فاته
من تشييعه إلى المقبرة وحضور دفنه انتهى كلام النووي قلت الظاهر أن حديث أبي داود
حسن قال الحافظ في التقريب صالح بن نبهان المدني مولى التوأمة صدوق اختلط بآخره قال
ابن عدي لا بأس برواية القدماء عنه كابن أبي ذئب وابن جريج انتهى وروى أبو داود هذا
الحديث من طريق ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة وقد ثبت أن عمر رضي الله عنه صلى على
أبي بكر في المسجد وأن صهيبا صلى على عمر رضي الله عنه في المسجد ولم ينكر أحد من الصحابة
على عمر ولا على صهيب فوقع إجماع الصحابة رضي الله عنهم على جواز الصلاة على الميت
105

في المسجد فلا بد من تأويل حديث أبي داود المذكور على تقدير أنه حسن والله تعالى أعلم
باب ما جاء أين يقوم الامام من الرجل والمرأة
قوله (على جنازة رجل) أي عبد الله بن عمر رضي الله عنه كما في رواية أبي داود (فقام
حيال رأسه) بكسر الحاء أي حذاءه ومقابله (بجنازة امرأة من قريش) وفي رواية أبي داود المرأة
الأنصارية قال القاري فالقضية إما متعددة وإما متحدة فتكون المرأة قرشية أنصارية انتهى
(فقالوا) أي أولياؤها (يا أبا حمزة) كنية أنس رضي الله عنه (فقام حيال وسط السرير) بسكون
السين وفتحه قال الطيبي الوسط بالسكون يقال فيما كان متفرق الأجزاء كالناس والدواب وغير
ذلك وما كان متصل الأجزاء كالدار والرأس فهو بالفتح وقيل كل منهما يقع موقع الآخر وكأنه
أشبه وقال صاحب المغرب الوسط بالفتح كالمركز للدائرة وبالسكون داخل الدائرة وقيل ما
يصلح فيه بين فبالفتح ومالا فبالسكون انتهى ووقع في رواية أبي داود فقام عند عجيزتها قال في
النهاية العجيزة العجز وهي للمرأة خاصة والعجز مؤخر الشئ (هكذا رأيت) بحذف حرف
الاستفهام (قام على الجنازة) أي من المرأة
قوله (وفي الباب عن سمرة) رواه الجماع
قوله (حديث أنس حديث حسن) وأخرجه أبو داود وابن ماجة وسكت عنه أبو داود
والمنذري والحافظ في التلخيص قال الشوكاني ورجال إسناده ثقات
106

قوله (واختلفوا في اسم أبي غالب هذا الخ) قال في التقريب أبو غالب الباهلي مولاهم
الخياط اسمه نافع أو رافع ثقة من الخامسة (وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا) أي إلى أن الامام
يقوم حذاء رأس الرجل وحذاء عجيزة المرأة (وهو قول أحمد وإسحاق) وهو قول الشافعي
وهو الحق وهو رواية عن أبي حنيفة قال في الهداية وعن أبي حنيفة أنه يقوم من الرجل بحذاء رأسه ومن
المرأة بحذاء وسطها لأن أنسا فعل كذلك وقال هو السنة انتهى ورجح الطحاوي قول أبي حنيفة
هذا على قوله المشهور حيث قال في شرح الآثار قال أبو جعفر والقول الأول أحب إلينا لما قد شده
الآثار التي روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى وذهب الحنفية إلى أن الإمام يقوم بحذاء صدر الميت
رجلا كان أو امرأة وهو قول أبي حنيفة المشهور وقال مالك يقوم حذاء الرأس منهما ونقل عنه
أن يقوم عند وسط الرجل وعند منكبي المرأة وقال بعضهم حذاء رأس الرجل وثدي المرأة
واستدل بفعل علي رضي الله عنه وقال بعضهم إنه يستقبل صدر المرأة وبينه وبين السرة من
الرجل قال الشوكاني بعد ذكر هذه الأقوال وقد عرفت أن الأدلة دلت على ما ذهب إليه
الشافعي وأن ما عداه لا مستند له من المرفوع إلا مجرد الخطأ في الاستدلال أو التعويل على محض
الرأي أو ترجيح ما فعله الصحابي على ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل نعم لا
ينتهض مجرد الفعل دليلا للوجوب ولكن النزاع فيما هو الأولى والأحسن ولا أولى ولا أحسن من
الكيفية التي فعلها المصطفى صلى الله عليه وسلم انتهى كلام الشوكاني
قوله (فقام وسطها) المراد بوسطها عجيزتها كما يدل عليه رواية أبي داود وأما قول الشيخ
ابن الهمام هذا لا ينافي كونه الصدر بل الصدر وسط باعتبار توسط الأعضاء إذ فوته يداه ورأسه
وتحته بطنه وفخذاه ويحتمل أنه وقف كما قلنا إلا أنه مال إلى العورة في حقها فظن الراوي ذلك
107

لتقارب المحلين فمما لا التفات إليه بعد ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوم حذاء رأس الرجل وحذاء عجيزة
المرأة قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة
باب ما جاء في ترك الصلاة على الشهيد
المراد بالشهيد قتيل المعركة في حرب الكفار ففي الصلاة عليه اختلاف مشهور كما ستقف
عليه
قوله (كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في الثوب الواحد) أي للضرورة ولا يلزم منه
تلاقي بشرتهما إذ يمكن حيلولتهما بنحو إذخر مع احتمال أن الثوب كان طويلا فأدرجا فيه ولم يفصل
بينهما لكونهما في قبر واحد (أيهما أكثر حفظا للقرآن) وفي بعض النسخ أخذا للقرآن (قدمه) أي
ذلك الأحد (في اللحد) بفتح اللام وسكون الحاء أي الشق في عرض القبر جانب القبلة (فقال أنا
شهيد على هؤلاء يوم القيامة) في المرقاة قال المظهر أي أنا شفيع لهم وأشهد أنهم بذلوا أرواحهم
في سبيل الله انتهى وأشار إلى أن على بمعنى اللام قال الطيبي تعديته بعلى تدفع هذا المعنى
ويمكن دفعه بالتضمين ومنه قوله تعالى (والله على كل شئ شهيد) انتهى ما في المرقاة مختصرا (ولم
يصل عليهم) قال الحافظ في فتح الباري هو مضبوط في روايتنا بفتح اللام وهو اللائق بقوله بعد
ذلك ولم يغسلوا وسيأتي بعد ما بين من وجه آخر عن الليث بلفظ ولم يصل عليهم ولم يغسلهم
وهذه بكسر اللام والمعنى ولم يفعل ذلك بنفسه ولا بأمره انتهى كلام الحافظ
قوله (وفي الباب عن أنس بن مالك) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي بلفظ إن شهداء
108

أحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم ولم يصل عليهم قوله (حديث جابر حديث حسن صحيح)
أخرجه البخاري والنسائي وابن ماجة
قوله (وقد روى هذا الحديث عن الزهري عن أنس) أخرجه أبو داود والترمذي من طريق
أسامة بن زيد الليثي وأسامة سئ الحفظ وقد حكى الترمذي في العلل عن البخاري أن أسامة
غلط في إسناد كذا في فتح الباري (وروى عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير عن
النبي) أخرجه أحمد من طريق محمد بن إسحاق والطبراني من طريق عبد الرحمن بن إسحاق
وعمرو بن الحارث كلهم عن ابن شهاب عن عبد الله له رواية فحديثه من
حيث السماع مرسل وقد رواه عبد الرزاق عن معمر فزاد فيه جابرا فيحمل على أن الحديث عند
الزهري عن شيخين كذا في فتح الباري والمراد بقوله عن شيخين عبد الرحمن بن كعب كما في
رواية الباب وعن عبد الله بن ثعلبة كما في رواية أحمد والطبراني (ومنهم من ذكره عن جابر) كما في
رواية عبد الرزاق
قوله (فقال بعضهم لا يصل على الشهيد وهو قول أهل المدينة وبه يقول الشافعي وأحمد)
قال الشافعي في الأم جاءت الأخبار كأنها عيان من وجوه متواترة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على قتلى
أحد وما روى أنه صلى عليهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة لا يصح وقد كان ينبغي لمن عارض
بذلك هذه الأحاديث الصحيحة أن يستحي على نفسه قال وأما حديث عقبة بن عامر فقد وقع
في نفس الحديث أن ذلك كان بعد ثمان سنين يعني والمخالف يقول لا يصلى على القبر إذا طالت
المدة قال وكأنه صلى الله عليه وسلم دعا لهم واستغفر لهم حين قرب أجله مودعا لهم بذلك ولا يدل ذلك على
نسخ الحكم الثابت انتهى قلت أخرج البخاري في صحيحه في غزوة أحد عن عقبة بن عامر
قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات (وقال بعضهم
109

يصلى على الشهيد واحتجوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على حمزة وهو قول الثوري وأهل
الكوفة وبه يقول إسحاق) حديث الصلاة على حمزة الذي أشار إليه الترمذي أخرجه الحاكم من
حديث جابر قال فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة حين جاء الناس من القتال فقال رجل رأيته عند تلك
الشجيرات فلما رآه ورأى ما مثل به شهق وبكى فقام رجل من الأنصار فرمى عليه بثوب ثم
جئ بحمزة فصلى عليه الحديث وفي إسناده أبو حماد الحنفي وهو متروك وأخرج أبو داود في
المراسيل والحاكم من حديث أنس قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة وقد مثل به ولم يصل على أحد من
الشهداء غيره وأعله البخاري والترمذي والدارقطني بأنه غلط فيه أسامة بن زيد فرواه عن
الزهري عن أنس ورجحوا رواية الليث عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن
جابر وأخرج ابن إسحاق عن ابن عباس قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة فسجى ببردة ثم صلى
عليه وكبر سبع تكبيرات ثم أتي بالقتلى فيوضعون إلى حمزة فيصلي عليهم وعليه معهم حتى صلى
عليه ثنتين وسبعين صلاة وفي إسناده رجل مبهم لأن ابن إسحاق قال حدثني من لا أتهم عن
مقسم مولى ابن عباس عن ابن عباس قال السهيلي إن كان الذي أبهمه ابن إسحاق هو الحسن بن
عمارة فهو ضعيف وإلا فهو مجهول لا حجة فيه قال الحافظ الحامل للسهيلي على ذلك ما وقع في
مقدمة مسلم عن شعبة أن الحسن بن عمارة حدثه عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي
صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد فسألت الحكم فقال لم يصل عليهم انتهى قال الشوكاني لكن حديث
ابن عباس روى من طريق أخرى فذكرها وأعلم أن في الصلاة على قتلى أحد وعلى حمزة أحاديث
أخرى لكن لا يخلو واحد منها عن كلام قال ابن تيمية في المنتقى وقد رويت الصلاة عليهم يعني
على شهداء أحد بأسانيد لا تثبت انتهى
ثم اعلم أنه لم يرد في شئ من الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء بدر ولا أنه لم يصل
عليهم وكذلك في شهداء سائر المشاهد النبوية إلا ما روى النسائي في سننه والطحاوي عن
شداد بن الهاد رضي الله عنه أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه الحديث
وفيه ولكني اتبعتك على أن أرمي إلى ههنا وأشار إلى حلقه بسهم فأموت فأدخل الجنة فقال إن
تصدق الله يصدقك فلبثوا قليلا ثم نهضوا في قتال العدو فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم
حيث أشار فقال النبي صلى الله عليه وسلم أهو هو قالوا نعم قال صدق الله فصدقه ثم كفنه
النبي صلى الله عليه وسلم في جبة النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدمه فصلى عليه فكان مما ظهر من صلاته اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك
فقتل شهيدا أنا شهيد على ذلك وما روى أبو داود في سننه عن أبي سلام عن رجل من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم قال أغرنا على حي من جهينة فطلب رجل من المسلمين رجلا منهم فضربه فأخطأه وأصاب
110

نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخوكم يا معشر المسلمين فابتدره الناس فوجدوه قد مات فلفه رسول
الله صلى الله عليه وسلم بثيابه ودمائه وصلى عليه ودفنه فقالوا يا رسول الله أشهيد هو قال نعم وأنا له شهيد
قال الشوكاني في النيل سكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده سلام بن أبي سلام وهو مجهول
وقال أبو داود بعد إخراجه عن سلام المذكور إنما هو عن زيد بن سلام عن جده أبي سلام انتهى
وزيد ثقة انتهى ما في النيل وقد استدل بهذين الحديثين أيضا لمن قال بالصلاة على الشهيد قال
الشوكاني أما حديث أبي سلام فلم أقف للمانعين من الصلاة على جواب عليه وهو من أدلة
المثبتين لأنه قتل في المعركة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماه شهيدا وصلى عليه نعم لو كان النفي
عاما غير مقيد بوقعة أحد ولم يرد في الإثبات غير هذا الحديث لكان مختصا بمن قتل مثل صفته
انتهى وأما حديث شداد بن الهاد فهو أيضا من أدلة المثبتين فإنه قتل في المعركة وسماه شهيدا
وصلى عليه ولكن حمل البيهقي هذا على أنه لم يمت في المعركة قلت والظاهر عندي أن الصلاة
على الشهيد ليست بواجبة فيجوز أن يصلي عليها ويجوز تركها والله تعالى أعلم وروى الماوردي
عن أحمد الصلاة على الشهيد أجود وإن لم يصلوا عليه أجزأ ذكره الحافظ في الفتح واختار
الشوكاني الصلاة على الشهيد وأجاب عن كلام الإمام الشافعي الذي ذكره في الأم
فائدة قال الشوكاني في النيل قد اختلف في الشهيد الذي وقع الخلاف في غسله والصلاة
عليه هل هو مختص بمن قتل في المعركة أو أعم من ذلك فعند الشافعي أن المراد بالشهيد قتيل
المعركة في حرب الكفار وخرج بقوله في المعركة من جرح في المعركة وعاش بعد ذلك حياة
مستقرة وخرج بحرب الكفار من مات في قتال المسلمين كأهل البغي وخرج بجميع ذلك من
يسمى شهيدا بسبب غير السبب المذكور ولا خلاف أن من جمع هذه القيود شهيد وروى عن
أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد أن من جرح في المعركة إن مات قبل الارتثاث
فشهيد والإرتثاث أن يحمل ويأكل أو يشرب أو يوصي أو يبقى في المعركة يوما وليلة حيا وذهبت
الهادوية إلى أن من جرح في المعركة يقال له شهيد وإن مات بعد الارتثاث وأما من قتل مدافعا
عن نفس أو مال في المصر ظلما فقال أبو حنيفة وأبو يوسف إنه شهيد وقال الشافعي إنه وإن قيل
له شهيد فليس من الشهداء الذين لا يغسلون وذهبت العترة والحنفية والشافعي في قوله له إن
قتيل البغاة شهيد قالوا إذا لم يغسل على أصحابه وهو توقيف انتهى كلام الشوكاني
111

باب ما جاء في الصلاة على القبر
قوله (أخبرنا الشيباني) هو سليمان بن أبي سليمان أبو إسحاق الشيباني (أخبرنا الشعبي) هو
عامر بن شراحيل الشعبي من كبار التابعين قال أدركت خمسمائة من الصحابة (ورأى قبرا
منتبذا) قال في النهاية أي منفردا عن القبور بعيدا عنها (فصف أصحابه فصلى عليه) أي على
القبر وفي رواية البخاري فأمهم وصلوا خلفه (فقيل له) أي للشعبي (من أخبرك) أي بهذا
الحديث (فقال ابن عباس) أي فقال الشعبي أخبرني ابن عباس وفي رواية البخاري قلت من
حدثك هذا يا أبا عمرو قال ابن عباس قال الحافظ في الفتح القائل هو الشيباني والمقول له هو
الشعبي قال وسياق الطرق الصحيحة تدل على أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليه في صبيحة دفنه
قوله (وفي الباب عن أنس) أخرجه البزار (وبريدة) أخرجها البيهقي (ويزيد بن ثابت)
أخرجه أحمد والنسائي ص 623 (وأبي هريرة) أخرجه البخاري ومسلم (وعامر بن ربيعة)
أخرجه ابن ماجة (وأبي قتادة) أخرجه البيهقي أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قبر البراء وفي رواية بعد شهر كذا
في النيل (وسهل بن حنيف) أخرجه ابن عبد البر في كتابه التمهيد قال الإمام أحمد رويت
الصلاة على القبر من النبي صلى الله عليه وسلم من ستة وجوه حسان قال ابن عبد البر بل من تسعة كلها حسان
وساقها كلها بأسانيده في تمهيده من حديث سهل بن حنيف وأبي هريرة وعامر بن ربيعة وابن
عباس وزيد بن ثابت الخمسة في صلاته على المسكينة وسعد بن عبادة في صلاة المصطفى على أم
سعد بعد دفنها بشهر وحديث الحصين بن وحوح في صلاته على قبر طلحة بن البراء وحديث
أبي أمامة بن ثعلبة أنه صلى الله عليه وسلم رجع من بدر وقد توفيت أم أبي أمامة فصلى عليها وحديث أنس أنه
صلى على امرأة بعد ما دفنت وهو محتمل للمسكينة وغيرها وكذا ورد من حديث بريدة عند
البيهقي وسماها محجنة كذا في التعليق الممجد
112

قوله (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم
قوله (والعمل على هذا) أي على مشروعية الصلاة على القبر (وهو قول الشافعي وأحمد
وإسحاق) سواء صلى على الميت أو لا وهو قول الجمهور انتهى واستدلوا بأحاديث الباب (وقال بعض
أهل العلم لا يصلى على القبر وهو قول مالك بن أنس) قال ابن المنذر ومنعه النخعي ومالك
وأبو حنيفة وعنهم إن دفن قبل أن يصلى عليه شرع وإلا فلا وأجابوا عن أحاديث الباب بأن ذلك
كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم واستدلوا على هذا بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة عند مسلم إن هذه
القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم قالوا صلاته صلى الله عليه وسلم كانت لتنوير
القبر وقالا يوجد في صلاة غيره فلا يكون الصلاة على القبر مشروعا وأجاب
ابن حبان عن ذلك بأن في ترك إنكاره صلى الله عليه وسلم على من صلى معه على القبر بيان
جواز ذلك لغيره وأنه ليس من خصائصه وتعقب بأن الذي يقع بالتبعية لا ينهض دليلا
للأصالة ومن جملة ما أجاب به الجمهور عن هذه الزيادة أنها مدرجة في هذا
الإسناد وهي من مراسيل ثابت بين ذلك غير واحد من أصحاب حماد بن زيد قال الحافظ وقد
أوضحت ذلك بدلائله في كتاب بيان المدرج قال البيهقي يغلب على الظن أن هذه الزيادة من
مراسيل ثابت كما قال أحمد انتهى قلت وقع في حديث يزيد بن ثابت عند النسائي قال لا
يموت فيكم ميت ما دمت بين أظهركم إلا يعني آذنتموني به فإن صلاتي له رحمة وهذا ليس
بمرسل وأجاب الشوكاني بأن الاختصاص لا يثبت إلا بدليل ومجرد كون الله ينور القبور بصلاته
صلى الله عليه وسلم على أهلها لا ينفي مشروعية الصلاة على القبر لغيره لا سيما بعد قوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني
أصلي انتهى
قوله (وقال ابن المبارك إذا دفن الميت ولم يصل عليه الخ) قال الشوكاني في النيل وأما من
لم يصل عليه ففرض الصلاة عليه الثابت بالأدلة وإجماع الأمة باق وجعل الدفن مسقطا لهذا
الفرض محتاج إلى دليل قال وقد استدل بحديث الباب يعني حديث ابن عباس المذكور على رد
قول من فصل فقال يصلى على قبر من لم يكن قد صلي عليه قبل الدفن لا من كان قد صلي عليه
لأن القصة وردت فيمن قد صلي عليه والمفصل هو بعض المانعين
113

قوله (وقال أحمد وإسحاق يصلى على القبر إلى شهر) قال الأمير اليماني في سبل السلام
ص 491 واختلف القائلون بالصلاة على القبر في المدة التي شرعت فيها الصلاة فقيل إلى شهر
بعد دفنه وقيل إلى أن يبلى الميت لأنه إذا بلي لم يبق ما يصلى عليه وقيل أبدا لأن المراد من الصلاة
عليه الدعاء وهو جائز في كل وقت قال هذا هو الحق إذ لا دليل على التحديد بمدة انتهى قلت
استدل أحمد وإسحاق وغيرهما ممن قال إلى شهر بحديث سعيد بن المسيب الذي رواه الترمذي في
هذا الباب قال الحافظ في التلخيص بعد ذكره ورواه البيهقي وإسناده مرسل صحيح انتهى وروى
الدارقطني عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر بعد شهر وروى عنه أيضا أن النبي
صلى الله عليه وسلم صلى على ميت بعد ثلاث قلت الظاهر الاقتصار على المدة التي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما
القياس على مطلق الدعاء وتجويزه في كل وقت ففيه نظر كما لا يخفي
قوله (عن سعيد بن المسيب أن أم سعد ماتت الخ) هذا مرسل وقد عرفت آنفا أنه رواه البيهقي وإسناده مرسل صحيح
باب ما جاء في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي
هو من سادات التابعين أسلم ولم يهاجر وهاجر المسلمون إليه إلى الحبشة مرتين وهو يحسن
إليهم وأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية بكتابين أحدهما يدعوه فيه إلى الاسلام والثاني
يطلب منه تزويجه بأم حبيبة فأخذ الكتاب ووضعه على عينيه وأسلم وزوجه أم حبيبة وأسلم على
يده عمرو بن العاص قبل أن يصحب النبي صلى الله عليه وسلم فصار يلغز به فيقال صحابي كثير الحديث أسلم
على يد تابعي كذا في ضياء الساري وقال الحافظ في الفتح هو بفتح النون وتخفيف الجيم وبعد
114

لألف شين ثم ياء ثقيلة كياء النسب وقيل بالتخفيف ولقب من ملك الحبشة وحكى المطرزي
تشديد الجيم عن بعضهم وخطأه انتهى قلت كما يقال لمن ملك الفرس كسرى ولمن ملك الروم
قيصر كذلك يقال لمن ملك الحبشة النجاشي وكان اسمه أصحمة في صحيح البخاري في
هجرة الحبشة من طريق ابن عيينة عن ابن جريج فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة
قوله (إن أخاكم النجاشي قد مات) وفي رواية للبخاري قد توفي اليوم رجل صالح من
الحبش وفي رواية أبي هريرة عند البخاري نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وفيه علم من
أعلام النبوة لأنه صلى الله عليه وسلم أعلمهم بموته في اليوم الذي مات فيه مع بعد ما بين أرض الحبشة والمدينة
(وصلينا عليه كما يصلى على الميت) استدل به على مشروعية الصلاة على الميت الغائب عن البلد
وبذلك قال الشافعي وأحمد وجمهور السلف حتى قال ابن حزم لم يأت عن أحد من الصحابة منعه
وعن الحنفية والمالكية لا يشرع ذلك
وقد اعتذر من لم يقل بالصلاة على الغائب من قصة النجاشي بأمور منها أنه كان بأرض لم
يصل عليه بها أحد فتعينت الصلاة عليه لذلك ومن ثم قال الخطابي لا يصلى على الغائب إلا إذا
وقع موته ليس بها من يصلى عليه واستحسنه الروياني من الشافعية وبه ترجم أبو داود في
السنن الصلاة على المسلم يليه أهل الشرك ببلد آخ قال الحافظ في الفتح هذا محتمل إلا أنني لم
أقف في شئ من الأخبار على أنه لم يصل عليه في بلده أحد ومنها أنه كشف له صلى الله عليه وسلم عنه حتى رآه
فتكون صلاته عليه كصلاة الإمام على ميت رآه ولم يره المأمومون ولا خلاف في جوازها وأجيب
عنه بأن هذا يحتاج إلى نقل صحيح صريح ولم يثبت
فإن قلت قد روى عن ابن عباس قال كشف للنبي صلى الله عليه وسلم عن سرير النجاشي حتى رآه
وصلى عليه وأخرج ابن حبان عن عمران بن حصين قصة الصلاة على النجاشي وفي روايته فقام
وصفوا خلفه وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه أخرجه من طريق الأوزاعي عن يحيى بن أبي
كثير عن أبي قلابة عن أبي المهلب عنه ولأبي عوانة من طريق أبان وغيره عن يحيى فصلينا خمسة
ونحن لا نرى إلا أن الجنازة قدامنا
115

قلت أما رواية ابن عباس فقد ذكرها الواقدي في أسبابه بغير إسناد كما ذكره الحافظ في فتح
الباري وأما رواية عمران بن حصين بلفظ وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه وبلفظ
ونحن لا نرى إلا أن الجنازة قدامنا فالمراد به أنهم صلوا عليه كما يصلون على الميت الحاضر من
غير فرق ويدل عليه حديث الباب بلفظ فقمنا فصففنا كما يصف على الميت وصلينا عليه كما
يصلى على الميت وهو مروى عن عمران بن حصين ومنها أن ذلك خاص بالنجاشي لأنه لم يثبت
أنه صلى الله عليه وسلم صلى على ميت غائب قاله الملهب وأجاب عنه الحافظ في الفتح فقال كأنه لم يثبت عنده
قصة معاوية بن معاوية الليثي وقد ذكر ت في ترجمته في الصحابة أن خبره قوي بالنظر إلى مجموع
طرقه انتهى ولمن لم يقل بالصلاة على الغائب اعتذارات أخرى ضعيفة لا حاجة إلى ذكرها والكلام
عليها قال الشوكاني بعد البحث في هذه المسألة ما لفظه والحاصل أنه لم يأت المانعون من
الصلاة على الغائب بشئ يعتد به سوى الاعتذار بأن ذلك مختص بمن كان في أرض لا يصلى عليه
فيها وهو أيضا جمود على قصة النجاشي يدفعه الأثر والنظر انتهى قلت الكلام في هذه المسألة
طويل مذكور في فتح الباري وغيره فعليك أن تراجعه
قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وجابر بن عبد الله وأبي سعيد وحذيفة بن أسيد
وجرير بن عبد الله) أما حديث أبي هريرة فأخرجه الجماعة وأما حديث جابر فأخرجه الشيخان
وأما حديث أبي سعيد وحذيفة وجرير فلينظر من أخرجه
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي (وأبو المهلب اسمه عبد
الرحمن بن عمرو الخ) قال الحافظ في التقريب أبو المهلب الجرمي البصري عم أبي قلابة فذكر
الاختلاف في اسمه ثم قال ثقة من الثانية
116

باب ما جاء في فضل الصلاة على الجنازة قوله (فله قيراط) بكسر القاف قال الجوهري أصله قراط بالتشديد لأن جمعه قراريط
فأبدل من أحد حرفي تضعيفه ياء قال والقيراط نصف دانق والدانق سدس الدرهم فعلى هذا
يكون القيراط جزء من اثني عشر جزء من الدرهم وأما صاحب النهاية فقال القيراط جزء من
أجزاء الدينار وهو نصف عشره في أكثر البلاد في الشام جزء من أربعة وعشرين جزءا (حتى يقضى
دفنها) أي يفرغ من دفنها (أحدهما أو أصغرهما) شك من الراوي (مثل أحد) هذا التفسير المراد
ههنا لا للفظ (فذكرت ذلك) هذا مقول أبي سلمة (فرطنا) من التفريط أي ضيعنا كما في رواية
لمسلم (في قراريط كثيرة) جمع قيراط أي ضيعنا قراريط كثيرة من عدم المواظبة على حضور الدفن
بين ذلك مسلم في روايته من طريق ابن شهاب عن سالم بن عبد الله قال كان ابن عمر يصلي على
الجنازة ثم ينصرف فلما بلغه حديث أبي هريرة قال فذكره
قوله (وفي الباب عن البراء الخ) قال الحافظ في الفتح وقع لي حديث الباب يعني حديث
أبي هريرة الذي ذكره الترمذي في هذا الباب من رواية عشرة من الصحابة غير أبي هريرة وعائشة
من حديث ثوبان عند مسلم والبراء وعبد الله بن مغفل عند النسائي وأبي سعيد عند أحمد
وابن مسعود عند أبي عوانة وأسانيد هؤلاء الخمسة صحاح ومن حديث أبي بن كعب عند ابن
ماجة وابن عباس عند البيهقي في الشعب وأنس عند الطبراني في الأوسط وواثلة بن الأصقع
عند ابن عدي وحفصة عند حميد بن زنجويه في فضائل الأعمال وفي كل من أسانيد
هؤلاء الخمسة ضعف انتهى
117

قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما
باب آخر
قوله (أخبرنا روح بن عبادة) بفتح الراء وسكون الواو ثقة فاضل له تصانيف من
التاسعة (سمعت أبا المهزم) قال في المغني بمضمومة وفتح هاء وفتح زاي مشددة وهو
يزيد بن سفيان انتهى وقال في التقريب بتشديد الزاي المكسورة التميمي البصري اسمه يزيد وقيل عبد الرحمن بن سفيا متروك من الثالثة
قوله (وحملها ثلاث مرات) قال ابن الملك يعني يعاون الحاملين في الطريق ثم يتركها
ليستريح ثم يحملها في بعض الطريق يفعل كذلك ثلاث مرات (فقد قضى ما عليه من حقها) أي
من حق الجنازة بيان لما قال ميرك أي من جهة المعاونة لا من دين وغيبة ونحوهما انتهى وقد
عد صلى الله عليه وسلم أن من جملة الحقوق التي للمؤمن على المؤمن أن يشيع جنازته
قوله (هذا حديث غريب) لم يحكم الترمذي عليه بالضعف وهو ضعيف لأن في سنده أبا
المهزم وهو متروك كما عرفت
قوله (وضعفه شعبة) قال الذهبي في الميزان قال مسلم سمعت شعبة يقول رأيت أبا
المهزم ولو يعطى درهما لوضع حديثا انتهى
إعلم أن أهل العلم قد اختلفوا في كيفية حمل الجنازة فقال محمد رحمه الله في موطأه وصفته
أن يبدأ الرجل فيضع يمين الميت المقدم على يمينه ثم يضع يمين الميت المؤخر على يمينه ثم يعود إلى
المقدم الأيسر فيضعه على يساره وهذا قول أبي حنيفة رضي الله عنه انتهى وقال الشافعي رحمه
الله السنة أن يحملها رجلان يضعها السابق على أصل عنقه والثاني على أعلى صدره واستدل
118

للإمام أبي حنيفة بما رواه ابن ماجة عن عبيد بن بسطاس عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن
مسعود قال من اتبع جنازة فليأخذ بجوانب السرير كلها فإنه من السنة وإن شاء فليدع ثم إن
شاء فليدع ورواه أبو داود الطيالسي وابن أبي شيبة وعبد الرزاق في مصنفيهما حدثنا شعبة عن
منصور بن المعتمر عبيد بن بسطاس به بلفظ فليأخذ بجوانب السرير الأربعة ومن طريق
عبد الرزاق رواه الطبراني في معجمه ورواه محمد بن الحسن الشيباني في كتاب الآثار أخبرنا أبو
حنيفة رضي الله عنه حدثنا منصور بن المعتمر به قال من السنة حمل الجنازة بجوانب السرير الأربعة
كذا في نصب الراية واحتج للإمام الشافعي رحمه الله بما أخرجه ابن سعد عن شيوخ من بني عبد
الأشهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل جنازة سعد بين العمودين حتى خرج به من الدار وأجاب صاحب
الهداية عن هذا بأن ذلك كان لازدحام الملائكة قلت لا شك في أنه كان في جنازة سعد ازدحام
الملائكة فروى سعد بإسناد صحيح عن ابن عمر رفعه قال لقد شهد سبعون ألف ملك لم ينزلوا
إلى الأرض قبل ذلك كذا في الدراية لكن لا يلزم من هذا أن حمل جنازته بين العمودين كان
لازدحامهم فتفكر وقد حملت جنائز عدة من الصحابة رضي الله عنه بين العمودين قال الحافظ
في الدراية وفي الباب عن الحسن بن الحسن بن علي في جنازة جابر أخرجه الطبراني وعن
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف رأيت سعدا في جنازة عبد الرحمن بن عوف واضعا السرير على
كاهله بين العمودين أخرجه الشافعي ومن حديث أبي هريرة أنه صنع ذلك في جنازة سعد ومن
حديث عثمان أنه صنع ذلك ومن طريق ابن عمر في جنازة رافع بن خديج ومن طريق ابن
الزبير في جنازة المسور بن مخرمة وروى ابن سعد عن مروان أنه فعل ذلك هو وأبو هريرة بجنازة
حفصة بنت عمر انتهى ما في الدراية
باب ما جاء في القيام للجنازة
قوله (إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها) وفي حديث جابر عند مسلم إن الموت فزع فإذا رأيتم
الجنازة فقوموا وفي حديث سهل بن حنيف وقيس بن سعد عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم مرت به
119

جنازة فقام فقيل له إنها جنازة يهودي فقال أليست نفسا وفي حديث أنس مرفوعا عند الحاكم
فقال إنما قمنا للملائكة وفي حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا عند أحمد وابن حبان والحاكم
إنما تقومون إعظاما للذي يقبض النفوس ولفظ ابن حبان إعظاما لله الذي يقبض الأرواح
قال الحافظ في الفتح ما محصله إنه لا تنافي بين هذه التعليلات لأن القيام للفزع من الموت فيه
تعظيم لأمر الله وتعظيم للقائمين بأمره في ذلك وهم الملائكة قال وأما ما أخرجه أحمد من
حديث الحسن بن علي قال إنما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تأذيا بريح اليهودي زاد الطبراني من حديث
عبد الله بن عياش فأذاه ريح بخورها وللطبري والبيهقي من وجه آخر عن الحسن كراهية أن
تعلو رأسه فإن ذلك لا يعارض الأخبار الأولى الصحيحة أما أولا فلأن أسانيدها لا تقاوم تلك
في الصحة وأما ثانيا فلأن التعليل بذلك راجع إلى ما فهمه الراوي والتعليل الماضي صريح من
لفظ النبي صلى الله عليه وسلم انتهى
قوله حتى تخلفكم) بضم أوله وفتح المعجمة وتشديد اللام المكسورة بعدها فاء أي
تترككم وراءها ونسبة ذلك إليها على سبيل المجاز لأن المراد حاملها (أو توضع) أي عن مناكب
الرجال قوله (وفي الباب عن أبي سعيد) أخرجه البخاري ومسلم (وجابر) أخرجه البخاري
ومسلم (وسهل بن حنيف) لينظر من أخرجه (وقيس بن سعد) أخرجه البخاري ومسلم (وأبي
هريرة) أخرجه البخاري ومسلم قوله (حديث عامر بن ربيعة حديث حسن صحيح) وأخرجه
البخاري ومسلم
قوله (فمن تبعها فلا يقعدن حتى توضع) قيل أراد به وضعها عن الأعناق ويعضده رواية
الثوري حتى توضع بالأرض وقيل حتى توضع في اللحد قاله الطيبي قلت قال الحافظ في
التلخيص المراد بالوضع الوضع على الأرض ووقع في رواية عبادة حتى توضع في اللحد
ويرده ما في حديث البراء الطويل الذي صححه أبو عوانة وغيره كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة
120

فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلسنا حوله ووقع في رواية سهيل عن أبيه عن أبي هريرة
اختلاف فقال الثوري عنه حتى توضع بالأرض وقال أبو معاوية عنه حتى توضع باللحد
حكاه أبو داود ووهم رواية أبي معاوية وكذلك قال الأثرم انتهى
قوله (حديث أبي سعيد في هذا الباب حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم
قوله وهو قول أحمد وإسحاق قالا من تبع الخ) قال الحافظ في الفتح اختلف الفقهاء
فذلك فقال أكثر الصحابة والتابعين باستحبابه كما نقله ابن المنذر وهو قول الأوزاعي وأحمد
وإسحاق ومحمد بن الحسن وروى البيهقي من طريق أبي حازم الأشجعي عن أبي هريرة وابن
عمر وغيرهما أن القائم مثل الحامل يعني في الأجر وقال الشعبي والنخعي يكره القعود قبل أن
توضع وقال بعض السلف يجب القيام واحتج برواية سعيد عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا ما
رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد جنازة قط فجلس حتى توضع أخرجه النسائي انتهى كلام الحافظ
قوله (وقد روى عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أنهم كانوا يتقدمون الخ)
لم أقف على حديث
صحيح يدل على ذلك والظاهر الموافق للأحاديث الصحيحة الصريحة هو ما
ذهب إليه أحمد وإسحاق وغيرهما والله تعالى أعلم
باب الرخصة في ترك القيام لها
أي عند رؤية الجنازة
قوله (فقال علي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قعد) قال البيضاوي يحتمل قول علي ثم قعد أي
بعد أن جاوزته وبعدت عنه ويحتمل أن يريد كان يقوم في وقت ثم ترك القيام أصلا وعلى هذا
121

يكون فعله الأخير قرينة في أن المراد بالأمر الوارد في ذلك الندب ويحتمل أن يكون نسخا للوجوب
المستفاد من ظاهر الأمر والأول أرجح لأن احتمال المجاز يعني في الأمر أولى من دعوى النسخ
انتهى كلام البيضاوي قال الحافظ في الفتح والاحتمال الأول يدفعه ما رواه البيهقي من حديث
علي أنه أشار إلى قوم قاموا أن يجلسوا ثم حدثهم الحديث ومن ثم قال بكراهة القيام جماعة منهم
سليم الرازي وغيره من الشافعية وقال ابن حزم قعوده صلى الله عليه وسلم بعد أمره بالقيام يدل على أن الأمر
للندب ولا يجوز أن يكون نسخا لأن النسخ لا يكون إلا بنهي أو بترك معه نهى قال الحافظ في
الفتح وقد ورد معنى النهي من حديث عبادة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم للجنازة فمر به حبر من
اليهود فقال هكذا نفعل فقال اجلسوا وخالفوهم أخرجه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي فلو
لم يكن إسناده ضعيفا لكان حجة في النسخ انتهى قلت ويدل على النسخ ما رواه أحمد عن علي
بلفظ قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالقيام في الجنازة ثم جلس بعد ذلك وأمرنا بالجلوس
قوله (وفي الباب عن الحسن بن علي وابن عباس) أخرجه النسائي من طريق محمد بن
سيرين قال إن جنازة مرت بالحسن بن علي وابن عباس فقام الحسن ولم يقم ابن عباس فقال
الحسن أليس قد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي قال ابن عباس نعم ثم جلس
قوله (حديث علي حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في
الجنازة ثم قعد بعد
قوله (وهذا الحديث ناسخ للحديث الأول إذا رأيتم الجنازة فقوموا) ويدل على النسخ
حديث عبادة وقد تقدم وما روى أحمد عن علي بلفظ ثم جلس بعد ذلك وأمرنا بالجلوس وتقدم
هذا أيضا وما رواه البيهقي من حديث علي أنه أشار إلى قوم قاموا أن يجلسوا ثم حدثهم الحديث
وقد تقدم هذا أيضا (وقال أحمد إن شاء قام وإن شاء لم يقم إلخ) فعند أحمد حديث علي هذا ليس
بناسخ للحديث الأول قال الحازمي في كتاب الاعتبار وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب
فقال بعضهم على الجالس أن يقوم إذا رأى الجنازة حتى تخلفه وممن رأى ذلك أبو مسعود البدري
122

وأبو سعيد الخدري وقيس بن سعد وسهل بن حنيف وسالم بن عبد الله وقال أحمد بن حنبل إن
قام لم أعبه وإن قعد فلا بأس به وبه قال إسحاق الحنظلي وقال أكثر أهل العلم ليس على أحد
القيام للجنازة روينا ذلك عن علي بن أبي طالب والحسن بن علي وعلقمة الأسود والنخعي
ونافع بن جبير وفعله سعيد بن المسيب وبه قال عروة بن الزبير ومالك وأهل الحجاز والشافعي
وأصحابه وذهبوا إلى أن الأمر بالقيام منسوخ وتمسكوا في ذلك بأحاديث ثم ذكر الحازمي بإسناده
حديث علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الجنائز ثم جلس بعد قال هذا حديث
صحيح أخرجه مسلم ثم ذكر بإسناده عن مسعود بن الحكم الزرقي أنه سمع علي بن أبي طالب
رضي الله عنه في رحبة الكوفة وهو يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالقيام في الجنازة ثم جلس بعد
ذلك وأمرنا بالجلوس ثم ذكر بإسناده عن مجاهد عن أبي معمر قال مرت بنا جنازة فقمنا فقال من
أفتاكم بهذا قلنا أبو موسى الأشعري فقال ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة كان يتشبه بأهل
الكتاب فلما نسخ ذلك ونهى عنه انتهى قال الحازمي فهذه الألفاظ كلها تدل على أن القعود أولى
من القيام قال الشافعي قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم تركه بعد فعله والحجة في الآخر من أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان الأول واجبا فالآخر من أمره ناسخ وإن كان استحبابا فالآخر هو
الاستحباب وإن كان مباحا لا بأس بالقيام والقعود فالقعود أولى لأنه الآخر من فعله صلى الله عليه وسلم انتهى
باب ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم اللحد لنا والشق لغيرنا
اللحد بفتح اللام وبالضم وسكون الحاء هو الشق في عرض القبر جانب القبلة والشق
هو الضريح وهو الشق في وسط القبر
123

قوله (حدثنا حكام) بفتح الحاء وتشديد الكاف (بن سلم) بفتح السين وسكون اللام ثقة
له غرائب (عن علي بن عبد الأعلى) صدوق ربما وهم
قوله (اللحد لنا والشق لغيرنا) قال التوربشتي أي اللحد آثر وأولى لنا والشق آثر وأولى
لغيرنا أي هو اختيار من كان قبلنا من أهل الايمان وفي ذلك بيان فضيلة اللحد وليس فيه نهي
عن الشق لأن أبا عبيدة مع جلالة قدره في الدين والأمانة كان يصنعه ولأنه لو كان منهيا لما قالت
الصحابة أيهما جاء أولا عمل عمله ولأنه قد يضطر إليه لرخاوة الأرض انتهى وقال الطيبي
ويمكن أنه عليه الصلاة والسلام عني بضمير الجمع نفسه أي أوثر لي اللحد وهو أخبار عن الكائن
فيكون معجزة انتهى وقيل معناه اللحد لنا معشر الأنبياء والشق جائز لغيرنا قلت الصحيح هو
ما ذكره التوربشتي ويؤيده حديث جرير بن عبد الله بلفظ اللحد لنا والشق لغيرنا أهل
الكتاب
قوله (وفي الباب عن جرير بن عبد الله) أخرجه أحمد والبزار وابن ماجة بنحو حديث ابن
عباس المذكور في هذا الباب وفيه عثمان بن عمير وهو ضعيف وزاد أحمد بعد قوله لغيرنا أهل
الكتاب (وعن عائشة) أخرجه ابن ماجة بلفظ قالت لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في اللحد
والشق حتى تكلموا في ذلك وارتفعت أصواتهم فقال عمر رضي الله عنه لا تصخبوا عند رسول الله
صلى الله عليه وسلم حيا ولا ميتا أو كلمة نحوها فأرسلوا إلى الشقاق واللاحد جميع فجاء اللاحد فلحد لرسول الله صلى
الله عليه وسلم ثم دفن صلى الله عليه وسلم (وابن عمر رضي الله عنه) أخرجه أحمد بلفظ أنهم ألحدوا للنبي صلى الله عليه وسلم لحدا
وفيه عبد الله العمري وأخرجه ابن أبي شيبة بلفظ ألحدوا للنبي صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر (وجابر)
أخرجه ابن شاهين في كتاب الجنائز بلفظ حديث ابن عباس المذكور وأحاديث الباب تدل على
استحباب اللحد وأنه أولى من الضرح وإلى ذلك ذهب الأكثر كما قال النووي في شرح مسلم
إجماع العلماء على جواز اللحد والشق
قوله (حديث ابن عباس غريب من هذا الوجه) أخرجه الخمسة قال الشوكاني
وصححه ابن السكن وحسنه الترمذي كما وجدنا ذلك في بعض النسخ الصحيحة من جامعه في
إسناده عبد الأعلى بن عامر وهو ضعيف انتهى
124

باب ما يقول إذا أدخل الميت قبره
قوله (إذا أدخل) روى مجهولا ومعلوما (الميت) بالرفع أو النصب (القبر) مفعول ثان (
قال) أي أبو سعيد الأشج (وقال أبو خالد إذا وضع الميت في لحده) يعني أن أبا خالد قال مرة لفظ
إذا وضع الميت في لحده مكان لفظ إذا أدخل الميت القبر وقد جاء صريح هذا في رواية ابن ماجة
كما ستعرف (قال مرة بسم الله) أي وضعته أو وضع أو أدخله (وبالله) أي بأمره وحكمه أو بعونه
وقدرته (وعلى ملة رسول الله) أي على طريقته ودينه (وقال مرة بسم الله وبالله وعلى سنة
رسول الله) أي على طريقته وشريعته والمراد بملة رسول الله وسنته واحد قال الطيبي قوله أدخل
روى معلوما ومجهولا والثاني أغلب فعلى المجهول لفظ كان بمعنى الدوام وعلى المعلوم بخلافه لما
روى أبو داود عن جابر قال رأى ناس نارا في المقبرة فأتوها فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر وهو
يقول ناولوني صاحبكم فإذا هو بالرجل الذي يرفع صوته بالذكر قال ميرك وفيه نظر لأنه
على تقدير المعلوم يحتمل الدوام أيضا وعلى تقدير المجهول يحتمل عدمه أيضا كما لا يخفى قال
القاري وفيه أن إدخاله عليه الصلاة والسلام الميت بنفسه الأشرف لم يكن دائما بل كان نادرا
لكن قوله بسم الله يمكن أن يكون دائما مع إدخاله وإدخال غيره تأمل انتهى
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وابن ماجة
قوله (رواه أبو الصديق الناجي عن النبي صلى الله عليه وسلم) أخرجه أبو داود (وقد روى عن أبي
125

الصديق موقوفا أيضا) قال المنذري وأخرجه النسائي مسندا وموقوفا وفي الباب أحاديث أخرى
ذكرها الحافظ في التلخيص والزيلعي في نصب الراية
تنبيه اعلم أن الترمذي رحمه الله روى حديث الباب بالإجمال وقد رواه ابن ماجة
بالإيضاح فقال حدثنا هشام بن عمار حدثنا إسماعيل بن عياش حدثنا ليث بن أبي سليم
عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وحدثنا عبد الله بن سعيد حدثنا أبو خالد الأحمر حدثنا الحجاج عن
نافع عن ابن عمر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أدخل الميت القبر قال بسم الله وعلى ملة رسول الله
وقال أبو خالد مرة إذا وضع الميت في لحده قال بسم الله وعلى سنة رسول الله وقال هشام في
حديثه بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله
باب ما جاء في الثوب الواحد يلقى تحت الميت في القبر
قوله (سمعت جعفر بن محمد) جعفر هذا معروف بالصادق وأبوه محمد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب معروف بالباقر قوله (الذي ألحد) يقال لحد يلحد كذهب يذهب
وألحد يلحد إذا حفر اللحد وهو الشق تحت الجانب القبلي من القبر (والذي ألقى القطيفة) قال في
النهاية هي كساء له خمل (شقران) بضم الشين المعجمة وسكون القاف مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل
اسمه صالح شهد بدرا وهو مملوك ثم عتق قال الحافظ أظنه مات في خلافة عثمان قال النووي
في شرح مسلم هذه القطيفة ألقاها شقران وقال كرهت أن يلبسها أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد
نص الشافعي وجميع أصحابنا وغيرهم من العلماء على كراهة وضع قطيفة أو مضربة أو مخدة أو نحو
ذلك تحت الميت في القبر وشذ عنهم البغوي من أصحابنا فقال في كتابه التهذيب لا بأس بذلك
لهذا الحديث والصواب كراهته كما قاله الجمهور وأجابوا عن هذا الحديث بأن شقران انفرد
بفعل ذلك ولم يوافقه غيره من الصحابة ولا علموا ذلك وإنما فعله شقران لما ذكرناه عنه من كراهته
أن يلبسها أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبسها ويفترشها فلم تطب نفس شقران أن
126

يتبذلها أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم وخالفه غيره فروى البيهقي عن ابن عباس أنه كره أن يجعل تحت الميت
ثوب في قبره انتهى كلام النووي (وأخبرني بن أبي رافع قال سمعت شقران يقول أنا والله
طرحت القطيفة الخ) وروى ابن إسحاق في المغازي والحاكم في الإكليل من طريقه والبيهقي
عنه من طريق ابن عباس قال كان شقران حين وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته أخذ قطيفة قد
كان يلبسها ويفترشها فدفنها معه في القبر وقال والله لا يلبسها أحد بعدك فدفنت معه وروى الواقدي
عن علي بن حسين أنهم أخرجوها وبذلك جزم ابن عبد البر كذا في التلخيص
قوله (وفي الباب عن ابن عباس) أخرجه الترمذي في هذا الباب ومسلم وغيره (حديث
شقران حديث حسن غريب) ذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه
قوله (أخبرنا يحيى بن سعيد) هو القطان (عن أبي جمرة) بفتح الجيم وسكون الميم (قال
جعل) بصيغة المجهول والجاعل هو شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم قوله (هذا حديث
حسن صحيح) وأخرجه مسلم والنسائي وابن حبان قال الحافظ وروى ابن أبي شيبة
وأبو داود في المراسيل عن الحسن نحوه وزاد لأن المدينة أرض سبخة وذكرا بن عبد البر أن تلك
القطيفة استخرجت قبل أن يهال التراب انتهى وقال الحافظ العراقي في ألفيته في السيرة
وفرشت في قبره قطيفة وقيل أخرجت وهذا أثبت
قوله (وقد روى شعبة عن أبي حمزة القصاب) بالحاء المهملة والزاي والقصاب بمعنى بائع
القصب (واسمه عمران بن أبي عطاء) الواسطي روى عن ابن عباس وأنس وغيرهما وعنه شعبة
127

والثوري وغيرهما ثقة له في مسلم حديث ابن عباس لا أشبع الله بطنه وليس له حديث في جامع
الترمذي (وروى) أي شعبة (عن أبي جمرة) بفتح الجيم وسكون الراء المهملة (الضبعي) بضم
الضاد المعجمة وفتح الموحدة بعدها مهملة (واسمه نصر بن عمران) البصري نزيل خراسان
مشهور بكنيته ثقة ثبت من الثالثة قوله (وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم) وذهب الجمهور
إلى الكراهة وقولهم هو الراجح وتقدم الجواب عن حديث الباب والله تعالى أعلم قوله (حدثنا
محمد بن جعفر ويحيى عن شعبة عن أبي جمرة) بالجيم لا غير وليس لأبي حمزة القصاب حديث في الترمذي
باب ما جاء في تسوية القبر
قوله (قال لأبي الهياج) بتشديد التحتية (الأسدي) بفتح السين ويسكن (أبعثك على ما
أبعثني) أي أرسلك للأمر الذي أرسلني وإنما ذكر تعديته بحرف على لما في البعث من معنى
الاستعلاء والتأمير أي أجعلك أميرا على ذلك كما امرني رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله القاري (أن لا تدع)
أن مصدرية ولا نافية خبر مبتدأ محذوف أي هو أن لا تدع وقيل أن تفسيرية ولا ناهية أي لا تترك
(قبرا مشرفا) قال القاري هو الذي بنى عليه حتى ارتفع دون الذي أعلم عليه بالرمل والحصباء
أو محسومة بالحجارة ليعرف ولا يوطأ (إلا سويته) في الأزهار قال العلماء يستحب أن يرفع القبر
قدر شبر ويكره فوق ذلك ويستحب الهدم ففي قدره خلاف قيل إلى الأرض تغليظا وهذا
أقرب إلى اللفظ أي لفظ الحديث من التسوية وقال ابن الهمام هذا الحديث محمول على من
كانوا يفعلونه من تعلية القبور بالبناء العالي وليس مرادنا ذلك بتسنيم القبر بل بقدر ما يبدو من
الأرض ويتميز عنها كذا في المرقاة
وقال الشوكاني في النيل قوله ولا قبرا مشرفا إلا سويته فيه أن
128

السنة أن القبر لا يرفع رفعا كثيرا من غير فرق بين من كان فاضلا ومن كان غير فاضل والظاهر
أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرم وقد صرح بذلك أصحاب أحمد وجماعة من
أصحاب الشافعي ومالك ومن رفع القبور الداخل تحت الحديث دخولا أوليا القبب والمشاهد
المعمورة على القبور وأيضا هو من اتخاذ القبور مساجد وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعل ذلك وكم قد
سرى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الاسلام منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد
الكفار للأصنام وعظم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضر فجعلوها مقصدا
لطلب قضاء الحوائج وملجأ لنجاح المطالب وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم وشدوا إليه
الرحال وتمسحوا بها واستغاثوا وبالجملة أنهم لم يدعوا شيئا مما كانت الجابية تفعله بالأصنام
إلا فعلوه فإنا لله وإنا إليه راجعون ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا نجد من يغضب لله
ويغار حمية للدين الحنيف لا عالما ولا متعلما ولا أميرا ولا وزيرا ولا ملكا وقد توارد إلينا من
الأخبار ما لا يشك معه أن كثيرا من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة
خصمه حلف بالله فاجرا فإذا قيل له بعد ذلك احلف بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني
تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك
من قال إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة فيا علماء الدين ويا ملوك المسلمين أي رزء
للإسلام أشد من الكفر وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله وأي مصيبة يصاب بها
المسلمون تعدل هذه المصيبة وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكاره هذا الشرك البين واجبا
لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نارا نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في الرماد
(ولا تمثالا) أي صورة (إلا طمسته) أو محوته وأبطلته
قوله (وفي الباب عن جابر) لينظر من أخرجه وفي الباب أيضا عن فضالة بن عبيد أخرجه
مسلم عن ثمامة بن شفى قال كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس فتوفي صاحب لنا فأمر
فضالة بقبره فسوي ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها
129

قوله (حديث علي حديث حسن) وأخرجه مسلم (قال الشافعي أكره أن يرفع القبر إلا
بقدر ما يعرف أنه قبر لكيلا يوطأ ولا يجلس عليه) قال النووي في شرح مسلم 213 ج 1 في شرح
قوله يأمر بتسويتها فيه إن السنة أن القبر لا يرفع على الأرض رفعا كثيرا ولا يسنم بل يرفع نحو
شبر ويسطح وهذا مذهب الشافعي ومن وافقه ونقل القاضي عياض عن أكثر العلماء أن
الأفضل عندهم تسنيمها وهو مذهب مالك انتهى كلام النووي وأخرج البخاري في صحيحه
عن سفيان التمار أنه حدثه أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنما قال الحافظ قوله مسنما أي مرتفعا زاد
أبو نعيم في المستخرج وقبر أبي بكر وعمر كذلك واستدل به على أن المستحب تسنيم القبور
وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد والمزني وكثير من الشافعية وأدعى القاضي حسين اتفاق
الأصحاب عليه وتعقب بأن جماعة من قدماء الشافعية استحبوا التسطيح كما نص عليه
الشافعي وبه جزم الماوردي وآخرون وقول سفيان التمار لا حجة فيه كما قال البيهقي لاحتمال
أن قبره صلى الله عليه وسلم لم يكن في الأول مسنما فقد روى أبو داود والحاكم من طريق القاسم بن محمد بن أبي
بكر قال دخلت على عائشة فقلت يا أمه اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فكشفت له
عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء زاد الحاكم فرأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدما وأبا بكر رأسه بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم وعمر رأسه عند رجلي النبي صلى الله عليه وسلم وهذا
كان في خلافة معاوية فكأنها كانت في الأول مسطحة ثم لما بنى جدار القبر في إمارة عمر بن عبد
العزيز على المدينة من قبل الوليد بن عبد الملك صيروها مرتفعة وقد روى أبو بكر الآجري في
كتاب صفة قبر النبي صلى الله عليه وسلم من طريق إسحاق بن عيسى ابن بنت داود بن أبي هند عن غنيم بن
بسطام المديني قال رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم في إمارة عمر بن عبد العزيز فرأيته مرتفعا نحوا من أربع
أصابع ورأيت قبر أبي بكر وراء قبره ورأيت قبر عمر وراء قبر أبي بكر أسفل منه
ثم الاختلاف في ذلك في أيهما أفضل لا في أصل الجواز ورجح المزني التسنيم من حيث
المعنى بأن المسطح يشبه ما يصنع للجلوس بخلاف المسنم
ورجحه ابن قدامة بأنه يشبه أبنية أهل
الدنيا وهو من شعار أهل البدع فكأن التسنيم أولى ويرجح التسطيح ما رواه مسلم من حديث
فضالة بن عبيد أنه مر بقبر فسوى ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها انتهى كلام الحافظ
130

باب ما جاء في كراهية الوطء على القبور والجلوس عليها والصلاة عليها
وفي بعض النسخ باب في كراهية المشي على القبور الخ
قوله (عن بسر بن عبيد الله) بضم الموحدة وسكون السين (عن أبي مرثد) بفتح الميم
وسكون الراء وفتح الثاء المثلثة (الغنوي) بفتحتين صحابي بدري مشهور بكنيته واسمه كناز
بتشديد النون وآخره زاي معجمة (لا تجلسوا على القبور) فيه دليل على تحريم الجلوس على القبر
وإليه ذهب الجمهور قاله الشوكاني قال ابن الهمام وكره الجلوس على القبر ووطؤه وحينئذ فما
يصنعه الناس ممن دفنت أقاربه ثم دفنت حواليه خلق من وطأ تلك القبور إلى أن يصل إلى قبر
قريبه مكروه ويكره النوم عند القبر وقضاء الحاجة بل أولى ويكره كل ما لم يعهد من السنة
والمعهود منها ليس إلا زيارتها والدعاء عندها قائما كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل في الخروج في
البقيع انتهى (ولا تصلوا إليها) أي مستقبلين إليها قال القاري وفي معناه بل أولى منه الجنازة
الموضوعة وهو مما ابتلى به أهل مكة حيث يضعون الجنازة عند الكعبة ثم يستقبلون إليها
قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه الجماعة إلا البخاري والترمذي مرفوعا لأن
يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر (وعمرو بن
حزم) أخرجه أحمد بلفظ قال رآني النبي صلى الله عليه وسلم متكئا على قبر فقال لا
تؤذ صاحب هذا القبر أو لا تؤذه قال الحافظ في الفتح إسناده صحيح (وبشير بن الخصاصية) بفتح الموحدة وكسر الشين هو
بشير بن معبد وقيل ابن زيد بن معبد السدوسي المعروف بابن الخصاصية بمعجمة مفتوحة
وصادين مهملتين بعد الثانية تحتانية صحابي جليل أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة
بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يمشي في نعلين بين القبور فقال يا صاحب السبتيتين ألقهما
سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات إلا خالد بن نمير فإنه يهم وأخرجه أيضا الحاكم
وصححه قاله الشوكاني في النيل (فائدة) قال الشوكاني في النيل تحت حديث بشير هذا فيه دليل
على أنه لا يجوز المشي بين القبور بالنعلين ولا يختص عدم الجواز بكون سبتيتين لعدم
131

الفارق بينها وبين غيرها وقال ابن حزم يجوز وطء القبور بالنعال التي ليست سبتية لحديث أن
الميت يسمع خفق نعالهم وخص المنع بالسبتية وجعل هذا جمعا بين الحديثين وهو وهم لأن
سماع الميت لخفق النعال لا يستلزم أن يكون المشي على قبر أو بين القبور فلا معارضة انتهى كلام
الشوكاني
قوله (قال محمد) هو الإمام البخاري (حديث ابن المبارك خطأ أخطأ فيه ابن المبارك وزاد
فيه عن أبي إدريس الخولاني الخ) لقائل أن يقول إن ابن المبارك ثقة حافظ فيمكن أن يكون
الحديث عند بسر بن عبيد الله بالوجهين أعني رواه أولا عن وائلة بواسطة أبي إدريس ثم لقيه
فرواه عنه من غير واسطة والله تعالى أعلم وحديث أبي مرثد هذا أخرجه مسلم
باب ما جاء في كراهية تجصيص القبور والكتابة عليها
قوله (نهى أن تجصص القبور) بصيغة المجهول وفي رواية لمسلم نهى عن تقصيص
القبور بالقاف والصادين المهملتين وهو بمعنى التجصيص والقصة هي الجص (وأن يكتب عليها)
132

بالبناء للمفعول قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي يحتمل النهي عن الكتابة مطلقا
ككتاب اسم صاحب القبر وتاريخ وفاته أو كتابة شئ من القرآن وأسماء الله تعالى ونحو ذلك
للتبرك لاحتمال أن يوطأ أو يسقط على الأرض فيصير تحت الأرجل قال الحاكم بعد تخريج هذا
الحديث في المستدرك الإسناد صحيح وليس العمل عليه فإن أئمة المسلمين من الشرق والغرب
يكتبون على قبورهم وهو شئ أخذه الخلف عن السلف وتعقبه الذهبي في مختصره بأنه محدث ولم
يبلغهم النهي انتهى قال الشوكاني في النيل فيه تحريم الكتابة على القبور وظاهره عدم الفرق
بين كتابة اسم الميت على القبر وغيرها وقد استثنت الهادوية رسم الاسم فجوزوه لا على وجه
الزخرفة قياسا على وضعه صلى الله عليه وسلم الحجر على قبر عثمان كما تقدم وهو من التخصيص بالقياس وقد
قال به الجمهور لا أنه قياس في مقابلة النص كما قال في ضوء النهار ولكن الشأن في صحة هذا
القياس انتهى (وأن يبنى عليها) فيه دليل على تحريم البناء على القبر وفصل الشافعي وأصحابه
فقالوا إن كان البناء في ملك الباني فمكروه وإن كان في مقبر مسبلة فحرام قال الشوكاني ولا
دليل على هذا التفصيل وقد قال الشافعي رأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبني ويدل على
الهدم حديث علي رضي الله عنه انتهى
قلت الأمر كما قال الشوكاني وأراد بحديث علي رضي الله عنه حديثه الذي تقدم في باب
تسوية القبر (وأن توطأ) أي بالأرجل لما فيه من الاستخفاف قال في الأزهار والوطء لحاجة كزيارة
ودفن ميت لا يكره قال القاري في المرقاة وفي وطئه للزيارة محل بحث انتهى وفي رواية مسلم
وأن يقعد عليه قال الشوكاني فيه دليل على تحريم القعود على القبر وإليه ذهب الجمهور وقال
مالك في الموطأ المراد بالقعود الحدث وقال النووي وهذا تأويل ضعيف أو باطل والصواب
أو المراد بالقعود الجلوس ومما يوضحه الرواية الواردة بلفظ لا تجلسوا على القبور انتهى قوله
(هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وفي لفظه نهى أن يبنى على
القبر أو يزاد عليه أو يجصص أو يكتب عليه
قوله (وقد رخص بعض أهل العلم منهم الحسن البصري في تطيين القبور الخ) جاء في
تطيين القبور روايتان ما روى أبو بكر النجار من طريق جعفر بن محمد عن أبيه أن
النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره من الأرض شبرا وطين بطين الأحمر من العرصة ذكره الحافظ في التلخيص ص 561
133

وسكت عنها والثانية ما ذكر صاحب مسند الفردوس عن الحاكم أنه روى من طريق ابن
مسعود مرفوعا لا يزال الميت يسمع الأذان ما لم يطين قبره قال الحافظ في التلخيص ص 561
بعد ذكر هذه الرواية إسناده باطل فإنه من رواية محمد بن القاسم الطايكاني وقد رموه بالوضع
انتهى واختلف الفقهاء الحنفية في تطيين القبور قال سراج أحمد السرهندي في شرح الترمذي
وفي البرجندي وينبغي أن لا يجصص القبر وأما تطيينه ففي الفتاوي المنصورية لا بأس به
خلافا لما يقوله الكرخي إنه مكروه وفي المضمرات المختار أنه لا يكره انتهى وقال في اللمعات
في الخانية تطيين القبور لا بأس به خلافا لما قاله الكرخي انتهى وقال الشوكاني في النيل
وحكى في البحر عن الهادي والقاسم أنه لا بأس بالتطيين لئلا ينطمس وبه قال الامام يحيى وأبو
حنيفة انتهى
باب ما يقول الرجل إذا دخل المقابر
جمع مقبرة قال في القاموس المقبرة مثلثة الباء وكمكنسة موضع القبور
قوله (حدثنا أبو كريب) اسمه محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي مشهور بكنيته
ثقة حافظ عن هشيم وابن المبارك وابن عيينة وخلق وعنه ع من العاشرة كذا في التقريب
والخلاصة (حدثنا محمد بن الصلت) بن الحجاج الأسدي أبو جعفر الكوفي ثقة من كبار العاشرة
(عن أبي كدينة) بضم الكاف وفتح النون مصغرا اسمه يحيى بن الملهب الكوفي صدوق من
السابعة (عن قابوس بن أبي ظبيان) بفتح المعجمة وسكون الموحدة بعدها تحتانية الكوفي فيه لين
(عن أبيه) اسمه حصين بن جندب الجنبي ثقة من الثانية قوله (فأقبل عليهم) أي على أهل
القبور (بوجهه) قال القاري في المرقاة فيه دلالة على أن المستحب في حال السلام على الميت أن
يكون وجهه لوجه الميت وأن يستمر كذلك في الدعاء أيضا وعليه عمل عامة المسلمين خلافا لما
قاله ابن حجر من أن السنة عندنا أنه حالة الدعاء يستقبل القبلة كما علم من الأحاديث في مطلق
الدعاء انتهى وفيه أن كثيرا من مواضع الدعاء ما وقع استقباله عليه الصلاة والسلام للقبلة منها
134

ما نحن فيه ومنها حالة الطواف والسعي ودخول الميت وخروجه وحال الأكل والشرب وعيادة
المريض وأمثال ذلك فيتعين أن يقتصر الاستقبال وعدمه على المورد إن وجد وإلا فخير المجالس
ما استقبل القبلة كما ورد به الخبر انتهى كلام القاري (أنتم سلفنا) بفتحتين في النهاية هو من
سلف المال كأنه أسلفه وجعله ثمنا للأجر على الصبر عليه وقيل سلف الانسان من تقدمه بالموت
من الآباء وذوي القرابة ولذا سمي الصدر الأول من التابعين بالسلف الصالح انتهى (ونحن
بالأثر) بفتحتين يعني تابعون لكم من ورائكم لاحقون بكم
قوله (وفي الباب عن بريدة) أخرجه مسلم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا
إلى المقابر السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون
نسأل الله لنا ولكم العافية (وعائشة) وأخرجه أيضا مسلم بلفظ قالت كيف أقول يا رسول الله
تعني في زيارة القبور قال قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله
المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون
باب ما جاء في الرخصة في زيارة القبور
قوله (فقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه) فيه دليل على جواز زيارة قبر القريب الذي لم يدرك
الاسلام (فزوروها) الأمر للرخصة أو للاستحباب وعليه الجمهور بل ادعى بعضهم الاجماع
بل حكى ابن عبد البر عن بعضهم وجوبها كذا في المرقات (فإنها تذكر الآخرة) أي فإن القبور أو
زيارتها تذكر الآخرة
135

قوله (وفي الباب عن أبي سعيد) لينظر من أخرجه (وابن مسعود) أخرجه ابن ماجة
بلفظ كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة (وأنس) أخرجه
أبو داود والنسائي والحاكم ولفظ الحاكم كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترق
القلوب وتدمع العين وتذكر الآخرة (وأبي هريرة) أخرجه مسلم بلفظ قال زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه
فبكى وأبكى من حوله فقال استأذنت ربي في أن استغفر لها فلم يؤذن لي واستأذنته في أن أزور
قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الموت (وأم سلمة رضي الله عنها) أخرجه
الطبراني بسند حسن بلفظ نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن لكم فيها عبرة كذا في
المرقاة قوله (حديث بريدة حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم قوله (والعمل على هذا
عند أهل العلم الخ) قال النووي تبعا للعبدري والحازمي وغيرهما اتفقوا على أن زيارة القبور
للرجال جائزة قال الحافظ في الفتح فيه نظر لأن ابن أبي شيبة وغيره روى عن ابن سيرين وإبراهيم
والشعبي الكراهة مطلقا فلعل من أطلق أراد بالاتفاق ما استقر عليه الأمر بعد هؤلاء وكأن هؤلاء
لم يبلغهم الناسخ ومقابل هذا القول ابن حزم أن زيارة القبور واجبة ولو مرة واحدة في العمر
لورود الأمر به انتهى
باب ما جاء في الزيارة القبور للنساء
قوله (لعن زوارات القبور) قال القاري لعل المراد كثيرا ت الزيارة وقال القرطبي
هذا اللعن إنما هو المكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصيغة من المبالغة ولعل السبب ما يفضي إليه
ذلك من تضييع حق الزوج وما ينشأ منهن من الصياح ونحو ذلك فقد يقال إذا أمن جميع ذلك
فلا مانع من الاذن لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء انتهى قال الشوكاني في النيل
وهذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة في الظاهر انتهى
136

قوله (وفي الباب عن ابن عباس وحسان بن ثابت) أما حديث ابن عباس فأخرجه
الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه كلهم من رواية أبي صالح عن
ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج كذا في
الترغيب قال الحافظ في التلخيص أبو صالح هو مولى أم هانئ وهو ضعيف وأما حديث
حسان بن ثابت فأخرجه أحمد وابن ماجة والحاكم
قوله (فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء) قال الحافظ بن حجر وهو قول
الأكثر ومحله ما إذا أمنت الفتنة ويؤيد الجواز حديث أنس قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر
فقال اتقي الله واصبري الخ فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على المرأة قعودها عند القبر وتقريره حجة وممن
حمل الإذن على عمومه للرجال والنساء عائشة رضي الله عنها فروى الحاكم من طريق ابن أبي
مليكة أنها زارت قبر أخيها عبد الرحمن فقيل لها أليس قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك قالت نعم
ان نهى ثم أمر بزيارتها انتهى قلت ويؤيد الجواز ما رواه مسلم من حديث عائشة قالت كيف
أقول يا رسول الله تعني إذا زارت القبور قال قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين
والمسلمين الحديث (وقال بعضهم إنما كره) أي النبي صلى الله عليه وسلم وروى بصيغة المجهول قاله القاري
واستدل من قال بالكراهة بأحاديث الباب وبالأحاديث التي وردت في تحريم اتباع الجنائز
للنساء كحديث أم عطية عند الشيخين قالت نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا وأجاب من
قال بالجواز عن أحاديث الباب بأنها محمولة على زيارتهن لمحرم كالنوح وغيره قال القاري في
المرقاة بعد ذكر الأحاديث التي مرت في باب الرخصة فزيارة القبور ما لفظه هذه الأحاديث
بتعليلاتها تدل على أن النساء كالرجال في حكم الزيارة إذا زرن بالشروط المعتبرة في حقهن وأما
خبر لعن الله زوارات القبور فمحمول على زيارتهن لمحرم كالنوح وغيره مما اعتدنه انتهى وقد
تقدم قول القرطبي أن اللعن في حديث الباب للمكثرات من الزيارة وهذا هو الظاهر والله تعالى
أعلم
137

باب ما جاء في الزيارة للقبور للنساء
قوله (توفي عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق وهو أخو عائشة رضي الله عنها (بالحبشي) في
النهاية بضم الحاء وسكون الباء وكسر الشين وتشديد الياء موضع قريب من مكة وقال
الجوهري جبل بأسفل مكة وقال السيوطي مكان بينه وبين مكة اثنا عشر ميلا (فحمل) أي
نقل من الحبشي (فلما قدمت عائشة) أي مكة (فقالت) أي منشدة مشيرة إلى أن طول الاجتماع في
الدنيا بعد زواله يكون كأقصر زمن وأسرعه كما هو شأن الفاني جميعه (وكنا كندماني جذيمة) قال
الشمني في شرح المغني هذا البيت لتميم بن نويرة يرثي أخاه مالكا الذي قتله خالد بن الوليد
وجذيمة بفتح الجيم وكسر الذال قال الطيبي جذيمة هذا كان ملكا بالعراق والجزيرة وضم إليه
العرب وهو صاحب الزباء انتهى وفي القاموس الزباء ملكة الجزيرة وتعد من ملوك الطوائف
أي كنا كنديمي جذيمة وجليسيه وهما مالك وعقيل كانا نديميه وجليسيه مدة أربعين سنة (حقبة)
بالكسر أي مدة طويلة (حتى قيل لن يتصدعا) أي إلى أن قال الناس لن يتفرقا (فلما تفرقنا) أي
بالموت (كأني ومالكا) هو أخو الشاعر الميت (لطول اجتماع) قيل اللام بمعنى مع أو بعد كما في قوله
تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس ومنه صوموا لرؤيته أي بعد رؤيته (لم نبت ليلة معا) أي
مجتمعين (ثم قالت) أي عائشة (لو حضرتك) أي وقت الدفن (ما دفنت) بصيغة المجهول (إلا حيث مت) أي منعتك أن تنقل من مكان إلى مكان بل دفنت حيث مت (ولو شهدتك) أي
حضرت وفاتك (ما زرتك) قال الطيبي لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور انتهى ويرد عليه
أن عائشة كيف زارت مع النهي وإن كانت لم تشهد وقت موته ودفنه ويمكن أن يجاب عنه بأن
138

النهي محمول على تكثير الزيارة لأنه صيغة مبالغة ولذا قالت لو شهدتك ما زرتك لأن التكرار
ينبئ عن الاكثار كذا في بعض الحواشي وقد تقدم الكلام في زيارة القبور للنساء في الباب
الذي قبله ولم يحكم الترمذي على حديث الباب بشئ من الصحة والضعف ورجاله ثقات
إلا أن ابن جريج مدلس ورواه عن عبد الله بن أبي مليكة بالعنعنة
باب ما جاء في الدفن بالليل
قوله (ومحمد بن عمرو السواق) بتشديد الواو عن المنهال بن خليفة) الكوفي أبو قدامة
ضعيف من السابعة قوله (عن الحجاج بن أرطاة) بفتح الهمزة النخعي أبو أرطاة الكوفي القاضي
صدوق كثير الخطأ والتدليس قوله (فأسرج) ماض مجهول (له) أي للميت أو للنبي صلى الله عليه وسلم
(فأخذه) أي أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الميت (من قبل القبلة) في الأزهار احتج أبو حنيفة بهذا الحديث على أن
الميت يوضع في عرض القبر في جانب القبلة بحيث يكون مؤخر الجنازة إلى مؤخر القبر ورأسه إلى
رأسه ثم يدخل الميت القبر وقال الشافعي والأكثرون يسل من قبل الرأس بأن يوضع رأس
الجنازة على مؤخر القبر ثم يدخل الميت القبر انتهى (إن كنت) إن مخففة من المثقلة أي إنك كنت
(لأواها) بتشديد الواو أي كثير التأوه من خشية الله قال في النهاية الأواه المتأوه المتضرع وقيل
هو الكثير البكاء أو الكثير الدعاء (تلاء) بتشديد اللام أي كثير التلاوة وقوله (وفي الباب عن
جابر) أخرجه أبو داود بلفظ قال رأى ناس نارا في المقبرة فأتوها فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر وإذا
هو يقول ناولوني صاحبكم فإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر والحديث سكت عنه أبو
داود والمنذري (ويزيد بن ثابت) لينظر من أخرجه
قوله (حديث ابن عباس حديث حسن) قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية وأنكر عليه
139

لأن مداره على الحجاج بن أرطاة وهو مدلس ولم يذكر سماعا قال ابن القطان ومنهال بن خليفة
ضعفه ابن معين وقال البخاري رحمه الله فيه نظر انتهى كلام الزيلعي
قوله (وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا) وهو قول أبي حنيفة واستدل له بحديث الباب
وقد عرفت أنه ضعيف وبما أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن عمير بن سعيد أن عليا رضي الله
عنه كبر على يزيد بن المكفف أربعا وأدخل من قبل القبلة وبما أخرج هو أيضا عن ابن الحنفية
أنه ولي ابن عباس فكبر عليه أربعا وأدخله من قبل القبلة (وقال بعضهم يسل سلا) أي يدخل
الميت في القبر من قبل الرأس بأن يوضع رأس الجنازة على مؤخر القبر ثم يدخل الميت القبر وهو
قول الشافعي وأحمد والأكثرين وهو الأقوى والأرجح دليلا واستدلوا بما أخرج أبو داود عن أبي
إسحاق قال أوصى الحارث أن يصلي عليه عبد الله بن يزيد فصلى عليه ثم أدخله القبر من قبل
رجلي القبر وقال هذا من السنة وهذا الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال
الصحيح قاله الشوكاني وقال الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر هذا الحديث وأخرجه البيهقي
وقال إسناده صحيح وهو كالمسند لقوله من السنة انتهى وبما أخرج ابن شاهين في كتاب الجنائز
عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الميت من قبل رجليه ويسل سلا قال الحافظ
ابن حجر في الدراية إسناده ضعيف ورواه ابن أبي شيبة بإسناده صحيح لكنه موقوف على أنس
انتهى قلت قال الزيلعي في نصب الراية بعد ما ذكر حديث أنس المرفوع وروى ابن أبي شيبة في
مصنفه حدثنا عبد الأعلى عن خالد عن ابن سيرين قال كنت مع أنس رضي الله عنه في جنازة
فأمر بالميت فأدخل من قبل رجليه انتهى حدثنا وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عامر أنه أدخل
ميتا من قبل رجليه انتهى وبما أخرج ابن ماجة عن أبي رافع قال سل رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدا ورش
على قبره ماء إنتهى وفي سنده منذر بن علي وهو ضعيف
فإن قلت ما أخرج أبو داود عن أبي إسحاق كيف يكون إسناده صحيحا وأبو إسحاق هذا
هو السبيعي وكان قد اختلط في آخر في عمره ومع هذا قد كان مدلسا
قلت نعم لكن رواه عنه شعبة وهو لا يحمل عن شيوخه إلا صحيح حديثهم كما صرح به
الحافظ ابن حجر في فتح الباري
ص 051 ج 1 وقد تقرر أن رواية أبي إسحاق من طريق شعبة
محمولة على السماع وإن كانت معنعنة قال الحافظ ابن حجر في طبقات المدلسين قال البيهقي
وروينا عن شعبة أنه قال كفيتكم تدليس ثلاثة الأعمش وأبي إسحاق وقتادة قال الحافظ
فهذه قاعدة جيدة في أحاديث هؤلاء الثلاثة أنها إذا جاءت من طريق شعبة دلت على السماع ولو
140

كانت معنعنة انتهى (ورخص أكثر أهل العلم في الدفن بالليل) لأحاديث الباب وكرهه
الحسن البصري واستدل بحديث جابر رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر أن يقبر الرجل
ليلا حتى يصلى عليه رواه مسلم وأجيب عنه بأن الزجر منه صلى الله عليه وسلم إنما كان لترك الصلاة لا للدفن
بالليل أو لأجل أنهم كانوا يدفنون بالليل لرداءة الكفن فالزجر إنما هو لما كان الدفن بالليل مظنة
إساءة الكفن فإذا لم يقع تقصير في الصلاة على الميت وتكفينه فلا بأس بالدفن ليلا وقد دفن النبي
صلى الله عليه وسلم ليلا كما رواه أحمد عن عائشة وكذا دفن أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ليلا وعلي رضي الله
عنه دفن فاطمة ليلا
باب ما جاء الثناء الحسن على الميت
قوله (مر) بصيغة المجهول (فأثنوا عليها خيرا) وفي رواية النضر بن أنس عن أبيه عند
الحاكم قالوا جنازة فلان كان يحب الله ورسوله ويعمل بطاعة الله ويسعى فيها (وجبت) أي الجنة
كما في الحديث الآتي (أنتم شهداء الله في الأرض) أي المخاطبون بذلك من الصحابة ومن كان
على صفتهم من الايمان وحكى ابن التين أن ذلك مخصوص بالصحابة لأنهم كانوا ينطقون
بالحكمة بخلاف من بعدهم والصواب أن ذلك يختص بالمتقيات والمتقين انتهى
قوله (وفي الباب عن عمر) أخرجه البخاري والترمذي (وكعب بن عجرة) لينظر من
أخرجه (وأبي هريرة) أخرجه أحمد وفي إسناده رجل لم يسم كذا في النيل قوله
(حديث أنس حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم (عن أبي الأسود الديلي) بكسر الدال وسكون
141

التحتية ويقال الدؤلي بالضم بعدها همز مفتوحة هو التابعي الكبير المشهور قوله (ما من مسلم
يشهد له ثلاثة إلا وجبت له الجنة) قال الداؤدي المعتبر في ذلك شهادة أهل الفضل والصدق لا
الفسقة لأنهم قد يثنون على من يكون مثلهم ولا من بينه وبين الميت عداوة لأن شهادة العدو لا
تقبل قال النووي قال بعضهم معنى الحديث أن الثناء بالخير لمن أثنى عليه أهل الفضل وكان
ذلك مطابقا للواقع فهو من أهل الجنة فإن كان غير مطابق فلا وكذا عكسه قال والصحيح أنه
على عمومه وأن من مات منهم فألهم الله تعالى الناس الثناء عليه بخير كان دليلا على أنه من أهل
الجنة سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا فإن الأعمال داخلة تحت المشيئة وهذا إلهام يستدل به
على تعيينها وبهذا تظهر فائدة الثناء انتهى قال الحافظ ابن حجر وهذا في جانب الخير واضح
ويؤيده ما رواه أحمد وابن حبان والحاكم عن أنس مرفوعا ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة
من جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه إلا خيرا إلا قال الله تعالى قد قبلت قولكم وغفرت له
ما لا تعلمون وأما جانب الشر فظاهر الحديث كذلك لكن إنما يقع ذلك في حق من غلب شره
على خيره وقد وقع في رواية النضر بن أنس عن أبيه عند الحاكم إن لله ملائكة تنطق على ألسنة
بني آدم بما في المرء من الخير والشر انتهى (قلنا واثنان) أي فحكم اثنين (قال واثنان) أي وكذلك
اثنان وقيل هو عطف تلقين (ولم نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الواحد) قيل الحكمة في الاقتصار على
الاثنين لأنهما نصاب الشهادة غالبا وقال الزين بن المنير إنما لم يسأل عمر عن الواحد استبعادا
منه أن يكتفي في مثل هذا المقام العظيم بأقل من النصاب
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري
142

باب ما جاء في ثواب من قدم ولدا
أي مات ولده فصبر قوله (فتمسه) بالنصب لأن الفعل المضارع ينصب بعد النفي
بتقدير أن قاله الحافظ والعيني ولهما ههنا كلام مفيد (إلا تحلة القسم) بفتح المثناة فوق وكسر الحاء
المهملة وتشديد اللام أي ما ينحل به القسم وهو اليمين وهو مصدر حلل اليمين أي كفرها يقال
حلل تحليلا وتحله وقال أهل اللغة يقال فعلته تحل القسم أي قدر ما حللت به يميني ولم أبالغ
وقال الجزري في النهاية قيل أراد بالقسم قوله تعالى (وإن منكم إلا واردها) تقول العرب ضربه
تحليلا وضربه تعذيرا إذا لم يبالغ في ضربه وهذا مثل في القليل المفرط في القلة وهو أن يباشر
من الفعل الذي يقسم عليه المقدار الذي يبر به قسمه مثل أن يحلف على النزول بمكان فلو وقع به
وقعة خفيفة أجزأته فتلك تحلة قسمه فالمعنى لا تمسه النار إلا مسة يسيرة مثل تحلة قسم
الحالف ويريد بتحلته الورود على النار والاجتياز بها والتاء في التحلة زائدة انتهى ما في
النهاية وقال الحافظ في الفتح قالوا أي الجمهور المراد به قوله تعالى (وإن منكم إلا واردها) قال
الخطابي معناه لا يدخل النار ليعاقب بها ولكنه يدخلها مجتازا ولا يكون ذلك الجواز إلا قدر ما
يحلل به الرجل يمينه ويدل على ذلك ما وقع عند عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في آخر
الحديث إلا تحلة القسم يعني الورود وذكر الحافظ روايات أخرى تدل على هذا فعليك أن ترجع
إلى فتح الباري
قوله (وفي الباب عن عمر ومعاذ وكعب بن مالك الخ) وفي الباب أيضا عن مطرف بن
الشخير وعبادة بن الصامت وعلي بن أبي طالب وأبي أمامة وأبي موسى والحارث بن وقيش
143

وجابر بن سمرة وعمرو بن عبسة ومعاوية ابن حيدة وعبد الرحمن بن بشير وزهير بن علقمة
وعثمان بن أبي العاص وعبد الله بن الزبير وابن النضر السلمي وسفينة وحوشب بن طخمة
والحسحاس بن بكر وعبد الله بن عمر والزبير بن العوام وبريدة وأبي سلمة راعي رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأبي برزة الأسلمي وعائشة أم المؤمنين وحبيبة بنت سهل وأم مبشر ورجل لم يسم رضي
الله تعالى عنهم وإن شئت تخريج أحاديث هؤلاء الصحابة فارجع إلى عمدة القاري ص 30 ج 4
(وأبو ثعلبة له عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث واحد هذا الحديث) أخرجه أحمد في مسنده والطبراني في
معجمه الكبير من رواية ابن جريج عن أبي الزبير عن عمر بن نبهان عنه قال قلت يا رسول الله
مات لي ولدان في الإسلام فقال من مات له ولدان في الإسلام أدخله الجنة بفضل رحمته إياهما
(وليس هو بالخشنى) بضم الخاء المعجمة وفتح الشين وكسر النون يعني أن أبا ثعلبة الجشمي
الذي روى الحديث المذكور آنفا ليس هو بأبي ثعلبة الخشني بل هما صحابيان وأبو ثعلبة الخشني
صحابي مشهور اختلف في اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا (وحديث أبي هريرة حديث حسن
صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم
قوله (من قدم ثلاثة من الولد) أي من قدمهم بالصبر علموتهم قال القاري الظاهر أن
معناه من قدم صبر ثلاثة من الولد عند فقدهم واحتسب ثوابهم عند ربهم أو المراد بالتقديم لازمه
وهو التأخر أي الذنب
أو البلوغ والظاهر أن هذا قيد للكمال لأن الغالب أن يكون القلب عليه أرق والصبر عنهم أشق
وشفاعتهم أرجى وأسبق (كانوا له حصنا حصينا عن النار) أي حصارا محكما وحاجزا مانعا من النار (قدمت اثنين) أي فما حكمه
(قال واثنين) أي وكذا من قدم اثنين (فقال أبي بن كعب سيد القراء)
144

إنما قيل له سيد القراء لقوله صلى الله عليه وسلم وسلم أقرؤكم أبي (ولكن إنما ذلك عند الصدمة الأولى) أي يحصل ذلك
بالصبر عند الصدمة الأولى
قوله (وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه) أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود مشهور بكنيته
والأشهر أنه لا اسم له غيرها ويقال اسمه عامر كوفي ثقة من كبار الثالثة والراجح أنه لا يصح
سماعه من أبيه كذا في التقريب
قوله (أبا أمي) بدل من جدي يعني أنه سمع الحديث من جده الفاسد وهو أبو الأم
قوله (من كان له فرطان) بفتحتين أي ولدان لم يبلغا أوان الحلم بل ماتا قبله يقال فرط إذا
تقدم وسبق فهو فارط والفرط هنا الولد الذي مات قبله فإنه يتقدم ويهئ لوالديه نزلا ومنزلا في
الجنة كما يتقدم فراط القافلة إلى المنازل فيعدون لهم ما يحتاجون إليه من الماء والمرعى وغيرهما (من
أمتي) بيان لمن (فمن كان له فرط) أي فما حكمه أو فهل له هذا الثواب (قال ومن كان له فرط) أي
فكذلك (يموفقة) أي في الخيرات وللأسئلة الواقعة موقعها شفقة على الأمة (فأنا فرط أمتي) أي سابقهم
وإلى الجنة بالشفاعة سائقهم بل أنا أعظم من كل فرط فإن الأجر على قدر المشقة (لن يصابوا) أي
أمتي (بمثلي) أي بمثل مصيبتي لهم فإن مصيبتي أشد عليهم من سائر المصائب
145

باب ما جاء في الشهداء من هم
قوله (عن سمي) بضم السين وفتح الميم مصغرا مولى أبي بكر بن عبد الرحمن المخزومي
أبي عبد الله المدني ثقة من السادسة (الشهداء خمسة) جمع شهيد بمعنى فاعل لأنه يشهد مقامه قبل
موته أو بمعنى مفعول لأن الملائكة تشهده أي تحضره مبشرة له وقد ذكر الحافظ في سبب تسمية
الشهيد شهيدا أقوالا أخرى وأعلم أن الأحاديث قد اختلفت في عدد أسباب الشهادة ففي
بعضها خمسة وفي بعضها سبعة وفي بعضها أقل من ذلك قال الحافظ الذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم أعلم
بالأقل ثم أعلم زيادة على ذلك فذكرها في وقت آخر ولم يقصد الحصر في شئ من ذلك انتهى
(المطعون) أي الذي ابتلي بالطاعون ومات به (والمبطون) أي الذي يموت بمرض البطن
كالاستسقاء ونحوه قال القرطبي المراد بالبطن الاستسقاء أو الإسهال على قولين للعلماء
(والغريق) أي الذي يموت من الغرق (وصاحب الهدم) بفتح الدال وتسكن أي الذي يموت تحت
الهدم قال في النهاية الهدم بالتحريك البناء المهدوم فعل بمعنى المفعول وبالسكون الفعل نفسه
(والشهيد في سبيل الله) أي المقتول فيه قال ابن الملك وإنما أخره لأنه من باب الترقي من الشهيد
الحكمي إلى الحقيقي وأعلم أن الشهداء الحكمية كثيرة وردت في أحاديث شهيرة جمعها
السيوطي في كراسة سماها أبواب السعادة في أسباب الشهادة
قوله (وفي الباب عن أنس وصفوان بن أمية وجابر بن عتيك وخالد بن عرفطة
وسليمان بن صرد وأبي موسى وعائشة) أما حديث أنس فأخرجه البخاري ومسلم عنه مرفوعا
الطاعون شهادة لكل مسلم وأما حديث صفوان بن أمية رضي الله عنه فلينظر من أخرجه وأما
146

حديث جابر بن عتيك فأخرجه مالك وأبو داود والنسائي وأما حديث خالد بن عرفطة
وسليمان بن صرد فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث أبي موسى فلينظر من أخرجه وأما
حديث عائشة فأخرجه البخاري
قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما
قوله (حدثنا عبيد بن أسباط بن محمد القرشي الكوفي) صدوق من الحادية عشرة (أخبرنا أبي)
وهو أسباط بن محمد بن عبد الرحمن بن خالد القرشي مولاهم ثقة ضعف في الثوري من التاسعة
(أخبرنا أبو سنان الشيباني) اسمه سعيد بن سنان البرجمي الأصغر الكوفي نزيل الري صدوق له
أوهام من السادسة (قال قال سليمان بن صرد) بضم المهملة وفتح الراء ابن الجون الخزاعي أبو
مطرف الكوفي صحابي قتل بعين الوردة سنة خمس وستين (لخالد بن عرفطة) بضم العين المهملة
وسكون الراء وضم الفاء القضاعي صحابي استنابه سعد على الكوفة مات سنة أربع وستين
(أو خالد لسليمان) شك من الراوي قوله (من قتله بطنه) إسناده مجازي أي من مات من وجع
بطنه وهو يحتمل الإسهال والاستسقاء والنفاس وقيل من حفظ بطنه من الحرام والشبه فكأنه قتله
بطنه كذا في المرقاة قلت والظاهر هو الأول (لم يعذب في قبره) لأنه لشدته كان كفارة لسيئته
وصح في مسلم أن الشهيد يغفر له كل شئ إلا الدين أي إلا حقوق الآدميين
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد قال ميرك وأخرجه النسائي وابن حبان
147

باب ما جاء في كراهية الفرار من الطاعون قوله (بقية رجز) بكسر الراء أي عذاب (أو عذاب) شك من الراوي (أرسل على طائفة
من بني إسرائيل) قال الطيبي هم الذين أمرهم الله تعالى أن يدخلوا الباب سجدا فخالفوا قال
تعالى (فأرسلنا عليهم رجزا من السماء) قال ابن الملك فأرسل عليهم الطاعون فمات منهم في
ساعة أربعة وعشرون ألفا من شيوخهم وكبرائهم (فإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها) قال
ابن الملك فإن العذاب لا يدفعه الفرار وإنما يمنعه التوبة والاستغفار قال الطيبي فيه أنه لو
خرج لحاجة فلا بأس (فلا تهبطوا عليها) بكسر الباء من باب ضرب يضرب وفي رواية
الشيخين فلا تقدموا عليه والمراد بالهبوط هو القدوم وعادة العرب أن يسموا الذهاب بالصعود
والقدوم بالهبوط
قوله (وفي الباب عن سعد) أي ابن أبي وقاص أخرجه الطحاوي في شرح الآثار بلفظ
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم بها فلا تفروا منها وإذا كان
بأرض فلا تهبطوا عليها (وخزيمة ابن ثابت) لينظر من أخرجه (وعبد الرحمن بن عوف
) أخرجه
الشيخان بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض
وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه (وجابر) أخرجه أحمد بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الفار من
الطاعون كالفار من الزحف والصابر فيه له أجر شهيد قال الحافظ في فتح الباري سنده صالح
المتابعات وقال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب إسناده حسن وقال الحافظ العراقي في
المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج إحياء العلوم إسناده ضعيف (وعائشة) أخرجه
أحمد بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فناء أمتي بالطعن والطاعون فقلت يا رسول الله هذا الطعن قد
عرفناه فما الطاعون قال غدة كغدة الإبل المقيم فيها كالشهيد والفار منها كالفار من الزحف
148

قال الحافظ العراقي في المغني عن الأسفار إسناده جيد وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري
سنده حسن وقال الزرقاني رجاله ثقات وأحاديث الباب كلها تدل على حرمة الخروج من
أرض وقع بها الطاعون فرارا منه وكذا الدخول في أرض وقع بها الطاعون لأن الأصل في النهي
التحريم ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة الفار منها كالفار من الزحف قال حافظ في
فتح الباري ومنهم من قال النهي فيه للتنزيه فيكره ولا يحرم وخالفهم جماعة فقالوا يحرم
الخروج منها لظاهر النهي الثابت في الأحاديث الماضية وهذا هو الراجح عند الشافعية وغيرهم
ويؤيده ثبوت الوعيد على ذلك فأخرج أحمد وابن خزيمة من حديث عائشة مرفوعا في أثناء حديث
بسند حسن قلت يا رسول الله فما الطاعون قال غدة كغدة الإبل المقيم فيها كالشهيد والفار
منها كالفار من الزحف انتهى وقال النووي في شرح مسلم وفي هذه الأحاديث منع القدوم على
بلدة الطاعون ومنع الخروج فرارا من ذلك أما الخروج لعارض فلا بأس وهذا الذي ذكرنا
هو مذهبنا ومذهب الجمهور قال القاضي هو قول الأكثرين حتى قالت عائشة الفرار منه
كالفرار من الزحف قال ومنهم من جوز القدوم عليه والخروج منه فرارا ثم قال والصحيح ما
قدمناه من النهي عن القدوم عليه والفرار منه لظاهر الأحاديث الصحيحة انتهى وقال الشيخ عبد
الحق الدهلوي في أشعة اللمعات ضابطه دروهمين أست كه درانجا كه هست نبا يدر فت
وازنجاكه باشد نبايد كريخت واكرحه كريختن در بعض مواضع مثل خانه كه دروى زلزله شده
يا اتش كرفته يانشتن درزير ديو أريكه خم شده نزد غلبه ظن بهلاك امده است اما درباب طاعون
جز صبرنيا مده وكريختن تجويز نيافته وقياس أين بران مواد فاسد است كه انها از قبيل أسباب عادية
اندواين أو أسباب وهمي وبرهد تقدير كريختن ازانجا جائز نيست وهيج جاوارد نشده وهركه
بكريز دعاصى ومرتكب كبيره ومردود است نسأل الله العافية انتهى وقال الشيخ إسماعيل المهاجر
الحنفي في تفسيره روح البيان والفرار من الطاعون حرام إلى أن قال وفي الحديث الفار من
الطاعون كالفار من الزحف والصابر فيه كالصابر في الزحف فهذا الخبر يدل على أن النهي عن
الخروج للتحريم وأنه من الكبائر انتهى وقال الزرقاني في شرح الموطأ والجمهور على أنه
للتحريم حتى قال ابن خزيمة إنه من الكبائر التي يعاقب الله عليها إن لم يعف انتهى وقال في شرح المواهب وخالفهم الأكثر وقالوا إنه للتحريم حتى قال في
شرح المواهب وخالفهم الأكثر وقالوا إنه للتحريم حتى قال ابن خزيمة إنه من الكبائر التي
يعاقب عليها إن لم يعف وهو ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم الطاعون غدة كغدة البعير المقيم بها كالشهيد
والفار منه كالفار من الزحف رواه أحمد برجال ثقات وروى الطبراني وأبو نعيم بإسناد حسن
مرفوعا الطاعون شهادة لأمتي ووخز أعدائكم من الجن غدة كغدة الإبل تخرج في الإباط
والمراق من مات منه مات شهيدا ومن أقام به كان كالمرابط في سبيل الله ومن فر منه كان
149

كالفار من الزحف انتهى قلت والحق أن الخروج من أرض وقع فيها الطاعون فرارا منه حرام
وقد ألفت في هذه المسألة رسالة سميتها خير الماعون في منع الفرار من الطاعون
قوله (حديث أسامة حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم
باب ما جاء في من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه
قوله (من أحب لقاء الله) قال الجزري في النهاية المراد بلقاء الله المصير إلى الله أو الآخرة
وطلب ما عند الله وليس الغرض به الموت لأن كلا يكرهه فمن ترك الدنيا وأبغضها أحب لقاء
الله ومن آثرها وركن إليها كره لقاء الله لأنه إنما يصل إليه بالموت انتهى قوله (وفي الباب
عن أبي موسى) أخرجه البخاري ومسلم (وأبي هريرة) أخرجه مسلم (وعائشة) أخرجه البخاري
ومسلم والترمذي
قوله (حديث عبادة حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم قوله (ليس كذلك) أي ليس الأمر كما ظننت يا عائشة (ولكن المؤمن إذا بشر) أي عند النزع
150

وحضور الملائكة ففي رواية البخاري ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله الخ وفي
حديث أبي هريرة عند مسلم وليس بالذي تذهب إليه ولكن إذا شخص البصر وحشرج
الصدر واقشعر الجلد وتشنجت الأصابع فعند ذلك من أحب لقاء الله الخ قال النووي في
شرح مسلم وهذا الحديث يفسر آخره أوله ويبين المراد بباقي الأحاديث المطلقة من أحب لقاء
الله ومن كره لقاء الله ومعنى الحديث أن الكراهة المعتبرة هي التي تكون عند النزع في حالة
لا تقبل توبته ولا غيرها فحينئذ يبشر كل إنسان بما هو صائر إليه وما أعد له ويكشف له عن
ذلك فأهل السعادة يحبون الموت ولقاء الله لينتقلوا إلى ما أعد لهم ويحب الله لقاءهم فيجزل لهم
العطاء والكرامة وأهل الشقاوة يكرهون لقاءه لما علموا من سوء ما ينتقلون إليه ويكره الله
لقاءهم أي يبعدهم عن رحمته وكرامته ولا يريد ذلك بهم وهذا معنى كراهته سبحانه لقاءهم
وليس معنى الحديث أن سبب كراهة الله تعالى لقاءهم كراهتهم ذلك ولا أن حبه لقاء الآخرين
حبهم ذلك بل هو صفة لهم انتهى كلام النووي
قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه البخاري ومسلم
باب ما جاء فيمن يقتل نفسه لم يصل عليه
قوله (أن رجلا قتل نفسه الخ) وفي رواية مسلم أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص
فلم يصل عليه وفي رواية النسائي أن رجلا قتل نفسه بمشاقص والمشاقص جمع شقص وهو
سهم عريض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنا فلا أصلي عليه
151

قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري قوله (فقال بعضهم يصلي على
كل من صلى للقبلة وعلى قاتل النفس وهو قول سفيان الثوري وإسحاق) قال النووي في شرح
مسلم تحت هذا الحديث ما لفظه وفي هذا الحديث دليل لمن يقول لا يصلى على قاتل نفسه
لعصيانه وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز والأوزاعي وقال الحسن والنخعي وقتادة ومالك وأبو
حنيفة والشافعي وجماهير العلماء يصلي عليه وأجابوا عن هذا الحديث بأن النبي صلى الله
عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه زجرا للناس عن مثل فعله وصلت عليه الصحابة وهذا كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة في
أول الأمر على من عليه دين زجرا لهم عن التساهل في الاستدانة وعن إهمال وفائها وأمر أصحابه
بالصلاة عليه فقال صلى الله عليه وسلم صلوا على صاحبكم قال القاضي مذهب العلماء كافة الصلاة على
كل مسلم ومحدود ومرجوم وقاتل نفسه وولد الزنا وعن مالك وغيره أن الإمام يجتنب
الصلاة على مقتول في حد وأن أهل الفضل لا يصلون على الفساق زجرا لهم وعن الزهري
لا يصلى على مرجوم ويصلى على المقتول في قصاص وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يصلى على
محارب ولا على قتيل الفئة الباغية وقال قتادة لا يصلى على ولد الزنا وعن الحسن لا يصلى
على النفساء تموت من زنا ولا على ولدها ومنع بعض السلف الصلاة على الطفل الصغير
واختلفوا في الصلاة على السقط فقال بها فقهاء المحدثين وبعض السلف إذا مضى عليه أربعة
أشهر ومنعها جمهور الفقهاء حتى يستهل أو تعرف حياته بغير ذلك وأما الشهيد المقتول في حرب
الكفار فقال مالك والشافعي والجمهور لا يغسل ولا يصلى عليه وقال أبو حنيفة يغسل ولا
يصلى عليه وعن الحسن يغسل ويصلى عليه انتهى كلام النووي وقال الشوكاني في النيل
وذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وجمهور العلماء إلى أنه يصلى على الفاسق وأجابوا عن حديث
جابر بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما لم يصل عليه بنفسه زجرا للناس وصلت عليه الصحابة ويؤيد ذلك ما
عند النسائي أما أنا فلا أصلي عليه انتهى (وقال أحمد لا يصلي الإمام على قاتل النفس ويصلي
عليه غير الامام) يدل عليه ما في رواية النسائي من قوله صلى الله عليه وسلم أما أنا فلا أصلي عليه
152

باب ما جاء في الصلاة على المديون
قوله (أتي) بصيغة المجهول (برجل) أي بجنازة رجل (صلوا على صاحبكم فإن عليه دينا)
قال القاضي وغيره امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على المديون إما للتحذير عن الدين والزجر عن
المماطلة والتقصير في الأداء أو كراهة أن يوقف دعاءه بسبب ما عليه من حقوق الناس
ومظالمهم وقال القاضي ابن العربي في العارضة وامتناعه من الصلاة لمن ترك عليه دينا تحذيرا
عن التقحم في الديون لئلا تضيع أموال الناس كما ترك الصلاة على العصاة زجرا عنها حتى
يجتنب خوفا من العار ومن حرمان صلاة الإمام وخيار المسلمين انتهى (قال أبو قتادة وهو على
الخ) فيه دليل على جواز الضمان عن الميت سواء ترك وفاء أو لم يترك وهو قول أكثر أهل العلم
وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يصح الضمان من حيث لم يخلف وفاء بالاتفاق لو ضمن عن
حر معسر دينا ثم مات من عليه الدين كان الضمان بحاله فلما لم يناف موت المعسر دوام الضمان
لا ينافي ابتداءه قال الطيبي والتمسك بالحديث أولى من هذا القياس ذكره القاري نقلا عن شرح
السنة ثم قال وقال بعض علمائنا تمسك به أبو يوسف ومحمد ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله
تعالى في إنه تصح الكفالة عن ميت لم يترك مالا وعليه دين فإنه لو لم تصح الكفالة لما
صلى النبي صلى الله عليه وسلم عليه وقال أبو حنيفة رحمه الله لا تصح الكفالة عن ميت مفلس لأن الكفالة عن الميت
المفلس كفالة بدين ساقط والكفالة بالدين الساقط باطلة والحديث يحتمل أن يكون إقرارا بكفالة
سابقة فإن لفظ الإقرار والإنشاء في الكفالة سواء ولا عموم لحكاية الفعل ويحتمل أن يكون
وعدا لا كفالة
وكان امتناعه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عليه ليظهر له طريق قضاء ما عليه فلما ظهر صلى
عليه صلى الله عليه وسلم انتهى قلت والظاهر ما قال به أكثر أهل العلم والله تعالى أعلم
قوله (وفي الباب عن جابر وسلمة بن الأكوع وأسماء بنت يزيد) أما حديث جابر فأخرجه
153

البخاري ومسلم وأما حديث سلمة بن الأكوع فأخرجه البخاري وأما حديث أسماء بنت يزيد
فأخرجه الطبراني كما في عمدة القاري قوله (حديث أبي قتادة حديث حسن صحيح) وأخرجه
البخاري من حديث سلمة بن الأكوع وفيه قال أبو قتادة صل عليه يا رسول الله وعلى دينه
فصلى عليه
قوله (بالرجل المتوفي) أي بالميت (عليه دين) جملة حالية (فيقول) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (من
قضاء) أي ما يقضي به دينه (فإن حدث) بصيغة المجهول أي أخبر (فلما فتح الله عليه الفتوح) أي
الفتوحات المالية (قام) أي على المنبر (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم) أي أولى في كل شئ من أمور
الدين والدنيا ولذا أطلق ولم يقيد فيجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم وحكمه
أنفذ عليهم من حكمها وحقه آثر عليهم من حقوقها وشفقتهم عليه أقدم من شفقتهم عليها
وكذلك شفقته صلى الله عليه وسلم عليهم أحق وأحرى من شفقتهم على أنفسهم فإذا حصلت له الغنيمة يكون هو أولى
بقضاء دينهم كذا في المرقاة قال المنذري في الترغيب قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يصلي على
المدين ثم نسخ ذلك وذكر هذا الحديث
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما
154

باب ما جاء في عذاب القبر
قوله (إذا قبر الميت) بصيغة المجهول أي إذا أدخل في القبر ودفن (أو قال أحدكم) شك من
الراوي أي أو قال أحدكم مكان لفظ الميت (أتاه ملكان أسودان أزرقان) بزاء فراء أي أزرقان
أعينهما زاد الطبراني في الأوسط من طريق أخرى عن أبي هريرة أعينهما مثل قدور النحاس
وأنيابهما مثل صياصي البقر وأصواتهما مثل الرعد ونحوه لعبد الرزاق من مرسل عمرو بن دينار
وزاد يحفران بأنيابهما ويطئان في أشعارهما معهما مرزبة لو اجتمع عليها أهل منى لم يقلوها كذا
في فتح الباري (يقال لأحدهما المنكر) مفعول من أنكر بمعنى نكر إذا لم يعرف أحدا (وللآخر
النكير) فعيل بمعنى مفعول من نكر بالكسر إذا لم يعرفه أحد فهما كلاهما ضد المعروف سميا
بهما لأن الميت لم يعرفهما ولم ير صورة مثل صورتهما كذا في المرقاة وقال الحافظ في الفتح ذكر
بعض الفقهاء أن اسم اللذين يسألان المذنب منكر ونكير واسم اللذين يسألان المطيع مبشر
وبشير (فيقولان ما كنت تقول) زاد في حديث أنس رضي الله عنه عند البخاري ومسلم
فيقعدانه وزاد حديث البراء فتعاد روحه في جسده وزاد ابن حبان من طريق أبي سلمة عن
أبي هريرة رضي الله عنه فإذا كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه والزكاة عن يمينه والصوم عن
شماله وفعل المعروف من قبل رجليه فيقال له اجلس فيجلس وقد مثلت له الشمس عند
الغروب زاد ابن ماجة من حديث جابر فيجلس فيمسح عينيه ويقول دعوني أصلي (في هذا
الرجل) وفي حديث أنس عند البخاري ما كنت تقول في هذا الرجل لمحمد ولأحمد من
حديث عائشة ما هذا الرجل الذي كان فيكم قال القسطلاني عبر بذلك امتحانا لئلا يتلقن
تعظيمه عن عبارة القائل قيل يكشف للميت حيث يرى النبي صلى الله عليه وسلم وهي بشرى عظيمة للمؤمن
إن صح ذلك ولا نعلم حديثا صحيحا مرويا في ذلك والقائل به إنما استند لمجرد أن الإشارة
لا تكون إلا للحاضر لكن يحتمل أن تكون الإشارة لما في الذهن فيكون مجاز انتهى كلام
155

القسطلاني (فيقول) أي الميت (ما كان يقول) أي قبل الموت (قد كنا نعلم أنك تقول هذا) أي
الإقرار بالوحدانية والرسالة وعلمهما بذلك إما بإخبار الله تعالى إياهما بذلك أو بمشاهدتهما في
جبينه أثر السعادة وشعاع نور الايمان والعبادة (لم يفسح) بصيغة المجهول أي يوسع (سبعون
ذراعا في سبعين) أي في عرض سبعين ذراعا يعني طوله وعرضه كذلك قال الطيبي أصله
يفسح قبره مقدار سبعين ذراعا فجعل القبر ظرفا للسبعين وأسند الفعل إلى السبعين مبالغة في
السعة (ثم ينور له فيه) أي يجعل النور له في قبره الذي وسع عليه وفي رواية ابن حبان وينور له
كالقمر ليلة البدر (نم) أمر من نام ينام (فيقول) أي الميت لعظيم ما رأى من السرور (أرجع إلى
أهلي) أي أريد الرجوع كذا قيل والأظهر أن الاستفهام مقدر قاله القاري (فأخبرهم) أي بأن
حالي طيب ولا حزن لي ليفرحوا بذلك (كنومة العروس) هو يطلق على الذكر والأنثى في أول
اجتماعهما وقد يقال للذكر العريس (الذي لا يوقظ) الجملة صفة العروس وإنما شبه نومه بنومة
العروس لأنه يكون في طيب العيش (إلا أحب أهله إليه) قال المظهر عبارة عن عزته وتعظيمه
عند أهله يأتيه غداة ليلة زفافه من هو أحب وأعطف فيوقظه على الرفق واللطف (حتى يبعثه الله)
هذا ليس من مقول الملكين بل من كلامه صلى الله عليه وسلم وحتى متعلق بمحذوف أي ينام طيب العيش حتى
يبعثه الله (سمعت الناس يقولون) وفي بعض النسخ يقولون قولا وكذلك في المشكاة والمراد
بالقول هو أن محمدا رسول الله (فقلت مثله) أي مثل قولهم (لا أدري) أي أنه نبي في الحقيقة أم
لا وهو استيناف أي ما شعرت غير ذلك ك
القول ويحتمل أن يكون في محل النصب على الحال
(التأمي) أي انضمي واجتمحي (فيختلف أضلاعه) بفتح الهمزة جمع ضلع وهو عظم الجنب
أي تزول عن الهيئة المستوية التي كانت عليها من شدة التئامها عليه وشدة الضغطة وتجاوز جنبيه
من كل جنب إلى جنب آخر (فلا يزال فيها) أي في الأرض أو في تلك الحالة قوله (وفي الباب عن
علي رضي الله عنه) لم أقف عليه (وزيد بن ثابت) أخرجه مسلم (وابن عباس) لم أقف عليه
156

(والبراء بن عازب) أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود وأخرجه أحمد حديثه الطويل
وذكره صاحب المشكاة في باب ما يقال عند من حضره الموت وصححه أبو عوانة وغيره كما صرح
به الحافظ في التلخيص (وأبي أيوب) لم أقف عليه (وأنس) أخرجه البخاري ومسلم (وجابر)
أخرجه أحمد وابن ماجة (وعائشة) أخرجه البخاري ومسلم (وأبي سعيد) أخرجه الدارمي
والترمذي قوله (عرض عليه مقعده) أي أظهر له مكانه الخاص من الجنة والنار وزاد في رواية
الصحيحين بالغداة والعشي قال القرطبي يجوز أن يكون هذا العرض على الروح فقط
ويجوز أن يكون عليه مع جزء من البدن قال والمراد بالغداة والعشي وقتهما وإلا فالموتى لا
صباح عندهم ولا مساء قال وهذا في حق المؤمن والكافر واضح فأما المؤمن المخلص فيحتمل
في حقه أيضا لأنه يدخل الجنة في الجملة ثم هو مخصوص بغير الشهداء لأنهم أحياء وأرواحهم تسرح في الجنة ويحتمل أن يقال فائدة العرض في حقهم تبشير أرواحهم
باستقرارها في الجنة مقترنة بأجسادها فإن فيه قدرا زائدا على ما هي فيه الآن انتهى (إن كان)
أي الميت (من أهل الجنة فمن أهل الجنة) قال التوربشتي التقدير إن كان من أهل الجنة فمقعد
من مقاعد أهل الجنة يعرض عليه ووقع عند مسلم بلفظ إن كان من أهل الجنة فالجنة أي
فالمعروض الجنة (هذا) أي المقعد المعروض عليك (مقعدك حتى يبعثك الله الخ) قال ابن التين
معناه أي لا تصل إليه إلى يوم البعث قال الحافظ في الفتح في رواية مسلم عن يحي بن يحي
عن مالك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة قال ابن عبد البر والمعنى حتى يبعثك الله إلى ذلك
المقعد ويحتمل أن يعود الضمير إلى الله فإلى الله ترجع الأمور والأول أظهر انتهى ويؤيده
رواية الزهري عن سالم عن أبيه بلفظ ثم يقال هذا مقعدك الذي تبعث إليه يوم القيامة أخرجه
مسلم انتهى
كلام الحافظ قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم
157

باب ما جاء في أجر من عزى مصابا
العزاء الصبر والتعزية حمله عليه قوله (حدثنا يوسف بن عيسى) بن دينار أبو يعقوب
المروزي ثقة فاضل من العاشرة (أخبرنا علي بن عاصم) بن صهيب الواسطي التيمي صدوق
يخطئ ويصر ورمى بالتشيع من التاسعة (أخبرنا والله محمد بن سوقة) بضم المهملة الغنوي أبو
بكر الكوفي ثقة مرضي عابد من الخامسة ولا حاجة إلى القسم ولعله لوجه اقتضاه عند
التحديث قوله (من عزى مصابا) أي ولو بغير موت بالمأتي لديه أو بالكتابة إليه بما يهون المصيبة
عليه ويحمله بالصبر بوعد الأجر أو بالدعاء له بنحو أعظم الله لك الأجر وألهمك الصبر
ورزقك الشكر (فله) أي فللمعزى (مثل أجره) أي نحو أجر المصاب على صبره لأن الدال على
الخير كفاعله قوله (هذا حديث غريب) والحديث أخرجه ابن ماجة قال ميرك ورواه البيهقي
وفي سنده ضعف وقال السيوطي في قوت المغتذي قال الحافظ صلاح الدين العلائي ومن خطه
نقلت هذا الحديث أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات من طريق حماد بن الوليد عن سفيان
الثوري عن محمد بن سوقة به ومن طريق محمد بن عبيد الله العزرمي عن أبي الزبير عن جابر
به وتعلق عليه في الأول بحماد بن الوليد فقد قال فيه ابن عدي عامة ما يرويه لا يتابع عليه
وقال ابن حبان يسرق الحديث ويلزق بالثقات ما ليس من حديثهم ثم ذكر له هذا الحديث
وأنه إنما يعرف من حديث علي بن عاصم لا من حديث الثوري وفي الثاني بالعزرمي فقد قال
فيه النسائي ليس بثقة قال العلائي علي بن عاصم أحد الحفاظ المكثرين ولكن له أوهام كثيرة
تكلموا فيه بسببها ومن جملتها هذا الحديث وقد تابعه عليه عن محمد بن سوقة عبد الحليم بن
منصور لكنه ليس بشئ قال فيه ابن معين والنسائي متروك فكأنه سرقه من علي ابن عاصم
وقال الحافظ أبو بكر الخطيب كان أكثر كلامهم فيه يعني علي بن عاصم بسبب هذا الحديث
وقد رواه إبراهيم بن مسلم الخوارزمي عن وكيع عن قيس بن الربيع عن محمد بن سوقة
وإبراهيم بن مسلم هذا ذكره ابن حيان في الثقات ولم يتكلم فيه أحد وقيس بن الربيع صدوق
متكلم فيه لكن حديثه يؤيد رواية علي بن عاصم ويخرج به عن
158

أن يكون ضعيفا واهيا فضلا عن أن يكون موضوعا وقال يعقوب بن شيبة هذا حديث كوفي منكر يرون أنه لا أصل له مسندا
ولا موقوفا وقد رواه أبو بكر النهشلي وهو صدوق ضعيف عن محمد بن سوقة قوله قال
العلائي وهذه علة مؤثرة لكن يعقوب بن شيبة ما ظفر بمتابعة إبراهيم بن مسلم وقد روى ابن
ماجة والبيهقي من طريق قيس بن عمارة مولى الأنصاري وقد وثقه ابن حبان عن عبد الله بن أبي
بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول من عزى أخاه
المؤمن من مصيبة كساه الله حلل الكرامة يوم القيامة والظاهر أن في إسناده انقطاعا انتهى كلام
العلائي قوله (لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث علي بن عاصم) قد عرفت في كلام العلائي
المذكور آنفا أنه رواه إبراهيم بن مسلم الخوارزمي عن وكيع عن قبس بن الربيع عن محمد بن
سوقة (موقوفا) أي على عبد الله بن مسعود قال القاري لكن له حكم المرفوع ويعضده خبر ابن
ماجة بسند حسن مرفوعا ما من مسلم يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله من حلل الكرامة يوم
القيامة انتهى قلت قد عرفت في كلام العلائي أن الظاهر أن في إسناده انقطاعا (أكثر ما ابتلى به
علي بن عاصم بهذا الحديث) يعني أن أكثر كلام المحدثين في علي بن عاصم بسبب هذا الحديث
قال يعقوب بن شيبة هذا الحديث من أعظم ما أنكره الناس على علي بن عاصم وتكلموا فيه مع
ما أنكر عليه سواه كذا في تهذيب التهذيب (نقموا عليه) أي عابوا وأنكروا عليه
باب ما جاء فيمن مات يوم الجمعة
قوله (وأبو عامر العقدي) بفتح المهملة والقاف اسمه عبد الملك بن عمرو القيسي ثقة
من التاسعة (عن ربيعة بن سيف) بن مانع الإسكندراني صدوق له مناكير من الرابعة قوله (ما
159

من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة) الظاهر أن أو للتنويع لا للشك (إلا وقاه الله) أي
حفظه (فتنة القبر) أي عذابه وسؤاله وهو يحتمل الاطلاق والتقييد والأول هو الأولى بالنسبة إلى
فضل المولى وهذا يدل على أن شرف الزمان له تأثير عظيم كما أن فضل المكان له أثر جسيم
قوله (ولا نعرف لربيعة بن سيف سماعا من عبد الله بن عمرو) فالحديث ضعيف
لانقطاعه لكن له شواهد قال الحافظ في فتح الباري بعد ذكر هذا الحديث في إسناده ضعف
وأخرجه أبو يعلى من حديث أنس نحوه وإسناده أضعف انتهى وقال القاري في المرقاة ذكره
السيوطي في باب من لا يسأل في القبر وقال أخرجه أحمد والترمذي وحسنه وابن أبي الدنيا عن
ابن عمرو ثم قال وأخرجه ابن وهب في جامعه والبيهقي أيضا من طريق آخر عنه بلفظ إلا
برئ من فتنة القبر وأخرجه البيهقي أيضا ثالثة عنه موقوفا بلفظ وقي الفتان قال القرطبي
هذه الأحاديث أي التي تدل على نفي سؤال القبر لا تعارض أحاديث السؤال السابقة أي لا
تعارضها بل تخصها وتبين من لا يسأل في قبره ولا يفتن فيه فمن يجري عليه السؤال ويقاسي
تلك الأهوال وهذا كله ليس فيه مدخل للقياس ولا مجال للنظر فيه وإنما فيه التسليم والانقياد
لقول الصادق المصدوق قال الحكيم الترمذي ومن مات يوم الجمعة فقد انكشف له الغطاء عما
له عند الله لأن يوم الجمعة لا تسجر فيه جهنم وتغلق أبوابها ولا يعمل سلطان النار فيه ما يعمل
في سائر الأيام فإذا قبض الله عبدا من عبيده فوافق قبضه يوم الجمعة كان ذلك دليلا لسعادته
وحسن مآبه وإنه لا يقبض في هذا اليوم إلا من كتب له السعادة عنده فلذلك يقيه فتنة القبر
لأن سببها إنما هو تمييز المنافق من المؤمن قلت ومن تتمة ذلك أن من مات يوم الجمعة له أجر
شهيد فكان على قاعدة الشهداء في عدم السؤال كما أخرجه أبو نعيم في الحلية عن جابر قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة أجير من عذاب القبر وجاء يوم القيامة وعليه
طابع الشهداء وأخرج حميد في ترغيبه عن إياس ابن بكير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من مات يوم
الجمعة كتب له أجر شهيد ووقي فتنة القبر وأخرج من طريق ابن جريح عن عطاء قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مسلم أو مسلمة يموت في يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقي عذاب القبر
160

وفتنة القبر ولقي الله ولا حساب عليه وجاء يوم القيامة ومعه شهود يشهدون له أو طابع وهذا
الحديث لطيف صرح فيه بنفي الفتنة والعذاب معا انتهى كلام السيوطي
باب ما جاء في تعجيل الجنازة
قوله (عن سعيد بن عبد الله الجهني) قال العراقي ليس له في الكتب ولا يعرف في هذا
إلا هذا الحديث ولا يعرف إلا برواية ابن وهب عنه وقال فيه أبو حاتم مجهول وذكره ابن حبان
في الثقات كذا في قوت المغتذي قلت وقال الحافظ في التقريب مقبول (عن محمد بن عمر بن
علي بن أبي طالب) صدوق من السادسة وروايته عن جده مرسلة كذا في التقريب (عن أبيه) أي
عمر بن علي بن أبي طالب ثقة من الثالثة مات زمن الوليد وقيل قبل ذلك قال الحافظ قوله
(ثلاث) أي من المهمات وهو المسوغ للابتداء والمعنى ثلاثة أشياء (الصلاة) بالرفع أي منها أو
إحداها (إذا آنت) أي حانت قال العراقي هو بمد الهمزة بعدها نون ومعناها إذا حضرت هكذا
ضبطناه في أصول سماعنا قال ووقع في روايتنا في مسند أحمد إذا أتت بتاء مكررة وبالقصر
والأول أظهر كذا في قوت المغتذي (والجنازة إذا حضرت) قال القاري في المرقاة قال الأشرف
فيه دليل على أن الصلاة على الجنازة لا تكره في الأوقات المكروهة نقله الطيبي وهو كذلك عندنا
أيضا إذا حضرت في تلك الأوقات من الطلوع والغروب والاستواء وأما إذا حضرت قبلها
وصلى عليها في تلك الأوقات فمكروهة وأما بعد الصبح وقبله وبعد العصر فلا تنكره مطلقا
انتهى (والأيم) بتشديد الياء المكسورة أي المرأة العزبة ولو بكرا قاله القاري يعني التي لا زوج لها
(إذا وجدت لها كفؤا) الكفؤ المثل وفي النكاح أن يكون الرجل مثل المرأة في الاسلام والحرية
والصلاح والنسب وحسن الكسب والعمل قاله القاري قوله (هذا حديث غريب وما
أرى إسناده متصلا) وأخرجه ابن ماجة صفحة 801 والحاكم وابن حبان قال ميرك رجاله
161

ثقات والظاهر أن إسناده متصل قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر هذا الحديث عن
جامع الترمذي ما لفظه أخرجه الحاكم في المستدرك في النكاح وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه
انتهى إلا أني وجدته قال عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عوض سعيد بن عبد الله الجهني
فلينظر انتهى
باب آخر في فضل التعزية
قوله (حدثتنا أم الأسود) الخزاعية ويقال الأسلمية ثقة من السابعة (عن منية) بضم الميم
وبسكون النون بعدها تحتانية (ابنة عبيد) بالتصغير قال الحاففي التقريب لا يعرف حالها من
الرابعة قوله (من عزى ثكلى) بفتح المثلثة مقصور المرأة التي فقدت ولدها (كسى) بصيغة
المجهول أي ألبس (بردا) أي ثوبا عظيما مكافأة على تعزيتها قال المناوي في شرح الجامع
الصغير لا يعزي المرأة الشابة إلا زوجها أو محرمها انتهى قوله (هذا حديث غريب وليس
إسناده بالقوي) لأنه فيه منية بنت عبيد وهي مجهولة كما عرفت
باب ما جاء في رفع اليدين على الجنازة
قوله (حدثنا القاسم بن دينار الكوفي) ثقة من الحادية عشرة (أخبرنا إسماعيل بن أبان
الوراق) ثقة تكلم فيه للتشيع (عن يحيى بن يعلى الأسلمي) الكوفي شيعي ضعيف من التاسعة
(عن أبي فروة يزيد بن سنان) الرهاوي ضعيف من كبار السابعة (عن زيد بن أبي أنيسة) بالتصغير
162

ثقة قوله (فرفع يديه في أول تكبيرة ووضع اليمنى على اليسرى) فيه دليل لمن قال برفع اليدين
في التكبيرة الأولى دون التكبيرات الباقية والحديث ضعيف قوله (هذا حديث غريب) وأعله ابن
القطان في كتابه بأبي فروة ونقل تضعيفه عن أحمد والنسائي وابن معين والعقيلي قال وفيه علة
أخرى وهو أن يحيى بن يعلى الراوي عن أبي فروة هو وأبو زكريا القطواني الأسلمي هكذا صرح به
عند الدارقطني وهو ضعيف قلت قال ابن حبان في أبي فروة كثير الخطأ لا يعجبني الاحتجاج به
إذا وافق الثقات فكيف إذا انفرد وثم نقل عن ابن معين أنه قال ليس بشئ كذا في نصب
الراية قوله (وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق) واستدل لهم بحديث ابن عمر
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى على الجنازة رفع يديه في كل تكبيرة وإذا انصرف
سلم أخرجه الدارقطني في علله عن عمر بن شيبة حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا يحيى بن سعيد
عن نافع عن ابن عمر فذكره وقال هكذا رفعه عمر بن أبي شيبة خالفه جماعة فرووه عن
يزيد بن هارون موقوفا وهو الصواب ولم يرو البخاري في كتابه المفرد في رفع اليدين شيئا في
هذا الباب إلا حديثا موقوفا علي بن عمر وحديث موقوفا على عمر بن عبد العزيز رضي الله
عنهم كذا في نصب الراية قلت لم أجد حديثا مرفوعا صحيحا في هذا الباب قوله وقال
بعض أهل العلم لا يرفع يديه إلا في أول مرة وهو قول الثوري وأهل الكوفة واستدل لهم
بحديث الباب وقد عرفت أنه ضعيف واستدل لهم أيضا بحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يرفع يديه على الجنازة في أول تكبيرة ثم لا يعود أخرجه الدارقطني في سننه عن الفضل بن
السكن حدثنا هشام بن يوسف حدثنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس فذكره
وسكت عنه لكن أعله العقيلي في كتابه بالفضل بن السكن وقال إنه مجهول كذا في نصب
163

الراية قلت قال الذهبي في الميزان الفضل بن السكن الكوفي عن هشام بن يوسف لا يعرف
وضعه الدارقطني
انتهى باب ما جاء أن نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه
قوله نفس المؤمن معلقة قال السيوطي أي محبوسة عن مقامها الكريم وقال العراقي أي
أمرها موقوف لا حكم لها بنجاة ولا هلاك حتى ينظر هل يقضى ما عليها من الدين أم لا انتهى
وسواء ترك الميت وفاء أم لا كما صرح به جمهور أصحابنا وشذ الماوردي فقال إن الحديث محمول
على من يخلف وفاء كذا في قوت المغتدي وقال الشوكان في النيل فيه الحث للورثة على قضاء
دين الميت والإخبار لهم بأن نفسه معلقة بدينه حتى يقضى عنه وهذا مقيد بمن له مال يقضى منه
دينه وأما من لا مال له ومات عازما على القضاء فقد ورد في الأحاديث ما يدل على أن الله تعالى
يقضي عنه بل ثبت أن مجرد محبة المديون عند موته للقضاء موجبة لتولي الله سبحانه لقضاء دينه
وإن كان له مال ولم يقض عنه الورثة أخرج الطبراني عن أبي أمامة مرفوعا من دان بدين في نفسه
وفاء ومات تجاوز الله عنه وأرضى غريمة بما شاء ومن دان بدين وليس في نفسه وفاءه ومات
اقتص لغريمه منه يوم القيامة وأخرج أيضا من حديث ابن عمر الدين دينان فمن مات
164

وهو ينوي قضاءه فأنا وليه ومن مات ولا ينوي قضاءه فذلك الذي يؤخذ من حسناته ليس يؤمئذ
دينار ولا درهم وأخرج أحمد وأبو نعيم في الحلية والبزار والطبراني بلفظ يدعي بصاحب الدين
يوم القيامة حتى يوقف بين يدي الله عز وجل فيقول يا ابن آدم فيم أخذت هذا الدين وفيم
ضيعت حقوق الناس فيقول يا رب إنك تعلم أني أخذته فلم آكل ولم أشرب ولم أضيع ولكن أتي
على يدي إما حرق وإما سرق وإما وضيعة فيقول الله صدق عبدي وأنا أحق من قضى عنك
فيدعو الله بشئ فيضعه في كفة ميزانه فترجح حسناته على سيئاته فيدخل الجنة بفضل رحمته
هكذا ذكر الشوكاني هذه الأحاديث بغير الإسناد ولم يتكلم عليها بشئ من الصحة والضعف ثم
ذكر حديث أبي هريرة مرفوعا من أخذا أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذا يريد
اتلافها أتلفه الله أخرجه البخاري ثم ذكر حديث ميمونة ما من مسلم يدان دينا يعلم الله أنه
يريد أداءه إلا أدى الله عنه في الدنيا والآخرة قال وأخرج الحاكم بلفظ من تداين بدين في نفسه
وفاؤه ثم مات تجاوز الله عنه وأرضى غريمه بما شاء ثم قال وقد وقد ورد أيضا ما يدل على أن من مات
من المسلمين مديونا فدينه على من إليه ولاية أمور المسلمين يقضيه عنه من بيت مالهم وإن كان له
مال كان لورثته أخرج البخاري من حديث أبي هريرة ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا
والآخرة اقرؤوا إن شئتم النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم فأيما مؤمن مات وترك مالا فليرثه
عصبته من كانوا ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه وأخرج أحمد ومسلم والنسائي وابن
ماجة في حديث آخر من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي وأنا أولى
بالمؤمنين قال الشوكاني وفي معنى ذلك عدة أحاديث ثبتت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قالها بعد أن كان يمتنع من
الصلاة على المديون فلما فتح الله عليه البلاد وكثرت الأموال صلى على من مات مديونا وقضى
عنه وذلك مشعر بأن من مات مديونا استحق أن يقضى عنه دينه في بيت مال المسلمين وهو أحد
المصارف الثمانية فلا يسقط حقه بالموت ودعوى من ادعي اختصاصه صلى الله عليه وسلم بذلك ساقطة وقياس
الدلالة ينفي هذه الدعوى في مثل قوله صلى الله عليه وسلم وأنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرثه أخرجه
أحمد وبن ماجة وسعيد بن منصور والبيهقي وهو في يقولون أن ميراث من لا وارث له مختص
برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أخرج الطبراني من حديث سلمان ما يدل على انتفاء هذه الخصوصية المدعاة
ولفظه من ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا فعلي وعلى الولاة من بعدي من بيت المال قوله
هذا حديث حسن وأخرجه أحمد وابن ماجة قال الشوكاني رجال إسناده ثقات إلا عمر بن أبي
سلمة بن عبد الرحمن وهو صدوق يخطئ انتهى
165

أبواب النكاح
قال القاري في المرقاة قيل هو مشترك بين الوطء والعقد اشتراطا لفظيا وقيل حقيقة في
العقد مجاز في الوطء وقيل بقلبه وعليه مشايخنا انتهى قلت قال الحافظ في الفتح النكاح في اللغة
الضم والتداخل وفي الشرع حقيقة في العقد مجاز في الوطء على الصحيح والحجة في ذلك
كثرة وروده في الكتاب والسنة للعقد حتى قيل إنه لم يرد في القرآن إلا للعقد قال وقيل مقول
بالاشتراك على كل منهما وبه جزم الزجاجي وهذا الذي يترجح في نظري وإن كان أكثر ما
يستعمل في العقد انتهى أخبرنا حفص بن غياث بكسر الغين المعجمة الكوفي القاضي ثقة فقيه
تغير حفظه قليلا في الآخر عن أبي الشمال بن ضباب بكسر المعجمة وموحدتين مجهول كذا في
الخلاصة والتقريب وقال في الميزان حدث عنه مكحول بحديث أربع من سنن المرسلين لا
يعرف إلا بهذا الحديث قاله أبو زرعة قوله أربع أي أربع خصال من سنن المرسلين أي
فعلا وقولا يعنى التي فعلوها وحثوا عليها وفيه تغليب لأن بعضهم كعيسى ما ظهر منه الفعل
في بعض الخصال وهو النكاح قاله القاري في المرقاة وقال المناوي في شرح الجامع الصغير
المراد أن الأربع من سنن غالب الرسل فنوح لم يختتن وعيسى لم يتزوج انتهى الحياء قال
العراقي وقع في روايتنا بفتح الحاء المهملة وبعدها ياء مثناة من تاحت وصحفه بعضهم بكسر الحاء
وتشديد النون وقال ابن القيم في الهدى روي في الجامع بالنون والياء أي الحناء والحياء
وسمعت أبا الحجاج الحافظ يقول الصواب الختان وسقطت النون من الحاشية كذلك رواه
166

المحاملي عن شيخ الترمذي كذا في قوت المغتذي وأورد الخطيب التبريزي هذا الحديث في
المشكاة نقلا عن الترمذي هكذا أربع من سنن المرسلين الحياء ويروى الختان والتعطر قال
القاري في المرقاة قال الطيبي اختصر المظهر كلام التوربشتي وقال في الحياء ثلاث روايات
بالحاء المهملة والياء التحتانية يعنى به ما يقتضي الحياء من الدين كستر العورة والتنزه عما تأباه
المروءة ويذمه الشرع من الفواحش وغيرها لا الحياء الجبلي نفسه فإنه مشترك بين الناس وإنه
خلق غريزي لا يدخل في جملة السنن وثانيها الختان بخاء معجمة وتاء فوقها نقطتان وهي من
سنة الأنبياء من لدن إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وثالثها الحناء بالحاء
المهملة والنون المشددة وهذه الرواية غير صحيحة ولعلها تصحيف لأنه يحرم على الرجلا
خضاب اليد والرجل تشبها بالنساء وأما خضاب الشعر به فلم يكن قبل نبينا صلى الله عليه وسلم فلا يصح
إسناده إلى المرسلين انتهى ما في المرقاة والتعطر أي استعمال العطر وهو الطيب
قوله وفي الباب عن عثمان بن عفان رضي الله عنه مرفوعا من كان منكم ذال طول
فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لا فالصوم له وجاء وثوبان أخرجه
الترمذي والروياني ورجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا كذا في التلخيص وابن مسعود أخرجه
الجماعة وعن عائشة أخرجه ابن ماجة بلفظ النكاح من سنتي فمن لم يعلم بسنتي فليس مني
الحديث وفي إسناده عيسى بن ميمون وهو ضعيف وعبد الله بن عمرو بن العاص أخرجه
النسائي وابن ماجة والبيهقي بلفظ إن لكل عمل شرة ولكل شرة فترة فمن كان فترته إلى سنتي
فقد اهتدى ومن كان إلى غير لك فقد هلك وجابر أخرج الجماعة بلفظ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال
له يا جابر تزوجت بكرا أم ثيبا قال ثيبا الحديث وأخرج عبد الرزاق في الجامع عن جابر
مرفوعا أيما شاب تزوج في حداثة سنه عج شيطانه عصم مني دينه وعكاف قال في القاموس
عكاف كشداد بن وداعة الصحابي انتهى وقال الحافظ في تعجيل المنفعة عكاف بن وداعة
الهلالي ويقال ابن يسر التيمي أخرج حديثه أبو علي بن السكن والعقيلي في الشفعاء
والطبراني في مسند الشاميين من طريق برد بن سنان عن مكحول عن غضيف بن الحارث عن
عطية بن بسر المازني عن عكاف بن وداعة الهلالي وأخرج أبو يعلى في مسنده وابن منده في المعرفة
من طريق بقية بن الوليد عن معاوية بن يحيى عن سليمان بن موسى عن مكحول عن غضيف بن
الحارث عن عطية بن بسر المازني قال جاء عكاف بن وداعة الهلالي إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
167

يا عكاف ألك زوجة قال لا قال ولا جارية قال لا قال وأنت صحيح موسر قال
نعم الحمد لله قال فأنت إذن من إخوان الشياطين إما أن تكون من رهبان النصارى فأنت
منهم وإما أن تكون منا فاصنع كما نصنع فإن من سنتنا النكاح شراركم عزابكم ويحك
يا عكاف تزوج الحديث ثم ذكر الحافظ طرقا أخرى ثم قال ولا يخلو طريق من طرقه من
ضعف انتهى قوله حديث أبي أيوب حديث حسن غريب في تحسين الترمذي هذا الحديث
نظر فإنه قد تفرد به أبو الشمال وقد عرفت أنه مجهول إلا أن يقال إن الترمذي عرفه ولم يكن
عنده مجهولا أو يقال إنه حسنة لشواهده فروى نحوه عن غير أبي أيوب قال الحافظ في التلخيص
بعد ذكر حديث أبي أيوب هذا رواه أحمد والترمذي ورواه ابن أبي خيثمة وغيره من حديث
مليح بن عبد الله عن أبيه عن جده نحوه ورواه الطبراني من حديث ابن عباس انتهى
قوله ونحن شباب على وزن سحاب جمع شاب قال الأزهري لم يجمع فاعل على فعال
غيره لا نقدر على شئ أي من المال وفي رواية البخاري لا نجد شيئا يا معشر الشباب
المعشر جماعة يشملهم وصف وخصهم بالخطاب لأن الغالب وجود قوة الداعي فيهم إلى النكاح
عليكم بالباءة بالهمزة وتاء التأنيث ممدودا قال النووي فيها أربع لغات الفصيحة المشهورة
البآءة بالمد والهاء والثانية الباءة بلا مد والثالثة الباء بالمد بلا هاء والرابعة الباهة بهائين بلا مد
وأصلها في اللغة الجماع مشتقة من المباءة وهي المنزل ومنه مباءة الإبل وهي مواطنها ثم قيل
لعقد النكاح باءة لأن من تزوج امرأة بوأها منزلا قال واختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على
قولين يرجعان إلى معنى واحد أصحهما أن المراد معناه اللغوي وهو الجماع فتقديره من استطاع
منكم الجماع لقدرته على مؤنه وهي مؤن النكاح فليتزوج ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه
168

فعليه الصوم ليدفع شهورته والقول الثاني أن المراد هنا بالباءة مؤن النكاح سميت باسم ما
يلازمها والذي حمل القائلين بهذا قوله ومن لم يستطع فعليه بالصوم قالوا والعاجز على الجماع
لا يحتاج إلى الصوم لدع الشهوة فوجب تأويل الباءة على المؤن انتهى كلام النووي ملخصا
فإنه أي التزوج إغض للبصر أي أخفض وأدفع لعين المتزوج عن الأجنبية من غض طرفه أي
خفضه وكفه وأحصن أي أحفظ للفرج أي عن الوقوع بالحرام فإن الصوم له وجاء بكسر
الواو وبالمد أي كسر لشهوته وهو في الأصل رض الخصيتين ودقهما لتضعف الفحولة فالمعنى أن
الصوم يقطع الشهوة ويدفع شر المني كالوجاء قوله هذا حديث حسن صحيح وأخرجه
البخاري ومسلم
قوله وروى أبو معاوية والمحاربي عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله
الخ أخرج البخاري هذا الحديث في صحيحه بهذا السند وبالسند المتقدم كليهما وإبراهيم
هذا هو النخغي والمحاربي هذا هو عبد الحمن بن محمد بن زياد أبو محمد الكوفي لا بأس
تنبيه استدل بهذا الحديث بعض المالكية على تحريم الاستمناء لأنه أرشد عند العجز عن
التزويج إلى الصوم الذي يقطع الشهوة فلو كان الاستمناء مباحا لكان الارشاد إليه أسهل وتعقب
دعوى كونه أسهل لأن الترك أسهل من الفعل وقد أباح الاستمناء طائفة من العلماء وهو عند
الحنابلة وبعض الحنفية لأجل تسكين الشهوة كذا في فتح الباري
قلت في الاستمناء ضرر عظيم على المستمني بأي وجه كان فالحق أن الاستمناء فعل
حرام لا يجوز ارتكابه لغرض تسكين الشهوة ولا لغرض آخومن أباحه لأجل التسكين فقد
غفل غفلة شديدة ولم يتأمل فيما فيه من الضرر هذا ما عندي والله تعالى أعلم
169

باب ما جاء في النهي عن التبتل
هو في الأصل الانقطاع والمراد به هنا الانقطاع من النساء وترك التزوج
قوله رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل أي لم يأذين له حين استأذنه بل نهاه
عنه قال النووي وهذا عند أصحابنا محمول على من تاقت نفسه ووجد مؤنه ولو أذن له
لاختصينا أي لجعل كل منا نفسه خصيا كيلا يحتاج إلى النساء قال الطيبي كان الظاهر أن
يقول ولو أذن له لتبتلنا ولكنه عدل عن هذا الظاهر إلى قوله لاختصينا لإرادة المبالغة أي
لبالغنا في التبتل حتى يفضي بنا الاختصاء ولم يرد به حقيقة الاختصاء لأنه حرام وقيل بل هو على
ظاهره وكان ذلك قبل النهي عن الاختصاء ويؤيده توارد استيذان جماعة من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم
في ذلك كأبي هريرة وابن مسعود وغيرهما كذا في فتح الباري قال النووي وهذا محمول على أنه
كانوا يظنون جواز الاختصاء باجتهادهم ولم يكن ظنهم هذا موفقا فإن الاختصاء في الآدمي
حرام صغيرا كان أو كبيرا قال البغوي وكذا يحرم خصاء كل حيوان لا يؤكل وأما المأكول
فيجوز خصاؤه في صغره ويحرم في كبره انتهى قلت يدل على عم جواز خصاء البهائم مطلقا
صغيرة كانت أو كبيرة مأكولة كانت أو غير مأكولة ما أخرجه البزار قال الشوكاني في النيل بإسناد
صحيح من حديث ابن عباس إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صبر الروح وعن إخصاء البهائم نهيا
شديدا وأخرجه أيضا البيهقي في سننه الكبرى ويؤد هذا الحديث ما رواه أحمد والطحاوي
بإسناد ضعيف عن ابن عمر قال نهى رسول الله الله صلى الله عليه وسمل عن إخصاء الخيل والبهائم ثم قال ابن
عمر فيها نماء الخلق قال الشوكاني في النيل تحت هذا الحديث فيه دليل على تحريم خصي
الحيوانات وقول ابن عمر فيها نماء الخلق أي زيادته إشارة إلى أن الخصي تنمو به الحيوانات
ولكن ليس كل ما كان جالبا لنفع يكون حلالا بل لا بد من عدم المانع وإيلام الحيوان ههنا
مانع لأنه إيلام لم يأذن به الشارع بل نهى عنه انتهى كلام الشوكاني وقد استدل بعض الصحابة
والتابعين على عدم جواز إخصاء البهائم بقوله تعالى ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن
آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله قال الحافظ ابن كثير في تفسيره ولآمرنهم فليغيرن
170

خلق الله قال ابن عباس يعني بذلك خصي الدواب وكذا روي عن ابن عمر وأنس وسعيد بن
المسيب وعكرمة وأبي عياض وقتادة وأبي صالح والثوري وقد ورد في حديث النهي عن ذلك
انتهى وقيل المراد بتغير خلق الله في هذه الآية تغير دين الله ففي تفسير ابن كثير وقال ابن
عباس في رواية عنه ومجاهد وعكرمة وإبراهيم النخعي والحسن وقتادة والحكم والسدي
والضحاك وعطاء الخراساني ولآمرنهم فليغيرن خلق الله يعني دين الله عز وجل وهذا كقوله
تعالى أقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله على قوله
من جعل ذلك أمرا أي لا تبدلوا فطرة الله ودعوا الناس إلى فطرتهم انتهى
قلت لو تأملت وتدبرت في الآيتين ظهر لك ان المراد بتغيير خلق الله في الآية الولي هو
تغيير الصورة وأن المراد بتبديل خلق الله في الآية الثانية هو تبديل دين الله ويدل على أن المراد
بتغيير خلق الله في الآية الأول هو تغيير الصورة ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن
مسعود قال قال لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق
الله الحديث وقد استدل من قال لجواز إخصاء البهائم بما ورد من أن رسول الله ضحى بكبشين
موجوئين قال لو كان إخصاء الحيوان المأكول حراما لم ضحى بالكبش الموجوء البتة وفي
هذا الاستدلال نظر كما لا يخفي على المتأمل وقد بسطت الكلام في هذه المسألة في رسالتي إرشاد
الهائم إلى حكم إخصاء البهائم
قوله هذه حديث حسن صحيح وأخرجه الشيخان
قوله نهى عن التبتل قال الجزري في النهاية التبتل الانقطاع عن النساء وترك النكاح
وامرأة بتول منقطعة عن الرجال لا شهوة لها فيهم وبه سميت مريم أم المسيح عليهما السلام
وسميت الفاطمة البتول لانقطاعها عن نساء زمانها فضلا ودينا وحسبا وقيل لانقطاعها عن الدنيا
إلى الله تعالى انتهى قوله ولقد أرسلنا رسلا من قبلك الخ يعني أن النكاح من سنة المرسلين
فلا ينبغي تركها أصلا وقد استدلت عائشة بهذه الآية على منع التبتل روى النسائي عن سعد بن
هشام أنه دخل على أم المؤمنين عائشة قال قلت إني أريد أن أسألك عن التبتل فما ترين فيه قالت
171

قالت فلا تفعل أما سمعت الله عز وجل يقول ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا
وذرية فلا تبتل
قوله (وفي الباب عن سعد) بن أبي وقاص أخرجه الطبراني وفيه أن الله أبدلنا بالرهبانية
الحنيفية السمحة كذا في النيل (وأنس بن مالك) أخرجه أحمد بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر
بالباءة وينهى عن التبتل نهيا شديدا ويقول تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم
القيامة وأخرجه أيضا ابن حبان وصححه وذكره في مجمع الزوائد في موضعين وحسن إسناده في
أحدهما كذا في النيل (وعائشة) أخرجه النسائي بلفظ حديث الباب (وابن عباس) أخرجه أحمد
وأبو داود والحاكم والطبراني مرفوعا بلفظ لا صرورة في الاسلام قال الحافظ في التلخيص وهو
من رواية عطاء عن عكرمة عنه ولم يقع منسوبا فقال ابن طاهر هو ابن وزار وهو ضعيف لكن في
رواية الطبراني ابن أبي الخوار وهو موثق انتهى
قوله (حديث سمرة حديث حسن غريب) فيه أن في سماع الحسن عن سمرة خلافا
مشهورا
قوله (وفي الباب عن سعد) بن أبي وقاص أخرجه الطبراني وفيه أن الله أبدلنا بالرهبانية
الحنيفية السمحة كذا في النيل (وأنس بن مالك) أخرجه أحمد بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر
بالباءة وينهى عن التبتل نهيا شديدا ويقول تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم
القيامة وأخرجه أيضا ابن حبان وصححه وذكره في مجمع الزوائد في موضعين وحسن إسناده في
أحدهما كذا في النيل (وعائشة) أخرجه النسائي بلفظ حديث الباب (وابن عباس) أخرجه أحمد
وأبو داود والحاكم والطبراني مرفوعا بلفظ لا صرورة في الاسلام قال الحافظ في التلخيص وهو
من رواية عطاء عن عكرمة عنه ولم يقع منسوبا فقال ابن طاهر هو ابن وزار وهو ضعيف لكن في
رواية الطبراني ابن أبي الخوار وهو موثق انتهى
قوله (حديث سمرة حديث حسن غريب) فيه أن في سماع الحسن عن سمرة خلافا
مشهورا
باب ما جاء في من ترضون دينه فزوجوه
قوله (حدثنا عبد الحميد بن سليمان) الخزاعة أبو عمر المدني نزيل بغداد ضعيف من
الثامنة (عن ابن وثيمة) بفتح واو وكسمثلثة وسكون ياءه اسمه زفر الدمشقي مقبول من الثالثة
172

قوله (إذا خطب إليكم) أي طلب منكم أن تزوجوه امرأة من أولادكم وأقاربكم (من ترضون)
أي تستحسنون (دينه) أي ديانته (وخلقه) أي معاشرته (فزوجوه) أي إياها (إلا تفعلوا) أي إن لم
تزوجوا من ترضون دينه وخلقه وترغبوا في مجرد الحسب والجمال أو المال (وفساد عريض) أي ذو
عرض أي كبير وذلك لأنكم إن لم تزوجوها إلا من ذي مال أو جاه ربما يبقى أكثر نسائكم بلا
أزواج وأكثر رجالكم بلا نساء فيكثر الافتتان بالزنا وربما يلحق الأولياء عار فتهيج الفتن
والفساد ويترتب عليه قطع النسب وقلة الصلاح والعفة قال الطيبي وفي الحديث دليل لمالك
فإنه يقول لا يراعى في الكفاءة إلا الدين وحده ومذهب الجمهور أنه يراعى أربعة أشياء الدين
والحرية والنسب والصنعة فلا تزوج المسلمة من كافر ولا الصالحة من فاسق ولا الحرة من
عبد ولا المشهورة النسب من الخامل ولا بنت تاجر أو من له حرفة طيبة ممن له حرفة خبيثة أو
مكروهة فإن رضيت المرأة أو وليها بغير كفء صح النكاح كذا في المرقاة
قوله (وفي الباب عن أبي حاتم المزني) أخرجه الترمذي (وعائشة) أي أبا حذيفة بن
عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان ممن شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم تبنى سالما وأنكحه ابنة أخيه
الوليد بن عتبة بن ربيعة وهو مولى امرأة من الأنصار وأخرجه البخاري والنسائي وأبو داود
قوله (مرسلا) أي منقطعا بعدم ذكر ابن وثيمة قوله (ولم يعد حديث عبد الحميد محفوظا) لأنه
ضعيف وأما الليث بن سعد ثقة ثبت قوله (وإن كان فيه) أي شئ من قلة المال أو عدم
173

الكفاءة قوله (هذا حديث حسن غريب) في سنده عبد الله بن مسلم بن هرمز وهو ضعيف
إلا أنه قد تأيد بحديث أبي هريرة المذكور قبله قوله (وأبو حاتم المزني له صحة) وقيل لا صحبة
له كذا في التقريب
باب ما جاء أن المرأة تنكح على ثلاث خصال
قوله (تنكح) بصيغة المجهول (على دينها) أي لأجل دينها فعلى بمعنى اللام لما في
الصحيحين تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها الحديث (فعليك بذات الدين)
قال القاضي رحمه الله من عادة الناس أن يرغبوا في النساء ويختاروها حدى الخصال واللائق
بذوي المروءات وأرباب الديانات أن يكون الدين مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون لا سيما فيما
يدوم أمره ويعظم خطره انتهى وقد وقع في حديث عبد الله بن عمر وعند ابن ماجة والبزار
والبيهقي رفعه لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ولا تزوجوهن لأموالهن
فعسى أموالهن أن تطغيهن ولكن تزوجوهن على الدين ولأمة سوداء ذات دين أفضل (تربت
يداك) قال الجزري في النهاية يقال ترب الرجل إذا افتقر أي لصق بالتراب وأترب إذا استغنى وهذه
الكلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون بها الدعاء على المخاطب ولا وقوع الأمر به قال
وكثيرا ترد للعرب ألفاظا ظاهرها الذم وإنما يريدون بها المدح كقولهم لا أب لك ولا أم لك
ولا أرض لك ونحو ذلك انتهى قوله (وفي الباب عن عوف بن مالك وعائشة) لينظر من
174

أخرج حديثهما (وعبد الله بن عمرو) أخرجه ابن ماجة وتقدم لفظه وأخرجه أيضا البزار والبيهقي
(وأبي سعيد) أخرجه الحاكم وابن حبان بلفظ تنكح المرأة على إحدى ثلاث خصال جمالها ودينها
وخلقها فعليك بذات الدين والخلق قوله (حديث جابر حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
باب ما جاء في النظر إلى المخطوبة
قوله (فإنه) أي النظر إليها (أحرى) أي أجدر وأولى والنسب (أن يؤدم بينكما) أي بأن
يؤلف ويوفق بينكما قال ابن الملك يقال أدم الله بينكما يأدم أي أدما بالسكون أصلح وألف
وكذا ادم في الفائق الأدم والإيدام الاصلاح والتوفيق من أدم الطعام وهو إصلاحه بالإدام وجعله موافقا
للطاعم والتقدير يؤدم به فالجار والمجرور أقيم مقام الفاعل ثم حذف أو نزل المتعدي منزلة
اللازم أي يوقع الأدم بينكما يعني يكون بينكما الألفة والمحبة لأن تزوجها إذا كان بعد معرفة
فلا يكون بعدها غالبا ندامة وقيل بينكما نائب الفاعل كقوله تعالى (تقطع بينكم) بالرفع كذا في
المرقاة قوله (وفي الباب عن محمد بن مسلمة) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ألقى الله
عز وجل في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها أخرجه أحمد وابن ماجة وأخرجه
أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه وسكت عنه الحافظ في التلخيص (وجابر) قال سمعت النبي
صلى الله عليه وسلم يقول إذا خطب أحدكم المرأة فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل أخرجه
أحمد وأبو داود (وأنس) أخرجه ابن حبان والدارقطني والحاكم وأبو عوانة وصححوه وهو مثل
حديث المغيرة (وأبي حميد) أخرجه أحمد مرفوعا إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر
منها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبة وإن كانت لا تعلم وأخرجه أيضا الطبراني والبزار وأورده
الحافظ في التلخيص وسكت عنه وقال في مجمع الزوائد رجال أحمد رجال الصحيح (وأبي
هريرة) قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
175

أنظرت إليها قال لا قال فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا أخرجه مسلم
وأحمد والنسائي قوله (هذا حديث حسن) أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة والدارمي وابن
حبان وصححه قوله (وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث وقالوا لا بأس أن ينظر إليها
الخ) قال النووي في شرح مسلم تحت حديث أبي هريرة فيه استحباب النظر إلى من يريد تزوجها
وهو مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة وسائر الكوفيين وأحمد وجماهير العلماء وحكى القاضي
عن قوم كراهته وهذا مخالف لصريح هذا الحديث ومخالف لإجماع الأمة على جواز النظر للحاجة
عند البيع والشراء والشهادة ثم إنه إنما يباح له النظر إلى وجهها وكفيها فقط لأنهما ليسا بعورة
ولأنه يستدل بالوجه على الجمال وبالكفين على خصوبة البدن أو عدمها هذا مذهبنا ومذهب الأكثرين وقال الأوزاعي ينظر إلى مواضع اللحم وقال داود ينظر إلى جميع بدنها وهذا خطأ
ظاهر تنابذ لأصول السنة والإجماع ثم مذهبنا ومذهب مالك وأحمد والجمهور أنه لا يشترط في
جواز النظر رضاها بل له ذلك في غفلتها ومن غير نقدم إعلام لكن قال مالك أكره نظره في
غفلتها مخافة من وقوع نظره على عورة وعن مالك رواية ضعيفة أنه لا ينظر إليها إلا بإذنها
وهذا ضعيف لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن في ذلك مطلقا ولم يشترط استيذانها ولأنها تستحي غالبا من
الإذن انتهى كلام النووي
قوله (قال أحرى أن تدوم المحبة بينكما) قال في النهاية أحرى أن يؤدم بينكما المحبة
والاتفاق يقال أدم الله بينكما يأدم أدما بالسكون أي ألف ووفق وكذلك آدم يودم بالمد انتهى
باب ما جاء في إعلان النكاح
قوله (حدثنا هشيم) بالتصغير ابن بشير بوزن عظيم ابن القاسم بن دينار السلمي أبو
معاوية الواسطي ثقة ثبت كثير التدليس والإرسال (أخبرنا أبو بلج) بفتح الموحدة وسكون اللام
بعدها جيم الكوفي ثم الواسطي صدوق ربما أخطأ من الخامسة وهو أبو بلج الكبير (الجمحي)
بضم الجيم وفتح الميم وبالحاء المهملة منسوب إلى جمح بن عمرو كذا في المغنى
176

قوله (وفصل ما بين الحلال والحرام) أي فرق ما بينهما (الصوت) قال الجزري في النهاية
يريد إعلان النكاح وذلك بالصوت والذكر به في الناس يقال له صوت وصيت انتهى (والدف)
بضم الدال وفتحها قال القاري في المرقاة الصوت أي الذكر والتشهير والدف أي ضربه فإنه
يتم به الاعلان قال ابن الملك ليس المراد أن لا فرق بين الحلال والحرام في النكاح إلا هذا
الأمر فإن الفرق يحصل بحضور الشهود عند العقد بل المراد الترغيب إلى إعلان أمر النكاح
بحيث لا يخفى على الأباعد فالسنة إعلان النكاح بضرب الدف وأصوات الحاضرين بالتهنئة أو
النغمة في إنشاء الشعر المباح وفي شرح السنة معناه إعلان النكاح واضطراب الصوت به
والذكر في الناس كما يقال فلان ذهب صوته في الناس وبعض الناس يذهب به إلى
السماع وهذا خطأ يعني السماع المتعارف بين الناس الآن انتهى كلام القاري
قلت الظاهر عندي والله تعالى أعلم أن المراد بالصوت ههنا الغناء المباح فإن الغناء المباح
بالدف جائز في العرس يدل عليه حديث الربيع بنت معوذ الآتي في هذا الباب وهو حديث
صحيح أخرجه البخاري وفيه فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي
يوم بدر قال المهلب في هذا الحديث إعلان النكاح بالدف والغناء المباح انتهى وروى
البخاري في صحيحه عن عائشة أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا عائشة
ما كان معكم لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو قال الحافظ في رواية شريك فقال فهل بعثتم معها
جارية تضرب بالدف وتغني وأخرج النسائي من طريق عامر بن سعد عن قرظة بن كعب وأبي
مسعود الأنصاريين قال إنه رخص لنا في اللهو عند العرس الحديث وصححه الحاكم
وللطبراني من حديث السائب بن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل له أترخص في هذا قال نعم إنه نكاح
لا سفاح أشيدوا النكاح انتهى قوله (حديث محمد بن حاطب حديث حسن) أخرجه أحمد
177

والنسائي وابن ماجة والحاكم قوله (أعلنوا هذا النكاح) أي بالبينة فالأمر للوجوب أو بالإظهار
والاشتهار فالأمر للاستحباب كما في قوله (واجعلوه في المساجد) وهو إما لأنه أدعى للإعلان أو
لحصول بركة المكان (واضربوا عليه) أي على النكاح (بالدفوف) لكن خارج المسجد وقال
الفقهاء المراد بالدف ما لا جلاجل له كذا ذكره ابن الهمام قال الحافظ واستدل بقوله
واضربوا على أن ذلك لا يختص بالنساء لكنه ضعيف والأحاديث القوية فيها الاذن في ذلك
للنساء فلا يلتحق بهن الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن انتهى قلت وكذلك الغناء المباح في
العرس مختص بالنساء فلا يجوز للرجال قوله (هذا حديث حسن غريب) كذا في النسخ
الحاضرة وأورد هذا الحديث الشيخ ولي الدين في المشكاة وقال رواه الترمذي وقال هذا حديث
غريب ولم يذكر لفظ حسن وكذلك أورد الشوكاني هذا الحديث في النيل وقال قال الترمذي هذا
حديث غريب ولم يذكر هو أيضا لفظ حسن فالظاهر أن النسخة التي كانت عند صاحب المشكاة
وعند الشوكاني هي الصحيحة ويدل على صحتها تضعيف الترمذي عيسى بن ميمون أحد رواة
هذا الحديث وقد صرح الحافظ في الفتح بضعف هذا الحديث والله تعالى أعلم وأخرج ابن
ماجة هذا الحديث بلفظ أعلنوا هذا النكاح واضربوا عليه بالغربال وفي سنده خالد بن إلياس
وهو متروك وأخرجه من حديث عبد الله بن الزبير أحمد وصححه ابن حبان والحاكم بلفظ
أعلنوا النكاح وليس فيه واضربوا عليه بالدفوف قوله (وعيسى بن ميمون الأنصاري يضعف
في الحديث) عيسى بن ميمون هذا هو مولى القاسم بن محمد يعرف بالواسطي قال البخاري
منكر الحديث وقال ابن حبان يروي أحاديث كلها موضوعات (وعيسى بن ميمون الذي يروي
عن أبي نجيح التفسير هو ثقة) قال الحافظ في تهذيب التهذيب عيسى بن ميمون الجرشي المكي
أبو موسى المعروف بابن داية وهو صاحب التفسير وروى عن مجاهد وابن أبي نجيح وعنه
السفيانان وغيرهما قال الدوري عن ابن معين ليس به بأس وقال ابن المديني ثقة كان سفيان
يقدمه على ورقاء وقال الساجي ثقة ووثقه أيضا الترمذي وأبو أحمد الحاكم والدارقطني وغيرهم
178

انتهى مختصرا قوله (عن الربيع) بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد الياء المكسورة (بنت معوذ)
بكسر الواو المشددة (غداة بني) بصيغة المجهول (بي) وفي رواية الشيخين على أي سلمت وزفت
إلى زوجي والبناء الدخول بالزوجة وبين ابن سعد أنها تزوجت حينئذ إياس بن البكير الليثي
وأنها ولدت له محمد بن إياس قيل له صحبة (كمجلسك منى) بكسر اللام أي مكانك خطاب لمن
يروي الحديث عنها وهو خالد بن ذكوان قال الحافظ في الفتح قال الكرماني هو محمول على أن
ذلك كان من وراء حجاب أو كان قبل نزول آية الحجاب أو جاز النظر للحاجة أو عند الأمن
من الفتنة انتهى قال الحافظ والأخير هو المعتمد والذي وضح لنا بالأدلة القوية أن من خصائص
النبي صلى الله عليه وسلم جواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها وهو الجواب الصحيح عن قصة أم حرام بنت
ملحان في دخوله عليها ونومه عندها وتفليتها رأسه ولم يكن بينهما محرمية ولا زوجية انتهى كلام
الحافظ واعترض القاري في المرقاة على كلام الحافظ هذا فقال هذا غريب فإن الحديث لا دلالة
فيه على كشف وجهها ولا على الخلوة بها بل ينافيها مقام الزفاف وكذا قولها فجعلت جويريات
لنا يضربن بالدف الخ
قلت لو ثبت بالأدلة القوية أن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم جواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها
لحصل الجواب بلا تكلف ولكان شافيا وكافيا ولكن لم يذكر الحافظ تلك الأدلة ههنا
(وجويريات) بالتصغير قيل المراد بهن بنات الأنصار دون المملوكات (يضربن بدفهن) بضم الدال
ويفتح قيل تلك البنات لم تكن بالغات حد الشهوة وكان دفهن غير مصحوب بالجلاجل
(ويندبن) بضم الدال من الندبة بضم النون وهي ذكر أوصاف الميت بالثناء عليه وتعديد
محاسنه بالكرم والشجاعة ونحوها قوله (من قتل من آبائي يوم بدر) قال الحافظ إن الذي قتل من
آبائها إنما قتل بأحد وآباؤها الذين شهدوا بدرا معوذ ومعاذ وعوف واحدهم أبوها وآخران عماها
أطلقت الأبوة عليهما تغليبا (أسكتي عن هذه) أي عن هذه المقالة وفي رواية البخاري دعى هذه
أي اتركي ما يتعلق بمدحي الذي فيه الإطراء المنهي عنه زاد في رواية حماد بن سلمة لا يعلم ما
في غد إلا الله فأشار إلى علة المنع (وقولي التي كنت تقولين قبلها) فيه جواز سماع المدح والمرثية مما
ليس فيه مبالغة تفضي إلى الغلو قاله الحافظ قال القاري في المرقاة وإنما منع القائلة بقولها وفينا
179

نبي الخ لكراهة نسبة علم الغيب إليه لأنه لا يعلم الغيب إلا الله وإنما يعلم الرسول من الغيب
ما أخبره أو لكراهة أن يذكر في أثناء ضرب الدف وأثناء مرثية القتلى لعلو منصبه عن ذلك
انتهى قلت المعتمد هو الأول لما ورد به التصريح في رواية حماد بن سلمة كما مر آنفا قوله
(وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري
باب فيما يقال للمتزوج
أي من الدعاء قوله (كان إذا رفأ انسان) بفتح الراء وتشديد الفاء مهموز معناه دعا
له قاله الحافظ في الفتح وفي القاموس رفأه ترفئة وترفيا قال له بالرفاه والبنين أي بالالتئام
وجمع الشمل انتهى وذلك لأن الترفئة في الأصل الالتئام يقال رفأ الثوب لأم خرقه وضم بعضه
إلى بعض وكانت هذه ترفئة الجاهلية ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأرشد إلى ما في حديث
الباب فروى بقي بن مخلد عن رجل من بني تميم قال كنا نقول في الجاهلية بالرفاه والبنى فلما
جاء الاسلام علمنا نبينا قال قولوا بارك الله لكم وبارك فيكم وبارك عليكم وأخرجه النسائي
والطبراني عن عقيل بن أبي طالب أنه قدم البصرة فتزوج امرأة فقالوا له بالرفاه والبنين فقال لا
تقولوا هكذا وقولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم بارك لهم وبارك عليهم ورجاله ثقات (قال
بارك الله وبارك عليك) وفي رواية غير الترمذي بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير
قوله (وفي الباب عن عقيل بن أبي طالب) أنه تزوج امرأة من بني جشم فقالوا بالرفاه والبنين
فقال لا تقولوا هكذا ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم بارك لهم وبارك عليهم أخرجه
النسائي وابن ماجة وأحمد بمعناه وفي رواية له لا تقولوا ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن ذلك قولوا
بارك الله فيك وبارك لك فيها وأخرجه أيضا أبو يعلى والطبراني وهو من رواية الحسن عن عقيل
قال في الفتح ورجاله ثقات إلا أن الحسن لم يسمع من عقيل وله (حديث أبي هريرة حديث
حسن صحيح) أخرجه أصحاب السنن وابن حبان والحاكم قاله الحافظ في الفتح
180

باب ما يقول إذا دخل على أهله
قوله (إذا أتى أهله) أي جامع امرأته أو جاريته والمعنى إذا أراد أن يجامع فيكون القول
قبل الشروع وفي روايته لأبي داود إذا أراد أن يأتي أهله وهي مفسرة لغيرها من الروايات التي تدل
بظاهرها على أن القول يكون مع الفعل فهي محمولة على المجاز كقوله تعالى (وإذا قرأت القرآن
فاستعذ بالله) أي إذا أردت القراءة (جنبنا) أي بعدنا (الشيطان) مفعول ثان (ما رزقتنا) من الولد
(لم يضره الشيطان) أي لم يسلط عليه بحيث لا يكون له عمل صالح وإلا فكل مولود يمسه
الشيطان إلا مريم وابنها ولا بد له من وسوسة لكن كان ممن ليس له عليهم سلطان قاله في المجمع
قلت وقد وقع في رواية لمسلم وأحمد لم يسلط عليه الشيطان وقد وقع في رواية للبخاري لم
يضره شيطان أبدا قال الحافظ في الفتح واختلف في الضرر المنفي بعد الاتفاق على عدم الحمل
على العموم في أنواع الضرر على ما نقل القاضي عياض وإن كان ظاهرا في الحمل على عموم
الأحوال من صيغة النفي مع التأييد وكان سبب ذلك الاتفاق ما ثبت في الصحيح إن كل بني
آدم يطعن الشيطان في بطنه حين يولد إلا من استثنى فإن هذا الطعن نوع من الضرر ثم
اختلفوا فقيل المعنى لم يسلط عليه من أجل بركة التسمية بل يكون من جملة العباد الذين قيل
فيهم (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) وقيل المراد لم يصرعه وقيل لم يضره في بدنه وقال
الداودي معنى لم يضره أي لم يفتنه عن دينه إلى الكفر وليس المراد عصمته منه عن المعصية انتهى
كلام الحافظ مختصرا وقد ذكر أقوالا أخر من شاء الاطلاع عليه فليرجع إلى الفتح قوله (هذا
حديث حسن صحيح أخرجه الجماعة إلا النسائي كذا في المنتقى
181

باب ما جاء في الأوقات التي يستحب فيها النكاح
قوله (بنى بي) أي دخل معي وزف بي قال في النهاية الابتناء والبناء الدخول بالزوجة
والأصل فيه أن الرجل كان إذا تزوج امرأة بنى عليها قبة ليدخل بها فيها فيقال بنى الرجل على
أهله قال الجوهري ولا يقال بنى بأهله وهذا القول فيه نظر فإنه قد جاء في غير موضع من
الحديث وغير الحديث وعاد الجوهري فاستعمله في كتابه انتهى (وبنى بي في شوال) زاد مسلم في
روايته فأي نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى عنده مني (وكانت عائشة تستحب أيبني بنائها في
شوال) ضمير نسائها يرجع إلى عائشة قال النووي فيه استحباب التزويج والتزوج والدخول في
شوال وقد نص أصحابنا على استحبابه واستدلوا بهذا الحديث وقصدت عائشة بهذا الكلام
رد ما كانت الجاهلية عليه وما يتخيله بعض العوام اليوم من كراهة التزوج والتزويج والدخول في
شوال وهذا باطل لا أصل له وهو من آثار الجاهلية كانوا يتطيرون بذلك لما في اسم شوال من
الإشالة والرفع انتهى وقال القاري قيل إنما قالت هذا ردا على أهل الجاهلية فإنهم كانوا لا
يرون يمنا في التزوج والعرس في أشهر الحج انتهى قوله (هذا حديث حسن) ورواه أحمد ومسلم
والنسائي
باب ما جاء في الوليمة
قال العلماء من أهل اللغة والفقهاء وغيرهم الوليمة الطعام المتخذ للعرس مشتقة من الولم
وهو الجمع لأن الزوجين يجتمعان قاله الأزهري وغيره وقال الأنباري أصلها تمام الشئ
واجتماعه والفعل منها أو لم قاله النووي واعلم أن العلماء ذكروا أن الضيافات ثمانية أنواع الوليمة
182

للعرس والخرس بضم الخاء المعجمة ويقال بالصاد المهملة أيضا للولادة والأعذار بكسر الهمزة
وبالعين المهملة والذال المعجمة للختان والوكيرة للبناء والنقيعة لقدوم المسافر مأخوذة من
النقع وهو الغبار ثم قيل إن المسافر يصنع الطعام وقيل يصنعه غيره له والعقيقة يوم سابع
الولادة والوضيمة بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة الطعام عند المصيبة والمأدبة بضم الدال
وفتحها الطعام المتخذ ضيافة بلا سبب والوضيمة من هذه الأنواع الثمانية ليست بجائزة بل هي
حرام وقال الحافظ في الفتح وقد فاتهم ذكر الحذاق بكسر المهملة وتخفيف الذال المعجمة
وآخره قاف الطعام الذي يتخذ عند حذق الصبي ذكره ابن الصباغ في الشامل وقال
ابن الرفعة هو الذي يصنع عند الختم أي ختم القرآن كذا قيده ويحتمل ختم قدر مقصود منه
ويحتمل أن يطرد ذلك في حذقه لكل صناعة قال وروى أبو الشيخ والطبراني في الأواسط عن أبي
هرير رفعه الوليمة حق وسنة الحديث وفي آخره قال والخرس والاعذار والتوكير أنت في
بالخيار وفيه تفسير ذلك وظاهر سياقه الرفع ويحتمل الوقف وفي مسند أحمد من حديث عثمان
بن أبي العاص في وليمة الختان لم يكن يدعى لها انتهى
قوله (رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة) قال النووي وفي رواية ردع من زعفران
براء ودال وعين مهملات هو أثر الطيب والصحيح في معنى هذا الحديث أنه تعلق به أثر من
الزعفران وغيره من طيب العروس ولم يقصده ولا تعمد التزعفر فقد ثبت في الصحيح النهي
عن التزعفر للرجال وكذا نهى الرجال عن الخلوق لأنه شعار النساء وقد نهى الرجال عن التشبه
بالنساء فهذا هو الصحيح في معنى الحديث وهو الذي اختاره القاضي والمحققون قال القاضي
وقيل إنه يرخص في ذلك الرجل العروس وقد جاء ذلك في أثر ذكره أبو عبيد أنهم كانوا
يرخصون في ذلك للشاب أيام عرسه قال وقيل لعلي كان يسيرا فلم ينكر انتهى كلام النووي
(على وزن نواة من ذهب) قال الخطابي النواة اسم لقدر معروف عندهم فسروها بخمسة دراهم
من ذهب قال القاضي كذا فسرها أكثر العلماء (أولم ولو بشاة) قال الحافظ ليست لو هذه
الامتناعية إنما هي التي للتقليل ووقع في حديث أبي هريرة بعد قوله أعرست قال نعم قال
أولمت قال لا فرمى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنواة من ذهب فقال أولم ولو بشاة وهذا لو صح كان
فيه أن الشاة من إعانة النبي صلى الله عليه وسلم وكان يعكر على من استدل به على أن الشاة أقل ما يشرع
للموسر ولكن الإسناد ضعيف قال ولولا ثبوت أنه صلى الله عليه وسلم أولم على بعض نسائه بأقل من الشاة
183

لكان يمكن أن يستدل به على أن الشاة أقل ما تجزئ في الوليمة ومع ذلك فلا بد من تقييده
بالقادر عليها قال عياض وأجمعوا على أن لا حد لأكثرها وأما أقلها فكذلك ومهما تيسر أجزأ
والمستحب أنها على قدر حال الزوج وقد تيسر على الموسر الشاة فما فوقها انتهى
وقد استدل بقوله أولم ولو بشاة على وجوب الوليمة لأن الأصل في الأمر الوجوب
وروى أحمد من حديث بريدة قال لما خطب على فاطمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لا بد للعروس
من وليمة قال الحافظ سنده لا بأس به وهذا الحديث قد استدل به على وجوب الوليمة وقال
به بعض أهل العلم وأما قول ابن بطال لا أعلم أحدا أوجبها ففيه أنه نفى علمه وذلك
لا ينافي ثبوت الخلاف في الوجوب وقد وقع في حديث وحشي بن حرب عند الطبراني مرفوعا
الوليمة حق وكذا وقع في أحاديث أخرى قال ابن بطال قوله حق أي ليس بباطل بل يندب
إليها وهي سنة فضيل وليس المرا بالحق الوجوب وأيضا هو طعام لسرور حادث فأشبه سائر
الأطعمة والأمر محمول على الاستحباب ولكونه أمر بشاة وهي غير واجبة اتفاقا قوله (وفي
الباب عن ابن مسعود وعائشة وجابر وزهير بن عثمان) أما حديث ابن مسعود فأخرجه الترمذي
في هذا الباب وأما حديث عائشة فلينظر من أخرجه وأما حديث جابر فأخرجه أحمد ومسلم وأبو
داود وابن ماجة عنه مرفوع إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم وإن شاة ترك
وأما حديث زهير بن عثمان فأخرجه أبو داود والنسائي ولفظ أبو داود الوليمة أول يوم حق
والثاني معروف واليوم الثالث سمعة ورياء قال المنذري في تلخيصه قال أبو القاسم البغوي
ولا أعلم لزهير بن عثمان غير هذا وقال أبو عمر النمري في إسناده نظر يقال إنه مرسل وليس
له غيره وذكر البخاري هذا الحديث في تاريخه الكبير في ترجمة زهير بن عثمان وقال ولا يصح
إسناده ولا نعرف له صحبة وقال ابن عمر وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعى أحدكم إلى وليمة
فليجب ولم يخص ثلاثة أيام ولا غيرها وهذا أصح وقال ابن سيرين عن أبيه لما بنى بأهله أولم
سبعة أيام ودعى في ذلك أبي بن كعب فأجابه انتهى قال الحافظ في الفتح وقد وجدنا الحديث
زهير بن عثمان شواهد فذكرها ثم قال وهذه الأحاديث وإن كان كل منها لا يخلو عن مقال
فمجموعها يدل على أن للحديث أصلا انتهى كلام الحافظ قوله (حديث أنس حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم قوله (وقال أحمد بن حنبل وزن
نواة من ذهب وزن ثلاثة دراهم وثلث) قال الحافظ وقع في رواية حجاج بن أرطاة عن قتادة عند
184

البيهقي قومت ثلاثة دراهم وثلثا وإسناده ضعيف ولكن جزم به أحمد انتهى (وقال إسحاق
هو وزن خمسة دراهم) قال الحافظ واختلف في المراد بقوله نواة فقيل المراد واحدة نوى التمر كما
يوزن بنوى الخروب وإن القيمة عنها كانت يومئذ خمسة دراهم وقيل لفظ النواة من ذهب عبارة
عما قيمته خمسة دراهم من الورق وجزم به الخطابي واختاره الأزهري ونقله عياض عن أكثر
العلماء ويؤيده أن في رواية البيهقي من طريق سعيد بن بشر عن قتادة وزن نواة من ذهب
قومت خمسة دراهم انتهى كلام الحافظ مختصرا وذكر فيه أقوالا أخرى قوله (عن وائل بن داود)
التيمي الكوفي والد بكر ثقة من السادسة (عن ابنه نوف) بفتح النون وسكون الواو وفي رواية أبي
داود عن ابنه بكر بن وائل وليس في التقريب ولا في الخلاصة ولا في تهذيب التهذيب ذكر
نوف بن وائل فلينظر وأما بكر بن وائل بن داود فصدوق روى عن الزهري وغيره وروى عنه
أبوه وائل بن داود وغيره (أولم على صفية بنت حي بسويق وتمر) وفي رواية الصحيحين أولم
عليها بحيس قال القاري في المرقاة جمع بينهما بأنه كان في الوليمة كلاهما فاخر كل راو بما كان عنده
انتهى قلت وقع في رواية للبخاري أنه أمر بالأنطاع فألقى فيها من التمر والأقط والسمن
فكانت وليمته قال الحافظ في الفتح ولا مخالفة بينهما يعنى بين هذه الرواية وبين الرواية التي فيها
ذكر الحيس لأن هذه من أجزاء الحيس قال أهل اللغة الحيس يؤخذ التمر فينزع نواه ويخلط
بالأقط أو الدقيق أو السويق انتهى ولو جعل فيه السمن لم يخرج عن كونه حيسا انتهى كلام
الحافظ قلت السمن أيضا من أجزاء الحيس قال في القاموس الحيس الخلط وتمر يخلط بسمن
وأقط فيعجن شديدا ثم يندر منه نواه وربما جعل فيه سويق انتهى قوله (حديث حسن
غريب) ورواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وسكت عنه أبو داود والمنذري قوله (وكان سفيان بن
185

عيينة يدلس في هذا الحديث) أعلم أن سفيان بن عيينة لم يكن يدلس إلا عن ثقة كما صرح به
الحافظ في طبقات المدلسين قوله (أخبرنا زياد بن عبد الله) بن الطفيل العامري البكائي بفتح
المهملة وتشديد الكاف أبو محمد الكوفي صدوق ثبت في المغازي وفي حديثه عن غير ابن
إسحاق لين من الثامنة قاله الحافظ (عن أبي عبد الرحمن) السلمي الكوفي المقري اسمه
عبد الله بن حبيب بن ربيعة ثقة ثبت من الثانية (طعام أول يوم حق) أي ثابت ولازم فعله
وإجابته أو واجب وهذا عند من ذهب إلى أن الوليمة واجبة أو سنة مؤكدة فإنها في معنى
الواجب حيث يسئ بتركها ويترتب عتاب وإن لم يجب عقاب قالت القاري قلت هذا
الحديث من متمسكات من قال بالوجوب كما تقدم (وطعام يوم الثاني سنة) وروى أبو داود هذا
الحديث عن رجل أعود من ثقيف بلفظ الوليمة أول يوم حق والثاني معروف الخ أي ليس بمنكر
(وطعام يوم الثالث سمعة) بضم السين أي سمعة ورياء ليسمع الناس ويرائيهم وفي رواية أبي
داود سمعة ورياء (ومن سمع سمع الله به) بتشديد الميم فيهما أي من شهر نفسه بكرم أو غيره فخرا
أو رياء شهره الله يوم القيامة بين أهل العرصات بأنه مراء كذاب بأن أعلم الله الناس بريائه
وسمعته وقرع باب أسماع خلقه فيفتضح بين الناس قال الطيبي إذا أحدث الله تعالى لعبد
نعمة حق له أن يحدث شكرا واستحب ذلك في الثاني جبرا لما يقع من النقصان في اليوم الأول
فإن السنة مكملة للواجب وأما اليوم الثالث فليس إلا رياء وسمعة والمدعو يجب عليه الإجابة
في الأول ويستحب في الثاني ويكره بل يحرم في الثالث انتهى قال القاري وفيه رد صريح على
أصحاب مالك حيث قالوا باستحباب سبعة أيام لذلك انتهى قلت لعلهم تمسكوا بما أخرجه ابن
أبي شيبة من طريق حفصة بنت سيرين قالت لما تزوج أبي دعا الصحابة سبعة أيام فلما كان يوم
الأنصار دعا أبي بن كعب وزيد بن ثابت وغيرهما فكان أبي صائما فلما طعموا دعا أبي وأثنى
وأخرجه البيهقي من وجه آخر أتم سياقا منه وأخرجه عبد الرزاق إلى حفصة فيه ثمانية أيام
ذكره الحافظ في الفتح وقد جنح الإمام البخاري في صحيحه إلى جواز الوليمة سبعة أيام حيث
186

قال باب حق إجابة الوليمة والدعوة ومن أول بسبعة أيام ونحوه ولم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم يوما ولا يومين انتهى وأشار بهذا إلى ضعف حديث الباب ولكن ذكر الحافظ في الفتح شواهد لهذا
الحديث وقال بعد ذكرها هذه الأحاديث وإن كان كل منها لا يخلو عن مقال فمجموعها يدل على
أن للحديث أصلا قال وقد عمل به يعني بحديث الباب الشافعية والحنابلة قال وإلى ما
جنح إليه البخاري ذهب المالكية قال عياض استحب أصحابنا لأهل السعة كونها أسبوعا
قال وقال بعضهم محله إذا دعا في كل يوم من لم يدع قبله ولم يكرر عليهم وإذا حملنا الأمر في
كراهة الثالث على ما إذا كان هناك رياء وسمعة ومباهاة كان الرابع وما بعده كذلك فيمكن حمل
ما وقع من السلف من الزيادة على اليومين عند الأمن من ذلك وإنما أطلق ذلك على الثالث لكونه
الغالب انتهى كلام الحافظ مختصرا قوله (حديث ابن مسعود لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث
زيادة بن عبد الله) وقال الدارقطني به زياد بن عبد الله عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن
السلمي عنه قال الحافظ وزياد مختلف في الاحتجاج به ومع ذلك فسماعه عن عطاء بعد
الاختلاط (وزياد بن عبد الله كثير الغرائب والمناكير) قال الحافظ في الفتح وشيخه فيه عطاء بن
السائب وسماع زياد منه بعد اختلاطه فهذه علته انتهى وقد عرفت أن لحديثه شواهد يدل
مجموعها أن للحديث أصلا (قال وكيع زياد بن عبد الله مع شرفه يكذب في الحديث) قال الحافظ
في التقريب لم يثبت أن وكيعا كذبه وله في البخاري موضع واحد متابعة انتهى وحديث الباب
أخرجه أبو داود من حديث رجل من ثقيف قال قتادة إن لم يكن اسمه زهير بن عثمان فلا أدري
ما اسمه وإسناده ليس بصحيح كما صرح به البخاري في تاريخه الكبير وأخرجه ابن ماجة من
حديث أبي هريرة وفي إسناده عبد الملك بن حسين النخعي الواسطي قال الحافظ ضعيف وفي
الباب عن أنس عند البيهقي وفي إسناده بكر بن خنيس وهو ضعيف وذكره ابن أبي حاتم
والدارقطني في العلل من حديث الحسن عن أنس ورجحا رواية من أرسله عن الحسن وفي الباب
أيضا عن وحشي بن حرب عند الطبراني بإسناد ضعيف وعن ابن عباس عنده أيضا بإسناد
كذلك
187

باب في إجابة الداعي
قوله (إئتوا الدعوة إذا دعيتم) قال النووي دعوه الطعام بفتح الدال ودعوة النسب
بكسرها هذا قول جمهور العرب وعكسه تيم الرباب فقالوا الطعام بالكسر والنسب بالفتح
وأما قول قطرب في المثلث أن دعوة الطعام بالضم فغلطوه فيه والحديث دليل على أنه يجب
الإجابة إلى كل دعوة من عرس وغيره وقد أخذ بظاهر هذا الحديث بعض الشافعية فقال بوجوب
الإجابة إلى الدعوة مطلقا عرسا كان أو غيره بشرطه ونقله ابن عبد البر عن عبيد الله بن الحسن
قاضي البصرة وزعم ابن حزم أنه قول جمهور الصحابة والتابعين
ويعكر عليه ما روى عن عثمان بن أبي العاص وهو من مشاهير الصحابة أنه قال في وليمة
الختان لم يكن يدعى لها لكن يمكن الانفصال عنه بأن ذلك لا يمنع القول بالوجوب لودعو وعند
عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه دعا لطعام فقال رجل من القوم أعفني فقال ابن
عمر إنه لا عافية لك من هذا فقم وأخرج الشافعي وعبد الرزاق بسند صحيح عن ابن عباس
أن ابن صفوان دعاه فقال إني مشغول وإن لم تعفني جئته وجزم بعدم الوجوب في غيره وليمة
النكاح المالكية والحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية وبالغ السرخسي منهم فنقل فيه الإجماع ولفظ
الشافعي إتيان دعوة الوليمة حق والوليمة التي تعرف وليمة العرس وكل دعوة دعى إليها
رجل وليمة فلا أرخص لأحد في تركها ولو تركها لم يتبين لي أنه عاص في تركها كما تبين لي في
وليمة العرس قاله الحافظ وقال في شرح حديث أبي هريرة الذي أشار إليه الترمذي في هذا
الباب وذكرنا لفظه ما لفظه والذي يظهر أن اللام في الدعوة للعهد من الوليمة المذكورة أولا وقد
تقدم أن الوليمة إذا أطلقت حملت على طعام العرس بخلاف سائر الولائم فإنها تقيد انتهى
قلت قال الشوكاني في النيل بعد ذكر كلام الحافظ هذا ما لفظه ويجاب أولا بأن هذا
مصادرة على المطلوب لأن الوليمة المطلقة هي محل النزاع وثانيا بأن في أحاديث الباب ما يشعر
بالإجابة إلى كل دعوة ولا يمكن فيه ما ادعاه في الدعوة وذلك نحو ما في رواية ابن عمر بلفظ
من دعى فلم يجب فقد عصى الله وكذلك قوله من دعي إلى عرس أو نحوه فليجب ثم قال
188

الشوكاني لكن الحق ما ذهب إليه الأولون يعني بهم الذين قالوا بوجوب الإجابة إلى كل دعوة
قلت الظاهر هو ما قال الشوكاني والله تعالى أعلم
فائدة قال الحافظ في الفتح بعد أن حكى وجوب الإجابة إلى الوليمة وشرط وجوبها أن
يكون الداعي مكلفا حرا رشيدا وأن لا يخص الأغنياء دون الفقراء وأن لا يظهر قصد التودد
لشخص بعينه لرغبة فيه أو رهبة منه وأن يكون الداعي مسلما على الأصح وأن يختص باليوم
الأول على المشهور وأن لا يسبق فمن سبق تعينت الإجابة له دون الثاني وإن جاءا معا قدم
الأقرب رحما على الأقرب جوارا على الأصح فإن استويا أقرع وأن لا يكون هناك من يتأذى
بحضوره
قوله (وفي الباب عن علي) لينظر من أخرجه (وأبي هريرة) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شر
الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ومن ترك الدعوة فقد عصى الله رسوله
أخرجه البخاري ومسلم (والبراء أخرجه البخاري (وأنس) أخرجه أحمد عنه أن يهوديا دعا
النبي صلى الله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهاله سنخة فأجابه كذا في عمدة القاري (وأبي أيوب) لم أقف على
حديثه قوله (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم
باب ما جاء فيمن يجئ إلى الوليمة من غير دعوة
قوله (إلى غلام له لحام) بتشديد الخاء أي بائع اللحم كتمار وهو مبالغة لاحم فاعل
للنسبة كلابن وتامر قاله القاري قلتوقع في رواية للبخاري لفظ قصاب والقصاب هو
189

الجزار قال الحافظ وفيه جواز الاكتساب بصنعة الجزارة انتهى (فإن أذنت
له دخل قال فقد أذنا له) فيه أنه لا يجوز لأحد أن يدخل في ضيافة قوم بغير إذن أهلها ولا يجوز للضيف
أن يأذن لأحد في الإتيان معه إلا بأمر صريح أو إذن عام أو علم برضاه قال الحافظ
في الفتح وفيه أن المدعو لا يمتنع من الإجابة إذا امتنع الداعي من الإذن لبعض من صحبه
وأما ما أخرجه مسلم من حديث أنس أن فارسيا كان طيب المرق صنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما ثم
دعاه فقال النبي صلى الله عليه وسلم وهذه لعائشة فقال لا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا فيجاب عنه بأن الدعوة لم
تكن لوليمة وإنما صنع الفارسي طعاما بقدر ما يكفي الواحد فخشي إن أذن لعائشة أن لا يكفي
النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون الفرق أن عائشة كانت حاضرة عند الدعوة بخلاف الرجل وأيضا
فالمستحب للداعي أن يدعو خواص المدعو معه كما فعل اللحام بخلاف الفارسي فلذلك امتنع
من الإجابة إلا أن يدعوها أو علم حاجة عائشة لذلك الطعام بعينه أو أحب أن تأكل معه منه
لأنه كان موصوفا بالجودة ولم يعلم مثله في قصة اللحام وأما قصة أبي طلحة حيث دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى
العصيدة فقال لمن معه قوموا فأجاب عنه المازري أنه يحتمل أن يكون علم رضا أبي طلحة فلم
يستأذنه ولم يعلم رضا أبي شعيب فاستأذنه ولأن الذي أكله القوم عند أبي طلحة كان مما خرق
الله فيه العادة لنبيه صلى الله عليه وسلم فكان جل ما أكلوه من البركة التي لا صنيع لأبي طلحة فيها فلم يفتقر
إلى استيذانه انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم قوله (وفي
الباب عن ابن عمر) أخرجه أبو داود مرفوعا من دعى فلم يجب فقد عصى الله ورسوله ومن دخل على غير دعوة
دخل سارقا وخرج مغيرا وهو حديث ضعيف كما صرح به الحافظ في الفتح
باب ما جاء في تزويج الأبكار
جمع بكر وهي التي لم توطأ واستمرت على حالتها الأولى قوله (هلا جارية) أي بكرا (
تلاعبها وتلاعبك) فيه أن تزوج البكر أولى وأن الملاعبة مع الزوج مندوب إليها قال الطيبي
190

وهو عبارة عن الألفة التامة فإن الثيب قد تكون معلقة القلب بالزوج الأول فلم تكن محبتها
كاملة بخلاف البكر وعليه ما ورد عليكم بالأبكار فإنهن أشد حبا وأقل خبا (فجئت بمن يقوم
عليهن) وفي رواية للبخاري كن لي تسع أخوات فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهن
ولكن امرأة تقوم عليهن وتمشطهن قال أصبت (فدعا لي) وفي رواية للبخاري قال فبارك الله
لك وفي الحديث دليل على استحباب نكاح الأبكار إلا لمقتض لنكاح الثيب كما وقع لجابر قوله
(وفي الباب عن أبي بن كعب) لم أقف على حديثه (وكعب بن عجرة) أخرجه الطبراني بنحو حديث
جابر وفيه تعضها وتعضك وفي الباب أيضا عن عويم بن ساعدة في ابن ماجة والبيهقي بلفظ
عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما وأرضى باليسير وعن ابن عمر نحوه وزاد
وأسحن أقبالا رواه أبو نعيم في الطب وفيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف كذا في
التلخيص قوله (حديث جابر حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود
والنسائي وابن ماجة
باب ما جاء لا نكاح إلا بولي
قوله (عن أبي إسحاق) هو السبيعي (عن أبي بردة) بن موسى الأشعري روى عن أبيه
وجماعة وروى عنه أبو إسحاق السبيعي وجماعة قيل اسمه عامر وقيل الحارث ثقة من الثانية
(لا نكاح إلا بولي) قال السيوطي حمله الجمهور على نفي الصحة وأبو حنيفة على نفي الكمال انتهى
قلت الراجح أنه محمول على نفي الصحة بل هو المتعين كما يدل عليه حديث عائشة الآتي
191

وغيره قوله (وفي الباب عن عائشة) مرفوعا بلفظ أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها
باطل الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وصححه أبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان
والحاكم كذا في فتح الباري (وابن عباس) مرفوعا بلفظ لا نكاح إلا بولي والسلطان ولي من لا
ولي له أخرجه الطبراني وفي إسناده الحجاج بن أرطاة وفيه مقال وأخرجه سفيان في جامعه ومن
طريقه الطبراني في الأوسط بإسناد آخر حسن عن ابن عباس بلفظ لا نكاح إلا بولي مرشد أو
سلطان كذا في فتح الباري (وأبي هريرة) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزوج
المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها أخرجه ابن ماجة والدارقطني والبيهقي قال
ابن كثير الصحيح وقفه على أبي هريرة وقال الحافظ رجاله ثقات كذا في النيل (وعمران بن
حصين) مرفوعا بلفظ لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل أخرجه أحمد والدارقطني والطبراني
والبيهقي من حديث الحسن عنه وفي إسناده عبد الله بن محرر وهو متروك ورواه الشافعي من
وجه آخر عن الحسن مرسلا وقال هذا وإن كان منقطعا فإن أكثر أهل العلم يقولون به كذا في
التلخيص (وأنس) أخرجه ابن عدي كذا في شرح سراج أحمد قوله (عن سليمان) هو ابن
موسى الأموي مولاهم الدمشقي الأشدق صدوق فقيه في حديثه بعض لين خولط قبل موته
بقليل كذا في التقريب وقال في الخلاصة وثقه رحيم وابن معين وقال ابن عدي تفرد
بأحاديث وهو عندي ثبت صدوق وقال النسائي ليس بالقوى قال أبو حاتم محله الصدق
في حديثه بعض الاضطراب قال ابن سعد مات سنة تسع عشرة ومائة انتهى قوله (أيما امرأة
نكحت) أي نفسها وأيما من ألفاظ العموم في سلب الولاية عنهن من غير تخصيص ببعض دون
بعض أي أيما امرأة زوجت نفسها (فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل) كرر ثلاث
مرات للتأكيد والمبالغة (بما استحل) أي استمتع (فإن اشتجروا) أي الأولياء أي اختلفوا وتنازعوا
اختلافا للعضل كانوا كالمعدومين قاله القاري وفي مجمع البحار التشاجر الخصومة والمراد المنع
من العقد دون المشاحة في السبق إلى العقد فأما إذا تشاجروا في العقد ومراتبهم في الولاية سواء
فالعقد لمن سبق إليه منهم إذا كان ذلك نظرا منه في مصلحتها انتهى (فالسلطان ولي من لا ولي له)
192

لأن الولي إذا امتنع من التزويج فكأنه لا ولي لها فيكون السلطان وليها وإلا فلا ولاية للسلطان
مع وجود الولي قوله (هذا حديث حسن) وصححه أبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم
كما عرفت من كلام الحافظ وقال الحافظ في بلوغ المرام أخرجه الأربعة إلا النسائي وصححه أبو
عوانة وابن حبان والحاكم انتهى وقال في التلخيص وقد تكلم فيه بعضهم من جهة أن ابن
جريج قال ثم لقيت الزهري فسألته عنه فأنكره قال فضعف الحديث من أجل هذا لكن
ذكر عن يحي بن معين أنه قال لم يذكر هذا عن ابن جريج غير ابن علية وضعف يحي رواية
ابن علية عن ابن جريج انتهى وحكاية ابن جريج هذه وصلها الطحاوي عن ابن أبي عمران عن
يحي بن معين عن ابن علية عن ابن جريج ورواه الحاكم من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج
سمعت سليمان سمعت الزهري وعد أبو القاسم بن مندة عدة من رواه عن ابن جريج فبلغوا
عشرين رجلا وذكر أن معمرا وعبيد الله بن زحر تابعا ابن جريج على روايته إياه عن سليمان بن
موسى وأن قرة وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق وأيوب بن موسى وهشام بن سعد وجماعة
تابعو سليمان بن موسى عن الزهري قال ورواه أبو مالك الجنبي ونوح ابن دراج ومندل
وجعفر بن برقان وجماعة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ورواه الحاكم من طريق أحمد
عن ابن علية عن ابن جريج وقال في آخره قال ابن جريج فلقيت الزهري فسألته عن هذا
الحديث فلم يعرفه وسألته عن سليمان بن موسى فأثنى عليه قال وقال ابن معين سماع ابن علية
من ابن جريج ليس بذاك قال وليس أحد يقول فيه هذه الزيادة غير ابن علية وأعل ابن حبان وابن عدي
وابن عبد البر والحاكم وغيرهم الحكاية عن ابن جريج وأجابوا عنها على تقدير الصحة بأنه
لا يلزم من نسيان الزهري له أن يكون سليمان بن موسى وهم فيه وقد تكلم عليه أيضا الدارقطني
في جزء من حدث ونسي والخطيب بعده وأطال في الكلام عليه البيهقي في السنن وفي
الخلافيات وابن الجوزي في التحقيق وأطال الماوردي في الحلوى في ذكر ما دل عليه هذا
الحديث من الأحكام نصا واستنباطا فأفاد انتهى
فإن قلت إن عائشة رضي الله تعالى عنها كانت تجيز النكاح بغير ولي كما روى مالك أنها
زوجت بنت عبد الرحمن أخيها وهو غائب فلما قدم قال أمثلي يفتات عليه في بناية فهذا يدل على
ضعف حديث عائشة المذكور فإنه يدل على اشتراط الولي قلت قال الحافظ لم يردفي الخبر
التصريح بأنها باشرت العقد فقد يحتمل أن تكون البنت المذكورة ثيبا ودعت إلى كفء وأبوها
193

غائب فانتقلت الولاية إلى الولي الأبعد أو إلى السلطان وقد صح عن عائشة أنها أنكحت رجلا
من بني أخيها فضربت بينهم بشر ثم تكلمت حتى إذا لم يبق إلا العقد أمرت رجلا فأنكح ثم
قالت ليس إلى النساء نكاح أخرجه عبد الرزاق كذا في فتح الباري قوله (رواه إسرائيل
وشريك بن عبد الله الخ) هذا بيان الاختلاف الذي وقع في إسناد حديث أبي موسى وقد رجح
الترمذي رواية إسرائيل وشريك وغيرهما الذين رووا الحديث مسندا متصلا على رواية شعبة
والثوري المرسلة لأجل أن سماعهم من أبي إسحاق في مجالس وأوقات مختلفة وسماعهم منه في
مجلس واحد قوله (وإسرائيل هو ثبت في أبي إسحاق الخ) قال الحافظ في فتح الباري وأخرج
ابن عدي عن عبد الرحمن بن مهدي قال إسرائيل في أبي إسحاق أثبت من شعبة وسفيان
وأسند الحاكم من طريق علي ابن المديني ومن طريق البخاري والذهلي وغيرهم أنهم صححوا
194

حديث إسرائيل قوله (وروى الحجاج بن أرطاة وجعفر بن ربيعة عن الزهري عن عروة عن
عائشة) فتابع الحجاج وجعفر سليمان بن موسى في روايته هذا الحديث عن الزهري ولم يتفرد به
(قال ابن جريج ثم لقيت الزهري فسألته فأنكره) أي قال ابن جريج في اخر الحديث (فضعفوا
هذا الحديث من أجل هذا) وقد تقدم الجواب عن هذا فتذكر (لم يذكر هذا الحرف) أي ثم
لقيت الزهري فسألته فأنكره (إلا إسماعيل بن إبراهيم) وهو المعروف بابن علية ثقة حافظ
195

(إنما صحح كتبه على كتب عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد) بفتح الراء وتشديد الواو
الأزدي أبي عبد الحميد المكي (روى) عن ابن جريج فأكثر قال أحمد ويحي ثقة يغلو في
الإرجاء وقال الدارقطني يعتبر به ولا يحتج به كذا في الخلاصة وقال في التقريب صندوق
يخطئ أفرط ابن حبان فقال متروك (ما سمع من ابن جريج) أي لم يسمع إسماعيل من ابن
جريج
قوله (والعمل في هذا الباب على حديث النبي صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي عند أهل العلم
الخ) قد اختلف العلماء في اشتراط الولي في النكاح فذهب الجمهور إلى ذلك وقالوا لا تزوج
المرأة نفسها أصلا واحتجوا بأحاديث الباب وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يشترط الولي أصلا
ويجوز أن تزوج نفسها ولو بغير إذن وليها إذا تزوجت كفئا واحتج بالقياس على البيع فإنها
تستقل به وحمل الأحاديث الواردة في اشتراط الولي على الصغيرة وخص بهذا القياس
عمومها وهو عمل سائغ في الأصول وهو جواز تخصيص العموم بالقياس لكن حديث معقل
يدفع (1) هذا القياس ويدل على اشتراط الولي في النكاح دون غيره ليندفع عن موليته العار باختيار
الكفء وانفصل بعضهم عن هذا الإيراد بالتزامهم اشتراط الولي ولكن لا يمنع ذلك تزويج
نفسها ويتوقف ذلك على إجازة الولي كما قالوا في البيع وهو مذهب الأوزاعي وقال أبو ثور
نحوه لكن قال يشترك إذن الولي لها في تزويج نفسها وتعقب بأن إذن الولي لا يصح إلا لمن
ينوب عنه والمرأة لا تنوب عنه في ذلك لأن الحق لها ولو أذن لها في إنكاح نفسها صارت كمن
أذن لها في البيع من نفسها ولا يصح كذا في فتح الباري قلت أراد بحديث معقل ما رواه
البخاري في صحيحه عن الحسن فلا تعضلوهن قال حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه
196

قال زوجت أختا لي من رجل وطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له زوجتك
وفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها لا والله لا تعود إليك أبدا وكان رجلا لا بأس
به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فأنزل الله هذه الآية فلا تعضلوهن فقلت الآن أفعل
يا رسول الله فزوجها إياه قال الحافظ في الفتح وهي أصرح دليل على اعتبار الولي وإلا لما
كان لعضله معنى ولأنها لو كان لها أن تزوج ونفسها لم تحتج إلى أخيها ومن كان أمره إليه لا يقال
إن غيره منعه منه قال وذكر ابن مندة أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك انتهى
قلت القول القوي الراجح هو قول الجمهور والله تعالى أعلم
باب ما جاء لا نكاح إلا ببينة
قوله (حدثنا يوسف بن حماد المعني) بفتح الميم وسكون العين المهملة ثم نون مكسورة ثم
ياء مشددة ثقة من العاشرة (أخبرنا عبد الأعلى) هو ابن عبد الأعلى البصري الشامي بالمهملة
ثقة من الثامنة (عن سعيد) هو ابن أبي عروبة اليشكري مولاهم البصري ثقة حافظ له
تصانيف لكنه كثير التدليس واختلط وكان من أثبت الناس في قتادة قوله (البغايا
) أي
الزواني جمع بغى وهي الزانية من البغاء وهو الزنا مبتدأ خبره (اللاتي ينكحن) بضم
أوله أي يزوجن قاله القاري (أنفسهن) بالنصب (بغير بينة) قال الطيبي المراد بالبينة إما
الشاهد فبدونه زنا عند الشافعي رحمه الله وأبي حنيفة رحمه الله وإما الولي إذ به يتبين
197

النكاح فالتسمية بالبغايا تشديد لأنه شبهه انتهى قال القاري لا يخفى أن الأول هو
الظاهر إذ لم يعهد إطلاق البينة على الولي شرعا وعرفا انتهى
قوله (حدثنا غندر) بضم عين معجمة وسكون وفتح دال مهملة وقد يضم لقب
محمد بن جعفر المدني البصري ثقة صحيح الكتاب إلا أن فيه غفلة من التاسعة قوله (هذا
حديث غير محفوظ لا نعلم أحدا رفعه إلا ما روى عن عبد الأعلى الخ) قال الحافظ ابن تيمية في
المنتقى وهذا لا يقدح لأن عبد الأعلى ثقة فيقبل رفعه وزيادته وقد يرفع الراوي الحديث وقد
يقفه انتهى قوله (وفي الباب عن عمران بن حصين) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا نكاح إلا بولي
وشاهدي عدل ذكره أحمد بن حنبل في رواية ابنه عبد الله كذا في المنتقى قال الشوكاني
وأخرجه الدارقطني في العلل من حديث الحسن عنه وفي إسناده عبد الله بن محرر وهو
متروك ورواه الشافعي من وجه آخر عن الحسن مرسلا وقال هذا وإن كان منقطعا فإن أكثر أهل
العلم يقولون به (وأنس) لينظر من أخرج حديثه (وأبي هريرة) مرفوعا وموقوفا أخرجه البيهقي
بلفظ لا نكاح الا بأربعة خاطب وولي وشاهدين وفي إسناده المغيرة بن شعبة
198

قال البخاري منكر الحديث قوله (وقال بعض أهل العلم شهادة رجل وامرأتين تجوز في
النكاح وهو قول أحمد وإسحاق) وهو قول الحنفية وقال الشافعي لا يصح النكاح إلا بشهادة
الرجال وقال باشتراط العدالة بالشهود وقالت الحنفية لا تشترط العدالة قال في الهداية من
كتب الحنفية اعلم أن الشهادة شرط في باب النكاح لقوله عليه السلام لا نكاح إلا
بشهود وهو حجة على مالك في اشتراط الإعلان دون الشهادة ولا بد من اعتبار الحرية فيها
لأن العبد لا شهادة له لعدم الولاية ولا
بد من اعتبار العقل والبلوغ لأنه (لا) ولاية بدونهما ولا
بد من اعتبار الإسلام في أنكحة المسلمين لأنه لا شهادة للكافر على المسلم ولا يشترط وصف
الذكورة حتى ينعقد بحضور رجل وامرأتين وفيه خلاف الشافعي ولا تشترط العدالة حتى ينعقد
بحضرة الفاسقين عندنا خلافا للشافعي له أن الشهادة من باب الكرامة والفاسق من أهل
الإهانة ولنا أنه من أهل الولاية فيكون من أهل الشهادة وهذا لأنه لما لم يحرم الولاية على
نفسه لإسلامه لا يحرم (الشهادة) على غيره لأنه من جنسه انتهى قلت احتج الشافعي على
اشتراط العدالة في شهود النكاح بتقييد الشهادة بالعدالة في حديث عمران بن حصين وفي
حديث عائشة قال الشوكاني في النيل والحق ما ذهب إليه الشافعي من اعتبار العدالة في شهود
النكاح لتقييد الشهاد المعتبرة في حديث عمران بن حصين وعائشة وابن عباس انتهى واحتج
الشافعي علي اشتراط الذكورة في شهود النكاح بقوله صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل
فإن لفظ الشاهدين يقع على الذكرين وأجاب الحنفية عن هذا بأن لا فرق في باب الشهادة
بين الذكر والأنثى وهذا اللفظ (يقع) على مطلق الشاهدين مع قطع النظر عن وصف الذكورة
والأنوثة قلت الظاهر هو قول الشافعي رحمه الله والله تعالى أعلم
199

باب ما جاء في خطبة النكاح
قوله (أخبرنا عبثر) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة وفتح المثلثة (بن القاسم)
الزبيدي بالضم الكوفي ثقة من الثامنة (عن عبد الله) أي ابن مسعود قوله (والتشهد في
الحاجة) أي من النكاح وغيره (قال) أي ابن مسعود (التشهد في الصلاة) أي في آخرها (التحيات
لله والصلوات الخ) تقدم شرحه في محله (والتشهد في الحاجة أن
الحمد لله) بتخفيف أن ورفع الحمد قال الطيبي التشهد مبتدأ خبره أن الحمد لله وأن مخففة من المثقلة كقوله
تعالى وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين (نستعينه) أي في حمده وغيره وهو وما
بعده جمل مستأنفة مبينة لأحوال الحامدين وفي رواية ابن ماجة نحمده ونستعينه بزيادة
نحمده (ونستغفره) أي في تقصير عبادته (من يهد الله) وفي بعض النسخ من يهده الله
بإثبات الضمير وكذلك في رواية أبي داود والنسائي وابن ماجة أي من يوفقه للهداية (فلا
مضل له) أي من شيطان ونفس وغيرهما (ومن يضلل) بخلق الضلالة فيه (فلا هادي له) أي لا من
جهة العقل ولا من جهة النقل ولا من ولي ولامن نبي قال الطيبي أضاف الشر إلى
الأنفس أولا كسبا والإضلال إلى الله تعالى ثانيا خلقا وتدبيرا (قال) أي ابن مسعود (ويقرأ
ثلاث آيات) أي النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يقتضي معطوفا عليه فالتقدير يقول الحمد لله ويقرأ
(ففسرها) أي الآيات الثلاث (اتقوا الله حق تقاته الخ) الآية التامة هكذا
200

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام الخ
الآية التامة هكذا يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها
زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان
عليكم رقيبا وقولوا قولا سديدا الآية الآية التامة هكذا يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله
وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز
فوزا عظيما قوله (وفي الباب عن عدي بن حاتم) أخرجه مسلم بتغيير الألفاظ كذا في
شرح سراج أحمد وإني لم أجد حديثه في صحيح مسلم فلينظر قوله (حديث عبد الله حديث
حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وصححه أبو عوانة وابن حبان كذا في فتح
الباري
قوله (وقد قال بعض أهل العلم إن النكاح جائز بغير خطبة الخ) ويدل على الجواز
حديث إسماعيل بن إبراهيم عن رجل من بني سليم قال خطبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أمامة بنت عبد
المطلب فأنكحني من غير أن يتشهد رواه أبو داود ورواه البخاري في
تاريخه الكبير وقال
إسناده مجهول انتهى قال الشوكاني وأما جهالة الصحابي المذكور فغير قادحة وقال الحافظ
في فتح الباري تحت حديث سهل بن سعد الساعدي وفيه أنه لا يشترط في صحة العقد تقدم
الخطبة إذا لم يقع في شئ من طرق هذا الحديث وقوع حمد ولا تشهد ولا غيرهما من أركان
الخطبة وخالف في ذلك الظاهرية فجعلوها واجبة ووافقهم من الشافعية أبو عوانة فترجم في
201

صحيحه باب وجوب الخطبة عند العقد انتهى قوله (حدثنا أبو هشام الرفاعي) اسمه
محمد ابن يزيد بن محمد بن كشير العجلي الكوفي قاضي المدائن ليس بالقوي من صغار
العاشرة وذكره ابن عدي في شيوخ البخاري وجزم الخطيب بأن البخاري روى عنه لكن قد
قال البخاري رأيتهم مجمعين على ضعفه كذا في التقريب وقال في الميزان قال أحمد العجلي
لا بأس به وقال البرقاني أبو هاشم ثقة أمرني الدارقطني أن أخرج حديثه في الصحيح
إنتهى (ابن فضيل) اسمه محمد بن فضيل بن غزوان أبو عبد الرحمن الكوفي صدوق عارف
رمى بالتشيع قوله (كل خطبة) بضم الخاء وقال القاري بكسر الخاء وهي التزوج
انتهى قلت الظاهر أنه بضم الخاء (ليس فيها تشهد) قال التوربشتي وأصل التشهد قولك
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ويعبر به عن الثناء وفي غير هذه الرواية
كل خطبة ليس فيها شهادة فهي كاليد الجذماء والشهادة الخبر المقطوع به والثناء على الله
أصدق الشهادات وأعظمها قال القاري الرواية المذكورة رواها أبو داود عن أبي هريرة (كاليد
الجذماء) بالذال المعجمة أي المقطوعة التي لا فائدة فيها لصاحبها أو التي بها جذام كذا في
المجمع قوله (هذا حديث حسن غريب) قال الحافظ في الفتح في أوائله قوله صلى الله عليه وسلم كل أمر
ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع وقوله كل خطبة ليس فيها شهادة فهي كاليد الجذماء
أخرجهما أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة قال وفي كل منهما مقال انتهى وقال في
التلخيص حديث أبي هريرة كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد فهو أجذم (أخرجه) أبو داود
والنسائي وابن ماجة وأبو عوانة والدارقطني وابن حبان والبيهقي من طريق
الزهري عن أبي
سلمة عن أبي هريرة واختلف في وصله وإرساله فرجح النسائي والدارقطني الإرسال قوله
ويروي كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر هو عند أبي داود والنسائي كالأول
وعند ابن ماجة كالثاني لكن قال أقطع بدل أبتر وكذا عند ابن حبان وله ألفاظ أخرى
أوردها الحافظ عبد القادر الرهاوي في أول الأربعين البلدانية انتهى كلام الحافظ فالظاهر أن
تحسين الترمذي بتعدد الطرق والله تعالى أعلم
202

ما جاء في استيمار البكر والثيب
قوله (لا تنكح) بصيغة المجهول قوله (الثيب) قال في النهاية الثيب من ليس ببكر وفي رواية
الشيخين الأيم بتشديد الياء المكسورة (حتى تستأمر) على البناء للمفعول أي حتى تستأذن
صريحا إذ الاستيمار طلب الأمر والأمر لا يكون إلا بالنطق (ولا تنكح البكر) المراد
بالبكر البالغة إذ لا معنى لاستئذان الصغيرة لأنها لا تدري ما الإذن (حتى تستأذن) أي
يطلب منها الإذن (وإذنها الصموت) أي السكوت يعني لا حاجة إلى إذن صريح منها بل
يكتفي بسكوتها لكثرة حيائها وفي رواية الشيخين قالوا يا رسول الله وكيف إذنها قال
إذنها أن تسكت واختلف في أن السكوت من البكر يقوم مقام الإذن في حق جميع الأولياء أو في
حق الأب والجد دون غيرهما وإلى الأول ذهب الأكثر لظاهر الحديث قوله (وفي الباب عن
عمر) لينظر من أخرجه (وابن عباس) أخرجه الجماعة إلا البخاري (وعائشة) قالت قلت
يا رسول الله تستأمر النساء في أبضاعهن قال نعم قلت إن البكر تستأمر فتستحي
فتسكت فقال سكاتها إذنها أخرجه الشيخان (والعرس) بضم أوله وسكون الراء بعدها
مهملة (ابن عميرة) بفتح العين المهملة وكسر الميم وسكون التحتانية صحابي قوله (حديث أبي
هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (وأكثر أهل العلم من أهل الكوفة
وغيرهم أن الأب إذا زوج البكر وهي بالغة بغير أمرها فلم ترض بتزويج الأب فالنكاح
203

مفسوخ) واحتجوا على ذلك بحديث ابن عباس أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن
أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة قال ابن القطان
في كتابه حديث ابن عبا س هذا حديث صحيح (وقال بعض أهل المدينة تزويج الأب على
البكر جائز وإن كرهت ذلك وهو قول مالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحاق) وهو قول ابن
أبي ليلى والليث واحتجوا بحديث ابن عباس الآتي الأيم أحق بنفسها من وليها فإنه دل
بمفهومه على أن ولي البكر أحق بها منها واحتج بعضهم بحديث أبي موسى مرفوعا تستأمر
اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها قال فقيد ذلك باليتيمة فيحمل المطلب عليه وفيه
نظر لحديث ابن عباس بلفظ والبكر يستأذنها أبوها في نفسها رواه مسلم وأجاب
الشافعي بأن المؤامرة قد تكون عن استطابة نفس ويؤيده حديث ابن عمر رفعه وأمروا النساء
في بناتهن رواه أبو داود وقال الشافعي لا خلاف أنه ليس للأم أمر لكنه على معنى استطابة
النفس وقال البيهقي زيادة ذكر الأب في حديث ابن عباس غير محفوظة قال الشافعي رواها
ابن عيينة في حديثه وكان ابن عمر والقاسم وسالم يزوجون الأبكار لا يستأمروهن قال
البيهقي والمحفوظ في حديث ابن عباس البكر تستأمر ورواه صالح بن كيسان بلفظ
واليتيمة لا تستأمر وكذلك رواه أبو بردة عن أبي موسى ومحمد بن عمرو عن أبي سلمة عن
أبي هريرة فدل على أن المراد بالبكر اليتيمة قال الحافظ ابن حجر وهذا لا يدفع زيادة الثقة
الحافظ بلفظ الأب ولو قال قائل بل المراد باليتيمة البكر لم يدفع وتستأمر بضم أوله
يدخل فيه الأب وغيره فلا تعارض بين الروايات ويبقى النظر في أن الاستثمار هل هو شرط
في صحة العقد أو مستحب على معنى الاستطابة كما قال الشافعي كل الأمرين محتمل
انتهى كلا الحافظ قلت الظاهر أن الاستثمار هو شرط في صحة العقد لا على طريق
الاستطابة يدل عليه حديث ابن عباس رضي الله عنه أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم
فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم تخريجه وهو حديث
صحيح قال الحافظ في الفتح ولا معنى للطعن في الحديث فإن طرقه تقوى بعضها ببعض
انتهى وأجاب البيهقي بأنه إنه ثبت الحديث في البكر حمل على أنها زوجت بغير كفء قال
الحافظ وهذا الجواب هو المعتمد فإنها واقعة عين فلا يثبت الحكم فيها تعميما قلت قد
تعقب العلامة الأمير اليماني على كلام البيهقي والحافظ في سبل اللام تعقبا حسنا حيث قال
كلام هذين الإمامين محاماة على كلام الشافعي ومذهبهم وإلا فتأويل البيهقي لا دليل عليه فلو
204

كان كما قال لذكرته المرأة بل قالت إنه زوجها وهي كارهة فالعلة كراهتها فعليها علق
التخيير لأنها المذكورة فكأنه قال صلى الله عليه وسلم إذا كنت كارهة فأنت بالخيار وقول المصنف يعني
الحافظ ابن حجر إنها واقعة عين كلام غير صحيح بل حكم عام لعموم علته فأينما وجدت
الكراهة ثبت الحكم وقد أخرج النسائي عن عائشة أن فتاة دخلت عليها فقالت أبي
زوجني من ابن أخيه يرفع في خسيسه (1) وأنا كارهة قالت اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخبرته فأرسل إلى أبيها فدعاه فجعل الأمر إليها فقالت يا رسول الله قد أجزت ما صنع
أبي ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شئ والظاهر أنها بكر ولعلها البكر
التي في حديث ابن عباس وقد زوجها أبوها كفئا ابن أخيه وإن كانت ثيبا فقد صرحت أنه
ليس مرادها إلا إعلام النساء أنه ليس للآباء من الأمر شئ ولفظ النساء عام للثيب والبكر
وقد قالت هذه عنده صلى الله عليه وسلم فأقرها عليه والمراد بنفي الأمر من الآباء ففي التزويج للكارهة لأن
السياق في ذلك فلا يقال هو عام لكل شئ انتهى ما في السبل قلت حديث عائشة الذي
أخرجه النسائي مرسل فإنه أخرجه عن عبد الله بن بريدة عن عائشة قال البيهقي هذا
مرسل ابن بريدة لم يسمع من عائشة انتهى لكن رواه ابن ماجة متصلا وسنده هكذا حدثنا
هناد بن السري حدثنا وكيع عن كهمس بن الحسن عن ابن بريدة عن أبيه قال جاءت فتاة
الخ بمثل حديث النسائي وأخرجه أحمد في مسنده
قوله (الأيم) قال الحافظ ظاهر هذا الحديث (أن) الأيم هي الثيب التي فارقت
زوجها بموت أو طلاق لمقابلتها بالبكر وهذا هو الأصل في الأيم ومنه قولهم الغزو مأيمة أي
يقتل الرجال فتصير النساء أيامى وقد تطلق على من لا زوج لها أصلا (وإذنها صماتها) بضم
الصاد بمعنى سكوتها قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري قوله
205

(واحتج بعض الناس في إجازة النكاح بغير ولي بهذا الحديث) قال الحافظ الزيلعي وجهه أنه
شارك بينها وبين الولي ثم قدمها بقوله أحق وقد صح العقد منه فوجب أن يصح منها
انتهى (وليس في هذا الحديث ما احتجوا به لأنه قد روي من غير وجه عن ابن عباس عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال لا نكاح إلا بولي وهو حديث صحيح كما عرفت (وهكذا أفتى به ابن عباس
بعد النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا نكاح إلا بولي) فإفتاؤه به بعد النبي صلى الله عليه وسلم يؤيد صحة حديثه (وإنما معنى
قول النبي صلى الله عليه وسلم الأيم أحق بنفسها من وليها عند أكثر أهل العلم أن الولي لا يزوجها إلا
برضاها وأمرها فإن زوجها فالنكاح مفسوخ على حديث خنساء بنت خدام الخ) قال الحافظ في
الفتح حديث عائشة أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل حديث صحيح وهو يبين
أن معنى قوله أحق بنفسها من وليها أنه لا ينفذ عليها أمره بغير إذنها ولا يجبرها فإذا أرادت
أن تزوج لم يجز لها إلا بإذن وليها انتهى كلام الحافظ وقال النووي في شرح صحيح مسلم قوله
صلى الله عليه وسلم أحق بنفسها يحتمل من حيث اللفظ أن المراد أحق من وليها في كل شئ من عقد
وغيره كما قاله أبو حنيفة وداود ويحتمل (من حيث غيره) أنها أحق بالرضا أي لا تزوج
حتى تنطق بالإذن بخلاف البكر ولكن لما صح قوله صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي مع غيره من
الأحاديث الدالة على اشتراط الولي يتعين الاحتمال الثاني قال واعلم أن لفظة أحق ههنا
المشاركة (و) معناه أن لها في نفسها في النكاح حقا ولوليها حقا وحقها أوكد من حقه فإنه
لو أراد تزويجها كفئا وامتنعت لم تجبر ولو أرادت أن تتزوج كفئا فامتنع الولي أجبر فإن أصر
زوجها القاضي فدل على تأكد حقها ورجحانه انتهى كلام النووي
206

باب ما جاء في إكراه اليتيمة على التزويج
قوله (اليتيمة تستأمر) اليتيمة هي صغيرة لا أب لها والمراد هنا البكر البالغة سماها
باعتبار ما كانت كقوله تعالى واتوا اليتامى أموالهم وفائدة التسمية مراعاة حقها والشفقة
عليها في تحري الكفاية والصلاح فإن اليتيم مظنة الرأفة والرحمة ثم هي قبل البلوغ لا معنى
لإذنها ولا لإبائها فكأنه عليه الصلاة والسلام شرط بلوغها فمعناه لا تنكح حتى تبلغ
فتستأمر قاله القاري في المرقاة (فإن صمتت) أي سكتت (فهو) أي صماتها (وإن أبت) من
الإباء أي أنكرت ولم ترض (فلا جواز عليها) بفتح الجيم أي فلا تعدي عليها ولا إجبار
قوله (وفي الباب عن أبي موسى) أخرجه أحمد مرفوعا بلفظ تستأمر اليتيمة في نفسها فإن
سكتت فقد أذنت وإن أبت لم تكره وأخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وأبو يعلى والدارقطني
والطبراني قال في مجمع الزوائد ورجال أحمد رجال الصحيح (وابن عمر) قال توفي
عثمان بن مظعون وترك ابنة له من خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص وأوصى إلى
أخيه قدامة بن مظعون قال عبد الله وهما خالاي فخطبت إلى قدامة ابن مظعون ابنة
عثمان بن مظعون فزوجنيها ودخل المغيرة بن شعبة (يعني إلى أمها) فأرغبها
في المال فحطت إليه فحطت الجارية إلى هوى أمها فأبتا حتى ارتفع أمرهما إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال قدامة بن مظعون يا رسول الله ابنة أخي أوصى بها إلي فزوجتها
ابن عمتها فلم أقصر بها في الصلاح ولا في الكفاءة (ولكنها امرأة وإنما حطت
إلى هوى أمها قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها
قال فانتزعت والله مني بعد أن ملكتها فزوجوها المغيرة بن شعبة رواه أحمد
والدارقطني قال صاحب المنتقى وهو دليل على أن اليتيمة لا يجبرها وصى ولا غيره انتهى
قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن) قال في المنتقى رواه الخمسة إلا ابن ماجة وقال في
207

النيل وأخرجه أيضا ابن حبان والحاكم لا تقسطوا في
اليتامى فانكحوا ما طاب لكم قال الحافظ في الفتح فيه دلالة على تزويج الولي غير الأب التي
دون البلوغ بكرا كانت أو ثيبا لأن حقيقة اليتيمة من كانت دون البلوغ ولا أب لها وقد أذن
في تزويجها بشرط أن لا يبخس من صداقها فيحتاج من منع ذلك إلى دليل قوى انتهى (وقال
بعضهم لا يجوز نكاح اليتيمة حتى تبلغ ولا يجوز الخيار في النكاح) وهو قول الشافعي واحتج
بظاهر حديث الباب قال في شرح السنة والأكثر على أن الوصي لا ولاية له على بنات الموصي
وإن فوض ذلك إليه وقال حماد بن أبي سليمان للوصي أن يزوج اليتيمة قبل البلوغ وحكى
ذلك عن أبي شريح أنه أجاز نكاح الوصي مع كراهة الأولياء وأجاز مالك إن فوضه الأب
إليه انتهى (وقال أحمد وإسحاق إذا بلغت اليتيمة تسع سنين فزوجت فرضيت فالنكاح
جائز ولا خيار لها إذا أدركت) أي إذا بلغت ولم أقف على دليل يدل على قول هذين الامامين
وأما احتجاجهما بحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى بها وهي بنت تسع سنين ففيه أن عائشة قد
كانت أدركت وهي بنت تسع سنين (قالت عائشة إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة)
كأن عائشة أرادت أن الجارية إذا بلغت تسع سنين فهي في حكم المرأة البالغة لأنه يحصل لها
حينئذ ما يعرف به نفعها وضررها من الشعور والتمييز والله تعالى أعلم
208

باب ما جاء في الوليين يزوجان
قوله (حدثنا غندر) بفتح معجمة وسكون نون وفتح دال وقد تضم (زوجها وليان) أي
من رجلين (فهي للأول منهما) أي للسابق منهما ببينة أو تصادق فإن وقعا معا أو جهل السابق
منهما بطلا معا قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة قال المنذري
وقد قيل إن الحسن لم يسمع من سمرة شيئا وقيل سمع منه حديثا في العقيقة انتهى وقال
الحافظ في التلخيص حسنه الترمذي وصححه أبو زرعة وأبو حاتم والحاكم في المستدرك قال
الحافظ وصحته متوقفة على ثبوت سماع الحسن من سمرة فإن رجاله ثقات لكن اختلف فيه
على الحسن ورواه الشافعي وأحمد والنسائي من طريق قتادة أيضا عن الحسن عن عقبة بن
عامر قال الترمذي الحسن عن سمرة في هذا أصح وقال ابن المديني لم يسمع الحسن من
عقبة شيئا وأخرجه ابن ماجة من طريق شعبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة أو عقبة بن عامر
انتهى
ما جاء في نكاح العبد بغير إذن سيده
قوله (بغير إذن سيده) أي مالكه (فهو عاهر) أي زان قال المظهر لا يجوز
209

نكاح العبد بغير إذن السيد وبه قال الشافعي وأحمد ولا يصير العقد صحيحا
عندهم بالإجازة بعده وقال أبو حنيفة ومالك إن جاز بعد العقد صح قلت احتج من
قال ببطلان النكاح وعدم صحته إلا بإذن السيد بأنه صلى الله عليه وسلم حكم عليه بأنه عاهر والعاهر
الزاني والزنا باطل وبرواية ابن عمر بلفظ إذا نكح العبد بغير إذ مولاه فنكاحه
باطل وهو حديث ضعيف كما ستعرف قوله (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه أبو داود
من طريق عبد الله بن عمر العمري عن نافع عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا نكح العبد بغير
إذن مولاه فنكاحه باطل قال أبو داود هذا الحديث ضعيف وهو موقوف وهو قول
ابن عمر رضي الله عنهما انتهى قال الحافظ في التلخيص ورواه ابن ماجة من حديث
ابن عمر بلفظ أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو زان وفيه مندل بن علي وهو
ضعيف وقال أحمد بن حنبل هذا حديث منكر وصوب الدارقطني في العلل وقف
هذا المتن على ابن عمر ولفظ الموقوف أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع
عن ابن عمر أنه وجد عبدا له تزوج بغير إذنه ففرق بينهما وأبطل صداقه وضربه
حدا انتهى قوله (حديث جابر حديث حسن) قال المنذري بعد نقل تحسين
الترمذي هذا ما لفظه وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل وقد احتج به غير واحد
من الأئمة وتكلم فيه غير واحد من الأئمة انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح)
في سنده عبد الله بن محمد بن عقيل وقد عرفت انفا أنه قد احتج به غير واحد وتكلم
فيه غير واحد والترمذي ممن احتج به ولذلك صحح هذا الحديث قال الخزرجي في
210

الخلاصة قال الترمذي صدوق سمعت محمدا يقول كان أحمد وإسحاق والحميدي
يحتجون بحديث ابن عقيل انتهى
باب ما جاء في مهور النساء
قوله (أرضيت) همزة الاستفهام للاستعلام (من نفسك ومالك) بكسر اللام أي بدل
نفسك مع وجود مالك قاله القاري (قالت نعم فأجازه) استدل به من قال بجواز كون
المهر شيئا حقيرا له قيمة لكن الحديث ضعيف قوله (وفي الباب عن عمر) أخرجه الخمسة
وصححه الترمذي وسيجئ (وأبي هريرة) قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني
تزوجت امرأة من الأنصار الحديث وفيه قال على كم تزوجتها قال على أربع أواق فقال
له النبي صلى الله عليه وسلم على أربع أواق كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل ما عندنا ما نعطيك
الخ أخرجه مسلم (وسهل بن سعد) أخرجه الترمذي في هذا الباب وأخرجه الشيخان
(وأبي سعيد) أخرجه الدارقطني مرفوعا بلفظ لا يضر أحدكم بقليل من ماله تزوج أم بكثير
بعد أن يشهد وفي سنده أبو هارون العبدي قال ابن الجوزي وأبو هارون العبدي أسمه
عمارة بن جرير قال حماد بن زيد كان كذابا وقال السعدي كذاب مفتري كذا في نصب
الراية (وأنس) أخرجه الجماعة بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة
فقال ما هذا قال تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب قال بارك الله أولم ولو بشاة
(وعائشة) أخرجه أحمد مرفوعا بلفظ إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة وأخرجه أيضا
الطبراني في الأواسط بلفظ أخف النساء صداقا أعظمهن بركة وفي إسناده الحارث بن
شبل وهو ضعيف وأخرجه أيضا الطبراني في الكبير والأوسط بنحوه وأخرج نحوه أبو داود
والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الصداقة أيسره
211

(وجابر) بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أعطى في صداق امرأة سويقا أو تمرا فقد
استحل أخرجه أبو داود وأشار إلى ترجيح وقفه كذا في بلوغ المرام (وأبي حدرد الأسلمي)
لينظر من أخرجه
قوله (وحديث عامر بن ربيعة حديث حسن صحيح) قال الحافظ في بلوغ المرام بعد أن
حكى تصحيح الترمذي هذا إنه خولف في ذلك انتهى وقال الحافظ الزيلعي في نصب
الراية بعد أن حكى تصحيح الترمذي له قال ابن الجوزي في التحقيق عاصم بن عبيد الله (1)
قال ابن معين ضعيف وقال ابن حبان كان فأحسن الخطأ فترك انتهى
قوله (واختلف أهل العلم في المهر فقال بعضهم المهر على ما تراضوا عليه وهو قول
سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق) قال الحافظ في الفتح وأجازه الكافة بما تراضى عليه
الزوجان أو (كذا بالأصل ولعل الصواب أي) من العقد إليه (كذا بالأصل ولعل
الصواب عليه) بما فيه منفعة كالسوط والنعل وإن كانت قيمته أقل من درهم وبه قال يحي
بن سعيد الأنصاري وأبو الزناد وربيعة وابن أبي ذئب وغيرهم من أهل المدينة غير مالك ومن
تبعه وابن جريج ومسلم بن خالد وغيرهما من أهل مكة والأوزاعي في أهل الشام والليث في
أهل مصر والثوري وابن أبي ليلى وغيرهما من العراقيين غير أبي حنيفة ومن تبعه والشافعي
وداود وفقهاء أصحاب الحديث وابن وهب من المالكية انتهى وحجتهم أحاديث الباب
(وقال مالك بن أنس لا يكون المهر أقل من ربع دينار) قال القرطبي استدل من قاسه بنصاب
السرقة بأنه عضو آدمي محترم فلا يستباح بأقل من كذا قياسا على يد السارق وتعقبه
الجمهور بأنه قياس في مقابل النص فلا يصح وبأن اليد تقطع وتبين ولا كذلك الفرج وبأن
القدر المسروق يجب رده (وقال بعض أهل الكوفة لا يكون المهر أقل من عشرة دراهم) وهو
212

قول أبي حنيفة وأصحابه واحتجوا بحديث جابر مرفوعا لا تنكحوا النساء إلا الأكفاء ولا
يزوجهن إلا الأولياء ولا مهر دون عشرة دراهم وفي سنده مبشر بن عبيد قال الدارقطني
بعد أن أخرج هذا الحديث هو متروك الحديث أحاديثه لا يتابع عليها انتهى وأسند
البيهقي وقد أخرجه في سننه في كتاب المعرفة عن أحمد أنه قال أحاديث مبشر بن عبيد
موضوعة انتهى وأخرجه أيضا أبو يعلى الموصلي في مسنده وابن حبان في كتاب الضعفاء
وقال مبشر بن عبيد يروي عن الثقات الموضوعات لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب
انتهى وأخرجه أيضا ابن عدي والعقيلي وأعلاه بمبشر وأخر الدارقطني والبيهقي في سننهما
عن الشعبي عن علي موقوفا لا تقطع اليد في أقل من عشرة دراهم ولا يكون المهر أقل من
عشرة دراهم وفي سنده داود الأودي وهو ضعيف ولطرق أخرى في سنن الدارقطني ولا
تخلو عن ضعف كذا في التعليق الممجد
تنبيه قال صاحب العرف الشذي أكثرنا يحتج بحديث الدارقطني لا مهر أقل من
عشرة دراهم وفي جميع طرقه حجاج بن أرطاة وهو متكلم فيه انتهى قلت ضعف هذا
الحديث مشهور بمبشر بن عبيد
وهو متروك الحديث بل قال الإمام أحمد رحمه الله أحاديثه
موضوعة فالعجب من صاحب العرف الشذي أنه ضعف هذا الحديث بحجاج بن أرطاة ولم
يضعفه بمبشر
تنبيه آخر قال العيني في البناية مجيبا عن ضعف حديث جابر المذكور فإنه إذا روى من
طرق مفرداتها ضعيفة يصير حسنا ويحتج به ورد عليه صاحب عمدة الرعاية حاشية شرح
الوقاية بأن بكثرة الطرق إنما يصير الحديث حسنا إذا كان الضعف فيها يسيرا فيجبر
بالتعدد لا إذا كانت شديدة الضعف بأن لا يخلو واحد منها عن كذاب أو متهم والأمر فيما
نحن فيه كذلك انتهى
تنبيه آخر قالت الحنفية إما يدل على كون المهر أقل من عشرة محمول على المعجل
قلت رد عليهم صاحب عمدة الرعاية بأن هذا الحمل إنما يسلم مع مخالفته للظواهر إذا ثبت
التقدير بدليل معتمد وإذ ليس فليس
213

تنبيه أعلم أن حديث جابر المذكور من أخبار الآحاد وهو يخالف إطلاق قوله تعالى أن
تبتغوا بأموالكم فإنه لا تقدير فيه بشئ وتخصيص الكتاب بخبر الواحد وإن كان صحيحا
لا يجوز عند الحنفية فما بالك إذا كان ضعيفا فالعجب منهم أنهم كيف خصصوا بهذا الحديث
الضعيف إطلاق الكتاب وعملوا به والعجب على العجب أنهم قد استندوا في الجواب عن
الأحاديث الصحيحة التي دلت على كون المهر غير مال وهي مروية في الصحيحين
بما استندت (1)
به الشافعية حيث قالوا هذا الأحاديث أخبار آحاد مخالفة لظاهر الكتاب فلا يعمل (2)
به الشافعية حيث قالوا هذا الأحاديث أخبار آحاد مخالفة لظاهر الكتاب فلا يعمل (2) بظاهرها
قوله (عن أبي العجفاء) (1) بفتح أوله وسكون الجيم السلمي البصري قيل اسمه
214

هرم بن نسيب وقيل بالعكس وقيل بالصاد يدل السين المهملتين مقبول من الثانية (لا
تغالوا) بضم التاء واللام (صدقة النساء) بفتح الصاد وضم الدال جمع الصداق قال
القاضي المغالاة التكثير أي لا تكثروا مهورهن (فإنها أي الصدقة أو المغالاة يعني كثرة
الصدقة (لو كانت مكرمة) بفتح الميم وضم الراء واحدة المكارم أي مما تحمد (أو تقوى عند
الله) أو مكرمة في الآخرة لقول الله تعالى إن أكرمكم عند الله أتقاكم قال القاري قال وهي
غير منونة وفي نسخة (يعني من المشكاة) بالتنوين وقد قرئ شاذا في قوله تعالى أفمن
أسس بنيانه على تقوى من الله أولادكم بها أي بمغالاة المهور (نكح شيئا من نسائه) أي
تزوج إحداهن (ولا أنكح) أي زوج (على أكثر من ثنتي عشرة أوقية) وهي أربعمائة وثمانون درهما (
84) وأما ما روي أن صداق أم حبيبة كان أربعة آلاف درهم فإنه مستثنى من قول عمر
لأنه أصدقها النجاشي في الحبشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف درهم من غير تعيين من النبي
صلى الله عليه وسلم وما روته عائشة من ثنتي عشرة ونش فإنه لم يتجاوز عدد الأواقي التي ذكرها عمر ولعله
أراد الأوقية ولم يلتفت إلى الكسور مع أنه نفى الزيادة في علمه ولعله لم يبلغه صداق أم
حبيبة ولا الزيادة التي روتها عائشة فإن قلت نهيه عن المغالاة مخالف لقوله تعالى وآتيتم
إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا قلت النص يدل على الجواز لا على الأفضلية
والكلام فيها لا فيه لكن ورد في بعض الروايات أنه قال لا تزيدوا في مهور النساء على
أربعين أوقية فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال فقالت امرأة ما ذاك لك قال ولم قالت
لأن الله يقول وآتيتم إحداهن قنطارا فقال عمر امرأة أصابت ورجل أخطأ كذا في
المرقاة قلت أخرج عبد الرزاق من طريق عبد الرحمن السلمي قال قال عمر رضي الله عنه
لا تغالوا في مهور النساء فقالت امرأة ليس ذلك لك يا عمر إن الله يقول وآتيتم إحداهن
قنطارا من ذهب قال وكذلك هي في قراءة ابن مسعود فقال عمر امرأة خاصمت عمر
فخصمته وأخرجه الزبير بن بكار من وجه آخر منقطع فقال عمر امرأة أصابت ورجل
أخطأ وأخرجه أبو يعلى من وجه آخر عن مسروق عن عمر فذكره متصلا مطولا قال الحافظ في الفتح قال القاري
في المرقاة ذكر السيد جمال الدين المحد ث في روضة الأحباب أن
صداق فاطمة رضي الله عنها كان أربعمائة مثقال فضة وكذلك ذكره صاحب المواهب ولفظه
215

إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي إن الله عز وجل أمرني أن أزوجك فاطمة على أربعمائة مثقال فضة
والجمع أن عشرة دراهم سبعة مثاقيل مع عدم اعتبار الكسور لكن يشكل نقل ابن الهمام
أن صداق فاطمة كان أربعمائة درهم وعلى كل فما اشتهر بين أهل مكة من أن مهرها تسعة
عشر مثقالا من الذهب فلا أصل له اللهم إلا أن يقال إن هذا المبلغ قيمة درع علي رضي الله
تعالى عنه حيث دفعها إليها مهرا معجلا والله تعالى أعلم انتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح) قال الحافظ في الفتح بعد ذكره وصححه ابن حبان والحاكم
باب ما جاء في الرجل يعتق الأمة ثم يتزوجها قوله (أعتق صفية) هي أم المؤمنين صفية بنت حيى بن أخطب من سبط هارون بن ع
مران كانت تحت ابن أبي الحقيق وقتل يوم خيبر ووقعت صفية في السبي فاصطفاها
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها وماتت سنة خمسين وقيل غير ذلك
(وجعل عتقها صداقها) فيه دليل على صحة جعل العتق صداقا وقد قال به من القدماء
سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وطاوس والزهري ومن فقهاء الأمصار الثوري وأبو
يوسف وأحمد وإسحاق قالوا إذا أعتق أمته على أن يجعل عتقها صداقها صح العقد والعتق
والمهر على ظاهر الحديث قال الحافظ وهو قول الحسن البصري وعامر الشعبي والأوزاعي
وعطاء بن أبي رباح وقتادة وطاوس قاله العيني قوله (وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) في عد
الشافعي من القائلين بصحة جعل العتق صداقا كلام قال النووي قال الشافعي فإن أعتقها
على هذا الشرط فقبلت عتقت ولا يلزمها أن تتزوج به بل له عليها قيمتها لأنه لم يرض بعتقها مجانا
216

فإن رضيت وتزوجها على مهر يتفقان عليه فله عليها القيمة ولها عليه المهر المسمى من قليل أو
كثير وإن تزوجها على قيمتها فإن كانت القيمة معلومة له ولها صح الصداق ولا تبقى له عليها
قيمة ولا لها عليه صداق وإن كانت مجهولة ففيه وجهان لأصحابنا أحدهما يصح الصداق
كما لو كانت معلومة لأن هذا العقد فيه ضرب من المسامحة والتخفيف وأصحهما وبه قال
جمهور أصحابنا لا يصح الصداق بل يصح النكاح ويجب لها مهر المثل انتهى كلام
النووي وقال الحافظ في الفتح ومن المستغرب قول الترمذي بعد إخراج الحديث وهو
قول الشافعي وأحمد وإسحاق الخ لكن لعل مراد من نقله عنه صورة الاحتمال الأول انتهى وأراد
بصورة الاحتمال الأول ما ذكر قبل بقوله وأجاب الباقون عن ظاهر الحديث بأجوبة
أقربها إلى لفظ الحديث أنه أعتقها بشرط أن يتزوجها فوجبت له عليها قيمتها وكانت معلومة
فتزوجها بها انتهى
(وكره بعض أهل العلم أن يجعل عتقها صداقها حتى يجعل لها مهرا سوى العتق) قال
الثوري اختلف العلماء فيمن أعتق أمته على أن يتزوج بها ويكون عتقها صداقها فقال
الجمهور لا يلزمها أن تتزوج به ولا يصح هذا الشرط وممن قاله مالك والشافعي وأبو حنيفة
ومحمد بن الحسن وزفر انتهى
باب ما جاء في الفضل في ذلك
قوله (ثلاثة) أي من الرجال أو رجال ثلاثة مبتدأ وخبره (يؤتون) بصيغة المجهول
(أجرهم مرتين) أي يؤتيهم الله يوم القيامة أجرهم مرتين (عبد) بدل من المبتدأ بدل
بعض والعطف بعد الربط أو بدل كل والربط بدل العطف أو خبر مبتدأ محذوف أي أحدهم
أو مبتدأ موصوف محذوف الخبر أي منهم قال القاري في المرقاة (أدي حق الله)
من صلاة وصوم (وحق مواليه) جمع المولى للإشارة إلا أنه لو كان مشتركا بين
217

جماعة فلا بد أن يؤدي حقوق جميعهم فيعلم المنفرد بالأولى أو للإيماء إلى أنه إذا تعدد مواليه
بالمناوبة على جري العادة الغالبة فيقوم بحق كل (فذلك) أي ذلك العبد (يؤتى أجره مرتين)
أجر لتأدية حق الله وأجر لتأدية حق مواليه (وجارية وضيئة) أي جميلة (فأدبها) أي علمها
الخصال الحميدة مما يتعلق بأدب الخدمة إذ الأدب هو حسن الأحوال من القيام والتعود
وحسن الأخلاق (فأحسن أدبها) وفي رواية الشيخين فأحسن تأديبها وإحسان تأديبها
هو الاستعمال علمها الرفق واللطف وزاد في رواية الشيخين وعلمها فأحسن تعليمها (
يبتغي ذلك) أي بالمذكور من التأديب والتعليم والتزوج (فذلك يؤتى أجره مرتين) أجر على
عتقه وأجر على تزوجه (ورجل آمن بالكتاب الأول ثم جاءه الكتاب الآخر فآمن به) في رواية
الشيخين رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد قوله (حديث أبي موسى حديث
حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة
باب ما جاء فيمن يتزوج المرأة
ثم يطلقها قبل أن يدخل بها هل يتزوج ابنتها أم لا
قوله (حدثنا ابن لهيعة) بفتح اللام وكسر الهاء اسمه عبد الله قوله (فدخل بها) أي
218

جامعها (فلا يحل له نكاح ابنتها) قال تعالى وربائبكم اللآتي فحجوركم من نسائكم اللآتي
دخلتم بهن وأسقط قيد كونها في حجره لأنه خرج مخرج غلب العادة (فإن لم يكن دخل بها
فلينكح ابنتها) أي بعد طلاق أمها قال تعالى فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم (فلا
يحل له نكاح أمها) طلاق قوله تعالى وأمهات نسائكم قوله (هذا حديث لا يصح من قبل
إسناده) أي من جهة إسناده وإن كان صحيحا باعتبار معناه مطابقته معنى الآية قوله (والمثنى بن
الصباح وابن لهيعة يضعفان في الحديث) قال البيهقي أجمع أصحاب الحديث على ضعف ابن
لهيعة وترك الاحتجاج بما ينفرد به كذا في التلخيص والمثنى بن الصباح ضعيف اختلط بآخره
قاله الحافظ في التقريب قوله (وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) وهو قول الحنفية قال في
الهداية ولا بأم امرأته دخل بابنتها أو لم يدخل لقوله تعالى وأمهات نسائكم من غير قيد
بالدخول ولا ببنت امرأته التي دخل بها لثبوت قيد الدخول بالنص انتهى
باب ما جاء فيمن يطلق امرأته ثلاثا فيتزوجها آخر فيطلقها قبل أن يدخل بها
قوله (جاءت امرأة رفاعة) بكسر الراء (القرظي) بضم القاف وفتح الراء وبالظاء المعجمة
219

نسبة إلى قريظة قبيلة من اليهود (عند رفاعة) أي في نكاحه (فبت طلاقي) أي قطعه فلم يبق من
الثلاث شيئا وقيل طلقني ثلاثا (فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير) بفتح الزاي وكسر الباء (وما
معه) أي ليس مع عبد الرحمن من آلة الذكورة (إلا مثل هدبة الثوب) بضم الهاء وسكون الدال
بعدها موحدة أي طرفه وهو طرف الثوب الغير المنسوج (أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة) في رواية
الشيخين قالت نعم كما في المشكاة (لا) وفي رواية الشيخين قال لا أي لا ترجعي إليه (حتى
تذوقي عسيلته) بضم العين وفتح السين أي لذة جماع عبد الرحمن (ويذوق عسيلتك) كناية عن
حلاوة الجماع والعسيل تصغير عسل والتاء فيها على نية اللذة أو النطفة أي حتى تجدي منه لذة
ويجد منك لذة بتغيب الحشفة ولا يشترط إنزال المني خلافا للحسن البصري فإنه لا
يحل عنده حتى ينزل الثاني حملا للعسيلة عليه قوله (وفي الباب عن ابن عمر وأنس والرميصاء
أو الغميصاء وأبي هريرة) أما حديث ابن عمر فأخرجه النسائي وأما حديث أنس فأخرجه
سعيد بن منصور والبيهقي وأما حديث الرميصاء أو الغميصاء فأخرجه النسائي وأما حديث
أبي هريرة فأخرجه الطبراني وابن أبي شيبة قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه
البخاري ومسلم وغيرهما قوله (والعمل على هذا عند عامة أهل العلم الخ) قال ابن المنذر
أجمع العلماء على اشتراط الجماع لتحل للأول إلا سعيد بن المسيب ثم ساق بسنده الصحيح عنه
أنه قال يقول الناس لا تحل للأول حتى يجامعها الثاني وأنا أقول إذا تزوجها تزويجا صحيحا لا
يريد بذلك إحلالها للأول فلا بأس أن يتزوجها الأول قال ابن المنذر هذا القول لا نعلم أحدا
وافقه عليه إلا طائفة من الخوارج ولعله لم يبلغه الحديث فأخذ بظاهر القرآن كذا في فتح
الباري قلت قول سعيد بن المسيب هذا في الرخصة يقابله قول الحسن البصري في التشديد
فإنه شرط الإنزال كما عرفت قال ابن بطال شذ الحسن في هذا وخالفه سائر الفقهاء انتهى
220

باب ما جاء في المحلل والمحلل له
المحل اسم فاعل من الإحلال والمحلل اسم مفعول من التحليل والمراد من المحل هو
من تزوج المرأة المطلقة ثلاثا بقصد الطلاق أو شروطه لتحل هي لزوجها الأول والمراد من المحلل
له الزوج الأول قوله (عن الشعبي) بفتح الشين المعجمة هو عامر بن شراحيل ثقة مشهور فقيه
فاضل (وعن الحارث) عطف على عن جابر بن عبد الله قوله (لعن المحل والمحلل له) وقع في
بعض الروايات المحلل والمحلل له كلا اللفظين من باب التفعيل الأول بكسر اللام والثاني
بفتحها قال القاضي المحلل الذي تزوج مطلقة الغير ثلاثا على قصد أن يطلقها بعد الوطء
ليحل للمطلق نكاحها وكأنه يحللها على الزوج الأول بالنكاح والوطء والمحلل له
والزوج وإنما
لعنهما لما في ذلك من هتك المروءة وقلة الحمية والدلالة على خسة النفس وسقوطها أما بالنسبة
إلى المحلل له فظاهر وأما بالنسبة إلى المحلل فلأنه يعير نفسه بالوطء لغرض الغير فإنه إنما يطؤها
ليعرضها لوطء المحلل له ولذلك مثله صلى الله عليه وسلم بالتيس المستعار انتهى قال الحافظ في التلخيص
استدلوا بهذا الحديث على بطلان النكاح إذا شرط الزوج أنه إذا نكحها بانت منه أو شرط أنه
يطلقها أو نحو ذلك وحملوا الحديث على ذلك ولا شك أن إطلاقه يشمل هذه الصورة وغيرها
لكن روى الحاكم والطبراني في الأوسط من طريق أبي غسان عن عمر بن نافع عن أبيه قال جاء
رجل إلى ابن عمر فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا فتزوجها أخ له عن غير مؤامرة ليحلها لأخيه
هل يحل للأول قال لا إلا بنكاح رغبة كنا نعد هذا سفاحا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم انتهى كلام
الحافظ قلت روى الحاكم هذا الحديث في المستدرك وصححه كما صرح به الزيلعي في نصب
الراية قوله (وفي الباب عن أبي مسعود) أخرجه الترمذي والنسائي وأحمد وإسحاق بن راهويه
(وأبي هريرة) أخرجه أحمد والبزار وأبو يعلى الموصلي وإسحاق بن راهويه في مسانيدهم وحديث
صحيح نص على صحته الزيلعي في نصب الراية (وعقبة بن عامر) أخرجه ابن ماجة مرفوعا
بلفظ ألا أخبركم بالتيس المستعار قالوا بلى يا رسول الله قال هو المحلل لعن الله المحلل
والمحلل له قال عبد الحق في أحكامه إسناده حسن (وأبن عباس) أخرجه ابن ماجة وفي إسناده
221

زمعة بن صالح وهو ضعيف قوله (لأن مجالد بن سعيد قد ضعفه بعض أهل العلم) قال الحافظ
في التقريب مجالد بضم أوله وتخفيف الجيم ابن سعيد بن عمير الهمداني أبو عمرو الكوفي ليس
بالقوي وقد تغير في آخر عمره انتهى قوله (عن عبد الله بن مسعود قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم
المحل والمحلل له) قال في سبل السلام الحديث دليل على تحريم التحليل لأنه لا يكون اللعن
إلا على فاعل المحرم وكل محرم منهي عنه والنهي يقتضي فساد العقد واللعن وإن كان ذلك للفاعل
لكنه علق بوصف يصح أن يكون علة الحكم وذكروا للتحليل صورا منها أن يقول له في العقد
إذا أحللتها فلا نكاح وهذا مثل نكاح المتعة لأجل التوقيت ومنها أن يقول في العقد إذا أحللتها
طلقتها ومنها أن يكون مضمرا في العقد بأن يتواطأ على التحليل ولا يكون النكاح الدائم هو
المقصود وظاهر شمول اللعن وفساد العقد لجميع الصور وفي بعضها خلاف بلا دليل ناهض فلا
يستعمل بها انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وصححه ابن القطان وابن دقيق العيد
على شرط البخاري كذا في التلخيص قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب) أخرج ابن أبي شيبة عنه قال لا أوتي بمحلل ولا محلل له إلا رجمتها
كذا في شرح الترمذي للشيخ سراج أحمد ولم أقف على سنده (وعثمان بن عفان) قال الشيخ سراج
أحمد أخرجه البيهقي قلت لم أقف على سنده ولا على لفظه (وبه يقول سفيان الثوري وابن
222

المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق) قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية واعلم أن المصنف يعني
صاحب الهداية استدل بهذا الحديث يعني بحديث لعن الله المحلل والمحلل له على كراهة
النكاح المشروط به التحليل وظاهره يقتضي التحريم كما هو مذهب أحمد انتهى قلت لا شك
في أن ما قال الإمام أحمد هو الظاهر ثم أجاب الزيلعي فقال لكن يقال لما سماه محللا دل على
صحة النكاح لأن المحلل هو المثبت للحل فلو كان فاسدا لما سماه محللا انتهى قلت سماه محللا
على حسب ظنه فإن من تزوج المطلقة ثلاثا بقصد الطلاق أو شرطه ظن أن تزوجه إياها ووطأها
يحلها لزوجها الأول وليس تسميته محللا على أنه مثبت للحل في الواقع ويؤيده قول ابن عمر
كنا نعد هذا سفاحا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصححه الحاكم كما تقدم (وسمعت الجارود يذكر عن
وكيع أنه قال بهذا) أي بما قال سفيان وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق وقال أي وكيع
(ينبغي أن يرمي بهذا الباب من قول أصحاب الرأي) يعني أبا حنيفة وأصحابه قال أبو الطيب
السندي في شرح الترمذي أي يطرح ويلقى من قولهم ما ذكروا في هذا الباب من صحة النكاح
وإن قصد الإحلال وذلك لأن اللعن يقتضي النهي عن هذا الفعل وحرمته والحرمة في باب
النكاح يقتضي عدم الصحة فقولهم بالصحة مخالف للحديث فيكون مرميا مطروحا قال أجابوا
عنه أن قولهم ليس بمخالف للحديث لأن اللعن قد يكون لخسة الفعل وهتك المروءة وتسميته
محللا يقتضي صحة العقد ليترتب عليه التحليل وليس في الحديث تصريح بعدم الشرط أو
بإثباته فالتوفيق بينهما أن يحمل اللعن على أنه للخسة لا للتحريم لئلا يعارض قوله محللا فلا
دلالة فيه على بطلان النكاح بمجرد أن يكون من نيته الإحلال أو بكونه شرط الإحلال انتهى
كلام أبي الطيب قلت قوله اللعن قد يكون لخسة الفعل وهتك المروءة ادعاء محض لا دليل عليه
بل لعنة الله لا تكون إلا للتحريم وقد تقدم أن تسميته محللا لا يقتضي صحة العقد
تنبيه قول الإمام وكيع هذا يدل دلالة ظاهرة على أنه لم يكن حنفيا مقلدا للإمام أبي حنيفة
فبطل قول صاحب العرف الشذي أن وكيعا كان حنفيا مقلدا لأبي حنيفة وقد تقدم الكلام في
هذا في باب الإشعار من كتاب الحج (قال وكيع وقال سفيان إذا تزوج المرأة ليحللها ثم بدا له
أن يمسكها فلا يحل له أن يمسكها حتى يتزوج بنكاح جديد) قال الخطابي في المعالم إذا كان ذلك
223

على شرط بينهما فالنكاح فاسد لأن العقد متناه إلى مدة كنكاح المتعة وإذا لم يكن شرطا ودان نية
وعقيدة فهو مكروه فإن أصابها الزوج ثم طلقها وانقضت العدة فقد حلت للزوج الأول وقد
كره غير واحد من العلماء أن يضمر أو ينويا أو أحدهما التحليل وإن لم يشترطاه وقال إبراهيم
النخعي لا يحلها لزوجها الأول إلا أن يكون نكاح رغبة فإن كانت نية أحد الثلاثة الزوج الأول
أو الثاني أو المرأة أنه محلل فالنكاح باطل ولا تحل للأول وقال سفيان الثوري إذا تزوجها وهو
يريد أن يحللها لزوجها ثم بدا له أن يمسكها لا يعجبني إلا أن يفارقها ويستأنف نكاحا جديدا
وكذلك قال أحمد بن حنبل وقال مالك بن أنس يفرق بينها على كل حال انتهى كلام الخطابي
وقال الشافعي إن عقد النكاح مطلقا لا شرط فيه فالنكاح ثابت ولا تفسد النية من النكاح
شيئا لأن النية حديث نفس وقد رفع عن الناس ما حدثوا به أنفسهم ذكر قول الشافعي هذا
الحافظ المنذري في تلخيصه قلت في كلام الشافعي هذا كلام فتأمل
تنبيه قال صاحب العرف الشذي والمشهور عندنا أن الشرط إثم والنكاح صحيح قال
ولأبي حنيفة ما أفتى عمر بسند لعله جيد أن رجلا نكح امرأة للتحليل فقال له عمر رضي الله عنه
لا تفارق امرأتك وإن طلقتها فأعزرك قال فدل على صحة النكاح للتحليل انتهى قلت روى
عبد الرزاق أن امرأة أرسلت إلى رجل فزوجته نفسها ليحلها لزوجها فأمره عمر بن الخطاب أن
يقيم معها ولا يطلقها وأوعد أن يعاقبه إن طلقها ذكر هذا الأثر الشوكاني في النيل بغير السند
ولم أقف على سنده فمن يدعى أنه صحيح فعليه البيان وأثر عمر هذا يخالفه ما أخرج ابن أبي
شيبة عنه قال لا أوتي بمحلل له ولا محلل له إلا رجمتهما ويخالفه قول ابن عمر رضي الله عنه كنا
نعد هذا سفاحا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصححه الحاكم وقد تقدم ثم قال صاحب العرف الشذي
وإن لم يشترط في اللفظ فإن كان الرجل معروفا بهذا الفعل فمكروه تحريما كما في فتح القدير وفي
بعض كتبنا أنه إذا لم يشترط في اللفظ فالمحل له ثواب لأنه نفع أخيه المسلم انتهى بلفظه
قلت وفي بعض كتب الحنفية أنه مأجور وإن شرطاه بالقول لقصد الاصلاح وهذا هو
معمول به عند حنفية ديارنا فيعملون به ويظنون أنهم ينفعون إخوانهم ويصيرون مأجورين
فهداهم الله تعالى إلى التحقيق
224

باب ما جاء في نكاح المتعة يعني تزويج المرأة إلى أجل فإذا انقضى وقعت الفرقة قوله (عن عبد الله والحسن ابني
محمد بن علي) بن أبي طالب رضي الله عنه ومحمد هذا هو الذي يعرف بابن الحنفية وابنه عبد الله
كنيته أبو هاشم وذكر البخاري في التاريخ ولأحمد عن سفيان وكان الحسن أرضاهما إلى أنفسنا
وكان عبد الله يتبع السبئية انتهى والسبئية ينسبون إلى عبد الله بن سبأ وهو من رؤساء
الروافض وكان المختار بن أبي عبيد على رأيه ولما غلب على الكوفة تتبع قتلة الحسين فقتلهم
أحبته الشيعة ثم فارقه أكثرهم لما ظهر منه من الأكاذيب وكان من رأي السبئية موالاة محمد بن
علي بن أبي طالب وكانوا يزعمون أنه المهدي وأنه لا يموت حتى يخرج في آخر الزمان ومنهم من
أقر بموته وزعم أن الأمر بعده صار إلى ابنه أبي هاشم هذا ومات أبو هاشم في آخر ولاية سليمان بن عبد الملك سنة ثمان أو تسع وتسعين (نهى عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية
زمن خيبر) الظرف متعلق بكلا الأمرين ففي رواية للبخاري نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن
متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية وهكذا في رواية لمسلم قوله (وفي الباب عن سبرة
الجهني) بفتح السين المهملة وسكون الموحدة أخرجه أحمد ومسلم أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم في فتح
مكة قال فأقمنا بها خمسة عشر فأذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء وذكر الحديث إلى أن قال
فلم أخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس إني
كنت أذنت لكم في الاستمتاع عن النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن
شئ فليخل سبيله ولا تأخذوا مما أتيتموهن شيئا كذا في المنتقى (وأبي هريرة) أخرجه
الدارقطني مرفوعا بلفظ هدم المتعة الطلاق والعدة والميراث قال الحافظ في التلخيص إسناده
حسن قوله (حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم قوله (وأمر أكثر أهل العلم على
225

تحريم المتعة وهو قول الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق) قال الحازمي في كتاب
الاعتبار وهذا الحكم كان مباحا مشروعا في صدر الاسلام وإنما أباحه النبي صلى الله عليه وسلم لهم للسبب
الذي ذكره ابن مسعود وإنما كان ذلك يكون في أسفارهم ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أباحه لهم وهم
في بيوتهم ولهذا نهاهم عنه غير مرة ثم أباحه لهم في أوقات مختلفة حتى حرمه عليهم في آخر أيامه
صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وكان تحريم تأبيد لا تأقيت فلم يبق اليوم في ذلك خلاف بين فقهاء الأمصار
وأئمة الأمة إلا شيئا ذهب إليه بعض الشيعة ويروى أيضا عن ابن جريج جوازه وسنذكر
أحاديث تدل على صحة ما ادعيناه ثم ذكر الحازمي تلك الأحاديث إن شئت الوقوف عليها
فعليك أن تراجعه قوله (عن موسى بن عبيدة) بالتصغير الربذي بفتح الراء والموحدة ضعيف
قاله الحافظ (حتى إذا نزلت الآية إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) قال الطيبي يريد أن
الله تعالى وصفهم بأنهم يحفظون فروجهم عن جميع الفروج إلا عن الأزواج والسراري
والمستمتعة ليست زوجة لانتفاء التوارث إجماعا ولا مملوكة بل هي مستأجرة نفسها أياما معدودة
فلا تدخل تحت الحكم انتهى وحديث ابن عباس هذا رواه الحازمي في كتاب الاعتبار وقال
هذا إسناد صحيح لولا موسى بن عبيدة الربذي يسكن الربذة انتهى قلت قال الحافظ ضعيف
كما تقدم وقد روى روايات عديدة عن ابن عباس في الرجوع ذكرها الحافظ في الفتح وقال يقوي
بعضها بعضا
باب ما جاء من النهي عن نكاح الشغار
قال في النهاية هو نكاح معروف في الجاهلية كان يقول الرجل لرجل شاغرني أي زوجني
أختك أو بنتك أو من تلي أمرها حتى أزوجك أختي أو بنتي أو من إلى أمرها ولا يكون بينهما مهر
226

ويكون بضع كل واحدة منهما في إ مقابلة بضع الأخرى وقيل له شغار لارتفاع المهر بينهما من شغر
الكلب إذا رفع إحدى رجليه ليبول وقيل الشغر البعد وقيل الاتساع انتهى قوله
(ولا جلب ولا جنب) بفتحتين فيهما (ولا شغار) بكسر أوله (في الإسلام) الظاهر أنه قيد في الكل ويحتمل أن
يكون قيدا للأخير والجلب والجنب يكونان في السباق وفي الزكاة فالجلب في السباق أن يتبع فرسه
رجلا يجلب عليه ويصيح ويزجره حثا له على الجري والجنب أن يجنب إلى فرسه فرسا عريانا فإذا
فتر المركوب تحول إليه والجلب في الزكاة أن لا يقرب العامل أموال الناس بل ينزل موضعا ثم
يرسل من يجلب إليه الأموال من أماكنها ليأخذ صدقتها فنهى عنه وأمر أن تؤخذ صدقاتهم على
مياههم وأماكنهم والجنب أن يجنب رب المال بماله أي يبعده عن مواضعه حتى يحتاج العامل إلى
الإبعاد في أتباعه وطلبه وفي المرقاة للقاري والشغار أن تشاغر الرجل وهو أن تزوجه أختك على
أن يزوجك أخته ولا مهر إلا هذا من شغر البلد إذا خلا وهو قول أكثر أهل العلم والمقتضي
إفساده الاشتراك في البضع يجعله صداقا وقال أبو حنيفة والثوري يصح العقد لكل منهما (ومن
انتهب نهبة) بفتح النون وسكون الهاء مصدر وأما بالضم فالمال المنهوب أي من أخذ ما لا يجوز
أخذه قهرا جهرا (فليس منا) أي ليس من المطيعين لأمرنا أوليس من جماعتنا وعلى طريقتنا قوله
(هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي قوله (وفي الباب عن أنس) أخرجه أحمد
والنسائي (وأبي ريحانة) أخرجه أبو الشيخ بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المشاغرة والمشاغرة أن
يقول زوج هذا من هذه وهذه من هذا بلا مهر
(وابن عمر) أخرجه الجماعة (وجابر) أخرجه
مسلم وأخرج البيهقي أيضا عن جابر بلفظ نهى عن الشغار أن تنكح هذه بهذه بغير صداق
يضع هذه صداق هذه ويضع هذه صداق هذه (ومعاوية) أخرجه أحمد وأبو داود (وأبي هريرة
رضي الله عنه) أخرجه أحمد ومسلم (ووائل بن حجر) لينظر من أخرجه وفي الباب أيضا عن
أبي بن كعب مرفوعا لا شغار قالوا يا رسول الله ما الشغار قال نكاح المرأة بالمرأة لا صداق
بينهما قال الحافظ إسناده ضعيف قوله (نهى عن الشغار) هكذا أخرجه الترمذي مختصرا
227

وأخرجه الشيخان وغيرهما مع تفسير الشغار هكذا نهى عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل ابنته
على أن يزوجه ابنته وليس بينهما صدق قال في المنتقى وأبو داود جعله أي تفسير الشغار من
كلام نافع وهو كذلك في تفسير متفق عليها انتهى قال القرطبي تفسير الشغار صحيح موافق لما
ذكره أهل اللغة فإن كان مرفوعا فهو المقصود وإن كان من قول الصحابي فمقبول أيضا لأنه أعلم
بالمقال وأقعد بالحال انتهى قلت قد وقع في حديث أبي بن كعب قالوا يا رسول الله ما الشغار
قال إنكاح المرأة الخ فهذا نص صريح في أن تفسير الشغار مرفوع لكن هذا الحديث ضعيف كما
عرفت لكن قال الحافظ وإسناده وإن كان ضعيفا لكنه يستأنس به في هذا المقام انتهى قوله
(وقال بعض أهل العلم نكاح الشغار مفسوخ ولا يحل وإن جعل لهما صداق وهو قول
الشافعي وأحمد وإسحاق الخ) قال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن نكاح الشغار لا يجوز
ولكن اختلفوا في صحته فالجمهور على البطلان وفي رواية عن مالك يفسخ قبل الدخول لابعده
وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي وذهب الحنفية إلى صحته ووجوب مهر المئل وهو قول الزهري
ومكحول والثوري والليث ورواية عن أحمد وإسحاق وأبي ثور وهو قول على مذهب الشافعي
لاختلاف الجهة لكن قال الشافعي إن النساء محرمات إلا ما أحل الله أو ملك يمين فإذا ورد
النهي عن نكاح تأكد التحريم كذا في فتح الباري قلت والظاهر هو ما قال الشافعي رحمه الله
والله تعالى أعلم
باب ما جاء لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها
قوله (عن أبي حريز) بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وسكون التحتية وبالزاء قال الحافظ
في التلخيص اسمه عبد الله بن حسين علق
له البخاري ووثقه ابن معين وأبو زرعة وضعفه
228

جماعة فهو حسن الحديث قوله (نهى أن تزوج) بصيغة المجهول أي تنكح (المرأة على عمتها أو
خالتها) روى ابن حبان في صحيحه وابن عدي هذا الحديث من طريق أبي حريز عن عكرمة عن
ابن عباس وزاد في آخره إنكم إذا فعلتم ذلك فطعتم أرحامكم ذكره الحافظ في التلخيص
قال وفي الباب ما أخرجه أبو داود في المراسيل عن عيسى بن طلحة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة انتهى وقد ظهر بهذه الزيادة حكمة النهي عن الجمع بين
المرأة وعمتها أو خالتها وهي الاحتراز عن قطع الرحم قال النووي هذا دليل لمذهب العلماء
كافة أنه يحرم الجمع بينهما سواء كانت عمة وخالة حقيقية وهي أخت الأب وأخت الأم أو مجازية
وهي أخت أبي الأب وأبي الجد وإن علا وأخت أم الأم وأم الجدة من جهتي الأم والأب وإن
علت فكلهن حرام بالإجماع ويحرم الجمع بينهما في النكاح أو في ملك اليمين انتهى قوله
(وفي الباب عن علي وابن عمر وعبد الله بن عمرو الخ) وقال البيهقي قد جاء من حديث علي
وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو وأنس وأبي سعيد وعائشة وليس فيها شئ
شرط الصحيح انتهى قال الحافظ في الفتح بعد نقل قول البيهقي هذا وذكر مثل ذلك الترمذي
بقوله وفي الباب لكن لم يذكر ابن مسعود ولا ابن عباس ولا أنسا وزاد بدلهم أبا موسى وأبا
أمامة وسمرة ووقع لي أيضا من حديث أبي الدرداء ومن حديث عتاب بن أسيد ومن حديث
سعد بن أبي وقاص ومن حديث زينب امرأة ابن مسعود فصار عدة من رواه غير الأولين يعني
جابرا وأبا هريرة ثلاثة عشر نفسا وأحاديثهم موجودة عند ابن أبي شيبة وأحمد وأبي داود والنسائي
وابن ماجة وأبي يعلى والبزار والطبراني وابن حبان وغيرهم قال ولولا خشية التطويل لأوردتها
مفصلة انتهى كلام الحافظ قوله (حدثنا عامر) هو الشعبي قوله (نهى أن تنكح) بصيغة
229

المجهول (ولا تنكح الصغرى) أي ببنت الأخ أو بنت الأخت وسميت صغرى لأنها بمنزلة البنت
(على الكبرى) أي سنا غالبا أو رتبة فهي بمنزلة الأم والمراد بها العمة والخالة (ولا الكبرى على
الصغرى) كرر النفي من الجانبين للتأكيد لقوله نهى عن تنكح المرأة على عمتها الخ قوله
(حديث ابن عباس وأبي هريرة حديث حسن صحيح) المراد بحديث ابن عباس هو المذكور أولا
وأخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان وحديث أبي هريرة أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي أيضا
ومسلم لم يخرجه هكذا بتمامه ولكنه فرقه حديثين فأخرج صدره عن أبي سلمة عن أبي هرير
مرفوعا لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها انتهى وأخرج باقيه عن قبيصة بن ذويب عن
أبي هريرة مرفوعا لا تنكح العمة على بنت الأخ ولا ابنة الأخت على الخالة انتهى كذا في نصب
الراية قوله والعمل على هذا عند عامة أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافا الخ وقال ابن
المنذر لست أعلم في منع ذلك اختلافا اليوم وإنما قال بالجواز فرقة من الخوارج وإذا ثبت
الحكم بالسنة واتفق أهل العلم على القول به لم يضره خلاف من خالفه وكذا نقل الإجماع ابن عبد البر وابن حزم والقرطبي والنووي لكن استثنى ابن حزم عثمان البتي وهو أحد الفقهاء
القدماء من أهل البصرة واستثنى النووي طائفة من الخوارج والشيعة واستثنى القرطبي الخوارج
ولفظه اختار الخوارج الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمتها وخالتها ولا يعتد
بخلافهم لأنهم مرقوا من الدين انتهى وفي نقله عنهم جواز الجمع بين الأختين غلط بين فإن
عمدتهم التمسك بأدلة القرآن لا يخالفونها البتة وإنما يردون الأحاديث لاعتقادهم عدم الثقة بنقلها
وتحريم الجمع بين الأختين بنصوص القرآن كذا في فتح الباري قوله (فنكاح الأخرى منهما مفسوخ) أي باطل وأما نكاح الأولى
منهما فصحيح هذا إذا عقد على إحداهما ثم عقد على
ا لأخرى وأما إذا عقد عليهما معا بعقد واحد فنكاحهما باطل قوله (أدرك الشعبي أبا هريرة)
230

الشعبي بفتح الشين المعجمة هو عام بن شراحيل الكوفي ثقة مشهور فقيه فاضل قال أدركت
خمسمائة من الصحابة
فائدة الجمع بين زوجة رجل وبنته من غيرها جائز قال البخاري في صحيحه جمع
عبد الله بن جعفر بين ابنة علي وامرأة علي وقال ابن سيرين لا بأس به وكرهه الحسن مرة ثم قال
لا بأس به انتهى
باب ما جاء في الشرط عند عقدة النكاح
قوله (عن مرثد) بفتح الميم وسكون الراء بعدها مثلثة (ابن عبد الله اليزني) بفتح التحتانية
والزاي بعدها نون (أبي الخير) كنية مرثد قوله (إن أحق الشروط أن يوفي بها) بالتخفيف من باب
الأفعال ويجوز التشديد من التفعيل وأن يوفي بها بدل من الشروط والمعنى أحق الشروط بالوفاء
(ما استحللتم به الفروج) خبر إن قال القاضي المراد بالشروط ههنا المهر لأنه المشروط في مقابلة
ا لبضع وقيل جميع ما تستحقه المرأة بمقتضى الزوجية من المهر والنفقة وحسن المعاشرة فإن الزوج
التزمها بالعقد فكأنها شرطت فيه وقيل كل ما شرط الزوج ترغيبا للمرأة في النكاح ما لم يكن
محظورا قال النووي قال الشافعي أكثر العلماء على أن هذا محمول على شرط لا ينافي مقتضى
النكاح ويكون من مقاصده كاشتراط العشرة بالمعروف والإنفاق عليها وكسوتها وسكناها ومن
جانب المرأة أن لا تخرج من بيته إلا بإذنه ولا تتصرف في متاعه إلا برضاه ونحو ذلك وأما
شرط يخالف مقتضاه كشرط أن لا يقسم لها ولا يتسرى عليها ولا ينفق ولا يسافر به ونحو
ذلك فلا يجيب الوفاء به بل يكون لغوا ويصح النكاح بمهر المثل وقال أحمد يجب الوفاء بكل شرط
قال الطيبي فعلى هذا الخطاب في قوله (ما استحللتم) للتغليب فيدخل فيه الرجال والنساء
231

ويدل عليه الرواية الأخرى ما استحللت به الفروج كذا في المرقاة قوله (هذا حديث حسن
صحيح) أخرجه الجماعة قوله (منهم عمر بن الخطاب قال إذا تزوج الرجل امرأة وشرط لها
أن لا يخرجها من مصرها فليس له أن يخرجها) روى سعيد بن منصور من طريق إسماعيل بن
عبيد الله وهو ابن أبي المهاجر عن عبد الرحمن بن غنيم قال كنت مع عمر حيث تمس ركبتي
ركبته فجاءه رجل فقال يا أمير المؤمنين تزوجت هذه وشرطت لها دارها وإني أجمع لأمري أو
لشأني أن انتقل إلى أرض كذا وكذا فقال لها شرطها فقال الرجل هلك الرجل إذ لا تشاء
امرأة أن تطلق زوجها إلا طلقت فقال عمر المؤمنون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم
انتهى وذكره البخاري في صحيحه مختصرا معلقا وقد اختلف عن عمر فروى ابن وهب بإسناد
جيد عن عبيد بن السباق أن رجلا تزوج امرأة فشرط لها أن لا يخرجها من دارها فارتفعوا إلى عمر
فوضع الشرط وقال المرأة مع زوجها قال أبو عبيد تضادت الروايات عن عمر في هذا وقد
قال بالقول الأول عمرو بن العاص ومن التابعين طاؤس وأبو الشعثاء وهو قول الأوزاعي (وهو
قول بعض أهل العلم وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق) قال الحافظ والنقل في هذا عن
الشافعي غريب بل الحديث عندهم محمول على الشروط التي لا تنافي مقتضى النكاح بل تكون
من مقتضياته ومقاصده كاشتراط العشرة بالمعروف والإنفاق والكسوة والسكنى وأن لا يقصر في
شئ من حقها من قسمة ونحوها وكشرطه عليها أن لا تخرج إلا بإذنه
ولا تمنعه نفسها ولا تتصرف في متاعه إلا برضاه ونحو ذلك وأما شرط ينافي مقتضى النكاح كأن لم يقسم لها أو
لا يتسرى عليها أو لا ينفق أو نحو ذلك فلا يجب الوفاء به بل إن وقع في صلب العقد لغى وصح
النكاح بمهر المثل في وجه يجب المسمى ولا أثر للشرط وفي قول للشافعي يبطل النكاح وقال
أحمد وجماعة يجب الوفاء بالشرط مطلقا وقد استشكل ابن دقيق العيد حمل الحديث على الشروط
التي هي من مقتضيات النكاح وقال تلك الأمور لا تؤثر الشر وفي إيجابها فلا تشتد الحاجة
إلى تعليق الحكم باشتراطها وسياق الحديث يقتضي خلاف ذلك لأن لفظ أحق الشروط يقتضي
أن يكون بعض الشروط يقتضي الوفاء بها وبعضها أشد اقتضاء والشروط التي هي من مقتضى
العقد مستوية في وجوب الوفاء بها انتهى (وعن علي بن أبي طالب أنه قال شرط الله قبل شرطها
232

كأنه رأى للزوج أن يخرجها وإن كانت اشترطت على زوجها أن لا يخرجها وذهب بعض
أهل العلم إلى هذا وهو قول سفيان الثوري وبعض أهل الكوفة) قال الحافظ وقال الليث
والثوري والجمهور بقول علي حتى لو كان صداق مثلها مائة مثلا فرضيت بخمسين على أن لا
يخرجها فله إخراجها ولا يلزمه إلا المسمى وقالت الحنفية لها أن ترجع بما نقصته له من
الصداق وقال الشافعي يصح النكاح ويلغو الشرط ويلزمه مهر المثل وعنه يصح وتستحق الكل
وقال أبو عبيد والذي نأخذ به أنا نأمره بالوفاء بشرطه من غير أن يحكم عليه بذلك قال وقد
أجمعوا على أنها لو اشترطت عليه أن لا يطأها لم يجب الوفاء بذلك الشرط فكذلك هذا قال
الحافظ ومما يقوي حمل حديث عقبة على الندب ما في حديث عائشة في قصة بريرة كل شرط
ليس في كتاب الله فهو باطل والوطء والإسكان وغيرهما من حقوق الزوج إذا شرط عليه إسقاط
شئ منها كان شرطا ليس في كتاب الله وأخرج الطبراني في الصغير بإسناد حسن عن جابر أن
النبي صلى الله عليه وسلم خطب أم مبشر بنت البراء ابن معروف فقالت إني شرطت لزوجي أن لا أتزوج بعده
فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن هذا لا يصلح انتهى
باب في الرجل يسلم وعنده عشرة نسوة
قوله (إن غيلان) بفتح الغين (أن يتخير منهن أربعا) قال المظهر فيه إن أنكحة الكفار
صحيحة حتى إذا أسلموا لم يؤمروا بتجديد النكاح إلا إذا كان في نكاحهم من لا يجوز الجمع
بينهن من النساء وإنه لا يجوز أكثر من أربع نسوة وإنه إذا قال اخترت فلانة وفلانة للنكاح ثبت نكاحهن وحصلت الفرقة بينه وبين ما سوى الأربع من غير أن يطلقهن قال محمد في موطأه بهذا
نأخذ يختار منهن أربعا
أيتهن شاء ويفارق ما بقي وأما أبو حنيفة رحمه الله فقال الأربع الأول
233

جائز ونكاح من بقي منهن باطل وهو قول إبراهيم النخعي رحمه الله قال ابن الهمام والأوجه قول
محمد وفي الهداية وليس له أن يتزوج أكثر من ذلك قال ابن الهمام اتفق عليه الأربعة وجمهور
المسلمين أما الجواري فله ما شاء منهن انتهى قوله (قال محمد وإنما حديث الزهري عن سالم
عن أبيه أن رجلا من ثقيف طلق نساءه فقال له عمر الخ) يعني أن المحفوظ عن الزهري بهذا السند
هو هذا الموقوف على عمر وأما الحديث المرفوع المذكور بهذا السند فهو غير محفوظ بل
الصحيح أنه عن الزهري قال حدثت عن محمد بن سويد الثقفي أن غيلان بن سلمة أسلم الخ
كما روى شعيب بن حمزة وغيره عن الزهري لا كما روى معمر عن الزهري وحكم مسلم في
التمييز على معمر بالوهم وقال ابن أبي حاتم عن أبيه وأبي زرعة المرسل أصح لكن الإمام أحمد
أخرج في مسنده عن ابن علية ومحمد بن جعفر جميعا عن معمر بالحديثين معا المرفوع والموقوف
على عمر ولفظه أن ابن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشرة نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم اختر منهن
أربعا فلما كان في عهد عمر طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه فبلغ ذلك عمر فقال إني لأظن
الشيطان مما يسترق من السمع سمع بموتك فقذفه في نفسك وأعلمك أنك لا تمكث إلا قليلا
وأيم الله لتراجعن نساءك ولترجعن مالك أو لأورثهن منك ولآمرن بقبرك فيرجم كما رجم قبر
أبي رغال انتهى والموقوف على عمر هو الذي حكم البخاري بصحته عن الزهري عن سالم عن
أبيه بخلاف أول القصة قوله (كما رجم قبر أبي رغال) بكسر الراء المهملة بعدها غين معجمة
في القاموس في فصل الراء من باب اللام وأبو رغال ككتاب في سنن أبي داود ودلائل النبوة
وغيرهما عن ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال هذا
قبر أبي رغال وهو أبو ثقيف وكان من ثمود وكان بهذا الحرم يدفع عنه فلما خرج منه أصابته
النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه الحديث وقول الجوهري كان دليلا للحبشة حين توجهوا إلى مكة فمات في الطريق غير معتد به وكذا قول ابن سيدة كان عبدا لشعيب وكان عشارا
234

جائرا انتهى وفي بعض الحواشي يضرب به المثل في الظلم والشؤم وهو الذي يرجم الحاج قبره
إلى الان قال جرير إذا مات الفرزدق فارجموه كما ترجمون قبر أبي رغال
باب ما جاء في الرجل يسلم وعنده أختان
قوله (انه سمع ابن فيروز) بفتح الفاء غير منصرف للعجمة والعلمية واسمه الضحاك
(بحديث عن أبيه) هو فيروز الديلي وهو من أبناء فارس من فرس صنعاء وكان ممن وفد على
النبي صلى الله عليه وسلم وهو قاتل الأسود العنسي الكذاب الذي ادعى النبوة باليمن قتل في آخر أيام رسول الله
صلى الله عليه وسلم ووصله خبره في مرضه الذي مات فيه روى عنه ابناه الضحاك وعبد الله وغيرهما مات في
خلافة عثمان قوله (اختر أيتهما شئت) وفي رواية أبي داود طلق أيتهما شئت قال المظهر ذهب
الشافعي ومالك وأحمد إلى أنه لو أسلم رجل وتحته أختان وأسلمتا معه كان له أن يختار إحداهما
سواء كانت المختارة تزوجها أولا أو آخرا وقال أبو حنيفة رحمه الله أن تزوجهما معا لا يجوز له أن
يختار واحدة منهما وأن تزوجهما متعاقبتين له أن يختار الأولى منهما دون الأخيرة انتهى قال
الشوكاني والظاهر ما قاله الأولون لتركه صلى الله عليه وسلم الاستفصال ولما في قوله اختر أيتهما من الاطلاق
انتهى قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة قال في النيل
وأخرجه أيضا الشافعي وصححه ابن حبان والدارقطني والبيهقي وأعله البخاري والعقيلي
انتهى قلت في سند الترمذي ابن لهيعة فتحسينه لتعدد الطرق قوله (وأبو وهب الجيشاني)
بفتح الجيم وسكون التحتانية بعدها معجمة (اسمه الديلم بن هوشع) وقال ابن يونس هو
عبيد بن شرحبيل مقبول من الرابعة
كذا في التقريب
235

باب الرجل يشتري الجارية وهي حامل
قوله (عن بسر) بضم الموحدة وسكون السين المهملة (ابن عبيد الله) الحضرمي الشامي
ثقة حافظ (عن رويفع) بالتصغير قوله (فلا يسقى) بفتح أوله أي يدخل (ماءه) أي نطفته (ولد
غيره) وفي رواية أبي داود زرع غيره يعني إتيان الحبالى وزاد أبو داود ولا يحل لامرئ يؤمن بالله
واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الأخر
أن يبيع مغنما حتى يقسم قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وأبو داود والدارمي وابن أبي
شيبة والطبراني والبيهقي والضياء المقدسي وابن حبان وصححه والبزار وحسنه قوله (وفي
الباب عن ابن عباس) أخرجه الحاكم بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن بيع المغانم حتى
تقسم وقال لا تسق ماءك زرع غيرك وأصله في النسائي (وأبي الدرداء) عن النبي صلى الله عليه وسلم أتى
على امرأة مجح على باب فسطاط فقال لعله يريد أن يلم بها فقالوا نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد
هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه قبره وكيف يورثه وهو لا يحل له كيف يستخدمه وهو لا يحل له
أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود ورواه أبو داود الطيالسي وقال كيف يورثه وهولا يحل له وكيف
يسترقه وهو لا يحل له والمجح هي الحامل كذا في المنتقى (والعرباض بن سارية) أخرجه أحمد
والترمذي بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم وطء السبايا حتى يضعن ما في بطونهم كذا في المنتقى (وأبي
سعيد) أخرجه أحمد وأبو داود بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سبى أوطاس لا توطأ حامل حتى تضع
ولا غير حامل حتى تحيض حيضة وأخرجه الحاكم صححه قال الحافظ في التلخيص إسناده حسن انتهى
236

باب ما جاء يسبى الأمة ولها زوج هل يحل له وطؤها
أي هل يجوز للسابي وطء تلك الأمة بعد الاستبراء قوله (حدثنا عثمان البتي) هو
عثمان بن مسلم البتي بفتح الموحدة وتشديد المثناة أبو عمرو البصري صدوق (أصبنا سبايا يوم
أوطاس) بالصرف وقد لا يصرف موضع أو بقعة على ثلاث مراحل من مكة فيها وقعة للنبي
صلى الله عليه وسلم قال القاري (والمحصنات) أي وحرمت عليكم المحصنات أي ذوات الأزواج (من النساء)
أن تنكحوهن قبل مفارقة أزواجهن حرائر مسلمات كن أولا (إلا ما ملكت أيمانكم) من الإماء بالسبي
فلكم وطؤهن وإن كان لهم أزواج في دار الحرب بعد الاستبراء والحديث رواه مسلم مطولا
ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين بعث جيشا إلى أوطاس فلقى عدوا فقاتلوهم فظهروا عليهم
وأصابوا لهم سبايا فكأن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من
المشركين فأنزل الله تعالى في ذلك (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) فهن لكم
حلال إذا انقضت عدتهن انتهى قال النووي المراد بقوله إذا انقضت عدتهن أي استبراؤهن وهي بوضع الحمل عن
الحامل وبحيضة من الحائل كما جاءت به الأحاديث الصحيحة والحديث دليل عن أن
السبايا يحل وطؤهن بعد الاستبراء وإن كن ذوات الأزواج قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه
مسلم وأبو داود والنسائي
237

باب ما جاء في كراهية مهر البغي
بفتح الموحدة وكسر المعجمة وتشديد التحتانية وهو فغيل بمعنى فاعله وجمع البغي
البغايا والبغاء بكسر أوله الزنا والفجور وأصل البغاء الطلب غير أنه أكثر ما يستعمل في الفساد قوله
(عن ثمن الكلب) فيه دليل على تحريم بيع الكلب وظاهره عدم الفرق بين المعلم وغيره سواء
كان مما يجوز اقتناؤه أو مما لا يجوز وإليه ذهب الجمهور وقال أبو حنيفة يجوز وقال عطاء
والنخعي يجوز بيع كلب الصيد دون غيره ويدل عليه ما أخرجه النسائي من حديث جابر قال
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلا كلب صيد قال في الفتح ورجال إسناده ثقات إلا أنه
طعن في صحته وأخرج نحوه الترمذي من حديث أبي هريرة لكن من رواية أبي المهزم وهو
ضعيف فينبغي حمل المطلق على المقيد ويكون المحرم بيع ما عدا كلب الصيد إن صلح هذا
المقيد للاحتجاج به (ومهر البغي) المراد به ما تأخذه الزانية على الزنا وهو مجمع على تحريمه
(وحلوان الكاهن) بضم الحاء المهملة وسكون اللام هو ما يعطاه الكاهن على كهانته والكاهن قال
الخطابي هو الذي يدعى مطالعة علم الغيب ويخبر الناس عن الكوائن قال الحافظ في الفتح حلوان
الكاهن حرام بالإجماع لما فيه من أخذ العوض على أمر باطل وفي معناه التنجيم والضرب بالحصى وغير
ذلك مما يتعاطاه العرافون من استطلاع الغيب قوله (وفي الباب عن رافع بن خديج وأبي جحيفة وأبي
هريرة وابن عباس) أما حديث رافع بن خديج فلينظر من أخرجه وأما حديث أبي جحيفة فأخرجه
البخاري ومسلم وأما حديث أبي هريرة فلينظر من أخرجه وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد وأبو
داود قوله (حديث أبي مسعود حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة
238

باب ما جاء أن لا يخطب الرجل على خطبة أخيه
قال في النهاية خطب يخطب خطبه بالكسر فهو خاطب والاسم منه الخطبة أيضا وأما
الخطبة بالضم فهو من القول والكلام انتهى وقال في الصراح خطبة بالكسر زن خواستن قوله (
قال قتيبة يبلغ به) أي قال قتيبة في روايته يبلغ به أي يرفع أبو هريرة الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
(وقال أحمد) أي قال أحمد بن منيع في روايته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) فمعنى روايتهما واحد وإنما
الفرق في اللفظ قوله (لا يبيع الرجل على بيع أخيه) قال العلماء البيع على البيع حرام وكذلك
الشراء على الشراء وهو أن يقول لمن اشترى سلعة في زمن الخيار افسخ لأبيعك
بأنقص أو يقول للبايع افسخ لأشتري منك بأزيد قال الجمهور لا فرق في ذلك بين المسلم
والذمي وذكر الأخ خرج للغائب فلا مفهوم له (ولا يخطب على خطبة أخيه) قال الجزري في
النهاية هو أن يخطب الرجل المرأة فتركن إليه ويتفقا على صداق ويتراضيا ولم يبق إلا العقد فأما
إذا لم يتفقا ولم يتراضيا ولم يركن أحدهما إلى الآخر فلا يمنع من خطبتها وهو خارج عن النهي
انتهى قوله (وفي الباب عن سمرة وابن عمر) وفي الباب أيضا عن عقبة بن عامر أما حديث
سمرة فأخرجه أحمد مرفوعا بلفظ نهى النبي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه وأما حديث ابن
عمر فأخرجه أحمد والبخاري والنسائي ولفظه لا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك
الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب وأما حديث عقبة بن عامر فأخرجه أحمد ومسلم ولفظه المؤمن
أخو المؤمن فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر قوله
(حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري والنسائي قوله (والحجة في ذلك
239

حديث فاطمة بنت قيس الخ) قال النووي في شرح مسلم هذه الأحاديث ظاهرة في تحريم
الخطبة على خطبة أخيه وأجمعوا على تحريمها إذا كان قد صرح للخاطب بالإجابة ولم يأذن ولم يترك
فلو خطب على خطبته وتزوج والحالة هذه عصى وصح النكاح ولم يفسخ هذا مذهبنا ومذهب
الجمهور وقال داود يفسخ النكاح وعن مالك روايتان كالمذهبين وقال جماعة من أصحاب
مالك بفسخ قبل الدخول لا بعده وأما إذا عرض له بالإجابة ولم يصرح ففي تحرير الخطبة على
خطبته قولان للشافعي أصحهما لا يحرم وقال بعض المالكية لا يحرم حتى يرضوا بالزوج
ويسمى المهر واستدلوا لما ذكرناه من أن التحريم إنما هو إذا حصلت الإجابة بحديث فاطمة بنت
قيس فإنها قالت خطبني أبو جهم ومعاوية فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم خطبة بعضهم على بعض بل
خطبها لأسامة وقد يعترض على هذا الدليل فيقال لعل الثاني لم يعلم بخطبة الأول وأما النبي
صلى الله عليه وسلم فأشار بأسامة لا أنه خطب له واتفقوا على أنه إذا ترك
الخطبة رغبة عنها أو أذن فيها جازت الخطبة على خطبته وقد صرح بذلك في هذه الأحاديث انتهى قوله (على فاطمة بنت قيس) أي
القرشية أخت الضحاك كانت من المهاجرات الأول (فحدثت أن زوجها طلقها ثلاثا) وفي رواية
لمسلم وغيره فبعث إليها بتطليقه كانت بقيت لها (ووضع لي عشرة أقفزة) جمع قفيز وهو مكيال
معروف (خمسة شعير وخمسة بر) بدل من عشرة أقفزة (فقال صدق) أي في عدم جعله لك السكنى
240

والنفقة (يغشاها المهاجرون) أي يدخلون عليها (فعسى أن تلقى ثيابك فلا يراك) قال النووي
احتج بعض الناس بهذا على جواز نظر المرأة إلى الأجنبي بخلاف نظره إليها وهو ضعيف
والصحيح الذي عليه الجمهور أنه يحرم على المرأة النظر إلى الأجنبي كما يحرم عليه النظر إليها لقوله
تعالى قل للمؤمنات يغضوا من أبصارهم الآية ولحديث أم سلمة أفعمياوان أنتما وأيضا
ليس في هذا الحديث رخصة لها في النظر إليه بل فيه أنها آمنة عنده من نظر غيره وهي مأمورة
بغض بصرها عنه انتهى (خطبني أبو جهم ومعاوية) أبو جهم هذا هو عامر بن حذيفة العدوي
القرشي وهو مشهور بكنيته وهو الذي طلب النبي صلى الله عليه وسلم انبجانية في الصلاة قال النووي وهو
غير أبي جهم المذكور في التيمم وفي المرور بين يدي المصلي ومعاوية هذا هو ابن أبي سفيان بن
حرب الأموي (أما معاوية فرجل لا مال له وفي رواية مسلم فصعلوك لا مال له والصعلوك
بالضم الفقير الذي لا مال له (وأما أبو جهم فرجل شديد على النساء) وفي رواية لمسلم فرجل
ضراب للنساء وفي هذا دليل على جواز ذكر الانسان بما فيه عند المشاورة وطلب النصيحة ولا
يكون هذا من الغيبة المحرمة (فبارك الله في أسامة) وفي رواية مسلم فجعل الله فيه خيرا
واغتبطت قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم بطوله والبخاري مختصرا قوله
(ورواه سفيان الثوري عن أبي بكر بن أبي جهم الخ) أخر هذه الرواية مسلم وقد أخرج مسلم
حديث فاطمة بنت قيس من طرق عديدة مطولا مختصرا وقد استنبط منه النووي فوائد كثيرة
في شرح مسلم فعليك أن تراجعه
241

باب ما جاء في العزل بفتح العين المهملة وسكون الزاي هو النزع بعد الإيلاج لينزل خارج الفرج قوله
(فزعمت اليهود أنه) أي العزل (الموءودة الصغرى) الوأد دفن البنت حية وكانت العرب تفعل
ذلك خشية الإملاق والعار قاله النووي والمعنى أن اليهود زعموا أن العزل نوع من الوأد لأن فيه
إضاعة النطفة التي أعدها الله تعالى ليكون منها الولد وسعيا في إبطال ذلك الاستعداد بعزلها عن
محلها (كذبت اليهود) أي في زعمهم إن العزل الموءودة الصغرى (إن الله تعالى إذا أراد أن يخلقه لم
يمنعه) أي العزل أو شئ وهذا الحديث دليل لمن أجاز العزل قوله (وفي الباب عن عمر
والبراء وأبي هريرة وأبي سعيد) أما حديث عمر فأخرجه أحمد وابن ماجة عنه قال نهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن يعزل من الحرة إلا بإذنها قال صاحب المنتقى ليس
إسناده بذاك وقال الشوكاني في إسناده ابن لهيعة وفيه مقال معروف ويشهد له ما أخرجه عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عباس
قال نهى عن عزل الحرة إلا بإذنها وروى عنه ابن أبي شيبة أنه كان يعزل عن أمته وروى
البيهقي عن ابن عمر مثله وأما حديث البراء فلينظر من أخرجه وأما حديث أبي هريرة فأخرجه
النسائي نحو حديث أبي سعيد وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أحمد وأبو داود قال قالت اليهود
العزل الموءودة الصغرى فقال النبي صلى الله عليه وسلم كذبت اليهود إن الله عز وجل لو أراد أن يخلق شيئا لم
يستطع أحد أن يصرفه فإن قلت حديث الباب وما في معناه يعارضه حديث جذامة بنت وهب
ففيه ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوأد الخفي وهي (وإذا الموءودة سئلت)
أخرجه أحمد ومسلم فما وجه الجمع والتوفيق بين هذين الحديثين قلت قد اختلفوا في وجه
الجمع فمن العلماء من جمع بينهما بحمل حديث جذامة على التنزيه وهذه طريقة البيهقي
ومنهم من ضعف حديث جذامة لمعارضته لما هو أكثر منه طرقا قال الحافظ وهذا دفع للأحاديث
الصحيحة بالتوهم والحديث صحيح لا ريب فيه والجمع ممكن ومنهم من ادعى أنه منسوخ
242

ورد بعدم معرفة التاريخ وقال الطحاوي يحتمل أن يكون حديث جذامة على وفق ما كان عليه
الأمر أولا من موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه ثم علمه الله بالحكم فكذب اليهود فيما كانوا
يقولونه وتعقبه ابن رشد وابن العربي بأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحرم شيئا تبعا لليهود ثم يصرح
بتكذيبهم فيه ومنهم من رجح حديث جذامة بثبوته في الصحيح وضعف مقابله بالاختلاف في
إسناده والاضطراب وقال الحافظ ورد بأنه إنما يقدح في حديث لا فيما يقوى بعضه بعضا فإنه
يعمل به وهو هنا كذلك والجمع ممكن ورجح ابن حزم العمل بحديث جذامة بأن أحاديث غيرها
موافقة لأصل الإباحة وحديثها يدل على المنع قال فمن ادعى أنه أبيح بعد أن منع فعليه البيان
وتعقب بأن حديثها ليس صريحا في المنع إذا لا يلزم من تسميته وأدا خفيا على طريقي التشبيه أن
يكون حراما وجمع ابن القيم فقال الذي كذب فيه صلى الله عليه وسلم اليهود هو زعمهم أن العزل لا يتصور معه
الحمل أصلا وجعلوه بمنزلة قطع النسل بالوأد فأكذبهم وأخبر أنه لا يمنع الحمل إذا شاء الله
خلقه وإذا لم يرد خلقه لم يكن وأد حقيقة وإنما وأدا خفيا في حديث جذامة لأن الرجل إنما يعزل
هربا من الحمل فأجرى قصده لذلك مجرى الوأد لكن الفرق بينهما أن الوأد ظاهر بالمباشرة اجتمع
فيه القصد والفعل والعزل يتعلق بالقصد فقط فلذلك وصفه بكونه خفيا وهذا الجمع قوي
كذا في النيل قوله (كنا نعزل والقرآن ينزل) فيه جواز الاستدلال بالتقرير من الله ورسوله على
حكم من الأحكام لأنه لو كان ذلك الشئ حراما لم يقررا عليه ولكن بشرط أن يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم
وقد ذهب الأكثر من أهل الأصول على ما حكاه في الفتح إلى أن الصحابي إذا أضاف الحكم إلى
زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حكم الرفع قال لأن الظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وأقره لتوفر
دواعيهم على سؤالهم إياه عن الأحكام قال وقد وردت عدة طرق تصرح باطلاعه على ذلك
وأخرج مسلم من حديث جابر قال كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم
ينهنا قوله (حديث جابر حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم قوله (وقد
رخص قوم من أهلم العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في العزل) فاستدلوا بأحاديث الباب (وقال
مالك بن أنس تستأمر الحرة في العزل ولا تستأمر الأمة) يدل عليه ما رواه أحمد وابن ماجة عن
243

عمر بن الخطاب قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها وفي إسناده ابن لهيعة وفيه
مقال معروف ويشهد له ما أخرجه عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عباس قال نهى عن عزل الحرة
إلا بإذنها وروى عنه ابن أبي شيبة أنه كان يعزل عن أمته وروى البيهقي عن ابن عمر مثله
وقد اختلف السلف في حكم العزل فحكى في الفتح عن ابن عبد البر أنه قال لا خلاف بين
العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة إلا بإذنها لأن الجماع من حقها ولها المطالبة به وليس
الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه العزل قال الحافظ وافقه في نقل هذا الاجماع ابن هبيرة قال
وتعقب بأن المعروف عند الشافعية أنه لاحق للمرأة في الجماع فيجوز عندهم العزل عن الحرة بغير
إذنها على مقتضى قولهم ويدل على اعتبار الإذن من الحرة حديث عمر المذكور وأما الأمة فإن
كانت زوجة فحكمها حكم الحرة واختلفوا هل يعتبر الإذن منها أو من سيدها وإن كانت
سرية فقال في الفتح يجوز بلا خلاف عندهم إلا في وجه حكاه الروياني في المنع مطلقا
كمذهب ابن حزم
باب ما جاء في كراهية العزل
قوله (عن قزعة) بفتح القاف والزاي ابن يحي البصري ثقة من الثالثة قوله (لم يفعل
ذلك أحدكم وزاد ابن أبي عمر في حديثه ولم يقل لا يفعل ذلك أحدكم) أشار إلى أنه لم يصرح
لهم بالنهي وإنما أشار إلى أن الأولى ترك ذلك لأن العزل إنما كان خشية حصول الولد فلا
فائدة في ذلك لأن الله إن كان قد خلق الولد لم يمنع العزل ذلك فقد يسبق الماء ولم يشعر العازل
فيحصل العلوق ويلحقه الولد ولا راد لما قضى الله والفرار من حصول الولد يكون لأسباب منها
خشية علوق الزوجة الأمة لئلا يصير الولد رقيقا أو خشية دخول الضرر على الولد المرضع إذا
244

كانت الموطوءة ترضعه أو فرارا من كثرة العيال إذا كان الرجل مقلا فيرغب في قلة الولد لئلا
يتضرر بتحصيل الكسب وكل ذلك لا يغني شيئا وقد أخرج أحمد والبزار وصححه ابن حبان
من حديث أنس أن رجلا سأل عن العزل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو أن الماء الذي يكون منه الولد
أهرقته على صخرة لأخرج الله منها ولدا وله شاهدان في الكبير للطبراني عن ابن عباس وفي
الأوسط له عن ابن مسعود كذا في الفتح
باب ما جاء في القسمة للبكر والثيب
قوله (قال) أي أبو قلابة (لو شئت أن أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه قال السنة) كان يشير
إلى أنه لو صرح برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لكان صادقا ويكون روى بالمعنى وهو جائز عنده لكنه رأى
أن المحافظة على اللفظ أولى واعلم أن الصحابي إذا قال السنة أو من السنة فالمراد به سنة النبي
صلى الله عليه وسلم وهو الذي يتبادر من قول الصحابي وقد وقع في صحيح البخاري في الحج قول سالم بن
عبد الله بن عمر حين سأله الزهري عن قول ابن عمر للحجاج إن كنت تريد السنة هل تريد
سنة النبي صلى الله عليه وسلم فقال له سالم وهل يعنون بذلك إلا سنته انتهى (إذا تزوج الرجل البكر على
امرأته) أي يكون عنده امرأة فيتزوج معها بكرا (أقام عندها سبعا) زاد في رواية الشيخين ثم قسم قوله
(وإذا تزوج ثيبا على امرأته أقام ثلاثا) زاد في رواية الشيخين ثم قسم وفي رواية الدارقطني
للبكر سبعة أيام وللثيب ثلاثة ثم يعود إلى نسائه قوله (وفي الباب عن أم سلمة) أخرجه أحمد
ومسلم وأبو داود وابن ماجة عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها أقام عندها ثلاثة أيام وقال إنه ليس بك
هوان على أهلك فإن شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي وفي رواية الدارقطني
إن شئت أقمت عندك ثلاثا خالصة لك وإن شئت سبعت لك وسبعت لنسائي قالت تقيم معي
ثلاثا خالصة وفي إسناد رواية الدارقطني هذه الواقدي وهو ضعيف جدا قوله (حديث أنس
حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم قالوا
245

إذا تزوج الرجل امرأة بكرا على امرأته أقام عندها سبعا ثم قسم بينهما بعد بالعدل الخ)
واستدلوا بأحاديث الباب فإنها ظاهرة فيما قالوا وهو مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وجمهور
العلماء قال النووي في شرح مسلم وفيه أن حق الزفاف ثابت للمزفوفة وتقدم به على غيرها فإن
كانت بكرا كان لها سبع ليال بأيامها بلا قضاء وإن كانت ثيبا كان لها الخيار إن شاءت سبعا
ويقضي السبع لباقي النساء وإن شاءت ثلاثا ولا يقضي وهذا مذهب الشافعي وموافقيه وهو
الذي ثبتت فيه هذه الأحاديث الصحيحة ومن قال به مالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن جرير
وجمهور العلماء انتهى كلام النووي وروى الإمام محمد في موطأه حديث أم سلمة وفيه إن شئت
سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت ثلثت عندك ودرت قالت ثلث قال محمد بهذا
نأخذ ينبغي إن سبع عندها أن يسبع عندهن لا يزيد لها عليهن شيئا وإن ثلث عندها يثلث
عندهن وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا انتهى قلت مذهب الحنفية أنه لا فرق بين
الجديدة والقديمة ولا بين البكر والثيب بل يجب القسم بينهن بالسوية والاستدلال على هذا
بحديث أم سلمة غير ظاهر بل الظاهر منه هو ما ذهب إليه الجمهور وقد أقر به صاحب التعليق
الممجد على موطأ محمد وكذا الظاهر من سائر أحاديث الباب هو ما ذهب إليه الجمهور ويؤيده
رواية الدارقطني بلفظ إن شئت أقمت عندك ثلاثا خالصة لك وإن سبعت لك سبعت
لنسائي قالت تقيم معي ثلاثا خالصة واستدل أبو حنيفة وأصحابه بالظواهر الواردة بالعدل بين
الزوجات وأجيبوا بأن أحاديث الباب مخصصة للظواهر العامة والحاصل أن المذهب الراجح
الظاهر من الأحاديث الصحيحة هو مذهب الجمهور والله تعالى أعلم
تنبيه اعلم أن الإمام أبا حنيفة وأصحابه كما تركوا العمل بظاهر أحاديث الباب كذلك
ترك الإمام مالك وأصحابه العمل بظاهر حديث أم سلمة المذكور فإنه يفهم منه جواز التخيير
للثيب بين الثلاث بلا قضاء والسبع مع القضاء وإليه ذهب الشافعي وأحمد والجمهور وقال مالك
وأصحابه لا تخيير بل للبكر الجديدة سبع وللثيب ثلاث بدون التخيير والقضاء قال ابن عبد
البر هذا يعني حديث أم سلمة تركه مالك وأصحابه للحديث الذي رواه مالك عن أنس
انتهى وأشار به إلى حديث أنس المذكور في الباب قال صاحب التعليق الممجد واعتذر
أصحاب مالك عن حديث أم سلمة الدال صريحا على التخيير بأن مالكا رأى ذلك من خصائص
246

النبي صلى الله عليه وسلم لأنه خص في النكاح بخصائص فاحتمال الخصوصية منع من الأخذ به وفيه ضعف
ظاهر لأن مجرد الاحتمال لا يمنع الاستدلال انتهى قلت الأمر كما قال صاحب التعليق الممجد
باب ما جاء في التسوية بين الضرائر
هي زوجات الرجل لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة والقسم كذا في المجمع
قوله (كان يقسم بين نسائه فيعدل) استدل به من قال أن القسم كان واجبا عليه وذهب بعض
المفسرين إلا أنه لا يجب عليه واستدلوا بقوله تعالى ترجى من تشاء منهن الآية وذلك من
خصائصه (ويقول اللهم هذه قسمتي فيما أملك) أي أقدر عليه (فلا تلمني) أي لا تعاتبني ولا
تؤاخذني (فيما تملك ولا أملك) أي من زيادة المحبة والميل قال ابن الهمام ظاهره أن ما عداه مما
هو داخل تحت ملكه وقدرته يجب التسوية فيه ومنه عدد الوطئات والقبلات والتسوية فيهما غير
لازمة إجماعا قوله (وهذا أصح من حديث حماد بن سلمة) وكذا أعله النسائي والدارقطني وقال
أبو زرعة لا أعلم أحدا تابع حماد بن سلمة على وصله والحديث أخرجه الخمسة إلا أحمد
وأخرجه أيضا الدارمي وصححه ابن حبان والحاكم قوله (كذا فسره بعض أهل العلم) أخرج
247

البيهقي من طريق علي بن طلحة عن ابن عباس في قوله (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء)
قال في الحب والجماع وعند عبيدة بن عمرو السلماني مثله قوله (جاء يوم القيامة وشقه ساقط)
وفي بعض الروايات جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطا أو ماثلا قال الطيبي في شرح قوله
وشقه ساقط أي نصفه ماثل قيل بحيث يراه أهل العرصات ليكون هذا زيادة في التعذيب وهذا
الحكم غير مقصور على امرأتين فإنه لو كانت ثلاث أو أربع كان السقوط ثابتا واحتمل أن يكون
نصفه ساقطا وإن لزم الواحدة وترك الثلاث أو كانت ثلاثة أرباعه ساقطة على هذا فاعتبر ثم إن
كانت الزوجتان إحداهما حرة والأخرى أمة فللحرة الثلثان من القسم وللأمة الثلث بذلك ورد
الأثر قضى به أبو بكر وعلي رضي الله عنهما كذا في المرقاة قوله (وإنما أسند هذا الحديث همام)
أي رواه مرفوعا (ولا نعرف هذا الحديث مرفوعا إلا من حديث همام) وقال عبد الحق هو خبر
ثابت لكن علته أن هماما تفرد به وأن هشاما رواه عن قتادة فقال كان يقال وأخرج أبو نعيم
عن أنس نحوه وحديث أبي هريرة هذا أخرجه الخمسة وأخرجه أيضا الدارمي وابن حبان
والحاكم قال وإسناده على شرط الشيخين كذا في المنتقى والنيل
باب ما جاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما
قوله (عن الحجاج) هو ابن أرطاة صدوق كثير الخطأ والتدليس قوله (رد ابنته زينب
على أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد) يخالفه حديث ابن عباس الآتي ففيه أنه صلى الله عليه وسلم
ردها عليه بالنكاح الأول ولم يحدث نكاحا وهو أصح كما ستعرف قوله (هذا حديث في إسناده
مقال في إسناده حجاج بن أرطاة وهو مدلس) وأيضا لم يسمعه من عمرو
بن شعيب كما قال أبو
عبيد وإنما حمله عن العرزمي وهو ضعيف وقد ضعف هذا الحديث جماعة من أهل العلم كذا
248

في النيل والحديث أخرجه أيضا ابن ماجة قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم) أي من
حيث أن هذا الحديث يقتضي أن الرد بعد العدة يحتاج إلى نكاح جديد فالرد بلا نكاح لا يكون
إلا قبل العدة قاله أبو الطيب المدني (وهو قول مالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد
وإسحاق) وقال محمد في موطأه إذا أسلمت المرأة وزوجها كافر في دار الاسلام لم يفرق بينهما حتى
يعرض على الزوج الاسلام فإن أسلم فهي امرأته وإن أبى أن يسلم فرق بينهما وكانت فرقتها
تطليقة بائنة وهو قول أبي حنيفة وإبراهيم النخعي انتهى قوله (بعد ست سنين بالنكاح الأول
ولم يحدث نكاحا) وفي رواية
بعد ثلاث سنين وأشار في الفتح إلى الجمع فقال المراد بالست ما بين هجرة زينب وإسلامه
وبالسنتين أو الثلاث ما بين نزول قوله تعالى لا هن حل لهم وقدومه مسلما فإن بينهما سنتين
وأشهرا قوله (هذا حديث ليس بإسناده بأس) حديث ابن عباس هذا صححه الحاكم وقال
الخطابي هو أصح من حديث عمرو بن شعيب وكذا قال البخاري قال ابن كثير في الارشاد
هو حديث جيد قوي وهو من رواية ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس
انتهى إلا أن حديث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس نسخه وقد ضعف أمرها
علي ابن المديني وغيره من علماء الحديث وابن إسحاق فيه مقال معروف كذا في النيل قلت قد
تقدم في بحث القراءة خلف الإمام أن الحق أن ابن إسحاق ثقة قابل للاحتجاج (ولكن لا نعرف
وجه الحديث) قال الحافظ أشار بذلك إلى أن ردها إليه بعد ست سنين أو بعد سنتين أو ثلاث
مشكل لاستبعاد أن تبقى في العدة هذه المدة قال ولم يذهب أحد إلى جواز تقرير المسلمة تحت
المشرك إذا تأخر إسلامه عن إسلامها حتى انقضت عدتها وممن نقل الإجماع في ذلك ابن
249

عبد البر وأشار إلى أن بعض أهل الظاهر قال بجوازه ورده بالإجماع المذكور وتعقب بثبوت
الخلاف قديما فيه فقد أخرجه ابن أبي شيبة عن علي وإبراهيم النخعي بطرق قوية وأفتى به حماد
شيخ أبي حنيفة وأجاب الخطابي عن الإشكال بأن بقاء العدة تلك المدة ممكن وإن لم تجر به عادة في
الغالب ولا سيما إن كانت المدة إنما هي سنتان وأشهر فإن الحيض قد يبطئ عن ذات الأقراء
لعارض وبمثل هذا أجاب البيهقي قال الحافظ وهو أولى ما يعتمد في ذلك وقال السهيلي في
شرح السيرة إن حديث عمرو بن شعيب هو الذي عليه العمل وإن كان حديث ابن عباس
أصح اسنادا لكن لم يقل به أحد من الفقهاء لأن الإسلام قد كان فرق بينهما قال الله تعالى
لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ومن جمع بين الحديثين قال معنى حديث ابن عباس ردها
عليه على النكاح الأول في الصداق والحباء ولم يحدث زيادة على ذلك من شرط ولا غيره انتهى
وقد أشار إلى مثل هذا الجمع ابن عبد الله وقيل إن زينب لما أسلمت وبقي زوجها على الكفر لم
يفرق النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن قد نزل تحريم نكاح المسلمة على الكافر فلما نزل قوله تعالى لا هن حل
لهم الآية أمر النبي صلى الله عليه وسلم ابنته أن تعتد فوصل أبو العاص مسلما قبل انقضاء العدة فقررها
النبي صلى الله عليه وسلم بالنكاح الأول فيندفع الاشكال قال ابن عبد البر وحديث عمرو بن شعيب تعضده
الأصول وقد صرح فيه بوقوع عقد جديد والأخذ بالصريح أولى من الأخذ بالمحتمل ويؤيده
مخالفة ابن عباس لما رواه كما حكى ذلك عنه البخاري قال الحافظ وأحسن المسالك في تقرير
الحديثين ترجيح حديث ابن عباس كما رجحه الأئمة وحمله على تطاول العدة فيما بين نزول آية
التحريم وإسلام أبي العاص ولا مانع من ذلك انتهى وفي المقام كلام أكثر من هذا فعليك أن
تراجع شروح البخاري كالفتح وغيره
قوله (فقال يا رسول الله إنها كانت أسلمت معي فردها عليه) فيه أن المرأة إذا أسلمت مع
زوجها ترد إليه وهذا مجمع عليه قوله (يذكر عن محمد بن إسحاق هذا الحديث) أراد بهذا
الحديث حديث ابن عباس المذكور بلفظ رد النبي صلى الله عليه وسلم ابنته زينب الخ
250

ما جاء في الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها قبل أن يفرض لها
قوله (ولم يفرض) بفتح الياء وكسر الراء أي لم يقدر ولم يعين (لها صداقا) أي مهرا (ولم
يدخل بها) أي لم يجامعها ولم يخل بها خلو صحيحة (مثل صداق نسائها) أي نساء قومها
(لا وكس) بفتح فسكون أي لا نقص (ولا شطط) بفتحتين أي ولا زيادة (ولها العدة) أي الموفاة
(ولها الميراث) زاد في رواية لأبي داود فإن يك صوابا فمن الله وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان
والله ورسوله بريئان (فقام معقل) بفتح الميم وكسر القاف (ابن سنان) بكسر السين (الأشجعي)
بالرفع صفة معقل (في بروع) قال في القاموس كجدول ولا يكسر بنت واشق صحابية انتهى
وقال في المغنى بفتح الباء عند أهل اللغة وكسرها عند أهل الحديث انتهى وقال في جامع
الأصول أهل الحديث يرونها بكسر الباء وفتح الواو وبالعين المهملة وأما أهل اللغة فيفتحون
الباء ويقولون إنه ليس بالعربية فعول إلا خروع لهذا النبت وعقود اسم واد انتهى قال القاري
فليكن هذا من قبيلهما ونقل المحدثين أحفظ قال وهو غير منصرف (بنت واشق) بكسر الشين
المعجمة (ففرح بها) أي بالقضية أو بالفتيا لكون اجتهاده موافقا لحكمه صلى الله عليه وسلم قوله (وفي الباب
عن الجراح) بفتح الجيم وتشديد الراء بن أبي الجراح الأشجعي صحابي مقل وأخرج حديثه أبو
251

داود قوله (حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح) قال الحافظ في بلوغ المرام وصححه
الترمذي وجماعة انتهى قال في السبل منهم ابن مهدي وابن حزم وقال لا مغمز فيه بصحة
إسناده ومثله قال البيهقي في الخلافيات قلت الحديث صحيح وكل ما أعلوه به فهو مدفوع
قوله (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وبه يقول
الثوري وأحمد وإسحاق) قال في النيل والحديث فيه دليل على أن المرأة تستحق بموت زوجها بعد
العقد قبل فرض الصداق جميع المهر وإن لم يقع منه دخول ولا خلوة وبه قال ابن مسعود وابن
سيرين وابن أبي ليلى وأبو حنيفة وأصحابه وإسحاق وأحمد انتهى قلت وهو الحق (وقال بعض
أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس وابن عمر
إذا تزوج الرجل امرأة ولم يدخل بها ولم يفرض لها صداقا حتى مات قالوا لها الميراث ولا صداق
لها وعليها العدة) وهو قول الأوزاعي والليث ومالك وأحمد قول الشافعي قالوا لأن الصداق
عوض فإذا لم يستوف الزوج المعوض عنه لم يلزم قياسا على ثمن المبيع وأجابوا عن الحديث بأن
فيه اضطرابا فروى مرة عن معقل بن سنان ومرة عن معقل بن يسار ومرة عن بعض أشجع
لا يسمى ومرة عن رجل من أشجع أو ناس من أشجع وضعفه الواقدي بأنه حديث ورد إلى
المدينة من أهل الكوفة فما عرفه علماء المدينة وروي عن علي رضي الله عنه أنه رده بأنه معقل بن
سنان أعرابي بوال على عقبيه وأجيب بأن الاضطراب غير قادح لأنه متردد بين صحابي وصحابي
وهذا لا يطعن به في الرواية ولا يضر الرواية بلفظ عن بعض أشجع أو عن رجل من أشجع
لأنه فسر ذلك بمعقل قال البيهقي قد سمى فيه ابن سنان وهو صحابي مشهور والاختلاف فيه
لا يضر فإن جميع الروايات فيه صحيحة وفي بعضها ما دل على أن جماعة من أشجع شهدوا
بذلك وقال ابن أبي حاتم قال أبو زرعة الذي قال معقل بن سنان أصح وأما عدم معرفة علماء
المدينة فلا يقدح بها عدالة الراوي وأما الرواية عن علي رضي الله عنه فقال في البدر المنير لم
يصح عنه (وقال لو ثبت حديث بروع بنت واشق لكانت الحجة فيما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم) وقال
252

الشافعي في الأم إن كان يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أولى الأمور ولا حجة في أحد دون رسول
الله صلى الله عليه وسلم وإن كبر ولا شئ في قوله إلا طاعة الله بالتسليم له ولم أحفظه عنه من وجه يثبت مثله
مرة يقال عن معقل بن سنان ومرة عن معقل بن يسار ومرة عن بعض أشجع لا يسمى انتهى
وغرضه التضعيف بالاضطراب وقد عرفت الجواب عنه وروى الحاكم في المستدرك عن
حرملة بن يحيى أنه قال سمعت الشافعي يقول إن صح حديث بروع بنت واشق قلت به قال
الحاكم قال شيخنا أبو عبد
الله لو حضرت الشافعي لقمت على رؤوس الناس وقلت قد صح
الحديث انتهى وروي عن الشافعي أنه رجع عن هذا القول وقال بحديث بروع بنت
واشق لثبوته عنده بعد أن كان مترددا في صحته
253

أبواب الرضاع بفتح الراء وكسرها لغة وهو القاضي عياض والرضاع والرضاعة بفتح الراء
وكسرها فيهما وأنكر الأصمعي الكسر في الرضاعة وهو مص الرضيع من ثدي الآدمية في وقت
مخصوص وهو يفيد التحريم قليلا كان أو كثير إذا حصل في مدة الرضاع عند جمهور العلماء وقال
الشافعي لا يثبت التحريم إلا بخمس رضعات ومدة الرضاعة ثلاثون شهرا عند أبي حنيفة
وقال أبو يوسف ومحمد سنتان وبه قال الشافعي وأحمد وغيرهما
باب ما جاء يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب
يحرم صيغة المجهول من التحريم قوله (إن الله حرم من الرضاع ما حرم من النسب) قال
القرطبي في الحديث دلالة على أن الرضاع ينشر الحرمة بين الرضيع والمرضعة وزوجها يعني
الذي وقع الارضاع بين ولده منها أو السيد فتحرم على الصبي لأنها تصير أمه وأمها لأنها جدته
فصاعدا وأختها لأنها خالته وبنتها لأنها أخته وبنت بنتها فنازلا لأنها بنت أخته وبنت
صاحب اللبن لأنها أخته وبنت بنته فنازلا لأنها بنت أخته وأمه فصاعدا لأنها جدته وأخته لأنها
عمته ولا يتعدى التحريم إلى أحد من قرابة الرضيع فليست أخته من الرضاعة أختا لأخيه ولا
بنتا لأبيه إذ لا رضاع بينهم والحكمة في ذلك أن سبب التحريم ما ينفصل من أجزاء المرأة
وزوجها وهو اللبن فإذا اغتذى به الرضيع صار جزءا من أجزائهما فانتشر التحريم بينهم
بخلاف قرابات الرضيع لأنه ليس بينهم وبين المرضعة ولا زوجها نسب ولا سبب انتهى قال
العلماء يستثنى من عموم قوله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب أربع نسوة يحرمن في النسب
مطلقا وفي الرضاع قد لا يحرمن الأولى أم الأخ في النسب حرام لأنها إما أم وإما زوج أب
254

وفي الرضاع قد تكون أجنبية فترضع الأخ فلا تحرم على أخيه الثانية أم الحفيد حرام في النسب
لأنها إما بنت أو زوج ابن وفي الرضاع قد تكون أجنبية فترضع الحفيد فلا تحرم على
جده الثالثة جدة الولد في النسب حرام لأنها إما أم أو أم زوجة وفي الرضاع قد تكون أجنبية أرضعت الولد
فيجوز لوالده أن يتزوجها الرابعة أخت الولد حرام في النسب لأنها بنت أو ربيبة وفي الرضاع قد
تكون أجنبية فترضع الولد فلا تحرم على الولد وهذه الصور الأربع اقتصر عليها جماعة ولم يستثن
الجمهور شيئا من ذلك
وفي التحقيق لا يستثنى شئ من ذلك لأنهن لم يحرمن من جهة النسب وإنما حرمن من جهة
المصاهرة واستدرك بعض المتأخرين أم العم وأم العمة وأم الخال وأم الخالة فإنهن يحرمن في
النسب لا في الرضاع وليس ذلك على عمومه كذا في فتح الباري وقال النووي أجمعت الأمة على
ثبوت حرمة الرضاع بين الرضيع والمرضعة وأنه يصير ابنها يحرم عليه نكاحها أبدا ويحل النظر
إليها والخلوة بها والمسافرة ولا يترتب عليه أحكام الأمومة من كل وجه فلا يتوارثان ولا يجب على
واحد منهما نفقة الآخر ولا يعتق عليه بالعتق ولا ترد شهادته لها ولا يعقل عنها ولا يسقط
عنها القصاص بقتله فهما كالأجنبيين في هذه الأحكام انتهى قوله (وفي الباب عن عائشة)
أخرجه البخاري بلفظ يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة وأخرجه الترمذي وغيره (وابن
عباس) أخرجه البخاري ومسلم بلفظ يحرم من الرضاعة من يحرم من الرحم وفي لفظ من
النسب (وأم حبيبة) لينظر من أخرج حديثها قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه أحمد قوله (
ما حرم من الولادة) وفي رواية ابن ماجة من النسب قوله (والعمل على هذا عند عامة أهل
العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نعلم بينهم في ذلك اختلافا) وقد وقع الخلاف هل يحرم بالرضاع
255

ما يحرم من الصهار وابن القيم قد حقق ذلك في الهدى بما فيه كفاية فليرجع إليه وقد ذهب
الأئمة الأربعة إلى أنه يحرم نظير المصاهرة بالرضاع فيحرم عليه أم امرأته من الرضاعة وامرأة
أبيه من الرضاعة ويحرم الجمع بين الأختين من الرضاعة وبين المرأة وعمتها وبنتها وبين
خالتها من الرضاعة وقد نازعهم في ذلك ابن تيمية كما حكاه صاحب الهدى كذا في النيل
باب ما جاء في لبن الفحل
بفتح الفاء وسكون المهملة أي الرجل ونسبة اللبن إليه مجازيه لكونه السبب فيه قال
القاضي عبد الوهاب يتصور تجريد لبن الفحل برجل له امرأتان ترضع إحداهما صبيا والأخرى
صبية فالجمهور قالوا يحرم على الصبي تزويج الصبية وقال من خالفهم يجوز ذكره الحافظ
ويحي تفسير لبن الفحل في الباب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قوله (جاء عمي من
الرضاعة) وفي رواية البخاري إن أفلح أخا أبي العقيس جاء يستأذن عليها وهو عمها من
الرضاعة (فليلج عليك) أي ليدخل (إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل) وفي رواية البخاري
في تفسير سورة الأحزاب فإن أخاه أبو القعيس ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني امرأة أبي
القعيس (قال فإنه عمك فليلج عليك) فيه دليل على أن لبن الفحل يحرم حتى يثبت الحرمة من
جهة صاحب اللبن كما ثبت من جانب المرضعة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت عمومة الرضاع وألحقها
بالنسب قوله (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم كرهوا
لبن الفحل) قال الحافظ في الفتح ذهب الجمهور من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار
كالأوزاعي في أهل الشام والثوري وأبي حنيفة وصاحبيه في أهل الكوفة وابن جريج في أهل
مكة ومالك في أهل المدينة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأتباعهم إلى أن لبن الفحل يحرم
وحجتهم هذا الحديث الصحيح يعني حديث عائشة المذكور في الباب (وقد رخص بعض أهل
256

العلم في لبن الفحل) روى ذلك عن ابن عمر وأبي الزبير ورافع بن خديج وغيرهم ومن التابعين
عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة والقاسم وسالم وسليمان بن يسار وعطاء بن يسار والشعبي
وإبراهيم النخعي وغيرهم واحتجوا بقوله تعالى (وأمهاتكم اللآتي أرضعنكم) ولم يذكر العمة
والبنت كما ذكرهما في النسب
وأجيبوا بأن تخصيص الشئ بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه ولا سيما وقد جاءت
الأحاديث الصحيحة واحتج بعضهم من حيث النظر بأن اللبن لا ينفصل من الرجل وإنما
ينفصل من المرأة فكيف تنتشر الحرمة إلى الرجل والجواب أنه قياس في مقابلة النص فلا
يلتفت إليه وأيضا فإن سبب اللبن هو ماء الرجل والمرأة معا فوجب أن يكون الرضاع منهما وإلى
هذا أشار ابن عباس بقوله في هذه المسألة اللقاح واحد وأيضا فإن الوطء يدر اللبن فللفحل فيه
نصيب (والقول الأول أصح) فإنه قد ثبت بالأحاديث الصحيحة ولم يثبت القول الثاني بدليل
صحيح قوله (له جاريتان) أي أمتان (أرضعت أحدهما جارية) أي صبية (والأخرى غلاما)
أي والجارية الأخرى أرضعت صبيا (فقال لا) أي لا يحل للغلام أن يتزوج الجارية (اللقاح واحد)
قال الجزري في النهاية اللقاح بالفتح اسم ماء الفحل أراد أن ماء الفحل الذي حملت منه واحد
واللبن الذي أرضعته كل واحدة منهما كان أصله ماء الفحل ويحتمل أن يكون اللقاح في هذا
الحديث بمعنى الإلقاح يقال ألقح الفحل الناقة إلقاحا ولقاحا كما يقال أعطى إعطاء وعطاء
والأصل فيه للإبل ثم أستعير للناس انتهى وأثر ابن عباس هذا سكت عنه الترمذي والظاهر أن
إسناده صحيح
257

باب ما جاء لا تحرم المصة ولا المصتان
قوله (لا تحرم المصة ولا المصتان) وفي حديث أم الفضل لا تحرم الإملاجة ولا
الإملاجتان وفي رواية لا تحرم الرضعة والرضعتان والمصة هي المرة من المص كالرضعة من
الرضاع قال في القاموس مصصته بالكسر أمصه ومصصته أمصه كخصصته أخصه شربته شربا
رفيقا انتهى وقال في الصراح المص مكيدن وقال في القاموس ملج الصبي أمه كنصر وسمع
تناول ثديها بأدنى فمه وامتلج اللبن امتصه وأملجه أرضعه والمليج الرضيع انتهى وقال فيه
رضع أمه كسمع وضرب رضعا ويحرك ورضاعا ورضاعة وتكسر إن امتص ثديها انتهى وقال ابن
الأثير في النهاية فلا تحرم الملجة والملجتان وفي رواية الإملاجة والإملاجتان الملج المص ملج
الصبي أمه إذا رضعها والملجة المرة والإملاجة المرة أيضا من أملجته أمه أي أرضعته يعني أن
المصة والمصتين لا يحرمان ما يحرمه الرضاع الكامل انتهى قوله (وفي الباب عن أم الفضل) أن
رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أتحرم المصة فقال لا تحرم الرضعة والرضعتان والمصة والمصتان وفي رواية
قالت دخل أعرابي على نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيتي فقال يا نبي الله إن كانت لي امرأة فتزوجت
عليها أخرى فزعمت امرأتي الأولى أنها أرضعت امرأتي الحدثي رضعة أو رضعتين فقال النبي
صلى الله عليه وسلم لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان أخرجهما أحمد ومسلم (وأبي هريرة) أخرجه النسائي
وقال ابن عبد البر لا يصح مرفوعا كذا في التلخيص (والزبير) أخرجه أحمد والنسائي وابن
حبان (وابن الزبير عن عائشة) أخرجه مسلم والترمذي وغيرهما قوله (وهو غير محفوظ
والصحيح عند أهل الحديث حديث ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير عن عائشة الخ) وأعل
258

ابن جرير الطبري الحديث بالاضطراب فإنه روى عن علي بن الزبير عن أبيه
وعنه عن عائشة وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة وجمع ابن حبان بينهما بإمكان أن يكون ابن الزبير سمعه من كل
منهم قال الحافظ في التلخيص وفي ذلك الجمع بعد على طريقة أهل الحديث انتهى قوله
(حديث عائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وغيره (والعمل على هذا) أي حديث
عائشة لا تحرم المصة والمصتان (عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم) ذهب
أحمد في رواية وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر وداود وأتباعه إلا ابن حزم إلى أن الذي
يحرم ثلاث رضعات لقوله صلى الله عليه وسلم لا تحرم الرضعة والرضعتان فإن مفهومه أن الثلاث تحرم
وأغرب القرطبي فقال لم يقل به إلا داود كذا في فتح الباري قوله (وقالت عائشة أنزل في
القرآن عشر رضعات معلومات) بسكون الشين وبفتح الضاد قاله القاري (فنسخ من ذلك خمسا)
أي فنسخ الله تعالى من ذلك المذكور خمس رضعات وقد ضبط في النسخة الأحمدية المطبوعة
فنسخ بضم النون وكسر السين ويخدشه قوله خمسا بالنصب نعم لو كان خمس بالرفع لكان
صحيحا (وصار إلى خمس رضعات الخ) وفي رواية مسلم قالت فيما نزل من القرآن عشر
رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من
القرآن قال النووي معناه أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جدا حتى أنه صلى الله عليه وسلم توفي وبعض
الناس يقرأ خمس رضعات ويجعلها قرآنا متلوا لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده فلما بلغهم
النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك وأجمعوا على أن هذا لا يتلى والنسخ ثلاثة أنواع أحدها ما
نسخ حكمه وتلاوته كعشر رضعات والثاني ما نسخ تلاوته دون حكمه كخمس رضعات
وكالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما والثالث ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته وهذا هو الأكثر وعنه
قوله تعالى الذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهن الآية انتهى كلام
النووي (وبهذا كانت عائشة تفتي وبعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول الشافعي وإسحاق) قال
259

النووي اختلف العلماء في القدر الذي يثبت به حكم الرضاع فقالت عائشة والشافعي
وأصحابه لا يثبت بأقل من خمس رضعات وقال جمهور العلماء يثبت برضعة واحدة حكاه ابن
المنذر عن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وطاؤوس وابن المسيب والحسن ومكحول والزهري
وقتادة والحكم وحماد ومالك والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة رضي الله عنهم قال فأما الشافعي
وموافقوه فأخذوا بحديث عائشة خمس رضعات معلومات وأخذ مالك بقوله تعالى (وأمهاتكم
اللآتي أرضعنكم) ولم يذكر عددا وههنا اعتراضات من قبل الشافعية على المالكية ومن قبل
المالكية على الشافعية مذكورة في شروح مسلم والبخاري (فهو مذهب قوي) لصحة دليله
وقوته (وجبن) الجبن بضم الجيم وسكون الموحدة ضد الشجاعة فهو إما مصدر ويحتمل أن يكون
بصيغة الماضي بفتح الموحدة وبضمها (عنه) الضمير المجرور يرجع إلى قوله ذاهب (أن يقول فيه)
أي في هذا المذهب القوي (شيئا) والمعنى جبن عن ذلك الذاهب أن يتكلم في هذا المذهب القوي
بشئ من الكلام أو ذلك جبن عنه والظاهر أن هذا مقولة أحمد وقيل أنه مقولة الترمذي
وضمير عنه يرجع إلى أحمد قوله (وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم يحرم
قليل الرضاع وكثيره إذا وصل إلى الجوف وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس
والأوزاعي وعبد الله بن المبارك ووكيع وأهل الكوفة) وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وهو
قول الجمهور وإليه ميلان الإمام البخاري رحمه الله فإنه قال في صحيحه باب من قال لارضاع
بعد حولين إلى أن قال وما يحرم من قليل الرضاع وكثيرة انتهى قال الحافظ وهذا مصير منه إلى
التمسك بالعموم الوارد في الأخبار انتهى
قلت استدل هؤلاء الأئمة بإطلاق قوله تعالى
(وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) وإطلاق حديث إن الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب
وغير ذلك قال الحافظ في الفتح وقوى مذهب الجمهور أن الأخبار اختلفت في العدد وعائشة
التي روت ذلك قد اختلف عليها فيما يعتبر من ذلك فوجب الرجوع إلى أبل ما ينطلق عليه
الاسم ويعضده من حيث النظر أنه معنى طارئ يقتضي تأييد التحريم فلا يشترط فيه العدد
كالصهر أو يقال مائع يلج الباطن فيحرم فلا يشترط فيه العدد كالمني والله أعلم وأيضا فقول
260

عائشة عشر رضعات معلومات ثم نسخن بخمس معلومات فمات النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ لا
ينتهض للاحتجاج على الأصح من قولي الأصوليين لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر والراوي
روى هذا على أنه قرآن لا خبر فلم يثبت كونه قرآنا ولا دكر الراوي أنه خبر ليقبل قوله فيه انتهى
كلام الحاكم
أب ما جاء في شهادة المرأة الواحدة في الرضاع
قوله (قال وسمعته من عقبة) أي قال عبد الله بن أبي مليكة وسمعت الحديث من عقبة بن
الحارث من غير واسطة عبيد بن أبي مريم (ولكني لحديث عبيد أحفظ) وأخرجه أبو داود من طريق
حماد عن أيوب ولفظه عن ابن أبي مليكة عن ابن الحارث قال وحدثنيه صاحب لي عنه وأنا
لحديث صاحبي أحفظ ولم يسمه قال الحافظ في الفتح وفيه إشارة إلى التفرقة في صيغ الأداء بين
الأفراد والجمع أو بين القصد إلى التحديث وعدمه فيقول الراوي فيما سمعه وحده من لفظ
الشيخ أو قصد الشيخ تحديثه بذلك حدثني بالإفراد وفيما عدا ذلك حدثنا بالجمع أو سمعت فلانا
يقول ووقع عند الدارقطني من هذا الوجه حدثني عقبة بن الحارث ثم قال لم يحدثني ولكني
سمعته يحدث وهذا يعين أحد الاحتمالين وقد اعتمد ذلك النسائي فيما يرويه عن الحارث بن
مسكين فيقول الحارث بن مسكين قرأه عليه وأنا أسمع ولا يقول حدثني ولا أخبرني لأنه لم
يقصد بالتحديث وإنما كان يسمعه من غير أن يشعر به انتهى قوله (تزوجت امرأة) وفي
رواية للبخاري أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب (فجاءتنا امرأة سوداء) قال الحافظ ما عرفت
اسمها (وقد أرضعتكما) وفي رواية للبخاري قد أرضعت عقبة والتي تزوج بها (فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم)
وفي رواية للبخاري فقال لها عقبة ما أعلم أنك قد أرضعتني ولا أخبرتني فأرسل إلى آل أبي إهاب
فسألهم فقالوا ما علمنا أرضعت صاحبتنا فركب إلى النبي صلى الله عليه وسلم (قال وكيف بها) أي كيف تشتغل
261

بها وتباشرها وتفضي إليها (وقد زعمت) أي والحال أنها قالت (دعها عنك) وفي رواية للبخاري في
الشهادات فنهاه عنها وفي رواية أخرى له في كتاب العلم ففارقها عقبة ونكحت زوجا غيره
قوله (حديث عقبة بن الحارث حديث حسن صحيح) أخرجه البخاري قوله (والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أجازوا شهادة المرأة الواحدة في
الرضاع) وهو قول أحمد قال علي بن سعد سمعت أحمد يسأل عن شهادة المرأة الواحدة في
الرضاع قال تجوز على حديث عقبة بن الحارث وهو قول الأوزاعي ونقل عن عثمان
وابن عباس والزهري والحسن وإسحاق وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب قال
فرق عثمان بين ناس تناكحوا بقول امرأة سوداء أنها أرضعتهم قال ابن شهاب الناس يأخذون بذلك من قول عثمان اليوم واختاره أبو عبيد إلا أنه قال إن شهدت المرضعة وحدها وجب على الزوج مفارقة المرأة ولا يجب عليه الحكم
بذلك وإن شهدت معها أخرى وجب الحكم به
كذا في فتح الباري (وقال ابن عباس تجوز شهادة امرأة واحدة في الرضاع وتؤخذ يمينها وبه يقول
أحمد وإسحاق) يعني أنه رواية عن أحمد ولم أقف على دليل أخذ اليمين (وقال بعض أهل العلم
لا تجوز شهادة امرأة واحدة في الرضاع حتى يكون أكثر وهو قول الشافعي) قال الحافظ في الفتح
وذهب الجمهور إلى أنه لا يكفي في ذلك شهادة المرضعة لأنها شهادة على فعل نفسها وقد أخرج أبو
عبيد من طريق عمر والمغيرة بن شعبة وعلي بن أبي طالب وابن عباس أنهم امتنعوا من التفرقة
بين الزوجين بذلك فقال عمر فرق بينهما إن جاءت ببينة وإلا فخل بين الرجل وامرأته إلا أن
يتنزها ولو فتح هذا الباب لم تشأ امرأة أن تفرق بين الزوجين إلا فعلت وقال الشعبي تقبل مع
ثلاث نسوة بشرط ألا تتعرض نسوة لطلب أجرة وقيل لا تقبل مطلقا وقيل تقبل في ثبوت
المحرمية دون ثبوت الأجرة لها على ذلك وقال مالك تقبل مع أخرى وعن أبي حنيفة لا تقبل
في الرضاع شهادة النساء المتمحضات وعكسه الأصطخري من الشافعية وأجاب من لم يقبل
شهادة المرضعة وحدها بحمل النهي في قوله فنهاه عنها على التنزيه وبحمل الأمر في قوله دعها
262

عنك على الإرشاد انتهى قال الشوكاني ولا يخفى أن النهي حقيقة في التحريم فلا يخرج عن
معناه الحقيقي إلا لقرينة صارفة قال والاستدلال على عدم قبول المرأة المرضعة بقوله تعالى
واستشهدوا شهيدين من رجالكم لا يفيد شيئا لأن الواجب بناء العام على الخاص ولا شك
أن الحديث أخص مطلقا (وعبد الله بن أبي مليكة) بالتصغير ثقة فقيه من الثالثة (سمعت وكيعا
لا تجوز شهادة امرأة واحدة في الحكم ويفارقها في الورع) أي يفارقها تورعا واحتياطا قال
الشوكاني وأما ما قيل من أن أمره صلى الله عليه وسلم من باب الاحتياط فلا يخفي مخالفته لما هو الظاهر ولا سيما
بعد أن كرر السؤال أربع مرات كما في بعض الروايات والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له في جميعها كيف وقد
قيل وفي بعضها دعها عنك وفي بعضها لا خير لك فيها مع أنه لم يثبت في رواية أنه صلى الله عليه وسلم أمره
بالطلاق ولو كان ذلك بالاحتياط لأمره به قال فالحق وجوب العمل بقول المرأة المرضعة حرة كانت أو
أمة انتهى كلامه بقدر الحاجة
باب ما جاء أن الرضاعة لا تحرم إلا في الصغر دون الحولين
قوله (لا يحرم) بتشديد الراء المكسورة (من الرضاع) بفتح الراء وكسرها (إلا ما فتق
الأمعاء) بالنصب على أنه مفعول به أي الذي شق أمعاء الصبي كالطعام ووقع منه موقع الغذاء
وذلك أن يكون في أوان الرضاع والأمعاء جمع معي وهو موضع الطعام من البطن (في الثدي)
حال من فاعل فتق كقوله تعالى وتنحتون من الجبال بيوتا أي كائنا في الثدي فائضا منه سواء
كان بالارتضاع أو بالإيجار ولم يرد به الاشتراط في الرضاع المحرم أن يكون من الثدي قاله
القاري وقال الشوكاني قوله في الثدي أي في زمن الثدي وهو لغة معروفة فإن العرب تقول مات
263

فلان في الثدي أي في زمن الرضاع قبل الفطام كما وقع التصريح بذلك في آخر الحديث (وكان)
أي الرضاع (قبل الفطام) بكسر الفاء أي زمن الفطام الشرعي قوله (هذا حديث حسن
صحيح) وصححه الحاكم أيضا وفي الباب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لا رضاع إلا في
الحولين رواه الدارقطني وابن عدي مرفوعا وموقوفا ورجح الموقوف وعن ابن مسعود رضي الله
تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لارضاع إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم رواه أبو داود
قوله (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن الرضاعة لا تحرم إلا ما
كان دون الحولين الخ) وهو قول صاحبي الامام أبي حنيفة قال محمد في موطأه لا يحرم الرضاع
إلا ما كان في الحولين فما كان فيها من الرضاع وإن كان مصة واحدة فهي تحرم كما قال
عبد الله بن عباس وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وما كان بعد الحولين لم يحرم شيئا لأن الله
عز وجل قال (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) فتمام
الرضاعة الحولان فلا رضاعة بعد تمامها يحرم شيئا وكان أبو حنيفة رحمه الله يحتاط ستة أشهر
بعد الحولين فيقول يحرم ما كان في الحولين وبعدها تمام ستة أشهر وذلك ثلاثون شهرا ولا يحرم ما
كان بعد ذلك ونحن لا نرى أن يحرم ونرى أنه لا يحرم ما كان بعد الحولين انتهى كلام محمد
رحمه الله قال صاحب التعليق الممجد ولا يخفي أنه لا احتياط بعد ورود النصوص بالحولين
مع أن الاحتياط هو العمل بأقوى الدليلين وأقواهما دليلا قولهما انتهى
باب ما يذهب مذمة الرضاع
قوله (ما يذهب عني) من الا ذهاب أي أي شئ يزيل عني (مذمة الرضاع) قال ابن الأثير
في النهاية المذمة بالفتح مفعلة من الذم وبالكسر من الذمة والذمام وقيل هي بالكسر والفتح
264

الحق والحرمة التي يذم مضيعها والمراد بمذمة الرضاع الحق اللازم بسبب الرضاع فكأنه سأل ما
يسقط عني حق المرضعة حتى أكون قد أديته كاملا وكانوا يستحبون أن يعطوا للمرضعة عند
فصال الصبي شيئا سوى أجرتها انتهى (فقال غرة) أي مملوك (عبد أو أمة) بالرفع والتنوين بدل
من غرة وقيل الغرة لا تطلق إلا على الأبيض من الرقيق وقيل هي أنفس شئ يملك قال
الطيبي الغرة المملوك وأصلها البياض في جهة الفرس ثم استعير لأكرم كل شئ كقولهم غرة
القوم سيدهم ولما كان الإنسان المملوك خير ما يملك سمي غرة ولما جعلت الظئر نفسها خادمة
جوزيت بجنس فعلها (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي قوله
(عن حجاج بن حجاج الأسلمي) مقبول من الثالثة ولأبيه صحبة قال الحافظ وقال الخزرجي
في ترجمته حجازي عن أبيه حجاج بن مالك وعنه عروة له عندهم فرد حديث (عن أبيه
) حجاج بن مالك بن عويمر بن أبي أسيد الأسلمي صحابي له حديث في الرضاع كذا في التقريب
(وروى سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن حجاج ابن أبي حجاج عن
أبيه) فقال عن حجاج بن أبي حجاج وهو غير محفوظ والصحيح عن حجاج بن حجاج كما روى يحيى
القطان وحاتم بن إسماعيل وغيرهما (وقال معنى قوله ما يذهب عن مذمة الرضاع
الخ) أي قال أبو عيسى معنى قوله الخ وأرجع الشيخ سراج أحمد ضميره قال إلى هشام بن عروة
(يقول إنما يعني ذمام الرضاعة وحقها) قال في القاموس الذمام والمذمة الحق والحرمة قوله
(ويروي عن أبي الطفيل قال كنت جالسا الخ) أخرجه أبو داود وأبو الطفيل بالتصغير وهو
عامر بن واثلة الليثي وهو آخر من مات من الصحابة في جميع الأرض (
فبسط النبي صلى الله عليه وسلم رداءه)
265

أي تعظيما لها وانبساطا بها قال الطيبي فيه إشارة إلى وجوب رعاية الحقوق القديمة ولزوم إكرام
من له صحبة قديمة وحقوق سابقة (فلما ذهبت) أي وتعجب الناس من إكرامه إياها وقبولها القعود
على رداءه المبارك (قيل هذه أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم) قال في المواهب إن حليمة جاءته عليه
الصلاة والسلام يوم حنين فقام إليها وبسط رداءه لها وجلست انتهى
باب ما جاء في المرأة تعتق ولها زوج
قوله (كان زوج بريرة عبدا) فيه دليل على أن زوج بريرة كان عبدا حين أعتقت وفي
المنتقى عن عروة عن عائشة أن بريرة أعتقت وكان زوجها عبدا الحديث رواه أحمد ومسلم وأبو
داود والترمذي وصححه انتهى وروى مسلم في صحيحه عن القاسم عن عائشة أن بريرة
خيرها النبي صلى الله عليه وسلم وكان زوجها عبدا (ولو كان حرا لم يخيرها) هذه الزيادة مدرجة من قول عروة كما
صرح بذلك النسائي في سننه وبينه أيضا أبو داود في رواية مالك قوله (عن الأسود عن عائشة
قالت كان زوج بريرة حرا) استدل به من قال إن زوج بريرة كان حرا قال البخاري في
صحيحه قول الأسود منقطع ثم عائشة عمة
القاسم وخالة عروة فروايتهما عنها أولى من رواية
أجنبي يسمع من وراء حجا ب كذا في المنتقى قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) أراد
بحديث عائشة حديثها الذي رواه أولا من طريق هشام بن عروة عن أبيه عنها وأخرجه مسلم
وغيره كما عرفت وأما حديثها الذي رواه ثانيا عن طريق الأسود عن عائشة فأخرجه الخمسة كما
في المنتقى (وروى عن عكرمة عن ابن عباس قال رأيت زوج بريرة وكان عبدا يقال له
266

مغيث) أخرجه البخاري (وهكذا روي عن ابن عمر) أخرجه الدارقطني والبيهقي قال كان
زوج بريرة عبدا وفي إسناده ابن أبي ليلى وهو ضعيف قلت وهكذا روي عن صفية بنت أبي
عبيد أن زوج بريرة كان عبدا أخرجه النسائي والبيهقي بإسناد صحيح قال الشوكاني في النيل
بعد ذكر عدة أحاديث الباب والحاصل أنه قد ثبت من طريق ابن عباس وابن عمر وصفية بنت
أبي عبيد أنه كان عبدا ولم يرو عنهم ما يخالف ذلك وثبت عن عائشة من طريق القاسم وعروة
أنه كان عبدا ومن طريق الأسود أنه كان حرا ورواية اثنين أرجح من رواية واحد على فرض
صحة الجميع فكيف إذا كانت رواية الواحد معلولة بالانقطاع كما قال البخاري (والعمل على
هذا عند بعض أهل العلم وقالوا إذا كانت الأمة تحت الحر فأعتقت فلا خيار لها الخ) وهو مذهب
مالك والشافعي أحمد وإسحاق والجمهور وهو الأقوى دليلا (وروى أبو عوانة هذا الحديث عن
الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة في قصة بريرة قال الأسود وكان زوجها حرا) قال
الحافظ في الفتح بعد ذكر روايات عديدة من طريق إبراهيم عن الأسود عن عائشة وغيرها ما
لفظه فدلت الروايات المفصلة التي قدمتها آنفا على أنه مدرج من قول الأسود أو من دونه يعني
قوله وكان زوجها حرا فيكون من أمثلة من ادرج في أول الخبر وهو نادر فإن الأكثر أن يكون في
آخره ودونه أن يقع في وسطه وعلى تقدير أن يكون موصولا فيرجح رواية من قال كان عبدا
بالكثرة وأيضا فال المرء أعرف بحديثه فإن القاسم ابن أخي عائشة وعروة ابن أختها وتابعهما
غيرهما فروايتهما أولى من رواية الأسود فإنهما أقعد بعائشة وأعلم بحديثها والله أعلم ويترجح
أيضا بأن عائشة كانت تذهب إلى أن الأمة إذ أعتقت تحت الحر لا خيار لها وهذا بخلاف ما روى
العراقيون عنها فكان يلزم على أصل مذهبهم أن يأخذوا بقولها ويدعو ما روى عنها لا سيما وقد
اختلف عنها فيه انتهى (وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة) وهو قول أبي حنيفة وأصحابه
267

واستدلوا بحديث عائشة من طريق إبراهيم عن الأسود عنها قالت كان زوج بريرة حرا وقد
عرفت ما فيه قوله (كان عبدا أسود) قال القاري أي كعبد أسود في قبح للصورة أو كان عبدا
فأعتق فصار حرا انتهى قلت هذان التأويلان باطلان مردودان يردهما لفظ يوم أعتقت بريرة في
هذا الحديث فإنه نص صريح في أن زوج بريرة كان عبدا يوم إعتاقها (ويوم أعتقت) بصيغة
المجهول (والله لكأني به في طرق المدينة الخ) وفي رواية للبخاري كأني أنظر إليه يطوف خلفها
يبكي ودموعه تسيل على لحيته (يترضاها) قال في القاموس استرضاه وترضاه طلب رضاه
انتهى قوله (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري
تنبيه قال صاحب العرف الشذي قول ابن عباس أنه عبد أسود لا يدل على كونه عبدا
في الحال بل باعتبار ما كان انتهى قلت هذه غفلة شديدة ووهم قبيح فإن ابن عباس رضي الله
عنه قد نص في قوله هذا أن زوج بريرة كان عبدا يوم إعتاقها كما في حديث الباب وقد تقدم
بطلان هذا التأويل
تنبيه قال صاحب العرف الشذي ما لفظه لي بحث في أن ابن عباس جاء إلى المدينة مع
أبيه في السنة التاسعة وأنها عتقت قبلها وكانت تخدم عائشة فإنه عليه السلام سألها عن شأن
عائشة في قصة الافك قلت قد وقع في هذه الشبهة من قلة اطلاعه فإنه قد ورد في حديث ابن
عباس هذا عند البخاري فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباس يا عبا س ألا تعجب من حب مغيث الخ قال
الحافظ في الفتح فيه دلالة على أن قصة بريرة كانت متأخرة في السنة التاسعة أو العاشرة لأن
العباس إنما سكن المدينة بعد رجوعهم من غزوة الطائف وكان ذلك في أواخر سنة ثمان ويؤيده
قول ابن عباس إنه شاهد ذلك وهو إنما قدم المدينة مع أبويه ويؤيد تأخر قصتها أيضا بخلاف
قول من زعم أنها كانت قبل الإفك أن عائشة في ذلك الزمان كانت صغيرة فيبعد وقوع تلك الأمور
والمراجعة والمسارعة إلى الشراء والعتق منها يومئذ وأيضا فقول عائشة إن شاء مواليك أن أعدها
268

لهم عدة واحدة فيه إشارة إلى وقوع ذلك في آخر الأمر لأنهم كانوا في أول الأمر في غاية الضيق ثم
حصل لهم التوسع بعد الفتح وفي كل ذلك رد على من زعم أن قصتها كانت متقدمة قبل قصة
الافك وحمله على ذلك وقوع ذكرها في حديث الإفك وقد قدمت الجواب عن ذلك هناك ثم
رأيت الشيخ تقي الدين السبكي استشكل القصة ثم جوز أنها كانت تخدم عائشة قبل شرائها أو
اشترتها وأخرت عتقها إلى بعد الفتح انتهى كلام الحافظ بقدر الحاجة
تنبيه آخر إعلم أن روايات كون زوج بريرة عبدا لها ترجيحات عديدة على روايات كونه
حرا ذكرت بعضا منها فيما تقدم والباقية مذكورة في فتح الباري والنيل والإمام ابن الهمام قد
عكس القضية بوجوه عديدة كلها مخدوشة ولولا مخافة طول الكلام لبينت ما فيها من الخدشات
باب ما جاء أن الولد للفراش
قوله (الولد للفراش) أي لمالكه وهو الزوج والمولى لأنهما يفترشانها قاله في المجمع وفي
رواية للبخاري الولد لصاحبه الفراش وقال في النيل اختلف في معنى الفراش فذهب الأكثر
إلى أنه اسم للمرأة وقيل إنه اسم للزوج وروي ذلك عن أبي حنيفة وأنشد ابن الأعرابي مستدلا
على هذا المعنى قول جرير باتت تعانقه وبات فراشها وفي القاموس إن الفراش زوجة الرجل
انتهى (وللعاهر الحجر) العاهر الزاني يقال عهر أي زنا وقيل يختص ذلك بالليل وقال في
القاموس عهر المرأة كمنع وعاهرها أي أتاها ليلا للفجور أو نهارا انتهى ومعنى له الحجر الخيبة
أي لا شئ له في الولد والعرب تقول له الحجر وبفيه التراب يريدون ليس له الخيبة وقيل
المراد الحجر أنه يرجم بالحجارة إذا زنى ولكنه لا يرجم بالحجارة كل زان بل للمحصن فقط
وظاهر الحديث أن الولد إنما يلحق بالأب بعد ثبوت الفراش وهو لا يثبت إلا بعد إمكان الوطء
في النكاح الصحيح أو الفاسد وإلى ذلك ذهب الجمهور وروي عن أبي حنيفة أنه يثبت بمجرد
العقد قلت والحق ما ذهب إليه الجمهور قوله (وفي الباب عن عمر وعثمان الخ) حديث
269

الولد للفراش وروي من طريق بضعة وعشرين نفسا من الصحابة كما أشار إليه الحافظ قوله (
حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا أبا داود
باب في الرجل يرى المرأة فتعجبه
قوله (فقضى حاجته) أي من الجماع (أقبلت في صورة شيطان) شبهها بالشيطان في صفة
الوسوسة والدعاء إلى الشر (فليأت أهله) أي فليواقعها (فإن معها) أي مع امرأته (مثل الذي
معها) أي فرجا مثل فرجها ويسد مسدها والحديث رواه مسلم ولفظه هكذا إن المرأة تقبل في
صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى
امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه قال النووي رحمه الله معنى الحديث أنه يستحب لمن
رأى امرأة فتحركت شهوته أن يأتي امرأته أو جاريته إن كانت فليواقعها ليدفع شهوته وتسكن
نفسه قوله (وفي الباب عن ابن مسعود) قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة فأعجبته فأتى سودة وهي
تصنع طيبا وعندها نساء فاخلينه فقضى حاجته ثم قال أيما رجل رأى امرأة تعجبه فليقم إلى أهله
فإن معها مثل الذي معها رواه الدارمي كذا في
المشكاة قوله (حديث جابر حديث حسن
صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود وأحمد قوله (وهشام بن أبي عبد الله هو صاحب الدستوائي)
270

يعني يقال لهشام بن أبي عبد الله صاحب الدستوائي لأنه كان تاجرا يبيع البر الدستوائي قال
الذهبي في تذكرة الحفاظ هشام الدستوائي هو الحافظ الحجة أبو بكر بن أبي عبد الله سنبر الربعي
مولاهم البصري التاجر كان يبيع الثياب المجلوبة من دستواء إحدى كور الأهواز ولذلك يقال له
صاحب الدستوائي انتهى وقال العلامة محمد طاهر الفتني في المغنى الدستوائي بمفتوحة
وسكون سين مهملتين وفتح مثناه فوق وبهمزة بعد ألف وقيل بنون مكان همزة نسبة إلى دستواء
كورة من الأهواز أو قرية وقيل منسوب إلى بيع ثياب تجلب منها ويقال هشام صاحب الدستوائي
أي صاحب البر الدستوائي انتهى (هو هشام بن سنبر) بمهملة ثم نون ثم موحدة على وزن جعفر
قاسم والد هشام سنبر وكنيته أبو عبد الله
باب ما جاء في حق الزوج على المرأة
قوله (لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) أي لكثرة حقوقه عليها وعجزها عن القيام
بشكرها وفي هذا غاية المبالغة لوجوب إطاعة المرأة في حق زوجها فإن السجدة لا تحل لغير الله
قوله (وفي الباب عن معاذ بن جبل) أخرجه الترمذي وابن ماجة مرفوعا لا تؤذي امرأة زوجها في
الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين لا تؤذيه قاتلك الله فإنما هو دخيل يوشك أن يفارق إلينا
كذا في المشكاة (وسراقة بن مالك بن جعشم) بضم الجيم والشين المعجمة بينهما عين مهملة
صحابي مشهور من مسلمة الفتح (وعائشة وابن عباس) قال الشوكاني في النيل وقضية السجود
ثابتة من حديث ابن عباس عند البزار ومن حديث سراقة عند الطبراني ومن حديث عائشة عند
أحمد وابن ماجة ومن حديث عصمة عند الطبراني وعن غير هؤلاء انتهى قلت أخرج أحمد وابن
ماجة عن عائشة بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد
لزوجها ولو أن رجلا أمر امرأته أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود ومن جبل أسود إلى جبل
أحمر لكان نولها أن تفعل قال الشوكاني ساقه ابن ماجة بإسناد فيه علي بن زيد بن جدعان وفيه
مقال وبقية إسناده من رجال الصحيح انتهى (وعبد الله بن أبي أوفى) قال لما قدم معاذ من
271

الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا يا معاذ قال أتيت الشام فوافيتهم يسجدون لأساقفتهم
وبطارقتهم فوددت في نفسي أن أفعل ذلك لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تفعلوا فإني لو كنت
امرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي
المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه أخرجه أحمد وابن
ماجة قال الشوكاني وحديث عبد الله بن أبي أوفى ساقه ابن ماجة بإسناد صالح (وطلق بن
علي) أخرجه الترمذي في هذا الباب (وأم سلمة) أخرجه الترمذي في هذا الباب و (وأنس) أخرجه
أحمد بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر
لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق
رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد ثم استقبلته تلحسه ما أدت حقه كذا في المنتقى وابن عمر لم
أقف على حديثه قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن غريب الخ) قال الشوكاني في النيل بعد
ذكر أحاديث في معنى حديث أبي هريرة هذا ما لفظه فهذه أحاديث في أنه لو صلح السجود لبشر
لأمرت به الزوجة لزوجها يشهد بعضها لبعض ويقوي بعضها بعضا انتهى قوله (إذا الرجل
دعا زوجته لحاجته) أي المختصة به كناية عن الجماع (فلتأته) أي لتجب دعوته (وإن كانت على
التنور أي وإن كانت تخبز على التنور مع أنه شغل شاغل لا يتفرغ منه إلى غيره إلا بعد انقضائه
قال ابن الملك هذا بشرط أن يكون الخبز للزوج لأنه دعاها في هذه الحالة فقد رضي بإتلاف مال
نفسه وتلف المال أسهل من وقوع الزوج في الزنا كذا في المرقاة قوله (هذا حديث حسن)
وأخرجه النسائي وروى البزار عن زيد بن أرقم بلفظ إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه
فلتجب وإن كانت على ظهر قتب قوله (أيما امرأة باتت) من البيتوتة وفي بعض النسخ ماتت
272

من الموت والظاهر أنه ماتت وكذلك هو في رواية ابن ماجة (وزوجها عنها راض) جملة حالية
(دخلت الجنة) لمراعاتها حق الله وحق عباده قوله (هذا حديث حسن غريب) وقد صححه
الحاكم وأقره الذهبي كذا في النيل
باب ما جاء في حق المرأة على زوجها
قوله (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا) بضم اللام ويسكن لأن كمال الإيمان يوجب
حسن الخلق والإحسان إلى كافة الانسان (وخياركم خياركم لنسائه) لأنهن محل الرحمة لضعفهن
قوله (وفي الباب عن عائشة) أخرجه الترمذي (وابن عباس) أخرجه ابن ماجة مرفوعا
خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو
داود إلى قوله خلقا قوله (ألا) للتنبيه (واستوصوا بالنساء خيرا) قال القاضي الاستيصاء قبول
الوصية والمعنى أوصيكم بهن خيرا فاقبلوا وصيتي فيهن (فإنما هن عوان) جمع عانية قال في
القاموس العاني الأسير (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) كالنشوز وسوء العشرة وعدم
التعفف (فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح) بتشديد الراء
273

المكسورة وبالحاء المهملة أي مجرح أو شديد شاق (فلا يوطئن) بهمزة أو بإبدالها من باب الافعال
قاله القاري (فرشكم من تكرهون) قال الطيبي أي لا يأذن لأحد أن يدخل منازل الأزواج
والنهي يتناول الرجال والنساء انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) روى مسلم معناه عن
جابر في قصته حجة الوداع قوله (يعني أسرى) بفتح الهمزة وسكون السين جمع أسير
باب ما جاء في كراهية إتيان النساء في أدبارهن
قوله (عن عيسى بن حطان) بكسر المهملة وتشديد المهملة الرقاشي مقبول من الثالثة كذا
في التقريب وقال في الخلاصة وثقه ابن حبان (عن مسلم بن سلام) بفتح السين وبتشديد اللام
قال في التقريب مقبول وقال في الخلاصة وثقه ابن حبان (عن علي بن طلق) قال في الخلاصة
علي بن طلق بن المنذر الحنفي السحيمي اليمامي صحابي له ثلاثة أحاديث وعنه مسلم بن سلام
(في الفلاة) قال في القاموس الفلاة القفر أو المفازة لا ماء فيها أو الصحراء الواسعة جمع فلا
وفلوات وفلو وفلى وفلى (فتكون منه الرويحة) تصغير الرائحة غرض السائل أنه ينبغي أن لا ينقض الوضوء
بهذا القدر (إذا فسا أحدكم) أي خرج الريح التي لا صوت له من أسفل الانسان قاله القاري
قال في القاموس فسا فسوا وفساء مشهور أخرج ريحا من مفساه بلا صوت (فليتوضأ) وفي رواية
أبي داود إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف فليتوضأ وليعد الصلاة (ولا تأتوا النساء في
274

أعجازهن) جمع عجز بفتح العين وضم الجيم على المشهور مؤخر الشئ والمراد الدبر ووجه
المناسبة بين الجملتين أنه لما ذكر الفساء الذي يخرج من الدبر ويزيل الطهارة والتقرب إلى الله ذكر
ما هو أغلظ منه في رفع الطهارة زجرا وتشديدا كذا في اللمعات قوله (وفي الباب عن عمر) لم
أقف على حديثه (وخزيمة بن ثابت) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء
في أدبارهن أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة (وابن عباس) أخرجه الترمذي في هذا الباب
(وأبي هريرة) أخرجه أحمد وأبو داود مرفوعا بلفظ ملعون من أتى امرأة في دبرها قوله (حديث
علي بن طلق حديث حسن) وأخرجه أبو داود وسكت عنه ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره
وصححه ابن حبان قوله (ولا أعرف هذا الحديث من حديث طلق بن علي السحيمي) كذا وقع في
النسخ الحاضرة طلق بن علي السحيمي وقد ذكر الحافظ بن حجر عبارة الترمذي هذه في تهذيب
التهذيب وفيه علي بن طلق السحيمي وهو الظاهر عندي والله تعالى أعلم قال الحافظ في هذا
الكتاب علي بن طلق بن المنذر بن قيس بن عمرو بن عبد العزى بن سحيم نسبه خليفة بن خياط
الحنفي اليمامي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء من الريح وغير ذلك وعنه مسلم بن سلام قال
الترمذي سمعت محمدا يقول لا أعرف لعلي بن طلق غير هذا الحديث ولا أعرف هذا من
حديث علي بن طلق السحيمي قال الترمذي فكأنه رأى أن هذا رجل آخر وقال ابن عبد البر
السحيمي أظنه والد طلق بن علي قلت هو ظن قوي لأن النسب الذي ذكره خليفة هنا هو
النسب المتقدم في ترجمة طلق بن علي من غير مخالفة وجزم به العسكري انتهت عبارة تهذيب
التهذيب بلفظها (وكأنه) أي كان الإمام البخار وهذا مقولة الترمذي قوله (وروى وكيع هذا
الحديث) أي حديث علي بن طلق المذكور وذكره الترمذي بقوله حدثنا قتيبة وغير واحد الخ عن
عبد الملك بن مسلم ثقة شيعي قله الحافظ (عن علي) هو علي بن طلق المذكور كما صرح به
275

الترمذي قوله (عن الضحاك بن عثمان) بن عبد الله بن خالد بن حزام الحزام صدوق يهم من
السابعة (عن مخرمة بن سليمان) الأسدي الوالبي المدني روي عن ابن عباس وكريب مولى ابن
عباس وغيرهما ثقة من الخامسة قوله (لا ينظر الله) ي نظر رحمة (أتى رجلا) أي لاط به (عن عبد الملك بن مسلم) ثقة شيعي قاله الحافظ (عن علي) هو علي بن طلق المذكور كما صرح به الترمذي
باب ما جاء في كراهية خروج النساء في الزينة
قوله (مثل الرافلة) قال في النهاية الرافلة هي التي ترفل في ثوبها أي تتبختر والرفل الذيل
ورفل إزاره إذا أسبله وتبختر فيه انتهى (في الزينة) أي فثياب الزينة (في غير أهلها) أي بين من
يحرم نظره إليها (كمثل ظلمة يوم القيامة) أي تكون يوم القيامة كأنها ظلمة (لا نور لها) الضمير
للمرأة قال الديلمي يريد المتبرجة بالزينة لغير زوجها قوله (وموسى بن عبيدة يضعف في
الحديث من قبل حفظه وهو صدوق) قال في التقريب ضعيف ولا سيما في عبد الله بن دينار
وعبيدة بالتصغير وهو ابن نشيط
276

باب ما جاء في الغيرة
بفتح المعجمة وسكون التحتانية بعدها راء قال عياض وغيره هي مشتقة من تغير القلب
وهيجان الغضب بسبب المشاركة فيما به الإختصاص وأشد ما يكون ذلك بين الزوجين هذا في
حق الادمي وأما في حق الله فقال الخطابي أحسن ما يفسر به ما فسر في حديث أبي هريرة يعني
حديث الباب وهو قوله وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه قال عياض ويحتمل أن تكون
الغيرة في حق الله الإشارة إلى تغيير حال فاعل ذلك وقيل الغيرة في الأصل الحمية والأنفة وهو
تفسير بلازم التغير فيرجع إلى الغضب وقد نسب سبحانه وتعالى إلى نفسه الغضب والرضا وقال
ابن العربي التغير محال على الله بالدلالة القطعية فيجب تأويله بلازمه كالوعيد وإيقاع العقوبة
بالفاعل ونحو ذلك انتهى قوله (إن الله يغار) بفتح التحتانية والغين المعجمة من الغيرة ومعنى
غيرة الله مبين في هذا الحديث (والمؤمن يغار) تقدم معنى الغيرة في الادمي (وغيرة الله أن يأتي
المؤمن ما حرم عليه) من الفواحش وسائر المنهيات والمحرمات قوله (وفي الباب عن عائشة)
أخرجه البخاري في الكسوف والنكاح (وعبد الله بن عمر) لينظر من أخرج حديثه قوله (حديث
أبي هريرة حديث حسن غريب) وأخرجه البخاري ومسلم قوله (وقد روي عن يحيى بن أبي كثير
عن أبي سلمة عن عرو عن أسماء ابنة أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث) أخرجه البخاري
ومسلم (يكنى أبا الصلت) بمفتوحة وسكون لام وبمثناة فوقية كذا في المغنى قوله (حدثنا أبو عيسى
أخبرنا أبو بكر العطار الخ) كذا في بعض النسخ فهو مقولة تلميذ الترمذي وليس في بعض
277

النسخ حدثنا أبو عيسى بل فيه حدثنا أبو بكر العطار الخ قوله (هو فطن كيس) أي حاذق عاقل
وفطن بفتح الفاء وكسر الطاء من الفطنة وكيس كحيد من الكيس وهو خلاف الحمق والعقل
باب ما جاء في كراهية أ تسافر المرأة وحدها
قوله (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) مفهومه أن النهي المذكور يختص بالمؤمنات
فتخرج الكافرات كتابية أو حربية وقد قال به بعض أهل العلم وأجيب بأن الإيمان هو الذي
يستمر للمتصف به خطاب الشارع فينتفع به وينقاد له فلذلك قيد به أو أن الوصف ذكر لتأكيد
التحريم ولم يقصد به إخراج ما سواه قاله الحافظ (ثلاثة أيام فصاعدا) وقع في حديث ابن عمر عند
مسلم مسيرة ثلاث ليال والجمع بينهما أن المراد ثلاثة أيام بلياليها أو ثلاث ليال بأيامها (أو ذو محرم
منها) بفتح الميم والمراد به من لا يحل له نكاحها قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه البخاري
ومسلم (وابن عباس وابن عمر) أخرج حديثهما الشيخان قوله (وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا
تسافر امرأة مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم) أخرجه الترمذي في هذا الباب من حديث أبي هريرة
وأخرجه الشيخان أيضا من حديثه قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم يكرهون للمرأة أن
تسافر إلا مع ذي محرم) لكن قال الحنفية يباح لها الخروج إلى ما دون مسافة القصر بغير محرم
278

وقال أكثر أهل العلم يحرم لها الخروج في كل سفر طويلا كان أو قصيرا ولا يتوقف حرمة الخروج
بغير المحرم على مسافة القصر طلاق حديث ابن عباس بلفظ لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم
قال الحافظ في فتح الباري تحت هذا الحديث كذا أطلق السفر وقيده في حديث أبي سعيد الآتي
في الباب فقال مسيرة يومين ومضى في الصلاة حديث أبي هريرة مقيدا بمسيرة يوم وليلة وعنه
روايات أخرى وحديث ابن عمر فيه مقيدا بثلاثة أيام وعنه روايات أخرى أيضا وقد عمل
أكثر العلماء في هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقييدات انتهى وحجة الحنفية أن المنع المقيد
بالثلاث متيقن وما عداه مشكوك فيه فيؤخذ بالمتيقن ونوقض بأن الرواية المطلقة شاملة لكل سفر
فينبغي الأخذ بها وطرح ما عداها فإنه مشكوك فيه ومن قواعد الحنفية تقديم الخبر العام على
الخاص وترك حمل المطلق على المقيد وخالفوا ذلك هنا والاختلاف إنما وقع في الأحاديث التي
وقع فيها التقييد بخلاف حديث ابن عباس فإنه لم يختلف عليه فيه قال في الهداية يباح لها
الخروج إلى ما دون مدة السفر بغير محرم قال ابن الهمام رحمه الله يشكل عليه ما في الصحيحين
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا لا تسافر المرأة يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم
منها وأخرجا عن أبي هريرة لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا
مع ذي محرم وفي لفظ لمسلم مسيرة ليلة وفي لفظ يوم وفي لفظ أبي داود بريدا يعني
فرسخين واثني عشر ميلا على ما في القاموس وهو عند ابن حبان في صحيحه وقال صحيح على
شرط مسلم وللطبراني في معجمه ثلاثة أميال فقيل له إن الناس يقولون ثلاثة أيام فقال
وهموا قال المنذري ليس في هذه تباين فإنه يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قالها في مواطن مختلفة بحسب
الأسئلة ويحتمل أن يكون ذلك كله تمثيلا لأقل الأعداد واليوم الواحد أول العدد وأقله
والاثنان أول الكثير وأقله والثلاثة أول الجمع فكأنه أشار إلى أن هذا في قلة الزمن لا يحل لها
السفر مع غير محرم فكيف إذا زاد انتهى وحاصله أنه نبه بمنع الخروج أقل كل عدد على منع
خروجها عن البلد مطلقا إلا بمحرم أو زوج وقد صرح بالمنع مطلقا أن حمل السفر على اللغوي ما
في الصحيحين عن ابن عباس مرفوعا لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم والسفر لغة يطلق على
دون ذلك انتهى كلام المحقق كذا في المرقاة قوله (وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة)
وهو قول أبي حنيفة وهو القول الراجح عندي والله تعالى أعلم قال أحمد لا يجب الحج على
279

المرأة إذا لم تجد محرما وإلى كون المحرم شرطا في الحج ذهب أبو حنيفة والنخعي وإسحاق
والشافعي في أحد قوليه على خلاف بينهم هل هو شرط أداء أو شرط وجوب وقال مالك وهو
مروي عن أحمد إنه لا يعتبر المحرم في سفر الفريضة وروي عن الشافعي وجعلوه مخصوصا من
عموم الأحاديث بالإجماع ومن جملة سفر الفريضة سفر الحج وأجيب بأن المجمع عليه إنما هو
سفر الضرورة فلا يقاس عليه سفر الاختيار كذا وقال صاحب المغنى وأيضا قد وقع عند
الدارقطني بلفظ لا تحجن امرأة إلا ومعها زوج وصححه أبو عوانة وفي رواية للدارقطني أيضا
عن أبي أمامة مرفوعا لا تسافر المرأة سفر ثلاثة أيام أو تحج إلا ومعها زوجها فكيف يخص سفر
الحج من بقية الأسفار وقد قيل إن اعتبار المحرم إنما هو في حق من كانت شابة لا في حق العجوز
لأنها لا تشتهي وقيل لا فرق لأن لكل ساقط لاقطا وهو مراعاة للأمر النادر وقد احتج أيضا من
لم يعتبر المحرم في سفر الحج بما في البخاري من حديث عدي بن حاتم مرفوعا بلفظ يوشك أن
تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا جوار معها وتعقب بأنه يدل على وجود ذلك لا على جوازه
وأجيب عن هذا بأنه خبر في سياق المدح ورفع منار الاسلام فيحمل على الجواز والأولى حمله على
ما قال المتعقب جمعا بينه وبين أحاديث الباب كذا في النيل
باب ما جاء في كراهية الدخول على المغيبات
جمع المغيبة بضم الميم ثم غين معجمة مكسورة ثم تحتانية ساكنة ثم موحدة من غاب عنها
زوجها يقال أغابت المرأة زوجها إذا غاب زوجها قوله (إياكم والدخول) بالنصب على التحذير
وهو تنبيه للمخاطب على محذور ليحترز عنه كما قيل إياك والأسد وقوله إياكم مفعول بفعل مضمر
280

تقديره اتقوا وتقدير الكلام اتقوا أنفسكم أن تدخلوا على النساء والنساء أن يدخلن عليكم
وفي رواية عند مسلم لا تدخلوا على النساء وتضمن منع الدخول منع الخلوة بها بالطريق الأولى
(أفرأيت الحمو) بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وبالواو قال في القاموس حمو المرأة
وحموها وحمها وحموها أبو زوجها ومن كان من قبله والأنثى حماة وحمو الرجل أبو امرأته أو أخوها أو عمها أو
الأحماء ومن قبلها خاصة انتهى قال النووي المراد في الحديث أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه
لأنهم محارم الزوجة يجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت قال وإنما المراد الأخ
وابن الأخ والعم وابن العم وابن الأخت ونحوهم مما يحل له تزويجه لو لم تكن متزوجة وجرت العادة بالتساهل
فيه فيخلو الأخ بامرأة أخيه فشبه بالموت وهو أولى بالمنع من الأجنبي انتهى قلت ما قال النووي
هو الظاهر وبه جزم الترمذي وغيره وزاد ابن وهب في روايته عند مسلم سمعت الليث يقول
الحمو أخو الزوج وما أشبه من أقارب الزوج ابن العم ونحوه (قال الحمو الموت) قال القرطبي في
المفهم المعنى أن دخول قريب الزوج على امرأة الزوج يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة أي فهو
محرم معلوم التحريم وإنما بالغ في الزجر عنه وشبهه بالموت لتسامح الناس به من جهة الزوج
والزوجة لفهم بذلك حتى كأنه ليس بأجنبي من المرأة فخرج هذا مخرج قول العرب الأسد
الموت والحرب الموت أي لقاؤه يفضي إلى الموت وكذلك دخوله على المرأة قد يفضي إلى موت
الدين أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج أو إلى الرجم إن وقعت الفاحشة قوله (وفي الباب عن
عمر) أخرجه الترمذي بلفظ لا يخلون رجبا مرأة إلا كان ثالثهما الشيطان كذا في المشكاة
(وجابر) أخرجه الترمذي في هذا الباب وأخرج مسلم عن جابر مرفوعا بلفظ ألا لا يبيتن رجل
عند امرأة ثيب إلا أن يكون ناكحا أو ذو محرم (وعمرو بن العاص) أخرجه مسلم وفي الباب
عن ابن عباس أخرجه الشيخان بلفظ لا يدخل رجل على امرأة ولا يسافر معها إلا ومعها ذو
محرم قوله (حديث عقبة بن عامر حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (على نحو ما
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يخلون رجل بامرأة) هذا الحديث الذي أشار إليه الترمذي أخرجه أحمد
من حديث عامر بن ربيعة قاله الحافظ في الفتح (إلا كان ثالثهما الشيطان) برفع الأول ونصب
281

الثاني ويجوز العكس والاستثناء مفرغ والمعنى يكون الشيطان معهما يهيج شهوة كل منهما حتى
يلقيا في الزنا باب قوله (لا تلجوا) من الولوج أي لا تدخلوا (على المغيبات) أي الأجنبيات اللاتي
غاب عنهن أزواجهن (فإن الشيطان يجري من أحدكم) أي أيها الرجال والنساء (مجرم الدم) بفتح
الميم أي مثل جريانه في بدنكم من حيث لا ترونه قال المجمع يحتمل الحقيقة بأن جعل له قدرة
على الجري في باطن الإنسان ويحتمل الاستعارة لكثرة وسوسته (قلنا ومنك) أي يا رسول الله (قال
ومني) أي ومني أيضا (فأسلم) بصيغة الماضي أي استسلم وانقاد وبصيغة المضارع المتكلم أي
أسلم أنا منه قال في المجمع وهما روايتان مشهورتان قوله (وقد تكلم بعضهم في مجالد بن
سعيد من قبل حفظه) قال الحافظ مجالد بضم أوله وتخفيف الجيم ابن سعيد بن عمير الهمداني
بسكون الميم أبو عمرو الكوفي ليس بالقوي وقد تغير في آخر عمره (وسمعت علي بن خشرم)
بالخاء والشين المعجمتين بوزن جعفر شيخ الترمذي وتلميذ ابن عيينة ثقة (يعني فأسلم أنا منه)
يعني قوله فأسلم بصيغة المضارع المتكلم (قال سفيان فالشيطان لا يسلم) يعني قوله فأسلم ليس
بصيغة الماضي حتى يثبت إسلام الشيطان فإن الشيطان لا يسلم قال في المجمع وهو ضعيف
فإن الله تعالى على كل شئ قدير فلا يبعد تخصيصه من فضله بإسلام قرينه انتهى قال ابن الأثير
في النهاية وما من آدمي إلا ومعه شيطان قيل ومعك قال نعم ولكن الله أعانني عليه
فأسلم وفي رواية حتى أسلم أي انقاد واستسلم وكف عن وسوستي وقيل دخل في الإسلام
فسلمت من شره وقيل إنما هو فأسلم بضم الميم على أنه فعل مستقبل أي أسلم أنا منه ومن شره
ويشهد للأول الحديث الاخر كان شيطان آدم كافرا وشيطاني مسلما انتهى قلت لو صح هذا
الحديث لكان شاهدا قويا للأول وإني لم أقف على سنده ولا على من أخرجه
282

باب
قوله (عن مورق) بضم الميم وكسر الراء المشددة ابن مشمرخ بفتح الراء كمدحرج كذا في
الخلاصة وقال في التقريب مورق بتشديد الراء ابن مشمرج بضم أوله وفتح المعجمة وسكون
الميم وكسر الراء بعدها جيم العجلي ثقة عابد من كبار الثالثة قوله (المرأة عورة) قال في مجمع
البحار جعل المرأة نفسها عورة لأنها إذا ظهرت يستحي منها كما يستحي من العورة إذا ظهرت
والعورة السوأة وكل ما يستحي منه إذا ظهر وقيل إنها ذات عورة (فإذا خرجت استشرفها
الشيطان) أي زينها في نظر الرجال وقيل أي نظر إليها ليغويها ويغوى بها والأصل في الاستشراف
رفع البصر للنظر إلى الشئ وبسط الكف فوق الحاجب والمعنى أن المرأة يستقبح بروزها وظهورها
فإذا خرجت أمعن النظر إليها ليغويها بغيرها ويغوي غيرها بها ليوقعهما أو أحدهما في الفتنة أو
يريد بالشيطان شيطان الإنس من أهل الفسق سماه به على التشبيه
باب
قوله (عن بحير) بكسر المهملة (بن سعد) السحولي الحمصي ثقة نبت من السادسة قوله
(لا تؤذي) بصيغة للنفي (من الحور) أي نساء أهل الجنة جمع حوراء وهي الشديدة بياض العين
283

الشديدة سوادها (العين) بكسر العين جمع عيناء بمعنى الواسعة العين (لا تؤذيه) نهى مخاطبة
(قاتلك الله) أي قتلك أو لعنك أو عاداك وقد يرد للتعجب كتربت يداه وقد لا يراد به وقوع
ومنه قاتل الله سمرة كذا في المجمع (فإنما هو) أي الزوج (عندك دخيل) أي ضيف ونزيل
يعني هو كالضيف عليك وأنت لست بأهل له حقيقة وإنما نحن أهله فيفارقك ويلحق بنا (
يوشك أن يفارق إلينا) أي واصلا إلينا قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن ماجة
(ورواية) إسماعيل بن عياش عن الشاميين أصلح (وله عن أهل الحجاز وأهل العراق مناكير) قال
الحافظ في التقريب إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي بالنون أبو عتبة الحمصي صدوق في
روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم من الثامنة وقال الخزرجي في الخلاصة وثقه أحمد وابن معين
ودحيم والبخاري وابن عدي في أهل الشام وضعفوه في الحجازيين انتهى قلت روى
إسماعيل بن عياش حديث الباب عن بحير بن سعد وهو شامي حمصي فالظاهر أن هذا الحديث
حسن فإن الرواة غير إسماعيل بن عياش ثقات مقبولون
284

أبواب الطلاق واللعان عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم
الطلاق في اللغة حل الوثاق مشتق من الإطلاق وهو الإرسال والترك وفي الشرع حل
عقدة التزويج فقط وهو موافق لبعض أفراد مدلوله اللغوي قال إمام الحرمين هو لفظ جاهلي
ورد الشرع بتقريره وطلقت المرأة بفتح الطاء وضم اللام وفتحها أيضا وهو أفصح وطلقت أيضا
بضم أوله وكسر اللام الثقيلة فإن خففت فهو خاص بالولادة والمضارع فيهما بضم اللام والمصدر
في الولادة طلقا ساكنة اللام فهي طالق فيهما كذا في فتح الباري واللعان مصدر لاعن يلاعن
ملاعنة ولعانا وهو مشتق من اللعن وهو الطرد والإبعاد لبعدهما من الرحمة أو لبعد كل منهما عن
الاخر ولا يجتمعان أبدا واللعان والالتعان والملاعنة بمعنى ويقال تلاعنا والتعنا ولا عن الحاكم
بينهما وهو شرعا عبارة عن شهادات مؤكدة بالإيمان مقرونة باللعن قائمة مقام حد القذف في حقه و
حد الزنا في حقها إذا تلاعنا سقط حد القذف عنه وحد الزنا عنها كذا فسر العلماء الحنفية
والأصل فيه قوله تعالى والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة
أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين
ويدرأ عنها العذاب أتشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن
كان من الصادقين
باب ما جاء في طلاق السنة
قال الإمام البخاري في صحيحه طلاق السنة أن يطلقها طاهرا من غير جماع ويشهد
شاهدين قال الحافظ في الفتح روى الطبري بسند صحيح عن ابن مسعود في قوله تعالى
285

فطلقوهن لعدتهن قال في الطهر من غير جماع وأخرجه عن جمع من الصحابة ومن بعدهم
كذلك قوله (وهي حائض) قيل هذه جملة من المبتدأ والخبر فالمطابقة بينهما شرط وأجيب بأن
الصفة إذا كانت خاصة بالنساء فلا حاجة إليها كذا في عمدة القاري (فقال) أي ابن عمر رضي
الله عنه (هل تعرف عبد الله بن عمر) إنما قال له ذلك مع أنه يعرفه وهو الذي يخاطبه ليقرره على
اتباع السنة وعلى القبول من ناقلها وأنه يلزم العامة الاقتداء بمشاهير العلماء فقرره على ما يلزمه
من ذلك لا أنه ظن أنه لا يعرفه قاله الحافظ وغيره (فإنه) أي عبد الله بن عمر رضي الله عنه
(طلق امرأته) اسمها آمنة بنت غفار قاله النووي في تهذيبه وقيل بنت عمار بفتح العين المهملة
وتشديد الميم ووقع في مسند أحمد أن اسمها نوار بفتح النون قال الحافظ ويمكن الجمع بأن
يكون اسمها آمنة ولقبها النوار انتهى (فأمره أن يراجعها) وفي رواية أوردها صاحب المشكاة عن
الصحيحين فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال القاري فيه دليل على حرمة الطلاق في الحيض لأنه
صلى الله عليه وسلم لا يغضب بغير حرام (قال قلت) أي قال يونس بن جبير قلت لابن عمر رضي الله عنه
(فيعتد) بصيغة المجهول أي يحتسب (قال) أي ابن عمر رضي الله عنه (فمه) أصله فما وهو
استفهام فيه اكتفاء أي فما يكون إن لم تحتسب ويحتمل أن تكون الهاء أصلية وهي كلمة تقال
للزجر أي كف عن هذا الكلام فإنه لا بد من وقوع الطلاق بذلك قال ابن عبد البر قول ابن
عمر فمه معناه فأي شئ يكون إذا لم يعتد بها إنكارا لقول السائل أيعتد بها فكأنه قال وهل
من ذلك بد (أرأيت إن عجز واستحمق) القائل لهذا الكلام هو ابن عمر رضي الله عنه صاحب
القصة ويريد به نفسه وإن أعاد الضمير بلفظ الغيبة وقد جاء في رواية لمسلم عن ابن عمر مالي
لا أعتد بها وإن كنت عجزت واستحمقت وقوله أرأيت أي أخبرني قال الحافظ بن حجر
قوله أرأيت إن عجز واستحمق أي إن عجز عن فرض لم يقمه أو استحمق فلم يأت به يكون ذلك
عذرا له وقال الخطابي في الكلام حذف أي أرأيت إن عجز واستحمق أيسقط عنه الطلاق حمقه
286

أو يبطله عجزه وحذف الجواب لدلالة الكلام عليه قوله (مره فليراجعها) اختلف في وجوب
الرجعة فذهب إليه مالك وأحمد في رواية والمشهور عنه وهو قول الجمهور أنها مستحبة وذكر
صاحب الهداية أنها واجبة لورود الأمر بها قاله العيني رحمه الله قلت واحتج من قال
باستحباب الرجعة بأن ابتداء النكاح لا يجب فاستدامته كذلك والظاهر قول من قال بالوجوب
لورود الأمر بها (ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا) استدل به من ذهب إلى أن طلاق الحامل سني وهو
قول الجمهور وعن أحمد رواية أنه ليس بسني ولا بدعي واختلف في المراد بقوله طاهرا هل
المراد به انقطاع الدم أو التطهر بالغسل على قولين وهما روايتان عن أحمد والراجح الثاني لما في
رواية عند النسائي في هذه القصة قال مر عبد الله فليراجعها فإذا اغتسلت من حيضتها الأخرى
فلا يمسها حتى يطلقها وإن شاء أن يمسكها فليمسكها قاله الحافظ قوله (حديث يونس بن
جبير عن ابن عمر حديث حسن صحيح الخ) حديث ابن عمر هذا أخرجه الأئمة الستة وله طرق
وألفاظ قوله (وقال بعضهم إن طلقها ثلاثا وهي طاهر فإنه يكون للسنة أيضا
وهو قول
الشافعي وأحمد) قال القاري في المرقاة قال في شرح السنة استدل الشافعي على أن الجمع بين
الطلقات الثلاث مباح ولا يكون بدعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ركانة بن عبد يزيد حين طلق امرأته
البتة ما أردت بها ولم ينهه أن يريد أكثر من واحدة وهو قول الشافعي وفيه بحث فإنه إنما يدل
على وقوع الثلاث وأما على كونه مباحا أو حراما فلا انتهى ما في المرقاة قلت حديث ركانة هذا
ضعيف مضطرب كما ستقف فهو لا يصلح أن يحتج به على أن الجمع بين الطلقات الثلاث مباح
287

ولا على وقوع الثلاث قال العيني في شرح البخاري واختلفوا في طلاق السنة فقال مالك
طلاق السنة أن يطلق الرجل امرأته في طهر لم يمسها فيه تطليقة واحدة ثم يتركها حتى تنقضي العدة
برؤية أول الدم من الحيضة الثالثة وهو قول الليث والأوزاعي وقال أبو حنيفة هذا أحسن من
الطلاق وله قول آخر وهو ما إذا أراد أن يطلقها ثلاثا طلقها عند كل طهر طلقة واحدة من غير
جماع وهو قول الثوري وأشهب وزعم المرغيناني أن الطلاق على ثلاثة أوجه عند أصحاب أبي
حنيفة حسن وأحسن وبدعي فالأحسن أن يطلقها وهي مدخول بها تطليقة واحدة في طهر لم
يجامعها فيه ويتركها حتى تنقضي العدة والحسن وهو طلاق السنة وهو أن يطلق المدخول بها ثلاثا
في ثلاثة أطهار والمدعي أن يطلقها ثلاثا بكلمة واحدة أو ثلاثا في طهر واحد فإذا فعل ذلك وقع
الطلاق وكان عاصيا انتهى كلام العيني
باب ما جاء في الرجل طلق امرأته البتة
قوله (عن الزبير بن سعد) كذا في النسخ الموجودة الزبير بن سعد وفي سنن أبي داود وسنن ابن ماجة
الزبير بن سعيد وكذلك في الخلاص والميزان والتقريب فهو الصحيح قال الذهبي في الميزان في
ترجمته روى عباس عن ابن معين ثقة وقال في موضع آخر ليس بشئ وقال النسائي ضعيف
وهو معروف بحديث في طلاق البتة وقال في التقريب لين الحديث (عن عبد الله بن يزيد بن
ركانة) بضم الراء وهو عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة وكذلك وقع في سنن أبي داود وسنن ابن
ماجة وقال الحافظ في التقريب قد ينسب إلى جده وقال هو لين الحديث وقال الذهبي في الميزان
في ترجمته قال العقيلي إسناده مضطرب ولا يتابع على حديثه وساق حديث جرير بن حازم عن
الزبير بن سعيد المطلبي عن عبد الله عن أبيه عن جده أنه طلق امرأته البتة الحديث والشافعي عن
عمه عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته البتة
قال الذهبي كأنه أراد بقوله عن جده الجد الأعلى وهو ركانة انتهى (عن أبيه) أي علي بن
يزيد بن ركانة قال في الخلاصة علي بن يزيد بن ركانة المطلبي عن أبيه وجده وعنه ابناه عبد الله
ومحمد وثقه ابن حبان وقال البخاري لم يصح حديثه (عن جده) أي ركانة بن عبد يزيد بن
288

هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي من مسلمة الفتح ثم نزل المدينة ومات في أول خلافة
معاوية
قوله (إني طلقت امرأتي البتة) بهمزة وصل أي قال أنت طالق البتة من البت بمعنى القطع
واسم امرأته سهيمة كما وقع في رواية لأبي داود (قال فهو ما أردت) وفي رواية لأبي داود فردها إليه
قال الخطابي فيه بيان أن طلاق البتة واحدة إذا لم يرد بها أكثر من واحدة وأنها رجعية غير بائن
انتهى قال القاضي رحمه الله في الحديث فوائد منها الدلالة على الزوج مصدق باليمين فيما
يدعيه ما لم يكذبه ظاهر اللفظ ومنها أن البتة مؤثرة في عدد الطلاق إذ لو لم يكن لما حلفه بأنه لم
يرد إلا واحدة وأن من توجه عليه يمين فحلف قبل أن يحلفه الحاكم لم يعتبر حلفه إذ لو اعتبر
لاقتصر على حلفه الأول ولم يحلفه ثانيا ومنها أن ما فيه احتساب للحاكم له أن يحكم فيه من غير
مدع انتهى قوله (هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه) قال المنذري في إسناد الزبير بن
سعيد الهاشمي وقد ضعفه غير واحد وذكر الترمذي أيضا عن البخاري أنه مضطرب فيه تارة
قيل فيه ثلاثا وتارة قيل فيه واحدة وأصحه أنه طلقها البتة وأن الثلاث ذكرت فيه على المعنى
وقال أبو داود حديث نافع بن عجير حديث صحيح وفيما قاله نظر فقد تقدم عن الإمام أحمد بن
حنبل أن طرقه ضعيفة وضعفه أيضا البخاري وقد وقع الاضطراب في إسناده ومتنه انتهى كلام
المنذري قوله (فروى عن عمر بن الخطاب أنه جعل البتة واحدة) قال العيني في شرح
البخاري وقد اختلف العلماء في قول الرجل أنت طالق البتة فذكر ابن المنذر عن عمر رضي
الله عنه أنها واحدة وإن أراد ثلاثا فهي ثلاث وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وقالت طائفة
البتة ثلاث روي ذلك عن علي وابن عمر وابن المسيب وعروة والزهري وابن أبي ليلى ومالك
والأوزاعي وأبي عبيد انتهى كلام العيني وقال القاري في المرقاة طلاق البتة عند الشافعي واحدة
رجعية وإن نوى بها اثنتين أو ثلاثا فهو ما نوى وعند أبي حنيفة واحدة باثنة وإن نوى ثلاثا
فثلاث وعند مالك ثلا ث انتهى كلام القاري (وروي عن علي أنه جعلها ثلاثا) وهو مروي عن
289

ابن عمر وابن المسيب وعروة والزهري وغيرهم كما عرفت آنفا (وقال بعض أهل العلم فيه نية
الرجل إن نوى واحدة فواحدة وإن نوى ثلاثا فثلاث وإن نوى اثنتين لم تكن إلا واحدة وهو
قول الثوري وأهل الكوفة) وهو قول أبي حنيفة رحمه الله قال في شرح الوقاية من كتب الحنفية قد
ذكر في أصول الفقه أن لفظ المصدر واحد لا يدل على العدد فالثلاث واحد اعتباري من حيث أنه
مجموع فتصح نيته وأما الاثنان في الحرة فعدد محض لا دلالة للفظ المفرد عليه انتهى
باب ما جاء في أمرك بيدك
إعلم أنه إذا جعل الرجل أمر امرأته بيدها وقال أمرك بيدك فإن اختارته ولم تفارقه بل قرت
عنده فليس ذلك بطلاق بالإنفاق وأما إذا فارقته واختارت نفسها فهو طلاق وستقف على ما فيه
من اختلاف أهل العلم قوله (اللهم غفرا) بفتح الغين المعجمة هو منصوب على المصدر أي
اغفر غفرا قال بعض العلماء طلب المغفرة من الله تعالى لأنه جعل سماع هذا القول مخصوصا
بالحسن يعني أنه سمع من قتادة أيضا مثله انتهى وقال بعضهم يحتمل أنه كان سماعه من
الحسن على الجزم واليقين فلذا قاله جزما بل حصرا ولم يكن سماعه من قتادة بهذه الرتبة فذكره
بعد طلب المغفرة من الله تعالى بسبب أن يكون فيه شئ من السهو والغفلة انتهى كذا في حاشية
النسخة الأحمدية قلت والظاهر عندي أنه كان ينبغي لأيوب أن يقول في جواب حماد بن زيد لا
إلا الحسن وفيه حديث مرفوع لكنه غفل عن ذكر الحديث المرفوع ثم تذكر على الفور فاستغفروا
وقال اللهم غفرا إلا ما حدثني قتادة عن كثير الخ والله تعالى أعلم (عن كثير مولى بني سمرة)
290

قال في تهذيب التهذيب كثير بن أبي كثير البصري مولى عبد الرحمن ابن سمرة قال العجلي تابعي
ثقة وذكره ابن حبان في الثقات قوله (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاث) أي إذا قال الرجل لامرأته أمرك
بيدك فاختارت نفسها فهي ثلاث (فسألته) أي فسألت كثيرا عن هذا الحديث أي سألته إنك حدثت
قتادة بهذا الحديث (فلم يعرفه) وفي رواية أبي داود قال أيوب فقدم علينا كثير فسألته فقال ما حدثت
بهذا قط (فأخبرته) أي فأخبرت قتادة بما قال كثير فقال (أي قتادة نسي) أي كثير وفي رواية أبي داود
فقال بلى ولكنه نسي اعلم أن إنكار الشيخ أنه حدث بذلك إن كان على طريقة الجزم كما وقع في
رواية أبي داود فلا شك أنه علة قادحة وإن لم يكن على طريقة الجزم بل عدم معرفة ذلك الحديث
بدون تصريح بالإنكار كما في رواية الترمذي فليس ذلك مما يعد قادحا في الحديث كما تقرر في
أصول الحديث قوله (ولم يعرف حديث أبي هريرة مرفوعا) والحديث أخرجه أبو داود وسكت
عنه وذكر المنذري كلام الترمذي وأقره وأخرجه أيضا النسائي وقال هذا حديث منكر (وكان
علي بن نصر حافظا صاحب حديث) لعل الترمذي أراد بقوله هذا أن علي بن نصر روى هذا
الحديث مرفوعا وكان ثقة حافظا وروايته مرفوعا زيادة وزيادة الثقة الحافظ مقبولة والله تعالى أعلم
قوله (فقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب وعبد الله بن
مسعود هي واحدة وهو قول غير واحد من أهل العلم من التابعين ومن بعدهم) يعني إذا قال
رجل لامرأته أمرك بيدك ففارقته فهي طلقة واحدة ولم يصرح الترمذي بأن هذه الوحدة بائنة أو
ورجعية وعند زيد بن ثابت رضي الله عنه هي واحدة رجعية روى محمد في موطأه عن
291

خارجة بن زيد عن زيد بن ثابت أنه كان جالسا عنده فأتاه بعض بني أبي عتيق
وعيناه تدمعان فقال له ما شأنك فقال ملكت امرأتي أمرها بيدها ففارقتني
فقال ما حملك على ذلك قال القدر قال له زيد بن ثابت ارتجعها إن شئت فإنما
هي واحدة وأنت أملك بها وقال الإمام محمد بعد هذه الرواية هذا عندنا على ما نوى
الزوج فإن نوى واحدة فواحدة بائنة وهو خاطب من الخطاب وإن نوى ثلاثا فثلاث وهو قول
أبي حنيفة والعامة من فقهائنا انتهى كلامه قوله (وقال عثمان بن عفان وزيد بن ثابت القضاء ما
قضت) أي الحكم ما نوت من رجعية أو بائنة واحدة أو ثلاثا لأن الأمر مفوض إليها وهو قول
علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما صرح به الإمام محمد في موطأه وقد عرفت قول زيد بن ثابت
لبعض بني أبي عتيق ارتجعها إن شئت فإنما هي واحدة الخ فلعل عن زيد بن ثابت روايتين والله
تعالى أعلم وقال ابن عمر إذا جعل أمرها بيدها وطلقت نفسها ثلاثا وأنكر الزوج (وقال لم
أجعل أمرها بيدها إلا في واحدة استحلف الزوج وكان القول قوله مع يمينه) روى الإمام محمد في
موطأه عن ابن عمر أنه كان يقول إذا ملك الرجل امرأته أمرها فالقضاء ما قضت إلا أن ينكر عليها
فيقول لم أرد إلا تطليقة واحدة فيحلف على ذلك ويكون أملك بها في عدتها (وذهب سفيان وأهل
الكوفة إلى قول عمر وعبد الله) وتقدم قول أبي حنيفة وأصحابه (وأما مالك بن أنس فقال القضاء
ما قضت) وروى مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن رجلا من ثقيف ملك
امرأته أمرها فقالت أنت الطلاق فسكت ثم قالت أنت الطلاق فقال بفيك الحجر ثم
قالت أنت الطلاق فقال بفيك الحجر فاختصما إلى مروان بن
الحكم فاستحلفه ما ملكها إلا
واحدة وردها إليه قال مالك قال عبد الرحمن فكان القاسم يعجبه هذا القضاء ويراه أحسن ما
سمع في ذلك وأحبه إلى انتهى ما في الموطأ قال الشيخ سلام الله في المحلى في شرح الموطأ قوله
وهذا أحسن أي كون القضاء ما قضت إلا أن ينكرها الزوج أحسن ما سمعت في التي يجعل
أمرها بيدها أو يملك أمرها وهي المملكة فلو قالت طلقت نفسي ثلاثا وقال ما أردت ذلك بل
أردت تمليكي لك نفسك طلقة أو طلقتين مثلا فالقول له بخلاف ما لو قال ما أردت بالتمليك
292

لك شيئا أبدا فلا يقبل قوله بل يقع ما أوقعت هذا في المملكة وأما المخيرة فإذا اختارت نفسها
يقع عنده ثلاث وإن أنكرها الزوج هذا تفصيل مذهب مالك كما ذكره ابن أبي زيد وعند أبي
حنيفة يقع في أمرك بيدك على ما نوى الزوج فإن واحدة فواحدة بائنة وإن ثلاثا فثلاث وفي
اختياري يقع واحدة بائنة وإن نوى الزوج ثلاثا وعند الشافعي يقع رجعية في المملكة والمخيرة
كليهما وهو قول عبد الله بن مسعود انتهى ما في المحلى (وهو قول أحمد) ولم يذكر الترمذي قول
الشافعي وقد عرفت قوله انفا وهو أنه يقع عنده رجعية في المملكة والمخيرة كلتيهما
باب ما جاء في الخيار
المراد به التخيير وهو جعل الطلاق إلى المرأة فإن لم تمتثل فلا شئ عليها قاله العيني قوله
(خيرنا) وفي رواية مسلم خير نساءه (أفكان طلاقا) استفهام إنكار أي لم يكن طلاقا لأنهن اخترن
النبي صلى الله عليه وسلم قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة قوله (واختلف أهل العلم في الخيار الخ) قال الحافظ في الفتح وبقول عائشة رضي الله عنها يقول جمهور الصحابة والتابعين
وفقهاء الأمصار وهو أن من خير زوجته فاختارته لا يقع عليه بذلك طلاق لكن اختلفوا فيما إذا
اختارت نفسها هل يقع طلقة واحدة رجعية أو بائنا أو يقع ثلاثا وحكى الترمذي عن علي إن
اختارت نفسها فواحدة بائنة وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية وعن زيد بن ثابت إن اختارت
293

نفسها فثلاث وإن اختارت زوجها فواحدة بائنة وعن عمرو بن مسعود إن اختارت نفسها
فواحدة بائنة وعنهما رجعية وإن اختارت زوجها فلا شئ يؤيد قول الجمهور من حيث المعنى
أن التخيير ترديد بين شيئين فلو كان اختيارها لزوجها طلاقا لاتحدا فدل على أن اختيارها لنفسها
بمعنى الفراق واختيارها لزوجها بمعنى البقاء في العصمة وقد أخرج ابن أبي شيبة من طريق
زاذان قال كنا جلوسا عند علي فسئل عن الخيار فقال سألني عنه عمر فقلت إن اختارت
نفسها فواحدة بائنة وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية قال ليس كما قلت إن اختارت زوجها
فلا شئ قال فلم أجد بدا من متابعته فلما وليت رجعت إلى ما كنت أعرف قال علي وأرسل عمر
إلى زيد بن ثابت فقال فذكر مثل ما حكاه عنه الترمذي وأخرج ابن أبي شيبة من طرق عن علي
نظير ما حكاه عنه زاذان من اختياره وأخذ مالك بقول زيد بن ثابت واحتج بعض أتباعه لكونها
إذا اختارت نفسها يقع ثلاثا بأن معنى الخيار بت أحد الأمرين إما الأخذ وإما الترك فلو قلنا إذا
اختارت نفسها تكون طلقة رجعية لم يعمل بمقتضى اللفظ إنها تكون بعد في أسر الزوج وتكون
كمن خير بين شيئين فاختار غيرهما وأخذ أبو حنيفة بقول عمر وابن مسعود فيما إذا اختارت
نفسها فواحدة بائنة ولا يرد عليه إلا إيراد السابق وقال الشافعي التخيير كناية فإذا خير الزوج
امرأته وأراد بذلك تخييرها بين أن تطلق منه وبين أن تستمر في عصمته فاختارت نفسها وأرادت
بذلك الطلاق طلقت فلو قالت لم أرد باختيار نفسي الطلاق صدقت ويؤخذ من هذا أنه لو وقع
التصريح في التخيير بالتطليق أن الطلاق يقع جزما نبه على ذلك شيخنا حافظ الوقت أبو الفضل
العراقي في شرح الترمذي ونبه صاحب الهداية من الحنفية على اشتراط ذكر النفس في التخيير
فلو قال مثلا اختاري فقالت اخترت لم يكن تخييرا بين الطلاق وعدمه وهو ظاهر لكن محله
الاطلاق فلو قصد ذلك بهذا اللفظ ساغ وقال صاحب الهداية أيضا إن قال اختاري ينوي به
الطلاق فلها أن تطلق نفسها ويقع بائنا فلو لم ينو فهو باطل وكذا لو قال اختاري فقالت
اخترت فلو نوى فقالت اخترت نفسي وقعت طلقة رجعية وقال الخطابي يؤخذ من قول
عائشة فاخترناه فلم يكن ذلك طلاقا أنها لو اختارت نفسها لكان ذلك طلاقا ووافقه القرطبي
في المفهم فقال في الحديث إن المرأة إذا اختارت نفسها أن نفس ذلك الاختيار يكون طلاقا من
غير احتياج إلى نطق بلفظ يدل على الطلاق قال وهو مقتبس من مفهوم قول عائشة المذكور قال
الحافظ لكن ظاهر الآية أن ذلك بمجرده لا يكون طلاقا بل لا بد من إنشاء الزوج الطلاق لأن فيها
294

فتعالين أمتعكن وأسرحكن أي بعد الاختيار ودلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم انتهى ما في
فتح الباري
باب ما جاء في المطلقة ثلاثا لا سكنى لها ولا نفقة
قوله (طلقني زوجي ثلاثا) وفي رواية فبعث إليها بتطليقة كانت بقيت لها (لا سكنى لك
ولا نفقة) استدل به أحمد وإسحاق وغيرهما على أن المطلقة ثلاثا لا سكنى لها ولا نفقة (فذكرته) أي حديث فاطمة بنت قيس (لإبراهيم) هو النخعي (فقال) أي إبراهيم (لا ندع) بفتح الدال أي لا
نترك (كتاب الله وسنة نبينا) سيأتي
بيان ما هو المراد من كتاب الله وسنة نبينا (بقول امرأة لا ندري
أحفظت أم نسيت فكان عمر يجعل لها السكنى والنفقة) استدل به من قال إن للمطلقة ثلاثا النفقة
والسكنى قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرج حديث فاطمة بنت قيس الجماعة بألفاظ
295

مختصرا ومطولا قوله (وهو قول بعض أهل العلم منهم الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح
والشعبي وبه يقول أحمد وإسحاق وقالوا ليس للمطلقة سكنى ولا نفقة إذا لم يملك زوجها
الرجعة) وهو قول عمرو بن دينار وطاوس وعكرمة وإبراهيم في رواية وأهل الظاهر كذا في عمدة
القاري (وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر وعبد الله إن المطلقة ثلاثا لها
السكنى والنفقة وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة) وهو قول حماد وشريح والنخعي وابن أبي
ليلى وابن شبرمة والحسن بن صالح وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن (وقال بعض أهل
العلم لها السكنى ولا نفقة لها وهو قول مالك بن أنس والليث بن سعد والشافعي) وهو قول
عبد الرحمن بن مهدي وأبي عبيدة وقال بعض أهل العلم إن لها النفقة دون السكنى حكاه
الشوكاني في النيل واحتج الأولون بحديث فاطمة بنت قيس المذكور في الباب وهو نص صحيح
صريح في هذه المسألة قال العيني في شرح البخاري قصة فاطمة بنت قيس رويت من وجوه
صحاح متواترة انتهى واحتج من قال إن لها النفقة والسكنى بقول عمر رضي الله عنه لا نترك
كتاب الله وسنة نبينا بقول امرأة لا ندري حفظت أو نسيت لها السكنى والنفقة قال الله تعالى
لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وأخرجه النسائي ولفظه قال
قال عمر لها إن جئت بشاهدين يشهدان أنهما سمعاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا لم نترك كتاب الله لقول
امرأة قالوا فظهر أن حديث فاطمة بنت قيس مخالف لكتاب الله وسنة نبيه وأجيب بأن القول
بأنه مخالف لكتاب الله ليس بصحيح فإن الذي فهمه السلف من قوله تعالى لا تخرجوهن من
بيوتهن فهو ما فهمته فاطمة من كونه في الرجعية لقوله في آخر الآية (لعل الله يحدث بعد ذلك
أمرا) لأن الأمر الذي يرجى إحداثه هو الرجعة لا سواه وهو الذي حكاه الطبري عن قتادة
والحسن والسدي والضحاك ولم يحك عن أحد غيرهم خلافه قال الشوكاني ولو سلم العموم في
الآية لكان حديث فاطمة بنت قيس مخصصا له وبذلك يظهر أن العمل به ليس بترك للكتاب
العزيز كما قال عمر رضي الله عنه فإن قلت إن قوله وسنة نبينا يدل على أنه قد حفظ في ذلك شيئا
من السنة يخالف قول فاطمة لما تقرر أن قول الصحابي من السنة كذا له حكم الرفع قلت صرح
296

الأئمة بأنه لم يثبت شئ من السنة يخالف قول فاطمة وما وقع في بعض الروايات عن عمر أنه قال
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها السكنى والنفقة فقد قال الإمام أحمد لا يصح ذلك عن عمر
وقال الدارقطني السنة بيد فاطمة قطعا وأيضا تلك الرواية عن عمر من طريق إبراهيم النخعي
ومولده بعد موت عمر بسنتين فإن قلت قال صاحب العرف الشذي إن النخعي لا يرسل إلا
صحيحا كما في أوائل التمهيد انتهى قلت قال الحافظ في تهذيب التهذيب وجماعة من الأئمة
صحح ومراسيله وخص البيهقي ذلك بما أرسله عن ابن مسعود انتهى (وقال الشافعي إنما
جعلنا لها) أي للمطلقة ثلاثا (السكنى بكتاب الله) قال الله تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن ولا
يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة قوله تعالى بتمامه هكذا يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن
لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين
بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث
بعد ذلك أمرا فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف الخ والظاهر أن
قوله تعالى هذا للمطلقات الرجعية فاستدلال الشافعي به على أن للمطلقة ثلاثا السكنى محل نظر
فتفكر (قالوا هو البذاء أن تبذو على أهلها) قال في القاموس البذي كرضى الرجل الفاحش
وهي بالباء وقد بذر بذاء وبذاءة وبذوت عليهم وأبذيتهم من البذاء وهو الكلام القبيح انتهى
وقال في تفسير الخازن قال ابن عباس الفاحشة المبينة بذاءتها على أهل زوجها فيحل إخراجها
لسوء خلقها وقيل أراد بالفاحشة أن تزني فتخرج لإقامة الحد عليها ثم ترد إلى منزلها ويروى
ذلك عن ابن مسعود انتهى (واعتل بأن فاطمة ابنة قيس لم يجعل لها النبي صلى الله عليه وسلم السكنى لما كانت
تبذو على أهلها) وفي رواية للبخاري وغيره أن عائشة عابت ذلك أشد العيب وقالت إن فاطمة
كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها فلذلك أرخص لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه الرواية تدل
على أن سبب الإذن في انتقال فاطمة أنها كانت في مكان وحش وقد وقع في رواية لأبي داود إنما
كان ذلك من سوء الخلق (قال الشافعي ولا نفقة لها لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة حديث فاطمة
بنت قيس) فمذهب الشافعي أن المطلقة ثلاثا لها السكنى بكتاب الله تعالى ولا نفقة لها بحديث
فاطمة بنت قيس والكلام في هذه المسألة طويل فعليك بالمطولات
297

باب ما جاء لا طلاق قبل النكاح قوله (لا نذر لابن آدم فيما لا يملك) أي لا صحة له فلو قال لله علي أن أعتق هذا العبد
ولم يكن ملكه وقت النذر لم يصح النذر فلو ملكه بعد هذا لم يعتق عليه كذا نقل القاري عن
بعض العلماء الحنفية (ولا عتق ل‍) أي لابن آدم (ولا طلاق له فيما لا يملك) وزاد أبو داود
ولا بيع إلا فيما ملك قوله (وفي الباب عن علي) أخرجه ابن ماجة مرفوعا عن جويبر عن
الضحاك عن النزال بن سبرة عنه مرفوعا بلفظ لا طلاق قبل النكاح وجوبير ضعيف كذا في
نصب الراية وقال الحافظ في فتح الباري أخرج البيهقي وأبو داود من طريق سعيد بن عبد
الرحمن بن رقيش أنه سمع خاله عبد الله بن أبي أحمد بن جحش يقول قال علي بن أبي طالب
حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طلاق إلا من بعد نكاح ولا يتم بعد احتلام الحديث لفظ
البيهقي ورواية أبي داود مختصرة وأخرجه سعيد بن منصور من وجه اخر عن علي مطولا
وأخرجه ابن ماجة مختصرا وفي سنده ضعف (ومعاذ) بن جبل أخرجه الحاكم عن طاوس عن
معاذ مرفوعا وهو منقطع وله طريق أخرى عند الدارقطني عن سعيد بن المسيب عن معاذ مرفوعا
وهي منقطعة أيضا وفيها يزيد بن عياض وهو متروك وزاد الدارقطني في هذه الطريق ولو
سميت المرأة بعينها كذا في التلخيص ونصب الراية (وجابر) أخرجه الحاكم قال الحافظ في
التلخيص وله طرق عنه بينتها في تعليق التعليق وقد قال الدارقطني الصحيح مرسل ليس فيه
جابر (وابن عباس) أخرجه الحاكم وهو ضعيف وله طريق أخرى عند الدارقطني وهي أيضا
ضعيفة (وعائشة) أخرجه الدارقطني وهو ضعيف وفي الباب أيضا عن ابن عمر عند الحاكم
والدارقطني وهو ضعيف
وعن المسور بن مخرمة عند ابن ماجة قوله (حديث عبد الله بن عمرو
حديث حسن صحيح وهو أحسن شئ روي في هذا الباب) وأخرجه أبو داود وابن ماجة
وسكت عنه أبو داود وقال المنذري وقد روي عن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الترمذي حديث حسن وهو أحسن شئ روي في هذا الباب وقال
298

أيضا سألت محمد بن إسماعيل فقلت أي شئ أصح في الطلاق قبل النكاح فقال حديث
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقال الخطابي وأسعد الناس بهذا الحديث من قال بظاهره
وأجراه على عمومه إذ لا حجة مع من فرق بين حال وحال والحديث حسن إنتهى كلام المنذري
قوله (وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم) قال الحافظ في الفتح هذه
المسألة من الخلافيات المشهورة وللعلماء فيها مذاهب الوقوع مطلقا وعدم الوقوع مطلقا
والتفصيل بين ما إذا عين أو خصص ومنهم من توقف فقال بعدم الوقوع الجمهور وهو قول
الشافعي وابن مهدي وأحمد وإسحاق وداود وأتباعهم وجمهور أصحاب الحديث وقال بالوقوع
مطلقا أبو حنيفة وأصحابه وقال بالتفصيل ربيعة والثوري والليث والأوزاعي وابن أبي ليلى وابن
مسعود وأتباعه ومالك في المشهور عنه وعنه عدم الوقوع مطلقا ولو عين وعن ابن القاسم مثله
وعنه أنه توقف وكذا عن الثوري وأبي عبيد وقال جمهور المالكية بالتفصيل فإن سمى امرأة
أو طائفة أو قبيلة أو مكانا أو زمانا يمكن أن يعيش إليه لزمه الطلاق والعتق إنتهى كلام الحافظ قلت
واحتج من قال بعدم الوقوع مطلقا بأحاديث الباب قال البيهقي بعد أن أخرج كثيرا من
الأخبار ثم من الآثار الواردة في عدم الوقوع هذه الآثار تدل على أن معظم الصحابة والتابعين
فهموا من الأخبار أن الطلاق أو العتاق الذي علق قبل النكاح والملك لا يعمل بعد وقوعهما
وأن تأويل المخالف في حمله عدم الوقوع على ما إذا وقع قبل الملك والوقوع فيما إذا وقع بعده ليس
بشئ لأن كل أحد يعلم بعدم الوقوع قبل وجود عقد النكاح أو الملك فلا يبقى في الأخبار
فائدة بخلاف ما إذا حملناه على ظاهره فإن فيه فائدة وهو الإعلام بعدم الوقوع ولو بعد وجود
العقد فهذا يرجح ما ذهبنا إليه من حمل الأخبار على ظاهرها إنتهى كلام البيهقي لو أجاب الحنفية
عن أحاديث الباب بأنها محمولة على التنجيز وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أنه قال في
رجل قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق وكل أمة أشتريها فهي حرة هو كما قال فقال له
معمر أوليس جاء لا طلاق قبل نكاح ولا عتق إلا بعد ملك قال إنما ذلك أن يقول الرجل
امرأة فلان طالق وعبد فلان حر وفيه ما قال
الحافظ من أن ما تأوله الزهري ترده الآثار الصحيحة
عن سعيد بن المسيب وغيره من مشائخ الزهري في أنهم أرادوا عدم وقوع الطلاق عمن قال إن
تزوجت فهي طالق سواء عمم أو خصص أنه لا يقع انتهى وفيه أيضا ما قال البيهقي من أن
معظم الصحابة والتابعين فهموا من الأخبار أن الطلاق أو العتاق الذي علق قبل النكاح والملك لا
299

يعمل بعد وقوعهما وفيه أيضا لو حمل أحاديث الباب على التنجيز لم يبق فيها فائدة كما قال
البيهقي وللحنفية تمسكات أخر ضعيفة ذكرها الحافظ في الفتح واحتج من قال بالتفصيل بأنه
إذا عم سد على نفسه باب النكاح الذي ندب الله إليه قوله (وروي عن ابن مسعود أنه قال في
المنصوبة إنها تطلق) وفي بعض النسخ المنسوبة بالسين المهملة وهو الظاهر أي المرأة المنسوبة
إلى قبيلة أو بلدة والمراد من المنصوبة المعينة (وروي عن إبراهيم النخعي والشعبي وغيرهما من
أهل العلم أنهم قالوا إذا وقت نزل) أي إذا عين وقتا بأن يقول إن نكحت اليوم أو غدا مثلا نزل
يعني يقع الطلاق روى وكيع في مصنفه عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال إن قال كل
امرأة أتزوجها فهي طالق فليس بشئ وإذا وقت لزمه وكذلك أخرجه عبد الرزاق عن الثوري
عن زكريا بن أبي زائدة وإسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال إذا عمم فليس بشئ وأخرج ابن
أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن منصور عن إبراهيم النخعي قال إذا وقت وقع وبإسناده إذا
قال كل فليس بشئ ومن طريق حماد بن أبي سليمان مثل قول إبراهيم وأخرجه من طريق
الأسود بن يزيد عن ابن مسعود كذا في فتح الباري قال الحافظ فابن مسعود أقدم من أفتى
بالوقوع وتبعه من أخذ بمذهبه كالنخعي ثم حماد انتهى (وهو قول سفيان الثوري ومالك بن
أنس) في المشهور عنه كما عرفت (أنه إذا سمى امرأة بعينها) مثلا قال إن تزوجت فلانة فهي طالق
(أو وقت وقتا) أي عين وقتا من التوقيت بأن قال مثلا إن تزوجت اليوم أو غدا فهي طالق (أو
قال إن تزوجت من كورة كذا) وقال في القاموس الكورة بالضم المدينة والصقع ج كور وقال فيه
الصقع بالضم الناحية (وأما ابن المبارك فشدد في هذا الباب) أي في هذه المسألة (وقال إن فعل
لا أقول هي حرام) أي إذا قال إن تزوجت فلانة فهي طالق ثم تزوجها لا أقول وقع الطلاق
وصارت حراما عليه (وذكر عن عبد الله بن المبارك أنه سأل عن رجل الخ) هذا بيان تشدده (وقال
300

أحمد إن تزوج لا آمره أن يفارق امرأته) قال الحافظ ولشهرة الاختلاف كره أحمد مطلقا وقال إن
تزوج لا آمره أن يفارق وكذا قال إسحاق في المعينة انتهى
باب ما جاء أن طلاق الأمة تطليقتان
قوله (حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري) هو الإمام الذهلي ثقة حافظ جليل (أخبرنا أبو
عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد ثقة ثبت (عن ابن جريج) اسمه عبد الملك بن عبد العزيز
الأموي مولاهم المكي ثقة فقيه فاضل (أخبرنا مظاهر بن أسلم) بضم الميم وفتح الظاء المعجمة
وبعد الألف هاء مكسورة وراء مهملة قال في التقريب ضعيف قوله (طلاق الأمة) مصدر
مضاف إلى مفعوله أي تطليقها تطليقتان (وعدتها حيضتان) قال القاري في المرقاة دل ظاهر
الحديث على أن العبرة في العدة بالمرأة وأن لا عبرة بحرية الزوجة وكونه عبدا كما هو مذهبنا
ودل على أن العدة بالحيض دون الإظهار وقال المظهر بهذا الحديث قال أبو حنيفة الطلاق يتعلق
بالمرأة فإن كانت أمة يكون طلاقها اثنين سواء كان زوجها حرا أو عبدا وقال الشافعي ومالك
وأحمد الطلاق يتعلق بالرجل فطلاق العبد اثنان وطلاق الحر ثلاث ولا نظر للزوجة وعدة
الأمة على نصف عدة الحرة فيما له نصف فعدة الحرة ثلاث حيض وعدة الأمة حيضتان لأنه
لا نصف للحيض وإن كانت تعتد بالأشهر فعدة الأمة شهر ونصف وعدة الحرة ثلاثة أشهر
انتهى ما في المرقاة وقال الخطابي في المعالم اختلف العلماء في هذا فقالت طائفة الطلاق بالرجال
301

والعدة بالنساء روي ذلك عن ابن عمر وزيد بن ثابت وابن عباس وإليه ذهب عطاء بن
رباح وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق ثم ذكر الخطابي مذهب أبي حنيفة رحمه الله ثم
قال والحديث يعني حديث الباب حجة لأهل العراق ولكن أهل الحديث ضعفوه ومنهم من
تأوله على أن يكون الزوج عبدا انتهى كلام الخطابي قلت واحتج أيضا لأبي حنيفة رحمه الله بما
رواه ابن ماجة والدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر مرفوعا طلاق الأمة اثنتان وعدتها
حيضتان وفي إسناده عمرو بن شبيب وعطية العوفي وهما ضعيفان وقال الدارقطني والبيهقي
الصحيح أنه موقوف واستدل من قال إن الطلاق بالرجال بحديث ابن مسعود الطلاق بالرجال
والعدة بالنساء رواه الدارقطني والبيهقي وروياه أيضا عن ابن عباس نحوه وروى أحمد من
حديث علي نحوه وأجيب بأن كل واحد من هذه الروايات موقوفة واستدلوا أيضا بما رواه مالك
في الموطأ عن سليمان بن يسار أن نفيعا مكاتبا كان لأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أو عبدا كان تحته امرأة
حرة فطلقها اثنتين ثم أراد أن يراجعها فأمره أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي عثمان بن عفان فيسأله عن
ذلك فلقيه عند الدرج آخذا بيد زيد بن ثابت فسألهما فابتدراه جميعا فقال حرمت عليك
حرمت عليك وهذا أيضا موقوف وبما رواه مالك أيضا عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول
إذا طلق العبد امرأة تطليقتين فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره حرة كانت أو أمة وعدة
الحرة ثلاث حيض وعدة الأمة حيضتان وهذا أيضا موقوف قوله (قال محمد بن يحيى
وأخبرنا أبو عاصم أخبرنا مظاهر بهذا) أي بهذا الحديث المذكور يعني قال محمد بن يحيى الذهلي
وحدثنا أبو عاصم هذا الحديث عن مظاهر بغير واسطة ابن جريج كما حدثنا عن مظاهر بواسطة
ابن جريج وفي سنن ابن ماجة قال أبو عاصم فذكرته لا لمظاهر فقلت حدثني كما حدثت ابن
جريج فأخبرني عن القاسم عن عائشة الخ قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمر) أخرجه
ابن ماجة وغيره وقد تقدم قوله (حديث عائشة حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث
مظاهر بن أسلم ومظاهر لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث) وأخرجه أبو داود وابن ماجة
وقال أبو داود هو حديث مجهول قال المنذري وقد ذكر له أبو أحمد بن عدي حديثا آخر رواه عن
302

أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ عشر آيات من آخر آل عمران كل
ليلة قال ومظاهر هذا مخزومي مكي ضعفه أبو عاصم النبيل وقال يحيى بن معين ليس بشئ مع
أنه لا يعرف وقال أبو حاتم الرازي منكر الحديث وقال الخطابي والحديث حجة لأهل العراق
إن ثبت ولكن أهل الحديث ضعفوه ومنهم من تأوله على أن يكون الزوج عبدا وقال البيهقي
لو كان ثابتا قلنا به إلا أنا لا نثبت حديثا يرويه من يجهل عدالته انتهى كلام المنذري
باب ما جاء فيمن يحدث نفسه بطلاق امرأة
قوله (ما حدثت به أنفسها) بالفتح على المفعولية وذكر المطرزي عن أهل اللغة أنهم
يقولونه بالضم يريدون بغير اختيارها كذا في فتح الباري (ما لم تكلم به) اي في القوليات (أو
تعمل به) اي في العمليات واستدل به على أن من كتب الطلاق طلقت امرأته لأنه عزم بقلبه وعمل
بكتابته وشرط مالك فيه الإشهاد على ذلك ونقل العيني في عمدة القاري عن المحيط إذا كتب
طلاق امرأته في كتاب أو لوح أو على حائط أو أرض وكان مستبينا ونوى به الطلاق يقع وإن لم
يكن مستبينا أو كتب في الهواء أو الماء لا يقع وإن نوى قوله (هذا حديث حسن صحيح)
وأخرجه الشيخان قوله (إذا حدث نفسه بالطلاق لم يكن شيئا) أي لا يقع
باب في الجد والهزل في الطلاق
قوله (عن عبد الرحمن بن أدرك المدني) قال الجوهري النسبة إلى
303

مدينة يثرب مدني وإلى مدينة منصور مديني للفرق كذا في المغنى لصاحب مجمع البحار (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد)
قال القاري في المرقاة الهزل أن يراد بالشئ غير ما وضع له بغير مناسبة بينهما والجد ما يراد به ما
وضع له أو ما صلح له اللفظ مجازا (النكاح والطلاق والرجعة) بكسر الراء وفتحها ففي القاموس
بالكسر والفتح عود المطلق إلى طليقته انتهى يعنى لو طلق أو نكح أو راجع وقال كنت فيه لاعبا
هازلا لا ينفعه قال القاضي اتفق أهل العلم على أن طلاق الهازل يقع فإذا جرى صريح لفظة
الطلاق على لسان العاقل البالغ لا ينفعه أن يقول كنت فيه لاعبا أو هازلا لأنه لو قبل ذلك منه
لتعطلت الأحكام وقال كمطلق أو ناكح إني كنت في قولي هازلا فيكون في ذلك إبطال أحكام الله
تعالى فمن تكلم بشئ مما جاء ذكره في هذا الحديث لزمه حكمه وخص هذه الثلاث لتأكيد أمر
الفرج قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود وابن ماجة وأخرجه أيضا الحاكم
وصححه وفي إسناده عبد الرحمن بن حبيب بن أدرك وهو مختلف فيه قال النسائي منكر
الحديث ووثقه غيره قال الحافظ فهو على هذا حسن وفي الباب عن فضالة بن عبيد عند الطبراني
بلفظ ثلاث لا يجوز اللعب فيهن الطلاق والنكاح والعتق وفي إسناده ابن لهيعة وعن
عبادة بن الصامت عند الحرث بن أبي أسامة في مسنده رفعه بلفظ لا يجوز اللعب
فيهن الطلاق والنكاح والعتاق فمن قالهن فقد وجبن وإسناده منقطع وعن أبي ذر عند
عبد الرزاق رفعه من طلق وهو لاعب فطلاقه جائز ومن أعتق وهو لاعب فعتقه جائز ومن
نكح وهو لاعب فنكاحه جائز وفي إسناده انقطاع أيضا وعي على موقوفا عند عبد الرزاق
أيضا وعن عمر موقوفا عنده أيضا كذا في النيل قوله (وابن ماهك هو عندي يوسف بن
ماهك) بن بهزاد الفارسي المكي ثقة من الثالثة
304

باب ما جاء في الخلع
بضم الخاء المعجمة وسكون اللام مأخوذ من خلع الثوب والنعل وغيرهما وذلك لأن المرأة
لباس للرجل كما قال الله تعالى هن لباس لكم وأنتم لباس لهن وإنما جاء مصدره بضم الخاء
تفرقة بين الإجرام والمعاني يقال خلع ثوبه خلعا بفتح الخاء وخلع امرأته خلعا وخلعة بالضم
وأما حقيقته الشرعية فهو فراق الرجل امرأته على عوض يحصل له كذا نقل العيني في شرح
البخاري عن شرح الترمذي لشيخه زين الدين العراقي قوله (حدثنا محمد بن عبد الرحمن
وهو مولى ال طلحة) كوفي ثقة من السادسة كذا في التقريب (عن الربيع) بالتصغير والتثقيل (بنت
معوذ بن عفراء) بضم الميم وفتح العين المهملة وكسر الواو المشددة وبالذال المعجمة الأنصارية
البخارية من صغار الصحابة قوله (أو أمرت) بصيغة المجهول وكلمة أو للشك من الراوي (أن
تعتد بحيضة) استدل به من قال إن عدة المختلعة حيضة قوله (وفي الباب عن ابن عباس)
أخرجه البخاري وغيره (حديث الربيع بنت معوذ الصحيح أنها أمرت أن تعتد بحيضة) وأخرجه
النسائي وابن ماجة من طريق محمد بن إسحاق قال حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت
عن الربيع بنت معوذ قالت اختلعت من زوجي فذكرت قصة وفيها أن عثمان أمرها أن تعتد
بحيضة قالت وتبع عثمان في ذلك قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة ثابت بن قيس كذا في نيل
الأوطار قوله (أن امرأة ثابت بن قيس) قال الحافظ زين الدين العراقي في شرح الترمذي ما
محصله إنه اختلفت طرق الحديث في اسم امرأة ثابت بن قيس التي خالعها ففي أكثر طرقه أن
اسمها حبيبة بنت سهل وقد صح أن اسمها جميلة وصح أن اسمها مريم وأما تسميتها زينب
305

فلم يصح قال وأصح طرقه حديث حبيبة بنت سهل على أنه يجوز أن يكون الخلع قد تعدد غير
مرة من ثابت بن قيس لهذه ولهذه فإن في بعض طرقه أصدقها حديقة وفي بعضها حديقتين ولا
مانع من أن يكون واقعتين فأكثر انتهى قوله (فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد بحيضة) وفي رواية أبي
داود فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة قال الخطابي في المعالم هذا أدل شئ على أن الخلع فسخ
وليس بطلاق لأن الله تعالى قال (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) فلو كانت هذه مطلقة
لم يقتصر لها على قرء واحد انتهى قوله هذا حديث حسن غريب وأخرجه أبو داود وسكت
عنه هو والمنذري قوله فقال أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إن عدة المختلعة
كعدة المطلقة أي ثلاثة قروة بناء على أن الخلع طلاق ليس بفسخ (وهو قول الثوري وأهل
الكوفة وبه يقول أحمد وإسحاق) وهو قول أبي حنيفة (وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم وغيرهم عدة المختلعة حيضة) واحتجوا بحديثي الباب وفي رواية للنسائي والطبراني من
حديث الربيع بنت معوذ أن ثابت بن قيس ضرب امرأته الحديث وفي آخره خذ الذي لها وخل
سبيلها قال نعم فأمرها أن تتربص حيضه وتلحق أهلها واستدل بهذه الروايات على أن الخلع
فسخ وليس بطلاق وقال الحافظ في الفتح وقد قال الإمام أحمد إن الخلع فسخ وقال في رواية
وإنها لا تحل لغير زوجها حتى يمضي ثلاثة أقراء فلم يكن عنده بين كونه فسخا وبين النقص من
العدة تلازم انتهى (قال إسحاق وإن ذهب ذاهب إلى هذا فهو مذهب قوى) لثبوت أحاديث الباب
باب ما جاء في المختلعات
قوله (حدثنا أبو كريب) اسمه محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي مشهور بكنيته
306

ثقة حافظ عن هشيم وابن المبارك وابن عيينة وخلق وعنه مات سنة ثمان وأربعين ومائتين
(مزاحم) بضم الميم وبالزاي وكسر الحاء المهملة (بن ذواد) بفتح الذال المعجمة وتشديد الواو (بن
علبة) بضم العين المهملة وسكون اللام بعدها موحدة قال الحافظ لا بأس به من العاشرة تنبيه
قد وقع في النسخة الأحمدية وغيرها من النسخ المطبوعة في الهند علبة وهو غلط (عن أبيه) ذواد بن
علبة الحارثي الكوفي أبن المنذر ضعيف (عن ليث) هو ليث بن أبي سليم بن زنيم صدوق اختلط أخيرا ولم
يتميز حديثه فترك من السادسة (عن أبي الخطاب) قال في التقريب أبو الخطاب شيخ البيت بن
أبي سليم مجهول انتهى (عن أبي زرعة) قال في التقريب أبو زرعة عن أبي إدريس الخولاني
قيل هو ابن عمرو ابن جرير وإلا فهو مجهول انتهى وقال في الخلاصة أبو زرعة عن أبي إدريس
وعنه أبو الخطاب لعله يحيى أبي عمرو الشيباني (عن أبي إدريس اسمه عائذ الله بن عبد الله
الخولاني ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين وسمع من كبار الصحابة) ومات سنة ثمانين قال
سعيد بن عبد العزيز كان عالم الشام بعد أبي الدرداء قوله (المختلعات) بكسر اللام أي اللاتي
يطلبن الخلع والطلاق عن أزواجهن من غير بأس (هن المنافقات) أي العاصيات باطنا والمطيعات
ظاهرا قال الطيبي مبالغة في الزجر قوله (هذا حديث غريب من هذا الوجه وليس إسناده
بالقوي) لأن في بعض رجاله جهالة وفي بعضهم ضعفا كما عرفت وفي الباب عن أبي هريرة
مرفوعا المنتزعات والمختلعات هن المنافقات أخرجه أحمد والنسائي من طريق أيوب عن الحسن
عن أبي هريرة قال الحافظ في الفتح وفي صحته نظر لأن الحسن عند الأكثر لم يسمع من أبي
هريرة لكن وقع في رواية النسائي قال الحسن لم أسمع من أبي هريرة غير هذا الحديث وقد
تأوله بعضهم على أنه أراد لم يسمع هذا إلا من حديث أبي هريرة وهو تكلف وما المانع أن يكون
سمع هذا منه فقط وصار يرسل عنه غير ذلك فتكون قصته في ذلك كقصته مع سمرة في حديث
العقيقة انتهى كلام الحافظ وفي الباب أيضا عن ابن مسعود مرفوعا المختلعات والمتبرجات
هن المنافقات أخرجه أبو نعيم في الحلية قوله (من غير بأس) أي من غير شدة تلجئها إلى
سؤال المفارقة (لم ترح رائحة الجنة) أي لم تشمها قال الجزري في النهاية في حديث من قتل نفسا
307

معاهدة لم يرح رائحة الجنة أي لم يشم ريحها يقال راح يريح وراح يراح وأراح يريح إذا وجد
رائحة الشئ والثلاثة قد روى بها الحديث انتهى قوله (فحرام عليها رائحة الجنة) أي ممنوع
عنها وذلك على نهج الوعيد والمبالغة في التهديد أو وقوع ذلك متعلق بوقت دون وقت أي لا تجد
رائحة الجنة أول ما وجدها المحسنون أو لا تجد أصلا وهذا من المبالغة في التهديد ونظير ذلك
كثير قاله القاضي قال القاري ولا بدع أنها تحرم لذة الرائحة ولو دخلت الجنة قوله (وهذا
حديث حسن) وأخرجه أبو داود وابن ماجة قال الحافظ في الفتح رواه أصحاب السنن وصححه
ابن خزيمة وابن حبان انتهى قوله (ويروي هذا الحديث عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء
عن ثوبان) كذلك رواه أبو دواد وابن ماجة
باب ما جاء في مداراة النساء
داراه مداراة لاطفه قوله (إن المرأة كالضلع) قال في القاموس الضلع كعنب وجذع
معروف مؤنثة انتهى وهو عظم الجنب وهو معوج يعني أن النساء في خلقهن اعوجاج في الأصل
فلا يستطيع أحد أن يغيرهن عما جبلن عليه وفي رواية مسلم إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم
على طريقة (إن ذهبت تقيمها) أي تردها إلى إقامة الاستقامة وبالغت فيها ما سامحتها في أمورها
وما تغافلت عن بعض أفعالها قاله القاري (كسرتها) كما هو مشاهد في المعوج الشديد اليابس في
الحس زاد في رواية مسلم وكسرها وطلاقها (استمتعت بها على عوج) بكسر العين ويفتح أي
مع عوج لا انفكاك لها عنه وفي رواية مسلم فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج قوله
308

(وفي الباب عن أبي ذر وسمرة وعائشة) أما حديث أبي ذر وسمرة فلينظر من أخرجه وأما حديث
عائشة رضي الله عنها في هذا الباب فمخرج في الكتب الستة وغيرها قوله
(حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
باب ما جاء في الرجل يسأله أبوه أن يطلق زوجته
قوله (طلق امرأتك) فيه دليل صريح يقتضي أنه يجب على الرجل إذا أمره أبوه بطلاق
زوجته أن يطلقها وإن كان يحبها فليس ذلك عذرا له في الإمساك ويلحق بالأب الأم لأن النبي
صلى الله عليه وسلم قد بين أن لها من الحق على الولد ما يزيد على حق الأب كما في حديث بهز بن حكيم عن أبيه
عن جده قال قلت يا رسول الله من أبر قال أمك قلت ثم من
قال أمك قلت ثم من قال أمك قال ثم من قال أباك الحديث قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو
داود والنسائي وابن ماجة وسكت عنه أبو داود ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره
باب ما جاء لا تسأل المرأة طلاق أختها
قوله (لا تسأل المرأة طلاق أختها) الظاهر أن المراد بالأخت الأخت في الدين يوضح هذا ما رواه
309

ابن حبان من طريق أبي كثير عن أبي هريرة يلفظ لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها
فإن المسلمة أخت المسلمة (لتكفي ما في إنائها) أي لتقلب ما في إنائها قال في النهاية يقال كفأت
الإناء وأكفأته إذا كببته وإذا أملته وهذا تمثيل لإمالة الضرة حق صاحبتها من زوجها إلى نفسها إذا
سألت علاقها انتهى وفي رواية للبخاري لتستفرغ صحيفتها فإنما لها ما قدر لها قال النووي
معنى هذا الحديث نهي المرأة الأجنبية أن تسأل رجلا طلاق زوجته ليطلقها ويتزوج بها انتهى
وحمل ابن عبد البر الأخت هنا على الضرة فقال فيه من الفقه إنه لا ينبغي أن تسأل المرأة زوجها أن
يطلق صرتها لتنفرد به انتهى قال الحافظ وهذا يمكن في الرواية التي وقعت بلفظ لا تسأل المرأة
طلاق أختها وأما الرواية التي فيها لفظ الشرط (يعني بلفظ لا يصلح لامرأة أن تشترط طلاق
أختها لتكفئ إناءها) فظاهر أنها في الأجنبية ويؤيده قوله فيها ولتنكح أي ولتتزوج الزوج
المذكور من غير أن تشترط أن يطلق التي قبلها انتهى قوله (وفي الباب عن أم سلمة) لينظر من
أخرجه قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم
باب ما جاء في طلاق المعتوه
قال الحافظ في الفتح المعتوه بفتح الميم وسكون المهملة وضم المثناة وسكون الواو بعدها
هاء الناقص العقل فيدخل فيه الطفل والمجنون والسكران والجمهور على عدم اعتبار ما يصدر
منه انتهى قوله (وكل طلاق جائز) أي واقع (إلا طلاق المعتوه) قال في القاموس عته كعني عتها
وعتها وعتاها فهو معتوه نقص عقله أو فقد أو دهش انتهى وقال الجزري في النهاية المعتوه هو
المجنون المصاب بعقله وقد عته فهو معتوه انتهى (المغلوب على عقله) تفسير المعتوه وأورد صاحب
المشكلة هذا الحديث بلفظ والمعتوه قال القاري كأنه عطف تفسيري ويؤيده رواية المغلوب بلا
310

واو (هذا حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث عطاء بن عجلان وعطاء بن عجلان
ضعيف ذاهب الحديث) أي غير حافظ له قال الحافظ زين الدين العراقي هذا حديث أبي هريرة
انفرد بإخراجه الترمذي وعطاء بن عجلان ليس له عند الترمذي إلا هذا الحديث الواحد وليس
له في بقية الكتب الستة شئ وهو حنفي بصري يكنى أبا محمد ويعرف بالعطار اتفقوا على
ضعفه قال ابن معين والفلاس كذاب وقال أبو حاتم والبخاري منكر الحديث زاد أبو حاتم
جدا وهو متروك الحديث انتهى اعلم أن هذا الحديث بهذا اللفظ قد روى عن علي بسند
صحيح موقوفا عليه قال البخاري في صحيحه وقال علي رضي الله عنه وكل
طلاق جائز إلا طلاق المعتوه قال العيني ذكره بصيغة الجزم لأنه ثابت ووصله البغوي في الجعديات انتهى
قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن طلاق المعتوه المغلوب
على عقله لا يجوز الخ) قال الحافظ في الفتح وفيه خلاف قديم ذكر ابن أبي شيبة من طريق نافع
أن المحير بن عبد الرحمن طلق امرأته وكان معتوها فأمرها ابن عمر بالعدة فقيل له إنه معتوه
فقال إني لم اسمع الله استثنى للمعتوه طلاقا ولا غيره وذكر ابن أبي شيبة عن الشعبي وإبراهيم
وغير واحد مثل قول علي انتهى قال في المرقاة قال زين العرب والمغلوب على عقله يعم
السكران من غير تعد والمجنون والنائم والمريض الزائل عقله بالمرض والمغمى عليه فإنهم كلهم
لا يقع طلاقهم وكذا الصبي وفي الهداية ولا يقع طلاق الصبي وإن كان يعقل والمجنون
والنائم والمعتوه كالمجنون قال ابن الهمام قيل هو قليل الفهم المختلط الكلام الفاسد التدبير
لكن لا يضرب ولا يشتم بخلاف المجنون وقيل العاقل من يستقيم كلامه وأفعاله إلا نادرا
والمجنون ضده والمعتوه من يكون ذلك منه على السواء وهذا يؤدي إلى أن لا يحكم بالعته على
أحد والأول أولى وما قيل من يكون كل من الأمرين منه غالبا معناه يكثر منه وقيل من يفعل فعل المجانين عن قصده مع ظهور الفساد والمجنون بلا قصد والعاقل خلافهما وقد يفعل فعل
المجانين على ظن الصلاح أحيانا والمبرسم والمغمى عليه والمدهوش كذلك وهذا لقوله صلى الله عليه وسلم كل
طلاق جائز إلا طلاق الصبي والمجنون انتهى ما في المرقاة وقال
الحافظ في الفتح وذهب إلى عدم
وقوع طلاق السكران أيضا أبو الشعثاء وعطاء وطاوس وعكرمة والقاسم وعمر بن عبد العزيز
311

ذكره ابن أبي شيبة عنهم بأسانيد صحيحة وبه قال ربيعة والليث وإسحاق والمزني واختاره
الطحاوي واحتج بأنهم أجمعوا على أن طلاق المعتوه لا يقع قال والسكران معتوه بسكره وقال
بوقوعه طائفة من التابعين كسعيد بن المسيب والحسن وإبراهيم والزهري والشعبي وبه قال
الأوزاعي والثوري ومالك وأبو حنيفة وعن الشافعي قولان المصحح منهما وقوعه والخلاف عند
الحنابلة والترجيح بالعكس وقال ابن المرابط إذا تيقنا ذهاب عقل السكران لم يلزمه طلاق وإلا
لزمه وقد جعل الله حد السكر الذي تبطل به الصلاة أن لا يعلم ما يقول وهذا التفصيل لا يأباه
من يقول بعدم وقوع طلاقه وإنما استدل من قال بوقوعه مطلقا بأنه عاص بفعله لم يزل عنه
الخطاب بذلك ولا الإثم لأنه يؤمر بقضاء الصلوات وغيرها مما وجب عليه قبل وقوعه في السكر
أو فيه وأجاب الطحاوي بأنه لا تختلف أحكام فاقد العقل بين أن يكون ذهاب عقله بسبب من
جهته أو من جهة غيره إذ لا فرق بين من عجز عن القيام في الصلاة بسبب من قبل الله أو بسبب من
قبل نفسه كمن كسر رجل نفسه فإنه يسقط عنه فرض القيام وتعقب بأن القيام انتقل إلى بدل
وهو القعود فافترقا وأجاب ابن المنذر عن الاحتجاج بقضاء الصلوات بأن النائم لم يجب عليه
قضاء الصلاة ولا يقع طلاقه فافترقا انتهى كلام الحافظ
باب
قوله (حدثنا يعلي بن شبيب) المكي مولى آل الزبير لين الحديث من الثامنة كذا في
التقريب وقال في الخلاصة وثقه ابن حبان ونقل عن هامش الخلاصة عن التهذيب ووثقه
النسائي وأبو زرعة قوله (كان الناس) أي في الجاهلية (وهي امرأته إذا ارتجعها وهي في العدة
وإن طلقها مائة مرة أو أكثر) الواو في قوله وإن طلقها وصلية والمعنى كان له الرجعة ما دامت في
العدة وإن طلقها مائة مرة أو أكثر (ولا أؤويك) من الإيواء أي لا أسكنك في منزلي قال في مجمع
البحار أراد الرجعة انتهى قال في القاموس أويت منزلي وإليه أويا بالضم ويكسر وأويت تأية
وتأويت وأتويت وئتويت نزلته بنفسي أسكنته وآويته وأويته أنزلته انتهى (فكلما همت عدتك أن
312

تنقضي) الهم القصد أي فكلما أرادت وقصدت عدتك الانقضاء والمعنى كلما قرب كان انقضاء
عدتك (الطلاق مرتان) قال الخازن في تفسيره معنى الآية أن الطلاق الرجعي مرتان ولا رجعة
بعد الثالثة إلا أن تنكح زوجا آخر وهذا التفسير هو قول من جوز الجمع بين الطلاق الثلاث في
دفعة واحدة وهو الشافعي وقيل معنى الآية أن التطليق الشرعي يجب أن يكون تطليقة بعد
تطليقة على التفريق دون الجمع والإرسال دفعة واحدة وهذا التفسير هو قول من قال إن الجمع
بين الثلاثة حرام إلا أن أبا حنيفة رح قال يقع الثلاث وإن كان حراما (فإمساك بمعروف) يعني
بعد الرجعة وذلك أنه إذا راجعها بعد التطليقة الثانية فعليه أن يمسكها بالمعروف وهو كل ما
عرف في الشرع من أداء حقوق النكاح وحسن الصحبة (أو تسريح بإحسان) يعني أنه يتركها بعد
الطلاق حتى تنقضي عدتها من غيره مضارة وقيل هو أنه إذا طلقها أدى إليها جميع حقوقها المالية ولا
يذكرها بعد المفارقة بسوء ولا ينفر الناس عنها كذا في تفسير الخازن (فاستأنف الناس الطلاق
مستقبلا من كان طلق ومن لم يكن طلق) وفي رواية عن عروة فاستقبل الناس الطلاق جديدا من
ذلك اليوم من كان طلق أو لم يطلق قوله (وهذا أصح من حديث يعلي بن شبيب) يعني حديث
عبد الله ابن إدريس أصح من حديث يعلى بن شبيب المذكور قبله فإن عبد الله بن إدريس أوثق
من يعلي بن شبيب
باب ما جاء في الحامل المتوفى عنها زوجها تضع
المقصود أن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها وضع الحمل الا قوله (عن أبي السنابل) بفتح
313

المهملة وخفة النون وكسر الموحدة وباللام صحابي مشهور واختلف في اسمه فقيل عمرو وقيل
عامر وقيل حبة وقيل غير ذلك (بن بعكك) بفتح الموحدة وسكون العين وفتح الكاف الأولى
(وضعت سبيعة) بضم السين المهملة وفتح الموحدة مصغرا وهي بنت الحارث لها صحبة وذكرهم
ابن سعد في المهاجرات (بعد وفاة زوجها) اسمه سعد بن خولة (بثلاثة وعشرين يوما أو خمسة
وعشرين يوما) شك من الراوي (فلم تعلت) أي طهرت من النفاس (تشوفت للنكاح) أي تزينت
للخطاب تشوف للشئ أي طمح بصره إليه (فقال إن تفعل) أي سبيعة ما ذكر من التشوف
للنكاح (فقد حل أجلها) فيه دليل على أن عدة الحامل المتوفي عنها زوجها وضع الحمل قوله (وفي
الباب عن أم سلمة) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وأخرجه الترمذي في هذا الباب قوله
(لا نعرف للأسوف شيئا عن أبي السنابل) قال الحافظ في الفتح الأسود من كبار التابعين من
أصحاب ابن مسعود ولم يوصف بالتدليس فالحديث صحيح على شرط مسلم لكن البخاري على
قاعدته في اشتراط ثبوت اللقاء ولو مرة فلهذا قال ما نقله الترمذي (وسمعت محمدا يقول لا
أعرف أن أبا السنابل عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم) لكن جزم ابن سعد أنه بقي بعد النبي صلى الله عليه وسلم زمنا ويؤيد
كونه عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم قول ابن البرقي أن أبا السنابل تزوج سبيعة بعد ذلك وأولدها سنابل ابن
أبي السنابل ومقتضى ذلك أن يكون أبو السنابل عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم لأنه وقع في رواية عبد
ربه بن سعيد عن أبي سلمة أنها تزوجت الشاب وكذا في رواية داود بن أبي عاصم أنها تزوجت
فتى من قومها وقصتها كانت بعد حجة الوداع فيحتاج أن كان الشاب دخل عليها ثم طلقها إلى
زمان عدة منه ثم إلى زمان الحمل حتى تضع وتلد سنابل حتى صار أبوه يكنى به أبا السنابل قاله
الحافظ قوله (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم الخ) قال الحافظ وقد قال جمهور العلماء من
314

السلف وأئمة الفتوى في الأمصار إن الحامل إذا مات عنها زوجها تحل بوضع الحمل وتنقضي عدة
الوفاة انتهى وهو الحق لأحاديث الباب (وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم
تعتد اخر الأجلين) أي كن وضعت قبل مضي أربعة أشهر وعشر تربصت إلى انقضائها ولا تحل
بمجرد الوضع وإن انقضت المدة قبل الوضع تربصت إلى الوضع وبه قال علي رضي الله عنه
أخرجه سعيد بن منصور وعبد بن حميد عنه بسند صحيح وبه قال ابن عباس ويقال إنه رجع
عنه ويقويه أن المنقول عن أتباعه وفاق الجماعة في ذلك (والقول الأول أصح) لحديث سبيعة
المذكور في الباب ول وإن انقضت المدة قبل الوضع تربصت إلى الوضع وبه قال علي رضي الله عنه أخرجه سعيد بن منصور وعبد
بن حميد عنه بسند صحيح وبه قال ابن عباس ويقال إنه رجع عنه ويقويه أن المنقول عن أتباعه وفاق الجماعة في ذلك (والقول الأول أصح) لحديث سبيعة
المذكور في الباب ولعله لم يبلغ من خالف هذا القول والله تعالى أعلم قوله (بعد وفاة زوجها)
اسمه سعد بن خولة (بيسير) جاء روايات مختلفة قال الحافظ والجمع
بين هذه الروايات
متعذر لاتحاد القصة قال وأقر ما قيل في هذه الروايات نصف شهر قوله (هدا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم
315

باب ما جاء في عدة المتوفي عنها زوجها
قوله عن زينب بنت أبي سلمة هي بنت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم
أخبرته بهذه الأحاديث أي التي ذكرتها بعد وهي عن أم حبيبة وعن زينب بنت جحش
وعن أم سلمة (فيه صفرة خلوق) بفتح الخاء المعجمة مركب من الزعفران وغيره وتغلب
عليه الصفرة والحمرة أو غيره الظاهر أنه عطف على خلوق (مالي بالطيب من حاجة) إشارة إلى أن
آثار الحزن باقية عنده لكن لم يسعها الا امتثال الأمر (أن تحد) بضمة فوقية وكسر الحاء
المهملة من الإحداد قال في النهاية أحدت المرأة على زوجها تحد فهي محدة وحدت تحد فهي حادة
إذا حزنت عليه ولبست ثياب الحزن وتركت الزينة وفي المشارق لعياض هو بضم التاء وكسر
الحاء وفتحها مع ضم الحاء ويقال حدت وأحدت حداد وإحداد إذا امتنعت عن الزينة والطيب
وأصله المنع فالمعنى ان تمنع نفسها من الزينة وتترك الطيب (على الميت) أي من ولد أو والد
(فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة اشهر وعشرة) قال النووي جعلت أربعة أشهر لأن فيها ينفخ
316

الروح في الولد وعشر للاحتياط انتهى (وقد اشتكت عينيها) وفي المشكاة وقد اشتكت عينها قال
القاري بالرفع وفي النسخة بالنصب قال النووي رحمه الله في شرح مسلم هو برفع النون ووقع في
بعض الأصول عيناها بالألف قال الزركشي في التنقيح ويجوز ضم النون على أنها هي المشتكية
وفتحها فيكون في اشتكت ضمير الفاعل وهي المرأة الحادة وقد رجح الأول بما وقع في رواية عيناها
انتهى كلام القاري قلت وقد رجح الثاني رواية الترمذي هذه بلفظ وقد اشتكت عينيها
أفنكحلها بالنون المفتوحة وضم الحاء وفتحها من باب نصر ومنع والضمير البارز إلى الابنة
لا مرتين أو ثلاث مرات شك من الراوي كل ذلك قال القاري بالنصب وفي نسخة بالرفع
يقول لا قال ابن الملك فيه حكة لأحمد على أنه لا يجوز الاكتحال بالإثمد للمتوفي عنها زوجها لا في
رمد ولا في غيره وعندنا وعند مالك يجوز الاكتحال به في الرمد وقال الشافعي تكتحل للرمد
ليلا وتمسحه نهارا انتهى إنما هي أي عدتكن في الدين الآن أربعة أشهر وعشرا بالنصب على
حكاية لفظ القرآن وفي المشكاة عشر بالرفع قال القاري كذا في النسخ الحاضرة والأصول
المصححة المعتمدة بالرفع عطفا على أربعة ترمي بالبعرة بسكون العين وفتحها وهي روث
البعير قال في القاموس البعر ويحرك واحدته بهاء على رأس الحول أي في أول السنة قال
القاضي كان من عادتهم في الجاهلية أن المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت بيتا ضيقا ولبست شر
ثيابها ولم تمس طيبا ولا شيئا فيه زينة حتى تمر بها سنة ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طير فتكسر بها ما
كانت فيه من العدة بأن تمسح بها قبلها ثم تخرج من البيت فتعطى بعرة فترمي بها وتنقطع بذلك
عدتها فأشار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أن ما شرع في الإسلام للمتوفي عنها زوجها من التربص أربعة أشهر
وعشرا في مسكنها وترك التزين والتطيب في تلك المدة يسير في جنب ما تكابده في الجاهلية انتهى
قوله حديث زينب حديث حسن صحيح وأخرجه الشيخان قوله والعمل على هذا عند
317

أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم الطيب والزينة الخ وقد تقدم اختلاف أهل العلم في الاكتحال
للمتوفي عنها زوجها وحديث الباب يدل على تحريم الاكتحال لها سواء احتاجت إلى ذلك أم لا
وجاء في حديث أم سلمة في الموطأ وغيره اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار ولفظ أبي داود
فتكتحلين بالليل وتغسلينه بالنهار قال في الفتح وجه الجمع بينهما أنها إذا لم تحتج إليه لا يحل وإذا
احتاجت لم يجز بالنهار ويجوز بالليل مع أن الأولى تركه فإذا فعلت مسحته بالنهار انتهى
باب ما جاء في المظاهر يواقع قبل أن يكفر
المظاهر اسم فاعل من الظهار بكسر المعجمة وهو قول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي
وإنما خص الظهر بذلك دون سائر الأعضاء لأنه محل الركوب غالبا ولذلك سمى ظهرا
فشبهت الزوجة بذلك لأنها مركوب زوجها لا يكون ظهارا بل يختص بالأم كما ورد في القرآن وكذا في حديث خولة التي ظاهر منها
أوس وقال في الجديد يكون ظهارا وهو قول الجمهور وكذا في فتح الباري ومذهب الحنفية
ما ذكره صاحب شرح الوقاية بقوله هو تشبيه زوجته أو ما يعبر به عنها أو جزء شائع منها بعضو يحرم
نظره إليه من أعضاء محارمه نسبا أو رضاعا كانت علي كظهر أمي أو رأسك أو نحوه أو نصفك
كظهر أمي أو كبطنها أو كفخذها أو كفرجها أو كظهر أختي أو عمتي ويصير به مظاهرا ويحرم وطئها
ودواعيه حتى يكفر انتهى قوله (في المظاهر يواقع) أي يجامع (قال) تعلق به الجار المتقدم أي قال
في شأن المظاهر الخ قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه ابن ماجة وفي سنده محمد بن
إسحاق وهو رواه عن محمد ابن عمرو بالعنعنة (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم الخ) قال
318

القاري في المرقاة ومذهبنا أنه إن وطئها قبل أن يكفر استغفر الله ولا شئ عليه غير الكفارة
الأولى ولكن لا يعود حتى يكفر وفي الموطأ قال مالك فيمن يظاهر ثم يمسها قبل أن يكفر عنها
يستغفر الله ويكفر ثم قال وذلك أحسن ما سمعت قوله (وهو قول عبد الرحمن بن مهدي) وهو
منقول عن عمرو بن العاص وقبيصة وسعيد بن جبير والزهري وقتادة ونقل عن الحسن البصري
والنخعي أنه يجب ثلاث كفارات وحديث الباب حجة على هؤلاء كلهم قوله (رأيت
خلخالها) قال في الصراح خلخال بالفتح بأي برنجن جمعه خلاخيل وفي رواية ابن ماجة
رأيت بياض حجليها في القمر والحجل بكسر الحاء ويفتح وهو الخلخال (فلا تقربها) أي لا
تجامعها (حتى تفعل ما أمرك الله) أي الكفارة قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه
أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه قال الحافظ ورجاله ثقات لكن أعله أبو حاتم
والنسائي بالإرسال وقال ابن حزم رواته ثقات ولا يضر إرسال من أرسله وأخرج البزار شاهدا
له من طريق خصيف عن عطاء عن ابن عباس أن رجلا قال يا رسول الله إني ظاهرت من امرأتي
فرأيت ساقها في القمر فواقعتها قبل أن أكفر فقال كفر ولا تعد وقد بالغ أبو بكر بن العربي
فقال ليس في الظهار حديث صحيح
319

باب ما جاء في كفارة الظهار
قوله (أن سلمان بن صخر الأنصاري) هو سلمة بن صخر المذكور في الحديث
المتقدم (أحد بني بياضة) بالنصب بدل من سلمان (حتى يمضي رمضان) قال الطيبي رحمه الله فيه دليل على صحة ظهار الموقت (وقع عليها) أي جامعها وفي رواية غير الترمذي قال كنت امرأ قد أوتيت في جماع النساء ما لم يؤت غيري فلما دخل رمضان ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ
رمضان فرقا من أن أصيب في ليلتي شيئا فأتتابع في ذلك إلى أن يدركني النهار وأنا لا أقدر أن
أنزع فبينا هي تخدمني من الليل إذ تكشف لي منها شئ فوثبت عليها فلما أصبحت غدوت
على قوي فأخبرتهم خبري وقلت لهم انطلقوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بأمري فقالوا
والله لا نفعل نتخوف أن ينزل فينا قرآن أو يقول فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالة يبقى علينا عارها ولكن
اذهب أنت واصنع ما بدا لك فخرجت حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم الخ (فذكر ذلك له) وفي رواية
غير الترمذي فأخبرته خبري فقال لي أنت بذاك فقلت أنا بذلك فقال أنت بذاك فقلت
أنا بذاك فقال أنت بذا ك قلت نعم ها أنا ذا فأمض في حكم الله عز وجل فأنا صابر له
(أعتق رقبة) ظاهره عدم اعتبار كونها مؤمنة وبه قال عطاء والنخعي وأبو حنيفة وقال مالك
والشافعي وغيرهما لا يجوز ولا يجزئ إعتاق الكافر لأن هذا مطلق مقيد بما في كفارة القتل من
اشتراط الإيمان وأجيب بأن تقييد حكم بما في حكم آخر مخالف لا يصح ولكنه يؤيد اعتبار
الإسلام حديث معاوية بن الحكم السلمي فإنه لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إعتاق جاريته عن الرقبة
التي عليه قال لها أين الله قالت في السماء فقال من أنا فقالت رسول الله قال فاعتقها
فإنها مؤمنة ولم يستفصله عن الرقبة التي عليه وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة
العموم في المقال كذا في النيل وغيره قلت فيه شئ فتفكر (قال فصم شهرين متتابعين قال لا
320

أستطيع) وفي رواية غير الترمذي وهل أصابني ما أصابني إلا في الصوم (قال أطعم ستين
مسكينا قال لا أجد) في رواية غير الترمذي والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا وحشا ما لنا
عشاء (لفروة بن عمرو) بفتح الفاء وسكون الراء البياضي الأنصاري شهد بدرا وما بعدها من
المشاهد روى عنه أبو حازم التمار (ذلك العرق) بفتح العين والراء ويسكن (وهو مكتل) بكسر
الميم وسكون الكاف وفتح الفوقية قال في القاموس المكتل كمنبر زنبيل يسع خمسة عشر
صاعا انتهى وقال في النهاية العرق بفتح الراء زنبيل منسوخ من خوص وفي القاموس عرق
التمر الشقيقة المنسوجة من الخوص قبل أن يجعل منه الزنبيل أو الزنبيل نفسه ويسكن انتهى
وهو تفسير من الراوي (إطعام ستين مسكينا) أي ليطعم ستين مسكينا واحتج بهذا الحديث
الشافعي على أن الواجب لكل مسكين مد فإن العرق يأخذ خمسة عشر صاعا وقال الثوري
وأبو حنيفة وأصحابه إن الواجب لكل مسكين صاع من تمر أو ذرة أو شعير أو زبيب أو نصف
صاع من بر واحتجوا برواية أبي دواد فإنه وقع فيها فأطعم وسقا من تمر بين ستين مسكينا قال
الشوكاني وظاهر الحديث أنه لا بد من إطعام ستين مسكينا ولا يجزئ إطعام دونهم وإليه
ذهب الشافعي ومالك وقال أبو حنيفة وأصحابه انه يجزى إطعام واحد وستين يوما انتهى
وقال الطيبي في الحديث دليل على أن كفارة الظهار مرتبة انتهى قوله (هذا حديث حسن)
وأخرجه أحمد وأبو داود وصححه ابن خزيمة وابن الجارود وقد أعله عبد الحق بالانقطاع وأن
سليمان بن يسار لم يدرك سلمة وقد حكى ذلك الترمذي عن البخاري وفي إسناده محمد بن
إسحاق قوله (وفي الباب عن خولة بنت ثعلبة وهي امرأة أوس بن الصامت) هذه العبارة
ليست في بعض النسخ وأخرج حديثها أبو داود وسكت عنه هو والمنذري وفي إسناده محمد
بن إسحاق وهو رواه عن معمر بالعنعنة
321

باب ما جاء في الايلاء هو مشتق من الألية بالتشديد وهي اليمين والجمع ألايا وزن عطايا قال الشاعر
قليل الألايا حافظ بيمينه فإن سبقت منه الألية برت
فجمع بين المفرد والجمع وفي الشرع الحلف الواقع من الزوج أن لا يطأ زوجته أربعة
أشهر أو أكثر ويأتي الكلام في ما يتعلق به عن قريب قوله (آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) من الإيلاء
أي حلف (وحرم فجعل الحرام حلالا الخ) في الصحيحين أن الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم على
نفسه هو العسل وقيل تحريم مارية وروى ابن مردويه عن طريق عائشة ما يفيد الجمع بين
الروايتين وهكذا الخلاف في تفسير قوله تعالى يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك الآية
ومدة إيلائه صلى الله عليه وسلم من نسائه شهر كما ثبت في صحيح البخاري واختلف في سبب إيلائه صلى الله عليه وسلم فقيل
سببه الحديث الذي أفشته حفصة كما في صحيح البخاري من حديث ابن عباس واختلف
أيضا في ذلك الحديث الذي أفشته وقد وردت في بيانه روايات مختلفة وقد اختلف في مقدار
مدة الإيلاء فذهب الجمهور إلى أنها أربعة أشهر فصاعدا قالوا فإن من أخرجه حلف على
أنقص منها لم يكن مؤليا قوله (وفي الباب عن أبي موسى) لينظر (وأنس) أخرجه البخاري أن
النبي صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه الحديث وفي الباب عن أم سلمة عند البخاري بنحو حديث أنس وعن
جابر عند مسلم أنه صلى الله عليه وسلم اعتزل نساءه شهرا قوله (وهذا أصح من حديث مسلمة بن علقمة)
وأخرجه ابن ماجة قال الحافظ في الفتح رجاله موثقون ولكنه رجح الترمذي إرساله على وقفه
انتهى قوله (والإيلاء أن يحلف الرجل أن لا يقرب امرأته أربعة أشهر وأكثر)
322

الحلف وفي الشرع هو ما ذكره الترمذي فلو قال لا أقربك ولم يقل والله لم يكن موليا
وقد فسر ابن عباس به قوله تعالى الذين يؤلون من نسائهم بالقسم الإيلاء في اللغة أخرجه عبد الرزاق وابن
المنذر وعبد بن حميد وفي مصحف أبي بن كعب للذين يقسمون أخرجه ابن أبي داود في
المصاحف عن حماد ثم عند أبي حنيفة وأصحابه والشافعي في الجديد إذا حلف على ترك
قربان زوجته أربعة أشهر يكون مؤليا واشترط مالك أن يكون مضرا بها أو يكون في حالة
الغضب فإن كان للإصلاح لم يكن موليا ووافقه أحمد وأخرج نحوه عبد الرزاق عن علي
وكذلك أخرج الطبري عن ابن عباس وعلي والحسن وحجة من أطلق إطلاق قوله تعالى
الذين يؤلون الآية واتفق الأئمة الأربعة وغيرهم على أنه لو حلف أن لا يقرب أقل من
أربعة أشهر لا يكون مؤليا وكذلك أخرجه الطبري وسعيد بن منصور وعبد بن حميد عن ابن
عباس قال كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين فوقت الله لهم أربعة أشهر وعشرا فمن كان
إيلاؤه أقل فليس بإيلاء قوله (فقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إذا
مضت أربعة أشهر يوقف) أي المولى يعني لا يقع بمضي هذه المدة الطلاق بل يوقف المولى
(فإما يفئ) أي يرجع (وإما أن يطلق) وإن جامع زوجته في أربعة أشهر فليس عليه إلا كفارة
يمين (وهو قول مالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحاق) وسائر أهل الحديث كما ستعرف
روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر قال إذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق ولا يقع
عليه لطلاق حتى يطلق يعني المولى قال البخاري ويذكر ذلك عن عثمان وعلي وأبي
الدرداء وعائشة واثني عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكر الحافظ في الفتح من وصل
هذه الآثار ثم قال وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وسائر أصحاب الحديث إلا أن
للمالكية والشافعية بعد ذلك تفاريع يطول شرحها منها أن الجمهور ذهبوا إلى أن الطلاق يكون
فيه رجعيا لكن قال مالك لا تصح رجعته إلا أن جامع في العدة وقال الشافعي ظاهر كتاب
الله تعالى على أن له أربعة أشهر ومن كانت له أربعة أشهر أجلا فلا سبيل عليه فيها حتى
تنقضي فإذا انقضت فعليه أحد أمرين إما أن يفئ وإما أن يطلق فلهذا قلنا لا يلزمه الطلاق
بمجرد مضى المدة حتى يحدث رجوعا أطلاقا ثم رجع قول الوقف بأن أكثر الصحابة قال
به والترجيح قد يقع بالأكثر مع موافقة ظاهر القرآن ونقل ابن المنذر عن بعض الأئمة قال لم
يجد في شئ من الأدلة أن العزيمة على الطلاق تكون طلاقا ولو جاز لكان العزم على الفئ
323

فيئا ولا قائل به وكذلك ليس في شئ من اللغة أن اليمين الذي لا ينوي به الطلاق تقتضي
طلاقا وقال غيره العطف على الأربعة أشهر بالفاء يدل على أن التخيير بعد مضي المدة
والذي يتبادر من لفظ التربص أن المراد به المدة المضروبة ليقع التخيير بعدها وقال غيره
جعل الله الفئ والطلاق معلقين بفعل المولى بعد المدة وهو من قوله تعالى فإن فاؤا وان
عزموا فلا يتجه قول من قال أن الطلاق يقع بمجرد مضي المدة انتهى ما في فتح الباري
(وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة
بائنة وهو قول الثوري وأهل الكوفة) وهو قول أبي حنيفة رحمه الله قال محمد في موطأه
بلغنا عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت أنهم قالوا إذا
إلى الرجل من امرأته فمضت أربعة أشهر قبل أن يفئ فقد بانت بتطليقة بائنة وهو خاطب من
الخطاب وكانوا لا يرون أن يوقف بعد الأربعة وقال ابن عباس في تفسير هذه الآية للذين
يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤا فإن الله غفور رحيم وان عزموا الطلاق فإن الله
سميع عليم قال الفئ الجماع في الأربعة الأشهر وعزيمة الطلاق انقضاء الأربعة فإذا مضت
بانت بتطليقة ولا يوقف بعدها وكان عبد الله بن عباس أعلم بتفسير القرآن من غيره وهو قول
أبي حنيفة رحمه الله والعامة انتهى ما في الموطأ قلت هذه المسألة من المسائل التي اختلف
فيها الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وقد عرفت أن مذهب أكثر الصحابة رضي الله عنهم هو ما
ذهب إليه مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وسائر أهل الحديث ويوافقه ظاهر القرآن فتفكر
والله تعالى أعلم
باب ما جاء في اللعان
هو مأخوذ من اللعن لأن الملاعن يقول لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين واختير لفظ
اللعن دون الغضب في التسمية لأنه قول الرجل وهو الذي بدأ به في الآية وهو أيضا يبدأ به
وله أن يرجع عنه فيسقط عن المرأة بغير عكس وقيل سمي لعانا لأن اللعن الطرد والإبعاد وهو
مشترك بينهما وإنما خصت المرأة بلفظ الغضب لعظم الذنب بالنسبة إليها لأن الرجل إذا كان
324

كاذبا لم يصل ذنبه إلى أكثر من القذف وإن كانت هي كاذبة فذنبها أعظم لما فيه من تلويث
الفراش والتعرض لإلحاق من ليس من الزوج به فتنتشر المحرمية وتثبت الولاية والميراث
لمن لا يستحقهما قاله الحافظ في الفتح وقال ابن الهمام في شرح الهداية اللعان مصدر
لاعن واللعن في اللغة الطرد والإبعاد وفي الفقه اسم لما يجري بين الزوجين من الشهادات
بالألفاظ المعلومات وشرطه قيام النكاح وسببه قذ ف زوجته بما يوجب الحد في الأجنبية
وحكمه حرمتها بعد التلاعن وأهله من كان أهلا للشهادة فإن اللعان شهادات مؤكدات
بالإيمان عندنا وأما عند الشافعي فإيمان مؤكدات بالشهادات وهو الظاهر من قول مالك
وأحمد انتهى كلام ابن الهمام مختصرا قوله (في إمارة مصعب بن الزبير) أي حين كان
أميرا على العراق (فما دريت) أي ما علمت (فقمت مكاني إلى منزل عبد الله بن عمر) وفي
رواية لمسلم فمضيت إلى منزل ابن عمر بمكة فظهر أن في رواية الترمذي حذفا تقديره
فقمت مكاني وسافرت إلى منزل عبد الله بن عمر بمكة وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن
أيوب عن سعيد بن جبير قال كنا بالكوفة نختلف في الملاعنة يقول بعضنا يفرق بينهما ويقول
بعضنا لا يفرق فظهر من هذا أنه سافر من الكوفة قال الحافظ في الفتح ويؤخذ منه أن
الخلاف في ذلك كان قديما وقد استمر عثمان البتي من فقهاء البصرة على أن اللعان لا يقتضي
الفرقة وكأنه لم يبلغه حديث ابن عمر انتهى (أنه قائل) من القيلولة وهي النوم نصف النهار
(فقال ابن جبير) يرفع ابن وهو استفهام أي أأنت ابن جبير (مفترش بردعة رحل) بفتح
الموحدة وسكون الراء وبالدال المهملة وفي رواية مسلم بالدال المعجمة قال في الصراح
برذعة كليم كه زير بالان بريشت شترنهند انتهى وقال في القاموس البردعة الحلس يلقى
تحت الرحل وقال فيه البرذعة البردعة انتهى وفيه زهادة بن عمر وتواضعه وزاد مسلم في
روايته متوسد وسادة حشوها ليف (يا أبا عبد الرحمن) هذا كنية عبد الله بن عمر رضي الله عنه
325

(والذين يرمون أزواجهم) بالزنا (ولم يكن لهم شهداء) عليه (إلا أنفسهم) وقع ذلك لجماعة
من الصحابة كذا في تفسير الجلالين (حتى ختم الآيات) والآيات مع تفسيرها هكذا (فشهادة
أحدهم) مبتدأ (أربع شهادات) نصب على المصدر (بالله إنه لمن الصادقين) فيما رمي به من
زوجته من الزنا (والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين) في ذلك وخبر المبتدأ يدفع
عنه حد القذف ويدرأ) يدفع (عنها العذاب) أي حد الزنا الذي ثبت بشهاداته (أن تشهد أربع
شهادات بالله إنه لمن الكاذبين) فيما رماها به من الزنا (والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من
الصادقين) في ذلك (ولولا فضل الله عليكم ورحمته) بالستر في ذلك (وأن الله تواب) بقبوله
التوبة في ذلك وغيره (حكيم) فيما حكم به في ذلك وغيره لبين الحق في ذلك وعاجل
بالعقوبة من يستحقها كذا في تفسير الجلالين
قوله (وذكره) بالتشديد أي خوفه من عذاب الله (وأخبره أن عذاب الدنيا) وهو حد
القذف (أهون من عذاب الآخرة) والعاقل يختار الأيسر على الأعسر (وأخبرها أن عذاب الدنيا
) وهو الرجم قال النووي فيه أن الإمام يعظ المتلاعنين ويخوفهما من وبال اليمين الكاذبة وإن
الصبر على عذاب الدنيا وهو الحد أهون من عذاب الآخرة (فبدأ بالرجل) فيه أن الابتداء في
اللعان يكون بالزوج لأن الله تعالى بدأ به ولأنه يسقط عن نفسه حد قذفها وينفي النسب إن
كان ونقل القاضي وغيره إجماع المسلمين على الابتداء بالزوج ثم قال الشافعي وطائفة لو
لاعنت المرأة قبله لم يصح لعانها وصححه أبو حنيفة وطائفة قاله النووي (فشهد أربع شهادات
326

بالله إنه لمن الصادقين الخ) وهذه ألفاظ اللعان وهي مجمع عليها (ثم فرق بينهما) احتج به الثوري
وأبو حنيفة وأتباعهما على أنه لا تقع الفرقة بين المتلاعنين حتى يوقعها عليهما الحاكم وذهب مالك
والشافعي إلى أن الفرقة تقع بنفس اللعان قال مالك وغالب أصحابه بعد فراغ المرأة وقال
الشافعي وأتباعه وسحنون من المالكية بعد فراغ الزوج واعتل بأن التعان المرأة إنما شرع لدفع
الحد عنها بخلاف الرجل فإنه يزيد على ذلك في حقه نفي النسب ولحاق الولد وزوال الفراش
وتظهر فائدة الخلاف في التوارث لو مات أحدهما عقب فراغ الرجل وفيما إذا علق طلاق امرأة
بفراق أخرى ثم لاعن الأخرى قوله (وفي الباب عن سهل بن سعد) أخرجه الشيخان (وابن
عباس) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما (وحذيفة) لينظر من أخرجه (وابن مسعود) أخرجه
مسلم قوله (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (لاعن رجل
امرأته) هو عويمر العجلاني وزوجته خولة بنت قيس العجلانية قاله الحافظ في مقدمة الفتح وقد
وقع اللعان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من صحابيين أحدهما عويمر العجلاني رمى زوجته بشريك بن
سحماء فتلاعنا وكان ذلك سنة تسع من الهجرة وثانيهما هلال بن أمية بن عامر الأنصاري
وخبرهما مروي في الصحيحين وغيرهما (وفرق النبي صلى الله عليه وسلم) قال القاري فيه تنبيه على أن التفرقة
بينهما لا تكون إلا بتفريق القاضي والحاكم وقال زفر تقع الفرقة بنفس تلاعنهما وهو المشهور من
مذهب مالك والمروي عن أحمد انتهى (وألحق الولد بالأم) أي في النسب والوراثة فيرث ولد
الملاعنة منها وترث منه ولا وراثة بين الملاعن وبينه وبه قال جمهور العلماء ووقع في آخر حديث
سهل بن سعد عند البخاري وغيره قال يعني ابن شهاب ثم جرت السنة في ميراثها أنها ترثه
ويرث منها ما فرض الله له قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وأبو
داود والنسائي وابن ماجة
327

باب ما جاء أين تعتد المتوفى عنها زوجها
قوله (عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة) البلوي المدني حليف الأنصار ثقة من
الخامسة (عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة) بضم العين وسكون الجيم زوج أبي سعيد
الخدري مقبولة من الثانية ويقال لها صحبة (أن الفريعة) بضم الفاء وفتح الراء (بنت مالك بن
سنان) بكسر السين (وهي) أي الفريعة زينب (أنها) أي الفريعة (تسأله) حال أو استئناف تعليل
(في بني خدرة) بضم الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة أبو قبيلة (في طلب أعبد) بفتح فسكون فضم جمع عبد (أبقوا) بفتح الموحدة أي هربوا (حتى إذا كان) أي زوجها (بطرف
القدوم) بفتح القاف وضم الدال مشددة ومخففة موضع على ستة أميال من المدينة (حتى إذا كنت في الحجر) أي
الحجرة الشريفة (أو في المسجد) أي المسجد النبوي وهو مسجد المدينة (قال امكثي)
بضم الكاف أي توقفي واثبتي (في بيتك) أي الذي كنت فيه (حتى يبلغ الكتاب) أي العدة
المكتوب عليها أي المفروضة (أجله) أي مدته والمعنى حتى تنقضي العدة وسميت العدة كتابا لأنها
فريضة من الله تعالى قال تعالى كتب عليكم أي فرض (فلما كان عثمان) أي خليفة وأمير المؤمنين
328

قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مالك في الموطأ وأبو داود والنسائي وابن ماجة
والدارمي وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد من الوجهين جميعا ولم يخرجاه
وقال الذهبي هو حديث صحيح محفوظ كذا في المرقاة وقال الحافظ في بلوغ المرام وصححه
الترمذي والذهلي وابن حبان والحاكم وغيرهم انتهى قوله (والعمل على هذا الحديث عند أكثر
أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم الخ) قال في شرح السنة اختلفوا في السكنى
المعتدة عن الوفاء وللشافعي فيه قولان فعلى الأصح لها السكنى وبه قال عمر وعثمان
وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود وقالوا إذنه صلى الله عليه وسلم للفريعة أولا صار منسوخا بقوله امكثي
في بيتك الخ وفيه دليل على جواز نسخ الحكم قبل الفعل والقول الثاني أن لا سكنى لها بل تعتد
حيث شاءت وهو قول علي وابن عباس وعائشة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للفريعة أن ترجع إلى أهلها وقوله لها
آخرا امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله أمر استحباب انتهى وحجة أصحاب القول الأول
حديث الباب واستدل على القاري على عدم خروج المتوفي عنها زوجها بقوله تعالى والذين
يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإنه دل على عدم
خروجها من بيت زوجها ولما نسخ مدة الحول بأربعة أشهر وعشرا والوصية بقي عدم الخروج
على حاله انتهى (وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق) وهو قول أبي حنيفة
وأصحابه ففي موطأ الإمام محمد عن نافع أن ابن عمر كان يقول لا تبيت المبتوتة ولا المتوفى عنها
إلا في بيت زوجها قال محمد وبهذا نأخذ أما المتوفى عنها فإنها تخرج بالنهار في حوائجها ولا تبيت
إلا في بيتها وأما المطلقة مبتوتة كانت أو غير مبتوتة فلا تخرج ليلا ولا نهارا ما دامت في عدتها وهو
قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا انتهى (وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
وغيرهم للمرأة أن تعتد حيث شاءت وإن لم تعتد في بيت زوجها) وهو قول علي وابن عباس
وعائشة كما في شرح السنة وقال العيني في البناية وجاء عن علي وعائشة وابن عباس وجابر أنها
تعتد حيث شاءت وهو قول الحسن وعطاء والظاهرية انتهى واستدل لهم بما أخرجه الدارقطني
عن محبوب بن محرز عن أبي مالك النخعي عن عطاء بن السائب عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المتوفى
329

عنها زوجها أن تعتد حيث شاءت قال الدارقطني لم يسنده غير أبي مالك النخعي وهو ضعيف
قال ابن القطان ومحبوب بن محرز أيضا ضعيف وعطاء النخعي مختلف وأبو مالك أضعفهم فلذلك أعله
الدارقطني به وذكر الجميع أصوب لاحتمال أن يكون الجناية من غير انتهى كلامه كذا في نصب
الراية (والقول الأول أصح) فإن دليلة أصح من دليل القول الثاني قال القاضي الشوكاني في
النيل قد استدل بحديث فريعة على أن المتوفى عنها تعتد في المنزل الذي بلغها نعي زوجها وهي
فيه ولا تخرج منه إلى غيره وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وقد
أخرج ذلك عبد الرزاق عن عمر وعثمان وابن عمر وأخرجه أيضا سعيد بن منصور عن أكثر
أصحاب ابن مسعود والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وسعيد بن المسيب وعطاء وأخرجه حماد
عن ابن سيرين وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم والأوزاعي وإسحاق وأبو عبيد الله
قال وحديث فريعة لم يأت من خالفه بما ينتهض لمعارضته فالتمسك به متعين انتهى
330

أبواب البيوع
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
باب ما جاء في ترك الشبهات
قوله (عن الشعبي) بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة وبموحدة هو عامر بن
شراحيل الفقيه المشهور قال مكحول ما رأيت أفقه منه ثقة فاضل توفي سنة 301 ثلاث ومائة
قوله (الحلال بين) بتشديد الياء المكسورة أي واضح لا يخفي حله بأن ورد نص على حله أو مهد
أصل يمكن استخراج الجزئيات منه كقوله تعالى (خلق لكم ما في الأرض جميعا) فإن اللام
للنفع فعلم أن الأصل في الأشياء الحل إلا أن يكون فيه مضرة (والحرام بين) أي ظاهر لا تخفى
حرمته بأن ورد نص على حرمته كالفواحش والمحارم والميتة والدم ونحوها أو مهد ما يستخرج منه
نحو كل مسكر حرام (وبين ذلك) المذكور من الحلام والحرام وفي رواية الصحيحين وبينهما
(مشتبهات) بكسر الموحدة أي أمور ملتبسة غير مبينة لكونها ذات جهة إلى كل من الحلال والحرام
(لا يدري كثير من الناس) قال الحافظ مفهوم قوله كثير أن معرفة حكمها ممكن لكن للقليل من
الناس وهن المجتهدون فالشبهات على هذا في حق غيرهم وقد تقع لهم حيث لا يظهر لهم ترجيح
331

أحد الدليلين (فمن تركها) أي المشتبهات (استبراء) استفعال من البراءة أي طلبا للبراءة (لدينه)
من الذم الشرعي (وعرضه) من كلام الطاعن (فقد سلم) من الذم الشرعي والطعن (ومن واقع
شيئا منها) أي من وقع في شئ من المشتبهات (يوشك أن يواقع الحرام) أي أن يقع فيه (كما أنه من
يرعى حول الحمى) بكسر المهملة وفتح ميم مخففة وهو المرعي الذي يحميه السلطان من أن يرتع
منه غير رعاة دوابه وهذا المنع غير جائز إلا للنبي صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم لا حمى إلا الله ورسوله (يوشك أن
يواقعه) أي يقرب أن يقع في الحمى قال الحافظ في اختصاص التمثيل بذلك نكتة وهي أن ملوك
العرب كانوا يحمون لمراعي مواشيهم أماكن مختصة يتوعدون من يرعى فيها بغير إذنهم بالعقوبة
الشديدة فمثل لهم النبي صلى الله عليه وسلم بما هو مشهور عندهم فالخائف من العقوبة المراقب لرضا الملك
يبعد عن ذلك الحمى خشية أن تقع مواشيه في شئ منه فبعده أسلم له ولو اشتد حذره وغير
الخائف المراقب يقرب منه ويرعى من جوانبه فلا يأمن أن تنفرد الفاذة فتقع فيه بغير اختياره أو
يمحل المكان الذي هو فيه ويقع الخصب في الحمى فلا يملك نفسه أن يقع فيه فالله سبحانه وتعالى
هو الملك حقا وحماه محارمه (ألا) مركبة من همزة الاستفهام وحرف النفي عطاء معنى التنبيه على
تحقق ما بعدها (وإن لكل ملك حمى) أي على ما كان عليه الجاهلية أو إخبار عما يكون عليه ظلمة
الاسلامية قال القاري في المرقاة الأظهر أن الواو هي الابتدائية التي تسمي النحاة الاستينافية
الدالة على انقطاع ما بعدها عما قبلها في الجمل كما ذكره صاحب المغني (ألا
وإن حمى الله محارمه)
وهي أنواع المعاصي فمن دخله بارتكاب شئ منها استحق التقوية عليه زاد في رواية
الصحيحين ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد
كله ألا وهي القلب قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم
332

باب ما جاء في أكل الربا
قوله (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم اكل الربا) أي أخذه وإن لم يأكل وإنما خص بالأكل لأنه أعظم
أنواع الانتفاع كما قال تعالى (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) (ومؤكله) بهمز ويبدل
أي معطيه لمن يأخذه وإن لم يأكل منه نظرا إلى أن الأكل هو الأغلب أو الأعظم كما تقدم (وشاهديه
وكاتبه) وروى مسلم هذا الحديث عن جابر وزادهم سواء قال النووي هذا تصريح بتحريم كتابة
المبايعة بين المترابين والشهادة عليهما وفيه تحريم الإعانة على الباطل انتهى وفي رواية النسائي عن
ابن مسعود آكل الربا ومؤكله وشاهداه وكاتبه إذا علموا ذلك ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم يوم
القيامة قوله (وفي الباب من عمر) أخرجه ابن ماجة والدارمي (وعلي) بن أبي طالب رضي الله
عنه أخرجه النسائي (وجابر رضي الله عنه) أخرجه مسلم وفي الباب أيضا عن أبي جحيفة
أخرجه البخاري ومسلم مرفوعا بلفظ حرم ثمن الدم وثمن الكلب وكسب البغي ولعن الواشمة
والمستوشمة وآكل الربا ومؤكله إلخ قوله (حديث عبد الله حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو
داود والنسائي وابن ماجة وأخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه
باب ما جاء في التغليظ في الكذب والزور ونحوه
قوله (عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكبائر) وفي رواية للبخاري سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر فقال (
وعقوق الوالدين) أي قطع صلتهما مأخوذ من العق وهو الشق والقطع والمراد عقوق أحدهما
333

قيل هو إيذاء لا يتحمل مثله من الولد عادة وقيل عقوقهما مخالفة أمرهما فيما لم يكن معصية وفي
معناهما الأجداد والجدات (وقتل النفس) أي بغير حق (وقول الزور) أي الكذب وسمي زورا
لميلانه عن جهة الحق ووقع في رواية للبخاري وشهادة الزور مكان وقول الزور قوله (وفي
الباب عن أبي بكرة) أخرجه البخاري ومسلم (وأيمن بن خريم) بضم الخاء المعجمة وفتح الراء
المهملة مصغرا ابن الأخرم الأسدي أبي عطية الشامي الشاعر مختلف في صحبته وقال العجلي
تابعي ثقة وأخرج حديثه أحمد والترمذي وأخرج أبو داود وابن ماجة عن خريم بن فاتك مرفوعا
عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله ثلاث مرات ثم قرأ (فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا
قول الزور حنفاء لله غير مشركين به) رواه أبو داود وابن ماجة ورواه أحمد والترمذي عن أيمن بن
خريم إلا أن ابن ماجة لم يذكر القراءة (وابن عمر رضي الله عنه) أخرجه ابن ماجة مرفوعا بلفظ
لن تزول قدم شاهد الزور حتى يوجب الله له بالنار قوله (وحديث أنس حديث حسن صحيح
غريب) وأخرجه البخاري ومسلم
باب ما جاء في التجار وتسمية النبي صلى الله عليه وسلم إياهم
قوله (عن قيس بن أبي غرزة) بمعجمة وراء وزاي مفتوحات الغفاري صحابي نزل الكوفة
(نحن نسمى) بصيغة المجهول أي ندعى (السماسرة) بالنصب على أنه مفعول ثان وهو بفتح
السين الأولى وكسر الثانية جمع السمسار قال في النهاية السمسار القيم بالأمر الحافظ وهو اسم
للذي يدخل بين البائع والمشتري متوسطا مضاء البيع والسمسرة البيع والشراء انتهى (فقال
يا معشر التجار) ولفظ أبي داود هكذا كنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نسمى السماسرة فمر بنا النبي
صلى الله عليه وسلم فسمانا باسم هو أحسن منه فقال يا معشر التجار الخ قال الخطابي السمسار أعجمي وكان
كثير ممن يعالج البيع والشراء فيهم عجما فتلقوا هذا الاسم عنهم فغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى التجارة
التي هي من الأسماء العربية وذلك معنى قوله فسمانا باسم هو أحسن منه انتهى (إن الشيطان
334

والإثم يحضران البيع) وفي رواية أبي داود إن البيع يحضره اللغو والحلف (فشوبوا) أمر من
الشوب بمعنى الخلط أي اخلطوا (بيعكم بالصدقة) فإنها تطفئ غضب الرب قوله
(وفي الباب عن البراء بن عازب) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (ورفاعة) أخرجه الترمذي
وابن ماجة والدارمي قوله (حديث قيس بن أبي غرزة حديث حسن صحيح)
وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة قوله (ولا نعرف لقيس عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا) قال
المنذري وقد روى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن التجار هم الفجار إلا من بر وصدق قال
فمنهم من يجعلهما حديثين انتهى قوله (عن أبي حمزة) اسمه عبد الله بن جابر ويقال له أبو حازم
أيضا مقبول من السادسة كذا في التقريب وقال في الخلاصة في ترجمته يروى عن أبي الشعثاء
ومجاهد وعنه الثوري وحكام بن سلم وثقه ابن حبان (عن الحسن) بن أبي الحسن البصري ثقة
فقيه فاضل مشهور وكان يدس كثيرا ويدلس قاله البزار كان يروي عن جماعة لم يسمع منهم
فيتجوز ويقول حدثنا وخطبنا يعني قومه الذين حدثوا وخطبوا بالبصرة هو رأس أهل الطبقة الثالثة
مات سنة عشرة ومائة وقارب التسعين قوله (التاجر الصدوق الأمين الخ) أي من تحرى
الصدق والأمانة كان في زمرة الإبراء من النبيين والصديقين ومن توخى خلافهما كان في قرن الفجار
من الفسقة والعاصين قاله الطيبي وقال في اللمعات كلاهما من صيغ المبالغة تنبيه على رعاية
الكمال في هذين الصفتين حتى ينال هذه الدرجة الرفيعة انتهى قوله (هذا حديث حسن) وقال
335

الحاكم من مراسيل الحسن قاله المناوي وفي الباب عن ابن عمر بلفظ التاجر الأمين الصدوق
المسلم من الشهداء يوم القيامة أخرجه ابن ماجة والحاكم وقال صحيح واعترض قاله المناوي
وفي الباب أيضا عن أنس بن مالك بلفظ التاجر الصدوق تحت ظل العرش يوم القيامة أخرجه
الأصفهاني في ترغيبه وعن ابن عباس بلفظ التاجر الصدوق لا يحجب من أبواب الجنة
أخرجه ابن النجار قوله (عن إسماعيل بن عبيد) بالتصغير ويقال له إسماعيل بن عبيد الله أيضا
كما صرح به الترمذي (بن رفاعة) بكسر الراء (عن أبيه) عبيد (عن جده) رفاعة وهو رفاعة بن
رافع بن مالك بن العجلان أبو معاذ المدني بدري جليل له أحاديث انفرد له البخاري ثلاثة
أحاديث وعنه أبناء معاذ وعبيد مات في أول خلافة معاوية قوله (إن التجار) بضم الفوقية وتشديد
الجيم جمع تاجر (يبعثون يوم القيامة فجارا) جمع فاجر من الفجور (إلا من اتقى الله) بأن لم يرتكب
كبيرة ولا صغيرة من غش وخيانة أي أحسن إلى الناس في تجارته أو قام بطاعة الله وعبادته (
وصدق) أي في يمينه وسائر كلامه قال القاضي لما كان من ديدن التجار التدليس في المعاملات
والتهالك على ترويج السلع بما تيسر لهم من الأيمان الكاذبة ونحوها حكم عليهم بالفجور
واستثنى منهم من اتقى المحارم وبر في يمينه وصدق في حديثه وإلى هذا ذهب الشارحون وحملوا
الفجور على اللغو والحلف كذا في المرقاة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه ابن ماجة
والدارمي
باب ما جاء فيمن حلف على سلعة كاذبا
قوله (أخبرني علي بن مدرك) بضم الميم وسكون الدال وكسر الراء فاعل من الادراك ثقة
(عن خرشة) بفتحات والشين المعجمة (بن الحر) بضم المهملة الفزاري كان يتيما في حجر عمر
336

قال أبو داود له صحبة وقال العجلي ثقة من كبار التابعين فيكون من الثانية كذا في
التقريب قوله (لا ينظر الله إليهم) أي نظر رحمة (ولا يزكيهم) أي لا يطهرهم من الذنوب (فقد
خابوا) أي حرموا من الخير (المنان) وفي رواية والمنان الذي لا يعطى شيئا إلا منة بفتح الميم
وتشديد النون أي إلا من به على من أعطاه (والمسبل إزاره) أي عن كعبيه كبرا واختيالا (والمنفق)
بالتشديد والتخفيف أي المروج (بالحلف) بكسر اللام وبسكونها قوله (وفي الباب عن ابن
مسعود) أخرجه الحاكم وقال صحيح على شرطهما كذا في الترغيب (وأبي هريرة) أخرجه الشيخان
(وأبي أمامة بن ثعلبة) أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة (وعمران بن حصين) أخرجه أبو داود
(ومعقل بن يسار) أخرجه أحمد قوله (حديث أبي ذر حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
باب ما جاء في التبكير بالتجارة
التبكير من البكور قال في الصراح بكور بكاه برخاستن وبامداد كردن وبإمداء رفتن يقال
بكرت وابكرت وبكرت وباكرت وابتكرت كله بمعنى انتهى قوله (حدثنا يعقوب بن إبراهيم
الدورقي) بفتح مهملة وسكون واو وفتح راء وبقاف ثقة من العاشرة (حدثنا هشيم) هو هشيم بن
بشير السلمي أبو معاوية قال يعقوب الدورقي كان عند هشيم عشرون ألف حديث وقال
العجلي ثقة يدلس وقال ابن سعد ثقة حجة إذا قال أنبأنا (عن عمارة) بضم العين المهملة (بن
حديد) بفتح الحاء المهملة وكسر الدال الأولى وثقة ابن حبان وقال أبو حاتم مجهول قوله
(اللهم بارك لأمتي في بكورها) أي أول نهارها والإضافة لأدنى مناسبة كذا في المرقاة (قال وكان)
337

أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا بعث سرية أو جيشا) قال في النهاية السرية طائفة من الجيش يبلغ أقصاها
أربعمائة تبعث إلى العدو جمعها السرايا انتهى (فأثرى) أي صار ذا ثروة بسبب مراعاة السنة
وإجابة هذا الدعاء منه صلى الله عليه وسلم كذا في اللمعات (وكثر ماله) عطف تفسير قوله (وفي الباب عن علي
وبريدة الخ) قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة عمارة بن حديد بعد ذكر حديث الباب
من طريقه ما لفظه وفي الباب عن أنس بإسناد تالف وعن بريدة من طريق أوس بن عبد الله
وهو لين وعن ابن عباس من وجهين لم يصحا انتهى وأما حديث ابن عمر فأخرجه ابن ماجة
بلفظ اللهم بارك لأمتي في بكورها وفي الباب عن أبي هريرة بلفظ اللهم بارك لأمتي في بكورها
يوم الخميس أخرجه ابن ماجة وفي الباب عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم كما ستقف
قوله (حديث صخر الغامدي حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان
في صحيحه قال الذهبي في تذكرة الحفاظ بعد ذكر هذا
الحديث صخر لا يعرف إلا في هذا الواحد ولا قيل إنه صحابي إلا به ولا نقل ذلك إلا عمارة وعمارة مجهول كما قال
الرازيان ولا يفرح بذكر ابن حبان له بين الثقات فإن قاعدته معروفة من الاحتجاج بمن لا يعرف
تفرد بهذا الحديث عنه يعلى بن عطاء قال ابن القطان أما قوله حسن فخطأ انتهى كلام
الذهبي قلت الأمر كما قال الحافظ الذهبي قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث
رووه كلهم عن عمارة بن حديد عن صخر وعمارة بن حديد بجلى سئل عنه أبو حاتم الرازي
فقال مجهول وسئل عنه أبو زرعة فقال لا يعرف وقال أبو عمر النمري صخر بن وداعة
الغامدي وغامد في الأزد سكن الطائف وهو معدود في أهل الحجاز روى عنه عمارة بن حديد
وهو مجهول لم يرو عنه غير يعلى الطائفي ولا أعرف لصخر غير حديث بورك لأمتي في
بكورها وهو لفظ رواه جماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى كلامه قال المنذري وهو كما قال أبو عمر قد
رواه جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم منهم علي وابن عباس وابن مسعود وابن عمر وأبو هريرة
وأنس بن مالك وعبد الله بن سلام والنواس بن سمعان وعمران بن حصين وجابر بن عبد الله
وبعض أسانيده جيد ونبيط بن شريط وزاد في حديثه يوم خميسها وبريدة وأوس بن عبد الله
وعائشة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وفي كثير من أسانيدها مقال وبعضها حسن وقد
338

جمعتها في جزء وبسطت الكلام عليها وروى عائشة رضي الله عنها قالت قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم باكروا للغدو في طلب الرزق فإن الغدو بركة ونجاح رواه البزار والطبراني في
الأوسط وروي عن عثمان رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نوم الصبحة يمنع الرزق
رواه أحمد والبيهقي وغيرهما وأوردهما ابن عدي في الكامل وهو ظاهر النكارة وروي عن فاطمة
بنت محمد ورضي الله عنها قالت مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجعة متصبحة فحركني
برجله ثم قال يا بنية قومي اشهدي رزق ربك ولا تكوني من الغافلين فإن الله يقسم أرزاق
الناس ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس رواه البيهقي ورواه أيضا عن علي قال دخل
رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة بعد أن صلى الصبح وهي نائمة فذكره بمعناه وروى ابن ماجة من
حديث علي قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النوم قبل طلوع الشمس انتهى ما في الترغيب
باب ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل
وبوب الإمام البخاري في صحيحه بلفظ باب شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة قال ابن بطال
الشراء بالنسيئة جائز بالإجماع قال الحافظ في الفتح لعل المصنف يعني البخاري
تخيل أن أحدا يتخيل أنه صلى الله عليه وسلم لا يشتري بالنسيئة فأراد دفع ذلك التخيل انتهى قوله (ثوبين قطريين) كذا في
بعض النسخ وفي بعضها ثوبان قطريان وهو القياس قال في النهاية قطري بكسر القاف
ضرب من البرود فيه حمرة وله أعلام وفيه بعض خشونة (فقدم بز) هو ضرب من الثياب (إلى
الميسرة) أي مؤجلا إلى وقت اليسر (قد علمت ما يريد) ما استفهامية علق العلم أو موصولة
والعلم بمعنى العرفان (وآداهم) قال في المجمع بمد ألف أي أحسنهم وفاء انتهى قوله (وفي
الباب عن ابن عباس) أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة (وأنس) أخرجه البخاري وغيره
وأخرجه الترمذي أيضا (وأسماء ابنة يزيد) لينظر من أخرج حديثها قوله (حتى تقوموا إلى
339

حرمي بن عمارة) بن أبي حفصة وحرمي بفتح الحاء والراء المهملتين وبشدة التحتانية وإنما قال
شعبة للقوم لتقبيل رأسه لإعزازه وإكرامه لأنه هو ابن عمارة بن أبي حفصة الذي روى شعبة هذا
الحديث عنه قوله (ودرعه مرهونة) الواو للحال قوله (هذا حديث حسن صحيح) وقال
صاحب الاقتراح هو على شرط البخاري كذا في النيل (قال محمد) هو ابن بشار (مشيت إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبز شعير) قال الحافظ في الفتح وقع لأحمد من طريق شيبان عن قتادة عن
أنس لقد وعى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم على خبز شعير وإهالة سنخة فكأن اليهودي دعا النبي صلى الله عليه وسلم
على لسان أنس فلهذا قال مشيت إليه بخلاف ما يقتضيه ظاهره أنه أحضر ذلك إليه انتهى
(فإهالة) قال في القاموس الإهالة الشحم أو ما أذيب منه أو الزيت وكل ما أئتدم به (سنخة)
بفتح السين المهملة وكسر النون المتغيرة الريح (مع يهودي وفي بعض النسخ عند يهودي قال
العلماء والحكمة في عدوله صلى الله عليه وسلم عن معاملة مياسير الصحابة إلى معاملة اليهود إما بيان الجواز أو
لأنهم لم يكن عندهم إذ ذاك طعام فاضل عن حاجتهم أو خشي أنهم لا يأخذون منه ثمنا أو
عوضا والله تعالى أعلم (بعشرين صاعا) وفي رواية للشيخين بثلاثين صاعا من شعير ولعله
رهنه أول الأمر في عشرين ثم استزاده عشرة فرواه الراوي تارة على ما كان الرهن عليه أولا
وتارة على ما كان عليه آخرا وقال في الفتح لعله كان دون الثلاثين فجبر الكسر تارة وألقى الجبر
أخرى انتهى (ولقد سمعته ذات يوم يقول) قال الحافظ في الفتح هو كلام أنس والضمير في
340

سمعته للنبي صلى الله عليه وسلم أي قال ذلك لما رهن الدرع عند اليهودي مظهرا للسبب في شرائه إلى أجل
وذهل من زعم أنه كلام قتادة وجعل الضمير في سمعته لأنس لأنه إخراج للسياق عن ظاهره بغير
دليل انتهى (وإن عنده يومئذ لتسع نسوة) قال الحافظ مناسبة ذكر أنس لهذا القدر مع ما قبله
الإشارة إلى سبب قوله صلى الله عليه وسلم هذا وأنه لم يقله متضجرا ولا شاكيا معاذ الله من ذلك وإنما قاله
معتذرا عن إجابة دعوة اليهودي ولرهنه عنده درعه انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح)
وأخرجه البخاري وغيره
باب ما جاء في كتابة الشروط
(أخبرنا عباد بن ليث) أبو الحسن البصري صدوق يخطئ من التاسعة (صاحب
الكرابيس) ويقال له الكرابيسي أيضا والكرابيس جمع كرباس بالكسر ثوب من القطن الأبيض
معرب فارسيته بالفتح غيروه لعزة (1) فعلال والنسبة كرابيسي كأنه شبه بالأنصاري وإلا فالقياس
كرباسي كذا في القاموس (قال لي العداء) بفتح العين المهملة وتشديد الدال المهملة أيضا وآخره
همزة بوزن الفعال صحابي قليل الحديث أسلم بعد حنين (بن هوذه) بفتح الهاء وسكون الواو هو
ابن ربيعة بن عمرو بن عامر بن صعصعة قوله (لاداء) قال المطرزي المراد به الباطن سواء ظهر
منه شئ أم لا كوجع الكبد والسعال وقال ابن المنير لاداء أي يكتمه البائع وإلا فلو كان بالعبد
داء وبينه البائع كان من بيع المسلم للمسلم ومحصله أنه لم يرد بقوله لاداء نفي الداء مطلقا بل
نفي داء مخصوص وهو ما لم يطلع عليه (ولا غائله) قيل المراد بها الإباق وقال ابن بطال هو من
قولهم اغتالني فلان إذا احتال بحيلة سلب بها مالي (ولا خبثة) بكسر الخاء المعجمة وبضمها
وسكون الموحدة وبعدها مثلثة قيل المراد الأخلاق الخبيثة كالإباق وقال صاحب العين هي
341

الدنية وقيل المراد الحرام كما عبر عن الحلال بالطيب وقيل الداء ما كان في الخلق بفتح
الخاء والخبثة ما كان في الخلق بضمها والغائلة سكوت البائع عن بيان ما يعلم من مكروه في
المبيع قاله ابن العربي كذا في النيل (بيع المسلم المسلم) المسلم الأول بالجر فاعل والثاني
بالنصب مفعول والمعنى أن هذا بيع المسلم المسلم ليس فيه شئ مما ذكر من الداء والغائلة
والخبثة قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه النسائي وابن ماجة وابن الجارود وعلقه
البخاري
باب ما جاء في المكيال والميزان
قوله (إنكم قد وليتم) بضم الواو وتشديد اللام المكسورة (أمرين) أي جعلتم حكاما في
أمرين أي الوزن والكيل وإنما قال أمر بن أبهمة ونكره ليدل على التفخيم ومن ثم قيل في
حقهم ويل للمطففين (هلكت فيه) كذا في نسخ الترمذي وفي المشكاة فيهما وهو الظاهر (الأمم
السالفة قبلكم) كقوم شعيب على نبينا وعليه الصلاة والسلام كانوا يأخذون من الناس تاما وإذا
أعطوهم أعطوهم ناقصا قوله (وحسين بن قيس يضعف في الحديث) في التقريب حسين بن
قيس الرجي أبو علي الواسطي لقبه حنش متروك من السادسة (وقد روي هذا بإسناد صحيح
موقوفا عن ابن عباس) قال المنذري في الترغيب بعد ذكر حديث الباب رواه الترمذي والحاكم
كلاهما من طريق حسين بن قيس عن عكرمة عنه أي عن ابن عباس وقال الحاكم صحيح
الإسناد قال الحافظ المنذري كيف وحسين بن قيس متروك والصحيح عن ابن عباس
موقوف كذا قاله الترمذي وغيره انتهى
342

باب ما جاء في بيع من يزيد
قوله (باع حلسا) بكسر الحاء المهملة وسكون اللام كساء يوضع على ظهر البعير تحت
القتب لا يفارقه والحلس البساط أيضا ومنه كن حلس بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أميتة
قاضية (وقدحا) بفتحتين أي أراد بيعهما وقضيته أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم صدقة فقال له هل
لك شئ فقال ليس لي إلا حلس وقدح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعهما وكل ثمنهما ثم إذا لم يكن
لك شئ فسل الصدقة فباعهما كذا في المرقاة (من يزيد على درهم الخ) فيه جواز الزيادة
على الثمن إذا لم يرض البائع بما عين الطالب قال النووي رحمه الله هذا ليس بسوم لأن السوم
هو أن يقف الراغب والبائع على البيع ولم يعقداه فيقول الآخر للبائع أنا أشتريه وهذا حرام بعد
استقرار الثمن وأما السوم بالسلعة التي تباع لمن يزيد فليس بحرام قوله (هذا حديث حسن) وأعله
ابن القطان بجهل حال أبي بكر الحنفي ونقل عن البخاري أنه قال لا يصح حديثه كذا في
التلخيص والحديث رواه أحمد وأبو داود مطولا ورواه أبو داود أيضا والترمذي والنسائي مختصرا
قاله الحافظ قوله (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم لم يروا بأسا ببيع من يزيد في الغنائم
والمواريث) حكى البخاري عن عطاء أنه قال أدركت الناس لا يرون بأسا في بيع المغانم في من
يزيد ووصله ابن أبي شيبة عن عطاء ومجاهد وروى هو وسعيد بن منصور عن مجاهد قال لا
بأس ببيع من يزيد وكذلك كانت تباع الأخماس قال ابن العربي لا معنى لاختصاص الجواز
بالغنيمة والميراث فإن الباب واحد والمعنى مشترك انتهى قال الحافظ وكان الترمذي يقيد بما ورد
343

في حديث ابن عمر الذي أخرجه ابن خزيمة وابن الجارود والدارقطني من طريق زيد بن أسلم عن
ابن عمر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع أحدكم على بيع أحد حتى يذر إلا الغنائم والمواريث وكأنه
خرج على الغالب فيما يعتاد فيه البيع مزايدة وهي الغنائم والمواريث ويلتحق بهما غيرهما للاشتراك
في الحكم وقد أخذ بظاهره الأوزاعي وإسحاق فخصا الجواز ببيع المغانم والمواريث وعن
إبراهيم النخعي أنه كره بيع من يزيد انتهى وقال العيني في عمدة القاري أما البيع والشراء
فمن يزيد فلا بأس فيه في الزيادة على زيادة أخيه وذلك لما رواه الترمذي من حديث أنس ثم ذكر
العيني حديث الباب ثم قال وهو قول مالك والشافعي وجمهور أهل العلم وكره بعض أهل العلم
الزيادة على زيادة أخيه ولم يروا صحة هذا الحديث وضعفه الأزدي بالأخضر بن عجلان في سنده
وحجة الجمهور على تقدير عدم الثبوت أنه لو ساوم وأراد شراء سلعته وأعطى فيها ثمنا لم
يرض به صاحب السلعة ولم يركن إليه ليبيعه فإنه يجوز لغيره طلب شراؤها قطعا ولا يقول أحد
إنه يحرم السوم بعد ذلك قطعا كالخطبة على خطبة أخيه إذا رد الخاطب الأول لأنه لا فرق بين
الموضعين وذكر الترمذي عن بعض أهل العلم جواز ذلك يعني بيع من يزيد في الغنائم
والمواريث قال العيني روى الدارقطني من رواية ابن لهيعة قال حدثنا عبيد الله بن جعفر عن
زيد بن أسلم عن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المزايدة ولا بيع أحدكم على بيع أخيه
إلا الغنائم والمواريث ثم رواه من طريقين آخرين أحدهما عن الواقدي مثله وقال شيخنا يعني
الحافظ زين الدين العراقي رحمه الله والظاهر أن الحديث خرج على الغالب وعلى ما كانوا
يعتادون فيه مؤايدة وهي الغنائم والمواريث فإنه وقع البيع في غيرهما مزايدة فالمعنى واحد كما قاله
ابن العربي انتهى كلام العيني قلت من كره بيع من يزيد لعله تمسك بما رواه البزار من حديث
سفيان بن وهب سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع المزايدة لكنه حديث ضعيف فإن في إسناده ابن
لهيعة وهو ضعيف
باب ما جاء في بيع المدبر
اسم مفعول من التدبير وهو تعليق العتق بالموت قوله (أن رجلا من الأنصار) في مسلم أنه أبو
مذكور الأنصاري والغلام اسمه يعقوب ولفظ أبي داود أن رجلا يقال له أبو مذكور أعتق غلاما
يقال له يعقوب (دبر غلاما له) بأن قال أنت حر بعد موتي (فمات ولم يترك مالا غيره) قال العيني
344

في عمدة القاري هذا مما نسب به سفيان بن عيينة إلى الخطأ أعني قوله فمات ولم يكن سيده مات
كما هو مصرح به في الأحاديث الصحيحة وقد بين الشافعي خطأ ابن عيينة فيها بعد أن رواه
عنه وقال البيهقي من طريق شريك عن سلمة بن كهيل عن عطاء وأبي الزبير عن جابر أن
رجلا مات وترك مدبرا ودينا ثم قال البيهقي وقد اجمعوا على خطأ شريك في ذلك وقال شيخنا يعني
الحافظ العراقي وقد رواه الأوزاعي وحسين المعلم وعبد المجيد بن سهيل كلهم عن عطاء لم يذكر
أحد منهم هذه اللفظة بل صرحوا بخلافها انتهى (فاشتراه نعيم) بضم النون مصغرا ابن النحام
بفتح النون وتشديد الحاء المهملة (قال جابر عبدا قبطيا) أي كان ذلك الغلام عبدا قبطيا وهو
يعقوب القبطي (مات) أي ذلك الغلام (عام الأول في إمارة ابن الزبير) أي في العام الأول من
إمارة ابن الزبير قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة قوله (لم يروا بأسابيع المدبر
وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) قال الشوكاني في النيل والحديث يدل على جواز بيع المدبر
مطلقا من غير تقييد بالفسق والضرورة وإليه ذهب الشافعي وأهل الحديث ونقله البيهقي في
المعرفة عن أكثر الفقهاء وحكى النووي عن الجمهور أنه لا يجوز بيع المدبر مطلقا والحديث يرد
عليهم انتهى
باب ما جاء في كراهية تلقي البيوع
أي المبيعات وأصحابها قال في مجمع البحار هو أن يستقبل المصري البدوي قبل وصوله إلى
البلد ويخبره بكساد ما معه كذبا ليشتر منه سلعته بالوكس وأقل من الثمن انتهى قوله (أنه نهى
عن تلقي البيوع) فيه دليل على أن التلقي محرم وقد ذهب إلى الأخذ بظاهر الحديث الجمهور
فقالوا لا يجوز تلقي البيوع والركبان وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة أنه أجاز التلقي وتعقبه
345

لحافظ بأن الذي في كتب الحنفية أنه يكره التلقي في حالتين أن يضر بأهل البلد وأن يلبس السعر
على الواردين انتهى قوله (وفي الباب عن علي وابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وابن عمر
ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) أما حديث علي فلينظر من أخرجه وأما حديث ابن عباس فأخرجه
الشيخان وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الجماعة وأما حديث أبي سعيد فلينظر من أخرجه
وأما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان وأما حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم فلم أقف عليه قوله (نهى أن يتلقى) بصيغة المجهول (الجلب) بفتح اللام مصدر بمعنى اسم المفعول أي
المجلوب يقال جلب الشئ جاء به من بلد إلى بلد للتجارة (فإن تلقاه) أي الجلب (إنسان
فابتاعه) أي اشتراه (فصاحب السلعة بالخيار إذا ورد السوق) قال صاحب المنتقى فيه دليل على
صحة البيع انتهى واختلفوا هل يثبت له الخيار مطلقا أو بشرط أن يقع له في البيع غبن ذهبت
الحنابلة إلى الأول وهو الأصح عند الشافعية وهو الظاهر وظاهره أن النهي لأجل
منفعة البائع وإزالة الضرر عنه وصيانته ممن يخدعه قال ابن المنذر وحمله مالك على نفع أهل
السوق لا على نفع رب السلعة وإلى ذلك جنح الكوفيون والأوزاعي قال والحديث حجة
للشافعي أنه أثبت الخيار للبائع لا لأهل السوق انتهى وقد احتج مالك ومن معه بما وقع في
رواية من النهي عن تلقي السلع حتى تهبط الأسواق وهذا لا يكون دليلا لمدعاهم لأنه يمكن أن يكون ذلك يخدع ولا مانع
من أن يقال العلة في النهي مراعاة نفع البائع ونفع أهل السوق انتهى ما في النيل قوله (هذا
حديث حسن غريب الخ) أخرجه الجماعة إلا البخاري (وحديث ابن مسعود حديث حسن
صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (وقد كره قوم من أهل العلم تلقي البيوع الخ) وهو الحق
عندي والله تعالى أعلم
346

باب ما جاء لا يبيع حاضر لباد
قوله (لا يبيع حاضر لباد) الحاضر ساكن الحضر والبادي ساكن البادية قال في
القاموس الحضر والحاضرة والحضارة وتفتح خلاف البادية والحضارة الإقامة في الحضر ثم قال
والحاضر خلاف البادي وقال في البدو والبادية والباداة والبداوة خلاف الحضر وتبدى أقام بها
وتبادى تشبه بأهلها والنسبة بداوي وبدوي وبدا القوم خرجوا إلى البادية انتهى قال النووي
هذه الأحاديث تتضمن تحريم بيع الحاضر للبادي وبه قال الشافعي والأكثرون قال أصحابنا
والمراد به أن يقدم غريب من البادية أو من بلد آخر بمتاع تعم الحاجة إليه ليبيعه بسعر يومه فيقول له
البلدي اتركه عندي لأبيعه على التدريج بأغلى قال أصحابنا وإنما يحرم بهذه الشروط وبشرط أن
يكون عالما بالنهي فلو لم يعلم النهي وكان المتاع مما لا يحتاج في البلد أو لا يؤثر فيه لقلة ذلك
المجلوب لم يحرم ولو خالف وباع الحاضر للبادي صح البيع مع التحريم هذا مذهبنا وبه قال
جماعة من المالكية وغيرهم وقال بعض المالكية بفسخ البيع ما لم يفت وقال عطاء ومجاهد وأبو
حنيفة يجوز بيع الحاضر للبادي مطلقا لحديث الدين النصيحة قالوا وحديث النهي عن بيع
حاضر لباد منسوخ وقال بعضهم إنه على كراهة التنزيه بمجرد الدعوى انتهى كلام النووي
وقال في سبل السلام وكل هذه القيود لا يدل عليها الحديث بل استنبطوها من تعليلهم للحديث
بعلل متصيدة من الحكم قال ودعوى النسخ غير صحيحة لافتقاره إلى معرفة التاريخ وحديث
النصيحة مشروط فيه أنه إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له فإذا استنصحه نصحه بالقول
لأنه يتولى له البيع قوله (وفي الباب عن طلحة) أخرجه أبو داود (وأنس) أخرجه الشيخان
(وجابر) أخرجه مسلم (وابن عباس) أخرجه الشيخان (وحكيم بن أبي يزيد عن أبيه) أخرجه
أحمد وذكره الحافظ في الفتح وسكت عنه وأما حديث عمرو بن عوف وحديث رجل من
347

أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلم أقف عليهما قوله (وهو الناس) أي اتركوهم ليبيعوا متاعهم رخيصا
(يرزق الله بعضهم من بعض) بكسر القاف عل أنه مجزوم في جواب الأمر وبضمها على أنه
مرفوع قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان (حديث جابر في هذا
هو حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم قوله (ورخص بعضهم في أن يشتري حاضر لباد)
قال العيني وقد اختلف العلماء في شراء الحاضر للبادي فكرهت طائفة كما كرهوا البيع له
واحتجوا بأن البيع في اللغة يقع على الشراء كما يقع الشراء على البيع كقوله تعالى وشروه بثمن
بخس أي باعوه وهو من الأضداد وروي ذلك عن أنس وأجازت طائفة الشراء لهم وقالوا
إن النهي إنما جاء في البيع خاصة ولم يعدوا ظاهر اللفظ وروي ذلك عن الحسن البصري رحمه
الله واختلف قول مالك في ذلك فمرة قال لا يشتري له ولا يشتري عليه ومرة أجاز الشراء له
وبهذا قال الليث والشافعي وقال الكرماني قال إبراهيم والعرب تطلق البيع على الشراء ثم قال
الكرماني هذا صحيح على مذهب من جوز استعمال اللفظ المشترك في معنييه اللهم إلا أن يقال
البيع والشراء ضدان فلا يصح إرادتهما معا فإن قلت فما توجيهه قلت وجهه أن يحمل على عموم
المجاز انتهى قال العيني قول إبراهيم المذكور ليس مبنيا على أنه مشترك واستعمل في معنييه
بل هما من الأضداد انتهى كلام العيني
باب ما جاء في النهي عن المحاقلة والمزابنة
يأتي تفسيرهما عن الترمذي قوله (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة) قد جاء
348

تفسير المحاقلة والمزابنة في الحديث وهو المعتمد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر قال نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة أن يبيع تمر حائطة إن كان نخلا بتمر كيلا وإن كان كرما أن يبيعه
بزبيب كيلا وعند مسلم وإن كان زرعا أن يبيعه بكيل طعام نهى عن ذلك كله وفي رواية
لهما نهى عن المزابنة قال والمزابنة أن يباع ما في رؤوس النخل بتمر بكيل مسمى إن زاد فلي
وإن نقص فعلى وعن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة والمحاقلة والمزابنة والمحاقلة أن يبيع الرجل الزرع
بمائة فرق حنطة الحديث رواه مسلم كذا في المشكاة قوله (وفي الباب عن ابن عمر وابن عباس
وزيد بن ثابت وسعد وجابر ورافع بن خديج وأبي سعيد) أما حديث ابن عمر وجابر فقد تقدم آنفا
وأما حديث ابن عباس فأخرجه البخاري وأما حديث زيد بن ثابت فلينظر من أخرجه وأما حديث
سعد فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث رافع بن خديج فلينظر من أخرجه وأما حديث أبي
سعيد فأخرجه الشيخان قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم قوله
(والمحاقلة بيع الزرع بالحنطة) قال الجزري في النهاية المحاقلة مختلف فيها قيل هي اكتراء
الأرض بالحنطة هكذا جاء مفسرا في الحديث وهو الذي يسميه الزراعون بالمحارثة وقيل هي
المزارعة على نصيب معلوم كالثلث والربع ونحوهما وقيل هي بيع الطعام في سنبلة بالبر وقيل بيع
الزرع قبل إدراكه وإنما نهى عنها لأنها من المكيل ولا يجوز فيه إذا كانا من جنس واحد
إلا مثلا بمثل ويدا بيد وهذا مجهول لا يدري أيهما أكثر وفيه النسيئة انتهى (والمزابنة بيع
الثمر على رؤوس النخل بالتمر) قال الجزري في النهاية المحاقلة مفاعلة من الحقل وهو الزرع إذا
تشعب قبل أن يغلظ سوقه وقيل هو من الحقل وهي الأرض التي تزرع ويسميه أهل العراق
القراح انتهى قوله (أن زيدا أبا عياش) قال الحافظ في التقريب زيد ابن عياش بالتحتانية أبو
عياش المدني صدوق من الثالثة (سأل سعدا) هو ابن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه (عن البيضاء
بالسلت) وفي رواية الموطأ للإمام محمد عمن اشترى البيضاء بالسلت والبيضاء هو الشعير كما في
رواية ووهم وكيع فقال عن مالك الذرة ولم يقله غيره والعرب تطلب البيضاء على الشعير
349

والسمراء على البر كذا قال ابن عبد البر والسلت بضم السين وسكون اللام ضرب من الشعير
لا قشر له يكون في الحجاز قاله الجوهري كذا في التعليق الممجد قال الجزري في النهاية
البيضاء الحنطة وهي السمراء أيضا وقد تكرر ذكرها في البيع والزكاة وغيرهما وإنما كره ذلك لأنهما
عنده جنس واحد وخالفه غيره انتهى وقال السلت ضرب من الشعير أبيض لا قشر له وقيل هو
نوع من الحنطة والأول أصح لأن البيضاء الحنطة انتهى وقال في حاشية موطأ الإمام مالك
البيضاء نوع من البر أبيض وفيه رخاوة تكون ببلاد مصر والسلت نوع من الشعير لا قشر له تكون
في الحجاز وحكى الخطابي عن بعضهم أنه قال البيضاء هو الرطب من السلت والأول أعرف إلا
أن هذا القول أليق بمعنى الحديث وعليه يدل موضع التشبيه من الرطب بالتمر ولو اختلف
الجنس لم يصح التشبيه وفي الغريبين السلت هو حب الحنطة والشعير لا قشر له انتهى وفي
القاموس البيضاء هو الحنطة والرطب من السلت انتهى (فنهى عن ذلك) فيه تأمل فتأمل وتفكر
(أينقص الرطب إذا يبس) بهمزة الاستفهام فنهى عن ذلك قال الإمام محمد في موطأه بعد رواية
هذا الحديث وبهذا نأخذ لا خير في أن يشتري الرجل قفيز رطب بقفيز من تمر يدا بيد لأن
الرطب ينقص إذا جف فيصير أقل من قفيز فلذلك فسد البيع فيه انتهى وبه قال أحمد والشافعي
ومالك وغيرهم وقالوا لا يجوز بيع التمر بالرطب لا متفاضلا ولا متماثلا يدا بيد كان أو نسيئة وأما
التمر بالتمر والرطب بالرطب فيجوز ذلك متماثلا لا متفاضلا يدا بيد لا نسيئة وفيه خلاف أبي
حنيفة حيث جوز بيع التمر بالرطب متماثلا إذا كان يدا بيد لأن الرطب تمر وبيع التمر بالتمر جائز
متماثلا من غير اعتبار الجودة والرداءة وقد حكى عنه أنه لما دخل بغداد سألوه عن هذا وكانوا
أشداء عليه لمخالفته الخبر فقال الرطب إما أن يكون تمرا أو لم يكن تمرا فإن كان تمرا جاز لقوله
صلى الله عليه وسلم التمر بالتمر مثلا بمثل وإن لم يكن تمرا جاز لحديث إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم
فأوردوا عليه الحديث فقال مداره على زيد بن عياش وهو مجهول أو قال ممن لا يقبل حديثه
واستحسن أهل الحديث هذا الطعن منه حتى قال ابن المبارك كيف يقال إن أبا حنيفة لا يعرف
الحديث وهو يقول زيد ممن لا يقبل حديثه قال ابن الهمام في الفتح رد ترديده بأن ههنا قسما ثالثا
وهو أنه من جنس التمر ولا يجوز بيعه بالآخر كالحنطة المقلية بغير المقلية لعدم تسوية الكيل بهما
فكذا الرطب والتمر لا يسويهما الكيل وإنما يسوي في حال اعتدال البدلين وهو أن يجف الآخر
وأبو حنيفة يمنعه ويعتبر التساوي حال العقد وعروض النقص بعد ذلك لا يمنع من المساواة في
الحال إذا كان موحيه أمرا خلقيا وهو زيادة الرطوبة بخلاف المقلية بغيرها فإنه في الحال يحكم لعدم
350

التساوي لاكتناز أحدهما وتخلخل الآخر ورد طعنه في زيد بأنه ثقة كما مر وقد يجاب أيضا بأنه على
تقدير صحته السند فالمراد النهي نسيئة فإنه ثبت في حديث أبي عياش هذا زيادة نسيئة أخرجه
أبو داود عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن يزيد أن أبا عياش أخبره أنه سمع سعدا يقول نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر نسيئة وأخرجه الحاكم والطحاوي في شرح معاني الآثار
ورواه الدارقطني وقال اجتماع هؤلاء الأربعة يعني مالكا وإسماعيل ابن أمية والضحاك بن عثمان
وآخر على خلاف ما رواه يحيى بن أبي كثير يدل على ضبطهم للحديث وأنت تعلم أن بعد صحة
هذه الرواية يجب قبولها لأن المذهب المختار عند المحدثين هو قبول الزيادة وإن لم يروها الأكثر إلا
في زيادة تفرد بها بعض الحاضرين في المجلس فإن مثله مردود كما كتبناه في تحرير الأصول وما
نحن فيه لم يثبت أنه زيادة في مجلس واحد لكن يبقى قوله في تلك الرواية الصحيحة أينقص
الرطب إذا جف عريا عن الفائدة إذا كان النهي عنه للنسيئة انتهى كلام ابن الهمام وهذا غاية
التوجيه في المقام مع ما فيه من الإشارة إلى ما فيه وللطحاوي كلام من شرح معاني الآثار مبني على
ترجيح رواية النسيئة وهو خلاف جمهور المحدثين وخلاف سياق الرواية أيضا ولعل الحق
لا يتجاوز عن قولهما وقول الجمهور كذا في التعليق الممجد قوله (هذا حديث حسن صحيح)
وأخرجه مالك في الموطأ وأصحاب السنن وقد أعل أبو حنيفة هذا الحديث من أجل زيد بن
عياش وقال مداره على زيد بن عياش وهو مجهول وكذا قال ابن حزم وتعقبوهما بأن الحديث
صحيح وزيد ليس بمجهول قال الزرقاني زيد كنيته أبو عياش واسم أبيه عياش المدني تابعي
صدوق نقل عن مالك أنه مولى سعد بن أبي وقاص وقيل إنه مولى بني مخزوم وفي تهذيب
التهذيب زيد بن عياش أبو عياش الزرقي ويقال المخزومي روى عن سعد وعنه عبد الله بن يزيد
وعمران بن أنيس ذكره ابن حبان في الثقات وصحح الترمذي وابن خزيمة وابن حبان حديث
المذكور وقال الدارقطني ثقة وقال الحاكم في المستدرك هذا حديث صحيح لإجماع أئمة النقل
على إمامة مالك وأنه محكم في كل ما يرويه إذا لم يوجد في روايته إلا الصحيح خصوصا في رواية
أهل المدينة والشيخان لم يخرجاه لما خشيا من جهالة زيد انتهى وفي فتح القدير شرح الهداية قال
صاحب التنقيح زيد بن عياش أبو عياش الزرقي المدني ليس به بأس ومشائخنا ذكروا عن أبي
حنيفة بأنه مجهول ورد طعنه بأنه ثقة وروى عنه مالك في الموطأ وهو لا يروي عن مجهول وقال
المنذري كيف يكون مجهولا وقد روى عنه ثقتان عبد الله بن يزيد وعمران بن أبي أنيس وهما مما
احتج بهما مسلم في صحيحه وقد عرفه أئمة هذا الشأن وأخرج حديثه مالك مع شدة تحريه في
351

الرجال وقال ابن الجوزي في التحقيق قال أبو حنيفة إنه مجهول فإن كان هو لم يعرفه فقد عرفه
أئمة النقل انتهى وفي غاية البيان شرح الهداية نقلوا تضعيفه عن أبي حنيفة ولكن لم يصح
ضعفه في كتب الحديث فمن أدعى فعليه البيان انتهى وفي البناية للعيني عنه قول صاحب
الهداية زيد بن عياش ضعيف عند النقلة هذا ليس بصحيح بل هو ثقة عند النقلة انتهى كذا في
التعليق الممجد قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم وهو قول الشافعي وأصحابنا) وهو
الحق والصواب وقد عرفت قول الإمام أبي حنيفة وما فيه من الكلام
باب ما جاء في كراهية بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها
قوله (حتى يزهو) يقال زها النخل يزهو إذا ظهرت ثمرته وأزهى يزهي إذا أحمر أو أصفر
وقيل هما بمعنى الاحمرار والاصفرار منهم من أنكر يزهو ومنهم من أنكر يزهي وفي صحيح
البخاري في حديث أنس قلنا لأنس ما زهوها قال تحمر أو تصفر وقال الزيلعي في نصب الراية
يستعمل زها وأزهى ثلاثيا ورباعيا قال في الصحاح يقال زهى النخل يزهو إذا بدت فيه الحمرة
أو الصفرة وأزهى لغة حكاها أبو زيد ولم يعرفها الأصمعي ووقع رباعيا في الصحيح وثلاثيا عند
مسلم كلاهما من حديث أنس انتهى كلام الزيلعي (حتى يبيض) أي يشتد حبه (ويأمن العاهة)
أي الآفة والجملة من باب عطف التفسير قوله (وفي الباب عن أنس) أخرجه البخاري
ومسلم (وعائشة) أخرجه الدارقطني في العلل بلفظ نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة كذا
في التلخيص (وأبي هريرة) أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجة (وابن عباس) أخرجه
الدارقطني بلفظ نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يباع ثمر حتى يطعم الحديث (وجابر) أخرجه البخاري
ومسلم وأبو داود أبي (سعيد) لينظر من أخرجه (وزيد بن ثابت) أخرجه أبو داود وذكره البخاري
352

تعليقا قوله (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري وابن ماجة
قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم كرهوا بيع الثمار قبل
بدو صلاحها وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) كذا قال الترمذي وقال الحافظ في الفتح قد
اختلف في ذلك على أقوال فقيل يبطل مطلقا وهو قول ابن أبي ليلى والثوري ووهم من نقل
الإجماع على البطلان وقيل يجوز مطلقا ولو شرط التبقية وهو قول يزيد بن أبي حبيب ووهم
من نقل الإجماع فيه أيضا وقيل إن شرط القطع لم يبطل وإلا بطل وهو قول الشافعي وأحمد
والجمهور ورواية عن مالك وقيل يصح إن لم يشترط التبقية والنهي فيه محمول على بيع الثمار
قبل أن توجد أصلا وهو قول أكثر الحنفية وقيل هو على ظاهره لكن النهي فيه للتنزيه انتهى ما في
الفتح وقال الشوكاني في النيل اعلم أن ظاهر أحاديث الباب وغيرها المنع من بيع الثمر قبل
الصلاح وإن وقوعه في تلك الحالة باطل كما هو مقتضى النهي ومن ادعى أن مجرد شرط القطع
يصحح البيع قبل الصلاح فهو محتاج إلى دليل يصلح لتقييد أحاديث النهي ودعوى الإجماع على
ذلك لا صحة لها كما عرفت من أن أهل القول الأول يقولون بالبطلان مطلقا وقد عول المجوزون
مع شرط القطع في الجواز على علل مستنبطة فجعلوها مقيدة للنهي وذلك مما لا يفيد من لم يسمح
بمفارقة النصوص لمجرد خيالات عارضة وشبه واهية تنهار بأيسر تشكيك فالحق ما قاله الأولون
من عدم الجواز مطلقا وظاهر النصوص أيضا أن البيع بعد ظهور الصلاح صحيح سواء شرط
البقاء أو لم يشرط لأن الشارع قد جعل النهي ممتدا إلى غاية بدو الصلاح وما بعد الغاية مخالف لما
قبلها ومن ادعى أن شرط البقاء مفسد فعليه الدليل ولا ينفعه في المقام ما ورد من النهي عن بيع
وشرط لأنه يلزمه في تجويزه للبيع قبل الصلاح مع شرط القطع وهو بيع وشرط وأيضا ليس كل
شرط في البيع منهيا عنه فإن اشتراط جابر بعد بيعه للجمل أن يكون له ظهره إلى المدينة قد
صححه الشارع وهو شبيه بالشرط الذي نحن بصدده انتهى كلام الشوكاني قوله (حتى
يسود) بتشديد الدال أي يبدو صلاحه زاد مالك في الموطأ فإنه إذا اسود ينجو عن العاهة (حتى
353

يشتد) اشتداد الحب قوته وصلابته قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود وابن ماجة
وسكت عنه أبو داود وأقر المنذري تحسين الترمذي
باب ما جاء في بيع حبل الحبلة
بفتح المهملة والموحدة وقيل في الأول بسكون الموحدة وغلط عياض وهو مصدر حبلت
تحبل حبلا والحبلة جمع حابل مثل ظلمة وظالم ويجئ تفسير حبل الحبلة من الترمذي قوله
(نهى عن بيع حبل الحبلة) كذا روى الترمذي الحديث بدون التفسير ورواه البخاري ومسلم مع
التفسير هكذا نهى عن بيع حبل الحبلة وكان بيعا يتبايعه أهل الجاهلية كان الرجل يبتاع الجزور
إلى أن تنت الناقة ثم تنتج التي في بطنها وأخرج البخاري في صحيحه في أيام الجاهلية من طريق
عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال كان أهل الجاهلية يتبايعون لحم الجز وإلى حبل
الحبلة وحبل الحبلة أن تنتج الناقة ما في بطنها ثم تحمل التي نتجت فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
ذلك فظاهر هذا السياق أن هذا التفسير من كلام ابن عمر ولهذا جزم ابن عبد البر بأنه من تفسير
ابن عمر كذا في الفتح قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عباس) أخرجه الطبراني في معجمه
ذكره الزيلعي (وأبي سعيد الخدري) أخرجه ابن ماجة قوله (حديث ابن عمر حديث حسن
صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم قوله (وحبل الحبلة نتاج النتاج) أي أولاد الأولاد اعلم أن
لحبل الحبلة تفسيرين مشهورين أحدهما ما قال به مالك والشافعي وجماعة وهو أن يبيع بثمن
إلى أن يلد ولد الناقة وقال بعضهم أن يبيع بثمن إلى أن تحمل الدابة وتلد ويحمل ولدها وبه
جزم أبو إسحاق في التنبيه فلم يشترط وضع حبل الولد وعلة النهي على هذا التفسير الجهالة في
الأجل
وثانيهما ما قال به أبو عبيدة وأبو عبيد وأحمد وإسحاق وابن حبيب المالكي وأكثر أهل اللغة
وبه جزم الترمذي هو بيع ولد نتاج الدابة وعلة النهي على هذا التفسير أنه بيع معدوم ومجهول
وغير مقدور على تسليمه فيدخل في بيوع الغرر قال الحافظ ورجح الأول لكونه موافقا للحديث
354

وإن كان كلام أهل اللغة موافقا للثاني وقال ابن التين محصل الخلاف هل المراد
البيع إلى أجل أو بيع الجنين وعلى الأول هل المراد بالأجل ولادة الأم أو ولادة ولدها وعلى الثاني هل المراد بيع
الجنين الأول أو بيع الجنين فصارت أربعة أقوال انتهى وقال النووي التفسير الثاني
أقرب إلى اللغة لكن الراوي وهو ابن عمر قد فسره بالتفسير الأول وهو أعرف ومذهب
الشافعي ومحقق الأصوليين أن تفسير الراوي مقدم إذا لم يخالف الظاهر انتهى (وهو بيع مفسوخ)
أي ممنوع ومنهى عنه (وهو من بيوع الغرر) هذا على تفسير الترمذي وأما على تفسير غير الترمذي
فعلة النهي جهالة الثمن
باب ما جاء في كراهية بيع الغرر
بفتح الغين المعجمة والراء الأولى أي ما لا يعلم عاقبته من الخطر الذي لا يدري أيكون أم
لا كبيع الآبق والطير في الهواء والسمك في الماء والغائب المجهول ومجمله أن يكون المعقود
عليه مجهولا أو معجوزا عنه مما انطوى بعينه من غر الثوب أي طيه أو من الغرة بالكسر أي الغفلة
أو من الغرور قوله (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر) قال النووي النهي عن بيع الغرر
أصل عظيم من أصول كتاب البيوع ويدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة كبيع الآبق والمعدوم
والمجهول وما لا يقدر على تسليمه وما لم يتم ملك البائع عليه وبيع السمك في الماء الكثير
واللبن في الضرع وبيع الحمل في البطن وبيع بعض الصبرة مبهما وبيع ثوب من أثواب
وشاة من شياه ونظائر ذلك وكل هذا بيع باطل لأنه غرر من غير حاجة وقد يحتمل بعض
الغرر بيعا إذا دعت إليه حاجة كالجهل بأساس الدار وكما إذا باع الشاة الحامل والتي في ضرعها
لبن فإنه يصح البيع لأن الأساس تابع للظاهر من الدار ولأن الحاجة تدعو إليه فإنه لا يمكن رؤيته
355

وكذا القول في حمل الشاة ولبنها وكذلك أجمع المسلمون على جواز أشياء فيها غرر حقير منها
أنهم أجمعوا على صحة بيع الجبة المحشوة وإن لم ير حشوها ولو بيع حشوها بانفراده لم يجز وأجمعوا
على جواز إجارة الدار والدابة والثوب ونحو ذلك شهرا مع أن الشهر قد يكون ثلاثين يوما وقد
يكون تسعة وعشرين وأجمعوا على جواز دخول الحمام بالأجرة مع اختلاف الناس في استعمالهم
الماء وفي قدر مكثهم قال العلماء مدار البطلان بسبب الغرر والصحة مع وجوده على ما ذكرناه
وهو أنه إن دعت حاجة إلى ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة وكان الغرر حقير
جاز البيع وإلا فلا واعلم أن بيع الملامسة وبيع المنابذة وبيع حبل الحبلة وبيع الحصاة وعسب
الفحل وأشباهها من البيوع التي جاء فيها نصوص خاصة هي داخلة في النهي عن بيع الغرر
ولكن أفردت بالذكر ونهى عنها لكونها من بياعات الجاهلية المشهورة انتهى كلام النووي (وبيع
الحصاة) فيه ثلاث تأويلات
أحدها أن يقول بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه الحصاة التي أرميها أو بعتك من
هذه الأرض من هنا إلى ما انتهت إليه الحصاة والثاني أن يقول بعتك على أنك بالخيار إلى أن
أرمي بهذه الحصاة والثالث أن يجعلا نفس الرمي بالحصاة بيعا فيقول إذا رميت هذا الثوب
بالحصاة فهو مبيع منك بكذا قاله النووي قوله (وفي الباب عن ابن عمر وابن عباس وأبي
سعيد وأنس) أما حديث ابن عمر فأخرجه البيهقي وابن حبان قال الحافظ إسناده حسن وأما
حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجة وأحمد وأما حديث أبي سعيد فأخرجه ابن ماجة وأما
حديث أنس فأخرجه أبو يعلى وفي الباب أيضا عن سهل بن سعد عند الدارقطني والطبراني
وعن علي عند أحمد وأبو داود وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها الحافظ في التلخيص والعيني في
شرح البخاري قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري
قوله (قال الشافعي ومن بيع الغرر بيع السمك في الماء) قال العراقي وهو فيما إذا كان السمك
في ماء كثير بحيث لا يمكن تحصيله منه وكذا إذا كان يمكن تحصيله منه ولكن بمشقة شديدة وأما
إذا كان في ماء يسير بحيث يمكن تحصيله منه وكذا إذا كان يمكن تحصيله منه بغير مشقة فإنه يصح
لأنه مقدور على تحصيله وتسليمه وهذا كله إذا كان مرئيا في الماء القليل بأن يكون الماء صافيا فأما
إذا لم يكن مرئيا بأن يكون كمدرا فإنه لا يصح بلا خلاف انتهى كلام العراقي قوله (ومعنى
356

بيع الحصاة أن يقول البايع للمشتري إذا نبذت الخ) وقع هذا التفسير في رواية البزار قال
الحافظ في التلخيص وللبزار من طريق حفص بن عاصم عنه يعني عن أبي هريرة نهى عن بيع
الحصاة يعني إذا قذف الحصاة فقد وجب البيع انتهى (وهو) أي بيع الحصاة (يشبه) من الإشباه
أي يشابه (بيع المنابذة) هو أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ الآخر بثوبه ويكون ذلك بيعهما
غير نظر ولا تراض ويأتي باقي الكلام في بيع المنابذة في بابه
باب ما جاء في النهي عن بيعتين في بيعة
قوله (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة) أي صفقة واحدة وعقد واحد ويأتي تفسير
هذا عن المصنف قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وابن عمر وابن مسعود) قال الحافظ
في التلخيص حديث ابن مسعود رواه أحمد من طريق عبد الرحمن ابنه عنه بلفظ نهى عن صفقتين
في صفقة وحديث ابن عمر رواه ابن عبد البر مثله وحديث ابن عمرو رواه الدارقطني في أثناء
حديث انتهى قوله (وحديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) قال الحافظ في بلوغ المرام
رواه أحمد والنسائي وصححه الترمذي وابن حبان ولأبي داود من باع بيعتين فله أوكسهما أو الربا
انتهى قال الشوكاني في النيل وأخرجه أيضا الشافعي ومالك في بلاغاته قوله (وقد فسر
بعض أهل العلم قالوا بيعتين في بيعة أن يقول أبيعك هذا الثوب بنقد بعشرة وبنسيئة بعشرين
ولا يفارقه على أحد البيعين) قال في شرح السنة بعد ذكر هذا التفسير هو فاسد عند أكثر أهل
357

العلم لأنه لا يدري أيهما جعل الثمن انتهى وقال في النيل والعلة في تحريم بيعتين في بيعة عدم
استقرار الثمن في صورة بيع الشئ الواحد بثمنين انتهى (فإذا فارقه على أحدهما فلا بأس إذا
كانت العقدة على واحد منهما) بأن قال البائع أبيعك هذا الثوب بنقد بعشرة وبنسيئة بعشرين
فقال المشتري اشتريته بنقد بعشرة ثم نقد عشرة دراهم فقد صح هذا البيع وكذلك إذا قال
المشتري اشتريته بنسيئة بعشرين وفارق البائع على هذا صح البيع لأنه لم يفارقه على إيهام وعدم
استقرار الثمن بل فارقه على واحد معين منهما وهذا التفسير قد رواه الإمام أحمد في روايته عن
سماك ففي المنتقى عن سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم
عن صفقتين في صفقة قال سماك هو الرجل يبيع البيع فيقول هو بنسأ بكذا وهو بنقد بكذا
وكذا قال الشوكاني في النيل قوله من باع بيعتين في بيعة فسره سماك بما رواه المصنف يعني
صاحب المنتقى عن أحمد عنه وقد وافقه على مثل ذلك الشافعي فقال بأن يقول بعتك بألف نقدا
أو ألفين إلى سنة فخذ أيهما شئت أنت وشئت أنا ونقل ابن الرفعة عن القاضي أن المسألة
مفروضة على أنه قبل على الإبهام أما لو قال قبلت بألف نقد أو بألفين بالنسيئة صح ذلك انتهى
وقد فسره الشافعي بتفسير آخر وهو ما ذكره الترمذي بقوله (قال الشافعي ومن معنى ما نهى
النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعتين أن يقول أبيعك داري هذه بكذا على أن تبيعني غلامك بكذا فإذا
وجب لي غلامك وجبت لك داري وهذا تفارق عن بيع بغير ثمن معلوم ولا يدري كل واحد
منهما على ما وقعت عليه صفقته) قال في المرقاة بعد ذكر هذا التفسير هذا أيضا فاسد لأنه بيع
وشرط ولأنه يؤدي إلى جهالة الثمن لأن الوفاء ببيع الجارية لا يجب وقد جعله من الثمن وليس
له قيمة فهو شرط لا يلزم وإذا لم يلزم ذلك بطل بعض الثمن فيصير ما بقي من المبيع في مقابلة
الثاني مجهولا انتهى وقال في النيل والعلة في تحريم هذه الصورة التعليق بالشرط المستقبل انتهى
واعلم أنه قد فسر البيعتان في بيعة بتفسير اخر وهو أن يسلفه دينارا في قفيز حنطة إلى شهر فلما حل
الأجل وطالبه والحنطة بعني القفير الذي لك على إلى شهرين بقفيزين فصار ذلك بيعتين في
بيعة لأن البيع الثاني قد دخل على الأول فيرد إليه أوكسهما وهو الأول كذا في شرح السنن لابن
رسلان فقد فسر حديث أبي هريرة المذكور بلفظ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة بثلاثة
تفاسير فاحفظها ثم اعلم أن لحديث أبي هريرة هذا رواية أخرى رواها أبو داود في سننه بلفظ
358

من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا قال الشوكاني في النيل محمد بن عمرو بن علقمة
وقد تكلم فيه غير واحد قال المنذري والمشهور عنه من رواية الدراوردي ومحمد بن عبد الله
الأنصاري أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة انتهى ما في النيل قلت وقد تفرد هو بهذا اللفظ وقد
روى هذا الحديث عن عدة من الصحابة رضي الله عنهم من طرق ليس في واحد منها هذا اللفظ
فالظاهر أن هذه الرواية بهذا اللفظ ليست صالح للاحتجاج والله تعالى أعلم قال الشوكاني في
شرح هذه الرواية ما لفظه قوله فله أوكسهما أي أنقصهما قال الخطابي لا أعلم أحدا قال
بظاهر الحديث وصحح البيع بأوكس الثمنين إلا ما حكى عن الأوزاعي وهو مذهب فاسد
انتهى قال الشوكاني ولا يخفى أن ما قاله هو ظاهر الحديث لأن الحكم له بالأوكس يستلزم
صحة البيع به ومعنى قوله أو الربا يعني أو يكون قد دخل هو وصاحبه في الربا المحرم إذا لم يأخذ
الأوكس بل أخذ الأكثر قال وذلك ظاهر في التفسير الذي ذكره ابن رسلان وأما في التفسير
الذي ذكره أحمد عن سماك وذكره الشافعي ففيه متمسك لمن قال يحرم بيع الشئ بأكثر من سعر
يومه لأجل النساء وقد ذهب إلى ذلك زين العابدين علي بن الحسين والناصر والمنصور بالله
والهادوية والإمام يحيى وقالت الشافعية والحنفية وزيد بن علي والمؤيد بالله والجمهور إنه يجوز
لعموم الأدلة القاضية بجوازه وهو الظاهر لأن ذلك المتمسك هو الرواية الأولى من حديث أبي
هريرة يعني التي رواها أبو داود وقد ذكرنا لفظها آنفا وقد عرفت ما في راويها من المقال ومع ذلك
المشهور عنه اللفظ الذي رواه غيره وهو النهي عن بيعتين في بيعة ولا حجة فيه على المطلوب ولو
سلمنا أن تلك الرواية التي تفرد بها ذلك الراوي صالحة للاحتجاج لكان احتمالها لتفسير خارج عن
محل النزاع كما سلف عن ابن رسلان قادحا في الاستدلال بها على المتنازع فيه على أن غاية ما
فيها الدلالة على المنع من البيع إذا وقع على الصورة وهي أن يقول نقدا بكذا ونسيئة بكذا لا إذا
قال من أول الأمر نسيئة بكذا فقط وكان أكثر من سعر يومه مع أن المتمسكين بهذه الرواية يمنعون
من هذه الصورة ولا يدل الحديث على ذلك فالدليل أخص من الدعوى قال وقد جمعنا
رسالة في هذه المسألة وسميناها شفاء الغلل في حكم زيادة الثمن لمجرد الأجل وحققناها تحقيقا لم
نسبق إليه انتهى كلام الشوكاني
359

باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عنده
قوله (أبتاع له من السوق) بتقدير همزة الاستفهام أي أأشتري له من السوق وفي رواية
أبي داود أفأبتاع له من السوق (ثم أبيعه) لم يقع هذا اللفظ في رواية أبي داود ولا في رواية
النسائي ولا في رواية ابن ماجة والظاهر أنه ليس على معناه الحقيقي بل المراد منه التسليم
ومقصود السائل أنه هل يبيع ما ليس عنده ثم يشتريه من السوق ثم يسلمه للمشتري الذي اشترى
له منه (قال لا تبع ما ليس عندك) أي شيئا ليس في ملكك حال العقد في شرح السنة هذا في
بيوع الأعيان دون بيوع الصفات فلذا قيل السلم في شئ موصوف عام الوجود عند المحل
المشروط يجوز وإن لم يكن في ملكة حال العقد وفي معنى ما ليس عنده في الفساد بيع العبد
الآبق وبيع المبيع قبل القبض وفي معناه بيع مال غيره بغير إذنه لأنه لا يدري هل يجيز مالكه أم لا
وبه قال الشافعي رحمه الله وقال جماعة يكون العقد موقوفا على إجازة المالك وهو قول مالك
وأصحاب وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله كذا في المرقاة قوله (أن أبيع ما ليس عندي) فيه وفي
قوله لا تبع ما لبس
عندك دليل على تحريم بيع ما ليس في ملك الإنسان ولا داخلا تحت
مقدرته وقد استثنى من ذلك السلم فتكون أدلة جوازه مخصصة لهذا العموم قوله (هذا حديث
حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره قوله (وفي
الباب عن عبد الله بن عمرو) وأخرجه الترمذي في هذا الباب قوله (لا يحل سلف) بفتحتين
360

(وبيع) أي معه يعني مع السلف بأن يكون أحدهما مشروطا في الاخر قال القاضي رحمه الله
السلف يطلق على السلم والقرض والمراد به هنا شرط القارض على حذف المضاف أي لا يحل بيع
مع شرط سلف بأن يقول مثلا بعتك هذا الثوب بعشرة على أن تقرضني عشرة نفي الحل اللازم
للصحة ليدل على الفساد من طريق الملازمة وقيل هو أن يقرضه قرضا ويبيع منه شيئا بأكثر من
قيمته فإنه حرام لأن قرضه روج متاعة بهذا الثمن وكل قرض جر نفعا فهو حرام (ولا شرطان
في بيع) فسر بالمعنى الذي ذكره الترمذي أولا للبيعتين في بيعة ويأتي تفسير آخر عن الإمام أحمد
(ولا ربح ما لم يضمن) يريد به الربح الحاصل من بيع ما اشتراه قبل أن يقبضه وينتقل من ضمان
البائع إلى ضمانه فإن بيعه فاسد وفي شرح السنة قيل معناه أن الريح في كل شئ إنما يحل أن لو
كان الخسران عليه فإن لم يكن الخسران عليه كالبيع قبل القبض إذا تلف فإن ضمانه على البائع
ولا يحل للمشتري أن يسترد منافعه التي انتفع بها البائع قبل القبض لأن المبيع لم يدخل بالقبض
في ضمان المشتري فلا يحل له ربح المبيع قبل القبض (ولا بيع ما ليس عندك) تقدم معناه قوله
(وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة قال المنذري بعد نقل
تصحيح الترمذي ويشبه أن يكون صحيحا لتصريحه بذكر عبد الله بن عمرو ويكون مذهبه في
الامتناع بحديث عمرو بن شعيب إنما هو الشك في إسناده لجواز أن يكون الضمير عائدا على
محمد بن عبد الله بن عمرو فإذا صح بذكر عبد الله بن عمرو انتفي ذلك انتهى قوله (قال
إسحاق بن منصور) بن بهرام الكرسج أبو يعقوب التميمي المروزي ثقة ثبت من الحادية عشرة
روى عنه الجماعة سوى أبي داود وتتلمذ لأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين وله
عنهم مسائل كذا في التقريب وتهذيب التهذيب (ثم يبايعه بيعا يزداد عليه) يعني يبيع منه شيئا
بأكثر من قيمته (ويحتمل أن يكون يسلف) أي يقرض (إليه في شئ) يعني قرضه دراهم أو دنانير
وأخذ منه شيئا (فيقول إن لم يتهيأ عندك) أي لم يتهيأ ولم يتيسر لك رد الدراهم أو الدنانير (فهو بيع
عليك) يعني فذلك الشئ الذي أخذت منك يكون مبيعا منك بعوض تلك الدراهم أو الدنانير
(قال إسحاق كما قال) المراد من إسحاق هذا إسحاق بن راهويه والضمير في قال راجع إلى أحمد بن
361

حنبل أي قال إسحاق بن راهويه كما قال أحمد بن حنبل في بيان معنى نهى عن سلف وبيع (قلت لأحمد
وعن بيع ما لم تضمن) أي سألته عن معنى بيع ما لم يضمن (قال) أي أحمد بن حنبل (لا يكون عندي إلا
في الطعام) أي النهي عن بيع ما لم تضمن ليس على عمومه بل هو مخصوص بالطعام (يعني لم
تقبض) هذا تفسير لقوله لم تضمن (قال إسحاق) هو ابن راهويه (كما قال) أي أحمد قوله (فهذا
من نحو شرطين في بيع) أي فلا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم ولا شرطان في بيع (وإذا قال أبيعكه وعلي
خياطته فلا بأس به أو قال أبيعكه وعلى قصارته فلا بأس به إنما هذا الشرط واحد) أي فيجوز
لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم ولا شرطان في بيع وكلام الترمذي هذا يدل على أن البيع بشرطين لا يجوز عند
أحمد والبيع بشرط يجوز عنده قال في مجمع البحار لا فرق عند الأكثر في البيع بشرط أو
شرطين وفرق أحمد بظاهر هذا الحديث انتهى قال الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات
التقييد بشرطين وقع اتفاقا وعادة وبالشرط الواحد أيضا لا يجوز لأنه قد ورد النهي عن بيع وشرط
انتهى وقال الشوكاني في النيل وقد أخذ بظاهر الحديث بعض أهل العلم فقال إن شرط في
البيع شرطا واحدا صح وإن شرط شرطين أو أكثر لم يصح ومذهب الأكثر عدم الفرق بين
الشرط والشرطين واتفقوا على عدم صحة ما فيه شرطان انتهى قلت حديث النهي عن بيع
وشرط أخرجه الطبراني في الأوسط والحاكم في علوم الحديث من طريق عبد الوارث بن سعيد عن
أبي حنيفة حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع وشرط
أورده في قصة كذا في الدراية للحافظ ابن حجر وقال الحافظ الزيلعي بعد ذكره بالقصة قال
ابن القطان وعلته ضعف أبي حنيفة في الحديث انتهى (قال إسحاق كما قال) أي كما قال أحمد
قوله (حديث حكيم بن حزام حديث حسن) الظاهر أنه تكرار قوله (وقد روى يحيى بن أبي
362

كثير هذا الحديث عن يعلى بن حكيم عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عصمة عن حكيم بن
حزام الخ) قال الحافظ في التلخيص وزعم عبد الحق أن عبد الله بن عصمة ضعيف جدا ولم
يتعقبه ابن القطان بل نقل عن ابن حزم أنه قال هو مجهول وهو جرح مردود فقد روى عند ثلاثة
واحتج به النسائي انتهى وقال فيه وصرح همام عن يحيى بن أبي كثير أن يعلى بن حكيم حدثه
أن يوسف حدثه أن حكيم بن حزام حدثه انتهى
باب ما جاء في كراهية بيع الولاء وهبته
الولاء بالفتح والمد حق ميراث المعتق من المعتق بالفتح قوله (نهى عن بيع الولاء) بفتح
الواو والمد قال في النهاية يعني ولاء العتق وهو إذا مات المعتق ورثه معتقه أو ورثة معتقه كانت
363

العرب تبيعه وتهبه فنهى عنه لأن الولاء كالنسب فلا يزول بالإزالة انتهى قوله (هذا حديث
حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم) قال النووي
في شرح مسلم في الحديث تحريم بيع الولاء وهبته وإنهما لا يصحان وأنه لا ينتقل الولاء عن
مستحقه بل هو لحمة كلحمة النسب وبهذا قال جماهير العلماء من السلف والخلف وأجاز بعض
السلف نقله ولعلهم لم يبلغهم الحديث انتهى قوله (وهو وهم) أي ذكر نافع بين عبيد الله بن
عمر وابن عمر (وهم فيه يحيى بن سليم) فإنه قد خالف غير واحد من الثقات الحفاظ فإنهم
يذكرون بينهما عبد الله بن دينار ويحيى بن سليم هذا هو الطائفي نزيل مكة صدوق سئ
الحفظ قاله الحافظ في التقريب وقال الخزرجي في الخلاصة وثقه ابن معين وابن سعد والنسائي
إلا في عبيد الله بن عمر وقال أبو حاتم محله الصدق ولم يكن بالحافظ ولا يحتج به قال
الخزرجي احتج به ع وله في خ فرد حديث انتهى
باب ما جاء في كراهية بيع الحيوان بالحيوان نسيئة
قوله (نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة) بفتح النون وكسر السين وفتح الهمزة قال في
القاموس نسأته البيع وأنسأته بعته بنسئة بالضم وبنسئة كأخرة وقال في مجمع البحار فيه ثلاث
364

لغات نسيئة بوزن كريم وبالادغام وبحذف الهمزة وكسر النون انتهى قوله (وفي الباب عن ابن
عباس) أخرجه البزار والطحاوي وابن حبان والدارقطني بنحو حديث سمرة قال الحافظ في
الفتح ورجاله ثقات إلا أنه اختلف في وصله وإرساله فرجح البخاري وغير واحد إرساله
انتهى (وجابر) أخرجه الترمذي وغيره قال الحافظ وإسناده لين (وابن عمر) أخرجه الطحاوي
والطبراني قوله (حديث سمرة حديث حسن صحيح) قال الحافظ ورجاله ثقات إلا أنه
اختلف في سماع الحسن عن سمرة قوله (وسماع الحسن من سمرة صحيح) هكذا (قال علي بن
المديني وغيره) سيأتي الكلام فيه في باب اختلاب المواشي بغير إذن الأرباب قوله (والعمل على
هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم الخ) كذا قال الترمذي قال الشوكاني في
النيل ذهب الجمهور إلى جواز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة متفاضلا مطلقا وشرط مالك أن
يختلف الجنس ومنع من ذلك مطلقا مع النسيئة أحمد بن حنبل وأبو حنيفة وغيره من الكوفيين
انتهى قوله (وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة وبه يقول أحمد) واستدلوا بأحاديث الباب
وفي الباب روايات موقوفة فأخرج عبد الرزاق من طريق ابن المسيب عن علي بن أبي طالب أنه كره
بعيرا ببعيرين نسيئة وروى ابن أبي شيبة عنه نحوه وعن ابن عمر عبد الرزاق وابن أبي شيبة
أنه سئل عن بعير ببعيرين فكرهه (وقد رخص بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم في
بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وهو قول الشافعي وإسحاق) واستدلوا بحديث عبد الله بن عمرو
قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبعث جيشا على إبل كانت عندي قال فحملت الناس عليها حتى
نفدت الإبل وبقيت بقية من الناس قال فقلت يا رسول الله الإبل قد نفدت وقد بقيت بقية من
الناس لا ظهر لهم فقال لي ابتع علينا إبلا بقلائص من إبل الصدقة إلى محلها حتى تنفذ هذا
البعث قال وكنت أبتاع البعير بقلوصين وثلاث قلائص من إبل الصدقة إلى محلها حتى نفذت
ذلك البعث فلما جاءت إبل الصدقة أداها رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أحمد وأبو داود قال الشوكاني في
النيل في إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال معروف وقوى الحافظ في الفتح إسناده وقال
365

الخطابي في إسناده مقال وأعله يعني من أجل محمد بن إسحاق ولكن قد رواه البيهقي في سننه من
طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وأجابوا عن حديث سمرة بما فيه من المقال وقال
الشافعي المراد به النسيئة من الطرفين لأن اللفظ يحتمل ذلك كما يحتمل النسيئة من طرف وإذا
كانت النسيئة من الطرفين فهي من بيع الكالي بالكالي وهو لا يصح عند الجميع وأجاب المانعون
هم حديث عبد الله بن عمرو المذكور بأنه منسوخ ولا يخفي أن النسخ لا يثبت إلا بعد تقرر تأخر
الناسخ ولم ينقل ذلك فلم يبق ههنا إلا الطلب لطريق الجمع إن أمكن ذلك أو المصير إلى
التعارض قيل وقد أمكن الجمع بما سلف عن الشافعي ولكنه متوقف على صحة إطلاق النسيئة
على بيع المعدوم بالمعدوم فإن ثبت ذلك في لغة العرب أو في اصطلاح الشرع فذاك وإلا فلا
شك أن أحاديث النهي وإن كان كل واحد منها لا يخلو عن مقال لكنها تثبت من طريق ثلاثة من
الصحابة سمرة وجابر بن سمرة وابن عباس وبعضها يقوي بعضا فهي أرجح من حديث
واحد غير خال من المقال وهو حديث عبد الله بن عمرو ولا سيما وقد صحح الترمذي وابن
الجارود حديث سمرة فإن ذلك مرجح آخر وأيضا قد تقرر في الأصول أن دليل التحريم أرجح
من دليل الإباحة وهذا أيضا مرجح ثالث كذا في النيل قوله (الحيوان اثنين بواحدة لا يصلح
نسيئا) تمسك به من منع بيع الحيوان بالحيوان متفاضلا نسيئا قوله (هذا حديث حسن) في سنده
الحجاج بن أرطاة وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس وروي هذا الحديث عن أبي الزبير بالعنعنة
باب ما جاء في شراء العبد بالعبدين
قوله (فاشتراه بعبدين أسودين) فيه دليل على جواز بيع الحيوان بالحيوان متفاضلا إذا كان
366

يدا بيد وهذا مما لا خلاف فيه وإنما الخلاف في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وقد تقدم بيانه في
الباب المتقدم قوله (وفي الباب عن أنس) أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجة عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
اشترى صفية بسبعة أرؤس من دحية الكلبي قوله (حديث جابر حديث حسن صحيح)
وأخرجه مسلم
باب ما جاء أن الحنطة بالحنطة مثلا بمثل وكراهية التفاضل فيه
قوله (الذهب بالذهب) بالرفع على تقدير يباع وبالنصب على تقدير بيعوا (فمن زاد) أي
أعطى الزيادة (أو ازداد) أي طلب الزيادة (فقد أربى) أي أوقع نفسه في الربا وقال التوربشتي
أي أتى الربا وتعاطاه ومعنى اللفظ أخذ أكثر مما أعطاه من ربا الشئ يربوا إذا زاد (بيعوا الذهب
بالفضة كيف شئتم يدا بيد) أي حالا مقبوضا في المجلس قبل افتراق أحدهما عن الآخر وفي
رواية مسلم فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد قوله (وفي الباب
عن أبي سعيد) مرفوعا بلفظ الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير
والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقال أربي الآخذ والمعطي
فيه سواء أخرجه مسلم (وأبي هريرة) أخرجه مسلم (وبلال) أخرجه البزار في مسنده كذا في
نصب الراية قوله
367

(وهو قول مالك بن أنس) وهو قول الليث والأوزاعي وحجتهم أن الحنطة والشعير هما صنف
واحد (والقول الأول) وهو أن الحنطة والشعير صنفان يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا وهو
قول الجمهور (أصح) من القول الثاني لأنه يدل على القول الأول قوله صلى الله عليه وسلم بيعوا البر بالشعير
كيف شئتم وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمر عند البخاري وغيره البر بالبر ربا إلا هاء وهاء والشعير
بالشعير ربا إلا هاء وهاء وقال الحافظ في الفتح واستدل به على أن البر والشعير صنفان وهو قول
الجمهور وخالف في ذلك مالك والليث والأوزاعي فقالوا هما صنف واحد انتهى
باب ما جاء في الصرف
هو بيع الذهب بالفضة وبالعكس قاله العيني قوله (انطلقت أنا وابن عمر إلى أبي
سعيد) وأخرجه مسلم من طريق الليث عن نافع أن ابن عمر قال له رجل من بني ليث إن أبا
سعيد الخدري يأثر هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نافع فانطلق عبد الله وأنا معه والليث حتى
دخل على أبي سعيد الخدري فقال إن هذا أخبرني أنك تخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الورق
368

بالورق إلا مثلا بمثل الحديث فأشار أبو سعيد بأصبعيه إلى عينيه وأذنيه فقال أبصرت عيناي
وسمعت أذناي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الخ (لا تبيعوا الذهب بالذهب) يدخل في الذهب جميع
أصنافه من مضروب ومنقوش وجيد وردئ وصحيح ومكسر وحلى وتبر وخالص ومغشوش
ونقل النووي تبعا لغيره في ذلك الإجماع (إلا مثل بمثل) أي إلا حال كونهما متماثلين أي متساويين
(والفضة بالفضة) المراد بالفضة جميع أنواعها مضروبة وغير مضروبة (لا يشف بعضه على بعض)
بصيغة المضارع المجهول من الإشفاف وهو التفضيل يقال شف الدرهم يشف إذا زاد وإذا نقص
من الأضداد وأشفه غيره يشفه كذا في عمدة القاري (ولا تبيعوا منه غائبا) أي غير حاضر
(بناجز) أي حاضر من النجز بالنون والجيم والزاي قال الحافظ في الفتح أي مؤجلا بحال والمراد
بالغائب أعم من المؤجل كالغائب عن المجلس مطلقا مؤجلا كان أو حالا والناجز الحاضر
إنتهى قوله (وفي الباب من أبي بكر الخ) قال الحافظ في التلخيص وفي الباب عن عمر رضي
الله عنفي الستة وعن علي في المستدرك وعن أبي هريرة في مسلم وعن أنس في الدارقطني
وعن بلال في البزار وعن أبي بكرة متفق عليه وعن ابن عمر في البيهقي وهو معلول إنتهى
قلت وحديث زيد بن أرقم والبزار مرفوعا بلفظ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق
دينا أخرجاه في الصحيحين وأما أحاديث باقي الصحابة رضي الله عنهم فلينظر من أخرجها
قوله (حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم قوله
(والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إلا ما روي عن ابن عباس
الخ) اعلم أن بيع الصرف له شرطان منع النسيئة مع اتفاق النوع واختلافه وهو المجمع عليه
ومنع التفاضل في النوع الواحد منهما وهو قول الجمهور وخالف فيه ابن عمر ثم رجع وابن عباس
واختلف في رجوعه وقد وقد روى الحاكم من طريق حيان العدوي سألت أبا مجلز عن الصرف فقال
كان ابن عباس لا يرى به بأسا زمانا من عمره ما كان منه عينا بعين يدا بيد وكان يقول إنما الربا في
النسيئة فلقيه أبو سعيد فذكر القصة والحديث وفيه التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير
369

بالشعير والذهب بالذهب والفضة بالفضة يدا بيد مثلا بمثل فمن زاد فهو ربا فقال ابن عباس
أستغفر الله وأتوب إليه فكان ينهى عنه أشد النهي كذاغ قال الحافظ في فتح الباري فإن قلت فما
وجه التوفيق بين حديث أبي سعيد المذكور وبين حديث أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا ربا إلا في
النسيئة أخرجه الشيخان وغيرهما قلت اختلفوا في الجمع بينهما فقيل إن حديث أسامة
منسوخ لكن النسخ لا يثبت بالاحتمال وقيل المعنى فقوله لا ربا الربا الأغلظ الشديد
التحريم المتوعد عليه بالعقاب الشديد كما تقول العرب لا عالم في البلد إلا زيد مع أن فيها
علماء غيره وإنما القصد نفي الأكمل لا نفي الأصل وأيضا فنفي تحريم ربا الفضل من حديث
أسامة إنما هو بالمفهوم فيقدم عليه حديث أبي سعيد لأن دلالته بالمنطوق ويحمل حديث أسامة على
الربا الأكبر كما تقدم وقال الطبري معنى حديث أسامة لا ربا إلا في النسيئة إذا اختلفت أنواع
البيع والفضل فيه يدا بيد ربا جمعا بينه وبين حديث أبي سعيد ذكره الحافظ قوله (بالبقيع)
بالموحدة والمراد به بقيع الغرقد فإنهم كانوا يقيمون السوق فيه قبل أن يتخذ مقبرة وروى النقيع
بالنون وهو موضع قريب من المدينة يستنقع فيه الماء أي يجتمع كذا في النهاية (فأبيع بالدنانير) أي
تارة (فآخذ مكانها) أي مكان الدنانير (الورق) أي الفضة وهو بفتح الواو وكسر الراء وبإسكانها
على المشهور ويجوز فتحهما وقيل بكسر الواو المضروبة وبفتحها المال (وأبيع بالورق) أي تارة
أخرى (فقال لا بأس به بالقيمة) أي لا بأس أن تأخذ بدل الدنانير الورق بالعكس بشرط
370

التقابض في المجلس وفي المشكاة فقال لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شئ قال ابن
الملك أي شئ من علقة الاستبدال وهو التقابض في المجلس في بيع النقد بالنقد ولو مع اختلاف
الجنس انتهى قال الطيبي رح فإنما نكره أي لفظ شئ وأبهمه للعلم بالمراد وإن تقابض النقدين
في المجلس مما هو مشهور لا يلتبس على كل أحد كذا في المرقاة والضمير المنصوب في قوله أن
تأخذها راجع إلى أحد النقدين عن الدراهم والدنانير على البدل كما ذكره الطيبي رحمه الله قال
الشوكاني في النيل فيه دليل على جواز الاستبدال عن الثمن الذي في الذمة بغيره وظاهره أنهما غير
حاضرين جميعا بل الحاضر أحدهما وهو غير اللازم فيدل على أن ما في الذمة كالحاضر انتهى قوله
(هذا حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث سماك الخ) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة
وأحمد وصححه الحاكم قوله (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم الخ) قال في النيل وهو
محكى عن عمر وابنه عبد الله والحسن والحكم وطاؤس والزهري ومالك والشافعي وأبي
حنيفة والثوري والأوزاعي وأحمد وغيرهم وروى عن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب
وأحد قولي الشافعي أنه مكروه أي الاستبدال المذكور والحديث يرد عليهم واختلف الأولون
فمنهم من قال يشترطان أن يكون بسعر يومها كما وقع في الحديث وهو مذهب أحمد وقال أبو
حنيفة والشافعي أنه يجوز بسعر يومها وأغلى وأرخص وهو خلاف ما في الحديث من قوله بسعر
يومها وهو أخص من حديث إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا يدا بيد
فيبني العام على الخاص قوله (عن مالك بن أوس بن الحدثان) بفتح المهملة والمثلثة النصري
بالنون المدني له رؤية وروى عن عمر (من يصطرف الدراهم) من الاصطراف وكان أصله بالتاء
فأبدلت التاء بالطاء (أرنا ذهبك ثم ائتنا إذا جاء خادمنا) وفي رواية مالك في الموطأ فتراوضنا حتى
اصطرف مني وأخذ الذهب يقلبها في يده ثم قال حتى يأتي خازني من الغابة وإنما قال ذلك
طلحة لظنه جواز ذلك كسائر البيوع وما كان بلغه حكم المسألة (نعطك ورقك) الورق بكسر راء
371

ويسكن وبكسر واو مع سكون والرقة بكسر راء وخفة قاف الدرهم المضروب (إلا هاء وهاء)
قال النووي فيه لغتان المد والقصر والمد أفصح وأشهر وأصله هاك فأبدلت الكاف من المد
ومعناه خذ هذا ويقول لصاحبه مثله قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة قوله
(والعمل على هذا عند أهل العلم) يعني على أنه لا يجوز بيع الناجز بالغائب في الصرف
باب ما جاء في ابتياع النخل بعد التأبير والعبد وله مال
قوله (من ابتاع) أي اشترى (بعد أن تؤبر) بصيغة المجهول من التأبير وهو تلقيح النخل
وهو أن يوضع شئ من طلع فحل النخل في طلع الأنثى إذا انشق فتصلح ثمرته بإذن الله تعالى
(فثمرتها للذي باعها) فيه دليل على أن من باع نخلا وعليها ثمرة مؤبرة لم تدخل الثمرة في البيع بل
تستمر على ملك البائع ويدل بمفهومه على أنها إذا كانت غير مؤبرة تدخل في البيع وتكون
للمشتري وبذلك قال جمهور العلماء وخالفهم الأوزاعي وأبو حنيفة فقالا تكون للبائع قبل
التأبير وبعده وقال ابن أبي ليلى تكون للمشتري مطلقا وكلا الإطلاقين مخالف لأحاديث
الباب وهذا إذا لم يقع شرط من المشتري بأنه اشترى الثمرة ولا من البائع بأنه استثنى لنفسه
الثمرة فإن وقع ذلك كانت الثمرة للشارط من غير فرق بين أن تكون مؤبرة أو غير مؤبرة قال في
الفتح لا يشترط في التأبير أن يؤبر أحد بل لو تأبر بنفسه لم يختلف الحكم عند جميع القائلين به
كذا في النيل (إلا أن يشترط المبتاع) أي المشتري بأن يقول اشتريت النخلة بثمرتها هذه (وله
مال) قال القاري اللام للاختصاص فإن العبد لا ملك له خلافا لمالك (فماله) بضم اللام (
للذي باعه) أي باق على أصله وهو كونه ملكا للبائع قبل البيع قال القاري وهذا على رأي من
372

قال إن العبد لا ملك له قال في شرح السنة فيه بيان أن العبد لا ملك له بحال فإن السيد لو
ملكه لا يملك لأنه مملوك فلا يجوز أن يكون مالكا كالبهائم وقوله وله مال إضافة مجاز لا
إضافة ملك كما يضاف السرج إلى الفرس والإكاف إلى الحمار والغنم إلى الراعي يدل عليه
أنه قال فماله للبائع أضاف الملك إليه وإلى البائع في حالة واحدة ولا يجوز أن يكون الشئ والواحد
كله ملكا للاثنين في حالة واحدة فثبت أن إضافة المال إلى العبد مجاز أي للاختصاص وإلى
المولى حقيقة أي الملك قال النووي رحمه الله مذهب مالك والشافعي في القديم أن العبد إذا
ملكه سيده مالا ملكه لكنه إذا باعه بعد ذلك كان ماله للبائع إلا أن يشترط لظاهر الحديث
وقال الشافعي إن كان المال دراهم لم يجز بيع العبد وتلك الدراهم بدراهم وكذا إن كان الدنانير
أو الحنطة لم يجز بيعهما بذهب أو حنطة وقال مالك يجوز إن اشترطه المشتري وإن كان دراهم
والثمن دراهم لإطلاق الحديث كذا في المرقاة قال الشوكاني في النيل والظاهر القول الأول يعني
قول مالك لأنه نسبة المال إلى الملوك تقتضي أنه يملك وتأويله بأن المراد أن يكون شئ في يد العبد
من مال سيده وأضيف إلى العبد للاختصاص والانتفاع لا للملك كما يقال الجل للفرس
خلاف الظاهر انتهى قوله (وفي الباب عن جابر) لينظر من أخرجه قوله (حديث ابن عمر
حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وروى البخاري المعنى الأول وحده كذا في المشكاة
373

باب ما جاء البيعين بالخيار ما لم يتفرقا البيعان بفتح الموحدة وتشديد التحتية البائع والمشتري قوله (البيعان بالخيار) بكسر الخاء
المعجمة اسم من الاختيار أو التخيير وهو طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه والمراد
بالخيار هنا خيار المجلس والبيع هو البائع أطلق على المشتري على سبيل التغليب أو لأن كل واحد
من اللفظين يطلق على الآخر قال العراقي لم أر في شئ من طرق الحديث البائعان وإن كان لفظ
البائع أشهر وأغلب من البيع وإنما استعملوا ذلك بالقصر والإدغام من الفعل الثلاثي المعتل العين
في ألفاظ محصورة كطيب وميت وكيس وريض ولين وهين واستعملوا في باع الأمرين فقالوا بايع
وبيع انتهى وقال الحافظ البيع بمعن البائع كضيق وضائق وليس كبين وبائن فإنهما متغايران
كقيم وقائم انتهى (ما لم يتفرقا) أي بالأبدان كما فهمه ابن عمر وهو راوي الحديث وأبو برزة
الأسلمي وهو راوي الحديث أيضا كما ستقف عليه في هذا الباب (أو يختارا) أي مضاء البيع
قوله (فكان ابن عمر إذا ابتاع بيعا وهو قاعد قام ليجب له) وفي رواية للبخاري وكان ابن عمر
إذا اشترى شيئا يعجبه فارق صاحبه ولمسلم في رواية وكان إذا بايع رجلا فأراد أن لا يقيله قال
فمشي هنيهة ثم رجع إليه ولابن أبي شيبة في رواية كان ابن عمر إذا باع انصرف ليجب له
374

البيع قوله (عن حكيم بن حزام) بكسر مهملة فزاي (فإن صدقا) أي في صفة البيع والثمن
وما يتعلق بهما (وبينا) أي عيب الثمن والمبيع (بورك) أي كثر النفع (لهما في بيعهما) أي وشرائهما أو
المراد في عقدهما (محقت) بصيغة المجهول أي أزيلت وذهبت (بركة تبيعهما) قال الحافظ يحتمل
أن يكون على ظاهره وإن شؤم التدليس والكذب وقع ذلك العقد فمحق بركته وإن كان الصادق
مأجورا والكاذب مأزورا ويحتمل أن يكون ذلك مختصا بمن وقع منه التدليس والعيب دون الآخر
ورجحه ابن أبي جمرة انتهى قوله (وهذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي
وأحمد قوله (وفي الباب عن أبي برزة) أخرجه أبو داود والطحاوي وغيرهما بلفظ أن رجلين
اختصما إليه في قرس بعد ما تبايعا وكانا في سفينة فقال لا أراكما افترقتما وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
البيعان بالخيار ما لم يتفرقا (وعبد الله بن عمرو) وأخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي وأحمد
(وسمرة) أخرجه النسائي (وأبي هريرة) أخرجه أبو داود (وابن عباس) أخرجه ابن حبان والحاكم
والبيهقي وفي الباب أيضا عن جابر أخرجه البزار والحاكم وصححه قوله (حديث ابن عمر
حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وقالوا
الفرقة بالأبدان لا بالكلام) وبه قال ابن عمر وأبو برزة الأسلمي قال الحافظ في الفتح ولا يعرف
لهما مخالف من الصحابة انتهى وهو قول شريح والشعبي وطاوس وعطاء وابن أبي مليكة ونقل
ابن المنذر القول به أيضا عن سعيد بن المسيب والزهري وابن أبي ذئب من أهل المدينة وعن
375

الحسن البصري والأوزاعي وابن جريج وغيرهم وبالغ ابن حزم فقال لا نعلم لهم مخالفا من
التابعين إلا النخعي وحده ورواية مكذوبة عن شريح والصحيح عنه القول به كذا في فتح
الباري قلت هذا القول هو الظاهر الراجح المعول عليه وقد اعترف صاحب التعليق الممجد من
الحنفية بأنه أولى الأقوال حيث قال ولعل المنصف الغير المتعصب يستيقن بعد إحاطة الكلام من
الجوانب في هذا البحث أن أولى الأقوال هو ما فهمه الصحابيان الجليلان يعني ابن عمر وأبا
برزة الأسلمي رضي الله عنهما وفهم الصحابي إن لم يكن حجة لكنه أولى من فهم غيره بلا شبهة
وإن كان كل من الأقوال مستند إلى حجة انتهى كلامه (وقد قال بعض أهل العلم معنى قول
النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يتفرقا يعني الفرقة بالكلام) وهو قول إبراهيم النخعي وبه قال المالكية إلا ابن
حبيب والحنفية كلهم قال ابن حزم لا نعلم لهم سلفا إلا إبراهيم وحده ورواية مكذوبة عن
شريح والصحيح عنه القول به قال الإمام محمد في موطأه وتفسيره عندنا على ما بلغنا عن
إبراهيم النخعي أنه قال المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا عن منطق البيع إذا قال البائع قد بعتك فله
أن يرجع ما لم يقل الآخر قد اشتريت وإذا قال المشتري قد اشتريت بكذا وكذا له أن يرجع عن
قوله اشتريت ما لم يقل البائع قد بعت وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا انتهى ما في
الموطأ وقد أطال صاحب التعليق الممجد ههنا الكلام وأجاد وأجاب عن كل ما تمسك به الحنفية
فعليك أن ترجع إليه (ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم إلا بيع الخيار معناه أن يخير البائع المشتري بعد
376

إيجاب البيع فإذا خيره فاختار البيع الخ) قد اختلف العلماء في المراد بقوله إلا بيع الخيار فقال
الجمهور وبه جزم الشافعي هو استثناء من امتداد الخيار إلى التفرق والمراد أنهما إن اختارا
إمضاء البيع قبل التفرق فقد لزم البيع حينئذ وبطل اعتبار التفرق فالتقدير إلا البيع الذي جرى
فيه التخاير قال النووي اتفق أصحابنا على ترجيح هذا التأويل وأبطل كثير منهم ما سواه
وغلطوا قائله ورواية الليث ظاهرة جدا في ترجيحه قيل هو استثناء من انقطاع الخيار بالتفرق
وقيل المراد بقوله أو يخير أحدهما الآخر أي فيشترطا الخيار مدة معينة فلا ينقضي الخيار بالتفرق
بل يبقى حتى تمضي المدة حكاه ابن عبد البر عن أبي ثور ورجل الأول بأنه أقل في الإضمار وفيه
أقوال أخرى ذكرها الحافظ في الفتح قوله (إلا أتكون صفقة خيار) بالرفع على أن كان تامة
والتقدير إلا أن توجد أو تحدث صفقة خيار وبالنصب على أن كان ناقصة واسمها مضمر وخبرها صفقة
خيار والتقدير إلا أن تكون الصفقة صفقة خيار والمراد أن المتبايعين إذا قال أحدهما لصاحبه
اختر إمضاء البيع أو افسخه فاختار أحدهما تم البيع وإن لم يتفرقا قاله الشوكاني وقال القاري
في المرقاة والمعنى أن المتبايعين ينقطع خيارهما بالتفرق إلا أن يكون البيع بيعا شرط فيه الخيار
وتفسير القاري هذا خلاف ما فسر به الشوكاني وكلاهما محتمل وقد تقدم اختلاف أهل العلم في
تفسير إلا بيع الخيار وقال الطيبي الإضافة في صفقة خيار للبيان فإن الصفقة يجوز أن تكون للبيع
أو للعهد انتهى وقال في النهاية إن أكبر الكبائر أن تقاتل أهل صفقتك هو أن يعطي
الرجل عهده وميثاقه ثم يقاتله لأن المتعاهدين يضع أحدهما يده في يد الآخر كما يفعل المتبايعان
وهي المرة من التصفيق باليدين انتهى (ولا يحل) أي في الورع قاله القاري (له) أي لأحد
المتعاقدين (أن يفارق صاحبه) أي بالبدن (خشية أن يستقيله) بالنصب على أنه مفعول له واستدل
377

بهذا القائلون بعدم ثبوت خيار المجلس قالوا لأن في هذا الحديث دليلا على أن صاحبه لا يملك
الفسخ إلا من جهة الاستقالة وأجيب بأن الحديث حجة عليهم لا لهم ومعناه لا يحل له أن
يفارقه بعد البيع خشية أن يختار فسخ البيع فالمراد بالاستقالة فسخ النادم منهما للبيع وعلى هذا
حمله الترمذي وغيره من العلماء قالوا ولو كانت الفرقة بالكلام لم يكن له خيار بعد البيع ولو كان
المراد حقيقة الاستقالة لم تمنعه من المفارقة لأنها لا تختص بمجلس العقد وقد أثبت في أول الحديث
الخيار ومده إلى غاية التفرق ومن المعلوم أن من له الخيار لا يحتاج إلى الاستقالة فتعين حملها على
الفسخ وحملوا نفي الحل على الكراهة لأنه لا يليق بالمروءة وحسن معاشرة المسلم لا أن اختيار
الفسخ حرام انتهى قلت الأمر كما قال الشوكاني وبهذا اندفع قول القاري في المرقاة بأنه دليل
صريح لمذهبنا لأن الإقالة لا تكون إلا بعد تمام العقد ولو كان له خيار المجلس لما طلب من
صاحبه الإقالة ووجه الاندفاع ظاهر من كلام الشوكاني وبكلامه أيضا ظهر صحة قول المظهر
بأن المراد من الاستقالة طلب الفسخ لا حقيقة الإقالة وهي دفع العاقدين البيع بعد لزومه
بتراضيهما أي لا ينبغي للمتقي أن يقوم من المجلس بعد العقد ويخرج من أن يفسخ العاقد الاخر
البيع بخيار المجلس لأن هذا يشبه الخديعة انتهى ووجه صحة كلامه أيضا ظاهر من كلام
الشوكاني (هذا حديث حسن) قال في المنتقى بعد ذكره رواه الخمسة إلا ابن ماجة ورواه
الدارقطني وفي لفظ حتى يتفرقا من مكانهما قوله (ومعنى هذا أن يفارقه الخ) وكذا قال غير
الترمذي من أهل العلم كما عرفت في كلام الشوكاني باب
قوله (سمعت أبا زرعة بن عمرو) بن جرير البجلي الكوفي روى عن جده جرير وأبي
هريرة من ثقات علماء التابعين قوله (لا يتفرقن عن بيع إلا عن تراض) وفي رواية أبي داود (لا
يفترقن اثنان إلا عن تراض) قال الطيبي قوله عن تراض صفة مصدر محذوف والاستثناء متصل
أي لا يتفرقن اثنان إلا تفرقا صادرا عن تراض انتهى قال القاري لمراد بالحديث والله تعالى أعلم
أنهما لا يتفرقان إلا عن تراض بينهما فيما يتعلق بإعطاء الثمن وقبض المبيع وإلا فقد يحصل الضرر
378

وهو منهي في الشرع أو المراد منه أن يشاور مريد الفراق صاحبه ألك رغبة في المبيع فإن أريد
الإقالة أقاله فيوافق الحديث الأول يعني الحديث الآتي في هذا الباب وهذا نهى تنزيه للإجماع
على حل المفارقة من غير إذن الاخر ولا علمه انتهى وقال قال الأشرف وفيه دليل على ثبوت
خيار المجلس لهما وإلا فلا معنى لهذا القول انتهى قلت قد فهم راوي الحديث عن أبي هريرة
منه ثبوت خيار المجلس وهو أبو زرعة ابن عمرو ففي سنن أبي داود حدثنا محمد بن حاتم
الجرجرائي قال مروان الفزاري أخبرنا عن يحيى بن أيوب قال كان أبو زرعة إذا بايع رجلا خيره
قال ثم يقول خيرني فيقول سمعت أبا هريرة يقول الحديث قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه
أبو داود وسكت عنه وقال المنذري وأخرجه الترمذي ولم يذكر أبا زرعة وقال هذا حديث غريب ا
انتهى كلام المنذري قلت قد ذكر الترمذي أبا زرعة لكنه لم يذكر قوله الذي ذكره أبو داود في
روايته قوله (خير أعرابيا بعد البيع) أي بعد تحققه بالإيجاب والقبول قال الطيبي ظاهره
يدل على مذهب أبي حنيفة لأنه لو كان خيار المجلس ثابتا بالعقد كان التخيير عبثا والجواب أن
هذا مطلق يحمل على المقيد كما سبق في الحديث الأول من الباب انتهى أراد بالحديث الأول
حديث ابن عمر المتبايعان كل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار قوله (وهذا حديث
حسن غريب) وقال صاحب المشكاة بعد ذكر هذا الحديث رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن
صحيح غريب وقال القاري وحسن غير موجود في بعض النسخ
باب ما جاء فيمن يخدع في البيع
قوله (أن رجلا كان في عقدته) قال في النهاية أي في رأيه ونظره في مصالح نفسه انتهى
وكان اسم ذلك الرجل حبان بن منقذ بفتح الحاء المهملة والموحدة الثقيلة (ضعف) أي كان
379

ضعيف العقل والرأي (أحجر عليه) بضم الجيم أمر من الحجر وهو المنع من التصرف ومنه حجر
القاضي على الصغير والسفيه إذا منعهما من التصرف من مالهما كذا في النهاية (فنهاه) أي عن المبايعة
(فقل هاء وهاء) تقدم ضبطه وتفسيره في باب الصرف (ولا خلابة) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف
اللام أي لا خديعة ولا لنفي الجنس أي لا خديعة في الدين لأن الدين النصيحة قال
النووي واختلف العلماء في هذا الحديث فجعله بعضهم خاصا في حقه وأن المغابنة بين المتبايعين
لازمة لا خيار للمغبون بسببها سواء قلت أو كثرت وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وآخرين
وهي أصح الروايتين عن مالك وقال البغداديون من المالكية للمغبون الخيار لهذا الحديث
بشرط أن يبلغ الغبن ثلث القيمة فإن كان دونه فلا والصحيح الأول لأنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم
أثبت له الخيار وإنما قال له قل لا خلابة أي لا خديعة ولا يلزم من هذا ثبوت الخيار ولأنه
لو ثبت أو أثبت له الخيار كانت قضية عين لا عموم لها فلا ينفذ منه إلى غيره إلا بدليل انتهى قله (وفي
الباب عن ابن عمر) أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي قوله (حديث أنس حديث حسن صحيح
غريب) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وسكت عنه أبو داود والمنذري قوله (والعمل
على هذا الحديث عند بعض أهل العلم وقالوا الحجر على الرجل الحر الخ) واستدلوا بحديث
أنس المذكور وجه الاستدلال أن أهل ذلك الرجل الذي كان في عقدته ضعف لما قالوا يا رسول
الله احجر عليه لم ينكر عليهم فلو كان الحجر على الحر البالغ لا يصح لأنكر عليهم واستدل
أيضا بهذا الحديث من لم يقل بالحجر على الحر البالغ بأنه صلى الله عليه وسلم لم يحجر على ذلك الرجل فلو كان
الحجر على الحر البالغ جائزا لحجر على ذلك ومنعه من البيع فتأمل
380

باب ما جاء في المصراة
اسم مفعول من التصرية قال في النهاية المصراة الناقة أو البقرة أو الشاة يصري اللبن في
ضرعها أي يجمع ويحبس انتهى يعني لتباع كذلك ويغتربها المشتري ويظن أنها لبون فيزيد في
الثمن قوله (فهو بالخيار إذا حلبها) وفي رواية للشيخين بعد أن يحلبها قال الحافظ ظاهر
الحديث أن الخيار لا يثبت إلا بعد الحلب والجمهور على أنه إذا علم بالتصرية ثبت له الخيار ولو لم
يحلب لكن لما كانت التصرية لا تعرف غالبا إلا بعد الحلب ذكر قيدا في ثبوت الخيار فلو ظهرت
التصرية بغير الحلب فالخيار ثابت (إن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر) أي عوضا عن لبنها لأن
بعض اللبن حديث في ملك المشتري وبعضه كان مبيعا فلعدم تمييزه امتنع رده ورد قيمته
فأوجب الشارع صاعا قطعا للخصومة من غير نظر إلى قلة اللبن وكثرته كذا في المرقاة قوله (وفي
الباب عن أنس) أخرجه أبو يعلى (ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) أخرجه أحمد بإسناد صحيح
وفي الباب عن ابن ابن عمر أخرجه أبو داود والطبراني وعن عمرو بن عوف المزني أخرجه
البيهقي في الخلافيات كذا في فتح الباري قوله (فهو بالخيار ثلاثة أيام) فيه دليل على امتداد
الخيار هذا المقدار فتقيد بهذه الرواية الروايات القاضية بأن الخيار بعد الحلب على الفور كما في
قوله بعد أن يحلبها (فإن ردها رد معها صاعا من طعام لا سمراء) قال الحافظ تحمل الرواية
التي فيها الطعام على التمر وقد روى الطحاوي من طريق أيوب عن ابن سيرين أن المراد
بالسمراء الحنطة الشامية وروى ابن أبي شيبة وأبو عوانة من طريق هشام بن حسان عن ابن
سيرين لا سمراء يعني الحنطة وروى ابن المنذر من طريق ابن عون عن ابن سيرين انه سمع أبا
381

هريرة يقول لا سمراء تمر ليس ببر فهذه الروايات تبين أن المراد بالطعام التمر ولما كان المتبادر
إلى الذهن أن المراد بالطعام القمح نفاه بقوله لا سمراء انتهى
قوله (معنى لا سمراء لا بر) بضم الموحدة وتشديد الراء وهو الحنطة قوله (هذا حديث
حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم قوله (والعمل على هذا لحديث عند أصحابنا منهم
الشافعي وأحمد وإسحاق) قال الحافظ في الفتح قد أخذ بظاهر هذا الحديث يعني حديث أبي هريرة
المذكور جمهور أهل العلم وأفتى به ابن مسعود وأبو هريرة ولا مخالف لهم من الصحابة وقال به من
التابعين ومن بعدهم من لا يحصى عدد ولم يفرقوا بين أن يكون اللبن الذي احتلب قليلا أو كثيرا
ولا بين أن يكون التمر قوت تلك البلد أم لا وخالف في أصل المسألة أكثر الحنفية وفي فروعها
أكثرون أما الحنفية فقالوا لا يرد بعيب التصرية ولا يجب رد صاع من التمر وخالفهم زفر فقال
يقول الجمهور إلا أنه قال يتخير بين صاع تمر أو نصف صاع بر وكذا قال ابن أبي ليلى وأبو يوسف
في رواية إلا أنهما قالا لا يتعين صاع التمر بل قيمته واعتذر الحنفية عن الأخذ بحديث المصراة
بأعذار شتى فمنهم من طعن في الحديث بكونه من رواية أبي هريرة ولم يكن كابن مسعود وغيره
من فقهاء الصحابة فلا يؤخذ بما رواه مخالفا للقياس الجلي وهو كلام اذى قائله به نفسه وفي حكايته
غنى عن تكلف الرد عليه وقد ترك أبو حنيفة القياس الجلي لرواية أبي هريرة وأمثاله كما في الوضوء
بنبيذ التمر ومن القهقهة في الصلاة وغير ذلك وأظن أن لهذه النكتة أورد البخاري حديث ابن
مسعود عقب حديث أبي هريرة إشارة منه إلى أن ابن مسعود قد أفتى بوفق حديث أبي هريرة فلولا
أن خبر أبي هريرة في ذلك ثابت لما خالف ابن مسعود القياس الجلي في ذلك وقد اختص أبو هريرة
بمزيد الحفظ لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له ثم مع ذلك لم ينفرد أبو هريرة برواية هذا الأصل فقد أخرجه
أبو داود من حديث ابن عمر رضي الله عنه وأخرجه الطبراني من وجه اخر عنه وأبو يعلي من حديث
أنس وأخرجه البيهقي في الخلافيات من حديث عمرو بن عوف المزني وأخرجه أحمد من رواية
رجل من الصحابة لم يسم وقال ابن عبد البر هذا الحديث مجمع على صحته وثبوته من جهة النقل
واعتل من لم يأخذ به بأشياء لا حقيقة لها ومنهم من قال هو حديث مضطرب لذكر التمر فيه تارة
والقمح أخرى واللبن أخرى واعتباره بالصاع تارة وبالمثل أو المثلين تارة وبالإناء أخرى والجواب
أن الطرق الصحيحة لا اختلاف فيها والضعيف لا يعل به الصحيح ومنهم من قال وهو معارض
لعموم القرآن كقوله تعالى وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به وأجيب بأنه من ضمان
المتلفات لا العقوبات والمتلفات تضمن بالمثل وبغير المثل ومنهم من قال هو منسوخ وتعقب بأن
382

النسخ لا يثبت بالاحتمال ولا دلالة على النسخ مع
مدعيه كذا في فتح الباري وقد بسط
الحافظ فيه الكلام في هذا المقام بسطا حسنا وأجاد وقال الحافظ ابن القيم في أعلام الموقعين المثال العشرون رد المحكم الصحيح الصريح فمسألة
المصراة بالمتشابه من القياس وزعمهم أن هذا يخالف الأصول فلا يقبل فيقال الأصول كتاب الله
وسنة رسوله وإجماع أمته والقياس الصحيح الموافق للكتاب والسنة فالحديث الصحيح أصل
بنفسه فكيف يقال الأصل يخالف نفسه هذا من أبطل الباطل والأصول في الحقيقة اثنان لا ثالث
لهما كلام الله وكلام رسوله وما عداهما فمردود إليهما فالسنة أصل قائم بنفسه والقياس فرع فكيف
يرد الأصل بالفرع وقد تقدم بيان موافقة حديث المصراة للقياس وإبطال قول من زعم أنه خلاف
القياس ويا لله العجب كيف وافق الوضوء بالنبيذ المشتد للأصول حتى قبل وخالف خبر
المصراة للأصول حتى رد انتهى قلت قد أطال الحافظ ابن القيم في هذا الكتاب في إبطال قول من
زعم أنه خلاف القياس فعليك أن ترجع إليه تنبيه قال صاحب العرف الشذي أما ما ذكر
صاحب المنار وغيره من أن حديث المصراة يرويه أبو هريرة وهو غير فقيه ورواية الذي ليس بفقيه
غير معتبر إذا كانت خلاف القياس والقياس يقتضي بالفرق بين اللبن القليل والكثير ولبن الناقة أو
الشاة أو البقرة وغيرها من الأقيسة فأقول إن مثل هذا قابل الإسقاط من الكتب فإنه لا يقول به
عامل وأيضا هذه الضابطة لم ترد عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ولكنها منسوبة إلى عيسى بن
أبان انتهى كلام صاحب العرف الشذي بلفظه قلت وكذلك كثير من الضوابط والمسائل
المذكورة في كتب الحنفية المنسوبة إلى الإمام أبي حنيفة قابلة للإسقاط من الكتب الحنفية فإنها لم ترد
عنه رحمه الله بل هي منسوبة إليه بلا دليل وشأنه أعلى وأجل أن يقول بها تنبيه آخر قال صاحب
العرف الشذي أول من أجاب الطحاوي فعارض الحديث وأتى بحديث الخراج بالضمان وسنده
قوي أقول إن هذا الجواب ليس بذاك القوي انتهى كلام صاحب العرف الشذي بلفظه ثم بسط
في تضعيف جواب الطحاوي هذا وتوهينه قلت لا شك في أن جواب الطحاوي هذا ضعيف
وواه وقد زعم الطحاوي رحمه الله أن حديث الخراج بالضمان ناسخ لحديث المصراة وهذا زعم
فاسد قال الحافظ في الفتح وقيل إن ناسخه حديث الخراج بالضمان وهو حديث أخرجه أصحاب
السنن عن عائشة ووجهة الدلالة منه أن اللبن فضلة من فضلات الشاه ولو هلكت لكان من ضمان
المشتري فكذلك فضلاتها تكون له فكيف يعزم بدلها للبائع حكاه الطحاوي أيضا وتعقب بأن
حديث المصراة أصلح منه باتفاق فكيف يقدم المرجوح على الراجح ودعوى كونه بعده لا دليل
عليها وعلى التنزل فالمشتري لم يؤمر بغرامة ما حدث في ملكه بل بغرامة اللبن الذي ورد عليه
العقد ولم يدخل في العقد فليس بين الحديثين
على
383

هذا تعارض انتهى كلام الحافظ وقال قبلي هذا ما لفظه ومنهم من قال هو منسوخ وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال ولا دلالة على النسخ
مع مدعيه لأنهم اختلفوا في الناسخ ثم ذكر الحافظ الأحاديث التي زعموا أنها ناسخة وأجاب عنها
جوابا شافيا إن شئت الوقوف عليها فارجع إلى فتح الباري
باب ما جاء في اشتراط ظهر الدابة عند البيع
قوله (واشترط ظهره إلى أهله) وفي رواية للصحيحين واستثنيت حملانه إلى أهلي بضم
الحاء المهملة والمراد الحمل عليه قال الشوكاني وهو يدل على جواز البيع مع استثناء الركوب وبه
قال الجمهور وجوزه مالك إذا كانت مسافة السفر قريبة وحدها بثلاثة أيام وقال الشافعي وأبو
حنيفة وآخرون لا يجوز ذلك سواء قلت المسافة أو كثرت واحتجوا بحديث النهي عن بيع وشرط
وحديث النهي عن الثنيا وأجابوا عن حديث الباب بأنه قصة عين تدخلها الاحتمالات ويجاب
بأن حديث النهي عن بيع وشرط مع ما فيه من المقال هو أعم من حديث الباب مطلقا فيبنى العام
على الخاص وأما حديث النهي عن الثنيا فقد تقدم تقييده بقوله إلا أن يعلم انتهى كلام
الشوكاني قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
384

باب في الانتفاع بالرهن أي بالشئ المرهون قوله (الظهر يركب) بصيغة المجهول وكذلك يشرب وهو خبر بمعنى
الأمر والمراد من الظهر ظهر الدابة وقيل الظهر الإبل القوي يستوي فيه الواحد والجمع (ولبن الدر)
بفتح المهملة وتشديد الراء مصدر بمعنى الدارة أي ذات الضرع وقوله لبن الدر من إضافة الشئ
إلى نفسه كقوله تعالى وحب الحصيد قاله الحافظ (وعلى الذي يركب ويشرب نفقته) أي
كائنا من كان هذا ظاهر الحديث وفيه حجة لمن قال يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن إذا قام
بمصلحته ولو لم يأذن له المالك وهو قول أحمد وإسحاق وطائفة قالوا أينتفع المرتهن من الرهن
بالركوب والخلب بقدر النفقة ولا ينتفع بغيرهما لمفهوم الحديث وأما دعوى الإجمال (1) فقد
دل بمنطوقه على إباحة الانتفاع في مقابلة الانفاق وهذا يختص بالمرتهن لأن الحديث وإن كان مجملا لكنه
يختص بالمرتهن لأن انتفاع الراهن بالمرهون لكونه مالك رقبته لا لكونه منفقا عليه بخلاف
المرتهن وذهب الجمهور إلى أن المرتهن لا ينتفع من المرهون بشئ وتأولوا الحديث لكونه ورد
على خلاف القياس من وجهين أحدهما التجويز لغير المالك أن يركب ويشرب بغير إذنه والثاني
تضمينه ذلك بالنفقة لا بالقيمة قال ابن عبد البر هذا الحديث عند جمهور الفقهاء يرده أصول
مجمع عليها وآثار ثابتة لا يختلف في صحتها ويدل على نسخه حديث ابن عمر لا تحلب ماشية
امرئ بغير إذنه رواه البخاري انتهى وقال الشافعي يشبه أن يكون المراد من رهن ذات در
وظهر لم يمنع الراهن من درها وظهرها فهي محلوبة ومركوبة له كما كانت قبل الرهن واعترضه
الطحاوي بما رواه هشيم عن زكريا في هذا الحديث ولفظه إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن
علفها الحديث قال فتعين أن المراد المرتهن لا الراهن ثم أجاب عن الحديث بأنه محمول على
أنه كان قبل تحريم الربا فلما حرم الربا ارتفع ما أبيح في هذا للمرتهن وتعقب بأن النس لا يثبت
بالاحتمال والتاريخ في هذا متعذر والجمع بين الأحاديث ممكن وقد ذهب الأوزاعي والليث وأبو
385

ثور إلى حمله على ما إذا امتنع الراهن من الإنفاق على المرهون فيباح حينئذ للمرتهن الإنفاق على
الحيوان حفظا لحياته وبقاء المالية فيه وجعل له في مقابلة نفقته الانتفاع بالركوب أو بشرب اللبن
بشرط ألا يزيد قدر ذلك أو قيمته على قدر علفه وهي من جملة مسائل الظفر كذا أفاد الحافظ في
فتح الباري قلت حمل الحديث على ما إذا امتنع الراهن من الإنفاق على المرهون خلاف الظاهر
وقال في سبل السلام إنه تقييد للحديث بما لم يقيد به الشارع وأما قول ابن عبد البر يدل على
نسخه حديث ابن عمر لا تحلب ماشية امرئ بغير إذنه ففيه ما قال الحافظ في جواب الطحاوي
من أن النسخ لا يثبت بالاحتمال والتاريخ في هذا متعذر والجمع بين الحديثين ممكن وقال في
السبل أما النسخ فلا بد له من معرفة التاريخ على أنه لا يحمل عليه إلا إذا تعذر الجمع ولا تعذر
هنا إذ يخص عموم النهي بالمرهونة انتهى وأما قوله بأن الحديث يرده أصول مجمع عليها وآثار ثابتة
ففيه إن هذا الحديث أيضا أصل من أصول الشريعة والجمع بين هذا الأصل وتلك الأصول
المجمع عليها وتلك الآثار الثابتة التي أشار إليها ممكن وأما قول الجمهور بأن الحديث ورد على
خلاف القياس من وجهين الخ ففيه ما قال الحافظ ابن القيم في أعلام الموقعين ومن ذلك قول
بعضهم إن الحديث الصحيح وهو قوله الرهن مركوب ومحلوب وعلى الذي يركب ويحلب النفقة
على خلاف القياس فإنه جوز لغير المالك أن يركب الدابة ويحلبها وضمنه ذلك بالنفقة فهو
مخالف للقياس من وجهين والصواب ما دل عليه الحديث وقواعد الشريعة وأصولها لا تقتضي
سواه فإن الرهن إذا كان حيوانا محترم في نفسه بحق الله سبحانه وكذلك فيه حق الملك
وللمرتهن حق الوثيقة وقد شرع الله سبحانه الرهن مقبوضا بيد المرتهن فإذا كان بيده فلم يركبه
ولم يحلبه ذهب نفعه باطلا وإن مكن صاحبه من ركوبه خرج عن يده وتوثيقه وإن كلف صاحبه
كل وقت أن يأتي يأخذ لبنه شق عليه غاية المشقة ولا سيما مع بعد المسافة وإن كلف المرتهن بيع
اللبن وحفظ ثمنه للراهن شق عليه فكان بمقتضى العدل والقياس ومصلحة الراهن والمرتهن
والحيوان أن يستوفي المرتهن منفعة الركوب والحلب ويعوض عنهما بالنفقة ففي هذا جمع بين
المصلحتين وتوفير الحقين فإن نفقة الحيوان واجبة على صاحبه والمرتهن إذا أنفق عليه أدى عنه
واجبا وله فيه حق فلا أن يرجع ببدله ومنفعة الركوب والحلب يصح أن يكونا بدلا فأخذها خير
من أن تهدر على صاحبها باطلا ويلزم بعوض ما أنفق المرتهن وإن قيل للمرتهن لا رجوع لك كان
في إضرار به ولم تسمح نفسه بالنفقة على الحيوان فكان ما جاءت به الشريعة هو الغاية
التي ما فوقها في العدل والحكمة والمصلحة شئ يختار ثم ذكر ابن القيم كلاما حسنا مفيدا من
شاء الوقوف عليه فليرجع إلى الأعلام وقال القاضي الشوكاني في النيل ويجاب عن دعوى مخالفة هذا
الحديث الصحيح للأصول بأن السنة الصحيحة من جملة الأصول فلا ترد إلا بمعارض أرجح منها
386

بعد تعذر الجمع وعن حديث ابن عمر بأنه عام وحديث الباب خاص فيبنى العام على الخاص
والنسخ لا يثبت إلا بدليل يقضي بتأخر الناسخ على وجه يتعذر معه الجمع لا بمجرد الاحتمال مع
الإمكان انتهى كلام الشوكاني فالحاصل أن حديث الباب صحيح محكم ليس بمنسوخ ولا يرده
أصل من أصول الشريعة ولا أثر من الآثار الثابتة وهو دليل صريح في جواز الركوب على
الدابة المرهونة بنفقتها وشرب لبن الدر المرهونة بنفقتها وهو قول أحمد وإسحاق كما ذكره
الترمذي وأما قياس الأرض المرهونة على الدابة المرهونة والدر المرهونة فقياس مع الفارق هذا
ما عندي والله تعالى أعلم قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا مسلما
والنسائي قوله (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق) قالا ينتفع
المرتهن من الرهن بالركوب والحلب بقدر النفقة ولا ينتفع بغيرهما لمفهوم الحديث قال الطيبي
وقال أحمد وإسحاق للمرتهن أن ينتفع من المرهون بحلب وركوب دون غيرهما ويقدر بقدر
النفقة واحتجا بهذا الحديث ووجه التمسك به أن يقال دل الحديث بمنطوقه على إباحة
الانتفاع في مقابلة الإنفاق وانتفاع الراهن ليس كذلك لأن إباحته مستفادة له من تملك الرقبة
لا من الانفاق وبمفهومه على أن جواز الانتفاع مقصور على هذين النوعين من المنفعة وجواز
انتفاع غير مقصور عليهما فإذا المراد أن للمرتهن أن ينتفع بالركوب والحلب من المرهون بالنفقة
وإنه إذا فعل ذلك لزمه النفقة انتهى قلت قول أحمد وإسحاق هو الظاهر الموافق لحديث الباب
وقد قال به طائفة أيضا كما عرفت في كلام الحافظ وقد قال بجواز انتفاع الركوب وشرب اللبن
بقدر العلف إبراهيم النخعي أيضا قال الإمام البخاري في صحيحه وقال المغيرة عن إبراهيم
تركب الضالة بقدر علفها والرهن مثله انتهى قال الحافظ في الفتح قوله والرهن مثله في الحكم
المذكور وقد وصله سعيد بن منصور بالإسناد المذكور ولفظه الدابة إذا كانت مرهونة تركب
بقدر علفها وإذا كان لها لبن يشرب منه بقدر علفها ورواه حماد بن سلمة في جامعه عن حماد بن
أبي سليمان عن إبراهيم ولفظه إذا ارتهن شاة شرب المرتهن من لبنها بقدر ثمن علفها فإن
استفضل من اللبن بعد ثمن العلف فهو ربا انتهى (وقال بعض أهل العلم
ليس س له) أي للمرتهن
(أن ينتفع من الرهن) أي من الشئ المرهون (بشئ) أي بشئ من الانتفاع وهو قول
387

الجمهور واستدلوا بحديث أبي هريرة مرفوعا لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه
وعليه غرمه رواه الشافعي والدارقطني وقال هذا إسناد حسن متصل كذا في المنتقى قال
الشوكاني قوله له غنمه وعليه غرمه فيه دليل لمذهب الجمهور لأن الشارع قد جعل الغنم
والغرم للراهن ولكنه قد اختلف في وصله وإرساله ورفعه ووقعه وذلك مما يوجب عدم انتهاضه
لمعارضة ما في صحيح البخاري وغيره انتهى قلت حديث أبي هريرة الذي استدل به الجمهور قد
بسط الكلام فيه الحافظ ابن حجر في التلخيص من شاء الوقوف عليه فليرجع إليه
باب ما جاء في شراء القلادة وفيها ذهب وخرز
قال في القاموس الخرز محركة الجوهر وما ينظم وقال في الصراح خرزة بفتحتين مهره
خرازات الملك وجواهر تاجه والقلادة بكسر القاف ما يقلد في العنق وقال في الصراح قلادة
بالكسر كردن بند وجميل قوله (عن حنش) بفتح الحاء المهملة والنون الخفيفة بعدها معجمة ابن
عبد الله ويقال ابن علي والسبائع ثقة من الثالثة كذا في التقريب (عن فضالة) بفتح
الفاء (عن عبيد) بالتصغير (ففصلتها) من التفصيل أي ميزت ذهبها وخرزها بعد العقد (فوجدت
فيها) أي في القلادة (لا تباع) أي القلادة بعد هذا نفي بمعنى النهي (حتى تفصل) بصيغة المجهول
أي تميز والحديث رواه أبو داود بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بقلادة فيها ذهب وخرز ابتاعها من رجل بتسعة
دنانير أو سبعة دنانير فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا حتى تميز بينه وبينه فقال إنما أردت الحجارة فقال
النبي صلى الله عليه وسلم لا حتى تميز بينهما قال فرده حتى ميز بينهما قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه
مسلم وأبو داود والنسائي قال الحافظ في التلخيص وله عند الطبراني في الكبير طرق كثيرة جدا في
388

بعضها قلادة فيها خرز وذهب وفي بعضها ذهب وجوهر وفي بعضها خرز وذهب وفي بعضها
خرز معلقة بذهب وفي بعضها بإثني عشر دينارا وفي أخرى بتسعة دنانير وفي أخرى بسبعة
دنانير وأجاب البيهقي عن هذا الاختلاف بأنها كانت بيوعا شهدها فضالة قال الحافظ
والجواب المسدد عندي أن هذا الاختلاف لا يوجب ضعفا بل المقصود من الاستدلال محفوظ لا
اختلاف فيه وهو النهي عن بيع ما لم يفصل وأما جنسها وقدر ثمنها فلا يتعلق به في هذه الحالة ما
يوجب الحكم بالاضطراب وحينئذ فينبغي الترجيح بين رواتها وإن كان الجميع ثقات فيحكم
بصحة رواية أحفظهم وأضبطهم ويكون رواية الباقين بالنسبة إليه شاذة وهذا الجواب هو
الذي يجاب به في حديث جابر وقصة جمله ومقدار ثمنه انتهى كلام الحافظ قوله (والعمل على
هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم لم يروا أن يباع سيف محلى) أي
بالفضة (أو منطقة) بكسر الميم في الفارسية كمربند مفضضة اسم مفعول من التفضيض قال في
الصراح تفضيض سيم كوفت وسيم اندود كردن (وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق)
وهو منقول عن عمر بن الخطاب وابنه وجماعة من السلف وهو الظاهر (وقد رخص بعض أهل العلم
في ذلك من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم) وقالت الحنفية إنه يجوز إذا كان الذهب المنفرد أكثر من
الذي في القلادة نحوها لا مثله ولا دونه قال النووي في شرح مسلم في هذا الحديث إنه لا يجوز
بيع ذهب مع غيره بذهب حتى يفصل فيباع الذهب بوزنه ذهبا ويباع الاخر بما أراد وكذا لاتباع
فضة مع غيرها بفضة وكذا الحنطة مع غيرها بحنطة والملح مع غيره بملح وكذا سائر الربويات بل
لا بد من فصلها وسواء كان الذهب في الصورة المذكورة أو قليلا أو كثيرا وكذلك باقي الربويات
وهذه هي المسألة المشهورة في كتب الشافعي وأصحابه وغيره المعروفة بمسألة مدعجوة وصورتها
باع مدعجوة ودرهما بمدعجوة أو بدرهمين لا يجوز لهذا الحديث وهذا منقول عن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه ابنه وجماعة من السلف وهو مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق ومحمد بن
عبد الحكيم المالكي وقال أبو حنيفة والثوري والحسن بن صالح يجوز بيعه بأكثر مما فيه من
الذهب ولا يجوز بمثله ولا بدونه وقال مالك
وأصحابه وآخرون يجوز بيع السيف المحلى بذهب
389

وغيره مما هو في معناه بما فيه ذهب فيجوز بيعه بالذهب إذا كان الذهب في المبيع تابعا لغيره
وقدروه بأن يكون الثلث فما دونه قال وأجابت الحنفية بأن الذهب فيها كان أكثر من اثني عشر
درهما وقد اشتراها بإثني عشر دينارا قالوا ونحن لا تجيز هذا وإنما نجيز البيع إذا باعها بذهب
أكثر مما فيها فيكون ما زاد من الذهب المنفرد في مقابلة الخرز ونحوه مما هو من الذهب المبيع فيصير
كمعقدين وأجاب الطحاوي بأنه إنما نهى عنه لأنه كان في بيع الغنائم لئلا يغبن المسلمون في
بيعها قال النووي ودليل صحة قولنا وفساد التأويلين يعني جواب الحنفية وجواب الطحاوي أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يباع حتى يفصل وهذا صريح في اشتراط فصل أحدهما عن الاخر في البيع
وأنه لا فرق بين أن يكون الذهب المبيع به قليلا أو كثيرا وأنه لا فرق بين بيع الغنائم وغيرها انتهى
كلام النووي وقال صاحب السبل وأجاب المانعون بأن الحديث فيه دلالة على علة النهي وهي
عدم الفصل حيث قال لا يباع حتى يفصل وظاهره الإطلاق في المساوي وغيره فالحق مع القائلين
بعدم الصحة ولعل وجه حكم النهي هو سد الذريعة إلى وقوع التفاضل في الجنس الربوي
ولا يكون إلا بتمييزه بفصل واختيار المساواة بالكيل والوزن وعدم الكفاية بالظن في التغليب انتهى
باب ما جاء في اشتراط الولاء والزجر عن ذلك
قوله (أرادت أن تشتري بريرة) بوزن فعيلة مشتقة من البرير وهو ثمن الأراك وقيل إنها
فعيلة من البر بمعنى مفعولة كمبرورة أو بمعنى فاعلة كرحيمة هكذا وجهه القرطبي والأول أولى لأنه
صلى الله عليه وسلم غير اسم جويرية وكان اسمها برة وقال (لا تزكوا أنفسكم) فلو كانت بريرة من البر لشاركتها
في ذلك وكانت بريرة لناس من الأنصار كما وقع عند أبي نعيم وقيل لناس من بني هلال قاله ابن
عبد البر ويمكن الجمع وكانت تخدم عائشة قبل أن تعتق كما في حديث الإفك وعاشت إلى خلافة
معاوية وتفرست في عبد الملك بن مروان أنه يلي الخلافة فبشرته بذلك وروى هو ذلك عنها كذا
في الفتح (اشتريها فإنما الولا لمن أعطى الثمن) أي لمن اشترى وأعتق قال في اللمعات قد
390

يتوهم أن هذا متضمن للخداع والتغرير فكيف أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهله بذلك والجواب أنه
كان جهلا باطلا منهم فلا اعتذار بذلك واشكل من ذلك ما ورد في بعض الروايات خذيها
واشترطي الولاء لهم فإن الولاء لمن أعتق والجواب أن اشتراطه لهم تسليم لقولهم الباطل بإرخاء
العنان دون إثباته لهم انتهى قلت قد ذكر الحافظ في الفتح في دفع هذا الإشكال وجوها عديدة
بالبسط فعليك أن تطالعه (أو لمن ولى النعمة) أي المعتق قوله (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه
البخاري والنسائي وأبو داود قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) أخرجه البخاري
ومسلم (وقال) أي أبو عيسى (منصور بن المعتمر يكنى أبا عتاب) بفتح المهملة وشدة الفوقانية
وبالموحدة (إذا حدثت) بصيغة المجهول (عن منصور) أي ابن المعتمر يعني إذا حدثك رجل عن
منصور (فقد ملأت يدك من الخير) كناية عن كونه ثقة ثبتا في الحديث وكان هو أثبت أهل الكوفة
وكان لا يحدث إلا عن ثقة (لا ترد) من الإرادة (وغيره) أي غير منصور (وأخبرني محمد) هو الإمام
البخاري رحمه الله وهذا قول الترمذي قوله (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه البخاري وأبو
داود والنسائي قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم قوله
(وقال) أي أبو عيسى الترمذي (منصور بن المعتمر يكني أبا عتاب) بفتح المهملة وشدة الفوقية
قوله (قال سمعت يحيى بن سعد) ابن فروخ التميمي القطان البصري الحافظ الحجة أحد أئمة
الجرح والتعديل (إذا حدثت) بصيغة المجهول للمخاطب (عن منصور) هو منصور بن المعتمر
المذكور قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة أحد الأعلام لا أحفظ له شيئا عن
الصحابة وحدث عن أبي وائل وربعي بن حراش وإبراهيم وسعيد بن جبير ومجاهد والشعبي
وأبي حازم الأشجعي وطبقتهم وعنه شعبة وشيبان وسفيان وشريك وخلق كثير وحكى عنه
شعبة قال ما كتبت حديثا قط وقال ابن مهدي لم يكن بالكوفة أحد أحفظ من منصور وقال
أحمد العجلي كان منصورا أثبت أهل الكوفة لا يختلف فيه أحد مات في سنة اثنتين وثلاثين ومائة
انتهى مختصرا (فقد ملأت يدك من الخير لا ترد) من الإرادة (غيره) مقصود يحيى القطان من هذا
الكلام بيان كمال حفظ منصور بن المعتمر وإتقانه في الحديث
391

باب
قوله (بعث حكيم بن حزام) بكسر الحاء وبالزاي وهو ابن أخي خديجة أم المؤمنين
ولد قبل الفيل بثلاث عشرة سنة وكان من أشراف قريش ووجوهها في الجاهلية والإسلام وتأخر
إسلامه إلى عام الفتح ومات بالمدينة سنة أربع وخمسين وله مائة وعشرون سنة ستون في الجاهلية
وستون في الاسلام (يشتري له) وفي رواية أبي داود ليشتري له (أضحية) أي ما يضحي به من غنم
(وتصدق بالدينار) جعل جماعة هذا أصلا فقالوا من وصل إليه مال من شبهة وهو لا يعرف له مستحقا
فإنه يتصدق به ووجه الشبهة ههنا أنه لم يأذن لحكيم بن حزام في بيع الأضحية ويحتمل أن يتصدق
به لأنه قد خرج عنه للقربة لله تعالى في الأضحية فكرة ثمنها قاله في النيل قوله (حديث
حكيم بن حزام لا نعرفه إلا من هذا الوجه وحبيب بن أبي ثابت لم يسمع عندي من حكيم بن حزام)
فالحديث منقطع وأخرجه أبو داود من طريق أبي حصين عن شيخ من أهل المدينة عن حكيم بن
حزام قال المنذري في إسناده مجهول انتهى قوله (حدثنا الزبير بن خريت) بكسر المعجمة
والراء المشددة المكسورة واخره مثناة وثقه أحمد وابن معين (عن أبي لبيد) اسمه لمازة بكسر اللام
وتخفيف الميم وبالزاي ابن الزبار بفتح الزاي وتثقيل الموحدة وآخره راء صدوق ناصبي من
392

الثالثة كذا في التقريب قوله (فاشتريت له شاتين) فيه دليل على أنه يجوز للوكيل إذا قال له
المالك اشتر بهذا الدينار شاة ووصفها أن يشتري بها شاتين بالصفة المذكورة لأن مقصود الموكل
قد حصل وزاد الوكيل خيرا ومثل هذا لو أمره أن يبيع شاة بدرهم فباعها بدرهمين أو بأن يشتريها
بدرهم فاشتراها بنصف درهم وهو الصحيح عند الشافعية كما نقله النووي في زيادات الروضة
(فقال بارك الله في صفقة يمينك) بفتح صاد وسكون فاء والمعنى بارك الله في بيعك وتجارتك (فكان
بعد ذلك يخرج إلى كناسة الكوفة) بضم الكاف وتخفيف النون موضع بالكوفة (فيربح الربح
العظيم الخ) وفي رواية البخاري فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيعه بالبركة فكان لو اشترى ترابا
لربح فيه وحديث عروة البارقي هذا أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود وابن ماجة وفي إسناده من
عند البخاري سعيد بن زيد أخو حماد وهو مختلف فيه عن أبي لبيد لمازة بن زبار وقد قيل إنه
مجهول لكنه قال إنه وثقه ابن سعد وقال حرب سمعت أحد يثني عليه وقال في التقريب إنه
ناصبي أجلد قال المنذري والنووي إسناده صحيح لمجيئه من وجهين وقد رواه البخاري من
طريق ابن عيينة عن شعيب بن غرقد سمعت الحي يحدثون من عروة قال الحافظ الصواب
أنه متصل في إسناده مبهم قوله (وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث وقالوا به وهو
قول أحمد وإسحاق الخ) قال في النيل في الحديث دليل على صحة بيع الفضولي وبه قال مالك
وأحمد في إحدى الروايتين عنه والشافعي في القديم وقواه النووي في الروضة وهو مروى عن
جماعة من السلف منهم علي وابن عباس وابن مسعود وابن عمر وقال الشافعي في الجديد
393

وأصحابه إن البيع الموقوف والشراء الموقوف باطلان لحديث لا تبع ما ليس عندك وأجابوا عن
حديثي الباب بما فيهما من المقال وعلى تقدير الصحة فيمكن أنه كان وكيلا بالبيع بقرينة فهمها منه
صلى الله عليه وسلم وقال أبو حنيفة إنه بكون البيع الموقوف صحيحا دون الشراء والوجه أن الإخراج عن
ملك المالك مفتقر إلى إذنه بخلاف الإدخال ويجاب بكن الادخال للمبيع في الملك يستلزم
الاخراج من الملك للثمن وروي عن مالك العكس من قول أبي حنيفة فإن صح فهو قوي لأن فيه
جمعا بين الأحاديث انتهى كلام الشوكاني
باب ما جاء في المكاتب إذا كان عنده ما يؤدي
قوله (إذا أصاب المكاتب) أي استحق (حدا) أي دية (أو ميراثا ورث) بفتح فكسر راء
مخفف (بح ما عتق منه أي بحسبه ومقداره والمعنى إذا ثبت للمكاتب دية أو ميراث ثبت له
من الدية والميراث بحسب ما عتق من نصفه كما لو أدى نصف الكتابة ثم مات أبوه وهو حر ولم
يخلف غيره فإنه يرث منه نصف ماله أو كما إذا جنى على المكاتب جناية وقد أدى بعض كتابته فإن
الجاني عليه أن يدفع إلى ورثته بقدر ما أدى من كتابته دية حر ويدفع إلى مولاه بقدر ما بقي من
كتابته دية عبد مثلا إذا كاتبه على ألف وقيمته مائة وأدى خمسمائة ثم قتل فلورثة العبد خمسمائة من
ألف نصف دية حر ولمولاه خمسون نصف قيمته (يودي المكاتب) بضم ياء وسكون واو وفتح دال
مخففة أي يعطي دية المكاتب (بحصة ما أدى) بفتح الهمزة وتشديد الدال أي قضى ووفى قال
القاري وفي نسخة يعني من المشكاة بحسب ما أدى أي من النجوم (دية حر) بالنصب (وما بقي)
أي ويعطى بحصة ما بقي عليه من النجوم (دية عبد) بالنصب قال الأشرف
قوله يؤدي بتخفيف
الدال مجهولا من ودي يدي دية أي أعطى الدية وانتصب دية حر مفعولا به ومفعول ما أدى من
النجوم محذوف عائد إلى الموصول أي بحصة ما أداه من النجوم يعطى دية حر وبحصة ما بقي
دية عبد قوله (وفي الباب عن أم سلمة) أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجة قوله (حديث
394

ابن عباس حديث حسن) وأخرجه أبو داود قوله (والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل
العلم الخ) قال القاضي رحمه الله وهو دليل على أن المكاتب يعتق بقدر ما يؤديه من النجم وكذا
حديث أم سلمة وبه قال النخعي وحده ومع ما فيه من الطعن معارض بحديثي عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده قال القاري يمكن أن يقال في الجمع بينهما وبينه على تقدير صحته تقوية لقول
النخعي أنه يعتق عتقا موقوفا على تكميل تأدية النجوم لا سيما على القول بجواز تجزي العتق
انتهى قوله (وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق) وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
قوله (على مائة أوقية) بضم همزة وتخفيف تحتية وقد تشدد وهي اسم لأربعين درهما (فأداها) أي
فقضى المائة ودفعها (إلا عشرة أواق) بفتح الهمزة وتنوين القاف جمع أوقية ووقع في أكثر نسخ
الترمذي عشر أواق بغير التاء وهو الظاهر (ثم عجز) أي عن أداء نجوم الكتابة (فهو) أي فعبده
المكاتب العاجز قال ابن الملك هذا يدل على أنه إن عجز المكاتب عن أداء البعض كعجزه عن
الكل فللسيد فسخ كتابته فيكون رقيقا كما كان ويدل
مفهوم قوله فهو رقيق على أن ما أداه يصير
لسيده قوله (وهذا حديث غريب) قال في المنتقى بعد ذكر هذا الحديث رواه الخمسة إلا
النسائي انتهى وقال في النيل وأخرجه أيضا الحاكم وصححه قال الشافعي لم أجد أحدا روى
هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عمرا ولم أر من رضيت من أهل العلم يثبته وعلى هذا فتيا المفتين انتهى
قلت وأخرجه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا بلفظ قال المكاتب عبد ما
395

بقي عليه من مكاتبته درهم قال الحافظ في بلوغ المرام أخرجه أبو داود بإسناد حسن وأصله عند
أحمد والثلاثة وصححه الحاكم انتهى وقال المنذري في إسناده إسماعيل بن عياش وفيه مقال
قوله (حدثنا سعيد بن عبد الرحمن الخ) وقع في بعض النسخ قبل هذا باب منه (عن نبهان) بفتح
النون وسكون الموحدة زاد أبو داود مكاتب أم سلمة (فلتحتجب) أي إحداكن وهي سيدته (منه)
أي المكاتب فإن ملكه على شرف الزوال وما قارب الشئ يعطي حكمه والمعنى أنه لا يدخل
عليها قوله (هذا حديث حسن صحيح) قال الحافظ في بلوغ المرام بعد ذكره أحمد والأربعة
وصححه الترمذي انتهى قوله (ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم على التورع الخ) قال
القاضي هذا أمر محمول على التورع والاحتياط لأنه بصدد أن يعتق بالأداء لا أنه يعتق بمجرد أن
يكون واجدا للنجم فإنه لا يعتق ما لم يؤد الجميع لقوله صلى الله عليه وسلم المكاتب عبد ما بقي عليه درهم
ولعله قصد به منع المكاتب عن تأخير الأداء بعد التمكن ليستبيح به النظر إلى السيدة وسد هذا
الباب عليه انتهى
باب ما جاء إذا أفلس للرجل غريم فيجد عنده متاعه
قال في النهاية أفلس الرجل إذا لم يبق له مال ومعناه صارت دراهمه فلوسا وقيل صار
إلى حال يقال ليس معه فلس وقد أفلس يفلس إفلاسا فهو مفلس وفلسه الحاكم تفليسا انتهى
والغريم المديون (ووجد رجل سلعته عنده بعينها) أي بذاتها بأن تكون غير هالكة حسا أو
معنى بالتصرفات الشرعية (فهو) أي الرجل (أولى بها) أي أحق بسلعته (من غيره) أي من
396

الغرماء قوله (وفي الباب عن سمرة) أخرجه أحمد وأبو داود وهو من رواية الحسن البصري عنه
وفي سماعه منه خلاف معروف لكنه يشهد لصحته حديث الباب (وابن عمر) أخرجه ابن حبان
بإسناد صحيح قاله في النيل قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري
ومسلم قوله (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) قال
في شرح السنة العمل على هذا عند أكثر أهل العلم قالوا إذا أفلس المشتري بالثمن ووجد البائع
عين ماله فله أن يفسخ البيع ويأخذ عين ماله وإن كان قد أخذ بعض الثمن وأفلس بالباقي أخذ
من ماله بقدر ما بقي من الثمن كما رواه البخاري قضى به عثمان رضي الله عنه وروي عن علي
رضي الله عنه ولا نعلم لهما مخالفا من الصحابة وبه قال مالك والشافعي رحمهما الله انتهى
قلت وهو الحق وهو قول الجمهور (وقال بعض أهل العلم هو أسوة الغرماء) بضم الهمزة أي هو
مساو لهم وكواحد منهم يأخذ مثل ما يأخذون ويحرم عما يحرمون (وهو قول أهل الكوفة) وهو
مذهب الحنفية قال في التعليق الممجد ومذهب الحنفية في ذلك أن صاحب المتاع ليس بأحق لا في
الموت ولا في الحياة لأن المتاع بعد ما قبضه المشتري صار ملكا خالصا له والبائع صار أجنبيا منه
كسائر أمواله فالغرماء شركاء البائع فيه في كلتا الصورتين وإن لم يقبض فالبائع أحق
لاختصاصه به وهذا معنى واضح لولا ورود النص بالفرق وسلفهم في ذلك علي فإن قتادة وروى
عن خلاس بن عمرو عن علي أنه قال هو أسوة الغرماء إذا وجدها بعينها وأحاديث خلاس عن
علي ضعيفة وروى مثله عن إبراهيم النخعي ومن المعلوم أن كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا
الرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عبرة الرأي بعد ورود نصة كذا حققه ابن عبد البر والزرقاني انتهى واعلم أن
الحنفية قد اعتذروا عن العمل بأحاديث الباب باعتذارات كلها واهية فمنها أنها مخالفة
للأصول وفساد هذا الاعتذار ظاهر فإنه السنة الصحيحة هي من جملة الأصول فلا يترك العمل
بها إلا لما هو انهض منها ومنها أنها محمولة على ما إذ كان المتاع وديعة أو عارية أو لقطة وفساد
هذا الاعتذار أيضا ظاهر فإنه لو كان كذلك لم يقيد بالإفلاس ولا جعل أحق بها لما تقتضيه صيغة
أفعل من الاشتراك ويرد هذا الاعتذار أنه وقع في رواية لمسلم والنسائي أنه لصاحبه الذي باعه
وفي رواية لابن حبان إذا أفلس الرجل فوجد البائع سلعته وكذلك وقع في عدة روايات ما يدل
صراحة على أنها واردة في صورة البيع قال الحافظ في الفتح فظهر بهذا أن الحديث وارد في صورة
397

البيع ويلتحق به القرض وسائر ما ذكر يعني من العارية والوديعة بالأولى ومنها أنها محمولة على
ما إذا أفلس المشتري قبل أن يقبض السلعة ويرد هذا الاعتذار أنه وقع في حديث سمرة عند
مفلس وفي حديث أبي هريرة عند رجل وفي رواية لابن حبان ثم أفلس وهي عنده إذا فلس
الرجل وعنده متاع
باب ما جاء في النهي للمسلم أن يدفع إلى الذمي الخمر يبيعها له
قوله (فلما نزلت المائدة) أي الآية التي فيها تحريم الخمر وهي قوله تعالى يا أيها الذين
آمنوا إنما الخمر والميسر الآيتين (عنه) أي عن الخمر التي عندي لليتيم والخمر قد يدكر أو
بتأويل الشراب (فقال أهريقوه) أي صبوه والأصل أريقوه من الإراقة وقد تبدل الهمزة بالهاء وقد
تستعمل هذه الكلمة بالهمزة والهاء معا كما وقع هنا وهو نادر وفيه دليل على أن الخمر لا تملك ولا
تحبس بل تجب إراقتها في الحال ولا يجوز لأحد الانتفاع بها إلا بالإراقة قوله (وفي الباب عن
أنس بن مالك) أن أبا طلحة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا قال أهرقها قال أفلا
أجعلها خلا قال لا أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي قوله (حديث أبي سعيد حديث
حسن) وأخرجه أحمد قوله (وقال بهذا بعض أهل العلم وكرهوا أن يتخذ الخمر خلا الخ) قال
الخطابي في المعالم تحت حديث أنس في هذا بيان واضح أن معالجة الخمر حتى تصير خلا غير
جائز ولو كان إلى ذلك سبيل لكان مال اليتيم أولى الأموال به لما يجب من حفظه وتثميره والحيطة
عليه وقد كان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال فعلم أن معالجته لا تطهره ولا ترده إلى المالية
بحال انتهى وقال الشوكاني في النيل فيه دليل للجمهور على أنه لا يجوز تخليل الخمر ولا تطهر
بالتخليل هذا إذا خللها بوضع شئ فيها أما إذا كان التخليل بالنقل من الشمس إلى الظل أو
نحو ذلك فأصح وجه عن الشافعية أنها تحل وتطهر وقال الأوزاعي وأبو حنيفة تطهر إذا خللت
398

بإلقاء شئ فيها قلت والحق أن تخليل الخمر ليس بجائز لحديث الباب ولحديث أنس
المذكور ومن قال بالجواز فليس له دليل (ورخص بعضهم في خل الخمر إذا وجد قد صار خلا)
أي من غير معالجة قال القاري في المرقاة تحت حديث أنس رضي الله عنه فيه حرمة التخليل ربه قال
أحمد وقال أبو حنيفة والأوزاعي والليث يطهر بالتخليل وعن مالك ثلاث روايات أصحها
عنه أن التخليل حرام فلو خللها عصى وطهرت والشافعي على أنه إذا ألقى فيه شئ للتخلل لم
يطهر أبدا وأما بالنقل إلى الشمس مثلا فللشافعية فيه وجهان أصحهما تطهيره وأما الجواب عن
قوله عليه الصلاة والسلام لا عند من يجوز تخليل الخمر أن القوم كانت نفوسهم ألفت بالخمر
وكل مألوف تميل إليه النفس فخشي النبي صلى الله عليه وسلم من دواخل الشيطان فنهاهم عن اقترانهم نهى تنزيه
كيلا يتخذ التخليل وسيلة إليها وأما بعد طول عهد التحريم فلا يخشى هذه الدواخل ويؤيده
خبر نعم الإدام الخل رواه مسلم عن عائشة وخير خلكم خل خمركم رواه البيهقي في المعرفة
عن جابر مرفوعا وهو محمول على بيان الحكم لأنه اللائق بمنصب الشارع لا بيان اللغة انتهى
كلام القاري قلت قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر حديث خير خلكم خل خمركم
ما لفظه قال البيهقي في المعرفة رواه المغيرة بن زياد وليس بالقوى وأهل الحجاز يسمون خل
العنب خل الخمر قال وإن صح فهو محمول على ما إذا تخلل بنفسه وعليه يحمل حديث فرج
ابن فضالة انتهى قلت حديث فرج بن فضالة أخرجه الدارقطني في سننه عنه عن يحيى بن
سعيد عن عمرة عن أم سلمة مرفوعا في الشاة أن دباغها يحل كما يحل خل الخمر قال الدارقطني
تفرد به فرج بن فضالة وهو ضعيف قاله الحافظ في الدراية قال ويعارض ظاهره حديث أنس
سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر أتتخذ خلا قال لا أخرجه مسلم وأخرج أيضا عنه أن أبا طلحة
سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا قال أهرقها قال أفلا نجعلها خلا قال لا انتهى وأما
القول بأن النهي للتنزيه فغير ظاهر وأما حديث نعم الإدام الخل فالمراد بالخل الخل الذي لم
يتخذ من الخمر جمعا بين الأحاديث والله تعالى أعلم
باب
قوله (حدثنا طلق بن الغنام) بفتح الغين المعجمة وشدة النون النخعي أبو
محمد الكوفي
399

ثقة من كبار العاشرة (عن أبي حصين) بفتح الحاء المهملة اسمه عثمان بن عاصم ابن حصين
الأسدي الكوفي ثقة ثبت قوله (أد الأمانة) هي كل شئ لزمك أداؤه والأمر للوجوب قال
الله تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها (إلى من ائتمنك) أي عليها (ولا تخن من
خانك) أي لا تعامله بمعاملته ولا تقابل خيانته بخيانتك قال في سبل السلام وفيه دليل على أنه
لا يجازي بالإساءة من أساء وحمله الجمهور على أنه مستحب لدلالة قوله تعالى وجزاء
سيئة مثلها وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به على الجواز وهذه في المعروفة بمسألة الظفر
وفيها أقوال للعلماء هذا القول الأول وهو الأشهر من أقوال الشافعي وسواء كان من جنس ما
أخذ عليه أو من غير جنسه والثاني يجوز إذا كان من جنس ما أخذ عليه لا من غيره لظاهر
قوله (بمثل ما عوقبتم به) وقوله مثلها وهو رأي الحنفية والثالث لا يجوز ذلك إلا لحكم
الحاكم لظاهر النهي في الحديث ولقوله تعالى ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وأجيب أنه
ليس أكلا بالباطل والحديث يحمل فيه النهي على الندب الرابع بن حزم أنه يجب عليه أن
يأخذ بقدر حقه سواء كان من نوع ما هو عليه أو من غيره ويبيع ويستوفي حقه فإن فضل على ما
هو له رده أو لورثته وإن نقص بقي في ذمة من عليه الحق فإن لم يفعل ذلك فهو عاص لله عز
وجل إلا أن يحلله أو يبرئه فهو مأجور فإن كان الحق الذي له لا بينة له عليه وظفر بشئ
من مال من عنده له الحق أخذه فإن طولب أنكر فإن استحلف حلف وهو مأجور في ذلك قال وهذا
قول الشافعي وأبي سليمان وأصحابهما وكذلك عندنا كل من ظفر لظالم بمال ففرض عليه أخذه
وإنصاف المظلوم منه واستدل بالآيتين وبقوله تعالى ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من
سبيل وبقوله تعالى والحرمات قصاص وبقوله تعالى من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه
بمثل ما اعتدى عليكم وبقوله صلى الله عليه وسلم لهند امرأة أبي سفيان خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف
وبحديث البخاري إن نزلتم بقوم وأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا وإن لم يفعلوا فخذوا
منهم حق الضيف واستدل لكونه إذا لم يفعل عاصيا بقوله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى
الآية وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من رأى منكرا الحديث ثم ذكر حديث أبي هريرة فقال هو من
رواية طلق بن غنام عن شريك وقيس بن الربيع وكلهم ضعيف قال ولئن صح فلا حجة فيه لأنه
ليس له انتصاف المرء حقه خيانة بل هو حق واجب وإنكار منكر انتهى مختصر قوله (هذا
حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود وسكت عنه ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره وقال
الزيلعي قال ابن القطان والمانع من تصحيحه أن شريكا وقيس بن الربيع مختلف فيهما انتهى
400

وقال الحافظ في بلوغ المرام وصححه الحاكم واستنكره أبو حاتم الرازي انتهى وقال الشوكاني
في النيل وفي الباب عن أبي بن كعب عند ابن الجوزي في العلل المتناهية وفي إسناده من لا
يعرف وأخرجه أيضا الدارقطني وعن أبي أمامة عند البيهقي والطبراني بسند ضعيف وعن
أنس عند الدارقطني والطبراني والبيهقي وعن رجل من الصحابة عند أحمد وأبي داود والبيهقي
وفي إسناده مجهول اخر غير الصحابي لأن يوسف بن ماهك رواه عن فلان عن آخر وقد صححه
ابن السكن وعن الحسن مرسلا عند البيهقي قال الشافعي هذا الحديث ليس بثابت قال ابن
الجوزي لا يصح من جميع طرقه وقال أحمد هذا حديث باطل لا أعرفه من وجه يصقال
الشوكاني لا يخفي أن وروده بهذه الطرق المتعددة مع تصحيح إمامين من الأئمة المعتبرين لبعضها
وتحسين إمام ثالث منهم مما يصير به الحديث منتهضا للاحتجاج انتهى
باب ما جاء أن العارية مؤداة
قوله (العارية مؤداة) قال التوربشتي أي تؤدى إلى صاحبها واختلفوا في تأويله على
حسب اختلافهم في الضمان فالقائل بالضمان يقول تؤدي عينا حال القيام وقيمة عند التلف
وفائدة التأدية عند من يرى خلافه إلزام المستعير مؤنة ردها إلى مالكها كذا في المرقاة (والزعيم)
أي الكفيل (غارم) قال في النهاية الغارم الذي يلتزم ما ضمنه وتكفل به ويؤديه والغرم أداء
شئ لازم وقد غرم يغرم غرما انتهى والمعنى أنه ضامن ومن ضمن دينا لزمه أداؤه (والدين
مقضى) أي يجب قضاؤه قوله (وفي الباب عن سمرة) أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجة
401

(وصفوان بن أمية) أخرجه أبو داود (وأنس) أخرجه الطبراني في كتاب مسند الشاميين ذكره
الزيلعي في نصب الراية في الكفالة بإسناده ومتنه وفي الباب عن ابن عباس ذكره الزيلعي فيه
قوله (حديث أبي أمامة حديث حسن) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة قال الحافظ الزيلعي
قال صاحب التنقيح رواية إسماعيل بن عياش من الشاميين جيدة وشرحبيل من ثقات الشاميين
قاله الإمام أحمد ووثقه أيضا العجلي وابن حبان وضعفه ابن معين انتهى والحديث أخرجه
الترمذي في الوصايا مطولا قوله (على اليد ما أخذت) أي يجب على اليد رد ما أخذته قال
الطيبي ما موصولة مبتدأ وعلى اليد خبره والرابع محذوف أي ما أخذته اليد ضمان على صاحبها
والإسناد إلى اليد على المبالغة لأنها هي المتصرفة (حتى تؤدي) بصيغة الفاعل المؤنث والضمير إلى
اليد أي حتى تؤديه إلى مالكه فيجب رده في الغصب وإن لم يطلبه وفي العارية إن عين مدة رده إذا
انقضت ولو لم يطلب مالكها وفي الوديعة لا يلزم إلا إذا طلب المالك ذكره ابن الملك قال
القاري وهو تفصيل حسن يعني من أخذ مال أحد بغضب أو عارية أو وديعة لزم رده انتهى
(قال قتادة ثم نسي الحسن) أي الحديث (فقال) أي الحسن (هو) أي المستعير
(لا ضمان عليه) لا يلزم من قول الحسن إن المستعير لا ضمان عليه أنه نسي الحديث كما ستعرف (هذا حديث
حسن) أخرجه الخمسة إلا النسائي وصححه الحاكم وسماع الحسن من سمرة فيه خلاف مشهور
ووقع في بعض النسخ هذا حديث صحيح واستدل بهذا الحديث من قال بأن الوديع والمستعير
ضامنان وهو صالح للاحتجاج به على التضمين لأن المأخوذ إذا كان على اليد الآخذة حتى ترده
فالمراد أنه في ضمانها كما يشعر لفظ على من غير فرق بين مأخوذ ومأخوذ وقال المقبلي في المنار
يحتجون بهذا الحديث في مواضع على التضمين ولا أراه صريحا لأن اليد الأمينة أيضا عليها ما
أخذت حتى ترد وإلا فليست بأمينة إنما كلامنا هل يضمنها لو تلفت بغير جناية وليس الفرق
بين المضمون وغير المضمون إلا هذا وأما الحفظ فمشرك وهو الذي تفيده على فعل هذا لم
ينس الحسن كما زعم قتادة حين قال هو أمينك لا ضمان عليه بعد رواية الحديث انتهى قال
402

الشوكاني بعد ذكر كلام المقبلي هذا ولا يخفى عليك ما في هذا الكلام من قلة الجدوى وعدم
الفائدة وبيان ذلك أن قوله لأن اليد الأمينة عليها ما أخذت حتى ترد وإلا فليست بأمينة يقتضي
الملازمة بين عدم الرد وعدم الأمانة فيكون تلف الوديعة والعارية بأي وجه من الوجوه قبل الرد
مقتضيا لخروج الأمين عن كونه أمينا وهو ممنوع فإن المقتضي لذلك إنما هو التلف بخيانة أو جناية
ولا نزاع في أن ذلك موجب للضمان إنما النزاع في تلف لا يصير به الأمين خارجا عن كونه أمينا
كالتلف بأمر لا يطاق دفعه أو بسبب سهو أو نسيان أو بآفة سماوية أو سرقة أو ضياع بلا تفريط فإنه
يوجد التلف في هذه الأمور مع بقاء الأمانة وظاهر الحديث يقتضي الضمان وقد عارضه ما
أسلفنا ثم ذكر الشوكاني كلام صاحب ضوء النهاء ثم تعقب عليه ثم قال وأما مخالفة رأي
الحسن لروايته فقد تقرر في الأصول أن العمل بالرواية بالرأي انتهى قوله (وقالوا يضمن
صاحب العارية وهو قول الشافعي وأحمد) قال في النيل قال ابن عباس وأبو هريرة وعطاء
والشافعي وأحمد وإسحاق وعزاه صاحب الفتح إلى الجمهور أنها إذ تلفت في يد المستعير ضمنها
إلا فيما إذا كان ذلك على الوجه المأذون فيه واستدلوا بحديث سمرة المذكور وبقوله تعالى إن
الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ولا يخفي أن الأمر بتأدية الأمانة لا يستلزم ضمانها إذا
تلفت (وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) وغيرهم ليس على صاحب العارية ضمان
إلا أن يخالف وهو قول الثوري وأهل الكوفة وبه يقول (إسحاق) واستدلوا بحديث عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا ضمان على مؤتمن رواه الدارقطني قال الحافظ في
إسناده ضعف وأخرجه الدارقطني من طريق أخرى عنه بلفظ ليس على المستعير غير المغل
ضمان ولا عن المستودع غير المغل ضمان وقال إنما يروى هذا عن شريح غير مرفوع قال الحافظ
وفي إسناده ضعيفان قال الشوكاني قوله لا ضمان على مؤتمن فيه دليل على أنه لا ضمان على من كان
أمينا على عين من الأعيان كالوديع والمستعير أما الوديع فلا يضمن قيل إجماعا إلا لجناية منه على
العين والوجه في تضمينه بالجناية أنه صار بها خائنا والخائن ضامن لقوله صلى الله عليه وسلم ولا على المستودع
غير المغل ضمان والمغل هو الخائن وهكذا يضمن الوديع إذا وقع منه تعد في حفظ العين لأنه نوع
من الخيانة وأما العارية فقد ذهبت الحنفية والمالكية إلى أنها غير مضمونة على المستعير إذا لم يحصل
منه تعد انتهى
403

باب ما جاء في الاحتكار قال الحافظ الاحتكار الشرعي إمساك الطعام عن البيع وانتظار الغلاء مع الاستغناء عنه
وحاجة الناس إليه وبهذا فسره مالك عن أبي الزناد عن سعيد بن المسيب وعن أحمد إنما يحرم
احتكار الطعام المقتات دون غيره من الأشياء انتهى قوله (لا يحتكر إلا خاطئ) بالهمز أي
عاص آثم ورواه مسلم بلفظ من احتكر فهو خاطئ قال النووي الاحتكار المحرم هو في
الأقوات خاصة بأن يشتري الطعام في وقت الغلاء ولا يبيعه في الحال بل أدخره ليغلو فأما إذا جاء
من قرية أو اشتراه في وقت الرخص وادخره وباعه في وقت الغلاء فليس باحتكار ولا تحريم فيه
وأما غير الأقوات فلا يحرم الاحتكار فيه بكل حال انتهى واستدل مالك بعموم الحديث على أن
الاحتكار حرام من المطعوم وغيره ذكره ابن الملك في شرح المشارق كذا في المرقاة قوله (فقلت)
قائله محمد بن إبراهيم (لسعيد) أي ابن المسيب (يا أبا محمد) كنية سعيد بن المسيب (إنك تحتكر
قال ومعمر) أي ابن عبد الله بن فضالة (قد كان يحتكر) أي في غير الأقوات (والخبط) بفتح الخاء
المعجمة والموحدة الورق الساقط أي علف الدواب (ونحو هذا) أي من غير الأقوات قال ابن عبد
البر وآخرون إنما كانا يحتكران الزيت وحملا الحديث على احتكار القوت عند الحاجة إليه
وكذلك حمله الشافعي وأبو حنيفة وآخرون قوله (وفي الباب عن عمر) مرفوعا من احتكر على
المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس أخرجه ابن ماجة قال الحافظ في الفتح إسناده
حسن وعنه مرفوعا بلفظ الجالب مرزوق والمحتكر ملعون أخرجه ابن ماجة وإسناده
ضعيف (وعلي) لم أقف على حديثه (وأبي أمامة) مرفوعا من احتكر طعاما أربعين يوما ثم
تصدق به لم يكن له كفارة أخرجه رزين (وابن عمر) مرفوعا من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد
برئ من الله وبرئ منه أخرجه أحمد والحاكم قال الحافظ في الفتح في إسناده مقال وفي الباب
404

عن أبي هريرة مرفوعا من احتكر حكرة يريد أن يغالي بها على المسلمين فهو خاطئ أخرجه
الحاكم ذكره الحافظ وسكت عنه وعن معاذ مرفوعا من احتكر طعاما على أمتي أربعين يوما
وتصدق به لم يقبل منه أخرجه ابن عساكر قوله (ورخص بعضهم في الاحتكار في غير
الطعام) واحتجوا بالروايات التي فيها التصريح بلفظ الطعام قال الشوكاني في النيل وظاهر
أحاديث الباب أن الاحتكار محرم من غير فرق بين قوت الآدمي والدواب بين غيره والتصريح
بلفظ الطعام في بعض الروايات لا يصلح لتقييد باقي الروايات المطلقة بل هو من التنصيص
على فرد من الأفراد التي يطلق عليها المطلق وذلك لأن نفي الحكم عن غير الطعام إنما هو لمفهوم
اللقب وهو غير معمول به عند الجمهور وما كان كذلك لا يصلح للتقييد على ما تقرر في
الأصول قوله (قال ابن المبارك لا بأس بالاحتكار بالقطن والسختيان) قال في القاموس
السختيان ويفتح جلد الماعز إذا دبغ معرب
باب ما جاء في بيع المحفلات
المحفلة هي المصراة وقد ذكر الترمذي تفسيرها في هذا لباب قال أبو عبيد سميت بذلك
لأن اللبن يكثر في ضرعها وكل شئ كثرته فقد حفلته تقول ضرع حافل أي عظيم واحتفل
القوم إذا كثر جمعهم ومنه سمي المحفل قوله (لا تستقبلوا السوق) المراد من السوق العير أي
لا تلقوا الركبان قال في المجمع في حديث الجمعة إذا جاءت سويقة أي تجارة وهي مصغر السوق
سميت بها لأن التجارة تجلب إليها والمبيعات تساق نحوها والمراد العير انتهى (ولا تحفلوا) من
التحفيل بالمهملة والفاء بمعنى التجميع والمعنى لا تتركوا حلب الناقة أو البقرة أو الشاة ليجتمع
ويكثر لبنها في ضرعها فيعتز به المشتري (ولا ينفق) بصيغة النهي من التنفيق وهو من النفاق ضد
الكساد قال نفقت السلعة فهي نافقة وأنفقتها ونفقتها إذا جعلتها نافقة (بعضكم لبعض) قال في
النهاية أي لا يقصد أن ينفق سلعته على جهة النجش فإنه بزيادته فيها يرغب السامع فيكون قوله
405

سببا لابتياعها ومنفقا لها انتهى قوله (وفي الباب عن ابن مسعود) أخرجه البخاري موقوفا عليه
بلفظ قال من اشترى شاة محفلة فردها فليرد معها صاعا من تمر وأخرجه الإسماعيلي مرفوعا
وذكر أن رفعه غلط (وأبي هريرة) أخرجه البخاري ومسلم قوله (حديث ابن عباس حديث
حسن صحيح) هذا الحديث رواه الترمذي من طريق سماك عن عكرمة وقال الحافظ في التقريب
سماك بن حرب الكوفي أبو المغيرة صدوق وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة وقد تغير بآخره
فكان ربما يلقن انتهى فتصحيح الترمذي هذا الحديث لوروده من وجوه أخرى صحيحة
باب ما جاء في اليمين الفاجرة يقتطع بها مال المسلم
قوله (من حلف على يمين) المراد باليمين المال المحلوف عليه (وهو فيها فاجر) أي كاذب
(ليقتطع بها مال امرئ مسلم) قال الحافظ يقتطع يفتعل من القطع كأنه قطعه عن صاحبه أو أخذ
قطعة من ماله بالحلف المذكور (لقي الله وهو عليه غضبان) في حديث وائل بن حجر عند مسلم
وهو عنه معرض وفي حديث أبي أمام بن ثعلبة عند مسلم فقد أوجب الله له النار وحرم عليه
الجنة (فقال الأشعث) هو ابن قيس أبو محمد الكندي صحابي نزل الكوفة (في والله لقد
كان ذلك كان بيني وبين رجل الخ) وقع في رواية للبخاري من حلف على يمين صبر ليقتطع بها مال امرئ
406

مسلم لقي الله وهو عليه غضبان فأنزل الله تصديق ذلك إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم
ثمنا قليلا إلى آخر الآية فدخل الأشعث بن قيس فقال في أنزلت الخ (إذن يحلف) بالنصب قال السهيلي لا غير
وحكى ابن خروف جواز الرفع في مثل هذا ذكره الحافظ قوله (وفي الباب عن وائل ابن حجر)
أخرجه مسلم (وأبي موسى) لينظر من أخرجه (وأبي أمامة بن ثعلبة) أخرجه مسلم (وعمران بن
حصين) أخرجه أبو داود قوله (حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري
ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة
باب ما جاء إذا اختلف البيعان
بفتح الموحدة وتشديد التحتية المكسورة أي المتبايعان قوله (إذا اختلف البيعان) أي إذا
اختلف البائع والمشتري في قدر الثمن أو في شرط الخيار أو في شئ آخر ولم يكن لأحد منهما بينة
قال في النيل لم يذكر الأمر الذي فيه الاختلاف وحذف المتعلق مشعر بالتعميم في مثل هذا
المقام على ما تقرر في علم المعاني فيعم الاختلاف في المبيع والثمن وفي كل أمر يرجع إليهما وفي
سائر الشروط المعتبرة والتصريح بالاختلاف في الثمن في بعض الروايات لا ينافي في هذا العموم
المستفاد من الحذف انتهى (فالقول قول البائع) أي مع يمينه (والمبتاع) أي المشتري (بالخيار) أي
إن شاء اختار البيع ورضي بقول البائع وإن شاء فسخ البيع والحديث دليل على أنه إذا وقع الخلاف
بين البائع والمشتري في الثمن أو المبيع أو في شرط من شروطهما فالقول قول البائع مع يمينه لما عرف
من القواعد الشرعية أن من كان القول قوله فعليه اليمين كذا في سبل السلام قلت يدل على أن
القول قول البائع مع يمينه رواية أحمد والنسائي عن أبي عبيدة وأتاه رجلان تبايعا سلعة فقال هذا
أخذت بكذا وكذا وقال هذا بعت بكذا وكذا فقال أبو عبيدة أتى عبد الله في مثل هذا فقال
407

حضرت النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا فأمر بالبائع أن يستحلف ثم يخير المبتاع إن شاء أخذ وإن شاء ترك
قوله (والمبتاع) أي المشتري (بالخيار) أي إن شاء أخذا وإن شاء ترك قوله (هذا حديث مرسل
الخ) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وغيرهم وروى هذا الحديث عن عبد الله بن
مسعود من طرق بألفاظ ذكرها الحافظ في التلخيص (القول ما قال رب السلعة) أي البائع (قال
إسحاق كما قال) أي أحمد (وكل من قال القول قوله فعليه اليمين) يدل على ذلك رواية أحمد
والنسائي التي ذكرنا قال الشوكاني قد استدل بالحديث من قال إن القول قول البائع إذا وقع
الاختلاف بينه وبين المشتري في أمر من الأمور المتعلقة بالعقد ولكن مع يمينه كما وقع في الرواية
الآخرة وهذا إذا لم يقع التراضي بينهما على التراد فإن تراضيا على ذلك جاز بلا خلاف فلا يكون
لهما خلاص عن النزاع إلا التفاسخ أو حلف البائع والظاهر عدم الفرق بين بقاء المبيع وتلفه لما
عرفت من عدم انتهاض الرواية المصرح فيها باشتراط بقاء المبيع للاحتجاج والتراد مع التلت
ممكن بأن يرجع كل واحد منهما بمثل المثلى وقيمة القيمي إذا تقرر لك ما يدل عليه هذا الحديث من
كون القول قول البائع من غير فرق فاعلم أنه لم يذهب إلى العمل به في جميع صور الاختلاف
أحد فيما أعلم بل اختلفوا في ذلك اختلافا طويلا على حسب ما هو مبسوط في الفروع ووقع
الاتفاق في بعض الصور والاختلاف في بعض وسبب الاختلاف في ذلك ما سيأتي من قوله صلى الله عليه وسلم
البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه لأنه يدل بعمومه على أن اليمين على المدعى عليه
والبينة على المدعي من غير فرق بين أن يكون أحدهما بائعا والآخر مشتريا أو لا وحديث الباب
يدل على أن القول قول البائع مع يمينه والبينة على المشتري من غير فرق بين أن يكون البائع مدعيا
أو مدعى عليه فبين الحديثين عموم وخصوص من وجه فيتعارضان باعتبار مادة الانفاق وهي حيث
يكون البائع مدعيا فينبغي أن يرجع في الترجيح إلى الأمور الخارجة وحديث إن اليمين على
المدعى عليه عزاه المصنف يعني صاحب المنتقي في كتاب الأقضية إلى أحمد ومسلم وهو أيضا في
صحيح البخاري في الرهن وفي باب اليمين على المدعى عليه انتهى بقدر الحاجة
408

باب ما جاء في بيع فضل الماء قوله (عن إياس بن عبد) بغير إضافة يكنى أبا عوف له صحبة يعد في أهل الحجاز قوله
(نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الماء) وفي رواية غير الترمذي عن بيع
فضل الماء وفيه دليل على تحريم بيع فضل الماء والظاهر أنه لا فرق بين الماء الكائن في أرض مباحة أو في أرض مملوكة وسواء كان
للشرب أو لغيره وسواء كان لحاجة الماشية أو الزرع وسواء كان في فلاة أو في غيرها وقد خصص من
عموم أحاديث المنع من البيع للماء ما كان منه محرزا في الآنية لأنه يجوز بيعه قياسا على جواز بيع
الحطب إذا أحرزه الحاطب لحديث الذي أمره صلى الله عليه وسلم بالاحتطاب ليستغني به عن المسألة وهو متفق
عليه من حديث أبي هريرة وهذا القياس بعد تسليم صحته إنما يصح على مذهب من جوز
التخصيص بالقياس والخلاف في ذلك معروف في الأصول ولكنه يشكل على النهي عن بيع الماء
على الاطلاق ما ثبت في الحديث الصحيح من أن عثمان رضي الله عنه اشترى نصف بئر رومة من
اليهودي وسبلها للمسلمين بعد أن سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول من اشترى بئر رومة فيوسع بها على
المسلمين وله الجنة وكان اليهودي يبيع ماءها الحديث فإنه كما يدل على جواز بيع البئر نفسها
وكذلك العين بالقياس عليها يدل على جواز بيع الماء لتقريره صلى الله عليه وسلم لليهودي على البيع ويجاب بأن
هذا كان في صدر الإسلام وكانت شوكة اليهود في ذلك الوقت قوية والنبي صلى الله عليه وسلم صالحهم في مبادي
الأمر على ما كانوا عليه ثم استقرت الأحكام وشرع لأمته تحريم بيع الماء فلا يعارضه ذلك التقرير
وأيضا الماء هنا دخل تبعا لبيع البئر ولا نزاع في جواز ذلك انتهى كلام الشوكاني ملخصا قوله
(وفي الباب عن جابر وبهيسة عن أبيها وأبي هريرة وعائشة وأنس وعبد الله بن عمرو) أما حديث
جابر فأخرجه مسلم عنه مرفوعا بلفظ نهى عن بيع فضل الماء وأما حديث بهيسة عن أبيها
فأخرجه أبو داود بلفظ أنه قال يا رسول الله ما الشئ الذي لا يحل منعه قال الماء ثم أعاد فقال
الملح وفيه قصة وأعله عبد الحق وابن القطان بأنها لا تعرف لكن ذكرها ابن حبان وغيره في
الصحابة كذا في التلخيص وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجة بسند صحيح ثلاث لا
يمنعه من الماء والكلاء والنار وأما حديث عائشة فأخرجه ابن ماجة بلفظ أنها قالت يا رسول الله
409

ما الشئ الذي لا يحل منعه قال الماء والملح والنار الحديث وإسناده ضعيف وأما حديث
أنس فأخرجه الطبراني في الصغير خصلتان لا يحل منعهما الماء والنار وقال أبو حاتم في العلل
هذا حديث منكر وأما حديث ابن عمرو فأخرجه الطبراني بسند حسن كذا في التلخيص في
كتاب إحياء الموات قوله (حديث إياس حديث حسن صحيح أخرجه الخمسة إلا ابن ماجة
قوله والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم أنهم كرهوا بيع الماء الخ) استدلوا على هذا بأحاديث
الباب (وقد رخص بعض أهل العلم في بيع الماء الخ) وقد تقدم ذكر ما تمسكوا في كلام الشوكاني
قوله (لا يمنع) بصيغة المجهول (فضل الماء) وهو الفاضل عن كفاية صاحبه (ليمنع به الكلاء)
بفتح الكاف واللام بعدها همزة مقصورة وهو النبات رطبه يابسه والمعنى أن يكون حول البئر
كلاء ليس عنده ماء غيره ولا يمكن أصحاب المواشي رعيه إلا إذا مكنوا من سقى بهائمهم من
تلك البئر لئلا يتضرروا بالعطش بعد الرعي فيستلزم منعهم من الماء منعهم من الرعي وإلى هذا
التفسير ذهب الجمهور وعلى هذا يختص البذل بمن له ماشية ويلحق به الرعاة إذا احتاجوا إلى
الشرب لأنه إذا منعهم من الشرب امتنعوا من الرعي هناك ويحتمل أن يقال يمكنهم حمل الماء
لأنفسهم لقلة ما يحتاجون إليه منه بخلاف البهائم والصحيح الأول ويلتحق بذلك الزرع عند
مالك والصحيح عند الشافعية وبه قالت الحنفية الاختصاص بالماشية وفرق الشافعي في ما
حكاه المزني عنه بين المواشي والزرع بأن الماشية ذات أرواح يخشى من عطشها موتها بخلاف
الزرع وبهذا أجاب النووي وغيره
410

باب ما جاء في كراهية عسب الفحل
بفتح العين المهملة وإسكان السين المهملة أيضا وفي آخره موحدة ويقال له العسيب
أيضا والفحل الذكر من كل حيوان فرسا كان أو جملا أو تيسا وغير ذلك وقد روى النسائي من
حديث أبي هريرة نهى عن عسيب التيس قال في القاموس العسب ضراب الفحل أو ماؤه أو
نسله والولد وإعطاء الكراء على الضراب والفعل كضرب انتهى قوله (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن
عسب الفحل) قال في النهاية عسب الفحل ماؤه فرسا كان أو بعيرا أو غيرهما وعسبه أيضا ضرابة
يقال عسب الفحل الناقة يعسبها عسبا ولم ينه عن واحدة منهما وإنما أراد النهي عن الكراء الذي
يؤخذ عليه فإن أعارة الفحل مندوب إليها وقد جاء في الحديث ومن حقها إطراق فحلها
ووجه الحديث أنه نهى عن كراء عسب الفحل فحذف المضاف وهو كثير في الكلام وقيل يقال
الكراء الفحل عسب وعسب فحله يعسبه أي أكراه وعسبت الرجل إذا أعطيته كراء ضراب فحله
فلا يحتاج إلى حذف مضاف وإنما نهى عنه للجهالة التي فيه ولا بد في الإجارة من تعيين العمل
ومعرفة مقداره انتهى قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وأنس وأبي سعيد) أما حديث أبي هريرة
فأخرجه النسائي وتقدم لفظه وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي في هذا الباب ولأنس غير
حديث الباب عند الشافعي وأما حديث أبي سعيد فأخرجه الدارقطني والبيهقي كذا في التلخيص
وفي الباب عن علي عند الحاكم في علوم الحديث وابن حبان والبزار وعن البراء عند الطبراني وعن
ابن عباس عنده أيضا وعن جابر عند مسلم قوله (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري وغيرهما قوله (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم) وهو قول
الجمهور والنهي عندهم للتحريم وهو الحق قال الحافظ في الفتح بيعه وكراءه حرام لأنه غير
متقوم ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه وفي وجه للشافعية والحنابلة تجوز الإجارة مدة معلومة
411

وهو قول الحسن وابن سيرين ورواية عن مالك قواها الأبهري وغيره وحمل النهي على ما إذا
وقع لأمد مجهول وأما إذا استأجر مدة معلومة فلا بأس كما يجوز الاستيجار لتلقيح النخل وتعقب
بالفرق لأن المقصود هنا ماء الفحل وصاحبه عاجز عن تسليمه بخلاف التلقيح انتهى وقال
الشوكاني وأحاديث الباب ترد عليهم أي على من جوز إجارة الفحل للضراب مد معلومة لأنها
صادقة على الإجارة قال صاحب الأفعال أعسب الرجل عسبا اكترى منه فحلا ينزيه انتهى
(وقد رخص قوم في قبول الكرامة على ذلك) أي قبول الهدية على ذلك وهو الحق كما يدل عليه
حديث أنس الآتي قال الحافظ وأما عارية ذلك فلا خلاف في جوازه فإن أهدى للمعير هدية من
المستعير بغير شرط جاز ثم ذكر الحافظ حديث أنس الآتي ثم قال ولابن حبان في صحيحه من
حديث أبي كبشة مرفوعا من أطرق فرسا فأعقب كان له كأجر سبعين فرسا انتهى قوله (إنا
نطرق الفحل) بضم النون وكسر الراء أي نعيره للضراب قال في النهاية ومنه الحديث ومن
حقها إطراق فحلها أي إعارته للضراب واستطرق الفحل استعارته لذلك (فنكرم) بصيغة
المتكلم المجهول أي يعطينا صاحب الأنثى شيئا بطريق الهدية والكرامة لا على سبيل المعارضة
(فرخص له في الكرامة) أي في قبول الهدية دون الكراء وفيه دليل على أن المعير إذا أهدى إليه
المستعير هدية بغير شرط حلت له وقد ورد الترغيب في إطراق الفحل أخرج ابن حبان في
صحيحه من حديث أبي كبشة مرفوعا من أطرق فرسا فأعقب كان له كأجر سبعين فرسا قوله
(هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن حميد الخ) قال في التنقيح
وإبراهيم ابن حميد وثقة النسائي وابن معين وأبو حاتم وروى له البخاري ومسلم كذا في نصب
الراية
412

باب ما جاء في ثمن الكلب
قوله (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب) فيه دليل على عدم صحة بيع الكلب مطلقا
وهو قول الجمهور (ومهر البغي) بفتح الموحدة وكسر المعجمة وتشديد التحتانية وهو فعيل بمعنى
فاعله من بغت المرأة بغاء بالكسر إذا زنت ومنه قوله تعالى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء
ومهر البغي هو ما تأخذه الزانية على الزنا سماه مهرا مجازا (وحلوان الكاهن) بضم الحاء المهملة
وسكون اللام ما يعطاه على كهانته قال الهروي أصله من الحلاوة شبه المعطي بالشئ الحلو من
حيث أنه يأخذه سهلا بلا كلفة ومشقة والكاهن هو الذي يتعاطى الاخبار عن الكائنات في
المستقبل ويدعي معرفة الأسرار وكانت في العرب كهنة يدعون أنهم يعرفون كثيرا من الأمور
الكائنة ويزعمون أن لهم تابعة من الجن تلقى إليهم الأخبار ومنهم من يدعى أنه يدرك الأمور
بفهم أعطيه ومنهم من زعم أنه يعرف الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بهما على مواقعها
كالشئ يسرق فيعرف المظنون به للسرقة ومتهم المرأة بالزنية فيعرف من صاحبها ونحو ذلك
ومنهم من يسمى المنجم كاهنا حيث أنه يخبر عن الأمور كإتيان المطر ويجئ الوباء وظهور
القتال وطالع نحس أو سعيد وأمثال ذلك وحديث النهي عن إتيان الكاهن يشتمل على النهي
عن هؤلاء كلهم وعلى النهي عن تصديقهم والرجوع إلى قولهم كذا في المرقاة قال الحافظ
وحلوان الكاهن حرام بالإجماع لما فيه من أخذ العوض على أمر باطل وفي معناه التنجيم والضرب
بالحصى وغير ذلك مما يتعاطاه العرافون من استطلاع الغيب انتهى قوله (هذا حديث حسن
صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم في الأصل ما يكره لرداءته وخسته ويستعمل للحرا عن حيث كرهه الشارع واسترذله كما يستعمل الطيب للحلال قال تعالى ولا تتبدلوا الخبيث قوله (كسب الحجام خبيث الخ) أي مكروه لدناءته قال
413

القاضي الخبيث بالطيب أي الحرام
بالحلال ولما كان مهر الزانية حراما كان الخبث المسند إليه بمعنى الحرام وكسب الحجام لما لم يكن
حراما لأنه صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره كان المراد من المسند إليه الثاني وأما نهي بيع الكلب
فمن صححه كالحنفية فسره بالدناءة ومن لم يصححه كأصحابنا فسره بأنه حرام انتهى قوله (
وفي الباب عن عمر) أخرجه الطبراني ذكره الزيلعي في نصب الراية ص 191 (وابن مسعود) لم
أقف على حديثه (وجابر) أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود (وأبي هريرة) أخرجه ابن حبان في صحيحه
والدارقطني في سننه ذكره الزيلعي (وابن عباس) أخرجه أحمد وأبو داود (وابن عمر) أخرجه
الحاكم (وعبد الله بن جعفر) لم أقف على حديثه قوله (حديث رافع حديث حسن صحيح)
وأخرجه مسلم قوله (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم كرهوا ثمن الكلب الخ) قال
الطيبي في الحديث دليل على أنه لا يصح بيعه وأن لا قيمة على متلفه سواء كان معلما أو لا
وسواء كان يجوز افتناؤه أم لا وأجاز أبو حنيفة بيع الكلب الذي فيه منفعة وأوجب القيمة على
متلفه وعن مالك روايات الأولى لا يجوز البيع وتجب القيمة والثانية كقول أبي حنيفة
والثالثة كقول الجمهور انتهى وقال الشوكاني في النيل وقال عطاء والنخعي يجوز بيع كلب
الصيد دون غيره ويدل عليه ما أخرجه النسائي من حديث جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
ثمن الكلب إلا كلب صيد قال في الفتح ورجال إسناده ثقات إلا أنه طعن في صحته وأخرج
نحوه الترمذي من حديث أبي هريرة لكن من رواية أبي المهز وهو ضعيف فينبغي حمل المطلق
على المقيد ويكون المحرم بيع ما عدا كلب الصيد إن صح هذا المقيد للاحتجاج به واختلفوا أيضا
هل تجب القيمة على متلفه فمن قال بتحريم بيعه قال بعدم الوجوب ومن قال بجوازه قال
بالوجوب ومن فصل في البيع فصل في لزوم القيمة انتهى
414

باب ما جاء في كسب الحجام
قوله (عن ابن محيصة) بتشديد التحتانية المكسورة (في إجارة الحجام) وفي رواية الموطأ في
أجرة الحجام (فلم يزل يسأله ويستأذنه) أي في أن يرخص له في أكلها فإن أكثر الصحابة كانت لهم
أرقاء كثيرون وأنهم كانوا يأكلون من خراجهم ويعدون ذلك من أطيب المكاسب فلما سمع
محيصة نهيه عن ذلك وشق ذلك عليه لاحتياجه إلى أكل أجرة الحجام تكرر في أن يرخص له في
ذلك (حتى قال) صلى الله عليه وسلم (اعلفه ناضحك) بهمزة وصل وكسر اللام أي أطعمه قال في القاموس
العلف كالضرب الشرب الكثير وإطعام الدابة كالإعلاف والناضح هو الجمل الذي يسقى به
الماء (وأطعمه رقيقك) أي عبدك لأن هذين ليس لهما شرف ينافيه دناءة هذا الكسب بخلاف
الحر وهذا ظاهر في حرمته على الحر والحديث صحيح لكن الإجماع على تناول الحر له فيحمل
النهي على التنزيه كذا ذكره ابن الملك قوله (وفي الباب عن رافع بن خديج) أخرجه مسلم
وغيره وقد تقدم (وأبي جحيفة) أخرجه البخاري (وجابر) أخرجه أحمد بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل
عن كسب الحجام فقال أطعمه ناضحك (والسائب) أخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده ذكره
الزيلعي في نصب الراية ص 491 ج 2 قوله (حديث محيصة حديث حسن) وأخرجه أحمد وأبو
داود وأخرجه أيضا مالك قوله (وقال أحمد إن سألني حجام الخ) قال الحافظ في الفتح ذهب
أحمد وجماعة إلى الفرق بين الحر والعبد فكرهوا للحر الاحتراف بالحجامة ويحرم الإنفاق على
نفسه منها ويجوز له الإنفاق على الرقيق والدواب منها وأباحوها للعبد مطلقا وعمدتهم حديث
محيصة
415

باب ما جاء من الرخصة في كسب الحجام
قوله (عن حميد) بالتصغير هو حميد الطويل (وحجمه أبو طيبة) بفتح مهملة فسكون تحتية
ثم باء موحدة عبد لبني بياضة واسمه نافع أو دينار أو مسيرة أقوال (وأمر أهله) أي ساداته
(فوضعوا عنه من خراجه) بفتح الخاء المعجمة هو ما يقدره السيد على عبده في كل يوم ويقال له
ضريبة وغلة (أو إن من أمثل دوائكم) أي من أفضل دوائكم وأو للشك قوله (وفي الباب عن
علي لينظر من أخرجه وابن عباس) أخرجه البخاري ومسلم (وابن عمر) لينظر من أخرج
حديثه قوله (حديث أنس حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم قوله (وقد
رخص بعض أهل العلم الخ) قال الحافظ في الفتح اختلف العلماء في هذه المسألة فذهب
الجمهور إلى أنه حلال واحتجوا بهذا الحديث يعني بحديث ابن عباس قال احتجم النبي صلى الله عليه وسلم
وأعطى الحجام أجره ولو علم كراهية لم يعطه قال وقالوا هو كسب فيه دناءة وليس بمحرم فحملوا
الزجر عنه على التنزيه ومنهم من ادعى النسخ وأنه كان حراما ثم أبيح وجنح إلى ذلك
الطحاوي والنسخ لا يثبت بالاحتمال وذهب أحمد وجماعة إلى الفرق بين الحر والعبد وقد
ذكرنا مذهب أحمد فيما تقدم نقلا عن الفتح قال الحافظ وجمع ابن العربي بين قوله صلى الله عليه وسلم كسب
الحجام خبيث وبين إعطائه الحجام أجرته بأن محل الجواز ما إذا كانت الأجرة على عمل
معلوم ويحمل الزجر على ما إذا كان على عمل مجهول قال وفي الحديث الأجرة على المعالجة
بالطب والشفاعة إلى أصحاب الحقوق أن يخففوا منها وجواز مخارجة السيد لعبده كأن يقول له
أذنت لك أن تكتسب على أن تعطيني كل يوم كذا وما زاد فهو لك انتهى
416

باب ما جاء في كراهية ثمن الكلب والسنور
بكسر السين المهملة وفتح النون المشددة وسكون الواو وبعدها راء وهو الهر (نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب والسنور) قال في شرح السنة هذا محمول على ما لا ينفع أو على
أنه نهي تنزيه لكي يعتاد الناس هبته وإعارته والسماحة به كما هو الغالب فإن كان نافعا وباعه صح
البيع وكان ثمنه حلالا هذا مذهب الجمهور وإلا ما حكى عن أبي هريرة وجماعة من التابعين
رضوان الله تعالى عليهم أجمعين واحتجوا بالحديث وأما ما ذكره الخطابي وابن عبد البر أن
الحديث ضعيف فليس كما قالا بل هو صحيح كذا في المرقاة قلت لا شك أن الحديث صحيح
فإن مسلما أخرجه في صحيحه كما ستعرف وقال الشوكاني وفيه دليل على تحريم بيع الهر وبه
قال أبو هريرة ومجاهد وجابر بن زيد حكى ذلك عنهم ابن المنذر وحكاه المنذري أيضا عن طاوس
وذهب الجمهور إلى جواز بيعه وأجابوا عن هذا الحديث بأنه ضعيف وفيه أن الحديث صحيح
رواه مسلم وقيل إنه يحمل النهي على كراهة التنزيه وإن بيعه ليس من مكارم الأخلاق ولا من
المروءات ولا يخفى أن هذا إخراج النهي عن معناه الحقيقي بلا مقتضى انتهى قوله (في إسناده
اضطراب) قال المنذري والحديث أخرجه البيهقي في السنن الكبرى من طريقين عن عيسى بن
يونس وعن حفص بن غياث كلاهما عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر ثم قال أخرجه أبو
داود في السنن عن جماعة عن عيسى بن يونس قال البيهقي وهذا حديث صحيح على شرط
مسلم دون البخاري إذ هو لا يحتج برواية أبي سفيان ولعل مسلما إنما لم يخرجه في الصحيح لأن
وكيع بن الجراح رواه عن الأعمش قال قال جابر بن عبد الله فذكره ثم قال قال الأعمش أرى
أبا سفيان ذكره فالأعمش كان يشك في وصل الحديث فصارت رواية أبي سفيان بذلك ضعيفة
417

انتهى قوله (هذا حديث غريب وعمر بن يزيد لا نعرف كبير أحد الخ) والحديث أخرجه أبو
داود والنسائي وابن ماجة وقال النسائي هذا منكر قال المنذري وفي إسناده عمر ابن زيد
الصنعاني قال ابن حبان ينفرد بالمناكير عن المشاهير حتى خرج عن حد الاحتجاج به وقال
الخطابي وقد تكلم بعض العلماء في إسناد هذا الحديث وزعم أنه غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم
وقال أبو عمر بن عبد البر حديث بيع السنور لا يثبت رفعه هذا آخر كلامه وقد أخرج مسلم
في صحيحه من حديث معقل وهو ابن عبيد الله الجزري عن أبي الزبير قال سألت جابرا عن ثمن
الكلب والسنور قال زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك
باب
قوله (عن أبي المهزم) بتشديد الزاي المكسورة التميمي البصري اسمه يزيد وقيل عبد
الرحمن بن سفيان متروك من الثالثة قاله الحافظ قوله (نهى عن الكلب إلا كلب الصيد) استدل
به عطاء والنخعي على أنه يجوز بيع كلب الصيد دون غيره لكن الحديث ضعيف لا يصلح
للاحتجاج قوله (وتكلم فيه شعبة بن الحجاج) قال في الميزان روى عنه شعبة ثم تركه وقال
النسائي متروك قال مسلم بن إبراهيم سمعت شعبة يقول كان أبو المهزم مطروحا في مسجد
ثابت لو أعطاه إنسان فلسا لحدثه سبعين حديثا وقال مسلم سمعت شعبة يقول رأيت أبا المهزم
ولو يعطي درهما لوضع حديث انتهى قوله (وروي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا ولا يصح
إسناده أيضا) أخرجه النسائي قال الحافظ بإسناد رجاله ثقات إلا أنه طعن في إسناده وقد وقع
418

في حديث ابن عمر عند أبي حاتم بلفظ نهى عن ثمن الكلب وإن كان ضاريا يعني مما يصيد
وسنده ضعيف قال أبو حاتم هو منكر انتهى
باب ما جاء في كراهية بيع المغنيات
قوله (حدثنا بكر بن مضر) بضم الميم وفتح الضاد غير منصرف ثقة ثبت (عن عبيد الله بن
زحر) بفتح الزاي وسكون المهملة صدوق يخطئ (عن علي بن يزيد) ابن أبي زياد الألهاني
الدمشقي صاحب القاسم بن عبد الرحمن ضعيف من السادسة (عن القاسم) هو ابن عبد الرحمن
الدمشقي أبو عبد الرحمن صاحب أبي أمامة صدوق يرسل كثيرا قوله (لا تبيعوا القينات) بفتح
القاف وسكون التحتية في الصحاح ألقين الأمة مغنية كانت أو غيرها قال التوربشتي وفي
الحديث يراد بها المغنية لأنها إذا لم تكن مغنية فلا وجه للنهي عن بيعها وشرائها (ولا تعلموهن) أي
الغناء فإنها رقية الزنا (وثمنهن حرام) قال القاضي النهي مقصور على البيع والشراء لأجل
التغني وحرمه ثمنها دليل على فساد بيعها والجمهور صحح بيعها والحديث مع ما فيه من
الضعف للطعن في روايته مؤول بأن أخذ الثمن عليهن حرام كأخذ ثمن العنب من النباذ لأنه
إعانة وتوصل إلى حصول محرم لا لأن البيع غير صحيح انتهى ومن الناس من يشتري لهو
الحديث أي يشتري الغناء والأصوات المحرمات التي تلهي عن ذكر الله قال الطيبي رحمه الله
الإضافة فيه بمعنى من البيان نحو جبة خز وباب ساج أي يشتري اللهو من الحديث لأن اللهو
يكون من الحديث ومن غيره والمراد من الحديث المنكر فيدخل فيه نحو السمر بالأساطير
وبالأحاديث التي لا أصل لها والتحدث بالخرافات والمضاحيك والغناء وتعلم الموسيقى وما أشبه
ذلك كذا في المرقاة وأخرج ابن أبي شيبة بإسناد صحيح أن عبد الله سئل عن قوله تعالى
ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال الغناء والذي لا إله غيره وأخرجه الحاكم وصححه
والبيهقي كذا في التلخيص قوله (وفي الباب عن عمر بن الخطاب) لينظر من أخرجه قوله
419

(حديث أبي أمامة إنما نعرفه مثل هذا من هذا لوجه) وأخرجه أحمد وابن ماجة (وقد تكلم بعض
أهل العلم في علي بن يزيد الخ) قال البخاري منكر الحديث وقال النسائي ليس بثقة
وقال أبو زرعة ليس بقوى وقال الدارقطني متروك كذا في الميزان
باب ما جاء في كراهية أن يفرق بين الأخوين الخ
قوله (من فرق) بتشديد الراء (بين والدة وولدها) أي ببيع أو هبة أو خديعة بقطيعة
وأمثالها وفي معنى الوالدة الوالد بل وكل ذي رحم محرم قال الطيبي رحمه الله أراد به التفريق
بين الجارية وولدها بالبيع والهبة وغيرهما وفي شرح السنة وكذلك حكم الجدة وحكم الأب والجد
وأجاز بعضهم البيع مع الكراهة وإليه ذهب أصحاب أبي حنيفة كما يجوز التفريق بين البهائم
وقال الشافعي إنما كره التفريق بين السبايا في البيع وأما الولد فلا بأس ورخص أكثرهم في
التفريق بين الأخوين ومنع بعضهم لحديث علي أي الآتي واختلفوا في حد الكبر المبيح للتفريق
قال الشافعي هو أن يبلغ سبع سنين أو غايته وقال الأوزاعي حتى يستغني عن أبيه وقال مالك حتى
يصغر وقال أصحاب أبي حنيفة رحمه الله حتى يحتلم وقال أحمد لا يفرق بينهما وإن كبر واحتلم
وجوز أصحاب أبي حنيفة التفريق بين الأخوين الصغيرين فإن كان أحدهما صغيرا لا يجوز كذا
في المرقاة (فرق الله بينه وبين أحبته) أي من أولاده ووالديه وغيرهما (يوم القيامة) أي في موقف
يجتمع فيه الأحباب ويشفع بعضهم بعضا عند رب الأرباب فلا يرد عليه قوله تعالى يوم يفر المرء
من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الدارمي وأحمد
420

والحاكم في المستدرك قوله (يا علي ما فعل) بالفتح أي صنع (غلامك) أي الغائب (فأخبرته) أي
أعلمت النبي صلى الله عليه وسلم ببيعه (رده) أي رد البيع (رده) كرره للتأكيد قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه ابن
ماجة قال الشوكاني وهو من رواية ميمون بن أبي شبيب عن علي رضي الله عنه وقد أعله أبو
داود بالانقطاع بينهما وأخرجه الحاكم وصحح إسناده ورجحه لشواهده انتهى قوله
(وقد كره بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم التفريق بين السبي في البيع) وكذا في
غير البيع كالهبة قال الشوكاني في أحاديث الباب دليل على تحريم التفريق بين الوالدة والولد
وبين الأخوين أما بين الوالدة وولدها فقد حكى في البحر عن الإمام يحيى إنه إجماع حتى يستغني
الولد بنفسه وقد اختلف في انعقاد البيع فذهب الشافعي إلى أنه لا ينعقد وقال أبو حنيفة وهو
قول للشافعي أنه ينعقد وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يحرم التفريق بين الأب والابن
وأجاب عن ذلك صاحب البحر بأنه مقيس على الأم ولا يخفى أن حديث أبي موسى المذكور في
الباب يشمل الأب فالتعويل عليه إن صح أولى من التعويل على القياس وأما بقية القرابة فذهبت
الهادوية والحنفية إلى أنه يحرم التفريق بينهم قياسا وقال الإمام يحيى والشافعي لا يحرم والذي
يدل عليه النص هو تحريم التفريق بين الاخوة وأما بين من عداهم من الأرحام فإلحاقه بالقياس
فيه نظر لأنه لا تحصل منهم بالمفارقة مشقة كما تحصل بالمفارقة بين الوالد والولد وبين الأخ وأخيه
فلا إلحاق لوجود الفارق فينبغي الوقوف على ما تناوله النص وظاهر الأحاديث أنه يحرم التفريق
سواء كان بالبيع أو بغيره مما فيه مشقة تساوي مشقة التفريق بالبيع إلا التفريق الذي لا اختيار فيه
للمفرق كالقسمة انتهى كلام الشوكاني قلت المراد بحديث أبي موسى الذي أشار إليه
الشوكاني حديثه الذي أخرجه ابن ماجة والدارقطني عنه قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فرق بين
الوالد وولده وبين الأخ وأخيه (والقول الأول أصح) يعني صحيح فإنه يدل عليه أحاديث
421

الباب وأما من رخص في التفريق مطلقا فأحاديث الباب حجة عليه اعلم أنه قد استدل على
جواز التفريق بعد البلوغ بحديث سلمة بن الأكوع فأخرج احمد ومسلم وأبو دواد عنه قال
خرجنا مع أبي بكر أمره علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فغزونا فزارة فلما دنونا من الماء أمرنا أبو بكر فعرسنا
الحديث وفيه قال فجئت بهم أسوقهم إلى أبي بكر وفيهم امرأة من فزارة عليها قشع من آدم
ومعها ابنة لها من أحسن العرب وأجمله فنفلني أبو بكر ابنتها فلم أكشف لها ثوبا حتى قدمت
المدينة ثم بت فلم أكشف لها ثوبا وفيه فقلت هي لك يا رسول الله قال فبعث بها إلى أهل
مكة وفي أيديهم أسارى من المسلمين ففداهم بتلك المرأة قال صاحب المنتقي بعد ذكر هذا
الحديث ما لفظه وهو حجة في جواز التفريق بعد البلوغ انتهى قال الشوكاني قوله فلم أكشف
لها ثوبا كناية عن عدم الجماع والظاهر أن البنت قد كانت بلغت قال وقد حكى في الغيث
الإجماع على جواز التفريق بعد البلوغ فإن صح فهو المستند لا هذا الحديث لأن كون بلوغها هو
الظاهر غير مسلم إلا أن يقال إنه حمل الحديث على ذلك للجمع بين الأدلة وقد استدل على جواز
التفريق بين البالغين بما أخرجه الدارقطني والحاكم من حديث عبادة بن الصامت بلفظ لا تفرق
بين الأم وولدها قيل إلى متى قال حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية وهذا نص على المطلوب
صريح لولا أن في إسناده عبد الله بن عمرو الواقفي وهو ضعيف وقد رماه علي بن المديني
بالكذب ولم يروه عن سعيد بن عبد العزيز غيره وقد استشهد له الدارقطني بحديث سلمة
المذكور ولا شك أن مجموع ما ذكر من الإجماع وحديث سلمة وهذا الحديث منتهض للاستدلال
به على التفرقة بين الكبير والصغير انتهى كلام الشوكاني فتفكر وتأمل قوله (وروي عن إبراهيم
أنه فرق الخ) لم أقف على من أخرجه وفي قول إبراهيم هذا كلام كما لا يخفى والله تعالى أعلم
باب ما جاء فيمن يشتري العبد ويستغله الخ
قال في النهاية الغلة الداخل الذي يحصل من الزرع والثمر واللبن والإجارة والنتاج ونحو
ذلك انتهى وقال الحافظ في الفتح ما يقدره السيد على عبده في كل يوم يقال لها الخراج والضريبة
والغلة انتهى وقال في القاموس الغلة الدخل من كراء دار وأجر غلام وفائدة أرض
وأغلت
الضيعة أعطتها واستغل عبده كلفه أن يغل عليه انتهى قوله (وأبو عامر العقدي) بعين وقاف
مفتوحتين ودال مهملة واسمه عبد الملك بن عمرو (عن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة
422

وفتح اللام (بن خفاف) بضم الخاء المعجمة وفائين بوزن غراب قوله (قضى أن الخراج
بالضمان) قال الطيبي رحمه الله الباء في بالضمان متعلقة بمحذوف تقديره الخراج مستحق بالضمان
أي بسببه وقيل الباء للمقابلة والمضاف محذوف أي منافع المبيع بعد القبض تبقى للمشتري في
مقابلة الضمان اللازم عليه بتلف المبيع ونفقته ومؤنته ومنه قوله من عليه غرمه فعليه غنمه
والمراد بالخراج ما يحصل من علة العين المبتاعة عبدا كان أو أمة أو ملكا وذلك أن يشتريه فيستغله
زمانا ثم بعثر منه على عيب قديم لم يطلعه البائع عليه أو لم يعرفه فله رد العين المعيبة وأخذ الثمن
ويكون للمشتري ما استغله لأن المبيع لو تلف في يده لكان من ضمانه ولم يكن له على البائع شئ
وفي شرح السنة قال الشافعي رحمه الله فيما يحدث في يد المشتري من نتاج الدابة وولد الأمة ولبن
الماشية وصوفها وثمر الشجرة أن الكل يبقى للمشتري وله رد الأصل بالعيب وذهب أصحاب
أبي حنيفة رحمه الله إلى أن حدوث الولد والثمرة في يد المشتري يمنع رد الأصل بالعيب بل يرجع
بالأرش وقال مالك رحمه الله يرد الولد مع الأصل ولا يرد الصوف ولو اشترى جارية فوطئت في
يد المشتري بالشبهة أو وطأها ثم وجد بها عيبا فإن كان ثيبا ردها والمهر للمشتري ولا شئ عليه إن
كان هو الواطئ وإن كانت بكرا فافتضت فلا رد له لأن زوال البكارة نقص حدث في يده بل
يسترد من الثمن بقدر ما نقص العيب من قيمتها وهو قول مالك والشافعي قوله (هذا حديث
حسن وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه) وأخرجه الترمذي بعد هذا بسند آخر
وصححه قال الحافظ في بلوغ المرام بعد ذكر هذا الحديث رواه الخمسة وضعفه البخاري وأبو
داود وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان والحاكم وابن القطان انتهى قوله
(واستغرب محمد بن إسماعيل هذا الحديث) أي جعله غريبا (وقد روى مسلم بن خالد الزنجي)
423

ففيه صدوق كثير الأوهام كذا في التقريب (وحديث جرير يقال تدليس) أي مدلس (دلس فيه
جرير) معنى التدليس أي يروي الراوي عمن لقيه أو عاصره ما لم يسمعه منه بصيغة تحتمل السماع
كلفظة قال وعن قوله (هو الرجل الذي يشتري العبد فيستغله) أي يأخذ غلته (فالغلة
للمشتري) لا للبائع (لأن العبد لو هلك هلك من مال المشتري) أي لم يكن على البائع شئ أي
الخراج مستحق بسبب الضمان
باب ما جاء من الرخصة في أكل الثمرة للمار بها
قوله (حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب) قال في التقريب صدوق من كبار
العاشرة (حدثنا يحيى بن سليم) هو الطائفي كما هو مصرح عند ابن ماجة قال في التقريب
يحيى بن سليم الطائفي صدوق سئ الحفظ انتهى وقال في مقدمة فتح الباري وثقة ابن معين
والعجلي وابن سعد وقال أبو حاتم محله الصدق ولم يكن بالحافظ وقال النسائي ليس به بأس
وهو منكر الحديث عن عبيد الله بن عمرو وقال الساجي أخطأ في أحاديث رواها عن
عبيد الله بن عمرو قال يعقوب بن سفيان كان رجلا صالحا وكتابه لا بأس به فإذا حدث من
كتابه فحديثه حسن وإذا حدث حفظا فيعرف وينكر انتهى قلت حديث الباب رواه يحيى بن
سليم عن عبيد الله بن عمر قوله (من دخل حائطا فليأكل) أي من ثماره (ولا يتخذ خبنة) بضم
الخاء المعجمة وسكون الموحدة وبعدها نون وهي طرف الثوب أي لا يأخذ منه شيئا في ثوبه
قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو) أخرجه أبو داود في اللقطة والنسائي في الزكاة وابن ماجة
424

والترمذي في هذا الباب (وعباد بن شرحبيل) أخرجه أبو داود وابن ماجة (ورافع بن عمرو)
الغفاري أخرجه أبو داود وابن ماجة والترمذي (وعمير مولى آبي اللحم وأبي هريرة) لينظر من
أخرج حديثهما قوله (حديث ابن عمر حديث غريب الخ) قال البيهقي لم يصح وجاء من
أوجه أخر غير قوية انتهى قال الحافظ في الفتح بعد ذكر كلام البيهقي هذا والحق أن مجموعها
لا يقصر عن درجة للصحيح وقد احتجوا في كثير من الأحكام بما هو دونها انتهى قوله (وقد
رخص فيه بعض أهل العلم لابن السبيل في أكل الثمار وكرهه بعضهم إلا بالثمن) قال النووي في
شرح المهذب اختلف العلماء فيمن مر ببستان أو زرع أو ماشية قال الجمهور لا يجوز أن يأخذ
منه شيئا إلا في حال الضرورة فيأخذ ويغرم عند الشافعي والجمهور وقال بعض السلف لا يلزمه
شئ وقال أحمد إذا لم يكن على البستان حائط جاز له الأكل من الفاكهة الرطبة في أصح
الروايتين ولم لم يحتج لذلك وفي الأخرى إذا احتاج ولا ضمان عليه في الحالين وعلق الشافعي
القول بذلك على صحة الحديث قال البيهقي يعني حديث ابن عمر مرفوعا إذا مر أحدكم
بحائط فليأكل ولا يتخذ خبنة أخرجه الترمذي واستغربه كذا في فتح الباري قلت قد ضعف
البيهقي هذا الحديث فقال لم يصح وجاء من أوجه غير قوية وقال الحافظ والحق أن مجموعها
لا يقصر عن درجة الصحيح وقد نقلنا آنفا كلام البيهقي وكلام الحافظ ويأتي بقية الكلام في هذه المسألة في
باب احتلاب المواشي بغير إذن الأرباب قوله (عن الثمر) بفتحتين (المعلق) أي المدلى من
الشجر (من أصاب منه) أي من الثمر (من ذي حاجة) بيان لمن أي فقير أو مضطر (غير متخذ)
بالنصب على أنه حال من فاعل أصاب (خبنة) قال في النهاية الخبنة معطف الإزار وطرف الثوب
أي لا يأخذ منه في ثوبه يقال أخبن الرجل إذا خبأ شيئا في خبنة ثوبه أو سراويله انتهى (فلا شي
عليه) قال ابن الملك أي فلا إثم عليه لكن عليه ضمانه أو كان ذلك في أول الإسلام ثم نسخ
وأجاز ذلك أحمد من غير ضرورة كذا في المرقاة قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه النسائي وأبو
425

داود وابن ماجة قوله (كنت أرمي نخل الأنصار) وفي رواية أبي داود كنت غلاما أرمي نخل
الأنصار (وكل ما وقع) أي سقط قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه أبو داود
وابن ماجة
باب ما جاء في النهي عن الثنيا
بضم المثلثة على وزن الدنيا اسم من الاستثناء وهي في البيع أن يستثنى شيئا مجهولا
قوله (نهى عن المحاقلة والمزابنة) تقدم تفسيرهما (والمخابرة) بالخاء المعجمة وهي كراء الأرض
بالثلث والربع كما في رواية مسلم (والثنيا) أي إذا أفضت إلى الجهالة (إلا أن تعلم) بصيغة
المجهول والمعنى إذا كان الاستثناء معلوما فهو ليس بمنهى عنه وإنما المنهي عنه هو الاستثناء
المجهول قال ابن حجر المراد بالثنيا الاستثناء في البيع نحو أن يبيع الرجل شيئا ويستثنى بعضه
فإن كان الذي استثناه
معلوما من الأرض صح بالاتفاق وإن كان مجهولا نحو أن يستثني شيئا غير معلوم لم يصح البيع
والحكمة في النهي عن استثناء المجهول ما يتضمنه من الغرر مع الجهالة انتهى قوله (هذا
حديث حسن صحيح الخ) وأخرجه مسلم بلفظ نهى عن الثنياء أخرجه أيضا بزيادة إلا أن
تعلم النسائي وابن حبان في صحيحه وغلط ابن الجوزي فزعم أن هذا الحديث متفق عليه
وليس الأمر كذلك فإن البخاري لم يذكر في كتابه الثنيا
426

باب ما جاء في كراهية بيع الطعام حتى يستوفيه
أي يقبضه قوله (من ابتاع) أي اشترى (حتى يستوفيه) أي يقبضه وافيا (قال ابن
عباس وأحسب كل شئ مثله) أي مثل الطعام استعمل ابن عباس القياس ولعله لم يبلغه النص
المقتضي لكون سائر الأشياء كالطعام كحديث زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع
حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم أخرجه أبو داود والدارقطني وكحديث حكيم بن
حزام قلت يا رسول الله إني اشتري بيوعا فما يحل منها وما يحرم علي قال إذا اشتريت شيئا
فلا تبعه حتى تقبضه رواه أحمد قال محمد في الموطأ بقول ابن عباس نأخذ الأشياء كلها مثل
الطعام لا ينبغي أن يبيع المشتري شيئا اشتراه حتى يقبضه وكذلك قول أبي حنيفة رحمه الله إلا
أنه رخص في الدور والعقار والأرضين التي لا تحول أن تباع قبل أن تقبض أما نحن فلا نجيز
شيئا من ذلك حتى يقبض انتهى كلام الإمام محمد قلت ما ذهب إليه الإمام محمد هو الظاهر
لإطلاق حديث زيد بن ثابت وحديث حكيم بن حزام المذكورين قوله (وفي الباب عن جابر)
أخرجه أحمد ومسلم (وابن عمر) قال كانوا يتبايعون الطعام جزافا بأعلى السوق فنهاهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى ينقلوه أخرجه الجماعة إلا الترمذي وابن ماجة قوله حديث ابن
عباس حسن صحيح أخرجه الجماعة قوله (وقد رخص بعض أهل العلم في من ابتاع شيئا مما لا
يكال ولا يوزن) أي في من اشترى شيئا غير مكيل ولا موزون (مما لا يؤكل ولا يشرب) لما لا يكال
ولا يوزن (أن يبيعه قبل أن يستوفيه) وهو قول أبي حنيفة رحمه الله في الدور والعقار والأرضين كما
تقدم (وإنما التشديد عند أهل العلم في الطعام وهو قول أحمد وإسحاق) قال العيني في البناية
427

اختلفوا في هذه المسألة فقال مالك يجوز جميع التصرفات في غير الطعام قبل القبض لورود
التخصيص في الأحاديث بالطعام وقال أحمد إن كان المبيع مكيلا أو موزونا أو معدودا لم يجز بيعه
قبل القبض وفي غيره يجوز وقال زفر ومحمد والشافعي لا يجوز بيع شئ قبل القبض طعاما كان
أو غيره لإطلاق الأحاديث وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى جواز بيع غير المنقول قبل القبض لأن
النهي معلول بضرر انفساخ العقد لخوف الهلاك وهو في العقار وغيره نادر وفي المنقولات غير
نادر انتهى كلام العيني قلت قد عرفت فيما تقدم أن الظاهر قول زفر ومحمد والشافعي ومن
تبعهم والله تعالى أعلم
باب ما جاء في النهي عن البيع على بيع أخيه
قوله (لا يبيع بعضكم على بيع بعض) بأن يجئ بعضكم بعد استقرار الثمن بين البائع
والمشتري وركون أحدهما إلى الاخر فيزيد على ما استقر فإطلاق البيع مجاز أول يراد به السوم
(ولا يخطب بعضكم على خطبة بعض) أي بعد التوافق على الصداق وركون أحدهما إلى الاخر
ولفظ البخاري نهى أن يبيع الرجل على بيع أخيه وأن يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له
الخاطب قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه البخاري ومسلم
(وسمرة) لينظر من أخرج حديثه قوله (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح وأخرجه
البخاري ومسلم قوله وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يسوم الرجل على سوم أخيه) أخرجه مسلم
عن أبي هريرة بلفظ لا يسم الرجل على سوم أخيه المسلم (ومعنى البيع في هذا الحديث عن النبي
صلى الله عليه وسلم عند بعض أهل العلم هو السوم) صورة السوم أن يأخذ شيئا ليشتريه فيقول المالك رده
لأبيعك خيرا منه بثمنه أو مثله بأرخص أو يقول للمالك استرده لأشتريه منك بأكثر وإنما يمنع من
ذلك بعد استقرار الثمن وركون أحدهما إلى الاخر فإن كان ذلك تصريحا فقال الحافظ في
428

الفتح لا خلاف في التحريم وإن كان ظاهرا ففيه وجهان للشافعية وقال ابن حزم إن لفظ
الحديث لا يدل على اشتراط الركون وتعقب بأنه لا بد من أمر مبين لوضع التحريم في
السوم لأن
السوم في السلعة التي تباع فيمن يزيد لا يحرم اتفاقا كما حكاه في الفتح عن ابن عبد البر فتعين أن
السوم المحرم ما وقع فيه قدر زائد على ذلك
وأما صورة البيع على البيع والشراء على الشراء فهو أن يقول لمن اشترى سلعة في زمن الخيار افسخ
لأبيعك بأنقص أو يقول للبائع افسخ لأشتري منك بأزيد قال في الفتح وهذا مجمع عليه وقد
اشترط بعض الشافعية في التحريم أن لا يكون المشتري مغبونا غبنا فاحشا وإلا جاز البيع على
البيع والسوم على السوم لحديث الدين النصيحة وأجيب عن ذلك بأن النصيحة لا تنحصر في
البيع على البيع والسوم على السوم لأنه يمكن أن يعرفه أن قيمتها كذا فيجمع بذلك بين
المصلحتين كذا في الفتح
باب ما جاء في بيع الخمر والنهي عن ذلك
قوله (لأيتام) صفة خمر أي اشتريتها للتخليل كذا في بعض الحواشي ويحتمل أن يتعلق
باشتريت أي اشتريتها لأجلهم ويكون هذا قبل التحريم ثم سأل عن حكمها بعد التحريم هلى
ألقيه أو أهريقه فيكون في معنى الحديث السابق يعني حديث أبي سعيد قال كان عندنا خمر
ليتيم فلما نزلت المائدة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وقلت إنه ليتيم فقال أهريقوه رواه الترمذي
ويناسبه معنى رواية أبي داود أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا قال أهرقها قال أفلا أجعلها
خلا قال لا كذا في اللمعات (في حجري) صفة لأيتام (واكسر الدنان) بكسر الدال جمع الدن
وهو ظرفها وإنما أمر بكسره لنجاسته بتشربها وعدم إمكان تطهيره أو مبالغة للزجر عنه وعما
قاربها كما كان التغليظ في أول الأمر ثم نسخ كذا في المرقاة قوله (وفي الباب عن جابر) أخرجه
الجماعة (وعائشة) أخرجه الأصبهاني ذكره المنذري في الترغيب (وأبي سعيد) أخرجه أحمد بلفظ
قال قلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما حرمت الخمر إن عندنا خمر اليتيم لنا فأمرنا فأهرقناها (وابن مسعود) لم
429

أقف على حديثه (وابن عمر) أخرجه أبو داود وابن ماجة (وأنس) أخرجه الترمذي وابن ماجة
قوله (حديث أبي طلحة روى الثوري هذا الحديث عن السدي عن يحيى بن عباد عن أنس أن أبا
طلحة كان عنده) فالحديث على رواية السدى من مسند أنس رضي الله عنه وأما على رواية الليث
فهو من مسند أبي طلحة رضي الله عنه والسدي هذا هو الكبير واسمه إسماعيل بن عبد الرحمن
الكوفي صدوق يهم كان يقعد في سدة باب الجامع فسمي بالسدي بضم السين وتشديد الدال
قوله (قالا لا) قال النووي في شرح مسلم هذا دليل الشافعي والجمهور أنه لا يجوز تخليل
الخمر ولا تطهر بالتخليل هذا إذا خللها بخبز أو بصل أو غير ذلك مما يلقى فيها فهي باقية على
نجاستها وينجس ما ألقي فيها هو مذهب الشافعي وأحمد والجمهور وقال الأوزاعي والليث
وأبو حنيفة تطهر وعن مالك ثلاث روايات أصحها أن التخليل حرام فلو خللها عصى
وطهرت والثانية حرام ولا تطهر والثالثة حلال وتطهر وأجمعوا أنها إذا انتقلت بنفسها خلا طهرت وقد يحكى عن سحنون المالكي أنها لا تطهر فإن صح عنه فهو محجوج بإجماع من قبله
انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود قوله (في الخمر)
ظرفية مجازية أو تعليلية أي في شأنها أو لأجلها (عشرة) أي عشرة أشخاص (عاصرها) بالنصب
بدلا عن المفعول به وهو من يعصرها بنفسه لنفسه أو لغيره (ومعتصرها) من يطلب عصر هالنفسه
أو غيره (والمحمولة إليه) أي من يطلب أن يحملها أحد إليه (وبائعها) أي عاقدها ولو كان وكيلا أو
دلالا (والمشتري) أي للشرب أو للتجارة بالوكالة أو غيرها (لها) أي للخمر (والمشتراة له) بصيغة
430

اسم المفعول أي الذي اشتريت الخمر له قوله (هذا حديث غريب من حديث أنس) رضي الله
عنه وأخرجه ابن ماجة (وقد روى نحو هذا عن ابن عباس) أخرجه أحمد بإسناد صحيح وابن
حبان والحاكم كذا في الترغيب (وابن مسعود) لم أقف على حديثه (وابن عمر رضي الله عنه)
أخرجه أبو داود وابن ماجة
باب ما جاء في احتلاب المواشي بغير إذن الأرباب
أي بغير إذن أرباب المواشي وهي جمع الماشية قال في القاموس الماشية الإبل والغنم
انتهى وقال في النهاية الماشية جمعها المواشي وهي اسم يقع على الإبل والبقر والغنم وأكثر ما
يستعمل في الغنم انتهى قوله (إذا أتى أحدكم على ماشية) قال الطيبي رحمه الله أتى متعد
بنفسه وعداه بعلي لتضمنه معنى نزل وجعل الماشية بمنزلة المضيف وفيه معنى حسن التعليل
وهذا إذا كان الضيف النازل مضطرا انتهى (فليستأذنه) بسكون اللام ويجوز كسرها (فليصوت)
بتشديد الواو أي فليصح وليناد (ولا يحمل) أي منه شيئا قوله (وفي الباب عن ابن عمر) أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحلبن أحد ماشية امرئ بغير إذنه أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته
فتكسر خزانته فينتقل طعامه فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم فلا يحلبن أحد ماشية
أحد إلا بإذنه أخرجه البخاري ومسلم (وأبي سعيد) أخرجه ابن ماجة مرفوعا بلفظ إذا أتيت
على راع فناده ثلاثا فإن أجابك وإلا فاشرب من غير أن تفسد الحديث وذكر الحافظ هذا
الحديث في الفتح وقال أخرجه ابن ماجة والطحاوي وصححه ابن حبان والحاكم قوله
431

(حديث سمرة حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه أبو داود قال الحافظ في الفتح إسناده
صحيح إلى الحسن فمن صحح سماعه من سمرة صححه ومن لا أعله بالانقطاع لكن له شواهد
من أقواها حديث أبي سعيد فذكره وقد تقدم آنفا قوله (والعمل على هذا عند بعض أهل
العلم وبه يقول أحمد وإسحاق) قال القاري قال في شرح السنة العمل على هذا يعني على حديث
ابن عمر المذكور عند أكثر أهل العلم أنه لا يجوز أن يحلب ماشية الغير بغير إذن إلا إذا اضطر في
مخمصة ويضمن وقيل لا ضمان عليه لأن الشرع أباحه له وذهب أحمد وإسحاق وغيرهما إلى
إباحته لغير المضطر أيضا إذا لم يكن المالك حاضرا فإن أبا بكر رضي الله عنه حلب
لرسول الله صلى الله عليه وسلم لبنا من غنم رجل من قريش يرعاها عبد له وصاحبها غائب في هجرته إلى المدينة
ولما روى الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أتى أحدكم على ماشية الحديث وقد رخص
بعضهم لابن السبيل في أكل ثمار الغير ولما روي عن ابن عمر رضي الله عنه بإسناد غريب عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال من دخل حائطا ليأكل غير متخذ خبنة فلا شئ عليه وعند أكثرهم لا يباح إلا
بإذن المالك إلا بضرورة مجاعة كما سبق قال التوربشتي وحمل بعضهم هذه الأحاديث على
المجاعة والضرورة لأنها لا تقاوم النصوص التي وردت في تحريم مال المسلم انتهى وقال الحافظ
في الفتح تحت حديث ابن عمر المذكور قال ابن عبد البر في الحديث النهي عن أن يأخذ المسلم
للمسلم شيئا إلا بإذنه وإنما خص اللبن بالذكر لتساهل الناس فيه فنبه على ما هو أولى منه وبهذا
أخذ الجمهور لكن سواء كان بإذن خاص أو إذن عام واستثنى كثير من السلف ما إذا علم بطيب
نفس صاحبه وإن لم يقع منه إذن خاص ولا عام وذهب كثير منهم إلى الجواز مطلقا في الأكل
والشرب سواء علم بطيب نفسه أو لم يعلم والحجة لهم ما أخرجه أبو داود والترمذي وصححه من
رواية الحسن عن سمرة مرفوعا إذا أتى أحدكم على ماشية الحديث وأجيب عنه بأن حديث
النهي أصح وأولى أن يعمل به وبأنه معارض للقواعد القطعية في تحريم مال المسلم بغير إذنه فلا
يلتفت إليه ومنهم من جمع بين الحديثين بوجوه من الجمع منها حمل الإذن على ما إذا علم طيب
نفس صاحبه والنهي على ما إذا لم يعلم ومنها تخصيص الإذن بابن السبيل دون غيره أو بالمضطر أو
بحال المجاعة مطلقا وهي متقاربة ومنهم من حمل حديث النهي على ما إذا كان المالك أحوج من
المار لحديث أبي هريرة بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر إذ رأينا إبلا مصرورة فثبنا إليها
فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذه الإبل لأهل بيت من المسلمين هو قوتهم أيسركم لو رجعتم إلى
مزاودكم فوجدتم ما فيها قد ذهب قلنا لا قال فإن ذلك كذلك أخرجه أحمد وابن ماجة
432

واللفظ له وفي حديث أحمد فابتدرها القوم ليحلبوها قالوا فيحمل حديث الإذن على ما إذا لم يكن
المالك محتاجا وحديث النهي على ما إذا كان مستغنيا ومنهم من حمل الإذن على ما إذا كانت غير مصرورة والنهي على ما إذا كانت مصرورة لهذا الحديث لكن وقع عند أحمد في
آخره فإن كنتم لا بد فاعلين فاشربوا ولا تحملوا فدل على عموم الإذن في المصرور وغيره لكن
بقيد عدم الحمل ولا بد منه واختار ابن العربي الحمل على العادة قال وكانت عادة أهل الحجاز
والشام وغيرهم المسامحة في ذلك بخلاف بلدنا وأشار أبو داود في السنن إلى قصر ذلك على المسافر
في الغزو وآخرون على قصر الإذن على ما كان لأهل الذمة والنهي على ما كان للمسلمين وقال
الطحاوي وكان ذلك حين كانت الضيافة واجبة ثم نسخت فنسخ ذلك الحكم وأورد الأحاديث
في ذلك وقال النووي في شرح المهذب اختلف العلماء في من مر ببستان أو زرع أو ماشية قال
الجمهور لا يجوز أن يأخذ منه شيئا إلا في حال الضرورة فيأخذ ويغرم عند الشافعي والجمهور
وقال بعض السلف لا يلزمه شئ وقال أحمد إذا لم يكن على البستان حائط جاز له الأكل من
الفاكهة الرطبة في أصح الروايتين ولو لم يحتج لذلك وفي الأخرى إذا احتاج ولا ضمان عليه في
الحالين وعلق الشافعي القول بذلك على صحة الحديث قال البيهقي يعني حديث ابن عمر
مرفوعا إذا مر أحدكم بحائط فليأكل ولا يتخذ خبنة أخرجه الترمذي واستغربه قال البيهقي
لم يصح وجاء من أوجه أخر غير قوية قال الحافظ والحق أن مجموعها لا يقصر عن درجة
الصحيح وقد احتجوا في كثير من الأحكام بما هو دونها انتهى كلام الحافظ مختصرا قوله
(وقال علي بن المديني سماع الحسن من سمرة صحيح وقد تكلم بعض أهل الحديث في رواية
الحسن عن سمرة وقالوا إنما يحدث عن صحيفة سمرة) وقال الترمذي في باب كراهية بيع الحيوان
بالحيوان نسيئة سماع الحسن من سمرة صحيح هكذا قال علي بن المديني وغيره انتهى قال
الحافظ في تهذيب التهذيب وأما رواية الحسن عن سمرة بن جندب ففي صحيح البخاري سماعا
منه لحديث العقيقة وقد روى عنه نسخة كبيرة غالبها في السنن الأربعة وعند علي بن المديني أن
كلها سماع وكذا حكى الترمذي عن البخاري وقال يحيى القطان وآخرون هي كتاب وذلك
لا يقتضي الانقطاع وفي مسند أحمد حدثنا هشيم عن حميد الطويل وقال جاء رجل إلى الحسن
فقال إن عبدا له أبق وإنه نذر إن يقدر عليه أن يقطع يده فقال الحسن حدثنا سمرة قال قلما خطبنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة إلا أمر فيها بالصدقة ونهى عن المثلة وهذا يقتضي سماعه منه لغير حديث
العقيقة وقال أبو داود عقب حديث سليمان بن سمرة عن أبيه في الصلاة دلت هذه الصحيفة
على أن الحسن سمع من سمرة قال الحافظ ولم يظهر لي وجه الدلالة بعد انتهى
433

باب ما جاء في بيع جلود الميتة والأصنام
قوله (عام الفتح وهو مكة) فيه بيان تاريخ ذلك وكان ذلك في رمضان سنة ثمان من
الهجرة ويحتمل أن يكون التحريم وقع قبل ذلك ثم أعاده صلى الله عليه وسلم ليسمع من لم يكن سمعه (إن الله
ورسوله حرم) هكذا وقع في هذا الكتاب وفي الصحيحين وغيرهما بإسناد الفعل إلى الضمير
الواحد وكان الأصل حرما قال الحافظ في الفتح والتحقيق جواز الإفراد في مثل هذا ووجه
الإشارة إلى أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم ناشئ عن أمر الله وهو نحو قوله والله ورسوله أحق أن يرضوه
والمختار في هذا الجملة الأولى حذفت لدلالة الثانية عليها والتقدير عند سيبويه والله أحق أن
يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه انتهى (بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) أي وإن كانت من
ذهب أو فضة (أرأيت) أي أخبرني (شحوم الميتة فإنه يطلى به) الضمير يرجع إلى شحم الميتة على
تأويل المذكور قاله الطيبي قال القاري والأظهر أنه راجع إلى الشحم المفهوم من الشحوم
(السفن) بضمتين جمع السفينة (ويدهن) بتشديد الدال (ويستصبح) بكسر الموحدة أي ينور (بها
الناس) أي المصباح أو بيوتهم يعني فهل يحل بيعها لما ذكر من المنافع فإنها مقتضية لصحة البيع (قال
لا هو حرام) قال الحافظ أي البيع هكذا فسره بعض العلماء كالشافعي ومن اتبعه ومنهم من حمل
قوله وهو حرام على الانتفاع فقال يحرم الانتفاع بها وهو قول أكثر العلماء فلا ينتفع من الميتة أصلا
عندهم إلا ما خص بالدليل وهو الجلد المدبوغ واختلفوا فيما يتنجس من الأشياء الطاهرة
فالجمهور على الجواز وقال أحمد وابن الماجشون لا ينتفع بشئ من ذلك واستدل الخطابي على
جواز الانتفاع بإجماعهم على أن من ماتت له دابة ساغ له إطعامها لكلاب الصيد فكذلك يسوغ
دهن السفينة بشحم الميتة ولا فرق انتهى كلام الحافظ (قاتل الله اليهود) أي أهلكهم ولعنهم
434

إخبار أو دعاء (إن الله حرم عليهم الشحوم) أي شحوم الغنم والبقر قال الله تعالى ومن الغنم
والبقر حرمنا عليهم شحومهما فأجملوه أي أذابوه قال في النهاية جملت الشحم وأجملته أذبته
وقال في القاموس جمل الشحم أذابه كأجمله واجتمله واحتالوا بذلك في تحليله وذلك لأن
الشحم المذاب لا يطلق عليه لفظ الشحم في عرف العرب بل يقولون إنه الودك (ثم باعوه فأكلوا
ثمنه) الضمير المنصوب في هذه الجمل الثلاث راجع إلى الشحوم على تأويل المذكور أو إلى الشحم
المفهوم من الشحوم كما تقدم قال في شرح السنة فيه دليل على بطلان كل حيلة تحتال للتوصيل
إلى محرم وأنه لا يتغير حكمه بتغير هيأته وتبديل اسمه انتهى قوله (وفي الباب عن عمر)
مرفوعا قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها أخرجه الشيخان (وابن
عباس) أخرجه أحمد وأبو داود قوله (حديث جابر حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
باب ما جاء في الرجوع في الهبة
قوله (ليس لنا مثل السوء) أي لا ينبغي لنا معشر المؤمنين أن نتصف بصفة ذميمة يشابهنا
فيها أخس الحيوانات في أخس أحوالها قال الله سبحانه وتعالى (للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل
السوء ولله المثل الأعلى) ولعل هذا أبلغ في الزجر عن ذلك وأدل على التحريم مما لو قال لا تعودوا
في الهبة وإلى القول بتحريم الرجوع في الهبة بعد أن تقبض ذهب جمهور العلماء إلا هبة الوالد
لولده جميعا بين هذا الحديث وحديث النعمان بن بشير (العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه) وفي
رواية للبخاري العائد في هبته كالعائد في قيئه قال الطحاوي قوله قوله كالعائد في قيئة وإن
اقتضى التحريم لسكون القئ حراما لكن الزيادة في الرواية الأخرى وهي قوله كالكلب تدل على
عدم التحريم لأن الكلب غير متعبد فالقئ ليس حراما عليه والمراد التنزيه عن فعل يشبه فعل
435

الكلب وتعقب باستبعاد ما تأوله ومنافرة سياق الأحاديث له وبأن عرف الشرع في مثل هذه
الأشياء يريد به المبالغة في الزجر كقوله من لعب بالنرد شير فكأنما غمس يده في لحم خنزير قال
الحافظ في الفتح قوله (لا يحل لأحد أن يعطى عطية فيرجع) بالنصب عطف على يعطى (فيها)
أي في عطيته (إلا الوالد) بالنصب على الاستثناء واحتج به من قال بتحريم الرجوع في الهبة إلا
هبة الوالد لولده وهم جمهور العلماء قوله (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) وأخرجه
أبو داود والنسائي وابن ماجة وأخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه قوله (قالوا من
وهب هبة لذي رحم محرم فليس له أن يرجع في هبته ومن وهب هبة لغير ذي رحم محرم فله أن
يرجع فيها ما لم يثب) بصيغة المجهول أي ما لم يعوض (منها) أي من هبته (وهو قول الثوري) وهو
قول أصحاب أبي حنيفة رحمه الله قال القاضي رحمه الله حديث ابن عمر وابن عباس نص
صريح على أن جواز الرجوع مقصور على ما وهب الوالد من ولده وإليه ذهب الشافعي وعكس
الثوري وأصحاب أبي حنيفة وقالوا لا رجوع للواهب فيما وهب لولده أو لأحد من محارمه
ولأحد الزوجين فيما وهب للآخر وله الرجوع فيما وهب للأجانب وجوز مالك الرجوع مطلقا
إلا في هبة أحد الزوجين من الآخر وأول بعض الحنفية هذا الحديث بأن قوله لا يحل معناه
التحذير عن الرجوع لا نفي الجواز عنه كما في قولك لا يحل للواجد رد السائل وقوله إلا الوالد
لولده معناه أن له أن يأخذ ما وهب لولده ويتصرف في نفقته وسائر ما يجب له عليه وقت حاجته كسائر
أمواله استيفاء لحقه من ماله لا استرجاعا لما وهب ونقضا للهبة وهو مع بعده عدول عن الظاهر بلا
دليل انتهى كلام القاضي قال القاري في المرقاة متعقبا عليه المجتهد أسير الدليل وما لم يكن له
دليل لم يحتج إلى التأويل انتهى قلت قد أخرج مالك عن عمر أنه قال من وهب هبة يرجو ثوابها
وهي رد على صاحبها ما لم يثب منها ورواه البيهقي عن ابن عمر مرفوعا وصححه الحاكم قال
الحافظ والمحفوظ من رواية ابن عمر عن عمر ورواه عبد الله بن موسى مرفوعا قيل وهو وهم
قال الحافظ صححه الحاكم وابن حزم ورواه ابن حزم أيضا عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ
436

الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها وأخرجه أيضا ابن ماجة والدارقطني ورواه الحاكم من حديث
الحسن عن سمرة مرفوعا بلفظ إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع ورواه الدارقطني من
حديث ابن عباس قال الحافظ وسنده ضعيف قال ابن الجوزي أحاديث ابن عمر وأبي هريرة
وسمرة ضعيفة وليس منها ما يصح وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عباس مرفوعا من وهب
هبة فهو أحق بها حتى يثاب عليها فإن رجع في هبته فهو كالذي يقئ ويأكل منه قال الشوكاني
بعد ذكر هذه الروايات فإن صحت هذه الأحاديث كانت مخصصة لعموم حديث الباب فيجوز
الرجوع في الهبة قبل الإثابة عليها ومفهوم حديث سمرة يدل على جواز الرجوع في الهبة لغير ذي
الرحم انتهى (وقال الشافعي لا يحل الخ) وبه قال جمهور العلماء كما عرفت
باب ما جاء في العرايا والرخصة في ذلك
العرايا جمع العرية وهي عطية ثمر النخل دون الرقبة كان العرب في الجدب يتطوع
أهل النخل بذلك على من لا ثمر له كما يتطوع صاحب الشاة أو الإبل بالمنيحة وهي عطية اللبن
دون الرقبة والعرية فعيلة بمعنى فعولة أو فاعلة يقال عرى النخل بفتح العين والراء بالتعدية
يعروها إذا أفردها عن غيرها بأن أعطاها لأخر على سبيل المنحة ليأكل ثمرها وتبقى رقبتها لمعطيها
ويقال عريت النخل بفتح العين وكسر الراء تعري على أنه قاصر فكأنها عريت عن حكم أخواتها
واستثبتت بالعطية واختلف في المراد بها شرعا فقال مالك والعرية أن يعري الرجل
النخلة أي يهبها له أو يهب له ثمرها ثم يتأذى بدخوله عليه فرخص له أن يشتريها أي يشتري رطبها
منه بتمر كذا نقل البخاري في صحيحه عنه وقال الشافعي في الأم العرايا أن يشتري الرجل
ثمن النخلة فأكثر بخرصه من التمر بأن يخرص الرطب ثم يقدر كم ينقص إذا يبس ثم يشتري
بخرصة تمر فإن تفرقا قبل أن يتقابضا فسد البيع انتهى قال الحافظ في الفتح محصله أن لا
يكون جزافا ولا نسيئة انتهى وقال ابن إسحاق في حديث عن نافع عن ابن عمر كانت العرايا أن
يعري الرجل في ماله النخلة والنخلتين كذا في صحيح البخاري قال الحافظ أما حديث ابن إسحاق
437

عن نافع فوصله الترمذي دون تفسير ابن إسحاق وأما تفسيره فوصله أبو داود عنه بلفظ
النخلات وزاد فيه فيشق عليه فيبيعها بمثل خرصها وهذا قريب من الصورة التي قصر مالك
العرية عليها انتهى وقال يزيد بن هارون عن سفيان بن حسين العرايا نخل كانت توهب
للمساكين فلا يستطيعون أن ينتظروا بها رخص لهم أن يبيعوها بما شاءوا من التمر كذا في صحيح
البخاري قال الحافظ هذا وصله الإمام أحمد في حديث سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم
عن أبيه عن زيد بن ثابت مرفوعا في العرايا قال سفيان ابن حسين فذكره قال الحافظ وصور
العرية كثيرة وهذه إحداها قال منها أن يقول الرجل لصاحب حائط بعني ثمر نخلات بأعيانها
بخرصها من التمر فيخرصها أو يبيعه ويقبض منه التمر ويسلم إليه النخلات بالنخلية فينتفع
برطبها منها أن يهبه إياها فيتضرر الموهوب له بانتظار صيرورة الرطب تمرا ولا يحب أكلها رطبا
لاحتياجه إلى التمر فيبيع ذلك الرطب بخرصه من الواهب أو من غيره بتمر يأخذ معجلا ومنها أن
يبيع الرجل ثمر حائطه بعد بدو صلاحه ويستثنى منه نخلات معلومة يبقيها لنفسه أو لعياله وهي
التي عفى له عن خرصها في الصدقة وسميت عرايا لأنها أعريت من أن تخرص في الصدقة فرخص
لأهل الحاجة الذين لا نقد لهم وعندهم فضول من تمر قوتهم أن يبتاعوا بذلك التمر من رطب
تلك النخلات بخرصها ومما يطلق عليه اسم عرية أي يعري رجلا ثمر نخلات يبيح له أكلها
والتصرف فيها وهذه هبة مخصوصة ومنها أن يعري عامل الصدقة لصاحب الحاجة من حائطه
نخلات معلومة لا يخرصها في الصدقة وهاتان الصورتان من العرايا لا بيع فيهما وجميع هذه
الصور صحيحة عند الشافعي والجمهور وقصر مالك العرية في البيع على الصورة الثانية
وقصرها أبو عبيد على الصورة الأخيرة من صور البيع وزاد انه رخص لهم أن يأكلوا الرطب ولا
يشتروه لتجارة ولا ادخار ومنع أبو حنيفة صور البيع كلها وقصر العرية على الهبة وهو أن يعري
الرجل تمر نخلة من نخله ولا يسلم ذلك له ثم يبدو له في ارتجاع تلك الهبة فرخص له أن يحتبس
ذلك ويعطيه بقدر ما وهبه له من الرطب بخرصه تمرا وحمله على ذلك أخذه بعموم النهي عن بيع
التمر بالتمر وتعقب بالتصريح باستثناء العرايا في حديث ابن عمر كما تقدم وفي حديث غيره
وحكى الطحاوي عن عيسى بن أبان من أصحابهم أن معنى الرخصة أن الذي وهبت العرية لم
يملكها لأن الهبة لا تملك إلا بالقبض فلما جاز له أن يعطي بدلها تمرا وهو لم يملك
البدل منه حتى يستحق البدكان ذلك مستثنى وكان رخصة وقال الطحاوي بل معنى الرخصة فيه أن المرء مأمور بإمضاء
ما وعد به ويعطي بدله ولم لم يكن واجبا عليه فلما أذن له أن يحبس ما وعد به ويعطى بدله ولا
يكون في حكم من أخلف وعده ظهر بذلك معنى الرخصة واحتج لمذهبه بأشياء تدل على أن
العرية العطية ولا حجة في شئ منها لأنه لا يلزم من كون أصل العرية العطية أن لا تطلق العرية
438

شرعا على صور أخرى قال ابن المنذر الذي رخص في العرية هو الذي نهى عن بيع الثمر بالتمر
في لفظ واحد من رواية جماعة من الصحابة قال ونظير ذلك الإذن في السلم مع قوله صلى الله عليه وسلم لا تبع
ما ليس عندك قال فمن أجاز السلم مع كونه مستثنى من بيع ما ليس عندك ومنع العرية مع
كونها مستثناة مع بيع الثمر بالتمر فقد تناقض وأما حملهم الرخصة على الهبة فبعيد مع تصريح
الحديث بالبيع واستثناء العرايا منه فلو كان المراد الهبة لما استثنيت العرية من البيع ولأنه عبر
بالرخصة والرخصة لا تكون إلا بعد ممنوع والمنع إنما كان في البيع لا الهبة وبأن الرخصة قيدت
بخمسة أوسق أو ما دونها والهبة لا تتقيد لأنهم لم يفرقوا في الرجوع في الهبة بين ذي رحم وغيره
وبأنه لو كان الرجوع جائزا فليس إعطاؤه بالتمر بدل الرطب بل هو تجديد هبة أخرى فإن
الرجوع لا يجوز فلا يصح تأويلهم انتهى قوله (نهى عن المحاقلة والمزابنة) قد تقدم تفسيرها
أيضا وهو بيع الثمر في رؤوس النخل بالتمر (إلا أنه قد أذن لأهل العرايا أن يبيعوها بمثل خرصها)
الخرص بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء الحرز والاسم بالكسر قال في النهاية خرص النخلة
والكرمة يخرصها خرصا إذا حزر ما عليها من الرطب تمرا ومن العنب زبيبا فهو من الخرص
الظن لأن الحزر إنما هو تقدير بظن والاسم الخرص بالكسر يقال كم خرص أرضك انتهى
قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه الترمذي وأخرجه الشيخان أيضا (وجابر) أخرجه أحمد
والشافعي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم قوله (هكذا روى محمد بن إسحاق هذا
الحديث وروى أيوب الخ) يعني روى محمد بن إسحاق النهي عن المحاقلة والمزابنة والرخصة في
العرايا كليهما عن ابن عمر عن زيد بن ثابت وروى أيوب وغيره النهي عن المحاقلة والمزابنة عن
ابن عمر رضي الله عنه بغير واسطة زيد بن ثابت والرخصة في العرايا عن ابن عمر عن زيد بن
ثابت ورواية أيوب وغيره أصح من رواية ابن إسحاق قال الحافظ في الفتح مراد الترمذي أن التصريح بالنهي عن المزابنة لم يرد في حديث زيد بن ثابت وإنما رواه
ابن عمر بغير واسطة وروى ابن عمر استثناء العرايا بواسطة زيد بن ثابت فإن كانت رواية ابن إسحاق محفوظة احتمل أن
يكون ابن عمر حمل الحديث كله عن زيد بن ثابت وكان عنده بعضه بغير واسطة قال وأشار
439

الترمذي إلى أن ابن إسحاق وهم فيه والصواب التفصيل انتهى قوله (في خمسة أوسق أو فيما
دون خمسة أوسق) شك من الراوي والوسق ستون صاعا وقد اعتبر من قال بجواز بيع العرايا
بمفهوم هذا العدد ومنعوا ما زاد عليه واختلفوا في جواز الخمسة لأجل الشك المذكور والخلاف عند المالكية والشافعية والراجح
عند المالكية الجواز في الخمسة فما دونها وعند الشافعية الجواز
فيما دون الخمسة ولا يجوز في الخمسة وهو قول الحنابلة وأهل الظاهر قوله (أرخص) وفي رواية
البخاري ومسلم رخص من الترخيص (بخرصها) وفي رواية الشيخين بخرصها كيلا ولمسلم
رخص في العرية يأخذها أهل البيت بخرصها تمرا يأكلونها رطبا وأخرجه الطبراني من طريق
أيوب وعبيد الله بن عمر عن نافع بلفظ رخص في العرايا النخلة والنخلتين يوهبان للرجل
فيبيعهما بخرصهما تمرا زاد فيه يوهبان للرجل وليس بقيد عند الجمهور قاله الحافظ قوله (
وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان (وحديث أبي هريرة حديث حسن صحيح)
وأخرجه الشيخان أيضا قوله (والعمل عليه عند بعض أهل العلم منهم الشافعي وأحمد
وإسحاق وقالوا إن العرايا مستثناة الخ) وأما قول الإمام أبي حنيفة أن العرايا ليست بمستثناة من
440

بيع الثمر بالتمر بل هبة فقد تقدم ما فيه في كلام الحافظ فتذكر باب قوله (الثمر بالتمر) الأول
بالثاء المثلثة والثاني بالتاء المثناة الفوقانية وهذا تفسير المزابنة (وعن كل ثمر بخرصها) بفتح الخاء
المعجمة وأشار ابن التين إلى جواز كسرها وجزم ابن العربي بالكسر وأنكر الفتح وجوزهما
النووي وقال الفتح أشهر انتهى والخرص هو التخمين والحدس قوله (هذا حديث
صحيح غريب من هذا الوجه) وأخرجه مسلم وأخرجه البخاري من حديث سهل بن أبي حثمة
وحده
باب ما جاء في كراهية النجش في البيوع
قال في النهاية هو أن يمدح السلعة لينفقها ويروجها أو يزيد في ثمنها وهو لا يريد شراءها
ليقع غيره فيه والأصل فيه تنفير الوحش من مكان إلى مكان انتهى وقال الحافظ في الفتح
النجش بفتح النون وسكون الجيم بعدها معجمة وهو في اللغة تنفير الصيد واستثارته من مكانه
ليصاد يقال نجشت الصيد أنجشه بالضم نجشا وفي الشرع الزيادة في ثمن السلعة ممن لا يريد
شراءها ليقع غيره فيها سمي بذلك لأن الناجش يثير الرغبة في السلعة ويقع ذلك بمواطأة البائع
فيشتركان في الإثم ويقع ذلك بغير علم البائع فيختص بذلك الناجش وقد يختص به البائع كمن
يخبر بأنه اشترى سلعة بأكثر مما اشتراها به ليغر غيره بذلك وقال ابن قتيبة النجش الختل
والخديعة ومنه قيل للصائد ناجش لأنه يختل الصيد ويحتال له انتهى قوله (قال لا تناجشوا) قال
الحافظ ذكره بصيغة التفاعل لأن التاجر إذا فعل لصاحبه ذلك كان بصدد أن يفعل له مثله انتهى
441

قوله (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه البخاري ومسلم بلفظ نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النجش
(وأنس) لينظر من أخرجه (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري (فيستام
بأكثر مما تسوى) أي بأكثر مما تساويه السلعة يعني يستام بأكثر من قيمة السلعة قال في القاموس
وهو لا يساوي شيئا ولا يسوي كيرضى انتهى قوله (قال الشافعي وإن نجش رجل فالناجش
آثم فيما يصنع والبيع جائز لأن البائع غير الناجش) قال ابن بطال أجمع العلماء على أن الناجش
عاص بفعله واختلفوا في البيع إذا وقع على ذلك ونقل ابن المنذر عن طائفة من أهل الحديث
فساد ذلك البيع وهو قول أهل الظاهر ورواية عن مالك وهو المشهور عند الحنابلة إذا كان ذلك
بمواطأة البائع أو صنعه والمشهور عند المالكية في مثل ذلك ثبوت الخيار وهو وجه للشافعية قياسا
على المصراة والأصح عندهم صحة البيع مع الإثم وهو قول الحنفية وقال الرافعي أطلق
الشافعي في المختصر تعصية الناجش وشرط في تعصية من باع على بيع أخيه أن يكون عالما
بالنهي وأجاب الشارحون بأن النجش خديعة وتحريم الخديعة واضح لكل أحد وإن لم يعلم
هذا الحديث بخصوصه بخلاف البيع على بيع أخيه فقد لا يشترك فيه كل أحد واستشكل
الرافعي الفرق بأن البيع على بيع أخيه إضرار والإضرار يشترك في علم تحريمه كل أحد قال فالوجه
تخصيص المعصية في الموضعين بمن علم التحريم انتهى وقد حكى البيهقي في المعرفة والسنن عن
الشافعي تخصيص التعصية في النجش أيضا بمن علم النهي فظهر أن ما قاله الرافعي بحثا
منصوص ولفظ الشافعي النجش أن يحضر الرجل السعلة تباع فيعطي بها الشئ وهو لا يريد
شراءها ليقتدي به السوم فيعطون بها أكثر مما كانوا يعطون لو لم يسمعوا سومه فمن نجش فهو
عاص بالنجش إن كان عالما بالنهي والبيع جائز لا يفسده معصية رجل نجش عليه كذا في فتح
الباري
442

باب ما جاء في الرجحان في الوزن
قوله (عن سويد) بالتصغير قال في التقريب سويد بن قيس صحابي له حديث السراويل
نزل الكوفة (جلبت أنا) قال في القاموس جلبه يجلبه جلبا وجلبا واجتلبه ساقه من
موضع إلى موضع آخر انتهى وقال في الصراح الجلب كشيدن جليب أنجه ازشهر بشهر برند بفروختن
(ومخرفة) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة فراء ثم فاء ويقال بالميم والصحيح الأول كذا في
الاستيعاب (بزا) بتشديد الزاء قال في القاموس البز الثياب أو متاع البيت من الثياب ونحوها
وبائعه البزاز وحرفته البزازة انتهى قال القاري في المرقاة قال محمد رحمه الله في السير البز عند
أهل الكوفة ثياب الكتان والقطن لا ثياب الصوف والخز (من هجر) بفتحتين موضع قريب من
المدينة وهو مصروف قاله القاري وقال في القاموس وهجر محركة بلد باليمن بينه وبين عشر يوم
وليلة مذكر مصروف وقد يؤنث ويمنع واسم لجميع أرض البحرين ومنه المثل كمبضع تمر إلى
هجر وقرية كانت قرب المدينة وإليها تنسب القلال أو تنسب إلى هجر اليمن انتهى وفي رواية أبي
داود جلبت أنا ومخرفة العبدي بزا من هجر فأتينا به مكة (فجاءنا النبي صلى الله عليه وسلم) زاد في رواية النسائي
ونحن بمنى (فساومنا بسراويل) وفي رواية النسائي فاشترى منا سراويلا قال السيوطي ذكر
بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى السراويل ولم يلبسها وفي الهدى لابن القيم الجوزي
أنه لبسها فقيل إنه سبق قلم لكن في مسند أبي يعلي والمعجم الأوسط للطبراني بسند ضعيف عن أبي هريرة قال
دخلت يوما السوق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس إلى البزارين فاشترى سراويل بأربعة
دراهم قلت يا رسول الله وإنك لتلبس السراويل فقال أجل في السفر والحضر والليل والنهار
فإني أمرت بالستر فلم أجد شيئا أستر منه كذا في فتح الودود (وعندي وزان يزن) أي الثمن
(بالأجر) أي بالأجرة (زن) بكسر الزاي أي ثمنه (وأرجح) بفتح الهمزة وكسر الجيم قال في
القاموس رجح الميزان يرجح مثلثه رجوحا ورجحانا مال وأرجح له ورجح أعطاه راجحا قال
الخطابي في الحديث دليل على جواز أخذ الأجرة على الوزن والكيل وفي معناهما أجرة القسام
والحاسب وكان سعيد بن المسيب بنهي عن أجرة القسام وكرهها أحمد بن حنبل فكان في مخاطبة
443

يلزمه فقد دل على أن أجرة الوزان عليه وإذا كان ذلك على المشتري فقياسه في السلعة المبيعة أن
يكون على البائع انتهى قوله (وفي الباب عن جابر) أخرجه البخاري وغيره وأما حديث أبي
هريرة فلينظر من أخرجه قوله (حديث سويد حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود
والنسائي وابن ماجة والدارمي وأحمد قوله (وروى شعبة هذا الحديث عن سماك فقال عن أبي
صفوان وذكر الحديث) فخالف شعبة سفيان فإنه رواه عن سماك عن سويد ابن قيس قال أبو داود
في سننه بعد ذكر رواية سفيان ورواية شعبة ما لفظه والقول قول سفيان حدثنا ابن أبي رزمة قال
سمعت أبي يقول قال رجل لشعبة خالفك سفيان فقال دمغتني وبلغني عن يحيى بن معين قال
كل من خالف سفيان فالقول قول سفيان حدثنا أحمد بن حنبل أخبرنا وكيع عن شعبة قال كان
سفيان أحفظ مني انتهى وقال المنذري في تلخيص السنن وقال أبو أحمد الكرابيسي أو صفوان
مالك بن عميرة ويقال سويد بن قيس باع من النبي صلى الله عليه وسلم فارجح له وقال أبو عمر النمري أبو
صفوان مالك بن عميرة ويقال سويد بن قيس وذكر لهذا الحديث وهذا يدل على أنه عندهما
رجل واحد كنيته أبو صفوان واختلف في اسمه انتهى
باب ما جاء في إنظار المعسر والرفق
به الانظار التأخير والإمهال والمعسر الفقير قوله (من أنظر معسرا) أي أمهل مديونا فقيرا
(أو وضع له) أي حط وترك دينه كله أو بعضه (أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه) أي أوقفه الله
444

تحت ظل عرشه قوله (وفي الباب عن أبي اليسر) بفتحتين أخرجه مسلم مرفوعا بلفظ من أنظر
معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله (وأبي قتادة) أخرجه مسلم مرفوعا بلفظ من أنظر معسرا أو
وضع عنه أنجاه الله من كرب يوم القيامة (وحذيفة) أخرجه البخاري (وابن مسعود) أخرجه
الترمذي في هذا الباب (وعبادة) لم أقف على حديثه قوله (حديث أبي هريرة حسن صحيح
غريب الخ) ذكر المنذري هذا الحديث في ترغيبه وعزاه للترمذي وحده وقال معنى وضع له أي ترك
له شيئا مما له عليه انتهى قوله (عن أبي مسعود) اسمه عقبة بن عمرو بن ثعلب الأنصاري
البدري صحابي جليل رضي الله عنه (إلا أنه كان رجلا موسرا) أي غنيا ذا مال (يخالط الناس) أي
يعامل الناس بالبيع والشراء (أن يتجاوزوا عن المعسر) أي الفقير أي يتسامحوا في الاقتضاء
والاستيفاء وقبول ما فيه نقص يسير (بذلك) أي بالتجاوز (تجاوزوا عنه) أي تسامحوا عنه قوله
(هذا حديث صحيح) وأخرجه مسلم
باب ما جاء في مطل الغني أنه ظلم
قوله (مطل الغني) أي تأخيره أداء الدين من وقت إلى وقت بغير عذر (ظلم) فإن المطل
منع أداء ما استحق أداؤه وهو حرام من المتمكن ولو كان غنيا ولكنه ليس متمكنا جاز له التأخير إلى
الإمكان ذكره النووي قال الحافظ المراد بالغني هنا من قدر على الأداء فأخره ولو كان فقيرا
قال وقوله مطل الغنى هو من إضافة المصدر للفاعل عند الجمهور والمعنى أنه يحرم على الغني القادر
أن يمطل بالدين بعد استحقاقه بخلاف العاجز وقيل هو من إضافة المصدر للمفعول والمعنى يجب
وفاء الدين ولو كان مستحقه غنيا ولا يكون غناه سببا لتأخير حقه عنه وإذا كان كذلك في حق
445

الغني فهو في الفقير أولى ولا يخفي بعد هذا التأويل انتهى (فإذا أتبع) بضم الهمزة القطعية
وسكون المثناة الفوقية وكسر الموحدة أي جعل تابعا للغير بطلب الحق وحاصله إذا أحيل (على ملي)
أي غني قال في النهاية الملئ بالهمزة الثقة الغني وقد أولع الناس فيه بترك الهمزة وتشديد الياء
انتهى (فليتبع) بفتح الياء وسكون التاء وفتح الموحدة أي فليحتل يعني فليقبل الحوالة قال
الحافظ ابن حجر في الفتح معنى قوله اتبع فليتبع أي أحيل فليحتل وقد رواه بهذا اللفظ أحمد
قال المشهور في الرواية واللغة كما قال النووي إسكان المثناة في اتبع وفي فليتبع وهو على البناء
للمفعول مثل إذا علم فليعلم وقال القرطبي أما اتبع فبضم الهمزة وسكوت التاء مبنيا لما لم يسم
فاعله عند الجميع وأما فليتبع فالأكثر على التخفيف وقيده بعضهم على التشديد والأول أجود
انتهى قال الحافظ وما ادعاه من الاتفاق على اتبع يرده قول الخطابي أن أكثر المحدثين يقولونه بتشديد
التاء والصواب التخفيف قوله (فقال بعض أهل العلم إذا أحيل الرجل على ملئ فاحتاله) أي
فقبل ذلك الرجل الحوالة (وليس له) أي للرجل المحتال (أن يرجع إلى المحيل) واستدل على ذلك
بأنه لو كان له الرجوع لم يكن لاشتراط الغني فائدة فلما شرط علم أنه انتقل انتقالا لا رجوع له كما
لو عوضه عدينه بعوض ثم تلف العوض في يد صاحب الدين فليس له رجوع (وقال بعض
أهل العلم إذا توى) كرضى أي هلك (مال هذا) أي المحتال (بإفلاس المحال عليه) أي موته (فله
ان يرجع على الأول) أي فللمحتال أن يرجع على المحيل وهو قول الحنفية قالوا يرجع عند التعذر
وشبهوه بالضمان (واحتجوا
بقول عثمان وغيره حين قالوا ليس على مال مسلم توى) على وزن
حصى بمعنى الهلاك (وهو يرى أنه ملي) أي الرجل المحتال يظن أن الاخر المحال عليه غنى (فإذا)
للمفاجأة (هو معدم) أي مفلس (فليس على مال مسلم توى) أي هلاك وضياع
446

باب ما جاء في المنابذة والملامسة
قوله (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المنابذة والملامسة) زاد مسلم أما الملامسة فإن يلمس كل
واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل والمنابذة أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الاخر ولم ينظر واحد
منهما إلى ثوب صاحبه قوله (وفي الباب عن أبي سعيد) قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الملامسة
والمنابذة في البيع والملامسة لمس الرجل ثوب الاخر بيده بالليل أو النهار ولا يقلبه والمنابذة أن ينبذ
الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ الاخر بثوبه ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تراض (وابن عمر
رضي الله عنه) لم أقف على حديثه قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه
البخاري ومسلم قوله (ومعنى هذا الحديث أن يقول إذا نبذت الخ) قال الحافظ في الفتح
واختلف العلماء في تفسير الملامسة على ثلاث صور هي أوجه للشافعية أصحها أن يأتي بثوب
مطوي أو في ظلمة فيمسه المستام فيقول له صاحب الثوب بعتكه بكذا بشرط أن يقوم لمسك مقام
نظرك ولا خيار لك إذا رأيته وهذا موافق للتفسير المذكور في الحديث الثاني أن يجعلا نفس
اللمس بيعا بغير صيغة زائدة الثالث أن يجعلا اللمس شرطا في قطع خيار المجلس وغيره والبيع
على التأويلات كلها باطل قال وأما المنابذة فاختلفوا أيضا على ثلاثة أقوال وهي أوجه للشافعية
أصحها أن يجعلا نفس النبذ بيعا كما تقدم في الملامسة وهو الموافق للتفسير في الحديث والثاني
أن يجعلا النبذ بيعا بغير صيغة والثالث أن يجعلا النبذ قاطعا للخيار قال واختلفوا في تفسير
النبذ فقيل هو طرح الثوب كما وقع تفسيره في الحديث المذكور وقيل هو نبذ الحصاة والصحيح أنه غيره انتهى كلام الحافظ ملخصا قوله (وإن كان لا يرى) الواو
وصلية (منه) أي من الشئ البيع (مثل ما يكون في الجراب) أي مثل المبيع الذي يكون في الجراب
وهو بفتح الجيم وكسرها بالفارسية انبان على ما في الصراح وقال في القاموس الجراب بالكسر ولا
447

يفتح أو لغيه فيما حكاه عياض وغيره المزود والوعاء ج جرب وأجربة انتهى (فنهى عن ذلك)
والعلة في النهي عنه الغرر والجهالة وإبطال خيار المجلس
باب ما جاء في السلف في الطعام والتمر
السلف بفتحتين السلم وزنا ومعنى قال الجزري في النهاية السلم هو أن تعطي ذهبا أو
فضة في سلعة معلومة إلى أمد معلوم فكأنك قد أسلمت الثمن إلى صاحب السلعة وسلمته إليه
انتهى قلت فالثمن المعجل يسمى رأس المال والمبيع المؤجل المسلم فيه ومعطي الثمن رب
السلم وصاحبه المبيع المسلم إليه والقياس يأبى عن جواز هذا العقد لأنه داخل تحت بيع ما ليس
عنده إلا أنه جوز لورود الأحاديث الصحيحة بذلك واية المداينة في سورة البقرة دالة على جوازه
كما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قوله (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة) أي من مكة بعد
الهجرة (وهم يسلفون في الثمر) الجملة حالية والإسلاف إعطاء الثمن في مبيع إلى مدة أي يعطون
الثمن في الحال ويأخذون السلعة في المال وفي رواية البخاري ومسلم وهم يسلفون في الثمار السنة
والسنتين والثلاث كذا في المشكاة (من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم)
فيه دلالة على وجوب الكيل والوزن وتعيين الأجل في المكيل والموزون وإن جهالة أحدهما مفسدة
للبيع قال النووي في شرح مسلم فيه جواز السلم وأنه يشترط أن يكون قدره معلوما بكيل أو
وزن أو غيرهما مما يضبط به فإن كان مذروعا كالثوب اشترط ذكر ذرعات معلومة وإن كان
معدودا كالحيوان اشترط ذكر عدد معلوم ومعنى الحديث أنه إن أسلم في مكيل فليكن كيله
معلوما وإن كان موزونا فليكن وزنه معلوما وإن كان مؤجلا فليكن أجله معلوما ولا يلزم من
هذا اشتراط كون السلم مؤجلا بل يجوز حالا لأنه إذا جاز مؤجلا مع الغرر فجواز الحال أولى لأنه
أبعد من الغرر وليس ذكر الأجل في الحديث لاشتراط الأجل بل معناه إن كان أجل فليكن
معلوما وقد اختلف العلماء في جواز السلم الحال مع إجماعهم على جواز المؤجل فجوز الحال الشافعي وآخرون ومنعه مالك وأبو
حنيفة وآخرون وأجمعوا على اشتراط وصفه بما يضبطه به انتهى كلام النووي قوله (قال) أي
448

أبو عيسى (وفي الباب عن ابن أبي أوفى وعبد الرحمن ابن أبزى) قالا كنا نصيب المغانم مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يأتينا أنباط من أنباط الشام فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب وفي
رواية والزيت إلى أجل مسمى قيل أكان لهم زرع قالا ما كنا نسألهم عن ذلك أخرجه
البخاري قوله (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة قوله (فرأى بعض
أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم السلم في الحيوان جائزا وهو قول الشافعي وأحمد
وإسحاق) واحتجوا بما أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم عند عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أمره أن يجهز جيشا فنفدت الإبل فأمره أن يأخذ من قلائص الصدقة فكان يأخذ البعير بالبعيرين
إلى إبل الصدقة قال الحافظ في الدراية وفي إسناده اختلاف لكن أخرج البيهقي من وجه اخر
قوى عن عبد الله بن عمرو نحوه انتهى (وكره بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
وغيرهم السلم في الحيوان وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة) واحتجوا بما أخرجه الحاكم
في المستدرك والدارقطني في سننه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السلف في الحيوان قال
الزيلعي في نصب الراية قال الحاكم حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه انتهى قال صاحب
التنقيح وإسحاق بن إبراهيم بن جوفي قال فيه ابن حبان منكر الحديث جدا يأتي عن الثقات
بالموضوعات لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب وقال الحاكم روى أحاديث موضوعة
انتهى واحتجوا أيضا بما روى محمد بن الحسن في الآثار عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن
عبد الله بن مسعود أنه قال لا تسلمن ما لنا في شئ من الحيوان
وهو موقوف وفيه قصة قال
الحافظ الزيلعي قال في التنقيح فيه انقطاع انتهى
449

باب ما جاء في أرض المشترك يريد بعضهم بيع نصيبه
قوله (عن سليمان اليشكري) بفتح التحتية وسكون الشين المعجمة وضم الكاف هو
سليمان بن قيس ثقة قال أبو داود مات في فتنة ابن الزبير قوله (من كان له شريك في حائط)
أي بستان (من ذلك) أي من ذلك الحائط (حتى يعرضه على شريط) وفي رواية مسلم لا يحل له
أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به انتهى قال
النووي وهذا محمول عندنا على الندب إلى إعلامه وكراهة بيعه قبل إعلامه كراهة تنزيه وليس
بحرام ويتأولون الحديث على هذا ويصدق على المكروه أنه ليس بحلال ويكون الحلال بمعنى
المباح وهو مستوى الطرفين والمكروه ليس بمباح مستوى الطرفين بل هو راجح الترك واختلف
العلماء فيما لو أعلم الشريك بالبيع فأذن فيه فباع ثم أراد الشريك أن يأخذ بالشفعة فقال
الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأصحابهم وعثمان البتي وابن أبي ليلى وغيرهم له أن يأخذ بالشفعة
وقال الحكم والثوري وأبو عبيد وطائفة من أهل الحديث ليس له الأخذ وعن أحمد روايتان
كالمذهبين انتهى كلام النووي قال الشوكاني في النيل متعقبا على من قال إنه يصدق على المكروه
إنه ليس بحلال ما لفظه هذا إنما يتم إذا كان اسم الحلال مختصا بما كان مباحا أو مندوبا أو واجبا
وهو ممنوع فإن المكروه من أقسام الحلال وقال فيه قال في شرح الارشاد الحديث يقتضي أنه
يحرم البيع قبل العرض على الشريك قال ابن الرفعة ولم أظفر به عن أحد من أصحابنا ولا
محيد عنه وقد قال الشافعي إذا صح الحديث فاضربوا بقولي عرض الحائط قوله (هذا
حديث ليس إسناده بمتصل) وأخرجه مسلم بسند آخر متصل صحيح ولفظه من كان له شريك
في ربعة أو نخل فليس له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن رضي أخذ وإن كره ترك وفي رواية له
لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه وفي رواية أخرى له لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على
شريكه (ولم يسمع منه) أي من سليمان اليشكري (قتادة ولا أبو بشر) قال الخزرجي في الخلاصة
450

سليمان بن قيس اليشكري عن جابر وأبي سعيد وعنه عمرو بن دينار وأرسل عنه قتادة وأبو بشر
قال النسائي ثقة انتهى (ولا نعرف لأحد منهم) أي ممن روى عن سليمان اليشكري (ولعله) أي
لعل عمرو بن دينار (سمع منه) أي من سليمان اليشكري
باب ما جاء في المخابرة والمعاومة
قوله (نهى عن المحاقلة والمزابنة) أما المحاقلة والمزابنة فقد تقدم معانيهما في باب النهي
عن المحاقلة والمزابنة وأما المخابرة فقد تقدم معناها في باب النهي عن الثنيا (والمعاومة) مفاعلة
من العام كالمسانهة من السنة والمشاهرة من الشهر قال الجزري في النهاية هي بيع ثمر النخل
أو الشجر سنتين أو ثلاثا فصاعدا قبل أن تظهر ثماره وهذا البيع باطل لأنه بيع ما لم يخلق فهو كبيع
الولد قبل أن يخلق (ورخص في العرايا) تقدم تفسير العرايا في باب العرايا قوله (هذا حديث
حسن صحيح) وأخرجه مسلم
451

باب قوله (غلا السعر) بكسر السين وهو بالفارسية نرخ أي ارتفع السعر (سعر لنا) أمر من
تسعير وهو أن يأمر السلطان أو نوابه أو كل من ولي من أمور المسلمين أمر أهل السوق أن لا يبيعوا
أمتعتهم إلا بسعر كذا فيمنع من الزيادة عليه أو النقصان لمصلحة (إن الله هو المسعر) بتشديد
العين المكسورة قال في النهاية أي أنه هو الذي يرخص الأشياء ويغليها فلا اعتراض لأحد
ولذلك لا يجوز التسعير انتها (القابض الباسط) أي مضيق الرزق وغيره على من شاء كيف شاء
وموسعه (وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة) قال في المجمع مصدر ظلم واسم ما أخذ منك بغير حق
وهو بكسر لام وفتحها وقد ينكر الفتح انتهى وقد استدل بالحديث وما ورد في معناها على تحريم
التسعير وأنه مظلمة ووجهه أن الناس مسلطون على أموالهم والتسعير حجر عليهم والإمام
مأمور برعاية مصلحة المسلمين وليس نظره في مصلحة المشتري برخص الثمن أولى من نظره في
مصلحة البائع بتوفير الثمن وإذا تقابل الأمران وجب تمكين الفريقين من الاجتهاد لأنفسهم وإلزام
صاحب السلعة أن يبيع بما لا يرضى به مناف لقوله تعالى (إلا أن تكون تجارة عن تراض)
وإلى هذا ذهب جمهور العلماء وروي عن مالك أنه يجوز للإمام التسعير وأحاديث الباب ترد
عليه وظاهر الأحاديث أنه لا فرق بين حالة الغلاء ولا حالة الرخص ولا فرق بين المجلوب
وغيره وإلى ذلك مال الجمهور وفي وجه للشافعية جواز التسعير في حالة الغلاء وظاهر
الأحاديث عدم الفرق بين ما كان قوتا للادمي ولغيره من الحيوانات وبين ما كان من غير ذلك
من الإدامات وسائر الأمتعة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وابن ماجة
والدارمي وأبو يعلى والبزار قال الحافظ وإسناده على شرط مسلم وصححه أيضا ابن حبان
وفي الباب عن أبي هريرة عند أحمد وأبو داود قال جاء رجل فقال يا رسول الله سعر فقال بل
ادعو الله ثم جاء آخر فقال يا رسول الله سعر فقال بل الله يخفض ويرفع قال الحافظ
وإسناده حسن وعن أبي سعيد عند ابن ماجة والبزار والطبراني ورجاله رجال الصحيح
452

وحسنه الحافظ وعن علي عند البزار نحوه وعن ابن عباس عند الطبراني في الصغير وعن أبي
جحيفة في الكبير كذا في النيل
باب ما جاء في كراهية الغش في البيوع
قال في النهاية الغش ضد النصح من الغشش وهو المشرب لكدر انتهى وقال في القاموس
غشه لم يمحضه النصح أو أظهر له خلاف ما أضمر كغششه والغش بالكسر الاسم منه انتهى
وقال في الصراح غش بالكسر خيانت كردن قوله (مر على صبرة) بضم الصاد المهملة وسكون
الموحدة ما جمع من الطعام بلا كيل ووزن كذا في القاموس وقال في النهاية الصبرة الطعام
المجتمع كالكومة وجمعها صبر (من طعام) المراد من الطعام جنس الحبوب المأكول (فأدخل يده
فيها) أي في الصبرة (فنالت) أي أدركت (بللا) بفتح الموحدة واللام (قال أصابته السماء) أي المطر
لأنها مكانه وهو نازل منها قال الشاعر إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا (من غش
أمتي ليس مني) وفي رواية مسلم فليس مني قال النووي كذا في الأصول ومعناه ممن اهتدى بهديي
واقتدى بعلمي وعلمي وحسن طريقتي كما يقول الرجل إذا لم يرض فعله لست مني وهكذا في نظائره
مثل قوله من حمل علينا السلاح فليس منا وكان سفيان بن عيينة يكره تفسير مثل هذا أو يقول
بئس مثل القول بل يمسك عن تأويله ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر انتهى وهو يدل
على تحريم الغش وهو مجمع عليه قوله (وفي الباب عن ابن عمر رضي الله عنه) أخرجه أحمد
والدارمي (وأبي الحمراء) أخرجه ابن ماج وابن عباس وبريرة لينظر من أخرج حديثهما (وأبي بردة
بن نيار) أخرجه أحمد (وحذيفة بن اليمان) لم أقف على حديثه (حديث أبي هريرة حديث حسن
صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري والنسائي
453

باب ما جاء في استقراض البعير أو الشئ من الحيوان
أي غير البعير قوله (استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي من رجل (سنا) أي جملا له سن معين
(فأعطى) وفي نسخة فأعطاه (سنا خير من سنه) أي من سن الرجل الذي استقرض منه قوله (وفي
الباب عن أبي رافع) أخرجه مسلم والترمذي في هذا الباب قوله (حديث أبي هريرة حديث
حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم قوله (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم لم يروا
باستقراض السن بأسا من الإبل وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) قال الحافظ وهو قول أكثر
أهل العلم انتهى وقال النووي في شرح مسلم وفي الحديث جواز اقتراض الحيوان وفيه ثلاثة
مذاهب مذهب الشافعي ومالك وجماهير العلماء من السلف والخلف إنه يجوز قرض جميع
الحيوان إلا الجارية لمن يملك وطيها فإنه لا يجوز ويجوز إقراضها لمن لا يملك وطيها كمحارمها
والمرأة والخنثى والمذهب الثاني مذهب المزني وابن جرير وداود أنه يجوز قرض الجارية وسائر
الحيوان لكل واحد والثالث مذهب أبي حنيفة والكوفيين أنه لا يجوز قرض شئ من الحيوان
وهذه الأحاديث ترد عليهم ولا تقبل دعواهم النسخ بغير دليل انتهى كلام النووي قلت جواز
اقتراض الحيوان هو الراجح يدل عليه أحاديث الباب (وكره بعضهم ذلك) وهو قول الثوري وأبي
حنيفة رحمه الله واحتجوا بحديث النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وهو حديث قد روي عن
ابن عباس مرفوعا أخرجه ابن حبان والدارقطني وغيرهما ورجال إسناده ثقات إلا أن
الحفاظ رجحوا إرساله وأخرجه الترمذي من حديث الحسن عن سمرة وفي سماع الحسن من
سمرة اختلاف وفي الجملة هو حديث صالح للحجة وادعى الطحاوي أنه ناسخ لحديث الباب
وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال والجمع بين الحديثين ممكن فقد جمع بينهما الشافعي وجماعة
بحمل النهي على ما إذا كان نسيئة من الجانبين ويتعين المصير إلى ذلك لأن الجمع بين الحديثين
454

أولى من إلغاء أحدهما باتفاق وإذا كان ذلك المراد من الحديث بقيت الدلالة على جواز استقراض
الحيوان والسلم فيه واعتل من منع بأن الحيوان يختلف اختلافا متباينا حتى لا يوقف على حقيقة
المثلية فيه وأجيب بأنه لا مانع من الإحاطة به بالوصف بما يدفع التغاير وقد جوز الحنفية
التزويج والكتابة على الرقيق الموصوف بالذمة كذا في الفتح
تنبيه قال صاحب العرف الشذي قال أبو حنيفة لا يجوز القرض إلا في المكيل أو
الموزون قال ولنا حديث النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وإن قيل هذا الحديث في البيع لا
القرض يقال إن مناطهما واحد انتهى قلت قد رد هذا الجواب بأن الحنطة لا يباع بعضها ببعض
نسيئة وقرضها جائز فكذلك الحيوان لا يجوز بيع بعضه ببعض نسيئة وقرضه جائز وقد عرفت أن
هذا الحديث محمول على ما إذا كانت النسيئة من الجانبين جمعا بين الأحاديث قال ومحمل حديث
الباب عندي أنه اشترى البعير بثمن مؤجل ثم أعطى إبلا بدل ذا الثمن بغير الراوي بهذا انتهى
كلامه قلت تأويله هذا مردود عليه يرده لفظ استقرض في حديث أبي هريرة المذكور في الباب
قوله (أن رجلا تقاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي طلب منه قضاء الدين وفي رواية للبخاري كان
لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم سن من الإبل فجاءه يتقاضاه ولأحمد عن عبد الرزاق عن سفيان جاء
أعرابي يتقاضى النبي صلى الله عليه وسلم بعيرا (فأغلظ له) أي فعنف له صلى الله عليه وسلم قال النووي الاغلاظ محمول على
التشديد في المطالبة من غير أن يكون هناك قدح فيه ويحتمل أن يكون القائل كافرا من اليهود أو
غيرهم انتهى قال الحافظ والأول أظهر لرواية أحمد أنه كان أعرابيا وكأنه جرى على عادته من
جفاء المخاطبة (فهم به أصحابه) أي أراد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذوه بالقول أو الفعل لكن لم
يفعلوا أدبا مع النبي صلى الله عليه وسلم (دعوه) أي اتركوه ولا تزجروه (فإن لصاحب الحق مقالا) أي صولة
الطلب وقوة الحجة لكن مع مراعاة الأدب المشروع قال ابن الملك المراد بالحق هنا الدين أي
من كان له على غريمه حق فماطله فله أن يشكوه ويرافعه إي الحاكم ويعاتب عليه وهو المراد بالمقال
كذا في شرح المشارق (اشتروا له بعيرا) قال الحافظ وفي رواية عبد الرزاق التمسوا له مثل سن
بعيره (فلم يجدوا إلا سنا أفضل من سنه) لأن بعيره كان صغيرا والموجود كان رباعيا خيارا كما في
455

رواية أبي رافع الآتية (فإن خيركم أحسنكم قضاء) فيه جواز وفاء ما هو أفضل من المثل المقترض
إذا لم تقع شرطية ذلك في العقد فيحرم حينئذ اتفاقا وبه قال الجمهور وعن المالكية تفصيل في
الزيادة إن كانت بالعدد منعت وإن كانت بالوصف جازت قوله (هذا حديث حسن صحيح)
وأخرجه الشيخان قوله (حدثنا روح بن عبادة) ابن العلاء أبو محمد البصري ثقة فاضل له تصانيف
من التاسعة قوله (استسلف) أي استقرض (بكرا) بفتح الباء وسكون الكاف أي شابا من الإبل
قال في النهاية البكر بالفتح الفتى من الإبل بمنزلة الغلام من الناس والأنثى بكرة وقد يستعار
للناس انتهى (فجاءته إبل من الصدقة) أي قطعة إبل من إبل الصدقة (إلا جملا خيارا) قال في
النهاية يقال جمل خيار وناقة خيار أي مختار ومختارة (رباعيا) بفتح الراء وتخفيف الباء الموحدة والياء
المثناة التحتانية وهو من الإبل ما أتى عليه ست سنين ودخل في السابعة حين طلعت رباعيته
(اعطه إياه فإن خيار الناس الخ) قال النووي هذا مما يستشكل فيقال كيف قضى من إبل الصدقة
أجود من الذي يستحقه الغريم مع أن الناظر في الصدقات لا يجوز تبرعه منها والجواب أنه صلى الله عليه وسلم
اقترض لنفسه فلما جاءت إبل الصدقة اشترى منها بعيرا رباعيا ممن استحقه فملكه النبي صلى الله عليه وسلم بثمنه
وأوفاه متبرعا بالزيادة من ماله ويدل على ما ذكرناه رواية أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اشتروا له
سنا فهذا هو الجواب المعتمد وقد قيل في أجوبته غيره منها أن المقترض كان بعض المحتاجين
اقترض لنفسه فأعطاه من الصدقة حين جاءت وأمره بالقضاء انتهى قوله (هذا حديث حسن
صحيح) وأخرجه مسلم وروى ابن ماجة عن عرباض ابن سارية الجملة الأخيرة بلفظ خير الناس خيرهم قضاء
456

باب
قوله (إن الله يحب سمح البيع) بفتح السين وسكون الميم أي سهلا في البيع وجوادا
يتجاوز عن بعض حقه إذا باع قال الحافظ السمح الجواد يقال سمح بكذا إذا جاد والمراد هنا
المساهلة (سمح الشراء سمح القضاء) أي التقاضي لشرف نفسه وحسن خلقه بما ظهر من قطع
علاقة قلبه بالمال قاله المناوي وللنسائي من حديث عثمان رفعه أدخل الله الجنة رجلا كان
سهلا مشتريا وبايعا وقاضيا ومقتضيا ولأحمد من حديث عبد الله بن عمرو ونحوه قوله (هذا
حديث غريب) وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح قال المناوي في شرح الجامع الصغير
وأقروه قوله (غفر الله لرجل كان قبلكم كان سهلا الخ) قال المناوي فيه حث لنا على التأسي
بذلك لعل الله أن يغفر لنا (إذا اقتضى) أي إذا طلب دينا له على غريم يطلبه بالرفق واللطف لا
بالخرق والعنف قوله (هذا حديث غريب صحيح حسن من هذا الوجه) ورواه أحمد والبيهقي
قال المناوي في شرح الجامع الصغير ذكر الترمذي أنه سئل عنه البخاري فقال حسن انتهى
ورواه البخاري في صحيحه من طريق علي بن عياش عن محمد بن مطرف عن محمد بن المنكدر
عن جابر بلفظ رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى
457

باب النهي عن البيع في المسجد
قوله (وإذا رأيتم من يبيع أو يبتاع) أي يشتري قال القاري حذف المفعول يدل على
العموم فيشمل ثوب الكعبة والمصاحف والكتب والسبح (فقولوا) أي لكل منهما باللسان جهرا أو
بالقلب سرا قاله القاري قلت الظاهر أن يكون القول باللسان جهرا ويدل عليه حديث بريدة
الآتي (لا أربح الله تجارتك) دعاه عليه أي لا جعل الله تجارتك ذات ربح ونفع ولو قال لهما معا لا
أربح الله تجارتكما جاز لحصول المقصود (وإذا رأيتم من ينشد) بوزن يطلب ومعناه أي يطلب برفع
الصوت (فيه) أي في المسجد (ضالة) قال في النهاية الضالة هي الضائعة من كل ما يقتني من
الحيوان وغيره يقال ضل الشئ إذا ضاع وضل عن الطريق إذا حار وهي في الأصل فاعلة ثم
اتسع فيها فصارت من الصفات الغالبة وتقع على الذكر والأنثى والاثنين والجمع وتجمع على
ضوال انتهى (فقولوا لا ردها الله عليك) وروى مسلم عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ من سمع
رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليه لأن المساجد لم تبن لهذا وعن بريدة أن
رجلا نشد في المسجد فقال من دعا إلى الجمل الأحمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا وجدت إنما
بنيت المساجد لما بنيت له قال النووي في هذين الحديثين فوائد منها النهي عن نشد الضالة في المسجد ويلحق به
ما في معناه من البيع والشراء والإجارة ونحوها من العقود وكراهة رفع الصوت فيه
قال القاضي قال مالك وجماعة من العلماء يكره رفع الصوت في المسجد بالعلم وغيره وأجاز أبو حنيفة
ومحمد بن مسلمة من أصحاب مالك رفع الصوت فيه بالعلم والخصومة وغير ذلك مما يحتاج إليه
الناس لأنه مجمعهم ولا بدلهم منه انتهى قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن غريب)
وأخرجه الدارمي وأحمد والنسائي في اليوم والليلة وابن خزيمة والحاكم وقال صحيح على شرط
458

مسلم ذكره ميرك وقد عرفت أن مسلما قد أخرج الشطر الثاني من هذا الحديث قوله (والعمل
على هذا عند بعض أهل العلم كرهوا البيع والشراء في المسجد) وهو الحق لأحاديث الباب
(وقد رخص بعض أهل العلم في البيع والشراء في المسجد) لم أقف على دليل يدل على
الرخصة وأحاديث الباب حجة على من رخص
459

كتاب الأحكام
قال الحافظ في الفتح الأحكام جمع حكم والمراد بيان آدابه وشروطه وكذا الحاكم ويتناول
لفظ الحاكم الخليفة والقاضي والحكم الشرعي عند الأصوليين خطاب الله المتعلق بأفعال
المكلفين بالاقتضاء أو التخيير ومادة الحكم من الأحكام وهو الإتقان بالشئ ومنعه من العيب
باب ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القاضي
قوله (فاقض بين الناس) أي اقبل القضاء بينهم (قال أو تعافيني) بالواو بعد الهمزة
والمعطوف عليه محذوف أي اترحم علي وتعافيني (من ذلك) أي القضاء (فبالحري) بكسر الراء
وتشديد الياء قال في النهاية فلان حرى بكذا وحري بكذا أو بالحري أن يكون كذا أي جدير
وخليق والمثقل يثني ويجمع ويؤنث تقول حريان وحريون وحرية والمخفف يقع على الواحد والاثنين
والجمع والمذكر والمؤنث على حالة واحدة لأنه مصدر (أن ينقلب منه كفافا) قال في النهاية في حديث
460

عمر وددت أني سلمت من الخلافة كفافا لا علي ولا لي الكفاف هو الذي لا يفضل عن الشئ ويكون
بقدر الحاجة إليه وهو نصب على الحال وقيل أراد به مكفوفا عنى شرها انتهى قال الطيبي يعني
أن من تولى القضاء واجتهد في تحري الحق واستفرغ جحده فيه حقيق أن لا يثاب ولا يعاقب فإذا كان كذلك
فأي فائدة في توليه وفي معناه أنشد على أنثى راض بأن أحمل الهوى وأخلص منه لا علي ولا لي
قال والحري إن كان اسم فاعل يكون مبتدأ خبره أن ينقلب والباء زائدة نحو بحسبك درهم أي
الخليق والجدير كونه منقلبا منه كفافا وإن جعلته مصدرا فهو خبر والمبتدأ ما بعده والباء متعلق
بمحذوف أي كونه منقلبا ثابت بالاستحقاق (فما أرجو) أي فأي شئ أرجو (بعد ذلك) أي بعد ما
سمعت هذا الحديث وفي المشكاة فما راجعه بعد ذلك أي فما رد عثمان الكلام على ابن عمر
(وفي الحديث قصة) في الترغيب عن عبد الله بن موهب أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال لابن
عمر اذهب فكن قاضيا قال أو تعفيني يا أمير المؤمنين قال اذهب فاقض بين الناس قال
تعفيني يا أمير المؤمنين قال عزمت عليك إلا ذهبت فقضيت قال لا تعجل سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من عاذ بالله فقد عاد بمعاذ قال نعم قال فإني أعوذ بالله أن أكون
قاضيا قال وما يمنعك وقد كان أبوك يقضي قال لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من
كان قاضيا فقضى بالجهل كان من أهل النار ومن كان قاضيا فقضى بالجور كان من أهل النار ومن
كان قاضيا فقضى بحق أو بعدل سأل التفلت كفافا فما أرجو منه بعد ذلك رواه أبو يعلو ابن
حبان في صحيحه وللترمذي باختصار عنهما وقال حديث غريب وليس إسناده عند بمتصل وهو
كما قال فإن عبد الله بن موهب لم يسمع من عثمان رضي الله تعالى عنه انتهى ما في الترغيب
قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) له في هذا الباب أحاديث ذكرها المنذري في الترغيب
قوله (حديث ابن عمر حديث غريب) وأخرجه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه مطولا كما عرفت
(وليس إسناده عندي بمتصل) فإن عبد الله بن موهب لم يسمع من عثمان رضي الله عنه كما عرفت
في كلام المنذري وعبد الملك الذي روى عنه المعتمر هذا هو عبد الملك بن أبي جميلة) قال في
التقريب مجهول وقال في تهذيب التهذيب ذكره ابن حبان في الثقات روى له الترمذي حديثا
461

واحدا في القضاء وله في صحيح ابن حبان آخر انتهى (وكل إلى نفسه) بضم واو ف كاف مخفقة
مكسورة أي فوض إلى نفسه ولا يعان من الله (ومن جبر) بصيغة المجهول وفي بعض النسخ أجبر
(فيسدده) أي يحمله على السداد والصواب
قوله (عن بلال بن مرداس) بكسر الميم وسكون الراء قال الحافظ ويقال ابن أبي موسى
الفزاري مقبول من السابعة (عن خيثمة) هو ابن أبي خيثمة البصري أبو نصر لين الحديث من
الرابعة قوله (من ابتغى) أي طلب في نفسه (ومن أكره) أي أجبر قوله (وهو أصح من
حديث إسرائيل عن عبد الأعلى) أي حديث أبي عوانة عن عبد الأعلى بذكر خيثمة أصح من
حديث إسرائيل عن عبد الأعلى بغير ذكر خيثمة قال الحافظ وطريق خيثمة أخرجه أبو داود
الترمذي والحاكم انتهى (من ولى القضاء) بصيغة المجهول من التولية (أو) للشك من الراوي
(جعل قاضيا) بصيغة المجهول أي جعله السلطان قاضيا (فقد ذبح) بصيغة المجهول (بغير
سكين) قال ابن الصلاح المراد ذبح من حيث المعنى لأنه بين عذاب الدنيا إن رشد وبين عذاب
الآخرة إن فسد وقال الخطابي ومن تبعه إنما عدل عن الذبح بالسكين ليعلم أن المراد ما يخاف من
هلاك دينه دون بدنه وهذا أحد الوجهين والثاني أن الذبح بالسكين فيه إراحة للمذبوح وبغير
السكين كالخنق وغيره يكون الألم فيه أكثر فذكر ليكون أبلغ في التحذير ومن الناس من فتن بمحبة
القضاء فأخرجه عما يتبادر إليه الفهم من سياقه فقال إنما قال ذبح بغير سكين ليشير إلى الرفق به
ولو ذبح بالسكين لكان أشق عليه ولا يخفى فساد هذا كذا في التلخيص قوله (هذا حديث
حسن غريب من هذا الوجه) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم والبيهقي قال الحافظ
462

وله طرق وأعله ابن الجوزي فقال هذا حديث لا يصح وليس كما قال وكفاه قوة تخريج النسائي
له وذكر الدارقطني الخلاف فيه على سعيد المقبري قال والمحفوظ عن سعيد المقبري عن
أبي هريرة انتهى
باب ما جاء في القاضي يصيب ويخطئ
قوله (فاجتهد) عطف على الشرط على تأويل أراد الحكم (فأصاب) عطف على فاجتهد
أي وقع اجتهاده موافقا لحكم الله (فله أجران) أي أجر الإجتهاد وأجر الإصابة والجملة جزاء
الشرط (فأخطأ فله أجر واحد) قال الخطابي إنما يؤجر المخطئ على اجتهاده في طلب الحق
لأن اجتهاده عبادة ولا يؤجر على الخطأ بل يوضع عنه الإثم وهذا فيمن كان جامعا لالة
الاجتهاد عارفا بالأصول عالما بوجوه القياس فأما من لم يكن محلا للاجتهاد فهو متكلف
ولا يعذر بالخطأ بل يخاف عليه الوزر ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم القضاء ثلاثة
واحد في الجنة واثنان في النار وهذا إنما هو في الفروع المحتملة للوجوه المختلفة دون الأصول التي
هي أركان الشريعة وأمهات الأحكام التي لا تحتمل الوجوه ولا مدخل فيها للتأويل فإن من
أخطأ فيها كان غير معذور في الخطأ وكان حكمه في ذلك مردودا كذا في المرقاة قوله (وفي
الباب عن عمرو بن العاص) أخرجه الشيخان (وعقبة بن عامر) أخرجه الحاكم والدارقطني
قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن غريب الخ) وأخرجه الشيخان عن عبد الله ابن عمرو
وأبي هريرة
463

باب ما جاء في القاضي كيف يقضي
قوله (عن أبي عون) اسمه محمد بن عبيد الله الثقفي الكوفي ثقة من الرابعة (عن
الحارث بن عمرو) هو ابن أخ للمغيرة بن شعبة الثقفي ويقال ابن عون مجهول من السادسة
كذا في التقريب وفي الميزان ما روي عن الحارث غير أبي عون وهو مجهول (قال اجتهد رأيي)
قال ابن الأثير في النهاية الإجتهاد بذل الوسع في طلب الأمر وهو افتعال من الجهد الطاقة
والمراد به رد القضية التي تعرض للحاكم من طريق القياس إلى الكتاب والسنة ولم يرد الرأي
الذي يراه من قبل نفسه عن غير حمل على كتاب وسنة انتهى وقال الطيبي قوله اجتهد رأيي
المبالغة قائمة في جوهر اللفظ وبناؤه للافتعال للاعتمال والسعي وبذل الوسع قال الراغب
الجهد الطاقة والمثقة والاجتهاد أخذ النفس ببذل الطاقة وتحمل المشقة يقال جهدت رأيي
واجتهدت اتعبته بالفكر قال الخطابي لم يرد به الرأي الذي يسنح له من قبل نفسه أو يخطر بباله
على غير أصل من كتاب وسنة بل أراد رد القضية إلى معنى الكتاب والسنة من طريق
القياس وفي هذا إثبات للحكم بالقياس كذا في المرقاة (الحمد لله
الذي وفق رسول
رسول الله) زاد في رواية أبي داود لما يرضي رسول الله قوله (عن أناس من أهل حمص) بكسر
الحاء المهملة وسكون الميم كورة بالشام قوله (هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه)
464

وأخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني قال الحافظ في التلخيص قال البخاري في تاريخه
الحارث بن عمرو عن أصحاب معاذ وعنه أبو عون لا يصح ولا يعرف إلا بهذا وقال الدارقطني
في العلل رواه شعبة عن أبي عون هكذا وأرسله ابن مهدي وجماعة عنه والمرسل أصح قال أبو
داود أكثر ما كان يحدثنا شعبة عن أصحاب معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال مرة عن معاذ وقال
ابن حزم لا يصح لأن الحارث مجهول وشيوخه لا يعرفون قال وادعى بعضهم فيه التواتر وهذا
كذب بل هو ضد التواتر لأنه ما رواه أحد غير أبي عون عن الحارث فكيف يكون متواترا
وقال عبد الحق لا يسند ولا يوجد من وجه صحيح وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية لا
يصح وإن كان الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم ويعتمدون عليه وإن كان معناه صحيحا وقال
ابن طاهر في تصنيف له مفرد في الكلام على هذا الحديث اعلم أنني فحصت
عن هذا الحديث في المسانيد الكبار والصغار وسألت عنه من لقيته من أهل العلم
بالنقل فلم أجد له غير طريقين أحدهما طريق شعبة والأخرى عن محمد بن جابر
عن أشعث بن أبي الشعثاء عن رجل من ثقيف عن معاذ وكلاهما لا يصح انتهى وقال الحافظ
ابن القيم في أعلام الموقعين بعد ذكر حديث معاذ رضي الله عنه هذا ما لفظه هذا حديث
وإن كان عن غير مسمين فهم أصحاب معاذ فلا يضره ذلك لأنه يدل على شهرة الحديث وأن
الذي حدث به الحارث بن عمرو عن جماعة من أصحاب معاذ لا واحد منهم وهذا أبلغ في
الشهرة من أن يكون عن واحد منهم لو سمي كيف وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدين
والفضل والصدق بالمحل الذي لا يخفى ولا يعرف في أصحابه متهم ولا كذاب ولا مجروح بل
أصحابه من أفاضل المسلمين وخيارهم لا يشك أهل العلم بالنقل في ذلك كيف وشعبة حامل
لواء هذا الحديث وقد قال بعض أئمة الحديث إذا رأيت شعبة في إسناد حديث فاشدد يديك
به قال أبو بكر الخطيب وقد قيل إن عبادة بن نسي رواه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ
وهذا إسناد متصل ورجاله معروفون بالثقة على أن أهل العلم قد نقلوه واحتجوا به فوقفنا بذلك
على صحته عندهم كما وقفنا على صحة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا وصية لوارث وقوله في البحر
هو الطهور ماؤه والحل ميتته وقوله إذا اختلف المتبايعان في الثمن والسلعة قائمة تحالفا وتراد
البيع وقوله الدية على العاقلة وإن كانت هذه الأحاديث لا تثبت من جهة الاسناد
ولكن لما نقلها الكافة عن الكافة غنوا بصحتها عندهم عن طلب الاسناد لها فكذلك حديث
معاذ لما احتجوا به جميعا غنوا عن طلب الاسناد انتهى كلامه وقد جوز النبي صلى الله عليه وسلم للحاكم أن
يجتهد رأيه وجعل له على خطئه في اجتهاد الرأي أجرا واحدا إذا كان قصده معرفة الحق
وأتباعه وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهدون في النوازل ويقيسون
465

بعض الأحكام على بعض ويعتبرون النظير بنظيره ثم بسط ابن القيم في ذكر اجتهادات الصحابة رضي الله عنهم
قال وقد اجتهد الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحكام ولم يغنهم كما أمرهم يوم
الأحزاب أن يصلوا العصر في بني قريظة فاجتهد بعضهم وصلاها في الطريق وقال لم يرد منا التأخير
وإنما أراد سرعة النهوض فنظروا إلى المعنى واجتهد آخرون وأخروها إلى بني قريظة
فصلوها ليلا نظروا إلى اللفظ وهؤلاء سلف أهل الظاهر وأولئك سلف أصحاب المعاني
والقياس وقال في آخر كلامه قال المزني الفقهاء من عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا وهلم
جرا استعملوا المقاييس في الفقه في جميع الأحكام في أمر دينهم قال وأجمعوا بأن نظير الحق
حق ونظير الباطل باطل فلا يجوز لأحد إنكار القياس لأنه التشبيه بالأمور والتمثيل عليها انتهى ما في
الأحكام قلت الأمر كما قال ابن القيم لكن ما قال في تصحيح حديث الباب ففيه عندي كلام
باب ما جاء في الإمام العادل
قوله (عن عطية) ابن سعد بن جنادة العوفي الجدلي أبي الحسن الكوفي ضعفه الثوري
وهشيم وابن عدي وحسن له الترمذي أحاديث كذا في الخلاصة وقال في التقريب صدوق
يخطئ كثيرا كان شيعيا مدلسا انتهى وقال في الميزان تابعي شهير ضعيف قال أبو حاتم يكتب
حديثه ضعيف وقال ابن معين صالح وقال أحمد ضعيف الحديث وقال النسائي وجماعة
ضعيف انتهى مختصرا (عن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه قوله (إن أحب الناس) أي
أكثرهم محبوبية قاله القاري وقال المناوي أي أسعدهم بمحبته (وأدناهم) أي أقربهم (منه مجلسا) أي
مكانة ومرتبة قاله القاري وقال المناوي أي أقربهم
من محل كرامته وأرفعهم عنده منزلة (إمام
جائر) أي ظالم قوله (وفي الباب عن ابن أبي أوفى) أخرجه الترمذي في هذا الباب قوله
(حديث أبي سعيد حديث حسن غريب) في سنده عطية العوفي وقد عرفت حاله قوله (حدثنا
466

عمرو بن عاصم) القيسي أبو عثمان البصري صدوق في حفظه شئ من صغار التاسعة
(حدثنا عمران القطان) هو ابن داود بفتح الواو بعدها راء أبو العوام صدوق يهم ورمي
برأي الخوارج من السابعة قوله (عن ابن أبي أوفى) هو عبد الله بن أبي أوفى واسم أبي أوفى
علقمة بن قيس الأسلمي شهد الحديبية وخيبر وما بعدهما من المشاهد ولم يزل بالمدينة حتى قبض
النبي صلى الله عليه وسلم ثم تحول إلى الكوفة وهو آخر من مات من الصحابة بالكوفة سنة سبع وثمانين ووهم
القاري في شرح المشكاة فقال هو عبد الله بن أنيس الجهني الأنصاري قوله (الله) وفي بعض
النسخ إن الله (مع القاضي) أي بالنصرة والإعانة (ما لم يجر) بضم الجيم أي ما لم يظلم (تخلى
عنه) أي خذله وترك عونه (ولزمه الشيطان) لا ينفك عن إضلاله قوله (هذا حديث حسن
غريب) وأخرجه الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى قال المناوي في شرح الجامع
الصغير قال الحاكم صحيح وأقروه انتهى وفي الباب عن ابن مسعود مرفوعا بلفظ إن الله
مع القاضي ما لم يحف عمدا أخرجه الطبراني قال المناوي ضعيف لضعف جعفر بن سليمان
القاري انتهى
باب ما جاء في القاضي لا يقضي بين الخصمين حتى يسمع كلامهما
قوله (عن حنش) بفتح الحاء المهملة والنون الخفيفة هو ابن المعتمر الكناني الكوفي
صاحب علي قال الحافظ صدوق له أوهام (إذا تقاضى إليك رجلان) أي ترافع إليك خصمان
(فلا تقض للأول) أي من الخصمين وهو المدعي (حتى تسمع كلام الاخر) قال الخطابي فيه
467

دليل على أن الحاكم لا يقضي على غائب وذلك أنه صلى الله عليه وسلم إذا منعه من أن يقضي لأحد الخصمين
وهما حاضران حتى يسمع كلام الاخر ففي الغائب أولى بالمنع وذلك مكان أن يكون مع
الغائب حجة تبطل دعوى الاخر وتدحض حجته قال الأشرف لعل مراد الخطابي بهذا
الغائب الغائب عن محل الحكم فحسب دون الغائب إلى مسافة القصر فإن القضاء على الغائب إلى
مسافة القصر جائز عند الشافعي كذا في المرقاة (فسوف تدري كيف تقضي) وفي رواية أبي داود
فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء (فما زلت قاضيا بعد) أي بعد دعائه وتعليمه صلى الله عليه وسلم والحديث
رواه الترمذي هكذا مختصرا ورواه ابن ماجة هكذا بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت
يا رسول الله بعثتني وأنا شاب أقضي بينهم ولا أدري ما القضاء قال فضرب بيده في صدري ثم
قال اللهم اهد قلبه وثبت لسانه قال فما شككت بعد في قضاء بين اثنين ورواه أبو داود نحو
ذلك قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أبو داود وابن ماجة ونقل المنذري تحسين الترمذي
وأقره
باب ما جاء في إمام الرعية
قوله (قال عمرو بن مرة) في التقريب عمرو بن مرة الجهني أبو طلحة أو أبو مريم
صحابي مات بالشام في خلافة معاوية انتهى وقال صاحب المشكاة عمرو بن مرة يكنى أبا مريم
الجهني وقيل الأزدي شهد أكثر المشاهد انتهى قوله (وما من إمام يغلق بابه دون ذوي الحاجة
والخلة والمسكنة) أي يحتجب ويمتنع من الخروج عند احتياجهم إليه والخلة بفتح الخاء المعجمة
وتشديد اللام الحاجة والفقر فالحاجة والخلة والمسكنة ألفاظ متقاربة وإنما ذكرها للتأكيد
والمبالغة (إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته) أي أبعده ومنعه عما يبتغيه
من الأمور الدينية أو الدنيوية فلا يجد سبيلا إلى حاجة من حاجاته الضرورية قال القاضي
المراد باحتجاب الوالي أن يمنع أرباب الحوائج والمهمات أن يدخلوا عليه فيعرضوها له ويعسر
عليهم إنهاوها واحتجاب الله تعالى أن لا يجيب دعوته ويخيب آماله انتهى
468

قوله (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه الشيخان عنه مرفوعا بلفظ كلكم راع
الحديث قوله (حديث عمر بن مرة حديث غريب) وأخرجه أحمد والحاكم والبزار قوله
(عن القاسم بن مخيمرة) بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وسكون التحتية وكسر الميم (عن أبي
مريم) هو عمرو بن مرة المذكور (نحو هذا الحديث بمعناه) أخرجه أبو داود قال الحافظ في الفتح
إن سنده جيد
باب ما جاء لا يقضي القاضي وهو غضبان
قوله (وهو قاض) أي بسجستان كما في رواية مسلم (لا يحكم الحاكم بين اثنين) أي
متخاصمين (وهو غضبان) بلا تنوين أي في حالة الغضب لأنه لا يقدر على الاجتهاد والفكر في
مسألتهما قال ابن دقيق العيد النهي عن الحكم حالة الغضب لما يحصل بسببه من التغير الذي
يختل به النظر فلا يحصل استيفاء الحكم على الوجه قال وعداه الفقهاء بهذا المعنى إلى كل ما
يحصل به تغير الفكر كالجوع والعطش المفرطين وغلبة النعاس وسائر ما يتعلق به القلب تعلقا
بشغله عن استيفاء النظر وهو قياس مظنة على مظنة وقد أخرج البيهقي بسند ضعيف عن أبي
سعيد رفعه لا يقضي القاضي إلا هو شبعان ريان وسبب ضعفه أن في إسناده القاسم
العمرى وهو متهم بالوضع وظاهر النهي التحريم ولا موجب لصرفه عن معناه الحقيقي إلى
469

الكراهة فلو خالف الحاكم فحكم في حال الغضب فذهب الجمهور إلى أنه يصح إن صادف
الحق لأنه صلى الله عليه وسلم قضى للزبير في حال الغضب كما في حديث عبد الله بن الزبير عن أبيه فكأنهم
جعلوا ذلك قرينة صارفة للنهي إلى الكراهة قال الشوكاني ولا يخفى أنه لا يصح إلحاق غيره
صلى الله عليه وسلم به في مثل ذلك لأنه معصوم عن الحكم بالباطل في رضائه وغضبه بخلاف غيره فلا
عصمة تمنعه عن الخطأ ولهذا ذهب بعضهم إلى أنه لا ينفذ الحكم في حال الغضب لثبوت النهي
عنه والنهي يقتضي الفساد وفصل بعضهم بين أن يكون الغضب طرأ عليه بعد أن استبان له
الحكم فلا يؤثر وإلا فهو محل الخلاف قال الحافظ ابن حجر وهو تفصيل معتبر
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان (وأبو بكرة اسمه نفيع) بضم
النون وفتح الفاء مصغرا صحابي مشهور بكنيته
باب ما جاء في هدايا الأمراء
قوله (في أثرى) بفتحتين وبكسر وسكون أي عقبي (فرددت) بصيغة المجهول من الرد
أي فرجعت إليه ووقفت بين يديه (قال لا تصيبن شيئا) فيه إضمار تقديره بعثت إليك لأوصيك
وأقول لك لا تصيبن أي لا تأخذن (فإنه غلول) أي خيانة والغلول هو الخيانة في الغنيمة (ومن
يغلل يأت بما غل يوم القيامة) قال الطيبي أراد بما غل ما ذكره في قوله صلى الله عليه وسلم لا ألفين أحدكم يجئ
يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء الحديث (لهذا) أي لأجل هذا النصح (وامض) أي أذهب وفي
بعض النسخ فامض بالفاء قوله (وفي الباب عن عدي بن عميرة) بفتح العين المهملة وكسر
الميم أخرجه مسلم وأبو داود (وبريدة) أخرجه أبو داود والحاكم (والمستوردين بن شداد) بتشديد
الدال الأولى أخرجه أبو داود (وأبي حميد) أخرجه البيهقي وابن عدي قال الحافظ إسناده ضعيف
470

(وابن عمر رضي الله عنه) لينظر من أخرجه قوله (حديث معاذ حديث حسن غريب الخ) ذكر
الحافظ هذا الحديث في الفتح وعزاه إلى الترمذي وسكت عنه
باب ما جاء في الراشي والمرتشي في الحكم
الراشي هو دافع الرشوة والمرتشي آخذها قوله (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي في
الحكم) زاد في حديث ثوبان والرائش يعني الذي يمشي بينهما رواه أحمد قال ابن الأثير في النهاية
الرشوة والرشوة الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة وأصله من الرشا الذي يتوصل به إلى الماء فالراشي من
يعطي الذي يعينه على الباطل والمرتشي الاخذ والرائش الذي يسعى بينهما يستزيد لهذا أو
يستنقص لهذا فأما ما يعطى توصلا إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه روى أن ابن
مسعود أخذ بأرض الحبشة في شئ فأعطى دينارين حتى خلى سبيله وروى عن جماعة من أئمة
التابعين قالوا لا بأس أن يصان الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم انتهى كلام ابن الأثير
وفي المرقاة شرح المشكاة قيل الرشوة ما يعطى لإبطال حق أو لإحقاق باطل أما إذا أعطى
ليتوصل به إلى حق أو ليدفع به عن نفسه ظلما فلا بأس به وكذا الاخذ إذا أخذ ليسعى في إصابة
صاحب الحق فلا بأس به لكن هذا ينبغي أن يكون في غير القضاة والولاة لأن السعي في إصابة
الحق إلى مستحقه ودفع الظلم عن المظلوم واجب عليهم فلا يجوز لهم الأخذ عليه قال القاري
كذا ذكره ابن الملك وهو مأخوذ من كلام الخطابي إلا قوله وكذا الاخذ وهو بظاهره ينافيه
حديث أبي أمامة مرفوعا من شفع لأحد شفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتى بابا عظيما
من أبواب الربا رواه أبو داود انتهى قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو) أخرجه الترمذي
وصححه وأبو داود وابن ماجة قال الشوكاني في النيل إسناده لا مطعن فيه (وعائشة الخ) قال
الحافظ في التلخيص مخرجا أحاديث الباب أما حديث عائشة وأم سلمة فينظر من أخرجهما
(وابن حديدة) كذا في أكثر النسخ قال في أسد الغابة عن أبي نعيم وابن مندة أنه الصواب قال
471

وقيل أبو حديدة انتهى بالمعنى وفي بعضها ابن حيدة وفي أبي حديد كذا في بعض الحواشي
قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان وصححه قال
الشوكاني قد عزاه الحافظ في بلوغ المرام إلى أحمد والأربعة وهو وهم فإنه ليس في سنن أبي داود غير
حديث ابن عمرو ووهم أيضا بعض الشراح فقال إن أبا داود زاد في روايته لحديث ابن عمرو
لفظ في الحكم وليست تلك الزيادة عند أبي داود قال ابن رسلان في شرح السنن وزاد الترمذي
والطبراني بإسناد جيد في الحكم انتهى قلت الأمر كما قال الشوكاني قوله (وسمعت
عبد الله بن عبد الرحمن) هو عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام السمرقندي أبو محمد
الدارمي الحافظ صاحب المسند ثقة فاضل متقن مات سنة خمس وخمسين ومائتين قوله (هذا
حديث حسن صحيح) تقدم تخريجه
باب ما جاء في قبول الهدية وإجابة الدعوة
قوله (لو أهدي إلى كراع) بضم الكاف وفتح الراء المخففة هو مستدق الساق من الرجل
ومن حد الرسغ من اليد وهو من الغنم والبقر بمنزلة الوظيف من الفرس والبعير وقيل الكراع ما
دون الكعب من الدواب وقال ابن فارس كراع كل شئ طرفه كذا في الفتح (ولو دعيت عليه)
أي على الكراع ووقع في حديث أبي هريرة عند البخاري لو دعيت إلى كراع لأجبت قال
472

الحافظ في الفتح وقد زعم بعض الشراح وكذا وقع للغزالي أن المراد بالكراع في هذا الحديث
المكان المعروف بكراع الغميم وهو موضع بين مكة والمدينة وزعم أنه أطلق ذلك على سبيل
المبالغة في الإجابة ولو بعد المكان لكان المبالغة في الإجابة مع حقارة الشئ أوضح ولهذا ذهب
الجمهور إلى أن المراد بالكراع هنا كراع الشاة وأغرب الغزالي في الإحياء فذكر الحديث بلفظ
ولو دعيت إلى كراع الغميم ولا أصل لهذه الزيادة انتهى قلت لفظ الترمذي ولو دعيت عليه
لأجبت يرد على من قال إن المراد بالكراع كراع الغميم وفي الحديث دليل على حسن خلقه صلى الله عليه وسلم
وتواضعه وجبره لقلوب الناس وعلى قبول الهدية وإجابة من يدعو الرجل إلى منزله ولو علم أن
الذي يدعوه إليه شئ قليل قوله (وفي الباب عن علي وعائشة والمغيرة بن شعبة وسلمان
ومعاوية بن حيدة وعبد الرحمن بن علقمة) قال في التلخيص أخرج أحمد والبزار عن علي رضي
الله عنه أن كسرى أهدى النبي صلى الله عليه وسلم هدية فقبل منه وأن الملوك أهدوا إليه فقبل منهم وفي
النسائي عن عبد الرحمن بن علقمة الثقفي قال لما قدم وفد ثقيف قدموا معهم بهدية فقال النبي
صلى الله عليه وسلم أهدية أم صدقة الحديث وفيه قالوا لا بل هدية فقبلها وللبخاري عن عائشة كان
ر سول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى بطعام سأل أهدية أم صدقة فإن قيل صدقة قال لأصحابه كلوا وإن قيل
هدية فضرب بيده فأكل معهم قال الحافظ والأحاديث في ذلك شهيرة قوله (حديث أنس
حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري من حديث أبي هريرة بلفظ لو دعيت إلى كراع لأجبت
ولو أهدى إلي ذراع لقبلت
باب ما جاء في التشديد على من يقضى له بشئ ليس له أن يأخذه
قوله (إنكم تختصمون إلي) أي ترمون المخاصمة إلي (وإنما أنا بشر) أي كواحد من البشر
473

في عدم علم الغيب قال النووي معناه التنبيه على حالة البشرية وأن البشر لا يعلمون عن
الغيب وبواطن الأمور شيئا إلا أن يطلعهم الله تعالى على شئ من ذلك وأنه يجوز عليه
في أمور الأحكام ما يجوز عليهم وأنه إنما يحكم بين الناس بالظاهر ولا يتولى السرائر
فيحكم بالبينة وباليمين ونحو ذلك من أحكام الظاهر مع إمكان كونه في الباطن خلاف ذلك ولو
شاء الله لأطلعه على باطن أمر الخصمين فحكم بيقين نفسه من غير حاجة إلى شهادة أو يمين لكن
لما أمر الله تعالى أمته باتباعه والاقتداء فأقواله وأفعاله وأحكامه أجرى له حكمهم في عدم
الاطلاع على باطن الأمور ليكون حكم الأمة في ذلك حكمه فأجرى الله تعالى أحكامه على
الظاهر الذي يستوي فيه هو وغيره ليصح الاقتداء به انتهى (ولعل بعضكم أن يكون ألحن
بحجته من بعض) وفي رواية للبخاري ومسلم ولعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض قال
الحافظ ألحن بمعنى أبلغ لأنه من لحن بمعنى فطن وزنه ومعناه والمراد أنه إذا كان أفطن كان قادرا
على أن يكون أبلغ في حجته من الاخر انتهى (فإنما أقطع له من النار) وفي بعض النسخ قطعة من
النار أي الذي قضيت له بحسب الظاهر إذا كان في الباطن لا يستحقه فهو عليه حرام يؤول به إلى
النار وقوله قطعة من النار تمثيل يفهم منه شدة التعذيب على من يتعاطاه فهو من مجاز التشبيه
كقوله تعالى إنما يأكلون في بطونهم نارا قال النووي في هذا الحديث دلالة لمذهب مالك
والشافعي وأحمد وجماهير علماء الإسلام وفقهاء الأمصار من الصحابة والتابعين فمن بعدهم أن
حكم الحاكم لا يحل الباطل ولا يحل حراما فإذا شهد شاهدا زور لإنسان بمال فحكم به
الحاكم لم يحل للمحكوم له من ذلك المال ولو شهدا عليه بقتل لم يحل للولي قتله مع علمه
بكذبهما وإن شهد بالزور أنه طلق امرأته لم يحل لمن علم بكذبهما أن يتزوجها بعد حكم القاضي
بالطلاق وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه يحل حكم الحاكم الفروج دون الأموال فقال
نحل نكاح المذكورة وهذا مخالف لهذا الحديث الصحيح وإجماع من قبله ومخالف لقاعدة وافق
هو وغيره عليها وهي أن الأبضاع أولى بالاحتياط من الأموال انتهى قوله (وفي الباب عن أبي
هريرة) أخرجه ابن ماجة بنحو حديث الباب (وعائشة) لينظر
من أخرجه قوله (حديث أم
سلمة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة وله ألفاظ
474

باب ما جاء في أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه
قوله (عن أبيه) هو وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه (جاء رجل من حضرموت) بفتح
الحاء المهملة وسكون الضاد وفتح الميم وسكون الواو وآخره مثناة فوقية وهو موضع من أقصى
اليمن (ورجل من كندة) بكسر فسكون أبو قبيلة من اليمن (غلبني على أرض لي) أي بالغصب
والتعدي (هي أرضي) أي ملك لي (وفي يدي) أي وتحت تصرفي (إن الرجل) أي الكندي (فاجر)
أي كاذب (إلا ذلك) أي ما ذكر من اليمين (لما أدبر) أي حين ولي على قصد الخلف
(على ماله) أي على مال الحضرمي (ليلقين الله) بالنصب (وهو) أي الله (عنه) أي الكندي (معرض) قال الطيبي
هو مجاز عن الاستهانة به والسخط عليه والإبعاد عن رحمته نحو قوله تعالى لا يكلمهم الله
ولا ينظر إليهم قوله (وفي الباب عن ابن عمر) لينظر من أخرجه (وابن عباس) أخرجه مسلم
مرفوعا لو يعطي الناس بدعواهم لادعى الناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى
عليه وفي رواية البيهقي لكن البينة على المدعى واليمين على من أنكر وإسناده
حسن أو
صحيح على ما قال النووي في شرح مسلم (وعبد الله ابن عمرو) أخرجه الترمذي (والأشعث بن
قيس) أخرجه أبو داود وابن ماجة قوله (حديث وائل بن حجر حديث حسن صحيح) وأخرجه
475

مسلم قوله (البينة على المدعي) وهو من يخالف الظاهر أو من لو سلكت لخلى قوله (واليمين
على المدعى عليه) لأن جانب المدعي ضعيف فكلف حجة قوية وهي البينة وجانب المدعى
عليه قوي فقنع منه بحجة ضعيفة وهي اليمين قوله (ومحمد بن عبيد الله العرزمي) بعين
مهملة مفتوحة فراء ساكنة فزاي مفتوحة أبي عبد الرحمن الكوفي (يضعف في الحديث) قال
الحافظ في التقريب متروك انتهى وقال الذهبي في الميزان قال أحمد بن حنبل ترك الناس
حديثه وقال ابن معين لا يكتب حديثه وقال الفلاس متروك قال الذهبي هو من شيوخ
شعبة المجمع على ضعفه ولكن كان من عباد الله الصالحين مات سنة خمس وخمسين ومائة
انتهى قوله (قضى أن اليمين على المدعى عليه) أي المنكر ولم يذكر في هذا الحديث أن
البينة على المدعى لأنه ثابت مقرر في الشرع فكأنه قال البينة على المدعى فإن لم يكن له
بينة فاليمين على المدعى عليه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
باب ما جاء في اليمين مع الشاهد
قوله (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد الواحد) قال المظهر يعني كان للمدعي
476

شاهد واحد فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلف على ما يدعيه بدلا من الشاهد الاخر فلما حلف قضى له
صلى الله عليه وسلم بما ادعاه وبهذا قال الشافعي ومالك وأحمد وقال أبو حنيفة لا يجوز الحكم بالشاهد واليمين
بل لا بد من شاهدين وخلافهم في الأموال فأما إذا كان الدعوى في غير الأموال فلا يقبل شاهد
ويمين بالاتفاق كذا في المرقاة قوله (وفي الباب عن علي) أخرجه أحمد والدارقطني من طريق
جعفر بن محمد عن أبيه عن أمير المؤمنين على أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشهادة شاهد واحد ويمين صاحب
الحق وقضى به أمير المؤمنين بالعراق (وجابر) أخرجه أحمد وابن ماجة والترمذي (وسرق) بالضم
وتشديد الراء وصوب العسكري تخفيفها ابن أسد الجهني وقيل غير ذلك نسبه صحابي سكن
مصر ثم الإسكندرية وحديثه أخرجه ابن ماجة وفي إسناده رجل مجهول وهو الراوي عنه قوله
(حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد حديث حسن غريب) وأخرجه ابن
ماجة وأبو داود وزاد قال عبد العزيز الدراوردي فذكرت ذلك لسهيل فقال أخبرني ربيعة وهو
عندي ثقة أني حدثته إياه ولا أحفظه قال عبد العزيز وقد كان أصاب سهيلا علة أذهبت بعض
عقله ونسي بعض حديثه فكان سهيل بعد يحدثه عن ربيعة عنه عن أبيه انتهى قال الحافظ في
الفتح رجاله مدنيون ثقات ولا يضره أن سهيل بن أبي صالح نسيه بعد أن حدث به ربيعة لأنه كان
بعد ذلك يرويه عن ربيعة عن نفسه انتهى وروى ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه أنه صحيح
وقال ابن رسلان في شرح السنن إنه صحح حديث الشاهد واليمين الحافظان أبو زرعة وأبو
حاتم من حديث أبي هريرة وزيد بن ثابت قوله (عن جعفر بن محمد) هو جعفر بن محمد بن
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو عبد الله المعروف بالصادق صدوق فقيه إمام
مات سنة ثمان وأربعين ومائة عن ثمان وستين سنة (عن أبيه) هو محمد بن علي بن الحسين أبو جعفر
المعروف بالباقر قال ابن سعد ثقة كثير الحديث توفي سنة أربع عشرة ومائة (عن جابر أن النبي
صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد) حديث جابر هذا أخرجه أحمد وابن ماجة أيضا قوله (وهذا
477

أصح) أي كونه مرسلا أصح قال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه وأبي زرعة هو مرسل وقال
الدارقطني كان جعفر ربما أرسله وربما وصله وقال الشافعي والبيهقي عبد الوهاب وصله وهو
ثقة وقد صحح حديث جابر أبو عوانة وابن خزيمة قوله (وهو قول مالك بن أنس والشافعي
وأحمد وإسحاق) قال النووي قال جمهور
علماء الإسلام من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار يقضي بشاهد ويمين المدعي في الأموال وما يقصد به الأموال وبه قال أبو بكر
الصديق وعلي وعمر بن عبد العزيز ومالك والشافعي وأحمد وفقهاء المدينة وسائر علماء الحجاز
ومعظم علماء الأمصار وحجتهم أنه جاءت أحاديث كثيرة في هذه المسألة من رواية علي وابن
عباس وزيد بن ثابت وجابر وأبي هريرة وعمارة بن حزم وسعد بن عبادة وعبد الله بن عمرو بن
العاص والمغيرة بن شعبة قال الحفاظ أصح أحاديث الباب حديث ابن عباس قال ابن عبد
البر لا مطعن لأحد في إسناده قال ولا خلاف بين أهل المعرفة في صحته قال وحديث أبي
هريرة وجابر وغيرهما حسنان انتهى (ولم ير بعض أهل العلم من أهل الكوفة وغيرهم أن يقضي
باليمين مع الشاهد الواحد) وهو قول أبي حنيفة والكوفيين والشعبي والحكم والأوزاعي والليث
والأندلسيين من أصحاب مالك قالوا لا يحكم بشاهد ويمين في شئ من الأحكام واحتجوا
بقوله تعالى واستشهدوا بشهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان وبقوله
وأشهدوا ذوي عدل منكم وقد حكى البخاري وقوع المراجعة ذلك ما بين أبي الزناد وابن
شبرمة فاحتج أبو الزناد على جواز القضاء بشاهد ويمين بالخبر الوارد في ذلك فأجاب عنه ابن
شبرمة بقوله تعالى هذا قال الحافظ وإنما تتم له الحجة
بذلك على أصل مختلف فيه بين الفريقين
يعني الكوفيين والحجازيين وهو أن الخبر إذا ورد متضمنا لزيادة على ما في القرآن هل يكون نسخا
والسنة لا تنسخ القرآن أو لا يكون نسخا بل زيادة مستقلة بحكم مستقل إذا ثبت سنده وجب
القول به والأول مذهب الكوفيين والثاني مذهب الحجازيين ومع قطع النظر عن ذلك
478

لا تنهض حجة ابن شبرمة لأنها تصير معارضة للنص بالرأي وهو غير معتد به وقد أجاب
الإسماعيلي فقال ما حاصله إنه لا يلزم من التنصيص على الشئ نفيه عما عداه قال الحافظ بعد
ذكر حاصل بحثه هذا لكن مقتضي ما يحثه إنه لا يقضي باليمين مع الشاهد الواحد إلا عند فقد
الشاهدين أو ما قام مقامهما من الشاهد والمرأتين وهو وجه للشافعية وصححه الحنابلة ويؤيده
ما روى الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قضى الله ورسوله في
الحق بشاهدين فإن جاء بشاهدين أخذ حقه وإن جاء بشاهد واحد حلف مع شاهده وأجاب
بعض الحنفية بأن الزيادة على القرآن نسخ وأخبار الآحاد لا تنسخ المتواتر ولا تقبل الزيادة من
الأحاديث إلا إذا كان الخبر بها مشهورا وأجيب بأن النسخ رفع الحكم ولا رفع هنا وأيضا
فالناسخ والمنسوخ لا بد أن يتواردا على محل واحد وهذا غير متحقق في الزيادة على النسخ وغاية ما
فيه أن تسمية الزيادة كالتخصيص نسخا اصطلاح ولا يلزم منه نسخ الكتاب بالسنة لكن
تخصيص الكتاب بالسنة جائز وكذلك الزيادة عليه كما في قوله تعالى وأحل لكم ما وراء
ذلكم وأجمعوا على تحريم نكاح العمة مع بنت أخيها وسند الإجماع في ذلك السنة الثابتة
وكذلك قطع رجل السارق في المرة الثانية ونحو ذلك وقد أخذ من رد الحكم بالشاهد واليمين
لكونه زيادة على ما في القرآن بأحاديث كثيرة أحكام كثيرة كلها زائدة على ما في القرآن كالوضوء بالنبيذ والوضوء بالقهقهة ومن القئ واستبراء
المسبية وترك قطع من سرق ما يسرع إليه الفساد وشهادة المرأة الواحدة في الولادة ولا قوة إلا
بالسيف ولا جمعة إلا في مصر جامع ولا تقطع الأيدي في الغزو ولا يرث الكافر المسلم
ولا يؤكل الطافي من السمك ويحرم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير ولا يقتل الوالد
بالولد ولا يرث القاتل من القتيل وغير ذلك من الأمثلة التي تتضمن الزيادة على عموم
الكتاب وأجابوا بأن الأحاديث الواردة في هذه المواضع المذكورة أحاديث شهيرة فوجب العمل بها
لشهرتها فيقال لهم وأحاديث القضاة بالشاهد واليمين رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نيف وعشرون
نفسا وفيها ما هو صحيح فأي شهرة على هذه الشهرة قال الشافعي القضاء بشاهد ويمين
لا يخالف ظاهر القرآن لا يمنع أن يجوز أقل مما نص عليه يعني والمخالف لذلك لا يقول
بالمفهوم أصلا فضلا عن مفهوم العدد كذا في النيل
479

باب ما جاء في العبد يكون بين رجلين فيعتق أحدهما نصيبه
قوله (أو قال شقيصا) وفي بعض النسخ شقصا قال في النهاية الشقص والشقيص
النصيب في العين المشتركة من كل شئ (أو قال شركا) بكسر الشين وسكون الراء أي حصة
ونصيبا كذا في النهاية (فكان له) أي للمعتق وفي رواية الشيخين وكان له (ما يبلغ ثمنه) وفي
رواية الشيخين ما يبلغ ثمن العبد أي قيمة باقية (بقيمة العدل) أي تقويم عدل من المقومين أو
المراد قيمة وسط (فهو) أي العبد (وإلا) أي وإن لم يكن له من المال ما يبلغ ثمن العبد (فقد عتق
منه) أي من العبد (ما عتق) من نصيب المعتق هذا الحديث بظاهره يدل على أن المعتق إن كان
موسرا ضمن للشريك وإن كان معسرا لا يستسعى العبد بل عتق منه ما عتق ورق ما رق
ومذهب أبي حنيفة إن كان موسرا ضمن أو استسعى الشريك العبد أو أعتق وإن كان معسرا
لا يضمن لكن الشريك إما أن يستسعى أو يعتق والولاء لهما لأن الإعتاق يتجزى عنده وقالا أي
صاحباه له ضمانه غنيا والسعاية فقيرا والولاء للمعتق لعدم تجزي الإعتاق عندهما ومعنى
الاستسعاء أن العبد يكلف للاكتساب حتى يحصل قيمته للشريك وقيل هو أن يخدم الشريك
بقدر ما له فيه من الملك كذا في اللمعات قوله (حديث أبن عمر حديث حسن صحيح)
وأخرجه الشيخان (وقد رواه) أي الحديث المذكور (سالم عن أبيه) أي عن ابن عمر كما رواه نافع
480

عنه ثم أسنده الترمذي بقوله حدثنا بذلك الخ قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه البخاري
وغيره قوله (عن بشير بن نهيك) بفتح الموحدة وكسر الشين المعجمة وبفتح النون وكسر الهاء
وزنا واحدا هو أبو الشعثاء البصري ثقة قوله (فخلاصه في ماله إن كان له مال) أي يبلغ قيمة
باقية وفي رواية مسلم من عتق شقصا في عبد أعتق كله إن كان له مال (وإن لم يكن له) أي
للمعتق (قوم) بصيغة المجهول من التقويم (قيمة عدل) أتقديم عدل من المقومين أو المراد قيمة
وسط (يستسعى) بصيغة المجهول قال النووي رحمه الله معنى الاستسعاء أن العبد يكلف
بالاكتساب والطلب حتى يحصل قيمة نصيب الشريك الاخر فإذا دفعها إليه عتق كذا فسره
الجمهور وقال بعضهم هو أن يخدم سيده الذي لم يعتق بقدر ما له فيه من الرق (غير مشقوق
عليه) أي لا يكلف بما يشق عليه قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو) لينظر من أخرجه
قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا النسائي كذا في المنتقى قوله (وهكذا
روى أبان ابن يزيد عن قتادة مثل رواية سعيد بن أبي عروبة نحوه) يعني بذكر الاستسعاء قوله (
فرأى بعض أهل العلم السعاية في هذا وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة وبه يقول
إسحاق) قال الحافظ في الفتح وقد ذهب إلى الأخذ بالاستسعاء إذا كان المعتق معسرا أبو حنيفة
481

وصاحباه والأوزاعي والثوري وإسحاق وأحمد في رواية وآخرون ثم اختلفوا فقال الأكثر يعتق
جميعه في الحال ويستسعى العبد في تحصيل قيمة نصيب الشريك وزاد ابن أبي ليلى فقال ثم
يرجع العبد على المعتق الأول بما أداه للشريك وقال أبو حنيفة وحده يتخير الشريك بين
الاستسعاء وبين عتق نصيبه وهذا يدل على أنه لا يعتق عنده ابتداء إلا النصيب الأول فقط وهو
موافق لما جنح إليه البخاري من أنه يصير كالمكاتب وعن عطاء يتخير الشريك بين ذلك وبين إبقاء
حصته في الرق وخالف الجميع زفر فقال يعتق كله وتقوم حصة الشريك فتؤخذ إن كان المعتق
موسرا وترتب في ذمته إن كان معسرا انتهى (وقالوا بما روي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) يعني
حديثه المذكور في هذا الباب (وهذا قول أهل المدينة وبه يقول مالك بن أنس والشافعي وأحمد
وإسحاق) قال الحاشية الأحمدية ليس في نسخة صحيحة ذكر إسحاق ههنا وهو الأنسب بما
سبق انتهى واستدل لهم بحديث ابن عمر المذكور في هذا الباب وبأحاديث أخرى ذكرها
الحافظ في الفتح وأجيب من قبلهم عن حديث أبي هريرة بأن ذكر الاستسعاء فيه مدرج ليس من
كلام النبي صلى الله عليه وسلم وأجيب من جانب الأولين عن حديث ابن عمر رضي الله عنه بأن الذي يدل فيه
على ترك الاستسعاء هو قوله وإلا فقد عتق منه ما عتق هو مدرج ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم قال
الشوكاني في النيل والذي يظهر أن الحديثين صحيحان مرفوعان وفاقا لصاحبي الصحيح ثم قال
بعد ذكر مؤيدات لهاتين الزيادتين فالواجب قبول الزيادتين المذكورتين في حديث ابن عمر وحديث
أبي هريرة وظاهرهما التعارض والجمع ممكن وقد جمع البيهقي بين الحديثين بأن معناهما أن المعسر
إذا أعتق حصته لم يسر العتق في حصة شريكه بل تبقى حصة شريكه على حالها وهي الرق ثم
يستسعى العبد في عتق بقيته فيحصل ثمن الجزء الذي لشريك سيده ويدفعه إليه ويعتق وجعلوه
في ذلك كالمكاتب وهو الذي جزم به البخاري قال الحافظ والذي يظهر أنه في ذلك باختياره
لقوله غير مشقوق عليه فلو كان ذلك على سبيل اللزوم بأن يكلف العبد الاكتساب والطلب حتى
يحصل ذلك لحصل له غاية المشقة وهي لا تلزم في الكتابة بذلك عند الجمهور لأنها غير واجبة
فهذه مثلها قال البيهقي لا يبقى بين الحديثين بعد هذا الجمع معارضة أصلا قال الحافظ
وهو كما قال إلا أنه يلزم منه أن يبقى الرق في حصة الشريك إذا لم يختر العبد الاستسعاء فيعارضه
حديث أبي المليح يعني بحديثه الذي يرويه عن أبيه أن رجلا من قومنا أعتق شقصا له من
482

مملوكه فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل خلاصه عليه في ماله وقال ليس لله عز وجل شريك
رواه أحمد وفي لفظ هو حر على ما إذا كان المعتق غنيا أو على ما إذا كان جميعه له فأعتق بعضه انتهى وفي هذه المسألة
كلام طويل من الجانبين فإن شئت الوقوف عليه فعليك أن ترجع إلى فتح الباري وغيره
باب ما جاء في العمرى
بضم العين المهملة وسكون الميم مع القصر قال الحافظ في الفتح وحكى ضم الميم مع ضم
أوله وحكى فتح أوله مع السكون انتهى قال في النهاية يقال أعمرته الدار عمرى أي جعلتها
له يسكنها مدة عمره فإذا مات عادت إلي وكذا كانوا يفعلون في الجاهلية فأبطل ذلك
وأعلمهم أن من أعمر شيئا أو أرقبه في حياته فهو لورثته من بعده وقد تعاضدت الروايات على
ذلك والفقهاء فيها مختلفون فمنهم من يعمل بظاهر الحديث ويجعلها تمليكا ومنهم من يجعلها
كالعارية ويتأول الحديث انتهى قلت الجمهور على أن العمرى إذا وقعت كانت ملكا للاخذ ولا
ترجع إلى الأول إلا إن صرح باشتراط ذلك ثم اختلفوا إلى ما يتوجه التمليك فالجمهور أنه يتوجه
إلى الرقبة كسائر الهبات حتى لو كان المعمر عبدا فأعتقه الموهوب له نفذ بخلاف الواهب وقيل
يتوجه إلى المنفعة دون الرقبة وهو قول مالك والشافعي في القديم وهل يسلك به مسلك العارية
أو الوقف روايتان عند المالكية وعن الحنفية التمليك في العمرى يتوجه إلى الرقبة وفي الرقبى إلى
المنفعة وعنهم إنها باطلة كذا ذكره الحافظ قلت ما ذهب إليه الجمهور هو الظاهر قوله
(العمرى جائزة لأهلها) أي لأهل العمرى وهو المعمر له (أو ميراث لأهلها) شك من الراوي
وروى مسلم من حديث جابر مرفوعا بلفظ إن
العمرى ميراث لأهلها وفيه دليل على أن العمرى تمليك الرقبة والمنفعة فهو حجة على مالك رحمه الله في قوله إن العمرى تمليك المنافع
دون الرقبة وحديث سمرة هذا أخرجه أحمد أيضا وفي سماع الحسن من سمرة كلام قوله (وفي
الباب عن زيد بن ثابت) أخرجه ابن حبان بلفظ العمرى سبيلها سبيل الميراث (وجابر) أخرجه
483

مسلم وغيره بألفاظ (وأبي هريرة) أخرجه البخاري ومسلم بلفظ العمرى جائزة (وعائشة وابن
الزبير ومعاوية) أما حديث ابن الزبير فأخرجه الطبراني ذكره العيني في العمدة وأما حديث عائشة
ومعاوية فلينظر من أخرجه قوله (أيما رجل أعمر) بصيغة المجهول (عمرى) قال القاري هو
مفعول مطلق (له) متعلق بعمر والضمير للرجل (ولعقبه) بكسر القاف ويجوز إسكانها مع فتح
العين ومع كسرها كما في نظائره والعقب هم أولاد الإنسان ما تناسلوا قاله النووي (فإنها) أي
العمرى (للذي يعطاها) بصيغة المجهول (لأنه أعطى) على بناء الفاعل وقيل على بناء المفعول
(عطاء وقعت فيه المواريث) والمعنى أنها صارت ملكا للمدفوع إليه فيكون بعد موته لوارثه
كسائر أملاكه ولا ترجع إلى الدافع قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه مسلم قوله (والعمل
على هذا) أي على حديث جابر المذكور (هي لك حياتك) بالنصب أي الدار لك مدة حياتك (
ولعقبك) ولأولادك (فإنها لمن أعمرها) بصيغة المجهول (لا ترجع إلى الأول أي المعمر (إذا مات
المعمر) أي المعمر له (وهو قول مالك بن أنس والشافعي) وهو قول الزهري واحتجوا بحديث
جابر المذكور فإن مفهوم الشرط الذي تضمنه أيما والتعليل يدل على أن من لم يعمر له كذلك لم
يورث منه العمرى بل يرجع إلى المعطى وبما روى مسلم عن جابر رضي الله عنه مرفوعا قال
إنما العمرى التي أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول هي لك ولعقبك فأما إذا قال هي لك ما عشت
فإنها ترجع إلى صاحبها واعلم أن قول الشافعي هذا في القديم كما صرح به الحافظ في الفتح
وأما قوله في الجديد فكقول الجمهور (وروي من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العمرى جائزة
لأهلها) أي بدون ذكر ولعقبه (وهو قول سفيان الثوري وأحمد وإسحاق) وهو قول أبي حنيفة
484

رحمه الله والجمهور واحتجوا بما روى مسلم عن جابر مرفوعا أن العمرى ميراث لأهلها وبما
روى هو عنه مرفوعا أمسكوا أموالكم عليكم لا تفسدوها فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمر
حيا وميتا ولعقبه قال النووي رحمه الله والمراد به إعلامهم أن العمرى هبة صحيحة ماضية
يملكها الموهوب له ملكا تاما لا يعود إلى الواهب أبدا فإذا علموا ذلك فمن شاء أعمر ودخل على
بصيرة ومن شاء ترك لأنهم كانوا يتوهمون أنها كالعارية ويرجع فيها وهذا دليلي للشافعي
وموافقيه انتهى قال الحافظ في الفتح بعد ذكر روايات العمرى المختلفة ما لفظه فيجتمع من هذه
الروايات ثلاثة أحوال أحدها أن يقول هي لك ولعقبك فهذا صريح في أنها للموهوب له
ولعقبه ثانيها أن يقول هي لك ما عشت فإذا مت رجعت إلى فهذه عارية مؤقتة وهي
صحيحة فإذا مات رجعت إلى الذي أعطى وقد بينت هذه والتي قبلها رواية الزهري وبه قال
أكثر العلماء ورجحه جماعة من الشافعية والأصح عند أكثرهم لا ترجع إلى الواهب واحتجوا
بأنه شرط فاسد فلغي ثالثها أن يقول أعمرتكها ويطلق فرواية أبي الزبير هذه (يعني بها ما
رواه مسلم عنه عن جابر قال جعل الأنصار يعمرون المهاجرين فقال النبي صلى الله عليه وسلم أمسكوا
عليكم أموالكم ولا تفسدوها فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حيا وميتا ولعقبه) تدل على
أن حكمها حكم الأول وأنها لا ترجع إلى الواهب وهو قول الشافعي في الجديد والجمهور
وقال في القديم العقد باطل من أصله وعنه كقول مالك وقيل القديم عن الشافعي كالجديد
وقد روى النسائي أن قتادة حكى أن سليمان بن هشام بن عبد الملك سأل الفقهاء عن هذه المسألة
أعني صورة الإطلاق فذكر له قتادة عن الحسن وغيره أنها جائزة وذكر له حديث أبي هريرة
بذلك وذكر له عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك قال فقال الزهري إنما العمرى
أي الجائزة إذا أعمر له ولعقبه من بعده فإذا لم يجعل عقبه من بعده كان للذي يجعل شرطه قال
قتادة واحتج الزهري بأن الخلفاء لا يقضون بها فقال عطاء قضى بها عبد الملك بن مروان
انتهى
485

باب ما جاء في الرقبى
على وزن حبلى قال الجزري في النهاية الرقبى هو أن يقول الرجل للرجل قد وهبت لك
هذه الدار فإن مت قبلي رجعت إلي وإن مت قبلك فهي لك وهي فعلى من المراقبة لأن كل واحد
منهما يرقب موت صاحبه انتهى قال القاري الرقبى لا تصح عند أبي حنيفة ومحمد وتصح عند أبي
يوسف رحمهم الله انتهى وقال الحافظ في الفتح العمرى والرقبى متحد المعنى عند الجمهور
ومنع الرقبى مالك وأبو حنيفة ومحمد ووافق أبو يوسف الجمهور وقد روى النسائي بإسناد
صحيح عن ابن عباس موقوفا العمرى والرقبى سواء إنتهى قوله (العمرى جائزة لأهلها) أي
لمن أعمر له (والرقبى جائزة لأهلها) أي لمن أرقب له وروى النسائي عن ابن عباس مرفوعا
بلفظ العمرى لمن أعمرها والرقبى لمن أرقبها والعائد في هبته كالعائد في قيئه قوله (هذا
حديث حسن) أخرجه الخمسة كذا في المنتقى قوله (ولم يجيزوا الرقبى) وحديث الباب وما في
معناه حجة عليهم قوله (قال أحمد وإسحاق الرقبى مثل العمرى الخ) وهو قول الجمهور وهو
الظاهر يدل عليه حديث الباب وفي الباب أحاديث ذكرها الزيلعي في نصب الراية في باب
الرجوع في الهبة
486

باب ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلح بين الناس
قوله (حدثنا أبو عامر العقدي) بفتح العين المهملة والقاف اسمه عبد الملك ابن عمرو
القيسي ثقة (حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني) قال في التقريب ضعيف من
السابعة منهم من كذبه قوله (الصلح جائز بين المسلمين) خصهم لا لإخراج غيرهم بل
لدخولهم في ذلك دخولا أوليا اهتماما بشأنهم (إلا صلحا حرم حلالا) كمصالحة الزوجة للزوج
على أن لا يطلقها أو لا يتزوج عليها أو لا يبيت عند ضرتها (أو أحل حراما) كالصلح على أكل
مال لا يحل أكله أو نحو ذلك (والمسلمون على شروطهم) أي ثابتون عليها لا يرجعون عنها (إلا
شرطا حرم حلالا) فهو باطل كان يشترط أن لا يطأ أمته أو زوجته أو نحو ذلك (أو أحل حراما)
كأن يشترط نصرة الظالم أو الباغي أو غزو المسلمين قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه
ابن ماجة وأبو داود وانتهت روايته عند قوله شروطهم وفي تصحيح الترمذي هذا الحديث نظر
فإن في إسناده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف وهو ضعيف جدا قال فيه الشافعي وأبو داود هو ركن
من أركان الكذب وقال النسائي ليس بثقة وقال ابن حبان له عن أبيه عن جده نسخة
موضوعة وتركه أحمد وقد نوقش الترمذي في تصحيح حديثه قال الذهبي أما الترمذي فروى
من حديثه الصلح جائز بين المسلمين وصححه فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيحه وقال
ابن كثير في إرشاده قد نوقش أبو عيسى يعني الترمذي في تصحيحه هذا الحديث وما شاكله
انتهى واعتذر له الحافظ فقال وكأنه اعتبر بكثرة طرقه كذا قال الشوكاني في النيل وذكر فيه
طرقه وقال بعد ذكرها لا يخفي أن الأحاديث المذكورة والطرق يشهد بعضها لبعض فأقل
أحوالها أن يكون المتن الذي اجتمعت عليه حسنا انتهى
487

باب ما جاء في الرجل يضع على حائط جاره خشبا
قوله (أن يغرز) بكسر الراء أي يضع (خشبة) بالإفراد المراد به الجنس لأنه قد وقع في
صحيح البخاري وغيره خشبة بالجمع قال ابن عبد البر روي اللفظان في الموطأ والمعنى واحد
لأن المراد بالواحد الجنس انتهى قال الحافظ وهذا الذي يتعين للجمع بين الروايتين وإلا فالمعنى
قد يختلف باعتبار أن أمر الخشبة الواحدة أخف في مسامحة الجار بخلاف الخشب الكثير انتهى
(فلا يمنعه) بالجزم استدل به على أن الجدار إذا كان لواحد وله جار فاستأذنه أن يضع جذعه عليه
فليس له المنع (فلما حدث أبو هريرة) أي هذا الحديث (طأطأوا) أي نكسوا وفي رواية ابن عيينة
عند أبي داود فنكسوا رؤوسهم (عنها) أي عن هذه السنة أو عن هذه المقالة (لأرمين بها) وفي
رواية أبي داود لألقينها أي لأشيعن هذه المقالة فيكم ولأقرعنكم بها كما يضرب الإنسان بالشئ بين
كتفيه ليستيقظ من غفلته وقال الخطابي معناه إن لم تقبلوا هذا الحكم وتعملوا به راضين
لأجعلنها أي الخشبة على رقابكم كارهين قال وأراد بذلك المبالغة وبهذا التأويل جزم إمام الحرمين
تبعا لغيره وقال إن ذلك وقع من أبي هريرة حين كان يلي إمرة المدينة وقد وقع عند ابن عبد
البر لأرمين بها بين أعينكم وإن كرهتم وهذا يرجح التأويل المتقدم كذا في
الفتح قوله (وفي الباب عن ابن عباس) أخرجه ابن ماجة (ومجمع بن جارية) أخرجه ابن ماجة
والبيهقي قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا النسائي قوله
(وبه يقول الشافعي) وبه يقول أحمد وإسحاق وغيرهما من أهل الحديث وابن حبيب من المالكية
488

قاله الحافظ وقد صرح هو بأن قول الشافعي هذا في القديم قال وعنه في الجديد قولان أحدهما
اشتراط إذن المالك فإن امتنع لم يجبر وهو قول الحنفية وحملوا الأمر في الحديث على الندب
والنهي على التنزيه جمعا بينه وبين الأحاديث الدالة على تحريم مال المسلم إلا برضاه انتهى (منهم
مالك بن أنس قالوا الخ) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله والكوفيون (والقول الأول أصح) لأحاديث
الباب وأما الأحاديث القاضية بأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه فعمومات قال
البيهقي لم نجد في السنن الصحيحة ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا يستنكر أن يخصها
وحمل بعضهم الحديث على ما إذا تقدم استئذان الجار كما وقع في رواية لأبي داود بلفظ إذا
استأذن أحدكم أخاه وفي رواية لأحمد من سأله جاره وكذا في رواية لابن حبان فإذا تقدم
الاستئذان لم يكن للجار المنع لا إذا لم يتقدم
ما جاء أن اليمين على ما يصدقه صاحبه
قوله (المعنى واحد) أي في لفظ قتيبة وأحمد بن منيع اختلاف ومعنى حديثهما واحد
(اليمين) أي الحلف مبتدأ خبره قوله (على ما يصدقك به صاحبك) قال القاري أي خصمك
ومدعيك ومحاورك والمعنى أنه واقع عليه لا يؤثر فيه التورية فإن العبرة في اليمين بقصد المستحلف
إن كان مستحقا وإلا فالعبرة بقصد الحالف فله التورية قال هذا خلاصة كلام علمائنا من
الشراح انتهى كلام القاري وقال النووي في شرح مسلم هذا الحديث محمول على الحلف
باستحلاف القاضي فإذا ادعى رجل على رجل فحلفه القاضي فحلف وورى فنوى غير ما نوى
القاضي انعقدت يمينه على ما نواه القاضي ولا ينفعه التورية وهذا مجمع عليه ودليله هذا
الحديث والإجماع فأما إذا حلف بغير استحلاف القاضي وورى فتنفعه التورية ولا يحنث سواء
حلف ابتداء من غير تحليف أو حلفه غير القاضي وغير نائبه في ذلك ولا اعتبار بنية المستحلف غير
القاضي واعلم أن التورية وإن كان لا يحنث بها فلا يجوز فعلها حيث يبطل بها حق مستحق وهذا
مجمع عليه هذا تفصيل مذهب الشافعي وأصحابه انتهى كلامه مختصرا قوله (هذا حديث
حسن غريب) وأخرجه مسلم وأحمد وأبو داود وابن ماجة وفي رواية لمسلم اليمين على نية
المستحلف وهو بكسر اللام
489

باب ما جاء في الطريق إذا اختلف فيه كم يجعل
قوله (عن بشير بن نهيك بفتح النون وكسر الهاء وآخره كاف وبشير بفتح الموحدة ثقة من
الثالثة قوله (اجعلوا الطريق سبعة أذرع) قال الحافظ الذي يظهر أن المراد بالذراع ذراع
الادمي فيعتبر ذلك بالمعتدل وقيل المراد بالذراع ذراع البنيان المتعارف قال الطبري معناه أن
يجعل قدر الطريق المشتركة سبعة أذرع ثم يبقى بعد ذلك لكل واحد من الشركاء في الأرض قدر ما
ينتفع به ولا يضر غيره والحكمة في جعلها سبعة أذرع لتسلكها الأحمال والأثقال دخولا وخروجا
ولبيع ما لا بد لهم من طرحه عند الأبواب والتحق بأهل البنيان من قعد للبيع في حالة الطريق
فإن كانت الطريق أزيد من سبعة أذرع لم يمنع من القعود في الزائد وإن كان أقل منع لئلا يضيق
الطريق على غيره انتهى قوله (عن بشير بن كعب) بضم الموحدة وفتح الشين مصغرا مخضرم
وثقه النسائي قوله (إذا تشاجرتم) من المشاجرة بالمعجمة والجيم أي تنازعتم وفي رواية مسلم
إذا اختلفتم قوله (فاجعلوه سبعة أذرع) قال النووي أما قدر الطريق فإن جعل الرجل بعض
أرضه المملوكة طريقا مسبلة للمارين فقدرها إلى خيرته والأفضل توسيعها وليس هذه الصورة
مرادة الحديث وإن كان الطريق بين أرض لقوم وأرادوا إحيائها فإن اتفقوا على شئ فذاك وإن
اختلفوا في قدره جعل سبعة أذرع هذا مراد الحديث أما إذا وجدنا طريقا مسلوكا وهو أكثر من
سبعة أذرع فلا يجوز لأحد أن يستولي على شئ منه وإن قل لكن له عمارة ما حواليه من الموات
490

ويملكه بالإحياء بحيث لا يضر المارين انتهى قوله (وفي الباب عن ابن عباس) أخرجه عبد
الرزاق مرفوعا بلفظ إذا اختلفتم في الطريق الميتاء فاجعلوها سبعة أذرع وفي الباب عن
عبادة بن الصامت أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني وعن أنس أخرجه
ابن عدي وفي كل من الأسانيد الثلاثة مقال قاله الحافظ قوله (حديث بشير بن كعب عن
أبي هريرة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا النسائي
ما جاء في تخيير الغلام بين أبويه إذا افترقا
أي بالطلاق قوله (خير غلاما) قال القاري أي ولدا بلغ سن البلوغ وتسميته غلاما
باعتبار ما كان كقوله تعالى (وآتوا اليتامى أموالهم) وقيل غلاما مميزا انتهى قلت الظاهر أن
المراد الغلام المميز (بين أبيه وأمه) قال القاري وهو مذهب الشافعي وأما عندنا فالولد إذا صار
مستغنيا بأن يأكل وحده ويشرب وحده ويلبس وحده قيل ويستنجي وحده فالأب أحق به
والخصاف قدر الاستغناء بسبع سنين وعليه الفتوى قال ابن الهمام إذا بلغ الغلام السن الذي
يكون الأب أحق به كسبع مثلا أخذه الأب ولا يتوقف على اختيار الغلام
ذلك وعند
الشافعي يخير الغلام في سبع أو ثمان وعند أحمد وإسحاق يخير في سبع لهذا الحديث انتهى
قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو) أخرجه أحمد وأبو داود بلفظ أن امرأة قالت يا رسول
الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقا وحجري له حواء وإن أباه طلقني وأراد أن
ينزعه مني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت أحق به ما لم تنكحي ورواه الحاكم وصححه (وجد عبد
الحميد بن جعفر) أخرجه أبو داود في الطلاق والنسائي في الفرائض عن عبد الحميد بن جعفر
491

عن أبيه عن جده رافع بن سنان أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم فجاء بابن له صغير لم يبلغ
فأجلس النبي صلى الله عليه وسلم الأب ههنا والأم ههنا ثم خيره وقال اللهم اهده فذهب إلى أبيه رواه أحمد
والنسائي وفي رواية عن عبد الحميد بن جعفر قال أخبرني أبي عن جدي رافع بن سنان أنه أسلم
وأبت امرأته أن تسلم فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ابنتي وهي فطيم أو شبههه وقال رافع ابنتي فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم أقعد ناحية وقال لها اقعدي ناحية فأقعدت الصبية بينهما ثم قال ادعوها
فمالت إلى أمها فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اهدها فمالت إلى أبيها فأخذها رواه أحمد وأبو داود
وعبد الحميد هذا هو عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن رافع بن سنان الأنصاري قوله
(حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة وصححه ابن حبان
وابن القطان قوله (وأبو ميمونة اسمه سليم) بالتصغير قال في التقريب أبو ميمونة الفارسي
المدني الأبار قيل اسمه سليم أو سليمان أو سلمى وقيل أسامة ثقة من الثالثة ومنهم من فرق بين
الفارسي والأبار وكل منهما مدني يروي عن أبي هريرة وقال في تهذيب التهذيب وقيل إنه والد
هلال ابن أبي ميمونة ولا يصح روى عن أبي هريرة وغيره وعنه هلال بن أبي ميمونة وغيره وذكر
الحافظ أسماء من فرق بين الفارسي والأبار قوله (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم الخ)
قال الشوكاني في النيل تحت حديث الباب فيه دليل على أنه إذا تنازع الأب والأم في ابن لهما كان
الواجب هو تخييره فمن اختاره ذهب به وقد أخرج البيهقي عن عمر أنه خير غلاما بين أبيه
وأمه وأخرج أيضا عن علي أنه خير عمارة الجدامي بين أمه وعمته وكان ابن سبع أو ثمان سنين
وقد ذهب إلى هذا الشافعي وأصحابه وإسحاق بن راهويه وقال أحب أن يكون مع الأم إلى سبع
سنين ثم يخير وقيل إلى خمس وذهب أحمد إلى أن الصغير إلى دون سبع سنين أمه أولى به وإن بلغ
سبع سنين فالذكر فيه ثلاث روايات يخير وهو المشهور عن أصحابه وإن لم يختر أقرع بينهما
والثانية أن الأب أحق به والثالثة أن الأب أحق بالذكر والأم بالأنثى إلى تسع ثم يكون الأب
أحق بها والظاهر من أحاديث الباب أن التخيير في حق من بلغ من الأولاد إلى سن التمييز هو
الواجب من غير فرق بين الذكر والأنثى انتهى قوله (وهلال بن أبي ميمونة هو هلال بن
492

علي ابن أسامة وهو مدني) قال في تهذيب التهذيب ويقال هلال بن أبي ميمونة وهلال بن أبي
هلال العامري مولاهم المدني وبعضهم نسبة إلى جده فقال ابن أسامة وقال في التقريب ثقة من
الخامسة
ما جاء أن الوالد يأخذ من مال ولده
قوله (عن عمارة) بضم المهملة وخفة الميم المفتوحة (بن عمير) بالتصغير التيمي كوفي ثقة
ثبت من الرابعة (عن عمته) لا تعرف قال ابن حبان وسيأتي كلامه (إن أطيب ما أكلتم) أي أحله
وأهنأه (من كسبكم) أي مما كسبتموه من غير واسطة لقربه للتوكل وكذا بواسطة أولادكم كما بينه
بقوله (وإن أولادكم من كسبكم) لأن ولد الرجل بعضه وحكم بعضه حكم نفسه وسمي الولد
كسبا مجازا قاله المناوي وفي رواية عند أحمد أن ولد الرجل من أطيب كسبه فكلوا من أموالهم
هنيئا وفي حديث جابر أنت ومالك لأبيك قال ابن رسلان اللام للإباحة لا للتمليك لأن
مال الولد له وزكاته عليه وهو موروث عنه انتهى قوله (وفي الباب عن جابر وعبد الله بن
عمرو) أما حديث جابر فأخرجه عنه ابن ماجة بلفظ أن رجلا قال يا رسول الله إن لي مالا وولدا
وإن أبي يريد أن يجتاح مالي فقال أنت ومالك لأبيك قال ابن القطان إسناده صحيح وقال
المنذري رجاله ثقات وقال الدارقطني تفرد به عيسى بن يونس بن أبي إسحاق كذا في النيل
وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد وأبو داود بلفظ أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن
أبي يريد أن يجتاح مالي فقال أنت ومالك لوالدك الحديث وأخرجه أيضا ابن خزيمة وابن
الجارود وفي الباب أيضا عن سمرة عند البزار وعن عمر عند البزار أيضا وعن ابن مسعود عند الطبراني وعن ابن عمر عند أبي يعلى قوله (هذا حديث حسن) أخرجه الخمسة كذا في المنتقى
493

وقال الشوكاني أخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه والحاكم ولفظ أحمد (يعني لفظه الذي ذكرناه)
أخرجه أيضا الحاكم وصححه أبو حاتم وأبو زرعة وأعله ابن القطان بأنه عن عمارة عن عمته
وتارة عن أمه وكلتاهما لا يعرفان انتهى قوله (قالوا إن يد الوالد مبسوطة في مال ولده يأخذه ما
شاء) واستدلوا على ذلك بأحاديث الباب قال الشوكاني وبمجموع هذه الطرق ينتهض
للاحتجاج فيدل على أن الرجل مشارك لولده في ماله فيجوز له الأكل منه سواء أذن الولد أو لم
يأذن ويجوز له أيضا أن يتصرف به كما يتصرف بماله ما لم يكن ذلك على وجه السرف والسفه
وقد حكى في البحر الإجماع على أنه يجب على الولد الموسر مؤنة الأبوين المعسرين انتهى (وقال
بعضهم لا يأخذ من ماله إلا عند الحاجة إليه) قال ابن الهمام بعد ذكر حديث عائشة المذكور فإن
قيل هذا يقتضي أنه له ملكا ناجزا في ماله قلنا نعم لو لم يقيده حديث رواه الحاكم وصححه
والبيهقي عنها مرفوعا إن أولادكم هبة يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور وأموالهم لكم
إذا احتجتم إليها ومما يقع بأن الحديث يعني أنت ومالك لأبيك ما أول أنه تعالى ورث الأب من
ابنه السدس مع ولد ولده فلو كان الكل ملكه لم يكن لغيره شئ مع وجوده انتهى قلت قال
الحافظ في التلخيص قال أبو داود في هذه الزيادة وهي إذا احتجتم إليها إنها منكرة ونقل عن
ابن المبارك عن سفيان قال حدثنا به حماد ووهم فيه انتهى
ما جاء فيمن يكسر له الشئ ما يحكم له من مال الكاسر
قوله (حدثنا أبو داود الحفري) بفتح المهملة والفاء نسبة إلى موضع بالكوفة ثقة عابد من
التاسعة (أهدت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) هي زينب
بنت جحش كما رواه ابن حزم في المحلى عن
494

أنس ووقع قريب من ذلك لعائشة مع أم سلمة كما رواه النسائي عنها وبعض الروايات تدل
على أنها حفصة وبعضها تدل على أنها أم سلمة وبعضها تدل على أنها صفية قال الحافظ وتحرر
من ذلك أن المراد بمن أبهم في حديث الباب هي زينب لمجئ الحديث من مخرجه وهو حميد عن
أنس وما عدا ذلك فقصص أخرى لا يليق بمن تحقق أن يقول في مثل هذا قيل المراسلة
فلانة وقيل فلانة من غير تحرير انتهى (بقصعة) بوزن صحفة وبمعناه (طعام بطعام وإناء بإناء) فيه دليل أن
القيمي يضمن بمثله ولا يضمن بالقيمة إلا عند عدم المثل ويؤيده رواية البخاري بلفظ ودفع
القصعة الصحيحة للرسول وبه احتج الشافعي والكوفيون وقال مالك إن القيمي يضمن
بقيمته مطلقا وفي رواية عنه كالمذهب الأول وفي رواية عنه أخرى ما صنعه الادمى فالمثل وأما
الحيوان فالقيمة وعنه أيضا ما كان مكيلا أو موزونا فالقيمة وإلا فالمثل قال في الفتح وهو
المشهور عندهم ولا خلاف في أن المثلي يضمن بمثله وأجاب القائلون بالقول الثاني عن حديث
الباب وما في معناه بما حكاه البيهقي من أن القصعتين كانتا للنبي صلى الله عليه وسلم في بيتي زوجتيه فعاقب
الكاسرة بجعل القصعة المكسورة في بيتها وجعل الصحيحة في بيت صاحبتها ولم يكن هناك
تضمين وتعقب بما وقع في رواية لابن أبي حاتم بلفظ من كسر شيئا فهو له وعليه مثله وبهذا
يرد على من زعم أنها واقعة عين لا عموم لها قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرج معناه
الجماعة قوله (حدثنا سويد بن عبد العزيز) السلمي مولاهم الدمشقي قاضي بعلبك أصله
واسطي نزل حمص لين الحديث (استعار قصعة) بفتح القاف وسكون الصاد قال في القصعة
الصحفة وقال في الصراح كاسه بزرك (وهذا حديث غير محفوظ وإنما أراد عندي سويد) هو ابن
عبد العزيز (الحديث الذي رواه الثوري) يعني أن سويد بن عبد العزيز قد وهم في رواية حديث
أنس المذكور فرواه عن حميد عن أنس بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار قصعة الخ فهو غير محفوظ
والمحفوظ هو ما رواه سفيان الثوري عن حميد عن أنس بلفظ أهدت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
الخ
495

باب ما جاء في حد بلوغ الرجل والمرأة
قوله (عرضت) بصيغة المجهول أي للذهاب إلى الغزو (على رسول الله صلى الله عليه وسلم) من باب
عرض العسكر على الأمير (في جيش) أي في واقعة أحد وكانت في السنة الثالثة من الهجرة (وأنا
ابن أربع عشرة) جملة حالية (فلم يقبلني) وفي رواية للشيخين فلم يجزني وزاد البيهقي وابن
حبان في صحيحه بعد قوله فلم يجزني ولم يرني بلغت (فعرضت عليه من قابل في جيش) يعني غزوة
الخندق وهو غزوة الأحزاب (فقبلني) وفي رواية للشيخين فأجازني أي في المقاتلة أوا لمبايعة وقيل
كتب الجائزة لي وهو رزق وزاد البيهقي وابن حبان بعد قوله فأجازني ورآني بلغت وقد صحح
هذه الزيادة أيضا ابن خزيمة كذا في النيل قوله (هذا حد ما بين الذرية والمقاتلة) بكسر التاء
يريد إذا بلغ الصبي خمس عشرة سنة دخل في زمرة المقاتلين وأثبت في الديوان اسمه وإذا لم يبلغها
عد من الذرية قال الحافظ في الفتح استدل بقصة ابن عمر على أن من استكمل خمس عشرة سنة
أجريت عليه أحكام البالغين وإن لم يحتلم فيكلف بالعبادات وإقامة الحدود ويستحق سهم
الغنيمة ويقتل إن كان حربيا ويفك عنه الحجر إن أونس رشده وغير ذلك من الأحكام وقد
عمل بذلك عمر بن عبد العزيز وأقره عليه راويه نافع وأجاب الطحاوي وابن القصار وغيرهما
ممن لم يأخذ به بأن الإجازة المذكورة جاء التصريح بأنها كانت في القتال وذلك يتعلق بالقوة
والجلد وأجاب بعض المالكية بأنها واقعة عين فلا عموم لها ويحتمل أن يكون صادف أنه كان
496

عند تلك السن قد احتلم فلذلك أجازه وتجاسر بعضهم فقال إنما رده بضعفه لا لسنه وإنما أجازه
لقوته لا لبلوغه ويرد على ذلك ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج ورواه أبو عوانة وابن حبان
في صحيحهما من وجه آخر عن ابن جريج أخبرني نافع فذكر هذا الحديث بلفظ عرضت على
النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق فلم يجزني ولم يرني بلغت وهي زيادة صحيحة لا مطعن فيه لجلالة ابن
جريج وتقدمه على غيره في حديث نافع وقد صرح فيها بالتحديث فانتفى ما يخشى من تدليسه
وقد نص فيها لفظ ابن عمر لقوله ولم يرني بلغت وابن عمر أعلم بما روى من غيره ولا سيما في
قصة تتعلق به انتهى كلام الحافظ قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله
(والعمل على هذا عند أهل العلم الخ) قال في شرح السنة العمل على هذا عند أكثر أهل العلم
قالوا إذا استكمل الغلام أو الجارية خمس عشرة سنة كان بالغا وبه قال الشافعي وأحمد
وغيرهما وإذا احتلم واحد منهما قبل بلوغه هذا المبلغ بعد استكمال تسع سنين يحكم ببلوغه
وكذلك إذا حاضت الجارية بعد تسع ولا حيض ولا احتلام قبل بلوغ التسع انتهى وقال في
الهداية بلوغ الغلام بالاحتلام والإحبال وا نزال إذا وطئ فإن لم يوجد فحتى يتم له ثمان
عشرة سنة وبلوغ الجارية بالحيض والاحتلام والحبل فإن لم يوجد ذلك فحتى يتم لها سبع عشرة
سنة وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا إذا تم للغلام والجارية خمس عشرة فقد بلغا وهو
رواية عن أبي حنيفة رحمه الله وهو قول الشافعي انتهى قلت ما ذهب إليه أكثر أهل العلم من
أن الغلام أو الجارية إذا استكمل خمس عشرة سنة كان بالغا هو الراجح الموافق لحديث الباب
قوله (فالإنبات يعني العانة) يريد إنبات شعر العانة وقد أخرج الشيخان من حديث أبي سعيد
بلفظ فكان يكشف عن مونزر المراهقين فمن أنبت منهم قتل ومن لم ينبت جعل في الذراري
وفي الإنبات أحاديث أخرى مذكورة في النيل وقد استدل بحديث أبي سعيد هذا وما في معناه أن
الإنبات من علامات البلوغ قال الشوكاني استدل بهذا الحديث من قال إن الإنبات من
علامات البلوغ وتعقب بأن قتل من أنبت ليس لأجل التكليف بل لدفع ضرره لكونه مظنة
للضرر كقتل الحية ونحوها ورد هذا التعقب بأن القتل لمن كان كذلك ليس
إلا لأجل الكفر لا
497

لدفع الضرر لحديث أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وطلب الإيمان وإزالة المانع منه
فرع التكليف ويؤيد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغزوا إلى البلاد البعيدة كتبوك ويأمر يغزو أهل
الأقطار النائية مع كون الضرر ممن كان كذلك مأمونا وكون قتال الكفار لكفرهم هو مذهب
طائفة من أهل العلم وذهبت طائفة أخرى إلى أن قتالهم لدفع الضرر والقول بهذه المقالة هو منشأ
ذلك التعقب ومن القائلين بهذا شيخ الاسلام ابن تيمية حفيد المصنف يعني مصنف المنتقى وله
في ذلك رسالة انتهى كلام الشوكاني
باب فيمن تزوج امرأة أبيه
قوله (مر بي خالي أبو بردة بن نيار) بكسر النون بعدها تحتية خفيفة حليف الأنصار (ومعه
لواء) بكسر اللام أي علم قال المظهر وكان ذلك اللواء علامة كونه مبعوثا من جهة النبي صلى الله عليه وسلم في
ذلك الأمر (بعثني) أي أرسلني (أن آتيه) أي آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم (برأسه) أي برأس ذلك الرجل
وفي رواية لأبي داود وللنسائي وابن ماجة والدارمي فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله والحديث
دليل على أنه يجوز للإمام أن يأمر بقتل من خالف قطعيا من قطعيان الشريعة كهذه المسألة فإن الله
تعالى يقول (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) ولكنه لا بد من حمل الحديث على أن ذلك
الرجل الذي أمر صلى الله عليه وسلم بقتله عالم بالتحريم وفعله مستحلا وذلك من موجبات الكفر والمرتد بقتل
قوله (وفي الباب عن قرة) لينظر من أخرجه قوله (حديث البراء حديث حسن غريب)
أخرجه الخمسة قال الشوكاني وللحديث أسانيد كثيرة منها ما رجاله رجال الصحيح (وقد روى
محمد بن إسحاق هذا الحديث عن عدي بن ثابت الخ) قال المنذري قد اختلف في هذا الحديث
اختلافا كثيرا فذكره من شاء الوقوف عليه فليرجع إلى النيل
498

باب ما جاء في الرجلين يكون أحدهما أسفل من الاخر في الماء
المراد بالأسفل الأبعد أي يكون أرض أحدهما قربية من الماء وأرض الاخر بعيدة منها
قوله (إن رجلا من الأنصار) زاد البخاري روايته في كتاب الصلح قد شهد بدرا قال
الداودي بعد جزمه بأنه كان منافقا وقيل كان بدريا فإن صح فقد وقع ذلك منه قبل شهودها
لانتقاء النفاق ممن شهدها وقال ابن التين إن كان بدريا فمعنى قوله لا يؤمنون لا يستكملون كذا في
فتح الباري وقال القاري في المرقاة قال التوربشتي رحمه الله وقد اجترأ جمع من المفسرين بنسبة
الرجل تارة إلى النفاق وأخرى إلى اليهودية وكلا القولين زائغ عن الحق إذ قد صح أنه كان
أنصاريا ولم يكن الأنصار من جملة اليهود ولو كان مغموضا عليه في دينه لم يصفوا بهذا الوصف
فإنه وصف مدح والأنصار وإن وجد منهم من يرمي بالنفاق فإن القرن الأول والسلف بعدهم
تحرجوا واحترزوا أن يطلقوا على من ذكر بالنفاق واشتهر به الأنصاري والأولى بالشحيح بدينه
أن يقول هذا قول أذله الشيطان فيه بتمكنه عند الغضب وغير مستبدع من الصفات البشرية
الابتلاء بأمثال ذلك انتهى ما في المرقاة (خاصم الزبير) أي ابن العوام ابن صفية بنت عبد المطلب
عمة النبي صلى الله عليه وسلم أي حاكم إلى النبي صلى الله عليه وسلم (في شراج الحرة) بكسر المعجمة وبالجيم جمع شرج بفتح
أوله وسكون الراء مثل بحر وبحار والمراد بها هنا مسيل الماء وإنما أضيفت إلى الحرة لكونها
فيها والحرة موضع معروف بالمدينة قال أبو عبيد كان بالمدينة واديان يسيلان بماء المطر فيتنافس
الناس فيه فقضي رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعلى فالأعلى كذا في الفتح (فقال الأنصاري) يعني للزبير (سرح
الماء) أمر من التسريح أي أطلقه وأرسله وإنما قال له ذلك لأن الماء كان يمر بأرض الزبير قبل
أرض الأنصاري فيحبسه كمال سقي أرضه ثم يرسله إلى أرض جاره فالتمس منه الأنصاري
تعجيل ذلك فامتنع إعلم أنه وقع في النسخة الأحمدية شرح بالشين المعجمة وهو غلط (فأبى) أي
الزبير (عليه) أي على الأنصاري (اسق يا زبير)
499

بهمزة وصل من الثلاث وحكى ابن التين أنه بهمزة قطع من الرباعي قاله الحافظ (ثم أرسل الماء إلى جارك) فإن
أرض الزبير كانت أعلى من أرض الأنصاري (أن كان ابن عمتك) بفتح همزة أن أي حكمت بذلك لأجل أن
كان أو بسبب أن كان قال القاضي وهو مقدر بأن أو لأن وحرف الجر يحذف معها للتخفيف كثيرا فإن فيها مع
صلتها طولا أي وهذا التقديم والترجيح لأنه ابن عمتك أو بسببه ونحوه قوله تعالى أن كان ذا
مال وبنين أي لا تطعه مع هذا المثالب لأن كان ذا مال (فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي تغير
من الغضب (حتى يرجع إلى الجدر) أي يصير إليه والجدر بفتح الجيم وسكون الدال المهملة هو
المسناة وهو ما وضع بين شربات النخل كالجدار وقيل المراد الحواجز التي تحبس الماء ويروي
الجدر بضم الدال وهو جمع جدار والمراد جدران الشربات التي في أصول النخل فإنها ترفع حتى
تصير شبه الجدار والشربات بمعجمة وفتحات هي الحفر التي تحفر في أصول النخل (فلا وربك) لا
زائدة (لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر) أي اختلط (بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا) ضيقا
أو شكا (مما قضيت ويسلموا) ينقادوا لحكمك (تسليما) من غير معارضة (الآية) بالنصب أي أتم
الآية قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه الشيخان قوله (وروى شعيب بن أبي حمزة عن
الزهري عن عروة بن الزبير عن الزبير ولم يذكر فيه عن عبد الله بن الزبير) أخرجه البخاري في
الصلح من صحيحه (نحو الحديث الأول) أي الذي أسنده الترمذي وقد بسط الحافظ في الفتح
الكلام في بيان الاختلاف
500

باب ما جاء فيمن يعتق مماليكه عند موته وليس له مال غيرهم
قوله (أعتق ستة أعبد) جمع عبد أي ستة مماليك (فقال له قولا شديدا) كراهة لفعله
وتغليظا عليه لعتق العبيد كلهم وعدم رعاية جانب الورثة (ثم دعاهم) أي طلبهم (فجزاهم) قال
النووي بتشديد الزاي وتخفيفها لغتان مشهورتان ذكرهما ابن السكيت وغيره أي فقسمهم وفي
رواية مسلم فجزأهم (ثلاثا وأرق أربعة) أي أبقى حكم الرق على الأربعة ودل الحديث على أن
الإعتاق في مرض الموت ينفذ عن الثلث لتعلق حق الورثة بماله وكذا التبرع كالهبة ونحوه قوله
(وفي الباب عن أبي هريرة) قوله (حديث عمران بن حصين حديث حسن صحيح) أخرجه
الجماعة إلا البخاري كذا في المنتقى قوله (وهي قول مالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحاق
يرون القرعة في هذا وفي غيره) وهو قول الجمهور قال الإمام البخاري في صحيحه باب القرعة
في المشكلات وذكر فيه عدة أحاديث كلها تدل على مشروعية القرعة قال الحافظ في الفتح وجه
إدخالها في كتاب الشهادات أنها من جملة البينات التي تثبت بها الحقوق فكما تقطع الخصومة والنزاع
بالبينة كذلك تقطع بالقرعة ومشروعية القرعة مما اختلف فيه والجمهور على القول بها في الجملة
وأنكرها بعض الحنفية وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة القول بها وجعل المصنف يعني البخاري
رحمه الله ضابطها الأمر المشكل وفسرها غيره بما يثبت فيه الحق لاثنين فأكثر وتقع المشاحة فيه
فيقرع لفصل النزاع وقال إسماعيل القاضي ليس في القرعة إبطال الشئ من الحق كما زعم
بعض الكوفيين بل إذا وجبت القسمة بين الشركاء فعليهم أن يعدلوا ذلك بالقيمة ثم يقترعوا
501

فيصير لكل واحد ما وقع له بالقرعة مجتمعا مما كان له في الملك مشاعا فيضم في موضع بعينه
ويكون ذلك بالعوض الذي صار لشريكه لأن مقادير ذلك قد عدلت بالقيمة وإنما أفادت
القرعة أن لا يختار واحد منهم شيئا معينا فيختاره الاخر فيقطع التنازع وهي إما في الحقوق
المتساوية وإما في تعيين الملك فمن الأول عقد الخلافة إذا استووا في صفة الإمامة وكذا بين
الأئمة في الصلوات والمؤذنين والأقارب في تغسيل الموتى والصلاة عليهم والحائضات إذا كن
في درجة والأولياء في التزويج والاستباق إلى الصف الأول وفي إحياء الموات وفي نقل المعدن
ومقاعد الأسواق والتقديم بالدعوى عند الحاكم والتزاحم على أخذ اللقيط والنزول في الخان
المسبل ونحوه وفي السفر ببعض الزوجات وفي ابتداء القسم والدخول ابتداء
النكاح وفي الإقراع بين العبيد إذا أوصى بعتقهم ولم يسعهم الثالث وهذه الأخيرة من
صور القسم الثاني أيضا وهو تعيين الملك ومن صور تعيين الملك الاقراع بين الشركاء عند تعديل
السهام في القسمة انتهى كلام الحافظ (وأما بعض أهل العلم من أهل الكوفة وغيرهم فلم يروا
القرعة) وهو قول أبي حنيفة وحديث الباب حجة على هؤلاء والقول الأول هو الحق والصواب (
وقالوا يعتق من كل عبد) أي من الأعبد الستة (الثلث) أي ثلثه (يستسعى) بصيغة المجهول أي
كل عبد (في ثلثي قيمته) فإن ثلثه قد صار حراء قوله (وأبو المهلب اسمه عبد الرحمن بن عمرو
الخ) قال في التقريب ثقة من الثانية
باب ما جاء فيمن ملك ذا رحم محرم
قوله (من ملك ذا رحم) بفتح الراء وكسر الحاء وأصله موضع تكوين الولد ثم استعمل للقرابة فيقع على كل من بينك وبينه نسب يوجب تحريم النكاح (محرم) بفتح الميم وسكون الحاء
المهملة وفتح الراء المخففة ويقال محرم بصيغة المفعول من التحريم والمحرم من لا يحل نكاحه من
502

الأقارب كالأب والأخ والعم ومن في معناهم وهو بالجر وكان القياس أن يكون بالنصب لأنه
صفة ذا رحم لا نعت رحم ولعله من باب جر الجواد كقوله بيت ضب خرب وماء شن بارد
(فهو) أي ذو الرحم المحرم ذكرا كان أو أنثى (حر) أي عتق عليه بسبب ملكه قوله (هذا
حديث لا نعرفه مسندا إلا من حديث حماد بن سلمة) قال الحافظ في التلخيص ورواه شعبة عن
قتادة عن الحسن مرسلا وشعبة أحفظ من حماد وقال علي بن المديني هو حديث منكر وقال
البخاري لا يصح انتهى وقال الشوكاني لكن الرفع من الثقة زيادة لولا ما في سماع الحسن من
سمرة مقال انتهى والحديث أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة قوله (وقد روى بعضهم هذا
الحديث عن قتادة عن الحسن عن عمر شيئا من هذا) أخرجه أبو داود عن قتادة عن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه موقوفا عليه بمثل حديث سمرة قال المنذري وأخرجه النسائي وهو
موقوف وقتادة لم يسمع عن عمر فإن مولده بعد وفاة عمر بنيف وثلاثين سنة انتهى
قوله (حدثنا عقبة بن مكرم) بضم الميم وسكون الكاف وفتح الراء (العمى) يفتح المهملة
وتشديد الميم أبو عبد الملك البصري ثقة من الحادية عشر (حدثنا محمد بن بكر البرساني) بضم
الموحدة وسكون الراء ثم مهملة أبو عثمان البصري صدوق يخطى من التاسعة قوله (والعمل
على هذا عند بعض أهل العلم) قال ابن الأثير في النهاية والذي ذهب إليه أكثر أهل العلم من
الصحابة والتابعين وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه وأحمد أن من ملك ذا رحم محرم عتق عليه
ذكرا كان أو أنثى وذهب الشافعي وغيره من الأئمة والصحابة والتابعين إلى أنه يعتق عليه أولاد
الاباء والأمهات ولا يعتق عليه غيرهم من ذوي قرابته وذهب مالك إلى أنه يعتق عليه الولد
503

والوالدان والأخوة ولا يعتق غيرهم انتهى قال البيهقي وافقنا أبو حنيفة في بني الأعمام أنهم لا
يعتقون بحق الملك واستدل الشافعي ومن وافقه بأن غير الوالدين والأولاد لا يتعلق بها رد
الشهادة ولا يجب بها النفقة مع اختلاف الدين فأشبه قرابة ابن العم وبأنه لا يعصبه فلا يعتق
عليه بالقرابة كابن العم قال الشوكاني لا يخفى أن نصب مثل هذه الأقيسة في مقابلة حديث
سمرة وحديث ابن عمر رضي الله عنه مما لا يلتفت إليه منصف والاعتذار عنهما بما فيهما من المقال
ساقط لأنهما يتعاضدان فيصلحان للاحتجاج انتهى كلام الشوكاني قوله (ولا يتابع ضمرة بن
ربيعة على هذا الحديث) قال الحافظ بن ربيعة الفلسطيني أبو عبد الله أصل دمشقي صدوق يهم
قليلا من التاسعة انتهى وفي الخلاصة وثقه أحمد وابن معين والنسائي وابن سعد (وهو حديث
خطأ عند أهل الحديث) وقال النسائي حديث منكر وقال البيهقي وهم فيه ضمرة والمحفوظ
بهذا الإسناد نهى عن بيع الولاء وعن هبته ورد الحاكم هذا بأن روى من طريق ضمرة الحديثين
بالإسناد الواحد وصححه ابن حزم وعبد الحق وابن القطان كذا في التلخيص وحديث ابن
عمر هذا أخرجه ابن ماجة والنسائي والحاكم من طريق ضمرة التي ذكرها الترمذي
باب فيمن زرع في أرض قوم بغير إذنهم
قوله (فليس له من الزرع شئ) يعني ما حصل من الزرع يكون لصاحب الأرض ولا
يكون لصاحب البذر إلا بذره وإليه ذهب أحمد وقال غيره ما حصل من الزرع فهو لصاحب البذر
وعليه نقصان الأرض كذا نقله القاري عن بعض العلماء الحنفية ونقل عن ابن الملك أنه عليه
أجرة الأرض من يوم غصبها إلى يوم تفريغها انتهى قلت ما ذهب إليه الإمام أحمد هو ظاهر
الحديث (وله نفقته) أي ما أنفقه الغاصب على الزرع من المؤنة في الحرث والسقي وقيمة البذر
وغير ذلك وقيل المراد بالنفقة قيمة الزرع فتقدر قيمته ويسلمها المالك والظاهر الأول قوله (
هذا حديث حسن صحيح) وضعفه الخطابي ونقل عن البخاري تضعيفه وهو خلاف ما نقله
504

الترمذي عن البخاري من تحسينه وضعفه أيضا البيهقي وهو من طريق عطاء بن أبي رباح عن
رافع قال أبو زرعة لم يسمع عطاء من رافع وكان موسى بن هارون يضعف هذا الحديث ويقول لم
يروه غير شريك ولا رواه عن عطاء غير أبي إسحاق ولكن قد تابعه قيس بن الربيع وهو سئ
الحفظ كذا في النيل والحديث أخرجه الخمسة إلا النسائي كذا في المنتقى قوله (والعمل على
هذا الحديث عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق) قال ابن رسلان قد استدل به كما
قال الترمذي أحمد على أن من زرع بذرا في أرض غيره واسترجعها صاحبها فلا يخلو إما أن
يسترجعها مالكها ويأخذها بعد حصاد الزرع أو يسترجعها والزرع قائم قيل أن يحصد فإن أخذها
مستحقها بعد حصاد الزرع فإن الزرع لغاصب الأرض لا نعلم فيها خلافا وذلك لأنه نماء
ماله وعليه أجرة الأرض إلى وقت التسليم وضمان نقص الأرض وتسوية حفرها وإن أخذ
الأرض صاحبها من الغاصب والزرع قائم فيها لم يملك إجبار الغاصب على قلعه وخير المالك
بين أن يدفع إليه نفقته ويكون الزرع له أو يترك الزرع للغاصب وبهذا قال أبو عبيد وقال
الشافعي وأكثر الفقهاء أن صاحب الأرض يملك إجبار الغاصب على قلعه واستدلوا بقوله
صلى الله عليه وسلم ليس لعرق ظالم حق ويكون الزرع المالك البذر عندهم على كل حال وعليه كراء الأرض
ومن جملة ما استدل به الأولون ما أخرجه أحمد وأبو داود والطبراني وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى زرعا
في أرض ظهير فأعجبه فقال ما أحسن زرع ظهير فقالوا إنه ليس لظهير ولكنه لفلان قال
فخذوا زرعكم وردوا عليه نفقته فدل على أن الزرع تابع الأرض ولا يخفى أن حديث رافع بن
خديج أخص من قوله صلى الله عليه وسلم ليس لعرق ظالم حق مطلقا فيبني العام على الخاص وهذا على فرض
أن قوله ليس لعرق ظالم حق يدل على أن الزرع لرب البذر فيكون الراجح ما ذهب إليه أهل
القول الأول من أن الزرع لصاحب الأرض إذا استرجع أرضه الزرع فيها وأما إذا استرجعها بعد
حصاد الزرع فظاهر الحديث أنه أيضا لرب الأرض ولكنه إذا صح الإجماع على أنه للغاصب
كان مخصصا لهذه الصورة وقد روى عن مالك وأكثر علماء المدينة مثل ما قاله الأولون وفي البحر
أن مالكا والقاسم يقولان الزرع لرب الأرض واحتج لما ذهب الجمهور من أن الزرع للغاصب
بقوله صلى الله عليه وسلم الزرع للزراع وإن كان غاصبا ولم أقف على هذا الحديث فينظر فيه وقال ابن
رسلان إن حديث ليس لعرق ظالم حق ورد في الغرس الذي له عرق مستطيل في الأرض
وحديث رافع ورد في الزرع فيجمع بين الحديثين ويعمل بكل واحد منهما في موضعه ولكن ما
505

ذكرناه من الجمع أرجح لأن بناء العام على الخاص أولى من النعمان المصير إلى قصر العام على السبب من
غير ضرورة انتهى كلام الشوكاني قوله (قال محمد) هو الإمام البخاري (حدثنا معقل بن
مالك البصري) قال الحافظ مقبول من العاشرة وزعم الأزدي أنه متروك فأخطأ (حدثنا عقبة بن
الأصم) هو عقبة بن عبد الله الأصم الرفاعي البصري ضعيف وربما دلس ووهم من فرق بين
الأصم والرفاعي كابن حبان (عن عطاء) هو ابن أبي رباح
باب ما جاء في النحل والتسوية بين الولد
قوله (أن أباه نحل) أي أعطى ووهب قال في النهاية النحل العطية والهبة ابتداء من غير
عوض ولا استحقاق (ابنا له) هو النعمان بن بشير نفسه ففي الصحيحين عن النعمان بن بشير أن
أباه اتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني نحلت ابني هذا غلاما (غلاما) أي عبدا (يشهده) أي
يجعله شاهدا (فأردده) أي أردد الغلام إليك وفي رواية للشيخين قال أعطيت سائر ولدك مثل
هذا قال لا قال فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم قال فرجع فرد عطيته وفي رواية لهما أنه
قال لا أشهد على جور وفي رواية لهما أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء قال بلى قال فلا
إذا قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما قوله (والعمل على هذا
عند بعض أهل العلم يستحبون التسوية بين الولد حتى قال بعضهم يسوي بين الولد حتى في
القبلة) قال الحافظ في الفتح ذهب الجمهور إلى أن التسوية مستحبة فإن فضل بعضا صح وكره
واستحبت المبادرة إلى التسوية أو الرجوع فحملوا الأمر على الندب والنهي على التنزيه قال
506

وتمسك به يعني بحديث النعمان بن بشير من أوجب التسوية في عطية الأولاد وبه صرح البخاري
وهو قول طاوس والثوري وأحمد وإسحاق وقال به بعض المالكية ثم المشهور عن هؤلاء أنها
باطلة وعن أحمد تصح ويجب أن يرجع وعنه يجوز التفاضل إن كان له سبب كأن يحتاج الولد
لأمانته ودينه أو نحو ذلك دون الباقين وقال أبو يوسف تجب التسوية إن قصد بالتفضيل
الإصرار قال ومن حجة من أوجبه أنه مقدمة الواجب لأن قطع الرحم والعقوق محرمان فما
يؤدي إليهما يكون محرما والتفصيل بما يؤدي إليهما انتهى (وقال بعضهم يسوي بين ولده في
النحل والعطية الذكر والأنثى سواء وهو قول سفيان الثوري الخ) قال الحافظ في الفتح
اختلفوا في صفة التسوية فقال محمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وبعض الشافعية والمالكية
العدل أن يعطي الذكر حظين كالميراث واحتجوا بأنه حظها من ذلك المال لو أبقاه الواهب في يده
حتى مات وقال غيرهم لا فرق بين الذكر والأنثى وظاهر الأمر بالتسوية يشهد لهم واستأنسوا
بحديث ابن عباس رفعه سووا بين أولادكم في العطية فلوا كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء
أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي من طريقه وإسناده حسن انتهى
باب ما جاء في الشفعة
بضم الشين المعجمة وسكون الفاء وغلط من حركها وهي مأخوذة لغة من الشفع وهو
الزوج وقيل من الزيادة وقيل من الإعانة وفي الشرع انتقال حصة شريك إلى شريك كانت
انتقلت إلى أجنبي بمثل العرض المسمى قاله الحافظ في الفتح قوله (جار الدار أحق بالدار)
استدل به القائلون بثبوت الشفعة للجار وأجاب عنه القائلون بعدم الشفعة بالجوار بأن المراد
بالجار هو الشريك قوله (وفي الباب عن الشريد) بفتح الشين المعجمة وكسر الراء بن سويد
507

قال قلت يا رسول الله أرضي ليس لأحد فيها شرك ولا قسم إلا الجوار فقال الجار أحق بسقبه
ما كان رواه أحمد والنسائي وابن ماجة ولابن ماجة مختصرا الشريك أحق بسقبه ما كان كذا في
المنتقى (وأبي رافع) أخرجه البخاري مرفوعا بلفظ الجار بسقبه وأخرجه أيضا أبو داود
والنسائي وابن ماجة (وأنس) أخرجه النسائي مرفوعا بلفظ جار الدار أحق بالدار قوله
(حديث سمرة حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي قال المنذري اختلف
الأئمة في سماع الحسن عن سمرة والأكثر على أنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة انتهى قوله
(وقد روى عيسى بن يونس عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله)
أخرجه النسائي (وروى) أي عيسى بن يونس (عن سعيد بن أبي عروبة الخ) أخرجه النسائي
أيضا (ولا نعرف حديث قتادة عن أنس إلا من حديث عيسى بن يونس) قال الدارقطني في سننه
بعد روايته وهم فيه عيسى بن يونس وغيره يرويه عن قتادة عن الحسن عن سمرة هكذا رواه
شعبة وغيره وهو الصواب انتهى قال ابن القطان عيسى بن يونس ثقة ولا يبعد أن يكون جمع بين
الروايتين أعني عن أنس وعن سمرة انتهى قوله (وحديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن
عمرو بن الشريد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب هو حديث حسن) أخرجه النسائي وابن
ماجة من طريق حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن عمرو بن الشريد عن أبيه وقد ذكرنا
لفظه فيما تقدم (وروى إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم)
أخرجه البخاري وغيره بلفظ الجار أحق بسقبه وفيه قصة (سمعت محمدا يقول كلا الحديثين
عندي صحيح قال الحافظ في الفتح يحتمل أن يكون سمعه من أبيه ومن أبي رافع انتهى
508

باب ما جاء في الشفعة للغائب
قوله (الجار أحق بشفعته) أي بشفعة جاره كما في رواية أبي داود (ينتظر) بصيغة المجهول
(به) أي بالجار قال ابن رسلان يحتمل انتظار الصبي بالشفعة حتى يبلغ وقد أخرج الطبراني في
الصغير والأوسط عن جابر أيضا مرفوعا الصبي على شفعته حتى يدرك فإذا أدرك فإن شاء أخذ
وإن شاء ترك وفي إسناده عبد الله بن بزيغ وكذا في النيل قلت قال الذهبي في الميزان في ترجمة
عبد الله بن بزيغ قال الدارقطني لين ليس بمتروك وقال ابن عدي ليس بحجة وهو قاضي
تستر وعامة أحاديثه ليست بمتروكة انتهى (وإن كان غائبا) بالواو وإن وصلية قال الطيبي في
شرح المشكاة بإثبات الواو في الترمذي وأبي داود وابن ماجة والدارمي وجامع الأصول وشرح
السنة وبإسقاطها في نسخ المصابيح والأول أوجه (إذا كان طريقهما) أي طريق الجارين أو
والدارين (هذا حديث حسن غريب) ورواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والدارمي قوله (لا نعلم أحدا
تكلم فيه غير شعبة من أجل هذا الحديث) قال الذهبي في الميزان عبد الملك بن أبي سليمان أحد
الثقات المشهورين تكلم فيه شعبة لتفرده عن عطاء بخبر الشفعة للجار قال وكيع سمعت شعبة
يقول لو روى عبد الملك حديثا اخر مثل حديث الشفعة لطرحت حديثه وقال أبو قدامة
السرخسي سمعت يحيى القطان يقول لو روى عبد الملك حديثا آخر كحديث الشفعة لتركت
حديثه وروى أحمد ابن أبي مريم عن يحيى ثقة وقال أحمد حديثه في الشفعة منكر وهو ثقة انتهى
وقال المنذري بعد نقل كلام الترمذي وقال الإمام الشافعي يخاف أن لا يكون محفوظا وأبو سلمة
حافظ وكذلك أبو الزبير ولا يعارض حديثهما بحديث عبد الملك وسئل الإمام أحمد بن حنبل
عن هذا الحديث فقال هذا حديث منكر وقال يحيى لم يحدث به إلا عبد الملك وقد أنكره
509

الناس عليه وقال الترمذي سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال لا أعلم
أحدا رواه عن عطاء غير عبد الملك تفرد به ويروى عن جابر خلاف هذا هذا آخر كلامه وقد
احتج مسلم في صحيحه بحديث عبد الملك واستشهد به البخاري ولم يخرجا له هذا الحديث
ويشبه أن يكون تركاه لتفرده به وإنكار الأئمة عليه وجعله بعضهم رأيا لعبد الملك أدرجه عبد
الملك في الحديث انتهى كلام المنذري قوله (فإذا قدم فله الشفعة وإن تطاول ذلك) وظاهر
الحديث أنه لا يجب عليه السير متى بلغه للطلب أو البعث برسول كما قال مالك وقال بعض أهل
العلم إنه يجب عليه ذلك إذا كانت مسافة غيبته ثلاثة أيام فما دونها وإن كانت المسافة فوق ذلك لم
يجب
باب ما جاء حدت الحدود ووقعت السهام فلا شفعة
قوله (إذا وقعت الحدود) أي إذا قسم الملك المشتري ووقعت الحدود أي الحواجز
والنهايات قال ابن الملك أي عينت وظهر كل واحد منها بالقسمة والإفراز (وصرفت) بصيغة
المجهول أي بينت (الطرق) بأن تعددت وحصل لكل نصيب طريق مخصوص قال في النهاية
صرفت الطرق أي بينت مصارفها وشوارعها كأنه من التصرف أو التصريف انتهى وقال ابن
مالك معناه خلصت وبانت وهو مشتق من الصرف بكسر المهملة الخالص من كل شئ كذا في
الفتح (فلا شفعة) استدل بهذا الحديث لمن قال إن الشفعة لا تثبت إلا بالخلطة لا بالجوار قوله
(هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد البخاري قوله (وبه يقول الشافعي وإسحاق لا يرون الشفعة إلا للخليط
510

ولا يرون للجار شفعة إذا لم يكن خليطا) واستدلوا بحديث جابر
المذكور واستدلوا أيضا بأن الشفعة ثبتت على خلاف الأصل لمعنى معدوم في الجار وهو أن
الشريك ربما دخل عليه شريكه فتأذى به فدعت الحاجة إلى مقاسمته فيدخل عليه الضرر بنقص
قيمة ملكه وهذا لا يوجد في المقسوم (وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم
الشفعة للجار) وبه قال أبو حنيفة وأصحابه (واستدلوا بالحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال جار
الدار أحق بالدار) قد تقدم هذا الحديث في باب ما جاء في الشفعة (وقال الجار أحق بسقبه) بفتح
السين المهملة والقاف ويجوز إسكانها وهو القرب والملاصقة أخرجه البخاري عن عمرو بن
الشريد قال وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور بن مخرمة فوضع يده على إحدى منكبي
إذ جاء أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا سعد ابتع مني بيتي في دارك
فقال سعد والله ما أبتاعهما فقال المسور والله لتبتاعنهما فقال سعد والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو مقطعة قال
أبو رافع لقد أعطيت بهما خمسمائة دينار ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الجار أحق
بسقبه ما أعطيتكهما بأربعة آلاف وإنما أعطى بهما خمسمائة دينار فأعطاه إياه قال الحافظ في
الفتح قال ابن بطال استدل بهذا الحديث أبو حنيفة وأصحابه على إثبات الشفعة للجار وأوله
غيرهم على أن المراد به الشريك بناء على أن أبا رافع كان شريك سعد في البيتين ولذلك دعاه إلى
الشراء منه قال وأما قولهم إنه ليس في اللغة ما يقتضي تسمية الشريك جارا فمردود فإن كل
شئ قارب شيئا قيل له جار وقد قالوا لامرأة الرجل جارة لما بينهما من الخالطة انتهى وتعقبه
ابن المنير بأن ظاهر الحديث أن أبا رافع كان يملك بيتين من جملة دار سعد لا شقصا شائعا من
منزل سعد وذكر عمر بن شبة أن سعدا كان اتخذ دارين بالبلاط متقابلتين بينهما عشرة أذرع
وكانت التي عن يمين المسجد منهما لأبي رافع فاشتراها سعد منه ثم ساق حديث الباب فاقتضى
511

كلامه أن سعدا كا جارا لأبي رافع قبل أن يشتري منه داره لا شريكا وقال بعض الحنفية يلزم
الشافعية القائلين بحمل اللفظ على حقيقته ومجازه أن يقولوا بشفعة الجار لأن الجار حقيقة في
المجاور مجاز في الشريك وأجيب بأن محل ذلك عند التجرد وقد قامت القرينة منا على المجاز
فاعتبر للجمع بين حديثي جابر وأبي رافع فحديث جابر صريح في اختصاص الشفعة بالشريك
وحديث أبي رافع مصروف الظاهر اتفاقا لأنه يقتضي أن يكون الجار أحق من كل أحد حتى من
الشريك والذين قالوا بشفعة الجار قدموا الشريك مطلقا ثم المشارك في الطريق ثم الجار على من
ليس بمجاور فعلى هذا فيتعين تأويل قوله أحق بالحمل على الفضل أو التعهد ونحو ذلك انتهى
ما في الفتح
باب ما جاء أن الشريك شفيع
قوله (عن أبي حمزة السكري) قال الخزرجي في الخلاصة سمي بذلك لحلاوة كلامه
انتهى قال في القاموس السكر بالضم وتشديد الكاف معرب شكر وقال الحافظ ثقة فاضل (عن
عبد العزيز بن رفيع) بضم الراء وفتح الفاء مصغرا عن ابن أبي مليكة بالتصغير هو عبيد الله بن أبي مليكة من مشاهير التابعين وعلمائهم وكان قاضيا على عهد ابن الزبير قوله
(والشفعة في كل شئ) استدل به من قال بثبوت الشفعة في كل شئ مما يمكن نقله أو لا لكن
الحديث معلول بالإرسال قوله (هذا أصح) أي كونه مرسلا أصح قال الحافظ في الفتح روى
512

البيهقي من حديث ابن عباس مرفوعا الشفعة في كل شئ ورجاله ثقات إلا أنه أعل
بالإرسال وأخرج الطحاوي له شاهدا من حديث جابر بإسناد لا بأس برواته انتهى قوله
(وقال أكثر أهل العلم إنما تكون الشفعة في الدور والأرضين ولم يروا الشفعة في كل شئ)
واحتجوا بحديث جابر رضي الله عنه قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أو
حائط الحديث رواه مسلم قال القاري في هذا الحديث دلالة على أن الشفعة لا تثبت إلا فيما
لا يمكن نقله كالأراضي والدور والبساتين دون ما يمكن نقله كالأمتعة والدواب وهو قول عامة
أهل العلم انتهى واحتجوا أيضا بحديث ث سمرة المذكور في الباب وبحديث عبادة بن الصامت
أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والدور رواه عبد الله بن أحمد في المسند
وهو من رواية إسحاق عن عبادة ولم يدركه (وقال بعض أهل العلم الشفعة في كل شئ) وبه قال
مالك في رواية وهو قول عطاء وعن أحمد تثبت في الحيوانات دون غيرها من المنقولات كذا في
الفتح واحتج من قال بثبوت الشفعة في كل شئ بحديث ابن عباس المذكور في الباب وقد
عرفت أنه معلول با رسال
باب ما جاء في اللقطة وضالة الإبل والغنم
اللقطة الشئ يلتقط وهو بضم اللام وفتح القاف على المشهور عند أهل اللغة والمحدثين
وقال عياض لا يجوز غيره وقال الزمخشري في الفائق اللقطة بفتح القاف والعامة تسكنها كذا
قال وقد جزم الخليل بأنها بالسكون قال وأما بالفتح فهو اللاقط وقال الأزهري هذا الذي قاله
هو القياس ولكن الذي سمع من العرب وأجمع عليه أهل اللغة والحديث الفتح كذا في الفتح
والضال في الحيوان كاللقطة في غيره قوله (عن سويد) بالتصغير (بن غفلة) بفتح المعجمة والفاء
513

أبو أمية الجعفي تابعي كبير مخضرم أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وكان في زمنه رجلا وأعطى الصدقة في زمنه
ولم يره على الصحيح وقيل إنه صلى خلفه ولم يثبت وإنما قدم المدينة حين نفضوا أيديهم من دفنه
صلى الله عليه وسلم ثم شهد الفتوح ونزل الكوفة ومات بها سنة ثمانين أو بعدها (قال خرجت) أي في غزاة كما في
رواية البخاري (مع زيد بن صوحان) بضم الصاد المهملة وسكون الواو وبعدها تابعي كبير
مخضرم أيضا (وسلمان بن ربيعة) هو الباهلي يقال له صحبة ويقال له سلمان الخيل لخبرته بها
وكان أميرا على بعض المغازي في فتوح العراق في عهد عمر وعثمان (قالا) أي زيد بن صوحان
وسلمان بن ربيعة (دعه) وفي رواية البخاري ألقه (تأكله السباع) كأنه كان من الجلد أو مثله مما
يأكله السباع (لأخذته ولأستمتعن به) وفي رواية البخاري ولكن إن وجدت صاحبه وإلا
استمتعت به (فقدمت على أبي بن كعب) وفي رواية البخاري فلما رجعنا حججنا فمررت بالمدينة
فسألت أبي بن كعب (فقال أحسنت) أي فيما فعلت (وقال أحص) أمر الإحصاء (عدتها) أي
عددها (ووعاءها
) الوعاء بكسر الواو والمد ما يجعل فيه الشئ سواء كان من جلد أو خزف أو
خشب أو غير ذلك (ووكاءها) الوكاء بكسر الواو والمد الخيط الذي يشد به الصرة وغيرهما قوله
(هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم قوله (ثم أعرف وكاءها) في النهاية الوكاء هو
الخيط الذي تشد به الصرة والكيس ونحوهما (ووعاءها) تقدم معناه (وعفاصها) بكسر أوله أي
وعاءها في الفائق العفاص الوعاء الذي يكون فيه اللقطة من جلد أو خرقة أو غير ذلك قال ابن
514

عبد الملك وإنما أمر بمعرفتها ليعلم صدق وكذب من يدعيها في شرح السنة اختلفوا في تأويل
قوله اعرف عفاصها في أنه لو جاء رجل وادعى اللقطة وعرف عفاصها ووكاءها هل يجب
الدفع إليه فذهب مالك وأحمد إلا أنه يجب الدفع إليه من غير بينة إذ هو المقصود من معرفة
العفاص والوكاء وقال الشافعي وأصحاب أبي حنيفة رحمه الله إذا عرف الرجل العفاص والوكاء والعدد والوزن ووقع في نفسه أنه صادق فله أن يعطيه وإلا فببينة لأنه قد
يصيب في الصفة بأن يسمع الملتقط بصفها فعلى هذا تأويل قوله اعرف عفاصها ووكاءها لئلا
تختلط بماله اختلاطا لا يمكنه التمييز إذا جاء مالكها انتهى ما في المرقاة قلت قد وقع في حديث
أبي بن كعب عند مسلم وغيره فإن جاء أحد يخبر ك بعددها ووعائها ووكائها فأعطها إياه قال
الحافظ في الفتح وقد أخذ بظاهر هذه الزيادة مالك وأحمد وقال أبو حنيفة والشافعي إن وقع في
نفسه صدقة جاز أن يدفع إليه ولا يجبر على ذلك إلا ببينة لأنه قد يصيب الصفة وقال الخطابي إن
صحت هذه اللقطة لم يجز مخالفتها وهي فائدة قوله اعرف عفاصها الخ وإلا فالاحتياط مع
من لم ير الرد إلا بالبينة قال ويتأول قوله اعرف عفاصها على أنه أمره بذلك لئلا تختلط بماله أو
لتكون الدعوى فيها معلومة قال الحافظ قد صحت هذه الزيادة فتعين المصير إليها انتهى
قلت قد ذكر وجه صحة هذه الزيادة في الفتح من شاء الوقوف على ذلك فليرجع إليه (فإن جاء
ربها) أي مالك اللقطة (فأدها إليه) فيه دليل على بقاء ملك مالك اللقطة خلافا لمن أباحها بعد الحول
بلا ضمان (فضالة الغنم) بتشديد اللام أي غاويتها أو متروكتها مبتدأ خبره محذوف أي ما حكمها
(هي لك) أي إن أخذتها وعرفتها ولم تجد صاحبها فإن لك أن تملكها (أو لأخيك) يريد به
صاحبها والمعنى إن أخذتها فظهر مالكها فهو له أو تركتها فاتفق أن صادفها فهو أيضا له وقيل
معناه إن لم تلتقطها يلتقطها غيرك (أو للذئب) بالهمزة وإبداله أي إن تركت أخذها الذئب وفيه
تحريض على التقاطها قال الطيبي أي تركتها ولم يتفق أن يأخذها غيرك يأكله الذئب غالبا
بذلك على جواز التقاطها وتملكها وعلى ما هو العلة لها وهي كونها معرضة للضياع ليدل على
اطراد هذا الحكم في كل حيوان يعجز عن الرعي بغير راع (احمرت وجنتاه) أي خداه (أو احمر
وجهه) شك من الراوي (مالك ولها) أي شئ لك ولها قيل ما شأنك
معها أي اتركها ولا تأخذها معها حذاؤها وسقاؤها الحذاء بالمد النعل والسقاء بالكسر القربة والمراد هنا بطنها وكروشها فإن
فيه رطوبة يكفي أياما كثيرة من الشرب فإن الإبل قد يتحمل من الظماء ما لا يتحمله سواء من
البهائم ثم أراد أنها تقوى على المشي وقطع الأرض وعلى قصد المياه وورودها ورعي الشجر
515

والامتناع عن السباع المفترسة قوله (وفي الباب عن أبي بن كعب وعبد الله بن عمر) في حاشية
النسخة الأحمدية كذا في أكثر النسخ وفي نسخة صحيحة عبد الله بن عمرو بالواو وعليه يدل
بعض القرائن انتهى قلت الأمر كما في هذه الحاشية (والجارود بن المعلى وعياض بن حمار
وجرير بن عبد الله) أما حديث أبي بن كعب فأخرجه أحمد ومسلم
وأما حديث عبد الله بن عمر بغير الواو على ما في أكثر النسخ فلم أقف عليه وأما حديث عبد الله بن عمرو بالواو فأخرجه النسائي وأبو داود وأما حديث الجارود فأخرجه
الدارمي عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضالة المسلم حرق النار وأما حديث عياض بن حمار
فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وأما حديث جرير بن عبد الله فأخرجه أحمد وأبو
داود وابن ماجة مرفوعا بلفظ لا يأوي الضالة إلا ضال قوله (حديث زيد بن خالد حديث
حسن صحيح) وأخرجه الشيخان (وحديث يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد حديث حسن
صحيح وقد روى عنه من غير وجه) الظاهر أن هذا تكرار قوله (رخصوا في اللقطة إذا عرفها
سنة فلم يجد من يعرفها أن ينتفع بها وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم
وإلا فاستمتع بها وما في معناه قال الحافظ في الفتح قوله وإلا فاستنفقها استدل به على أن
الملتقط يتصرف فيها سواء كان غنيا أم فقيرا وعن أبي حنيفة إن كان غنيا تصدق بها وإن
صاحبها تخير بين إمضاء الصدقة أو تغريمه قال صاحب الهداية إلا إن كان يأذن الإمام فيجوز
للغني كما في قصة أبي بن كعب وبهذا قال عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وغيرهم من
الصحابة والتابعين (وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم يعرفها سنة فإن
جاء صاحبها وإلا تصدق بها وهو قول سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك وهو قول أهل
الكوفة) استدل لهم بحديث عياض بن حمار وفيه وإن لم يجئ صاحبها فهو مال الله يؤتيه من
يشاء رواه أحمد وابن ماجة قال الشوكاني استدل به من قال إن الملتقط يملك اللقطة بعد أن
516

يعرف بها حولا وهو أبو حنيفة لكن بشرط أن يكون فقيرا وبه قالت الهادوية واستدلوا على
اشتراط الفقر بقوله في هذا الحديث فهو مال الله قالوا وما يضاف إلى الله إنما يتملكه من
يستحق الصدقة وذهب الجمهور إلى أنه يجوز له أن يصرفها في نفسه بعد التعريف سواء كان غنيا
أو فقيرا لإطلاق الأدلة الشاملة للغني والفقير كقوله فاستمتع بها وفي لفظ فهي كسبيل مالك
وفي لفظ فاستنفقها وفي لفظ فهي لك وأجابوا عن دعوى أن الإضافة (يعني إضافة المال إن
الله في قوله فهو مال الله) تدل على الصرف إلى الفقير بأن ذلك لا دليل عليه فإن الأشياء كلها
تضاف إلى الله قال الله تعالى وآتوهم من مال الله الذي أتاكم انتهى (وقال الشافعي
ينتفع بها وإن كان غنيا) وهو قول الجمهور كما عرفت (لأن أبي بن كعب أصاب على عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم صره فيها مائة دينار فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرفها ثم ينتفع بها وكان أبي كثير المال من مياسير
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الخ) أخرج حديث أبي بن كعب هذا الترمذي في هذا الباب وأخرجه أيضا
أحمد ومسلم ومياسير جمع موسر قال في القاموس اليسر بالضم وبضمتين واليسار والمسارة
والميسرة مثلثة السين السهولة والغني وأيسر أيسارا ويسرى صار ذا غنى فهو موسر جمعه مياسير
انتهى وقول الشافعي وكان أبي كثير المال قد اعترض عليه بحديث أبي طلحة الذي في
الصحيحين حيث استشار النبي صلى الله عليه وسلم في صدقته فقال اجعلها في فقراء أهلك فجعلها أبو طلحة في
أبي بن كعب وحسان وغيرهما والجواب عنه أن ذلك في أول الحال وقول الشافعي بعد ذلك
حين فتحت الفتوح كذا في التلخيص (فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأكلها) وهذا دليل على أنه يجوز للغني أن
ينتفع باللقطة وأجاب من قال بعدم جوازه بأنه إنما جاز لأبي بن كعب الانتفاع بها لأنه صلى الله عليه وسلم قد كان
أذن له بالانتفاع بها وإذا يأذن الإمام يجوز للغني الانتفاع باللقطة قلت هذا الجواب إنما يتمشى
إذا ثبت عدم جواز الانتفاع باللقطة للغني بدليل صحيح (فلو كانت اللقطة لم تحل إلا لمن تحل له
الصدقة لم تحل لعلي بن أبي طالب لأن علي بن أبي طالب أصاب دينارا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فعرفه فلم يجد من يعرفه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأكله) يأتي تخريج حديث علي هذا عن قريب (وكان
517

علي لا تحل له الصدقة) وهذا أيضا دليل على جواز الانتفاع
باللقطة للغني (وقد رخص بعض أهل العلم إذا كانت اللقطة يسيرة أن ينتفع بها ولا يعرفها
الخ) أخرج أحمد وأبو داود عن جابر قال رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط والحبل
وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بتمرة في الطريق فقال لولا أني أخاف
أن تكون من الصدقة لأكلتها أخرجه الشيخان قال صاحب المنتقى فيه إباحة المحقرات في الحال
انتهى قال الشوكاني حديث جابر في إسناده المغيرة بن زياد قال المنذري تكلم فيه غير
واحد وفي التقريب صدوق له أوهام وفي الخلاصة وثقة وكيع وابن معين وابن عدي وغيرهم
وقال أبو حاتم شيخ لا يحتج به وقوله وأشباهه يعني كل شئ يسير وقوله ينتفع به فيه دليل
على جواز الانتفاع بما يوجد في الطرقات من المحقرات ولا يحتاج إلى تعريف وقيل أنه يجب
التعريف بها ثلاثة أيام لما أخرجه أحمد والطبراني والبيهقي والجوزجاني واللفظ لأحمد من حديث
يعلى بن مرة مرفوعا من التقط لقطة يسيرة حبلا أو درهما أو شبه ذلك فليعرفها ثلاثة أيام فإن
كان فوق ذلك فليعرفه ستة أيام زاد الطبراني فإن جاء صاحبها وإلا فليتصدق بها وفي إسناده عمر
ابن عبد الله بن يعلى وقد صرح جماعة بضعفه ولكنه قد أخرج له ابن خزيمة متابعة وروى عن
جماعة وزعم ابن حزم أنه مجهول وزعم هو وابن القطان أن يعلى وحكيمة التي روت هذا
الحديث عن يعلى مجهولان قال الحافظ وهو عجب منهما لأن يعلى صحابي معروف
الصحبة قال ابن رسلان ينبغي أن يكون هذا الحديث معمولا به لأن رجال إسناده ثقات
وليس فيه معارضة للأحاديث الصحيحة بتعريف سنة لأن التعريف سنة هو الأصل المحكوم به
عزيمة وتعريف الثلاث رخصة تيسيرا للملتقط لأن الملتقط اليسير يشق عليه التعريف سنة مشقة
عظيمة بحيث يؤدي إلى أن أحدا لا يلتقط اليسير والرخصة لا تعارض العظيمة بل لا تكون إلا
مع بقاء حكم الأصل كما هو مقرر في الأصول ويؤيد تعريف الثلاث ما رواه عبد الرزاق عن أبي
سعيد أن عليا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بدينار وجده في السوق فقال النبي صلى الله عليه وسلم عرفه ثلاثا ففعل فلم
يجد أحدا يعرفه فقال كله انتهى وينبغي أيضا أن يقيد مطلق الانتفاع المذكور في حديث
الباب بالتعريف بالثلاث المذكورة فلا يجوز للملتقط أن ينتفع بالحقير إلا بعد التعريف به ثلاثا حملا
518

للمطلق على المقيد وهذا إذا لم يكن ذلك الشئ الحقير مأكولا فإن كان مأكولا جاز أكله ولم
يجب التعريف به أصلا كالتمرة ونحوها لحديث أنس المذكورة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين أنه لم يمنعه من
أكل التمرة إلا خشية أن تكون من الصدقة ولولا ذلك لأكلها وقد روى ابن أبي شيبة عن ميمونة
زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها وجدت تمرة فأكلتها وقالت لا يحب الله الفساد قال في الفتح يعني أنها لو
تركتها فلو تؤخذ فتؤكل لفسدت قال وجواز الأكل هو المجزوم به عند الأكثر انتهى ويمكن أن
يقال أنه يقيد حديث التمرة بحديث التعريف ثلاثا كما قيد به حديث الانتفاع ولكنها لم تجر
للمسلمين عادة بمثل ذلك وأيضا الظاهر من قوله صلى الله عليه وسلم لأكلتها أي في الحال ويبعد كل البعد أن
يريد صلى الله عليه وسلم لأكلتها بعد التعريف بها ثلاثا وقد اختلف أهل العلم في مقدار التعريف بالحقير فحكى
في البحر عن زيد بن علي والناصر والقاسمية والشافعي أنه يعرف به سنة كالكثير وحكى عن المؤيد
بالله والإمام يحيى وأصحاب أبي حنيفة أنه يعرف به ثلاثة أيام واحتج الأولون بقوله صلى الله عليه وسلم عرفها
سنة قالوا ولم يفصل واحتج الآخرون بحديث يعلى بن مرة وحديث علي وجعلوهما مخصصين
لعموم حديث التعريف سنة وهو الصواب لما سلف قال الإمام المهدي قلت الأقوى تخصيصه
بما مر للحرج انتهى يعني تخصيص حديث السنة بحديث التعريف ثلاثا انتهى كلام الشوكاني
قوله (عن بسر) بضم الموحدة وسكون السين المهملة (ابن سعيد) المدني العابد مولى ابن
الحضرمي ثقة جليل من الثانية (فإن اعترفت) بصيغة المجهول أي اللقطة (فأدها) أي أد
إلى ربها المعترف (ثم كلها) أي بعد التعريف إلى سنة وفيه أنه يجوز للملتقط أن يأكل اللقطة
ويتصرف فيها وإن كان غنيا لإطلاق الحديث ولا يجب عليه أن يتصدقها قوله (هذا حديث
حسن صحيح الخ) وأخرجه الشيخان (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم الخ) قد تقدمت
هذه العبارة بعينها فهي مكررة وليس في تكرارها فائدة
519

باب ما جاء في الوقف قوله (أصاب عمر) أي صادف في نصيبه من الغنيمة (أرضا بخيبر) هي المسماة بثمغ كما في
رواية البخاري وأحمد وثمغ بفتح المثلثة والميم وقيل بسكون الميم وبعدها عين معجمة (لم أصب
مالا قط) أي قبل هذا أبدا (أنفس) أي أعز وأجود والنفيس الجيد المغتبط به يقال نفس بفتح النون
وضم الفاء نفاسة (فما تأمرني) أي فيه فإني أردت أن أتصدق به وأجعله لله ولا أدري بأي طريق
أجعله له (حبست) بتشديد الموحدة ويخفف أي وقفت (وتصدقت بها) أي بمنفعتها وبين ذلك ما
في رواية عبيد الله بن عمر أحبس أصلها وحبس ثمرتها وفي رواية يحيى بن سعيد تصدق بثمره
وحبس أصله قاله الحافظ (فتصدق بها عمر أنها لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث) فيه أن
الشرط من كلام عمر وفي رواية للبخاري فقال النبي صلى الله عليه وسلم تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا
يورث ولكن ينفق ثمره فتصدق به عمر الخ وهذه الرواية تدل على أن الشرط من كلام النبي صلى الله عليه وسلم
ولا منافاة لأنه يمكن الجمع بأن عمر شرط ذلك الشرط بعد أن أمره النبي صلى الله عليه وسلم به فمن الرواة من
رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من وقف على عمر لوقوعه منه امتثالا للأمر الواقع منه صلى الله عليه وسلم به (تصدق
بها في الفقراء) وفي المشكاة وتصدق بها الخ بزيادة الواو (والقربى) تأنيث الأقرب كذا قيل
والأظهر أنه بمعنى القرابة والمضاف مقدر ويؤيده قوله تعالى وآت ذا القربى قال القاري وقال
الحافظ يحتمل أن يكون هم من ذكر في الخمس ويحتمل أن يكون المراد بهم قربى الواقف وبهذا
الثاني جزم القرطبي (وفي الرقاب) بكسر الراء جمع رقبة وهم المكاتبون أي في أداء ديونهم ويحتمل
أن يريد أن يشتري به الأرقاء وبعتقهم (وفي سبيل الله) أي منقطع الغزاة أو الحاج قاله القاري
(وابن السبيل) أي ملازمته وهو المسافر (والضيف) هو من نزل بقوم يريد القرى (لا جناح) أي لا
إثم (على من وليها) أي قام بحفظها وإصلاحها أن يأكل منها بالمعروف) بأن يأخذ منها قدر ما
520

يحتاج إليه قوتا وكسوة (أو يطعم) من الإطعام (غير متمول فيه) أي مدخر حال من فاعل وليها
(قال فذكرتها لابن سيرين) القائل هو ابن عون ووقع في رواية للبخاري فحدثت به ابن سيرين
قال الحافظ في الفتح القائل هو ابن عون بين ذلك الدارقطني من طريق أبي أسامة عن ابن عون
قال ذكرت حديث نافع لابن سيرين فذكره انتهى (فقال غير متأثل مالا) أي غير مجمع لنفسه
منه رأس مال قال ابن الأثير أي غير جامع يقال مال مؤثل ومجد مؤثل أي مجموع ذو
أصل وأثلة الشئ أصله انتهى وقال الحافظ التأثل أصل المال حتى كأنه عنده قديم وأثلة كل
شئ أصله (قال ابن عون فحدثني به رجل آخر الخ) وقع في النسخة المطبوعة الأحمدية ابن
عوف بالفاء وهو غلط (في قطعة أديم أحمر) قال في القاموس الأديم الجلد أو أحمره أو مدبوغه
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة
قوله (لا نعلم بين المتقدمين منهم في ذلك اختلافا في إجازة وقف الأرضين وغير ذلك)
وجاء عن شريح أنه أنكر الحبس ومنهم من تأوله وقال أبو حنيفة لا يلزم وخالفه جميع أصحابه إلا زفر بن
الهذيل فحكى الطحاوي عن عيسى بن أبان قال كان أبو يوسف يجيز بيع الوقف فبلغه حديث عمر هذا فقال من سمع هذا من ابن عون فحدثه به أبن عليه فقال هذا لا يسع أحدا خلافه ولو
بلغ أبا حنيفة لقال به فرجع عن بيع الوقف حتى صار كأنه لا خلاف فيه بين أحد انتهى كذا في
الفتح قوله (انقطع عن عمله) أي أعماله بدليل الاستثناء والمراد فائدة عمله لانقطاع عمله يعني
لا يصل إليه أجر وثواب من شئ من عمله (إلا من ثلاث) فإن أجرها لا ينقطع (صدقة جارية)
521

بالجر بدل من ثلاث قال في الأزهار هي الوقف وشبهه مما يدوم نفعه (وعلم ينتفع به) أي بعد موته
(وولد صالح يدعو له) قال ابن الملك قيد الولد بالصالح لأن الأجر لا يحصل من غيره وإنما ذكر دعاءه
تحريضا للولد على الدعاء لأبيه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
باب ما جاء في العجماء أن جرحها جبار
قوله (العجماء) بفتح العين ممدودا سميت عجماء لأنها لا تتكلم (جرحها) بضم الجيم
وفتحها فبالفتح مصدر وبالضم الاسم (جبار) بضم الجيم وتخفيف الموحدة أي هدر لا شئ فيه (
والبئر) بالهمزة ويبدل (جبار) فمن حفر بيرا في ارضه أو في أرض المباح وسقط فيه رجل لا قود ولا
عقل على الحافر وكذلك المعدن قاله القاري (والمعدن جبار) ليس المراد أنه لا زكاة فيه وإنما
المعنى أن من استأجر للعمل في معدن مثلا فهلك فهو هدر ولا شئ على من استأجره (وفي
الركاز الخمس) الركاز بكسر الراء وتخفيف الكاف وآخره زاي المال المدفون مأخوذ من الركز بفتح
الراء يقال ركزه يركزه ركزا إذا دفنه فهو مركوز قوله (وفي الباب عن جابر وعمرو بن عوف المزني
وعبادة بن الصامت) لينظر من أخرج أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم (حديث أبي هريرة
حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة قوله (فالركاز ما وجد من دفن الجاهلية) بكسر الدال
522

المهملة وسكون الفاء بمعنى المدفون كالذبح بمعنى المذبوح وأما بالفتح فهو المصدر ولا يراد هنا
(فمن وجد ركازا أدى منه الخمس) قال البخاري في صحيحه قال مالك وابن إدريس الركاز دفن
الجاهلية في قليله وكثيره الخمس وليس المعدن بركاز وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في المعدن جبار وفي
الركاز الخمس انتهى قال الحافظ قوله في قليله وكثيره الخمس فهو قوله في القديم كما نقله ابن
المنذر واختاره وأما في الجديد فقال لا يجب فيه الخمس حتى يبلغ نصاب الزكاة الأول قول
الجمهور وهي مقتضى ظاهر الحديث قوله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في المعدن جبار وفي الركاز الخمس أي
فغاير بينهما انتهى قال البخاري وقال بعض الناس المعدن ركاز مثل دفن الجاهلية لأنه يقال
الركز المعدن إذا أخرج منه شئ قيل له فقد يقال لمن وهب له الشئ وربح ربحا كثيرا وكثر تمره
أركزت ثم ناقضه وقال لا بأس أنه يكتمه ولا يؤدي الخمس انتهى قال الحافظ قوله وقال
بعض الناس إلخ قال ابن التين المراد ببعض الناس أبو حنيفة قال الحافظ ويحتمل أن يريد به أبا
حنيفة وغيره من الكوفيين ممن قال بذلك قال ابن بطال ذهب أبو حنيفة والثوري وغيرهما إلى أن
المعدن كالركاز واحتج لهم بقول العرب أركز الرجل إذ أصاب ركازا وهي قطع من الذهب تخرج
من المعادن والحجة للجمهور تفرقة النبي صلى الله عليه وسلم بين المعدن والركاز بواو العطف فصح أنه غيره
وقال وما ألزم به البخاري القائل المذكور قد يقال لمن وهب له الشئ أو ربح ربحا كثيرا أو كثر ثمر
أركزت حجة بالغة لأنه لا يلزم من الاشتراك في الأسماء لاشتراك في المعنى إلا إن أوجب لك من
يجب التسليم له وقد أجمعوا على أن المال الموهوب لا يجب فيه الخمس وإن كان يقال له أركز
فكذلك المعدن وأما قوله ثم ناقض الخ فليس كما قال وإنما أجاز له أبو حنيفة أن يكتمه إذا كان
محتاجا بمعنى أنه يتأول أن له حقا في بيت المال ونصيبا في الفئ فأجاز له أن يأخذ الخمس لنفسه
عوضا عن ذلك لأنه اسقط الخمس عن المعدن انتهى وقد نقل الطحاوي المسألة التي ذكرها ابن
بطال ونقل أيضا أنه لو وجد في داره معدنا فليس عليه شئ وبهذا يتجه اعتراض البخاري
والفرق بين المعدن والركاز في الوجوب وعدمه أن المعدن يحتاج إلى عمل ومؤنة ومعالجة
لاستخراجه بخلاف الركاز وقد جرت عادة الشرع أن ما غلظت مؤنته خفف عنه في قدر الزكاة
523

وما خففت زيد فيه وقيل إنما جعل في الركاز الخمس لأنه مال كافر فنزل من وجده منزلة الغنائم
فكان له أربعة أخماسه انتهى
باب ما ذكر في إحياء أرض الموات
بفتح الميم قال في النهاية الموات الأرض التي لم تزرع ولم تعمر ولا جرى عليه ملك أحد
وإحياؤها مباشرة عمارتها وتأثير شئ فيها قوله (من أحيى أرضا ميتة) الأرض الميتة هي التي لم
تعمر شبهت عمارتها بالحياة وتعطيلها بالموت قال الزرقاني ميتة بالتشديد قال العراقي ولا
يقال بالتخفيف لأنه إذا خفف تحذف منه تاء التأنيث والميتة والموات والموتان بفتح الميم والواو التي
لم تعمر سميت بذلك تشبيها لها بالميتة التي لا ينتفع بها لعدم الانتفاع بها بزرع أو غرس أو بناء أو
نحوها انتهى (فهي له) أي صارت تلك الأرض مملوكة له سواء كانت فيها قرب من العمران أم
بعد سواء أذن له الإمام في ذلك أم لم يأذن وهذا قول الجمهور وعن أبي حنيفة لا بد من إذن
الإمام مطلقا وعن مالك فيما قرب وضابط القرب ما بأهل العمران إليه حاجة من رعي
ونحوه واحتج الطحاوي للجمهور مع حديث الباب بالقياس على ماء البحر والنهر وما يصطاد
من طير وحيوان فإنهم انفقوا على أن من أخذه أو صاده يملكه سواء قرب أو بعد سواء أذن الإمام
أو لم يأذن كذا في الفتح قلت خالف أبا حنيفة صاحباه فقالا بقول الجمهور وحجة الجمهور
حديث الباب وما في معناه وهو الظاهر الراجح وقد قال الترمذي إنه صح واستدل لأبي حنيفة
بحديث الأرض لله ورسوله ثم لكم من بعدي فمن أحيى شيئا من موتات الأرض فله رقبتها
أخرجه ابن يوسف في كتاب الخراج فإنه أضافه إلى الله ورسوله وكل ما أضيف إلى الله ورسوله
لا يجوز أن يختص به إلا بإذن الإمام قلت لم أقف على سند هذا الحديث ولا أدري كيف هو
وعلى تقدير صحته فالكبرى ممنوعة لحديث الباب ولقوله في هذا الحديث فمن أحيى شيئا الخ
فتفكر واستدل له أيضا بحديث ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامه قلت هذا حديث
ضعيف قال الزيلعي في نصب الراية بعد ذكره رواه الطبراني وفيه ضعف من حديث معاذ انتهى
(وليس لعرق) بكسر العين وسكون الراء وهو أحد عروق الشجرة (ظالم) قال الحافظ في الفتح
524

في رواية الأكثر بتنوين عرق وظالم نعت له وهو راجع إلى صاحب العرق أي ليس لذي عرق ظالم أو
إلى العرق أي ليس لعرق ذي ظلم ويروى بالإضافة ويكون الظالم صاحب العرق فيكون المراد
بالعرق الأرض وبالأول جزم مالك والشافعي والأزهري وابن فارس وغيرهم وبالغ الخطابي
فغلط رواية الإضافة انتهى قال في النهاية هو أن يجئ الرجل إلى أرض قد أحياها رجل قبله
فيغرس فيها غرسا غصبا ليستوجب به الأرض والرواية لعرق بالتنوين وهو على حذف المضاف أي
لذي عرق ظالم فجعل العرق نفسه ظالما والحق لصاحبه أو يكون الظالم من صفة صاحب العرق
وإن روى عرق بالإضافة فيكون الظالم صاحب العرق وألحق المعرق وهو أحد عروق الشجرة
انتهى قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود والنسائي وسكت عنه أبو داود وأقر
المنذري تحسين الترمذي قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه النسائي قوله (وقد رواه
بعضهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا) هذا المرسل أخرجه أبو داود والنسائي
ومالك قوله (وهو قول أحمد وإسحاق) وهو قول الجمهور كما تقدم (وقالوا) أي بعض أهل
العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم (له) أي يجوز لمن أراد إحياء الأرض الميتة (وقال بعضهم
ليس له أن يحييها إلا بإذن السلطان) وهو قول أبي حنيفة رحمه الله قال محمد رحمه الله في الموطأ أبعد
ذكر حديث الباب مرسلا وأثر عن عمر رضي الله عنه بمثله ما لفظه قال محمد وبهذا نأخذ من
أحيى أرضا ميتة بإذن الإمام أو بغير إذنه فهي له فأما أبو حنيفة رحمه الله فقال لا يكون له إلا أن
يجعلها له الإمام قال وينبغي للإمام إذا أحياها أن يجعلها له وإن لم يفعل لم تكن له انتهى قوله (
وفي الباب عن جابر رضي الله عنه) لعله أشار إلى ما أخرجه النسائي عنه بلفظ من أحيى أرضا
ميتة فله فيها أجر وما أكلت العافية منها فهو له صدقة (وعمرو بن عوف المزني جد كثير) أخرجه
525

ابن أبي شيبة والبزار في مسنديهما والطبراني في معجمه عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن
أبيه عن جده مرفوعا بلفظ حديث سعيد ابن زيد ورواه ابن عدي في الكامل وأعله بكثير وضعفه
عن أحمد والنسائي وابن معين جدا كذا في نصب الراية (وسمرة) لينظر من أخرج حديثه قوله
(قال سألت أبا الوليد الطيالسي) هو هشام بن عبد الملك الباهلي مولاهم البصري الحافظ الإمام
الحجة قال أحمد متقن وهو اليوم شيخ الإسلام ما أقدم عليه أحدا من المحدثين قال البخاري
مات سنة سبع وعشرين ومائتين (قلت هو الرجل الذي يغرس في أرض غيره) بتقدير همزة
الاستفهام والقائل هو محمد بن المثنى (قال) أي أبو الوليد
باب ما جاء في القطائع
جمع قطيعة تقول أقطعته أرضا جعلتها له قطيعة والمراد به ما يخص به الإمام بعض الرعية
من الأرض الموات فيختص به ويصير أولى بإحيائه ممن لم يسبق إلى إحيائه واختصاص الإقطاع
بالموات متفق عليه في كلام الشافعية وحكى عياض أن الاقطاع تسويغ الإمام من مال الله شيئا
لمن يراه أهلا لذلك قال وأكثر ما يستعمل الأرض وهو أن يخرج منها لمن يراه ما يجوزه إما بأن
يملكه إياه فيعمره وإما بأن يجعل له غلته مدة انتهى كذا في الفتح قوله (قلت لقتيبة بن سعيد
حدثكم محمد بن يحيى بن قيس) قرأ الترمذي هذا الحديث على شيخه قتيبة بالقراءة عليه وهذا
أحد وجوه التحمل قال السيوطي في تدريب الراوي وإذا قرأ على الشيخ قائلا أخبرك فلان أو
نحوه كما قلت أخبرنا فلان والشيخ مصغ إليه فاهم له غير منكر ولا مقر لفظ صح السماع وجازت
الرواية به اكتفاء بالقرائن الظاهرة ولا يشترط نطق الشيخ بالإقرار كقوله نعم على الصحيح الذي
قطع به جماهير أصحاب الفنون وشرط بعض أصحاب الشافعية والظاهريين نطقه به انتهى
كلام السيوطي قلت قد أقر قتيبة بعد قراءة الترمذي هذا الحديث عليه ونطق بقوله نعم كما هو
مصرح في آخر الحديث (المأربي) منسوب إلى مأرب بفتح الميم وسكون الهمزة وكسر الراء وقيل
526

بفتحها موضع باليمين (عن ثمامة) بضم المثلثة (بن شراحيل) بفتح الشين المعجمة (عن سمي)
بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء (ابن قيس) قال الحافظ مجهول (عن شمير) بضم
الشين المعجمة وفتح الميم مصغرا ابن عبد الدار اليمامي مقبول من الثالثة (عن أبيض بن حمال)
بفتح الحاء المهملة وتشديد الميم (وفد) أي قدم (استقطعه) أي سأله أن يقطع إياه (الملح) أي
معدن الملح (فقطع له) لظنه صلى الله عليه وسلم أنه يخرج منه الملح بعمل وكد (فلما أن ولى) أي أدبر (قال رجل
من المجلس) وهو الأقرع بن حابس التميمي على ما ذكره الطيبي وقيل إنه العباس بن مرداس
(الماء العد) بكسر العين وتشديد الدال المهملة أي الدائم الذي لا ينقطع والعد المهيأ (قال) أي
الرجل قال ابن الملك والظاهر أنه أبيض الراوي قال القاري الأظهر أن فاعل قال هو الرجل وإلا
فكان حقه أن يقوله فرجعه مني انتهى قلت عندي أن فاعل قال هو شمير الراوي عن أبيض
فنفكر (قال أي شمير) الراوي (وسأله) أي الرجل النبي صلى الله عليه وسلم كذا في المرقاة وقال الشيخ عبد الحق
في اللمعات أي سأل أبيض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت الظاهر عندي هو ما قال الشيخ (عن ما يحمي)
بصيغة المجهول من الأراك بيان لما وهو القطعة من الأرض على ما في القاموس ولعل المراد
منه الأرض التي فيها الأراك قال المظهر المراد من الحمى هنا الاحياء إذ الحمى المتعارف لا يجوز
لأحد أن يخصه (ما لم تنله) بفتح النون أي لم تصله خفاف الإبل معناه ما كان بمعزل من المراعي
والعمارات وفيه دليل على أن الإحياء لا يجوز بقرب العمارة لاحتياج أهل البلد إليه لرعي
مواشيهم وإليه أشار بقوله ما لم تنله خفاف الإبل قال الأصمعي الخف الجمل المسن والمعنى
أن ما قرب من المرعى لا يحمي بل يترك لمسان الإبل وما في معناها من الضعاف التي لا تقوى على
الامعان في طلب المرعى وقال الطيبي رحمه الله وقيل يحتمل أن يكون المراد به أنه لا يحمي ما تناله
الأخفاف ولا شئ منها إلا وتناله الأخفاف كذا في المرقاة قوله (فأقربه وقال نعم) هذا متعلق
527

بقوله قلت لقتيبة بن سعيد حدثكم محمد بن يحيى الخ أي قال الترمذي لشيخه قتيبة حدثكم
محمد بن يحيى الخ فأقر به قتيبة وقال نعم وهذا أحد وجوه التحمل وقد مر تفصيله في ابتداء
الكتاب في شرح قوله فأقربه الشيخ الثقة الأمين قوله (وفي الباب عن وائل وأسماء ابنه أبي بكر)
أما حديث وائل فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث أسماء فأخرجه أبو داود بلفظ أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أقطع للزبير نخيلا قوله (حديث أبيض بن حمال حديث حسن غريب) وأخرجه ابن
ماجة والدارمي قوله (أقاطعه) أي أعطى واثلا (أرضا بحضرموت) بفتح الحاء المهملة وسكون
الضاد وفتح الواو والميم اسم بلد باليمن وهما اسمان جعلا اسما واحدا فهو غير منصرف بالعلمية
والتركيب وقال في القاموس بضم الميم بلد وقبيلة (وبعث له) أي مع وائل (معاوية) الظاهر أن
المراد به هو ابن الحاكم السلمي وابن جاهمة السلمي وأما معاوية بن أبي سفيان فهو وأبوه من
مسلمة الفتح ثم هو من المؤلفة قلوبهم فهو غير ملائم للمرام وإن كان مطلق هذا الاسم ينصرف
إليه في كل مقام قاله القاري قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الدارمي
باب ما جاء في فضل الغرس
بفتح الغين المعجمة وسكون الراء قال في الصراح غرس بالفتح نشاندن درخت قوله
(يغرس) بكسر الراء قال في القاموس غرس الشجر يغرسه أثبته في الأرض كاغرسة والغرس
528

المغروس (أو يزرع) أو للتنويع لأن الزرع غير الغرس (زرعا) نصبه وكذا نصب غرسا على
المصدرية أو على المفعولية (فيأكل منه) أي مما ذكر من المغروس أو المزروع (إنسان) ولو بالتعدي
(أو طير أو بهيمة) أي ولو بغير اختياره (إلا كانت له صدقة) قال الطيبي الرواية برفع الصدقة على
أن كانت تامة انتهى قال القاري وفي نسخة يعني من المشكاة بالنصب على أن الضمير راجع إلى
المأكول وأنث لتأنيث الخبر انتهى والحديث رواه مسلم عن جابر وفيه وما سرق منه له صدقة وفي
رواية له عنه لا يغرس مسلم غرسا فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا طير إلا كان له صدقة إلى يوم
القيامة قوله (وفي الباب عن أبي أيوب) أخرجه أحمد عنه مرفوعا ما من رجل يغرس غرسا إلا
كتب الله من الأجر قدر ما يخرج من ذلك الغرس قال المنذري رواته محتج بهم في الصحيح إلا
عبد الله بن عبد العزيز الليثي (وأم مبشر) بضم الميم وفتح الموحدة وكسر الشين
المشددة صحابية مشهورة امرأة زيد بن حارثة وحديثها أخرجه مسلم (وجابر) أخرجه مسلم
(وزيد بن خالد) لينظر من أخرجه وفي الباب عن أحاديث أخرى ذكرها المنذري في الترغيب في
باب الزرع وغرس الأشجار المثمرة قوله (حديث أنس حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري
ومسلم
باب ما جاء في المزارعة
المزارعة هي أن يعامل إنسانا على أرض ليتعهدها بالسقي والتربية على أن ما رزق الله تعالى
من الحبوب يكون بينهما بجزء معين كذا في المرقاة والمراد بقوله بجزء معين كالنصف والربع
والثلث قوله (عامل أهل خيبر) وهو يهود خيبر وهو موضع قريب المدينة غير منصرف (بشطر ما
يخرج) أي بنصفه فالشطر هنا بمعنى النصف وقد يأتي بمعنى النحو كقوله تعالى فول وجهك
شطر المسجد الحرام أي نحوه (منها) أي من خيبر يعني من نخلها وزرعها والحديث دليل على
جواز المزارعة بالجزء المعلوم من نصف أو ربع أو ثمن وهو الحق قوله (وفي الباب عن أنس)
529

لينظر من أخرجه (وابن عباس) أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع خيبر أرضها ونخلها مقاسمة على النصف
أخرجه أحمد وابن ماجة (وزيد بن ثابت) أخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة وسيأتي لفظه في
الباب الذي بعده (وجابر) لينظر من أخرجه قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة
قوله (ولم يروا بالمزارعة بأسا على النصف والثلث والربع الخ) وهو قول الجمهور قال الشيخ
عبد الحق الدهلوي المساقاة أن يدفع الرجل أشجاره إلى غيره ليعمل فيه ويصلحها بالسقي
والتربية على سهم معين كنصف أو ثلث والمزارعة عقد على الأرض ببعض الخارج كذلك
والمساقاة تكون في الأشجار والمزارعة في الأراضي وحكمها واحد وهما فاسدان عند أبي حنيفة
وعند صاحبيه والآخرين من الأئمة جائز وقيل لا نرى أحدا من أهل العلم عنهما إلا أبو
حنيفة وقيل زفر معه وقال في الهداية الفتوى على قولهما والدليل للأئمة ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم
عامل أهل خيبر على نصف ما يخرج من ثمر أو زرع ولأبي حنيفة ما روى أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة
وهي المزارعة انتهى كلامه قلت أحاديث النهي عن المخابرة محمولة على التنزيه أو على ما إذا
اشترط صاحب الأرض ناحية منها معينة كما يدل عليه أحاديث ذكرها صاحب المنتقى وقال بعد
ذكرها وما ورد من النهي المطلق عن المخابرة والمزارعة يحمل على ما فيه مفسدة كما بينته هذه
الأحاديث أو يحمل على اجتنابها ندبا واستحبابا فقد جاء ما يدل على ذلك ثم ذكر أحاديث تدل
على أن النهي عن المخابرة والمزارعة ليس للتحريم بل هو للتنزيه قال الشوكاني في النيل كلام
المصنف يعني صاحب المنتقى هذا كلام حسن ولا بد من المصير إليه للجمع بين الأحاديث
المختلفة وهو الذي رجحناه فيما سلف انتهى قلت الأمر كما قال الشوكاني وقال الحافظ في
الفتح هذا الحديث يعني حديث الباب هو عمدة من أجاز المزارعة والمخابرة لتقرير النبي صلى الله عليه وسلم
لذلك واستمراره على عهد أبي بكر إلى أن أجلاهم عمر واستدل به على جواز المساقاة في النخل
والكرم وجميع الشجر الذي من شأنه أن يثمر بجزء معلو يجعل للعامل من الثمرة وبه قال
الجمهور وخصه الشافعي في الجديد بالنخل والكرم وألحق المقل بالنخل لشبهه به وخصه أبو داود
بالنخل وقال أبو حنيفة وزفر لا يجوز بحال لأنها إجارة بثمرة معدومة أو مجهولة وأجاب من
جوزه بأنه عقد على عمل في المال ببعض نمائه فهو كالمضاربة لأن المضارب يعمل في المال بجزء من
نمائه وهو معدوم ومجهول وقد صح عقد الإجارة مع أن المنافع معدومة فكذلك هنا وأيضا
فالقياس في إبطال نص أو إجماع مردود وأجاب بعضهم عن قصة خيبر بأنها فتحت صلحا وأقروا
على أن الأرض ملكهم بشرط أن يعطوا نصف الثمرة فكان ذلك يؤخذ بحق الجزية فلا يدل على
530

جواز المساقاة وتعقب بأن معظم خيبر فتح عنوة وبأن كثيرا منها قسم بين الغانمين وبأن عمر
أجلاهم منها فلو كانت الأرض ملكهم ما أجلاهم عنها واستدل من أجازه في جميع الثمر بأن في
بعض طرق حديث الباب بشطر ما يخرج منها من نخل وشجر وفي رواية عند البيهقي على أن لهم
الشطر من كل زرع ونخل وشجر انتهى (واختار بعضهم أن يكون البذر من رب الأرض) أي
مالكها قال الحافظ في الفتح واستدل به يعني بحديث الباب على جواز البذر من العامل أو
المالك لعدم تقييده في الحديث بشئ من ذلك واحتج من منع بأن العامل حينئذ كأنه باع البذر
من صاحب الأرض بمجهول من الطعام نسيئة وهو لا يجوز وأجاب من أجازه بأنه مستثنى من
النهي عن بيع الطعام بالطعام نسيئة جمعا بين الحديثين وهو أولى من إلغاء أحدهما انتهى (وهو
قول مالك بن أنس والشافعي) والراجح أن المزارعة بالثلث والربع والمساقاة بالثلث والربع
كلاهما جائز غير مكروه كما عرفت (ولم ير بعضهم أن يصح شئ من المزارعة الخ) قال الحافظ في
الفتح وبالغ ربيعة فقال لا يجوز كراءها إلا بالذهب أو الفضة وقال طاوس وطائفة قليلة لا
يجوز كراء الأرض مطلقا وذهب إليه ابن حزم وقواه واحتج له بالأحاديث المطلقة في ذلك انتهى
باب
قوله (أن يعطيها) أي نهى عن أن يعطيها (بعض خراجها) أي ببعض ما يخرج من الأرض
(أو بدراهم) احتج به من قال بعدم جواز كراء الأرض مطلقا لكن هذا الحديث ضعيف قال
الحافظ في الفتح وأما ما رواه الترمذي من طريق مجاهد عن رافع بن خديج في النهي عن كراء
الأرض ببعض خراجها أو بدراهم فقد أعله النسائي بأن مجاهدا لم يسعه من رافع قال الحافظ
531

ورواية أبو بكر بن عياش في حفظه مقال وقد رواه أبو عوانة وهو أحفظ منه عن شيخه فيه فلم
يذكر الدراهم وقد روى مسلم من طريق سليمان بن يسار عن رافع بن خديج في حديثه ولم يكن
يومئذ ذهب ولا فضة انتهى (فليمنحها) بفتح التحتية وسكون الميم وفتح النون بعدها حاء
مهملة ويجوز كسر النون والمراد يجعلها منيحة وعارية أي ليعطها مجانا (أخاه)
ليزرعها هو (أو ليزرعها) أي أحدكم نفسه قوله (لم يحرم المزارعة الخ) فيه دليل على أن في حديث
النهي عن المزارعة ليس للتحريم بل للتنزيه كما تقدم ويدل على ذلك أيضا ما رواه البخاري
وغيره عن عمرو بن دينار قال قلت لطاؤوس لويركت المخابرة فإنهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى
عنها فقال إن أعلمهم يعني ابن عباس أخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها وقال لأن يمنح أحدكم أخاه
خير له من أن يأخذ عليها خراجا معلوما (لكن أمر أن يرفق) من الرفق وهو اللطف من باب
نصر قال في الصراح رفق بالكسر نرمي كردن ضد العنف صلته بالباء انتهى وقال في
القاموس الرفق بالكسر ما أستعين به رفق به وعليه مثلثة رفقا ومرفقا كمجلس ومقعد ومنبر
انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري بلفظ آخر وقد تقدم قوله (وفي
الباب عن زيد بن ثابت) أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة عن عروة بن الزبير قال
قال زيد بن ثابت يغفر الله لرافع بن خديج أنا والله أعلم بالحديث منه إنما أتى رجلان قد
اقتتلا فقال عليه السلام إن كان هذا شأنكم فلا تكروا طريق المزارع فسمع رافع قوله لا تكروا
المزارع وهذا حديث حسن كذا في نصب الراية قوله (حديث رافع حديث فيه اضطراب
الخ) روى مسلم وغيره حديث رافع بألفاظ مختلفة بعضها مختصرة وبعضها مطولة وفي الباب
عن جابر قال كانوا يزرعونها بالثلث والربع والنصف فقال النبي صلى الله عليه وسلم
من كانت له أرض
فليزرعها أو ليمنحها فإن لم يفعل فليمسك أرضها لديا رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة مرفوعا
532

من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخا فإن أبى فليمسك أرضه رواه البخاري وغيره قال
الحافظ في فتح الباري قد استظهر البخاري لحديث رافع بحديث جابر وأبي هريرة رادا على من
زعم أن حديث رافع فرد وأنه مضطرب وأشار إلى صحة الطريقين عنه حيث روى عن عمه
عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى عن عمه عن النبي صلى الله عليه وسلم وأشار إلى أن روايته بغير واسطة مقتصرة على
النهي عن كراء الأرض وروايته عن عمه مفسرة للمراد وهو ما بينه ابن عباس في روايته من إرادة
الرفق والتفضيل وأن النهي عن ذلك ليس للتحريم انتهى
533

أبواب الديات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
الديات جمع دية قال في الغرب الدية مصدر ودي القاتل والمقتول إذا أعطى
وليه المال الذي هو بدل النفس ثم قيس لذلك المال الدية تسمية بالمصدر ولذا جمعت
وهي مثل عدة في حذف الفاء قال الشمني وأصل هذا اللفظ يدل على الجري ومنه الوادي لأن الماء
يدي فيه أي يجري وهي ثابتة بالكتاب وهو قوله تعالى ودية مسلمة إلى أهله وبالسنة وهي
أحاديث كثيرة وإجماع أهل العلم على وجوبها في الجملة كذا في المرقاة وقال في النهاية يقال وديت
القتيل اديه دية إذا أعطيت ديته ولتديته أي أخذت ديته انتهى
باب ما جاء في الدية كم هي من الإبل
قوله (عن خشف) بكسر الخاء وسكون الشين المعجمتين وبالفاء (ابن مالك) الطائي
وثقة النسائي من الثالثة قاله الحافظ قوله (في دية الخطأ) أي في دية قتل الخطأ اعلم أن القتل
على ثلاثة أضرب عمد وخطأ وشبه عمد وإليه ذهب الشافعية والحنفية والأوزاعي والثوري
وأحمد وإسحاق وأبو ثور وجماهير من العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم فجعلوا في العمد
القصاص وفي الخطأ الدية المذكورة في حديث الباب وفي شبه العمد وهو ما كان بما مثله لا يقتل
534

في العادة كالعصا والسوط والإبرة مع كونه قاصدا للقتل دية مغلظة وهي مائة من الإبل أربعون
منها في بطونها أولادها وقال مالك والليث وغيرهما إن القتل ضربان عمد وخطأ فالخطأ ما وقع
بسبب من الأسباب أو من غير مكلف أو غير قاصد للمقتول أو للقتل بما مثله لا يقتل في العادة
والعمل ما عداه والأول لا قود فيه والثاني فيه القود ولا يخفى أن الأحاديث التي تدل على
القسم الثالث وهو شبه العمد صالحة للاحتجاج بها وإيجاب دية مغلظة على فاعله قاله
الشوكاني (عشرين ابنة مخاض) هي التي تطعن في السنة الثانية من الإبل (وعشرين بني مخاض
ذكورا) بالنصب كذا في النسخ الحاضرة وفي المشكاة ذكور بالجر قال القاري بالجر على الجوار كما
في المثل جحر ضب خرب كذا في الترمذي وأبي داود وشرح السنة وبعض نسخ المصابيح وفي
بعضها ذكورا بالنصب وهو ظاهر انتهى كلام القاري فظهر من كلامه هذا أن نسخة الترمذي
التي كانت عند القاري كان فيها ذكور بالجر (وعشرين بنت لبون) قال في مجمع البحار بنت
اللبون وابن اللبون وهو من الإبل ما أتى عليه سنتان ودخل في الثالثة فصارت أمه لبونا أي ذات
لبن بولد آخر (وعشرين جذعة) هو من الإبل ما تم له أربع سنين (وعشرين حقة) بكسر الحاء
المهملة وتشديد القاف وهي الداخلة في الرابعة قوله (وأبو هشام الرفاعي) بكسر الراء اسمه
محمد بن يزيد بن محمد بن كثير العجلي الكوفي قاضي المدائن ليس بالقوى قوله (وفي الباب
عن عبد الله بن عمرو) أخرجه الخمسة الترمذي بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن من قتل خطأ
فديته مائة من الإبل ثلاثون بنت مخاض وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقه وعشرة بني لبون ذكور
وسكت عنه أبو داود وقال المنذري في إسناده عمرو بن شعيب وقد تقدم الكلام عليه ومن دون
عمرو بن شعيب ثقات إلا محمد بن راشد المكحول وقد وثقه أحمد وابن معين والنسائي وضعفه
ابن حبان وأبو زرعة وقال الخطابي هذا الحديث لا أعرف أحدا قال به من الفقهاء قوله
(حديث ابن مسعود لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه وقد روي عن عبد الله موقوفا) قال
الحافظ في التلخيص رواه أحمد وأصحاب السنن والبزار والدارقطني والبيهقي من حديث ابن
مسعود مرفوعا لكن فيه بني مخاض بدل ابن لبون وبسط الدارقطني القول في السنن في هذا
الحديث ورواه من طريق أبي عبيدة عن أبيه موقوفا وفيه عشرون بني لبون وقال هذا إسناد
حسن وضعف الأول من أوجه عديدة وقوى رواية أبي عبيدة بما رواه عن إبراهيم النخعي عن
535

ابن مسعود على وفقه وتعقبه البيهقي بأن الدارقطني وهم فيه والجواد قد يعثر قال وقد رأيته في
جامع سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن عبد الله وعن أبي إسحاق عن علقمة عن
عبد الله وعن عبد الرحمن بن مهدي عن يزيد بن هارون عن سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أبي
عبيدة عن عبد الله وعند الجميع بني مخاض قال الحافظ ابن حجر وقد رد على نفسه بنفسه
فقال وقد رأيته في كتاب ابن خزيمة وهو إمام من رواية وكيع عن سفيان فقال بني لبون كما قال
الدارقطني قال الحافظ فانتفى أن يكون الدارقطني غيره فلعل الخلاف فيه من فوق انتهى
قوله (وقد أجمع أهل العلم على أن الدية تؤخذ في ثلاث سنين) روى ابن أبي شيبة من طريق
إبراهيم النخعي قال أول من فرض العطاء عمر وفرض فيه الدية كاملة في ثلاث سنين ثلثا
الدية في سنتين والنصف في سنتين والثلث في سنة وما دون ذلك في عامه وأخرجه عبد الرزاق
من طريق عن عمر كذا في الدراية ولفظ عبد الرزاق في طريق أن عمر بن الخطاب جعل الدية
الكاملة في ثلاث سنين وجعل نصف الدية في سنتين وما دون النصف في سنة ولفظه في طريق
أخرى إن عمر جعل الدية في الأعطية في ثلاث سنين والنصف والثلثين في سنتين والثلث في سنة
وما دون الثلث فهو في عامه ولفظه في رواية أخرى وقضى بالدية في ثلاث سنين وفي كل سنة ثلث
على أهل الديوان في عطياتهم وقضى بالثلثين في سنتين وثلاث في سنة وما كان أقل من الثلث فهو
في عامه ذلك كذا في نصب الراية (ورأوا أن دية الخطأ على العاقلة) بكسر القاف جمع عاقل
وهو رافع الدية وسميت الدية عقلا تسمية بالمصدر لأن الإبل كانت تعقل بفناء ولي القتيل ثم
كثر الاستعمال حتى أطلق العقل على الدية ولو لم تكن إبلا وعاقلة الرجل قراباته من قبل الأب
وهم عصبته وهم الذين كانوا يعقلون الإبل على باب ولي المقتول وتحمل العاقلة الدية ثابت
بالسنة وأجمع أهل العلم على ذلك وهو مخالف لظاهر قوله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى)
لكنه خص من عمومها ذلك لما فيه من المصلحة لأن القاتل لو أخذ بالدية لأوشك أن تأتي على
جميع ماله لأن تتابع الخطأ منه لا يؤمن ولو ترك بغير تغريم لأهدر دم المقتول قال الحافظ
ويحتمل أن يكون السر فيه أنه لو أفرد بالتغريم حتى
يفتقر لآل الأمر إلى الإهدار بعد الافتقار فجعل
على عاقلته لأن احتمال فقر الواحد أكثر من احتمال فقر الجماعة ولأنه إذا تكرر ذلك منه كان
تحذيره من العود إلى مثل ذلك من جماعة ادعى إلى القبول مع تحذيره نفسه والعلم عند الله
536

تعالى وعاقلة الرجل عشيرته فيبدأ بفخذه الأدنى فإن عجزوا ضم إليهم الأقرب إليهم وهي
على الرجال الأحرار البالغين أولى اليسار منهم انتهى (وقال بعضهم إنما الدية على الرجال دون
النساء والصبيان من العصبة) قال في الهداية من كتب الحنفية وليس على النساء والذرية ممن كان
له حظ في الديوان عقل لقول عمر رضي الله عنه لا يعقل مع العاقلة صبي ولا امرأة انتهى قلت
قال الحافظ الزيلعي في تخريج الهداية غريب انتهى وقال الحافظ في الدراية لم أجده انتهى قال
في الهداية ولأن العقل إنما يجب على أهل النصرة لتركهم مراقبته والناس لا يتناصرون بالنساء
والصبيان ولهذا لا يوضع عليهم ما هو خلف عن النصرة وهو الجزية انتهى (ويحمل) بصيغة
المجهول من التحميل (كل رجل منهم ربع دينار وقد قال بعضهم إلى نصف دينار) قال صاحب
الهداية وتقسم عليهم في ثلاث سنين لا يزاد الواحد على أربعة دراهم في كل سنة وينقص منها
كذا ذكره القدوري في مختصره وهذا إشارة إلى أنه يزاد على أربعة من جميع الدية وقد نص محمد
رحمه الله على أنه لا يزاد على كل واحد من جميع الدية في الثلاث سنين على ثلاثة أو أربعة فلا يؤخذ
من كل واحد في كل سنة إلا درهما أو درهما وثلث درهم وهو الأصح وعند الشافعي رحمه الله
يجب على كل واحد نصف دينار لأنه صلة فيعتبر بالزكاة وأدناها ذلك إذ خمسة دراهم عندهم نصف
دينار انتهى (فإن تمت الدية) أي فيها (وإلا) أي وإن لم تتم الدية (نظر إلى أقرب القبائل منهم
فألزموا) بصيغة المجهول من الإلزام قوله (من قتل) بصيغة المعلوم (دفع) بصيغة المجهول أي
القاتل (وهي ثلاثون حقة) بكسر الحاء وهي من الإبل ما دخلت في السنة الرابعة لأنها استحقت
الركوب والحمل (وثلاثون جذعة) بفتحتين وهي ما دخلت في السنة الخامسة (وأربعون خلفة)
بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام وبعدها فاء وهي الحامل وتجمع خلفات وخلائف وزاد في رواية
ابن ماجة في بطونها أولادها (وذلك لتشديد العقل) بفتح العين وسكون القاف أي الدية قوله
537

(حديث عبد الله بن عمرو حديث حسن غريب) وأخرجه ابن ماجة وذكره الحافظ في التلخيص
وسكت عنه
باب ما جاء في الدية كم هي من الدراهم قوله (إنه جعل الدية اثني عشر ألفا) أي من الدراهم قوله (وفي حديث ابن عيينة كلام
أكثر من هذا) روى أبو داود من سنته عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا من بني عدي قتل فجعل
النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفا قوله (والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم وهو قول
أحمد وإسحاق) قال الشوكاني في النيل اختلفوا في الفضة فذهب الهادي والمؤيد بالله إلى أنها عشرة
آلاف درهم وذهب مالك والشافعي في قول له إلى أنها اثني عشر ألف درهم انتهى واستدل لما
ذهب إليه أحمد وإسحاق وغيرهما بحديث الباب قال الشوكاني ويعارض هذا الحديث ما
أخرجه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كانت قيمة الدية على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمان مائة دينار أو ثمانية آلاف درهم الحديث ولا يخفى أن
حديث ابن عباس يعني حديث الباب فيه إثبات أن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها اثني عشر ألفا وهو مثبت فيقدم على النافي كما تقرر في
الأصول وكثرة طرقه تشهد لصحته والرفع زيادة إذا وقعت من طريق ثقة تعين الأخذ بها انتهى
(ورأى بعض أهل العلم الدية عشرة آلاف) أي من الدراهم (وهو قول سفيان الثوري وأهل
538

الكوفة) قال صاحب الهداية لنا ما روي عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدية في قتيل
بعشرة آلاف درهم قال الحافظ في الدراية لم أجده وإنما أخرجه محمد بن الحسن في الآثار
موقوفا وكذلك ابن أبي شيبة والبيهقي (وقال الشافعي لا أعرف الدية إلا من
الإبل وهي مائة من الإبل) استدل الشافعي بحديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده وفيه وإن
في النفس الدية مائة من الإبل الحديث رواه النسائي قال الشوكاني الاقتصار على هذا النوع من
أنواع الدية يدل على أنه الأصل في الوجوب كما ذهب إليه الشافعي ومن أهل البيت القاسم بن
إبراهيم قالا وبقية الأصناف كانت مصالحة لا تقديرا شرعيا وقال أبو حنيفة وزفر والشافعي في
قول له بل هي من الإبل للنص ومن النقدين تقويما إذ هما قيم المتلفات وما سواهما صلح انتهى
باب ما جاء في الموضحة
بكسر الضاد المعجمة هي الجراحة التي ترفع اللحم من العظم وتوضحه قوله (قال في
المواضح) بفتح أوله جمع موضحة (خمس خمس) أي في كل واحدة منها خمس من الإبل قوله
(هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الخمسة كذا في المنتقى وقال في النيل وأخرجه أيضا ابن
خزيمة وابن الجارود وصححاه قوله (وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق الخ)
وهو قول الحنفية
باب ما جاء في دية الأصابع
قوله (دية أصابع اليدين والرجلين سواء) أي حتى الإبهام والخنصر وإن كانا مختلفين في
539

المفاصل (عشرة من الإبل لكل إصبع) بكسر الهمزة والباء قوله (وفي الباب عن أبي موسى
وعبد الله بن عمرو) أما حديث أبي موسى فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وأما حديث
عبد الله بن عمرو فأخرجه الخمسة إلا الترمذي قوله (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح
غريب) وأخرجه أبو داود وأخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه وقال ابن القطان في كتابه
رجال إسناده كلهم ثقات قوله (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وبه يقول سفيان
الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وهو الحق وقد روي عن عمر
رضي الله عنه أنه كان يجعل في الخنصر ستا من الإبل وفي البنصر تسعا وفي الوسطى عشرا
وفي السبابة اثنتي عشرة وفي الإبهام ثلاث عشرة ثم روى عنه الرجوع عن ذلك وروي عن
مجاهد أنه قال في الإبهام خمس عشرة وفي التي تليها عشر وفي الوسطى عشر وفي التي
تليها ثمان وفي الخنصر سبع وهو مردود بأحاديث الباب قاله الشوكاني قوله (هذه وهذه
سواء يعني) أي يريد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله هذه وهذه (الخنصر والإبهام) أي هما متساويان في الدية
وإن كان الإبهام أقل مفصلا من الخنصر إذ في كل إصبع عشر الدية وهي عشر من الإبل في
شرح السنة يجب في كل إصبع يقطعها عشر من الإبل وإذا قطع أنملة من أنامله ففيها ثلث دية إصبع إلا
أنملة الإبهام فإن فيها نصف دية إصبع لأنه ليس فيها إلا انملتان ولا فرق فيه بين أنامل اليد
والرجل كذا في المرقاة قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا مسلما
540

باب ما جاء في العفو
قوله (فاستعدى عليه معاوية) أي استغاث معا على الرجل قال في القاموس
استعداه استعانه واستنصره (وألح) من الإلحاح (الاخر) أي الذي دق سنه (فأبرمه) من الإبرام
أي فأمله قال في القاموس البرم السأمة والضجر وأبرمه فبرم كفرح وتبرم أمله فمل انتهى
وقال في مجمع البحار برم به أي سئمه ومله (ما من رجل يصاب بشئ في جسده) من نحو قطع أو
جرح (فيتصدق به) أي عفا عنه قال الطيبي مرتب على قوله يصاب ومخصص له لأنه يحتمل أن
يكون سماويا وأن يكون من العباد فخص بالثاني لدلالة قوله فتصدق به وهو العفو عن الجاني
وقال المناوي أي إذا جنى إنسان على آخر جناية فعفا عنه لوجه الله نال هذا الثواب قوله (هذا
حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه الخ) قال المنذري في الترغيب وروى ابن ماجة المرفوع
منه عن أبي السفر أيضا عن أبي الدرداء وإسناده حسن لولا الانقطاع قوله (وأبو السفر اسمه
سعيد بن أحمد ويقال ابن يحمد الثوري) قال الحافظ سعيد بن يحمد بضم الياء التحتانية وكسر
الميم وحكى الترمذي أنه قيل فيه أحمد
أبو السفر بفتح المهملة والفاء الهذلي الثوري الكوفي ثقة من الثالثة انتهى
541

باب ما جاء فيمن رضخ رأسه بصخرة
الرضخ الدق والكسر قوله (عليها أوضاح) جمع وضح بفتحتين وهي نوع من الحلى من
الفضة سميت بها لبياضها (فأخذها) أي الجارية (فرضخ رأسها) أي رض رأسها بين حجرين كما
في رواية الشيخين (أدركت) بصيغة المجهول أي أدركها الناس (وبها رمق) بفتحتين أي بقية
الروح وآخر النفس والجملة حالية قوله (حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله
(والعمل على هذا) أي على ما يدل عليه هذا الحديث من جواز القود بمثل ما قتل به المقتول (وهو
قول أحمد وإسحاق) وإليه ذهب الجمهور ويؤيد ذلك عموم قوله تعالى وإن عاقبتم فعاقبوا
بمثل ما عوقبتم به وقوله تعالى فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم وقوله تعالى وجزاء
سيئة سيئة مثلها وما أخرجه البيهقي والبزار من حديث البراء وفيه من حرق حرقناه ومن غرق
غرقناه قال البيهقي في إسناده بعض من يجهل وإنما قاله زياد في خطبته وهذا إذا كان السبب
الذي وقع القتل به مما يجوز فعله لا إذا كان لا يجوز لمن قتل غيره بإيجاره الخمر أو اللواط به (وقال
بعض أهل العلم لا قود إلا بالسيف) قال الشوكاني ذهبت العترة والكوفيون ومنهم أبو حنيفة
وأصحابه إلا أن الاقتصاص لا يكون إلا بالسيف واستدلوا بحديث النعمان بن بشير عند ابن
ماجة والبزار والطحاوي والطبراني والبيهقي بألفاظ مختلفة منها لا قود إلا بالسيف وأخرجه ابن
ماجة أيضا والبزار والبيهقي من حديث أبي بكرة وأخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث أبي
هريرة وأخرجه الدارقطني من حديث علي وأخرجه البيهقي والطبراني من حديث ابن مسعود
وأخرجه ابن أبي شيبة عن الحسن مرسلا وهذه الطرق كلها لا تخلو واحدة منها من ضعيف أو
متروك حتى قال أبو حاتم حديث منكر وقال عبد الحق وابن الجوزي طرقه كلها ضعيفة
542

وقال البيهقي لم يثبت له إسناد ويؤيد معنى هذا الحديث الذي يقوي بعض طرقه بعضا حديث
شداد بن أوس عند مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا قتلتم فأحسنوا
القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وإحسان القتل لا يحصل بغير ضرب العتق بالسيف كما
يحصل به ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يأمر بضرب العنق من أراد قتله حتى صار ذلك هو المعروف في أصحابه
فإذا رأوا رجلا يستحق القتل قال قائلهم يا رسول الله دعني أضرب عنقه حتى قيل إن القتل
بغير ضرب العنق بالسيف مثلة وقد ثبت النهي عنها انتهى كلام الشوكاني
باب ما جاء في تشديد قتل المؤمن
قوله (لزوال الدنيا) اللام للابتداء (أهون) أي أحقر وأسهل (على الله) أي عنده (من قتل
رجل مسلم) قال الطيبي رحمه الله الدنيا عبارة عن الدار القربى التي هي معبر للدار الأخرى
وهي مزرعة لها وما خلقت السماوات والأرض إلا لتكون مسارح أنظار المتبصرين
ومتعبدات المطيعين وإليه الإشارة بقوله تعالى ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا
ما خلقت هذا باطلا أي بغير حكمه بل خلقتها لأن تجعلها مساكن للمكلفين وأدلة لهم على
معرفتك فمن حاول قتل من خلقت الدنيا لأجله فقد حاول زوال الدنيا وبهذا لمح ما ورد في
الحديث الصحيح لا تقوم الساعة على أحد يقول الله الله قال القاري وإليه الايعاء بقوله
تعالى من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا الآية قوله (وفي
الباب عن سعد وابن عباس وأبي سعيد وأبي هريرة وعقبة بن عامر وبريدة) أما حديث سعد
فلينظر من أخرجه وأما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي وحسنه والطبراني في الأوسط
ورواته
رواة الصحيح كذا في الترغيب وأما حديث أبي سعيد وأبي هريرة فأخرجه الترمذي وقال حديث
543

حسن غريب وأما حديث عقبة بن عامر فلينظر من أخرجه وأما حديث بريدة فأخرجه النسائي
والبيهقي
باب الحكم في الدماء
قوله (إن أول ما يحكم بين العباد) أي يوم القيامة (في الدماء) خبر إن قال النووي هذا
التعظيم أمر الدنيا وتأثير خطرها وليس هذا الحديث مخالفا لقوله أول ما يحاسب به العبد
صلاته لأن ذلك في حق لله وهذا فيما بين العباد قال في المرقاة والأظهر أن يقال لأن ذلك في
المنهيات وهذا في المأمورات أو الأول في المحاسبة والثاني في الحكم لما أخرج النسائي عن ابن
مسعود مرفوعا أول ما يحاسب العبد عليه صلاته وأول ما يقضي بين الناس في الدماء وفي
الحديث إشارة إلى أن الأول الحقيقي هو الصلاة فإن المحاسبة قبل الحكم قوله (حديث
عبد الله حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (لو أن أهل السماء وأهل الأرض
544

اشتركوا) قال الطيبي رحمه الله لو للمضي فإن أهل السماء فاعل والتقدير لو اشترك أهل السماء
(في دم مؤمن) أي إراقته والمراد قتله بغير حق (لأكبهم الله في النار) أي صرعهم فيها وقلبهم قال
الطيبي رحمه الله كبه بوجهه أي صرعه فأكب هو وهذا من النوادر أن يكون أفعل لازما وفعل
متعديا قاله الجوهري وقال الزمخشري لا يكون بناء مطاوعا لفعل بل همزة أكب للصيرورة
أو للدخول فمعناه صار ذا أو دخل في الكب ومطاوع فعل أنفعل نحو وانكب وقطع
وانقطع قال التوربشتي والصواب كبهم الله ولعل ما في الحديث سهو من بعض الرواة وقال
الطيبي فيه نظر لا يجوز أن يرد هذا على الأصل وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أن يتبع ولأن
الجوهري ناف والرواة مثبتون قال القاري فيه إن الجوهري ليس بناف للتعدية بل مثبت للزوم
ولا يلزم من ثبوت اللزوم نفي التعدية هذا وقد أثبتها صاحب القاموس حيث قال كبه قلبه
وصرعه كأكبه وكبكبه فأكب وهو لازم متعد
باب ما جاء في الرجل يقتل ابنه أيقاد منه أم لا
قال في النهاية القود القصاص وقتل القاتل بدل القتيل وقد أقدته به أقيده إقادة
واستقدت الحاكم سألته أن يقيدني واقتدت منه اقتاد قوله (عن سراقة بن مالك) أي ابن جعثم
المدلجي الكنائي كان ينزل قديدا ويعد في أهل المدينة روى عنه جماعة وكان شاعرا مجيدا مات
سنة أربع وعشرين ذكره صاحب المشكاة قوله (يقيد الأب) من الإقادة أي يقتص له (من ابنه)
بكسر النون من للالتقاء أي لأجله وبسببه والجملة حال من المفعول قيل كان هذا في صدر
الإسلام ثم نسخ ذكره ابن الملك (ولا يقيد الابن) بكسر اللام للالتقاء (من أبيه) قالوا
الحكمة فيه
أن الوالد سبب وجود الولد فلا يجوز أن يكون هو سببا لعدمه كذا في اللمعات قال السيد في
شرح الفرائض ولعل الابن كان مجنونا أو صبيا كذا في المرقاة قوله (هذا حديث لا نعرفه من
545

حديث سراقة إلا من هذا الوجه الخ) قال في التلخيص إسناده ضعيف وفيه اضطراب واختلاف
على عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فقيل عن عمرو قيل عن سراقة قيل بلا واسطة وهي عند
أحمد وفيها ابن لهيعة قوله (لا تقام الحدود في المساجد) صونا لها وحفظا لحرمتها فيكره (ولا
يقتل الوالد بالولد) أي لا يقاد والد بقتل ولده لأنه السبب في إيجاده فلا يكون سببا في إعدامه
كذا في شر الجامع الصغير للمناوي قوله (هذا حديث لا نعرفه الخ) وأخرجه أحمد في مسنده
والحاكم في المستدرك (وإسماعيل بن مسلم المكي تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه) قال
الحافظ لكن تابعه الحسن بن عبيد الله العنبري عن عمرو بن دينار قال البيهقي وقال عبد الحق
هذه الأحاديث كلها معلولة لا يصح منها شئ وقال الشافعي حفظت عن عدد من أهل العلم
لقيتهم أن لا يقتل الوالد بالولد وبذلك أقول قال البيهقي طرق هذا الحديث منقطعة وأكده
الشافعي بأن عددا من أهل العلم يقولون به انتهى
546

باب ما جاء لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث
قوله (لا يحل دم امرئ) أي إراقته والمراد الإنسان فإن الحكم شامل للرجال والنساء
(مسلم) صفة مقيدة لامرئ (يشهد) أي يعلم ويتيقن ويعتقد قال الطيبي الظاهر أن يشهد
حال جئ بها مقيدة للموصوف مع صفته إشعارا بأن الشهادتين هما العمدة في حقن الدم
ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أسامة كيف تصنع بلا إله إلا الله وقال القاضي يشهد مع ما هو
متعلق به صفة ثانية جاءت للتوضيح والبيان ليعلم أن المراد بالمسلم هو الآتي بالشهادتين وأن
الإيمان بهما كاف للعصمة (إلا بإحدى ثلاث) أي خصال ثلاث قتل نفس بغير حق وزنا
المحصن والارتداد ففصل ذلك بتعداد المنصفين به المستوجبين القتل لأجله فقال (الثيب الزاني)
أي زنا الثيب (والنفس بالنفس) أي قتل النفس بالنفس قال الطيبي أي يحل قتل النفس قصاصا
بالنفس التي قتله عدوانا وهو مخصوص بولي الدم لا يحل قتله لأحد سواه حتى لو قتله غيره لزمه
القصاص انتهى (والتارك لدينه المفارق للجماعة) أي ترك التارك والمفارق للجماعة صفة مولدة
للتارك لدينه أي الذي ترك جماعة المسلمين وخرج من جملتهم وانفرد عن أمرهم بالردة التي هي
قطع الإسلام قولا أو فعلا أو اعتقادا فيجب قتله إن لم يتب وتسميته مسلما مجازيا باعتبار ما كان عليه
لا بالبدعة أو نفي الإجماع كالروافض والخوارج فإنه لا يقتل قوله (وفي الباب عن عثمان الخ)
لينظر من أخرج أحاديثهم قوله (حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح) وأخرجه
الشيخان
باب ما جاء فيمن يقتل نفسا معاهدة
بكسر الهاء من عاهد الامام على ترك الحرب ذميا أو غيره وروى بفتحها وهو من عاهده
547

الإمام قال القاضي يريد بالمعاهدة من كان له مع المسلمين عهد شرعي سواء كان بعقد جزية أو
هدنة من سلطان أو أمان من مسلم قوله (إلا) حرف التنبيه (من قتل نفسا معاهدة) أي رجلا
معاهدا (له ذمة الله وذمة رسوله) قال في المجمع الذمة والذمام وهما بمعنى العهد والأمان والضمان
والحرمة والحق وسمي أهل الذمة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم انتهى (فقد أخفر بذمة
الله) قال في المجتمع خفرته أجرته وحفظته والخفارة بالكسر والضم الذمام وأخفرته إذا انقضت
عهده وذمامه وهمزته للسلب (فلا يرح رائحة الجنة) أي لم يشم ريحها يقال راح وراح يريح يراح
وأراح يريح إذا وجد رائحة الشئ والثلاثة قروي بها الحديث كذا في النهاية قال الحافظ
بفتح الراء والياء هو أجود وعليه الأكثر قال والمراد بهذا النفي وإن كان عاما التخصيص بزمان ما لما
تعاضدت الأدلة العقلية والنقلية أن من مات مسلما ولو كان من أهل الكبائر فهو محكوم بإسلامه
غير مخلد في النار وماله إلى الجنة ولو عذب قبل ذلك انتهى (وإن ريحها لتوجد من مسيرة سبعين
خريفا) أي عاما كما في رواية للبخاري والجملة حالية أي والحال أن ريح الجنة لتوجد قال
السيوطي رحمه الله وفي رواية سبعين عاما وفي الأخرى مائة عام وفي الفردوس ألف عام وجمع
بأن ذلك بحسب اختلاف الأشخاص والأعمال وتفاوت الدرجات فيدركها من شاء الله من مسيرة
ألف عام ومن شاء من مسيرة أربعين عاما وما بين ذلك قاله ابن العربي وغيره ذكره القاري في
المرقاة وقال ويحتمل أن يكون المراد من الكل طول المسافة لا تحديدها انتهى قلت ذكر الحافظ هذه
الروايات المختلفة وذكر أن في رواية الطبراني عن أبي بكرة خمس مائة عام ووقع في الموطأ في حديث
آخر خمسمائة عام وهذا اختلاف شديد ثم ذكر وجه الجمع عن ابن بطال ولم يرض به لما فيه من
التكلف ثم قال والذي يظهر لي في الجمع أن يقال إن الأربعين أقل زمن يدرك به ريح الجنة من
في الموقف والسبعين فوق ذلك أو ذكرت للمبالغة والخمس مائة ثم الألف أكثر من ذلك
ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأعمال فمن أدركه من المسافة البعدي أفضل ممن أدركه من
المسافة القربى وبين ذلك وقد أشار إلى ذلك شيخنا في شرح الترمذي ثم رأيت نحوه في كلام ابن
العربي ونقل كلامهما فإن شئت الوقوف عليه فارجع إلى الفتح قوله (وفي الباب عن أبي بكرة)
أخرجه الطبراني وفي الباب أيضا عن عبد الله بن عمرو عند البخاري قوله (حديث أبي هريرة
حديث حسن صحيح) وأخرجه ابن ماجة
548

باب
قوله (ودي العامريين) الذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري (بدية المسلمين) أي مثل دية
المسلمين وأخرج البيهقي عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية العامريين
دية الحر المسلم وأخرج أيضا من وجه آخر أنه صلى الله عليه وسلم جعل دية المعاهدين دية المسلم (وكان لهما
) أي للعامريين (عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولم يشعر به عمرو بن أمية ولذلك قتلهما قوله (هذا
حديث غريب) وأخرجه البيهقي قال الشوكاني في النيل في إسناده أبو سعد البقال واسمه
سعيد بن المرزبان ولا يحتج بحديثه والراوي عنه أبو بكر بن عياش (وأبو سعد البقال اسمه
سعيد بن المرزبان) العبسي مولاهم الكوفي الأعور ضعيف مدلس من الخامسة قاله الحافظ
باب ما جاء في حكم ولي القتيل في القصاص والعفو
قوله (ومن قتل له قتيل) أي من قتل له قريب كان حيا فصار قتيلا بذلك القتل (فهو) أي
من قتل له قتيل يعني ولي المقتول (بخير النظرين) يعني القصاص والدية أيهما اختار كان له (إما أن
يعفو وإما أن يقتل) في رواية البخاري
إما أن يودي وإما يقاد قال الحافظ في الفتح بعد ذكر لفظ
الترمذي هذا المراد بالعفو أخذ الدية جمعا بين الروايتين ويؤيده أن عنده في حديث أبي شريح
فمن قتل له قتيل بعد اليوم فأهله بين خيرتين إما أن يقتلوا أو يأخذوا الدية ولأبي داود وابن
ماجة وعلقه الترمذي من وجه اخر عن أبي شريح بلفظ فإنه يختار إحدى ثلاث إما أن يقتص
549

وإما أن يعفو وإما أن يأخذ الدية فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه أي إن أراد زيادة على
القصاص أو الدية قال وفي الحديث إن ولي الدم يخير بين القصاص والدية واختلف إذا اختار
الدية هل يجب على القاتل إجابته فذهب الأكثر إلى ذلك وعن مالك لا يجب إلا برضا
القاتل واستدل بقوله ومن قتل له بأن الحق يتعلق بورثة المقتول فلو كان بعضهم غائبا أو طفلا
لم يكن للباقين القصاص حتى يبلغ الطفل ويقدم الغائب انتهى قوله (وفي الباب عن وائل بن حجر
وأنس وأبي شريح خويلد بن خويلد بن عمرو) وأما حديث وائل فلينظر من أخرجه وأما حديث
أنس فأخرجه الخمسة إلا الترمذي وأما حديث أبي شريح خويلد وهو خزاعي كعبي فأخرجه
الترمذي في هذا الباب وله حديث اخر عند الدارمي قوله (عن أبي شريح) بالتصغير قال صاحب
المشكاة هو أبو شريح خويلد بن عمرو الكعبي الخزاعي أسلم قبل الفتح ومات بالمدينة سنة ثمان
وستين وهو مشهور بكنيته (إن الله حرم مكة) أي جعلها محرمة معظمة وأهلها تبع لها في الحرمة (ولم
يحرمها الناس) أي من عندهم فلا ينافي أنه حرمها إبراهيم بأمر الله تعالى (من كان يؤمن بالله
واليوم الآخر) اكتفى بطرفي المؤمن به عن بقيته (فلا يسفكن) أي فلا يسكبن (فيها دما) أي بالجرح
والقتل قال القاري وهذا إذا كان دما مهدرا وفق قواعدنا وإلا فالدم المعصوم يستوي فيه
الحرم وغيره في حرمة سفكه (ولا يعضدن) بكسر الضاد المعجمة أي ولا يقطع (فيها شجرا) وفي
معناها النبات والحشيش (فقال) أي المترخص عطف على ترخيص (فإن الله أحلها لي) وفي رواية
الشيخين فقولوا إن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم وبه تم جواب المترخص ثم ابتدأ وعطف
على الشرط فقال وإنما أحلت لي الخ (ثم هي) أي مكة (ثم إنكم معشر خزاعة) بضم أوله أي
يا معشر خزاعة وكانت خزاعة قتلوا في تلك الأيام رجلا من قبيلة بني هذيل بقتيل لهم في الجاهلية
فأدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم ديته لإطفاء الفتنة بين الفئتين (من هذيل) بالتصغير (وإني عاقله) أي
550

مؤد ديته من العقل وهو الدية وقد تقدم وجه تسمية الدية بالعقل (فمن قتل له) بصيغة المجهول
(فأهله بين خيرتين) بكسر الخاء المعجمة وفتح التحتية أي اختيارين والمعنى مخير بين أمرين (إما أن
يقتلوا) أي قاتله (أو يأخذوا العقل) أي الدية من عاقلة القاتل قوله (هذا حديث حسن
صحيح وحديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) أصل هذين الحديثين في الصحيحين قوله
(وروي عن أبي شريح الخزاعي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قتل له قتيل فله أن يقتل أو يعفو ويأخذ
الدية) وفي بعض النسخ أو يأخذ الدية بلفظ أو مكان الواو وهو الظاهر روى الدارمي عن أبي
شريح الخزاعي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أصيب بدم أو خبل والخبل الجرح فهو
بالخيار بين إحدى ثلاث فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه بين أن يقتص أو يعفو أو يأخذ العقل
الحديث ورواه أيضا أبو داود وابن ماجة كما عرفت في كلام الحافظ قوله (قتل رجل) بصيغة
المجهول (في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد أبو داود فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم (فدفع) أي النبي صلى الله عليه وسلم (إلى
وليه) أي ولي المقتول (ما أردت قتله) أي ما كان القتل عمدا (أما) بالتخفيف للتنبيه (إنه) أي القاتل
(إن كان صادقا) يفيد أن ما كان ظاهره العمد لا يسع فيه كلام القاتل إنه ليس بعمد في الحكم
نعم ينبغي لولي المقتول أن لا يقتله خوفا من لحوق الإثم به على تقدير صدق دعوى القاتل (
فخلاه) أي ترك القاتل (الرجل) بالرفع أو ولي المقتول (وكان) أي القاتل (مكتوفا) قال في
النهاية المكتوف الذي شدت يداه من خلفه (بنسعة) بكسر نون فسكون
مهملة فمهملة قطعة
جلد تجعل زماما للبعير وغيره (فخرج) أي القاتل (فنمى) على صيغة المجهول أي القاتل قوله
(هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة
551

باب باب ما جاء في النهي عن المثلة قوله (أوصاه في خاصة نفسه) أي في حق نفسه خصوصا
وهو متعلق بقوله (بتقوى الله) وهو متعلق بأوصاه وقوله (ومن معه) معطوف على خاصته أي وفي من معه (من المسلمين خيرا)
نصب على انتزاع الخافض أي بخير قال الطيبي ومن في محل الجر وهو من با ب العطف على
عاملين مختلفين كأنه قيل أوصى بتقوى الله في خاصة نفسه وأوصى بخير فمن معه من المسلمين
وفي اختصاص التقوى بخاصة نفسه والخير بمن معه من المسلمين إشارة أن عليه أن يشد على
نفسه فيما يأتي ويذر وأن يسهل على من معه من المسلمين ويرفق بهم كما ورد يسروا ولا تعسروا
وبشروا ولا تنفروا (فقال أغزوا بسم الله) أي مستعينين بذكره (في سبيل الله) أي لأجل مرضاته
وإعلاء دينه (قاتلوا من كفر بالله) جملة موضحة لا غزوا (اغزوا ولا تغلوا) وفي المشكاة فلا
تغلوا قال القاري أعاد قوله اغزوا ليعقبه بالمذكورات بعده انتهى وهو بضم الغين المعجمة
وتشديد اللام أي لا تخونوا في الغنيمة (ولا تغدروا) بكسر الدال أي لا تنقضوا العهد وقيل
لا تحاربوهم قبل أن تدعوهم إلى الإسلام (ولا تمثلوا) بضم المثلثة قال النووي في تهذيبه مثل به
بمثل كقتل إذا قطع أطرافه وفي القاموس مثل بفلان مثلا ومثله بالضم نكل كمثل تمثيلا وقال
الجزري في النهاية يقال مثلت بالحيوان أمثل به مثلا إذا قطعت أطرافه وشوهت به ومثلت بالقتيل
إذا جدعت أنفه أو أذنه أو مذاكيره أو شيئا من أطرافه والاسم المثلة فأما مثل بالتشديد فهو
للمبالغة انتهى (ولا تقتلوا وليدا) أي طفلا صغيرا (وفي الحديث قصة) رواها مسلم بطولها
قوله (وفي الباب عن ابن مسعود وشداد بن أوس وسمرة والمغيرة ويعلى بن مرة وأبي أيوب) قال
الشوكاني قد وردت في ذلك أحاديث كثيرة انتهى قلت ذكر بعضا منها الطحاوي في شرح الآثار
552

قوله (حديث بريدة حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم قوله (وكره أهل العلم المثلة) أي
حرموها فالمراد بالكراهة التحريم وقد عرفت في المقدمة أن السلف رحمهم الله يطلقون الكراهة
ويريدون بها الحرمة قوله (عن شداد) بفتح الشين المعجمة وتشديد الدال المفتوحة (بن أوس)
بفتح الهمزة وسكون الواو ابن ثابت الأنصاري صحابي مات بالشام قبل الستين أو بعدها وهو ابن
أخي حسان بن ثابت قوله (إن الله كتب الإحسان على كل شئ) أي إلى كل شئ أو على بمعنى
في أي أمركم بالإحسان في كل شئ والمراد منه العموم الشامل للإنسان حيا وميتا قال الطيبي
أي أوجب مبالغة لأن الإحسان هنا مستحب وضمن الإحسان معنى التفضل وعداه بعلى والمراد
بالتفضل إراحة الذبيحة بتحديد الشفرة وتعجيل إمرارها وغيره وقال الشمني على هنا بمعنى
اللام متعلقة بالإحسان ولا بد من على أخرى محذوفة بمعنى الاستعلاء المجازي متعلقة بكتب
والتقدير كتب على الناس الإحسان لكل شئ (فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة) وبكسر القاف الحالة
التي عليها القاتل في قتله كالجلسة والركبة والمراد بها المستحقة قصاصا أو حدا والإحسان فيها
الاختيار أسهل الطرق وأقلها ألما (وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة) قال النووي يروى بفتح الذال
وبغير هاء في أكثر النسخ يعني نسخ صحيح مسلم وقي بعضها بكسر الذال وبالهاء كالقتلة
(وليحد) بضم الياء وكسر الحاء وفتح الدال المشددة ويجوز كسرها (أحدكم شفرته) بفتح الشين
أي سكينته ويستحب أن لا يحد بحضرة الذبيحة ولا يذبح واحدة بحضرة الأخرى ولا يجرها إلى
مذبحها (وليرح ذبيحته) بضم الياء وكسر الراء أي ليتركها حتى تستريح وتبرد من قولهم أراح
الرجل إذا رجعت إليه نفسه بعد الاحياء والاسم الراحة وهذان الفعلان كالبيان للإحسان في
الذبح قال النووي الحديث عام في كل قتل من الذبائح والقتل قصاصا وحدا ونحو ذلك
وهذا الحديث من الجوامع انتهى قال القاري قال علماؤنا وكره السلخ قبل التبرد وكل تعذيب
بلا فائدة لهذا الحديث ولما أخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن
رجلا أضجع شاة يريد أن يذبحها وهو يحد شفرته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أتريد أن تميتها موتتين هلا
أحددت شفرتك قبل أن تضجعها انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
قوله (وأبو الأشعث اسمه شرحبيل بن أدة) كذا في النسخ الحاضرة والصواب شراحيل بن ادة
553

قال الحافظ في التقريب شراحيل بن ادة بالمد وتخفيف الدال أبو الأشعث الصنعاني ويقال ادة جد
أبيه وهو ابن شراحيل بن كلب ثقة من الثانية شهد فتح دمشق انتهى وكذلك في تهذيب التهذيب
والخلاصة
باب ما جاء في دية الجنين
قال في القاموس الجنين الولد في البطن والجمع أجنة ومنه قوله تعالى هو أعلم بكم إذ
أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم قوله في
القاموس الضرتان زوجتاك وكل ضرة للأخرى وهن ضرائر بحجر أو عمو فسطاط بضم الفاء
وسكون السين أي خيمة (غرة) بضم الغين المعجمة وتشديد الراء وبالتنوين (عبدا) بيان للغرة
(أو أمة) أوليس للشك بل للتنويع قال الجزري في النهاية الغرة العبد نفسه أو أمة وأصل الغرة
البياض في وجه الفرس وكان أبو عمرو بن العلاء يقول الغرة عبد أبيض أو أمة بيضاء وسمي
غرة لبياضه فلا يقبل في الدية عبد أسود ولا جارية سوداء وليس ذلك شرطا عند الفقهاء وإنما الغرة
عندهم ما بلغ ثمنه نصف عشر الدية من العبيد وإماء وإنما تجب الغرة في الجنين
إذا سقط ميتا فإن سقط حيا ثم مات ففيه الدية كاملة وقد جاء في بعض الروايات الحديث بغرة عبد أو أمة أو
فرس أو بغل وقيل إن الفرس والبغل غلط من الراوي انتهى (وجعله) أي الغرة (على عصبة
المرأة) أي القاتلة وهم من عدا الولد وذوي الأرحام وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه فقضى
رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لزوجها وبنيها وأن العقل على عصبتها قوله (قال الحسن) هو ابن
علي الخلال قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي
554

(أنعطي) من الاعطاء وفي مرسل سعيد بن المسيب عند مالك فقال الذي قضي عليه كيف أغرم
من لا شرب ولا أكل الخ (ولا صاح فاستهل) وفي مرسل سعيد المذكور ولا نطق ولا استهل
واستهلال الصبي تصويته عند ولادته (فمثل ذلك يطل) بضم التحتية وفتح الطاء المهملة وتشديد
اللام أي يبطل ويهدر من طل القتل يطل فهو مطلول وروي بالباء الموحدة وتخفيف اللام على أنه
فعل ماض (إن هذا ليقول بقول الشاعر) وفي حديث مرسل سعيد المذكور إن هذا من إخوان
الكهان وفي حديث المغيرة فقال سجع كسجع الأعراب وفي حديث ابن عباس عند أبي داود
والنسائي أسجع الجاهلية وكهانتها قال الطيبي وإنما قال ذلك من أجل سجعه الذي سجع
ولم يعبه بمجرد السجع دون ما تضمن سجعه من الباطل أما إذا وضع السجع في مواضعه من
الكلام فلا ذم فيه وكيف يذم وقد جاء في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا انتهى قال الحافظ بن
حجر والذي يظهر لي أن الذي جاء من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عن قصد إلى التسجيع وإنما
جاء اتفاقا لعظم بلاغته وأما من بعده فقد يكون كذلك وقد يكون عن قصد وهو الغالب
ومراتبهم في ذلك متفاوتة جدا انتهى وقال الشوكاني وفي قوله في حديث ابن عباس أسجع
الجاهلية وكهانتها دليل على أن المذموم من السجع إنما هو ما كان في ذلك القبيل الذي يراد به
إبطال شرع أو إثبات باطل أو كان متكلفا وقد حكى النووي عن العلماء أن المكروه منه إنما هو
ما كان كذلك لا غيره انتهى قوله (وفي الباب عن حميد بن مالك بن النابغة) لم أقف على
حديث حميد بن مالك بن النابغة نعم عند الطبراني وغيره في الباب حديث عن حمل بن مالك بن
النابغة وقال الحافظ في ترجمته روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الجنين وليس له عندهم غيره انتهى
قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (والعمل على هذا
عند أهل العلم) أي على ما يدل عليه أحاديث الباب وهو الصحيح المعمول عليه (وقال بعضهم أو
فرس أو بغل) قال الحافظ ووقع في حديث أبي هريرة من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه
قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين غرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل وكذا وقع عند عبد الرزاق في رواية
ابن طاؤوس عن أبيه عن عمر مرسلا فقال حمل بن النابغة قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية في المرأة وفي
555

الجنين غرة عبد أو أمة أو فرس وأشار البيهقي إلى أن ذكر الفرس في المرفوع وهم وإن ذلك
أدرج من بعض رواته على سبيل التفسير للغرة وذكر أنه في رواية حماد بن زيد عن عمرو بن دينار
عن طاوس بلفظ فقضى أن في الجنين غرة قال طاوس الفرس الغرة قال الحافظ ونقل ابن المنذر
وتوسع داود ومن تبعه من
أهل الظاهر فقالوا يجزئ كل ما وقع عليه اسم الغرة انتهى
باب ما جاء لا يقتل مسلم بكافر قوله (حدثنا مطرف) بضم الميم وفتح الطاء المهملة وتشديد الراء المكسورة ابن طريف
الكوفي ثقة فاضل من صغار السادسة (حدثنا أبو جحيفة) بضم الجيم وفتح المهملة وسكون تحتية
بعدها فاء اسمه وهب بن عبد الله العامري نزل الكوفة وكان من صغار الصحابة ذكر أن النبي
صلى الله عليه وسلم توفي ولم يبلغ الحلم ولكنه سمع منه وروى عنه مات بالكوفة سنة أربع وسبعين قوله (هل
عندكم سوداء في بيضاء) المراد به شئ مكتوب وفي رواية للبخاري هل عندكم شئ من
الوحي وضمير الجمع للتعظيم أو أراد جميع أهل البيت وهو رئيسهم ففيه تغليب وإنما سأله أبو
جحيفة عن ذلك لأن جماعة من الشيعة يزعمون أن عند أهل البيت لا سيما عليا أشياء من
الوحي خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بها لم يطلع غيرهم عليها وقد سأل عليا عن هذه المسألة أيضا قيس بن
عبادة والأشتر النخعي وحديثهما في مسند النسائي (والذي فلق الحبة) أي شقها فأخرج منها النبات
والغصن (وبرأ النسمة) بفتحتين أي خلقها والنسمة النفس وكل دابة فيها روح نهي نسمة (ما
علمته إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن) وفي رواية البخاري في كتاب العلم قال لا إلا كتاب
الله أو فهم أعطيه رجل مسلم أو ما في هذه الصحيفة (وما في الصحيفة) عطف على فهما وفي
رواية وما في هذه الصحيفة والمراد بالصحيفة الورقة المكتوبة قال القاضي إنما سأله ذلك لأن
الشيعة كانوا يزعمون فذكر كما نقلنا عن الحافظ ثم قال ألأنه كان يرى منه علما وتحقيقا لا يجده
في زمانه عند غيره فحلف أنه ليس شئ من ذلك سوى القرآن وأنه عليه الصلاة والسلام لم
556

معمر يخص بالتبليغ والإرش قوما دون قوم وإنما وقع التفاوت من قبل الفهم استعداد الاستنباط
فمن رزق فهما وإدراكا ووفق للتأمل في آياته والتدبر في معانيه فتح عليه أبواب العلوم واستثنى ما
في الصحيفة احتياط الاحتمال أن يكون فيها ما لا يكون عند غيره فيكون منفردا بالعلم (قال قلت
وما في الصحيفة) وفي رواية وما في هذه الصحيفة (قال فيها العقل) أي الدية وأحكامها يعني فيها
ذكر ما يجب لدية النفس والأعضاء من الإبل وذكر أسنان تؤدي فيها وعددها (وفكاك الأسير)
بفتح الفاء ويجوز كسرها أي فيها حكم تخليصه والترغيب فيه وأنه من أنواع البر الذي ينبغي أن
يهتم به (وأن لا يقتل مؤمن بكافر) قال القاضي هذا عام يدل على أن المؤمن لا يقتل بكافر قصاصا
سواء الحربي والذمي وهو قول عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت وبه قال عطاء وعكرمة والحسن
وعمر بن عبد العزيز وإليه ذهب الثوري وابن شبرمة والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد
وإسحاق وقيل يقتل بالذمي والحديث مخصوص بغيره وهو قول النخعي والشعبي وإليه ذهب
أصحاب أبي حنيفة لما روى عبد الرحمن بن البيلماني أن رجلا من المسلمين قتل رجلا من أهل
الذمة فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أنه أحق من أوفي بذمته ثم أمر به فقتل وأجيب عنه بأنه
منقطع لا احتجاج به ثم إنه أخطأ إذ قيل أن القاتل كان عمرو بن أمية الضمري وقد عاش بعد
رسول الله صلى الله عليه وسلم سنتين ومتروك بالإجماع لأنه روى أن الكافر كان رسولا فيكون
مستأمنا والمستأمن لا يقتل به المسلم وفاقا وإن صح فهو منسوخ لأنه روي عنه أنه كان قبل الفتح وقد قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح في خطبة خطبها على درج البيت ولا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في
عهده كذا في المرقاة قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو) أخرجه أحمد وابن ماجة
والترمذي عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن لا يقتل مسلم بكافر وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يقتل
مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده رواه أحمد وأبو داود كذا في المنتقى والحديث سكت عنه أبو
داود والمنذري وفي الباب أحاديث أخرى مذكورة في التلخيص والنيل قوله (حديث علي
حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري والنسائي وأبو داود قوله (والقول الأول أصح) يدل
عليه حديث الباب وهو صحيح صريح في أنه لا يقتل مسلم بكافر ولفظ الكافر صادق على
الذمي كما هو صادق على الحربي وكذا يدل على القول الأول أحاديث أخرى وروى عبد الرزاق
557

عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن مسلما قتل رجلا من أهل الذمة فرفع إلى عثمان فلم
يقتله وغلظ عليه الدية قال ابن حزم هذا في غاية الصحة فلا يصح عن أحد من الصحابة شئ
غير هذا إلا ما رويناه عن عمر أنه كتب في مثل ذلك أن يقاربه ثم ألحقه كتابا فقال لا تقتلوه ولكن
اعتقلوه وأما القول الثاني أعني أن المسلم يقتل بالذمي فليس دليل صريح يدل عليه ومن جملة
ما استدل به أهل القول الثاني من الحنفية وغيرهم ما روى عبد الرحمن البيلماني وقد عرفت أنه
لا يصلح للاحتجاج ومن جملته حديث لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده قالوا أن
قوله ولا ذو عهد معطوف على قوله مسلم فيكون التقدير ولا ذو عهد في
عهده بكافر كما في المعطوف عليه والمراد بالكافر المذكور في المعطوف هو الحربي فقط
بدليل جعله مقابلا للمعاهد لأن المعاهد يقتل بمن كان معاهدا مثله من الذميين إجماعها فيلزم أن
يقيد الكافر في المعطوف عليه الحربي كما قيد في المعطوف لأن الصفة بعد متعدد ترجع إلى الجميع
اتفاقا فيكون التقدير لا يقتل مسلم بكافر حربي ولا ذو عهد في عهده بكافر حربي وهذا يدل
بمفهومه على أن المسلم يقتل بالكافر الذمي ويجاب بأن هذا مفهوم صفة والخلاف في العمل به
مشهور بين أئمة الأصول ومن جملة القائلين بعدم العمل به الحنفية فكيف يصح احتجاجهم به
على أنه إذا تعارض المنطوق والمفهوم يقدم المنطوق وقد أجيب عن استدلالهم هذا بأجوبة أخرى
ذكرها الحافظ في الفتح وكذا الشوكاني في النيل وقد بسط الحافظ الكلام في الجواب عن
متمسكاتهم الأخرى فعليك أن تراجع الفتح باب ما جاء في دية الكفار قوله (حدثنا ابن وهب) الظاهر أنه عبد الله بن
وهب بن مسلم القرشي مولاهم المصري الفقيه ثقة حافظ قوله (قال لا يقتل مسلم بكافر)
حربيا كان أو ذميا وهو مذهب الجمهور وهو الأصح كما عرفت قوله (وبهذا الاسناد) أي الذي
ذكره الترمذي بقوله حدثنا عيسى بن أحمد الخ (دية عقل الكافر نصف عقل المؤمن) وفي رواية
غير الترمذي عقل الكافر بحذف لفظ الدية وهو الظاهر فإن العقل هو الدية وفي لفظ قضى أن
عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين وهم اليهود والنصاري رواه أحمد والنسائي وابن
ماجة وفي رواية كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمان مائة دينار وثمانية آلاف درهم ودية
أهل الكتاب يؤمئذ النصف من دية المسلم قال وكان ذلك كذلك حتى استخلف عمر فقام خطيبا
فقال إن الإبل قد غلت قال ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر
558

ألفا الحديث وفيه ترك أهل الذمة لم يرفعها فيها فيما رفع من الدية قوله (حديث عبد الله بن عمرو
في هذا الباب حديث حسن) وأخرجه أحمد والنسائي وصححه ابن الجارود قوله (وبهذا يقول
أحمد بن حنبل) وحجته أحاديث الباب (وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال دية اليهودي
والنصراني أربعة آلاف) أي من الدراهم (ودية المجوسي ثمان مائة) أي من الدراهم أخرج أثر
عمر رضي الله عنه وهذا الشافعي والدارقطني عن سعيد بن المسيب قال كان عمر يجعل دية اليهودي
والنصراني أربعة آلاف والمجوسي ثمان مائة كذا في المنتقى قال في النيل وأثر عمر أخرجه أيضا
البيهقي وأخرج ابن حزم في الايصال من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن حبيب عن أبي الخير عن
عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دية المجوسي ثمان مائة درهم وأخرجه أيضا الطحاوي
وابن عدي والبيهقي وإسناده ضعيف من أجل ابن لهيعة وروى البيهقي عن ابن مسعود رضي
الله عنه وعلي رضي الله عنه أنهما كانا يقولان في دية المجوسي ثمانمائة درهم وفي إسناده ابن لهيعة
وأخرج البيهقي أيضا عن عقبة بن عامر نحوه وفيه أيضا ابن لهيعة وروى نحو ذلك ابن عدي
والبيهقي والطحاوي عن عثمان وفيه ابن لهيعة (وبهذا يقول مالك والشافعي وإسحاق) واستدلوا
بأثر عمر المذكور وبما ذكرنا (وقال بعض أهل العلم دية اليهودي والنصراني مثل دية المسلم وهو
قول سفيان الثوري وأهل الكوفة) وهو قول الحنفية واستدلوا بعموم قوله تعالى وإن كان من
قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله قالوا إطلاق الدية يفيد أنها الدية المعهودة وهي دية
المسلم ويجاب عنه أولا بمنع كون المعهود ههنا هو دية المسلم لم لا يجوز أن يكون المراد بالدية
المتعارفة بين المسلمين لأهل الذمة المعاهدين وثانيا بأن هذا الإطلاق مقيد بحديث الباب وقد استدلوا بأحاديث كلها ضعيفة لا تصلح للاحتجاج ذكرها الشوكاني في النيل وبين عللها ثم قال
ومع هذه العلل فهذه الأحاديث معارضة بحديث الباب وهو أرجح منها من جهة صحته وكونه قولا
وهذه فعلا والقول أرجح من الفعل انتهى
559

باب ما جاء في الرجل يقتل عبده
قوله (من قتل عبده قتلناه) فيه دليل لمن قال إن من قتل عبده يقتل (ومن جدع عبده جدعناه)
أي من قطع أطراف عبده قطعنا أطرافه قال في شرح السنة ذهب عامة أهل العلم إلى أن طرف
الحر لا يقطع بطرف العبد فثبت بهذا الانفاق أن الحديث محمول على الزجر والردع أو هو منسوخ
كذا في المرقاة قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود وابن ماجة والدارمي وفي رواية
لأبي داود والنسائي ومن خصى عبده خصيناه اعلم أنه قد وقع في نسخ الترمذي الحاضرة عندنا
حسن غريب وكذا وقع في المنتقى قال الشوكاني في النيل قال الحافظ في بلوغ المرام إن
الترمذي صححه والصواب ما قاله المصنف يعني صاحب المنتقى فإنا لم تجد في نسخ من
الترمذي إلا لفظ حسن غريب كما قاله المصنف قوله (وقد ذهب بعض أهل العلم من التابعين
منهم إبراهيم النخعي إلى هذا) قال في النيل حكى صاحب البحر الإجماع على أنه لا يقتل السيد
بعبده إلا عن النخعي قال صاحب المنتقي قال البخاري قال علي بن المديني سماع الحسن عن
سمرة صحيح وأخذ بحديثه من قتل عبده قتلناه
وأكثر أهل العلم على أنه لا يقتل السيد بعبده
وتأولوا الخبر على أنه أراد من كان عبده لئلا يتوهم تقدم الملك مانعا (وقال بعض أهل العلم منهم
الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح ليس بين الحر والعبد قصاص في النفس ولا فيما دون النفس
وهو قول أحمد وإسحاق) قال الشوكاني في النيل بعد ذكر كلام الترمذي هذا وحكاه صاحب
الكشاف عن عمر بن عبد العزيز والحسن وعطاء وعكرمة ومالك والشافعي انتهى
560

باب ما جاء في المرأة هل ترث من دية زوجها
قوله (الدية على العاقلة قال الجزري في النهاية قد تكرر في الحديث ذكر العقل والعقول
والعاقلة أما العقل فهو الدية وأصله أن القاتل كان إذا قتل قتيلا جمع الدية من الإبل فعقلها بفناء
أولياء المقتول أي شدها في عقلها ليسلها إليهم ويقبضوها منه فسميت الدية عقلا بالمصدر يقال
عقل البعير يعقله عقلا وجمعها عقول وكان أصل الدية الإبل ثم قومت بعد ذلك بالذهب
والفضة والبقر والغنم وغيرها والعاقلة هي العصبة والأقارب من قبل الأب الذين يعطون دية
قتيل الخطأ وهي صفة جماعة عاقلة وأصلها اسم فاعلة من العقل وهي من الصفات الغالبة
انتهى (حتى أخبره) أي عمر رضي الله عنه (الضحاك) بتشديد الحاء المهملة (ابن سفيان
الكلابي) بكسر الكاف صحابي معروف كان من عمال النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقات قال صاحب
المشكاة يقال إنه كان بشجاعته يعد بمائة فارس وكان يقوم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف (أن) مصدرية أو
تفسيرية فإن الكتابة فيها معنى القول (ورث) أمر من التوريث أي إعطاء الميراث (امرأة أشيم)
بفتح الهمزة فسكون شين معجمة بعدها تحتية مفتوحة وكان قتل خطأ فإن الحديث رواه مالك من
رواية ابن شهاب عن عمر وزاد قال ابن شهاب وكان قتلهم أشيم خطأ (الضبابي) بكسر الضاد
المعجمة وتخفيف الموحدة الأولى منسوب إلى ضباب قلعة بالكوفة وهو صحابي ذكره ابن عبد البر
وغيره في الصحابة (من دية زوجها) زاد في رواية أبي داود فرجع عمر أي عن قوله لا ترث المرأة
من دية زوجها قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي قوله
(والعمل على هذا عند أهل العلم) قال في شرح السنة فيه دليل على أن الدية تجب للمقتول
أولا ثم تنتقل منه إلى ورثته كسائر أملاكه وهذا قول أكثر أهل العلم وروي عن علي كرم الله
وجهه أنه كان لا يورث الإخوة من الأم ولا الزوج ولا المرأة من الدية شيئا كذا في المرقاة
وقال الخطابي وإنما كان عمر يذهب في قوله الأول إلى ظاهر القياس وذلك أن المقتول لا تجب
561

ديته إلا بعد موته وإذا مات بطل ملكه فلما بلغته السنة ترك الرأي وصار إلى السنة انتهى قلت
ما ذهب إليه أكثر أهل العلم هو الحق يدل عليه حديث الباب وفي الباب حديثان آخران
ذكرهما صاحب المنتقى في كتاب الفرائض
باب ما جاء في القصاص
بكسر القاف مصدر من المقاصة وهي المماثلة أو فعال من قص الأثر أي تبعه والولي يتبع
القاتل في فعله وفي المغرب القصاص هو مقاصة ولي المقتول القاتل والمجروح الجارح وهي
مساواته إياه في قتل أو جرح ثم عم في كل مساواة كذا في المرقاة قوله (أن رجلا عض يد رجل)
العض أخذ الشئ بالسن وفي الصراح العض كزيدن من سمع يسمع وضرب يضرب (فنزع)
أي المعضوض (يده) أي من في العاض (فوقعت) أي سقطت (ثنيتاه) أي ثنيتا العاض والثنيتان
السنان المتقدمتان والجمع الثنايا وهي الأسنان المتقدمة اثنتان فوق واثنتان تحت (فاختصموا) وفي
بعض النسخ فاختصما (فقال يعض أحدكم) بتقدير همزة الاستفهام الانكاري (كما يعض الفحل)
بفتح الفاء وسكون الحاء أي الذكر من الإبل (لا دية لك) فيه دليل على أن الجنابة إذا وقعت على
المجني عليه بسبب منه كالقصة المذكورة وما شابهها فلا قصاص ولا أرش فأنزل الله تعالى
والجروح قصاص أي يقتص فيها إذا أمكن كاليد والرجل والذكر ونحو ذلك وما لا يمكن فيه
الحكومة كذا في تفسير الجلالين وهذه الجملة أعني فأنزل الله تعالى والجروح قصاص لم أجدها
في غير رواية الترمذي قوله (وفي الباب عن يعلى بن أمية) أخرجه الجماعة إلا الترمذي كذا في
المنتقى (وسلمة بن أمية) أخرجه النسائي وابن ماجة (وهما أخوان) في التقريب سلمة بن أمية
التميمي الكوفي أخو يعلى بن أمية صحابي له حديث واحد انتهى قلت وهو الذي أشار إليه
الترمذي قوله (حديث عمران بن حصين حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا أبا داود
562

باب ما جاء في الحبس في التهمة
قوله (عن بهز بن حكيم) بن معاوية القشيري صدوق من السادسة (عن جده) هو
معاوية بن حيدة القشيري قوله (حبس رجلا في تهمة) أي في أداء شهادة بأن كذب فيها أو بأن
ادعى عليه رجل ذنبا أو دينا فحبسه صلى الله عليه وسلم ليعلم صدق الدعوى بالبينة ثم لما لم يقم البينة خلى عنه
(ثم خلى عنه) أي تركه عن الحبس بأن أخرجه منه والمعنى خلى سبيله عنه وهذا يدل على أن
الحبس من أحكام الشرع كذا في المرقاة وقال في اللمعات فيه أن حبس المدعى عليه مشروع
قبل أن تقام البينة انتهى قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) لينظر من أخرجه (حديث بهز بن
حكم عن أبيه عن جده حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي قال المنذري وجد بهز بن
حكيم هو معاوية بن حيدة القشيري وله صحبة وفي الاحتجاج بحديث بهز بن حكيم عن أبيه
عن جده اختلاف انتهى قلت سئل يحيى بن معين عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده فقال
إسناد صحيح إذا كان من دون بهز ثقة قاله الحافظ في أسد الغابة وقال في تهذيب التهذيب وقال
ابن حبان كان يخطئ كثيرا فأما أحمد وإسحاق فهما يحتجان به وتركه جماعة من أئمتنا قوله (وقد
روى إسماعيل بن إبراهيم) هو ابن علية (عن بهز بن حكيم هذا الحديث أتم من هذا وأطول)
رواه الإمام أحمد في مسنده عن إسماعيل بن علية أخبرنا بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن أباه أو
عمه قام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال جيراني بم أخذوا فأعرض عنه ثم قال أخبرني ثم بم أخذوا
فاعرض عنه فقال لئن قلت ذاك إنهم ليزعمون أنك تنهي عن الغي وتستخلي به فقال النبي
صلى الله عليه وسلم ما قال فقام أخوه أو ابن أخيه فقال يا رسول الله إنه قال فقال لقد قلتموها أو
قائلكم ولئن كنت أفعل ذلك إنه لعلي وما هو عليكم خلوا له عن جيرانه وأخرجه من طريق
عبد الرزاق حدثنا معمر عن بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده قال أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناسا
من قومي في تهمة فحبسهم فجاء رجل من قومي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال يا محمد علام
تحبس جيراني فصمت النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقال إن ناسا ليقولون إنك تنهى عن الشر وتستخلي به
563

فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما يقول قال فجعلت أعرض بينهما باللام مخافة أن يسمعها فيدعو على قومي
دعوة لا يفلحون بعدها أبدا فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم به حتى فهمها فقال قد قالوها أو قائلها منهم والله
لو فعلت لكان علي وما كان عليهم خلوا له عن جيرانه انتهى
باب ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد
قوله (وحاتم بن سياه) بكسر السين المهملة بعدها تحتانية وآخرها هاء منونة مقبول من
الحادية عشرة قاله الحافظ (عن عبد الرحمن بن عمرو بن سهل) الأنصاري المدني ثقة من الثالثة
(عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل) العدوي أحد العشرة قوله (من قتل دون ماله) أي عند
الدفع عن ماله (فهو شهيد) أي في حكم الآخرة لا في حكم الدنيا قوله (هذا حديث حسن
صحيح) أخرجه أحمد والأربعة وابن حبان والحاكم قوله (حدثنا عبد العزيز بن المطلب) بن
عبد الله بن حنطب المخزومي أبو طالب المدني صدوق من السابعة قوله (وفي الباب عن علي
وسعيد بن زيد وأبي هريرة وابن عمر وابن عباس وجابر) أما حديث علي فلينظر من أخرجه
وأما حديث سعيد بن
زيد فأخرجه الترمذي في هذا الباب من طريقين وأما حديث أبي هريرة
فأخرجه مسلم وأحمد عنه قال جاء رجل فقال يا رسول الله أرأيت أن جاء رجل يريد أخذ مالي
قال فلا تعطه مالك قال أرأيت إن قاتلني قال قاتله قال أرأيت إن قتلني قال فأنت
شهيد قال أرأيت إن قتلته قال هو في النار وفي لفظ أحمد يا رسول الله أرأيت إن عدى على
مالي قال أنشد الله قال فإن أبوا علي قال أنشد الله قال فإن أبوا علي قال قاتل فإن قتلت
564

ففي الجنة وإن قتلت ففي النار وأما حديث ابن عمر رضي الله عنه فأخرجه البيهقي وقد أخرج
أحمد والنسائي وأبو داود والبيهقي وابن حبان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه من رواية قتادة
عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عنه بلفظ ولا قصاص ولا دية وفي رواية للبيهقي من
حديث ابن عمر ما كان عليك فيه شئ كذا في النيل وأما حديث ابن عباس وجابر فلينظر من
أخرجه قوله (حديث عبد الله بن عمرو حديث حسن) وأخرجه البخاري ومسلم اعلم أن
الحافظ قد تعقب في صلاة الخوف من التلخيص من زعم أن حديث ابن عمرو بن العاص متفق
عليه وقال إنه من أفراد البخاري وفي هذا التعقب نظر فإن الحديث في صحيح مسلم وفيه قصة
وقد اعترف الحافظ في الفتح في كتاب المظالم والغصب بأن مسلما أخرج هذا الحديث من طريق
ابن عمرو وذكر القصة قاله الشوكاني في النيل قوله (وقد رخص بعض أهل العلم الخ) وهو
الحق لأحاديث الباب (قال ابن المبارك يقاتل عن ماله ولو درهمين) أي ولو كان درهمين لإطلاق
الأحاديث قال الشوكاني وأحاديث الباب فيها دليل على أنها تجوز مقاتلة من أراد أخذ مال
إنسان من غير فرق بين القليل والكثير إذا كان الأخذ بغير حق وهو مذهب الجمهور كما حكاه
النووي والحافظ في الفتح وقال بعض العلماء إن المقاتلة واجبة وقال بعض المالكية لا تجوز
إذا طلب الشئ الخفيف ولعل متمسك من قال بالوجوب ما في حديث أبي هريرة من الأمر
بالمقاتلة والنهي عن تسليم المال إلى من رام غصبه وأما القائل بعدم الجواز في الشئ الخفيف
فعموم أحاديث الباب ترد عليه ولكنه ينبغي تقديم الأخف فالأخف فلا يعدل المدافع إلى القتل
مع إمكان الدفع بدونه ويدل على ذلك أمره صلى الله عليه وسلم بإنشاد الله قبل المقاتلة وكما تدل الأحاديث على
جواز المقاتلة لمن أراد أخذ المال تدل على جواز المقاتلة لمن أراد إراقة الدم والفتنة في الدين والأهل
وحكى ابن المنذر عن الشافعي أنه قال من أريد ماله أو نفسه أو حريمه فله المقاتلة وليس عليه
عقل ولا دية ولا كفارة قال ابن المنذر والذي عليه أهل العلم أن للرجل أن يدفع عما ذكر إذا أريد
ظلما بغير تفصيل إلا أن كل من يحفظ عنه من علماء الحديث كالمجمعين على استثناء السلطان
للآثار الواردة بالأمر بالصبر على جوره وترك القيام عليه انتهى ويدل على عدم لزوم القود والدية
في قتل من كان على الصفة المذكورة ما ذكرنا من حديث أبي هريرة وحمل الأوزاعي أحاديث
565

الباب على الحالة التي للناس فيها إمام وأما حالة الفرقة والاختلاف فليستسلم المبغى على نفسه
وماله ولا يقاتل أحدا قال في الفتح ويرد عليه حديث أبي هريرة عند مسلم يعني الحديث الذي
أشار إليه الترمذي وذكرنا لفظه قوله (قال سفيان) هو الثوري (وأثنى) أي عبد الله بن الحسن
(عليه) أي على إبراهيم بن محمد بن طلحة قوله (من أريد ماله) بالرفع أي الإنسان الذي أراد
إنسان آخر أن يأخذ ماله (بغير حق) أي ظلما (فقاتل) أي ذلك الإنسان الذي هو مالك المال
دون ماله (فقتل) بصيغة المجهول أي مالك المال (فهو) أي مالك المال المقتول (شهيد) أي في
حكم الآخرة قوله (هذا حديث صحيح) تقدم تخريجه قوله (أخبرني يعقوب بن إبراهيم بن
سعد) المدني نزيل بغداد ثقة فاضل من صغار التاسعة (حدثنا أبي) هو إبراهيم بن سعد بن
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني نزيل بغداد ثقة حجة تكلم فيه بلا قادح من
الثامنة (عن أبيه) هو سعد بن إبراهيم الزهري البغدادي ثقة ولي قضاء واسط وغيرها من
التاسعة قوله (من قتل دون ماله) أي عند
دفعه من يريد أخذ ماله ظلما (ومن قتل دون دمه) أي في الدفع عن نفسه (ومن قتل دون دينه)
أي في نصرة دين الله والذب عنه (ومن قتل دون
أهله) أي في الدفع عن بضع حليلته أو قريبته (فهو شهيد) لأن المؤمن محترم ذاتا ودما وأهلا ومالا فإذا أريد منه شئ من ذلك جاز له الدفع عنه
فإذا قتل بسببه فهو شهيد قوله (هذا حديث حسن
صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي
566

باب ما جاء في القسامة
بفتح القاف وتخفيف السين المهملة وهي مصدر أقسم والمراد بها الأيمان واشتقاق القسامة
من القسم كالجماعة من الجمع وقد حكى إمام الحرمين أن القسامة عند الفقهاء اسم للأيمان
وعند أهل اللغة اسم للحالفين وقد صرح بذلك في القاموس وقال في الضياء إنها الأيمان وقال في
المحكم إنها في اللغة الجماعة ثم أطلقت على الأيمان قاله في النيل وقال القاري في المرقاة وسبب
القسامة وجود القتل في المحلة أو ما يقوم مقامها وركنها قولهم بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا
وشرطها أن يكون المقسم رجلا حرا عاقلا وقال مالك يدخل النساء في قسامة الخطأ دون العمد
وحكمها القضاء بوجوب الدية بعد الحلف سواء كانت الدعوى في القتل العمد أو الخطأ في شرح
السنة صورة قتيل القسامة أن يوجد قتيل وادعى وليه على رجل أو على جماعة قتله وكان عليهم
لوث ظاهر وهو ما يغلب على الظن صدق المدعي كأن وجد في محلتهم وكان بين القتيل وبينهم
عداوة انتهى ما في المرقاة قوله (عن بشير) بضم الموحدة وفتح الشين المعجمة مصغرا الحارثي
المدني ثقة فقيه من الثالثة (قال قال يحيى وحسبت عن رافع بن خديج) كذا في نسخ الترمذي
والظاهر أن يكون وعن رافع بن خديج بالواو قبل عن وكذلك وقع عند مسلم قال الحافظ في
الفتح وعند مسلم من رواية الليث عن يحيى عن بشير عن سهل قال يحيى وحسبت أنه قال
ورافع بن خديج أنهما قالا خرج عبد الله بن سهل الخ وقال وفي الأدب من رواية حماد بن زيد عن
يحيى عن بشير عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج أنهما حدثاه أن عبد الله بن سهل الخ (أنهما)
أي سهلا ورافعا (ومحيصة) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر التحتانية المشددة وفتح الصاد
المهملة (أقبل) وفي بعض النسخ فأقبل (وحويصة) بضم الحاء المهملة وفتح الواو وتشديد الياء
مصغرا وقد روى التخفيف فيه وفي محيصة (قبل صاحبه) وفي بعض النسخ قبل صاحبيه وهو
567

الظاهر (كبر الكبر) الأول أمر من التكبير والثاني بضم الكاف وسكون الموحدة أي قدم من هو أكبر
منك وأسن بالكلام إرشاد إلى الأدب (مقتل عبد الله بن سهل) أي قتله (فقال لهم أتحلفون
خمسين يمينا) وفي رواية عند مسلم يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته (صاحبكم أو
قاتلكم) شك من الراوي (قال فتبرئكم يهود بخمسين يمينا) وفي رواية للشيخين فتبرئكم يهود
في أيمان خمسين منهم أي يحلف خمسون من اليهود فتبرئكم من أن تحلفوا (أعطى عقله) بفتح
العين المهملة وسكون القاف أي ديته زاد في بعض الروايات من عنده وفي رواية للبخاري فكره
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطل دمه فوداه مائة من إبل الصدقة قال الحافظ في الفتح زعم بعضهم أنه
غلط من سعيد بن عبيد لتصريح يحيى بن سعيد بقوله من عنده وجمع بعضهم بين الروايتين
باحتمال أن يكون اشتراها من إبل الصدقة بمال دفعه من عنده أو المراد بقوله من عنده أي بيت المال
المرصد للمصالح وأطلق عليه صدقة باعتبار الانتفاع به مجانا لما في ذلك من قطع المنازعة
وإصلاح ذات البين وقد حمل بعضهم على ظاهره فحكى القاضي عياض عن بعض العلماء جواز
صرف الزكاة للمصالح العامة واستدل بهذا الحديث وغيره قال الحافظ وتقدم شئ من ذلك في
كتاب الزكاة في الكلام على حديث أبي لاس قال حملنا النبي صلى الله عليه وسلم على إبل من إبل الصدقة في
الحج وعلى هذا فالمراد بالعندية كونها تحت أمره وحكمه انتهى قوله (هذا حديث حسن
صحيح) أخرجه الجماعة قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم) قال القاضي عياض هذا
الحديث أصل من أصول الشرع وقاعدة من قواعد الأحكام وركن من أركان مصالح العباد
وبه أخذ كافة الأئمة والسلف من الصحابة والتابعين وعلماء الأمة وفقهاء الأمصار من الحجازيين
والشاميين والكوفيين وإن اختلفوا في صورة الأخذ به وروى التوقف عن الأخذ به عن طائفة
فلم يروا القسامة ولا أثبتوا بها في الشرع حكما وهذا مذهب الحكم بن عتيبة وأبي قلابة وسالم بن
568

عبد الله وسليمان بن يسار وقتادة ومسلم بن خالد وإبراهيم بن علية وإليه ينحو البخاري وروي
عن عمر بن عبد العزيز باختلاف عنه قال الحافظ وهذا ينافي ما صدر به كلامه أن كافة الأئمة
أخذوا بها وقد تقدم النقل عمن لم يقل بمشروعيتها في أول الباب انتهى (وقد رأى بعض فقهاء
المدينة القود بالقسامة الخ) اختلف القائلون بالقسامة فيما إذا كان القتل عمدا هل يجب القصاص
بها أم لا فقال جماعة من العلماء يجب وهو قول مالك وأحمد وإسحاق وقول الشافعي في
القديم وقال الكوفيون والشافعي
في أصح قوليه لا يجب بل تجب الدية واختلفوا في من
يحلف في القسامة فقال مالك والشافعي والجمهور يحلف الورثة ويجب الحق بحلفهم وقال
أصحاب أبو حنيفة يستحلف خمسون من أهل المدينة ويتحراهم الولي يحلفون بالله ما قتلناه وما
علمنا قاتله فإذا حلفوا قضى عليهم وعلى أهل المحلة وعلى عاقلتهم بالدية كذا في المرقاة نقلا
عن النووي
569

أبواب الحدود
باب ما جاء فيمن لا يجب عليه الحد
قوله (عن الحسن) هو البصري (عن علي) هو ابن أبي طالب رضي الله عنه رفع القلم)
كناية عن عدم التكليف (عن ثلاثة) قال السبكي الذي وقع في جميع الروايات ثلاثة بالهاء وفي
بعض كتب الفقهاء ثلاث بغير هاء ولم أر له أصلا قاله المناوي (عن النائم) ولا يزال مرتفعا (حتى
يستيقظ) من نومه وكذلك يقدر فيما بعده (وعن الصبي حتى يشب) وفي رواية حتى يحتلم وفي
رواية حتى يكبر وفي رواية حتى يبلغ قال السبكي ليس في رواية
حتى يكبر من البيان
ولا في قوله حتى يبلغ ما في هذه الرواية يعني رواية حتى يحتلم فالتمسك بها لبيانها وصحة
سندها أولى (وعن المعتوه) أي المجنون ونحوه (حتى يعقل) أي حتى يفيق من باب ضرب
يضرب قوله (وفي الباب عن عائشة) أخرجه الدارمي وابن ماجة عن علي وعائشة رضي
الله تعالى عنهما قوله (حديث علي حديث حسن غريب من هذا الوجه) أي من هذا الإسناد
570

المذكور والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجة أيضا (وقد روي من غير وجه عن علي) أي روي هذا
الحديث عن علي من أسانيد عديدة (وروى بعضهم وعن الغلام حتى يحتلم) أي مكان وعن
الصبي حتى يشب (ولا نعرف للحسن سماعا من علي بن أبي طالب) قال الحافظ في تهذيب
التهذيب سئل أبو زرعة هل سمع الحسن أحدا من البدريين قال رآهم رؤية رأى عثمان
وعليا قيل هل سمع منهما حديثا قال لا رأى عليا بالمدينة وخرج علي إلى الكوفة والبصرة
ولم يلقه الحسن بعد ذلك وقال الحسن رأيت الزبير يبايع عليا وقال علي ابن المديني لم ير عليا
إلا أن كان بالمدينة وهو غلام انتهى فإن قلت قال النيموي اتصال الحسن بعلي ثابت بوجوه
فمنها ما ذكره البخاري في تاريخه الصغير في ترجمة سليمان بن سالم القرشي العطار سمع علي بن زيد
عن الحسن رأي عليا والزبير التزما ورأي عثمان وعليا التزما ومنها ما أخرجه المزي في تهذيب
الكمال بإسناده عن يونس بن عبيد قال سألت الحسن قلت يا أبا سعيد إنك تقول قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم وإنك لم تدركه قال يا ابن أخي لقد سألتني عن شئ ما سألني عنه أحد قبلك ولولا
منزلتك مني ما أخبرتك إني في زمان كما ترى وكان في عمل الحجاج كل شئ سمعتني أقول
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر
عليا ومنها ما أخرجه أبو يعلى في مسنده حدثنا حوثرة بن أشرس قال أخبرنا عقبة بن أبي
الصهباء الباهلي قال سمعت الحسن يقول سمعت عليا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل أمتي مثل
المطر الحديث قال السيوطي في إتحاف الفرقة بوصل الخرقة قال محمد ابن الحسن الصيرفي شيخ
شيوخنا هذا نص صريح في سماع الحسن من علي رضي الله عنه ورجاله ثقات حوثرة وثقة ابن
ححبان وعقبة وثقة أحمد وابن معين قلت أماما ذكره البخاري ففي سنده علي بن زيد بن
جدعان وهو ضعيف كما في التقريب وأما قول يونس بن عبيد فلينظر كيف إسناده وأما ما
أخرجه أبو يعلي فالظاهر صحته فإن كان خاليا عن علة خفية قادحة فلا شك أنه نص صريح في
سماع الحسن من علي رضي الله عنه والله تعالى أعلم (وقد روى هذا الحديث عن عطاء بن
السائب عن أبي ظبيان عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا الحديث ورواه عن الأعمش) ليس في
بعض النسخ لفظ عن وهو الصحيح (عن أبي ظبيان عن ابن عباس عن علي موقوفا ولم يرفعه)
571

قال البخاري في صحيحه قال علي ألم تعلم أن القلم رفع عن ثلاث عن المجنون حتى يفيق
وعن الصبي حتى يدرك وعن النائم حتى يستيقظ قال الحافظ في الفتح وصله البغوي في
الجعديات عن علي بن الجعد عن شعبة عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس أن عمر أتى
بمجنونة قد زنت وهي حبلى فأراد أن يرجمها فقال له علي أما بلغك أن القلم قد وضع عن ثلاثة
فذكره وتابعه ابن نمير ووكيع وغير واحد عن الأعمش ورواه جرير بن حازم عن الأعمش فصرح
فيه بالرفع أخرجه أبو داود وابن حبان من طريقه وأخرجه النسائي من وجهين آخرين عن أبي
ظبيان مرفوعا وموقوفا لكن لم يذكر فيهما ابن عباس جعله عن أبي ظبيان عن علي ورجح الموقوف
على المرفوع انتهى قوله (والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم) قال الحافظ في الفتح وأخذ
بمقتضى هذا الحديث الجمهور لكن اختلفوا في إيقاع طلاق الصبي فعن ابن المسيب والحسن
بلزمه إذا عقل وميز وحده وعند أحمد أن يطيق الصيام ويحصى الصلاة وعند عطاء إذا بلغ اثنا
عشر سنة وعن مالك رواية إذا ناهز الاحتلام انتهى قلت وحديث الباب ظاهر فيما ترجم له
الترمذي قوله (وأبو ظبيان) بفتح المعجمة وسكون الموحدة (اسمه حصين بن جندب) ابن
الحارث الجنبي بفتح الجيم وسكون النون ثم موحدة الكوفي ثقة من الثانية
باب ما جاء في درء الحدود
قوله (ادرأوا الحدود) بفتح الراء أمر من الدرء أي ادفعوا إيقاع الحدود (ما استطعتم) أي
مدة استطاعتكم وقدر طاقتكم (فإن كان له) أي للحد المدلول عليه الحدود (مخرج) اسم مكان أي
عذر يدفعه (فخلوا سبيله) أي اتركوا إجراء الحد على صاحبه ويجوز أن يكون ضمير له للمسلم
المستفاد من المسلمين ويؤيده ما ورد في رواية فإن وجدتم للمسلم مخرجا فالمعنى اتركوه أو لا
572

تتعرضوا له (فإن الإمام إن يخطئ) أي خطؤه (في العفو) مبتدأ خبره (خير من أن يخطئ في
العقوبة) والجملة خبر إن ويؤيده ما في رواية لأن يخطئ بفتح اللام وهي لام الابتداء قال
المظهر يعني ادفعوا الحدود ما استطعتم قبل أن تصل إلي فإن الإمام إذا سلك سبيل الخطأ في
العفو الذي صدر منه خير من أن يسلك سبيل الخطأ في الحدود فإن الحدود إذا وصلت إليه وجب
عليه الإنفاذ قال الطيبي نزل معنى هذا الحديث على معنى حديث تعافوا الحدود فيما بينكم فما
بلغني من حد فقد وجب وجعل الخطاب في الحديث لعامة المسلمين ويمكن أن ينزل على حديث
أبي هريرة في قصة رجل وبريدة في قصة ماعز فيكون الخطاب للأئمة لقوله صلى الله عليه وسلم للرجل أبك
جنون ثم قوله أحصنت ولماعز أبه جنون ثم قوله أشرب لأن كل هذا تنبيه على أن للإمام
أن يدرأ الحدود بالشبهات انتهى قال القاري بعد نقل كلام الطيبي هذا ما لفظه هذا التأويل
متعين والتأويل الأول لا يلائمه قوله فإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإن عامة المسلمين مأمورون
بالستر مطلقا ولا يناسبه أيضا لفظ خير كما لا يخفى فالصواب أن الخطاب للأئمة وأنه
ينبغي لهم أن يدفعوا الحدود بكل عذر مما يمكن أن يدفع بكما وقع منه عليه الصلاة والسلام لماعز
وغيره من تلقين الأعذار انتهى كلام القاري قال الطيبي فيكون قوله فإن الإمام مظهرا أقيم مقام
المضمر على سبيل الالتفات من الخطاب إلى الغيبة حثا على إظهار الرأفة انتهى قوله (وفي الباب
عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو) أما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجة بإسناد ضعيف
ولفظه ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعا وأما حديث عبد الله بن عمرو وهو بالواو فأخرجه
أبو داود والنسائي مرفوعا ولفظه تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب قال
الشوكاني وفي الباب عن علي مرفوعا ادرأوا الحدود بالشبهات وفيه المختار بن نافع قال
البخاري وهو منكر الحديث قال وأصح ما فيه حديث سفيان الثوري عن عاصم عن أبي وائل
عن عبد الله بن مسعود قال ادرأوا الحدود بالشبهات ادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم
وروى عن عقبة بن عامر ومعاذ أيضا موقوفا وروى منقطعا وموقوفا على عمر ورواه ابن حزم في
كتاب الاتصال عن عمر موقوفا عليه قال الحافظ وإسناده صحيح ورواه ابن أبي شيبة من
طريق إبراهيم النخعي عن عمر بلفظ لأن أخطئ في الحدود بالشبهات أحب إلي من أن أقيمها
بالشبهات في مسند أبي حنيفة للحارثي من طريق مقسم عن ابن عباس مرفوعا بلفظ ادرأوا
573

الحدود بالشبهات وما في الباب وإن كان فيه المقال المعروف فقد شد من عضده ما ذكرناه فيصلح
بعد ذلك للاحتجاج به على مشروعية درء الحدود بالشبهات المحتملة لا مطلق الشبهات انتهى
قوله (حديث عائشة لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث محمد بن ربيعة الخ) وأخرجه الحاكم
والبيهقي (وقد روى نحو هذا عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا مثل ذلك)
وقد تقدم آثارهم
باب ما جاء في الستر على المسلم قوله (من نفس) من التنفيس أي فرج وأزال وكشف (عن مسلم) كربة بضم الكاف فعلة
من الكرب وهي الخصلة التي يحزن بها وجمعها كرب بضم ففتح والنون فيها للإفراد والتحقير أي
هما واحدا من همومها أي هم كان صغيرا كان أو كبيرا (من كرب الدنيا) أي بعض كربها أو كربة
مبتداة من كربها (نفس الله) أي أزالها وفرجها (عنه) أي عن من نفس عن مسلم كربة (من كرب
الآخرة) أي يوم القيامة وتنفيس الكرب إحسان لهم وقد قال تعالى هل جزاء الإحسان إلا
الإحسان وليس هذا منافيا لقوله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها لما ورد من أنها تجازي
بمثلها وضعفها إلى عشرة إلى مائة إلى سبعمائة إلى غير حساب على أن كربة من كرب يوم القيامة
تساوي عشرا أو أكثر من كرب الدنيا ويدل عليه تنوين التعظيم وتخصيص يوم القيامة دون يوم
آخر والحاصل أن المضاعفة إما في الكمية أو في الكيفية (من ستر على مسلم) وفي حديث ابن عمر
من ستر مسلما أي بدنه أو عيبه بعدم الغيبة له والذب عن معائبه وهذا بالنسبة إلى من ليس
574

معروفا بالفساد وإلا فيستحب أن ترفع قصته إلى الوالي فإذا رأى في معصية فينكرها بحسب
القدرة وإن عجز يرفعها إلى الحاكم إذا لم يترتب عليه مفسدة كذا في شرح مسلم للنووي (ستره
الله في الدنيا والآخرة) أي لم يفضحه بإظهار عيوبه وذنوبه (والله في عون العبد ما كان العبد في
عون أخيه) وفي حديث ابن عمر المتفق عليه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته أي من
كان ساعيا في قضاء حاجته وفيه تنبيه نبيه على فضيلة عون الأخ على أموره وإشارة إلى أن
المكافأة عليها بجنسها من العناية الإلهية سواه كان بقلبه أو بدنه أو بهما لدفع المضار أو جلب المنافع
إذ الكل عون قوله (وفي الباب عن عقبة بن عامر وابن عمر) أما حديث عقبة بن عامر فأخرجه
عنه مرفوعا أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد لفظه من
ستر عورة أخيه فكأنما استحي موؤودة في قبرها قال المنذري في الترغيب رجال أسانيدهم
ثقات ولكن اختلف فيه على إبراهيم بن نشيط اختلافا كثيرا ذكرت بعضه في مختصر السنن
انتهى وأما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان وأخرجه الترمذي أيضا في هذا الباب وفي الباب
أحاديث أخرى ذكرها المنذري في الترغيب قوله (حديث أبي هريرة هكذا روى غير واحد عن
الأعمش عن أبي صالح الخ) أي بالاتصال بين الأعمش وأبي صالح (وروى أسباط بن محمد قال
حدثت) بصيغة المجهول (عن أبي صالح) ففي رواية أسباط انقطاع بين الأعمش وأبي صالح
فإن الأعمش لم يذكر من حدثه عن أبي صالح قال المنذري بعد ذكر حديث أبي هريرة هذا رواه
مسلم وأبو داود الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة انتهى قلت ليس في النسخ الحاضرة
عندي تحسين الترمذي لهذا الحديث قوله (عن سالم عن أبيه) أي عبد الله بن عمر رضي الله عنه
(المسلم أخو المسلم) قال الله تعالى (إنما المؤمنون إخوة) ولا يسلمه بضم أوله وكسر اللام أي لا
575

يخذله بل ينصره قال في النهاية أسلم فلان فلانا إذا ألقاه في التهلكة ولم يحمه من عدوه وهو
عام في كل من أسلمته إلى شئ لكن دخله التخصيص وغلب عليه الإلقاء في الهلكة وقال
بعضهم الهمزة فيه للسلب أي لا يزيل سلمه وهو بكسر السين وفتحها الصلح قوله (من كان
في حاجة أخيه) أي في قضائها (ومن فرج) من التفريج أي أزال وكشف قوله (هذا حديث حسن
صحيح غريب من حديث ابن عمر) هذا الحديث متفق عليه كما في المشكاة لكن لم يعزه المنذري
في الترغيب إلى الشيخين بل عزاه إلى أبي داود والترمذي
باب ما جاء في التلقين في الحد
قوله (قال لماعز) بكسر العين المهملة وبالزاي (أحق) بهمزة الاستفهام وهو خبر مقدم لقوله
ما بلغني عنك (ما بلغك) أي أي شئ بلغك (وقعت على جارية آل فلان) أي جامعتها (فشهد
أربع شهادات) أي أقر على نفسه كأنه شهد عليها بإقراره بما يوجب الحد والحديث دليل على
جواز التلقين في الحد قال الإمام البخاري في صحيحه باب هل يقول الإمام للمقر لعلك لمست
أو غمزت وذكر فيه حديث ابن عباس في قصته وفيه لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت قال لا يا
رسول الله الحديث قال الحافظ هذه الترجمة معقودة لجواز تلقين الإمام المقر بالحد ما يدفعه عنه
وقد خصه بعضهم بمن يظن به أنه أخطأ أو جهل انتهى قوله (وفي الباب عن السائب بن يزيد)
لينظر من أخرجه (حديث ابن عباس حديث حسن) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود
576

باب ما جاء في درء الحد عن المعترف إذا رجع
قوله (فقال إنه قد زنى) هذا نقل بالمعنى كما يخفى إذ لفظه إني قد زنيت والمراد أن
ما عزا قد زني قاله القاري قلت هذا هو الظاهر كما لا يخفي (ثم جاء من الشق الآخر) أي بعد
غيبته عن المجلس قاله القاري قلت ليس في هذا الحديث ما يدل على ذلك إلا أن عليه دليل
آخر فلينظر (فأمر به) أي برجمه (في الرابعة) أي في المرة الرابعة من مجالس الاعتراف (فأخرج)
بصيغة المجهول أي أمر بإخراجه (إلى الحرة) وهي بقعة ذات حجارة سود خارج المدينة (فلما وجد
مس الحجارة) أي ألم إصابتها (فر) أي هرب (يشتد) بتشديد الدال أي يسعى وهو حال (حتى مر
برجل معه لحي جمل) بفتح اللام وسكون الحاء المهملة أي عظم ذقنه وهو الذي ينبت عليه
الأسنان (فضربه) أي الرجل (به) أي باللحي (وضربه الناس) أي آخرون بأشياء أخر (ومس
الموت) عطف على مس الحجارة على سبيل البيان قال الطيبي قوله ذلك إذا جعل إشارة إلى
المذكور السابق من فراره من مس الحجارة كأن قوله إنه فر حين وجد مس الحجارة تكرارا لأنه بيان
ذلك فيجب أن يكون ذلك مبهما وقد فسر بما بعده كقوله تعالى (وقضينا إليه ذلك الأمر أن
دابر هؤلاء مقطوع مصبحين) ولعله كرر لزيادة البيان انتهى (هلا تركتموه) وفي رواية هلا
تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه قال القاري أي عسى أن يرجع عن فعله فيرجع الله عليه
بقبول توبته قال ابن الملك فيه أن المقر على نفسه بالزنا لو قال ما زنيت أو كذبت أو رجعت سقط
عنه الحد فلو رجع في أثناء إقامته عليه سقط الباقي وقال جمع لا يسقط إذ لو سقط لصار ماعز
مقتولا خطأ فتجب الدية على عواقل القاتلين قلنا إنه لم يرجع صريحا لأنه هرب وبالهرب لا
يسقط الحد وتأويل قوله هلا تركتموه أي لينظر في أمره أهرب من ألم الحجارة أو رجع عن إقراره
577

بالزنا قال الطيبي فإن قلت إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم واخذهم بقتله حيث فر فهل يلزمهم قود إذا
قلت لا لأنه صلى الله عليه وسلم واخذهم بشبهة عرضت تصلح أن يدفح بها الحد وقد عرضت
لهم شبهة أيضا وهي إمضاء أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا جناح عليهم انتهى وفي شرح السنة فيه
دليل على أن من أقر على نفسه بالزنا إذا رجع في خلال إقامة الحد فقال كذبت أو ما زنيت أو
رجعت سقط ما بقي من الحد عنه وكذلك السارق وشارب الخمر انتهى قوله (هذا حديث
حسن) وأخرجه ابن ماجة (وروي هذا الحديث عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله الخ) أخرجه
الترمذي عقيب قوله هذا بقوله حدثنا بذلك الحسن ابن علي الخلال الخ قوله (حتى شهد على
نفسه أربع شهادات) أي أقر على نفسه كأنه شهد عليها بإقراره بما يوجب الحد أربع مرات (قال
أبك جنون) قال النووي إنما قال أبك جنون لتحقق حاله فإن الغالب أن الإنسان لا يصر على
إقرار ما يقتضي هلاكه مع أن له طريقا في سقوط الإثم بالتوبة وهذا مبالغة في تحقيق حال المسلم
وصيانة دمه وإشارة إلى أن إقرار المجنون باطل وأن الحدود لا تجري عليه (قال أحصنت) بتقدير
همزة الاستفهام أي هل تزوجت (فلما أذلفته الحجارة) أي أصابته بحدها فعقرته من ذلق الشئ
طرفة (فر) أي هرب (فأدرك) بصيغة المجهول أي أدركه الناس من الإدراك بمعنى اللحوق (فقال
له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا) أي أثنى عليه (ولم يصل عليه) وفي رواية البخاري من طريق محمود بن
غيلان عن عبد الرزاق وصلى عليه قال الحافظ في الفتح قال المنذري في حاشية السنن رواه
ثمانية أنفس عن عبد الرزاق فلم يذكروا قوله وصلى عليه وذكر الحافظ روايات هؤلاء الأنفس
وغيرهم ثم قال فهؤلاء أكثر من عشرة أنفس منهم من سكت عن الزيادة ومنهم من صرح بنفيها
انتهى قال الإمام البخاري في صحيحه بعد رواية هذا الحديث ولم يقل يونس وابن جريج عن
578

الزهري فصلى عليه سئل أبو عبد الله صلى عليه يصح قال رواه معمر فقيل له رواه غير
معمر قال لا انتهى قال الحافظ وقد اعترض عليه في جزمه بأن معمرا روى هذه الزيادة مع
أن المنفرد بها إنما هو محمود بن غيلان عن عبد الرزاق وقد خالفه العدد الكثير من الحفاظ فصرحوا
بأنه لم يصل عليه لكن ظهر لي أن البخاري قويت عنده رواية محمود بالشواهد فقد أخرج عبد
الرزاق أيضا وهو في السنن لأبي قرة موجه اخر عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف في قصة ماعز
قال فقيل يا رسول الله أتصلي عليه قال لا قال فلما كان من الغد قال صلوا على صاحبكم
فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس فهذا الخير يجمع الاختلاف فتحمل رواية النفي على أنه لم
يصل عليه حين رجم ورواية الاثبات على أنه صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني قال الحافظ ويتأيد بما
أخرجه مسلم من حديث عمران بن حصين في قصة الجهنية التي زنت ورجعت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى
عليها فقال له عمر أتصلي عليها وقد زنت فقال لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين لوسعتهم
انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري قوله
(وهو قول أحمد وإسحاق) وهو قول أبي حنيفة وحجتهم أحاديث الباب قال في شرح السنة يحتج بهذا الحديث يعني بحديث
أبي هريرة المذكور في هذا الباب من اشتراط التكرار في الإقرار بالزنا حتى يقام عليه الحد ويحتج أبو
حنيفة بمجيئه من الجوانب الأربعة على أنه يشترط أن يقر أربع مرات في أربعة مجالس ومن لم
يشترط التكرار قال إنما ردة مرة بعد أخرى لشبهة داخلته في أمره ولذلك دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبك
جنون قال لا وفي رواية فقال أشربت خمرا فقام رجل فاستنكهه فلا يجد منه ريح الخمر
فقال أزنيت قال نعم فأمر به فرجم فرد مرة بعد أخرى للكشف عن حاله لا أن التكرار فيه
شرط انتهى (وقال بعض أهل العلم إذا أقر على نفسه مرة أقيم عليه الحد وهو قول مالك بن
أنس والشافعي) واختاره الشوكاني في النيل وأجاب عن جميع ما استدل به الأولون وقال في آخر
كلامه وإذا قد تقرر لك عدم اشتراط الأربع عرفت عدم اشتراط ما ذهبت إليه الحنفية من أن
الأربع لا تكفي أن تكون في مجلس واحد بل لا بد أن تكون في أربعة مجالس لأن تعدد الأمكنة
فرع تعدد الإقرار الواقع فيها وإذا لم يشترط الأصل تبعه الفرع في ذلك وأيضا لو فرضنا اشتراط
كون الإقرار أربعا لم يستلزم كون مواضعة متعددة أما عقلا فظاهر لأن الإقرار أربع مرات أو أكثر
منها في موضع واحد من غير انتقال مما لا يخالف في إمكانه عاقل وأما شرعا فليس في الشرع ما يدل
579

على أن الإقرار الواقع بين يديه صلى الله عليه وسلم وقع من رجل في أربعة مواضع فضلا عن وجود ما يدل على أن
ذلك شرط ثم أجاب الشوكاني عن الروايات التي استدل بها الحنفية على اشتراط تعدد مواضع
الإقرار فإن شئت الوقوف على ذلك فارجع إلى النيل (وحجة من قال هذا القول حديث أبي
هريرة وزيد بن خالد أن رجلين اختصما الخ) سيأتي هذا الحديث بطوله في باب الرجم على
الثيب وأجاب الأولون عن هذا الحديث بأنه مطلق قيدته الأحاديث التي فيها أنه وقع الإقرار
أربع مرات وقد رد الشوكاني هذا الجواب في النيل فقال الإطلاق والتقييد من عوارض الألفاظ
وجميع الأحاديث التي ذكر فيها تربيع الإقرار أفعال ولا ظاهر لها وغاية ما فيها جواز تأخير إقامة
الحد بعد وقوع الإقرار مرة إلى أن ينتهي إلى أربع ثم لا يجوز التأخير بعد ذلك وظاهر السياقات
مشعر بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك في قصة ماعز لقصد التثبت كما يشعر بذلك قوله له أبك جنون
ثم سؤاله بعد ذلك لقومه فتحمل الأحاديث التي فيها التراخي عن إقامة الحد بعد صدور الإقرار
مرة على من كان أمره ملتبسا في ثبوت العقل واختلاله والصحو والسكر ونحو ذلك وأحاديث
إقامة الحد بعد الاقرار مرة واحدة على من كان معروفا بصحة العقل وسلامة إقراره عن المبطلات
انتهى
باب ما جاء في كراهية أن يشفع في الحدود
قوله (أن قريشا أهمتهم) وفي المشكاة أهمهم بالتذكير أي أحزنهم وأوقعهم في الهم قال
التوربشتي يقال أهمني الأمر إذا قلقك وأحزنك (شأن المرأة المخزومية) أي المنسوبة إلى بني مخزوم
قبيلة كبيرة من قريش منهم أبو جهل وهي فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بنت أخي أبي سلمة
(التي سرقت) أي وكانت تستعير المتاع وتجحده أيضا وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها (فقالوا) أي
580

قومها (من يكلم) أي بالشفاعة (فيها) أي في شأنها ظنا منهم أن الحدود تندرئ بالشفاعة كما أنها
تندرئ بالشبهة (من يجترئ عليه) أي من يتجاسر عليه (إلا أسامة بن زيد حب رسول الله
صلى الله عليه وسلم) بكسر الحاء أي محبوبه وهو بالرفع عطف بيان أو بدل من أسامة قال النووي معنى يجترئ
بتجاسر عليه بطريق الإدلال وهذه منقبة ظاهرة لأسامة (فكلمه أسامة) أي فكلموا
أسامة فكلمه أسامة ظنا منه أن كل شفاعة حسنة مقبولة وذهولا عن قوله تعالى من يشفع شفاعة حسنة يكن
له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها (أتشفع في حد من حدود الله)
الاستفهام للتوبيخ (ثم قال فاختطب) أي بالغ في خطبته أو أظهر خطبته قاله القاري وقال وهو
أحسن من قول الشارح أي خطب (إنما أهلك) بصيغة الفاعل قال القاري وفي نسخة يعني من
المشكاة على بناء المفعول (الذين من قبلكم) يحتمل كلهم أو بعضهم (أنهم كانوا) أي كونهم إذا
سرق الخ أو ما أهلكهم إلا لأنهم كانوا والحصر ادعائي إذ كانت فيهم أمور كثيرة من جملتها
أنهم كانوا (إذا شرق فيهم الشريف) أي القوي (تركوه) أي بلا إقامة الحد عليه (وإذا سرق فيهم
الضعيف أقاموا عليه الحد) أي القطع أو غيره (وأيم الله) بهمزة وصل وسكون يا وضم
وبكسر ويفتح همزة ويكسر ففي القاموس وأيمن الله وأيم الله بكسر أولهما وأيم الله بكسر الهمزة
والميم وهو اسم وضع للقسم والتقدير أيمن الله قسمي وفي النهاية وأيم الله من ألفاظ
القسم وفي همزها الفتح والكسر والقطع والوصل وفي شرح الجزرية لابن المصنف الأصل فيها
الكسر لأنها همزة وصل لسقوطها وإنما فتحت في هذا الاسم لأنه ناب مناب حرف القسم وهو
الواو ففتحت لفتحها وهو عند البصريين مفرد وعند سيبويه من اليمن بمعنى البركة فكأنه قال
بركة الله قسمي وذهب الكوفيون إلى أنه جمع يمين وهمزته همزة قطع وإنما سقطت في الوصل لكثرة
الاستعمال وفي المشارق لعياض وأيم الله بقطع الألف ووصلها أصله أيمن فلما كثر في كلامهم
حذف النون فقالوا أم الله وم الله انتهى وفيه لغات كثيرة ذكرت في القاموس (لو
أن فاطمة بنت محمد الخ) إنما ضرب المثل بفاطمة لأنها أعز أهله صلى الله عليه وسلم قوله (وفي الباب عن
581

مسعود بن العجماء ويقال ابن الأعجم وابن عمر وجابر) أما حديث مسعود وجابر فلينظر من
أخرجه وأما حديث ابن عمر فأخرجه أحمد وأبو داود وفي الباب عن الزبير بن العوام أنه لقي
رجلا قد أخذ سارقا وهو يريد أن يذهب به إلى السلطان فشفع له الزبير ليرسله فقال لا حتى
أبلغ به السلطان فقال الزبير إنما الشفاعة قبل أن يبلغ إلى السلطان فإذا بلغ إليه فقد لعن الشافع
والمشفع رواه مالك قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود
والنسائي وابن ماجة
باب ما جاء في تحقيق الرجم
قوله (إن الله بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب) هذا مقدمة للكلام وتوطية للمرام رفعا
للريبة ودفعا للتهمة الناشئة من فقدان تلاوة آية الرجم بنسخها مع بقاء حكمها (وكان فيما أنزل
الله آية الرجم) بالرفع على أنها اسم كان وفيما أنزل الله خبره وهي الشيخ والشيخة إذا زنيا
فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم أي الثيب كذا فسره مالك في الموطأ قال
القاري والأظهر تفسيرهما بالمحصن والمحصنة (ورجمنا بعده) أي تبعا له وفيه إشارة إلى وقوع
الإجماع بعده (ألا) حرفة التنبيه (وإن الرجم حق) أي ثابت أو واجب (على من زنى) أي من
الرجال والنساء (إذا أحصن) أي كان بالغا عاقلا قد تزوج حرة تزويجا صحيحا وجامعها (أو
الاعتراف) أي الإقرار بالزنا قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (
582

فإني قد خشيت أن يجئ أقوام الخ) قد وقع ما خشيه عمر رضي الله عنه فأنكر الرجم طائفة من الخوارج
ومعظمهم وبعض المعتزلة ويحتمل أن يكون استند في ذلك إلى توقيف وقد أخرج عبد الرزاق
والطبري عن ابن عباس رضي الله عنه أن عمر قال سيجئ قوم يكذبون بالرجم الحديث ووقع
في رواية سعيد بن إبراهيم عن عبد الله بن عبد الله بن عتبة في حديث عمر عند النسائي وأن
ناسا يقولون ما بال الرجم وإنما في كتاب الله الجلد ألا قد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه إشارة إلى أن
عمر استحضر ناسا قالوا ذلك فرد عليهم كذا في فتح الباري قوله (وفي الباب عن علي أخرجه
البخاري قوله (حديث عمر حديث حسن صحيح) وأصله في الصحيحين
باب ما جاء في الرجم على الثيب
قوله (وشبل) بكسر الشين المعجمة وسكون الموحدة هو ابن خالد أو ابن خليد كما صرح
به الترمذي فيما بعد قال الحافظ شبل بن حامد أو ابن خليد المزني مقبول من الثالثة انتهى
وقد تفرد بذكر شبل في الحديث سفيان بن عيينة وهو وهم منه كما بينه الترمذي فيما بعد (فقال
أنشدك الله) بصيغة المتكلم من باب نصر قال الحافظ أي أسألك بالله وضمن أنشدك معنى
أذكرك فحذف الباء أي أذكرك رافعا نشيدتي أي صوتي هذا أصله ثم استعمل في كل مطلوب
مؤكد ولو لم يكن هناك رفع صوت وبهذا التقرير يندفع إيراد من استشكل رفع الرجل صوته عند
النبي صلى الله عليه وسلم مع النهي عنه ثم أجاب عنه بأنه لم يبلغه النهي لكونه أعرابيا
(لما قضيت بيننا بكتاب الله) لما بتشديد الميم بمعنى ألا وفي رواية الشيخين ألا قضيت قال الحافظ قيل فيه استعمال الفعل بعد
الاستثناء بتأويل المصدر وإن لم يكن فيه حرف مصدري لضرورة افتقار المعنى إليه وهو من المواضع
التي يقع فيها الفعل موقع الاسم ويراد به النفي المحصور فيه المفعول والمعنى هنا لا أسألك
583

إلا القضاء بكتاب الله ويحتمل أن تكون إلا جواب القسم لما فيها من معنى الحصر تقديره
أسألك بالله لا نفعل شيئا إلا القضاء فالتأكيد إنما وقع لعدم التشاغل بغيره لا لأن لقوله بكتاب
الله مفهوما والمراد بكتاب الله ما حكم به وكتب على عباده وقيل المراد القرآن وهو المتبادر وقال
ابن دقيق العيد الأول أولى لأن الرجم والتغريب ليسا مذكورين في القرآن إلا بواسطة أمر الله
باتباع رسوله قال الحافظ ويحتمل أن يراد بكتاب الله الآية التي نسخت تلاوتها الشيخ
والشيخة إذا زنيا فارجموهما انتهى (فقال خصمه وكان أفقه منه أجل) بفتحتين وسكون اللام أي
نعم قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي يحتمل أن يكون الراوي كان عارفا بهما قبل أن
يتحاكما فوصف الثاني بأنه أفقه من الأول إما مطلقا وإما في هذه القصة الخاصة أو استدل
بحسن أدبه في استئذانه وترك رفع صوته إن كان الأول رفعه وتأكيده السؤال على فقهه وقد ورد
أ ن حسن السؤال نصف العلم وأورده ابن السني في كتاب رياضة المتعلمين حديثا مرفوعا بسند
ضعيف قاله الحافظ (اقض) أي احكم (إن ابني كان عسيفا) أي أجيرا ويطلق أيضا على الخادم
وعلى العبد (على هذا) ضمن على معنى عند بدليل رواية عمرو بن شعيب وفي رواية محمد بن
يوسف عسيفا في أهل هذا وكان الرجل استخدمه فيما تحتاج إليه امرأته من الأمور فكان ذلك
سببا لما وقع له معها كذا في الفتح (فزنى) أي الأجير (بامرأته) أي المستأجر (فأخبروني) أي بعض
العلماء (ففديت منه) أي ابني (بمائة شاة وخادم) أي أعطيتهما فداء وبدلا عن رجم ابني (فزعموا)
أي قالوا وفي رواية الشيخين فأخبروني (أن على ابني جلد مائة) بفتح الجيم أي ضرب مائة
جلدة لكونه غير محصن (وتغريب عام) أي إخراجه عن البلد سنة (وإنما الرجم على امرأة هذا)
أي لأنها محصنة (المائة شاة والخادم رد عليك) أي مردود عليك (واغد) بضم الدال وهو أمر
بالذهاب في الغدوة كما أن رح أمر بالذهاب في الرواح ثم استعمل كل في معنى الاخر أي
فاذهب (يا أنيس) تصغير أنس وهو ابن الضحاك الأسلمي (على امرأة هذا) أي إليها وفيه تضمين
584

أي حاكما إليها (فإن اعترفت فارجمها) قال القاري به أخذ مالك والشافعي في أنه يكفي في
الإقرار مرة واحدة فإنه صلى الله عليه وسلم علق رجمها باعترافها ولم يشترط الأربع كما هو مذهبنا وأجيب بأن
المعنى فإن اعترفت الاعتراف المعهود وهو أربع مرات فارجمها انتهى قلت قد تقدم الكلام في
هذا قوله (عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني الخ) ليس في هذه الرواية ذكر شبل وهو
المحفوظ كما ستقف عليه قوله (حديث أبي هريرة وزيد بن خالد حديث حسن صحيح)
أخرجه الجماعة قوله (ورووا بهذا الاسناد) أي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي
هريرة وزيد بن خالد أي بدون ذكر شبل (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا زنت الأمة الخ) أخرجه الشيخان (
وشبل بن خالد لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم إنما روى شبل عن عبد الله بن مالك الأوسي عن النبي صلى الله عليه وسلم
585

وهذا الصحيح وحديث ابن عيينة غير محفوظ) قال الحافظ في تهذيب التهذيب شبل بن حامد
ويقال ابن خالد ويقال ابن خليد ويقال ابن معبد المزني روي عن عبد الله بن مالك الأوسي
حديث الوليدة إذا زنت فاجلدوها وعنه به عبيد الله بن عبد الله بن عتبة كذا رواه أصحاب
الزهري عنه وخالفهم ابن عيينة فروى عن الزهري عن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد
وشبل جميعا عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث العسيف ولم يتابع على ذلك رواه النسائي والترمذي وابن ماجة
وقال النسائي الصواب الأول قال وحديث ابن عيينة خطأ وروى البخاري حديث ابن عيينة
فأسقط منه شبلا قال الدوري عن ابن معين ليست لشبل صحبة انتهى (وروي عنه) أي عن
سفيان بن عيينة (أنه قال شبل بن حامد وهو خطأ إنما هو شبل بن خالد ويقال أيضا شبلي بن
خليد) بالتصغير وقد بسط الحافظ الكلام في هذا في تهذيب التهذيب إن شئت الوقوف عليه فارجع
إليه قوله (عن الحسن) هو البصري (عن حطان) بكسر الحاء وتشديد الطاء المهملتين
(ابن عبد الله) الرقاشي البصري ثقة من الثانية (خذوا عني) أي حكم حد الزنا (فقد جعل الله لهن
سبيلا) أي حدا واضحا وطريقا ناصحا في حق المحصن وغيره وهو بيان لقوله تعالى واللاتي
يأتين الفاحشة إلى قوله أو يجعل الله لهن سبيلا ولم يقل عليه الصلاة والسلام لكم ليواق نظم
القرآن ومع هذا فيه تغليب للنساء لأنهن مبدأ للشهوة ومنتهى الفتنة قال التوربشتي كان هذا القول حين شرع الحد في الزاني والزانية والسبيل ههنا الحد لأنه لم يكن مشروعا ذلك الوقت
وكان الحكم فيه ما ذكر في كتاب الله واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا (الثيب
بالثيب) أي حدرنا الثيب بالثيب (جلد مائة ثم الرجم) استدل بهذا من قال إن الثيب يجلد ثم
يرجم (والبكر بالبكر جلد مائة) أي حد زنا البكر بالبكر ضرب مائة جلدة لكل واحد منهما (ونفى
سنة) أي وإخراجه عن البلد سنة قوله (هذا حديث صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري والنسائي قوله (وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم وهو قول إسحاق) وهو قول
586

داود الظاهري وابن المنذر وهو قول أحمد في رواية عنه واستدلوا بحديث الباب وغيره وبما رواه
أحمد والبخاري عن الشعبي أن عليا رضي الله تعالى عنه حين رجم المرأة ضربها يوم الخميس
ورجمها يوم الجمعة وقال جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي أثر علي هذا وكذا في
حديث الباب وغيره دليل على أنه يجمع للمحصن من الجلد والرجم (والعمل على هذا عند بعض
أهل العلم وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد) ذهب مالك والحنفية
والشافعية وجمهور العلماء إلى أنه لا يجلد المحصن بل يرجم فقط وهو مروي عن أحمد بن حنبل
وتمسكوا بحديث سمرة في أنه صلى الله عليه وسلم لم يجلد ماعزا بل اقتصر على رجمه قالوا وهو متأخر عن أحاديث
الجلد فيكون ناسخا لحديث عبادة المذكور في الباب قال الشوكاني ويجاب بمنع التأخر المدعي فلا
يصلح ترك جلد ماعز للنسخ لأنه فرع التأخر ولم يثبت ما يدل على ذلك ومع عدم ثبوت تأخره
لا يكون ذلك الترك مقتضيا بطال الجلد الذي أثبته القرآن على كل من زنى ولا ريب أنه
يصدق على المحصن أنه زان فكيف إذا انضم إلى ذلك من السنة ما هو صريح في الجمع بين
الجلد والرجم للمحصن كحديث عبادة المذكور ولا سيما وهو صلى الله عليه وسلم في مقام البيان والتعليم
لأحكام الشرع على العموم بعد أن أمر الناس في ذلك المقام بأخذ ذلك الحكم عنه فقال خذوا
عني فلا يصح الاحتجاج بعد نص الكتاب والسنة بسكوته صلى الله عليه وسلم في بعض المواطن أو عدم بيانه
لذلك أو إهماله للأمر به قال وقد تقرر أن المثبت أولى من النافي ولا سيما كون المكان مما يجوز فيه أن
الراوي ترك ذكر الجلد لكونه معلوما من الكتاب والسنة قال وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب يقول بعد موته صلى الله عليه وسلم بعدة من السنين لما جمع لتلك المرأة بين الرجم والجلد جلدتها بكتاب
الله ورجمتها بسنة رسول الله فكيف يخفي على مثله الناسخ وعلى من بحضرته من الصحابة
الأكابر انتهى كلام الشوكاني واستدل الجمهور أيضا بعدم ذكر الجلد في رجم الغامدية وغيرها
قال الشوكاني ويجاب بمنع كون عدم الذكر يدل على عدم الوقوع لم لا يقال أن عدم الذكر لقيام
587

أدلة الكتاب والسنة القاضية بالجلد وأيضا عدم الذكر لا يعارض صرائح الأدلة القاضية بالإثبات
وعدم العلم ليس علما بالعدم ومن علم حجة على من لم يعلم انتهى
باب منه
قوله (أن امرأة من جهينة) وهي الغامدية (فقال أحسن إليها) إنما أمره بذلك لأن سائر
قرابتها ربما حملتهم الغيرة وحمية الجاهلية على أن يفعلوا بها ما يؤذيها فأمره بالإحسان تحذيرا من ذلك
(فشدت عليها ثيابها) لئلا تنكشف عند وقوع الرجم عليها لما جرت به العادة من الاضطراب
عند نزول الموت وعدم المبالاة بما يبدو من الانسان ولهذا ذهب الجمهور إلى أن المرأة ترجم قاعدة
والرجل قائما لما في ظهور عورة المرأة من الشفاعة (ثم صلى عليها) هذا نص صريح في أنه صلى الله عليه وسلم صلى
على الغامدية واختلفت الروايات في صلاته صلى الله عليه وسلم على ماعز ففي صحيح البخاري من حديث جابر
في أمر ماعز قال ثم أمر به فرجم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيرا وصلى عليه ورواه الترمذي وقال حسن
صحيح وفي رواية عن جابر عند الشيخين في أمر ماعز وقال له خيرا ولم يصل عليه وقد تقدم
وجه الجمع بين هاتين الروايتين في كلام الحافظ المتقدم في باب درء الحد عن المعترف إذا رجع
قال النووي في شرح مسلم واختلف العلماء في الصلاة على المرجوم فكرهها مالك وأحمد للإمام
ولأهل الفضل دون باقي الناس ويصلي عليه غير الإمام وأهل الفضل قال الشافعي وآخرون
يصلي عليه الإمام وأهل الفضل وغيرهم والخلاف بين الشافعي ومالك إنما هو في الإمام وأهل
الفضل وأما غيرهم فاتفقا على أنه يصلي وبه قال جماهير العلماء قالوا فيصلي على الفساق
والمقتولين في الحدود والمحاربة وغيرهم وقال الزهري لا يصلى أحد على المرجوم وقاتل نفسه
وقال قتادة لا يصلي على ولد الزنا واحتج الجمهور بهذا الحديث يعني بحديث الباب وفيه
دلالة للشافعي على أن الإمام وأهل الفضل يصلون على المرجوم كما يصلي عليه غيرهم وأجاب
أصحاب مالك عنه بجوابين أحدهما أنهم ضعفوا رواية الصلاة لكون أكثر الرواة لم يذكروها
588

البراء والثاني تأولوها على أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة أو دعا فسمى صلاة على مقتضاها في اللغة وهذان
الجوابان فاسدان أما الأول فإن هذه الزيادة ثابتة في الصحيح وزيادة الثقة مقبولة وأما الثاني
فهذا التأويل مردود لأن التأويل إنما يصار إليه إذا اضطرت الأدلة الشرعية إلى ارتكابه وليس هنا
شئ من ذلك فوجب حمله على ظاهره انتهى قلت الأمر كما قال النووي والله تعالى أعلم
(وسعتهم) وفي بعض النسخ لوسعتهم (من أن جادت بنفسها لله) أي أخرجها ودفعها كما يدفع
الانسان ماله يجود به قوله (وهذا حديث صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري وابن ماجة
باب ما جاء في رجم أهل الكتاب
قوله (رجم يهوديا ويهودية) فيه دليل لمن قال إن حد الزنا يقام على اليهود كما يقام على
المسلمين وإن الاسلام ليس بشرط في الإحصان كما ذهب إليه الشافعي وأحمد وأبو يوسف في
رواية وعند أبي حنيفة ومحمد والمالكية الاسلام شرط (وفي الحديث قصة) رواها الشيخان وهي
أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم برجل وامرأة منهم قد زنيا فقال ما تجدون في كتابكم فقالوا تسخم
وجوههما ويخزيان قال كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين الخ
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان بطوله قوله (حدثنا شريك) هو
شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي صدوق يخطئ كثيرا تغير حفظه منذ ولي قضاء الكوفة قوله
(وفي الباب عن ابن عمر والبراء وجابر وابن أبي أوفى وعبد الله بن الحارث بن جزء وابن عباس)
أما حديث ابن عمر فقد أخرجه الترمذي في هذا البا ب ولعله أشار إلى حديث آخر له في رجم أهل
589

الكتاب وأما حديث البراء فأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وأما حديث جابر وهو ابن عبد الله
فأخرجه أحمد ومسلم وأما حديث ابن أبي أوفى فلينظر من أخرجه وأما حديث عبد الله بن
الحارث بن جزء فأخرجه البيهقي قال الحافظ في التلخيص إسناده ضعيف وأما حديث ابن
عباس فأخرجه الحاكم قوله (حديث جابر بن سمرة حديث حسن غريب من حديث جابر بن
سمرة) أشار بقوله من حديث جابر بن سمرة إلى وجه الغرابة فلا تكرار في العبارة فتفكر قوله
(والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم قالوا إذا اختصم أهل الكتاب الخ) وحجتهم أحاديث
الباب (وقال بعضهم لا يقام عليهم الحد في الزنا) قال ابن الهمام والشافعي يخالفنا في اشتراط
الاسلام في الإحصان وكذا أبو يوسف في رواية وبه قال أحمد وقول مالك كقولنا فلو زنى
الذمي الثيب الحر يجلد عندنا ويرجم عندهم لهذا الحديث يعني لحديث ابن عمر المتفق عليه كذا
في المرقاة قال الحافظ في التلخيص تمسك الحنفية في أن الإسلام شرط في الإحصان بحديث
روى عن ابن عمر مرفوعا وموقوفا من أشرك بالله فليس بمحصن ورجح الدارقطني وغيره
الوقف وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده على الوجهين ومنهم من أول الاحصان في هذا
الحديث بإحصان القذف انتهى وأجاب الحنفية عن أحاديث الباب بأنه صلى الله عليه وسلم إنما رجمهما بحكم
التوراة فإنه سألهم عن ذلك أولا وأن ذلك إنما كان عندما قدم المدينة ثم نزلت آية حد الزنا وليس
فيها اشتراط الإسلام ثم نزل حكم الاسلام فالرجم باشتراط الاحصان وإن كان غير متلو علم
ذلك من قوله عليه الصلاة والسلام من أشرك بالله فليس بمحصن ذكر هذا الجواب صاحب
الهداية وغيره ولا يخفي ما فيه من التعسف ولذ لم يرض به ابن الهمام حيث قال واعلم أن
الأسهل مما أن يدعى أن يقال حين رجمهما كان الرجم ثبتت مشروعيته في الإسلام وهو الظاهر
من قوله عليه الصلاة والسلام ما تجدون في التوراة في شأن الرجم ثم الظاهر كون اشتراط
الإسلام لم يكن ثابتا وإلا لم يرجمهم لانتساخ شريعتهم وإنما كان يحكم بما نزل الله عليه وإنما
سألهم عن الرجم ليبكتهم بتركهم ما أنزل عليهم فحكم برجمهما بشرعه الموافق لشرعهم وإذا لزم
كون الرجم كان ثابتا في شرعنا حال رجمهم بلا اشتراط الإسلام وقد ثبت الحديث المذكور المقيد
لاشتراط الإسلام وليس تاريخ يعرف به أما تقدم اشتراط الإسلام على عدم اشتراطه أو تأخره
590

فيكون رجمه اليهوديين وقوله المذكور متعارضين فيطلب الترجيح والقول مقدم على الفعل
انتهى قلت قد تقدم آنفا في كلام الحافظ أن الدارقطني وغيره قد رجحوا وقف الحديث المذكور
وقال الدارقطني في سننه الصواب أنه موقوف قوله (والقول الأول أصح) لأنه يدل عليه
أحاديث الباب وأما القول الثاني فمداره على أن الإسلام شرط في الإحصان واستدلوا عليه
بحديث ابن عمر المذكور وقد عرفت أن الصواب وقفه والله تعالى أعلم
باب ما جاء في النفي
المراد بالنفي التغريب وهو إخراج الزاني عن محل إقامته سنة قوله (ويحيى بن أكثم) بالثاء
المثلثة التميمي المروزي أبو محمد القاضي المشهور فقيه صدوق إلا أنه رمى بسرقة الحديث ولم
يقع ذلك له وإنما كان يرى الرواية بالإجازة والوجادة من العاشرة قوله (ضرب) أي جلد
الزاني والزانية مائة جلدة (وغرب) من التغريب أي إخراج الزاني والزانية عن محل الإقامة سنة
قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وزيد بن خالد وعبادة بن الصامت) أما حديث أبي هريرة
وزيد بن خالد فأخرجه الجماعة وفيه على ابنك جلد مائة وتغريب عام وأما حديث عبادة بن
الصامت فأخرجه الجماعة إلا البخاري والنسائي وفيه البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام
قوله (حديث ابن عمر حديث غريب الخ) وأخرجه النسائي والحاكم والدارقطني قال الحافظ في
التلخيص وصححه ابن القطان ورجح الدارقطني وقفه قوله (وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
591

النفي رواه أبي هريرة الخ) وفي الباب أحاديث أخرى مبسوطة في تخريج الهداية للزيلعي
والتلخيص الحبير وغيرهما (والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر
وعمر) كما في حديث الباب وروى محمد في الموطأ بإسناده عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى
عنه أن رجلا وقع على جارية بكر فأحبلها ثم اعترف على نفسه بأنه زنى ولم يكن أحصن فأمر به
أبو بكر الصديق فجلد الحد ثم نفي إلى فدك ومنهم عثمان رضي الله تعالى عنه فعند ابن أبي شيبة
عن مولى عثمان أن عثمان جلد امرأة في زنا ثم أرسل بها إلى مولى يقال له المهدي إلى خيبر نفاها
إليه (وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وعبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق)
وهو القول الراجح المعول عليه وقد ادعى محمد بن نصر في كتاب الاجماع الاتفاق على نفي
الزاني البكر إلا عن الكوفيين وقال ابن المنذر أقسم النبي صلى الله عليه وسلم في قصة العسيف أنه يقضي بكتاب
الله تعالى ثم قال إن عليه جلد مائة وتغريب عام وهو المبين لكتاب الله تعالى وخطب عمر
بذلك على رؤوس المنابر وعمل به الخلفاء الراشدون ولم ينكره أحد فكان إجماعا وقال صاحب
التعليق الممجد من العلماء الحنفية وللحنفية في الجواب عن أحاديث النفي مسالك الأول
القول بالنسخ ذكره صاحب الهداية وغيره وهو أمر لا سبيل إلى إثباته بعد ثبوت عمل الخلفاء به مع
أن النسخ لا يثبت بالاحتمال والثاني أنها محمولة على التعزير بدليل ما روى عبد الرزاق عن
معمر عن الزهري عن ابن المسيب أن عمر غرب ربيعة بن أمية بن خلف في الشراب إلى خيبر
فلحق بهرقل فتنصر فقال عمر لا أغرب بعده مسلما وأخرج محمد في كتاب الآثار وعبد الرزاق
عن إبراهيم قال قال ابن مسعود في البكر يزني بالبكر يجلدان وينفيان سنة قال وقال علي
حسبهما من الفتنة أن ينفيا فإنه لو كان النفي حدا مشروعا لما صدر عن عمر وعن علي مثله
والثالث أنها أخبار آحاد ولا تجوز بها الزيادة على الكتاب وهو موافق لأصولهم لا يسكت
خصمهم انتهى قلت أما قول عمر رضي الله عنه لا أغرب بعده مسلما فالظاهر أنه في شارب
الخمر دون الزاني وأما قول علي رضي الله عنه فرواه عنه إبراهيم النخعي وليس له سماع منه قال
592

أبو زرعة النخعي عن علي مرسل وقال ابن المديني لم يلق النخعي أحدا من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو حاتم لم يلق أحدا من الصحابة إلا عائشة ولم
يسمع منها وأدرك أنسا ولم يسمع منه كذا في تهذيب التهذيب وأما قولهم بأنها أخبار آحاد ولا تجوز بها الزيادة ففيه أن
أحاديث التغريب قد جاوزت حد الشهرة المعتبرة عند الحنفية فيما ورد من السنة زائدا على القرآن
فليس لهم معذرة عنها بذلك وقد عملوا بما هو دونها بمراحل كحديث نقض الوضوء بالقهقهة
وحديث جواز الوضوء بالنبيذ
باب ما جاء أن الحدود كفارة لأهلها
قوله (فقال تبايعوني) وفي رواية الشيخين قال وحوله عصابة من أصحابه بايعوني
والمبايعة هنا عبارة عن المعاهدة سميت بذلك تشبيها بالمعارضة المالية كما في قوله تعالى إن الله
اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة قرأ عليهم الآية وفي رواية للبخاري وقرأ
الآية كلها قال الحافظ هي قوله تعالى يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا
يشركن بالله شيئا إلى آخرها وهذه الآية في سورة الممتحنة فمن وفى منكم أي ثبت على العهد
ووفى بالتخفيف وفي الراء بالتشديد وهما بمعنى (فأجره على الله) أطلق على سبيل التفخيم لأنه لما أن
ذكر المبايعة المقتضية لوجود العوضين أثبت ذكر الأجر في موضع أحدهما وأفصح في رواية للشيخين
بتعيين العوض فقال بالجنة وعبر هنا بلفظ على للمبالغة في تحقق وقوعه كالواجبات ويتعين حمله
على غير ظاهره للأدلة القائمة على أنه لا يجب على الله شئ (فهو) أي العقاب (كفارة له) قال
النووي عموم هذا الحديث مخصوص بقوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به فالمرتد إذا قتل
على ارتداده لا يكون القتل له كفارة انتهى قال القاضي عياض ذهب أكثر العلماء إلى أن الحدود
كفارات واستدلوا بهذا الحديث ومنهم من وقف لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا أدري كفارة
لأهلها أم لا لكن حديث عبادة أصح إسنادا ويمكن يعني على طريق الجمع بينهما أن يكون
حديث أبي هريرة ورد أولا قبل أن يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أعلمه بعد ذلك انتهى وقد بسط الحافظ
الكلام هنا بسطا حسنا فعليك أن تراجع الفتح (فهو إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له)
593

يشمل من تاب من ذلك ومن لم يتب وقال بذلك طائفة وذهب الجمهور إلى أن من تاب لا يبقى
عليه مؤاخذة ومع ذلك فلا يأمن من مكر الله لأنه لا اطلاع له هل قبلت توبته أو لا وقيل
يفرق بين ما يجب فيه الحد وما لا يجب واختلف فيمن أتى ما يوجب الحد فقيل يجوز أن يتوب سرا
ويكفيه ذلك وقيل بل الأفضل أن يأتي الإمام ويعترف به ويسأله أن يقيم عليه الحد كما وقع لماعز
والغامدية وفصل بعض العلماء بين أن يكون معلنا بالفجور فيستحب أن يعلن بتوبته وإلا فلا
كذا في الفتح قلت قول من قال يجوز أن يتوب سرا ويكفيه ذلك هو الظاهر وبه قال الشافعي
وهو قول أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما كما ذكره الترمذي والله تعالى أعلم قوله (وفي الباب
عن علي وجرير بن عبد الله وخزيمة بن ثابت) أما حديث علي فأخرجه الترمذي وصححه الحاكم
وهو عند الطبراني بإسناد حسن كذا في النيل وأما حديث جرير بن عبد الله فأخرجه الشيخ
وأما حديث خزيمة فأخرجه أحمد قوله (حديث عبادة بن الصامت حديث حسن صحيح)
وأخرجه الشيخان قوله (وكذلك روي عن أبي بكر وعمر أنهما أمرا رجلا أن يستر على نفسه)
رواه محمد في الموطأ عن سعيد بن المسيب أن رجلا من أسلم أتى أبا بكر فقال إن الاخر قد
زنى قال له أبو بكر هل ذكرت هذا لأحد غيري قال لا قال أبو بكر إلى تب الله عز وجل
واستتر بستر الله فإن الله يقبل التوبة عن عباده قال سعيد فلم تقر به نفسه حتى أتى عمر بن
الخطاب فقال له كما قال لأبي بكر فقال له عمر كما قال أبو بكر الخ
باب ما جاء في إقامة الحد على الإماء
قوله (يا أيها الناس) أي يا أيها المؤمنون (أقيموا الحدود على أرقائكم) بتشديد القاف جمع
594

رقيق أي من عبادكم وإمائكم (من أحصن) أي تزوج (منهم) أي ومنهم ففيه حذف وتغليب
(ومن لم يحصن) قال الطيبي وتقييد الأرقاء بالإحصان مع أن الحرية شرط الإحصان يراد به كونهن
مزوجات لقوله تعالى فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من
العذاب حيث وصفهن بالإحصان فقال فإذا أحصن وحكم (وإن) وفي رواية مسلم فإن (فإذا
هي حديثة عهد) أي جديدة زمان (فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها) قال الطيبي هو مفعول
فخشيت وجلدتها مفسر لعامل أنا المقدر بعد إن الشرطية كقول الحماسي
وإن أنت لم تحمل على النفس ضيمها فليس إلى حسن الثناء سبيل
وجواب الشرط محذوف دل عليه الكلام المعترض فيه بين الفعل ومفعوله (أو نموت) شك
من الراوي (فقال أحسنت) فيه أن جلد ذات النفاس يؤخر حتى تخرج من نفاسها لأن نفاسها نوع
مرض فتؤخر إلى زمان البرء قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه مسلم قوله (إذا زنت أمة
أحدكم فليجدها ثلاثا الخ) كذا وقع في رواية الترمذي ووقع في رواية الشيخين هكذا إذا زنت
أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب
عليها ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر رواه أحمد في رواية وأبو داود
وذكرا فيه الرابعة الحد والبيع كذا في المنتقى قال الشوكاني في النيل قوله فليبعها ظاهر هذا أنها
لا تحد إذا زنت بعد أن جلدها في المرة الثانية ولكن الرواية التي ذكرها المصنف يعني صاحب
المنتقى عن أبي هريرة وزيد بن خالد مصرحة بالجلد في الثالثة وكذلك الرواية التي ذكرها عن
أحمد وأبي داود أنهما ذكرا في الرابعة الحد والبيع نص في محل النزاع وبها يرد على النووي حيث قال
إنه لما لم يحصل المقصود من الزجر عدل إلى الإخراج عن الملك دون الجلد مستدلا على ذلك بقوله
فليبعها وكذا وافقه على ذلك ابن دقيق العيد وهو مردود قاله الشوكاني (ولو بحبل من شعر) بفتح
العين ويسكن أي وإن كان ثمنها قليلا قال النووي فيه ترك مخالطة الفساق وأهل المعاصي وهذا
البيع المأمور به مستحب وقال أهل الظاهر هو واجب وفيه جواز بيع الشئ الثمين بثمن حقير
595

إذا كان البائع عالما وإن كان جاهلا ففيه خلاف لأصحاب مالك فإنهم لا يجوزونه خلافا
للجمهور فإن قيل كيف يكره شيئا لنفسه ويرتضيه لأخيه المسلم فالجواب لعل الزانية تستعف
عند المشتري بأن يعفها بنفسه أو يصونها لهيبته أو بالإحسان إليها والتوسعة عليها أو يزوجها أو
غير ذلك انتهى ملخصا قوله (وفي الباب عن زيد بن خالد وشبل عن عبد الله بن مالك
الأوسي) تقدم في باب الرجم على الثيب قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه
الشيخان قوله (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم رأوا أن
يقيم الرجل الحد على مملوكه دون السلطان وهو قول أحمد وإسحاق) واحتجوا بأحاديث الباب
قال الشوكاني أحاديث الباب فيها دليل على أن السيد يقيم الحد على مملوكه وإلى ذلك ذهب
جماعة من السلف والشافعي وذهبت العترة إلى أن حد المماليك إلى الإمام إن كان ثم إمام وإلا
كان إلى سيده وذهب مالك إلى أن الأمة إن كانت مزوجة كان أمر بحدها إلى الإمام إلا أن يكون
زوجها عبدا لسيدها فأمر حدها إلى السيد واستثنى مالك أيضا القطع في السرقة وهو وجه
للشافعية وفي وجه لهم آخر يستثنى حد الشرب وروي عن الثوري والأوزاعي أنه لا يقيم
السيد إلا حد الزنا وظاهر أحاديث الباب أنه يحد المملوك سيده من غير فرق بين أن يكون الإمام
موجودا أو معدوما وبين أن يكون السيد صالحا قامة الحد أم لا وقال ابن حزم يقيمه السيد إلا
إذا كان كافرا (وقال بعضهم يدفع إلى السلطان ولا يقيم الحد هو بنفسه) وهو قول الحنفية وقد
احتج من قال إنه لا يقيم الحدود مطلقا إلا الإمام بما رواه الطحاوي عن مسلم بن يسار أنه قال
كان رجل من الصحابة يقول الزكاة والحدود والفئ والجمعة إلى السلطان قال الطحاوي لا
نعلم له مخالفا من الصحابة وتعقبه ابن حزم بأنه خالفه اثنا عشر صحابيا وظاهر أحاديث الباب
أن الأمة والعبد يجلدان سواء كانا محصنين أم لا وقد أخرج البيهقي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى
أنه قال أدركت بقايا الأنصار وهم يضربون الوليدة من ولائدهم في مجالسهم إذا زنت ورواه
الشافعي عن ابن مسعود وأبي بردة وأخرجه أيضا البيهقي عن خارجة بن زيد عن أبيه وأخرجه
أيضا عن أبي الزناد عن أبيه
عن الفقهاء الذين ينتهي إلى أقوالهم من أهل المدينة أنهم كانوا يقولون
596

لا ينبغي لأحد يقيم شيئا من الحدود دون السلطان إلا أن للرجل أن يقيم حد الزنا على عبده
وأمته وروى الشافعي عن ابن عمر أنه قطع يد عبده وجلد عبدا له زنى وأخرج مالك عن
عائشة أنها قطعت يد عبد لها وأخرج أيضا أن حفصة قتلت جارية لها سحرتها وأخرج عبد
الرزاق والشافعي أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حدت جارية لها زنت
(والقول الأول أصح) لدلالة أحاديث الباب عليه
ما جاء في حد السكران
قوله (عن مسعر) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين وبالراء المهملات هو ابن كدام
بكسر أوله وتخفيف ثانية ثقة ثبت قوله (ضرب الحد بنعلين أربعين) وفي رواية أحمد جلد على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر بنعلين أربعين فلما كان زمن عمر جعل بدل كل نعل سوطا قوله (وفي
الباب عن علي وعبد الرحمن بن أزهر وأبي هريرة والسائب وابن عباس وعقبة ابن الحارث) أما
حديث علي رضي الله عنه فأخرجه مسلم وفيه فقال يا عبد الله بن جعفر قم فاجلد
وعلي يعد حتى بلغ أربعين فقال أمسك ثم قال جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر
ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلي وأما حديث عبد الرحمن بن أزهر فأخرجه أبو داود وأما حديث
أبي هريرة فأخرجه أحمد والبخاري وأبو داود عنه قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب وقال
اضربوه فقال أبو هريرة فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه الحديث وأما حديث
السائب وهو ابن يزيد فأخرجه أحمد والبخاري عنه قال كنا نؤتي بالشارب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي إمرة أبي بكر وصدرا من إمرة عمر فنقوم إليه نضربه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى كان صدرا من
إمرة عمر فجلد فيها أربعين حتى إذا عتوا فيها وفسقوا جلد ثمانين وأما حديث ابن عباس فأخرجه
الحاكم في المستدرك عنه أن الشرب كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضربون بالأيدي والنعال
597

والعصي حتى توفي وكان أبو بكر يجلدهم أربعين حتى توفي إلى أن قال فقال عمر ماذا ترون
الحديث وأما حديث عقبة بن الحارث فأخرجه أحمد والبخاري عنه قال جئ بالنعمان أو ابن
النعمان شاربا فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان في البيت أن يضربوه فكنت فيمن ضربه فضربناه بالنعال
والجريد قوله (حديث أبي سعيد حديث حسن) وأخرجه أحمد وتقدم لفظه (أبو الصديق) بكسر
الصاد المهملة وتشديد الدال المكسورة (الناجي) بالنون والجيم (اسمه بكر بن عمرو) وقيل ابن
قيس بصري ثقة من الثالثة
قوله (بجريدتين) الجريدة سعفة النخل سميت بها لكونها مجردة عن الخوص وهو ورق
النخل (نحو الأربعين) وفي رواية الشيخين أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بالجريد والنعال وجلد
أبو بكر أربعين وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضرب في الخمر بالنعال والجريد أربعين كذا في
المشكاة (فقال عبد الرحمن بن عوف كأخف الحدود ثمانين) أي أرى أن تجعل ثمانين كأخف الحدود
كما في رواية مسلم وروى مالك في الموطأ عن ثور بن زيد الديلمي قال إن عمر استشار في حد
الخمر فقال له علي أرى أن تجلده ثمانين جلدة فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى
افترى فجلد عمر في حد الخمر ثمانين قال ابن الهمام ولا مانع من كون كل من علي وعبد
الرحمن بن عوف أشار بذلك فروى الحديث مقتصرا على هذا مرة وعلى هذا أخرى قوله (حديث
أنس حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود
قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن حد السكران
ثمانون) قال القاري في المرقاة وأجمع عليه الصحابة فلا يجوز لأحد المخالفة انتهى وقال الشوكاني
في النيل قد ذهبت العترة ومالك والليث وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي في قول له إلى أن حد
السكران ثمانون جلدة وذهب أحمد وداود وأبو ثور والشافعي في المشهور عنه إلى أنه أربعون لأنها
هي التي كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم وزمن أبي بكر وفعلها علي في زمن عثمان واستدل الأولون بأن عمر جلد
598

ثمانين بعد ما استشار الصحابة قال ودعوى إجماع الصحابة غير مسلمة فإن اختلافهم في ذلك
قبل إمارة عمر وبعدها وردت به الروايات الصحيحة ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الاقتصار على مقدار
معين بل جلد تارة بالجريدة وتارة بالنعال وتارة بهما فقط وتارة بهما مع الثياب وتارة بالأيدي
والنعال والمنقول من المقادير في ذلك إنما هو بطريق التخمين ولهذا قال أنس نحو أربعين فالأولى
الاقتصار على ما ورد عن الشارع من الأفعال وتكون جميعها جائزة فأيها وقع فقد حصل به الجلد
المشروع الذي أرشدنا إليه صلى الله عليه وسلم بالفعل والقول كما في حديث من شرب الخمر فاجلدوه فالجلد
المأمور به هو الجلد الذي وقع منه صلى الله عليه وسلم ومن الصحابة بين يديه ولا دليل يقتضي تحتم مقدار معين
لا يجوز غيره انتهى قلت قد وقع في بعض الروايات أربعين بالجزم كما عرفت
ما جاء من شرب الخمر فاجلدوه
قوله (عن عاصم) هو ابن بهدلة وهو ابن أبي النجود الكوفي المقري صدوق له أوهام حجة
في القراءة (فإن عاد في الرابعة فاقتلوه) قال القاري المراد الضرب الشديد أو الأمر للوعيد فإنه لم
يذهب أحد قديما أو حديثا إلى أن شارب الخمر يقتل وقيل كان ذلك في ابتداء الاسلام ثم نسخ
انتهى قلت إلى هذا القول الأخير ذهب الترمذي واختاره وأما قول القاري بأنه لم يذهب أحد
الخ ففيه نظر فإنه قد ذهب إليه شرذمة قليلة كما نقله القاري نفسه عن القاضي عياض قوله (وفي
الباب عن أبي هريرة والشريد والشرحبيل بن أوس وجرير وأبي الرمد البلوي وعبد الله بن
عمرو) أما حديث أبي هريرة فأخرجه الخمسة إلا الترمذي عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن سكر
فاجلدوه ثم إن سكر فاجلدوه فإن عاد في الرابعة فاضربوا عنقه وزاد أحمد قال الزهري فأتى
رسول الله صلى الله عليه وسلم بسكران في الرابعة فخلى سبيله كذا في المنتقي ورواه ابن حبان في صحيحه وقال
معناه إذا استحل ولم يقبل التحريم انتهى ورواه الحاكم في المستدرك وقال حديث صحيح على
شرط مسلم وأما حديث الشريد فأخرجه الحاكم في المستدرك وأما حديث شرحبيل فأخرجه
الحاكم والطبراني وأما حديث جرير وهو ابن عبد الله فأخرجه أيضا الحاكم والطبراني وأما
599

حديث أبي الرمد البلوي فلينظر من أخرجه وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد عنه قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد فاقتلوه
قال عبد الله ائتوني برجل قد شرب الخمر في الرابعة فلكم علي أن أقتله كذا في المنتقى قال
الشوكاني في النيل وهو حديث منقطع قوله (سمعت محمدا) هذا قول الترمذي ومحمد هذا هو
الإمام البخاري رحمه الله (حديث أبي صالح عن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا أصح الخ) أخرجه
الخمسة إلا النسائي وأخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وسكت عنه قال
الذهبي في مختصره هو صحيح وأخرجه النسائي في سننه الكبرى كذا في نصب الراية (وإنما
كان هذا) أي قتل شارب الخمر إذا عاد في الرابعة (في أول الأمر) أي في ابتداء الاسلام (ثم نسخ
بعد) بضم الدال أي بعد ذلك (هكذا روى محمد بن إسحاق عن محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عن جابر بن
عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم الخ) وصله النسائي في سننه الكبرى ورواه البزار في مسنده عن ابن إسحاق
به أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بالنعمان قد شرب الخمر ثلاثا فأمر بضربه فلما كان في الرابعة أمر به فجلد الحد
فكان نسخا (وكذلك روى الزهري عن قبيصة بن ذويب عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا قال فرفع القتل
وكانت رخصة) وصله أبو داود في سننه وقال المنذري قال الإمام الشافعي رحمه الله والقتل
منسوخ بهذا الحديث وغيره وقال غيره قد يراد الأمر بالوعيد ولا يراد به وقوع الفعل وإنما يقصد
به الردع والتحذير وقد يحتمل أن يكون القتل في الخامسة واجبا ثم نسخ بحصول الإجماع من
الأمة على أنه لا يقتل هذا آخر كلامه وقال غيره أجمع المسلمون على وجوب الحد في الخمر
وأجمعوا على أنه لا يقتل إذا تكرر منه إلا طائفة شاذة قالت يقتل بعد حده أربع مرات للحديث
وهو عند الكافة منسوخ هذا آخر كلامه وقبيصة بن ذويب ولد عام الفتح وقيل إنه ولد أول سنة
600

من الهجرة ولم يذكر له سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعده الأئمة من التابعين وذكروا أنه سمع من
الصحابة فإذا ثبت أن مولده في أول سنة من الهجرة أمكن أن يكون سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد
قيل أنه أتى به النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام يدعو له وذكر عن الزهري أنه
كان إذا ذكر قبيصة بن ذويب قال كان من علماء هذه الأمة وأما أبوه ذويب بن حلحلة فله صحبة انتهى كلام المنذري (والعمل
على هذا عند عامة أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافا في ذلك في القديم والحديث) وقال الترمذي في
آخر كتاب العلل إن هذا الحديث غير معمول به عند أهل العلم قال الشوكاني في
النيل وقد اختلف العلماء هل يقتل الشارب بعد الرابعة أو لا فذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه
يقتل ونصره ابن حزم واحتج له ودفع دعوى الاجماع على عدم القتل وهذا هو ظاهر ما في الباب
عن ابن عمرو وذهب الجمهور إلى أنه لا يقتل الشارب وأن القتل منسوخ انتهى.
انتهي بحمد الله الجزء الرابع ويليه الجزء الخامس
وأوله باب ما جاء في كم يقطع السارق
601