الكتاب: فتح الباري
المؤلف: ابن حجر
الجزء: ١٢
الوفاة: ٨٥٢
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع:
المطبعة: دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

فتح الباري
شرح صحيح البخاري
للامام الحافظ
شهاب الدين ابن حجر العسقلاني
رحمه الله تعالى
المجلد الثاني عشر
دار المعرفة
بيروت - لبنان
1

بسم الله الرحمن الرحيم قوله
كتاب الفرائض
جمع فريضة كحديقة وحدائق والفريضة فعيلة بمعنى مفروضة مأخودة من الفرض وهو القطع
يقال فرضت لفلان كذا أي قطعت له شيئا من المال قال الخطابي وقيل هو من فرض القوس
وهو الحز الذي في طرفيه حيث يوضع الوتر ليثبت فيه ويلزمه ولا يزول وقيل الثاني خاص بفرائض
الله وهي ما ألزم به عباده وقال الراغب الفرض قطع الشئ الصلب والتأثير فيه وخصت
المواريث باسم الفرائض من قوله تعالى نصيبا مفروضا أي مقدرا أو معلوما أو مقطوعا عن
غيرهم (قوله وقول الله يوصيكم الله في أولادكم) أفاد السهيلي أن الحكمة في التعبير بلفظ
الفعل المضارع لا بلفظ الفعل الماضي كما في قوله تعالى ذلكم وصاكم به وسورة أنزلناها وفرضناها
الإشارة إلى أن هذه الآية ناسخة للوصية المكتوبة عليهم كما سيأتي بيانه قريبا في باب ميراث الزوج
قال وأضاف الفعل إلى اسم المظهر تنويها بالحكم وتعظيما له وقال في أولادكم ولم يقل بأولادكم
إشارة إلى الامر بالعدل فيهم ولذلك لم يخص الوصية بالميراث بل أتى باللفظ عاما وهو كقوله
لا أشهد على جور وأضاف الأولاد إليهم مع أنه الذي أوصى بهم إشارة إلى أنه أرحم بهم من
آبائهم (قوله إلى قوله وصية من الله والله عليم حليم) كذا لأبي ذر وأما غيره فساق الآية الأولى
وقال بعد قوله عليما حكيما إلى قوله والله عليم حكيم وذكر فيه حديث جابر مرضت فعادني النبي
صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله كيف أصنع في مالي فلم يجبني بشئ حتى نزلت آية الميراث
2

هكذا وقع في رواية قتيبة وقد تقدم في تفسير سورة النساء أن مسلما أخرجه عن عمرو الناقد عن
سفيان وهو بن عيينة شيخ قتيبة فيه وزاد في آخره يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة وبينت
هناك أن هذه الزيادة مدرجة وأن الصواب ما أخرجه الترمذي من طريق يحيى بن آدم عن بن
عيينة حتى نزلت يوصيكم الله في أولادكم وأما قول البخاري في الترجمة إلى والله عليم حليم فأشار
به إلى أن مراد جابر من آية الميراث قوله وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وقد سبق في آخر
تفسير النساء ما أخرجه النسائي من وجه آخر عن جابر أن يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة
نزلت فيه وقد أشكل ذلك قديما قال ابن العربي بعد أن ذكر الروايتين في إحداهما فنزلت
يستفتونك وفي أخرى آية المواريث هذا تعارض لم يتفق بيانه إلى الآن ثم أشار إلى ترجيح آية
المواريث وتوهيم يستفتونك ويظهر أن يقال أن كلا من الآيتين لما كان فيها ذكر الكلالة نزلت
في ذلك لكن الآية الأولى لما كانت الكلالة فيها خاصة بميراث الاخوة من الام كما كان ابن
مسعود يقرأ وله أخ أو أخت من أم وكذا قرأ سعد بن أبي وقاص أخرجه البيهقي بسند صحيح
استفتوا عن ميراث غيرهم من الاخوة فنزلت الأخيرة فيصح أن كلا من الآيتين نزلت في قصة
جابر لكن المتعلق به من الآية الأولى ما يتعلق بالكلالة وأما سبب نزول أولها فورد من حديث
جابر أيضا في قصة ابنتي سعد بن الربيع ومنع عمهما أن يرثا من أبيهما فنزلت يوصيكم الله الآية
فقال للعم أعط ابنتي سعد الثلثين وقد بينت سياقه من وجه آخر هناك وبالله التوفيق وقد وقع في
بعض طرق حديث جابر المذكور في الصحيحين فقلت يا رسول الله إنما يرثني كلالة وقوله فلم
يجبني بشئ استدل به على أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يجتهد ورد بأنه لا يلزم من انتظاره الوحي
في هذه القصة الخاصة عموم ذلك في كل قصة ولا سيما وهي في مسألة المواريث التي غالبها لا مجال
للرأي فيه سلمنا أنه كان يمكنه أن يجتهد فيها لكن لعله كان ينتظر الوحي أولا فإن لم ينزل اجتهد فلا
يدل على نفي الاجتهاد مطلقا (قوله باب تعليم الفرائض وقال عقبة بن عامر تعلموا
قبل الظانين يعني الذين يتكلمون بالظن) هذا الأثر لم أظفر به موصولا وقوله قبل الظانين فيه
إشعار بأن أهل ذلك العصر كانوا يقفون عند النصوص ولا يتجاوزونها وأن نقل عن بعضهم
الفتوى بالرأي فهو قليل بالنسبة وفيه انذار بوقوع ما حصل من كثرة القائلين بالرأي وقيل
مراده قبل اندراس العلم وحدوث من يتكلم بمقتضى ظنه غير مستند إلى علم قال بن المنير وانما
خص البخاري قول عقبة بالفرائض لأنها أدخل فيه من غيرها لان الفرائض الغالب عليها التعبد
وانحسام وجوه الرأي والخوض فيها بالظن لا انضباط له بخلاف غيرها من أبواب العلم فان للرأي
فيها مجالا والانضباط فيها ممكن غالبا ويؤخذ من هذا التقرير مناسبة الحديث المرفوع للترجمة
وقيل وجه المناسبة أن فيه إشارة إلى أن النهي عن العمل بالظن يتضمن الحث على العمل
بالعلم وذلك فرع تعلمه وعلم الفرائض يؤخذ غالبا بطريق العلم كما تقدم تقريره وقال الكرماني
يحتمل أن يقال لما كان في الحديث وكونوا عباد الله إخوانا يؤخذ منه تعلم الفرائض ليعلم الأخ
الوارث من غيره وقد ورد في الحث على تعلم الفرائض حديث ليس على شرط المصنف أخرجه أحمد
والترمذي والنسائي وصححه الحاكم من حديث ابن مسعود رفعه تعلموا الفرائض وعلموها الناس
فاني امرؤ مقبوض وان العلم سيقبض حتى يختلف الاثنان في الفريضة فلا يجدان من يفصل
3

بينهما ورواته موثقون إلا أنه اختلف فيه على عوف الأعرابي اختلافا كثيرا فقال الترمذي انه مضطرب والاختلاف عليه انه جاء عنه من طريق أبن مسعود وجاء عنه من طريق أبي هريرة
وفي أسانيدها عنه أيضا اختلاف ولفظه عند الترمذي من حديث أبي هريرة تعلموا الفرائض
فإنها نصف العلم وانه أول ما ينزع من أمتي وفي الباب عن أبي بكرة أخرجه الطبراني في الأوسط
من طريق راشد الحماني عن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه رفعه تعلموا القرآن والفرائض
وعلموها الناس أوشك أن يأتي على الناس زمان يختصم الرجلان في الفريضة فلا يجدان من
يفصل بينهما وراشد مقبول لكن الراوي عنه مجهول وعن أبي سعيد الخدري بلفظ تعلموا
الفرائض وعلموها الناس أخرجه الدارقطني عن طريق عطية وهو ضعيف وأخرج الدارمي عن
عمر موقوفا تعلموا الفرائض كما تعلمون القرآن وفي لفظ عنه تعلموا الفرائض فإنها من دينكم
وعن ابن مسعود موقوفا أيضا من قرأ القرآن فليتعلم الفرائض ورجالها ثقات إلا أن في أسانيدها
انقطاعا قال ابن الصلاح لفظ النصف في هذا الحديث بمعنى أحد القسمين وإن لم يتساويا وقد
قال ابن عيينة إذ سئل عن ذلك أنه يبتلى به كل الناس وقال غيره لان لهم حالتين حالة حياة وحالة
موت والفرائض تتعلق بأحكام الموت وقيل لان الاحكام تتلقى من النصوص ومن القياس
والفرائض لا تتلقى إلا من النصوص كما تقدم ثم ذكر حديث أبي هريرة إياكم والظن الحديث
وقد تقدم من وجه آخر عن أبي هريرة في باب ما ينهى عن التحاسد في أوائل كتاب الأدب وتقدم
شرحه مستوفى وفيه بيان المراد بالظن هنا وأنه الذي لا يستند إلى أصل ويدخل فيه ظن السوء
بالمسلم وابن طاوس المذكور في السند هو عبد الله (قوله باب قول النبي صلى الله
عليه وسلم لا نورث ما تركنا صدقة) هو بالرفع أي المتروك عنا صدقة وادعى الشيعة أنه بالنصب
على أن ما نافية ورد عليهم بأن الرواية ثابتة بالرفع وعلى التنزل فيجوز النصب على تقدير حذف
تقديره ما تركنا مبذول صدقة قاله ابن مالك وينبغي الاضراب عنه والوقوف مع ما ثبتت به
الرواية وذكر فيه أربعة أحاديث إحداها حديث أبي بكر في ذلك وقصته مع فاطمة وقد مضى في
فرض الخمس مشروحا وسياقه أتم مما هنا وقوله فيه انما يأكل آل محمد من هذا المال كذا
4

وقع وظاهرة الحصر وأنهم لا يأكلون إلا من هذا المال وليس ذلك مرادا وانما المراد العكس
وتوجيهه أن من للتبعيض والتقدير إنما يأكل آل محمد بعض هذا المال يعني بقدر حاجتهم
وبقيته للمصالح ثانيها حديث عائشة بلفظ الترجمة وأورده آخر الباب بزيادة فيه ثالثها حديث
عمر في قصة علي والعباس مع عمر في منازعتهما في صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه قول
عمر لعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام هل تعلمون أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا صدقة يريد نفسه فقالوا قد قال ذلك وفيه أنه قال
مثله لعلي وللعباس فقال كذلك الحديث بطوله وقد مضى مطولا في فرض الخمس وذكر شرحه
هناك (تنبيهات) الراء من قوله لا نورث بالفتح في الرواية ولو روي بالكسر لصح المعنى أيضا
وقوله فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كذا للأكثر وفي رواية أبي ذر عن المستملي
والكشميهني خاصة وقوله لقد أعطاكموه أي المال في رواية الكشميهني أعطاكموها أي
الخالصة له وقوله فوالله الذي بإذنه في رواية الكشميهني بحذف الجلالة رابعها حديث أبي هريرة
وإسماعيل شيخه هو بن أبي أويس المدني ابن أخت مالك وقد أكثر عنه وأما إسماعيل بن أبان
شيخه في الحديث الذي قبله بحديث فلا رواية له عن مالك (قوله لا يقتسم) كذا لأبي ذر عن غير
الكشميهني وللباقين لا يقسم بحذف التاء الثانية قال ابن التين الرواية في الموطأ وكذا قرأته
في البخاري برفع الميم على أنه خبر والمعنى ليس يقسم ورواه بعضهم بالجزم كأنه نهاهم إن خلف شيئا
لا يقسم بعده فلا تعارض بين هذا وما تقدم في الوصايا من حديث عمرو بن الحارث الخزاعي ما ترك
رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ويحتمل أن يكون الخبر بمعنى النهي فيتحد معنى
الروايتين ويستفاد من رواية الرفع أنه أخبر أنه لا يخلف شيئا مما جرت العادة بقسمته كالذهب
والفضة وأن الذي يخلفه من غيرهما لا يقسم أيضا بطريق الإرث بل تقسم منافعه لمن ذكر (قوله
ورثتي) أي بالقوة لو كنت ممن يورث أو المراد لا يقسم مال تركه لجهة الإرث فأتى بلفظ ورثتي ليكون
الحكم معللا بما به الاشتقاق وهو الإرث فالمنفي اقتسامهم بالإرث عنه قاله السبكي الكبير
(قوله ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة) تقدم الكلام على المراد بقوله عاملي
في أوائل فرض الخمس مع شرح الحديث وحكيت فيه ثلاثة أقوال ثم وجدت في الخصائص لابن
دحية حكاية قول رابع أن المراد خادمه وعبر عن العامل على الصدقة بالعامل على النخل وزاد
أيضا وقيل الا جبر ويتحصل من المجموع خمسة أقوال الخليفة والصانع والناظر والخادم وحافر قبره عليه الصلاة والسلام وهذا إن كان المراد بالخادم الجنس والا فإن كان الضمير للنخل فيتحد
مع الصانع أو الناظر وقد ترجم المصنف عليه في أواخر الوصايا باب نفقة قيم الوقف وفيه إشارة
إلى ترجيح حمل العامل على الناظر ومما يسأل عنه تخصيص النساء بالنفقة والمؤنة بالعامل وهل
بينهما مغايرة وقد أجاب عنه السبكي الكبير بأن المؤنة في اللغة القيام بالكفاية والانفاق بذل
القوت قال وهذا يقتضي أن النفقة دون المؤنة والسر في التخصيص المذكور الإشارة إلى
أن أزواجه صلى الله عليه وسلم لما اخترن الله ورسوله والدار الآخرة كان لا بد لهن من القوت
فاقتصر على ما يدل عليه والعامل لما كان في صورة الأجير فيحتاج إلى ما يكفيه اقتصر على ما يدل
عليه انتهى ملخصا ويؤيده قول أبي بكر الصديق إن حرفتي كانت تكفي عائلتي فاشتغلت عن ذلك
5

بأمر المسلمين فجعلوا له قدر كفايته ثم قال السبكي لا يعترض بأن عمر كان فضل عائشة في العطاء
لأنه علل ذلك بمزيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لها (قلت) وهذا ليس مما بدأ به لان قسمة
عمر كانت من الفتوح وأما ما يتعلق بحديث الباب ففيما يتعلق بما خلفه النبي صلى الله عليه وسلم
وأنه يبدأ منه بما ذكر وأفاد رحمه الله أنه يدخل في لفظ نفقة نسائي كسوتهن وسائر اللوازم وهو
كما قال ومن ثم استمرت المساكن التي كن فيها قبل وفاته صلى الله عليه وسلم كل واحدة باسم
التي كانت فيه وقد تقدم تقرير ذلك في أول فرض الخمس وإذا انضم قوله إن الذي تخلفه
صدقة إلى أن آله تحرم عليهم الصدقة تحقق قوله لا نورث وفي قول عمر يريد نفسه إشارة إلى أن
النون في قوله نورث للمتكلم خاصة لا للجمع وأما ما اشتهر في كتب أهل الأصول وغيرهم بلفظ
نحن معاشر الأنبياء لا نورث فقد أنكره جماعة من الأئمة وهو كذلك بالنسبة لخصوص لفظ
نحن لكن أخرجه النسائي من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد بلفظ إنا معاشر الأنبياء لا نورث
الحديث أخرجه عن محمد بن منصور عن ابن عيينة عنه وهو كذلك في مسند الحميدي عن ابن
عيينة وهو من أتقن أصحاب ابن عيينة فيه وأورده الهيثم بن كليب في مسنده من حديث أبي بكر
الصديق باللفظ المذكور وأخرجه الطبراني في الأوسط بنحو اللفظ المذكور وأخرجه الدارقطني
في العلل من رواية أم هانئ عن فاطمة عليها السلام عن أبي بكر الصديق بلفظ إن الأنبياء
لا يورثون قال ابن بطال وغيره ووجه ذلك والله أعلم أن الله بعثهم مبلغين رسالته وأمرهم أن
لا يأخذوا على ذلك أجرا كما قال قل لا أسألكم عليه أجرا وقال نوح وهود وغيرهما نحو ذلك
فكانت الحكمة في أن لا يورثوا لئلا يظن أنهم جمعوا المال لوارثهم قال وقوله تعالى وورث
سليمان داود حمله أهل العلم بالتأويل على العلم والحكمة وكذا قول زكريا فهب لي من لدنك
وليا يرثني وقد حكى ابن عبد البر أن للعلماء في ذلك قولين وأن الأكثر على أن الأنبياء لا يورثون وذكر
أن ممن قال بذلك من الفقهاء إبراهيم بن إسماعيل بن علية ونقله عن الحسن البصري عياض
في شرح مسلم وأخرج الطبري من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله تعالى حكاية عن
زكريا واني خفت الموالي قال العصبة ومن قوله وهب لي من لدنك وليا يرثني قال يرث مالي ويرث
من آل يعقوب النبوة ومن طريق قتادة عن الحسن نحوه لكن لم يذكر المال ومن طريق مبارك بن
فضالة عن الحسن رفعه مرسلا رحم الله أخي زكريا ما كان عليه من يرث ماله (قلت) وعلى تقدير
سليم القول المذكور فلا معارض من القرآن لقول نبينا عليه الصلاة والسلام لا نورث ما تركنا
صدقة فيكون ذلك من خصائصه التي أكرم بها بل قول عمر يريد نفسه يؤيد اختصاصه بذلك وأما
عموم قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم الخ فأجيب عنها بأنها عامة فيمن ترك شيئا كان يملكه وإذا
ثبت أنه وقفه قبل موته فلم يخلف ما يورث عنه فلم يورث وعلى تقدير أنه خلف شيئا مما كان يملكه
فدخوله في الخطاب قابل للتخصيص لما عرف من كثرة خصائصه وقد اشتهر عنه أنه لا يورث
فظهر تخصيصه بذلك دون الناس وقيل الحكمة في كونه لا يورث حسم المادة في تمني الوارث
موت المورث من أجل المال وقيل لكون النبي كالأب لامته فيكون ميراثه للجميع وهذا
معنى الصدقة العامة وقال ابن المنير في الحاشية يستفاد من الحديث ان من قال داري صدقة
لا تورث أنها تكون حبسا ولا يحتاج إلى التصريح بالوقف أو الحبس وهو حسن لكن هل يكون
6

ذلك صريحا أو كناية يحتاج إلى نية وفي حديث أبي هريرة دلالة على صحة وقف المنقولات وأن
الوقف لا يختص بالعقار لعموم قوله ما تركت بعد نفقة نسائي الخ ثم ذكر حديث عائشة أن أزواج
النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن فقالت
عائشة أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركنا صدقة أورده من رواية مالك
عن بن شهاب عن عروة وهذا الحديث في الموطأ ووقع في رواية بن وهب عن مالك حدثني
ابن شهاب وفي الموطأ للدارقطني من طريق القعنبي يسألنه ثمنهن وكذا أخرجه من طريق
جويرية بن أسماء عن مالك وفي الموطأ أيضا أرسلنا عثمان بن عفان إلى أبي بكر الصديق وفيه
فقالت لهن عائشة وفيه ما تركنا فهو صدقة وظاهر سياقه أنه من مسند عائشة وقد رواه
إسحاق بن محمد الفروي عن مالك بهذا السند عن عائشة عن أبي بكر الصديق أورده الدارقطني
في الغرائب وأشار إلى أنه تفرد بزيادة أبي بكر في مسنده وهذا يوافق رواية معمر عن بن شهاب
المذكورة في أول هذا الباب فان فيه عن عائشة أن أبا بكر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول فذكره فيحتمل أن تكون عائشة سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم كما سمعه
أبوها ويحتمل أن تكون انما سمعته من أبيها عن النبي صلى الله عليه وسلم فأرسلته عن النبي صلى
الله عليه وسلم لما طالب بالأزواج ذلك والله أعلم (قوله باب قول النبي صلى الله
عليه وسلم من ترك مالا فلأهله) هذه الترجمة لفظ الحديث المذكور في الباب من طريق أخرى
عن أبي سلمة وأخرجه الترمذي في أول كتاب الفرائض من طريق محمد بن عمرو بن علقمة عن
أبي سلمة عن أبي هريرة بهذا اللفظ وبعده ومن ترك ضياعا فإلي وقال بعده رواه الزهري عن
أبي سلمة عن أبي هريرة أطول من هذا (قوله في السند عبد الله) هو ابن المبارك ويونس هو
ابن يزيد وقد بينت في الكفالة الاختلاف على الزهري في صحابيه وأن معمرا انفرد عنه بقوله
عن جابر بدل أبي هريرة (قوله أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم) هكذا أورده مختصرا وتقدم
في الكفالة من طريق عقيل عن ابن شهاب بذكر سببه في أوله ولفظه ان رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان يؤتي بالرجل المتوفى عليه الدين فيقول هل ترك لدينه قضاء فان قيل نعم صلى
عليه وإلا قال صلوا على صاحبكم فلما فتح الله عليه الفتوح قال أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم
الحديث وتقدم في القرض وفي تفسير الأحزاب عن رواية عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة
بلفظ ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة اقرؤا ان شئتم النبي أولى بالمؤمنين من
أنفسهم الحديث وفي حديث جابر عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول أنا
أولى بكل مؤمن من نفسه وقوله هنا فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاء فعلينا قضاؤه يخص
ما أطلق في رواية عقيل بلفظ فمن توفي من المؤمنين وترك دينا فعلي قضاؤه وكذا قوله في الرواية
الأخرى في تفسير الأحزاب فإن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه أو وليه فعرف أنه مخصوص
بمن لم يترك وفاء وقوله فليأتني أي من يقوم مقامه في السعي في وفاء دينه أو المراد صاحب الدين
وأما الضمير في قوله مولاه فهو للميت المذكور وسيأتي بعد قليل من رواية أبي صالح عن أبي
هريرة بلفظ فأنا وليه فلا دعي له وقد تقدم شرح ما يتعلق بهذا الشق في الكفالة وبيان الحكمة
في ترك الصلاة على من مات وعليه دين بلا وفاء وأنه كان إذا وجد من يتكفل بوفائه صلى عليه
7

وان ذلك كان قبل أن يفتح الفتوح كما في رواية عقيل وهل كان ذلك من خصائصه أو يجب على
ولاة الامر بعده والراجح الاستمرار لكن وجوب الوفاء إنما هو من مال المصالح ونقل ابن بطال
وغيره أنه كان صلى الله عليه وسلم يتبرع بذلك وعلى هذا لا يجب على من بعده وعلى الأول قال
ابن بطال فإن لم يعط الامام عنه من بيت المال لم يحبس عن دخول الجنة لأنه يستحق القدر الذي
عليه في بيت المال ما لم يكن دينه أكثر من القدر الذي له في بيت المال مثلا (قلت) والذي يظهر
أن ذلك يدخل في المقاصصة وهو كمن له حق وعليه حق وقد مضى أنهم إذا خلصوا من الصراط
حبسوا عند قنطرة بين الجنة والنار يتقاصون المظالم حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول
الجنة فيحمل قوله لا يحبس أي معذبا مثلا والله أعلم (قوله ومن ترك مالا فلورثته) أي فهو لورثته
وثبتت كذلك هنا في الكشميهني وكذا لمسلم وفي رواية عبد الرحمن بن أبي عمرة فليرثه
عصبته من كانوا ولمسلم من طريق الأعرج عن أبي هريرة فإلى العصبة من كان وسيأتي بعد قليل
من رواية أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ فماله لموالي العصبة أي أولياء العصبة قال الداودي
المراد بالعصبة هنا الورثة لا من يرث بالتعصيب لان العاصب في الاصطلاح من له سهم مقدر من
المجمع على توريثهم ويرث كل المال إذا انفرد ويرث ما فضل بعد الفروض بالتعصيب وقيل
المراد بالعصبة هنا قرابة الرجل وهم من يلتقي مع الميت في أب ولو علا سموا بذلك لانهم يحيطون
به يقال عصب الرجل بفلان أحاط به ومن ثم قيل تعصب لفلان أي أحاط به وقال الكرماني
المراد العصبة بعد أصحاب الفروض قال ويؤخذ حكم أصحاب الفروض من ذكر العصبة بطريق
الأولى ويشير إلى ذلك قوله من كانوا فأنه يتناول أنواع المنتسبين إليه بالنفس أو بالغير قال
ويحتمل أن تكون من شرطية (قوله باب ميراث الولد من أبيه وأمه) لفظ
الولد أعم من الذكر والأنثى ويطلق على الولد للصلب وعلى ولد الولد وإن سفل قال ابن عبد البر
أصل ما بنى عليه مالك والشافعي وأهل الحجاز ومن وافقهم في الفرائض قول زيد بن ثابت
وأصل ما بنى عليه أهل العراق ومن وافقهم فيها قول علي بن أبي طالب وكل من الفريقين
لا يخالف قول صاحبه الا في اليسير النادر إذا ظهر له مما يجب عليه الانقياد إليه (قوله وقال
زيد بن ثابت الخ) وصله سعيد بن منصور عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد
ابن ثابت عن أبيه فذكر مثله سواء الا أنه قال بعد قوله وإن كان معهن ذكر فلا فريضة لاحد
منهن ويبدأ بمن شركهم فيعطى فريضته فما بقى بعد ذلك فللذكر مثل حظ الأنثيين قال ابن بطال
قوله وإن كان معهن ذكر يريد إن كان مع البنات أخ من أبيهن وكان معهم غيرهن ممن له فرض
مسمى كالأب مثلا قال ولذلك قال شركهم ولم يقل شركهن فيعطى الأب مثلا فرضه ويقسم
ما بقي بين الابن والبنات للذكر مثل حظ الأنثيين قال وهذا تأويل حديث الباب وهو قوله
ألحقوا الفرائض بأهلها (قوله بن طاوس) هو عبد الله (قوله عن ابن عباس) قيل تفرد وهيب
بوصله ورواه الثوري عن ابن طاوس لم يذكر ابن عباس بل أرسله أخرجه النسائي
والطحاوي وأشار النسائي إلى ترجيح الارسال ورجح عند صاحبي صحيح الموصول لمتابعة روح بن
القاسم وهيبا عندهما ويحيى بن أيوب عند مسلم وزياد بن سعد وصالح عند الدارقطني واختلف
على معمر فرواه عبد الرزاق عنه موصولا أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة
8

ورواه عبد الله بن المبارك عن معمر والثوري جميعا مرسلا أخرجه الطحاوي ويحتمل أن يكون
حمل رواية معمر على رواية الثوري وانما صححاه لان الثوري وأن كان أحفظ منهم لكن
العدد الكثير يقاومه وإذا تعارض الوصل والارسال ولم يرجح أحد الطريقين قدم الوصل والله
أعلم (قوله ألحقوا الفرائض بأهلها) المراد بالفرائض هنا الانصباء المقدرة في كتاب الله تعالى وهي
النصف ونصفه ونصف نصفه والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما والمراد بأهلها من يستحقها
بنص القرآن ووقع في رواية روح بن القاسم عن بن طاوس اقسموا المال بين أهل الفرائض
على كتاب الله أي على وفق ما أنزل في كتابه (قوله فما بقى) في رواية روح بن القاسم فما تركت
أي أبقت (قوله فهو لاولى) في رواية الكشميهني فلأولى بفتح الهمزة واللام بينهما واو ساكنة
أفعل تفضيل من الولي بسكون اللام وهو القرب أي لمن يكون أقرب في النسب إلى المورث وليس
المراد هنا الأحق وقد حكى عياض أن في رواية بن الحذاء عن بن ماهان في مسلم فهو لأدنى بدال
ونون وهي بمعني الأقرب قال الخطابي المعنى أقرب رجل من العصبة وقال ابن بطال المراد بأولى
رجل أن الرجال من العصبة بعد أهل الفروض إذا كان فيهم من هو أقرب إلى الميت استحق دون
من هو أبعد فان استنووا اشتركوا قال ولم يقصد في هذا الحديث من يدلى بالآباء والأمهات مثلا
لأنه ليس فيهم من هو أولى من غيره إذا استووا في المنزلة كذا قال ابن المنير وقال ابن التين انما
المراد به العمة مع العم وبنت الأخ مع بن الأخ وبنت العم مع بن العم وخرج من ذلك الأخ والأخت
لأبوين أو لأب فإنهم يرثون بنص قوله تعالى وان كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين
ويستثنى من ذلك من يحجب كالأخ للأب مع البنت والأخت الشقيقة وكذا يخرج الأخ
والأخت لام لقوله تعالى فلكل واحد منهما السدس وقد نقل الاجماع على أن المراد بها الاخوة
من الام وسيأتي مزيد في هذا في باب ابني عم أحدهما أخ لام وأخر زوج (قوله رجل ذكر)
هكذا في جميع الروايات ووقع في كتب الفقهاء كصاحب النهاية وتلميذه الغزالي فلأولى عصبة
ذكر قال بن الجوزي والمنذري هذه اللفظة ليست محفوظة وقال ابن الصلاح فيها بعد
عن الصحة من حيث اللغة فضلا عن الرواية فان العصبة في اللغة اسم للجمع لا للواحد كذا قال
والذي يظهر أنه اسم جنس ويدل عليه ما وقع في بعض طرق حديث أبي هريرة الذي في الباب
قبله فليرثه عصبته من كانوا قال ابن دقيق العيد قد استشكل بأن الأخوات عصبات البنات
والحديث يقتضي اشتراط الذكورة في العصبة المستحق للباقي بعد الفروض والجواب أنه
من طريق المفهوم وقد اختلف هل له عموم وعلى التنزل فيخص في الخبر الدال على أن الأخوات
عصبات البنات وقد استشكل التعبير بذكر بعد التعبير برجل فقال الخطابي انما كرر للبيان
في نعته بالذكورة ليعلم أن العصبة إذا كان عما أو بن عم مثلا وكان معه أخت له أن
الأخت لا ترث ولا يكون المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين وتعقب بأن هذا ظاهر من
التعبير بقوله رجل والاشكال باق إلا أن كلامه ينحل إلى أنه للتأكيد وبه جزم غيره كابن التين
قال ومثله ابن لبون ذكر وزيفه القرطبي فقال قيل أنه للتأكيد اللفظي ورد بأن العرب انما
تؤكد حيث يفيد فائدة إما تعين المعنى في النفس وإما رفع توهم المجاز وليس ذلك موجودا هنا
وقال غيره هذا التوكيد لمتعلق الحكم وهو الذكورة لان الرجل قد يراد به معنى النجدة والقوة
9

في الامر فقد حكى سيبويه مررت برجل رجل أبوه فلهذا احتاج الكلام إلى زيادة التوكيد
لذكر حتى لا يظن أن المراد به خصوص البالغ وقيل خشية أن يظن بلفظ رجل الشخص وهو
أعم من الذكر والأنثى وقال ابن العربي في قوله ذكر الإحاطة بالميراث انما تكون للذكر دون
الأنثى ولا يرد قول من قال أن البنت تأخذ جميع المال لأنها انما تأخذه بسببين متغايرين
والإحاطة مختصة بالسبب الواحد وليس إلا الذكر فلهذا نبه عليه بذكر الذكورية قال وهذا
لا يتفطن له كل مدع وقيل أنه احتراز عن الخنثى في الموضعين فلا تؤخذ الخنثى في الزكاة ولا
يجوز الخنثى المال إذا انفرد وقيل للاعتناء بالجنس وقيل للإشارة إلى الكمال في ذلك كما يقال
امرأة أنثى وقيل لنفي توهم اشتراك الأنثى معه لئلا يحمل على التغليب وقيل ذكر تنبيها على سبب
الاستحقاق بالعصوبة وسبب الترجيح الإرث ولهذا جعل للذكر مثل حظ الأنثيين وحكمته
أن الرجال تلحقهم المؤن كالقيام بالعيال والضيفان وإرفاد القاصدين ومواساة السائلين
وتحمل الغرامات وغير ذلك هكذا قال النووي وسبقه القاضي عياض فقال قيل هو على معنى
اختصاص الرجال بالتعصيب بالذكورية التي بها القيام على الإناث وأصله للمازري فإنه قال
بعد أن ذكر استشكال ما ورد في هذا وهو رجل ذكر وفي الزكاة ابن لبون ذكر قال والذي يظهر لي
أن قاعدة الشرع في الزكاة الانتقال من سن إلى أعلى منها ومن عدد إلى أكثر منه وقد جعل
في خمسة وعشرين بنت مخاض وسنا أعلى منها وهو ابن لبون فقد يتخيل أنه على خلاف
القاعدة وأن السنين كالسن الواحد لان ابن اللبون أعلى سنا لكنه أدنى قدرا فنبه بقوله ذكر
على أن الذكورية تبخسه حتى يصير مساويا لبنت مخاض مع كونها أصغر سنا منه وأما في الفرائض
فلما علم أن الرجال هم القائمون بالأمور وفيهم معنى التعصيب وترى لهم العرب ما لا ترى للنساء
فعبر بلفظ ذكر إشارة إلى العلة التي لأجلها اختص بذلك فهما وان اشتركا في أن السبب في
وصف كل منهما بذكر التنبيه على ذلك لكن متعلق التنبيه فيهما مختلف فإنه في ابن اللبون
إشارة إلى النقص وفي الرجل إشارة إلى الفضل وهذا قد لخصه القرطبي وارتضاه وقيل إنه وصف
لاولى لا لرجل قاله السهيلي وأطال في تقريره وتبجح به فقال هذا الحديث أصل في الفرائض
وفيه إشكال وقد تلقاه الناس أو أكثرهم على وجه لا تصح إضافته إلى من أوتي جوامع الكلم
واختصر له الكلام اختصارا فقالوا هو نعت لرجل وهذا لا يصح لعدم الفائدة لأنه لا يتصور أن
يكون الرجل إلا ذكرا وكلامه أجل من أن يشتمل على حشو لا فائدة فيه ولا يتعلق به حكم ولو كان
كما زعموا لنقص فقه الحديث لأنه لا يكون فيه بيان حكم الطفل الذي لم يبلغ سن الرجولية وقد
اتفقوا على أن الميراث يجب له ولو كان بن ساعة فلا فائدة بتخصيصه بالبالغ دون الصغير قال
والحديث إنما سيق لبيان من يستحق الميراث من القرابة بعد أصحاب السهام ولو كان كما زعموا
لم يكن فيه تفرقة بين قرابة الأب وقرابة الام قال فإذا ثبت هذا فقوله أولى رجل ذكر يريد القريب
في النسب الذي قرابته من قبل رجل وصلب لا من قبل بطن ورحم فالأولى هنا ولي الميت فهو
مضاف إليه في المعنى دون اللفظ وهو في اللفظ مضاف إلى النسب وهو الصلب فعبر عن الصلب
بقوله أولى رجل لان الصلب لا يكون إلا رجلا فأفاد بقوله لاولى رجل نفي الميراث عن الأولى
الذي هو من قبل الام كالخال وأفاد بقوله ذكر نفي الميراث عن النساء وان كن من المدلين إلى
10

الميت من قبل صلب لأنهن إناث قال وسبب الاشكال من وجهين أحدهما أنه لما كان مخفوضا
ظن نعتا لرجل ولو كان مرفوعا لم يشكل كأن يقال فوارثه أولى رجل ذكر والثاني أنه جاء بلفظ
أفعل وهذا الوزن إذا أريد به التفضيل كان بعض ما يضاف إليه كفلان أعلم انسان فمعناه أعلم الناس
فتوهم أن المراد بقوله أولى رجل أولى الرجال وليس كذلك وإنما هو أولى الميت بإضافة
النسب وأولى صلب بإضافته كما تقول هو أخوك أخو الرخاء لا أخو البلاء قال فالأولى
في الحديث كالولي فان قيل كيف يضاف للواحد وليس بجزء منه فالجواب إذا كان معناه
الأقرب في النسب جازت إضافته وان لم يكن جزءا منه كقوله صلى الله عليه وسلم في البر بر أمك
ثم أباك ثم أدناك قال وعلى هذا فيكون في هذا الكلام الموجز من المتانة وكثرة المعاني ما ليس
في غيره فالحمد لله الذي وفق وأعان انتهى كلامه ولا يخلو من استغلاق وقد لخصه الكرماني
فقال ذكر صفة لاولى لا لرجل والأولى بمعنى القريب الأقرب فكأنه قال فهو لقريب الميت ذكر
من جهة رجل وصلب لا من جهة بطن ورحم فالأولى من حيث المعنى مضاف إلى الميت وأشير
بذكر الرجل إلى الأولوية فأفاد بذلك نفي الميراث عن الأولى الذي من جهة الام كالخال وبقوله ذكر
نفيه عن النساء بالعصوبة وان كن من المدلين للميت من جهة الصلب انتهى وقد أوردته كما
وجدته ولم أحذف منه إلا أمثلة أطال بها وكلمات طويلة تبجح بها بسبب ما ظهر له من ذلك والعلم
عند الله تعالى قال النووي أجمعوا على أن الذي يبقى بعد الفروض للعصبة يقدم للأقرب فالأقرب
فلا يرث عاصب بعيد مع عاصب قريب والعصبة كل ذكر يدلى بنفسه بالقرابة ليس بينه وبين
الميت أنثى فمتى انفرد أخذ جميع المال وإن كان مع ذوي فروض غير مستغرقين أخذ ما بقي وإن كان
مع مستغرقين فلا شئ له قال القرطبي وأما تسمية الفقهاء الأخت مع البنت عصبة فعلى
سبيل التجوز لأنها لما كانت في هذه المسألة تأخذ ما فضل عن البنت أشبهت العاصب قلت وقد
ترجم البخاري بذلك كما سيأتي قريبا قال الطحاوي استدل قوم يعني ابن عباس ومن تبعه بحديث
ابن عباس على أن من خلف بنتا وأخا شقيقا وأختا شقيقة كان لابنته النصف وما بقي لأخيه
ولا شئ لأخته ولو كانت شقيقة وطردوا ذلك فيما لو كان مع الأخت الشقيقة عصبة فقال لا شئ
لها مع البنت بل الذي يبقى بعد البنت للعصبة ولو بعدوا واحتجوا أيضا بقوله تعالى ان امرؤ
هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك قالوا فمن أعطى الأخت مع البنت خالف ظاهر القرآن
قال واستدل عليهم بالاتفاق على أن من ترك بنتا وابن ابن وبنت ابن متساويين أن للبنت النصف
وما بقي بين ابن الابن وبنت الابن ولم يخصوا ابن الابن بما بقي لكونه ذكرا بل ورثوا معه شقيقته
وهي أنثى قال فعلم بذلك أن حديث ابن عباس ليس على عمومه بل هو في شئ خاص وهو ما إذا ترك
بنتا وعما وعمة فان للبنت النصف وما بقي للعم دون العمة إجماعا قال فاقتضى النظر ترجيح إلحاق
الأخت مع الأخ بالابن والبنت لا بالعم والعمة لان الميت لو لم يترك إلا أخا وأختا شقيقتين فالمال بينهما
فكذلك لو ترك ابن ابن وبنت ابن بخلاف ما لو ترك عما وعمة فان المال كله للعم دون العمة باتفاقهم
قال وأما الجواب عما احتجوا به من الآية فهو أنهم أجمعوا على أن الميت لو ترك بنتا وأخا لأب
كان للبنت النصف وما بقي للأخ وأن معنى قوله تعالى ليس له ولد انما هو ولد يحوز المال كله
لا الولد الذي لا يحوز وأقرب العصبات البنون ثم بنوهم وإن سفلوا ثم الأب ثم الجد والأخ إذا
11

انفرد واحد منهما فان اجتمعا فسيأتي حكمه ثم بنو الاخوة ثم بنوهم وإن سفلوا ثم الأعمام
ثم بنوهم وإن سفلوا ومن أدلى بأبوين يقدم على من أدلى بأب لكن يقدم الأخ من الأب على ابن
الأخ من الأبوين ويقدم ابن أخ لأب على عم لأبوين ويقدم عم لأب على ابن عم لأبوين
واستدل به البخاري على أن ابن الابن يحوز المال إذا لم يكن دونه ابن وعلى أن الجد يرث جميع
المال إذا لم يكن دونه أب وعلى أن لأخ من الام إذا كان ابن عم يرث بالفرض والتعصيب وسيأتي
جميع ذلك والبحث فيه (قوله باب ميراث البنات) الأصل فيه كما تقدم في أول كتاب
الفرائض قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين وقد تقدمت الإشارة إليه
والى سبب نزولها وان أهل الجاهلية كانوا لا يورثون البنات كما حكاه أبو جعفر بن حبيب في كتاب
المحبر وحكى ان بعض عقلاء الجاهلية ورث البنت لكن سوى بينها وبين الذكر وهو عامر بن جشم
بضم الجيم وفتح المعجمة وقد تمسك بالسبب المذكور من أجاب عن السؤال المشهور في قوله تعالى
فان كن نساء فوق اثنتين حيث قيل ذكر في الآية حكم البنتين في حال اجتماعهما مع الابن دون
الانفراد وذكر حكم البنت الواحدة في الحالين وكذا حكم ما زاد على البنتين وقد انفرد ابن عباس
بأن حكمهما حكم الواحدة وأبى ذلك الجمهور واختلف في مأخذهم فقيل حكمهما حكم
الثلاث فما زاد ودليله بيان السنة فان الآية لما كانت محتملة بينت السنة أن حكمهما حكم ما زاد
عليهما وذلك واضح في سبب النزول فان العم لما منع البنتين من الإرث وشكت ذلك أمهما قال
صلى الله عليه وسلم لها يقضي الله في ذلك فنزلت آية الميراث فأرسل إلى العم فقال أعط بنتي
سعد الثلثين فلا يرد على ذلك أنه يلزم منه نسخ الكتاب بالسنة فإنه بيان لا نسخ وقيل بالقياس
على الأختين وهما أولى لما يختص بهما من أنهما أمس رحما بالميت من أختيه فلا يقصر بهما
عنهما وقيل أن لفظ فوق في الآية مقحم وهو غلط وقال المبرد يؤخذ من جهة أن أقل عدد يجتمع
به الصنفان ذكر وأنثى فإن كان للواحدة ثلث كان للبنتين الثلثان وقال إسماعيل القاضي
في أحكام القرآن يؤخذ ذلك من قوله تعالى للذكر مثل حظ الأنثيين لأنه يقتضي أنه إذا كان ذكر
وأنثى فللذكر الثلثان وللأنثى الثلث فإذا استحقت الثلث مع الذكر فاستحقاقها الثلث مع أنثى
مثلها بطريق الأولى وقال السهيلي يؤخذ ذلك من المجئ بلام التعريف التي للجنس في قوله حظ
الأنثيين فإنه يدل على أنهما استحقا الثلثين وأن الواحدة لها مع الذكر الثلث وكان ظاهر ذلك أنهن
لو كن ثلاثا لاستوعبن المال فلذلك ذكر حكم الثلاث فما زاد واستغنى عن إعادة حكم الأنثيين
لأنه قد تقدم بدلالة اللفظ وقال صاحب الكشاف وجهه أن الذكر كما يحوز الثلثين مع الواحدة
فالاثنتان كذلك يحوزان الثلثين فلما ذكر ما دل على حكم الثنتين ذكر بعده حكم ما فوق الثنتين
وهو منتزع من كلام القاضي وقرر الطيبي فقال اعتبر القاضي الفاء في قوله تعالى فان كن نساء
لان مفهوم ترتيب الفاء ومفهوم الوصف في قوله فوق اثنين مشعران بذلك فكأنه لما قال للذكر
مثل حظ الأنثيين علم بحسب الظاهر من عبارة النص حكم الذكر مع الأنثى إذا اجتمعا وفهم منه
بحسب إشارة النص حكم الثنتين لان الذكر كما يحوز الثلثين مع الواحدة فالثنتان يحوزان
الثلثين ثم أراد أن يعلم حكم ما زاد على الثنتين فقال فان كن نساء فوق اثنتين فمن نظر إلى عبارة
النص قال أريد حالة الاجتماع دون الانفراد ومن نظر إلى إشارة النص قال إن حكم الثنتين حكم
12

الذكر مطلقا واعترض على هذا التقرير بأنه ثبت بما ذكر أن لهما الثلثين في صورة ما وليست
هي صورة الاجتماع دائما إذ ليس للبنتين مع الابن الثلثان والجواب عنه عسر إلا إن انضم إليه
أن الحديث بين ذلك ويعتذر عن ابن عباس بأنه لم يبلغه فوقف مع ظاهر الآية وفهم أن قوله فوق
اثنتين لانتفاء الزيادة على الثلثين لا لاثبات ذلك الثنتين وكذا يرد على جواب السهيلي أن الاثنتين
لا يستمر الثلثان حظهما في كل صورة والله أعلم ثم ذكر المصنف في الباب حديث سعد بن أبي وقاص
في الوصية بالثلث وقد مضى شرحه مستوفى في الوصايا والغرض منه قوله وليس يرثني إلا ابنتي وقد
تقدم أن الذي نفاه سعد أولاده وإلا فقد كان له من العصبات من يرثه وحديث معاذ في توريث
البنت والأخت وسيأتي شرحه قريبا في باب ميراث الأخوات مع البنات من وجه أخر عن
الأسود وأبو النضر المذكور في سنده هو هاشم بن القاسم وشيبان هو ابن عبد الرحمن والأشعث
هو ابن أبي الشعثاء سليم المحاربي وقد أخرجه يزيد بن هارون في كتاب الفرائض له عن سفيان
الثوري عن أشعث بن أبي الشعثاء عن الأسود بن يزيد قال قضى ابن الزبير في ابنه وأخت فأعطى
الابنة النصف وأعطى العصبة بقية المال فقلت له إن معاذا قضى فيها باليمن فذكره قال فقال له
أنت رسولي إلى عبد الله بن عتبة وكان قاضي الكوفة فحدثه بهذا الحديث وأخرجه الدارمي
والطحاوي من طريق الثوري نحوه (قوله ميراث ابن الابن إذا لم يكن ابن) أي
للميت لصلبه سواء كان أباه أو عمه (قوله وقال زيد بن ثابت الخ) وصله سعيد بن منصور عن
عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد عن أبيه وقوله بمنزلة الولد أي للصلب وقوله
إذا لم يكن دونهم أي بينهم وبين الميت وقوله ولد ذكر احترز به عن الأنثى وسقط لفظ ذكر من
رواية الأكثر وثبت الكشميهني وهي في رواية سعيد بن منصور المذكورة وقوله يرثون كما يرثون
ويحجبون كما يحجبون أي يرثون جميع المال إذا انفردوا ويحجبون من دونهم في الطبقة ممن بينه
وبين الميت مثلا اثنان فصاعدا ولم يرد تشبيههم بهم من كل جهة وقوله في آخره ولا يرث ولد الابن
مع الابن تأكيد لما تقدم فان حجب أولاد الابن بالابن انما يؤخذ من قوله إذا لم يكن دونهم إلى آخره
بطريق المفهوم ثم ذكر حديث ابن عباس ألحقوا الفرائض بأهلها وقد مضى شرحه قريبا قال
ابن بطال قال أكثر الفقهاء فيمن خلفت زوجا وأبا وبنتا وابن ابن وبنت ابن تقدم الفروض
فللزوج الربع وللأب السدس وللبنت النصف وما بقي بين ولدي الابن الذكر مثل حظ الأنثيين
فإن كانت البنت أسفل من الابن فالباقي له دونها وقيل الباقي له مطلقا لقوله فما بقي فلأولى رجل
ذكر وتمسك زيد بن ثابت والجمهور بقوله تعالى في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين وقد اجمعوا
أن بني البنين ذكورا وإناثا كالبنين عند فقد البنين إذا استووا في التعدد فعلى هذا تخص هذه
الصورة من عموم فلأولى رجل ذكر (قوله باب ميراث ابنة ابن مع ابنة) في رواية
الكشميهني مع بنت (قوله حدثنا أبو قيس) هو عبد الرحمن بن ثروان بفتح المثلثة وسكون الراء
وهزيل بالزاي مصغر ووقع في كتب كثير من الفقهاء هذيل بالذال المعجمة وهو تحريف هو ابن
شرحبيل وهو والراوي عنه كوفيان أوديان ووقع في رواية النسائي من طريق وكيع عن سفيان
عن أبي قيس واسمه عبد الرحمن (قوله سئل أبو موسى) في رواية غندر عن شعبة عن النسائي جاء
رجل إلى أبي موسى الأشعري وهو الأمير والي سلمان بن ربيعة الباهلي فسألهما وكذا أخرجه
13

أبو داود من طريق الأعمش عن أبي قيس لكن لم يقل وهو الأمير وكذا للترمذي وابن ماجة
والطحاوي والدارمي من طرق عن سفيان الثوري بزيادة سلمان بن ربيعة مع أبي موسى وقد
ذكروا أن سلمان المذكور كان على قضاء الكوفة (قوله وائت بن مسعود فسيتابعني في
رواية الأعمش والثوري المشار إليهما فقال له أبو موسى وسلمان بن ربيعة وفيها أيضا فسيتابعنا
وهذا قاله أبو موسى على سبيل الظن لأنه اجتهد في المسألة ووافقه سلمان فظن أن بن مسعود
يوافقهما ويحتمل أن يكون سبب قوله ائت ابن مسعود الاستثبات (قوله فقال لقد ضللت إذا)
قاله جوابا عن قول أبي موسى أنه سيتابعه وأشار إلى أنه لو تابعه لخالف صريح السنة عنده وأنه
لو خالفها عامدا لضل (قوله أقضي فيها بما قضى النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية الدارقطني
من طريق حجاج بن أرطاة عن عبد الرحمن بن مروان فقال ابن مسعود كيف أقول يعني مثل
قول أبي موسى وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره (قوله فأتينا أبا موسى
فأخبرناه بقول ابن مسعود) فيه إشارة إلى أن هزيلا الراوي توجه مع السائل إلى ابن مسعود
فسمع جوابه فعاد إلى أبي موسى معهم فأخبروه (قوله لا تسألوني ما دام هذا الحبر) بفتح
مهملة وبكسرها أيضا وسكون الموحدة حكاه الجوهري ورجح الكسر وجزم الفراء بأنه بالكسر
وقال سمي باسم الحبر الذي يكتب به وقال أبو عبيد الهروي هو العالم بتحبير الكلام وتحسينه
وهو بالفتح في رواية جميع المحدثين وأنكر أبو الهيثم الكسر وقال الراغب سمي العالم حبرا
لما يبقى من أثر علومه وكانت هذه القصة في زمن عثمان لأنه هو الذي أمر أبا موسى على الكوفة
وكان ابن مسعود قبل ذلك أميرها ثم عزل قبل ولاية أبي موسى عليها بمدة قال ابن بطال فيه ان
العالم يجتهد إذا ظن أن لا نص في المسألة ولا يتولى الجواب إلى أن يبحث عن ذلك وفيه أن الحجة
عند التنازع سنة النبي صلى الله عليه وسلم فيجب الرجوع إليها وفيه ما كانوا عليه من الانصاف
والاعتراف بالحق والرجوع إليه وشهادة بعضهم لبعض بالعلم والفضل وكثرة اطلاع ابن مسعود
على السنة وتثبت أبي موسى في الفتيا حيث دل على من ظن أنه أعلم منه قال ولا خلاف بين
الفقهاء فيما رواه ابن مسعود وفي جواب أبي موسى إشعار بأنه رجع عما قاله قال ابن عبد البر
لم يخالف في ذلك إلا أبو موسى الأشعري وسلمان بن ربيعة الباهلي وقد رجع أبو موسى عن ذلك
ولعل سلمان أيضا رجع كأبي موسى وسلمان المذكور مختلف في صحبته وله أثر في فتوح العراق
أيام عمر وعثمان واستشهد في زمن عثمان وكان يقال له سلمان الخيل لمعرفته بها واستدل
الطحاوي بحديث ابن مسعود هذا على أن المراد بحديث بن عباس فما أبقت الفرائض فلأولى
رجل ذكر من يكون أقرب العصبات إلى الميت فلو كان هناك عصبة أقرب إلى الميت ولو كانت أنثى
كان المال الباقي لها ووجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الأخوات من قبل الأب
مع البنت عصبة فصرن مع البنات في حكم الذكور من قبل الإرث وقال غيره وجه كون الولد
المذكور في قوله تعالى إن امرؤ هلك ليس له ولد ذكرا أنه الذي يسبق إلى الوهم من قول القائل قال
ولد فلان كذا فأول ما يقع في نفس السامع أن المراد الذكر وإن كان الإناث أيضا أولادا بالحقيقة
ولكن هو أمر شائع وقد قال الله تعالى إنما أموالكم وأولادكم فتنة وقال لن تنفعكم أرحامكم
ولا أولادكم وقال حكاية عن الكافر الذي قال لأوتين مالا وولدا والمراد بالأولاد والولد في هذه
14

الآي الذكور دون الإناث لان العرب ما كانت تتكاثر بالبنات فإذا حمل قوله تعالى إن امرؤ
هلك ليس له ولد على الولد الذكر لم يمنع الأخت الميراث مع البنت وعلى تقدير أن يكون الولد
في الآية أعم فأنه محتمل لان يراد به العموم على ظاهره وأن يراد به خصوص الذكر فبينت السنة
الصحيحة أن المراد به الذكور دون الإناث قال ابن العربي يؤخذ من قصة أبي موسى وابن مسعود
جواز العمل بالقياس قبل معرفة الخبر والرجوع إلى الخبر بعد معرفته ونقض الحكم إذا
خالف النص (قلت) ويؤخذ من صنيع أبي موسى أنه كان يرى العمل بالاجتهاد قبل البحث
عن النص وهو لائق بمن يعمل بالعام قبل البحث عن المخصص وقد نقل ابن الحاجب الاجماع
على منع العمل بالعموم قبل البحث عن المخصص وتعقب بأن أبوي إسحاق الأسفرايني
والشيرازي حكيا الخلاف وقال أبو بكر الصيرفي وطائفة وهو المشهور وعن الحنفية يجب الانقياد
للعموم في الحال وقال ابن شريح وابن خيران والقفال يجب البحث قال أبو حامد وكذا الخلاف
في الأمر والنهي المطلق (قوله باب ميراث الجد مع الأب والاخوة) المراد
بالجد هنا من يكون من قبل الأب والمراد بالاخوة الأشقاء ومن الأب وقد انعقد الاجماع على
أن الجد لا يرث مع وجود الأب (قوله وقال أبو بكر وابن عباس وابن الزبير الجد أب) أي هو
أب حقيقة لكن تتفاوت مراتبه بحسب القرب والبعد وقيل المعنى أنه ينزل منزلة الأب في
الحرمة ووجوه البر والمعروف عن المذكورين الأول قال يزيد بن هارون في كتاب الفرائض له
أخبرنا محمد بن سالم عن الشعبي أن أبا بكر وابن عباس وابن الزبير كانوا يجعلون الجد أبا يرث ما يرث
ويحجب ما يحجب ومحمد بن سالم ضعيف والشعبي عن أبي بكر منقطع وقد جاء من طريق أخرى
وإذا حمل ما نقله الشعبي على العموم لزم منه خلاف ما اجمعوا عليه في صورة وهي أم الأب إذا
علت تسقط بالأب ولا تسقط بالجد واختلف في صورتين إحداهما أن بني العلات والأعيان
يسقطون بالأب ولا يسقطون بالجد إلا عند أبي حنيفة ومن تابعه والام مع الأب وأحد
الزوجين تأخذ ثلث ما بقي ومع الجد تأخذ ثلث الجميع إلا عند أبي يوسف فقال هو كالأب وفي
الإرث بالولاء صورة ثالثة فيها اختلاف أيضا فاما قول أبي بكر وهو الصديق فوصله الدارمي
بسند على شرط مسلم عن أبي سعيد الخدري أن أبا بكر الصديق جعل الجد أبا وبسند صحيح إلى
أبي موسى أن أبا بكر مثله وبسند صحيح أيضا إلى عثمان بن عفان أن أبا بكر كان يجعل الجد أبا
وفي لفظ له أنه جعل الجد أبا إذا لم يكن دونه أب وبسند صحيح عن ابن عباس أن أبا بكر كان يجعل
الجد أبا وقد أسند المصنف في آخر الباب عن ابن عباس أن أبا بكر أنزله أبا وكذا مضى في المناقب
موصولا عن ابن الزبير أن أبا بكر أنزله أبا وأما قول ابن عباس فأخرجه محمد بن نصر المروزي
في كتاب الفرائض من طريق عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس قال الجد أب وأخرج الدارمي
بسند صحيح عن طاوس عنه أنه جعل الجد أبا وأخرج يزيد بن هارون من طريق ليث عن طاوس أن
عثمان وابن عباس كان يجعلان الجد أبا اما قول ابن الزبير فتقدم في المناقب موصولا من
طريق بن أبي مليكة قال كتب أهل الكوفة إلى ابن الزبير في الجد فقال إن أبا بكر أنزله أبا وفيه
دلالة على أنه أفتاهم بمثل قول أبي يكر وأخرج يزيد بن هارون من طريق سعيد بن جبير قال كنت
كاتبا لعبد الله بن عتبة فأتاه كتب ابن الزبير أن أبا بكر جعل الجد أبا (قوله وقرأ ابن عباس يا بني آدم
15

واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب) أما احتجاج بن عباس بقوله تعالى يا بني آدم فوصله
محمد بن نصر من طريق عبد الرحمن بن معقل قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال له كيف تقول في
الجد قال أي أب لك أكبر فسكت وكأنه عيى عن جوابه فقلت أنا آدم فقال أفلا تسمع إلى قوله
تعالى يا بني آدم أخرجه الدارمي من هذا الوجه وأما احتجاجه بقوله تعالى واتبعت ملة آبائي
فوصله سعيد بن منصور من طريق عطاء عن ابن عباس قال الجد أب وقرأ واتبعت ملة آبائي الآية
واحتج بعض من قال بذلك بقوله صلى الله عليه وسلم أنا ابن عبد المطلب وانما هو ابن ابنه (قوله
ولم يذكر) هو بضم أوله على البناء للمجهول (قوله أن أحدا خالف أبا بكر في زمانه وأصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم متوافرون) كأنه يريد بذلك تقوية حجة القول المذكور فان الاجماع السكوتي
حجة وهو حاصل في هذا وممن جاء عنه التصريح بأن الجد يرث ما كان يرث الأب عند عدم الأب
غير من سماه المصنف معاذ وأبو الدرداء وأبو موسى وأبي بن كعب وعائشة وأبو هريرة ونقل ذلك
أيضا عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود على اختلاف عنهم كما سيأتي ومن التابعين عطاء وطاوس
وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبو الشعثاء وشريح والشعبي ومن فقهاء الأمصار عثمان
التيمي وأبو حنيفة وإسحاق بن راهويه وداود وأبو ثور والمزني وابن سريج وذهب عمر وعلي وزيد
ابن ثابت وابن مسعود إلى توريث الاخوة مع الجد لكن اختلفوا في كيفية ذلك كما سيأتي بيانه
(قوله وقال ابن عباس يرثني ابن ابني دون إخوتي ولا أرث أنا ابن ابني) ووصله سعيد بن منصور من
طريق عطاء عنه قال فذكر قال ابن عبد البر وجه قياس ابن عباس أن ابن الابن لما كان كالابن
عند عدم الابن كان أبو الأب عند عدم الأب كالأب وقد ذكر من وافق ابن عباس في هذا توجيه
قياسه المذكور من جهة أنهم اجمعوا على أنه كالأب في الشهادة له وفي العتق عليه وأنه لا يقتص
منه وأنه ذو فرض أو عاصب وعلى أن من ترك ابنا وأبا أن للأب السدس والباقي للابن وكذا
لو ترك جدة لأبيه وابنا وعلى أن الجد يضرب مع أصحاب الفروض بالسدس كما يضرب الأب
سواء قيل بالعول أم لا واتفقوا على أن ابن الابن بمنزلة الابن في حجب الزوج عن النصف والمرأة
عن الربع والام عن الثلث كالابن سواء فلو أن رجلا ترك أبويه وابن ابنه كان لكل من أبويه
السدس وأن من ترك أبا جده وعمه أن المال لأبي جده دون عمه فينبغي أن يكون لوالد أبيه دون
إخوته فيكون الجد أولى من أولاد أبيه كما أن أباه أولى من أولاد أبيه وعلى أن الاخوة من الام
لا يرثون مع الجد كما لا يرثون مع الأب فحجبهم الجد كما حجبهم الأب فينبغي أن يكون الجد كالأب
في حجب الاخوة وكذا القول في بني الاخوة ولو كانوا أشقاء وقال السهيلي لم ير زيد بن ثابت
لاحتجاج ابن عباس بقوله تعالى يا بني آدم ونحوها مما ذكر عنه حجة لان ذلك ذكر في مقام النسبة
والتعريف فعبر بالبنوة ولو عبر بالولادة لكان فيه متعلق ولكن بين التعبير بالولد والابن فرق
ولذلك قال تعالى يوصيكم الله في أولادكم ولم يقل في أبنائكم ولفظ الولد يقع على الذكر والأنثى
والواحد والجمع بخلاف الابن وأيضا فلفظ الولد يليق بالميراث بخلاف الابن تقول ابن فلان من
الرضاعة ولا تقول ولده وكذا كان من يتبنى ولد غيره قال له ابني وتبناه ولا يقول ولدي ولا ولده
ومن ثم قال في آية التحريم وحلائل أبنائكم إذ لو قال وحلائل أولادكم لم يحتج إلى أن يقول من
أصلابكم لان الولد لا يكون إلا من صلب أو بطن (قوله ويذكر عن عمر وعلي وابن مسعود
16

وزيد أقاويل مختلفة) سقط ذكر زيد من شرح بن بطال فلعله من النسخة وقد أخذ بقوله
جمهور العلماء وتمسكوا بحديث أفرضكم زيد وهو حديث حسن أخرجه أحمد وأصحاب السنن
وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم من رواية أبي قلابة عن أنس وأعله بالارسال ورجحه
الدارقطني والخطيب وغيرهما وله متابعات وشواهد ذكرتها في تخريج أحاديث الرافعي فأما عمر
فأخرج الدارمي بسند صحيح عن الشعبي قال أول جد ورث في الاسلام عمر فأخذ ماله فأتاه علي
وزيد يعني بن ثابت فقالا ليس لك ذلك انما أنت كأحد الأخوين وأخرج بن أبي شيبة من
طريق عبد الرحمن بن غنم مثله دون قوله فأتاه الخ لكن قال فأراد عمر أن يحتار المال فقلت له
يا أمير المؤمنين أنهم شجرة دونك يعني بني أبيه وأخرج الدارقطني بسند قوي عن زيد بن ثابت
أن عمر أتاه فذكر قصة فيها أن مثل الجد كمثل شجرة نبتت على ساق واحد فخرج منها غصن ثم
خرج من الغصن غصن فان قطعت الغصن رجع الماء إلى الساق وان قطعت الثاني رجع
الماء إلى الأول فخطب عمر الناس فقال أن زيدا قال في الجد قولا وقد أمضيته وأخرج الدارمي
من طريق إسماعيل بن أبي خالد قال قال عمر خذ من الجد ما اجتمع عليه الناس وهذا منقطع
وأخرج الدارمي من طريق عيسى الخياط عن الشعبي قال كان عمر يقاسم الجد مع الأخ
والأخوين فإذا زادوا أعطاه الثلث وكان يعطيه مع الولد السدس وأخرج البيهقي بسند صحيح
عن يونس بن يزيد عن الزهري حدثني سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وقبيصة بن
ذؤيب أن عمر قضى أن الجد يقاسم الإخوة للأب والام والإخوة للأب ما كانت المقاسمة خيرا له
من الثلث فان كثر الاخوة أعطى الجد الثلث وأخرج يزيد بن هارون في كتاب الفرائض عن هشام
ابن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة بن عمرو قال إني لأحفظ عن عمر في الجد مائة قضية كلها
ينقض بعضها بعضا وروينا في الجزء الحادي عشر من فوائد أبي جعفر الرازي بسند صحيح إلى ابن
عون عن محمد بن سيرين سألت عبيدة عن الجد فقال قد حفظت عن عمر في الجد مائة قضية مختلفة
وقد استبعد بعضهم هذا عن عمر وتأول البزار صاحب المسند قوله قضايا مختلفة على اختلاف
حال من يرث مع الجد كأن يكون أخ واحد أو أكثر أو أخت واحدة أو أكثر ويدفع هذا التأويل
ما تقدم من قول عبيدة بن عمرو ينقض بعضها بعضا وسيأتي عن عمر أقوال أخرى وأما علي فأخرج
بن أبي شيبة ومحمد بن نصر بسند صحيح عن الشعبي كتب ابن عباس إلى علي يسأله عن ستة إخوة
وجد فكتب إليه أن اجعله كأحدهم وامح كتابي واخرج الدارمي بسند قوي عن الشعبي قال
كتب ابن عباس إلى علي وابن عباس بالبصرة اني أتيت بجد وستة إخوة فكتب إليه على أن أعط
الجد سبعا ولا تعطه أحدا بعده وبسند صحيح إلى عبد الله بن سلمة أن عليا كان يجعل الجد أخا حتى
يكون سادسا ومن طريق الحسن البصري أن عليا كان يشرك الجد مع الاخوة إلى السدس
ومن طريق إبراهيم النخعي عن علي نحوه وأخرج بن أبي شيبة من وجه آخر عن الشعبي عن علي
أنه أتى في جد وستة إخوة فأعطى الجد السدس وأخرج يزيد بن هارون في الفرائض له عن محمد بن
سالم عن الشعبي عن علي نحوه ومحمد بن سالم هذا فيه ضعف وسيأتي عن علي أقوال أخرى وأخرج
الطحاوي من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال حدثت أن عليا كان ينزل بني الاخوة
مع الجد منزلة آباءهم ولم يكن أحد من الصحابة يفعله غيره ومن طريق السري بن يحيى عن الشعبي
17

عن علي كقول الجماعة وأما عبد الله ابن مسعود فأخرج الدارمي بسند صحيح إلى أبي إسحاق
السبيعي قال دخلت على شريح وعنده عامر يعني الشعبي وعبد الرحمن بن عبد الله أي ابن
مسعود في فريضة امرأة منا تسمى العالية تركت زوجها وأمها وأخاها لأبيها وجدها فذكر
قصة فيها فاتيت عبيدة بن عمرو وكان يقال ليس بالكوفة اعلم بفريضة من عبيدة والحارث الأعور
فسألته فقال إن شئتم نبأتكم بفريضة عبد الله بن مسعود في هذا فجعل للزوج ثلاثة أسهم
النصف وللأم ثلث ما بقي وهو السدس من رأس المال وللأخ سهم وللجد سهم وروينا في كتاب
الفرائض لسفيان الثوري من طريق النخعي قال كان عمر وعبد الله يكرهان أن يفضلا أما على
جد وأخرج سعيد بن منصور وأبو بكر بن أبي شيبة بسند واحد صحيح إلى عبيد بن نضلية قال كان
عمر وابن مسعود يقاسمان الجد مع الاخوة ما بينه وبين أن يكون السدس خيرا له من مقاسمة
الاخوة وأخرجه محمد بن نصر مثله سواء وزاد ثم إن عمر كتب إلى عبد الله ما أرانا إلا قد أجحفنا
بالجد فإذا جاءك كتابي هذا فقاسم به مع الاخوة ما بينه وبين أن يكون الثلث خيرا له من مقاسمتهم
فأخذ بذلك عبد الله وأخرج محمد بن نصر بسند صحيح إلى عبيدة بن عمرو قال كان يعطي الجد مع
الاخوة الثلث وكان عمر يعطيه السدس ثم كتب عمر إلى عبد الله إنا نخاف أن نكون قد أجحفنا
بالجد فأعطه الثلث ثم قدم على هاهنا يعني الكوفة فأعطاه السدس قال عبيدة فرأيهما في الجماعة
أحب إلى من رأى أحدهما في الفرقة ومن طريق عبيد بن نضيلة ان عليا كان يعطي الجد الثلث
ثم تحول إلى السدس وأن عبد الله كان يعطيه السدس ثم تحول إلى الثلث وأما زيد بن ثابت
فأخرج الدارمي من طريق الحسن البصري قال كان زيد يشرك الجد مع الاخوة إلى الثلث
وأخرج البيهقي من طريق ابن وهب أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد قال أخذ أبو الزناد هذه
الرسالة من خارجة بن زيد بن ثابت ومن كبراء آل زيد بن ثابت فذكر قصة فيها قال زيد بن ثابت
وكان رأيي أن الاخوة أولى بميراث أخيهم من الجد وكان عمر يرى أن الجد أولى بميراث ابن ابنه من
إخوته وأخرجه بن حزم من طريق إسماعيل القاضي عن إسماعيل بن أبي أويس عن ابن أبي الزناد
عن أبيه عن خارجة بن زيد عن أبيه قال كان رأيي أن الاخوة أحق بميراث أخيهم من الجد وكان
أمير المؤمنين يعني عمر يعطيهم بالوجه الذي يراه على قدر كثرة الاخوة وقلتهم (قلت)
فاختلف النقل عن زيد وأخرج عبد الرزاق من طريق إبراهيم قال كان زيد بن ثابت يشرك
الجد مع الاخوة إلى الثلث فإذا بلغ الثلث أعطاه إياه والاخوة ما بقي ويقاسم الأخ للأب ثم يرد على
أخيه ويقاسم بالاخوة من الأب مع الاخوة الأشقاء ولا يورث الإخوة للأب شيئا ولا يعطي
أخا لام مع الجد شيئا قال ابن عبد البر تفرد زيد من بين الصحابة في معادلته الجد بالاخوة بالأب
مع الاخوة الأشقاء وخالفه كثير من الفقهاء القائلين بقوله في الفرائض في ذلك لان الاخوة من
الأب لا يرثون مع الأشقاء فلا معنى لادخالهم معهم لأنه حيف على الجد في المقاسمة وقد سأل ابن
عباس زيدا عن ذلك فقال انما أقول في ذلك برأيي كما تقول أنت برأيك وقال الطحاوي ذهب
مالك والشافعي وأبو يوسف إلى قول زيد بن ثابت في الجد إن كان معه إخوة أشقاء قاسمهم
ما دامت المقاسمة خيرا له من الثلث وإن كان الثلث خيرا له أعطاه إياه ولا ترث الاخوة من الأب
مع الجد شيئا ولا بنو الاخوة ولو كانوا أشقاء وإذا كان مع الجد والاخوة أحد من أصحاب
18

الفروض بدأ بهم ثم أعطى الجد خير الثلاثة من المقاسمة ومن ثلث ما بقى ومن السدس
ولا ينقصه من السدس إلا في الأكدرية قال وروى هشام عن محمد بن الحسن أنه وقف في الجد قال
أبو يوسف وكان ابن أبي ليلى يأخذ في الجد بقول علي ومذهب أحمد أنه كواحد الاخوة فإن كان
الثلث أحظ له أخذه وله مع ذي فرض بعده الاحظ من مقاسمة كأخ أو ثلث الباقي أو سدس
الجميع والأكدرية المشار إليها تسمى مربعة الجماعة لانهم أجمعوا على أنها أربعة ولكن اختلفوا
في قسمها وهي زوج وأم وأخت وجد فللزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس وللأخت
النصف وتصح من سبعة وعشرين للزوج تسعة وللأم ستة وللأخت أربعة وللجد ثمانية وقد
نظمها بعضهم
ما فرض أربعة يوزع بينهم * ميراث ميتهم بفرض واقع
فلواحد ثلث الجميع وثلث ما * يبقى لثانيهم بحكم جامع
ولثالث من بعد ذا ثلث الذي * يبقى وما يبقى نصيب الرابع
ثم ذكر المصنف حديث ابن عباس ألحقوا الفرائض وقد تقدم شرحه ووجه تعلقه بالمسألة أنه
دل على أن الذي يبقى بعد الفرض يصرف لأقرب الناس للميت فكان الجد أقرب فيقدم قال
ابن بطال وقد احتج به من شرك بين الجد والأخ فإنه أقرب إلى الميت بدليل أنه ينفرد بالولاء ولأنه
يقوم مقام الولد في حجب الام من الثلث إلى السدس ولان الجد انما يدلى إلى الميت وهو ولد ابنه
والأخ يدلى بالميت وهو ولد أبيه والابن أقوى من الأب لان الابن ينفرد بالمال ويرد الأب إلى
السدس ولا كذلك الأب فتعصيب الأخ تعصيب بنوة وتعصيب الجد تعصيب أبوه والبنوة أقوى
من الأبوة في الإرث ولان الأخت فرضها النصف إذا انفردت فلم يسقطها الجد كالبنت ولان الأخ
يعصب أخته بخلاف الجد فامتنع من قوة تعصيبه عليه أن يسقط به وقال السهيلي الجد أصل
ولكن الأخ في الميراث أقوى سببا منه لأنه يدلى بولاية الأب فالولادة أقوى الأسباب في الميراث
فإن قال الجد وأنا أيضا ولدت الميت قيل له انما ولدت والده وأبوه ولد الاخوة فصار سببهم قويا
وولد الولد ليس ولدا إلا بواسطة وان شاركه في مطلق الولدية ثم ذكر حديث ابن عباس أيضا في فضل
أبي بكر وقد تقدم شرحه مستوفى في المناقب وقوله أفضل أو قال خير شك من الراوي وكذا قوله
أنزله أبا أو قال قضاه أبا (قوله باب ميراث الزوج مع الولد وغيره) أي من الوارثين فلا
يسقط الزوج بحال وانما يحطه الولد عن النصف إلى الربع ذكر فيه حديث ابن عباس كان
المال أي المخلف عن الميت للولد والوصية للوالدين الحديث وقد تقدم في الوصايا وذكرت شرحه
هناك مستوفى سندا ومتنا ولله الحمد قال ابن المنير استشهاد البخاري بحديث ابن عباس هذا مع
أن الدليل من الآية واضح إشارة منه إلى تقرير سبب نزول الآية وأنها على ظاهرها غير مؤولة
ولا منسوخة وأفاد السهيلي أن في الآية التي نسختها وهي يوصيكم الله إشارة إلى استمرارها
فلذلك عبر بالفعل الدال على الدوام بخلاف غيرها من الآيات حيث قال في الآية المنسوخة
الحكم كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ان ترك خيرا الآية قوله وجعل للأبوين لكل واحد
منهما السدس أفاد السهيلي أن الحكمة في إعطاء الوالدين ذلك والتسوية بينهما ليستمرا فيه فلا
يجحف بهما ان كثرت الأولاد مثلا وسوى بينهما في ذلك مع وجود الولد أو الاخوة لما يستحقه
19

كل منهما على الميت من التربية ونحوها وفضل الأب على الام عند عدم الولد والاخوة لما للأب من
الامتياز بالانفاق والنصرة ونحو ذلك وعوضت الام عن ذلك بأمر الولد بتفضيلها على الأب
في البر في حال حياة الولد انتهى ملخصا وأخرج عبد بن حميد من طريق قتادة عن بعض أهل
العلم أن الأب حجب الاخوة وأخذ سهامهم لأنه يتولى إنكاحهم والانفاق عليهم دون الام
(قوله باب ميراث المرأة والزوج مع الولد وغيره) أي من الوارثين فلا يسقط إرث
واحد منهما بحال بل يحط الولد الزوج من النصف إلى الربع ويحط المرأة من الربع إلى الثمن
ذكر فيه حديث أبي هريرة في قصة المرأة التي ضربت الأخرى فأسقطت جنينا ثم ماتت الضاربة
فقضى النبي صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة وأن العقل على عصبة القاتلة وأن ميراث الضاربة
لبنيها وزوجها وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الديات إن شاء الله تعالى ووجه الدلالة منه على
الترجمة ظاهرة لان ميراث الضاربة لبنيها وزوجها لا لعصبتها الذين عقلوا عنها فورث الزوج مع
ولده وكذا لو كان الأب هو الميت لورثت الام مع الأولاد أشار إلى ذلك ابن التين وكذا لو كان هناك
عصبة بغير ولد (قوله باب ميراث الأخوات مع البنات عصبة) قال ابن بطال أجمعوا
على أن الأخوات عصبة البنات فيرثن ما فضل عن البنات فمن لم يخلف إلا بنتا وأختا فللبنت
النصف وللأخت النصف الباقي على ما في حديث معاذ وان خلف بنتين وأختا فلهما الثلثان
وللأخت ما بقى وإن خلف بنتا وأختا وبنت ابن فللبنت النصف ولبنت الابن تكملة الثلثين
وللأخت ما بقى على ما في حديث ابن مسعود لان البنات لا يرثن أكثر من الثلثين ولم يخالف في شئ
من ذلك إلا ابن عباس فإنه كان يقول للبنت النصف وما بقى للعصبة وليس للأخت شئ وكذا
البنتين الثلثان وللبنت وبنت الابن كما مضى والباقي للعصبة فإذا لم تكن عصبة رد الفضل على
البنت أو البنات وقد تقدم البحث في ذلك قال ولم يوافق ابن عباس على ذلك أحد إلا أهل الظاهر
قال وحجة الجماعة من جهة النظر أن عدم الولد في قوله تعالى ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت
إنما جعل شرطا في فرضها الذي تقاسم به الورثة لا في توريثها مطلقا فإذا عدم الشرط سقط الفرض
ولم يمنع ذلك أن ترث بمعنى آخر كما شرط في ميراث الأخ من أخته عند عدم الولد وهو
يرثها إن لم يكن لها ولد وقد أجمعوا على أنه يرثها مع البنت وهو كما جعل النصف في ميراث الزوج
شرطا إذا لم يكن ولد ولم يمنع ذلك أن يأخذ النصف مع البنت فيأخذ نصف النصف بالفرض
والنصف الآخر بالتعصيب إن كان ابن عم مثلا وكذلك الأخت والله أعلم (قوله عن سليمان)
هو الأعمش وإبراهيم هو النخعي والأسود هو ابن يزيد وهو خال إبراهيم الراوي عنه (قوله ثم قال
سليمان قضى فينا ولم يذكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) القائل ذلك هو شعبة وسليمان
هو الأعمش وهو موصول بالسند المذكور وحاصله أن الأعمش روى الحديث أولا بإثبات قوله
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعا على الراجح في المسألة ومرة دونها فيكون
موقوفا وقد أخرجه الإسماعيلي عن القاسم بن زكريا عن بشر بن خالد شيخ البخاري فيه مثله لكن
قال قال سليمان بعد قال القاسم وحدثنا محمد بن عبد الاعلى حدثنا خالد بسنده بلفظ قضى بذلك
معاذ فينا (قلت) وقد مضى في باب ميراث البنات من وجه آخر عن الأسود بن يزيد قال أتانا معاذ
ابن جبل باليمن معلما وأميرا فسألنا عن رجل فذكره وسياقه مشعر بأن ذلك كان في عهد النبي
20

صلى الله عليه وسلم لان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمره على اليمن كما مضى صريحا في كتاب
الزكاة وغيره وأخرجه أبو داود والدارقطني من وجه ثالث عن الأسود أن معاذ ورث فذكره وزاد
هو باليمن ونبي الله صلى الله عليه وسلم يومئذ حي وللدارقطني من وجه آخر عن الأسود قدم علينا
معاذ حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره باختصار وهذا أصرح ما وجدت في ذلك
(قوله عبد الرحمن) هو ابن مهدي وسفيان هو الثوري وأبو قيس هو عبد الرحمن وقد مضى ذكره
وشرح حديثه قبل هذا بأربعة أبواب من طريق شعبة عن أبي قيس وفيه قصة أبي موسى وجزم
فيه بقوله لأقضين فيها بقضاء النبي صلى الله عليه وسلم وأما قوله هنا أو قال قال النبي صلى الله
عليه وسلم فهو شك من بعض رواته وأكثر الرواة أثبتوا الزيادة ففي رواية وكيع وغيره عن سفيان
عند النسائي وغيره سأقضي فيها بما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومراده بالقضاء بالنسبة
إليه الفتيا فان ابن مسعود يومئذ لم يكن قاضيا ولا أميرا (قوله باب ميراث الأخوات
والاخوة) ذكر فيه حديث جابر المذكور في أول كتاب الفرائض والغرض منه قوله انما لي
أخوات فإنه يقتضي أنه لم يكن له ولد واستنبط المصنف الاخوة بطريق الأولى وقدم الأخوات
في الذكر للتصريح بهن في الحديث عبد الله المذكور في السند هو ابن المبارك قال ابن بطال
أجمعوا على أن الاخوة الأشقاء أو من الأب لا يرثون مع الابن وان سفل ولا مع الأب واختلفوا
فيهم مع الجد على ما مضت الإشارة إليه وما عدا ذلك فللواحدة من الأخوات النصف وللبنتين
فصاعدا الثلثان وللأخ الجميع فما زاد فبالقسمة السوية وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر
مثل حظ الأنثيين كما نص عليه القرآن ولم يقع في كل ذلك اختلاف إلا في زوج وأم وأختين لام
وأخ شقيق فقال الجمهور يشرك بينهم وكان علي وأبي وأبو موسى لا يشركون الاخوة ولو كانوا
أشقاء مع الاخوة للام لانهم عصبة وقد استغرقت الفرائض المال وبذلك قال جمع من الكوفيين
(قوله باب يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) ذكر فيه حديث البراء من طريق
أبي إسحاق عنه آخر آية نزلت خاتمة سورة النساء يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة وأراد
بذلك ما فيها من التنصيص على ميراث الإخوة وقد أخرج أبو داود في المراسيل من وجه آخر عن
أبي إسحاق عن أبي سلمة بن عبد الرحمن جاء رجل فقال يا رسول الله ما الكلالة قال من لم يترك ولدا
ولا والدا فورثته كلالة ووقع في صحيح مسلم عن عمر أنه خطب ثم قال إني لا أدع بعدي شيئا أهم
عندي من الكلالة وما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما راجعته في الكلالة حتى طعن
بأصبعه في صدري فقال ألا يكفيك آية النصف التي في آخر سورة النساء وقد اختلف في تفسير
الكلالة والجمهور على أنه من لا ولد له ولا والد واختلف في بنت وأخت هل ترث الأخت مع البنت
وكذا في الجد هل يتنزل منزلة الأب فلا ترث معه الاخوة قال السهيلي الكلالة من الإكليل المحيط
بالرأس لان الكلالة وراثة تسكللت العصبة أي أحاطت بالميت وإن عنيت المصدر قلت ورثوه عن
كلالة وتطلق الكلالة على الورثة مجازا قال ولا يصح قول من قال الكلالة المال ولا الميت الا على
إرادة تفسيره معنى من غير نظر إلى حقيقة اللفظ ثم قال ومن العجب أن الكلالة في الآية الأولى
من النساء لا يرث فيها الاخوة مع البنت مع أنه لم يقع فيها التقييد بقوله ليس له ولد وقيد به في الآية
21

الثانية مع أن الأخت فيها ورثت مع البنت والحكمة فيها أن الأولى عبر فيها بقوله تعالى وإن كان
رجل يورث فإن مقتضاه الإحاطة بجميع المال فأغنى لفظ يورث عن القيد ومثله قوله تعالى وهو
يرثها ان لم يكن لها ولد أي يحيط بميراثها وأما الآية الثانية فالمراد بالولد فيها الذكر كما تقدم تقريره
ولم يعبر فيها بلفظ يورث فلذلك ورثت الأخت مع البنت وقال ابن المنير الاستدلال بآية الكلالة
على أن الأخوات عصبة لطيف جدا وهو أن العرف في آيات الفرائض قد اطرد على أن الشرط
المذكور فيها هو لمقدار الفرض لا لأصل الميراث فيفهم أنه إذا لم يوجد الشرط أن يتغير قدر
الميراث فمن ذلك قوله ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه
أبواه فلأمه الثلث فتغير القدر ولم يتغير أصل الميراث وكذا في الزوج وفي الزوجة فقياس ذلك
أن يطرد في الأخت فلها النصف ان لم يكن ولد فإن كان ولد تغير القدر ولم يتغير أصل الإرث وليس
هناك قدر يتغير إليه الا التعصيب ولا يلزم من ذلك أن ترث الأخت مع الابن لأنه خرج بالاجماع
فيبقى ما عداه على الأصل والله أعلم وقد تقدم الكلام في آخر ما نزل من القرآن في آخر تفسير
سورة البقرة وقال الكرماني اختلف في تعيين آخر ما نزل فقال البراء هنا خاتمة سورة النساء
وقال ابن عباس كما تقدم في آخر سورة البقرة آية الربا وهذا اختلاف بين الصحابيين ولم ينقل
واحد منهما ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيحمل على أن كلا منهما قال بظنه وتعقب بان
الجمع أولى كما تقدم بيانه هناك (قوله باب ابني عم أحدهما أخ للام والآخر زوج)
صورتها أن رجلا تزوج امرأة فأتت منه بابن ثم تزوج أخرى فأتت منه بآخر ثم فارق الثانية
فتزوجها أخوه فأتت منه ببنت فهي أخت الثاني لامه وابنة عمه فتزوجت هذه البنت الابن
الأول وهو ابن عمها ثم ماتت عن ابني عمها (قوله وقال علي للزوج النصف وللأخ من الام
السدس وما بقي بينهما نصفان) وحاصله أن الزوج يعطي النصف لكونه زوجا ويعطي الآخر
السدس لكونه أخا من أم فيبقى الثلث فيقسم بينهما بطريق العصوبة فيصبح للأول الثلثان
بالفرض والتعصيب وللآخر الثلث بالفرض والتعصيب وهذا الأثر وصله عن علي رضي الله عنه
سعيد بن منصور من طريق حكيم بن غفال قال أتى شريح في امرأة تركت ابني عمها أحدهما
زوجها والآخر أخوها لامها فجعل للزوج النصف والباقي للأخ من الام فأتوا عليا فذكروا له
ذلك فأرسل إلى شريح فقال ما قضيت أبكتاب الله أو سنة من رسول الله فقال بكتاب الله قال أين
قال وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله قال فهل قال للزوج النصف وللأخ ما بقى
ثم أعطى الزوج النصف وللأخ من الام السدس ثم قسم ما بقى بينهما وأخرج يزيد بن هارون
والدارمي من طريق الحارث قال أتى علي في ابني عم أحدهما أخ لام فقيل له ان عبد الله كان يعطي
الأخ للام المال كله فقال يرحمه الله إن كان لفقيها ولو كنت أنا لأعطيت الأخ من الام السدس
ثم قسمت ما بقى بينهما قال ابن بطال وافق عليا زيد بن ثابت والجمهور وقال عمر وابن مسعود جميع
المال يعني الذي يبقى بعد نصيب الزوج للذي جمع القرابتين فله السدس بالفرض والثلث الباقي
بالتعصيب وهو قول الحسن وأبي ثور وأهل الظاهر واحتجوا بالاجماع في أخوين أحدهما
شقيق والآخر لأب أن الشقيق يستوعب المال لكونه أقرب بأم وحجة الجمهور ما أشار إليه
البخاري في حديث أبي هريرة الذي أورده في الباب بلفظ فمن مات وترك مالا فماله لموالي العصبة
22

والمراد بموالي العصبة بنوا العم فسوى بينهم ولم يفضل أحدا على أحد وكذا قال أهل التفسير
في قوله واني خفت الموالي من ورائي أي بنى العم فان احتجوا بالحديث الآخر المذكور في الباب
أيضا من حديث ابن عباس فما تركت الفرائض فالأولى رجل ذكر فالجواب أنهما من جهة
التعصيب سواء والتقدير ألحقوا الفرائض بأهلها أي أعطوا أصحاب الفروض حقهم فان بقى
شئ فهو للأقرب فلما أخد الزوج فرضه الأخ من الام فرضه صار ما بقي موروثا بالتعصيب وهما
في ذلك سواء وقد أجمعوا في ثلاثة إخوة للام أحدهم ابن عم أن للثلاثة الثلث والباقي لابن العم
قال المازري مراتب التعصيب البنوة ثم الأبوة ثم الجدودة فالابن أولى من الأب وان فرض له معه
السدس وهو أولى من الاخوة وبنيهم لانهم ينتسبون بالمشاركة في الأبوة والجدودة والأب
أولى من الاخوة ومن الجد لانهم به ينتسبون فيسقطون مع وجوده والجد أولى من بني الاخوة
لأنه كالأب معهم ومن العمومة لانهم به ينتسبون والاخوة وبنوهم أولى من العمومة وبنيهم لان
تعصيب الاخوة بالأبوة والعمومة بالجدودة هذا ترتيبهم وهم يختلفون في القرب فالأقرب أولى
كالاخوة مع بنيهم والعمومة مع بنيهم فان تساووا في الطبقة والأقرب ولأحدهما زيادة كالشقيق
مع الأخ لأب قدم وكذا الحال في بنيهم وفي العمومة وبنيهم فإن كانت زيادة الترجيح بمعنى غير ما هما
فيه كابني عم أحدهما أخ لام فقيل يستمر الترجيح فيأخذ بن العم الذي هو أخ لام جميع ما بقى بعد
فرض الزوج وهو قول عمر وابن مسعود وشريح والحسن وابن سيرين والنخعي وأبي ثور والطبري
داود ونقل عن أشهب وأبي ذلك الجمهور فقالوا بل يأخذ الأخ من الام فرضه ويقسم الباقي
بينهما والفرق بين هذه الصورة وبين تقدم الشقيق على الأخ لأب طريق الترجيح لان الشرط فيها
أن يكون فيه معنى مناسب لجهة التعصيب لان الشقيق شارك شقيقه في جهة القرب المتعلقة
بالتعصيب بخلاف الصورة المذكورة والله أعلم (قوله حدثنا محمود) هو ابن غيلان وعبيد الله
شيخه هو ابن موسى وقد حدث البخاري عنه كثيرا بغير واسطة وإسرائيل هو ابن يونس بن
أبي إسحاق وأبو حصين بفتح أوله هو عثمان بن عاصم وأبو صالح هو ذكوان السمان (قوله أنا
أولى بالمؤمنين من أنفسهم) زاد في رواية الأصيلي هنا وأزواجه أمهاتهم قال عياض وهي زيادة
في الحديث لا معنى لها (قوله فلادعي له) قال ابن بطال هي لام الامر أصلها الكسر وقد
تسكن مع الفاء والواو غالبا فيهما واثبات الألف بعد العين جائز كقوله ألم يأتيك والاخبار تنمى
والأصل عدم الاشباع للجزم والمعنى فادعوني له أقوم بكله وضياعه (قوله والكل العيال) ثبت
هذا التفسير في آخر الحديث في رواية المستملي والكشميهني وأصل الكل الثقل ثم استعمل في كل
أمر يصحب والعيال فرد من أفراده وقال صاحب الأساس كل بصره فهو كليل وكل عن الامر لم
تنبعث نفسه له وكل كلالة أي قصر عن بلوغ القرابة وقد مضى شرح حديث ابن عباس في أوائل
الفرائض وروح شيخ يزيد بن زريع فيه هو بن القاسم العنبري (قوله باب ذوي
الأرحام) أي بيان حكمهم هل يرثون أولا وهم عشرة أصناف الخال والخالة والجد للأم وولد
البنت وولد الأخت وبنت الأخ وبنت العم والعمة والعم للام وابن الأخ للام ومن أدلى بأحد
منهم فمن ورثهم قال أولاهم أولاد البنت ثم أولاد الأخت وبنات الأخ ثم العم والعمة والخال
والخالة وإذا استوى اثنان قدم الأقرب إلى صاحب فرض أو عصبة رحمه (قوله إسحاق بن إبراهيم)
23

هو الامام المعروف بابن راهويه (قوله قلت لأبي أسامة حدثكم إدريس) أي ابن يزيد بن
عبد الرحمن الأودي والد عبد الله وطلحة شيخه هو ابن مصرف وقد نسبة المصنف في التفسير
من رواية الصلت بن محمد عن أبي أسامة وقال في آخره سمع إدريس من طلحة وأبو أسامة من
إدريس وقد صرح هنا بالثاني ووقع في رواية أبي داود عن هارون بن عبد الله عن أبي أسامة حدثني
إدريس بن يزيد حدثنا طلحة بن مصرف وكذا أخرجه الإسماعيلي عن الهنجاني عن أبي كريب
عن أبي أسامة وكذا عند الطبري عن أبي كريب (قوله ولكل جعلنا هو إلى والذين عاقدت
أيمانكم قال كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث الأنصاري المهاجري دون ذوي رحمه
للاخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فلما نزلت ولكل جعلنا موالي قال نسختها والذين
عاقدت أيمانكم) قال ابن بطال كذا وقع في جميع النسخ نسختها والذين عاقدت ايمانكم
والصواب ان المنسوخة والذين عاقدت ايمانكم والناسخة ولكل جعلنا موالي قال ووقع في رواية
الطبري بيان ذلك ولفظه فلما نزلت هذه الآية ولكل جعلنا موالي نسخت (قلت) وقد تقدم في
الكفالة التفسير من رواية الصلت بن محمد عن أبي أسامة مثل ما عزاه للطبري فكان عزوه إلى
ما في البخاري أولى إلى مع أن في سياقه فائدة أخرى وهو أنه قال ولكل جعلنا موالي ورثة فأفاد تفسير
الموالي بالورثة وأشار إلى أن قوله والذين عاقدت أيمانكم ابتداء شئ يريد أن يفسره أيضا ويؤيده
أنه وقع في رواية الصلت ثم قال والذين عاقدت وبقى قوله نسختها مشكلا كما قال ابن بطال وقد
أجاب ابن المنير في الحاشية فقال الضمير في نسختها عائد على المؤاخاة لا على الآية والضمير
في نسختها وهو الفاعل المستتر يعود على قوله ولكل جعلنا موالي وقوله والذين عاقدت أيمانكم
بدل من الضمير وأصل الكلام لما نزلت ولكل جعلنا موالي نسخت والذين عاقدت أيمانكم
قال الكرماني فاعل نسختها آية جعلنا والذين عاقدت منصوب بإضمار أعني قلت ووقع
في سياقه هنا أيضا موضع آخر وهو أنه عبر بقوله يرث الأنصاري المهاجري وتقدم في رواية
الصلت بالعكس وأجاب عنه الكرماني بأن المقصود اثبات الوراثة بينهما في الجملة (قلت) والأولى
أن يقرأ الأنصاري بالنصب على أنه مفعول مقدم فتتحد الروايتان ووقع في رواية الصلت
موضع ثالث مشكل وهو قوله والذين عاقدت أيمانكم من النصر الخ وظاهر الكلام أن
قوله من النصر يتعلق بعاقدت أيمانكم وليس كذلك وإنما يتعلق بقوله فآتوهم نصيبهم وقد بين
ذلك أبو كريب في روايته وكذلك أخرجه أبو داود عن هارون بن عبد الله عن أبي أسامة وقد تقدم
في تفسير النساء عدة طرق لذلك مع إعراب الآية والكلام على حكم المعاقدة المذكورة ونسخها
بما يغني عن إعادته والمراد بإيراد الحديث هنا أن قوله تعالى ولكل جعلنا موالي نسخ حكم الميراث
الذي دل عليه والذين عاقدت أيمانكم قال ابن بطال أكثر المفسرين على أن الناسخ لقوله تعالى
والذين عاقدت أيمانكم قوله تعالى في الأنفال وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض وبذلك جزم
أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ (قلت) كذا أخرجه أبو داود بسند حسن عن ابن عباس قال ابن
الجوزي كان جماعة من المحدثين يروون الحديث من حفظهم فتقصر عباراتهم خصوصا العجم فلا
يبين للكلام رونق مثل هذه الألفاظ في هذا الحديث وبيان ذلك أن مراد الحديث المذكور أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان آخى بين المهاجرين والأنصار فكانوا يتوارثون بتلك الاخوة ويرونها
24

داخلة في قوله تعالى والذين عاقدت أيمانكم فلما نزل قوله تعالى وأولو الأرحام بعضهم أولى
ببعض في كتاب الله نسخ الميراث بين المتعاقدين وبقي النصر والرفادة وجواز الوصية لهم وقد وقع
في رواية العوفي عن ابن عباس بيان السبب في إرثهم قال كان الرجل في الجاهلية يلحق به الرجل
فيكون تابعه فإذا مات الرجل صار لأقاربه الميراث وبقى تابعه ليس له شئ فنزلت والذين عاقدت
أيمانكم فآتوهم نصيبهم فكانوا يعطونه من ميراثه ثم نزلت وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض
في كتاب الله فنسخ ذلك (قلت) والعوفي ضعيف والذي في البخاري هو الصحيح المعتمد وتصحيح
السياق قد ظهر في نفس الرواية وأن بعض الرواة قدم بعض الألفاظ على بعض وحذف منها
شيئا وأن بعضهم ساقها على الاستقامة وذلك هو المعتمد قال ابن بطال اختلف الفقهاء في توريث
ذوي الأرحام وهم من لا سهم له وليس بعصبة فذهب أهل الحجاز والشام إلى منعهم الميراث وذهب
الكوفيون وأحمد وإسحاق إلى توريثهم واحتجوا بقوله تعالى وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض
واحتج الآخرون بأن المراد بها من له سهم في كتاب الله لان آية الأنفال مجملة وآية المواريث
مفسرة وبقوله صلى الله عليه وسلم من ترك مالا فلعصبته وأنهم أجمعوا على ترك القول بظاهرها
فجعلوا ما يخلفه المعتوق إرثا لعصبته دون مواليه فان فقدوا فلمواليه دون ذوي رحمه واختلفوا
في توريثهم فقال أبو عبيد رأي أهل العراق رد ما بقى من ذوي الفروض إذا لم تكن عصبة على ذوي
الفروض وإلا فعليهم وعلى العصبة فان فقدوا أعطوا ذوي الأرحام وكان ابن مسعود ينزل كل
ذي رحم منزلة من يجر إليه وأخرج بسند صحيح عن ابن مسعود أنه جعل العمة كالأب والخالة
كالأم فقسم المال بينهما أثلاثا وعن علي أنه كان لا يرد على البنت دون الام ومن أدلتهم حديث
الخال وارث من لا وارث له وهو حديث حسن أخرجه الترمذي وغيره وأجيب عنه بأنه يحتمل
أن يرد به إذا كان عصبة ويحتمل أن يريد بالحديث المذكور السلب كقولهم الصبر حيلة من
لا حيلة له ويحتمل أن يكون المراد به السلطان لأنه خال المسلمين حكى هذه الاحتمالات ابن العربي
(قوله باب ميراث الملاعنة) بفتح العين المهملة ويجوز كسرها والمراد بيان ما ترثه
من ولدها الذي لاعنت عليه ذكر فيه حديث ابن عمر المختصر في الملاعنة وقد مضى شرحه في
كتاب اللعان ومن وجه آخر مطول عن ابن عمر ومن حديث سهل بن سعد والغرض منه هنا قوله
وألحق الولد بالمرأة وقد اختلف السلف في معنى إلحاقه بأمه مع اتفاقهم على أنه لا ميراث بينه
وبين الذي نفاه فجاء عن علي وابن مسعود أنهما قالا في ابن الملاعنة عصبته عصبة أمه يرثهم
ويرثونه أخرجه ابن أبي شيبة وقال النخعي والشعبي وجاء عن علي وابن مسعود أنهما كانا
يجعلان أمه عصبة وحدها فتعطى المال كله فإن ماتت أمه قبله فماله لعصبتها وبه قال جماعة
منهم الحسن وابن سيرين ومكحول والثوري وأحمد في رواية وجاء عن علي أن ابن الملاعنة ترثه أمه
وإخوته منها فان فضل شئ فهو لبيت المال وهذا قول زيد بن ثابت وجمهور العلماء وأكثر فقهاء
الأمصار قال مالك وعلى هذا أدركت أهل العلم وأخرج عن الشعبي قال بعث أهل الكوفة إلى
الحجاز في زمن عثمان يسألون عن ميراث ابن الملاعنة فأخبروهم أنه لامه وعصبتها وجاء عن ابن
عباس عن علي أنه أعطى الملاعنة الميراث وجعلها عصبة قال ابن عبد البر الرواية الأولى
أشهر عند أهل الفرائض قال ابن بطال هذا الخلاف إنما نشأ من حديث الباب حيث جاء فيه
25

وألحق الولد بالمرأة لأنه لما ألحق بها قطع نسب أبيه فصار كمن لا أب له من أولاد البغي وتمسك
الآخرون بأن معناه إقامتها مقام أبيه فجعلوا عصبة أمه عصبة أبيه قلت وقد جاءني
المرفوع ما يقوي القول الأول فأخرج أبو داود من رواية مكحول مرسلا ومن رواية عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده قال جعل النبي صلى الله عليه وسلم ميراث ابن الملاعنة لامه ولورثتها
من بعدها ولأصحاب السنن الأربعة عن وائلة رفعه تحوز المرأة ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها
وولدها الذي لاعنت عليه قال البيهقي ليس بثابت قلت وحسنه الترمذي وصححه الحاكم
وليس فيه سوى عمر بن رؤية بضم الراء وسكون الواو بعدها وحدة مختلف فيه قال البخاري
فيه نظر ووثقه جماعة وله شاهد من حديث ابن عمر عند ابن المنذر ومن طريق داود ابن أبي هند
عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن رجل من أهل الشام أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى به لامه
هي بمنزلة أبيه وأمه وفي رواية أن عبد الله بن عبيد كتب إلى صديق له من أهل المدينة يسأله عن
ولد الملاعنة فكتب إليه اني سألت فأخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى به لامه وهذه طرق
يقوي بعضها ببعض قال ابن بطال تمسك بعضهم بالحديث الذي جاء أن الملاعنة بمنزلة أبيه وأمه
وليس فيه حجة لان المراد أنها بمنزلة أبيه وأمه في تربيته وتأديبه وغير ذلك مما يتولاه أبوه فأما
الميراث فقد اجمعوا أن ابن الملاعنة لو لم تلاعن أمه وترك أمه وأباه كان لامه السدس فلو كانت
بمنزلة أبيه وأمه لورثت سدسين فقط سدس بالأمومة وسدس بالأبوة كذا قال وفيه نظر تصويرا
واستدلالا وحجة الجمهور ما تقدم في اللعان أن في رواية فليح عن الزهري عن سهل في آخره
فكانت السنة في الميراث أن يرثها وترث منه ما فرض لها أخرجه أبو داود وحديث ابن عباس
فهو لاولى رجل ذكر فأنه جعل ما فضل عن أهل الفرائض لعصبة الميت دون عصبة أمه وإذا لم
يكن لولد الملاعنة عصبة من قبل أبيه فالمسلمون عصبته وقد تقدم من حديث أبي هريرة ومن ترك
مالا فليرثه عصبته من كانوا (قوله باب الولد للفراش حرة) كانت أي المستفرشة
أو أمة (قوله عن عروة) في رواية شعيب عن الزهري في العتق حدثني عروة وكذا وقع في رواية
عبد الله بن مسلمة عن مالك في المغازي لكن أخرجه في الوصايا بلفظ عن عروة (قوله كان عتبة
عهد إلى أخيه) في رواية يحيى بن قزعة عن مالك في أوائل البيوع ابن أبي وقاص في الموضعين
وكذا في رواية شعيب والليث وغيرهما عن الزهري وفي رواية ابن عيينة عن الزهري الماضية
في الاشخاص أوصاني أخي إذا قدمت يعني مكة أن اقبض إليك بن أمة زمعة فإنه ابني (قوله إن
ابن وليدة زمعة) في رواية بن عيينة عن ابن شهاب الماضية في المظالم بن أمة زمعة والوليدة
في الأصل المولودة وتطلق على الأمة وهذه الوليدة لم أقف على اسمها لكن ذكر مصعب الزبيري
وابن أخيه الزبير في نسب قريش أنها كانت أمة يمانية والوليدة فعيلة من الولادة بمعنى مفعولة
قال الجوهري هي الصبية والأمة والجمع ولائد وقيل إنها أسم لغير أم الولد وزمعة بفتح الزاي
وسكون الميم وقد تحرك قال النووي التسكين أشهر وقال أبو الوليد الوقشي التحريك هو
الصواب (قلت) والجاري على ألسنة المحدثين التسكين في الاسم والتحريك في النسبة وهو
ابن قيس بن عبد شمس القرشي العامري والد سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وعبد بن زمعة
بغير إضافة ووقع في مختصر بن الحاجب عبد الله وهو غلط نعم عبد الله بن زمعة آخر وفي بعض
26

الطرق من غير رواية عائشة عند الطحاوي في هذا الحديث عبد الله بن زمعة ونبه على أنه غلط وأن
عبد الله بن زمعة هو ابن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى آخر (قلت) وهو الذي مضى
حديثه في تفسير والشمس وضحاها وقد وقع لابن منده خبط في ترجمة عبد الرحمن بن زمعة
فإنه زعم أن عبد الرحمن وعبد الله وعبدا اخوة ثلاثة أولاد زمعة بن الأسود وليس كذلك بل عبد
بغير إضافة وعبد الرحمن أخوان عامريان من قريش وعبد الله بن زمعة قرشي أسدي من قريش
أيضا وقد أوضحت ذلك في الإصابة في تمييز الصحابة والابن المذكور اسمه عبد الرحمن وذكره ابن عبد
البر في الصحابة وغيره وقد أعقب بالمدينة وعتبة ابن أبي وقاص أخو سعد مختلف في صحبته فذكره
في الصحابة العسكري وذكر ما نقله الزبير بن بكار في النسب أنه كان أصاب دما بمكة في قريش فانتقل
إلى المدينة ولما مات أوصى إلى سعد وذكره ابن مندة في الصحابة ولم يذكر مستندا إلا قول سعد
عهد إلى أخي أنه ولده واستنكر أبو نعيم ذلك وذكر أنه الذي شج وجه رسول الله صلى الله عليه
وسلم بأحد قال وما علمت له اسلاما بل قد روى عبد الرزاق من طريق عثمان الجزري عن مقسم
أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بأن لا يحول على عتبة الحول حتى يموت كافرا فمات قبل الحول
وهذا مرسل وأخرجه من وجه آخر عن سعيد بن المسيب بنحوه وأخرج الحاكم في المستدرك
من طريق صفوان بن سليم عن أنس أنه سمع حاطب بن أبي بلتعة يقول إن عتبة لما فعل بالنبي
صلى الله عليه وسلم ما فعل تبعته فقتلته كذا قال وجزم ابن التين والدمياطي بأنه مات كافرا
قلت وأم عتبة هند بنت وهب بن الحرث بن زهرة وأم أخيه سعد حمنة بنت سفيان بن أمية
(قوله فلما كان عام الفتح أخذه سعد فقال ابن أخي) في رواية يونس عن الزهري في المغازي فلما
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في الفتح وفي رواية معمر عن الزهري عند أحمد وهي لمسلم
لكن لم يسق لفظها فلما كان يوم الفتح رأى سعد الغلام فعرفه بالشبه فاحتضنه وقال ابن أخي
ورب الكعبة وفي رواية الليث فقال سعد يا رسول الله هذا ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلى
أنه ابنه وعتبة بالجر بدل من لفظ أخي أو عطف بيان والضمير في أخي لسعد لا لعتبة (قوله فقام
عبد بن زمعة فقال أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه) في رواية معمر فجاء عبد بن زمعة فقال
بل هو أخي ولد على فراش أبي من جاريته وفي رواية يونس يا رسول الله هذا أخي هذا ابن زمعة
ولد على فراشه زاد في رواية الليث أنظر إلى شبهه يا رسول الله وفي رواية يونس فنظر رسول الله
صلى الله عليه وسلم فإذا هو أشبه الناس بعتبة بن أبي وقاص وفي رواية الليث فرأى شبها بينا
بعتبة وكذا لابن عيينة عند أبي داود وغيره قال الخطابي وتبعه عياض والقرطبي وغيرهما كان
أهل الجاهلية يقتنون الولائد ويقررون عليهن الضرائب فيكتسبن بالفجور وكانوا يلحقون
النسب بالزناة إذا ادعوا الولد كما في النكاح وكان لزمعة أمة وكان يلم بها فظهر بها حمل زعم
عتبة بن أبي وقاص أنه منه وعهد إلى أخيه سعد أن يستلحقه فخاصم فيه عبد بن زمعة فقال له سعد
هو ابن أخي على ما كان عليه الامر في الجاهلية وقال عبد هو أخي على ما استقر عليه الامر في
الاسلام فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم حكم الجاهلية وألحقه بزمعة وأبدل عياض قوله إذا
ادعوا الولد بقوله إذا اعترفت به الام وبنى عليهما القرطبي فقال ولم يكن حصل إلحاقه بعتبة
في الجاهلية إما لعدم الدعوة وإما لكون الام لم تعترف به لعتبة (قلت) وقد مضى في النكاح
27

من حديث عائشة ما يؤيد أنهم كانوا يعتبرون استلحاق الام في صورة وإلحاق القائف في صورة
ولفظها أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء الحديث وفيه يجتمع الرهط ما دون العشرة
فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومضت ليال أرسلت إليهم فاجتمعوا
عندها فقالت قد ولدت فهو ابنك يا فلان فيلحق به ولدها ولا يستطيع أن يمتنع إلا أن قالت
ونكاح البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن
فوضعت جمعوا لها القافة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرى القائف لا يمتنع من ذلك انتهى واللائق
بقصة أمة زمعة الأخير فلعل جمع القافة لهذا الولد تعذر بوجه من الوجوه أو أنها لم تكن بصفة
البغايا بل أصابها عتبة سرا من زنا وهما كافران فحملت وولدت ولدا يشبهه فغلب على ظنه أنه منه
فبغته الموت قبل استلحاقه فأوصى أخاه أن يستلحقه فعمل سعد بعد ذلك تمسكا بالبراءة الأصلية
قال القرطبي وكان عبد بن زمعة سمع أن الشرع ورد بان الولد للفراش وإلا فلم يكن عادتهم الالحاق
به كذا قاله وما أدرى من أين له هذا الجزم بالنفي وكأنه بناه على ما قال الخطابي أمة زمعة كانت من
البغايا اللاتي عليهن من الضرائب فكان الالحاق مختصا باستلحاقها على ما ذكر أو بالحاق القائف
على ما في حديث عائشة لكن لم يذكر الخطابي مستندا لذلك والذي يظهر من سياق القصة ما قدمته
أنها كانت أمة مستفرشة لزمعة فأنفق على أن عتبة زنى بها كما تقدم وكانت طريقة الجاهلية في مثل
ذلك أن السيد إن استلحقه لحقه وان نفاه انتفى عنه وإذا ادعاه غيره كان مرد ذلك إلى السيد
أو القافة وقد وقع في حديث بن الزبير الذي أسوقه بعد هذا ما يؤيد ما قلته وأما قوله إن عبد بن
زمعة سمع أن الشرع الخ نفيه نظر لأنه يبعد أن يسمع ذلك عبد بن زمعة وهو بمكة لم يعلم بعد
ولا يسمعه سعد بن أبي وقاص وهو من السابقين الأولين الملازمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم
من حين إسلامه إلى حين فتح مكة نحو العشرين سنة حتى ولو قلنا إن الشرع لم يرد بذلك الا
في زمن الفتح فبلوغه لعبد قبل سعد بعيد أيضا والذي يظهر لي أن شرعية ذلك انما عرفت من قوله
صلى الله عليه وسلم في هذه القصة الولد للفراش وإلا فما كان سعد لو سبق علمه بذلك ليدعيه بل الذي
يظهر أن كلا من سعد وعتبة بنى على البراءة الأصلية وأن مثل هذا الولد يقبل النزاع وقد أخرج
أبو داود تلو حديث الباب بسند حسن إلى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قام رجل فقال
يا رسول الله ان فلان ابني عاهرت بأمه في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا دعوة
في الاسلام ذهب أمر الجاهلية الولد للفراش وللعاهر الحجر وقد وقع في بعض طرقه أن ذلك وقع
في زمن الفتح وهو يؤيد ما قلته واستدل بهذه القصة على أن الاستلحاق لا يختص بالأب بل للأخ
أن يستلحق وهو قول الشافعية وجماعة بشرط أن يكون الأخ حائزا أو يوافقه باقي الورثة
وامكان كونه من المذكور وأن يوافق على ذلك أن كان بالغا عاقلا وأن لا يكون معروف
الأب وتعقب بأن زمعة كان له ورثة غير عبد وأجيب بأنه لم يخلف وارثا غيره إلا سودة فإن كان
زمعة مات كافرا فلم يرثه إلا عبد وحده وعلى تقدير أن يكون أسلم وورثته سودة فيحتمل أن
تكون وكلت أخاها في ذلك أو ادعت أيضا وخص مالك وطائفة الاستلحاق بالأب وأجابوا بأن
الالحاق لم ينحصر في استلحاق عبد لاحتمال أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك
بوجه من الوجوه كاعتراف زمعة بالوطئ ولأنه انما حكم بالفراش لأنه قال بعد قوله هو لك الولد
28

للفراش لأنه لما أبطل الشرع الحاق هذا الولد بالزاني لم يبق صاحب الفراش وجرى المزني على
القول بأن الالحاق يختص بالأب فقال أجمعوا على أنه لا يقبل اقرار أحد على غيره والذي عندي
في قصة عبد بن زمعة أنه صلى الله عليه وسلم أجاب عن المسألة فأعلمهم أن الحكم كذا بشرط أن
يدعي صاحب الفراش لا أنه قبل دعوى سعد عن أخيه عتبة ولا دعوى عبد بن زمعة عن زمعة
بل عرفهم أن الحكم في مثلها يكون كذلك قال ولذلك قال احتجي منه يا سودة وتعقب بأن قوله
لعبد بن زمعة هو أخوك يدفع هذا التأويل واستدل به على أن الوصي يجوز له أن يستلحق ولد
موصيه إذا أوصى إليه بأن يستلحقه ويكون كالوكيل عنه في ذلك وقد مضى التبويب بذلك
في كتاب الاشخاص وعلى أن الأمة تصير فراشا بالوطئ فإذا اعترف السيد بوطئ أمته أو ثبت ذلك
بأي طريق كان ثم أتت بولد لمدة الامكان بعد الوطئ لحقه من غير استلحاق كما في الزوجة لكن
الزوجة تصير فراشا بمجرد العقد فلا يشترط في الاستلحاق إلا الامكان لأنها تراد الموطئ فجعل
العقد عليها كالوطئ بخلاف الأمة فأنها تراد لمنافع أخرى فاشترط في حقها الوطئ ومن ثم يحوز
الجمع بين الأختين بالملك دون الوطئ وهذا قول الجمهور وعن الحنفية لا تصير الأمة فراشا إلا إذا
ولدت من السيد ولدا ولحق به فمهما ولدت بعد ذلك لحقه إلا أن ينفيه وعن الحنابلة من اعترف
بالوطئ فأتت منه لمدة الامكان لحقه وأن ولدت منه أولا فاستلحقه لم يلحقه ما بعده إلا بإقرار
مستأنف على الراجح عندهم وترجيح المذهب الأول ظاهر لأنه لم ينقل أنه كان لزمعة من هذه
الأمة ولد آخر والكل متفقون على أنها لا تصير فراشا إلا بالوطئ قال النووي وطئ زمعة أمته
المذكورة علم إما ببينة وإما باطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك (قلت) وفي حديث بن الزبير
ما يشعر بأن ذلك كان أمرا مشهورا وسأذكر لفظه قريبا واستدل به على أن السبب لا يخرج
ولو قلنا أن العبرة بعموم اللفظ ونقل الغزالي تبعا لشيخه والآمدي ومن تبعه عن الشافعي قولا
بخصوص السبب تمسكا بما نقل عن الشافعي أنه ناظر بعض الحنفية لما قال أن أبا حنيفة خص
الفراش بالزوجة وأخرج الأمة من عموم الولد للفراش فرد عليه الشافعي بأن هذا ورد على
سبب خاص ورد ذلك الفخر الرازي على من قاله بأن مراد الشافعي أن خصوص السبب لا يخرج
والخبر انما ورد في حق الأمة فلا يجوز إخراجه ثم وقع الاتفاق على تعميمه في الزوجات لكن
شرط الشافعي والجمهور الامكان زمانا ومكانا وعن الحنفية يكفي مجرد العقد فتصير فراشا ويلحق
الزوج الولد وحجتهم عموم قوله الولد للفراش لأنه لا يحتاج إلى تقدير وهو الولد لصاحب الفراش لان
المراد بالفراش الموطوءة ورده القرطبي بأن الفراش كناية عن الموطوءة لكون الواطئ يستفرشها
أي بصيرها بوطئه لها فراشا له يعني فلا بد من اعتبار الوطئ حتى تسمى فراشا وألحق به إمكان الوطئ
فمع عدم إمكان الوطئ لا تسمى فراشا وفهم بعض الشراح عن القرطبي خلاف مراده فقال
كلامه يقتضي حصول مقصود الجمهور بمجرد كون فراش هو الموطوءة وليس هو المراد فعلم أنه
لا بد من تقدير محذوف لأنه قال أن الفراش هو الموطوءة والمراد به أن الولد لا يلحق بالواطئ قال
المعترض وهذا لا يستقيم إلا مع تقدير الحذف قلت وقد بينت وجه استقامته بحمد الله
ويؤيد ذلك أيضا أن ابن الأعرابي اللغوي نقل أن الفراش عند العرب يعبر به عن الزوج وعن
المرأة والأكثر إطلاقه على المرأة ومما ورد في التعبير به عن الرجل قول جرير فيمن تزوجت بعد
29

قتل زوجها أو سيدها
باتت تعانقه وبات فراشها * خلف العباءة بالبلاء ثقيلا
وقد يعبر به عن حالة الافتراش ويمكن حمل الخبر عليها فلا يتعين الحذف نعم لا يمكن حمل الخبر على
كل واطئ بل المراد من له الاختصاص بالوطئ كالزوج والسيد ومن ثم قال ابن دقيق العيد معنى
الولد للفراش تابع للفراش أو محكوم به للفراش أو ما يقارب هذا وقد شنع بعضهم على الحنفية
بأن من لازم مذهبهم إخراج السبب مع المبالغة في العمل بالعموم في الأحوال وأجاب بعضهم بأنه
خصص الظاهر القوي بالقياس وقد عرف من قاعدته تقديم القياس في مواضيع على خبر
الواحد وهذا منها واستدل به على أن القائف إنما يعتمد في الشبه إذا لم يعارضه ما هو أقوى منه لان
الشارع لم يلتفت هنا إلى الشبه والتفت إليه في قصة زيد بن حارثة وكذا لم يحكم بالشبه في قصة
الملاعنة لأنه عارضه حكم أقوى منه وهو مشروعية اللعان وفيه تخصيص عموم الولد للفراش
وقد تمسك بالعموم الشعبي وبعض المالكية وهو شاذ ونقل عن الشافعي أنه قال لقوله الولد
للفراش معنيان أحدهما هو له ما لم ينفه فإذا نفاه بما شرع له كاللعان أنتفى عنه والثاني إذا تنازع
رب الفراش والعاهر فالولد لرب الفراش قلت والثاني منطبق على خصوص الواقعة
والأول أعم قوله فتساوقا أي تلازما في الذهاب بحيث أن كلا منهما كان كالذي يسوق
الآخر قوله هو لك يا عبد بن زمعة كذا للأكثر وقد تقدم ضبط عبد وأنه يجوز فيه الضم والفتح
وأما ابن فهو منصوب على الحالين ووقع في رواية النسائي هو لك عبد بن زمعة بحذف حرف
النداء وقرأه بعض المخالفين بالتنوين وهو مردود فقد وقع في رواية يونس المعلقة في المغازي
هو لك هو أخوك يا عبد ووقع لمسدد عن ابن عيينة عند أبي داود هو أخوك يا عبد قال بن
عبد البر نثبت الأمة فراشا عند أهل الحجاز إن أقر سيدها أنه كان يلم بها وعند أهل العراق إن
أقر سيدها بالولد وقال المازري يتعلق بهذا الحديث استلحاق الأخ لأخيه وهو صحيح عند
الشافعي إذا لم يكن له وارث سواه وقد تعلق أصحابه بهذا الحديث لأنه لم يرد أن زمعة ادعاه
ولدا ولا اعترف بوطئ أمه فكان المعول في هذه القصة على استلحاق عبد بن زمعة قال وعندنا
لا يصح استلحاق الأخ ولا حجة في هذا الحديث لأنه يمكن أن يكون ثبت عند النبي صلى الله عليه
وسلم أن زمعة كان يطأ أمته فألحق الولد به لان من ثبت وطؤه لا يحتاج إلى الاعتراف بالوطئ وانما
يصعب هذا على العراقيين ويعسر عليهم الانفصال عما قاله الشافعي لما قررناه أنه لم يكن لزمعة
ولد من الأمة المذكورة سابق ومجرد الوطئ لا عبرة به عندهم فيلزمهم تسليم ما قال الشافعي قال
ولما ضاق عليهم الامر قالوا الرواية في هذا الحديث هو لك عبد بن زمعة وحذف حرف النداء
بين عبد وابن زمعة والأصل يا ابن زمعة قالوا والمراد أن الولد لا يلحق بزمعة بل هو عبد لولده لأنه
وارثه ولذلك أمر سودة بالاحتجاب منه لأنها لم ترث زمعة لأنه مات كافرا وهي مسلمة قال وهذه
الرواية التي ذكروها غير صحيحة ولو وردت لرددناها إلى الرواية المشهورة وقلنا بل المحذوف حرف
النداء بين لك وعبد كقوله تعالى حكاية عن صاحب يوسف حيث قال يوسف أعرض عن هذا
انتهى وقد سلك الطحاوي فيه مسلكا آخر فقال معنى قوله هو لك أي يدك عليه لا أنك تملكه
ولكن تمنع غيرك منه إلى أن يتبين أمره كما قال لصاحب اللفظة هي لك وقال له إذا جاء صاحبها
30

فأدها إليه قال ولما كانت سودة شريكة لعبد في ذلك لكن لم يعلم منها تصديق ذلك ولا الدعوى
به ألزم عبدا بما أقر به على نفسه ولم يجعل ذلك حجة عليها فأمرها بالاحتجاب وكلامه كله متعقب
بالرواية الثانية المصرح فيها بقوله هو أخوك فإنها رفعت الاشكال وكأنه لم يقف عليها وعلى
حديث ابن الزبير وسودة الدال على أن سودة وافقت أخاها عبدا في الدعوى بذلك (قوله الولد
للفراش وللعاهر) الحجر تقدم في غزوة الفتح تعليقا من رواية يونس عن ابن شهاب قالت عائشة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد الخ وهذا منقطع وقد وصله غيره عن ابن شهاب ووقع في
رواية يونس أيضا قال ابن شهاب وكان أبو هريرة يصيح بذلك وقد قدمت هناك أن مسلما أخرجه
موصولا من رواية ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة وأبي هريرة وقوله وللعاهر الحجر أي
للزاني الخيبة والحرمان والعهر بفتحتين الزنا وقيل يختص بالليل ومعنى الخيبة هنا حرمان
الولد الذي يدعيه وجرت عادة العرب أن تقول لمن خاب له الحجر وبفيه الحجر والتراب ونحو ذلك
وقيل المراد بالحجر هنا أنه يرجم قال النووي وهو ضعيف لان الرجم مختص بالمحصن ولأنه
لا يلزم من رجمه نفي الولد والخبر انما سيق لنفي الولد وقال السبكي والأول أشبه بمساق الحديث
لتعم الخيبة كل زان ودليل الرجم مأخوذ من موضع آخر فلا حاجة للتخصيص من غير دليل
(قلت) ويؤيد الأول أيضا ما أخرجه أبو أحمد الحاكم من حديث زيد بن أرقم رفعه الولد
للفراش وفي فم العاهر الحجر وفي حديث ابن عمر عند ابن حبان الولد للفراش وبفي العاهر الأثلب
بمثلثة ثم موحدة بينهما لام ويفتح أوله وثالثه ويكسران قيل هو الحجر وقيل دقاقه
وقيل التراب (قوله ثم قال لسودة احتجبي منه) في رواية الليث واحتجبي منه يا سودة بنت
زمعة (قوله فما رآها حتى لقي الله) في رواية معمر قالت عائشة فوالله ما رآها حتى ماتت
وفي رواية الليث فلم تره سودة قط يعني في المدة التي بين هذا القول وبين موت أحدهما وكذا
لمسلم من طريقه وفي رواية ابن جريج في صحيح أبي عوانة مثله وفي رواية الكشميهني الآتية
في حديث الليث أيضا فلم تره سودة بعد وهذا إذا ضمت إلى رواية مالك ومعمر استفيد منها أنها
امتثلت الامر وبالغت في الاحتجاب منه حتى أنها لم تره فضلا عن أن يراها لأنه ليس في الامر
المذكور دلالة على منعها من رؤيته وقد استدل به الحنفية على أنه لم يلحقه بزمعة لأنه
لو ألحقه به لكان أخا سودة والأخ لا يؤمر بالاحتجاب منه وأجاب الجمهور بأن الامر بذلك كان
للاحتياط لأنه وإن حكم بأنه أخوها لقوله في الطرق الصحيحة هو أخوك يا عبد وإذا ثبت أنه
أخو عبد لأبيه فهو أخو سودة لأبيها لكن لما رأى الشبه بينا بعتبة أمرها بالاحتجاب منه
احتياطا وأشار الخطابي إلى أن في ذلك مزية لأمهات المؤمنين لان لهن في ذلك ما ليس لغيرهن
قال والشبه يعتبر في بعض المواطن لكن لا يقضى به إذا وجد ما هو أقوى منه وهو كما يحكم
في الحادثة ثم يوجد فيها نص فيترك القياس قال وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث
وليس بالثابت احتجبي منه يا سودة فإنه ليس لك بأخ وتبعه النووي فقال هذه الزيادة باطلة
مردودة وتعقب بأنها وقعت في حديث عبد الله بن الزبير عند النسائي بسند حسن ولفظه كانت
لزمعة جارية يطؤها وكان يظن بآخر أنه يقع عليها فجاءت بولد يشبه الذي كان يظن به فمات زمعة
فذكرت ذلك سودة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال الولد للفراش واحتجبي منه يا سودة فليس لك
31

بأخ ورجال سنده رجال الصحيح إلا شيخ مجاهد وهو يوسف مولى آل الزبير وقد طعن البيهقي
في سنده فقال فيه جرير وقد نسب في أخر عمره إلى سوء الحفظ وفيه يوسف وهو غير معروف وعلى
تقدير ثبوته فلا يعارض حديث عائشة المتفق على صحته وتعقب بأن جريرا هذا لم ينسب إلى
سوء حفظ وكأنه اشتبه عليه بجرير بن حازم وبأن الجمع بينهما ممكن فلا ترجيح وبأن يوسف
معروف في موالي آل الزبير وعلى هذا فيتعين تأويله وإذا ثبتت هذه الزيادة تعين تأويل نفي
الاخوة عن سودة على نحو ما تقدم من أمرها بالاحتجاب منه ونقل ابن العربي في القوانين عن
الشافعي نحو ما تقدم وزاد ولو كان أخاها بنسب محقق لما منعها كما أمر عائشة أن لا تحتجب من
عمها من الرضاعة وقال البيهقي معنى قوله ليس لك بأخ إن ثبت ليس لك بأخ شبها فلا يخالف قوله
لعبد هو أخوك (قلت) أو معنى قوله ليس لك بأخ بالنسبة للميراث من زمعة لان زمعة مات
كافرا وخلف عبد بن زمعة والولد المذكور وسودة فلا حق لسودة في إرثه بل حازه عبد قبل
الاستلحاق فإذا استلحق الابن المذكور شاركه في الإرث دون سودة فلهذا قال لعبد هو أخوك
وقال لسودة ليس لك بأخ وقال القرطبي بعد أن قرر أن أمر سودة بالاحتجاب للاحتياط
وتوقي الشبهات ويحتمل أن يكون ذلك لتغليظ أمر الحجاب في حق أمهات المؤمنين كما قال
أفعمياوان أنتما فنهاهما عن رؤية الأعمى مع قوله لفاطمة بنت قيس اعتدي عند بن أم مكتوم
فأنه أعمى فغلظ الحجاب في حقهن دون غيرهن وقد تقدم في تفسير الحجاب قول من قال أنه كان
يحرم عليهن بعد الحجاب إبراز أشخاصهن ولو كن مستترات إلا لضرورة بخلاف غيرهن فلا
يشترط وأيضا فان للزوج ان يمنع زوجته من الاجتماع بمحارمها فلعل المراد بالاحتجاب عدم
الاجتماع به في الخلوة وقال ابن حزم لا يجب على المرأة أن يراها أخوها بل الواجب عليها صلة
رحمها ورد على من زعم أن معنى قوله هو لك أي عبد بأنه لو قضى بأنه عبد لما أمر سودة بالاحتجاب
منه إما لان لها فيه حصة واما لان من في الرق لا يحتجب منه على القول بذلك وقد تقدم جواب
المزني عن ذلك قريبا واستدل به بعض المالكية على مشروعية الحكم بين حكمين وهو أن
يأخذ الفرع شبها من أكثر من أصل فيعطى أحكاما بعدد ذلك وذلك أن الفراش يقتضي
إلحاقه بزمعة في النسب والشبه يقتضي إلحاقه بعتبة فأعطى الفرع حكما بين حكمين فروعي
الفراش في النسب والشبه البين في الاحتجاب قال وإلحاقه بهما ولو كان من وجه أولى من
الغاء أحدهما من كل وجه قال ابن دقيق العيد ويعترض على هذا بأن صورة المسألة ما إذا
دار الفرع بين أصلين شرعيين وهنا الالحاق شرعي للتصريح بقوله الولد للفراش فبقي الامر
بالاحتجاب مشكلا لأنه يناقض الالحاق فتعين أنه للاحتياط لا لوجوب حكم شرعي وليس فيه
إلا ترك مباح مع ثبوت المحرمية واستدل به على أن حكم الحاكم لا يحل الامر في الباطن كما لو حكم
بشهادة فظهر أنها زور لأنه حكم بأنه أخو عبد وأمر سودة بالاحتجاب بسبب الشبه بعتبة
فلو كان الحكم يحل الامر في الباطن لما أمرها بالاحتجاب واستدل به على أن لوطئ الزنا
حكم وطئ الحلال في حرمة المصاهرة وهو قول الجمهور ووجه الدلالة أمر سودة بالاحتجاب بعد
الحكم بأنه أخوها لأجل الشبه بالزاني وقال مالك في المشهور عنه والشافعي لا أثر لوطئ الزنا
بل للزاني أن يتزوج أم التي زنى بها وبنتها وزاد الشافعي ووافقه بن الماجشون والبنت التي تلدها
المزني بها ولو عرفت أنها منه قال النووي وهذا احتجاج باطل لأنه على تقدير أن يكون من الزنا
32

فهو أجنبي من سودة لا يحل لها أن تظهر له سواء ألحق بالزاني أم لا فلا تعلق له بمسألة البنت
المخلوقة من الزنا كذا قال وهو رد للفرع برد الأصل وإلا فالبناء الذي بنوه صحيح وقد أجاب
الشافعية عنه بما تقدم أن الامر بالاحتجاب للاحتياط ويحمل الامر في ذلك إما على الندب وإما
على تخصيص أمهات المؤمنين بذلك فعلى تقدير الندب فالشافعي قائل به في المخلوقة من الزنا
وعلى التخصيص فلا إشكال والله أعلم ويلزم من قال بالوجوب أن يقول به في تزويج البنت
المخلوقة من ماء الزنا فيجيز عند فقد الشبه ويمنع عند وجوده واستدل به على صحة ملك الكافر
الوثني الأمة الكافرة وأن حكمها بعد أن تلد من سيدها حكم القن لان عبدا وسعدا أطلقا
عليهما أمة ووليدة ولم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم كذا أشار إليه البخاري في كتاب العتق
عقب هذا الحديث بعد أن ترجم له أم الولد ولكنه ليس في أكثر النسخ وأجيب بأن عتق أم الولد
بموت السيد ثبت بأدلة أخرى وقيل أن غرض البخاري بإيراده بأن بعض الحنفية لما ألزم أن أم الولد
المتنازع فيه كانت حرة رد ذلك وقال بل كانت عتقت وكأنه قد ورد في بعض طرقه أنها أمة فمن
أدعى أنها عتقت فعليه البيان (قوله عن يحيى) هو ابن سعيد القطان ومحمد بن زياد هو الجمحي
(قوله الولد لصاحب الفراش) كذا في هذه الرواية وزاد آدم عن شعبة وللعاهر الحجر وكذا أخرجه
الإسماعيلي من طريق معاذ عن شعبة ولهذا الحديث سبب غير قصة بن زمعة فقد أخرجه أبو
داود وغيره من رواية حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قام رجل فقال لما
فتحت مكة إن فلانا ابني فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا دعوة في الاسلام ذهب أمر الجاهلية
الولد للفراش وللعاهر الأثلب قيل ما الأثلب قال الحجر تكملة حديث الولد للفراش قال ابن
عبد البر هو من أصح ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء عن بضعة وعشرين نفسا من
الصحابة فذكره البخاري في هذا الباب عن أبي هريرة وعائشة وقال الترمذي عقب حديث أبي
هريرة وفي الباب عن عمر وعثمان وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمرو وأبي
أمامة وعمرو بن خارجة و البراء و زيد بن أرقم و زاد شيخنا عليه معاوية وابن عمر و زاد أبو القاسم بن
منده في تذكرته معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأنس بن مالك وعلي بن أبي طالب والحسين بن
علي وعبد الله بن حذافة وسعد بن أبي وقاص وسودة بنت زمعة ووقع لي من حديث ابن عباس
وأبي مسعود البدري ووائلة بن الأسقع وزينب بنت جحش وقد رقمت عليها علامات من أخرجها
من الأئمة فطب علامة الطبراني في الكبير وطس علامته في الأوسط وبز علامة البزار وص علامة
أبي يعلى الموصلي وتم علامة تمام في فوائد وجميع هؤلاء وقع عندهم الولد للفراش وللعاهر الحجر
ومنه من اقتصر على الجملة الأولى وفي حديث عثمان قصة وكذا علي وفي حديث معاوية قصة
أخرى له مع نصر بن حجاج وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد فقال له نصر فأين قضاؤك في زياد فقال
قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من قضاء معاوية وفي حديث أبي أمامة وابن مسعود
وعبادة أحكام أخرى وفي حديث عبد الله بن حذافة قصة له في سؤاله عن اسم أبيه وفي حديث
ابن الزبير قصة نحو قصة عائشة باختصار وقد أشرت إليه وفي حديث سودة نحوه ولم تسمى في رواية
أحمد بل قال عن بنت زمعة وفي حديث زينب قصة ولم يسمى أبوها بل فيه عن زينب الأسدية
وبالله التوفيق وجاء من مرسل عبيد بن عمير وهو أحد كبار التابعين أخرجه ابن عبد البر بسند
33

صحيح إليه (قوله باب انما الولاء لمن أعتق وميراث اللقيط وقال عمر اللقيط حر)
هذه الترجمة معقودة لميراث اللقيط فأشار إلى ترجيح قول الجمهور أن اللقيط حر وولاؤه في بيت
المال والى ما جاء عن النخعي أن ولاءه للذي التقطه واحتج بقول عمر لأبي جميلة في الذي التقطه
اذهب فهو حر وعلينا نفقته ولك ولاؤه وتقدم هذا الأثر معلقا بتمامه في أوائل الشهادات
وذكرت هناك من وصله وأجبت عنه بأن معنى قول عمر لك ولاؤه أي أنت الذي
تتولى تربيته والقيام بأمره فهي ولاية الاسلام لا ولاية العتق والحجة لذلك صريح الحديث
المرفوع انما الولاء لمن أعتق فاقتضى أن من لم يعتق لا ولاء له لان العتق يستدعي سبق ملك
واللقيط من دار الاسلام لا يملكه المتلقط لان الأصل في الناس الحرية إذ لا يخلو المنبوذ
أن يكون ابن حرة فلا يسترق أو ابن أمة قوم فميراثه لهم فإذا جهل وضع في بيت المال ولا رق
عليه للذي التقطه وجاء عن علي أن اللقيط مولى من شاء وبه قال الحنفية إلى أن يعقل عنه
فلا ينتقل بعد ذلك عمن عقل عن وقد خفي كل هذا على الإسماعيلي فقال ذكر ميراث اللقيط
في ترجمة الباب وليس له في الحديث ذكر ولا عليه دلالة يريد أن حديث عائشة وابن عمر
مطابق لترجمة انما الولاء لمن أعتق وليس في حديثه ذكر ميراث اللقيط وقد جرى الكرماني
على ذلك فقال فان قلت فأين ذكر ميراث اللقيط قلت هو ما ترجم به ولم يتفق له إيراد الحديث
فيه (قلت) وهذا كله انما هو بحسب الظاهر وأما بحسب تدقيق النظر ومناسبة إيراده
في أبواب المواريث فبيانه ما قدمت والله أعلم قال بن المنذر اجمعوا على أن اللقيط حر الا رواية
عن النخعي وعنه كالجماعة وعنه كالمنقول عن الحنفية وقد جاء عن شريح نحو الأول
وبه قال إسحاق بن راهويه (قوله الحكم) هو ابن عتيبة بمثناة ثم موحدة مصغرة وإبراهيم هو
النخعي والأسود هو ابن يزيد والثلاثة تابعيون كوفيون (قوله قال الحكم وكان زوجها حرا)
هو موصول إلى الحكم بالاسناد المذكور ووقع في رواية الإسماعيلي من رواية أبي الوليد
عن شعبة مدرجا في الحديث ولم يقل ذلك الحكم من قبل نفسه فسيأتي في الباب الذي يليه
من طريق منصور عن إبراهيم أن الأسود قاله أيضا فهو سلف الحكم فيه (قوله وقول الحكم
مرسل) أي ليس بمسند إلى عائشة راوية الخبر فيكون في حكم المتصل المرفوع (قوله وقال
ابن عباس رأيته عبدا) زاد في الباب الذي يليه وقول الأسود منقطع أي لم يصله بذكر عائشة فيه
وقول ابن عباس أصح لأنه ذكر أنه رآه وقد صح أنه حضر القصة وشاهدها فيترجح قوله على قول
من لم يشهدها فان الأسود لم يدخل المدينة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما الحكم فولد
بعد ذلك بدهر طويل ويستفاد من تعبير البخاري قول الأسود منقطع جواز إطلاق المنقطع
في موضع المرسل خلافا لما اشتهر في الاستعمال من تخصيص المنقطع بما يسقط منه من أثناء
السند واحد إلا في صورة سقوط الصحابي بين التابعي والنبي صلى الله عليه وسلم فان ذلك يسمى
عندهم المرسل ومنهم من خصه بالتابعي الكبير فيستفاد من قول البخاري أيضا وقول الحكم
مرسل أنه يستعمل في التابعي الصغير أيضا لان الحكم من صغار التابعين واستدل به لاحدى
الروايتين عن أحمد أن من أعتق عن غيره فالولاء للمعتق والاجر للمعتق عنه وسيأتي البحث فيه
في باب ما يرث النساء من الولاء قوله باب ميراث السائبة بمهملة وموحدة
34

بوزن فاعلة وتقدم بيانها في تفسير المائدة والمراد بها في الترجمة العبد الذي يقول له سيده لا ولاء
لاحد عليك أو أنت سائبة يريد بذلك عتقه وأن لا ولاء لاحد عليه وقد يقول له أعتقتك سائبة
أو أنت حر سائبة ففي الصيغتين الأوليين يفتقر في عتقه إلى نية وفي الأخريين يعتق واختلف
في الشرط فالجمهور على كراهيته وشذ من قال بإباحته واختلف في ولائه وسأبينه في الباب الذي
بعده إن شاء الله تعالى (قوله عن هزيل) في رواية يزيد بن أبي الحكم العدني عن سفيان عند
الإسماعيلي حدثني هزيل بن شرحبيل وهو بالزاي مصغر ووهم من قاله بالذال المعجمة وقد تقدم
ذلك قريبا وأن سفيان في السند هو الثوري وأن أبا قيس هو عبد الرحمن (قوله عن عبد الله) هو
ابن مسعود (قوله إن أهل الاسلام لا يسيبون وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون) هذا طرف من
حديث أخرجه الإسماعيلي بتمامه من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان بسنده هذا إلى
هزيل قال جاء رجل إلى عبد الله فقال إني أعتقت عبدا لي سائبة فمات فترك مالا ولم يدع وارثا
فقال عبد الله فذكر حديث الباب وزاد وأنت ولي نعمته فلك ميراثه فان تأثمت أو تحرجت في شئ
فنحن نقبله ونجعله في بيت المال وفي رواية العدني فان تحرجت ولم يشك وقال فأرنا نجعله
في بيت المال ومعنى تأثمت بالمثلثة قبل الميم خشيت أن تقع في الاثم وتحرجت بالحاء المهملة ثم
الجيم بمعناه وبهذا الحكم في السائبة قال الحسن البصري وابن سيرين والشافعي وأخرج عبد
الرزاق بسند صحيح عن ابن سيرين ان سالما مولى أبي حذيفة الصحابي المشهور أعتقته امرأة من
الأنصار سائبة وقالت له وال من شئت فوالى أبا حذيفة فلما استشهد باليمامة دفع ميراثه
للأنصارية أو لابنها وأخرج ابن المنذر من طريق بكر بن عبد الله المزني أن ابن عمر اتى بمال مولى
له مات فقال إنا كنا أعتقناه سائبة فأمر أن يشترى بثمنه رقابا فتعتق وهذا يحتمل أن يكون فعله
على سبيل الوجوب أو على سبيل الندب وقد أخذ بظاهره عطاء فقال إذا لم يخلف السائبة
وارثا دعى الذي أعتقه فان قبل ماله وإلا ابتيعت به رقاب فأعتقت وفيه مذهب آخر أن ولاءه
للمسلمين يرثونه ويعقلون عنه قاله عمر بن عبد العزيز والزهري وهو قول مالك وعن الشعبي
والنخعي والكوفيين لا بأس ببيع ولاء السائبة وهبته قال ابن المنذر واتباع ظاهر قوله الولاء لمن
أعتق أولى (قلت) والى ذلك أشار البخاري بإيراد حديث عائشة في قصة بريرة وفيه فإنما
الولاء لمن أعتق وفيه قول الأسود إن زوج بريرة كان حرا وقد تقدم الكلام على ذلك في الباب
الذي قبله (قوله باب إثم من تبرأ من مواليه) هذه الترجمة لفظ حديث
أخرجه أحمد والطبراني من طريق سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
أن لله عبادا لا يكلمهم الله تعالى الحديث وفيه رجل أنعم عليه قوم فكفر نعمتهم وتبرأ منهم
وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه عند أحمد كفر بالله تبرؤ من نسب وان دق
وله شاهد عن أبي بكر الصديق وأما حديث الباب فلفظه من والى قوما بغير إذن مواليه فعليه
لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ومثله لأحمد وابن ماجة وصححه ابن حبان عن ابن عباس
ولأبي داود من حديث أنس فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة وقد مضى شرح حديث
الباب في فضل المدينة وفي الجزية ويأتي في الديات وفي معنى حديث علي في هذا حديث عائشة
مرفوعا من تولى إلى غير مواليه فليتبوأ مقعده من النار صححه ابن حبان ووالد إبراهيم التيمي
35

الراوي له عن علي اسمه يزيد بن شريك وقد رواه عن علي جماعة منهم أبو جحيفة وهب بن عبد
الله السواني ومضى في كتاب العلم وذكرت هناك وفي فضائل المدينة اختلاف الرواة عن علي فيما
في الصحيفة وان جميع ما رووه من ذلك كان فيها وكان فيها أيضا ما مضى في الخمس من حديث
محمد ابن الحنفية أن أباه علي بن أبي طالب أرسله إلى عثمان بصحيفة فيها فرائض الصدقة فان رواية
طارق بن شهاب عن علي في نحو حديث الباب عند أحمد أنه كان في صحيفته فرائض الصدقة
وذكرت في العلم سبب تحديث علي بن أبي طالب بهذا الحديث وإعراب قوله إلا كتاب الله وتفسير
الصحيفة وتفسير العقل ومما وقع فيه في العلم لا يقتل مسلم بكافر وأحلت بشرحه على كتاب الديات
والذي تضمنه حديث الباب مما في الصحيفة المذكورة أربعة أشياء أحدها الجراحات وأسنان
الإبل وسيأتي شرحه في الديات وهل المراد بأسنان الإبل المتعلقة بالخراج أو المتعلقة بالزكاة
أو أعم من ذلك ثانيها المدينة حرم وقد مضى شرحه مستوفى في مكانه في فضل المدينة في أواخر
الحج وذكرت فيه ما يتعلق بالسند وبيان الاختلاف في تفسير الصرف والعدل ثالثها ومن
والى قوما هو المقصود هنا وقوله في بغير إذن مواليه قد تقدم هناك أن الخطابي زعم أن له
مفهوما وهو أنه إذا استأذن مواليه منعوه ثم راجعت كلام الخطابي وهو ليس اذن الموالي
شرطا في ادعاء نسب وولاء ليس هو منه واليه وإنما ذكر تأكيدا للتحريم ولأنه إذا استأذنهم منعوه
وحالوا بينه وبين ما يفعل من ذلك انتهى وهذا لا يطرد لانهم قد يتواطئون معه على ذلك لغرض ما
والأولى ما قال غيره أن التعبير بالاذن ليس لتقييد الحكم بعدم الاذن وقصره عليه وانما ورد
الكلام بذلك على أنه الغالب انتهى ويحتمل أن يكون قول من تولى شاملا المعنى الأعم من
الموالاة وأن منها مطلق النصرة والإعانة والإرث ويكون قوله بغير اذن مواليه يتعلق بمفهومه
بما عدا الميراث ودليل إخراجه حديث انما الولاء لمن أعتق والعلم عند الله تعالى وكأن البخاري
لحظ هذا فعقب الحديث بحديث ابن عمر في النهي عن بيع الولاء وعن هبته فإنه يؤخذ منه
عدم اعتبار الاذن في ذلك بطريق الأولى لأنه إذا منع السيد من بيع الولاء مع ما تحصل له من
العوض ومن هبته مع ما يحصل له من المانة بذلك فمنعه من الاذن بغير عوض ولا مانة أولى وهو
مندرج في الهبة وفي الحديث أن انتماء المولى من أسفل إلى غير مولاه من فوق حرام لما فيه من
كفر النعمة وتضييع حق الإرث بالولاء والعقل وغير ذلك وبه استدل مالك على ما ذكر عنه ابن
وهب في موطئه قال سئل عن عبد يبتاع نفسه من سيده على أنه يوالي من شاء فقال لا يجوز ذلك
واحتج بحديث ابن عمر ثم قال فتلك الهبة المنهي عنها وقد شذ عطاء بن أبي رباح بالأخذ
بمفهوم هذا الحديث فقال فيما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج عنه إن أذن الرجل لمولاه
أن يوالي من شاء جاز واستدل بهذا الحديث قال ابن بطال وجماعة الفقهاء على خلاف
ما قال عطاء قال ويحمل حديث علي على أنه جرى على الغالب مثل قوله تعالى ولا تقتلوا أولادكم
خشية إملاق وقد أجمعوا على أن قتل الولد حرام سواء خشي الاملاق أم لا وهو منسوخ
بحديث النهي عن بيع الولاء وعن هبته (قلت) قد سبق عطاء إلى القول بذلك عثمان
فروى ابن المنذر أن عثمان اختصموا إليه في نحو ذلك فقال للعتيق وال من شئت وأن
ميمونة وهبت ولاء مواليها للعباس وولده والحديث الصحيح مقدم على جميع ذلك فلعله لم يبلغ
36

هؤلاء أو بلغهم وتأولوه وانعقد الاجماع على خلاف قولهم قال ابن بطال وفي الحديث
أنه لا يجوز للعتيق أن يكتب فلان بن فلان ويسمي نفسه ومولاه الذي أعتقه بل يقول فلان
مولى فلان ولكن يجوز له أن ينتسب إلى نسبة كالقرشي وغيره قال والأولى أن يفصح بذلك أيضا
كأن يقول القرشي بالولاء أو مولاهم قال وفيه أن من علم ذلك وفعله سقطت شهادته لما ترتب
عليه من الوعيد ويجب عليه التوبة والاستغفار وفي جواز لعن أهل الفسق عموما ولو كانوا
مسلمين رابعها وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الجزية
وأما حديث الباب الثاني فقد مضى في كتاب العتق وأحلت بشرحه على ما هنا (قوله حدثنا
سفيان) هو الثوري (قوله عن عبد الله بن دينار) هكذا قال الحفاظ من أصحاب سفيان الثوري
عنه منهم عبد الرحمن بن مهدي ووكيع وعبد الله بن نمير وغيرهم (قوله عن ابن عمر)
في رواية الإسماعيلي من طريق أحمد بن سنان عن عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة وسفيان عن
ابن دينار سمعت ابن عمر وقد اشتهر هذا الحديث عن عبد الله بن دينار حتى قال مسلم لما أخرجه
في صحيحه الناس في هذا الحديث عيال عليه وقال الترمذي بعد تخريجه حسن صحيح لا نعرفه
إلا من حديث عبد الله بن دينار رواه عنه سعيد وسفيان ومالك ويروى عن شعبة أنه قال وددت
أن عبد الله بن دينار لما حدث بهذا الحديث أذن لي حتى كنت أقوم إليه فأقبل رأسه قال
الترمذي وروى يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر عن عبد الله بن دينار (قلت) وصل رواية يحيى
ابن سليم ابن ماجة ولم ينفرد به يحيى بن سليم فقد تابعه أبو ضمرة أنس بن عياض ويحيى بن سعيد
الأموي كلاهما عن عبيد الله بن عمر أخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريقهما لكن قرن كل
منهما نافعا بعبد الله بن دينار وأخرجه ابن حبان في الثقات في ترجمة أحمد بن أبي أوفى وساقه من
طريقه عن شعبة عن عبد الله بن دينار وعمرو بن دينار جميعا عن ابن عمر وقال عمرو بن دينار
غريب وقد اعتنى أبو نعيم الأصبهاني بجمع طرقه عن عبد الله بن دينار فأورده عن خمسه وثلاثين
نفسا ممن حدث به عن عبد الله بن دينار منهم من الأكابر يحيى بن سعيد الأنصاري وموسى
ابن عقبة ويزيد بن الهاد وعبيد الله العمري وهؤلاء من صغار التابعين وممن دونهم مسعر
والحسن بن صالح بن حي وورقاء وأيوب بن موسى وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار
وعبد العزيز بن مسلم وأبو أويس وممن لم يقع له ابن جريج وهو عند أبي عوانة وسليمان بن
بلال وهو عند مسلم وأحمد بن حازم المغافري في جزء الهروي من طريق الطبراني (قوله عن
ابن عمر) في رواية أبي داود الحفري عن سفيان عند الإسماعيلي سمعت ابن عمر وكذا مضى في
العتق من رواية شعبة وفي مسند الطيالسي عن شعبة قلت لعبد الله بن دينار أنت سمعت هذا من
ابن عمر قال نعم سأله ابنه عنه وذكره أبو عوانة عن بهز بن أسد عن شعبة قلت لابن دينار أنت
سمعته من ابن عمر قال نعم وسأله ابنه حمزة عنه وكذا وقع في رواية عفان عن شعبة عند أبي نعيم
وأخرجه من وجه آخر أن شعبة قال قلت لابن دينار آلله لقد سمعت ابن عمر يقول هذا فيحلف له
وقيل لابن عيينة إن شعبة يستحلف عبد الله بن دينار قال لكنا لم نستحلفه سمعته منه مرارا
رويناه في مسند الحميدي عن سفيان وأخرجه الدارقطني في غرائب مالك من طريق الحسن بن
زياد اللؤلؤي عن مالك عن ابن دينار عن حمزة بن عبد الله ان عمر أنه سأل أباه عن شراء الولاء فذكر
37

الحديث فهذا ظاهره أن بن دينار لم يسمعه من ابن عمر وليس كذلك وقال ابن العربي في شرح
الترمذي تفرد بهذا الحديث عبد الله بن دينار وهو من الدرجة الثانية من الخبر لأنه لم يذكر لفظ
النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه نقل معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم انما الولاء لمن أعتق
(قلت) ويؤيده أن ابن عمر روى هذا الحديث عن عائشة في قصة بريرة كما مضى في العتق لكن
جاءت عنه صيغة الحديث من وجه آخر أخرجه النسائي وأبو عوانة من طريق الليث عن يحيى بن
أيوب عن مالك ولفظه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الولاء وعن هبته ووقع
في رواية محمد بن أبي سليمان التي أشرت إليها بلفظ الولاء لا يباع ولا يوهب وفي رواية عتبان بن
عبيد عن شعبة مثله ذكره أبو نعيم وزاد محمد بن سليمان في السند عن ابن عمر عن عمر فوهم
أخرجه الدارقطني أيضا وضعفه وأتفق جميع من ذكرنا على هذا اللفظ وخالفهم أبو يوسف
القاضي فرواه عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر بلفظ الولاء لحمة كلحمة النسب أخرجه الشافعي
ومن طريقه الحاكم ثم البيهقي وأدخل بشر بن الوليد بين أبي يوسف وبين بن دينار عبيد الله بن
عمر أخرجه أبو يعلى في مسنده عنه وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي يعلى وأخرجه أبو نعيم
من طريق عبد الله بن جعفر بن أعين عن بشر فزاد في المتن لا يباع ولا يوهب ومن طريق عبد الله
ابن نافع عن عبد الله بن دينار إنما الولاء نسب لا يصح بيعه ولا هبته والمحفوظ في هذا ما أخرجه
عبد الرزاق عن الثوري عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب موقوفا عليه الولاء لحمة كلحمة
النسب وكذا ما أخرجه البزار والطبراني من طريق سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه
عن جده رفعه الولاء ليس بمنتقل ولا متحول وفي سنده المغيرة بن جميل وهو مجهول نعم عن ابن
عباس من قوله الولاء لمن أعتق لا يجوز بيعه ولا هبته وقال ابن بطال أجمع العلماء على أنه لا يجوز
تحويل النسب فإذا كان حكم الولاء حكم النسب فكما لا ينتقل النسب لا ينتقل الولاء وكانوا في
الجاهلية ينقلون الولاء بالبيع وغيره فنهى الشرع عن ذلك وقال ابن عبد البر اتفق الجماعة على
العمل بهذا الحديث إلا ما روى عن ميمونة أنها وهبت ولاء سليمان بن يسار لابن عباس وروى
عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء يجوز للسيد أن يأذن لعبده أن يوالي من شاء (قلت) وقد تقدم
البحث فيه في الباب الذي قبله وقال ابن بطال وغيره جاء عن عثمان جواز بيع الولاء وكذا عن
عروة وجاء عن ميمونة جواز هبة الولاء وكذا عن ابن عباس ولعلهم لم يبلغهم الحديث (قلت) قد
أنكر ذلك ابن مسعود في زمن عثمان فأخرج عبد الرزاق عنه أنه كان يقول أيبيع أحدكم نسبه
ومن طريق علي الولاء شعبة من النسب ومن طريق جابر أنه أنكر بيع الولاء وهبته ومن طريق عطاء أن ابن عمر كان ينكره ومن طريق
عطاء عن ابن عباس لا يجوز وسنده صحيح ومن ثم فصلوا
في النقل عن ابن عباس بين البيع والهبة وقال ابن العربي معنى الولاء لحمة كلحمة النسب أن
الله أخرجه بالحرمة إلى النسب حكما كما أن الأب أخرجه بالنطفة إلى الوجود حسا لان العبد كان
كالمعدوم في حق الاحكام لا يقضي ولا يلي ولا يشهد فأخرجه سيده بالحرية إلى وجود هذه
الأحكام من عدمها فلما شابه حكم النسب أنيط بالمعتق فلذلك جاء انما الولاء لمن أعتق وألحق برتبة
النسب فنهى عن بيعه وهبته وقال القرطبي استدل للجمهور بحديث الباب ووجه الدلالة أنه
أمر وجودي لا يتأتى الانفكاك عنه كالنسب فكما لا تنتقل الأبوة والجدودة فكذلك لا ينتقل
الولاء إلا أنه يصح في الولاء جرما يترتب عليه من الميراث كما لو تزوج عبد معتقة آخر فولد له منها ولد
38

فإنه ينعقد حرا لحرية أمه فيكون ولاؤه لمواليها لو مات في تلك الحالة ولو أعتق السيد أباه قبل موت
الولد فان ولاءه ينتقل إذا مات لمعتق أبيه اتفاقا انتهى وهذا لا يقدح في الأصل المذكور أن الولاء
لحمة كلحمة النسب لان التشبيه لا يستلزم التسوية من كل وجه وأختلف فيمن أشتري نفسه من
سيده كالمكاتب فالجمهور على أن ولاءه لسيده وقيل لا ولاء عليه وفي ولاء من أعتق سائبة وقد
تقدم قريبا (قوله باب إذا أسلم على يديه) كذا للنسفي وزاد الفربري والأكثر
رجل ووقع في رواية الكشميهني الرجل وبالتنكير أولى (قوله وكان الحسن لا يرى له ولاية)
كذا للأكثر وفي رواية الكشميهني ولاء بالهمز بدل الياء من الولاء وهو المراد بالولاية واثر الحسن
هذا وهو البصري وصله سفيان الثوري في جامعه عن مطرف عن الشعبي وعن يونس وهو ابن
عبيد عن الحسن قالا في الرجل يوالي الرجل قالا هو بين المسلمين وقال سفيان وبذلك أقول
وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان وكذا رواه الدارمي عن أبي نعيم عن سفيان
وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا من طريق يونس عن الحسن لا يرثه إلا إن شاء أوصى له بماله (قوله
ويذكر عن تميم الداري رفعه هو أولى الناس بمحياه ومماته) هذا الحديث أغفله من صنف
في الأطراف وكذا من صنف في رجال البخاري لم يذكروا تميما الداري فيمن أخرج له وهو ثابت
في جميع النسخ هنا وذكر البخاري من روايته حديثا في الايمان لكن جعله ترجمة باب وهو الدين
النصيحة وقد أخرجه مسلم من حديثه وليس له عنده غيره وقد تكلمت عليه هناك وذكرت من
حديث أبي هريرة وغيره أيضا فلم يتعين المراد في تميم وهو ابن أوس بن خارجة بن سواد اللخمي
ثم الداري نسب إلى بني الدار بن لخم وكان من أهل الشام ويتعاطى التجارة في الجاهلية وكان
يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم فيقبل منه وكان إسلامه سنة تسع من الهجرة وقد حدث النبي
صلى الله عليه وسلم أصحابه وهو على المنبر عن تميم في قصة الجساسة والدجال وعد ذلك في مناقبه
وفي رواية الأكابر عن الأصاغر وقد وجدت رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن غير تميم وذلك فيما
أخرجه أبو عبد الله ابن منده في معرفة الصحابة في ترجمة زرعة بن سيف بن ذي يزن فساق بسنده
إلى زرعة أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه كتابا وفيه وأن مالك بن مزرد الرهاوي قد
حدثني أنك أسلمت وقاتلت المشركين فأبشر بخير الحديث وكان تميم الداري من أفاضل
الصحابة وله مناقب وهو أول من أسرج المساجد وأول من قضى على الناس أخرجهما الطبراني
وسكن تميم بيت المقدس وكان سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطعه عيون وغيرها إذا فتحت
ففعل فتسلمها بذلك لما فتحت بزمن عمر ذكر ذلك بن سعد وغيره ومات تميم سنة أربعين وقوله
رفعه هو في معنى قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحوها وقد وصله البخاري في تاريخه
وأبو داود وابن أبي عاصم والطبراني والباغندي في مسند عمر بن عبد العزيز بالعنعنة كلهم من
طريق عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال سمعت عبيد الله بن موهب يحدث عمر بن عبد العزيز
عن قبيصة بن ذؤيب عن تميم الداري قال قلت يا رسول الله ما السنة في الرجل يسلم على يدي رجل
من المسلمين قال هو أولى الناس بمحياه ومماته قال البخاري قال بعضهم عن ابن موهب سمع تميما
ولا يصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم الولاء لمن أعتق وقال الشافعي هذا الحديث ليس بثابت
إنما يرويه عبد العزيز بن عمر عن ابن موهب وابن موهب ليس بالمعروف ولا نعلمه لقى تميما ومثل
39

هذا لا يثبت وقال الخطابي ضعف أحمد هذا الحديث وأخرجه أحمد والدارمي والترمذي
والنسائي من رواية وكيع وغيره عن عبد العزيز عن ابن موهب عن تميم وصرح بعضهم بسماع
ابن موهب من تميم وأما الترمذي فقال ليس إسناده بمتصل قال وأدخل بعضهم بين ابن موهب
وبين تميم قبيصة رواه يحيى بن حمزة (قلت) ومن طريقه أخرجه من بدأت بذكره وقال بعضهم أنه
تفرد فيه بذكر قبيصة وقد رواه أبو إسحاق السبيعي عن ابن موهب بدون ذكر تميم أخرجه النسائي
أيضا وقال ابن المنذر هذا حديث مضطرب هل هو عن ابن موهب عن تميم أو بينهما قبيصة
وقال بعض الرواة فيه عن عبد الله ابن موهب وبعضهم ابن موهب وعبد العزيز راويه ليس
بالحافظ (قلت) هو من رجال البخاري كما تقدم في الأشربة ولكنه ليس بالمكثر وأما ابن موهب
فلم يدرك تميما وقد أشار النسائي إلى أن الرواية التي وقع التصريح فيها بسماعه من تميم خطأ
ولكن وثقه بعضهم وكان عمر بن عبد العزيز ولاه القضاء ونقل أبو زرعة الدمشقي في تاريخه
بسند له صحيح عن الأوزاعي أنه كان يدفع هذا الحديث ولا يرى له وجها وصحح هذا الحديث
أبو زرعة الدمشقي وقال هو حديث حسن المخرج متصل والى ذلك أشار البخاري بقوله واختلفوا
في صحة هذا الخبر وجزم في التاريخ بأنه لا يصح لمعارضته حديث انما الولاء لمن أعتق ويؤخذ منه
أنه لو صح سنده لما قاوم هذا الحديث وعلى التنزل فتردد في الجمع هل يخص عموم الحديث المتفق
على صحته بهذا فيستثنى منه من أسلم أو تؤول الأولوية في قوله أولى الناس بمعنى النصرة والمعاونة
وما أشبه ذلك لا بالميراث ويبقى الحديث المتفق على صحته على عمومه جنح الجمهور إلى الثاني
ورجحانه ظاهر وبه جزم ابن القصار فيما حكاه ابن بطال فقال لو صح الحديث لكان تأويله أنه
أحق بموالاته في النصر والإعانة والصلاة عليه إذا مات ونحو ذلك ولو جاء الحديث بلفظ أحق
بميراثه لوجب تخصيص الأول والله أعلم قال ابن المنذر قال الجمهور بقول الحسن في ذلك وقال
حماد وأبو حنيفة وأصحابه وروى عن النخعي أنه يستمر إن عقل عنه وإن لم يعقل عنه فله أن يتحول
لغيره واستحق الثاني وهلم جرة وعن النخعي قول آخر ليس له أن يتحول وعنه ان استمر إلى أن مات
تحول عنه وبه قال إسحاق وعمر بن عبد العزيز ووقع ذلك في طريق الباغندي التي أسلفتها وفي
غيرها أنه أعطى رجلا أسلم على يديه رجل فمات وترك مالا وبنتا نصف المال الذي بقى بعد نصيب
البنت ثم ذكر المنصف حديث ابن عمر في قصة بريرة من أجل قوله فيه فإن الولاء لمن أعتق لان
اللام فيه للاختصاص أي الولاء مختص بمن أعتق وقد تقدم توجيهه وقوله فيه لا يمنعك وقع
في رواية الكشميهني لا يمنعنك بالتأكيد ثم ذكر حديث عائشة في ذلك مختصرا وقال في آخره قال
وكان زوجها حرا وقد تقدم قبل باب من وجه آخر عن منصور أن قائل ذلك هو الأسود راويه
عن عائشة وفي الباب الذي قبله من طريق الحكم عن إبراهيم أنه الحكم ومضى الكلام على
ذلك مستوفى بحمد الله تعالى ومحمد المذكور في أول السند الثاني قال أبو علي الغساني هو ابن
سلام إن شاء الله وجرير هو ابن عبد الحميد (قلت) وقد وقع في الإستقراب حدثنا
محمد حدثنا جرير كذا عند الأكثر غير منسوب ووقع في رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري محمد بن سلام
وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني محمد بن يوسف يعني البيكندي وليس في الكتاب محمد عن جرير
سوى هذين الموضعين والمرجح أنه ابن سلام وقد أغرب أبو نعيم فأخرج الحديث من طريق عثمان
40

ابن أبي شيبة عن جرير ثم قال أخرجه البخاري عن عثمان كذا وجدته وما أظنه إلا ذهولا (قوله
باب ما يرث النساء من الولاء) ذكر فيه حديث بن عمر المذكور في الباب قبله من وجه
آخر عن نافع وحديث عائشة من وجه آخر عن منصور مقتصرا على قوله الولاء لمن أعطى الورق
وولي النعمة وهذا اللفظ لوكيع عن سفيان الثوري عن منصور وقد أخرجه الترمذي من رواية
عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان بلفظ أنها أرادت أن تشتري بريرة فاشترطوا الولاء فقال النبي
صلى الله عليه وسلم فذكره وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق وكيع أيضا ومن طريق عبد الرحمن
بن مهدي جميعا عن سفيان تاما وقال لفظهما واحد فعرف أن وكيعا كان ربما اختصره وعرف
أنه في قصة بريرة وقد ذكر أصحاب منصور كأبي عوانة بلفظ انما الولاء لمن أعتق وكذلك ذكره
أصحاب إبراهيم كالحكم والأعمش وأصحاب الأسود وأصحاب عائشة وكلها في الكتب الستة
وتفرد الثوري وتابعه جرير عن منصور بهذا اللفظ ويحتمل أن يكون منصور رواه لهما بالمعنى
وقد تفرد الثوري بزيادة قوله وولى النعمة ومعنى قوله أعطى الورق أي الثمن وإنما صحة العتق
تستدعي سبق ملك والملك يستدعي ثبوت العوض قال ابن بطال هذا الحديث يقتضي أن الولاء
لكل معتق ذكرا كان أو أنثى وهو مجمع عليه وأما جر الولاء فقال الأبهري ليس بين الفقهاء
اختلاف أنه ليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أولاد من أعتقن إلا ما جاء عن مسروق أنه قال
لا يختص الذكور بولاء من أعتق آباءهم بل الذكور والإناث فيه سواء كالميراث ونقل ابن المنذر
عن طاوس مثله وعليه اقتصر سحنون فيما نقله ابن التين وتعقب الحصر الذي ذكره الأبهري تبعا
لسحنون وغيره بأنه يرد عليه ولد الإناث من ولد من أعتقن قال والعبارة السالمة أن يقال إلا
ما أعتقن أو جر إليهن من أعتقن بولادة أو عتق احترازا ممن لها ولد من زنا أو كانت ملاعنة أو
كان زوجها عبدا فان ولاء ولد هؤلاء كلهم لمعتق الام والحجة للجمهور اتفاق الصحابة ومن حيث
النظر أن المرأة لا تستوعب المال بالفرض الذي هو آكد من فاختص بولاء من
يستوعب المال وهو الذكر وانما ورثن من عتقن لأنه عن مباشرة لاعن جر الإرث واستدل
بقوله الولاء لمن أعطى الورق على من قال فيمن أعتق قوله الولاء لمن أعطى الورق فدل
على أن المراد بقوله لمن أعتق لمن كان من عتق في ملكه حين العتق لا لمن باشر العتق فقط (قوله
باب) بالتنوين (مولى القوم من أنفسهم) أي عتيقهم ينسب نسبتهم ويرثونه (قوله وابن
الأخت منهم) أي لأنه ينتسب إلى بعضهم وهي أمة (قوله حدثنا شعبة حدثنا معاوية بن قرة
وقتادة عن أنس) هكذا وقع في رواية آدم عن شعبة مقرونا وأكثر الرواة قالوا عن شعبة عن قتادة
وحده عن أنس وقد تقدم بيان ذلك في مناقب قريش وأورده مختصرا ومن وجه آخر عن شعبة
عن قتادة مطولا في غزوة حنين وتقدمت فوائده هناك وفي كتاب الجزية وأخرجه الإسماعيلي من
طرق عن شعبة عن قتادة وقال المعروف عن شعبة في مولى القوم منهم أو من أنفسهم روايته عن
قتادة وعن معاوية بن قرة والمعروف عنه في ابن أخت القوم منهم أو من أنفسهم روايته عن
قتادة وحده وانفرد علي بن الجعد عن شعبة به عن معاوية بن قرة أيضا (قلت) وليس كما قال بل
41

تابعه أبو النصر عن شعبة عن معاوية بن قرة أيضا أخرجه أحمد في مسنده عنه وأفاد فيه أن المعني
بذلك النعمان بن مقرن المزني وكانت أمه أنصارية والله أعلم واستدل بقوله ابن أخت القوم
منهم من قال بأن ذوي الأرحام يرثون كما يرث العصبات وحمله من لم يقل بذلك على ما تقدم وكأن
البخاري رمز إلى الجواب بإيراد هذا الحديث لأنه لو صح الاستدلال بقوله ابن أخت القوم منهم
على إرادة الميراث لصح الاستدلال به على أن العتيق يرث ممن أعتقه لورد مثله في حقه لدل
على أن المراد بقوله من أنفسهم وكذا منهم في المعاونة والانتصار والبر والشفقة ونحو ذلك
لا في الميراث وقال ابن أبي جمرة الحكمة في ذكر ذلك إبطال ما كانوا عليه في الجاهلية من عدم
الالتفات إلى أولاد البنات فضلا عن أولاد الأخوات حتى قال قائلهم
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال الأباعد
فأراد بهذا الكلام التحريض على الألفة بين الأقارب قلت وأما القول في الموالي فالحكمة فيه
ما تقدم ذكره من جواز نسبة العبد إلى مولاه لا بلفظ البنوة لما سيأتي قريبا من الوعيد الثابت لمن
انتسب إلى غير أبيه وجواز نسبته إلى نسب مولاه بلفظ النسبة وفي ذلك جمع بين الأدلة وبالله
التوفيق (قوله باب ميراث الأسير) أي سواء عرف خبره أم جهل (قوله وكان شريح)
بمعجمة أوله ومهملة آخره وهو ابن الحرث القاضي الكندي الكوفي المشهور (قوله يورث الأسير
في أيدي العدو ويقول هو أحوج إليه) وصله ابن أبي شيبة والدارمي من طريق داود بن أبي هند
عن الشعبي عن شريح قال يورث الأسير إذا كان في أرض العدو وزاد ابن أبي شيبة قال شريح
أحوج ما يكون إلى ميراثه وهو أسير (قوله وقال عمر بن عبد العزيز أجز وصية الأسير وعتاقته
وما صنع في ماله ما لم يتغير عن دينه فإنما هو ماله يصنع فيه ما يشاء) في رواية الكشميهني ما شاء
وهذا وصله عبد الرزاق عن معمر عن إسحاق بن راشد أن عمر كتب إليه أن أجز وصية الأسير
وأخرجه الدارمي من طريق ابن المبارك عن معمر عن إسحاق بن راشد عن عمر بن عبد العزيز
في الأسير يوصى قال أجز له وصيته ما دام على الاسلام لم يتغير عن دينه قال ابن بطال ذهب
الجمهور إلى أن الأسير إذا وجب له ميراث أنه يوقف له وعن سعيد بن المسيب أنه لم يورث الأسير
في أيدي العدو قال وقول الجماعة أولى لأنه إذا كان مسلما دخل تحت عموم قوله صلى الله عليه
وسلم من ترك مالا فلورثته والى هذا أشار البخاري بإيراد حديث أبي هريرة وقد تقدم شرحه
قريبا وأيضا فهو مسلم تجري عليه أحكام المسلمين فلا يخرج عن ذلك إلا بحجة كما أشار إليه عمر بن
عبد العزيز ولا يكفي أن يثبت أنه ارتد حتى يثبت أن ذلك وقع منه طوعا فلا يحكم بخروج ماله عنه
حتى يثبت أنه ارتد طائعا لا مكرها وما ذكره ابن بطال عن سعيد بن المسيب أخرجه ابن أبي شيبة
وأخرج عنه أيضا رواية أخرى أنه يرث وعن الزهري روايتين أيضا وعن النخعي لا يرث (تنبيه)
تقدم في أواخر النكاح في باب حكم المفقود في أهله وماله أشياء تتعلق بالأسير في حكم زوجته وماله
وأن زوجته لا تتزوج وماله لا يقسم ما تحققت حياته وعلم مكانه فإذا انقطع خبره فهو مفقود
وتقدم بيان الاختلاف في حكمه هناك (قوله باب لا يرث المسلم الكافر ولا
الكافر المسلم) هكذا ترجم بلفظ الحديث ثم قال وإذا أسلم قبل أن يقسم الميراث فلا ميراث له
فأشار إلى أن عمومه يتناول هذه الصورة فمن قيد عدم التوارث بالقسمة احتاج إلى دليل وحجة
42

الجماعة أن الميراث يستحق بالموت فإذا أنتقل عن ملك الميت بموته لم ينتظر قسمته لأنه استحق الذي
أنتقل عنه ولو لم يقسم المال قال ابن المنير صورة المسألة إذا مات مسلم وله ولدان مثلا مسلم وكافر
فأسلم الكافر قبل قسمة المال قال ابن المنذر ذهب الجمهور إلى الأخ بما دل عليه عموم حديث أسامة
يعني المذكور في هذا الباب إلا ما جاء عن معاذ قال يرث المسلم من الكافر من غير عكس واحتج بأنه
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الاسلام يزيد ولا ينقص وهو حديث أخرجه أبو داود
وصححه الحاكم من طريق يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الدئلي عنه قال الحاكم صحيح الاسناد
وتعقب بالانقطاع بين أبي الأسود ومعاذ ولكن سماعه منه ممكن وقد زعم الجوزقاني أنه باطل
وهي مجازفة وقال القرطبي في المفهم وهو كلام محكي ولا يروى كذا قال وقد رواه من قدمت ذكره
فكأنه ما وقف على ذلك وأخرج أحمد بن منيع بسند قوي عن معاذ أنه كان يورث المسلم من
الكافر بغير عكس وأخرج مسند عنه أن أخوين اختصما إليه مسلم ويهودي مات أبوهما يهوديا
فحاز ابنه اليهودي ماله فنازعه المسلم فورث معاذ المسلم وأخرج ابن أبي شيبة من طريق عبد الله
ابن معقل قال ما رأيت قضاء أحسن من قضاء قضى به معاوية نرث أهل الكتاب ولا يرثونا كما يحل
النكاح فيهم ولا يحل لهم وبه قال مسروق وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وإسحاق وحجة
الجمهور أنه قياس في معارضة النص وهو صريح في المراد ولا قياس مع وجوده وأما الحديث
فليس نصا في المراد بل هو محمول على أنه يفضل غيره من الأديان ولا تعلق له بالإرث وقد عارضه
قياس آخر وهو أن التوارث يتعلق بالولاية ولا ولاية بين المسلم والكافر لقوله تعالى لا تتخذوا اليهود
والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض وبأن الذمي يتزوج الحربية ولا يرثها وأيضا فان الدليل
ينقلب فيما لو قال الذمي أرث المسلم لأنه يتزوج إلينا وفيه قول ثالث وهو الاعتبار بقسمة الميراث
جاء ذلك عن عمر وعثمان وعن عكرمة والحسن وجابر بن زيد وهو رواية عن أحمد (قلت)
ثبت عن عمر خلافه كما مضى في باب توريث دور مكة من كتاب الحج فان فيه بعد ذكر حديث الباب
مطولا في ذكر عقيل بن أبي طالب فكان عمر يقول فذكر المتن المذكور هنا سواء (قوله عن ابن
شهاب) هو الزهري وكذا وقع في رواية للإسماعيلي من وجه آخر عن أبي عاصم (قوله عن علي بن
حسين) هو المعروف بزين العابدين وعمرو بن عثمان أي بن عفان وقد تقدم في الحج من هذا
الشرح بيان من رواه عن الزهري مصرحا بالاخبار بينه وبين علي وكذا بين علي وعمرو واتفق
الرواة عن الزهري أن عمرو بن عثمان بفتح أوله وسكون إلا أن مالكا وحده قال عمر بضم أوله
وفتح الميم وشذت روايات عن غير مالك على وفقه وروايات عن مالك على وفق الجمهور وقد بين
ذلك ابن عبد البر وغيره ولم يخرج البخاري رواية مالك وقد عد ذلك ابن الصلاح في علوم الحديث
له في أمثلة المنكر وفيه نظر أوضحه شيخنا في النكت وزدت عليه في الافصاح (قوله لا يرث
المسلم الكافر) الخ تقدم في المغازي بلفظ المؤمن في الموضعين وأخرجه النسائي من رواية هشيم
عن الزهري بلفظ لا يتوارث أهل ملتين وجاءت رواية شاذة عن ابن عيينة عن الزهري مثلها
وله شاهد عند الترمذي من حديث جابر وآخر من حديث عائشة عند أبي يعلى وثالث من حديث
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في السنن الأربعة وسند أبي داود فيه إلى عمرو صحيح وتمسك بها من
قال لا يرث أهل ملة كافرة من أهل ملة أخرى كافرة وحملها الجمهور على أن المراد بإحدى الملتين
43

الاسلام وبالأخرى الكفر فيكون مساويا للرواية التي بلفظ حديث الباب وهو أولى من حملها
على ظاهر عمومها حتى يمتنع على اليهودي مثلا أن يرث من النصراني والأصح عند الشافعية أن
الكافر يرث الكافر وهو قول الحنفية والأكثر ومقابلة عن مالك وأحمد وعنه التفرقة بين الذمي
والحربي وكذا عند الشافعية وعن أبي حنيفة لا يتوارث حربي من ذمي فان كانا حربيين شرط
أن يكونا من دار واحدة وعند الشافعية لا فرق وعندهم وجه كالحنفية وعن الثوري
وربيعة وطائفة الكفر ثلاث ملل يهودية ونصرانية وغيرهم فلا ترث ملة من هذه من ملة من
الملتين وعن طائفة من أهل المدينة والبصرة كل فريق من الكفار ملة فلم يورثوا مجوسيا من
وثني ولا يهوديا من نصراني وهو قول الأوزاعي وبالغ فقال ولا يرث أهل نحلة من دين واحد أهل
نحلة أخرى كاليعقوبية والملكية من النصارى واختلف في المرتد فقال الشافعي وأحمد
يصير ماله إذا مات فيئا للمسلمين وقال مالك يكون فيئا إلا إن قصد بردته أن يحرم ورثته المسلمين
فيكون لهم وكذا قال في الزنديق وعن أبي يوسف ومحمد بورثته المسلمين وعن أبي حنيفة ما كسبه
قبل الردة لورثته المسلمين وبعد الردة لبيت المال وعن بعض التابعين كعلقمة يستحقه أهل الدين
الذي أنتقل إليه وعن داود يختص بورثته من أهل الدين الذي أنتقل إليه ولم يفصل فالحاصل
من ذلك ستة مذاهب حررها الماوردي واحتج القرطبي في المفهم بمذهبه بقوله تعالى لكل
جعلنا شرعة ومنهاجا فهي ملل متعددة وشرائع مختلفة قال وأما ما احتجوا به من قوله تعالى
ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم فوحد الملة فلا حجة فيه لان الوحدة في اللفظ
وفي المعنى الكثرة لأنه اضافه إلى مفيد الكثرة كقول القائل أخذ عن علماء الدين علمهم يريد علم
كل منهم قال واحتجوا بقوله قل يا أيها الكافرون إلى آخرها والجواب أن الخطاب بذلك وقع
لكفار قريش وهم أهل وثن وأما ما أجابوا به عن حديث لا يتوارث أهل ملتين بأن المراد ملة
الكفر وملة الاسلام فالجواب عنه بأنه إذا صح في حديث أسامة فمردود في حديث غيره واستدل
بقوله لا يرث الكافر المسلم على جواز تخصيص عموم الكتاب بالآحاد لان قوله تعالى يوصيكم الله
في أولادكم عام في الأولاد فخص منه الولد الكافر فلا يرث من المسلم بالحديث المذكور وأجيب
بأن المنع حصل بالاجماع وخير الواحد إذا حصل الاجماع على وفقه كان التخصيص بالاجماع
لا بالخبر فقط (قلت) لكن يحتاج من احتج في الشق الثاني به إلى جواب وقد قال بعض الحذاق
طريق العام هنا قطعي ودلالته على كل فرد ظنية وطريق الخاص هنا ظنية ودلالته عليه
قطعية فيتعادلان ثم يترجح الخاص بان العمل به يستلزم الجمع بين الدليلين المذكورين
بخلاف عكسه (قوله باب ميراث العبد النصراني والمكاتب النصراني) كذا
للأكثر بغير حديث ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني باب من ادعى أخا أو ابن أخ ولم يذكر فيه
حديثا ثم قال عن الثلاثة باب ميراث العبد النصراني والمكاتب النصراني ولم يذكر أيضا فيه
حديثا ثم قال عنهم باب إثم من انتفى من ولده وذكر قصة سعد وعبد بن زمعة فجرى ابن بطال
وابن التين على حذف باب ميراث العبد حديثا على ما وقع عند الأكثر وأما الإسماعيلي فلم يقع عنده باب ميراث
العبد النصراني بل وقع عنده باب إثم من انتفى من ولده وقال ذكر بلا حديث ثم قال باب
44

من ادعى أخا أو ابن أخ وذكر قصة عبد بن زمعة ووقع عند أبي نعيم باب ميراث النصراني ومن
انتفى من ولده ومن ادعى أخا أو ابن أخ وهذا كله راجع إلى رواية الفربري عن البخاري وأما
النسفي فوقع عنده باب ميراث العبد النصراني والمكاتب النصراني وقال لم يكتب فيه حديثا
وفي عقبه باب من انتفى من ولده ومن ادعى أخا أو ابن أخ وذكر فيه قصة ابن زمعة فتلخص لنا من
هذا كله أن الأكثر جعلوا قصة بن زمعة لترجمة من ادعى أخا أو ابن أخ ولا إشكال فيه وأما
الترجمتان فسقطت إحداهما عند بعض وثبتت عند بعض قال ابن بطال لم يدخل البخاري تحت
هذا الرسم حديثا ومذهب العلماء أن العبد النصراني إذا مات فماله لسيده بالرق لان مالك العبد
غير صحيح لا مستقر فهو مال السيد يستحقه لا بطريق الميراث وانما يستحق بطريق الميراث
ما يكون ملكا مستقرا لمن يورث عنه وعن ابن سيرين ماله لبيت المال وليس للسيد فيه شئ
لاختلاف دينهما وأما المكاتب فان مات قبل أداء كتابته وكان في ماله وفاء لباقي كتابته أخذ ذلك في
كتابته فما فضل فهو لبيت المال (قلت) وفي مسألة المكاتب خلاف ينشأ من الخلاف فيمن أدى
بعض كتابته هل يعتق منه بقدر ما أدى أو يستمر على الرق ما بقى عليه شئ وقد مضى الكلام على
ذلك في كتاب العتق وقال ابن المنير يحتمل أن يكون البخاري أراد أن يدرج هذه الترجمة تحت
الحديث الذي قبلها لان النظر فيه محتمل كأن يقال يأخذ المال لان العبد ملكه وله انتزاعه منه
حيا فكيف لا يأخذه ميتا ويحتمل أن يقال لا يأخذ لعموم لا يرث المسلم الكافر والأول أوجه (قلت)
وتوجيه ما تقدم وجرى الكرماني على ما وقع عند أبي نعيم فقال ههنا ثلاث تراجم متوالية
والحديث ظاهر للثالثة وهي من ادعى أخا أو ابن أخ قال وهذا يؤيد ما ذكروا أن البخاري ترجم
لأبواب وأراد أن يلحق بها الأحاديث فلم يتفق له إتمام ذلك وكان أخلي بين كل ترجمتين بياضا فضم
النقلة بعض ذلك إلى بعض قلت ويحتمل أن يكون في الأصل ميراث العبد النصراني
والمكاتب النصراني كان مضموما إلى لا يرث المسلم الكافر الخ وليس بعد ذلك ما يشكل إلا ترجمة
من انتفى من ولده ولا سيما على سياق أبي ذر وسأذكره في الباب الذي يليه (تكميل) لم يذكر
البخاري ميراث النصراني إذا أعتقه المسلم وقد حكى فيه ابن التين ثمانية أقوال فقال عمر بن
عبد العزيز والليث والشافعي هو كالمولى المسلم إذا كان له ورثة وإلا فماله لسيده وقيل يرثه الولد
خاصة وقيل الولد والوالد خاصة وقيل هما والاخوة وقيل هم والعصبة وقيل ميراثه لذوي
رحمه وقيل لبيت المال فيئا وقيل يوقف فمن ادعاه من النصارى كان له انتهى ملخصا وما نقله عن
الشافعي لا يعرفه أصحابه واختلف في عكسه فالجمهور أن الكافر إذا أعتق مسلما لا يرثه بالولاء
وعن أحمد رواية أنه يرثه ونقل مثله عن علي وأما ما أخرج النسائي والحاكم من طريق أبي الزبير
عن جابر مرفوعا لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته وأعله ابن حزم بتدليس أبي
الزبير وهو مردود فقد أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابرا فلا حجة
فيه لكل من المسألتين لان ظاهر في الموقوف (قوله باب إثم من انتفى من ولده)
أورد فيه حديث عائشة في قصة مخاصمة سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة وقد مضى شرحه
مستوفى في باب الولد للفراش وقد خفي توجيه هذه الترجمة لهذا الحديث ويحتمل أن يخرج على
أن عتبة بن أبي وقاص مات مسلما وأن الذي حمله على أن يوصي أخاه بأخذ ولد وليدة زمعة خشية
45

أن يكون سكوته عن ذلك مع اعتقاده أنه ولده يتنزل منزلة النفي وكان سمع ما ورد في حق من
انتفى من ولده من الوعيد فعهد إلى أخيه أنه ابنه وأمر باستلحاقه وعلى تقدير أن يكون عتبة
مات كافرا فيحتمل أن يكون ذلك هو الحامل لسعد على استلحاق ابن أخيه ويلحق انتفاء ولد
الأخ بالانتفاء من الولد لأنه قد يرث من عمه كما يرث من أبيه وقد ورد الوعيد في حق من انتفى من
ولده من رواية مجاهد عن ابن عمر رفعه من انتفى من ولده ليفضحه في الدنيا فضحه الله يوم القيامة
الحديث وفي سنده الجراح والد وكيع مختلف فيه وله طريق أخرى عن ابن عمر أخرجه ابن
عدي بلفظ من انتفى من ولده فليتبوأ مقعده من النار وفي سنده محمد بن أبي الزعيزعة راويه عن
نافع قال أبو حاتم منكر الحديث وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه أبو داود والنسائي
وصححه ابن حبان والحاكم بلفظ وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه الحديث
وفي سنده عبيد الله بن يوسف حجازي ما روى عنه سوى يزيد بن الهاد (قوله باب
من ادعى إلى غير أبيه) لعل المراد إثم من ادعى كما صرح به في الذي قبله أو أطلق لوقوع الوعيد
فيه بالكفر وبتحريم الجنة فوكل ذلك إلى نظر من يسعى في تأويله عز وجل (قوله خالد هو بن عبد الله)
يعني الواسطي الطحان وخالد شيخه هو ابن مهران الحذاء وأبو عثمان هو النهدي وسعد
هو ابن أبي وقاص والسند إلى سعد كله بصريون والقائل فذكرته لأبي بكرة هو أبو
عثمان وقد وقع في رواية هشيم عن خالد الحذاء عند مسلم في أوله قصة ولفظه عن أبي عثمان
قال لما ادعى زياد لقيت أبا بكرة فقلت ما هذا الذي صنعتم إني سمعت سعد بن أبي وقاص يقول
فذكر الحديث مرفوعا فقال أبو بكرة وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد
بزياد الذي ادعى زياد بن سمية وهي أمه كانت أمة للحارث بن كلدة زوجها المولى عبيد فأتت
بزياد على فراشه وهم بالطائف قبل أن يسلم أهل الطائف فلما كان في خلافة عمر سمع أبو
سفيان بن حرب كلام زياد عند عمر وكان بليغا فأعجبه فقال إني لأعرف من وضعه في أمه ولو شئت
لسميته ولكن أخاف من عمر فلما ولى معاوية الخلافة كان زياد على فارس من قبل علي فأراد
مداراته فأطمعه في أن يلحقه بأبي سفيان فأصغى زياد إلى ذلك فجرت في ذلك خطوب إلى أن
ادعاه معاوية وأمره على البصرة ثم على الكوفة وأكرمه وسار زياد سيرته المشهورة وسياسته
المذكورة فكان كثير من الصحابة والتابعين ينكرون ذلك على معاوية محتجين بحديث الولد
للفراش وقد مضى قريبا شئ من ذلك وانما خص أبو عثمان أبا بكرة بالانكار لان زيادا كان أخاه
من أمه ولأبي بكرة مع زياد قصة تقدمت الإشارة إليها في كتاب الشهادات وقد تقدم الحديث في
غزوة حنين من رواية عاصم الأحول عن أبي عثمان قال سمعت سعدا وأبا بكرة وتقدم هناك
ما يتعلق بأبي بكرة (قوله من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام) وفي رواية
عاصم المشار إليها عند مسلم من ادعى أبا في الاسلام غير أبيه والثاني مثله وقد تقدم شرحه في
مناقب قريش في الكلام على حديث أبي ذر وفيه من ادعى لغير أبيه وهو يعلمه الا كفر ووقع
هناك الا كفر بالله وتقدم القول فيه وقد ورد في حديث أبي بكر الصديق كفر بالله انتفى من
نسب وان دق أخرجه الطبراني (قوله أخبرني عمرو) هو ابن الحرث وعراك بكسر المهملة
وتخفيف الراء وآخره كاف هو ابن مالك (قوله عن أبي هريرة) في رواية مسلم عن هارون بن سعيد
46

عن ابن وهب بسنده إلى عراك أنه سمع أبا هريرة (قوله لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه
فهو كفر) كذا للأكثر وكذا لمسلم ووقع للكشميهني فقد كفر وسيأتي في باب رجم الحبلى من الزنا
في حديث عمر الطويل لا ترغبوا عن آبائكم فهو كفر بربكم قال ابن بطال ليس معنى هذين
الحديثين أن من اشتهر بالنسبة إلى غير أبيه أن يدخل في الوعيد كالمقداد بن الأسود وانما المراد به
من تحول عن نسبته لأبيه إلى غير أبيه عالما عامدا مختارا وكانوا في الجاهلية لا يستنكرون أن
يتبنى الرجل ولد غيره ويصير الولد ينسب إلى الذي تبناه حتى نزل قوله تعالى ادعوهم لآبائهم هو
أقسط عند الله وقوله سبحانه وتعالى وما جعل أدعياءكم أبناءكم فنسب كل واحد إلى أبيه الحقيقي
وترك الانتساب إلى من تبناه لكن بقى بعضهم مشهورا بمن تبناه فيذكر به لقصد التعريف
لا لقصد النسب الحقيقي كالمقداد بن الأسود وليس الأسود أباه وانما كان تبناه واسم أبيه الحقيقي
عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة النهراني وكان أبوه حليف كندة فقيل له الكندي ثم حالف هو
الأسود بن عبد يغوث الزهري فتبنى المقداد فقيل له ابن الأسود انتهى ملخصا موضحا قال وليس
المراد بالكفر حقيقة الكفر التي يخلد صاحبها في النار وبسط القول في ذلك وقد تقدم توجيهه في
مناقب قريش وفي كتاب الايمان في أوائل الكتاب وقال بعض الشراح سبب إطلاق الكفر
هنا أنه كذب على الله كأنه يقول خلقني الله من ماء فلان وليس كذلك لأنه انما خلقه من غيره
واستدل به على أن قوله في الحديث الماضي قريبا ابن أخت القوم من أنفسهم ومولى القوم من
أنفسهم ليس على عمومه إذ لو كان على عمومه لجاز أن ينسب إلى خاله مثلا وكان معارضا لحديث
الباب المصرح بالوعيد الشديد لمن فعل ذلك فعرف أنه خاص والمراد به أنه منهم في الشفقة
والبر والمعاونة ونحو ذلك (قوله باب إذا ادعت المرأة ابنا) ذكر قصة المرأتين
اللتين كان مع كل منهما ابن فأخذ الذئب أحدهما فاختلفتا في أيهما الذاهب فتحاكمتا إلى داود
وفيه حكم سليمان وقد مضى شرحه مستوفى في ترجمة سليمان من أحاديث الأنبياء قال ابن
بطال أجمعوا على أن الام لا تستلحق بالزوج ما ينكره فان أقامت البينة قبلت حيث تكون
في عصمته فلو لم تكن ذات زوج وقالت لمن لا يعرف له أب هذا ابني ولم ينازعها فيه أحد فإنه
يعمل بقولها وترثه ويرثها ويرثه إخوته لامه ونازعه ابن التين فحكى عن ابن القاسم لا يقبل
قولها إذا ادعت اللقيط وقد استنبط النسائي في السنن الكبرى من هذا الحديث أشياء نفيسة
فترجم نقض الحاكم ما حكم به غيره ممن هو مثله أو أجل إذا اقتضى الامر ذلك ثم ساق الحديث
من طريق علي بن عياش عن شعيب بسنده المذكور هنا وصرح فيه بالتحديث بين أبي الزناد
وبين الأعرج وأبي هريرة وساق الحديث نحو أبي اليمان وترجم أيضا الحاكم بخلاف ما يعترف به
المحكوم له إذا تبين للحاكم أن الحق غير ما اعترف به وساق الحديث من طريق مسكين بن بكير عن
شعيب وفيه فقال اقطعوه نصفين لهذه نصف ولهذه نصف فقالت الكبرى نعم اقطعوه فقالت
الصغرى لا تقطعوه هو ولدها فقضى به للتي أبت أن يقطعه فأشار إلى قول الصغرى هو ولدها ولم
يعمل سليمان بهذا الاقرار بل قضى به لها مع اقرارها بأنه لصاحبتها وترجم له التوسعة للحاكم
أن يقول للشئ الذي لا يفعله افعل ليستبين له الحق وساقه من طريق محمد بن عجلان عن أبي الزناد
وفيه فقال ائتوني بالسكين أشق الغلام بينهما فقالت الصغرى أتشقه فقال نعم فقالت لا تفعل
47

حظي منه لها وقد أخرجه مسلم من طريق أبي الزناد ولم يسق لفظه بل أحال به على رواية ورقاء
عن أبي الزناد وقد ذكرت ما فيها في ترجمة سليمان ثم ترجم الفهم في القضاء والتدبر فيه والحكم
بالاستدلال ثم ساقه من طريق بشير بن نهيك عن أبي هريرة وذكر الحديث مختصرا وقال في آخره
فقال سليمان يعني للكبرى لو كان ابنك لم ترضي ان يقطع (قوله باب القائف) هو
الذي يعرف الشبه ويميز الأثر سمي بذلك لأنه يقفو الأشياء أي يتبعها فكأنه مقلوب من القافي
قال الأصمعي هو الذي يقفو الأثر ويقتافه قفوا وقيافة والجمع القافة كذا وقع في الغريبين
والنهاية (قوله في الطريق الثانية عن الزهري) في رواية الحميدي عن سفيان حدثنا الزهري
أخرجه أبو نعيم (قوله دخل على مسرورا تبرق أسارير وجهه) تقدم شرحه في صفة النبي
صلى الله عليه وسلم (قوله فقال ألم ترى إلى مجزز) في الرواية التي بعدها ألم ترى أن مجززا والمراد من
الرؤية هنا الاخبار أو العلم ومضى في مناقب زيد من طريق أبي عيينة عن الزهري ألم تسمعي ما قال
المدلجي ومضى في صفة النبي صلى الله عليه وسلم من طريق إبراهيم بن محمد عن الزهري بلفظ دخل
على قائف الحديث وفيه فسر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأعجبه وأخبر به عائشة ولمسلم من
طريق معمر وابن جريج عن الزهري وكان مجزز قائفا ومجزز بضم الميم وكسر الزاي الثقيلة
وحكى فتحها وبعدها زاي أخرى هذا هو المشهور ومنهم من قال بسكون الحاء المهملة وكسر الراء
ثم زاي وهو ابن الأعور بن جعدة المدلجي نسبة إلى مدلج بن مرة بن عبد مناف بن كنانة وكانت
القيافة فيهم وفي بني أسد والعرب تعترف لهم بذلك وليس ذلك خاصا بهم على الصحيح وقد أخرج
يزيد بن هارون في الفرائض بسند صحيح إلى سعيد بن المسيب أن عمر كان قائفا أورده في قصته وعمر
قرشي ليس مدلجيا ولا أسديا لا أسد قريش ولا أسد خزيمة ومجزز المذكور هو والد علقمة بن مجزز
الماضي ذكره في باب باب سرية عبد الله بن حذافة من المغازي وذكر مصعب الزبيري والواقدي أنه
سمي مجززا لأنه كان إذا أخذ أسيرا في الجاهلية جز ناصيته وأطلقه وهذا يدفع فتح الزاي الأولى من
اسمه وعلى هذا كان له اسم غير مجزز لكني لم أر من ذكره وكان مجزز عارفا بالقيافة وذكره ابن يونس
فيمن شهد فتح مصر وقال لا أعلم له رواية (قوله نظر آنفا) بالمد ويجوز القصر أي قريبا أو أقرب
وقت (قوله إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد) في الرواية التي بعدها دخل علي فرأى أسامة بن زيد
وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامها وفي رواية إبراهيم بن سعد وأسامة وزيد
مضطجعان وفي هذه الزيادة دفع توهم من يقول لعله حاباهما بذلك لما عرف من كونهم كانوا يطعنون
في أسامة (قوله بعضها من بعض) من رواية الكشميهني لمن بعض قال أبو داود نقل أحمد بن صالح
عن أهل النسب أنهم كانوا في الجاهلية يقدحون في نسب أسامة لأنه كان أسود شديد السواد
وكان أبوه زيد أبيض من القطن فلما قال القائف ما قال مع اختلاف اللون سر النبي صلى الله
عليه وسلم لذلك لكونه كافا لهم عن الطعن فيه لاعتقادهم ذلك وقد أخرج عبد الرزاق من
طريق ابن سيرين أن أم أسامة وهي أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم كانت سوداء فلهذا
جاء أسامة أسود وقد وقع في الصحيح عن ابن شهاب أن أم أيمن كانت حبشية وصيفة لعبد الله
والد النبي صلى الله عليه وسلم ويقال كانت من سبي الحبشة الذين قدموا زمن الفيل فصارت لعبد
المطلب فوهبها لعبد الله وتزوجت قبل زيد عبيد الحبشي فولدت له أيمن فكنيت به واشتهرت
48

بذلك وكان يقال لها أم الظباء وقد تقدم لها ذكر في أواخر الهبة قال عياض لو صح أن أم أيمن
كانت سوداء لم ينكروا سواد ابنها أسامة لان السوداء قد تلد من الأبيض أسود (قلت)
يحتمل أنها كانت صافية فجاء أسامة شديد السواد فوقع الانكار لذلك وفي الحديث جواز
الشهادة على المنتقبة والاكتفاء بمعرفتها من غير رؤية الوجه وجواز اضطجاع الرجل مع ولده
في شعار واحد وقبول شهادة من يشهد قبل أن يستشهد عند عدم التهمة وسرور الحاكم بظهور
الحق لاحد الخصمين عند السلامة من الهوى وتقدم في باب إذا عرض لنفي الولد من كتاب اللعان
حديث أبي هريرة في قصة الذي قال أن امرأتي ولدت غلاما أسود وفيه قول النبي صلى الله عليه
وسلم لعله نزعه عرق ومضى شرحه هناك وبالله التوفيق (تنبيه) وجه إدخال هذا الحديث
في كتاب الفرائض الرد على من زعم أن القائف لا يعتبر قوله فان من اعتبر قوله فعمل به لزم منه
حصول التوراث بين الملحق والملحق به (خاتمة) اشتمل كتاب الفرائض من الأحاديث المرفوعة
على ثلاثة وأربعين حديثا المعلق منها حديث تميم الداري فيمن أسلم على يديه والبقية
موصول والمكرر منها فيه وفيما مضى سبعة وثلاثون حديثا والبقية خالصة لم يخرج مسلم منها
سوى حديث أبي هريرة في الجنين غرة وحديث ابن عباس ألحقوا الفرائض بأهلها وأما حديث
معاذ في توريث الأخت والبنت وحديث ابن مسعود في توريث بنت الابن وحديثه في السائبة
وحديث تميم الداري المعلق فانفرد البخاري بتخريجها وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم
أربعة وعشرون أثرا والله سبحانه وتعالى أعلم
(قوله بسم الله الرحمن الرحيم)
كتاب الحدود
جمع حد والمذكور فيه هنا حد الزنا والخمر والسرقة وقد حصر بعض العلماء ما قيل بوجوب
الحد به في سبعة عشر شيئا فمن المتفق عليه الردة والحرابة ما لم يتب قبل القدرة والزنا والقذف به
وشرب الخمر سواء أسكر أم لا والسرقة ومن المختلف فيه جحد العارية وشرب ما يسكر كثيره من
غير الخمر والقذف بغير الزنا والتعريض بالقذف واللواط ولو بمن يحل له نكاحها وإتيان البهيمة
والسحاق وتمكين المرأة القرد وغيره من الدواب من وطئها والسحر وترك الصلاة تكاسلا
والفطر في رمضان وهذا كله خارج عما تشرع فيه المقاتلة كما لو ترك قوم الزكاة ونصبوا لذلك
الحرب وأصل الحد ما يحجز بين شيئين فيمنع اختلاطهما وحد الدار ما يميزها وحد الشئ وصفه
المحيط به المميز له عن غيره وسميت عقوبة الزاني ونحوه حدا لكونها تمنعه المعاودة أو لكونها
مقدرة من الشارع وللإشارة إلى المنع سمى البواب حدادا قال الراغب وتطلق الحدود ويراد بها
نفس المعاصي كقوله تعالى تلك حدود الله فلا تقربوها وعلى فعل فيه شئ مقدر ومنه ومن يتعد
حدود الله فقد ظلم نفسه وكأنها لما فصلت بين الحلال والحرام سميت حدودا فمنها ما زجر عن
فعله ومنها ما زجر من الزيادة عليه والنقصان منه وأما قوله تعالى إن الذين يحادون الله ورسوله
فهو من الممانعة ويحتمل أن يراد استعمال الحديث إشارة إلى المقاتلة وذكرت البسملة في رواية
أبي ذر سابقة على كتاب (قوله باب ما يحذر من الحدود) كذا للمستملي ولم
49

يذكر فيه حديثا ولغيره وما يحذر عطفا على الحدود وفي رواية النسفي جعل البسملة بين الكتاب
والباب ثم قال لا يشرب الخمر وقال ابن عباس الخ (قوله باب الزنا وشرب الخمر)
أي التحذير من تعاطيهما ثبت هذا المستملي وحده (قوله وقال ابن عباس ينزع منه نور الايمان
في الزنا) وصله أبو بكر بن أبي شيبة في كتاب الايمان من طريق عثمان بن أبي صفية قال كان ابن
عباس يدعو غلمانه غلاما غلاما فيقول ألا أزوجك ما من عبد يزني إلا نزع الله منه نور الايمان
وقد روى مرفوعا أخرجه أبو جعفر الطبري من طريق مجاهد عن ابن عباس سمعت النبي صلى
الله عليه وسلم يقول من زنى نزع الله نور الايمان من قلبه فان شاء أن يرده إليه رده وله شاهد من
حديث أبي هريرة عند أبي داود (قوله عن أبي بكر بن عبد الرحمن) أي ابن الحرث بن هشام
المخزومي ووقع في رواية مسلم من طريق شعيب بن الليث عن أبيه حدثني عقيل بن خالد قال قال
ابن شهاب أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام (قوله لا يزني الزاني حين يزني وهو
مؤمن) قيد نفي الايمان بحالة ارتكابه لها ومقتضاه أنه لا يستمر بعد فراغه وهذا هو الظاهر
ويحتمل بأن يكون المعنى أن زوال ذلك إنما هو إذا أقلع الاقلاع الكلي واما لو فرغ وهو مصر تلك
المعصية فهو كالمرتكب فيتجه أن نفي الايمان عنه يستمر ويؤيده ما وقع في بعض طرقه كما سيأتي
في المحاربين من قول ابن عباس فان تاب عاد إليه ولكن أخرج الطبري من طريق نافع بن جبير
بن مطعم عن ابن عباس قال لا يزني حين يزني وهو مؤمن فإذا زال رجع إليه الايمان ليس إذا
تاب منه ولكن إذا تأخر عن العمل به ويؤيده أن المصر وإن كان إثمه مستمرا لكن ليس إثمه كمن
باشر الفعل كالسرقة مثلا (قوله ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن) في الرواية الماضية في
الأشربة ولا يشربها ولم يذكر اسم الفاعل من الشرب كما ذكره في الزنا والسرقة وقد تقدم الكلام
على ذلك في كتاب الأشربة قال ابن مالك فيه جواز حذف الفاعل بدلالة الكلام عليه والتقدير
ولا يشرب الشارب الخمر الخ ولا يرجع الضمير إلى الزاني لئلا يختص به بل هو عام في حق كل من
شرب وكذا القول في لا يسرق ولا يقتل وفي لا يغل ونظير حذف الفاعل بعد النفي قراءة
هشام ولا يحسبن الذين قتلوا في سبيل الله بفتح الياء التحتانية أوله أي لا يحسبن حاسب (قوله ولا
ينتهب نهبة) بضم النون هو المال المنهوب والمراد به المأخوذ جهرا قهرا ووقع في رواية همام عند
أحمد والذي نفس محمد بيده لا ينتهبن أحدكم نهبة الحديث وأشار برفع البصر إلى حالة المنهوبين
فإنهم ينظرون إلى من ينهبهم ولا يقدرون على دفعه ولو تضرعوا إليه ويحتمل أن يكون كناية عن
عدم التستر بذلك فيكون صفة لازمة للنهب بخلاف السرقة والاختلاس فإنه يكون في خفية
والانتهاب أشد لما فيه من مزيد الجراءة وعدم المبالاة وزاد في رواية يونس بن يزيد عن ابن شهاب
التي يأتي التنبيه عليها عقبها ذات شرف أي ذات قدر حيث يشرف الناس لها ناظرين إليها ولهذا
وصفها بقوله يرفع الناس إليه فيها أبصارهم ولفظ يشرف وقع في معظم الروايات في الصحيحين
وغيرهما بالشين المعجمة وقيدها بعض رواة مسلم بالمهملة وكذا نقل عن إبراهيم الحربي وهي ترجع
إلى التفسير الأول قاله بن الصلاح (قوله يرفع الناس الخ) هكذا وقع تقييده بذلك في النهبة
دون السرقة (قوله وعن بن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى
الله عليه وسلم بمثله إلا النهبة) هو موصول بالسند المذكور وقد أخرجه مسلم من طريق شعيب بن
50

الليث بلفظ قال بن شهاب وحدثني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث أبي بكر هذا إلا النهبة من طريق
يونس بن يزيد عن ابن شهاب سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن وابن المسيب يقولان قال أبو هريرة
فذكره مرفوعا وقال بعده قال ابن شهاب وأخبرني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث
ابن هشام أن أبا بكر يعني أباه كان يحدثه عن أبي هريرة ثم يقول كان أبو بكر يلحق معهن
ولا ينتهب نهبة ذات شرف والباقي نحو الذي هنا وتقدم في كتاب الأشربة أن مسلما أخرجه من
رواية الأوزاعي عن ابن شهاب عن بن المسيب وأبي سلمة وأبي بكر بن عبد الرحمن ثلاثتهم عن
أبي هريرة وساقه مساقا واحدا من غير تفصيل قال ابن الصلاح في كلامه على مسلم قوله وكان
أبو هريرة يلحق معهن ولا ينتهب يوهم أنه موقوف على أبي هريرة وقد رواه أبو نعيم في مستخرجه
على مسلم من طريق همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال والذي نفس محمد بيده
لا ينتهب أحدكم نهبة الحديث فصرح برفعه انتهى وقد أخرجه مسلم من هذا الوجه لكن لم
يسق لفظه بل قال مثل حديث الزهري لكن قال يرفع إليه المؤمنون أعينهم فيها الحديث قال
وزاد ولا يغل أحدكم حين يغل وهو مؤمن فإياكم إياكم وسيأتي في المحاربين من حديث ابن عباس
هذا فيه من الزيادة ولا يقتل وتقدمت الإشارة إلى بعض ما قيل في تأويله في أول كتاب الأشربة
واستوعبه هنا إن شاء الله تعالى قال الطبري اختلف الرواة في أداء لفظ هذا الحديث وأنكر
بعضهم أن يكون صلى الله عليه وسلم قاله ثم ذكر الاختلاف في تأويله ومن أقوى ما يحمل على
صرفه عن ظاهره إيجاب الحد في الزنا على أنحاء مختلفة في حق الحر المحصن والحر البكر وفي حق
العبد فلو كان المراد بنفي الايمان ثبوت الكفر لاستووا في العقوبة لان المكلفين فيما يتعلق
بالايمان والكفر سواء فلما كان الواجب فيه من العقوبة مختلفا دل على أن مرتكب ذلك ليس
بكافر حقيقة وقال النووي اختلف العلماء في معنى هذا الحديث الصحيح الذي قاله المحققون
أن معناه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الايمان هذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشئ
والمراد نفي كماله كما يقال لا علم إلا ما نفع ولا مال إلا ما يغل ولا عيش إلا عيش الآخرة وانما تأولناه
لحديث أبي ذر من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنا وإن سرق وحديث عبادة الصحيح
المشهور أنهم بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يسرقوا ولا يزنوا الحديث وفي
آخره ومن فعل شيئا من ذلك فعوقب به في الدنيا فهو كفارة ومن لم يعاقب فهو إلى الله ان شاء
عفا عنه وان شاء عذبه فهذا مع قول الله عز وجل إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك
لمن يشاء مع إجماع أهل السنة على أن مرتكب الكبائر لا يكفر إلا بالشرك يضطرنا إلى تأويل
الحديث ونظائره وهو تأويل ظاهر سائغ في اللغة مستعمل فيها كثيرا قال وتأوله بعض العلماء على
من فعل مستحيلا مع علم بتحريمه وقال الحسن البصري ومحمد بن جرير الطبري معناه ينزع عنه
اسم المدح الذي سمى الله به أولياءه فلا يقال في حقه مؤمن ويستحق اسم الذم فيقال سارق وزان
وفاجر وفاسق وعن ابن عباس ينزع منه نور الايمان وفيه حديث مرفوع وعن المهلب تنزع منه
بصيرته في طاعة الله وعن الزهري أنه من المشكل الذي نؤمن به وتمر كلما جاء ولا نعترض لتأويله
قال وهذه الأقوال محتملة والصحيح ما قدمته قال وقيل في معناه غير ما ذكرته مما ليس بظاهر بل
51

بعضها غلط فتركتها انتهى ملخصا وقد ورد في تأويله بالمستحل حديث مرفوع عن علي عند
الطبري في الصغير لكن في سنده راو كذبوه فمن الأقوال التي لم يذكرها ما أخرجه الطبري
من طريق محمد بن زيد بن واقد بن عبد الله بن عمر أنه خبر بمعنى النهي والمعنى لا يزنين مؤمن
ولا يسرقن مؤمن وقال الخطابي كان بعضهم يرويه ولا يشرب بكسر الباء على معنى النهي
والمعنى المؤمن لا ينبغي له أن يفعل ذلك ورد بعضهم هذا القول بأنه لا يبقى التقييد بالظرف
فائدة فان الزنا منهي عنه في جميع الملل وليس مختصا بالمؤمنين (قلت) وفي هذا الرد نظر
واضح لمن تأمله ثانيها أن يكون بذلك منافقا نفاق معصية لا نفاق كفر حكاه ابن بطال
عن الأوزاعي وقد مضى تقريره في كتاب الايمان أول الكتاب ثالثها أن معنى نفي كونه مؤمنا أنه
شابه الكافر في عمله وموقع التشبيه أنه مثله في جواز قتله في تلك الحالة ليكف عن المعصية
ولو أدى إلى قتله فإنه لو قتل في تلك الحالة كان دمه هدرا فانتفت فائدة الايمان في حقه بالنسبة إلى
زوال عصمته في تلك الحالة وهذا يقوي ما تقدم من التقييد بحالة التلبس بالمعصية رابعها معنى
قوله ليس بمؤمن أي ليس بمستحضر في حالة تلبسه بالكبيرة جلال من آمن به فهو كناية عن الغفلة
التي جلبتها له غلبة الشهوة وعبر عن هذا ابن الجوزي بقوله فان المعصية تذهله عن مراعاة
الايمان وهو تصديق القلب فكأنه نسي من صدق به قال ذلك في تفسير نزع نور الايمان ولعل
هذا هو مراد المهلب خامسها معنى نفي الايمان نفي الأمان من عذاب الله لان ايمان مشتق
من الامن سادسها أن المراد به الزجر والتنفير ولا يراد ظاهره وقد أشار إلى ذلك الطيبي فقال
يجوز أن يكون من باب التغليظ والتهديد كقوله تعالى ومن كفر فان الله غني عن العالمين يعني
أن هذه الخصال ليست من صفات المؤمن لأنها منافية لحاله فلا ينبغي أن يتصف بها سابعها
أنه يسلب الايمان حال تلبسه بالكبيرة فإذا فارقها عاد إليه وهو ظاهر ما أسنده البخاري عن ابن
عباس كما سيأتي في باب إثم الزنا من كتاب المحاربين عن عكرمة عنه بنحو حديث الباب قال عكرمة
قلت لابن عباس كيف ينزع منه الايمان قال هكذا وشبك بين أصابعه ثم أخرجها فإذا تاب
عاد إليه هكذا ثم شبك بين أصابعه وجاء مثل هذا مرفوعا أخرجه أبو داود والحاكم بسند صحيح
من طريق سعد المقبري أنه سمع أبا هريرة رفعه إذا زنى الرجل خرج منه الايمان فكان عليه
كالظلة فإذا أقلع رجع إليه الايمان وأخرج الحاكم من طريق ابن حجيرة أنه سمع أبا هريرة يقول
من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الايمان كما يخلع الانسان القميص من رأسه وأخرج
الطبراني بسند جيد من رواية رجل من الصحابة لم يسم رفعه من زنى خرج منه الايمان فان تاب
تاب الله عليه وأخرج الطبري من طريق عبد الله بن رواحة مثل الايمان مثل قميص بينما أنت
مدبر عنه إذا لبسته وبينما أنت قد لبسته إذ نزعته قال ابن بطال وبيان ذلك أن الايمان هو
التصديق غير أن للتصديق معنيين أحدهما قول والآخر عمل فإذا ركب المصدق كبيرة فارقه
اسم الايمان فإذا كف عنها عاد له الاسم لأنه في حال كفه عن الكبيرة مجتنب بلسانه ولسانه
مصدق عقد قلبه وذلك معنى الايمان قلت وهذا القول قد يلاقي ما أشار إليه النووي
فيما نقله عن ابن عباس ينزع منه نور الايمان لأنه يحمل منه على أن المراد في هذه الأحاديث
نور الايمان وهو عبارة عن فائدة التصديق وثمرته وهو العمل بمقتضاه ويمكن رد هذا
52

القول إلى القول الذي رجحه النووي فقد قال ابن بطال في آخر كلامه تبعا للطبري الصواب
عندنا قول من قال يزول عنه اسم الايمان الذي هو بمعنى المدح إلى الاسم الذي بمعنى الذم فقال
له فاسق مثلا ولا خلاف أنه يسمى بذلك ما لم تظهر منه التوبة فالزائل عنه حينئذ اسم الايمان
بالاطلاق والثابت له اسم الايمان بالتقييد فيقال هو مصدق بالله ورسوله لفظا واعتقادا لا عملا
ومن ذلك الكف عن المحرمات وأظن ابن بطال تلقى ذلك من بن حزم فإنه قال المعتمد عليه
عند أهل السنة أن الايمان اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالجوارح وهو يشمل عمل
الطاعة والكف عن المعصية فالمرتكب لبعض ما ذكر لم يختل اعتقاده ولا نطقه بل اختلت
طاعته فقط فليس بمؤمن بمعنى أنه ليس بمطيع فمعنى نفي الايمان محمول على الانذار بزواله
ممن اعتاد ذلك لأنه يخشى عليه أن يقضي به إلى الكفر وهو كقوله ومن يرتع حول الحمى
الحديث أشار إليه الخطابي وقد أشار المازري إلى أن القول المصحح هنا مبني على قول من يرى
أن الطاعات تسمى إيمانا والعجب من النووي كيف جزم بأن في التأويل المنقول عن ابن عباس
حديثا مرفوعا ثم صحح غيره فلعله لم يطلع على صحته وقد قدمت أنه يمكن رده إلى القول
الذي صححه قال الطيبي يحتمل أن يكون الذي نقص من إيمان المذكور الحياء وهو المعبر عنه
في الحديث الآخر بالنور وقد مضى أن الحياء من من الايمان فيكون التقدير لا يزني حين يزني وهو
يستحي من الله لأنه لو استحى منه وهو يعرف انه مشاهد حاله لم يرتكب ذلك والى ذلك تصح
إشارة ابن عباس تشبيك أصابعه ثم إخراجها منها ثم إعادتها إليها ويعضده حديث من استحيى
من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى انتهى وحاصل ما اجتمع لنا من
الأقوال في معنى هذا الحديث ثلاثة عشر قولا خارجا عن قول الخوارج وعن قول المعتزلة وقد
أشرت إلى بعض الأقوال المنسوبة لأهل السنة يمكن رد بعضها إلى بعض قال المازري هذه
التأويلات تدفع قول الخوارج ومن وافقهم من الرافضة أن مرتكب الكبيرة كافر مخلد
في النار إذا مات من غير توبة وكذا قول المعتزلة انه فاسق مخلد في النار فان الطواف المذكورين
تعلقوا بهذا الحديث وشبهه وإذا احتمل ما قلناه اندفعت حجتهم قال القاضي عياض أشار بعض
العلماء إلى أن في الحديث تنبيها على جميع أنواع المعاصي والتحذير منها فنبه بالزنا على جميع
الشهوات وبالسرقة على الرغبة في الدنيا والحرص على الحرام وبالخمر على جميع ما يصدر عن
الله تعالى ويوجب الغفلة عن حقوقه وبالانتهاب الموصوف على الاستخفاف بعباد الله وترك
توقيرهم والحياء منهم وعلى جمع الدنيا من غير وجهها وقال القرطبي بعد أن ذكره ملخصا وهذا
لا يتمشى الا مع المسامحة والأولى أن يقال إن الحديث يتضمن التحرز من ثلاثة أمور هي من
أعظم أصول المفاسد وأضدادها من أصول المصالح وهى استباحة الفروج المحرمة وما يؤدى
إلى اختلال العقل وخص الخمر بالذكر لكونها أغلب الوجوه في ذلك والسرقة بالذكر
لكونها أغلب الوجوه التي يؤخذ بها مال الغير بغير حق قلت وأشار بذلك إلى أن عموم ما ذكره
الأول يشمل الكبائر والصغائر وليست الصغائر مرادة هنا لأنها تكفر باجتناب الكبائر فلا يقع
الوعيد عليها بمثل التشديد الذي في هذا الحديث وفي الحديث من الفوائد أن من زنى دخل في هذا
الوعيد سواء كان بكرا أو محصنا وسواء كان المزني بها أجنبية أو محرما ولا شك أنه في حق المحرم
53

أفحش ومن المتزوج أعظم ولا يدخل فيه ما يطلق عليه اسم الزنا من اللمس المحرم وكذا التقبيل
والنظر لأنها وان سميت في عرف الشرع زنا فلا تدخل في ذلك لأنها من الصغائر كما تقدم تقريره
في تفسير اللمم وفيه أن من سرق قليلا أو كثيرا وكذا من انتهب أنه يدخل في الوعيد وفيه نظر فقد
شرط بعض العلماء وهو لبعض أيضا في كون الغصب كبيرة أن يكون المغصوب نصابا
وكذا في السرقة وإن كان بعضهم أطلق فيها فهو محمول على ما اشتهر أن وجوب للقطع فيها متوقف
على وجود النصاب وإن كان سرقة ما دون النصاب حراما وفي الحديث تعظيم شأن أخذ حق
الغير بغير حق لأنه صلى الله عليه وسلم أقسم عليه ولا يقسم الا على إرادة تأكيد المقسم عليه وفيه
أن من شرب الخمر دخل في الوعيد المذكور سواء كان المشروب كثيرا أم قليلا لان شرب القليل
من الخمر معدود من الكبائر وإن كان ما يترتب على الشرب من المحذور من اختلال العقل
أفحش من شرب مالا يتغير معه العقل وعلى القول الذي رجحه النووي لا إشكال في شئ من
ذلك لان لنقص الكمال مراتب بعضها أقوى من بعض واستدل به من قال إن الانتهاب كله حرام
حتى فيما أذن مالكه كالنثار في العرس ولكن صرح الحسن والنخعي وقتادة فيما أخرجه ابن
المنذر عنهم بأن شرط التحريم أن يكون بغير اذن المالك وقال أبو عبيدة هو كما قالوا وأما النهبة
المختلف فيها فهو ما أذن فيه صاحبه واباحه وغرضه تساويهم أو مقاربة التساوي فإذا كان
القوي منهم يغلب الضعيف ولم تطب نفس صاحبه بذلك فهو مكروه وقد ينتهى إلى التحريم
وقد صرح المالكية والشافعية والجمهور بكراهيته وممن كرهه من الصحابة أبو مسعود البدري
ومن التابعين النخعي وعكرمة قال ابن المنذر ولم يكرهوه من الجهة المذكورة بل لكون الاخذ
في مثل ذلك انما يحصل لمن فيه فضل قوة أو قلة حياء واحتج الحنفية ومن وافقهم بأنه صلى الله
عليه وسلم قال في الحديث الذي أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن قرظ ان النبي صلى الله
عليه وسلم قال في البدن التي نحرها من شاء اقتطع واحتجوا أيضا بحديث معاذ رفعه انما
نهيتكم عن نهي العساكر فأما العرسان فلا الحديث وهو حديث ضعيف في سنده ضعف
وانقطاع قال ابن المنذر هي حجة قوية في جواز أخذ ما ينثر في العرس ونحوه لان المبيح لهم قد علم
اختلاف حالهم في الاخذ كما علم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وأذن فيه في أخذ البدن التي نحرها
وليس فيها معنى إلا وهو موجود في النثار (قلت) بل فيها معنى ليس في غيرها بالنسبة إلى المأذون
لهم فإنهم كانوا الغاية في الورع والانصاف وليس غيرهم في ذلك مثلهم (قوله باب ما جاء
في ضرب شارب الخمر) أي خلافا لمن قال يتعين الجلد وبيان الاختلاف في كميته وقد تقدم
الكلام على تحريم الخمر ووقته وسبب نزوله وحقيقتها وهل هي مشتقة وهل يجوز تذكيرها
في أول كتاب الأشربة (قوله عن قتادة عن أنس) في رواية لمسلم والنسائي سمعت أنا أخرجاها
من طريق خالد بن الحرث عن شعبة وهو يدل على أن رواية شبابة عن شعبة بزيادة الحسن بين
قتادة وأنس التي أخرجها النسائي من المزيد في متصل الأسانيد (قوله إن النبي صلى الله عليه
وسلم) كذا ذكر طريق شعبة عن قتادة ولم يسق المتن وتحول إلى طريق هشام عن قتادة فساق
المتن على لفظه وقد ذكر في الباب الآتي بعد باب عن شيخ آخر عن هشام بهذا اللفظ وأما لفظ
شعبة فأخرجه البيهقي في الخلافيات من طريق جعفر بن محمد القلانسي عن آدم شيخ البخاري
54

فيه بلفظ ان النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل شرب الخمر نضربه بجريدتين نحوا من أربعين
ثم صنع أبو بكر مثل ذلك فلما كان عمر استشار الناس فقال له عبد الرحمن بن عوف أخف
الحدود ثمانون ففعله عمر ولفظ رواية خالة التي ذكرتها إلى قوله نحو من أربعين وأخرجه مسلم
والنسائي أيضا من طريق محمد بن جعفر عن شعبة مثل رواية آدم إلا أنه قال وفعله أبو بكر
فلما كان عمر أي في خلافته استشار الناس فقال عبد الرحمن يعني ابن عوف أخف الحدود
ثمانون فأمر به عمر ووقع لبعض رواة مسلم أخف الحدود ثمانين قال ابن دقيق العيد فيه حذف
عامل النصب جعله وتعقبه الفاكهي فقال هذا بعيد أو باطل وكأنه صدر عن غير
تأمل لقواعد العربية ولا لمراد المتكلم إذ لا يجوز أجود الناس الزيدين على تقدير اجعلهم
لان مراد عبد الرحمن الاخبار بأخف الحدود لا الامر بذلك فالذي يظهر أن راوي النصب وهم
واحتمال توهيمه أولى من ارتكاب ما لا يجوز لفظا ولا معنى ورد عليه تلميذه ابن مرزوق
بأن عبد الرحمن مستشار والمستشار مسؤول والمستشير سائل ولا يبعد أن يكون المستشار
آمرا قال والمثال الذي مثل به غير مطابق قلت بل هو مطابق لما ادعاه أن عبد الرحمن قصد
الاخبار فقط والحق أنه أخبر برأيه مستندا إلى قياس وأقرب التقادير أخف الحدود أجده
ثمانين أو أجد أخف الحدود ثمانين فنصبهما وأعرب ابن العطار صاحب النووي في شرح
العمدة فنقل عن بعض العلماء أنه ذكره بلفظ أخف الحدود ثمانون بالرفع وأعربه مبتدأ وخبرا
قال ولا أعلمه منقولا رواية كذا قال والرواية بذلك ثابتة والأولى في توجيهها ما أخرجه مسلم أيضا
من طريق معاذ بن هشام عن أبيه جلد أبو بكر أربعين فلما كان عمرو دنى الناس من الريف
والقرى قال ما ترون في جلد الخمر فقال عبد الرحمن بن عوف أرى أن تجعلها كأخف الحدود قال
فجلد عمر ثمانين فيكون المحذوف من هذه الرواية المختصرة أرى أن تجعلها وأداة التشبيه
وأخرج النسائي من طريق يزيد بن هارون عن شعبة فضربه بالنعال نحوا من أربعين ثم أتى به أبو
بكر فصنع به مثل ذلك ورواه همام عن قتادة بلفظ فأمر قريبا من عشرين رجلا فجلده كل رجل
جلدتين بالجريد والنعال أخرجه أحمد والبيهقي وهذا يجمع بين ما اختلف فيه على شعبة وأن
جملة الضربات كانت نحو أربعين لا إنه جلده بجريدتين أربعين فتكون الجملة ثمانين كما أجاب
به بعض الناس رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بلفظ جلد بالجريد والنعال أربعين علقه
أبو داود بسند صحيح ووصله البيهقي وكذا أخرجه مسلم من طريق وكيع عن هشام بلفظ كان
يضرب في الخمر مثله وقد نسب صاحب العمدة قصة عبد الرحمن هذه إلى تخريج الصحيحين ولم يخرج
البخاري منها شيئا وبذلك جزم عبد الحق في الجمع ثم المنذري نعم ذكر معنى صنيع عمر فقط
في حديث السائب في الباب الثالث وسيأتي بسط ذلك تنبيه الرجل المذكور لم أنف
على اسمه صريحا لكن سأذكر في باب ما يكرهه من لعن الشارب ما يؤخذ منه أنه النعيمان (قوله
باب من أمر ضرب الحد في البيت) يعني خلافا لمن قال لا يضرب الحد سرا وقد ورد عن
عمر في قصة ولد أبي شحمة لما شرب بمصر فحده عمرو بن العاص في البيت أن عمر أنكر عليه
وأحضره إلى المدينة وضربه الحد جهرا روى ذلك ابن سعد وأشار إليه الزبير وأخرجه
عبد الرزاق بسند صحيح عن ابن عمر مطولا وجمهور أهل العلم على الاكتفاء وحملوا صنيع عمر على
55

المبالغة في تأديب ولده لا أن إقامة الحد لا تصح إلا جهرا (قوله عبد الوهاب) هو ابن عبد المجيد
الثقفي وأيوب هو السختياني وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله وقد سمى في الباب الذي
بعده من رواية وهيب بن خالد عن أيوب (قوله عن عقبة بن الحرث) أي ابن عامر بن نوفل بن عبد
مناف ووقع في رواية عبد الوارث عن أيوب عند أحمد حدثني عقبة بن الحرث وقد اتفق هؤلاء على
وصله وخالفهم إسماعيل بن علية فقال عن أيوب عن بن أبي مليكة مرسلا أخرجه مسدد عنه
(قوله جئ) كذا لهم على البناء للمجهول وقد ذكرت في الوكالة تسمية الذي أتى به ولم ينبه
عليه أحد ممن صنف في المبهمات (قوله بالنعيمان أو بابن النعيمان) في رواية الكشميهني في الباب
الذي يليه نعيمان بغير ألف ولام في الموضعين وقد تقدم التنبيه على ذلك في كتاب الوكالة وأنه وقع
عند الإسماعيلي النعيمان بغير شك فان الزبير بن بكار وابن مندة أخرجا الحديث من وجهين فيهما
النعمان بغير شك وذكرت نسبه هناك وفي رواية الزبير كان النعيمان يصبب الشراب وهذا يعكر
على قول ابن عبد البر ان الذي كان أتى به قد شرب الخمر هو ابن النعيمان فإنه قيل في ترجمة النعيمان
كان رجلا صالحا وكان له ابن انهمك في شرب الخمر فجلده النبي صلى الله عليه وسلم وقال في موضع
آخر أظن أن النعيمان جلد في الخمر أكثر من خمسين مرة وذكر الزبير بن بكار أيضا أنه كان
مزاحا وله في ذلك قصة مع سويبط بن حرملة ومع مخرمة بن نوفل والد المسور مع أمير المؤمنين
عثمان ذكرها الزبير مع نظائر لها في كتاب الفكاهة والمزاح وذكر محمد بن سعد انه عاش إلى
خلافة معاوية (قوله شاربا) في رواية وهيب و هو سكران وزاد فشق عليه اي على النبي
صلى الله عليه و سلم ووقع في رواية معلى بن أسد عن وهيب عند النسائي فشق على النبي صلى
الله عليه وسلم مشقة شديدة وسيأتي بقية ما يتعلق بقصة النعيمان في الباب الذي يليه إن شاء الله
تعالى واستدل به على جواز إقامة الحد على السكران في حال سكره وبه قال بعض الظاهرية
والجمهور على خلافه وأولوا الحديث بأن المراد ذكر سبب الضرب وأن ذلك الوصف استمر
في حال ضربه وأيدوا ذلك بالمعنى وهو أن المقصود بالضرب في الحد الايلام ليحصل به الردع
وفي الحديث تحريم الخمر ووجوب الحد على شاربها سواء كان شرب كثيرا أم قليلا وسواء
أسكر أم لا (قوله باب الضرب بالجريد والنعال) أي في شرب الخمر وأشار بذلك
إلى أنه لا يشترط الجلد وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال وهي أوجه عند الشافعية أصحها
يجوز الجلد بالسوط ويجوز الاقتصار على الضرب بالأيدي والنعال والثياب ثانيها يتعين الجلد
ثالثها يتعين الضرب وحجة الراجح أنه فعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت نسخه
والجلد في عهد الصحابة فدل على جوازه وحجة الآخر أن الشافعي قال في الام لو قام عليه
الحد بالسوط فمات وجبت الدية فسوى بينه وبين ما إذا زاد فدل على أن الأصل الضرب بغير
السوط وصرح أبو الطيب ومن تبعه بأنه لا يجوز بالسوط وصرح القاضي حسين بتعيين السوط
واحتج بأنه إجماع الصحابة ونقل عن النص في القضاء ما يوافقه ولكن في الاستدلال بإجماع
الصحابة نظر فقد قال النووي في شرح مسلم أجمعوا على الاكتفاء بالجريد والنعال وأطراف
الثياب ثم قال والأصح جوازه بالسوط وشذ من قال هو شرط وهو غلط منابذ للأحاديث الصحيحة
قلت وتوسط بعض المتأخرين فعين السوط للمتمردين وأطراف الثياب والنعال للضعفاء ومن
56

عداهم بحسب ما يليق بهم وهو متجه ونقل ابن دقيق العيد عن بعضهم أن معنى قوله نحوا من
أربعين تقدير أربعين ضربة بعصا مثلا لا أن المراد عدد معين ولذلك وقع في بعض طرق عبد الرحمن
بن أزهر أن أبا بكر سأل من حضر ذلك الضرب فقومه أربعين فضرب أبو بكر أربعين قال وهذا
عندي خلاف الظاهر ويبعده قوله في الرواية الأخرى جلد في الخمر أربعين (قلت) ويبعد التأويل
المذكور ما تقدم من رواية همام في حديث أنس فأمر عشرين رجلا فجلده كل رجل جلدتين
بالجريد والنعال وذكر المصنف فيه خمسة أحاديث الأول حديث عقبة بن الحرث وقد تقدم في
الباب الذي قبله وهو ظاهر فيما ترجم له الثاني حديث أنس وقد تقدم أيضا في الباب الأول وقوله
فيه جلد تقدم في الباب الأول بلفظ ضرب ولا منافاة بينهما لان معنى جلد هنا ضربه فأصاب جلده
وليس المراد به ضربه بالجلد الثالث حديث أبي هريرة (قوله أبو ضمرة أنس) يعني ابن عياض
(قوله عن يزيد بن الهاد) وهو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن عبد الله بن شداد بن الهاد فنسب إلى جده
الاعلى وهو وشيخه وشيخ شيخه مدنيون تابعيون ووقع في آخر الباب الذي يليه أنس ابن عياض
حدثنا بن الهاد (قوله عن محمد بن إبراهيم) أي ابن الحرث بن خالد التيمي زاد في رواية الطحاوي من
طريق نافع بن يزيد عن بن الهاد عن محمد بن إبراهيم أنه حدثه عن أبي سلمة (قوله عن أبي سلمة) هو
ابن عبد الرحمن بن عوف وصرح به في رواية الطحاوي (قوله أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد
شرب) في الرواية التي في الباب الذي يليه بسكران وهذا الرجل يحتمل أن يفسر بعبد الله الذي كان
يلقب حمارا المذكور في الباب الذي بعده من حديث عمر ويحتمل أن يفسر بابن النعيمان والأول
أقرب لان في قصته فقال رجل من القوم اللهم العنه ونحوه في القصة المذكور في حديث أبي هريرة
لكن لفظه قال بعض القوم أخزاك الله ويحتمل أن يكون ثالثا فان الجواب في حديثي عمر وأبي
هريرة مختلف وأخرج النسائي بسند صحيح عن أبي سعيد أتى النبي صلى الله عليه وسلم بنشوان
فأمر به فنهز بالأيدي وخفق بالنعال الحديث ولعبد الرزاق بسند صحيح عن عبيد بن عمير أحد
كبار التابعين كان الذي يشرب الخمرة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وبعض إمارة
عمر يضربونه بأيديهم ونعالهم ويصكونه (قوله قال اضربوه) هذا يفسر الرواية الآتية بلفظ
فأمر بضربه ولكن لم يذكر فيهما عددا (قوله قال بعض القوم) في الرواية الآتية فقال رجل
وهذا الرجل هو عمر بن الخطاب إن كانت هذه القصة متحدة مع حديث عمر في قصة حمار كما سأبينه
قوله لا تقولوا هكذا لا تعينوا عليه الشيطان في الرواية الأخرى لا تكونوا عون الشيطان
على أخيكم ووجه عونهم الشيطان بذلك أن الشيطان يريد بتزيينه له المعصية أن يحصل له الخزي
فإذا دعوا عليه بالخزي فكأنهم قد حصلوا مقصود الشيطان ووقع عند أبي داود من طريق ابن
وهب عن حياة بن شريح ويحيى بن أيوب وابن لهيعة ثلاثتهم عن يزيد بن الهاد نحوه وزاد في آخره
ولكن قولوا اللهم اغفر له اللهم ارحمه زاد فيه أيضا بعض الضرب ثم قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لا صحابه بكتوه وهو أمر بالتبكيت وهو مواجهته بقبيح فعله وقد فسره في الخبر بقوله فأقبلوا
عليه يقولون له ما اتقيت الله عز وجل ما خشيت الله جل ثناؤه ما استحيت من رسول الله صلى الله
عليه وسلم ثم أرسلوه وفي حديث عبد الرحمن بن أزهر عند الشافعي بعد ذكر الضرب ثم قال
عليه الصلاة والسلام بكتوه فبكتوه ثم أرسله ويستفاد من ذلك منع الدعاء على العاصي
57

بالابعاد عن رحمة الله كاللعن وسيأتي مزيد لذلك في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى الحديث
الرابع (قوله سفيان) هو الثوري وصرح به في رواية مسلم وأبو حصين بمهملتين مفتوح أوله
وعمير بن سعيد بالتصغير وأبوه بفتح أوله وكسر ثانيه تابعي كبير ثقة قال النووي هو في جميع
النسخ من الصحيحين هكذا ووقع في الجمع للحميدي سعد بسكون العين وهو غلط ووقع في المهذب
وغيره عمر بن سعد بحذف الياء فيهما وهو غلط فاحش (قلت) ووقع في بعض النسخ من البخاري
كما ذكر الحميدي ثم رأيته في تقييد أبي علي الجياني منسوبا لأبي زيد المروزي قال والصواب
سعيد وجزم بذلك بن حزم وأنه في البخاري سعد بسكون العين فلعله سلف الحميدي ووقع
للنسائي والطحاوي عمر بضم العين و فتح الميم كما في المهذب لكن الذي عندهما في أبيه سعيد
ووقع عند ابن حزم في النسائي عمرو بفتح أوله وسكون الميم والمحفوظ عمير كما قال النووي وقد أعل
ابن حزم الخبر بالاختلاف في اسم عمير واسم أبيه وليست بعلة تقدح في روايته وقد عرفه ووثقه
من صحح حديثه وقد عمر عمير المذكور وعاش إلى خمس عشر ومائة (قوله ما كنت لأقيم)
اللام لتأكيد النفي كما في قوله تعالى وما كان الله ليضيع إيمانكم (قوله فيموت فأجد) بالنصب
فيهما ومعنى أجد من الوجد وله معان اللائق منها هنا الحزن وقوله فيموت مسبب عن أقيم وقوله
فأجد مسبب عن السبب والمسبب معا (قوله إلا صاحب الخمر) أي شاربها وهو بالنصب
ويجوز الرفع والاستثناء منقطع أي لكن أجد من حد شارب الخمر إذا مات ويحتمل أن يكون
التقدير ما أجد من موت أحد يقام عليه الحد شيئا إلا موت شارب الخمر فيكون الاستثناء
على هذا متصلا قاله الطيبي (قوله فإنه لو مات وديته) أي أعطيت ديته لمن يستحق قبضها وقد
جاء مفسرا من طريق أخرى أخرجها النسائي وابن ماجة من رواية الشعبي عن عمير بن سعيد
قال سمعت عليا يقول من أقمنا عليه حدا فمات فلا دية له إلا من ضربناه في الخمر (قوله لم يسنه)
أي لم يسن فيه عددا معينا في رواية شريك فان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستن فيه شيئا
ووقع في رواية الشعبي فإنما هو شئ صنعناه (تكملة) اتفقوا على أن من مات من الضرب
في الحد لا ضمان على قاتله إلا في حد الخمر فعن على ما تقدم وقال الشافعي أن ضرب بغير السوط
فلا ضمان وان جلد بالسوط ضمن قيل الدية وقيل قدر تفاوت ما بين الجلد بالسوط وبغيره
والدية في ذلك على عاقلة الامام وكذلك لو مات فيما زاد على الأربعين الحديث الخامس (قوله
عن الجعيد) بالجيم والتصغير ويقال الجعد بفتح أوله ثم سكون وهو تابعي صغير تقدمت روايته
عن السائب بن يزيد في كتاب الطهارة وروى عنه هنا بواسطة وهذا السند للبخاري في غاية
العلو لان بينه وبين التابعي فيه واحد فكان في حكم الثلاثيات وإن كان التابعي رواه عن
تابعي أخر وله عنده نظائر ومثله ما أخرجه في العلم عن عبيد الله بن موسى عن معروف عن أبي
الطفيل عن علي فان أبا الطفيل صحابي فيكون في حكم الثلاثيات لان بينه وبين الصحابي فيه اثنين
وإن كان صحابيه انما رواه عن صحابي أخر وقد أخرجه النسائي من رواية حاتم بن إسماعيل عن
الجعيدي سمعت السائب فعل هذا فإدخال يزيد بن خصيفة بينهما إما من المزيد في متصل الأسانيد
وإما أن يكون الجعيد سمعه من السائب وثبت فيه يزيد ثم ظهر لي السبب في ذلك وهو أن رواية
الجعيد المذكورة عن السائب مختصرة فكأنه سمع الحديث تاما من يزيد عن السائب فحدث
58

بما سمعه من السائب عنه من غير ذكر يزيد وحدث أيضا بالتام فذكر الواسطة ويزيد بن خصيفة
المذكور هو ابن عبد الله بن خصيفة نسب لجده وقيل هو يزيد بن عبد الله بن يزيد بن خصيفة
فيكون نسب إلى جد أبيه وخصيفة هو ابن يزيد بن ثمامة أخو السائب بن يزيد صحابي هذا الحديث
فتكون رواية يزيد من خصيفة لهذا الحديث عن عم أبيه أو عم جده (قوله كنا نؤتى بالشارب)
فيه إسناد القائل الفعل بصيغة الجمع التي يدخل هو فيها مجازا لكونه مستويا معهم في أمر ما
وإن لم يباشر هو ذلك الفعل الخاص لان السائب كان صغيرا جدا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
فقد تقدم في الترجمة النبوية أنه كان ابن ست سنين فيبعد ان يكون شارك من كان يجالس النبي
صلى الله عليه وسلم فيما ذكر من ضرب الشارب فكان مراده بقوله كنا أي الصحابة لكن يحتمل
أن يحضر مع أبيه أو عمه فيشاركهم في ذلك فيكون الاسناد على حقيقته (قوله وإمرة
أبي بكر) بكسر الهمزة وسكون الميم أي خلافته وفي رواية حاتم من زمن النبي صلى الله عليه
وسلم وأبي بكر وبعض زمان عمر (قوله وصدرا من خلافة عمر) أي جانبا أوليا (قوله فنقوم إليه
بأيدينا ونعالنا وأرديتنا) أي فنضربه بها (قوله حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين) ظاهره
أن التحديد بأربعين انما وقع في آخر خلافة عمر وليس كذلك لما في قصة خالد بن الوليد وكتابته
إلى عمر فإنه يدل على أن أمر عمر بجلد ثمانين كان في وسط إمارته لان خالدا مات في وسط خلافة
عمر وإنما المراد بالغاية المذكورة أولا استمرار الأربعين فليست الفاء معقبة لآخر الامرة بل
لزمان أبي بكر وبيان ما وقع في زمن عمر فالتقدير فاستمر جلد أربعين والمراد بالغاية الأخرى في قوله
حتى إذا عتوا تأكيدا لغاية الأولى وبيان ما صنع عمر بعد الغاية الأولى و قد أخرجه النسائي
من رواية المغيرة بن عبد الرحمن عن الجعيد بلفظ حتى كان وسط امارة عمر فجلد فيها أربعين حتى
إذا عتوا وهذه لا اشكال فيها (قوله حتى إذا عتوا) بمهملة ثم مثناة من العتو وهو التجبر والمراد
هنا انهماكهم في الطغيان والمبالغة في الفساد في شرب الخمر لأنه ينشأ عنه الفساد (قوله
وفسقوا) أي خرجوا عن الطاعة ووقع في رواية النسائي فلم ينكلوا أي يدعوا (قوله جلد
ثمانين) وقع في مرسل عبيد بن عمير أحد كبار التابعين فيما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عنه
نحو حديث السائب وفيه أن عمر جعله أربعين سوطا فلما رآهم لا يتناهون جعله ستين سوطا فلما
رآهم لا يتناهون جعله ثمانين سوطا وقال هذا أدنى الحدود وهذا يدل على أنه وافق عبد الرحمن
بن عوف في أن الثمانين أدنى الحدود وأراد بذلك الحدود المذكورة في القرآن وهي حد الزنا وحد
السرقة للقطع وحد القذف وهي أخفها عقوبة وأدناها عددا وقد مضى من حديث أنس
في رواية شعبة وغيره سبب ذلك وكلام عبد الرحمن فيه حيث قال أخف الحدود ثمانون فأمر به عمر
وأخرج مالك في الموطأ عن ثور بن يزيد أن عمر استشار في الخمر فقال له علي بن أبي طالب
ترى أن تجعله ثمانين فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى فجلد عمر في الخمر ثمانين
وهذا معضل وقد وصله النسائي والطحاوي من طريق يحيى بن فليح عن ثور عن عكرمة عن ابن
عباس مطولا ولفظه ان الشراب كانوا يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأيدي
والنعال والعصا حتى توفى فكانوا في خلافة أبي بكر أكثر منهم فقال أبو بكر لو فرضنا لهم
حدا فتوخى نحو ما كانوا يضربون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فجلدهم أربعين حتى توفى ثم
59

كان عمر فجلدهم كذلك حتى أتى برجل فذكر قصة وأنه تأول قوله تعالى ليس على الذين آمنوا
وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا وأن ابن عباس ناظره في ذلك واحتج ببقية الآية وهو قوله
تعالى إذا ما اتقوا والذي يرتكب ما حرمه الله ليس بمتق فقال عمر ما ترون فقال علي فذكره وزاد
بعد قوله وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون جلدة فأمر به عمر فجلده ثمانين ولهذا الأثر عن
علي طرق أخرى منها ما أخرجها الطبراني والطحاوي والبيهقي من طريق أسامة بن زيد عن
الزهري عن حميد بن عبد الرحمن أن رجلا من بني كلب يقال له ابن دبرة أخبره أن أبا بكر كان يجلد
في الخمر أربعين وكان عمر يجلد فيها أربعين قال فبعثني خالد بن الوليد إلى عمر فقلت أن الناس قد
انهمكوا في الخمر واستخفوا العقوبة فقال عمر لمن حوله ما ترون قال ووجدت عنده عليا وطلحة
والزبير وعبد الرحمن بن عوف في المسجد فقال علي فذكر مثل رواية ثور الموصولة ومنها
ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عكرمة أن عمر شاور الناس في الخمر فقال له علي إن
السكران إذا سكر هذى الحديث ومنها ما أخرجه بن أبي شيبة من رواية أبي عبد الرحمن السلمي
عن علي قال شرب نفر من أهل الشام الخمر وتأولوا الآية المذكورة فاستشار عمر فيهم فقلت أرى
أن تستتيبهم فإن تابوا ضربتهم ثمانين ثمانين وإلا ضربت أعناقهم لانهم استحلوا ما حرم الله
فاستتابهم فتابوا فضربهم ثمانين ثمانين وأخرج أبو داود والنسائي من حديث عبد الرحمن بن
أزهر في قصة الشارب الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم بحنين وفيه فلما كان عمر كتب إليه خالد
بن الوليد ان الناس قد انهمكوا في الشرب وتحاقروا العقوبة قال وعنده المهاجرون والأنصار
فسألهم واجتمعوا على أن يضربه ثمانين وقال علي فذكر مثله وأخرج عبد الرزاق عن ابن
جريج ومعمر عن ابن شهاب قال فرض أبو بكر في الخمر أربعين سوطا وفرض فيها عمر ثمانين قال
الطحاوي جاءت الاخبار متواترة عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسن في الخمر شيئا ويؤيده
فذكر الأحاديث التي ليس فيها تقييد بعدد حديث أبي هريرة وحديث عقبة بن الحارث المتقدمين
وحديث عبد الرحمن بن أزهر أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل قد شرب الخمر فقال للناس
اضربوه فمنهم من ضربه بالنعال ومنهم من ضربه بالعصا ومنهم من ضربه بالجريد ثم أخذ رسول الله
صلى الله عليه وسلم ترابا فرمى به في وجهه وتعقب بأنه قد ورد في بعض طرقه ما يخالف قوله وهو ما
عند أبي داود والنسائي في هذا الحديث ثم أتى أبو بكر بسكران فتوخى الذي كان من ضربهم عند
رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربه أربعين ثم أتى عمر بسكران فضربه أربعين فأنه يدل على أنه
وان لم يكن في الخبر تنصيص على عدد معين ففيما اعتمده أبو بكر حجة على ذلك ويؤيده ما أخرجه
مسلم من طريق حضير بمهملة وضاد معجمة مصغر ابن المنذر أن عثمان أمر عليا بجلد الوليد
ابن عقبة في الخمر فقال لعبد الله بن جعفر أجلده فجلده فلما بلغ أربعين قال أمسك جلد رسول الله
صلى الله عليه وسلم أربعين وجلد أبو بكر أربعين وجلد عمر ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلي فان فيه
الجزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم جلد أربعين وسائر الأخبار ليس فيها عدد إلا بعض الروايات
الماضية عن أنس ففيها نحو الأربعين والجمع بينها أن عليا أطلق الأربعين فهو حجة على من ذكرها
بلفظ التقريب وادعى الطحاوي أن رواية أبي ساسان هذه ضعيفة لمخالفتها الآثار المذكورة
ولان راويها عبد الله بن فيروز المعروف بالداناج بنون وجيم ضعيف وتعقبه البيهقي بأنه حديث
60

صحيح مخرج في المسانيد والسنن وأن الترمذي سأل البخاري عنه فقواه وقد صححه مسلم وتلقاه
الناس بالقبول وقال ابن عبد البر أنه أثبت شئ في هذا الباب قال البيهقي وصحة الحديث انما تعرف
بثقة رجاله وقد عرفهم حفاظ الحديث وقبلوهم وتضعيفه الداناج لا يقبل لان الجرح بعد ثبوت
التعديل لا يقبل إلا مفسرا ومخالفة الراوي غيره في بعض ألفاظ الحديث لا تقتضي تضعيفه
ولا سيما مع ظهور الجمع قلت وثق الدانا المذكور أبو زرعة والنسائي وقد ثبت عن علي في هذه
القصة من وجه آخر أنه جلد الوليد أربعين ثم ساقه من طريق هشام بن يوسف عن معمر وقال
أخرجه البخاري وهو كما قال وقد تقدم في مناقب عثمان وأن بعض الرواة قال فيه إنه جلد ثمانين
وذكرت ما قيل في ذلك هناك وطعن الطحاوي ومن تبعه في رواية أبي ساسان أيضا بأن عليا قال
وهذا أحب إلي أي جلد أربعين مع أن عليا جلد النجاشي الشاعر في خلافته ثمانين وبأن ابن أبي
شيبة أخرج من وجه آخر عن علي أن حد النبيذ ثمانون والجواب عن ذلك من وجهين
أحدهما أنه لا تصح أسانيد شئ من ذلك عن علي والثاني على تقدير ثبوته فأنه يجوز أن ذلك
يختلف بحال الشارب وأن حد الخمر لا ينقص عن الأربعين ولا يزاد على الثمانين والحجة انما هي
في جزمه بأنه صلى الله عليه وسلم جلد أربعين وقد جمع الطحاوي بينهما بما أخرجه هو والطبري
من طريق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين أن علي جلد الوليد بسوط له طرفان وأخرج
الطحاوي أيضا من طريق عروة مثله لكن قال له ذنبان أربعين جلدة في الخمر في زمن عثمان قال
الطحاوي ففي هذه الحديث أن علي جلده ثمانين لان كل سوط سوطان وتعقب بأن السند
الأول منقطع فان أبا جعفر ولد بعد موت علي بأكثر من عشرين سنة وبأن الثاني في سنده ابن
لهيعة وهو ضعيف وعروة لم يكن في الوقت المذكور مميزا وعلى تقدير ثبوته فليس في الطريقين
أن الطرفين أصاباه في كل ضربة وقال البيهقي يحتمل أن يكون ضربه بالطرفين عشرين فأراد
بالأربعين ما أجتمع من عشرين وعشرين ويوضح ذلك قوله في بقية الخبر وكل سنة وهذا أحب
إلى لأنه لا يقتضي التغاير والتأويل المذكور يقتضي أن يكون كل من الفريقين جلد ثمانين فلا
يبقى هناك عدد يقع التفاضل فيه واما دعوة من زعم أن المراد بقوله هذا الإشارة إلى الثمانين
فيلزم من ذلك أن يكون علي رجح ما فعل عمر على ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وهذا
لا يظن به قاله البيهقي واستدل الطحاوي لضعف حديث أبي ساسان بما تقدم ذكره من قول علي
إنه إذا سكر هذى الخ قال فلما اعتمد علي في ذلك على ضرب المثل واستخرج الحد بطريق
الاستنباط دل على أنه لا توقيف عنده من الشارع في ذلك فيكون جزمه بأن النبي صلى الله عليه
وسلم جلد أربعين غلطا من الراوي إذ لو كان عنده الحديث المرفوع لم يعدل عنه إلى القياس
ولو كان عند من بحضرته من الصحابة كعمر وسائر من ذكر في ذلك شئ مرفوع لأنكروا عليه
وتعقب بأنه إنما يتجه الانكار لو كان المنزع واحدا فاما مع الاختلاف فلا يتجه الانكار وبيان
ذلك أن في سياق القصة ما يقتضي أنهم كانوا يعرفون أن الحد أربعون وانما تشاوروا في أمر
يحصل به الارتداع يزيد على ما كان مقررا ويشير إلى ذلك ما وقع من التصريح في بعض طرقه أنهم
احتقروا العقوبة وانهمكوا فاقتضى رأيهم أن يضيفوا إلى الحد المذكور قدره إما اجتهادا بناء
على جواز دخول القياس في الحدود فيكون حدا أو استنبطوا من النص معنى يقتضي
61

الزيادة في الحد لا النقصان منه أو القدر الذي زادوه كان على سبيل التعزير تحذيرا وتخويفا لان
من أحتقر العقوبة إذا عرف أنها غلظت في حقه كان أقرب إلى ارتداعه فيحتمل أن يكونوا
ارتدعوا بذلك ورجع الامر إلى ما كان عليه قبل ذلك فرأى علي الرجوع إلى الحد المنصوص
وأعرض عن الزيادة لانتفاء سببها ويحتمل أن يكون القدر الزائد كان عندهم خاصا بمن تمرد
وظهرت منه امارات الاشتهار للفجور ويدل على ذلك أن في طرق حديث الزهري عن
حميد بن عبد الرحمن عند الدارقطني وغيره فكان عمر إذا أتى بالرجل الضعيف تكون منه الزلة
جلده أربعين قال وكذلك عثمان جلد أربعين وثمانين وقال المازري لو فهم الصحابة أن النبي
صلى الله عليه وسلم حد في الخمر حدا معينا لما قالوا فيه بالرأي كما لم يقولوا بالرأي في غيره فلعلهم
فهموا أنه ضرب فيه باجتهاده في حق من ضربه انتهى وقد وقع التصريح بالحد المعلوم وجب
المصير إليه ورجح القول بأن الذي اجتهدوا فيه زيادة على الحد انما هو التعزير على القول بأنهم
اجتهدوا في الحد المعين لما يلزم منه من المخالفة التي ذكرها كما سبق تقريره وقد أخرج عبد الرزاق
عن ابن جريج أنبأنا عطاء أنه سمع عبيد بن عمير يقول كان الذي يشرب الخمر يضربونه
بأيديهم ونعالهم فلما كان عمر فعل ذلك حتى خشي فجعله أربعين سوطا فلما رآهم لا يتناهون جعله
ثمانين سوطا وقال هذا أخف الحدود والجمع بين حديث علي المصرح بأن النبي صلى الله عليه
وسلم جلد أربعين وأنه سنة وبين حديثه المذكور في هذا الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم
يسنه بأن يحمل النفي على أنه لم يحد الثمانين أي لم يسن شيئا زائدا على الأربعين ويؤيده قوله وانما
هو شئ صنعناه نحن يشير إلى ما أشار به على عمر وعلى هذا فقوله لو مات لوديته أي في الأربعين
الزائدة وبذلك جزم البيهقي وابن حزم ويحتمل أن يكون قوله لم يسنه أي الثمانين لقوله في الرواية
الأخرى وانما هو شئ صنعناه فكأنه خاف من الذي صنعوه باجتهادهم أن لا يكون مطابقا
واختص هو بذلك لكونه الذي كان أشار بذلك واستدل له ثم ظهر له أن الوقوف عندما كان
الامر عليه أولا أولى فرجع إلى ترجيحه وأخبر بأنه لو أقام الحد ثمانين فمات المضروب وداه للعلة
المذكورة ويحتمل أن يكون الضمير في قوله لم يسنه لصفة الضرب وكونها بسوط الجلد أي لم
يسن جلد السوط وانما كان يضرب فيه بالنعال وغيرها مما تقدم ذكره أشار إلى ذلك البيهقي
وقال ابن حزم أيضا لو جاء من غير علي من الصحابة في حكم واحد أنه مسنون وأنه غير مسنون
لوجب حمل أحدهما على غير ما حمل عليه الآخر فضلا عن علي مع سعة حلمه وقوة فهمه وإذا
تعارض خبر عمير بن سعيد وخبر أبي ساسان فخبر أبي ساسان أولى بالقبول لأنه مصرح فيه برفع
الحديث عن علي وخبر عمير موقوف على علي وإذا تعارضا المرفوع والموقوف قدم المرفوع وأما
دعوى ضعف سند أبي ساسان فمردودة والجمع أولى مهما أمكن من توهين الأخبار الصحيحة وعلى
تقدير أن تكون إحدى الروايتين وهما فرواية الاثبات مقدمة على رواية النفي وقد ساعدتها
رواية أنس على اختلاف ألفاظ النقلة عن قتادة وعلى تقدير أن يكون بينهما تمام التعارض
فحديث أنس سالم من ذلك واستدل بصنيع عمر في جلد شارب الخمر ثمانين على أن حد الخمر ثمانون
وهو قول الأئمة الثلاثة وأحد القولين للشافعي واختاروه بن المنذر والقول الآخر للشافعي وهو
الصحيح أنه أربعون (قلت) جاء عن أحمد كالمذهبين قال القاضي عياض أجمعوا على وجوب
62

الحد في الخمر واختلفوا في تقديره فذهب الجمهور إلى الثمانين وقال الشافعي في المشهور عنه
وأحمد في رواية وأبو ثور وداود أربعين وتبعه على نقل الاجماع بن دقيق العيد والنووي ومن
تبعهما وتعقب بأن الطبري وابن المنذر وغيرهما حكوا عن طائفة من أهل العلم أن الخمر لا حد
فيها وإنما فيها التعزير واستدلوا بأحاديث الباب فأنها ساكتة عن تعيين عدد الضرب وأصرحها
حديث أنس ولم يجزم فيه بالأربعين في أرجح الطرق عنه وقد قال عبد الرزاق أنبأنا ابن جريج
ومعمر سئل بن شهاب كم جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر فقال لم يكن فرض فيها حدا
كان يأمر من حضره أن يضربوه بأيديهم ونعالهم حتى يقول لهم ارفعوا وورد أنه لم يضربه أصلا
وذلك فيما أخرجه أبو داود والنسائي بسند قوي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم يوقت في الخمر حدا قال ابن عباس وشرب رجل فسكر فانطلق به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما
حاذى دار العباس انفلت فدخل على العباس فالتزمه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضحك
ولم يأمر فيه بشئ وأخرج الطبري من وجه أخر عن بن عباس ما ضرب رسول الله صلى الله عليه
وسلم في الخمر إلا أخيرا ولقد حجرته من الليل سكران فقال ليقم إليه رجل فيأخذ
بيده حتى يرده إلى رحله والجواب أن الاجماع انعقد بعد ذلك على وجوب الحد لان أبا بكر تحرى
ما كان النبي صلى الله عليه وسلم ضرب السكران فصيره حدا وأستمر عليه وكذا استمر من بعده وإن
اختلفوا في العدد وجمع القرطبي بين الاخبار بأنه لم يكن أولا في شرب الخمر حد وعلى ذلك يحمل
حديث ابن عباس في الذي استجار بالعباس ثم شرع فيه التعزير على ما في سائر الأحاديث التي
لا تقدير فيها ثم شرع الحد ولم يطلع أكثرهم على تعيينه صريحا مع اعتقادهم أن فيه الحد المعين
ومن ثم توخى أبو بكر ما فعل بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فاستقر عليه الامر ثم رأى عمر ومن
رافقه الزيادة على الأربعين إما حدا بطريق الاستنباط وإما تعزيرا (قلت) وبقي ما ورد في
الحديث أنه إن شرب فحد ثلاث مرات ثم شرب قتل في الرابعة وفي رواية في الخامسة وهو
حديث مخرج بالسنن من عدة طرق أسانيدها قوية ونقل الترمذي الاجماع على ترك القتل
وهو محمول على من بعد من نقل غيره عنه قول به كعبد الله بن عمرو فيما أخرجه أحمد والحسن
البصري وبعض أهل الظاهر وبالغ النووي فقال هو قول باطل مخالف لاجماع الصحابة فمن
بعدهم والحديث أو أرد فيه منسوخ إما بحديث لا يحل دم امرئ مسلم إلا إحدى ثلاث وأما بأن
الاجماع دل على نسخه (قلت) بل دليل النسخ منصوص وهو ما أخرجه أبو داود من طريق
الزهري عن قبيصة في هذه القصة قال فأتى برجل قد شرب فجلده ثم أتى به قد شرب فجلده ثم
أتى به فجلده ثم أتى به فجلده فرفع القتل وكانت رخصة وسيأتي بسط ذلك في الباب الذي يليه
واحتج من قال إن حده ثمانون بالاجماع في عهد عمر حيث وافقه على ذلك كبار الصحابة وتعقب
بأن عليا أشار على عمر بذلك ثم رجع علي عن ذلك واقتصر على الأربعين لأنها القدر الذي اتفقوا
عليه في زمن أبي بكر مستندين إلى تقدير ما فعل في بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وأما الذي أشار
به فقد تبين من سياق قصته أنه أشار بذلك ردعا للذين انهمكوا لان في بعض طرق القصة كما تقدم
انهم احتقروا العقوبة وبهذا تمسك الشافعية فقالوا أقل ما في حد الخمر أربعون وتجوز الزيادة
فيه إلى الثمانين على سبيل التعزير ولا يجاوز الثمانين واستندوا إلى أن التعزير إلى رأي الامام
63

فرأى عمر فعله بموافقة علي ثم رجع علي ووقف عندما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر
ووافقه عثمان على ذلك وأما قول علي وكل سنة فمعناه أن الاقتصار على الأربعين سنة النبي صلى
الله عليه وسلم فصار إليه أبو بكر والوصول إلى الثمانين سنة عمر ردعا للشاربين الذين احتقروا
العقوبة الأولى ووافقهم من ذكر في زمانه للمعنى الذي تقدم وسوغ لهم ذلك إما اعتقادهم
جواز القياس في الحدود على رأي من يجعل الجميع حدا وإما أنهم جعلوا الزيادة تعزيرا بناء
على جواز أن يبلغ بالتعزير قدر الحد ولعلهم لم يبلغهم الخبر الآتي في باب التعزير وقد تمسك بذلك
من قال بجواز القياس في الحدود وادعى إجماع الصحابة وهي دعوى ضعيفة لقيام الاحتمال
وقد شنع ابن حزم على الحنفية في قولهم أن القياس لا يدخل في الحدود والكفارات مع جزم
الطحاوي ومن وافقه منهم بأن حد الخمر وقع بالقياس على حد القذف وبه تمسك من قال بالجواز
من المالكية والشافعية واحتج من منع ذلك بأن الحدود والكفارات شرعت بحسب
المصالح وقد تشترك أشياء مختلفة وتختلف أشياء متساوية فلا سبيل إلى علم ذلك إلا بالنص
وأجابوا عما وقع في زمن عمر بأنه لا يلزم من كونه جلد قدر حد القذف أن يكون جعل الجميع
حدا بل الذي فعلوه محمول على أنهم لم يبلغهم أن النبي صلى الله عليه وسلم حد فيه أربعين إذ لو بلغهم
لما جاوزوه كما لم يجاوزوا غيره من الحدود المنصوصة وقد اتفقوا على أنه لا يجوز أن يستنبط من
النص معنى يعود عليه بالابطال فرجح أن الزيادة كانت تعزيرا ويؤيده ما أخرجه أبو عبيد في
غريب الحديث بسند صحيح عن أبي رافع عن عمر أتى بشارب فقال لمطيع بن الأسود إذا
أصبحت غدا فاضربه فجاء عمر فوجده يضربه ضربا شديدا فقال كم ضربته قال ستين قال
اقتص عنه بعشرين قال أبو عبيد يعني اجعل شدة ضربك له قصاصا بالعشرين التي بقيت من
الثمانين قال أبو عبيد فيؤخذ من هذا الحديث أن ضرب الشارب لا يكون شديدا وأن لا يضرب
في حال السكر لقوله إذا أصبحت فأضربه قال البيهقي ويؤخذ منه أن الزيادة على الأربعين
ليست بحد إذا لو كانت حدا لما جاز النقص منه بشدة الضرب إذ لا قائل به وقال صاحب
المفهم ما ملخصه بعد أن ساق الأحاديث الماضية هذا كله يدل على أن الذي وقع في عهد النبي
صلى الله عليه وسلم كان أدبا وتعزيرا ولذلك قال علي فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنه فلذلك
ساغ للصحابة الاجتهاد فيه فألحقوه بأخف الحدود وهذا قول طائفة من علمائنا ويرد عليهم قول
على جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين وكذا وقوع الأربعين في عهد أبي بكر وفي خلافة
عمر أولا أيضا ثم في خلافة عثمان فلولا أنه حد لاختلف التقدير قيام الاجماع على أن في الخمر
الحد وإن وقع الاختلاف في الأربعين والثمانين قال والجواب أن النقل عن الصحابة اختلف
في التحديد والتقدير ولا بد من الجمع بين مختلف أقوالهم وطريقه أنهم فهموا أن الذي وقع
في زمنه صلى الله عليه وسلم كان أدبا من أصل ما شاهدوه من اختلاف الحال فلما كثر الاقدام على
الشرب ألحقوه بأخف الحدود المذكورة في القرآن وقوى ذلك عندهم وجود الافتراء من السكر
فأثبتوها حدا ولهذا أطلق على أن عمر جلد ثمانين وهى سنة ثم ظهر لعلي أن الاقتصار على
الأربعين أولى مخافة أن يموت فتجب فيه الدية ومراده بذلك الثمانون وبهذا يجمع بين قوله لم
يسنه وبين تصريحه بأنه صلى الله عليه وسلم جلد أربعين قال وغاية هذا البحث أن الضرب في الخمر
64

تعزير يمنع من الزيادة على غايته وهي مختلف فيها قال وحاصل ما وقع من استنباط الصحابة أنهم
أقاموا السكر مقام القذف لأنه لا يخلو عنه غالبا فأعطوه حكمه وهو من أقوى حجج القائلين
بالقياس فقد اشتهرت هذه القصة ولم ينكرها في ذلك الزمان منكر قال وقد اعترض بعض أهل
النظر بأنه إن ساغ إلحاق حد السكر لحد القذف فليحكم له بحكم الزنا والقتل لأنهما مظنته
وليقتصروا في الثمانين على من سكر لا على من اقتصر على الشرب ولم يسكر قال وجوابه أن المظنة
موجودة غالبا في القذف نادرة في الزنا والقتل والوجود يحقق ذلك وانما أقاموا الحد على
الشارب وان لم يسكر مبالغة في الردع لان القليل يدعو إلى الكثير والكثير يسكر غالبا وهو
المظنة ويؤيده أنه اتفقوا على إقامة الحد في الزنا بمجرد الايلاج وان لم يتلذذ ولا أنزل ولا أكمل
(قلت) والذي تحصل لنا من الآراء في حد الخمر ستة أقوال الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم
لم يجعل فيها حدا معلوما بل كان يقتصر في ضرب الشارب على ما يليق به قال ابن المنذر قال بعض
أهل العلم أتى النبي صلى الله عليه وسلم بسكران فأمرهم بضربه وتبكيته فدل على
أن لا حد في السكر بل فيه التنكيل والتبكيت ولو كان ذلك على سبيل الحد لبينه بيانا واضحا
قال فلما كثر الشراب في عهد عمر استشار الصحابة ولو كان عندهم عن النبي صلى الله عليه وسلم
شئ محدود لما تجاوزوه كما لم يتجاوزوا حد القذف ولو كثر القاذفون وبالغوا في الفحش فلما اقتضى
رأيهم أن يجعلوه كحد القذف واستدل علي بما ذكر من أن في تعاطيه ما يؤدي إلى وجود
القذف غالبا أو إلى ما يشبه القذف ثم رجع إلى الوقوف عند تقدير ما وقع في زمن النبي صلى
الله عليه وسلم دل على صحة ما قلناه لان الروايات في التحديد بأربعين اختلفت عن أنس وكذا
عن علي فالأولى أن لا يتجاوز أقل ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم ضربه لأنه المحقق سواء كان
ذلك حدا أو تعزيرا الثاني أن أن الحد فيه أربعون ولا تجوز الزيادة عليها الثالث مثله لكن للامام
أن يبلغ به ثمانين وهل تكون الزيادة من تمام الحد أو تعزيرا قولان الرابع أنه ثمانون ولا تجوز
الزيادة عليه الخامس كذلك وتجوز الزيادة تعزيرا وعلى الأقوال كلها هل يتعين الجلد بالسوط
أو يتعين بما عداه أو يجوز بكل من ذلك أقوال السادس إن شرب فجلد ثلاث مرات فعاد
الرابعة وجب قتله وقيل أن شرب أربعا فعاد الخامسة وجب قتله وهذا السادس في الطرف
الابعد من القول الأول وكلاهما شاذ وأظن الأول رأي البخاري فإنه لم يترجم بالعدد أصلا ولا
أخرج هنا في العدد الصريح شيئا مرفوعا وتمسك من قال لا يزاد على الأربعين بأن أبا بكر تحرى
ما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فوجده أربعين فعمل به ولا يعلم له في زمنه مخالف
فإن كان السكوت إجماعا فهذا الاجماع سابق على ما وقع في عهد عمر والتمسك به أولى لان مستنده
فعل النبي صلى الله عليه وسلم ومن ثم رجع إليه علي ففعله في زمن عثمان بحضرته وبحضرة من كان
عنده من الصحابة منهم عبد الله بن جعفر الذي باشر ذلك والحسن بن علي فإن كان السكوت إجماعا
فهذا هو الأخير فينبغي ترجيحه وتمسك من قال بجواز بما صنع في عهد عمر من الزيادة
ومنهم من أجاب عن الأربعين بأن المضروب كان عبدا وهو بعيد فاحتمل الامرين أن يكون حدا
أو تعزيرا وتمسك من قال بجواز الزيادة على الثمانين تعزيرا بما تقدم في الصيام أن عمر حد
الشارب في رمضان ثم نفاه إلى الشام وبما أخرجه بن أبي شيبة أن عليا جلد النجاشي الشاعر
65

ثمانين ثم أصبح فجلده عشرين بجراءته بالشرب في رمضان وسيأتي الكلام في جواز الجمع بين
الحد والتعزير في الكلام على تغريب الزاني إن شاء الله تعالى وتمسك من قال يقتل في الرابعة
أو الخامسة بما سأذكره في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى وقد استقر الاجماع على ثبوت
حد الخمر وأن لا قتل فيه واستمر الاختلاف في الأربعين والثمانين وذلك خاص بالحر المسلم وأما
الذمي فلا يحد فيه وعن أحمد رواية أنه يحد وعنه إن سكر والصحيح عندهم كالجمهور وأما
من هو في الرق فهو على النصف من ذلك إلا عند أبي ثور وأكثر أهل الظاهر فقالوا الحر والعبد
في ذلك سواء لا ينقص عن الأربعين نقله بن عبد البر وغيره عنهم وخالفهم ابن حزم فوافق
الجمهور (قوله باب ما يكره من لعن شارب الخمر وأنه ليس بخارج من الملة)
يشير إلى طريق الجمع بين ما تضمنه حديث الباب من النهي عن لعنه وما تضمنه حديث الباب
الأول لا يشرب الخمر وهو مؤمن وأن المراد به نفي كان الايمان لا أنه يخرج عن الايمان جملة
وعبر بالكراهة هنا إشارة إلى أن النهي للتنزيه في حق من يستحق اللعن إذا قصد به اللاعن محض
السب لا إذا قصد معناه الأصلي وهو الابعاد عن رحمة الله فأما إذا قصده فيحرم ولا سيما في حق
من لا يستحق اللعن كهذا الذي يحب الله ورسوله ولا سيما مع إقامة الحد عليه بل يندب
الدعاء له بالتوبة والمغفرة كما تقدم تقريره في الباب الذي قبله في الكلام على حديث أبي هريرة
ثاني حديثي الباب وبسبب هذا التفصيل عدل عن قوله في الترجمة كراهية لعن شارب الخمر إلى
قوله ما يكره من فأشار بذلك إلى التفصيل وعلى هذا التقرير فلا حجة فيه لمنع لعن الفاسق المعين
مطلقا وقيل أن المنع خاص بما يقع في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يتوهم الشارب عند
عدم الانكار أنه مستحق لذلك فربما أوقع الشيطان في قلبه ما يتمكن به من فتنه والى ذلك الإشارة
بقوله في حديث أبي هريرة لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم وقيل المنع مطلقا في حق من
أقيم عليه الحد لان الحد قد كفر عنه الذنب المذكور وقيل المنع مطلقا في حق ذي الزلة
والجواز مطلقا في حق المجاهرين وصوب ابن المنير أن المنع مطلقا في حق المعين والجواز في حق
غير المعين لأنه في حق غير المعين زج عن تعاطي ذلك الفعل وفي حق المعين أذى له وسب وقد ثبت
النهي عن أذى المسلم واحتج من أجاز لعن المعين بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما لعن من
يستحق اللعن فيستوي المعين وغيره وتعقب بأنه إنما يستحق اللعن بوصف الابهام ولو كان لعنه
قبل الحد جائزا لاستمر بعد الحد كما لا يسقط التغريب بالجلد وأيضا فنصيب غير المعين من ذلك يسير
جدا والله أعلم قال النووي في الاذكار وأما الدعاء على انسان بعينه ممن اتصف بشئ من
المعاصي فظاهر الحديث أنه لا يحرم وأشار الغزالي إلى تحريمه وقال في باب الدعاء على الظلمة بعد أن
أورد أحاديث صحيحة في الجواز قال الغزالي وفي معنى اللعن الدعاء على الانسان بالسوء حتى على
الظالم مثل لا أصح الله جسمه وكل ذلك مذموم انتهى والأولى حمل كلام الغزالي على الأول
وأما الأحاديث فتدل على الجواز كما ذكره النووي في قوله صلى الله عليه وسلم الذي قال كل بيمينك
فقال لا أستطيع فقال لا استطعت فيه دليل على جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي
ومال هنا إلى الجواز قبل إقامة الحد والمنع بعد إقامته وصنيع البخاري يقتضي لعن المتصف
بذلك من غير أن يعين باسمه فيجمع بين المصلحتين لان لعن المعين والدعاء عليه قد يحمله على
66

التمادي أو يقنطه من قبول التوبة بخلاف ما إذا صرف ذلك إلى المتصف فان فيه زجرا وردعا
عن ارتكاب ذلك وباعثا لفاعله على الاقلاع عنه ويقويه النهي عن التثريب على الأمة
إذا جلدت على الزنا كما سيأتي قريبا واحتج شيخنا الامام البلقيني على جواز لعن المعين بالحديث
الوارد في المرأة إذا دعاها زوجها إلى فراشه فأبت لعنتها الملائكة حتى تصبح وهو في الصحيح وقد
توقف فيه بعض من لقيناه بأن اللاعن لها الملائكة فيتوقف الاستدلال به على جواز التأسي
بهم وعلى التسليم فليس في الخبر تسميتها والذي قاله شيخنا أقوى فأن الملك معصوم والتأسي
بالمعصوم مشروع والبحث في جواز لعن المعين وهو الموجود (قوله أن رجلا كان على عهد النبي
صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا) ذكر الواقدي في غزوة خيبر من مغازيه
عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال ووجد في حصن الصعب بن معاذ فذكر ما وجد من الثياب
وغيرها إلى أن قال وزقاق خمر فأريقت وشرب يومئذ من تلك الخمر رجل يقال له عبد الله الحمار
وهو باسم الحيوان المشهور وقد وقع في حديث الباب أن الأول اسمه والثاني لقبه وجوز ابن
عبد البر أنه ابن النعيمان المبهم في حديث عقبة بن الحرث فقال في ترجمة النعيمان كان رجلا صالحا
وكان له بن انهمك في الشراب فجلده النبي صلى الله عليه وسلم فعلى هذا يكون كل من النعيمان
وولده عبد الله جلد في الشرب وقوى هذا عنده بما أخرجه الزبير بن بكار في الفاكهة من حديث
محمد بن عمرو ابن حزم قال كان بالمدينة رجل يصيب الشراب فكان يؤتي به النبي صلى الله عليه
وسلم فيضربه بنعله ويأمر أصحابه فيضربونه بنعالهم ويحثون عليه التراب فلما كثر ذلك منه قال
له رجل لعنك الله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفعل فإنه يحب الله ورسوله وحديث
عقبة اختلف ألفاظ ناقليه هل الشارب النعيمان أو ابن النعيمان والراجح النعيمان فهو غير
المذكور هنا لان قصة عبد الله كانت في خيبر فهي سابقة على قصة النعيمان فأن عقبة بن الحرث
من مسلمة الفتح والفتح كان بعد خيبر بنحو من عشرين شهرا والأشبه أنه المذكور في حديث
عبد الرحمن بن أزهر لان عقبة بن الحرث ممن شهدها من مسلمة الفتح لكن في حديثه أن النعيمان
ضرب في البيت وفي حديث عبد الرحمن بن أزهر أنه أتى به والنبي صلى الله عليه وسلم عند رحل خالد
بن الوليد ويمكن الجمع بأنه أطلق على رحل خالد بيتا فكأنه كان بيتا من شعر فأن كان كذلك
فهو الذي في حديث أبي هريرة لان في كل منهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه بكتوه
كما تقدم (قوله وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي يقول بحضرته أو يفعل ما يضحك
منه وقد أخرج أبو يعلى من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم بسند الباب ان رجلا كان يلقب
حمارا وكان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم العكة من السمن والعسل فإذا جاء صاحبه
يتقاضاه جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أعط هذا متاعه فما يزيد النبي صلى الله عليه وسلم
أن يتبسم ويأمر به فيعطى ووقع في حديث محمد بن عمرو بن حزم بعد قوله يحب الله ورسوله قال
وكان لا يدخل إلى المدينة طرفة إلا اشترى منها ثم جاء فقال يا رسول الله هذا أهديته لك فإذا جاء
صاحبه يطلب ثمنه جاء به فقال أعط هذا الثمن فيقول ألم تهده إلي فيقول ليس عندي فيضحك
ويأمر لصاحبه بثمنه وهذا مما يقوي أن صاحب الترجمة والنعيمان واحد والله أعلم (قوله قد
جلده في الشراب) أي بسبب شربه الشراب المسكر وكان فيه مضمرة أي كان قد جلد ووقع
67

في رواية معمر عن زيد بن أسلم بسنده هذا عند عبد الرزاق أتي برجل قد شرب الخمر فحد ثم أتى به
فحد ثم أتى به فحد ثم أتى به فحد أربع مرات (قوله فأتى به يوما) فذكر سفيان اليوم الذي أتى به
فيه والشراب الذي شربه من عند الواقدي ووقع في روايته وكان قد أتى به في الخمر مرارا (قوله
فأمر به فجلد) في رواية الواقدي فأمر به فخفق بالنعال وعلى هذا فقوله فجلد أي ضرب ضربا أصاب
جلده وقد يؤخذ منه أنه المذكور في حديث أنس في الباب الأول (قوله قال رجل من القوم)
لم أرى هذا الرجل مسمى وقد وقع في رواية معمر المذكورة فقال رجل عند النبي صلى الله عليه
وسلم ثم رأيته مسمى في رواية الواقدي فعنده فقال عمر (قوله ما أكثر ما يؤتى به) في رواية
الواقدي ما يضرب وفي رواية معمر ما أكثر ما يشرب وما أكثر ما يجلد (قوله لا تلعنوه) في رواية
الواقدي لا تفعل يا عمر وهذا قد يتمسك به من يدعي اتحاد القصتين وهو بعيد لما بينته من
اختلاف الوقتين ويمكن الجمع بأن ذلك وقع للنعيمان ولابن النعيمان وأن اسمه عبد الله ولقبه حمار
والله أعلم (قوله فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله) كذا للأكثر بكسر الهمزة ويجوز على رواية
ابن السكن الفتح والكسر وقال بعضهم الرواية بفتح الهمزة على أن ما نافية يحيل المعنى إلى ضده
وأغرب بعض شراح المصابيح فقال ما موصولة وان مع اسمها وخبرها سدت مسد مفعولي علمت
لكونه مشتملا على المنسوب والمنسوب إليه والضمير في أنه يعود إلى الموصول والموصول مع
صلته خبر مبتدأ محذوف تقديره هو الذي علمت والجملة في جواب القسم قال الطيبي وفيه
تعسف وقال صاحب المطالع ما موصولة وإنه بكسر الهمزة مبتدأ وقيل بفتحها وهو مفعول
علمت قال الطيبي فعلى هذا علمت بمعنى عرفت وانه خبر الموصول وقال أبو البقاء في إعراب
الجمع ما زائدة أي فوالله علمت أنه والهمزة على هذا مفتوحة قال ويحتمل أن يكون المفعول
محذوفا أي ما علمت عليه أو فيه سوءا ثم أستأنف فقال إنه يحب الله ورسوله ونقل عن رواية ابن
السكن أن التاء بالفتح للخطاب تقريرا ويصح على هذا كسر الهمزة وفتحها والكسر على جواب
القسم والفتح معمول علمت وقيل ما زائدة للتأكيد والتقدير لقد علمت (قلت) وقد حكى في المطالع
أن في بعض الروايات فوالله لقد علمت وعلى هذا فالهمزة مفتوحة ويحتمل أن تكون ما مصدرية
وكسرت إن لأنها جواب القسم قال الطيبي وجعل ما نافية أظهر لاقتضاء القسم أن يلتقي بحرف
النفي وبان وباللام بخلاف الموصولة ولان الجملة القسمية جئ بها مؤكدة لمعنى النفي مقررة
للانكار ويؤيده أنه وقع في شرح السنة فوالله ما علمت إلا أنه قال فمعنى الحصر في هذه الرواية
بمنزلة تاء الخطاب في الرواية الأخرى لإرادة مزيد الانكار على المخاطب (قلت) وقد وقع في رواية
أبي ذر عن الكشميهني مثل ما عزاه لشرح السنة ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق أبي زرعة
الرازي عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه فوالله ما علمت أنه ليحب الله ورسوله ويصح معه أن
تكون ما زائدة وأن تكون ظرفية أي مدة على ووقع في رواية معمر والواقدي فإنه يحب الله
ورسوله كذا في رواية محمد بن عمرو بن حزم ولا إشكال فيها لأنها جاءت تعليلا لقوله لا تفعل يا عمر
والله أعلم وفي هذا الحديث من الفوائد جواز التلقيب وقد تقدم القول فيه في كتاب الأدب وهو
محمول هنا على أنه كان لا يكرهه أو أنه ذكر به على سبيل التعريف لكثرة من كان يسمى بعبد الله
أو أنه لما تكرر منه الاقدام على الفعل المذكور نسب إلى البلا فأطلق عليه اسم من يتصف بها
68

ليرتدع بذلك وفيه الرد على من زعم أن مرتكب الكبيرة كافر لثبوت النهي عن لعنه والامر
بالدعاء له وفيه أن لا تنافي بين ارتكاب النهي وثبوت محبة الله ورسوله في قلب المرتكب لأنه
صلى الله عليه وسلم أخبر بأن المذكور يحب الله ورسوله مع وجود ما صدر منه وأن من تكررت
منه المعصية لا تنزع منه محبة الله ورسوله ويؤخذ منه تأكيدا ما تقدم أن نفي الايمان عن شارب
الخمر لا يراد به زواله بالكلية بل نفي كماله كما تقدم ويحتمل أن يكون استمرار ثبوت محبة الله ورسوله
في قلب العاصي مقيدا بما إذا ندم على وقوع المعصية وأقيم عليه الحد فكفر عن الذنب المذكور
بخلاف من لم يقع منه ذلك فأنه يخشى عليه بتكرار الذنب أن يطبع على قلبه شئ حتى يسلب
منه ذلك نسأل الله العفو والعافية وفيه ما يدل على نسخ الامر الوارد بقتل شارب الخمر إذا
تكرر منه إلى الرابعة أو الخامسة فقد ذكر ابن عبد البر أنه أتى به أكثر من خمسين مرة والامر
المنسوخ أخرجه الشافعي في رواية حرملة عنه وأبو داود وأحمد والنسائي والدارمي وابن المنذر
وصححه ابن حبان كلهم من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رفعه إذا سكر فاجلدوه
ثم إذا سكر فاجلدوه ثم إذا سكر فاجلدوه ثم إذا سكر فاقتلوه ولبعضهم فاضربوا عنقه وله من
طريق أخرى عن أبي هريرة أخرجها عبد الرزاق وأحمد والترمذي تعليقا والنسائي كلهم من رواية
سهيل من أبي صالح عن أبيه عنه بلفظ إذا شربوا فاجلدوهم ثلاثا فإذا شربوا الرابعة فاقتلوهم
وروى عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح فقال أبو بكر بن عياش عنه عن أبي صالح عن أبي سعيد
كذا أخرجه ابن حبان من رواية عثمان بن أبي شيبة عن أبي بكر وأخرجه الترمذي عن أبي كريب
عنه فقال عن معاوية بدل أبي سعيد وهو المحفوظ وكذا أخرجه أبو داود من رواية أبان العطار
عنه وتابعه الثوري وشيبان بن عبد الرحمن وغيرهما عن عاصم ولفظ الثوري عن عاصم ثم إن
شرب الرابعة فاضربوا عنقه ووقع في رواية أبان عند أبي داود ثم إن شربوا فاجلدوهم ثلاث
مرات بعد الأولى ثم قال إن شربوا فاقتلوهم ثم ساقه أبو داود من طريق حميد بن يزيد عن نافع
عن ابن عمر قال وأحسبه قال في الخامسة ثم إن شربها فاقتلوه قال وكذا في حديث عطيف
في الخامسة قال أبو داود وفي رواية عمر بن أبي سلمة عن أبيه وسهيل بن أبي صالح عن أبيه كلاهما
عن أبي هريرة في الرابعة وكذا في رواية ابن أبي نعيم عن ابن عمر وكذا في رواية عبد الله بن عمرو بن
العاص والشريد وفي رواية معاوية فان عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه وقال الترمذي بعد
تخريجه وفي الباب عن أبي هريرة والشريد والشرحبيل بن أوس وأبي الرمداء وجرير وعبد الله بن
عمرو (قلت) وقد ذكرت حديث أبي هريرة وأما حديث الشريد وهو ابن أوس الثقفي فأخرجه
أحمد والدارمي والطبراني وصححه الحاكم بلفظ إذا شرب فاضربوه وقال في آخره ثم إن عاد الرابعة
فاقتلوه وأما حديث شرحبيل وهو الكندي فأخرجه أحمد والحاكم والطبراني وابن مندة
في المعرفة ورواته ثقات نحو رواية الذي قبله وصححه الحاكم من وجه آخر وأما حديث أبي الرمداء
وهو بفتح الراء وسكون الميم بعدها دال مهملة وبالمد وقيل بموحدة ثم ذال معجمة وهو يدري نزل
مصر فأخرجه الطبراني وابن مندة وفي سنده بن لهيعة وفي سياق حديثه أن النبي صلى الله عليه
وسلم أمر بالذي شرب الخمر في الرابعة أن تضرب عنقه فضربت فأفاد أن ذلك عمل به قبل النسخ
فان ثبت كان فيه رد على من زعم أنه لم يعمل به وأما حديث جرير فأخرجه الطبراني والحاكم ولفظه
69

من شرب الخمر فاجلدوه وقال فيه فان عاد في الرابعة فاقتلوه وأما حديث عبد الله بن عمرو بن
العاص فأخرج أحمد والحاكم من وجهين عنه وفي كل منهما مقال ففي رواية شهر بن حوشب
عنه فان شربها الرابعة فاقتلوه (قلت) ورويناه عن أبي سعيد أيضا كما تقدم وعن ابن عمر
وأخرجه النسائي والحاكم من رواية عبد الرحمن بن أبي نعيم عن ابن عمر ونفر من الصحابة بنحوه
وأخرجه الطبراني موصولا من طريق عياض بن عطيف عن أبيه وفيه في الخامسة كما أشار إليه
أبو داود وأخرجه الترمذي تعليقا والبزار والشافعي والنسائي والحاكم موصولا من رواية محمد
ابن المنكدر عن جابر وأخرجه البيهقي والخطيب في المبهمات من وجهين أخرين عن ابن المنكدر
وفي رواية الخطيب جلد وللحاكم من طريق يزيد بن أبي كبشة سمعت رجلا من الصحابة يحدث
عبد بن مروان رفعه بنحوه ثم أن عاد في الرابعة فاقتلوه وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن ابن
المنكدر مرسلا وفيه أتى بابن النعيمان بعد الرابعة وأبو داود من رواية الزهري عن
قبيصة بن ذؤيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر فاجلدوه إلى أن قال
ثم إذا شرب في الرابعة فاقتلوه قال فأتي برجل قد شرب فجلده ثم أتي به قد شرب فجلده ثم أتى به وقد
شرب فجلده ثم أتي به في الرابعة قد شرب فجلده فرفع القتل عن الناس وكانت رخصة وعلقه
الترمذي فقال روى الزهري وأخرجه الخطيب في المبهمات من طريق محمد بن إسحاق عن الزهري
وقال فيه فأتي برجل من الأنصار يقال له نعيمان فضربه أربع مرات فرأى المسلمون أن القتل قد
أخر وأن الضرب قد وجب وقبيصة بن ذؤيب من أولاد الصحابة وولد في عهد النبي صلى الله عليه
وسلم ولم يسمع منه ورجال هذا الحديث ثقات مع إرساله لكنه أعل بما أخرجه الطحاوي من
طريق الأوزاعي عن الزهري قال بلغني عن قبيصة ويعارض ذلك رواية ابن وهب عن يونس عن
الزهري أن قبيصة حدثه أنه بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أصح لان يونس أحفظ
لرواية الزهري من الأوزاعي والظاهر أن الذي بلغ قبيصة ذلك صحابي فيكون الحديث على شرط
الصحيح لان إبهام الصحابي لا يضر وله شاهد أخرجه عبد الرزاق عن معمر قال حدثت به ابن
المنكدر فقال ترك ذلك قد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن نعيمان فجلده ثلاثا ثم أتي به في
الرابعة فجلده ولم يزد ووقع عند النسائي من طريق محمد بن إسحاق عن ابن المنكدر عن جابر فأتى
رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل منا قد شرب في الرابعة فلم يقتله وأخرجه من وجه آخر عن
محمد بن إسحاق بلفظ فان عاد الرابعة فاضربوا عنقه فضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع
مرات فرأى المسلمون أن الحد قد وقع وأن القتل قد رفع قال الشافعي بعد تخريجه هذا
ما لا اختلاف فيه بين أهل العلم علمته وذكره أيضا عن أبي الزبير مرسلا وقال أحاديث القتل
منسوخة وأخرجه أيضا من رواية ابن أبي ذئب حدثني ابن شهاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم
بشارب فجلده ولم يضرب عنقه وقال الترمذي لا نعلم بين أهل العلم في هذا اختلافا في القديم
والحديث قال وسمعت محمدا يقول حديث معاوية في هذا أصح وانما كان هذا في أول الأمر ثم
نسخ بعد وقال في العلل آخر الكتاب جميع ما في هذا الكتاب قد عمل به أهل العلم إلا هذا الحديث
وحديث الجمع بين الصلاتين في الحضر وتعقبه النووي فسلم قوله في حديث الباب دون الآخر
70

ومال الخطابي إلى تأويل الحديث في الامر بالقتل فقال قد يرد الامر بالوعيد ولا يراد به وقوع
الفعل وانما قصد به الردع والتحذير ثم قال ويحتمل أن يكون القتل في الخامسة كان واجبا
ثم نسخ بحصول الاجماع من الأمة على أنه لا يقتل وأما ابن المنذر فقال كان العمل فيمن شرب الخمر
أن يضرب وينكل به ثم نسخ بالامر بجلده فان تكرر ذلك أربعا قتل ثم نسخ ذلك بالاخبار الثابتة
وباجماع أهل العلم إلا من شذ ممن لا يعد خلافه خلافا (قلت) وكأنه أشار إلى بعض أهل الظاهر فقد نقل
عن بعضهم واستمر عليه ابن حزم منهم واحتج له وادعى أن لا إجماع وأورد من مسند الحرث بن
أبي أسامة ما أخرجه هو والامام من طريق الحسن البصري عن عبد الله بن عمرو وأنه قال
ائتوني برجل أقيم عليه الحد يعني ثلاثا ثم سكر فإن لم اقتله فأنا كذاب وهذا منقطع لان الحسن
لم يسمع من عبد الله بن عمرو وكما جزم به بن المديني وغيره فلا حجة فيه وإذا لم يصح هذا عن عبد الله
بن عمرو لم يبق لمن رد الاجماع على ترك القتل متمسك حتى ولو ثبت عن عبد الله بن عمرو لكان عذره
أنه لم يبلغه النسخ وعد ذلك نزره المخالف وقد جاء عن عبد الله بن عمرو أشد من الأول فأخرج
سعيد بن منصور عنه بسند لين قال لو رأيت أحدا يشرب الخمر واستطعت أن أقتله لقتلته
وأما قول بعض من انتصر لابن حزم فطعن في النسخ بأن معاوية انما أسلم بعد الفتح وليس في شئ
من أحاديث غيره الدالة على نسخه التصريح بأن ذلك متأخر عنه وجوابه أن معاوية أسلم قبل
الفتح وقيل في الفتح وقصة ابن النعيمان كانت بعد ذلك لان عقبة بن الحرث حضرها إما بحنين
وإما بالمدينة وهو انما أسلم في الفتح وحنين وحضور عقبة إلى المدينة كان بعد الفتح جزما فثبت
ما نفاه هذا القائل وقد عمل بالناسخ بعض الصحابة فأخرج عبد الرزاق في مصنفه بسند لين عن عمر
ابن الخطاب أنه جلد أبا محجن الثقفي في الخمر ثمان مرار وأورد نحو ذلك عن سعيد بن أبي وقاص
وأخرج حماد بن سلمة في مصنفه من طريق أخرى رجالها ثقات أن عمر جلد أبا محجن في الخمر أربع
مرار ثم قال له أنت خليع فقال أما إذ خلعتني فلا أشربها أبدا (قوله حدثنا علي بن عبد الله
ابن جعفر) هو المعروف بابن المديني (قوله أتى النبي صلى الله عليه وسلم بسكران فأمر بضربه)
وقع في رواية المستملي فقام ليضربه وهو تصحيف فقد تقدم الحديث في الباب الذي قبله من وجه
أخر عن أبي ضمرة على الصواب بلفظ فقال اضربوه قال القرطبي ظاهره يقتضي أن السكر بمجرده
موجب للحد لان الفاء للتعليل كقوله سهى فسجد ولم يفصل هل سكر من ماء عنب أو غيره ولا هل
شرب قليلا أو كثيرا ففيه حجة للجمهور على الكوفيين في التفرقة وقد مضى بيان ذلك في الأشربة
(قوله باب السارق حين يسرق) ذكر فيه حديث ابن عباس نحو حديث أبي هريرة
الماضي في أول الحدود مقتصرا فيه على الزنا والسرقة ولأبي ذر مولا يسرق السارق وسقط لفظ
السارق من رواية غيره وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية عمرو بن علي شيخ البخاري فيه وأخرجه
أيضا من طريق إسحاق بن يوسف الأزرق عن الفضل بن غزوان بسنده في ولا يشرب الخمر حين
يشربها وهو مؤمن ولا يقتل وهو مؤمن قال عكرمة قلت لابن عباس كيف ينتزع منه الايمان
قال هكذا فان تاب راجعه الايمان وقد تقدم بسط هذا في أول كتاب الحدود (قوله باب
لعن السارق إذا لم يسم) أي إذا لم يعين إشارة إلى الجمع بين النهي عن لعن الشارب المعين كما مضى
تقريره وبين حديث الباب قال ابن بطال معناه لا ينبغي تعيين أهل المعاصي ومواجهتهم باللعن
71

وإنما ينبغي أن يلعن في الجملة من فعل ذلك ليكون ردعا لهم وزجرا عن انتهاك شئ منها ولا يكون
لمعين لئلا يقنط قال فإن كان هذا مراد البخاري فهو غير صحيح لأنه إنما نهى عن لعن الشارب وقال
لا تعينوا عليه الشيطان بعد إقامة الحد عليه (قلت) وقد تقدم تقرير ذلك قريبا وقال الداودي
قوله في هذا الحديث لعن الله السارق يحتمل أن يكون خبرا ليرتدع من سمعه عن السرقة
ويحتمل أن يكون دعاء (قلت) ويحتمل أن لا يراد به حقيقة اللعن بل للتنفير فقط وقال الطيبي
لعل هنا المراد باللعن الإهانة والخذلان كأنه قيل لما استعمل أعز شئ في أحقر شئ خذله الله حتى
قطع وقال عياض جوز بعضهم لعن المعين ما لم يحد لان الحد كفارة قال وليس هذا بسديد لثبوت
النهي عن اللعن في الجملة فحمله على المعين أولى وقد قيل إن لعن النبي صلى الله عليه وسلم لأهل
المعاصي كان تحذيرا لهم عنها قبل وقوعها فإذا فعلوها استغفر لهم ودعا لهم بالتوبة وأما من أغلظ
له ولعنه تأديبا على فعل فعله فقد دخل في عموم شرطه حيث قال سألت ربي أن يجعل لعني له كفارة
ورحمة (قلت) وقد تقدم الكلام عليه فيما مضى وبينت هناك أنه مقيد بما إذا صدر في حق من
ليس له بأهل كما قيد له بذلك في صحيح مسلم (قوله عن أبي هريرة) في رواية محمد بن الحسين عن أبي
الحنين عن عمر بن حفص شيخ البخاري فيه سمعت أبا هريرة وكذا في رواية عبد الواحد بن زياد
عن الأعمش عن أبي صالح سمعت أبي هريرة وسيأتي بعد سبعة أبواب في باب توبة السارق وقال ابن
حزم وقد سلم من تدليس الأعمش (قلت) ولم ينفرد به الأعمش أخرجه أبو عوانة في صحيحه من رواية
أبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي صالح (قوله لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع
يده) في رواية عيسى بن يونس عن الأعمش عند مسلم والإسماعيلي ان سرق بيضة قطعت يده وان
سرق حبلا قطعت يده (قوله قال الأعمش) هو موصول بالاسناد المذكور (قوله كانوا يرون)
بفتح أوله من الرأي وبضمه من الظن (قوله أنه بيض الحديد) في رواية الكشميهني بيضة الحديد
(قوله والحبل كانوا يرون أنه منها ما يساوي دراهم) وقع لغير أبي ذر يسوى وقد أنكر بعضهم
صحتها والحق أنها جائزة لكن بقلة قال الخطابي تأويل الأعمش هذا غير مطابق لمذهب الحديث
ومخرج الكلام فيه وذلك أنه ليس بالشائع في الكلام أن يقال في مثل ما ورد فيه الحديث من
اللوم والتثريب أخزى الله فلانا عرض نفسه للتلف في مال له قدر ومزية وفي عرض له قيمة انما
يضرب المثل في مثله بالشئ الذي لا وزن له ولا قيمة هذا حكم العرف الجاري في مثله وانما وجه
الحديث وتأويله ذم السرقة وتهجين أمرها وتحذير سوء مغبتها فيما قل وكثر من المال كأنه
يقول إن سرقة الشئ اليسير الذي لا قيمة له كالبيضة المذرة والحبل الحاق الذي لا قيمة له إذا تعاطاه
فاستمرت به العادة لم ييأس أن يؤديه ذلك إلى سرقة ما فوقها حتى يبلغ قدر ما تقطع فيه اليد فتقطع
يده كأنه يقول فليحذر هذا الفعل وليتوقه قبل أن تملكه العادة ويمرن عليها ليسلم من سوء مغبته
ووخيم عاقبته (قلت) وسبق الخطابي إلى ذلك أبو محمد بن قتيبة فيما حكاه ابن بطال فقال
احتج الخوارج بهذا الحديث على أن القطع يجب في قليل الأشياء وكثيرها ولا حجة لهم فيه وذلك
أن الآية لما نزلت قال عليه والسلام ذلك على ظاهر ما نزل ثم أعلمه الله أن القطع لا يكون
إلا في ربع دينار فكان بيانا لما أجمل فوجب المصير إليه قال وأما قول الأعمش أن البيضة في هذا
الحديث بيضة الحديد التي تجعل في الرأس في الحرب وأن الحبل من حبال السفن فهذا تأويل
72

بعيد لا يجوز عند من يعرف صحيح كلام العرب لان كل واحد من هذين يبلغ دنانير كثيرة وهذا
ليس موضع تكثير لما سرقه السارق ولان من عادة العرب والعجم أن يقولوا قبح الله فلانا عرض
نفسه للضرب في عقد جوهر وتعرض للعقوبة بالغلول في جراب مسك وانما العادة في مثل هذا أن
يقال لعنه الله تعرض لقطع اليد في حبل رث أو في كبة شعر أو رداء خلق وكل ما كان نحو ذلك كان
أبلغ انتهى ورأيته في غريب الحديث لابن قتيبة وفيه حضرت يحيى بن أكثم بمكة قال فرأيته
يذهب إلى هذا التأويل ويعجب به ويبدئ ويعيد قال وهذا لا يجوز فذكره وقد تعقبه أبو بكر
بن الأنباري فقال ليس الذي طعن به بن قتيبة على تأويل الخبر بشئ لان البيضة من السلاح
ليست علما في كثرة الثمن ونهاية في غلو القيمة فتجري مجرى العقد من الجوهر والجراب من
المسك اللذين ربما يتساويان الألوف من الدنانير بل البيضة من الحديد ربما اشتريت بأقل مما
يجب فيه القطع وانما مراد الحديث أن السارق يعرض قطع يده بما لا غنى له به لان البيضة من
السلاح لا يستغني بها أحد وحاصله أن المراد بالخبر أن السارق يسرق الجليل فتقطع يده
ويسرق الحقير فتقطع يده فكأنه تعجيز له و تضعيف لاختياره لكونه باع يده بقليل الثمن و كثيره
وقال المازري تأول بعض الناس البيضة في الحديث ببيضة الحديد لأنه يساوي نصاب القطع
وحمله بعضهم على المبالغة في التنبيه على عظم ما خسر وحقر ما حصل وأراد من جنس البيضة
والحبل ما يبلغ النصاب قال القرطبي ونظير حمله على المبالغة ما حمل عليه قوله صلى الله عليه وسلم
من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة فأن أحد ما قيل فيه إنه أراد المبالغة في ذلك وإلا فمن المعلوم
أن مفحص القطاة وهو قدر ما تحضن فيه بيضها لا يتصور أن يكون مسجدا قال ومنه تصدقن ولو
بظلف محرق وهو مما لا يتصدق به ومثله كثير في كلامهم وقال عياض لا ينبغي أن يلتفت لما
ورد أن البيضة بيضة الحديد والحبل حبل السفن لان مثل ذلك له قيمة وقدر فان سياق الكلام
يقتضي ذم من أخذ القليل لا الكثير والخبر إنما ورد لتعظيم ما جنى على نفسه بما تقل به قيمته
لا بأكثر والصواب تأويله على ما تقدم من تقليل أمره وتهجين فعله وأنه إن لم يقطع في هذا
القدر جرته عادته إلى ما هو أكثر منه وأجاب بعض من انتصر لتأويل الأعمش أن النبي صلى
الله عليه وسلم قاله عند نزول الآية مجملة قبل بيان نصاب القطع انتهى وقد أخرج بن أبي
شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عم أبيه عن علي أنه قطع يد سارق في بيضة حديد ثمنها
ربع دينار ورجاله ثقات مع انقطاعه ولعل هذا مستند التأويل الذي أشار إليه الأعمش وقال
بعضهم البيضة في اللغة تستعمل في المبالغة في المدح وفي المبالغة في الذم فمن الأولى قولهم فلان
بيضة البلد إذا كان فردا في العظمة وكذا في الاحتقار ومنه قول أخت عمرو بن عبد ود لما قتل علي
أخاها يوم الخندق في مرثيتها له
لكن قاله من لا يعاب به * من كان يدعى قديما بيضة البلد
ومن الثاني قول الآخر يهجو قوما
تأبى قضاعة أن تبدي لكم نسبا * وابنا نزار فأنتم بيضة البلد
ويقال في المدح أيضا بيضة القوم أي وسطهم وبيضة السنام أي شحمته فلما كانت البيضة
تستعمل في كل من الامرين حسن التمثيل بها كأنه قال يسرق الجليل والحقير فيقطع فرب
73

أنه عذر بالجليل فلا عذر له بالحقير وأما الحبل فأكثر ما يستعمل في التحقير كقولهم ما ترك فلان
عقالا ولا ذهب من فلان عقال فكان المراد أنه إذا اعتاد السرقة لم يتمالك مع غلبة العادة التمييز
بين الجليل والحقير وأيضا فالعار الذي يلزمه بالقطع لا يساوي ما حصل له ولو كان جليلا والى
هذا أشار القاضي عبد الوهاب بقوله
صيانة العضو أغلاها وأرخصها * صيانة المال فافهم حكمة الباري
ورد بذلك على قول المعري
يد بخمس مئين عسجد وديت * ما بالها قطعت في ربع دينار
وسيأتي مزيد لهذا في باب السرقة إن شاء الله تعالى (قوله باب الحدود
كفارة) (قوله حدثنا محمد بن يوسف) لم أره منسوبا ويحتمل أن يكون هو البيكندي ويحتمل
أن يكون الفريابي وبه جزم أبو نعيم في المستخرج وابن عيينة هو سفيان (قوله عن الزهري)
في رواية الحميدي عن سفيان بن عيينة سمعت الزهري أخرجه أبو نعيم وذكر حديث عبادة بن
الصامت وفيه ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة وقد تقدم أن عند مسلم من وجه
آخر ومن أتى منكم حدا ولأحمد من حديث خزيمة بن ثابت رفعه من أصاب ذنبا أقيم عليه حد
ذلك الذنب فهو كفارته وسنده حسن وفي الباب عن جرير بن عبد الله نحوه عند أبي الشيخ وفي
حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عنده بسند صحيح إليه نحو حديث عبادة وفيه فمن فعل
من ذلك شيئا فأقيم عليه الحد فهو كفارته وعن ثابت بن الضحاك نحوه عند أبي الشيخ وقد ذكرت
شرح حديث الباب مستوفى في الباب العاشر من كتاب الايمان في أول الصحيح وقد استشكل
ابن بطال قوله الحدود كفارة مع قوله في الحديث الآخر ما أدري الحدود كفارة لأهلها أو لا
وأجاب بأن سند حديث عبادة أصح وأجيب بأن الثاني كان قبل أن يعلم بأن الحدود كفارة ثم
أعلم فقال الحديث الثاني وبهذا جزم بن التين وهو المعتمد وقد أجيب من توقف في ذلك لأجل
أن الأول من حديث أبي هريرة وهو متأخر الاسلام عن بيعة العقبة والثاني وهو التردد من
حديث عبادة بن الصامت وقد ذكر في الخبر أنه ممن بايع ليلة العقبة وبيعة العقبة كانت قبل
إسلام أبي هريرة بست سنين وحاصل الجواب أن البيعة المذكورة في حديث الباب كانت
متأخرة عن إسلام أبي هريرة بدليل أن الآية المشار إليها في قوله وقرأ الآية كلها هي قوله تعالى
يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا إلى آخرها وكان نزولها في فتح
مكة وذلك بعد إسلام أبي هريرة بنحو سنتين وقررت ذلك تقريرا بينا وانما وقع الاشكال من قوله
هناك إن عبادة بن الصامت وكان أحد النقباء ليلة العقبة قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال
بايعوني على أن لا تشركوا فإنه يوهم أن ذلك كان ليلة العقبة وليس كذلك بل البيعة التي وقعت
في ليلة العقبة كانت على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره الخ وهو من حديث
عبادة أيضا كما أوضحت هناك قال بن العربي دخل في عموم قوله المشرك أو هو مستثنى فان المشرك
إذا عوقب على شركه لم يكن ذلك كفارة له بل زيادة في نكاله (قلت) وهذا لا خلاف فيه قال وأما
القتل فهو كفارة بالنسبة إلى الولي المستوفي للقصاص في حق المقتول لان القصاص ليس بحق له
بل يبقى حق المقتول فيطالبه به في الآخرة كسائر الحقوق (قلت) والذي قاله في مقام المنع
74

وقد نقلت في الكلام على قوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا قول من قال يبقى للمقتول حق
التشفي وهو أقرب من إطلاق ابن العربي هنا قال وأما السرقة فتتوقف براءة السارق فيها على
رد المسروق لمستحقه وأما الزنا فأطلق الجمهور أنه حق الله وهي غفلة لان لآل المزني بها في ذلك
حقا لما يلزم منه من دخول العار على أبيها وزوجها وغيرهما ومحصل ذلك أن الكفارة تختص
بحق الله تعالى دون حق الآدمي في جميع ذلك (قوله باب ظهر المؤمن حمى)
أي محمي معصوم من الايذاء (قوله إلا في حد أو في حق) أي لا يضرب ولا يذل إلا على سبيل
الحد والتعزير تأديبا وهذه الترجمة لفظ حديث أخرجه أبو الشيخ في كتاب السرقة من طريق
محمد بن عبد العزيز بن عمر الزهري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ظهور المسلمين حمى إلا في حدود الله وفي محمد بن عبد العزيز ضعف وأخرجه
الطبراني من حديث عصمة بن مالك الخطمي بلفظ ظهر المؤمن حمى إلا بحقه وفي سنده الفضل
ابن المختار وهو ضعيف ومن حديث أبي أمامة من جرد ظهر مسلم من غير حق لقى الله وهو عليه
غضبان وفي سنده أيضا مقال (قوله حدثنا محمد بن عبد الله) في رواية غير أبي ذر حدثني قال
الحاكم محمد بن عبد الله هذا هو الذهلي وقال أبو علي الجياني لم أره منسوبا في شئ من الروايات
(قلت) وعلى قول الحاكم فيكون نسب لجده لأنه محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس
وقد حدث البخاري في الصحيح عن محمد بن عبد الله بن المبارك المخزومي وعن محمد بن عبد الله بن أبي
الثلج بالمثلثة والجيم وعن غيرهما وقد بينت ذلك موضحا في أخر حديث في كتاب الايمان والنذور
وقد سقط محمد بن عبد الله من رواية أبي أحمد الجرجاني عن الفربري وأعتمد أبو نعيم في مستخرجه
على ذلك فقال رواه البخاري عن عاصم بن علي وعاصم المذكور هو بن عاصم الواسطي وشيخ
عاصم بن محمد أي بن زيد بن عبد الله بن عمر وشيخه واقد هو أخوه (قوله قال عبد الله) هو ابن
عمر جد الراوي عنه (قوله ألا أي شهر تعلمونه) هو بفتح الهمزة وتخفيف اللام حرف افتتاح
للتنبيه لما يقال وقد كررت في هذه الرواية سؤلا وجوابا وقوله في هذه الرواية أي يوم تعلمونه
أعظم حرمة قالوا يومنا هذا يعارضه أن يوم عرفة أعظم الأيام وأجاب الكرماني بأن المراد باليوم
الوقت الذي تؤدى فيه المناسك ويحتمل أن يختص يوم النحر بمزيد الحرمة ولا يلزم من ذلك
حصول المزية التي أختص بها يوم عرفة وقد تقدم بعض الكلام على هذا الحديث في كتاب العلم
وتقدم ما يتعلق بالسؤال والجواب مبسوطا في باب الخطبة أيام منى من كتاب الحج ومضى ما يتعلق
بقوله ويلكم أو ويحكم في كتاب الأدب ويأتي ما يتعلق بقوله لا ترجعوا بعدي مستوفى في كتاب
الفتن إن شاء الله تعالى رضي الله تعالى عنه (قوله باب إقامة الحدود والانتقام لحرمات الله) ذكر
فيه حديث عائشة ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أختار أيسرهما وقد تقدم
شرحه مستوفى في باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب المناقب وقوله هنا ما لم يأثم
في رواية المستملي ما لم يكن إثم قال ابن بطال هذا التخيير ليس من الله لان الله لا يخير رسوله بين
أمرين أحدهما إثم إلا إن كان في الدين وأحدهما يئول إلى الاثم كالغلو فإنه مذموم كما لو
أوجب الانسان على نفسه شيئا شاقا من العبادة فعجز عنه ومن ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم
أصحابه عن الترهب قال ابن التين المراد التخيير في أمر الدنيا وأما أمر الآخرة فكلما صعب كان
75

أعظم ثوابا كذا قال وما أشار إليه ابن بطال أولى وأولى منهما أن ذلك في أمور الدنيا لان بعض
أمورها قد يفضي إلى الاثم كثيرا والأقرب أن فاعل التخيير الآدمي وهو ظاهر وأمثلته كثيرة ولا
سيما إذا صدر من الكافر (قوله باب إقامة الحدود على الشريف والوضيع) هو من
الوضع وهو النقص ووقع هنا بلفظ الوضيع وفي الطريق التي تليه بلفظ الضعيف وهي رواية
الأكثر في هذا الحديث وقد رواه بلفظ الوضيع أيضا النسائي من طريق إسماعيل بن أمية عن
الزهري والشريف يقابل الاثنين لما يستلزم الشرف من الرفعة والقوة ووقع للنسائي أيضا
في رواية لسفيان بلفظ الدون الضعيف (قوله حدثنا أبو الوليد) هو الطيالسي (قوله حدثنا
الليث عن ابن شهاب) في رواية أبي النضر هاشم بن القاسم عن الليث عند أحمد حدثنا ابن شهاب
ولا يعارض ذلك رواية أبي صالح عن الليث عن يونس عن ابن شهاب فيما أخرجه أبو داود لان
لفظ السياقين مختلف فيحمل على أنه عند الليث بلا واسطة باللفظ الأول وعنده باللفظ الثاني
بواسطة وسأوضح ذلك (قوله عن عروة) في رواية بن وهب عن يونس عن ابن شهاب أخبرني عروة
ابن الزبير وقد مضى سياقه في غزوة الفتح (قوله أن أسامة) هو ابن زيد بن حارثة (قوله كلم النبي
صلى الله عليه وسلم في امرأة) هكذا رواه أبو الوليد مختصرا ورواه غيره عن الليث مطولا كما في
الباب بعده (قوله ويتركون على الشريف) كذا لأبي ذر عن الكشميهني وفيه حذف تقديره
ويتركون إقامة الحد على الشريف فلا يقيمون عليه الحد (قوله لو فاطمة) كذا للأكثر قال ابن
التين التقدير لو فعلت فاطمة ذلك لان لواليها الفعل دون الاسم (قلت) الأولى التقدير بما جاء
في الطريق الأخرى لو أن فاطمة كذا في رواية الكشميهني هنا وهي ثابتة سائر سائر طرق هذا
الحديث في غير هذا الموضع ولو هنا شرطية وحذف أن ورد معها كثيرا كقوله صلى الله عليه
وسلم في الحديث الذي عند مسلم لو أهل عمان أتاهم رسولي فالتقدير لو أن أهل عمان وقد أنكر
بعض الشراح من شيوخنا علي ابن التين إيراده هنا بحذف أن ولا إنكار عليه فان ذلك ثابت
هنا في رواية أبي ذر عن غير الكشميهني وكذا هو في رواية النسفي ووقع في رواية إسحاق بن راشد عن
ابن شهاب عند النسائي لو سرقت فاطمة وهو يساعد تقدير ابن التين (قوله باب
كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان) كذا قيد ما أطلقه في حديث الباب أتشفع في
حد من حدود الله ليس القيد صريحا فيه وكأنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه صريحا وهو في
مرسل حبيب بن أبي ثابت الذي أشرت إليه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسامة لما شفع
فيها لا تشفع في حد فان الحدود إذا انتهت إلي فليس لها مترك وله شاهد من حديث عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده رفعه تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب ترجم له
أبو داود العفو عن الحد ما لم يبلغ السلطان وصححه الحاكم وسنده إلى عمرو بن شعيب صحيح وأخرج
أبو داود أيضا وأحمد وصححه الحاكم من طريق يحيى بن راشد قال خرج علينا ابن عمر فقال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله
في أمره وأخرجه ابن أبي شيبة من وجه آخر أصح منه عن ابن عمر موقوفا وللمرفوع شاهد من
حديث أبي هريرة في الأوسط للطبراني وقال فقد ضاد الله في ملكه وأخرج أبو يعلى من طريق
أبي المحياة عن أبي مطر رأيت عليا أتى بسارق فذكر قصة فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى
76

بسارق فذكر قصة فيها قالوا يا رسول الله أفلا عفوت قال ذلك سلطان سوء الذي يعفو عن الحدود
بينكم وأخرج الطبراني عن عروة بن الزبير قال لقي الزبير سارقا فشفع فيه فقيل له حتى يبلغ
الامام فقال إذا بلغ الامام فلعن الله الشافع والمشفع وأخرج الموطأ عن ربيعة عن الزبير نحوه
وهو منقطع مع وقفة وهو عند ابن أبي شيبة بسند حسن عن الزبير موقوفا وبسند آخر حسن عن
علي نحوه كذلك وبسند صحيح عن عكرمة ان ابن عباس وعمارا والزبير أخذوا سارقا فخلوا سبيله
فقلت لابن عباس بئسما صنعتم حين خليتم سبيله فقال لا أم لك أما لو كنت أنت لسرك أن يخلى
سبيلك وأخرجه الدارقطني من حديث الزبير موصولا مرفوعا بلفظ اشفعوا ما لم يصل إلى الوالي
فإذا وصل الوالي فعفا فلا عفا الله عنه والموقوف هو المعتمد وفي الباب غير ذلك حديث صفوان
ابن أمية عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجة والحاكم في قصة الذي سرق رداؤه ثم أراد
أن لا يقطع فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل لا قبل أن تأتيني به وحديث ابن مسعود
في قصة الذي سرق فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطعه فرأوا منه أسفا عليه فقالوا
يا رسول الله كأنك كرهت كرهت قطعه فقال وما يمنعني لا تكونوا أعوانا للشيطان على أخيكم انه
ينبغي للامام إذا انهي إليه حد أن يقيمه والله عفو يحب العفو وفي الحديث قصة مرفوعة
وأخرج موقوفا أخرجه أحمد وصححه الحاكم وحديث عائشة مرفوعا أقبلوا ذوي الهيئات
زلاتهم إلا في الحدود أخرجه أبو داود ويستفاد منه جواز الشفاعة فيما يقتضي التعزير
وقد نقل ابن عبد البر وغيره في الاتفاق ويدخل فيه سائر الأحاديث الواردة في ندب الستر
على المسلم وهي محمولة على ما لم يبلغ الامام (قوله عن عائشة) كذا قال الحفاظ من أصحاب ابن
شهاب عن عروة وشذ عمر بن قيس الماصر بكسر المهملة فقال ابن شهاب عن عروة عن أم سلمة
فذكر حديث الباب سواء أخرجه أبو الشيخ في كتاب السرقة والطبراني وقال تفرد به عمر بن قيس
يعني من حديث أم سلمة قال الدارقطني في العلل الصواب رواية الجماعة (قوله أن قريشا)
أي القبيلة المشهورة وقد تقدم بيان المراد بقريش الذي انتسبوا إليه في المناقب وأن الأكثر
أنه فهر بن مالك والمراد بهم هنا من أدرك القصة التي تذكر بمكة (قوله أهمتهم المرأة) أي أجلبت
إليهم هما أو صيرتهم ذوي هم بسبب ما وقع منها يقال أهمني الامر أي أقلقني ومضى في المناقب
من رواية قتيبة عن الليث بهذا السند أهمهم شأن المرأة أي أمرها المتعلق بالسرقة وقد وقع
في رواية مسعود بن الأسود الآتي التنبيه عليها لما سرقت تلك المرأة أعظمنا ذلك فأتينا رسول
الله صلى الله عليه وسلم ومسعود المذكور من بطن آخر من قريش وهو من بني عدي بن كعب
رهط عمر وسبب إعظامهم ذلك خشية أن تقطع يدها لعلمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرخص
في الحدود وكان قطع السارق معلوما عندهم قبل الاسلام ونزل القرآن بقطع السارق فاستمر
الحال فيه وقد عقد ابن الكلبي بابا لمن قطع في الجاهلية بسبب السرقة فذكر قصة الذين سرقوا
غزال الكعبة فقطعوا في عهد عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم وذكر من قطع في
السرقة عوف بن عبد بن عمرو بن مخزوم ومقيس بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم وغيرهما وأن
عوف السابق لذلك (قوله المخزومية) نسبة إلى مخزوم بن يقظة بفتح التحتانية والقاف بعدها
ظاء معجمة مشالة ابن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ومخزوم أخو كلاب بن مرة الذي نسب إليه
77

بنو عبد مناف ووقع في رواية إسماعيل بن أمية عن محمد بن مسلم وهو الذي عند النسائي سرقت
امرأة من قريش من بني مخزوم واسم المرأة على الصحيح فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بن
عبد الله بن عمرو بن مخزوم وهي بنت أخي أبي سلمة بن عبد الأسد الصحابي الجليل الذي كان زوج
أم سلمة قبل النبي صلى الله عليه وسلم قتل أبوها كافرا يوم بدر قتله حمزة بن عبد المطلب ووهم من
زعم أن له صحبة وقيل هي أم عمرو بنت سفيان بن عبد الأسد وهي بنت عم المذكورة أخرجه عبد
الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني بشر بن تيم أنها أم عمرو بن سفيان بن عبد الأسد وهذا معضل
ووقع مع ذلك في سياقه أنه قال عن ظن وحسبان وهو غلط ممن قاله لان قصتها مغايرة للقصة
المذكورة في هذا الحديث كما سأوضحه قال ابن عبد البر في الاستيعاب فاطمة بنت الأسود بن عبد
الأسد هي التي قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدها لأنها سرقت حليا فكلمت قريش أسامة
فشفع فيها وهو غلام الحديث (قلت) وقد ساق ذلك ابن سعد في ترجمتها في الطبقات من طريق
الأجلح بن عبد الله الكندي عن حبيب بن أبي ثابت رفعه ان فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد
سرقت حليا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشفعوا الحديث وأورد عبد الغني بن
سعيد المصري في المبهمات من طريق يحيى بن سلمة بن كهيل عن عمار الدهني عن شقيق قال سرقت
فاطمة بنت أبي أسد بنت أخي أبى سلمة فأشفقت قريش أن يقطعها النبي صلى الله عليه وسلم
الحديث والطريق الأولى أقوى ويمكن أن يقال لا منافاة بين قوله بنت الأسود وبنت أبي الأسود
لاحتمال أن تكون كنية الأسود أبا الأسود وأما قصة أم عمرو فذكرها ابن سعد أيضا وابن الكلبي
في المثالب وتبعه الهيثم بن عدي فذكروا أنها خرجت ليلا فوقعت بركب نزول فأخذت عبية
لهم فأخذها القوم فأوثقوها فلما أصبحوا أتوا بها النبي صلى الله عليه وسلم فعاذت بحقوى أم سلمة
فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فقطعت وأنشدوا في ذلك شعرا قاله خنيس بن يعلى بن أمية وفي
رواية ابن سعد أن ذلك كان في حجة الوداع وقد تقدم في الشهادات وفي غزوة الفتح أن قصة فاطمة
بنت الأسود كانت عام الفتح فظهر تغاير القصتين وأن بينهما أكثر من سنتين ويظهر من ذلك خطأ
من اقتصر على أنها أم عمرو كابن الجرزي ومن رددها بين فاطمة وأم عمرو كابن طاهر وابن
بشكوال ومن تبعهما فلله الحمد وقد تقلد ابن حزم ما قاله بشر بن تيم لكنه جعل قصة أم عمرو
بنت سفيان في جحد العارية وقصة فاطمة في السرقة وهو غلط أيضا لوقوع التصريح في قصة
أم عمرو بأنها سرقت قوله التي سرقت زاد يونس في روايته في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
في غزوة الفتح ووقع بيان المسروق في حديث مسعود بن أبي الأسود المعروف بابن العجماء فأخرج
ابن ماجة وصححه الحاكم من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن طلحة بن ركانة عن أمه عائشة بنت
مسعود بن الأسود عن أبيها قال لما سرقت المرأة تلك القطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم أعظمنا ذلك فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نكلمه وسنده حسن وقد صرح فيه ابن
إسحاق بالتحديث في رواية الحاكم وكذا علقه أبو داود فقال روى مسعود بن الأسود وقال الترمذي
بعد حديث عائشة المذكور هنا وفي الباب عن مسعود بن العجماء وقد أخرجه أبو الشيخ في كتاب
السرقة من طريق يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن طلحة فقال عن خالته بنت مسعود بن العجماء عن
أبيها فيحتمل أن يكون محمد بن طلحة سمعه من أمه ومن خالته ووقع في مرسل حبيب بن أبي ثابت
78

الذي أشرت إليه أنها سرقت حليا ويمكن الجمع بأن الحلى كان في القطيفة فالذي ذكر القطيفة
أراد بما فيها والذي ذكر الحلى ذكر المظروف دون الظرف ثم رجع عندي أن ذكر الحلى في قصة هذه
المرأة وهم كما سأبينه ووقع في مرسل الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب فيما أخرجه عبد الرزاق
عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار أن الحسن أخبره قال سرقت امرأة قال عمرو وحسبت أنه
قال من ثياب الكعبة الحديث وسنده إلى الحسن صحيح فان أمكن الجمع والا فالأول أقوى
وقد وقع في رواية معمر عن الزهري في هذا الحديث أن المرأة المذكورة كانت تستعير المتاع
وتجحده أخرجه مسلم وأبو داود وأخرجه النسائي من رواية شعيب بن أبي حمزة عن الزهري بلفظ
استعارت امرأة على ألسنة ناس يعرفون وهي لا تعرف حليا فباعته وأخذت ثمنه الحديث
وقد بينه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام فيما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح إليه ان
امرأة جاءت امرأة فقالت إن فلانة تستعيرك حليا فأعارتها إياه فمكثت لا تراه فجاءت إلى التي
استعارت لها فسألتها فقالت ما استعرتك شيئا فرجعت إلى الأخرى فأنكرت فجاءت إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فدعاها فسألها فقالت والذي بعثك بالحق ما استعرت منها شيئا فقال اذهبوا
إلى بيتها تجدوه تحت فراشها فأتوه فأخذوه وأمر بها الحديث فيحتمل أن تكون سرقت
القطيفة وجحدت الحلى وأطلق عليها في جحد الحلى في رواية حبيب بن أبي ثابت سرقت مجازا قال
شيخنا في شرح الترمذي اختلف على الزهري فقال الليث ويونس وإسماعيل بن أمية وإسحاق بن
راشد سرقت وقال معما وشعيب إنها استعارت وجحدت قال ورواه سفيان بن عيينة عن أيوب
ابن موسى عن الزهري فاختلف عليه سندا ومتنا فرواه البخاري يعني كما تقدم في الشهادات عن علي
بن المديني عن ابن عيينة قال ذهبت أسال الزهري عن حديث المخزومية فصاح علي فقلت
سفيان فلم يحفظه عن أحد قال وجدت في كتاب كتبه أيوب بن موسى عن الزهري وقال فيه انها
سرقت وهكذا قال محمد بن منصور عن ابن عيينة انها سرقت أخرجه النسائي عنه وعن رزق الله
ابن موسى عن سفيان كذلك لكن قال اتي النبي صلى الله عليه وسلم بسارق فقطعه فذكره
مختصرا ومثله لأبي يعلى عن محمد بن عباد عن سفيان وأخرجه أحمد عن سفيان كذلك لكن
في آخره قال سفيان لا أدري ما هو وأخرجه النسائي أيضا عن إسحاق بن راهويه عن سفيان عن
الزهري بلفظ كانت مخزومية تستعير المتاع وتجحده الحديث وقال في آخره قيل لسفيان من ذكره
قال أيوب ابن موسى فذكره بسنده المذكور وأخرجه من طريق ابن أبي زائدة عن أبن عيينة عن
الزهري بغير واسطة وقال فيه سرقت قال شيخنا وابن عيينة لم يسمعه من الزهري ولا ممن سمعه من
الزهري إنما وجده في كتاب أيوب بن موسى ولم يصرح بسماعه من أيوب بن موسى ولهذا قال في
رواية أحمد لا أدري كيف هو كما تقدم وجزم جماعة بأن معمرا تفرد عن الزهري بقوله استعارت
وجحدت وليس كذلك بل تابعه شعيب كما ذكره شيخنا عند النسائي ويونس كما أخرجه أبو داود
من رواية أبي صالح كاتب الليث عن الليث عنه وعلقه البخاري لليث عن يونس لكن لم يسق لفظه
كما نبهت عليه وكذا ذكر البيهقي أن شبيب بن سعيد رواه عن يونس وكذلك رواه ابن أخي الزهري
عن الزهري أخرجه ابن أيمن في مصنفه عن إسماعيل القاضي بسنده إليه وأخرج أصله أبو عوانة
في صحيحه والذي اتضح لي أن الحديثين محفوظان عن الزهري وأنه كان يحدث تارة بهذا وتارة
79

بهذا فحدث يونس عنه بالحديثين واقتصرت كل طائفة من أصحاب الزهري غير يونس على أحد
الحديثين فقد أخرج أبو داود والنسائي وأبو عوانة في صحيحه من طريق أيوب عن نافع عن ابن
عمر أن امرأة مخزومية كانت تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها
وأخرجه النسائي وأبو عوانة أيضا من وجه آخر عن عبيد الله بن عمر عن نافع بلفظ استعارت حليا
وقد اختلف نظر العلماء في ذلك فأخذ بظاهره أحمد في أشهر الروايتين عنه وإسحاق وانتصر له ابن
حزم من الظاهرية وذهب الجمهور إلى أنه لا يقطع في جحد العارية وهي رواية عن أحمد أيضا
وأجابوا عن الحديث بأن رواية من روى سرقت أرجح وبالجمع بين الروايتين بضرب من التأويل فأما
الترجيح فنقل النووي أن رواية معمر شاذة مخالفة لجماهير الرواة قال والشاذة لا يعمل بها وقال ابن
المنذر في الحاشية وتبعه المحب الطبري قيل إن معمرا انفرد بها وقال القرطبي رواية أنها سرقت
أكثر وأشهر من رواية الجعد فقد انفرد بها معمر وحده من بين الأئمة الحفاظ وتابعه على ذلك من
لا يقتدى بحفظه كابن أخ الزهري ونمطه هذا قول المحدثين قلت سبقه لبعضه القاضي عياض
وهو يشعر بأنه لم يقف على رواية شعيب ويونس بموافقة إذ لو وقف عليها لم يجزم بتفرد
معمر وأن من وافقه كابن أخي الزهري ونمطه ولا زاد القرطبي نسبة ذلك للمحدثين إذ لا يعرف عن
أحد من المحدثين أنه قرن شعيب بن أبي حمزة ويونس بن يزيد وأيوب بن موسى بابن أخي الزهري
بل هم متفقون على أن شعيب ويونس أرفع درجة في حديث الزهري من بن أخيه ومع ذلك
فليس في هذا الاختلاف عن الزهري ترجيح بالنسبة إلى اختلاف الرواة عنه الا لكون رواية
سرقت متفقا عليها ورواية جحدت انفرد بها مسلم وهذا لا يدفع تقديم الجمع إذا أمكن بين الروايتين
وقد جاء عن بعض المحدثين عكس كلام القرطبي فقال لم يختلف على معمر ولا على شعيب وهما
في غاية الجلالة في الزهري وقد وافقهما ابن أخي الزهري وأما الليث ويونس وإن كانا في الزهري
كذلك فقد اختلف عليهما فيه وأما إسماعيل بن أمية وإسحاق بن راشد فدون معمر وشعيب
في الحفظ (قلت) وكذا اختلف على أيوب بن موسى كما تقدم وعلى هذا فيتعادل الطريقين ويتعين
الجمع فهو أولى من اطراح أحد الطريقين فقال بعضهم كما تقدم عن ابن حزم وغيره هما قصتان
مختلفتان لامرأتين مختلفتين وتعقب بأن في كل من الطريقين أنهم استشفعوا بأسامة وأنه
شفع وأنه قيل له لا تشفع في حد من حدود الله فيبعد عن أسامة يسمع النهي المؤكد عن ذلك
ثم يعود إلى ذلك مرة أخرى ولا سيما إن اتحد زمن القصتين وأجاب ابن حزم بأنه يجوز أن ينسى
ويجوز أن يكون الزجر عن الشفاعة في حد السرقة تقدم فظن أن الشفاعة في جحد العارية
جائز وأن لا حد فيه فشفع فأجيب بأن فيه الحد أيضا ولا يخفى ضعف الاحتمالين وحكى ابن
المنذر عن بعض العلماء أن القصة لامرأة واحدة استعارت وجحدت وسرقت فقطعت للسرقة
لا للعارية قال وبذلك نقول وقال الخطابي في معالم السنن بعد أن حكى الخلاف وأشار إلى ما حكاه
ابن المنذر وانما ذكرت العارية والجحد في هذه القصة تعريفا لها بخاص صفتها إذ كانت تكثر
ذلك كما عرفت بأنها مخزومية وكأنها لما كثر منها ذلك ترقت إلى السرقة وتجرأت عليها وتلقف
هذا الجواب من الخطابي جماعة منهم البيهقي فقال تحمل رواية من ذكر جحد الجارية على
80

تعريفها بذلك والقطع على السرقة وقال المنذري نحوه ونقله المازري ثم النووي عن العلماء
وقال القرطبي يترجح أن يدها قطعت على السرقة لا لأجل جحد العارية من أوجه أحدها قوله
في آخر حديث الذي ذكرت فيه العارية لو أن فاطمة سرقت فان فيه دلالة قاطعة على أن المرأة
قطعت في السرقة إذ لو كان قطعها لأجل الجحد لكان ذكر السرقة لاغيا ولقال لو أن فاطمة جحدت
العارية (قلت) وهذا قد أشار إليه الخطابي أيضا ثانيها لو كانت قطعت في جحد العارية لوجب
قطع كل من جحد شيئا إذا ثبت عليه ولو لم يكن بطريق العارية ثالثها أنه عارض ذلك حديث ليس
على خائن ولا مختلس ولا منتهب قطع وهو حديث قوي (قلت) أخرجه الأربعة و صححه
أبو عوانة و الترمذي من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر رفعه وصرح ابن جريج
في رواية النسائي بقوله أخبرني أبو الزبير ووهم بعضهم هذه الرواية فقد صرح أبو داود بأن ابن
جريج لم يسمعه من أبي الزبير قال وبلغني عن أحمد أنما سمعه ابن جريج من ياسين الزيات ونقل
ابن عدي في الكامل عن أهل المدينة أنهم قالوا لم يسمع ابن جريج من أبي الزبير وقال النسائي
رواه الحفاظ من أصحاب بن جريج عنه عن أبي الزبير فلم يقل أحد منهم أخبرني ولا أحسبه سمعه
(قلت) لكن وجد له متابع عن أبي الزبير أخرجه النسائي أيضا من طريق المغيرة بن مسلم عن أبي
الزبير لكن أبو الزبير مدلس أيضا وقد عنعنه عن جابر لكن أخرجه ابن حبان من وجه أخر
عن جابر بمتابعة أبي الزبير فقوي الحديث وقد اجمعوا على العمل به إلا من شد فنقل ابن المنذر
عن إياس بن معاوية أنه قال المختلس يقطع كأنه الحقه بالسارق اشتراكهما في الاخذ خفية
ولكنه خلاف ما صرح به في الخبر والا ما ذكر من قطع جاحد العارية وأجمعوا على أن لا قطع
على الخائن في غير ذلك ولا على المنتهب إلا إن كان قاطع طريق والله أعلم وعارضه غيره ممن خالف
فقال ابن القيم الحنبلي لا تنافي بين جحد العارية وبين السرقة فان الجحد داخل في اسم السرقة
فيجمع بين الروايتين بأن الذين قالوا سرقت أطلقوا على الجحد سرقة كذا قال ولا يخفى بعده قال
والذي أجاب به الخطابي مردود لان الحكم المرتب على الوصف معمول به ويقويه أن لفظ الحديث
وترتيبه في إحدى الروايتين القطع على السرقة وفي الأخرى على الجحد على حد سواء وترتيب
الحكم على الوصف يشعر بالعلية فكل من الروايتين دال على أن علة القطع كل من السرقة
وجحد العارية على انفراده ويؤيد ذلك أن سياق حديث ابن عمر ليس فيه ذكر للسرقة ولا للشفاعة من
أسامة وفيه التصريح بأنها قطعت في ذلك وابسط ما وجدت من طرقه ما أخرجه النسائي في
رواية له ان امرأة كانت تستعير الحلي في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعارت من ذلك
حليا فجمعته ثم أمسكته فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لتتب امرأة إلى الله تعالى وتؤد
ما عندها مرارا فلم تفعل فأمر بها فقطعت وأخرج النسائي بسند صحيح من مرسل سعيد بن
المسيب ان امرأة من بني مخزوم استعارت حليا على لسان أناس فجحدت فأمر بها النبي صلى
الله عليه وسلم فقطعت وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح أيضا إلى سعيد قال أتى النبي صلى الله
عليه وسلم بامرأة من بيت عظيم من بيوت قريش قد أتت أناسا فقالت إن آل فلان يستعيرونكم
كذا فأعاروها ثم أتوا أولئك فأنكروا ثم أنكرت هي فقطعها النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن
دقيق العيد صنيع صاحب العمدة حيث أورد الحديث بلفظ الليث ثم قال وفي لفظ فذكر لفظ
81

معمر يقتضي أنها قصة واحدة واختلف فيها هل كانت سارقة أو جاحدة يعني لأنه أورد حديث
عائشة باللفظ الذي أخرجاه من طريق الليث ثم قال وفي لفظ كانت امرأة تستعير المتاع وتجحده
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها وهذه رواية معمر في مسلم فقط قال وعلى هذا فالحجة
في هذا الخبر في قطع المستعير ضعيفة لأنه اختلاف في واقعة واحدة فلا يبت الحكم فيه بترجيح
من روى أنها جاحدة على الرواية الأخرى يعني وكذا عكسه فيصح أنها قطعت بسبب الامرين
والقطع في السرقة متفق عليه فيترجح على القطع في الجحد المختلف فيه قلت وهذه أقوى الطرق
في نظري وقد تقدم الرد على من زعم أن القصة وقعت لامرأتين فقطعتا في أوائل الكلام على
هذا الحديث والالزام الذي ذكره القرطبي في أنه لو ثبت القطع في جحد العارية للزم القطع في جحد
غير العارية قوى أيضا فان من يقول بالقطع في جحد العارية لا يقول به في جحد غير العارية فيقاس
المختلف فيه على المتفق عليه إذ لم يقل أحد بالقطع في الجحد على الاطلاق وأجاب ابن القيم بأن
الفرق بين جحد العارية وجحد غيرها أن السارق لا يمكن الاحتراز منه وكذلك جاحد العارية
خلاف المختلس من غير حرز والمنتهب قال ولا شك أن الحاجة ماسة بين الناس إلى العارية
فلو علم المعير أن المستعير إذا جحد لا شئ عليه لجر ذلك إلى سد باب العارية وهو خلاف ما تدل عليه
حكمة الشريعة بخلاف ما إذا علم أنه يقطع فان ذلك يكون أدعى إلى استمرار العارية وهي
مناسبة لا تقوم بمجردها حجة إذا ثبت حديث جابر في أن لا قطع على خائن وقد فر من هذا بعض من
قال بذلك فخص القطع بمن استعار على لسان غيره مخادعا للمستعار منه ثم تصرف في العارية
وأنكرها لما طولب بها فان هذا لا يقطع بمجرد الخيانة بل لمشاركته السارق في أخذ المال خفية
(تنبيه) قول سفيان المتقدم ذهبت أسأل الزهري عن حديث المخزومية التي سرقت فصاح
علي مما يكثر السؤال عنه وعن سببه وقد أوضح ذلك بعض الرواة عن سفيان فرأينا في كتاب
المحدث الفاضل لأبي محمد الرامهرمزي من طريق سليمان بن عبد العزيز أخبرني محمد بن إدريس
قال قلت لسفيان بن عيينة كم سمعت من الزهري قال أما مع الناس فما أحصي وأما وحدي
فحديث واحد دخلت يوما من باب بني شيبة فإذا أنا به جالس إلى عمود فقلت يا أبا بكر حدثني
حديث المخزومية التي قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدها قال فضرب وجهي بالحصى ثم
قال قم فما يزال عبد يقدم علينا بما نكره قال فقمت منكرا فمر رجل فدعاه فلم يسمع فرماه
بالحصى فلم يبلغه فاضطر إلي فقال ادعه لي فدعوته له فاتاه فقضى حاجته فنظر إلي فقال تعال
فجئت فقال أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال العجماء جبار الحديث ثم قال لي هذا خير لك من الذي أردت (قلت) وهذا الحديث الأخير
أخرجه مسلم والأربعة من طريق سفيان بدون قصة (قوله فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى
الله عليه وسلم) أي يشفع عنده فيها أن لا تقطع إما عفوا وأما بفداء وقد وقع ما يدل على الثاني في
حديث مسعود بن الأسود ولفظه بعد قوله أعظمنا ذلك فجئنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا
نحن نفديها بأربعين أوقية فقال تطهر خير لها وكأنهم ظنوا أن الحد يسقط بالفدية كما ظن ذلك
من أفتى والد العسيف الذي زنى بأنه يفتدي منه بمائة شاة ووليدة ووجدت لحديث مسعود هذا
شاهدا عند أحمد من حديث عبد الله بن عمرو أن امرأة سرقت على عهد رسول الله صلى الله
82

عليه وسلم فقال قومها نحن نفديها (قوله ومن يجترئ عليه) بسكون الجيم وكسر الراء يفتعل
من الجرأة بضم الجيم وسكون الراء وفتح الهمزة ويجوز فتح الجيم والراء مع المد ووقع في رواية
قتيبة فقالوا ومن يجترئ عليه وهو أوضح لان الذي استفهم بقوله من يكلم غير الذي أجاب بقوله
ومن يجترئ والجرأة هي الاقدام بادلال والمعنى ما يجترئ عليه إلا أسامة وقال الطيبي الواو
عاطفة على محذوف تقديره لا يجترئ عليه أحد لمهابته لكن أسامة له عليه إدلال فهو يجسر
على ذلك ووقع في حديث مسعود بن الأسود بعد قوله تطهر خير لها فلما سمعنا لين قول رسول الله
صلى الله عليه وسلم أتينا أسامة ووقع في رواية يونس الماضية في الفتح ففزع قومها إلى أسامة أي
لجؤا وفي رواية أيوب بن موسى في الشهادات فلم يجترئ أحد أن يكلمه إلا أسامة وكان السبب
في اختصاص أسامة بذلك ما أخرجه ابن سعد من طريق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسامة لا تشفع في حد وكان إذا شفع شفعه بتشديد الفاء أي قبل
شفاعته وكذا وقع في مرسل حبيب بن أبي ثابت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشفعه (قوله
حب رسول الله صلى الله عليه وسلم) بكسر المهملة بمعنى محبوب مثل قسم بمعنى مقسوم وفي ذلك
تلميح بقول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم إني أحبه فأحبه وقد تقدم في المناقب (قوله فكلم
رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالنصب وفي رواية قتيبة فكلمه أسامة وفي الكلام شئ مطوي
تقديره فجاءوا إلى أسامة فكلموه في ذلك فجاء أسامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه ووقع
في رواية يونس فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه فيها فأفادت هذه الرواية أن الشافع
يشفع بحضرة المشفوع له ليكون أعذر له عنده إذا لم تقبل شفاعته وعند النسائي من رواية
إسماعيل بن أمية فكلمه فزبره بفتح الزاي والموحدة أي أغلظ له في النهي حتى نسبه إلى الجهل لان
الزبر بفتح ثم سكون هو العقل وفي رواية يونس فكلمه فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم
زاد شعيب عند النسائي وهو يكلمه وفي مرسل حبيب بن أبي ثابت فلما أقبل أسامة ورآه النبي
صلى الله عليه وسلم قال لا تكلمني يا أسامة (قوله فقال أتشفع في حد من حدود الله) بهمزة
الاستفهام الانكاري لأنه كان سبق له منع الشفاعة في الحد قبل ذلك زاد يونس وشعيب فقال
أسامة استغفر لي يا رسول الله ووقع في حديث جابر عند مسلم والنسائي ان امرأة من بني مخزوم
سرقت فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فعاذت بأم سلمة بذال معجمة أي استجارت أخرجاه من
طريق معقل بن يسار عن عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر وذكره أبو داود تعليقا والحاكم موصولا
من طريق موسى بن عقبة عن أبي الزبير عن جابر فعاذت بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال المنذري يجوز أن تكون عاذت بكل منهما وتعقبه شيخنا في شرح الترمذي بأن زينب بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت ماتت قبل هذه القصة لأن هذه القصة كما تقدم كانت في غزوة
الفتح وهي في رمضان سنة ثمان وكان موت زينب قبل ذلك في جمادى الأولى من السنة فلعل
المراد أنها عاذت بزينب ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم وهي بنت أم سلمة فتصحفت على بعض
الرواة (قلت) أو نسبت زينب بنت أم سلمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم مجازا لكونها ربيبته
فلا يكون فيها تصحيف ثم قال شيخنا وقد أخرج أحمد هذا الحديث من طريق بن أبي الزناد عن
موسى بن عقبة وقال فيه فعاذت بربيب النبي صلى الله عليه وسلم براء وموحدة مكسورة وحذف
83

لفظ بنت وقال في آخره قال ابن أبي الزناد وكان ربيب النبي صلى الله عليه وسلم سلمة بن أبي سلمة
وعمر بن أبي سلمة فعاذت بأحدهما (قلت) وقد ظفرت بما يدل على أنه عمر بن أبي سلمة فأخرج
عبد الرزاق من مرسل الحسن بن محمد بن علي قال سرقت امرأة فذكر الحديث وفيه فجاء عمر بن
أبي سلمة فقال للنبي صلى الله عليه وسلم أي أبه إنها عمتي فقال لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت
يدها قال عمرو بن دينار الراوي عن الحسن فلم أشك أنها بنت الأسود بن عبد الأسد (قلت)
ولا منافاة بين الروايتين عن جابر فإنه يحمل على أنها استجارت بأم سلمة وبأولادها وأختصها بذلك
لأنها قريبتها وزوجها عمها وانما قال عمر بن أبي سلمة عمتي من جهة السن وإلا فهي بنت عمه أخي
أبيه وهو كما قالت خديجة لورقة في قصة المبعث أي عم أسمع من ا بن أخيك وهو ابن عمها أخي أبيها
أيضا ووقع عند أبي الشيخ من طريق أشعث عن أبي الزبير عن جابر أن امرأة من بني مخزوم سرقت
فعاذت بأسامة وكأنها جاءت مع قومها فكلموا أسامة بعد أن استجارت بأم سلمة ووقع في مرسل
حبيب بن أبي ثابت فاستشفعوا على النبي صلى الله عليه وسلم بغير واحد فكلموا أسامة (قوله
ثم قام فخطب) في رواية قتيبة فاختطب وفي رواية يونس فلما كان العشى قام رسول الله صلى
الله عليه وسلم خطيبا (قوله فقال يا أيها الناس) في رواية قتيبة بحذف يا من أوله وفي رواية
يونس فقام خطيبا فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد (قوله انما ضل من كان قبلكم)
في رواية أبي الوليد هلك وكذا لمحمد بن رمح عند مسلم وفي رواية سفيان عند النسائي انما هلك بنو
إسرائيل وفي رواية قتيبة أهلك من كان قبلكم قال ابن دقيق العيد الظاهر أن هذا الحصر ليس
عاما فان بني إسرائيل كان فيهم أمور كثيرة تقتضي الاهلاك فيحمل ذلك على حصر المخصوص
وهو الاهلاك بسبب المحاباة في الحدود فلا ينحصر ذلك في حد السرقة (قلت) يؤيد هذا
الاحتمال ما أخرجه أبو الشيخ في كتاب السرقة من طريق زاذان عن عائشة مرفوعا انهم عطلوا
الحدود عن الأغنياء وأقاموها على الضعفاء والأمور التي أشار إليها الشيخ سبق منها في ذكر
بني إسرائيل حديث ابن عمر في قصة اليهوديين اللذين زنيا وسيأتي شرحه بعد هذا وفي التفسير
حديث ابن عباس في أخذ الدية من الشريف إذا قتل عمدا والقصاص من الضعيف وغير ذلك
(قوله إنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه) في رواية قتيبة إذا سرق فيهم الشريف وفي رواية
سفيان عند النسائي حين كانوا إذا أصاب فيهم الشريف الحد تركوه ولم يقيموه عليه وفي رواية
إسماعيل بن أمية وإذا سرق فيهم الوضيع قطعوه (قوله وأيم الله) تقدم ضبطها في كتاب الايمان
والنذور ووقع مثله في رواية إسحاق بن راشد ووقع في رواية أبي الوليد والذي نفسي بيده وفي رواية
يونس والذي نفس محمد بيده (قوله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت) هذا من الأمثلة التي صح فيها
أن لو حرف امتناع لامتناع وقد أتقن القول في ذلك صاحب المغني وسيأتي بسط ذلك في كتاب
التمني إن شاء الله تعالى وقد ذكر ابن ماجة عن محمد بن رمح شيخه في هذا الحديث سمعت الليث يقول
عقب هذا الحديث قد أعاذها الله من أن تسرق وكل مسلم ينبغي له أن يقول هذا ووقع للشافعي
أنه لما ذكر هذا الحديث قال فذكر عضوا شريفا من امرأة شريفة واستحسنوا ذلك منه لما فيه
من الأدب البالغ وانما خص صلى الله عليه وسلم فاطمة ابنته بالذكر لأنها أعز أهله عنده ولأنه
لم يبق من بناته حينئذ غيرها فأراد المبالغة في إثبات إقامة الحد على كل مكلف وترك المحاباة في ذلك
84

ولان اسم السارقة وافق اسمها عليها السلام فناسب أن يضرب المثل بها (قوله لقطع محمد يدها)
في رواية أبي الوليد والأكثر لقطعت يدها وفي الأول تجريد زاد يونس في روايته من رواية ابن
المبارك عنه كما مضى في غزوة الفتح ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها ووقع في حديث
ابن عمر في رواية للنسائي قم يا بلال فخذ بيدها فاقطعها وفي أخرى له فأمر بها فقطعت وفي حديث
جابر عند الحاكم فقطعها وذكر أبو داود تعليقا عن محمد بن عبد الرحمن بن غنج عن نافع عن صفية
بن أبي عبيد نحو حديث المخزومية وزاد فيه قال نشهد عليها وزاد يونس أيضا في روايته قالت
عائشة فحسنت توبتها بعد وتزوجت وكانت تأتيني بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأخرجه الإسماعيلي من طريق نعيم بن حماد عن ابن المبارك وفيه قال عروة
قالت عائشة ووقع في رواية شعيب عند الإسماعيلي في الشهادات وفي رواية ابن أخي الزهري
عند أبي عوانة كلاهما عن الزهري قال وأخبرني القاسم بن محمد أن عائشة قالت فنكحت تلك
المرأة رجلا من بني سليم وتابت وكانت حسنة التلبس وكانت تأتيني فأرفع حاجتها الحديث وكأن
هذه الزيادة كانت عند الزهري عن عروة وعن القاسم جميعا عن عائشة وعندهما زيادة
على الآخر وفي آخر حديث مسعود بن الحكم عند الحاكم قال بن إسحاق وحدثني عبد الله بن
أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد ذلك يرحمها ويصلها وفي حديث عبد الله بن عمرو عند
أحمد أنها قالت هل لي من توبة يا رسول الله فقال أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك وفي
هذا الحديث من الفوائد منع الشفاعة في الحدود وقد تقدمت في الترجمة الدلالة على تقييد
بما إذا انتهى ذلك إلى أولي الامر واختلف العلماء في ذلك فقال أبو عمر بن عبد البر لا أعلم
خلافا أن الشفاعة في ذوي الذنوب حسنة جميلة ما لم تبلغ السلطان وأن على السلطان أن يقيمها
إذا بلغته وذكر الخطابي وغيره عن مالك أنه فرق بين من عرف بأذى الناس ومن لم يعرف فقال
لا يشفع للأول مطلقا سواء بلغ الامام أم لا وأما من لم يعرف بذلك فلا بأس أن يشفع له ما لم يبلغ
الامام وتمسك بحديث الباب من أوجب إقامة الحد على القاذف إذا بلغ الامام ولو عفا المقذوف
وهو قول الحنفية والثوري والأوزاعي وقال مالك والشافعي وأبو يوسف يجوز العفو مطلقا
ويدرأ بذلك الحد لان الامام لو وجد بعد عفو المقذوف لجاز أن يقيم البينة بصدق القاذف
فكانت تلك شبهة قوية وفيه دخول النساء مع الرجال في حد السرقة وفيه قبول توبة السارق
ومنقبة لأسامة وفيه ما يدل على أن فاطمة عليها السلام عند أبيها صلى الله عليه وسلم في أعظم
المنازل فأن في القصة إشارة إلى أنها الغاية في ذلك عنده ذكره ابن هبيرة وقد تقدمت مناسبة
اختصاصها بالذكر دون غيرها من رجال أهله ولا يؤخذ منه أنها أفضل من عائشة لان من جملة
ما تقدم من المناسبة كون اسم صاحبة وافق اسمها ولا تنتفى المساواة وفيه ترك المحاباة
في إقامة الحد على من وجب عليه ولو كان ولدا أو قريبا أو كبير القدر والتشديد في ذلك والانكار
على من رخص فيه أو تعرض للشفاعة فيمن وجب عليه وفيه جواز ضرب المثل بالكبير القدر
للمبالغة في الزجر عن الفعل ومراتب ذلك مختلفة ولا يحق ندب الاحتراز من ذلك حيث
لا يترجح التصريح بحسب المقام كما تقدم نقله عن الليث والشافعي ويؤخذ منه جواز الاخبار
عن أمر مقدر يفيد القطع بأمر محقق وفيه أن من حلف على أمر يتحقق أنه يفعله أو لا يفعله
85

لا يحنث كمن قال لمن خاصم أخاه والله لو كنت حاضرا لهشمت أنفك خلافا لمن قال يحنث
مطلقا وفيه جواز التوجع لمن أقيم عليه الحد بعد إقامته عليه وقد حكى ابن الكلبي في قصة أم
عمرو بنت سفيان أن امرأة أسيد بن حضير أوتها بعد أن قطعت وصنعت لها طعاما وأن أسيدا
ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم كالمنكر على امرأته فقال رحمتها رحمها الله وفيه الاعتبار
بأحوال من مضى من الأمم ولا سيما من خالف أمر الشرع وتمسك به بعض من قال إن شرع
من قبلنا شرع لنا لان فيه إشارة إلى تحذير من فعل الشئ الذي جر الهلاك إلى الذين من قبلنا لئلا
يهلك كما هلكوا وفيه نظر وإنما يتم أن لو لم يرد قطع السارق في شرعنا وأما اللفظ العام فلا دلالة
فيه على المدعي أصلا (قوله باب قول الله تعالى والسارق والسارقة فاقطعوا
أيديهما) كذا أطلق في الآية اليد وأجمعوا على أن المراد اليمنى إن كانت موجودة واختلفوا
فيما لو قطعت الشمال عمدا أو خطأ هل يجزئ وقدم السارق على السارقة وقدمت الزانية على
الزاني لوجود السرقة غالبا في الذكورية ولان داعية الزنا في الإناث أكثر ولان الأنثى سبب في
وقوع الزنا إذ لا يتأتى غالبا إلا بطواعيتها وقوله بصيغة الجمع ثم التثنية إشارة إلى أن المراد جنس
السارق فلوحظ فيه المعنى فجمع والتثنية بالنظر إلى الجنسين المتلفظ بهما والسرقة بفتح السين
وكسر الراء ويجوز إسكانها ويجوز كسر أوله وسكون ثانيه الاخذ خفية وعرفت في الشرع
بأخذ شئ خفية ليس للآخذ أخذه ومن اشترط الحرز وهم الجمهور زاد فيه من حرز مثله قال ابن
بطال الحرز مستفاد من معنى السرقة يعني في اللغة ويقال لسارق الإبل الخارب بخاء معجمة
وللسارق بالمكيال مطفف وللسارق في الميزان مخسر في أشياء أخرى ذكرها ابن خالويه في كتاب
ليس قال المازري ومن تبعه صان الله الأموال بايجاب قطع سارقها وخص السرقة لقلة ما عداها
بالنسبة إليها من الانتهاب والغصب ولسهولة إقامة البينة على ما عدا السرقة بخلافها وشدد
العقوبة فيها ليكون أبلغ في الزجر ولم يجعل دية الجناية على العضو المقطوع منها بقدر ما يقطع فيه
حماية لليد ثم لما خانت هانت وفي ذلك إشارة إلى الشبهة التي نسبت إلى أبي العلاء المعري في قوله
يد بخمس مئين عسجد وديت * ما بالها قطعت في ربع دينار
فأجابه القاضي عبد الوهاب المالكي بقوله
صيانة العضو أغلاها وأرخصها * صيانة المال فافهم حكمة الباري
وشرح ذلك أن الدية لو كانت ربع دينار لكثرت الجنايات على الأيدي ولو كان نصاب القطع
خمسمائة دينار لكثرت الجنايات على الأموال فظهرت الحكمة في الجانبين وكان في ذلك صيانة
من الطرفين وقد عسر فهم المعنى المقدم ذكره في الفرق بين السرقة وبين النهب ونحوه على
بعض منكري القياس فقال القطع في السرقة دون الغصب وغيره غير معقول المعنى فان الغصب
أكثر هتكا للحرمة من السرقة فدل على عدم اعتبار القياس لأنه إذا لم يعمل به في الأعلى فلا
يعمل به في المساوي وجوابه أن الأدلة على العمل بالقياس أشهر من أن يتكلف لايرادها وستأتي
الإشارة إلى شئ من ذلك في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى (قوله وقطع علي من الكف) أشار بهذا
الأثر إلى الاختلاف في محل القطع وقد اختلف في حقيقة اليد فقيل أولها من المنكب وقيل من
المرفق وقيل من الكوع وقيل من أصول الأصابع فحجة الأول أن العرب تطلق الأيدي على
86

ذلك ومن الثاني آية الوضوء ففيها وأيديكم إلى المرافق ومن الثالث آية التيمم ففي القرآن
فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه وبينت السنة كما تقدم في بابه أنه عليه الصلاة والسلام مسح
على كفيه فقط وأخذ بظاهر الأول بعض الخوارج ونقل عن سعيد بن المسيب واستنكره
جماعة والثاني لا نعلم من قال به في السرقة والثالث قول الجمهور ونقل بعضهم فيه الاجماع
والرابع نقل عن علي واستحسنه أبو ثور ورد بأنه لا يسمى مقطوع اليد لغة ولا عرفاه بل مقطوع
الأصابع وبحسب هذا الاختلاف وقع الحلف في محل القطع فقال بالأول الخوارج وهم
محجوجون بإجماع السلف على خلاف قولهم وألزم ابن حزم الحنفية بأن يقولوا بالقطع من
المرفق قياسا على الوضوء وكذا التيمم عندهم قال وهو أولى من قياسهم قدر المهر على نصاب
السرقة ونقله عياض قولا شاذا وحجة الجمهور الاخذ بأقل ما ينطلق عليه الاسم لان اليد قبل
السرقة كانت محترمة فلما جاء النص بقطع اليد وكانت تطلق على هذه المعاني وجب أن لا يترك
المتيقن وهو تحريمها إلا بمتيقن وهو القطع من الكف وأما الأثر عن علي فوصله الدارقطني من
طريق حجية بن عدي أن عليا قطع من المفصل وأخرج ابن أبي شيبة من مرسل رجاء بن حياة أن
النبي صلى الله عليه وسلم قطع من المفصل وأورده أبو الشيخ في كتاب حد السرقة من وجه آخر عن
رجاء عن عدي رفعه مثله ومن طريق وكيع عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر رفعه مثله وأخرج
سعيد بن منصور عن حماد بن زيد عن عمرو بن دينار قال كان عمر يقطع من المفصل وعلي يقطع من
مشط القدم وأخرج ابن أبي شيبة من طريق أبي حياة أن عليا قطعه من المفصل وجاء عن علي أنه
قطع اليد من الأصابع والرجل من مشط القدم أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عنه
وهو منقطع وإن كان رجال السند من رجال الصحيح وقد أخرج عبد الرزاق من وجه آخر أن
عليا كان يقطع الرجل من الكعب وذكر الشافعي في كتاب اختلاف علي وابن مسعود أن عليا
كان يقطع من يد السارق الخنصر والبنصر والوسطى خاصة ويقول استحي من الله أن أتركه بلا
عمل وهذا يحتمل أن يكون بقي الابهام والسبابة وقطع الكف والأصابع الثلاثة ويحتمل أن يكون
بقي الكف أيضا والأول أليق لأنه موافق لما نقل البخاري أنه قطع من الكف وقد وقع في بعض
النسخ بحذف من بلفظ وقطع على الكف (قوله وقال قتادة في امرأة سرقت فقطعت شمالها
ليس إلا ذلك) وصله أحمد في تاريخه عن محمد بن الحسين الواسطي عن عوف الأعرابي عنه هكذا
قرأت بخط مغلطاي في شرحه ولم يسق لفظه وقد أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة فذكر
مثل قول الشعبي لا يزاد على ذلك قد أقيم عليه الحد وكان ساق بسنده عن الشعبي أنه سئل عن
سارق قدم ليقطع فقدم شماله فقطعت فقال لا يزاد على ذلك وأشار المصنف بذكره إلى أن الأصل
أن أول شئ يقطع من السارق اليد اليمنى وهو قول الجمهور وقد قرأ ابن مسعود فاقطعوا أيمانهما
وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن إبراهيم قال هل قراءتنا يعني أصحاب ابن مسعود ونقل
فيه عياض الاجماع وتعقب نعم قد شذ من قال إذا قطع الشمال أجزأت مطلقا كما هو ظاهر النقل
عن قتادة وقال مالك إن كان عمدا وجب القصاص على القاطع ووجب قطع اليمين وإن كان خطأ
وجبت الدية ويجزئ عن السارق وكذا قال أبو حنيفة عن الشافعي وأحمد قولان في السارق
واختلف السلف فيمن سرق فقطع ثم سرق ثانيا فقال الجمهور تقطع رجله اليسرى ثم إن سرق
87

فاليد اليسرى ثم إن سرق فالرجل اليمنى واحتج لهم بآية المحاربة وبفعل الصحابة وبأنهم فهموا
من الآية أنها في المرة الواحدة فإذا عاد السارق وجب عليه القطع ثانيا إلى أن لا يبقى له ما يقطع ثم
إن سرق عزر وسجن وقيل يقتل في الخامسة قاله أبو مصعب الزهري المدني صاحب مالك وحجته
ما أخرجه أبو داود والنسائي من حديث جابر قال جئ بسارق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال
اقتلوه فقالوا يا رسول الله إنما سرق قال اقطعوه ثم جئ به الثانية فقال اقتلوه ذكر مثله إلى أن
قال فأتى به الخامسة فقال اقتلوه قال جابر فانطلقنا به فقتلناه ورميناه في بئر قال النسائي هذا
حديث منكر ومصعب بن ثابت راويه ليس بالقوي وقد قال بعض أهل العلم كابن المنكدر
والشافعي أن هذا منسوخ وقال بعضهم هو خاص بالرجل المذكور فكأن النبي صلى الله عليه
وسلم اطلع على أنه واجب القتل ولذلك أمر بقتله من أول مرة ويحتمل أنه كان من المفسدين في
الأرض (قلت) وللحديث شاهد من حديث الحارث بن حاطب أخرجه النسائي ولفظه أن النبي
صلى الله عليه وسلم أتى بلص فقال اقتلوه فقالوا إنما سرق فذكر نحو حديث جابر في قطع أطرافه
الأربع إلا أنه قال في آخره ثم سرق الخامسة في عهد أبي بكر فقال أبو بكر كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم أعلم بهذا حين قال اقتلوه ثم دفعه إلى فتية من قريش فقتلوه قال النسائي
لا أعلم في هذا الباب حديثا صحيحا (قلت) نقل المنذري تبعا لغيره فيه الاجماع ولعلهم
أرادوا أنه استقر على ذلك وإلا فقد جزم الباجي في اختلاف العلماء أنه قول مالك ثم قال وله
قول آخر لا يقتل وقال عياض لا أعلم أحدا من أهل العلم قال به إلا ما ذكر أبو مصعب صاحب
مالك في مختصره عن مالك وغيره من أهل المدينة فقال ومن سرق ممن بلغ الحلم قطع يمينه ثم إن
عاد فرجله اليسرى ثم إن عاد فيده اليسرى ثم إن عاد فرجله اليمنى فان سرق في الخامسة قتل كما قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن عبد العزيز انتهى وفيه قول ثالث بقطع اليد بعد اليد
ثم الرجل بعد الرجل نقل عن أبي بكر وعمر ولا يصح وأخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن
القاسم بن محمد أن أبا بكر قطع يد سارق في الثالثة ومن طريق سالم بن عبد الله أن أبا بكر انما قطع
رجله وكان مقطوع اليد ورجال السندين ثقات مع انقطاعهما وفيه قول رابع تقطع الرجل
اليسرى بعد اليمنى ثم لا قطع أخرجه عبد الرزاق من طريق الشعبي عن علي وسنده ضعيف
ومن طريق أبي الضحى أن عليا نحوه ورجاله ثقات مع انقطاعه وبسند صحيح عن إبراهيم
النخعي كانوا يقولون لا يترك ابن آدم مثل البهيمة ليس له يد يأكل بها ويستنجي بها وبسند حسن
عن عبد الرحمن بن عائذ أن عمر أراد أن يقطع في الثالثة فقال له علي اضربه وأحبسه ففعل
وهذا قول النخعي والشعبي والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة وفيه قول خامس قاله عطاء
لا يقطع شئ من الرجلين أصلا على ظاهر الآية وهو قول الظاهرية قال ابن عبد البر حديث
القتل في الخامسة منكر وقد ثبت لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث وثبت السرقة
فاحشة وفيها عقوبة وثبت عن الصحابة قطع الرجل بعد اليد وهم يقرءون والسارق والسارقة
فاقطعوا أيديهما كما اتفقوا على الجزاء في الصيد وإن قتل خطأ وهم يقرءون ومن قتله منكم
متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم ويمسحون على الخفين وهم يقرءون غسل الرجلين وانما قالوا
جميع ذلك بالسنة ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث عائشة من طريقين
88

الأولى (قوله عن عمرة) قال الدارقطني في العلل اقتصر إبراهيم بن سعد وسائر من رواه عن
بن شهاب على عمرة ورواه يونس عنه فزاد مع عمرة عروة (قلت) وحكى ابن عبد البر أن بعض
الضعفاء وهو إسحاق الحنيني بمهملة ونونين مصغر رواه عن مالك عن الزهري عن عروة عن عمرة
عن عائشة وكذا روى عن الأوزاعي عن الزهري قال ابن عبد البر وهذان الاسنادان ليسا
صحيحين وقول إبراهيم ومن تابعه هو المعتمد وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية زكريا بن يحيى
وحمويه عن إبراهيم بن سعد ورواية يونس يجمعهما صحيحة (قلت) وقد صرح ابن أخي ابن شهاب
عن عمه بسماعه له من عمرة وبسماع عمرة له من عائشة أخرجه أبو عوانة وكذا عند مسلم من وجه
آخر عن عمرة أنها سمعت عائشة (قوله تقطع اليد في ربع دينار) في رواية يونس تقطع يد السارق
وفي رواية حرملة عن ابن وهب عند مسلم لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار وكذا عنده من
طريق سليمان بن يسار عن عمرة (قوله فصاعدا) قال صاحب المحكم يختص هذا بالفاء ويجوز
ثم بدلها ولا تجوز الواو وقال ابن جني هو منصوب على الحال المؤكدة أي ولو زاد ومن المعلوم
أنه إذا زاد لم يكن إلا صاعدا (قلت) ووقع في رواية سليمان بن يسار عن عمرة عند مسلم فما فوقه بدل
فصاعدا وهو بمعناه (قوله وتابعه عبد الرحمن بن خالد وابن أخي الزهري) ومعمر عن الزهري
أي في الاقتصار على عمرة ثم ساق رواية يونس وليس في أخره فصاعدا وقد أخرجه مسلم عن حرملة
والإسماعيلي من طريق همام كلاهما عن ابن وهب بإثباتها وأما متابعة عبد الرحمن بن خالد
وهو ابن مسافر فوصلها الذهلي في الزهريات عن عبد الله بن صالح عن الليث عنه نحو رواية
إبراهيم بن سعد وقرأت بخط مغلطاي وقلده شيخنا ابن الملقن أن الذهلي أخرجه في علل حديث
الزهري عن محمد بن بكر وروح بن عبادة جميعا عن عبد الرحمن وهذا الذي قاله لا وجود له بل
ليس لروح ولا لمحمد بن بكر عن عبد الرحمن هذا رواية أصلا وأما متابعة ابن أخي الزهري وهو محمد
ابن عبد الله بن مسلم فوصلها أبو عوانة في صحيحه من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن ابن أخي
ابن شهاب عن عمه وقرأت بخط مغلطاي وقلده شيخنا أيضا أن الذهلي أخرجه عن روح بن عبادة
عنه (قلت) ولا وجود له أيضا وإنما أخرجه عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد وأما متابعة معمر
فوصلها أحمد عن عبد الرزاق عنه وأخرجه مسلم من رواية عبد الرزاق لكن لم يسق لفظه
وساق النسائي ولفظه تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا ووصلها أيضا هو وأبو عوانة
من طريق سعيد بن أبي عروبة عن معمر وقال أبو عوانة في أخره قال سعيد نبلنا معمرا رويناه
عنه وهو شاب وهو بنون وموحدة ثقيلة أي صيرناه نبيلا (قلت) وسعيد أكبر من معمر
وقد شاركه في كثير من شيوخه ورواه ابن المبارك عن معمر لكن لم يرفعه أخرجه النسائي
وقد رواه عن الزهر أيضا سليمان بن كثير أخرجه مسلم من رواية يزيد بن هارون عنه مقرونا
برواية إبراهيم بن سعد (قوله عن يونس) في رواية مسلم عن حرملة وأبي داود عن أحمد بن
صالح كلاهما عن ابن وهب (قوله حدثنا الحسين) هو ابن ذكوان المعلم وهو بصري ثقة
وفي طبقه حسين بن واقد قاضي مرو وهو دونه في الاتقان (قوله عن محمد بن عبد الرحمن
الأنصاري) في رواية الإسماعيلي من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث سمعت أبي يقول حدثنا
الحسين المعلم عن يحيى حدثني محمد بن عبد الرحمن الأنصاري قال الإسماعيلي رواه حرب بن شداد
89

عن يحيى بن أبي كثير كذلك وقال همام بن يحيى عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن
زرارة (قلت) نسب عبد الرحمن إلى جده وهو عبد الرحمن بن سعد بن زرارة قال الإسماعيلي ورواه
إبراهيم القناد عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن ابن ثوبان كذا حدثناه ابن صاعد عن لوين عن
القناد والذي قبله أصح وبه جزم البيهقي وأن من قال فيه ابن ثوبان فقد غلط (قلت) وأخرجه
النسائي من رواية عبد الرحمن بن أبي الرجال عن محمد بن عبد الرحمن عن أبيه عن عمرة عن عائشة
مرفوعا ولفظه تقطع يد السارق في ثمن المجن وثمن المجن ربع دينار وأخرجه من طريق سليمان
ابن يسار عن عمرة بلفظ لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن قيل لعائشة ما ثمن المجن قالت ربع
دينار وقد توبع حسين المعلم عن يحيى أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق هقل بن زياد عنه
بلفظه (قوله عن عمرة بنت عبد الرحمن حدثته) أي أنها حدثته وكذا في قوله عن عائشة حدثتهم
وقد جرت عادتهم بحذفها في مثل هذا كما أكثروا من حذف قال في مثل حدثنا عثمان حدثنا
عبدة وفي مثل سمعت أبي حدثنا فلان وذكر ابن الصلاح أنه لا بد من النطق بقال وفيه بحث ولم
ينبه على حذف أن التي أشرت إليها وفي رواية عبد الصمد المذكورة أن عمرة حدثته أن عائشة
أم المؤمنين حدثتها (قوله تقطع اليد في ربع دينار) هكذا في هذه الرواية مختصرا وكذا في رواية
مسلم وأخرجه أبو داود عن أحمد بن صالح عن ابن وهب بلفظ القطع في ربع دينار فصاعدا وعن
وهب بن بيان عن ابن وهب بلفظ تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا وأخرجه النسائي من
طريق عبد الله بن المبارك عن يونس بلفظ تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا ورواه مالك
في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة ما طال علي و لا نسيت القطع في ربع دينار
فصاعدا و هو و ان لم يكن رفعه صريحا لكنه في معنى المرفوع وأخرجه الطحاوي من رواية ابن
عيينة عن يحيى كذلك ومن رواية جماعة عن عمرة موقوفا على عائشة قال ابن عيينة ورواية يحيى
مشعرة بالرفع ورواية الزهري صريحة فيه وهو أحفظهم وقد أخرجه مسلم من طريق أبي بكر بن
محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة مثل رواية سليمان بن يسار عنها التي أشرت إليها آنفا وكذا أخرجه
النسائي من طريق ابن الهاد بلفظ لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا وأخرجه من
طريق مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة موقوفا وحاول
الطحاوي تعليل رواية أبي بكر المرفوعة برواية ولده الموقوفة وأبو بكر أتقن وأعلم من ولده على
أن الموقوف في مثل هذا لا يخالف المرفوع لان الموقوف محمول على طريق الفتوى والعجب أن
الطحاوي ضعف عبد الله بن أبي بكر في موضع آخر ورام هنا تضعيف الطريق القويمة بروايته
وكأن البخاري أراد الاستظهار لرواية الزهري عن عمرة بموافقة محمد بن عبد الرحمن الأنصاري عنها
لما وقع في رواية ابن عيينة عن الزهري من الاختلاف في لفظ المتن هل هو من قول النبي صلى الله
عليه وسلم أو من فعله وكذا رواه ابن عيينة عن غير الزهري فيما أخرجه النسائي عن قتيبة عنه
عن يحيى بن سعيد وعبد ربه بن سعيد وزريق صاحب أيلة أنهم سمعوا عمرة عن عائشة قالت القطع
في ربع دينار فصاعدا ثم أخرجه النسائي من طرق عن يحيى بن سعيد به مرفوعا وموقوفا وقال
الصواب ما وقع في رواية مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة ما طال على العهد ولا نسيت
القطع في ربع دينار فصاعدا وفي هذا إشارة إلى الرفع والله أعلم وقد تعلق بذلك بعض من لم يأخذ
90

بهذا الحديث فذكره يحيى بن يحيى وجماعة عن ابن عيينة بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقطع السارق في ربع دينار فصاعدا أورده الشافعي والحميدي وجماعة عن ابن عيينة بلفظ قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم تقطع اليد الحديث وعلى هذا التعليل عول الطحاوي فأخرج
الحديث عن يونس بن عبد الاعلى عن ابن عيينة بلفظ كان يقطع وقال هذا الحديث لا حجة فيه
لان عائشة إنما أخبرت عما قطع فيه فيحتمل أن يكون ذلك لكونها قومت ما وقع القطع فيه
إذ ذاك فكان عندها ربع دينار فقالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يقطع في ربع دينار مع
احتمال أن تكون القيمة يومئذ أكثر وتعقب باستبعاد أن تجزم عائشة بذلك مستندة إلى ظنها
المجرد وأيضا فاختلاف التقويم وإن كان ممكن لكن محال في العادة أن يتفاوت هذا التفاوت
الفاحش بحيث يكون عند قوم أربعة اضعاف قيمته عند آخرين وانما يتفاوت بزيادة قليلة
أو نقص قليل ولا يبلغ المثل غالبا وادعى الطحاوي اضطراب الزهري في هذا الحديث لاختلاف
الرواة عنه في لفظه ورد بأن من شرط الاضطراب أن تتساوى وجوهه فأما إذا رجح بعضها فلا
ويتعين الاخذ بالراجح وهو هنا كذلك لان جل الرواة عن الزهري ذكروه عن لفظ النبي صلى الله
عليه وسلم على تقرير قاعدة شرعية في النصاب وخالفهم ابن عيينة تارة ووافقهم تارة فالأخذ
بروايته الموافقة للجماعة أولى وعلى تقدير أن يكون ابن عيينة اضطرب فيه فلا يقدح ذلك
في رواية من ضبطه وأما نقل الطحاوي عن المحدثين أنهم يقدمون ابن عيينة في الزهري على يونس
فليس متفقا عليه بل أكثرهم على العكس وممن جزم بتقديم يونس على سفيان في الزهري
يحيى بن معين وأحمد بن صالح المصري وذكر أن يونس صحب الزهري أربع عشر سنة وكان يزامله
في السفر وينزل عليه الزهري إذا قدم أيلة وكان يذكر أنه كان يسمع الحديث الواحد من الزهري
مرارا وأما ابن عيينة فإنما سمع منه سنة ثلاث وعشرين ومائة ورجع الزهري فمات في التي بعدها
ولو سلم أن ابن عيينة أرجح في الزهري من يونس فلا معارضة بين روايتيهما فتكون عائشة أخبرت
في الفعل والقول معا وقد وافق الزهري في الرواية عن عمرة جماعة كما سبق وقد وقع الطحاوي
فيما عابه على من احتج بحديث الزهري مع اضطرابه على رأيه فأحتج بحديث محمد بن إسحاق عن
أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس قال قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا في مجن قيمته
دينار أو عشرة دراهم أخرجه أبو داود واللفظ له وأحمد والنسائي والحاكم ولفظ الطحاوي كان
قيمة المجن الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم وهو أشد في الاضطراب من
حديث الزهري فقيل عنه هكذا وقيل عنه عن عمرو بن شعيب عن عطاء عن ابن عباس وقيل عنه
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ولفظه كانت قيمة المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم عشرة دراهم وقيل عنه عن عمرو عن عطاء مرسلا وقيل عن عطاء عن أيمن أن النبي صلى الله
عليه وسلم قطع في مجن قيمته دينار كذا قال منصور والحكم بن عتيبة عن عطاء وقيل عن منصور عن
مجاهد وعطاء جميعا عن أيمن وقيل عن مجاهد عن أيمن بن أم أيمن عن أم أيمن قالت لم يقطع في عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في ثمن المجن وثمنه يومئذ دينار أخرجه النسائي ولفظ الطحاوي
لا تقطع يد السارق إلا في حجفة وقومت يومئذ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا
أو عشرة دراهم وفي لفظ له أقل ما يقطع فيه السارق ثمن المجن وكان يقوم يومئذ بدينار واختلف
91

في لفظه أيضا على عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فقال حجاج بن أرطاة عنه بلفظ لا قطع فيما
دون عشرة دراهم وهذه الرواية لو ثبتت لكانت نصا في تحديد النصاب إلا أن حجاج بن أرطاة
ضعيف ومدلس حتى ولو ثبت روايته لم تكن مخالفة لرواية الزهري بل يجمع بينهما بأنه كان أولا
لا قطع فيما دون العشرة ثم شرع القطع في الثلاثة فما فوقها فزيد في تغليظ الحد كما زيد في تغليظ
حد الخمر كما تقدم وأما سائر الروايات فليس فيها إلا أخبار عن فعل وقع في عهده صلى الله عليه وسلم
وليس فيه تحديد النصاب فلا ينافي رواية ابن عمر الآتية أنه قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم وهو
مع كونه حكاية فعل فلا يخالف حديث عائشة من رواية الزهري فأن ربع دينار صرفه ثلاثة
دراهم وقد أخرج البيهقي من طريق بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن سليمان بن يسار عن
عمرة قالت قيل لعائشة ما ثمن المجن قالت ربع دينار وأخرج أيضا من طريق بن إسحاق عن أبي بكر
ابن محمد بن عمرو بن حزم قال أتيت بنبطي قد سرق فبعثت إلى عمرة فقالت أي بني ان لم يكن
بلغ ما سرق ربع دينار فلا تقطعه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثتني عائشة أنه قال
لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا فهذا يعارض حديث بن إسحاق الذي اعتمده الطحاوي وهو من
رواية بن إسحاق أيضا وجمع البيهقي بين ما اختلف في ذلك عن عائشة بأنها كانت تحدث به تارة
وتارة تستفتى فتفتي واستند إلى ما أخرجه من طريق عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم
عن عمرة ان جارية سرقت فسئلت عائشة فقالت القطع في ربع دينار فصاعدا الطريق الثاني
لحديث عائشة (قوله حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبدة) هو ابن سليمان ثم قال (حدثنا
عثمان حدثنا حميد بن عبد الرحمن) وقد أخرجه مسلم عن عثمان هذا قال حدثنا عبدة بن سليمان
وحميد بن عبد الرحمن جمعهما وضمهما إلى غيرهما فقال كلهم عن هشام وحميد بن عبد الرحمن
هذا هو الرؤاسي بضم الراء ثم همزة خفيفة ثم سين مهملة وقد أخرجه مسلم عن محمد بن عبد الله
بن نمير عنه ونسب كذلك (قوله عن أبيه أخبرتني عائشة أن يد السارق لم تقطع الخ) وقع عند
الإسماعيلي من طريق هارون بن إسحاق عن عبدة بن سليمان فيه زيادة قصة في السند ولفظه
عن هشام بن عروة أن رجلا سرق قدحا فأتى به عمر بن عبد العزيز فقال هشام بن عروة قال أبي إن
اليد لا تقطع في الشئ التافه ثم قال حدثتني عائشة وهكذا أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده
عن عبدة بن سليمان وهكذا رواه وكيع وغيره عن هشام لكن أرسله كله (قوله لم يقطع على
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الا في ثمن مجن حجفة أو ترس) المجن بكسر الميم وفتح الجيم
مفعل من الاجتنان وهو الاستتار مما يحاذره المستتر وكسرت ميمه لأنه آلة في ذلك والجحفة بفتح
المهملة والجيم ثم فاء هي الدرقة وقد تكون من خشب أو عظم وتغلف بالجلد أو غيره والترس
مثله لكن يطارق فيه بين جلدين وقيل هما بمعنى واحد وعلى الأول أو في الخبر للشك وهو المعتمد
ويؤيده رواية عبد الله بن المبارك عن هشام التي تلي رواية حميد بن عبد الرحمن بلفظ في أدنى ثمن
جحفة أو ترس كل واحد منهما ذو ثمن والتنوين في قوله ثمن للتكثير والمراد أنه ثمن يرغب فيه
فأخرج الشئ التافه كما فهمه عروة راوي الخبر وليس المراد ترسا بعينه ولا حجفة بعينها وانما المراد
الجنس وأن القطع كان يقع في كل شئ يبلغ قدر ثمن المجن سواء كان ثمن المجن كثيرا أو قليلا
والاعتماد انما هو على الأقل فيكون نصابا ولا يقطع فيما دونه ورواية أبي أسامة عن هشام جامعة
92

بين الروايتين المذكورتين أولا وقوله فيها كان كل واحد منهما ذا ثمن كذا ثبت في الأصول وأفاد
الكرماني أنه وقع في بعض النسخ وكان كل واحد منهما ذو ثمن بالرفع و خرجه على تقدير ضمير الشأن
في كان (قوله رواه وكيع و ابن إدريس عن هشام عن أبيه مرسلا) اما رواية وكيع فاخرجها
ابن أبي شيبة في مصنفه عنه و لفظه عن هشام بن عروة عن أبيه قال كان السارق في عهد النبي
صلى الله عليه وسلم يقطع في ثمن المجن و كان المجن يومئذ له ثمن و لم يكن يقطع في الشيء التافه وأما
رواية ابن إدريس وهو عبد الله الأودي الكوفي فأخرجها الدارقطني في العلل والبيهقي من
طريق يوسف بن موسى عن جرير وعبد الله بن إدريس ووكيع ثلاثتهم عن هشام عن أبيه أن
يد السارق لم تقطع فذكر مثل سياق أبي أسامة سواء وزاد ولم يكن يقطع في الشئ التافه وقرأت
بخط مغلطاي وتبعه شيخنا ابن الملقن أن رواية بن إدريس عند عبد الرزاق عنه فيما ذكره
الطبراني في الأوسط كذا قال الإسماعيلي ووصله أيضا عن هشام عمر بن علي المقدمي وعثمان
الغطفاني وعبد الله بن قبيصة الفزاري وأرسله أيضا عبد الرحيم بن سليمان وحاتم بن إسماعيل
وجرير (قلت) وقد ذكرت رواية جرير وأما عبد الرحمن فاختلف عليه فقيل عنه مرسلا
ووصله عنه أبو بكر بن أبي شيبة أخرجه مسلم (تنبيه) لم تختلف الرواة عن هشام بن عروة
عن أبيه في هذا المتن وأما الزهري فاختلف عليه في سنده ولم يختلف عليه في المتن أيضا كما تقدم
وهو حافظ فيحتمل أن يكون عروة حدثه به على الوجهين كما تقدم ويحتمل أن يكون لفظ عروة
هو الذي حفظه هشام عنه وحمل يونس حديث عروة على حديث عمرة فساقه على لفظ عمرة
وهذا يقع لهم كثيرا ويشهد للأول أن النسائي أخرجه من طريق حفص بن حسان عن يونس
عن الزهري عن عروة وحده عن عائشة بلفظ رواية ابن عيينة ورواه أيضا من رواية القاسم بن
مبرور عن يونس بهذا السند لكن لفظ المتن أو نصف دينار فصاعدا وهي رواية شاذة الحديث
الثاني حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم أورده من
حديث مالك قال ابن حزم لم يروه عن ابن عمر إلا نافع وقال ابن عبد البر هو أصح حديث روي
في ذلك (قوله تابعه محمد بن إسحاق) يعني عن نافع أي في قوله ثمنه وروايته موصولة عند
الإسماعيلي من طريق عبد الله بن المبارك عن مالك ومحمد بن إسحاق وعبيد الله بن عمر ثلاثتهم
عن نافع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم وقد أخرجه المؤلف رحمه
الله من رواية جويرية وهو ابن أسماء مثل هذا السياق سواء ومن رواية عبيد الله وهو ابن عمر أي
العمري مثله ومن رواية موسى بن عقبة عن نافع بلفظ قطع النبي صلى الله عليه وسلم يد سارق مثله
(قوله وقال الليث حدثني نافع قيمته) يعني أن الليث رواه عن نافع كالجماعة لكن قال قيمته بدل
قولهم ثمنه ورواية الليث وصلها مسلم عن قتيبة ومحمد بن رمح عن الليث عن نافع عن ابن عمر أن
النبي صلى الله عليه وسلم قطع سارقا في مجن قيمته ثلاثة دراهم وأخرجه مسلم أيضا من رواية
سفيان الثوري عن أبي أيوب السختياني وأيوب بن موسى وإسماعيل بن أمية ومن رواية ابن وهب
عن حنظلة بن أبي سفيان ومالك وأسامة بن زيد كلهم عن نافع قال بعضهم ثمنه وقال بعضهم
قيمته هذا لفظ مسلم ولم يميز وقد أخرجه أبو داود من رواية ابن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية عن
نافع ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع يد رجل سرق ترسا من صيغة النساء ثمنه ثلاثة دراهم
93

وأخرجه النسائي من رواية ابن وهب عن حنظلة وحده بلفظ ثمنه ومن طريق مخلد بن يزيد
عن حنظلة بلفظ قيمته فوافق الليث في قوله قيمته لكن خالف الجميع فقال خمسة دراهم وقول
الجماعة ثلاثة دراهم هو المحفوظ وقد أخرجه الطحاوي من طريق عبيد الله بن عمر بلفظ
قطع في مجن قيمته ومن رواية أيوب ومن رواية مالك قال مثله ومن رواية بن إسحاق بلفظ أتي
برجل سرق حجفة قيمتها ثلاثة دراهم فقطعه (تنبيه) قوله قطع معناه أمر لأنه صلى الله عليه
وسلم لم يكن يباشر القطع بنفسه وقد تقدم في الباب قبله أن بلالا هو الذي باشر قطع يد المخزومية
فيحتمل أن يكون هو الذي كان موكلا بذلك ويحتمل غيره وقوله قيمته قيمة الشئ ما تنتهي
إليه الرغبة فيه وأصله قومة فأبدلت الواو ياء لوقوعها بعد كسره به المبيع عند
البيع والذي يظهر أن المراد هنا القيمة وأن من رواه بلفظ الثمن اما تجوزا و اما ان القيمة و الثمن
كانا حينئذ مستويين قال ابن دقيق العيد القيمة و الثمن قد يختلفان والمعتبر إنما هو القيمة ولعل
التعبير بالثمن لكونه صادف القيمة في ذلك الوقت في ظن الراوي أو باعتبار الغلبة وقد تمسك
مالك بحديث ابن عمر في اعتبار النصاب بالفضة وأجاب الشافعية وسائر من خالفه بأنه ليس في
طرقه أنه لا يقطع في أقل من ذلك وأورد الطحاوي حديث سعد الذي أخرجه ابن ماجة أيضا
وسنده ضعيف ولفظه لا يقطع السارق إلا في المجن قال فعلمنا أنه لا يقطع في أقل من ثمن
المجن لكن اختلف في ثمن المجن ثم ساق حديث ابن عباس قال كان قيمة المجن الذي قطع فيه
رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم قال فالاحتياط أن لا يقطع إلا فيما اجتمعت فيه
هذه الآثار وهو عشرة ولا يقطع فيما دونها لوجود الاختلاف فيه وتعقب بأنه لو سلم في الدراهم
لم يسلم في النص الصريح في ربع دينار كما تقدم إيضاحه ودفع ما أعله به والجمع بين ما اختلفت
الروايات في ثمن المجن ممكن بالحمل على اختلاف الثمن والقيمة أو على تعدد المجان التي قطع
فيها وهو أولى وقال ابن دقيق العيد الاستدلال بقوله قطع في مجن على اعتبار النصاب ضعيف
لأنه حكاية فعل ولا يلزم من القطع في هذا المقدار عدم القطع فيما دونه بخلاف قوله يقطع في ربع
دينار فصاعدا فأنه بمنطوقه يدل على أنه يقطع فيما إذا بلغ وكذا فيما زاد عليه وبمفهومه على
أنه لا قطع فيما دون ذلك قال واعتماد الشافعي على حديث عائشة وهو قول أقوى في الاستدلال
من الفعل المجرد وهو قوي في الدلالة على الحنفية لأنه صريح في القطع في دون القدر الذي
يقولون بجواز القطع فيه ويدل على القطع فيما يقولون به بطريق الفحوى وأما دلالته على عدم
القطع في دون ربع دينار فليس هو من حيث منطوقه بل من حيث مفهومه فلا يكون حجة
على من لا يقول بالمفهوم (قلت) وقرر الباجي طريق الاخذ بالمفهوم هنا فقال دل التقويم
على أن القطع يتعلق بقدر معلوم وإلا فلا يكون لذكره فائدة وحينئذ فالمعتمد ما ورد به النص
صريحا مرفوعا في اعتبار ربع دينار وقد خالف من المالكية في ذلك من القدماء ابن عبد
الحكم وممن بعدهم ابن العربي فقال ذهب سفيان الثوري مع جلالته في الحديث إلى أن القطع
لا يكون إلا في عشرة دراهم وحجته أن اليد محترمة بالاجماع فلا تستباح إلا بما أجمع عليه
والعشرة متفق على القطع فيها عند الجميع فيتمسك به ما لم يقع الاتفاق على ما دون ذلك وتعقب
بأن الآية دلت على القطع في كل قليل وكثير وإذا اختلفت الروايات في النصاب أخذ بأصح ما ورد
94

في الأقل ولم يصح أقل من ربع دينار أو ثلاثة دراهم فكان اعتبار ربع دينار أقوى من وجهين
أحدهما أنه صريح في الحصر حيث ورد بلفظ لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدا وسائر
الأخبار الصحيحة الواردة حكاية فعل لا عموم فيها والثاني أن المعول عليه في القيمة الذهب لأنه
الأصل في جواهر الأرض كلها ويؤيده ما نقل الخطابي استدلالا على أن أصل النقد في ذلك
الزمان الدنانير بأن الصكاك القديمة كان يكتب فيها عشرة دراهم وزن سبعة مثاقيل فعرفت
الدراهم بالدنانير وحصرت بها والله أعلم وحاصل المذاهب في القدر الذي يقطع السارق فيه
يقرب من عشرين مذهبا الأول يقطع في كل قليل وكثير تافها كان أو غير تافه نقل عن أهل
الظاهر والخوارج ونقل عن الحسن البصري وبه قال أبو عبد الرحمن ابن بنت الشافعي
ومقابل هذا القول في الشذوذ ما نقله عياض ومن تبعه عن إبراهيم النخعي أن القطع لا يجب إلا
في أربعين درهما أو أربعة دنانير وهذا هو القول الثاني الثالث مثل الأول إلا إن كان المسروق
شيئا تافها لحديث عروة الماضي لم يكن القطع في شئ من التافه ولان عثمان قطع في فخارة خسيسة
وقال لمن يسرق السياط لان عدتم لاقطعن فيه وقطع ابن الزبير في نعلين أخرجهما ابن أبي شيبة
وعن عمر بن عبد العزيز أنه قطع في مد أو مدين الرابع تقطع في درهم فصاعدا وهو قول عثمان
البتي بفتح الموحدة وتشديد المثناة من فقهاء البصرة وربيعة من فقهاء المدينة ونسبة القرطبي إلى
عثمان فأطلق ظنا منه أنه الخليفة وليس كذلك الخامس في درهمين وهو قول الحسن البصري
جزم به ابن المنذر عنه السادس فيما زاد على درهمين ولو لم يبلغ الثلاثة أخرجه ابن أبي شيبة بسند
قوي عن أنس أن أبا بكر قطع في شئ ما يساوي درهمين وفي لفظ لا يساوي ثلاثة دراهم السابع
في ثلاثة دراهم ويقوم ما عداها بها ولو كان ذهبا وهي رواية عن أحمد وحكاه الخطابي عن مالك
الثامن مثله لكن إن كان المسروق ذهبا فنصابه ربع دينار وإن كان غيرهما فان بلغت قيمته ثلاثة
دراهم قطع به وان لم تبلغ لم يقطع ولو كان نصف دينار وهذا قول مالك عند اتباعه
وهي رواية عن أحمد واحتج له بما أخرجه أحمد من طريق محمد بن راشد عن يحيى بن يحيى الغساني
عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة مرفوعا اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا
في أدنى من ذلك قالت وكان ربع دينار قيمته يومئذ ثلاثة دراهم والمرفوع من هذه الرواية نص
في أن المعتمد والمعتبر في ذلك الذهب والموقوف منه يقتضي أن الذهب يقوم بالفضة وهذا يمكن
تأويله فلا يرتفع به النص الصريح التاسع مثله إلا إن كان المسروق غيرهما قطع به إذا بلغت
قيمته أحدهما وهو المشهور عن أحمد ورواية عن إسحاق العاشر مثله لكن لا يكتفي بأحدهما
إلا إذا كانا غالبين فإن كان أحدهما غالبا فهو المعول عليه وهو قول جماعة من المالكية
وهو الحادي عشر الثاني عشر ربع دينار أو ما يبلغ قيمته من فضة أو عرض وهو مذهب
الشافعي وقد تقدم تقريره وهو قول عائشة وعمرة وأبي بكر بن حزم وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي
والليث ورواية عن إسحاق وعن داود ونقله الخطابي وغيره عن عمر وعثمان وعلي وقد أخرجه ابن
المنذر عن عمر بسند منقطع أنه قال إذا أخذ السارق ربع دينار قطع ومن طريق عمرة أتى عثمان
بسارق سرق أترجة قومت بثلاثة دراهم من حساب الدينار باثني عشر فقطع ومن طريق
جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا قطع في ربع دينار كانت قيمته درهمين ونصفا الثالث عشر أربعة
95

دراهم نقله عياض عن بعض الصحابة ونقله ابن المنذر عن أبي هريرة وأبي سعيد الرابع عشر ثلث
دينار حكاه ابن المنذر عن أبي جعفر الباقر الخامس عشر خمسة دراهم وهو قول ابن شبرمة وابن
أبي ليلى من فقهاء الكوفة ونقل عن حسن البصري وعن سليمان بن يسار أخرجه النسائي
وجاء عن عمر بن الخطاب لا تقطع الخمس إلا في خمس أخرجه ابن المنذر من طريق منصور عن
مجاهد عن سعيد بن المسيب عنه وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة وابن سعيد مثله ونقل أبو
زيد الدبوسي عن مالك وشذ بذلك السادس عشر عشرة دينار أو ما بلغ قيمتها من ذهب أو عرض
بن حزم عن طائفة وجزم ابن المنذر بأنه قول النخعي الثامن عشر دينار أو عشرة دراهم
أو ما يساوي أحدهما حكاه بن حزم أيضا وأخرجه ابن المنذر عن علي بسند ضعيف وعن ابن
مسعود بسند منقطع قال وبه قال عطاء التاسع عشر ربع دينار فصاعدا من الذهب على ما دل
عليه حديث عائشة ويقطع في القليل والكثير من الفضة والعروض وهو قول بن حزم ونقل
ابن عبد البر نحوه عن داود واحتج بأن التحديد في الذهب ثبت صريحا في حديث عائشة ولم يثبت
التحديد صريحا في غيره فبقي عموم الآية على حاله فيقطع فيما قل أو كثر إلا إذا كان الشئ تافها
وهو موافق للشافعي إلا في قياس أحد النقدين على الآخر وقد أيده الشافعي بأن الصرف
يومئذ كان موافقا لذلك واستدل بأن الدية على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الفضة اثنى
عشر ألف دينار وتقدم في قصة الأترجة قريبا ما يؤيده ويخرج من تفصيل جماعة من المالكية
أن التقويم يكون بغالب نقد البلد إن ذهبا فبالذهب وإن فضة فبالفضة تمام العشرين مذهبا
وقد ثبت في حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم وثبت لا قطع
في أقل من ثمن المجن وأقل ما ورد في ثمن المجن ثلاثة دراهم وهي موافقة للنص الصريح في القطع
في ربع دينار وانما ترك القول بأن الثلاثة دراهم نصاب يقطع فيه مطلقا لان قيمة الفضة بالذهب
تختلف فبقي الاعتبار بالذهب كما تقدم والله أعلم واستدل به على وجوب قطع السارق ولو لم
يسرق من حرز وهو قول الظاهرية وأبي عبيد الله البصري من المعتزلة وخالفهم الجمهور فقالوا
العام إذا خص منه شئ بدليل بقي ما عداه على عمومه وحجته سواء كان لفظه ينبئ عما ثبت في ذلك
الحكم بعد التخصيص أم لا لان آية السرقة عامة في كل من سرق فخص الجمهور منها من سرق
من غير حرز فقالوا لا يقطع وليس في الآية ما ينبئ عن اشتراط الحرز وطرد البصري أصله في
الاشتراط المذكور فلم يشترط الحرز ليستمر الاحتجاج بالآية نعم وزعم ابن بطال أن شرط الحرز
مأخوذ من معنى السرقة فان صح ما قال سقطت حجة البصري أصلا واستدل به على أن العبرة
بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لان آية السرقة نزلت في سارق رداء صفوان أو سارق المجن
وعمل بها الصحابة في غيرهما من السارقين واستدل بإطلاق ربع دينار على أن القطع يجب بما
صدق عليه ذلك من الذهب سواء كان مضروبا أو غير مضروب جيدا كان أو رديئا وقد اختلف
فيه الترجيح عند الشافعية ونص الشافعي في الزكاة فلي ذلك وأطلق في السرقة فجزم الشيخ أبو
حامد واتباعه بالتعميم هنا وقال الإصطخري لا يقع إلا في المضروب ورجحه الرافعي وقيد الشيخ
أبو حامد النقل عن الإصطخري بالقدر الذي ينقص بالطبع واستدل بالقطع في المجن على
96

مشروعية القطع في كل ما يتمول قياسا واستثنى الحنفية ما يسرع إليه الفساد وما أصله الإباحة
كالحجارة واللبن والخشب والملح والتراب والكلا والطير وفي رواية عن الحنابلة والراجح عندهم
في مثل السرجين القطع تفريعا على جواز بيعه وفي هذا تفاريع أخرى محل بسطها كتب
الفقه وبالله التوفيق الحديث الثالث حديث أبي هريرة في لعن السارق يسرق البيضة فيقطع
ختم به الباب إشارة إلى أن طريق الجمع بين الاخبار أن يجعل حديث عمرة عن عائشة أصلا
فيقطع في ربع دينار فصاعدا وكذا فيما بلغت قيمته ذلك فكأنه قال المراد بالبيضة ما يبلغ قيمتها
ربع دينار فصاعدا وكذا الحبل ففيه إيماء إلى ترجيح ما سبق من التأويل الذي نقله الأعمش
وقد تقدم البحث فيه (قوله باب توبة السارق) أي هل تفيده في رفع اسم الفسق
عنه حتى تقبل شهادته أو لا وقد وقع في آخر هذا الباب قال أبو عبد الله إذا تاب السارق وقطعت
يده قبلت شهادته وكذلك كل الحدود إذا تاب أصحابها قبلت شهادتهم وهو في رواية أبي ذر عن
الكشميهني وحده وأبو عبد الله هو البخاري المصنف وقد تقدمت هذه المسألة في الشهادات
فيما يتعلق في القاذف والسارق في ونقل البيهقي عن الشافعي أنه قال يحتمل أن يسقط كل
حق لله بالتوبة قال وجزم به في كتاب الحدود وروى الربيع عنه أن حد الزنا لا يسقط وعن
الليث والحسن لا يسقط شئ من الحدود أبدا قال وهو قول مالك عن الحنفية يسقط إلا
الشرب وقال الطحاوي ولا يسقط إلا قطع الطريق لورود النص فيه والله أعلم وذكر في الباب
حديث عائشة في قصة التي سرقت مختصرا ووقع في آخره وتابت وحسنت توبتها وقد تقدم
شرحه مستوفى قبيل هذا ووجه مناسبته للترجمة وصف التوبة بالحسن فان ذلك يقتضي أن
هذا الوصف يثبت للتائب المذكور فيعود لحالته التي كان عليها وحديث عبادة بن الصامت
في البيعة وفيه ذكر السرقة وفي آخره فمن أصاب من ذلك شيئا فأخذ به في الدنيا فهو كفارة له
وطهور ووجه الدلالة منه أن الذي أقيم عليه الحد وصف بالتطهر فإذا انضم إلى ذلك أنه تاب فإنه
يعود إلى ما كان عليه قبل ذلك فتضمن ذلك قبول شهادته أيضا والله أعلم
(قوله كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة)
كذا هذه الترجمة ثبتت للجميع هنا وفي كونها في هذا الموضع إشكال وأظنها مما انقلب على
الذين نسخوا كتاب البخاري من المسودة والذي يظهر لي أن محلها بين كتاب الديات وبين استتابة
المرتدين وذلك أنها تخللت بين أبواب الحدود فان المصنف ترجم كتاب الحدود وصدره بحديث
لا يزني الزاني وهو مؤمن وفيه ذكر السرقة وشرب الخمر ثم بدأ بما يتعلق بحد الخمر في أبواب
ثم بالسرقة كذلك فالذي يليق أن يثلث بأبواب الزنا على وفق ما جاء في الحديث الذي صدر به
ثم بعد ذلك إما أن يقدم كتاب المحاربين وإما أن يؤخره والأولى أن يؤخره ليعقبه باب استتابة
المرتدين فإنه يليق أن يكون من جملة أبوابه ولم أر من نبه على ذلك إلا الكرماني فإنه تعرض لشئ من
ذلك في باب إثم الزناة ولم يستوفه كما سأنبه عليه ووقع في رواية النسفي زيادة قد يرتفع بها الاشكال
وذلك أنه قال بعد قوله من أهل الكفر والردة فزاد ومن يجب عليه الحد في الزنا فإن كان محفوظا
فكأنه ضم حد الزنا إلى المحاربين لافظائه إلى القتل في بعض صوره بخلاف الشرب والسرقة
97

وعلى هذا فالأولى أن يبدل لفظ كتاب بباب وتكون الأبواب كلها داخلة في كتاب الحدود (قوله
وقول الله إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية) كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة وغيرها إلى
أو ينفوا من الأرض قال ابن بطال ذهب البخاري إلى أن آية المحاربة نزلت في أهل الكفر والردة
وساق حديث العرنيين وليس فيه تصريح بذلك ولكن أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة
حديث العرنيين وفي آخره قال بلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله
الآية ووقع مثله في حديث أبي هريرة وممن قال ذلك الحسن وعطاء والضحاك والزهري قال وذهب
جمهور الفقهاء إلى أنها نزلت فيمن خرج من المسلمين يسعى في الأرض بالفساد ويقطع الطريق
وهو قول مالك والشافعي والكوفيين ثم قال ليس هذا منافيا للقول الأول لأنها وان نزلت في
العرنيين بأعيانهم لكن لفظها عام يدخل في معناه كل من فعل مثل فعلهم من المحاربة
والفساد (قلت) بل هما متعايران والمرجع إلى تفسير المراد بالمحاربة فمن حملها على الكفر خص
الآية بأهل الكفر ومن حملها على المعصية عمم ثم نقل ابن بطال عن إسماعيل القاضي أن ظاهر
القرآن وما مضى عليه عمل المسلمين يدل على أن الحدود المذكورة في هذه الآية نزلت في المسلمين
واما الكفار فقد نزل فيهم فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب إلى آخر الآية فكان حكمهم
خارجا عن ذلك وقال تعالى في آية المحاربة إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم وهي دالة على
أن من تاب من المحاربين يسقط عنه الطلب بما ذكر بما جناه فيها ولو كانت الآية في الكافر لنفعته
المحاربة ولكن إذا أحدث الحرابة مع كفره اكتفينا بما ذكر في الآية وسلم من القتل فتكون
الحرابة خففت عنه القتل وأجيب عن هذا الاشكال بأنه لا يلزم من إقامة هذه الحدود على
المحارب المرتد مثلا أن تسقط عنه المطالبة بالعود إلى الاسلام أو القتل وقد تقدم في تفسير المائدة
ما نقله المصنف عن سعيد بن جبير أن معنى المحاربة لله الكفر به وأخرج الطبري من طريق روح
ابن عبادة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس في آخر قصة العرنيين قال فذكر لنا أن هذه
الآية نزلت فيهم إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله وأخرج نحوه من وجه آخر عن أنس
وأخرج الإسماعيلي هناك من طريق مروان بن معاوية عن معاوية بن أبي العباس عن أيوب عن
أبي قلابة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى إنما جزاء الذين يحاربون الله
ورسوله قال هم من عكل (قلت) قد ثبت في الصحيحين أنهم كانوا من عكل وعرينة فقد وجد
التصريح الذي نفاه بن بطال والمعتمد أن الآية نزلت أولا فيهم وهي تتناول بعمومها من حارب
من المسلمين بقطع الطريق لكن عقوبة الفريقين مختلفة فان كانوا كفارا يخير الامام فيهم إذا
ظفر بهم وإن كانوا مسلمين فعلى قولين أحدهما وهو قول الشافعي والكوفيين ينظر في الجناية فمن
قتل قتل ومن أخذ المال قطع ومن لم يقتل ولم يأخذ مالا نفي وجعلوا أو للتنويع وقال مالك بل هي
للتخيير فيتخير الامام في المحارب المسلم بين الأمور الثلاثة ورجح الطبري الأول واختلفوا في المراد
بالنفي في الآية فقال مالك والشافعي يخرج من بلد الجناية إلى بلدة أخرى زاد مالك فيحبس فيها
وعن أبي حنيفة بل يحبس في بلده وتعقب بأن الاستمرار في البلد ولو كان مع الحبس إقامة فهو ضد
النفي فان حقيقة النفي الاخراج من البلد وقد قرنت مفارقة الوطن بالقتل قال تعالى ولو أنا كتبنا
عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم وحجة أبي حنيفة أنه لا يؤمن منه استمرار
98

المحاربة في البلدة الأخرى فافصل عنه مالك بأنه يحبس بها وقال الشافعي يكفيه مفارقة الوطن
والعشيرة خذلانا وذلا ثم ذكر المصنف حديث أنس في قصة العرنيين أورده من طريق الوليد بن
مسلم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة مصرحا فيه بالتحديث في جميعه فأمن فيه من
التدليس والتسوية وقد تقدم شرحه في باب أبوال الإبل من كتاب الطهارة ووقع في هذا الموضع
ففعلوا فصحوا فارتدوا وقتلوا رعاتها واستاقوا الإبل (قوله باب لم يحسم النبي صلى الله
عليه وسلم المحاربين الخ) الحسم بفتح الحاء وسكون السين المهملتين الكي بالنار لقطع الدم حسمته
فانحسم كقطعته فانقطع وحسمت العرق معناه حبست دم العرق فمنعته أن يسيل وقال الداودي
الحسم هنا أن توضع اليد بعد القطع في زيت حار قلت وهذا من صور الحسم وليس محصورا فيه
وأورد فيه طرفا من قصة العرنيين مقتصرا على قوله قطع العرنيين ولم يحسمهم قال ابن بطال انما
ترك حسمهم لأنه أراد إهلاكهم فأما من قطع في سرقة مثلا فإنه يجب حسمه لأنه لا يؤمن معه التلف
غالبا بنزف الدم (قوله باب لم يسق المرتدين المحاربين حتى ماتوا) كذا لهم بضم أوله
على البناء للمجهول ولو كان بفتحه لنصب المحاربين وكان راجعا إلى فاعل يحسم في الباب الذي
قبله وأورد فيه قصة العرنيين من وجه آخر عن أبي قلابة عن أنس تاما (قوله حتى صحوا وسمنوا
وقتلوا الراعي) في رواية الكشميهني فقتلوا الراعي بالفاء وهي أوجه وحكى ابن بطال عن المهلب
أن الحكمة في ترك سقيهم كفرهم نعمة السقي التي أنعشتهم من المرض الذي كان بهم وقال فيه
وجه آخر يؤخذ مما أخرجه ابن وهب من مرسل سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال لما بلغه ما صنعوا عطش الله من عطش آل محمد الليلة قال فكان ترك سقيهم إجابة لدعوته
صلى الله عليه وسلم (قلت) وهذا لا ينافي أنه عاقبهم بذلك كما ثبت أنه سملهم لكونهم سملوا أعين
الرعاة وانما تركهم حتى ماتوا لأنه أراد إهلاكهم كما مضى في الحسم وأبعد من قال إن تركهم بلا
سقي لم يكن بعلم النبي صلى الله عليه وسلم وقوله في هذه الطريق قالوا أبغنا بهمزة قطع ثم موحدة
ثم معجمة أي أطلب لنا يقال أبغاه كذا طلبه له وقوله رسلا بكسر الراء وسكون المهملة أي لبنا
وقوله ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بإبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه تجريد وسياق الكلام
يقتضي أن يقول بابلي ولكنه كقول كبير القوم يقول لكم الأمير مثلا ومنه قول الخليفة يقول
لكم أمير المؤمنين وتقدم في غير هذه الطريق وهو في الباب الأول أيضا بلفظ فأمرهم أن يأتوا إبل
الصدقة فجمع بعضهم بين الروايتين بأنه صلى الله عليه وسلم كانت له إبل ترعى وإبل الصدقة
في جهة واحدة فدل كل من الصنفين على الصنف الاخر وقيل بل الكل إبل الصدقة وإضافتها
إليه إضافة التبعية لكونه تحت حكمه ويؤيد الأول ما ذكر قريبا من تعطيش آل محمد لانهم
كانوا لا يتناولون الصدقة (قوله باب) بالتنوين (سمر النبي صلى الله عليه وسلم) بفتح
السين المهملة والميم بالفعل الماضي ويجوز مضافا بغير تنوين مع سكون الميم وأورد فيه حديث
العرنيين من وجه آخر عن أيوب وقوله فيه حتى جئ بهم في رواية الكشميهني أتى بهم وقوله وسمر
أعينهم ووقع في رواية الأوزاعي في أول المحاربين وسمل باللام وهما بمعنى قال ابن التين وغيره وفيه
نظر قال عياض سمر العين بالتخفيف كحلها بالمسمار المحمي فيطلق السمل فإنه فسر بأن يدنى من
العين حديدة محماة حتى يذهب نظرها فيطلق الأول بأن تكون الحديدة مسمارا قال وضبطناه
99

بالتشديد في بعض النسخ والأول أوجه وفسروا السمل بأنه فقء العين بالشوك وليس هو
المراد (تنبيه) أشكل قوله في آية المحاربين ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب
عظيم مع حديث عبادة الدال على أن من أقيم عليه الحد في الدنيا كان له كفارة فان ظاهر الآية أن
المحارب يجمع له الأمران والجواب أن حديث عبادة مخصوص بالمسلمين بدليل أن فيه ذكر
الشرك مع ما انضم إليه من المعاصي فلما حصل الاجماع على أن الكافر إذا قتل على شركه فمات
مشركا أن ذلك القتل لا يكون كفارة له قام إجماع أهل السنة على أن من أقيم عليه الحد من أهل
المعاصي كان ذلك كفارة لاثم معصيته والذي يضبط ذلك قوله تعالى ان الله لا يغفر أن يشرك به
ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء والله أعلم (قوله باب فضل من ترك الفواحش) جمع
فاحشة وهي كل ما اشتد قبحه من الذنوب فعلا أو قولا وكذا الفحشاء والفحش ومنه الكلام
الفاحش ويطلق غالبا على الزنا فاحشة ومنه قوله تعالى ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة
وأطلقت على اللواط باللام العهدية في قول لوط عليه السلام لقومه أتأتون الفاحشة ومن ثم
كان حده حد الزاني عند الأكثر وزعم الحليمي أن الفاحشة أشد من الكبيرة وفيه نظر ثم ذكر فيه
حديثين أحدهما حديث أبي هريرة في السبعة الذين يظلهم الله تعالى في ظله والمقصود منه قوله فيه
ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها فقال إني أخاف الله تعالى وقد تقدم شرحه
مستوفى في كتاب الزكاة ويلتحق بهذا الخصلة من وقع له نحوها كالذي دعا شابا جميلا لان يزوجه
ابنة له جميلة كثيرة الجهاز جدا لينال منه الفاحشة فعفى الشاب عن ذلك وترك المال والجمال وقد
شاهدت ذلك وقوله في أول السند حدثنا محمد غير منسوب فقال أبو علي الغساني وقع في رواية
الأصيلي محمد بن مقاتل وفي رواية القابسي محمد بن سلام والأول هو الصواب لان عبد الله هو ابن
المبارك وابن مقاتل معروف بالرواية عنه (قلت) ولا يلزم من ذلك أن لا يكون هذا الحديث
الخاص عند ابن سلام والذي أشار إليه الغساني قاعدة في التفسير من أبهم واستمر إبهامه فيكون
كثرة أخذه وملازمته قرينة في تعيينه أما إذا أورد التنصيص عليه فلا وقد صرح أيضا بأنه محمد
ابن سلام أبو ذر في روايته عن شيوخه الثلاثة وكذا هو في بعض النسخ من رواية كريمة وأبي
الوقت الحديث الثاني (قوله عمر بن علي) هو المقدمي نسبة إلى جده مقدم بوزن محمد وهو عم محمد
ابن أبي بكر الراوي عنه وهو موصوف بالتدليس لكنه صرح بالتحديث في هذه الرواية وقد أورده
في الرقاق عن محمد بن أبي بكر وحده وقرنه هنا بخليفة وساقه على لفظ خليفة (قوله من توكل لي)
أي تكفل وقد ذكرت في الرقاق من رواه بلفظ تكفل وبلفظ حفظ وهو هناك بلفظ تضمن وأصل
التوكل الاعتماد على الشئ والوثوق به وقوله توكلت له من باب المقابلة وقوله ما بين رجليه
أي فرجه ولحييه بفتح اللام وهو منبت اللحية والأسنان ويجوز كسر اللام وثني لان له أعلى
وأسفل والمراد به اللسان وقيل النطق وقد ترجم له في الرقاق حفظ اللسان وتقدم شرحه
مستوفى هناك وقوله في آخره له بالجنة كذا للأكثر وفي رواية أبي ذر عن المستملي والسرخسي
بحذف الباء ويقرأ بالنصب على نزع الخافض أو كأنه ضمن توكلت معنى ضمنت (قوله
باب إثم الزناة) بضم أوله جمع زان كرماة ورام (قوله وقول الله تعالى ولا يزنون) يشير إلى
الآية التي في الفرقان وأولها والذين لا يدعون مع الله إلها آخر والمراد قوله في الآية التي بعدها
100

ومن يفعل ذلك يلق أثاما وكأنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرقه وهو في أخر طريق مسدد
عن يحيى القطان فقال متصلا بقوله حليلة جارك قال فنزلت هذه الآية تصديقا لقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم والذين لا يدعون مع الله إلها آخر إلى قوله ولا يزنون ووقعت في الأدب من
طريق جرير عن الأعمش وساق إلى قوله يلق أثاما ولم يقع ذلك في رواية جرير عن منصور كما بينه
مسلم وأخرجه الترمذي من طريق شعبة والنسائي من طريق مالك بن مغول كلاهما عن واصل
الأحدب وساقه إلى قوله تعالى ويخلد فيه مهانا ووقع لغير أبي ذر بحذف الواو في قوله وقول الله
(قوله ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة) زاد في رواية النسفي إلى آخر الآية والمشهور في الزنا
القصر وجاء المد في بعض اللغات وذكر في الباب أربعة أحاديث الحديث الأول (قوله حدثنا)
في رواية غير أبي ذر والنسفي أخبرنا (قوله داود ابن شبيب) بمعجمة وموحدة وزن عظيم هو الباهلي
يكنى أبا سليمان بصري صدوق قاله أبو حاتم وقال البخاري مات سنة اثنتين وعشرين (قلت)
ولم يخرج عنه إلا في هذا الحديث هنا فقط وقد تقدم في العلم من طريق شعبة عن قتادة بزيادة في
أوله وتقدم شرحه في كتاب العلم والغرض منه قوله في ويظهر الزنا أي يشيع ويشتهر بحيث
لا يتكاتم به لكثرة من يتعاطاه وقد تقدم سبب قول أنس لا يحدثكموه أحد بعدي الحديث
الثاني حديث ابن عباس لا يزني الزاني وقد تقدم شرحه مستوفى في شرح حديث أبي هريرة
في أول الحدود وقول ابن جرير ان بعضهم رواه بصيغة النهي لا يزنين مؤمن وأن بعضهم حمله على
المستحل وساقه بسنده عن ابن عباس وإسحاق من يوسف المذكور في السند هو الواسطي المعروف
بالأزرق والفضيل بفاء ومعجمة مصغر وأبوه غزوان بغين معجمة ثم زاي ساكنة بوزن شعبان
وقوله في قال عكرمة الخ هو موصول بالسند المذكور وقوله وشبك بين أصابعه في رواية
الإسماعيلي من طريق إسماعيل بن هود الواسطي عن خالد الذي أخرجه البخاري من طريقه
وقال هكذا فوصف صفة لا أحفظها وقد قدمت الكلام على الصفة المذكورة هناك قال
الترمذي بعد تخريج حديث أبي هريرة وحكاية تأويل لا يزني الزاني وهو مؤمن لا نعلم أحدا
كفر أحدا بالزنا والسرقة والشرب يعني ممن يعتد بخلافه قال وقد روى عن أبي جعفر يعني
الباقر أنه قال في هذا خرج من الايمان إلى الاسلام يعني أنه جعل الايمان أخص من
الاسلام فإذا خرج من الايمان بقي في الاسلام وهذا يوافق قول الجمهور إن المراد بالايمان
هنا كماله لا أصله والله أعلم الحديث الثالث حديث أبي هريرة في ذلك وقد مضى الكلام عليه
وعلى قوله في آخره والتوبة معروضة بعد الحديث الرابع حديث عبد الله هو ابن مسعود
(قوله عمرو بن علي) هو الفلاس ويحيى هو بن سعيد القطان وسفيان هو الثوري ومنصور
هو ابن المعتمر وسليمان هو الأعمش وأبو وائل هو شقيق وأبو ميسرة هو عمرو بن شرحبيل
وواصل المذكور في السند الثاني هو ابن حيان بمهملة وتحتانية ثقيلة هو المعروف بالأحدب
ورجال السند من سفيان فصاعدا كوفيون وقوله قال عمرو هو ابن علي المذكور (فذكرته لعبد
الرحمن) يعني ابن مهدي (وكان حدثنا) هكذا ذكره البخاري عن عمرو بن علي قدم رواية يحيى على
رواية عبد الرحمن وعقبها بالفاء وقال الهيثم بن خلف فيما أخرجه الإسماعيلي عنه عن عمرو بن
علي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي فساق روايته وحذف ذكر واصل من السند ثم قال وقال
101

عبد الرحمن مرة عن سفيان عن منصور والأعمش وواصل فقلت لعبد الرحمن حدثنا يحيى بن
سعيد فذكره فقال عبد الرحمن دعه والحاصل أن الثوري حدث بهذا الحديث عن ثلاثة
أنفس حدثوه به عن أبي وائل فأما الأعمش ومنصور فأدخلا بين أبي وائل وبين ابن مسعود أبا
ميسرة وأما واصل فحذفه فضبطه يحيى القطان عن سفيان هكذا مفصلا وأما عبد الرحمن فحدث
به أولا بغير تفصيل فحمل رواية واصل على رواية منصور والأعمش فجمع الثلاثة وأدخل أبا ميسرة
في السند فلما ذكر له عمرو بن علي أن يحيى فصله كأنه تردد فيه فاقتصر على التحديث به عن سفيان
عن منصور والأعمش حسب وترك طريق واصل وهذا معنى قوله فقال دعه دعه أي اتركه
والضمير للطريق التي اختلف فيها وهي رواية واصل وقد زاد الهيثم بن خلف في روايته بعد قوله
دعه فلم يذكر فيه واصلا بعد ذلك فعرف أن معنى قوله دعه أي اترك السند الذي ليس فيه ذكر
أبي ميسرة وقال الكرماني حاصله أن أبا وائل وإن كان قد روى كثيرا عن عبد الله فان هذا
الحديث لم يروه عنه قال وليس المراد بذلك الطعن عليه لكن ظهر له ترجيح الرواية بإسقاط
الواسطة وافقه الأكثرين كذا قال والذي يظهر ما قدمته أنه تركه من أجل التردد فيه لان ذكر
أبي ميسرة إن كان في أصل رواية واصل فتحديثه به بدونه يستلزم أنه طعن فيه بالتدليس أو بقلة
الضبط وان لم يكن قي روايته في الأصل فيكون زاد في السند ما لم يسمعه فاكتفى برواية الحديث
عمن لا تردد عنده فيه وسكت عن غيره وقد كان عبد الرحمن حدث به مرة عن سفيان عن واصل
وحده بزيادة أبي ميسرة كذلك أخرجه الترمذي والنسائي لكن الترمذي بعد أن ساقه بلفظ
واصل عطف عليه بالسند المذكور طريق سفيان عن الأعمش ومنصور قال بمثله وكأن ذلك كان
في أول الأمر وذكر الخطيب هذا السند مثالا لنوع من أنواع مدرج الاسناد وذكر فيه أن محمد
ابن كثير وافق عبد الرحمن على روايته الأولى عن سفيان فيصير الحديث عن الثلاثة بغير تفصيل
(قلت) وقد أخرجه البخاري في الأدب عن محمد بن كثير لكن اقتصر من السند على منصور
وأخرجه أبو داود عن محمد بن كثير فضم الأعمش إلى المنصور وأخرجه الخطيب من طريق
الطبراني عن أبي مسلم الليثي عن معاذ بن المثنى ويوسف القاضي ومن طريق أبي العباس البرقي
ثلاثتهم عن محمد بن كثير عن سفيان عن الثلاثة وكذا أخرجه أبو نعيم في المستخرج عن الطبراني
وفيه ما تقدم وذكر الخطيب الاختلاف فيه على منصور وعلى الأعمش في ذكر أبي ميسرة وحذفه
ولم يختلف فيه على واصل في إسقاطه في غير رواية سفيان (قلت) وقد أخرجه الترمذي
والنسائي من رواية شعبة عن واصل بحذف أبي ميسرة لكن قال الترمذي رواية منصور أصح
يعني بإثبات أبي ميسرة وذكر الدارقطني الاختلاف فيه وقال رواه الحسن بن عبيد الله عن أبي
وائل عن عبد الله كقول واصل ونقل عن الحافظ أبي بكر النيسابوري أنه قال يشبه أن يكون
الثوري جمع بين الثلاثة لما حدث به بن مهدي ومحمد بن كثير وفصله لما حدث به غيرهما يعني
فيكون الادراج من سفيان لا من عبد الرحمن والعلم عند الله تعالى وقد تقدم الكلام على شئ
من هذا في تفسير سورة الفرقان (قوله أي الذنب أعظم) هذه رواية الأكثر ووقع في رواية عاصم
عن أبي وائل عن عبد الله أعظم الذنوب عند الله أخرجها الحرث وفي رواية مسدد الماضية في
كتاب الأدب أي الذنب عند الله أكبر وفي رواية أبي عبيدة بن معن عن الأعمش أي الذنوب أكبر
102

عند الله وفي رواية الأعمش ش عند أحمد وغيره أي الذنب أكبر وفي رواية الحسن بن عبيد الله عن
أبي وائل أكبر الكبائر قال ابن بطال عن المهلب يجوز أن يكون بعض الذنوب أعظم من بعض
من الذنبين المذكورين في هذا الحديث بعد الشرك لأنه لا خلاف بين الآية أن اللواط أعظم
إثما من الزنا فكأنه صلى الله عليه وسلم إنما قصد بالأعظم هنا ما تكثر مواقعته ويظهر الاحتياج
إلى بيانه في الوقت كما وقع في حق وفد عبد القيس حيث اقتصر في منهياتهم على ما يتعلق بالأشربة
لفشوها في بلادهم (قلت) وفيما قال نظر من أوجه أحدها ما نقله من الاجماع ولعله لا يقدر ان
يأتي بنقل صحيح صريح بما ادعاه عن إمام واحد بل المنقول عن جماعة عكسه فان الحد عند
الجمهور والراجح من الأقوال انما ثبت فيه بالقياس على الزنا والمقيس عليه أعظم من المقيس
أو مساويه والخبر الوارد في قتل الفاعل والمفعول به أو رجمهما ضعيف واما ثانيا فما من مفسدة
فيه إلا ويوجد مثلها في الزنا وأشد ولو لم يكن الا ما قيد به في الحديث المذكور فان المفسدة
فيه شديدة جدا ولا يتأتى مثلها في الذنب الآخر وعلى التنزل فلا يزيد واما ثالثا ففيه مصادمة
للنص الصريح على الأعظمية من غير ضرورة إلى ذلك وأما رابعا فالذي مثل به من قصة
الأشربة ليس فيه إلا أنه اقتصر لهم على بعض المناهي وليس فيه تصريح ولا إشارة بالحصر في
الذي اقتصر عليه والذي يظهر أن كلا من الثلاثة على ترتيبها في العظم ولو جاز أن يكون فيما لم
يذكره شئ يتصف بكونه أعظم منها لما طابق الجواب السؤال نعم يجوز أن يكون فيما لم يذكر شئ
يساوي ما ذكر فيكون التقدير في المرتبة الثانية مثلا بعد القتل الموصوف وما يكون في الفحش
مثله أو نحوه لكن يستلزم أن يكون فيما لم يذكر في المرتبة الثانية شئ هو أعظم مما ذكر في المرتبة
الثالثة ولا محذور في ذلك وأما ما مضى في كتاب الأدب من عد عقوق الوالدين في أكبر الكبائر
لكنها ذكرت بالواو فيجوز أن تكون رتبة رابعة وهي أكبر مما دونها (قوله حليلة جارك) بفتح
الحاء المهملة وزن عظيمة أي التي يحل له وطؤها وقيل التي تحل معه في فراش واحد وقوله أجل
أن يطعم معك بفتح اللام أي من أجل فحذف الجار فانتصب وذكر الاكل لأنه كان الأغلب من
حال العرب وسيأتي الكلام بقية شرح هذا الحديث في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى
(قوله باب رجم المحصن) هو بفتح الصاد المهملة من الاحصان ويأتي بمعنى
العفة والتزويج والاسلام والحرية لان كلا منها يمنع المكلف من عمل الفاحشة قال ابن القطاع
رجل محصن بكسر الصاد على القياس وبفتحها على غير قياس (قلت) يمكن تخريجه على القياس
وهو أن المراد هنا من له زوجة عقد عليها ودخل بها وأصابها فكأن الذي زوجها له أو حمله
على التزويج بها ولو كانت نفسه أحصنة أي جعله في حصن من العفة أو منعه من عمل الفاحشة
وقال الراغب يقال للمتزوجة محصنة أي أن زوجها أحصنها ويقال امرأة محصن بالكسر
إذا تصور حصنها من نفسها وبالفتح إذا تصور حصنها من غيرها ووقع هنا قبل الباب عند ابن بطال
كتاب الرجم ولم يقع في الروايات المعتمدة قال ابن المنذر اجمعوا على أنه لا يكون الاحصان
بالنكاح الفاسد ولا الشبه وخالفهم أبي ثور فقال يكون محصنا واحتج بأن النكاح الفاسد يعطي
أحكام الصحيح في تقدير المهر ووجوب العدة ولحق الولد وتحريم الربيبة وأجيب بعموم ادرءوا
الحدود قال وأجمعوا على أنه لا يكون بمجرد العقد محصنا واختلفوا إذا دخل بها وادعى أنه لم
103

يصبها قال حتى تقوم البينة أو يوجد منه إقرار أو يعلم له منها ولد وعن بعض المالكية إذا زنى أحد
الزوجين واختلفا في الوطئ لم يصدق الزاني ولو لم يمض لهما إلا ليلة وأما قبل الزنا فلا يكون محصنا
ولو أقام معها ما أقام واختلفوا إذا تزوج الحر أمة هل تحصنه فقال الأكثر نعم وعن عطاء
والحسن وقتادة والثوري والكوفيين وأحمد وإسحاق لا واختلفوا إذا تزوج كتابية فقال إبراهيم
وطاوس والشعبي لا تحصنه وعن الحسن لا تحصنه حتى يطأها في الاسلام أخرجهما ابن أبي
شيبة وعن جابر بن زيد وابن المسيب محصنه وبه قال عطاء وسعيد بن جبير وقال ابن بطال أجمع
الصحابة وأئمة الأمصار على أن المحصن إذا زنى عامدا عالما مختارا فعليه الرجم ودفع ذلك الخوارج
وبعض المعتزلة واعتلوا بأن الرجم لم يذكر في القرآن وحكاه ابن العربي عن طائفة من أهل
المغرب لقيهم وهم من بقايا الخوارج واحتج الجمهور بأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم وكذلك
الأئمة بعده ولذلك أشار علي رضي الله عنه بقوله في أول أحاديث الباب ورجمتها بسنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم وثبت في صحيح مسلم عن عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال خذوا عني قد
جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب الرجم وسيأتي في باب رجم الحبلى من الزنا من حديث عمر أنه
خطب فقال إن الله بعث محمدا بالحق وأنزل عليه القرآن فكان مما أنزل آية الرجم ويأتي الكلام
عليه هنا مستوفى إن شاء الله تعالى (قوله وقال الحسن) هو البصري كذا للأكثر
والكشميهني وحده وقال منصور بدل الحسن وزيفوه (قوله من زنا بأخته فحده حد الزاني)
في رواية الكشميهني الزنا وصله ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث قال سألت عمر ما كان الحسن
يقول فيمن تزوج ذات محرم وهو يعلم قال عليه الحد وأخرج ابن أبي شيبة من طريق جابر بن
زيد وهو أبي الشعثاء التابعي المشهور فيمن أتى ذات محرم منه قال تضرب عنقه ووجه الدلالة
من حديث علي أنه قال رجمتها بسنة رسول الله فأنه لم يفرق بين ما إذا كان الزنا بمحرم أو بغير محرم
وأشار البخاري إلى ضعف الخبر الذي ورد في قتل من زنى بذات محرم وهو ما رواه صالح بن راشد
قال أتى الحجاج برجل قد اغتصب أخته على نفسها فقال سلوا من هنا من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال عبد الله بن المطرف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من تخطى
الحرمتين فخطوا وسطه بالسيف فكتبوا إلى ابن عباس فكتب إليهم بمثله ذكره ابن أبي حاتم
في العلل ونقل عن أبيه أنه روى عن مطرف بن عبد الله بن الشخير من قوله قال ولا أدري أهو
هذا أو لا يشير إلى تجويز أن يكون الراوي غلط في قوله عبد الله بن مطرف وفي قوله سمعت وانما
هو مطرف بن عبد الله ولا صحبة له وقال ابن عبد البر يقولون إن الراوي غلط فيه وأثر مطرف الذي
أشار إليه أبو حاتم أخرجه ابن أبي شيبة من طريق بكر بن عبد الله المزي قال أتى الحجاج برجل
قد وقع على ابنته وعنده مطرف بن عبد الله بن الشخير وأبو بردة فقال أحدهما اضرب عنقه
فضربت عنقه (قلت) والراوي عن صالح بن راشد ضعيف وهو رفدة بكسر الراء وسكون
الفاء ويوضح ضعفه قوله فكتبوا إلى ابن عباس وابن عباس مات قبل أن يلي الحجاج الامارة
بأكثر من خمس سنين ولكن له طريق أخرى إلى ابن عباس أخرجها الطحاوي وضعف راويها
وأشهر حديث في الباب حديث البراء لقيت خالي ومعه الراية فقال بعثني رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن أضرب عنقه أخرجه أحمد وأصحاب السنن وفي سنده
104

اختلاف كثير وله شاهد من طريق معاوية بن مرة عن أبيه أخرجه ابن ماجة والدارقطني وقد
قال بظاهره أحمد وحمله الجمهور على من استحل ذلك بعدم العلم بتحريمه بقرينة الامر بأخذ ماله
وقسمته ثم ذكر في الباب ثلاثة أحاديث الحديث الأول (قوله حدثنا سلمة بن كهيل) في رواية
علي بن الجعد عن شعبة عن سلمة ومجالد أخرجه الإسماعيلي وذكر الدارقطني أن قعنب بن
محرز رواه عن وهب بن جرير عن شعبة عن سلمة عن مجالد وهو غلط والصواب سلمة ومجالد (قوله
سمعت الشعبي عن علي) أي يحدث عن علي وقد بعضهم كالحازمي في هذا الاسناد بأن الشعبي
لم يسمعه من علي قال الإسماعيلي رواه عصام بن يوسف عن شعبة فقال عن سلمة عن الشعبي عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي وكذا ذكر الدارقطني عن حسين بن محمد عن شعبة ووقع في رواية
قعنب المذكورة عن الشعبي عن أبيه عن علي وجزم الدارقطني بأن الزيادة في الاسنادين وهم
وبأن الشعبي سمع هذا الحديث من علي قال ولم يسمع عنه غيره (قوله حين رجم المرأة يوم الجمعة)
في رواية علي بن الجعد أن عليا أتى بامرأة زنت فضربها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة وكذا عند
النسائي من طريق بهز بن أسد عن شعبة والدار قطني من طريق أبي حصين بفتح أوله عن الشعبي
قال أتى علي بشراحة وهي بضم الشين المعجمة وتخفيف الراء ثم حاء مهملة الهمدانية بسكون
الميم وقد فجرت فردها حتى ولدت وقال ائتوني بأقرب النساء منها فأعطاها الولد ثم رجمها ومن
طريق حصين بالتصغير عن الشعبي قال أتى علي بمولاة لسعيد بن قيس فجرت وفي لفظ وهي حبلى
فضربها مائة ثم رجمها وذكر ابن عبد البر أن في تفسير سنيد بن داود من طريق أخرى إلى الشعبي
قال أتى علي بشراحة فقال لها لعل رجلا استكرهك قالت لا قال فلعله أتاك وأنت نائمة قالت
لا قال لعل زوجك من عدونا قالت لا فأمر بها فحبست فلما وضعت أخرجها يوم الخميس فجلدها
مائة ثم ردها إلى الحبس فلما كان يوم الجمعة حفر لها ورجمها ولعبد الرزاق من وجه آخر عن
الشعبي أن عليا لما وضعت أمر لها بحفرة في السوق ثم قال إن أولى الناس أن يرجم الامام إذا
كان بالاعتراف فإن كان الشهود فالشهود ثم رماها (قوله رجمتها بسنة رسول الله) زاد علي
ابن الجعد وجلدتها بكتاب الله زاد إسماعيل بن سالم في أوله عن الشعبي قيل لعلي جمعت حدين
فذكره وفي رواية عبد الرزاق أجلدها بالقرآن وأرجمها بالسنة قال الشعبي وقال أبي بن كعب
مثل ذلك قال الحازمي ذهب أحمد وإسحاق وداود وابن المنذر إلى أن الزاني المحصن يجلد ثم يرجم
وقال الجمهور وهي رواية عن أحمد أيضا لا يجمع بينهما وذكروا أن حديث عبادة منسوخ يعني
الذي أخرجه مسلم بلفظ الثيب بالثيب جلد مائة والرجم والبكر بالبكر جلد مائة والنفي والناسخ
له ما ثبت في قصة ماعز أن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر الجلد قال الشافعي فدلت السنة
على أن الجلد ثابت على البكر وساقط عن الثيب والدليل على أن قصة ماعز متراخية عن حديث
عبادة أن حديث عبادة ناسخ لما شرع أولا من حبس الزاني في البيوت فنسخ الحبس بالجلد وزيد
الثيب الرجم وذلك صريح في حديث عبادة ثم نسخ الجلد في حق الثيب وذلك مأخود من
الاقتصار في قصة ماعز على الرجم وذلك في قصة الغامدية والجهنية واليهوديين لم يذكر الجلد مع
الرجم وقال ابن المنذر عارض بعضهم الشافعي فقال الجلد ثابت في كتاب الله والرجم ثابت بسنة
رسول الله كما قال علي وقد ثبت الجمع بينهما في حديث عبادة وعمل به علي ووافقه أبي وليس في قصة
105

ماعز ومن ذكر معه تصريح بسقوط الجلد عن المرجوم لاحتمال أن يكون ترك ذكره لوضوحه
ولكونه الأصل فلا يرد ما وقع التصريح به بالاحتمال وقد احتج الشافعي بنظير هذا حين عورض
ايجابه العمرة بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من سأله أن يحج عن أبيه ولم يذكر العمرة فأجاب
الشافعي بأن السكوت عن ذلك لا يدل على سقوطه قال فكذا ينبغي أن يجاب هنا (قلت) وبهذا
ألزم الطحاوي أيضا الشافعية ولهم أن ينفصلوا لكن في بعض طرقه حج عن أبيك وأعتمر كما تقدم
بيانه في كتاب الحج فالتقصير في ترك ذكر العمرة من بعض الرواة وأما قصة ماعز فجاءت من طرق
متنوعة بأسانيد مختلفة لم يذكر في شئ منها أنه جلد وكذلك الغامدية والجهنية وغيرهما وقال في
ماعز اذهبوا فارجموه وكذا في حق غيره ولم يذكر الجلد فدل ترك ذكره على عدم وقوعه ودل عدم
وقوعه على عدم وجوبه ومن المذاهب المستغربة ما حكاه ابن المنذر وابن حزم عن أبي بن كعب
زاد بن حزم وأبي ذر وابن عبد البر عن مسروق أن الجمع بين الجلد والرجم خاص بالشيخ والشيخة
وأما الشاب فيجلد إن لم يحصن ويرجم إن أحصن فقط وحجتهم في ذلك حديث الشيخ والشيخة إذا
زنيا فارجموهما البتة كما سيأتي بيانه في الكلام على حديث عمر في باب رجم الحبلى من الزنا وقال
عياض شذت فرقة من أهل الحديث فقالت الجمع على الشيخ الثيب دون الشاب ولا أصل له
وقال النووي هو مذهب باطل كذا قال هو نفى أصله ووصفه بالبطلان إن كان المراد به طريقه
فليس بجيد لأنه ثابت كما سأبينه في باب البكران يجلدان وإن كان المراد دليله ففيه نظر أيضا لان
الآية وردت بلفظ الشيخ ففهم هؤلاء من تخصيص الشيخ بذلك أن الشاب أعذر منه في الجملة
فهو معنا مناسب وفيه جمع بين الأدلة فكيف يوصف بالبطلان واستدل به على جواز نسخ
التلاوة دون الحكم وخالف في ذلك بعض المعتزلة واعتل بأن التلاوة مع حكمها كالعلم مع العالمية
فلا ينفكان وأجيب بالمنع فان العالمية لا تنافي قيام العلم بالذات سلمنا لكن التلاوة أمارة الحكم
فيدل وجودها على ثبوته ولا دلالة من مجردها على وجوب الدوام فلا يلزم من انتفاء الامارة في
طرف الدوام انتفاء ما دلت عليه فإذا نسخت التلاوة لم ينتف المدلول وكذلك بالعكس الحديث
الثاني (قوله حدثني) في رواية أبي ذر حدثنا إسحاق وهو ابن شاهين الواسطي وخالد هو ابن عبد
الله الطحان والشيباني هو أبو إسحاق سليمان مشهور بكنيته (قوله قبل سورة النور أم بعد) في
رواية الكشميهني أم بعدها وفائدة هذا السؤال أن الرجم إن كان وقع قبلها فيمكن أن يدعي
نسخه بالتنصيص فيها على أن حد الزاني الجلد وإن كان وقع بعدها فيمكن أن يستدل به على نسخ
الجلد في حق المحصن لكن يرد عليه أنه من نسخ الكتاب بالسنة وفيه خلاف أجيب بأن الممنوع
نسخ الكتاب بالسنة إذا جاءت من طريق الآحاد وأما السنة المشهورة فلا وأيضا فلا نسخ وانما
هو مخصص بغير المحصن (قوله لا أدري) يأتي بيانه بعد أبواب وقد قام الدليل على أن الرجم وقع
بعد سورة النور لان نزولها كان في قصة الإفك وأختلف هل كان سنة أربع أو خمس أو ست على
ما تقدم بيانه والرجم كان بعد ذلك فقد حضره أبو هريرة وانما أسلم سنة سبع وابن عباس إنما
جاء مع أمه إلى المدينة سنة تسع الحديث الثالث (قوله حدثنا) في رواية أبي ذر أخبرنا وعبد الله
هو ابن المبارك ويونس هو ابن يزيد (قوله حدثني أبو سلمة) في رواية أبي ذر أخبرني (قوله أن
رجلا من أسلم) أي من بني أسلم القبيلة المشهورة واسم هذه الرجل ماعز بن مالك كما سيأتي مسمى
106

عن ابن عباس بعد سبعة أبواب (قوله باب لا يرجم المجنون والمجنونة) أي إذا
وقع في الزنا في حال الجنون وهو إجماع واختلف فيما إذا وقع في حال الصحة ثم طرأ الجنون
هل يؤخر إلى الإفاقة قال الجمهور لا لأنه يراد به التلف فلا معنى للتأخير بخلاف من يجلد فإنه
يراد به الايلام فيؤخر حتى يفيق (قوله وقال علي رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه أما علمت
الخ) تقدم بيان من وصله في باب الطلاق في الاغلاق وأن أبا داود وابن حبان والنسائي أخرجوه
مرفوعا ورجح النسائي الموقوف ومع ذلك فهو مرفوع حكما وفي أول الأثر المذكور قصة تناسب
هذه الترجمة وهو عن ابن عباس أتى عمر أي بمجنونة قد زنت وهي حبلى فأراد أن يرجمها فقال له
علي أما بلغك أن القلم قد رفع عن ثلاثة فذكره هذه لفظ علي ابن الجعد الموقوف في الفوائد
الجعديات ولفظ الحديث المرفوع عن ابن عباس مر علي بن أبي طالب بمجنونة بني فلان قد زنت
فأمر عمر برجمها فردها علي وقال لعمر أما تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رفع القلم
عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله وعن الصبي حتى يحتلم وعن النائم حتى يستيقظ قال
صدقت فخلى عنها هذه رواية جرير بن حازم عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن أبي داود وسندها
متصل لكن أعله النسائي بأن جرير بن حازم حدث بمصر بأحاديث غلط فيها وفي رواية جرير بن
عبد الحميد هن الأعمش بسنده أتى عمر بمجنونة قد زنت فاستشار فيها الناس فأمر بها عمر أن ترجم
فمر بها علي بن أبي طالب فقال ارجعوا بها ثم أتاه فقال أما علمت أن القلم قد رفع وذكر الحديث
وفي آخره قال بلى قال فما بال هذه ترجم فأرسلها فجعل يكبر ومن طريق وكيع عن الأعمش
نحوه وأخرجه أبو داود موقوفا من الطريقين ورجحه النسائي ورواه عطاء بن السائب عن أبي
ظبيان عن علي بدون ذكر ابن عباس وفي آخره فجعل عمر يكبر أخرجه أبو داود والنسائي بلفظ
قال أتي عمر بامرأة فذكر نحوه وفيه فخلي على سبيلها فقال عمر ادع لي عليا فأتاه فقال يا أمير
المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رفع القلم فذكره لكن بلفظ المعتوه حتى يبرأ وهذه
معتوهة بني فلان لعل الذي أتاها وهي في بلائها ولأبي داود من طريق أبي الضحى عن علي مرفوعا
نحوه لكن قال وعن الخرف بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء بعدها فاء ومن طريق حماد بن أبي
سليمان عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة مرفوعا رفع القلم عن ثلاثة فذكره بلفظ
وعن المبتلى حتى يبرأ وهذه طرق تقوي بعضها ببعض وقد أطنب النسائي في تخريجها ثم قال
لا يصح منها شئ والمرفوع أولى بالصواب (قلت) وللمرفوع شاهد من حديث أبي إدريس
الخولاني أخبرني غير واحد من الصحابة منهم شداد بن أوس وثوبان أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال رفع القلم في الحد عن الصغير حتى يكبر وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى
يفيق وعن المعتوه الهالك أخرجه الطبراني وقد أخذ الفقهاء بمقتضى هذه الأحاديث لكن
ذكر ابن حبان أن المراد برفع القلم ترك كتابة الشر عنهم دون الخير وقال شيخنا في شرح الترمذي
هو ظاهر في الصبي دون المجنون والنائم لأنهما في حيز من ليس قابلا لصحة العبادة منه بزوال
الشعور وحكى ابن العربي أن بعض الفقهاء سئل عن إسلام الصبي فقال لا يصح واستدل بهذا
الحديث فعرض بأن الذي ارتفع عنه قلم المؤاخذة وأما قلم التواب فلا لقوله للمرأة لما سألته
ألهذا حج قال نعم ولقوله مروهم بالصلاة فإذا جرى له قلم الثواب فكلمة الاسلام أجل أنواع
107

الثواب فكيف يقال إنها تقع لغوا ويعتد بحجه وصلاته واستدل بقوله حتى يحتلم على أنه
لا يؤاخذ قبل ذلك واحتج من قال يؤاخذ قبل ذلك بالردة وكذا من قال من المالكية يقام الحد
على المراهق ويعتبر طلاقه لقوله في الطريق الأخرى حتى يكبر والاخرى حتى يشب وتعقبه ابن
العربي بأن الرواية بلفظ حتى يحتلم هي العلامة المحققة فيتعين اعتبارها وحمل باقي الروايات عليها
(قوله عن عقيل) هو ابن خالد (قوله عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب) هذه رواية يحيى بن بكير
عن الليث ووافقه شعيب بن الليث عن أبيه عند مسلم وسيأتي بعد ستة أبواب من رواية سعيد
ابن عفير عن الليث عن عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب وجمعها مسلم فوصل رواية عقيل
وعلق رواية عبد الرحمن فقال بعد رواية الليث عن عقيل ورواه الليث أيضا عن عبد الرحمن بن
خالد (قلت) ورواه معمر ويونس وابن جريج عن بن شهاب عن أبي سلمة وحده عن جابر وجمع
مسلم هذه الطرق وأحال بلفظها على رواية عقيل وسيأتي للبخاري بعد بابين من رواية معمر وعلق
طرفا منه ليونس وابن جريج ووصل رواية يونس قبل هذا وأما رواية ابن جريج فوصلها مسلم
عن إسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق عن معمر وابن جريج معا ووقعت لنا بعلو في مستخرج أبي
نعيم من رواية الطبراني عن الفربري عن عبد الرزاق عن ابن جريج وحده (قوله أتى رجل) زاد
ابن مسافر في روايته من الناس وفي رواية شعيب من الليث من المسلمين وفي رواية يونس ومعمر
إن رجلا من أسلم وفي حديث جابر بن سمرة عند مسلم رأيت ماعز بن مالك الأسلمي حين جئ به
رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه رجل قصير أعضل ليس عليه رداء وفي لفظ ذو
عضلات بفتح المهملة ثم المعجمة قال أبو عبيدة العضلة ما اجتمع من اللحم في أعلى باطن الساق
وقال الأصمعي كل عصبة مع لحم فهي عضلة وقال ابن القطاع العضلة لحم الساق والذراع وكل
لحمة مستديرة في البدن والأعضل الشديد الخلق ومنه أعضل الامر إذا اشتد لكن دلت الرواية
الأخرى على أن المراد به هنا كثير العضلات (قوله فأعرض عنه) زاد ابن مسافر فتنحى لشق
وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أعرض قبله بكسر القاف وفتح الموحدة وفي رواية
شعيب فتنحى تلقاء وجهه أي انتقل من الناحية التي كان فيها إلى الناحية التي يستقبل بها
وجه النبي صلى الله عليه وسلم وتلقاء منصوب على الظرفية وأصله مصدر أقيم مقام الظرف أي
مكان تلقاء فحذف مكان قبل وليس من المصادر تفعال بكسر أوله إلا هذا وتبيان وسائرها بفتح
أوله وأما الأسماء بهذا الوزن فكثيرة (قوله حتى ردد) في رواية الكشميهني حتى رد بدال واحدة
وفي رواية شعيب بن الليث حتى ثنى ذلك عليه وهو بمثلثة بعدها نون خفيفة أي كرر وفي
حديث بريدة عند مسلم قال ويحك ارجع فأستغفر الله وتب إليه فرجع غير بعيد ثم جاء فقال
يا رسول الله طهرني وفي لفظ فلما كان من الغد أتاه ووقع في مرسل سعيد بن المسيب عند مالك
والنسائي من رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد إن رجلا من أسلم قال لأبي بكر
الصديق ان الآخر زنى قال فتب إلى الله واستتر بستر الله ثم أتى عمر كذلك فأتى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأعرض عنه ثلاث مرار حتى إذا أكثر عليه بعث إلى أهله (قوله فلما
شهد على نفسه أربع شهادات) في رواية أبي ذر أربع مرات وفي رواية بريدة المذكورة حتى
إذا كانت الرابعة قال فبم أطهرك وفي حديث جابر بن سمرة من طريق أبي عوانة عن سماك
108

فشهد على نفسه أربع شهادات أخرجه مسلم وأخرجه من طريق شعبة عن سماك قال فرده مرتين
وفي أخرى مرتين أو ثلاثا قال شعبة قال سماك فذكرته لسعيد بن جبير فقال أنه رده أربع مرات
ووقع في حديت أبي سعيد عند مسلم أيضا فاعترف بالزنا ثلاث مرات والجمع بينهما أما رواية مرتين
فتحمل على أنه اعترف مرتين في يوم ومرتين في يوم آخر لما يشمر به قول بريدة فلما كان من الغد
فاقتصر الراوي على أحدهما أو مراده اعترف مرتين في يومين فيكون من ضرب اثنين في اثنين
وقد وقع عند أبي داود من طريق إسرائيل عن سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس جاء ماعز بن
مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا مرتين فطرده ثم جاء فاعترف بالزنا مرتين وأما
رواية الثلاث فكأن المراد الاقتصار على المرات التي رده فيها وأما الرابعة فإنه لم يرده بل
استثبت فيه وسأل عن عقله لكن وقع في حديث أبي هريرة عند أبي داود من طريق عبد الرحمن
ابن الصامت ما يدل على أن الاستثبات فيه انما وقع بعد الرابعة ولفظه جاء الأسلمي فشهد على
نفسه أنه أصاب امرأة حراما أربع مرات كل ذلك يعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأقبل في الخامسة فقال تدري ما الزاني إلى آخره والمراد بالخامسة الصفة التي وقعت منه عند
السؤال والاستثبات لان صفة الاعراض وقعت أربع مرات وصفة الاقبال عليه للسؤال وقع
بعدها (قوله فقال أبك جنون قال لا) في رواية شعيب في الطلاق وهل بك جنون وفي حديث
بريدة فسأل أبه جنون فأخبر بأنه ليس بمجنون وفي لفظ فأرسل إلى قومه فقالوا ما نعلمه إلا وفي
العقل من صالحينا وفي حديث أبي سعيد ثم سأل قومه فقالوا ما نعلم به بأسا إلا أنه أصاب شيئا يرى
أنه لا يخرج منه إلا أن يقام فيه الحد لله وفي مرسل أبي سعيد بعث إلى أهله فقال أشتكي به جنة
فقالوا يا رسول الله انه لصحيح ويجمع بينهما بأنه سأله ثم سأل عنه احتياطا فإن فائدة سؤاله أنه لو
ادعى الجنون لكان في ذلك دفع لإقامة الحد عليه حتى يظهر خلاف دعواه فلما أجاب بأنه لا جنون
به سأل عنه لاحتمال أن يكون كذلك ولا يعتد بقوله وعند أبي داود من طريق نعيم بن هزال قال
كان ماعز بن مالك يتيما في حجر أبي فأصاب جارية من الحي فقال له أبي ائت رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأخبره بما صنعت لعله يستغفر لك ورجاء أن يكون له مخرج فذكر الحديث فقال عياض
فائدة سؤاله أبك جنون سترا لحاله واستبعاد أن يلح عاقل بالاعتراف بما يقتضي إهلاكه ولعله
يرجع عن قوله أو لأنه سمعه وحده أو ليتم إقراره أربعا عند من يشترطه وأما سؤاله قومه عنه بعد
ذلك فمبالغة في الاستثبات وتعقب بعض الشراح قوله أو لأنه سمعه وحده بأنه كلام ساقط لأنه وقع
في نفس الخبر أن ذلك كان بمحضر الصحابة في المسجد (قلت) ويرد بوجه آخر هو أن انفراده صلى
الله عليه وسلم بسماع إقرار المقر كاف في الحكم عليه لعلمه اتفاقا إذ لا ينطق عن الهوى بخلاف
غيره ففيه احتمال (قوله قال فهل أحصنت) أي تزوجت هذا معناه جزما هنا لافتراق الحكم في
حد من تزوج ومن لم يتزوج (قوله قال نعم) زاد في حديث بريدة قبل هذا أشربت خمرا قال لا وفيه
فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريحا وزاد في حديث ابن عباس الآتي قريبا لعلك قبلت أو غمزت
بمعجمة وزاي أو نظرت أي فأطلقت على كل ذلك زنا ولكنه لا حد في ذلك قال لا وفي حديث نعيم
فقال هل ضاجعتها قال نعم قال فهل باشرتها قال نعم قال هل جامعتها قال نعم وفي حديث ابن
عباس المذكور فقال أنكتها لا يكنى بفتح التحتانية وسكون الكاف من الكناية أي أنه ذكر هذا
109

اللفظ صريحا ولم يكن عنه بلفظ أخر كالجماع ويحتمل أن يجمع بأنه ذكر بعد ذكر الجماع لأن
الجماع قد يحمل على مجرد الاجتماع وفي حديث أبي هريرة المذكور أنكتها قال نعم قال حتى
دخل ذلك منك في ذلك منها قال نعم قال كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر قال
نعم قال تدري ما الزنا قال نعم أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا قال فما تريد بهذا القول
قال تطهرني فأمر به فرجم وقبله عند النسائي هنا هل أدخلته وأخرجته قال نعم (قوله قال ابن
شهاب هو موصول بالسند المذكور (قوله فأخبرني من سمع جابر بن عبد الله) صرح
يونس ومعمر في روايتهما بأنه أبو سلمة بن عبد الرحمن فكأن الحديث كان عند أبي سلمة عن
أبي هريرة كما عند سعيد بن المسيب وعنده زيادة عليه عن جابر (قوله فكنت فيمن رجمه فرجمناه
بالمصلى) في رواية معمر فأمر به فرجم بالمصلى وفي حدث أبي سعيد فما أوثقناه ولا حفرنا له قال
فرميناه بالعظام والمدر والخزف بفتح معجمة والزاي وبالفاء وهي الآنية التي تتخذ من الطين
المشوي وكأن المراد ما تكسر منها (قوله فلما أذلقته) بذال معجمة وفتح اللام بعدها قاف أي
أقلقته وزنه ومعناه قال أهل اللغة الذلق بالتحريك القلق وممن ذكره الجوهري وقال في النهاية
أذلقته بلغت منه الجهد حتى قلق يقال أذلقه الشئ أجهده وقال النووي معنى أذلقته الحجارة
أصابته بحدها ومنه انذلق صار له حد يقطع (قوله هرب) في رواية بن مسافر جمز بجيم وميم
مفتوحتين ثم زاي أي وثب مسرعا وليس بالشديد العدو بل كالقفز ووقع في حديث أبي سعيد
فاشتد وأسند لنا خلفه (قوله فأدركناه بالحرة فرجمناه) زاد معمر في روايته حتى مات وفي حديث
أبي سعيد حتى أتى عرض بضم أوله أي جانب الحرة فرميناه بجلاميد الحرة حتى سكت وعند
الترمذي من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة في قصة ماعز فلما وجد مس الحجارة فر
يشتد حتى مر برجل معه لحى جمل فضربه وضربه الناس حتى مات وعند أبي داود والنسائي من
رواية يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه في هذه القصة فوجد مس الحجارة فخرج يشتد فلقيه عبد الله
ابن أنيس وقد عجز أصحابه فنزع له بوظيف بعير فرماه فقتله وهذا ظاهره يخالف ظاهر رواية أبي
هريرة أنهم ضربوه معه لكن يجمع بأن قوله في هذا فقتله أي كان سببا في قتله وقد وقع في رواية
للطبراني في هذه القصة فضرب ساقه فصرعه ورجموه حتى قتلوه والوظيف بمعجمة وزن عظيم خف
البعير وقيل مستدق الذراع والساق من الإبل وغيرهما وفي حديث أبي هريرة عند النسائي
فانتهى إلى أصل شجرة فتوسد يمينه حتى قتل وللنسائي من طريق أبي مالك عن رجل من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبوا به إلى حائط يبلغ صدره فذهب يثب فرماه رجل
فأصاب أصل أذنه فصرع فقتله وفي هذا الحديث من الفوائد منقبة عظيمة لماعز بن مالك لأنه
استمر على طلب إقامة الحد عليه مع توبته ليتم تطهيره ولم يرجع عن إقراره مع أن الطبع البشري
يقتضي أنه لا يستمر على الاقرار بما يقتضي إزهاق نفسه فجاهد نفسه على ذلك وقوى عليها وأقر
من غير اضطرار إلى إقامة ذلك عليه بالشهادة مع وضوح الطريق إلى سلامته من القتل بالتوبة
ولا يقال لعله لم يعلم أن الحد بعد أن يرفع للامام يرتفع بالرجوع لأنا نقول كان له طريق أن يبرز
أمره في صورة الاستفتاء فيعلم ما يخفى عليه من أحكام المسألة ويبنى على ما يجاب به ويعدل عن
الاقرار إلى ذلك ويؤخذ من قضيته أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى
110

ويستر نفسه ولا يذكر ذلك لاحد كما أشار به أبو بكر وعمر على ماعز وأن من اطلع على ذلك يستر
عليه بما ذكرنا ولا يفضحه ولا يرفعه إلى الامام كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه القصة لو سترته
بثوبك لكان خيرا لك وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه فقال أحب لمن أصاب ذنبا فستره الله
عليه أن يستره على نفسه ويتوب واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر وقال ابن العربي هذا كله
في غير المجاهر فاما إذا كان متظاهرا بالفاحشة مجاهرا فاني أحب مكاشفته والتبريح به لينزجر هو
وغيره وقد استشكل استحباب الستر مع ما وقع من الثناء على ماعز والغامدية وأجاب شيخنا
في شرح الترمذي بأن الغامدية كان ظهر بها الحبل مع كونها غير ذات زوج فتعذر الاستتار
للاطلاع على ما يشعر بالفاحشة ومن ثم قيد بعضهم ترجيح الاستتار حيث لا يكون هنا كما يشعر
بضده وان وجد فالرفع إلى الامام ليقيم عليه الحد أفضل انتهى والذي يظهر أن الستر مستحب
والرفع لقصد المبالغة في التطهير أحب والعلم عند الله تعالى وفيه التثبت في إزهاق نفس المسلم
والمبالغة في صيانته لما وقع في هذه القصة من ترديده والايماء إليه بالرجوع والإشارة إلى قبول
دعواه إن ادعى إكراها وأخطأ في معنى الزنا أو مباشرة دون الفرج مثلا أو غير ذلك وفيه
مشروعية الاقرار بفعل الفاحشة عند الامام وفي المسجد والتصريح فيه بما يستحي من التلفظ
به من أنواع الرفث في القول من أجل الحاجة الملجئة لذلك وفيه نداء الكبير بالصوت العالي
وإعراض الامام عن من أقر بأمر محتمل لإقامة الحد لاحتمال أن يفسره بما لا يوجب حدا أو
يرجع واستفساره عن شروط ذلك ليرتب عليه مقتضاه وأن إقرار المجنون لاغ والتعريض للمقر
بأن يرجع وأنه إذا رجع قبل قال ابن العربي وجاء عن مالك رواية أنه لا أثر لرجوعه وحديث النبي
صلى الله عليه وسلم أحق أن يتبع وفيه أنه يستحب لمن وقع في معصية وندم أن يبادر إلى التوبة منها
ولا يخبر بها أحدا ويستتر بستر الله وان اتفق أنه يخبر أحدا فيستحب أن يأمره بالتوبة وستر ذلك
عن الناس كما جرى لماعز مع أبي بكر ثم عمر وقد أخرج قصته معهما في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن سعيد
بن المسيب مرسلة ووصله أبو داود وغيره من رواية يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه وفي
القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهزال لو سترته بثوبك لكان خيرا لك وفي الموطأ عن يحيى
ابن سعيد ذكرت هذا الحديث في مجلس فيه يزيد بن نعيم فقال هزال جدي جدي وهذا الحديث
حق قال الباجي المعنى خيرا لك مما أمرته به من إظهار أمره وكان ستره بأن يأمره بالتوبة والكتمان
كما أمره أبو بكر وعمر وذكر الثوب مبالغة أي لو لم تجد السبيل إلى ستره الا بردائك ممن علم أمره
كان أفضل مما أشرت به عليه من الاظهار واستدل به على اشتراط تكرير الاقرار بالزنا أربعا
لظاهر قوله فلما شهد على نفسه أربع شهادات فان فيه إشعارا بأن العدد هو العلة في تأخير إقامة
الحد عليه وإلا لأمر برجمه في أول مرة ولان في حديث ابن عباس قال لماعز قد شهدت على
نفسك أربع شهادات اذهبوا به فارجموه وقد تقدم ما يؤيده ويؤيد القياس على عدد شهود
الزنا دون غيره من الحدود وهو قول الكوفيين والراجح عند الحنابلة وزاد ابن أبي ليلى فاشترط أن
تتعدد مجالس الاقرار وهي رواية عن الحنفية وتمسكوا بصورة الواقعة لكن الروايات فيها
اختلفت والذي يظهر أن المجالس تعددت لكن لا بعدد الاقرار فأكثر ما نقل في ذلك أنه أقر مرتين
ثم عاد من الغد فأقر مرتين كما تقدم بيانه من عند مسلم وتأول الجمهور بأن ذلك وقع في قصة ماعز
111

وهي واقعة حال فجاز أن يكون لزيادة الاستثبات ويؤيد هذا الجواب ما تقدم في سياق حديث
أبي هريرة وما وقع عند مسلم في قصة الغامدية حيث قالت لما جاءت طهرني فقال ويحك ارجعي
فاستغفري قالت أراك تريد أن ترددني كما رددت ماعزا إنها حبلى من الزنا فلم يؤخر إقامة الحد
عليها إلا لكونها حبلى فلما وضعت أمر برجمها ولم يستفسرها مرة أخرى ولا اعتبر تكرير اقرارها
ولا تعدد المجالس وكذا وقع في قصة العسيف حيث قال واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فان اعترفت
فارجمها وفيه فغدا عليها فاعترفت فرجمها ولم يذكر تعدد الاعتراف ولا المجالس وسيأتي قريبا مع
شرحه مستوفى وأجابوا عن القياس المذكور بأن القتل لا يقبل فيه إلا شاهدان بخلاف سائر
الأموال فيقبل فيها شاهد وامرأتان فكان قياس ذلك أن يشترط الاقرار بالقتل مرتين وقد
اتفقوا أنه يكفي فيه مرة فان قلت والاستدلال بمجرد عدم الذكر في قصة العسيف وغيره فيه نظر
فان عدم الذكر لا يدل على عدم الوقوع فإذا ثبت كون العدد شرطا فالسكوت عن ذكره يحتمل أن
يكون لعلم المأمور به وأما قول الغامدية تريد أن ترددني كما رددت ماعزا فيمكن التمسك به لكن
أجاب الطيبي بأن قولها إنها حبلى من الزنا فيه إشارة إلى أن حالها مغايرة لحال ماعز لأنهما وان
اشتركا في الزنا لكن العلة غير جامعة لان ماعزا كان متمكنا من الرجوع عن اقراره بخلافها فكأنها
قالت أنا غير متمكنة من الانكار بعد الاقرار لظهور الحمل بها بخلافه وتعقب بأنه كان يمكنها أن
تدعى إكراها أو خطأ أو شبهة وفيه أن الامام لا يشترط أن يبدأ بالرجم فيمن أقر وإن كان ذلك
مستحبا لان الامام إذا بدأ مع كونه مأمورا بالتثبت والاحتياط فيه كان ذلك أدعى إلى الزجر عن
التساهل في الحكم والى الحض على التثبت في الحكم ولهذا يبدأ الشهود إذا ثبت الرجم بالبينة
وفيه جواز تفويض الامام إقامة الحد لغيره واستدل به على أنه لا يشترط الحفر للمرجوم لأنه لم
يذكر في حديث الباب بل وقع التصريح في حديث أبي سعيد عند مسلم فقال فما حفرنا له ولا أوثقناه
ولكن وقع في حديث بريدة عنده فحفر له حفيرة ويمكن الجمع بأن المنفي حفيرة لا يمكنه الوثوب
منها والمثبت عكسه أو أنهم في أول الأمر لم يحفروا له ثم لما فر فأدركوه حفروا له حفيرة فانتصب
لهم فيها حتى فرغوا منه وعند الشافعية لا يحفر للرجل وفي وجه يتخير الامام وهو أرجح لثبوته
في قصة ماعز فالمثبت مقدم على النافي وقد جمع بينهما بما دل على وجود حفر في الجملة وفي المرأة
أوجه ثالثها الأصح ان ثبت زناها بالبينة استحب لا بالاقرار وعن الأئمة الثلاثة في المشهور عنهم
لا يحفر وقال أبو يوسف وأبو ثور يحفر للرجل وللمرأة وفيه جواز تلقين المقر بما يوجب الحد ما يدفع
به عنه الحد وأن الحد لا يجب إلا بالاقرار الصريح ومن ثم شرط على من شهد بالزنا أن يقول
رأيته ولج ذكره في فرجها أو ما أشبه ذلك ولا يكفي أن يقول أشهد أنه زنا وثبت عن جماعة من
الصحابة تلقين المقر بالحد كما أخرجه مالك عن عمرو ابن أبي شيبة عن أبي الدرداء وعن علي في قصة
شراحة ومنهم من خص التلقين بمن يظن به أنه يجهل حكم الزنا وهو قول أبي ثور وعند
المالكية يستثنى تلقين المشتهر بانتهاك الحرمات ويجوز تلقين من عداه وليس ذلك بشرط وفيه
ترك سجن من اعتراف بالزنا في مدة الاستثبات وفي الحامل حتى تضع وقل ان المدينة لم يكن بها
حينئذ سجن وانما كان يسلم كل جان لوليه وقال ابن العربي انما لم يأمر بسجنه ولا التوكيل به لان
رجوعه مقبول فلا فائدة في ذلك مع جواز الاعراض عنه إذا رجع ويؤخذ من قوله هل أحصنت
112

وجوب الاستفسار عن الحال التي تختلف الاحكام باختلافها وفيه أن إقرار السكران لا أثر له
يؤخذ من قوله استنكهوه والذين اعتبروه وقالوا إن عقله زال بمعصيته ولا دلالة في قصة ماعز
لاحتمال تقدمها على تحريم الخمر أو أن سكره وقع عن غير معصية وفيه أن المقر بالزنا إذا أقر يترك
فان صرح بالرجوع فذاك وإلا أتبع ورجم وهو قول الشافعي وأحمد ودلالته من قصة ماعز
ظاهرة وقد وقع في حديث نعيم بن هزال هل تركتموه لعلة يتوب فيتوب الله عليه أخرجه
أبو داود وصححه الحاكم وحسنه وللترمذي نحوه من حديث أبي هريرة وصححه الحاكم أيضا
وعند أبي داود من حديث بريدة قال كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نتحدث أن
ماعز والغامدية لو رجعا لم يطلبهما وعند المالكية في المشهور لا يترك إذا هرب وقيل يشترط
أن يؤخذ على الفور فأن لم يؤخذ ترك وعن ابن عيينة إن أخذ في الحال كمل عليه الحد وإن
أخذ بعد أيام ترك وعن أشهب إن ذكر عذرا يقبل ترك وإلا فلا ونقله القعنبي عن مالك وحكى
الكجي عنه قولين فيمن رجع إلى شبهة ومنهم من قيده بما بعد إقراره عنه الحاكم واحتجوا بأن
الذين رجموه حتى مات بعد أن هرب لم يلزموا بديته فلو شرع تركه لوجبت عليهم الدية والجواب أنه
لم يصرح بالرجوع ولم يقل أحد إن حد الرجم يسقط بمجرد الهرب وقد عبر في حديث بريدة بقوله
لعله يتوب واستدل به على الاكتفاء بالرجم في حد من أحصر من غير جلد وقد تقدم البحث
فيه وأن المصلى إذا لم يكن وقفا لا يثبت له حكم المسجد وسيأتي البحث فيه بعد بابين وأن
المرجوم في الحد لا تشرع الصلاة عليه إذا مات بالحد ويأتي البحث فيه أيضا قريبا وأن من
وجد منه ريح الخمر وجب عليه الحد من جهة استنكاه ماعز بعد أن قال له أشربت خمرا قال
القرطبي وهو قول مالك والشافعي كذا قال وقال المازري استدل به بعضهم على أن طلاق
السكران لا يقع وتعقبه عياض بأنه لا يلزم من درء الحد به أنه لا يقع طلاقه لوجود تهمته على
ما يظهره من عدم العقل قال ولم يختلف في غير الطافح أن طلاقه لازم قال ومذهبنا التزامه
بجميع أحكام الصحيح لأنه أدخل ذلك على نفسه وهو حقيقة مذهب الشافعي واستثنى
من أكره ومن شرب ما ظن أنه غير مسكر ووافقه بعض متأخري المالكية وقال
النووي الصحيح عندنا صحة إقرار السكران ونفوذ أقواله فيما له وعليه قال والسؤال عن شربه
الخمر محمول عندنا على أنه لو كان سكرانا لم يقم عليه الحد كذا أطلق فألزم التناقض وليس
كذلك فان مراده لم يقم عليه الحد لوجود الشبهة كما تقدم من كلام عياض (قلت) وقد مضى
ما يتعلق بذلك في كتاب الطلاق ومن المذاهب الظريفة فيه قول الليث يعمل بأفعاله ولا يعمل
بأقواله لأنه يلتذ بفعله ويشفى غيضه ولا يفقه أكثر ما يقول وقد قال تعالى لا تقربوا الصلاة وأنتم
سكارى حتى تعلموا ما تقولون (قوله باب للعاهر الحجر) ذكر فيه حديث عائشة
في قصة ابن وليدة زمعة وقد تقدم شرحه مستوفي في أواخر الفرائض أورده عن أبي الوليد عن
الليث وفيه الولد للفراش وقال بعده زاد قتيبة عن الليث وللعاهر الحجر وفي رواية أبي ذر زادنا
وقال في البيوع حدثنا قتيبة فذكره بتمامه وذكر هنا حديث أبي هريرة بالجملتين المذكورتين وقد
أورده في كتاب القدر في وجه آخر مقتصرا على الجملة الأولى وفي ترجمته هنا إشارة إلى أنه يرجح
قول من أول الحجر هنا بأنه الحجر الذي يرجم به الزاني وقد تقدم ما فيه والمراد منه أن الرجم
113

مشروع للزاني بشرطه لا أن على كل من زني الرجم صلى الله عليه وسلم (قوله باب الرجم في البلاط)
في رواية المستملي بالبلاط بالموحدة بدل في ففهم منه بعضهم أنه يريد أن الآلة التي يرجم بها تجوز
بكل شئ حتى بالبلاط وهو بفتح الموحدة وفتح اللام ما تفرش به الدور من حجارة وآجر وغير ذلك
وفيه بعد والأولى أن الباء ظرفية ودل على ذلك رواية غير المستملي والمراد بالبلاط هنا موضع
معروف عند باب المسجد النبوي كان مفروشا بالبلاط ويؤيد ذلك قوله في هذا المتن فرجما عند
البلاط وقيل المراد بالبلاط الأرض الصلبة سواء كانت مفروشة أم لا ورجحه بعضهم والراجح
خلافه قال أبو عبيد البكري البلاط بالمدينة ما بين المسجد والسوق وفي الموطأ عن عمه أبي
سهيل بن مالك بن أبي عامر عن أبي كنا نسمع قراءة عمر بن الخطاب ونحن عند دار أبي جهم
بالبلاط وقد استشكل بن بطال هذه الترجمة فقال البلاط وغيره في ذلك سواء وأجاب ابن المنير
بأنه أراد أن ينبه على أن الرجم لا يختص بمكان معين للامر بالرجم بالمصلى تارة وبالبلاط أخرى
قال ويحتمل أنه أراد أن ينبه على أنه لا يشترط الحفر للمرجوم لان البلاط لا يتأتى الحفر فيه
وبهذا جزم ابن القيم وقال أراد رد رواية بشير بن المهاجر عن أبي بريدة عن أبيه أن النبي صلى
الله عليه وسلم أمر فحفرت لماعز بن مالك حفرة فرجم فيها أخرجه مسلم قال هو وهم سرى
من قصة الغامدية إلى قصة ماعز (قلت) ويحتمل أن يكون أراد أن ينبه على أن المكان الذي
يجاور المسجد لا يعطي حكم المسجد في الاحترام لان البلاط المشار إليه موضع كان مجاورا
للمسجد النبوي كما تقدم ومع ذلك أمر بالرجم عنده وقد وقع في حديث ابن عباس عند أحمد
والحاكم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم اليهوديين عند باب المسجد (قوله حدثنا محمد
بن عثمان) زاد أبو ذر بن كرامة (قوله عن سليمان) هو ابن بلال وهو غريب ضاق على
الإسماعيلي مخرجه فأخرجه عن عبد الله بن جعفر المديني أحد الضعفاء ولو وقع عن سليمان بن
بلال لم يعدل عنه وكذا ضاق على أبي نعيم فلم يستخرجه بل أورده بسنده عن البخاري وخالد بن
مخلد أكثر البخاري عنه بواسطة وبغير واسطة وقد تقدم له في الرقاق عن محمد بن عثمان بن كرامة
عن خالد بن مخلد حديث وتقدم في العلم والهبة والمناقب وغيرها عدة أحاديث وكذا يأتي
في التعبير والاعتصام عن خالد بن مخلد بغير واسطة وقوله في المتن قد أحدثا أي فعلا أمرا فاحشا
وقوله أحدثوا أي ابتكروا وقوله تحميم الوجه أي يصب عليه ماء حار مخلوط بالرماد والمراد
تسخيم الوجه بالحميم وهو الفحم وقوله والتجبية بفتح المثناة وسكون الجيم وكسر الموحدة بعدها
ياء آخر ساكنة ثم هاء أصلية من جبهة الرجل إذا قابلته بما يكره من الاغلاظ في القول
أو الفعل قاله ثابت في الدلائل وسبقه الحربي وقال غيره هو بوزن تذكره ومعناه
الا ركاب منكوسا وقال عياض فسر التجبيه في الحديث بأنهما يجلدان ويحمم وجوههما
ويحملان على دابة مخالفا بين وجوههما قال الحربي كذا فسره الزهري قلت غلط من ضبطه
هنا بالنون بدل الموحدة ثم فسره بأن يحمل الزانيان على بعير أو حمار ويخالف بين وجوههما
والمعتمد ما قال أبو عبيدة والتجبيه أن يضع اليدين على الركبتين وهو قائم فيصير كالراكع وكذا
أن ينكب على وجهه باركا كالساجد وقال الفرابي جب بفتح الجيم وتشديد الموحدة قام قيام
الراكع وهو عريان والذي بالنون بعد الجيم إنما جاء في قوله فرأيت اليهودي أجنأ عليها
114

وسيأتي ووقع هنا فرأيت اليهودي أحنى عليها وقد ضبطت بالحاء المهملة ثم نون بلفظ الفعل
الماضي أي أكب عليها يقال أحنت المرأة على ولدها حنوا وحنت بمعنى وضبطت بالجيم
والنون فعند الأصيلي بالهمز وعند أبي ذر بلا همز وهو بمعنى الذي بالمهملة قال ابن القطاع
جنأ على الشئ حنا ظهره عليه وقال الأصمعي أجنأ الترس جعله مجنأ أي محدودبا وقال عياض
الصحيح في هذا ما قاله أبو عبيدة يعني بالجيم والهمز والله أعلم وسيأتي مزيدا لهذا في شرح
حديث اليهوديين في باب أحكام الذمة (قوله باب الرجم
بالمصلى) أي عنده والمراد المكان الذي كان يصلى عنده العيد والجنائز وهو من ناحية بقيع
الغرقد وقد وقع في حديث أبي سعيد عند مسلم فأمرنا أن نرجمه فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد
وفهم بعضهم كعياض من قوله بالمصلى أن الرجم وقع داخله وقال يستفاد منه أن المصلى
لا يثبت له حكم المسجد إذ لو ثبت له ذلك لأجتنب الرجم فيه لأنه لا يؤمن التلويث من المرجوم
خلافا لما حكاه الدارمي أن المصلى يثبت له حكم المسجد ولو لم يوقف وتعقب بأن المراد
أن الرجم وقع عنده لا فيه كما تقدم في البلاط وأن في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله
عليه وسلم رجم اليهوديين عند باب المسجد وفي رواية موسى ان عقبة أنهما رجما قريبا من
موضع الجنائز قرب المسجد وبأنه ثبت في حديث أم عطية الامر بخروج النساء حتى الحيض
في العيد إلى المصلى وهو ظاهر في المراد والله أعلم وقال النووي ذكر الدارمي من أصحابنا أن مصلى
العيد وغيره إذا لم يكن مسجدا يكون في ثبوت حكم المسجد له وجهان أصحهما لا وقال البخاري
وغيره في رجم هذا بالمصلى دليل على أن مصلى الجنائز والأعياد إذا لم يوقف مسجدا لا يثبت له
حكم المسجد إذ لو كان له حكم المسجد لأجتنب فيه ما يجتنب في المسجد (قلت) وهو كلام
عياض بعينه وليس للبخاري منه سوى الترجمة (قوله حدثنا محمود) في رواية غير أبي ذر حدثني
وللنسفي محمود بن غيلان وهو المروزي وقد أكثر البخاري عنه (قوله أخبرنا معمر) في رواية
إسحاق بن راهويه في مسنده عن عبد الرزاق أنبأنا معمر وابن جريج وكذا أخرجه مسلم عن
إسحاق (قوله فاعترف بالزنا) زاد في رواية إسحاق فاعرض عنه أعادها مرتين (قوله فأمر به
فرجم بالمصلى) ليس في رواية يونس بالمصلى وقد تقدمت في باب رجم المحصن وسيأتي في رواية
عبد الرحمن بن خالد بلفظ كنت فيمن رجمه فرجمناه بالمصلى (قوله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم
خيرا) أي ذكره بجميل ووقع في حديث أبي سعيد عند مسلم فما استغفر له ولا سبه وفي حديث
بريدة عنده فكان الناس فيه فرقتين قائل يقول لقد هلك لقد أحاطت به خطيئته وقائل يقول
ما توبة أفضل من توبة ماعز فلبثوا ثلاثا ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال استغفروا
لماعز بن مالك وفي حديث بريدة أيضا لقد تاب توبة لو قسمت على أمة لوسعتهم وفي حديث أبي
هريرة عند النسائي لقد رأيته بين أنهار الجنة ينغمس قال يعني يتنعم كذا في الأصل وفي حديث
جابر عند أبي عوانة فقد رأيته يتخضخض في أنهار الجنة وفي حديث اللجلاج عند أبي داود
والنسائي ولا تقل له خبيث لهو عند الله أطيب من ريح المسك وفي حديث أبي الفيل عند
الترمذي لا تشتمه وفي حديث أبي ذر عند أحمد قد غفر له وأدخل الجنة (قوله وصلى عليه) هكذا
وقع هنا عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق وخالفه محمد بن يحيى الذهلي وجماعة عن عبد الرزاق
115

فقالوا في آخره ولم يصل عليه قال المنذري في حاشية السنن رواه ثمانية أنفس عن عبد الرزاق فلم
يذكروا قوله وصلى عليه (قلت) قد أخرجه أحمد في مسنده عن عبد الرزاق ومسلم عن إسحاق
ابن راهويه وأبو داود عن محمد بن المتوكل العسقلاني وابن حبان من طريقه زاد أبو داود والحسن
بن علي الخلال والترمذي عن الحسن بن علي المذكور والنسائي وابن الجارود عن محمد بن
يحيى الذهلي زاد النسائي ومحمد بن رافع ونوح بن حبيب والإسماعيلي والدار قطني من طريق أحمد
ابن منصور الرمادي زاد الإسماعيلي ومحمد بن عبد الملك بن زنجويه وأخرجه أبو عوانة عن
الدبري ومحمد بن سهل الصغاني فهؤلاء أكثر من عشرة أنفس خالفوا محمودا منهم من سكت عن
الزيادة ومنهم من صرح بنفيها (قوله ولم يقل يونس وابن جريج عن الزهري وصلى عليه) وأما
رواية يونس فوصلها المؤلف رحمه الله كما تقدم في باب رجم المحصن ولفظه فأمر به فرجم وكان
قد أحصن وأما رواية بن جريج فوصلها مسلم مقرونة برواية معمر ولم يسق المتن وساقه إسحاق
شيخ مسلم في مسنده وأبو نعيم من طريقه فلم يذكر فيه وصلى عليه (قوله سئل أبو عبد الله هل قوله
فصلى عليه يصح أو لا قال رواه معمر قيل له هل رواه غير معمر قال لا) وقع هذا الكلام في رواية
المستملي وحده عن الفربري وأبو عبد الله هو البخاري وقد اعترض عليه في جزمه بأن معمرا روى
هذه الزيادة مع أن المنفرد بها إنما هو محمود بن غيلان عن عبد الرزاق وقد خالفه العدد الكثير من
الحفاظ فصرحوا بأنه لم يصل عليه لكن ظهر لي أن البخاري قويت عنده رواية محمود بالشواهد
فقد أخرج عبد الرزاق أيضا وهو في السنن لأبي قرة من وجه آخر عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف
في قصة ماعز قال فقيل يا رسول الله أتصلي عليه قال لا قال فلما كان من الغد قال لوا على صاحبكم
فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس فهذا الخبر يجمع الاختلاف فتحمل رواية النفي
على أنه لم يصل عليه حين رجم ورواية الاثبات على أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليه في اليوم
الثاني وكذا طريق الجمع لما أخرجه أبو داود عن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر
بالصلاة على ماعز ولم ينه عن الصلاة عليه ويتأيد بما أخرجه مسلم من حديث عمران بن حصين
في قصة الجهنية التي زنت ورجمت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليها فقال له عمر أتصلي عليها
وقد زنت فقال لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين لوسعتهم وحكى المنذري قول من حمل الصلاة
في الخبر على الدعاء ثم قال في قصة الجهنية دلالة على توهين هذا الاحتمال قال وكذا أجاب النووي
فقال إنه فاسد لان التأويل لا يصار إليه إلا عند الاضطرار إليه ولا اضطرار هنا وقال ابن العربي
لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على ماعز قال وأجاب من منع عن صلاته على الغامدية
لكونها عرفت حكم الحد وماعز انما جاء مستفهما قال وهو جواب واه وقيل لأنه قتله غضبا لله
وصلاته رحمة فتنافيا قال وهذا فاسد لان الغضب انتهى قال ومحل الرحمة باق والجواب المرضي
أن الامام حيث ترك الصلاة على المحدود كان ردعا لغيره (قلت) وتمامه أن يقال وحيث صلي عليه
يكون هناك قرينة لا يحتاج معها إلى الردع فيختلف حينئذ باختلاف الاشخاص وقد اختلف
أهل العلم في هذه المسألة فقال مالك يأمر الامام بالرجم ولا يتولاه بنفسه ولا يرفع عنه حتى يموت
ويخلي بينه وبين أهله يغسلونه ويصلون عليه ولا يصلي عليه الامام ردعا لأهل المعاصي إذا علموا
أنه ممن لا يصلى عليه ولئلا يجترئ الناس على مثل فعله وعن بعض المالكية يجوز للامام أن يصلي
116

عليه وبه قال الجمهور والمعروف عن مالك أنه يكره للامام وأهل الفضل الصلاة على المرجوم
وهو قول أحمد وعن الشافعي لا يكره وهو قول الجمهور وعن الزهري لا يصلى على المرجوم ولا على
قاتل نفسه وعن قتادة لا يصلى على المولود من الزنا وأطلق عياض فقال لم يختلف العلماء في الصلاة
على أهل الفسق والمعاصي والمقتولين في الحدود وان كره بعضهم ذلك لأهل الفضل إلا ما ذهب
إليه أبو حنيفة في المحاربين وما ذهب إليه الحسن في الميتة من نفاس الزنا وما ذهب إليه الزهري
وقتادة قال وحديث الباب في قصة الغامدية حجة للجمهور والله أعلم (قوله باب
من أصاب ذنبا دون الحد فأخبر الامام فلا عقوبة عليه بعد التوبة إذا جاء مستفتيا) كذا للأكثر
بفاء ساكنة بعد مثناة مكسورة ثم ياء آخر الحروف من الاستفتاء ويؤيده قوله في حديث
الباب فاستفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية الكشميهني مستعينا وضبطت بمهملة
وبالنون قبل الألف وبالمعجمة ثم المثلثة والتقييد بدون الحد يقتضي أن من كان ذنبه يوجب الحد
أن عليه العقوبة ولو تاب وقد مضى الاختلاف في ذلك في أوائل الحدود وأما التقييد الأخير فلا
مفهوم له بل الذي يظهر أنه ذكر لدلالته على توبته (قوله قال عطاء لم يعاقبه النبي صلى الله
عليه وسلم) أي الذي أخبر أنه وقع في معصية بلا مهلة حتى صلى معه فأخبره بأن صلاته كفرت ذنبه
(قوله وقال ابن جريج ولم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم الذي جامع في رمضان) تقدم شرحه
مستوفى في كتاب الصيام وليس في شئ من طرقه أنه عاقبه (قوله ولم يعاقب عمر صاحب الظبي)
كأنه أشار بذلك إلى ما ذكره مالك منقطعا ووصله سعيد بن منصور بسند صحيح عن قبيصة بن جابر
قال خرجنا حجاجا فسنح لي ظبي فرميته بحجر فمات فلما قدمنا مكة سألنا عمر فسأل عبد الرحمن بن
عوف فحكما فيه بعنز فقلت إن أمير المؤمنين لم يدر ما يقول حتى سأل غيره قال فعلاني بالدرة فقال
أتقتل الصيد في الحرم وتسفه الحكم قال الله تعالى يحكم به ذوا عدل منكم وهذا عبد الرحمن
ابن عوف وأنا عمر ولا يعارض هذا المنفي الذي في الترجمة لان عمر إنما علاه بالدرة لما طعن في
الحكم وإلا لو وجبت عليه عقوبة بمجرد الفعل المذكور لما أخرها (قوله وفيه عن أبي عثمان
عن ابن مسعود) أي في معنى الحكم المذكور في الترجمة حديث مروي عن أبي عثمان عن ابن
مسعود وزاد الكشميهني مثله وهي زيادة لا حاجة إليها لأنه يصير ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم
لم يعاقب صاحب الظبي ووقع في بعض النسخ عن أبي مسعود وهو غلط والصواب ابن مسعود
وقد وصله المؤلف رحمه الله في أوائل كتاب الصلاة في باب الصلاة كفارة من رواية سليمان التيمي
عن أبي عثمان به وأوله أن رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره
فنزلت أقم الصلاة طرفي النهار الآية وقد ذكرت شرحه في تفسير سورة هود وأن الأصح في تسمية
هذا الرجل أنه أبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاري وأن نحو ذلك وقع لجماعة غيره (قوله عن حميد
ابن عبد الرحمن) هو ابن عوف الزهري وقد تقدم شرح حديثه مستوفى في كتاب الصيام (قوله
وقال الليث الخ) وصله المصنف في التاريخ الصغير قال حدثني عبد الله بن صالح حدثني الليث به
ورويناه موصولا أيضا في الأوسط للطبراني والمستخرج للإسماعيلي (قوله عن عمرو بن الحرث
لليث فيه سند آخر أخرجه مسلم عن قتيبة ومحمد بن رمح كلاهما عن الليث عن يحيى بن سعيد
الأنصاري عن محمد بن جعفر بن الزبير وقد مضى في الصيام من وجه آخر عن يحيى بن سعيد
117

موصولا وأخرجه مسلم من طريق عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحرث (قوله عن عبد الرحمن
ابن القاسم) أي ابن محمد بن أبي بكر الصديق (عن محمد بن جعفر بن الزبير) أي ابن العوام (عن
عباد) وهو ابن عمه ووقع في رواية بن وهب عن عمرو بن الحرث أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه أن
محمد بن جعفر بن الزبير حدثه أن عباد بن عبد الله حدثه (قوله عن عائشة) في رواية ابن وهب
أنه سمع عائشة (قوله أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد) زاد في رواية ابن وهب في
رمضان (قوله فقال احترقت) كررها ابن وهب (قوله قال مما ذاك) في رواية ابن وهب فسأله
عن شأنه (قوله قال ما عندي شئ) في رواية ابن وهب فقال يا نبي الله ما لي شئ وما أقدر عليه
(قوله فجلس فأتاه إنسان) في رواية ابن وهب قال اجلس فجلس فبينما هو على ذلك أقبل رجل
(قوله ومعه طعام فقال عبد الرحمن) هو ابن القاسم راوي الحديث (ما أدري ما هو) مقول عبد
الرحمن وفي رواية الكشميهني قال بغير فاء ولم يقع هذا في رواية الليث ووقع فيها عند الإسماعيلي
عرقان فيهما طعام وقال قال أبو صالح عن الليث عرق وكذا قال عبد الوهاب يعني الثقفي ويزيد
ابن هارون عن يحيى بن سعيد قال الإسماعيلي وعرقان ليس بمحفوظ (قوله أين المحترق زاد ابن
وهب آنفا (قوله علي أحوج مني) هو استفهام حذفت أداته ووقع في رواية ابن وهب أغيرنا
أي أعلى غيرنا (قوله ما لأهلي طعام) في رواية بن وهب إنا الجياع ما لنا شئ (قوله قال فكلوا)
في رواية ابن وهب قال فكلوه وقد مضى شرحه في الصيام (قوله باب إذا أقر
بالحد ولم يبين) أي لم يفسره (هل للامام أن يستر عليه) تقدم في الباب الذي قبله التنبيه على
حديث أبي أمامة في ذلك وهو يدخل في هذا المعنى (قوله حدثنا عبد القدوس بن محمد) أي
ابن عبد الكبير بن شعيب بن الحبحاب بمهملتين مفتوحتين بينهما موحدة ساكنة وآخره موحدة
هو بصري صدوق وما له في البخاري إلا هذا الحديث الواحد وعمرو بن عاصم هو الكلابي وهو
من شيوخ البخاري أخرج عنه بغير واسطة في الأدب وغيره وقد طعن الحافظ أبو بكر البرذنجي
في صحة هذا الخبر مع كون الشيخين اتفقا عليه فقال هو منكر وهم وفيه عمرو بن عاصم مع أن
هماما كان يحيى بن سعيد لا يرضاه ويقول أبان العطار أمثل منه (قلت) لم يبين وجه الوهم
وأما إطلاقه كونه منكرا فعلى طريقته في تسمية ما ينفرد به الراوي منكرا إذا لم يكن له متابع لكن
يجاب بأنه وان لم يوجد لهمام ولا لعمرو بن عاصم فيه متابع فشاهده حديث أبي أمامة الذي
أشرت إليه ومن ثم أخرجه مسلم عقبة والله أعلم (قوله فجاء رجل فقال إني أصبت حدا
فأقمه علي) لم أقف على اسمه ولكن من وحد هذه القصة والتي في حديث ابن مسعود فسره به
وليس بجيد لاختلاف القصتين وعلى التعدد جرى البخاري في هاتين الترجمتين فحمل الأولى على
من أقر بذنب دون الحد للتصريح بقوله غير أني لم أجامعها وحمل الثانية على ما يوجب الحد لأنه
ظاهر قول الرجل وأما من وحد بين القصتين فقال لعله ظن ما ليس بحد حدا أو استعظم الذي
فعله فظن أنه يجب فيه الحد ولحديث أنس شاهد أيضا من رواية الأوزاعي عن شداد أبي عمار عن
واثلة (قوله ولم يسأله عنه) أي لم يستفسره وفي حديث أبي أمامة عند مسلم فسكت عنه ثم عاد
(قوله وحضرت الصلاة) في حديث أبي أمامة وأقيمت (قوله أليس قد صليت معنا) في حديث أبي
أمامة أليس حيث خرجت من بيتك توضأت فأحسنت الوضوء قال بلى قال ثم شهدت معنا الصلاة
118

قال نعم (قوله ذنبك أو قال حدك) في رواية مسلم عن الحسن بن علي الحلواني عن عمرو بن عاصم
بسنده فيه قد غفر لك وفي حديث أبي أمامة بالشك ولفظه فان الله قد غفر لك ذنبك أو قال حدك
وقد اختلف نظر العلماء في هذا الحكم فظاهر ترجمة البخاري حمله على من أقر بحد ولم يفسره فإنه
لا يجب على الامام ان يقيمه إذا تاب وحمله الخطابي على أنه يجوز أن يكون النبي صلى الله
عليه وسلم أطلع بالوحي على أن الله قد غفر له لكونها واقعة عين وإلا لكان يستفسره عن الحد
ويقيمه عليه وقال أيضا في هذا الحديث إنه لا يكشف عن الحدود بل يدفع مهما أمكن وهذا
الرجل لم يفصح بأمر يلزمه به إقامة الحد عليه فلعله أصاب صغيرة ظنها كبيرة توجب الحد فلم
يكشفه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك لان موجب الحد لا يثبت بالاحتمال وإنما لم يستفسره
إما لان ذلك قد يدخل في التجسيس المنهي عنه وإما إيثارا للستر ورأى أن في تعرضه لإقامة الحد
عليه ندما ورجوعا وقد استحب العلماء تلقين من أقر بموجب الحد بالرجوع عنه إما بالتعريض
وإما بأوضح منه ليدرأ عنه الحد وجزم النووي وجماعة أن الذنب الذي فعله كان من الصغائر
بدليل أن في بقية الخبر أنه كفرته الصلاة بناء على أن الذي تكفره الصلاة من الذنوب الصغائر
لا الكبائر وهذا هو الأكثر الأغلب وقد تكفر الصلاة بعض الكبائر كمن كثر تطوعه مثلا بحيث
صلح لان يكفر عددا كثيرا من الصغائر ولم يكن عليه من الصغائر شئ أصلا أو شئ يسير وعليه
كبيرة واحدة مثلا فإنها تكفر عنه ذلك لان الله لا يضيع أجر من أحسن عملا (قلت) وقد وقع
في رواية أبي بكر البرزنجي عن محمد بن عبد الملك الواسطي عن عمرو بن عاصم بسند حديث الباب
بلفظ ان رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله اني زنيت فأقم علي الحد الحديث
فحمله بعض العلماء على أنه ظن ما ليس زنا زنا فلذلك كفرت ذنبه الصلاة وقد يتمسك به من قال
إنه إذا جاء تائبا سقط عنه الحد ويحتمل أن يكون الراوي عبر بالزنا من قوله أصبت حدا فرواه بالمعنى
الذي ظنه والأصل ما في الصحيح فهو الذي اتفق عليه الحفاظ عن عمرو بن عاصم بسنده المذكور
ويحتمل أن يختص ذلك المذكور لاخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قد كفر عنه حده بصلاته
فان ذلك لا يعرف إلا بطريق الوحي فلا يستمر الحكم في غيره الا في من علم أنه مثله في ذلك وقد
انقطع علم ذلك بانقطاع الوحي بعد النبي صلى الله عليه وسلم وقد تمسك بظاهره صاحب الهدى
فقال للناس في حديث أبي أمامة يعني المذكور قبل ثلاث مسالك أحدها أن الحد لا يجب
إلا بعد تعيينه والإصرار عليه من المقر به والثاني أن ذلك يختص بالرجل المذكور في القصة
والثالث أن الحد يسقط بالتوبة قال وهذا أصح المسالك وقواه بأن الحسنة التي جاء بها من
اعترافه طوعا بخشية الله وحده تقاوم السيئة التي عملها لان حكمة الحدود الردع عن العود
وصنيعه ذلك دال على ارتداعه فناسب رفع الحد عنه لذلك والله أعلم (قوله باب
هل يقول الامام للمقر) أي بالزنا (لعلك لمست أو غمزت) هذه الترجمة معقودة لجواز تلقين الامام
المقر بالحد ما يدفعه عنه وقد خصه بعضهم بمن يظن به أنه أخطأ أو جهل (قوله سمعت يعلى بن
حكيم) في رواية موسى بن إسماعيل عند أبي داود عن جرير بن حازم حدثني يعلى ولم يسمي أباه
في روايته فظن بعضهم أنه ابن مسلم وليس كذلك للتصريح في إسناد هذا الباب ابن حكيم
(قوله عن ابن عباس) لم يذكره موسى في روايته بل أرسله وأشار إلى ذلك أبو داود وكأن البخاري
119

لم يعتبر هذه العلة لان وهب بن جرير وصله وهو أخبر بحديث أبيه من غيره ولأنه ليس دون موسى
في الحفظ ولان أصل الحديث معروف عن ابن عباس فقد أخرجه أحمد وأبو داود من رواية خالد
الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس وأخرجه مسلم من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
(قوله لما أتى ماعز بن مالك) في رواية خالد الحذاء ان ماعز بن مالك أتى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال إنه زنا فأعرض عنه فأعاد عليه مرارا فسأل قومه أمجنون هو قالوا ليس به بأس وسنده
على شرط البخاري وذكر الطبراني في الأوسط أن يزيد بن زريع تفرد به عن خالد الحذاء (قوله قال
له لعلك قبلت) حذف المفعول للعلم به أي المرأة المذكورة ولم يعين محل التقبيل وقوله أو غمزت
بالغين المعجمة والزاي أي بعينك أو يدك أي أشرت أو المراد بغمزت بيدك الجس أو وضعها على
عضو الغير والى ذلك الإشارة بقوله لمست بدل غمزت وقد وقع في رواية يزيد بن هارون عن جرير بن
حازم عند الإسماعيلي بلفظ لعلك قبلت أو لمست (قوله أو نظرت) أي فأطلقت على أي واحدة
فعلت من الثلاث زنا ففيه إشارة إلى الحديث الآخر المخرج في الصحيحين من حديث أبي هريرة
العين تزني وزناها النظر وفي بعض طرقه عندهما أو عند أحدهما ذكر اللسان واليد والرجل
والاذن زاد أبو داود والفم وعندهم والفرج يصدق ذلك أو يكذبه وفي الترمذي وغيره عن أبي
موسى الأشعري رفعه كل عين زانية (قوله أنكتها) بالنون والكاف (لا يكني) أي تلفظ بالكلمة
المذكورة ولم يكن عنها بلفظ آخر وقد وقع في رواية خالد بلفظ أفعلت بها وكأن هذه الكناية
صدرت منه أو من شيخه للتصريح في رواية الباب بأنه لم يكن وقد تقدم في حديث أبي هريرة
الذي تقدمت الإشارة إلى أن أبا داود أخرجه في باب لا يرجم المجنون مع زيادات في هذه الألفاظ
(قوله فعند ذلك أمر برجمه) زاد خالد الحذاء في روايته فانطلق به فرجم ولم يصل عليه (قوله
باب سؤال الامام المقر هل أحصنت) أي تزوجت ودخلت بها و أصبتها (قوله رجل
من الناس) أي ليس من أكابر الناس ولا بالمشهور فيهم (قوله زنيت يريد نفسه) أي أنه
لم يجئ مستفتيا لنفسه ولا لغيره وانما جاء مقرا بالزنا ليفعل معه ما يجب عليه شرعا وقد
تقدمت فوائد الحديث المذكور فيه في باب لا يرجم المجنون قال ابن التين محل مشروعية سؤال
المقر بالزنا عن ذلك إذا كان لم يعلم أنه تزوج تزويجا صحيحا ودخل بها فأما إذا علم إحصانه فلا
يسأل عن ذلك ثم حكى عن المالكية تفصيلا فيما إذا علم أنه تزوج ولم يسمع منه إقرارا
بالدخول فقيل من أقام مع الزوجة ليلة واحدة لم يقبل إنكاره وقيل أكثر من ذلك وهل يحد
حد الثيب أو البكر الثاني أرجح وكذا إذا اعترف الزوج بالإصابة ثم قال انما اعترفت بذلك
لأملك الرجعة أو اعترفت المرأة ثم قالت انما فعلت ذلك لاستكمل الصداق فان كل منهما
يحد حد البكر انتهى وعند غيرهم يرفع الحد أصلا ونقل الطحاوي عن أصحابهم أن من قال
لآخر يا زاني فصدقه أنه يجلد القائل ولا يحد المصدق وقال زفر بل يحد (قلت) وهو قول الجمهور
ورجح الطحاوي قول زفر واستدل بحديث الباب وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز أحق
ما بلغني عنك انك زنيت قال نعم فحد قال وباتفاقهم على أن من قال لآخر لي عليك ألف
فقال صدقت أنه يلزمه المال (قوله باب الاعتراف بالزنا) هكذا عبر بالاعتراف
لوقوعه في حديثي الباب وقد تقدم في شرح قصة ماعز البحث في أنه هل يشترط في الاقرار
120

بالزنا التكرير أولا واحتج من اكتفى بالمرة بإطلاق الاعتراف في الحديث ولا يعارض ما وقع
في قصة ماعز من تكرار الاعتراف لأنها واقعة حال كما تقدم (قوله حدثنا سفيان) هو ابن
عيينة (قوله حفظناه من في الزهري) في رواية الحميدي عن سفيان حدثنا الزهري وفي رواية
عبد الجبار بن العلاء عن سفيان عند الإسماعيلي سمعت الزهري (قوله أخبرني عبيد الله)
زاد الحميدي ابن عبد الله بن عتبة (قوله أنه سمع أبا هريرة وزيد بن خالد) في رواية الحميدي عن زيد
ابن خالد الجهني وأبي هريرة وشبل وكذا قال أحمد وقتيبة عند النسائي وهشام بن عمار
وأبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن الصباح عند ابن ماجة وعمرو بن علي وعبد الجبار بن العلاء والوليد
ابن شجاع وأبو خيثمة ويعقوب الدورقي وإبراهيم بن سعيد الجوهري عند الإسماعيلي وآخرون
عن سفيان وأخرجه الترمذي عن نصر بن علي وغير واحد عن سفيان ولفظه سمعت من أبي
هريرة وزيد بن خالد وشبل لانهم كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم قال الترمذي هذا وهم
من سفيان وانما روي عن الزهري بهذا السند حديث إذا زنت الأمة فذكر فيه شبلا وروى
حديث الباب بهذا السند ليس في شبل فوهم سفيان في تسويته بين الحديثين (قلت) وسقط
ذكر شبل من رواية الصحيحين من طريقه لهذا الحديث وكذا أخرجاه من طرق عن
الزهري منها عن مالك والليث وصالح بن كيسان وللبخاري من رواية ابن أبي ذئب وشعيب
ابن أبي حمزة ولمسلم من رواية يونس بن يزيد ومعمر كلهم عن الزهري ليس فيه شبل قال الترمذي
وشبل لا صحبه له والصحيح ما روى الزبيدي ويونس وابن أخي الزهري فقالوا عن الزهري عن
عبيد الله عن شبل بن خالد عن عبد الله بن مالك الأوسي عن النبي صلى الله عليه وسلم
في الأمة إذا زنت (قلت) ورواية الزبيدي عند النسائي وكذا أخرجه من رواية يونس
عن الزهري وليس هو في الكتب الستة من هذا الوجه إلا عند النسائي وليس فيه كنت
عند النبي صلى الله عليه وسلم (قوله كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية
شعيب بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية ابن أبي ذئب وهو جالس في المسجد
(قوله فقام رجل) في رواية ابن أبي ذئب الآتية قريبا وصالح بن كيسان الآتية في الاحكام
والليث الماضية في الشروط ان رجلا من الاعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو
جالس وفي رواية شعيب في الاحكام إذ قام رجل من الاعراب وفي رواية مالك الآتية قريبا
أن رجلين اختصما (قوله أنشدك الله) في رواية الليث فقال يا رسول الله أنشدك الله بفتح
أوله ونون ساكنة وضم الشين المعجمة أي أسألك بالله وضمن أنشدك معنى أذكرك فحذف
الباء أي أذكرك رافعا نشيدتي أي صوتي هذا أصله ثم استعمل في كل مطلوب مؤكد ولو لم
يكن هناك رفع صوت وبهذا التقرير يندفع إيراد من استشكل رفع الرجل صوته عند النبي
صلى الله عليه وسلم مع النهي عنه ثم أجاب عنه بأنه لم يبلغه النهي لكونه أعرابيا أو النهي لمن
يرفع حيث يتكلم النبي صلى الله عليه وسلم على ظاهر الآية وذكر أبو علي الفارسي أن بعضهم
رواه بضم الهمزة وكسر المعجمة وغلطه (قوله إلا قضيت بيننا بكتاب الله) في رواية الليث إلا
قضيت لي بكتاب الله قيل فيه استعمال الفعل بعد الاستثناء بتأويل المصدر وإن لم يكن فيه حرف
مصدري لضرورة افتقار المعنى إليه وهو من المواضع التي يقع فيها الفعل موقع الاسم ويراد به
121

النفي المحصور فيه المفعول والمعنى هنا لا أسألك إلا القضاء بكتاب الله ويحتمل أن تكون إلا جواب
القسم لما فيها من معنى الحصر وتقديره أسألك بالله لا تفعل شيئا إلا القضاء فالتأكيد انما وقع
لعدم التشاغل بغيره لا لان لقوله بكتاب الله مفهوما وبهذا يندفع إيراد من استشكل
فقال لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يحكم إلا بكتاب الله فما فائدة السؤال والتأكيد في ذلك
ثم أجاب بأن ذلك من جفاة الاعراب والمراد بكتاب الله ما حكم به وكتب على عباده وقيل المراد
القرآن وهو المتبادر وقال بن دقيق العيد الأول أولى لان الرجم والتغريب ليسا مذكورين
في القرآن إلا بواسطة أمر الله باتباع رسوله قيل وفيما قال نظر لاحتمال أن يكون المراد ما تضمنه
قوله تعالى أو يجعل الله لهن سبيلا فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن السبيل جلد البكر ونفيه
ورجم الثيب (قلت) وهذا أيضا بواسطة التبيين ويحتمل أن يراد بكتاب الله الآية التي
نسخت تلاوتها وهي الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما وسيأتي بيانه في الحديث الذي يليه
وبهذا أجاب البيضاوي ويبقي عليه التغريب وقيل المراد بكتاب الله ما فيه من النهي عن أكل
المال بالباطل لان خصمه كان أخذ منه الغنم والوليدة بغير حق فلذلك قال الغنم والوليدة رد
عليك والذي يترجح أن المراد بكتاب الله ما يتعلق بجميع أفراد القصة مما وقع به الجواب الآتي
ذكره والعلم عند الله تعالى (قوله فقام خصمه وكان أفقه منه) في رواية مالك فقال الآخر وهو
أفقههما قال شيخنا في شرح الترمذي يحتمل أن يكون الراوي كان عارفا بهما قبل أن يتحاكما
فوصف الثاني بأنه أفقه من الأول إما مطلقا وإما في هذه القصة الخاصة أو استدل بحسن أدبه
في استئذانه وترك رفع صوته إن كان الأول رفعه وتأكيده السؤال على فقهه وقد ورد أن حسن
السؤال نصف العلم وأورده بن السني في كتاب رياضة المتعلمين حديثا مرفوعا بسند ضعيف
(قوله فقال اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي) في رواية مالك فقال أجل وفي رواية الليث فقال نعم
فاقض وفي رواية ابن أبي ذئب وشعيب فقال صدق اقض له يا رسول الله بكتاب الله (قوله وائذن
لي) زاد ابن أبي شيبة عن سفيان حتى أقول وفي رواية مالك أن أتكلم (قوله قال) في رواية محمد
ابن يوسف فقال النبي صلى الله عليه وسلم قل وفي رواية مالك قال تكلم (قوله قال) ظاهر
السياق أن القائل هو الثاني وجزم الكرماني بأن القائل هو الأول واستند في ذلك لما وقع
قي كتاب الصلح عن آدم عم ابن أبي ذئب هنا فقال الأعرابي ان ابني بعد قوله في أول الحديث جاء
أعرابي وفيه فقال خصمه وهذه الزيادة شاذة والمحفوظ ما في سائر الطرق كما في رواية سفيان في هذا
الباب وكذا وقع في الشروط عن عاصم بن علي عن ابن أبي ذئب موافقا للجماعة ولفظه فقال
صدق اقض له يا رسول الله بكتاب الله ان ابني الخ فالاختلاف فيه علي ابن ذئب وقد وافق آدم
أبو بكر الحنفي عند أبي نعيم في المستخرج ووافق عاصما يزيد بن هارون عند الإسماعيلي (قوله إن
ابني هذا) فيه أن الابن كان حاضرا فأشار إليه وخلا معظم الروايات عن هذه الإشارة (قوله كان
عسيفا على هذا) هذه الإشارة الثانية لخصم المتكلم وهو زوج المرأة زاد شعيب في روايته
والعسيف الأجير وهذا التفسير مدرج في الخبر وكأنه من قول الزهري لما عرف من عادته
أنه كان يدخل كثيرا من التفسير في أثناء الحديث كما بينته في مقدمة كتابي في المدرج وقد فصله
مالك فوقع في سياقه كان عسيفا على هذا قال مالك والعسيف الأجير وحذفها سائر الرواة
122

والعسيف بمهملتين الأجير وزنه ومعناه والجمع عسفاء كأجراء ويطلق أيضا على الخادم وعلى
العبد وعلى السائل وقيل يطلق على من يستهان به وفسره عبد الملك بن حبيب بالغلام الذي
لم يحلم وان ثبت ذلك فإطلاقه على صاحب هذه القصة باعتبار حاله في ابتداء الاستئجار ووقع في
رواية للنسائي تعيين كونه أجيرا ولفظه من طريق عمرو بن شعيب عن ابن شهاب كان ابني أجيرا
لامرأته وسمي الأجير عسيفا لان المستأجر يعسفه في العمل والعسف الجور أو هو بمعنى الفاعل
لكونه يعسف الأرض بالتردد فيها يقال عسف الليل عسفا إذا أكثر السير فيه ويطلق العسف
أيضا على الكفاية والأجير يكفي المستأجر الامر الذي أقامه فيه (قوله على هذا) ضمن على
معنى عند بدليل رواية عمرو بن شعيب وفي رواية محمد بن يوسف عسيفا في أهل هذا وكأن
الرجل استخدمه فيما تحتاج إليه امرأته من الأمور فكان ذلك سببا لما وقع له معها (قوله
فزنى بامرأته فافتديت) زاد الحميدي عن سفيان فزنا بامرأته فأخبروني أن علي ابني الرجم
فافتديت وقد ذكر علي بن المديني رواية في آخره هنا أن سفيان كان يشك في هذه الزيادة فربما
تركها وغالب الرواة عنه كأحمد ومحمد بن يوسف وابن أبي شيبة لم يذكروها وثبتت عند مالك
والليث وابن أبي ذئب وشعيب وعمرو بن شعيب ووقع في رواية آدم فقالوا لي على ابنك الرجم
وفي رواية الحميدي فأخبرت بضم الهمزة على البناء للمجهول وفي رواية أبي بكر الحنفي فقال لي
بالافراد وكذا عند أبي عوانة من رواية ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب فان ثبتت فالضمير في
قوله فافتديت منه لخصمه وكأنهم ظنوا أن ذلك حق له يستحق أن يعفو عنه على مال يأخذه
وهذا ظن باطل ووقع في رواية عمرو بن شعيب فسألت من لا يعلم فأخبروني أن على ابني الرجم
فافتديت منه (قوله بمائة شاه وخادم) والمراد بالخادم الجارية المعدة للخدمة بدليل رواية مالك
بلفظ وجارية لي وفى رواية ابن أبي ذئب وشعيب بمائة من الغنم ووليدة وقد تقدم تفسير الوليدة
في أواخر الفرائض (قوله ثم سألت رجالا من أهل العلم فأخبروني) لم أقف على أسمائهم ولا على
عددهم ولا على اسم الخصمين ولا الابن ولا المرأة وفي رواية مالك وصالح بن كيسان وشعيب ثم إني
سألت أهل العلم فأخبروني ومثله لابن أبي ذئب لكن قال فزعموا وفي رواية معمر ثم أخبرني أهل
العلم وفي رواية عمرو بن شعيب ثم سألت من يعلم (قوله إن على ابني) في رواية مالك انما على
ابني (قوله جلد مائة) بالإضافة للأكثر وقرأه بعضهم بتنوين جلد مرفوع وتنوين مائة
منصوب على التمييز ولم يثبت رواية (قوله وعلى امرأة هذا الرجم) في رواية مالك والأكثر
وانما الرجم على امرأته وفي رواية عمرو بن شعيب فأخبروني أن ليس على ابني الرجم (قوله
والذي نفسي بيده) في رواية مالك أما والذي (قوله لأقضين) بتشديد النون للتأكيد (قوله
بكتاب الله) في رواية عمرو بن شعيب بالحق وهي ترجح أول الاحتمالات الماضي ذكرها (قوله
المائة شاة والخادم رد) في رواية الكشميهني عليك وكذا في رواية مالك ولفظه أما غنمك
وجاريتك فرد عليك أي مردود من إطلاق لفظ المصدر على اسم المفعول كقولهم ثوب نسج
أي منسوج ووقع في رواية صالح بن كيسان أما الوليدة والغنم فردها وفي رواية عمرو بن شعيب
أما ما أعطيته فرد عليك فإن كان الضمير في أعطيته لخصمه تأيدت الرواية الماضية وإن كان
للعطاء فلا (قوله وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام) قال النووي هو محمول على أنه صلى الله
123

عليه وسلم علم أن الابن كان بكرا وأنه اعترف بالزنا ويحتمل أن يكون أضمر اعترافه والتقدير
وعلى ابنك إن اعترف والأول أليق فإنه كان في مقام الحكم فلو كان في مقام الافتاء لم يكن
فيه اشكال لان التقدير إن كان زنى وهو بكر وقرينة اعترافه حضوره مع أبيه وسكوته
عما نسبه إليه وأما العلم بكونه بكرا فوقع صريحا من كلام أبيه في رواية عمرو بن شعيب ولفظه
كان ابني أجيرا لامرأة هذا وابني لم يحصن (قوله وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام) وافقه
الأكثر ووقع في رواية عمرو بن شعيب وأما ابنك فنجلده مائة ونغربه سنة وفي رواية مالك وصالح
بن كيسان وجلد ابنه مائة وغربه عاما وهذا ظاهر في أن الذي صدر حينئذ كان حكما لا فتوى
بخلاف رواية سفيان ومن وافقه (قوله واغد يا أنيس) بنون ومهملة مصغر على امرأة هذا)
زاد محمد بن يوسف فاسألها قال ابن السكن في كتاب الصحابة لا أدري من هو ولا وجدت له رواية
ولا ذكرا إلا في هذا الحديث وقال ابن عبد البر هو ابن الضحاك الأسلمي وقيل ابن مرثد وقيل
ابن أبي مرثد وزيفوا الأخير بأن أنيس بن أبي مرثد صحابي مشهور وهو غنوي بالغين المعجمة
والنون لا أسلمي وهو بفتحتين لا التصغير وغلط من زعم أيضا أنه أنس بن مالك وصغر كما صغر
في رواية أخرى عند مسلم لأنه أنصاري لا أسلمي ووقع في رواية شعيب وابن أبي ذئب وأما أنت
يا أنيس لرجل من أسلم فاغد وفي رواية مالك ويونس وصالح بن كيسان وأمر أنيسا الأسلمي
أن يأتي امرأة الآخر وفي رواية معمر ثم قال لرجل من أسلم يقال له أنيس قم يا أنيس فسل امرأة
هذا وهذا يدل على أن المراد بالغدو الذهاب والتوجه كما يطلق الرواح على ذلك وليس المراد
حقيقة الغدو وهو التأخير إلى أول النهار كما لا يراد بالرواح التوجه نصف النهار وقد حكى
عياض أن بعضهم استدل به على جواز تأخير إقامة الحد عند ضيق الوقت واستضعفه بأنه ليس
في الخبر أن ذلك كان في آخر النهار (قوله فان اعترفت فارجمها) في رواية يونس وأمر أنيسا
الأسلمي أن يرجم امرأة الآخر إن اعترفت (قوله فغدا عليها فاعترفت فرجمها) كذا للأكثر
ووقع في رواية الليث فاعترفت فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت واختصره ابن أبي
ذئب فقال فغدا عليها فرجمها ونحوه في رواية صالح بن كيسان وفي رواية عمرو بن شعيب وأما
امرأة هذا فترجم ورواية الليث أتمها لأنها تشعر بأن أنيسا أعاد جوابها على النبي صلى الله عليه
وسلم فأمر حينئذ برجمها ويحتمل أن يكون المراد أمره الأول المعلق على اعترافها فيتحد مع
رواية الأكثر وهو أولى وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم الرجوع إلى كتاب الله نصا
أو استنباطا وجواز القسم على الامر لتأكيده والحلف بغير استحلاف وحسن خلق النبي صلى
الله عليه وسلم وحلمه على من يخاطبه بما الأولى خلافه وأن من تأسى به من الحكام في ذلك يحمد
كمن لا ينزعج لقول الخصم مثلا احكم بيننا بالحق وقال البيضاوي أنما تواردا على سؤال الحكم
بكتاب الله مع أنهما يعلمان أنه لا يحكم الا بحكم الله ليحكم بينهما بالحق الصرف لا بالمصالحة ولا
الاخذ بالأرفق لان للحاكم أن يفعل ذلك برضا الخصمين وفيه أن حسن الأدب في مخاطبة الكبير
يقتضي التقديم في الخصومة ولو كان المذكور مسبوقا وأن للامام أن يأذن لمن شاء من الخصمين
في الدعوى إذا جاءا معا وأمكن أن كلا منهما يدعي واستحباب استئذان المدعي والمستفتي الحاكم
والعالم في الكلام ويتأكد ذلك إذا ظن أن له عذرا وفيه أن من أقر بالحد وجب على الامام إقامته
124

عليه ولو لم يعترف مشاركه في ذلك وأن من قذف غيره لا يقام عليه الحد إلا إن طلبه المقذوف
خلافا لابن أبي ليلى فإنه قال يجب ولو لم يطلب المقذوف (قلت) وفي الاستدلال به نظر لان محل
الخلاف إذا كان المقذوف حاضرا وأما إذا كان غائبا كهذا فالظاهر أن التأخير لاستكشاف
الحال فان ثبت في حق المقذوف فلا حد على القاذف كما في هذه القصة وقد قال النووي تبعا لغيره
ان سبب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أنيسا للمرأة ليعلمها بالقذف المذكور لتطالب بحد
قاذفها ان أنكرت قال هكذا أوله العلماء من أصحابنا وغيرهم ولا بد منه لان ظاهره أنه بعث يطلب
إقامة حد الزنا وهو غير مراد لان حد الزنا لا يحتاط له بالتجسس والتنقيب عنه بل يستحب تلقين
المقر به ليرجع كما تقدم في قصة ماعز وكأن لقوله فان اعترفت مقابلا أي وان أنكرت فاعلمها أن
لها طلب حد القذف فحذف لوجود الاحتمال فلو أنكرت وطلبت لأجيبت وقد أخرج
أبو داود والنسائي من طريق سعيد بن المسيب عن ابن عباس ان رجلا أقر بأنه زنى بامرأة فجلده
النبي صلى الله عليه وسلم مائة ثم سأل المرأة فقالت كذب فجلده حد الفرية ثمانين وقد سكت عليه
أبو داود وصححه الحاكم واستنكره النسائي وفيه أن المخدرة التي لا تعتاد البروز لا تكلف الحضور
لمجلس الحكم بل يجوز أن يرسل إليها من يحكم لها وعليها وقد ترجم النسائي لذلك وفيه أن
السائل يذكر كل ما وقع في القصة لاحتمال أن يفهم المفتي أو الحاكم من ذلك ما يستدل به على
خصوص الحكم في المسألة لقول السائل إن ابني كان عسيفا على هذا وهو انما جاء يسأل عن
حكم الزنا والسر في ذلك أنه أراد أن يقيم لابنه معذرة ما وأنه لم يكن مشهورا بالعهر ولم يهجم
على المرأة مثلا ولا استكرهها وانما وقع له ذلك لطول الملازمة المقتضية لمزيد التأنيس والادلال
فيستفاد منه الحث على إبعاد الأجنبي من الأجنبية مهما أمكن لان العشرة قد تفضي إلى
الفساد ويتسور بها الشيطان إلى الافساد وفيه جواز استفتاء المفضول مع وجود الفاضل والرد
على من منع التابعي أن يفتي مع وجود الصحابي مثلا وفيه جواز الاكتفاء في الحكم بالامر
الناشئ عن الظن مع القدرة على اليقين لكن إذا اختلفوا على المستفتى يرجع إلى ما يفيد
القطع وإن كان في ذلك العصر الشريف من يفتي بالظن الذي لم ينشأ عن أصل ويحتمل أن يكون
وقع ذلك من المنافقين أو من قرب عهده بالجاهلية فأقدم على ذلك وفيه أن الصحابة كانوا يفتون
في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي بلده وقد عقد محمد بن سعد في الطبقات بابا لذلك وأخرج
بأسانيد فيها الواقدي أن منهم أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وعبد الرحمن بن عوف وأبي بن كعب
ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وفيه أن الحكم المبني على الظن ينقض بما يفيد القطع وفيه أن
الحد لا يقبل الفداء وهو مجمع عليه في الزنا والسرقة والحرابة وشرب المسكر واختلف في القذف
والصحيح أنه كغيره وانما يجري الفداء في البدن كالقصاص في النفس والأطراف وأن الصلح
المبني على غير الشرع يرد ويعاد المال المأخوذ فيه قال ابن دقيق العيد وبذلك يتبين ضعف عذر
من اعتذر من الفقهاء عن بعض العقود الفاسدة بأن المتعاوضين تراضيا وأذن كل منهما للآخر
في التصرف والحق أن الاذن في التصرف مقيد بالعقود الصحيحة وفيه جواز الاستنابة في إقامة
الحد واستدل به على وجوب الاعذار والاكتفاء فيه بواحد وأجاب عياض باحتمال أن يكون
ذلك ثبت عند النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة هذين الرجلين كذا قال والذي تقبل شهادته
125

من الثلاثة والد العسيف فقط وأما العسيف والزوج فلا وغفل بعض من تبع القاضي فقال
لا بد من هذا الحمل وإلا لزم الاكتفاء بشهادة واحد في الاقرار بالزنا ولا قائل به ويمكن الانفصال
عن هذا بأن أنيسا بعث حاكما فاستوفى شروط الحكم ثم استأذن في رجمها فأذن له في رجمها
وكيف يتصور من الصورة المذكورة إقامة الشهادة عليها من غير تقدم دعوى عليها ولا على
وكيلها مع حضورها في البلد غير متوارية إلا أن يقال إنها شهادة حسبة ويجاب بأنه لم يقع هناك
صيغة الشهادة المشروطة في ذلك واستدل به على جواز الحكم بإقرار الجاني من غير ضبط
بشهادة عليه ولكنها واقعة عين فيحتمل أن يكون أنيس أشهد قبل رجمها قال عياض احتج قوم
بجواز حكم الحاكم في الحدود وغيرها بما أقر به الخصم عنده وهو أحد قولي الشافعي وبه قال
أبو ثور وأبى ذلك الجمهور والخلاف في غير الحدود أقوى قال وقصة أنيس يطرقها احتمال
معنى الاعذار كما مضى وأن قوله فرجمها أبعد إعلامي أو أنه فوض الامر إليه فإذا اعترف
بحضرة من يثبت ذلك بقولهم تحكم وقد دل قوله فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم
فرجمت أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي حكم فيها بعد أن أعلمه أنيس باعترافها كذا قال
والذي يظهر أن أنيسا لما اعترفت أعلم النبي صلى الله عليه وسلم وبالغ في الاستثبات مع كونه
كان علق له رجمها على اعترافها واستدل به على أن حضور الامام الرجم ليس شرطا وفيه نظر
لاحتمال أن أنيسا كان حاكما وقد حضر بل باشر الرجم لظاهر قوله فرجمها وفيه ترك الجمع بين
الجلد والتغريب وسيأتي في باب البكران يجلدان وينفيان وفيه الاكتفاء بالاعتراف بالمرة
الواحدة لأنه لم ينقل أن المرأة تكرر اعترافها والاكتفاء بالرجم من غير جلد لأنه لم ينقل في قصتها
أيضا وفيه نظر لان الفعل لا عموم له فالترك أولى وفيه جواز استئجار الحر وجواز إجازة الأب ولده
الصغير لمن يستخدمه إذا احتاج لذلك واستدل به على صحة دعوة الأب لمحجوره ولو كان بالغا
لكون الولد كان حاضرا ولم يتكلم إلا أبوه وتعقب باحتمال أن يكون وكيله أو لان التداعي لم يقع
إلا بسبب المال الذي وقع به الفداء فكأن والد العسيف ادعى على زوج المرأة بما أخذه منه إما
لنفسه وإما لامرأته بسبب ذلك حين أعلمه أهل العلم بأن ذلك الصلح فاسد ليستعيده منه سواء كان
من ماله أو من مال ولده فأمره النبي صلى الله عليه وسلم برد ذلك إليه وأما ما وقع في القصة من الحد
فباعتراف العسيف ثم المرأة وفيه أن حال الزانيين إذا اختلفا أقيم على كل واحد حده لان
العسيف جلد والمرأة رجمت فكذا لو كان أحدهما حرا والآخر رقيقا وكذا لو زنى بالغ بصبية
أو عاقل بمجنونة حد البالغ والعاقل دونهما وكذا عكسه وفيه أن من قذف ولده لا يحد له لان
الرجل قال إن ابني زنى ولم يثبت عليه حد القذف الحديث الثاني (قوله عن الزهري) صرح
الحميدي فيه بالتحديث عن سفيان قال أتينا يعني الزهري فقال إن شئتم حدثتكم بعشرين
حديثا أو حدثتكم بحديث السقيفة فقالوا حدثنا بحديث السقيفة فحدثهم به بطوله فحفظت
منه شيئا ثم حدثني ببقيته بعد ذلك معمر (قوله عن عبيد الله) بالتصغير هو المذكور في الحديث
قبله ووقع عند أبي عوانه في رواية يونس عن الزهري أخبرني عبيد الله (قوله عن ابن عباس
قال قال عمر) في رواية محمد بن منصور عن سفيان عند النسائي سمعت عمر (قوله لقد خشيت
الخ) هو طرف من الحديث ويأتي بتمامه في الباب الذي يليه والغرض منه هنا قوله ألا وإن
126

الرجم حق الخ (قوله قال سفيان) هو موصول بالسند المذكور (قوله كذا حفظت) هذه جملة
معترضة بين قوله أو الاعتراف وبين قوله وقد رجم وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية جعفر
الفريابي عن علي بن عبد الله شيخ البخاري فيه فقال بعد قوله أو الاعتراف وقد قرأناها الشيخ
والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فسقط من
رواية البخاري من قوله وقرأ إلى قوله البتة ولعل البخاري هو الذي حذف ذلك عمدا فقد أخرجه
النسائي عن محمد بن منصور عن سفيان كرواية جعفر ثم قال لا أعلم أحدا ذكر في هذا الحديث
الشيخ والشيخة غير سفيان وينبغي أن يكون وهم في ذلك (قلت) وقد أخرج الأئمة هذا
الحديث من رواية مالك ويونس ومعمر وصالح بن كيسان وعقيل وغيرهم من الحفاظ عن
الزهري فلم يذكروها وقد وقعت هذه الزيادة في هذا الحديث من رواية الموطأ عن يحيى بن سعيد
عن سعيد بن المسيب قال لما صدر عمر من الحج وقدم المدينة خطب الناس فقال أيها الناس قد
سنت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض وتركتم على الواضحة ثم قال إياكم أن تهلكوا عن آية
الرجم أن يقول قائل لا نجد حدين في كتاب الله فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا
والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي الشيخ والشيخة إذا
زنيا فارجموهما البتة قال مالك الشيخ والشيخة الثيب والثيبة ووقع في الحلية في ترجمة داود بن
أبي هند عن سعيد بن المسيب عن عمر لكتبتها في آخر القرآن ووقعت أيضا في هذا الحديث في
رواية أبي معشر الآتي التنبيه عليها في الباب الذي يليه فقال متصلا بقوله قد رجم رسول الله
صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ولولا أن يقولوا كتب عمر ما ليس في كتاب الله لكتبته قد
قرأناها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم وأخرج هذه
الجملة النسائي وصححه الحاكم من أبي بن كعب قال ولقد كان فيها أي سورة الأحزاب آية
الرجم الشيخ فذكر مثله ومن حديث زيد بن ثابت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
الشيخ والشيخة مثله إلى قوله البتة ومن رواية أبي أسامة بن سهل أن خالته أخبرته قالت لقد
أقرأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الرجم فذكره إلى قوله البتة وزاد بما قضيا من
اللذة وأخرج النسائي أن مروان بن الحكم قال لزيد بن ثابت ألا تكتبها في المصحف قال لا
ألا ترى أن الشابين الثيبين يرجمان وقد ذكرنا ذلك فقال عمر أنا أكفيكم فقال يا رسول الله
أكتبني آية الرجم قال لا أستطيع وروينا في فضائل القرآن لابن الضريس من طريق يعلى وهو
ابن حكيم عن زيد بن أسلم أن عمر خطب الناس فقال لا تشكوا الناس فقال لا تشكوا في الرجم فإنه حق و لقد هممت
ان أكتبه في المصحف فسألت أبي بن كعب فقال أليس انني و أنا أستقرئها رسول الله صلى الله
عليه وسلم فدفعت في صدري وقلت أستقرئه آية الرجم وهم يتسافدون تسافد الحمر ورجاله ثقات
وفيه إشارة إلى بيان السبب في رفع تلاوتها وهو الاختلاف وأخرج الحاكم من طريق كثير بن
الصلت قال كان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص يكتبان في المصحف فمرا على هذه الآية فقال
زيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فقال عمر لما نزلت
أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت أكتبها فكأنه كره ذلك فقال عمر ألا ترى أن الشيخ إذا زنى
ولم يحصن جلد وان الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم فيستفاد من هذا الحديث السبب في نسخ
127

تلاوتها لكون العمل على غير الظاهر من عمومها (قوله باب رجم الحبلى من الزنا)
في رواية غير أبي ذر من الزنا (قوله إذا أحصنت) أي تزوجت قال الإسماعيلي يريد إذا حبلت من
زنا على الاحصان ثم وضعت فاما وهي حبلى فلا ترجم حتى تضع وقال ابن بطال معنى الترجمة هل
يجب على الحبلى رجم أولا وقد استقر الاجماع على أنها لا ترجم حتى تضع قال النووي وكذا لو كان
حدها الجلد لا تجلد حتى تضع وكذا من وجب عليها قصاص وهي حامل لا يقتص منها حتى تضع
بالاجماع في كل ذلك وقد كان عمر أراد أن يرجم الحبلى فقال له معاذ لا سبيل لك عليها حتى تضع
ما في بطنها أخرجه ابن أبي شيبة ورجاله ثقات واختلف بعد الوضع فقال مالك إذا وضعت رجمت
ولا ينتظر أن يكفل ولدها وقال الكوفيون لا ترجم حين تضع حتى تجد من يكفل ولدها وهو
قول الشافعي ورواية عن مالك وزاد الشافعي لا ترجم حتى ترضع اللبأ وقد أخرج مسلم من
حديث عمران بن حصين أن امرأة جهينة أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنا
فذكرت أنها زنت فأمرها أن تقعد حتى تضع فلما وضعت أتته فأمر بها فرجمت وعنده من
حديث بريدة أن امرأة من غامد قالت يا رسول الله طهرني فقالت إنها حبلى من الزنا فقال لها
حتى تضعي فلما وضعت قال لا ترجمها وتضع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه فقام رجل فقال إلى
رضاعه يا رسول الله فرجمها وفي رواية له فأرضعته حتى فطمته ودفعته إلى رجل من المسلمين
ورجمها وجمع بين روايتي بريدة بأن في الثانية زيادة فتحمل الأولى على أن المراد بقوله إلي ارضاعه
أي تربيته وجمع بين حديثي عمران وبريدة أن الجهنية كان لولدها من يرضعه بخلاف
الغامدية (قوله عن صالح) وهو ابن كيسان ووقع كذلك عند يعقوب بن سفيان في تاريخه
عن عبد العزيز شيخ البخاري فيه بسنده وأخرجه الإسماعيلي من طريقه (قوله عن الزهري عن
عبيد الله بن عبد الله) في رواية مالك عن الزهري أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أخبره وأخرجه
أحمد والدار قطني في الغرائب وصححه ابن حبان قوله عن ابن عباس في رواية مالك أن عبد
الله بن عباس أخبره كنت أقرئ رجالا من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف ولم أقف على
اسم أحد منهم غيره زاد مالك في روايته في خلافة عمر فلم أر رجلا يجد من الاقشعريرة ما يجد
عبد الرحمن عند القراءة قال الداودي فيما نقله ابن التين معنى قوله كنت أقرئ رجالا أي أتعلم
منهم القرآن لان ابن عباس كان عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم انما حفظ المفصل من
المهاجرين والأنصار قال وهذا الذي قاله خروج عن الظاهر بل عن النص لان قوله أقرئ بمعنى
أعلم (قلت) ويؤيد التعقب ما وقع في رواية ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري كنت
اختلف إلى عبد الرحمن بن عوف ونحن بمنى مع عمر بن الخطاب أعلم عبد الرحمن بن عوف
القرآن أخرجه ابن أبي شيبة وكان ابن عباس ذكيا سريع الحفظ وكان كثير من الصحابة
لاشتغالهم بالجهاد لم يستوعبوا القرآن حفظا وكان من اتفق له ذلك يستدركه بعد الوفاة
النبوية وإقامته بالمدينة فكانوا يعتمدون على نجباء الأبناء فيقرؤونهم تلقينا للحفظ (قوله
فبينما أنا بمنزلي بمنى وهو عند عمر) في رواية بن إسحاق فأتيته في المنزل فلم أجده فانتظرته حتى
جاء (قوله في آخر حجة حجها) يعني عمر كان ذلك سنة ثلاث وعشرين (قوله لو رأيت رجلا أتى
أمير المؤمنين اليوم) لم أقف على اسمه (قوله هل لك في فلان) لم أقف على اسمه أيضا ووقع
128

في رواية ابن إسحاق أن من قال ذلك كان أكثر من واحد ولفظه أن رجلين من الأنصار ذكرا
بيعة أبي بكر (قوله لقد بايعت فلانا) هو طلحة بن عبيد الله أخرجه البزار من طريق أبي معشر
عن زيد بن أسلم عن أبيه وعن عمير مولى غفرة بضم المعجمة وسكون الفاء قالا قدم على أبي بكر مال
فذكر قصة طويلة في قسم الفئ ثم قال حتى إذا كان من آخر السنة التي حج فيها عمر قال بعض
الناس لو قد مات أمير المؤمنين أقمنا فلانا يعنون طلحة بن عبيد الله ونقل ابن بطال عن المهلب أن
الذين عنوا أنهم يبايعونه رجلا من الأنصار ولم يذكر مستنده في ذلك (قوله فوالله ما كانت
بيعة أبي بكر إلا فلتة) بفتح الفاء وسكون اللام بعدها مثناة ثم تاء تأنيت أي فجأة وزنه ومعناه وجاء
عن سحنون عن أشهب أنه كان يقولها بضم الفاء ويفسرها بانفلات الشئ من الشئ ويقول إن
الفتح غلط وإنه إنما يقال فيما يندم عليه وبيعة أبي بكر مما لا يندم عليه أحد وتعقب بثبوت
الروايات بفتح الفاء ولا يلزم من وقوع الشئ بغتة أن يندم عليه كل أحد بل يمكن الندم عليه من
بعض دون بعض وانما أطلقوا على بيعة أبي بكر ذلك بالنسبة لمن لم يحضرها في الحال الأول ووقع
في رواية ابن إسحاق بعد قوله فلتة فما يمنع امرأ إن هلك هذا أن يقوم إلى من يريد فيضرب على يده
فتكون أي البيعة كما كانت أي في قصة أبي بكر وسيأتي مزيد في معنى الفلتة بعد (قوله
فغضب عمر) زاد ابن إسحاق غضبا ما رأيته غضب مثله منذ كان (قوله أن يغصبوهم أمورهم)
كذا في رواية الجميع بغين معجمة وصاد مهملة وفي رواية مالك يغتصبوهم بزيادة مثناة بعد
الغين المعجمة وحكى ابن التين أنه روي بالعين المهملة وضم أوله من أعضب أي صار لا ناصر له
والمعضوب الضعيف وهو من عضبت الشاة إذا انكسر أحد قرنيها أو قرنها الداخل وهو المشاش
والمعنى أنهم يغلبون على الامر فيضعف لضعفهم والأول أولى والمراد أنه يثبون على الامر بغير
عهد ولا مشاورة وقد وقع ذلك بعد علي وفق ما حذره عمر رضي الله عنه (قوله يجمع رعاع الناس
وغوغاءهم) الرعاع بفتح الراء وبمهملتين الجهلة الرذلاء وقيل الشباب منهم والغوغاء بمعجمتين
بينهما واو ساكنة أصله صغار الجراد حين يبدأ بالطيران ويطلق على السفلة المسرعين إلى الشر
(قوله يغلبون على قربك) بضم القاف وسكون الراء ثم موحدة أي المكان الذي يقرب منك
ووقع في رواية الكشميهني وأبي زيد المروزي بكسر القاف وبالنون وهو خطأ وفي رواية ابن
وهب عن مالك على مجلسك إذا قمت في الناس (قوله يطيرها) بضم أوله من أطار الشئ إذا أطلقه
وللسرخسي يطيرها بفتح أوله أي يحملونها على غير وجهها ومثله لابن وهب وقال يطيرنها أولئك
ولا يعونها أي لا يعرفون المراد بها (قوله فتخلص) بضم اللام بعدها مهملة أي تصل (قوله
لأقومن) في رواية مالك فقال لئن قدمت المدينة صالحا لأكلمن الناس بها (قوله أقومه) في
رواية الكشميهني والسرخسي أقوم بحذف الضمير (قوله في عقب ذي الحجة) بضم المهملة
وسكون القاف وبفتحها وكسر القاف وهو أولى فان الأول يقال لما بعد التكملة والثاني
لما قرب منها يقال جاء عقب الشهر بالوجهين والواقع الثاني لان قدوم عمر كان قبل أن ينسلخ
ذو الحجة في يوم الأربعاء (قوله عجلت الرواح) في رواية الكشميهني بالرواح زاد سفيان عند
البزار وجاءت الجمعة وذكرت ما حدثني عبد الرحمن بن عوف فهجرت إلى المسجد وفي رواية
جويرية عن مالك عند ابن حبان والدارقطني لما أخبرني (قوله حين زاغت الشمس) في رواية
129

مالك حين كانت صكه عمى بفتح الصاد وتشديد الكاف وعمى بضم أوله وفتح الميم وتشديد التحتانية
وقيل بتشديد الميم وزن حبلى زاد أحمد عن إسحاق بن عيسى قلت لمالك ما صكه عمى قال
الأعمى قال لا يبالي أي ساعة خرج لا يعرف الحر من البرد أو نحو هذا (قلت) وهو تفسير معنى
وقال أبو هلال العسكري المراد به اشتداد الهاجرة والأصل فيه أنه اسم رجل من العمالقة يقال
له عمي غزا قوما في قائم الظهيرة فأوقع بهم فصار مثلا لكل من جاء في ذلك الوقت وقيل هو رجل من
عدوان كان يفيض بالحاج عند الهاجرة فضرب به المثل وقيل المعنى أن الشخص في هذا الوقت
يكون كالأعمى لا يقدر على مباشرة الشمس بعينه وقيل أصله أن الظبي يدور أي يدوخ من شدة
الحر فيصك برأسه ما واجهه وللدارقطني من طريق سعيد بن داود عن مالك صكه عمي ساعة من
النهار تسميها العرب وهو نصف النهار أو قريبا منه (قوله فجلست حوله) في رواية الإسماعيلي
حذوه وكذا لمالك وفي رواية إسحاق الغروي عن مالك حذاءه وفي رواية معمر فجلست إلى جنبه
تمس ركبتي ركبته (قوله فلم أنشب) بنون ومعجمة وموحدة أي لم أتعلق بشئ غير ما كنت فيه
والمراد سرعة خروج عمر (قوله أن خرج أي من مكانه إلى جهة المنبر وفي رواية مالك أن طلع عمر
أي ظهر يؤم المنبر أي يقصده (قوله ليقولن العشية مقالة) أي عمر (قوله لم يقلها منذ استخلف)
في رواية مالك لم يقلها أحد قط قبله (قوله ما عسيت) في رواية الإسماعيلي ما عسى (قوله أن يقول
ما لم يقل قبله) زاد سفيان فغضب سعيد وقال ما عسيت وقيل أراد ابن عباس أن ينبه سعيدا
معتمدا على ما أخبره به عبد الرحمن ليكون على يقظة فيلقي باله لما يقوله عمر فلم يقع ذلك من سعيد
موقعا بل أنكره لأنه لم يعلم بما سبق لعمر وعلى بناء أن الأمور استقرت (قوله لا أدري لعلها بين
يدي أجلي) أي بقرب موتي وهو من الأمور التي جرت على لسان عمر فوقعت كما قال ووقع في
رواية أبي معشر المشار إليها قبل ما يؤخذ منه سبب ذلك وأن عمر قال في خطبته هذه رأيت رؤياي
وما ذاك إلا عند قرب أجلي رأيت كأن ديكا نقرني وفي مرسل سعيد بن المسيب في الموطأ أن
عمر لما صدر من الحج دعا الله أن بقبضه إليه غير مضيع ولا مفرط وقال في آخر القصة فما انسلخ
ذو الحجة حتى قتل عمر (قوله أن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق) قال الطيبي قدم عمر
هذا الكلام قبل ما أراد أن يقوله توطئة له ليتيقظ السامع لما يقول (قوله فكان مما) في رواية
الكشميهني فيما (قوله آية الرجم) تقدم القول فيها في الباب الذي قبله قال الطيبي آية الرجم
بالرفع اسم كان وخبرها من التبعيضية في قوله مما أنزل الله ففيه تقديم الخبر على الاسم وهو كثير
(قوله ووعيناها رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية الإسماعيلي ورجم بزيادة واو وكذا
لمالك (قوله فأخشى) في رواية معمر واني خائف (قوله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله) أي
في الآية المذكورة التي نسخت تلاوتها وبقى حكمها وقد وقع ما خشيه عمر أيضا فأنكر الرجم
طائفة من الخوارج أو معظمهم وبعض المعتزلة ويحتمل أن يكون استند في ذلك إلى توقيف وقد
أخرج عبد الرزاق والطبري من وجه آخر عن ابن عباس أن عمر قال سيجئ قوم يكذبون بالرجم
الحديث ووقع في رواية سعيد بن إبراهيم عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة في حديث عمر عند
النسائي وأن ناسا يقولون ما بال الرجم وانما في كتاب الله الجلد ألا قد رجم رسول الله صلى الله
عليه وسلم وفيه إشارة إلى أن عمر استحضر أن ناسا قالوا ذلك فرد عليهم وفي الموطأ عن يحيى بن
130

سعيد عن سعيد بن المسيب عن عمر إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل لا أجد حدين
في كتاب الله فقد رجم (قوله والرجم في كتاب الله حق) أي في قوله تعالى أو يجعل الله لهن سبيلا
فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد به رجم الثيب وجلد البكر كما تقدم التنبيه عليه في قصة
العسيف قريبا (قوله إذا قامت البينة) أي بشرطها (قوله إذا أحصن) أي كان بالغا عاقلا قد
تزوج حرة تزويجا صحيحا وجامعها (قوله أو كان الحبل) بفتح المهملة والموحدة في رواية معمر
الحمل أي وجدت المرأة الخلية من زوج أو سيد حبلى ولم تذكر شبهة ولا إكراه (قوله أو
الاعتراف) أي الاقرار بالزنا والاستمرار عليه وفي رواية سفيان أو كان حملا أو اعترافا ونصب
على نزع الخافض أي كان الزنا عن حمل أو عن اعتراف (قوله ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله)
أي مما نسخت تلاوته (قوله لا ترغبوا عن آبائكم) أي لا تنتسبوا إلى غيرهم (قوله فإنه كفر
بكم أن ترغبوا عن آبائكم أو إن كفر بكم) كذا هو بالشك وكذا في رواية معمر بالشك لكن
قال لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أو إن كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ووقع في رواية
جويرية عن مالك فان كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم (قوله ألا ثم إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم) في رواية مالك ألا وإن بالواو بدل ثم وألا بالتخفيف حرف افتتاح كلام
غير الذي قبله (قوله لا تطروني) هذا القدر مما سمعه سفيان من الزهري أفرده الحميدي
في مسنده عن ابن عيينة سمعت الزهري به وقد تقدم مفردا في ترجمة عيسى عليه السلام
من أحاديث الأنبياء عن الحميدي بسنده هذا وتقدم شرح الاطراء (قوله كما أطري عيسى)
في رواية سفيان كما أطرت النصارى عيسى (قوله وقولوا عبد الله) في رواية مالك فإنما أنا
عبد الله فقولوا قال بن الجوزي لا يلزم من النهي عن الشئ وقوعه لأنا لا نعلم أحدا ادعى
في نبينا ما ادعته النصارى في عيسى وانما سبب النهي فيما يظهر ما وقع في حديث معاذ
ابن جبل لما استأذن في السجود له فامتنع ونهاه فكأنه خشي أن يبالغ غيره بما هو فوق
ذلك فبادر إلى النهي تأكيدا للامر وقال بن التين معنى قوله لا تطروني لا تمدحوني كمدح
النصارى حتى غلا بعضهم في عيسى فجعله إلها مع الله وبعضهم ادعى أنه هو الله وبعضهم
ابن الله ثم أردف النهي بقوله أنا عبد الله قال والنكتة في إيراد عمر هذه القصة هنا أنه خشي
عليهم الغلو يعني خشي على من لا قوة له في الفهم أن يظن بشخص استحقاقه الخلافة فيقوم
في ذلك مع أن المذكور لا يستحق فيطريه بما ليس فيه فيدخل في النهي ويحتمل أن تكون
المناسبة أن الذي وقع منه في مدح أبي بكر ليس من الاطراء المنهي عنه ومن ثم قال وليس فيكم
مثل أبي بكر ومناسبة إيراد عمر قصة الرجم والزجر عن الرغبة عن الآباء في القصة التي خطب بسببها
وهي قول القائل لو مات عمر لبايعت فلانا أنه أشار بقصة الرجم إلى زجر من يقول لا أعمل
في الأحكام الشرعية إلا بما وجدته في القرآن وليس في القرآن تصريح باشتراط التشاور إذا مات
الخليفة بل انما يؤخذ ذلك من جهة السنة كما أن الرجم ليس فيما يتلى من القرآن وهو مأخوذ من
طريق السنة وأما الزجر عن الرغبة عن الآباء فكأنه أشار إلى أن الخليفة يتنزل للرعية منزلة
الأب فلا يجوز لهم أن يرغبوا إلى غيره بل يجب عليهم طاعته بشرطها كما تجب طاعة الأب هذا
الذي ظهر لي من المناسبة والعلم عند الله تعالى (قوله ألا وإنها) أي بيعة أبي بكر (قوله قد كانت
131

كذلك) أي فلتة وصرح بذلك في رواية إسحاق بن عيسى عن مالك حكى ثعلب عن ابن الأعرابي
وأخرجه سيف في الفتوح بسنده عن سالم بن عبد الله بن عمر نحوه قال الفلتة الليلة التي يشك
فيها هل هي من رجب أو شعبان وهل من المحرم أو صفر كان العرب لا يشهرون السلاح في الأشهر
الحرم فكان من له ثأر تربص فإذا جاءت تلك الليلة انتهز الفرصة من قبل أن يتحقق انسلاخ
الشهر فيتمكن ممن يريد إيقاع الشر به وهو آمن فيترتب على ذلك الشر الكثير فشبه عمر الحياة
النبوية بالشهر الحرام والفلتة بما وقع من أهل الردة ووقى الله شر ذلك ببيعة أبي بكر لما وقع منه
من النهوض في قتالهم وإخماد شوكتهم كذا قال والأولى أن يقال الجامع بينهما انتهاز الفرصة
لكن كان ينشأ عن أخذ الثأر الشر الكثير فوقى الله المسلمين شر ذلك فلم ينشأ عن بيعة أبي بكر
شر بل أطاعه الناس كلهم من حضر البيعة ومن غاب عنها وفي قوله وقى الله شرها إيماء إلى التحذير
من الوقوع في مثل ذلك حيث لا يؤمن من وقوع الشر والاختلاف (قوله ولكن الله وقى شرها)
أي وقاهم ما في العجلة غالبا من الشر لان من العادة أن من لم يطلع على الحكمة في الشئ الذي
يفعل بغتة لا يرضاه وقد بين عمر سبب إسراعهم ببيعة أبي بكر لما خشوا أن يبايع الأنصار سعد
ابن عبادة قال أبو عبيدة عاجلوا ببيعة أبي بكر خيفة انتشار الامر وأن يتعلق به من لا يستحقه فيقع
الشر وقال الداودي معنى قوله كانت فلتة أنها وقعت من غير مشورة مع جميع من كان ينبغي
أن يشاور وأنكر هذه الكرابيسي صاحب الشافعي وقال بل المراد أن أبا بكر ومن معه تفلتوا
في ذهابهم إلى الأنصار فبايعوا أبا بكر بحضرتهم وفيهم من لا يعرف ما يجب عليه من بيعته فقال
منا أمير ومنكم أمير فالمراد بالفلتة ما وقع من مخالفة الأنصار وما أرادوه من مبايعة سعد بن
عبادة وقال ابن حبان معنى قوله كانت فلتة أن ابتدائها كان عن غير ملا كثير والشئ إذا كان
كذلك يقال له الفلتة فيتوقع فيه ما لعله يحدث من الشر بمخالفة من يخالف في ذلك عادة فكفى
الله المسلمين الشر المتوقع في ذلك عادة لا أن بيعة أبي بكر كان فيها شر (قوله وليس فيكم من تقطع
الأعناق إليه مثل أبي بكر) قال الخطابي يريد أن السابق منكم الذي لا يلحق في الفضل لا يصل
إلى منزلة أبي بكر فلا يطمع أحد أن يقع له مثل ما وقع لأبي بكر من المبايعة له أولا في الملا اليسير ثم
اجتماع الناس عليه وعدم اختلافهم عليه لما تحققوا من استحقاقه فلم يحتاجوا في أمره إلى نظر
ولا إلى مشاورة أخرى وليس غيره في ذلك مثله انتهى ملخصا وفيه إشارة إلى التحذير من المسارعة
إلى مثل ذلك حيث لا يكون هناك مثل أبي بكر لما اجتمع فيه من الصفات المحمودة من قيامه
في أمر الله ولين جانب المسلمين وحسن خلقه ومعرفته بالسياسة وورعه التام ممن لا يوجد فيه
مثل صفاته لا يؤمن من مبايعته عن غير مشورة الاختلاف الذي ينشأ عنه الشر وعبر بقوله
تقطع الأعناق لكون الناظر إلى السابق تمتد عنقه لينظر فإذا لم يحصل مقصوده من سبق من
يريد سبقه قيل انقطعت عنقه أو لان المتسابقين تمتد إلى رؤيتها الأعناق حتى يغيب السابق
عن النظر فعبر عن امتناع نظره بانقطاع عنقه وقال ابن التين هو مثل يقال للفرس الجواد
تقطعت أعناق الخيل دون لحاقه ووقع في رواية أبي معشر المذكورة ومن أين لنا مثل أبي بكر
تمد أعناقنا إليه (قوله من غير) في رواية الكشميهني عن غير مشورة بضم المعجمة وسكون الواو
وبسكون المعجمة وفتح الواو فلا يبايع بالموحدة وجاء بالمثناة وهي أولى لقوله هو والذي تابعه
132

(قوله تغرة أن يقتلا) بمثناة مفتوحة وغين معجمة مكسورة وراء ثقيلة بعدها هاء تأنيت أي حذرا
من القتل وهو مصدر من أغررته تغريرا أو تغرة والمعنى أن من فعل ذلك فقد غرر بنفسه
وصاحبه وعرضهما للقتل (قوله وإنه قد كان من خبرنا) كذا للأكثر من الخبر بفتح الموحدة
ووقع للمستملي بسكون التحتانية والضمير لأبي بكر وعلى هذا فيقرأ ان الأنصار بالكسر على أنه
ابتداء كلام آخر وعلى رواية الأكثر بفتح همزة أن على أنه خبر كان (قوله خالفونا) أي لم يجتمعوا
معنا في منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله وخالف عنا علي والزبير ومن معهما) في رواية
مالك ومعمر وأن عليا والزبير ومن كان معهما تخلفوا في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله
عليه وسلم وكذا في رواية سفيان لكن قال العباس بدل الزبير (قوله يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا)
زاد في رواية جويرية عن مالك فبينما نحن في منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا برجل ينادي
من وراء الجدار أخرج إلي يا بن الخطاب فقلت إليك عني فاني مشغول قال أخرج إلي فإنه قد
حدث أمر إن الأنصار اجتمعوا فأدركوهم قبل أن يحدثوا أمرا يكون بينكم فيه حرب فقلت
لأبي بكر انطلق (قوله فانطلقنا نريدهم) زاد جويرية فلقينا أبو عبيدة بن الجراح فأخذ أبو بكر
بيده يمشي بيني وبينه (قوله لقينا رجلان صالحان) في رواية معمر عن ابن شهاب شهدا بدرا
كما تقدم في غزوة بدر وفي رواية بن إسحاق رجلا صدق عويم بن ساعدة ومعن بن عدي كذا أدرج
تسميتهما وبين مالك أنه قول عروة ولفظه قال ابن شهاب أخبرني عروة أنهما معن بن عدي
وعويم بن ساعدة وفي رواية سفيان قال الزهري هما ولم يذكر عروة ثم وجدته من رواية صالح بن
كيسان رواية في هذا الباب بزيادة فأخرجه الإسماعيلي من طريقه وقال فيه قال ابن شهاب
وأخبرني عروة الرجلين فسماهما وزاد فأما عويم فهو الذي بلغنا أنه قيل يا رسول الله من الذين
قال الله فيهم رجال يحبون أن يتطهروا قال نعم المرء منهم عويم بن ساعدة وأما معن فبلغنا أن
الناس بكوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفاه الله وقالوا وددنا أنا متنا قبله لئلا نفتتن
بعده فقال معن بن عدي والله ما أحب أن لو مت قبله حتى أصدقه ميتا كما صدقته حيا واستشهد
باليمامة (قوله ما تمالا) بفتح اللام والهمز أي أتفق وفي رواية مالك الذي صنع القوم أي من
اتفاقهم على أن يباعوا لسعد بن عبادة (قوله لا عليكم أن لا تقربوهم لا بعد أن زائده (قوله
اقضوا أمركم) في رواية سفيان أمهلوا حتى تقضوا أمركم ويؤخذ من هذا أن الأنصار كلها
لم تجتمع على سعد بن عبادة (قوله مزمل) بزاي وتشديد الميم المفتوحة أي ملفف (قوله بين
ظهرانيهم) بفتح المعجمة والنون أي في وسطهم (قوله يوعك) بضم أوله وفتح المهملة أي يحصل له
الوعك وهو الحمى بنافض ولذلك زمل وفي رواية سفيان وعك بصيغة الفعل الماضي وزعم
بعض الشراح أن ذلك وقع لسعد من هول ذلك المقام وفيه نظر لان سعدا كان من الشجعان
والذين كانوا عنده أعوانه وأنصاره وقد اتفقوا على تأميره وسياق عمر يقتضي أنه جاء فوجده
موعوكا فلو كان ذلك حصل له بعد كلام أبي بكر وعمر لكان له بعض اتجاه لان مثله قد يكون من
الغيض وأما قبل ذلك فلا وقد وقع في رواية الإسماعيلي قالوا سعد وجع يوعك وكأن سعدا كان
موعوكا فلما اجتمعوا إليه في سقيفة بني ساعدة وهي منسوبة إليه لأنه كان كبير بني ساعدة خرج
إليهم من منزله وهو بتلك الحالة فطرقهم أبو بكر وعمر في تلك الحالة (قوله تشهد خطيبهم) لم
133

أقف على اسمه وكان ثابت بن قيس بن شماس يدعى خطيب الأنصار فالذي يظهر أنه هو (قوله
وكتيبة الاسلام) الكتيبة بمثناة ثم موحدة وزن عظيمة وجمعها كتائب هي الجيش المجتمع الذي
لا يتقشر وأطلق عليهم ذلك مبالغة كأنه قال لهم أنتم مجتمع الاسلام (قوله وأنتم معشر) في
رواية الكشميهني معاشر (قوله رهط) أي قليل وقد تقدم أنه يقال للعشرة فما دونها زاد ابن وهب
في روايته منا وكذا لمعمر وهو يرفع الاشكال فإنه لم يرد حقيقة الرهط وانما أطلقه عليهم بالنسبة
إليهم أي أنتم بالنسبة إلينا قليل لان عدد الأنصار في المواطن النبوية التي ضبطت كانوا دائما
أكثر من عدد المهاجرين وهو بناء على أن المراد بالمهاجرين من كان مسلما قبل فتح مكة وهو
المعتمد وإلا فلو أريد عموم من كان غير الأنصار لكانوا أضعاف أضعاف الأنصار (قوله
وقد دفت دافة من قومكم) بالدال المهملة والفاء أي عدد قليل وأصله من الدف وهو السير
البطئ في جماعة (قوله يختزلونا) بخاء معجمة وزاي أي يقتطعونا عن الامر وينفردوا به
دوننا وقال أبو زيد خزلته عن حاجته عوقته عنها والمراد هنا بالأصل ما يستحقونه من الامر (قوله
وأن يحضنونا) بحاء مهملة وضاد معجمة ووقع في رواية المستملي أي يخرجونا قاله أبو عبيد وهو كما
يقال حضنه واحتضنه عن الامر أخرجه في ناحية عنه واستبد به أو حبسه عنه ووقع في رواية
أبي علي بن السكن يختصونا بمثناة قبل الصاد المهملة وتشديدها ومثله للكشميهني لكن بضم
الخاء بغير تاء وهي بمنع الاقتطاع والاستئصال وفي رواية سفيان عند البزار ويختصون بالامر أو
يستأثرون بالامر دوننا وفي رواية أبي بكر الحنفي عن مالك عند الدارقطني ويخطفون بخاء معجمة
ثم طاء مهملة ثم فاء والروايات كلها متفقة على أن قوله فإذا هم الخ بقية كلام خطيب الأنصار لكن
وقع عند ابن ماجة بعد قوله وقد دفت دافة من قومكم قال عمر فإذا هم يريدون الخ وزيادة قوله هنا
قال عمر خطأ والصواب أنه كله كلام الأنصار ويدل له قول عمر فلما سكت وعلى ذلك شرحه
الخطابي فقال قوله رهط أي أن عددكم قليل بالإضافة للأنصار وقوله دفت دافة من قومكم يريد
أنكم قوم طرأة غرباء أقبلتم من مكة إلينا ثم أنتم تريدون أن تستأثروا علينا (قوله فلما سكت) أي
خطيب الأنصار وحاصل ما تقدم من كلامه أنه أخبر أن طائفة من المهاجرين أرادوا أن يمنعوا
الأنصار من أمر تعتقد الأنصار أنهم يستحقونه وانما عرض بذلك بأبي بكر وعمر ومن حضر معهما
قوله أردت أن أتكلم وكنت قد زورت بزاي ثم راء أي هيأت وحسنت وفي رواية مالك رويت
براء واو ثقيلة ثم تحتانية ساكنة من الرؤية ضد البديهة ويؤيده قول عمر بعد فما ترك كلمة وفي
رواية مالك ما ترك من كلمة أعجبتني في روايتي إلا قالها في بديهته وفي حديث عائشة وكان عمر
يقول والله ما أردت لذلك إلا أني قد هيأت كلاما قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر (قوله
على على رسلك) بكسر الراء وسكون المهملة ويجوز الفتح أي على مهلك بفتحين وقد تقدم بيانه في
الاعتكاف وفي حديث عائشة الماضي في مناقب أبي بكر فأسكته أبو بكر (قوله أن أغضبه)
بغين ثم ضاد معجمتين ثم موحدة وفي رواية الكشميهني بمهملتين ثم ياء آخر الحروف (قوله
فكان هو أحلم مني وأوقر) في حديث عائشة فتكلم أبلغ الناس (قوله ما ذكرتم فيكم من خير
فأنتم له أهل) زاد ابن إسحاق في روايته عن الزهري إنا والله يا معشر الأنصار ما ننكر فضلكم
ولا بلاءكم في الاسلام ولا حقكم الواجب علينا (قوله ولن يعرف) بضم أوله على البناء للمجهول
134

وفي رواية مالك ولن تعرف العرب هذا الامر إلا لهذا الحي من قريش وكذا في رواية سفيان
وفي رواية ابن إسحاق قد عرفتم أن هذا الحي من قريش بمنزلة من العرب ليس بها غيرهم وأن
العرب لا تجتمع إلا على رجل منهم فاتقوا الله لا تصدعوا الاسلام ولا تكونوا أول من أحدث
في الاسلام (قوله هم أوسط العرب) في رواية الكشميهني هو بدل هم والأول أوجه وقد
بينت في مناقب أبي بكر أن أحمد أخرج من طريق حميد بن عبد الرحمن عن أبي بكر الصديق
أنه قال يومئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأئمة من قريش وسقت الكلام على ذلك هناك
وسيأتي القول في حكمه في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى (قوله وقد رضيت لكم أحد هذين
الرجلين) زاد عمر بن مرزوق عن مالك عند الدارقطني هنا فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن
الجراح وقد ذكرت في هذا الحديث مفاخرة وتقدم ما يتعلق بذلك في مناقب أبي بكر (قوله فقال
قائل الأنصار) في رواية الكشميهني من الأنصار وكذا في رواية مالك وقد سماه سفيان في روايته
عند البزار فقال حباب بن المنذر لكنه من هذه الطريق مدرج فقد بين مالك في روايته عن
الزهري أن الذي سماه سعيد بن المسيب فقال قال بن شهاب فأخبرني سعيد بن المسيب أن الحباب
ابن المنذر هو الذي قال أنا جذيلها المحكك وتقدم موصولا في حديث عائشة فقال أبو بكر نحن
الامراء وأنتم الوزراء فقال الحباب ابن المنذر لا والله لا نفعل منا أمير ومنكم أمير وتقدم تفسير
المرجب والمحكك هناك وهكذا سائر ما يتعلق ببيعة أبي بكر المذكورة مشروحا وزاد إسحاق بن
الطباع هناك فقلت لمالك ما معناه قال كأنه يقول أنا داهيتها وهو تفسير معنى زاد سفيان في
روايته هنا والا أعدنا الحرب بيننا وبينكم خدعة فقلت إنه لا يصلح سيفان في غمد واحد ووقع عند
معمر أن راوي ذلك قتادة فقال قال قتادة قال عمر لا يصلح سيفان في غمد واحد ولكن منا الامراء
ومنكم الوزراء ووقع عند بن سعد بسند صحيح من مرسل القاسم بن محمد قال اجتمعت الأنصار إلى
سعد بن عبادة فأتاهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة فقام الحباب بن المنذر وكان بدريا فقال منا أمير
ومنكم أمير فإنا والله ما ننفس عليكم هذا الامر ولكنا نخاف أن يليها أقوام قتلنا آباءهم وإخوتهم
فقال عمر إذا كان ذلك فمت ان استطعت قال الخطابي الحامل للقائل منا أمير ومنكم أمير أن
العرب لم تكن تعرف السيادة على قوم إلا لمن يكون منهم وكأنه لم يكن يبلغه حكم الامارة في
الاسلام واختصاص ذلك بقريش فلما بلغه أمسك عن قوله وبايع هو وقومه أبا بكر (قوله حتى
فرقت) بفتح الفاء وكسر الراء ثم قاف من الفرق بفتحتين وهو الخوف وفي رواية مالك حتى خفت
وفي رواية جويرية حتى أشفقنا الاختلاف ووقع في رواية ابن إسحاق المذكورة فيما أخرجه
الذهلي في الزهريات بسند صحيح عنه حدثني عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن عبيد الله عن ابن
عباس عن عمر قال قلت يا معشر الأنصار إن أولى الناس بنبي الله ثاني اثنين إذ هما في الغار ثم
أخذت بيده ووقع بحديث ابن مسعود عند أحمد والنسائي من طريق عاصم عن زر بن حبيش
عنه أن عمر قال يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يؤم
بالناس فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر فقالوا نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر وسنده حسن وله
شاهد من حديث سالم بن عبيد الله عن عمر أخرجه النسائي أيضا وآخر من طريق رافع بن عمرو
الطائي أخرجه الإسماعيلي في مسند عمر بلفظ فأيكم يجترئ أن يتقدم أبا بكر فقالوا لا أينا وأصله
135

عند أحمد وسنده جيد وأخرج الترمذي وحسنه وابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد قال
قال أبو بكر ألست أحق الناس بهذا الامر ألست أول من أسلم ألست صاحب كذا (قوله
فبايعته وبايعه المهاجرون) فيه رد على قول الداودي فيما نقله ابن التين عنه حيث أطلق أنه لم
يكن مع أبي بكر حينئذ من المهاجرين إلا عمر وأبو عبيدة وكأنه استصحب الحال المنقولة في
توجههم لكن ظهر من قول عمر وبايعه المهاجرون بعد قوله بايعته أنه حضر معهم جمع من
المهاجرين فكأنهم تلاحقوا بهم لما بلغهم أنهم توجهوا إلى الأنصار فلما بايع عمر أبا بكر وبايعه
من حضر من المهاجرين على ذلك بايعه حين قامت الحجة عليهم بما ذكره أبو بكر وغيره
(قوله ثم بايعته الأنصار) في رواية بن إسحاق المذكورة قريبا ثم أخذت بيده وبدرني رجل من
الأنصار فضرب على يده قبل أن أضرب على يده ثم ضربت على يده فتتابع الناس والرجل
المذكور بشير بن سعد والد النعمان (قوله ونزونا) بنون وزاي مفتوحة أي وتبنا (قوله فقلت
قتل الله سعد بن عبادة) تقدم بيانه في شرح حديث عائشة في مناقب أبي بكر وسيأتي في الاحكام
من وجه آخر عن الزهري قال أخبرني أنس أنه سمع خطبة عمر الآخرة من الغد من يوم توفي
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر صامت لا يتكلم فقص البيعة العامة ويأتي شرحها
هناك (قوله وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا) بصيغة الفعل الماضي (قوله من أمر) في موضع
المفعول أي حضرنا في تلك الحالة أمورا فما وجدنا فيها أقوى من سابقة أبي بكر والأمور التي
حضرت حينئذ الاشتغال بالمشاورة واستيعاب من يكون أهلا لذلك وجعل بعض الشراح منها
الاشتغال بتجهيز النبي صلى الله عليه وسلم ودفنه وهو محتمل لكن ليس في سياق القصة اشعار به بل
تعليل عمر يرشد إلى الحصر فيما يتعلق بالاستخلاف (قوله فاما بايعناهم) في رواية الكشميهني بمثناة
وبعد الألف موحدة (قوله على ما نرضى) في رواية مالك على ما لا نرضى وهو الوجه وبقية
الكلام ترشد إلى ذلك (قوله فمن بايع رجلا) في رواية مالك فمن تابع رجلا (قوله فلا يتابع
هو ولا الذي بايعه) في رواية معمر من وجه آخر عن عمر من دعي إلى إمارة من غير مشورة فلا يحل
له أن يقبل وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم أخذ العلم عن أهله وإن صغرت سن
المأخوذ عنه عن الآخذ وكذا لو نقص قدره عن قدره وفيه التنبيه على أن العلم لا يودع عند غير
أهله ولا يحدث به إلا من يعقله ولا يحدث القليل الفهم بما لا يحتمله وفيه جواز إخبار السلطان
بكلام من يخشى منه وقوع أمر فيه إفساد للجماعة ولا يعد ذلك من النميمة المذمومة لكن محل
ذلك أن يبهمه صونا له وجمعا له بين المصلحتين ولعل الواقع في هذه القصة كان كذلك واكتفى عمر
بالتحذير من ذلك ولم يعاقب الذي قال ذلك ولا من قيل عنه وبنى المهلب على ما زعم أن المراد
مبايعة شخص من الأنصار فقال إن في ذلك مخالفة لقول أبي بكر ان العرب لا تعرف هذا الامر
إلا لهذا الحي من قريش فان المعروف هو الشئ الذي لا يجوز خلافه (قلت) والذي يظهر
من سياق القصة أن إنكار عمر انما هو على من أراد مبايعة شخص على غير مشورة من المسلمين
ولم يتعرض لكونه قرشيا أو لا وفيه أن العظيم يحتمل في حقه من الأمور المباحة ما لا يحتمل في حق
غيره لقول عمر وليس فيكم من تمد إليه الأعناق مثل أبي بكر أي فلا يلزم من احتمال المبادرة إلى
بيعته عن غير تشاور عام أن يباح ذلك لكل أحد من الناس لا يتصف بمثل صفة أبي بكر قال المهلب
136

وفيه أن الخلافة لا تكون إلا في قريش وأدلة ذلك كثيرة ومنها أنه صلى الله عليه وسلم أوصى من
ولي أمر المسلمين بالأنصار وفيه دليل واضح على أن لا حق لهم في الخلافة كذا قال وفيه نظر سيأتي
بيانه عند شرح باب الامراء من قريش من كتاب الأحكام وفيه أن المرأة إذا وجدت حاملة ولا
زوج لها ولا سيد وجب عليها الحد إلا أن تقيم بينة على الحمل أو الاستكراه وقال ابن العربي
إقامة الحمل عليه إذا ظهر ولد لم يسبقه سبب جائز يعلم قطعا أنه من حرام ويسمى القياس الدلالة
كالدخان على النار ويعكر عليه احتمال أن يكون الوطئ من شبهة وقال ابن القاسم إن ادعت
الاستكراه وكانت غريبة فلا حد عليها وقال الشافعي والكوفيون لا حد عليها إلا ببينة أو
إقرار وحجة مالك قول عمر في خطبته ولم ينكرها أحد وكذا لو قامت القرينة على الاكراه أو الخطأ
قال المازري في تصديق المرأة الخلية إذا ظهر بها حمل فادعت الاكراه خلاف هل يكون ذلك شبهة
أم يجب عليها الحد لحديث عمر قال ابن عبد البر قد جاء عن عمر في عدة قضايا أنه درأ الحد بدعوى
الاكراه ونحوه ثم ساق من طريق شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة قال إنا لمع عمر
بمنى فإذا بامرأة حبلى ضخمة تبكي فسألها فقالت اني ثقيلة الرأس فقمت بالليل أصلي ثم نمت فما
استيقظت إلا ورجل قد ركبني ومضى فما أدري من هو قال فدرأ عنها الحد وجمع بعضهم بأن من
عرف منها مخايل الصدق في دعوى الاكراه قبل منها وأما المعروفة في البلد التي لا تعرف بالدين
ولا الصدق ولا قرينة معها على الاكراه فلا ولا سيما إن كانت متهمة وعلى الثاني يدل قوله أو كان
الحبل واستنبط منه الباجي أن من وطئ في غير الفرج فدخل ماؤه فيه فادعت المرأة أن الولد
منه لا يقبل ولا يلحق به إذا لم يعترف به لأنه لو لحق به لما وجب الرجم على حبلى لجواز مثل ذلك
وعكسه غيره فقال هذا يقتضى أن لا يجب على الحبلى بمجرد الحبل حد لاحتمال مثل هذه الشبهة
وهو قول الجمهور وأجاب الطحاوي أن المستفاد من قول عمر الرجم حق على من زنى أن الحبل
إذا كان من زنا وجب فيه الرجم وهو كذلك ولكن لابد من ثبوت كونه من زنى ولا ترجم بمجرد
الحبل مع قيام الاحتمال فيه لان عمر لما أتى بالمرأة الحبلى وقالوا انها زنت وهي تبكي فسألها
ما يبكيك فأخبرت أن رجلا ركبها وهي نائمة فدرأ عنها الحد بذلك (قلت) ولا يخفى تكلفه فان
عمر قابل الحبل بالاعتراف وقسيم الشئ لا يكون قسمه وانما اعتمد من لا يرى الحد بمجرد الحبل
قيام الاحتمال بأنه ليس عن زنى محقق وأن الحد يدفع بالشبهة والله أعلم وفيه أن من اطلع على أمر
يريد الامام أن يحدثه فله أن ينبه غيره عليه إجمالا ليكون إذا سمعه على بصيرة كما وقع لابن عباس
مع سعيد بن زيد وإنما أنكر سعيد علي ابن عباس لان الأصل عنده أن أمور الشرع قد استقرت
فهما أحدث بعد ذلك انما يكون تفريعا عليها وانما سكت ابن عباس عن بيان ذلك له علمه بأنه
سيسمع ذلك من عمر على الفور وفيه جواز الاعتراض على الامام في الرأي إذا خشي أمرا وكان
فيما أشار به رجحان على ما أراده الامام واستدل به على أن أهل المدينة مخصوصون بالعلم والفهم
لاتفاق عبد الرحمن بن عوف وعمر على ذلك كذا قال المهلب فيما حكاه ابن بطال وأقره وهو
صحيح في حق أهل ذلك العصر ويلتحق بهم من ضاهاهم في ذلك ولا يلزم من ذلك أن يستمر ذلك
في كل عصر بل ولا في كل فرد فرد وفيه الحث على تبليغ العلم ممن حفظه وفهمه وحث من لا يفهم
على عدم التبليغ الا إن كان يورده بلفظه ولا يتصرف فيه وأشار المهلب إلى أن مناسبة إيراد
137

عمر حديث لا ترغبوا عن آباءكم وحديث الرجم من جهة أنه أشار إلى أنه لا ينبغي لاحد أن
يقطع فيما لا نص فيه من القرآن أو السنة ولا يتسور برايه فيه فيقول أو يعمل بما تزين له نفسه
كما يقطع الذي قال لو مات عمر بايعت فلانا لما لم يجد شرط من يصلح للامامة منصوصا عليه في
الكتاب فقاس ما أراد أن يقع له بما وقع في قصة أبي بكر فأخطأ القياس لوجود الفارق وكان
الواجب عليه أن يسأل أهل العلم بالكتاب والسنة عنه ويعمل بما يدلونه عليه فقدم عمر قصه الرجم
وقصة النهي عن الرغبة عن الآباء وليسا منصوصين في الكتاب المتلو وان كانا مما أنزل الله واستمر
حكمهما ونسخت تلاوتهما ولكن ذلك مخصوص بأهل العلم ممن اطلع على ذلك والا فالأصل ان
كل شئ نسخت تلاوته نسخ حكمه وفي قوله أخشى إن طال بالناس زمان إشارة إلى دروس العلم
مع مرور الزمن فيجد الجهال السبيل إلى التأويل بغير علم وأما الحديث الآخر وهو لا تطروني
ففيه إشارة إلى تعليمهم ما يخشى عليهم جهله قال وفيه اهتمام الصحابة وأهل القرن الأول بالقرآن
والمنع في الزيادة قي المصحف وكذا منع النقص بطريق الأولى لان الزيادة انما تمنع لئلا يضاف إلى
القرآن ما ليس منه فاطراح بعضه أشد قال وهذا يشعر بأن كل ما نقل عن السلف كأبي بن كعب
وابن مسعود من الزيادة ليست في الامام انما هي على سبيل التفسير ونحوه قال ويحتمل أن يكون
ذلك كان في أول الأمر ثم استقر الاجماع على ما في الامام وبقيت تلك الروايات تنقل لا على أنها
ثبتت في المصحف وفيه دليل على أن من خشي من قوم فتنة وأن لا يجيبوا إلى امتثال الامر الحق
أن يتوجه إليهم ويناظرهم ويقيم عليهم الحجة وقد أخرج النسائي من حديث سالم بن عبيد الله
قال اجتمع المهاجرون يتشاورون فقالوا انطلقوا بنا إلى إخواننا الأنصار فقالوا منا أمير ومنكم
أمير فقال عمر فسيفان في غمد إذا لا يصلحان ثم أخد بيد أبي بكر فقال من له هذه الثلاثة إذ يقول
لصاحبه لا تحزن ان الله معنا من صاحبه إذ هما في الغار من هما فبايعه وبايعه الناس أحسن
بيعه وأجملها وفيه أن للكبير القدر أن يتواضع ويفضل من هو دونه على نفسه أدبا وفرارا من
تزكية نفسه ويدل عليه أن عمر لما قال له أبسط يدك لم يمتنع وفيه أنه لا يكون للمسلمين أكثر من
إمام وفيه جواز الدعاء على من يخشى في بقائه فتنة واستدل به على أن من قدف غيره عند الامام
لم يجب على الامام أن يقيم عليه الحد حتى يطلبه المقدوف لان له أن يعفو عن قاذفه أو يريد الستر
وفيه أن على الامام إن خشي من قوم الوقوع في محذور أن يأتيهم فيعظم ويحذرهم قبل الايقاع
بهم وتمسك بعض الشيعة بقول أبي بكر قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين بأنه لم يكن يعتقد
وجوب إمامته ولا استحقاقه للخلافة والجواب من أوجه أحدهما أن ذلك كان تواضعا منه
والثاني لتجويزه امامة المفضول مع وجود الفاضل وإن كان من الحق له فله أن يتبرع لغيره الثالث
أنه علم أن كلا منهما لا يرضى أن يتقدمه فأراد بذلك الإشارة إلى أنه لو قدر أنه لا يدخل في ذلك
لكان الامر منحصرا فيهما ومن ثم لما حضره الموت استحلف عمر لكون أبو عبيدة كان إذ ذاك
غائبا في جهاد أهل الشام متشاغلا بفتحها وقد دل قول عمر لان أقدم فتضرب عنقي الخ على صحة
الاحتمال المذكور وفيه إشارة ذي الرأي على الامام بالمصلحة العامة بما ينفع عموما أو خصوصا
وان لم يستشره ورجوعه إليه عند وضوح الصواب واستدل بقول أبي بكر أحد هذين الرجلين
أن شرط الامام أن يكون واحدا وقد ثبت النص الصريح في حديث مسلم إذا بايعوا لخليفتين
138

فاقتلوا الآخر منهما وإن كان بعضهم أوله بالخلع والاعراض عنه فيصير كمن قتل وكذا قال
الخطابي في قول عمر في حق سعد اقتلوه أي اجعلوه كمن قتل (قوله باب البكران
يجلدان وينفيان) هذه الترجمة لفظ خبر أخرجه بن أبي شيبة من طريق الشعبي عن مسروق
عن أبي بن كعب مثله وزاد والثيبان يجلدان ويرجمان وأخرج ابن المنذر الزيادة بلفظ والثيبان
يرجمان واللذان بلغا سنا يجلدان ثم يرجمان وأخرج عبد الرزاق عن الثوري عن الأعمش عن
مسروق البكران يجلدان وينفيان والثيبان يرجمان ولا يجلدان والشيخان يجلدان ثم يرجمان
ورجاله رجال الصحيح وقد تقدمت الإشارة إلى هذه الزيادة في باب رجم المحصن ونقل محمد بن نصر
في كتاب الاجماع الاتفاق على نفي الزاني الا عن الكوفيين ووافق الجمهور منهم ابن أبي ليلى
وأبو يوسف وادعى الطحاوي أنه منسوخ وسأذكره في باب لا تغريب على الأمة ولا تنفى واختلف
القائلون فقال الشافعي والثوري وداود والطبري بالتعميم وفي قول للشافعي لا ينفى
الرقيق وخص الأوزاعي النفي بالذكورية وبه قال مالك وقيده بالحرية وبه قال إسحاق وعن أحمد
روايتان واحتج من شرط الحرية بأن في نفي العبد عقوبة لمالكه لمنعه منفعته مدة نفيه وتصرف
الشرع يقتضى أن لا يعاقب إلا الجاني ومن ثم سقط فرض الحج والجهاد عن العبد وقال ابن المنذر
أقسم النبي صلى الله عليه وسلم في قصة العسيف أنه يقضى فيه بكتاب الله ثم قال إن عليه جلد مائة
وتغريب عام وهو المبين لكتاب الله وخطب عمر بذلك على رؤوس الناس وعمل به الخلفاء الراشدون
فلم ينكره أحد فكان إجماعا واختلف في المسافة التي ينفى إليها فقيل هو إلى رأي الامام وقيل
يشترط مسافة القصر وقيل إلى ثلاثة أيام وقيل إلى يومين وقيل يوم وليلة وقيل من عمل إلى عمل
وقيل إلى ميل وقيل إلى ما ينطلق عليه اسم نفي وشرط المالكية الحبس في المكان الذي ينفي
إليه وسيأتي البحث فيه في باب لا تغريب على الأمة ولا نفى ومن عجيب الاستدلال احتجاج
الطحاوي لسقوط النفي أصلا بأن نفي الأمة ساقط بقوله بيعوها كما سيأتي تقريره قال وإذا سقط
عن الأمة سقط عن الحر لأنها في معناها ويتأكد بحديث لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم قال
وإذا انتفى أن يكون على النساء نفي انتفى أن يكون على الرجال كذا قال وهو مبني على أن العموم
إذا سقط خص الاستدلال به وهو مذهب ضعيف جدا (قوله الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد
منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله الآية) كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة
إلى قوله المؤمنين والمراد بذكر هذه الآية أن الجلد ثابت بكتاب الله وقام الاجماع ممن يعتد به على
اختصاصه بالبكر وهو غير المحصن وقد تقدم بيان المحصن في باب رجم المحصن واختلفوا في كيفية
الجلد فعن مالك يختص بالظهر لقوله في حديث اللعان البينة وإلا جلد في ظهرك وقال غيره يفرق
على الأعضاء ويتقى الوجه والرأس ويجلد في الزنا والشرب والتعزير قائما مجردا والمرأة
قاعدة وفي القذف وعليه ثيابه وقال أحمد وإسحاق وأبو ثور لا يجرد أحد في الحد وليس في الآية
للنفي ذكر فتمسك به الحنفية فقالوا لا يزاد على القرآن بخبر الواحد والجواب أنه مشهور لكثرة
طرقه ومن عمل به من الصحابة وقد عملوا بمثله بدونه كنقض الوضوء بالقهقهة وجواز الوضوء
بالنبيذ وغير ذلك مما ليس في القرآن وقد أخرج مسلم من حديث عبادة بن الصامت مرفوعا
خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة
139

والرجم وأخرج الطبراني من حديث ابن عباس قال كن يحبسن في البيوت ان ماتت ماتت
وان عاشت عاشت لما نزل واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم
فان شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا حتى نزلت الزانية
والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة (قوله قال ابن عيينة رأفة في إقامة الحد) كذا
للأكثر وسقط في لبعضهم ولبعضهم بن علية بلام وتحتانية ثقيلة وعليه جرى ابن بطال والأول
المعتمد وقد ذكر مغلطاي في شرحه أنه رآه في تفسير سفيان بن عيينة (قلت) ووقع نظيره عند ابن
أبي شيبة عن مجاهد بسند صحيح إليه وزاد بعد قوله في إقامة الحد يقام ولا يعطل والمراد بتعطيل
الحد تركه أصلا أو نقصه عددا ومعنى وقوله تعالى وليشهد عذابها طائفة نقل ابن المنذر عن أحمد
الاجتزاء بواحد وعن إسحاق اثنين وعن الزهري ثلاثة وعن مالك والشافعي أربعة وعن ربيعة
ما زاد عليها وعن الحسن عشرة ونقل ابن أبي شيبة بأسانيده عن مجاهد أدناها رجل وعن محمد بن
كعب في قوله إن نعف عن طائفة منكم قال هو رجل واحد وعن عطاء اثنان وعن الزهري
ثلاثة وسيأتي في أول خبر الواحد ما جاء في قوله وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا (قوله عبد
العزيز) هو ابن أبي سلمة الماجشون (قوله عن زيد بن خالد) هكذا اختصر عبد العزيز من
السند ذكر أبي هريرة ومن المتن سياق قصة العسيف كلها واقتصر منها على قوله يأمر فيمن زنى ولم
يحصن جلد مائة وتغريب عام ويحتمل أن يكون ابن شهاب اختصره لما حدث به عبد العزيز
وقوله جلد مائة بالنصب على نزع الخافض ووقع في رواية النسائي من طريق عبد الرحمن بن
مهدي عن عبد العزيز بلفظ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر فيمن زنى ولم يحصن بجلد
مائة وتغريب عام وقوله قال ابن شهاب وهو موصول بالسند المذكور (قوله أن عمر بن الخطاب)
هو منقطع لان عروة لم يسمع من عمر لكنه ثبت عن عمر من وجه آخر أخرجه الترمذي والنسائي
وصححه ابن خزيمة والحاكم من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن
النبي صلى الله عليه وسلم ضرب وغرب وأن أبا بكر ضرب وغرب وان عمر ضرب وغرب أخرجوه
من رواية عبد الله بن إدريس عنه وذكر الترمذي أن أكثر أصحاب عبيد الله بن عمر رووه عنه
موقوفا على أبي بكر وعمر (قوله غرب ثم لم تزل تلك السنة) زاد عبد الرزاق في روايته
عن مالك حتى غرب مروان ثم ترك الناس ذلك يعني أهل المدينة (قوله في رواية الليث عن
عقيل) ووقع عند الإسماعيلي في رواية حجاج بن محمد عن الليث حدثني عقيل (قوله عن
سعيد بن المسيب) هكذا خالف عقيل عبد العزيز بن أبي سلمة في شيخ الزهري فإن كان هذا المتن
مختصرا من قصة العسيف فقد وافق عبد العزيز جميع أصحاب الزهري فان شيخه عندهم عبيد
الله بن عتبة لا سعيد بن المسيب وإن كان حديث آخر فالراجح قول عقيل لأنه أحفظ
لحديث الزهري من عبد العزيز لكن قد روى عقيل عن الزهري الحديث الآخر موافقا لعبد
العزيز أخرجهما النسائي من طريق حجين بمهملة ثم جيم مصغر بن المثنى عن الليث عن عقيل عن
ابن شهاب فذكر الحديثين على الولاء حديث زيد بن خالد من رواية عبيد الله عنه وحديث أبي
هريرة من رواية سعيد بن المسيب عنه وابن شهاب صاحب حديث لا يستنكر منه حمله الحديث
عن جماعة بألفاظ مختلفة (قوله بنفي عام وبإقامة الحد عليه) وقع في رواية النسائي أن
140

ينفى عاما مع إقامة الحد عليه وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق حجاج بن محمد عن الليث
وعرف أن الباء في رواية يحيى بن بكير بمعنى مع والمراد بإقامة الحد ما ذكر في رواية عبد العزيز جلد
المائة وأطلق عليها الجلد لكونها بنص القرآن وقد تمسك بهذه الرواية من زعم أن النفي تعزير
وأنه ليس جزءا من الحد وأجيب بأن الحديث يفسر بعضه بعضا وقد وقع التصريح في قصة
العسيف من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم أن عليه جلد مائة وتغريب عام وهو ظاهر في كون
الكل حده ولم يختلف على راويه في لفظه فهو أرجح من حكاية الصحابي مع الاختلاف ومما
يؤيد كون حديثي الباب واحد مع أنه اختلف علي ابن شهاب في تابعيه وصحابيه أن الزيادة التي
عن عمر عند عبد العزيز في حديث زيد بن خالد وقعت عند عقيل في حديث أبي هريرة ففي آخر
رواية حجاج بن محمد التي أشرت إليها عند الإسماعيلي قال ابن شهاب وكان عمر ينفي من المدينة
إلى البصرة والى خيبر وفيه إشارة إلى بعد المسافة وقربها في النفي بحسب ما يراه الامام وأن ذلك
لا يتقيد والذي تحرر لي من هذا الاختلاف أن في حديثي الباب اختصارا من قصة العسيف وأن
أصل الحديث كان عند عبيد الله بن عتبة عن أبي هريرة وزيد بن خالد جميعا فكان يحدث به
عنهما بتمامه وربما حدث عنه عن زيد بن خالد باختصار وكان عند سعيد بن المسيب عن أبي هريرة
وحده باختصار والله أعلم وفي الحديث جواز الجمع بين الحد والتعزير خلافا للحنفية ان أخذ
بظاهر قوله مع إقامة الحد وجواز الجمع بين الجلد والنفي في حق الزاني الذي لم يحصن خلافا
لهم أيضا ان قلنا إن الجميع حد واحتج بعضهم بأن حديث عبادة الذي فيه النفي منسوخ بآية
النور لان فيها الجلد بغير نفي وتعقب بأنه يحتاج إلى ثبوت التاريخ وبأن العكس أقرب فان آية
الجلد مطلقة في حق كل زان فخص منها في حديث عبادة الثيب ولا يلزم من خلو آية النور عن
النفي عدم مشروعيته كما لم يلزم من خلوها من الرجم ذلك ومن الحجج القوية أن قصة العسيف
كانت بعد آية النور لأنها كانت في قصة الإفك وهي متقدمة على قصة العسيف لان أبا هريرة
حضرها وانما هاجر بعد قصة الإفك بزمن (قوله باب نفي أهل المعاصي
والمخنثين) كأنه أراد الرد على من أنكر النفي على غير المحارب فبين أنه ثابت من فعل النبي صلى
الله عليه وسلم ومن بعده في حق غير المحارب وإذا ثبت في حق من لم يقع منه كبيرة فوقوعه فيمن
أتى كبيرة بطريق الأولى وقد تقدم ضبط المخنث في باب ما ينهى من دخول المتشبهين بالنساء على
المرأة في أواخر النكاح (قوله هشام) هو الدستوائي ويحيى هو ابن أبي كثير وقد تقدم بيان
الاختلاف على هشام في سنده في كتاب اللباس في باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت مع
بقية شرحه (قوله وأخرج عمر فلانا) سقط لفظ عمر من رواية غير أبي ذر وقد أخرج أبو داود
الحديث عن مسلم بن إبراهيم شيخ البخاري فيه بعد قوله وقال أخرجوهم من بيوتكم وأخرجوا
فلانا وفلانا يعني المخنثين وتقدم في اللباس عن معاذ بن فضالة عن هشام كرواية أبي ذر هنا وكذا
عند أحمد عن يزيد بن هارون وغيره عن هشام وذكرت هناك اسم من نفاه النبي صلى الله عليه
وسلم من المدينة ولم أذكر اسم الذي نفاه عمر ثم وقفت في كتاب المغربين لأبي حسن المدايني من
طريق الوليد بن سعيد قال سمع عمر قوما يقولون أبو ذؤيب أحسن أهل المدينة فدعا به فقال
أنت لعمري فأخرج عن المدينة فقال إن كنت تخرجني فإلى البصرة حيث أخرجت يا عمر
141

نصر بن حجاج وذكر قصة نصر بن حجاج وهي مشهورة وساق قصة جعدة السلمي وأنه كان يخرج
مع النساء إلى البقيع ويتحدث إليهن حتى كتب بعض الغزاة إلى عمر يشكو ذلك فأخرجه وعن
مسلمة بن محارب عن إسماعيل بن مسلم أن أمية بن يزيد الأسدي ومولى مزينة كانا يحتكران
الطعام بالمدينة فأخرجهما عمر ثم ذكر عدة قصص لمبهم ومعين فيمكن التفسير في هذه القصة
ببعض هؤلاء قال ابن بطال أشار البخاري بإيراد هذه الترجمة عقبة ترجمة الزاني إلى أن النفي إذا
شرع في حق من أتى معصية لا حد فيها فلان يشرع في حق من أتى ما فيه حد أولي فتتأكد
السنة الثابتة بالقياس ليرد به على من عارض السنة بالقياس فإذا تعارض القياسان بقيت السنة
بلا معارض واستدل به على أن المراد بالمخنثين المتشبهون بالنساء لا من يؤتى فان ذلك حده الرجم
ومن وجب رجمه لا ينفى وتعقب بأن حده مختلف فيه والأكثر أن حكمه حكم الزاني فان ثبت
عليه جلد ونفي لأنه لا يتصور فيه الاحصان وإن كان يتشبه فقط نفي فقط وقيل أن في الترجمة
إشارة إلى ضعف القول الصائر إلى رجم الفاعل والمفعول به وأن هذا الحديث الصحيح لم يأت فيه
إلا النفي وفي هذا نظر لأنه لم يثبت عن أحد ممن أخرجهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يؤتى وقد
أخرج أبو داود من طريق أبي هاشم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بمخنث
قد خضب يديه ورجليه فقالوا ما بال هذا قيل يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى النقيع يعني بالنون
والله أعلم (قوله باب من أمر غير الامام بإقامة الحد غائبا عنه) قال الكرماني
في هذا التركيب قلق وكان الأولى أن يبدل لفظ غير بالضمير فيقول من أمره الامام الخ وقال
ابن بطال قد ترجم بعد يعني في آخر أبواب الحدود هل يأمر الامام رجلا فيضرب الحد غائبا
عنه ومعنى الترجمتين واحد كذا قال ويظهر لي أن بينهما تغايرا من جهة أن قوله في الأول غائبا
عنه حال من المأمور وهو الذي يقيم الحد وفي الآخر حال من الذي يقام عليه الحد ثم ذكر
حديث أبي هريرة وزيد بن خالد في قصة العسيف وقد مضى شرحه مستوفى قريبا وقوله في هذه
الرواية فقام خصمه فقال صدق اقض له يا رسول الله بكتاب الله إن ابني قال الكرماني القائل
هو الأعرابي لا خصمه لأنه وقع في كتاب الصلح جاء أعرابي فقال يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله
فقام خصمه وقال صدق اقض بيننا بكتاب الله فقال الأعرابي إن ابني كان عسيفا (قلت) بل
الذي قال اقض بيننا هو والد العسيف ففي الرواية الماضية قريبا في باب الاعتراف بالزنا فقام
خصمه وكان أفقه منه فقال اقض بيننا بكتاب الله وأذن لي الخ هذه رواية سفيان بن عيينة
ووافقه الجمهور فتقدمت رواية مالك في الايمان والنذور ورواية الليث في الشروط وتأتي
رواية صالح بن كيسان وشعيب بن أبي حمزة في خبر الواحد وكذا أخرجه مسلم من رواية
الليث وصالح بن كيسان ومعمر وساقه على لفظ الليث ومع ذلك فالاختلاف في هذا علي
ابن أبي ذئب فإنه رواه عن الزهري هنا وفي الصلح فالراوي له في الصلح عن ابن أبي ذئب آدم
ابن أبي إياس وهنا عاصم بن علي وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق يزيد بن هارون عن ابن أبي
ذئب فوافق عاصم بن علي وهذا هو المعتمد وان قوله في رواية آدم فقال الأعرابي زيادة إلا
إن كان كل من الخصمين متصفا بهذا الوصف وليس ذلك ببعيد والله أعلم (قوله
باب قول الله تعالى ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات الآية)
142

كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة إلى قوله والله غفور رحيم قال الواحدي قرئ المحصنات
في القرآن بكسر الصاد وفتحها إلا في قوله تعالى والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم
فبالفتح جزما وقرئ فإذا أحصن بالضم وبالفتح فبالضم معناه التزويج وبالفتح معناه الاسلام
وقال غيره اختلف في احصان الأمة فقال الأكثر إحصانها التزويج وقيل العتق وعن ابن عباس
وطائفة إحصانها التزويج ونصره أبو عبيد وإسماعيل القاضي واحتج له بأنه تقدم في الآية قوله
تعالى من فتياتكم المؤمنات فيبعد أن يقول بعده فإذا أسلمن قال فإن كان المراد التزويج كان
مفهومه أنها قبل أن تتزوج لا يجب عليها الحد إذا زنت وقد أخذ به ابن عباس فقال لا حد على
الأمة إذا زنت قبل أن تتزوج وبه قال جماعة من التابعين وهو قول أبي عبيد القاسم بن سلام
وهو وجه للشافعية واحتج بما أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس ليس على الأمة حد حتى
تحصن وسنده حسن لكن اختلف في رفعه ووقفه والأرجح وقفه وبذلك جزم ابن خزيمة وغيره
وادعى ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ أنه منسوخ بحديث الباب وتعقب بأن النسخ يحتاج
إلى تاريخ وهو لم يعلم وقد عارضه حديث علي أقيموا الحدود على أرقائكم من أحصن منهم
ومن لم يحصن واختلف أيضا في رفعه ووقفه والراجح أنه موقوف لكن سياقه في مسلم يدل على
رفعه فالتمسك به أقوى وإذا حمل الاحصان في الحديث على التزويج وفي الآية على الاسلام
حصل الجمع وقد بينت السنة أنها إذا زنت قبل الاحصان تجلد وقال غيره التقييد بالاحصان يفيد
أن الحكم في حقها الجلد لا الرجم فأخذ حكم زناها بعد الاحصان من الكتاب وحكم زناها قبل
الاحصان من السنة والحكمة فيه أن الرجم لا يتنصف فاستمر حكم الجلد في حقها قال البيهقي
ويحتمل أن يكون نص على الجلد في أكمل حاليها ليستدل به على سقوط الرجم عنها لا على إرادة
إسقاط الجلد عنها إذا لم تتزوج وقد بينت السنة أن عليها الجلد وان لم تحصن (قوله غير مسافحات
زواني ولا متخذات أخدان أخلاء) بفتح الهمزة وكسر المعجمة والتشديد جمع خليل وهذا التفسير
ثبت في رواية المستملي وحده وقد أخرجه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
مثله والمسافحات جمع مسافحة مأخوذ من السفاح وهو من أسماء الزنا والأخدان جمع خدن
بكسر أوله وسكون ثانيه وهو الخدين والمراد به الصاحب قال الراغب وأكثر ما يستعمل فيمن
يصاحب غيره بشهوة وأما قول الشاعر في المدح خدين المعالي فهو استعارة (قلت) والنكتة فيه
أنه جعله يشتهي معالي الأمور كما يشتهي غيره الصورة الجميلة فجعله خدينا لها وقال غيره الخدين
الخليل في السر (قوله باب إذا زنت الأمة) أي ما يكون حكمها وسقطت هذه
الترجمة للأصيلي وجرى على ذلك ابن بطال وصار الحديث المذكور فيها حديث الباب المذكور
قبلها ولكن صرح الإسماعيلي بأن الباب الذي قبلها لا حديث فيه وقد تقدم الجواب على نظيره
وأنه إما أن يكون أخلى بياضا في المسودة فسده النساخ بعده وإما أن يكون اكتفى بالآية
وتأويلها عن الحديث المرفوع وهذا هو الأقرب لكثرة وجود مثله في الكتاب (قوله
عن أبي هريرة وزيد بن خالد) سبق التنبيه في شرح قصة العسيف على أن الزبيدي ويونس
زادا في روايتهما لهذا الحديث عن الزهري شبل بن خليل أو ابن حامد وتقدم بيانه مفصلا
(قوله سئل عن الأمة) في رواية حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أتى رجل النبي صلى الله
143

عليه وسلم فقال إن جاريتي زنت فتبين زناها قال اجلدها ولم أقف على اسم هذا الرجل
(قوله إذا زنت ولم تحصن) تقد القول في المراد بهذا الاحصان قال ابن بطال زعم من قال
لا جلد عليها قبل التزويج بأنه لم يقل في هذا الحديث ولم تحصن غير مالك وليس كما زعموا فقد رواه
يحيى بن سعيد الأنصاري عن ابن شهاب كما قال مالك وكذا رواه طائفة عن ابن عيينة عنه (قلت)
رواية يحيى بن سعيد أخرجها النسائي ورواية ابن عيينة تقدمت في البيوع ليس فيها ولم تحصن
وزادها النسائي في روايته عن الحارث بن مسكين عن ابن عيينة بلفظ سئل عن الأمة تزني قبل أن
تحصن وكذا عند ابن ماجة عن أبي بكر ابن أبي شيبة ومحمد بن الصباح كلاهما عن ابن عيينة وقد
رواه عن ابن شهاب أيضا صالح بن كيسان كما قال مالك وتقدمت روايته في كتاب البيوع في باب
بيع المدبر وكذا أخرجهما مسلم والنسائي ووقع في رواية سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة هناك
بدونها وسيأتي قريبا أيضا وعلى تقدير أن مالكا تفرد بها فهو من الحفاظ وزيادته مقبولة وقد
سبق الجواب عن مفهومها (قوله قال إن زنت فاجلدوها) قيل أعاد الزنا في الجواب غير مقيد
بالاحصان للتنبيه على أنه لا أثر له وأن موجب الحد في الأمة مطلق الزنا ومعنى اجلدوها الحد
اللائق بها المبين في الآية وهو نصف ما على الحرة وقد وقع في رواية أخرى عن أبي هريرة فليجلدها
الحد والخطاب في اجلدوها لمن يملك الأمة فاستدل على أن السيد يقيم الحد على من يملكه من
جارية وعبد أما الجارية فبالنص وأما العبد فبالالحاق وقد اختلف السلف فيمن يقيم الحدود على
الأرقاء فقالت طائفة لا يقيمها إلا الامام أو من يأذن له وهو قول الحنفية وعن الأوزاعي والثوري
لا يقيم السيد إلا حد الزنا واحتج الطحاوي بما أورده من طريق مسلم بن يسار قال كان أبو عبد الله
رجل من الصحابة يقول الزكاة والحدود والفئ والجمعة إلى السلطان قال الطحاوي لا نعلم له
مخالفا من الصحابة وتعقبه ابن حزم فقال بل خالفه اثنا عشر نفسا من الصحابة وقال آخرون يقيمها
السيد ولو لم يأذن له الامام وهو قول الشافعي وأخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن ابن عمر في
الأمة إذا زنت ولا زوج لها يحدها سيدها فإن كانت ذات زوج فأمرها إلى الامام وبه قال مالك
إلا إن كان زوجها عبدا لسيدها فأمرها إلى السيد واستثنى مالك القطع في السرقة وهو وجه
للشافعية وفي آخر يستثنى حد الشرب واحتج للمالكية بأن في القطع مثله فلا يؤمن السيد أن يريد
أن يمثل بعبده فيخشى أن يتصل الامر بمن يعتقد أنه يعتق بذلك فيدعي عليه السرقة لئلا يعتق
فيمنع من مباشرته القطع سدا للذريعة وأخذ بعض المالكية من هذا التعليل اختصاص ذلك بما
إذا كان مستند السرقة علم السيد أو الاقرار بخلاف ما لو ثبتت بالبينة فإنه يجوز للسيد لفقد العلة
المذكورة وحجة الجمهور حديث علي المشار إليه قبل وهو عند مسلم والثلاثة وعند الشافعية
خلاف في اشتراط أهلية السيد لذلك وتمسك من لم يشترط بأن سبيله سبيل الاستصلاح فلا يفتقر
للأهلية وقال ابن حزم يقيمه السيد إلا إن كان كافرا واحتج بأنهم لا يقرون إلا بالصغار وفي
تسليطه على إقامة الحد منافاة لذلك وقال ابن العربي في قول مالك إن كانت الأمة ذات زوج
لم يحدها الامام من أجل أن للزوج تعلقا بالفرج في حفظه عن النسب الباطل والماء الفاسد
لكن حديث النبي صلى الله عليه وسلم أولى أن يتبع يعني حديث علي المذكور الدال على
التعميم في ذات الزوج وغيرها وقد وقع في بعض طرقه من أحصن منهم ومن لم يحصن (قوله
144

ثم بيعوها ولو بضفير) بفتح الضاد المعجمة غير المشالة ثم فاء أي المضفور فعيل بمعنى مفعول زاد يونس
وابن أخي الزهري والزبيدي ويحيى بن سعيد كلهم عن ابن شهاب عند النسائي والضفير الحبل
وهكذا أخرجه عن قتيبة عن مالك وزادها عمار بن أبي قرة عن محمد بن مسلم وهو ابن شهاب
الزهري عند النسائي وابن ماجة لكن خالف في الاسناد فقال إن محمد بن مسلم حدثه أن عروة
عروة وعمرة حدثاه أن عائشة حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا زنت الأمة فاجلدوها
وقال في آخره ولو بضفير والضفير الحبل وقوله الضفير الحبل مدرج في هذا الحديث من
قول الزهري على ما بين في رواية القعنبي عن مالك عند مسلم وأبي داود فقال في آخره قال ابن
شهاب والضفير الحبل وكذلك ذكره الدارقطني في الموطآت منسوبا لجميع من روى الموطأ إلا ابن
مهدي فان ظاهر سياقه أنه أدرجه أيضا ومنهم من لم يذكر قوله والضفير الحبل كما في رواية الباب
(قوله قال ابن شهاب) هو موصول بالسند المذكور (قوله لا أدري بعد الثالثة أو الرابعة)
لم يختلف في رواية مالك في هذا وكذا في رواية صالح بن كيسان وابن عيينة وكذا في رواية يونس
والزبيدي عن الزهري عند النسائي وكذا في رواية معمر عند مسلم وأدرجه في رواية يحيى بن سعيد
عند النسائي ولفظه ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير بعد الثالثة أو الرابعة ولم يقل
قال ابن شهاب وعن قتيبة وعن مالك كذلك وأدرج أيضا في رواية محمد بن أبي فروة عن الزهري
في حديث عائشة عند النسائي والصواب التفصيل وأما الشك في الثالثة أو في الرابعة فوقع في
حديث أبي صالح عن أبي هريرة عند الترمذي فليجلدها ثلاثا فان عادت فليبعها ونحوه في مرسل
عكرمة عند أبي قرة بلفظ وإذا زنت الرابعة فبيعوها ووقع في رواية سعيد المقبري المذكورة
في الباب الذي يليه ثم إن زنت الثالثة فليبعها ومحصل الاختلاف هل يجلدها الرابعة قبل
البيع أو يبيعها بلا جلد والراجح الأول ويكون سكوت من سكت عنه للعلم بأن الجلد لا يترك
ولا يقوم البيع مقامه ويمكن الجمع بأن البيع يقع بعد المرة الثالثة في الجلد لأنه المحقق فيلغي
الشك والاعتماد على الثلاث في كثير من الأمور المشروعة وقوله ولو بضفير أي حبل مضفور ووقع
في رواية المقبري ولو بحبل من شعر وأصل الضفر نسج الشعر وإدخال بعضه في بعض ومنه ضفائر
شعر الرأس للمرأة وللرجل قيل لا يكون مضفورا إلا إن كان من ثلاث وقيل شرطه أن يكون
عريضا وفيه نظر وفي الحديث أن الزنا عيب يرد به الرقيق للامر بالحط من قيمة المرقوق إذا وجد
منه الزنا كذا جزم به النووي تبعا لغيره وتوقف فيه ابن دقيق العيد لجواز أن يكون المقصود الامر
بالبيع ولو انحطت القيمة فيكون ذلك متعلقا بأمر وجودي لا إخبارا عن حكم شرعي إذ ليس
في الخبر تصريح بالامر من حط القيمة وفيه أن من زنى فأقيم عليه الحد ثم عاد أعيد عليه بخلاف
من زنى مرارا فإنه يكتفى فيه بإقامة الحد عليه مرة واحدة على الراجح وفيه أن الزجر عن مخالطة
الفساق ومعاشرتهم ولو كانوا من الالزام إذا تكرر زجرهم ولم يرتدعوا ويقع الزجر بإقامة الحد
فيما شرع فيه الحد وبالتعزير فيما لا حد فيه وفيه جواز عطف الامر المقتضي للندب على الامر
المقتضي للوجوب لان الامر بالجلد واجب والامر بالبيع مندوب عند الجمهور خلافا لأبي ثور
وأهل الظاهر وادعى بعض الشافعية أن سبب صرف الامر عن الوجوب أنه منسوخ وممن حكاه
ابن الرفعة في المطلب ويحتاج إلى ثبوت وقال ابن بطال حمل الفقهاء الامر بالبيع على الحض
145

على مساعدة من تكرر منه الزنا لئلا يظن بالسيد الرضا بذلك ولما في ذلك من الوسيلة إلى تكثير
أولاد الزنا قال وحمله بعضهم على الوجوب ولا سلف له من الأمة فلا يستقل به وقد ثبت النهي
عن إضاعة المال فكيف يجب بيع الأمة ذات القيمة بحبل من شعر لا قيمة له فدل على أن المراد
الزجر عن معاشرة من تكرر منه ذلك وتعقب بأنه لا دلالة فيه على بيع الثمين بالحقير وإن كان
بعضهم قد استدل به على جواز بيع المطلق التصرف ماله بدون قيمته ولو كان بما يتغابن بمثله إلا أن
قوله ولو بحبل من شعر لا يراد به ظاهره وانما ذكر المبالغة كما وقع في حديث من بنى لله مسجدا
ولو كمفحص قطاة على أحد الأجوبة لان قدر المفحص لا يسع أن يكون مسجدا حقيقة فلو وقع
ذلك في عين مملوكة للمحجور فلا يبيعها وليه إلا بالقيمة ويحتمل أن يطرد لان عيب الزنا تنقص به
القيمة عند كل أحد فيكون بيعها بالنقصان بيعا بثمن المثل نبه عليه القاضي عياض ومن تبعه
وقال ابن العربي المراد من الحديث الاسراع بالبيع وامضاؤه ولا يتربص به طلب الراغب
في الزيادة وليس المراد بيعه بقيمة الحبل حقيقة وفيه أنه يجب على البائع أن يعلم المشتري بعيب
السلعة لان قيمتها انما تنقص مع العلم بالعيب حكاه ابن دقيق العيد وتعقبه بأن العيب لو لم يعلم
تنقص القيمة فلا يتوقف على الاعلام واستشكل الامر ببيع الرقيق إذا زنى مع أن كل مؤمن
مأمور أن يرى لأخيه ما يرى لنفسه ومن لازم البيع أن يوافق أخاه المؤمن على أن يقتني
ما لا يرضى اقتناءه لنفسه وأجيب بأن السبب الذي باعه لأجله ليس محقق الوقوع عند المشتري
لجواز أن يرتدع الرقيق إذا علم أنه متى عاد أخرج فان الاخراج من الوطن المألوف شاق ولجواز
أن يقع الاعفاف عند المشتري بنفسه أو بغيره قال ابن العربي يرجى عند تبديل المحل تبديل
الحال ومن المعلوم أن للمجاورة تأثير في الطاعة وفي المعصية قال النووي وفيه أن الزاني إذا حد
ثم زنى لزمه حد آخر ثم كذلك أبدا فإذا زنى مرات ولم يحد فلا يلزمه إلا حد واحد (قلت) من
قوله فإذا زنى ابتداء كلام قاله لتكميل الفائدة وإلا فليس في الحديث ما يدل عليه اثباتا ولا نفيا
بخلاف الشق الأول فإنه ظاهر وفيه إشارة إلى أن العقوبة في التعزيرات إذا لم يفد مقصودها من
الزجر لا يفعل لان إقامة الحد واجبة فلما تكرر ذلك ولم يفد عدل إلى ترك شرط إقامته على السيد
وهو الملك ولذلك قال بيعوها ولم يقل اجلدوها كلما زنت ذكره ابن دقيق العيد وقال قد تعرض
إمام الحرمين لشئ من ذلك فقال إذا علم المعزر أن التأديب لا يحصل إلا في الضرب المبرح فليتركه لان
المبرح يهلك وليس له الاهلاك وغير المبرح لا يفيد قال الرافعي وهو مبني على أن الامام لا يجب
عليه تعزير من يستحق التعزير فان قلنا يجب التحق بالحد فليعزره بغير المبرح وإن لم ينزجر وفيه أن
السيد يقيم الحد على عبده وإن لم يستأذن السلطان وسيأتي البحث فيه بعد ثلاثة أبواب (قوله
باب لا يثرب على الأمة إذا زنت ولا تنفى) أما التثريب بمثناة ثم مثلثة ثم موحدة فهو
التعنيف وزنه ومعناه وقد جاء بلفظ ولا يعنفها في رواية عبيد الله العمري عن سعيد المقبري عند
النسائي وأما النفي فاستنبطوه من قوله فليبعها لان المقصود من النفي الابعاد عن الوطن الذي
وقعت فيه المعصية وهو حاصل بالبيع وقال بن بطال وجه الدلالة أنه قال فليجلدها وقال
فليبعها فدل على سقوط النفي لان الذي ينفى لا يقدر على تسليمه الا بعد مدة فأشبه الآبق (قلت)
وفيه نظر لجواز أن يتسلمه المشتري مسلوب المنفعة مدة النفي أو يتفق بيعه لمن يتوجه إلى المكان
146

الذي يصدق عليه وجود النفي وقال ابن العربي تستثنى الأمة لثبوت حق السيد فيقدم على حق
الله وانما لم يسقط الحد لأنه الأصل والنفي فرع (قلت) وتمامه أن يقال روعي حق السيد فيه
أيضا بترك الرجم لأنه فوت المنفعة من أصلها بخلاف الجلد واستمر نفي العبد إذ لا حق للسيد في
الاستمتاع به واستدل من استثنى نفي الرقيق بأنه لا وطن له وفي نفيه قطع حق السيد لان عموم
الامر بنفي الزاني عارضه عموم نهي المرأة عن السفر بغير المحرم وهذا خاص بالإماء من الرقيق دون
الذكور وبه احتج من قال لا يشرع نفي النساء مطلقا كما تقدم في باب البكران يجلدان وينفيان
واختلف من قال بنفي الرقيق فالصحيح نصف سنة وفي وجه ضعيف عند الشافعية سنة كاملة
وفي ثالث لا نفي على رقيق وهو قول الأئمة الثلاثة والأكثر (قوله إذا زنت الأمة فتبين زناها)
أي ظهر وشرط بعضهم أن يظهر بالبينة مراعاة للفظ تبين وقيل يكتفي في ذلك بعلم السيد (قوله
فليجلدها) أي الحد الواجب عليها المعروف من صريح الآية فعليهن نصف ما على المحصنات
من العذاب ووقع في رواية للنسائي من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة فليجلدوها
بكتاب الله (قوله ولا يثرب) أي لا يجمع عليها العقوبة بالجلد وبالتعيير وقيل المراد لا يقتنع
بالتوبيخ دون الجلد وفي رواية سعيد عن أبي هريرة عند عبد الرزاق ولا يعيرها ولا يفندها قال ابن
بطال يؤخذ منه أن كل من أقيم عليه الحد لا يعزر بالتعنيف واللوم وانما يليق ذلك بمن صدر منه
قبل أن يرفع إلى الامام للتحذير والتخويف فإذا رفع وأقيم عليه الحد كفاه (قلت) وقد تقدم قريبا
نهيه صلى الله عليه وسلم عن سب الذي أقيم عليه حد الخمر وقال لا تكونوا أعوانا للشيطان على
أخيكم (قوله تابعه إسماعيل بن أمية عن سعيد عن أبي هريرة) يريد في المتن لا في السند لأنه نقص
منه قوله عن أبيه ورواية إسماعيل وصلها النسائي من طريق بشر بن المفضل عن إسماعيل بن أمية
ولفظه مثل الليث إلا أنه قال فان عادت فزنت فليبعها والباقي سواء ووافق الليث على زيادة قوله
عن أبيه محمد بن إسحاق أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي ووافق إسماعيل على حذفه عبيد الله بن
عمرو العمري عندهم وأيوب بن موسى عند مسلم والنسائي ومحمد بن عجلان وعبد الرحمن بن إسحاق
عند النسائي ووقع في رواية عبد الرحمن المذكور عن سعيد سمعت أبا هريرة ولإسماعيل فيه شيخ
آخر رواه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه عند الزهري عن حميد عن أبي هريرة أخرجه النسائي
وقال أنه خطأ والصواب الأول ووقع في رواية حميد هذه بلفظ آخر قال أتى النبي صلى الله عليه
وسلم رجل فقال جاريتي زنت فتبين زناها قال اجلدها خمسين الحديث (قوله باب
أحكام أهل الذمة) أي اليهود والنصارى وسائر من تؤخذ منه الجزية (قوله وإحصانهم
إذا زنوا) يعني خلافا لمن قال أن من شروط الاحصان الاسلام (قوله ورفعوا إلى الامام)
أي سواء جاءوا إلى حاكم المسلمين ليحكموه أو رفعهم إليه غيرهم متعديا عليهم خلافا لمن قيد ذلك
بالشق الأول كالحنفية وسأذكر ذلك مبسوطا وذكر فيه الحديثين الحديث الأول (قوله عبد
الواحد) هو ابن زياد والشيباني هو أبو إسحاق سليمان (قوله عن الرجم) أي رجم من ثبت
أنه زنى وهو محصن (قوله فقال رجم النبي صلى الله عليه وسلم) كذا أطلق فقال الكرماني
مطابقته للترجمة من حيث الاطلاق (قلت) والذي ظهر لي أنه جرى على عادته في الإشارة إلى
ما ورد في بعض طرق حديث وهو ما أخرجه أحمد والإسماعيلي والطبراني من طريق هشيم عن
147

الشيباني قال قلت هل رجم النبي صلى الله عليه وسلم فقال نعم رجم يهوديا ويهودية وسياق
أحمد مختصر (قوله أقبل النور) أي سورة النور والمراد بالقبلية النزول (قوله أم بعد) في
رواية الكشميهني أم بعده (قوله لا أدري) فيه أن الصحابي الجليل قد تخفى عليه بعض الأمور
الواضحة وأن الجواب من الفاضل بلا أدري لا عيب عليه فيه بل يدل على تحريه وتثبته فيمدح
به (قوله تابعه علي بن مسهر) قلت وصلها ابن أبي شيبة عنه عن الشيباني قال قلت لعبد
الله بن أبي أوفى فذكر مثله بلفظ قلت بعد سورة النور (قوله وخالد بن عبد الله) أي
الطحان وهي عند المؤلف في باب رجم المحصن وقد تقدم لفظه (قوله والمحاربي يعني عبد
الرحمن بن محمد الكوفي (قوله وعبيدة) بفتح أوله وأبوه حميد بالتصغير ومتابعته وصلها
الإسماعيلي من رواية أبي ثور وأحمد بن منيع قالا حدثنا عبيدة بن حميد وجرير هو ابن عبد الله
الشيباني ولفظه قلت قبل النور أو بعدها (قوله وقال بعضهم) أي بعض المسلمين وهو
عبيدة فان لفظه في مسند أحمد بن منيع ومن طريقه الإسماعيلي فقلت بعد سورة المائدة
أو قبلها كذا وقع في رواية هشيم التي أشرت إليها قبل (قوله والأول أصح) أي في ذكر النور
(قلت) ولعل من ذكره توهم من ذكر اليهودي واليهودية ان المراد سورة المائدة لان فيها
الآية التي نزلت بسبب سؤال اليهود عن حكم اللذين زنيا منهم الحديث الثاني (قوله عن
نافع) في موطأ محمد بن الحسن وحده حدثنا نافع قاله الدارقطني في الموطآت (قوله إن اليهود
جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا) ذكر السهيلي عن
ابن العربي أن اسم المرأة بسرة بضم الموحدة وسكون المهملة ولم يسم الرجل وذكر أبو داود
السبب في ذلك من طريق الزهري سمعت رجلا من مزينة ممن تبع العلم وكان عند سعيد بن
المسيب يحدث عن أبي هريرة قال زنى رجل من اليهود بامرأة فقال بعضهم لبعض اذهبوا بنا إلى
هذا النبي فإنه بعث بالتخفيف فان أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله وقلنا
فتيا نبي من أنبيائك قال فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا
يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة زنيا منهم ونقل ابن العربي عن الطبري والثعلبي عن المفسرين
قالوا انطلق قوم من قريظة والنضير منهم كعب بن الأشرف وكعب بن أسد وسعيد بن عمرو
ومالك بن الصيف وكنانة بن أبي الحقيق وشاس بن قيس ويوسف بن عازوراء فسألوا النبي صلى الله
عليه وسلم وكان رجل وامرأة من أشراف أهل خيبر زنيا واسم المرأة بسرة وكانت خيبر حينئذ
حربا فقال لهم اسألوه فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال اجعل بينك وبينهم ابن
صوريا فذكر القصة مطولة ورفض الطبري من طريق الزهري المذكورة أن أحبار اليهود اجتمعوا
في بيت المدراس وقد زنى رجل منهم بعد احصانه بامرأة منهم قد أحصنت فذكر القصة وفيها فقال
أخرجوا إلى عبد الله بن صوريا الأعور قال بن إسحاق ويقال أنهم أخرجوا معه أبا ياسر بن
أحطب ووهب بن يهودا فخلا النبي صلى الله عليه وسلم بابن صوريا فذكر الحديث ووقع عند مسلم
من حديث البراء مر على النبي صلى الله عليه وسلم يهودي محمما مجلودا فدعاهم فقال هكذا
تجدون حد الزنا في كتابكم قالوا نعم وهذا يخالف الأول من حيث أن فيه أنهم ابتدؤوا السؤال
قبل إقامة الحد وفي هذا أنهم أقاموا الحد قبل السؤال ويمكن الجمع بالتعدد بأن يكون الذين
148

سألوا عنهما غير الذي جلدوه ويحتمل أن يكون بادروا فجلدوه ثم بدا لهم فسألوا فاتفق المرور
بالمجلود في حال سؤالهم عن ذلك فأمرهم باحضارهما فوقع ما وقع والعلم عند الله ويؤيد الجمع
ما وقع عند الطبراني من حديث ابن عباس أن رهطا من اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم
ومعهم امرأة فقالوا يا محمد ما أنزل عليك في الزنا فيتجه أنهم جلدوا الرجل ثم بدا لهم أن يسألوا عن
الحكم فأحضروا المرأة وذكروا القصة والسؤال ووقع في رواية عبيد الله العمري عن نافع عن
ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بيهودي ويهودية زنيا ونحوه في رواية عبد الله بن دينار
عن بن عمر الماضية قريبا ولفظه أحدثا وفي حديث عبد الله بن الحرث عند البزار أن اليهود
أتوا بيهوديين زنيا وقد أحصنا (قوله ما تجدون في التوراة في شأن الرجم) قال الباجي يحتمل
أن يكون علم بالوحي أن حكم الرجم فيها ثابت على ما شرع لم يلحقه تبديل ويحتمل أن يكون
علم ذلك بأخبار عبد الله بن سلام وغيره ممن أسلم منهم على وجه حصل له به العلم بصحة نقلهم ويحتمل
أن يكون انما سألهم عن ذلك ليعلم ما عندهم فيه ثم يتعلم صحة ذلك من قبل الله تعالى (قوله
فقالوا نفضحهم) بفتح أوله وثالثه من الفضيحة قوله (ويجلدون) وقع بيان الفضيحة في رواية أيوب عن
نافع الآتية في التوحيد بلفظ قالوا نسخم وجوههما ونخزيهما وفي رواية عبد الله بن عمر قالوا
نسود وجوههما ونحممهما ونخالف بين وجوههما ويطاف بهما وفي رواية عبد الله بن دينار
ان أحبارنا أحدثوا تحميم الوجه والتجبية وفي حديث أبي هريرة يحمم ويجبه ويجلد والتجبية
أن يحمل الزانيان على حمار وتقابل أقفيتهما ويطاف بهما وقد تقدم في باب الرجم بالبلاط
النقل عن إبراهيم الحربي أنه جزم بأن تفسير التجبية من قول الزهري فكأنه أدرج في الخبر لان
أصل الحديث من روايته وقال المنذري يشبه أن يكون أصله الهمزة وأنه التجبئة وهي الردع
والزجر يقال جبأته تجبيئا أي ردعته والتجبية أن ينكس رأسه فيحتمل أن يكون من فعل به
ذلك ينكس رأسه استحياء فسمى ذلك الفعل تجبية ويحتمل أن يكون من الجبه وهو الاستقبال
بالمكروه وأصله من إصابة الجبهة تقول جبهته إذا أصبت جبهته كرأسته إذا أصبت رأسه وقال
الباجي ظاهر الامر قصدوا في جوابهم تحريف حكم التوراة والكذب على النبي إما رجاء أن
يحكم بينهم بغير ما أنزل الله وإما لانهم قصدوا بتحكيمه التخفيف عن الزانيين واعتقدوا أن ذلك
يخرجهم عما وجب عليهم أو قصدوا اختبار أمره لأنه من المقرر أن من كان نبيا لا يقر على باطل
فظهر بتوفيق الله نبيه كذبهم وصدقه ولله الحمد (قوله قال عبد الله بن سلام كذبتم إن فيها
الرجم) رواية أيوب وعبيد الله بن عمر قال فأتوا بالتوراة قال فاتلوها إذا كنتم صادقين (قوله فأتوا)
بصيغة الفعل الماضي وفي رواية أيوب فجاءوا وزاد عبد الله بن عمر بها فقرؤها وفي رواية زيد بن
أسلم فأتى بها فنزع الوسادة من تحته فوضع التوراة عليها ثم قال آمنت بك وبمن أنزلك وفي حديث
البراء عند مسلم فدعا رجلا من علمائهم فقال أنشدك بالله وبمن أنزلك وفي حديث جابر عند أبي داود
فقال ائتوني بأعلم رجلين منكم فأت بابن صوريا زاد الطبري في حديث ابن عباس ائتوني برجلين
من علماء بني إسرائيل فأتوا برجلين أحدهما شاب والآخر شيخ قد سقط حاجباه على عينيه من
الكبر ولابن أبي حاتم من طريق مجاهد أن اليهود استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الزانيين فأفتاهم بالرجم فأنكروه فأمرهم أن يأتوا بأحبارهم فناشدهم فكتموه إلا رجلا من
149

أصاغرهم أعور فقال كذبوك يا رسول الله في التوراة (قوله فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع
أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها) ونحوه في رواية عبد الله بن دينار وفي رواية
عبيد اللبن عمر فوضع الفتى الذي يقرأ يده على آية الرجم فقرأ ما بين يديها وما وراءها وفي رواية
أيوب فقال لرجل ممن يرضون يا أعور اقرأ فقرأ حتى انتهى إلى موضع منها فوضع يده عليه
واسم هذا الرجل عبد الله بن صوريا كما وقد وقع عند النقاش في تفسيره أنه أسلم لكن ذكر
مكي في تفسيره أنه ارتد بعد أن أسلم كذا ذكر القرطبي ثم وجدته عند الطبري بالسند المتقدم
في الحديث الماضي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ناشده قال يا رسول الله انهم ليعلمون أنك
نبي مرسل ولكنهم يحسدونك وقال في آخر الحديث ثم كفر بعد ذلك ابن صوريا ونزلت
فيه يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر الآية (قوله فقال له عبد الله بن سلام
ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم) في رواية عبد الله بن دينار فإذا آية الرجم تحت يده ووقع
في حديث البراء فحده الرجم ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا
أخذنا الوضيع أقمنا عليه الحد فقلنا تعالوا فلنجتمع على شئ نقيمه على الشريف والوضيع
فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم وقع بيان ما في التوراة من آية الرجم في رواية أبي هريرة
المحصن والمحصنة إذا زنيا فقامت عليهما البينة رجما وإن كانت المرأة حبلى تربص بها حتى
تضع ما في بطنها وفي حديث جابر عند أبي داود قالا نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا
ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما زاد البزار من هذا الوجه فان وجدوا الرجل
مع المرأة في بيت أو في ثوبها أو على بطنها فهي ريبة وفيها عقوبة قال فما منعكما أن ترجموهما
قالا ذهب سلطاننا فكرهنا القتل وفي حديث أبي هريرة فما أول ما ارتخصتم أمر الله قال
زنى ذو قرابة من الملك فأخر عنه الرجم ثم زنا رجل شريف فأرادوا رجمه فحال قومه دونه وقالوا
ابدأ بصاحبك فاصطلحوا على هذه العقوبة وفي حديث ابن عباس عند الطبراني انا كنا شيبة
وكان في نسائنا حسن وجه فكثر فينا فلم يقم له فصرنا نجلد والله أعلم (قوله فأمر بهما
رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما) زاد في حديث أبي هريرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم
فاني أحكم بما في التوراة وفي حديث البراء اللهم إني أول من أحيي أمرك إذ أماتوه ووقع في حديث
جابر من الزيادة أيضا فدعى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود فجاء أربعة فشهدوا انهم
رأوه ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة فأمر بهما فرجما (قوله فرأيت الرجل يحني) كذا
في رواية أبي ذر عن السرخسي بالحاء المهملة بعدها نون مكسورة ثم تحتانية ساكنة وعن
المستملي والكشميهني بجيم ونون مفتوحة ثم همزة وهو الذي قال ابن دقيق العيد إنه الراجح
في الرواية وفي رواية أيوب يجانئ بضم أوله وجيم مهموز قال ا بن عبد البر وقع في رواية
يحيى بن يحيى كالسرخسي والصواب يحني أي يميل وجملة ما حصل لنا من الاختلاف
من ضبط هذه اللفظة عشرة أوجه الأولان والثالث بضم أوله والجيم وكسر النون وبالهمزة
الرابع كالأول إلا أنه بالموحدة بدل النون الخامس كالثاني إلا أنه بواو بدل التحتانية السادس
كالأول إلا أنه بالجيم السابع بضم أوله وفتح المهملة وتشديد النون الثامن يجاني النون
التاسع مثله لكن بالحاء العاشر مثله لكنه بالفاء بدل النون وبالجيم أيضا ورأيت في الزهريات
150

للذهلي بخط الضياء في هذا الحديث من طريق معمر عن الزهري يجافي بجيم وفاء بغير همز وعلى
الفاء صح صح (قوله يقيها) بفتح أوله ثم قاف تفسير لقوله يحني وفي رواية عبيد الله بن عمر فلقد
رأيته يقيها من الحجارة بنفسه ولابن ماجة من هذا الوجه يسترها وفي حديث ابن عباس عند
الطبراني فلما وجد مس الحجارة قام على صاحبته يحني عليها يقيها الحجارة حتى قتلا جميعا فكان
ذلك مما صنع الله لرسوله في تحقيق الزنا منهما وفي هذا الحديث من الفوائد وجوب الحد على
الكافر إذا زنى وهو قول الجمهور وفيه خلاف عند الشافعية وقد ذهب ابن عبد البر فنقل
الاتفاق على أن شرط الاحصان الموجب للرجم الاسلام ورد عليه بأن الشافعية وأحمد
لا يشترطان ذلك ويؤيد مذهبهما وقوع التصريح بأن اليهوديين اللذين رجما كانا قد أحصنا كما
تقدم نقله وقال المالكية ومعظم الحنفية وربيعة شيخ مالك شرط الاحصان الاسلام وأجابوا
عن حديث الباب بأنه صلى الله عليه وسلم انما رجمهما بحكم التوراة وليس هو من حكم الاسلام
في شئ انما هو من باب تنفيذ الحكم عليهم بما في كتابهم فان في التوراة الرجم على المحصن وغير
المحصن قالوا وكان ذلك أول دخول النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وكان مأمورا باتباع حكم
التوراة والعمل بها حتى ينسخ ذلك في شرعه فرجم اليهوديين على ذلك الحكم ثم نسخ ذلك بقوله
تعالى واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم إلى قوله أو يجعل
الله لهن سبيلا ثم نسخ بالتفرقة بين من أحصن ومن لم يحصن كما تقدم انتهى وفي دعوى
الرجم على من لم يحصن نظر لما تقدم من رواية الطبري وغيره وقال مالك انما رجم اليهوديين لان
اليهود يومئذ لم يكن لهم ذمة فتحاكموا إليه وتعقبه الطحاوي بأنه لو لم يكن واجبا ما فعله قال وإذا
أقام الحد على من لا ذمة له فلان يقيمه على من له ذمة أولى وقال المازري يعترض على جواب
مالك بكونه رجم المرأة وهو يقول لا تقتل المرأة إلا إن أجاب أن ذلك كان قبل النهي عن قتل
النساء وأيد القرطبي أنهما كانا حربيين بما أخرجه الطبري كما تقدم ولا حجة فيه لأنه منقطع قال
القرطبي ويعكر عليه أن مجيئهم سائلين يوجب لهم عهدا كما لو دخلوا لغرض كتجارة أو رسالة
أو نحو ذلك فإنهم في أمان إلى أن يردوا إلى مأمنهم (قلت) ولم ينفصل عن هذا إلا أن يقول
إن السائل عن ذلك ليس هو صاحب الواقعة وقال النووي دعوى أنهما كانا حربيين باطلة بل
كانا من أهل العهد كذا قال وسلم بعض المالكية أنهما كانا من أهل العهد واحتج بأن الحاكم
مخير إذا تحاكم إليه أهل الذمة بين أن يحكم فيهم بحكم الله وبين أن يعرض عنهم على ظاهر الآية
فاختار صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة أن يحكم بينهم وتعقب بأن ذلك لا يستقيم على مذهب
مالك لان شرط الاحصان عنده الاسلام وهما كانا كافرين وانفصل ابن العربي عن ذلك بأنهما
كانا محكمين له في الظاهر ومختبرين ما عنده في الباطن هل هو نبي حق أو مسامح في الحق وهذا
لا يرفع الاشكال ولا يخلص عن الايراد ثم قال ابن العربي في الحديث أن الاسلام ليس شرطا في
الاحصان والجواب بأنه انما رجمهما لإقامة الحجة على اليهود فيما حكموه فيه من حكم التوراة
فيه نظر لأنه كيف يقيم الحجة عليهم بما لا يراه في شرعه مع قوله وأن احكم بينهم بما أنزل الله قال
وأجيب بأن سياق القصة يقتضي ما قلناه ومن ثم استدعى شهودهم ليقيم الحجة عليهم منهم إلى أن
قال والحق أحق أن يتبع ولو جاؤوني لحكمت عليهم بالرجم ولم اعتبر الاسلام في الاحصان وقال
151

ابن عبد البر حد الزاني حق من حقوق الله وعلى الحاكم إقامته وقد كان لليهود حاكم وهو الذي
حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما وقول بعضهم إن الزانيين حكماه دعوى مردودة
واعترض بأن التحكيم لا يكون إلا لغير الحاكم وأما النبي صلى الله عليه وسلم فحكمه بطريق
الولاية لا بطريق التحكيم وأجاب الحنفية عن رجم اليهوديين بأنه وقع بحكم التوراة ورده
الخطابي لان الله قال وان أحكم بينهم بما أنزل الله وانما جاءه القوم سائلين عن الحكم عنده
كما دلت عليه الرواية المذكورة فأشار عليهم بما كتموه من حكم التوراة ولا جائز أن يكون حكم
الاسلام عندهم مخالف لذلك لأنه لا يجوز الحكم بالمنسوخ فدل على أنه إنما حكم بالناسخ وأما قوله
في حديث أبي هريرة فاني أحكم بما في التوراة ففي سنده رجل مبهم ومع ذلك فلو ثبت لكان
معناه لإقامة الحجة عليهم وهو موافق لشريعته (قلت) ويؤيده أن الرجم جاء ناسخا للجلد كما تقدم
تقريره ولم يقل أحد إن الرجم شرع ثم نسخ بالجلد ثم نسخ الجلد بالرجم وإذا كان حكم الرجم باقيا
منذ شرع فما حكم عليهما بالرجم بمجرد حكم التوراة بل بشرعه الذي استمر حكم التوراة عليه ولم
يقدر أنهم بدلوه فيما بدلوا وأما ما تقدم من أن النبي صلى الله عليه وسلم رجمهما أول ما قدم المدينة
لقوله في بعض طرق القصة لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه اليهود فالجواب أنه لا يلزم
من ذلك الفور ففي بعض طرقه الصحيحة كما تقدم أنهم تحاكموا إليه وهو في المسجد بين أصحابه
والمسجد لم يكمل بناؤه الا بعد مدة من دخوله صلى الله عليه وسلم المدينة فبطل الفور وأيضا ففي
حديث عبد الله بن الحرث بن جزء أنه حضر ذلك وعبد الله إنما قدم مع أبيه مسلما بعد فتح مكة وقد
تقدم حديث ابن عباس وفيه ما يشعر بأنه شاهد ذلك وفيه أن المرأة إذا أقيم عليها الحد تكون
قاعدة هكذا استدل به الطحاوي وقد تقدم أنهم اختلفوا في الحفر للمرجومة فمن يرى أنه يحفر
لها تكون في الغالب قاعدة في الحفرة واختلافهم في إقامة الحد عليها قاعدة أو قائمة انما هو في
الجلد ففي الاستدلال بصورة الجلد على صورة الرجم نظر لا يخفى وفيه قبول شهادة أهل الذمة
بعضهم على بعض وزعم ابن العربي أن معنى قوله في حديث جابر فدعا بالشهود أي شهود
الاسلام على اعترافهما وقوله فرجمهما بشهادة الشهود أي البينة على اعترافهما ورد هذا
التأويل بقوله في نفس الحديث انهم رأوا ذكره في فرجها كالميل في المكحلة وهو صريح
في أن الشهادة بالمشاهدة لا بالاعتراف وقال القرطبي الجمهور على أن الكافر لا تقبل شهادته على
المسلم ولا على كافر لا في حد ولا في غيره ولا فرق بين السفر والحضر في ذلك وقبل شهادتهم جماعة
من التابعين وبعض الفقهاء إذا لم يوجد مسلم واستثنى أحمد حالة السفر إذا لم يوجد مسلم
وأجاب القرطبي عن الجمهور عن واقعة اليهود بأنه صلى الله عليه وسلم نفذ عليهم ما علم أنه حكم
التوراة وألزمهم العمل به إظهارا لتحريفهم كتابهم وتغييرهم حكمه أو كان ذلك خاصا بهذه
الواقعة كذا قال والثاني مردود وقال النووي الظاهر أنه رجمهما بالاعتراف فان ثبت
حديث جابر فلعل الشهود كانوا مسلمين والا فلا عبرة بشهادتهم ويتعين أنهما أقرا بالزنا (قلت)
لم يثبت أنهم كانوا مسلمين ويحتمل أن يكون الشهود أخبروا بذلك لسؤال بقية اليهود لهم فسمع
النبي صلى الله عليه وسلم كلامهم ولم يحكم فيهم الا مستندا لما أطلعه الله تعالى فحكم في ذلك
بالوحي والزمهم الحجة بينهم كما قال تعالى وشهد شاهد من أهلها وان شهودهم شهدوا عليهم عند
152

أحبارهم بما ذكره فلما رفعوا الامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم استعلم القصة على وجهها فذكر
كل من حضر من الرواة ما حفظه في ذلك ولم يكن مستندا حكم النبي صلى الله عليه وسلم الا
ما اطلعه الله عليه واستدل به بعض المالكية على أن المجلود يجلد قائما إن كان رجلا والمراة
قاعدة لقول ابن عمر رأيت الرجل يقيها الحجارة فدل على أنه كان قائما وهي قاعدة وتعقب
بأنه واقعة عين فلا دلالة فيه على أن قيام الرجل كان بطريق الحكم عليه بذلك واستدل به على
رجم المحصن وقد تقدم البحث فيه مستوفى وعلى الاقتصار على الرجم ولا يضم إليه الجلد وقد
تقدم الخلاف فيه في باب مفرد وكذا احتج به بعضهم ولو احتج به لعكسه لكان أقرب لأنه في
حديث البراء عند مسلم أن الزاني جلد أولا ثم رجم كما تقدم لكن يمكن الانفصال بان الجلد الذي
وقع له لم يكن بحكم حاكم وفيه أن أنكحة الكفار صحيحة لان ثبوت الاحصان فرع ثبوت صحة
النكاح وفيه أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وفي أخذه من هذه القصة بعد وفيه أن
اليهود كانوا ينسبون إلى التوراة ما ليس فيها ولو لم يكن مما أقدموا على تبديله والا لكان في الجواب
حيدة عن السؤال لأنه سأل عما يجدون في التوراة فعدلوا عن ذلك لما يفعلونه وأوهموا أن
فعلهم موافق لما في التوراة فأكذبهم عبد الله بن سلام وقد استدل به بعضهم على أنهم لم
يسقطوا شيئا من ألفاظها كما يأتي تقريره في كتاب التوحيد والاستدلال به لذلك غير واضح
لاحتمال خصوص ذلك بهذه الواقعة فلا يدل على التعميم وكذا من استدل به على أن التوراة التي
أحضرت حينئذ كانت كلها صحيحة سالمة من التبديل لأنه يطرقه هذا الاحتمال بعينه ولا يرده
قوله آمنت بك وبمن أنزلك لان المراد أصل التوراة وفيه اكتفاء الحاكم بترجمان واحد موثوق به
وسيأتي بسطه في كتاب الأحكام واستدل به على أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا ثبت ذلك إما بدليل
قرآن أو حديث صحيح ما لم يثبت نسخه بشريعة نبينا أو نبيهم أو شريعتهم وعلى هذا فيحمل ما وقع
في هذه القصة على أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن هذا الحكم لم ينسخ من التوراة أصلا (قوله
باب إذا رمى امرأته أو امرأة غيره بالزنا عند الحاكم والناس هل على الحاكم أن يبعث
إليها فيسألها عما رميت به) ذكر فيه قصة العسيف وقد تقدم شرحه مستوفى والحكم المذكور
ظاهر فيمن قذف امرأة غيره وأما من قذف امرأته فكأنه أخذه من كون زوج المرأة كان
حاضرا ولم ينكر ذلك وأشار بقوله هل على الامام إلى الخلاف في ذلك والجمهور على أن ذلك
بحسب ما يراه الإمام قال النووي الأصح عندنا وجوبه والحجة فيه بعث أنيس إلى المرأة وتعقب
بأنه فعل وقع في واقعة حال لا دلالة فيه على الوجوب لاحتمال أن يكون السبب البعث ما وقع بين
زوجها وبين والد العسيف من الخصام والمصالحة على الحد واشتهار القصة حتى صرح والد
العسيف بما صرح به ولم ينكر عليه زوجها فالارسال إلى هذه يختص بمن كان على مثل حالها من
التهمة القوية بالفجور وانما علق على اعترافها لان حد الزنا لا يثبت في مثلها إلا بالاقرار لتعذر
إقامة البينة على ذلك وقد تقدم شرح الحديث مستوفى وذكرت ما قيل من الحكمة في إرسال
أنيس إلى المرأة المذكورة وفي الموطأ أن عمر أتاه رجل فأخبره أنه وجد مع امرأته رجلا فبعث
إليها أبا واقد فسألها عما قال زوجها وأعلمها أنه لا يؤخذ بقوله فاعترفت فأمر بها عمر فرجمت قال
ابن بطال أجمع العلماء على أن من قذف امرأته أو امرأة غيره بالزنا فلم يأت على ذلك بينة أن
153

عليه الحد إلا إن أقر المقذوف فلهذا يجب على الامام أن يبعث إلى المرأة يسألها عن ذلك ولو لم
تعترف المرأة في قصة العسيف لوجب على والد العسيف حد القذف ومما يتفرع عن ذلك لو اعترف
رجل أنه زنا بامرأة معينة فأنكرت هل يجب عليه حد الزنا وحد القذف أو حد القذف فقط
قال بالأول مالك وبالثاني أبو حنيفة وقال الشافعي وصاحبا أبا حنيفة من أقر منهما فإنما عليه
حد الزنا فقط والحجة فيه أنه إن كان صدق في نفس الامر فلا حد عليه في قذفها وإن كان كذب
فليس بزان وانما يجب عليه حد الزنا لان كل من أقر على نفسه وعلى غيره لزمه ما أقر به على نفسه
وهو مدعي فيما أقر به على غيره فيؤاخذ بإقراره على نفسه دون غيره (قوله باب من
أدب أهله أو غيره دون السلطان) أي دون إذنه له في ذلك هذه الترجمة معقودة لبيان الخلاف هل
يحتاج من وجب عليه الحد من الأرقاء إلى أن يستأذن سيده الامام في إقامة الحد عليه أو له أن
يقيم ذلك بغير مشورة وقد تقدم بيانه في باب إذا زنت الأمة (قوله وقال أبو سعيد عن النبي
صلى الله عليه وسلم إذا صلى فأراد أحد أن يمر بين يديه فليدفعه فان أبى فليقاتله وفعله أبو سعيد)
هذا مختصر من الحديث الذي تقدم موصولا في باب يرد المصلي من مر بين يديه ولفظه فان أراد
أن يجتاز بين يديه فليدفعه فان أبى فليقاتله فإنما هو شيطان أخرجه من طريق أبي صالح عن
أبي سعيد وأما قوله وفعله أبو سعيد فهو في الباب المذكور بلفظ رأيت أبا سعيد يصلي وأراد شاب
أن يجتاز بين يديه فدفع أبو سعيد في صدره وقد تقدم شرحه مستوفى هناك والغرض منه ان الخبر
ورد بالاذن للمصلي أن يؤدب المجتاز بالدفع ولا يحتاج في ذلك إلى اذن الحاكم وفعله أبو سعيد
الخدري ولم ينكر عليه مروان بل استفهمه عن السبب فلما ذكره له أقره على ذلك ثم ذكر حديث
عائشة في سبب نزول آية التيمم من وجهين عن عبد الرحمن بن قاسم عن أبيه عنها وقد تقدمت
طريق مالك في تفسير سورة المائدة وطريق عمرو بن الحرث عقبها (قوله لكز ووكز واحد) أي
بمعنى واحد ثبت هذا في رواية المستملي وهو من كلام أبي عبيدة قال الوكز في الصدر بجمع
الكف ولهزه مثله وهو اللكز قال ابن بطال في هذين الحديثين دلالة على جواز تأديب الرجل
أهله وغير أهله بحضرة السلطان ولو لم يأذن له إذا كان ذلك في حق وفي معنى تأديب الأهل تأديب
الرقيق وقد تقدمت الإشارة إليه في باب لا تثريب على الأمة (قوله باب من رأى مع
امرأته رجلا فقتله) كذا أطلق ولم يبين الحكم وقد اختلف فيه فقال الجمهور عليه القود وقال
أحمد وإسحاق إن أقام بينة أنه وجده مع امرأته هدر دمه وقال الشافعي يسعه فيما بينه وبين
الله قتل الرجل إن كان ثيبا وعلم أنه نال منها ما يوجب الغسل ولكن لا يسقط عنه القود في ظاهر
الحكم وقد أخرج عبد الرزاق بسند صحيح إلى هانئ بن حزام أن رجلا وجد مع امرأته رجلا
فقتلهما فكتب عمر كتابا في العلانية أن يقيدوه به وكتابا في السر أن يعطوه الدية وقال ابن المنذر
جاءت الاخبار عن عمر في ذلك مختلفة وعامة أسانيدها منقطعة وقد ثبت عن علي أنه سئل عن
رجل قتل رجلا وجده مع امرأته فقال إن لم يأت بأربعة شهداء وإلا فليغط برمته قال الشافعي
وبهذا نأخذ ولا نعلم لعلي مخالفا في ذلك (قوله حدثنا موسى) هو ابن إسماعيل وعبد الملك هو ابن
عمير ووراد هو كاتب المغيرة بن شعبة وثبت كذلك لغير أبي ذر (قوله قال سعد بن عبادة هو
الأنصاري سيد الخزرج (قوله لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف) كذا في هذه الرواية
154

بالجزم وفي حديث أبي هريرة عند مسلم أن سعد بن عبادة قال يا رسول الله أرأيت إن وجدت مع
امرأتي رجلا أمهل حتى آتي بأربعة شهداء الحديث وله من وجه آخر فقال سعد كلا والذي
بعثك بالحق ان كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك ولأبي داود من هذا الوجه أن سعد بن عبادة
قال يا رسول الله الرجل يجد مع أهله رجلا فيقتله قال لا قال بلى والذي أكرمك بالحق وأخرج
الطبراني من حديث عبادة بن الصامت لما نزلت آية الرجم قال النبي صلى الله عليه وسلم أن الله
قد جعل لهن سبيلا الحديث وفيه فقال أناس لسعد بن عبادة يا أبا ثابت قد نزلت الحدود
أرأيت لو وجدت مع امرأتك رجلا كيف كنت صانعا قال كنت ضاربه بالسيف حتى يسكنا
فانا أذهب واجمع أربعة فإلى ذلك قد قضى الخائب حاجته فانطلق وأقول رأيت فلانا فيجلدوني
ولا يقبلون لي شهادة أبدا فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كفى بالسيف
شاهدا ثم قال لولا أني أخاف أن يتتابع فيها السكران والغيران وتقدم شرح هذا الحديث
في باب الغيرة في أواخر كتاب النكاح ويأتي الكلام على قوله والله أغير مني في كتاب التوحيد
وفي الحديث أن الأحكام الشرعية لا تعارض بالرأي (قوله باب ما جاء في التعريض)
بعين مهملة وضاد معجمة قال الراغب هو كلام له وجهان ظاهر وباطن فيقصد قائله الباطن ويظهر
إرادة الظاهر وقد تقدم شئ من الكلام فيه في باب التعريض بنفي الولد من كتاب اللعان في شرح
حديث أبي هريرة في قصة الأعرابي الذي قال أن امرأتي ولدت غلاما أسود الحديث وذكرت
هناك ما قيل في اسمه وبيان الاختلاف في حكم التعريض وان الشافعي استدل بهذا الحديث
على أن التعريض بالقذف لا يعطي حكم التصريح فتبعه البخاري حيث أورد هذا الحديث
في الموضعين وقد وقع في آخر رواية معمر التي أشرت إليها هناك ولم يرخص له في الانتفاء منه
وقول الزهري انما تكون الملاعنة إذا قال رأيت الفاحشة قال ابن بطال احتج الشافعي بأن
التعريض في خطبة المعتدة جائز مع تحريم التصريح بخطبتها فدل على افتراق حكمهما قال
وأجاب القاضي إسماعيل بأن التعريض بالخطبة جائز لان النكاح لا يكون إلا بين اثنين فإذا صرح
بالخطبة وقع عليه الجواب بالايجاب أو الوعد فمنع وإذا عرض فأفهم أن المرأة من حاجته لم يحتج
إلى جواب والتعريض بالقذف يقع من الواحد ولا يفتقر إلى جواب فهو قاذف من غير أن
يخفيه عن أحد فقام مقام الصريح كذا فرق ويعكر عليه أن الحد يدفع بالشبه والتعريض
يحتمل الامرين بل عدم القذف فيه هو الظاهر وإلا لما كان تعريضا ومن لم يقل بالحد في التعريض
يقول بالتأديب فيه لان في التعريض أذى المسلم وقد اجمعوا على تأديب من وجد مع امرأة
أجنبية في بيت والباب مغلق عليهما وقد ثبت عن إبراهيم النخعي أنه قال في التعريض عقوبة
وقال عبد الرزاق أنبأنا ابن جريج قلت لعطاء فالتعريض قال ليس فيه حد قال عطاء وعمرو بن
دينار فيه نكال ونقل ابن التين عن الداودي أنه قال تبويب البخاري غير معتدل قال ولو قال
ما جاء في ذكر ما يقع في النفوس عندما يرى ما ينكره لكان صوابا (قلت) ولو سكت عن هذا
لكان هو الصواب قال ابن التين قد انفصل المالكية عن حديث الباب بأن الأعرابي انما جاء
مستفتيا ولم يرد بتعريضه قذفا وحاصله أن القذف في التعريض إنما يثبت على من عرف من
ارادته القذف وهذا يقوي أن لا حد في التعريض لتعذر الاطلاع على الإرادة والله سبحانه وتعالى
155

أعلم (قوله باب) بالتنوين (كم التعزير والأدب) التعزير مصدر عزره وهو مأخوذ من
العزر وهو الرد والمنع واستعمل في الدفع عن الشخص كدفع أعدائه عنه ومنعهم من إضراره
ومنه وآمنتم برسلي وعزرتموهم وكدفعة عن إتيان القبيح ومنه عزره القاضي أي لئلا يعود
إلى القبيح ويكون بالقول والفعل بحسب ما يليق به والمراد بالأدب في الترجمة التأديب وعطفه
على التعزير لان التعزير يكون بسبب المعصية والتأديب أعم منه ومنه تأديب الولد وتأديب
المعلم وأورد الكمية بلفظ استفهام إشارة إلى الاختلاف فيها كما سأذكره وقد ذكر في الباب
أربعة أحاديث الأول (قوله عن بكير بن عبد الله) يعني ابن الأشج (قوله عن سليمان بن يسار
عن عبد الرحمن) في رواية عمرو بن الحارث الآتية في الباب أن بكيرا حدثه قال بينما أنا جالس عند
سليمان بن يسار إذ جاء عبد الرحمن بن جابر فحدث سليمان بن يسار ثم أقبل علينا سليمان فقال
حدثني عبد الرحمن (قوله عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله) في رواية الأصيلي عن أبي أحمد
الجرجاني عن عبد الرحمن عن جابر ثم خط على قوله عن جابر فصار عن عبد الرحمن عن أبي بردة
وهو الصواب وأصوب منه رواية الجمهور بلفظ ابن بدل عن (قوله عن أبي بردة) في رواية علي
ابن إسماعيل بن حماد عن عمرو بن علي شيخ البخاري فيه بسنده إلى عبد الرحمن بن جابر قال حدثني
رجل من الأنصار قال أبو حفص يعني عمرو بن علي المذكور هو أبو بردة بن نيار أخرجه أبو نعيم
وفي رواية عمرو بن الحرث حدثني عبد الرحمن بن جابر أن أباه حدثه أنه سمع أبا بردة الأنصاري ووقع
في الطريق الثانية من رواية فضيل بن سليمان عن مسلم بن أبي مريم حدثني عبد الرحمن بن جابر
عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم وقد سماه حفص بن ميسرة وهو أوثق من فضيل بن سليمان
فقال فيه عن مسلم بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه أخرجه الإسماعيلي (قلت) قد
رواه يحيى بن أيوب عن مسلم بن أبي مريم مثل رواية فضيل أخرجه أبو نعيم في المستخرج قال
الإسماعيلي ورواه إسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن مسلم بن أبي مريم عن
عبد الرحمن بن جابر عن رجل من الأنصار (قلت) وهذا لا يعين أحد التفسيرين فان كلا من جابر
وأبي بردة أنصاري قال الإسماعيلي لم يدخل الليث عن يزيد بين عبد الرحمن وأبي بردة أحدا
وقد وافقه سعيد بن أيوب عن يزيد ثم ساقه من روايته كذلك وحاصل الاختلاف هل هو عن
صحابي مبهم أو مسمى الراجح الثاني أنه أبو بردة بن نيار وهل بين عبد الرحمن وأبي
بردة واسطة وهو جابر أولا الراجح الثاني أيضا وقد ذكر الدارقطني في العلل الاختلاف
ثم قال القول قول الليث ومن تابعه وخالف ذلك في جميع التتبع فقال القول قول عمرو
ابن الحرث وقد تابعه أسامة بن زيد (قلت) ولم يقدح هذا الاختلاف عن الشيخين في صحة الحديث
فإنه كيفما دار يدور على ثقة ويحتمل أن يكون عبد الرحمن وقع له فيه ما وقع لبكير بن الأشج
في تحديث عبد الرحمن بن جابر لسليمان بحضرة بكير ثم تحديث سليمان بكيرا به عن عبد الرحمن
أو أن عبد الرحمن سمع أبا بردة لما حدث به أباه وثبته فيه أبوه فحدث به تارة بواسطة أبيه وتارة بغير
واسطة وادعى الأصيلي أن الحديث مضطرب فلا يحتج به لاضطرابه وتعقب بأن عبد الرحمن ثقة
فقد صرح بسماعه وإبهام الصحابي لا يضر وقد اتفق الشيخان على تصحيحه وهما العمدة في
التصحيح وقد وجدت له شاهدا بسند قوي لكنه مرسل أخرجه الحرث بن أبي أسامة من رواية
156

عبد الله بن أبي بكر بن الحرث بن هشام رفعه لا يحل أن يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد وله
شاهد آخر عن أبي هريرة عند ابن ماجة ستأتي الإشارة إليه (قوله لا يجلد) بضم أوله بصيغة
النفي ولبعضهم بالجزم ويؤيده ما وقع في الرواية التي بعدها بصيغة النهي لا تجلدوا (قوله فوق
عشرة أسواط) في رواية يحيى بن أيوب وحفص بن ميسرة فوق عشرة جلدات وفي رواية علي
ابن إسماعيل بن حماد المشار إليها لا عقوبة فوق عشر ضربات (قوله إلا في حد من حدود الله)
ظاهره أن المراد بالحد ما ورد فيه من الشارع عدد من الجلد أو الضرب مخصوص أو عقوبة
مخصوصة والمتفق عليه من ذلك أصل الزنا والسرقة وشرب المسكر والحرابة والقذف بالزنا
والقتل والقصاص في النفس والأطراف والقتل في الارتداد واختلف في تسمية الأخيرين
حدا واختلف في أشياء كثيرة يستحق مرتكبها العقوبة هل تسمى عقوبته حدا أو لا وهي جحد
العارية واللواط واتيان البهيمة وتحميل المرأة الفحل من البهائم عليها والسحاق وأكل الدم
والميتة في حال الاختيار ولحم الخنزير وكذا السحر والقذف بشرب الخمر وترك الصلاة تكاسلا
والفطر في رمضان والتعريض بالزنا وذهب بعضهم إلى أن المراد بالحد في حديث الباب حق الله
وقال ابن دقيق العيد بلغني أن بعض العصريين قرر هذا المعنى بأن تخصيص الحد بالمقدرات
المقدم ذكرها أمر اصطلاحي من الفقهاء وأن عرف الشرع أول الأمر كان يطلق الحد على
كل معصية كبرت أو صغرت وتعقبه ابن دقيق العيد أنه خروج عن الظاهر ويحتاج إلى نقل
والأصل عدمه قال ويرد عليه أنا إذا أجزنا في كل حق من حقوق الله أن يزاد على العشر
لم يبقى لنا شئ يختص المنع به لان ما عدا الحرمات التي لا يجوز فيها الزيادة هو ليس بمحرم وأصل
التعزير أنه لا يشرع فيما ليس بمحرم فلا يبقى بخصوص الزيادة معنى (قلت) والعصري المشار
إليه أظنه ابن تيمية وقد تقلد صاحبه ابن القيم المقالة المذكورة فقال الصواب في الجواب أن
المراد بالحدود هنا الحقوق التي هي أوامر الله ونواهيه وهي المراد بقوله ومن يتعد حدود الله
فأولئك هم الظالمون وفي أخرى فقد ظلم نفسه وقال تلك حدود الله فلا تقربوها وقال ومن
يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا قال فلا يزاد على العشر في التأديبات التي لا تتعلق
بمعصية كتأديب الأب ولده الصغير (قلت) ويحتمل أن يفرق بين مراتب المعاصي فما ورد فيه
تقدير لا يزاد عليه وهو المستثنى في الأصل وما لم يرد فيه تقدير فإن كان كبيرة جازت الزيادة فيه
وأطلق عليه اسم الحد كما في الآيات المشار إليها والتحق بالمستثنى وإن كان صغيرة فهو
المقصود بمنع الزيادة فهذا يدفع إيراد الشيخ تقي الدين على العصري المذكور إن كان ذلك مراده
وقد أخرج ابن ماجة من حديث أبي هريرة بالتعزير بلفظ لا تعزروا فوق عشرة أسواط وقد
اختلف السلف في مدلول هذا الحديث فأخذ بظاهره الليث وأحمد في المشهور عنه وإسحاق
وبعض الشافعية وقال مالك والشافعي وصاحبا أبي حنيفة تجوز الزيادة على العشر ثم اختلفوا
فقال الشافعي لا يبلغ أدنى الحدود وهل الاعتبار بحد الحر والعبد قولان وفي قول أو وجه
يستنبط كل تعزير من جنس حده ولا يجاوزه وهو مقتضى قول الأوزاعي لا يبلغ به الحد
ولم يفصل وقال الباقون هو إلى رأي الامام بالغا ما بلغ وهو اختيار أبي ثور وعن عمر أنه كتب
إلى أبي موسى لا تجلد في التعزير أكثر من عشرين وعن عثمان ثلاثين وعن عمر أنه بلغ بالسوط
157

مائة وكذا عن ابن مسعود وعن مالك وأبي ثور وعطاء لا يعزر إلا من تكرر منه ومن وقع منه
مرة واحدة معصية لا حد فيها فلا يعزر وعن أبي حنيفة لا يبلغ أربعين وعن ابن أبي ليلى وأبي
يوسف لا يزاد على خمس وتسعين جلدة وفي رواية عن مالك وأبي يوسف لا يبلغ ثمانين وأجابوا
عن الحديث بأجوبة منها ما تقدم ومنها قصره على الجلد وأما الضرب بالعصا مثلا وباليد
فتجوز الزيادة لكن لا يجاوز أدنى الحدود وهذا رأي الإصطخري من الشافعية وكأنه لم يقف
على الرواية الواردة بلفظ الضرب ومنها أنه منسوخ دل على نسخه إجماع الصحابة ورد بأنه قال
به بعض التابعين وهو قول الليث بن سعد أحد فقهاء الأمصار ومنها معارضة الحديث بما هو
أقوى منه وهو الاجماع على أن التعزير يخالف الحدود وحديث الباب يقتضي تحديده بالعشر
فما دونها فيصير مثل الحد وبالاجماع على أن التعزير موكول إلى رأي الامام فيما يرجع إلى
التشديد والتخفيف لامن حيث العدد لان التعزير شرع للردع ففي الناس من يردعه الكلام
ومنهم من لا يردعه الضرب الشديد فلذلك كان تعزير كل أحد بحسبه وتعقب بأن الحد لا يزاد
فيه ولا ينقص فاختلفا وبأن التخفيف والتشديد مسلم لكن مع مراعاة العدد المذكور وبأن
الردع لا يراعى في الافراد بدليل أن من الناس لا يردعه الحد ومع ذلك لا يجمع عندهم بين الحد
والتعزير فلو نظر إلى كل فرد لقيل بالزيادة على الحد أو الجمع بين الحد والتعزير ونقل القرطبي أن
الجمهور قالوا بما دل عليه حديث الباب وعكسه النووي وهو المعتمد فإنه لا يعرف القول به عن
أحد من الصحابة واعتذر الداودي فقال لم يبلغ مالكا هذا الحديث فكان يرى العقوبة بقدر
الذنب وهو يقتضي أن لو بلغه ما عدل عنه فيجب على من بلغه أن يأخذ به الحديث الثاني
حديث النهي عن الوصال والغرض منه قوله فواصل بهم كالمنكل بهم قال ابن بطال عن المهلب
فيه أن التعزير موكول إلى رأى الامام لقوله لو امتد الشهر لزدت فدل على أن للامام أن يزيد في
التعزير ما يراه وهو كما قال لكن لا يعارض الحديث المذكور لأنه ورد في عدد من الضرب
أو الجلد فيتعلق في شئ محسوس وهذا يتعلق بشئ متروك وهو الامساك عن المفطرات والألم في
يرجع إلى التجويع والتعطيش وتأثيرهما في الاشخاص متفاوت جدا والظاهر أن الذين واصل
بهم كان لهم اقتدار على ذلك في الجملة فأشار إلى أن ذلك لو تمادى حتى ينتهي إلى عجزهم عنه لكان
هو المؤثر في زجرهم ويستفاد منه أن المراد من التعزير ما يحصل به الردع وذلك ممكن في العشر
بأن يختلف الحال في صفة الجلد أو الضرب تخفيفا وتشديدا والله أعلم نعم يستفاد منه جواز
التعزير بالتجويع ونحوه من الأمور المعنوية (قوله تابعه شعيب ويحي بن سعيد ويونس
عن الزهري وقال عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب) أي تابعوا
عقيلا في قوله عن أبي سلمة وخالفهم عبد الرحمن بن خالد فقال سعيد بن المسيب (قلت) فاما
متابعة شعيب فوصلها المؤلف في كتاب الصيام وأما متابعة يحيى بن سعيد وهو الأنصاري فوصلها
الذهلي في الزهريات وأما متابعة يونس وهو بن يزيد فوصلها مسلم من طريق ابن وهب عنه وأما
رواية عبد الرحمن بن خالد فسيأتي الكلام عليها في كتاب الأحكام وذكر الإسماعيلي أن أبا صالح
رواه عن الليث عن عبد الرحمن المذكور فجمع فيه بين سعيد وأبي سلمة قال وكذا رواه عبد
الرحمن بن نمر عن الزهري بسنده إليه كذلك انتهى وقد تقدم شرح هذا الحديث في كتاب الصيام
158

الحديث الثالث (قوله حدثني عياش) بتحتانية ثم معجمة وعبد الاعلى هو ابن عبد الاعلى
البصري (قوله عن سالم) هو ابن عبد الله بن عمر (قوله عن عبد الله بن عمر انهم كانوا يضربون
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتروا طعاما جزافا أن يبيعوه في مكانهم) في رواية
أبي أحمد الجرجاني عن الفربري سالم بن عبد الله بن عمر انهم كانوا الخ فصارت صورة الاسناد
الارسال والصواب عن سالم عن عبد الله فتصحفت عن فصارت ابن وقد وقع في رواية مسلم عن
أبي بكر ابن أبي شيبة عن عبد الاعلى بهذا الاسناد عن سالم عن ابن عمر به وتقدم في البيوع من
طريق يونس عن الزهري أخبرني سالم بن عبد الله ابن عمر قال فذكر نحوه وتقدم شرح هذا
الحديث في كتاب البيوع مستوفى ويستفاد منه جواز تأديب من خالف الامر الشرعي فتعاطى
العقود الفاسدة بالضرب ومشروعية إقامة المحتسب في الأسواق والضرب المذكور محمول على
من خالف الامر بعد أن علم به الحديث الرابع (قوله عبدان) هو عبد الله بن عثمان وعبد الله
هو ابن المبارك ويونس هو ابن يزيد (قوله ما انتقم) هذا طرف من حديث أوله ما خير رسول الله
صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما أخرجه مسلم بتمامه من رواية يونس وقد تقدم
شرحه مستوفى في باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم من طريق مالك عن الزهري وقد تقدم قريبا
في أوائل الحدود من طريق عقيل عن ابن شهاب (قوله باب من أظهر الفاحشة واللطخ
والتهمة بغير بينة) أي ما حكمه والمراد بإظهار الفاحشة أن يتعاطى ما يدل عليها عادة من غير
أن يثبت ذلك بينة أو إقرار واللطخ هو بفتح اللام والطاء المهملة بعدها خاء معجمة الرمي بالشر
يقال لطخ فلان بكذا أي رمى بشر ولطخه بكذا مخففا ومثقلا لوثة به وبالتهمة بضم المثناة وفتح
الهاء من يتهم بذلك من غير أن يتحقق فيه ولو عاد وذكر فيه حديثين أحدهما حديث سهل
ابن سعيد في قصة المتلاعنين أورده مختصرا وفي آخره تصريح سفيان حيث قال حفظت من
الزهري وقد تقدم شرحه في كتاب اللعان مستوفى وقوله إن جاءت به كذا فهو وان جاءت به كذا
فهو كذا وقع بالكناية وبالاكتفاء في الموضعين وتقدم في اللعان بيانه من طريق ابن جريج عن
ابن شهاب ولفظه إن جاءت به أحمر قصيرا كأنه وحرة فلا أراها إلا قد صدقت وكذب عليها وإن
جاءت به أسود أعين ذا أليتين فلا أراه إلا قد صدق عليها وكذبت عليه انتهى وعلى هذا فتقدير
الكلام فهو كاذب في الأولى فهو صادق في الثانية وعرف منه أن الضمير للزوج كأنه قال إن
جاءت به أحمر فزوجها كاذب فيما رماها به وان جاءت به أسود فزوجها صادق ثانيهما حديث
ابن عباس في اللعان أيضا أورده من طريقين مختصرة ثم مطولة كلاهما من طريق القاسم بن محمد
عنه ووقع لبعضهم بإسقاط القاسم بن محمد من السند وهو غلط وقد تقدم شرحه مستوفى أيضا في
159

كتاب اللعان وقوله من غير بينة في رواية الكشميهني عن بدل من وقوله في الطريق الأخرى
ذكر المتلاعنان في رواية الكشميهني ذكر التلاعن (قوله فقال رجل لابن عباس في المجلس)
هو عبد الله بن شداد بن الهاد كما صرح به في الرواية التي قبلها (قوله تلك امرأة كانت تظهر في
الاسلام السوء) في رواية عروة عن ابن عباس بسند صحيح عند ابن ماجة لو كنت راجما أحد
بغير بينة لرجمت فلانة فقد ظهر فيها الريبة في منطقها وهيئتها ومن يدخل عليها ولم أقف على اسم
المرأة المذكورة فكأنهم تعمدوا إبهامها سترا عليها قال المهلب فيه أن الحد لا يجب على أحد
بغير بينة أو إقرار ولو كان متهما بالفاحشة وقال النووي معنى تظهر السوء أنه اشتهر عنها
وشاع ولكن لم تقم البينة عليها بذلك ولا اعترفت فدل على أن الحد لا يجب بالاستفاضة وقد أخرج
الحاكم من طريق ابن عباس عن عمر أنه قال لرجل أقعد جاريته وقد اتهمها بالفاحشة على النار
حتى احترق فرجها هل رأيت ذلك عليها قال لا قال فاعترفت لك قال لا قال فضربه وقال لولا أني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لايقاد مملوك من مالكه لاقدتها منك قال الحاكم صحيح
الاسناد وتعقبه الذهبي بأن في إسناده عمرو بن عيسى شيخ الليث وفيه منكر الحديث كذا
قال فأوهم أن لغيره كلاما وليس كذلك فأنه ذكره في الميزان فقال لا يعرف لم يزد على ذلك ولا يلزم
من ذلك القدح فيما رواه بل يتوقف فيه (قوله باب رمي المحصنات) أي قذفهن
والمراد الحرائر العفيفات ولا يختص بالمزوجات بل حكم البكر كذلك بالاجماع (قوله والذين
يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم الآية) كذا لأبي ذر والنسفي وأما غيرهما
فساقوا الآية إلى قوله غفور رحيم (قوله إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات
لعنوا) كذا لأبي ذر ولغيره إلى قوله عظيم واقتصر النسفي على إن الذين يرمون الآية وتضمنت
الآية الأولى بيان حد القذف والثانية بيان كونه من الكبائر بنا على أن كل ما توعد عليه باللعن
أو العذاب أو شرع فيه حد فهو كبيرة وهو المعتمد وبذلك يطابق حديث الباب الآيتين
المذكورتين وقد انعقد الاجماع على أن حكم قذف المحصن من الرجال حكم قذف المحصنة
من النساء واختلف في حكم قذف الأرقاء كما سأذكره في الباب الذي بعده (قوله والذين يرمون
أزواجهم ثم لم يأتوا الآية) كذا لأبي ذر وحده ونبه على أنه وقع فيه وهم لان التلاوة ولم يكن لهم
شهداء وهو كذلك لكن في ايرادها هنا تكرار لأنها تتعلق باللعان وقد تقدم قريبا باب من رمى
امرأته (قوله حدثني سليمان) هو ابن بلال ولغير أبي ذر حدثنا وأبو الغيث هو سالم (قوله
اجتنبوا السبع الموبقات) بموحدة وقاف أي المهلكات قال المهلب سميت بذلك لأنها سبب
لاهلاك مرتكبها (قلت) والمراد بالموبقة هنا الكبيرة كما ثبت في حديث أبي هريرة من وجه
آخر أخرجه البزار وابن المنذر من طريق عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة
رفعه الكبائر الشرك بالله وقتل النفس الحديث مثل رواية أبي الغيث إلا أنه ذكر بدل السحر
الانتقال إلى الاعرابية بعد الهجرة وأخرج النسائي والطبراني وصححه ابن حبان والحاكم من
طريق صهيب مولى العتواريين عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم مامن عبد يصلي الخمس ويجتنب الكبائر السبع الا فتحت له أبواب الجنة الحديث ولكن لم
يفسرها والمعتمد في تفسيرها ما وقع في رواية سالم وقد وافقه كتاب عمرو بن حزم الذي أخرجه
160

النسائي وابن حبان في صحيحه والطبراني من طريق سليمان بن داود عن الزهري عن أبي بكر بن
محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الفرائض
والديات والسنن وبعث به مع عمرو بن حزم إلى اليمن الحديث بطوله وفيه وكان في الكتاب وان
أكبر الكبائر الشرك فذكر مثل حديث سالم سواء وللطبراني من حديث سهل بن أبي خيثمة عن علي
رفعه اجتنب الكبائر السبع فذكرها لكن ذكر التعرب بعد الهجرة بدل السحر وله في الأوسط
من حديث أبي سعيد مثله وقال الرجوع إلى الاعراب بعد الهجرة ولإسماعيل القاضي من طريق
المطلب بن عبد الله بن حنطب عن عبد الله بن عمرو قال صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر ثم قال
أبشروا من صلى الخمس واجتنب الكبائر السبع نودي من أبواب الجنة فقيل له أسمعت النبي صلى
الله عليه وسلم يذكرهن قال نعم فذكر مثل حديث علي سواء وقال عبد الرزاق أنبانا معمر عن
الحسن قال الكبائر الاشراك بالله فذكر مثل الأصول سواء إلا أنه قال اليمين الفاجرة بدل السحر
ولابن عمر فيما أخرجه البخاري في الأدب المفرد والطبري في التفسير وعبد الرزاق والخرائطي في
مساوئ الأخلاق وإسماعيل القاضي في أحكام القرآن مرفوعا وموقوفا قال الكبائر تسع فذكر
السبعة المذكورة وزاد الالحاد في الحرم وعقوق الولدين ولأبي داود والطبراني من رواية عبيد
ابن عمير بن قتادة الليثي عن أبيه رفعه ان أولياء الله المصلون ومن يجتنب الكبائر قالوا ما الكبائر
قال هن تسعة أعظمهن الاشراك بالله فذكر مثل حديث بن عمر سواء إلا أنه عبر عن الالحاد في
الحرم باستحلال البيت الحرام إسماعيل القاضي بسند صحيح إلى سعيد بن المسيب قال هن
عشرة فذكر السبعة التي في الأصل وزاد وعقوق الوالدين واليمين الغموس وشرب الخمر ولابن
أبي حاتم من طريق مالك بن حريث عن علي قال الكبائر فذكر التسعة إلا مال اليتيم وزاد العقوق
والتعرب بعد الهجرة وفراق الجماعة ونكث الصفقة وللطبراني عن أبي أمامة أنهم تذكروا الكبائر
فقالوا الشرك ومال اليتيم والفرار من الزحف والسحر والعقوق وقول الزور والغلول والزنا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين تجعلون الذين يشترون بعهد الله ثمنا قليلا
(قلت) وقد تقدم في كتاب الأدب عند اليمين الغموس وكذا شهادة الزور وعقوق الوالدين وعند
عبد الرزاق والطبراني عن ابن مسعود أكبر الكبائر الاشراك بالله والامن من مكر الله والقنوط
من رحمة الله واليأس من روح الله وهو موقوف وروى إسماعيل بسند صحيح من طريق ابن
سيرين عن عبد الله بن عمرو مثل حديث الأصل لكن قال البهتان بدل السحر والقذف فسأل
عن ذلك فقال البهتان يجمع وفي الموطأ عن النعمان بن مرة مرسلا الزنا والسرقة وشرب الخمر
فواحش وله شاهد من حديث عمران بن حصين عند البخاري في الأدب المفرد والطبراني والبيهقي
وسنده حسن وتقدم حديث ابن عباس في النميمة ومن رواه بلفظ الغيبة وترك التنزه من البول
كل ذلك في الطهارة ولإسماعيل القاضي من مرسل الحسن ذكر الزنا والسرقة وله عن أبي إسحاق
السبيعي شتم أبي بكر وعمر وهو لابن أبي حاتم من قول مغيرة بن مقسم وأخرج الطبري عنه بسند
صحيح الاضرار في الوصية من الكبائر وعنه الجمع بين الصلاتين من غير عذر رفعه وله شاهد
أخرجه ابن أبي حاتم عن عمر قوله وعند إسماعيل من قول ابن عمر ذكر النهبة ومن حديث بريدة عند
البزار منع فضل الماء ومنع طروق الفحل ومن حديث أبي هريرة عند الحاكم الصلوات كفارات
161

إلا من ثلاث الاشراك بالله ونكث الصفقة وترك السنة ثم فسر نكث الصفقة بالخروج على
الامام وترك السنة بالخروج عن الجماعة أخرجه الحاكم ومن حديث ابن عمر عند ابن مردويه
أكبر الكبائر سوء الظن بالله ومن الضعيف في ذلك نسيان القرآن أخرجه أبو داود والترمذي
عن أنس رفعه نظرت في الذنوب فلم أر أعظم من سورة من القرآن أوتيها رجل فنسيها وحديث
من أتى حائضا أو كاهنا فقد كفر أخرجه الترمذي فهذا جميع ما وفقت عليه مما ورد التصريح
بأنه من الكبائر أو من أكبر الكبائر صحيحا وضعيفا مرفوعا وموقوفا وقد تتبعه غاية التتبع
وفي بعضه ما ورد خاصا ويدخل في عموم غيره كالتسبب في لعن الوالدين وهو داخل في العقوق
وقتل الولد وهو داخل في قتل النفس والزنا بحليلة الجار وهو داخل في الزنا والنهبة والغلول
واسم الخيانة يشمله ويدخل الجميع في السرقة وتعلم السحر وهو داخل في السحر وشهادة الزور
وهي داخلة في قول الزور ويمين الغموس وهي داخلة في اليمين الفاجرة والقنوط من رحمة الله
كاليأس من روح الله والمعتمد من كل ذلك ما ورد مرفوعا بغير تداخل من وجه صحيح وهي
السبعة المذكورة في حديث الباب والانتقال عن الهجرة والزنا والسرقة والعقوق واليمين
الغموس والالحاد في الحرم وشرب الخمر وشهادة الزور والنميمة وترك التنزه من البول والغلول
ونكث الصفقة وفراق الجماعة فتلك عشرون خصلة وتتفاوت مراتبها والمجمع على عدة من ذلك
أقوى من المختلف فيه إلا ما عضده القرآن أو الاجماع فيلتحق بما فوقه ويجتمع من المرفوع
ومن الموقوف ما يقاربها ويحتاج عند هذا إلى الجواب عن الحكمة في الاقتصار على سبع
ويجاب بأن مفهوم العدد ليس بحجة وهو جواب ضعيف وبأنه أعلم أولا بالمذكورات ثم أعلم
بما زاد فيجب الاخذ بالزائد أو أن الاقتصار وقع بحسب المقام بالنسبة إلى السائل أو من وقعت له
واقعة ونحو ذلك وقد أخرج الطبري وإسماعيل القاضي عن ابن عباس أنه قيل له الكبائر سبع
فقال هن أكثر من سبع وسبع وفي رواية عنه هي إلى السبعين أقرب وفي رواية إلى السبعمائة
ويحمل كلامه على المبالغة بالنسبة إلى من اقتصر على سبع وكأن المقتصر عليها اعتمد على
حديث الباب المذكور وإذا تقرر ذلك عرف فساد من عرف الكبيرة بأنها ما وجب فيها الحد لان
أكثر المذكورات لا يجب فيها الحد قال الرافعي في الشرح الكبير الكبيرة هي الموجبة للحد
وقيل ما يلحق الوعيد بصاحبه بنص كتاب أو سنة وهذا أكثر ما يوجد للأصحاب وهم إلى ترجيح
الأول أميل لكن الثاني أوفق لما ذكروه عند تفصيل الكبائر وقد أقره في الروضة وهو يشعر بأنه
لا يوجد عن أحد من الشافعية الجمع بين التعريفين وليس كذلك فقد قال الماوردي في الحاوي
هي ما يوجب الحد أو توجه إليها الوعيد وأو في كلامه للتنويع لا للشك وكيف يقول عالم إن
الكبيرة ما ورد فيه الحد مع التصريح في الصحيحين بالعقوق واليمين الغموس وشهادة الزور
وغير ذلك والأصل فيما ذكره الرافعي قال البغوي في التهذيب من أرتكب كبيرة من زنا أو لواط
أو شرب الخمر أو غصب أو سرقة أو قتل بغير حق ترد شهادته وإن فعله مرة واحدة ثم قال فكل
ما يوجب الحد من المعاصي فهو كبيرة وقيل ما يلحق الوعيد بصاحبه بنص كتاب أو سنة
انتهى والكلام الأول لا يقتضي الحصر والثاني هو المعتمد وقال ابن عبد السلام لم أقف على
ضابط الكبيرة يعني يسلم من الاعتراض قال والأولى ضبطها بما يشعر بتهاون مرتكبها
162

إشعار أصغر الكبائر المنصوص عليها قال وضبطها بعضهم بكل ذنب قرن به وعيد أو لعن (قلت)
وهذا أشمل من غيره ولا يرد عليه إخلاله بما فيه حد لان كل ما ثبت فيه الحد لا يخلو من ورود
الوعيد على فعله ويدخل فيه ترك الواجبات الفورية منها مطلقا والمتراخية إذا تضيقت وقال ابن
الصلاح لها امارات منها إيجاب الحد ومنها الايعاد عليها بالعذاب بالنار ونحوها في الكتاب
أو السنة ومنها وصف صاحبها بالفسق ومنها اللعن (قلت) وهذا أوسع مما قبله وقد أخرج
إسماعيل القاضي بسند فيه ابن لهيعة عن أبي سعيد مرفوعا الكبائر كل ذنب أدخل صاحبه
النار وبسند صحيح عن الحسن البصري قال كل ذنب نسبه الله تعالى إلى النار فهو كبيرة ومن
أحسن التعاريف قول القرطبي في المفهم كل ذنب أطلق عليه بنص كتاب أو سنة أو إجماع أنه
كبيرة أو عظيم أو أخبر فيه بشدة العقاب أو علق عليه الحد أو شدد النكير عليه فهو كبيرة وعلى
هذا فينبغي تتبع ما ورد فيه الوعيد أو اللعن أو الفسق من القرآن أو الأحاديث الصحيحة والحسنة
ويضم إلى ما ورد فيه التنصيص في القرآن والأحاديث الصحاح والحسان على أنه كبيرة فمهما بلغ
مجموع ذلك عرف منه تحرير عددها وقد شرعت في جمع ذلك وأسأل الله الإعانة على تحريره
بمنه وكرمه وقال الحليمي في المنهاج ما من ذنب إلا وفيه صغيرة وكبيرة وقد تنقلب الصغيرة كبيرة
بقرينة تضم إليها وتنقلب الكبيرة فاحشة كذلك إلا الكفر بالله فإنه أفحش الكبائر وليس من
نوعه صغيرة (قلت) ومع ذلك فهو ينقسم إلى فاحش وأفحش ثم ذكر الحليمي أمثلة لما قال
فالثاني كقتل النفس بغير حق فإنه كبيرة فان قتل أصلا أو فرعا أو ذا رحم أو بالحرم أو بالشهر
الحرام فهو فاحشة والزنا كبيرة فإن كان بحليلة الجار أو بذات رحم أو في شهر رمضان أو في
الحرم فهو فاحشة و شرب الخمر كبيرة فإن كان في شهر رمضان نهارا أو في الحرم أو جاهر به فهو
فاحشة والأول كالمفاخذة مع الأجنبية صغيرة فإن كان مع امرأة الأب أو حليلة الابن أو ذات
رحم فكبيرة وسرقة ما دون النصاب صغيرة فإن كان المسروق منه لا يملك غيره وأفضى به عدمه إلى
الضعف فهو كبيرة وأطال في أمثلة ذلك وفي الكثير منه ما يتعقب لكن هذا عنوانه وهو منهج
حسن لا بأس باعتباره ومداره على شدة المفسدة وخفتها والله أعلم (تنبيه) يأتي القول
في تعظيم قتل النفس في الكتاب الذي بعد هذا وتقدم الكلام على السحر في آخر كتاب الطب
وعلى أكل مال اليتيم في كتاب الوصايا وعلى أكل الربا في كتاب البيوع وعلى التولي يوم الزحف
في كتاب الجهاد وذكر هنا قذف المحصنات وقد شرط القاضي أبو سعيد الهروي في أدب القضاء
أن شرط كون غصب المال كبيرة أن يبلغ نصابا ويطرد في السرقة وغيرها وأطلق في ذلك جماعة
ويطرد في أكل مال اليتيم وجميع أنواع الجناية والله أعلم (قوله باب قذف
العبيد) أي الأرقاء عبر بالعبيد اتباعا للفظ الخبر وحكم الأمة والعبد في ذلك سواء والمراد بلفظ
الترجمة الإضافة للمفعول بدليل ما تضمنه حديث الباب ويحتمل إرادة الإضافة للفاعل والحكم
فيه أن على العبد إذا قذف نصف ما على الحر ذكرا كان أو أنثى وهذا قول الجمهور وعن عمر بن
عبد العزيز والزهري وطائفة يسيرة والأوزاعي وأهل الظاهر حده ثمانون وخالفهم ابن حزم
فوافق الجمهور (قوله عن بن أبي نعم) هو ابن عبد الرحمن (قوله عن أبي هريرة) في رواية
الإسماعيلي من طريق محمد بن خلاد وعلي بن المديني كلاهما عن يحيى بن سعيد وهو القطان بهذا
163

السند حدثنا أبو هريرة (قوله سمعت أبا القاسم) في رواية الإسماعيلي حدثنا أبو القاسم نبي
التوبة (قوله من قذف مملوكه) في رواية الإسماعيلي من قذف عبده بشئ (قوله وهو برئ
مما قال) جملة حالية وقوله إلا أن يكون كما قال أي فلا يجلد وفي رواية النسائي من هذا الوجه
أقام عليه الحد يوم القيامة وأخرج من حديث ابن عمر من قذف مملوكه كان لله في ظهره
حد يوم القيامة إن شاء أخذه وإن شاء عفا عنه قال المهلب أجمعوا على أن الحر إذا قذف عبدا
لم يجب عليه الحد ودل هذا الحديث على ذلك لأنه لو وجب على السيد أن يجلد في قذف عبده
في الدنيا لذكره كما ذكره في الآخرة وانما خص ذلك بالآخرة تمييزا للأحرار من المملوكين فأما
في الآخرة فان ملكهم يزول عنهم ويتكافئون في الحدود ويقتص لكل منهم إلا أن يعفو
ولا مفاضلة حينئذ إلا بالتقوى (قلت) في نقله الاجماع نظر فقد أخرج عبد الرزاق عن معمر عن
أيوب عن نافع سئل بن عمر عمن قذف أم ولد لآخر فقال يضرب الحد صاغرا وهذا بسند صحيح
وبه قال الحسن وأهل الظاهر وقال بن المنذر اختلفوا فيمن قذف أم ولد فقال مالك وجماعة
يجب فيه الحد وهو قياس قول الشافعي بعد موت السيد وكذا كل من يقول أنها عتقت بموت
السيد وعن الحسن البصري أنه كان لا يرى الحد على قاذف أم الولد وقال مالك والشافعي من
قذف حرا يظنه عبدا وجب عليه الحد (قوله باب هل يأمر الامام رجلا فيضرب
الحد غائبا عنه) تقدم الكلام على هذه الترجمة وهل هو مكروه أو لا قريبا (قوله وقد فعله عمر)
ثبت هذا التعليق في رواية الكشميهني وقد ورد ذلك عن عمر في عدة آثار منها ما أخرجه سعيد بن
منصور بسند صحيح عن عمر أنه كتب إلى عامله إن عاد فحدوه ذكره في قصة طويلة وتقدم الكلام
على حديث سهل بن سعد المذكور في الباب في قصة العسيف ولله الحمد ومحمد بن يوسف شيخه فيه
هو الفريابي كما جزم به أبو نعيم في المستخرج وقوله في هذه الرواية حدثنا ابن عيينة عن الزهري
عن عبيد الله بن عبد الله وقع عند الإسماعيلي من طريق العباس بن الوليد النرسي عن ابن
عيينة قال الزهري كنت أحسب أني قد أصبت من العلم فلما لقيت عبيد الله كأنما كنت أفجر به
بحرا فذكر الحديث وفيه إيماء إلى أنه لم يحمل هذا الحديث تاما إلا عن عبيد الله المذكور
وهو أحد الفقهاء السبعة من أهل المدينة (خاتمة) اشتمل كتاب الحدود والمحاربين من
الأحاديث المرفوعة على مائة حديث وثلاثة أحاديث الموصول منها تسعة وسبعون والبقية
متابعات وتعاليق والمكرر منها فيه وفيما مضى اثنان وستون حديثا والخالص سبعة عشر
حديثا وافقه مسلم على تخريجها سوى ثمانية أحاديث وهي حديث أبي هريرة أتى النبي صلى
الله عليه وسلم برجل قد شرب الخمر وفيه لا تعينوا عليه الشيطان وحديث السائب بن يزيد
في ضرب الشارب وحديث عمر في قصة الشارب الملقب حمارا وحديث ابن عباس لا يزني الزاني
حين يزني وهو مؤمن وحديث علي في رجم المرأة وجلدها وحديث علي في رفع القلم وحديث
أنس في الرجل الذي قال يا رسول الله أصبت حدا فأقمه علي وحديث ابن عباس في قصة ماعز
وحديث عمر في قصة السقيفة المطول بما اشتمل عليه وقد اتفقنا منه على أوله في قصة الرجم وفيه
من الآثار عن الصحابة والتابعين عشرون أثرا بعضها موصول في ضمن الأحاديث المرفوعة
مثل قول ابن عباس ينزع نور الايمان من الزاني ومثل إخراج عمر المخنثين ومثل كلام
164

الحباب بن المنذر
(قوله بسم الله الرحمن الرحيم)
(كتاب الديات)
بتخفيف التحتانية جمع دية مثل عدات وعدة وأصلها ودية بفتح الواو وسكون الدال تقول ودي
القتيل يديه إذا أعطى وليه ديته وهي ما جعل في مقابلة النفس وسمي دية تسمية بالمصدر وفاؤها
محذوفة والهاء عوض وفي الامر د القتيل بدال مكسورة حسب فان وقفت قلت ده وأورد
البخاري تحت هذه الترجمة ما يتعلق بالقصاص لان كل ما يجب فيه القصاص يجوز العفو عنه
على مال فتكون الدية أشمل وترجم غيره كتاب القصاص وأدخل تحته الديات بناء على أن
القصاص هو الأصل في العمد (قوله وقول الله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم)
كذا للجميع لكن سقطت الواو الأولى لأبي ذر والنسفي وفي هذه الآية وعيد شديد لمن قتل
مؤمنا متعمدا بغير حق وقد تقدم النقل في تفسير سورة الفرقان عن ابن عباس وغيره في ذلك
وبيان الاختلاف هل للقاتل توبة بما يغني عن إعادته وأخرج اسما عيل القاضي في أحكام
القرآن بسند حسن أن هذه الآية لما نزلت قال المهاجرون والأنصار وجبت حتى نزل ان الله
لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء (قلت) وعلى ذلك عول أهل السنة في أن القاتل
في مشيئة الله ويؤيده حديث عبادة المتفق عليه بعد أن ذكر القتل والزنا وغيرهما ومن أصاب
من ذلك شيئا فأمره إلى الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه ويؤيده قصة الذي قتل تسع وتسعين
نفسا ثم قتل المكمل مائة وقد مضى في ذكر بني إسرائيل من أحاديث الأنبياء ثم ذكر فيه خمسة
أحاديث مرفوعة الحديث الأول حديث ابن مسعود أي الذنب أكبر وقد تقدم شرحه
مستوفى في باب اثم الزنا وقوله أن تقتل ولدك قال الكرماني لا مفهوم له لان القتل مطلقا أعظم
(قلت) لا يمتنع أن يكون الذنب أعظم من غيره وبعض أفراده أعظم من بعض ثم قال الكرماني
وجه كونه أعظم أنه جمع مع القتل ضعف الاعتقاد في أن الله هو الرزاق الحديث الثاني حديث
ابن عمر (قوله حدثنا علي) كذا للجميع غير منسوب ولم يذكره أبو علي الجياني في تقييده
ولا نبه عليه الكلاباذي وقد ذكرت في المقدمة أنه علي بن الجعد لان علي بن المديني لم يدرك
إسحاق بن سعيد (قوله لا) في رواية الكشميهني لن (قوله في فسحة) بضم الفاء وسكون المهملة
وبحاء مهملة أي سعة (قوله من دينه) كذا للأكثر بكسر المهملة من الدين وفي رواية
الكشميهني من ذنبه فمفهوم الأول أن يضيق عليه دينه ففيه اشعار بالوعيد على قتل المؤمن متعمدا
بما يتوعد به الكافر ومفهوم الثاني أنه يصير في ضيق بسبب ذنبه ففيه إشارة إلى استبعاد العفو
عنه لاستمراره في الضيق المذكور وقال ابن العربي الفسحة في الدين سعة الأعمال الصالحة حتى
إذا جاء القتل ضاقت لأنها لا تفي بوزره والفسحة في الذنب قبوله الغفران بالتوبة حتى إذا جاء القتل
ارتفع القبول وحاصله أنه فسره على رأي ابن عمر في عدم قبول توبة القاتل (قوله مالم يصب دما
حراما) في رواية إسماعيل القاضي من هذا الوجه ما لم يتند بدم حرام وهو بمثناة ثم نون ثم دال ثقيلة
ومعناه الإصابة وهو كناية عن شدة المخالطة ولو قلت وقد أخرج الطبراني في المعجم الكبير عن
165

ابن مسعود بسند رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا مثل حديث ابن عمر موقوفا أيضا وزاد في آخره
فإذا أصاب دما حراما نزع منه الحياء ثم أورد عن أحمد بن يعقوب وهو المسعودي الكوفي عن
إسحاق بن سعيد وهو المذكور في السند الذي قبله بالسند المذكور إلى ابن عمر (قوله إن من
ورطات) بفتح الواو والراء وحكى ابن مالك أنه قيد في الرواية بسكون الراء والصواب التحريك
وهي جمع ورطة بسكون الراء وهي الهلاك يقال وقع فلان في ورطة أي في شئ لا ينجو منه وقد
فسرها في الخبر بقوله التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها (قوله سفك الدم) أي إراقته والمراد به
القتل بأي صفة كان لكن لما كان الأصل إراقة الدم عبر به (قوله بغير حلة) في رواية أبي نعيم
بغير حقه وهو موافق للفظ الآية وهل الموقوف علي ابن عمر منتزع من المرفوع فكأن ابن عمر
فهم من كون القائل لا يكون في فسحة أنه ورط نفسه فأهلكها لكن التعبير بقوله من ورطات
الأمور يقتضي المشاركة بخلاف اللفظ الأول فهو أشد في الوعيد وزعم الإسماعيلي أن هذه
الرواية الثانية غلط ولم يبين وجه الغلط وأظنه من جهة انفراد أحمد بن يعقوب بها فقد رواه عن
إسحاق بن سعيد أبو النضر هاشم بن القاسم ومحمد بن كناسة وغيرهما باللفظ الأول وقد ثبت عن
ابن عمر أنه قال لمن قتل عامدا بغير حق تزود من الماء البارد فإنك لا تدخل الجنة وأخرج الترمذي
من حديث عبد الله بن عمر زوال الدنيا كلها أهون على الله من قتل رجل مسلم قال الترمذي
حديث حسن (قلت) وأخرجه النسائي بلفظ لقتل المؤمن أعظم عند الله من زوال
الدنيا قال ابن العربي ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق والوعيد في ذلك فكيف بقتل الآدمي
فكيف بالمسلم فكيف بالتقي الصالح الحديث الثالث (قوله حدثنا عبيد الله بن موسى عن
الأعمش) هذا السند يلتحق بالثلاثيات وهي أعلى ما عند البخاري من حيث العدد وهذا في
حكمه من جهة أن الأعمش تابعي وإن كان روى هذا عن تابعي آخر فان ذلك التابعي أدرك النبي
صلى الله عليه وسلم وان لم تحصل له صحبة (قوله عن أبي وائل عن عبد الله) تقدم في باب القصاص
يوم القيامة في أواخر الرقاق من رواية حفص بن غياث عن الأعمش حدثني شقيق وهو أبو وائل
المذكور قال سمعت عبد الله وهو ابن مسعود (قوله أول ما يقضي بين الناس في الدماء) زاد
مسلم من طريق آخر عن الأعمش يوم القيامة وقد ذكرت شرحه في الباب المذكور وطريق الجمع
بينه وبين حديث أبي هريرة أول ما يحاسب به المرء صلاته وننبه هنا على أن النسائي أخرجهما
من حديث واحد أورده من طريق أبي وائل عن مسعود رفعه أول ما يحاسب به العبد
الصلاة وأول ما يقضى بين الناس في الدماء وما في هذا الحديث موصولة وهو موصول حرفي
ويتعلق الجار بمحذوف أي أول القضاء يوم القيامة القضاء في الدماء أي في الامر المتعلق بالدماء
وفيه عظم أمر القتل لان الابتداء إنما يقع بالأهم وقد استدل به على أن القضاء يختص بالناس
ولا مدخل فيه للبهائم وهو غلط لان مفاده حصر الأولوية في القضاء بين الناس وليس فيه نفي القضاء
بين البهائم مثلا بعد القضاء بين الناس الحديث الرابع (قوله حدثنا عبدان) هو عبد الله بن
عثمان وعبد الله هو بن المبارك ويونس هو بن يزيد وعطاء بن يزيد هو الليثي وعبيد الله بالصغير
هو ابن عدي أي ابن الخيار بكسر المعجمة وتخفيف التحتانية النوفلي له إدراك وقد تقدم بيانه
في مناقب عثمان والمقداد بن عمرو هو المعروف بابن الأسود (قوله إن لقيت) كذا للأكثر بصيغة
166

الشرط وفي رواية أبي ذر إني لقيت كافرا فاقتتلنا فضرب يدي فقطعها وظاهر سياقه أن ذلك وقع
والذي في نفس الامر بخلافه وانما سأل المقداد عن الحكم في ذلك لو وقع وقد تقدم في غزوة بدر
بلفظ أرأيت إن لقيت رجلا من الحديث وهو يؤيد رواية الأكثر (قوله ثم لاذ بشجرة)
أي التجأ إليها وفي رواية الكشميهني ثم لاذ مني بشجرة والشجرة مثال (قوله وقال أسلمت لله) أي
دخلت في الاسلام (قوله فان قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله) قال الكرماني القتل ليس سببا
لكون كل منهما بمنزلة الآخر لكن عند النحاة مؤول بالاخبار أي هو سبب لاخباري لك بذلك
وعند البيانيين المراد لازمه كقوله يباح دمك ان عصيت (قوله وأنت بمنزلته قبل أن يقول) قال
الخطابي معناه أن الكافر مباح الدم بحكم الدين قبل أن يسلم فإذا أسلم صار مصان الدم كالمسلم فان
قتله المسلم بعد ذلك صار دمه مباحا بحق القصاص كالكافر بحق الدين وليس المراد إلحاقه في
الكفر كما تقول الخوارج من تكفير المسلم بالكبيرة وحاصله اتحاد المنزلتين مع اختلاف المأخذ
فالأول انه مثلك في صون الدم والثاني انك مثله في الهدر ونقل ابن التين عن الداودي قال معناه
انك صرت قاتلا كما كان هو قاتلا قال وهذا من المعاريض لأنه أراد الأغلاط بظاهر اللفظ
دون باطنه وانما أراد أن كلا منهما قاتل ولم يرد أنه صار كافرا بقتله إياه ونقل ابن بطال عن
المهلب معناه فقال أي انك بقصدك لقتله عمدا آثم كما كان هو بقصده لقتلك آثما فأنتما في حالة
واحدة من العصيان وقيل المعنى أنت عنده حلال الدم قبل أن تسلم وكنت مثله في الكفر كما كان
عندك حلال الدم قبل ذلك وقيل معناه أنه مغفور له بشهادة التوحيد كما انك مغفور لك بشهود
بدر ونقل ابن بطال عن ابن القصار أن معنى قوله وأنت بمنزلته أي في إباحة الدم وانما قصد بذلك
ردعه وزجره عن قتله لا أن الكافر إذا قال أسلمت حرم قتله وتعقب بأن الكافر مباح الدم والمسلم
الذي قتله ان لم يتعمد قتله ولم يكن عرف أنه مسلم إنما قتله متأولا فيكون بمنزلته في إباحته وقال
القاضي عياض معناه أنه مثله في مخالفة الحق وارتكاب الاثم وان اختلف النوع في كون
أحدهما كفرا والآخر معصية وقيل المراد إن قتلته مستحلا لقتله فأنت مثله في الكفر وقيل
المراد بالمثلية أنه مغفور له بشهادة التوحيد وأنت مغفور لك بشهود بدر ونقل ابن التين أيضا
عن الداودي أنه أوله على وجه آخر فقال يفسره حديث ابن عباس الذي في آخر الباب ومعناه أنه
يجوز أن يكون اللائذ بالشجرة القاطع لليد مؤمنا يكتم ايمانه مع قوم كفار غلبوه على نفسه
فان قتلته فأنت شاك في قتلك إياه أنى ينزله الله من العمد والخطأ كما كان هو مشكوكا في ايمانه
لجواز أن يكون يكتم ايمانه ثم قال فان قيل كيف قطع يد المؤمن وهو ممن يكتم ايمانه فالجواب
أنه دفع عن نفسه من يريد قتله فجاز له ذلك كما جاز للمؤمن أن يدفع عن نفسه من يريد قتله ولو
أفضى إلى قتل من يريد قتله فان دمه يكون هدرا فلذلك لم يقد النبي صلى الله عليه وسلم من يد
المقداد لأنه قطعها متأولا (قلت) وعليه مؤاخذات منها الجمع بين القصتين بهذا التكلف
مع ظهور اختلافهما وانما الذي ينطبق على حديث ابن عباس قصة أسامة الآتية في الباب
الذي يليه حيث حمل على رجل أراد قتله فقال اني مسلم فقتله ظنا أنه قال ذلك متعوذا من القتل
وكان الرجل في الأصل مسلما فالذي وقع للمقداد نحو ذلك كما سأبينه وأما قصة قطع اليد فإنما
قالها مستفتيا على تقدير أن لو وقعت كما تقدم تقريره وانما تضمن الجواب النهي عن قتله لكونه
167

أظهر الاسلام فحقن دمه وصار ما وقع منه قبل الاسلام عفوا ومنها أن في جوابه عن الاستشكال
نظرا لأنه كان يمكنه أن يدفع بالقول بأن يقول له عند إرادة المسلم قتله اني مسلم فكيف عنه وليس
له أن يبادر لقطع يده مع القدرة على القول المذكور ونحوه واستدل به على صحة من قال
أسلمت لله ولم يزد على ذلك وفيه نظر لان ذلك كاف في الكف على أنه ورد في بعض طرقه أنه قال
لا اله إلا الله وهو رواية معمر عن الزهري عند مسلم في هذا الحديث واستدل به على جواز السؤال
عن النوازل قبل وقوعها بناء على ما تقدم ترجيحه وأما ما نقل عن بعض السلف من كراهة ذلك
هو محمول على ما يندر وقوعه وأما ما يمكن وقوعه عادة فيشرع السؤال عنه ليعلم الحديث
الخامس (قوله وقال حبيب بن أبي عمرة) هو القصاب الكوفي لا يعرف اسم أبيه وهذا
التعليق وصله البزار والدار قطني في الافراد والطبراني في الكبير من رواية أبي بكر بن علي بن
عطاء مقدم والد محمد بن أبي بكر المقدمي عن حبيب وفي أوله بعث رسول الله صلى الله عليه
وسلم سرية فيها المقداد فلما أتوهم وجدوهم تفرقوا وفيهم رجل له مال كثير لم يبرح فقال أشهد
أن لا اله إلا الله فهوى إليه المقداد فقتله الحديث وفيه فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال يا مقداد قتلت رجلا قال لا اله إلا الله فكيف لك بلا اله إلا الله فأنزل الله يا أيها الذين
أمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمقداد كان رجلا
مؤمنا يخفي ايمانه الخ قال الدارقطني تفرد به حبيب وتفرد به أبو بكر عنه (قلت) قد تابع أبا
بكر سفيان الثوري لكنه أرسله أخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع عنه أخرجه الطبري من
طريق أبي إسحاق الفزاري عن الثوري كذلك ولفظ وكيع بسنده عن سعيد بن جبير خرج
المقداد بن الأسود في سرية فذكر الحديث مختصرا إلى قوله فنزلت ولم يذكر الخبر المعلق وقد
تقدمت الإشارة إلى هذه القصة في تفسير سورة النساء وبينت الاختلاف في سبب نزول الآية
المذكورة وطريق الجمع ولله الحمد (قوله باب ومن أحياها) في رواية غير أبي
ذر باب قوله تعالى ومن أحياها وزاد المستملي والأصيلي فكأنما أحيا الناس جميعا (قوله قال ابن
عباس من حرم قتلها إلا بحق فكأنما أحيا الناس جميعا) وصله بن أبي حاتم ومضى بيانه في
تفسير سورة المائدة وذكر مغلطاي من طريق وكيع عن سفيان عن خصيف عن مجاهد عن ابن
عباس واعترض بأن خصيفا ضعيف وهو اعتراض ساقط لوجوده من غير رواية خصيف والمراد
من هذه الآية صدرها وهو قوله الله تعالى من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل
الناس جميعا وعليه ينطبق أول أحاديث الباب وهو قوله الا كان علي ابن آدم الأول كفل منها
وسائرها في تعظيم أمر القتل وهي اثنا عشر حديثا قال ابن بطال فيها تغليظ أمر القتل والمبالغة
في الزجر عنه قال واختلف السلف في المراد بقوله قتل الناس جميعا وأحيا الناس جميعا فقالت
طائفة معناه تغليظ الوزر والتعظيم في قتل المؤمن أخرجه الطبري عن الحسن ومجاهد وقتادة
ولفظ الحسن أن قاتل النفس الواحدة يصير إلى النار كما لو قتل الناس جميعا وقيل معناه أن
الناس خصماؤه جميعا وقيل يجب عليه من القود بقتله المؤمن مثل ما يجب عليه لو قتل الناس
جميعا لأنه لا يكون عليه غير قتلة واحدة لجميعهم أخرجه الطبري عن زيد بن أسلم واختار الطبري
أن المراد بذلك تعظيم العقوبة وشدة الوعيد من حيث أن قتل الواحد وقتل الجميع سواء
168

في استيجاب غضب الله وعذابه وفي مقابله أن من لم يقتل أحدا فقد حيي الناس منه جميعا
لسلامتهم منه وحكى ابن التين أن معناه أن من وجب له قصاص فعفا عنه أعطي من الاجر مثل
ما لو أحيا الناس جميعا وقيل وجب شكره على الناس جميعا وكأنما من عليهم جميعا قال ابن
بطال وانما اختار هذا لأنه لا توجد نفس يقوم قتلها في عاجل الضر مقام قتل جميع النفوس
ولا إحياؤها في عاجل النفع مقام إحياء جميع النفوس (قلت) وأختار بعض المتأخرين
تخصيص الشق الأول بابن آدم الأول كونه سن القتل وهتك حرمة الدماء و جرأ الناس على ذلك
وهو ضعيف لان الإشارة بقوله في أول الآية من أجل ذلك لقصة ابني آدم فدل على المذكور
بعد ذلك متعلق بغيرهما فالحمل على ظاهر العموم أولى والله أعلم الحديث الأول (قوله
حدثنا سفيان) هو الثوري ويحتمل أن يكون بن عيينة فسيأتي في الاعتصام من رواية الحميدي
عنه حدثنا الأعمش (قوله الأعمش) هو سليمان بن مهران (قوله عن عبد الله بن مرة) في
رواية حفص بن غياث عن الأعمش حدثني عبد الله بن مرة وهو الخارفي بمعجمة وراء مكسورة
وفاء كوفي وفي السند ثلاثة من التابعين في نسق كوفيون (قوله لا تقتل نفس) زاد حفص في
روايته ظلما وفي الاعتصام ليس من نفس تقتل ظلما (قوله علي ابن آدم الأول) هو قابيل عند
الأكثر وعكس القاضي جمال الدين بن واصل في تاريخه فقال اسم المقتول قابيل اشتق من
قبول قربانه وقيل اسمه قابن بنون بدل اللام بغير ياء وقيل قبن مثله بغير الف وقد تقدمت
الإشارة إلى ذلك في باب خلق آدم من بدء الخلق وأخرج الطبري عن ابن عباس كان من شأنهما
أنه لم يكن مسكين يتصدق عليه انما كان القربان يقربه الرجل فمهما قبل تنزل النار فتأكله وإلا
فلا وعن الحسن لم يكونا ولدي آدم لصلبه انما كانا من بني إسرائيل أخرجه الطبري ومن طريق
ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كانا ولدي آدم لصلبه وهذا هو المشهور ويؤيده حديث الباب
لوصفه ابن بأنه الأول أي أول ما ولد لآدم ويقال بأنه لم يولد في الجنة لآدم غيره وغير توأمته
ومن ثم فخر على أخيه هابيل فقال نحن من أولاد الجنة وأنتما من أولاد الأرض ذكر ذلك ابن
إسحاق في المبتدأ وعن الحسن ذكر لي أن هابيل قتل وله عشرون سنة ولأخيه القاتل خمس
وعشرون سنة وتفسير هابيل هبة الله ولما قتل هابيل وحزن عليه آدم ولد له بعد ذلك شيث
ومعناه عطية الله ومنه انتشرت ذرية آدم وقال الثعلبي ذكر أهل العلم بالقرآن أن حواء ولدت
لآدم أربعين نفسا في عشرين بطنا أولهم قابيل وأخته أقليما وأخرهم عبد المغيث وأمة المغيث
ثم لم يمت حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفا وهلكوا كلهم فلم يبق بعد الطوفان إلا ذرية نوح
وهو من نسل شيث قال الله تعالى وجعلنا ذريته هم الباقين وكان معه في السفينة ثمانون
نفسا وهم المشار إليهم بقوله تعالى وما آمن معه إلا قليل ومع ذلك فما بقي إلا نسل نوح فتوالدوا
حتى ملأوا الأرض وقد تقدم شئ من ذلك في ترجمة نوح من أحاديث الأنبياء (قوله كفل منها)
زاد في الاعتصام وربما قال سفيان من دمها وزاد في آخره لأنه أول من سن القتل وهذا مثل
لفظ حفص بن غياث الماضي في خلق آدم والكفل بكسر أوله وسكون الفاء النصيب وأكثر
ما يطلق على الاجر والضعف على الاثم ومنه قوله تعالى كفلين من رحمته ووقع على الاثم في قوله
تعالى ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وقوله لأنه أول من سن القتل وفيه أن من سن شيئا
169

كتب له أو عليه وهو أصل في أن المعونة على ما لا يحل حرام وقد أخرج مسلم من حديث جرير من
سن في الاسلام سنة حسنه كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن في الاسلام
سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة وهو محمول على من لم يتب من ذلك
الذنب وعن السدى شدخ قابيل رأس أخيه بحجر فمات وعن ابن جريج تمثل له إبليس فأخذ
بحجر فشدخ به رأس طير ففعل ذلك قابيل وكان ذلك على جبل ثور وقيل على عقبة حراء وقيل
بالهند وقيل بموضع المسجد الأعظم بالبصرة وكان من شأنه في دفنه ما قصة الله في كتابه الحديث
الثاني (قوله واقد بن عبد الله أخبرني) هو من تقديم الاسم على الصيغة وواقد هذا قال أبو ذر في
روايته كذا وقع هنا واقد بن عبد الله والصواب واقد بن محمد (قلت) وهو كذلك لكن لقوله واقد
ابن عبد الله توجيه وهو ان يكون الراوي نسبة لجده الاعلى عبد الله بن عمر فإنه واقد بن محمد بن
زيد بن عبد الله بن عمر والذي نسبه كذلك أبو الوليد شيخ البخاري فيه فقد أخرجه أبو داود في
السنن عن أبي الوليد كذلك وتقدم للمصنف في الأدب من رواية خالد بن الحرث عن شعبة على
الحقيقة فقال عن واقد بن محمد ويأتي في الفتن عن حجاج بن منهال عن شعبة كذلك وكذا لمسلم
والنسائي من رواية غندر عن شعبة ثم وجدت في الأول من فوائد أبي عمر بن السماك من
طريق عفان عن شعبة كما قال أبو الوليد فلعل نسبته كذلك من شعبة لكن أخرجه أحمد عن
عفان وغيره عن شعبة كالجادة وفي الجملة فقوله عن أبيه لا ينصرف لعبد الله بل لمحمد بن زيد
جزما فمن ترجم لعبد الله والد واقد في رجال البخاري أخطأ نعم في هذا النسب واقد بن عبد الله بن
عمر تابعي معروف وهو أقدم من هذا فإنه عم والد واقد المذكور هنا وله ولد اسمه عبد الله بن واقد
وقد أخرج له مسلم (قوله لا ترجعوا بعدي كفارا) جملة ما فيه من الأقوال ثمانية إحداها قول
الخوارج إنه على ظاهره ثانيها هو في المستحلين ثالثها المعنى كفارا بحرمة الدماء وحرمة
المسلمين وحقوق الدين رابعها تفعلون فعل الكفار في قتل بعضهم بعضا خامسها لابسين
السلاح يقال كفر درعه إذا لبس فوقها ثوبا سادسها كفارا بنعمة الله سابعها المراد الزجر
عن الفعل وليس ظاهره مرادا ثامنها لا يكفر بعضكم بعضا كأن يقول أحد الفريقين للآخر
يا كافر فيكفر أحدهما ثم وجدت تاسعا وعاشرا ذكرتهما في كتاب الفتن وسيأتي شرح الحديث
مستوفى في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى الحديث الثالث حديث جرير وهو ابن عبد الله البجلي
(قوله استنصت الناس) أي أطلب منهم الانصات ليسمعوا الخطبة وقد تقدم أتم سياقا من هذا
في كتاب الحج ويأتي شرحه في الفتن أيضا الحديث الرابع والخامس (قوله رواه أبو بكرة وابن
عباس) يريد قوله لا ترجعوا بعدي كفارا وحديث أبي بكرة وصله المؤلف مطولا في الحج
وشرحه هناك ويأتي في الفتن أيضا وكذلك حديث ابن عباس الحديث السادس حديث عبد الله
ابن عمرو في الكبائر تقدم شرحه في كتاب الأدب (قوله وعقوق الوالدين أو قال اليمين الغموس
شك شعبة) قلت تقدم في الايمان والنذور من طريق النضر بن شميل عن شعبة بالواو بغير
شك وزاد مع الثلاثة وقتل النفس وهو المراد في هذا الباب (قوله معاذ) هو ابن العنبري
وهو من تعاليق البخاري وجوز الكرماني أن يكون مقول محمد بن بشار فيكون موصولا وقد
وصله الإسماعيلي من رواية عبيد الله بن معاذ عن أبيه ولفظه الكبائر الاشراك بالله وعقوق
170

الوالدين أو قال قتل النفس واليمين الغموس وهذا مطابق لتعليق البخاري إلا أن فيه تأخير اليمين
الغموس والغرض منه انما هو اثبات قتل النفس وحاصل الاختلاف على شعبة أنه تارة ذكرها
وتارة لم يذكرها وأخرى ذكرها مع الشك الحديث السابع حديث أنس في الكبائر أيضا تقدم
شرحه في كتاب الأدب * الحديث الثامن حديث أسامة (قوله حدثنا عمرو بن زرارة حدثنا
هشيم) تقدم في المغازي عن عمرو بن محمد عن هشيم وكلاهما من شيوخ البخاري (قوله حدثنا
هشيم) في رواية الكشميهني أنبأنا (قوله حدثنا حصين) في رواية أبي ذر والأصيلي أنبأنا حصين وهو
ابن عبد الرحمن الواسطي من صغار التابعين وأبو ظبيان بظاء معجمة مفتوحة ثم موحدة ساكنة
ثم ياء آخر الحروف واسمه أيضا حصين وهو ابن جندب من كبار التابعين (قوله بعثنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة) بضم المهملة وبالراء ثم قاف وهم بطن من جهينة تقدم نسبتهم
إليهم في غزوة الفتح قال ابن الكلبي سموا بذلك لوقعة كانت بينهم وبين بني مرة بن عوف بن سعد بن
ذبيان فأحرقوهم بالسهام لكثرة من قتلوا منهم وهذه السرية يقال لها سرية غالب بن عبيد الله
الليثي وكانت في رمضان سنة سبع فيما ذكره ابن سعد عن شيخه وكذا ذكره بن إسحاق في المغازي
حدثني شيخ من أسلم عن رجال من قومه قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبيد الله
الكلبي ثم الليثي إلى أرض بني مرة وبها مرداس بن نهيك حليف لهم من بني الحرقة فقتله
أسامة فهذا يبين السبب في قول أسامة بعثنا إلى الحرقات من جهينة والذي يظهر أن قصة
الذي قتل ثم مات فدفن ولفظته الأرض غير قصة أسامة لان أسامة عاش بعد ذلك دهرا طويلا
وترجم البخاري في المغازي بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة
فجرى الداودي في شرحه على ظاهره فقال تأمير من لم يبلغ وتعقب من وجهين أحدهما
أنه ليس فيه تصريح بأن أسامة كان الأمير إذ يحتمل أن يكون جعل الترجمة باسمه لكونه وقعت
له تلك الواقعة لا لكونه كان الأمير والثاني أنها إن كانت سنة سبع أو ثمان فما كان
أسامة يومئذ إلا بالغا لانهم ذكروا انه كان له لما مات النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر عاما
(قوله فصبحنا القوم) أي هجموا عليهم صباحا قبل أن يشعروا بهم يقال صبحته أتيته صباحا بغتة
ومنه قوله ولقد صبحهم بكرة عذابا مستقر (قوله ولحقت أنا ورجل من الأنصار) لم أقف على
اسم الأنصاري المذكور في هذه القصة (قوله رجل منهم) قال ابن عبد البر اسمه مرداس بن عمرو
الفدكي ويقال مرداس بن نهيك الفزاري وهو قول ابن الكلبي قتله أسامة وساق القصة وذكر
ابن مندة أن أبا سعيد الخدري قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها أسامة إلى بني
ضمرة فذكر قتل أسامة الرجل وقال ابن أبي عاصم في الديات حدثنا يعقوب بن حميد حدثنا يحيى
ابن سليم عن هشام بن حسان عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خيلا إلى فدك
فأغاروا عليهم وكان مرداس الفدكي قد خرج من الليل وقال لأصحابه اني لاحق بمحمد وأصحابه
فبصر به رجل فحمل عليه فقال اني مؤمن فقتله فقال النبي صلى الله عليه وسلم هلا شققت
عن قلبه قال فقال أنس أن قاتل مرداس مات فدفنوه فأصبح فوق القبر فأعادوه فأصبح فوق
القبر مرارا فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأمر أن يطرح في واد بين جبلين ثم قال
إن الأرض لتقبل من هو شر منه ولكن الله وعظكم (قلت) إن ثبت هذا فهو مرداس آخر
171

وقتيل أسامة لا يسمى مرداسا وقد وقع مثل هذا عند الطبري في قتل محلم بن جثامة عامر بن
الأضبط وأن محلما لما مات ودفن لفظته الأرض فذكر نحوه (قوله غشيناه) بفتح أوله وكسر ثانيه
معجمتين أي لحقنا به حتى تغطي بنا وفي رواية الأعمش عن أبي ظبيان عند مسلم فأدركت رجلا
فطعنته برمحي حتى قتلته ووقع في حديث جندب عند مسلم فلما رفع عليه السيف قال لا اله إلا الله
فقتله ويجمع بأنه رفع عليه السيف أولا فلما لم يتمكن من ضربه بالسيف طعنه بالرمح (قوله فلما
قدمنا) أي المدينة (بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية الأعمش فوقع في نفسي من
ذلك شئ فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم ولا منافاة بينهما لأنه يحمل على أن ذلك بلغ النبي
صلى الله عليه وسلم من أسامة لا من غيره فتقديره الأول بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم مني
(قوله أقتلته بعد ما قال) في رواية الكشميهني بعد أن قال قال ابن التين في هذا اللوم تعليم وابلاغ
في الموعظة حتى لا يقدم أحد على قتل من تلفظ بالتوحيد وقال القرطبي في تكريره ذلك
والاعراض عن قبول العذر زجر شديد عن الاقدام على مثل ذلك (قوله انما كان متعوذا)
في رواية الأعمش قالها خوفا من السلاح وفي رواية بن أبي عاصم من وجه آخر عن أسامة انما
فعل ذلك ليحرز دمه (قوله قال قلت يا رسول الله والله انما كان متعوذا) كذا أعاد الاعتذار
وأعيد عليه الانكار وقي رواية الأعمش أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا قال النووي
الفاعل في قوله أقالها هو القلب ومعناه انك إنما كلفت بالعمل بالظاهر وما ينطق به اللسان وأما
القلب فليس لك طريق إلى ما فيه فأنكر عليه ترك العمل بما ظهر من اللسان فقال أفلا شققت
عن قلبه لتنظر هل كانت فيه حين قالها واعتقدها أو لا والمعنى انك إذا كنت ليس قادرا على
ذلك فاكتف منه باللسان وقال القرطبي فيه حجة لمن أثبت الكلام النفسي وفيه دليل على ترتب
الاحكام على أسبابه الظاهرة دون الباطنة (قوله حتى تمنيت اني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم)
أي أن إسلامي كان ذلك اليوم لان الاسلام يجب ما قبله فتمنى أن يكون ذلك الوقت أول دخوله في
الاسلام ليأمن من جريرة تلك الفعلة ولم يرد أنه تمنى أن لا يكون مسلما قبل ذلك قال القرطبي وفيه
اشعار بأنه كان استصغر ما سبق له قبل ذلك من عمل صالح في مقابلة هذه الفعلة لما سمع من
الانكار الشديد وإنما أورد ذلك على سبيل المبالغة وبين ذلك أن في بعض طرقه في رواية الأعمش
حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ ووقع عند مسلم من حديث جندب بن عبد الله في هذه القصة
زيادات ولفظه بعث بعثا من المسلمين إلى قوم من المشركين فالتقوا فأوجع رجل من المشركين
فيهم فأبلغ فقصد رجل من المسلمين غيلته كنا نتحدث أنه أسامة بن زيد فلما رفع عليه السيف
قال لا اله إلا الله فقتله الحديث وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له فكيف تصنع بلا اله إلا
الله إذا أتتك يوم القيامة قال يا رسول الله استغفر لي قال كيف تصنع بلا اله إلا الله فجعل لا يزيده
على ذلك وقال الخطابي لعل أسامة تأول قوله تعالى فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ولذلك
عذره النبي صلى الله عليه وسلم فلم يلزمه دية ولا غيرها (قلت) كأنه حمل نفي النفع على عمومه دنيا
وأخرى وليس ذلك المراد والفرق بين المقامين أنه في مثل تلك الحالة ينفعه نفعا مقيدا بأن يجب
الكف عنه حتى يختبر أمره هل قال ذلك خالصا من قلبه أو خشية من القتل وهذا بخلاف
ما لو هجم عليه الموت ووصل خروج الروح إلى الغرغرة وانكشف الغطاء فأنه إذا قالها لم تنفعه
172

بالنسبة لحكم الآخرة وهو المراد من الآية وأما كونه لم يلزمه دية ولا كفارة فتوقف فيه الداودي
وقال لعله سكت عنه لعلم السامع أو كان ذلك قبل نزول آية الدية والكفارة وقال القرطبي لا يلزم
من السكوت عنه عدم الوقوع لكن فيه بعد لان العادة جرت بعدم السكوت عن مثل ذلك إن وقع
قال فيحتمل أنه لم يجب عليه شئ لأنه كان مأذونا له في أصل القتل فلا يضمن ما أتلف من نفس ولا
مال كالخاتن والطبيب أو لان المقتول كان من العدو ولم يكن له ولي من المسلمين يستحق ديته قال
وهذا يتمشى على بعض الآراء أو لان أسامة أقر بذلك ولم تقم بذلك بينة فلم تلزم العاقلة الدية وفيه
نظر قال ابن بطال كانت هذه القصة بسبب حلف أسامة أن لا يقاتل مسلما بعد ذلك ومن ثم تخلف
عن علي في الجمل وصفين كما سيأتي بيانه في كتاب الفتن قلت وكذا وقع في رواية الأعمش المذكورة
أن سعد بن أبي وقاص كان يقول لا أقاتل مسلما حتى يقاتله أسامة واستدل به النووي على رد
الفرع الذي ذكره الرافعي فيمن رأى كافرا أسلم فأكرم إكراما كثيرا فقال ليتني كنت كافرا فأسلمت
لأكرم وقال الرافعي يكفر بذلك ورده النووي بأنه لا يكفر لأنه جازم الاسلام في الحال والاستقبال
وانما تمنى ذلك في الحال الماضي مقيدا له بالايمان ليتم له الاكرام واستدل بقصة أسامة ثم قال ويمكن
الفرق الحديث التاسع حديث عبادة (قوله حدثني يزيد) هو ابن أبي حبيب المصري وأبو الخير
هو مرثد بن عبد الله والصنابحي هو عبد الرحمن بن عسيلة بمهملتين مصغر (قوله اني من النقباء
الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني ليلة العقبة (قوله بايعناه على أن لا نشرك
ظاهره أن هذه البيعة على هذه الكيفية كانت ليلة العقبة وليس كذلك كما بينته في كتاب الايمان
في أوائل الصحيح وانما كانت البيعة ليلة العقبة على المنشط والمكره في العسر واليسر إلى آخره
وأما البيعة المذكورة هنا وهي التي تسمى بيعة النساء فكانت بعد ذلك بمدة فان آية النساء التي
فيها البيعة المذكورة نزلت بعد عمرة الحديبية في زمن الهدنة وقبل فتح مكة وكانت البيعة التي
وقعت للرجال على وفقها كانت عام الفتح وقد أوضحت ذلك والسبب في الحمل عليه في كتاب
الايمان ومضى شرح هذا الحديث هناك الحديث العاشر حديث ابن عمر (قوله جويرية)
بالجيم تصغير جارية وهو بن أسماء سمع من نافع مولى بن عمر وحدث عنه بواسطة مالك أيضا
(قوله من حمل علينا السلاح فليس منا) المراد من حمل عليهم السلاح لقتالهم لما فيه من إدخال
الرعب عليهم لا من حمله لحراستهم مثلا فأنه يحمله لهم لا عليهم وقوله فليس منا أي على طريقتنا
وأطلق اللفظ مع احتمال إرادة أنه ليس على الملة للمبالغة في الزجر والتخويف وسيأتي بسط ذلك
في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى الحديث الحادي عشر (قوله رواه أبو موسى عن النبي صلى الله
عليه وسلم) قلت سيأتي موصولا مع شرحه في كتاب الفتن ومعه حديث أبي هريرة بمعناه وهو عند
مسلم من حديث سلمة بلفظ من حمل علينا السيف الحديث الثاني عشر (قوله حدثنا أيوب)
هو السختياني ويونس هو بن عبيد البصري والحسن البصري (قوله عن الأحنف) هو
ابن قيس (قوله لأنصر هذا الرجل) هو علي بن أبي طالب وكان الأحنف تخلف عنه في وقعة الجمل
(قوله إذا التقى المسلمان بسيفيهما) بالتثنية وفي رواية الكشميهني بالافراد (قوله في النار) أي
إن أنفذ الله عليهما ذلك لأنهما فعلا فعلا يستحقان أن يعذبا من أجله وقوله أنه كان حريصا على
173

قتل صاحبه احتج به الباقلاني ومن تبعه على أن من عزم على المعصية يأثم ولو لم يفعلها وأجاب من
خالفه بان هذا شرع في الفعل والاختلاف فيمن هم مجردا ثم صمم ولم يفعل شيئا هل يأثم وقد تقدم
شرحه مستوفى في شرح حديث من هم بحسنة ومن هم بسيئة في كتاب الرقاق وقال الخطابي
هذا الوعيد لمن قاتل على عداوة دنيوية أو طلب ملك مثلا فأما من قاتل أهل البغي أو دفع
الصائل فقتل فلا يدخل في هذا الوعيد لأنه مأذون له في القتال شرعا وسيأتي شرح هذا
الحديث في كتاب الفتن أيضا إن شاء الله تعالى (قوله باب قول الله تعالى يا أيها الذين
آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الآية) كذا لأبي ذر وفي رواية الأصيلي والنسفي وابن
عساكر القتلى الحر بالحر إلى قوله عذاب أليم وللإسماعيلي القتلى إلى قوله أليم وساق في رواية
كريمة الآية كلها (قوله باب سؤال القاتل حتى يقر والاقرار في الحدود) كذا للأكثر
وبعده حديث أنس في قصة اليهودي والجارية ووقع عند النسفي وكريمة وأبي نعيم في المستخرج
بحذف باب وقالوا بعد قوله عذاب أليم وإذا لم يزل يسأل القاتل حتى أقر والاقرار في الحدود
وصنيع الأكثر أشبه وقد صرح الإسماعيلي بأن الترجمة الأولى بلا حديث (قلت) والآية
المذكورة أصل في اشتراط التكافؤ في القصاص وهو قول الجمهور وخالفهم الكوفيون فقالوا
يقتل الحر بالعبد والمسلم بالكافر الذمي وتمسكوا بقوله تعالى وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس
قال إسماعيل القاضي في أحكام القرآن الجمع بين الآيتين أولى فتحمل النفس على المكافئة
ويؤيده اتفاقهم على أن الحر لو قذف عبدا لم يجب عليه حد القذف قال ويؤخذ الحكم
من الآية نفسها فان في آخرها فمن تصدق به فهو كفارة له والكافر لا يسمى متصدقا ولا مكفرا
عنه وكذلك العبد لا يتصدق بجرحه لان الحق لسيده وقال أبو ثور لما اتفقوا على أن لا قصاص
بين العبيد والأحرار فيما دون النفس كانت النفس أولى بذلك قال ابن عبد البر أجمعوا على أن
العبد يقتل بالحر وأن الأنثى تقتل بالذكر ويقتل بها إلا أنه ورد عن بعض الصحابة كعلي والتابعين
كالحسن البصري أن الذكر إذا قتل الأنثى فشاء أولياءها قتله وجب عليهم نصف الدية وإلا فلهم
الدية كاملة قال ولا يثبت عن علي لكن هو قول عثمان البتي أحد فقهاء البصرة ويدل على
التكافؤ بين الذكر والأنثى أنهم اتفقوا على أن مقطوع اليد والأعور لو قتله الصحيح عمدا لوجب
عليه القصاص ولم يجب له بسبب عينه أو يده دية (قوله في الترجمة سؤال القاتل حتى يقر) أي
من اتهم بالقتل ولم تقم عليه البينة (قوله حدثنا همام) هو ابن يحيى (قوله عن أنس) في رواية
حبان بفتح المهملة وتشديد الموحدة عن همام الآتية بعد سبعة أبواب حدثنا أنس (قوله أن
يهوديا) لم أقف على اسمه (قوله رض رأس جارية) الرض بالضاد المعجمة والرضخ بمعنى والجارية
يحتمل أن تكون أمة ويحتمل أن تكون حرة لكن دون البلوغ وقد وقع في رواية هشام بن زيد
عن أنس في الباب الذي يليه خرجت جارية عليها أوضاح بالمدينة فرماها يهودي بحجر وتقدم
من هذا الوجه في الطلاق بلفظ عدا يهودي على جارية فأخذ أوضاحا كانت عليها ورضخ
رأسها وفيه فأتى أهلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في آخر رمق وهذا لا يعين كونها حرة
لاحتمال أن يراد بأهلها مواليها رقيقة كانت أو عتيقة ولم أقف على اسمها لكن في بعض طرقه
أنها من الأنصار ولا تنافي بين قوله رض رأسها بين حجرين وبين قوله رماها بحجر وبين قوله
174

رضخ رأسها لأنه يجمع بينها بأنه رماها بحجر فأصاب رأسها فسقطت على حجر آخر وأما قوله
على أوضاح فمعناه بسبب أوضاح وهي بالضاد المعجمة والحاء المهملة جمع وضح قال أبو عبيد هي
حلي الفضة ونقل عياض أنها حلى من حجارة ولعله أراد حجارة الفضة احترازا من الفضة المضروبة
أو المنقوشة (قوله فقيل لها من فعل بك هذا أفلان أو فلان) في رواية الكشميهني فلان أو فلان
بحذف الهمزة وقد تقدم في الاشخاص من وجه آخر عن همام أفلان أفلان بالتكرار بغير واو
عطف وجاء بيان الذي خاطبها بذلك في الرواية التي تلي هذه بلفظ فقال لها رسول الله صلى الله
عليه وسلم فلان قتلك وبين في رواية أبي قلابة عن أنس عند مسلم وأبي داود فدخل عليها رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال لها من قتلك (قوله حتى سمى اليهودي) زاد في الروايتين اللتين في
الاشخاص والوصايا فأومأت برأسها ووقع في رواية هشام بن زيد في الرواية التي تلي هذا بيان
الايماء المذكور وأنه كان تارة دالا على النفي وتارة دالا على الاثبات بلفظ فلان قتلك فرفعت
رأسها فعاد فقال فلان قتلك فرفعت رأسها فقال لها في الثالثة فلان قتلك فخفضت رأسها وهو
مشعر بأن فلان الثاني غير الأول ووقع التصريح بذلك في الرواية التي في الطلاق وكذا الآتية بعد
بابين فأشارت برأسها أن لا قال ففلان لرجل آخر يعني عن رجل أخر فأشارت أن لا قال ففلان
قاتلها فأشارت أن نعم (قوله فلم يزل به حتى أقر) في الوصايا فجئ به فلم يعترف فلم يزل به حتى أعترف
قال ابن مسعود لا أعلم أحدا قال في هذا الحديث فاعترف ولا فأقر إلا همام بن يحيى قال المهلب
فيه أنه ينبغي للحاكم أن يستدل على أهل الجنايات ثم يتلطف بهم حتى يقروا ليؤخذوا بإقرارهم
وهذا بخلاف ما إذا جاءوا تائبين فإنه يعرض عمن لم يصرح بالجناية فأنه يجب إقامة الحد عليه إذا
أقر وسياق القصة يقتضي أن اليهودي لم تقم عليه بينة وانما أخذ بإقراره وفيه أنه تجب المطالبة
بالدم بمجرد الشكوى وبالإشارة قال وفيه دليل على جواز وصية غير البالغ ودعواه بالدين والدم
قلت في هذا نظر لأنه لم يتعين كون الجارية دون البلوغ وقال المازري فيه الرد على من أنكر
القصاص بغير السيف وقتل الرجل بالمرأة (قلت) وسيأتي البحث فيهما في بابين مفردين قال
واستدل به بعضهم على التدمية لأنها لو لم تعتبر لم يكن لسؤال الجارية فائدة قال ولا يصح اعتباره
مجردا لأنه خلاف الاجماع فلم يبق إلا أنه يفيد القسامة وقال النووي ذهب مالك إلى ثبوت قتل
المتهم بمجرد قول المجروح واستدل بهذا الحديث ولا دلالة فيه بل هو قول باطل لان اليهودي
اعترف كما وقع التصريح به في بعض طرقه ونازعه بعض المالكية فقال لم يقل مالك ولا أحد من
أهل مذهبه بثبوت القتل على متهم بمجرد قول المجروح وانما قالوا انما قول المحتضر عند موته
فلان قتلني لوث يوجب القسامة فيقسم اثنان فصاعدا من عصبته بشرط الذكورية وقد وافق
بعض المالكية الجمهور واحتج من قال بالتدمية إن دعوى من وصل إلى تلك الحالة وهي وقت
اخلاصه وتوبته عند معاينة مفارقة الدنيا يدل على أنه لا يقول إلا حقا قالوا وهي أقوى من قول
الشافعية أن الوالي يقسم إذا وجد قرب وليه المقتول رجلا معه سكين بجواز أن يكون القاتل غير
من معه السكين (قوله فرض رأسه بالحجارة) أي دق وفي رواية الاشخاص فرضخ رأسه بين
حجرين ويأتي في رواية حبان أن هماما قال كلا من اللفظين وفي رواية هشام التي تليها فقتله بين
حجرين ومضى في الطلاق بلفظ الرواية التي في الاشخاص وفي رواية أبي قلابة عند مسلم فأمر به
175

فرجم حتى مات لكن في رواية أبي داود من هذا الوجه فقتل بين حجرين قال عياض رضخه بين
حجرين ورميه بالحجارة ورجمه بها بمعنى والجامع أنه رمي بحجر أو أكثر ورأسه على آخر وقال ابن
التين أجاب بعض الحنفية بأن هذا الحديث لا دلالة فيه على المماثلة في القصاص لأن المرأة
كانت حية والقود لا يكون في حي وتعقبه بأنه إنما أمر بقتله بعد موتها لان في الحديث أفلان
قتلك فدل على أنها ماتت حينئذ لأنها كانت تجود بنفسها فلما ماتت اقتص منه وادعى ابن
المرابط من المالكية ان هذا الحكم كان في أول الاسلام وهو قبول قول القتيل وأما ما جاء أنه
أعترف فهو في رواية قتادة ولم يقله غيره وهذا مما عد عليه انتهى ولا يخفى فساد هذه الدعوى
فقتادة حافظ زيادته مقبوله لان غيره لم يتعرض لنفيها فلم يتعارضا والنسخ لا يثبت بالاحتمال
واستدل به على وجوب القصاص على الذمي وتعقب بأنه ليس فيه تصريح بكونه ذميا فيحتمل
أن يكون معاهدا أو مستأمنا والله أعلم (قوله باب إذا قتل بحجر أو بعصا) كذا
أطلق ولم يبت الحكم إشارة إلى الاختلاف في ذلك ولكن إيراده الحديث يشير إلى ترجيح قول
الجمهور وذكر فيه حديث أنس في اليهودي والجارية وهو حجة للجمهور أن القاتل يقتل بما قتل
به وتمسكوا بقوله تعالى وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به وبقوله تعالى فاعتدوا عليه بمثل
ما اعتدي عليكم وخالف الكوفيون فاحتجوا بحديث لا قود إلا بالسيف وهو ضعيف أخرجه
البزار وابن عدي من حديث أبي بكرة وذكر البزار الاختلاف فيه مع ضعف إسناده وقال ابن
عدي طرقه كلها ضعيفة وعلى تقدير ثبوته فإنه على خلاف قاعدتهم في أن السنة لا تنسخ الكتاب
ولا تخصصه وبالنهي عن المثلة وهو صحيح لكنه محمول عند الجمهور على غير المماثلة في القصاص
جمعا بين الدليلين قال ابن المنذر قال الأكثر إذا قتل بشئ يقتل مثله غالبا فهو عمد وقال ابن أبي
ليلى إن قتل بالحجر أو العصا نظر إن كرر ذلك فهو عمدا وإلا فلا وقال عطاء وطاوس شرط العمد أن
يكون بسلاح وقال الحسن البصري والشعبي والنخعي والحكم وأبو حنيفة ومن تبعهم
شرطه أن يكون بحديدة واختلف فيمن قتل بعصا فأقيد بالضرب بالعصا فلم يمت هل يكرر
عليه فقيل لم يكرر وقيل إن لم يمت قتل بالسيف وكذا فيمن قتل بالتجويع وقال ابن العربي يستثنى
من المماثلة ما كان فيه معصية كالخمر واللواط والتحريق وفي الثالثة خلاف عند الشافعية
والأولان بالاتفاق لكن قال بعضهم يقتل بما يقوم مقام ذلك انتهى ومن أدلة المانعين حديث
المرأة التي رمت ضرتها بعمود الفسطاط فقتلتها فان النبي صلى الله عليه وسلم جعل فيها الدية
وسيأتي البحث فيه في بان جنين المرأة وهو بعد باب القسامة ومحمد في أول السند جزم الكلاباذي
بأنه ابن عبد الله بن نمير وقال أبو علي بن السكن هو ابن سلام الله تعالى (قوله باب قول
الله تعالى إن النفس بالنفس والعين بالعين) كذا لأبي ذر والأصيلي وعند النسفي بعده الآية
إلى قوله فأولئك هم الظالمون وساق في رواية كريمة إلى قوله الظالمون والغرض من ذكر هذه
الآية مطابقتها للفظ الحديث ولعله أراد أن يبين أنها وان وردت في أهل الكتاب لكن الحكم
الذي دلت عليه مستمر في شريعة الاسلام فهو أصل في القصاص في قتل العمد (قوله عن عبد
الله) هو ابن مسعود (قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل) وقع في رواية سفيان
الثوري عن الأعمش عند مسلم والنسائي زيادة في أوله وهي قام فينا رسول الله صلى الله عليه
176

وسلم فقال والذي لا إله غيره لا يحل وظاهر قوله لا يحل اثبات إباحة قتل من استثنى وهو كذلك
بالنسبة لتحريم قتل غيرهم وإن كان قتل من أبيح قتله منهم واجبا في الحكم (قوله دم امرئ
مسلم) في رواية الثوري دم رجل والمراد لا يحل إراقة دمه أي كله وهو كناية عن قتله ولو لم يرق
دمه (قوله يشهد أن لا إله إلا الله) هي صفة ثانية ذكرت لبيان أن المراد بالمسلم هو الآتي
بالشهادتين أو هي حال مقيدة للموصوف إشعارا بأن الشهادة هي العمدة في حقن الدم وهذا
رجحه الطيبي واستشهد بحديث أسامة كيف تصنع بلا إله إلا الله (قوله الا بإحدى ثلاث)
أي خصال ثلاث ووقع في رواية الثوري إلا ثلاثة نفر (قوله النفس بالنفس) أي من قتل عمدا
بغير حق قتل بشرطه ووقع في حديث عثمان المذكور قتل عمدا فعليه القود وفي حديث جابر
عند البزار ومن قتل نفسا ظلما (قوله والثيب الزاني) أي فيحل قتله بالرجم وقد وقع في حديث
عثمان عند النسائي بلفظ رجل زنى بعد إحصانه فعليه الرجم قال النووي الزاني يجوز فيه
إثبات الياء وحذفها وإثباتها أشهر (قوله والمفارق لدينه التارك للجماعة) كذا في رواية أبي
ذر عن الكشميهني وللباقين والمارق من الدين لكن عند النسفي والسرخسي والمستملي والمارق
لدينه قال الطيبي المارق لدينه هو التارك له من المروق وهو الخروج وفي رواية مسلم والتارك
لدينه المفارق للجماعة وله في رواية الثوري المفارق للجماعة وزاد قال الأعمش فحدثت بهما
إبراهيم يعني النخعي فحدثني عن الأسود يعني ابن يزيد عن عائشة بمثله (قلت) وهذا الطريق
أغفل المزي في الأطراف ذكرها في مسند عائشة وأغفل التنبيه عليها في ترجمة عبد الله بن مرة
عن مسروق عن ابن مسعود وقد أخرجه مسلم أيضا بعده من طريق شيبان بن عبد الرحمن عن
الأعمش ولم يسق لفظه لكن قال بالاسنادين جميعا ولم يقل والذي لا اله غيره وأفرده أبو عوانة
في صحيحه من طريق شيبان باللفظ المذكور سواء والمراد بالجماعة جماعة المسلمين أي فارقهم
أو تركهم بالارتداد فهي صفة للتارك أو المفارق لا صفة مستقلة وإلا لكانت الخصال أربعا
وهو كقوله قبل ذلك مسلم يشهد أن لا إله إلا الله فإنها صفة مفسرة لقوله مسلم وليست قيدا فيه
إذ لا يكون مسلما الا بذلك ويؤيد ما قلته أنه وقع في حديث عثمان أو يكفر بعد إسلامه أخرجه
النسائي بسند صحيح وفي لفظ له صحيح أيضا ارتد بعد إسلامه وله من طريق عمرو بن غالب عن
عائشة أو كفر بعد ما أسلم وفي حديث بن عباس عند النسائي مرتد بعد ايمانه قال ابن دقيق
العيد الردة سبب لإباحة دم المسلم بالاجماع في الرجل وأما المرأة ففيها خلاف وقد استدل بهذا
الحديث للجمهور في أن حكمها حكم الرجل لاستواء حكمهما في الزنا وتعقب بأنها دلالة
اقتران وهي ضعيفة وقال البيضاوي التارك لدينه صفة مؤكدة للمارق أي الذي ترك جماعة
المسلمين وخرج من جملتهم قال وفي الحديث دليل لمن زعم أنه لا يقتل أحد دخل في الاسلام بشئ
غير الذي عدد كترك الصلاة ولم ينفصل عن ذلك وتبعه الطيبي وقال ابن دقيق العيد قد يؤخذ
من قوله المفارق للجماعة أن المراد المخالف لأهل الاجماع فيكون متمسكا لمن يقول مخالف
الاجماع كافر وقد نسب ذلك إلى بعض الناس وليس ذلك بالهين فان المسائل الاجماعية تارة
يصحبها التواتر بالنقل عن صاحب الشرع كوجوب الصلاة مثلا وتارة لا يصحبها التواتر
فالأول يكفر جاحدا لمخالفة التواتر لا لمخالفة الاجماع والثاني لا يكفر به قال شيخنا في شرح
177

الترمذي الصحيح في تكفير منكر الاجماع تقييده بانكار ما يعلم وجوبه من الدين بالضرورة
كالصلوات الخمس ومنه من عبر بانكار ما علم وجوبه بالتواتر ومنه القول بحدوث العالم وقد حكى
عياض وغيره الاجماع على تكفير من يقول بقدم العالم وقال بن دقيق العيد وقع هنا من يدعي
الحذق في المعقولات ويميل إلى الفلسفة فظن أن المخالف في حدوث العالم لا يكفر لأنه من قبيل
مخالفة الاجماع وتمسك بقولنا إن منكر الاجماع لا يكفر على الاطلاق حتى يثبت النقل بذلك
متواترا عن صاحب الشرع قال وهو تمسك ساقط إما عن عمى في البصيرة أو تعام لان حدوث
العالم من قبيل ما اجتمع فيه الاجماع والتواتر بالنقل وقال النووي قوله التارك لدينه عام في كل
من ارتد بأي ردة كانت فيجب قتله إن لم يرجع إلى الاسلام وقوله المفارق للجماعة يتناول كل
خارج عن الجماعة ببدعة أو نفي إجماع كالروافض والخوارج وغيرهم كذا قال وسيأتي البحث
فيه وقال القرطبي في المفهم ظاهر قوله المفارق للجماعة أنه نعت للتارك لدينه لأنه إذا ارتد فارق
جماعة المسلمين غير أنه يلتحق به من خرج عن جماعة المسلمين وان لم يرتد كمن يمتنع من إقامة الحد
عليه إذا وجب ويقاتل على ذلك كأهل البغي وقطاع الطريق والمحاربين من الخوارج
وغيرهم قال فيتناولهم لفظ المفارق للجماعة بطريق العموم ولو لم يكن كذلك لم يصح الحصر لأنه
يلزم أن ينفي من ذكر ودمه حلال فلا يصح الحصر وكلام الشارع منزه عن ذلك فدل على أن
وصف المفارقة للجماعة يعم جميع هؤلاء قال وتحقيقه أن كل من فارق الجماعة ترك دينه غير أن
المرتد ترك كله والمفارق بغير ردة ترك بعضه انتهى وفيه مناقشة لان أصل الخصلة الثالثة الارتداد
فلا بد من وجوده والمفارق بغير ردة لا يسمى مرتدا فيلزم الخلف في الحصر والتحقيق في جواب
ذلك أن الحصر فيمن يجب قتله عينا أما من ذكرهم فان قتل الواحد منهم إنما يباح إذا وقع حال
المحاربة والمقاتلة بدليل أنه لو أسر لم يجز قتله صبرا اتفاقا في غير المحاربين
وعلى الراجح في المحاربين أيضا لكن يرد على ذلك قتل تارك الصلاة وقد تعرض له ابن دقيق العيد فقال استدل بهذا
الحديث أن تارك الصلاة لا يقتل بتركها لكونه ليس من الأمور الثلاثة وبذلك استدل شيخ
والدي الحافظ أبو الحسن بن فضل المقدسي في أبياته المشهورة ثم ساقها ومنها وهو كاف في
تحصيل المقصود هنا
والرأي عندي أن يعزره الاما * م بكل تعزير يراه صوابا
فالأصل عصمته إلا أن يمتطي * إحدى الثلاث إلى الهلاك ركابا
قال فهذا من المالكية اختار خلاف مذهبه وكذا استشكله امام الحرمين من الشافعية
(قلت) تارك الصلاة اختلف فيه فذهب أحمد وإسحاق وبعض المالكية ومن الشافعية ابن خزيمة
وأبو الطيب بن سلمة وأبو عبيد بن جويرية ومنصور الفقيه وأبو جعفر الترمذي إلى أنه يكفر
بذلك ولو لم يجحد وجوابها وذهب الجمهور إلى أنه يقتل حدا وذهب الحنفية ووافقهم المزني إلى
أنه لا يكفر ولا يقتل ومن أقوى ما يستدل به على عدم كفره حديث عبادة رفعه خمس صلوات
كتبهن الله على العباد الحديث وفيه ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه
وإن شاء أدخله الجنة أخرجه مالك وأصحاب السنن وصححه ابن حبان وابن السكن وغيرهما
وتمسك أحمد ومن وافقه بظواهر أحاديث وردت بتكفيره وحملها من خالفهم على المستحل جمعا
178

بين الاخبار والله أعلم وقال بن دقيق العيد وأراد بعض من أدركنا زمانه أن يزيل الاشكال
فاستدل بحديث أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة
ويؤتوا الزكاة ووجه الدليل منه أنه وقف العصمة على المجموع والمرتب على أشياء لا تحصل
إلا بحصول مجموعها وينتفى بانتفاء بعضها قال وهذا إن قصد الاستدلال بمنطوقه وهو أقاتل
الناس الخ فإنه يقتضي الامر بالقتال إلى هذه الغاية فقد ذهل للفرق بين المقاتلة على الشئ
والقتل عليه فان المقاتلة مفاعلة تقتضي الحصول من الجانبين فلا يلزم من إباحة المقاتلة على
الصلاة إباحة قتل الممتنع من فعلها إذا لم يقاتل وليس النزاع في أن قوما لو تركوا الصلاة
ونصبوا القتال أنه يجب قتالهم وانما النظر فيما إذا تركها انسان من غير نصب قتال هل
يقتل أولا والفرق بين المقاتلة على الشئ والقتل عليه ظاهر وإن كان أخذه من آخر الحديث وهو
ترتب العصمة على فعل ذلك فان مفهومه يدل على أنها لا تترتب على فعل بعضه هان الامر لأنها
دلالة مفهوم ومخالفه في هذه المسألة لا يقول بالمفهوم وأما من يقول به فله أن يدفع حجته بأنه
عارضته دلالة المنطوق في حديث الباب وهي أرجح من دلالة المفهوم فيقدم عليها واستدل به
بعض الشافعية لقتل تارك الصلاة لأنه تارك للدين الذي هو العمل وانما لم يقولوا بقتل تارك
الزكاة لامكان انتزاعها منه قهرا ولا يقتل تارك الصيام لامكان منعه المفطرات فيحتاج هو أن
ينوي الصيام لأنه يعتقد وجوبه واستدل به على أن الحر لا يقتل بالعبد لان العبد لا يرجم إذا زنى
ولو كان ثيبا حكاه ابن التين قال وليس لاحد أن يفرق ما جمعه الله إلا بدليل من كتاب أو سنة قال
وهذا بخلاف الخصلة الثالثة فان الاجماع انعقد على أن العبد والحر في الردة سواء فكأنه
جعل أن الأصل العمل بدلالة الاقتران ما لم يأت دليل يخالفه وقال شيخنا في شرح الترمذي
استثنى بعضهم من الثلاثة قتل الصائل فإنه يجوز قتله للدفع وأشار بذلك إلى قول النووي يخص
من عموم الثلاثة الصائل ونحوه فيباح قتله في الدفع وقد يجاب بأنه داخل في المفارق للجماعة
أو يكون المراد لا يحل تعمد قتله بمعنى أنه لا يحل قتله إلا مدافعة بخلاف الثلاثة واستحسنه الطيبي
وقال هو أولى من تقرير البيضاوي لأنه فسر قوله النفس بالنفس بحل قتل النفس قصاصا
للنفس التي قتلها عدوانا فاقتضى خروج الصائل ولو لم يقصد الدافع قتله (قلت) والجواب الثاني
هو المعتمد وأما الأول فتقدم الجواب عنه وحكى ابن التين عن الداودي أن هذا الحديث
منسوخ بآية المحاربة من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض قال فأباح القتل بمجرد الفساد
في الأرض قال ورد في القتل بغير الثلاث أشياء منها قوله تعالى فقاتلوا التي تبغي وحديث
من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوه وحديث من اتى بهيمة فاقتلوه وحديث من خرج وأمر
الناس جمع يريد تفريقهم فاقتلوه وقول عمر تغره أن يقتلا وقول جماعة من الأئمة إن تاب أهل
القدر وإلا قتلوا وقول جماعة من الأئمة يضرب المبتدع حتى يرجع أو يموت وقول جماعة من
الأئمة يقتل تارك الصلاة قال وهذا كله زائد على الثلاثة (قلت) وزاد غيره قتل من طلب أخذ
مال إنسان أو حريمه بغير حق ومانع الزكاة المفروضة ومن ارتد ولم يفارق الجماعة ومن خالف
الاجماع وأظهر الشقاق والخلاف والزنديق إذا تاب على رأي والساحر والجواب عن ذلك كله
أن الأكثر في المحاربة أنه إن قتل قتل وبأن حكم الآية في الباغي أن يقاتل لا أن يقصد إلى قتله
179

وبأن الخبرين في اللواط واتيان البهيمة لم يصحا وعلى تقدير الصحة فهما داخلان في الزنا وحديث
الخارج عن المسلمين تقدم تأويله بأن المراد بقتله حبسه ومنعه من الخروج وأثر عمر من هذا
القبيل والقول في القدرية وسائر المبتدعة مفرع على القول بتكفيرهم وبأن قتل تارك الصلاة
عند من لا يكفرهم مختلف فيه كما تقدم إيضاحه وأما من طلب المال أو الحريم فمن حكم دفع الصائل
ومانع الزكاة تقدم جوابه ومخالف الاجماع داخل في مفارق الجماعة وقتل الزنديق لاصطحاب
حكم كفره وكذا الساحر والعلم عند الله تعالى وقد حكى ابن العربي عن بعض أشياخه أن
أسباب القتل عشرة قال ابن العربي ولا تخرج عن وهذه الثلاثة بحال فان من سحر أو سب نبي الله
كفر فهو داخل في التارك لدينه والله أعلم واستدل بقوله النفس بالنفس على تساوي النفوس
في القتل العمد فيقاد لكل مقتول من قاتله سواء من كان حرا أو عبدا وتمسك به الحنفية وادعوا
أن آية المائدة المذكورة في الترجمة ناسخة لآية البقرة كتب عليكم القصاص في القتلى الحر
بالحر والعبد بالعبد ومنهم من فرق بين عبد الجاني وعبد غيره فأقاد من عبد غيره دون عبد نفسه
وقال الجمهور آية البقرة مفسرة لآية المائدة فيقتل العبد بالحر ولا يقتل الحر بالعبد وقال
الشافعي ليس بين العبد والحر قصاص إلا أن يشاء الحر واحتج للجمهور بأن العبد سلعة فلا يجب
فيه إلا القيمة لو قتله خطأ وسيأتي مزيدا لذلك بعد باب واستدل بعمومه على جواز قتل المسلم
بالكافر المستأمن والمعاهد وقد مضى في الباب قبله شرح حديث علي لا يقتل مؤمن بكافر
وفي الحديث جواز وصف الشخص بما كان عليه ولو انتقل عنه لاستثنائه المرتد من المسلمين وهو
باعتبار ما كان (قوله باب من أقاد بالحجر) أي حكم بالقود بفتحتين وهو المماثلة
في القصاص ذكر في حديث أنس فيه قصة اليهودي والجارية وقد تقدم شرحه مستوفى قريبا
وقوله فأشارت برأسها أي نعم في رواية الكشميهني أن نعم بالنون بدل التحتانية وكلاهما يجئ
لتفسير ما تقدمه والمراد أنها أشارت إشارة مفهمة يستفاد منها ما يستفاد منها لو نطقت فقالت
نعم (قوله باب من قتل له قتيل فهو بخير النظرين) ترجم بلفظ الخبر وظاهره
حجة لمن قال إن الاختيار في أخذ الدية أو الاقتصاص راجع إلى أولياء المقتول ولا يشترط في ذلك
رضى القاتل وهذا القدر مقصود الترجمة ومن ثم عقب حديث أبي هريرة بحديث ابن عباس الذي
فيه تفسير قوله تعالى فمن عفا له من أخيه شئ أي ترك له دمه ورضي منه بالدية فاتباع بالمعروف
أي في المطالبة بالدية وقد فسر ابن عباس العفو بقبول الدية في العمد وقبول الدية راجع إلى
الأولياء الذين لهم طلب القصاص وأيضا فإنما لزمت القاتل الدية بغير رضاه لأنه مأمور باحياء
نفسه لعموم قوله تعالى ولا تقتلوا أنفسكم فإذا رضي أولياء المقتول بأخذ الدية له لم يكن للقاتل
أن يمتنع من ذلك قال ابن بطال معنى قوله تعالى ذلك تخفيف من ربكم إشارة إلى أن أخذ الدية لم
يكن في بني إسرائيل بل كان القصاص متحتما فخفف الله عن هذه الأمة بمشروعية أخذ الدية إذا
رضي أولياء المقتول ثم ذكر ذلك في الباب حديثين الأول (قوله عن أبي هريرة) كذا للأكثر ممن
رواه عن يحيى بن أبي كثير في الصحيحين وغيرهما ووقع في رواية النسائي مرسلا وهو من رواية
يحيى بن حميد عن الأوزاعي وهي شاذة (قوله أن خزاعة قتلوا رجلا وقال عبد الله بن رجاء)
كذا تحول إلى طريق حرب بن شداد عن يحيى وهو ابن أبي كثير في الطريقين وساق الحديث
180

هنا على لفظ حرب وقد تقدم لفظ شيبان وهو بن عبد الرحمن في كتاب العلم وطريق عبد الله بن
رجاء هذه وصلها البيهقي من طريق هشام بن علي السيرافي عنه وتقدم في اللقطة من طريق الوليد
ابن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة مصرحا بالتحديث في جميع السند (قوله أنه عام
فتح مكة) الهاء في أنه ضمير الشأن (قوله قتلت خزاعة رجلا من بني ليث بقتيل لهم في الجاهلية)
وقع في رواية أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي شريح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن
الله حرم مكة فذكر الحديث وفيه ثم أنكم معشر خزاعة قتلتم هذا الرجل من هذيل واني عاقله
وقع نحو ذلك في رواية ابن إسحاق عن المقبري كما أوردته في باب لا يعضد شجر الحرم من أبواب
جزاء الصيد من كتاب الحج فأما خزاعة فتقدم نسبهم في أول مناقب قريش وأما بنو ليث فقبيلة
مشهورة ينسبون إلى ليث بن بكر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر وأما هذيل
فقبيلة كبيرة ينسبون إلى هذيل وهم بنو مدركة بن الياس بن مضر وكانت هذيل وبكر
من سكان مكة وكانوا في ظواهرها خارجين من الحرم وأما خزاعة فكانوا غلبوا على مكة
وحكموا فيها ثم أخرجوا منها فصاروا في ظاهرها وكانت بينهم وبين بني بكر عداوة ظاهرة في
الجاهلية وكانت خزاعة حلفاء بني هاشم بن عبد مناف إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان
بنو بكر حلفاء قريش كما تقدم بيانه في أول فتح مكة من كتاب المغازي وقد ذكرت في كتاب العلم أن
اسم القاتل من خزاعة خراش بمعجمتين بن أمية الخزاعي وأن المقتول منهم في الجاهلية كان اسمه
أحمر وأن المقتول من بني ليث لم يسم وكذا القاتل ثم رأيت في السيرة النبوية لابن إسحاق أن
الخزاعي المقتول اسمه منبه قال ابن إسحاق في المغازي حدثني سعيد بن أبي سندر الأسلمي عن
رجل من قومه قال كان معنا رجل يقال له أحمر كان شجاعا وكان إذا نام غط فإذا طرقهم شئ
صاحوا به فيثور مثل الأسد فغزاهم قوم من هذيل في الجاهلية فقال لهم ابن الأثوع وهو بالثاء
المثلثة والعين المهملة لا تعجلوا حتى أنظر فإن كان أحمر فيهم فلا سبيل إليهم فاستمع فإذا غطيط أحمر
فمشى إليه حتى وضع السيف في صدره فقتله وأغاروا على الحي فلما كان عام الفتح وكان الغد
من يوم الفتح أتى ابن الأثوع الهذلي حتى دخل مكة وهو على شركه فرأته خزاعة فعرفوه فأقبل
خراش بن أمية فقال أفرجوا عن الرجل فطعنه بالسيف في بطنه فوقع قتيلا فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل ولقد قتلتم قتيلا لأدينه قال ابن
إسحاق وحدثني عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي عن سعيد بن المسيب قال لما بلغ النبي صلى الله
عليه وسلم ما صنع خراش بن أمية قال أن خراشا لقتال يعيبه بذلك ثم ذكر حديث أبي شريح
الخزاعي كما تقدم فهذا قصة الهذلي وأما قصة المقتول من بني ليث فكأنهما أخرى وقد ذكر ابن
هشام أن المقتول من بني ليث اسمه جندب بن الأدلع وقال بلغني أن أول قتيل وداه رسول الله
صلى الله عليه وسلم يوم الفتح جندب بن الأدلع قتله بنو كعب فوداه بمائة ناقة لكن ذكر الواقدي
أن اسمه جندب بن الأدلع فرآه جندب بن الأعجب الأسلمي فخرج يستجيش عليه فجاء خراش فقتله
فظهر أن القصة واحدة فلعله كان هذليا حالف بني ليث أو بالعكس ورأيت في آخر الجزء الثالث
من فوائد أبي علي بن خزيمة أن اسم الخزاعي القاتل هلال بن أمية فان ثبت فلعل هلالا لقب
خراش والله أعلم (قوله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية سفيان المشار إليها في العلم
181

فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فركب راحلته فخطب (قوله إن الله حبس عن مكة الفيل)
بالفاء اسم الحيوان المشهور وأشار بحبسه عن مكة إلى قصة الحبشة وهي مشهورة ساقها ابن
إسحاق مبسوطه وحاصل ما ساقه أن أبرهة الحبشي لما غلب على اليمن وكان نصرانيا بنى كنيسة
والزم الناس بالحج إليها فعمد بعض العرب فاسعفل الحجبة وتغوط فهرب فغضب أبرهة وعزم
على تخريب الكعبة فتجهز في جيش كثيف واستصحب معه فيلا عظيمه فلما قرب من مكة خرج
إليه عبد المطلب فأعظمه وكان جميل الهيئة فطلب منه أن يرد عليه إبلا له نهبت فاستقصر
همته وقال لقد ظننت انك لا تسألني إلا في الامر الذي جئت فيه فقال إن لهذا البيت ربا
سيحميه فأعاد إليه إبله وتقدم أبرهة بجيوشه فقدموا الفيل فبرك وعجزوا فيه وأرسل الله عليهم
طيرا مع كل واحد ثلاثة أحجار حجرين في رجليه وحجر في منقاره فألقوها عليهم فلم يبق منهم أحد
إلا أصيب وأخرج ابن مردويه بسند حسن عن عكرمة عن ابن عباس قال جاء أصحاب الفيل
حتى نزلوا الصفاح وهو بكسر المهملة ثم فاء ثم مهملة موضع خارج مكة من جهة طريق اليمن
فأتاهم عبد المطلب فقال إن هذا بيت الله لم يسلط عليه أحدا قالوا لا نرجع حتى نهدمه فكانوا
لا يقدمون فيلهم إلا تأخر فدعا الله الطير الأبابيل فأعطاها حجارة سوداء فلما حاذتهم رمتهم فما بقي
منهم أحد إلا أخذته الحكة فكان لا يحك أحد منهم جلده إلا تساقط لحمه قال ابن إسحاق حدثني
يعقوب بن عتبة قال حدثت أن أول ما وقعت الحصباء والجدري بأرض العرب من يومئذ
وعند الطبري بسند صحيح عن عكرمة أنها كانت طيرا خضرا خرجت من البحر لها رؤوس كرؤوس
السباع ولابن أبي حاتم من طريق عبيد بن عمير بسند قوي بعث الله عليهم طيرا أنشأها من البحر
كأمثال الخطاطيف فذكر نحو ما تقدم (قوله وأنها لم تحل لاحد قبلي الخ) تقدم بيانه مفصلا
في باب تحريم القتال بمكة من أبواب جزاء الصيد وفيما قبله في باب لا يعضد شجر الحرم (قوله
ولا يلتقط) بضم أوله على البناء للمجهول وفي آخره إلا لمنشد ووقع للكشميهني هنا بفتح أوله وفي
آخره إلا منشد وهو واضح (قوله من قتل له قتيل) أي من قتل له قريب كان حيا فصار قتيلا
بذلك القتل (قوله فهو بخير النظرين) تقدم في العلم بلفظ ومن قتل فهو بخير النظرين وهو
مختصر ولا يمكن حمله على ظاهره لان المقتول لا اختيار له وانما الاختيار لوليه وقد أشار إلى نحو
ذلك الخطابي ووقع في رواية الترمذي من طريق الأوزاعي فإما أن يعفو وإما أن يقتل والمراد
العفو على الدية جمعا بين الروايتين ويؤيده ان عنده في حديث أبي شريح فمن قتل له قتيل بعد
اليوم فأهله بين خيرتين اما أن يقتلوا أو يأخذوا الدية ولأبي داود وابن ماجة وعلقمة الترمذي
من وجه آخر عن أبي شريح بلفظ فأنه يختار إحدى ثلاث اما أن يقتص وإما أن يعفو وإما أن
يأخذ الدية فان أراد الرابعة فخذوا على يديه أي ان أراد زيادة على القصاص أو الدية وسأذكر
الاختلاف فيمن يستحق الخيار هل هو القاتل أو ولي المقتول في شرح الحديث الذي بعده وفي
الحديث أن ولي الدم يخير بين القصاص والدية واختلف إذا اختار الدية هل يجب على القاتل
اجابته فذهب الأكثر إلى ذلك وعن مالك لا يجب إلا برضى القاتل واستدل بقوله ومن قتل له بأن
الحق يتعلق بورثة المقتول فلو كان بعضهم غائبا أو طفلا لم يكن للباقين القصاص حتى يبلغ الطفل
ويقدم الغائب (قوله إما أن يؤدي) بسكون الواو أي يعطي القاتل أو أولياؤه لأولياء
182

المقتول الدية وأما أن يقاد أي يقتل به ووقع في العلم بلفظ اما ان يعقل بدل إما أن يودي وهو
بمعناه والعقل الدية وفي رواية الأوزاعي في اللقطة إما أن يفدى بالفاء بدل الواو وفي نسخة واما
أن يعطى أي الدية ونقل بن التين عن الداودي أن في رواية أخرى اما أن يودي أو يفادى
وتعقبه بأنه غير صحيح لأنه لو كان بالفاء لم يكن له فائدة لتقدم ذكر الدية ولو كان بالقاف وأحتمل
أن يكون للمقتول وليان لذكر بالتثنية أي يقادا بقتيلهما والأصل عدم التعدد قال وصحيح
الرواية إما أن يودى أو يقاد وانما يصح يفادى إن تقدمه أن يقتص وفي الحديث جواز
إيقاع القصاص بالحرم لأنه صلى الله عليه وسلم خطب بذلك بمكة ولم يقيده بغير الحرم وتمسك
بعمومه من قال يقتل المسلم بالذمي وقد سبق ما فيه (قوله فقام رجل من أهل اليمن يقال له
أبو شاه) تقدم ضبطه مع شرحه في العلم وحكى السلفي أن بعضهم نطق بها بتاء في آخره وغلطه
وقال هو فارسي من فرسان الفرس الذين بعثهم كسرى إلى اليمن (قوله ثم قام رجل من قريش
فقال يا رسول الله إلا الإذخر) تقدم بيان اسمه وأنه العباس بن عبد المطلب وشرح بقية
الحديث المتعلق بتحريم مكة وبالإذخر في الأبواب المذكورة من كتاب الحج (قوله وتابعه
عبيد الله يعني بن موسى قوله (عن شيبان في الفيل) أي تابع حرب بن شداد عن يحيى في الفيل بالفاء
ورواية عبيد الله المذكورة موصولة في صحيح مسلم من طريقه (قوله وقال بعضهم عن أبي نعيم
وأما البخاري فرواه عنه بالشك كما تقدم في كتاب العلم (قوله وقال عبيد الله إما أن يقاد أهل
القتيل) أي يؤخذ لهم بثأرهم وعبيد الله هو بن موسى المذكور وروايته إياه عن شيبان
ابن عبد الرحمن بالسند المذكور وروايته عنه موصولة في صحيح مسلم كما بينته ولفظه إما أن
يعطي الدية وإما أن يقاد أهل القتيل وهو بيان لقوله إما أن يقاد الحديث الثاني (قوله عن عمرو) هو ابن دينار (عن مجاهد) وقد تقدم في تفسير البقرة عن الحميدي عن سفيان حدثنا
عمرو سمعت مجاهدا (قوله عن ابن عباس رضي الله عنهما) في رواية الحميدي سمعت ابن عباس
هكذا وصله ابن عيينة عن عمرو بن دينار وهو من أثبت الناس في عمرو ورواه ورقاء بن عمر عن عمرو
فلم يذكر فيه ابن عباس أخرجه النسائي (قوله كانت في بني إسرائيل القصاص) كذا هنا من
رواية قتيبة عن سفيان ابن عيينة وفي رواية الحميدي عن سفيان كان في بني إسرائيل
القصاص كما تقدم في التفسير وهو أوجه وكأنه أنث باعتبار معنى القصاص وهو المماثلة
والمساواة (قوله فقال الله لهذه الأمة كتب عليكم القصاص في القتلى إلى هذه الآية فمن عفي
له من أخيه شئ) (قلت) كذا وقع في رواية قتيبة وقع هنا عند أبي ذر والأكثر ووقع هنا في
رواية النسفي والقابسي إلى قوله فمن عفي له من أخيه شئ ووقع في رواية ابن أبي عمر في مسنده
ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج إلى قوله في هذه الآية وبهذا يظهر المراد وإلا فالأول يوهم أن
قوله فمن عفي في آية تلي الآية المبدأ بها وليس كذلك وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية أبي
كريب وغيره عن سفيان فقال بعد قوله في القتلى فقرأ إلى والأنثى بالأنثى فمن عفي له ووقع في
رواية الحميدي المذكورة ما حذف هنا من الآية وزاد في آخره تفسير قوله ذلك تخفيف من
ربكم وزاد فيه أيضا تفسير قوله فمن اعتدى أي قتل بعد قبول الدية وقد اختلف في تفسير
183

العذاب في هذه الآية فقيل يتعلق بالآخرة وأما في الدنيا فهو لمن قتل ابتداء وهذا قول الجمهور
وعن عكرمة وقتادة والسدي يتحتم القتل ولا يتمكن الولي من أخذ الدية وفيه حديث جابر رفعه
لا أعفو عمن قتل بعد أخذ الدية أخرجه أبو داود وفي سنده انقطاع قال أبو عبيد ذهب ابن
عباس إلى أن هذه الآية ليست منسوخة بآية المائدة إن النفس بالنفس بل هما محكمتان
وكأنه رأى أن آية المائدة مفسرة لآية البقرة وأن المراد بالنفس نفس الأحرار ذكورهم
وإناثهم دون الأرقاء فان أنفسهم متساوية دون الأحرار وقال إسماعيل المراد في النفس بالنفس
المكافئة للأخرى في الحدود لان الحر لو قذف عبدا لم يجلد اتفاقا والقتل قصاصا من جملة
الحدود قال وبينه قوله في الآية والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له فمن هنا يخرج
العبد والكافر لان العبد ليس له أن يتصدق بدمه ولا بجرحه ولان الكافر لا يسمى متصدقا ولا
مكفرا عنه (قلت) محصل كلام ابن عباس يدل على أن قوله تعالى وكتبنا عليهم فيها أي على
بني إسرائيل في التوراة ان النفس بالنفس مطلقا فخفف عن هذه الأمة بمشروعية الدية بدلا
عن القتل لمن عفا من الأولياء عن القصاص وبتخصيصه بالحر في الحر فحينئذ لا حجة في آية المائدة
لمن تمسك بها في قتل الحر بالعبد والمسلم بالكافر لان شرع من قبلنا إنما يتمسك منه بما لم يرد في
شرعنا ما يخالفه وقد قيل إن شريعة عيسى لم يكن فيها قصاص وانه كان فيها الدية فقط فإن ثبت
ذلك امتازت شريعة الاسلام بأنها جمعت الامرين فكانت وسطى لا إفراط ولا تفريط واستدل
به على أن المخير في القود أو أخذ الدية هو الولي وهو قول الجمهور وقرره الخطابي بأن العفو في الآية
يحتاج إلى بيان لان ظاهر القصاص أن لا تبعة لأحدهما على الآخر لكن معنى أن من عفي
عنه من القصاص إلى الدية فعلى مستحق الدية الاتباع بالمعروف وهو المطالبة على القاتل
الأداء وهو دفع الدية بإحسان وذهب مالك والثوري وأبو حنيفة إلى أن الخيار في القصاص أو
الدية للقاتل قال الطحاوي والحجة لهم حديث أنس في قصة الربيع عمته فقال النبي صلى الله
عليه وسلم كتاب الله القصاص فإنه حكم بالقصاص ولم يخير ولو كان الخيار للولي لأعلمهم النبي
صلى الله عليه وسلم إذ لا يجوز للحاكم أن يتحكم بمن ثبت له أحد شيئين بأحدهما من قبل أن يعلمه
بأن الحق له في أحدهما فلما حكم بالقصاص وجب أن يحمل عليه قوله فهو بخير النظرين أي
ولي المقتول مخير بشرط أن يرضى الجاني أن يغرم الدية وتعقب بأن قوله صلى الله عليه وسلم كتاب
الله القصاص انما وقع عند طلب أولياء المجني عليه في العمد القود فأعلم أن كتاب الله نزل على
أن المجني عليه إذا طلب القود أجيب إليه وليس فيه ما ادعاه من تأخير البيان واحتج الطحاوي
أيضا بأنهم أجمعوا على أن الولي لو قال للقاتل رضيت أن تعطيني كذا على أن لا أقتلك ان القاتل
لا يجبر على ذلك ولا يؤخذ منه كرها وإن كان يجب عليه أن يحقن دم نفسه وقال المهلب وغيره
يستفاد من قوله فهو بخير النظرين أن الولي إذا سئل في العفو على مال إن شاء قبل ذلك وإن شاء
اقتص وعلى الوالي اتباع الأولى في ذلك وليس فيه ما يدل على اكراه القاتل على بذل الدية واستدل
بالآية على أن الواجب في قتل العمد القود والدية بدل منه وقيل الواجب الخيار وهما قولان
للعلماء وكذا في مذهب الشافعي أصحهما الأول واختلف في سبب نزول الآية فقيل نزلت في
حيين من العرب كان لأحدهما طول على الآخر في الشرف فكانوا يتزوجون من نسائهم بغير
184

مهر وإذا قتل منهم عبد قتلوا به حرا أو امرأة قتلوا بها رجلا أخرجه الطبري عن الشعبي وأخرج
أبو داود من طريق علي بن صالح بن حي عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال كان
قريظة والنضير وكان النضير أشرف من قريظة فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلا من
النضير قتل به وإذا قتل رجل من النضير رجلا من قريظة يودى بمائة وسق من التمر فلما بعث
النبي صلى الله عليه وسلم قتل رجل من النضير رجلا من قريظة فقالوا ادفعوه لنا نقتله فقالوا بيننا
وبينكم النبي صلى الله عليه وسلم فأتوه فنزلت وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط والقسط
النفس بالنفس ثم نزلت أفحكم الجاهلية يبغون واستدل به الجمهور على جواز أخذ الدية في قتل
العمد ولو كان غيلة وهو أن يخدع شخصا حتى يصير به إلى موضع خفي فيقتله خلافا للمالكية
وألحقه مالك بالمحارب فان الامر فيه إلى السلطان وليس للأولياء العفو عنه وهذا على أصله في أن
حد المحارب القتل إذا رآه الامام وان أو في الآية للتخيير لا للتنويع وفيه أن من قتل متأولا كان
حكمه حكم من قتل خطأ في وجوب الدية لقوله صلى الله عليه وسلم فاني عاقله واستدل به بعض
المالكية على قتل من التجأ إلى الحرم بعد أن يقتل عمدا خلافا لمن قال لا يقتل في الحرم بل يلجأ إلى
الخروج منه ووجه الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم قاله في قصة قتيل خزاعة المقتول في الحرم وأن
القود مشروع فيمن قتل عمدا ولا يعارضه ما ذكر من حرمة الحرم فان المراد به تعظيمه لتحريم
ما حرم الله وإقامة الحد على الجاني به من جملة تعظيم حرمات الله وقد تقدم شئ من هذا في الموضع
الذي أشرت إليه آنفا من كتاب الحج (قوله باب من طلب دم امرئ بغير حق)
أي بيان حكمه (قوله عن عبد الله بن أبي حسين) هو عبد الله بن عبد الرحمن نسب إلى جده
وثبت ذكر أبيه في هذا السند عند الطبراني في نسخة شعيب بن أبي حمزة وكذا في مستخرج أبي
نعيم ونافع بن جبير أي ابن مطعم (قوله أبغض) هو أفعل من البغض قال وهو شاذ ومثله أعدم
من العدم إذا افتقر قال وانما يقال أفعل من كذا للمفاضلة في الفعل الثلاثي قال المهلب وغيره
المراد بهؤلاء الثلاثة أنهم أبغض أهل المعاصي إلى الله فهو كقوله أكبر الكبائر وإلا فالشرك
أبغض إلى الله من جميع المعاصي (قوله ملحد في الحرم) أصل الملحد هو المائل عن الحق
والالحاد العدول عن القصد واستشكل بأن مرتكب الصغيرة مائل عن الحق والجواب ان هذه
الصيغة في العرف مستعملة للخارج عن الدين فإذا وصف به من ارتكب معصية كان في ذلك
إشارة إلى عظمها وقيل إيراده للجملة الاسمية مشعر بثبوت الصفة ثم التنكير للتعظيم فيكون ذلك
إشارة إلى عظم الذنب وقد تقدم قريبا في عد الكبائر مستحل البيت الحرام وأخرج الثوري في
تفسيره عن السدي عن مرة عن ابن مسعود قال ما من رجل يهم بسيئة فتكتب عليه إلا أن رجلا
لو هم بعدن أبين أن يقتل رجلا بالبيت الحرام إلا أذاقه الله من عذاب أليم وهذا سند صحيح وقد
ذكر شعبة أن السدي رفعه لهم وكان شعبة يرويه عنه موقوفا أخرجه أحمد عن زيد بن هارون
عن شعبة وأخرجه الطبري من طريق أسباط بن نصر السدى موقوفا وظاهر سياق الحديث
أن فعل الصغيرة في الحرم أشد من فعل الكبيرة في غيره وهو مشكل فيتعين أن المراد بالالحاد فعل
الكبيرة وقد يؤخذ ذلك من سياق الآية فان الاتيان بالجملة الاسمية في قوله ومن يرد فيه بالحاد
بظلم الآية يفيد ثبوت الالحاد ودوامه والتنوين للتعظيم أي من يكون إلحاده عظيما والله أعلم
185

(قوله ومبتغ في الاسلام سنة الجاهلية) أي يكون له الحق عند شخص فيطلبه من غيره ممن
لا يكون له فيه مشاركة كوالده أو ولده أو قريبه وقيل المراد من يريد بقاء سيرة الجاهلية أو أشاعتها
أو تنفيذها وسنة الجاهلية اسم جنس يعم جميع ما كان أهل الجاهلية يعتمدونه من أخذ الجار
بجاره والحليف بحليفه ونحو ذلك ويلتحق بذلك ما كانوا يعتقدونه والمراد منه ما جاء الاسلام بتركه
كالطيرة والكهانة وغير ذلك وقد أخرج الطبراني والدار قطني من حديث أبي شريح رفعه ان
أعتى الناس على الله من قتل غير قاتله أو طلب بدم الجاهلية في الاسلام فيمكن أن يفسر به سنة
الجاهلية في هذا الحديث (قوله ومطلب) بالتشديد مفتعل من الطلب فأبدلت التاء طاء وأدغمت
والمراد من يبالغ في الطلب وقال الكرماني المعنى المتكلف للطلب والمراد الطلب المترتب عليه
المطلوب لا مجرد الطلب أو ذكر الطلب ليلزم الزجر في الفعل بطريق الأولى وقوله بغير حق احتراز
عمن يقع له مثل ذلك لكن بحق كطلب القصاص مثلا وقوله ليهريق بفتح الهاء ويجوز اسكانها
وقد تمسك به من قال إن العزم المصمم يؤاخذ به وتقدم البحث في ذلك في الكلام على حديث من
هم بحسنة في كتاب الرقاق (تنبيه) وقفت لهذا الحديث على سبب فقرأت في كتاب مكة
لعمر بن شبة من طريق عمرو بن دينار عن الزهري عن عطاء بن يزيد قال قتل رجل بالمزدلفة يعني
في غزوة الفتح فذكر القصة وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وما أعلم أحدا أعتى على الله من
ثلاثة رجل قتل في الحرم أو قتل غير قاتله أو قتل بذحل في الجاهلية ومن طريق مسعر عن عمرو بن
مرة عن الزهري ولفظه ان أجرأ الناس على الله فذكر نحوه وقال فيه وطلب بذحول الجاهلية
(قوله باب العفو في الخطأ بعد الموت) أي عفو الولي لا عفو المقتول لأنه محال
ويحتمل أن يدخل وانما قيده بما بعد الموت لأنه لا يظهر أثره إلا فيه إذ لو عفا المقتول ثم مات لم
يظهر لعفوه أثر لأنه لو عاش تبين أن لا شئ له يعفو عنه وقال ابن بطال اجمعوا على أن عفو الولي
انما يكون بعد موت المقتول وأما قبل ذلك فالعفو للقتيل خلافا لأهل الظاهر فإنهم أبطلوا عفو
القتيل وحجة الجمهور أن الولي لما قام مقام المقتول في طلب ما يستحقه فإذا جعل له العفو كان ذلك
للأصيل أولى وقد أخرج أبو بكر ابن أبي شيبة من مرسل قتادة أن عروة ابن مسعود لما دعا قومه
إلى الاسلام فرمى بسهم فقتل عفا عن قاتله قبل أن يموت فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم عفوه
(قوله حدثنا فروة) بفاء هو ابن أبي المغراء (قوله عن أبيه عن عائشة هزم المشركون يوم
أحد) سقط هذا القدر لأبي ذر وتحول إلى السند الآخر فصار ظاهره أن الروايتين سواء وليس
كذلك ويحيى بن أبي زكريا في السند الثاني هو يحيى بن يحيى الغساني وساق المتن هنا على لفظه
وأما لفظ علي بن مسهر فتقدم في باب من حنث ناسيا من كتاب الايمان والنذور وقد بينت ذلك
في الكلام عليه في غزوة أحد (قوله فقال حذيفة غفر الله لكم) استدل به من قال إن ديته
وجبت على من حضر لان معنى قوله غفر الله لكم عفوت عنكم وهو لا يعفو إلا عن شئ استحق
له أن يطالب به وقد أخرج أبو إسحاق الفزاري في السنن عن الأوزاعي عن الزهري قال أخطأ
المسلمون بأبي حذيفة يوم أحد حتى قتلوه فقال حذيفة يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين فبلغت
النبي صلى الله عليه وسلم فزاده عنده خيرا ووداه من عنده وهذه الزيادة ترد قول من حمل قوله فلم
يزل في حذيفة منها بقية خير على الحزن على أبيه وقد أوضحت الرد عليه في باب من حنث ناسيا
186

ويؤخذ منها أيضا التعقب على المحب الطبري حيث قال حمل البخاري قول حذيفة غفر الله
لكم على العفو عن الضمان وليس بصريح فيجاب بأن البخاري أشار بهذا الذي هو غير صريح
إلى ما ورد صريحا وإن كان ليس على شرطه فإنه يؤيد ما ذهب إليه (قوله باب
قول الله تعالى وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ) كذا لأبي ذر وابن عساكر وساق
الباقون الآية إلى عليما حكيما ولم يذكر معظمهم في هذا الباب حديثا (قوله وما كان لمؤمن
أن يقتل مؤمنا إلا خطأ) ذكر ابن إسحاق في السيرة سبب نزولها عن عبد الرحمن بن الحرث بن
عبد الله بن عياش بتحتانية وشين معجمة أي ابن ربيعة المخزومي قال قال القاسم بن محمد بن أبي
بكر الصديق نزلت هذه الآية في جدك عياش بن أبي ربيعة والحرث بن يزيد من بني عامر بن
لؤي وكان يؤذيهم بمكة وهو كافر فلما هاجر المسلمون أسلم الحرث وأقبل مهاجرا حتى إذا كان
بظاهر الحرة لقيه عياش بن أبي ربيعة فظنه على شركه فعلاه بالسيف حتى قتله فنزلت روى هذه
القصة أبو يعلى من طريق حماد بن سلمة عن ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن الحرث عن عبد الرحمن
ابن القاسم عن أبيه فذكرها مرسلة أيضا وزاد في السند عبد الرحمن بن القاسم وأخرج ابن أبي
حاتم في التفسير من طريق سعيد بن جبير أن عياش بن أبي ربيعة حلف ليقتلن الحرث بن يزيد
إن ظفر به فذكر نحوه ومن طريق مجاهد نحوه لكن لم يسم الحرث وفي سياقه ما يدل على أنه لقي
النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أسلم ثم خرج فقتله عياش بن أبي ربيعة وقيل في سبب نزولها غير
ذلك مما لا يثبت (قوله إلا خطأ) وهو استثناء منقطع عند الجمهور إن أريد بالنفي معناه فإنه لو قدر
متصلا لكان مفهومه فله قتله وانفصل من قال أنه متصل بأن المراد بالنفي التحريم ومعنى إلا
خطأ بان عرفه بالكفر فقتله ثم ظهر أنه كان مؤمنا وقيل نصب على أنه مفعول له أي لا يقتله لشئ
أصلا إلا للخطأ أو حال أي إلا في حال الخطأ أو هو نعت مصدر محذوف أي إلا قتلا خطأ وقيل إلا
هنا بمعنى الواو وجوزه جماعة وقيده الفراء بشرط مفقود هنا فلذلك لم يجزه هنا واستدل بهذه
الآية على أن القصاص من المسلم مختص بقتله المسلم فلو قتل كافرا لم يجب عليه شئ سواء كان
حربيا أو غير حربي لان الآيات بينت أحكام عمدا ثم خطأ فقال في الحربي فان تولوا
فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ثم قال فيمن لهم ميثاق فما جعل الله لكم عليهم سبيلا وقال
فيمن عاود المحاربة فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وقال في الخطأ وما كان لمؤمن أن يقتل
مؤمنا إلا خطأ فكان مفهومها أن له أن يقتل الكافر عمدا فخرج الذمي بما ذكر قبلها وجعل
في قتل المؤمن خطأ الدية والكفارة ولم يذكر ذلك في قتل الكافر فتمسك به من قال لا يجب في قتل
الكافر ولو كان ذميا شئ وأيده بقوله ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا وإسحاق
في أول السند قال أبو علي الجياني لم أجد منسوبا ويشبه أن يكون ابن منصور (قلت) ولا يبعد
أن يكون ابن راهويه فإنه كثير الرواية عن حبان بن هلال شيخ إسحاق هنا (قوله باب
إذا أقر بالقتل مرة قتل به) كذا لهم وأما النسفي فعطف بدون باب فقال بعد قوله خطأ الآية
وإذا أقر الخ وذكروا كلهم حديث أنس في قصة اليهودي والجارية ويحتاج إلى مناسبته للآية فإنه
لا يظهر أصلا فالصواب صنيع الجماعة قال بن المنذر حكم الله في المؤمن يقتل المؤمن خطأ بالدية
وأجمع أهل العلم على ذلك ثم اختلفوا في قوله وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فقيل المراد
187

كافر ولعاقلته الدية من أجل العهد وهذا قول ابن عباس والشعبي والنخعي والزهري وقيل
مؤمن جاء ذلك عن النخعي وأبي الشعثاء قال قال الطبري والأول أولى لان الله أطلق الميثاق ولم يقل
في المقتول وهو مؤمن كما قال في الذي قبله ويترجح أيضا حيث ذكر المؤمن ذكر الدية
والكفارة معا وحيث ذكر الكافر ذكر الكفارة فقط وهنا ذكر الدية والكفارة معا (قوله فيه
فجئ باليهودي فاعترف) في رواية هدبة عن همام فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزل به حتى
أقر أخرجه الإسماعيلي وفي حديث أنس في قصة اليهودي حجة للجمهور في أنه لا يشترط في الاقرار
بالقتل أن يتكرر وهو مأخوذ من إطلاق قوله فأخذ اليهودي فاعترف فإنه لم يذكر فيه عددا
والأصل عدمه وذهب الكوفيون إلى اشتراط تكرار الاقرار بالقتل مرتين قياسا على اشتراط
تكرار الاقرار بالزنا أربعا تبعا لعدد الشهود في الموضعين (قوله باب قتل الرجل
بالمرأة) ذكر فيه حديث أنس في قصة اليهودي والجارية باختصار وقد تقدم شرحه مستوفى
قريبا ووجه الدلالة منه واضح ولمح به إلى الرد على من منع كما سأبينه في الباب الذي بعده (قوله
باب القصاص بين الرجال والنساء في الجرحات) قال ابن المنذر أجمعوا على أن
الرجل يقتل بالمرأة والمرأة بالرجل إلا رواية عن علي وعن الحسن وعطاء وخالف الحنفية فيما
دون النفس واحتج بعضهم بان اليد الصحيحة لا تقطع باليد الشلاء بخلاف النفس فان النفس
الصحيحة تقاد بالمريضة اتفاقا وأجاب ابن القصار بأن اليد الشلاء في حكم الميتة والحي لا يقاد
بالميت وقال ابن المنذر لما اجمعوا على القصاص في النفس واختلفوا فيما دونها وجب رد المختلف
إلى المتفق (قوله وقال أهل العلم يقتل الرجل بالمرأة) المراد الجمهور أو أطلق إشارة إلى وهي
الطريق إلى علي أو إلى أنه من ندرة المخالف (قوله ويذكر عن عمر تقاد المرأة من الرجل في كل عمد
يبلغ نفسه فما دونها من الجراح) وصله سعيد بن منصور من طريق النخعي قال كان فيما جاء به
عروة البارقي إلى شريح من عند عمر قال جرح الرجال والنساء سواء وسنده صحيح إن كان
النخعي سمع من شريح وقد أخرجه ابن أبي شيبة من وجه آخر فقال عن إبراهيم عن شريح
قال أتاني عروة فذكره ومعنى قوله تقاد يقتص منها إذا قتلت الرجل ويقطع عضوها الذي
تقطعه منه وبالعكس (قوله وبه قال عمر بن عبد العزيز وإبراهيم وأبو الزناد عن أصحابه)
أخرجه ابن أبي شيبة من طريق الثوري عن جعفر بن برقان عن عمر بن عبد العزيز وعن مغيرة
عن إبراهيم النخعي قالوا القصاص بين الرجل والمرأة في العمد سواء وأخرج الأثرم من هذا الوجه
عن عمر بن عبد العزيز قال القصاص فيما بين المرأة والرجل حتى في النفس وأخرج البيهقي من
طريق عبد الرحمن بن أبي زناد عن أبيه قال كل من أدركت من فقهائنا وذكر السبعة في
مشيخة سواهم أهل فقه وفضل ودين قال وربما اختلفوا في الشئ فأخذنا بقول أكثرهم
وأفضلهم رأيا أنهم كانوا يقولون المرأة تقاد من الرجل عينا بعين وأذنا بأذن وكل شئ من الجراح
على ذلك وان من قتلها قتل بها (قوله وجرحت أخت الربيع إنسانا فقال النبي صلى الله عليه
وسلم القصاص) كذا لهم ووقع للنسفي كتاب الله القصاص والمعتمد ما عند الجماعة وهو
بالنصب على الاغراء قال أبو ذر كذا وقع هنا والصواب الربيع بنت النضر عمة أنس وقال
الكرماني قيل إن الصواب وجرحت الربيع بحذف لفظة أخت فإنه الموافق لما تقدم في البقرة
188

من وجه آخر عن أنس أن الربيع بنت النضر عمته كسرت ثنية جارية فقال رسول صلى
الله عليه وسلم كتاب الله القصاص قال إلا أن يقال إن هذه امرأة أخرى لكنه لم ينقل عن أحد
كذا قال وقد ذكر جماعة انهما قصتان والمذكور هنا طرف من حديث أخرجه مسلم من
طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس ان أخت الربيع أم حارثة جرحت انسانا فاختصموا إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال القصاص القصاص فقالت أم الربيع يا رسول الله أيقتص من
فلانة والله لا يقتص منها فقال سبحان الله يا أم الربيع القصاص كتاب الله فما زالت حتى قبلوا
الدية فقال أن من عباد الله من لو أقسم على الله لابره والحديث المشار إليه في سورة البقرة
مختصر من حديث طويل ساقه البخاري في الصلح بتمامه من طريق حميد عن أنس وفيه فقال
أنس بن النضر أتكسر ثنية الربيع يا رسول الله لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها قال يا أنس
كتاب الله القصاص فرضي القوم وعفو فقال أن من عباد الله لو من أقسم على الله لأبره وسيأتي
بعد أربعة أبواب أيضا باختصار قال النووي قال العلماء المعروف رواية البخاري ويحتمل
أن يكونا قصتين (قلت) وجزم ابن حزم بأنهما قصتان صحيحتان وقعتا لامرأة واحدة
إحداهما أنها جرحت إنسانا فقضي عليها بالضمان والاخرى أنها كسرت ثنية جارية فقضى
عليها بالقصاص وحلفت أمها في الأولى وأخوها في الثانية وقال البيهقي بعد أن أورد الروايتين
ظاهر الخبرين يدل على أنهما قصتان فان قبل هذا الجمع وإلا فثابت أحفظ من حميد (قلت) في
القصتين مغايرات منها هل الجانية الربيع أو أختها وهل الجناية كسر الثنية أو الجراحة وهل
الحالف أم الربيع أو أخوها أنس بن النضر وأما ما وقع في أول الجنايات عند البيهقي من وجه آخر
عن حميد عن أنس قال لطمت الربيع بنت معوذ جارية فكسرت ثنيتها فهو غلط في ذكر أبيها
والمحفوظ أنها بنت النضر عمة أنس كما وقع التصريح به في صحيح البخاري وفي الحديث أن كل
من وجب له القصاص في النفس أو دونها فعفا على مال فرضوا به جاز (قوله يحيى) هو القطان
وسفيان هو الثوري (قوله لددنا النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه فقال لا تلدوني) تقدم
شرحه في الوفاة النبوية والمراد منه هنا لا يبقى أحد منكم إلا لد فان فيه إشارة إلى مشروعية
الاقتصاص من المرأة بما جنته على الرجل لان الذين لدوه كانوا رجالا ونساء وقد ورد التصريح
في بعض طرقه بأنهم لدوا ميمونة وهي صائمة من أجل عموم الامر كما مضى في الوفاة النبوية من
وجهين (قوله غير العباس فإنه لم يشهدكم) تقدم بيانه أيضا في الوفاة النبوية قبل وفي الحديث
أن صاحب الحق يستثنى من غرمائه من شاء فيعفو عنه ويقتص من الباقين وفيه نظر لقوله
لم يشهدكم وفيه أخذ الجماعة بالواحد قال الخطابي وفيه حجة لمن رأى القصاص في اللطمة
ونحوها واعتل من لم ير ذلك بأن اللطم يتعذر ضبطه وتقديره بحيث لا يزيد ولا ينقص وأما اللدود
فاحتمل أن يكون قصاصا واحتمل أن يكون معاقبة على مخالفة أمره فعوقبوا من جنس
جنايتهم وفيه أن الشركاء في الجناية يقتص من كل واحد منهم إذا كانت أفعالهم لا تتميز
بخلاف الجناية في المال لأنها تتبعض إذ لو اشترك جماعة في سرقة ربع دينار لم يقطعوا اتفاقا
وسيأتي بيان ذلك بعد ستة أبواب (قوله باب من أخذ حقه) أي من جهة غريمه
بغير حكم حاكم (أو اقتص) أي إذا وجب له على أحد قصاص في نفس أو طرف هل يشترط
189

أن يرفع أمره إلى الحاكم أو يجوز أن يستوفيه دون الحاكم وهو المراد بالسلطان في الترجمة
قال ابن بطال اتفق أئمة الفتوى على أنه لا يجوز لاحد أن يقتص من حقه دون السلطان قال
وإنما اختلفوا فيمن أقام الحد على عبده كما تقدم تفصيله قال وأما أخذ الحق فإنه يجوز عندهم
أن يأخذ حقه من المال خاصة إذا جحده إياه ولا بينة عليه كما سيأتي تقريره قريبا ثم
أجاب عن حديث الباب بأنه خرج على التغليظ والزجر عن الاطلاع على عورات الناس انتهى
(قلت) فأما من نقل الاتفاق فكأنه استند فيه إلى ما أخرجه إسماعيل القاضي في نسخة أبي
الزناد عن الفقهاء الذين ينتهي إلى قولهم ومنه لا ينبغي لاحد أن يقيم شيئا من الحدود دون
السلطان إلا أن للرجل أن يقيم حد الزنا على عبده وهذا إنما هو اتفاق أهل المدينة في زمن أبي
الزناد وأما الجواب فان أراد أنه لا يعمل بظاهر الخبر فهو محل النزاع (قوله أنه سمع أبا هريرة
يقول إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول نحن الآخرون السابقون يوم القيامة)
كذا لأبي ذر وسقط يوم القيامة للباقين (قوله بإسناده لو اطلع الخ) هو المراد
في هذه الترجمة والأول ذكره لكونه أول حديث قي نسخة شعيب عن أبي الزناد ومن ثم
لم يسق الحديث بتمامه هنا بل اقتصر على أوله إشارة إلى ذلك وساقه بتمامه في كتاب الجمعة
ولم يطرد للبخاري صنيع في ذلك وأطرد صنيع مسلم في نسخة همام بأن يسوق السند
ثم يقول فذكر أحاديثا منها ثم يذكر الحديث الذي يريده وقد أشرت إلى ذلك في كتاب
الرقاق وجوز الكرماني أن الراوي سمع الحديثين في نسق واحد فجمعهما فاستمر من بعده على
ذلك (قلت) وهذا يحتاج إلى تكملة وهو أن البخاري اختصر الأول لأنه لا يحتاج إليه هنا
(قوله لو اطلع) الفاعل مؤخر وهو أحد (قوله ولم تأذن له) احتراز ممن اطلع بإذن (قوله
حذفته بحصاة) كذا هنا بغير فاء وأخرجه الطبراني عن أحمد بن عبد الوهاب بن نجده عن أبي
اليمان شيخ البخاري فيه بلفظ فحذفته وهو الأولى والأول جائز وسيأتي بعد سبعة أبواب من
رواية سفيان ابن عيينة عن أبي الزناد بلفظ لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فحذفته وقوله حذفته
بالحاء المهملة عند أبي ذر والقابسي وعند غيرهما بالخاء المعجمة وهو أوجه لان الرمي بحصاء أو نواة
ونحوهما إما بين الابهام والسبابة وإما بين السبابتين وجزم النووي بأنه في مسلم بالمعجمة
وسيأتي في رواية سفيان المشار إليها بالمهملة وقال القرطبي الرواية بالمهملة خطأ لان في نفس
الخبر أنه الرمي بالحصى وهو بالمعجمة جزما (قلت) ولا مانع من استعمال المهملة في ذلك مجازا
(قوله ففقأت عينه) بقاف ثم همزة ساكنه أي شققت عينه قال ابن القطاع ففقأ عينه أطفأ
ضوءها (قوله جناح) أي إثم أو مؤاخذة (قوله يحيى) هو القطان وحميد هو الطويل (قوله إن
رجلا) هذا ظاهره الارسال لان حميدا لم يدرك القصة لكن بين في آخر الحديث أنه موصول
وسيأتي بعد سبعة أبواب من وجه آخر عن أنس ويذكر فيه ما قيل في تسمية الرجل المذكور
(قوله فسدد إليه) بدالين مهملتين الأولى ثقيلة قبلها سين مهملة أي صوب وزنه ومعناه
والتصويب توجيه السهم إلى مرماه وكذلك التسديد ومنه البيت المشهور
أعلمه الرماية كل يوم * فلما اشتد ساعده رماني
وقد حكي فيه الاعجام ويترجح كونه بالمهملة بإسناده إلى التعليم لأنه الذي في قدرة المعلم بخلاف
190

الشدة بمعنى القوة فإنه لا قدرة للمعلم على اجتلابها ووقع في رواية أبي ذر عن السرخسي وفي رواية
كريمة عن الكشميهني بالشين المعجمة والأول أولى فقد أخرجه أحمد عن محمد بن أبي عدي عن
حميد بلفظ فأهوى إليه أي أمال إليه (قوله مشقصا) تقدم ضبطه وتفسيره في كتاب
الاستئذان في الكلام على رواية عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس وسياقه أتم ووقع هنا
في رواية حميد مختصرا أيضا وقد أخرجه أحمد عن يحيى القطان شيخ شيخ البخاري فيه فزاد
في آخره حتى أخر رأسه بتشديد الخاء المعجمة أي أخرجها من المكان الذي اطلع فيه وفاعل
أخر هو الرجل ويحتمل أن يكون المشقص وأسند الفعل إليه مجازا ويحتمل أن يكون النبي
صلى الله عليه وسلم لكونه السبب في ذلك والأول أظهر فقد أخرجه أحمد أيضا عن سهل بن
يوسف عن حميد بلفظ فأخرج الرجل رأسه وعنده في رواية ابن أبي عدي التي أشرت إليها
فتأخر الرجل (قوله فقلت من حدثك) القائل هو يحيى القطان والمقول له هو حميد وجوابه
بقوله أنس بن مالك يقتضي أنه سمعه منه بغير واسطة وهذا من المتون التي سمعها حميد من
أنس وقد قيل إنه لم يسمع منه سوى خمسة أحاديث والبقية سمعها من أصحابه عنه كثابت
وقتادة فكان يدلسها فيرويها عن أنس بلا واسطة والحق أنه سمع منه أضعاف ذلك وقد أكثر
البخاري من تخريج حديث حميد عن أنس بخلاف مسلم فلم يخرج منها إلا القليل لهذه العلة
لكن البخاري لا يخرج من حديثه إلا ما صرح فيه بالتحديث أو ما قام مقام التصريح ولو
باللزوم كما لو كان من رواية شعبة عنه فان شعبة لا يحمل عن شيوخه إلا ما عرف أنهم سمعوه من
شيوخهم وقد أوضحت ذلك في ترجمة حميد في مقدمة هذا الشرح ولله الحمد (قوله باب
إذا مات في الزحام أو قتل به) كذا لابن بطال وسقط به من رواية الأكثر أورد البخاري الترجمة
مورد الاستفهام ولم يجزم بالحكم كما جزم به في الذي بعد لوجود الاختلاف في هذا الحكم وذكر
فيه حديث عائشة في قصة قتل اليمان والد حذيفة وقد تقدم الكلام عليه قريبا قال ابن بطال
اختلف علي وعمر هل تجب ديته في بيت المال أو لا وبه قال إسحاق أي بالوجوب وتوجيهه أنه مسلم
مات بفعل قوم من المسلمين فوجبت ديته في بيت مال المسلمين قلت ولعل حجته ما ورد في بعض
طرقه قصة حذيفة وهو ما أخرجه أبو العباس السراج في تاريخه من طريق عكرمة أن والد حذيفة
قتل يوم أحد بعض المسلمين وهو يظن أنه من المشركين فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ورجاله ثقات مع إرساله وقد تقدم له شاهد مرسل أيضا في باب العفو عن الخطأ وروى مسدد
في مسنده من طريق يزيد بن مذكور أن رجلا زحم يوم الجمعة فمات فوداه علي من بيت المال
وفي المسألة مذاهب أخرى منها قول الحسن البصري إن ديته تجب على جميع من حضر وهو
أخص من الذي قبله وتوجيهه أنه مات بفعلهم فلا يتعداهم إلى غيرهم ومنها قول الشافعي ومن
تبعه أنه يقال لوليه ادع على من شئت واحلف فان حلفت استحقيت الدية وان نكلت حلف
المدعي عليه على النفي وسقطت المطالبة وتوجيهه أن الدم لا يجب إلا بالطلب ومنها قول مالك
دمه هدر وتوجيهه انه إذا لم يعلم قاتله بعينه استحال أن يؤخذ به أحد وقد تقدمت الإشارة إلى
الراجح من هذه المذاهب في باب العفو عن الخطأ (قوله قال هشام أخبرنا) من تقديم اسم الراوي
على الصيغة وهو جائز وهشام المذكور هو ابن عروة بن الزبير (قوله فنظر حذيفة فإذا هو بأبيه
191

اليمان تقدم شرح قصته في غزوة أحد وقوله قال عروة هو موصول بالسند المذكور وقوله
فما زالت في حذيفة منه أي من ذلك الفعل وهو العفو ومن سببية وتقدم القول فيه أيضا (قوله
باب إذا قتل نفسه خطأ فلا دية له) قال الإسماعيلي قلت ولا إذا قتلها عمدا يعني أنه
لا مفهوم لقوله خطا والذي يظهر أن البخاري انما قيد بالخطأ لأنه محل الخلاف قال ابن بطال
قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق تجب ديته على عاقلته فان عاش فهي له عليهم وان مات فهي لورثته
وقال الجمهور لا يجب في ذلك شئ وقصة عامر هذه حجة لهم إذ لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم
أوجب في هذه القصة له شيئا ولو وجب لبينها إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وقد أجمعوا
على أنه لو قطع طرفا من أطرافه عمدا أو خطأ لا يجب فيه شيئا (قوله عن سلمة) هو بن الأكوع
(قوله من هنياتك) بضم أوله وتشديد التحتانية بعد النون ووقع في رواية المستملي بحذف
التحتانية وقد تقدم ضبطه في كتاب المغازي وعامر هو ابن الأكوع فهو أخو سلمة وقيل عمه قال
ابن بطال لم يذكر في هذه الطريق صفة قتل عامر نفسه وقد تقدم بيانه في كتاب الأدب ففيه وكان
سيف عامر قصيرا فتناول به يهوديا ليضربه فزجع ذبابه فأصاب ركبته (قلت) ونقل بعض الشراح
عن الإسماعيلي أنه قال ليس في رواية مكي شيخ البخاري أنه ارتد عليه سيفه فقتله والباب مترجم
بمن قتل نفسه وظن أن الإسماعيلي تعقب ذلك على البخاري وليس كما أظن وانما ساق الحديث
بلفظ فارتد عليه سيفه ثم نبه على أن هذه اللفظة لم تقع في رواية البخاري هنا فأشار إلى أنه عدل
هنا عن رواية مكي بن إبراهيم لهذه النكتة فيكون أولى لوضوحه ويجاب بأن البخاري يعتمد هذه
الطريق كثيرا فيترجم بالحكم ويكون قد أورد ما يدل عليه صريحا في مكان آخر فلا يحب أن
يعيده فيورده من طريق أخرى ليس فيها دلالة أصلا أو فيها دلالة خفية كل ذلك للفرار من
التكرار لغير فائدة وليبعث الناظر فيه على تتبع الطرق والاستكثار منها ليتمكن من الاستنباط
ومن الجزم بأحد المحتملين مثلا وقد عرف بالاستقراء من صنيع البخاري فلا معنى للاعتراض
به عليه وقد ذكرت ذلك مرارا وانما أنبه على ذلك إذا بعد العهد به وقد تقدم في الدعوات من وجه
آخر عن يزيد بن أبي عبيد شيخ مكي بلفظ فيه فلما تصاف القوم أصيب عامر بقائمة سيفه فمات
وقد اعترض عليه الكرماني فقال قوله في الترجمة فلا دية له لا وجه له هنا وانما موضعه اللائق
به الترجمة السابقة إذا مات في الزحام فلا دية له على المزاحمين لظهور أن قاتل نفسه لا دية له قال
ولعله من تصرف النقلة بالتقديم والتأخير من نسخة الأصل ثم قال وقال الظاهرية دية من قتل
نفسه على عاقلته فلعل البخاري أراد رد هذا القول (قلت) نعم أراد البخاري رد هذا القول لكن
على قائله قبل الظاهرية وهو الأوزاعي كما قدمته وما أظن مذهب الظاهرية اشتهى عند تصنيف
البخاري كتابه فإنه صنف كتابه في حدود العشرين ومائتين وكان داود بن علي الأصبهاني رأسهم
في ذلك الوقت طالبا وكان سمه يومئذ دون العشرين وأما قول الكرماني بأن قول البخاري
فلا دية له يليق بترجمة من مات في الزحام فهو صحيح لكنه في ترجمة من قتل نفسه أليق لان الخلاف
فيمن مات في الزحام قوي فمن ثم لم يجزم في الترجمة بنفي الدية بخلاف من قتل نفسه فان الخلاف
فيه ضعيف فجزم فيه بالنفي وهو من محاسن تصرف البخاري فظهر أن النقلة لم يخالفوا تصرفه
وبالله التوفيق (قوله وأي قتل يزيده عليه) في رواية المستملي وكذا في رواية النسفي وأي قتيل
192

وصوبها ابن بطال وكذا عياض وليست الرواية الأخرى خطأ محضا بل يمكن ردها إلى معنى
الأخرى والله أعلم بسم الله الرحمن الرحيم (قوله باب إذا عض يد رجلا فوقعت ثناياه) أي هل يلزمه فيه
شئ أولا ذكر فيه حديثين الأول (قوله عن زرارة) بضم الزاي المعجمة ثم مهملتين الأولى خفيفة
بينهما ألف بغير همز هو العامري ووقع عند الإسماعيلي في رواية علي بن الجعد عن شعبة أخبرني
قتادة أنه سمع زرارة (قوله أن رجلا عض يد رجل) في رواية محمد بن جعفر عن شعبة عند مسلم بهذا
السند عن عمران قال قاتل يعلى بن أمية رجلا فعض أحدهما صاحبه الحديث قال شعبة
وعن قتادة عن عطاء وهو ابن أبي رباح عن أبي يعلى يعني صفوان عن يعلى بن أمية قال مثله
وكذا أخرجه النسائي من طريق عبد الله بن المبارك عن شعبة بهذا السند فقال في روايته بمثل
الذي قبله يعني حديث عمران بن حصين (قلت) ولشعبة فيه سند آخر إلى يعلى أخرجه النسائي من
طريق ابن أبي عدي وعبيد بن عقيل كلاهما عن شعبة عن الحكم عن مجاهد عن يعلى ووقع في
رواية عبيد بن عقيل أن رجلا من بني تميم قاتل رجلا فعض يد ويستفاد من هذه الرواية تعيين
أحد الرجلين المبهمين وأنه يعلى بن أمية وقد روى يعلى هذه القصة وهي الحديث الثاني في الباب
فبين في بعض طرقه أن أحدهما كان أجيرا له ولفظه في الجهاد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم فذكر الحديث وفيه فاستجرت أجيرا فقاتل رجلا فعض أحدهما الآخر فعرف أن
الرجلين المبهمين يعلى وأجيره وأن يعلى أبهم نفسه لكن عينه عمران بن حصين ولم أقف على تسمية
أجيره وأما تمييز العاض من المعضوض فوقع بيانه في غزوة تبوك من المغازي من طريق محمد بن بكر
عن ابن جريج في حديث يعلى قال عطاء فلقد أخبرني صفوان بن يعلى أيهما عض الآخر فنسيته
فظن أنه مستمر على الابهام ولكن وقع عند مسلم والنسائي من طريق بديل بن ميسرة عن عطاء
بلفظ ان أجيرا ليعلى عض رجل ذراعه وأخرجه النسائي أيضا عن إسحاق بن إبراهيم عن سفيان
بلفظ فقاتل أجيري رجلا فعضه الآخر ويؤيده ما أخرجه النسائي من طريق سفيان بن عبد الله
عن عميه سلمة بن أمية ويعلى بن أمية قالا خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك
ومعنا صاحب لنا فقاتلا رجلا من المسلمين فعض الرجل ذراعه ويؤيده أيضا رواية عبيد بن
عقيل التي ذكرتها من عند النسائي بلفظ أن رجلا من بني تميم عض فان يعلى تميمي وأما أجيره فإنه
لم يقع التصريح بأنه تميمي وأخرج النسائي أيضا من رواية محمد بن مسلم الزهري عن صفوان بن
يعلى عن أبيه نحو رواية سلمة ولفظه فقاتل رجلا فعض الرجل ذراعه فأوجعه وعرف بهذا أن
العاض هو يعلى بن أمية ولعل هذا هو السر في إبهامه نفسه وقد أنكر القرطبي أن يكون
يعلى هو العاض فقال يظهر من هذه الرواية أن يعلى هو الذي قاتل الأجير وفي الرواية الأخرى
أن أجيرا ليعلى عض يد رجل وهذا هو الأول والأليق إذ لا يليق ذلك الفعل بيعلى مع جلالته
وفضله (قلت) لم يقع في شئ من الطريق أن الأجير هو العاض وانما التبس عليه ان في بعض طرقه
عند مسلم كما بينته ان أجيرا ليعلى عض رجل ذراعه فجوز أن يكون العاض غير يعلى وأما
استبعاد أن يقع ذلك من يعلى مع جلالته فلا معنى له مع ثبوت التصريح به في الخبر الصحيح
فيحتمل أن يكون ذلك صدر منه في أوائل إسلامه فلا استبعاد وقال النووي وأما قوله يعني في
الرواية الأولى أن يعلى هو المعضوض وفي الرواية الثانية والثالثة المعضوض هو أجير يعلى لا يعلى
193

فقال الحفاظ الصحيح المعروف أن المعضوض أجير يعلى لا يعلى قال ويحتمل أنهما قضيتان جرتا
ليعلى ولأجيره في وقت أو وقتين وتعقبه شيخنا في شرح الترمذي بأنه ليس في رواية مسلم
ولا رواية غيرها في الكتب الستة ولا غيرها أن يعلى هو المعضوض لا صريحا ولا إشارة وقال
شيخنا فيتعين على هذا أن يعلى هو العاض والله أعلم (قلت) وانما تردد عياض وغيره في العاض
هل هو يعلى أو آخر أجنبي كما قدمته من كلام القرطبي والله أعلم (قوله فنزع يده من فيه) وكذا
في حديث يعلى الماضي في الجهاد في رواية الكشميهني من فمه وفي رواية هشام عن عروة
عند مسلم عض ذراع رجل فجذبه وفي حديث يعلى الماضي في الإجارة فعض إصبع صاحبه
فانتزع إصبعه وفي الجمع بين الذراع والإصبع عسر ويبعد الحمل على تعدد القصص لاتحاد المخرج
لان مدارها على عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه فوقع في رواية إسماعيل بن علية عن ابن جريج
عنه إصبعه وهذه في البخاري ولم يسق مسلم لفظها وفي رواية بديل بن ميسرة عن عطاء عند
مسلم وكذا في رواية الزهري عن صفوان عند النسائي ذراعه ووافقه سفيان بن عيينة عن ابن
جريج في رواية إسحاق بن راهويه عنه فالذي يترجح الذراع وقد وقع أيضا في حديث سلمة بن أمية
عند النسائي مثل ذلك وانفرد بن علية عن ابن جريج بلفظ الإصبع فلا يقاوم هذه الروايات
المتعاضدة على الذراع والله أعلم (قوله فوقعت ثنيتاه) كذا للأكثر بالتثنية وللكشميهني ثناياه
بصيغة الجمع وفي رواية هشام المذكورة فسقطت ثنيته بالافراد وكذا له في رواية ابن سيرين عن
عمران وكذا في رواية سلمة بن أمية بلفظ فجذب صاحبه يده فطرح ثنيته وقد تترجح رواية
التثنية لأنه يمكن حمل الرواية التي بصيغة الجمع عليها على رأي من يجيز في الاثنين صيغة الجمع ورد
الرواية التي بالافراد إليها على إرادة الجنس لكن وقع في رواية محمد بن بكر فانتزع إحدى ثنيته
فهذه أصرح في الوحدة وقوله من يقول في هذا بالحمل على التعدد بعيد أيضا لاتحاد المخرج
ووقع في رواية الإسماعيلي فنذرت ثنيتي (قوله فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كذا
في هذا الموضع والمراد يعلى وأجيرهم ومن انضم إليهما ممن يلوذ بهما أو بأحدهما وفي رواية
هشام فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية ابن سيرين فاستعدى عليه وفي حديث يعلى
فأنطلق هذه رواية ابن علية وفي رواية سفيان فأتى وفي رواية محمد بن بكر عن ابن جريج
في المغازي فأتيا (قوله فقال يعض) بفتح أوله والعين المهملة بعدها ضاد معجمة ثقيلة وفي رواية
مسلم يعمد أحدكم إلى أخيه فيعضه واصل عض عضض بكسر الأولى يعضض بفتحها فأدغمت
(قوله كما يعض الفحل) وفي حديث سلمة كعضاض الفحل أي الذكر من الإبل ويطلق على غيره
من ذكور الدواب ووقع في الرواية التي في الجهاد وكذا في حديث هشام ويقضمها بسكون
القاف وفتح الضاد المعجمة على الأفصح كما يقضم الفحل من القضم وهو الاكل بأطراف الأسنان
والخضم بالخاء المعجمة بدل القاف الاكل بأقصاها وبأدنى الأضراس ويطلق على الدق والكسر
ولا يكون إلا في الشئ الصلب حكاه صاحب الراعي في اللغة (قوله لا دية له) في رواية الكشميهني
لا دية لك ووقع في رواية هشام فابطله وقال أردت أن تأكل لحمه وفي حديث سلمة ثم تأتي تلتمس
العقل لا عقل لها فأبطلها وفي رواية ابن سيرين فقال ما تأمرني أتأمرني أن آمره أن يدع يديه
في فيك تقضمها قضم الفحل إدفع يدك حتى يقضمها ثم أنزعها كذا لمسلم وعند أبي نعيم
194

في المستخرج من الوجه الذي أخرجه مسلم ان شئت أمرناه فعض يدك ثم انترعها أنت و في حديث
يعلى بن أمية فأهدرها و في هذا الباب فأبطلها و هي رواية الإسماعيلي * الحديث الثاني (قوله
حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج) كذا وقع هنا بعلو درجة وتقدم له في الإجارة والجهاد والمغازي
من طريق ابن جريج بنزول لكن سياقه فيها أتم مما هنا (قوله عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن
صفوان بن يعلى) وفي رواية ابن علية في الإجارة أخبرني عطاء وفي رواية محمد بن أبي بكر في المغازي
سمعت عطاء أخبرني صفوان بن يعلى بن أمية وكذا لمسلم من طريق أبي أسامة عن ابن جريج
(قوله عن أبيه) في رواية ابن علية عن يعلى بن أمية وفي رواية حجاج بن محمد عند أبي نعيم
في المستخرج أخبرني صفوان بن يعلى بن أمية أنه سمع يعلى وأخرجه مسلم من طريق شعبة عن
قتادة عن عطاء عن بن يعلى عن أبيه ومن طريق همام عن عطاء كذلك وهى عند البخاري
في الحج مختصرة مضمومة إلى حديث الذي سأل عن العمرة ومن طريق هشام الدستوائي عن
قتادة وفيها مخالفة لرواية شعبة من وجهين أحدهما أنه دخل بين قتادة وعطاء بديل بن ميسرة
والآخر أنه أرسله ولفظه عن صفوان بن يعلى أن أجيرا ليعلى بن أمية عض رجل ذراعه وقد
اعترض الدارقطني على مسلم في تخريجه هذه الطريق وتخريجه طريق محمد بن سرين عن عمران
وهو لم يسمع منه وأجاب النووي بما حاصله ان المتابعات يغتفر فيها ما لا يغتفر في الأصول وهو
كما قال ومنية التي نسب إليها يعلى هنا هي أمه وقيل جدته والأول المعتمد وأبوه كما تقدم
في الروايات أمية بن أبي عبيد بن همام بن الحرث التميمي الحنظلي أسلم يوم الفتح وشهد مع النبي
صلى الله عليه وسلم ما بعدها كحنين والطائف وتبوك ومنية أمه بضم الميم وسكون النون بعدها
تحتانية هي بنت جابر عمة عتبة بن غزوان وقيل أخته وذكر عياض أن بعض رواة مسلم صحفها
وقال منبه بفتح النون وتشديد الموحدة وهو تصحيف وأغرب ابن وضاح فقال منيه بسكون
النون أمه وبفتحها ثم موحدة أبوه ولم يوافقه أحد على ذلك (قوله خرجت في غزوة) في
رواية الكشميهني في عزاة وثبت في رواية سفيان أنها غزوة تبوك ومثله في رواية ابن علية
بلفظ جيش العسرة وبه جزم غير واحد من الشراح وتعقبه بعض من لقيناه بأن في باب من أحرم
جاهلا وعليه قميص من كتاب الحج في البخاري من حديث يعلى كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم
فأتاه رجل عليه جبة بها أثر صفرة فذكر الحديث وفيه فقال اصنع في عمرتك ما تصنع في حجتك
وعض رجل يد رجل فانتزع ثنيته فأبطله النبي صلى الله عليه وسلم فهذا يقتضي أن يكون ذلك
في سفر كان فيه الاحرام بالعمرة (قلت) وليس ذلك صريحا في هذا الحديث بل هو محمول على
أن الراوي سمع الحديثين فأوردهما معا عاطفا لأحدهما على الآخر بالواو التي لا تقتضي
الترتيب وعجيب ممن يتكلم عن الحديث فيرد ما فيه صريحا بالامر المحتمل وما سبب ذلك إلا إيثار
الراحة بترك تتبع طرق الحديث فإنها طريق توصل إلى الوقوف على المراد غالبا (قوله فعض
رجل فانتزع ثنيته) كذا وقع عنده هنا بهذا الاختصار المجحف وقد بينه الإسماعيلي من طريق
يحيى القطان عن ابن جريج ولفظه قاتل رجل آخر فعض يده فانتزع يده فانتدرت ثنيته وقد
بينت اختلاف طرقه في الذي قبله وقد أخذ بظاهر هذه القصة الجمهور فقالوا لا يلزم المعضوض
قصاص ولا دية لأنه في حكم الصائل واحتجوا أيضا بالاجماع بأن من شهر على آخر سلاحا ليقتله
195

فدفع عن نفسه فقتل الشاهر أنه لا شئ عليه فكذا لا يضمن سنه بدفعه إياه عنها قالوا ولو جرحه
المعضوض في موضع آخر لم يلزمه شئ وشرط الاهدار أن يتألم المعضوض وأن لا يمكنه تخليص
يده بغير ذلك من ضرب في شدقيه أو فك لحيته ليرسلها ومهما أمكن التخليص بدون ذلك فعدل
عنه إلى الأثقل لم يهدر وعند الشافعية وجه آخر أنه يهدر على الاطلاق ووجه أنه لو دفعه بغير ذلك
ضمن وعن مالك روايتان أشهرهما يجب الضمان وأجابوا عن هذا الحديث باحتمال أن يكون
سبب الانذار شدة العض لا النزع فيكون سقوط ثنية العاض بفعله المعضوض إذ لو كان
من فعل صاحب اليد لأمكنه أن يخلص يده من غير قلع ولا يجوز الدفع بالأثقل مع إمكان
الأخف وقال بعض المالكية العاض قصد العضو نفسه والذي استحق في اتلاف ذلك العضو
غير ما فعل به فوجب أن يكون كل منهما ضامنا ما جناه على الآخر كمن قلع عين رجل فقطع
الآخر يده وتعقب بأنه قياس في مقابل النص فهو فاسد وقال بعضهم لعل أسنانه كانت تتحرك
فسقطت عقب النزع وسياق هذا الحديث يدفع هنا الاحتمال وتمسك بعضهم بأنها واقعة عين
ولا عموم لها وتعقب بأن البخاري أخرج في الإجارة عقب حديث يعلى هذا من طريق أبي بكر
الصديق رضي الله عنه أنه وقع عنده مثل ما وقع عند النبي صلى الله عليه وسلم وقضى فيه بمثله وما
تقدم من التقيد ليس في حديث وإنما أخذ من القواعد الكلية وكذا إلحاق عضو آخر غير الفم
به فان النص إنما ورد في صورة مخصوصة نبه على ذلك ابن دقيق العيد وقد قال يحيى بن عمر لو بلغ
مالكا هذا الحديث لما خالفه وكذا قال ابن بطال لم يقع هذا الحديث لمالك والا لما خالفه وقال
الداودي لم يروه مالك لأنه من رواية أهل العراق وقال أبو عبد الملك كأنه لم يصح الحديث عنده
لأنه أتى من قبل المشرق (قلت) وهو مسلم في حديث عمران وأما طريق يعلى بن أمية فرواها
أهل الحجاز وحملها عنهم أهل العراق واعتذر بعض المالكية بفساد الزمان ونقل القرطبي عن
بعض أصحابهم إسقاط الضمان وقال وضمنه الشافعي وهو مشهور مذهب مالك وتعقب بأن
المعروف عن الشافعي أنه لا ضمان وكأنه انعكس على القرطبي (تنبيه) لم يتكلم النووي على
ما وقع في رواية ابن سرين عن عمران فان مقتضاها إجراء القصاص في العضة وسيأتي البحث فيه
مع القصاص في اللطمة بعد بابين وقد يقال إن العض هنا انما أذن فيه للتوصل إلى القصاص في
قلع السن لكن الجواب السديد في هذا أنه استفهمه استفهام إنكار لا تقرير شرع هذا الذي
يظهر لي والله أعلم وفي هذه القصة من الفوائد التحذير من الغضب وأن من وقع له ينبغي له أن
يكظمه ما استطاع لأنه أدى إلى سقوط ثنية الغضبان لان يعلى غضب من أجيره فضربه فدفع
الأجير عن نفسه فعضه يعلى فنزع يده فسقطت ثنية العاض ولولا الاسترسال مع العض لسلم
من ذلك وفيه استئجار الحر للخدمة وكفاية مؤنة العمل في الغزو لا ليقاتل عنه كما تقدم تقريره
في الجهاد وفيه رفع الجناية إلى الحاكم من أجل الفصل وأن المرء لا يقتص لنفسه وأن المتعدي
بالجناية يسقط ما ثبت له قبلها من جناية إذا ترتبت الثانية على الأولى وفيه جواز تشبيه فعل
الآدمي بفعل البهيمة إذا وقع في مقام التنفير عن مثل ذلك الفعل وقد حكى الكرماني أنه رأى من
صحف قوله كما يقضم الفجل بالجيم بدل الحاء المهملة وحمله على البقل المعروف وهو تصحيف قبيح
وفيه دفع الصائل وأنه إذا لم يمكن الخلاص منه إلا بجناية على نفسه أو على بعض أعضائه ففعل
196

به ذلك كان هدرا وللعلماء في ذلك اختلاف وتفصيل معروف وفيه أن من وقع له أمر يأنفه أو
يحتشم من نسبته إليه إذا حكاه كنى عن نفسه بأن يقول فعل رجل أو انسان أو نحو ذلك كذا
وكذا كما وقع ليعلى في هذه القصة وكما وقع لعائشة حيث قالت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم
امرأة من نسائه فقال لها عروة هل هي إلا أنت فتبسمت (قوله باب السن بالسن)
قال ابن بطال اجمعوا على قلع السن بالسن في العمد واختلفوا في سائر عظام الجسد فقال مالك
فيها القود إلا ما كان مجوفا أو كان كالمأمومة والمنقلة والهاشمة ففيها الدية واحتج بالآية ووجه
الدلالة منها أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا ورد على لسان نبينا بغير إنكار وقد دل قوله السن
بالسن وعلى إجراء القصاص في العظم لان السن عظم إلا ما أجمعوا على أن لا قصاص فيه إما
لخوف ذهاب النفس وإما لعدم الاقتدار على المماثلة فيه وقال الشافعي والليث والحنفية
لا قصاص في العظم غير السن لان دون العظم حائلا من جلد ولحم وعصب يتعذر معه المماثلة
فلو أمكنت لحكمنا بالقصاص ولكنه لا يصل إلى العظم حتى ينال ما دونه مما لا يعرف قدره
وقال الطحاوي اتفقوا على أنه لا قصاص في عظم الرأس فليلتحق بها سائر العظام وتعقب بأنه
قياس مع وجود النص فان في حديث الباب أنها كسرت الثنية فأمرت بالقصاص مع أن
الكسر لا تطرد فيه المماثلة (قوله حدثنا الأنصاري) هو محمد بن عبد الله وسماه البخاري
في روايته عنه هذا الحديث في تفسير سورة البقرة (قوله عن حميد عن أنس) في رواية
التفسير حدثنا حميد أن أنسا حدثه (قوله أن ابنة النضر) تقدم في التفسير بهذا السند عن
أنس أن الربيع بضم أوله والتشديد عمته وفي تفسير المائدة من رواية الفزاري عن حميد عن
أنس كسرت الربيع عمة أنس ولأبي داود من طريق معتمر عن حميد عن أنس كسرت الربيع
أخت أنس بن النضر (قوله لطمت جارية فكسرت ثنيتها) وفي رواية الفزاري جارية من
الأنصار وفي رواية معتمر امرأة بدل جارية وهو يوضح أن المراد بالجارية المرأة الشابة لا الأمة
الرقيقة (قوله فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم) زاد في الصلح ومثله لابن ماجة والنسائي من
وجه آخر عن أنس فطلبوا إليهم العفو فأبوا فعرضوا عليهم الأرش فأبوا أي طلب أهل الربيع
إلى أهل التي كسرت ثنيتها أن يعفو عن الكسر المذكور مجانا أو على مال فامتنعوا
زاد في الصلح فأبوا الا القصاص وفي رواية الفزاري فطلب القوم القصاص فاتوا النبي صلى
الله عليه وسلم (قوله فأمر بالقصاص) زاد في الصلح فقال أنس بن النضر إلى آخر ما حكيته
قريبا في باب القصاص بين الرجال والنساء وقوله فيه فرضي القوم وعفوا ووقع في رواية الفزاري
فرضي القوم فقبلوا الأرش وفي رواية معتمر فرضوا بأرش أخذوه وفي رواية مروان بن
معاوية عن حميد عند الإسماعيلي فرضي أهل المرأة بأرش أخذوه فعفوا فعرف أن قوله فعفوا
أي على الدية زاد معتمر فعجب النبي صلى الله عليه وسلم وقال إن من عباد الله من لو أقسم على
الله لابره أي لابر قسمه ووقع في رواية خالد الطحان عن حميد عن أنس في هذا الحديث
عند ابن أبي عاصم كم من رجل لو أقسم على الله لابره ووجه تعجبه أن أنس بن النضر أقسم على نفي
فعل غيره مع إصرار ذلك الغير على إيقاع ذلك الفعل فكان قضية ذلك في العادة أن يحنث في يمينه
فألهم الله الغير العفو فبر قسم أنس وأشار بقوله ان من عباد الله إلى أن هذا الاتفاق انما وقع
197

إكراما من الله لأنس ليبر يمينه وأنه من جملة عباد الله الذين يجيب دعاءهم ويعطيهم أربهم
واختلف في ضبط قوله صلى الله عليه وسلم كتاب الله القصاص فالمشهور أنهما مرفوعان على
أنهما مبتدأ وخبر وقيل منصوبان على أنه مما وضع فيه المصدر موضع الفعل أي كتب الله
القصاص أو على الاغراء والقصاص بدل منه فينصب أو ينصب بفعل محذوف ويجوز رفعه
بأن يكون خبر مبتدأ محذوف واختلف أيضا في المعنى فقيل المراد حكم كتاب الله القصاص
فهو على تقدير حذف مضاف وقيل المراد بالكتاب الحكم أي حكم الله القصاص وقيل أشار
إلى قوله والجروح قصاص فعاقبوا وقيل إلى قوله فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به وقيل إلى قوله والسن بالسن
في قوله وكتبنا عليهم فيها بناء على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد في شرعنا ما يرفعه وقد
استشكل إنكار أنس بن النضر كسر سن الربيع مع سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم الامر
بالقصاص ثم قال أتكسر سن الربيع ثم أقسم أنها لا تكسر وأجيب بأنه أشار بذلك إلى
التأكيد على النبي صلى الله عليه وسلم في طلب الشفاعة إليهم أن يعفوا عنها وقيل كان
حلفه قبل أن يعلم أن القصاص حتم فظن أنه على التخيير بينه وبين الدية أو العفو وقيل لم يرد
الانكار المحض والرد بل قاله توقعا ورجاء من فضل الله أن يلهم الخصوم الرضا حتى يعفوا أو
يقبلوا الأرش وبهذا جزم الطيبي فقال لم يقله ردا للحكم بل نفي وقوعه لما كان له عند الله من
اللطف به في أموره والثقة بفضله أن لا يخيبه فيما حلف به ولا يخيب ظنه فيما أراده بأن يلهمهم
العفو وقد وقع الامر على ما أراد وفيه جواز الحلف فيما يظن وقوعه والثناء على من وقع له
ذلك عند أمن الفتنة بذلك عليه واستحباب العفو عن القصاص والشفاعة في العفو وأن الخيرة
في القصاص أو الدية للمستحق على المستحق عليه واثبات القصاص بين النساء في الجراحات
وفي الأسنان وفيه الصلح على الدية وجريان القصاص في كسر السن ومحله فيما إذا أمكن
التماثل بأن يكون المكسور مضبوطا فيبرد من سن الجاني ما يقابله بالمبرد مثلا قال أبو داود في
السنن قلت لأحمد كيف فقال يبرد ومنهم من حمل الكسر في هذا الحديث على القلع
وهو بعيد من هذا السياق (قوله دية الأصابع) أي هل مستوية أو مختلفة
(قوله عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذه وهذه سواء يعني الخنصر والابهام)
في رواية النسائي من طريق يزيد بن زريع عن شعبة الابهام والخنصر وحذف لفظة يعني
وزاد في رواية عنه عشر عشر ولعلي بن الجعد عن شعبة عن الإسماعيلي وأشار إلى الخنصر
والابهام وللإسماعيلي من طريق عاصم بن علي عن شعبة ديتهما سواء ولأبي داود من طريق
عبد الصمد بن عبد الوارث عن شعبة الأصابع والأسنان سواء الثنية والضرس سواء ولأبي داود
والترمذي من طريق يزيد النحوي عن عكرمة بلفظ الأسنان والأصابع سواء وفي لفظ أصابع
اليدين والرجلين سواء وأخرج بن أبي عاصم من رواية يحيى القطان عن شعبة عن قتادة عن
سعيد بن المسيب قال بعثه مروان إلى ا بن عباس يسأله عن الأصابع فقال قضى النبي صلى
الله عليه وسلم في اليد خمسين وكل إصبع عشر وكذا في كتاب عمرو بن حزم عند مالك في الأصابع
عشر عشر وسأذكر سنده ولابن ماجة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه
الأصابع سواء كلهن فيه عشر عشر من الإبل وفرقه أبو داود حديثين وسنده جيد (قوله سمعت
198

النبي صلى الله عليه وسلم نحوه) نزل المصنف في هذا السند درجة من أجل وقوع التصريح فيه
بالسماع وأما قوله نحوه فقد أخرجه بن ماجة والإسماعيلي من رواية ابن أبي عدي المذكورة
بلفظ الأصابع سواء وأخرجاه من رواية ابن أبي عدي أيضا لكن مقرونا به غندر والقطان بلفظ
الرواية الأولى ولكن بتقديم الابهام على الخنصر قال الترمذي العمل على هذا عند أهل العلم
وبه يقول الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق (قلت) وبه قال جميع فقهاء الأمصار وكان فيه
خلاف قديم فأخرج ابن أبي شيبة من رواية سعيد بن المسيب عن عمر في الابهام خمسة عشر وفي
السبابة والوسطى عشر عشر وفي البنصر تسع وفي الخنصر ست ومثله عن مجاهد وفي جامع
الثوري عن عمر نحوه وزاد قال سعيد بن المسيب حتى وجد عمر في كتاب الديات لعمرو بن حزم في
كل إصبع عشر فرجع إليه (قلت) وكتاب عمرو بن حزم أخرجه مالك في الموطأ عن عبد الله بن
أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم
لعمرو بن حزم في العقول أن في العشرة مائة من الإبل وفيه وفي اليد خمسون وفي الرجل خمسون
وفي كل إصبع مما هناك هنالك عشر من الإبل ووصله أبو داود في المراسيل والنسائي من وجه آخر
عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده مطولا وصححه ابن حبان وأعله أبو داود
والنسائي وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه في الابهام والتي تليها نصف
دية اليد وفي كل واحدة عشر وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد نحو أثر عمر إلا أنه قال في البنصر
ثمان وفي الخنصر سبع ومن طريق الشعبي كنت عند شريح فجاءه رجل فسأله فقال في كل إصبع
عشر فقال سبحان الله هذه وهذه سواء الابهام والخنصر قال ويحك إن السنة منعت القياس
اتبع ولا تبتدع وأخرجه ابن المنذر وسنده صحيح وأخرج مالك في الموطأ أن مروان بعث أبا غطفان المزني
إلى ابن عباس ماذا في الضرس فقال خمس من الإبل قال فردني إليه أتجعل مقدم الفم مثل
الأضراس فقال لو لم تعتبر ذلك إلا في الأصابع عقلها سواء وهذا يقتضي ان لا خلاف عند ابن
عباس ومروان في الأصابع والا لكان في القياس المذكور نظر قال الخطابي هذا أصل في كل
جناية لا تضبط كميتها فإذا فاق ضبطها من جهة المعنى واعتبرت من حيث الاسم فتتساوى ديتها
وان اختلف حالها ومنفعتها ومبلغ فعلها فان للابهام من القوة ما ليس للخنصر ومع ذلك فديتهما
سواء ومثله في الجنين غرة سواء كان ذكرا أو أنثى وكذا القول في الواضح ديتها سواء ولو اختلفت
في المساحة وكذلك الأسنان نفع بعضها أقوى من بعض وديتها سواء نظرا للاسم فقط و أما
ما أخرجه مالك في الموطأ عن ربيعة سألت سعيد بن المسيب كم في إصبع المرأة قال عشر قلت ففي
إصبعين قال عشرون قلت ففي ثلاث قال ثلاثون قلت ففي أربع قال عشرون قلت حين عظم
جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها قال يا ابن أخي هي السنة فإنما قال ذلك لان دية المرأة
نصف دية الرجل لكنها عنده تساويه فيما كان قدر ثلث الدية فما دونه فإذا زاد على ذلك
رجعت إلى حكم النصف (قوله باب إذا أصاب قوم من رجل هل يعاقب)
كذا للأكثر وفي رواية يعاقبون بصيغة الجمع وفي أخرى بحذف النون وهي لغة ضعيفة وقوله
أم يقتص منهم كلهم أي إذا قتل أو جرح جماعة شخصا واحدا هل يجب القصاص على الجميع
أو يتعين واحد ليقتص منه ويؤخذ من الباقين الدية فالمراد بالمعاقبة هنا المكافأة وكأن
199

المصنف أشار إلى قول ابن سيرين فيمن قتله اثنان يقتل أحدهما ويؤخذ من الآخر الدية فان
كانوا أكثر وزعت عليهم بقية الدية كما لو قتله عشرة فقتل واحد أخذ من التسعة تسع الدية
وعن الشعبي يقتل الولي من شاء منهما أو منهم ان كانوا أكثر من واحد ويعفو عمن بقي وعن
بعض السلف يسقط القود ويتعين الدية حكي عن ربيعة وأهل الظاهر وقال ابن بطال جاء عن
معاوية وابن الزبير والزهري مثل قول ابن سيرين وحجة الجمهور أن النفس لا تتبعض فلا يكون
زهوقها بفعل بعض دون بعض وكان كل منهم قاتلا ومثله لو اشتركوا في رفع حجر على رجل فقتله
كان كل واحد منهم رفع بخلاف ما لو اشتركوا في أكل رغيف فان الرغيف يتبعض حسا ومعنى
(قوله وقال مطرف عن الشعبي في رجلين شهدا على رجل الخ) وصله الشافعي عن سفيان بن
عيينة عن مطرف بن طريف عن الشعبي ان رجلين أتيا عليا فشهدا على رجل أنه سرق فقطع يده
ثم أتياه بآخر فقالا هذا الذي سرق وأخطأنا على الأول فلم يجز شهادتهما على الآخر وأغرمهما
دية الأول وقال لو أعلم أنكما تعمدتما لقطعتكما ولم أقف على الشاهدين ولا على المشهود
عليهما وعرف بقوله ولم يجز شهادتيهما على الآخر المراد بقوله في رواية البخاري فأبطل شهادتهما
ففيه تعقب على من حمل الابطال على شهادتهما معا الأولى لاقرارهما فيها بالخطأ والثانية
لكونهما صارا متهمين ووجه التعقب أن اللفظ وإن كان محتملا لكن الرواية الأخرى عينت
أحد الاحتمالين (قوله وقال لي ابن بشار) هو محمد المعروف ببندار ويحيى هو القطان وعبيد الله
هو ابن عمر العمري (قوله أن غلاما قتل غيلة) بكسر الغين المعجمة أي سرا (فقال عمر لو اشترك
فيها) في رواية الكشميهني فيه وهو أوجه والتأنيث على إرادة النفس وهذا الأثر موصول إلى عمر
بأصح إسناد وقد أخرجه ابن أبي شيبة عن عبد الله بن نمير عن يحيى القطان من وجه آخر عن نافع
ولفظه أن عمر قتل سبعة من أهل صنعاء برجل الخ وأخرجه الموطأ بسند آخر قال عن يحيى بن
سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر قتل خمسة أو ستة برجل قتلوه غيلة وقال لو تمالا عليه
أهل صنعاء لقتلتهم جميعا ورواية نافع أوصل وأوضح وقوله تمالا بهمزة مفتوحة بعد اللام
ومعناه توافق والأثر مع ذلك مختصر من الذي بعده (قوله وقال مغيرة بن حكيم عن أبيه
الخ) هو مختصر من الأثر الذي وصله بن وهب ومن طريقه قاسم بن أصبغ والطحاوي
والبيهقي قال ابن وهب حدثني جرير بن حازم أن المغيرة بن حكيم الصنعاني حدثه عن أبيه أن
امرأة بصنعاء غاب عنها زوجها وترك في حجرها ابنا له من غيرها غلاما يقال له أصيل فاتخذت
المرأة بعد زوجها خليلا فقالت له ان هذا الغلام يفضحنا فاقتله فأبى فامتنعت منه فطاوعها
فاجتمع على قتل الغلام الرجل ورجل آخر والمرأة وخادمها فقتلوه ثم قطعوه أعضاء وجعلوه
في عيبة بفتح المهملة وسكون التحتانية ثم موحدة مفتوحة هي وعاء من ادم فطرحوه في ركية
بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد التحتانية هي البئر التي لم تطو في ناحية القرية ليس فيها ماء فذكر
القصة وفيه فأخذ خليلها فاعترف ثم اعترف الباقون فكتب يعلى وهو يومئذ أمير بشأنهم
إلى عمر فكتب إليه عمر يقتلهم جميعا وقال والله لو أن أهل صنعاء اشتركوا في قتله لقتلتهم أجمعين
وأخرجه أبو الشيخ في كتاب الترهيب من وجه آخر عن جرير بن حازم وفيه فكتب يعلى بن أمية
عامل عمر على اليمن إلى عمر فكتب إليه نحوه وفي أثر ابن عمر هذا تعقب علي ابن عبد البر في قوله
200

لم يقل فيه انه قتل غيلة الا مالك وروينا نحو هذه القصة من وجه آخر عند الدارقطني وفي فوائد
أبي الحسن بن زنجويه بسند جيد إلى أبي المهاجر عبد الله بن عمير من بني قيس بن ثعلبة قال كان
رجل يسابق الناس كل سنة بأيام فلما قدم وجد مع وليدته سبعة رجال يشربون فأخذوه فقتلوه
فذكر القصة في اعترافهم وكتاب الأمير إلى عمر وفي جوابه أن اضرب أعناقهم واقتلها معهم فلو
أن أهل صنعاء اشتركوا في دمه لقتلتهم وهذه القصة غير الأولى وسنده جيد فقد تكرر ذلك من
عمر ولم أقف على اسم واحد ممن ذكر فيها الا اسم الغلام في رواية ابن وهب وحكيم والد المغيرة
صنعاني لا أعرف حاله ولا اسم والده وقد ذكره ابن حبان في ثقات التابعين (قوله وأقاد أبو بكر
وابن الزبير وعلي وسويد بن مقرن من لطمة وأقاد عمر من ضربة بالدرة وأقاد على من ثلاثة
أسواط واقتص شريح من سوط وخموش) أما أثر أبي بكر وهو الصديق فوصله ابن أبي شيبة من
طريق يحيى بن الحصين سمعت طارق بن شهاب يقول لطم أبو بكر يوما رجلا لطمه فقيل ما رأينا
كاليوم قط هنعة ولطمة فقال أبو بكر ان هذا أتاني ليستحملني فحملته فإذا هو يتبعهم فحلفت
أن لا أحمله ثلاث مرات ثم قال له اقتص فعفا الرجل وأما أثر ابن الزبير فوصله ابن أبي شيبة
ومسدد جميعا عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أن ابن الزبير أقاد من لطمة وأما أثر علي
الأول فأخرجه ابن أبن شيبة من طريق ناجية أبي الحسن عن أبيه أن عليا أتى في رجل لطم رجلا
فقال للملطوم اقتص وأما أثر سويد بن مقرن فوصله ابن أبي شيبة من طريق الشعبي عنه وأما
أثر عمر فأخرجه في الموطأ عن عاصم بن عبيد الله عن عمر منقطعا ووصله عبد الرزاق عن مالك عن
عاصم عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال كنت مع عمر بطريق مكة فبال تحت شجرة فناداه رجل
فضربه بالدرة فقال عجلت علي فأعطاه المخفقة وقال اقتص فأبى فقال لتفعلن قال فاني أغفرها
وأما أثر علي الثاني فأخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور من طريق فضيل بن عمرو عن عبد
الله بن معقل بكسر القاف قال كنت عند علي فجاءه رجل فساره فقال يا قنبر اخرج فاجلد هذا
فجاء المجلود فقال إنه زاد علي ثلاثة أسواط فقال صدق قال خذ السوط فاجلده ثلاثة أسواط
ثم قال يا قنبر إذا جلدت فلا تتعد الحدود وأما أثر شريح فوصله ابن سعد وسعيد بن منصور من
طريق إبراهيم النخعي قال جاء رجل إلى شريح فقال أقدني من جلوازك فسأله فقال ازدحموا
عليك فضربته سوطا فأقاده منه ومن طريق ابن سيرين قال اختصم إليه يعني شريحا عبد جرح
حرا فقال إن شاء اقتص منه وأخرج ابن أبي شيبة من طريق أبي إسحاق عن شريح أنه أقاد من
لطمة ومن وجه آخر عن أبي إسحاق عن شريح أنه أقاد من لطمة وخموش والخموش بضم المعجمة
الخدوش ووزنه ومعناه والخماشة ما ليس له أرش معلوم من الجراحة والجلواز بكسر الجيم وسكون
اللام وآخره زاي هو الشرطي سمي بذلك لان من شأنه حمل الجلاز بكسر الجيم وباللام الخفيفة
وهو السير الذي يشد في السوط وعادة الشرطي أن يربطه في وسطه قال ابن بطال جاء عن
عثمان وخالد بن الوليد نحو قول أبي بكر وهو قول الشعبي وطائفة من أهل الحديث وقال الليث
وابن القاسم يقاد من الضرب بالسوط وغيره إلا اللطمة في العين ففيها العقوبة خشية على العين
والمشهور عن مالك وهو قول الأكثر لا قود في اللطمة إلا أن جرحت ففيها حكومة والسبب فيه
تعذر المماثلة لافتراق لطمتي القوى والضعيف فيجب التعزير بما يليق باللاطم وقال ابن القيم
201

بالغ بعض المتأخرين فنقل الاجماع على عدم القود في اللطمة والضربة وانما يجب التعزير وذهل
في ذلك فان القول بجريان القود في ذلك ثابت عن الخلفاء الراشدين فهو أولى بأن يكون إجماعا
وهو مقتضى إطلاق الكتاب والسنة ثم ذكر المصنف حديث عائشة في اللدود وقد مضى القول
فيه في باب القصاص بين الرجال والنساء وأنه ليس بظاهر في القصاص لكن قوله في آخره الا
العباس فإنه لم يشهدكم فقد تمسك به من قال إنه فعله قصاصا لا تأديبا قال ابن بطال وهو حجة لمن قال
يقاد في اللطمة والسوط يعني ومناسبة ذكر ذلك في ترجمة القصاص من الجماعة للواحد ليست
ظاهرة وأجاب ابن المنير بأن ذلك مستفاد من إجراء القصاص في الأمور الحقيرة ولا يعدل فيها
عن القصاص إلى التأديب فكذا ينبغي أن يجري القصاص على المشتركين في الجناية سواء قلوا
أم كثروا فان نصيب كل منهم عظيم معدود من الكبائر فكيف لا يجرى فيه القصاص والعلم عند
الله تعالى (قوله باب القسامة) بفتح القاف وتخفيف المهملة وهي مصدر أقسم قسما
وقسامة وهي الايمان تقسم على أولياء القتيل إذا ادعوا الدم أو على المدعي عليهم الدم وخص
القسم على الدم بلفظ القسامة وقال إمام الحرمين القسامة عند أهل اللغة اسم للقوم الذين
يقسمون وعند الفقهاء اسم للايمان وقال في المحكم القسامة الجماعة يقسمون على شئ أو
يشهدون به ويمين القسامة منسوب إليهم ثم أطلقت على الايمان نفسها (قوله وقال الأشعث
ابن قيس قال النبي صلى الله عليه وسلم شاهداك أو يمينه) هو طرف من حديث تقدم موصولا
تاما في كتاب الشهادات ثم في كتاب الايمان والنذور مع شرحه وأشار المصنف بذكره هنا إلى ترجيح
رواية سعيد بن عبيد في حديث الباب أن الذي يبدأ في يمين القسامة المدعى عليهم كما سيأتي البحث
فيه (قوله وقال ابن أبي مليكة لم يقد) بضم أوله والقاف من أفاد إذا اقتص وقد وصله حماد
ابن سلمة في مصنفه ومن طريقه ابن المنذر قال حماد عن ابن أبي مليكة سألني عمر بن عبد العزيز عن
القسامة فأخبرته أن عبد الله بن الزبير أقاد بها وأن معاوية يعنى ابن أبي سفيان لم يقد بها وهذا
سند صحيح وقد توقف بن بطال في ثبوته فقال قد صح عن معاوية أنه أقاد بها ذكر ذلك عنه أبو
الزناد في احتجاجه على أهل العراق (قلت) هو صحيفة عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه ومن
طريقه أخرجه البيهقي قال حدثني خارجة بن زيد بن ثابت قال قتل رجل من الأنصار رجلا من
بني العجلان ولم يكن على ذلك بينة ولا لطخ فأجمع رأى الناس على أن يحلف ولاة المقتول ثم يسلم
إليهم فيقتلوه فركبت إلى معاوية في ذلك فكتب إلى سعيد بن العاص إن كان ما ذكره حقا فافعل
ما ذكروه فدفعت الكتاب إلى سعيد فأحلفنا خمسين يمينا ثم أسلمه إلينا (قلت) ويمكن الجمع بان
معاوية لم يقد بها لما وقعت له وكان الحكم في ذلك ولما وقعت لغيره وكل الامر في ذلك إليه
ونسب إليه أنه أقاد بها لكونه أذن في ذلك وقد تمسك مالك بقول خارجة المذكور فأطلق أن
القود بها إجماع ويحتمل أن يكون معاوية كان يرى القود بها ثم رجع عن ذلك أو بالعكس وقد
أخرج الكرابيسي في أدب القضاء بسند صحيح عن الزهري عن سعيد بن المسيب قصة أخرى
قضى فيها معاوية بالقسامة لكن لم يصرح فيها بالقتل وقصة أخرى لمروان قضى فيها بالقتل وقضى
عبد الملك بن مروان بمثل قضاء أبيه (قوله وكتب عمر بن عبد العزيز الخ) وصله سعيد بن منصور
حدثنا هشام حدثنا حميد الطويل قال كتب عدي بن أرطاة إلى عمر بن عبد العزيز في قتيل وجد
202

في سوق البصرة فكتب إليه عمر رحمه الله ان من القضاء ما لا يقضي فيه إلى يوم القيامة وان هذه
القضية لمنهن وأخرج ابن المنذر من وجه آخر عن حميد قال وجد قتيل بين قشير وعائش
فكتب فيه عدي بن أرطاة إلى عمر بن عبد العزيز فذكر نحوه وهذا أثر صحيح وعدي بن أرطاة
بفتح الهمزة وسكون الراء بعدها مهملة وهو فزاري من أهل دمشق (قوله في الأثر المعلق وكان
أمره بالتشديد (على البصرة) (قلت) كانت ولاية عمر بن عبد العزيز لعدي على إمرة البصرة
سنة تسع وتسعين وذكر خليفة أنه قتل سنة ثنتين ومائة وقوله من بيوت السمانين بتشديد الميم
أي الذين يبيعون السمن وقد اختلف على عمر بن عبد العزيز في القود بالقسامة كما اختلف
على معاوية فذكر ابن بطال أن في مصنف حماد بن سلمة عن ابن أبي مليكة أن عمر بن عبد العزيز أقاد
في القسامة في إمرته على المدينة (قلت) ويجمع بأنه كان يرى بذلك لما كان أميرا على المدينة
ثم رجع لما ولي الخلافة ولعل سبب ذلك ما سيأتي في آخر الباب من قصة أبي قلابة حيث احتج على
عدم القود بها فكأنه وافقه على ذلك وأخرج ابن المنذر من طريق الزهري قال قال لي عمر بن
عبد العزيز إني أريد أن أدع القسامة يأتي رجل من أرض كذا وآخر من أرض كذا فيحلفون
على ما لا يرون فقلت انك ان تتركها يوشك ان الرجل يقتل عند بابك فيبطل دمه وان للناس
في القسامة لحياة وسبق عمر بن عبد العزيز إلى إنكار القسامة سالم بن عبد الله بن عمر فاخرج ابن
المنذر عنه أنه كان يقول يا لقوم يحلفون على أمر لم يروه ولم يحضروه ولو كان لي أمر لعاقبتهم
ولجعلتهم نكالا ولم أقبل لهم شهادة وهذا يقدح في نقل إجماع أهل المدينة على القود بالقسامة
فان سالما من أجل فقهاء المدينة وأخرج ابن المنذر أيضا عن ابن عباس أن القسامة لا يقاد بها
وأخرج ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي قال القود بالقسامة جور ومن طريق الحكم بن
عتيبة أنه كان لا يرى القسامة شيئا ومحصل الاختلاف في القسامة هل يعمل بها أو لا وعلى
الأول فهل توجب للقود أو الدية وهل يبدأ بالمدعين أو المدعى عليهم واختلفوا أيضا في شرطها
(قوله سعيد بن عبيد) هو الطائي الكوفي يكنى أبا هذيل روى عنه الثوري وغيره من الأكابر
وأبو نعيم الراوي عنه هنا هو آخر من روى عنه وثقة أحمد وابن معين وآخرون وقال الآجري عن
أبي داود كان شعبة يتمنى لقاءه وفي طبقته سعيد بن عبيد الهنائي بضم الهاء وتخفيف النون وهمز
ومد بصري صدوق أخرج له الترمذي والنسائي (قوله عن بشير) بالموحدة والمعجمة مصغر ابن
يسار بتحتانية ثم مهملة خفيفة لا أعرف اسم جده وفي رواية مسلم من طريق ابن نمير عن سعيد
ابن عبيد حدثنا بشير بن يسار الأنصاري (قلت) وهو موالي بني حارثة من الأنصار قال ابن
إسحاق كان شيخا كبيرا فقيها أدرك عامة الصحابة ووثقه يحيى بن معين والنسائي وكناه محمد
بن إسحاق في روايته أبا كيسان (قوله زعم أن رجلا من الأنصار يقال له سهل بن أبي حثمة)
بفتح المهملة وسكون المثلثة ولم يقع في رواية ابن نمير زعم بل عنده عن سهل بن أبي حثمة الأنصاري
أنه أخبره وكذا لأبي نعيم في المستخرج من وجه آخر عن أبي نعيم شيخ البخاري واسم أبي حثمة
عامر بن ساعدة بن عامر ويقال اسم أبيه عبد الله فاشتهر هو بالنسبة إلى جده وهو من بني
حارثة بطن من الأوس (قوله إن نفرا من قومه) سمى يحيى بن سعيد الأنصاري في روايته عن
بشير بن يسار منهم اثنين فتقدم في الجزية من طريق بشر بن المفضل عن يحيى بهذا السند
203

انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود بن زيد وفي الأدب من رواية حماد بن زيد عن يحيى
عن بشير عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج أنهما حدثا أن عبد الله بن سهل ومحيصة بن
مسعود انطلقا وعند مسلم من رواية الليث عن يحيى عن بشير عن سهل قال يحيى وحسبت أنه قال
ورافع بن خديج أنهما قالا خرج عبد الله بن سهل بن زيد ومحيصة بن مسعود بن زيد ونحوه
عنده من رواية هشيم عن يحيى لكن لم يذكر رافعا ولفظه عن بشير بن يسار ان رجلا من
الأنصار من بني حارثة يقال له عبد الله بن سهل بن زيد انطلق هو وابن عم له يقال له محيصة بن
مسعود بن زيد وأسنده في آخره عن سهل بن أبي حثمة به وثبت ذكر رافع بن خديج في هذا
الحديث غير مسمى عند أبي داود من طريق أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل عن
سهل بن أبي حثمة أنه أخبره هو ورجل من كبراء قومه وعند أبي عاصم من طريق إسماعيل
ابن عياش عن يحيى بن بشير عن سهل ورافع وسويد بن النعمان أن القسامة كانت فيهم
في بني حارثة فذكر بشير عنهم أن عبد الله بن سهل خرج فذكر الحديث ومحيصة بضم الميم
وفتح المهملة وتشديد التحتانية مكسورة بعدها صاد مهملة وكذا ضبط أخيه حويصة
وحكي التخفيف في الاسمين معا ورجحه طائفة (قوله انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها) في رواية
يحيى بن سعيد انطلقا إلى خيبر فتفرقا وتحمل رواية الباب على أنه كان معهما تابع لهما
وقد وقع في رواية محمد بن إسحاق عن بشير بن يسار عن ابن أبي عاصم خرج عبد الله بن سهل
في أصحاب له يتمارون تمرا زاد سليمان بن بلال عند مسلم في روايته عن يحيى بن سعيد في زمن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ صلح وأهلها يهود وقد تقدم بيان ذلك في المغازي
والمراد ان ذلك وقع بعد فتحها فإنها لما فتحت أقر النبي صلى الله عليه وسلم أهلها فيها على أن يعملوا
في المزارع بالشطر مما يخرج منها كما تقدم بيانه وفي رواية ابن أبي ليلى بن عبد الله خرج إلى خيبر
(قوله فوجدوا أحدهم قتيلا) في رواية بشر بن المفضل فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو
يتشحط في دمه قتيلا أي يضطرب فيتمرغ في دمه فدفنه وفي رواية الليث فإذا محيصة بجد
عبد الله بن سهل قتيلا فدفنه وفي رواية سليمان بن بلال فوجد عبد الله بن سهل مقتولا في سربه
فدفنه صاحبه وفي رواية أبي ليلى فأخبر محيصة أن عبد الله قتل وطرح في فقير بفاء مفتوحة
ثم قاف مكسورة أي حفيرة (قوله أو عين) هو شك من الراوي و في رواية محمد بن إسحاق
فوجد في عين قد كسرت عنقه و طرح فيها (قوله فقالوا للذين وجد فيهم قد قتلتم صاحبنا قالوا
ما قتلنا ولا علمنا قاتلا) في رواية أبي ليلى فأتى محيصة يهود فقال أنتم والله قتلتموه قالوا والله
ما قتلناه (قوله فانطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية حماد بن زيد فجاء عبد الرحمن
ابن سهل وحويصة ومحيصة أبناء مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتكلموا في أمر صاحبهم
وفي رواية سليمان بن بلال فأتى أخو المقتول عبد الرحمن ومحيصة وحويصة فذكروا لرسول الله
صلى الله عليه وسلم شأن عبد الله حيث قتل وفي رواية الليث ثم أقبل محيصة إلى النبي صلى الله
عليه وسلم هو وحويصة وعبد الرحمن بن سهل زاد أبو ليلى في روايته وهو أي حويصة أكبر منه
أي من محيصة (قوله فقال الكبر الكبر) بضم الكاف وسكون الموحدة وبالنصب فيهما على
الاغراء زاد في رواية يحيى بن سعيد فبدأ عبد الرحمن يتكلم وكان أصغر القوم زاد حماد بن زيد
204

عن يحيى عند مسلم في أمر أخيه وفي رواية بشير وهو أحدث القوم وفي رواية الليث فذهب
عبد الرحمن يتكلم فقال كبر الكبر الأولى أمر والاخرى كالأول ومثله في رواية حماد بن زيد
وزاد أو قال يبدأ الأكبر وفي رواية بشر بن المفضل كبر كبر بتكرار الامر وكذا في رواية أبي ليلى
وزاد يريد السن وفي رواية الليث فسكت وتكلم صاحباه وفي رواية بشر وتكلما (قوله
تأتون بالبينة على من قتله قالوا ما لنا بينة) كذا في رواية سعيد بن عبيد ولم يقع في رواية يحيى بن
سعيد الأنصاري ولا في رواية أبي قلابة الآتية في الحديث الذي بعده للبينة ذكر وإنما قال يحيى
في رواية أتحلفون وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم هذه رواية بشر بن المفضل عنه وفي رواية
حماد عنه أتستحقون قاتلكم أو صاحبكم بأيمان خمسين منكم وفي رواية عند مسلم يقسم
خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته وفي رواية سليمان بن بلال تحلفون خمسين يمينا
وتستحقون وفي رواية ابن عيينة عن يحيى عند أبي داود تبرئكم يهود بخمسين يمينا
تحلفون فبدأ بالمدعى عليهم لكن قال أبو داود إنه وهم كذا جزم بذلك وقد قال الشافعي
كان ابن عيينة لا يثبت أقدم النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار في الايمان أو اليهود فيقال له
ان في الحديث أنه قدم الأنصار فيقول هو ذاك وربما حدث به كذلك ولم يشك وفي رواية أبي
ليلى فقال لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم فقالوا لا وفي
رواية أبي قلابة فأرسل إلى اليهود فدعاهم فقال أنتم قتلتم هذا فقالوا لا فقال أترضون نفل
خمسين من اليهود ما قتلوا ونفل بفتح النون وسكون الفاء يأتي شرحه وزاد يحيى بن سعيد
كيف نحلف ولم نشهد ولم نر وفي رواية حماد عنه أمر لم نره وفي رواية سليمان ما شهدنا
ولا حضرنا (قوله قال فيحلفون قالوا لا نرضى بأيمان اليهود) وفي رواية أبي ليلى فقالوا ليسوا
بمسلمين وفي رواية يحيى بن سعيد فتبرئكم يهود بخمسين يمينا أي يخلصونكم من الايمان بأن
يحلفوهم فإذا حلفوا انتهت الخصومة فلم يجب عليهم شئ وخلصتم أنتم من الايمان قالوا كيف
نأخذ بأيمان قوم كفار وفي رواية الليث نقبل بدل نأخذ وفي رواية أبي قلابة ما يبالون أن يقتلونا
أجمعين ثم يحلفون كذا في رواية سعيد بن عبيد لم يذكر عرض الايمان على المدعين كما لم يقع
في رواية يحيى بن سعيد طلب البينة أولا وطريق الجمع أن يقال حفظ أحدهم ما لم يحفظ الآخر
فيحمل على أنه طلب البينة أولا فلم تكن لهم بينة فعرض عليهم الايمان فامتنعوا فعرض عليهم
تحليف المدعى عليهم فأبوا وأما قول بعضهم ان ذكر البينة وهم لأنه صلى الله عليه وسلم قد علم أن
خيبر حينئذ لم يكن بها أحد من المسلمين فدعوى نفي العلم مردودة فإنه وان سلم انه لم يسكن مع
اليهود فيها أحد من المسلمين لكن في نفس القصة أن جماعة من المسلمين خرجوا يمتارون تمرا
فيجوز أن تكون طائفة أخرى خرجوا لمثل ذلك وان لم يكن في نفس الامر كذلك وقد
وجدنا لطلب البينة في هذه القصة شاهدا من وجه آخر أخرجه النسائي من طريق عبد الله بن
الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان ابن محيصة الأصغر أصبح قتيلا على أبواب
خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقم شاهدين على من قتله ادفعه إليك برمته قال
يا رسول الله اني أصيب شاهدين وانما أصبح قتيلا على أبوابهم قال فتحلف خمسين قسامة قال
فكيف أحلف على ما لا أعلم قال تستحلف خمسين منهم قال كيف وهم يهود وهذا السند صحيح
205

حسن وهو نص في الحمل الذي ذكرته فتعيين المصير إليه وقد أخرج أبو داود أيضا من طريق
عباية بن رفاعة عن جده رافع بن خديج قال أصبح رجل من الأنصار بخيبر مقتولا فانطلق
أولياؤه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال شاهدان يشهدان على قتل صاحبكم قال لم يكن ثم أحد
من المسلمين وانما هم اليهود وقد يجترئون على أعظم من هذه (قوله فكره رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يطل) بضم أوله وفتح الطاء وتشديد اللام أي يهدر (قوله فوداه مائة) في رواية
الكشميهني بمائة ووقع في رواية أبي ليلى فوداه من عنده وفي رواية يحيى بن سعيد فعقله النبي
صلى الله عليه وسلم من عنده أي أعطى ديته وفي رواية حماد بن زيد من قبله بكسر القاف وفتح
الموحدة أي من جهته وفي رواية الليث عنه فلما رأى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عقله
(قوله من إبل الصدقة) زعم بعضهم أنه غلط من سعيد بن عبيد لتصريح يحيى بن سعيد بقوله
من عنده وجمع بعضهم بين الروايتين باحتمال أن يكون اشتراها من إبل الصدقة بمال دفعه
من عنده أو المراد بقوله من عنده أي بيت المال المرصد للمصالح وأطلق عليه صدقة باعتبار
الانتفاع به مجانا لما في ذلك من قطع المنازعة وإصلاح ذات البين وقد حمله بعضهم على ظاهره
فحكى القاضي عياض عن بعض العلماء جواز صرف الزكاة في المصالح العامة واستدل بهذا
الحديث وغيره (قلت) وتقدم شئ من ذلك في كتاب الزكاة في الكلام على حديث أبي لاس
قال حملنا النبي صلى الله عليه وسلم على إبل من إبل الصدقة في الحج وعلى هذا فالمراد بالعندية
كونها تحت أمره وحكمه وللإحتراز من جعل ديته على اليهود أو غيرهم قال القرطبي في المفهم
فعل صلى الله عليه وسلم ذلك على مقتضى كرمه وحسن سياسته وجلبا للمصالح ودرءا للمفسدة
على سبيل التأليف ولا سيما عند تعذر الوصول إلى استيفاء الحق ورواية من قال من عنده أصح
من رواية من قال من إبل الصدقة وقد قيل إنها غلط والأولى أن لا يغلط الراوي ما أمكن
فيحتمل أوجها منها فذكر ما تقدم وزاد أن يكون تسلف ذلك من إبل الصدقة ليدفعه من مال
الفئ أو أن أولياء القتيل كانوا مستحقين للصدقة فأعطاهم أو أعطاهم ذلك من سهم المؤلفة
استئلافا لهم واستجلابا لليهود انتهى وزاد أبو ليلى في روايته قال سهل فركضتني ناقة وفي
رواية حماد بن زيد عن يحيى أدركته ناقة من تلك الإبل فدخلت مربدا لهم فركضتني برجلها
وفي رواية شيبان بن بلال لقد ركضتني ناقة من تلك الفرائض بالمربد وفي رواية محمد بن إسحاق
فوالله ما أنسى ناقة بكرة منها حمراء ضربتني وأنا أحوزها وفي حديث الباب من الفوائد
مشروعية القسامة قال القاضي عياض هذا الحديث أصل من أصول الشرع وقاعدة
من قواعد الأحكام وركن من أركان مصالح العباد وبه أخذ كافة الأئمة والسلف من
الصحابة والتابعين وعلماء الأمة وفقهاء الأمصار من الحجازيين والشاميين والكوفيين وان
اختلفوا في صورة الاخذ به وروي التوقف عن الاخذ به عن طائفة فلم يروا القسامة
ولا أثبتوا بها في الشرع حكما وهذا مذهب الحكم بن عتبة وأبي قلابة وسالم بن عبد الله
وسليمان بن يسار وقتادة ومسلم بن خالد وإبراهيم بن علية واليه ينحو البخاري وروي عن
عمر بن عبد العزيز باختلاف عنه (قلت) وهذا ينافي ما صدر به كلامه أن كافة الأئمة
أخذوا بها وقد تقدم النقل عمن لم يقل بمشروعيتها في أول الباب وفيهم من لم يذكره القاضي قال
206

واختلف قول مالك في مشروعية القسامة في قتل الخطأ واختلف القائلون بها في العمد هل
يجب بها القود أو الدية فمذهب معظم الحجازيين إيجاب القود إذا كملت شروطها وهو قول
الزهري وربيعة وأبي الزناد ومالك والليث والأوزاعي والشافعي في أحد قوليه وأحمد وإسحاق وأبي
ثور وداود وروى ذلك عن بعض الصحابة كابن الزبير واختلف عن عمر بن عبد العزيز وقال أبو الزناد
قتلنا بالقسامة والصحابة متوافرون إني لارى أنهم ألف رجل فما اختلف منهم اثنان (قلت)
انما نقل ذلك أبو الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت كما أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي من رواية
عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه وإلا فأبو الزناد لا يثبت أنه رأى عشرين من الصحابة فضلا عن
ألف ثم قال القاضي وحجتهم حديث الباب يعني من رواية يحيى بن سعيد التي أشرت إليها قال
فان مجيئه من طرق صحاح لا يدفع وفيه تبرئة المدعين ثم ردها حين أبوا على المدعى عليهم واحتجوا
بحديث أبي هريرة البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه إلا القسامة ويقول مالك أجمعت
الأئمة في القديم والحديث على أن المدعين يبدأون في القسامة ولان جنبة المدعي إذا قويت
بشهادة أو شبهة صارت اليمين له وههنا الشبهة قوية وقالوا هذه سنة بحيالها وأصل قائم برأسه
بحياة الناس وردع المعتدين وخالفت الدعاوي في الأموال فهي على ما ورد فيها وكل أصل يتبع
ويستعمل ولا تطرح سنة لسنة وأجابوا عن رواية سعيد بن عبيد يعني المذكورة في حديث هذا
الباب بقول أهل الحديث إنه وهم من رواية أسقط من السباق تبرئة المدعين باليمين لكونه لم
يذكر فيه رد اليمين واشتملت رواية يحيى بن سعيد على زيادة من ثقة حافظ فوجب قبولها وهي
تقضي على من لم يعرفها (قلت) وسيأتي مزيد بيان لذلك قال القرطبي الأصل في الدعاوي أن
اليمين على المدعي عليه وحكم القسامة أصل بنفسه لتعذر إقامة البينة على القتل فيها غالبا فان
القاصد للقتل يقصد الخلوة ويترصد الغفلة وتأيدت بذلك الرواية الصحيحة المتفق عليها وبقي
ما عدا القسامة على الأصل ثم ليس ذلك خروجا عن الأصل بالكلية بل لان المدعي عليه انما
كان القول قوله لقوة جانبه بشهادة الأصل له بالبراء مما أدعى عليه وهو موجود في القسامة
في جانب المدعي لقوة جانبه باللوث الذي يقوي دعواه قال عياض وذهب من قال بالدية إلى
تقديم المدعي عليهم في اليمين إلا الشافعي وأحمد فقالا بقول الجمهور يبدأ بأيمان المدعين وردها
إن أبوا على المدعى عليهم وقال بعكسه أهل الكوفة وكثير من أهل البصرة وبعض أهل المدينة
والأوزاعي فقال يستحلف من أهل القرية خمسون رجلا خمسين يمينا ما قتلناه ولا علمنا من قتله
فان حلفوا برأوا وإن نقصت قسامتهم عن عدد أو نكلوا حلف المدعون على رجل واحد
واستحقوا فان نقصت قسامتهم قاده دية وقال عثمان البتي من فقهاء البصرة ثم يبدأ بالمدعى عليهم
بالايمان فان حلفوا فلا شئ عليهم وقال الكوفيون إذا حلفوا وجبت عليهم الدية وجاء ذلك عن
عمر قال واتفقوا كلهم على أنها لا تجب بمجرد دعوى الأولياء حتى يقترن بها شبهة يغلب على الظن
الحكم بها واختلفوا في تصوير الشبهة على سبعة أوجه فذكرها وملخصها الأول أن يقول
المريض دمي عند فلان أو ما أشبه ذلك ولو لم يكن به أثر أو جرح فان ذلك يوجب القسامة
عند مالك والليث لم يقل به غيرهما واشترط بعض المالكية الأثر أو الجرح واحتج لمالك بقصة
بقرة بني إسرائيل قال ووجه الدلالة منها أن الرجل حي فأخبر بقاتله وتعقب بخفاء الدلالة منها
207

وقد بالغ ابن حزم في رد ذلك واحتجوا بأن القتل يتطلب حالة غفلة الناس فتنعذر البينة فلو لم
يعمل بقول المضروب لادى ذلك إلى إهدار دمه لأنها حالة يتحرى فيها اجتناب الكذب ويتزود
فيها من البر والتقوى وهذا إنما يأتي في حال المحتضر الثانية أن يشهد من لا يكمل النصاب
بشهادته كالواحد أو جماعة غير عدول قال بها المذكوران ووافقهما الشافعي ومن تبعه * الثالثة
أن يشهد عدلان بالضرب ثم يعيش بعده أياما ثم يموت منه من غير تخلل إفاقه فقال المذكوران
تجب فيه القسامة وقال الشافعي بل يجب القصاص بتلك الشهادة الرابعة أن يوجد مقتول
وعنده أو بالقرب منه من بيده آلة القتل وعليه أثر الدم مثلا ولا يوجد غيره فتشرع فيه
القسامة عند مالك والشافعي ويلتحق به أن تفترق جماعة عن قتيل الخامسة أن يقتتل
طائفتان فيوجد بينهما قتيل ففيه القسامة عند الجمهور وفي رواية عن مالك تختص القسامة
بالطائفة التي ليس هو منها إلا إن كان من غيرهما فعلى الطائفتين السادسة المقتول
في الزحمة وقد تقدم بيان الاختلاف فيه في باب مفرد السابعة أن يوجد قتيل في محلة
أو قبيلة فهذا يوجب القسامة عند الثوري والأوزاعي وأبي حنيفة وأتباعهم ولا يوجب
القسامة عندهم سوى هذه الصورة وشرطها عندهم إلا الحنفية أن يؤخذ بالقتيل أثر وقال
داود لا تجري القسامة إلا في العمد على أهل مدينة أو قرية كبيرة وهم أعداء للمقتول وذهب
الجمهور إلى أنه لا قسامة فيه بل هو هدر لأنه قد يقتل ويلقى في المحلة ليتهموا وبه قال الشافعي
وهو رواية عن أحمد إلا أن يكون في مثل القصة التي في حديث الباب فيتجه فيها القسامة
لوجود العداوة ولم تر الحنفية ومن وافقهم لوثا يوجب القسامة إلا هذه الصورة وحجة الجمهور
القياس على هذه الواقعة والجامع أن يقترن بالدعوى شئ يدل على صدق المدعي فيقسم معه
ويستحق وقال ابن قدامة ذهب الحنفية إلى أن القتيل إذا وجد في محل فادعى وليه على خمسين
نفسا من موضع قتله فحلفوا خمسين يمينا ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا فإن لم يجد خمسين كرر الايمان
على من وجد وتجب الدية على بقية أهل الخطة ومن لم يحلف من المدعى عليهم حبس حتى يحلف
أو يقر واستدلوا بأثر عمر أنه أحلف خمسين نفسا خمسين يمينا وقضى الدية عليهم وتعقب باحتمال
أن يكونوا أقروا بالخطأ وأنكروا العمد وبأن الحنفية لا يعملون بخبر الواحد إذا خالف الأصول
ولو كان مرفوعا فكيف احتجوا بما خالف الأصول بخبر واحد موقوف وأوجبوا اليمين على
غير المدعى عليه واستدل به على القود في القسامة لقوله فتستحقون قاتلكم وفي الرواية
الأخرى دم صاحبكم قال ابن دقيق العيد الاستدلال بالرواية التي فيها فيدفع برمته أقوى من
الاستدلال بقوله دم صاحبكم لان قوله يدفع برمته لفظ مستعمل في دفع القاتل للأولياء للقتل
ولو أن الواجب الدية لبعد استعمال هذا اللفظ وهو في استعماله في تسليم القاتل أظهر
والاستدلال بقوله دم صاحبكم أظهر من الاستدلال بقوله قاتلكم أو صاحبكم لان هذا اللفظ
لا بد فيه من إضمار فيحتمل أن يضمر دية صاحبكم احتمالا ظاهرا وأما بعد التصريح بالدية
فيحتاج إلى تأويل اللفظ بإضمار بدل دم صاحبكم والإضمار على خلاف الأصل ولو احتيج إلى
إضمار لكان حمله على ما يقتضي إراقة الدم أقرب وأما من قال يحتمل أن يكون قوله دم صاحبكم
هو القتيل لا القاتل فيرده قوله دم صاحبكم أو قاتلكم وتعقب بأن هذه القصة واحدة اختلفت
208

ألفاظ الرواة فيها على ما تقدم بيانه فلا يستقيم الاستدلال بلفظ منها لعدم تحقق أنه اللفظ الصادر
من النبي صلى الله عليه وسلم واستدل من قال بالقود أيضا بما أخرجه مسلم والنسائي من طريق
الزهري عن سليمان بن يسار وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن القسامة كانت في الجاهلية وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ما كانت عليه من
الجاهلية وقضى بها بين ناس من الأنصار في قتيل ادعوه على يهود خيبر وهذا يتوقف على ثبوت
أنهم كانوا في الجاهلية يقتلون في القسامة وعند أبي داود من طريق عبد الرحمن بن بجيد بموحدة
وجيم مصغر قال إن سهلا يعني بن أبي حثمة وهم في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كتب إلى يهود إنه قد وجد بين أظهركم قتيل فدوه فكتبوا يحلفون ما قتلناه ولا علمنا قاتلا قال
فوداه من عنده وهذا رده الشافعي بأنه مرسل ويعارض ذلك ما أخرجه ابن مندة في الصحابة
من طريق مكحول حدثني عمرو بن أبي خزاعة أنه قتل فيهم قتيل على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم فجعل القسامة على خزاعة بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا فحلف كل منهم عن نفسه وغرم الدية
وعمرو مختلف في صحبته وأخرج بن أبي شيبة بسند جيد إلى إبراهيم النخعي قال كانت القسامة في
الجاهلية إذا وجد القتيل بين ظهري قوم أقسم منهم خمسون خمسين يمينا ما قتلنا ولا علمنا فان
عجزت الايمان ردت عليهم ثم عقلوا وتمسك من قال لا يجب فيها إلا الدية بما أخرجه الثوري في
جامعه وابن أبي شيبة وسعيد بن منصور بسند صحيح إلى الشعبي قال وجد قتيل بين حيين من
العرب فقال عمر قيسوا ما بينهما فأيهما وجدتموه إليه أقرب فأحلفوهم خمسين يمينا وأغرموهم
الدية وأخرجه الشافعي عن سفيان بن عيينة عن منصور عن الشعبي أن عمر كتب في قتيل وجد
بين خيران ووادعة أن يقاس ما بين القريتين فإلى أيهما كان أقرب أخرج إليهم منهم خمسون
رجلا حتى يوافوه مكة فأدخلهم الحجر فأحلفهم ثم قضى عليهم الدية فقال حقنت أيمانكم
دماءكم ولا يطل دم رجل مسلم قال الشافعي إنما أخذه الشعبي عن الحرث الأعور والحرث غير
مقبول انتهى وله شاهد مرفوع من حديث أبي سعيد عند أحمد أن قتيلا وجد بين حيين فأمر
النبي صلى الله عليه وسلم أن يقاس إلى أيهما أقرب فألقى ديته على الأقرب ولكن سنده ضعيف
وقال عبد الرزاق في مصنفه قلت لعبيد الله بن عمر العمري أعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أقاد بالقسامة قال لا قلت فأبو بكر قال لا قلت فعمر قال لا قلت فلم تجترئون عليها فسكت وأخرج
البيهقي من طريق القاسم بن عبد الرحمن أن عمر قال القسامة توجب العقل ولا تسقط الدم
واستدل به الحنفية على جواز سماع الدعوى في القتل على غير معين لان الأنصار ادعوا على اليهود
أنهم قتلوا صاحبهم وسمع النبي صلى الله عليه وسلم دعواهم ورد بأن الذي ذكره الأنصار أولا ليس
على صورة الدعوى بين الخصمين لان من شرطها إذا لم يحضر المدعى عليه أن يتعذر حضوره سلمنا
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين لهم أن الدعوى إنما تكون على واحد لقوله تقسمون على
رجل منهم فيدفع إليكم برمته واستدل بقوله على رجل منهم على أن القسامة إنما تكون على
رجل واحد وهو قول أحمد ومشهور قول مالك وقال الجمهور ويشترط أن تكون على معين سواء
كان واحدا أو أكثر واختلفوا هل يختص القتل بواحد أو يقتل الكل وقد تقدم البحث
فيه وقال أشهب لهم أن يحلفوا على جماعة ويختاروا واحدا للقتل ويسجن الباقون عاما
209

ويضربون مائة مائة وهو قول لم يسبق إليه وفيه أن الحلف في القسامة لا يكون الا مع الجزم
بالقاتل والطريق إلى ذلك المشاهدة وأخبار من يوثق به مع القرينة الدالة على ذلك وفيه أن من
توجهت عليه اليمين فنكل عنها لا يقضى عليه حتى يرد اليمين على الآخر وهو المشهور عند
الجمهور وعند أحمد والحنفية يقضى عليه دون رد اليمين وفيه ان أيمان القسامة خمسون يمينا
واختلف في عدد الحالفين فقال الشافعي لا يجب الحق حتى يحلف الورثة خمسين يمينا سواء قلوا
أم كثروا فلو كان بعد الايمان حلف كل واحد منهم يمينا وإن كانوا أقل أو نكل بعضهم ردت
الايمان على الباقين فإن لم يكن إلا واحد حلف خمسين يمينا واستحق حتى لو كان من يرث
بالفرض والتعصيب أو بالنسب والولاء حلف واستحق وقال مالك إن كان ولي الدم واحدا ضم
إليه آخر من العصبة ولا يستعان بغيرهم وإن كان الأولياء أكثر حلف منهم خمسون قال
الليث لم أسمع أحدا يقول أنها تنزل عن ثلاثة أنفس وقال الزهري عن سعيد بن المسيب أول من
نقص القسامة عن خمسين معاوية قال الزهري وقضى به عبد الملك ثم رده عمر بن عبد العزيز إلى
الأمر الأول واستدل به على تقديم الاسن في الامر المهم إذا كانت فيه أهلية ذلك لا ما إذا كان
عريا عن ذلك وعلى ذلك يحمل الامر بتقديم الأكبر في حديث الباب إما لان ولي الدم لم يكن
متأهلا فأقام الحاكم قريبه مقامه في الدعوى وإما لغير ذلك وفيه التأنيس والتسلية لأولياء
المقتول لا أنه حكم على الغائبين لأنه لم يتقدم صورة دعوى على غائب وإنما وقع الاخبار بما وقع
فذكر لهم قصة الحكم على التقديرين ومن ثم كتب إلى اليهود بعد أن دار بينهم الكلام المذكور
ويؤخذ منه أن مجرد الدعوى لا توجب إحضار المدعى عليه لان في احضاره مشغلة عن إشغاله
وتضييعا لماله من غير موجب ثابت لذلك أما ما يقوي الدعوى من شبهة ظاهرة فهل يسوغ
استحضار الخصم أولا محل نظر والراجح أن ذلك يختلف بالقرب والبعد وشدة الضرر وخفته
وفيه الاكتفاء بالمكاتبة وبخبر الواحد مع إمكان المشافهة وفيه أن اليمين قبل توجيهها من
الحاكم لا أثر لها لقول اليهود في جوابهم والله ما قتلنا وفي قولهم لا نرضى بأيمان اليهود استبعاد
لصدقهم لما عرفوه من إقدامهم على الكذب وجراءتهم على الايمان الفاجرة واستدل به على أن
الدعوى في القسامة لا بد فيها من عداوة أو لوث واختلف في سماع هذه الدعوى ولو لم توجب
القسامة فعن أحمد روايتان وبسماعها قال الشافعي لعموم حديث اليمين على المدعى عليه بعد
قوله لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ولأنها دعوى في حق آدمي فتسمع
ويستحلف وقد يقر فيثبت الحق في قتله ولا يقبل رجوعه عنه فلو نكل ردت على المدعي واستحق
القود في العمد والدية في الخطأ وعن الحنفية لا ترد اليمين وهي رواية عن أحمد واستدل به على أن
المدعين والمدعى عليهم إذا نكلوا عن اليمين وجبت الدية في بيت المال وقد تقدم ما فيه قريبا
واستدل به على أن من يحلف في القسامة لا يشترط أن يكون رجلا ولا بالغا لاطلاق قوله خمسين
منكم وبه قال ربيعة والثوري والليث والأوزاعي وأحمد وقال مالك لا مدخل للنساء في القسامة
لان المطلوب في القسامة القتل ولا يسمع من النساء وقال الشافعي لا يحلف في القسامة إلا الوارث
البالغ لأنها يمين في دعوى حكمية فكانت كسائر الايمان ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة
واختلف في القسامة هل هي معقولة المعنى فيقاس عليها أو لا والتحقيق أنها معقولة المعنى لكنه
210

خفي ومع ذلك فلا يقاس عليها لأنها لا نظير لها في الاحكام وإذا قلنا أن المبدأ فيها يمين المدعي فقد
خرجت عن سنن القياس وشر القياس أن لا يكون معدولا به عن سنن القياس كشهادة خزيمة
تنبيه * نبه ابن المنير في الحاشية على النكتة في كون البخاري لم يورد في هذا الباب الطريق
الدالة على تحليف المدعي وهي مما خالفت فيه القسامة بقية الحقوق فقال مذهب البخاري
تضعيف القسامة فلهذا صدر الباب في الأحاديث الدالة على أن اليمين في جانب المدعى عليه وأورد
طريق سعيد بن عبيد وهو جار على القواعد وإلزام المدعي البينة ليس من خصوصية القسامة في
شئ ثم ذكر حديث القسامة الدال على خروجها عن القواعد بطريق العرض في كتاب الموادعة
والجزية فرارا من أن يذكرها هنا فيغلط المستدل بها على اعتقاد البخاري قال وهذا الاخفاء مع
صحة القصد ليس من قبيل كتمان العلم (قلت) الذي يظهر لي أن البخاري لا يضعف القسامة من
حيث هي بل يوافق الشافعي في أنه لا قود فيها ويخالفه في أن الذي يحلف فيها هو المدعي بل يرى
أن الروايات اختلفت في ذلك في قصة الأنصار ويهود خيبر فيرد المختلف إلى المتفق عليه من أن
اليمين على المدعى عليه فمن ثم أورد رواية سعيد بن عبيد في باب القسامة وطريق يحيى بن سعيد في
باب آخر وليس في شئ من ذلك تضعيف أصل القسامة والله أعلم وادعى بعضهم أو قوله تحلفون
وتستحقون استفهام إنكار واستعظام للجمع بين الامرين وتعقب بأنهم لم يبدأوا بطلب اليمين
حتى يصح الانكار عليهم وانما هو استفهام تقرير وتشريع (قوله أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم
الأسدي) بفتح السين المهملة المعروف بابن علية واسم جده مقسم وهو الثقة المشهور وهو
منسوب إلى بني أسد بن خزيمة لان أصله من مواليهم والحجاج بن أبي عثمان هو المعروف بالصواف
واسم أبي عثمان ميسرة وقيل سالم وكنيته الحجاج أبو الصلت ويقال غير ذلك وهو بصري أيضا
وهو مولى بني كندة وأبو رجاء اسمه سليمان مولى أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي وقع هنا
من آل أبي قلابة وفيه تجوز فإنه منهم باعتبار الولاء لا بالأصالة وقد أخرجه أحمد فقال حدثنا
إسماعيل بن إبراهيم حدثنا حجاج عن أبي رجاء مولى أبي قلابة وكذا عند مسلم عن أبي بكر بن أبي
شيبة ومحمد بن الصباح وكذا عند الإسماعيلي من رواية أبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة كلهم عن
إسماعيل (قوله أن عمر بن عبد العزيز) يعني الخليفة المشهور (أبرز سريره) أي أظهره وكان ذلك
في زمن خلافته وهو بالشام والمراد بالسرير ما جرت عادة الخلفاء الاختصاص بالجلوس عليه
والمراد أنه أخرجه إلى ظاهر الدار لا إلى الشارع ولذلك قال أذن للناس ووقع عند مسلم من
طريق عبد الله بن عون عن أبي رجاء عن أبي قلابة كنت خلف عمر بن عبد العزيز (قوله ما تقولون
في القسامة) زاد أحمد بن حرب عن إسماعيل بن علية عند أبي نعيم في المستخرج فأضب الناس أي
سكتوا مطرقين يقال أضبوا إذا سكتوا وأضبوا إذا تكلموا وأصل أضب أضمر ما في قلبه ويقال
أضب على الشئ لزمه والاسم الضب كالحيوان المشهور ويحتمل أن يكون المراد أنهم علموا رأي
عمر بن عبد العزيز في إنكار القسامة فلما سألهم سكتوا مضمرين مخالفته ثم تكلم بعضهم بما عنده
في ذلك كما وقع في هذه الرواية قالوا نقول القسامة القود بها حق وقد أقادت بها الخلفاء وأرادوا
بذلك ما تقدم نقله عن معاوية وعن عبد الله بن الزبير وكذا جاء عن عبد الملك بن مروان لكن
عبد الملك أقاد بها ثم ندم كما ذكره أبو قلابة بعد ذلك في رواية حماد بن زيد عن أيوب وحجاج الصواف
211

عن أبي رجاء أن عمر بن عبد العزيز استشار الناس في القسامة فقال قوم هي حق قضى بها رسول
الله صلى الله عليه وسلم وقضى بها الخلفاء أخرجه أبو عوانة في صحيحه وأصله عند الشيخين من
طريقه (قوله قال لي ما تقول) في رواية أحمد بن حرب فقال لي يا أبا قلابة ما تقول (قوله ونصبني
للناس) أي أبرزني لمناظرتهم أو لكونه كان خلف السرير فأمره أن يظهر وفي رواية أبي عوانة
وأبو قلابة خلف السرير قاعدا فالتفت إليه فقال ما تقول يا أبا قلابة (قوله عندك رؤوس الأجناد)
بفتح الهمزة وسكون الجيم بعدها نون جمع جند وهي في الأصل الأنصار والأعوان ثم اشتهر في
المقاتلة وكان عمر قسم الشام بعد موت أبي عبيدة ومعاذ على أربعة أمراء مع كل أمير جند فكان
كل من فلسطين ودمشق وحمص وقنسرين يسمى جندا باسم الجند الذين نزلوها وقيل كان
الرابع الأردن وانما أفردت قنسرين بعد ذلك وقد تقدم شئ من هذا في الطب في شرح حديث
الطاعون لما خرج عمر إلى الشام فلقيه أمراء الأجناد ولابن ماجة وصححه ابن خزيمة من طريق
أبي صالح الأشعري عن أبي عبد الله الأشعري في غسل الأعقاب قال أبو صالح فقلت لأبي عبد الله
من حدثك قال أمراء الأجناد خالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن
العاص (قوله وأشراف العرب) في رواية أحمد بن حرب وأشراف الناس (قوله أرأيت لو أن
خمسين الخ) وقع في رواية حماد شهد عندك أربعة من أهل حمص على رجل من أهل دمشق
وزاد بعد قوله أكنت تقطعه وقال لا قال يا أمير المؤمنين هذا أعظم من ذلك (قوله فوالله ما قتل
رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا قط) في رواية حماد لا والله لا أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم
قتل أحد من أهل الصلاة وهو موافق لحديث ابن مسعود الماضي مرفوعا في أول الديات لا يحل
دم امرئ مسلم (قوله إلا في إحدى) في رواية أحمد بن حرب إلا بإحدى (قوله بجريرة نفسه)
أي بجنايتها (قوله فقال القوم أوليس قد حدث أنس) عند مسلم من طريق ابن عون فقال
عنبسة قد حدثنا أنس بكذا وفي رواية حماد المذكورة فقال عنبسة بن سعيد فأين حديث أنس
ابن مالك في العكليين كذا في هذه الرواية وقد تقدم في الطهارة وغيرها بلفظ العرنيين وأوضحت أن
بعضهم كان من عكل وبعضهم كان من عرينة وثبت كذلك في كثير من الطرق وعنبسة المذكور بفتح
المهملة وسكون النون وفتح الموحدة بعدها سين مهملة هو الأموي أخو عمرو بن سعيد المعروف
بالأشدق واسم جده العاص بن سعيد بن العاص بن أمية وكان عنبسة من خيار أهل بيته وكان
عبد الملك بن مروان بعد أن قتل أخاه عمرو بن سعيد يكرمه وله رواية وأخبار مع الحجاج بن يوسف
ووثقه ابن معين وغيره (قوله أنا أحدثكم حديث أنس) حدثني أنس في رواية أحمد بن حرب
فإياي حديث أنس (قوله فبايعوا) في رواية أحمد بن حرب فبايعوه (قوله أجسامهم) في رواية
أحمد بن حرب أجسادهم (قوله من أبوالها وألبانها) في رواية أحمد بن حرب من رسلها وهو
بكسر الراء وسكون المهملة اللبن وبفتحتين المال من الإبل والغنم وقيل بل الإبل خاصة إذا
أرسلت إلى الماء تسمى رسلا (قوله ثم نبذهم) بنون وموحدة مفتوحتين ثم دال معجمة أي طرحهم
(قوله قلت وأي شئ أشد مما صنع هؤلاء ارتدوا عن الاسلام وقتلوا وسرقوا) في رواية حماد قال
212

أبو قلابة فهؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله (قوله فقال عنبسة) هو
المذكور قبل (قوله إن سمعت كاليوم قط) إن بالتخفيف وكسر الهمزة بمعنى ما النافية وحذف
مفعول سمعت والتقدير ما سمعت قبل اليوم مثل ما سمعت منك اليوم وفي رواية حماد فقال
عنبسة يا قوم ما رأيت كاليوم قط ووقع في رواية بن عون قال أبو قلابة فلما فرغت قال عنبسة
سبحان الله (قوله أترد على حديثي يا عنبسة) في رواية ابن عون فقلت أتتهمني يا عنبسة وكذا
في رواية حماد كأن أبا قلابة فهم من كلام عنبسة إنكار ما حدث به (قوله لا ولكن جئت
بالحديث على وجهه) في رواية ابن عون قال لا هكذا حدثنا أنس وهذا دال على أن عنبسة كان
سمع حديث العكليين من أنس وفيه إشعار بأنه كان غير ضابط له على ما حدث به أنس فكان يظن
أن فيه دلالة على جواز القتل في المعصية ولو لم يقع الكفر فلما ساق أبو قلابة الحديث تذكر أنه
هو الذي حدثهم به أنس فاعترف لأبي قلابة بضبطه ثم أثنى عليه (قوله والله لا يزال هذا الجند
بخير ما كان هذا الشيخ بين أظهرهم) المراد بالجند أهل الشام ووقع في رواية ابن عون
يا أهل الشام لا تزالون بخير ما دام فيكم هذا أو مثل هذا وفي رواية حماد والله لا يزال هذا الجند
بخير ما أبقاك الله بين أظهرهم (قوله وقد كان في هذا سنة إلى قوله دخل عليه نفر من الأنصار)
كذا أورد أبو قلابة هذه القصة مرسلة ويغلب على الظن أنها قصة عبد الله بن سهل ومحيصة
فإن كان كذلك فلعل عبد الله بن سهل ورفقته تحدثوا عند النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن
يتوجهوا إلى خيبر ثم توجهوا فقتل عبد الله بن سهل كما تقدم وهو المراد بقوله هنا فخرج رجل
منهم بين أيديهم فقتل (قوله فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) لعله صلى الله عليه وسلم لما
جاءوه كان داخل بيته أو المسجد فكلموه فخرج إليهم فأجابهم (قوله بما تظنون أو ترون)
بضم أوله وهما بمعنى (قوله قالوا نرى أن اليهود قتله) كذا للأكثر بلفظ الفعل الماضي بالافراد
وفي رواية المستملي قتلته بصيغة المسند إلى الجمع المستفاد من لفظ اليهود لان المراد قتلوه وقد
قدمت بيان ما اختلف فيه من ألفاظ هذه القصة في شرح الحديث الذي قبله (قوله قلت وقد
كانت هذيل) أي القبيلة المشهورة وهم ينتسبون إلى هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر
وهذا من قول أبي قلابة وهي قصة موصولة بالسند المذكور إلى أبي قلابة لكنها مرسلة لان
أبا قلابة لم يدرك عمر (قوله خلعوا خليعا) في رواية الكشميهني حليفا بحاء مهملة وفاء بدل العين
والخليع فعيل بمعنى مفعول يقال تخالع القوم إذا نقضوا الحلف فإذا فعلوا ذلك لم يطالبوا
بجنايته فكأنهم خلعوا اليمين التي كانوا لبسوها معه ومنه سمي الأمير إذا عزل خليعا ومخلوعا
وقال أبو موسى في المعين خلعه قومه أي حكموا بأنه مفسد فتبرأوا منه ولم يكن ذلك في الجاهلية
يختص بالحليف بل كانوا ربما خلعوا الواحد من القبيلة ولو كان من صميمها إذا صدرت منه
جناية تقتضي ذلك وهذا مما أبطله الاسلام من حكم الجاهلية ومن ثم قيده في الخبر بقوله في
الجاهلية ولم أقف على اسم الخليع المذكور ولا على اسم أحد ممن ذكر في القصة (قوله فطرق أهل
بيت) بضم الطاء المهملة أي هجم عليهم ليلا في خفية ليسرق منهم وحاصل القصة أن القاتل
ادعى أن المقتول لص وأن قومه خلعوه فأنكروا هم ذلك وحلفوا كاذبين فأهلكهم الله بحنث
213

القسامة وخلص المظلوم وحده (قوله ما خلعوا) في رواية أحمد بن حرب ما خلعوه (قوله حتى
إذا كانوا بنخلة) بلفظ واحدة النخيل وهو موضع على ليلة من مكة (قوله فانهجم عليهم
الغار) أي سقط عليهم بغتة (قوله وأفلت) بضم أوله وسكون الفاء أي تخلص والقرينان هما
أخو المقتول والذي أكمل الخمسين (قوله واتبعهما حجر) أي بتشديد التاء وقع عليهما بعد أن
خرجا من الغار (قوله وقد كان عبد الملك بن مروان) هو مقول أبي قلابة بالسند أيضا وهي
موصولة لان أبا قلابة أدركها (قوله أقاد رجلا) لم أقف على اسمه (قوله ثم ندم بعد) بضم
الدال (قوله ما صنع) كأنه ضمن ندم معنى كره ووقع في رواية أحمد بن حرب على الذي صنع (قوله
فأمر بالخمسين) أي الذين حلفوا ووقع في رواية أحمد بن حرب الذين أقسموا (قوله وسيرهم إلى
الشام) أي نفاهم وفي رواية أحمد بن حرب من الشام وهذه أولى لان إقامة عبد الملك كانت
بالشام ويحتمل أن يكون ذلك وقع لما كان عبد الملك بالعراق عند محاربته مصعب بن الزبير
ويكونوا من أهل العراق فنفاهم إلى الشام قال المهلب فيما حكاه ابن بطال الذي اعترض به
أبو قلابة من قصة العرنيين لا يفيد مراده من ترك القسامة لجواز قيام البينة والدلائل التي
لا تدفع على تحقيق الجناية في حق العرنيين فليس قصتهم من طريق القسامة في شئ لأنها إنما
تكون في الاختفاء بالقتل حيث لا بينة ولا دليل وأما العرنيون فإنهم كشفوا وجوههم لقطع
السبيل والخروج على المسلمين فكان أمرهم غير من ادعى القتل حيث لا بينة هناك قال
وما ذكره هنا من انهدام الغار عليهم يعارضه ما تقدم من السنة قال وليس رأي أبي قلابة حجة
ولا ترد به السنن وكذا محو عبد الملك أسماء الذين أقسموا من الديوان (قلت) والذي يظهر لي أن
مراد أبي قلابة بقصة العرنيين خلاف ما فهمه عنه المهلب أن قصتهم كان يمكن فيها القسامة فلم
يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم وانما أراد الاستدلال بها لما ادعاه من الحصر الذي ذكره في أن
النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل أحدا إلا في إحدى ثلاث فعرض بقصة العرنيين وحاول
المعترض اثبات قسم رابع فرد عليه أبو قلابة بما حاصله أنهم إنما استوجبوا القتل بقتلهم الراعي
وبارتدادهم عن الدين وهذا بين لا خفاء فيه وانما استدل على ترك القود بالقسامة بقصة القتيل
عند اليهود فليس فيها للقود بالقسامة ذكر بل ولا في أصل القصة التي هي عمدة الباب تصريح
بالقود كما سأبينه ثم رأيت في آخر الحاشية لابن المنير نحو ما أجيب به وحاصله توهم المهلب أن
أبا قلابة عارض حديث القسامة بحديث العرنيين فأنكر عليه فوهم وإنما اعترض أبو قلابة
على القسامة بالحديث الدال على حصر القتل في ثلاثة أشياء فان الذي عارضه ظن أن في قصة
العرنيين حجة في جواز قتل من لم يذكر في الحديث المذكور كأن يتمسك الحجاج في قتل من لم
يثبت عليه واحدة من الثلاثة وكأن عنبسة تلقف ذلك عنه فإنه كان صديقه فبين أبو قلابة أنه
ثبت عليهم قتل الراعي بغير حق والارتداد عن الاسلام وهو جواب ظاهر فلم يورد أبو قلابة قصة
العرنيين مستدلا بها على ترك القسامة بل رد على من تمسك بها للقود بالقسامة وأما قصة الغار
فأشار بها إلى أن العادة جرت بهلاك من حلف في القسامة عن غير علم كما وقع في حديث ابن
عباس في قصة القتيل الذي وقعت القسامة بسببه قبل البعثة وقد مضى في كتاب المبعث وفيه فما
حال الحول ومن الثمانية والأربعين الذين حلفوا عين تطرف وجاء عن ابن عباس حديث آخر
214

في ذلك أخرجه الطبراني من طريق أبي بكر بن أبي الجهم عن عبيد الله بن عبد الله عنه قال
كان القسامة في الجاهلية حجازا بين الناس فكان من حلف على إثم أرى عقوبة من الله ينكل
بها عن الجراءة على الحرام فكانوا يتورعون عن أيمان الصبر ويهابونها فلما بعث الله محمد صلى
الله عليه وسلم كان المسلمون لها أهيب ثم أنه ليس في سياق قصة الهذليين تصريح بما صنع عمر هل
أقاد بالقسامة أو حكم بالدية فقول المهلب ما تقدم من السنة إن كان أشار به إلى صنيع عمر
فليس بواضح وأما قوله إن رأى أبي قلابة ومحو عبد الملك من الديوان لا ترد به السنن فمقبول لكن
ما هي السنة التي وردت بذلك نعم لم يظهر لي وجه استدلال أبي قلابة بأن القتل لا يشرع إلا في
الثلاثة لرد القود بالقسامة مع أن القود قتل نفس وهو أحد الثلاثة وانما وقع النزاع في
الطريق إلى ثبوت ذلك (قوله باب من اطلع في بيت قوم ففقأوا عينه فلا دية له)
كذا جزم بنفي الدية وليس في الخبر الذي ساقه تصريح بذلك لكنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض
طرقه على عادته (قوله أن رجلا اطلع) أي نظر من علو وهذا الرجل لم أعرف اسمه صريحا
لكن نقل بن بشكوال عن أبي الحسن بن الغيث أنه الحكم بن أبي العاص بن أمية والد مروان
ولم يذكر مستندا لذلك ووجدت في كتاب مكة للفاكهي من طريق أبي سفيان عن الزهري
وعطاء الخراساني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلوا عليه وهو يلعن الحكم بن
أبي العاص وهو يقول اطلع علي وأنا مع زوجتي فلانة فكلح في وجهي وهذا ليس صريحا
في المقصود هنا ووقع في سنن أبي داود من طريق هذيل بن شرحبيل قال جاء سعد فوقف على
باب النبي صلى الله عليه وسلم فقام يستأذن على الباب فقال هكذا عنك فإنما الاستئذان
من أجل البصر وهذا أقرب إلى أن يفسر به المبهم الذي في ثاني أحاديث الباب ولم ينسب سعد
هذا في رواية أبي داود ووقع في رواية الطبراني أنه سعد بن عبادة والله أعلم (قوله من حجر
في بعض حجر) تقدم ضبط اللفظين في كتاب الاستئذان (قوله بمشقص أو مشاقص) هو شك
من الراوي وتقدم بيانه وأنه النصل العريض وقوله في الخبر الذي بعده مدرى قد يخالفه فيحمل
على تعدد القصة ويحتمل أن رأس المدرى كان محددا فأشبه النصل وتقدم ضبط المدرى
في باب الامتشاط من كتاب اللباس وأن مما قيل في تفسيره حديدة كالخلال لها رأس محدد وقيل
لها سنان من حديد (قوله وجعل يختله) بفتح أوله وسكون الخاء المعجمة بعدها مثناة مكسورة
ثم لام من الختل بفتح أوله وسكون ثانيه وهو الإصابة على غفلة (قوله ليطعنه) بضم العين
المهملة بناء على المشهور أن الطعن بالفعل بضم العين وبالقول بفتحها وقد قيل هما سواء زاد
أبو الربيع الزهراني عن حماد عند مسلم فذهب أو لحقه فأخطأ وفي رواية عاصم بن علي عن حماد
عند أبي نعيم فما أدري أذهب أو كيف صنع * الحديث الثاني (قوله حدثنا ليث) هو ابن سعد
(قوله أن رجلا اطلع في حجر في باب رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية الكشميهني من في
الموضعين (قوله أنك) رواية الكشميهني أن خفيفة (قوله في عينيك) كذا للمستملي
وللسرخسي للباقين في عينك بالافراد وهذا مما يقوي تعدد القصة لأنه في حديث أنس جزم
بأنه اطلع وأراد أن يطعنه وفي حديث سهل علق طعنه على نظره (قوله انما جعل الاذن
من قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهة (قوله البصر) في رواية الكشميهني النظر
215

وقد تقدم في الاستئذان من وجه آخر عن الزهري بلفظ آخر الحديث الثالث (قوله حدثنا
علي) هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة (قوله قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم) في رواية
مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أخرجه عن ابن أبي عمر عن سفيان (قوله لو أن امرأ)
تقدم ضبطه قبل ستة أبواب (قوله لم يكن عليك جناح) عند مسلم من هذا الوجه ما كان
عليك من جناح والمراد بالجناح هنا الحرج وقد أخرجه ابن أبي عاصم من وجه آخر عن
ابن عيينة بلفظ ما كان عليك من حرج ومن طريق ابن عجلان عن أبيه عن الزهري عن أبي
هريرة ما كان عليك من ذلك شئ ووقع عند مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ من اطلع في
بيت قوم بغير اذنهم فقد حل لهم أن يفقؤا عينه أخرجه من رواية أبي صالح عنه وفيه رد على من
حمل الجناح هنا على الاثم ورتب على ذلك وجوب الدية إذ لا يلزم من رفع الاثم رفعها لان وجوب
الدية من خطاب الوضع ووجه الدلالة أن اثبات الحل يمنع ثبوت القصاص والدية وورد من وجه
آخر عن أبي هريرة أصرح من هذا عند أحمد وابن أبي عاصم والنسائي وصححه ابن حبان والبيهقي
كلهم من رواية بشير بن نهيك عنه بلفظ من اطلع من بيت قوم بغير إذنهم ففقؤا عينه فلا دية ولا
قصاص وفي رواية من هذا الوجه فهو هدر وفي هذه الأحاديث من الفوائد إبقاء شعر الرأس
وتربيته واتخاذ آلة يزيل بها عنه الهوام ويحك بها لدفع الوسخ أو القمل وفيه مشروعية
الاستئذان على من يكون في بيت مغلق الباب ومنع التطلع عليه من خلل الباب وفيه مشروعية
الامتشاط وقد تقدم كثيرا من هذا كله في باب الاستئذان وان الاستئذان لا يختص بغير المحارم
بل يشرع على من كان منكشفا ولو كان أما أو أختا واستدل به على جواز رمي من يتجسس ولو
لم يندفع بالشئ الخفيف جاز بالثقيل وأنه إن أصيبت نفسه أو بعضه فهو هدر وذهب المالكية
إلى القصاص وأنه لا يجوز قصد العين ولا غيرها واعتلوا بأن المعصية لا تدفع بالمعصية وأجاب
الجمهور بأن المأذون فيه إذا ثبت الاذن لا يسمى معصية وإن كان الفعل لو تجرد عن هذا السبب يعد
معصية وقد اتفقوا على جواز دفع الصائل ولو أتى على نفس المدفوع وهو بغير السبب المذكور
معصية فهذا ملحق به مع ثبوت النص فيه وأجابوا عن الحديث بأنه ورد على سبيل التغليظ
والارهاب ووافق الجمهور منهم ابن نافع وقال يحيى بن عمر منهم لعل مالكا لم يبلغه الخبر وقال
القرطبي في المفهم ما كان عليه الصلاة والسلام بالذي يهم أن يفعل ما لا يجوز أو يؤدي إلى
ما لا يجوز والحمل على رفع الاثم لا يتم مع وجود النص برفع الحرج وليس مع النص قياس واعتل
بعض المالكية أيضا بالاجماع على أن من قصد النظر إلى عورة الآخر ظاهر أن ذلك لا يبيح فقء
عينه ولا سقوط ضمانها عمن فقأها فكذا إذا كان المنظور في بيته وتجسس الناظر إلى ذلك ونازع
القرطبي في ثبوت هذا الاجماع وقال إن الخبر يتناول كل مطلع قال وإذا تناول المطلع في البيت
مع المظنة فتناوله المحقق أولى (قلت) وفيه نظر لان التطلع إلى ما في داخل البيت لم ينحصر في
النظر إلى شئ معين كعورة الرجل مثلا بل يشمل استكشاف الحريم وما يقصد صاحب البيت
ستره من الأمور التي لا يجب اطلاع كل أحد عليها ومن ثم ثبت النهي على التجسيس والوعيد عليه
حسما لمواد ذلك فلو ثبت الاجماع المدعى لم يستلزم رد هذا الحكم الخاص ومن المعلوم أن العاقل
يشتد عليه أن الأجنبي يرى وجه زوجته وابنته ونحو ذلك وكذا في حالة ملاعبته أهله أشد مما
216

رأى الأجنبي ذكره منكشفا والذي ألزمه القرطبي صحيح في حق من يروم النظر فيدفعه المنظور
إليه وفى وجه للشافعية لا يشرع في هذه الصورة وهل يشترط الانذار قبل الرمي وجهان قيل
يشترط كدفع الصائل وأصحهما لا لقوله في الحديث يختله بذلك وفي حكم المتطلع من خلل الباب
الناظر من كوة من الدار وكذا من وقف في الشارع فنظر إلى حريم غيره أو إلى شئ في دار غيره وقيل
المنع مختص بمن كان في ملك المنظور إليه وهل يلحق الاستماع بالنظر وجهان الأصح لا لان النظر
إلى العورة أشد من استماع ذكرها وشرط القياس المساواة أو أولوية المقيس وهنا بالعكس
واستدل به على اعتبار قدر ما يرمى به بحصى الخذف المقدم بيانها في كتاب الحج لقوله في حديث
الباب فخذفته فلو رماه بحجر يقتل أو سهم تعلق به القصاص وفي وجه لا ضمان مطلقا ولو لم
يندفع إلا بذلك جاز ويستثنى من ذلك من له في تلك الدار زوج أو محرم أو متاع فأراد الاطلاع عليه
فيمتنع رميه للشبهة وقيل لا فرق وقيل يجوز إن لم يكن في الدار غير حريمه فإن كان فيها غيرهم أنذر
فان انتهى وإلا جاز ولو لم يكن في الدار إلا رجل واحد هو مالكها أو ساكنها لم يجز الرمي قبل
انذار إلا إن كان مكشوف العورة وقيل يجوز مطلقا لان من الأحوال ما يكره الاطلاع عليه كما
تقدم ولو قصر صاحب الدار بان ترك الباب مفتوحا وكان الناظر مجتازا فنظر غير قاصد لم يجز فان
تعمد النظر وجهان أصحهما لا ويلتحق بهذا من نظر من سطح بيته ففيه الخلاف وقد توسع
أصحاب الفروع في نظائر ذلك قال بن دقيق العيد وبعض تصرفاتهم مأخوذة من إطلاق الخبر
الوارد في ذلك وبعضها من مقتضى فهم المقصود وبعضها بالقياس على ذلك والله أعلم
(قوله باب العاقلة) بكسر القاف جمع عاقل وهو دافع الدية وسميت الدية
عقلا تسمية بالمصدر لان الإبل كانت تعقل بفناء ولي القتيل ثم كثر الاستعمال حتى أطلق العقل
على الدية ولو لم تكن إبلا وعاقلة الرجل قراباته من قبل الأب وهم عصبته وهم الذين كانوا يعقلون
الإبل على باب ولي المقتول وتحمل العاقلة الدية ثابت بالسنة وأجمع أهل العلم على ذلك وهو
مخالف لظاهر قوله ولا تزر وازرة وزر أخرى لكنه خص من عمومها ذلك لما فيه من
المصلحة لان القاتل لو أخذ بالدية لأوشك أن تأتي على جميع ماله لان تتابع الخطأ منه لا يؤمن
ولو ترك بغير تغريم لا هدر دم المقتول (قلت) ويحتمل أن يكون السر فيه أنه لو أفرد بالتغريم حتى
يفترق لآل الامر إلى الاهدار بعد الافتقار فجعل على عاقلته لان احتمال فقر الواحد أكثر
من احتمال فقر الجماعة ولأنه إذا تكرر ذلك منه كان تحذيره من العود إلى مثل ذلك من جماعة
أدعى إلى القبول من تحذيره نفسه والعلم عند الله تعالى وعاقلة الرجل عشيرته فيبدأ بفخذه
الأدنى فان عجزوا ضم إليهم الأقرب إليهم وهي على الرجال والأحرار البالغين أولي اليسار منهم
(قوله قال مطرف) كذا لأبي ذر وللباقين حدثنا مطرف ويؤيده أن سيأتي بعد ستة أبواب بهذا
السند بعينه ولفظه حدثنا مطرف وكذا هو في رواية الحميدي عن ابن عيينة ومطرف هو ابن
طريف بطاء مهملة ثم فاء في اسمه واسم أبيه وهو كوفي ثقة معروف ووقع مذكورا باسم أبيه في
رواية النسائي عن محمد بن منصور عن ابن عيينة (قوله هل عندكم شئ ما ليس في القرآن) أي مما
كتبتموه عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء حفظتموه أم لا وليس المراد تعميم كل مكتوب ومحفوظ
لكثرة الثابت عن علي من مرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم مما ليس في الصحيفة المذكورة
217

والمراد ما يفهم من فحوى لفظ القرآن ويستدل به من باطن معانيه ومراد علي أن الذي عنده
زائدا على القرآن مما كتب عنه الصحيفة المذكورة وما استنبط من القرآن كأنه كان يكتب ما يقع
له من ذلك لئلا ينساه بخلاف ما حفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم من الاحكام فإنه يتعاهدها
بالفعل والافتاء بها فلم يخش عليها من النسيان وقوله إلا فهما يعطى رجل في كتابه في رواية الحميدي
المذكورة إلا أن يعطي الله عبدا فهما في كتابه وكذا في رواية النسائي وقد تقدم في كتاب الجهاد
من وجه آخر عن مطرف بلفظ إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن (قوله باب جنين
المرأة) الجنين بجيم ونونين وزن عظيم حمل المرأة ما دام في بطنها سمي بذلك لاستتاره فان خرج
حيا فهو ولد أو ميتا فهو سقط وقد يطلق عليه جنين قال الباجي في شرح رجال الموطأ الجنين
ما ألقته المرأة مما يعرف أنه ولد سواء كان ذكرا أو أنثى ما لم يستهل صارخا كذا قال (قوله حدثنا
عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك وحدثنا إسماعيل) يعني ابن أبي أويس (حدثنا مالك) كذا
للأكثر وسقط رواية إسماعيل هنا لأبي ذر (قوله عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن)
كذا قال عبد الله بن يوسف عن مالك وقال كما في الباب الذي يليه عن الليث عن ابن شهاب عن
سعيد بن المسيب وكلا القولين صواب إلا أن مالكا كان يرويه عن ابن شهاب عن سعيد مرسلا
وعن أبي سلمة موصولا وقد مضى في الطب عن قتيبة عن مالك بالوجهين وهو عند الليث من
رواية أبي سلمة أيضا لكن بواسطة كما تقدم في الطب أيضا عن سعيد بن عفير عن الليث عن عبد
الرحمن بن خالد عن ابن شهاب ورواه يونس بن يزيد عن ابن شهاب عنهما جميعا كما في الباب الذي
يليه أيضا ورواه معمر عن الزهري عن أبي سلمة وحده أخرجه مسلم وأخرجه أبو داود والترمذي
من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة وذكر فيه حديثين * الحديث الأول (قوله أن امرأتين من
هذيل رمت إحداهما الأخرى) وفي رواية يونس اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت وفي رواية
حمل التي سأنبه عليها إحداهما لحيانية (قلت) ولحيان بطن من هذيل وهاتان المراتان كانتا
ضرتين وكانتا تحت حمل بن النابغة الهذلي فأخرج أبو داود من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار
عن طاوس عن ابن عباس عن عمر أنه سأل عن قضية النبي صلى الله عليه وسلم فقام حمل بن مالك بن
النابغة فقال كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى هكذا رواه موصولا وأخرجه
الشافعي عن سفيان بن عيينة عن عمر فلم يذكر بن عباس في السند ولفظه أن عمر قال أذكر الله
امرأ سمع من النبي صلى الله عليه وسلم في الجنين شيئا وكذا قال عبد الرزاق عن معمر عن ابن
طاوس عن أبيه أن عمر استشار وأخرج الطبراني من طريق أبي المليح بن أسامة بن عمير الهذلي
عن أبيه قال كان فينا رجل يقال له حمل بن مالك له امرأتان إحداهما هذلية والاخرى عامرية
فضربت الهذلية بطن العامرية وأخرجه الحارث من طريق أبي المليح فأرسله لم يقل عن أبيه
ولفظه ان حمل بن النابغة كانت له امرأتان مليكة وأم عفيف وأخرج الطبراني من طريق عون
ابن عويم قال كانت أختي مليكة وامرأة منا يقال لها أم عفيف بنت مسروح تحت حمل بن
النابغة فضربت أم عفيف مليكة ووقع في رواية عكرمة عن ابن عباس في آخر هذه القصة
قال ابن عباس إحداهما مليكة والاخرى أم عفيف أخرجه أبو داود وهذا الذي وقفت عليه
منقولا وبالآخر جزم الخطيب في المبهمات وزاد بعض شراح العمدة وقيل أم مكلف وقيل
218

أم مليكة وأما قوله رمت فوقع في رواية يونس وعبد الرحمن بن خالد فرمت إحداهما الأخرى
بحجر زاد عبد الرحمن فأصاب بطنها وهي حامل وكذا في رواية أبي المليح عند الحرث لكن قال
فخذفت وقال فأصاب قبلها ووقع في رواية أبي داود المذكورة من طريق حمل بن مالك فضربت
إحداهما الأخرى بمسطح وعند مسلم من طريق عبيد بن نضيلة بنون وضاد معجمة مصغر عن
المغيرة بن شعبة قال ضربت امرأة ضرتها بعمود فسطاط وهي حبلى فقتلتها وكذا في حديث
أبي المليح بن أسامة عن أبيه فضربت الهذلية بطن العامرية بعمود فسطاط أو خباء وفي حديث
عويم ضربتها بمسطح بيتها وهي حامل وكذا عند أبي داود من حديث حمل بن مالك بمسطح ومن
حديث بريدة أن امرأة خذفت امرأة أخرى (قوله فطرحت جنينها) في رواية عبد الرحمن
ابن خالد فقتلت ولدها في بطنها وفي رواية يونس فقتلتها وما في بطنها وفي حديث حمل بن مالك
مثله بلفظ فقتلتها وجنينها ونحوه في رواية عويم وكذا في رواية أبي المليح عن أبيه (قوله فقضى
فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة عبد أو أمة) في رواية عبد الرحمن بن خالد ويونس
فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية ما في بطنها غرة عبد أو أمة ونحوه
في رواية يونس لكن قال أو وليدة وفي رواية معمر من طريق أبي سلمة فقال قائل كيف يعقل
وفي رواية يونس عند مسلم وأبي داود وورثها ولدها ومن معهم فقال حمل بن النابغة وفي رواية
عبد الرحمن بن خالد الماضية في الطب فقال ولي المرأة التي غرمت ثم اتفقا كيف أغرم يا رسول الله
من لأشرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يطل فقال النبي صلى الله عليه وسلم انما
هذا من اخوان الكهان وفي مرسل سعيد بن المسيب عند مالك قضى في الجنين يقتل في بطن
أمه بغرة عبد أو وليدة وفي رواية الليث من طريق سعيد الموصولة نحوه عند الترمذي ولكن
قال إن هذا ليقول بقول شاعر بل فيه غرة وفيه ثم إن المرأة التي قضي عليها بالغرة توفيت فقضى
رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها وزوجها وأن العقل على عصبتها وفي رواية
عكرمة عن ابن عباس فقال عمها انها قد أسقطت غلاما قد نبت شعره فقال أبو القاتلة إنه كاذب
إنه والله ما استهل ولا شرب ولا أكل فمثله يطل فقال النبي صلى الله عليه وسلم أسجع كسجع
الجاهلية وكهانتها وفي رواية عبيد بن نضيلة عن المغيرة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية
المقتول على عصبة القاتلة وغرة لما فيه بطنها فقال رجل من عصبة القاتلة أنغرم من لا أكل وفي
آخره أسجع كسجع الاعراب وجعل عليهم الدية وفي حديث عويم عند الطبراني فقال أخوها
العلاء بن مسروح يا رسول الله أنغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل هذا يطل فقال
أسجع كسجع الجاهلية ونحوه عند أبي يعلى من حديث جابر لكن قال فقالت عاقلة القاتلة
وعند البيهقي من حديث أسامة بن عمير فقال أبوها إنما يعقلها بنوها فاختصموا إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال الدية على العصبة وفي الجنين غرة فقال ما وضع فحل ولا صاح فاستهل فأبطله
فمثله يطل وبهذا يجمع الاختلاف فيكون كل من أبيها وأخيها وزوجها قالوا ذلك لانهم كلهم من
عصبتها بخلاف المقتولة فان في حديث أسامة بن عمير أن المقتولة عامرية والقاتلة هذلية ووقع في
رواية أسامة فقال دعني من أراجيز الاعراب وفي لفظ أسجاعة بك وفي آخر أسجع كسجع
الجاهلية قيل يا رسول الله إنه شاعر وفي لفظ لسنا من أساجيع الجاهلية في شئ وفيه فقال إن لها
219

ولدا هم سادة الحي وهم أحق أن يعقلوا عن أمهم قال بل أنت أحق أن تعقل عن أختك من
ولدها فقال مالي شئ قال حمل وهو يومئذ على صدقات هذيل وهو زوج المرأة وأبو الجنين أقبض
من صدقات هذيل أخرجه البيهقي وفي رواية ابن أبي عاصم ما له عبد أو أمة قال عشر من الإبل
قالوا ما له من شئ إلا أن تعينه من صدقة بني لحيا فأعانه بها فسعى حمل عليها حتى استوفاها وفي
حديثه عند الحرث بن أبي أسامة فقضى أن الدية على عاقلة القاتلة وفي الجنين غرة عبد أو أمة أو
عشر من الإبل أو مائة شاة ووقع في حديث أبي هريرة من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه
قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل وكذا وقع عند عبد
الرزاق في رواية ابن طاوس عن أبيه عن عمر مرسلا فقال حمل بن النابغة قضى رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالدية في المرأة وفي الجنين غرة عبد أو أمة أو فرس وأشار البيهقي أن ذكر الفرس
في المرفوع وهم وأن ذلك أدرج من بعض رواته على سبيل التفسير للغرة وذكر أنه في رواية حماد بن
زيد عن عمرو بن دينار عن طاوس بلفظ فقضى أن في الجنين غرة قال طاوس الفرس غرة (قلت)
وكذا أخرج الإسماعيلي من طريق حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه قال الفرس غرة
وكأنهما رأيا أن الفرس أحق بإطلاق لفظ الغرة من الآدمي ونقل ابن المنذر والخطابي عن
طاوس ومجاهد وعروة بن الزبير الغرة عبد أو أمة أو فرس وتوسع داود ومن تبعه من أهل الظاهر
فقالوا يجزئ كل ما وقع عليه اسم غرة والغرة في الأصل البياض يكون في جبهة الفرس وقد
استعمل للآدمي في الحديث المتقدم في الوضوء إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا وتطلق الغرة على
الشئ النفيس آدميا كان أو غيره ذكرا كان أو أنثى وقيل أطلق على الآدمي غرة لأنه أشرف
الحيوان فان محل الغرة الوجه والوجه أشرف الأعضاء وقوله في الحديث غرة عبد أو أمة قال
الإسماعيلي قرأه العامة بالإضافة وغيرهم بالتنوين وحكى القاضي عياض الخلاف وقال
التنوين أوجه لأنه بيان للغرة ما هي وتوجيه الآخر أن الشئ قد يضاف إلى نفسه لكنه نادر
وقال الباجي يحتمل أن تكون أو شكا من الراوي في تلك الواقعة المخصوصة ويحتمل أن تكون
للتنويع وهو الاظهر وقيل المرفوع من الحديث قوله بغرة وأما قوله عبد أو أمة فشك من
الراوي في المراد بها قال وقال مالك الحمران أولى من السودان في هذا وعن أبي عمرو بن العلاء
قال الغرة عبد أبيض أو أمة بيضاء قال فلا يجزي في دية الجنين سوداء إذ لو لم يكن في الغرة معنى
زائد لما ذكرها ولقال عبد أو أمة ويقال إنه انفرد بذلك وسائر الفقهاء على الاجزاء فيما لو
أخرج سوداء وأجابوا بأن المعنى الزائد كونه نفيسا فلذلك فسره بعبد أو أمة لان الآدمي أشرف
الحيوان وعلى هذا فالذي وقع في رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة من زيادة ذكر
الفرس في هذا الحديث وهم ولفظه غرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل ويمكن إن كان محفوظا
أن الفرس هي الأصل في الغرة كما تقدم وعلى قول الجمهور فأقل ما يجزي من العبد أو الأمة ما سلم
من العيوب التي يثبت بها الرد في البيع لان المعيب ليس من الخيار واستنبط الشافعي من
ذلك أن يكون منتفعا به فشرط أن لا ينقص عن سبع سنين لان من لم يبلغها لا يستقل
غالبا بنفسه فيحتاج إلى التعهد بالتربية فلا يجبر المستحق على أخذه وأخذ بعضهم من لفظ
الغلام أن لا يزيد على خمس عشرة ولا تزيد الجارية على عشرين ومنهم من جعل الحد ما بين
220

السبع والعشرين والراجح كما قال ابن دقيق العيد أنه يجزئ ولو بلغ الستين وأكثر منها ما لم
يصل إلى عدم الاستقلال بالهرم والله أعلم واستدل به على عدم وجوب القصاص في القتل
بالمثقل لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر فيه بالقود وانما أمر بالدية وأجاب من قال به بأن عمود
الفسطاط يختلف بالكبر والصغر بحيث يقتل بعضه غالبا ولا يقتل بعضه غالبا وطرد المماثلة
في القصاص انما يشرع فيما إذا وقعت الجناية بما يقتل غالبا وفي هذا الجواب نظر فان الذي
يظهر أنه انما لم يوجب فيه القود لأنها لم يقصد مثلها وشرط القود العمد وهذا انما هو شبه
العمد فلا حجة فيه للقتل بالمثقل ولا عكسه * الحديث الثاني (قوله حدثنا وهيب) هو ابن
خالد وصرح أبو داود في روايته عن موسى بن إسماعيل شيخ البخاري به (قوله عن هشام) هو ابن
عروة وصرح الإسماعيلي من طريق عفان عن وهيب به (قوله عن أبيه عن المغيرة) في رواية
الإسماعيلي من طريق ابن جريج حدثني هشام بن عروة عن أبيه أنه حدثه عن المغيرة بن شعبة
أنه حدثه قال أبو داود عقب رواية وهيب رواه حماد بن زيد وحماد بن سلمة عن هشام عن أبيه أن
عمر يعني لم يذكر المغيرة في السند (قلت) وهي رواية عبيد الله بن موسى التي تلي حديث الباب
وساق الإسماعيلي من طريق حماد بن زيد وعبد الله بن المبارك وعبيدة كلهم عن هشام نحوه
وخالف الجميع وكيع فقال عن هشام عن أبيه عن المسور بن مخرمة أن عمر استشار الناس
في إملاص المرأة فقال المغيرة أخرجه مسلم (قوله عن عمر رضي الله عنه أنه استشارهم) في رواية الإسماعيلي
من طريق سفيان بن عيينة عن هشام عن أبيه عن المغيرة أن عمر (قوله في إملاص المرأة)
في رواية المصنف في الاعتصام من طريق أبي معاوية عن هشام عن أبيه عن المغيرة سأل عمر بن
الخطاب في إملاص المرأة وهي التي تضرب بطنها فتلقي جنينها فقال أيكم سمع من النبي صلى
الله عليه وسلم فيه شيئا وهذا التفسير أخص من قول أهل اللغة أن الاملاص أن تزلقه المرأة قبل
الولادة أي قبل حين الولادة هكذا نقله أبو داود في السنن عن أبي عبيد وهو كذلك في الغريب له
وقال الخليل أملصت المرأة والناقة إذا رمت ولدها وقال ابن قطاع أملصت الحامل ألقت
ولدها ووقع في بعض الروايات ملاص بغير ألف كأنه اسم فعل الولد فحذف المضاف وأقيم المضاف
إليه مقامه أو اسم لتلك الولادة كالخداج ووقع عند الإسماعيلي من رواية ابن جريج عن هشام
المشار إليها قال هشام الملاص للجنين وهذا يتخرج أيضا على الحذف وقال صاحب البارع
الاملاص الاسقاط وإذا قبضت على شئ فسقط من يدك تقول أملص من يدي إملاصا وملص
ملصا ووقع في رواية عبيد الله بن موسى التي تلي حديث الباب أن عمر تشد الناس من سمع النبي
صلى الله عليه وسلم قضى في السقط (قوله فقال المغيرة) كذا في رواية عبيد الله بن موسى وفي
رواية ابن عيينة فقام المغيرة بن شعبة فقال بلى أنا يا أمير المؤمنين وفيه تجريد وكان السياق يقتضي
أن يقول فقلت وقد وقع في رواية أبي معاوية المذكورة فقلت أنا (قوله قضى النبي صلى الله
عليه وسلم بالغرة عبد أو أمة) كذا في رواية عفان عن وهيب بالام وهو يؤيد رواية التنوين
وسائر الروايات بغرة ومنها رواية أبي معاوية بلفظ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيها غرة
عبد أو أمة (قوله فشهد محمد بن مسلمة أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم قضى به) كذا في رواية
وهيب مختصرا وفي رواية ابن عيينة فقال عمر من يشهد معك فقام محمد فشهد بذلك وفي رواية
221

وكيع فقال ائتني بمن يشهد معك فجاء محمد بن مسلمة فشهد له وفي رواية أبي معاوية فقال لا تبرح
حتى تجئ بالمخرج مما قلت قال فخرجت فوجدت محمد بن مسلمة فجئت به فشهد معي أنه سمع النبي
صلى الله عليه وسلم قضى به (قوله حدثنا عبيد الله بن موسى عن هشام) هو ابن عروة وهذا في
حكم الثلاثيات لان هشاما تابعي كما سبق تقريره في رواية عبيد الله بن موسى أيضا عن الأعمش
في أول الديات (قوله عن أبيه أن عمر) هذا صورته الارسال لكن تبين من الرواية السابقة
واللاحقة ان عروة حمله عن المغير ة وان لم يصرح به في هذه الرواية وفي عدول البخاري عن رواية
وكيع إشارة إلى ترجيح رواية من قال فيه عن عروة عن المغيرة وهم الأكثر (قوله فقال المغيرة)
كذا لأبي ذر وهو الأوجه ولغيره وقال المغيرة بالواو (قوله ائت بمن يشهد) كذا للأكثر بصيغة
فعل الامر من الاتيان وحذفت عند بعضهم الباء من قوله بمن ووقع في رواية أبي ذر عن غير
الكشميهني بألف ممدودة ثم نون ثم مثناة بصيغة استفهام المخاطب على إرادة الاستثبات أي
أنت تشهد ثم استفهمه ثانيا من يشهد معك (قوله في طريق الثالث حدثنا محمد بن عبد الله) هو
محمد بن يحيى بن عبد الله الذهلي نسبه إلى جده وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق ابن
خزيمة عن محمد بن يحيى عن محمد بن سابق وكلام الإسماعيلي يشعر بأن البخاري أخرجه عن محمد بن
سابق نفسه بلا واسطة (قوله إنه استشارهم في إملاص المرأة مثله) يعني مثل رواية وهيب قال
ابن دقيق العيد الحديث أصل في اثبات دية الجنين وأن الواجب فيه غرة إما عبد وإما أمة وذلك
إذا ألقته ميتا بسبب الجناية وتصرف الفقهاء بالتقييد في سن الغرة وليس ذلك من مقتضى
الحديث كما تقدم واستشارة عمر في ذلك أصل في سؤال الامام عن الحكم إذا كان لا يعلمه أو كان
عنده شك أو أراد الاستثبات وفيه أن الوقائع الخاصة قد تخفى على الأكابر ويعلمها من دونهم
وفي ذلك رد على المقلد إذا استدل عليه بخبر يخالفه فيجيب لو كان صحيحا لعلمه فلان مثلا فان ذلك
إذا جاز خفاؤه عن مثل عمر فخفاؤه عن من بعده أجوز وقد تعلق بقول عمر لتأتين بمن يشهد معك
من يرى اعتبار العدد في الرواية ويشترط أنه لا يقبل أقل من اثنين كما في غالب الشهادات
وهو ضعيف كما قال ابن دقيق العيد فإنه قد ثبت قبول الفرد في عدة مواطن وطلب العدد في
صورة جزئية لا يدل على اعتباره في كل واقعة لجواز المانع الخاص بتلك الصورة أو وجود سبب
يقتضي التثبت وزيادة الاستظهار ولا سيما إذا قامت قرينة وقريب من هذا قصة عمر مع أبي
موسى في الاستئذان (قلت) وقد تقدم شرحها مستوفى في كتاب الاستئذان وبسط هذه
المسألة أيضا هناك ويأتي أيضا في باب إجازة خبر الواحد من كتاب الأحكام وقد صرح عمر في
قصة أبي موسى بأنه أراد الاستثبات وقوله في إملاص المرأة أصرح في وجوب الانفصال ميتا من
قوله في حديث أبي هريرة قضى في الجنين وقد شرط الفقهاء في وجوب الغرة انفصال الحنين ميتا
بسبب الجناية فلو انفصل حيا ثم مات وجب فيه القود أو الدية كاملة ولو ماتت الام ولم ينفصل
الجنين لم يجب شئ عند الشافعية لعدم تيقن وجود الجنين وعلى هذا هل المعتبر نفس الانفصال
أو تحقق حصول الجنين فيه وجهان أصحهما الثاني ويظهر أثره فيما لو قدت نصفين أو شق بطنها
فشوهد الجنين وأما إذا خرج رأس الجنين مثلا بعد ما ضرب وماتت الام ولم ينفصل قال ابن
دقيق العيد ويحتاج من قال ذلك إلى تأويل الرواية وحملها على أنه انفصل وان لم يكن في اللفظ
222

ما يدل عليه (قلت) وقع في حديث ابن عباس عند أبي داود فأسقطت غلاما قد نبت شعره ميتا
فهذا صريح في الانفصال ووقع مجموع ذلك في حديث الزهري ففي رواية عبد الرحمن بن خالد بن
مسافر الماضية في الطب فأصاب بطنها وهي حامل فقتل ولدها في بطنها وفي رواية مالك في هذا
الباب فطرحت جنينها واستدل به على أن الحكم المذكور خاص بولد الحرة لان القصة وردت
في ذلك وقوله في إملاص المرأة وإن كان فيه عموم لكن الراوي ذكر أنه شهد واقعة مخصوصة
وقد تصرف الفقهاء في ذلك فقال الشافعية الواجب في جنين الأمة عشر قيمة أمه كما أن الواجب
في جنين الحرة عشر ديتها وعلى أن الحكم المذكور خاص بمن يحكم بإسلامه ولمن يتعرض لجنين
محكوم بتهوده أو تنصره ومن الفقهاء ما قاسه على الجنين المحكوم بإسلامه تبعا وليس هذا من
الحديث وفيه أن القتل المذكور لا يجري مجرى العمد والله أعلم واستدل به على ذم السجع
في الكلام ومحل الكراهة إذا كان ظاهر التكلف وكذا لو كان منسجما لكنه في ابطال حق أو
تحقيق باطل فأما لو كان منسجما وهو في حق أو مباح فلا كراهة بل ربما كان في بعضه ما يستحب
مثل أن يكون فيه إذعان مخالف للطاعة كما وقع لمثل القاضي الفاضل في بعض رسائله أو إقلاع
عن معصية كما وقع لمثل أبي الفرج بن الجوزي في بعض مواعضه وعلى هذا يحمل ما جاء عن
النبي صلى الله عليه وسلم وكذا من غيره من السلف الصالح والذي يظهر لي أن الذي جاء من ذلك
عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عن قصد إلى التسجيع وانما جاء اتفاقا لعضم بلاغته وأما من
بعده فقد يكون كذلك وقد يكون عن قصد وهو الغالب ومراتبهم في ذلك متفاوتة جدا والله أعلم
(قوله باب جنين المرأة وأن العقل على الوالد وعصبة الوالد لا على الولد) ذكر فيه
حديث أبي هريرة المذكور في الباب الذي قبله من وجهين قال الإسماعيلي هكذا ترجم على أن
العقل على الوالد وعصبة الوالد وليس في الخبر إيجاب العقل على الوالد فان أراد الوالدة التي كانت
هي الجانية فقد يكون الحكم عليها فإذا ماتت أو عاشت فالعقل على عصبتها انتهى والمعتمد
ما قال ابن بطال مراده أن عقل المرأة المقتولة على والد القاتلة وعصبته (قلت) وأبوها وعصبة
أبيها عصبتها فطابق لفظ الخبر الأول في الباب وأن العقل على عصبتها وبينه لفظ الخبر الثاني
في الباب أيضا وقضى أن دية المرأة على عاقلتها وانما ذكره بلفظ الولد للإشارة على ما ورد في بعض
طرق القصة وقوله لا على الولد قال ابن بطال يريد أن ولد المرأة إذا لم يكن من عصبتها لا يعقل عنها
لان العقل على العصبة دون ذوي الأرحام ولذلك لا يعقل الاخوة من الام قال ومقتضى الخبر
أن من يرثها لا يعقل عنها إذا لم يكن من عصبتها وهو متفق عليه بين العلماء كما قاله ابن المنذر
(قلت) وقد ذكرت قبل هذا أن في رواية أسامة بن عمير فقال أبوها إنما يعقلها بنوها فقال النبي
صلى الله عليه وسلم الدية على العصبة (قوله باب من استعان عبدا أو صبيا)
كذا للأكثر بالنون وللنسفي استعار بالراء قال الكرماني ومناسبة الباب للكتاب أنه
لو هلك وجبت قيمة العبد أو دية الحر (قوله ويذكر أن أم سلمة بعثت إلى معلم الكتاب) في رواية
النسفي معلم كتاب بالتنكير (قوله ابعث إلي غلمانا ينفشون) هو بضم الفاء وبالشين المعجمة
(قوله صوفا ولا تبعث إلي حرا) كذا للجمهور بكسر الهمزة وفتح اللام الخفيفة بعدها ياء ثقيلة
وذكره ابن بطال بلفظ إلا بحرف الاستثناء وشرحه على ذلك وهو عكس معنى رواية الجماعة وهذا
223

الأثر وصله الثوري في جامعه وعبد الرزاق في مصنفه عنه عن محمد بن المنكدر عن أم سلمة وكأنه
منقطع بين ابن المنكدر وأم سلمة لذلك ولم يجزم به ثم ذكر حديث أنس في خدمته النبي صلى الله
عليه وسلم في الحضر والسفر بالتماس أبي طلحة من النبي صلى الله عليه وسلم واجابته له وأبو طلحة
كان زوج أم أنس وعن رأيها فعل ذلك وقد بينت ذلك في أول كتاب الوصايا قال ابن بطال انما
اشترطت أم سلمة الحر لان جمهور العلماء يقولون من استعان حرا لم يبلغ أو عبدا بغير اذن مولاه
فهلكا من ذلك العمل فهو ضامن لقيمة العبد وأما دية الحر فهي على عاقلته (قلت) وفي الفرق من
هذا التعليل نظر ونقل بن التين ما قال ابن بطال ثم نقل عن الداودي أنه قال يحمل فعل أم سلمة
على أنها أمهم قال فعلى هذا لا فرق بين حر وعبد ونقل عن غيره أنها انما اشترطت أن لا يكون حرا
لأنها أم لنا فما لنا كما لها وعبيدنا كعبيدها وأما أولادنا فأجتبتهم وقال الكرماني لعل غرضها من
منع بعث الحر إكرام الحر وايصال العوض لأنه على تقدير هلاكه في ذلك لا تضمنه بخلاف
العبد فان الضمان عليها لو هلك به وفيه دليل على جواز استخدام الأحرار وأولاد الجيران فيما لا
كبير مشقة فيه ولا يخاف منه التلف كما في حديث الباب وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في أواخر
الوصايا (قوله عن عبد العزيز) هو ابن صهيب وقد تقدم منسوبا في هذا الحديث بعينه في كتاب
الوصايا ومناسبة أثر أم سلمة لقصة أنس أن في كل منهما استخدام الصغير بإذن وليه وهو جاز على
العرف السائغ في ذلك وإنما خصت أم سلمة العبيد بذلك لان العرف جرى برضا السادة
باستخدام عبيدهم في الامر اليسير الذي لا مشقة فيه بخلاف الأحرار فلم تجر العادة بالتصرف
فيهم بالخدمة كما يتصرف في العبيد وأما قصة أنس فإنه كان في كفالة أمه فرأت له من المصلحة أن
يخدم النبي صلى الله عليه وسلم لما في ذلك من تحصيل النفع العاجل والآجل فأحضرته وكان
زوجها معها فنسبت الاحضار إليها تارة واليه أخرى وهذا صدر من أم سليم أول ما قدم النبي صلى
الله عليه وسلم المدينة كما سبق في باب حسن الخلق من كتاب الأدب واضحا وكانت لأبي طلحة في
إحضار أنس قصة أخرى وذلك عند إرادة النبي صلى الله عليه وسلم الخروج إلى خيبر كما أوضحت
ذلك هناك أيضا وتقدم في كتاب المغازي قوله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة لما أراد الخروج إلى خيبر
التمس لي غلاما يخرج معي فأحضر له أنسا وقد بينت وجه الجمع المذكور في كتاب الأدب أيضا قال
الكرماني مناسبة الحديث للترجمة أن الخدمة مستلزمة للإعانة وقوله في آخر الحديث فما قال لي
لشئ صنعته لم أصنع هذا هكذا ولا لشئ لم أصنعه لم لم تصنع هذا هكذا كذا وقع بصيغة واحدة
في الاثبات والنفي وهو في الاثبات واضح واما النفي فقال ابن التين مراده أنه لم يلمه في الشق الأول
على شئ فعله ناقصا عن ارادته تجوزا عنه وحلما ولا لامه في الشق الثاني على ترك شئ لم يفعله خشية
أنس أن يخطئ فيه لو فعله وإلى ذلك أشار بقوله هذا هكذا لأنه كما صفح عنه فيما فعله ناقصا
عن إرادته صفح عنه فيما لم يفعله خشية وقوع الخطأ منه ولو فعله ناقصا عن ارادته لصفح عنه
انتهى ملخصا ولا يخفى تكلفه وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق ابن جريج قال أخبرني إسماعيل
وهو ابن إبراهيم المعروف بابن علية راوية هذا الباب بلفظ ولا لشئ لم أفعله لم لم تفعله وهذا من
رواية الأكابر عن الأصاغر فان ابن علية مشهور بالرواية عن ابن جريج فروى ابن جريج هنا
عن تلميذه (قوله باب المعدن جبار والبئر جبار) كذا ترجم ببعض الخبر وأفرد بعضه
224

بعده وترجم في الزكاة لبقيته وقد تقدم في كتاب الشرب من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بتمامه
وبدأ فيه بالمعدن وثنى بالبئر وأورده هنا من طريق الليث قال حدثني ابن شهاب وهذا مما سمعه
الليث عن الزهري وهو كثير الرواية عنه بواسطة وبغير واسطة (قوله عن سعيد بن المسيب وأبي
سلمة) كذا جمعهما الليث ووافقه الأكثر واقتصر بعضهم على أبي سلمة وتقدم في الزكاة من رواية
مالك عن ابن شهاب فقال عن سعيد بن المسيب وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن وهذا قد يظن أنه عن
سعيد مرسل وعن أبي سلمة موصول وقد أخرجه مسلم والنسائي من رواية يونس بن يزيد عن ابن
شهاب عن سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة قال الدارقطني المحفوظ عن ابن
شهاب عن سعيد وأبي سلمة وليس قول يونس بمدفوع (قلت) قد تابعه الأوزاعي عن الزهري في
قوله عن عبيد الله لكن قال عن ابن عباس بدل أبي هريرة وهو وهم من الراوي عنه يوسف بن خالد
كما نبه عليه بن عدي وقد روى سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد وحده عن أبي هريرة شيئا
منه وروى بعض الضعفاء عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس بعضه ذكره ابن عدي
وهو غلط وأخرج مسلم الحديث بتمامه من رواية الأسود بن العلاء عن أبي سلمة وقد رواه عن
أبي هريرة جماعة غير من ذكر منهم محمد بن زياد كما في الباب الذي بعد وهمام بن منبه أخرجه أحمد
وأبو داود والنسائي (قوله العجماء) بفتح المهملة وسكون الجيم وبالمد تأنيث أعجم وهي البهيمة
ويقال أيضا لكل حيوان غير الانسان ويقال لمن لا يفصح والمراد هنا الأول (قوله جبار) بضم
الجيم وتخفيف الموحدة هو الهدر الذي لا شئ فيه كذا أسنده ابن وهب عن ابن شهاب وعن مالك
ما لا دية فيه أخرجه الترمذي وأصله أن العرب تسمي السيل جبارا أي لا شئ فيه وقال الترمذي
فسر بعض أهل العلم قالوا العجماء الدابة المنفلتة من صاحبها فما أصابت من انفلاتها فلا غرم على
صاحبها وقال أبو داود بعد تخريجه العجماء التي تكون منفلتة لا يكون معها أحد وقد تكون
بالنهار ولا تكون بالليل ووقع عند بن ماجة في آخر حديث عبادة بن الصامت والعجماء البهيمة من
الانعام وغيرهم والجبار هو الهدر الذي لا يغرم كذا وقع التفسير مدرجا وكأنه من رواية موسى
ابن عقبة وذكر ابن العربي أن بناء ج ب ر للرفع والاهدار من باب السلب وهو كثير يأتي اسم الفعل
والفاعل لسلب معناه كما يأتي لاثبات معناه وتعقبه شيخنا في شرح الترمذي بأنه للرفع على بابه
لان اتلافات الآدمي مضمونة مقهور متلفها على ضمانها وهذا اتلاف قد ارتفع عن أن يؤخذ به
أحد وسيأتي بقية ما يتعلق بالعجماء في الباب الذي يليه (قوله والبئر جبار) في رواية الأسود بن
العلاء عند مسلم والبئر جرحها جبار أما البئر فهي بكسر الموحدة ثم ياء ساكنة مهموزة ويجوز
تسهيلها وهي مؤنثة وقد تذكر على معنى القليب والطوى والجمع أبؤر وآبار بالمد والتخفيف
وبهمزتين بينهما موحدة ساكنة قال أبو عبيد المراد بالبئر هنا العادية القديمة التي لا يعلم لها
مالك تكون في البادية فيقع فيها انسان أو دابة فلا شئ في ذلك على أحد وكذلك لو حفر بئرا في
ملكه أو في موات فوقع فيها انسان أو غيره فتلف فلا ضمان إذا لم يكن منه تسبب إلى ذلك ولا تغرير
وكذا لو استأجر انسانا ليحفر له البئر فانهارت عليه فلا ضمان وأما من حفر بئرا في طريق المسلمين
وكذا في ملك غيره بغير إذن فتلف بها انسان فإنه يجب ضمانه على عاقلة الحافر والكفارة في ماله
وان تلف بها غير آدمي وجب ضمانه في مال الحافر ويلتحق بالبئر كل حفرة على التفصيل المذكور
225

والمراد بجرحها وهي بفتح الجيم لا غير كما نقله في عن الأزهري ما يحصل بالواقع فيها من
الجراحة وليست الجراحة مخصوصة بذلك بل كل الاتلافات ملحقة بها قال عياض وجماعة
انما عبر بالجرح لأنه الأغلب أو هو مثال نبه به على ما عداه والحكم في جميع الاتلاف بها سواء
كان على نفس أو مال وراية الأكثر تتناول ذلك على بعض الآراء ولكن الراجح الذي
يحتاج لتقدير لا عموم فيه قال بن بطال وخالف الحنفية في ذلك فضمنوا حافر البئر مطلقا قياسا على
راكب الدابة ولا قياس مع النص قال ابن العربي اتفقت الروايات المشهورة على التلفظ بالبئر
وجاءت رواية شاذة بلفظ النار جبار بنون وألف ساكنة قبل الراء ومعناه عندهم أن من استوقد
نارا مما يجوز له فتعدت حتى أتلفت شيئا فلا ضمان عليه قال وقال بعضهم صحفها بعضهم لان أهل
اليمن يكتبون النار بالياء لا بالألف وظن بعضهم البئر الموحدة النار بالنون فرواها كذلك (قلت)
هذا التأويل نقله ابن عبد البر وغيره عن يحيى بن معين وجزم بأن معمرا صحفه حيث رواه عن
همام عن أبي هريرة قال ابن عبد البر ولم يأت ابن معين على قوله بدليل وليس بهذا ترد أحاديث
الثقات (قلت) ولا يعترض على الحفاظ الثقات بالاحتمالات ويؤيده ما قال ابن معين اتفاق
الحفاظ من أصحاب أبي هريرة على ذكر البئر دون النار وقد ذكر مسلم أن علامة المنكر في حديث
المحدث أن يعمد إلى مشهور لكثرة الحديث والأصحاب فيأتي عنه بما ليس عنده وهذا من ذاك
ويؤيده أيضا أنه وقع عند أحمد من حديث جابر بلفظ والجب جبار بجيم مضمومة وموحدة ثقيلة
وهي البئر وقد اتفق الحفاظ على تغليظ سفيان بن حسين حيث روى عن الزهري في حديث الباب
الرجل جبار بكسر الراء وسكون الجيم وما ذاك إلا أن الزهري مكثر من الحديث والأصحاب
فتفرد سفيان عنه بهذا اللفظ فعد منكرا وقال الشافعي لا يصح هذا وقال الدارقطني رواه عن
أبي هريرة سعيد بن المسيب وأبو سلمة وعبيد الله بن عبد الله والأعرج وأبو صالح ومحمد بن زياد
ومحمد بن سيرين فلم يذكروها وكذلك رواه أصحاب الزهري وهو المعروف نعم الحكم الذي نقله ابن
العربي صحيح ويمكن أن يتلقى من حيث المعنى من الالحاق بالعجماء ويلتحق به كل جماد فلو أن
شخصا عثر فوق رأسه في جدار فمات أو انكسر لم يجب على صاحب الجدار شئ (قوله والمعدن
جبار) وقع في رواية الأسود بن العلاء عند مسلم والمعدن جرحها جبار والحكم فيه ما تقدم
في البئر لكن البئر مؤنثة والمعدن مذكر فكأنه ذكره بالتأنيث للمؤاخاة أو لملاحظة أرض المعدن
فلو حفر معدنا في ملكه أو في موات فوقع فيه شخص فمات فدمه هدر وكذا لو استأجر أجيرا يعمل
له فانهارت عليه فمات ويلتحق بالبئر والمعدن في ذلك كل أجير على عمل كمن أستأجر على صعود نخلة
فسقط منها فمات (قوله وفي الركاز الخمس) تقدم شرحه مستوفى في كتاب الزكاة (قوله
باب العجماء جبار) أفردها بترجمة لما فيها من التفاريع الزائدة عن البئر والمعدن وتقدمت
الإشارة إلى ذلك (قوله وقال ابن سيرين كانوا لا يضمنون) بالتشديد (من النفحة) بفتح النون
وسكون الفاء ثم حاء مهملة أي الضرب بالرجل يقال نفحت الدابة إذا ضربت برجلها ونفح
بالمال رمى به ونفح عن فلان ونافح دفع ودافع (قوله ويضمنون من رد العنان) بكسر المهملة
ثم نون خفيفة هو ما يوضع في فم الدابة ليصرفها الراكب كما يختار والمعنى أن الدابة إذا كانت
مركوبة فلفت الراكب عنانها فأصابت برجلها شيئا ضمنه الراكب وإذا ضربت برجلها من
226

غير أن يكون له في ذلك تسبب لم يضمن وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور عن هشيم حدثنا ابن
عون عن محمد بن سيرين وهذا سند صحيح وأسنده ابن أبي شيبة من وجه آخر عن ابن سيرين نحوه
(قوله وقال لا تضمن النفحة إلا أن ينحس) بنون ومعجمة ثم مهملة أي يطعن (انسان الدابة)
هو أعم من أن يكون صاحبها أو أجنبيا وهذا الأثر وصل بعضه ابن أبي شيبة من طريق شعبة
سألت الحكم عن رجل واقف على دابته فضربت برجلها فقال يضمن وقال حماد لا يضمن (قوله
وقال شريح) هو ابن الحرث القاضي المشهور (قوله لا يضمن ما عاقبت) أي الدابة (أن يضربها)
فتضرب برجلها) وصله ابن أبي شيبة من طريق محمد بن سيرين عن شريح قال يضمن السائق
والراكب ولا يضمن الدابة إذا عاقبت قلت وما عاقبت قال إذا ضربها رجل فاصابته وأخرجه
سعيد بن منصور من هذا الوجه وزاد أو رأسها إلا أن يضربها رجل فتعاقبه فلا ضمان (قوله
وقال الحكم) أي ابن عتيبة بمثناة وموحدة مصغر هو الكوفي أحد فقهائهم (وحماد) هو ابن
أبي سليمان أحد فقهاء الكوفة أيضا (قوله إذا ساق المكاري) بكسر الراء وفتحها أيضا (قوله
حمارا عليه امرأة فتخر) بالخاء المعجمة أي تسقط قوله (لا شئ عليه) أي لا ضمان (قوله وقال الشعبي
إذا ساق دابة فاتعبها فهو ضامن لما أصابت وإن كان خلفها مترسلا لم يضمن) وصلها سعيد بن
منصور وابن أبي شيبة من طريق إسماعيل بن سالم عن عامر وهو الشعبي قال إذا ساق الرجل الدابة
وأتعبها فأصابت انسانا فهو ضامن فإن كان خلفها مترسلا أي يمشي على هيئته فليس عليه ضمان
فيما أصابت قال ابن بطال فرق الحنفية فيما أصابت الدابة بيدها أو رجلها فقالوا لا يضمن
ما أصابت برجلها وذنبها ولو كانت بسبب ويضمن ما أصابت بيدها وفمها فأشار البخاري إلى الرد
بما نقله عن أئمة أهل الكوفة مما يخالف ذلك وقد احتج لهم الطحاوي بأنه لا يمكن التحفظ من
الرجل والذنب بخلاف اليد والفم واحتج برواية سفيان بن حسين الرجل جبار وقد غلط الحفاظ
ولو صح فاليد أيضا جبار بالقياس على الرجل وكل منهما مقيد بما إذا لم يكن لمن هي معه مباشرة ولا
تسبب ويحتمل أن يقال حديث الرجل جبار مختصر من حديث العجماء جبار لأنها فرد من أفراد
العجماء وهو لا يقولون بتخصيص العموم بالمفهوم فلا حجة لهم فيه وقد وقع في حديث الباب زيادة
والرجل جبار أخرجه الدارقطني من طريق آدم عن شعبة وقال تفرد آدم عن شعبة بهذه الزيادة
وهي وهم وعند الحنفية خلاف فقال أكثرهم لا يضمن الراكب والقائد في الرجل والذنب إلا إن
أوقفها في الطريق وأما السائق فقيل ضامن لما أصابت بيدها أو رجلها لان النفحة بمرأى عينه
فيمكنه الاحتراز عنها والراجح عندهم لا يضمن النفحة وإن كان يراها إذ ليس على رجلها ما يمنعها به
فلا يمكنه التحرز عنه بخلاف الفم فإنه يمنعها باللجام وكذا قال الحنابلة (قوله حدثنا مسلم) هو
بن إبراهيم ومحمد بن زيادة هو الجمحي والسند بصريون (قوله عن أبي هريرة) في رواية الإسماعيلي
من طريق علي بن الجعد عن شعبة عن محمد بن زيادة سمعت أبا هريرة (قوله العجماء عقلها جبار)
في رواية حامد البلخي عن أبي زيد عن شعبة جرح العجماء جبار أخرجه الإسماعيلي ووقع في رواية
الأسود بن العلاء عند مسلم العجماء جرحها جبار وكذا في حديث كثير بن عبد الله المزني عند ابن
ماجة وفي حديث عبادة بن الصامت عنده وقال شيخنا في شرح الترمذي وليس ذكر الجرح قيدا
وانما المراد به إتلافها بأي وجه كان سواء كان بجرح أو غيره والمراد بالعقل الدية أي لا دية فيما
227

تتلفه وقد استدل بهذا الاطلاق من قال لا ضمانة فيما أتلفت البهيمة سواء كانت منفردة
أو معها أحد سواء كان راكبها أو سائقها أو قائدها وهو قول الظاهرية واستثنوا ما إذا كان
الفعل منسوبا إليه بأن حملها على ذلك الفعل إذا كان راكبا كان يلوى عنانها فتتلف شيئا برجلها
مثلا أو يطعنها أو يزجرها حين يسوقها أو يقودها حتى تتلف ما مرت عليه وأما ما لا ينسب إليه
فلا ضمان فيه وقال الشافعية إذا كان مع البهيمة انسان فإنه يضمن ما أتلفته من نفس أو عضو
أو مال سواء كان سائقا أو راكبا أو قائدا سواء كان مالكا أو أجيرا أو مستأجرا أو مستعيرا أو
غاصبا وسواء أتلفت بيدها أو رجلها أو ذنبها أو رأسها وسواء كان ذلك ليلا أو نهارا والحجة في ذلك
أن الاتلاف لا فرق فيه بين العمد وغيره ومن هو مع البهيمة حاكم عليها فهي كالآلة بيده ففعلها
منسوب إليه سواء حملها عليه أم لا سواء علم به أم لا وعن مالك كذلك إلا إن رمحت بغير أن يفعل
بها أحد شيئا ترمح بسببه وحكاه بن عبد البر عن الجمهور وقد وقع في رواية جابر عند أحمد والبزار
بلفظ السائمة جبار وفيه إشعار بان المراد بالعجماء البهيمة التي ترعى لا كل بهيمة لكن المراد بالسائمة
هنا التي ليس معها أحد لأنه الغالب على السائمة وليس المراد بها التي لا تعلف كما في الزكاة فإنه
ليس مقصودا هنا واستدل به على أنه لا فرق في اتلاف البهيمة للزروع وغيرها في الليل والنهار وهو
قول الحنفية والظاهرية وقال الجمهور انما يسقط الضمان إذا كان ذلك نهارا وأما بالليل فان
عليه حفظها فإذا أتلفت بتقصير منه وجب عليه ضمان ما أتلفت ودليل هذا التخصيص
ما أخرجه الشافعي رضي الله عنه وأبو داود والنسائي وابن ماجة كلهم من رواية الأوزاعي
والنسائي أيضا وابن ماجة من رواية عبد الله بن عيسى والنسائي أيضا من رواية محمد بن ميسرة
وإسماعيل بن أمية كلهم عن الزهري عن حرام ابن محيصة الأنصاري عن البراء بن عازب قال
كانت له ناقة ضارية فدخلت حائطا فأفسدت فيه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حفظ
الحوائط بالنهار على أهلها وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها وأن على أهل المواشي ما أصابت
ماشيتهم بالليل وأخرج ابن ماجة أيضا من رواية الليث عن الزهري عن ابن محيصة أن ناقة للبراء
ولم يسم حراما وأخرج أبو داود من رواية معمر عن الزهري فزاد فيه رجلا قال عن حرام بن
محيصة عن أبيه وكذا أخرجه مالك والشافعي عنه عن الزهري عن حرام بن سعيد بن محيصة أن
ناقة وأخرجه الشافعي في رواية المزني في المختصر عنه عن سفيان عن الزهري فزاد مع حرام سعيد
ابن المسيب قالا إن ناقة للبراء وفيه اختلاف آخر أخرجه البيهقي من رواية ابن جريج عن الزهري
عن أبي أمامة بن سهل فاختلف فيه على الزهري على ألوان والمسند منها طريق حرام عن البراء
وحرام بمهملتين أختلف هل هو ابن محيصة نفسه وابن سعد بن محيصة قال ابن حزم وهو مع ذلك
مجهول لم يرو عنه إلا الزهري ولم يوثقه (قلت) وقد وثقه ابن سعد وابن حبان لكن قال إنه لم يسمع
من البراء انتهى وعلى هذا فيحتمل أن يكون قول من قال فيه عن البراء أي عن قصة ناقة البراء
فتجتمع الروايات ولا يمتنع أن يكون الزهري فيه ثلاثة أشياخ وقد قال ابن عبد البر هذا الحديث
وإن كان مرسلا فهو مشهور حدث به الثقات وتلقاه فقهاء الحجاز بالقبول وأما إشارة الطحاوي
إلى أنه منسوخ بحديث الباب فقد تعقبوه بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال مع الجهل بالتاريخ
وأقوى من ذلك قول الشافعي أخذنا بحديث البراء لثبوته ومعرفة رجاله ولا يخالفه حديث
228

العجماء جبار لأنه من العام والمراد به الخاص فلما قال العجماء جبار وقضى فيما أفسد العجماء بشئ
في حال دون حال دل ذلك على أن ما أصابت العجماء من جرح وغيره في حال جبار وفي حال غير جبار
ثم نقض على الحنفية أنهم لم يستمروا على الاخذ بعمومه فتضمين تضمين الراكب متمسكين بحديث
الرجل جبار مع ضعف رواية كما تقدم وتعقب بعضهم على الشافعية قولهم أنه لو جرت عادة قوم
إرسال المواشي ليلا وحبسها نهارا انعكس الحكم على الأصح وأجابوا بأنهم اتبعوا المعنى في ذلك
ونظيره القسم الواجب المرأة لو كان يكتسب ليلا ويأوي إلى أهله نهارا لانعكس الحكم في حقه مع
أن عماد القسم الليل نعم لو اضطربت العادة في بعض البلاد فكان بعضهم يرسلها ليلا وبعضهم
يرسلها نهارا فالظاهر أنه يقضي بما دل عليه الحديث (قوله باب اثم من قتل ذميا
بغير جرم) بضم الجيم وسكون الراء وقد بينت في الجزية حكمة هذا القيد وأنه وإن لم يذكر في الخبر
فقد عرف من قاعدة الشرع ووقع نصا في رواية أبي معاوية عن الحسن بن عمرو عند الإسماعيلي
بلفظ حق وللبيهقي من رواية صفوان بن سليم عن ثلاثين من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن آبائهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ من قتل معاهدا له ذمة الله ورسوله
ولأبي داود والنسائي من حديث أبي بكرة من قتل معاهدا في غير كنهة والذمي منسوب إلى الذمة
وهي العهد ومنه ذمة المسلمين واحدة (قوله عبد الواحد) هو ابن زياد (قوله حدثنا الحسن) هو
ابن عمرو الفقيني بفاء ثم قاف مصغر وقد بينت حاله في كتاب الجزية (قوله مجاهد عن عبد الله
ابن عمرو) هكذا في جميع الطرق بالعنعنة وقد وقع في رواية مروان بن معاوية عن الحسن بن عمرو
عن مجاهد عن جنادة بن أبي أمية عن عبد الله بن عمرو فزاد فيه رجلا بين مجاهد وعبد الله وأخرجه
النسائي وابن أبي عاصم من طريقه وجزم أبو بكر البردنجي في كتابه في بيان المرسل أن مجاهدا لم
يسمع من عبد الله بن عمرو (قوله من قتل نفسا معاهدا) كذا ترجم بالذمي وأورد الخبر في المعاهد
وترجم في الجزية من قتل معاهدا كما هو ظاهر الخبر والمراد به من له عهد مع المسلمين سواء
كان بعقد جزية أو هدنة من سلطان أو أمان من مسلم وكأنه أشار بالترجمة هنا إلى رواية مروان
ابن معاوية المذكورة فان لفظه من قتل قتيلا من أهل الذمة وللترمذي من حديث أبي هريرة
من قتل نفسا معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله الحديث وقد ذكرت في الجزية من تابع عبد الواحد
على إسقاط جنادة ونقلت ترجيح الدارقطني لرواية مروان لأجل الزيادة وبينت أن مجاهدا ليس
مدلسا وسماعه من عبد الله بن عمرو ثابت فترجح رواية عبد الواحد لأنه توبع وانفرد مروان
بالزيادة وقوله لم يرح تقدم شرحه في الجزية والمراد بهذا النفي وإن كان عاما التخصيص بزمان
ما لما تعاضدت الأدلة العقلية والنقلية أن من مات مسلما ولو كان من أهل الكبائر فهو محكوم
بإسلامه غير مخلد في النار ومآله إلى الجنة ولو عذب قبل ذلك (قوله ليوجد) كذا للأكثر هنا
وفي رواية الكشميهني بحذف اللام (قوله أربعين عاما) كذا وقع للجميع وخالفهم عمرو بن
عبد الغفار عن الحسن بن عمرو عند الإسماعيلي فقال سبعين عاما ومثله في حديث أبي هريرة
عند الترمذي من طريق محمد بن عجلان عن أبيه عنه ولفظه وان ريحها ليوجد من مسيرة
سبعين خريفا ومثله في رواية صفوان بن سليم المشار إليها ونحوه لأحمد من طريق هلال بن يساف
عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم سيكون قوم لهم عهد فمن قتل منهم رجلا لم يرح رائحة
229

الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاما وعند الطبراني في الأوسط من طريق محمد بن
سيرين عن أبي هريرة بلفظ من مسيرة مائة عام وفي الطبراني عن أبي بكرة خمسمائة عام ووقع
في الموطأ في حديث آخر أن ريحها يوجد من مسيرة خمسمائة عام وأخرجه الطبراني في المعجم
الصغير من حديث أبي هريرة وفي حديث لجابر ذكره صاحب الفردوس إن ريح الجنة يدرك من
مسيرة ألف عام وهذا اختلاف شديد وقد تكلم ابن بطال على ذلك فقال الأربعون هي الأشد
فمن بلغها زاد عمله ويقينه وندمه فكأنه وجد ريح الجنة على تبعثه على الطاعة قال والسبعون
آخر المعترك ويعرض عندها الندم وخشية هجوم الاجل فتزداد الطاعة بتوفيق الله فيجد
ريحها من المدة المذكورة وذكر في الخمسمائة كلاما متكلفا حاصله أنها مدة الفترة التي بين كل
نبي ونبي فمن جاء في آخرها وأمن بالنبيين يكون أفضل من غيره فيجد ريح الجنة وقال الكرماني
يحتمل أن لا يكون العدد بخصوصه مقصودا بل المقصود المبالغة في التكثير ولهذا خص الأربعين
والسبعين لان الأربعين يشتمل على جميع أنواع العدد لان فيه الآحاد وأحاده عشرة والمائة
عشرات والألف مئات والسبع عدد فوق العدد الكامل وهو ستة إذ أجزاؤه بقدره وهي
النصف والثلث والسدس بغير زيادة ولا نقصان وأما الخمسمائة فهي بعد ما بين السماء
والأرض (قلت) والذي يظهر لي في الجمع أن يقال إن الأربعين أقل زمن يدرك به ريح الجنة
من في الموقف والسبعين فوق ذلك أو ذكرت للمبالغة والخمسمائة ثم الألف أكثر من ذلك
ويختلف ذلك باختلاف الاشخاص والأعمال فمن أدركه من المسافة البعدى أفضل ممن أدركه من
المسافة القربى وبين ذلك وقد أشار إلى ذلك شيخنا في شرح الترمذي فقال الجمع بين هذه الروايات
أن ذلك يختلف باختلاف الاشخاص بتفاوت منازلهم ودرجاتهم ثم رأيت نحوه في كلام ابن
العربي فقال ريح الجنة لا يدرك بطبيعة ولا عادة انما يدرك بما يخلق الله من إدراكه فتارة
يدركه من شاء الله من مسيرة سبعين وتارة من مسيرة خمسمائة ونقل ابن بطال أن المهلب احتج
بهذا الحديث على أن المسلم إذا قتل الذمي أو المعاهد لا يقتل به للاقتصار في أمره على الوعيد
الأخروي دون الدنيوي وسيأتي البحث في هذا الحكم في الباب الذي بعده (قوله
باب لا يقتل المسلم بالكافر) عقب هذه الترجمة بالتي قبلها للإشارة إلى أنه لا يلزم
من الوعيد الشديد على قتل الذمي أن يقتص من المسلم إذا قتله عمدا وللإشارة إلى أن المسلم إذا
كان لا يقتل بالكافر فليس له قتل كل كافر بل يحرم عليه قتل الذمي والمعاهد بغير استحقاق
(قوله حدثنا صدقة بن الفضل) ثبت في بعض النسخ هنا حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير
حدثنا مطرف أن عامرا حدثهم عن أبي جحيفة ح وحدثنا صدقة بن الفضل الخ والصواب
ما عند الأكثر وطريق أحمد بن يونس تقدمت في الجزية (قوله مطرف) بمهملة وتشديد الراء
هو ابن طريف بوزن عظيم كوفي مشهور (قوله سألت عليا) تقدم في كتاب العلم بيان سبب
هذا السؤال وهذا السياق أخصر من سياقه في كتاب العلم من وجه آخر عن مطرف
قال أحمد عن سفيان ابن عيينة بهذا السند هل عندكم شئ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
غير القرآن ولم يتردد فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهم يؤتيه الله رجلا في القرآن
وما في هذه الصحيفة فذكره وقد تقدم من وجه آخر عن مطرف في العلم وغيره مع شرح الحديث
230

وبيان اختلاف ألفاظ نقلته عن علي وبيان المراد بالعقل وفكاك الأسير وأما ترك قتل المسلم
بالكافر فأخذ به الجمهور إلا أنه يلزم من قول مالك في قاطع الطريق ومن في معناه إذا قتل غيلة أن
يقتل ولو كان المقتول ذميا استثناء هذه الصورة من منع قتل المسلم بالكافر وهي لا تستثني في
الحقيقة لان فيه معنى آخر وهو الفساد في الأرض وخالف الحنفية فقالوا يقتل المسلم بالذمي إذا
قتله بغير استحقاق ولا يقتل بالمستأمن وعن الشعبي والنخعي يقتل باليهودي والنصراني
دون المجوسي واحتجوا بما وقع عند أبي داود من طريق الحسن عن قيس بن عباد عن علي بلفظ لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده وأخرجه أيضا من رواية عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده وأخرجه ابن ماجة من حديث ابن عباس والبيهقي عن عائشة ومعقل
ابن يسار وطرقه كلها ضعيفة إلا طريق الأولى والثانية فان سند كل منهما حسن وعلى
تقدير قبوله فقالوا وجه الاستدلال منه أن تقديره ولا يقتل ذو عهد في عهده بكافر قالوا وهو
من عطف الخاص على العام فيقتضى تخصيصه لان الكافر الذي يقتل به ذو العهد هو
الحربي دون المساوى له والأعلى فلا يبقى من يقتل بالمعاهد إلا الحربي فيجب أن يكون الكافر
الذي لا يقتل به المسلم هو الحربي تسويه بين المعطوف والمعطوف عليه قال الطحاوي ولو
كانت فيه دلاله على نفي قتل المسلم بالذمي لكان وجه الكلام أن يقول ولا ذي عهد في عهده
وإلا لكان لحنا والنبي صلى الله عليه وسلم لا يلحن فلما لم يكن كذلك علمنا أن ذا العهد
هو المعنى بالقصاص فصار التقدير لا يقتل مؤمن ولا ذو عهد في عهده بكافر قال ومثله في القرآن
واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن
فان التقدير واللائي يئسن من المحيض واللائي لم يحضن وتعقب بان الأصل عدم التقدير
والكلام مستقيم بغيره إذا جعلنا الجملة ويؤيده اقتصار الحديث الصحيح على الجملة
الأولى ولو سلم أنها للعطف فالمشاركة في أصل النفي لا من كل وجه وهو كقول القائل مررت
بزيد منطلقا وعمرو فإنه لا يوجب أن يكون بعمرو منطلقا أيضا بل المشاركة في أصل المرور
وقال الطحاوي أيضا لا يصح حمله على الجملة المستأنفة لان سياق الحديث فيما يتعلق بالدماء
التي يسقط بعضها ببعض لان في بعض طرقه المسلمون تتكافأ دماؤهم وتعقب بان هذا الحصر
مردود فان في الحديث أحكاكا كثيرة غير هذه وقد أبدى الشافعي له مناسبة فقال يشبه
أن يكون لما أعلمهم أن لا قود بينهم وبين الكفار أعلمهم أن دماء أهل الذمة والعهد محرمة عليهم
بغير حق فقال لا يقتل مسلم بكافر ولا يقتل ذو عهد في عهده ومعنى الحديث لا يقتل مسلم
بكافر قصاصا ولا يقتل من له عهد ما دام عهده باقيا وقال ابن السمعاني وأما حملهم الحديث على
المستأمن فلا يصح لان العبرة بعموم اللفظ حتى يقوم دليل على التخصيص ومن حيث المعنى ان
الحكم الذي يبنى في الشرع على الاسلام والكفر إنما هو لشرف الاسلام أو لنقص الكفر
أو لهما جميعا فان الاسلام ينبوع الكرامة والكفر ينبوع الهوان وأيضا إباحة دم الذمي
شبهة قائمة لوجود الكفر المبيح للدم والذمة إنما هي عهد عارض منع القتل مع بقاء العلة فمن
الوفاء بالعهد أن لا يقتل المسلم ذميا فان اتفق القتل لم يتجه القول بالقود لان الشبهة المبيحة لقتله
موجودة ومع قيام الشبهة لا يتجه القود (قلت) وذكر أبو عبيد بسند صحيح عن زفر أنه رجع
231

عن قول أصحابه فأسند عن عبد الواحد بن زياد قال قلت لزفر إنكم تقولون تدرا الحدود بالشبهات
فجئتم إلى أعظم الشبهات فأقدتم عليها المسلم يقتل بالكافر قال فاشهد على أني رجعت
عن هذا وذكر ابن العربي أن بعض الحنفية سأل الشاشي عن دليل ترك قتل المسلم بالكافر قال
وأراد أن يستدل بالعموم فيقول أخصه بالحربي فعدل الشاشي عن ذلك فقال وجه دليلي السنة
والتعليل لان ذكر الصفة في الحكم يقتضي التعليل فمعنى لا يقتل المسلم بالكافر تفضيل المسلم
بالاسلام فاسكته ومما احتج به الحنفية ما أخرجه الدارقطني من طريق عمار بن مطر عن إبراهيم
ابن أبي يحيى عن ربيعة عن بن البيلماني عن ابن عمر قال قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما
بكافر وقال أنا أولى من وفى بذمته قال الدارقطني إبراهيم ضعيف ولم يروه موصولا غيره والمشهور
عن ابن البيلماني مرسلا وقال البيهقي أخطأ رواية عمار بن مطر على إبراهيم في سنده وإنما
يرويه إبراهيم عن محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن بن البيلماني هذا هو الأصل في هذا الباب
وهو منقطع وراويه غير ثقة كذلك أخرجه الشافعي وأبو عبيد جميعا عن إبراهيم بن محمد بن
أبي يحيى (قلت) لم ينفرد به إبراهيم كما يوهمه كلامه فقد أخرجه أبو داود في المراسيل
والطحاوي من طريق سليمان بن بلال عن ربيعة عن ابن البيلماني وابن البيلماني ضعفه جماعة
ووثق فلا يحتج بما ينفرد به إذا وصل فكيف إذا أرسل فكيف إذا خالف قاله الدارقطني وقد ذكر
أبو عبيد بعد أن حدث به عن إبراهيم بلغني ان إبراهيم قال أنا حدثت به ربيعة عن المنكدر
عن ابن البيلماني فرجع الحديث على هذا إلى إبراهيم وإبراهيم ضعيف أيضا قال أبو عبيد وبمثل
هذا السند لا تسفك دماء المسلمين (قلت) وتبين أن عمار بن مطر خبط في سنده وذكر
الشافعي في الام كلاما حاصله أن في حديث ابن البيلماني أن ذلك كان في قصة المستأمن الذي قتله
عمرو بن أمية قال فعلى هذا لو ثبت لكان منسوخا لان حديث لا يقتل مسلم بكافر خطب به النبي
صلى الله عليه وسلم يوم الفتح كما في رواية عمرو بن شعيب وقصة عمرو بن أمية متقدمة على ذلك
بزمان (قلت) ومن هنا يتجه صحة التأويل الذي تقدم عن الشافعي فان خطبة يوم الفتح كانت
بسبب القتيل الذي قتلته خزاعة وكان له عهد فخطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو قتلت
مؤمنا بكافر لقتلته به وقال لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهد فأشار بحكم الأول إلى ترك
اقتصاصه من الخزاعي بالمعاهد الذي قتله وبالحكم الثاني إلى النهي عن الاقدام على ما فعله
القاتل المذكور والله أعلم ومن حججهم قطع المسلم بسرقته مال الذمي قالوا والنفس أعظم حرمة
وأجاب ابن بطال بأنه قياس حسن لولا النص وأجاب غيره بأن القطع حق لله ومن ثم لو أعيدت
السرقة بعينها لم يسقط الحد ولو عفا والقتل بخلاف ذلك وأيضا القصاص يشعر بالمساواة ولا
مساواة للكافر والمسلم والقطع لا نشترط فيه المساواة (قوله باب إذا لطم المسلم
يهوديا عند الغضب) أي لم يجب قصاص كما لو كان من أهل الذمة وكأنه رمز بذلك إلى أن
المخالف يرى القصاص في اللطمة فلما لم يقتص النبي صلى الله عليه وسلم للذمي من المسلم دل على
أنه لا يجري القصاص لكن ليس كل الكوفيين يرى القصاص في اللطمة فيختص الايراد بمن
يقول منهم بذلك (قوله رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) تقدم موصولا مع شرحه في
قصة موسى من أحاديث الأنبياء وفي بعض طرقه كما بينته هناك فقال اليهودي إن لي ذمة وعهدا
232

(قوله حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال لا تخيروا بين الأنبياء وحدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن عمرو بن يحيى المازني عن
أبيه عن أبي سعيد الخدري قال جاء رجل من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لطم
وجهه الحديث) كذا اقتصر في السند الأول على بعض المتن وساقه تاما بالسند الثاني وكان
سفيان وهو الثوري يحدث به تاما ومختصرا فقد أخرجه الإسماعيلي من رواية عبد الرحمن
ابن مهدي عن سفيان بلفظ لا تخيروا بين الأنبياء وزاد فان الله بعثهم كما بعثني قال الإسماعيلي
لم يزد على ذلك ورواه يحيى القطان عن سفيان تاما (قلت) وليس فيه فان الله بعثهم كما بعثني
(قوله جاء رجل) تقدم القول في اسمه وفي اسم الذي لطمه في قصة موسى (قوله لطم وجهي)
في رواية السرخسي قد لطم وجهي (قوله فقال ألطمت وجهه) كذا للأكثر بهمزة الاستفهام
وفي رواية الكشميهني لم لطمت (قوله أم جوزي) في رواية الكشميهني جزى بغير واو والأول
أولى وفي الحديث استعداء الذمي على المسلم ورفعه إلى الحاكم وسماع الحاكم دعواه وتعلم
من لا يعرف الحكم ما خفي عليه منه والاكتفاء بذلك في حق المسلم وأن الذمي إذا أقدم من القول
على ما لا علم له به جاز للمسلم المعروف بالعلم تعزيره على ذلك وتقدمت سائر فوائده في قصة موسى
عليه السلام (خاتمة) اشتمل كتاب الديات والقصاص من الأحاديث المرفوعة على أربعة
وخمسين حديثا المعلق منها وما في معناها من المتابعات سبعة أحاديث والباقي موصول المكرر
منها فيه وفيما مضى أربعون والخالص منها أربعة عشر حديثا وافقه مسلم على تخريجها سوى
حديث ابن عمر ان من ورطات الأمور وحديث بن عباس أبغض الناس إلى الله ثلاث ملحد
في الحرم الحديث وحديث أنس لو اطلع عليك وحديث ابن عباس هذه وهذه سواء وحديث
أبي قلابة المرسل ما قتل أحد قط إلا في إحدى ثلاث وحديثه المرسل دخل على نفر من الأنصار
الحديث في القسامة وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم ثمانية وعشرون أثرا بعضها
موصول وسائرها معلق والله سبحانه وتعالى أعلم
(قوله بسم الله الرحمن الرحيم)
(كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم)
كذا في رواية الفربري وسقط لفظ كتاب من رواية المستملي وأما النسفي فقال كتاب المرتدين
ثم بسمل ثم قال باب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم وإثم من أشرك الخ وقوله والمعاندين
كذا للأكثر بالنون وفي رواية الجرجاني بالهاء بدل النون والأول الصواب (قوله باب
إثم من أشرك بالله وعقوبته في الدنيا والآخرة قال الله عز وجل إن الشرك لظلم
عظيم ولئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) في رواية القابسي بعد قوله وقتالهم
واثم من أشرك الخ وحذف لفظ باب والواو في قوله ولئن أشركت لعطف آية على آية والتقدير
وقال لئن أشركت لأنه في التلاوة بلا واو قال ابن بطال الآية الأولى دالة على أنه لا إثم أعظم من
الشرك وأصل الظلم وضع الشئ في غير موضعه فالمشرك أصل من وضع الشئ في غير موضعه
لأنه جعل لمن أخرجه من العدم إلى الوجود مساويا فنسب النعمة إلى غير المنعم بها والآية الثانية
233

خوطب بها النبي صلى الله عليه وسلم والمراد غيره والاحباط المذكور مقيد بالموت على الشرك
لقوله تعالى فبعث وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم وذكر فيه أربعة أحاديث الحديث الأول
حديث ابن مسعود في تفسير قوله تعالى الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم وقد مضى شرحه
في كتاب الايمان في أوائل الكتاب وأشرت هناك إلى ما وقع في أحاديث الأنبياء في قصة إبراهيم
عليه السلام من طريق حفص بن غياث عن الأعمش بهذا الاسناد والمتن وفي آخره ليس كما
يقولون لم يلبسوا إيمانهم بظلم بشرك الحديث وقد أرسل التفسير المذكور بعض رواته فعند
ابن مردويه من طريق عيسى بن يونس عن الأعمش مختصرا ولفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم
في قوله الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم قال بشرك ومن طريق أبي أحمد الزبيري عن سفيان
الثوري عن الأعمش مثله سواء وقد أخرجه الطبري من طريق منصور عن إبراهيم في قوله
ولم يلبسوا إيمانهم بظلم قال لم يخلطوه بشرك هكذا أورده موقوفا على إبراهيم ومن وجه آخر
عن علقمة مثله وأخرج من طريق الأسود بن هلال عن أبي بكر الصديق موقوفا عليه وعن
عمر أنه قرأ هذه الآية ففزع فسأل أبي بن كعب فقال إنما هو ولم يلبسوا إيمانهم بشرك ومن
طريق زيد بن صوحان أنه قال لسلمان آية قد بلغت مني كل مبلغ فذكرها فقال سلمان هو الشرك
فسر زيد بذلك وأورد من طرق جماعة من الصحابة ومن التابعين مثل ذلك ثم أورد عن عكرمة
قولا آخر أنها خاصة بمن لم يهاجم ومن وجه آخر عن علي أنه قال هذه الآية لإبراهيم خاصة ليست
لهذه الأمة وسندهما ضعيف وصوب الطبري القول الأول وانها على العموم لجميع المؤمنين قال
الطبي ردا على من زعم أن لفظ اللبس يأبى تفسير الظلم هنا بالشرك معتلا بأن اللبس الخلط
ولا يصح هنا لان الكفر والايمان لا يجتمعان فأجاب بأن المراد بالذين آمنوا أعم من المؤمن
الخالص وغيره واحتج بان اسم الإشارة الواقع خبرا للموصول مع صلته يقتضي أن ما بعده ثابت
لمن قبله لاكتسابه ما ذكر من الصفة ولا ريب أن الامن المذكور ثانيا هو المذكور أولا فيجب
أن يكون الظلم عين الشرك لان تقدم قوله وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون إلى قوله أحق
بالأمن قال واما معنى اللبس فلبس الايمان بالظلم أن يصدق بوجود الله ويخلط به عبادة غيره
ويؤيده قوله تعالى وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون وعرف بذلك مناسبة ذكرها في أبواب
المرتد وكذلك الآية التي صدر بها واما الآية الأخرى فقالوا هي قضية شرطية ولا تستلزم
الوقوع وقيل الخطاب له والمراد الأمة والله أعلم الحديث الثاني حديث أبي بكرة في أكبر
الكبائر وقد مضى شرحه في الشهادات وفي عقوق الوالدين من كتاب الأدب الحديث الثالث
حديث عبد الله بن عمرو في ذكر الكبائر أيضا وقد تقدم شرحه في باب اليمين الغموس من كتاب
الايمان والنذور (قوله جاء أعرابي) لم أقف على اسمه (قوله قلت وما اليمين الغموس) السائل
عن ذلك قال قد بينته عند شرح الحديث المذكور ومحمد بن الحسين بن إبراهيم في أول السند هو
المعروف بابن أشكاب أخو علي وهو من أقران البخاري ولكنه سمع قبله قليلا ومات بعده
وعبيد الله بن موسى شيخه هو من كبار شيوخ البخاري المشهورين وقد أكثر عنه بلا واسطة
وأقرب ذلك ما تقدم في أواخر الديات في باب جنين المرأة وربما روى عنه بواسطة كهذا الحديث
234

الرابع حديث ابن مسعود (قوله سفيان) هو الثوري (قوله قال رجل) لم أقف على اسمه (قوله
ومن أساء في الاسلام أخذ بالأول والآخر) قال الخطابي ظاهره خلاف ما أجمعت عليه الأمة
ان الاسلام يجب ما قبله و قال تعالى قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد قال
ووجه هذا الحديث أن الكافر إذا أسلم لم يؤاخذ بما مضى فان أساء في الاسلام غاية الإساءة
وركب أشد المعاصي وهو مستمر على الاسلام فإنه إنما يؤاخذ بما جناه من المعصية في الاسلام
ويبكت بما كان منه في المكفر كأن يقال له ألست فعلت كذا وأنت كافر فهلا منعك
اسلامك عن معاودة مثله انتهى ملخصا وحاصله أنه أول المؤاخذة في الأول بالتبكيت وفي الاخر
بالعقوبة والأولى قول غيره إن المراد بالإساءة الكفر لأنه غاية الإساءة وأشد المعاصي فإذا ارتد
ومات على كفره كان كمن لم يسلم فيعاقب على جميع ما قدمه والى ذلك أشار البخاري بإيراد هذا
الحديث بعد حديث أكبر الكبائر الشرك وأورد كلا في أبواب المرتدين ونقل ابن بطال عن
المهلب قال معنى حديث الباب من أحسن في الاسلام بالتمادي على محافظته والقيام بشرائطه
لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الاسلام أي في عقده بترك التوحيد أخد بكل ما أسلفه
قال ابن بطال فعرضته على جماعة من العلماء فقالوا لا معنى لهذا الحديث غير هذا ولا تكون
الإساءة هنا إلا الكفر للاجماع على أن المسلم لا يؤاخذ بما عمل في الجاهلية (قلت) وبه جزم
المحب الطبري ونقل ابن التين عن الداودي معنى من أحسن مات على الاسلام ومن أساء مات
على غير الاسلام عن أبي عبد الملك البوني معنى من أحسن في الاسلام أي أسلم اسلاما صحيحا
لا نفاق فيه ولا شك ومن أساء في الاسلام أي أسلم رياء وسمعة وبهذا جزم القرطبي ولغيره معنى
الاحسان الاخلاص حين دخل فيه ودوامه عليه إلى موته والإساءة بضد ذلك فإنه ان لم يخلص
إسلامه كان منافقا فلا ينهدم عنه ما عمل في الجاهلية فيضاف نفاقه المتأخر إلى كفره الماضي
فيعاقب على جميع ذلك (قلت) وحاصله أن الخطابي حمل قوله في الاسلام على صفة خارجة عن
ماهية الاسلام وحمله غيره على صفة في نفس الاسلام وهو أوجه (تنبيه) حديث ابن مسعود
هذا يقابل حديث أبي سعيد الماضي في كتاب الايمان معلقا عن مالك فان ظاهر هذا ان من
ارتكب المعاصي بعد أن أسلم يكتب عليه ما عمله من المعاصي قبل أن يسلم وظاهر ذلك أن من عمل
الحسنات بعد أن أسلم يكتب له ما عمله من الخيرات قبل أن يسلم وقد مضى القول في توجيه الثاني
عند شرحه ويحتمل أن يجئ هنا بعض ما ذكر هناك كقول من قال أن معنى كتابة ما عمله من الخير
في الكفر أنه كان سببا لعمله الخير في الاسلام ثم وجدت في كتاب السنة لعبد العزيز بن جعفر وهو
من رؤوس الحنابلة ما يدفع دعوة الخطابي وابن بطال الاجماع الذي نقلاه وهو ما نقل عن
الميموني عن أحمد أنه قال بلغني أن أبا حنيفة يقول أن من أسلم لا يؤاخذ بما كان في الجاهلية ثم
رد عليه بحديث ابن مسعود ففيه أن الذنوب التي كان الكافر يفعلها في جاهليته إذا أصر عليها
في الاسلام فإنه يؤاخذ بها لأنه باصراره لا يكون تاب منها وإنما تاب من الكفر فلا يسقط عنه
ذنب تلك المعصية لاصراره عليها والى هذا ذهب الحليمي من الشافعية وتأول بعض الحنابلة
قوله قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف على أن المراد ما سلف مما انتهوا عنه قال
والاختلاف في هذه المسألة مبني على أن التوبة هي الندم على الذنب مع الاقلاع عنه والعزم على
235

عدم العود إليه والكافر إذا تاب من الكفر ولم يعزم على عدم العود إلى الفاحشة لا يكون تائبا
منها فلا تسقط عنه المطالبة بها والجواب عن الجمهور أن هذا خاص بالمسلم وأما الكافر فإنه يكون
بإسلامه كيوم ولدته أمه والاخبار دالة على ذلك كحديث أسامة لما أنكر عليه النبي صلى الله
عليه وسلم قتل الذي قال لا إله إلا الله حتى قال في آخره حتى تمنيت أنني كنت أسلمت يومئذ (قوله
باب حكم المرتد والمرتدة) أي هل هما سواء أم لا (قوله واستتابتهم) كذا لأبي ذر وفي
رواية القابسي واستتابتهما وحذف للباقين لكنهم ذكروها كأبي ذر بعد ذكر الآثار عن أبن عمر
وغيره وتوجيه الأولى أنه جمع على إرادة الجنس قال ابن المنذر قال الجمهور تقتل المرتدة
وقال علي تسترق وقال عمر بن عبد العزيز تباع بأرض أخرى وقال الثوري تحبس ولا تقتل
وأسنده عن ابن عباس قال وهو قول عطاء وقال أبو حنيفة تحبس الحرة ويؤمر مولى الأمة أن
يجبرها (قوله وقال ابن عمر والزهري وإبراهيم) يعنى النخعي تقتل المرتدة أما قول ابن عمر فنسبه
مغلطاي إلى تخريج أبن أبي شيبة وأما قول الزهري وإبراهيم فوصله عبد الرزاق عن معمر عن
الزهري في المرأة تكفر بعد إسلامها قال تستتاب فان تابت والا قتلت وعن معمر عن سعيد بن
أبي عروبة عن أبي معشر عن إبراهيم مثله وأخرجه بن أبي شيبة من وجه آخر عن حماد بن أبي
سليمان عن إبراهيم وأخرج سعيد بن منصور عن هشيم عن عبيدة بن مغيث عن إبراهيم قال إذا
أرتد الرجل أو المرأة عن الاسلام استيبا فان تابا تركا وأن أبيا قتلا وأخرج ابن أبي شيبة عن
حفص عن عبيدة عن إبراهيم لا يقتل والأول أقوى فان عبيدة ضعيف وقد اختلف نقله عن
إبراهيم ومقابل قول هؤلاء حديث ابن عباس لا تقتل النساء إذا هن ارتددن رواه أبو حنيفة عن
عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس أخرجه ابن أبي شيبة والدارقطني وخالفة جماعة من الحفاظ
في لفظ المتن وأخرج الدارقطني عن ابن المنكدر عن جابر أن امرأة ارتدت فأمر النبي صلى الله
عليه وسلم بقتلها وهو يعكر على ما نقله ابن الطلاع في الاحكام أنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قتل مرتدة (قوله وقال الله تعالى كيف يهدى الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن
الرسول حق إلى قوله غفور رحيم إن الذين كفروا إلى آخرها) كذا لأبي ذر وساق الآية إلى
الظالمون وفي رواية القابسي بعد قوله لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون وفي رواية النسفي
كيف يهدى الله قوما كفروا بعد إيمانهم الآيتين إلى قوله كافرين كذا عنده وكأنه وقع عنده خلط
هذه بالتي بعدها وساق وفي رواية كريمة والأصيل ما حذف من الآية لأبي ذر وقد أخرج النسائي
وصححه ابن حبان عن ابن عباس كان رجل من الأنصار أسلم ثم ندم وأرسل إلى قومه فقالوا
يا رسول الله هل له توبة فنزلت كيف يهدى الله قوما إلى قوله الا الذين تابوا فأسلم (قوله وقال
يا أيها الذين آمنوا ان تطيعوا فريقا من الذين أتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين) قال
عكرمة نزلت في شاس بن قيس اليهودي دس على الأنصار من ذكرهم بالحروب التي كانت بينهم
فتمادوا يقتتلون فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فذكرهم فعرفوا أنها من الشيطان فعانق بعضهم
بعضا ثم انصرفوا سامعين مطيعين فنزلت أخرجه إسحاق في تفسيره مطولا وأخرجه الطبراني
من حديث ابن عباس موصولا وفي هذه الآية الإشارة إلى التحذير عن مصادقة أهل الكتاب
إذ لا يؤمنون أن يفتنوا من صادقهم عن دينه (قوله وقال إن الذين آمنوا ثم كفروا إلى سبيلا)
236

كذا لأبي ذر وللنسفي ثم كفروا ثم آمنوا ثم ازدادوا كفرا الآية وساقها كلها في رواية
كريمة وقد استدل بها من قال لا تقبل توبة الزنديق كما سيأتي تقريره (قوله من يرتد منكم
عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) وساق في رواية كريمة إلى الكافرين ووقع
في رواية أبي ذر من يرتدد بدالين وهي قراءة ابن عامر ونافع وللباقين من القراء ورواة الصحيح من
يرتد بتشديد الدال ويقال إن الادغام لغة تميم والاظهار لغة الحجاز ولهذا قيل إنه وجد في مصحف
عثمان بدالين وقيل بل وافق كل قارئ مصحف بلده فعلى هذه ففي مصحفي المدينة والشام بدالين
وفي البقية بدال واحدة (قوله ولكن من شرح بالكفر صدرا إلى وأولئك هم الغافلون) كذا
لأبي ذر وساق في رواية كريمة الآيات كلها وهي حجة لعدم المؤاخذة بما وقع حالة الاكراه كما سيأتي
تقريره بعد هذا (قوله لا جرم) يقول حقا (أنهم في الآخرة هم الخاسرون إلى لغفور رحيم) والمراد
أن معنى لا جرم حقا وهو كلام أبي عبيدة وحذف من رواية النسفي ففيها بعد قوله صدرا الآيتين
إلى قوله غفور رحيم وفي الآية وعيد شديد لمن ارتد مختار إلى قوله تعالى ولكن من شرح بالكفر
صدرا إلى آخره (قوله ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا إلى قوله
وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة أيضا الآيات كلها
والغرض منها قوله إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر إلى آخرها فإنه يقيد
مطلق ما في الآية السابقة من يرتدد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم إلى آخرها قال
ابن بطال اختلف في استتابة المرتد فقيل يستتاب فان تاب وإلا قتل وهو قول الجمهور وقيل
يجب قتله في الحال جاء ذلك عن الحسن وطاوس وبه قال أهل الظاهر (قلت) ونقله ابن المنذر
عن معاذ وعبيد بن عمير وعليه يدل تصرف البخاري فإنه استظهر بالآيات التي لا ذكر فيها
للاستتابة والتي فيها أن التوبة لا تنفع وبعموم قوله من بدل دينه فاقتلوه وبقصة معاذ التي
بعدها ولم يذكر غير ذلك قال الطحاوي ذهب هؤلاء إلى أن حكم من ارتد عن الاسلام حكم الحربي
الذي بلغته الدعوة فإنه يقاتل من قبل أن يدعى قالوا انما تشرع الاستتابة لمن خرج عن الاسلام
لا عن بصيرة فأما من خرج عن بصيرة فلا ثم نقل عن أبي يوسف موافقتهم لكن قال إن جاء مبادرا
بالتوبة خليت سبيله ووكلت أمره إلى الله تعالى وعن بن عباس وعطاء إن كان أصله مسلما
لم يستتب وإلا استتيب واستدل ابن القصار لقول الجمهور بالاجماع يعني السكوتي لان عمر كتب
في أمر المرتد هلا حبستموه ثلاثة أيام وأطعمتموه في كل يوم رغيفا لعله يتوب فيتوب الله عليه
قال ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة كلهم كأنهم فهموا من قوله صلى الله عليه وسلم من بدل دينه
فاقتلوه أي إن لم يرجع وقد قال تعالى فان تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم
واختلف القائلون بالاستتابة هل يكتفي بالمرة أو لا بد من ثلاث وهل الثلاث في مجلس أو في يوم
أو في ثلاثة أيام وعن علي يستتاب شهرا وعن النخعي يستتاب أبدا كذا نقل عنه مطلقا والتحقيق
أنه في من تكررت منه الردة وسيأتي مزيد لذلك في الحديث الأول عند ذكر الزنادقة ثم ذكر
في الباب حديثين الأول (قوله أيوب) هو السختياني وعكرمة هو مولى ابن عباس (قوله أتى
علي) هو ابن أبي طالب تقدم في باب لا يعذب بعذاب الله من كتاب الجهاد من طريق سفيان بن
عيينة عن أيوب بهذا السند أن عليا حرق قوما وذكرت هناك أن الحميدي رواه عن سفيان بلفظ
237

حرق المرتدين ومن وجه آخر عند أبي شيبة كان أناس يعبدون الأصنام في السر وعند
الطبراني في الأوسط من طريق سويد بن غفلة أن عليا بلغه أن قوما ارتدوا عن الاسلام فبعث
إليهم فأطعمهم ثم دعاهم إلى الاسلام فأبوا فحفر حفيرة ثم أتى بهم فضرب أعناقهم ورماهم فيها
ثم ألقى عليهم الحطب فأحرقهم ثم قال صدق الله ورسوله وزعم أبو المظفر الأسفرايني في الملل
والنحل إن الذين أحرقهم علي طائفة من الروافض ادعوا فيه الإلاهية وهم السبائية
وكان كبيرهم عبد الله بن سبأ يهوديا ثم أظهر الاسلام وابتدع هذه المقالة وهذا يمكن أن
يكون أصله ما رويناه في الجزء الثالث من حديث أبي طاهر المخلص من طريق عبد الله بن
شريك العامري عن أبيه قال قيل لعلي أن هنا قوما على باب المسجد يدعون أنك ربهم فدعاهم
فقال لهم ويلكم ما تقولون قالوا أنت ربنا وخالقنا ورازقنا فقال ويلكم انما أنا عبد مثلكم
أكل الطعام كما تأكلون وأشرب كما تشربون إن أطعت الله أثابني إن شاء وإن عصيته خشيت
أن يعذبني فأتقوا الله وأرجعوا فأبوا فلما كان الغد غدوا عليه فجاء قنبر فقال قد والله رجعوا
يقولون ذلك الكلام فقال ادخلهم فقالوا كذلك فلما كان الثالث قال لئن قلتم ذلك لأقتلنكم
بأخبث قتلة فأبوا إلا ذلك فقال يا قنبر ائتني بفعلة معهم مرورهم فخد لهم أخدودا بين باب
المسجد والقصر وقال احفروا فأبعدوا في الأرض وجاء بالحطب فطرحه بالنار في الأخدود
وقال اني طارحكم فيها أو ترجعوا فأبوا أن يرجعوا فقذف بهم فيها حتى إذا احترقوا قال إني
إذا رأيت أمرا منكرا * أوقدت ناري ودعوت قنبرا
وهذا سند حسن وأما ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق قتادة أن عليا أتى بناس من الزط
يعبدون وثنا فأحرقهم فسنده منقطع فان ثبت حمل على قصة آخري فقد أخرج ابن أبي شيبة
أيضا من طريق أيوب بن النعمان شهدت عليا في الرحبة فجاءه رجل فقال أن هنا أهل بيت لهم
وثن في دار يعبدونه فقام يمشي إلى الدار فأخرجوا إليه بمثال رجل قال فألهب عليهم على الدار
(قوله بزنادقة) بزاي ونون وقاف جمع زنديق بكسر أوله وسكون ثانيه قال أبو حاتم السجستاني
وغيره الزنديق فارسي معرب أصله زنده كرداي يقول بدوام الدهر لان زنده الحياة وكرد العمل
ويطلق على من يكون دقيق النظر في الأمور وقال ثعلب ليس في كلام العرب زنديق وانما
قالوا زندقي لمن يكون شديد التحيل وإذا أرادوا ما تريد العامة قالوا ملحد ودهري بفتح الدال
أي يقول بدوام الدهر وإذا قالوها بالضم أرادوا كبر السن وقال الجوهري الزنديق من الثنوية
كذا قال وفسره بعض الشراح بأنه الذي يدعي أن مع الله إلها آخر وتعقب بأنه يلزم منه أن
يطلق على كل مشرك والتحقيق ما ذكره من صنف في الملل أن أصل الزنادقة اتباع ديصان ثم ماني
ثم مزدك الأول بفتح الدال وسكون المثناة التحتانية بعدها صاد مهملة والثاني بتشديد النون
وقد تخفف والياء خفيفة والثالث بزاي ساكنة ودال مهملة مفتوحة ثم كاف وحاصل مقالتهم
أن النور والظلمة قديمان وأنهما امتزجا فحدث العالم كله منهما فمن كان من أهل الشر فهو
من الظلمة ومن كان من أهل الخير فهو من النور وأنه يجب السعي في تخليص النور من الظلمة
فيلزم إزهاق كل نفس وإلى ذلك أشار المتنبي حيث قال في قصيدته المشهورة
وكم لظلام الليل عندك من يد * تخبر أن المانوية تكذب
238

وكان بهرام جد كسرى تحيل على ماني حتى حضر عنده وأظهر له أنه قبل مقالته ثم قتله وقتل
أصحابه وبقيت منهم بقايا اتبعوا مزدك المذكور وقام الاسلام والزنديق يطلق على من يعتقد
ذلك وأظهر جماعة منهم الاسلام خشية القتل ومن ثم أطلق الاسم على كل من أسر الكفر وأظهر
الاسلام حتى قال مالك الزندقة ما كان عليه المنافقون وكذا أطلق جماعة من الفقهاء الشافعية
وغيرهم أن الزنديق هو الذي يظهر الاسلام ويخفي الكفر فان أرادوا اشتراكهم في الحكم فهو
كذلك وإلا فأصلهم ما ذكرت وقد قال النووي في لغات الروضة الزنديق الذي لا ينتحل دينا
وقال محمد بن معن في التنقيب عن المهذب الزنادقة من الثنوية يقولون ببقاء الدهر
وبالتناسخ قال ومن الزنادقة الباطنية وهم قوم زعموا أن الله خلق شيئا ثم خلق منه شيئا آخر فدبر
العالم بأسره ويسمونهما العقل والنفس وتارة العقل الأول والعقل الثاني وهو من قول الثنوية
في النور والظلمة إلا أنهم غيروا الاسمين قال ولهم مقالات سخيفة في النبوات وتحريف الآيات
وفرائض العبادات وقد قيل إن سبب تفسير الفقهاء الزنديق بما يفسر به المنافق قول الشافعي في
المختصر وأي كفر ارتد إليه مما يظهر أو يسر من الزندقة وغيرها ثم تاب سقط عنه القتل وهذا
لا يلزم منه اتحاد الزنديق والمنافق بل كل زنديق منافق من غير عكس وكان من أطلق عليه في
الكتاب والسنة المنافق يظهر الاسلام ويبطن عبادة الوثن أو اليهودية وأما الثنوية فلا يحفظ أن
أحدا منهم أظهر الاسلام في العهد النبوي والله أعلم وقد اختلف النقلة في الذين وقع لهم مع علي
ما وقع على ما سأبينه واشتهر في صدر الاسلام الجعد بن درهم فذبحه خالد القسري في يوم عيد
الأضحى ثم كثروا في دولة المنصور وأظهر له بعضهم معتقده فأبادهم بالقتل ثم ابنه المهدي فأكثر
من تتبعهم وقتلهم ثم خرج في أيام المأمون بابك بموحدتين مفتوحتين ثم كاف مخففة الخرمي بضم
المعجمة وتشديد الراء فغلب على بلاد الجبل وقتل في المسلمين وهزم الجيوش إلى أن ظفر به المعتصم
فصلبه وله أتباع يقال لهم الخرمية وقصصهم في التواريخ معروفة (قوله فبلغ ذلك ابن عباس)
لم أقف على اسم من بلغه وابن عباس كان حينئذ أميرا على البصرة من قبل علي (قوله لنهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعذبوا بعذاب الله) أي لنهيه عن القتل بالنار لقوله لا تعذبوا
وهذا يحتمل أن يكون مما سمعه ابن عباس من النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون سمعه من
بعض الصحابة وقد تقدم في باب لا يعذب بعذاب الله من كتاب الجهاد من حديث أبي هريرة بعثنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما الحديث وفيه وإن
النار لا يعذب بها إلا الله وبينت هناك اسمهما وما يتعلق بشرح الحديث وعند أبي داود عن ابن
مسعود في قصة أخرى أنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار (قوله ولقتلتهم لقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم) في رواية إسماعيل بن علية عند أبي داود في الموضعين فان رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال (قوله من بدل دينه فاقتلوه) زاد إسماعيل بن علية في روايته فبلغ ذلك عليا فقال
ويح أم ابن عباس كذا عند أبي داود وعند الدارقطني بحذف أم وهو يحتمل أنه لم يرض بما
اعترض به ورأى أن النهي للتنزيه كما تقدم بيان الاختلاف فيه وسيأتي في الحديث الذي يليه
مذهب معاذ في ذلك وأن الامام إذا رأى التغليظ بذلك فعله وهذا بناء على تفسير ويح بأنها كلمة
رحمة فتوجع له لكونه حمل النهي على ظاهره فأعتقد التحريم مطلقا فأنكر ويحتمل أن يكون
239

قالها رضا بما قال وأنه حفظ ما نسيه بناء على أحد ما قيل في تفسير ويح أنها تقال بمعنى المدح
والتعجب كما حكاه في النهاية وكأنه أخذه من قول الخليل هي في موضع رأفة واستملاح كقولك
للصبي ويحه ما أحسنه حكاه الأزهري وقوله من هو عام تخص منه من بدله في الباطن ولم يثبت
عليه ذلك في الظاهر فإنه تجري عليه أحكام الظاهر ويستثنى منه من بدل دينه في الظاهر لكن مع
الاكراه كما سيأتي في كتاب الاكراه بعد هذا واستدل به على قتل المرتدة كالمرتد وخصه الحنفية
بالذكر وتمسكوا بحديث النهي عن قتل النساء وحمل الجمهور النهي على الكافرة الأصلية إذا لم
تباشر القتال ولا القتل لقوله في بعض طرق حديث النهي عن قتل النساء لما رأى المرأة مقتولة
ما كانت هذه لتقاتل ثم نهى عن قتل النساء واحتجوا أيضا بأن من الشرطية لا تعم المؤنث
وتعقب بأن ابن عباس راوي الخبر قد قال تقتل المرتدة وقتل أبو بكر في خلافته امرأة ارتدت
والصحابة متوافرون فلم ينكر ذلك عليه أحد وقد أخرج ذلك كله ابن المنذر وأخرج
الدارقطني أثر أبي بكر من وجه حسن وأخرج مثله مرفوعا في قتل المرتدة لكن سنده ضعيف
واحتجوا من حيث النظر بأن الأصلية تسترق فتكون غنيمة للمجاهدين والمرتدة لا تسترق
عندهم فلا غنم فيها فلا يترك قتلها وقد وقع في حديث معاذ ان النبي صلى الله عليه وسلم لما
أرسله إلى اليمن قال له أيما رجل ارتد عن الاسلام فادعه فان عاد وإلا فاضرب عنقه وأيما امرأة
ارتدت عن الاسلام فادعها فان عادت وإلا فاضرب عنقها وسنده حسن وهو نص في موضع
النزاع فيجب المصير إليه ويؤيده اشتراك الرجال والنساء في الحدود كلها الزنا والسرقة وشرب
الخمر والقذف ومن صور الزنا رجم المحصن حتى يموت فاستثنى ذلك من النهي عن قتل النساء
فكذلك يستثنى قتل المرتدة وتمسك به بعض الشافعية في قتل من انتقل من دين كفر إلى دين
كفر سواء كان ممن يقر أهله عليه بالجزية أولا وأجاب بعض الحنفية بأن العموم في الحديث في
المبدل لا في التبديل فأما التبديل فهو مطلق لا عموم فيه وعلى تقدير التسليم فهو متروك الظاهر
اتفاقا في الكافر ولو أسلم فإنه يدخل في عموم الخبر وليس مرادا واحتجوا أيضا بأن الكفر ملة
واحدة فلو تنصر اليهودي لم يخرج عن دين الكفر وكذا لو تهود الوثني فوضح أن المراد من بدل
دين الاسلام بدين غيره لان الدين في الحقيقة هو الاسلام قال الله تعالى ان الذين عند الله الاسلام
وما عداه فهو بزعم المدعي وأما قوله تعالى ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه فقد احتج به
بعض الشافعية فقال يؤخذ منه أنه لا يقر على ذلك وأجيب بأنه ظاهر في أن من ارتد عن
الاسلام لا يقر على ذلك سلمنا لكن لا يلزم من كونه لا يقبل منه أنه لا يقر بالجزية بل عدم القبول
والخسران انما هو في الآخرة سلمنا أن عدم القبول يستفاد منه عدم التقرير في الدنيا لكن
المستفاد أنه لا يقر عليه فلو رجع إلى الدين الذي كان عليه وكان مقرا عليه بالجزية فإنه يقتل
إن لم يسلم مع إمكان الامساك بانا لا نقبل منه ولا نقتله ويؤيد تخصيصه بالاسلام ما جاء في بعض
طرقه فقد أخرجه الطبراني من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس رفعه من خالف دينه دين
الاسلام فاضربوا عنقه واستدل به على قتل الزنديق من غير استتابة وتعقب بأن في بعض طرقه
كما تقدم أن عليا استتابهم وقد نص الشافعي كما تقدم على القبول مطلقا وقال يستتاب الزنديق
كما يستتاب المرتد وعن أحمد وأبي حنيفة روايتان إحداهما لا يستتاب والاخرى ان تكرر منه
240

لم تقبل توبته وهو قول الليث وإسحاق وحكى عن أبي إسحاق المروزي من أئمة الشافعية ولا يثبت
عنه بل قيل أنه تحريف من إسحاق بن راهويه والأول هو المشهور عند المالكية وحكى عن
مالك إن جاء تائبا يقبل منه وإلا فلا وبه قال أبو يوسف واختاره الأستاذان أبو إسحاق الأسفرايني
وأبو منصور البغدادي وعن بقية الشافعية أوجه كالمذاهب المذكورة وخامس يفصل بين
الداعية فلا يقبل منه وتقبل توبة غير الداعية وأتى ابن الصلاح بأن الزنديق إذا تاب تقبل توبته
ويعزر فان عاد بادرناه بضرب عنقه ولم يمهل واستدل من منع بقوله تعالى إلا الذين تابوا وأصلحوا
فقال الزنديق لا يطلع على صلاحه لان الفساد انما أتى مما أسره فإذا اطلع عليه وأظهر الاقلاع
عنه لم يزد على ما كان عليه وبقوله تعالى إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا
كفرا لم يكن الله ليغفر لهم الآية وأجيب بأن المراد من مات منهم على ذلك كما فسره ابن عباس
فيما أخرجه ابن أبي حاتم وغيره واستدل لمالك بأن توبة الزنديق لا تعرف قال وانما لم يقتل النبي
صلى الله عليه وسلم المنافقين للتألف ولأنه لو قتلهم لقتلهم بعلمه فلا يؤمن أن يقول قائل إنما
قتلهم لمعنى آخر ومن حجة من استتابهم قوله تعالى اتخذوا أيمانهم جنة فدل على أن إظهار الايمان
يحصن من القتل وكلهم أجمعوا على أن أحكام الدنيا على الظاهر والله يتولى السرائر وقد قال
صلى الله عليه وسلم لأسامة هلا شققت عن قلبه وقال للذي ساره في قتل رجل أليس يصلي قال نعم
قال أولئك الذين نهيت عن قتلهم وسيأتي قريبا أن في بعض طرق حديث أبي سعيد أن خالد بن
الوليد لما استأذن في قتل الذي أنكر القسمة وقال كم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه فقال
صلى الله عليه وسلم إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس أخرجه مسلم والأحاديث في ذلك كثيرة
الحديث الثاني حديث أبي موسى الأشعري وهو مشتمل على أربعة أحكام الأول السواك
وقد تقدم في الطهارة أتم مما هنا الثاني ذم طلب الامارة ومنع من حرص عليها وسيأتي بسطه
في كتاب الأحكام الثالث بعث أبي موسى على اليمن وارسال معاذ أيضا وقد تقدم بيانه في كتاب
المغازي بعد غزوة الطائف بثلاثة أبواب الرابع قصة اليهودي الذي أسلم ثم ارتد وهو المقصود
هنا (قوله يحيى) هو ابن سعيد والسند كله بصريون (قوله عن أبي موسى) في رواية أحمد
عن يحيى القطان بهذا السند قال أبو موسى الأشعري (قوله ومعي رجلان من الأشعريين)
هما من قومه ولم أقف على اسمهما وقد وقع في الأوسط للطبراني من طريق عبد الملك من عمير عن
أبي بردة في هذا الحديث أن أحدهما بن عم أبي موسى وعند مسلم من طريق يزيد بن عبد الله بن
أبي بردة عن أبي بردة رجلان من بني عمي (قوله فكلاهما سأل) كذا فيه بحذف المسؤول وبينه
أحمد في روايته المذكورة فقال فيها سأل العمل وسيأتي بيان ذلك في الاحكام من طريق يزيد بن
عبد الله ولفظه فقال أحدهما أمرنا يا رسول الله فقال الآخر مثله ولمسلم من هذا الوجه أمرنا
على بعض ما ولاك الله ولأحمد والنسائي من وجه آخر عن أبي بردة فتشهد أحدهما فقال جئناك
لتستعين بنا على عملك فقال الآخر مثله وعندهما من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه أتاني ناس
من الأشعريين فقالوا انطلق معنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فان لنا حاجة فقمت معهم
فقالوا أتستعين بنا في عملك ويجمع بأنه كان معهما من يتبعهما وأطلق صيغة الجمع على الاثنين
(قوله فقال يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس) شك من الراوي بأيهما خاطب ولم يذكر القول في
241

هذه الرواية وقد ذكره أبو داود عن أحمد بن حنبل ومسدد كلاهما عن يحيى القطان بسنده فيه
فقال ما نقول يا أبا موسى ومثله لمسلم عن محمد بن حاتم عن يحيى (قوله قلت والذي بعثك بالحق
ما أطلعاني على ما في أنفسهما) يفسر به رواية أبي العميس فاعتذرت إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم مما قالوا وقلت لم أدر ما حاجتهم فصدقني وعذرني وفي لفظ فقال لم أعلم لماذا جاءا (قوله
لن أو لا) شك من الراوي وفي رواية يزيد عند مسلم إنا والله (قوله لا نستعمل على عملنا من إرادة)
في رواية أبي العميس من سألنا بفتح اللام وفي رواية يزيد أحدا سأله ولا أحدا حرص عليه
وفي أخرى فقال إن أخونكم عندنا من يطلبه فلم يستعن بهما في شئ حتى مات أخرجه أحمد
من رواية إسماعيل بن أبي خالد عن أخيه عن أبي بردة وأدخل أبو داود بينه وبين أبي بردة رجلا
(قوله ثم أتبعه) بهمزة ثم مثناة ساكنة (قوله معاذ بن جبل) بالنصب أي بعثه بعده وظاهره أنه
ألحقه به بعد أن توجه ووقع في بعض النسخ وأتبعه بهمزة وصل وتشديد ومعاذ بالرفع لكن تقدم
في المغازي بلفظ بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذا إلى اليمن فقال يسرا ولا تعسرا
الحديث ويحمل على أنه أضاف معاذا إلى أبي موسى بعد سبق ولايته لكن قبل توجهه فوصاهما
عند التوجه بذلك ويمكن أن يكون المراد أنه وصى كلا منهما واحد بعد آخر (قوله فلما قدم
عليه) تقدم في المغازي أن كلا منهما كان على عمل مستقل وأن كلا منهما كان إذا سار في أرضه
فقرب من صاحبه أحدث به عهدا وفي أخرى هناك فجعلا يتزاوران فزار معاذ أبا موسى وفي
أخرى فضرب فسطاطا ومعنى ألقى له وسادة فرشها له ليجلس عليها وقد ذكر الباجي والأصيلي
فيما نقله عياض عنهما أن المراد بقول ابن عباس فاضطجعت في عرض الوسادة الفراش ورده
النووي فقال هذا ضعيف أو باطل وانما المراد بالوسادة ما يجعل تحت رأس النائم وهو كما قال قال
وكانت عادتهم أن من أرادوا إكرامه وضعوا الوسادة تحته مبالغة في إكرامه وقد وقع في حديث
عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه فألقى له وسادة كما تقدم في الصيام وفي
حديث ابن عمر أنه دخل على عبد الله بن مطيع فطرح له وسادة فقال له ما جئت لأجلس وأخرجه
مسلم ولم أر في شئ من كتب اللغة أن الفراش يسمى وسادة (قوله قال انزل) أي فاجلس على
الوسادة (قوله فإذا رجل الخ) هي جملة حالية بين الامر والجواب ولم أقف على اسم الرجل المذكور
وقوله كان يهوديا فأسلم ثم تهود في رواية مسلم وأبي داود ثم راجع دينه دين السوء ولأحمد من
طريق أيوب عن حميد بن هلال عن أبي بردة قال قدم معاذ بن جبل على أبي موسى فإذا رجل عنده
فقال ما هذا فذكر مثله وزاد ونحن نريده على الاسلام منذ أحسبه شهرين وأخرج الطبراني
من وجه آخر عن معاذ وأبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهما أن يعلما الناس فزار
معاذ أبا موسى فإذا عنده رجل موثق بالحديد فقال يا أخي أو بعثت تعذب الناس انما بعثنا
نعلمهم دينهم ونأمرهم بما ينفعهم فقال أنه أسلم ثم كفر فقال والذي بعث محمدا بالحق لا أبرح حتى
أحرقه بالنار (قوله لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله) بالرفع خبر مبتدأ محذوف ويجوز
النصب (قوله ثلاث مرات) أي كرر هذا الكلام ثلاث مرات وبين أبو داود في روايته أنهما
كررا القول أبو موسى يقول اجلس ومعاذ يقول لا أجلس فعلى هذا فقوله ثلاث مرات من كلام
الراوي لا تتمة كلام معاذ ووقع في رواية أيوب بعد قوله قضاء الله ورسوله ان من رجع عن دينه
242

أو قال بدل دينه فأقتلوه (قوله فأمر به فقتل) في رواية أيوب فقال والله لا أقعد حتى تضربوا
عنقه فضرب عنقه وفي رواية الطبراني التي أشرت إليها فأتى بحطب فألهب فيه النار فكتفه
وطرحه فيها ويمكن الجمع بأنه ضرب عنقه ثم ألقاه في النار ويؤخذ منه أن معاذا وأبا موسى كانا
يريان جواز التعذيب بالنار وإحراق الميت بالنار مبالغة في إهانته وترهيبا عن الاقتداء به
وأخرج أبو داود من طريق طلحة بن يحيى ويزيد بن عبد الله كلاهما عن أبي بردة عن أبي موسى
قال قدم على معاذ فذكر قصة اليهودي وفيه فقال لا أنزل عن دابتي حتى يقتل فقتل قال
أحدهما وكان قد استتيب قبل ذلك وله من طريق أبي إسحاق الشيباني عن أبي بردة أتى أبو موسى
برجل قد ارتد عن الاسلام فدعاه فأبى عشرين ليلة أو قريبا منها وجاء معاذ فدعاه فأبى فضرب
عنقه قال أبو داود رواه عبد الملك بن عمير عن أبي بردة فلم يذكر الاستتابة وكذا ابن فضيل عن
الشيباني وقال المسعودي عن القاسم يعني ابن عبد الرحمن في هذه القصة فلم ينزل حتى ضرب
عنقه وما استتابه وهذا يعارضه الرواية المثبتة لان معاذا استتابه وهي أقوى من هذه والروايات
الساكتة عنها لا تعارضها وعلى تقدير ترجيح رواية المسعودي فلا حجة فيه لمن قال يقتل المرتد
بلا والمرتدة (قوله ثم تذاكرا قيام الليل) في رواية سعيد بن أبي بردة فقال
كيف نقرأ القرآن أي في صلاة الليل (قوله فقال أحدهما) هو معاذ ووقع في رواية سعيد بن أبي
بردة فقال أبو موسى أقرؤه قائما وقاعدا وعلى راحلتي وأتفوقه بفاء وقاف بينهما واو ثقيلة
أي ألازم قراءته في جميع الأحوال وفي أخرى فقال أبو موسى كيف تقرأ أنت يا معاذ قال أنام
أول الليل فأقوم وقد قضيت حاجتي فأقرأ ما كتب الله لي (قوله وأرجو في نومتي ما أرجو
في قومتي) في رواية سعيد وأحتسب في الموضعين كما تقدم بيانه في المغازي وحاصله أنه يرجو
الاجر في ترويح نفسه بالنوم ليكون أنشط عند القيام وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم تولية
أميرين على البلد الواحد وقسمة البلد بين أميرين وفيه كراهة سؤال الامارة والحرص عليها
ومنع الحريص منها كما سيأتي بسطه في كتاب الأحكام وفيه تزاور الاخوان والامراء والعلماء
وإكرام الضيف والمبادرة إلى إنكار المنكر وإقامة الحد على من وجب عليه وأن المباحات
يؤجر عليها بالنية إذا صارت وسائل للمقاصد الواجبة أو المندوبة أو تكميلا لشئ منهما
(قوله باب قتل من أبى قبول الفرائض) أي جواز قتل من امتنع من التزام
الاحكام الواجبة والعمل بها قال المهلب من امتنع من قبول الفرائض نظر فان أقر بوجوب
الزكاة مثلا أخذت منه قهرا ولا يقتل فان أضاف إلى امتناعه نصب القتال قوتل إلى أن يرجع
قال مالك في الموطأ الامر عندنا فيمن منع فريضة من فرائض الله تعالى فلم يستطع المسلمون
أخذها منه كان حقا عليهم جهاده قال ابن بطال مراده إذا أقر بوجوبها لا خلاف في ذلك
(قوله وما نسبوا إلى الردة) أي أطلق عليهم اسم المرتدين قال الكرماني ما في قوله وما نسبوا
نافية كذا قال والذي يظهر لي أنها مصدرية أي ونسبتهم إلى الردة وأشار بذلك إلى ما ورد في بعض
طرق الحديث الذي أورده كما سأبينه قال القاضي عياض وغيره كان أهل الردة ثلاثة أصناف
صنف عادوا إلى عبادة الأوثان وصنف تبعوا مسيلمة والأسود العنسي وكان كل منهما ادعى
243

النبوة قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم فصدق مسيلمة أهل اليمامة وجماعة غيرهم وصدق
الأسود أهل صنعاء وجماعة غيرهم فقتل الأسود قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بقليل وبقي
بعض من آمن به فقاتلهم عمال النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر وأما مسيلمة فجهز إليه
أبو بكر الجيش وعليهم خالد بن الوليد فقتلوه وصنف ثالث استمروا على الاسلام لكنهم جحدوا
الزكاة وتأولوا بأنها خاصة بزمن النبي صلى الله عليه وسلم وهم الذين ناظر عمر أبا بكر في قتالهم كما
وقع في حديث الباب وقال أبو محمد بن حزم في الملل والنحل انقسمت العرب بعد موت النبي صلى
الله عليه وسلم على أربعة أقسام طائفة بقيت على ما كانت عليه في حياته وهم الجمهور وطائفة
بقيت على الاسلام أيضا إلا أنهم قالوا نقيم الشرائع إلا الزكاة وهم كثير لكنهم قليل بالنسبة إلى
الطائفة الأولى والثالثة أعلنت بالكفر والردة كأصحاب طليحة وسجاح وهم قليل بالنسبة لمن
قبلهم إلا أنه كان في كل قبيلة من يقاوم من ارتد وطائفة توقفت فلم تطع أحدا من الطوائف
الثلاثة وتربصوا لمن تكون الغلبة فأخرج أبو بكر إليهم البعوث وكان فيروز ومن معه غلبوا على
بلاد الأسود وقتلوه وقتل مسيلمة باليمامة وعاد طليحة إلى الاسلام وكذا سجاح ورجع غالب من كان
ارتد إلى الاسلام فلم يحل الحول وإلا والجميع قد راجعوا دين الاسلام ولله الحمد (قوله أن أبا
هريرة قال) في رواية مسلم عن أبي هريرة وهكذا رواه الأكثر عن الزهري بهذا السند على أنه من
رواية أبي هريرة عن عمر وعن أبي بكر وقال يونس بن يزيد عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن
أبا هريرة أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أمرت أن أقاتل الناس الحديث فساقه
على أنه من مسند أبي هريرة ولم يذكر أبا بكر ولا عمر أخرجه مسلم وهو محمول على أن أبا هريرة سمع
أصل الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم وحضر مناظرة أبي بكر وعمر فقصها كما هي ويؤيده انه جاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة من طرق فأخرجه مسلم من طريق
العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه ومن طريق أبي صالح ذكوان كلاهما عن أبي هريرة
وأخرجه ابن خزيمة من طريق أبي العنبس سعيد بن كثير بن عبيد عن أبيه وأخرجه أحمد من
طريق همام بن منبه ورواه مالك خارج الموطأ عن أبي الزناد عن الأعرج وذكره ابن منده في كتاب
الايمان من رواية عبد الرحمن بن أبي عمرة كلهم عن أبي هريرة ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم
أيضا ابن عمر كما تقدم في أوائل الكتاب في كتاب الايمان وجابر وطارق الأشجعي عند مسلم وأخرجه
أبو داود والترمذي من حديث أنس وأصله عند البخاري كما تقدم في أوائل الصلاة وأخرجه
الطبراني من وجه آخر عن أنس وهو عند بن خزيمة من وجه آخر عنه لكن قال عن أنس عن
أبي بكر وأخرجه البزار من حديث النعمان بن بشير وأخرجه الطبراني من حديث سهل بن سعد
وابن عباس وجرير البجلي وفي الأوسط من حديث سمرة وسأذكر ما في رواياتهم من فائدة زائدة
إن شاء الله تعالى (قوله وكفر من كفر من العرب) في حديث أنس عند ابن خزيمة لما توفى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد عامة العرب (قوله يا أبا بكر كيف تقاتل الناس) في حديث
أنس أتريد أن تقاتل العرب (قوله أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) كذا ساقه
الأكثر وفي رواية طارق عند مسلم من وحد الله وكفر بما يعبد من دونه حرم دمه وماله وأخرجه
الطبراني من حديثه كرواية الجمهور وقي حديث ابن عمر حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا
244

رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ونحوه في حديث أبي العنبس وفي حديث أنس عند
أبي داود حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن يستقبلوا قبلتنا ويأكلوا
ذبيحتنا ويصلوا صلاتنا وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله وأن محمدا
عبده ورسوله ويؤمنوا بي وبما جئت به قال الخطابي زعم الروافض أن حديث الباب متناقض
لان في أوله أنهم كفروا وفي آخره أنهم ثبتوا على الاسلام إلا أنهم منعوا الزكاة فان كانوا مسلمين
فكيف استحل قتالهم وسبي ذراريهم وان كانوا كفارا فكيف احتج على عمر بالتفرقة بين
الصلاة والزكاة فان في جوابه إشارة إلى أنهم كانوا مقرين بالصلاة قال والجواب عن ذلك أن
الذين نسبوا إلى الردة كانوا صنفين صنف رجعوا إلى عبادة الأوثان وصنف منعوا الزكاة وتأولوا
قوله تعالى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم فزعموا
أن دفع الزكاة خاص به صلى الله عليه وسلم لان غيره لا يطهرهم ولا يصلى عليهم فكيف تكون
صلاته سكنا لهم وانما أراد عمر بقوله تقاتل الناس الصنف الثاني لأنه لا يتردد في جواز قتل الصنف
الأول كما أنه لا يتردد في قتال غيرهم من عباد الأوثان والنيران واليهود والنصارى قال وكأنه لم
يستحضر من الحديث إلا القدر الذي ذكره وقد حفظ غيره في الصلاة والزكاة معا وقد رواه
عبد الرحمن بن يعقوب بلفظ يعم جميع الشريعة حيث قال فيها ويؤمنوا بي وبما جئت به فان
مقتضى ذلك أن من جحد شيئا مما جاء به صلى الله عليه وسلم ودعى إليه فامتنع ونصب القتال انه يجب
قتاله وقتله إذا أصر قال وانما عرضت الشبهة لما دخله من الاختصار وكأن راويه لم يقصد
سياق الحديث على وجهه وانما أراد سياق مناظرة أبي بكر وعمر وأعتمد على معرفة السامعين
بأصل الحديث انتهى ملخصا (قلت) وفي هذا الجواب نظر لأنه لو كان عند عمر في الحديث
حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ما استشكل قتالهم للتسوية في كون غاية القتال ترك كل من
التلفظ بالشهادتين وإقام الصلاة وايتاء الزكاة قال عياض حديث ابن عمر نص في قتال من لم
يصل ويزك كمن لم يقر بالشهادتين واحتجاج عمر على أبي بكر وجواب أبي بكر دل على أنهما
لم يسمعا في الحديث الصلاة والزكاة إذ لو سمعه عمر لم يحتج على أبي بكر ولو سمعه أبو بكر لرد به على
عمر ولم يحتج إلى الاحتجاج بعموم قوله إلا بحقه (قلت) إن كان الضمير في قوله بحقه للاسلام فمهما
ثبت أنه من حق الاسلام تناوله ولذلك اتفق الصحابة على قتال من جحد الزكاة (قوله لأقاتلن
من فرق بين الصلاة والزكاة) يجوز تشديد فرق وتخفيفه والمراد بالفرق من أقر بالصلاة وأنكر
الزكاة جاحدا أو مانعا مع الاعتراف وانما أطلق في أول القصة الكفر ليشمل الصنفين فهو
في حق من جحد حقيقة وفي حق الآخرين مجاز تغليبا وانما قاتلهم الصديق ولم يعذرهم بالجهل
لانهم نصبوا القتال فجهز إليهم من دعاهم إلى الرجوع فلما أصروا قاتلهم قال المازري ظاهر
السياق أن عمر كان موافقا على قتال من جحد الصلاة فألزمه الصديق بمثله في الزكاة لو رد هما في
الكتاب والسنة موردا واحدا (قوله فان الزكاة حق المال) يشير إلى دليل منع التفرقة التي
ذكرها أن حق النفس الصلاة وحق المال الزكاة فمن صلى عصم نفسه ومن زكى عصم ماله فإن لم
يصل قوتل على ترك الصلاة ومن لم يزك أخذت الزكاة من ماله قهرا وان نصب الحرب لذلك
قوتل وهذا يوضح أنه لو كان سمع في الحديث ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة لما احتاج إلى هذا
245

الاستنباط لكنه يحتمل أن يكون سمعه واستظهر بهذا الدليل النظري (قوله والله لو منعوني
عناقا) تقدم ضبطها في باب أخذ العناق وفي الصدقة من كتاب الزكاة ووقع في رواية قتيبة عن
الليث عند مسلم عقالا وأخرجه البخاري في كتاب الاعتصام عن قتيبة فكنى بهذه اللفظة فقال
لو منعوني كذا واختلف في هذه اللفظة فقال قوم هي وهم والى ذلك أشار البخاري بقوله
في الاعتصام عقب إيراده قال لي ابن بكير يعني شيخه فيه هنا وعبد الله يعني ابن صالح عن الليث
عناقا وهو أصح ووقع في رواية ذكرها أبو عبيدة لو منعوني جديا أذوط وهو يؤيد أن الرواية
عناقا والأذوط الصغير الفك والذقن قال عياض واحتج بذلك من يجيز أخذ العناق في زكاة الغنم
إذا كانت كلها سخالا وهو أحد الأقوال وقيل انما ذكر العناق مبالغة في التقليل لا العناق
نفسها (قلت) والعناق بفتح المهملة والنون الأنثى من ولد المعز قال النووي المراد انها كانت
صغارا فماتت أمهاتها في بعض الحول فيزكين بحول الأمهات ولو لم يبق من الأمهات شئ على
الصحيح ويتصور فيما إذا ماتت معظم الكبار وحدثت الصغار فحال الحول على الكبار على بقيتها
وعلى الصغار وقال بعض المالكية العناق والجذعة تجزي في زكاة الإبل القليلة التي تزكى بالغنم
وفي الغنم أيضا إذا كانت جذعة ويؤيده أن في حديث أبي بردة في الأضحية فان عندي عناقا
جذعة وقد تقدم البحث في ذلك في كتاب الزكاة وقال قوم الرواية محفوظة ولها معنى متجه
وجرى النووي على طريقته فقال هو محمول على أنه قالها مرتين مرة عناقا ومرة عقالا (قلت)
وهو بعيد مع اتحاد المخرج والقصة وقيل العقال يطلق على صدقة عام يقال أخذ منه عقال هذا
العام يعني صدقته حكاه المازري عن الكسائي واستشهد بقول الشاعر
سعى عقالا فلم يترك لنا سندا * فكيف لو قد سعى عمرو عقالين
وعمرو المشار إليه هو ابن عتبة بن أبي سفيان وكان عمه معاوية يبعثه ساعيا على الصدقات فقيل
فيه ذلك ونقل عياض عن ابن وهب أنه الفريضة من الإبل ونحوه عن النضر بن شميل وعن
أبي سعيد الضرير العقال ما يؤخذ في الزكاة من نعام وثمار لأنه عقل عن مالكها وقال المبرد
العقال ما أخذه العامل من صدقة بعينها فان تعوض عن شئ منها قيل أخذ نقدا وعلى هذا
فلا اشكال فيه وذهب الأكثر إلى حمل العقال على حقيقته وأن المراد به الحبل الذي يعقل به
البعر نقله عياض عن الواقدي عن مالك بن أبي ذئب قالا العقال عقال الناقة قال أبو عبيد
العقال اسم لما يعقل به البعير وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة على الصدقة
فكان يأخذ مع كل فريضة عقالا وقال النووي ذهب إلى هذا كثير من المحققين وقال
ابن التيمي في التحرير قول من فسر العقال بفريضة العام تعسف وهو نحو تأويل من حمل
البيضة والحبل في حديث لعن السارق على بيضة الحديد وحبل السفينة (قلت) وقد تقدم
بيان ذلك في باب حد السرقة إلى أن قال وكل ما كان في هذا السياق أحقر كان أبلغ قال
والصحيح أن المراد بالعقال ما يعقل به البعير قال والدليل على أن المراد به المبالغة قوله في الرواية
الأخرى عناقا وفي الأخرى جديا قال فعلى هذا فالمراد بالعقال قدر قيمته قال الثوري وهذا
هو الصحيح الذي لا ينبغي غيره وقال عياض احتج به بعضهم على جواز أخذ الزكاة في عروض
التجارة وفيه بعد والراجح أن العقال لا يؤخذ في الزكاة لوجوبه بعينه وإنما يؤخذ تبعا
246

للفريضة التي تعقل به أو أنه قال ذلك مبالغة على تقدير أن لو كان يؤدونه إلى النبي صلى
الله عليه وسلم وقال النووي يصح قدر قيمة العقال في زكاة النقد وفي المعدن والركاز والمعشرات
وزكاة الفطر وفيما لو وجبت سن فأخذ الساعي دونه وفيما إذا كانت الغنم سخالا فمنع واحدة
وقيمتها عقال قال وقد رأيت كثيرا ممن يتعانى الفقه يظن أنه لا يتصور وإنما هو للمبالغة وهو
غلط منه وقد قال الخطابي حمله بعضهم على زكاة العقال إذا كان من عروض التجارة وعلى الحبل
نفسه عند من يجيز أخذ القيم وللشافعي قول إنه يتخير بين العرض والنقد قال وأظهر من ذلك
كله قول من قال إنه يجب أخذ العقال مع الفريضة كما جاء عن عائشة كان من عادة المتصدق أن
يعمد إلى قرن بفتح القاف والراء وهو الحبل فيقرن به بين بعيرين لئلا تشرد الإبل وهكذا جاء عن
الزهري وقال غيره في قول أبي بكر لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم غنية عن حمله عن المبالغة وحاصله أنهم متى منعوا شيئا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم ولو قل فقد منعوا شيئا واجبا إذ لا فرق في منع الواجب وجحده بين القليل الكثير قال
وهذا يغنى عن جميع التقادير والتأويلات التي لا يسبق الفهم إليها ولا يظن بالصديق أنه يقصد
إلى مثلها قلت الحامل لمن حمله على المبالغة أن الذي تمثل به في هذا المقام لابد وأن يكون من
جنس ما يدخل في الحكم المذكور فلذلك حملوه على المبالغة والله أعلم (قوله فوالله ما هو إلا أن
رأيت أن الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق) أي ظهر له عن صحة احتجاجه
لا أنه قلده في ذلك وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم في كتاب الايمان الاجتهاد
في النوازل وردها إلى الأصول والمناظرة على ذلك والرجوع إلى الراجح والأدب في المناظرة بترك
التصريح بالتخطئة والعدول إلى التلطف والاخذ في إقامة الحجة إلى أن يظهر للمناظر فلو عاند بعد
ظهورها فحينئذ يستحق الاغلاظ بحسب حاله وفيه الحلف على الشئ لتأكيده وفيه منع قتل
من قال لا إله إلا الله ولو لم يزد عليها وهو كذلك لكن هل يصير بمجرد ذلك مسلما الراجح لا بل يجب
الكف عن قتله حتى يختبر فان شهد بالرسالة والتزم أحكام الاسلام حكم بإسلامه وإلى ذلك
الإشارة بالاستثناء بقوله إلا بحق الاسلام قال البغوي الكافر إذا كان وثنيا أو ثنويا لا يقر
بالوحدانية فإذا قال لا إله إلا الله حكم بإسلامه ثم يجبر على قبول جميع أحكام الاسلام ويبرأ
من كل دين خالف دين الاسلام وأما من كان مقرا بالوحدانية منكرا للنبوة فإنه لا يحكم بإسلامه
حتى يقول محمد رسول الله فإن كان يعتقد أن الرسالة المحمدية إلى العرب خاصة فلا بد أن يقول
إلى جميع الخلق فإن كان كفر بجحود واجب أو استباحة محرم فيحتاج أن يرجع عما اعتقده
ومقتضى قوله يجبر أنه إذا لم يلتزم تجري عليه أحكام المرتد وبه صرح القفال واستدل بحديث
الباب فادعى أنه لم يرد في خبر من الاخبار أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن
محمدا رسول الله أو أني رسول الله كذا قال وهي غفلة عظيمة فالحديث في صحيحي البخاري ومسلم
في كتاب الايمان من كل منهما من رواية بن عمر بلفظ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله ويحتمل أن يكون المراد بقوله لا إله إلا الله هنا التلفظ بالشهادتين لكونها صارت علما
على ذلك ويؤيده ورودهما صريحان في الطرق الأخرى واستدل بها على أن الزكاة لا تسقط عن
المرتد وتعقب بأن المرتد كافر والكافر لا يطالب بالزكاة وانما يطالب بالايمان وليس في فعل
247

الصديق حجة لما ذكر وانما فيه قتال من منع الزكاة والذين تمسكوا بأصل الاسلام ومنعوا الزكاة
بالشبهة التي ذكروها لم يحكم عليهم بالكفر قبل إقامة الحجة وقد اختلف الصحابة فيهم بعد الغلبة
عليهم هل تغنم أموالهم وتسبى ذراريهم كالكفار أو لا كالبغاة فرأى أبو بكر الأول وعمل به وناظره
عمر في ذلك كما سيأتي بيانه في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى وذهب إلى الثاني ووافقه غيره في
خلافته على ذلك واستقر الاجماع عليه في حق من جحد شيئا من الفرائض بشبهة فيطالب
بالرجوع فان نصب القتال قوتل وأقيمت عليه الحجة فان رجع والا عومل معاملة الكافر حينئذ
ويقال ان أصبغ من المالكية استقر على القول الأول فعد من ندرة المخالف وقال القاضي
عياض يستفاد من هذه القصة ان الحاكم إذا أداه اجتهاده في أمر لا نص فيه إلى شئ تجب
طاعته فيه ولو اعتقد بعض المجتهدين خلافه فان صار ذلك المجتهد المعتقد خلافه حاكما وجب
عليه العمل بما أداه إليه اجتهاده وتسوغ له مخالفة الذي قبله في ذلك لان عمر أطاع أبا بكر فيما
رأى من حق مانعي الزكاة مع اعتقاده خلافه ثم عمل في خلافته بما أداه إليه اجتهاده ووافقه
أهل عصره من الصحابة وغيرهم وهذا مما ينبه عليه في الاحجاج بالاجماع السكوتي فيشترط في
الاحتجاج به انتفاء موانع الانكار وهذا منها وقال الخطابي في الحديث أن من أظهر الاسلام
أجريت عليه أحكامه الظاهرة ولو أسر الكفر في نفس الامر ومحل الخلاف انما هو فيمن اطلع على
معتقده الفاسد فأظهر الرجوع هل يقبل منه أو لا وأما من جهل أمره فلا خلاف في اجراء
الاحكام الظاهرة عليه (قوله باب إذا عرض الذمي أو غيره) أي المعاهد ومن يظهر
الاسلام (قوله بسب النبي صلى الله عليه وسلم) أي وتنقيصه وقوله ولم يصرح تأكيد فان
التعريض خلاف التصريح وقد تقدم بيانه في تفسير قوله تعالى ولا جناح عليكم فيما عرضتم به
من خطبة النساء (قوله نحو قوله السام عليكم) في رواية الكشميهني السام عليك بالافراد وكذا
وقع في حديثي عائشة وابن عمر في الباب ولم يختلف في حديث أنس في لفظ عليك بالافراد وتقدمت
الأحاديث الثلاثة مع شرحها في كتاب الاستئذان واعترض بأن هذا اللفظ ليس فيه تعريض
بالسب والجواب أنه اطلق التعريض على ما يخالف التصريح ولم يرد التعريض المصطلح وهو أن
يستعمل لفظا في حقيقته يلوح به إلى معنى آخر يقصد وقال ابن المنير حديث الباب يطابق
الترجمة بطريق الأولى لان الجرح أشد من السب فكأن البخاري يختار مذهب الكوفيين في هذه
المسألة انتهى ملخصا وفيه نظر لأنه لم يبيت الحكم ولا يلزم من تركه قتل من قال ذلك لمصلحة التأليف
أن لا يجب قتله حيث لا مصلحة في تركه وقد نقل ابن المنذر الاتفاق على من سب النبي صلى الله
عليه وسلم صريحا وجب قتله ونقل أبو بكر الفارسي أحد أئمة الشافعية في كتاب الاجماع أن من
سب النبي صلى الله عليه وسلم مما هو قذف صريح كفر باتفاق العلماء فلو تاب لم يسقط عنه القتل
لان حد قذفه القتل وحد القذف لا يسقط بالتوبة وخالفه القفال فقال كفر بالسب فيسقط
القتل بالاسلام وقال الصيدلاني يزول القتل ويجب حد القذف وضعفه الامام فان عرض
فقال الخطابي لا أعلم خلافا في وجوب قتله إذا كان مسلما وقال ابن بطال اختلف العلماء فيمن
سب النبي صلى الله عليه وسلم فأما أهل العهد والذمة كاليهود فقال ابن القاسم عن مالك يقتل
الا أن يسلم وأما المسلم فيقتل بغير استتابة ونقل ابن المنذر عن الليث والشافعي وأحمد وإسحاق
248

مثله في حق اليهودي ونحوه ومن طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي ومالك في المسلم هي ردة
يستتاب منها وعن الكوفيين إن كان ذميا عزر وإن كان مسلما فهي ردة وحكى عياض خلافا هل
كان ترك من وقع منه ذلك لعدم التصريح أو لمصلحة التأليف ونقل عن بعض المالكية أنه
انما لم يقتل اليهود في هذه القصة لانهم لم تقم عليهم البينة بذلك ولا أقروا به فلم يقض فيهم بعلمه وقيل
إنهم لم لم يظهروه ولووه بألسنتهم ترك قتلهم وقيل إنه لم يحمل ذلك منهم على السب بل على الدعاء
بالموت الذي لا بد منه ولذلك قال في الرد عليهم وعليكم أي الموت نازل علينا وعليكم فلا معنى
للدعاء به أشار إلى ذلك القاضي عياض وتقدمت الإشارة إليه في الاستئذان وكذا من قال
السام بالهمز بمعنى السأمة هو دعاء بأن يملوا الدين وليس بصريح في السب والله أعلم وعلى القول
بوجوب قتل من وقع منه ذلك من ذمي أو معاهد فترك لمصلحة التأليف هل ينتقض بذلك عهده
محل تأمل واحتج الطحاوي لأصحابهم بحديث الباب وأيده بان هذا الكلام لو صدر من مسلم
لكان ردة وأما صدوره من اليهود فالذي هم عليه من الكفر أشد منه فلذلك لم يقتلهم النبي
صلى الله عليه وسلم وتعقب بأن دماءهم لم تحقن إلا بالعهد وليس في العهد أنهم يسبون النبي
صلى الله عليه وسلم فمن سبه منهم تعد العهد فينتقض فيصير كافرا بلا عهد فيهدر دمه الا أن يسلم
ويؤيده أنه لو كان كل ما يعتقدونه لا يؤاخذون به لكانوا لو قتلوا مسلما لم يقتلوا لان من معتقدهم
حل دماء المسلمين ومع ذلك لو قتل منهم أحد مسلما قتل فان قيل انما يقتل بالمسلم قصاصا بدليل أنه
يقتل به ولو أسلم ولو سب ثم أسلم لم يقتل قلنا الفرق بينهما أن قتل المسلم يتعلق بحق آدمي فلا يهدر
وأما السب فان وجوب القتل به يرجع إلى حق الدين فيهدمه الاسلام والذي يظهر أن ترك قتل
اليهود انما كان لمصلحة التأليف أو لكونهم لم يعلنوا به أولهما جميعا وهو أولى والله أعلم (قوله
باب) كذا للأكثر بغير ترجمة وحذفه بن بطال فصار حديث ابن مسعود المذكور
فيه من جملة الباب الذي قبله واعترض بأنه انما ورد في قوم من كفار أهل حرب والنبي صلى الله
عليه وسلم مأمور بالصبر على الأذى منهم فلذلك امتثل أمر ربه (قلت) فهذا يقتضي ترجيح
صنيع الأكثر من جعله ترجمة مستقلة لكن تقدم التنبيه على أن مثل ذلك وقع كالفصل
من الباب الذي قبله فلا بد له من تعلق به في الجملة والذي يظهر أنه أشار بإيراده إلى ترجيح القول
بأن ترك قتل اليهود لمصلحة التأليف لأنه إذا لم يؤاخذ الذي ضربه حتى جرحه بالدعاء عليه ليهلك
بل صبر على أذاه وزاد فدعا له فلان يصبر على الأذى بالقول أولى ويؤخذ منه ترك القتل
بالتعريض بطريق الأولى وقد تقدم شرح حديث ابن مسعود المذكور في غزوة أحد من
كتاب المغازي وحفص المذكور في السند هو ابن غياث وشقيق هو ابن سلمة أبو وائل والسند
كله كوفيون وقوله قال عبد الله يعني ابن مسعود ووقع في رواية مسلم من طريق وكيع
عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله (قوله يحكى نبيا من الأنبياء) تقدم في ذكر بني إسرائيل
من أحاديث الأنبياء هذا الحديث بهذا السند وذكرت فيه من طريق مرسلة وفي سندها
من لم يسم من سمى النبي المذكور نوحا عليه السلام ثم وقع لي من رواية الأعمش بسند له مضموما
إلى روايته بسند حديث الباب أخرجه ابن عساكر في ترجمة نوح عليه السلام من تاريخ
دمشق من رواية يعقوب بن عبد الله الأشعري عن الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير قال
249

إن كان نوح ليضربه قومه حتى يغمى عليه ثم يفيق فيقول اهد قومي فإنهم لا يعلمون وبه عن
الأعمش عن شقيق عن عبد الله فذكر نحو حديث الباب وتقدم هناك أيضا قول القرطبي
ان النبي صلى الله عليه وسلم هو الحاكي والمحكى عنه ووجه الرد عليه وتقدم في غزوة أحد بيان
ما وقع له صلى الله عليه وسلم من الجراحة في وجهه يوم أحد وأنه صلى الله عليه وسلم قال أولا كيف
يفلح قوم أدموا وجه نبيهم فإنه قال أيضا اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون وان عند أحمد من رواية
عاصم عن أبي وائل عن ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال نحو ذلك يوم حنين لما ازدحموا عليه
عند قسمة الغنائم (قوله فهو يمسح الدم عن وجهه) في رواية عبد الله بن نمير عن الأعمش عند مسلم
في هذا الحديث عن جبينه وقد تقدم في غزوة أحد بيان أنه شج صلى الله عليه وسلم وكسرت
رباعيته وشرح ما وقع في ذلك مبسوطا ولله الحمد (قوله باب قتل الخوارج
والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم وقول الله تعالى وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم
ما يتقون) أما الخوارج فهم جمع خارجة أي طائفة وهم قوم مبتدعون سموا بذلك لخروجهم
عن الدين وخروجهم على خيار المسلمين وأصل بدعتهم فيما حكاه الرافعي في الشرح الكبير أنهم
خرجوا على علي رضي الله عنه حيث اعتقدوا أنه يعرف قتلة عثمان رضي الله عنه ويقدر
عليهم ولا يقتص منهم لرضاه بقتله أو مواطأته إياهم كذا قال وهو خلاف ما أطبق عليه أهل
الأخبار فإنه لا نزاع عندهم أن الخوارج لم يطلبوا بدم عثمان بل كانوا ينكرون عليه أشياء
ويتبرؤون منه وأصل ذلك أن بعض أهل العراق أنكروا سيرة بعض أقارب عثمان فطعنوا على
عثمان بذلك وكان يقال لهم القراء لشدة اجتهادهم في التلاوة والعبادة إلا أنهم كانوا يتأولون
القرآن على غير المراد منه ويستبدون برأيهم ويتنطعون في الزهد والخشوع وغير ذلك فلما
قتل عثمان قاتلوا مع علي واعتقدوا كفر عثمان ومن تابعه واعتقدوا إمامة علي وكفر من
قاتله من أهل الجمل الذين كان رئيسهم طلحة والزبير فإنهما خرجا إلى مكة بعد أن بايعا عليا فلقيا
عائشة وكانت حجت تلك السنة فاتفقوا على طلب قتلة عثمان وخرجوا إلى البصرة يدعون
الناس إلى ذلك فبلغ عليا فخرج إليهم فوقعت بينهم وقعة الجمل المشهورة وانتصر على وقتل
طلحة في المعركة وقتل الزبير بعد أن انصرف من الوقعة فهذه الطائفة هي التي كانت تطلب بدم
عثمان بالاتفاق ثم قام معاوية بالشام في مثل ذلك وكان أمير الشام إذ ذاك وكان علي أرسل إليه
لان يبايع له أهل الشام فاعتل بأن عثمان قتل مظلوما وتجب المبادرة إلى الاقتصاص من قتلته
وأنه أقوى الناس على الطلب بذلك ويلتمس من علي أن يمكنه منهم ثم يبايع له بعد ذلك وعلي
يقول ادخل فيما دخل فيه الناس وحاكمهم إلى أحكم فيهم بالحق فلما طال الامر خرج علي في أهل
العراق طالبا قتال أهل الشام فخرج معاوية في أهل الشام قاصدا إلى قتاله فالتقيا بصفين
فدامت الحرب بينهما أشهرا وكاد أهل الشام أن ينكسروا فرفعوا المصاحف على الرماح
ونادوا ندعوكم إلى كتاب الله تعالى وكان ذلك بإشارة عمرو بن العاص وهو مع معاوية فترك جمع
كثير ممن كان مع علي وخصوصا القراء القتال بسبب ذلك تدينا واحتجوا بقوله تعالى ألم تر إلى
الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم الآية فراسلوا أهل الشام
في ذلك فقالوا ابعثوا حكما منكم وحكما منا ويحضر معهما من لم يباشر القتال فمن رأوا الحق
250

معه أطاعوه فأجاب علي ومن معه إلى ذلك وأنكرت ذلك تلك الطائفة التي صاروا خوارج
وكتب علي بينه وبين معاوية كتاب الحكومة بين أهل العراق والشام هذا ما قضى عليه أمير
المؤمنين على معاوية فامتنع أهل الشام من ذلك وقالوا أكتبوا اسمه واسم أبيه فأجاب علي إلى
ذلك فأنكره عليه الخوارج أيضا ثم انفصل الفريقان على أن يحضر الحكمان ومن معهما بعد
مدة عينوها في مكان وسط بين الشام والعراق ويرجع العسكران إلى بلادهم إلى أن يقع
الحكم فرجع معاوية إلى الشام ورجع علي إلى الكوفة ففارقه الخوارج وهم ثمانية آلاف وقيل
كانوا أكثر من عشر آلاف وقيل ستة آلاف ونزلوا مكانا يقال له حروراء بفتح المهملة وراءين
الأولى مضمومة ومن ثم قيل لهم الحرورية وكان كبيرهم عبد الله بن الكواء بفتح الكاف
وتشديد الواو مع المد اليشكري وشبث بفتح المعجمة والموحدة بعدها مثلثة التميمي فأرسل إليهم
علي ابن عباس فناظرهم فرجع كثير منهم معه ثم خرج إليهم علي فأطاعوه ودخلوا معه الكوفة
معهم رئيساهم المذكوران ثم أشاعوا أن عليا تاب من الحكومة ولذلك رجعوا معه فبلغ ذلك
عليا فخطب وأنكر ذلك فتنادوا من جوانب المسجد لا حكم إلا لله فقال كلمة حق يراد بها باطل
فقال لهم لكم علينا ثلاث أن لا نمنعكم من المساجد ولا من رزقكم من الفئ ولا نبدؤكم بقتال
ما لم تحدثوا فسادا وخرجوا شيئا بعد شئ إلى أن اجتمعوا بالمدائن فراسلهم في الرجوع فأصروا على
الامتناع حتى يشهد على نفسه بالكفر لرضاه بالتحكيم ويتوب ثم راسلهم أيضا فأرادوا قتل
رسوله ثم اجتمعوا على أن من لا يعتقد معتقدهم يكفر و يباح دمه وماله وأهله وانتقلوا إلى الفعل
فاستعرضوا الناس فقتلوا من اجتاز بهم من المسلمين ومر بهم عبد الله بن خباب بن الأرت وكان
واليا لعلي على بعض تلك البلاد ومعه سرية وهي حامل فقتلوه وبقروا بطن سريته عن ولد فبلغ
عليا فخرج إليهم في الجيش الذي كان هيأه للخروج إلى الشام فأوقع بهم بالنهروان ولم ينج منهم إلا
دون العشرة ولا قتل ممن معه إلا نحو العشرة فهذا ملخص أول أمرهم ثم انضم إلى من بقى منهم
من مال إلى رأيهم فكانوا مختفين في خلافة علي حتى كان منهم عبد الرحمن بن ملجم الذي قتل عليا
بعد أن دخل علي في صلاة الصبح ثم لما وقع صلح الحسن ومعاوية ثارت منهم طائفة فأوقع بهم
عسكر الشام بمكان يقال له النجيلة ثم كانوا منقمعين في امارة زياد وابنه عبيد الله على العراق طول
مدة معاوية وولده يزيد وظفر زياد وابنه منهم بجماعة فأبادهم بين قتل وحبس طويل فلما مات يزيد
ووقع الافتراق وولى الخلافة عبد الله بن الزبير وأطاعه أهل الأمصار إلا بعض أهل الشام ثار
مروان فادعى الخلافة وغلب على جميع الشام إلى مصر فظهر الخوارج حينئذ بالعراق مع نافع
ابن الأزرق وباليمامة مع نجدة بن عامر وزاد نجدة على معتقد الخوارج أن من لم يخرج ويحارب
المسلمين فهو كافر ولو اعتقد معتقدهم وعظم البلاء بهم وتوسعوا في معتقدهم الفاسد فأبطلوا
رجم المحصن وقطعوا يد السارق من الإبط وأوجبوا الصلاة على الحائض في حال حيضها وكفروا
من ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر إن كان قادرا وان لم يكن قادرا فقد ارتكب كبيرة
وحكم مرتكب الكبيرة عندهم حكم الكافر وكفوا عن أموال أهل الذمة وعن التعرض لهم
مطلقا وفتكوا فيم ينسب إلى الاسلام بالقتل والسبي والنهب فمنهم من يفعل ذلك مطلقا بغير
دعوة منهم ومنهم من يدعو أولا ثم يفتك ولم يزل البلاء بهم يزيد إلى أن أمر المهلب بن أبي صفرة على
251

قتالهم فطاولهم حتى ظفر بهم وتقلل جمعهم ثم لم يزل منهم بقايا في طول الدولة الأموية وصدر
الدولة العباسية ودخلت طائفة منهم المغرب وقد صنف في أخبارهم أبو مخنف بكسر الميم
وسكون المعجمة وفتح النون بعدها فاء واسمه لوط بن يحيى كتابا لخصه الطبري في تاريخه وصنف
في أخبارهم أيضا الهيثم بن عدي كتابا ومحمد بن قدامة الجوهري أحد شيوخ البخاري خارج
الصحيح كتابا كبيرا وجمع أخبارهم أبو العباس المبرد في كتابه الكامل لكن بغير أسانيد بخلاف
المذكورين قبله قال القاضي أبو بكر ابن العربي الخوارج صنفان أحدهما يزعم أن عثمان
وعليا وأصحاب الجمل وصفين وكل من رضى بالتحكيم كفار والآخر يزعم أن كل من أتى
كبيرة فهو كافر مخلد في النار أبدا وقال غيره بل الصنف الأول مفرع عن الصنف الثاني لان
الحامل لهم على تكفير أولئك كونهم أذنبوا فيما فعلوه بزعمهم وقال ابن حزم ذهب نجدة بن عامر
من الخوارج إلى أن من أتى صغيرة عذب بغير النار ومن أدمن على صغيرة فهو كمرتكب الكبيرة في
التخليد في النار وذكر أن منهم من غلا في معتقدهم الفاسد فأنكر الصلوات الخمس وقال الواجب
صلاة بالغداة وصلاة بالعشي ومنهم من جوز نكاح بنت الابن وبنت الأخ والأخت ومنهم من
أنكر أن تكون سورة يوسف من القرآن وأن من قال لا إله إلا الله فهو مؤمن عند الله ولو اعتقد
الكفر بقلبه وقال أبو منصور البغدادي في المقالات عدة فرق الخوارج عشرون فرقة وقال
ابن حزم أسوأهم حالا الغلاة المذكورون وأقربهم إلى قول أهل الحق الأباضية وقد بقيت منهم
بقية بالمغرب وقد وردت بما ذكرته من أصل حال الخوارج أخبار جياد منها ما أخرجه عبد الرزاق
عن معمر وأخرجه الطبري من طريق يونس كلاهما عن الزهري قال لما نشر أهل الشام
المصاحف بمشورة عمرو بن العاص حين كاد أهل العراق أن يغلبوهم هاب أهل الشام ذلك إلى أن
آل الامر إلى التحكيم ورجع كل إلى بلده إلى أن اجتمع الحكمان في العام المقبل بدومة الجندل
وافترقا عن غير شئ فلم رجعوا خالفت الحرورية عليا وقالوا لا حكم الا لله وأخرج ابن أبي شيبة
من طريق أبي رزين قال لما وقع الرضا بالتحكيم ورجع علي إلى الكوفة اعتزلت الخوارج
بحروراء فبعث لهم عبد الله ابن عباس فناظرهم فلما رجعوا جاء رجل إلى علي فقال إنهم
يتحدثون أنك أقررت لهم بالكفر لرضاك بالتحكيم فخطب وأنكر ذلك فتنادوا من جوانب
المسجد لا حكم إلا لله ومن وجه آخر أن رؤوسهم حينئذ الذين اجتمعوا بالنهروان عبد الله بن وهب
الراسي وزيد بن حصن الطائي وحرقوص بن زهير السعدي فاتفقوا على تأمير عبد الله بن وهب
وسيأتي كثير من أسانيد ما أشرت إليه بعد في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى وقال الغزالي في الوسيط
تبعا لغيره في حكم الخوارج وجهان أحدهما أنه كحكم أهل الردة والثاني أنه كحكم أهل البغي
ورجح الرافعي الأول وليس الذي قاله مطردا في كل خارجي فإنهم على قسمين أحدهما من تقدم
ذكره والثاني من خرج في طلب الملك لا للدعاء إلى معتقده وهم على قسمين أيضا قسم خرجوا
غضبا للدين من أجل جور الولاة وترك عملهم بالسنة النبوية فهؤلاء أهل حق ومنهم الحسن بن
علي وأهل المدينة في الحرة والقراء الذين خرجوا على الحجاج وقسم خرجوا لطلب الملك فقط
سواء كانت فيهم شبهة أم لا وهم البغاة وسيأتي بيان حكمهم في كتاب الفتن وبالله التوفيق (قوله
وكان بن عمر يراهم شرار خلق الله الخ) وصله الطبري في مسند علي من تهذيب الآثار من طريق
252

بكير بن عبد الله بن الأشج أنه سأل نافعا كيف كان رأي بن عمر في الحرورية قال كان يراهم شرار
خلق الله انطلقوا إلى آيات الكفار فجعلوها في المؤمنين (قلت) وسنده صحيح وقد ثبت في الحديث
الصحيح المرفوع عند مسلم من حديث أبي ذر في وصف الخوارج هم شرار الخلق والخليقة
وعند أحمد بسند جيد عن أنس مرفوعا مثله وعند البزار من طريق الشعبي عن مسروق عن
عائشة قالت ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخوارج فقال هم شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي
وسنده حسن وعند الطبراني من هذا الوجه مرفوعا هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق
والخليقة وفي حديث أبي سعيد عند أحمد هم شر البلية وفي رواية عبيد الله بن أبي رافع عن علي
عند مسلم من أبغض خلق الله إليه وفي حديث عبد الله بن خباب يعنى عن أبيه عند الطبراني شر
قتلى أظلتهم السماء وأقلتهم الأرض وفي حديث أبي أمامة نحوه وعند أحمد وابن أبي شيبة من
حديث أبي برزة مرفوعا في ذكر الخوارج شر الخلق والخليقة يقولها ثلاثا وعند ابن أبي شيبة من
طريق عمير بن إسحاق عن أبي هريرة هم شر الخلق وهذا مما يؤيد قول من قال بكفرهم ثم ذكر
البخاري في الباب ثلاثة أحاديث الحديث الأول حديث علي (قوله حدثنا خيثمة) بفتح الخاء
المعجمة والمثلثة بينهما تحتانية ساكنة هو بن عبد الرحمن بن أبي سبرة بفتح المهملة وسكون الموحدة
الجعفي لأبيه ولجده صحبة ووقع في رواية سهل بن بحر عن عمر بن حفص بهذا السند حدثني بالافراد
أخرجه أبو نعيم ولم يصرح بالتحديث فيه الا حفص بن غياث فقد أخرجه مسلم من رواية وكيع
وعيسى بن يونس والثوري وجرير وأبي معاوية وتقدم في علامات النبوة وفضائل القرآن من
رواية سفيان الثوري وهو عند أبي داود والنسائي من رواية الثوري أيضا وعند أبي عوانة من
رواية يعلى بن عبيد وعند الطبري أيضا من رواية يحيى بن عيسى الرملي وعلي بن هشام كلهم عن
الأعمش بالعنعنة وذكر الإسماعيلي أن عيسى بن يونس زاد فيه رجلا فقال عن الأعمش حدثني
عمرو بن مرة عن خيثمة (قلت) لم أر في رواية عيسى عند مسلم ذكر عمرو بن مرة وهو من المزيد
في متصل الأسانيد لان أبا معاوية هو الميزان في حديث الأعمش (قوله سويد بن غفلة) بفتح
المعجمة والفاء مخضرم من كبار التابعين وقد قيل إن له صحبة وتقدم بيان ذلك في أواخر فضائل
القرآن (قوله قال علي) هو على حذف قال وهو كثير في الخط والأولى أن ينطق به وقد مضى
في آخر فضائل القرآن من رواية الثوري عن الأعمش بهذا السند قال قال علي وعند النسائي
من هذا الوجه عن علي قال الدارقطني لم يصح لسويد بن غفلة عن علي مرفوع الا هذا (قلت)
وماله في الكتب الستة ولا عند أحمد غيره وله في المستدرك من طريق الشعبي عنه قال خطب علي
بنت أبي جهل أخرجه من طريق أحمد عن يحيى بن أبي زائدة عن زكريا عن الشعبي وسنده جيد
لكنه مرسل لم يقل فيه عن علي (قوله إذا حدثتكم) في رواية يحيى بن عيسى سبب لهذا
الكلام فأول الحديث عنده عن سويد بن غفلة قال كان علي يمر بالنهر وبالساقية فيقول
صدق الله ورسوله فقلنا يا أمير المؤمنين ما تزال تقول هذا قال إذا حدثتكم الخ وكان علي في حال
المحاربة يقول ذلك وإذا وقع له أمر يوهم أن عنده في ذلك أثرا فخشى هذه الكائنة أن يظنوا أن
قصة ذي الثدية من ذلك القبيل فأوضح أن عنده في أمره نصا صريحا وبين لهم أنه إذا حدث عن
النبي صلى الله عليه وسلم لا يكنى ولا يعرض ولا يورى وإذا لم يحدث عنه فعلى ذلك ليخدع بذلك من
253

يحاربهم ولذلك استدل بقوله الحرب خدعة (قوله فوالله لان أخر) بكسر الخاء المعجمة أي أسقط
(قوله من السماء) زاد أبو معاوية والثوري في روايتهما إلى الأرض أخرجه أحمد عنهما
وسقطت للمصنف في علامات النبوة ولم يسق مسلم لفظهما ووقع في رواية يحيى بن عيسى اخر
من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق (قوله فيما بيني وبينكم) في رواية
يحيى بن عيسى عن نفسي وفي رواية الأعمش عن زيد بن وهب عن علي قام فينا عند أصحاب
النهر فقال ما سمعتموني أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به وما سمعتموني
أحدث في غير ذلك ويستفاد من هذه الرواية معرفة الوقت الذي حدث فيه علي بذلك والسبب
أيضا (قوله فان الحرب خدعة) في رواية يحيى بن عيسى فإنما الحرب خدعة وقد تقدم في كتاب
الجهاد أن هذا أعني الحرب خدعة حديث مرفوع وتقدم ضبط خدعة هناك ومعناها (قوله
سيخرج قوم في آخر الزمان) كذا وقع في هذه الرواية وفي حديث أبي برزة عند النسائي يخرج
في آخر الزمان قوم وهذا قد يخالف حديث أبي سعيد المذكور في الباب بعده فان مقتضاه أنهم
خرجوا في خلافة علي وكذا أكثر الأحاديث الواردة في أمرهم وأجاب ابن التين بأن المراد زمان
الصحابة وفيه نظر لان آخر زمان الصحابة كان على رأس المائة وهم قد خرجوا قبل ذلك بأكثر من
ستين سنة ويمكن الجمع بأن المراد بآخر الزمان زمان خلافة النبوة فان في حديث سفينة المخرج
في السنن وصحيح ابن حبان وغيره مرفوعا الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكا وكانت قصة
الخوارج وقتلهم بالنهروان في أواخر خلافة علي سنة ثمان وعشرين بعد النبي صلى الله عليه وسلم
بدون الثلاثين بنحو سنتين (قوله أحداث) بمهملة ثم مثلثة جمع حدث بفتحتين والحدث هو
الصغير السن هكذا في أكثر الروايات ووقع هنا للمستملي والسرخسي حداث بضم أوله وتشديد
الدال قال في المطالع معناه شباب جمع حديث السن أو جمع حدث قال ابن التين حداث جمع
حديث مثل كرام جمع كريم وكبار جمع كبير والحديث الجديد من كل شئ ويطلق على الصغير بهذا
الاعتبار وتقدم في التفسير حداث مثل هذا اللفظ لكنه هناك جمع على غير قياس والمراد سمار
يتحدثون قاله في النهاية وتقدم في علامات النبوة بلفظ حدثاء بوزن سفهاء وهو جمع حديث
كما تقدم تقريره والأسنان جمع سن والمراد به العمر والمراد أنهم شباب (قوله سفهاء الأحلام) جمع
حلم بكسر أوله والمراد به العقل والمعنى أن عقولهم رديئة قال النووي يستفاد منه أن التثبت
وقوة البصيرة تكون عند كمال السن وكثرة التجارب وقوة العقل (قلت) ولم يظهر لي وجه الاخذ
منه فان هذا معلوم بالعادة لا من خصوص كون هؤلاء كانوا بهذه الصفة (قوله يقولون من خير
قول البرية) تقدم في علامات النبوة وفي آخر فضائل القرآن قول من قال أنه مقلوب وأن المراد
من قول خير البرية وهو القرآن (قلت) ويحتمل أن يكون على ظاهره والمراد القول الحسن في
الظاهر وباطنه على خلاف ذلك كقولهم لا حكم الا لله في جواب علي كما سيأتي وقد وقع في رواية
طارق بن زياد عند الطبري قال خرجنا مع علي فذكر الحديث وفيه يخرج قوم يتكلمون كلمة
حق لا تجاوز حلوقهم وفي حديث أنس عن أبي سعيد عند أبي داود والطبراني يحسنون القول
ويسيئون الفعل ونحوه في حديث عبد الله بن عمر وعند أحمد وفي حديث مسلم عن علي يقولون
الحق لا يجاوز هذا وأشار إلى حلقه (قوله لا يجاوز ايمانهم حناجرهم) في رواية الكشميهني
254

لا يجوز والحناجر بالحاء المهملة ثم الجيم جمع حنجرة بوزن قصوره وهي الحلقوم والبلعوم
وكله يطلق على مجرى النفس وهو طرف المرئ مما يلي الفم ووقع في رواية مسلم من رواية زيد بن
وهب عن علي لا تجاوز صلاتهم تراقيهم فكأنه اطلق الايمان على الصلاة وله في حديث أبي ذر
لا يجاوز ايمانهم حلاقيمهم والمراد انهم يؤمنون بالنطق لا بالقلب وفي رواية عبيد الله بن أبي رافع
عن علي عند مسلم يقولون الحق بألسنتهم لا يجاوز هذا منهم وأشار إلى حلقه وهذه المجاوزة غير
المجاوزة الآتية في حديث أبي سعيد (قوله يمرقون من الدين) في رواية أبي إسحاق عن سويد بن
غفلة عند النسائي والطبري يمرقون من الاسلام وكذا في حديث ابن عمر في الباب وفي رواية
زيد بن وهب المشار إليها وحديث أبي بكرة في الطبري وعند النسائي من رواية طارق بن زياد
عن علي يمرقون من الحق وفي تعقيب على من فسر الدين هنا بالطاعة كما تقدمت الإشارة إليه
في علامات النبوة (قوله كما يمرق السهم من الرمية) بفتح الراء وكسر الميم وتشديد التحتانية أي
الشئ الذي يرمى به ويطلق على الطريدة من الوحش إذا رماها الرامي وسيأتي في الباب الذي بعده
(قوله فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فان في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة) في رواية زيد بن وهب
لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم لنكلوا عن العمل ولمسلم في رواية
عبيدة بن عمرو عن علي لولا أن تبطروا لحدثتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد صلى
الله عليه وسلم قال عبيدة قلت لعلي أنت سمعته قال أي ورب الكعبة ثلاثا وله في رواية زيد بن
وهب في قصة قتل الخوارج أن عليا لما قتلهم قال صدق الله وبلغ رسوله فقام إليه عبيدة فقال
يا أمير المؤمنين الله الذي لا إله إلا هو لقد سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أي
والله الذي لا إله إلا هو حتى استحلفه ثلاثا قال النووي انما استحلفه ليؤكد الامر عند السامعين
ولتظهر معجزة النبي صلى الله عليه وسلم وأن عليا ومن معه على الحق (قلت) وليطمئن قلب
المستحلف لإزالة توهم ما أشار إليه على أن الحرب خدعة فخشي أن يكون لم يسمع في ذلك شيئا
منصوصا والى ذلك يشير قول عائشة لعبد الله بن شداد في روايته المشار إليها حيث قالت له ما قال
علي حينئذ قال سمعته يقول صدق الله ورسوله قالت رحم الله عليا إنه كان لا يرى شيئا يعجبه
إلا قال صدق الله ورسوله فيذهب أهل العراق فيكذبون عليه ويزيدونه فمن هذا أراد عبيدة بن
عمرو التثبت في هذه القصة بخصوصها وان فيها نقلا منصوصا مرفوعا وأخرج أحمد نحو هذا
الحديث عن علي وزاد في آخره قتالهم حق على كل مسلم ووقع سبب تحديث علي بهذا الحديث
في رواية عبيد الله بن أبي رافع فيما أخرجه مسلم من رواية بشر بن سعيد عنه قال إن الحرورية
لما خرجت وهو مع علي قالوا لا حكم إلا لله تعالى فقال علي كلمة حق أريد بها باطل ان رسول الله صلى
الله عليه وسلم وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء يقولون الحق بألسنتهم ولا يجاوز هذا منهم
وأشار بحلقه من أبغض خلق الله إليه الحديث الثاني حديث أبي سعيد (قوله عبد
الوهاب) هو ابن عبد المجيد الثقفي ويحيى بن سعيد هو الأنصاري ومحمد بن إبراهيم هو التيمي وأبو
سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف وفي السند ثلاثة من التابعين في نسق وهذا السياق كأنه لفظ
عطاء بن يسار وأما لفظ أبي سلمة فتقدم منفردا في أواخر فضائل القرآن ورواه الزهري عن أبي
سلمة كما في الباب الذي بعده بسياق آخر فلعل اللفظ المذكور هنا على سياق عطاء بن يسار المقرون به
255

وقد قرن الزهري مع أبي سلمة في روايته الماضية في الأدب الضحاك المشرقي لكنه أفرده هنا
عن أبي سلمة فامتاز لفظه عن لفظ الضحاك (قوله فسألاه عن الحرورية أسمعت النبي صلى الله
عليه وسلم) كذا للجميع بحذف المسموع وقد بينه في رواية مسلم عن محمد بن المثنى شيخ البخاري
فيه فقال يذكرها وفي رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة قلت لأبي سعيد هل سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يذكر الحرورية أخرجه ابن ماجة والطبري وأخرج الطبري من طريق
الأسود بن العلاء عن أبي سلمة قال جئنا أبا سعيد فقلنا فذكر مثله ومن طريق أبي إسحاق مولى
بني هاشم أنه سأل أبا سعيد عن الحرورية (قوله قال لا أدري ما الحرورية) هذا يغاير قوله في أول
حديث الباب الذي يليه وأشهد أن عليا قتلهم وأنا معه فان مقتضى الأول أنه لا يدري هل ورد
الحديث الذي ساقه في الحرورية أو لا ومقتضى الثاني أنه ورد فيهم ويمكن الجمع بأن مراده بالنفي
هنا أنه لم يحفظ فيهم نصا بلفظ الحرورية وانما سمع قصتهم التي دل وجود علامتهم في الحرورية
بأنهم هم (قوله يخرج في هذه الأمة ولم يقل منها) لم تختلف الطرق الصحيحة على أبي سعيد في ذلك
فعند مسلم من رواية أبي نضرة عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قوما يكونون في أمته
وله من وجه آخر تمرق عند فرقة مارقة من المسلمين وله من رواية الضحاك المشرقي عن أبي سعيد
نحوه وأما ما أخرجه الطبري من وجه آخر عن أبي سعيد بلفظ من أمتي فسنده ضعيف لكن وقع
عند مسلم من حديث أبي ذر بلفظ سيكون بعدي من أمتي قوم وله من طريق زيد بن وهب عن
علي يخرج قوم من أمتي ويجمع بينه وبين حديث أبي سعيد بأن المراد بالأمة في حديث أبي
سعيد أمة الإجابة وفي رواية غيره أمة الدعوة قال النووي وفيه دلالة على فقه الصحابة وتحريرهم
الألفاظ وفيه إشارة من أبي سعيد إلى تكفير الخوارج وأنهم من غير هذه الأمة (قوله تحقرون)
بفتح أوله أي تستقلون (قوله صلاتكم مع صلاتهم) زاد في رواية الزهري عن أبي سلمة كما في
الباب بعده وصيامكم مع صيامهم وفي رواية عاصم بن شميخ عن أبي سعيد تحقرون أعمالكم مع
أعمالهم ووصف عاصم أصحاب نجدة الحروري بأنهم يصومون النهار ويقومون الليل ويأخذون
الصدقات على السنة أخرجه الطبري ومثله عنده من رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة وفي
رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنده يتعبدون يحقر أحدكم صلاته وصيامه مع صلاتهم وصيامهم
ومثله من رواية أنس عن أبي سعيد وزاد في رواية الأسود بن العلاء عن أبي سلمة وأعمالكم مع
أعمالهم وفي رواية سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب عن علي ليست قراءتكم إلى قراءتهم شيئا ولا
صلاتكم إلى صلاتهم شيئا أخرجه مسلم والطبري وعنده من طريق سليمان التيمي عن أنس ذكر لي
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن فيكم قوما يدأبون ويعملون حتى يعجبوا الناس وتعجبهم
أنفسهم ومن طريق حفص ابن أخي أنس عن عمه بلفظ يتعمقون في الدين وفي حديث ابن
عباس عند الطبراني في قصة مناظرته للخوارج قال فأتيتهم فدخلت على قوم لم أر أشد اجتهادا
منهم أيديهم كأنها ثفن الإبل ووجوههم معلمة من آثار السجود وأخرج ابن أبي شيبة عن
ابن عباس أنه ذكر عنده الخوارج واجتهادهم في العبادة فقال ليسوا أشد اجتهادا من الرهبان
(قوله يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية) بكسر الميم وتشديد التحتانية فعيلة بمعنى
مفعولة فأدخلت فيها الهاء وإن كان فعيل بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث للإشارة
256

لنقلها من الوصفية إلى الاسمية وقيل إن شرط استواء المذكر والمؤنث أن يكون الموصوف
مذكورا معه وقيل شرطه سقوط الهاء من المؤنث قبل وقوع الوصف نقول خذ ذبيحتك أي
الشاة التي تريد ذبحها فإذا ذبحتها قيل لها حينئذ ذبيح (قوله فلينظر الرامي إلى سهمه) يأتي بيانه
في الباب الذي بعده وقوله إلى نصله هو بدل من قوله سهمه أي ينظر إليه جملة ثم تفصيلا وقد
وقع في رواية أبي ضمرة عن يحيى بن سعيد عند الطبري ينظر إلى سهمه فلا يرى شيئا ثم ينظر إلى
نصله ثم إلى رصافه وسيأتي بأبسط من هذا في الباب الذي يليه وقوله فيتمارى أي يتشكك هل بقى
فيها شئ من الدم والفوقة موضع الوتر من السهم قال ابن الأنباري الفوق يذكر ويؤنت وقد يقال
فوقة بالهاء الحديث الثالث حديث ابن عمر (قوله حدثنا عمر) في رواية غير أبي ذر حدثني
بالافراد كذا للجميع عمر غير منسوب لكن ذكر أبو علي الجياني عن الأصيلي قال قرأه علينا أبو
زيد في عرضه ببغداد عمر بن محمد ونسبة الإسماعيلي في روايته من طريق أحمد بن عيسى عن ابن
وهب أخبرني عمر بن محمد بن زيد العمري (قلت) وزيد هو ابن عبد الله ابن عمر وقد تقدم في التفسير
بهذا السند حديث في تفسير لقمان عن يحيى بن سليمان عن ابن وهب حدثني عمر بن محمد بن زيد
ابن عبد الله بن عمر ووقع في حديث الباب منسوبا هكذا إلى عمر بن الخطاب في رواية الطبري
عن يونس بن عبد الاعلى عن ابن وهب (قوله عن عبد الله بن عمر وذكر الحرورية) هي جملة
حالية والمراد أنه حدث بالحديث عند ذكر الحرورية وفي إيراد البخاري له عقب حديث أبي
سعيد إشارة إلى أن توقف أبي سعيد المذكور محمول على ما أشرت إليه من أنه لم ينص في الحديث
المرفوع على تسميتهم بخصوص هذا الاسم لا أن الحديث لم يرد فيهم (قوله باب من
ترك قتال الخوارج للتأليف ولئلا ينفر الناس عنه) أورد في حديث أبي سعيد في ذكر الذي قال
للنبي صلى الله عليه وسلم أعدل فقال عمر ائذن لي فاضرب عنقه قال دعه وليس فيه بيان
السبب في الامر بتركه ولكنه ورد في بعض طرقه فأخرج أحمد والطبري من طريق بلال ابن بقطر
عن أبي بكرة قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم بمويل فقعد يقسمه فأتاه رجل وهو على تلك الحال
فذكر الحديث وفيه فقال أصحابه ألا تضرب عنقه فقال لا أريد أن يسمع المشركون أني أقتل
أصحابي ولمسلم من حديث جابر نحو حديث أبي سعيد وفيه فقال عمر دعني يا رسول الله فأقتل هذا
المنافق فقال معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي أن هذا وأصحابه يقرءون القرآن لا يجاوز
حناجرهم يمرقون منه لكن القصة التي في حديث جابر صرح في حديثه بأنها كانت منصرف
النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة وكان ذلك في ذي القعدة سنة ثمان وكان الذي قسمه النبي
صلى الله عليه وسلم حينئذ فضة كانت في ثوب بلال وكان يعطي كل من جاء منها والقصة التي في
حديث أبي سعيد صرح في رواية أبي نعيم عنه أنها كانت بعد بعث علي إلى اليمن وكان ذلك في
سنة تسع وكان المقسوم فيها ذهبا وخص به أربعة أنفس فهما قصتان في وقتين اتفق في كل منهما
إنكار القائل وصرح في حديث أبي سعيد أنه ذو الخويصرة التميمي ولم يسم القائل في حديث جابر
ووهم من سماه ذا الخويصرة ظانا اتحاد القصتين ووجدت لحديث جابر شاهدا من حديث عبد
الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه رجل يوم حنين وهو يقسم شيئا فقال
يا محمد أعدل ولم يسم الرجل أيضا وسماه محمد بن إسحاق بسند حسن عن عبد الله بن عمر وأخرجه
257

أحمد والطبري أيضا ولفظه أتى ذو الخويصرة التميمي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم
الغنائم بحنين فقال يا محمد فذكر نحو هذا الحديث المذكور فيمكن أن يكون تكرر ذلك منه في
الموضعين عند قسمة غنائم حنين وعند قسمة الذهب الذي بعثه علي قال الإسماعيلي الترجمة
في ترك قتال الخوارج والحديث في ترك القتل للمنفرد والجميع إذا أظهروا رأيهم ونصبوا للناس
القتال وجب قتالهم وانما ترك النبي صلى الله عليه وسلم قتل المذكور لأنه لم يكن أظهر ما يستدل
به على ما وراءه فلو قتل من ظاهره الصلاح عند الناس قبل استحكام أمر الاسلام ورسوخه في
القلوب لنفرهم عن الدخول في الاسلام وأما بعده صلى الله عليه وسلم فلا يجوز ترك قتالهم إذا هم
أظهروا رأيهم وتركوا الجماعة وخالفوا الأئمة مع القدرة على قتالهم (قلت) وليس في الترجمة
ما يخالف ذلك إلا أنه أشار إلى أنه لو اتفقت حاله مثل حالة المذكور فاعتقدت فرقة مذهب
الخوارج مثلا ولم ينصبوا حربا أنه يجوز للامام الاعراض عنهم إذا رأى المصلحة في ذلك كأن
يخشى أنه لو تعرض للفرقة المذكورة لأظهر من يخفي مثل اعتقادهم أمره وناضل عنهم فيكون
ذلك سببا لخروجهم ونصبهم القتال للمسلمين مع ما عرف من شدة الخوارج في القتال وثباتهم
وإقدامهم على الموت ومن تأمل ما ذكر أهل الأخبار من أمورهم تحقق ذلك وقد ذكر
ابن بطال عن المهلب قال التألف إنما كان في أول الاسلام إذا كانت الحاجة ماسة لذلك لدفع
مضرتهم فأما إذ على الله الاسلام فلا يجب التألف إلا أن تنزل بالناس حاجة لذلك فلإمام الوقت
ذلك (قلت) وأما ترجمة البخاري القتال والخبر في القتل فلان ترك القتال يؤخذ من ترك القتل
من غير عكس وذكر فيه حديثين الأول حديث أبي سعيد (قوله حدثنا عبد الله) هو الجعفي
المسندي بفتح النون ووهم من زعم أنه أبو بكر ابن أبي شيبة لأنه وإن كان أيضا عبد الله بن محمد
لكنه لا رواية له عن هشام المذكور هنا وهو بن يوسف الصنعاني (قوله عن أبي سلمة) في رواية
شعيب الماضية في علامات النبوة عن الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وتقدم في الأدب
من طريق الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة والضحاك وهو ابن شراحبيل أو ابن شرحبيل
المشرقي بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الراء بعدها قاف منسوب إلى مشرق بطن من همدان
وتقدم بيان حاله في فضل سورة الاخلاص وأن البزار حكى أنه الضحاك بن مزاحم وأن ذلك غلط
ثم وقفت على الرواية التي نسب فيها كذلك أخرجها الطبري من طريق الوليد بن مرثد عن
الأوزاعي في هذا الحديث فقال حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن والضحاك بن مزاحم عن أبي سعيد
قال الطبري وهذا خطأ وإنما هو الضحاك المشرقي (قلت) وقد أخرجه أحمد عن محمد بن مصعب
وأبو عوانة من طريق بشر بن بكير كلاهما عن الأوزاعي فقال فيه عن أبي سلمة والضحاك المشرقي
وفي رواية بشر الهمداني كلاهما عن أبي سعيد واللفظ الذي ساقه البخاري هو لفظ أبي سلمة وقد
أفرد مسلم لفظ الضحاك المشرقي من طريق حبيب بن أبي ثابت عنه وزاد فيه شيئا سأذكره بعد وقد
شذ أفلح بن عبد الله بن المغيرة عن الزهري فروى هذا الحديث عنه فقال عن عبيد الله بن عبد الله
ابن عتبة عن أبي سعيد أخرجه أبو يعلى (قوله بينما النبي صلى الله عليه وسلم يقسم) بفتح
أوله من القسمة كذا هنا بحذف المفعول ووقع في رواية الأوزاعي يقسم ذات يوم قسما وفي رواية
شعيب بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما زاد أفلح بن عبد الله في روايته يوم
258

حنين وتقدم في الأدب من طريق عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد أن المقسوم كان تبرا بعثه
علي بن أبي طالب من اليمن فقسمه النبي صلى الله عليه وسلم بين أربعة أنفس وذكرت أسماءهم
هناك (قوله جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التميمي) في رواية عبد الرزاق عن معمر بلفظ بينما
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم قسما إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التميمي وكذا أخرجه
الإسماعيلي من رواية عبد الرزاق ومحمد بن ثور وأبو سفيان الحميري وعبد الله بن معاذ أربعتهم عن
معمر وأخرجه الثعلبي ثم الواحدي في أسباب النزول من طريق محمد بن يحيى الذهلي عن عبد
الرزاق فقال ابن ذي الخويصرة التميمي وهو حرقوص بن زهير أصل الخوارج وما أدري من
الذي قال وهو حرقوص الخ وقد اعتمد على ذلك بن الأثير في الصحابة فترجم لذي الخويصرة
التميمي في الصحابة وساق هذا الحديث من طريق أبي إسحاق الثعلبي وقال بعد فراغه فقد جعل
في هذه الرواية اسم ذي الخويصرة حرقوصا والله أعلم وقد جاء أن حرقوصا اسم ذي الثدية كما
سيأتي (قلت) وقد ذكر حرقوص بن زهير في الصحابة أبو جعفر الطبري وذكر أنه كان له في فتوح
العراق أثر وأنه الذي افتتح سوق الأهواز ثم كان مع علي في حروبه ثم صار مع الخوارج فقتل
معهم وزعم بعضهم أنه ذو الثدية الآتي ذكره وليس كذلك وأكثر ما جاء ذكر هذا القائل في
الأحاديث مبهما ووصف في رواية عبد الرحمن بن أبي نعم المشار إليها بأنه مشرف الوجنتين غائر
العينين ناشز الجبهة كث اللحية محلوق الرأس مشمر الازار وتقدم تفسير ذلك في باب بعث علي من
المغازي وفي حديث أبي بكرة عند أحمد والطبري فأتاه رجل أسود طويل مشمر محلوق الرأس
بين عينيه أثر السجود وفي رواية أبي الوضى عن أبي بزرة عند أحمد والطبري والحاكم أتى رسول
الله صلى الله عليه وسلم بدنانير فكان يقسمها ورجل أسود مطموم الشعر بين عينيه أثر السجود
وفي حديث عبد الله بن عمرو عند البزار والطبري رجل من أهل البادية حديث عهد بأمر الله
(قوله فقال اعدل يا رسول الله) في رواية عبد الرحمن بن أبي نعم فقال اتق الله يا محمد وفي حديث
عبد الله بن عمرو فقال اعدل يا محمد وفي لفظ له عند البزار والحاكم فقال يا محمد والله لئن كان الله
أمرك أن تعدل ما أراك تعدل وفي رواية مقسم التي أشرت إليها فقال يا محمد قد رأيت الذي
صنعت قال وكيف رأيت قال لم أرك عدلت وفي حديث أبي بكرة فقال يا محمد والله ما تعدل وفي
لفظ ما أراك عدلت في القسمة ونحوه في حديث أبي برزة (قوله فقال ويحك) في رواة الكشميهني
ويلك وهي رواية شعيب والأوزاعي كما تقدم الكلام عليها في كتاب الأدب (قوله ومن يعدل
إذا لم أعدل) في رواية عبد الرحمن بن أبي نعم ومن يطع الله إذا لم أطعه ولمسلم من طريقه
أو لست أحق أهل الأرض أن أطيع الله وفي حديث عبد الله بن عمرو عند من يلتمس العدل
بعدي وفي رواية مقسم عنه فغضب صلى الله عليه وسلم وقال العدل إذا لم يكن عندي فعند من
يكون وفي حديث أبي بكرة فغضب حتى احمرت وجنتاه ومن حديث أبي بزرة قال فغضب غضبا
شديدا وقال والله لا تجدون بعدي رجلا هو أعدل عليكم مني (قوله قال عمر بن الخطاب يا رسول
الله ائذن لي فأضرب عنقه) في رواية شعيب ويونس فقال بزيادة فاء وقال ائذن لي فأضرب
عنقة وفي رواية الأوزاعي فلاضرب بزيادة لام وفي حديث عبد الله بن عمر من طريق
مقسم عنه فقال عمر يا رسول الله ألا أقوم عليه فأضرب عنقة وقد تقدم في المغازي من رواية
259

عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد في هذا الحديث فسأله رجل أظنه خالد بن الوليد قتله وفي رواية
مسلم فقال خالد بن الوليد بالجزم وقد ذكرت وجه الجمع بينهما في أواخر المغازي وأن كلا منهما
سأل ثم رأيت عند مسلم من طريق جرير عن عمارة بن القعقاع بسنده فيه فقام عمر بن الخطاب
فقال يا رسول الله ألا أضرب عنقه قال لا ثم أدبر فقام إليه خالد بن الوليد سيف الله فقال يا رسول
الله أضرب عنقه قال لا فهذا نص في أن كلا منهما سأل وقد استشكل سؤال خالد في ذلك
لان بعث علي إلى اليمن كان عقب بعث خالد بن الوليد إليها والذهب المقسوم أرسله علي من اليمن كما
في صدر حديث ابن أبي نعم عن أبي سعيد ويجاب بأن عليا لما وصل إلى اليمن رجع خالد منها إلى
المدينة فأرسل على الذهب فحضر خالد قسمته وأما حديث عبد الله بن عمرو فإنه في قصة قسم وقع
بالجعرانة من غنائم حنين والسائل في قتله عمر بن الخطاب جزما وقد ظهر أن المعترض في
الموضعين واحد كما مضى قريبا (قوله قال دعه) في رواية شعيب فقال له دعه كذا لأبي ذر في
رواية الأوزاعي فقال لا وزاد أفلح بن عبد الله في روايته فقال ما أنا بالذي أقتل أصحابي (قوله فأن
له أصحابا) هذا ظاهره أن ترك الامر بقتله بسبب أن له أصحابا بالصفة المذكورة وهذا لا يقتضي
ترك قتله مع ما أظهره من مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم بما واجهه فيحتمل أن يكون
لمصلحة التألف كما فهمه البخاري لأنه وصفهم بالمبالغة في العبادة مع إظهار الاسلام فلو أذن في
قتلهم لكان ذلك تنفيرا عن دخول غيرهم في الاسلام ويؤيده رواية أفلح ولها شواهد ووقع في
رواية أفلح سيخرج أناس يقولون مثل قوله (قوله يحقر أحدكم صلاته مع صلاته وصيامه
مع صيامه) كذا في هذه الرواية بالافراد وفي رواية شعيب وغيره مع صلاتهم بصيغة الجمع فيه
وفي قوله مع صيامهم وقد تقدم في ثاني أحاديث الباب الذي قبله وزاد في رواية شعيب ويونس
يقرءون القرآن ولا يجاوز تراقيهم بمثناة وقاف جمع ترقوة بفتح أوله وسكون الراء وضم القاف وفتح
الواو وهى العظم الذي بين نقرة النحر والعاتق والمعنى أن قراءتهم لا يرفعها الله ولا يقبلها وقيل
لا يعملون بالقرآن فلا يثابون على قراءته فلا يحصل لهم إلا سرده وقال النووي المراد أنهم ليس لهم
فيه حظ إلا مروره على لسانهم لا يصل إلى حلوقهم فضلا عن أن يصل إلى قلوبهم لان المطلوب
تعقله وتدبره بوقوعه في القلب (قلت) وهو مثل قوله فيهم أيضا لا يجاوز إيمانهم حناجرهم
أي ينطقون بالشهادتين ولا يعرفونها بقلوبهم ووقع في رواية لمسلم يقرءون القرآن رطبا قيل المراد
الحذق في التلاوة أي يأتون به على أحسن أحواله وقيل المراد أنهم يواظبون على تلاوته فلا تزال
ألسنتهم رطبة به وقيل هو كناية عن حسن الصوت به حكاها القرطبي ويرجح الأول ما وقع
في رواية أبي الرداك عن أبي سعيد عند مسدد يقرءون القرآن كأحسن ما يقرؤه الناس ويؤيد
الآخر قوله في رواية مسلم عن أبي بكرة عن أبيه قوم أشداء أحداء ذلقه ألسنتهم بالقرآن أخرجه
الطبري وزاد في رواية عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد يقتلون أهل الاسلام ويدعون أهل
الأوثان يمرقون وأرجحها الثالث (قوله يمرقون من الدين كما يمرق السهم) يأتي تفسيره في
الحديث الثاني وفي رواية الأوزاعي كمروق السهم (قوله من الرمية) في رواية معبد بن سيرين عن
أبي سعيد الآتية في آخر كتاب التوحيد لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوقه والرمية فعيلة
من الرمي والمراد الغزالة المرمية مثلا ووقع في حديث عبد الله بن عمرو من رواية مقسم عنه فإنه
260

سيكون لهذا شيعة يتعمقون في الدين يمرقون منه الحديث أي يخرجون من الاسلام بغتة
كخروج السهم إذا رماه رام قوي الساعد فأصاب ما رماه فنفذ منه بسرعة بحيث لا يعلق بالسهم
ولا بشئ منه من المرمى شئ فإذا التمس الرامي سهمه وجده ولم يجد الذي رماه فينظر في السهم
ليعرف هل أصاب أو أخطأ فإذا لم يره علق فيه شئ من الدم ولا غيره ظن أنه لم يصبه والفرض أنه
أصابه والى ذلك أشار بقوله سبق الفرث والدم أي جاوزهما ولم يتعلق فيه منهما شئ بل خرجا
بعده وقد تقدم شرح القذذ في علامات النبوة ووقع في رواية أبي نضرة عن أبي سعيد عند
مسلم فضرب النبي صلى الله عليه وسلم لهم مثلا الرجل يرمي الرمية الحديث وفي رواية
أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد عند الطبري مثلهم كمثل رجل رمى رمية فتوخى السهم
حيث وقع فأخذه فنظر إلى فوقه فلم ير به دسما ولا دما لم يتعلق به شئ من الدسم والدم كذلك هؤلاء
لم يتعلقوا بشئ من الاسلام وعنده في رواية عاصم بن شمخ بفتح المعجمة وسكون الميم بعدها
معجمة بعد قوله من الرمية يذهب السهم فينظر في النصل فلا يرى شيئا من الفرث والدم الحديث
وفيه يتركون الاسلام وراء ظهورهم وجعل يديه وراء ظهره وفي رواية أبي إسحاق مولى
بني هاشم عن أبي سعيد في آخر الحديث لا يتعلقون من الدين بشئ كما لا يتعلق بذلك السهم
أخرجه الطبري وفي حديث أنس عن أبي سعيد عند أحمد وأبي داود والطبري
لا يرجعون إلى الاسلام حتى يرتد السهم إلى فوقه وجاء عن ابن عباس عند الطبري وأوله في ابن
ماجة بسياق أوضح من هذا ولفظه سيخرج قوم من الاسلام خروج السهم من الرمية
عرضت للرجال فرموها فانمرق سهم أحدهم منها فخرج فأتاه فنظر إليه فإذا هو لم يتعلق بنصله من
الدم شئ ثم نظر إلى القذذ فلم يره تعلق من الدم بشئ فقال إن كنت أصبت فان بالريش والفوق شيئا
من الدم فنظر فلم ير شيئا تعلق بالريش والفوق قال كذلك يخرجون من الاسلام وفي رواية بلال
ابن بقطر عن أبي بكرة يأتيهم الشيطان من قبل دينهم وللحميدي وابن أبي عمر في مسنديهما من
طريق أبي بكر مولى الأنصار عن علي أن ناسا يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ثم
لا يعودون فيه أبدا (قوله آيتهم) أي علامتهم ووقع في رواية ابن أبي مريم عن علي عند الطبري
علامتهم (قوله رجل إحدى يديه أو قال ثدييه) هكذا للأكثر بالتثنية فيهما مع الشك هل هي
تثنية يد أو ثدي بالمثلثة وفي رواية المستملي هنا بالمثلثة فيهما فالشك عنده هل هو الثدي بالافراد
أو بالتثنية ووقع في رواية الأوزاعي إحدى يديه تثنية يد ولم يشك وهذا هو المعتمد فقد وقع في
رواية شعيب ويونس إحدى عضديه (قوله مثل ثدي المرأة أو قال مثل البضعة) بفتح الموحدة
وسكون المعجمة أي القطعة من اللحم (قوله تدردر) بفتح أوله ودالين مهملتين مفتوحتين بينهما
راء ساكنة وآخره راء وهو على حذف إحدى التاءين وأصله تتدردر ومعناه تتحرك وتذهب وتجئ
وأصله حكاية صوت الماء في بطن الوادي إذا تدافع وفي رواية عبيدة بن عمرو عن علي عند مسلم
فيهم رجل مخرج اليد أو مودن اليد أو مثدون اليد والمخرج بخاء معجمة وجيم والمودن بوزنه
والمثدون بفتح الميم وسكون المثلثة وكلها بمعنى وهو الناقص وله من رواية زيد بن وهب عن علي
وغاية ذلك أن فهيم رجلا له عضد ليس له ذراع على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات
بيض وعند الطبري من وجه آخر فيهم رجل مجدع اليد كأنها ثدي حبشية وفي رواية أفلح
261

ابن عبد الله فيها شعرات كأنها سخلة سبع وفي رواية أبي بكر مولى الأنصار كثدي المرأة لها حلمة
كحلمة المرأة حولها سبع هلبات وفي رواية عبيد الله بن أبي رافع عن علي عند مسلم منهم أسود
إحدى يديه طبي شاة أو حلمة ثدي فأما الطبي بضم الطاء المهملة وسكون الموحدة وهي
الثدي وعند الطبري من طريق طارق بن زياد عن علي في يده شعرات سود والأول أقوى وقد ذكر
صلى الله عليه وسلم للخوارج علامة أخرى ففي رواية معبد بن سيرين عن أبي سعيد قيل ما سيماهم
قال سيماهم التحليق وفي رواية عاصم بن شمخ عن أبي سعيد فقام رجل فقال يا نبي الله هل
في هؤلاء القوم علامة قال يحلقون رؤوسهم فيهم ذر ثدية وفي حديث أنس عن أبي سعيد هم من
جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قيل يا رسول الله ما سيماهم قال التحليق هكذا أخرجه الطبري
وعند أبي داود بعضه (قوله يخرجون على خير فرقة من الناس) كذا للأكثر هنا وفي علامات
النبوة وفي الأدب حين بكسر المهملة وآخره نون وفرقة بضم الفاء ووقع في رواية عبد الرزاق عند
أحمد وغيره حين فترة من الناس بفتح الفاء وسكون المثناة ووقع للكشميهني في هذه المواضع على
خير بفتح المعجمة وآخره راء وفرقة بكسر الفاء والأول المعتمد وهو الذي عند مسلم وغيره وإن كان
الآخر صحيحا ويؤيد الأول أن عند مسلم من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد تمرق مارقة عند
فرقة من المسلمين يقتلهم أولى الطائفتين بالحق وفي لفظ له يكون في أمتي فرقتان فيخرج من
بينهما طائفة مارقة يلي قتلهم أولاهم بالحق وفي لفظ له يخرجون في فرقة من الناس يقتلهم أدنى
الطائفتين إلى الحق وفيه فقال أبو سعيد وأنتم قتلتموهم يا أهل العراق وفي رواية الضحاك المشرقي
عن أبي سعيد يخرجون على فرقة مختلفة يقتلهم أقرب الطائفتين إلى الحق وفي رواة أنس عن
أبي سعيد عند أبي داود من قاتلهم كان أولى بالله منهم (قوله قال أبو سعيد) هو متصل بالسند
المذكور (قوله أشهد سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم) كذا هنا باختصار وفي رواية شعيب
ويونس قال أبو سعيد فأشهد أني سمعت هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم وقد مضى
في الباب الذي قبله من وجه آخر عن أبي سعيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يخرج
في هذه الأمة وفي رواية أفلح بن عبد الله حضرت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله
وأشهد أن عليا قتلهم) في رواية شعيب ان علي بن أبي طالب قاتلهم وكذا وقع في رواية الأوزاعي
ويونس قاتلهم ووقع في رواية أفلح بن عبد الله وحضرت مع علي يوم قتلهم بالنهروان ونسبة
قتلهم لعلي لكونه كان القائم في ذلك وقد مضى في الباب قبله من رواية سويد بن غفلة عن علي
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم ولفظه فأينما لقيتموهم فأقتلوهم وقد ذكرت شواهده ومنها
حديث نصر بن عاصم عن أبي بكرة رفعه أن في أمتي أقواما يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم فإذا
لقيتموهم فأنيموهم أي فأقتلوهم أخرجه الطبري وتقدم في أحاديث الأنبياء وغيرها لئن أدركتهم
لأقتلنهم وأخرجه الطبري من رواية مسروق قال قالت لي عائشة من قتل المخرج قلت علي قالت
فأين قتله قلت على نهر يقال لأسفله النهروان قالت ائتني على هذا بينة فأتيتها بخمسين نفسا
شهدوا أن عليا قتله بالنهروان أخرجه أبو يعلى والطبري وأخرج الطبراني في الأوسط من طريق
عامر بن سعد قال قال عمار لسعد أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يخرج أقوام من
أمتي يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية يقتلهم علي بن أبي طالب قال أي والله وأما
262

صفة قتالهم وقتلهم فوقعت عند مسلم في رواية زيد بن وهب الجهني أنه كان في الجيش الذين كانوا
مع علي حين ساروا إلى الخوارج فقال علي بعد أن حدث بصفتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم
والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم فإنهم قد سفكوا الدم الحرام وأغاروا في سرح الناس
قال فلما التقينا وعلى الخوارج يومئذ عبد الله بن وهب الراسبي فقال لهم ألقوا الرماح وسلوا
سيوفكم من جفونها فاني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء قال فشجرهم الناس
برماحهم قال فقتل بعضهم على بعض وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان وأخرج يعقوب
ابن سفيان من طريق عمران بن جرير عن أبي مجلز قال كان أهل النهر أربعة آلاف فقتلهم
المسلمون ولم يقتل من المسلمين سوى تسعة فان شئت فأذهب إلى أبي برزة فاسأله فإنه شهد ذلك
وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده من طريق حبيب بن أبي ثابت قال أتيت أبا وائل فقلت
أخبرني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي فيم فارقوه وفيم استحل قتالهم قال لما كنا بصفين استحر
القتل في أهل الشام فرفعوا المصاحف فذكر قصة التحكيم فقال الخوارج ما قالوا ونزلوا حروراء
فأرسل إليهم علي فرجعوا ثم قالوا نكون في ناحيته فان قبل القضية قاتلناه وإن نقضها قاتلنا
معه ثم افترقت منهم فرقة يقتلون الناس فحدث علي عن النبي صلى الله عليه وسلم بأمرهم وعند
أحمد والطبراني والحاكم من طريق عبد الله بن شداد أنه دخل على عائشة مرجعه من العراق
ليالي قتل علي فقالت له عائشة تحدثني بأمر هؤلاء القوم الذين قتلهم علي قال إن عليا لما كاتب
معاوية وحكما الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس فنزلوا بأرض يقال لها حروراء
من جانب الكوفة وعتبوا عليه فقالوا انسلخت من قميص ألبسكه الله ومن اسم سماك الله به ثم
حكمت الرجال في دين الله ولا حكم الا لله فبلغ ذلك عليا فجمع الناس فدعى بمصحف عظيم فجعل
يضربه بيده ويقول أيها المصحف حدث الناس فقالوا ماذا انسان انما هو مداد وورق ونحن
نتكلم بما روينا منه فقال كتاب الله بيني وبين هؤلاء يقول الله في امرأة رجل فان خفتم شقاق
بينهما الآية وأمة محمد أعظم من امرأة رجل ونقموا على أن كاتبت معاوية وقد كاتب رسول
الله صلى الله عليه وسلم سهيل بن عمرو ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ثم بعث إليهم ابن
عباس فناظرهم فرجع منهم أربعة آلاف فيهم عبد الله بن الكواء فبعث علي إلى الآخرين أن
يرجعوا فأبوا فأرسل إليهم كونوا حيث شئتم وبيننا وبينكم أن لا تسفكوا دما حراما ولا تقطعوا
سبيلا ولا تظلموا أحدا فان فعلتم نبذت إليكم الحرب قال عبد الله بن شداد فوالله ما قتلهم حتى
قطعوا السبيل وسفكوا الدم الحرام الحديث وأخرج النسائي في الخصائص صفة مناظرة
ابن عباس لهم بطولها وفي الأوسط للطبراني من طريق أبي السائغة عن جندب بن عبد الله
البجلي قال لما فارقت الخوارج عليا خرج في طلبهم فانتهينا إلى عسكرهم فإذا لهم ذوي كذوي
النحل من قراءة القرآن وإذا فيهم أصحاب البرانس أي الذين كانوا معروفين بالزهد والعبادة
قال فدخلني من ذلك شدة فنزلت عن فرسي وقمت أصلي فقلت اللهم إن كان في قتال هؤلاء
القوم لك طاعة فائذن لي فيه فمر بي علي فقال لما حاذاني تعوذ بالله من الشك يا جندب فلما جئته
أقبل رجل على برذون يقول إن كان لك بالقوم حاجة فإنهم قد قطعوا النهر قال ما قطعوه ثم جاء
آخر كذلك ثم جاء آخر كذلك قال لا ما قطعوه ولا يقطعونه وليفتلن من دونه عهد من الله
263

ورسوله قلت الله أكبر ثم ركبنا فسايرته فقال لي سأبعث إليهم رجلا يقرأ المصحف يدعوهم إلى
كتاب الله وسنة نبيهم فلا يقبل علينا بوجهه حتى يرشقوه بالنبل ولا يقتل منا عشرة ولا ينجو منهم
عشرة قال فانتهينا إلى القوم فأرسل إليهم رجلا فرماه انسان فأقبل علينا بوجهه فقعد وقال علي
دونكم القوم فما قتل منا عشرة ولا نجا منهم عشرة وأخرج يعقوب بن سفيان بسند صحيح عن
حميد بن هلال قال حدثنا رجل من عبد قيس قال لحقت بأهل النهر فاني مع طائفة منهم أسير
إذ أتينا على قرية بيننا نهر فخرج رجل من القرية مروعا فقالوا له لا روع عليك وقطعوا إليه النهر
فقالوا له أنت ابن خباب صاحب النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم قالوا فحدثنا عن أبيك فحدثهم
بحديث يكون فتنة فان استطعت أن تكون عبد الله المقتول فكن قال فقدموه فضربوا عنقه
ثم دعوا سريته وهي حبلى فبقروا عما في بطنها ولابن أبي شيبة من طريق أبي مجلز لاحق بن حميد
قال قال علي لأصحابه لا تبدأوهم بقتال حتى يحدثوا حدثا قال فمر بهم عبد الله بن خباب فذكر
قصة قتلهم له وبجاريته وأنهم بقروا بطنها وكانوا مروا على ساقته فأخذ واحد منهم تمرة فوضعها
في فيه فقالوا له تمرة معاهد فيم استحللتها فقال لهم عبد الله بن خباب أنا أعظم حرمة من هذه التمرة
فأخذوه فذبحوه فبلغ عليا فأرسل إليهم أفيدونا بقاتل عبد الله بن خباب فقالوا كلنا قتله فأذن
حينئذ في قتالهم وعند الطبري من طريق أبي مريم قال أخبرني أخي أبو عبد الله أن عليا سار
إليهم حتى إذا كان حذاءهم على شط النهروان أرسل يناشدهم فلم تزل رسله تختلف إليهم حتى
قتلوا رسوله فلما رأى ذلك نهض إليهم فقاتلهم حتى فرغ منهم كلهم قوله جئ بالرجل على النعت
الذي نعته النبي صلى الله عليه وسلم في رواية شعيب على نعت النبي صلى الله عليه وسلم الذي نعته
وفي رواية أفلح فالتمسه علي فلم يجده ثم وجده بعد ذلك تحت جدار على هذا النعت وفي رواية زيد بن
وهب فقال علي التمسوا فيهم المخرج فالتمسوه فلم يجدوه فقال علي بنفسه حتى أتى ناسا قد قتل
بعضهم على بعض قال أخروهم فوجده مما يلي الأرض فكبر ثم قال صدق الله وبلغ رسوله وفي
رواية عبيد الله بن أبي رافع فلما فتلهم علي قال انظروا فنظروا فلم يجدوا شيئا فقال ارجعوا فوالله
ما كذبت ولا كذبت مرتين أو ثلاثا ثم وجدوه في خربة فأتوا به حتى وضعوه بين يديه أخرجها مسلم
وفي رواية الطبري من طريق زيد بن وهب فقال علي اطلبوا ذا الثدية فطلبوه فلم يجدوه فقال
ما كذبت ولا كذبت اطلبوه فطلبوه فوجدوه في وهدة من الأرض عليه ناس من القتلى فإذا
رجل على يده مثل سبلات السنور فكبر علي والناس وأعجبه ذلك ومن طريق عاصم بن
كليب حدثنا أبي قال بينا نحن قعود عند علي فقام رجل عليه أثر السفر فقال إني كنت في العمرة
فدخلت على عائشة فقالت ما هؤلاء القوم الذين خرجوا فيكم قلت قوم خرجوا إلى أرض قريبة
منا قال لها حروراء فقالت أما أن ابن أبي طالب لو شاء لحدثكم بأمرهم قال فأهل علي وكبر فقال
دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عنده غير عائشة فقال كيف أنت وقوم يخرجون
من قبل المشرق وفيهم رجل كأن يده ثدي حبشية نشدتكم الله هل أخبرتكم بأنه فيهم قالوا نعم
فجئتموني فقلتم ليس فيهم فحلفت لكم أنه فيهم ثم أتيتموني به تسحبونه كما نعت لي فقالوا اللهم نعم
قال فأهل علي وكبر وفي رواية أبي الوضى بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة الخفيفة والتشديد عن علي
أطلبوا المخرج فذكر الحديث وفيه فاستخرجوه من تحت القتلى في طين قال أبو الوضى كأني
264

أنظر إليه حبشي عليه طربقط له إحدى يديه مثل ثدي المرأة عليها شعيرات مثل شعيرات تكون
على ذنب اليربوع ومن طريق أبي مريم قال إن كان وذلك المخرج لمعنا في المسجد وكان فقيرا قد
كسوته برنسا لي ورأيته يشهد طعام علي وكان مسمى نافعا ذا الثدية وكان في يده مثل ثدي المرأة
على رأسه حلمة مثل حلمة الثدي عليه شعيرات مثل سبلات السنور أخرجهما أبو داود وأخرجه
الطبري من طريق أبي مريم مطولا وفيه وكان علي يحدثنا قبل ذلك أن قوما يخرجون وعلامتهم
رجل مخرج اليد فسمعت ذلك منه مرارا كثيرة وسمعت المخرج حتى رأيته يتكره طعامه من
كثرة ما يسمع ذلك منه وفيه ثم أمر أصحابه أن يلتمسوا المخرج فالتمسوه فلم يجدوه حتى جاء رجل
فيشره فقال وجدناه تحت فتيلين في ساقيه فقال والله ما كذبت ولا كذبت وفي رواية أفلح
فقال على أيكم يعرف هذا فقال رجل من القوم نحن نعرفه هذا حرقوص وأمه ههنا قال فأرسل
علي إلى أمه فقالت كنت أرعى غنما في الجاهلية فغشيني كهيئة الظلة فحملت منه فولدت هذا
وفي رواية عاصم بن شمخ عن أبي سعيد قال حدثني عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
أن عليا قال التمسوا لي العلامة التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاني لم أكذب ولا أكذب
فجئ به فحمد الله وأثنى عليه حين عرف العلامة ووقع في رواية أبي بكر مولى الأنصار عن علي
حولها سبع هلبات وهو بضم الهاء وموحدة جمع هلبة وفيه أن الناس وجدوا في أنفسهم بعد
قتل أهل النهر فقال علي اني لا أراه إلا منهم فوجدوه على شفير النهر تحت القتلى فقال علي صدق
الله ورسوله وفرح الناس حين رأوه واستبشروا وذهب عنهم ما كانوا يجدونه (قوله قال فنزلت
فيه) في رواية السرخسي فيهم (قوله ومنهم من يلمزك في الصدقات) اللمز العيب وقيل
الوقوع في الناس وقيل يقيد أن يكون مواجهة والهمز في الغيبة أي يعيبك في قسم الصدقات
ويؤيد القيل المذكور ما وقع في قصة المذكور حيث واجه بقوله هذه قسمة ما أريد بها وجه الله
ولم أقف على الزيادة إلا في رواية معمر وقد أخرجه عبد الرزاق عن معمر لكن وقعت مقدمة على
قوله حين فرقة من الناس قال فنزلت فيهم وذكر كلام أبي سعيد بعد ذلك وله شاهد من حديث
ابن مسعود قال لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم حنين سمعت رجلا يقول إن هذه
القسمة ما أريد بها وجه الله قال فنزلت ومنهم من يلمزك في الصدقات أخرجه ابن مردويه وقد
تقدم في غزوة حنين بدون هذه الزيادة ووقع في رواية عتبة بن وساج عن عبد الله بن عمر ما يؤيد
هذه الزيادة فجعل يقسم بين أصحابه ورجل جالس فلم يعطه شيئا فقال يا محمد ما أراك تعدل وفي
رواية أبي الوضى عن أبي برزة نحوه فدل على أن الحامل للقائل على ما قال من الكلام الجافي
وأقدم عليه من الخطاب السئ كونه لم يعط من تلك العطية وأنه لو أعطى لم يقل شيئا من ذلك
وأخرج الطبراني نحو حديث أبي سعيد وزاد في آخره فغفل عن الرجل فذهب فسأل النبي
صلى الله عليه وسلم عنه فطلب فلم يدرك وسنده جيد تنبيه جاء عن أبي سعيد الخدري
قصة أخرى تتعلق بالخوارج فيها ما يخالف هذه الرواية وذلك فيما أخرجه أحمد بسند جيد
عن أبي سعيد قال جاء أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني مررت
بوادي كذا فإذا رجل حسن الهيئة متخشع يصلي فيه فقال اذهب إليه فأقتله قال فذهب إليه
أبو بكر فلما رآه يصلي كره أن يقتله فرجع فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر اذهب فأقتله
265

فذهب فرآه على تلك الحالة فرجع فقال يا علي اذهب إليه فأقتله فذهب علي فلم يره فقال النبي
صلى الله عليه وسلم إن هذا وأصحابه يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم
من الرمية ثم لا يعودون فيه فاقتلوهم هم شر البرية وله شاهد من حديث جابر أخرجه أبو يعلى
ورجاله ثقات ويمكن الجمع بأن يكون هذا الرجل هو الأول وكانت قصة هذه الثانية متراخية
عن الأولى وأذن صلى الله عليه وسلم في قتله بعد أن منع منه لزوال علة المنع وهي التألف فكأنه
استغنى عنه بعد انتشار الاسلام كما نهى عن الصلاة على من ينسب إلى النفاق بعد أن كان
يجري عليهم أحكام الاسلام قبل ذلك وكأن أبا بكر وعمر تمسكا بالنهي الأول عن قتل المصلين
وحملا الامر هنا على قيد أن لا يكون لا يصلي فلذلك عللا عدم القتل بوجود الصلاة
أو غلبا جانب النهي ثم وجدت في مغازي الأموي من مرسل الشعبي في نحو أصل القصة ثم دعا
رجالا فأعطاهم فقام رجل فقال إنك لتقسم وما نرى عدلا قال إذا لا يعدل أحد بعدي ثم دعا
أبا بكر فقال اذهب فأقتله فذهب فلم يجده فقال لو قتلته لرجوت أن يكون أولهم وآخرهم فهذا
يؤيد الجمع الذي ذكرته لما يدل عليه ثم من التراخي والله أعلم وفي هذا الحديث من الفوائد غير
ما تقدم منقبة عظيمة لعلي وأنه كان الإمام الحق وأنه كان على الصواب في قتال من قاتله
في حروبه في الجمل وصفين وغيرهما وأن المراد بالحصر في الصحيفة في قوله في كتاب الديات ما عندنا
إلا القرآن والصحيفة مقيد بالكتابة لا أنه ليس عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ مما أطلعه
الله عليه من الأحوال الآتية إلا ما في الصحيفة فقد اشتملت طرق هذا الحديث على أشياء كثيرة
كان عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم علم بها مما يتعلق بقتال الخوارج وغير ذلك مما ذكر وقد
ثبت عنه أنه كان بخير بأنه سيقتله أشقى القوم فكان ذلك في أشياء كثيرة ويحتمل أن يكون النفي
مقيدا باختصاصه بذلك فلا يرد حديث الباب لأنه شاركه فيه جماعة وإن كان عنده هو زيادة
عليهم لأنه كان صاحب القصة فكان أشد عناية بها من غيره وفيه الكف عن قتل من يعتقد
الخروج على الامام ما لم ينصب لذلك حربا أو يستعد لذلك لقوله فإذا خرجوا فاقتلوهم وحكى
الطبري الاجماع على ذلك في حق من لا يكفر لاعتقاده وأسند عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب
في الخوارج بالكف عنهم ما لم يسفكوا دما حراما أو يأخذوا مالا فان فعلوا فقاتلوهم ولو كانوا
ولدي ومن طريق ابن جريج قلت لعطاء ما يحل في قتال الخوارج قال إذا قطعوا السبيل
وأخافوا الامن وأسند الطبري عن الحسن أنه سئل عن رجل كان يرى رأي الخوارج ولم يخرج
فقال العمل أملك بالناس من الرأي قال الطبري ويؤيده أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف
الخوارج بأنهم يقولون الحق بألسنتهم ثم أخبر أن قولهم ذلك وإن كان حقا من جهة القول فإنه
قول لا يجاوز حلوقهم ومنه قوله تعالى إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه أخبر أن
العمل الصالح الموافق للقول الطيب هو الذي يرفع القول الطيب قال وفيه أنه لا يجوز قتال
الخوارج وقتلهم إلا بعد إقامة الحجة عليهم بدعائهم إلى الرجوع إلى الحق والاعذار إليهم والى ذلك
أشار البخاري في الترجمة بالآية المذكورة فيها واستدل به لمن قال بتكفير الخوارج وهو مقتضى
صنيع البخاري حيث قرنهم بالملحدين وأفرد عنهم المتأولين بترجمة وبذلك صرح القاضي أبو بكر
ابن العربي في شرح الترمذي فقال الصحيح أنهم كفار لقوله صلى الله عليه وسلم يمرقون من الاسلام
266

ولقوله لأقتلنهم قتل عاد وفي لفظ ثمود وكل منهما انما هلك بالكفر وبقوله هم شر الخلق ولا يوصف
بذلك إلا الكفار ولقوله انهم أبغض الخلق إلى الله تعالى ولحكمهم على كل من خالف معتقدهم
بالكفر والتخليد في النار فكانوا هم أحق بالاسم منهم وممن جنح إلى ذلك من أئمة المتأخرين الشيخ
تقي الدين السبكي فقال في فتاويه احتج من كفر الخوارج وغلاة والروافض بتكفيرهم أعلام
الصحابة لتضمنه تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم في شهادته لهم بالجنة قال وهو عندي احتجاج
صحيح قال واحتج من لم يكفرهم بان الحكم بتكفيرهم يستدعي تقدم علمهم بالشهادة المذكورة
علما قطعيا وفيه نظر لأنا نعلم تزكية من كفروه علما قطعيا إلى حين موته وذلك كاف في اعتقادنا
تكفير من كفرهم ويؤيده حديث من قال لأخيه كافر فقد باء به أحدهما وفي لفظ مسلم من رمى
مسلما بالكفر أو قال عدو الله إلا حاد عليه قال وهؤلاء قد تحقق منهم أنهم يرمون جماعة بالكفر
ممن حصل عندنا القطع بإيمانهم فيجب أن يحكم بكفرهم بمقتضى خبر الشارع وهو نحو ما قالوه
فيمن سجد للصنم ونحوه ممن لا تصريح بالجحود فيه بعد أن فسروا الكفر بالجحود فان احتجوا
بقيام الاجماع على تكفير فاعل ذلك قلنا وهذه الأخبار الواردة في حق هؤلاء تقتضي كفرهم
ولو لم يعتقدوا تزكية من كفروه علما قطعيا ولا ينجيهم اعتقاد الاسلام إجمالا والعمل بالواجبات
عن الحكم بكفرهم كما لا ينجي الساجد للصنم ذلك (قلت) وممن جنح إلى بعض هذا البحث
الطبري في تهذيبه فقال بعد أن سرد أحاديث الباب فيه الرد على قول من قال لا يخرج أحد
من الاسلام من أهل القبلة بعد استحقاقه حكمه إلا بقصد الخروج منه عالما فإنه مبطل لقوله
في الحديث يقولون الحق ويقرأون القرآن ويمرقون من الاسلام ولا يتعلقون منه بشئ ومن
المعلوم أنهم لم يرتكبوا استحلال دماء المسلمين وأموالهم إلا بخطأ منهم فيما تأولوه من آي القرآن
على غير المراد منه ثم أخرج بسند صحيح عن ابن عباس وذكر عنده الخوارج وما يلقون عند قراءة
القرآن فقال يؤمنون بمحكمه ويهلكون عند متشابهه ويؤيد القول المذكور الامر قتلهم
مع ما تقدم من حديث ابن مسعود لا يحل قتل امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث وفيه التارك لدينه
المفارق للجماعة قال القرطبي في المفهم يؤيد القول بتكفيرهم التمثيل المذكور في حديث أبي
سعيد يعني الآتي في الباب الذي يليه فان ظاهر مقصوده أنهم خرجوا من الاسلام ولم
يتعلقوا منه بشئ كما خرج السهم من الرمية لسرعته وقوة راميه بحيث لم يتعلق من الرمية بشئ
وقد أشار إلى ذلك بقوله سبق الفرث والدم وقال صاحب الشفاء فيه وكذا نقطع بكفر كل من قال
قولا يتوصل به إلى تضليل الأمة أو تكفير الصحابة وحكاه صاحب الروضة في كتاب الردة عنه وأقره
وذهب أكثر أهل الأصول من أهل السنة إلى أن الخوارج فساق وان حكم الاسلام يجري
عليهم لتلفظهم بالشهادتين ومواظبتهم على أركان الاسلام وانما فسقوا بتكفيرهم المسلمين
مستندين إلى تأويل فاسد وجرهم ذلك إلى استباحة دماء مخالفيهم وأموالهم والشهادة عليهم
بالكفر والشرك وقال الخطابي أجمع علماء المسلمين على أن الخوارج مع ضلالتهم فرقة من فرق
المسلمين وأجازوا مناكحتهم وأكل ذبائحهم وأنهم لا يكفرون ما داموا متمسكين بأصل الاسلام
وقال عياض كادت هذه المسألة تكون أشد إشكالا عند المتكلمين من غيرها حتى سأل الفقيه
عبد الحق الامام أبا المعالي عنها فاعتذر بأن إدخال كافر في الملة وإخراج مسلم عنها عظيم في الدين
267

قال وقد توقف قبله القاضي أبو بكر الباقلاني وقال لم يصرح القوم بالكفر وانما قالوا أقوالا تؤدي
إلى الكفر وقال الغزالي في كتاب التفرقة بين الايمان والزندقة والذي ينبغي الاحتراز عن التكفير
ما وجد إليه سبيلا فان استباحة دماء المصلين المقرين بالتوحيد خطأ والخطأ في ترك ألف كافر
في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم لمسلم واحد ومما احتج به من لم يكفرهم قوله في ثالث
أحاديث الباب بعد وصفهم بالمروق من الدين كمروق السهم فينظر الرامي إلى سهمه إلى أن قال
فيتمارى في الفوقة هل علق بها شئ قال ابن بطال ذهب جمهور العلماء إلى أن الخوارج غير خارجين
عن جملة المسلمين لقوله يتمارى في الفوق لأنه التماري من الشك وإذا وقع الشك في ذلك لم يقطع
عليهم بالخروج من الاسلام لان من ثبت له عقد الاسلام بيقين لم يخرج منه إلا بيقين قال وقد
سئل علي عن أهل النهر هل كفروا فقال من الكفر فروا (قلت) وهذا إن ثبت عن علي حمل
على أنه لم يكن اطلع على معتقدهم الذي أوجب تكفيرهم عند من كفرهم وفي احتجاجه
بقوله يتمارى في الفوق نظر فان في بعض طرق الحديث المذكور كما تقدمت الإشارة إليه
وكما سيأتي لم يعلق منه بشئ وفي بعضها سيق الفرث والدم وطريق الجمع بينهما أنه تردد هل
في الفوق شئ أو لا ثم تحقق أنه لم يعلق بالسهم ولا بشئ منه من الرمي بشئ ويمكن أن يحمل
الاختلاف فيه على اختلاف أشخاص منهم ويكون في قوله يتمارى إشارة إلى أن بعضهم
قد يبقى معه من الاسلام شئ قال القرطبي في المفهم والقول بتكفيرهم أظهر في الحديث
قال فعلى القول بتكفيرهم يقاتلون ويقتلون وتسبى أموالهم وهو قول طائفة من أهل
الحديث في أموال الخوارج وعلى القول بعدم تكفيرهم يسلك بهم مسلك أهل البغي إذا
شقوا العصا ونصبوا الحرب فأما من استسر منهم ببدعة فإذا ظهر عليه هل يقتل بعد الاستتابة
أو لا يقتل بل يجتهد في رد بدعته اختلف فيه بحسب الاختلاف في تكفيرهم قال وباب التكفير
باب خطر ولا نعدل بالسلامة شيئا قال وفي الحديث علم من أعلام النبوة حيث أخبر بما وقع
قبل أن يقع وذلك أن الخوارج لما حكموا بكفر من خالفهم واستباحوا دماءهم وتركوا أهل
الذمة فقالوا نفي لهم بعهدهم وتركوا قتال المشركين واشتغلوا بقتال المسلمين وهذا كله
من آثار عبادة الجهال الذين لم تنشرح صدورهم بنور العلم ولم يتمسكوا بحبل وثيق من العلم
وكفا أن رأسهم رد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ونسبه إلى الجور نسأل الله السلامة
قال ابن هبيرة وفي الحديث أن قتال الخوارج أولى من قتال المشركين والحكمة فيه أن
في قتالهم حفظ رأس مال الاسلام وفي قتال أهل الشرك طلب الربح وحفظ رأس المال أولى
وفيه الزجر عن الاخذ بظواهر جميع الآيات القابلة للتأويل التي يفضي القول بظواهرها إلى
مخالفة إجماع السلف وفيه التحذير من الغلو في الديانة والتنطع في العبادة بالحمل على النفس فيما
لم يأذن فيه الشرع وقد وصف الشارع الشريعة بأنها سهلة سمحة وانما ندب إلى الشدة على
الكفار والى الرأفة على بالمؤمنين فعكس ذلك الخوارج كما تقدم بيانه وفيه جواز قتال من خرج عن
طاعة الإمام العادل ومن نصب الحرب فقاتل على اعتقاد فاسد ومن خرج يقطع الطرق ويخيف
السبيل ويسعى في الأرض بالفساد وأما من خرج عن طاعة امام جائر أراد الغلبة على ماله أو نفسه
أو أهله فهو معذور ولا يحل قتاله وله أن يدفع عن نفسه وماله وأهله بقدر طاقته وسيأتي بيان ذلك
268

في كتاب الفتن وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن عبد الله بن الحرث عن رجل من بني نضر عن علي
وذكر الخوارج فقال إن خالفوا إماما عدلا فقاتلوهم وإن خالفوا إماما جائرا فلا تقاتلوهم فإن
لهم مقالا (قلت) وعلى ذلك يحمل ما وقع للحسين بن علي ثم لأهل المدينة في الحرة ثم لعبد الله بن
الزبير ثم للقراء الذين خرجوا على الحجاج في قصة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث والله أعلم وفيه
ذم استئصال شعر الرأس وفيه نظر لاحتمال أن يكون المراد بيان صفتهم الواقعة لا لإرادة ذمها
وترجم أبو عوانة في صحيحه بهذه الأحاديث بيان أن سبب خروج الخوارج كان بسبب الأثرة في
القسمة مع كونها كانت صوابا فخفي عنهم ذلك وفيه إباحة قتال الخوارج بالشروط المتقدمة
وقتلهم في الحرب وثبوت الاجر لمن قتلهم وفيه أن من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن
يقصد الخروج منه ومن غير أن يختار دينا على دين الاسلام وان الخوارج شر الفرق المبتدعة من
الأمة المحمدية ومن اليهود والنصارى (قلت) والأخير مبني على القول بتكفيرهم مطلقا وفيه
منقبة عظيمة لعمر لشدته في الدين وفيه أنه لا يكتفي في التعديل بظاهر الحال ولو بلغ مشهود بتعديله
الغاية في العبادة والتقشف والورع حتى يختبر باطن حاله الحديث الثاني (قوله عبد الواحد)
هو ابن زياد والشيباني هو أبو إسحاق ويسير بن عمرو بتحتانية أوله بعدها مهملة مصغر ويقال له
أيضا أسير ووقع كذلك في رواية مسلم كحديث الباب وليس له في البخاري سوى هذا الحديث
الواحد وهو من بني محارب بن ثعلبة نزل الكوفة ويقال إن له صحبة وذكر أبو نعيم في تاريخه
حدثنا قيس بن عمرو بن يسير بن عمر وأخبرني أبي عن أسير بن عمرو قال توفي النبي صلى الله عليه
وسلم وأنا ابن عشر سنين ويقال له أسير بن جابر كذا وقع عند مسلم في رواية أبي نضرة عن أسير
ابن جابر عن عمير في فضيلة أويس القرني وقيل هو أسير بن عمرو بن جابر نسب لجده (قوله سمعته
يقول وأهوى بيده قبل العراق) أي من جهته وفي رواية علي بن مسهر عن الشيباني عند مسلم
نحو المشرق (قوله يمرقون) قال ابن بطال المروق الخروج عند أهل اللغة يقال مرق السهم من
الغرض إذا أصابه ثم نفذ منه فهو يمرق منه مرقا ومروقا وانمرق منه وأمرقه الرامي إذا فعل
ذلك به ومنه قيل للمرق ممرق لأنه يخرج منه ومنه قيل مرق البرق لخروجه بسرعة (قوله
مروق السهم من الرمية) زاد أبو عوانة في صحيحه من طريق محمد بن فضيل عن الشيباني قال قال
أسير قلت ما لهم علامة قال سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم لأزيدك عليه وفي هذا ان سهل بن
حنف صرح بأن الحرورية هم المراد بالقوم المذكورين في أحاديث هذين البابين فيقوى
ما تقدم أن أبا سعيد توقف في الاسم والنسبة لا في كونهم المراد قال الطبري وروى هذا الحديث
في الخوارج عن علي تاما ومختصرا عبيد الله بن أبي رافع وسويد بن غفلة وعبيدة بن عمرو وزيد بن
وهب وكليب الجرمي وطارق بن زياد وأبو مريم (قلت) وأبو وضي وأبو كثير وأبو موسى وأبو وائل
في مسند إسحاق بن راهويه والطبراني وأبو جحيفة عند البزار وأبو جعفر الفراء مولى علي أخرجه
الطبراني في الأوسط وكثير بن نمير وعاصم بن ضمرة قال الطبري ورواه عن النبي صلى الله عليه
وسلم مع علي بن أبي طالب أو بعضه عبد الله بن مسعود وأبو ذر وابن عباس وعبد الله بن عمرو بن
العاص وابن عمر وأبو سعيد الخدري وأنس بن مالك وحذيفة وأبو بكرة وعائشة وجابر وأبو برزة
وأبو أمامة وعبد الله بن أبي أوفى وسهل بن حنيف وسلمان الفارسي (قلت) ورافع بن عمرو وسعد
269

ابن أبي وقاص وعمار بن ياسر وجندب بن عبد الله البجلي وعبد الرحمن بن عريس وعقبة بن عامر
وطلق بن علي وأبو هريرة أخرجه الطبراني في الأوسط بسند جيد من طريق الفرزدق الشاعر أنه
سمع أبا هريرة وأبا سعيد وسألهما فقال إني رجل من أهل المشرق وأن قوما يخرجون علينا
يقتلون من قال لا إله إلا الله ويؤمنون من سواهم فقالا لي سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول
من قتلهم فله أجر شهيد ومن قتلوه فله أجر شهيد فهؤلاء خمسة وعشرون نفسا من الصحابة
والطرق إلى كثرتهم متعددة كعلي وأبي سعيد وعبد الله بن عمر وأبي بكرة وأبي برزة وأبي ذر فيفيد
مجموع خبرهما القطع بصحة ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله باب قول
النبي صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان دعواهما واحدة) كذا ترجم بلفظ
الخبر وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى وفي المتن من الزيادة يكون بينهما
مقتلة عظيمة والمراد بالفئتين جماعة علي وجماعة معاوية والمراد بالدعوة الاسلام على الراجح وقيل
المراد اعتقاد كل منهما أنه على الحق وأورده هنا للإشارة إلى ما وقع في بعض طرقه كما عند الطبري
من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد نحو حديث الباب وزاد في آخره فبينما هم كذلك إذ مرقت
مارقة يقتلها أولى الطائفتين بالحق فبذلك تظهر مناسبته لما قبله والله أعلم (قوله باب
ما جاء في المتأولين) تقدم في باب من أكفر أخاه بغير تأويل من كتاب الأدب وفي الباب الذي يليه
من لم ير إكفار من قال ذلك متأولا وبيان المراد بذلك والحاصل أن من أكفر المسلم نظر فإن كان بغير
تأويل استحق الذم وربما كان هو الكافر وإن كان بتأويل نظر إن كان غير سائغ استحق الذم
أيضا ولا يصل إلى الكفر بل يبين له وجه خطئه ويزجر بما يليق به ولا يلتحق بالأول عند الجمهور
وإن كان بتأويل سائغ لم يستحق الذم بل تقام عليه الحجة حتى يرجع إلى الصواب قال العلماء كل
متأول معذور بتأويله ليس بآثم إذا كان تأويله سائغا في لسان العرب وكان له وجه في العلم وذكر
هنا أربعة أحاديث * الحديث الأول حديث عمر في قصته مع هشام بن حكيم بن حزام حين سمعه
يقرأ سورة الفرقان في الصلاة بحروف تخالف ما قرأه هو على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد
تقدم شرحه مستوفى في كتاب فضائل القرآن ومناسبته للترجمة من جهة أن النبي صلى الله عليه
وسلم لم يؤاخذ عمر بتكذيب هشام ولا بكونه لببه برداءه وأراد الايقاع به بل صدق هشاما فيما نقله
وعذر عمر في إنكاره ولم يزده على بيان الحجة في جواز القراءتين وقوله في أول السند وقال الليث
الخ وصله الإسماعيلي من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث عنه ويونس شيخ الليث فيه
هو ابن يزيد وقد تقدم في فضائل القرآن وغيره من رواية الليث أيضا موصولا لكن عن عقيل
لا عن يونس ووهم مغلطاي ومن تبعه في أن البخاري وصله عن سعيد بن عفير عن الليث عن يونس
وقوله كدت أساوره بسين مهملة أي أوائبه وزنه ومعناه وقيل هو من قولهم سار يسور إذا ارتفع
ذكره وقد يكون بمعنى البطش لان السورة قد تطلق على البطش لأنه ينشأ عنها الحديث الثاني
حديث ابن مسعود في نزول قوله تعالى الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم وقد تقدم شرحه
في أول حديث من كتاب استتابة المرتدين وسنده هنا كلهم كوفيون ووجه دخوله في الترجمة من
جهة أنه صلى الله عليه وسلم لم يؤاخذ الصحابة بحملهم الظلم في الآية على عمومه حتى ليتناول كل
معصية بل عذرهم لأنه ظاهر في التأويل ثم بين لهم المراد بما رفع الاشكال الحديث الثالث
270

حديث عتبان بن مالك في قصة مالك بن الدخشم وهو بضم المهملة وسكون المعجمة ثم شين معجمة
مضمومة ثم ميم أو نون وهو الذي وقع هنا وقد يصغر وقد تقدم شرحه مستوفى في أبواب
المساجد في البيوت من كتاب الصلاة ومناسبته من جهة أنه صلى الله عليه وسلم لم يؤاخذ العائدين القائلين
في حق مالك بن الدخشم بما قاله بل بين لهم ان إجراء أحكام الاسلام على الظاهر دون
ما في الباطن وقوله هنا ألا تقولونه يقول لا إله إلا الله كذا في رواة الكشميهني وفي رواية المستملي
والسرخسي لا تقولوه بصيغة النهي وقال ابن التين ألا تقولوه جاءت في الرواية والصواب تقولونه
أي تظنونه (قلت) الذي رأيته لا تقولوه بغير الف في أوله وهو موجه موجه وتفسير القول بالظن فيه نظر
والذي يظهر أنه بمعنى الرؤية أو السماع وجوز ابن التين أنه خطاب للمفرد وأصله ألا تقوله
فأشبع ضمة اللام حتى صارت واوا وأنشد لذلك شاهدا الحديث الرابع حديث علي في قصة
حاطب بن أبي بلتعة في مكاتبته قريشا ونزول قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي
وعدوكم أولياء وقد تقدم في باب الجاسوس من كتاب الجهاد وما يتعلق به وفي باب النظر في شعور
أهل الذمة ما يتعلق بذلك والجمع بين قوله حجزتها وعقيصتها وضبط ذلك وتقدم في باب فضل
من شهد بدرا من كتاب المغازي الكلام على قوله لعل الله اطلع على أهل بدر وفي تفسير الممتحنة
بأبسط منه وفيه الجواب عن اعتراض عمر على حاطب بعد أن قبل النبي صلى الله عليه وسلم
عذره وفي غزوة الفتح الجمع بين قوله بعثني أنا والزبير والمقداد وقوله بعثني أنا وأبو مرثد وفيه
قصة المرأة وبيان ما قيل في اسمها وما في الكتاب الذي حملته وأذكر هنا بقية شرحه (قوله
عن حصين) بالتصغير هو ابن عبد الرحمن الواسطي (قوله عن فلان) كذا وقع مبهما وسمى
في رواية هشيم في الجهاد وعبد الله بن إدريس في الاستئذان سعد بن عبيدة وكذا وقع في رواية
خالد بن عبد الله ومحمد بن فضيل عند مسلم وأخرجه أحمد عن عفان عن أبي عوانة قسما ونحوه
للإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة عن عفان قالا حدثنا أبو عوانة عن حصين بن عبد الرحمن
حدثني سعد بن عبيدة هو السلمي الكوفي يكنى أبا حمزة وكان زوج بنت أبي عبد الرحمن السلمي
شيخه في هذا الحديث وقد وقع في نسخة الصيغاني هنا بعد قوله عن فلان ما نصه هو أبو حمزة
سعد بن عبيدة السلمي ختن أبي عبد الرحمن السلمي انتهى ولعل القائل هو الخ من دون
البخاري وسعد تابعي روى عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر والبراء (قوله تنازع أبو عبد الرحمن)
هو السلمي وصرح به في رواية عفان (قوله وحبان بن عطية) بكسر المهملة وتشديد الموحدة
وحكى أبو علي الجياني وتبعه صاحب المشارق والمطالع أن بعض رواه أبي ذر ضبطه بفتح أوله
وهو وهم (قلت) وحكى المزي أن ان ما كولا ذكره بالكسر وان ابن الفرضي ضبطه بالفتح قال
وتبعه أبو علي الجياني كذا قال والذي جزم به أبو علي الجياني توهيم من ضبطه بالفتح كما نقلته
وذلك في تقييد المهمل وصوب أنه بالكسر حيث ذكره مع بن حبان بن موسى وهو بالكسر إجماعا
وكان حبان بن عطية سليا أيضا ومؤاخيا لأبي عبد الرحمن السلمي وان كانا مختلفين
في تفضيل عثمان وعلي وقد تقدم في أواخر الجهاد من طريق هشيم عن حصين في هذا الحديث
وكان أبو عبد الرحمن عثمانيا أي يفضل عثمان على علي وحبان بن عطية علويا أي يفضل عليا
على عثمان (قوله لقد علمت ما الذي) كذا للكشميهني وكذا في أكثر الطرق وللحموي والمستملي
271

هنا من الذي وعلى الرواية الأولى ففاعل التجرئ هو القول المعبر عنه هنا بقوله شيء يقوله و على
الثانية الفاعل هو القائل (قوله جرأ) بفتح الجيم وتشديد الراء مع الهمز (قوله صاحبك) زاد
عفان يعني عليا (قوله على الدماء) أي إراقة دماء المسلمين لان دماء المشركين مندوب إلى إراقتها
اتفاقا (قوله لا أبا لك) بفتح الهمزة وهي كلمة تقال عند الحث على الشئ والأصل فيه أن الانسان
إذا وقع في شدة عاونه أبوه فإذا قيل لا أبا لك فمعناه ليس لك أب جد في الامر جد من ليس له معاون
ثم أطلق في الاستعمال في موضع استبعاد ما يصدر من المخاطب من قول أو فعل (قوله سمعته
يقوله) في رواية المستملي والكشميهني هنا سمعته يقول بحذف الضمير والأول أوجه لقوله قال ما هو
(قوله قال بعثني) كذا لهم وكأن قال الثانية سقطت على عادتهم في إسقاطها خطأ والأصل
قال أي أبو عبد الرحمن قال أي علي (قوله والزبير وأبا مرثد) تقدم في غزوة الفتح من طريق
عبد الله بن أبي رافع عن علي ذكر المقداد بدل أبي مرثد وجمع بأن الثلاثة كانوا مع علي ووقع عند
الطبري في تهذيب الآثار من طريق أعشى ثقيف عن أبي عبد الرحمن السلمي في هذا الحديث
ومعي الزبير بن العوام ورجل من الأنصار وليس المقداد ولا أبو مرثد من الأنصار إلا إن كان
بالمعنى الأعم ووقع في الأسباب للواحدي أن عمر وعمارا وطلحة كانوا معهم ولم يذكر له مستندا
وكأنه من تفسير ابن الكلبي فأني لم أره في سير الوافدي ووجدت ذكر فيه عمر من وجه آخر أخرجه
ابن مردويه في تفسيره من طريق الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن أنس في قصة المرأة المذكورة
فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بخبرها فبعث في أثرها عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب
(قوله روضة حاج) بمهملة ثم جيم (قوله قال أبو سلمة) هو موسى بن إسماعيل شيخ البخاري فيه
(قوله هكذا قال أبو عوانة حاج) فيه إشارة إلى أن موسى كان يعرف أن الصواب خاخ بمعجمتين
ولكن شيخه قالها بالمهملة والجيم وقد أخرجه أبو عوانة في صحيحة من رواية محمد بن إسماعيل
الصائغ عن عفان فذكرها بلفظ حاج بمهملة ثم جيم قال عفان والناس يقولون خاخ أي بمعجمتين
قال النووي قال العلماء هو غلط من أبي عوانة وكأنه اشتبه عليه بمكان آخر يقال له ذات حاج
بمهملة ثم جيم وهو موضع بين المدينة والشام يسلكه الحاج وأما روضة خاخ فأنها بين مكة والمدينة
بقرب المدينة (قلت) وذكر الواقدي أنها بالقرب من ذي الحليفة على بريد من المدينة وأخرج
سمويه في فوائده من طريق عبد الرحمن بن حاطب قال وكان حاطب من أهل اليمن حليفا للزبير
فذكر القصة وفيها أن المكان على قريب من اثنى عشر ميلا من المدينة وزعم السهيلي أن هشيما
كان يقولها أيضا حاج بمهملة ثم جيم وهو وهم أيضا وسيأتي ذلك في آخر الباب وقد سبق
في أواخر الجهاد من طريق هشيم بلفظ حتى تأتوا روضة كذا فلعل البخاري كنى عنها أو شيخه
إشارة إلى أن هشيما كان يصحفها وعلى هذا فلم ينفرد أبو عوانة بتصحيفها لكن أكثر الرواة عن
حصين قالوها على الصواب بمعجمتين (قوله فأن فيها امرأة معها صحيفة من حاطب بن أبي بلتعة
إلى المشركين فائتوني بها) في رواية عبيد الله بن أبي رافع فان بها ظعينة معها كتاب والظعينة
بظاء معجمة وزن عظيمة فعيلة بمعنى فاعلة من الظعن وهو الرحيل وقيل سميت ظعينة لأنها
تركب الظعين التي تظعن براكبها وقال الخطابي سميت ظعينة لأنها تظعن مع زوجها
ولا يقال لها ظعينة إلا إذا كانت في الهودج وقيل أنه اسمه الهودج سميت المرأة لركوبها فيه
272

ثم توسعوا فأطلقوه على المرأة ولو لم تكن في هودج وقد تقدم في غزوة الفتح بيان الاختلاف
في اسمها وذكر الواقدي أنها من مزينة وأنها من أهل العرج بفتح الراء بعدها جيم يعنى قرية
بين مكة والمدينة وذكر الثعلبي ومن تبعه أنها كانت مولاة أبي صيفي بن عمرو بن هاشم بن
عبد مناف وقيل عمران بدل عمرو وقيل مولاة بنى أسد بن عبد العزي وقيل كانت من موالي
العباس وفي حديث أنس الذي أشرت إليه عند بن مردويه أنها مولاة لقريش وفي تفسير
مقاتل بن حبان أن حاطبا أعطاها عشرة دنانير وكساها بردا وعند الواحدي أنها قدمت المدينة
فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم جئت مسلمة قالت لا ولكن احتتب قال فأين أنت عن شباب
قريش وكانت مغنية قالت ما طلب مني بعد وقعة بدر شئ من ذلك فكساها وحملها فأتاها حاطب
فكتب معها كتابا إلى أهل مكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يغزو فخذوا حذركم
وفي حديث عبد الرحمن بن حاطب فكتب حاطب إلى كفار قريش بكتاب ينتصح لهم وعند أبي يعلى
والطبري من طريق الحرث بن علي لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يغزو مكة أسر إلى ناس
من أصحابه وأفشى في الناس أنه يريد غير مكة فسمعه حاطب بن أبي بلتعة فكتب حاطب إلى
أهل مكة بذلك وذكر الواقدي أنه كان في كتابه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في الناس
بالغزو ولا أراه الا يريدكم وقد أحببت أن يكون إنذاري لكم بكتابي إليكم وتقدم بقية ما نقل
مما وقع في الكتاب في غزوة الفتح (قوله تسير على بعير لها) في رواية محمد بن فضيل عن حصين
تشتد بشين معجمة ومثناة فوقانية (قوله فابتغينا في رحلها) أي طلبنا كأنهما فتشا ما معها ظاهرا
وفي رواية محمد بن فضيل فأنخنا بعيرها فابتغينا وفي رواية الحارث فوضعنا متعاها وفتشنا فلم
نجد (قوله لقد علمنا) في رواية الكشميهني لقد علمتما وهي رواية عفان أيضا (قوله ثم حلف
علي والذي يحلف به) أي قال والله وصرح به في حديث أنس وفي حديث عبد الرحمن بن حاطب
(قوله لتخرجن الكتاب أو لأجردنك) أي أنزع ثيابك حتى تصيري عريانة وفي رواية ابن فضيل
أو لأقتلنك وذكر الإسماعيلي أن في رواية خالد بن عبد الله مثله وعنده من رواية ابن فضيل
لأجزرنك بجيم ثم زاي أي أصيرك مثل الجزور إذا ذبحت ثم قال الإسماعيلي ترجم البخاري النظر
في شعور أهل الذمة يعني الترجمة الماضية في كتاب الجهاد وهذه الرواية تخالفه أي رواية أو
لأقتلنك قلت رواية لأجردنك أشهر ورواية لأجزرنك كأنها مفسرة منها ورواية لأقتلنك
كأنها بالمعنى من لأجردنك ومع ذلك فلا تنافي الترجمة لأنها إذا قتلت سلبت ثيابها في العادة
فيستلزم التجرد الذي ترجم به ويؤيد الرواية المشهورة ما وقع في رواية عبيد الله بن أبي رافع بلفظ
لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب قال ابن التين كذا وقع بكسر القاف وفتح الياء التحتانية
وتشديد النون قال والياء زائدة وقال الكرماني وهو بكسر الياء وبفتحها كذا جاء في الرواية
بإثبات الياء والقواعد التصريفية تقتضي حذفها لكن إذا صحت الرواية فتحمل على أنها وقعت
على طريق المشاكلة لتخرجن وهذا توجيه الكسرة وأما الفتحة فتحمل على خطاب المؤنث
الغائب على طريق الالتفات من الخطاب إلى الغيبة قال ويجوز فتح القاف على البناء للمجهول
وعلى هذا فترفع الثياب (قلت) ويظهر لي أن صواب الرواية لتلقين بالنون بلفظ الجمع وهو
ظاهر جدا لا إشكال فيه البتة ولا يفتقر إلى تكلف تخريج ووقع في حديث أنس فقالت ليس
273

معي كتاب فقالت كذبت فقال قد حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن معك كتابا والله لتعطيني
الكتاب الذي معك أو لا أترك عليك ثوبا إلا التمسنا فيه قالت أو لستم بناس من مسلمين حتى إذا ظنت
أنهما يلتمسان في كل ثوب معها حلت عفاصها وفيه فرجعا إليها فسلا سيفيهما فقالا والله
لنذيقنك الموت أو لتدفعن إلينا الكتاب فأنكرت ويجمع بينهما بأنهما هدداها بالقتل أولا فلما
أصرت على الانكار ولم يكن معهما إذن بقتلها هدداها بتجريد ثيابها فلما تحققت ذلك خشيت
أن يقتلاها حقيقة وزاد في حديث أنس أيضا فقالت ادفعه اليكما على أن ترداني إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وفي رواية أعشى ثقيف عن عبد الرحمن عند الطبري فلم يزل علي بها حتى
خافته وقد اختلف هل كانت مسلمة أو على دين قومها فالأكثر على الثاني فقد عدت فيمن أهدر
النبي صلى الله عليه وسلم دمهم يوم الفتح لأنها كانت تغني بهجائه وهجاء أصحابه وقد وقع
في أول حديث أنس أمر النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح بقتل أربعة فذكرها فيهم ثم قال وأما
أمر سارة فذكر قصتها مع حاطب (قوله فأتوا بها) أي الصحيفة وفي رواية عبيد الله بن أبي
رافع فأتينا به أي الكتاب ونحوه في رواية ابن عباس عن عمر وزاد نقرئ عليه فإذا فيه من
حاطب إلى ناس من المشركين من أهل مكة سماهم الواقدي في روايته سهيل بن عمرو
العامري وعكرمة بن أبي جهل المخزومي وصفوان بن أمية الجمحي (قوله فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم يا حاطب ما حملك على ما صنعت) في رواية عبد الرحمن بن حاطب فدعا رسول الله
صلى الله عليه وسلم حاطبا فقال أنت كتبت هذا الكتاب قال نعم قال فما حملك على ذلك
وكأن حاطبا لم يكن حاضرا لما جاء الكتاب فاستدعى به لذلك وقد بين ذلك في حديث ابن عباس
عن عمر بن الخطاب ولفظه فأرسل إلى حاطب فذكر نحو رواية عبد الرحمن أخرجه الطبري
بسند صحيح (قوله قال يا رسول الله ما لي أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله) وفي رواية المستملي
ما بي بالموحدة بدل اللام وهو أوضح وفي رواية عبد الرحمن بن حاطب أما والله ما ارتبت منذ
أسلمت في الله وفي رواية ابن عباس قال والله أني لناصح لله ولرسوله (قوله ولكني أردت أن
يكون لي عند القوم يد) أي منة أدفع بها عن أهلي ومالي زاد في رواية أعشى ثقيف والله
ورسوله أحب إلي من أهلي ومالي وتقدم في تفسير الممتحنة قوله كنت ملصقا وتفسيره وفي رواية
عبد الرحمن بن حاطب ولكني كنت أمرا غريبا فيكم وكان لي بنون وإخوة بمكة فكتبت لعلي
أدفع عنهم (قوله وليس من أصحابك أحد إلا له هنالك) في رواية المستملي هناك (من قومه من
يدفع الله به عن أهله وماله) وفي حديث أنس وليس منكم رجل إلا له بمكة من يحفظه في عياله
غيري (قوله قال صدق ولا تقولوا له إلا خيرا) ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم عرف صدقه
مما ذكر ويحتمل أن يكون بوحي (قوله فعاد عمر) أي عاد إلى الكلام الأول في حاطب وفيه
تصريح بأنه قال ذلك مرتين فأما المرة الأولى فكان فيها معذورا لأنه لم يتضح له عذره في ذلك وأما
الثانية فكان اتضح عذره وصدقه النبي صلى الله عليه وسلم فيه ونهى أن يقولوا له إلا خيرا ففي
إعادة عمر ذلك الكلام إشكال وأجيب عنه بأنه ظن أن صدقه في عذره لا يدفع ما وجب عليه من
القتل وتقدم إيضاحه في تفسير الممتحنة (قوله فلاضرب عنقه) قال الكرمان هو بكسر اللام
ونصب الباء وهو تأويل مصدر محذوف وهو خبر مبتدأ محذوف أي اتركني لأضرب عنقه
274

فتركك لي من أجل الضرب ويجوز سكون الباء والفاء زائدة على رأي الأخفش واللام للامر
ويجوز فتحها على لغة وأمر المتكلم نفسه باللام فصيح قليل الاستعمال وفي رواية عبيد الله بن
أبي رافع دعني أضرب عنق هذا المنافق وفي حديث ابن عباس قال عمر فاخترطت سيفي وقلت
يا رسول الله أمكني منه فإنه قد كفر وقد أنكر القاضي أبو بكر بن الباقلاني هذه الرواية وقال
ليست بمعروفة قاله في الرد على الجاحظ لأنه احتج بها على تكفير العاصي وليس لانكار القاضي
معنى لأنها وردت بسند صحيح وذكر البرقاني في مستخرجه أن مسلما أخرجها ورده الحميدي والجمع
بينهما أن مسلم خرج سندها ولم يسق لفظها وإذا ثبت فلعله أطلق الكفر وأراد به كفر النعمة كما
أطلق النفاق وأراد به نفاق المعصية وفيه نظر لأنه استأذن في ضرب عنقه فأشعر بأنه ظن أنه
نافق نفاق كفر ولذلك أطلق أنه كفر ولكن مع ذلك لا يلزم منه أن يكون عمر يرى تكفير من
ارتكب معصية ولو كبرت كما يقوله المبتدعة ولكنه غلب على ظنه ذلك في حق حاطب فلما بين له
النبي صلى الله عليه وسلم عذر حاطب رجع (قوله أوليس من أهل بدر) في رواية الحرث أوليس قد
شهد بدرا وهو استفهام تقرير وجزم في رواية عبيد الله بن أبي رافع أنه قد شهد بدرا وزاد الحرث
فقال عمر بلى ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك (قوله وما يدريك لعل الله اطلع) تقدم في
فضل من شهد بدرا رواية من رواه بالجزم والبحث في ذلك وفي معنى قوله اعملوا ما شئتم ومما يؤيد أن
المراد أن ذنوبهم تقع مغفورة حتى لو تركوا فرضا مثلا لم يؤاخذوا بذلك ما وقع في حديث سهل بن
الحنظلية في قصة الذي حرس ليلة حنين فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل نزلت قال لا إلا لقضاء
حاجة قال لا عليك أن لا تعمل بعدها وهذا يوافق ما فهمه أبو عبد الرحمن السلم ويؤيده قول علي
فيمن قتل الحرورية لو أخبرتكم بما قضى الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم لمن قتلهم
لنكلتم عن العمل وقد تقدم بيانه فهذا فيه إشعار بأن من باشر بعض الأعمال الصالحة يثاب من
جزيل الثواب بما يقاوم الآثام الحاصلة من ترك الفرائض الكثيرة وقد تعقب ابن بطال على
أبي عبد الرحمن السلم فقال هذا الذي قاله ظنا منه بأن عليا على مكانته من العلم والفضل والدين
لا يقتل إلا من وجب عليه القتل ووجه ابن الجوزي والقرطبي في المفهم قول السلمي كما تقدم
وقال الكرماني يحتمل أن يكون مراده أن عليا استفاد من هذا الحديث الجزم بأنه من أهل
الجنة فعرف أنه لو وقع منه خطأ في اجتهاده لم يؤاخذ به قطعا كذا قال وفيه نظر لان المجتهد معفو
عنه فيما أخطأ فيه إذا بذل فيه وسعه وله مع ذلك أجر فان أصاب فله أجران والحق أن عليا كان
مصبا في حروبه فله في كل ما اجتهد فيه من ذلك أجران فظهر أن الذي فهمه السلمي استند فيه
إلى ظنه كما قال ابن بطال والله أعلم ولو كان الذي فهمه السلمي صحيحا لكان علي يتجرأ على غير
الدماء كالأموال والواقع أنه كان في غاية الورع وهو القائل يا صفراء ويا بيضاء غري غيري ولم ينقل
عنه قط في أمر المال إلا التحري بالمهملة لا التجري بالجيم (قوله فقد أوجبت لكم الجنة) في
رواية عبيد الله بن أبي رافع فقد غفرت لكم وكذا في حديث عمر ومثله في مغازي أبي الأسود عن
عروة وكذا عند أبي عائد (قوله فاغرورقت عيناه) بالغين المعجمة الساكنة والراء المكررة بينهما
واو ساكنة ثم قاف أي امتلأت من الدموع حتى كأنها غرقت فهو افعوعلت من الغرق ووقع
في رواية الحرث عن علي ففاضت عينا عمر ويجمع على انها امتلأت ثم فاضت (قوله قال أبو
275

عبد الله) هو المصنف (قوله خاخ أصح) يعني بمعجمتين (قوله ولكن كذا قال أبو عوانة حاج)
أي بمهملة ثم جيم (قوله وحاج تصحيف وهو موضع) (قلت) تقدم بيانه (قوله وهشيم يقول
خاخ) وقع للأكثر بالمعجمتين وقيل بل هو كقول أبي عوانة وبه جزم السهيلي ويؤيد أن البخاري
لما أخرجه من طريقه في الجهاد عبر بقوله روضة كذا كما تقدم فلو كان بالمعجمتين لما كنى عنه
ووقع في السيرة للقطب الحلبي روضة خاخ بمعجمتين وكان هشيم يروي الأخيرة منها بالجيم وكذا ذكره
البخاري عن أبي عوانة انتهى وهو يوهم أن المغايرة بينها وبين الرواية المشهورة انما هو في
الخاء الآخرة فقط وليس كذلك بل وقع كذلك في الأولى فعند أبي عوانة أنها بالحاء المهملة جزما
وأما هشيم فالرواية عنه محتملة وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم أن المؤمن ولو بلغ
بالصلاح أن يقطع له بالجنة لا يعصم من الوقوع في الذنب لان حاطبا دخل فيمن أوجب الله لهم
الجنة ووقع منه ما وقع وفيه تعقب على من تأول أن المراد بقوله اعملوا ما شئتم أنهم حفظوا من
الوقوع في شئ من الذنوب وفيه الرد على من كفر المسلم بارتكاب الذنب وعلى من جزم بتخليده في
النار وعلى من قطع بأنه لا بد وأن يعذب وفيه أن من وقع منه الخطأ لا ينبغي له أن يجحده بل يعترف
ويعتذر لئلا يجمع بين ذنبين وفيه جواز التشديد في استخلاص الحق والتهديد بما لا يفعله المهدد
تخويفا لمن يستخرج منه الحق وفيه هتك ستر الجاسوس وقد استدل به من يرى قتله من المالكية
لاستئذان عمر في قتله ولم يرده النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك الا لكونه من أهل بدر ومنهم من
قيده بأن يتكرر ذلك منه والمعروف عن مالك يجتهد فيه الامام وقد نقل الطحاوي الاجماع
على أن الجاسوس المسلم لا يباح دمه وقال الشافعية والأكثر يعزر وإن كان من أهل الهيئات
يعفى عنه وكذا قال الأوزاعي وأبو حنيفة يوجع عقوبة ويطال حبسه وفيه العفو عن زلة
ذوي الهيئة وأجاب الطبري عن قصة حاطب واحتجاج من احتج بأنه انما صفح عنه لما أطلعه
الله عليه من صدقه في اعتذاره فلا يكون غيره كذلك قال القرطبي وهو ظن خطأ لان أحكام
الله في عباده إنما تجري على ما ظهر منهم وقد أخبر الله تعالى نبيه عن المنافقين الذين كانوا بحضرته
ولم يبح له قتلهم مع ذلك لاظهارهم الاسلام وكذلك الحكم في كل من أظهر الاسلام تجري عليه
أحكام الاسلام وفيه من أعلام النبوة اطلاع الله نبيه على قصة حاطب مع المرأة كما تقدم بيانه
من الروايات في ذلك وفيه إشارة الكبير على الامام بما يظهر له من الرأي العائد نفعه على المسلمين
ويتخير الامام في ذلك وفيه جواز العفو عن العاصي وفيه أن العاصي لا حرمة له وقد أجمعوا
على أن الأجنبية يحرم النظر إليها مؤمنة كانت أو كافرة ولولا أنها لعصيانها سقطت حرمتها
ما هددها علي بتجريدها قاله بن بطال وفيه جواز غفران جميع الذنوب الجائزة الوقوع عمن
شاء الله خلافا لمن أبى ذلك من أهل البدع ولقد استشكلت إقامة الحد على مسطح بقذف
عائشة رضي الله عنها كما تقدم مع أنه من أهل بدر فلم يسامح بما ارتكبه من الكبيرة وسومح
حاطب وعلل بكونه من أهل بدر والجواب ما تقدم في باب فضل من شهد بدرا أن محل العفو
عن البدري في الأمور التي لا حد فيها وفيه جواز غفران ما تأخر من الذنوب ويدل على ذلك
الدعاء به في عدة أخبار وقد جمعت جزءا في الأحاديث الواردة في بيان الأعمال الموعود لعاملها
بغفران ما تقدم وما تأخر سميته الخصال المكفرة للذنوب المقدمة والمؤخرة وفيها عدة أحاديث
276

بأسانيد جياد وفيه تأدب عمر وأنه لا ينبغي إقامة الحد والتأديب بحضرة الامام الا بعد استئذانه
وفيه منقبة لعمر ولأهل بدر كلهم وفيه البكاء عند السرور ويحتمل أن يكون عمر بكى حينئذ
لما لحقه من الخشوع والندم على ما قاله في حق حاطب (خاتمة) اشتمل كتاب استتابة المرتدين
من الأحاديث المرفوعة على أحد وعشرين حديثا فيها واحد معلق والبقية موصولة المكرر
منها فيه وفيما مضى سبعة عشر حديثا والأربعة خالصة وافقه مسلم على تخريجها جميعا وفيه
من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم سبعة آثار بعضها موصول والله أعلم
(قوله بسم الله الرحمن الرحيم)
(كتاب الاكراه)
هو الزام الغير بما لا يريده وشروط الاكراه أربعة الأول أن يكون فاعله قادرا على إيقاع ما يهدد
به والمأمور عاجزا عن الدفع ولو بالفرار الثاني أن يغلب على ظنه أنه إذا امتنع أوقع به ذلك
والثالث أن يكون ما هدده به فوريا فلو قال إن لم تفعل كذا ضربتك غدا لا يعد مكرها ويستثنى
ما إذا ذكر زمنا قريبا جدا أو جرت العادة بأنه لا يخلف الرابع أن لا يظهر من المأمور ما يدل على
اختياره كمن أكره على الزنا فأولج وأمكنه أن ينزع ويقول أنزلت فيتمادى حثى ينزل وكمن قيل له
طلق ثلاثا فطلق واحدة وكذا عكسه ولا فرق بين الاكراه على القول والفعل عند الجمهور
ويستثنى من الفعل ما هو محرم على التأبيد كقتل النفس بغير حق واختلف في المكره هل يكلف
بترك فعل ما أكره عليه أو لا فقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي انعقد الاجماع على أن المكره على
القتل مأمور باجتناب القتل والدفع عن نفسه وأنه يأثم ان قتل من أكره على قتله وذلك يدل على أنه
مكلف حالة الاكراه وكذا وقع في كلام الغزالي وغيره ومقتضى كلامهم تخصيص الخلاف
بما إذا وافق داعية الاكراه داعية الشرع كالاكراه على قتل الكافر وإكراهه على الاسلام أما ما
خالف فيه داعية الاكراه داعية الشرع كالاكراه على القتل فلا خلاف في جواز التكلف به
وانما جرى الخلاف في تكليف الملجأ وهو من لا يجد مندوحة عن الفعل كمن ألقى من شاهق
وعقله ثابت فسقط على شخص فقتله فإنه لا مندوحة له عن السقوط ولا اختيار له في عدمه وانما
هو آلة محضة ولا نزاع في أنه غير مكلف إلا ما أشار إليه الآمدي من التفريع على تكليف ما لا يطاق
وقد جرى الخلاف في تكليف الغافل كالنائم والناسي وهو أبعد من الملجأ لأنه لا شعور له أصلا
وانما قال الفقهاء بتكليفه على معنى ثبوت الفعل في ذمته أو من جهة ربط الاحكام بالأسباب
وقال القفال انما شرع سجود السهو ووجبت الكفارة على المخطئ لكون الفعل في نفسه
منهيا من حيث هو لا أن الغافل نهى عنه حالة الغفلة إذ لا يمكنه التحفظ عنه واختلف فيما يهدد
به فاتفقوا على القتل وإتلاف العضو والضرب الشديد والحبس الطويل واختلفوا في يسير
الضرب والحبس كيوم أو يومين (قوله وقول الله تعالى إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان)
وساق إلى عظيم وهو وعيد شديد لمن ارتد مختارا وأما من أكره على ذلك فهو معذور بالآية لان
الاستثناء من الاثبات نفي فيقتضي أن لا يدخل الذي أكره على الكفر تحت الوعيد والمشهور
أن الآية المذكورة نزلت في عمار بن ياسر كما جاء من طريق أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال
277

اخذ المشركون عمارا فعذبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا فشكا ذلك إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فقال له كيف تجد قلبك قال مطمئنا بالايمان قال فان عادوا فعد وهو مرسل ورجاله
ثقات أخرجه الطبري وقبله عبد الرزاق وعنه عبد بن حميد وأخرجه البيهقي من هذا الوجه
فزاد في السند فقال عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار عن أبيه وهو مرسل أيضا وأخرج الطبري
أيضا من طريق عطية العوفي عن ابن عباس نحوه مطولا وفي سنده ضعف وفيه أن المشركين
عذبوا عمارا وأباه وأمه وصهيبا وبلالا وخبابا وسالما مولى أبي حذيفة فمات ياسر وامرأته في
العذاب وصبر الآخرون وفي رواية مجاهد عن ابن عباس عند ابن المنذر أن الصحابة لما هاجروا
إلى المدينة أخذ المشركين خبابا وبلالا وعمارا فأطاعهم عمار وأبى الآخران فعذبوهما
وأخرجه الفاكهي من مرسل زيد بن أسلم وان ذلك وقع من عمار عند بيعة الأنصار في العقبة
وان الكفار أخذوا عمارا فسألوه عن النبي صلى الله عليه وسلم فجحدهم خبره فأرادوا أن يعذبوه
فقال هو يكفر بمحمد وبما جاء به فأعجبهم وأطلقوه فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه
وفي سنده ضعف أيضا وأخرج عبد بن حميد من طريق ابن سيرين أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم لقي عمار بن ياسر وهو يبكي فجعل يمسح الدموع عنه ويقول أخذك المشركون فغطوك في الماء
حتى قلت لهم كذا إن عادوا فعد ورجاله ثقات مع إرساله أيضا وهذه المراسيل تقوي بعضها بعض
وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق مسلم الأعور وهو ضعيف عن مجاهد عن ابن عباس قال عذب
المشركون عمارا حتى قال لهم كلاما تقية فاشتد عليه الحديث وقد أخرج الطبري من
طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان قال أخبر الله
أن من كفر بعد ايمانه فعليه غضب من الله وأما من أكره بلسانه وخالفه قلبه بالايمان لينجو
بذلك من عدوه فلا حرج عليه أن الله انما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم (قلت) وعلى
هذا فالاستثناء مقدم من قوله فعليهم غضب كأنه قبل فعليهم غضب من الله إلا من أكره لان
الكفر يكون بالقول والفعل من غير اعتقاد وقد يكون باعتقاد فاستثنى الأول وهو المكره (قوله
وقال إلا أن تتقوا منهم تقاة وهي تقية) أخذه من كلام أبي عبيدة قال تقاة وتقية واحد
(قلت) وقد تقدم ذلك في تفسير آل عمران ومعنى الآية لا يتخذ المؤمن الكافر وليا في الباطن
ولا في الظاهر إلا للتقية في الظاهر ويجوز أن يواليه إذا خافه ويعاديه باطنا قيل الحكمة في
العدول عن الخطاب أن موالاة الكفار لما كانت مستقبحة لم يواجه الله المؤمنين بالخطاب
(قلت) ويظهر لي أن الحكمة فيه أنه لما تقدم الخطاب في قوله لا تتخذوا اليهود والنصارى
أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم كأنهم أخذوا بعمومه حتى أنكروا على
من كان له عذر في ذلك فنزلت هذه الآية رخصة في ذلك وهو كالآيات الصريحة في الزجر عن
الكفر بعد الايمان ثم رخص فيه لمن أكره على ذلك (قوله وقال إن الذين توفاهم الملائكة
ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض إلى قوله عفوا غفورا وقال
والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم
أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا) هكذا في رواية أبي ذر وهو صواب وانما
أوردته بلفظه للتنبيه على ما وقع من الاختلاف عند الشراح ووقع في رواية كريمة والأصيلي
278

والقابسي أن الذين توفاهم فساق إلى قوله في الأرض وقال بعدها إلى قوله واجعل لنا من لدنك
نصيرا وفيه تغيير ووقع في رواية النسفي إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم
الآيات قال ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله إلى قوله نصيرا وهو صواب وإن كانت الآيات
الأولى متراخية في السورة عن الآية الأخيرة فليس فيه شئ من التغيير وانما صدر بالآيات
المتراخية للإشارة على إلى ما روى عن مجاهد أنها نزلت في ناس من أهل مكة فكتب إليهم من
المدينة فانا لا نراكم منا إلا إن هاجرتم فأخرجوا فأدركهم أهلهم بالطريق ففتنوهم حتى كفروا
مكرهين وأقتصر ابن بطال على هذا الأخير وعزاه للمفسرين وقال ابن بطال ان الذين توفاهم
الملائكة ظالمي أنفسهم إلى أن يعفو عنهم وقال إلا المستضعفين إلى الظالم أهلها (قلت) وليس
فيه تغيير من التلاوة إلا أن فيه تصرفا فيما ساقه المصنف وقال ابن التين بعد أن تكلم على قصة
عمار إلى أن قال ولكن من شرح بالكفر صدرا أي من فتح صدره بقبوله وقوله الذين توفاهم
الملائكة إلى قوله واجعل لنا من لدنك نصيرا ليس التلاوة كذلك لان قوله واجعل لنا من لدنك
نصيرا قبل هذا قال ووقع في بعض النسخ إلى قوله غفورا رحيما وفي بعضها فأولئك عسى الله
أن يعفو عنهم وقال إلا المستضعفين من الرجال إلى قوله من لدنك نصيرا وهذا على نسق
التنزيل كذا قال فأخطأ فالآية التي آخرها نصيرا في أولها والمستضعفين بالواو لا بلفظ إلا وما
نقله عن بعض النسخ إلى قوله غفورا رحيما محتمل لان آخر الآية التي أولها ان الذين توفاهم
الملائكة قوله وساءت مصيرا وآخر التي بعدها سبيلا وآخر التي بعدها عفوا غفورا وآخر التي
بعدها غفورا رحيما فكأنه أراد سياق أربع آيات (قوله فعذر الله المستضعفين الذين
لا يمتنعون من ترك ما أمر الله به) يعني إلا إذا غلبوا قال والمكره لا يكون إلا مستضعفا غير
ممتنع من فعل ما أمره به أي ما يأمره به من له قدره على إيقاع الشر به أي لأنه لا يقدر على الامتناع
من الترك كما لا يقدر المكره على الامتناع من الفعل فهو في حكم المكره (قوله وقال الحسن)
أي البصري (التقية إلى يوم القيامة) وصله عبد بن حميد وابن أبي شيبة من رواية عوف
الأعرابي عن الحسن البصري قال التقية جائزة للمؤمن إلى يوم القيامة إلا أنه كان لا يجعل
في القتل تقية ولفظ عبد بن حميد إلا في قتل النفس التي حرم الله يعني لا يعذر من أكره على قتل
غيره لكونه يؤثر نفسه على نفس غيره (قلت) ومعنى التقية الحذر من إظهار ما في
النفس من معتقد وغيره للغير وأصله وفية بوزن حمزة فعلة من الوقاية وأخرج البيهقي من
طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال التقية باللسان والقلب مطمئن بالايمان ولا
يبسط يده للقتل (قوله وقال ابن عباس فيمن يكرهه اللصوص فيطلق ليس بشئ وبه قال
ابن عمر وابن الزبير والشعبي والحسن) أما قول ابن عباس فوصله ابن أبي شيبة من طريق
عكرمة أنه سئل عن رجل أكرهه اللصوص حتى طلق امرأته فقال قال ابن عباس ليس بشئ
أي لا يقع عليه طلاق وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان
لا يرى طلاق المكره شيئا وأما قول بن عمر وابن الزبير فأخرجهما الحميدي في جامعه والبيهقي
من طريقه قال حدثنا سفيان سمعت عمرا يعني ابن دينار حدثني ثابت الأعرج قال تزوجت
أم ولد عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب فدعاني ابنه ودعا غلامين له فربطوني وضربوني بالسياط
279

وقال لتطلقها أو لأفعلن وأفعلن فطلقتها ثم سألت ابن عمر وابن الزبير فلم يرياه شيئا وأخرجه
عبد الرزاق من وجه آخر عن ثابت الأعرج نحوه وأما قول الشعبي فوصله عبد الرزاق بسند
صحيح عنه قال إن أكرهه اللصوص فليس بطلاق وإن أكرهه السلطان وقع ونقل عن ابن
عيينة توجيهه وهو أن اللص يقدم على قتله والسلطان لا يقتله وأما قول الحسن فقال سعيد بن
منصور حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن الحسن أنه كان لا يرى طلاق المكره شيئا وهذا سند صحيح
إلى الحسن قال ابن بطال تبعا لابن المنذر أجمعوا على أن من أكره على الكفر حتى خشي على
نفسه القتل فكفر وقلبه مطمئن بالايمان أنه لا يحكم عليه بالكفر ولا تبين منه زوجته إلا محمد بن
الحسن فقال إذا أظهر الكفر صار مرتدا وبانت منه امرأته ولو كان في الباطن مسلما قال وهذا
قول تغني حكايته عن الرد عليه لمخالفته النصوص وقال قوم محل الرخصة في القول دون الفعل
كأن يسجد للصنم أو يقتل مسلما أو يأكل خنزير أو يزني وهو قول الأوزاعي وسحنون وأخرج
إسماعيل القاضي بسند صحيح عن الحسن أنه لا يجعل التقية في قتل النفس المحرمة وقالت طائفة
الاكراه في القول والفعل سواء واختلف في حد الاكراه فأخرج عبد بن حميد بسند صحيح عن عمر
قال ليس الرجل بأمين على نفسه إذا سجن أو أوثق أو عذب ومن طريق شريح نحوه وزيادة
ولفظه أربع كلهن كره السجن والضرب والوعيد والقيد وعن ابن مسعود قال ما كلام يدرأ عني
سوطين إلا كنت متكلما به وهو قول الجمهور وعند الكوفيون فيه تفصيل واختلفوا في طلاق
المكره فذهب الجمهور إلى أنه لا يقع ونقل فيه ابن بطال إجماع الصحابة وعن الكوفيين يقع ونقل
مثله عن الزهري وقتادة وأبي قلابة وفيه قول ثالث تقدم عن الشعبي (قوله وقال النبي صلى الله
عليه وسلم الأعمال بالنية) هذا طرف من حديث وصله المصنف في كتاب الايمان بفتح الهمزة
ولفظه الأعمال بالنية هكذا وقع فيه بدون انما في أوله وافراد النية وقد تقدم شرحه مستوفى في أول
حديث في الصحيح ويأتي ما يتعلق بالاكراه في أول ترك الحيل قريبا وكأن البخاري أشار بإيراده
هنا إلى الرد على من فرق في الاكراه بين القول والفعل لان العمل فعل وإذ كان لا يعتبر إلا بالنية
كما دل عليه الحديث فالمكره لا نية له بل نيته عدم الفعل الذي أكره عليه واحتج بعض المالكية
بأن التفصيل يشبه ما نزل في القرآن لان الذين أكرهوا إنما هو على الكلام فيما بينهم وبين ربهم
فلما لم يكونوا معتقدين له جعل كأنه لم يكن ولم يؤثر في بدن ولا مال بخلاف الفعل فأنه يؤثر في
البدن والمال هذا معنى ما حكاه ابن بطال عن إسماعيل القاضي وتعقبه ابن المنير بأنهم أكرهوا
على النطق بالكفر وعلى مخالطة المشركين ومعاونتهم وترك ما يخالف ذلك والتروك أفعال على
الصحيح ولم يؤاخذوا بشئ من ذلك واستثنى المعظم قتل النفس فلا يسقط القصاص عن
القاتل ولو أكره لأنه آثر نفسه على نفس المقتول ولا يجوز لاحد أن ينجي نفسه من القتل بأن يقتل
غيره ثم ذكر حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة تقدم في تفسير
سورة النساء من وجه آخر عن أبي سلمة بمثل هذا الحديث وزاد أنها صلاة العشاء وفي كتاب
الصلاة من طريق شعيب عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن وأبي سلمة أن أبا هريرة كان
يكبر في كل صلاة الحديث وفيه قال أبو هريرة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يرفع رأسه
يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ويدعو لرجال فيسميهم بأسمائهم فذكر مثل حديث الباب
280

وزاد وأهل المشرق يومئذ من مضر مخالفون له وفي الأدب من طريق سفيان بن عيينة عن
الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال لما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه
من الركوع قال فذكره وقد تقدم بيان المستضعفين في سورة النساء والتعريف بالثلاثة
المذكورين هنا في تفسير آل عمران وما يتعلق بمشروعية القنوت في النازلة ومحله في كتاب
الوتر ولله الحمد وقوله والمستضعفين هو من ذكر العام بعد الخاص وتعلق الحديث بالاكراه
لانهم كانوا مكرهين على الإقامة مع المشركين لان المستضعف لا يكون إلا مكرها كما تقدم
ويستفاد منه أن الاكراه على الكفر لو كان كفرا لما دعا لهم وسماهم مؤمنين (قوله
باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر) تقدمت الإشارة إلى ذلك
في الباب الذي قبله وان بلالا كان ممن اختار الضرب والهوان على التلفظ بالكفر وكذلك
خباب المذكور في هذا الباب ومن ذكر معه وأن والدي عمار ماتا تحت العذاب ولما لم يكن ذلك
على شرط الصحة اكتفى المصنف بما يدل عليه وذكر فيه ثلاثة أحاديث الحديث الأول حديث
ثلاثة من كن فيه وجد حلاوة الايمان الحديث وقد تقدم شرحه في كتاب الايمان في أوائل
الصحيح ووجه أخذ الترجمة منه أنه سوى بين كراهية الكفر وكراهية دخول النار والقتل والضرب
والهوان أسهل عند المؤمن من دخول النار فيكون أسهل من الكفر إن اختار الاخذ بالشدة
ذكره ابن بطال وقال أيضا فيه حجة لأصحاب مالك وتعقبه ابن التين بأن العلماء متفقون على
اختيار القتل على الكفر وانما يكون حجة على من يقول إن التلفظ بالكفر أولى من الصبر على
القتل ونقل عن المهلب أن قوما منعوا من ذلك واحتجوا بقوله تعالى ولا تقتلوا أنفسكم الآية
ولا حجة فيه لأنه قال تلو الآية المذكورة ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فقيده بذلك وليس من
أهلك نفسه في طاعة الله ظالما ولا معتديا وقد أجمعوا على جواز تقحم المهالك في الجهاد انتهى
وهذا يقدح في نقل بن التين الاتفاق المذكور وان ثم من قال بأولوية التلفظ على بذل النفس
للقتل وإن كان قائل ذلك يعمم فليس بشئ وأن قيده بما لو عرض ما يرجع المفضول كما لو عرض على
من إذا تلفظ به نفع متعد ظاهرا فيتجه الحديث الثاني (قوله عباد) هو ابن أبي العوام فيما جزم
به أبو مسعود وإسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس هو ابن أبي حازم وسعيد بن زيد أي ابن عمرو بن نفيل
وهو ابن ابن عم عمر بن الخطاب بن نفيل وقد تقدم حديثه في باب إسلام سعيد بن زيد من السيرة
النبوية وهو ظاهر فيما ترجم له لان سعيدا وزوجته أخت عمر اختارا الهوان على الكفر وبهذا
تظهر مناسبة الحديث للترجمة وقال الكرماني هي مأخوذة من كون عثمان اختار القتل على
ما يرضى قاتليه فيكون اختياره القتل على الكفر بطريق الأولى واسم زوجته فاطمة بنت
الخطاب وهي أول امرأة أسلمت بعد خديجة فيما يقال وقيل سبقتها أم الفضل زوج العباس
الحديث الثالث (قوله يحيى) هو القطان وإسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس هو ابن أبي حازم
أيضا وخباب بفتح الخاء المعجمة وموحدتين الأولى مشددة بينهما ألف وقد تقدم شرحه مستوفى
في باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين بمكة من السيرة النبوية ودخوله في الترجمة من
جهة أن طلب خباب الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم على الكفار دال على أنهم كانوا قد اعتدوا
عليهم بالأذى ظلما وعدوانا قال ابن بطال انما لم يجب النبي صلى الله عليه وسلم سؤال خباب
281

ومن معه بالدعاء على الكفار مع قوله تعالى ادعوني استجب لكم وقوله فلولا إذ جاءهم بأسنا
تضرعوا لأنه علم أنه قد سبق القدر بما جرى عليهم من البلوى ليؤجروا عليها كما جرت به عادة الله
تعالى في من اتبع الأنبياء فصبروا على الشدة في ذات الله ثم كانت لهم العاقبة بالنصر وجزيل الاجر
قال فأما غير الأنبياء فواجب عليهم الدعاء عند كل نازلة لانهم لم يطلعوا على ما اطلع عليه النبي
صلى الله عليه وسلم انتهى ملخصا وليس في الحديث تصريح بأنه صلى الله عليه وسلم لم يدع لهم بل
يحتمل أنه دعا وانما قال قد كان من قبلكم يؤخذ الخ تسلية لهم وإشارة إلى الصبر حتى تنقضي المدة
المقدرة والى ذلك الإشارة بقوله في آخر الحديث ولكنكم تستعجلون وقوله في الحديث بالمنشار
بنون ساكنة ثم شين معجمة معروف وفي نسخة بياء مثناة من تحت بغير همزة بدل النون وهي لغة
فيه وقوله من دون لحمه وعظمه وللأكثر ما بدل من وقوله هو الامر أي الاسلام وتقدم
المراد بصنعاء في شرح الحديث قال ابن بطال أجمعوا على أن من أكره على الكفر واختار القتل
أنه أعظم أجرا عند الله ممن اختار الرخصة وأما غير الكفر فان أكره على أكل الخنزير وشرب
الخمر مثلا فالفعل أولى وقال بعض المالكية بل يأثم ان منع من أكل غيرها فإنه يصير كالمضطر على
أكل الميتة إذا خاف على نفسه الموت فلم يأكل (قوله باب في بيع المكره ونحوه
في الحق وغيره) قال الخطابي استدل أبو عبد الله يعني البخاري بحديث أبي هريرة يعني المذكور
في الباب على جواز بيع المكره والحديث ببيع المضطر أشبه فان المكره على البيع هو الذي
يحمل على بيع الشئ شاء أو أبى واليهود لو لم يبيعوا أرضهم لم يلزموا بذلك ولكن شحوا على
أموالهم فاختاروا بيعها فصاروا كأنهم اضطروا إلى بيعها كمن رهقه دين فاضطر إلى بيع ماله
فيكون جائزا ولو أكره عليه لم يجز قلت لم يقتصر البخاري في الترجمة على المكره وانما قال بيع
المكره ونحوه في الحق فدخل في ترجمته المضطر وكأنه أشار إلى الرد على من لا يصحح بيع المضطر
وقوله في أخر كلامه ولو أكره عليه لم يجز مردود لأنه إكراه بحق كذا تعقبه الكرماني وتوجيه
كلام الخطابي أنه فرض كلامه في المضطر من حيث هو ولم يرد خصوص قصة اليهود وقال ابن
المنير ترجم بالحق وغيره ولم يذكر الا الشق الأول ويجاب بأن مراده بالحق الدين وبغيره ما عداه
مما يكون بيعه لازما لان اليهود أكرهوا على بيع أموالهم لا لدين عليهم وأجاب الكرماني
بأن المراد بالحق الجلاء وبقوله وغيره الجنايات والمراد بقوله الحق الماليات وبقوله غيره الجلاء
قلت ويحتمل أن يكون المراد بقوله وغيره الدين فيكون من الخاص بعد العام وإذا صح البيع
في الصورة المذكورة وهو سبب غير مالي كالبيع في الدين وهو سبب مالي أولى ثم ذكر حديث
أبي هريرة في إخراج اليهود من المدينة وقد تقدم في الجزية في باب إخراج اليهود من جزيرة العرب
وبينت فيه أن اليهود المذكورين لم يسموا ولم ينسبوا وقد أورد مسلم حديث بن عمر في إجلاء
بني النضير ثم عقبه بحديث أبي هريرة فأوهم أن اليهود المذكورين في حديث أبي هريرة هم
بنو النضير وفيه نظر لان أبا هريرة انما جاء بعد فتح خيبر وكان فتحها بعد إجلاء بني النضير وبني
قينقاع وقيل بني قريظة وقد تقدمت قصة بني النضير في المغازي قبل قصة بدر وتقدم قول ابن
إسحاق انها كانت بعد بئر معونة وعلى الحالين فهي قبل مجئ أبي هريرة وسياق اخراجهم مخالف
لسياق هذه القصة فأنهم لم يكونوا داخل المدينة ولا جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم إلا ليستعين
282

بهم في دية رجلين قتلهما عمرو بن أمية من حلفاءهم به فرجع إلى المدينة وأرسل
إليهم يخيرهم بين الاسلام وبين الخروج فأبوا فحاصرهم فرضوا بالجلاء وفيهم نزل أول سورة الحشر
فيحتمل أن يكون من ذكر في حديث أبي هريرة بقية منهم أو من بني قريظة كانوا سكانا داخل
المدينة فاستمروا فيها على حكم أهل الذمة حتى أجلاهم بعد فتح خيبر ويحتمل أن يكونوا من أهل
خيبر لأنهما لما فتحت أقر أهلها على أن يزرعوا فيها ويعملوا فيها ببعض ما يخرج منها فاستمروا بها
حتى أجلاهم عمر من خيبر كما تقدم بيانه في المغازي فيحتمل أن يكون هؤلاء طائفة منهم كانوا
يسكنون بالمدينة فأخرجهم النبي صلى الله عليه وسلم وأوصى عند موته أن يخرجوا المشركين
من جزيرة العرب ففعل ذلك عمر (قوله بيت المدارس) بكسر الميم وأخره مهملة مفعال من
الدرس والمراد به كبير اليهود ونسب البيت إليه لأنه هو الذي كان صاحب دراسة كتبهم
أي قراءتها ووقع في بعض الطرق حتى إذا أتى المدينة المدارس ففسره في المطالع بالبيت الذي
تقرأ فيه التوراة ووجهه الكرماني بأن إضافة البيت إليه من إضافة العام إلى الخاص مثل
شجر أراك وقال في النهاية مفعال غريب في المكان والمعروف انه من صيغ المبالغة للرجل
(قلت) والصواب أنه على حذف الموصوف والمراد الرجل وقد وقع في الرواية الماضية في الجزية
حتى جئنا بيت المدارس بتأخير الراء عن الألف بصيغة المفاعل وهو من يدرس الكتاب ويعلمه
غيره وفي حديث الرجم فوضع مدارسها الذي يدرسها يده على آية الرجم وفسر هناك بأنه ابن صوريا
فيحتمل أن يكون هو المراد هنا (قوله فقام النبي صلى الله عليه وسلم فناداهم) في رواية الكشميهني
فنادى (قوله ذلك أريد) أي بقولي أسلموا أي إن اعترفتم انني بلغتكم سقط عني الحرج (قوله
اعلموا أن الأرض) في رواية الكشميهني انما الأرض في الموضعين وقوله لله ورسوله قال الداودي
لله افتتاح كلام ولرسوله حقيقة لأنها مما لن يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب كذا قال والظاهر
ما قال غيره أن المراد أن الحكم لله في ذلك ولرسوله لكونه المبلغ عنه القائل بتنفيذ أوامره (قوله
أجليكم) بضم أوله وسكون الجيم أي أخرجكم وزنه ومعناه (قوله فمن وجد) كذا هنا بلفظ الفعل
الماضي (بماله شيئا) الباء متعلقة بشئ محذوف أو ضمن وجد معنى تحل فعداه بالباء أو وجد من
الوجدان والباء سببية أي فمن وجد بماله شيئا من المحبة وقال الكرماني الباء هنا للمقابلة فجعل
وجد من الوجدان (قوله باب لا يجوز نكاح المكره المكره) بفتح الراء (قوله ولا
تكرهوا فتياتكم على البغاء إلى قوله غفور رحيم) كذا لأبي ذر والإسماعيلي وزاد القابسي لفظ
اكراههن وعند النسفي الآية بدل قوله الخ وكذا للجرجاني وساق في رواية كريمة الآية كلها
والفتيات بفتح الفاء والتاء جمع فتاة والمراد بها الأمة وكذا الخادم ولو كانت حرة وحكمة التقييد
بقوله إن أردن تحصنا أن الاكراه لا يتأتى الا مع إرادة التحصن لان المطيعة لا تسمى مكرهة
فالتقدير فتياتكم اللاتي جرت عادتهن بالبغاء وخفي هذا على بعض المفسرين فجعل إن أردن
تحصنا متعلقا بقوله فيما قبل ذلك وأنكحوا الأيامى منكم وسيأتى بقية الكلام على هذه الآية بعد
بابين وقد استشكل بعضهم مناسبة الآية للترجمة وجوز أنه أشار إلى أنه يستفاد مطلوب الترجمة
بطريق الأولى لأنه إذا نهى عن الاكراه فيما لا يحل فالنهي عن الاكراه فيما يحل أولى قال ابن بطال
ذهب الجمهور إلى بطلان نكاح المكره وأجازه الكوفيون قالوا فلو أكره رجل على تزويج
283

امرأة بعشرة الألف وكان صداق مثلها ألفا صح النكاح ولزمته الألف وبطل الزائد قال فلما
أبطلوا الزائد بالاكراه كان أصل النكاح بالاكراه أيضا باطلا فلو كان راضيا بالنكاح
وأكره على المهر كانت المسألة اتفاقية يصح العقد ويلزم المسمى بالدخول ولو أكره على النكاح
والوطئ لم يحد ولم يلزمه شئ وان وطئ مختارا غير راض بالعقد حد ثم ذكر في الباب حديثين
أحدهما حديث خنساء بفتح المعجمة وسكون النون بعدها مهملة ومد بنت خدام بكسر المعجمة
وتخفيف المهملة وجارية جد الروايين عنها بجيم وياء مثناة من تحت وقد تقدم شرحه في
كتاب النكاح وأنها كانت غير بكر وذكر ما ورد فيه من الاختلاف ثانيهما (قوله حدثنا محمد
ابن يوسف حدثنا سفيان) الظاهر أنه الفريابي وشيخه الثوري ويحتمل أن يكون البيكندي
وشيخه ابن عيينة فان كلا من السفيانين معروف بالرواية عن ابن جريج لكن هذا الحديث
انما هو عن الفريابي كما جزم به أبو نعيم والفريابي إذا اطلق سفيان أراد الثوري وإذا أراد
بن عيينة نسبه (قوله ذكوان) يعني مولى عائشة (قوله قلت يا رسول الله يستأمر النساء
في أبضاعهن قال نعم) في رواية حجاج بن محمد وأبو عاصم عن ابن جرير وسمعت ابن أبي مليكة
يقول قال ذكوان سمعت عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجارية ينكحها أهلها
هل تستأمر أم لا فقال نعم تستأمر وفيه تقوى لمضمون الحديث الذي قبله وارشاد إلى السلامة
من إبطال العقد وقوله سكاتها هو لغة في السكوت ووقع عند الإسماعيلي من رواية الذهلي
وأحمد عن يوسف عن الفريابي بلفظ سكوتها وفي رواية حجاج وأبي عاصم ذلك إذنها إذا سكتت
وتقدم في النكاح من طريق الليث عن ابن أبي مليكة بلفظ صمتها وتقدم شرحه أيضا هناك
وبيان الاختلاف في صحة انكاح الولي المجبر البكر الكبيرة وأن الصغيرة لا خلاف في صحة
اجباره لها (قوله باب إذا أكره حتى وهب عبدا أو باعه لم يجز) أي ذلك
البيع والهبة والعبد باق على ملكه (قوله وبه قال بعض الناس قال فان نذر المشتري فيه
نذرا فهو جائز) أي ماض عليه ويصح البيع الصادر مع الاكراه وكذلك الهبة (قوله بزعمه)
أي عنده والزعم يطلق على القول كثيرا (قوله وكذلك إن دبره) أي ينعقد التدبير نقل ابن
بطال عن محمد بن سحنون قال وافق الكوفيون الجمهور على أن بيع المكره باطل وهذا
يقتضي أن البيع مع الاكراه غير ناقل للملك فان سلموا ذلك بطل قولهم إن نذر المشتري وتدبيره
يمنع تصرف الأول فيه وإن قالوا إنه ناقل فلم خصوا ذلك بالعتق والهبة دون غيرهما من
التصرفات قال الكرماني ذكر المشايخ أن المراد بقول البخاري في هذه الأبواب بعض الناس
الحنفية وغرضه أنهم تناقضوا فان بيع الاكراه إن كان ناقلا لذلك إلى المشتر فإنه يصح منه
جميع التصرفات فلا يختص بالنذر والتدبير وان قالوا ليس بناقل فلا يصح النذر والتدبير أيضا
وحاصله أنهم صححوا النذر والتدبير بدون الملك وفيه تحكم وتخصيص بغير مخصص وقال المهلب
أجمع العلماء على أن الاكراه على البيع والهبة لا يجوز معه البيع وذكر عن أبي حنيفة إن
أعتقه المشتري أو دبره جاز وكذا الموهوب له وكأنه قاسه على البيع الفاسد لانهم قالوا إن
تصرف المشتري في البيع الفاسد نافذ ثم ذكر البخاري حديث جابر في بيع المدبر وقد تقدم
شرحه مستوفى في العتق قال بن بطال ووجه الرد به على القول المذكور أن الذي دبره لما لم
284

يكن له مال غيره كان تدبيره سفها من فعله فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وإن كان ملكه
للعبد كان صحيحا فكان من اشتراه شراء فاسدا ولم يصح له ملكه إذا دبره أو أعتقه أولى ان يرد فعله
من أجل أنه لم يصح له ملكه (قوله باب من الاكراه) أي من جملة ما ورد في
كراهية الاكراه ما تضمنته الآية وهو المذكور فيه عن ابن عباس في نزول قوله تعالى يا أيها
الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها وقد تقدم شرحه في تفسير سورة النساء فإنه أورده
هناك عن محمد بن مقاتل عن أسباط بن محمد وهنا عن حسين بن منصور عن أسباط وحسين
نيسابوري ماله في البخاري إلا هذا الموضع كذا جزم به الكلاباذي وقد تقدم شرحه في صفة
النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا الحسن بن منصور أبو علي حدثنا حجاج بن محمد فذكر حديث وذكر
الخطيب ان محمد بن مخلد روى عن أبي علي هذا فسماه حسبنا بالتصغير فيحتمل أن يكون هو
وذكر المزي مع حسين بن منصور النيسابوري ثلاثة كل منهم حسين بن منصور وكلهم من طبقة
واحدة وقوله في الترجمة كرها وكرها واحد أي بفتح أوله وبضمه بمعنى واحد وهذا قول الأكثر
وقيل بالضم ما أكرهت نفسك عليه وبالفتح ما أكرهك عليه غيرك ووقع لغير أبي ذر كره وكره بالرفع
فيهما وسقط للنسفي أصلا وقد تقدم في تفسير سورة النساء وقال ابن بطال عن المهلب يستفاد
منه أن كل من أمسك امرأته طمعا أن تموت فيرثها لا يحل له ذلك بنص القرآن كذا قال ولا يلزم
من النص على أن ذلك لا يحل أن لا يصح ميراثه منها في الحكم الظاهر (قوله باب
إذا استكرهت المرأة على الزنا فلا حد عليها لقوله تعالى ومن يكرههن فان الله من بعد
إكراههن غفور رحيم أي لهن وقد قرئ في الشاذ فان الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم
وهي قراءة ابن مسعود وجابر وسعيد بن جبير ونسبت أيضا لابن عباس والمحفوظ عنه تفسيره
بذلك وكذا عن جماعة غير وجوز بعض المعربين أن يكون التقدير لهم أي لمن وقع من الاكراه
لكن إذا تاب وضعف لكون الأصل عدم التقدير وأجيب بأنه لابد من التقدير لأجل الربط
واستشكل تعليق المغفرة لهن لان التي تكره ليست آثمة وأجيب باحتمال أن يكون الاكراه
المذكور كان دون ما اعتبر شرعا فربما قصرت عن الحد الذي تعذر به فيأثم فناسب تعليق المغفرة
وقال البيضاوي الاكراه لا ينافي المؤاخذة (قلت) أو ذكر المغفرة والرحمة لا يستلزم تقدم
الاثم فهو كقوله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه ان الله غفور رحيم وقال الطيبي يستفاد
منه الوعيد الشديد للمكرهين لهن وفي ذكر المغفرة والرحمة تعريض وتقديره انتهوا أيها
المكرهون فإنهن مع كونهن مكرهات قد يؤاخذن لولا رحمة الله ومغفرته فكيف بكم أنتم
ومناسبتها للترجمة أن في الآية دلالة على أن لا إثم على المكرهة على الزنا فيلزم أن لا يجب عليها
الحد وفي صحيح مسلم عن جابر لعبد الله بن أبي يقال لها مسيلمة وأخرى يقال لها أميمة
وكان يكرهها على الزنا فأنزل الله سبحانه تعالى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء الآية
(قوله وقال الليث) هو ابن سعد (حدثني نافع) هو مولى ابن عمر (قوله أن صفية بنت أبي عبيد
أخبرته) يعنى الثقفية امرأة عبد الله بن عمر (قوله إن عبدا من رقيق الامارة) بكسر الألف
أي من مال الخليفة وهو عمر (قوله وقع على وليدة من الخمس) أي من مال خمس الغنيمة الذي
يتعلق التصرف فيه بالامام والمراد زنى بها (قوله فاستكرهها حتى اقتضها) بقاف وضاد معجمة
285

مأخوذ القضة وهي عذرة البكر وهذا يدل على أنها كانت بكرا (قوله فجلده عمر الحد ونفاه)
أي جلده خمسين جلده ونفاه نصف سنة لان حده نصف حد الحر ويستفاد منه ان عمر كان يرى
أن الرقيق ينفى كالحر وقد تقدم البحث فيه في الحدود وقوله لم يجلد الوليدة لأنه استكرهها لم
اقف على اسم واحد منهما وهذا الأثر وصله أبو القاسم البغوي عن العلاء بن موسى عن الليث
بمثله سواء ووقع لي عاليا جدا بيني وبين صاحب الليث فيه سبعة أنفس بالسماع المتصل في أزيد
من ستمائة سنة قرأته على محمد بن الحسن بن عبد الرحيم الدقاق عن أحمد بن نعمة سماعا أنبأنا أبو
المنجا بن عمر أنبأنا أبو الوقت أنبأنا محمد بن عبد العزيز أنبأنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنبأنا البغوي
فذكره وعند ابن أبي شيبة فيه حديث مرفوع عن وائل بن حجر قال استكرهت امرأة في الزنا
فدرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها الحد وسنده ضعيف (قوله وقال الزهري في الأمة البكر
يفترعها) بفاء وبعين مهملة أي يقتضها (قوله يقيموا ذلك) أي الافتراع (الحكم) بفتحتين أي
الحاكم (قوله بقدر ثمنها) أي على الذي اقتضها ويجلد والمعنى أن الحاكم يأخذ من المفترع دية
الافتراع بنسبة قيمتها أي أرش النقص وهو التفاوت بين كونها بكرا أو ثيبا وقوله يقيم بمعنى
يقوم وفائدة قوله ويجلد لدفع توهم من يظن أن العقر يغني عن الجلد (قوله وليس في الأمة
الثيب في قضاء الأئمة غرم) بضم المعجمة أي غرامة ولكن عليها الحد ثم ذكر طرفا من حديث أبي
هريرة في شأن إبراهيم وسارة مع الجبار وقد مضى شرحه مستوفى في أحاديث الأنبياء وقوله هنا
الظالم هناك بلفظ الكافر وقوله غط بضم الغين المعجمة أي غم وزنه ومعناه وقيل خنق ونقل
ابن التين أنه روى بالعين المهملة وأخذ من العطمطة وهي حكاية صوت وتقدم الخلاف في تسمية
الجبار والمراد بالقرية حران وقيل الأردن وقيل مصر وقولها ان كنت ليس للشك فتقديره إن
كنت مقبولا الايمان عندك وقوله ركض أي حرك قال بن المنير ما كان ينبغي إدخال هذا
الحديث في هذه الترجمة أصلا وليس لها مناسبة للترجمة إلا سقوط الملامة عنها في الخلوة لكونها
كانت مكرهة على ذلك قال الكرماني تبعا لابن بطال ووجه إدخال هذا الحديث في هذا الباب
مع أن سارة عليها السلام كانت معصومة من كل سوء أنها لا ملامة عليها في الخلوة مكرهه فكذا
غيرها لو زنى بها مكرهة لا حد عليها (تكميل) لم يذكروا حكم اكراه الرجل على الزنا وقد ذهب
الجمهور أنه لا حد عليه وقال مالك وطائفة عليه الحد لأنه لا ينتشر إلا بلذة وسواء أكرهه سلطان
أم غيره وعن أبي حنيفة يحد ان أكرهه غير السلطان وخالفه صاحباه واحتج المالكية بأن
الانتشار لا يحصل إلا بالطمأنينة وسكون النفس والمكره بخلافه لأنه خائف وأجيب بالمنع وبأن
الوطئ يتصور بغير انتشار والله أعلم (قوله باب يمين الرجل لصاحبه أنه أخوه إذا خاف
عليه القتل أو نحوه) جواب الشرط يأتي بعده (قوله وكذلك كل مكره يخاف فإنه) أي المسلم
(يذب) بفتح أوله وضم الذال المعجمة أي يدفع (عنه الظالم ويقاتل دونه) أي عنه (ولا يخذله) قال
ابن بطال ذهب مالك والجمهور إلى أن من أكره على يمين إن لم يحلفها قتل أخوه المسلم أنه لا حنث
عليه وقال الكوفيون يحنث لأنه كان له أن يوري فلما ترك التورية صار قاصدا لليمين فيحنث
وأجاب الجمهور بأنه إذا أكره على اليمين فنيته مخالفة لقوله الأعمال بالنيات (قوله فان قاتل دون
المظلوم فلا قود عليه ولا قصاص) قال الداودي أراد لا قود ولا دية عليه ولا قصاص قال والدية
286

تسمى أرشا (قلت) والأولى أن قوله ولا قصاص تأكيد أو أطلق القود على الدية وقال ابن بطال
اختلفوا فيمن قاتل عن رجل خشي عليه أن يقتل فقتل دونه هل يجب على الآخر قصاص أو دية
فقالت طائفة لا يجب عليه شئ للحديث المذكور ففيه ولا يسلمه وفي الحديث الذي بعده أنصر
أخاك وبذلك قال عمر وقالت طائفة عليه القود وهو قول الكوفيين وهو يشبه قول ابن القاسم
وطائفة من المالكية وأجابوا عن الحديث بان فيه الندب إلى النصر وليس فيه الاذن بالقتل
والمتجه قول ابن بطال أن القادر على تخليص المظلوم توجه عليه دفع الظلم بكل ما يمكنه فإذا دافع
عنه لا يقصد قتل الظالم وانما يقصد دفعه فلو أتى الدفع على الظالم كان دمه هدرا وحينئذ لا فرق
بين دفعه عن نفسه أو عن غيره (قوله وان قيل له لتشربن الخمر أو لتأكلن الميتة أو لتبيعن عبدك
أو لتقر بدين أو تهب هبة أو تحل عقدة أو لتقتلن أباك أو أخاك في الاسلام وما أشبه ذلك وسعه ذلك
لقول النبي صلى الله عليه وسلم المسلم أخو المسلم) قال الكرماني المراد بحل العقدة فسخها وقيد
الأخ بالاسلام ليكون أعم من القريب وسعه ذلك أي جاز له جميع ذلك ليخلص أباه وأخاه وقال ابن
بطال ما ملخصه مراد البخاري أن من هدد بقتل والده أو بقتل أخيه في الاسلام أن لم يفعل شيئا
من المعاصي أو يقر على نفسه بدين ليس عليه أو يهب شيئا لغيره بغير طيب نفس منه أو يحل عقدا
كالطلاق والعتاق بغير اختياره أنه يفعل جمع ما هدد به لينجو أبوه من القتل وكذا أخوه المسلم
من الظلم ودليله على ذلك ما ذكره في الباب الذي بعده موصولا ومعلقا ونبه بن التين على وهم وقع
للداودي الشارح حاصله أن الداودي وهم في أراد كلام البخاري فجعل قوله لتقتلن بالتاء وجعل
قول البخاري وسعه ذلك لم يسعه ذلك ثم تعقبه بأنه إن أراد لا يسعه في قت أبيه أو أخيه فصواب
وأما الاقرار بالدين والهبة والبيع فلا يلزم واختلف في الشرب والاكل قال ابن التين قرأ لتقتلن
بتاء المخاطبة وانما هو بالنون (قوله وقال بعض الناس لو قيل له لتشربن الخمر أو لتأكلن الميتة
أو لتقتلن ابنك أو أباك أو ذا رحم محرم لم يسعه لان هذا ليس بمضطر ثم ناقض فقال إن قيل له
لتقتلن أباك أو لتبيعن هذا العبد أو لتقرن بدين أو بهبة يلزمه في القياس ولكنا نستحسن ونقول
البيع والهبة وكل عقدة في ذلك باطل) قال ابن بطال معناه أن ظالما لو أراد قتل رجل فقال لولد
الرجل مثلا ان لم تشرب الخمر أو تأكل الميتة قتلت أباك وكذا لو قال له قتلت ابنك أو ذا رحم لك
ففعل لم يأثم عند الجمهور وقال أبو حنيفة يأثم لأنه لس بمضطر لان الاكراه انما يكون فيما يتوجه
إلى الانسان في خاصة نفسه لا في غيره وليس له أن يعصي الله حتى يدفع عن غيره بل الله سائل
الظالم ولا يؤاخذ الابن لأنه لم يقدر على الدفع الا بارتكاب ما لا يحل له ارتكابه قال ونظيره في
القياس ما لو قال إن لم تبع عبدك أو تقر بدين أو تهب هبة أن كل ذلك ينعقد كما لا يجوز له أن
يرتكب المعصية في الدفع عن غيره ثم ناقض هذا المعنى فقال ولكنا نستحسن ونقول البيع وغيره
من العقود كل ذلك باطل فخالف قياس قوله بالاستحسان الذي ذكره فلذلك قال البخاري بعده
فرقوا بين كل ذي رحم محرم وغيره بغير كتاب ولا سنة يعني أن مذهب الحنفية في ذي الرحم بخلاف
مذهبهم في الأجنبي فلو قيل لرجل لتقتلن هذا الرجل الأجنبي أو لتبيعن كذا ففعل لينجيه من
القتل لزمه البيع ولو قيل له ذلك في ذي رحمه لم يلزمه ما عقده والحاصل أن أصل أبي حنيفة اللزوم
في الجميع قياسا لكن يستثنى من له منه له رحم استحسانا ورأى البخاري أن لا فرق بين القريب
287

والأجنبي في ذلك لحديث المسلم أخو المسلم فإنه المراد به أخوة الاسلام لا النسب ولذلك استشهد
بقول إبراهيم هذه أختي والمراد أخوة الاسلام والا فنكاح الأخت كان حراما في ملة إبراهيم
وهذه الاخوة توجب حماية أخيه المسلم والدفع عنه فلا يلزمه ما عقده ولا إثم عليه فيما يأكل
ويشرب للدفع عنه فهو كما لو قيل له لتفعلن كذا أو لنقتلنك فإنه يسعه اتيانها ولا يلزمه الحكم ولا
يقع عليه الاثم وقال الكرماني يحتمل أن يقرر البحث المذكور بأن يقال إنه ليس بمضطر لأنه مخير في
أمور متعددة والتخيير ينافي الاكراه فكما لا اكراه في الصورة الأولى وهي الأكل والشرب والقتل
كذلك لا إكراه في الصورة الثانية وهو البيع والهبة والعتق فحيث قالوا ببطلان البيع استحسانا
فقد ناقضوا إذ يلزم منه القول بالاكراه وقد قالوا بعدم الاكراه (قلت) ولقاتل أن يقول بعدم
الاكراه أصلا وانما أثبتوه بطريق القياس في الجميع لكن استحسنوا في أمر المحرم لمعنى قام به
وقوله في أول التقرير في أمور متعددة ليس كذلك بل الذي يظهر أن أو فيه للتنويع لا للتخيير وأنها
أمثلة لا مثال واحد ثم قال الكرماني وقوله أي البخاري ان تفريقهم بين المحرم وغيره شئ قالوا
لا يدل عليه كتاب ولا سنة أي ليس فيما يدل على الفرق بينهما في باب الاكراه وهو أيضا كلام
استحساني قال وأمثال هذه المباحث غير مناسبة لوضع هذا الكتاب إذ هو خارج عن فنه (قلت)
وهو عجب منه لان كتاب البخاري كما تقدم تقريره لم يقصد به إيراد الأحاديث نقلا صرفا بل ظاهر
وضعه أنه يجعل كتابا جامعا للأحكام وغيرها وفقهه في تراجمه فلذلك يورد فيه كثيرا الاختلاف
العالي ويرجح أحيانا ويسكت أحيانا توقفا عن الجزم بالحكم ويورد كثيرا من التفاسير ويشير فيه
إلى كثير من العلل وترجيح بعض الطرق على بعض فإذا أورد فيه شيئا من المباحث لم تستغرب وأما
رمزه إلى أن طريقة البحث ليست من فنه فتلك شكاة ظاهر عنك عارها فللبخاري أسوة بالأئمة
الذين سلك طريقهم كالشافعي وأبي ثور والحميدي وأحمد وإسحاق فهذه طريقتهم في البحث وهي
محصلة للمقصود وان لم يعرجوا على اصطلاح المتأخرين (قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم
قال إبراهيم لامرأته) في رواية الكشميهني لسارة (قوله هذه أختي وذلك في الله) هذا طرف
من قصة إبراهيم وسارة مع الجبار وقد وصله في أحاديث الأنبياء وليس فيه وذلك في الله بل تقدم
هناك ثنتان منهما في ذات الله قوله اني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا ومفهومه أن الثالثة
وهي قوله هذه أختي ليست في ذات الله فعلى هذا فقوله وذلك في الله من كلام البخاري ولا مخالفة
بينه وبين مفهوم الحديث المذكور لان المراد أنهما من جهة محض الامر الإلهي بخلاف الثالثة
فان فيها شائبة نفع وحظ له ولا ينفي أن يكون في الله أي من أجل توصله بذلك إلى السلامة مما
أراده الجبار منها أو منه (قوله وقال النخعي إذا كان المستحلف ظالما فنية الحالف وإن كان
مظلوما فنية المستحلف) وصله محمد بن الحسن في كتاب الآثار عن أبي حنيفة عن حماد عنه بلفظ
إذا استحلف الرجل وهو مظلوم فاليمين على ما نوى وعلى ما ورى وإذا كان ظالما فاليمين على نية
من استحلفه وصله ابن أبي شيبة من طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم
النخعي بلفظ إذا كان الحالف مظلوما فله أن يوري وإن كان ظالما فليس له أن يورى قال ابن بطال
قول النخعي يدل على أن النية عنده نية المظلوم أبدا والى مثله ذهب مالك والجمهور وعند أبي
حنيفة النية نية الحالف أبدا (قلت) ومذهب الشافعي أن الحلف إن كان عند الحاكم فالنية
288

نية الحاكم وهي راجعة إلى نية صاحب الحق وإن كان في غير الحكم فالنية نية الحالف قال ابن
بطال ويتصور كون المستحلف مظلوما أن يكون له حق في قبل رجل فيجحده ولا بينة فيستحلفه
فتكون النية نيته لا الحالف فلا تنفعه في ذلك التورية ثم ذكر البخاري حديث ابن عمر مرفوعا
المسلم أخو المسلم وقد تقدم من هذا الوجه بإثم من هذا السياق في كتاب المظالم مشروحا (قوله
حدثني محمد بن عبد الرحيم) هو البزاز بمعجمتين البغدادي الملقب صاعقة وهو من طبقة البخاري
في أكثر شيوخه وسعيد بن سليمان من شيوخ البخاري فقد روى عنه بغير واسطة في مواضع
أقربها في باب من اختار الضرب وقد أخرج البخاري حديث الباب في كتاب المظالم عن عثمان
ابن أبي شيبة عن هشيم فنزل فيه هنا درجتين لان سياقه هنا أتم ولمغايرة الاسناد (قوله فقال
رجل) لم أقف على اسمه ووقع في رواية عثمان قالوا (قوله أنصره مظلوما) بالمد على
الاستفهام وهو استفهام تقرير ويجوز ترك المد (قوله أفرأيت) أي أخبرني قال الكرماني
في هذه الصيغة مجازان إطلاق الرؤية وإرادة الاخبار والخبر وإرادة الامر (قوله إذا كان ظالما)
أي كيف أنصره على ظلمه (قوله تحجزه) بمهملة ثم جيم ثم زاي للأكثر ولبعضهم بالراء بدل الزاي
وكلاهما بمعنى المنع وفي رواية عثمان تأخذ فوق يده وهو كناية عن المنع ونقدم بيان اختلاف
ألفاظه هناك ومنها أن في رواية عائشة قال إن كان مظلوما فخذ له بحقه وإن كان ظالما فخذ له من
نفسه أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب أدب الحكماء (خاتمة) اشتمل باب الاكراه من الأحاديث
المرفوعة على خمسة عشر حديثا المعلق منا ثلاثة وسائرها موصول وهي مكررة كلها فيما مضى
وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم تسعة آثار والله أعلم
(قوله بسم الله الرحمن الرحيم)
(كتاب الحيل)
جمع حيلة وهي ما يتوصل به إلى مقصود بطريق خفي وهي عند العلماء على أقسام بحسب الحامل
عليها فان توصل بها بطريق مباح إلى ابطال حق أو اثبات باطل فهي حرام أو إلى اثبات حق
أو دفع باطل فهي واجبة أو مستحبة وان توصل بها بطريق مباح إلى سلامة من وقوع في مكروه
فهي مستحبة أو مباحة أو إلى ترك مندوب فهي مكروهة ووقع الخلاف بين الأئمة في القسم
الأول هل يصح مطلقا وينفذ ظاهرا أو باطنا أو يبطل مطلقا أو يصح مع الاثم ولمن أجازها مطلقا
أو أبطلها مطلقا أدلة كثيرة فمن الأول قوله تعالى وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث وقد عمل
به النبي صلى الله عليه وسلم في حق الضعيف الذي زنى وهو من حديث أبي أمامة بن سهل في السنن ومنه
قوله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا وفي الحيل مخارج من المضايق ومنه مشروعية الاستثناء
فان فيه تخليصا من الحنث وكذلك الشروط كلها فان فيها سلامة من الوقوع في الحرج ومنه
حديث أبي هريرة وأبي سعيد في قصة بلال بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا ومن الثاني
قصة أصحاب السبت وحديث حرمت عليهم الشحوم فجعلوها فباعوها وأكلوا ثمنها وحديث
النهي عن النجش وحديث لعن المحلل والمحلل له والأصل في اختلاف العلماء في ذلك اختلافهم
هل المعتبر في صيغ العقود ألفاظها أو معانيها فمن قال بالأول أجاز الحيل ثم اختلفوا فمنهم من
289

جعلها تنفذ ظاهرا وباطنا في جميع الصور أو في بعضها ومنهم من قال تنفذ ظاهرا لا باطنا ومن
قال بالثاني أبطلها ولم يجز منها إلا ما وافق فيه اللفظ المعنى الذي تدل عليه القرائن الحالية وقد
اشتهر القول بالحيل عن الحنفية لكون أبي يوسف صنف فيها كتابا لكن المعروف عنه وعن كثير
من أئمتهم تقييد أعمالها بقصد الحق قال صاحب المحيط أصل الحيل قوله تعالى وخذ بيدك
ضغثا الآية وضابطها إن كانت للفرار من الحرام والتباعد من الاثم فحسن وإن كانت لابطال
حق مسلم فلا بل هي إثم وعدوان (قوله باب ترك الحيل) قال ابن المنير
أدخل البخاري الترك في الترجمة لئلا يتوهم أي من الترجمة الأولى إجازة الحيل قال وهو
بخلاف ما ذكره في باب بيعة الصغير فإنه أورد فيه أنه لم يبايعه بل دعا له ومسح برأسه فلم يقل باب
ترك بيعة الصغير وذلك أن بيعته لو وقعت لم يكن فيها إنكار بخلاف الحيل فان في القول بجوازها
عموما إبطال حقوق وجبت واثبات حقوق لا تجب فتحرى فيها لذلك (قلت) وانما أطلق أولا
للإشارة إلى أن من الحيل ما يشرع فلا يترك مطلقا (قوله وإن لكل امرئ ما نوى في الايمان
وغيرها) في رواية الكشميهني وغيره وجعل الضمير مذكرا على إرادة اليمين المستفاد من صيغة
الجمع وقوله في الايمان وغيرها من تفقه المصنف لا من الحديث قال ابن المنير اتسع البخاري في
الاستنباط والمشهور عند النظار حمل الحديث على العبادات فحمله البخاري عليها وعلى المعاملات
وتبع مالكا في القول بسد الذرائع واعتبار المقاصد فلو فسد اللفظ وصح القصد الغي اللفظ
وأعمل القصد تصحيحا وإبطالا قال والاستدلال بهذا الحديث على سد الذرائع وإبطال التحيل من
أقوى الأدلة ووجه التعميم أن المحذوف المقدر الاعتبار فمعنى الاعتبار في العبادات إجزاؤها
وبيان مراتبها وفي المعاملات وكذلك الايمان الرد إلى القصد وقد تقدم في باب ما جاء أن الأعمال
بالنية من كتاب الايمان في أوائل الكتاب تصريح البخاري بدخول الاحكام كلها في هذا الحديث
ونقلت هناك كلام بن المنير في ضابط ذلك (قوله حدثنا محمد بن إبراهيم) هو التيمي وقد صرح
بتحديث علقمة شيخه في هذا الحديث له في أول بدء الوحي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول
يا أيها الناس وفيه إشعار بأنه خطب به و قوله يخطب تقدم في بدء الوحي ان عمر قاله على المنبر (قوله
انما الأعمال بالنية) تقدم في بدء الوحي بلفظ بالنيات وفي كتاب الايمان بلفظ الأعمال بالنية كما هنا
مع حذف انما من أوله (قوله وانما لامرئ ما نوى) تقدم في بدء الوحي بلفظ وانما لكل امرئ
ما نوى وهو الذي علقه في أول الباب وتقدم البحث في أن مفهومه ان من لم ينوي شيئا لم يحصل له
وقد أورد عليه من نوى الحج عن غيره وكان لم يحج فأنه لم يصح عنه ويسقط عنه الفرض بذلك عند
الشافعي وأحمد والأوزاعي وإسحاق وقال الباقون يصح عن غيره ولا ينقلب عن نفسه لأنه لم ينوه
واحتج للأول بحديث بن عباس في قصة شبرمة فعند أبي داود حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة
وعند ابن ماجة فأجعل هذه عن نفسك ثم حج عن شبرمة وسنده صحيح وأجابوا أن الحج خرج عن
بقيه العبادات ولذلك يمضي فاسده دون غيره وقد وافق أبو جعفر الطبري على ذلك ولكن حمله على
الجاهل بالحكم وأنه إذا علم بأن ناء الحال وجب عليه أن ينويه عن نفسه فحينئذ ينقلب وإلا فلا
يصح عنه ويستثنى عن عموم الخبر ما يحصل من جهة الفضل الإلهي بالقصد من غير عمل
كالاجر الحاصل للمريض بسبب مرضه على الصبر بثبوت الاخبار بذلك خلافا لمن قال إنما يقع
290

الاجر على الصبر وحصول الاجر بالوعد الصادق لمن قصد العبادة فعاقه عنها عائق بغير إرادته
وكمن له أوراد فعجز عن فعلها لمرض مثلا فإنه يكتب له أجرها عمن عملها ومما يستثنى على خلف
ما إذا نوى صلاة فرض ثم ظهر له ما يقتضي بطلانها فرضا هل تنقلب نفلا وهذا عند العذر فأما
لو أحرم بالظهر مثلا قبل الزوال فلا يصح فرضا ولا ينقلب نفلا إذا تعمد ذلك ومما اختلف فيه
هل يثاب المسبوق ثواب الجماعة على ما إذا أدرك ركعة أو يعم وهل يثاب من نوى صيام
نفل في أثناء النهار على جميعه أو من حين نوى وهل تكمل الجمعة إذا خرج وقتها في أول الركعة
الثانية مثلا جمعة أو ظهرا وهل تنقلب بنفسها أو تحتاج إلى تجديد نية والمسبوق إذا أدرك
الاعتدال الثاني مثلا هل ينوي الجمعة أو الظهر ومن أحرم بالحج في غير أشهره هل ينقلب عمرة أو لا
واستدل به من قال بإبطال الحيل ومن قال بإعمالها لان مرجع كل من الفريقين إلى نية العامل
وسيأتي في أثناء الأبواب الذي ذكرها المصنف إشارة إلى بيان ذلك والضابط ما تقدمت الإشارة إليه
إن كان فيه خلاص مظلوم مثلا فهو مطلوب وإن كان فيه فوات حق فهو مذموم ونص الشافعي
على كراهة تعاطي الحيل في تفويت الحقوق فقال بعض أصحابه هي كراهة تنزيه وقال كثير من
محققيهم كالغزالي هي كراهة تحريم ويأثم بقصده ويدل عليه قوله وانما لكل امرئ ما نوى فمن نوى
بعقد البيع الربا وقع في الربا ولا يخلصه من الاثم صورة البيع ومن نوى بعقد النكاح التحليل
كان محللا ودخل في الوعيد على ذلك باللعن ولا يخلصه من ذلك صورة النكاح وكل شئ قصد به
تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله كان إثما ولا فرق في حصول الاثم في التحيل على الفعل
المحرم بين الفعل الموضوع له والفعل الموضوع لغيره إذا جعل ذريعة له واستدل به على أنه لا تصح
العبادة من الكافر ولا المجنون لأنهما ليسا من أهل العبادة وعلى سقوط القود في شبه العمد لأنه
لم يقصد القتل وعلى عدم مؤاخذة المخطئ والناسي والمكره في الطلاق والعتاق ونحوهما وقد
تقدم ذلك في أبوابه واستدل به لمن قال كالمالكية اليمين على نية المحلوف له ولا تنفعه التورية
وعكسه غيرهم وقد تقدم بيانه في الايمان واستدلوا بما أخرجه مسلم عن أبي هريرة مرفوعا
اليمين على نية المستحلف وفي لفظ له يمينك على ما يصدقك به صاحبك وحمله الشافعي على ما إذا
كان المستحلف الحاكم واستدل به لمالك على القول بسد الذرائع واعتبار المقاصد بالقرائن كما
تقدمت الإشارة إليه وضبط بعضهم ذلك بأن الألفاظ بالنسبة إلى مقاصد المتكلم ثلاثة أقسام
أحدها أن تظهر المطابقة إما يقينا وإما ظنا غالبا والثاني أن يظهر أن المتكلم لم يرد معناه إما يقينا
وإما ظنا والثالث أن يظهر في معناه ويقع التردد ف إرادة غيره وعدمها على حد سواء فإذا ظهر
قصد المتكلم لمعنى ما تكلم به أو لم يظهر قصد يخالف كلامه وجب حمل كلامه على ظاهره
وإذا ظهرت إرادته بخلاف ذلك فهل يستمر الحكم على الظاهر و عبرة بخلاف ذلك أو يعمل بما
ظهر من إرادته فاستدل للأول بأن البيع لو كان يفسد بأن يقال هذه الصيغة فيها ذريعة إلى
الربا ونية المتعاقدين فيها فاسدة ولكن إفساد البيع بما يتحقق تحريمه أولى أن يفسد به البيع
من هذا الظن كما لو نوى رجل بشراء سيف أن يقتل به رجلا مسلما بغير حق فان العقد صحيح
وإن كانت نيته فاسدة جزما فلم يستلزم تحريم القتل بطلان البيع وإن كان العقد لا يفسد بمثل هذا
فلا يفسد بالظن والتوهم بطريق الأولى واستدل للثاني بأن النية تؤثر في الفعل فيصير بها تارة
291

حراما وتارة حلالا كما يصير العقد بها تارة صحيحا وتارة فاسدا كالذبح مثلا فان الحيوان يحل إذا
ذبح لأجل الاكل ويحرم إذا ذبح لغير الله والصورة واحدة والرجل يشتري الجارية لوكيله
فتحرم عليه ولنفسه فتحل له وصورة العقد واحدة وكذلك صورة القرض في الذمة وبيع النقد
بمثله إلى أجل صورتهما والأول قربة صحيحة والثانية معصية باطلة وفي الجملة فلا يلزم
من صحة العقد في الظاهر رفع الحرج عمن يتعاطى الحيلة الباطلة في الباطن والله أعلم وقد نقل
النسفي الحنفي في الكافي عن محمد بن الحسن قال ليس من أخلاق المؤمنين الفرار من أحكام الله
بالحيل الموصلة إلى إبطال الحق (قوله باب في الصلاة) أي دخول الحيلة فيها ذكر
فيه حديث أبي هريرة لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ وقد تقدم شرحه في كتاب
الطهارة قال ابن بطال فيه رد على من قال أن من أحدث في القعدة الأخيرة أن صلاته صحيحة
لأنه أتى بما يضادها وتعقب بأن الحدث في أثناءها مفسد لها فهو كالجماع في الحج لو طرأ في خلاله
لأفسده وكذا في آخره وقال ابن حزم في أجوبة له عن مواضع من صحيح البخاري مطابقة الحديث
للترجمة أنه لا يخلو أن يكون المرئ طاهرا متيقنا للطهارة أو محدثا متيقنا للحدث وعلى الحالين ليس
لأحد أن يدخل في الحقيقة حيلة بأن الحقيقة اثبات الشئ صدقا أو نفيه صدقا فما كان ثابتا
حقيقة فنافيه بحيلة مبطل وما كان منتفيا فمثبته بالحيلة مبطل وقال ابن المنير أشار البخاري بهذه
الترجمة إلى الرد على قول من قال بصحة صلاة من أحدث عمدا في أثناء الجلوس الأخير ويكون
حدثه كسلامه بأن ذلك من الحيل لتصحيح الصلاة مع الحدث وتقرير ذلك أن البخاري بنى على أن
التحلل من الصلاة ركن منها فلا تصح مع الحدث والقائل بأنها تصح يرى أن التحلل من الصلاة
ضدها فتصح مع الحدث قال وإذا تقرر ذلك فلا بد من تحقق كون السلام ركنا داخلا في الصلاة
لا ضدا لها وقد استدل من قال بركنيته بمقابلته بالتحريم لحديث تحريمها التكبير وتحليلها
التسليم فإذا كان أحد الطرفين ركنا كان الطرف الآخر ركنا ويؤيده أن السلام من جنس
العبادات لأنه ذكر الله تعالى ودعاء لعباده فلا يقوم الحدث الفاحش مقام الذكر الحسن وانفصل
الحنفية بأن السلام واجب لا ركن فان سبقه الحدث بعد التشهد توضأ وسلم وان تعمده فالعمد
قاطع وإذا وجد القطع انتهت الصلاة لكون السلام ليس ركنا وقال بن بطال فيه رد على
أبي حنيفة في قوله أن المحدث في صلاته يتوضأ ويبني ووافقه ابن أبي ليلى وقال مالك والشافعي
يستأنف الصلاة واحتجا بهذا الحديث وفي بعض ألفاظه لا صلاة إلا بطهور فلا يخلو حال
انصرافه أن يكون مصليا أو غير مصل فان قالوا هو مصل رد بقوله لا صلاة إلا بطهور ومن وجهة
النظر أن كل حدث منع من ابتداء الصلاة منع من البناء عليها بدليل أنه لو سبقه المني لاستأنف
اتفاقا قلت وللشافعي قول وافق فيه أبا حنيفة وقال الكرماني وجه أخذه من الترجمة أنهم
حكموا بصحة الصلاة مع الحدث حيث قالوا يتوضأ ويبني وحيث حكموا بصحتها مع عدم النية في
الوضوء لعلة أن الوضوء ليس بعبادة ونقل ابن التين عن الداودي ما حاصله أن مناسبة الحديث
للترجمة أنه أراد أن من أحدث وصلى ولم يتوضأ وهو يعلم أنه يخادع الناس بصلاته فهو مبطل
كما خدع مهاجر أم قيس بهجرته وخادع الله وهو يعلم أنه مطلع على ضميره (قلت) وقصة مهاجر
أم قيس انما ذكرت في حديث الأعمال بالنيات وهو في الباب الذي قبل هذا لا في هذا الباب
292

وزعم بعض المتأخرين أن البخاري أراد الرد على من زعم أن الجنازة إذا حضرت وخاف فوتها
أنه يتيمم وكذا من زعم أنه إذا قام لصلاة الليل فبعد عنه الماء وخشي إذا طلبه أن يفوته قيام
الليل أنه تباح له الصلاة بالتيمم ولا يخفى تكلفه (قوله باب في الزكاة أي
ترك الحيل في إسقاطها (قوله وأن لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة) هو لفظ
الحديث الأول في الباب وهو طرف من حديث طويل أورده في الزكاة بهذا السند تاما ومفرقا
وتقدم شرحه هناك الحديث الثاني حديث طلحة بن عبيد الله أن أعرابيا جاء إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس الحديث وقد تقدم شرحه في كتاب الايمان أول الصحيح (قوله
وقال بعض الناس في عشرين ومائة بعير حقتان فان أهلكها متعمدا أو وهبها أو احتال فيها
فرارا من الزكاة فلا شئ عليه) قال ابن بطال أجمع العلماء على أن للمرء قبل الحول التصرف في
ماله بالبيع والهبة والذبح وإذا لم ينو الفرار من الصدقة وأجمعوا على أنه إذا حال الحول أنه لا يحل
التحيل بأن يفرق بين مجتمع أو يجمع بين متفرق ثم اختلفوا فقال مالك من فوت من ماله شيئا
ينوي به الفرار من الزكاة قبل الحول بشهر أو نحوه لزمته الزكاة عند الحول لقوله صلى الله عليه
وسلم خشية الصدقة وقال أبو حنيفة إن نوى بتفويته الفرار من الزكاة قبل الحول بيوم لا تضره
النية لان ذلك لا يلزمه إلا بتمام الحول ولا يتوجه إليه معنى قوله خشية الصدقة إلا حينئذ قال
وقال المهلب قصد البخاري أن كل حيلة يتحيل بها أحد في إسقاط الزكاة فان اثم ذلك عليه لان
النبي صلى الله عليه وسلم لما منع من جمع الغنم أو تفرقتها خشية الصدقة فهم منه هذا المعنى وفهم
من حديث طلحة في قوله أفلح إن صدق أن من رام أن ينقص شيئا من فرائض الله بحيلة يحتالها
أنه لا يفلح قال وما أجاب به الفقهاء من تصرف ذي المال في ماله قرب حلول الحول ثم يريد بذلك
الفرار من الزكاة ومن نوى ذلك فالاثم عنه غير ساقط وهو كمن فر عن صيام رمضان قبل رؤية
الهلال بيوم واستعمل سفرا لا يحتاج إليه ليفطر فالوعيد إليه يتوجه وقال بعض الحنفية هذا
الذي ذكره البخاري ينسب لأبي يوسف وقال محمد يكره لما فيه من القصد إلى إبطال حق الفقراء
بعد وجود سببه وهو النصاب واحتج أبو يوسف بأنه امتناع من الوجوب لا إسقاط للواجب
واستدل بأنه لو كان له مائتا درهم فلما كان قبل الحول بيوم تصدق بدرهم منها لم يكره ولو نوى
بتصدقه بالدرهم أن يتم الحول وليس في ملكه نصاب فلا تلزمه الزكاة وتعقب بان من أصل أبي
يوسف أن الحرمة تجامع الفرض كطواف المحدث أو العاري فكيف لا يكون القصد مكروها في
هذه الحالة وقوله امتناع من الوجوب معترض فان الوجوب قد تقرر من أول الحول ولذلك جاز
التعجيل قيل الحول وقد اتفقوا على أن الاحتيال لاسقاط الشفعة بعد وجوبها مكروه وانما
الخلاف فيما قبل الوجوب فقياسه أن يكون في الزكاة مكروها أيضا والأشبه أن يكون أبو يوسف
رجع عن ذلك فإنه قال في كتاب الخراج بعد إيراد حديث لا يفرق بين مجتمع ولا يحل لرجل يؤمن
بالله واليوم الآخر منع الصدقة ولا إخراجها عن ملكه لملك غيره بفرقها بذلك فتبطل الصدقة
عنها بأن يصير لكل واحد منهما ما لا تجب فيه الزكاة ولا يحتال في إبطال الصدقة بوجه انتهى
ونقل أبو حفص الكبير راوي كتاب الحيل عن محمد بن الحسن أن محمدا قال ما احتال به المسلم
حتى يتخلص به من الحرام أو يتوصل به إلى الحلال فلا بأس به وما احتال به حتى يبطل حقا
293

أو يحق باطلا أو ليدخل به شبهة في حق فهو مكروه والمكروه عنده إلى الحرام أقرب وذكر
الشافعي أنه ناظر محمدا في امرأة كرهت زوجها وامتنع عن فراقها فمكنت ابن زوجها من
نفسها فإنها تحرم عندهم على زوجها بناء على قولهم إن حرمت المصاهرة تثبت قال فقلت
لمحمد الزنا لا يحرم الحلال لأنه ضده ولا يقاس شئ على ضده فقال يجمعهما الجماع فقلت الفرق
بينهما أن الأول حمدت به وحصنت فرجها والآخر ذمت به ووجب عليها الرجم ويلزم أن المطلقة
ثلاثا إذا زنت حلت لزوجها ومن كان عنده أربع نسوة فزنى بخامسة أن تحرم عليه إحدى الأربع
إلى آخر المناظرة وقد أشكل قول البخاري في الترجمة فان أهلكها بأن الاهلاك ليس من الحيل بل
هو من إضاعة المال فان الحيلة انما هي لدفع ضرر أو جلب منفعة وليس كل واحد منهما موجودا
في ذلك ويظهر لي انه تصور بأن يذبح الحقتين مثلا وينتفع بلحمهما فتسقط الزكاة بالحقتين
وينتقل إلى ما دونهما الحديث الثالث الله تعالى (قوله حدثنا إسحاق) هو ابن راهويه كما جزم به أبو
نعيم في المستخرج (قوله يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعا أقرع) المراد بالكنز المال الذي
يخبأ من غير أن يؤدى زكاته كما تقدم تقريره في كتاب الزكاة ووقع هناك في رواية أبي صالح
عن أبي هريرة بلفظ من أعطاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع فذكر نحوه
وبه تظهر مناسبة ذكره في هذا الباب (قوله أنا كنزك) هذا زائد في هذه الطريق (قوله والله لن
يزال) في رواية الكشميهني لا بدل لن (قوله حتى يبسط يده) أي صاحب المال (فيلقمها فاه)
يحتمل أن يكون فاعل يلقمها الكانز أو الشجاع ووقع في رواية أبي صالح فيأخذ بلهزمتيه أي
يأخذ الشجاع يد الكانز بشدقيه وهما الهمزتان كما أوضحته هناك (قوله وقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم) هو موصول بالسند المذكور وهو من نسخة همام عن أبي هريرة وقد
أخرجه أحمد عن عبد الرزاق فقدم هذا على الذي قبله (قوله إذا ما رب النعم) ما زائدة والرب
المالك والنعم بفتحتين الإبل والغنم والبقر وقيل الإبل والغنم فقط حكاه في المحكم وقيل الإبل
فقط ويؤيد الأول قول الله تعالى ومن الانعام حمولة وفرشا ثم فسره الإبل والبقر والغنم ويؤيد
الثالث اقتصاره هنا على الاخفاف فإنها للإبل خاصة والمراد بقوله حقها زكاتها وصرح به
في حديث أبي ذر كما تقدم في الزكاة أتم منه (قوله وقال بعض الناس في رجل له إبل فخاف أن
تجب عليه الصدقة فباعها بابل مثلها أو بغنم أو ببقر أو بدراهم فرارا من الصدقة بيوم احتيالا
فلا شئ عليه وهو يقول إن زكى ابله قبل أن يحول الحول بيوم أو ستة جازت عنه) في رواية
الكشميهني أجزأت عنه ويعرف تقرير مذهب الحنفية مما مضى وقد تأكد المنع بمسألة
التعجيل قيل توجيه إلزامهم التناقض أن من أجاز التقديم لم يراع دخول الحول من كل جهة
فإذا كان التقديم على الحول مجزئا فليكن التصرف فيها قبل الحول غير مسقط وأجاب عنهم
ابن بطال بان أبا حنيفة لم يتناقض في ذلك لأنه لا يوجب الزكاة الا بتمام الحول ويجعل من قدمها
كمن قدم دينا مؤجلا قبل أن يحل انتهى والتناقض لازم لأبي يوسف لأنه يقول إن الحرمة
تجامع الفرض كطواف العاري ولو لم يتقرر الوجوب لم يجز التعجيل قبل الحول وقد اختلف العلماء
فيمن باع إبلا بمثلها في أثناء الحول فذهب الجمهور إلى البناء على حول الأولى لاتحاد الجنس
والنصاب والمأخوذ عن الشافعي قولان واختلفوا في بيعها بغير جنسها فقال الجمهور يستأنف
294

لاختلاف النصاب وإذا فعل فرارا من الزكاة أثم ولو قلنا يستأنف وعن أحمد إذا ملكها ستة
أشهر ثم باعها بنقد زكى الدراهم عن ستة أشهر من يوم البيع ونقل شيخنا ابن الملقن عن ابن التين
أنه قال إن البخاري انما أتي بقوله مانع الزكاة ليدل على الفرار من الزكاة لا يحل فهو مطالب
بذلك في الآخرة قال شيخنا وهذا لم نره في البخاري (قلت) بل هو فيه بالمعنى في قوله إذا ما رب النعم
لم يعط حقها فهذا هو مانع الزكاة * الحديث الرابع حديث ابن عباس قال استفتى سعد بن عبادة
الخ تقدم شرحه قريبا في كتاب الايمان والنذور قال المهلب فيه حجة على أن الزكاة لا تسقط
بالحيلة ولا بالموت لان النذر لما لم يسقط بالموت والزكاة أوكد منه كانت لازمة لا تسقط بالموت
أولى لأنه لما ألزم الولي بقضاء النذر عن أمه كان قضاء الزكاة التي فرضها الله أشد لزوما (قوله
وقال بعض الناس إذا بلغت الإبل عشرين ففيها أربع شياه فان وهبها قبل الحول أو باعها فرارا
أو احتيالا لاسقاط الزكاة فلا شئ عليه وكذلك إن أتلفها فمات فلا شئ عليه في ماله) تقدمت
المنازعة في صورة الاتلاف قريبا وأجاب بعض الحنفية بأن المال انما تجب فيه الزكاة ما دام
واجبا في الذمة أو ما تعلق به من الحقوق وهذا الذي مات لم يبق في ذمته شئ يجب على ورثته وفاؤه
والكلام انما هو في حل الحيلة لا في لزوم الزكاة إذا فر (قلت) وحرف المسألة أنه إذا قصد بيعها
الفرار من الزكاة أو بهبتها الحيلة على إسقاط الزكاة ومن قصده أن يسترجعها بعد كما تقدم فهو
آثم بهذا القصد لكن هل يؤثر هذا القصد في ابقاء الزكاة في ذمته أو يعمل به مع الاثم وهذا محز
الخلاف قال الكرماني ذكر البخاري في هذا الباب ثلاثة فروع يجمعها حكم واحد وهو أنه إذا
زال ملكه عما تجب فيه الزكاة قبل الحول سقطت الزكاة سواء كان لقصد الفرار من الزكاة أم لا
ثم أراد بتفريعها عقب كل حديث التشنيع بأن من أجاز ذلك خالف ثلاثة أحاديث صحيحة
انتهى ومن الحيل في إسقاط الزكاة ان ينوي بعروض التجارة الفنية قبل الحول فإذا دخل الحول
الآخر استأنف التجارة حتى إذا قرب الحول أبطل التجارة ونوى القنية وهذا يأثم جزما والذي
يقوى أنه لا تسقط الزكاة عنه والعلم عند الله تعالى (قوله باب الحيلة في النكاح)
ذكر فيه حديث ابن عمر في النهي عن الشغار وفيه تفسيره عن نافع وقد تقدم شرحه مستوفى في
كتاب النكاح وتقرير كون التفسير مرفوعا قال ابن المنير إدخال البخاري الشغار في باب الحيل
مع أن القائل بالجواز يبطل الشغار ويوجب مهر المثل مشكل ويمكن أن يقال إنه أخذه مما
نقل أن العرب كانت تأنف من التلفظ بالنكاح من جانب المرأة فرجعوا إلى التلفظ بالشغار
لوجود المساواة التي تدفع الانفة فمحى الشرع رسم الجاهلية فحرم الشغار وشدد فيه ما لم يشدد
في النكاح الخالي عن ذكر الصداق فلو صححنا النكاح يلفظ الشغار وأوجبنا مهر المثل أبقينا
غرض الجاهلية بهذه الحيلة انتهى وفيه نظر لان الذي نقله عن العرب لا أصل له لان الشغار في
العرب بالنسبة إلى غيره قليل وقضية ما ذكره أن تكون أنكحتهم كلها كانت شغارا لوجود الانفة
في جميعهم والذي يظهر لي أن الحيلة في الشغار تتصور في موسر أراد تزويج بنت فقير فامتنع أو
أشتط في المهر فخدعه بأن قال له زوجنيها وأنا أزوجك بنتي فرغب الفقير في ذلك لسهولت ذلك عليه
فلما وقع العقد على ذلك وقيل له ان العقد يصح ويلزم لكل منهما مهر المثل فإنه يندم إذ لا قدرة له
على مهر المثل لبنت الموسر وحصل للموسر مقصوده بالتزويج لسهولة مهر المثل عليه فإذا
295

أبطل الشغار من أصله بطلت هذه الحل (قوله وقال بعض الناس إن احتال حتى تزوج على
الشغار فهو جائز والشرط باطل وقال في المتعة النكاح فاسد والشرط باطل) قلت وهذا بناء
على قاعدة الحنفية أن ما لم يشرع بأصله باطل وما شرع بأصله دون وصفه فاسد فالنكاح
مشروع بأصله وجعل البضع صداقا وصف فيه فيفسد الصداق ويصح النكاح بخلاف المتعة
فإنها لما ثبت انها منسوخة صارت غير مشروعة بأصلها (قوله وقال بعضهم المتعة والشغار
جائزان والشرط باطل) أي في كل منهما كأنه يشير إلى ما نقل عن زفر أنه أجاز النكاح المؤقت
وألغى الوقت لأنه شرط فاسد والنكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة وردوا عليه بالفرق المذكور
قال ابن بطال لا يكون البضع صداقا عند أحد من العلماء وانما قالوا ينعقد النكاح بمهر المثل
إذا اجتمعت شروطه والصداق ليس بركن فيه فهو كما لو عقد بغير صداق ثم ذكر الصداق فصار ذكر
البضع كلا ذكر انتهى وهذا محصل ما قاله أبو زيد وغيره من أئمة الحنفية وتعقبه ابن السمعاني
فقال ليس الشغار إلا النكاح الذي اختلفنا فيه وقد ثبت النهي عنه والنهي يقتضي فساد المنهي
عنه لأن العقد الشرعي انما يجوز بالشرع وإذا كان منهيا لم يكن مشروعا ومن جهة المعنى أنه
يمنع تما الايجاب في البضع للزوج والنكاح لا ينعقد إلا بإيجاب كامل ووجه قولنا يمنع أن الذي
أوجبه للزوج نكاحا هو الذي أوجبه للمرأة صداقا وإذا لم يحصل كمال الايجاب لا يصح فإنه
جعل عين ما أوجبه للزوج صداقا للمرأة فهو كمن جعل الشئ لشخص في عقد ثم جعل عينه
لشخص آخر فإنه لا يكمل الجعل الأول قال ولا يعارض هذا ما لو زوج أمته آخر فان الزوج يملك
التمتع بالفرج والسيد يملك رقبه الفرج بدليل أنها لو وطئت بعد بشبهة يكون المهر للسيد والفرق
أن الذي جعله السيد للزوج لم يبقه لنفسه لأنه جعل ملك التمتع بالأمة للزوج وما عدا ذلك باق
له وفي مسألة الشغار جعل ملك التمتع الذي جعله للزوج بعينه صداقا للمرأة الأخرى ورقبة
البضع لا تدخل تحت ملك اليمين حتى يصح جعله صداقا (قوله يحيى) هو القطان وعبيد الله بن عمر
هو العمري ومحمد بن علي هو المعروف بابن الحنفية وعلي هو ابن أبي طالب (قوله قيل له إن ابن
عباس لا يرى بمتعة النساء بأسا) لم أقف على اسم القائل وزاد عمر بن علي الفلاس في روايته
لهذا الحديث عن يحيى القطان فقال له إنك تايه بمثناة فوقانية وياء آخر الحروف بوزن فاعل من
التيه وهو الحيرة وانما وصفه بذلك إشارة إلى أنه تمسك بالمنسوخ وغفل عن الناسخ وقد تقدم بيان
مذهب ابن عباس في ذلك في كتاب النكاح مستوفى (قوله وقال بعض الناس إن احتال حتى
تمتع فالنكاح فاسد) أي أن عقد عقد نكاح متعة والفساد لا يستلزم البطلان لامكان إصلاحه
بإلغاء الشرط فيتحيل في تصححه بذلك كما قال في ربا الفضل إن حذفت منه الزيادة صح البيع
(قوله وقال بعضهم الخ) تقدم أنه قول زفر وقيل إنه لم يجز إلا النكاح المؤقت وألغى الشرط
وأجيب بأن نسخ المتعة ثابت والنكاح المؤقت في معنى المتعة والاعتبار عندهم في العقود
بالمعاني (قوله باب ما يكره من الاحتيال في البيوع ولا يمنع فضل الماء ليمنع به
فضل الكلأ) ذكر فيه حديث أبي هريرة لا يمنع الخ وإسماعيل شيخه فيه هو ابن أبي أويس وقد
تقدم شرح الحديث مستوفى في كتاب الشرب قال المهلب المراد رجل كان له بئر وحولها
كلا مباح وهو بفتح الكاف واللام مهموز ما يرعى فأراد الاختصاص به فيمنع فضل ماء بئره
296

أن ترده نعم غيره للشرب وهو لا حاجة به إلى الماء الذي يمنعه وانما حاجته إلى الكلأ وهو
لا يقدر على منعه لكونه غير مملوك له فيمنع الماء فيتوفر له الكلأ لان النعم لا تستغني عن الماء
بل إذا رعت الكلأ عطشت ويكون ماء غير البئر بعيدا عنها فيرغب صاحبها عن ذلك الكلأ
فيتوفر لصاحب البئر بهذه الحيلة انتهى موضحا قال وفيه معنى أخر وهو أنه قد يخص أحد
معاني الحديث ويسكت عن البقية لان ظاهر الحديث اختصاص النهي بما إذا أريد به منع
الكلأ فإذا لم يرد به ذلك فلا نهي عن منع الكلأ والحديث معناه لا يمنع فضل الماء بوجه من
الوجوه لأنه إذا لم يمنع بسبب غيره فأحرى أن لا يمنع بسبب نفسه وفي تسميته فضلا إشارة إلى أنه
إذا لم تكن زيادة عن حاجة صاحب البئر جاز لصاحب البئر منعه والله أعلم وقال ابن المنير وجه
مطابقة الترجمة أن الآبار التي في البوادي لمحتفرها أن يختص بما عدا فضلها من الماء بخلاف
الكلأ المباح فلا اختصاص له به فلو تحيل صاحب البئر فدعى أنه لا فضل في ماء البئر عن حاجته
ليتوفر له الكلأ الذي بقربه لان صاحب الماشية حينئذ يحتاج أن يحولها إلى ماء آخر لأنها
لا تستطيع الرعي على الظمأ لدخل في النهي ثم قال ولا يلزم من كون دعواه كذبا محضا
أن لا يكون في كلامه تحيل على منع المباح فحجته ظاهرة فيما له فيه مقال وهو الماء تحيلا على
ما لا حق له فيه ولا حجة وهو الكلأ (قلت) وهذا جواب عن أصل التحيل لا عن خصوص التحيل
في البيع ومن ثم قال الكرماني هو من قبيل ما ترجم به وبيض له فلم يذكر فيه حديثا يريد أنه ترجم
بالتحيل بالبيع وعطف عليه ولا منع فضل الماء وذكر الحديث المتعلق بالثاني دون الأول لكن
لا يدفع هذا القدر السؤال عن حكمه إيراد منع فضل الماء في ترك الحيل ثم قال الكرماني يمكن
أن يكون المنع أعم من أن يكون بطريق عدم البيع أو بغيره انتهى ويظهر أن المناسبة بينهما
ما أشار اله ابن المنير لكن تمامه أن يقال إن صاحب البئر يدعي أنه لافضل في ماء البئر ليحتاج من
احتاج إلى الكلأ أن يبتاع منه ماء بئره ليسقي ماشيته فيظهر حينئذ أنه تحيل بالجحد على حصول
البيع ليتم مراده في أخذ ثمن ماء البئر وفي توفير الكلأ عليه وأما ابن بطال فأدخل في هذه الترجمة
حديث النهي عن النجش فلو كان كذلك لبطل الاعتراض لكن ترجمة النجش موجودة في جميع
الروايات بين الحديثين عز وجل (قوله باب ما يكره من التناجش) أشار إلى ما ورد في بعض
طرق الحديث المذكور في الباب بلفظ نهى عن النجش من حديث أبي هريرة بلفظ لا تناجشوا
وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب البيوع والمراد بالكراهة في الترجمة كراهة التحريم (قوله
باب ما ينهى من الخداع) في رواية الكشميهني عن الخداع ويقال له الخدع بالفتح
والكسر ورجل خادع وفي المبالغة خدوع وخداع (قوله وقال أيوب) هو السختياني (يخادعون
الله كأنما يخادعون آدميا لو أتوا الامر عيانا كان أهون علي) وصله وكيع في مصنفه عن
سفيان بن عيينة عن أيوب وهو السختياني قال الكرماني قوله عيانا أي لو أعلنوا بأخذ الزائد
على الثمن معاينة بلى تدليس لكان أسهل لأنه ما جعل الدين آلة للخداع انتهى ومن ثم كان سالك
المكر والخديعة حتى يفعل المعصية أبغض عند الناس ممن يتظاهر بها وفي قلوبهم أوضع وهم
عنه أشد نفرة وحديث ابن عمر إذا بايعت فقل لا خلابة بكسر المعجمة وتخفيف اللام ثم موحدة
تقدم شرحه مستوفى في كتاب البيوع قال المهلب معنى قوله لا خلابة لا تخلبوني أي
297

لا تخدعوني فان ذلك لا يحل (قلت) والذي يظهر أنه وارد مورد الشرط أي إن ظهر في العقد خداع
فهو غير صحيح كأنه قال بشرط أن لا يكون فيه خديعة أو قال لا تلزمني خديعتك قال المهلب
ولا يدخل في الخداع المحرم الثناء على السلعة والاطناب في مدحها فإنه متجاوز عنه ولا ينتقص به
البيع وقال بن القيم في الاعلام أحدث بعض المتأخرين حيلا لم يصح القول بها عن أحد من
الأئمة ومن عرف سيرة الشافعي وفضله علم أنه لم يكن يأمر بفعل الحيل التي تبنى على الخداع
وإن كان يجري العقود على ظاهرها ولا ينظر إلى قصد العاقد إذا خالف لفظه فحاشاه أن يبيح
للناس المكر والخديعة فان الفرق بين اجراء العقد على ظاهره فلا يعتبر القصد في العقد وبين
تجويز عقد قد علم بناؤه على المكر مع العلم بأن باطنه بخلاف ظاهره ظاهر ومن نسب حل الثاني
إلى الشافعي فهو خصمه عند الله فان الذي جوزه بمنزلة الحاكم يجري الحكم على ظاهره في عدالة
الشهود فيحكم بظاهر عدالتهم وان كانوا في الباطن شهود زور وكذا في مسألة العينة انما جوز
أن يبيع السلعة ممن يشتريها جريا منه على أن ظاهر عقود المسلمين سلامتها من المكر والخديعة
ولم يجوز قط أن المتعاقدين يتواطئان على ألف بألف ومائتين ثم يحضران سلعة تحلل الربا ولا سيما
ان لم يقصد البائع بيعها ولا المشتري شراءها ويتأكد ذلك إذا كانت ليست ملكا للبائع كأن
يكون عنده سلعة لغيره فيوقع العقد ويدعي أنها ملكه ويصدقه المشتري فيوقعان العقد على
الأكثر ثم يستعيدها البائع بالأقل ويترتب الأكثر في ذمة المشتري في الظاهر ولو علم الذي جوز
ذلك بذلك لبادر إلى إنكاره لان لازم المذهب ليس بمذهب فقد يذكر العالم الشئ ولا يستحضر
لازمه حتى إذا عرفه أنكره وأطال في ذلك جدا وهذا ملخصه والتحقيق أنه لا يلزم من الاثم في
العقد بطلانه في ظاهر الحكم فالشافعية يجوزون العقود على ظاهرها ويقولون مع ذلك إن من
عمل الحيل بالمكر والخديعة بإثم في الباطن وبهذا يحصل الانفصال عن إشكاله والله أعلم (قوله
باب ما ينهى عن الاحتيال للولي في اليتيمة المرغوبة وأن لا يكمل لها صداقها) ذكر
فيه حديث عائشة في تفسير قوله تعالى وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى ولم يسقه بتمامه وقد
تقدم بهذا السند في النكاح تاما قال ابن بطال فيه أنه لا يجوز للولي أن يتزوج بيتيمة بأقل من
صداقها ولا أن يعطيها من العروض في صداقها ما لا يفي بقيمة صداق مثلها واختلف في سبب
نزول الآية المذكورة كما تقدم عند شرح الحديث المذكور في تفسير سورة النساء وفي قوله
في اليتامى حذف تقديره في نكاح اليتامى وقوله ما طاب لكم من النساء أي من سواهن قال
القاضي أبو بكر بن الطيب معنى الآية وان خفتم أن لا تعدلوا في اليتامى الأطفال اللاتي لا أولياء
لهن يطالبونكم بحقوقهن ولا تأمنوا من ترك القيام بحقوقهم لعجزهن عن ذلك فتزوجوا من
النساء القادرات على تدبير أمورهن أو من لهن أولياء يمنعونكم من الحيف عليهن وقوله ثم
استفتى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله يستفتونك في النساء فذكر الحديث كذا
في الأصل وقد تقدم سياقه (قوله باب إذا غصب جارية فزعم أنها ماتت فقضى)
بالضم على البناء للمجهول أي حكم ويجوز بناؤه للمعلوم أي حكم القاضي على الغاصب (بقيمة
الجارية الميتة ثم وجدها صاحبها) أي اطلع على أنها لم تمت (فهي له) أي لصاحبها المغصوبة منه
(وترد القيمة) أي على الغاصب (ولا تكون القيمة ثمنا) أي لعدم جريان بيع بينهما وانما أخذ
298

القيمة بناء على عدم الجارية فإذا زال ذلك وجب الرجوع إلى الأصل (قوله وقال بعض الناس
الجارية للغاصب لاخذه القيمة منه) أي من الغاصب (قوله وفي هذا احتيال لمن اشتهى جارية
رجل لا يبيعها فغصبها واعتل) أي احتج أي وكذلك لو كانت الصورة في غير الجارية من مأكول
أو غيره وادعى فساده وكذا لو غصب حيوانا مأكولا فذبحه (قوله فتطيب للغاصب جارية غيره)
أي وكذا مال غيره (قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم أموالكم عليكم حرام) هذا طرف من
حديث وصله من حديث أبي بكرة مطولا في أواخر الحج وأحلت بشرحه على كتاب الفتن قال
الكرماني ظاهر قوله أموالكم عليكم مقابلة الجمع بالجمع فيفيد التوزيع فيلزم أن يكون مال كل
شخص على كل شخص حراما فيلزم أن يكون ماله عليه حراما وليس كذلك وانما هو مثل قولهم
قتل بنو فلان أنفسهم أي قتل بعضهم بعضا ففيه مجاز للقرينة الصارفة عن الظاهر (قوله ولكل
غادر لواء) أي وقال النبي صلى الله عليه وسلم لكل غادر لواء الخ وقد وصله في الباب عن ابن عمر
وسفيان في سنده هو الثوري ومعنى شرحه مستوفى في الجهاد والاحتجاج به ظاهر لان دعوى
الغاصب أنها ماتت خيانة وغدر في حق أخيه المسلم قال ابن بطال خالف أبا حنيفة الجمهور في ذلك
فاحتج هو بأنه لا يجتمع الشئ وبدله في ملك شخص واحد واحتج للجمهور بأنه لا يحل مال المسلم
إلا عن طيب نفسه ولأن القيمة إنما وجبت بناء على صدق دعوى الغاصب أن الجارية ماتت فلما
تبين أنها لم تمت فهي باقية على ملك المغصوبة منه لأنه لم يجر بينهما عقد صحيح فوجب أن ترد إلى
صاحبها قال وفرقوا بين الثمن والقيمة بأن الثمن في مقابلة الشئ القائم والقيمة في الشئ المستهلك
وكذا في البيع الفاسد والفرق بين الغصب والبيع الفاسد أن البائع رضي بأخذ الثمن عوضا عن
سلعته وأذن المشتري بالتصرف فيها فإصلاح هذا البيع أن يأخذ قيمة السلعة إن فاتت والغاصب
لم يأذن له المالك فلا يحل له أن يتملكه الغاصب إلا إن رضي المغصوب منه بقيمته (قلت) ومحل
الصورة المذكورة أولا عند الحنفية ان يدعي المستحق على الغاصب بالجارية فيجيب انها ماتت
فيصدقه أو يكذبه فيقيم الغاصب البينة أو يستحلفه فينكل عن اليمين فيكون المستحق حينئذ
على الغاصب القيمة لرضا المدعي بالمبادلة بهذا القدر حيث ادعاه أما لو أخذ القيمة بقول الغاصب
مع حلفه أنها ماتت فل لمدعي حينئذ بالخيار إذا ظهر كذب الغاصب إن شاء أمضى الضمان وإن
شاء استعاد الجارية ورد العوض واستدلوا بأن المالك ملك بدل المغصوب رقبة وبدنا فزال ملكه
عن المبدل لكونه قابلا للنقل فلم يقع الحكم للتعدي محضا بل للضمان المشروط ولو نشأ منه فوات
الجارية على صاحبها بالحيلة ولو ترتب الاثم على الغاصب بذلك لأنه لا ينافي صحة العقد والله أعلم
وقال ابن المنير ما ملخصه ألزم بعض الحنفية مالكا بأنه يقول في الآبق إذا أخذ المالك قيمته ممن
وجده فغصبه أن الغاصب يملكه فلو موه الغاصب بأنه مستمر الاباق أو أوهم موته ثم ظهر خلاف
ذلك فللمالك أخذه والحديث يتناول التمويه وغيره ويقتضي أن يعود العبد للمالك والقيمة
إن كانت ثمنا لم يعد للعبد مطلقا وإن لم تكن ثمنا عاد العبد مطلقا وأجيب بأن معنى قوله إن
أموالكم عليكم حرام إذا لم يقع التراضي ومع وجود التمويه لم يحصل الرضا بالعوض بخلاف
ما إذا لم يكن هناك تمويه فإنه يدل على الرضا بالعوض وتقدر القيمة ثمنا (قوله باب
كذا للأكثر بغير ترجمة وحذفه بن بطال والنسفي والإسماعيلي وأضاف ابن بطال حديث
299

أم سلمة للباب الذي قبله وتعلقه به ظاهر جدا لدلالته على أن حكم الحاكم لا يحل ما حرمه الله
ورسوله ولنهيه عن أخذه إذا كان يعلم أنه في نفس الامر لغريمه وعلى الأول هو كالفصل من الباب
الذي قبله وإنما أفرده لأنه يشمل الحكم المذكور وغيره وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الأحكام
إن شاء الله تعالى وقوله سفيان هو الثوري وقوله عن هشام هو ابن عروة ووقع في رواية أبي داود
عن محمد بن كثير شيخ البخاري فيه حدثنا سفيان حدثنا هشام وقوله عن عروة وقع في رواية أبي
داود عن أبيه وقوله عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة هي أمها ووقع في شرح ابن بطال حديث
زينب فأوهم أنه من مسندها على ما جرت به عادته من الاقتصار على صحابي الحديث (قوله
إنما أنا بشر) أي كواحد من البشر في عدم علم الغيب وقوله ولعل هي هنا بمعنى عسى وقوله
ألحن تقدم في المظالم بلفظ أبلغ وهو بمعناه لأنه من لحن بمعنى فطن وزنه ومعناه والمراد أنه إذا
كان أفطن كان قادرا على أن يكون أبلغ في حجته من الآخر وقوله على نحو ما اسمع في رواية
الكشميهني ما اسمع وهي موصولة وقوله من أخيه أي من حق أخيه وثبت كذلك في الطريق
الآتي في الاحكام وقوله فلا يأخذ كذا للأكثر بحذف المفعول وللكشميهني فلا يأخذه
وقوله فإنما أقطع له قطعة من النار أي إن أخذها مع علمه بأنها حرام عليه دخل النار (قوله
باب في النكاح) تقدم قريبا باب الحيلة في النكاح وذكر فيه الشغار والمتعة
وذكر هنا ما يتعلق بشهادة الزور في النكاح وأورد فيه حديث أبي هريرة واستئذان
المخطوبة من وجهين وقد مضى شرحه مستوفى في كتاب النكاح ثم أورد بعده حديث
خنساء بذكر البكر والثيب جميعا وقد تقدما في باب لا يجوز نكاح المكره قريبا وحديث عائشة
نحو حديث أبي هريرة الحديث الأول (قوله هشام) هو الدستوائي (قوله لا تنكح
البكر) أي لا تزوج (قوله وقال بعض الناس إذا لم تستأذن) في رواية الكشميهني إن بدل
إذا (قوله فأقام شاهدين زورا) أي شهدا زورا أو زورا متعلق بأقام (قوله فأثبت القاضي
نكاحها) في رواية الكشميهني نكاحه أي بشهادتهما (قوله فلا بأس أن يطأها) أي لا يأثم
بذلك مع علمه بأن شاهديه كذبا الحديث الثاني (قوله علي) هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة
ويحيى بن سعيد هو الأنصاري (قوله عن القاسم) في رواية محمد بن فضيل عن يحيى بن سعيد حدثنا
القاسم أخرجه الإسماعيلي والقاسم هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق (قوله أن امرأة من ولد
جعفر) في رواية ابن أبي عمر عن سفيان أن امرأة من آل جعفر أخرجه الإسماعيلي ولم أقف
على اسمها ولا على المراد بجعفر ويغلب على الظن أنه جعفر بن أبي طالب وتجاسر الكرماني
فقال المراد به جعفر الصادق بن محمد الباقر وكان القاسم بن محمد جد جعفر الصادق لامه انتهى
وخفي عليه أن القصة المذكورة وقعت وجعفر الصادق صغير لان مولده سنة ثمانين وكانت وفاة
عبد الرحمن بن يزيد بن جارية في سنة ثلاث وتسعين من الهجرة وقد وقع في تفسير الحديث أنه
أخير المرأة بحديث خنساء بنت خذام فكيف تكون المرأة المذكورة في مثل تلك الحالة وأبوها
ابن ثلاث عشرة سنة أو دونها (قوله فأرسلت إلى شيخين من الأنصار) زاد ابن أبي عمر خبرهما أنه
ليس لأحد من أمري شئ (قوله ابني جارية) كذا نسبهما في هذه الرواية إلى جدهما تقدم في
النكاح عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية وهو بجيم وراء ووقع هنا لبعضهم بمهملتين
300

ومثلثة وهو تصحيف (قوله قالا فلا تخشين) كذا لهم على أنه خطاب للمرأة ومن معها وظن
ابن التين أنه خطاب للمرأة وحدها فقال الصواب فلا تخشين بكسر الياء وتشديد النون قال
ولو كان بلا تأكيد لحذفت النون (قلت) ووقع في رواية بن أبي عمر فأرسلا إليها أن لا تخافي
فدل على أنهما خاطبا من كانت أرسلته إليهما أو من أرسلا وعلى الحالين فكان من أرسلا في ذلك
جماعة نسوة (قوله فان خنساء بنت خدام) بكسر المعجمة ودال مهملة خفيفة تقدم في كتاب
النكاح بيان نسبها وحالها (قوله قال سفيان فأما عبد الرحمن) يعني ابن القاسم بن محمد بن
أبي بكر (قوله فسمعته يقول عن أبيه أن خنساء) يعني أنه أرسله فلم يذكر فيه عبد الرحمن بن
يزيد ولا أخاه (قلت) وأخرجه ابن أبي عمر في مسند ومن طريقه الإسماعيلي فقال عن
سفيان عن يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن القاسم أن خنساء فذكره وقصر في سنده وقد تقدم
في النكاح من رواية مالك عن يحيى موصولا وبيان من أرسله والاختلاف فيه وشرح الحديث
مستوفى ورواية من قال فيه أنها كانت بكرا وبيان الصواب من ذلك الحديث الثالث
تقدم التنبيه عليه (قوله وقال بعض الناس ان احتال انسان بشاهدي زور على تزويج
امرأة ثيب بأمرها الخ) قال المهلب اتفق العلماء على وجوب استئذان الثيب والأصل
فيه قوله تعالى فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا فدل على أن النكاح يتوقف
على الرضا من الزوجين وأمر النبي صلى الله عليه وسلم باستئذان الثيب ورد نكاح من
زوجت وهي كارهة فقول الحنفية خارج عن هذا كله انتهى ملخصا الحديث الرابع
(قوله البكر تستأذن) تقدم في الاكراه من طريق سفيان عن ابن جريج بهذا الاسناد
قلت يا رسول الله البكر تستأمر قال نعم (قوله وقال بعض الناس ان هوى) بكسر الواو أي
أحب (انسان) في رواية الكشميهني رجل (قوله جارية يتيمة أو بكرا) في رواية الكشميهني
ثيبا ووقع عند ابن بطال كذلك ويؤيد الأول قوله في بقية الكلام فأدركت اليتيمة
فظاهره أنها كانت غير بالغ ويحتمل أن قوله جاء بشاهدين أي يشهدان على أنها مدركة ورضيت
(قوله فقبل القاضي بشهادة الزور) كذا لهم بموحدة وللكشميهني شهادة بحذف الموحدة من
أوله (قوله حل له الوطء) أي مع علمه بكذب الشهادة المذكورة وقال ابن بطال لا يحل هذا
النكاح عند أحد من العلماء وحكم القاضي بما ظهر له من عدالة الشاهدين في الظاهر لا يحل
للزوج ما حرم الله عليه وقد اتفقوا على أنه لا يحل له أكل مال غيره بمثل هذه الشهادة ولا فرق بين
أكل مال الحرام ووطئ الفرج الحرام وقال المهلب قاس أبو حنيفة هذه المسألة والتي قبلها على
مسألة اتفاقية وهي ما لو حكم القاضي بشهادة من ظن عدالتهما أن الزوج طلق امرأته وكانا
شهدا في ذلك بالزور أنه يحل تزويجها لمن لا يعلم باطن تلك الشهادة قال وكذلك لو علم وتعقب بأن
الذي يقدم على الشئ جاهلا ببطلانه لا يقاس بمن يقدم عليه مع علمه ببطلانه ولا خلاف بين الأئمة
أن رجلا لو أقام شاهدي زور على ابنته أنها أمته وحكم الحاكم بذلك ظانا عدالتهما أنه لا يحل
له وطؤها وكذا لو شهد في ابنة غيره من حرة أنها أمة المشهود له وهو يعلم بطلان شهادتهما أنه
لا يحل له وطؤها انتهى ملخصا وليس الذي نسبه إلى أبي حنيفة من هذا القياس مستقيما وانما
حجتهم أن الاستئذان ليس بشرط في صحة النكاح ولو كان واجبا وإذا كان كذلك فالقاضي أنشأ
301

لهذا الزوج عقدا مستأنفا فيصح وهذا قول أبي حنيفة وحده واحتج بأثر عن علي في نحو هذا
قال فيه شاهداك زوجاك وخالفه صاحباه وقال ابن العربي اعتمد الحنفية أمرين أحدهما قوله
صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين أحدكما كاذب ففرق بينهما على قول تحقق أنه باطل فكذلك البناء
على شهادة الزور والثاني أن الفرج يقبل إنشاء الحل فيه كتزويج الرجل ابنته بمال لظان
من لا ولي لها والمال انما ينشئ الحل فيها بالقبول من المالك قال وحاصل الجواب عن ذلك أن
المجتهد انما يحصل الحكم الذي لا اثر فيه على النظير لا على الضد فلا يصح حمل شهادة الزور على
اللعان والفرج وانما ينشأ الحل فيه بوجه يستوي ظاهره وباطنه وأما بأمر يظهر باطنه فلا انتهى
ملخصا وقال ابن التين قال أبو حنيفة إذا شهدا بزور على الطلاق فحكم القاضي بها تصير المرأة
مطلقة بحكم الحاكم ويجوز لها أن تتزوج حتى بأحد الشاهدين وقال فيما لو أقام شاهدي زور
على محرم أنها زوجته ان الحكم لا ينفذ في الباطن ولا يحل له وطؤها وهو يعلم وكذا لو شهدا له
بمال قال وفرق بين الموضعين فان كل شئ جاز ان يكون للحاكم فيه ولاية ابتداه أنه ينفذ حكمه فيه
ظاهرا وباطنا وما لا فأنه ينفذ في الظاهر دون الباطن فلما أن كان للحاكم فيه ولاية في عقد
النكاح وولاية في أنه يطلق على غيره نفذ حكمه ظاهرا وباطنا ولما لم يكن له ولاية في تزويج
ذوات المحارم ولا في نقل الأموال نفذ ظاهرا لا باطنا قال والحجة للجمهور قوله صلى الله عليه وسلم
فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه وهذا عام في الأموال والأبضاع فلو كان حكم الحاكم
يحيل الأمور عما هي عليه لكان حكم النبي صلى الله عليه وسلم أولى (قلت) وبهذا احتج
الشافعي كما سيأتي بيانه عند شرحه في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى وقد احتج لأبي حنيفة أيضا
بأن الفرقة في اللعان تقع بقضاء القاضي ولو كان الملاعن في الباطن كاذبا وبأن البيعين إذا
اختلفا تحالفا وترادا السلعة ولا تحرم انتفاع بائع السلعة بها بعد ذلك ولو كان في نفس الامر كاذبا
وأجيب بأن الأثر المتقدم عن علي لا يثبت وبأنه موقوف وإذا اختلف الصحابة لم يكن قول
بعضهم حجة بغير مرجح وبأن الفرقة في اللعان ثبتت بالنص والذي حكم بالملاعنة لا يعلم أن
الملاعن حلف كاذبا وأما مسألة البيعين فإنما كان الحكم فيها كذلك للتعارض (تنبيه) ذكر
البخاري في هذا الباب ثلاثة فروع مبنية على اشتراط الاستئذان وينظمها صحة النكاح بشهادة
الزور وحجة الحنفية فيها ما تقدم وعبر في الأولى بقوله فلا بأس أن يطأها وهو تزويج صحيح وفي
الثانية بقوله فإنه يسعه هذا النكاح ولا بأس بالمقام معها وفي الثالثة بقوله حل له الوطئ وهو
تفنن في العبارة والمفاد واحد ثم يحتمل أن يكون ذلك وقع في كلام من نقل عنه ويحتمل أن يكون
من تصرفه والله أعلم وقال الكرماني صور الأول في البكر والثاني في الثيب والثالث في الصغيرة
إذا لا يتم بعد احتلام وفي الأولين ثبت الرضا في الشهادة إذا كان ذلك قبل العقد وفي الثالث ثبت
بالاعتراف أو أنه بعد العقد وقع ذلك فحاصل الفروع الثلاثة واحد وهو أن حكم الحاكم ينفذ
ظاهرا وباطنا ويحلل ويحرم وفائدة إيرادها المبالغة في التشنيع لما فيه من حمل الزوج في
الثلاثة على الاقدام على الاثم العظيم مع العلم بالتحريم والله أعلم (قوله باب
ما يكره من احتيال المرأة مع الزوج والضرائر وما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك) قال
ابن التين معنى الترجمة ظاهر إلا أنه لم يبين ما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وهو قوله
302

تعالى لم تحرم ما أحل الله لك (قلت) وقد ذكرت في التفسير الخلاف في المراد بذلك وأن الذي
في الصحيح هو العسل وهو الذي وقع في قصة زينب بنت جحش وقيل في تحريم مارية وأن الصحيح أنه
نزل في كلا الامرين ثم وجدت في الطبراني وتفسير ابن مردويه من طريق أبي عامر الخزاز عن
ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب عسلا عند سودة فذكر
نحو حديث الباب وفي آخره فأنزلت يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ورواته موثقون إلا أن أبا
عامر وهم في قوله سودة وذكر فيه حديث عائشة كان يحب الحلواء والعسل وكان إذا صلى العصر
دخل على نسائه فيدنو منهن الحديث بطوله وقد تقدم في كتاب الطلاق مشروحا وذكر معه
حديث عائشة من طريق عبيد بن عمير عنها وفيه أن التي سقته العسل زينب بنت جحش
واستشكلت قصة حفصة بأن في الآية ما يدل على أن نزول ذلك كان في حق عائشة وحفصة فقط
لتكرار التثنية في قوله أن تتوبا وإن تظاهرا وهنا جاء فيه ذكر ثلاثة وجمع الكرماني بينهما بأن
قصة حفصة سابقة وليس فيها سبب نزول ولا تثنيه بخلاف قصة زينب ففيها تواطأت أنا وحفصة
وفيها التصريح بأن الآية نزلت في ذلك وحكى ابن التين عن الداودي أن قوله في هذا الحديث
أن التي سقته العسل حفصة غلط لان صفية هي التي تظاهرت مع عائشة في هذه القصة وانما
شربه عند صفية وقيل عند زينب كذا قال وجزمه بأن الرواية التي فيها حفصة غلط مردود فإنها
ليست غلطا بل هي قصة أخرى والحديث الصحيح لا يرد بمثل هذا ويكفي في الرد عليه أنه جعل
قصة زينب لصفية وأشار إلى أن نسبة ذلك لزينب ضعيف والواقع أنه صحيح وكلاهما متفق على
صحته وللداودي عجائب في شرحه ذكرت منها شيئا كثيرا ومنها في هذا الحديث أنه قال في قوله
جرست نخلة العرفط جرست معناه تغيير طعم العسل لشئ يأكله النحل والعرفط موضع وتفسير
الجرس بالتغير والعرفط بالموضع مخالف للجميع وقد تقدم بيانه مع شرح الحديث وقوله في هذه
الرواية أجاز ثبت هكذا لهم وهو صحيح يقال أجزت الوادي إذا قطعته والمراد انه يقطع المسافة
التي بين كل واحدة والتي تليها ووقع في رواية مسلم والإسماعيلي هنا جاز وحكى ابن التين جاز على
نسائه أي مر أو سلك ووقع في رواية علي من مسهر الماضية في الطلاق إذا صلى العصر دخل
وقوله فيها أبادئه بهمزة وموحدة وفيه اختلاف ذكرته فيما مضى وقوله فرقا بفتح الراء أي خوفا
وقال ابن المنير انما ساغ لهن أن يقلن أكلت مغافير لأنهن أوردنه على طريق الاستفهام بدليل
جوابه بقوله لا وأردن بذلك التعريض لا صريح الكذب فهذا وجه الاحتيال الذي قالت عائشة
لتحتالن له ولو كان كذبا محضا لم يسم حيلة إذ لا شبهة لصاحبه (قوله باب
ما يكره من الاحتيال في الفرار من الطاعون) ذكر فيه حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة أن
عمر خرج إلى الشام فذكر حديث عبد الرحمن بن عوف في النهي عن الخروج من البلد الذي
يقع به الطاعون وعن القدوم على البلد التي وقع بها وحديث سالم بن عبد الله يعني ابن عمر أن عمر
إنما انصرف من حديث عبد الرحمن بن عوف وحديث عامر بن سعد بن أبي وقاص أنه سمع
أسامة بن زيد يحدث سعدا بمعنى حديث عبد الرحمن بن عوف وفيه زيادة في أوله وقد تقدم كل
ذلك مشروحا في كتاب الطب ووقع في حديث أسامة هنا الوجع بدل الطاعون وقوله فيذهب المرة
ويأتي الأخرى قال المهلب يتصور التحيل في الفرار من الطاعون بأن يخرج في تجارة أو لزيارة
303

مثلا وهو ينوي بذلك الفرار من الطاعون واستدل ابن الباقلاني بقصة عمر على أن الصحابة
كانوا يقدمون خبر الواحد على القياس لانهم اتفقوا على الرجوع اعتمادا على خبر عبد الرحمن
ابن عوف وحده بعد أن ركبوا المشقة في المسير من المدينة إلى الشام ثم رجعوا ولم يدخلوا
الشام (قوله باب في الهبة والشفعة) أي كيف تدخل الحيلة فيهما معا ومنفردين
(قوله وقال بعض الناس أن وهب هبة ألف درهم أو أكثر حتى مكث عنده سنين واحتال
في ذلك) أي بان تواطأ مع الموهوب له على ذلك وإلا فالهبة لا تتم إلا بالقبض وإذا قبض كان
بالخيار في التصرف فيها ولا يتهيأ للواهب الرجوع فيها بعد التصرف فلا بد من المواطأة
بأن لا يتصرف فيها ليتم الحيلة (قوله ثم رجع الواهب فيها فلا زكاة على واحد منهما
فخالف الرسول صلى الله عليه وسلم في الهبة وأسقط الزكاة) قال ابن بطال إذا قبض الموهوب له
هبة فهو مالك لها فإذا حال عليها الحول عنده وجبت عليه الزكاة فيها عند الجميع وأما الرجوع
فلا يكون عند الجمهور إلا فيما يوهب للولد فان رجع فيها الأب بعد الحول وجبت فيها الزكاة
على الابن (قلت) فان رجع فيها قبل الحول صح الرجوع ويستأنف الحول فإن كان فعل
ذلك ليريد إسقاط الزكاة سقطت وهو آثم مع ذلك وعلى طريقة من يبطل الحيل مطلقا لا يصح
رجوعه لثبوت النهي عن الرجوع في الهبة ولا سيما إذا قارن ذلك التحيل في إسقاط الزكاة
وقوله فخالف الرسول صلى الله عليه وسلم يعني خالف ظاهر حديث الرسول وهو النهي عن
العود في الهبة وقال ابن التين مراده أن مذهب أبي حنيفة أن من سوى الوالدين يرجع في
هبته ولا يرجع الوالد فيما وهب لولده وهو خلاف قوله صلى الله عليه وسلم لا يحل لرجل أن
يعطي عطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده ومثل الذي يرجع في عطيته كالكلب يعود
في قيئه (قلت) فعلى هذا انما أخرج البخاري حديث ابن عباس للإشارة إلى ما ورد في بعض
طرق الحديث وهو مخرج عند أبي داود عن ابن عباس من وجه آخر كما تقدم بيانه في كتاب الهبة
وذهب الجمهور ومنهم الشافعي إلى أن الزكاة تجب على المنهب مدة مكث المال عنده ثم ذكر في
الباب ثلاثة أحاديث الحديث الأول (قوله سفيان) هو الثوري وقد تقدم شرح حديث ابن
عباس في كتاب الهبة الحديث الثاني حديث جابر في الشفعة وقد تقدم شرحه في كتاب الشفعة
وظاهره أنه لا شفعة للجار لأنه نفي الشفعة في كل مقسوم كما تقدم تقريره (قوله وقال بعض
الناس الشفعة للجوار) بكسر الجيم من المجاورة أي تشرع الشفعة للجار كما تشرع للشريك
(قوله ثم عمد إلى ما شدده) بالشين المعجمة ولبعضهم بالمهملة (قوله فأبطله) أي حيث قال
لا شفعة للجار في هذه الصورة وقال إن اشترى دارا أي أراد شراءها كاملة فخاف أن يأخذ الجار
بالشفعة فاشترى سهما من مائة سهم ثم اشترى الباقي كان للجار الشفعة في السهم الأول ولا شفعة
له في باقي الدار قال بن بطال أصل هذه المسألة أن رجلا أراد شراء دار فخاف أن يأخذها جاره
بالشفعة فسأل أبا حنيفة كيف الحيلة في إسقاط الشفعة فقال له اشتر منها سهما واحدا شائعا
من مائة سهم فتصير شريكا لمالكها ثم اشتر منه الباقي فتصير أنت أحق بالشفعة من الجار لان
الشريك في المشاع أحق من الجار وانما أمره بأن يشتري سهما من مائة سهم لعدم رغبة الجار في
شراء السهم الواحد لحقارته وقلة انتفاعه به قال وهذا ليس فيه شئ من خلاف السنة وانما أراد
304

البخاري الزامهم التناقض لانهم احتجوا في شفعة الجار بحديث الجار أحق بسقبه ثم تحيلوا في
اسقاطها بما يقتضي أن يكون غير الجار أحق بالشفعة من الجار انتهى والمعروف عند الحنفية
أن الحيلة المذكورة لأبي يوسف وأما محمد بن الحسن فقال يكره ذلك أشد الكراهية لان الشفعة
شرعت لدفع الضرر عن الشفيع فالذي يحتال لاسقاطها بمنزلة القاصد إلى الاضرار بالغير
وذلك مكروه ولا سيما إن كان بين المشتري وبين الشفيع عداوة ويتضرر من مشاركته ثم إن محل
هذا انما هو فيمن احتال قبل وجوب الشفعة أما بعده كمن قال للشفيع خذ هذا المال ولا
تطالبني بالشفعة فرضي وأخذ فان شفعته تبطل اتفاقا انتهى الحديث الثالث (قوله سفيان)
هو ابن عيينة (قوله عن إبراهيم بن ميسرة) في رواية الحميدي عن سفيان حدثنا إبراهيم (قوله
جاء المسور بن مخرمة فوضع يده على منكبي) في رواية الحميدي أخذ المسور بن مخرمة بيدي
فقال انطلق بنا إلى سعد بن أبي وقاص فخرجت معه وأن يده لعلي منكبي فانطلقت معه إلى سعد
ابن أبي وقاص وهو خال المسور وتقدم في كتاب الشفعة من طريق ابن جريج عن إبراهيم بن ميسرة
بسياق مخالف لهذا فإنه قال عن عمرو بن الشريد قال وقعت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور
ابن مخرمة فوضع يده على إحدى منكبي ويجمع بأن المسور انما وضع يده على منكب عمرو بعد
أن وصل معه إلى منزل سعد كما هو ظاهر في رواية الحميدي ويحتمل أن يكون وضعها أولا ثم اتفق
دخول عمرو قبله ثم دخل المسور فأعاد وضع يده على منكبه (قوله فقال أبو رافع) زاد في رواية
ابن جريج مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله ألا تأمر هذا) يعني سعد بن أبي وقاص
والمراد أن يسأله أو يشير عليه (قوله بيتي الذي) كذا لهم بالافراد وللكشميهني بيتي اللذين
بالتثنية ورواية ابن جريج جازمة بالثاني فان عنده فقال سعد والله ما ابتاعهما (قوله إما مقطعة
أو منجمة) شك من الراوي والمراد انها منجمة على نقدات مفرقة والنجم الوقت المعين (قوله
قال أعطيت) بضم أوله على البناء للمجهول والقائل هو أبو رافع قوله ما بعتكه أي الشئ
وفي رواية المستملي ما بعت بحذف المفعول وقوله أو قال ما أعطيتكه هو شك من سفيان وجزم
بهذا الثاني في رواية سفيان الثوري المذكورة في آخر الباب ووقع في رواية غير الكشميهني فيها
أعطيتك بحذف الضمير (قوله قلت لسفيان) القائل هو علي بن المديني (قوله أن معمرا لم
يقل هكذا) يشير إلى ما رواه عبد الله بن المبارك عن معمر عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن
الشريد عن أبيه بالحديث دون القصة أخرجه النسائي والمراد على هذا بالمخالفة إبدال الصحابي
بصحابي آخر وهذا هو المعتمد وقال الكرماني يريد أن معمرا لم يقل هكذا أي بأن الجار أحق بل
قال الشفعة بزيادة لفظ الشفعة انتهى ولفظ معمر الذي أشرت إليه الجار أحق بسقبه كرواية
أبي رافع سواء والذي قاله الكرماني لا أصل له وما أدري ما مستنده فيه (قوله قال لكنه)
يعني إبراهيم بن ميسرة (قاله لي هكذا) وفي رواية الكشميهني قال بحذف الهاء وقد تقدم في كتاب
الشفعة ما حكاه الترمذي عن البخاري أن الطريقين صحيحان وانما صححهما لان الثوري وغيره
تابعوا سفيان بن عيينة على هذا الاسناد ولان عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي وعمرو بن شعيب
روياه عن عمرو بن الشريد عن أبيه وتقدم ان ابن جريج رواه عن إبراهيم بن ميسرة كما في هذا
الباب ورواه ابن جريج أيضا عن عمرو بن شعيب عن عمرو بن الشريد عن أبيه أخرجه النسائي
305

ولعل ابن جريج انما أخذه عن عمرو بن شعيب بواسطة إبراهيم بن ميسرة فإنه ذكره عن عمرو بن
شعيب بالعنعنة ولم يقف الكرماني على شئ من هذا فقال ما تقدم قال المهلب مناسبة ذكر
حديث أبي رافع أن كل ما جعله النبي صلى الله عليه وسلم حقا لشخص لا يحل لاحد إبطاله بحيلة
ولا غيرها (قوله وقال بعض الناس إذا أراد أن يبيع الشفعة) كذا للأصيلي ولأبي ذر عن
غير الكشميهني وللآخرين يمنع ورجح عياض الأول وقال هو تغيير من الناسخ وقال الكرماني
يجوز أن يكون المراد لازم المنع وهو الإزالة عن الملك (قوله فيهب البائع للمشتري الدار ويحدها)
بمهملتين وتشديد أي يصف حدودها التي تميزها وقال الكرماني في بعض النسخ ونحوها وهو أظهر
(قوله ويدفعها إليه ويعوضه المشتري ألف درهم (يعني مثلا) فلا يكون للشفيع فيها شفعة) أي
ويشترط أن لا يكون العوض المذكور مشروطا فلو كان أخذها الشفيع بقيمته وانما سقطت
الشفعة في هذه الصورة لان الهبة ليست معاوضة محضة فأشبهت الإرث قال ابن التين أراد
البخاري أن يبين أن ما جعله النبي صلى الله عليه وسلم حقا للجار لا يحل له إبطاله ثم ذكر البخاري
حديث أبي رافع مختصرا من طريق سفيان وهو الثوري عن إبراهيم بن ميسرة وساقه في آخر
كتاب الحيل أتم منه وفيه تصريح سفيان بتحديث إبراهيم له به (قوله وقال بعض الناس ان
اشترى نصيب دار فأراد أن يبطل الشفعة وهب) أي ما اشتراه لابنه الصغير (ولا يكون عليه يمين)
أي لان الهبة لو كانت للكبير وجب عليه اليمين فتحيل في إسقاطها يجعلها للصغير قال ابن بطال
انما قال ذلك لان من وهب لابنه شيئا فعل ما يباح له فعله والهبة للابن الصغير يقبلها الأب لولده من
نفسه وأشار باليمين إلى ما لو وهب لأجنبي فان للشفيع أن يحلف الأجنبي أن الهبة حقيقية وانها
جرت بشروطها والصغير لا يحلف لكن عند المالكية أن أباه الذي يقبل له يحلف بخلاف ما إذا
وهب للغريب وعن مالك لا تدخل الشفعة في الموهوب مطلقا وهو الذي في المدونة (قوله
باب احتيال العامل ليهدى له) ذكر فيه حديث أبي حميد الساعدي في قصة ابن اللتبية
وقد تقدم بعض شرحه في الهبة وتقدمت تسميته وضبط اللتبية في كتاب الزكاة ويأتي استيفاء
شرحه في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى ومطابقته للترجمة من جهة أن تملكه ما أهدى له انما
كان لعلة كونه عاملا فاعتقد أن الذي أهدى له يستبد به دون أصحاب الحقوق التي عمل فيها
فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن الحقوق التي عمل لأجلها هي السبب في الاهداء له وأنه لو أقام في
منزله لم يهد له شئ فلا ينبغي له أن يستحلها بمجرد كونها وصلت إليه على طريق الهدية فإن
ذاك انما يكون حيث يتمحض الحق له وقوله في آخره بصر عيني وسمع أذني بفتح الموحدة وضم
الصاد المهملة وفتح السين المهملة وكسر الميم قال المهلب حيلة العامل ليهدى له تقع بان يسامح
بعض من عليه الحق فلذلك قال هلا جلس في بيت أمه لينظر هل يهدى له فأشار إلى أنه لولا
الطمع في وضعه من الحق ما أهدى له قال فأوجب النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الهدية وضمها
إلى أموال المسلمين كذا قال ولم أقف على أخذ ذلك منه صريحا قال ابن بطال دل الحديث على
أن الهدية للعامل تكون لشكر معروفه أو للتحبب إليه أو للطمع في وضعه من الحق فأشار النبي
صلى الله عليه وسلم إلى أنه فيما يهدى له من ذلك كأحد المسلمين لا فضل له عليهم فيه وأنه لا يجوز
الاستئثار به انتهى والذي يظهر أن الصورة الثالثة إن وقعت لم تحل للعامل جزما وما قبلها في
306

طرف الاحتمال وسيأتي مزيد لهذا في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى (قوله حدثنا أبو نعيم حدثنا
سفيان الخ) كذا وقع للأكثر هذا الحديث وما بعده متصلا بباب احتيال العامل وأظنه وقع هنا
تقديم وتأخير فان الحديث وما بعده يتعلق بباب الهبة والشفعة جعل الترجمة مشتركة جمع
مسائلها ومن ثم قال الكرماني أنه من تصرف النقلة وقد وقع عند ابن بطال هنا باب بلا ترجمة
ثم ذكر الحديث وما بعده ثم ذكر باب احتيال العامل وعلى هذا فلا إشكال لأنه حينئذ كالفصل
من الباب ويحتمل أن يكون في الأصل بعد قصة ابن اللتبية باب بلا ترجمة فسقطت الترجمة فقط
أو بيض لها في الأصل (قوله وقال بعض الناس أن اشترى دارا) أي أراد شراء دار بعشرين
ألف درهم فلا بأس أن يحتال أي على إسقاط الشفعة حتى يشتري الدار بعشرين ألف درهم
وينقده أي ينقد البائع تسعة آلاف درهم وتسعمائة وتسعة وتسعين وينقده دينارا بما بقي
من العشرين الف أي مصارفة عنها فان طالبه الشفيع أخذها بعشرين ألف درهم أي إن
رضي بالثمن الذي وقع عليه العقد وإلا فلا سبيل له على الدار أي لسقوط الشفعة لكونه امتنع من
بدل الثمن الذي وقع به العقد (قوله فان استحقت الدار) بلفظ المجهول أي ظهرت مستحقة لغير
البائع رجع المشتري على البائع بما دفع إليه وهو تسعة آلاف الخ أي لكونه القدر الذي تسلمه
منه ولا يرجع عليه بما وقع عليه العقد لأن المبيع حين استحق أي للغير انتقص الصرف أي الذي
وقع بين البائع والمشتري في الدار المذكورة بالدينار ووقع في رواية الكشميهني في الدينار وهو
أوجه (قوله فان وجد بهذه الدار عيبا ولم تستحق) أي لم تخرج مستحقة فإنه يردها عليه بعشرين
ألفا أي وهذا تناقض بين ومن ثم عقبه بقوله فأجاز هذا الخداع بين المسلمين والفرق عندهم أن
البيع في الأول كان مبنيا على شراء الدار وهو منفسخ ويلزم عدم التقابض في المجلس فليس له
ان يأخذ إلا ما أعطاه وهو الدراهم والدينار بخلاف الرد بالعيب فان البيع صحيح وانما ينفسخ
باختيار المشتري وأما بيع الصرف فكان وقع صحيحا فلا يلزم من فسخ هذا بطلان هذا وقال
ابن بطال انما خص القدر من الذهب والفضة بالمثال لان بيع الفضة بالذهب متفاضلا إذا كان
يدا بيد جائز بالاجماع فبنى القائل أصله على ذلك فأجاز صرف عشرة دراهم ودينار بأحد عشر
درهما جعل العشرة دراهم بعشرة دراهم وجعل الدينار بدرهم ومن جعل في الصورة المذكورة
الدينار بعشرة آلاف ليستعظم الشفيع الثمن الذي انعقدت عليه الصيغة فيترك الاخذ بالشفعة
فتسقط شفعته ولا التفات إلى ما أنقده لان المشتري تجاوز للبائع عند النقد وخالف مالك في ذلك
فقال المراعى في ذلك النقد الذي حصل في يد البائع فيه يأخذ الشفيع بدليل الاجماع على أنه في
الاستحقاق والرد بالعيب لا يرجع إلا بما نقده والى ذلك أشار البخاري إلى تناقض الذي احتال
في إسقاط الشفعة حيث قال فان استحقت الدار أي ان ظهر انها مستحقة لغير البائع الخ فدل على
أنه موافق للجماعة في أن المشتري عند الاستحقاق لا يرد إلا ما قبضه وكذلك الحكم في الرد بالعيب
انتهى ملخصا موضحا وقال الكرماني النكتة في جعله الدينار في مقابلة عشرة آلاف ودرهم ولم
يجعله في مقابلة العشرة آلاف فقط لان الثمن في الحقيقة عشرة آلاف بقرينة نقده هذا المقدار
فلو جعل العشرة والدينار في مقابلة الثمن الحقيقي ألزم الربا بخلاف ما إذا نقص درهما فان الدينار
في مقابله ذلك الواحد والألف إلا واحدا في مقابلة الألف إلا واحدا بغير تفاضل وقال المهلب
307

مناسبة هذا الحديث لهذه المسألة أن الخبر لما دل على أن الجار أحق بالمبيع من غيره مراعاة
لحقه لزم أن يكون أحق أن يرفق به في الثمن ولا يقام عليه عروض بأكثر من قيمتها وقد فهم الصحابي
راوي الخبر هذا القدر فقدم الجار في العقد بالثمن الذي دفعه إليه على من دفع إليه أكثر منه
بقدر ربعه مراعاة لحق الجار الذي أمر الشارع بمراعاته (قوله فأجاز هذا الخداع) أي الحيلة
في إيقاع الشريك في الغبن الشديد إن أخذ بالشفعة أو إبطال حقه ان ترك خشية من الغبن
في الثمن بالزيادة الفاحشة وانما أورد البخاري مسألة الاستحقاق التي مضت ليستدل بها على
أنه كان قاصدا للحيلة في إبطال الشفعة وعقب بذكر مسألة الرد بالعيب ليبين أنه تحكم وكان
مقتضاه أنه لا يرد لا ما قبضه لا زائدا عليه (قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم بيع المسلم لا داء
ولا خبثة) قال ابن التين ضبطناه بكسر الخاء المعجمة وسكون الموحدة بعدها مثلثة وقيل هو
بضم أوله لغتان قال أبو عبيد هو أن يكون البيع غير طيب كأن يكون من قوم لم يحل سبيهم
لعهد تقدم لهم قال ابن التين وهذا في عهدة الرقيق (قلت) انما خصه بذلك لان الخبر انما ورد فيه
قال والغائلة أن يأتي أمرا سرا كالتدليس ونحوه (قلت) والحديث المذكور طرف تقدم بكماله
في أوائل كتاب البيوع من حديث العداء بفتح العين وتشديد الدال المهملتين مهموزا ابن خالد أنه
اشترى من النبي صلى الله عليه وسلم عبدا أو أمة وكتب له العهدة هذا ما اشترى العداء من محمد
رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا أو أمة لا داء ولا غائلة ولا خبثة بيع المسلم للمسلم وسنده
حسن وله طرق إلى العداء وذكر هناك تفسير الغائلة بالسرقة والاباق ونحوهما من قول قتادة
قال ابن بطال فيستفاد من هذا الخبر انه لا يجوز الاحتيال في شئ من بيوع المسلمين بالصرف
المذكور ولا غيره (قلت) ووجهه أن الحديث وإن كان لفظه لفظ الخبر لكن معناه النهي ويأخذ
من عمومه أن الاحتيال في كل بيع من بيوع المسلمين لا يحل فيدخل فيه صرف دينار بأكثر من
قيمته ونحو ذلك (قوله في آخر الباب حدثنا مسدد حدثنا يحيى) هو القطان وسفيان هو الثوري
وقوله إن أبا رافع ساوم سعد بن مالك هو ابن أبي وقاص وعند أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي
عن سفيان الثوري بالشك أن سعدا ساوم أبا رافع أو أبو رافع ساوم سعدا ولا أثر لهذا الشك
وقوله بيتا بأربعمائة مثقال فيه بيان الثمن المذكور (قوله قال وقال لولا أني سمعت الخ) القائل
الأول عمرو بن الشريد والثاني أبو رافع وقد بينه عبد الرحمن بن مهدي في روايته ولفظه فقال
أبو رافع لولا أني سمعت الخ وقد تقدمت مباحثه ولله الحمد (خاتمة) اشتمل كتاب الحيل من
الأحاديث المرفوعة على أحد وثلاثين حديثا المعلق منها واحد وسائرها موصول وكلها مكررة
فيه وفيما تقدم وفيه أثر واحد عن أيوب والله سبحانه وتعالى أعلم
(قوله بسم الله الرحمن الرحيم)
(كتاب التعبير)
(قوله باب) بالتنوين (أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا
الصالحة) كذا للنسفي والقابسي ولأبي ذر مثله إلا أنه سقط له عن غير المستملي لفظ باب ولغيرهم
باب التعبير أول ما بدئ به إلى آخره وللإسماعيلي كتاب التعبير ولم يزد وثبتت البسملة أولا
308

للجميع والتعبير خاص بتفسير الرؤيا وهو العبور من ظاهرها إلى باطنها وقيل النظر في الشئ
فيعتبر بعضه ببعض حتى يحصل على فهمه حكاه الأزهري وبالأول جزم الراغب وقال أصله من
العبر بفتح ثم سكون وهو التجاوز من حال إلى حال وخصوا تجاوز الماء بسباحة أو في سفينة
أو غيرها بلفظ العبور بضمتين وعبر القوم إذا ماتوا كأنهم جازوا القنطرة من الدنيا إلى الآخرة
قال الاعتبار والعبرة الحالة التي يتوصل بها من معرفة المشاهد إلى ليس بمشاهد ويقال عبرت
الرؤيا بالتخفيف إذا فسرتها وعبرتها بالتشديد للمبالغة في ذلك وأما الرؤيا فهي ما يراه الشخص
في منامة وهي بوزن فعلى وقد تسهل الهمزة وقال الواحدي هي في الأصل مصدر كاليسرى
فلما جعلت اسما لما يتخيله النائم أجريت مجرى الأسماء قال الراغب والرؤية بالهاء إدراك المرء
بحاسة البصر وتطلق على ما يدرك بالتخيل نحو أرى أن زيدا مسافر وعلى التفكر النظري نحو
اني أرى ما لا ترون وعلى الرأي وهو اعتقاد أحد النقيضين على غلبة الظن انتهى وقال القرطبي
في المفهم قال بعض العلماء قد تجئ الرؤية بمعنى الرؤيا كقوله تعالى وما جعلنا الرؤيا التي أريناك
الا فتنة للناس فزعم أن المراد بها ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الاسراء من العجائب وكان
الاسراء جميعه في اليقظة قلت وعكسه بعضهم فزعم أنه حجة لمن قال أن الاسراء كان مناما
والأول المعتمد وقد تقدم في تفسير الاسراء قول ابن عباس إنها رؤيا عين ويحتمل أن تكون
الحكمة في تسمية ذلك رؤيا لكون أمور الغيب مخالفة لرؤيا الشهادة فأشبهت ما في المنام وقال
القاضي أبو بكر ابن العربي الرؤيا إدراكات علقها الله تعالى في قلب العبد على يدي ملك أو شيطان
إما بأسمائها أي حقيقتها وإما بكناها أي بعبارتها وإما تخليط ونظيرها في اليقظة الخواطر فإنها
قد تأتي على نسق في قصة وقد تأتي مسترسلة غير محصلة هذا حاصل قول الأستاذ أبي إسحاق قال
وذهب القاضي أبو بكر بن الطيب إلى أنها اعتقادات واحتج بان الرائي قد يرى نفسه بهيمة أو
طائرا مثلا وليس هذا إدراكا فوجب أن يكون اعتقادا لان الاعتقاد قد يكون على خلاف
المعتقد قال ابن العربي والأول أولى والذي يكون من قبيل ما ذكره ابن الطيب من قبيل المثل
فالادراك انما يتعلق به لا بأصل الذات انتهى ملخصا وقال المازري كثر كلام الناس في حقيقة
الرؤيا وقال فيها غير الاسلاميين أقاويل كثير منكرة لانهم حاولوا الوقوف على حقائق لا تدرك
بالعقل ولا يقوم عليها برهان وهم لا يصدقون بالسمع فاضطربت أقوالهم فمن ينتمي إلى الطب
ينسب جميع الرؤيا إلى الاخلاط فيقول من غلب عليه البلغم رأى أنه يسبح في الماء ونحو ذلك لمناسبة
الماء طبيعة البلغم ومن غلبت عليه الصفراء رأى النيران والصعود في الجو وهكذا إلى آخره وهذا
وان جوزه العقل وجاز أن يجري الله العادة به لكنه لم يقم عليه دليل ولا اطردت به عادة والقطع
في موضع التجويز غلط ومن ينتمي إلى الفلسفة يقول إن صور ما يجري في الأرض هي في العالم
العلوي كالنقوش فما حاذى بعض النقوش منها انتقش فيها قال وهذا أشد فسادا من الأول
لكونه تحكما لا برهان عليه والانتقاش من صفات الأجسام وأكثر ما يجري في العالم العلوي
الاعراض والاعراض لا ينتقش فيها قال والصحيح ما عليه أهل السنة أن الله يخلق في قلب
النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان فإذا خلقها فكأنه جعلها علما على أمور أخرى
يخلقها في ثاني الحال ومهما وقع منها على خلاف المعتقد فهو كما يقع لليقظان ونظيره أن
309

الله خلق الغيم علامة على المطر وقد يتخلف وتلك الاعتقادات تقع تارة بحضرة الملك فيقع بعدها
ما يسر أو بحضرة الشيطان فيقع بعدها ما يضر والعلم عند الله تعالى وقال القرطبي
سبب تخليط غير الشرعيين إغراضهم عما جاءت به الأنبياء من الطريق المستقيم وبيان
ذلك أن الرؤيا إنما هي من ادراكات النفس وقد غيب عنا علم حقيقتها أي النفس وإذا كان
كذلك فالأولى أن لا نعلم علم ادراكاتها بل كثير مما انكشف لنا من ادراكات السمع والبصر انما
نعلم منه أمور جميلة لا تفصيله ونقل القرطبي في المفهم عن بعض أهل العلم ان لله تعالى ملكا
يعرض المرئيات على المحل المدرك من النائم فيمثل له صورة محسوسة فتارة تكون أمثلة موافقة لما
يقع في الوجود وتارة تكون أمثلة لمعان معقولة وتكون في الحالين مبشرة ومنذرة قال ويحتاج
فيما نقله عن الملك إلى توقيف من الشرع وإلا فجائز أن يخلق الله تلك المثالات من غير ملك قال
وقيل إن الرؤيا إدراك أمثلة منضبطة في التخيل جعلها الله أعلاما على ما كان أو يكون وقال
القاضي عياض اختلف في النائم المستغرق فقيل لا تصح رؤياه ولا ضرب المثل له لان هذا لا يدرك
شيئا مع استغراق أجزاء قلبه لان النوم يخرج الحي عن صفات التمييز والظن والتخيل كما يخرجه
عن صفة العلم وقال آخرون بل يصح للنائم مع استغراق أجزاء قلبه بالنوم أن يكون ظانا ومتخيلا
وأما العلم فلا لان النوم آفة تمنع حصول الاعتقادات الصحيحة نعم إن كان بعض أجزاء قلبه لم يحل
فيه النوم فيصح وبه يضرب المثل وبه يرى ما يتخيله ولا تكليف عليه حينئذ لان رؤياه ليست
على حقيقة وجود العلم ولا صحة المين وإنما بقيت فيه بقية يدرك بها ضرب المثل وأيده القرطبي
بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام عينه ولا ينام قلبه ومن ثم احترز القائل بقوله المدرك من
النائم ولذا قال منضبطة في التخيل لان الرائي لا يرى في منامه الا من نوع ما يدركه في اليقظة
بحسه إلا أن التخيلات قد تركب له في النوم تركيبا يحصل به صورة لا عهد له بها يكون علما على
أمر نادر كمن رأى رأس انسان على جسد فرس له جناحان مثلا وأشار بقوله إعلاما إلى الرؤيا
الصحيحة المنتظمة الواقعة على شروطها وأما الحديث الذي أخرجه الحاكم والعقيلي من رواية
محمد بن عجلان عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال لقى عمر عليا فقال يا أبا الحسن الرجل يرى
الرؤيا فمنها ما يصدق ومنها ما يكذب قال نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من
عبد ولا أمة ينام فيمتلئ نوما إلا تخرج بروحه إلى العرش فالذي لا يستيقظ دون العرش فتلك
الرؤيا التي تصدق والذي يستيقظ دون العرش فتلك الرؤيا التي تكذب قال الذهبي في تلخيصه
هذا حديث منكر لم يصححه المؤلف ولعل الآفة من الراوي عن ابن عجلان (قلت) هو أزهر
ابن عبد الله الأسدي الخراساني ذكره العقيلي في ترجمته وقال أنه غير محفوظ ثم ذكره من طريق
أخرى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي ببعضه وذكر فيه اختلافا في وقفه
ورفعه وذكر ابن القيم حديثا مرفوعا غير معز وان رؤيا المؤمن كلام يكلم به العبد ربه في المنام
ووجد الحديث المذكور في نوادر الأصول للترمذي من حديث عبادة بن الصامت أخرجه في
الأصل الثامن والسبعين وهو من روايته عن شيخه عمر بن أبي عمر وهو رواه في سنده جنيد
ابن ميمون عن حمزة بن الزبير عن عبادة قال الحكيم قال بعض أهل التفسير في قوله تعالى وما
كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أي في المنام ورؤيا الأنبياء وحي بخلاف غيرهم
310

فالوحي لا يدخله خلل لأنه محروس بخلاف رؤيا غير الأنبياء فأنها قد يحضرها الشيطان وقال
الحكيم أيضا وكل الله بالرؤيا ملكا اطلع على أحوال بني آدم من اللوح المحفوظ فينسخ منها
ويضرب لكل على قصته مثلا فإذا نام مثل له تلك الأشياء على طريق الحكمة لتكون له بشرى
أو نذارة أو معاتبة الآدمي قد تسلط عليه الشيطان لشدة العداوة بينهما فهو يكيده بكل وجه
ويريد افساد أموره بكل طريق فيلبس عليه رؤياه إما بتغليطه فيها وإما بغفلته عنها ثم جميع
المرائي تنحصر على قسمين الصادقة وهي رؤيا الأنبياء ومن تبعهم من الصالحين وقد تقع لغيرهم
بندور وهي التي تقع في اليقظة على وفق ما وقعت في النوم والأضغاث وهي لا تنذر بشئ وهي
أنواع الأول تلاعب الشيطان ليحزن الرائي كأن يرى أنه قطع رأسه وهو يتبعه أو رأى أنه واقع
في هول ولا يجد من ينجده ونحو ذلك والثاني أن يرى أن بعض الملائكة تأمره أن يفعل المحرمات
مثلا ونحوه من المحال عقلا الثالث أن يرى ما تتحدث به نفسه في اليقظة أو يتمناه فيراه كما هو في
المنام وكذا رؤية ما جرت به عادته في اليقظة أو ما يغلب على مجازه ويقع عن المستقبل غالبا
وعن الحال كثيرا وعن الماضي قليلا ثم ساق المصنف حديث عائشة في بدء الوحي وقد ذكره في
أول الصحيح وقد شرحته هناك ثم استدركت ما فات من شرحه في تفسير اقرأ باسم ربك وسأذكر
هنا ما لم يتقدم ذكره في الموضعين غالبا مما يستفاد من شرحه ومداره على الزهري عن عروة عن
عائشة وقد ساقه في المواضع الثلاثة عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن الزهري ولكنه
ساقه على لفظه في أول الكتاب وقرنه في التفسير بيونس بن يزيد وساقه على لفظه ثم قرنه هنا
بمعمر وساقه على لفظه وقوله هنا أنبأنا معمر قال قال الزهري فأخبرني عروة ووقع عند مسلم عن
محمد بن رافع عن عبد الرزاق مثله لكن فيه وأخبرني بالواو لا بالفاء وهذه الفاء معقبة لشئ
محذوف وكذلك الواو عاطفة عليه وقد بينه البيهقي في الدلائل حيث أخرج الحديث من وجه
آخر عن الزهري عن محمد بن النعمان بن بشير مرسلا فذكر قصة بدء الوحي مختصرة
ونزول اقرا باسم ربك إلى قوله خلق الانسان من علق وقال محمد بن النعمان فرجع رسول الله
صلى الله عليه وسلم بذلك قال الزهري فسمعت عروة بن الزبير يقول قالت عائشة فذكر
الحديث مطولا (قوله الصالحة) في رواية عقيل الصادقة وهما بمعنى واحد بالنسبة إلى
أمور الآخرة في حق الأنبياء وأما بالنسبة إلى أمور الدنيا فالصالحة في الأصل أخص فرؤيا النبي
كلها صادقة وقد تكون صالحة وهي الأكثر وغير صالحة بالنسبة للدنيا كما وقع في الرؤيا يوم
أحد وأما رؤيا غير الأنبياء فبينهما عموم وخصوص ان فسرنا الصادقة بأنها التي لا تحتاج إلى
تعبير وأما إن فسرناها بأنها غير الأضغاث فالصالحة أخص مطلقا وقال الامام نصر بن يعقوب
الدينوري في التعبير القادري الرؤيا الصادقة ما يقع بعينه أو ما يعبر في المنام أو يخبر به
ما لا يكذب والصالحة ما يسر (قوله إلا جاءته مثل فلق الصبح) في رواية الكشميهني جاءت
كرواية عقيل قال ابن أبي جمرة انما شبهها بفلق الصبح دون غيره لان الشمس النبوة كانت
الرؤيا مبادى أنوارها فما زال ذلك النور يتسع حتى أشرقت الشمس فمن كان باطنه نوريا كان في
التصديق بكريا كأبي بكر ومن كان باطنه مظلما كان في التكذيب خفاشا كأبي جهل وبقية
الناس بين هاتين المنزلتين كل منهم بقدر ما أعطى من النور (قوله يأتي حراء) قال ابن أبي جمرة
311

الحكمة في تخصيصه بالتخلي فيه أن المقيم فيه كان يمكنه رؤية الكعبة فيجتمع لمن يخلو فيه
ثلاثة عبادات الخلوة والتعبد والنظر إلى البيت (قلت) وكأنه مما بقي عندهم من أمور الشرع
على سنن الاعتكاف وقد تقدم أن الزمن الذي كان يخلو فيه كان شهر رمضان وأن قريشا كانت
تفعله كما كانت تصوم عاشوراء ويزاد هنا أنهم انما لم ينازعوا النبي صلى الله عليه وسلم في غار
حراء مع مزيد الفضل فيه على غيره لان جده عبد المطلب أول من كان يخلو فيه من قريش وكانوا
يعظمونه لجلالته وكبر سنه فتبعه على ذلك من كان يتأله فكان صلى الله عليه وسلم يخلو بمكان جده
وسلم له ذلك أعمامه لكرامته عليهم وقد تقدم ضبط حراء وإن كان الأفصح فيه كسر أوله
وبالمد وحكى تثليث أوله مع المد والقصر وكسر الراء والصرف وعدمه فيجتمع فيه عدة لغات
مع قلة أحرفه ونظير قباء لكن الخطابي جزم بان فتح أوله لحن وكذا ضمه وكذا قصره وكسر الراء
وزاد التميمي ترك الصرف وقال الكرماني إن كان الذي كسر الراء أراد الإمالة فهو سائغ (قوله
الليالي ذوات العدد) قال الكرماني يحتمل الكثرة إذ الكثير يحتاج إلى العدد وهو المناسب
للمقام (قلت) أما كونه المناسب فمسلم وأما الأول فلا لان عادتهم جرت في الكثير أن يوزن
وفي القليل أن يعد وقد جزم الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة بأن المراد به الكثرة لان العدد على قسمين
فإذا أطلق أريد به مجموع القلة والكثرة فكأنها قالت ليالي كثيرة أي مجموع قسمي العدد وقال
الكرماني أختلف في تعبده صلى الله عليه وسلم بماذا كان يتعبد بناء على أنه هل كان متعبدا بشرع
سابق أولا والثاني قول الجمهور ومستندهم أنه لو وجد لنقل ولأنه لو وقع لكان فيه تنفير عنه
وبماذا كان يتعبد قيل بما يلقى إليه من أنوار المعرفة وقيل بما يحصل له من الرؤيا وقيل بالتفكر
وقيل باجتناب رؤية ما كان يقع من قومه ورجح الآمدي وجماعة الأول ثم اختلفوا في تعيينه
على ثمانية أقوال آدم أو نوح أو إبراهيم أو موسى أو عيسى أو أي شريعة أو كل شريعة أو الوقف
قوله فتزوده في رواية الكشميهني بحذف الضمير وقوله لمثلها تقدم في بدء الوحي أن الضمير لليالي
ويحتمل أن يكون للمرة أو الفعلة أو الخلوة أو العبادة ورجح شيخنا البلقيني ان الضمير للسنة فذكر
من رواية ابن إسحاق كان يخرج إلى حراء في كل عام شهرا من السنة يتنسك فيه ويطعم من جاءه من
المساكين قال وظاهره أن التزود لمثلها كان في السنة التي تليها لا لمدة أخرى من تلك السنة وقد
كنت قويت هذا في التفسير ثم ظهر لي بعد ذلك أن مدة الخلوة كانت شهرا كان يتزود لبعض ليالي
الشهر فإذا نفذ ذاك الزاد رجع إلى أهله فتزود قدر ذلك من جهة أنهم لم يكونوا في سعة بالغة من
العيش وكان غالب زادهم اللبن واللحم وذلك لا يذخر منه كفاية الشهور لئلا يسرع إليه الفساد
ولا سيما وقد وصف بأنه كان يطعم من يرد عليه (قوله حتى فجئه الحق) حتى هنا على بابها من انتهاء
الغاية أي انتهى توجهه لغار حراء بمجئ الملك فترك ذلك وقوله فجئة بفتح الفاء وكسر الجيم ثم همز
أي جاءه الوحي بغتة قاله النووي قال فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن متوقعا للوحي وفي إطلاق
هذا النفي نظر فان الوحي كان جاءه في النوم مرارا قاله شيخنا البلقيني وأسنده إلى ما ذكره ابن
إسحاق عن عبيد بن عمير أنه وقع له في المنام نظير ما وقع له في اليقظة من الغط والامر بالقراءة وغير
ذلك انتهى وفي كون ذلك يستلزم وقوعه في اليقظة حتى يتوقعه نظر فالأولى ترك الجزم بأحد
الامرين وقوله الحق قال الطيبي أي أمر الحق وهو الوحي أو رسول الحق وهو جبريل وقال
312

شيخنا أي الامر البين الظاهر أو المراد الملك بالحق أي الامر الذي بعث له (قوله فجاءه الملك تقدم
في بدء الوحي الكلام على الفاء التي في قوله فجاءه الملك وأنها التفسيرية وقال شيخنا البلقيني يحتمل
أن تكون للتعقيب والمعنى بمجئ الحق انكشاف الحال عن أمر وقع في القلب فجاءه لذلك عقبة
ويحتمل أن تكون سببية أي حتى قضى بمجئ الوحي فبسبب ذلك جاءه الملك (قلت) وهذا
أقرب من الذي قبله وقوله فيه يؤخذ منه رفع توهم من يظن أن الملك لم يدخل إليه الغار بل كلمه
والنبي صلى الله عليه وسلم داخل الغار والملك على الباب وقد عزوت هذه الزيادة في التفسير
لدلائل البيهقي تبعا لشيخنا البلقيني ثم وجدتها هنا فكان العزو إليه أولى فألحقت ذلك هناك
قال شيخنا البلقيني الملك المذكور هو جبريل كما وقع شاهده في كلام ورقة وكما مضى في حديث
جابر أنه الذي جاءه بحراء ووقع في شرح القطب الحلبي الملك هنا هو جبريل قاله السهيلي فتعجب
منه شيخنا وقال هذا لا خلاف فيه فلا يحسن عزوه للسهيلي وحده قال واللام في الملك لتعريف
الماهية لا للعهد إلا أن يكون المراد به ما عهده النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك لما كلمه في
صباه أو اللفظ لعائشة وقصدت به ما تعهده من تخاطبه به انتهى وقد قال الإسماعيلي هي عبارة
عما عرف بعد أنه ملك وانما الذي في الأصل فجاءه جاء وكان ذلك الجائي ملكا فأخبر صلى الله
عليه وسلم عنه يوم أخبر بحقيقة جنسه وكأن الحامل على ذلك أنه لم يتقدم له معرفة به انتهى وقد
جاء التصريح بأنه جبريل فأخرج أبو داود الطيالسي في مسنده من طريق أبي عمران الجوني عن
رجل عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف هو وخديجة فوافق ذلك رمضان
فخرج يوما فسمع السلام عليكم قال فظننت أنه من الجن فقال أبشروا فان السلام خير ثم رأى
يوما آخر جبريل على الشمس له جناح بالمشرق وجناح بالمغرب قال فهبت منه الحديث وفيه أنه
جاءه فكلمه حتى أنس به وظاهره أن جميع ما وقع له كان وهو في الغار لكن وقع في مرسل عبيد بن
عمير فأجلسني على درنوك فيه الياقوت واللؤلؤ وهو بضم الدال والنون بينهما راء ساكنة نوع من
البسط له خمل وفي مرسل الزهري فأجلسني على مجلس كريم معجب وأفاد شيخنا أن سن النبي
صلى الله عليه وسلم حين جاءه جبريل في حراء كان أربعين سنة على المشهور ثم حكى أقولا أخرى
قيل أربعين يوما وقيل عشرة أيام وقيل شهرين وقيل وسنتين وقيل ثلاثا وقيل خمسا قال
وكان ذلك يوم الاثنين نهارا قال واختلف في الشهر فقيل شهر رمضان في سابع عشره وقيل سابعة
وقيل رابع عشريه (قلت) ورمضان هو الراجح لما تقدم من أنه الشهر الذي جاء فيه في حراء
فجاءه الملك وعلى هذا فيكون سنه حينئذ أربعين سنة وستة أشهر وليس ذلك في الأقوال التي
حكاها شيخنا ثم قال وسيأتي ما يؤيد ذلك من قول من قال أن وحي المنام كان ستة أشهر قال
شيخنا وقيل في سابع عشري من شهر رجب وقيل في أول شهر ربيع أول وقيل في ثامنه انتهى
ووقع في رواية الطيالسي التي أشرت إليها أن مجئ جبريل كان لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن
يرجع إلى أهله فإذا هو بجبريل وميكائيل فهبط جبريل إلى الأرض وبقي ميكائيل بين السماء
والأرض الحديث فيستفاد من ذلك أن يكون في آخر شهر رمضان وهو قول آخر يضاف لما تقدم
ولعله أرجحها (قوله فقال اقرأ) قال شيخنا ظاهره أنه لم يتقدم من جبريل شئ قبل هذه الكلمة
ولا السلام فيحتمل أن يكون سلم وحذف ذكره لأنه معتاد وقد سلم الملائكة على إبراهيم حين
313

دخلوا عليه ويحتمل أن يكون لم يسلم لان المقصود حينئذ تفخيم الامر وتهويله وقد تكون
مشروعية ابتداء السلام تتعلق بالبشر لا من الملائكة وان وقع ذلك منهم في بعض الأحيان
قلت والحالة التي سلموا فيها على إبراهيم كانوا في صورة البشر فلا ترد هنا ولا يرد سلامهم على أهل
الجنة لان أمور الآخرة مغايرة لأمور الدنيا غالبا وقد ذكرت عن رواية الطيالسي أن جبريل سلم
أولا ولم ينقل أنه سلم عند الامر بالقراءة والله أعلم (قوله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم)
هذا مناسب لسياق الحديث من أوله إلى هنا بلفظ الاخبار بطريق الارسال ووقع مثله
في التفسير في رواية بدء الوحي اختلاف هل فيه قال ما أنا بقارئ أو قلت ما أنا بقارئ وجمع بين
اللفظين يونس عند مسلم قال قلت ما أنا بقارئ قال شيخنا البلقيني وظاهره أن عائشة سمعت
ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكون من مرسلات الصحابة (قوله فقلت ما أنا بقارئ
فأخذني فغطني) استدل به على أن أفعل ترد للتنبيه ولم يذكروه قاله شيخنا البلقيني ثم قال
ويحتمل أن تكون على بابها لطلب القراءة على معنى أن الامكان حاصل (قوله فقال اقرأ) قال
شيخنا البلقيني رحمه الله دلت القصة على أن مراد جبريل بهذا أن يقول النبي صلى الله عليه
وسلم نص ما قاله وهو قوله اقرأ وانما لم يقل له قل اقرأ إلى آخره لئلا يظن أن لفظة قل أيضا من
القرآن (قلت) ويحتمل أن يكون السر فيه الابتلاء في أول الأمر حتى يترتب عليه ما وقع
من الغط وغيره ولو قال له في الأول قل اقرأ باسم ربك الخ لبادر إلى ذلك ولم يقع ما وقع ثم قال
شيخنا ويحتمل أن يكون جبريل أشار بقوله اقرأ إلى ما هو مكتوب في النمط الذي وقع في رواية
ابن إسحاق فلذلك قال له ما أنا بقارئ أي أمي لا أحسن قراءة الكتب قال والأول أظهر وهو أنه
أراد بقوله اقرأ التلفظ بها (قلت) ويؤيده أن رواية عبيد بن عمير انما ذكرها عن منام تقدم
بخلاف حديث عائشة فإنه كان في اليقظة ثم تكلم شيخنا على ما كان مكتوبا في ذلك النمط فقال
اقرأ أي القدر الذي أقرأه إياه وهي الآيات الأولى من اقرأ باسم ربك ويحتمل أن يكون جملة
القرآن وعلى هذا يكون القرآن نزل جملة واحدة باعتبار ونزل منجما باعتبار آخر قال وفي
احضاره له جملة واحدة إشارة إلى أن آخره يكمل باعتبار الجملة ثم تكمل باعتبار التفصيل (قوله
حتى بلغ الجهد) تقدم في بدء الوحي أنه روى بنصب الدال ورفعها وتوجيههما وقال النوربشتي
لا أرى الذي قاله بالنصب إلا وهم فإنه يصير المعنى أنه غطه حتى استفرغ الملك قوته في ضغطه
بحيث لم يبق فيه مزيد وهو قول غير سديد فان البنية البشرية لا تطيق استيفاء القوة الملكية
لا سيما في مبتدأ الامر وقد صرح الحديث بأنه داخله الرعب من ذلك (قلت) وما المانع أن
يكون قواه الله على ذلك ويكون من جملة معجزاته وقد أجاب الطيبي بأن جبريل لم يكن حينئذ على
صورته الملكية فيكون استفراغ جهده بحسب صورته التي جاءه بها حين غطه قال وإذا صحت
الرواية اضمحل الاستبعاد (قلت) الترجيح هنا متعين لاتحاد القصة ورواية الرفع لا اشكال
فيها وهي التي ثبتت عن الأكثر فترجحت وإن كان للأخرى توجيه وقد رجح شيخنا البلقيني بان
فاعل بلغ هو الغط والتقدير بلغ مني الغط جهده أي غايته فيرجع الرفع والنصب إلى معنى
واحد وهو أولى قال شيخنا وكان الذي حصل له عند تلقي الوحي من الجهد مقدمة لما صار يحصل
له من الكرب عند نزول القرآن كما في حديث ابن عباس كان يعالج من التنزيل شدة وكذا
314

في حديث عائشة وعمر ويعلى بن أمية وغيرهم وهي حالة يؤخذ فيها عن حال الدنيا من غير الموت
فهو مقام برزخي يحصل له عند تلقي الوحي ولما كان البرزخ العام ينكشف فيه للميت كثير من
الأحوال خص الله نبيه ببرزخ في الحياة يلقى إليه فيه وحيه المشتمل على كثير من الاسرار وقد يقع
لكثير من الصلحاء عند الغيبة بالنوم أو غيره اطلاع على كثير من الاسرار وذلك مستمد من المقام
النبوي ويشهد له حديث رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة كما سيأتي الالمام
به قريبا قال السهيلي تأويل الغلطات الثلاثة على ما في رواية ابن إسحاق أنها كانت في النوم أنه
سيقع له ثلاث شدائد يبتلى بها ثم يأتي الفرج وكذلك كان فإنه لقي ومن تبعه شدة أولى بالشعب
لما حصرتهم قريش والثانية لما خرجوا وتوعدوهم بالقتل حتى فروا إلى الحبشة وثالثة لما
هموا بما هموا به من المكر به كما قال تعالى وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك الآية فكانت
له العاقبة في الشدائد الثلاثة وقال شيخنا البلقيني ما ملخصه وهذه المناسبة حسنة ولا يتعين
للنوم بل تكون بطريق الإشارة في اليقظة قال ويمكن أن تكون المناسبة أن الامر الذي جاءه
به ثقيل من حيث القول والعمل والنية أو من جهة التوحيد والاحكام والاخبار بالغيب
الماضي والآني وأشار بالارسالات الثلاث إلى حصول التيسير والتسهيل والتخفيف في الدنيا
والبرزخ والآخرة عليه وعلى أمته (قوله فرجع بها) أي رجع مصاحبا للآيات الخمس
المذكورة (قوله ترجف بوادره) تقدم في بدء الوحي بلفظ فؤاده قال شيخنا الحكمة في العدول
عن القلب إلى الفؤاد أن الفؤاد وعاء القلب على ما قاله بعض أهل اللغة فإذا حصل للوعاء الرجفان
حصل لما فيه فيكون في ذكره من تعظيم الامر ما ليس في ذكر القلب وأما بوادره فالمراد بها اللحمة
التي بين المنكب والعنق جرت العادة بأنها تضطرب عند الفزع وعلى ذلك جرى الجوهري أن
اللحمة المذكورة سميت بلفظ الجمع وتعقبه ابن بري فقال البوادر جمع بادرة وهي ما بين
المنكب والعنق يعني أنه لا يختص بعضو واحد وهو جيد فيكون إسناد الرجفان إلى القلب
لكونه محله والى البوادر لأنها مظهره وأما قول الداودي البوادر والفؤاد واحد فان أراد أن
مفادهما واحد على ما قررناه وإلا فهو مردود (قوله قال قد خشيت علي) بالتشديد وفي رواية
الكشميهني على نفسي (قوله فقالت له كلا أبشر) قال النووي تبعا لغيره كلا كلمة نفي وإبعاد
وقد تأتي بمعنى حقا وبمعنى الاستفتاح وقال القزاز هي هنا بمعنى الرد لما خشي على نفسه أي
لا خشية عليك ويؤيده ان في رواية أبي ميسرة فقالت معاذ الله ومن اللطائف أن هذه الكلمة
التي ابتدأت خديجة النطق بها عقب ما ذكر لها النبي صلى الله عليه وسلم من القصة التي وقعت
له هي التي وقعت عقب الآيات الخمس من سورة اقرا في نسق التلاوة فجرت على لسانها اتفاقا
لأنها لم تكن نزلت بعد وانما نزلت في قصة أبي جهل وهذا هو المشهور عند المفسرين وقد ذهب
بعضهم إلى أنها تتعلق بالانسان المذكور قيل لان المعرفة إذا أعيدت معرفة فهي عين الأولى وقد
أعيد الانسان هنا كذلك فكان التقدير كلا لا يعلم الانسان ان الله هو خلقه وعلمه أن الانسان
ليطغى وأما قولها هنا أبشر فلم يقع في حديث عائشة تعيين المبشر به ووقع في دلائل البيهقي من
طريق أبي ميسرة مرسلا أنه صلى الله عليه وسلم قص على خديجة ما رأى في المنام فقالت له أبشر
فان الله لن يصنع بك الا خيرا ثم اخبرها بما وقع له من شق البطن وإعادته فقالت له أبشر ان هذا والله
315

خير ثم استعلن له جبريل فذكر القصة فقال لها أرأيتك الذي كنت رأيت في المنام فإنه جبريل استعلن
لي بان ربي أرسله إلي وأخبرها بما جاء به فقالت أبشر فوالله لا يفعل الله بك الا خيرا فاقبل الذي
جاءك من الله فإنه حق وابشر فإنك رسول الله حقا قلت هذا أصرح ما ورد في أنها أول الآدمين
آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله لا يخزيك الله أبدا) في رواية الكشميهني لا يحزنك
بمهملة ونون (قوله وهو ابن عم خديجة أخو أبيها) كذا وقع هنا وأخو صفة للعم فكان حقة
أن يذكر مجرورا وكذا وقع في رواية بن عساكر أخي أبيها وتوجيه رواية الرفع أنه خبر مبتدأ
محذوف (قوله تنصر) أي دخل في دين النصرانية (قوله في الجاهلية) أي قبل البعثة
المحمدية وقد تطلق الجاهلية ويراد بها ما قبل دخول المحكي عنه في الاسلام وله أمثلة كثيرة (قوله
أو مخرجي هم) تقدم ضبطه في أول الكتاب وتمامه في التفسير قال السهيلي يؤخذ منه شدة
مفارقة الوطن على النفس فإنه صلى الله عليه وسلم سمع قول ورقة أنهم يؤذونه ويكذبونه فلم يظهر
منه انزعاج لذلك فلما ذكر له الاخراج تحركت نفسه لذلك لحب الوطن وإلفه فقال أو مخرجي هم
قال ويؤيد ذلك إدخال الواو بعد ألف الاستفهام مع اختصاص الاخراج بالسؤال عنه فأشعر
بأن الاستفهام على سبيل الانكار أو التفجع ويؤكد ذلك أن الوطن المشار إليه حرم الله وجوار
بيته وبلدة الآباء من عهد إسماعيل عليه السلام انتهى ملخصا ويحتمل أن يكون انزعاجه كان
من جهة خشية فوات ما أمله من ايمان قومه بالله وانقاذهم به من وضر الشرك وأدناس
الجاهلية ومن عذاب الآخرة وليتم له المراد من ارساله إليهم ويحتمل ان يكون انزعاج من الامرين
معا (قوله لم يأت رجل قط بما جئت به) في رواية الكشميهني بمثل ما جئت به وكذا للباقين (قوله
نصرا مؤزرا) بالهمز للأكثر وتشديد الزاي بعدها راء من التأزير أي التقوية وأصله من الأزر
وهو القوة وقال القزاز الصواب موزرا بغير همزة من وازرته موازرة إذا عاونته و منه أخذ وزراء
الملك و يجوز حذف الألف فتقول نصرا موزرا ويرد عليه قول الجوهري آزرت فلانا عاونته
والعامة تقول وآزرته (قوله وفتر الوحي) تقدم القول في مدة هذه الفترة في أو الكتاب وقوله
هنا فترة حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا هذا وما بعده من زيادة معمر على رواية
عقيل ويونس وصنيع المؤلف يوهم انه داخل في رواية عقيل وقد جرى على ذلك الحميدي في
جمعه فساق الحديث إلى قوله وفتر الوحي ثم قال انتهى حديث عقيل المفرد عن ابن شهاب إلى
حديث ذكرنا وزاد عنه البخاري في حديثه المقترن بمعمر عن الزهري فقال وفتر الوحي فترة حتى
حزن فساقه إلى آخره والذي عندي أن هذه الزيادة خاصة برواية معمر فقد اخرج طريق عقيل
أبو نعيم في مستخرجه من طريق أبي زرعة الرازي عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه في أول
الكتاب بدونها وأخرجه مقرونا هنا برواية معمر وبين أن اللفظ لمعمر وكذلك صرح
الإسماعيلي أن الزيادة في رواية معمر وأخرجه أحمد ومسلم والإسماعيلي وغيرهم وأبو نعيم أيضا
من طريق جمع من أصحاب الليث عن الليث بدونها ثم إن القائل فيما بلغنا هو الزهري ومعنى
الكلام أن في جملة ما وصل إلينا من خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القصة وهو من
بلاغات الزهري وليس موصولا وقال الكرماني هذا هو الظاهر ويحتمل أن يكون بلغه
بالاسناد المذكور ووقع عند ابن مردويه في التفسير من طريق محمد بن كثير عن معمر بإسقاط
316

قوله فيما بلغنا ولفظه فترة حزن النبي صلى الله عليه وسلم منها حزنا غدا منه إلى آخره فصار كله
مدرجا على رواية الزهري وعن عروة عن عائشة والأول هو المعتمد قوله فيها فإذا طالت عليه فترة
الوحي قد يتمسك به من يصحح مرسل الشعبي في أن مدة الفترة كانت سنتين ونصفا كما نقلته في أول
بدء الوحي ولكن يعارضه ما أخرجه ابن سعد من حديث ابن عباس بنحو هذا البلاغ الذي ذكره
الزهري وقوله مكث أياما بعد مجئ الوحي لا يرى جبريل فحزن حزنا شديدا حتى كاد يغدو إلى
ثبير مرة وإلى حراء أخرى يريد ان يلقي نفسه فبينا هو كذلك عامدا ليعض تلك الجبال إذ سمع
صوتا فوقف فزعا ثم رفع رأسه فإذا جبريل على كرسي بين السماء و الأرض متربعا يقول يا محمد
أنت رسول الله حقا وأنا جبريل فانصرف وقد أقر الله عينه وانبسط جأشه ثم تتابع الوحي
فيستفاد من هذه الرواية تسمية بعض الجبال التي أبهمت في رواية الزهري وتقليل مدة الفترة
والله أعلم وقد تقدم في تفسير سورة والضحى شئ يتعلق بفترة الوحي (قوله فيسكن لذلك جأشه)
بجيم وهمزة ساكنة وقد تسهل وبعدها شين معجمة قال الخليل الجأش النفس فعلى هذا فقوله
وتقر نفسه تأكيد لفظي (قوله عدا) بعين مهملة من العدو وهو الذهاب بسرعة ومنهم من
أعجمها من الذهاب غدوة (قوله بذروة جبل) قال ابن التين رويناه بكسر أوله وضمه وهو في
كتب اللغة بالكسر لا غير (قلت) بل حكى تثليثه وهو أعلى الجبل وكذا الجمل (قوله تبدى
له جبريل) في رواية الكشميهني بدالة وهي بمعنى الظهور (قوله فقال له مثل ذلك زاد في
رواية محمد بن كثير حتى كثر الوحي وتتابع قال الإسماعيلي موه بعض الطاعنين على المحدثين
فقال كيف يجوز للنبي ان يرتاب في نبوته حتى يرجع إلى ورقة ويشكو لخديجة ما يخشاه وحتى
يوفى بذروة جبل ليلقي منها نفسه على ما جاء في رواية معمر قال وأن جاز ان يرتاب مع معاينة
النازل عليه من ربه فكيف ينكر على من ارتاب فيما جاءه به مع عدم المعاينة قال والجواب أن
عادة الله جرت بان الامر الجليل إذا قضى بإيصاله إلى الخلق أن يقدم ترشيح وتأسيس فكان ما يراه
النبي صلى الله عليه وسلم من الرؤيا الصادقة ومحبة الخلوة والتعبد من ذلك فلما فجئه الملك فجئه بغتة
أمر خالف العادة والمألوف فنفر طبعه البشري منه وهاله ذلك ولم يتمكن من التأمل في تلك
الحال لان النبوة لا تزيل طباع البشرية كلها فلا يتعجب أن يجزع مما لم يألفه وينفر طبعه منه
حتى إذا اندرج عليه وألفه استمر عليه فلذلك رجع إلى أهله التي ألف تأنيسها له فأعلمها بما وقع له
فهونت عليه خشيته بما عرفته من أخلاقه الكريمة وطريقته الحسنة فأرادت الاستظهار بمسيرها
به إلى ورقة لمعرفتها بصدقه ومعرفته وقراءته الكتب القديمة فلما سمع كلامه أيقن بالحق وأعترف
به ثم كان من مقدمات تأسيس النبوة فترة الوحي ليتدرج فيه ويمرن عليه فشق عليه فتوره
إذ لم يكن خوطب عن الله بعد انك رسول من الله ومبعوث إلى عباده فأشفق أن يكون ذلك أمر
بدئ به ثم لم يرد استفهامه فحزن لذلك حتى تدرج على احتمال أعباء النبوة والصبر على ثقل ما يرد
عليه فتح الله له من أمره بما فتح قال ومثال ما وقع له في أول ما خوطب ولم يتحقق الحال على جريتها
مثل رجل سمع آخر يقول الحمد لله فلم يتحقق أنه يقرأ حتى إذا وصلها بما بعدها من الآيات
تحقق أنه يقرأ وكذا لو سمع قائلا يقول خلت الديار لم يتحقق انه ينشد شعرا حتى يقول محلها
ومقامها انتهى ملخصا ثم أشار إلى أن الحكمة في ذكره صلى الله عليه وسلم ما أتفق له في هذه القصة
317

أن يكون سببا في انتشار خبره في بطانته ومن يستمع لقوله ويصغي إليه وطريقا في معرفتهم
مباينة عن سواه في أحواله لينبهوا على محله قال واما ارادته إلقاء نفسه من رؤوس الجبال بعد
ما نبئ فلضعف قوته عن تحمل ما حمله من أعباء النبوة وخوفا مما يحصل له من القيام بها من مباينة
الخلق جميعا كما يطلب الرجل الراحة من غم يناله في العاجل بما يكون فيه زواله عنه ولو
أفضى إلى إهلاك نفسه عاجلا حتى إذا تفكر فيما فيه صبره على ذلك من العقبي المحمودة صبر
واستقرت نفسه (قلت) أما الإرادة المذكورة في الزيادة الأولى ففي صريح الخبر أنها كانت
حزنا على ما فاته من الامر الذي بشره به ورقة وأما الإرادة الثانية بعد أن تبدى له جبريل وقال
له انك رسول الله حقا فيحتمل ما قاله والذي يظهر لي أنه بمعنى الذي قبله وأما المعنى الذي
ذكره الإسماعيلي فوقع قبل ذلك في ابتداء مجئ جبريل ويمكن أن يؤخذ مما أخرجه الطبري
من طريق النعمان بن راشد عن ابن شهاب فذكر نحو حديث الباب وفيه فقال لي يا محمد أنت
رسول الله حقا قال فلقد هممت أن أطرح نفسي من حالق جبل أي من علوه (قوله وقال ابن
عباس فالق الاصباح ضوء الشمس بالنهار وضوء القمر بالليل) ثبت هذا لأبي ذر عن المستملي
والكشميهني وكذا للنسفي ولأبي زيد المروزي عن الفربري ووصله الطبري من طريق علي بن
أبي طلحة عن ابن عباس في قوله فالق الاصباح يعني بالإصباح ضوء الشمس بالنهار وضوء
القمر بالليل وتعقب بعضهم هذا على البخاري فقال انما فسر بن عباس الاصباح ولفظ
فالق هو المراد هنا لان البخاري انما ذكره عقب هذا الحديث من أجل ما وقع في حديث
عائشة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح فلايراد البخاري وجه وقد تقدم في آخر
التفسير قول مجاهد في تفسير قوله قل أعوذ برب الفلق إن الفلق الصبح وأخرج الطبري
هنا عنه في قوله فالق الاصباح قال إضاءة الصبح وعلى هذا فالمراد بفلق الصبح إضاءته والفالق
اسم فاعل ذلك وقد أخرج الطبري من طريق الضحاك الاصباح خالق النور نور النهار وقال
بعض أهل اللغة الفلق شق الشئ وقيده الراغب بإبانة بعضه من بعض ومنه فلق موسى البحر
فانفلق ونقل الفراء أن فطر وخلق وفلق بمعنى واحد وقد قيل في قوله تعالى فالق الحب والنوى أن
المراد به الشق الذي في الحبة من الحنطة وفي النواة وهذا يرد على تقييد الراغب والاصباح في
الأصل مصدر أصبح إذا دخل في الصبح سمي به الصبح قال امرؤ القيس
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي * بصبح وما الاصباح فيك بأمثل
(قوله باب رؤيا الصالحين) الإضافة فيه للفاعل لقوله في حديث الباب يراها
الرجل الصالح وكأنه جمع إشارة إلى أن المراد بالرجل الجنس (قوله وقوله تعالى لقد صدق
الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين إلى قوله فتحا قريبا) ساقه
في رواية كريمة الآية كلها وأخرج الفريابي وعبد بن الحميد والطبري من طريق ابن أبي نجيح
عن مجاهد في تفسير هذه الآية قال أرى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالحديبية أنه دخل مكة
هو وأصحابه محلقين قال فلما نحر الهدى بالحديبية قال أصحابه أين رؤياك فنزلت وقوله فجعل
من دون ذلك فتحا قريبا قال النحر بالحديبية فرجعوا ففتحوا خيبر أي المراد بقوله ذلك النحر
والمراد بالفتح فتح خيبر قال ثم اعتمر بعد ذلك فكان تصديق رؤياه في السنة المقبلة وقد أخرج
318

ابن مردويه في التفسير بسند ضعيف عن ابن عباس في هذه الآية قال تأويل رؤيا رسول الله
صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء واختلف في معنى قوله إن شاء الله في الآية فقيل هي إشارة إلى
أنه لا يقع شئ الا بمشيئة الله تعالى وقيل هي حكاية لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم في منامه
وقيل هي على سبيل التعليم لمن أراد أن يفعل شيئا مستقبلا كقوله تعالى ولا تقولن لشئ إني
فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله وقيل هي على سبيل الاستثناء من عموم المخاطبين لان منهم من
مات قبل ذلك أو قتل (قوله عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) سيأتي
بعد باب من وجه آخر عن أنس عن عبادة بن الصامت ويأتي بيانه هناك (قوله الرؤيا الحسنة
من الرجل الصالح) هذا يقيد ما أطلق في غير هذه الرواية كقوله رؤيا المؤمن جزء ولم يقيدها
بكونها حسنة ولا بأن رأيها صالح ووقع في حديث أبي سعيد الرؤيا الصالحة وهو تفسير المراد
بالحسنة هنا قال المهلب المراد غالب رؤيا الصالحين وإلا فالصالح قد يرى الأضغاث ولكنه
نادر لقلة تمكن الشيطان منهم بخلاف عكسهم فان الصدق فيها نادر لغلبة تسلط الشيطان
عليهم قال فالناس على هذا ثلاث درجات الأنبياء ورؤياهم كلها صدق وقد يقع فيها ما يحتاج
إلى تعبير والصالحون والأغلب على رؤياهم الصدق وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير ومن
عداهم يقع في رؤياهم الصدق والأضغاث وهي على ثلاثة أقسام مستورون فالغالب استواء
الحال في حقهم وفسقة والغالب على رؤياهم الأضغاث ويقل فيها الصدق وكفار ويندر
في رؤياهم الصدق جدا ويشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا
أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وستأتي الإشارة إليه في باب القيد في المنام إن شاء الله تعالى
وقد وقعت الرؤيا الصادقة من بعض الكفار كما في رؤيا صاحبي السجن مع يوسف عليه السلام
ورؤيا ملكهما وغير ذلك وقال القاضي أبو بكر ابن العربي رؤيا المؤمن الصالح هي التي تنسب
إلى أجزاء النبوة ومعنى صلاحها استقامتها وانتظامها قال وعندي أن رؤيا الفاسق لا تعد
في أجزاء النبوة وقيل تعد من أقصى الاجزاء وأما رؤيا الكافر فلا تعد أصلا وقال القرطبي
المسلم الصادق الصالح هو الذي يناسب حاله حال الأنبياء فأكرم بنوع مما أكرم به الأنبياء
وهو الاطلاع على الغيب وأما الكافر والفاسق والمخلط فلا ولو صدقت رؤياهم أحيانا فذاك
كما قد يصدق الكذوب وليس كل من حدث عن غيب يكون خبره من أجزاء النبوة كالكاهن
والمنجم وقوله من الرجل ذكر للغالب فلا مفهوم له فان المرأة الصالحة كذلك قاله ابن عبد
البر (قوله جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) كذا وقع في أكثر الأحاديث ولمسلم من حديث
أبي هريرة جزء من خمسة وأربعين أخرجه من طريق أيوب عن محمد بن سيرين عنه وسيأتي
للمصنف من طريق عوف عن محمد بلفظ ستة كالجادة ووقع عند مسلم أيضا من حديث ابن
عمر جزء من سبعين جزءا وكذا أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود موقوفا وأخرجه الطبراني
من وجه آخر عنه مرفوعا وله من وجه آخر عنه جزء من ستة وسبعين وسندها ضعيف وأخرجه
ابن أبي شيبة أيضا من رواية حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة موقوفا كذلك وأخرجه
أحمد مرفوعا لكن أخرجه مسلم من رواية الأعمش عن أبي صالح كالجادة ولابن ماجة مثل
حديث ابن عمر مرفوعا وسنده لين وعند أحمد والبزار عن ابن عباس بمثله وسنده جيد وأخرج ابن
319

عبد البر من طريق عبد العزيز بن المختار عن ثابت عن أنس مرفوعا جزء من ستة وعشرين
والمحفوظ من هذا الوجه كالجادة وسيأتي للبخاري قريبا ومثله لمسلم من رواية شعبة عن ثابت
وأخرج أحمد وأبو يعلى والطبري في تهذيب الآثار من طريق الأعرج عن سليمان بن عريب
بمهملة وزن عظيم عن أبي هريرة كالجادة قال سليمان فذكرته لابن عباس فقال جزء من خمسين
فقلت له أني سمعت أبا هريرة فقال ابن عباس فاني سمعت العباس بن عبد المطلب يقول سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الرؤيا من المؤمن جزء من خمسين جزءا من النبوة
وللترمذي والطبري من حديث أبي رزين العقيلي جزء من أربعين وأخرجه الترمذي من وجه
آخر كالجادة وأخرج الطبري من وجه آخر عن ابن عباس أربعين وللطبري من حديث عبادة
جزء من أربعة وأربعين والمحفوظ عن عبادة كالجادة كما سيأتي بعد باب وأخرجه الطبري وأحمد
من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص جزء من تسعة وأربعين وذكره القرطبي في المفهم بلفظ
سبعة بتقديم السين فحصلنا من هذه الروايات على عشرة أوجه أقلها جزء من ستة وعشرين
وأكثرها من ستة وسبعين وبين ذلك أربعين وأربعة وأربعين وخمسة وأربعين وستة وأربعين
وسبعة وأربعين وتسعة وأربعين وخمسين وسبعين أصحها مطلق الأول ويليه السبعين ووقع في شرح
النووي وفي رواية عبادة أربعة وعشرين وفي رواية ابن عمر ستة وعشرين وهاتان الروايتان
لا أعرف من أخرجهما إلا أن بعضهم نسب رواية ابن عمر هذه لتخريج الطبري ووقع فكلام
ابن أبي جمرة أنه ورد بألفاظ مختلفة فذكر بعض ما تقدم وزاد في رواية اثنين وسبعين وفي أخرى
اثنين وأربعين وفي أخرى سبعة وعشرين وفي أخرى خمسة وعشرين فبلغت على هذا خمسة عشر
لفظا وقد استشكل كون الرؤيا جزءا من النبوة مع أن النبوة انقطعت بموت النبي صلى الله عليه
وسلم فقيل في الجواب إن وقعت الرؤيا من النبي صلى الله عليه وسلم فهي جزء من أجزاء النبوة
حقيقة وإن وقعت من غير النبي فهي جزء من أجزاء النبوة على سبيل المجاز وقال الخطابي قيل
معناه إن الرؤيا تجئ على موافقة النبوة لا أنها جزء باق من النبوة وقيل المعنى إنها جزء من علم
النبوة لان النبوة وإن انقطعت فعلمها باق وتعقب بقول مالك فيما حكاه ابن عبد البر أنه سئل أيعبر
الرؤيا كل أحد فقال أبالنبوة يلعب ثم قال الرؤيا جزء من النبوة فلا يلعب بالنبوة والجواب أنه لم
يرد أنها نبوة باقية وانما أراد انها لما أشبهت النبوة من جهة الاطلاع على بعض الغيب لا ينبغي
أن يتكلم فيها بغير علم وقال بن بطال كون الرؤيا جزءا من أجزاء النبوة مما يستعظم ولو كانت جزء
من ألف جزء فيمكن أن يقال أن لفظ النبوة مأخوذ من الانباء وهو الاعلام لغة فعلى هذا فالمعنى
أن الرؤيا خبر صادق من الله لا كذب فيه كما أن معنى النبوة نبأ صادق من الله لا يجوز عليه الكذب
فشابهت الرؤيا النبوة في صدق الخبر وقال المازري يحتمل أن يراد بالنبوة في هذا الحديث الخبر
بالغيب لا غير وإن كان يتبع ذاك إنذار أو تبشير فالخبر بالغيب أحد ثمرات النبوة وهو غير مقصود
لذاته لأنه يصح أن يبعث نبي يقرر الشرع ويبين الاحكام وإن لم يخبر في طول عمره بغيب ولا يكون
ذلك قادحا في نبوته ولا مبطلا للمقصود منها والخبر بالغيب من النبوي لا يكون إلا صدقا ولا يقع
إلا حقا وأما خصوص العدد فهو مما أطلع الله عليه نبيه لأنه يعلم من حقائق النبوة ما لا يعلمه
غيره قال وقد سبق بهذا الجواب جماعة لكنهم لم يكشفوه ولم يحققوه وقال القاضي أبو بكر بن
320

العربي أجزاء النبوة لا يعلم حقيقتها الا ملك أو نبي وإنما القدر الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم
أن يبين أن الرؤيا جزء من أجزاء النبوة في الجملة لان فيها اطلاعا على الغيب من وجه ما وأما تفصيل
النسبة فيختص بمعرفته درجة النبوة وقال المازري لا يلزم العالم أن يعرف كل شئ جملة وتفصيلا
فقد جعل الله للعالم حدا يقف عنده فمنه ما يعلم المراد به جملة وتفصيلا ومنه ما يعلمه جملة لا تفصيلا
وهذا من هذا القبيل وقد تكلم بعضهم على الرواية المشهورة وأبدى لها مناسبة فنقل ابن بطال
عن أبي سعيد السفاقسي أن بعض أهل العلم ذكر أن الله أوحى إلى نبيه في المنام ستة أشهر ثم
أوحى إليه بعد ذلك في اليقظة بقية مدة حياته ونسبتها من الوحي في المنام جزء من ستة وأربعين
جزءا لأنه عاش بعد النبوة ثلاثا وعشرين سنة على الصحيح قال ابن بطال هذا التأويل يفسد من
وجهين أحدهم أنه قد اختلف في قدر المدة التي بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى موته
والثاني أنه يبقى حديث السبعين جزءا بغير معنى (قلت) ويضاف إليه بقية الاعداد الواقعة
وقد سبقه الخطابي إلى إنكار هذه المناسبة فقال كان بعض أهل العلم يقول في تأويل هذا العدد
قولا لا يكاد يتحقق وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أقام بعد الوحي ثلاثا وعشرين سنة وكان يوحى
إليه في منامة ستة أشهر وهي نصف سنة فهي جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة قال الخطابي
وهذا وإن كان وجها تحتمله قسمة الحساب والعدد فأول ما يجب على من قاله أن يثبت بما
ادعاه خبرا ولم يسمع فيه أثر ولا ذكر مدعيه في ذلك خبرا فكأنه قاله على سبيل الظن والظن لا يغني
من الحق شيئا ولئن كانت هذه المدة محسوبة من أجزاء النبوة على ما ذهب إليه فليلحق بها سائر
الأوقات التي كان يوحى إليه فيها في منامة في طول المدة كما ثبت ذلك عنه في أحاديث كثيرة جليلة
القدر والرؤيا في أحد وفي دخول مكة فإنه يتلفق من ذلك مدة أخرى وتزاد في الحساب فتبطل
القسمة التي ذكرها قال فدل ذلك على ضعف ما تأوله المذكور وليس كل ما خفي علينا علمه لا يلزمنا
حجته كأعداد الركعات وأيام الصيام ورمي الجمار فانا لا نصل من علمها إلى أمر يوجب حصرها
تحت أعدادها ولم يقدح ذلك في موجب اعتقادنا للزومها وهو كقوله في حديث آخر الهدى
الصالح والسمت الصالح جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة فان تفصيل هذا العدد وحصر
النبوة متعذر وإنما فيه أن هاتين الخصلتين من جملة هدى الأنبياء وسمتهم فكذلك معنى حديث
الباب المراد به تحقيق أمر الرؤيا وأنها مما كان الأنبياء عليه وأنها جزء من أجزاء العلم الذي كان
يأتيهم والأنباء التي كان ينزل بها الوحي عليهم وقد قبل جماعة من الأئمة المناسبة المذكورة
وأجابوا عما أورده الخطابي أما الدليل على كون الرؤيا كانت ستة أشهر فهو ان ابتداء الوحي كان
على رأس الأربعين من عمره صلى الله عليه وسلم كما جزم به بن إسحاق وغيره وذلك في ربيع الأول
ونزول جبريل إليه وهو بغار حراء كان في رمضان وبينهما ستة أشهر وفي هذا الجواب نظر لأنه على
تقدير تسليمه ليس فيه تصريح بالرؤيا وقد قال النووي لم يثبت أن زمن الرؤيا للنبي صلى الله عليه
وسلم كان ستة أشهر وأما ما ألزمه به من تلفيق أوقات المرائي وضمها إلى المدة فان المراد وحي المنام
المتتابع وأما ما وقع منه في غضون وحي اليقظة فهو يسير بالنسبة إلى وحي اليقظة فهو مغمور في
جانب وحي اليقظة فلم يعتبر بمدته وهو نظير ما اعتمدوه في نزول الوحي وقد أطبقوا على تقسيم
النزول إلى مكي ومدني قطعه فالمكي ما نزل قبل الهجرة ولو وقع بغيرها مثلا كالطائف ونخلة
321

والمدني ما نزل بعد الهجرة ولو وقع وهو بغيرها كما في الغزوات وسفر الحج والعمرة حتى مكة (قلت)
وهو اعتذار مقبول ويمكن الجواب عن اختلاف الاعداد أنه وقع بحسب الوقت الذي حدث فيه
النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كأن يكون لما أكمل ثلاث عشر سنة بعد مجئ الوحي إليه حدث
بأن الرؤيا جزء من ستة وعشرين ان ثبت الخبر بذلك وذلك وقت الهجرة ولما أكمل عشرين
حدث بأربعين ولما أكمل اثنين وعشرين حدث بأربعة وأربعين ثم بعدها بخمسة وأربعين
ثم حدث بستة وأربعين في آخر حياته وأما ما عدا ذلك من الرؤيات بعد الأربعين فضعيف
ورواية الخمسين يحتمل أن تكون لجبر الكسر ورواية السبعين للمبالغة وما عدا ذلك لم يثبت وهذه
مناسبة لم أر من تعرض لها ووقع في بعض الشروح مناسبة للسبعين ظاهرة التكلف وهي
أنه صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الذي أخرجه أحمد وغيره أنا بشارة عيسى ودعوة إبراهيم
ورأت أمي نورا فهذه ثلاثة أشياء تضرب في مدة نبوته وهي ثلاثة وعشرون سنة تضاف إلى أصل
الرؤية فتبلغ سبعين قلت ويبقى في أصل المناسبة إشكال آخر وهو أن المتبادر من الحديث
إرادة تعظيم رؤيا المؤمن الصالح والمناسبة المذكورة تقتضي قصر الخبر على صورة ما اتفق
لنبينا صلى الله عليه وسلم كأنه قيل كانت المدة التي أوحى الله إلى نبينا فيها في المنام جزءا من ستة
وأربعين جزءا من المدة التي أوحى الله إليه فيها في اليقظة ولا يلزم من ذلك أن كل رؤيا لكل صالح
تكون كذلك ويؤيد إرادة التعميم الحديث الذي ذكره الخطابي في الهدى والسمت فإنه ليس
خاصا بنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم أصلا وقد أنكر الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة التأويل المذكور
فقال ليس فيه كبير فائدة ولا ينبغي أن يحمل كلام المؤيد بالفصاحة والبلاغة على هذا المعنى
ولعل قائله أراد أن يجعل بين النبوة والرؤيا نوع مناسبة فقط ويعكر عليه الاختلاف في عدد
الاجزاء (تنبيه) حديث الهدى الصالح الذي ذكره الخطابي أخرجه الترمذي والطبراني
من حديث عبد الله بن سرخس لكن بلفظ أربعة وعشرين جزءا وقد ذكره القرطبي في المفهم
بلفظ من ستة وعشرين انتهى وقد أبدى غير الخطابي المناسبة باختلاف الروايات في العدد
المذكور وقد جمع بينها جماعة أولهم الطبري فقال رواية السبعين عامة في كل رؤيا صادقة من
كل مسلم ورواية الأربعين خاصة بالمؤمن الصادق الصالح وأما ما بين ذلك فبالنسبة لأحوال
المؤمنين وقال ابن بطال أما الاختلاف في العدد قلة وكثرة فأصح ما ورد فيها من ستة وأربعين
ومن سبعين وما بين ذلك من أحاديث الشيوخ وقد وجدنا الرؤيا تنقسم قسمين جلية ظاهرة كمن
رأى في المنام أنه يعطي تمرا فأعطي تمرا مثله في اليقظة فهذا القسم لا إغراب في تأويلها ولا رمزه في
تفسيرها ومرموزة بعيدة المرام فهذا القسم لا يقوم به حتى يعبره إلا حاذق لبعد ضرب المثل فيه
فيمكن أن هذا من السبعين والأول من الستة والأربعين لأنه إذا قلت الاجزاء كانت الرؤيا
أقرب إلى الصدق وأسلم من وقوع الغلط في تأويلها بخلاف ما إذا كثرت قال وقد عرضت هذا
الجواب على جماعة فحسنوه وزادني بعضهم فيه أن النبوة على مثل هذين الوصفين تلقاها
الشارع عن جبريل فقد أخبر أنه كان يأتيه الوحي مرة فيكلمه بكلام فيعيه بغير كلفة ومرة يلقي
إليه جملا وجوامع يشتد عليه حملها حتى تأخذه الرحضاء ويتحدر منه العرق ثم يطلعه الله على
بيان ما ألقى عليه منها ولخصه المازري فقال قيل إن المنامات دلالات والدلالات منها ما هو جلي
322

ومنها ما هو خفي فالأقل في العدد هو الجلي والأكثر في العدد هو الخفي وما بين ذلك وقال الشيخ
أبو محمد بن أبي جمرة ما حاصله أن النبوة جاءت بالأمور الواضحة وفي بعضها ما يكون فيه إجمال مع
كونه مبينا في موضع آخر وكذلك المرائي منها ما هو صريح لا يحتاج إلى تأويل ومنها ما يحتاج
فالذي يفهمه العارف من الحق الذي يعرج عليه منها جزء من أجزاء النبوة وذلك الجزء يكثر مرة
ويقل أخرى بحسب فهمه فأعلاهم من يكون بينه وبين درجة النبوة أقل ما ورد من العدد
وأدناهم الأكثر من العدد ومن عداهما ما بين ذلك وقال القاضي عياض ويحتمل أن تكون هذه
التجزئة في طرق الوحي إذ منه ما سمع من الله بلا واسطة ومنه ما جاء بواسطة الملك ومنه ما ألقي في
القلب من الالهام ومنه ما جاء به الملك وهو على صورته أو على صورة آدمي معروف أو غير معروف
ومنه ما أتاه به في النوم ومنه ما أتاه به في صلصلة الجرس ومنه ما يلقيه روح القدس في روعه إلى غير
ذلك مما وقفنا عليه ومما لم نقف عليه فتكون تلك الحالات إذا عددت انتهت إلى العدد المذكور
قال القرطبي في المفهم ولا يخفى ما فيه من التكلف والتساهل فان تلك الاعداد انما هي أجزاء
النبوة وأكثر الذي ذكره انما هي أحوال لغير النبوة لكونه يعرف الملك أو لا يعرفه أو يأتيه على
صورته أو على صورة آدمي ثم مع هذا التكلف لم يبلغ عدد ما ذكر عشرين فضلا عن سبعين
(قلت) والذي نحاه القاضي سبقه إليه الحليمي فقرأت في مختصره للشيخ علاء الدين القونوي
بخطه ما نصه ثم إن الأنبياء يختصون بآيات يؤيدون بها ليتميزوا بها عمن ليس مثلهم كما تميزوا
بالعلم الذي أتوه فيكون لهم الخصوص من وجهين فما هو في حين التعليم هو النبوة وما هو في حيز
التأييد هو حجة النبوة قال وقد قصد الحليمي في هذا الموضع بيان كون الرؤيا الصالحة جزءا من
ستة وأربعين جزءا من النبوة فذكر وجها من الخصائص العلمية للأنبياء تكلف في بعضها حتى
أنهاها إلى العدد المذكور فتكون الرؤيا واحدا من تلك الوجوه فأعلاها تكليم الله بغير
واسطة ثانيها الالهام بلا كلام بل يجد علم شئ في نفسه من غير التقدم ما يوصل إليه بحس
أو استدلال ثالثها الوحي على لسان ملك يراه فيكلمه رابعها نفث الملك في روعه وهو الوحي
الذي يخص به القلب دون السمع قال وقد ينفث الملك في روع بعض أهل الصلاح لكن بنحو
الأطماع في الظفر بالعدو والترغيب في الشئ والترهيب من الشئ فيزول عنه بذلك وسوسة
الشيطان بحضور الملك لا بنحو نفي علم الاحكام والوعد والوعيد فإنه من خصائص النبوة
خامسها إكمال عقله فلا يعرض له فيه عارض أصلا سادسها قوة حفظه حتى يسمع السورة
الطويلة فيحفظها من مرة ولا ينسى منها حرفا سابعها عصمته من الخطأ في اجتهاده ثامنها
ذكاء فهمه حتى يتسع لضروب من الاستنباط تاسعها ذكاء بصره حتى يكاد يبصر الشئ من
أقصى الأرض عاشرها ذكاء سمعه حتى يسمع من أقصى الأرض ما لا يسمعه غيره حادي عشرها
ذكاء شمه كما وقع ليعقوب في قميص يوسف ثاني عشرها تقوية جسده حتى سار في ليلة مسيرة
ثلاثين ليلة ثالث عشرها عروجه إلى السماوات رابع عشرها مجئ الوحي له في مثل صلصلة
الجرس خامس عشرها تكليم الشاة سادس عشرها إنطاق النبات سابع عشرها إنطاق
الجذع ثامن عشرها إنطاق الحجر تاسع عشرها إفهامه عواء الذئب أن يفرض له رزقا العشرون
إفهامه رغاء البعير الحادي والعشرون أن يسمع الصوت ولا يرى المتكلم الثانية والعشرون
323

مكينه من مشاهدة الجن الثالثة والعشرون تمثيل الأشياء المغيبة له كما مثل له بيت المقدس
صبيحة الاسراء الرابعة والعشرون حدوث أمر يعلم به العاقبة كما قال في الناقة لما بركت
في الحديبية حبسها حابس الفيل الخامسة والعشرون استدلاله باسم على أمر كما قال لما جاءهم
سهيل بن عمرو قد سهل لكم الامر السادسة والعشرون أن ينظر شيئا علويا فيستدل به على أمر
يقع في الأرض كما قال إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب السابعة والعشرون رؤيته من
ورائه الثامنة والعشرون اطلاعه على أمر وقع لمن مات قبل أن يموت كما قال في حنظلة رأيت
الملائكة تغسله وكان قتل وهو جنب التاسعة والعشرون أن يظهر له ما يستدل به على فتوح
مستقبل كما جاء ذلك يوم الخندق الثلاثون إطلاعه على الجنة والنار في الدنيا الحادية
والثلاثون الفراسة الثانية والثلاثون طواعية الشجرة حتى انتقلت بعروقها وغصونها من
مكان إلى مكان ثم رجعت الثالثة والثلاثون قصة الظبية وشكواها له ضرورة خشفها الصغير
الرابعة والثلاثون تأويل الرؤيا بحيث لا تخطئ الخامسة والثلاثون الحزر في الرطب وهو على
النخل أنه يجئ كذا وكذا وسقا من التمر فجاء كما قال السادسة والثلاثون الهداية إلى الاحكام
السابعة والثلاثون الهداية إلى سياسة الدين والدنيا الثامنة والثلاثون الهداية إلى هيئة العالم
وتركيبه التاسعة والثلاثون الهداية إلى مصالح البدن بأنواع الطب الأربعون الهداية إلى
وجوه القربات الحادية والأربعون الهداية إلى الصناعات النافعة الثانية والأربعون
الاطلاع على ما سيكون الثالثة والأربعون الاطلاع على ما كان مما لم ينقله أحد قبله
الرابعة والأربعون التوقيف على أسرار الناس ومخبئاتهم الخامسة والأربعون تعليم طرق
الاستدلال السادسة والأربعون الاطلاع على طريق التلطف في المعاشرة قال فقد بلغت
خصائص النبوة فيما مرجعه العلم ستة وأربعين وجها ليس منها وجه إلا وهو يصلح أن يكون
مقاربا للرؤيا الصالحة التي أخبر أنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة والكثير منها وإن
كان قد يقع لغير النبي لكنه للنبي لا يخطئ أصلا ولغيره قد يقع فيه الخطأ والله أعلم وقال الغزالي
في كتاب الفقر والزهد من الاحياء لما ذكر حديث يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة
عام وفي رواية بأربعين سنة قال وهذا يدل على تفاوت درجات الفقراء فكان الفقير الحريص
على جزء من خمس وعشرين جزءا من الفقير الزاهد لأن هذه نسبة الأربعين إلى الخمسمائة
ولا يظن أن تقدير النبي صلى الله عليه وسلم يتجزأ على لسانه كيف ما اتفق بل لا ينطق إلا بحقيقة
الحق وهذا كقوله الرؤيا الصالحة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة فإنه
تقدير تحقيق لكن ليس في قوة غيره أن يعرف علة تلك النسبة إلا بتخمين لان النبوة عبارة عما
يختص به النبي ويفارق به غيره وهو يختص بأنواع من الخواص منها أنه يعرف حقائق الأمور
المتعلقة بالله وبصفاته وملائكته والدار الآخرة لا كما يعلمه غيره بل عنده من كثرة المعلومات
وزياد اليقين والتحقيق ما ليس عند غيره وله صفة تتم له بها الافعال الخارق للعادات كالصفة التي
بها تتم لغيره الحركات الاختيارية وله صفة يبصر بها الملائكة ويشاهد بها الملكوت كالصفة
التي يفارق بها البصير الأعمى وله صفة بها يدرك ما سيكون في الغيب ويطالع بها ما في اللوح
المحفوظ كالصفة التي يفارق بها الذكي البليد فهذه صفات كاملات ثابتة للنبي يمكن إنقسام
324

كل واحدة منها إلى أقسام بحيث يمكننا ان نقسمها إلى أربعين والى خمسين والى أكثر وكذا يمكننا
أن نقسمها إلى ستة وأربعين جزءا بحيث تقع الرؤيا الصحيحة جزءا من جملتها لكن لا يرجع إلا إلى ظن
وتخمين لا انه الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة انتهى ملخصا وأظنه أشار إلى كلام
الحليمي فإنه مع تكلفه ليس على يقين أن الذي ذكره هو المراد والله أعلم وقال بن الجوزي لما
كانت النبوة تتضمن اطلاعا على أمور يظهر تحقيقها فيما بعد وقع تشبيه رؤيا المؤمن بها وقيل
إن جماعة من الأنبياء كانت نبوتهم وحيا في المنام فقط وأكثرهم ابتدئ بالوحي في المنام ثم رقوا
إلى الوحي في اليقظة فهذا بيان مناسبة تشبيه المنام الصادق بالنبوة وأما خصوص العدد
المذكور فتكلم فيه جماعة فذكر المناسبة الأولى وهي ان مدة وحي المنام إلى نبينا كانت
ستة أشهر وقد تقدم ما فيه ثم ذكر أن الأحاديث اختلفت في العدد المذكور قال فعلى هذا
تكون رؤيا المؤمن مختلفة أعلاها ستة وأربعون وأدناها سبعون ثم ذكر المناسبة التي ذكرها
الطبري وقال القرطبي في المفهم يحتمل أن يكون المراد من هذا الحديث أن المنام الصادق خصلة
من خصال النبوة كما جاء في الحديث الآخر التؤدة والاقتصاد وحسن السمت جزء من
ستة وعشرين جزءا من النبوة أي النبوة مجموع خصال مبلغ أجزائها ذلك وهذه الثلاثة جزء
منها وعلى مقتضى ذلك يكون كل جزء من الستة والعشرين ثلاثة أشياء فإذا ضربنا ثلاثة
في ستة وعشرين انتهت إلى ثمانية وسبعين فيصح لنا أن عدد خصال النبوة من حيث آحادها
ثمانية وسبعون قال ويصح أن يسمى كل اثنين منها جزءا فيكون العدد بهذا الاعتبار تسعة
وثلاثين ويصح أن يسمى كل أربعة منها جزءا فتكون تسعة عشر جزءا ونصف جزء فيكون
اختلاف الروايات في العدد بحسب اختلاف اعتبار الاجزاء ولا يلزم منه اضطراب وقال وهذا
أشبه ما وقع لي في ذلك مع أنه لم ينشرح به الصدر ولا اطمأنت إليه النفس (قلت) وتمامه أن
يقول في الثمانية والسبعين بالنسبة لرواية السبعين الغي فيها الكسر وفي التسعة والثلاثين
بالنسبة إلى رواية الأربعين جبر الكسر ولا تحتاج إلى العدد الأخير لما فيه من ذكر النصف وما عدا
ذلك من الاعداد قد أشار إلى أنه يعتبر بحسب ما يقدر من الخصال ثم قال وقد ظهر لي من وجه آخر
وهو أن النبوة معناها أن الله يطلع من يشاء من خلقه على ما يشاء من أحكامه ووحيه إما بالمكالمة
وإما بواسطة الملك وإما بالقاء في القلب بغير واسطة لكن هذا المعنى المسمى بالنبوة لا يخص الله به
إلا ما خصه بصفات كمال نوعه من المعارف والعلوم والفضائل والآداب مع تنزهه عن النقائص
أطلق على تلك الخصال نبوة كما في حديث التؤدة والاقتصاد أي تلك الخصال من خصال
الأنبياء والأنبياء مع ذلك متفاضلون فيها كما قال تعالى ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض
ومع ذلك فالصدق أعظم أوصافهم يقظة ومناما فمن تأسى بهم في الصدق حصل من رؤيا على
الصدق ثم لما كانوا في مقاماتهم متفاوتين كان أتباعهم من الصالحين كذلك وكان أقل
خصال الأنبياء ما إذا اعتبر كان ستة وعشرين جزءا وأكثرها ما يبلغ سبعين وبين العدد مراتب
مختلفة بحسب ما اختلفت ألفاظ الروايات وعلى هذا فمن كان من غير الأنبياء في صلاحه وصدقه
على رتبة تناسب حال نبي من الأنبياء كانت رؤياه جزءا من نبوة ذلك النبي ولما كانت كمالاتهم
متفاوتة كانت نسبة أجزاء منامات الصادقين متفاوتة على ما فصلناه قال وبهذا يندفع
325

الاضطراب إن شاء الله وذكر الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة وجها آخر ملخصه أن النبوة لها وجوه
من الفوائد الدنيوية والأخروية خصوصا وعموما منها ما يعلم ومنها ما لا يعلم وليس بين النبوة
والرؤيا نسبة إلا في كونها حقا فيكون مقام النبوة بالنسبة لمقام الرؤيا بحسب تلك الاعداد
راجعة إلى درجات الأنبياء فنسبتها من أعلاهم وهو من ضم له إلى النبوة الرسالة أكثر ما ورد من
العدد ونسبتها إلى الأنبياء غير المرسلين أقل ما ورد من العدد وما بين ذلك ومن ثم أطلق في الخبر
النبوة ولم يقيدها بنبوة نبي بعينه ورأيت في بعض الشروح أن معنى الحديث أن للمنام شبها
بما حصل للنبي وتميز به عن غيره بجزء من ستة وأربعين جزءا فهذه عدة مناسبات لم أر من جمعها
في موضع واحد فلله الحمد على ما ألهم وعلم ولم اقف في شئ من الاخبار على كون الالهام جزءا
من أجزاء النبوة مع أنه من أنواع الوحي إلا أن بن أبي جمرة تعرض لشئ منه كما سأذكره في باب من
رأى النبي صلى الله عليه وسلم إن شاء الله تعالى (قوله باب) بالتنوين (الرؤيا من الله)
أي مطلقا وإن قيدت في الحديث بالصالحة فهو بالنسبة إلى ما لا دخول للشيطان فيه وأما ما له
فيه دخل فنسبت إليه نسبة مجازية مع أن الكل بالنسبة إلى الخلق والتقدير من قبل الله وإضافة
الرؤيا إلى الله للتشريف ويحتمل أن يكون أشار إلى ما ورد في بعض طرقه كما سأبينه وظاهر قوله
الرؤيا من الله والحلم من الشيطان أن التي تضاف إلى الله لا يقال لها حلم والتي تضاف للشيطان
لا يقال لها رؤيا وهو تصرف شرعي وإلا فالكل يسمى رؤيا وقد جاء في حديث آخر الرؤيا ثلاث
فأطلق على كل رؤيا وسيأتي بيانه في باب القيد في المنام وذكر فيه حديثين الحديث الأول حديث
أبي قتادة وزهير في السند هو ابن معاوية أبو خيثمة الجعفي ويحيى بن سعيد هو الأنصاري
وأبو سلمة هو بن عبد الرحمن (قوله الرؤيا الصادقة) في رواية الكشميهني الصالحة وهو الذي وقع في
معظم الروايات وسقط الوصف من رواية أحمد بن يحيى الحلواني عن أحمد بن يونس شيخ البخاري
فيه أخرجه أبو نعيم في المستخرج بلفظ الرؤيا من الله كالترجمة وكذا في الطب من رواية سليمان
ابن بلال والإسماعيلي من رواية الثوري وبشر بن المفضل ويحيى القطان كلهم عن يحيى بن سعيد
ولمسلم من رواية الزهري عن أبي سلمة كما سيأتي قريبا مثله ووقع في رواية عبد ربه بن سعيد عن أبي
سلمة كما سيأتي في باب إذا رأى ما يكره الرؤيا الحسنة من الله ووقع عند مسلم من هذا الوجه الصالحة
زاد في هذه الرواية فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يخبر به إلا من يحب ولمسلم في رواية من هذا الوجه
فان رأى رؤيا حسنة فليبشر ولا يخبر إلا من يحب وقوله فليبشر بفتح التحتانية وسكون الموحدة
وضم المعجمة من البشرى وقيل بنون بدل الموحدة أي ليحدث بها وزعم عياض أنها تصحيف ووقع
في بعض النسخ من مسلم فليستر بمهملة ومثناة من الستر وفي حديث أبي رزين عند الترمذي ولا
يقصها إلا على واد بتشديد الدال اسم فاعل من الود أو ذي رأي وفي أخرى ولا يحدث بها إلا لبيبا
أو حبيبا وفي أخرى ولا يقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح قال القاضي أبو بكر بن العربي أما العالم
فإنه يؤولها له على الخير مهما أمكنه وأما الناصح فإنه يرشد إلى ما ينفعه ويعينه عليه وأما اللبيب
وهو العارف بتأويلها فإنه يعلمه بما يعول عليه في ذلك أو يسكت وأما الحبيب فان عرف خيرا
قاله وإن جهل أو شك سكت (قلت) والأولى الجمع بين الروايتين فان اللبيب عبر به عن العالم
والحبيب عبر به من الناصح ووقع عند مسلم في حديث أبي سعيد في حديثي الباب فليحمد الله
326

عليها وليحدث بها (قوله والحلم من الشيطان) كذا اختصره وسيأتي ضبط الحلم ومعناه في باب الحلم
من الشيطان إن شاء الله تعالى وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من الطريق المشار إليها فزاد
فإذا رأى أحدكم شيئا يكرهه فلينفث عن شماله ثلاث مرات ويتعوذ بالله من شرها وأذاها فإنها
لا تضره وكذا مضى في الطب من رواية سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد وسيأتي المصنف
في باب الحلم من الشيطان من طريق بن شهاب عن أبي سلمة بلفظ فإذا حلم أحدكم الحلم يكرهه
فليبصق عن يساره وليستعذ بالله منه فلن يضره ولمسلم من هذا الوجه عن يساره حين يهب من
نومه ثلاث مرات وسيأتي في باب من رأى النبي صلى الله عليه وسلم من طريق عبيد الله بن أبي
جعفر عن أبي سلمة بلفظ فمن رأى شيئا يكرهه فلينفث عن شماله ثلاثا وليتعوذ من الشيطان
فإنها لا تضره ومن رواية عبد ريه بن سعيد عن أبي سلمة الآتية في إذا رأى ما يكره بلفظ وإذا
رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان وليتفل ثلاثا ولا يحدث بها أحدا فإنها
لن تضره وهذه أتم الروايات عن أبي سلمة لفظا قال المهلب سمى الشارع الرؤيا الخالصة من
الأضغاث صالحة وصادقة وأضافها إلى الله وسمى الأضغاث حلما وأضافها إلى الشيطان إذ
كانت مخلوقة على شاكلته فأعلم الناس بكيده وأرشدهم إلى دفعه لئلا يبلغوه أربه في تحزينهم
والتهويل عليهم وقال أبو عبد الملك أضيفت إلى الشيطان لكونها على هواه ومراده وقال ابن
الباقلاني يخلق الله الرؤيا الصالحة بحضرة الملك ويخلق الرؤيا التي تقابلها بحضرة الشيطان فمن
ثم أضيفت إليه وقيل أضيفت إليه لأنه الذي يخيل بها ولا حقيقة لها في نفس الامر * الحديث
الثاني عن أبي سعيد الخدري (قوله حدثني ابن الهاد) هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن عبد الله
ابن شداد بن الهاد الليثي وسيأتي منسوبا في باب إذا رأى ما يكره (قوله فإنما هي من الله)
في الرواية المذكورة فإنها من الله فليحمد الله عليها وليتحدث بها وفي رواية الكشميهني فليتحدث
ومثله في الرواية المذكورة (قوله وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ)
زاد في نسخة بالله (قوله ولا يذكرها لاحد فإنها لا تضره) في رواية الكشميهني في باب إذا رأى ما يكره
فإنها لن تضره فحاصل ما ذكر من أدب الرؤيا الصالحة ثلاثة أشياء أن يحمد الله عليها وأن
يستبشر بها وأن يتحدث بها لكن لمن يحب دون من يكره وحاصل ما ذكر من أدب الرؤيا
المكروهة أربعة أشياء أن يتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان وأن يتفل حين يهب من نومه
عن يساره ثلاثا ولا يذكرها لاحد أصلا ووقع عند المصنف في باب القيد في المنام عن أبي هريرة
خامسة وهي الصلاة ولفظه فمن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم فليصل لكن لم يصرح
البخاري بوصله وصرح به مسلم كما سيأتي بيانه في بابه وغفل القاضي أبو بكر ابن العربي فقال زاد
الترمذي على الصحيحين بالامر بالصلاة انتهى وزاد مسلم سادسة وهي التحول من جنبه الذي
كان عليه فقال حدثنا قتيبة حدثنا ليث وحدثنا ابن رمح أنبأنا الليث عن أبي الزبير عن جابر رفعه
إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق على يساره ثلاثا وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثا
وليتحول عن جنبه الذي كان عليه وقال قبل ذلك حدثنا قتيبة ومحمد بن رمح عن الليث بن سعد
وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير
كلهم عن يحيى بن سعيد بهذا الاسناد يعني عن أبي سلمة عن أبي قتادة مثل حديث سليمان بن بلال
327

عن يحيى بن سعيد وزاد ابن رمح في هذا الحديث وليتحول عن جنبه الذي كان عليه وذكر بعض
الحفاظ أن هذه الزيادة انما هي في حديث الليث عن أبي الزبير كما اتفق عليه قتيبة وابن رمح وأما
طريق يحيى بن سعيد في حديث أبي قتادة فليست فيه ولذلك لم يذكرها قتيبة وفي الجملة فتكمل
الآداب ستة الأربعة الماضية والصلاة والتحول ورأيت في بعض الشروح ذكر سابعه وهي
قراءة آية الكرسي ولم يذكر لذلك مستندا فإن كان أخذه من عموم قوله في حديث أبي هريرة
ولا يقربنك الشيطان فيتجه وينبغي أن يقرأها في صلاته المذكورة وسيأتي ما يتعلق بآداب العابر
وقد ذكر العلماء حكمه هذه الأمور فأما الاستعاذة بالله من شرها فواضح وهي مشروعة عند كل
أمر يكره وأما الاستعاذة من الشيطان فلما وقع في بعض طرق الحديث أنها منه وانما يخيل بها
لقصد تحزين الآدمي والتهويل عليه كما تقدم وأما التفل فقال عياض أمر به طردا للشيطان
الذي حضر الرؤيا المكروهة تحقيرا له واستقذارا وخصت به اليسار لأنها محل الاقذار ونحوها
قلت والتثليث للتأكيد وقال القاضي أبو بكر ابن العربي فيه إشارة إلى أنه في مقام الرقية
ليتقرر عند النفس دفعه عنها وعبر في بعض الروايات البصاق إشارة إلى استقذاره وقد ورد
بثلاثة ألفاظ التفث والتفل والبصق قال النووي في الكلام على التفث في الرقية تبعا لعياض
اختلف في التفث والتفل فقيل هما بمعنى ولا يكونان إلا بريق وقال أبو عبيد يشترط في التفل
ريق يسير ولا يكون في التفث وقيل عكسه وسألت عائشة عن التفث في الرقية فقالت كما ينفث
آكل الزبيب لا ريق معه قال ولا اعتبار بما يخرج معه من بلة بغير قصد قال وقد جاء في حديث
أبي سعد في الرقية بفاتحة الكتاب فجعل يجمع بزاقه قال عياض وفائدة التفل التبرك بتلك
الرطوبة والهواء والتفث للمباشر للرقية المقارن للذكر الحسن كما يتبرك بغسالة ما يكتب من
الذكر والأسماء وقال النووي أيضا أكثر الروايات في الرؤيا فلينفث وهو نفخ لطيف بلا ريق
فيكون التفل والبصق محمولين عليه مجازا (قلت) لكن المطلوب في الموضعين مختلف لان المطلوب
في الرقية التبرك برطوبة الذكر كما تقدم والمطلوب هنا طرد الشيطان وإظهار احتقاره واستقذاره
كما نقله هو عن عياض كما تقدم فالذي يجمع الثلاثة الحمل على التفل فإنه نفخ معه ريق لطيف
فبالنظر إلى النفخ قيل له تفث وبالنظر إلى الريق قيل له بصاق قال النووي وأما قوله فإنها لا تضره
فمعناه ان الله جعل ما ذكر سببا للسلامة من المكروه والمترتب على الرؤيا كما جعل الصدقة وقاية
للمال انتهى وأما الصلاة فلما فيها من التوجه إلى الله واللجأ إليه ولان في التحرم بها عصمة من
الأسواء وبها تكمل الرغبة وتصح الطلبة لقرب المصلي من ربه عند سجوده وأما التحول
للتفاؤل بتحول تلك الحال التي كان عليها قال النووي وينبغي أن يجمع بين هذه الروايات كلها
ويعمل بجميع ما تضمنه فان اقتصر على بعضها أجزأه في دفع ضررها بإذن الله تعالى كما صرحت
به الأحاديث (قلت) لم أر في شئ من الأحاديث الاقتصار على واحدة نعم أشار المهلب إلى أن
الاستعاذة كافية في دفع شرها وكأنه أخذه من قوله تعالى فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من
الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون فيحتاج مع الاستعاذة
إلى صحة التوجه ولا يكفي إمرار الاستعاذة باللسان وقال القرطبي في المفهم الصلاة تجمع ذلك
كله لأنه إذا قام فصلى تحول عن جنبه وبصق ونفث عند المضمضة في الوضوء واستعاذ قبل القراءة
328

ثم دعا الله في أقرب الأحوال إليه فيكفيه الله شرها بمنه وكرمه وورد في صفة التعوذ من شر الرؤيا
أثر صحيح أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة عن إبراهيم النخعي
قال إذا رأى أحدكم في منامه ما يكره فليقل إذا استيقظ أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسله من
شر رؤياي هذه أن يصيبني فيها ما أكره في ديني ودنياي وورد في الاستعاذة من التهويل في المنام
ما أخرجه مالك قال بلغني أن خالد بن الوليد قال يا رسول الله إني أروع في المنام فقال قل أعوذ
بكلمات الله التامات ومن شر غضبه وعذابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون
وأخرجه النسائي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كان خالد بن الوليد يفزع
في منامه فذكر نحوه وزاد في أوله إذا اضطجعت فقل باسم الله فذكره وأصله عند أبي داود
والترمذي وحسنه والحاكم وصححه واستثنى الداودي من عموم قوله إذا رأى ما يكره ما يكون
في الرؤيا الصادقة لكونها قد تقع إنذارا كما تقع تبشيرا وفي الانذار نوع ما يكرهه الرائي فلا يشرع
إذا عرف انها صادقة ما ذكره من الاستعاذة ونحوها واستند إلى ما ورد من مرائي النبي صلى الله
عليه وسلم كالبقر التي تنحر ونحو ذلك ويمكن أن يقال لا يلزم من ترك الاستعاذة في الصادقة أن
لا يتحول عن جنبه ولا أن لا يصلي فقد يكون ذلك سببا لدفع مكروه الانذار مع حصول مقصود
الانذار وأيضا فالمنذورة قد ترجع إلى معنى المبشرة لان من أنذر بما سيقع له ولو كان لا يسره أحسن
حالا ممن هجم عليه ذلك فإنه ينزعج ما لا ينزعج من كان يعلم بوقوعه فيكون ذلك تخفيفا عنه ورفقا
به قال الحكيم الترمذي الرؤيا الصادقة أصلها حق تخبر عن الحق وهي بشرة وانذار ومعاتبة
لتكون عونا لما ندب إليه قال وقد كان غالب أمور الأولين الرؤيا إلا أنها قلت في هذه الأمة لعظم
ما جاء به نبيها من الوحي ولكثرة من في أمته من الصديقين من المحدثين بفتح الدال وأهل اليقين
فاكتفوا بكثرة الالهام والملهمين عن كثرة الرؤيا التي كانت في المتقدمين وقال القاضي عياض
يحتمل قوله الرؤيا الحسنة والصالحة أن يرجع إلى حسن ظاهرها أو صدقها كما أن قوله الرؤيا
المكروهة أو السوء يحتمل سوء الظاهر أو سوء التأويل وأما كتمها مع أنها قد تكون صادقة
فخفيت حكمته ويحتمل أن يكون لمخافة تعجيل اشتغال سر الرائي بمكروه تفسيرها لأنها قد تبطئ
فإذا لم يخبر بها زال تعجيل روعها وتخويفها ويبقى إذا لم يعبرها له أحد بين الطمع في أن لها تفسيرا
حسنا أو الرجاء في أنها من الأضغاث فيكون ذلك أسكن لنفسه واستدل بقوله ولا يذكرها
على أن الرؤيا تقع على ما يعبر به وسيأتي البحث في ذلك في باب إذا رأى ما يكره إن شاء الله تعالى
واستدل به على أن للوهم تأثيرا في النفوس لان التفل وما ذكر معه يدفع الوهم الذي يقع في النفس
من الرؤيا فلو لم يكن للوهم تأثير لما أرشد إلى ما يدفعه وكذا في النهي عن التحديث بما يكره لمن يكره
والامر بالتحديث بما يجب لمن يجب (قوله في حديث أبي سعيد وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي
من الشيطان) ظاهر الحصر أن الرؤيا الصالحة لا تشتمل على شئ مما يكرهه الرائي ويؤيد مقابلة
رؤيا البشرى بالحلم وإضافة الحلم إلى الشيطان وعلى هذا ففي قول أهل التعبير ومن تبعهم ان
الرؤيا الصادقة قد تكون بشرى وقد تكون انذارا نظر لان الانذار غالبا يكون فيما يكره الرائي
ويمكن الجمع بأن الانذار لا يستلزم وقوع المكروه كما تقدم تقريره وبأن المراد بما يكره ما هو أعم
من ظاهر الرؤيا ومما تعبر به وقال القرطبي في المفهم ظاهر الخبر أن هذا النوع من الرؤيا يعني
329

ما كان فيه تهويل أو تخويف أو تحزين هو المأمور بالاستعاذة منه لأنه من تخيلات الشيطان
فإذا استعاذ الرائي منه صادقا في التجائه إلى الله وفعل ما أمر به من التفل والتحول والصلاة
أذهب الله عنه ما به وما يخافه من مكروه ذلك ولم يصبه منه شئ وقيل بل الخبر على عمومه فيما
يكرهه الرائي بتناول ما يتسبب به الشيطان وما لا تسبب له فيه وفعل الأمور المذكورة مانع من
وقوع المكروه كما جاء أن الدعاء يدفع البلاء والصدقة تدفع منة السوء وكل ذلك بقضاء الله وقدره
ولكن الأسباب عادات لا موجودات وأما ما يرى أحيانا مما يعجب الرائي ولكنه لا يجده في اليقظة
ولا ما يدل عليه فإنه يدخل في قسم آخر وهو ما كان الخاطر به مشغولا قبل النوم ثم يحصل النوم
فيراه فهذا قسم لا يضر ولا ينفع (قوله باب الرؤيا الصالحة جزء من ستة
وأربعين جزءا من النبوة) هذه الترجمة لفظ آخر أحاديث الباب فكأنه حمل الرواية الأخرى بلفظ
رؤيا المؤمن على هذه المقيدة وسقطت هذه الترجمة للنسفي وذكر أحاديثها في الباب الذي قبله وذكر
فيه خمسة أحاديث الحديث الأول (قوله حدثنا مسدد قال حدثنا عبد الله بن يحيى بن أبي
كثير وأثنى عليه خيرا لقيته باليمامة) هكذا للأكثر وفي رواية القابسي بعد قوله خيرا قال لقيته
باليمامة وفاعل أثنى هو مسدد وهي جملة حالية كأنه قال أثنى عليه خيرا حال تحديثه عنه وقد
أثنى عليه أيضا إسحاق بن أبي إسرائيل فيما أخرجه الإسماعيلي من طريقه قال حدثنا عبد الله
ابن يحيى بن أبي كثير وكان من خيار الناس وأهل الورع والدين (قوله عن أبيه) هو عطف على
السند الذي قبله ففي رواية إسحاق بن أبي إسرائيل المذكورة بعد أن ساق طريق أبي سلمة قال
وحدثنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير عن أبيه عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه مثل حديث
أبي سلمة وتقدم في صفة إبليس من طريق الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة وحده عن
أبي قتادة أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي خليفة عن مسدد كرواية البخاري عن
مسدد ومن طريق إبراهيم الحربي عن مسدد بهذا السند فقال عن أبي هريرة بدل أبي قتادة
ولعله كان عند أبي سلمة عنهما وكان عند مسدد على الوجهين فقد أخرجه ابن عدي من رواية إسحاق
بن أبي إسرائيل بهذا السند إلى أبي سلمة فقال عن أبي قتادة تارة وعن أبي هريرة أخرى وعن
عبيد الله بن يحيى بن أبي كثير عن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة حديث رؤيا الرجل الصالح جزء من
ستة وأربعين جزءا من النبوة أخرجه مسلم (قوله الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان
فإذا حلم أحدكم) تقدم شرحه في الباب الذي قبله مستوفى وقد اعترضه الإسماعيلي فقال ليس هذا
الحديث من هذا الباب في شئ وأخذه الزركشي فقال إدخاله في هذا الباب لا وجه له بل هو ملحق
بالذي قبله (قلت) وقد وقع ذلك في رواية النسفي كما أشرت إليه ويجاب عن صنيع الأكثر بأن وجه
دخوله في هذه الترجمة الإشارة إلى أن الرؤيا الصالحة انما كانت جزءا من أجزاء النبوة لكونها من
الله تعالى بخلاف التي من الشيطان فإنها ليست من أجزاء النبوة وأشار البخاري مع ذلك إلى ما وقع
في بعض الطرق عن أبي سلمة عن أبي قتادة فقد ذكرت في الباب الذي قبله أنه وقع في رواية محمد بن
إبراهيم التيمي عن أبي سلمة عن أبي قتادة في هذا الحديث من الزيادة ورؤيا المؤمن جزء من ستة
وأربعين جزءا من النبوة الحديث الثاني (قوله حدثنا غندر) هو محمد بن جعفر (قوله عن
أنس) في رواية أحمد عن محمد بن جعفر المذكور بسنده المذكور سمعت أنس بن مالك يحدث عن
330

عبادة وقد خالف قتادة غيره فلم يذكروا عبادة في السند وهو الحديث الثالث حديث أنس
(قوله ورواه ثابت وحميد وإسحاق بن عبد الله وشعيب عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم) أي
بغير واسطة فأما رواية ثابت فتأتي موصولة بعد خمسة أبواب من طريق عبد العزيز بن المختار عنه
تلو حديث أوله من رآني في المنام فقد رآني وقال فيه ورؤيا المؤمن وصلها مسلم من طريق شعبة
عن ثابت كذلك وأخرجها البزار وقال لا نعلم رواه عن ثابت إلا شعبة ورواية عبد العزيز ترد عليه
ووقع في أطراف المزي أن البخاري أخرجه في التعبير معلقا فقال رواه شعبة عن ثابت ولم أر ذلك
في البخاري وأما رواية حميد فوصلها أحمد عن محمد بن أبي عدي عنه ولفظ المتن مثل رواية قتادة
وأما رواية إسحاق وهو ابن عبد الله بن أبي طلحة فتقدمت قريبا وأما رواية شعيب وهو ابن
الحبحاب بمهملتين مفتوحتين وموحدتين الأولى ساكنة فرويناها موصولة في كتاب الروح
لأبي عبد الله بن منده من طريق عبد الوارث بن سعيد وفي الجزء الرابع من فوائد أبي جعفر محمد بن
عمرو الرزاز من طريق سعيد بن زيد كلاهما عن شعيب ولفظه مثل حميد وأشار الدارقطني إلى
أن الطريقين صحيحان الحديث الرابع حديث أبي هريرة من رواية الزهري عن سعيد بن المسيب
عنه ولفظه مثل قتادة وقد أخرجه مسلم من هذا الوجه فزاد في أوله أن التي للتأكيد وأخرجه من
طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ أبي سعيد آخر حديث الباب ومن طريق أبي سلمة ومن
طريق همام كلاهما عن أبي هريرة بلفظ رؤيا الرجل الصالح بدل لفظ المؤمن الحديث الخامس
حديث أبي سعيد من رواية ابن أبي حازم والدراوردي واسم كل منهما عبد العزيز واسم أبي حازم
سلمة بن دينار واسم والد الدراوردي محمد بن عبيد ويزيد شيخهما هو المعروف بابن الهاد والسند
كله مدنيون ولفظ المتن مثل الترجمة كما تقدم (قوله من النبوة) قال بعض الشراح كذا هو
في جميع الطرق وليس في شئ منها بلفظ من الرسالة بدل من النبوة قال وكأن السر فيه أن الرسالة
تزيد على النبوة بتبليغ الاحكام للمكلفين بخلاف النبوة المجردة فإنها اطلاع على بعض المغيبات
وقد يقرر بعض الأنبياء شريعة من قبله ولكن لا يأتي بحكم جديد مخالف لمن قبله فيؤخذ من
ذلك ترجيح القول بأن من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فأمره بحكم يخالف حكم الشرع
المستقر في الظاهر أنه لا يكون مشروعا في حقه ولا في حق غيره حتى يجب عليه تبليغه وسيأتي بسط
هذه المسألة في الكلام على حديث من رآني في المنام فقد رآني إن شاء الله تعالى (قوله
باب المبشرات) بكسر الشين المعجمة جمع مبشرة وهي البشرى وقد ورد في قوله تعالى لهم
البشرى في الحياة الدنيا هي الرؤيا الصالحة أخرجه الترمذي وابن ماجة وصححه الحاكم من رواية
أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبادة بن الصامت ورواته ثقات إلا أن أبا سلمة لم يسمعه من عبادة
وأخرجه الترمذي أيضا من وجه آخر عن أبي سلمة قال نبئت عن عبادة وأخرجه أيضا هو وأحمد
وإسحاق وأبو يعلى من طريق عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر عن عبادة وذكر ابن أبي حاتم
عن أبيه أن هذا الرجل ليس بمعروف وأخرجه ابن مردويه من حديث ابن مسعود قال سألت
رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله وفي الباب عن جابر عند البزار وعن أبي هريرة عند
الطبري وعن عبد الله بن عمرو عند أبي يعلى (قوله لم يبق من النبوة إلا المبشرات) كذا ذكره باللفظ
الدال على المضي تحقيقا لوقوعه والمراد الاستقبال أي لا يبقى وقيل هو على ظاهره لأنه قال ذلك في
331

زمانه واللام في النبوة للعهد والمراد نبوته والمعنى لم يبق بعد النبوة المختصة بي إلا المبشرات ثم
فسرها بالرؤيا وصرح به في حديث عائشة عند أحمد بلفظ لم يبق بعدي وقد جاء في حديث ابن
عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك في مرض موته أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق
إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن أبيه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كشف الستارة
ورأسه معصوب في مرضه الذي مات فيه والناس صفوف خلف أبي بكر فقال يا أيها الناس أنه
لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له الحديث وللنسائي من رواية
زفر بن صعصعة عن أبي هريرة رفعه أنه ليس يبق بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة وهذا يؤيد
التأويل الأول وظاهر الاستثناء مع تقدم من أن الرؤيا جزء من أجزاء النبوة أن الرؤيا نبوة
وليس كذلك لما تقدم أن المراد تشبيه أمر الرؤيا بالنبوة أو لان جزء الشئ لا يستلزم ثبوت
وصفه له كمن قال أشهد أن لا إله إلا الله رافعا صوته لا يسمى مؤذنا ولا يقال أنه أذن وإن كانت
جزءا من الاذان وكذا لو أقر شيئا من القرآن وهو قائم لا يسمى مصليا وإن كانت القراءة جزءا من
الصلاة ويؤيده حديث أم كرز بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي الكعبية قالت سمعت
النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذهبت النبوة وبقيت المبشرات أخرجه أحمد وابن ماجة وصححه
ابن خزيمة وابن حبان ولأحمد عن عائشة مرفوعا لم يبق بعدي من المبشرات إلا الرؤيا وله
وللطبراني من حديث حذيفة بن أسيد مرفوعا ذهبت النبوة وبقيت المبشرات ولأبي يعلى من
حديث أنس رفعه أن الرسالة والنبوة قد انقطعت ولا نبي ولا رسول بعدي ولكن بقيت
المبشرات قالوا وما المبشرات قال رؤيا المسلمين جزء من أجزاء النبوة قال المهلب ما حاصله بالتعبير
بالمبشرات خرج للأغلب فان من الرؤيا ما تكون منذرة وهي صادقة يريها الله للمؤمن رفقا به
ليستعد لما يقع قبل وقوعه قال بن التين معنى الحديث أن الوحي ينقط بموتي ولا يبقى ما يعلم
منه ما سيكون إلا الرؤيا ويرد عليه الالهام فان فيه أخبارا بما سيكون وهو للأنبياء بالنسبة للوحي
كالرؤيا ويقع لغير الأنبياء كما في الحديث الماضي في مناقب عمر قد كان فيمن مضى من الأمم
محدثون وفسر المحدث بفتح الدال بالملهم بالفتح أيضا وقد أخبر كثير من الأولياء عن أمور مغيبة
فكانت كما أخبروا والجواب أن الحصر في المنام لكونه يشمل آحاد المؤمنين بخلاف الالهام فإنه
مختص بالبعض ومع كونه مختصا فإنه نادر فإنما ذكر المنام لشموله وكثرة وقوعه ويشير إلى ذلك
قوله صلى الله عليه وسلم فان يكن وكان السر في ندور الالهام في زمنه وكثرته من بعده غلب الوحي
إليه صلى الله عليه وسلم في اليقظة وأراد إظهار المعجزات منه فكان المناسب أن لا يقع لغيره منه
في زمانه شئ فلما انقطع الوحي بموته وقع الالهام لمن اختصه الله به للأمن من اللبس في ذلك وفي
إنكار وقوع ذلك مع كثرته واشتهاره مكابرة ممن أنكره يجتبيك (قوله باب رؤيا يوسف عليه
السلام) كذا لهم ووقع للنسفي يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن وقوله
عز وجل إذ قال يوسف لأبيه فساق إلى ساجدين ثم قال إلى قوله عليم حكيم كذا لأبي ذر والنسفي
وساق في رواية كريمة الآيات كلها (قوله وقوله تعالى يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل
قد جعلها ربي حقا إلى قوله وألحقني بالصالحين) كذا لأبي ذر والنسفي أيضا وساق في رواية كريمة
الآيتين والمراد أن معنى قوله تأويل رؤياي أي التي تقدم ذكرها وهي رؤيا الكواكب والشمس
332

والقمر ساجدين له فلما وصل أبواه وأخوته إلى مصر ودخلوا عليه وهو في مرتبة الملك وسجدوا له
وكان ذلك مباحا في شريعتهم فكان التأويل في الساجدين وكونها حقا في السجود وقيل
التأويل وقع أيضا في السجود ولم يقع منهم السجود حقيقة وانما هو كناية عن الخضوع والأول
هو المعتمد وقد أخرجه بن جرير بسند صحيح عن قتادة في قوله وخروا له سجدا قال كان تحية
من قبلكم فأعطى الله هذه الأمة السلام تحية أهل الجنة وفي لفظ وكانت تحية الناس يومئذ أن
يسجد بعضهم لبعض ومن طريق ابن إسحاق والثوري وابن جريج وغيرهم نحو ذلك قال الطبري
أرادوا أن ذلك كان بينهم لا على وجه العبادة بل الاكرام واختلف في المدة التي كانت بين الرؤيا
وتفسيرها فأخرج الطبري والحاكم والبيهقي في الشعب بسند صحيح عن سلمان الفارسي قال كان
بين رؤيا يوسف وعبارتها أربعون عاما وذكر البيهقي له شاهدا عن عبد الله بن شداد وزاد واليه
ينتهي أمد الرؤيا وأخرج الطبري من طريق الحسن البصري قال كانت مدة المفارقة بين
يعقوب ويوسف ثمانين سنة وفي لفظ ثلاثا وثمانين سنة ومن طريق قتادة خمسا وثلاثين سنة
ونقل الثعلبي عن ابن مسعود تسعين سنة وعن الكلبي اثنتين وعشرين سنة قال و قيل سبعا
وسبعين ونقل ابن إسحاق قولا انها كانت ثمانية عشر عاما والأول أقوى والعلم عند الله
(قوله قال أبو عبد الله) هو المصنف وسقط هذا وما بعده إلى آخر الباب النسفي (قوله فاطر
والبديع والمبدع والبارئ والخالق واحد) كذا لبعضهم البارئ بالراء ولأبي ذر والأكثر
البادئ بالدال بدل الراء والهمز ثابت فيهما وزعم بعض الشراح ان الصواب بالراء وأن رواية
الدال وهم وليس كما قال فقد وردت في بعض طرق الأسماء الحسنى كما تقدم في الدعوات وفي
الأسماء الحسنى أيضا المبدئ وقد وقع في العنكبوت ما يشهد لكل منهما في قوله أو لم يروا كيف
يبدئ الله الخلق ثم يعيده ثم قال فانظروا كيف بدأ الخلق فالأول من الرباعي واسم الفاعل منه
مبدئ والثاني من الثلاثي واسم الفاعل منه بادئ وهما لغتان مشهورتان وإنما ذكر البخاري
هذا استطرادا من قوله في الآيتين المذكورتين فاطر السماوات والأرض فأراد تفسير الفاطر
وزعم بعض الشراح أن دعوى البخاري في ذلك الوحدة ممنوعة عند المحققين كذا قال ولم يرد
البخاري بذلك أن حقائق معانيها متوحدة انما أراد انها ترجع إلى معنى واحد وهو إيجاد الشئ
بعد أن لم يكن وقد ذكرت قول القراء أن فطر وخلق وفلق بمعنى واحد قبل باب رؤيا الصالحين
(قوله قال أبو عبد الله من البدء وبادئه) كذا وجدته مضبوطا في الأصل بالهمز في الموضعين
وبواو العطف لأبي ذر فإن كان محفوظا ترجحت رواية الدال من قوله والبادئ ولغير أبي ذر من
البدو وبادية بالواو بدل الهمز وبغير الهمز في بادية وبهاء تأنيث وهو أولى لأنه يريد تفسير قوله في
الآية المذكورة وجاء بكم من البدو ففسرها بقوله بادية أي جاء بكم من البادية وذكره
الكرماني فقال قوله من البدو أي قوله وجاء بكم من البدو أي من البادية ويحتمل أن يكون
مقصوده أن فاطر معناه البادئ من البدء أي الابتداء أي بادئ الخلق فمعنى فاطر بادئ والله أعلم
(قوله باب رؤيا إبراهيم عليه السلام) كذا لأبي ذر وسقط لفظ باب لغيره (قوله
وقوله عز وجل فلما بلغ معه السعي إلى قوله نجزى المحسنين) كذا لأبي ذر وسقط للنسفي وساق في
رواية كريمة الآيات كلها قيل كان إبراهيم نذر إن رزقه الله من سارة ولدا أن يذبحه قربانا فرأى
333

في المنام أن أوف بنذرك أخرجه بن أبي حاتم عن السدي قال فقال إبراهيم لإسحاق انطلق بنا
نقرب قربانا وأخذ حبلا وسكينا ثم انطلق به حتى إذا كان بين الجبال قال يا أبت أين قربانك قال
أنت يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك الآيات فقال اشدد رباطي حتى لا اضطرب واكفف ثيابك
حتى لا ينتضح عليها من دمي فتراه سارة فتحزن وأسرع مر السكين على حلقي ليكون أهون علي
ففعل ذلك إبراهيم وهو يبكي وأمر السكين على حلقه فلم تحز وضرب الله على حلقه صفيحة من
نحاس فكبه على جبينه وحز في قفاه فذاك قوله فلما أسلما وتله للجبين ونودي أن يا إبراهيم قد صدقت
الرؤيا فالتفت فإذا هو بكبش فأخذه وحل عن ابنه وهكذا ذكره السدي ولعله أخذه عن بعض
أهل الكتاب فقد أخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح أيضا عن الزهري عن القاسم قال اجتمع أبو
هريرة وكعب فحدث أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن لكل نبي دعوة مستجابة فقال كعب
أفلا أخبرك عن إبراهيم لما رأى أنه يذبح ابنه إسحاق قال الشيطان ان لم أفتن هؤلاء عند هذه
لم أفتنهم ابدا فذهب إلى سارة فقال أين ذهب إبراهيم بابنك قالت في حاجته قال كلا أنه ذهب به
ليذبحه يزعم أنه ربه أمره بذلك فقالت أخشى أن لا يطيع ربه فجاء إلى إسحاق فأجابه بنحوه
فواجه إبراهيم فلم يلتفت إليه فأيس أن يطيعوه وساق نحوه من طريق سعيد عن قتادة وزاد أنه
سد على إبراهيم الطريق إلى المنحر فأمره جبريل أن يرميه بسبع حصيات عند كل جمرة وكأن قتادة
أخذ أوله عن بعض أهل الكتاب وآخره مما جاء عن ابن عباس وهو عند أحمد من طريق أبي
الطفيل عنه قال إن إبراهيم لما رأى المناسك عرض له إبليس عند المسعى فسبقه إبراهيم فذهب
به جبريل إلى العقبة فعرض له إبليس فرماه بسبع حصيات حتى ذهب وكان على إسماعيل قميص
أبيض وثم تله للجبين فقال يا أبت أنه ليس لي قميص تكفنني فيه غيره فاخلعه فنودي من خلفه أن
يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا فالتفت فإذا هو بكبش أبيض أقرن أعين فذبحه وأخرج ابن إسحاق
في المبتدأ عن ابن عباس نحوه وزاد فوالذي نفسي بيده لقد كان أول الاسلام وان رأس الكبش
لمعلق بقرنيه في ميزاب الكعبة وأخرجه أحمد أيضا عن عثمان بن أبي طلحة قال أمرني رسول الله
صلى الله عليه وسلم فواريت قرني الكبش حين دخل البيت وهذه الآثار من أقوى الحجج لمن قال
إن الذبيح إسماعيل وقد نقل ابن أبي حاتم وغيره عن العباس وابن مسعود وعن علي وابن عباس
في إحدى الروايتين عنهما وعن الأحنف عن ابن ميسرة وزيد بن أسلم ومسروق وسعيد بن جبير
في إحدى الروايتين عنه وعطاء والشعبي وكعب الأحبار أن الذبيح إسحاق وعن بن عباس في أشهر
الروايتين عنه وعن علي في أحدي الروايتين وعن أبي هريرة ومعاوية وابن عمر وأبي الطفيل
وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والشعبي في إحدى الروايتين عنهما ومجاهد والحسن ومحمد بن
كعب وأبي جعفر الباقر وأبي صالح والربيع بن أنس وأبي عمرو بن العلاء وعمر بن عبد العزيز وابن
إسحاق ان الذبيح إسماعيل ويؤيده ما تقدم وحديث أنا بن الذبيحين رويناه في الخلعيات من حديث
معاوية ونقله عبد الله بن أحمد عن أبيه وابن أبي حاتم عن أبيه وأطنب ابن القيم في الهدى في
الاستدلال لتقويته وقرأت بخط الشيخ تقي الدين السبكي أنه استنبط من القرآن دليلا وهو قوله
في الصافات وقال اني ذاهب إلى ربي سيهدين إلى قوله إني أرى في المنام أني أذبحك وقوله في هود
وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق إلى قوله وهذا بعلي شيخا قال ووجه الاخذ منهما أن
334

سياقهما يدل على أنهما قصتان مختلفتان في وقتين الأولى عن طلب من إبراهيم وهو لما هاجر من
بلاد قومه في ابتداء أمره فسأل من ربه الولد فبشره بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني
أرى في المنام أني أذبحك والقصة الثانية بعد ذلك بدهر طويل لما شاخ واستبعد من مثله أن يجئ
له الولد وجاءته الملائكة عندما أمروا باهلاك قوم لوط فبشروه بإسحاق فتعين ان يكون الأول
إسماعيل ويؤيده أن في التوراة أن إسماعيل بكره وأنه ولد قبل إسحاق (قلت) وهو استدلال
جيد وقد كنت أستحسنه واحتج به إلى أن مر بي قوله في سورة إبراهيم الحمد الله لذي وهب لي
على الكبر إسماعيل وإسحاق فإنه يعكر على قوله إنه رزق إسماعيل في ابتداء أمره وقوته لان هاجر
والدة إسماعيل صارت لسارة من قبل الجبار الذي وهبها لها وإنها وهبتها لإبراهيم لما يئست من
الولد فولدت هاجر إسماعيل فغارت سارة منها كما تقدمت الإشارة إليه في ترجمة إبراهيم من أحاديث
الأنبياء وولدت بعد ذلك إسحاق واستمرت غيرة سارة إلى أن كان اخراجها وولدها إلى مكة ما كان
وقد ذكره ابن إسحاق في المبتدأ مفصلا وأخرجه الطبري في تاريخه من طريقه وأخرج الطبري
من طريق السدي قال انطلق إبراهيم من بلاد قومه قبل الشام فلقى سارة وهي بنت ملك حران
فآمنت به فتزوجها فلما قدم مصر وهبها الجبار هاجر ووهبتها له سارة وكانت سارة منعت الولد وكان
إبراهيم قد دعا الله أن يهب له ولدا من الصالحين فأخرت الدعوة حتى كبر فلما علمت سارة أن إبراهيم
وقع على هاجر حزنت على ما فاتها من الولد ثم ذكر قصة مجئ الملائكة بسبب إهلاك قوم لوط
وتفسيرهم إبراهيم بإسحاق فلذلك قال إبراهيم الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق
ويقال لم يكن بينهما إلا ثلاث سنين وقيل كان بينهما أربع عشر سنة وما تقدم من كون قصة
الذبيح كانت بمكة حجة قوية في أن الذبيح إسماعيل لان سارة وإسحاق لم يكونا بمكة والله أعلم (قوله
وقال مجاهد أسلما سلما ما أمرا به وتله وضع وجهه بالأرض) قال الفريابي في تفسيره حدثنا
ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى فلما أسلما قال سلما ما أمرا به وفي قوله وتله للجبين
قال وضع وجهه بالأرض قال لا تذبحني وأنت تنظر في وجهي لئلا ترحمني فوضع جبهته في الأرض
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي قال فلما أسلما أي سلما لله الامر ومن طريق أبي صالح قال
اتفقا على أمر واحد ومن طريق قتادة سلم إبراهيم لأمر الله وسلم إسحاق لأمر إبراهيم وفي لفظ
أما هذا فأسلم نفسه لله وأما هذا فأسلم ابنه لله ومن طريق أبي عمران الجوني تله للجبين كبه لوجهه
(تنبيه) هذه الترجمة والتي قبلها ليس في واحد منهما حديث مسند بل اكتفى فيهما بالقرآن
ولهما نظائر وقول الكرماني انه كان في كل منهما بياض ليلحق به حديث يناسبه محتمل مع بعده
(قوله باب التواطؤ على الرؤيا) أي توافق جماعة على شئ واحد ولو اختلفت
عباراتهم (قوله أن أناسا أروا ليلة القدر في السبع الأواخر وأن أناسا) في رواية الكشميهني
ناسا (قوله أروها في العشر الأواخر فقال النبي صلى الله عليه وسلم التمسوها في السبع الأواخر)
كذا وقع في هذه الرواية من طريق سالم بن عبد الله بن عمر وتقدم في أواخر الصيام من طريق
مالك عن نافع مثله لكن لفظه أرى رؤياكم تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها الحديث
ولم يذكر الجملة الوسطى واعترضه الإسماعيلي فقال اللفظ الذي ساقه خلاف التواطؤ وحديث
التواطئ أرى رؤياكم قد تواطأت على العشر الأواخر (قلت) لم يلتزم البخاري إيراد الحديث
335

بلفظ تواطؤ وانما أراد بالتواطؤ التوافق وهو أعم من أن يكون الحديث بلفظه أو بمعناه
وذلك أن أفراد السبع داخلة في أفراد العشر فلما رأى قوم أنها في العشر وقوم أنها في السبع
كانوا كأنهم توافقوا على السبع فأمرهم بالتماسها في السبع لتوافق الطائفتين عليها ولأنه
أيسر عليهم فجرى البخاري على عادته في إيثار الأخفى على الاجلى والحديث الذي أشار إليه تقدم
في كتاب قيام الليل من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر قال رأيت كأن بيدي قطعة استبرق
الحديث وفيه وكانوا لا يزالون يقصون على النبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا وفيه أرى رؤياكم قد
تواطأت في العشر الأواخر الحديث ويستفاد من الحديث أن توافق جماعة على رؤيا واحدة دال
على صدقها وصحتها كما تستفاد قوة الخبر من التوارد على الاخبار من جماعة (قوله
باب رؤيا أهل السجون والفساد والشرك) تقدمت الإشارة إلى أن الرؤيا الصحيحة
وإن اختصت غالبا بأهل الصلاح لكن قد تقع لغيرهم ووقع في رواية أبي ذر بدل الشرك الشراب
بضم المعجمة والتشديد جمع شارب أو بفتحتين مخففا أي وأهل الشراب والمراد شربه المحرم
وعطفه على أهل الفساد من عطف الخاص على العام كما أن المسجون أعم من أن يكون مفسدا
أو مصلحا قال أهل العلم بالتعبير إذا رأى الكافر أو الفاسق الرؤيا الصالحة فإنها تكون بشرى له
بهدايته إلى الايمان مثلا أو التوبة أو انذار من بقائه على الكفر أو الفسق وقد تكون لغيره ممن
ينسب إليه من أهل الفضل وقد يرى ما يدل على الرضى بما هو فيه ويكون من جملة الابتلاء
والغرور والمكر نعوذ بالله من ذلك (قوله وقوله تعالى ودخل معه السجن فتيان إلى قوله
ارجع إلى ربك كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة الآيات كلها وهي ثلاث عشرة آية قال
السهيلي اسم أحدهما شرهم والآخر شرهم كل منهما بمعجمة إحداهما مفتوحة والاخرى
مضمومة قال وقال الطبري الذي رأى أنه يعصر خمرا اسمه نبوء وذكر اسم الآخر فلم أحفظه
(قلت) سماه مخلث بمعجمة ومثلثة وعزاه بابن إسحاق في المبتدأ وبه جزم الثعلبي وذكر أبو عبيد
البكري في كتاب المسالك أن اسم الخباز راشان والساقي مرطس وحكوا أن الملك أتهمهما
انهما أرادا سمه في الطعام والشراب فحبسهما إلى أن ظهرت براءة ساحة الساقي دون الخباز
ويقال أنهما لم يريا شيئا وانما أرادا امتحان يوسف فأخرج الطبري عن ابن مسعود قال لم يريا
شيئا وانما تحاكما ليجربا وفي سنده ضعف وأخرج الحاكم بسند صحيح عن ابن مسعود نحوه
وزاد فلما ذكر لهما التأويل قالا انما كنا نلعب قال قضي الامر الآية (قوله وقال الفضيل
الخ) وقع لأبي ذر بعد قوله ارجع إلى ربك وعند كريمة عند قوله أأرباب متفرقون وهو
الأليق وعند غيرهما بعد قوله الاعناب والدهن (قوله وادكر افتعل من ذكرت) في رواية
الكشميهني من ذكر وهو من كلام أبي عبيدة قال أذكر بعد أمة افتعل من ذكرت فأدغمت
التاء في الذال فحولت دالا يعني مهملة ثقيلة (قوله بعد أمة قرن) هو قول أبي عبيدة قاله في
تفسير آل عمران وقال في تفسير يوسف بعد حين وأخرجه الطبري بسند جيد عن ابن عباس
مثله ومن طريق سماك عن عكرمة قال بعد حقبة من الدهر وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن
جبير بعد سنين (قوله ويقرأ أمه) بفتح أوله وميم بعدها هاء منونة نسيان أي تذكر بعد أن
كان نسي وهذه القراءة نسبت في الشواذ لابن عباس وعكرمة والضحاك يقال رجل مأموه أي
336

ذاهب العقل قال أبي عبيدة قرئ بعد أمه أي نسيان تقول أمهت آمه أمها بسكون الميم قال
الشاعر * أمهت وكنت لا أنسى حديثا * وقال الطبري روى عن جماعة أنهم قرأوا بعد أمه
ثم ساق بسند صحيح عن ابن عباس أنه كان يقرؤها بعد أمه وتفسيرها بعد نسيان وساق مثله عن
عكرمة والضحاك ومن طريق مجاهد نحوه لكن قالها بسكون الميم (قوله وقال ابن عباس
يعصرون الاعناب والدهن) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي ابن أبي طلحة عن ا بن عباس في
قوله ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون يقول الاعناب والدهن وفيه رد
على أبي عبيدة في قوله إنه من العصرة وهي النجاة فمعنى قوله يعصرون بنجون ويؤيد قول ابن
عباس قوله بأول القصة إني أراني أعصر خمرا وقد اختلف في المراد به فقال الأكثر أطلق عصر
الخمر باعتبار ما يئول إليه وهو كقول الشاعر
الحمد لله العلي المنان * صار الثريد في رؤس القضبان
أي السنبل فسمي القمح ثريدا باعتبار ما يئول إليه وأخرج الطبري عن الضحاك قال أهل عمان
يسمون العنب خمرا وقال الأصمعي سمعت معتمر بن سليمان يقول لقيت أعرابيا معه سلة عنب
فقال ما معك قال خمر وقرا ابن مسعود إني أراني أعصر عنبا أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن
وكأنه أراد التفسير وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة أن الساقي قال ليوسف رأيت فيما يرى
النائم أني غرست حبة فنبتت فخرج فيها ثلاث عناقيد فعصرتهن ثم سقيت الملك فقال تمكث في
السجن ثلاثا ثم تخرج فتسقيه أي على عادتك (قوله تحصنون تحرسون) كذا لهم من الحراسة
وعند أبي عبيدة في المجاز تحرزون بزاي بدل السين من الاحراز وأخرج ابن أبي حاتم من طريق
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس تخزنون بخاء معجمة ثم زاي ونونين من الخزن (قوله جويرية) بالضم
مصغر وهو ابن إسماعيل الضبعي وروايته عن مالك من الاقران (قوله لو لبثت في السجن ما لبث
يوسف ثم أتاني الداعي لأجبته) كذا أورده مختصرا وقد تقدم في ترجمة يوسف من أحاديث
الأنبياء من هذا الوجه وزاد فيه قصة لوط وتقدم شرحه في أحاديث الأنبياء وأخرجه النسائي
في التفسير من هذا الوجه وزاد في أوله نحن أحق بالشك من إبراهيم الحديث وأخرجه مسلم من
هذا الوجه لكن قال مثل حديث يونس بن يزيد عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة
بطوله ومن طريق أبي أويس عن الزهري مثل مالك وأخرجه الدارقطني في غرائب مالك من
طريق جويرية بطوله أخرجوه كلهم من رواية عبد الله بن محمد بن أسماء عن عمه جويرية بن أسماء
وذكر ان أحمد بن سعيد ابن أبي مريم رواه عنه فقال عن أبي سلمة بدل أبي عبيدة ووهم فيه فان
المحفوظ عن مالك وأبي عبيد لا أبو سلمة وكذلك أخرجه من طريق سعيد ابن داود عن مالك أن ابن
شهاب حدثه أن سعيدا وأبا عبيد أخبراه به وقد وقع في بعض طرقه بأبسط من سياقه فأخرج عبد
الرزاق عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة رفعه لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره حتى
سئل عن البقرات العجاف والسمان ولو كنت مكانه ما أجبته حتى أشترط أن يخرجوني ولقد عجبت
منه حين أتاه الرسول يعني ليخرج إلى الملك فقال ارجع إلى ربك ولو كنت مكانه ولبثت في السجن
ما لبثت لأسرعت الإجابة ولبادرت الباب ولما ابتغيت العذر وهذا مرسل وقد وصله الطبري من
طريق إبراهيم بن يزيد الخوزي بضم المعجمة والزاي عن عمرو بن دينار بذكر ابن عباس فيه فذكره
337

وزاد ولولا الكلمة التي قالها لما لبث في السجن ما لبث وقد مضى شرح ما يتعلق بذلك في قصة
يوسف من أحاديث الأنبياء (قوله باب من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام)
ذكر فيه خمسة أحاديث الحديث الأول حديث أبي هريرة (قوله عبد الله) هو ابن المبارك
ويونس هو ابن يزيد (قوله أن أبا هريرة قال) في رواية الإسماعيلي من طريق الزبيدي عن الزهري
أخبرني أبو سلمة سمعت أبا هريرة (قوله من رآني في المنام فسيراني في اليقظة) زاد مسلم من هذا
الوجه أو فكأنما رآني في اليقظة هكذا بالشك وقع عند الإسماعيلي في الطريق المذكورة فقد
رآني في اليقظة بدل قوله فسيراني ومثله في حديث ابن مسعود عند ابن ماجة وصححه الترمذي
وأبو عوانة ووقع عند ابن ماجة من حديث أبي جحيفة فكأنما رآني في اليقظة فهذه ثلاث ألفاظ
فسيراني في اليقظة فكأنما رآني في اليقظة فقد رآني في اليقظة وحمل أحاديث الباب كالثالثة
إلا قوله في اليقظة (قوله قال أبو عبد الله قال ابن سيرين إذا رآه في صورته) سقط هذا التعليق
للنسفي ولأبي ذر وثبت عند غيرهما وقد رويناه موصولا من طريق إسماعيل ابن إسحاق القاضي
عن سليمان بن حرب وهو من شيوخ البخاري عن حماد بن زيد عن أيوب قال كان محمد يعني ابن
سيرين إذا قص عليه رجل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال صف لي الذي رأيته فان وصف
له صفة لا يعرفها قال لم تره وسنده صحيح ووجدت له ما يؤيده فأخرج الحاكم من طريق عاصم بن
كليب حدثني أبي قال قلت لابن عباس رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام قال صفه لي
قال ذكرت الحسن بن علي فشبهته به قال قد رأيته وسنده جيد ويعارضه ما أخرجه ابن أبي
عاصم من وجه آخر عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رآني في المنام فقد
رآني فاني أرى في كل صورة وفي سنده صالح مولى التوأمة وهو ضعيف لاختلاطه وهو من رواية
من سمع منه بعد الاختلاط ويمكن الجمع بينهما بما قاله القاضي أبو بكر بن العربي رؤية النبي
صلى الله عليه وسلم بصفته المعلومة إدراك على الحقيقة ورؤيت على غير صفته إدراك للمثال
فان الصواب أن الأنبياء لا تغيرهم الأرض ويكون إدراك الذات الكريمة حقيقة وإدراك
الصفات إدراك المثل قال وشذ بعض القدرية فقال الرؤيا لا حقيقة لها أصلا وشذ بعض
الصالحين فزعم أنها تقع بعيني الرأس حقيقة وقال بعض المتكلمين هي مدركة بعينين في القلب
قال وقوله فسيراني معناه فسيرى تفسير ما رأى لأنه حق وغيب ألقي فيه وقيل معناه فسيراني
في القيامة ولا فائدة في هذا التخصيص وأما قوله فكأنما رآني فهو تشبيه ومعناه أنه لو رآه
في اليقظة لطابق ما رآه في المنام فيكون الأول حقا وحقيقة والثاني حقا وتمثيلا قال وهذا كله
إذا رآه على صورته المعروفة فان رآه على خلاف صفته فهي أمثال فان رآه مقبلا عليه مثلا فهو
خير للرائي وفيه وعلى العكس فبالعكس وقال النووي قال عياض يحتمل أن يكون المراد بقوله
فقد رآني أو فقد رأى الحق أن من رآه على صورته في حياته كانت رؤياه حقا ومن رآه على غير
صورته كانت رؤياه تأويل وتعقبه فقال هذا ضعيف بل الصحيح أنه يراه حقيقة سواء كانت على
صفته المعروفة أو غيرها انتهى ولم يظهر لي من كلام القاضي ما ينافي ذلك بل ظاهر قوله أنه يراه
حقيقة في الحالتين لكن في الأولى تكون الرؤيا مما لا يحتاج إلى تعبير والثانية مما يحتاج إلى التعبير
قال القرطبي اختلف في معنى الحديث فقال قوم هو على ظاهره فمن رآه في النوم رأى حقيقته
338

كمن رآه في اليقظة سواء قال وهذا قول يدرك فساده بأوائل العقول ويلزم عليه أن لا يراه أحد
الا على صورته التي مات عليها وأن لا يراه رائيان في آن واحد في مكانين وان يحيا الآن ويخرج
من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبوه ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من
جسده فلا يبقى من قبره فيه شئ فيزار مجرد القبر ويسلم على غائب لأنه جائز أن يرى في الليل والنهار
مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مسكة من عقل
وقالت طائفة معناه أن من رآه رآه على صورته التي كان عليها ويلزم منه أن من رآه على غير صفته
أن تكون رؤياه من الأضغاث ومن المعلوم أنه يرى في النوم على حالة تخالف حالته في الدنيا من
الأحوال اللائقة به وتقع تلك الرؤيا حقا كما لو رؤى ملا دارا بجسمه مثلا فإنه يدل على امتلاء تلك
الدار بالخير ولو تمكن الشيطان من التمثيل بشئ مما كان عليه أو ينسب إليه لعارض عموم قوله
فان الشيطان لا يتمثل بي فالأولى أن تنزه رؤياه وكذا رؤيا شئ منه أو مما ينسب إليه عن ذلك فهو
أبلغ في الحرمة وأليق بالعصمة كما عصم من الشيطان في يقظته قال والصحيح في تأويل هذا
الحديث ان مقصوده ان رؤيته في كل حالة ليست باطلة ولا أضغاثا بل هي حق في نفسها ولو رؤي
على غير صورته فتصور تلك الصورة ليس من الشيطان بل هو من قبل الله وقال وهذا قول القاضي
أبي بكر بن الطيب وغيره ويؤيده قول فقد رأى الحق أي رأى الذي قصد إعلام الرائي به
فإن كانت على ظاهرها والا سعى في تأويلها ولا يهمل أمرها لأنها إما بشرى بخير أو انذار من
شر إما ليخيف الرائي وإما لنزجر عنه وإما لينبه على حكم يقع له في دينه أو دنياه وقال ابن بطال
قوله فسيراني في اليقظة يريد تصديق تلك الرؤيا في اليقظة وصحتها وخروجها على الحق وليس المراد
أنه يراه في الآخرة لأنه سيراه يوم القيامة في اليقظة فتراه جميع أمته من رآه في النوم ومن لم يره منهم
وقال ابن التين والمراد من آمن به في حياته ولم يره لكونه حينئذ غائبا عنه فيكون بهذا مبشرا لكل
من آمن به ولم يره أنه لا بد أن يراه في اليقظة قبل موته قاله القزاز وقال المازري إن كان المحفوظ
فكأنما رآني في اليقظة فمعناه ظاهر وإن كان المحفوظ فسيراني في اليقظة احتمل أن يكون أراد
أهل عصره ممن يهاجر إليه فإنه إذا رآه في المنام جعل ذلك علامة على أنه يراه بعد ذلك في اليقظة
وأوحي الله بذلك إليه صلى الله عليه وسلم وقال القاضي وقيل معناه سيرى تأويل تلك الرؤيا في
اليقظة وصحتها وقيل معنى الرؤيا في اليقظة أنه سيراه في الآخرة وتعقب بأنه في الآخرة يراه
جميع أمته من رآه في المنام ومن لم يره يعني فلا يبقى لخصوص رؤيته في المنام مزية وأجاب
القاضي عياض باحتمال أن تكون رؤياه له في النوم على الصفة التي عرف بها ووصف عليها
موجبة لتكرمته في الآخرة وأن يراه رؤية خاصة من القرب منه والشفاعة له بعلو الدرجة
ونحو ذلك من الخصوصيات قال ولا يبعد أن يعاقب الله بعض المذنبين في القيامة بمنع رؤية نبيه
صلى الله عليه وسلم مدة وحمله ابن أبي جمرة على محمل آخر فذكر عن ابن عباس أو غيره أنه رأى النبي
صلى الله عليه وسلم في النوم فبقي بعد أن استيقظ متفكرا في هذا الحديث فدخل على بعض
أمهات المؤمنين ولعلها خالته ميمونة فأخرجت له المرآة التي كانت للنبي صلى الله عليه وسلم فنظر
فيها فرأى صورة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ير صورة نفسه ونقل عن جماعة من الصالحين أنهم
رأوا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ثم رأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها
339

متخوفين فأرشدهم إلى الطريق تفريجها فجاء الامر كذلك (قلت) وهذا مشكل جدا ولو حمل
على ظاهره لكان هؤلاء صحابة ولامكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة ويعكر عليه أن جمعا جما
رأوه في المنام ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة وخبر الصادق لا يتخلف وقد اشتد إنكار
القرطبي على من قال من رآه في المنام فقد رأى حقيقته ثم يراها كذلك في اليقظة كما تقدم قريبا
وقد تفطن ابن أبي جمرة لهذا فأحال بما قال على كرامات الأولياء فان يكن كذلك تعين العدول عن
العموم في كل راء ثم ذكر أنه عام في أهل التوفيق وأما غيرهم فعلى الاحتمال فان خرق العادة
قد يقع للزنديق بطريق الاملاء والاغواء كما يقع للصديق بطريق الكرامة والاكرام وانما تحصل
التفرقة بينهما باتباع الكتاب والسنة انتهى والحاصل من الأجوبة ستة أحدها أنه على التشبيه
والتمثيل ودل عليه قوله في الرواية الأخرى فكأنما رآني في اليقظة ثانيها أن معناها سيرى في
اليقظة تأويلها بطريق الحقيقة أو التعبير ثالثها أنه خاص بأهل عصره ممن آمن به قبل أن يراه
رابعها أنه يراه في المرآة التي كانت له إن أمكنه ذلك وهذا من أبعد المحامل خامسها أنه يراه يوم
القيامة بمزيد الخصوصية لا مطلق من يراه حينئذ ممن لم يره في المنام سادسها أنه يراه في الدنيا حقيقة
ويخاطبه وفيه ما تقدم من الاشكال وقال القرطبي قد تقرر أن الذي يرى في المنام أمثلة للمرئيات
لا أنفسها غير أن تلك الأمثلة تارة تقع مطابقة وتارة يقع معناها فمن الأول رؤياه صلى الله عليه
وسلم عائشة وفيه فإذا هي أنت فأخبر أنه رأى في اليقظة ما رآه في نومه بعينه ومن الثاني رؤيا البقر
التي تنحر والمقصود بالثاني التنبيه على معاني تلك الأمور ومن فوائد رؤيته صلى الله عليه وسلم
تسكين شوق الرائي لكونه صادقا في محبته ليعمل على مشاهدته وإلى ذلك الإشارة بقوله
فسيراني في اليقظة أي من رآني رؤية معظم لحرمتي ومشتاق إلى مشاهدتي وصل إلى رؤية
محبوبه وظفر بكل مطلوبه قال ويجوز ان يكون مقصود ذلك الرؤيا معنى صورته وهو دينه
وشريعته فيعبر بحسب ما يراه الرائي من زيادة ونقصان أو إساءة وإحسان (قلت) وهذا
جواب سابع والذي قبله لم يظهر لي فإن ظهر فهو ثامن (قوله ولا يتمثل الشيطان بي) في رواية
أنس في الحديث الذي بعده فان الشيطان لا يتمثل بي ومضى في كتاب العلم من حديث أبي هريرة
مثله لكن قال لا يتمثل في صورتي وفي حديث جابر عند مسلم وابن ماجة أنه لا ينبغي للشيطان أن
يتمثل بي وفي حديث ابن مسعود عند الترمذي وابن ماجة ان الشيطان لا يستطيع أن يتمثل بي
وفي حديث أبي قتادة الذي يليه وان الشيطان لا يتراءى بالراء بوزن يتعاطى ومعناه لا يستطيع
أن يصير مرئيا بصورتي وفي رواية غيري أبي ذر يتزايا بزاي وبعد الألف تحتانية وفي حديث أبي سعيد
في آخر الباب فان الشيطان لا يتكونني أما قوله لا يتمثل بي فمعناه لا يتشبه بي وأما قوله في صورتي
فمعناه لا يصير كائنا في مثل صورتي وأما قوله لا يتراءى بي فرجح بعض الشراح رواية الزاي عليها
أي لا يظهر في زيي وليست الرواية الأخرى ببعيدة من هذا المعنى وأما قوله لا يتكونني أي
لا يتكون كوني فحذف المضاف ووصل المضاف إليه في الفعل والمعنى لا يتكون في صورتي فالجميع
راجع إلى معنى واحد وقوله لا يستطيع يشير إلى أن الله تعالى وأن أمكنه من التصور في أي
صورة أراد فإنه لم يمكنه من التصور في صورة النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذهب إلى هذا جماعة
فقالوا في الحديث إن محل ذلك إذا رآه الرائي على صورته التي كان عليها ومنهم من ضيق الغرض
340

في ذلك حتى قال بد أن يراه على صورته التي قبض عليها حتى يعتبر عدد الشعرات البيض التي لم
تبلغ عشرين شعرة والصواب التعميم في جميع حالاته بشرط أن تكون صورته الحقيقية في
وقت ما سواء كان في شبابه أو رجوليته أو كهوليته أو آخر عمره وقد يكون لما خالف ذلك تعبير
يتعلق بالرائي قال المازري اختلف المحققون في تأويل هذا الحديث فذهب القاضي أبو بكر
ابن الطيب إلى أن المراد بقوله من رآني في المنام فقد رآني أن رؤياه صحيحة لا تكون أضغاثا ولا من
تشبيهات الشيطان قال ويعضده قوله في بعض طرقه فقد رأى الحق قال وفي قوله فأن الشيطان
لا يتمثل بي إشارة إلى أن رؤياه لا تكون أضغاثا ثم قال المازري وقال آخرون بل الحديث محمول
على ظاهره والمراد أن من رآه فقد أدركه ولا مانع يمنع من ذلك ولا عقل يحيله حتى يحتاج إلى صرف
الكلام عن ظاهره وأما كونه قد يرى على غير صفته أو يرى في مكانين مختلفين معا فإن ذلك غلط
في صفته وتخيل لها على غير ما هي عليه وقد يظن بعض الخيالات مرئيات لكون ما يتخيل
مرتبطا بما يرى في العادة فتكون ذاته صلى الله عليه وسلم مرئية وصفاته متخيلة غير مرئية
والإدراك لا يشترط فيه تحذيق البصر ولا قرب المسافة ولا كون المرئي ظاهرا على الأرض
أو مدفونا وانما يشترط كونه موجودا ولم يقم دليل على فناء جسمه صلى الله عليه وسلم بل جاء في
الخبر الصحيح ما يدل على بقائه وتكون ثمره اختلاف الصفات اختلاف الدلالات كما قال بعض
علماء التعبير إن من رآه شيخا فهو عام سلم أو شابا فهو عام حرب ويؤخذ من ذلك ما يتعلق بأقواله
كما لو رآه أحد يأمره بقتل من لا يحل قتله فان ذلك يحمل على الصفة المتخيلة لا المرئية وقال
القاضي عياض يحتمل أن يكون معنى الحديث إذا رآه على الصفة التي كان عليها في حياته
لا على صفة مضادة لحاله فإن رؤى على غيرها كانت رؤيا تأويل لا رؤيا حقيقة فان من الرؤيا
ما يخرج على وجهه ومنها ما يحتاج إلى تأويل وقال النووي هذا الذي قاله القاضي ضعيف بل
الصحيح أنه يراه حقيقة سواء كانت على صفته المعروفة أو غيرها كما ذكره المازري وهذا الذي
رده الشيخ تقدم عن محمد بن سيرين إمام المعبرين اعتباره والذي قاله القاضي توسط حسن
ويمكن الجمع بينه وبين ما قال المازري بأن تكون رؤياه على الحالين حقيقة لكن إذا كان على
صورته كأن يرى في المنام على ظاهره لا يحتاج إلى تعبير وإذا كان على غير صورته كان النقص
من جهة الرائي لتخيله الصفة على غير ما هي عليه ويحتاج ما يراه في ذلك المنام إلى التعبير
وعلى ذلك جرى علماء التعبير فقالوا إذا قال الجاهل رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فإنه
يسأل عن صفته فان وافق الصفة المروية وإلا فلا يقبل منه وأشاروا إلى ما إذا رواه على هيئة
تخالف هيئته مع أن الصورة كما هي فقال أبو سعد أحمد بن محمد بن نصر من رأى نبيا على حاله وهيئته
فذلك دليل على صلاح الرائي وكمال جاهه وظفره بمن عاداه ومن رآه متغير الحال عابسا مثلا فذاك
دال على سوء حال الرائي ونحا الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة إلى ما أختاره النووي فقال بعد أن حكى
الخلاف ومنهم من قال إن الشيطان لا يتصور على صورته أصلا فمن رآه في صورة حسنة فذاك
حسن في دين الرائي وإن كان في جارحة من جوارحه شين أو نقص فذاك خلل في الرائي من جهة
الدين قال وهذا هو الحق وقد جرب ذلك فوجد على هذا الأسلوب وبه تحصل الفائدة الكبرى
في رؤياه حتى يتبين للرائي هل عنده خلل أو لا لأنه صلى الله عليه وسلم نوراني مثل المرآة الصقيلة
341

ما كان في الناظر إليها من حسن أو غيره تصور فيها وهي في ذاتها على أحسن حال لا نقص فيها
ولا شين وكذلك يقال في كلامه صلى الله عليه وسلم في النوم أنه يعرض على سنته فما وافقها فهو
حق وما خالفها فالخلل في سمع الرائي فرؤيا الذات الكريمة حق والخلل انما هو في سمع الرائي أو بصره
قال وهذا خير ما سمعته في ذلك ثم حكى القاضي عياض عن بعضهم قال خص الله نبيه بعموم
رؤياه كلها ومنع الشيطان أن يتصور في صورته لئلا يتذرع بالكذب على لسانه في النوم ولما
خرق الله العادة للأنبياء للدلالة على صحة حالهم في اليقظة واستحال تصور الشيطان على صورته
في اليقظة ولا على صفة مضادة لحاله إذ لو كان ذلك لدخل اللبس بين الحق والباطل ولم يوثق بما
جاء من جهة النبوة حمى الله حماها لذلك من الشيطان وتصوره وإلقائه وكيده وكذلك حمى
رؤياهم أنفسهم ورؤيا غير النبي للنبي عن تمثيل بذلك لتصح رؤياه في الوجهين ويكون طريقا إلى
علم صحيح لا ريب فيه ولم يختلف العلماء في جواز رؤية الله تعالى في المنام وساق الكلام على ذلك
قلت ويظهر لي في التوفيق بين جميع ما ذكروه أن من رآه على صفة أو أكثر مما يختص به فقد
رآه ولو كانت سائر الصفات مخالفة وعلى ذلك فتتفاوت رؤيا من رآه فمن رآه على هيئته الكاملة
فرؤياه الحق الذي لا يحتاج إلى تعبير وعليها يتنزل قوله فقد رأى الحق ومهما نقص من صفاته
فيدخل التأويل بحسب ذلك ويصح إطلاق أن كل من رآه في أي حالة كانت من ذلك فقد رآه
حقيقة تنبيه جوز أهل التعبير رؤية الباري عز وجل في المنام مطلقا ولم يجروا فيها الخلاف
في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وأجاب بعضهم عن ذلك بأمور قابلة للتأويل في جميع وجوهها
فتارة يعبر بالسلطان وتارة بالوالد وتارة بالسيد وتارة بالرئيس في أي فن كان فلما كان الوقوف
على حقيقة ذاته ممتنعا وجميع من يعبر به يجوز عليهم الصدق والكذب كانت رؤياه تحتاج إلى تعبير
دائما بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فإذا رؤى على صفته المتفق عليها وهو لا يجوز عليه الكذب
كانت في هذه الحالة حقا محضا لا يحتاج إلى تعبير وقال الغزالي ليس معنى قوله رآني أنه رأى
جسمي وبدني وانما المراد أنه رأى مثالا صار ذلك المثال آلة يتأذى بها المعنى الذي في نفسي إليه
وكذلك قوله فسيراني في اليقظة ليس المراد أنه يرى جسمي وبدني قال والآلة تارة تكون حقيقية
وتارة تكون خيالية والنفس غير المثال المتخيل فما رآه من الشكل ليس هو روح المصطفى ولا
شخصه بل هم مثال له على التحقيق قال ومثل ذلك من يرى الله سبحانه وتعالى في المنام فان ذاته
منزهة عن الشكل والصورة ولكن تنتهي تعريفاته إلى العبد بواسطة مثال محسوس من نور أو
غيره ويكون ذلك المثال حقا في كونه واسطة في التعريف فيقول الرائي رأيت الله تعالى في المنام
لا يعني أني رأيت ذات الله تعالى كما يقول في حق غيره وقال أبو القاسم القشيري ما حاصله أن
رؤياه على غير صفته لا تستلزم إلا أن يكون هو فإنه لو رأى الله على وصف يتعالى عنه وهو يعتقد أنه
منزه عن ذلك لا يقذح في رؤيته بل يكون لتلك الرؤيا ضرب من التأويل كما قال الواسطي من
رأى ربه على صورة شيخ كان إشارة إلى وقار الرائي وغير ذلك وقال الطيبي المعنى من رآني في
المنام بأي صفة كانت فليستبشر ويعلم أنه رأى الرؤيا الحق التي هي من الله وهي مبشرة
لا الباطل الذي هو الحلم المنسوب للشيطان فإن الشيطان لا يتمثل بي وكذا قوله فقد رأى الحق
أي رؤية الحق لا الباطل وكذا قوله فقد رآني فان الشرط والجزاء إذا اتحدا دل على الغاية
342

في الكمال أي فقد رآني رؤيا ليس بعدها شئ وذكر الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة ما ملخصه أنه يؤخذ
من قوله فان الشيطان لا يتمثل بي أن من تمثلت صورته صلى الله عليه وسلم في خاطره من أرباب
القلوب وتصورت له في عالم سره أنه يكلمه أن ذلك يكون حقا بل ذلك أصدق من مراي غيرهم لما
من الله به عليهم من تنوير قلوبهم انتهى وهذا المقام الذي أشار إليه هو الالهام وهو من جملة
أصناف الوحي إلى الأنبياء ولكن لم أر في شئ من الأحاديث وصفه بما وصفت به الرؤيا أنه جزء من
النبوة وقد قيل في الفرق بينهما إن المنام يرجع إلى قواعد مقررة وله تأويلات مختلفة ويقع
لكل أحد بخلاف الالهام فإنه لا يقع إلا للخواص ولا يرجع إلى قاعدة يميز بها بينه وبين لمة
الشيطان وتعقب بأن أهل المعرفة بذلك ذكروا أن الخاطر الذي يكون من الحق يستقر ولا
يضطرب والذي يكون من الشيطان يضطرب ولا يستقر فهذا إن ثبت كان فارقا واضحا ومع ذلك
فقد صرح الأئمة بأن الأحكام الشرعية لا تثبت بذلك قال أبو المظفر بن السمعاني في القواطع
بعد أن حكى عن أبي زيد الدبوسي من أئمة الحنفية أن الالهام ما حرك القلب لعلم يدعو إلى العمل به
من غير استدلال والذي عليه الجمهور أنه لا يجوز العمل به إلا عند فقد الحجج كلها في باب المباح
وعن بعض المبتدعة أنه حجة واحتج بقوله نعالى فألهمها فجورها وتقواها وبقوله وأوحى ربك
إلى النحل أي ألهمها حتى عرفت مصالحها فيؤخذ منه مثل ذلك للآدمي بطريق الأولى وذكر فيه
ظواهر أخرى ومنه الحديث قوله صلى الله عليه وسلم اتقوا فراسة المؤمن وقوله لوابصة ما حاك
في صدرك فدعه وإن أفتوك فجعل شهادة قلبه حجة مقدمة على الفتوى وقوله قد كان في الأمم
محدثون فثبت بهذا أن الالهام حق وأنه وحي باطل وانما حرمه العاصي لاستيلاء وحي الشيطان
عليه قال وحجة أهل السنة الآيات الدالة على اعتبار الحجة والحث على التفكير في الآيات
والاعتبار والنظر في الأدلة وذم الأماني والهواجس والظنون وهي كثيرة مشهورة وبأن الخاطر
قد يكون من الله وقد يكون من الشيطان وقد يكون من النفس وكل شئ أحتمل أن يكون حقا
لما يوصف بأنه حق قال والجواب عن قوله فألهمها فجورها وتقواها أن معناه عرفها طريق العلم
وهو الحجج وأما الوحي إلى النحل فنظيره في الآدمي فيما يتعلق بالصنائع وما فيه صلاح المعاش وأما
الفراسة فنسلمها لكن لا تجعل شهادة القلب حجة لأنا لا نتحقق كونها من الله أو من غيره انتهى
ملخصا وقال ابن السمعاني وإنكار الالهام مردود ويجوز أن يفعل الله بعبده ما يكرمه به ولكن
التمييز بين الحق والباطل في ذلك أن كل ما استقام على الشريعة المحمدية ولم يكن في الكتاب والسنة
ما يرده فهو مقبول وإلا فمردود يقع من حديث النفس ووسوسة الشيطان ثم قال ونحن لا ننكر أن
الله يكرم عبده بزيادة نور منه يزداد به نظره ويقوي به رأيه وانما ننكر ان يرجع إلى قلبه بقول
لا يعرف أصله ولا نزعم أنه حجة شرعية وانما هو نور يختص الله به من يشاء من عباده فان وافق
الشرع كان الشرع هو الحجة انتهى ويؤخذ من هذا ما تقدم التنبيه عليه أن النائم لو رأى النبي
صلى الله عليه وسلم يأمره بشئ هل يجب عليه امتثاله ولا بد أو لا بد أن يعرضه على الشرع الظاهر
فالثاني هو المعتمد تنبيه وقع في المعجم الأوسط للطبراني من حديث أبي سعيد مثل
أول حديث في الباب بلفظه لكن زاد فيه ولا بالكعبة وقال لا تحفظ هذه اللفظة إلا في هذا
الحديث الحديث الثاني حديث أنس (قوله من رآني في المنام فقد رآني) هذا اللفظ وقع مثله
343

في حديث أبي هريرة كما مضى في كتاب العلم وفي كتاب الأدب قال الطيبي اتحد في هذا الخبر الشرط
والجزاء فدل على التناهي في المبالغة أي من رآني فقد رأى حقيقتي على كمالها بغير شبهة
ولا ارتياب فيما رأى بل هي رؤيا كاملة ويؤيده قوله في حديثي أبي قتادة وأبي سعيد فقد رأى
الحق أي رؤية الحق لا الباطل وهو يرد ما تقدم من كلام من تكلف في تأويل قوله من رآني في
المنام فسيراني في اليقظة والذي يظهر لي أن المراد من رآني في المنام على أي صفة كانت
فليستبشر ويعلم أنه قد رأى الرؤيا الحق التي هي من الله لا الباطل الذي هو الحلم فان الشيطان
لا يتمثل بي (قوله فان الشيطان لا يتمثل بي) وقد تقدم بيانه وفيه ورؤيا المؤمن جزء الحديث وقد
سبق قبل خمسة أبواب الحديث الثالث حديث أبي قتادة الرؤيا الصالحة من الله وسيأتي شئ
من شرحه في باب الحلم من الشيطان وفيه فان الشيطان لا يتراءى بي وقد ذكرت ما فيه * الحديث
الرابع حديث أبي قتادة من رآني فقد رأى الحق أي المنام الحق أي الصدق ومثله في الحديث
الخامس قال الطيبي الحق هنا مصدر مؤكد أي فقد رأى رؤية الحق وقوله فان الشيطان
لا يتمثل بي لتتميم المعنى والتعليل للحكم (قوله تابعه يونس) يعني ابن يزيد (وابن أخي الزهري) هو
محمد بن عبد الله بن مسلم يريد أنهما روياه عن الزهري كما رواه الزبيدي وقد ذكرت في الحديث
الأول أن مسلما وصلهما من طريقهما وساقه على لفظ يونس وأحال برواية ابن أخي الزهري عليه
وأخرجه أبو يعلى في مسنده عن أبي خيثمة شيخ مسلم فيه ولفظه من رآني في المنام فقد رأى الحق
وقال الإسماعيلي وتابعهما شعيب بن أبي حمزة عن الزهري (قلت) وصله الذهلي في الزهريات
الحديث الخامس حديث أبي سعيد من رآني فقد رأى الحق فان الشيطان لا يتكونني وقد
تقدم ما فيه وابن الهاد في السند وهو يزيد بن عبد الله بن أسامة قال الإسماعيلي ورواه يحيى بن
أيوب عن بن الهاد قال ولم أره يعني البخاري ذكر عنه أي عن يحيى بن أيوب حديثا برأسه إلا
استدلالا أي متابعة إلا في حديث واحد ذكره في النذور من طريق ابن جريج عن يحيى بن أيوب
عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر في قصة أخته (قلت) والحديث المذكور
أخرجه البخاري عن أبي عاصم عن ابن جريج بهذا السند وسقط في بعض النسخ من الصحيح لكنه
أورده في كتاب الحج عن أبي عاصم وليس كما قال الإسماعيلي انه أخرجه ليحيى بن أيوب استقلالا
فإنه أخرجه من رواية هشام بن يوسف عن بن جريج عن سعيد بن أبي أيوب فكأن لابن جريج
فيه شيخين وكل منهما رواه له عن يزيد بن أبي حبيب فأشار البخاري إلى أن هذا الاختلاف ليس
بقادح في صحة الحديث وظهر بهذا أنه لم يخرجه ليحيى بن أيوب استقلالا بل بمتابعة سعيد بن أبي
أيوب (قوله باب رؤيا الليل) أي رؤيا الشخص في الليل هل تساوي رؤياه بالنهار
أو تتفاوتان وهل بين زمان كل منهما تفاوت وكأنه يشير إلى حديث أبي سعيد أصدق الرؤيا
بالاسحار أخرجه أحمد مرفوعا وصححه بن حبان وذكر نصر بن يعقوب الدينوري أن الرؤيا أول
الليل يبطئ تأويلها ومن النصف الثاني يسرع بتفاوت أجزاء الليل وأن أسرعها تأويلا رؤيا
السحر ولا سيما عند طلوع الفجر وعن جعفر الصادق أسرعها تأويلا رؤيا القيلولة وذكر فيه
أربعة أحاديث الأول (قوله رواه سمرة) يشير إلى حديثه الطويل الآتي في آخر كتاب التعبير
وفيه أنه أتاني الليلة آتيان وسيأتي الكلام عليه هناك الحديث الثاني (قوله عن محمد) هو ابن
344

سرين وصرح به في رواية أسلم بن سهيل عن أحمد بن المقدام شيخ البخاري فيه عند أبي نعيم والسند
كله بصريون (قوله أعطيت مفاتيح الكلم ونصرت بالرعب) كذا في هذه الرواية وقد أخرجه
الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان وعبد الله بن يس كلاهما عن أحمد بن المقدام شيخ البخاري فيه
بلفظ أعطيت جوامع الكلم وأخرجه عن أبي القاسم البغوي عن أحمد بن المقدام باللفظ الذي
ذكره البخاري ووقع في رواية أسلم بن سهل بلفظ فواتح الكلم وسيأتي بعد أبواب من رواية سعيد
ابن المسيب عن أبي هريرة بلفظ بعثت بجوامع الكلم قال البغوي فيما ذكره عنه الإسماعيلي
لا أعلم حدث به عن أيوب غير محمد بن عبد الرحمن (قوله وبينا أنا نائم البارحة إذ أتيت بمفاتيح خزائن
الأرض) سيأتي شرحه مستوفى إن شاء الله تعالى في كتاب الاعتصام * الحديث الثالث حديث
ابن عمر في رؤيته صلى الله عليه وسلم المسيح بن مريم والمسيح الدجال (قوله أراني الليلة عند الكعبة)
سيأتي في باب الطواف بالكعبة من وجه آخر عن بن عمر بلفظ بينا أنا نائم رأيتني أطوف بالكعبة
الحديث وسيأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى الحديث الرابع (قوله حدثنا يحيى) هو ابن
عبد الله بن بكير (قوله إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني أريت الليلة في المنام) وساق
الحديث كذا اقتصر من الحديث على هذا القدر وساقه بعد خمسة وثلاثين بابا عن يحيى بن بكير
بهذا السند بتمامه وسيأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى (قوله وتابعه سليمان بن كثير وابن أخي
الزهري وسفيان بن حسين الخ) أما متابعة سليمان بن كثير فوصلها مسلم من رواية محمد بن كثير عن
أخيه ووقع لنا بعلو في مسند الدارمي وأما متابعة بن أخي الزهري فوصلها الذهلي في الزهريات
وأما متابعة سفيان بن حسين فوصلها أحمد بن يزيد بن هارون عنه (قوله وقال الزبيدي عن
الزهري) فذكره بالشك في ابن عباس أو أبي هريرة (قلت) وصلها مسلم أيضا (قوله وقال
شعيب وإسحاق بن يحيى عن الزهري كان أبو هريرة يحدث) قلت وصلهما الذهلي في الزهريات
(قوله وكان معمر لا يسنده حتى كان بعد) وصله إسحاق بن راهويه في مسنده عن عبد الرزاق عن
معمر عن الزهري كرواية يونس ولكن قال عن ابن عباس كان أبو هريرة يحدث قال إسحاق قال
عبد الرزاق كان معمر يحدث به فيقول كان ابن عباس يعنى ولا يذكر عبيد الله بن عبد الله في
السند حتى جاءه زمعة بكتاب فيه عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس فكان لا يشك فيه بعد
وأخرجه مسلم عن محمد بن رافع وأفاد الإسماعيلي فيه اختلافا آخر عن الزهري فساقه من رواية
صالح بن كيسان عنه فقال عن سليمان بن يسار عن بن عباس والمحفوظ قول من قال عن عبيد الله
ابن عبد الله بن عتبة (قوله باب رؤيا النهار) كذا لأبي ذر ولغيره باب الرؤيا بالنهار
(قوله وقال ابن عون) هو عبد الله (عن ابن سيرين) هو محمد (قوله رؤيا النهار مثل الليل)
345

وفي رواية السرخسي مثل رؤيا الليل وهذا الأثر وصله علي بن أبي طالب القيرواني في كتاب
التعبير له من طريق مسعدة بن اليسع عن عبد الله بن عون به ذكر ذلك مغلطاي قال القيرواني
ولا فرق في حكم العبارة بين رؤيا الليل والنهار وكذا رؤيا النساء والرجال وقال المهلب نحوه وقد
تقدم نحو ما نقل عن بعضهم في التفاوت وقد يتفاوتان أيضا في مراتب الصدق وذكر في الباب
حديث أنس في قصة نوم النبي صلى الله عليه وسلم عند أم حرام وفيه فدخل عليها يوما فأطعمته
وجعلت تفلى رأسه فنام وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الاستئذان في باب من رأى قوما
فقال عندهم أي من القائلة وذكر ابن التين أن بعضهم زعم أن في الحديث دليلا على صحة خلافة
معاوية لقوله في الحديث فركبت البحر زمن معاوية وفيه نظر لان المراد بزمنه زمن امارته على
الشام في خلافة عثمان مع أنه لا تعرض في الحديث إلى اثبات الخلافة ولا نفيها بل فيه أخبار بما
سيكون فكان كما أخبر ولو وقع ذلك في الوقت الذي كان معاوية خليفة لم يكن في ذلك معارضة
لحديث الخلافة بعدي ثلاثون سنة لان المراد به خلافة النبوة واما معاوية ومن بعده فكان
أكثرهم على طريقة الملوك ولو سموا خلفاء والله أعلم (قوله باب رؤيا النساء)
تقدم كلام القيرواني وغيره في ذلك وذكر أيضا أن المرأة إذا رأت ما ليست له أهلا فهو لزوجها
وكذا حكم العبد لسيده كما أن رؤيا الطفل لأبويه وذكر ابن بطال الاتفاق على أن رؤيا المؤمنة
الصالحة داخلة في قوله رؤيا المؤمن الصالح جزء من أجزاء النبوة وذكر في الباب حديث أم العلاء
في قصة عثمان بن مظعون ورؤياها له العين الجارية وقد مضى شرحه في أوائل الجنائز وذكر
في الشهادات وفي الهجرة ويأتي الكلام على العين الجارية بعد ثلاثة عشر بابا إن شاء الله تعالى
وقوله هنا فوجع أي مرض وزنه ومعناه ويجوز ضم الواو (قوله باب الحلم من
الشيطان فإذا حلم فليبصق عن يساره وليستعذ بالله) عز وجل هكذا ترجم لبعض ألفاظ الحديث وقد
تقدم شرحه قريبا والحلم بضم المهملة وسكون اللام وقد تضم ما يراه النائم ولم يحك النووي غير
السكون يقال حلم بفتح اللام يحلم بضمها وأما من الحلم بكسر أوله وسكون ثانيه فيقال حلم بضم
اللام وجمع الحلم بالضم والحلم بالكسر أحلام وذكر فيه حديث أبي قتادة وسيأتي الالمام بشئ
منه في شرح حديث أبي هريرة في باب القيد في المنام وإضافة الحلم إلى الشيطان بمعنى أنها تناسب
صفته من الكذب والتهويل وغير ذلك بخلاف الرؤيا الصادقة فأضيفت إلى الله إضافة تشريف
وإن كان الكل بخلق الله وتقديره كما أن جميع عباد الله ولو كانوا عصاة كما قال يا عبادي الذين
أسرفوا على أنفسهم وقوله تعالى إن عبادي ليس لك عليهم سلطان (قوله باب اللبن)
أي إذا رؤي في المنام بماذا يعبر قال المهلب اللبن يدل على الفطرة والسنة والقرآن والعلم (قلت)
346

وقد جاء في بعض الأحاديث المرفوعة تأويله بالفطرة كما أخرجه البزار من حديث أبي هريرة رفعه
اللبن في المنام فطرة وعند الطبراني من حديث أبي بكرة رفعه من رأى أنه شرب لبنا فهو الفطرة
ومضى في حديث أبي هريرة في أول الأشربة أنه صلى الله عليه وسلم لما أخذ قدح اللبن قال له
جبريل الحمد لله الذي هداك للفطرة وذكر الدينوري أن اللبن المذكور في هذا يختص بالإبل أنه
لشاربه مال حلال وعلم وحكمة قال ولبن البقر خصب السنة ومال حلال وفطرة أيضا ولبن الشاة
مال وسرور وصحة جسم وألبان الوحش شك في الدين وألبان السباع غير محمودة إلا أن لبن اللبوة
مال مع عداوة لذي أمر (قوله حدثنا عبدان) كذا للجميع ووقع في أطراف المزي أن البخاري
أخرج هذا في التعبير عن أبي جعفر محمد بن الصلت وفي فضل عمر عن عبدان الموجود
في الصحيح بالعكس وعبد هو ابن المبارك ويونس هو ابن يزيد وحمزة الراوي عن ابن عمر هو ولده
ووقع في الباب الذي يليه من وجه آخر عن الزهري عن حمزة أنه سمع عبد الله بن عمر قال ابن
العربي لم يخرج البخاري هذا الحديث من غير هذه الطريق وكان ينبغي على طريقته أن يخرجه
عن غيره ولو وجد (قلت) بل وجد وأخرجه كما تقدم في فضل عمر من طريق سالم أخي حمزة عن
أبيهما وإشارته إلى أن طريقة البخاري أن يخرج الحديث من طريقين فصاعدا إلا أن لا يجد
في مقام المنع (قوله حتى إني لا رى الري يخرج في أظافيري) في رواية الكشميهني من أظافيري
وفي رواية صالح بن كيسان من أطرافي وهذه الرؤيا يحتمل أن تكون بصرية وهو الظاهر ويحتمل
أن تكون علمية ويؤيد الأول ما عند الحاكم والطبراني من طريق أبي بكر بن سالم بن عبد الله بن
عمر عن أبيه عن جده في هذا الحديث فشربت حتى رأيته يجري في عروقي بين الجلد واللحم على أنه
محتمل أيضا (قوله ثم أعطيت فضلي يعني عمر) كذا في الأصل كأن بعض رواته شك ووقع في رواية
صالح بن كيسان بالجزم ولفظه فأعطيت فضلي عمر بن الخطاب وفي رواية أبي بكر بن سالم ففضلت
فضلة فأعطيتها عمر (قوله قالوا فما أولته) في رواية صالح فقال من حوله وفي رواية سفيان بن
عيينة عن الزهري عند سعيد بن منصور ثم ناول فضله عمر قال ما أولته وظاهره أن السائل عمر
ووقع في رواية أبي بكر بن سالم أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم أولوها قال يا نبي الله هذا علم أعطاكه
الله فملاك منه ففضلت فضلة فأعطيتها عمر قال أصبتم ويجمع بأن هذا وقع أولا ثم أحتمل
عندهم أن يكون عند في تأويلها زيادة على ذلك فقالوا ما أولته الخ وقد تقدم بعض شرح
هذا الحديث في كتاب العلم وبعضه في مناقب عمر قال ابن العربي اللبن رزق يخلقه الله طيبا بين
أخباث من دم وفرث كالعلم نور يظهره الله في ظلمة الجهل فضرب به المثل في المنام قال بعض
العارفين الذي خلص اللبن بين فرث ودم قادر على أن يخلق المعرفة من بين شك وجهل ويحفظ
العمل عن غفلة وزلل وهو كما قال لكن اطردت العادة بأن العلم بالتعلم والذي ذكره قد يقع خارقا
للعادة فيكون من باب الكرامة وقال ابن أبي جمرة تأول النبي صلى الله عليه وسلم اللبن بالعلم اعتبارا
بما بين له أول الأمر حين أتى بقدح خمر وقدح لبن فأخذ اللبن فقال له جبريل أخذت الفطرة
الحديث قال وفي الحديث مشروعية قص الكبير رؤياه على من دونه وإلقاء العالم المسائل
واختبار أصحابه في تأويلها وأن من الأدب أن يرد الطالب علم ذلك إلى معلمه قال والذي يظهر أنه
لم يرد منهم أن يعبروها وانما أرادوا أن يسألوه عن تعبيرها ففهموا مراده فسألوه فأفادهم وكذلك
347

ينبغي أن يسلك هذا الأدب في جميع الحالات قال وفيه أن علم النبي صلى الله عليه وسلم بالله
لا يبلغ أحد درجته فيه لأنه شرب حتى رأى الري يخرج من أطرافه وأما إعطاؤه فضله عمر ففيه
إشارة إلى ما حصل لعمر من العلم بالله بحيث كان لا يأخذه في الله لومة لائم قال وفيه أن من الرؤيا
ما يدل على الماضي والحال والمستقبل قال وهذه أولت على الماضي فان رؤياه هذه تمثيل بأمر قد
وقع لان الذي أعطيه من العلم كان قد حصل له وكذلك أعطيه عمر فكانت فائدة هذه الرؤيا
تعريف قدر النسبة بين ما أعطيه من العلم وما أعطيه عمر (قوله باب إذا جرى
اللبن في أطرافه) وأظافيره يعني في المنام وذكر فيه حديث ابن عمر المذكور قبله وقد تقدم شرحه
فيه (قوله باب القميص في المنام) في رواية الكشميهني القمص بضمتين بالجمع
وكلاهما من الخبر (قوله حدثني يعقوب بن إبراهيم) أي ابن سعد بن إبراهيم وقد مضى في كتاب
الايمان من وجه آخر عن إبراهيم بن سعد أعلى من هذا وصالح هو ابن كيسان (قوله رأيت
الناس) وهو من الرؤية البصرية وقوله يعرضون حال ويجوز أن يكون من الرؤيا العلمية ويعرضون
مفعول ثان والناس بالنصب على المفعولية ويجوز فيه الرفع (قوله يعرضون) تقدم في الايمان
بلفظ يعرضون على وفي رواية عقيل الآتية بعد عرضوا (قوله منها ما يبلغ الثدي) بضم المثلثة
وكسر الدال وتشديد الياء جمع ثدي بفتح ثم سكون والمعنى أن القميص قصير جدا بحيث
لا يصل من الحلق إلى نحو السرة بل فوقها وقوله ومنها ما يبلغ دون ذلك يحتمل أن يريد دونه من
جهة السفل وهو الظاهر فيكون أطول ويحتمل أن يريد دونه من جهة العلو فيكون أقصر ويؤيد
الأول ما في رواية الحكيم الترمذي من طريق أخرى عن ابن المبارك عن يونس عن الزهري
في هذا الحديث فمنهم من كان قميصه إلى سرته ومنهم من كان قميصه إلى ركبته ومنهم من كان
قميصه إلى أنصاف ساقيه (قوله ومر على عمر بن الخطاب) في رواية عقيل وعرض على عمر
ابن الخطاب (قوله قميص يجره) في رواية عقيل يجتره (قوله قالوا ما أولته) في رواية الكشميهني
أولت بغير ضمير وتقدم في الايمان أول الكتاب بلفظ فما أولت ذلك ووقع عند الترمذي الحكيم
في الرواية المذكورة فقال له أبو بكر على ما تأولت هذا يا رسول الله (قوله قال الدين) بالنصب
والتقدير أولت ويجوز الرفع ووقع في رواية الحكيم المذكورة قال على الايمان (قوله
باب جر القميص في المنام) ذكر فيه حديث أبي سعيد المذكور قبله من وجه آخر عن
ابن شهاب وقد أشرت إلى الاختلاف في اسم صحابي هذا الحديث في مناقب عمر قالو وجه تعبير
القميص بالدين أن القميص يستر العورة في الدنيا والدين يسترها في الآخرة ويحجبها عن كل
مكروهة والأصل فيه قوله تعالى ولباس التقوى ذلك خير الآية والعرب تكني عن الفضل
والعفاف بالقميص ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لعثمان أن الله سيلبسك قميصا فلا تخلعه
وأخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة وصححه ابن حبان واتفق أهل التعبير على أن القميص يعبر
بالدين وأن طوله يدل على بقاء آثار صاحبه من بعده وفي الحديث أن أهل الدين يتفاضلون في
الدين بالقلة والكثرة وبالقوة والضعف وتقدم تقرير ذلك في كتاب الايمان وهذا من أمثلة
ما يحمد في المنام ويذم في اليقظة شرعا أعني جر القميص لما ثبت من الوعيد في تطويله ومثله
ما سيأتي في باب القيد وعكس هذا ما يذم في المنام ويحمد في اليقظة وفي الحديث مشروعية تعبير
348

الرؤيا وسؤال العالم بها عن تعبيرها ولو كان هو الرائي وفيه الثناء على الفاضل بما فيه لاظهار منزلته
عند السامعين ولا يخفى أن محل ذلك إذا أمن عليه من الفتنة بالمدح كالاعجاب وفيه فضيلة
لعمر وقد تقدم الجواب عما يستشكل من ظاهره وإيضاح أنه لا يستلزم أن يكون أفضل من أبي
بكر وملخصه أن المراد بالأفضل من يكون أكثر ثوابا والأعمال علامات الثواب فمن كان عمله أكثر
فدينه أقوى ومن كان دينه أقوى فثوابه أكثر ومن كان ثوابه أكثر فهو أفضل فيكون عمر
أفضل من أبي بكر وملخص الجواب أنه ليس في الحديث تصريح بالمطلوب فيحتمل أن يكون
أبي بكر لم يعرض في أولئك الناس إما لأنه كان قد عرض قبل ذلك وإما لأنه لا يعرض أصلا وأنه
لما عرض كان عليه قميص أطول من قميص عمر ويحتمل أن يكون سر السكوت عن ذكره
الاكتفاء بما علم من أفضليته ويحتمل أن يكون وقع ذكره فذهل عنه الراوي وعلى التنزل بأن
الأصل عدم جميع هذه الاحتمالات فهو معارض بالأحاديث الدالة على أفضلية الصديق وقد
تواترت تواترا معنويا فهي المعتمدة وأقوى هذه الاحتمالات ان لا يكون أبو بكر عرض مع
المذكورين والمراد من الخبر التنبيه على أن عمر ممن حصل له الفضل البالغ في الدين وليس فيه
ما يصرح بانحصار ذلك فيه وقال بن العربي انما أوله النبي صلى الله عليه وسلم بالدين لان الدين
يستر عوره الجهل كما يستر الثوب عورة البدن قال وأما غير عمر فالذي كان يبلغ الثدي هو الذي
يستر قلبه عن الكفر وإن كان يتعاطى المعاصي والذي كان يبلغ أسفل من ذلك وفرجه باد هو
الذي لم يستر رجليه عن المشي إلى المعصية والذي يستر رجليه هو الذي احتجب بالتقوى من جميع
الوجوه والذي يجر قميصه زائدا على ذلك بالعمل الخالص قال ابن أبي جمرة ما ملخصه المراد
بالناس في هذا الحديث المؤمنون لتأويله القميص بالدين قال والذي يظهر أن المراد خصوص
هذه الأمة المحمدية بل بعضها والمراد بالدين العمل بمقتضاه كالحرص على امتثال الأوامر
واجتناب المناهي وكان لعمر في ذلك المقام العالي قال ويؤخذ من الحديث ان كل ما يرى
في القميص من حسن أو غيره فإنه يعبر بدين لابسه قال والنكتة في القميص أن لابسه إذا
اختار نزعه وإذا اختار بقاءه فلما ألبس الله المؤمنين لباس الايمان واتصفوا به كان الكامل
في ذلك سابغ الثوب ومن لا فلا وقد يكون نقص الثوب بسبب نقص الايمان وقد يكون بسبب
نقص العمل والله أعلم وقال غيره القميص في الدنيا ستر عورة فما زاد على ذلك كان مذموما وفي
الآخرة زينة محضة فناسب أن يكون تعبيره بحسب هيئته من زيادة أو نقص ومن حسن وضده
فمهما زاد من ذلك كان من فضل لابسه وينسب لكل ما يليق به من دين أو علم أو جمال أو حلم أو تقدم
في فئة وضده لضده (قوله باب الخضر في المنام والروضة الخضراء) الخضر بضم
الخاء وسكون الضاد المعجمتين جمع أخضر وهو اللون المعروف في الثياب وغيرها ووقع في رواية
النسفي الخضرة بسكون الضاد وفي آخره هاء تأنيث وكذا في رواية أبي أحمد الجرجاني وبعض
الشروح قال القيرواني الروضة التي لا يعرف نبتها تعبر بالاسلام لنضارتها وحسن بهجتها وتعبر
أيضا لكل مكان فاضل وقد تعبر بالمصحف وكتب العلم والعالم ونحو ذلك (قوله حدثنا الحرمي)
بمهملتين مفتوحتين وهو اسم بلفظ النسب تقدم بيانه (قوله عن محمد بن سيرين قال قيس بن
عباد) حذف قال الثانية على العادة في حذفها خطأ والتقدير عن محمد بن سيرين أنه قال قال
349

قيس ووقع في رواية ابن عون كما سيأتي بعد بابين عن محمد وهو ابن سيرين حدثني قيس بن عباد
وهو بضم أوله وتخفيف الموحدة وآخره دال تقدم ذكره في مناقب عبد الله بن سلام بهذا
الحديث وتقدم له حديث آخر في تفسير سورة الحج وفي غزوة بدر أيضا وليس له في البخاري سوى
هذين الحديثين وهو بصري تابعي ثقة كبير له إدراك قدم المدينة في خلافة عمر ووهم من عده
في الصحابة (قوله كنت في حلقة) بفتح أوله وسكون اللام (قوله فيها سعد بن مالك) يعني
ابن أبي وقاص وابن عمر هو عبد الله بن عمر بن الخطاب (قوله فمر عبد الله بن سلام)
هو الصحابي المشهور الإسرائيلي وأبوه بتخفيف اللام اتفاقا وقد تقدم بيان نسبه في مناقبه من
كتاب مناقب الصحابة ووقع في رواية ابن عون الماضية في المناقب بلفظ كنت جالسا في مسجد
المدينة فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع فقالوا هذا رجل من أهل الجنة زاد مسلم من هذا
الوجه كنت بالمدينة في ناس فيهم بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل في
وجهه أثر من خشوع (قوله فقالوا هذا رجل من أهل الجنة) في رواية ابن عون المشار إليها
عند مسلم فقال بعض القوم هذا رجل من أصل الجنة وكررها ثلاثا وفي رواية خرشة بفتح الخاء
المعجمة والراء والشين المعجمة ابن الحر بضم الحاء وتشديد الراء المهملتين الفزاري عند مسلم أيضا
كنت جالسا في حلقة في مسجد المدينة وفيها شيخ حسن الهيئة وهو عبد الله بن سلام فجعل
يحدثهم حديثا حسنا فلما قام قال القوم من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا
وفي رواية النسائي من هذا الوجه فجاء شيخ يتوكأ على عصا له فذكر نحوه ويجمع بينهما بأنهما
قصتان اتفقتا لرجلين فكأنه كان يجلس في مجلس يتحدث كما في رواية خرشة فلما قام ذاهبا مر على
الحلقة التي فيها سعد بن أبي وقاص وابن عمر فحضر ذلك قيس بن عباد كما في روايته وكل من خرشة
وقيس اتبع عبد الله بن سلام ودخل عليه منزله وسأله فأجابه ومن ثم اختلف الجواب بالزيادة
والنقص كما سأبينه سواء كان زمن اجتماعهما بعبد الله بن سلام اتحد أم تعدد (قوله فقلت له إنهم
قالوا كذا وكذا) بين في رواية ابن عون عند مسلم أن قائل ذلك رجل واحد وفيه عنده زيادة
ولفظه ثم خرج فاتبعته فدخل منزله ودخلت فتحدثنا فلما استأنس قلت له إنك لما دخلت قبل
قال رجل كذا وكذا وكأنه نسب القول للجماعة والناطق به واحد لرضاهم به وسكوتهم عليه وفي
رواية خرشة فقلت والله لأتبعنه فلاعلمن مكان بيته فانطلق حتى كان يخرج من المدينة ثم دخل
منزله فاستأذنت عليه فأذن لي فقال ما حاجتك يا ابن أخي فقلت سمعت القوم يقولون فذكر اللفظ
الماضي وفيه فأعجبني أن أكون معك وسقطت هذه القصة في رواية النسائي وعنده فلما قضى
صلاته قلت زعم هؤلاء (قوله قال سبحان الله ما كان ينبغي لهم أن يقولوا ما ليس لهم به علم)
تقدم بيان المراد من هذا في المناقب مفصلا ووقع في رواية خرشة فقال الله أعلم بأهل الجنة
وسأحدثك مما قالوا ذلك فذكر المنام وهذا يقوي احتمال أنه أنكر عليهم الجزم ولم ينكر أصل
الاخبار بأنه من أهل الجنة وهذا شأن المراقب الخائف المتواضع ووقع في رواية النسائي الجنة
لله يدخلها من يشاء زاد بن ماجة من هذا الوجه الحمد لله (قوله انما رأيت كأنما عمود
وضع في روضة خضراء بين في رواية ابن عون أن العمود كان في وسط الروضة ولم يصف الروضة
في هذه الرواية وتقدم في المناقب من رواية ابن عون رأيت كأني في روضة ذكر من سعتها وخضرتها
350

قال الكرماني يحتمل أن يراد بالروضة جميع ما يتعلق بالدين وبالعمود الأركان الخمسة وبالعروة
الوثقى الايمان (قوله فنصب فيها) بضم النون وكسر المهملة بعدها موحدة وفي رواية المستملي
والكشميهني قبضت بفتح القاف والموحدة بعدها ضاد معجمة ساكنة ثم تاء المتكلم (قوله وفي
رأسها عروة) في رواية ابن عون وفي أعلى العمود عروة وفي روايته في المناقب ووسطها عمود من
حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء في أعلاه عروة وعرف من هذا أن الضمير في قوله وفي
رأسها للعمود والعمود مذكر وكأنه أنث باعتبار الدعامة (قوله وفي أسفلها منصف) تقدم ضبطه
في المناقب (قوله والمنصف الوصيف) هذا مدرج في الخبر وهو تفسير من ابن سيرين بدليل قوله
في رواية مسلم فجاءني منصف قال ابن عون والمنصف الخادم فقال بثيابي من خلف ووصف أنه
رفعه من خلفه بيده (قوله فرقيت) بكسر القاف على الأفصح (فاستمسكت بالعروة) زاد
في رواية المناقب فرقيت حتى كنت في أعلاها فأخذت بالعروة فاستمسكت فاستيقظت وإنها لفي
يدي ووقع في رواية خرشة حتى أتى بي عمود رأسه في السماء وأسفله في الأرض في أعلاه حلقة فقال
لي اصعد فوق هذا قال قلت كيف أصعد فأخذ بيدي فزجل بي وهو بزاي وجيم أي رفعني فإذا أنا
متعلق بالحلقة ثم ضرب العمود فخر وبقيت متعلقا بالحلقة حتى أصبحت وفي رواية خرشة أيضا
زيادة في أول المنام ولفظه انى بينما أنا نائم إذ أتاني رجل فقال لي قم فأخذ بيدي فانطلقت معه
فإذا أنا بجواد بجيم ودال مشددة جمع جادة وهي الطريق المسلوكة عن شمالي قال فأخذت لآخذ
فيها أي أسير فقال لا تأخذ فيها فإنها طرق أصحاب الشمال وفي رواية النسائي من طريقه فبينا أنا
أمشي إذ عرض لي طريق عن شمالي فأردت أن أسلكها فقال إنك لست من أهلها (رجع) إلى
رواية مسلم قال وإذا منهج على يميني فقال لي خذ ههنا فأتى بي جبلا فقال لي اصعد قال فجعلت
إذا أردت أن أصعد خررت حتى فعلت ذلك مرارا وفي رواية النسائي وابن ماجة جبلا زلقا فأخذ
بيدي فزجل بي فإذا أنا في ذروته فلم أتقار ولم أتماسك وإذا عمود حديد في ذروته حلقة من ذهب
فأخذ بيدي فزجل بي حتى أخذت بالعروة فقال استمسك فاستمسكت قال فضرب العمود برجله
فاستمسكت بالعروة (قوله فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم يموت عبد الله وهو آخذ بالعروة الوثقى) زاد في رواية ابن عون فقال تلك الروضة روضة
الاسلام وذلك العمود عمود الاسلام وتلك العروة عروة الوثقى لا تزال متمسكا بالاسلام حتى
تموت وزاد في رواية خرشة عند النسائي وابن ماجة فقال رأيت خيرا أما المنهج فالمحشر وأما
الطريق وفي رواية مسلم فقال أما الطرق التي عن يسارك فهي طرق أصحاب الشمال والطرق
التي عن يمينك طرق أصحاب اليمين وفي رواية النسائي طرق أهل النار وطرق أهل الجنة ثم اتفقا
وأما الجبل فهو منزل الشهداء زاد مسلم ولن تناله وأما العمود إلى آخره وزاد النسائي وابن ماجة
في آخره فأنا أرجو أن أكون من أهلها وفي الحديث منقبة لعبد الله بن سلام وفيه من تعبير
الرؤيا معرفة اختلاف الطرق وتأويل العمود والجبل والروضة الخضراء والعروة وفيه من
أعلام النبوة أن عبد الله بن سلام لا يموت شهيدا فوقع كذلك مات على فراشه في أول خلافة
معاوية بالمدينة ونقل ابن التين عن الداودي أن القوم انما قالوا في عبد الله بن سلام أنه من أهل
الجنة لأنه كان من أهل بدر كذا قال والذي أوردته من طرق القصة يدل على أنهم انما أخذوا
351

ذلك من قوله لما ذكر طريق الشمال إنك لست من أهلها وانما قال ما كان ينبغي لهم أن يقولوا
ما ليس لهم به علم على سبيل التواضع كما تقدم وكراهة أن يشار إليه بالأصابع خشية أن يدخله
العجب ثم إنه ليس من أهل بدر أصلا والله أعلم (قوله باب كشف المرأة في المنام
وقوله بعده باب ثياب الحرير في المنام) ذكر فيها حديث عائشة في رؤية
النبي صلى الله عليه وسلم لها في المنام قبل أن يتزوجها وساقه في الأول من طريق أبي أسامة وفي
الثاني من طريق أبي معاوية كلاهما عن هشام وهو ابن عروة بن الزبير عن أبيه عنها وزاد في
رواية أبي أسامة فيقول هذه امرأتك وبهذه الزيادة ينتظم الكلام وزاد في رواية أبي معاوية قبل
أن أتزوجك وأعاد فيها صورة المنام بيانا لقوله أريتك مرتين فقال في روايته رأيت الملك يحملك ثم
قال أريتك يحملك وقال في المرتين فقلت له اكشف ووقع في رواية أبي أسامة فاكشفها والضمير
لقوله امرأتك وقد تقدم في السيرة النبوية قبل الهجرة إلى المدينة من طريق وهيب بن خالد عن
هشام بنحو سياق أبي أسامة وتقدم في النكاح من طريق حماد بن زيد عن هشام ولفظه فقال لي
هذه امرأتك فكشفت عن وجهك ويجمع هذا الاختلاف أن نسبة الكشف إليه لكونه
الآمر به وأن الذي باشر الكشف هو الملك ووقع في هذه الطريق عند مسلم والإسماعيلي بعد
قوله المنام ثلاث ليال فلعل البخاري حذفها لان الأكثر رووه بلفظ مرتين وكذلك أخرجه مسلم
من رواية عبد الله بن إدريس وأبو عوانة من رواية مالك ومن رواية يونس بن بكير ومن رواية
عبد العزيز بن المختار كلهم عن هشام بن عروة جازمين بمرتين ومن رواية حماد بن سلمة عن هشام
فقال في روايته مرتين أو ثلاثا بالشك فيحتمل أن يكون الشك من هشام فاقتصر البخاري على
المحقق وهو قوله مرتين وتأكد ذلك عنده برواية أبي معاوية المفسرة وحذف لفظ ثلاث من
رواية حماد بن زيد لان أصل الحديث ثابت وقوله فإذا هي أنت قال القرطبي يريد انه رآها في
النوم كما رآها في اليقظة فكانت المراد بالرؤيا لا غيرها وقد بين حماد بن سلمة في روايته المراد ولفظه
أتيت بجارية في سرقة من حرير بعد وفاة خديجة فكشفتها فإذا هي أنت الحديث وهذا يدفع
الاحتمال الذي ذكره ابن بطال ومن تبعه حيث جوزوا أن هذه الرؤية قبل أن يوحى إليه وقد تقدم
تفسير السرقة وضبطها وأن الملك المذكور هو جبريل وكثير من مباحثه في كتاب النكاح
وذكرت احتمالا عن عياض في قوله إن يكن هذا من عند الله يمضه ثم وجدته أخذ أكثره من
كلام ابن بطال ومحمد في السند الثاني جزم السرخسي في رواية أبي ذر عنه أنه أبو كريب محمد بن
العلاء وكلام الكلاباذي يقتضي انه بن سلام قال بن بطال رؤيا المرأة في المنام يختلف على وجوه
منها أن يتزوج الرائي حقيقة بمن يراها أو شبهها ومنها أن يدل على حصول دنيا أو منزلة فيها
أو سعة في الرزق وهذا أصل عند المعبرين في ذلك وقد تدل المرأة بما يقترن بها في الرؤيا على فتنة
تحصل للرائي وأما ثياب الحرير فيدل اتخاذها للنساء في المنام على النكاح وعلى العزاء وعلى الغنى
وعلى زيادة في البدن قالوا والملبوس كله يدل على جسم لكونه يشتمل عليه ولا سيما
واللباس في العرف دال على أقدار الناس وأحوالهم (قوله باب المفاتيح في
اليد) أي إذا رؤيت في المنام قال أهل التعبير المفتاح مال وعز وسلطان فمن رأى أنه فتح باب بمفتاح
فإنه يظفر بحاجته بمعونة من له بأس وإن رأى أن بيده مفاتيح فإنه يصيب سلطانا عظيما وذكر فيه
352

حديث أبي هريرة الماضي في باب رؤيا الليل من وجه آخر عنه بلفظ بعث بجوامع الكلم وفيه
وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي وقد تقدم في الباب المذكور بلفظ
وبينما أنا نائم البارحة (قوله في آخره قال أبو عبد الله) كذا لأبي ذر ووقع في رواية كريمة قال
محمد فقال بعض الشراح لا منافاة لأنه اسمه والقائل هو البخاري والذي يظهر لي أن الصواب
ما عند كريمة فان هذا الكلام ثبت عن الزهري واسمه محمد بن مسلم وقد ساقه البخاري هنا من
طريقه فيبعد أن يأخذ كلامه فينسبه لنفسه وكأن بعضهم لما رأى وقال محمد ظن أنه البخاري
فأراد تعظيمه فكناه فأخطأ لان محمدا هو الزهري وليست كنيته أبا عبد الله بل هو أبو بكر وسيأتي
الكلام على جوامع الكلم وسيأتي الحديث في الاعتصام إن شاء الله تعالى رضي الله تعالى عنهما (قوله
باب التعليق بالعروة والحلقة) وذكر فيه حديث عبد الله بن سلام رأيت كأني في روضة
وقد تقدم قبل هذا بأربعة أبواب أتم من هذا وتقدم شرحه هناك قال أهل التعبير الحلقة والعروة
المجهولة تدل لمن تمسك بها على قوته في دينه وإخلاصه فيه (قوله باب عمود
الفسطاط) العمود بفتح أوله معروف والجمع أعمدة وعمد بضمتين وبفتحتين ما ترفع به الأخبية
من الخشب ويطلق أيضا على ما يرفع به البيوت من حجارة كالرخام والصوان ويطلق على ما يعتمد
عليه من حديد وغيره وعمود الصبح ابتداء ضوئه والفسطاط بضم الفاء وقد تكسر وبالطاء
المهملة مكررة وقد تبدل الأخيرة سينا مهملة وقد تبدل التاء طاء مثناة فيها وفي أحدهما وقد
تدغم التاء الأولى في السين وبالسين المهملة وفي آخره لغات تبلغ على هذا اثنتي عشرة اقتصر
النووي منها على ست الأولى والأخيرة وبتاء بدل الطاء الأولى وبضم الفاء وبكسرها وقال
الجواليقي انه فارسي معرب (قوله تحت وسادته) عند النسفي عند بدل تحت كذا للجميع
ليس فيه حديث وبعده عندهم باب الاستبرق ودخول الجنة في المنام إلا أنه سقط لفظ باب عند
النسفي والإسماعيلي وفيه حديث ابن عمر رأيت في المنام كأن في يدي سرقة من حرير وأما ابن
بطال فجمع الترجمتين في باب واحد فقال باب عمود الفسطاط تحت وسادته ودخول الجنة في
المنام فيه حديث ابن عمر الخ ولعل مستنده ما وقع في رواية الجرجاني باب الاستبرق ودخول الجنة
في المنام وعمود الفسطاط تحت وسادته فجعل الترجمتين في باب واحد وقدم وأخر ثم قال ابن
بطال قال المهلب السرقة الكلة وهي كالهودج عند العرب وكون عمودها في يد ابن عمر دليل على
الاسلام وطنبها الدين والعلم والشرع الذي به يرزق التمكن من الجنة حيث شاء وقد يعبر هنا
بالحرير عن شرف الدين والعلم لان الحرير أشرف ملابس الدنيا وكذلك العلم بالدين أشرف العلوم
وأما دخول الجنة في المنام فإنه يدل على دخولها في اليقظة لان في بعض وجوه الرؤيا وجها يكون
في اليقظة كما يراه نصا ويعبر دخول الجنة بالدخول في الاسلام الذي هو سبب لدخول الجنة
وطيران السرقة قوه تدل على التمكن من الجنة حيث شاء قال ابن بطال وسألت المهلب عن
ترجمة عمود الفسطاط تحت وسادته ولم يذكر في الحديث عمود فسطاط ولا وسادة فقال الذي
يقع في نفسي أنه رأى في بعض طرق الحديث السرقة شيئا أكمل مما ذكره في كتابه وفيه أن
السرقة مضروبة في الأرض على عمود كالخباء وأن ابن عمر اقتلعها من عمودها فوضعها تحت
وسادته وقام هو بالسرقة فأمسكها وهي كالهودج من استبرق فلا يريد موضعا من الجنة
353

إلا طارت إليه به ولم يرض بسند هذه الزيادة فلم يدخله في كتابه وقد فعل مثل هذا في كتابه كثيرا كما
يترجم بالشئ ولا يذكره ويشير إلى أنه روى في بعض طرقه وانما لم يذكره للين في سنده وأعجلته
المنية عن تهذيب كتابه انتهى وقد نقل كلام المهلب جماعة من الشراح ساكتين عليه وعليه
مآخذ أصلها إدخال حديث بن عمر في هذا الباب وليس منه بل له باب مستقل وأشدها تفسيره
السرقة بالكلة فاني لم أره لغيره قال أبو عبيدة السرقة قطعة من حرير وكأنها فارسية وقال
الفارابي شقة من حرير وفي النهاية قطعة من جيد الحرير زاد بعضهم بيضاء ويكفي في رد تفسيرها
بالكلة والهودج قوله في نفس الخبر رأيت كأن بيدي قطعة استبرق وتخيله أن في حديث ابن
عمر الزيادة المذكورة لا أصل لها فجميع ما رتبه عليه كذلك وقلده ابن المنير فذكر الترجمة كما ترجم
وزاد عليه أن قال روى غير البخاري هذا الحديث أي حديث ابن عمر بزيادة عمود الفسطاط
ووضع ابن عمر له تحت وسادته ولكن لم توافق الزيادة شرطها فأدرجها في الترجمة نفسها وفساد
ما قال يظهر مما تقدم والمعتمد أن البخاري أشار بهذه الترجمة إلى حديث جاء من طريق أن النبي
صلى الله عليه وسلم رأى في منامه عمود الكتاب أنتزع من تحت رأسه الحديث وأشهر طرقه
ما أخرجه يعقوب بن سفيان والطبراني وصححه الحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينا أنا نائم رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي
فأتبعته بصري فإذا هو قد عهد به إلى الشام إلا وإن الايمان حين تقع الفتن بالشام وفي رواية فإذا
وقعت الفتن فالأمن بالشام وله طريق عند عبد الرزاق رجاله رجال الصحيح إلا أن فيه انقطاعا بين
أبي قلابة وعبد الله بن عمرو ولفظه عنده أخذوا عمود الكتاب فعمدوا به إلى الشام وأخرج أحمد
ويعقوب بن سفيان والطبراني أيضا عن أبي الدرداء رفعه بينا أنا نائم رأيت عمود الكتاب احتمل
من تحت رأسي فظننت أنه مذهوب به فأتبعته بصر فعمد به إلى الشام الحديث وسنده صحيح
وأخرج يعقوب والطبراني أيضا عن أبي أمامة نحوه وقال انتزع من تحت وسادتي وزاد بعد قوله
بصري فإذا هو نور ساطع حتى ظننت أنه قد هوى به فعمد به إلى الشام وإني أولت أن الفتن إذا
وقعت أن الأمان بالشام وسنده ضعيف وأخرج الطبراني أيضا بسند حسن عن عبد الله بن حوالة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت ليلة أسرى بي عمودا أبيض كأنه لواء تحمله الملائكة
فقلت ما تحملون قالوا عمود الكتاب أمرنا أن نضعه بالشام قال وبينا أنا نائم رأيت عمود الكتاب
اختلس من تحت وسادتي فظننت أن الله تخلى عن أهل الأرض فتبعته بصري فإذا هو نور ساطع
حتى وضع بالشام وفي الباب عن عبد الله بن عمرو بن العاص عند أحمد والطبراني بسند ضعيف
وعن عمر عند يعقوب والطبراني كذلك وعن ابن عمر في فوائد المخلص كذلك وهذه طرق يقوى
بعضها بعضا وقد جمعها بن عساكر في مقدمة تاريخ دمشق وأقربها إلى شرط البخاري حديث
أبي الدرداء فإنه أخرج رواته إلا أن فيه اختلافا على يحيى بن حمزة في شيخه هل هو ثور بن يزيد
أو زيد بن واقد وهو غير قادح لان كلا منهما ثقة من شرطه فلعله كتب الترجمة وبيض للحديث
لينظر فيه فلم يتهيأ له أن يكتبه وانما ترجم بعمود الفسطاط ولفظ الخبر في عمود الكتاب إشارة
إلى أن من رأى عمود الفسطاط في منامه فإنه يعبر بنحو ما وقع في الخبر المذكور وهو قول العلماء
بالتعبير قالوا من رأى في منامه عمودا فإنه يعبر بالدين أو برجل يعتمد عليه فيه وفسروا العمود
354

بالدين والسلطان وأما الفسطاط فقالوا من رأى أنه ضرب عليه فسطاطا فإنه ينال سلطانا بقدره
أو يخاصم ملكا فيظفر به (قوله باب الاستبرق ودخول الجنة في المنام) تقدم
في الذي قبله ما يتعلق في شئ منه وحديث بن عمر في الباب ذكره هنا من طريق وهيب بن خالد عن
أيوب عن نافع بلفظ سرقة وذكره بلفظ قطعة من استبرق كما في ترجمة الترمذي من طريق إسماعيل
ابن إبراهيم المعروف بابن علية عن أيوب فذكره مختصرا كرواية وهيب إلا أنه قال كأنما في يدي
قطعة استبرق كأن البخاري أشار إلى روايته في الترجمة وقد أخرجه أيضا في باب من تعار
من الليل من كتاب التهجد وفي أواخر كتاب الصلاة من طريق حماد بن زيد عن أيوب أتم
سياقا من رواية وهيب وإسماعيل وأخرجه النسائي من طريق الحرث بن عمير عن أيوب فجمع
بين اللفظتين فقال سرقة من استبرق وقوله هنا لا أهوى بها وهو بضم أوله أهوى إلى الشئ بالفتح
يهوى بالضم أي مال ووقع في رواية حماد فكأني لا أريد مكانا من الجنة إلا طارت بي إليه (قوله في
رواية وهيب فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم) الحديث وقع مثله
في رواية حماد عند مسلم ووقع عند المؤلف في روايته بعد قوله طارت بي إليه من الزيادة ورأيت
كأن اثنين أتياني أرادا أن يذهبا بي إلى النار الحديث بهذه القصة مختصرا وقال فيه فقصت
حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم إحدى رؤياي وظاهر رواية وهيب ومن تابعه أن الرؤيا التي
أبهمت في رواية حماد هي رؤية السرقة من الحرير وقد وقع ذلك صريحا في رواية حماد عند
مسلم لكن يعارضه ما مضى في باب فضل قيام الليل ويأتي في باب الاخذ عن اليمين من كتاب التعبير
من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه فذكر الحديث في رؤيته النار وفيه فقصصتها على
حفصة فقصتها حفصة فهو صريح في أن حفصة قصت رؤياه النار كما أن رواية حماد صريحة في أن
حفصة قصت رؤياه السرقة ولم يتعرض في رواية سالم إلى رؤيا السرقة فيحتمل أن يكون قوله
إحدى رؤياي محمولا على أنها قصة رؤيا السرقة أولا ثم قصة رؤيا النار بعد ذلك وأن التقدير
قصت إحدى رؤياي أولا فلا يكون لقوله إحدى مفهوم وهذا الموضع لم أر من تعرض له من
الشراح ولا أزال أشكاله فلله الحمد على ذلك (قوله فقال إن أخاك رجل صالح أو ان عبد الله
رجل صالح) هو شك من الراوي ووقع في رواية حماد المذكورة ان عبد الله رجل صالح بالجزم
وكذا في رواية صخر بن جويرية عن نافع زاد الكشميهني في روايته عن الفربري في الموضعين
لو كان يصلي من الليل وسقطت هذه الزيادة لغيره وهي ثابتة في رواية سالم كما تقدم في قيام الليل
وتأتي ويؤيد ثبوتها قوله في رواية حماد عند الجميع فقال نافع فلم يزل بعد ذلك يكثر الصلاة وقد
تقدم في قيام الليل وفي رواية عبيد الله ابن عمر عن نافع عن ابن عمر عند مسلم وقال نعم الفتى أو قال
نعم الرجل ابن عمر لو كان يصلي من الليل قال ابن عمر وكنت إذا نمت لم أقم حتى أصبح قال نافع فكان
ابن عمر بعد يصلي من الليل وأخرج مسلم إسناده وأصله وأحال بالمتن على رواية سالم وهو غير جيد
لتغايرهما وأخرجه بلفظه أبو عوانة والجزوقي بهذا ويأتي في باب الامن وذهاب الروع أيضا من
طريق صخر بن جويرية عن نافع وكذا بعده في باب الاخذ عن اليمين في رواية سالم قال الزهري
وكان عبد الله بعد ذلك يكثر الصلاة من الليل ولعل الزهري سمع ذلك من نافع أو من سالم ومضى
شرحه هناك ووقع في مسند أبي بكر بن هارون الروياني من طريق عبد الله بن نافع عن أبيه في
355

نحو هذه القصة من الزيادة وكان عبد الله كثير الرقاد وفيه أيضا أن الملك الذي قال له
لم ترع قال له لا تدع الصلاة نعم الرجل أنت لولا قلة الصلاة (قوله باب القيد في المنام) أي
من رأى في المنام أنه مقيد ما يكون تعبيره وظاهر إطلاق الخبر أنه يعبر بالثبات في الدين في جميع
وجوهه لكن أهل التعبير خصوا ذلك بما إذا لم يكن هناك قرينة أخرى كما لو كان مسافرا
أو مريضا فإنه يدل على أن سفره أو مرضه يطول وكذا لو رأى في القيد صفة زائدة كمن رأى في رجله
قيدا من فضة فإنه يدل على أنه يتزوج وإن كان من ذهب فإنه لأمر يكون بسبب مال يتطلبه وإن
كان في صفر فإنه لأمر مكروه أو مال فات وإن كان من رصاص فإنه لأمر فيه وهن وإن كان من
حبل فلامر في الدين وإن كان من خشب فلامر فيه نفاق وإن كان من حطب فلتهمة وإن كان
من خرقة أو خيط فلامر لا يدوم (قوله حدثنا عبد الله بن صباح) بفتح المهملة وتشديد الموحدة
هو العطار البصري وتقدم في الصلاة في باب السمر بعد العشاء حدثنا عبد الله بن الصباح
ولبعضهم عبد الله بن صباح كما هنا ولأبي نعيم هنا من رواية محمد بن يحيى بن منده حدثنا عبد الله بن
الصباح وفي شيوخ البخاري بن الصباح ثلاثة عبد الله هذا ومحمد والحسن وليس واحد منهم
أخا الآخر (قوله حدثنا معتمر) هو ابن سليمان التيمي وعرف هو الأعرابي (قوله إذا اقترب
الزمان لم يكد رؤيا المؤمن تكذب) كذا للأكثر ووقع في رواية أبي ذر عن غير الكشميهني
بتقديم تكذب على رؤيا المؤمن وكذا في رواية محمد بن يحيى وكذا في رواية عيسى بن يونس عن
عوف عند الإسماعيلي قال الخطابي في المعالم في قوله إذا اقترب الزمان قولان أحدهما أن يكون
معناه تقارب زمان الليل وزمان النهار وهو وقت استوائهما أيام الربيع وذلك وقت اعتدال
الطبائع الأربع غالبا وكذلك هو في الحديث والمعبرون يقولون أصدق الرؤيا ما كان وقت
اعتدال الليل والنهار وادراك الثمار ونقله في غريب الحديث عن أبي داود السجستاني ثم قال
والمعبرون يزعمون أن أصدق الأزمان لوقوع التعبير وقت انفتاق الأزهار وادراك الثمار وهما
الوقتان اللذان يعتدل فيهما الليل والنهار والقول الآخر أن اقتراب الزمان انتهاء مدته إذا دنا
قيام الساعة (قلت) يبعد الأول التقييد بالمؤمن فان الوقت الذي تعتدل فيه الطبائع لا يختص
به وقد جزم ابن بطال بأن الأول هو الصواب واستند إلى ما أخرجه الترمذي من طريق
معمر عن أيوب في هذا الحديث بلفظ في آخر الزمان لا تكذب رؤيا المؤمن وأصدقهم رؤيا
أصدقهم حديثا قال فعلى هذا فالمعنى إذا اقتربت الساعة وقبض أكثر العلم ودرست معالم الديانة
بالهرج والفتنة فكان الناس على مثل فترة محتاجين إلى مذكر ومجدد لما درس من الدين كما
كانت الأمم تذكر بالأنبياء لكن لما كان نبيا خاتم الأنبياء وصار الزمان المذكور يشبه زمان
الفترة عوضوا بما منعوا من النبوة بعد الرؤيا الصادقة التي هي جزء من النبوة الآتية بالتبشير
والانذار انتهى ويؤيد ما أخرجه ابن ماجة من طريق الأوزاعي عن محمد بن سيرين بلفظ إذا
قرب الزمان وأخرج البزار من طريق يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين بلفظ إذا تقارب
الزمان وسيأتي في كتاب الفتن من وجه آخر عن أبي هريرة يتقارب الزمان ويرفع العلم
الحديث والمراد به اقتراب الساعة قطعا وقال الداودي المراد بتقارب الزمان نقص الساعات
والأيام والليالي انتهى ومراده بالنقص سرعة مرورها وذلك قرب قيام الساعة كما ثبت في
356

الحديث الآخر عند مسلم وغيره يتقارب الزمان حتى تكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة
والجمعة كاليوم واليوم كالساعة والساعة كاحتراق السعفة وقيل أن المراد بالزمان المذكور
زمان المهدي عند بسط العدل وكثرة الامن وبسط الخير والرزق فان ذلك الزمان يستقصر
لاستلذاذه فتتقارب أطرافه وأما قوله لم تكد الخ فيه إشارة إلى غلبة الصدق على الرؤيا
وإن أمكن أن شيئا منها لا يصدق والراجح أن المراد نفي الكذب عنها أصلا لان حرف النفي الداخل
على كاد ينفي قرب حصوله والنافي لقرب حصول الشئ أدل على نفيه نفسه ذكره الطيبي وقال
القرطبي في المفهم والمراد والله أعلم بآخر الزمان المذكور في هذا الحديث زمان الطائفة الباقية
مع عيسى بن مريم بعد قتله الدجال فقد ذكر مسلم في حديث عبد الله بن عمر ما نصه فيبعث الله
عيسى بن مريم فيمكث في الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل
الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو ايمان إلا قبضه الحديث قال
فكان أهل هذا الزمان أحسن هذه الأمة حالا بعد الصدر الأول وأصدقهم أقوالا فكانت
رؤياهم لا تكذب ومن ثم قال عقب هذا وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا وانما كان كذلك لان
من كثر صدقه تنور قلبه وقوي إدراكه فانتقشت فيه المعاني على وجه الصحة وكذلك من كان
غالب حاله الصدق في يقظته استصحب ذلك في نومه فلا يرى إلا صدقا وهذا بخلاف الكاذب
والمخلط فإنه يفسد قلبه ويظلم فلا يرى إلا تخليطا وأضغاثا وقد يندر المنام أحيانا فيرى الصادق
ما لا يصح ويرى الكاذب ما يصح ولكن الأغلب الأكثر ما تقدم والله أعلم وهذا يؤيد ما تقدم أن
الرؤيا لا تكون إلا من أجزاء النبوة إن صدرت من مسلم صادق صالح ثم ومن ثم قيد بذلك في حديث
رؤيا المسلم جزء فإنه جاء مطلقا مقتصرا على المسلم فأخرج الكافر وجاء مقيدا بالصالح تارة وبالصالحة
وبالحسنة وبالصادقة كما تقدم بيانه فيحمل المطلق على المقيد وهو الذي يناسب حاله حال النبي
فيكرم بما أكرم به النبي وهو الاطلاع على شئ من الغيب فأما الكافر والمنافق والكاذب والمخلط
وإن صدقت رؤياهم في بعض الأوقات فإنها لا تكون من الوحي ولا من النبوة إذ ليس كل من
صدق في شئ ما يكون خبره ذلك نبوة فقد يقول الكاهن كلمة حق وقد يحدث المنجم فيصيب
لكن كل ذلك على الندور والقلة والله أعلم وقال ابن أبي جمرة معنى كون رؤيا المؤمن في آخر
الزمان لا تكاد تكذب أنها تقع غالبا على الوجه الذي لا يحتاج إلى تعبير فلا يدخلها الكذب
بخلاف ما قيل ذلك فإنها قد يخفى تأويلها فيعبرها العابر فلا تقع كما قال فيصدق دخول الكذب
فيها بهذا الاعتبار قال والحكمة في اختصاص ذلك بآخر الزمان أن المؤمن في ذلك الوقت يكون
غريبا كما في الحديث بدأ الاسلام غريبا وسيعود غريبا أخرجه مسلم فيقل أنيس المؤمن ومعينه
في ذلك الوقت فيكرم بالرؤيا الصادقة قال ويمكن أن يؤخذ من هذا سبب اختلاف الأحاديث
في عدد أجزاء النبوة بالنسبة لرؤيا المؤمن فيقال كلما قرب الامر وكانت الرؤيا أصدق حمل على أقل
عدد ورد وعكسه وما بين ذلك (قلت) وتنبغي الإشارة إلى هذه المناسبة فيما تقدم من المناسبات
وحاصل ما اجتمع من كلامهم في معنى قوله إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب إذا كان
المراد آخر الزمان ثلاثة أقوال أحدهما أن العلم بأمور الديانة لما يذهب غالبه بذهاب غالب أهله
وتعذرت النبوة في هذه الأمة عرضوا بالمرأي الصادقة ليجدد لهم ما قد درس من العلم والثاني أن
357

المؤمنين لما يقل عددهم ويغلب الكفر والجهل والفسق على الموجودين يؤنس المؤمن ويعان
بالرؤيا الصادقة إكراما له وتسلية وعلى هذين القولين لا يختص ذلك بزمان معين بل كلما قرب فراغ
الدنيا وأخذ أمر الدين من الاضمحلال تكون رؤيا المؤمن الصادق أصدق والثالث أن ذلك
خاص بزمان عيسى بن مريم وأولها أولاها والله أعلم (قوله ورؤيا المؤمن جزء) الحديث هو
معطوف على جملة الحديث الذي قبله وهو إذا اقترب الزمان الحديث فهو مرفوع أيضا وقد
تقدم شرحه مستوفى قريبا وقوله وما كان من النبوة فإنه لا يكذب هذا القدر لم يتقدم في شئ من
طرق الحديث المذكور وظاهر إيراده هنا أنه مرفوع ولئن كان كذلك فإنه أولى ما فسر به المراد
من النبوة في الحديث وهي صفة الصدق ثم ظهر لي أن قوله بعد هذا قال محمد وأنا أقول هذه
الإشارة في قوله هذه للجملة المذكورة وهذا هو السر في إعادة قوله قال بعد قوله هذا ثم رأيت في
بغيه النقاد لابن المواق أن عبد الحق أغفل تنبيه على أن هذه الزيادة مدرجة وأنه لا شك في
إدراجها فعلى هذا فهي من قول ابن سيرين وليست مرفوعة (قوله وأنا أقول هذه) كذا لأبي ذر
وفي جميع الطرق وكذا ذكره الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما ووقع في شرح ابن بطال وأنا
أقول هذه الأمة وكان يقال الخ (قلت) وليست هذه اللفظة في شئ من نسخ صحيح البخاري ولا
ذكرها عبد الحق في جمعة ولا الحميدي ولا من أخرج حديث عوف من أصحاب الكتب والمسانيد
وقد تقلده عياض فذكره كما ذكره ابن بطال وتبعة في شرحه فقال خشي ابن سيرين أن يتأول أحد
معنى قوله وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا أنه إذا تقارب الزمان لم يصدق إلا رؤيا الرجل الصالح
فقال وأنا أقول هذه الأمة يعني رؤيا هذه الأمة صادقة كلها صالحها وفاجرها ليكون صدق
رؤياهم زاجرا لهم وحجة عليهم لدروس أعلام الدين وطموس آثاره بموت العلماء وظهور المنكر
انتهى وهذا مرتب على ثبوت هذه الزيادة وهي لفظة الأمة ولم أجدها في شئ من الأصول وقد
قال أبو عوانة الأسفرايني بعد أن أخرجه موصولا مرفوعا من طريق هشام عن ابن سيرين هذا
لا يصح مرفوعا عن ابن سيرين (قلت) وإلى ذلك أشار البخاري في آخره بقوله وحديث
عوف أبين أي حيث فصل المرفوع من الموقوف (قوله قال وكان يقال الرؤيا ثلاث إلى
الخ) قائل قال هو محمد بن سيرين وأبهم القائل في هذه الرواية وهو أبو هريرة وقد رفعه بعض
الرواة ووقفه بعضهم وقد أخرجه أحمد عن هوذة بن خليفة عن عوف بسنده مرفوعا الرؤيا
ثلاث الحديث مثله وأخرجه الترمذي والنسائي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن
ابن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا ثلاث فرؤيا حق ورؤيا
يحدث بها الرجل نفسه ورؤيا تحزين من الشيطان وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي من
طريق عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن محمد بن سيرين مرفوعا أيضا بلفظ الرؤيا ثلاث فالرؤيا
الصالحة بشرى من الله والباقي نحوه (قوله حديث النفس وتخويف الشيطان وبشرى من
الله) وقع في حديث عوف بن مالك عند ابن ماجة بسند حسن رفعه الرؤيا ثلاث منها أهاويل
من الشيطان ليحزن ابن آدم ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه ومنها جزء من ستة
وأربعين جزءا من النبوة (قلت) وليس الحصر مرادا من قوله ثلاث لثبوت نوع رابع في
حديث أبي هريرة في الباب وهو حديث النفس وليس في حديث أبي قتادة وأبي سعيد الماضيين
358

سوى ذكر وصف الرؤيا بأنها مكروهة ومحبوبة أو حسنة وسيئة وبقي نوع خامس وهو تلاعب
الشيطان وقد ثبت عند مسلم من حديث جابر قال جاء أعرابي فقال يا رسول الله رأيت في المنام
كأن رأسي قطع فانا أتبعه وفي لفظ فقد خرج فاشتددت في أثره فقال لا تخبر بتلاعب الشيطان
بك في المنام وفي رواية له إذا تلاعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يخبر به الناس ونوع سادس
وهو رؤيا ما يعتاده الرائي في اليقظة كمن كانت عادته أن يأكل في وقت فنام فيه فرأى أنه يأكل
أو بات طافحا من أكل أو شرب فرأى أنه يتقيأ وبينه وبين حديث النفس عموم وخصوص
وسابع وهو الأضغاث (قوله فمن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم فليصل) زاد في
رواية هوذة فإذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقصها لمن يشاء وإذا رأى شيئا يكرهه فذكر مثله ووقع
في رواية أيوب عن محمد بن سيرين فيصل ولا يحدث بها الناس وزاد في رواية سعيد بن أبي عروبة عن
ابن سيرين عند الترمذي وكان يقول لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح وهذا ورد معناه مرفوعا
في حديث أبي رزين عند أبي داود والترمذي وابن ماجة ولا يقصها إلا على واد أو ذي رأي وقد
تقدم شرح هذه الزيادة في باب الرؤيا من الله تعالى (قوله قال وكان يكره الغل في النوم
ويعجبهم القيد ويقال القيد ثبات في الدين) كذا ثبت هنا بلفظ الجمع في يعجبهم والافراد في يكره
ويقول قال الطيبي ضمير الجمع لأهل التعبير وكذا قوله وكان يقال قال المهلب الغل يعبر
بالمكروه لان الله أخبر في كتابه أنه من صفات أهل النار بقوله تعالى إذ الأغلال في أعناقهم الآية
وقد يدل على الكفر وقد يعبر بامرأة تؤذي وقال بن العربي انما أحبوا القيد لذكر النبي صلى
الله عليه وسلم له في قسم المحمود فقال قيد الايمان الفتك وأما الغل فقد كره شرعا في المفهوم كقوله
خذوه فغلوه وإذ الأغلال في أعناقهم ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك وغلت أيديهم وانما جعل
القيد ثباتا في الدين لان المقيد لا يستطيع المشي فضرب مثلا للايمان الذي يمنع عن المشي إلى
الباطل وقال النووي قال العلماء انما أحب القيد لان محله الرجل وهو كف عن المعاصي
والشر والباطل وأبغض الغل لان محله العنق وهو صفة أهل النار وأما أهل التعبير فقالوا إن
القيد ثبات في الامر الذي يراه الرائي بحسب من يرى ذلك له وقال إن انضم الغل إلى القيد دل
ذلك على زيادة المكروه وإذا جعل الغل في اليدين حمد لأنه كف لهما عن الشر وقد يدل على البخل
بحسب الحال وقالوا أيضا إن رأى أن يديه مغلولتان فهو بخيل وأن رأى أنه قيد وغل فإنه يقع
في سجن أو شدة (قلت) وقد يكون الغل في بعض المرائي محمودا كما وقع لأبي بكر الصديق فأخرج
أبو بكر بن أبي شيبة بسند صحيح عن مسروق قال مر صهيب بأبي بكر فأعرض عنه فسأله فقال
رأيت يدك مغلولة على باب أبي الحشر رجل من الأنصار فقال أبو بكر جمع لي ديني إلى يوم الحشر
وقال الكرماني أختلف في قوله وكان يقال هل هو مرفوع أو لا فقال بعضهم من قوله وكان يقال
إلى قوله في الدين مرفوع كله وقال بعضهم هو كله كلام بن سيرين وفاعل كان يكره أبو هريرة
(قلت) أخذه من كلام الطيبي فإنه قال يحتمل أن يكون مقولا للراوي عن ابن سيرين فيكون اسم
كان ضمير لابن سيرين وأن يكون مقولا لابن سيرين واسم كان ضمير أبي هريرة أو النبي صلى الله عليه
وسلم وقد أخرجه مسلم من وجه آخر عن ابن سيرين وقال في آخره لا أدري هو في الحديث أو قاله ابن
سيرين (قوله ورواه قتادة ويونس وهشام وأبو هلال عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى
359

الله عليه وسلم يعني أصل الحديث وأما من قوله وكان يقال فمنهم من رواه بتمامه مرفوعا ومنهم
من اقتصر على بعضه كما سأبينه (قوله وأدرجه بعضهم كله في الحديث) يعني جعله مرفوعا
والمراد به رواية هشام عن قتادة كما سأبينه (قوله وحديث عوف أبين) أي حيث فصل المرفوع من
الموقوف ولا سيما تصريحه بقول ابن سيرين وأنا أقول هذه فإنه دال على الاختصاص بخلاف
ما قال فيه وكان يقال فان فيها الاحتمال بخلاف أول الحديث فإنه صرح برفعه وقد اقتصر بعض
الرواة عن عوف على بعض ما ذكره معتمر بن سليمان عنه كما بينته من رواية هوذة وعيسى بن يونس
قال القرطبي ظاهر السياق أن الجميع من قول النبي صلى الله عليه وسلم غير أن أيوب هو
الذي روى هذا الحديث عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة وقد أخبر عن نفسه أنه شك أهو من
قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي هريرة فلا يعول على ذلك الظاهر (قلت) وهو حصر
مردود وكأنه تكلم عليه بالنسبة لرواية مسلم خاصة فإن مسلما ما أخرج طريق عوف هذه ولكنه
أخرج طريق قتادة عن محمد بن سيرين فلا يلزم من كون أيوب شك أن لا يعول على رواية من
لم يشك وهو قتادة مثلا لكن لما كان في الرواية المفصلة زيادة فرجحت (قوله وقال يونس
لا أحسبه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم في القيد) يعني أنه شك في رفعه (قوله قال أبو عبد
الله) هو المصنف (قوله لا تكون الأغلال إلا في الأعناق) وكأنه يشير إلى الرد على من قال
قد يكون الغل في غير العنق كاليد والرجل والغل بضم المعجمة وتشديد اللام واحد الأغلال قال
وقد أطلق بعضهم الغل على ما تربط به اليد وممن ذكره أبو علي القالي وصاحب المحكم وغيرهما
قالوا الغل جامعة تجعل في العنق أو اليد والجمع أغلال ويد مغلولة جعلت في الغل ويؤيده
قوله تعالى غلت أيديهم كذا أستشهد به الكرماني وفيه نظر لان اليد تغل في العنق وهو
عند أهل التعبير عبارة عن كفهما عن الشر ويؤيده منام صهيب في حق أبي بكر الصديق
كما تقدم قريبا فأما ورواية قتادة المعلقة فوصلها مسلم والنسائي من رواية معاذ بن هشام بن أبي
عبد الله الدستوائي عن أبيه عن قتادة ولفظ النسائي بالسند المذكور عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه كان يقول الرؤيا الصالحة بشارة من الله والتحزين من الشيطان ومن الرؤيا ما يحدث به
الرجل نفسه فإذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها فليقم فليصل وأكره الغل في النوم ويعجبني
القيد فان القيد ثبات في الدين وأما مسلم فإنه ساقه بسنده عقب رواية معمر عن أيوب التي
فيها قال أبو هريرة فيعجبني القيد وأكره الغل القيد ثبات في الدين قال مسلم فأدرج يعني هشاما
عن قتادة في الحديث قوله وأكره الغل الخ ولم يذكر الرؤيا جزء الحديث وكذلك رواه أيوب
عن محمد بن سيرين قال قال أبو هريرة أحب القيد في النوم وأكره الغل القيد في النوم ثبات
في الدين وأخرجه ابن حبان في صحيحه من رواية سفيان بن عيينة عنه وأخرجه مسلم وأبو داود
والترمذي من رواية عبد الوهاب الثقفي عن أيوب فذكر حديث إذا اقترب الزمان الحديث
ثم قال ورؤيا المسلم جزء من الحديث ثم قال والرؤيا ثلاث الحديث ثم قال بعده قال وأحب
القيد وأكره الغل القيد ثبات في الدين فلا أدري هو في الحديث أو قاله ابن سيرين هذا لفظ
مسلم ولم يذكر أبو داود ولا الترمذي قوله فلا أدري الخ وأخرجه الترمذي وأحمد
والحاكم من رواية معمر عن أيوب فذكر الحديث الأول ونحو الثاني ثم قال بعدهما قال
360

أبو هريرة يعجبني القيد الخ قال وقال النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا المؤمن جزء آخره
وقد أخرج الترمذي والنسائي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة حديث الرؤيا ثلاثة
مرفوعا كما أشرت إليه قبل هذا ثم قال بعده وكان يقول يعجبني القيد الحديث وبعده وكان
يقول من رآني فاني أنا هو الحديث وبعده وكان يقول لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح وهذا
ظاهر في أن الأحاديث كلها مرفوعة وأما رواية يونس وهو ابن عبيد فأخرجها البزار في مسنده
من طريق أبي خلف وهو عبد الله بن عيسى الخزاز بمعجمات البصري عن يونس بن عبيد عن محمد
ابن سيرين عن أبي هريرة قال إذا تقارب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب وأحب القيد وأكره
الغل قال ولا أعلمه إلا وقد رفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال البزار روى عن محمد من عدة
أوجه وانما ذكرناه من رواية يونس لعزة ما أسند يونس عن محمد بن سيرين (قلت) وقد أخرج
ابن ماجة من طريق أبي بكر الهذلي عن ابن سيرين حديث القيد موصولا مرفوعا ولكن الهذلي
ضعيف وأما رواية هشام فقال أحمد حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا هشام هو ابن حسان عن محمد بن
سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا اقترب الزمان ورؤيا المؤمن
الحديث وأحب القيد في النوم الحديث والرؤيا ثلاث الحديث فساق الجميع مرفوعا وهكذا
أخرجه الدارمي من رواية مخلد بن الحسين عن هشام وأخرجه الخطيب في المدرج من طريق علي
ابن عاصم عن خالد وهشام عن ابن سيرين مرفوعا قال الخطيب والمتن كله مرفوع إلا ذكر
القيد والغل فإنه قول أبي هريرة وأدرج في الخبر وبينه معمر عن أيوب وأخرج أبو عوانة في صحيحه
من طريق عبد الله بن بكر عن هشام قصة القيد وقال الأصح أن هذا من قول ابن سيرين وقد
أخرجه مسلم من طريق حماد بن زيد عن هشام بن حسان وأيوب جميعا عن محمد بن سيرين عن أبي
هريرة قال إذا اقترب الزمان قال وساق الحديث ولم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم وكذا
أخرجه أبو بكر ابن أبي شيبة عن أبي أسامة عن هشام موقوفا وزاد في آخره قال أبو هريرة اللبن
في المنام الفطرة وأما رواية بن أبي هلال واسمه محمد بن سليم الراسبي عن محمد بن سيرين فلم أقف عليها
موصولة إلى الان وأخرج أحمد في الزهد عن عثمان عن حماد بن زيد عن أيوب قال رأيت ابن
سيرين مقيدا في المنام وهذا يشعر بأن ابن سيرين كان يعتمد في تعبير القيد على ما في الخبر فأعطى
هو ذلك وكان كذلك قال القرطبي هذا الحديث وان اختلف في رفعه ووقفه فان معناه صحيح لان
القيد في الرجلين تثبيت للمقيد في مكانه فإذا رآه من هو على حاله كان ذلك دليلا على ثبوته على
تلك الحالة وأما كراهة الغل فلان محله الأعناق نكالا وعقوبة وقهرا وإذلالا وقد يسحب على
وجهه ويخر على قفاه فهو مذموم شرعا وعادة فرؤيته في العنق دليل على وقوع حال سيئة للرائي
تلازمه ولا ينفك عنها وقد يكون ذلك في دينه كواجبات فرط فيها أو معاص ارتكابها أو حقوق
لا زمة له لم يوفها أهلها مع قدرته وقد تكون في دنياه كشدة تعتريه أو تلازمه (قوله
باب العين الجارية في المنام) قال المهلب العين الجارية تحتمل وجوها فإن كان ماؤها
صافيا عبرت بالعمل الصالح وإلا فلا وقال غيره العين الجارية عمل جار من صدقة أو معروف لحي
أو ميت قد أحدثه أو أجراه وقال آخرون عين الماء نعمة وبركة وخير وبلوغ أمنية إن كان صاحبها
مستورا فإن كان غير عفيف أصابته مصيبة يبكي لها أهل داره (قوله عبد الله) هو ابن المبارك
361

(قوله عن أم العلاء وهي امرأة من نسائهم) وتقدم في كتاب الهجرة أنها والدة خارجة بن زيد
الراوي عنها هنا وأن هذا الحديث ورد من طريق أبي النضر عن خارجة بن زيد عن أمه وذكرت
نسبها هناك وأن اسمها كنيتها ومنه يؤخذ أن القائل هنا وهي امرأة من نسائهم هو الزهري
رواية عن خارجة بن زيد ووقع في باب رؤيا النساء فيما مضى قريبا من طريق عقيل عن ابن شهاب
عن خارجة أن أم العلاء امرأة من الأنصار بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته وأخرج
أحمد وابن سعد بسند فيه علي بن زيد بن جدعان وفيه ضعف من حديث ابن عباس قال لما مات
عثمان بن مظعون قالت امرأته هنيئا لك الجنة فذكر نحو هذه القصة وقوله امرأته فيه نظر
فلعله كان فيه قالت امرأة بغير ضمير وهي أم العلاء ويحتمل أنه كان تزوجها قبل زيد بن ثابت
ويحتمل أن يكون القول تعدد منهما وعند ابن سعد أيضا من مرسل زيد بن أسلم بسند حسن قال
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم عجوزا تقول في جنازة عثمان بن مظعون وراء جنازته هنيئا لك
الجنة يا أبا السائب فذكر نحوه وفيه بحسبك أن تقولي كان يحب الله ورسوله (قوله) طار لنا
تقدم بيانه في باب القرعة في المشكلات ووقع عند بن سعد من وجه آخر عن معمر فتشاحت
الأنصار فيهم أن ينزلوهم منازلهم حتى اقترعوا عليهم فطار لنا عثمان بن مظعون يعني وقع في
سهمنا كذا وقع التفسير في الأصل وأظنه من كلام الزهري أو من دونه (قوله حين اقترعت) في
رواية أبي ذر عن غير الكشميهني أقرعت بحذف التاء ووقع في رواية عقيل المذكورة أنهم اقتسموا
المهاجرين قرعة (قوله فأشتكي فمرضناه حتى توفى) في الكلام حذف تقديره فأقام عندنا مدة
فأشتكي أي مرض فمرضناه أي قمنا بأمره في مرضه وقد وقع في رواية عقيل فطار لنا عثمان بن
مظعون فأنزلناه في أبياتنا فوجع وجعه الذي توفى فيه (قلت) وكانت وفاته في شعبان سنة
ثلاثة من الهجرة أرخه ابن سعد وغيره وقد تقدمت سائر فوائده في أول الجنائز والكلام على
قوله ما يفعل به والاختلاف فيها وقوله في آخره ذاك عمله يجري له قيل يحتمل أنه كان لعثمان شئ
عمله بقى له ثوابه جاريا كالصدقة وأنكره مغلطاي وقال لم يكن لعثمان بن مظعون شئ من الأمور
الثلاث التي ذكرها مسلم من حديث أبي هريرة رفعه إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث
(قلت) وهو نفي مردود فإنه كان له ولد صالح شهد بدرا وما بعدها وهو السائب مات في خلافة
أبي بكر فهو أحد الثلاث وقد كان عثمان من الأغنياء فلا يبعد أن تكون له صدقه استمرت
بعد موته فقد أخرج ابن سعد من مرسل أبي بردة بن أبي موسى قال دخلت امرأة عثمان بن
مظعون على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فرأين هيئتها فقلنا مالك فما في قريش أغنى من بعلك
فقالت أما ليلة فقائم الحديث ويحتمل أن يراد بعمل عثمان بن مظعون مرابطته قي جهاد أعداء
الله فإنه ممن يجري له عمله كما ثبت في السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم من حديث فضالة
ابن عبيد رفعه كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة ويأمن
من فتنة القبر وله شاهد عند مسلم والنسائي والبزار من حديث سلمان رفعه رباط يوم وليلة
في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمل وأمن الفتان وله
شواهد أخرى فليحمل حال عثمان بن مظعون على ذلك ويزول الاشكال من أصله (قوله
باب نزع الماء من البئر حتى يروي الناس) هو بفتح الواو من الري والنزع بفتح النون
362

وسكون الزاي وإخراج الماء للاستسقاء (قوله رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم)
وصله المصنف من حديثه في الباب الذي بعده (قوله حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير) هو
الدورقي وشعيب بن حرب هو المدائني يكنى أبا صالح كان أصله من بغداد فسكن المدائن حتى
نسب إليها ثم انتقل إلى مكة فنزلها إلى أن مات بها وكان صدوقا شديد الورع وقد وثقه يحيى بن
معين والنسائي والدارقطني وآخرون وما له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد وقد ذكره في
الضعفاء شعيب بن حرب فقال منكر الحديث مجهول وأظنه آخر وافق اسمه واسم أبيه والعلم
عند الله تعالى (قوله بين أنا على بئر أنزع منها) أي أستخرج منها الماء بآلة كالدلو وفي حديث
أبي هريرة في الباب الذي يليه رأيتني على قليب وعليها دلو فنزعت منها ما شاء الله وفي رواية همام
رأيت أني على حوض أسقي الناس والجمع بينهما أن القليب هو البئر المقلوب ترابها قبل الطي
والحوض هو الذي يجعل بجانب البئر لشرب الإبل فلا منافاة (قوله إذ جاءني أبو بكر وعمر) في
رواية أبي يونس عن أبي هريرة فجاءني أبو بكر فأخذ أبو بكر الدلو أي التي كان النبي صلى الله عليه
وسلم يملئ بها الماء ووقع في رواية همام الآتية بعد هذا فأخذ أبو بكر مني الدلو ليريحني وفي رواية
أبي يونس ليروحني وأول حديث سالم عن أبيه في الباب الذي يليه رأيت الناس اجتمعوا ولم يذكر
قصة النزع ووقع في رواية أبي بكر بن سالم عن أبيه أريت في النوم أني أنزع على قليب بدلو بكرة
فذكر الحديث نحوه أخرجه أبو عوانة (قوله فنزع ذنوبا أو ذنوبين) كذا هنا ومثله لأكثر
الرواة ووقع في رواية همام المذكورة ذنوبين ولم يشك ومثله في رواية أبي يونس والذنوب بفتح
المعجمة الدلو الممتلئ (قوله وفي نزعة ضعف) تقدم شرحه وبيان الاختلاف في تأويله في آخر
علامات النبوة في مناقب عمر (قوله فغفر الله له) وقل في الروايات المذكورة والله يغفر له
(قوله ثم أخذها ابن الخطاب من يد أبي بكر) كذا هنا ولم يذكر مثله في أخذ أبي بكر الدلو من
النبي صلى الله عليه وسلم ففيه إشارة إلى أن عمر ولى الخلافة بعهد من أبي بكر إليه بخلاف أبي بكر
فلم تكن خلافته بعهد صريح من النبي صلى الله عليه وسلم ولكن وقعت عدة إشارات إلى ذلك
فيها ما يقرب من الصريح (قوله فاستحالت في يده غربا) أي تحولت الدلو غربا وهي بفتح الغين
المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة بلفظ مقابل الشرق قال أهل اللغة الغرب الدلو العظيمة
المتخذة من جلود البقر فإذا فتحت الراء فهو الماء الذي يسيل بين البئر والحوض ونقل ابن التين عن
أبي عبد الملك البوني أن الغرب كل شئ رفيع وعن الداودي قال المراد أن الدلو أحالت باطن كفيه
حتى صار أحمر من كثرة الاستسقاء قال ابن التين وقد أنكر ذلك أهل العلم وردوه على قائله (قوله
فلم أر عبقريا) تقدم ضبطه وبيانه في مناقب عمر وكذلك قوله يفرى فريه ووقع عند النسائي في
رواية ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه قال حجاج قلت لابن جريج ما استحال قال
رجع قلت ما العبقري قال الأجير وتفسير العبقري بالأجير غريب قال أبو عمر الشيباني
عبقري القوم سيدهم وقويهم وكبيرهم وقال الفارابي العبقري من الرجال الذي ليس فوقه
شئ وذكر الزهري أن عبقر موضع بالبادية وقيل بلد كان ينسج فيه البسط والموشية فاستعمل في
كل شئ جيد وفي كل شئ فائق ونقل أبو عبيد أنها من ارض الجن وصار مثلا لكل ما ينسب إلى
شئ نفيس وقال الفراء العبقري السيد وكل فاخر من حيوان وجوهر وبساط وضعت عليه
363

وأطلقوه في كل شئ عظيم في نفسه وقد وقع في رواية عقل المشار إليه ينزع نزع ابن الخطاب
وفي رواية أبي يونس فلم أر نزع رجل قط أقوى منه (قوله حتى ضرب الناس بعطن) بفتح المهملتين
وآخره نون هو ما يعد للشرب حول البئر من مبارك الإبل والمراد بقوله ضرب أي ضربت الإبل
بعطن بركت والعطن للإبل كالوطن للناس لكن غلب على مبركها حول الحوض ووقع في رواية
أبي بكر بن سالم عند أبي بكر بن أبي شيبة حتى روى الناس وضربوا بعطن ووقع في رواية
همام فلم يزل ينزع حتى تولى الناس والحوض يتفجر وفي رواية أبي يونس ملآن ينفجر قال
القاضي عياض ظاهر هذا الحديث أن المراد خلافة عمر وقيل هو لخلافتهما معا لان أبا بكر جمع
شمل المسلمون أولا بدفع أهل الردة وابتدأت الفتوح في زمانه ثم عهد إلى عمر فكثرت في خلافته
الفتوح واتسع أمر الاسلام واستقرت قواعده وقال غيره معنى عظم الدلو في يد عمر كون
الفتوح كثرت في زمانه ومعنى استحالت انقلبت عن الصغر إلى الكبر وقال النووي قالوا هذا
المنام مثال لما جرى للخليفتين من ظهور آثارهما الصالحة وانتفاع الناس بهما وكل ذلك مأخوذ
من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه صاحب الامر فقام به أكمل قيام وقرر قواعد الدين ثم خلفه
أبو بكر فقاتل أهل الردة وقطع دابرهم ثم خلفه عمر فاتسع الاسلام في زمنه فشبه أمر المسلمين
بقليب فيه الماء الذي فيه حياتهم وصلاحهم وشبه بالمستقى لهم منها وسقيه هو قيامه بمصالحهم
وفي قوله ليريحني إشارة إلى خلافة أبي بكر بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لان في الموت راحة
من كدر الدنيا وتعبها فقام أبو بكر بتدبير أمر الأمة ومعاناة أحوالهم وأما قوله وفي نزعة ضعف
فليس فيه حط من فضيلته وانما هو إخبار عن حاله في قصر مدة ولايته وأما ولاية عمر فإنها
لما طالت كثر انتفاع الناس بها واتسعت دائرة الاسلام بكثرة الفتوح وتمصير الأمصار وتدوين
الدواوين وأما قوله والله يغفر له فليس فيه نقص له ولا إشارة إلى أنه وقع منه ذنب وانما هي كلمة
كانوا يقولونها يدعمون بها الكلام وفي الحديث إعلام بخلافتهما وصحة ولا يتهما وكثرة
الانتفاع بهما فكان كما قال وقال ابن العربي ليس المراد بالدلو التقدير الدال على قصر الحظ بل
المراد التمكن من البئر وقوله في الرواية المذكورة بدلو بكرة فيه إشارة إلى صغر الدلو قبل أن يصير
غربا وأخرج أبو ذر الهروي في كتاب الرؤيا من حديث ابن مسعود نحو حديث الباب لكن قال
في آخره فعبرها يا أبا بكر قال إلى الامر بعدك ويليه بعدي عمر قال كذلك عبرها الملك وفي سنده
أيوب بن جابر وهو ضعيف وهذه الزيادة منكرة وقد ورد هذا الحديث من وجه آخر بزيادة فيه
فأخرج أحمد وأبو داود واختاره الضياء من طريق أشعث بن عبد الرحمن الجرمي عن أبيه عن
سمرة بن جندب ان رجلا قال يا رسول الله رأيت كأن دلوا دل من السماء فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيها
فشرب شربا ضعيفا ثم جاء عمر فأخذ بعرافيها فشرب حتى تضلع ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها
فشرب حتى تضلع ثم جاء على فأخذ بعراقيها فانتشطت وانتضح عليه منها شئ وهذا يبين أن
المراد بالنزع الضعيف والنزع القوى الفتوح والغنائم وقوله دلى بضم المهملة وتشديد اللام أي
أرسل إلى أسفل وقوله بعراقيها أي بكسر المهملة وفتح القاف خشبتان تجعلان على فم
الدلو متخالفتان لربط الدلو وقوله تضلع بالضاد المعجمة أي ملا اضلاعه كناية عن الشبع وقوله
انتشطت بضم المثناة وكسر المعجمة بعدها طاء مهملة أي نزعت منه فاضطربت وسقط بعض
364

ما فيها أو كله قال ابن العربي حديث سمرة يعارض حديث ابن عمر وهما خبران (قلت) الثاني
هو المعتمد فحديث ابن عمر مصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الرائي وحديث سمرة فيه أن
رجلا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى وقد أخرج أحمد من حديث أبي الطفيل شاهدا
لحديث ابن عمر وزاد فيه فوردت على غنم سود وغنم عفر وقال فيه فأولت السود العرب والعفر
العجم وفي قصة عمر فملا الحوض وأروى الواردة ومن المغايرة بينهما أيضا أن في حديث ابن عمر نزع
الماء من البئر وحديث سمرة فيه نزول الماء من السماء فهما قصتان تشد إحداهما الأخرى وكأن
قصة حديث سمرة سابقة فنزل الماء من السماء وهي خزانته فأسكن في الأرض كما يقتضيه
حديث سمرة ثم أخرج منها الدلو كما دل عليه حديث ابن عمر وفي حديث سمرة إشارة إلى نزول
النصر من السماء على الخلفاء وفي حديث ابن عمر إشارة إلى استيلائهم على كنوز الأرض بأيديهم
وكلاهما ظاهر من الفتوح التي فتحوها وفي حديث سمرة زيادة إشارة إلى ما وقع لعلي من الفتن
والاختلاف عليه فان الناس أجمعوا على خلافته ثم لم يلبث أهل الجمل أن خرجوا عليه وامتنع
معاوية في أهل الشام ثم حاربه بصفين ثم غلب بعد قليل على مصر وخرجت الحرورية على علي
فلم يحصل له في أيام خلافته راحة فضرب المنام المذكور مثلا لأحوالهم رضوان الله عليه أجمعين
(قوله باب نزع الذنوب والذنوبين من البئر بضعف) أي مع ضعف نزع ذكر فيه
حديث ابن عمر الذي قبله وحديث أبي هريرة بمعناه وزهير في الحديث الأول هو ابن معاوية وقوله
عن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم كأنه تقدم للتابعي سؤال عن ذلك فأخبره به الصحابي وقوله
في أبي بكر وعمر أي فيما يتعلق بمدة خلافتهما وقوله قال رأيت القائل هو النبي صلى الله عليه وسلم
وحاكي ذلك عنه هو ابن عمر وقوله رأيت الناس اجتمعوا فقام أبو بكر فيه اختصار يوضحه ما قبله
وأن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ أولا فنزع من البئر ثم جاء أبو بكر وقد تقدمت بقية فوائد حديثي
الباب في الباب قبله وسعيد في الحديث الثاني هو ابن المسيب وفي الحديثين أنه من رأى أنه
يستخرج من بئر ماء انه يلي ولاية جليلة وتكون مدته بحسب ما استخرج قلة وكثرة وقد تعبر
البئر بالمرأة وما يخرج منها بالأولاد وهذا الذي اعتمده أهل التعبير ولم يعرجوا على الذي قبله فهو
الذي ينبغي أن يعول عليه لكنه بحسب حال الذي ينزع الماء والله أعلم (قوله باب
الاستراحة في المنام) قال أهل التعبير إن كان المستريح مستلقيا على قفاه فإنه يقوى أمره
وتكون الدنيا تحت يده لان الأرض أقوى ما يستند إليه بخلاف ما إذا كان منبطحا فإنه لا يدري
ما وراءه وذكر فيه حديث همام عن أبي هريرة في رؤياه صلى الله عليه وسلم الدلو وفيه فأخذ أبو بكر
الدلو ليريحني وقد تقدمت فوائده في الذي قبله وقوله فيه رأيت أني على حوض أسقي الناس كذا
للأكثر وفي رواية المستملي والكشميهني على حوضي والأول أولى وكأنه كان يملا من البئر فيسكب
في الحوض والناس يتناولون الماء لبهائمهم وأنفسهم وإن كانت رواية المستملي محفوظة احتمل
أن يريد حوضا له في الدنيا لا حوضه الذي في القيامة (قوله باب القصر في المنام) قال
أهل التعبير القصر في المنام عمل صالح لأهل الدين ولغيرهم حبس وضيق وقد يفسر دخول القصر
بالتزويج وذكر فيه حديث أبي هريرة بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا
أنا نائم رأيتني في الجنة أخرجه من رواية عقيل عن ابن شهاب ووقع عند مسلم من رواية يونس بن
365

يزيد عن ابن شهاب بلفظ بينما أنا نائم إذ رأيتني وهو بضم التاء لضمير المتكلم (قوله فإذا امرأة
تتوضأ) تقدم في مناقب عمر ما نقل عن ابن قتيبة والخطابي أن قوله تتوضأ تصحيف وأن الأصل
شوهاء بشين معجمة مفتوحة واو ساكنة ثم هاء عوض الضاد المعجمة واعتل ابن قتيبة بأن الجنة
ليست دار تكليف ثم وجدت بعضهم اعترض عليه بقوله وليس في الجنة شوهاء وهذا الاعتراض
لا يرد علي ابن قتيبة لأنه ادعى أن المراد بالشوهاء الحسناء كما تقدم بيانه واضحا قال والوضوء لغوي
ولا مانع منه وقال القرطبي انما توضأت لتزداد حسنا ونورا لا أنها تزيل وسخا ولا قذرا إذ الجنة
منزهه عن ذلك وقال الكرماني تتوضأ من الوضاءة وهي النظافة والحسن ويحتمل أن يكون من
الوضوء ولا يمنع من ذلك كون الجنة ليست دار تكليف لجواز أن يكون على غير وجه التكليف
(قلت) ويحتمل أن لا يراد وقوع الوضوء منها حقيقة لكونه مناما فيكون مثالا لحالة المرأة
المذكورة وقد تقدم في المناقب أنها أم سليم وكانت في قيد الحياة حينئذ فرآها النبي صلى الله عليه
وسلم في الجنة إلى جانب قصر عمر فيكون تعبيره بأنها من أهل الجنة لقول الجمهور من أهل التعبير
إن من رأى أنه دخل الجنة أنه يدخلها فكيف إذا كان الرائي لذلك أصدق الخلق وأما وضوؤها
فيعبر بنظافتها حسا ومعنى وطهارتها جسما وحكما وأما كونها إلى جانب قصر عمر ففيه إشارة إلى
أنها تدرك خلافته وكان كذلك ولا يعارض هذا ما تقدم في صفة الجنة من بدء الخلق من أن رؤيا
الأنبياء حق والاستدلال على ذلك بغيرة عمر لأنه لا يلزم من كون المنام على ظاهره أن لا يكون
بعضه يفتقر إلى تعبير فإن رؤيا الأنبياء حق يعني ليست من الأضغاث سواء كانت على حقيقتها
أو مثالا والله أعلم وقد تقدمت فوائد هذا الحديث في المناقب وقوله أعليك بأبي أنت وأمي
يا رسول الله أغار تقدم أنه من المقلوب لان القياس أن يقول أعليها أغار منك وقال الكرماني
لفظ عليك ليس متعلقا بأغار بل التقدير مستعليا عليك أغار عليها قال ودعوى القياس المذكور
ممنوعة إذ لا محوج إلى ارتكاب القلب مع وضوح المعنى بدونه ويحتمل أن يكون أطلق على
وأراد من كما قيل إن حروف الجر تتناوب وفي الحديث جواز ذكر الرجل بما علم من خلقه كغيره عمر
وقوله رجل من قريش عرف من الرواية الأخرى أنه عمر قال الكرماني علم النبي صلى الله عليه وسلم
أنه عمر إما بالقرائن وإما بالوحي (قوله معتمر) هو ابن سليمان التيمي البصري وعبيد الله بن عمر
هو العمري المدني وتقدم حديث جابر أتم من هذا وشرحه مستوفى في المناقب (قوله
باب الوضوء في المنام) قال أهل التعبير رؤية الوضوء في المنام وسيلة إلى سلطان أو عمل
فإن أتمه في النوم حصل مراده في اليقظة وإن تعذر بعجز الماء مثلا أو توضأ بما لا تجوز الصلاة به
فلا والوضوء للخائف أمان ويدل على حصول الثواب وتكفير الخطايا وذكر فيه حديث
أبي هريرة المذكور في الباب الذي قبله وقد مضى الكلام فيه (قوله باب الطواف
بالكعبة في المنام) قال أهل التعبير الطواف يدل على الحج وعلى التزويج وعلى حصول أمر
مطلوب من الامام وعلى بر الوالدين وعلى خدمة عالم والدخول في أمر الامام فإن كان الرائي رقيقا
دل على نصحه لسيده (قوله بينا أنا نائم رأيتني أطوف بالكعبة الحديث) تقدم شرحه مستوفى
366

في ذكر عيسى عليه السلام من أحاديث الأنبياء ويأتي شئ مما يتعلق بالرجال في كتاب الفتن إن شاء
الله تعالى (قوله باب إذا أعطى فضله غيره في النوم) ذكر فيه حديث ابن عمر
الماضي في باب اللبن مشروحا وقوله الري أي ما يتروى به وهو اللبن أو هو إطلاق على سبيل
الاستعارة قال الكرماني قال وإسناد الخروج إليه قرينة وقيل الري اسم من أسماء اللبن
(قوله باب الامن وذهاب الروع في المنام) الروع بفتح الراء وسكون الواو بعدها
عين مهملة الخوف وأما الروع بضم الراء فهو النفس قال أهل التعبير من رأى أنه خائف من شئ
أمن منه ومن رأى أنه قد أمن من شئ فإنه يخاف منه وذكر فيه حديث ابن عمر في رؤياه من طريق
نافع عنه وقد مضى شرحه قريبا (قوله أن رجالا) لم أقف على أسمائهم (قوله فيقول فيها) أي
يعبرها (قوله حديث السن) أي صغيره وفي رواية الكشميهني حدث السن بفتح الدال (قوله
وبيتي المسجد) يعني أنه كان يأوي إليه قبل أن يتزوج (قوله فاضطجعت ليلة) في رواية
الكشميهني ذات ليلة (قوله إذ جاءني ملكان) لم أقف على تسميتهما قال ابن بطال يؤخذ منه
الجزم بالشئ وإن كان أصله الاستدلال لان ابن عمر استدل على أنهما ملكان بأنهما وقفاه على
جهنم ووعظاه بها والشيطان لا يعظ ولا يذكر الخير (قلت) ويحتمل أن يكونا أخبرا بأنهما
ملكان أو اعتمد النبي صلى الله عليه وسلم لما قصته عليه حفصة فاعتمد على ذلك (قوله مقمعة)
بكسر الميم والجمع مقامع وهي كالسياط من حديث رؤوسها معوجة قال الجوهري المقمعة كالمحجن
وأغرب الداودي فقال المقمعة والمقرعة واحد (قوله لم ترع) أي لم تفزع في رواية الكشميهني
لن تراع فعلى الأول ليس المراد أنه لم يقع له فزع بل لما كان الذي فزع منه لم يستمر فكأنه لم يفزع
وعلى الثانية فالمراد أنك لا روع عليك بعد ذلك قال ابن بطال إنما قال له ذلك لما رأى منه من
الفزع ووثق بذلك منه لان الملك لا يقول إلا حقا انتهى ووقع عند ابن أبي شيبة من رواية جرير بن
حازم عن نافع فلقيه ملك وهو يرعد فقال لم ترع ووقع عند كثير من الرواة لن ترع بحرف لن مع
الجزم ووجهه ابن مالك لأنه سكن العين للوقف ثم شبهه بسكون الجزم فحذف الألف قبله ثم
أجرى الوصل مجرى الوقف ويجوز أن يكون جزمه بلن وهي لغة قليلة حكاها الكسائي وقد تقدم
شئ من ذلك في الكلام على هذا الحديث في كتاب التهجد (قوله كطي البئر له قرون) في رواية
الكشميهني لها وقرون البئر جوانبها التي تبنى من حجارة توضع عليها الخشبة التي تعلق فيها البكرة
والعادة أن لكل بئر قرنين وقوله وأرى فيها رجالا معلقين في رواية سالم التي بعد هنا فإذا فيها ناس
عرفت بعضهم (قلت) ولم أقف في شئ من الطرق على تسمية أحد منهم قال ابن بطال في هذا
367

الحديث أن بعض الرؤيا لا يحتاج إلى تعبير وعلى أن ما فسر في النوم فهو تفسيره في اليقظة لان
النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد في تفسيرها على ما فسرها الملك قلت يشير إلى قوله صلى الله عليه
وسلم في آخر الحديث أن عبد الله رجل صالح وقول الملك قبل ذلك نعم الرجل أنت لو كنت تكثر
الصلاة ووقع في الباب الذي بعده أن الملك قال له لم ترع إنك رجل صالح وفي آخره أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال أن عبد الله رجل صالح لو كان يكثر الصلاة من الليل قال وفيه وقوع الوعيد على ترك
السنن وجواز وقوع العذاب على ذلك (قلت) هو مشروط بالمواظبة على الترك رغبة عنها فالوعيد
والتعذيب إنما يقع على المحرم وهو الترك بقيد الاعراض قال وفيه أن أصل التعبير من قبل
الأنبياء ولذلك تمنى ابن عمر انه يرى رؤيا فيعبرها له الشارع ليكون ذلك عنده أصلا قال وقد صرح
الأشعري بأن أصل التعبير بالتوقيف من قبل الأنبياء وعلى ألسنتهم قال ابن بطال وهو كما قال
ولكن الوارد عن الأنبياء في ذلك وإن كان أصلا فلا يعم جميع المرائي فلا بد للحاذق في هذا الفن أن
يستدل بحسن نظره فيرد ما لم ينص عليه إلى حكم التمثيل ويحكم له بحكم النسبة الصحيحة فيجعل
أصلا يلحق به غيره كما يفعل الفقيه في فروع الفقه وفيه جواز المبيت في المسجد ومشروعية
النيابة في قص الرؤيا وتأدب ابن عمر مع النبي صلى الله عليه وسلم ومهابته له حيث لم يقص رؤياه
بنفسه وكأنه لما هالته لم يؤثر أن يقصها بنفسه فقصها على أخته لادلاله عليها وفضل قيام الليل
وغير ذلك مما تقدم ذكره وبسطه في كتاب التهجد والله أعلم (قوله باب الاخذ على
اليمين في النوم) وفي رواية باليمين ذكر فيه حديث ابن عمر المذكور قبل من طريق سالم وهو ابن
عبد الله بن عمر عنه وقد تقدم مستوفى في الذي قبله ولله الحمد ويؤخذ منه أن من أخذ في منامه
إذا سار على يمينه يعبر له بأنه من أهل اليمين والعزم بفتح المهملة والزاي ثم الموحدة من لا زوجة له
ويقال له الأعزب بقلة في الاستعمال وقوله أخذاني بالنون وفي رواية بالموحدة (قوله
باب القدح في النوم) قال أهل التعبير القدح في النوم امرأة أو مال من جهة امرأة
وقدح الزجاج يدل على ظهور الأشياء الخفية وقدح الذهب والفضة ثناء حسن ذكر فيه حديث
ابن عمر المتقدم في باب اللبن وقد مضى شرحه هناك (قوله باب إذا طار الشئ في المنام)
أي الذي من شأنه أن يطير قال أهل التعبير من رأى أنه يطير فإن كان إلى جهة السماء بغير تعريج
ناله ضرر فإن غاب في السماء ولم يرجع مات وإن رجع أفاق من مرضه وإن كان يطير عرضا سافر
ونال رفعة بقدر طيرانه فإن كان بجناح فهو مال أو سلطان يسافر في كنفه وإن كان بغير جناح
دل على التغرير فيما يدخل فيه وقالوا أن الطيران بالشرار دليل ردئ (قوله يعقوب بن
إبراهيم) أي ابن سعد الزهري وصالح هو ابن كيسان (قوله عن ابن عبيدة) بالتصغير ابن نشيط
بنون ومعجمة ثم مهملة وزن عظيم ووقع في رواية الكشميهني عن أبي عبيدة جعلها كنية
والصواب ابن فقد تقدم هذا الحديث بهذا السند في أواخر المغازي في قصة العنسي وقال في
368

عن بن عبيدة بغير اختلاف وزاد في موضع آخر اسمه عبد الله (قلت) وهو الربذي بفتح
الراء والموحدة بعدها معجمة أخو موسى بن عبيدة الربذي المحدث المشهور بالضعف وليس
لعبد الله هذا في البخاري سوى هذا الحديث وقد اختلف على يعقوب بن إبراهيم بن سعد في سنده
فأخرجه النسائي عن أبي داود الحراني عنه عن أبيه عن صالح قال قال عبيد الله بن عبد الله
ابن عتبة أسقط عبد الله بن عبيدة من السند هكذا أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر
عن أبي داود الحراني ومن رواية عبيد الله بن سعد بن إبراهيم عن عمه يعقوب قال الإسماعيلي
هذان ثقتان روياه هكذا (قلت) لكن سعيد ثقة وقد تابعه عباس بن محمد الدوري عن يعقوب
ابن إبراهيم أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريقه وقد تقدم شرح الحديث في المغازي ويأتي
شئ منه بعد أبواب وأن قول ابن عباس في هذه الرواية ذكر لي على البناء للمجهول يبين من رواية
نافع بن جبير عن ابن عباس المذكورة هناك أن المبهم المذكور أبو هريرة قال المهلب هذه الرؤيا
ليست على وجهها وانما هي من ضرب المثل وانما أول النبي صلى الله عليه وسلم السوارين
بالكذابين لان الكذب وضع الشئ في غير موضعه فلما رأى في ذراعيه سوارين
من ذهب وليسا
من لبسه لأنهما من حلية النساء عرف أنه سيظهر من يدعي ما ليس له وأيضا ففي كونهما من
ذهب والذهب منهي عن لبسه دليل على الكذب وأيضا فالذهب مشتق من الذهاب فعلم أنه شئ
يذهب عنه وتأكد ذلك بالاذن له في نفخها فطار فعلم أنه لا يثبت لهما أمر وأن كلامه بالوحي
الذي جاء به يزيلهما عن موضعهما والنفخ يدل على الكلام انتهى ملخصا وقوله في آخر الحديث
فقال عبيد الله هو ابن عبد الله بن عتبة راوي الحديث وهو موصول بالسند المذكور إليه
وهذا التفسير يوهم أنه من قبله وسيأتي قريبا من وجه آخر عن أبي هريرة أنه من كلام النبي صلى
الله عليه وسلم فيحتمل أن يكون عبيد الله لم يسمع ذلك من بن عباس وقد ذكرت خبر الأسود
العنسي هناك وذكرت خبر مسيلمة وقتله في غزوة أحد وشيئا من خبره في أواخر المغازي أيضا
قال الكرماني كان يقال للأسود العنسي ذو الحمار لأنه علم حمارا إذ قال له اسجد يخفض رأسه
(قلت) فعلى هذا هو بالحاء المهملة والمعروف أنه بالخاء المعجمة بلفظ الثوب الذي يختمر به قال
ابن العربي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوقع بطلان أمر مسيلمة والعنسي فأول الرؤيا عليهما
ليكون ذلك إخراجا للمنام عليهما ودفعا لحالهما فإن الرؤيا إذا عبرت خرجت ويحتمل أن يكون
بوحي والأول أقوى كذا قال (قوله إذا رأى بقرا تنحر كذا ترجم بقيد
النحر ولم يقع ذلك في الحديث الذي ذكره عن أبي موسى وكأنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض
طرق الحديث كما سأبينه وحديث أبي موسى المذكور في الباب أورده بهذا السند بتمامه في
علامات النبوة وفرق منه في المغازي بهذا السند أيضا وعلق فيها قطمة في الهجرة فقال وقال
أبو موسى وذكر بعضه هنا وبعضه بعد أربعة أبواب ولم يذكر بعضه وقد تقدم في غزوة أحد شرح
ما أورده منه فيها (قوله أراه) بضم أوله أي أظنه وقد بينت هناك أن القائل أراه هو البخاري
وأن مسلما وغيره رووه عن أبي كريب محمد بن العلاء شيخ البخاري فيه بالسند المذكور بدون هذه
اللفظة بل جزموا برفعه (قوله فذهب وهو) قال ابن التين رويناه وهو بفتح الهاء والذي ذكره
أهل اللغة بسكونها تقول وهلت بالفتح أهل وهلا إذا ذهب وهمك إليه وأنت تريد غيره مثل
369

وهمت ووهل يوهل وهلا بالتحريك إذا فزع قال ولعله وقع في الرواية على مثل ما قالوه في البحر
بحر بالتحريك وكذا النهر والنهر والشعر والشعر انتهى وبهذا جزم أهل اللغة ابن فارس والفارابي
والجوهري والفالي وابن القطاع إلا أنهم لم يقولوا وأنت تريد غيره وقد وقع في حديث المائة سنة
فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهلا بالتحريك وقال النووي معناه غلطوا
يقال وهل بفتح الهاء يهل بكسرها وهلا بسكونها مثل ضرب يضرب ضربا أي غلط وذهب
وهمه إلى خلاف الصواب وأما وهلت بكسرها أو هل بالفتح وهلا بالتحريك أيضا كحذرت احذر
حذرا فمعناه فزعت والوهل بالفتح الفزع وضبطه النووي بالتحريك وقال الوهل بالتحريك معناه
الوهم والاعتقاد وأما صاحب النهاية فجزم أنه بالسكون (قوله أو الهجر) كذا لأبي ذر هنا
بالألف واللام ووافقه الأصيلي ووقع في رواية كريمة أو هجر بغير ألف ولام وهي بلد قدمت بيانها
في باب الهجرة إلى المدينة (قوله ورأيت فيها بقرا والله خير) تقدم ما فيه ووقع في حديث جابر
عند أحمد والنسائي والدارمي من رواية حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر وفي رواية لأحمد
حدثنا جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت كأني في درع حصينة ورأيت بقرا تنحر فأولت
الدرع الحصينة المدينة وأن البقر بقر والله خير وهذه اللفظة الأخيرة وهي بقر بفتح الموحدة
وسكون القاف مصدر بقرة يبقره بقرا ومنهم من ضبطها بفتح النون والفاء ولهذا الحديث سبب
جاء بيانه في حديث ابن عباس عند أحمد أيضا والنسائي والطبراني وصححه الحاكم من طريق أبي
الزناد عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس في قصة أحد وإشارة النبي صلى الله عليه
وسلم عليهم أن لا يبرحوا من المدينة وإيثارهم الخروج لطلب الشهادة ولبسه اللامة وندامتهم
على ذلك وقوله صلى الله عليه وسلم لا ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يقاتل وفيه أني
رأيت أني في درع حصينة الحديث بنحو حديث جابر وأتم منه وقد تقدمت الإشارة إليه والى
ماله من شاهد في غزوة أحد وتقدم هناك قول السهيلي ان البقر تعبر برجال متسلحين يتناطحون
في القتال والبحث معه فيه وهو انما تكلم على رواية ابن إسحاق اني رأيت والله خيرا رأيت بقرا
ولكن تقييده في الحديث الذي ذكرته البقر بكونها تنحر هو على ما فسره في الحديث بأنهم من
أصيب من المسلمين وإن كانت الرواية بسكون القاف أو بالنون والفاء وليس من رؤية البقر
المتناطحة في شئ وقد ذكر أهل التعبير للبقر في النوم وجوها أخرى منها أن البقرة الواحدة تفسر
بالزوجة والمرأة والخادم والأرض والثور يفسر بالثائر لكونه يثير الأرض فيتحرك عاليها
وسافلها فكذلك من يثور في ناحية لطلب ملك أو غيره ومنها أن البقر إذا وصلت إلى بلد فإن
كانت بحرية فسرت بالسفن وإلا فبعسكر أو بأهل بادية أو يبس يقع في تلك البلد (قوله وإذا الخير
ما جاء الله به من الخير) وثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر والمراد بما بعد بدر فتح خيبر ثم مكة
ووقع في رواية بعد بالضم أي بعد أحد ونصب يوم أي ما جاء الله به بعد بدر الثانية من تثبيت قلوب
المؤمنين قال الكرماني ويحتمل أن يراد بالخير الغنيمة وبعد أي بعد الخير والثواب والخير حصلا
في يوم بدر قلت وفي هذا السياق إشعار بأن قوله في الخير والله خير من جملة الرؤيا والذي يظهر لي
أن لفظة لم يتحرر إيراده وأن رواية ابن إسحاق هي المحررة وأنه رأى بقرا ورأى خيرا فأول البقر على
من قتل من الصحابة يوم أحد وأول الخير على ما حصل لهم من ثواب الصدق في القتال والصبر على
370

الجهاد يوم بدر وما بعده إلى فتح مكة والمراد بالبعدية على هذا لا يختص بما بين بدر وأحد نبه عليه
ابن بطال ويحتمل أن يريد ببدر بدر الموعد لا الوقعة المشهورة السابقة على أحد فان بدر الموعد
كانت بعد أحد ولم يقع فيها قتال وكان المشركون لما رجعوا من أحد قالوا موعدكم العام المقبل
بدر فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ومن انتدب معه إلى بدر فلم يحضر المشركون فسميت بدر الموعد
فأشار بالصدق إلى أنهم صدقوا الوعد ولم يخلفوه فأثابهم الله تعالى على ذلك بما فتح عليهم بعد ذلك
من قريظة وخيبر وما بعدها والله أعلم (قوله باب النفخ في المنام) قال أهل التعبير
النفخ يعبر بالكلام وقال ابن بطال يعبر بإزالة الشئ المنفوخ بغير تكلف شديد لسهولة النفخ
على النافخ ويدل على الكلام وقد أهلك الله الكاذبين المذكورين بكلامه صلى الله عليه وسلم
وأمره بقتلهما (قوله حدثني) في رواية أبي ذر حدثنا (قوله إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) هو
المعروف بابن راهويه (قوله هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نحن
الآخرون السابقون وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا أنا نائم) قد تقدم التنبيه على هذا
الصنيع في أوائل كتاب الايمان والنذور وأن نسخة همام عن أبي هريرة كانت عند إسحاق بهذا
السند وأول حديث فيها حديث نحن الآخرون السابقون الحديث في الجمعة وبقية أحاديث
النسخة معطوفة عليه بلفظ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إسحاق إذا أراد التحديث
بشئ منها بدا بطرف من الحديث الأول وعطف عليه ما يريد ولم يطرد هذا الصنيع للبخاري في هذه
النسخة وأما مسلم فأطرد صنيعه في ذلك كما نبهت عليه هناك وبالله التوفيق وقد تقدم هذا
الحديث في باب وقد بني حنيفة في أواخر المغازي عن إسحاق بن نصر عن عبد الرزاق بهذا الاسناد
لكن قال في روايته عن همام أنه سمع أبا هريرة ولم يبدأ فيه إسحاق بن نصر بقوله نحن الآخرون
السابقون وذلك مما يؤيد ما قررته ويعكر على من زعم أن هذه الجملة أول حديث الباب
وتكلف لذلك وبالله التوفيق (قوله إذ أتيت خزائن الأرض) كذا وجدته في نسخة معتمدة
من طريق أبي ذر من الاتيان بمعنى المجئ وبحذف الباء من خزائن وهي مقدرة وعند غيره أوتيت
بزيادة رواه من الايتاء بمعنى الاعطاء ولا إشكال في حذف الباء على هذه الرواية ولبعضهم كالأول
لكن بإثبات الباء وهي رواية أحمد وإسحاق بن نصر عن عبد الرزاق قال الخطابي المراد بخزائن
الأرض ما فتح على الأمة من الغنائم من ذخائر كسرى وقيصر وغيرهما ويحتمل معادن الأرض
التي فيها الذهب والفضة قال غيره بل يحمل على أعم من ذلك (قوله فوضع) بفتح أوله وثانيه وفي
رواية إسحاق بن نصر بضم أوله وكسر ثانيه (قوله في يدي) في رواية إسحاق بن نصر في كفي
(قال سوارين) في رواية إسحاق بن نصر سوران ولا إشكال فيها وشرح ابن التين هنا على لفظ
وضع بالضم وسوارين بالنصب وتكلف لتخريج ذلك وقد أخرجه ابن أبي شيبة وابن ماجة من
رواية أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ رأيت في يدي سوارين من ذهب وأخرجه سعيد بن منصور من
رواية سعيد المقبري عن أبي هريرة مثله وزاد في المنام والسوار بكسر المهملة ويجوز ضمها وفيه
لغة ثالثة أسوار بضم الهمزة أوله (قوله فكبر علي) في رواية إسحاق بن نصر فكبرا بالتثنية والباء
الموحدة مضمومة بمعنى العظم قال القرطبي وإنما عظم عليه ذلك لكون الذهب من حلية
النساء ومما حرم على الرجال (قوله فأوحى إلي) كذا للأكثر على البناء للمجهول وفي رواية
371

الكشميهني في حديث إسحاق بن نصر فأوحى الله إلي وهذا الوحي يحتمل أن يكون من وحي الالهام
أو على لسان الملك قاله القرطبي (قوله فنفختهما) زاد إسحاق بن نصر فذهبا وفي رواية ابن عباس
الماضية قريبا فطارا وكذا في رواية المقبري وزاد فوقع واحد باليمامة والآخر باليمن وفي ذلك
إشارة إلى حقارة أمرهما لان شأن الذي ينفخ فيذهب بالنفخ أن يكون في غاية الحقارة ورده
ابن العربي بان أمرهما كان في غاية الشدة ولم ينزل بالمسلمين قبله مثله (قلت) وهو كذلك
لكن الإشارة انما هي للحقارة المعنوية لا الحسية وفي طيرانهما إشارة إلى اضمحلال أمرهما كما
تقدم (قوله فأولتهما الكذابين) قال القاضي عياض لما كان رؤيا السوارين في اليدين جميعا
من الجهتين وكان النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ بينهما فتأول السوارين عليهما لوضعهما في غير
موضعهما لأنه ليس من حلية الرجال وكذلك الكذاب يضع الخبر في غير موضعه وفي كونهما من
ذهب إشعار بذهاب أمرهما وقال ابن العربي السوار من حلى الملوك الكفار كما قال الله تعالى
فلولا ألقى عليه أساورة من ذهب واليد لها معان منها القوة والسلطان والقهر قال ويحتمل أن
يكون ضرب المثل بالسوار كناية عن الأسوار وهو من أسامي ملوك الفرس قال وكثيرا ما يضرب
المثل بحذف بعض الحروف (قلت) وقد ثبت بزيادة الألف في بعض طرقه كما بينته وقال القرطبي
في المفهم ما ملخصه مناسبة هذا التأويل لهذه الرؤيا أن أهل صنعاء وأهل اليمامة كانوا أسلموا
فكانوا كالساعدين للاسلام فلما ظهر فيهما الكذابان وبهرجا على أهلهما بزخرف أقوالهما
ودعواهما الباطلة انخدع أكثرهم بذلك فكان اليدان بمنزلة البلدان والسواران بمنزلة
الكذابين وكونهما من ذهب إشارة إلى ما زخرفاه والزخرف من أسماء الذهب (قوله اللذين أنا
بينهما) ظاهر في أنهما كانا حين قص والرؤيا موجودين وهو كذلك لكن وقع في رواية ابن عباس
يخرجان بعدي والجمع بينهما أن المراد بخروجهما بعده ظهور شوكتهما ومحاربتهما ودعواهما
النبوة نقله النووي عن العلماء وفيه نظر لان ذلك كله ظهر للأسود بصنعاء في حياته صلى الله
عليه وسلم فأدعي النبوة وعظمت شوكته وحارب المسلمين وفتك فيهم وغلب على البلد وآل أمره
إلى أن قتل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كما قدمت ذلك واضحا في أواخر المغازي وأما مسيلمة
فكان أدعى النبوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لكن لم تعظم شوكته ولم تقع محاربته إلا في
عهد أبي بكر فأما أن يحمل ذلك على التغليب وإما أن يكون المراد بقوله بعدي أي بعد نبوتي قال
ابن العربي يحتمل أن يكون ما تأوله النبي صلى الله عليه وسلم في السوارين بوحي ويحتمل أن يكون
تفاءل بذلك عليهما دفعا لحالهما فأخرج المنام المذكور عليهما لان الرؤيا إذا عبرت وقعت والله أعلم
(تنبيه) أخرج ابن أبي شيبة من مرسل الحسن رفعه رأيت كأن في يدي سوارين من ذهب
فكرهتهما فذهبا كسرى وقيصر وهذا إن كان الحسن أخذه عن ثبت فظاهره يعارض التفسير
بمسيلمة والأسود فيحتمل أن يكون تعددا والتفسير من قبله بحسب ما ظنه أدرج في الخبر فالمعتمد
ما ثبت مرفوعا أنهما مسيلمة والأسود (قوله باب إذا رأى أنه أخرج الشئ من
كوة وأسكنه موضعا آخر) واختلف في ضبطه كوة فوقع في رواية لأبي ذر بضم الكاف وتشديد
الواو المفتوحة ووقع للباقين بتخفيف الواو وسكونها بعدها راء وهو المعتمد والكورة الناحية
قال الخليل في العين الكور الرحل بالحاء المهملة الساكنة كذا اقتصر عليه ابن بطال وقال
372

غيره الرجل بأداته فان فتح أوله فهو الرحل بغير أداة والكور بالضم أيضا موضع الزنابير وكور
الحداد ما يبنى من طين وأما الزق فهو الكير والكورة المدينة والناحية قال ابن دريد
ولا أحسبها عربية محضة (قوله حدثني أخي عبد الحميد) هو ابن أبي أويس واسم أبي أويس
عبد الله (قوله عن سليمان بن بلال) في رواية إبراهيم بن المنذر عن أبي بكر بن أبي أويس وهو
عبد الحميد المذكور حدثنا سليمان وهو ابن بلال المذكور وهو مذكور بعد باب (قوله عن
سالم بن عبد الله عن أبيه) في رواية فضيل بن سليمان في الباب بعده حدثني سالم بن عبد الله عن
عبد الله بن عمر (قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت) في رواية فضيل في رؤيا النبي صلى
الله عليه وسلم في المدينة وفي رواية الإسماعيلي عن طريق ابن جريج ويعقوب بن عبد الرحمن
كلاهما عن موسى بن عقبة مثله قال في وباء المدينة (قوله رأيت) في رواية عبد العزيز
ابن المختار عن موسى بن عقبة لقد رأيت (قوله كأن امرأة سوداء ثائرة الرأس) في رواية ابن
أبي الزناد عن موسى بن عقبة عند أحمد وأبي نعيم ثائرة الشعر والمراد شعر الرأس وزاد تفلة
بفتح المثناة وكسر الفاء بعدها لام أي كريهة الرائحة (قوله خرجت) كذا في أكثر الروايات
ووقع في رواية ابن أبي الزناد أخرجت بزيادة همزة مضمومة أوله على البناء للمجهول ولفظه
أخرجت من المدينة فأسكنت بالجحفة وهو الموافق للترجمة وظاهر الترجمة أن فاعل الاخراج
النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه نسبه إليه لأنه دعا به فقد تقدم في آخر فضل المدينة في آخر
كتاب الحج من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال اللهم حبب إلينا المدينة الحديث
وفيه وأنقل حماها إلى الجحفة قالت عائشة وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله (قوله حتى قامت
بمهيعة وهي الجحفة) أما مهيعة بفتح الميم وسكون الهاء بعدها ياء آخر الحروف مفتوحة ثم عين
مهملة وقيل بوزن عظيمة وأظن قوله وهي الجحفة مدرجا من قول موسى بن عقبة فان أكثر
الروايات خلا عن هذه الزيادات وثبتت في رواية سليمان وابن جريج ووقع في رواية ابن جريج
عن موسى عند ابن ماجة حتى قامت بالمهيعة قال ابن التين ظاهر كلام الجوهري أن
مهيعة تصرف لأنه أدخل عليها الألف واللام ثم قال إلا أن يكون أدخلهما للتعظيم وفيه
بعد (قوله فأولت أنه وباء المدينة نقل إليها) في رواية ابن جريج فأولتها وباء المدينة
ينقل إلى الجحفة قال المهلب هذه الرؤيا من قسم الرؤيا المعبرة وهي مما ضرب به المثل ووجه
التمثيل أنه شق من اسم السوداء والسوء والداء فتأول خروجها بما جمع اسمها وتأول من ثوران
شعر رأسها أن الذي يسوء ويشير الشر يخرج من المدينة وقيل لان ثوران الشعر من اقشعرار
الجسد ومعنى الاقشعرار الاستيحاش فلذلك يخرج ما تستوحش النفوس منه كالحمى (قلت)
وكأن مراده بالاستيحاش أن رؤيته موحشة وإلا فالاقشعرار في اللغة تجمع الشعر وتقبضه
وكل شئ تغير عن هيئته يقال اقشعر كاقشعرت الأرض بالجدب والنبات من العطش وقد قال
القيرواني المعبر كل شئ غلبت عليه السوداء في أكثر وجوهها فهو مكروه وقال غيره ثوران
الرأس يئول بالحمى لأنها تثير البدن بالاقشعرار وارتفاع الرأس لا سيما من السوداء فإنها
أكثر استيحاشا (قوله باب المرأة السوداء) أي في المنام ذكر فيه الحديث
الذي قبله من الوجه الذي نبهت عليه وقوله فيه فتأولتها وقع في رواية الكشميهني فأولتها
373

(قوله رأيت) حذف منه قال خطأ والتقدير قال رأيت وثبت في رواية الإسماعيلي عن الحسن
ابن سفيان عن المقدمي شيخ البخاري فيه ولفظه عن رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت الخ (قوله باب المرأة الثائرة الرأس)
أي في المنام ذكر فيه الحديث المشار إليه وقد قدمت ما فيه (قوله باب إذا
هز سيفا في المنام) ذكر فيه حديث أبي موسى أراه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت
في رؤياي أني هززت سيفا فانقطع صدره الحديث بهذه القصة وهو طرف من حديثه الذي
أورده في علامات النبوة بكماله وقد ذكر القدر المذكور منه هنا في غزوة أحد وذكرت بعض شرحه
هناك وقوله فيه ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع
المؤمنين قال المهلب هذه الرؤيا من ضرب المثل ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصول بالصحابة
عبر عن السيف بهم وبهزه عن أمره لهم بالحرب وعن القطع فيه بالقتل فيهم وفي الهزة الأخرى
لما عاد إلى حالته من الاستواء عبر به عن اجتماعهم والفتح عليهم ولأهل التعبير في السيف تصرف
على أوجه منها أن من نال سيفا فأنه ينال سلطانا إما ولاية وإما وديعة وإما زوجة وإما ولدا فان سله
من غمده فانثلم سلمت زوجته وأصيب ولده فان انكسر الغمد وسلم السيف فبالعكس وان سلما
أو عطبا فكذلك وقائم السيف يتعلق بالأب والعصبات ونصله بالام وذوي الرحم وان جرد
السيف وأراد قتل شخص فهو لسانه يجرده في خصومه وربما عبر السيف بسلطان جائر انتهى
ملخصا وقال بعضهم من رأى أنه أغمد السيف فإنه يتزوج أو ضرب شخصا بسيف فإنه يبسط
لسانه فيه ومن رأى أنه يقاتل آخر وسيفه أطول من سيفه فإنه يغلبه ومن رأى سيفا عظيما فهي
فتنة ومن قلد سيفا قلد أمرا فإن كان قصيرا لم يدم أمره وان رأى أنه يجر حمائله فإنه يعجز عنه
(قوله باب من كذب في حلمه) أي فهو مذموم أو التقدير باب إثم من كذب في حلمه
والحلم بضم المهملة وسكون اللام ما يراه النائم وأشار بقوله كذب في حلمه مع أن لفظ الحديث
تحلم إلى ما ورد في بعض طرقه وهو ما أخرجه الترمذي من حديث على رفعه من كذب في حلمه
كلف يوم القيامة عقد شعيرة وسنده حسن وقد صححه الحاكم ولكنه من رواية عبد الاعلى بن
عامر ضعفه أبو زرعة وذكر فيه حديثين الحديث الأول ذكر له طرقا مرفوعه وموقوفه عن
ابن عباس (قوله حدثنا سفيان) هو ابن عيينة (قوله عن أيوب) في رواية الحميدي عن
سفيان حدثنا أيوب وقد وقع في الأصل ما يدل على ذلك وهو قوله في آخره قال سفيان وصله لنا
أيوب (قوله عن ابن عباس) ذكر المصنف الاختلاف فيه على عكرمة هل هو عن ابن عباس
مرفوعا أو موقوفا أو هو عن أبي هريرة موقوفا (قوله من تحلم) أي من تكلف الحلم (قوله بحلم
لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل) في رواية عباد بن عباد عن أيوب عند أحمد عذب
حتى يعقد بين شعيرتين وليس عاقدا وعنده في رواية همام عن قتادة من تحلم كاذبا دفع إليه
شعيرة وعذب حتى يعقد بين طرفيها وليس بعاقد وهذا مما يدل على أن الحديث عند عكرمة عن
ابن عباس وعن أبي هريرة معا لاختلاف لفظ الرواية عنه عنهما والمراد بالتكلف نوع من
التعذيب (قوله ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه) في رواية عباد بن عباد
وهم يفرون منه ولم يشك (قوله صب في أذنه الآنك يوم القيامة) في رواية عباد صب في أذنه يوم
374

القيامة عذاب وفي رواية همام ومن استمع إلى حديث قوم ولا يعجبهم أن يستمع حديثهم أذيب في
أذنه الآنك (قوله ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها وليس بنافخ) في رواية عباد وكذا
في رواية همام ومن صور صورة عذب يوم القيامة حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها وهذا
الحديث قد اشتمل على ثلاثة أحكام أولها الكذب على المنام ثانيها الاستماع لحديث من لا يريد
استماعه ثالثها التصوير وقد تقدم في أواخر اللباس من طريق النضر بن أنس عن ابن عباس
حديث من صور صورة وتقدم شرحه هناك وأما الكذب على المنام فقال الطبري انما اشتد فيه
الوعيد مع أن الكذب في اليقظة قد يكون أشد مفسدة منه إذ قد تكون شهادة في قتل أو حد أو
أخذ مال لان الكذب في المنام كذب على الله أنه أراه ما لم يره والكذب على الله أشد من الكذب
على المخلوقين لقوله نعالى ويقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم الآية وانما كان
الكذب في المنام كذبا على الله لحديث الرؤيا جزء من النبوة وما كان من أجزاء النبوة فهو من
قبل الله تعالى انتهى ملخصا وقد تقدم في باب قبل باب ذكر أسلم وغفار شئ من هذا في الكلام على
حديث وائلة الآتي التنبيه عليه في ثاني حديثي الباب وقال المهلب في قوله كلف أن يعقد بين
شعيرتين حجة للأشعرية في تجويزهم تكليف ما لا يطاق ومثله في قوله تعالى يوم يكشف عن
ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون وأجاب من منع ذلك بقوله تعالى لا يكلف الله نفسا
إلا وسعها أو حملوه على أمور الدنيا وحملوا الآية والحديث المذكورين على أمور الآخرة انتهى
ملخصا والمسألة مشهورة فلا نطيل بها والحق أن التكليف المذكور في قوله كلف أن يعقد ليس
هو التكليف المصطلح وانما هو كناية عن التعذيب كما تقدم وأما التكليف المستفاد من الامر
بالسجود فالامر فيه على سبيل التعجيز والتوبيخ لكونهم أمروا بالسجود في الدنيا وهم قادرون
على ذلك فامتنعوا فأمروا به حيث لا قدرة لهم عليه تعجيزا وتوبيخا وتعذيبا وأما الاستماع
فتقدم التنبيه عليه في الاستئذان في الكلام على حديث لا يتناجى اثنان دون ثالث و قد قيد ذلك
في حديث الباب لمن يكون كارها لاستماعه فأخرج من يكون راضيا وأما من جهل ذلك فيمتنع
حسما للمادة وأما الوعيد على ذلك بصب الآنك في أذنه فمن الجزاء من جنس العمل والآنك بالمد
وضم النون بعدها كاف الرصاص المذاب وقيل هو خالص الرصاص وقال الداودي هو
القصدير وقال ابن أبي جمرة انما سماه حلما ولم يسمه رؤيا لأنه ادعى أنه رأى ولم ير شيئا فكان
كاذبا والكذب انما هو من الشيطان وقد قال أن الحلم من الشيطان كما مضى في حديث
أبي قتادة وما كان من الشيطان فهو غير حق فصدق بعض الحديث بعضا قال ومعنى العقد بين
الشعيرتين أن يفتل إحداهما بالأخرى وهو مما لا يمكن عادة قال ومناسبة الوعيد المذكور
للكاذب في منامه وللمصور أن الرؤيا خلق من خلق الله وهي صورة معنوية فأدخل بكذبه
صورة لم تقع كما أدخل المصور في الوجود صورة ليست بحقيقية لان الصورة الحقيقية هي التي فيها
الروح فكلف صاحب الصورة اللطيفة أمرا لطيفا وهو الاتصال المعبر عنه بالعقد بين الشعيرتين
وكلف صاحب الصورة الكثيفة أمرا شديدا وهو أن يتم ما خلقه بزعمه بنفخ الروح ووقع وعيد
كل منهما بأنه يعذب حتى يفعل ما كلف به وهو ليس بفاعل فهو كناية عن تعذيب كل منهما على
الدوام قال والحكمة في هذا الوعيد الشديد أن الأول كذب على جنس النبوة وأن الثاني
375

نازع الخالق في قدرته وقال في مستمع حديث من يكره استماعه يدخل فيه من دخل منزله
وأغلق بابه وتحدث مع غيره فان قرينة حاله تدل على أنه لا يريد للأجنبي أن يستمع حديثه فمن
يستمع إليه يدخل في هذا الوعيد وهو كمن ينظر إليه من خلل الباب فقد ورد الوعيد فيه ولأنهم
لو فقؤوا عينه لكانت هدرا قال ويستثنى من عموم من يكره استماع حديثه من تحدث مع غيره
جهرا وهناك من يكره أن يسمعه فلا يدخل المستمع في هذا الوعيد لان قرينة الحال وهي الجهر
تقتضي عدم الكراهة فيسوغ الاستماع قال وفي الحديث أن من خرج عن وصف العبودية
استحق العقوبة بقدر خروجه وفيه تنبيه على أن الجاهل في ذلك لا يعذر بجهله وكذا من تأول
فيه تأويلا باطلا إذ لم يفرق في الخبر بين من يعلم تحريم ذلك وبين من لا يعلمه كذا قال ومن
اللطائف ما قال غيره أن اختصاص الشعير بذلك لما في المنام من الشعور بما دل عليه فحصلت
المناسبة بينهما من جهة الاشتقاق (قوله وقال قتيبة الخ) وقع لنا في نسخة قتيبة عن أبي عوانة
رواية النسائي عنه من طريق علي بن محمد الفارسي عن محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيويه
عن النسائي ولفظه عن أبي هريرة قال من كذب في رؤياه كلف أن يعقد بين طرفي شعيره ومن
استمع الحديث ومن صور الحديث ووصله أبو نعيم في المستخرج من طريق خلف بن هشام عن
أبي عوانة بهذا السند كذلك موقوفا وقد أخرج أحمد والنسائي من طريق همام عن قتادة
الحديث بتمامه مرفوعا ولكن اقتصر منه النسائي على قوله من صور (قوله وقال شعبة عن
أبي هاشم الرماني) بضم الراء وتشديد الميم اسمه يحيى بن دينار ووقع في رواية المستملي
والسرخسي عن أبي هشام وهو غلط (قوله قال أبو هريرة قوله من صور صورة ومن تحلم ومن
استمع) كذا في الأصل مختصرا اقتصر على أطراف الأحاديث الثلاثة وقد وقع لنا
موصولا في مستخرج الإسماعيلي من طريق عبيد الله بن معاذ العنبري عن أبيه عن شعبة عن
أبي هاشم بهذا السند فاقتصر على قوله عن أبي هريرة من تحلم ومن طريق محمد بن جعفر غندر
عن شعبة فذكره كذلك ولفظه من تحلم كاذبا كلف أن يعقد شعيره (قوله حدثنا إسحاق)
هو ابن شاهين وخالد شيخه هو ابن عبد الله الطحان وخالد شيخه هو الحذاء (قوله من استمع
ومن تحلم ومن صور نحوه) قلت كذا اختصره وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق وهب
ابن بقية عن خالد بن عبد الله فذكره بهذا السند إلى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم
فرفعه ولفظه من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنه الآنك ومن تحلم
كلف أن يعقد شعيرة يعذب بها وليس بفاعل ومن صور صورة عذب حتى ينفخ فيها وليس
بفاعل ثم أخرجه الإسماعيلي من طريق وهيب بن خالد ومن طريق عبد الوهاب الثقفي
كلاهما عن خالد الحذاء بهذا السند مرفوعا (قوله تابعه هشام يعني ابن حسان عن عكرمة
عن ابن عباس (قوله) يعني موقوفا * الحديث الثاني (قوله حدثنا علي بن مسلم) هو الطوسي
نزيل بغداد مات قبل البخاري بثلاث سنين وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث بن سعيد وقد أدركه
البخاري بالسن ومات قبل أن يرحل البخاري وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق عبد الوارث بن
عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار مختلف فيه قال ابن المديني
376

صدوق وقال يحيى بن معين في حديثه عندي ضعف وقال الدارقطني خالف فيه البخاري الناس
وليس بمتروك (قلت) عمدة البخاري فيه كلام شيخه علي وأما قول بن معين فلم يفسره ولعله عنى
حديثا معينا ومع ذلك فما أخرج له البخاري شيئا إلا وله فيه متابع أو شاهد فأما المتابع فأخرجه
أحمد من طريق حياة عن أبي عثمان الوليد بن أبي الوليد المدني عن عبد الله بن دينار به وأتم منه
ولفظه أفرى الفرى من ادعى إلى غير أبيه وأفرى الفرى من أرى عينه ما لم ير وذكر ثالثة وسنده
صحيح وأما شاهده فمضى في مناقب قريش من حديث وائلة بن الأسقع بلفظ إن من أعظم الفرى
أن يدعي الرجل إلى غير أبيه أو يرى عينه ما لم ير وذكر فيه ثالثة غير الثالثة التي في حديث ابن عمر
عند أحمد وقد تقدم بيان ذلك هناك (قوله أن من أفرى الفرى) أفرى أفعل تفضيل أي أعظم
الكذبات والفرى بكسر الفاء والقصر جمع فرية قال ابن بطال الفرية الكذبة العظيمة التي
يتعجب منها وقال الطيبي فأرى الرجل عينه وصفهما بما ليس فيهما قال ونسبة الكذبات إلى
الكذب للمبالغة نحو قولهم ليل أليل (قوله أن يرى) بضم أوله وكسر الراء (قوله عينه ما لم تر)
كذا فيه بحذف الفاعل وإفراد العين ووقع في بعض النسخ ما لم يريا بالتثنية ومعنى نسبة
الرؤية إلى عينيه مع أنهما لما يريا شيئا أنه أخبر عنهما بالرؤيا وهو كاذب وقد تقدم بيان كون هذا
الكذب أعظم الأكاذيب في شرح الحديث الذي قبله (قوله باب إذا رأى ما يكره
فلا يخبر بها ولا يذكرها) كذا جمع في الترجمة بين لفظي الحديثين لكن في الترجمة فلا يخبر ولفظ
الحديث فلا يحدث وهما متقاربان وذكر فيه حديثين الأول (قوله عن عبد ربه بن سعيد)
هو الأنصاري أخو يحيى وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف (قوله لقد كنت أرى الرؤيا
فتمرضني) عند مسلم في رواية سفيان عن الزهري عن أبي سلمة كنت أرى الرؤيا أعرى منها غير
اني لا أزمل قال النووي معنى أعرى وهو بضم الهمزة وسكون المهملة وفتح الراء أحم لخوفي من
ظاهرها في ظني يقال عرى بضم أوله وكسر ثانيه مخففا يعرى بفتحتين إذا أصابه عراء بضم ثم فتح
ومد وهو نفض الحمى ومعنى لا أزمل وهو بزاي وميم ثقيلة أتلفف من برد الحمى ووقع مثله عند
عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة ولكن قال ألقى منها شدة بدل أعرى منها وفي رواية
سفيان عن الزهري غير أني لا أعاد وعند مسلم أيضا من رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي
سلمة ان كنت لارى الرؤيا أثقل علي من جبل قوله حتى سمعت أبا قتادة يقول وأنا كنت أرى
(الرؤيا) في رواية المستملي لارى بزيادة اللام والأولى أولى (قوله فلا يحدث بها إلا من يحب) قد
تقدم أن الحكمة فيه أنه إذا حدث بالرؤيا الحسنة من لا يحب قد يفسرها له بما لا يحب إما بغضا
وإما حسدا فقد تقع عن تلك الصفة أو يتعجل لنفسه من ذلك حزنا ونكدا فأمر بترك تحديث من
لا يحب بسبب ذلك الحديث الثاني حديث أبي سعيد (قوله حدثنا ابن أبي حازم والدراوردي)
تقدم في باب الرؤيا من الله أن اسم كل منهما عبد العزيز (قوله حدثنا يزيد بن عبد الله) زاد في
رواية المستملي بن أسامة بن الهاد الليثي وقد تقدم شرح الحديث في الباب المشار إليه (قوله
باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب) كأنه يشير إلى حديث أنس قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا فيه والرؤيا لأول عابر وهو حديث ضعيف فيه يزيد الرقاشي
ولكن له شاهد أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة بسند حسن وصححه الحاكم عن أبي رزين
377

العقيلي رفعه الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت لفظ أبو داود وفي رواية الترمذي
سقطت وفى مرسل أبي قلابة عند عبد الرزاق الرؤيا تقع على ما يعبر مثل ذلك مثل رجل رفع
رجله فهو ينتظر متى يضعها وأخرجه الحاكم موصولا بذكر أنس وعند سعيد بن منصور بسند
صحيح عن عطاء كان يقال الرؤيا على ما أولت وعند الدارمي بسند حسن عن سليمان بن يسار عن
عائشة قالت كانت امرأة من أهل المدينة لها زوج تاجر يختلف يعني في التجارة فأتت
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن زوجي غائب وتركني حاملا فرأيت في المنام أن سارية
بيتي انكسرت وأني ولدت غلاما أعور فقال خير يرجع زوجك إن شاء الله صالحا وتلدين غلاما
برا فذكرت ذلك ثلاثا فجاءت ورسول الله صلى الله عليه وسلم غائب فسألتها فأخبرتني بالمنام فقلت
لئن صدقت رؤياك ليموتن زوجك وتلدين غلاما فاجرا فقعدت تبكي فجاء رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال مه يا عائشة إذا عبرتم للمسلم الرؤيا فاعبروها على خير فان الرؤيا تكون على ما يعبرها
صاحبها وعند سعيد بن منصور من مرسل عطاء بن أبي رباح قال جاءت امرأة إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقالت إني رأيت كأن جائز بيتي انكسر وكان زوجها غائبا فقال رد الله عليك
زوجك فرجع سالما الحديث ولكن فيه أن أبا بكر أو عمر هو الذي عبر لها الرؤيا الأخيرة وليس
فيها الخبر الأخير المرفوع فأشار البخاري إلى تخصيص ذلك بما إذا كان العابر مصيبا في تعبيره
وأخذه من قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في حديث الباب أصبت بعضا وأخطأت بعضا فإنه
يؤخذ منه أن الذي أخطأ فيه لو بينه له لكان الذي بينه له هو التعبير الصحيح ولا عبرة بالتعبير
الأول قال أبو عبيد وغيره معنى قوله الرؤيا لأول عابر إذا كان العابر الأول عالما فعبر فأصاب
وجه التعبير وإلا فهي لمن أصاب بعده إذ ليس المدار إلا على إصابة الصواب في تعبير المنام ليتوصل
بذلك إلى مراد الله فيما ضربه من المثل فإذا أصاب فلا ينبغي أن يسأل غيره وان لم يصب فليسأل
الثاني وعليه أن يخبر بما عنده ويبين ما جهل الأول (قلت) وهذا التأويل لا يساعده حديث
أبي رزين ان الرؤيا إذا عبرت وقعت إلا أن يدعى تخصيص عبرت بان عابرها يكون عالما مصيبا
فيعكر عليه قوله في الرؤيا المكروهة ولا يحدث بها أحدا فقد تقدم في حكمة هذا النهي أنه ربما
فسرها تفسيرا مكروها على ظاهرها مع احتمال أن تكون محبوبة في الباطن فتقع على ما فسر
ويمكن الجواب بأن ذلك يتعلق بالرائي فله إذا قصها على أحد ففسرها له على المكروه أن يبادر
فيسأل غيره ممن يصيب فلا يتحتم وقوع الأول بل ويقع تأويل من أصاب فان قصر الرائي فلم يسأل
الثاني وقعت على ما فسر الأول ومن أدب المعبر ما أخرجه عبد الرزاق عن عمر أنه كتب إلى
أبي موسى فإذا رأى أحدكم رؤيا فقصها على أخيه فليقل خير لنا وشر لأعدائنا ورجاله ثقات
ولكن سنده منقطع وأخرج الطبراني والبيهقي في الدلائل من حديث ابن زمل الجهني بكسر
الزاي وسكون الميم بعدها لام ولم يسم في الرواية وسماه أبي عمر في الاستيعاب عبد الله قال كان
النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح قال هل رأى أحد منكم شيئا قال ابن زمل فقلت أنا
يا رسول الله قال خيرا تلقاه وشرا تتوقاه وخير لنا وشر على أعدائنا والحمد لله رب العالمين أقصص
رؤياك الحديث وسنده ضعيف جدا وذكر أئمة التعبير أن من أدب الرائي أن يكون صادق
اللهجة وأن ينام على وضوء وعلى جنبه الأيمن وأن يقرا عند نومه والشمس والليل والتين وسورة
378

الاخلاص والمعوذتين ويقول اللهم إني أعوذ بك من سئ الأحلام وأستجير بك من تلاعب
الشيطان في اليقظة والمنام اللهم إني أسألك رؤيا صالحه صادقة نافعة حافظة غير منسية اللهم
أرني في منامي ما أحب ومن أدبه أن لا يقصها على امرأة ولا عدو ولا جاهل ومن أدب العابر
أن لا يعبرها عند طلوع الشمس ولا عند غروبها ولا عند الزوال ولا في الليل (قوله عن يونس) هو
ابن يزيد الأيلي ولم يقع لي من رواية الليث عنه إلا في البخاري وقد عسر على أصحاب المستخرجات
كالإسماعيلي وأبي نعيم وأبي عوانة والبرقاني وأخرجوه من رواية ابن وهب وأخرجه الإسماعيلي
أيضا من رواية عبد الله بن المبارك وسعيد بن يحيى ثلاثتهم عن يونس (قوله عن عبيد الله بن
عبد الله بن عتبة) في رواية ابن وهب أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أخبره (قوله أن ابن عباس
كان يحدث) كذا لأكثر أصحاب الزهري وتردد الزبيدي هل هو عن ابن عباس أو أبي هريرة
واختلف على سفيان بن عيينة ومعمر فأخرجه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر
عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس أو أبي هريرة قال عبد الرزاق كان معمر يقول أحيانا
عن أبي هريرة وأحيانا يقول عن بن عباس وهكذا ثبت في مصنف عبد الرزاق رواية إسحاق
الديري وأخرجه أبو داود وابن ماجة عن محمد بن يحيى الذهلي عن عبد الرزاق فقال فيه عن ابن
عباس قال كان أبو هريرة يحدث وهكذا أخرجه البزار عن سلمة بن شبيب عن عبد الرزاق وقال
لا نعلم أحدا قال عن عبيد الله عن ابن عباس عن أبي هريرة إلا عبد الرزاق عن معمر ورواه غير
واحد فلم يذكروا أبا هريرة انتهى وأخرجه الذهلي في العلل عن إسحاق بن إبراهيم بن راهويه عن
عبد الرزاق فاقتصر علي ابن عباس ولم يذكر أبا هريرة وكذا قال أحمد في مسنده قال إسحاق عن
عبد الرزاق كان معمر يتردد فيه حتى جاءه زمعة بكتاب فيه عن الزهري كما ذكرناه وكان لا يشك فيه
بعد ذلك وأخرجه مسلم من طريق الزبيدي أخبرني الزهري عن عبيد الله ان ابن عباس أو
أبا هريرة هكذا بالشك وأخرجه مسلم عن ابن أبي عمر عن سفيان بن عيينة مثل رواية يونس وذكر
الحميدي أن سفيان بن عيينة كان لا يذكر فيه ابن عباس قال فلما كان في آخر زمانه أثبت فيه ابن
عباس أخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق الحميدي هكذا وقد مضى ذكر الاختلاف فيه على
الزهري مستوعبا حيث ذكره المصنف في باب رؤيا بالليل وبالله التوفيق قال الذهلي المحفوظ رواية
الزبيدي وصنيع البخاري يقتضي ترجيح رواية يونس ومن تابعه وقد جزم بذلك في الايمان
والنذور حيث قال وقال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر لا تقسم فجزم بأنه عن
ابن عباس (قوله أن رجلا) لم اقف على اسمه ووقع عند مسلم زيادة في أوله من طريق سليمان بن
كثير عن الزهري ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مما يقول لأصحابه من رأى منكم
رؤيا فليقصها أعبرها له فجاء رجل فقال قال القرطبي معنى قوله فليقصها ليذكر قصتها ويتبع
جزئياتها حتى لا يترك منها شيئا من قصصت الأثر إذا اتبعته وأعبرها أي أفسرها ووقع بيان
الوقت الذي وقع فيه في ذلك في رواية سفيان بن عيينة عند مسلم أيضا ولفظه جاء رجل إلى النبي
صلى الله عليه وسلم منصرفه من أحد وعلى هذا فهو من مراسيل الصحابة سواء كان عن ابن
عباس أو عن أبي هريرة أو من رواية ابن عباس عن أبي هريرة لان كلا منهما لم يكن في ذلك الزمان
بالمدينة أما ابن عباس فكان صغيرا مع أبويه بمكة فان مولده قبل الهجرة بثلاث سنين على الصحيح
379

واحد كانت في شوال في السنة الثالثة وأما أبو هريرة فإنما قدم المدينة زمن خيبر في أوائل سنة
سبع (قوله إني رأيت) كذا للأكثر وفي رواية ابن وهب إني أرى كأنه لقوة تحققه الرؤيا كانت
ممثلة بين عينيه حتى كأنه يراها حينئذ (قوله ظلة) بضم الظاء المعجمة أي سحابة لها ظل وكل
ما أظل من سقيفة ونحوها يسمى ظلة قاله الخطابي وقال ابن فارس الظلة أول شئ يظل زاد
سليمان بن كثير في روايته عند الدارمي وأبي عوانة وكذا في رواية سفيان بن عيينة عند ابن ماجة
بين السماء والأرض (قوله تنطف السمن والعسل) بنون وطاء مكسورة ويجوز ضمها ومعناه
تقطر بقاف وطاء مضمومة ويجوز كسرها يقال نطف المال إذا سأل وقال ابن فارس ليلة
نطوف أمطرت إلى الصبح (قوله فأرى الناس يتكففون منها) أي يأخذون بأكفهم في رواية
ابن وهب بأيديهم قال الخليل تكفف بسط كفه ليأخذ ووقع في رواية الترمذي من طريق معمر
يستقون بمهملة ومثناة وقاف أي يأخذون في الأسقية قال القرطبي يحتمل أن يكون معنى
يتكففون يأخذون كفايتهم وهو أليق بقوله بعد ذلك فالمستكثر والمستقل (قلت) وما أدري
كيف جوز أخذ كفى من كففه ولا حجة فيما احتج به لما سيأتي (قوله فالمستكثر والمستقل)
أي الآخذ كثيرا والآخذ قليلا ووقع في رواية سليمان بن كثير بغير ألف ولام فيهما وفي رواية
سفيان بن حسين عند أحمد فمن بين مستكثر ومستقل وبين ذلك (قوله وإذا سبب) أي حبل
(قوله واصل من الأرض إلى السماء) في رواية ابن وهب وأرى سببا واصلا من السماء إلى
الأرض وفي رواية سليمان بن كثير فرأيت لها سببا واصلا وفي رواية سفيان بن حسين وكأن سببا
دلى من السماء (قوله فأراك أخذت به فعلوت) في رواية سليمان بن كثير فأعلاك الله (قوله
ثم أخذ به) كذا للأكثر ولبعضهم ثم أخذه زاد ابن وهب في روايته من بعد وفي رواية ابن عيينة
وابن حسين من بعدك في الموضعين (قوله فعلا به) زاد سليمان بن كثير فأعلاه الله وهكذا
في رواية سفيان بن حسين في الموضعين (قوله ثم أخذ به رجل آخر فانقطع) زاد ابن وهب هنا به
وفي رواية سفيان بن حسين ثم جاء رجل من بعدكم فأخذ به فقطع به (قوله ثم وصل) في رواية
ابن وهب فوصل له وفي رواية سليمان فقطع به ثم وصل له فاتصل وفي رواية سفيان بن حسين
ثم وصل له (قوله بأبي أنت) زاد في رواية معمر وأمي (قوله والله لتدعني) بتشديد النون
وفي رواية سليمان أئذن لي (قوله فأعبرها) في رواية ابن وهب فلأعبرنها بزيادة التأكيد باللام
والنون ونحوه في رواية معمر ومثله في رواية الزبيدي (قوله أعبرها) في رواية سفيان عند
ابن ماجة عبرها بالتشديد وفي رواية سفيان بن حسين فأذن له زاد سليمان وكان من أعبر الناس
للرؤيا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله وأما الظلة فالاسلام) في رواية ابن وهب وكذا
لمعمر والزبيدي فظله الاسلام ورواية سفيان كرواية الليث وكذا سليمان بن كثير وهي التي
يظهر ترجيحها (قوله فالقرآن حلاوته تنطف) في رواية ابن وهب حلاوته ولينه وكذا في رواية
سفيان ومعمر وبينه سليمان بن كثير في روايته فقال وأما العسل والسمن فالقرآن في حلاوة
العسل ولين السمن (قوله فالمستكثر من القرآن والمستقل) زاد ابن وهب في روايته قبل هذا
وأما ما يتكفف الناس من ذلك وفي رواية سفيان فالأخذ من القرآن كثيرا وقليلا وفي رواية
سليمان بن كثير فهم حملة القرآن (قوله وأما السبب الخ) في رواية سفيان بن حسين
380

وأما السبب فما أنت عليه تعلو فيعليك الله (قوله ثم يأخذ به رجل) زاد سفيان بن حسين وابن
وهب من بعدك زاد سفيان بن حسين على منهاجك (قوله ثم يأخذ به) في رواية سفيان بن حسين
ثم يكون من بعدكما رجل يأخذ مأخذكما (قوله ثم يأخذ به رجل) زاد ابن وهب آخر (قوله
فيقطع به) ثم يوصل له فيعلو به زاد سفيان بن حسين فيعليه الله (قوله فأخبرني يا رسول الله بابي
أنت أصبت أم أخطأت) في رواية سفيان هل أصبت يا رسول الله أم أخطأت (قوله أصبت بعضا
وأخطأت بعضا) في رواية سليمان بن كثير وسفيان بن حسين أصبت وأخطأت (قوله قال
فوالله) زاد ابن وهب يا رسول الله ثم اتفقا (لتحدثني بالذي أخطأت) في رواية ابن وهب ما الذي
أخطأت وفي رواية سفيان بن عيينة عند ابن ماجة فقال أبو بكر أقسمت عليك يا رسول الله
لتخبرني بالذي أصبت من الذي أخطأت وفي رواية معمر مثله لكن قال ما الذي أخطأت ولم يذكر
الباقي (قوله قال لا تقسم) في رواية ابن ماجة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تقسم يا أبا بكر
ومثله لمعمر لكن دون قوله يا أبا بكر وفي رواية سليمان بن كثير ما الذي أصبت وما الذي أخطأت
فأبى أن يخبره قال الداودي قوله لا تقسم أي لا تكرر يمينك فإني لا أخبرك وقال المهلب توجيه
تعبير أبي بكر أن الظل نعمة من نعم الله على أهل الجنة وكذلك كانت على بني إسرائيل وكذلك
الاسلام يقي الأذى وينعم به المؤمن في الدنيا والآخرة وأما العسل فان الله جعله شفاء للناس
وقال تعالى أن القرآن شفاء لما في الصدور وقال إنه شفاء ورحمة للمؤمنين وهو حلو على
الاسماع كحلاوة العسل في المذاق وكذلك جاء في الحديث إن في السمن شفاء قال القاضي
عياض وقد يكون عبر الظلة بذلك لما نطفت العسل والسمن اللذين عبرهما بالقرآن وذلك
انما كان عن الاسلام والشريعة والسبب في اللغة الحبل والعهد والميثاق والذين أخذوا به بعد
النبي صلى الله عليه وسلم واحدا بعد واحد هم الخلفاء الثلاثة وعثمان هو الذي انقطع به ثم اتصل
انتهى ملخصا قال المهلب وموضع الخطا في قوله ثم وصل له لان في الحديث ثم وصل ولم يذكر له
(قلت) بل هذه اللفظة وهي قوله له وإن سقطت من رواية الليث عند الأصيلي وكريمة
فهي ثابتة في رواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة وكذا في رواية النسفي وهي ثابتة في رواية ابن وهب
وغيره كلهم عن يونس عند مسلم وغيره وفي رواية معمر عند الترمذي وفي رواية سفيان بن
عيينة عند النسائي وابن ماجة وفي رواية سفيان بن حسين عند أحمد وفي رواية سليمان بن كثير
عند الدارمي وأبي عوانة كلهم عن الزهري وزاد سليمان بن كثير في روايته فوصل له فاتصل ثم
بني المهلب على ما توهمه فقال كان ينبغي لأبي بكر أن يقف حيث وقفت الرؤيا ولا يذكر الموصول له
فان المعنى أن عثمان انقطع به الحبل ثم وصل لغيره أي وصلت الخلافة لغيره انتهى وقد عرفت
أن لفظه له ثابتة في نفس الخبر فالمعنى على هذا أن عثمان كاد ينقطع عن اللحاق بصاحبيه
بسبب ما وقع له من تلك القضايا التي أنكروها فعبر عنها بانقطاع الحبل ثم وقعت له الشهادة
أتصل بهم فعبر عنه بأن الحبل وصل له فاتصل فالتحق بهم فلم يتم في تبيين الخطأ في التعبير المذكور
ما توهمه المهلب والعجب من القاضي عياض فإنه قال في الاكمال قيل خطؤه في قوله فيوصل له
وليس في الرؤيا إلا أنه يوصل وليس فيها له ولذلك لم يوصل لعثمان وانما وصلت الخلافة لعلي وموضع
التعجب سكوته عن تعقب هذا الكلام مع كون هذه اللفظة وهي له ثابتة في صحيح مسلم الذي
381

يتكلم عليه ثم قال وقيل الخطأ هنا بمعنى الترك أي تركت بعضا لم تفسره وقال الإسماعيلي قيل
السبب في قوله وأخطأت بعضا أن الرجل لما قص على النبي صلى الله عليه وسلم رؤياه كان النبي
صلى الله عليه وسلم أحق بتعبيرها من غيره فلما طلب تعبيرها كان ذلك خطأ فقال أخطأت بعضا
لهذا المعنى والمراد بقوله قيل بن قتيبة فإنه القائل لذلك فقال انما أخطأ في مبادرته بتفسيرها
قبل أن يأمره به ووافقه جماعة على ذلك وتعقبه النووي تبعا لغيره فقال هذا فاسد لأنه صلى الله
عليه وسلم قد أذن له في ذلك وقال أعبرها (قلت) مراد ابن قتيبة أنه لم يأذن له ابتداء بل بادر هو
فسأل أن يأذن له في تعبيرها فأذن له فقال أخطأت في مبادرتك للسؤال أن تتولى تعبيرها لأنه
أراد أخطأت في تعبيرك لكن في إطلاق الخطأ على ذلك نظر لأنه خلاف ما يتبادر للسمع من جواب
قوله هل أصبت فإن الظاهر أنه أراد الإصابة والخطا في تعبيره لا لكونه التمس التعبير ومن ثم قال
ابن التين ومن بعده الأشبه بظاهر الحديث أن الخطا في تأويل الرؤيا أي أخطأت في بعض تأويلك
(قلت) ويؤيده تبويب البخاري حيث قال من لم ير الرؤيا بأول عابر إذا لم يصب ونقل ابن التين
عن أبي محمد بن أبي زيد وأبي محمد الأصيلي والداودي نحو ما نقله الإسماعيلي ولفظهم أخطأت في سؤاله
أن يعبرها وفي تعبيره لها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن هبيرة انما كان الخطأ لكونه
أقسم ليعبرنها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان الخطأ في التعبير لم يقره عليه وأما قوله
لا تقسم فمعناه أنك إذا تفكرت فيما أخطأت به علمته قال والذي يظهر أن أبا بكر أراد أن يعبرها
فيسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يقوله فيعرف أبو بكر بذلك علم نفسه لتقرير رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال ابن التين وقيل أخطأ لكون المذكور في الرؤيا شيئين العسل والسمن
ففسرهما بشئ واحد وكان ينبغي أن يفسرهما بالقرآن والسنة ذكر ذلك عن الطحاوي (قلت)
وحكاه الخطيب عن أهل العلم بالتعبير وجزم به ابن العربي فقال قالوا هنا وهم أبو بكر فأنه جعل
السمن والعسل معنى واحد وهما معنيان القرآن والسنة قال ويحتمل أن يكون السمن والعسل
العلم والعمل ويحتمل أن يكونا الفهم والحفظ وأيد ابن الجوزي ما نسب للطحاوي بما أخرجه أحمد
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال رأيت فيما يرى النائم كأن في إحدى إصبعي سمنا وفي الأخرى
عسلا فألعقهما فلما أصبحت ذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال تقرأ الكتابين التوراة
والفرقان فكان يقرؤهما (قلت) ففسر العسل بشئ والسمن بشئ قال النووي قيل انما لم يبر
النبي صلى الله عليه وسلم قسم أبي بكر لان إبرار القسم مخصوص بما إذا لم يكن هناك مفسدة ولا
مشقة ظاهرة فإن وجد ذلك فلا إبرار ولعل المفسدة في ذلك ما علمه من سبب انقطاع السبب
بعثمان وهو قتله وتلك الحروب والفتن المترتبة عليه فكره ذكرها خوف شيوعها ويحتمل أن
يكون سبب ذلك أنه لو ذكر له السبب للزم منه أن يوبخه بين الناس لمبادرته ويحتمل أن يكون
خطؤه في ترك تعيين الرجال المذكورين فلو أبر قسمه للزم أن يعينهم ولم يؤمر بذلك إذ لو عينهم
لكان نصا على خلافتهم وقد سبقت مشيئة الله أن الخلافة تكون على هذا الوجه فترك
تعيينهم خشية أن يقع في ذلك مفسدة وقيل هو علم غيب فجاز أن يختص به ويخفيه عن غيره
وقيل المراد بقوله أخطأت وأصبت أن تعبير الرؤيا مرجعه الظن والظن يخطئ ويصيب وقيل
لما أراد الاستبداد ولم يصبر حتى يفاد جاز منعه ما يستفاد فكان المنع كالتأديب له على ذلك
382

(قلت) وجميع ما تقدم من لفظ الخطأ والتوهم والتأديب وغيرهما انما أحكيه عن قائله
ولست راضيا بإطلاقه في حق الصديق وقيل الخطأ في خلع عثمان لأنه في المنام رأى أنه آخذ
بالسبب فانقطع به وذلك يدل على انخلاعه بنفسه وتفسير أبي بكر بأنه يأخذ به رجل فينقطع
به ثم يوصل له وعثمان قد قتل قهرا ولم يخلع نفسه فالصواب أن يحمل وصله على ولاية غيره وقيل
يحتمل أن يكون ترك إبرار القسم لما يدخل في النفوس لا سيما من الذي انقطع في يده السبب وإن
كان وصل وقد أختلف في تفسير قوله فقطع فقيل معناه قتل وأنكره القاضي أبو بكر بن
العربي فقال ليس معنى قطع قتل إذ لو كان كذلك لشاركه عمر لكن قتل عمر لم يكن بسبب العلو
بل بجهة عداوة مخصوصة وقتل عثمان كان من الجهة التي علا بها وهي الولاية فلذلك جعل قتله
قطعا قال وقوله ثم وصل يعني بولاية علي فكان الحبل موصولا ولكن لم ير فيه علوا كذا قال وقد
تقدم البحث في ذلك ووقع في تنقيح الزركشي ما نصه والذي انقطع به ووصل له هو عمر لأنه لما
قتل وصل له بأهل الشورى وبعثمان كذا قال وهو مبني على أن المذكور في الخبر من الرجال بعد
النبي صلى الله عليه وسلم اثنان فقط وهو اختصار من بعض الرواة وإلا فعند الجمهور ثلاثة وعلى
ذلك شرح من تقدم ذكره والله أعلم قال بن العربي وقوله أخطأت بعضا اختلف في تعيين الخطأ
فقيل وجه الخطأ تسوره على التعبير من غير استئذان واحتمله النبي صلى الله عليه وسلم لمكانه منه
(قلت) تقدم البحث فيه قال وقيل أخطأ لقسمه عليه وقيل لجعله السمن والعسل معنى واحدا
وهما معنيان وأيدوه بأنه قال أخطأت بعضا وأصبت بعضا ولو كان الخطا في التقديم في اليسار
أو في اليمين لما قال ذلك لأنه ليس من الرؤيا وقال بن الجوزي الإشارة في قوله أصبت وأخطأت
بتعبيره الرؤيا وقال ابن العربي بل هذا لا يلزم لأنه يصح أن يريد به أخطأت في بعض ما جرى
وأصبت في بعض ثم قال ابن العربي وأخبرني أبي أنه قيل وجه الخطأ أن الصواب في التعبير أن
الرسول هو الظلة والسمن والعسل القرآن والسنة وقيل وجه الخطا أنه جعل السبب الحق
وعثمان لم ينقطع به الحق وإنما الحق أن الولاية كانت بالنبوة ثم صارت بالخلافة فاتصلت لأبي بكر
ولعمر ثم انقطعت بعثمان لما كان ظن به ثم صحت براءته فأعلاه الله ولحق بأصحابه قال وسالت بعض
الشيوخ العارفين عن تعيين الوجه الذي أخطأ فيه أبو بكر فقال من الذي يعرفه ولئن كان تقدم
أبي بكر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم التعبير خطأ فالتقدم بين يدي أبي بكر لتعيين خطئه
أعظم وأعظم فالذي يقتضيه الدين والحزم الكف عن ذلك وقال الكرماني انما أقدموا على تبيين
ذلك مع كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يبينه لأنه كان يلزم من تبيينه مفسدة إذ ذاك فزالت بعده
مع أن جميع ما ذكروه انما هو بطريق الاحتمال ولا جزم في شئ من ذلك وفي الحديث من الفوائد
أن الرؤيا ليست لأول عابر كما تقدم تقريره لكن قال إبراهيم بن عبد الله الكرماني المعبر لا يغير
الرؤيا من وجهها عبارة عابر ولا غيره وكيف يستطيع مخلوق أن يغير ما كانت نسخته من أم
الكتاب غير أنه يستجب لمن لم يتدرب في علم التأويل أن لا يتعرض لما سبق إليه من لا يشك في
أمانته ودينه (قلت) وهذا مبني على تسليم أن المرائي تنسخ من أم الكتاب على وفق ما يعبرها
العارف وما المانع أنها تنسخ على وفق ما يعبرها أول عابر وأنه لا يستحب إبرار القسم إذا كان فيه
مفسدة وفيه أن من قال أقسم لا كفارة عليه لان أبا بكر لم يزد على قوله أقسمت كذا قاله عياض
383

ورده النووي بأن الذي في جميع نسخ صحيح مسلم أنه قال فوالله يا رسول الله لتحدثني وهذا صريح
يمين (قلت) وقد تقدم البحث في ذلك في كتاب الايمان والنذور قال ابن التين فيه أن الامر بإبرار
القسم خاص بما يجوز الاطلاع عليه ومن ثم لم يبر قسم أبي بكر لكونه سأل ما لا يجوز الاطلاع
عليه لكل أحد (قلت) فيحتمل أن يكون منعه ذلك لما سأله جهارا وأن يكون أعلمه بذلك
سرا وفيه الحث على تعليم علم الرؤيا وعلى تعبيرها وترك إغفال السؤال عنه وفضيلتها لما تشتمل
عليه من الاطلاع على بعض الغيب وأسرار الكائنات قال ابن هبيرة وفي السؤال من أبي بكر
أولا وآخرا وجواب النبي صلى الله عليه وسلم دلالة على انبساط أبي بكر معه وإدلاله عليه وفيه
أن لا يعبر الرؤيا إلا عالم ناصح أمين حبيب وفيه أن العابر قد يخطئ وقد يصيب وأن للعالم بالتعبير
أن يسكت عن تعبير الرؤيا أو بعضها عند رجحان الكتمان على الذكر قال المهلب ومحله إذا كان
في ذلك عموم فأما لو كانت مخصوصة بواحد مثلا فلا بأس أن يخبره ليعد الصبر ويكون على أهبة
من نزول الحادثة وفيه جواز إظهار العالم ما يحسن من العلم إذا خلصت نيته وأمن العجب وكلام
العالم بالعلم بحضرة من هو أعلم منه إذا اذن له في ذلك صريحا أو ما قام مقامه ويؤخذ منه جواز
مثله في الافتاء والحكم وأن للتلميذ أن يقسم على معلمه أن يفيده الحكم (قوله باب
تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح) فيه إشارة إلى ضعف ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن سعيد بن
عبد الرحمن عن بعض علمائهم قال لا تقصص رؤياك على امرأة ولا تخبر بها حتى تطلع الشمس
وفيه إشارة إلى الرد على من قال من أهل التعبير أن المستحب ان يكون تعبير الرؤيا من بعد
طلوع الشمس إلى الرابعة ومن العصر إلى قبل المغرب فان الحديث دال على استحباب تعبيرها
قبل طلوع الشمس ولا يخالف قولهم بكراهة تعبيرها في أوقات كراهة الصلاة قال المهلب تعبير
الرؤيا عند صلاة الصبح أولى من غيره من الأوقات لحفظ صاحبها لها لقرب عهده بها وقبل
ما يعرض له نسيانها ولحضور ذهن العابر وقلة شغله بالفكرة فيما يتعلق بمعاشه وليعرف الرائي
ما يعرض له بسبب رؤياه فيستبشر بالخير ويحذر من الشر ويتأهب لذلك فربما كان في الرؤيا
تحذير عن معصية فيكف عنها وربما كانت إنذارا للامر فيكون له مترقبا قال فهذه عدة فوائد
لتعبير الرؤيا أول النهار انتهى ملخصا (قوله حدثنا) في رواية غير أبي ذر حدثني (قوله مؤمل)
بوزن محمد مهموز (ابن هشام أبو هاشم) كذا لأبي ذر عن بعض مشايخه وقال الصواب
أبو هشام وكذا هو عند غير أبي ذر وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه وكان صهر إسماعيل شيخه في هذا
الحديث على ابنته ولم يخرج عنه البخاري عن غير إسماعيل وقد أخرج البخاري عنه هذا الحديث
هنا تاما وأخرج في الصلاة قبل الجمعة وفي أحاديث الأنبياء وفي التفسير عنه بهذا السند أطرافا
وأخرجه أيضا تاما في أواخر كتاب الجنائز عن موسى بن إسماعيل عن جرير بن حازم عن أبي رجاء
وأخرج في الصلاة وفي التهجد وفي البيوع وفي بدء الخلق وفي الجهاد وفي أحاديث الأنبياء وفي
الأدب عنه منه بالسند المذكور أطرافا وأخرج مسلم قطعة من أوله من طريق جرير بن حازم
وأخرجه أحمد عن يزيد بن هارون عن جرير بتمامه وأخرجه أيضا عن محمد بن جعفر غندر عنه عن
عوف بتمامه (قوله حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) هو الذي يقال له ابن علية وشيخه عوف هو
الأعرابي وأبو رجاء هو العطاردي واسمه عمران والسند كله بصريون (قوله كان رسول الله
384

صلى الله عليه وسلم يعني مما يكثر أن يقول لأصحابه) كذا لأبي ذر عن الكشميهني وله عن غيره بإسقاط
يعني وكذا وقع عند الباقين وفي رواية النسفي وكذا في رواية محمد بن جعفر مما يقوله لأصحابه
وقد تقدم في بدء الوحي ما نقل ابن مالك انها بمعنى مما يكثر قال الطيبي قوله مما يكثر خير كان وما
موصوله ويكثر صلته والضمير الراجح إلى ما فاعل يقول وأن يقول فاعل يكثر وهل رأى أحد
منكم هو المقول أي رسول الله صلى الله عليه وسلم كائنا من النفر الذين كثر منهم هذا القول فوضع
ما وضع من تفخيما وتعظيما لجانبه وتحريره كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيد تعبير الرؤيا
وكان له مشارك في ذلك منهم لان الاكثار من هذا القول لا يصدر إلا ممن تدرب فيه ووثق
بإصابته كقولك كان زيد من العلماء بالنحو ومنه قول صاحبي السجن ليوسف عليه السلام نبئنا
بتأويله إنا نراك من المحسنين أي من المجيدين في عبارة الرؤيا وعلماء ذلك مما رأياه منه هذا من
حيث البيان وأما من حيث النحو فيحتمل ان يكون قوله هل رأى أحد منكم رؤيا مبتدأ والخبر
مقدم عليه على تأويل هذا القول مما يكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوله ثم أشار إلى
ترجيح الوجه السابق والمتبادر هو الثاني وهو الذي اتفق عليه أكثر الشارحين (قوله فيقص)
بضم أوله وفتح القاف (قوله ما شاء الله) في رواية يزيد فيقص عليه من شاء الله وهي بفتح أوله
وضم القاف وهي رواية النسفي وما في الرواية الأولى للمقصوص ومن في الثانية للقاص ووقع
في رواية جرير بن حازم فسئل يوما فقال هل رأى أحد رؤيا قلنا لا قال لكن رأيت الليلة قال
الطيبي وجه الاستدراك أنه كان يحب أن يعبر لهم الرؤيا فلما قالوا ما رأينا شيئا كأنه قال أنتم
ما رأيتم شيئا لكني رأيت وفي رواية أبي خلدة بفتح المعجمة وسكون اللام واسمه خالد بن دينار عن
أبي رجاء عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد يوما فقال هل رأى أحد منكم رؤيا
فليحدث بها فلم يحدث أحد بشئ فقال إني رأيت رؤيا فاسمعوا مني أخرجه أبو عوانة (قوله وأنه
قال لنا ذات غداة) لفظ ذات زائدة أو هو من إضافة الشئ إلى اسمه وفي رواية جرير بن حازم عنه كان
إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه وفي رواية يزيد بن هارون عنه إذا صلى صلاة الغداة وفي رواية
وهب بن جرير عن أبيه عند مسلم إذا صلى الصبح وبه تظهر مناسبة الترجمة وذكر ابن أبي حاتم من
طريق زيد بن علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن جده عن علي قال صلى بنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم يوما صلاة الفجر فجلس الحديث بطوله نحو حديث سمرة والراوي له عن زيد ضعيف
وأخرج أبو داود والنسائي من حديث الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
إذا انصرف من صلاة الغداة يقول هل رأى أحد الليلة رؤيا وأخرج الطبراني بسند جيد عن
أبي أمامة قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الصبح فقال إني رأيت الليلة
رؤيا هي حق فاعقلوها فذكر حديثا فيه أشياء يشبه بعضها ما في حديث سمرة لكن يظهر من
سياقه أنه حديث آخر فان في أوله أتاني رجل فأخذ بيدي فاستتبعني حتى أتى جبلا طويلا وعرا
فقال لي أرقه فقلت لا أستطيع فقال اني سأسهله لك فجعلت كلما وضعت قدمي وضعتها على درجة
حتى استويت على سواء الجبل ثم انطلقنا فإذا نحن برجال ونساء مشققة أشداقهم فقلت من
هؤلاء قال الذين يقولون ما لا يعلمون الحديث (قوله إنه أتاني الليلة) بالنصب (قوله آتيان)
في رواية هوذة عن عوف عند ابن أبي شيبة ائتيان أو آتيان بالشك وفي رواية جرير رأيت رجلين
385

أتياني وفي حديث علي رأيت ملكين وسيأتي في آخر الحديث أنهما جبريل وميكائيل (قوله
وأنهما ابتعثاني) بموحدة ثم مثناة وبعد العين المهملة مثلثة كذا للأكثر وفي رواية الكشميهني
بنون ثم موحدة ومعنى ابتعثاني أرسلاني كذا قال في الصحاح بعثه وابتعثه أرسلته يقال ابتعثه
إذا أثاره وأذهبه وقال ابن هبيرة معنى ابتعثاني أيقظاني ويحتمل أن يكون رأى في المنام أنهما
أيقظاه فرأى ما رأى في المنام ووصفه بعد أن أفاق على أن منامه كاليقظة لكن لما رأى مثالا
كشفه التعبير دل على أنه كان مناما (قوله واني انطلقت معهما) زاد جرير بن حازم في روايته
إلى الأرض المقدسة وعند أحمد إلى أرض فضاء أو أرض مستوية وفي حديث علي فانطلقا بي إلى
السماء (قوله وأنا أتينا على رجل مضطجع) في رواية جرير مستلق على قفاه (قوله وإذا
آخر قائم عليه بصخرة) في رواية جرير بفهر أو صخرة وفي حديث علي فمررت على ملك وأمامه
آدمي وبيد الملك صخرة يضرب بها هامة الآدمي (قوله يهوى) بفتح أوله وكسر الواو أي
يسقط يقال هوى بالفتح يهوي هويا سقط إلى أسفل وضبطه ابن التين بضم أوله من الرباعي
ويقال أهوى من بعد وهوى بفتح الواو من قرب (قوله بالصخرة لرأسه فيثلخ) بفتح أوله وسكون
المثلثة وفتح اللام بعدها غين معجمة أي يشدخه وقد وقع في رواية جرير فيشدخ والشدخ كسر)
الشئ الأجوف (قوله فيتدهده الحجر) بفتح المهملتين بينهما هاء ساكنة وفي رواية الكشميهني
فيتدأدأ بهمزتين بدل الهاءين وفي رواية النسفي وكذا هو في رواية جرير بن حازم فيتدهدأ بهاء ثم
همزة وكل بمعنى والمراد انه دفعه من علو إلى أسفل وتدهده إذا انحط والهمزة تبدل من الهاء
كثيرا وتدأدأ تدحرج وهو بمعناه (قوله ههنا) أي إلى جهة الضارب (قوله فيتبع الحجر) أي
الذي رمى به (فيأخذه) في رواية جرير فإذا ذهب ليأخذه (قوله فلا يرجع إليه) أي إلى الذي شدخ
رأسه (قوله حتى يصح رأسه) وفي رواية جرير حتى يلتئم وعند أحمد عاد رأسه كما كان وفي
حديث علي فيقع على دماغه جانبا وتقع الصخرة جانبا (قوله ثم يعود عليه) في رواية جرير فيعود
إليه (قوله مثل ما فعل به مرة الأولى) كذا لأبي ذر والنسفي ولغيرهما وكذا في رواية النضر بن
شميل عن عوف عند أبي عوانة المرة الأولى وهو المراد بالرواية الأخرى وفي رواية جرير فيصنع
مثل ذلك قال ابن العربي جعلت العقوبة في رأس هذه النومة عن الصلاة والنوم موضعه الرأس
(قوله انطلق انطلق) كذا في المواضع كلها بالتكرير وسقط في بعضها التكرار لبعضهم وأما في رواية
جرير فليس فيها سبحان الله وفيها انطلق مرة واحدة (قوله فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق
لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد) تقدم في الجنائز ضبط الكلوب وبيان الاختلاف
فيه ووقع في حديث علي فإذا أنا بملك وأمامه آدمي وبيد الملك كلوب من حديث فيضعه في شدقه
الأيمن فيشقه الحديث (قوله فيشرشر شدقه إلى قفاه) أي يقطعه شقا والشدق جانب الفم
وفي رواية جرير فيدخله في شقه فيشقه حتى يبلغ قفاه (قوله ومنخره) كذا بالافراد وهو المناسب
وفي رواية جرير ومنخريه بالتثنية (قوله قال وربما قال أبو رجاء فيشق) أي بدل فيشرشر وهذه
الزيادة ليست عند محمد بن جعفر (قوله ثم يتحول إلى الجانب الآخر الخ) اختصره في رواية
جرير بن حازم ولفظه ثم يخرجه فيدخله في شقه الآخر ويلتئم هذا الشق فهو يفعل ذلك به
قال ابن العربي شرشرة شدق الكاذب إنزال العقوبة بمحل المعصية وعلى هذا تجري العقوبة
386

في الآخرة بخلاف الدنيا ووقعت هذه القصة مقدمة في رواية جرير على قصة الذي يشدخ
رأسه قال الكرماني الواو لا ترتب والاختلاف في كونه مستلقيا وفي الأخرى مضطجعا
والآخر كان جالسا وفي الأخرى قائما يحمل على اختلاف حال كل منهما (قوله فأتينا على مثل
التنور) في رواية محمد بن جعفر مثل بناء التنور زاد جرير أعلاه ضيق وأسفله واسع يوقد تحته
نارا كذا فيه بالنصب ووقع في رواية أحمد تتوقد تحته نار بالرفع وهي رواية أبي ذر وعليها اقتصر
الحميدي في جمعه وهو واضح وقال ابن مالك في كلامه على مواضع من البخاري يوقد تحته نارا
بالنصب على التمييز وأسند يوقد إلى ضمير عائد على النقب كقولك مررت بامرأة يتضوع من
أردانها طيبا والتقدير يتضوع طيب من أردانها فكأنه قال توقد ناره تحته فيصح نصب نارا
على التمييز قال ويجوز أن يكون فاعل توقد موصولا بتحته فحذف وبقيت صلته دالة عليه لوضوح
المعنى والتقدير يتوقد الذي تحته نارا وهو على التمييز أيضا وذكر لحذف الموصول في مثل هذا
عدة شواهد (قوله وأحسب أنه كان يقول فإذا فيه لغط وأصوات) في رواية جرير ثقب
قد بنى بناء التنور وفيه رجال ونساء (قوله وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك
اللهب ضوضوا) بغير همزة للأكثر وحكى الهمز أي رفعوا أصواتهم مختلطة ومنهم من سهل
الهمزة قال في النهاية الضوضاء أصوات الناس ولغطهم وكذا الضوضى بلا هاء مقصور وقال
الحميدي المصدر بغير همز وفي رواية جرير فإذا اقتربت ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا فإذا
خمدت رجعوا وعند أحمد فإذا أوقدت بدل اقتربت (قوله فأتينا على نهر حسبت أنه كان يقول
أحمر مثل الدم) في رواية جرير بن حازم على نهر من دم ولم يقل حسبت (قوله سابح يسبح
بفتح أوله وسكون المهملة بعدها موحدة مفتوحة ثم حاء مهملة أي يعوم (قوله سبح ما سبح)
بفتحتين والموحدة خفيفة (قوله ثم يأتي ذلك الذي) فاعل يأتي هو السابح وذلك في موضع
نصب على المفعولية (قوله فيفغر) بفتح أوله وسكون الفاء وفتح الغين المعجمة بعدها راء أي
يفتحه وزنه ومعناه (قوله كلما رجع إليه) في رواية المستملي كما رجع إليه ففغر له فاه ووقع في
رواية جرير بن حازم فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه ورده
حيث كان ويجمع بين الروايتين أنه إذا أراد أن يخرج فغر فاه وانه يلقمه الحجر يرميه إياه (قوله
كريه المرآة) بفتح الميم وسكون الراء وهمزة ممدودة بعدها هاء تأنيث قال ابن التين أصله المراية
تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ووزنه مفعلة (قوله كأكره ما أنت راء رجلا مرآة)
بفتح الميم أي قبيح المنظر (قوله فإذا عنده نار) في رواية يحيى بن سعيد القطان عن عوف
عند الإسماعيلي عند نار (قوله يحشها) بفتح أوله وبضم الحاء المهملة وتشديد الشين المعجمة من
الثلاثي وحكى في المطالع ضم أوله من الرباعي وفي رواية جرير بن حازم يحششها بسكون الحاء وضم
الشين المعجمة المكررة (قوله ويسعى حولها) في رواية جرير ويوقدها وهو تفسير يحشها قال
الجوهري حششت النار أحشها حشا أوقتها وقال في التهذيب حششت النار بالحطب ضممت
ما تفرق من الحطب إلى النار وقال ابن العربي حش ناره وحركها (قوله فأتينا على روضة معتمة)
بضم الميم وسكون المهملة وكسر المثناة وتخفيف الميم بعدها هاء ثأنيت ولبعضهم بفتح المثناة
وتشديد الميم ويقال أعتم البيت إذا اكتهل ونخلة عتيمة طويلة وقال الداودي اعتمت الروضة
387

غطاها الخصب وهذا كله على الرواية بتشديد الميم قال ابن التين ولا يظهر للتخفيف وجه (قلت)
الذي يظهر أنه من العتمة وهو شدة الظلام فوصفها بشدة الخضرة كقوله تعالى مدهامتان وضبط
ابن بطال ورضة مغنمة بكسر الغين المعجمة وتشديد النون ثم نقل عن ابن دريد واد أغن ومغن إذا
كثر الشجر وقال الخليل روضة غناء كثيرة العشب وفي رواية جرير بن حازم روضة خضراء وإذا
فيها شجرة عظيمة (قوله من كل لون الربيع) كذا للأكثر وفي رواية الكشميهني نور بفتح النون
وبراء بدل لون وهي رواية النضر بن شميل عند أبي عوانة والنور بالفتح الزهر (قوله وإذا بين
ظهري الروضة) بفتح الراء وكسر الياء التحتانية تثنية ظهر وفي رواية يحيى بن سعيد بين ظهراني
وهما بمعنى والمراد وسطها (قوله رجل طويل) زاد النضر قائم (قوله لا أكاد أرى رأسه
طولا) بالنصب على التمييز (قوله وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط) قال الطيبي
أصل هذا الكلام وإذا حول الرجل ولدان ما رأيت ولدانا قط أكثر منهم ونظيره قوله بعد ذلك لم
أر روضة قط أعظم منها ولما إن كان هذا التركيب يتضمن معنى النفي جازت زيادة من وقط التي
تختص بالماضي المنفى أقال بن مالك جاز استعمال قط في المثبت في هذه الرواية وهو جائز وغفل
أكثرهم عن ذلك فخصوه بالماضي المنفى (قلت) والذي وجهه به الطيبي حسن جدا ووجهه
الكرماني بأنه يجوز أن يكون اكتفى بالنفي الذي يلزم من التركيب إذ المعنى ما رأيتهم أكثر من
ذلك أو النفي مقدر وسبق نظيره في قوله في صلاة الكسوف فصلى بأطول قيام رأيته قط (قوله
فقلت لهما ما هؤلاء) في بعض الطرق ما هذا وعليهما شرح الطيبي (قوله فانتهينا إلى روضة عظيمة
لم أر روضة قط أعظم منها ولا أحسن قال قالا لي أرق فارتقيت فيها) في رواية أحمد والنسائي وأبي
عوانة والإسماعيلي إلى دوحة بدل روضة والدوحة الشجرة الكبيرة وفيه فصعدا بي في الشجرة
وهي التي تناسب الرقي والصعود (قوله فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة) اللبن
بفتح اللام وكسر الموحدة جمع لبنة وأصلها ما يبنى به من طين وفي رواية جرير بن حازم فأدخلاني
دارا لم أر قط أحسن منها فيها رجال شيوخ وشباب ونساء وفتيان ثم أخرجاني منها فأدخلاني
دارا هي أحسن منها (قوله فتلقانا فيها رجالا شطر من خلقهم) بفتح الخاء وسكون اللام بعدها
قاف أي هيئتهم وقوله شطر مبتدأ وكأحسن الخبر والكاف زائد والجملة صفة رجال وهذا
الاطلاق يحتمل أن يكون المراد أن نصفهم حسن كله ونصفهم قبيح كله ويحتمل ان يكون كل
واحد منه نصفه حسن ونصفه قبيح والثاني هو المراد ويؤيد قولهم في صفته هؤلاء قوم خلطوا
أي عمل كل منهم عملا صالحا وخلطه بعمل سئ (قوله فقعوا في ذلك النهر) بصيغة فعل الامر
بالوقوع والمراد أنهم ينغمسون فيه ليغسل تلك الصفة بهذا الماء الخاص (قوله نهر معترض)
أي يجري عرضا (قوله كأن ماءه المحض) بفتح الميم وسكون المهملة بعدها ضاد معجمة هو اللبن
الخالص عن الماء حلوا كان أو حامضا وقد بين جهة التشبيه بقوله من البياض وفي رواية النسفي
والإسماعيلي في البياض قال الطيبي كأنهم سموا اللبن بالصفة ثم استعمل في كل صاف قال
ويحتمل أن يراد بالماء المذكور عفو الله عنهم أو التوبة منهم كما في الحديث اغسل خطاياي بالماء
والثلج والبرد (قوله ذهب ذلك السوء عنهم) أي صار القبيح كالشطر الحسن فلذلك قال وصاروا في
أحسن صورة قوله قالا لي هذه جنة عدن يعني المدينة (قوله فسما) بفتح السين المهملة
388

وتخفيف الميم أي نظر إلى فوق وقوله صعدا بضم المهملتين أي ارتفع كثيرا وضبطه ابن التين
بفتح العين واستبعد ضمها (قوله مثل الربابة) بفتح الراء وتخفيف الموحدتين المفتوحتين
وهي السحابة البيضاء ويقال لكل سحابة منفردة دون السحاب ولو لم تكن بيضاء وقال الخطابي
الربابة السحابة التي ركب بعضها على بعض وفي رواية جرير فرفعت رأسي فإذا هو في السحاب
(قوله ذراني فأدخله قالا أما الآن فلا وأنت داخله) في رواية جرير بن حازم فقلت دعاني أدخل
منزلي قالا أنه بقي لك عمر لم تستكمله ولو استكملته أتيت منزلك (قوله فاني قد رأيت منذ الليلة
عجبا فما هذا الذي رأيت قال قالا أما) بتخفيف الميم (إنا سنخبرك) في رواية جرير فقلت طوفتما بي
الليلة وهي بالموحدة ولبعضهم بنون فأخبراني عما رأيت قالا نعم (قوله فيرفضه) بكسر الفاء ويقال
بضمها قال بن هبيرة رفض القرآن بعد حفظه جناية عظيمة لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب
رفضه فلما رفض أشرف الأشياء وهو القرآن عوقب في أشرف أعضاءه وهو الرأس (قوله
وينام عن الصلاة المكتوبة) هذا أوضح من رواية جرير بن حازم بلفظ علمه الله القرآن فنام
عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار فإن ظاهره أنه يعذب على ترك قراءة القرآن بالليل بخلاف رواية
عوف فإنه على تركه الصلاة المكتوبة ويحتمل أن يكون التعذيب على مجموع الامرين ترك
القراءة وترك العمل (قوله يغدو من بيته) أي يخرج منه مبكرا قوله (فيكذب الكذبة تبلغ
الآفاق) في رواية جرير بن حازم فكذوب يحدث بالكذبة تحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع
به إلى يوم القيامة وفي رواية موسى بن إسماعيل في أواخر الجنائز والرجل الذي رأيته يشق شدقه
فكذاب قال ابن مالك لا بد من جعل الموصوف الذي هنا للمعين كالعام حتى جاز دخول الفاء
في خبره أي المراد هو وأمثاله كذا نقله الكرماني ولفظ بن مالك في هذا شاهد على أن الحكم قد
يستحق بجزء العلة وذلك أن المبتدأ لا يجوز دخول الفاء على خبره إلا إذا كان شبيها بمن الشرطية
في العموم واستقبال ما يتم به المعنى نحو الذي يأتيني فمكرم ولو كان المقصود بالذي معينا زالت
مشابهته بمن وأمتنع دخول الفاء على الخبر كما يمتنع دخولها على أخبار المبتدءات المقصود بها
التعيين نحو زيد فمكرم لم يجز فكذا الذي لا يجوز الذي يأتيني إذا قصدت به معينا لكن الذي
يبنى عند قصد التعيين شبيه في اللفظ بالذي يأتيني عند قصد العموم فجاز دخول الفاء حملا للشبيه
على الشبيه ونظيره قوله تعالى وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله فإن مدلول ما معين ومدلول
أصابكم ماض إلا أنه روعي فيه التشبيه اللفظي لشبه هذه الآية بقوله تعالى وما أصابكم من
مصيبة فبما كسبت أيديكم فأحرى ما في مصاحبة الفاء مجرى واحد انتهى قال الطيبي هذا
كلام متين لكن جواب الملكين تفصيل لتلك الرؤيا المتعددة المبهمة لا بد من ذكر كلمة التفصيل
أو تقديرها فالفاء جواب أما ثم قال والفاء في قوله فأولاد الناس جاز دخولها على الخبر لان الجملة
معطوفة على مدخول أما في قوله أما الرجل وقد تحذف الفاء في بعض المحذوفات نظرا إلى أن
أما لما حذفت حذف مقتضاها وكلاهما جائز وبالله التوفيق وقوله تحمل بالتخفيف للأكثر
ولبعضهم بالتشديد وانما استحق التعذيب لما ينشأ عن تلك الكذبة من المفاسد وهو فيها مختار
غير مكره ولا ملجأ قال ابن هبيرة لما كان الكاذب يساعد أنفه وعينه لسانه على الكذب
بترويج باطله وقعت المشاركة بينهم في العقوبة (قوله في مثل بناء التنور) في رواية جرير والذي
389

رأيته في النقب (قوله فهم الزناة) مناسبة العري لهم لاستحقاقهم أن يفضحوا لان عادتهم
أن يستتروا في الخلوة فعوقبوا بالهتك والحكمة في اتيان العذاب من تحتهم كون جنايتهم من
أعضاءهم السفلى (قوله فإنه آكل الربا) قال ابن هبيرة انما عوقب آكل الربا بسباحته في
النهر الأحمر وإلقامه الحجارة لان أصل الربا يجري في الذهب والذهب أحمر وأما إلقام الملك له
الحجر فإنه إشارة إلى أنه لا يغني عنه شيئا وكذلك الربا فإن صاحبه يتخيل أن ماله يزداد والله من
وراءه محقه (قوله الذي عند النار) في رواية الكشميهني عنده النار (قوله خازن جهنم)
إنما كان كرية الرؤية لان في ذلك زيادة في عذاب أهل النار (قوله وأما الرجل الطويل
الذي في الروضة فإنه إبراهيم) في رواية جرير والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم وإنما أختص إبراهيم
لأنه أبو المسلمين قال تعالى ملة أبيكم إبراهيم وقال تعالى أن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه
الآية (وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة) في رواية النضر بن شميل ولد على
الفطرة وهي أشبه بقوله في الرواية الأخرى وأولاد المشركين وفي رواية جرير فأولاد الناس لم أر
ذلك إلا في هذه الطريق ووقع في حديث أبي أمامه الذي نبهت عليه في أول شرح هذا الحديث
ثم انطلقنا فإذا نحن بجوار وغلمان يلعبون بين نهرين فقلت ما هؤلاء قال ذرية المؤمنين (قوله
فقال بعض المسلمين) لم أقف على اسمه (قوله وأولاد المشركين) تقدم البحث فيه مستوفى في
أواخر الجنائز وظاهره أنه صلى الله عليه وسلم ألحقهم بأولاد المسلمين في حكم الآخرة ولا يعارض
قوله هم من آبائهم لان ذلك حكم الدنيا (قوله وأما القوم الذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا
منهم قبيح) كذا في الموضعين بنصب شطرا ولغير أبي ذر شطر في الموضعين بالرفع وحسنا وقبيحا
بالنصب ولكل وجه وللنسفي والإسماعيلي بالرفع في الجميع وعليه اقتصر الحميدي في جمعه
وكان في هذه الرواية تامة والجملة حالية وزاد جرير بن حازم في روايته والدار الأولى التي دخلت
دار عامة المؤمنين وهذه الدار دار الشهداء وأنا جبريل وهذا ميكائيل وفي حديث أبي أمامة ثم
انطلقنا فإذا نحن برجال ونساء أقبح شئ منظرا وأنتنه ريحا كأنما ريحهم المراحيض قلت
ما هؤلاء قال هؤلاء الزواني والزناة ثم انطلقنا فإذا نحن بموتى أشد شئ انتفاخا وأنتنه ريحا قلت
ما هؤلاء قال هؤلاء موتى الكفار ثم انطلقنا فإذا نحن برجال نيام تحت ظلال الشجر قلت ما هؤلاء
قال هؤلاء موتى المسلمين ثم انطلقنا فإذا نحن برجال أحسن شئ وجها وأطيبه ريحا قلت ما هؤلاء
قال هؤلاء الصديقون والشهداء والصالحون الحديث وفي هذا الحديث من الفوائد أن الاسراء
وقع مرارا يقظة ومناما على أنحاء شتى وفيه أن بعض العصاة يعذبون في البرزخ وفيه نوع من
تلخيص العلم وهو أن يجمع القضايا جملة ثم يفسرها على الولاء ليجتمع تصورها في الذهن والتحذير
من النوم عن الصلاة المكتوبة وعن رفض القرآن لمن يحفظه وعن الزنا وأكل الربا وتعمد
الكذب وأن الذي له قصر في الجنة لا يقيم فيه وهو في الدنيا بل إذا مات حتى النبي والشهيد وفيه
الحث على طلب العلم وإتباع من يلتمس منه ذلك وفيه فضل الشهداء وأن منازلهم في الجنة أرفع
المنازل ولا يلزم من ذلك أن يكونوا أرفع درجة من إبراهيم عليه السلام لاحتمال أن إقامته هناك
بسبب كفالته الولدان ومنزله هو في المنزلة التي هي أعلى من منازل الشهداء كما تقدم في الاسراء أنه
رأى آدم في السماء الدنيا وإنما كان كذلك لكونه يرى نسم بنيه من أهل الخير ومن أهل الشر
390

فيضحك ويبكي مع أن منزلته هو في عليين فإذا كان يوم القيامة استقر كل منهم في منزلته وفيه
أن من استوت حسناته وسيئاته يتجاوز الله عنهم اللهم تجاوز عنا برحمتك يا أرحم الراحمين وفيه
أن الاهتمام بأمر الرؤيا بالسؤال عنها وفضل تعبيرها واستحباب ذلك بعد صلاة الصبح لأنه الوقت
الذي يكون فيه البال مجتمعا وفيه استقبال الامام أصحابه بعد الصلاة إذا لم يكن بعدها راتبة
وأراد أن يعظمهم أو يفتيهم أو يحكم بينهم وفيه أن ترك استقبال القبلة للاقبال عليهم لا يكره
بل يشرع كالخطيب قال الكرماني مناسبة العقوبات المذكورة فيه للجنايات ظاهرة إلا الزناة
ففيها خفاء وبيانه أن العرى فضيحة كالزنا والزاني من شأنه طلب الخلوة فناسب التنور ثم هو
خائف حذر حال الفعل كأن تحته النار وقال أيضا الحكمة في الاقتصار على من ذكر من العصاة
دون غيرهم أن العقوبة تتعلق بالقول أو الفعل فالأول على وجود ما لا ينبغي منه أن يقال والثاني
إما بدني وإما مالي فذكر لكل منهم مثال ينبه به على من عداه كما نبه بمن ذكر من أهل الثواب وأنهم
أربع درجات درجات النبي ودرجات الأمة أعلاها الشهداء وثانيها من بلغ وثالثها من كان دون
البلوغ انتهى ملخصا (خاتمة) اشتمل كتاب التعبير من الأحاديث المرفوعة على تسعة وتسعين
حديثا الموصول منها اثنان وثمانون والبقية ما بين معلق ومتابعة المكرر منها فيه وفيما مضى
خمسة وسبعون طريقا والبقية خالصة وافقه مسلم على تخريجها إلا حديث أبي سعيد إذا رأى
أحدكم الرؤيا يحبها وحديث الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين وحديث عكرمة عن
ابن عباس وهو يشتمل على ثلاثة أحاديث من تحلم ومن استمع ومن صور وحديث
ابن عمر من أفرى الفري أن يرى عينيه ما لم ير وفيه من الآثار
عن الصحابة والتابعين عشرة والله تعالى
أعلم بالصواب واليه المرجع
والمآب
(تم الجزء الثاني عشر و يليه الجزء الثالث عشر أوله كتاب الفتن)
391