الكتاب: تحفة الأحوذي
المؤلف: المباركفوري
الجزء: ١
الوفاة: ١٢٨٢
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

تحفة الأحوذي
بشرح
جامع الترمذي
للامام الحافظ أبي العلا محمد عبد الرحمن
ابن عبد الرحيم المباركفوري
1283 - 1353 ه‍.
طبعة جديدة مقارنة مع الطبعتين
الهندية والمصرية، مع ملحق خاص
بالأحاديث المستدركة من جامع الترمذي
الجزء الأول
أبواب الطهارة - أبواب الصلاة.
دار الكتب العلمية
بيروت - لبنان
1

الطبعة الأولى
1410 ه‍. 1990 م
مقدمة الشارح
2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور
أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد: فيقول العبد الضعيف، الراجي رحمة ربه الكريم. محمد عبد الرحمن ابن الحافظ
عبد الرحيم، جعل الله مالهما النعيم المقيم: إني قد فرغت بعونه تعالى من تحرير المقدمة التي كنت
أردت إيرادها في أول شرحي لجامع الترمذي، والآن قد حان الشروع في تحرير الشرح، وفقني الله
تعالى لاتمامه، وأعانني عليه بفضله وكرمه وسميته " تحفة الأحوذي في شرح جامع الترمذي " ربنا
تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وانفع به كل من يرومه من الطالب المبتدي والراغب المتهي،
واجعله لنا من الباقيات الصالحات، ومن الاعمال التي لا تنقطع بعد الممات.
اعلم زادك الله علما نافعا: أني رأيت أن أكثر شراح كتب الحديث قد بدأوا شروحهم بذكر
أسانيدهم إلى مصنفيها، وحكى الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " عن بعض الفضلاء: أن
الأسانيد أنساب الكتب، فأحببت أن أبدأ شرحي بذكر إسنادي إلى الامام الترمذي رحمه الله
تعالى أنساب الكتب، فأحببت أن أبدأ شرحي بذكر إسنادي إلى الامام الترمذي رحمه الله
تعالى، فأقول: إني قرأت جامع الترمذي من أوله إلى آخره على شيخنا: العلامة السيد محمد نذير
حسين، المحدث الدهلوي، رحمه الله تعالى سنة ست بعد ألف وثلاثمائة من الهجرة النبوية، في
دهلي، فأجازني به، ويجمع ما قرأت عليه من كتب الحديث وغيرها، كتب لي الإجازة بخطه
الشريف، وهذه صورتها.
الحمد لله رب العالمين: والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فيقول العبد الضعيف، طالب الحسنيين، محمد نذير حسين، عافاه الله تعالى في
الدارين، إن المولوي الذكي، أبا العلي، محمد عبد الرحمن ابن الحافظ الحاج عبد الرحيم الأعظم
كدهي، المباركفوري، قد قرأ على صحيح البخاري وصحيح ابن ماجة، ومشكاة المصابيح، وبلوغ
المرام، وتفسير الجلالين، وتفسير البيضاوي، وأوائل الهداية وأكثر شرح نخبة الفكر، وسمع
ترجمة القرآن المجيد إلا ستة أجزأ، فعليه أن يشتغل بإقراء الكتب المذكورة، والموطأ وسنن
الدارمي والمنتقي، وغيرها من كتب الحديث والتفسير والفقه، وتدريسها، لأنه أهلها بالشروح
3

المعتبرة عند أهل الحديث، وإني حصلت القراءة والسماعة والإجازة عن الشيخ المكرم الأورع
البارع في الآفاق محمد إسحاق المحدث الدهلوي رحمه الله تعالى، وهو حصل القراءة والسماعة
والإجازة عن الشيخ الأجل مسند الوقت الشاه عبد العزيز المحدث الدهلوي رحمه الله تعالى، وهو
حصل القراءة والسماعة والإجازة عن الشيخ القرم المعظم بقية السلف وحجة الخلف الشاه ولي
الله المحدث الدهلوي رحمه الله تعالى، وباقي السند مكتوب عنده.
وأوصيه بتقوى الله تعالى في السر والعلانية، وإشاعة السنة السنية بلا خوف لومة لائم حرر
سنة 1306 الهجرية المقدسة.
قلت: باقي السند هكذا: قال الشاه ولي الله: قرأت طرفا من جامع الترمذي على أبي
الطاهر: يعني محمد بن إبراهيم الكردي المدني، وأجاز لسائره عن أبيه يعني إبراهيم الكردي
المدني، عن المزاحي، يعني السلطان بن أحمد، عن الشهاب أحمد بن الخليل السبكي، عن النجم
الغيطي، عن الزين زكريا، عن العز عبد الرحيم بن محمد بن الفرات عن عمر بن الحسن
المراغي، عن الفخر بن أحمد البخاري، عن عمر بن طبرزد البغدادي، أخبرنا أبو الفتح عبد
الملك بن عبد الله بن أبي سهل الكروخي، أخبرنا القاضي أبو عامر محمود بن القاسم بن محمد
الأزدي، أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد بن عبد الله الجراحي المروزي، أخبرنا أبو العباس
محمد بن أحمد بن محبوب المحبوبي المروزي، أخبرنا أبو عيسى بن سورة بن موسى الترمذي.
قلت: وإني قرأت أطرافا من جامع الترمذي وغيره من الأمهات الست وغيرها على شيخنا
العلامة الشيخ حسين بن محسن الأنصاري الخزرجي اليماني، فأجازني لسائر ما قرأت عليه من
كتب الحديث، بل لجميع ما حواه إتحاف الأكابر في إسناد الدفاتر، من الكتب الحديثية وغيرها،
وكتب لي الإجازة وهذه صورتها:
الحمد لله الذي تواتر علينا فضله وإحسانه، الموصول إلينا بره وامتنانه، والصلاة والسلام
على من صح سند كمالاته، وتسلسل إلينا مرفوع ما وصل من هباته، وعلى آله وأصحابه،
وناصريه وأحزابه.
وبعد: فإنه وقع الاتفاق في بلدة آره بالمولوي محمد عبد الرحمن: المتوطن مباركبور من توابع
أعظم كده، وقرأ علي أطرافا من الأمهات الست، ومن موطأ الامام مالك ومن مسند الدارمي،
ومن مسند الإمام الشافعي، والإمام أحمد، ومن الأدب المفرد للبخاري، ومن معجم الطبراني
الصغير، ومن سنن الدارقطني، وطلب مني الإجازة بعد القراءة، ووصل سنده بسند مؤلفيها
الاجلاء القادة، فأسعفته بمطلوبه، تحقيقا لظنه ومرغوبه، وإن كنت لست أهلا لذلك ولا ممن
يخوض في هذه المسالك، ولكن تشبها بالأئمة الاعلام السابقين الكرام.
4

وإذا أجزت مع القصور فإنني أرجو التشبه بالذين أجازوا
للسالكين إلى الحقيقة منهجا سبقوا إلى غرف الجنان ففازوا
فأقول وبالله التوفيق: إني قد أجزت المولوي محمد عبد الرحمن المذكور أن يروي عني هذه
الكتب المذكورة بأسانيدها المتصلة إلى مؤلفيها، المذكورة في ثبت شيخ مشايخنا الامام الحافظ
الرباني، القاضي محمد بن علي الشوكاني، المسمى " بإتحاف الأكابر في إسناد الدفاتر " مع بيان كل
إسناد إلى مؤلفه، بل أجزته أن يروي عني جميع ما حواه إتحاف الأكابر من كتب الحديثية وغيرها،
أجازني برواية جميع ما فيه شيخاي: الشريف محمد بن ناصر الحسني الحازمي، وشيخنا القاضي
العلامة أحمد ابن الإمام المؤلف محمد بن علي الشوكاني كلاهما عن مؤلفه الامام الحافظ الرباني
محمد بن علي الشوكاني رحمه الله تعالى، وأوصيه بتقوى الله في السر والعلن، ومتابعة السنن، وأن
لا ينساني من صالح دعواته في كل حالاته، ومشايخي ووالدي وأولادي، وفقنا الله وإياه لما يرضاه،
وسلك بنا وبه بطريق النجاة، والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا، وحسبنا الله
ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله
وصحبه وسلم. مؤرخه يوم الأحد لاثنتي عشرة خلون من شهر شعبان أحد شهور ألف وثلاثمائة
وأربعة عشر من الهجرة النبوية، على مشرفها أفضل الصلاة وأزكى التسليم والتحية. أملاه المجيز
بلسانه، الحقير الفقير إلى إحسان ربه الكريم الباري، حسين بن محسن الأنصاري الخزرجي
اليماني، عفا الله عنه.
قلت: ثبت شيخ شيوخ مشايخنا القاضي الشوكاني المسمى بإتحاف الأكابر عندي موجود،
نقلته من نسخة قلمية صحيحة، والآن قد طبع هذا الثبت المبارك، وشاع، وقد ذكر القاضي
الشوكاني مصنف هذا الثبت أسانيد جامع الترمذي في فصل السين، فقال: سنن الترمذي أرويها
بالسماع لجميعها من لفظ شيخنا السيد العلامة عبد القادر أحمد بإسناده المتقدم في تفسير الثعلبي،
إلى الشماخي، عن أحمد بن محمد الشرجي اليمني، عن زاهر بن رستم الاصفهاني، عن
القاسم بن أبي سهل الهروي، عن محمود بن القاسم الأزدي، عن عبد الجبار بن محمد المروزي،
عن محمد بن أحمد بن محبوب المروزي عن المؤلف.
وأرويها عن شيخنا المذكور بإسناده المتقدم في أول هذا المختصر إلى محمد البابلي، عن النور
علي بن يحيى الزيادي، عن الرملي، بإسناده المتقدم قريبا إلى ابن طبرزد، عن عبد الملك بن أبي
سهل الكروخي، عن محمود بن القاسم الأزدي، عن عبد الجبار بن محمد المروزي، عن
محمد بن محبوب المروزي، عن المؤلف.
وأرويها عن شيخنا المذكور، عن محمد بن الطيب المغربي، عن إبراهيم بن محمد المراغي،
5

عن أحمد بن محمد العجلي، عن يحيى بن مكرم الطبري، عن جده المحب الطبري عن الزين
المراغي، عن أبي العباس أحمد بن أبي طالب الحجار، عن أبي النجا عبد الله بن عمر اللتي، عن
أبي الوقت عبد الأول بن عيسى السجزي، عن أبي عامر الأزدي، عن أبي محمد الجراحي، عن أبي
العباس المحبوبي، عن المؤلف.
وأوريها عن شيخنا السيد علي بن إبراهيم بن عامر بإسناده السابق في سنن أبي داود إلى
الديبع، عن السخاوي، عن ابن حجر، عن البرهان التنوخي، عن أبي القاسم بن عساكر، عن
عبد الرحمن بن محمد بن مسعود، عن محمد بن علي بن صالح، عن أبي عامر محمود بن القاسم
الأزدي، عن أبي العباس محمد بن أحمد المحبوبي عن المؤلف.
وأوريها عن شيخنا السيد علي المذكور، وشيخنا الحسن بن إسماعيل المغربي بالاسناد المتقدم
في سنن أبي داود إلى علي بن أحمد المرحومي، عن إبراهيم الذماري، عن الشهاب القليوبي، عن
النور الزيادي، عن الشمس الرملي، عن زكريا الأنصاري، عن الشمس القاياتي، عن أحمد بن
أبي زرعة، عن أبيه، عن الزين عبد الرحيم العراقي، عن عمر العراقي، عن علي بن البخاري،
عن ابن طبرزد بإسناده السابق إلى المؤلف.
وأوريها عن شيخنا يوسف بن محمد بن علاء الدين المزجاجي، عن أبيه عن جده عن
إبراهيم الكردي بإسناده المتقدم في سنن أبي داود إلى ابن طبرزد بإسناده المذكور ههنا إلى المؤلف.
انتهى ما في إتحاف الأكابر.
قلت: قد قال العلامة الشوكاني في خطبة هذا الثبت: قد اقتصرت في الغالب على ذكر
إسناد واحد، وأحلت في أسانيد البعض على البعض طلبا للاختصار. انتهى. فعليك أن ترجع
إلى إتحاف الأكابر لتقف على ما أحال عليه في أسانيد جامع الترمذي بعضها على البعض، وأنا أذكر
ههنا إسناده المتقدم في تفسير الثعلبي إلى الشماخي. قال الشوكاني: تفسير الكشف والبيان في
تفسير القرآن: أرويه عن شيخي السيد عبد القادر بن أحمد، عن شيخه السيد سليمان بن يحيى
الأهدل، عن السيد أحمد بن محمد الأهدل، عن السيد يحيى بن محمد البطاح الأهدل، عن السيد طاهر بن حسين
الأهدل، عن الحافظ الديبع، عن زين الدين الشرجي، عن نفيس الدين العلوي، عن أبيه عن
أحمد بن أبي الخير الشماخي إلخ.
وها أنا أشرع في المقصود، متوكلا على الله الملك الودود، وما توفيقي إلا بالله، وهو حسبي
ونعم الوكيل.
6

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فيقول العبد الضعيف، محمد عبد الرحمن ابن الحافظ عبد الرحيم المباركفوري (1)
عفا الله عنه تعالى عنهما: إني قرأت هذا الكتاب المبارك، أعني " جامع الترمذي " من أوله إلى
آخره، على شيخنا العلامة السيد محمد نذير حسين المحدث الدهلوي رحمه الله تعالى، أجازني به
وقال: إني حصلت القراءة والسماعة والإجازة عن الشيخ المكرم الأورع البارع في الآفاق، محمد
إسحاق، المحدث الدهلوي، وهو حصل القراءة والسماعة والإجازة عن أبيه الشيخ
القرم المعظم بقية السلف حجة الخلف الشاه ولي الله بن الشاه عبد الرحيم المحدث الدهلوي،
وقال الشاه ولي الله: قرأت على أبي الطاهر المدني طرفا من جامع الترمذي وأجاز لسائره، عن أبيه،
عن المزاحي، عن الشهاب أحمد السبكي عن النجم الغيطي، عن الزين زكريا، عن العز عبد
الرحيم بن محمد الفرات، عن عمر بن الحسن المراغي، عن الفخر بن أحمد البخاري، عن
عمر بن طبرزد البغدادي، أخبرنا أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم إلخ...

(1) مباركبور: قرية كبيرة عامرة من قرى بلدة كده الواقعة في أرض الهند. وهي في وسط بلاد جونفور ونبارس
وغازيفور وكوركهبور.
7

[بسم الله الرحمن الرحيم]
قوله (بسم الله الرحمن الرحيم) افتتح الكتاب بالبسملة اقتداء بكتاب الله العظيم، واقتفاء
بكتب نبيه الكريم، وعملا بحديثه في بداءة كل أمر ذي بال ببسم الله الرحمن الرحيم. وهو ما
أخرجه الحافظ عبد القادر الرهاوي في أربعينه من حديث أبي هريرة مرفوعا " كل أمر ذي بال لا
يبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع " واقتصر المصنف على البسملة كالامام البخاري في
صحيحه، وكأكثر المتقدمين في تصانيفهم، ولم يأت بالحمد والشهادة، مع ورود قوله (صلى الله عليه وسلم) " كل
أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع " وقوله " كل خطبة ليس فيها شهادة فهي كاليد الجذماء "
وأخرجهما أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة، لما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: من أن
الحديثين في كلم منهما مقال، سلمنا صلاحيتهما للحجة لكن ليس فيهما أن ذلك اقتصارا على البسملة،
لان القدر الذي يجمع الأمور الثلاثة ذكر الله، وقد حصل بها، انتهى كلام الحافظ. قلت: قد جاء
في رواية لفظ " ذكر الله ". ففي مسند الإمام أحمد: حدثنا أبي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن المبارك
عن الأوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي هريرة قال قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " كل أمر
ذي بال لا يفتتح بذكر الله فهو أبتر أو أقطع " فبهذه الرواية يجمع بين الروايات الثلاث
المختلفة ما لفظه: وأما الحمد والبسملة فجائز ان، يعني بهما ما هو الأعم منهما وهو ذكر الله والثناء
عليه على الجملة، إما بصيغة الحمد أو غيرها، ويدل على ذلك رواية ذكر الله، وحينئذ فالحمد
والذكر والبسملة سواء، وجائز أن يعني خصوص الحمد وخصوص البسملة، وحينئذ فرواية
الذكر أعم، فيقضى لها على الروايتين الأخريين لأن المطلق إذا قيد بقيدين والبسملة متنافيان لم يحمل على
واحد منهما، ويرجع إلى أصل الاطلاق، وإنما قلنا إن خصوص الحمد والبسملة متنافيان، لان
البداءة إنما تكون بواحد، ولو وقع الابتداء بالحمد لما وقع بالبسملة وعكسه، ويدل على أن المراد
الذكر، فتكون روايته هي المعتبرة [و] أن غالب الاعمال الشرعية غير مفتتحة بالحمد، ولم لا يكون المراد ما هو
أعم من لفظ الحمد والبسملة، ويدل على ذلك ما ذكرت لك من الاعمال الشرعية التي لم يشرع
الشارع افتتاحها بالحمد بخصوصه. انتهى كلام التاج السبكي. ثم قال الحافظ ابن حجر في
تأييد كلامه المذكور: ويؤيده أن أول شئ نزل من القرآن اقرأ باسم ربك، فطريق التأسي به
9

[...]
الافتتاح بالبسملة، ويؤيده أيضا وقوع كتب النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى الملوك وكتبه في القضايا مفتتحة
بالتسمية دون حمدلة وغيرها، كما في حديث أبي سفيان في قصة هرقل، وحديث البراء في قصة
سهيل بن عمرو في صلح الحديبية وغير ذلك من الأحاديث انتهى.
تنبيه: قال الشيخ بدر الدين العيني في عمدة القاري شرح البخاري: اعتذروا عن
البخاري أي عن اقتصاره على البسملة بأعذار هي بمعزل عن القبول، ثم ذكر العيني سبعة
أعذار، واعترض على كل واحد منها ثم قال: والأحسن فيه ما سمعته من بعض أساتذتي الكبار أنه
ذكر الحمد بعد التسمية كما هو دأب المصنفين في مسودته، كما ذكره في بقية مصنفاته، وإنما سقط
ذلك من بعض المبيضين فاستمر على ذلك. انتهى كلام العيني، قلت: هذا الاعتذار أيضا بمعزل
عن القبول، فإنه ليس بحسن فضلا عن أن يكون أحسن، بل هو أبعد الاعذار كلها، فإن قوله:
إنه ذكر الحمد بعد التسمية، كما صرح به الحافظ ابن حجر، وأما قوله كما ذكره في بقية مصنفاته،
فيدل على أنه لم ير بقية مصنفات البخاري أيضا، فإن من مصنفاته الأدب المفرد وكتاب خلق
أفعال العباد والرد على الجهمية وكتاب الضعفاء والتاريخ الصغير وجزء القراءة خلف الإمام وجزء
رفع اليدين، ولم يذكر في ابتداء واحد من هذه الكتب الحمد بعد التسمية، بل اقتصر في كل منها
على التسمية. قال الحافظ في الفتح: وأبعد من ذلك كله قول من ادعى أنه ابتداء الخطبة فيها حمد
وشهادة فحذفها بعض من حمل عنه الكتاب، وكأن قائل هذا ما رأى تصانيف الأئمة من شيوخ
البخاري وشيوخ شيوخه وأهل عصره، كمالك في الموطأ وعبد الرزاق في المصنف وأحمد في المسند
وأبي داود في السنن إلى ما لا يحصى ممن لم يقدر في ابتداء تصنيفه خطبة ولم يزد على التسمية وهم
الأكثر، والقليل منهم من افتتح كتابه بخطبة، أفيقال في كل هؤلاء إن الرواة عنه حذفوا ذلك؟ كلا
بل يحمل ذل من صنيعهم على أنهم حمدوا لفظا، ويؤيده ما رواه الخطيب في الجامع عن أحمد:
أنه كان يتلفظ بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا كتب الحديث، ولا يكتبها، والحامل له على ذلك إسراع
أو غيره، أو يحمل على أنهم رأوا ذلك مختصا بالخطب دون الكتب، ولهذا من افتتح كتابه منهم
بخطبة حمد وتشهد كما صنع مسلم والله تعالى أعلم. انتهى كلام الحافظ.
تنبيه آخر: قد اختلفوا في حديث الحمد المذكور، فبعضهم ضعفوه كالحافظ ابن حجر،
وبعضهم حسنوه كالحافظ ابن الصلاح، وبعضهم صححوه كابن حبان. قال العيني " في عمدة
10

[أخبرنا الشيخ أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم عبد الله بن أبي سهل الهروي
الكروخي في العشر الأول من ذي الحجة سنة 547 سبع وأربعين وخمسمائة، بمكة]
القارئ ": الحديث صحيح صححه ابن حبان وأبو عوانة، وقد تابع سعيد بن عبد العزيز قرة كما
أخرجه النسائي. انتهى. قلت: قد وقع في إسناده ومتنه اختلاف كثير، وقد استوعب طرقه
وألفاظه تاج الدين السبكي في أول كتاب طبقات الشافعية الكبرى، وبسط الكلام في بيان ما وقع
إسناده ومتنه من الاختلاف، ثم في دفعه، وقال في آخر كلامه ما لفظه: هذا منتهى الكلام على
الحديث، ولا ريب في أنه بعد ثبوت صحته ورفعه مسندا غير بالغ مبلغ الأحاديث المتفق على أنها
مسندة، ولكن الصحيح مراتب. انتهى كلام السبكي، وقال في أثناء كلامه: وقد قضى ابن
الصلاح بأن الحديث حسن دون الصحيح وفوق الضعيف، محتجا بأن رجاله رجال الصحيحين
سوى قرة، قال: فإنه ممن انفرد مسلم عن البخاري بالتخريج له انتهى.
فائدة: قال الحافظ في الفتح: اختلف القدماء فيما إذا كان الكتاب كله شعرا، فجاء عن
الشعبي منع ذلك، يعني كتاب بسم الله الرحمن الرحيم في أوله، وعن الزهري قال مضت السنة أن
لا يكتب في الشعر بسم الله الرحمن الرحيم، وعن سعيد بن جبير جواز ذلك، وتابعه على ذلك
الجمهور، وقال الخطيب هو المختار انتهى. وقال القاري في المرقاة: والأحسن التفصيل، بل هو
الصحيح، فإن الشعر حسنه حسن وقبيحه قبيح، فيصان إيراد البسملة في الهجويات ومدائح
الظلمة ونحوها. انتهى.
قوله: أخبرنا الشيخ (أبو الفتح) قائله عمر بن طبرزد البغدادي تلميذ أبي الفتح عبد
الملك. (عبد الله بن أبي سهل) بالجر هو اسم أبي القاسم (الهروي) بالهاء والراء المهملة المفتوحتين
نسبة إلى الهراة مدينة مشهورة بخراسان كذا في المغني للعلامة محمد طاهر صاحب مجمع البحار.
(الكروخي) بفتح الكاف وضم الراء الخفيفة وبالخاء المعجمة منسوب إلى كروخ من بلاد
خراسان، والمراد به عبد الملك بن أبي القاسم راوي الترمذي، كذا في المغني، وقال في القاموس:
كروخ كصبور قرية بهراة انتهى.
فائدة: قال الحافظ ابن الصلاح في مقدمته: قد كانت العرب إنما تنسب إلى قبائلها، فلما
جاء الاسلام وغلب عليهم مسكن القرى والمدائن حدث فيما بينهم الانتساب إلى الأوطان وأضاع
كثير منهم أنسابهم، فلم يبق لهم غير الانتساب إلى الأوطان، قال: ومن كان من الناقلة من بلد إلى
بلد وأراد الجمع بينهما بالانتساب فليبدأ بالأول ثم بالثاني المنتقل إليه. وحسن أن يدخل على الثاني
كلمة " ثم "، فيقال في الناقلة من مصر إلى دمشق مثلا " فلان المصري ثم الدمشقي " ومن كان من
11

[شرفها الله وأنا أسمع. قال: أنا القاضي الزاهد أبو عامر محمود بن القاسم بن محمد
الأزدي رحمه الله قراءة عليه وأنا أسمع في ربيع الأول من سنة اثنين وثمانين وأربعمائة،]
أهل قرية من قرى بلدة فجائز أن ينسب إلى القرية أو إلى البلدة أيضا وإلى الناحية التي تلك البلدة
منها أيضا. انتهى. (وأنا أسمع) جملة حالية، أي قال عمر بن طبرزد، أخبرنا أبو الفتح والحال أني
كنت سامعا (قال أنا القاضي) أي قال الكروخي: أخبرنا القاضي، فقوله " أنا " رمز إلى أخبرنا،
قال النووي في مقدمة شرح مسلم: جرت العادة بالاقتصار على الرمز في حدثنا وأخبرنا، واستمر
الاصطلاح عليه من قديم الاعصار إلى زماننا واشتهر ذلك بحيث لا يخفى، فيكتبون من حدثنا
" ثنا " وهي الثاء والنون والألف، وربما حذف الثاء، ويكتبون من أخبرنا " أنا " ولا تحسن زيادة
الباء قبل نا. انتهى.
فائدة: قال النووي: كان من مذهب مسلم رحمه الله الفرق بين حدثنا وأخبرنا: أن حدثنا
لا يجوز إطلاقه إلا لما سمعه من لفظ الشيخ خاصة، وأخبرنا لما قرئ على الشيخ، وهذا الفرق هو
مذهب الشافعي وأصحابه، وجمهور أهل العلم بالمشرق. قال محمد بن الحسن الجوهري
المصري: وهو مذهب أكثر أهل الحديث الذين لا يحصيهم أحد، وروي هذا المذهب أيضا عن
ابن جريج والأوزاعي وابن وهب، وقال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة: وتخصيص التحديث
بما سمع من لفظ الشيخ هو الشائع بين أهل الحديث اصطلاحا انتهى. قلت: وكذا الاخبار
مخصوص بالقراءة على الشيخ، قال الحافظ: ولا فرق بين التحديث والاخبار من حيث اللغة، وفي
ادعاء الفرق بينهما تكلف شديد، لكن لما تقرر في الاصطلاح صار ذلك حقيقة عرفية، فتقدم على
الحقيقة اللغوية، مع أن هذا الاصطلاح إنما شاع عند المشارقة ومن تبعهم، وأما غالب المغاربة
فلم يستعملوا هذا الاصطلاح، بل الاخبار والتحديث عندهم بمعنى واحد انتهى كلام الحافظ.
قلت: وهو مذهب الامام البخاري. واعلم أن ههنا تفصيلا آخر، وهو أن من سمع وحده من
لفظ الشيخ قال حدثني، ومن سمع مع غيره جمع، فقال حدثنا، وكذا الفرق بين أخبرني وبين
أخبرنا (الأزدي) منسوب إلى الأزد: بفتح الهمزة المفتوحة وسكون الزاي المعجمة، قبيلة (قراءة
عليه وأنا أسمع) أي أخبرنا القاضي حال كونه يقرأ عليه وأنا أسمع، أو حال كونه قارئا عليه
غيري وأنا أسمع، فقوله قراءة مصدر بمعنى اسم المفعول أو اسم الفاعل، منصوب على الحالية،
قال السيوطي في تدريب الراوي: قول الراوي أخبرنا سماعا أو قراءة هو من باب قولهم " أتيته
سعيا " وكلمته مشافهة، وللنحاة موقعه نعتا، في " زيد عدل " وأنه لا يستعمل منها إلا ما سمع ولا
يقاس، فعلى هذا استعمال الصيغة المذكورة في الرواية ممنوع، لعدم نطق العرب بذلك. والثاني
12

[قال الكروخي: وأخبرنا الشيخ أبو نصر عبد العزيز بن محمد بن علي بن إبراهيم
الترياقي، والشيخ أبو بكر أحمد بن عبد الصمد بن أبي الفضل بن أبي حامد الغورجي
رحمهما الله قراءة عليهما وأنا أسمع في ربيع الاخر من سنة إحدى وثمانين وأربعمائة،
قالوا أنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد بن عبد الله بن أبي الجراح المروزي
المرزباني قراءة عليه، أنا أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب بن فضيل المحبوبي
المروزي، فأقر به الشيخ الثقة الأمين،]
وهو للمبرد: ليست أحوالا بل مفعولات لفعل مضمر من لفظها، وذلك المضمر هو الحال، وأنه
يقاس في كل ما دل عليه الفعل المتقدم، وعلى هذا تتخرج الصيغة المذكورة، بل كلام ابن حبان في
تذكرته يقتضي أن أخبرنا سماعا مسموع، وأخبرنا قراءة لم يسمع، وأنه يقاس على الأول على هذا.
القول الثالث: وهو للزجاج، قال بقول سيبويه فلا يضمر لكنه مقيس. الرابع: وهو للسيرافي،
قال هو من باب " جلست قعودا " منصوب بالظاهر، مصدرا معنويا. انتهى كلام السيوطي
(الترياقي) منسوب إلى الترياق: بالكسر قرية بهراة (الغورجي) قال في المغني: بمضمونة وسكون
واو وبراء وجيم منسوب كذا، والمراد منه أحمد بن عبد الصمد بن أبي الفضل أحد مشايخ
الكروخي في الترمذي. انتهى. قال في القاموس في باب الغور: الغورة بالضم قرية عند باب
هراة وهو غورجي على خلاف القياس انتهى (قالوا) أي الأزدي والترياقي والغورجي، وهم
شيوخ الكروخي، (الجراحي) قال في المغني: بمفتوحة وشدة راء وبحاء مهملة منه عبد
مروي ومروي ومروزي انتهى. وقال فيه أيضا: المروزي نسبة إلى مرو بزيادة زاي مدينة
بخراسان انتهى وقال ابن الهمام في فتح القدير المروي بسكون الراء نسبة إلى قرية من قرى
الكوفة، وأما النسبة إلى مرو المعروفة بخراسان فقد التزموا فيها بزيادة الزاي، كأنه للفرق بين
القريتين انتهى (المرزباني) قال في المغني: بمفتوحة وسكون راء وضم زاي وبموحدة وبنون،
منسوب إلى مرزبان: جد محمد بن أحمد راوي الترمذي انتهى. وقلت فيه أن المرزباني وقع نعتا
لأبي محمد عبد الجبار لا لمحمد بن أحمد، وقال في القاموس: المرزبة كمرحلة رئاسة الفرس، وهو
مرزبانهم بضم الزاي ج مرازبة. (أنا أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب بن فضيل المحبوبي
المروزي فأقر به الشيخ الثقة الأمين)، هكذا وقعت هذه العبارة في النسخ المطبوعة في الهند بزيادة
لفظ " فأقر به الشيخ الثقة الأمين " بعد لفظ المروزي، وقد وقعت هذه العبارة في بعض النسخ
القلمية الصحيحة هكذا: أنا الشيخ الثقة الأمين أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب بن فضيل
13

[...]
المحبوبي المروزي، بحذف لفظ فأقر به، ووقوع لفظ الشيخ الثقة الأمين بعد لفظ أنا، وهكذا
وقعت هذه العبارة في الاثبات الصحيحة، كثبت الكردي والكزبري والشنواني والشاه ولي الله،
وهذا مما أفادني شيخنا العلامة القاضي حسين بن محسن الأنصاري الخزرجي السعدي اليماني غفر
الله له، وقد وقعت هذه العبارة في نسخة قلمية صحيحة عتيقة هكذا: قال أنبأ أبو العباس
محمد بن محبوب بن فضيل المحبوبي المروزي الشيخ الثقة الأمين قال أنبأ أبو عيسى بن سورة
الترمذي، بحذف لفظ فأقر به، وهذه النسخة موجودة في مكتبة خدابخش خان العظيم أبادي.
تنبيه: العبارة التي وقعت في بعض النسخ القلمية والاثبات الصحيحة معناها ظاهر واضح
وكذا العبارة التي وقعت في النسخة القلمية العتيقة معناها واضح، وأما العبارة التي وقعت في
النسخ المطبوعة فقد جزم بعض أهل العلم بأن جملة فأقر به الشيخ الثقة الأمين فيها غلظ لا يستقيم
معناها.
قلت: هذه الجملة فيها ليست عندي بغلط بل هي صحيحة معناها مستقيم، فاعلم أن
المراد بالشيخ الثقة الأمين في هذه الجملة أبو محمد عبد الجبار، والمعنى، أن القاضي الزاهد أبا
عامر والشيخ أبا نصر عبد العزيز والشيخ أبا بكر أحمد بن عبد الصمد من تلامذة أبي محمد عبد
الجبار أخذوا هذا الكتاب عنه بالعرض عليه، بأن كان أحد من تلامذة أبي محمد عبد
الجبار أخذوا هذا الكتاب عنه بالعرض عليه، بأن كان أحد من تلامذته يقرؤه عليه والباقون أبي محمد عبد
الجبار أخذوا هذا الكتاب عنه بالعرض عليه، بأن كان أحدا من تلامذته يقرؤه عليه والباقون كانوا
يسمعون، والشيخ أبو محمد عبد الجبار كان مصغيا فاهما غير منكر، وكان قراءة القارئ عليه
هكذا. قلت: أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب بن فضيل المحبوبي المروزي إلخ فأقر به
الشيخ الثقة الأمين. أي أبو محمد عبد الجبار يعني فأقر بما قرئ عليه، ولم ينكر فصح سماعهم منه
وجاز لهم الرواية عنه. وينبغي لكل من يقرأ هذا الكتاب على شيخه ويعرضه عليه أن يقول بعد
قوله قراءة عليه: قيل له قلت أخبرنا أبو العباس إلخ، ولا بد لنا من أن نذكر ههنا بعض عبارات
تدريب الراوي وغيره ليتضح لك ما قلنا في تصحيح الجملة المذكورة. قال السيوطي في التدريب،
القسم الثاني من وجوه التحمل: القراءة على الشيخ، ويسميها أكثر المحدثين عرضا، سواء قرأت
عليه بنفسك أو قرأ عليه غيرك وأنت تسمع، والأحوط في الرواية بها أن يقول قرأت على فلان إن
قرأ بنفسه، أو قرئ عليه وأنا أسمع فأقر به، ثم يلي ذلك عبارات السماع مقيدة بالقراءة: كحدثنا
بقراءتي أو قراءة عليه وأنا أسمع، أو أخبرنا بقراءتي أو قراءة عليه وأنا أسمع انتهى. وقال فيه:
وإذا قرأ على الشيخ قائلا أخبرك فلان أو نحوه كقلت أخبرنا فلان والشيخ مصغ إليه فاهم له غير
منكر ولا مقر لفظا صح السماع وجازت الرواية به اكتفاء بالقرائن الظاهرة، ولا يشترط نطق
الشيخ بالاقرار كقوله نعم، على الصحيح الذي قطع به جماهير أصحاب الفنون وشرط بعض
14

[...]
أصحاب الشافعية والظاهريين نطقه به انتهى كلام السيوطي ملخصا. وقال النووي في مقدمة
شرح مسلم: جرت عادة أهل الحديث بحذف قال ونحوه فيما بين رجال الاسناد في الخط، وينبغي
للقارئ أن يلفظ بها، وإذا كان في الكتاب: قرئ على فلان أخبرك فلان فليقل القارئ: قرئ
على فلان قيل له أخبرك فلان، وإذا كان فيه قرئ على فلان أخبرنا فلان فليقل قرئ على فلان
قيل له قلت أخبرنا فلان. انتهى كلام النووي. فإذا وقفت على هذه العبارات وعرفت مدلولها
يتضح لك ما قلنا في تصحيح جملة فأقر به الشيخ الثقة الأمين إن شاء الله تعالى.
تنبيه: قال صاحب العرف الشذي في توجيه الجملة المذكورة ما لفظه: المراد بالشيخ هو
المحبوبي كما في ثبت ابن عابدين، وهذه العبارة يعني فأقر به الشيخ الثقة الأمين ليست في النسخ
المعتبرة، وأما على تقدير وجودها في الكتاب فمرادها أن الشيخ المحبوبي نسخ الكتاب، وكان علم
من قلبه بالصدور، فإذ صار العلم بالكتاب فاحتاج تلامذة الشيخ المحبوبي إلى أن يقر المحبوبي
بكتابه وصحته، فلذا قال تلميذ المحبوبي أقر الشيخ المحبوبي بهذا الكتاب لتوثيق الكتاب انتهى
كلامه.
قلت: هذا التوجيه باطل جدا، فإن مبناه على أن علم من قبل الشيخ المحبوبي من
أصحاب الكتب الستة وغيرهم كان في الصدور ولم يكن في الكتاب، وهذا باطل ظاهر البطلان،
وقد عرفت في المقدمة أن تدوين الأحاديث وجمعها في الكتاب قد حدث في أواخر عصر التابعين،
قال الحافظ في مقدمة الفتح: إن آثار النبي (صلى الله عليه وسلم) لم تكن في عصره وعصر أصحابه وتبعهم مدونة في
الجوامع. إلى أن قال: ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار وتبويب الاخبار لما انتشر
العلماء بالأمصار وكثر الابتداع اه‍.
وتنبيه آخر: وقال بعضهم في توجيه الجملة المذكورة: إن قوله فأقر به الشيخ الثقة الأمين
يحتمل وجهين أحدهما أن يقال: بأن المراد بالشيخ الثقة الأمين هو أبو العباس الذي تلميذه أبو
محمد عبد الجبار، والمعنى على هذا الوجه: أن القاضي الزاهد أبا عامر أو الشيخ أبا نصر أو الشيخ
أبا بكر الذين هم تلامذة أبي محمد عبد الجبار قد سأل أستاذ أستاذه أعني أبا العباس عن أنك
أخبرت تلميذك أبا محمد عبد الجبار بهذا الكتاب فأقر به، أي بالاخبار بهذا الكتاب أبو العباس
وأجاب بإقرار الاخبار، وثانيهما أن يراد بالشيخ الثقة الأمين أبو محمد عبد الجبار، ويكون المعنى
على هذا أنه سأله أحد تلامذته وهم القاضي الزاهد أبو عامر وأبو نصر وأبو بكر عن أنك أخبرك
شيخك أبو العباس فأقر به أبو محمد عبد الجبار بأخذ هذا الكتاب من شيخه أبي العباس. هذا هو
الوجه الثاني، فعلى كلا الوجهين: الضمير في قوله به راجع إلى الاخبار بهذا الكتاب الذي يفهم
15

[...]
ضمنا، وفاعل قوله أقر المعبر عنه بالشيخ الثقة الأمين إما أبو العباس. وإما أبو محمد عبد الجبار
انتهى كلامه.
قلت: هذا التوجيه أيضا ليس بشئ، فإن في كلا الوجهين من هذا التوجيه نظرا، أما
الوجه الأول: فلان مبناه على أن أحدا من تلامذة أبي محمد عبد الجبار المذكورين قد لقي أستاذ
أستاذه أعني أبا العباس، وهذا ادعاء محض. فلا بد لهذا البعض أن يثبت أولا لقاءه منه ثم بعد
ذلك يتوجه إلى هذا الوجه ودونه خرط القتاد. وأما الوجه الثاني ففيه أن أبا محمد عبد الجبار، لما
حدث تلامذته المذكورين بلفظ أخبرنا أبو العباس فبعد سماعهم هذا اللفظ منه لا معنى لسؤال
أحد تلامذته عن أنك أخبرك شيخك أبو العباس، فتفكر.
تنبيه آخر: قال صاحب الطيب الشذي في توجيه الجملة المذكورة ما لفظه: الظاهر أن
المراد بالشيخ الثقة أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي، فقائل هذا القول هو أبو محمد عبد الجبار
الجراحي، فالمعنى أن تلامذة أبي العباس لما قرؤا الكتاب على أستاذهم أبي العباس فقال لهم: نعم
هذا كنت قرأت عليكم. انتهى كلامه.
قلت: هذا التوجيه أيضا باطل ظاهر البطلان، فإن تلامذة أبي العباس إما كانوا قرؤا
الكتاب على أستاذهم أبي العباس وكان هو ساكتا مصغيا لقراءتهم أو كان هو القارئ وهم كانوا
ساكتين مصغين لقراءته، فعلى التقدير الأول لا معنى لقوله، فقال لهم نعم هكذا كنت قرأت
عليكم، وعلى التقدير الثاني لا معنى لقوله لما قرؤا الكتاب فتفكر ثم قال ويمكن أن يكون المراد من
الثقة الأمين هو عبد الجبار، وقائل قوله فأقر به أيضا عبد الجبار، فالمعنى أن تلامذة عبد الجبار قالوا
له أخبرك أبو العباس؟ فقال: نعم أخبرني أستاذي أبو العباس. فهذا معنى قوله فأقر به الشيخ
الثقة الأمين. انتهى.
قلت: قد أخذ هذا صاحب الطيب الشذي من الوجه الثاني من الوجهين المذكورين
لبعضهم، ولكنه قد تخبط في قوله، وقائل قوله أقر به أيضا عبد الجبار.
16

قوله (أخبرني أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة) بفتح السين وسكون الواو (الترمذي)
بكسر التاء والميم وبضمهما وبفتح التاء وكسر الميم مع الذال المعجمة، نسبة إلى مدينة قديمة على
طرق جيحون: نهر بلخ (الحافظ) تقدم حد الحافظ في المقدمة، وتقدم فيها أيضا ترجمة أبي عيسى
الترمذي وما يتعلق بكنيته.
قوله (أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أبواب جمع باب وهو حقيقة لما كان حسيا يدخل
منه إلى غيره ومجاز لعنوان جملة من المسائل المتناسبة واعلم أنه قد جرت عادة أكثر المصنفين من
الفقهاء أنهم يذكرون مقاصدهم بعنوان الكتاب والباب والفصل فالكتاب عندهم عبارة عن
طائفة من المسائل اعتبرت مستقلة شملت أنواعا أو لم تشمل فإن كان تحته أنواع فكل نوع يسمى
بالباب والأشخاص المندرجة تحت النوع تسمى بالفصول وقال السيد نور الدين في فروق
اللغات الكتاب هو الجامع لمسائل متحدة في الجنس مختلفة في النوع والفصل هو الجامع لمسائل
متحدة في النوع مختلفة في الصنف والفصل هو الجامع لمسائل متحدة في الصنف مختلفة في
الشخص انتهى وهكذا جرت عادة أكثر المحدثين أنهم يذكرون الأحاديث والآثار في كتبهم
على طريقة الفقهاء بعنوان الكتاب والباب لكن الترمذي يذكر مكان الكتاب لفظ الأبواب
ولفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول أبواب الطهارة وأبواب الصلاة وأبواب الزكاة وهكذا ثم يزيد
بعد الأبواب مثلا يقول أبواب الطهارة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال بعض العلماء في توجه هذه الزيادة ما لفظه فائدة ذكره أي ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الإشارة
إلى أن الأحاديث الواردة فيها مرفوعات لا موقوفات ذلك لأن قبل زمان الترمذي وطبقته كانت
العادة أنهم كانوا يخلطون الأحاديث والآثار كما يفصح عنه موطأ مالك ومغازي موسى بن عقبة
وغيرهما ثم جاء البخاري والترمذي وأقرانهما فميزوا الأحاديث المرفوعة عن الآثار انتهى والمراد
17

من الطهارة الطهارة من الحدث والخبث وأصلها النظافة والنزاهة من كل عيب حسي أو معنوي
ومنه قوله تعالى إنهم أناس يتطهرون والطهارة لما كانت مفتاح الصلاة التي هي عماد الدين افتتح
المؤلفون بها مؤلفاتهم.
قوله (باب ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور) بضم الطاء وفتحها
1 - قوله (حدثنا قتيبة) بضم القاف وفتح المثناة الفوقانية (بن سعيد) الثقفي مولاهم أبو
رجاء البغلاني محدث خراسان ولد سنة 149 تسع وأربعين ومائة وسمع من مالك والليث وابن
لهيعة وشريك وطبقتهم وعنه الجماعة سوى ابن ماجة وكان ثقة عالما صاحب حديث
ورحلات وكان غنيا متمولا قال ابن معين ثقة وقال النسائي ثقة مأمون مات سنة 240 أربعين
ومائتين عن إحدى وتسعين سنة كذا في تذكرة الحفاظ (أبو عوانة) اسمه الوضاح بن عبد الله
اليشكري الواسطي البزاز أحد الأعلام روى عن قتادة وابن المنكدر وخلق وعنه قتيبة ومسدد
وخلائق ثقة ثبت مات سنة 176 ست وسبعين ومائة
فائدة قال النووي جرت عادة أهل الحديث بحذف قال ونحوه فيما بين رجال الإسناد في
الخط وينبغي للقارئ أن يلفظ بها انتهى قلت فينبغي للقارئ أن يقرأ هذا السند هكذا قال
حدثنا قتيبة بن سعيد قال أخبرنا أبو عوانة بذكر لفظ قال قبل حدثنا قتيبة وقبل أخبرنا أبو عوانة
(عن سماك) بكسر السين المهملة وتخفيف الميم (بن حرب) ابن أوس بن خالد الذهلي البكري
الكوفي صدوق وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة وقد تغير بآخره فكان ربما يلقن كذا في
التقريب وقال في الخلاصة أحد الأعلام التابعين عن جابر بن سمرة والنعمان بن بشير ثم عن
علقمة بن وائل ومصعب ابن سعد وغيرهم وعنه الأعمش وشعبة وإسرائيل وزائدة وأبو عوانة
وخلق قال ابن المديني له نحو مائتي حديث وقال أحمد أصح حديثا من عبد الملك بن عمرو
وثقه أبو حاتم وابن معين في رواية ابن أبي خيثمة وابن أبي مريم وقال أبو طالب عن أحمد مضطرب
الحديث قلت عن عكرمة فقط مات سنة 123 ثلاث وعشرين ومائة انتهى (ح) اعلم أنه إذا كان
للحديث إسنادان أو أكثر كتبوا عند الانتقال من إسناد إلى إسناد ح وهي حاء مهملة مفردة والمختار
أنها مأخوذة من التحول لتحوله من إسناد إلى إسناد وأنه يقول القارئ إذا انتهى إليها ح ويستمر
في قراءة ما
بعدها وقيل إنها من حال الشئ يحول إذا حجز لكونها حالت بين الإسنادين وأنه لا
18

يلفظ عند الانتهاء إليها بشئ وليست من الرواية وقيل إنها رمز إلى قوله الحديث وأن أهل
المغرب كلهم يقولون إذا وصلوا إليها الحديث قاله النووي (قال ونا هناد) أي قال أبو عيسى
الترمذي وحدثنا هناد وهو ابن السرى بن مصعب الحافظ القدوة الزاهد شيخ الكوفة أبو السرى
التميمي الدارمي روى عن أبي الأحوص سلام وشريك بن عبد الله وإسماعيل بن عياش
وطبقتهم وعنه الجماعة سوى البخاري وخلق سئل أحمد بن حنبل عمن يكتب بالكوفة قال
عليكم بهناد قال قتيبة ما رأيت وكيعا يعظم أحدا تعظيمه هناد ثم يسأله عن الأهل وقال
النسائي ثقة توفي سنة 243 ثلاث وأربعين ومائتين عن إحدى وتسعين سنة وما تزوج قط ولا
تسرى وكان يقال له راهب الكوفة وله مصنف كبير في الزهد كذا في تذكرة الحفاظ
تنبيه قال صاحب العرف الشذي ما لفظه ربما تجد في كتب الصحاح وغيرها أنهم يبدؤن
السند من الأول أي الأعلى بالعنعنة ثم في الأسفل بالإخبار والتحديث لأن التدليس لم يكن في
السلف وحدث في المتأخرين فاحتاج المحدثون إلى التصريح بالسماع انتهى
قلت قوله التدليس لم يكن في السلف وحدث في المتأخرين مبني على غفلته عن أسماء
الرجال فقد كان التدليس في السلف وكان كثير من التابعين وأتباعهم مدلسين وهذا أمر جلي
عند من طالع كتب أسماء الرجال والكتب المؤلفة في المدلسين ومن التابعين الذين كانوا موصوفين
بالتدليس معروفين به قتادة وأبو الزبير المكي وحميد الطويل وعمرو بن عبد الله السبيعي
والزهري والحسن البصري وحبيب بن أبي ثابت الكوفي وابن جريج المكي وسليمان التيمي
وسليمان بن مهران الأعمش ومحمد بن عجلان المدني وعبد الملك بن عمير القبطي الكوفي
وعطية بن سعيد العوفي وغيرهم فهؤلاء كلهم من التابعين موصوفون بالتدليس فقول هذا
القائل التدليس لم يكن في السلف وحدث في المتأخرين باطل بلا مرية بل الأمر بالعكس قال
الفاضل اللكنوي في ظفر الأماني ص 213 قال الحلبي في التبيين التدليس بعد سنة ثلاثمائة
يقل جدا قال الحاكم لا أعرف في المتأخرين يذكر به إلا أبا بكر محمد بن محمد بن سليمان
الباغندي انتهى
تنبيه آخر وقال هذا القائل قال شعبة إن التدليس حرام والمدلس ساقط العدالة ومن
ثم قالوا السند الذي فيه شعبة برئ
من التدليس وإن كان بالعنعنة انتهى
قلت لم يقل أحد من أئمة الحديث أن السند الذي فيه شعبة برئ من التدليس بل قالوا
إن شعبة لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما هو مسموع لهم صرح به الحافظ في الفتح وقال
البيهقي في المعرفة روينا عن شعبة قال كنت أتفقد قتادة فإذا قال ثنا وسمعت حفظته وإذا
19

قال حدث فلان تركته وقال روينا عن شعبة أنه قال كفتكم تدليس ثلاثة الأعمش وأبي إسحاق
وقتادة قال الحافظ في كتابه تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس بعد ذكر كلام
البيهقي هذا ما لفظه فهذه قاعدة جيدة في أحاديث هؤلاء الثلاثة أنها إذا جاءت من طريق أشعبة
دلت على السماع ولو كانت معنعنة انتهى وأما القول بأن السند الذي فيه شعبة برئ من
التدليس فلم يقل بهذا الإطلاق أحد فتفكر (نا وكيع) هو ابن الجراح بن مليح الرواسي الكوفي
محدث العراق ولد سنة تسع وعشرين ومائة سمع هشام بن عروة والأعمش وابن عون وابن
جريج وسفيان وخلائق وعنه ابن المبارك مع تقدمه وأحمد وابن المديني ويحيى وإسحاق وزهير يونس بن أبي
وأمم سواهم وكان أبوه على بيت المال وأراد الرشيد أن يولي وكيعا قضاء الكوفة فامتنع وقال
أحمد ما رأيت أوعى للعلم ولا أحفظ من وكيع توفى سنة 197 سبع وتسعين ومائة يوم عاشوراء
كذا في تذكرة الحفاظ وقال الحافظ في التقريب ثقة حافظ
تنبيه قال بعض الحنفية إن وكيع بن الجراح كان يفتي بقول أبي حنيفة وكان قد سمع
منه شيئا كثيرا انتهى وزعم بعضهم أنه كان حنفيا يفتى بقول أبي حنيفة ويقلده
قلت القول بأن وكيعا كان حنفيا يقلد أبا حنيفة باطل جدا ألا ترى أن الترمذي قال في
جامعه هذا في باب إشعاء البدن سمعت يوسف بن عيسى يقول سمعت وكيعا يقول حين روى
هذا الحديث (يعني حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قلد النعلين وأشعر الهدى) فقال لا تنظروا
إلى قول أهل الرأي في الإشعار فإن الإشعار سنة وقولهم بدعة وسمعت أبا السائب يقول كنا
عند وكيع فقال رجل ممن ينظر في الرأي أشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول أبو حنيفة هو مثلة قال
الرجل فإنه قد روي عن إبراهيم النخعي أنه قال الإشعار مثله قال فرأيت وكيعا غضب غضبا
شديدا وقال أقول لك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول قال إبراهيم ما أحقك بأن تحبس ثم لا تخرج
حتى تنزع عن قولك هذا انتهى فقول وكيع هذا من أوله إلى آخره ينادي بأعلى نداء أنه لم يكن
مقلدا لأبي حنيفة ولا لغير بل كان متبعا للسنة منكرا أشد الإنكار على من يخالف السنة وعلى من
يذكر عنده قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيذكر هو قول أحد من الناس مخالفا لقوله صلى الله عليه وسلم وأما من قال إن
وكيعا كان يفتي بقول أبي حنيفة فليس مراده أنه كان يفتي بقوله في جميع المسائل بل مراده أنه كان
يفتي بقوله في بعض المسائل ثم لم يكن إفتاؤه في بعضها تقليدا لأبي حنفية بل كان اجتهاد منه
فوافق قوله فظن أنه كان يفتي بقوله والدليل على هذا كله قول وكيع المذكور ثم الظاهر أن
المسألة التي يفتي فيها وكيع بقول أبي حنيفة هي شرب نبيذ الكوفيين قال الحافظ الذهبي في تذكرة
الحفاظ في ترجمته ما فيه إلا شربه
لنبيذ الكوفيين وملازمته له جاء ذلك من غير وجه عنه انتهى
20

(عن إسرائيل هو ابن) يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي قال أحمد ثبت وقال أبو حاتم
صدوق من أتقن أصحاب إسحاق قال الحافظ في التقريب ثقة تكلم فيه بلا حجة (عن
مصعب بن سعد) ابن أبي وقاص الزهري المدني ثقة من أوساط التابعين أرسل عن عكرمة بن أبي
جهل مات سنة 301 ثلاث ومائة (عن ابن عمر) هو عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي أبو
عبد الرحمن ولد بعد المبعث بيسير واستصغر يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة وهو أحد
المكثرين من الصحابة والعبادلة وكان من أشد الناس اتباعا للأثر مات سنة 37 ثلاث وسبعين في
آخرها أو أول التي تليها كذا في التقريب
قوله (لا تقبل صلاة بغير طهور) بضم الطاء والمراد به ما هو أعم من الوضوء والغسل
قال النووي قال جمهور أهل اللغة يقال الطهور والوضوء بضم أولهما إذا أريد به الفعل الذي هو
المصدر ويقال الطهور والوضوء بفتح أولهما إذا أريد به الماء الذي يتطهر به هكذا نقله ابن
الأنباري وجماعات من أهل اللغة وغيرهم عن أكثر أهل اللغة وذهب الخليل والأصمعي وأبو
حاتم السجستاني وجماعة إلى أنه بالفتح فيهما انتهى والمراد بالقبول هنا ما يرادف الصحة وهو
الإجزاء وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطاعة مجزئة رافعة لما في الذمة ولما كان الإتيان بشروطها
مظنة الإجزاء الذي القبول ثمرته عبر عنه بالقبول مجازا وأما القبول المنفي في مثل قوله صلى الله عليه وسلم من
أتى عرافا لم تقبل له صلاة فهو الحقيقي لأنه قد يصح العمل ويتخلف القبول لمانع ولهذا كان
بعض السلف يقول لأن تقبل لي صلاة واحدة أحب إلي من جميع الدنيا قاله ابن عمر قال لأن
الله تعالى قال إنما يتقبل الله من المتقين كذا في فتح الباري والحديث نص في وجوب الطهارة
للصلاة وقد أجمعت الأمة على أن الطهارة شرط في صحة الصلاة وأجمعت على تحريم الصلاة بغير
طهارة من ماء أو تراب ولا فرق بين الصلاة المفروضة والنافلة والحديث دليل على وجوب
الطهارة لصلاة الجنازة أيضا لأنها صلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم من صلى على الجنازة وقال صلوا على
صاحبكم وقال صلوا على النجاشي قال الإمام البخاري سماها صلاة وليس فيها ركوع ولا
سجود ولا يتكلم فيها وفيها تكبير وتسليم وكان ابن عمر لا يصلي عليها إلا
طاهرا انتهى قال
الحافظ ونقل ابن عبد البر الاتفاق على اشتراط الطهارة لها يعني لصلاة الجنازة إلا عن الشعبي
قال ووافقه إبراهيم بن علية ونقل غيره أن ابن جرير الطبري وافقهما على ذلك وهو مذهب شاذ
انتهى كلام الحافظ
21

قلت والحق أن الطهارة شرط في صحة صلاة الجنازة ولا التفات إلى ما نقل عن الشعبي
وغيره
فائدة قال البخاري في صحيحه إذا أحدث يوم العيد أو عند الجنازة يطلب الماء ولا يتيمم
انتهى قال الحافظ في الفتح وقد ذهب جمع من السلف إلى أنه يجزئ لها التيمم لمن خاف
فواتها يعني فوات صلاة الجنازة لو تشاغل بالوضوء وحكاه ابن المنذر عن عطاء وسالم والزهري
والنخعي وربيعة والليث والكوفيين وهي رواية عن أحمد وفيه حديث مرفوع عن ابن عباس
رواه ابن عدي وإسناده ضعيف انتهى (ولا صدقة من غلول) بضم الغين والغلول الخيانة
وأصله السرقة من مال الغنيمة قبل القسمة قاله النووي وقال القاضي أبو بكر بن العربي
الغلول الخيانة خفيفة فالصدقة من مال حرام في عدم القبول واستحقاق العقاب كالصلاة بغير
طهور في ذلك انتهى
قوله (قال هناد في حديثه إلا بطهور) أي مكان بغير طهور ومقصود الترمذي بهذا إظهار
الفرق بين حديث قتيبة وحديث هناد فيقال قتيبة في حديثه لا تقبل صلاة بغير طهور وقال هناد
في حديثه لا تقبل صلاة إلا بطهور
قوله (هذا الحديث أصح شئ في هذا الباب وأحسن) والحديث وأخرجه الجماعة إلا
البخاري كذا في المنتقى ورواه الطبراني في الأوسط بلفظ لا صلاة لمن لا طهور له (وفي الباب عن
أبي المليح عن أبيه وأبي هريرة وأنس) أما حديث أبي المليح عن أبيه فأخرجه أبو داود والنسائي
وابن ماجة ولفظه لا يقبل الله صدقه من غلول ولا صلاة بغير طهور والحديث سكت عند أبو
داود ثم المنذري وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان بلفظ لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا
أحدث حتى يتوضأ الحديث وأما حديث أنس فأخرجه ابن ماجة بلفظ لا يقبل الله صلاة بغير
طهور ولا صدقة من غلول قال الحافظ في التلخيص وفي الباب عن والد أبي المليح وأبي هريرة
وأنس وأبي بكرة وأبي بكر الصديق والزبير بن العوام وأبي سعيد الخدري وغيرهم وقد أوضحت
طرقه وألفاظه في الكلام على أوائل الترمذي انتهى
قلت وفي الباب أيضا عن عمران بن حصين وأبي سبرة وأبي الدرداء وعبد الله بن
مسعود ورباح بن حويطب عن جدته وسعد بن عمارة ذكر حديث هؤلاء الصحابة رضي الله
عنهم الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد في باب فرض الوضوء مع الكلام عليها فمن شاء
الوقوف
عليها فليرجع إليه
22

تنبيهان الأول أن قول الترمذي هذا الحديث يعني حديث ابن عمر أصح شئ في هذا
الباب فيه نظر بل أصح شئ في هذا الباب هو حديث أبي هريرة الذي أشار إليه الترمذي وذكرنا
لفظه فإنه متفق عليه
الثاني قد جرت عادة الترمذي في هذا الجامع أنه يقول بعد ذكر أحاديث الأبواب وفي
الباب عن فلان وفلان فإنه لا يريد ذلك الحديث بعينه بل يريد أحاديث أخر يصح أن تكتب في
الباب قال الحافظ العراقي وهو عمل صحيح إلا أن كثيرا من الناس يفهمون من ذلك أن من
سمى ممن الصحابة يروون ذلك الحديث بعينه وليس كذلك بل قد يكون كذلك وقد يكون حديثا
آخر يصح إيراده في ذلك الباب وقد تقدم ما يتعلق به في المقدمة فتذكر
قوله (وأبو المليح) بفتح الميم وكسر اللام (بن أسامة اسمه عامر) قال الحافظ في التقريب أبو
المليح بن أسامة بن عمير أو عامر بن حنيف بن ناجية الهذلي اسمه عامر وقيل زيد وقيل زياد
ثقة من الثالثة
قوله باب ما جاء في فضل الطهور بضم الطاء وقد تقدم قول أكثر أهل اللغة أنه يقال
الطهور بالضم إذا أريد به الفعل ويقال بالفتح إذا أريد به الماء والمراد هنا الفعل
2 - قوله حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري) الخطمي المديني الفقيه الحافظ الثبت أبو
موسى قاضي نيسابور سمع سفيان بن عيينة وعبد السلام بن حرب ومعن بن عيسى وكان من
أئمة الحديث صاحب سنة ذكره أبو حاتم فأطنب في الثناء عليه وقال النسائي ثقة حدث عنه
مسلم والترمذي والنسائي وآخرون قيل إنه توفي بجوسية بليدة من أعمال حمص في سنة أربع
وأربعين ومائتين كذا في تذكرة الحفاظ وقال في التقريب ثقة متقن
فائدة قال الحافظ الذهبي في الميزان إذا قال الترمذي ابن الأنصاري فيعني
به إسحاق بن
موسى الأنصاري انتهى قلت الأمر كما قال الذهبي لكن يقول الترمذي الأنصاري لا ابن
الأنصاري كما قال في باب ماء البحر أنه طهور حدثنا قتيبة عن مالك ح وحدثنا الأنصاري قال
23

حدثنا معن إلخ وكما قال في باب التغليس بالفجر حدثنا قتيبة عن مالك بن أنس ح قال ونا
الأنصاري نا معن إلخ ئم قال قال الأنصاري فمر النساء متلففات بمروطهن إلخ فالحاصل أن
الترمذي إذا قال في شيوخه الأنصاري فيعني به إسحاق بن موسى الأنصاري لا غير فاحفظ
فإنه نافع
تنبيه قد غفل صاحب الطيب الشذي عما ذكرنا انفا من أن الترمذي إذا يقول الأنصاري
فيعني به إسحاق بن موسى الأنصاري فلذلك قد وقع في مغلطة عظيمة وهي أنه قال في باب ماء
البحر أنه طهور ما لفظه قوله الأنصاري هو يحيى بن سعيد الأنصاري كما يظهر من تصريح
الحافظ في التلخيص كما سيأتي في تصحيح الحديث انتهى قلت العجب أنه من هذه الغفلة
الشديدة كيف جوز أن الأنصاري هذا هو يحيى بن سعيد الأنصاري والأنصاري هذا هو شيخ
الترمذي فإنه قال حدثنا الأنصاري ويحيى ابن سعيد الأنصاري من صغار التابعين فبين
الترمذي وبينه مفاوز تنقطع فيها أعناق المطايا فهل يمكن أن يقول الترمذي حدثنا يحيى بن سعيد
الأنصاري كلا ثم كلا ثم العجب على العجب أنه قال كما يظهر من تصريح الحافظ في
التلخيص ولم يصرح الحافظ في التلخيص أو الأنصاري هذا يحيى بن سعيد الأنصاري ولا
يظهر هذا من كلامه البتة وقد وقع هو في هذا في مغلطة أخرى والأصل أن الرجل إذا تكلم في
غير فنه يأتي بمثل هذه العجائب (نا معن بن عيسى) أبو يحي المدني القزاز الأشجعي مولاهم
أخذ عن ابن أبي ذئب ومعاوية بن صالح ومالك وطبقتهم روى عنه ابن أبي خيثمة وهارون
الجمال وخلق قال أبو حاتم هو أحب إلى من ابن وهب وهو أثبت أصحاب مالك توفي في شوال
سنة 198 ثمان وتسعين ومائة كذا في تذكرة الحفاظ وقال في التقريب ثقة ثبت (نا مالك بن
أنس) هو مالك بن أنس بن مالك الأصبحي المدني إمام دار الهجرة رأس المتقنين وكبير المثبتين
تقدم ترجمته في المقدمة (عن سهيل بن أبي صالح) المدني صدوق تغير حفظه بآخره روى له
البخاري مقرونا وتعليقا من السادسة مات في خلافة المنصور كذا في التقريب قلت قال
الذهبي في الميزان وقال غيره أي ابن معين إنما أخذ عنه مالك قبل التغير وقال الحاكم
روى له مسلم الكثير وأكثرها في الشواهد انتهى (عن أبيه) أي أبي صالح واسمه ذكوان كما صرح به
الترمذي في هذا
الباب قال الحافظ في التقريب ذكوان أبو صالح السمان الزيات المدني ثقة
ثبت وكان يجلب الزيت إلى الكوفة من الثالثة مات سنة 101 إحدى ومائة
تنبيه اعلم أن أبا صالح والد سهيل هو أبو صالح السمان واسمه ذكوان وهذا ظاهر لمن
24

له أدنى مناسبة بفن الحديث وقد صرح به الترمذي في هذا الباب وقد وقع صاحب الطيب
الشذى ههنا في مغلطة عظيمة فظن أن أبا صالح والد سهيل هذا هو أبو صالح الذي اسمه مينا
حيث قال قوله عن أبيه مولى ضباعة لين الحديث من الثالثة واسمه مينا بكسر الميم انتهى
والعجب كل العجب أنه كيف وقع في هذه المغلطة مع أن الترمذي قد صرح في هذا الباب
بأن أبا صالح والد سهيل هو أبو صالح السمان واسمه ذكوان
ثم قد حكم الترمذي بأن هذا الحديث حسن صحيح فكيف ظن أن أبا صالح والد سهيل هو
أبو صالح الذي اسمه مينا وهو لين الحديث
قوله (إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن) هذا شك من الراوي وكذا قوله مع
الماء أو مع قطر الماء قاله النووي وغيره (فغسل وجهه) عطف على توضأ عطف تفسير أو المراد إذا أراد الوضوء
وهو الأوجه (خرجت من وجهه) جواب إذا (كل خطيئة نظر إليها) أي إلى الخطيئة يعني إلى سببها
إطلاقا لاسم المسبب على السبب مبالغة (بعينيه) قال الطيبي تأكيد (مع الماء) أي مع انفصاله (أو
مع آخر قطر الماء أو نحو هذا) قيل أو لشك الراوي وقيل لأحد الأمرين والقطر إجراء الماء وإنزال
قطره كذا في المرقاة قلت أو ههنا للشك لا لأحد الأمرين يدل عليه قوله أو نحو هذا قال
القاضي المراد بخروجها مع الماء المجاز والاستعارة في غفرانها لأنها ليست بأجسام فتخرج حقيقة
وقال ابن العربي في عارضة الأحوذي قوله خرجت الخطايا يعني غفرت لأن الخطايا هي أفعال
وأعراض لا تبقى فكيف توصف بدخول أو بخروج ولكن البارئ لما أوقف المغفرة على الطهارة
الكاملة في العضو ضرب لذلك مثلا بالخروج انتهى قال السيوطي في قوت المغتدي بعد نقل
كلام ابن العربي هذا ما لفظه بل الظاهر حمله على الحقيقة وذلك أن الخطايا تورث في الباطن
والظاهر سوادا يطلع عليه أرباب الأحوال والمكاشفات والطهارة تزيله وشاهد ذلك ما أخرجه
المصنف والنسائي وابن ماجة والحاكم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن العبد إذا أذنب ذنبا
نكتت في قلبه نكتة فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه وإن عاد زادت حتى تعلو قلبه وذلك الران
الذي ذكره الله في القران كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون وأخرج أحمد وابن خزيمة
عن ابن عباس قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود ياقوتة بيضاء من الجنة وكان أشد بياضا من
الثلج وإنما خطايا المشركين قال السيوطي فإذا أثرت الخطايا أثرت الخطايا في الحجر ففي جسد فاعلها
أولى فإما أن يقدر خرج من وجهه أثر خطيئة أو السواد الذي أحدثته وإما أن يقال إن الخطيئة
25

نفسها تتعلق بالبدن على أنها جسم لا عرض بناء على إثبات عالم المثال وأن كل ما هو في هذا العالم
عرض له صورة في عالم المثال ولهذا صح عرض الأعراض على آدم عليه السلام ثم الملائكة وقيل
لهم أنبئوني بأسماء هؤلاء وإلا فكيف يتصور عرض الأعراض لو لم يكن لها صورة تشخص بها
قال وقد حققت ذلك في تأليف مستقل وأشرت إليه في حاشيتي التي علقتها على تفسير البيضاوي
ومن شواهده في الخطايا ما أخرجه البيهقي في سننه عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول إن العبد إذا قام يصلي أتى بذنوبه فجعلت على رأسه وعاتقه فكلما اركع وسجد تساقطت
عنه وأخرج البزار والطبراني عن سلمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلم يصلي وخطاياه مرفوعة
على رأسه كلما سجد تحاتت عنه انتهى كلام السيوطي
قلت لا شك في أن الظاهر هو حمله على الحقيقة وأما إثبات عالم المثال فعندي فيه نظر
فتفكر
قوله (بطشتها) أي أخذتها (حتى يخرج نقيا من الذنوب) قال ابن الملك أي حتى يفرغ
المتوضئ من وضوئه طاهرا من الذنوب أي التي اكتسبها بهذه الأعضاء أو من جميع الذنوب من
الصغائر وقيل حتى يخرج المتوضئ إلى الصلاة طاهرا من الذنوب قال أبو الطيب السندي في
شرح الترمذي قوله حتى يخرج مترتب على تمام الوضوء لأن تقديره وهكذا باقي أعضاء الوضوء
كما يفيد رواية مسلم فإذا غسل رجليه الحديث وروايات غيره انتهى قلت الأمر كما قال
السندي فروى مالك والنسائي عن عبد الله الصنابحي مرفوعا إذا توضأ العبد المؤمن
فمضمض خرجت الخطايا من فيه وإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه وإذا غسل وجهه خرجت
الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى
تخرج من تحت أظفار يديه فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه فإذا
غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من أظفار رجليه ثم كان مشيه إلى المسجد
وصلاته نافلة له كذا في المشكاة قال الطيبي فإن قيل ذكر لكل عضو ما يخص به من الذنوب وما
يزيلها عن ذلك والوجه مشتمل على العين والأنف والأذن فلم خصت العين بالذكر أجيب بأن
العين طليعة القلب ورائده فإذا ذكرت أغنت عن سائرها انتهى قال ابن حجر المكي معترضا
على الطيبي كون العين طليعة كما ذكره لا ينتج الجواب عن تخصيص خطيئتها بالمغفرة كما هو جلي
26

بل الذي يتجه في الجواب عن ذلك أن سبب التخصيص هو أن كلا من الفم والأنف والأذن له
طهارة مخصوصة خارجة عن طهارة الوجه فكانت متكفلة بإخراج خطاياه بخلاف العين فإنه
ليس لها طهارة إلا في غسل الوجه فخصت خطيئتها بالخروج عند غسله دون غيرها مما ذكر ذكره
القاري في المرقاة ص 64 ج 2 انتهى قلت الأمر كما قال ابن حجر يدل عليه رواية مالك
والنسائي المذكورة قال ابن العربي في العارضة الخطايا المحكوم بمغفرتها هي الصغائر دون
الكبائر لقول النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس والجمعة كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر
فإذا كانت الصلاة مقرونة بالوضوء لا تكفر الكبائر فانفراد الوضوء بالتقصير عن ذلك أحرى
قال وهذا التكفير إنما هو للذنوب المتعلقة بحقوق الله سبحانه وأما المتعلقة بحقوق الآدميين
فإنما يقع النظر فيها بالمقاصة مع الحسنات والسيئات
قوله (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم في صحيحه وتقدم في المقدمة حد
الحسن والصحيح مفصلا
قوله (وأبو صالح والد سهيل هو أبو صالح السمان) بشدة الميم أي بائع السمن وكان يجلب
الزيت والسمن إلى الكوفة (واسمه ذكوان) المدني مولى جويرية الغطفانية شهد الدار وحصار
عثمان وسأل سعد بن أبي وقاص وسمع أبا هريرة وعائشة وعدة من الصحابة وعند ابنه سهيل
والأعمش وطائفة ذكره أحمد فقال ثقة من أجل الناس وأوثقهم قال الأعمش سمعت من أبي
صالح ألف حديث توفي سنة إحدى ومائة
قوله (وأبو هريرة اختلفوا في اسمه فقالوا عبد شمس وقالوا عبد الله بن عمرو وهكذا قال
محمد بن إسماعيل وهذا الأصح) قال الحافظ ابن حجر في التقريب أبو هريرة الدوسي الصحابي
الجليل حافظ الصحابة اختلف
في اسمه واسم أبيه قيل عبد الرحمن بن صخر وقيل ابن غنم إلى ذكر
تسعة عشر قولا ثم قال هذا الذي وقفنا عليه من الاختلاف واختلف في أيها أرجح فذهب الأكثرون إلى
الأول أي عبد الرحمن بن صخر وذهب جمع من النسابين إلى عمرو بن عامر انتهى وفي المرقاة شرح
المشكاة قال الحاكم أبو أحمد أصح شئ عندنا في اسم أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر وغلبت عليه
كنيته فهو كمن لا اسم له أسلم عام خيبر وشهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم
27

ثم لزمه وواظب عليه راغبا في العلم راضيا بشبع بطنه وكان يدور معه حيث ما دار وقال
البخاري روى عنه أكثر من ثمانمائة رجل فمنهم ابن عباس وابن عمرو وجابر وأنس قيل سبب
تلقيبه بذلك ما رواه ابن عبد البر عنه أنه قال كنت أحمل يوما هرة في كمي فرآني رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال ما هذه فقلت هرة فقال يا أبا هريرة انتهى ما في المرقاة وذكر الحافظ الذهبي في تذكرة
الحفاظ أنه قال كناني أبي بأبي هريرة لأني كنت أرعى غنما فوجدت أولاد هرة وحشية فلما
أبصرهن وسمع أصواتهن أخبرته فقال أنت أبو هر وكان اسمي عبد شمس انتهى
قلت روى الترمذي في هذا الكتاب في مناقب أبي هريرة بسند عن عبد الله بن أبي رافع
قال قلت لأبي هريرة لم كنيت أبا هريرة قال أما تفرق مني قلت بلى والله إني لأهابك قال كنت
أرعى غنم أهلي وكانت لي هريرة صغيرة فكنت أضعها بالليل في شجرة فإذا كان النهار ذهبت بها
معي فلعبت بها فكنوني أبا هريرة هذا حديث حسن غريب
فائدة اختلف في صرف أبي هريرة ومنعه قال القاري في المرقاة جر هريرة هو الأصل
وصوبه جماعة لأنه جزء علم واختار آخرون منع صرفه كما هو الشائع على ألسنة العلماء من
المحدثين وغيرهم لأن الكل صار كالكلمة الواحدة انتهى قلت وقد صرح غير واحد من أهل
العلم أن منعه من الصرف هو الجاري على ألسنة أهل الحديث فالراجح هو منعه من الصرف
وكان هو الجاري على ألسنة جميع شيوخنا غفر الله لهم وأدخلهم جنة الفردوس الأعلى ويؤيد منع
صرفه منع صرف ابن داية علما للغراب قال قيس بن ملوح المجنون
أقول وقد صاح ابن داية غدوة ببعد النوى لا أخطأتك الشبائك
قال القاضي البيضاوي في تفسيره المسمى بأنوار التنزيل في تفسير قوله تعالى شهر رمضان
الذي أنزل فيه القرآن رمضان مصدر رمض إذا احترق فأضيف إليه الشهر وجعل علما ومنع من
الصرف للعلمية والألف والنون كما منع داية في ابن داية علما للغراب للعلمية والتأنيث انتهى
فائدة قد تفوه بعض الفقهاء الحنفية بأن أبا هريرة لم يكن فقيها وقولهم هذا باطل مردود
عليهم وقد صرح أجلة العلماء الحنفية بأن رضي الله عنه كان فقيها قال صاحب السعاية
شرح شرح الوقاية وهو من العلماء الحنفية ردا على من قال منهم أن أبا هريرة كان غير فقيه ما لفظه
كون أبي هريرة غير فقيه غير صحيح بل الصحيح أنه من الفقهاء الذي كانوا يفتون في زمان
النبي صلى الله عليه وسلم كما صرح به ابن الهمام في تحرير الأصول وابن حجر في الإصابة في أحوال الصحابة
انتهى وفي بعض حواشي نور الأنوار أن أبا هريرة كان فقيها صرح به ابن الهمام في التحرير
28

كيف وهو لا يعمل بفتوى غيره وكان يفتي بزمن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وكان يعارض
أجلة الصحابة كابن عباس فإنه قال إن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها أبعد الأجلين فرده أبو
هريرة وأفتى بأن عدتها وضع الحمل كذا قيل انتهى
قلت كان أبو هريرة رضي الله عنه من فقهاء الصحابة ومن كبار أئمة الفتوى قال الحافظ
الذهبي في تذكرة الحفاظ أبو هريرة الدوسي اليماني الحافظ الفقيه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من
أوعية العلم ومن كبار أئمة الفتوى مع الجلالة والعبادة والتواضع انتهى وقال الحافظ ابن
القيم في إعلام الموقعين ثم قام بالفتوى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم برك الاسلام وعصابة الايمان وعسكر
القرآن وجند الرحمن أولئك أصحابه صلى الله عليه وسلم وكانوا بين مكثر منها ومقل ومتوسط وكان المكثرون منهم
سبعة عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعائشة أم المؤمنين وزيد بن
ثابت وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر والمتوسطون منهم فيما روى عنهم من الفتيا أبو بكر
الصديق وأم سلمة وأنس بن مالك وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة إلخ فلا شك في أن أبا
هريرة رضي الله عنه كان فقيها من فقهاء الصحابة ومن كبار أئمة الفتوى
فإن قيل قد قال إبراهيم النخعي أيضا إن أبا هريرة لم يكن فقيها والنخعي من فقهاء
التابعين
قلت قد نقم على إبراهيم النخعي لقوله إن أبا هريرة لم يكن فقيها قال الحافظ الذهبي
في الميزان في ترجمته وكان لا يحكم العربية ربما لحن ونقموا عليه قوله لم يكن أبو هريرة فقيها
انتهى
عبرة قال القاضي أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي في بحث حديث المصراة المروي
عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهما قال بعضهم هذا الحديث لا يقبل لأنه يرويه أبو هريرة
وابن عمر ولم يكونا فقيهين وإنما كانا صالحين فروايتهما إنما تقبل في المواعظ لا في الأحكام وهذه
جرأة على الله واستهزاء في الدين عند ذهاب حملته وفقد نصرته ومن أفقه من أبي هريرة وابن
عمر ومن أحفظ منهما خصوصا من أبي هريرة وقد بسط رداءه وجمعه النبي صلى الله عليه وسلم وضمه إلى صدره
فما نسي شيئا أبدا ونسأل الله المعافاة من مذهب لا يثبت إلا بالطعن على الصحابة رضي الله عنهم
ولقد كنت في
جامع المنصور من مدينة السلام في مجلس علي بن محمد الدامغاني قاضي القضاة
فأخبرني به بعض أصحابنا وقد جرى ذكر هذه المسألة أنه تكلم فيها بعضهم يوما وذكر هذا الطعن
في أبي هريرة فسقط من السقف حية عظيمة في وسط المسجد فأخذت في سمت المتكلم بالطعن
ونفر الناس وارتفعوا وأخذت الحية تحت السواري فلم يدر أين ذهبت فارعوى من بعد ذلك من
الترسل في هذا القدح انتهى
29

قوله (وفي الباب عن عثمان وثوبان والصنابحي وعمر وبن عبسة وسلمان وعبد الله بن
عمرو) أما حديث عثمان فأخرجه الشيخان بلفظ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضأ فأحسن
الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره وأما حديث ثوبان فأخرجه مالك
وأحمد وابن ماجة والدارمي وأما حديث الصنابحي فأخرجه مالك والنسائي وابن ماجة والحاكم
وقال صحيح على شرطهما ولا علة له والصنابحي صحابي مشهور كذا في الترغيب للمنذري وأما
حديث عمرو بن عبسة فأخرجه مسلم وأما حديث سلمان فأخرجه البيهقي في شعب الايمان
بلفظ إذا توضأ العبد تحاتت عنه ذنوبه كما تحات ورق هذه الشجرة وأما حديث عبد الله بن
عمرو فلم أقف عليه وفي الباب عن عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سوى المذكورين ذكر أحاديثهم
المنذري في الترغيب والهيثمي في مجمع الزوائد
قوله (والصنابحي هذا الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الطهور هو عبد الله الصنابحي) هذه
العبارة ليست في النسخ المطبوعة إنما هي في بعض النسخ القلمية الصحيحة وحديث عبد الله
الصنابحي هذا أخرجه مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا توضأ العبد المؤمن فمضمض خرجت خطاياه من فيه الحديث قال
الحافظ ابن عبد البر قد اختلف على عطاء فيه قال بعضهم عن عبد الله الصنابحي وقال بعضهم
عن أبي عبد الله الصنابحي وهو الصحيح كذا في المحلى وقال البخاري وهم مالك في قوله
عبد الله الصنابحي وإنما هو أبو عبد الله كذا في إسعاف المبطأ (والصنابحي الذي روى عن أبي
بكر الصديق ليس له سماع من النبي صلى الله عليه وسلم واسمه عبد الرحمن بن عسيلة ويكنى أبا عبد الله) قال الحافظ
في التقريب عبد الرحمن بن عسيلة بمهملة مصغرا المرادي أبو عبد الله الصنابحي
ثقة من كبار
التابعين قدم المدينة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أيام مات في خلافة عبد الملك انتهى (رحل إلى
النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق) روى البخاري في صحيحه عن أبي الخير عن الصنابحي أنه قال متى
هاجرت قال خرجنا من اليمن مهاجرين فقدمنا الجحفة فأقبل راكب فقلت له الخبر الخبر
30

فقال دفنا النبي صلى الله عليه وسلم منذ خمس قلت هل سمعت في ليلة القدر شيئا قال أخبرني بلال مؤذن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه في السبع في العشر الأواخر (والصنابح بن الأعسر الأحمسي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له
الصنابحي أيضا) قال الحافظ في التقريب الصنابح بضم أوله ثم نون وموحدة ومهملة ابن
الأعسر الأحمسي صحابي سكن الكوفة ومن قال فيه الصنابحي فقد وهم انتهى (وإنما حديثه
قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إني مكاثر بكم الأمم) قال في مجمع البحار كاثرته أي غلبته وكنت
أكثر منه يعني إني أباهي بأكثرية أمتي على الأمم السالفة فلا تقتتلن بعدي بصيغة النهي المؤكد
بنون التأكيد من الاقتتال قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي فإن قلت ما وجه تترتب قوله
لا تقتتلن بعدي على المكاثرة قلت وجهه أن الاقتتال موجب لقطع النسل إذا لا تناسل من
الأموات فيؤدي إلى قلة الأمة فينافي المطلوب فلذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه فإن قلت المقتول ميت
بأجله فلا وجه لقطع النسل بسبب الاقتتال قلت إما أن يقال إن الإقدام على الاقتتال مفض بقطع
النسل فالنسل باعتبار فعلهم الاختياري أو يقال يكون لهم أجلان أجل على تقدير الاقتتال وأجل
بدونه ويكون الثاني أطول من الأول وبالاقتتال يقصر الأجل فتقل الأمة وهذه يرد عليه أن عند
الله لا يكون إلا أجل واحد انتهى كلام أبي الطيب وحديث الصنابحي هذا أخرجه أحمد في
مسنده ص 153 ج 4 بألفاظ
تنبيه أعلم أنه يفهم من كلام الترمذي المذكور أمران أحدهما أن عبد الله الصنابحي
الذي روى في فضل الطهور صحابي والثاني أن عبد الله الصنابحي هذا غير الصنابحي الذي
اسمه عبد الرحمن بن عسيلة وكنيته أبو عبد الله لكنه ليس هذان الأمران متفقا عليهما بل في كل
منهما اختلاف قال الحافظ في التقريب عبد الله الصنابحي مختلف في وجوده فيقل صحابي
مدني وقيل هو أبو عبد الله الصنابحي عبد الرحمن بن عسيلة وقال ابن أبي حاتم في مراسيله
عبد الله الصنابحي هم ثلاثة فالذي يروي عنه عطاء بن يسار هو عبد الله الصنابحي ولم تصح
صحبته انتهى وقال السيوطي في إسعاف المبطأ عبد الله الصنابحي ويقال أبو عبد الله مختلف في
صحبته روي عن النبي صلى
الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعبادة بن الصامت وعنه عطاء بن يسار وقال
البخاري وهم مالك في قوله عبد الله الصنابحي وإنما هو أبو عبد الله واسمه عبد الرحمن بن
عسيلة ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وكذا قال غير واحد وقال يحيى بن معين عبد الله الصنابحي
يروي عنه المدنيون يشبه أن تكون له صحبة انتهى
قوله باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور بضم الطاء المهملة
31

قوله (حدثنا هناد وقتيبة) تقدم ترجمتهما (ومحمود بن غيلان) العدوي مولاهم
المروزي أبو أحمد أحد أئمة الأثر حدث عن سفيان بن عيينة والفضل بن موسى السيناني
والوليد بن مسلم وأبي عوانة ووكيع وخلق وعنه الجماعة سوى أبي داود قال أحمد بن حنبل
أعرف بالحديث صاحب سنة وقال النسائي ثقة كذا في تذكرة الحفاظ توفي سنة 239 تسع
وثلاثين ومائتين (قالوا نا وكيع) تقدم (عن سفيان) هو الثوري وهو سفيان بن سعيد بن مسروق
الثوري أبو عبد الله الكوفي ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة من رؤوس الطبقة السابعة وكان ربما
دلس مات سنة 161 إحدى وستين ومائة ومولده سنة 77 سبع وسبعين كذا في التقريب
والخلاصة قلت قال الحافظ في طبقات المدلسين وهم أي المدلسون على مراتب الأولى من لم
يوصف بذلك إلا نادرا كيحيى بين سعيد الأنصاري الثانية من احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا
له في الصحيح لإمامته وقلة تدليسه في جنب ما روي كالثوري أو كان لا يدلس إلا عن ثقة كابن
عيينة انتهى (وثنا بن بشار) لقبه بندار بضم الموحدة وسكون النون قال الذهبي في تذكرة
الحفاظ بندار الحافظ الكبير الإمام محمد بن عثمان العبدي البصري النساج كان عالما بحديث
البصرة متقنا مجودا لم يرحل برا بأمه ثم ارتحل بعدها سمع معتمر بن سليمان وغندرا ويحيى بن
سعيد وطبقتهم حدث عنه الجماعة وخلق كثير قال أبو حاتم صدوق وقال العجلي ثقة كثير
الحديث حائك قال ابن خزيمة في كتاب التوحيد له حدثنا إمام أهل زمانه في العلم والأخبار
محمد بن بشار قال الذهبي لا عبرة بقول من ضعفه توفي سنة 252 اثنتين وخمسين ومائتين
انتهى وقال رجى في الخلاصة قال النسائي لا بأس به وقال الذهبي انعقد الإجماع بعد
على الإحتجاج ببندار انتهى ما في الخلاصة (نا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي
مولاهم أبو سعيد البصري اللؤلؤي الحافظ العلم عن عمر بن ذر وعكرمة بن عمار وشعبة
والثوري ومالك وخلق وعنه ابن المبارك وابن وهب أكبر منه وأحمد وابن معين قال ابن
المديني أعلم الناس بالحديث ابن مهدي وقال أبو حاتم إمام ثقة أثبت من القطان وأتقن
من وكيع وقال أحمد إذا حدث ابن مهدي عن رجل فهو حجة وقال القواريري أملى علينا
ابن مهدي عشرين ألفا من حفظه قال ابن
سعد مات سنة 891 ثمان وتسعين ومائة بالبصرة
عن ثلاث وستين سنة وكان يحج كل سنة كذا في الخلاصة (عن عبد الله بن محمد بن عقيل)
بفتح العين ابن أبي طالب الهاشمي أبي محمد المدني عن أبيه وخاله محمد بن الحنفية وعنه
ابن عجلان والسفيانان وسيجئ كلام أئمة الحديث فيه (عن محمد بن الحنفية) هو محمد بن
32

علي ابن أبي طالب الهاشمي أبو محمد الإمام المعروف بابن الحنفية أمه خولة بنت جعفر الحنفية
نسب إليها روى عن أبيه وعثمان وغيرهما وعنه بنوه إبراهيم وعبد الله والحسن وعمرو ابن دينار
وخلق قال إبراهيم بن الجنيد لا نعلم أحدا أسند عن علي أكثر ولا أصح مما أسند محمد بن
الحنيفة مات سنة ثمانين كذا في الخلاصة وقال في التقريب ثقة عالم من الثانية مات بعد الثمانين
قوله مفتاح الصلاة الطهور بالضم ويفتح والمراد به المصدر وسمى النبي صلى الله عليه وسلم
الطهور مفتاحا مجاز لأن الحدث مانع من الصلاة فالحدث كالقفل موضوع على المحدث حتى إذا
توضأ انحل الغلق وهذه استعارة بديعة لا يقدر عليها إلا النبوة وكذلك مفتاح الجنة الصلاة لأن
أبواب الجنة مغلقة يفتحها الطاعات وركن الطاعات الصلاة قاله ابن العربي وتحريمها التكبير
قال المظهري سمى الدخول في الصلاة تحريما لأنه يحرم الأكل والشرب وغيرهما على المصلي فلا
يجوز الدخول في الصلاة إلا بالتكبير مقارنا به النية انتهى قال القاري وهو ركن عند الشافعي وشرط
عندنا ثم المراد بالتكبير المذكور في الحديث وفي قوله تعالى وربك فكبر هو التعظيم وهو
أعم من خصوص الله أكبر وغيره مما أفاده التعظيم والثابت ببعض الأخبار اللفظ المخصوص
فيجب العمل به حتى يكره لمن يحسنه تركه كما قلنا في القراءة مع الفاتحة وفي الركوع والسجود مع
التعديل كذا في الكافي قال ابن الهمام وهذا يفيد وجوبه ظاهرا وهو مقتضى المواظبة التي لم تقترن
بترك فينبغي أن يعول على هذا انتهى ما في المرقاة قال ابن العربي قوله تحريمها التكبير يقتضي أن
تكبيرة الإحرام جزء من أجزائها كالقيام والركوع والسجود خلافا لسعيد والزهري فإنهما يقولان
إن الإحرام يكون بالنية وقوله التكبير يقتضي اختصاص إحرام الصلاة بالتكبير دون غيره من
صفات تعظيم الله تعالى وجلاله وهو تخصيص لعموم قوله وذكر اسم ربه فصلى فخص
التكبير بالسنة من الذكر المطلق في القرآن لا سيما وقد اتصل في ذلك فعله بقوله فكان يكبر صلى الله عليه وسلم
ويقول الله أكبر وقال أبو حنيفة يجوز بكل لفظ فيه تعظيم الله تعالى لعموم القرآن وقد بينا أنه متعلق
ضعيف وقال الشافعي يجوز بقولك الله الأكبر وقال أبو يوسف يجوز بقولك الله الكبير أما الشافعي
فأشار إلى أن الألف واللام زيادة لم تخل باللفظ ولا بالمعنى وأما أبو يوسف فتعلق بأنه لم يخرج من
اللفظ الذي هو التكبير قلنا لأبي يوسف إن كان لم يخرج عن اللفظ الذي هو في الحديث فقد خرج
عن اللفظ الذي جاء به الفعل ففسر المطلق في القول وذلك لا يجوز في العبارات التي يتطرق إليها
التعليل وبهذا يرد على الشافعي أيضا فإن العبادات إنما تفعل على الرسم الوارد دون نظر إلى
شئ من المعنى قال قال علماؤنا قوله تحريمها التكبير يقتضي اختصاص
التكبير بالصلاة دون غيره
من اللفظ لأنه ذكره بالألف واللام الذي هو باب شأنه التعريف كالإضافة وحقيقة الألف واللام
33

إيجاب الحكم لما ذكر ونفيه عما لم يذكر وسلبه عنه وعبر عنه بعضهم بأنه الحصر قال وقوله تحليلها
التسليم مثله في حصر الخروج عن الصلاة على التسليم دون غيره من سائر الأفعال المناقضة
للصلاة خلافا لأبي حنيفة حيث يرى الخروج منها بكل فعل وقول يضاد كالحدث ونحوه حملا على
السلام وقياسا عليه وهذا يقتضي إبطال الحصر انتهى كلام ابن العربي ملخصا قال لحافظ ابن
القيم في إعلام الموقعين المثال الخامس عشر رد المحكم الصريح من تعيين التكبير للدخول في
الصلاة بقوله إذا أقيمت الصلاة فكبر وقوله تحريمها التكبير وقوله لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى
يضع الوضوء مواضعه ثم يستقبل القبلة ويقول الله أكبر وهي نصوص في غاية الصحة فردت
بالمتشابه من قوله تعالى وذكر اسم ربه فصلى انتهى وتحليلها التسليم التحليل جعل الشئ
المحرم حلال وسمى التسليم به لتحليل ما كان حراما على المصلي لخروجه عن الصلاة وهو
واجب قال ابن الملك إضافة التحريم والتحليل إلى الصلاة لملابسة بينهما وقال بعضهم أي
سبب كون الصلاة محرمة ما ليس منها التكبير ومحللة التسليم أي إنها صارت بهما كذلك فهما
مصدران مضافان إلى الفاعل كذا في المرقاة وقال الحافظ ابن الأثير في النهاية كأن
المصلي بالتكبير والدخول في الصلاة صار ممنوعا من الكلام والأفعال الخارجة عن كلام
الصلاة وأفعالها فقيل للتكبير تحريم لمنعه المصلي من ذلك ولهذا سميت تكبيرة الإحرام أي
الإحرام بالصلاة وقال قوله تحليلها التسليم أي صار المصلي بالتسليم يحل له ما حرم عليه
بالتكبير من الكلام والأفعال الخارجة عن كلام الصلاة وأفعالها كما يحل للمحرم بالحج عند
الفراغ منه ما كان حراما عليه انتهى قال الرافعي وقد روى محمد بن أسلم في مسنده هذا
الحديث بلفظ وإحرامها التكبير وإحلالها التسليم
قوله (هذا الحديث أصح شئ في هذا الباب وأحسن) هذا الحديث أخرجه أيضا
الشافعي وأحمد والبزار وأصحاب السنن إلا النسائي وصححه الحاكم وابن السكن من حديث
عبد الله بن محمد بن عقيلة عن ابن الحنفية عن علي قال البزار لا يعلم عن علي إلا من هذا
الوجه وقال أبو نعيم تفرد به ابن عقيل عن ابن الحنفية عن علي وقال العقيلي في إسناده لين وهو
أصلح من حديث جابر كذا
في التلخيص وقال الزيلعي في نصب الراية قال النووي في
الخلاصة هو حديث حسن انتهى (وعبد الله بن محمد بن عقيل هو صدوق وقد تكلم فيه بعض
34

أهل العلم من قبل حفظه) قال أبو حاتم وغيره لين الحديث وقال ابن خزيمة لا يحتج به وقال
ابن حبان ردئ الحفظ يجئ بالحديث على غير سننه فوجبت مجانبة أخباره وقال أبو أحمد الحاكم
ليس بالمتين عندهم وقال أبو زرعة يختلف عنه في الأسانيد وقال الفسوي في حديثه ضعف
وهو صدوق كذا في الميزان (وسمعت محمد ابن إسماعيل) يعني البخاري (يقول كان أحمد بن
حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل قال محمد وهو
مقارب الحديث) هذا من ألفاظ التعديل وتقدم تحقيقه في المقدمة قال الحافظ الذهبي في الميزان
في ترجمة عبد الله بن محمد ابن عقيل بعد ذكر أقوال الجارحين والمعدلين حديثه في مرتبة الحسن
انتهى فالراجح المعول عليه هو أن حديث علي المذكور حسن يصلح للاحتجاج وفي الباب
أحاديث أخرى كلها يشهد له
قوله (وفي الباب عن جابر وأبي سعيد) أما حديث جابر فأخرجه أحمد والبزار والترمذي
والطبراني من حديث سليمان بن قرم عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عنه وأبو يحيى القتات
ضعيف وقال ابن عدي أحاديثه عندي حسان وقال ابن العربي حديث جابر أصح شئ في
هذا الباب كذا قال وقد عكس ذلك العقيلي وهو أقعد منه بهذا الفن كذا في التلخيص وأما
حديث أبي سعيد فأخرجه الترمذي وابن ماجة وفي إسناده أبو سفيان طريف وهو ضعيف قال
الترمذي حديث علي أجود إسنادا من هذا كذا في التلخيص
قلت قد أخرج الترمذي حديث أبي سعيد في كتاب الصلاة في باب ما جاء في تحريم
الصلاة وتحليلها وقال بعد إخراجه حديث علي بن أبي طالب أجود إسنادا وأصح من
حديث أبي سعيد انتهى وفي الباب أيضا عن عبد الله بن زيد وابن عباس وغيرهما ذكر
أحاديثهم الترمذي ابن حجر في التلخيص والحافظ الزيلعي في نصب الراية
باب ما يقول إذا دخل الخلاء بفتح الخاء والمد أي موضع قضاء الحاجة سمى به لخلائه في
35

غير أوقات قضاء الحاجة وهو الكنيف والحش والمرفق والمرحاض أيضا وأصله المكان الخالي ثم
كثر استعماله حتى تجوز به عن ذلك قاله العيني
5 - قوله (حدثنا قتيبة وهناد قالا نا وكيع) تقدم تراجم هؤلاء (عن شعبة) بن الحجاج ابن
الورد العتكي مولاهم أبو بسطام الواسطي ثم البصري ثقة حافظ متقن كان الثوري يقول
هو أمير المؤمنين في الحديث وهو أول من فتش بالعراق عن الرجال وذب عن السنة وكان
عابدا كذا في التقريب وقال أحمد بن حنبل كان شعبة أمة وحده في هذا الشأن يعني في الرجال
وبصره بالحديث وقال الشافعي لولا شعبة لما عرف الحديث بالعراق ولد شعبة سنة 28 ثنتين
وثمانين ومات 061 ستين ومائة كذا في تذكرة الحفاظ (عبد العزيز بن صهيب) البناني
بنانة بن سعد بن لؤي بن غالب مولاهم البصري عن أنس وشهر وعنه شعبة والحمادان وثقه
أحمد قال ابن قانع مات سنة 031 ثلاثين ومائة (عن أنس بن مالك) بن النضر الأنصاري
الخزرجي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم خدمه عشر سنين صحابي مشهور مات سنة 29 039 اثنتين وقيل
ثلاث وتسعين وقد جاوز المائة
قوله (إذا دخل الخلاء) أي موضع قضاء الحاجة وفي الأدب المفرد للبخاري من طريق
سعيد بن زيد عن عبد العزيز عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدخل الخلاء وأفادت
هذه الرواية تبيين المراد من قوله إذا دخل الخلاء أي كان يقول هذا الذكر عند إرادة الدخول لا
بعده قال الحافظ في الفتح الكلام ههنا في مقامين
الأول هل يختص هذا الذكر بالأمكنة المعدة لذلك لكونها تحضرها الشياطين كما ورد في
حديث زيد بن أرقم في السنن أو يشمل حتى لو بال في إناء مثلا في جانب البيت الأصح الثاني
ما لم يشرع في قضاء الحاجة
المقام الثاني متى يقول ذلك فمن يكره ذكر الله في تلك الحالة يفصل أما في الأمكنة
المعدة لذلك فيقول قبيل دخولها وأما في غيرها فيقوله في أول الشروع كتشمير ثيابه مثلا وهذا
مذهب الجمهور وقالوا في من نسي يستعيذ بقلبه لا بلسانه ومن يجيز مطلقا لا يحتاج إلى
36

تفصيل انتهى كلام الحافظ
قلت القول الراجح المنصور هوما ذهب إليه الجمهور (قال اللهم إني أعوذ بك) أي ألوذ
والتجئ قال ابن الأثير عذت به عوذا ومعاذا أي لجأت إليه والمعاذ المصدر والمكان الزمان
(قال شعبة وقد قال) أي عبد العزيز (مرة أخرى أعوذ بالله) أي مكان اللهم إني أعوذ بك يعني
قال عبد العزيز مرة اللهم إني أعوذ بك وقال مرة أخرى أعوذ بالله قال العيني في عمدة القاري
وقد وقع في رواية وهب فليتعوذ بالله وهو يشمل كل ما يأتي به من أنواع الاستعاذة من قوله أعوذ
بك أستعيذ بك أعوذ بالله أستعيذ بالله اللهم إني أعوذ بك ونحو ذلك من أشباه ذلك انتهى
قلت والأولى أن يختار من أنواع الاستعاذة ما جاء في الحديث وقد ثبت زيادة بسم الله مع
التعوذ فروى العمري حديث الباب بلفظ إذا دخلتم الخلاء فقولوا بسم الله أعوذ بالله من الخبث
والخبائث قال الحافظ في الفتح إسناده على شرط مسلم (من الخبث والخبيث أو الخبث
والخبائث) قال الحافظ في فتح الباري وقع في رواية الترمذي وغيره أعوذ بالله من الخبث والخبيث
أو الخبث والخبائث هكذا على الشك الأول بالإسكان مع الإفراد والثاني بالتحريك مع الجمع
أي من الشئ المكروه ومن الشئ المذموم أو من ذكران الشياطين وإنائهم انتهى كلام الحافظ
قلت وجاء في رواية صحيح البخاري وعامة الروايات اللهم إني أعوذ بك من الخبث
والخبائث من غير شك قال الحافظ تحت هذه الرواية الخبث بضم المعجمة والموحدة كذا في
الرواية وقال الخطابي أنه لا يجوز غيره وتعقب بأنه يجوز إسكان الموحدة كما في نظائره مما جاء على
هذا الوجه ككتب وكتب قال النووي وقد صرح جماعة من أهل المعرفة بأن الباء هنا ساكنة
منهم أبو عبيدة إلا أن يقال إن ترك التخفيف أولى لئلا يشبه بالمصدر والخبث جمع خبيث
والخبائث جمع خبيثة يريد ذكر أن الشياطين وإناثهم قاله الخطابي وابن حبان وغيرهما ووقع في
نسخة ابن عساكر قال أبو عبد الله أي البخاري ويقال الخبث أي بإسكان الموحدة فإن كانت
مخففة عن المحركة فقد تقدم توجيهه وإن كانت بمعنى المفرد فمعناه كما قال ابن الأعرابي المكروه
قال فإن كان من الكلام فهو الشتم وإن كان من الملل فهو الكفر وإن كان من الطعام فهو
الحرام وإن كان من الشراب فهو الضار وعلى هذا فالمراد بالخبائث المعاصي أو مطلق الأفعال
المذمومة ليحصل التناسب ولهذا وقع في رواية الترمذي وغيره إلى آخر ما نقلت عباراته آنفا
قوله (وفي الباب عن علي وزيد بن أرقم وجابر وابن مسعود) أما حديث علي فأخرجه الترمذي
37

وابن ماجة وأما حديث زيد بن أرقم فأخرجه أبو داود ابن ماجة وأما حديث جابر فلم أقف
عليه وأما حديث ابن مسعود فأخرجه الإسماعيلي في معجمه قال العيني بإسناد جيد أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الغائط قال أعوذ بالله من الخبث والخبائث
قوله (وحديث أنس أصح شئ في هذا الباب وأحسن) وأخرجه الشيخان وغيرهما
قوله (وحديث زيد بن أرقم في إسناده اضطراب) يعني روى بعض رواته على وجه
وبعضهم على وجه آخر مخالف له (روى هشام الدستوائي إلخ) هذا بيان الاضطراب
والدستوائي منسوب إلى دستواء بفتح الدال كورة من الأهواز أو قرية كذا في المغني وتوضيح
الاضطراب على ما في غاية المقصود للعلامة أبي الطيب غفر الله له أن هشاما وسعيد بن أبي
عروبة وشعبة ومعمرا كلهم يروون عن قتادة على اختلاف بينهم
فروى سعيد عن قتادة عن القاسم بن عوف الشيباني عن زيد بن أرقم
وروى هشام عن قتادة عن زيد بن أرقم فبين قتادة وزيد بن أرقم واسطة القاسم في رواية
سعيد وليست هي في رواية هشام
وروى شعبة ومعمر عن قتادة عن النضر بن أنس ثم اختلف فروى شعبة عن قتادة عن
النضر بن أنس عن زيد بن أرقم وروى معمر عن قتادة عن النضر بن أنس عن أبيه
فالاضطراب في موضعين
الأول في شيخ قتادة ففي رواية سعيد أن قتادة يرويه عن القاسم عن زيد بن أرقم وفي
رواية هشام أنه يرويه عن زيد بن أرقم وفي رواية شعبة أنه يرويه عن النضر بن أنس عن زيد بن
أرقم
والثاني في شيخ النضر بن أنس ففي رواية شعبة أن النضر يرويه عن زيد بن أرقم وفي
رواية معمر أنه يرويه عن أبيه انتهى ما في غاية المقصود (قال أبو عيسى سألت محمدا) يعني
38

البخاري (عن هذا) أي عن هذا الاضطراب (فقال يحتمل أن يكون قتادة روى عنهما جميعا) قال
العلامة أبو الطيب في غاية المقصود أي يحتمل أن يكون قتادة سمع من القاسم والنضر بن أنس
كما صرح به البيهقي
وأخطأ من أرجع الضمير من محشى الترمذي إلى زيد بن أرقم والنضر بن أنس انتهى
قلت الأمر كما قال أبو الطيب إرجاع ضمير عنهما إلى القاسم والنضر بن أنس هو الحق
وأما إرجاعه إلى زيد بن أرقم والنضر بن أنس فخطأ قال العلامة العيني في عمدة القاري شرح
البخاري قال الترمذي حديث زيد بن أرقم في إسناده اضطراب وأشار إلى اختلاف الرواية فيه
وسأل الترمذي البخاري عنه فقال لعل قتادة سمعه من القاسم بن عوف الشيباني والنضر بن أنس
عن أنس ولم يقض فيه بشئ انتهى كلام العيني وروى أبو داود في سننه حديث زيد بن أرقم
هكذا حدثنا عمرو بن مرزوق أنا شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن زيد أرقم عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ قال السيوطي قوله أنا شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس إلخ قال البيهقي
في سننه هكذا رواه معمر عن قتادة وابن علية وأبو الجماهر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة
ورواه يزيد بن زريع وجماعة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن القاسم بن عوف الشيباني عن
زيد ابن أرقم قال أبو عيسى قلت لمحمد يعني البخاري أي الروايات عندكم أصح فقال لعل
قتادة سمع منهما جميعا عن زيد بن أرقم ولم يقض في هذا بشئ وقال البيهقي وقيل عن معمر
عن قتادة عن النضر بن أنس عن أنس وهو وهم انتهى فثبت من هذا كله أن إرجاع ضمير
عنهما إلى القاسم والنضر بن أنس هو الحق والصواب
تنبيه قول البخاري المذكور في كلام العيني لعل قتادة سمعه من القاسم بن عوف
الشيباني والنضر بن أنس عن أنس مخالف لقوله المذكور في كلام البيهقي بلفظ لعل قتادة سمع
منهما جميعا عن زيد بن أرقم والظاهر عندي أن لفظ عن أنس المذكور في كلام العيني سهو من
الناسخ فتأمل
فإن قلت لا يندفع الاضطراب من كل وجه بقول البخاري فيحتمل أن يكون قتادة روى
عنهما جميعا
قلت نعم إلا أن يقال إن قتادة روى عنهما عن زيد بن أرقم وروى عن زيد ابن أرقم من
39

غير واسطة وأما رواية معمر عن قتادة عن النضر بن أنس عن أبيه فوهم كما صرح به البيهقي
والله تعالى أعلم
6 - قوله (حدثنا أحمد بن عبدة الضبي) أبو عبد الله البصري عن حماد بن زيد وأبي عوانة
وعبد الواحد بن زياد وخلق وعنه مسلم وأصحاب السنن الأربعة وثقة أبو حاتم والنسائي
مات سنة 542 خمس وأربعين ومائتين كذا في الخلاصة وقال الذهبي في الميزان وقال ابن خراش
تكلم الناس فيه فلم يصدق ابن خراش في قوله هذا فالرجل حجة انتهى (نا حماد بن زيد) بن
درهم الأزدي أبو إسماعيل الأزرق البصري الحافظ مولى جرير بن حازم وأحد الأعلام عن
أنس بن سيرين وثابت وعاصم بن بهدلة وابن واسع وأيوب وخلق كثير وعنه الثوري وابن
مهدي وابن المديني وخلائق قال ابن مهدي ما رأيت أحفظ منه ولا أعلم بالسنة ولا أفقه بالبصرة
منه توفي سنة 791 سبع وتسعين ومائة عن إحدى وثمانين سنة كذا في الخلاصة وقال في
التقريب ثقة ثبت فقيه
قوله (قال اللهم) معناه يا الله (إني أعوذ بك) قال ابن العربي ألجأ وألوذ والعوذ بإسكان
العين والعياذ والمعاذ والملجأ ما سكنت إليه تقية عن محذور قال كان النبي صلى الله عليه وسلم معصوما من
الشيطان حتى من الموكل به بشرط استعاذته منه ومع ذلك فقد كان اللعين يعرض له
ليلة الإسراء فدفعه بالاستعاذة وعرض له في الصلاة فشد وثاقه ثم أطلقه وكان يخص الاستعاذة
في هذا الموضع بوجهين
أحدهما إنه خلاء وللشيطان بعادة الله قدرة تسلط في الخلاء ليس له في الملاء قال صلى الله عليه وسلم
الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب
الثاني إنه موضع قذر ينزه ذكر الله عن الجريان فيه على اللسان فيغتنم الشيطان عند ذكر
الله فإن ذكره يطرده فلجأ إلى الاستعاذة قبل ذلك ليعقدها عصمة بينه وبين الشيطان حتى يخرج
وليعلم أمته انتهى كلامه وقال الحافظ في الفتح كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ إظهار للعبودية ويجهر بها
للتعليم انتهى (من الخبث) بضم الخاء المعجمة والموحدة جميع خبيث أي ذكران الشياطين
(والخبائث) جمع خبيثة أي إناث الشياطين
40

قوله (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله باب ما يقول إذا خرج من الخلاء
7 - قوله (حدثنا محمد بن حميد بن إسماعيل) كذا في النسخ المطبوعة في الهند وإني لم أجد
في كتب الرجال رجلا اسمه محمد بن حميد بن إسماعيل من شيوخ الترمذي وفي النسخة المصرية
حدثنا محمد بن إسماعيل ثنا حميد قال حدثنا مالك بن إسماعيل إلخ وإني لم أجد في كتب الرجال
رجلا اسمه حميد وهو من تلامذة مالك بن إسماعيل ومن شيوخ محمد بن إسماعيل فتفكر وتأمل
وقال بعضهم لعل لفظ حميد ههنا زائد في كلتا النسختين والصحيح هكذا حدثنا محمد بن
إسماعيل قال حدثنا مالك بن إسماعيل ويدل على ذلك ما قال في الذر الغالي شرح إرشاد المتجلي
بعد ما ذكر رواية أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الغائط قال غفرانك قال عقب ذلك وكذا
رواه البخاري في الأدب المفرد وعنه رواه الترمذي عن عائشة وأورد رواية عائشة هذه بهذا المتن
والسند وقال في ابتداء السند حدثنا مالك بن إسماعيل فظهر من هذا ومن النسخة المصرية أن
الترمذي روى هذا الحديث عن محمد بن إسماعيل أعني البخاري دون محمد بن حميد انتهى كلامه
بلفظه (نا مالك بن إسماعيل) ابن درهم النهدي مولاهم أبو غسان الكوفي الحافظ روى عن
إسرائيل وأسباط بن النصر والحسن بن صالح وخلق وعنه البخاري والباقون بواسطة قال ابن
معين ليس بالكوفة أتقن منه وقال يعقوب بن شيبة ثقة صحيح الحديث من العابدين مات سنة
219 تسع عشرة ومائتين كذا في الخلاصة وقال في التقريب ثقة متقن صحيح الكتاب عابد من
صغار التاسعة انتهى
(عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني الكوفي ثقة تكلم فيه بلا
حجة قال أحمد ثقة ثبت وقال أبو حاتم صدوق من أتقن أصحاب أبي إسحاق ولد سنة 100
مائة ومات سنة 261 اثنتين وستين ومائة
41

(عن يوسف بن أبي بردة) بن أبي موسى الأشعري الكوفي روى عن أبيه وعنه إسرائيل
وسعيد بن مسروق وثقة ابن حيان كذا في الخلاصة وقال الحافظ مقبول (عن أبيه) أي أبي
بردة بن أبي موسى الأشعري قيل اسمه عامر وقيل الحارث ثقة من الثالثة قال في الخلاصة أبو
بردة بن أبي موسى الأشعري الفقيه قاضي الكوفة اسمه الحارث أو عامر عن علي والزبير وحذيفة
وطائفة وعنه بنوه عبد الله ويوسف وسعيد وبلال وخلق وثقة غير واحد توفي 301 ثلاث
ومائة
قوله (إذا خرج من الخلاء قال غفرانك) إما مفعول به منصوب بفعل مقدر أي أسألك
غفرانك أو أطلب أو مفعول مطلق أي اغفر غفرانك وقد ذكر في تعقيبه صلى الله عليه وسلم الخروج
بهذا الدعاء وجهان
أحدهما أنه استغفر من الحالة التي اقتضت هجران ذكر الله تعالى فإنه يذكر الله تعالى في
سائر حالاته إلا عند الحاجة
وثانيهما أن القوة البشرية قاصرة عن الوفاء بشكر ما أنعم الله عليه من تسويغ الطعام
والشراب وترتيب الغذاء على الوجه المناسب لمصلحة البدن إلى أوان الخروج فلجأ إلى الاستغفار
اعترافا بالقصور عن بلوغ حق تلك النعم كذا في المرقاة
قلت الوجه الثاني هو المناسب لحديث أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال
الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني رواه ابن ماجة قال القاضي أبو بكر بن العربي سأل
المغفرة من تركه ذكر الله في تلك الحالة ثم قال فإن قيل إنما تركه بأمر ربه فكيف يسأل المغفرة عن
فعل كان يأمر الله والجواب أن الترك وإن كان بأمر الله إلا أنه من قبل نفسه وهو الاحتياج إلى
الخلاء انتهى
فإن قيل قد غفر له صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر فما معنى سؤاله المغفرة يقال كان النبي
صلى الله عليه وسلم يطلب المغفرة من ربه قبل أن يعلمه أنه قد غفر له وكان يسألها بعد ذلك لأنه غفر له بشرط
استغفاره ورفع إلى شرف المنزلة بشرط أن يجتهد في الأعمال الصالحة والكل له حاصل بفضل الله
تعالى قاله ابن العربي
قوله (هذا حديث غريب حسن) قال القاضي الشوكاني في نيل الأوطار هذا الحديث
42

أخرجه الخمسة إلا النسائي وصححه الحاكم وأبو حاتم قال في البدر المنير ورواه الدارمي
وصححه ابن خزيمة وابن حبان انتهى (ولا يعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة) قال النووي
في شرح المهذب وهو حديث حسن صحيح وجاء في الذي يقال عقب الخروج من الخلاء
أحاديث كثيرة ليس فيها شئ ثابت إلا حديث عائشة المذكور قال وهذا مراد الترمذي بقوله
ولا يعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة كذا في قوت المغتذي وقال العيني في شرح البخاري
بعد ذكر حديث عائشة المذكور أخرجه ابن حبان وابن خزيمة وابن الجارود والحاكم في
صحيحهم وقال أبو حاتم الرازي هو أصح شئ في هذا الباب فإن قلت لما أخرجه الترمذي
وأبو علي الطرطوسي قالا هذا حديث غريب حسن لا يعرف إلا من حديث إسرائيل عن
يوسف بن أبي بردة ولا يعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة قلت قوله غريب مردود بما
ذكرنا من تصحيحه ويمكن أن تكون الغرابة بالنسبة إلى الراوي لا إلى الحديث إذ الغرابة والحسن
في المتن لا يجتمعان فإن قلت غرابة السند بتفرد إسرائيل غرابة المتن لكونه لا يعرف غيره
قلت إسرائيل متفق على إخراج حديثه عند الشيخين والثقة إذا انفرد بحديث ولم يتابع عليه لا
ينقص عن درجة الحسن وإن لم يرتق إلى درجة الصحة وقولهما لا يعرف في هذا الباب إلا
حديث عائشة ليس كذلك فإن فيه أحاديث وإن كانت ضعيفة
منها حديث أنس رضي الله عنه رواه ابن ماجة قال كان صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال
الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني
ومنها حديث أبي ذر مثله وأخرجه النسائي
ومنها حديث ابن عباس أخرجه الدارقطني مرفوعا الحمد لله الذي أخرج عني ما يؤذيني
وأمسك علي ما ينفعني
ومنها حديث سهل بن خيثمة نحوه وذكره ابن الجوزي في العلل
ومنها حديث ابن عمر رضي الله عنه مرفوعا أخرجه الدارقطني الحمد لله الذي أذاقني
لذته وأبقى على قوته وأذهب عني أذاه انتهى كلام العيني
قلت المراد بقول الترمذي غريب من جهة السند فإنه قال لا نعرفه إلا من حديث
إسرائيل ولا منافاة بين أن يكون الحديث غريبا من جهة السند وبين أن يكون حسنا أو صحيحا
كما تقرر في مقره فقول العلامة العيني قوله غريب مردود بما ذكرنا من تصحيحه مردود عليه وأما
قول الترمذي لا يعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة فقد عرفت ما هو المراد منه
43

باب في النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول
8 - قوله (حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي) ابن حسان المكي القرشي روى عن
ابن عيينة والحسين بن زيد العلوي وعنه الترمذي والنسائي ووثقه مات سنة 942 تسع
وأربعين ومائتين
(أنا سفيان بن عيينة) بن أبي عمران ميمون الهلالي أبو محمد الكوفي ثم المكي ثقة حافظ
فقيه إمام حجة إلا أنه تغير حفظه بآخر وكان ربما دلس لكن عن الثقات من رؤوس الطبقة
الثامنة وكان أثبت الناس في عمرو بن دينار (عن الزهري) يأتي اسمه وترجمته في هذا الباب (عن
عطاء بن يزيد الليثي) المدني نزيل الشام ثقة من الثالثة (عن أبي أيوب الأنصاري) يأتي اسمه
وترجمته
قوله (إذا أتيتم الغائط) أي في موضع قضاء الحاجة والغائط في الأصل المطمئن من
الأرض ثم صار يطلق على كل مكان أعد لقضاء الحاجة وعلى النجو نفسه أي الخارج من
الدبر قال الخطابي أصله المطمئن من الأرض كانوا يأتونه للحاجة فكنوا به عن نفس الحدث كراهة
لذكره بخاص اسمه ومن عادة العرب التعفف في ألفاظها واستعمال الكناية في كلامها وصون
الألسنة عما تصان الأبصار والأسماع عنه (فلا تستقبلوا القبلة) أي جهة الكعبة (بغائط ولا بول)
الباء متعلقة بمحذوف وهو حال من ضمير لا تستقبلوا أي لا تستقبلوا القبلة حال كونكم مقترنين
بغائط أو بول قال السيوطي قال أهل اللغة أصل الغائط المكان المطمئن كانوا يأتونه للحاجة
فكنوا به عن نفس الحدث كراهة لاسمه قال وقد اجتمع الأمران في الحديث فالمراد بالغائط في
أوله المكان وفي آخره الخارج قال ابن العربي غلب هذا الاسم على الحاجة حتى صار فيها أعرف
منه في مكانها وهو أحد قسمي المجاز انتهى
كلام السيوطي (ولكن شرقوا أو غربوا) أي توجهوا
إلى جهة المشرق أو المغرب هذا خطاب لأهل المدينة ومن قبلته على ذلك السمت ممن هو في جهة
الشمال والجنوب فأما من قبلته الغرب أو الشرق فإنه ينحرف إلى الجنوب أو الشمال كذا في
المجمع وشرح السنة (فوجدنا مراحيض) بفتح الميم وبالحاء المهملة والضاد المعجمة جمع مرحاض
44

بكسر الميم وهو البيت المتخذ لقضاء حاجة الإنسان أي التغوط قاله النووي وقال ابن العربي
المراحيض واحدها مرحاض مفعال من رحض إذا غسل يقال ثوب رحيض أي غسيل والرحضاء
عرق الحمى والرحضة إناء يتوضأ به انتهى
(فننحرف عنها) أي عن جهة القبلة قاله القسطلاني (ونستغفر الله) قال ابن العربي يحتمل
ثلاثة وجوه الأول أن يستغفر الله من الاستقبال الثاني أن يستغفر الله من ذنوبه فالذنب يذكر
بالذنب الثالث أن نستغفر الله لمن بناها فإن الاستغفار للمذنبين سنة وقال ابن دقيق العيد
قوله ونستغفر الله قيل يراد به لباني الكنيف على هذه الصورة الممنوعة عنده وإنما حملهم على هذا
التأويل أنه إذا انحرف عنها لم يفعل ممنوعا فلا يحتاج إلى الاستغفار والأقرب أنه استغفار لنفسه
ولعل ذلك لأنه استقبل واستدبر بسبب موافقته لمقتضى النهي غلطا أو سهوا فيتذكر فينحرف
ويستغفر الله فإن قلت فالغالط والساهي لم يفعلا إثما فلا حاجة به إلى الاستغفار قلت أهل
الورع والمناصب العلية في التقوى قد يفعلون مثل هذا بناء على نسبتهم التقصير إلى أنفسهم في
عدم التحفظ ابتداء انتهى كلام ابن دقيق العيد
قال صاحب بذل المجهود يعني كنا نجلس مستقبلي القبلة نسيانا على وفق بناء المراحيض
ثم ننتبه على تلك الهيئة المكروهة فننحرف عنها ونستغفر الله تعالى عنها وتأويل الاستغفار لباني
الكنف بعيد غاية البعد قال وكان بناؤها من الكفار وبعيد غاية البعد أن يكون بناؤها من
المسلمين مستقبلي القبلة انتهى
قلت يمكن أن يكون بناؤها من بعض المسلمين الذين كان مذهبهم جواز استقبال القبلة
واستدبارها في الكنف والمراحيض كما هو مذهب الجمهور فليس فيه بعد غاية البعد والله تعالى
أعلم ثم القول بأن المراد كنا نجلس مستقبلي القبلة نسيانا إلخ فيه أن النسيان يكون مرة أو
مرتين ولفظ كنا ننحرف كما في رواية على الاستمرار والتكرار فتفكر
قوله (وفي الباب عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي) صحابي شهد فتح مصر
واختط بها دارا مات سنة 68 ست وثمانين بمصر وهو آخر من مات بها من الصحابة (ومعقل بن
أبي الهيثم ويقال معقل بن أبي معقل) ويقال أيضا معقل بن أم معقل وكله واحد يعد في أهل
المدينة روى عنه أبو سلمة وأبو زيد
مولاه وأم معقل توفي في أيام معاوية رضي الله عنه قاله ابن
الأثير وقال الحافظ له ولأبيه صحبة (وأبي أمامة وأبي هريرة رضي الله عنه وسهل بن حنيف) أما
45

حديث عبد الله بن الحارث فأخرجه ابن ماجة وابن حبان قاله الحافظ وأما حديث معقل فأخرجه
أبو داود وابن ماجة وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم في
صحيحه مرفوعا بلفظ إذا جلس أحدكم على حاجة فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها وأخرجه
أيضا ابن ماجة والدارمي وأما حديث سهل ابن حنيف فأخرجه الدارمي
قوله (حديث أبي أيوب أحسن شئ في هذا الباب وأصح) وأخرجه الشيخان
قوله (وأبو أيوب اسمه خالد بن زيد) قال الحافظ في التقريب خالد بن زيد ابن كليب
الأنصاري أبو أيوب من كبار الصحابة شهد بدرا ونزل النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة عليه مات
غازيا بالروم سنة 05 خمسين وقيل بعدها انتهى
(والزهري اسمه محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري وكنيته أبو بكر) هو
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب
القرشي الزهري متفق على جلالته وإتقانه وهو من رؤوس الطبقة الرابعة كذا في التقريب
وقال في الخلاصة هو أحد الأئمة الأعلام وعالم الحجاز والشام قال الليث ما رأيت عالما قط أجمع
من ابن شهاب وقال مالك كان ابن شهاب من أسخى الناس وتقيا ما له في الناس نظير مات
سنة 421 أربع وعشرين ومائة انتهى
قوله (قال أبو الوليد المكي) هو موسى بن أبي الجارود المكي أبو الوليد صاحب الشافعي
عن ابن عيينة والبوطي وجماعة وعنه الترمذي وثقة ابن حبان كذا في الخلاصة (قال أبو عبد الله
الشافعي) هو الإمام الشافعي أحد الأئمة المشهورين اسمه محمد ابن إدريس وتقدم ترجمته في
المقدمة (إنما هذا في الفيافي) على وزن الصحارى ومعناه واحدها الفيفاء بمعنى الصحراء (فأما في
الكنف المبنية) جمع كنيف أي البيوت المتخذة لقضاء الحاجة (له رخصة في أن يستقبلها) جزاء أما
أي فجائز له أن يستقبل القبلة فيها (وهكذا قال إسحاق) هو إسحاق بن راهويه ثقة حافظ مجتهد
46

قرين الإمام أحمد بن حنبل تقدم ترجمته في المقدمة فمذهب الشافعي وإسحاق أن استقبال القبلة
واستدبارها بالغائط والبول حرام في الصحراء وجائز في البنيان ففرقا بين الصحراء والبنيان قال
الحافظ في الفتح وبالتفريق بين البنيان والصحراء مطلقا قال الجمهور وهو مذهب مالك
والشافعي وإسحاق وهو أعدل الأقوال لإعماله جميع الأدلة انتهى (وقال أحمد بن حنبل) هو الإمام
أحمد بن محمد بن حنبل أحد الأئمة الأربعة المشهورين تقدم ترجمته في المقدمة (إنما الرخصة
إلخ) حاصل قوله أنه لا يجوز الاستقبال في الصحراء ولا في البنيان ويجوز الاستدبار فيهما وعن
الإمام أحمد في هذا روايتان إحداهما هذه التي ذكرها الترمذي والرواية الثانية عنه كقوله الشافعي
وإسحاق المذكور وعنه رواية ثالثة كما ستعرف
اعلم أن الترمذي ذكر في هذا الباب قولين قول الشافعي وقول أحمد بن حنبل وههنا أربعة
أقوال فلنا أن نذكرها مع بيان ما لها وما عليها قال النووي في شرح مسلم قد اختلف العلماء في
النهي عن استقبال القبلة بالبول والغائط على مذاهب
الأول مذهب مالك والشافعي أنه يحرم استقبال القبلة في الصحراء بالبول والغائط ولا
يحرم ذلك بالبنيان وهذا مروي عن العباس بن عبد المطلب وعبد الله بن عمر والشعبي
وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين
والمذهب الثاني أنه لا يجوز ذلك لا في الصحراء ولا في البنيان وهو قول أبي أيوب
الأنصاري الصحابي ومجاهد وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأبي ثور وأحمد في رواية
والمذهب الثالث جواز ذلك في الصحراء والبنيان جميعا وهو مذهب عروة بن الزبير
وربيعة شيخ مالك وداود الظاهري
والمذهب الرابع لا يجوز له الاستقبال في الصحراء ولا في البنيان ويجوز الاستدبار فيهما
وهي إحدى الروايتين عن أبي حنيفة وأحمد
واحتج المانعون مطلقا بالأحاديث الصحيحة الواردة في النهي مطلقا كحديث سلمان وأبي
أيوب وأبي هريرة وغيرهم
واحتج من أباح مطلقا بحديث ابن عمر المذكور في الكتاب يعني في صحيح مسلم أنه
47

رأى النبي صلى الله عليه وسلم مستقبلا بيت القدس مستدبرا القبلة وبحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن ناسا
يكرهون استقبال القبلة بفروجهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم أوقد فعلوها حولوا مقعدي إلى القبلة رواه
أحمد وابن ماجة وإسناده حسن
واحتج من أباح الاستدبار دون الاستقبال بحديث سلمان يعني الذي رواه مسلم بلفظ
لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول أو أن نستنجي باليمين الحديث
واحتج من حرم الاستقبال والاستدبار في الصحراء وأباحهما في البنيان بحديث من عمر
وبحديث عائشة المذكورين وبحديث جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول فرأيته
قبل أن يقبض بعام يستقبلها رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وإسناده حسن وبحديث مروان
الأصغر قال رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة ثم جلس يبول إليها فقلت يا أبا عبد
الرحمن أليس قد نهى عن ذلك فقال بلى إنما نهى عن ذلك في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة
شئ يسترك فلا بأس رواه أبو داود وغيره فهذه أحاديث صحيحة صريحة بالجواز بين البنيان
وحديث أبي أيوب وسلمان وأبي هريرة وغيرهم وردت بالنهي فتحمل على الصحراء ليجمع بين
الأحاديث ولا خلاف بين العلماء أنه إذا أمكن الجمع بين الأحاديث لا يصار إلى ترك بعضها بل
يجب الجمع بينها والعمل بجميعها وقد أمكن الجمع على ما ذكرناه فوجب المصبر إليه انتهى
كلام النووي بتلخيص
قلت رجح النووي مذهب مالك والشافعي وغيرهما ورجحه أيضا الحافظ ابن حجر
حيث قال هو أعدل الأقوال لإعماله جميع الأدلة
وعندي أولى الأقوال وأقواها دليلا هو قول من قال إنه لا يجوز ذلك مطلقا لا في البنيان ولا
في الصحراء فإن القانون الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب لأمته هو قوله لا تستقبلوا
القبلة ولا تستدبروها وهو بإطلاقه شامل للبنيان والصحراء ولم يغيره صلى الله عليه وسلم في حق أمته لا مطلقا
ولا من وجه
فأما حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن ناسا يكرهون استقبال القبلة بفروجهم إلخ الذي
ذكره النووي وقال إسناده حسن فهو حديث ضعيف منكر لا يصلح للاحتجاج قال الحافظ
الذهبي في الميزان خالد بن أبي الصلت عن عراك بن مالك عن عائشة
حولوا مقعدتي نحو القبلة أو
قد فعلوها لا يكاد يعرف تفرد عنه خالد الحذاء وهذا حديث منكر فتارة رواه الحذاء عن
عراك وتارة يقول عن رجل عن عراك وقد روى عن خالد بن أبي الصلت سفيان بن حصين
ومبارك بن فضالة وغيرهما وذكره ابن حبان في الثقات وما علمت أحدا يعرض إلى لينه لكن
48

الخبر منكر انتهى وقال البخاري خالد بن أبي الصلت عن عراك مرسل كذا في التهذيب
وقال ابن حزم في المحلى إنه ساقط لأن راويه خالد الحذاء وهو ثقة عن خالد ابن أبي الصلت وهو مجهول لا
ندري من هو وأخطأ فيه عبد الرزاق فرواه عن خالد الحذاء عن كثير بن الصلت وهذا أبطل
وأبطل لأن خالدا الحذاء لم يدرك كثير بن الصلت انتهى
ولو صح هذا الحديث لما كانت فيه حجة على تغيير ذلك القانون ونسخة لأن نصه صلى الله عليه وسلم يبين
أنه إنما كان قبل النهي لأن من الباطل المحال أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاهم عن استقبال القبلة
بالبول والغائط ثم ينكر عليهم طاعته في ذلك وهذا مالا يظنه مسلم ولا ذو عقل وفي هذا
الخبر إنكار ذلك عليهم فلو صح لكان منسوخا بلا شك
وأما حديث جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام
يستقبلها
فهو أيضا ليس بدليل على نسخ ذلك القانون قال الحافظ ابن حجر في التلخيص في
الإحتجاج به نظر لأنها حكاية فعل لا عموم لها فيحتمل أن يكون لعذر ويحتمل أن يكون في
بنيان ونحوه انتهى وقال القاضي الشوكاني في النيل إن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض القول الخاص بنا
كما تقرر في الأصول انتهى
وأما حديث ابن عمر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم مستقبلا بيت المقدس مستدبرا القبلة
فهو أيضا لا يدل على نسخ ذلك القانون لما مر في حديث جابر آنفا
وأما حديث مروان الأصغر فهو أيضا لا يدل على نسخ ذلك القانون لأن قول ابن عمر فيه
إنما نهى عن ذلك في الفضاء يحتمل أنه قد علم ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحتمل أنه قال ذلك
استنادا إلى الفعل الذي شاهده ورواه فكأنه لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة مستدبرا القبلة فهم
اختصاص النهي بالبنيان فلا يكون هذا الفهم حجة فإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال
فالحاصل أن أولى الأقوال وأقواها عندي والله أعلم هو قول من قال إنه لا يجوز
الاستقبال والاستدبار مطلقا قال القاضي الشوكاني في النيل الإنصاف الحكم بالمنع مطلقا
والجزم بالتحريم حتى ينتهض دليل يصلح للنسخ أو التخصيص أو المعارضة ولم نقف على شئ
من ذلك انتهى وقال ابن العربي في شرح الترمذي والمختار
والله الموفق أنه لا يجوز
الاستقبال ولا الاستدبار في الصحراء ولا في البنيان لأنا إن نظرنا إلى المعاني فقد بينا أن الحرمة
للقبلة ولا يختلف في البادية ولا في الصحراء وإن نظرنا إلى الآثار فإن حديث أبي أيوب عام في كل
49

موضع معلل بحرمة القبلة وحديث ابن عمر لا يعارضه ولا حديث جابر لأربعة أوجه
أحدهما أنه قول وهذان فعلان ولا معارضة بين القول والفعل
الثاني أن الفعل لا صيغة له وإنما هو حكاية حال وحكايات الأحوال معرضة للأعذار
والأسباب والأقوال لا محتمل فيها من ذلك
الثالث أن القول شرع مبتدأ وفعله عادة والشرع مقدم على العادة
الرابع أن هذا الفعل لو كان شرعا لما تستر به انتهى وقد قال ابن العربي قبل هذا
اختلف في تعليل المنع في الصحراء فقيل ذلك لحرمة المصلين وقيل ذلك لحرمة القبلة ولكن
جاز في الحواضر للضرورة والتعليل بحرمة القبلة أولى لخمسة أوجه
أحدها أن الوجه الأول قاله الشعبي فلا يلزم الرجوع إليه
الثاني أنه إخبار عن مغيب فلا يثبت إلا عن الشارع
الثالث أنه لو كان لحرمة المصلين لما جاز التغريب والتشريق أيضا لأن العورة لا تخفي
معه أيضا عن المصلين وهذا يعرف باختبار المعاينة
الرابع أن النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم إنما علل بحرمة القبلة فروي أنه قال من جلس لبول قبالة القبلة
فذكر فانحرف عنها إجلالا لها لم يقم من مجلسه حتى يغفر له أخرجه البزار
الخامس أن ظاهر الأحاديث يقتضي أن الحرمة إنما هي للقبلة لقوله لا تستقبلوا القبلة
فذكرها بلفظها فأضاف الاحترام لها انتهى
قلت الظاهر أن الحرمة إنما هي للقبلة والله تعالى أعلم ولو صح حديث البزار الذي
ذكره ابن العربي لكان قاطعا في ذلك لكن لم نقف على سنده فالله أعلم بحال إسناده
باب ما جاء من الرخصة في ذلك أي في استقبال القبلة بغائط أو بول
9 - قوله (حدثنا محمد بن بشار) هو بندار الحافظ ثقة (ومحمد بن المثنى) بن عبيد العنزي
أبي موسى البصري المعروف بالزمن مشهور بكنيته وباسمه ثقة ثبت من العاشرة وكان هو
وبندار فرسي رهان وماتا في سنة واحدة كذا في التقريب روى عن معتمر وابن عيينة وغندر
50

وخلق وعنه الأئمة الستة وخلق قال محمد بن يحيى حجة مات سنة 252 اثنتين وخمسين
ومائتين كذا في الخلاصة (قالا نا وهب بن جرير) بن حازم بن زيد أبو عبد الله الأزدي
البصري ثقة عن أبيه وابن عون وشعبة وخلق وعنه أحمد وإسحاق وابن معين ووثقه مات سنة
206 ست ومائتين (نا أبي) جرير بن حازم ثقة لكن في حديثه عن قتادة ضعف وله أوهام إذا
حدث من حفظه مات سنة 071 سبعين ومائة بعد ما اختلط لكن لم يحدث في حال اختلاطه
كذا في التقريب (عن محمد بن إسحاق) بن يسار المطلبي المدني نزيل العراق إمام المغازي
صدوق يدلس ورمي بالتشيع والقدر مات سنة 150 خمسين ومائة ويقال بعدها كذا في
التقريب وقال في القول المسدد وأما حمله أي ابن الجوزي على محمد بن إسحاق فلا طائل فيه
فإن الأئمة قبلوا حديثه وأكثر ما عيب فيه التدليس والرواية عن المجهولين وأما هو في نفسه
فصدوق وهو حجة في المغازي عند الجمهور انتهى
قلت الأمر كما قال الحافظ فالحق أن محمد بن إسحاق في نفسه صدوق صالح للاحتجاج
وقد اعترف به العيني وابن الهمام من الأئمة الحنفية قال العيني في عمدة القاري شرح البخاري
ابن إسحاق من الثقات الكبار عند الجمهور انتهى وقال ابن الهمام في فتح القدير أما ابن
إسحاق فثقة ثقة لا شبهة عندنا في ذلك ولا عند محققي المحدثين انتهى
تنبيه قال صاحب العرف الشذي اختلف أهل الجرح والتعديل في ابن إسحاق ما لم
يختلف في غيره حتى إنه قال مالك بن أنس إن قمت بين الحجر الأسود وباب الكعبة لحلفت أنه
دجال كذاب وقال البخاري إنه إمام الحديث وقال ابن الهمام إنه ثقة ثلاث مرات وقال
حافظ الدنيا إنه ثقة وفي حفظه شئ وإما البيهقي فيتكلم فيه في كتابه الأسماء والصفات
واعتمده في كتاب القراءة خلف الإمام فالعجب وعندي أنه من رواة الحسان كما في الميزان
ويمكن أن يكون في حفظه شئ انتهى كلامه بلفظه
قلت جروح من جرح في ابن إسحاق كلها مدفوعة والحق أنه ثقة قابل للاحتجاج قال
الفاضل اللكنوي في إمام الكلام محمد بن إسحاق وإن كان متكلما فيه من جانب كثير من الأئمة
لكن جروحهم لها محامل صحيحة وقد عارضها تعديل جمع من ثقات الأمة ولذا صرح جمع
من النقاد بأن حديثه لا ينحط عن درجة الحسن بل صححه بعض أهل الإسناد
وقال في
السعاية والحق في ابن إسحاق هو التوثيق انتهى
وقال ابن الهمام في فتح القدير (وهو أي توثيق ابن إسحاق) هو الحق الأبلج وما نقل عن
51

مالك لا يثبت ولو صح لم يقبله أهل العلم كيف وقد قال شعبة فيه هو أمير المؤمنين في الحديث
وروى عنه مثل الثوري وابن إدريس وحماد بن زيد ويزيد بن زريع وابن عليه وعبد الوارث وابن
المبارك واحتمله أحمد وابن معين وعامة أهل الحديث غفر الله لهم إلى أن قال وإن مالكا رجع
عن الكلام في ابن إسحاق واصطلح معه وبعث إليه هدية انتهى كلام ابن الهمام
فأما قول صاحب العرف الشذي وأما البيهقي إلى قوله فالعجب فلم يذكر ما تكلم به
البيهقي في الأسماء والصفات في ابن إسحاق حتى ينظر فيه أنه هو قابل للعجب أم لا ولو سلم أنه
قابل للعجب فصنيع العيني أعجب فإنه يتكلم في ابن إسحاق ويجرحه إذا وقع هو في إسناد حديث
يخالف مذهب الحنفية ويوثقه ويعتمده إذا وقع في إسناد حديث يوافق مذهبهم ألا ترى أنه قال
في البناية في تضعيف حديث عبادة في القراءة خلف الإمام ما لفظه في حديث عبادة محمد بن إسحاق
بن يسار وهو مدلس قال النووي ليس فيه إلا التدليس قلت المدلس إذا قال عن فلان
لا يحتج بحديثه عند جميع المحدثين مع أنه كذبه مالك وضعفه أحمد وقال لا يصح الحديث عنه
وقال أبو زرعة الرازي لا يصح الحديث عنه وقال أبو زرعة الرازي لا يقضي له بشئ انتهى
كلامه
فانظر كيف تكلم العيني في ابن إسحاق ههنا وقال في عمدة القاري في تصحيح حديث
أبي هريرة التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ومن أشار في الصلاة إشارة تفهم عنه فليعدها ما
لفظه إسناد هذا الحديث صحيح وتعليل ابن الجوزي بابن إسحاق ليس بشئ لأن ابن إسحاق
من الثقات الكبار عند الجمهور انتهى كلام العيني
فانظر ههنا كيف اعتمد علي ابن إسحاق ولم يبال بتدليسه أيضا مع أنه روى هذا الحديث
عن يعقوب بن عتبة بعن وكذلك صنيعة في عدة مواضع من كتابه فاعتبر ويا أولى الأبصار
(عن أبان بن صالح) وثقة الأئمة ووهم ابن حزم فجهله وابن عبد البر فضعفه قاله الحافظ في
التقريب (عن مجاهد) هو ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة أبو الحجاج المخزومي مولاهم
المكي ثقة إمام في التفسير وفي العلم من أوساط التابعين مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث أو
أربع ومائة وله ثلاث وثمانون (عن جابر) هو ابن عبد الله بن عمرو بن حرام بمهملة وراء
الأنصاري ثم السلمي بفتحتين صحابي ابن صحابي غزا تسع عشرة غزوة ومات بالمدينة
بعد السبعين وهو ابن أربع وتسعين
قوله (فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها) استدل به من قال بجواز الاستقبال والاستدبار
52

في الصحراء والبنيان وجعله ناسخا لأحاديث المنع وفيه ما سلف من أنها حكاية فعل لا عموم
لها فيحتمل أن يكون لعذر
قوله (وفي الباب عن أبي قتادة وعائشة وعمار) أما حديث أبي قتادة فأخرجه الترمذي بعد
هذا وأما حديث عائشة فأخرجه أحمد وقد تقدم لفظه وأما حديث عمار فأخرجه الطبراني في
الكبير قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة بعد النهي لغائط أو بول
قال الهيثمي في مجمع الزوائد فيه جعفر بن الزبير وقد أجمعوا على ضعفه
قوله (حديث جابر في هذا الباب حديث حسن غريب) قال في المنتقى رواه الخمسة إلا
النسائي انتهى
قال في النيل وأخرجه أيضا البزار وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم
والدارقطني وحسنه الترمذي ونقل عن البخاري تصحيحه حسنه أيضا
ابن السكن وتوقف فيه النووي لعنعنة ابن إسحاق وقد صرح بالتحديث في رواية أحمد وغيره
وضعفه ابن عبد البر بأبان بن صالح القرشي قال الحافظ ووهم في ذلك فإنه ثقة بالاتفاق
وادعى ابن حزم أنه مجهول فغلط انتهى
10 - قوله (وقد روى هذا الحديث ابن لهيعة) هو عبد الله بن لهيعة بفتح اللام وكسر
الهاء ابن عقبة الحضرمي أبو عبد الرحمن المصري القاضي صدوق خلط بعد احتراق كتبه
ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما وله في مسلم بعض شئ مقرون كذا قال
الحافظ في التقريب ويجيئ باقي الكلام عليه عند كلام الترمذي عليه (عن أبي الزبير) اسمه
محمد بن مسلم بن تدرس بفتح المثناة وسكون الدال المهملة وضم الراء الأسدي المكي صدوق
إلا أنه يدلس كذا في التقريب قلت هو من رجال الكتب الستة (عن أبي قتادة) الأنصاري
المدني شهد أحد وما بعدها ولم يصح شهوده بدرا مات سنة 54 أربع وخمسين
53

قوله (وابن لهيعة ضعيف عند أهل الحديث ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره) قال
يحيى بن معين ليس بالقوي وقال مسلم تركه وكيع ويحيى القطان وابن مهدي كذا في
الخلاصة وقال أطال الحافظ الذهبي الكلام في ترجمته في ميزان الاعتدال قلت ومع ضعفه فهو
مدلس أيضا كما عرفت وكان يدلس عن الضعفاء قال الحافظ في طبقات المدلسين عبد الله بن
لهيعة الحضرمي قاضي مصر اختلط في آخر عمره وكثر عنه المناكير في روايته وقال ابن حبان كان
صالحا ولكنه كان يدلس عن الضعفاء انتهى
قوله (حدثنا عبدة) هو ابن سليمان الكلابي أبو محمد الكوفي عن هشام بن عروة والأعمش
وطائفة وعنه أحمد وإسحاق وهناد بن السري وأبو كريب وخلق وثقه أحمد وابن سعد والعجلي
مات سنة 781 سبع وثمانين ومائة (عن عبد الله بن عمر) ابن حفص بن عاصم بن عمر بن
الخطاب العمري المدني أحد الفقهاء السبعة والعلماء الأثبات قال النسائي ثقة ثبت مات سنة
147 سبع وأربعين ومائة (عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة ابن منقذ
الأنصاري المدني ثقة فقيه وثقة ابن معين والنسائي وغيرهما مات سنة 121 إحدى وعشرين ومائة
(عن عمه واسع بن حبان) بفتح المهملة وتشديد الوحدة ابن منقذ بن عمرو الأنصاري المازني
المدني صحابي ابن صحابي ثقة من كبار التابعين قاله الحافظ
قوله (رقيت) أي علوت وصعدت (على بيت حفصة) هي أخت ابن عمر قال ابن سيد
الناس في شرح الترمذي قوله على بيت حفصة وقع في رواية على ظهر بيت لنا وفي أخرى ظهر
بيتنا وكلها في الصحيح وفي رواية لابن خزيمة دخلت على حفصة بنت عمر فصعدت ظهر
البيت وطريق الجمع أن يقال أضاف البيت إليه على سبيل المجاز
لكونها أخته وأضافه إلى
حفصة لأنه البيت الذي أسكنها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أضافه إلى نفسه باعتبار ما آل إليه حاله لأنه
ورث حفصة دون إخوته لكونه شقيقها انتهى (فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم على حاجته مستقبل الشام
مستدبر الكعبة) استدل به من قال بجواز الاستقبال والاستدبار ورأى أنه ناسخ واعتقد الإباحة
مطلقا وبه احتج من خص عدم الجواز بالصحارى ومن خص المنع بالاستقبال دون الاستدبار في
54

الصحارى والبنيان وقد عرفت ما فيه من أنها حكاية فعل لا عموم لها فيحتمل أن يكون لعذر
وأن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض القول الخاص بالأمة قاله الشوكاني في النيل
باب النهي عن البول قائما
قوله (حدثنا علي بن حجر) بضم الحاء وسكون الجيم ابن إياس السعدي المروزي نزيل بغداد
ثم مرو ثقة حافظ روى عن شريك وإسماعيل بن جعفر وهقل بن زياد وهشيم وخلائق وعنه
البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ووثقه مات سنة 442 أربع وأربعين ومائتين (أنا
شريك) بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي صدوق يخطئ كثيرا تغير حفظه منذ ولي قضاء
الكوفة كذا في التقريب وقال في الخلاصة روى عن زياد بن علاقة وزبيد وسلمة بن كهيل
وسماك وخلق وعنه هشيم وعباد بن العوام وابن المبارك وعلي بن حجر وأمم قال أحمد هو في أبي
إسحاق أثبت من زهير وقال ابن معين ثقة يغلط وقال العجلي ثقة قال يعقوب بن سفيان ثقة
سئ الحفظ مات سنة 771 سبع وسبعين ومائة (عن المقدام) بكسر الميم (بن شريح) بضم الشين
مصغرا ابن هاني بن يزيد الحارثي الكوفي ثقة روى عن أبيه وعند ابنه يزيد ومسعر وغيرهما وثقه
أبو حاتم وأحمد والنسائي (عن أبيه) شريح بن هاني أبي المقدام من كبار أصحاب علي روى عن
أبيه وعمر وبلال وعنه ابنه المقدام والشعبي وثقه ابن معين وهو مخضرم
قوله (من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائما فلا تصدقوه) فيه دليل على أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما كان يبول قائما بل كان هديه في البول القعود ولكن قول عائشة هذا لا ينفي إثبات من
أثبت وقوع البول منه حال القيام كما سيأتي في الباب الذي بعده
قوله (وفي الباب عن عمر وبريدة) أما حديث عمر فأخرجه ابن ماجة والبيهقي وأما
حديث بريدة فأخرجه البزار مرفوعا بلفظ ثلاث من الجفاء أن يبول الرجل قائما أو يمسح
جبهته قبل أن يفرغ من صلاته أو ينفخ من صلاته أو ينفخ في سجوده كذا في النيل وفي الباب أيضا عن جابر قال
55

نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبول الرجل قائما أخرجه ابن ماجة وفي إسناده عدى بن الفضل وهو
متروك
قوله (حديث عائشة أحسن شئ في هذا الباب وأصح) حديث عائشة هذا أخرجه أيضا
أحمد والنسائي وابن ماجة وفي إسناده شريك بن عبد الله النخعي وقد عرفت أنه صدوق يخطئ
كثيرا وتغير حفظه منذ ولي الكوفة قال الحافظ في الفتح لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن
البول قائما شئ كما بينته في أوائل شرح الترمذي انتهى كلام الحافظ
قلت فالمراد بقول الترمذي حديث عائشة أحسن شئ في هذا الباب وأصح أي هو أقل
ضعفا وأرجح مما ورد في هذا الباب والله تعالى أعلم
قوله (وحديث عمر إنما روي من حديث عبد الكريم بن أبي المخارق إلخ) أخرجه ابن
ماجة والبيهقي من هذا الطريق (فما بلت قائما بعد) بالبناء على الضم أي بعد ذلك قوله (إنما رفع هذا
الحديث عبد الكريم بن أبي المخارق) بضم الميم وبالخاء المعجمة أبو أمية المعلم البصري نزيل
مكة (وهو ضعيف عند أهل الحديث) قال الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري عبد
الكريم بن أبي المخارق أبو أمية البصري نزيل مكة متروك عند أئمة الحديث انتهى (ضعفه
أيوب السختياني) بفتح المهملة بعدها معجمة ساكنة ثم مثناة فوقية مكسورة تم تحتانية وآخرة
نون هو أيوب بن أبي تميمة كيسان البصري ثقة ثبت حجة من كبار الفقهاء تقدم ترجمته في
المقدمة (وروى عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال قال عمر ما بلت قائما منذ أسلمت) أخرجه
البزار قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله ثقات وهذا الأثر يدل على أن عمر ما بال
قائما منذ أسلم ولكن قال الحافظ في فتح الباري قد ثبت
عن عمر وعلي وزيد بن ثابت وغيرهم
أنهم بالوا قياما انتهى
(وهذا) أي حديث عمر الموقوف (أصح من حديث أبي الحارق) لضعفه (وحديث بريدة
في هذا غير محفوظ) قال العيني في شرح البخاري في قول الترمذي في هذا نظر لأن البزار أخرجه
56

بسند صحيح قال حدثنا نصر بن علي حدثنا عبد الله بن داود حدثنا سعيد بن عبيد الله حدثنا
عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من الجفاء إن يبول الرجل قائما الحديث
وقال لا أعلم رواه عن ابن بريدة إلا سعيد بن عبد الله انتهى كلام العيني
قلت الترمذي من أئمة هذا الشأن فقوله حديث بريدة في هذا غير محفوظ يعتمد عليه
وأما إخراج البزار حديثه بسند ظاهره الصحة لا ينافي كونه غير محفوظ
قوله (ومعنى النهي عن البول قائما على التأديب لا على التحريم) يدل عليه حديث أبي
حذيفة الآتي في الباب الذي بعده (وقد روي عن عبد الله بن مسعود قال إن من الجفاء) قال في
الصراح جفا بالمد بدى وستم يقال جفوته فهو مجفو ولا تقل جفيت وفلان ظاهر الجفوة بالكسر
أي ظاهر الجفاء انتهى
وقال المناوي في شرح الجامع الصغير الجفاء ترك البر والصلة وغلظ الطبع (وأنت قائم)
جملة حالية وهذا الأثر ذكره الترمذي هكذا معلقا ولم أقف على من وصله
باب ما جاء من الرخصة في ذلك
13 - (قوله حدثنا هناد) تقدم (نا وكيع) تقدم (عن الأعمش) هو سليمان بن مهران
الأسدي الكاهلي أبو محمد الكوفي ثقة حافظ عارف بالقراءة ورع لكنه يدلس من الخامسة
كذا في التقريب وقال في مقدمته الخامسة الطبقة الصغرى من التابعين الذين رأوا الواحد
والاثنين ولم يثبت لبعضهم السماع من الصحابة كالأعمش انتهى
وقال في الخلاصة رأى أنسا يبول انتهى
(عن أبي وائل) اسمه شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي ثقة مخضرم مات في خلافة
57

عمر بن عبد العزيز وله مائة سنة
قوله (أتى سباطة قوم) بضم السين المهملة بعدها موحدة هي المزبلة والكناسة تكون بفناء
الدور مرفقا لأهلها وتكون في الغالب سهلة لا يرتد فيها البول على البائل وإضافتها إلى القوم
إضافة اختصاص لا ملك لأنها لا تخلو عن النجاسة (فأتيته بوضوء) بفتح الواو (فدعاني حتى كنت
عند عقبيه) وفي رواية البخاري فأشار إلي قال الحافظ ليست فيه دلالة على جواز الكلام في حال
البول لأن هذه الرواية بينت أن قوله في رواية مسلم أنه كان بالإشارة لا باللفظ قال وأما مخالفته
صلى الله عليه وسلم لما عرف من عادته من الإبعاد عن قضاء الحاجة عن الطرق المسلوكة وعن أعين النظارة فقد
قيل فيه أنه صلى الله عليه وسلم مشغولا بمصالح المسلمين فلعله طال عليه المجلس حتى احتاج إلى البول فلو
أبعد لتضرر واستدعى حذيفة ليستره من خلفه عن رؤية من لعله يمر به وكان قدامه مستور
بالحائط أو لعله فعله لبيان الجواز ثم هو في البول وهو أخف من الغائط لاحتياجه إلى زيادة
تكشف ولما يقترن به من الرائحة والغرض من الإبعاد التستر وهو يحصل بإرخاء الذيل والدنو
من الساتر روى الطبراني من حديث عصمة بن مالك قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض
سكك المدينة فانتهى إلى سباطة قوم فقال يا حذيفة استرني فذكر الحديث وظهر منه الحكمة
في إدنائه حذيفة في تلك الحالة وكأن حذيفة لما وقف خلفه عند عقبه استدبره وظهر أيضا أن
ذلك كان في الحضر لا في السفر انتهى
قوله (وهكذا روى منصور) هو ابن المعتمر السلمي أبو عتاب الكوفي أحد الأعلام
المشاهير عن إبراهيم وأبي وائل وخلق وعنه أيوب وشعبة وزائدة وخلق
قال أبو حاتم متقن
لا يخلط ولا يدلس وقال العجلي ثقة ثبت له نحو ألفي حديث قال زائدة صام منصور أربعين
سنة وقام ليلها توفى سنة 231 اثنتين وثلاثين ومائة (عبيدة) بضم العين مصغرا (الضبي) بفتح
الضاد المعجمة وشدة الموحدة المكسورة هو عبيدة ابن معتب روى عن إبراهيم النخعي وأبي
وائل وعنه شعبة وهشيم قال ابن عدي مع ضعفه يكتب حديثه علق له البخاري فرد
58

حديث كذا في الخلاصة وقال في التقريب ضعيف واختلط بآخره (وحديث أبي وائل عن
حذيفة أصح) يعني من حديثه عن المغيرة قال الحافظ في الفتح هو كما قال الترمذي وإن جنح ابن
خزيمة إلى تصحيح الروايتين لكون حماد بن أبي سليمان وافق عاصما على قوله عن المغيرة فجاز أن
يكون أبو وائل سمعه منهما فيصح القولان معا لكن من حيث الترجيح رواية الأعمش ومنصور
لاتفاقهما أصح من رواسة حماد وعاصم لكونهما في حفظهما مقال انتهى
قلت الظاهر أن الروايتين صحيحتان ورواية الأعمش ومنصور أصح والله أعلم
وحديث حذيفة هذا أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة وغيرهم
قوله (وقد رخص قوم من أهل العلم في البول قائما) واحتجوا بحديث الباب وأجابوا
عن حديث عائشة الذي أخرجه الترمذي في الباب المتقدم بأنه مستند إلى علمها فيحمل على ما
وقع منه في البيوت وأما في غير البيوت فيم تطلع هي عليه وقد حفظه حذيفة وهو من كبار
الصحابة وعن حديثها الذي أخرجه أبو عوانة في صحيحة والحاكم قالت ما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم
قائما منذ أنزل عليه القرآن بأنه أيضا مستند إلى علمها فقد ثبت أن قوله صلى الله عليه وسلم عند سباطة قوم
كان بالمدينة كما جاء في بعض الروايات الصحيحة قال الحافظ في الفتح وقد بينا أن ذلك كان
بالمدينة فتضمن الرد على ما نفته من أن ذلك لم يقع بعد نزول القرآن وقد ثبت عن عمر وعلي
وزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالوا قياما وهو دال على الجواز من غير كراهة إذا أمن الرشاش ولم
يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنه شئ انتهى
قال قوم بكراهة البول قائما إلا من عذر واستدلوا بحديثي عائشة المذكورين وقد عرفت
الجواب عنهما وقالوا إن بوله صلى الله عليه وسلم قائما كان لعذر
59

فقيل فعل ذلك لأنه لم يجد مكانا للجلوس لامتلاء الموضع بالنجاسة
وقيل كان ما يقابله من السباطة عاليا ومن خلفه منحدرا متسفلا لو جلس مستقبل
السباطة سقط إلى خلفه ولو جلس مستدبرا لها بدت عورته للناس
وقيل إنما بال قائما لأنها حالة يؤمن معها خروج الريح بصوت ففعل ذلك لكونه قريبا
من الدار قال الحافظ ما رواه عبد الرزاق عن عمر رضي الله عنه قال البول قائما أحصن
للدبر
وقيل السبب في ذلك ما روى الشافعي وأحمد أن العرب كانت تستشفي لوجع الصلب
بذلك فلعله كان به
وروى الحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة قال إنما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما لجرح كان
في مأبضه والمأبض بهمزة ساكنة بعدها موحدة ثم معجمة باطن الركبة فكأنه لم يتمكن لأجله
من القعود قال الحافظ في الفتح لو صح هذا الحديث لكان فيه غنى عن جميع ما تقدم لكن
ضعفه الدارقطني والبيهقي
والأظهر أنه فعل ذلك لبيان الجواز وكان أكثر أحواله البول عن قعود وسلك أبو عوانة في
صحيحه وابن شاهين فيه مسلكا آخر فزعما أن البول عن قيام منسوخ واستدلا عليه بحديثي
عائشة يعني المذكورين الصواب أنه غير منسوخ انتهى كلام الحافظ
تنبيه قال صاحب العرف الشذي إن في البول قائما رخصة وينبغي الآن المنع عنه لأنه
عمل غير أهل الإسلام انتهى بلفظه
قلت بعد التسليم أن البول قائما رخصه لا وجه للمنع عنه في هذا الزمان وأما عمل غير
أهل الإسلام عليه فليس موجبا للمنع
باب في الاستتار عند الحاجة
14 - قوله (نا عبد السلام بن حرب الملائي) أبو بكر الكوفي أصله بصري ثقة حافظ
60

فقوله (إذا أراد الحاجة) أي قضاء الحاجة والمعنى إذا أراد القعود للغائط أو للبول (حتى يدنوا
من الأرض) أي حتى يقرب منها محافظة على التستر واحترازا عن كشف العورة وهذا من أدب
قضاء الحاجة قال الطيبي يستوي فيه الصحراء والبنيان لأن في رفع الثوب كشف العورة وهو لا
يجوز إلا عند الحاجة ولا ضرورة في الرفع قبل القرب من الأرض
قوله (هكذا روى محمد بن ربيعة) الكلابي الرؤاسي أبو عبد الله ابن عم وكيع الكوفي
عن الأعمش وهشام بن عروة وابن جريج وطائفة وعنه أحمد
وثقة ابن معين وأبو داود والدارقطني (وروى وكيع والحماني) بكسر المهملة وشدة الميم
وهو عبد الحميد ابن عبد الرحمن أبو يحيى الكوفي عن الأعمش وعنه ابنه يحيى وأبو كريب وثقه
ابن معين وضعفه أحمد وابن سعد كذا في الخلاصة وقال في التقريب لقبه بشمين صدوق
يخطئ ورمي بالإرجاء من التاسعة مات سنة اثنتين ومائتين انتهى
(عن الأعمش قال قال ابن عمر إلخ) فحديث وكيع الحماني عن الأعمش عن ابن عمر
وأما حديث عبد السلام بن حرب محمد بن ربيعة فعن الأعمش عن أنس (وكلا الحديثين) أي
حديث أنس وحديث ابن عمر رضي الله عنه (مرسل) أي منقطع وصورة المرسل أن يقول
التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو فعل بحضرته كذا أو نحو ذلك ولا يذكر
الصحابي وقد يجئ عند المحدثين رحمهم الله المرسل والمنقطع بمعنى والاصطلاح الأول أشهر
وذكر السيوطي هذا الحديث في الجامع الصغير وقال رواه أبو داود والترمذي عن أنس وابن عمر
والطبراني في الأوسط عن جابر انتهى
وقال المناوي في شرح الجامع الصغير وبعض أسانيده صحيح قلت والحديث أخرجه
أيضا أبو داود والدارمي (
ويقال لم يسمع الأعمش عن أنس إلخ) قال علي بن المديني الأعمش
لم يسمع من أنس بن مالك إنما رآه رؤية بمكة يصلي خلف المقام فأما طرق الأعمش عن أنس فإنما
يرويها عن يزيد الرقاشي عن أنس كذا في كتاب المراسيل لابن أبي حاتم ويزيد
الرقاشي هذا هو يزيد بن أبان الرقاشي أبو عمرو البصري القاص زاهد ضعيف وقال الحافظ
61

المنذري في تلخيص السنن بعد نقل كلام الترمذي هذا وذكر أبو نعيم الأصفهاني أن الأعمش رأى
أنس بن مالك وابن أبي أوفى وسمع منهما والذي قاله الترمذي هو المشهور انتهى
(والأعمش اسمه سليمان بن مهران) بكسر الميم وكنيته أبو محمد ثقة حافظ عارف بالقراءة
ورع لكنه يدلس وهو من صغار التابعين الذين رأوا الواحد والاثنين ولم يثبت لبعضهم السماع
من الصحابة رضي الله عنهم ولد سنة 61 إحدى وستين ومات سنة 148 ثمان وأربعين ومائة
(الكاهلي وهو مولى لهم) أي نسبة الأعمش إلى قبيلة كاهل من جهة أنه مولى لهم لا من جهة أنه هو
منهم صلبية قال ابن الصلاح في مقدمته النوع الرابع والستون معرفة الموالي من الرواة
والعلماء وأهم ذلك معرفة الموالي المنسوبين إلى القبائل بوصف الإطلاق فإن الظاهر في المنسوب
إلى قبيلة كما إذا قيل فلان القرشي أنه منهم صلبية فإذا بيان من قيل فيه قرشي من أجل كونه
مولى لهم مهم انتهى
فائدة أعلم أن من الموالي من يقال له مولى فلان أو لبني فلان والمراد به مولى العتاقة وهذا هو
الأغلب في ذلك ومنهم من أطلق عليه لفظ المولى والمراد به ولاء الإسلام ومنهم أبو عبد الله
البخاري فهو محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم نسب إلى ولاء الجعفيين لأن جده وأظنه الذي
يقال له الأحنف أسلم وكان مجوسيا على يد اليمان بن أخنس الجعفي وكذلك الحسن بن عيسى
الماسرجسي مولى عبد الله بن المبارك إنما ولاؤه له من حيث كونه أسلم وكان نصرانيا على يديه
ومنهم من هو مولى بولاء الحلف والموالاة كما لك بن أنس الإمام ونفره هم أصبحيون صلبية ويقال
له التيمي لأن نفره أصبح موال لتيم قريش بالحلف وقيل لأن جده مالك بن أبي عامر كان عسيفا
على طلحة بن عبيد الله التيمي أي أجيرا وطلحة يختلف بالتجارة فقيل هو مولى التيميين
لكونه مع طلحة ابن عبيد الله التيمي وهذا قسم رابع كما قيل في مقسم أنه مولى ابن عباس
للزومه إياه كذا في مقدمة ابن الصلاح
فائدة أخرى قال ابن الصلاح في مقدمته روينا عن الزهري قال قدمت على عبد
الملك بن مروان فقال من أين قدمت يا زهري قلت من مكة قال فمن خلفت بها يسود أهلها
قلت عطاء بن أبي رباح قال فمن العرب أم من الموالي قال قلت من الموالي قال وبم سادهم
قلت بالديانة والرواية قال إن أهل الديانة والرواية لينبغي أن يسودوا قال فمن يسود أهل اليمن
62

قال قلت طاووس بن كيسان قال فمن العرب أم من الموالي قال قلت من الموالي قال وبم
سادهم قلت بما سادهم به عطاء قال إنه لينبغي قال فمن يسود أهل مصر قال قلت يزيد بن
أبي حبيب قال فمن العرب أم من الموالي قال قلت من الموالي قال فمن يسود أهل الشام قال
قلت مكحول قال فمن العرب أم من الموالي قال قلت من الموالي عبد نوبي أعتقته امرأة من
هذيل قال فمن يسود أهل الجزيرة قلت ميمون بن مهران قال فمن العرب أم من الموالي قال
قلت من الموالي قال فمن يسود أهل خراسان قال قلت الضحاك بن مزاحم قال فمن العرب
أو من الموالي قال قلت من الموالي قال فمن يسود أهل البصرة قال قلت الحسن بن أبي الحسن
قال فمن العرب أم من الموالي قال قلت من الموالي قال فمن يسود أهل الكوفة قال قلت
إبراهيم النخعي قال فمن العرب أم من الموالي قال قلت من العرب قال ويلك يا زهري
فرجت عني والله ليسودن الموالي على العرب حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها قال قلت يا
أمير المؤمنين إذا هو أمر الله ودينه من حفظه ساد ومن ضيعه سقط وفيما نرويه عن عبد الله بن
زيد بن أسلم قال لما مات العبادلة صار الفقه في جميع البلدان إلى جميع الموالي إلا المدينة فإن الله
حصنها بقرشي فكان فقيه أهل المدينة سعيد بن المسيب غير مدافع قلت وفي هذا بعض الميل
لقد كان حينئذ من العرب غير ابن المسيب فقهاء أئمة مشاهير انتهى كلام ابن الصلاح (قال
الأعمش كان أبي حميلا فورثه مسروق) أي جعله وارثا والحميل الذي يحمل من بلاده صغيرا إلى
دار الإسلام كذا في مجمع البحار وفي توريثه من أمه التي جاءت معه وقالت إنه هو ابنها
خلاف فعند مسروق أنه يرثها فلذلك ورث والد الأعمش أي جعله وارثا وعند الحنفية أنه
لا يرث من أمه قال الإمام محمد في موطئه أخبرنا مالك أخبرنا بكير بن عبد الله بن الأشج عن
سعيد ابن المسيب قال أبي عمر بن الخطاب أن يورث أحدا من الأعاجم إلا ما ولد في العرب
قال محمد وبهذا نأخذ لا يورث الحميل الذي يسبى وتسبى معه امرأة وتقول هو ولدي أو تقول هو
أخي أو يقول هي أختي ولا نسب من الأنساب يورث إلا ببينة إلا الوالد والولد فإنه إذا ادعى
الوالد أنه ابنه وصدقه فإنه ابنه ولا يحتاج في هذا إلى بينة
انتهى ومسروق هذا هو ابن الأجدع بن
مالك الهمداني الوداعي أبو عائشة الكوفي ثقة فقيه عابد مخضرم من الثانية كذا في التقريب
وقال في الخلاصة أخذ عن عمر وعلي ومعاذ وابن مسعود وعنه إبراهيم والشعبي وخلق وعن
الشعبي قال ما علمت أحدا كان أطلب للعلم منه وكان أعلم بالفتوى من شريح وكان شريح
يستشيره وكان مسروق لا يحتاج إلى شريح مات سنة 36 ثلاث وستين كذا في تذكرة الحفاظ
وقال أبو سعد السمعاني سمى مسروقا لأنه سرقة إنسان في صغره ثم وجد وغير عمر اسم أبيه إلى
63

عبد الرحمن فأثبت في الديوان مسروق بن عبد الرحمن كذا في التهذيب
تنبيه لم يشر الترمذي إلى حديث آخر في الباب فأعلم أنه قد جاء في الباب عن أبي هريرة
أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة وعن عبد الله بن جعفر أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجة وعن
جابر أخرجه أبو داود وابن ماجة وعن المغيرة أخرجه النسائي وأبو داود والترمذي
باب كراهية الاستنجاء باليمين
15 - قوله (حدثنا محمد بن أبي عمر المكي) هو محمد بن أبي عمر العدني نزيل
مكة ويقال إن أبا عمر كنيته يحيى صدوق صنف المسند وكان لازم ابن عيينة لكن قال أبو
حاتم فيه غفلة كذا في التقريب وقال في الخلاصة روى عن فضيل بن عياض وأبي معاوية
وخلق وعنه مسلم والترمذي وابن ماجة مات سنة 342 ثلاث وأربعين ومائتين (عن معمر) بن
راشد الأزدي مولاهم البصري نزيل اليمن ثقة ثبت فاضل إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش
وهشام بن عروة شيئا وكذا فيما حدث به بالبصرة من كبار السابعة (عن يحيى بن أبي كثير)
الطائي مولاهم اليمامي ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل من الخامسة (عن عبد الله بن أبي قتادة)
الأنصاري المدني ثقة من الثانية (عن أبيه) أي أبي قتادة الأنصاري السلمي فارس رسول الله
صلى الله عليه وسلم اسمه الحارث بن ربعي شهد أحدا والمشاهد مات سنة 45 أربع وخمسين بالمدينة وهو
الأصح
قوله (نهى أن يمس الرجل ذكره بيمينه) أي بيده اليمنى تكريما لليمين والنهي في هذا الحديث
مطلق غير مقيد بحالة البول وقد جاء مقيدا ففي صحيح مسلم عن أبي قتادة بلفظ لا يمسكن أحدكم
ذكره بيمينه وهو يبول وفي صحيح البخاري عنه إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه قال البخاري
في صحيحه باب لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال قال الحافظ في الفتح أشار بهذه الترجمة إلى أن النهي
المطلق عن مس الذكر باليمين كما في الباب قبله محمول على المقيد بحالة البول فيكون ما عداه مباحا
وقال بعض العلماء يكون ممنوعا أيضا من باب الأولى لأنه نهى عن ذلك مع مظنة الحاجة في تلك الحالة
وتعقبه أبو محمد بن أبي جمرة بأن مظنة الحاجة لا
64

تختص بحالة الاستنجاء وإنما خص النهي بحالة البول من جهة الشئ يعطى حكمه فلما
منع الاستنجاء باليمين منع مس آلته حسما للمادة ثم استدل على الإباحة بقوله صلى الله عليه وسلم لطلق بن علي
حين سأله عن مس ذكره إنما هو بضعة منك فدل على الجواز في كل حال فخرجت حالة البول
بهذا الحديث الصحيح وبقي ما عداها على الإباحة انتهى والحديث الذي أشار إليه صحيح أو
حسن وقد يقال حمل المطلق على المقيد غير متفق عليه بين العلماء ومن قال به اشترط فيه شروطا
لكن نبه ابن دقيق العيد على أن محل الاختلاف إنما هو حيث يتغاير مخارج الحديث بحيث يعد
حديثين مختلفين أما إذا اتحد المخرج وكان الاختلاف فيه من بعض الرواة فينبغي حمل المطلق على
المقيد بلا خلاف لأن التقييد حينئذ يكون زيادة من عدل فتقبل انتهى ما في فتح الباري
قلت لا شك في أن حديث أبي قتادة الذي رواه الترمذي في هذا الباب مطلق فالظاهر هو
أن يحمل على المقيد لاتحاد المخرج وأما حديث أبي قتادة الذي أخرجه البخاري بلفظ وإذا أتى
الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه وإليه أشار الحافظ بقوله أشار بهذه الترجمة إلى أن النهي المطلق عن
مس الذكر باليمين كما في الباب قبله إلخ ففي كونه مطلقا كلام فتدبر
قوله (وفي الباب عن عائشة وسلمان وأبي هريرة وسهل بن حنيف) أما حديث عائشة
فأخرجه أبو داود من طريق إبراهيم عنها بلفظ قلت كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره
وطعامه وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى قال المنذري إبراهيم لم يسمع من
عائشة فهو منقطع وأخرجه من حديث الأسود عن عائشة بمعناه وأخرجه في اللباس من حديث
مسروق عن عائشة ومن ذلك الوجه أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة
انتهى كلام المنذري أما حديث سلمان فأخرجه مسلم بلفظ قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل
القبلة لغائط أو بول أو نستنجي باليمين الحديث وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجة
والدارمي وفيه ونهى أن يستنجي الرجل بيمينه وأما حديث سهل بن خنيف فلم أقف عليه
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان بلفظ قال إذا شرب أحدكم فلا
يتنفس في الإناء وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه ولا يتمسح بيمينه
قوله (وأبو قتادة اسمه الحارث بن ربعي) بكسر الراء وسكون الموحدة بعدها مهملة ابن
بلدمة بضم الموحدة والمهملة بينهما لام ساكنة السلمي بفتحتين المدني شهد أحدا وما بعدها ولم
يصح شهوده بدرا
65

باب الاستنجاء بالحجارة
16 - قوله (حدثنا هناد تقدم (عن الأعمش) تقدم (عن إبراهيم) هو إبراهيم ابن
يزيد بن قيس بن الأسود النخعي الكوفي الفقيه ثقة إلا أنه يرسل كثيرا (عن عبد الرحمن بن
يزيد) بن قيس النخعي أبو بكر الكوفي ثقة
قوله (قيل لسلمان) الفارسي ويقال له سلمان الخير وسئل عن نسبه فقال أنا سلمان
بن الإسلام أصله من فارس أسلم مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وكان من خيار الصحابة
وزهادهم وفضلائهم والقائلون هم المشركون كما في رواية ابن ماجة قال له بعض المشركين وهم
يستهزئون به وفي رواية مسلم قال لنا المشركون (حتى الخراءة) قال الخطابي الخراءة بكسر الخاء
ممدودة الألف أدب التخلي والقعود عند الحاجة وقال النووي الخراءة بكسر الخاء المعجمة
وتخفيف الراء وبالمد وهو اسم لهيئة الحدث وأما نفس الحدث فبحذف التاء وبالمد مع فتح الخاء
وكسرها انتهى
(أجل) بسكون اللام حرف إيجاب بمعنى نعم (أو أن نستنجي باليمين) الاستنجاء
باليمين للتنبيه على إكرامها وصيانتها عن الأقذار ونحوها (أو أن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة
أحجار) وفي رواية لأحمد ولا نكتفي بدون ثلاثة أحجار قال الخطابي فيه بيان أن الاستنجاء
بالأحجار أحد الطهرين وأنه إذا لم يستعمل الماء لم يكن بد من الحجارة أو ما يقوم مقامها وهو قول
سفيان الثوري ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل وفي قوله أو أن يستنجي أحدنا بأقل من
ثلاثة أحجار البيان الواضح أن الاقتصار على أقل من ثلاثة أحجار لا يجوز وإن وقع الإنقاء بما
دونها ولو كان المراد به الإنقاء حسب لم يكن لاشتراط عدد الثلاث معنى إذا كان معلوما أن
الإنقاء يقع بالمسحة الواحدة وبالمسحتين فلما اشترط العدد لفظا وعلما لإنقاء فيه معنى دل على
66

إيجاب الأمرين انتهى مختصرا
قال المظهري الاستنجاء بثلاثة أحجار واجب عند الشافعي رحمه الله وإن حصل النقاء
بأقل وعند أبي حنيفة النقاء متعين لا العدد انتهى
واستدل للشافعي بحديث الباب واستدل لأبي حنيفة رحمه الله بقوله صلى الله عليه وسلم من استجمر
فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج قال القاري في المرقاة هذا يدل دلالة واضحة على
جواز الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار وعدم شرط الإيتار وهو مذهب أبي حنيفة انتهى
قلت حديث من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج أخرج أبو داود
وابن ماجة عن أبي هريرة وهو بظاهره مخالف لحديث سلمان المذكور في الباب وحديث سلمان
أصح منه فيقدم عليه أو يجمع بينهما بما قال الحافظ في الفتح ما لفظه وأخذ بهذا أي بحديث سلمان
الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث فاشترطوا أن لا ينقص من الثلاث مع مراعاة الإنقاء إذا لم
يحصل بها فيزاد متى ينقى ويستحب حينئذ الإيتار لقوله من استجمر فليوتر وليس بواجب
الزيادة في أبي داود حسنة الإسناد قال ومن لا فلا حرج وبهذا يحصل الجمع بين الروايات في
هذا الباب انتهى
وقال ابن تيمية في المنتقى بعد ذكر حديث أبي هريرة المذكور ما لفظه وهذا محمول على أن
القطع على وترسنة فيما زاد على ثلاث جمعا بين النصوص انتهى
(وأن نستنجي برجيع أو عظم) لفظ أو للعطف لا للشك ومعناه الواو أي نهانا عن
الاستنجاء بهما والرجيع هو الروث والعذرة فعيل بمعنى فاعل لأنه رجع عن حالته الأولى بعد
أن كان طعاما أو علفا والروث هو رجيع ذوات الحوافر وجاء عند أبي داود في رواية رويفع بن
ثابت رجيع دابة وأما عذرة الإنسان فهي داخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم إنها ركس وأما علة النهي عن
الاستنجاء بالرجيع والعظيم فيأتي بيانها كراهية ما يستنجي به
قوله (وفي الباب عن عائشة وخزيمة بن ثابت وجابر وخلاد بن السائب عن أبيه) أما
حديث عائشة فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والدارمي بلفظ قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن فإنها تجزئ عنه والحديث
67

سكت عنه أبو داود ثم المنذري وأما حديث خزيمة بن ثابت فأخرجه أبو داود وابن ماجة بلفظ
سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستطابة فقال بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع والحديث سكت عنه أبو داود
ثم المنذري وأما حديث جابر فأخرجه أحمد عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجمر أحدكم
فليستجمر ثلاثا قال الهيثمي رجاله ثقات وأما حديث السائب والدخلاد فأخرجه الطبراني في
الكبير والأوسط عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل أحدكم الخلاء فليمسح بثلاثة أحجار قال
الهيثمي وفيه حماد بن الجعد وقد أجمعوا على ضعفه
قوله (حديث سلمان حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
قوله (وهو قول أكثر أهل العلم إلخ) وهو الحق والصواب يدل عليه أحاديث الباب
باب في الاستنجاء بالحجرين
17 - قوله (عن أبي عبيدة) هو ابن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مشهور بكنيته
والأشهر أنه لا اسم له غيرها ويقال اسمه عامر كوفي ثقة والراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه
كذا في التقريب (عن عبد الله) هو ابن مسعود بن غافل بمعجمة ثم فاء مكسورة ابن حبيب ابن
عبد الرحمن الكوفي أحد السابقين الأولين وصاحب النعلين شهد بدرا والمشاهد مات بالمدينة سنة
اثنتين وثلاثين عن بضع وستين سنة
قوله (فأتيته بحجرين وروثة) زاد ابن خزيمة في رواية له في هذا الحديث إنها كانت روثة
حمار ونقل التميمي أن الروث مختص بما يكون من الخيل والبغال والحمير وفي رواية البخاري
وغيره فوجدت الحجرين والتمست الثالث فلم أجد فأخذت روثة فأتيت بها أي بالثلاثة من
68

الحجرين والروثة (فأخذ الحجرين وألقى الروثة) استدل به الطحاوي على عدم اشتراط الثلاثة
قال لأنه لو كان مشترطا لطلب ثالثا كذا قال وغفل رحمه الله عما أخرجه أحمد في مسنده من
طريق معمر عن أبي إسحاق عن علقمة عن ابن مسعود في هذا الحديث فإن فيه فألقى الروثة
وقال إنها ركس ائتني بحجر ورجاله ثقات أثبات وقد تابع عليه معمر أبو شيبة الواسطي وهو
ضعيف أخرجه الدارقطني وتابعهما عمار بن رزيق أحد الثقات عن أبي إسحاق وقد قيل إن أبا
إسحاق لم يسمع من علقمة لكن أثبت سماعه لهذا الحديث منه الكرابيسي وعلى تقدير أنه أرسله
عنه فالمرسل حجة عند المخالفين وعندنا أيضا إذا اعتضد قاله الحافظ ابن حجر في فتح الباري
وتعقب عليه العيني في عمدة القاري ص 737 ج 1 شرح البخاري فقال لم يغفل
الطحاوي عن ذلك وإنما الذي نسبه إلى الغفلة هو الغافل وكيف يغفل عن ذلك وقد ثبت عنده
عدم سماع أبي إسحاق عن علقمة فالحديث عنده منقطع والمحدث لا يرى العمل به وأبو شيبة
الواسطي ضعيف فلا يعتبر بمتابعته فالذي يدعي صنعة الحديث كيف يرضي بهذا الكلام
انتهى
قلت هذا غفلة شديدة من العيني فإن الطحاوي رحمه الله قد احتج بحديث أبي إسحاق
عن علقمة في مواضع من كتابه شرح الآثار فمنها ما قال حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا
خديج بن معاوية عن أبي إسحاق عن علقمة بن مسعود قال ليت الذي يقرأ خلف الإمام ملئ
فوه ترابا سلمنا أن أبا شيبة ضعيف فلا يعتبر بمتابعته لكن عمار بن رزيق ثقة وهو قد تابعهما
فمتابعته معتبرة بلا شك على أن قول الطحاوي لو كان مشترطا لطلب ثالثا فيه نظر لاحتمال
أنه صلى الله عليه وسلم أخذ ثالثا بنفسه من دون طلب أو استنجى بحجر وطرفي حجر آخر والاحتمال لا يصح
الاستدلال قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية قال ابن الجوزي في التحقيق وحديث
البخاري ليس فيه حجة لأنه يحتمل أن يكون عليه السلام أخذ حجرا ثالثا مكان الروثة
وبالاحتمال لا يتم الاستدلال انتهى
قوله (وقال إنها ركس) كذا وقع ههنا بكسر الراء وإسكان الكاف فقيل هي لغة في
رجس ويدل عليه رواية ابن ماجة وابن خزيمة في هذا الحديث فإنها عندهما بالجيم وقيل
الركس الرجيع رد من حالة الطهارة إلى حالة النجاسة قاله الخطابي وغيره والأولى أن يقال رد
من حالة الطعام إلى حالة الروث كذا في فتح الباري
69

قوله (وهكذا روى قيس بن الربيع) الأسدي أبو محمد الكوفي صدوق تغير لما كبر
وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به (وهذا حديث فيه اضطراب) أي في سنده
اضطراب فأصحاب أبي إسحاق يختلفون عليه كما بينه الترمذي (سألت عبد الله بن عبد
الرحمن) هو أبو محمد الدارمي الحافظ صاحب المسند وتقدم ترجمته في المقدمة (سألت محمدا) هو الإمام
البخاري (وكأنه) أي محمدا البخاري (أشبه) أي بالصحة وأقرب إلى الصواب (ووضعه في كتابه الجامع) أي
الجامع الصحيح المشهور بصحيح
البخاري في باب لا يستنجي بروث (لأن إسرائيل
أثبت وأحفظ لحديث أبي إسحاق من هؤلاء) أي معمر وعمار بن رزيق وزهير وزكريا بن أبي زائدة
(وتابعه) أي إسرائيل (على ذلك) أي على روايته عن أبي عبيدة عن عبد الله (قيس بن الربيع)
70

بالرفع فاعل تابع (وزهير في أبي إسحاق) أي في رواية الحديث عن أبي إسحاق ليس بالقوي (لأن
سماعه منه) أي لأن سماع زهير من أبي إسحاق (بأخرة) بفتح الهمزة والخاء أي في آخر عمره في
نسخة قلمية صحيحة بآخره
اعلم أن الترمذي رجح رواية إسرائيل على رواية زهير التي وضعها الإمام البخاري في
صحيحه وعلى روايات معمر وغيره بثلاثة وجوه
الأول أن إسرائيل أثبت وأحفظ لحديث أبي إسحاق من زهير ومعمر وغيرهما
الثاني أن قيس بن الربيع تابع إسرائيل على روايته عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن
عبد الله
الثالث أن سماع إسرائيل من أبي إسحاق ليس في آخر عمره وسماع زهير منه في آخر عمره
قلت في كل من هذه الوجوه الثلاثة نظر فما قال في الوجه الأول فهو معارض بما قال
الآجري سألت أبا داود عن زهير وإسرائيل في أبي إسحاق فقال زهير فوق إسرائيل بكثير وما
قال في الوجه الثاني من متابعة قيس بن الربع لرواية إسرائيل فإن شريكا القاضي تابع زهيرا
وشريك أوثق من قيس وأيضا تابع زهيرا إبراهيم بن يوسف عن أبيه وابن حماد الحنفي وأبو
مريم وزكريا بن أبي زائدة وما قال في الوجه الثالث فهو معارض بما قال الذهبي في الميزان قال
أحمد بن حنبل حديث زكريا وإسرائيل عن أبي إسحاق لين سمعا منه بآخره فظهر الآن أنه ليس
لترجيح رواية إسرائيل وجه صحيح بل الظاهر أن الترجيح لرواية زهير التي رجحها البخاري
ووضعها في صحيحه قال الحافظ ابن حجر في مقدمة ص 304 فتح الباري حكى ابن أبي
حاتم عن أبيه وأبي زرعة أنهما رجحا رواية إسرائيل وكأن الترمذي تبعهما في ذلك والذي يظهر أن
الذي رجحه البخاري هو الأرجح وبيان ذلك أن مجموع كلام هؤلاء الأئمة مشعر بأنه الراجح
على الروايات كلها أما طريق إسرائيل وهي عن أبي عبيدة عن أبيه وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه
فيكون الإسناد منقطعا أو رواية زهير وهي عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن ابن مسعود
فيكون متصلا وهو تصرف صحيح لأن الأسانيد فيه إلى زهير وإلى إسرائيل أثبت من بقية
الأسانيد وإذا تقرر ذلك كان دعوى الاضطراب في الحديث منفية لأن الاختلاف على الحفاظ في
71

الحديث لا يوجب أن يكون مضطربا إلا بشرطين أحدهما استواء وجوه الاختلاف فمتى رجح
أحد الأقوال قدم ولا يعل الصحيح بالمرجوح وثانيهما مع الاستواء أن يتعذر الجمع على قواعد
المحدثين أو يغلب على الظن أن ذلك الحافظ لم يضبط ذلك الحديث بعينه فحينئذ يحكم على تلك
الرواية وحدها بالاضطراب ويتوقف على الحكم بصحة ذلك الحديث لذلك وههنا يظهر عدم
استواء وجوه الاختلاف على أبي إسحاق فيه لأن الروايات المختلفة عنه لا يخلو إسناد منها من
مقال غير الطريقين المقدم ذكرهما عن زهير وعن إسرائيل مع أنه يمكن رد أكثر الطرق إلى رواية
زهير والذي يظهر بعد ذلك تقديم رواية زهير لأن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق قد تابع
زهيرا وقد رواه الطبراني في المعجم الكبير من رواية يحيى بن أبي زائدة عن أبيه عن أبي إسحاق
كرواية زهير ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه من طريق ليث بن أبي سليم عن عبد
الرحمن بن الأسود عن أبيه عن ابن مسعود كرواية زهير عن أبي إسحاق وليث وإن كان ضعيف
الحفظ فإنه يعتبر به ويستشهد فيعرف أن له من رواية عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه أصلا انتهى
كلام الحافظ
قوله (سمعت أحمد بن الحسن) ابن جنيدب الترمذي الحافظ الجوال كان من تلامذة
أحمد بن حنبل روى عن أبي عاصم والفريابي ويعلى بن عبيد وغيرهم وعنه البخاري والترمذي
وابن خزيمة وكان أحد أوعية الحديث مات سنة 502 خمس ومائتين (إذا سمعت الحديث عن
زائدة) هو ابن قدامة الثقفي أبو الصلت الكوفي أحد الأعلام روى عن سماك بن حرب وزياد بن
علاقة وعاصم بن بهدلة وعنه ابن عيينة وابن مهدي وغيرهما وثقه أبو حاتم وغيره مات غازيا
بأرض الروم سنة 261 اثنتين وستين ومائة كذا في الخلاصة وقال في التقريب ثقة ثبت صاحب
سنة (وزهير) تقدم ترجمته آنفا (إلا حديث أبي إسحق) قال في الخلاصة قال أحمد زهير سمع
من أبي إسحاق بأخرة وقال في هامشها نقلا عن التهذيب وقال أبو زرعة ثقة إلا أنه سمع من أبي
إسحاق بعد الاختلاط انتهى (وأبو إسحاق اسمه عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني) قال في
التقريب مكثر ثقة عابد من الثالثة يعني من أوساط التابعين اختلط بآخره مات سنة 921 تسع
وعشرين ومائة وقيل قبل ذلك انتهى وقال في الخلاصة أحد
أعلام التابعين قال أبو حاتم ثقة
يشبه الزهري في الكثرة وقال حميد الرؤاسي سمع منه ابن عيينة بعد ما اختلط انتهى قلت
72

هو مدلس صرح به الحافظ في طبقات المدلسين (ولا يعرف اسمه) اسمه عامر لكنه مشهور
بكنيته (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي مولاهم الكوفي أبو عبد الله الكرابيسي الحافظ ربيب شعبة
جالسة نحوا من عشرين سنة لقبه غندر قال ابن معين كان من أصح الناس كتابا قال أبو
داود مات سنة 391 ثلاث وتسعين ومائة وقال ابن سعد سنة أربع كذا في الخ صة وقال
الحافظ ثقة صحيح الكتاب إلا أن فيه غفلة انتهى (عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق
الجملي المرادي الكوفي الأعمى ثقة عابد كان لا يدلس ورمي بالإرجاء
قوله (سألت أبا عبيدة بن عبد الله هل تذكر من عبد الله شيئا قال لا) هذا نص صحيح
صريح في أن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه شيئا وهو القول الراجح قال
الحافظ في التقريب أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود مشهور بكنيته والأشهر أنه لا اسم له
غيرها ويقال اسمه عامر كوفي ثقة والراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه وقال في تهذيب التهذيب
روى عن أبيه ولم يسمع منه ذكره ابن حبان في الثقات وقال لم يسمع من أبيه شيئا وقال ابن أبي
حاتم في المراسيل قلت لأبي هل سمع أبو عبيدة من أبيه قال يقال إنه لم يسمع انتهى وقال
الحافظ في الفتح أبو عبيدة لم يسمع من أبيه على الصحيح انتهى
تنبيه قال العيني في شرح البخاري رادا على الحافظ ما لفظه وأما قول هذا القائل أبو
عبيدة لم يسمع من أبيه فمردود بما ذكر في المعجم الأوسط للطبراني من حديث زياد ابن سعد عن
أبي الزبير قال حدثني يونس بن عتاب الكوفي سمعت أبا عبيدة بن عبد الله يذكر أنه سمع أباه
يقول كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر الحديث وبما أخرج الحاكم في مستدركه من حديث أبي
إسحاق عن أبي عبيدة عن أبيه في ذكر يوسف عليه السلام وصحح إسناده وبما حسن الترمذي
عدة أحاديث رواها عن أبيه منها لما كان يوم بدر جئ بالأسرى ومنها كان في الركعتين الأوليين
كأنه على الرضف ومنها قوله ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله ومن شرط الحديث الحسن
أن يكون متصل الإسناد عند المحدثين انتهى كلام العيني
قلت لا بد للعيني أن يثبت أولا صحة رواية المعجم الأوسط ثم بعد ذلك يستدل بها على
صحة سماع أبي عبيدة ودونه خرط القتاد وأما استدلاله على سماعه
من أبيه بما أخرجه الحاكم
وتصحيحه فعجيب جدا فإن تساهله مشهور وقد ثبت بسند صحيح عن أبي عبيدة نفسه عدم
سماعه من أبيه كما عرفت وأما استدلاله على ذلك بما حسن الترمذي عدة أحاديث رواها عن أبيه
فمبني على أنه لم يقف على أن الترمذي قد يحسن الحديث مع الاعتراف بانقطاعه وقد ذكرنا ذلك
في المقدمة
73

باب كراهية ما يستنجى به أي في بيان الأشياء التي يكره الاستنجاء بها وقد تقدم في
المقدمة مبسوطا أن إطلاق لفظ الكراهية جاء في كلام الله ورسوله بمعنى التحريم والسلف كانوا
يستعملون هذا اللفظ في معناه الذي استعمل فيه كلام الله ورسول ولكن المتأخرين اصطلحوا
على تخصيص لفظ الكراهية بما ليس بمحرم وتركه أرجح من فعله ثم حمل من حمل منهم كلام
الأئمة على الاصطلاح الحادث فغلط في ذلك
18 - قوله (نا حفص بن غياث) بمعجمة مكسورة وياء ومثلثة ابن طلق بن معاوية
النخعي أبو عمر الكوفي القاضي ثقة فقيه تغير حفظه قليلا في الآخر من الثامنة أي من الطبقة
الوسطى من أتباع التابعين كذا في التقريب وقال في مقدمة فتح الباري أجمعوا على توثيقه
والاحتجاج به إلا أنه ساء حفظه في الآخر فمن سمع من كتابه أصح ممن سمع من حفظه روى
له الجماعة (عن داود بن أبي هند) القشيري مولاهم ثقة متقن إلا أنه يهم بآخرة روى عن ابن
المسيب وأبي العالية والشعبي وخلق وعنه يحيى بن سعيد قرينة وقتادة كذلك وشعبة والثوري
وخلق وثقه أحمد والعجلي وأبو حاتم والنسائي مات سنة 931 تسع وثلاثين ومائة كذا في
التقريب والخلاصة (عن الشعبي) هو عامر بن شراحيل الشعبي بفتح الشين أبو عمرو ثقة
مشهور فقيه فاضل من الطبقة الوسطى من التابعين قال مكحول ما رأيت أفقه منه وكذلك قال
أبو مجلز قال الشعبي أدركت خمسمائة من الصحابة قال ابن عيينة كانت الناس تقول ابن عباس
في زمانه والشعبي في زمانه توفي سنة ثلاث ومائة كذا في التقريب والخلاصة (عن علقمة) بن
قيس بن عبد الله النخعي الكوفي ثقة ثبت فقيه عابد من كبار التابعين عن أبي بكر وعمر وعثمان
وعلي وابن مسعود وطائفة وعنه إبراهيم النخعي والشعبي وخلق قال ابن المديني أعلم الناس
بابن مسعود علقمة والأسود قال ابن سعد مات سنة 62 اثنتين وستين كذا في التقريب
والخلاصة
قوله (لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام) جمع عظم وتقدم معنى الروث في الباب المتقدم
(فإنه زاد إخوانكم من الجن) قال الطيبي الضمير في فإنه راجع إلى الروث والعظام باعتبار
المذكور كما ورد في شرح السنة وجامع الأصول وفي بعض نسخ المصابيح وفي بعضها وجامع
74

الترمذي فإنها فالضمير راجع إلى العظام والروث تابع لها وعليه قوله تعالى وإذا رأوا تجارة أو
لهوا انفضوا إليها وقال ابن حجر وإنما سكت عن الروث لأن كونه زادا لهم إنما هو مجاز لما تقرر
أنه لدوابهم انتهى كذا في المرقاة وفي رواية مسلم في قصة ليلة الجن وسألوه عن الزاد فقال
لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما وكل بعرة لدوابكم فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام الجن وحديث الباب يدل على أنه لا يجوز الاستنجاء
بالروث والعظم والعلة أنهما من طعام الجن العظام لهم والروث لدوابهم وروى الدارقطني عن
أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يستنجى بروث أو عظم وقال أنهما لا يطهران قال الدارقطني
بعد روايته إسناده صحيح وهذا الحديث يدل على أن العلة أنهما لا يطهران قال في سبل
السلام علل في رواية الدارقطني بأنهما لا يطهران وعلل بأنهما من طعام الجن وعللت الروثة بأنها
ركس والتعليل بعدم التطهير فيها عائد إلى كونها ركسا وأما عدم تطهير العظم فإنه لزج لا يتماسك
فلا ينشف النجاسة ولا يقطع البلة قال ولا تنافي بين هذه الروايات فقد يعلل الأمر الواحد بعلل
كثيرة
قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وسلمان وعلي وابن عمر) أما حديث أبي هريرة فأخرجه
البخاري في كتاب الطهارة وفي باب ذكر الجن وأما حديث سلمان فأخرجه الجماعة إلا
البخاري كذا في نصب الراية وأما حديث جابر فأخرجه مسلم عن أبي الزبير عنه بلفظ نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتمسح بعظم أو بعر وحديث ابن مسعود المذكور في الباب أخرجه أيضا النسائي
إلا أنه لم يذكر زاد إخوانكم من الجن كذا في المشكاة
قوله (وقد روى هذا الحديث إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي مولاهم أبو بشر
البصري المعروف ابن علية ثقة حافظ من الطبقة الوسطى من أتباع التابعين روى عن أيوب
وعبد العزيز بن رفيع وروح بن القاسم وخلق وعنه أحمد وابن راهويه وعلي بن حجر وخلق
كثير قال شعبة ابن علية ريحانة الفقهاء قال أحمد إليه المنتهى في الثبت وقال ابن معين كان
ثقة مأمونا ورعا تقيا (الحديث بطوله) بالنصب أي أتم الحديث بطوله وأخرج الترمذي هذا
الحديث بطوله في تفسير
سورة الأحقاف ومسلم في كتاب الصلاة في باب الجهر بالقراءة في الصبح
75

والقراءة على الجن قال الترمذي في التفسير حدثنا علي بن حجر نا إسماعيل بن إبراهيم عن داود
عن الشعبي عن علقمة قال قلت لابن مسعود هل صحب النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن منكم أحد قال ما
صحبة منا أحد ولكن افتقدناه ذات ليلة وهو بمكة اغتيل استطير ما فعل به فبتنا بشر ليلة بات
بها قوم حتى إذا أصبحنا أو كان في وجه الصبح إذا نحن به يجئ من قبل حراء قال فذكروا
الذي كانوا فيه قال فقال أتاني داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم قال فانطلق فأرانا آثارهم وآثار
نيرانهم قال الشعبي سألوه الزاد وكانوا من الجزيرة فقال كل عظم يذكر اسم الله عليه يقع في
أيديكم أو فرما كان لحما وكل بعرة أو روثة علف لدوابهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تستنجوا بهما
فإنهما زاد إخوانكم من الجن هذا حديث حسن صحيح (وكأن رواية إسماعيل أصح من رواية
حفص بن غياث) والفرق بين روايتيهما أن رواية إسماعيل مقطوعة ورواية حفص بن غياث
مسندة ووجه كون رواية إسماعيل أصح أن حفصا خالف أصحاب داود بن أبي هند فروى هذه
الرواية مسندة وهم رووها من قول الشعبي قال النووي في شرح مسلم قال الدارقطني انتهى
حديث ابن مسعود عند قوله فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وما بعده من كلام الشعبي كذا رواه
أصحاب داود الراوي عن الشعبي وابن علية وابن زريع وابن أبي زائدة وابن إدريس وغيرهم
هكذا قال الدارقطني وغيره ومعنى قوله إنه من كلام الشعبي أنه ليس مرويا عن ابن مسعود
بهذا الحديث وإلا فالشعبي لا يقول هذا الكلام إلا بتوقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى
قوله (وفي الباب عن جابر وابن عمر) كذا في النسخ الموجودة عندنا وهو تكرار
باب الاستنجاء بالماء
19 - قوله (حدثنا قتيبة ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب) الأموي البصري صدوق
من كبار العاشرة روى عن عبد الواحد بن زياد وأبي عوانة ويزيد بن زريع وعنه مسلم
والترمذي والنسائي وقال لا بأس وابن ماجة مات سنة 244 أربع وأربعين ومائتين (عن
76

قتادة) بن دعامة السدوسي البصري ثقة ثبت يقال ولد أكمه وهو رأس الطبقة الرابعة قال ابن
المسيب ما أتانا عراقي أحفظ من قتادة وقال ابن سيرين قتادة أحفظ الناس وقال ابن مهدي
قتادة أحفظ الناس وقال ابن مهدي قتادة أحفظ من خمسين مثل حميد توفي سنة 117 سبع عشرة ومائة وقد احتج به أرباب
الصحاح كذا في التقريب والخلاصة قلت لكنه مدلس (عن معاذة) بنت عبد الله العدوية أم
الصهباء البصرية العابدة قال ابن معين ثقة حجة روت عن علي وعائشة وعنها أبو قلابة ويزيد
الرشك وأيوب وطائفة قال الذهبي بلغني أنها كانت تحيي الليل وتقول عجبت لعين تنام وقد
علمت طول الرقاد في القبور قال ابن الجوزي توفيت سنة 38 ثلاث وثمانون
قوله (قالت) أي للنساء (أي يستطيبوا) أي أن يستنجوا والاستطابة الاستنجاء (فأني
استحييهم) أي من بيان هذا الأمر (كان يفعله) أي الاستنجاء بالماء
قوله (وفي الباب عن جرير بن عبد الله البجلي وأنس وأبي هريرة) أما حديث جرير ابن
عبد الله فأخرجه ابن خزيمة في صحيحه من حديث إبراهيم بن جرير عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل
الغيضة فقضى حاجته فأتاه جرير بأداوة من ماء فاستنجى منها ومسح يده بالتراب قال الحافظ في
التقريب إبراهيم بن جرير بن عبد الله البجلي صدوق إلا إنه لم يسمع من أبيه وقد روى عنه
بالعنعنة وجاءت رواية بصريح التحديث لكن الذنب لغيره وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان
بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي أداوة من ماء وعنزة فيستنجي
بالماء وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة مرفوعا قال نزلت هذه الآية
في أهل قباء فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين قال كانوا يستنجون بالماء فنزلت
فيهم هذه الآية وسنده ضعيف وفي الباب أحاديث صحيحة أخرى ومن هنا ظهر أن قوله من
قال من الأئمة إنه لم يصح في الاستنجاء بالماء حديث ليس بصحيح
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي
قوله (وعليه العمل عند أهل العلم يختارون الاستنجاء بالماء وإن كان الاستنجاء
77

بالحجارة يجزئ عندهم إلخ) قال العيني مذهب جمهور السلف والخلف والذي أجمع عليه أهل
الفتوى من أهل الأمصار الأفضل أن يجمع بين الماء والحجر فيقدم الحجر أولا ثم يستعمل
الماء فتخف النجاسة وتقل مباشرتها بيده ويكون أبلغ في النظافة فإن أراد الاقتصار على أحدهما
فالماء أفضل لكونه يزيل عين النجاسة وأثرها والحجر يزيل العين دون الأثر لكنه معفو عنه في
حق نفسه وتصح الصلاة معه انتهى كلام العيني
اعلم أن الإمام البخاري قد بوب في صحيحه باب الاستنجاء بالماء وذكر فيه حديث أنس
المذكور قال الحافظ في الفتح أراد البخاري بهذه الترجمة الرد على من كرهه وعلى من لغي وقوعه
من النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه
سئل عن الاستنجاء بالماء فقال إذا لا يزال في يدي نتن وعن نافع عن ابن عمر كان لا يستنجي
بالماء وعن ابن الزبير قال ما كنا نفعله ونقل ابن التين عن مالك أنه أنكر أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم
استنجى بالماء وعن ابن حبيب من المالكية أنه منع الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم انتهى
قلت لعل الترمذي أيضا أراد ما أراد البخاري والله تعالى أعلم
باب ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب
20 - قوله (نا عبد الوهاب الثقفي) هو عبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت أبو محمد
البصري ثقة تغير قبل موته بثلاث سنين روى عن حميد وأيوب وخالد الحذاء وخلق وعنه أحمد
وإسحاق وابن معين والمديني ومن القدماء الشافعي قال ابن المديني ليس في الدنيا كتاب عن
يحيى الأنصاري أصح من كتاب عبد الوهاب مات سنة 491 أربع وتسعين
ومائة (عن محمد بن
عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي المدني صدوق له أوهام قاله الحافظ في التقريب وقال في
تهذيب التهذيب روى عن أبيه وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعبيدة بن سفيان وذكر كثيرا من
شيوخه ثم ذكر أقوال أئمة الحديث فيه وحاصلها ما قال في التقريب من أنه صدوق له أوهام
78

(عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري قيل اسمه عبد الله وقيل إسماعيل ثقة مكثر
من الثالثة كذا في التقريب (عن المغيرة بن شعبة) بن مسعود بن معتب الثقفي صحابي مشهور
أسلم قبل الحديبية وولي إمرة البصرة ثم الكوفة كذا في التقريب
قوله (فأبعد في المذهب) بفتح الميم أي فأبعد في الذهاب عند قضاء الحاجة وفي رواية أبي
داود كان إذا ذهب المذهب أبعد قال الشيخ ولى الدين العراقي بفتح الميم وإسكان الذال مفعل
من الذهاب ويطلق على معنين أحدهما المكان الذي يذهب إليه والثاني المصدر يقال ذهب ذهابا
ومذهبا فيحمل أن يراد المكان فيكون التقدير إذا ذهب في المذهب أي موضع التغوط ويحتمل
أن يراد المصدر أي ذهب مذهبا والاحتمال الأول هو المنقول عن أهل العربية وقال به أبو عبيد
وغيره وجزم به في النهاية ويوافق الاحتمال الثاني قوله في رواية الترمذي أتى حاجته فأبعد في
المذهب فإنه يتعين فيها أن يراد بالمذهب المصدر انتهى
قوله (وفي الباب عن عبد الرحمن بن أبي قراد) بضم القاف وتخفيف الراء الأنصاري
صحابي له حديث ويقال له ابن الفاكه وأخرج حديثه النسائي وابن ماجة قال خرجت مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى الخلاء وكان إذا أراد الحاجة أبعد هذا لفظ النسائي (وأبي قتادة وجابر ويحيى بن عبيد
عن أبيه وأبي موسى وابن عباس وبلال بن الحارث) أما حديث أبي قتادة فلم أقف عليه وأما
حديث جابر فأخرجه ابن ماجة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأتي
البراز حتى يتغيب فلا يرى وأخرجه أيضا أبو داود قال المنذري فيه إسماعيل بن عبد الملك
الكوفي نزيل مكة قد تكلم فيه غير واحد وأما حديث ابن عباس فأخرجه الطبراني في الأوسط
وفيه سعد بن طريف اتهم بالوضع كذا في مجمع الزوائد وأما حديث بلال بن الحارث فأخرجه
ابن ماجة وفيه كثير بن عبد الله ابن عمرو بن عوف وقد أجمعوا على ضعفه وقد حسن الترمذي
حديثه
قوله (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الدارمي وأبو داود والنسائي وابن ماجة
وسكت عنه أبو داود ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره
79

قوله (وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرتاد لبوله مكانا) أي يطلب مكانا لينا لئلا يرجع إليه
رشاش بوله يقال راد وارتاد واستراد كذا في النهاية للجزري ولم أقف على من أخرج هذا
الحديث بهذا اللفظ وقد أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبوأ
لبوله كما يتبوأ لمنزله قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد بعد ذكره هو من رواية يحيى بن
عبيد بن رجى عن أبيه قال ولم أر من ذكرهما وبقية رجاله موثقون انتهى وأخرج أبو داود عن
أبي موسى قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأراد أن يبول فأتى دمثا في أصل جدار فبال ثم قال إذا
أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله
قوله (اسمه عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري) قال في التقريب أبو سلمة ابن
عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني قيل اسمه عبد الله وقيل اسمه إسماعيل ثقة مكثر من
الثالثة يعني من الطبقة الوسطى من التابعين وقال في الخلاصة قال عمرو ابن علي ليس له
اسم روى عن أبيه وأسامة بن زيد وأبي أيوب وخلق وعنه عمرو وعروة والأعرج والشعبي
والزهري وخلق قال ابن سعد كان ثقة فقيها كثير الحديث ونقل أبو عبد الله الحاكم أنه أحد
الفقهاء السبعة انتهى
باب ما جاء في كراهية البول في المغتسل
21 - قوله (وأحمد بن محمد بن موسى) المروزي أبو العباس السمسار مردويه الحافظ
عن بن المبارك وجرير بن عبد الحميد وإسحاق الأزرق وعنه البخاري والترمذي والنسائي وقال
لا بأس به مات سنة 532 خمس وثلاثين ومائتين قال الحافظ ابن حجر هو المعروف بمردويه
ثقة حافظ انتهى وفي المغني لصاحب مجمع البحار مردويه بمفتوحة وسكون راء وضم مهملة
وبتحتية لقب أحمد بن محمد (قالا أنا عبد الله بن المبارك تقدم ترجمته في المقدمة (عن معمر)
تقدم (عن أشعت) بن عبد الله بن جابر أبي عبد الله البصري عن أنس وشهرين حوشب
80

وغيرهما وعنه معمر وشعبة وغيرهما وثقة النسائي وغيره وأورده العقيلي في الضعفاء وقال في
حديثه وهم قال الذهبي قول العقيلي في حديثه وهم ليس بمسلم وأنا أتعجب كيف لم يخرج له
الشيخان وقال الشيخ ولي الدين العراقي لا يعتبر بما وقع في أحكام عبد الحق من أن أشعث لم
يسمعه من الحسن فإنه وهم (عن الحسن) بن أبي الحسن يسار البصري ثقة فقيه فاضل مشهور
يرسل كثيرا ويدلس وهو رأس أهل الطبقة الثالثة قال البزار كان يروي عن جماعة لم يسمع منهم
فيتجوز ويقول حدثنا وخطبنا يعني قومه الذين حدثوا وخطبوا بالبصرة كذا في التقريب قال
الشيخ ولي الدين العراقي قد صرح أحمد بن حنبل بسماع الحسن من عبد الله بن مغفل
قوله (نهى أن يبول الرجل في مستحمه) أي في مغتسله كما جاء في الحديث الذي أشار إليه
الترمذي وقد ذكرنا لفظه قال الجزري في النهاية المستحم الموضع الذي يغتسل فيه بالحميم
وهو في الأصل الماء الحار ثم قيل للاغتسال بأي ماء كان استحمام وإنما نهى عن ذلك إذا لم يكن له
مسلك يذهب فيه البول أو كان المكان صلبا فيوهم المغتسل أنه أصابه منه شئ فيحصل منه
الوسواس انتهى (وقال إن عامة الوسواس) بكسر الواو الأولى وفي رواية أبي داود فإن عامة
الوسواس (منه) أي من البول أي من البول في المستحم أي أكثر الوسواس يحصل من البول في
المغتسل لأنه يصير الموضع نجسا فيقع في قلبه وسوسة بأنه هل أصابه شئ من رشاشة أم لا قال
الجزري في النهاية وسوست إليه نفسه وسوسة ووسوسا بالكسر وهو بالفتح الاسم والوسواس
أيضا اسم للشيطان انتهى
قوله (وفي الباب عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) أخرجه أبو داود بلفظ نهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم أو يبول في مغتسله وأخرجه النسائي مختصرا وسكت عنه أبو داود
والمنذري
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وسكت عنه أبو داود
والمنذري
81

قوله (ورخص فيه بعض أهل العلم منهم ابن سيرين) هو محمد بن سيرين الأنصاري أبو
بكر بن أبي عمرة البصري ثقة ثبت عابد كبير القدر كان لا يرى الرواية بالمعنى من الثالثة مات سنة
110 عشر ومائة كذا في التقريب وكره ذلك آخرون واستدلوا عليه بحديث الباب وقولهم هو
الراجح الموافق لحديث الباب قال الشوكاني في النيل وربط النهي بعلة إفضاء المنهي عنه إلى
الوسوسة يصلح قرينة تصرف النهي عن التحريم إلى الكراهة (قيل له) أي لابن سيرين (يقال إن
عامة الوسواس منه فقال ربنا الله لا شريك له) قال أبو الطيب السندي في شرحه للترمذي فهو
المتوحد في خلقه لا دخل للبول في المغتسل في شئ من الخلق قال بعض العلماء في جوابه إن الله
تعالى جعل للأشياء أسبابها فلا بد من التجنب عن الأسباب القبيحة أقول علم قبحه بنهي
الشارع عنه انتهى كلام أبي الطيب (وقال ابن المبارك قد وسع في البول في المغتسل إذا جرى فيه
الماء) قال الحافظ ولي الدين العراقي حمل جماعة من العلماء هذا الحديث على ما إذا كان المغتسل
لينا وليس فيه منفذ بحيث إذا نزل فيه البول شربته الأرض وإذا استقر فيها فإن كان صلبا ببلاط
ونحوه بحيث يجري عليه البول ولا يستقر أو كان فيه منفذ كالبلوعة ونحوها فلا نهي روى ابن
أبي شيبة عن عطاء قال إذا كان يسيل فلا بأس وقال ابن ماجة في سننه سمعت علي بن محمد
الطنافسي يقول إنما هذا في الحفيرة فأما اليوم لمغتسلاتهم الجص والقير فإذا بال فأرسل عليه
فلا بأس به وقال النووي إنما نهى عن الاغتسال فيه إذا كان صلبا يخاف منه إصابة رشاشة فإن
كان لا يخاف ذلك بأن يكون له منفذ أو غير ذلك فلا كراهة قال الشيخ ولي الدين وهو عكس ما
ذكره الجماعة فإنهم حملوا النهي على الأرض اللينة وحمله هو على الصلبة وقد لمح هو معنى آخر وهو
أنه في الصلبة يخشى عود الرشاش بخلاف الرخوة وهم نظروا إلى أنه في الرخوة يستقر موضعه وفي
الصلبة يجري ولا يستقر فإذا صب عليه الماء ذهب أثره بالكلية انتهى والذي قاله النووي سبقه
إليه صاحب النهاية كما عرفت آنفا
قلت والأولى أن يحمل الحديث على إطلاقه ولا يقيد المستحم بشئ من القيود فيحترز عن
البول في المغتسل مطلقا سواء كان له مسلك أم لا سواء كان
المكان صلبا أو لينا فإن الوسواس قد
يحصل من البول في المغتسل الذي له مسلك أيضا وكذلك قد يحصل الوسواس منه في
82

المغتسل اللين والصلب كما لا يخفى
قوله (حديثا بذلك) أي بقول ابن المبارك المذكور (أحمد بن عبدة الآملي) بالمد وضم الميم
يكنى أبا جعفر صدوق من الحادية عشرة روى عنه داود والترمذي (عن حبان) بكسر الحاء
المهملة وشدة الموحدة هو حبان بن موسى بن سوار السلمي أبو محمد المروزي عن ابن المبارك
وأبي حمزة السكري وعنه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي قال ابن معين لا بأس به وذكره
ابن حبان في الثقات كذا في الخلاصة وقال الحافظ ثقة
باب ما جاء في السواك
هو بكسر السين على الأفصح ويطلق على الآلة وعلى الفعل وهو المراد هنا
22 - قوله (حدثنا أبو كريب) هو محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي مشهور
بكنيته ثقة حافظ من العاشرة روى عنه الأئمة الستة (عن أبي سلمة) هو أبو سلمة بن عبد
الرحمن بن عوف الزهري
قوله (لولا أن أشق على أمتي) أي لولا أن أثقل عليهم المشقة وهي الشدة قاله في
النهاية يقال شق عليه أي ثقل أو حمله من الأمر الشديد ما يشق ويشتد عليه والمعنى لولا خشية
وقوع المشقة عليهم أو أن مصدرية في محل الرفع على الابتداء والخبر محذوف وجوبا أي لولا المشقة
موجودة (لأمرتهم) أي وجوبا (بالسواك) أي باستعمال السواك لأن السواك هو الآلة ويستعمل في
الفعل أيضا (عند كل صلاة) قال القاري في المرقاة أي عند وضوئها لما روى ابن خزيمة في صحيحه
والحاكم وقال صحيح الإسناد والبخاري تعليقا في كتاب الصوم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء ولخبر أحمد وغيره لولا أن أشق على
أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل طهور فتبين موضع السواك
عند كل صلاة والشافعية يجمعون بين
83

الحديثين بالسواك في ابتداء كل منهما ثم اعلم أن ذكر الوضوء والطهور بيان للمواضع التي يتأكد
استعمال السواك فيها أما أصل استحبابه فلا يتقيد بوقت ولا سبب نعم باعتبار بعض الأسباب
يتأكد استحبابه كتغير الفم بالأكل أو بسكوت طويل ونحوهما وإنما لم يجعله علماؤنا من سنن
الصلاة نفسها لأنه مظنة جراحة اللثة وخروج الدم وهو ناقض عندنا فربما يفضي إلى حرج ولأنه لم
يروا أنه عليه الصلاة والسلام استاك عند قيامه إلى الصلاة فيحمل قوله عليه الصلاة والسلام
لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة على كل وضوء بدليل رواية أحمد والطبراني لأمرتهم بالسواك عند
كل وضوء أو التقدير لولا وجود المشقة عليهم بالسواك عند كل صلاة لأمرتهم به لكني لم آمر به
لأجل وجودها وقد قال بعض علمائنا من الصوفية في نصائحه العبادية ومنها مداومة السواك
لا سيما عند الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة أو عند كل
صلاة رواه الشيخان وروى أحمد أنه عليه الصلاة والسلام قال صلاة بسواك أفضل من سبعين
صلاة بغير سواك والباء للالصاق أو المصاحبة وحقيقتهما فيما اتصل حسا أو عرفا وكذا حقيقة
كلمة مع وعند والنصوص محمولة على ظواهرها إذا أمكن وقد أمكن ههنا فلا مساغ إذا على حل
الحمل على المجاز أو تقدير مضاف كيف وقد ذكر السواك عند نفس الصلاة في بعض كتب
الفروع المعتبرة قال في التتارخانية نقلا عن التتمة ويستحب السواك عندنا عند كل صلاة
ووضوء وكل شئ يغير الفم وعند اليقظة انتهى
وقال الفاضل المحقق ابن الهمام في شرح الهداية ويستحب في خمسة مواضع اصفراء
السن وتغير الرائحة والقيام من النوم والقيام إلى الصلاة وعند الوضوء انتهى فظهر أن ما ذكر في
الكتب من تصريح الكراهة عند الصلاة معللا بأنه قد يخرج الدم فينتقض الوضوء ليس له وجه
نعم من يخاف ذلك فليستعمل بالرفق على نفس الأسنان واللسان دون اللثة وذلك لا يخفى انتهى
كلام القاري
قلت حديث أبي هريرة المذكور في الباب ورد بألفاظ قال المنذري في الترغيب عن أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة رواه
البخاري واللفظ له ومسلم إلا أنه قال عند كل صلاة والنسائي
وابن حبان في صحيحه إلا أنه
قال مع الوضوء عند كل صلاة ورواه أحمد وابن خزيمة في صحيحه وعندهما لأمرتهم بالسواك
مع كل وضوء انتهى ما في الترغيب وذكر الحافظ في بلوغ المرام حديث أبي هريرة لفظ لولا أن
أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء وقال أخرجه مالك وأحمد والنسائي وصححه ابن
خزيمة وذكره البخاري تعليقا انتهى فلو يحمل قوله صلى الله عليه وسلم عند كل صلاة على كل وضوء كما قال
84

القاري وغيره يرد عليه ما ذكره بعض علماء الحنفية من الصوفية ولو يحمل على ظاهره ويقال
باستحباب السواك عند نفس الصلاة أيضا ويجمع بين الروايتين كما قال الشافعية وبعض العلماء
الحنفية من الصوفية لا يرد عليه شئ وهو الظاهر فهو الراجح فقد حمله رواية زيد بن خلد
الجهني على ظاهره كما رواه الترمذي في هذا الباب وروى الخطيب في كتاب أسماء من روى عن
مالك من طريق يحيى بن ثابت عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال كان
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سوكهم على آذانهم يستنون بها لكل صلاة وروى عن ابن أبي شيبة عن
صالح بن كيسا أن عبادة بن الصامت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يروحون والسواك على
آذانهم
قال الشيخ العلامة شمس الحق رحمه الله في غاية المقصود ما لفظه وأحاديث الباب مع ما
أخرجه مالك وأحمد والنسائي وصححه ابن خزيمة وذكره البخاري تعليقا عن أبي هريرة عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء تدل على مشروعية
السواك عند كل وضوء وعند كل صلاة فلا حاجة إلى تقدير العبارة بأن يقال أي عند كل وضوء
وصلاة كما قدرها بعض الحنفية بل في هذا رد السنة الصحيحة الصريحة وهي السواك عند
الصلاة وعلل بأنه لا ينبغي عمله في المساجد لأنه من إزالة المستقذرات وهذا التعليل مردود
لأن الأحاديث دلت على استحبابه عند كل صلاة وهذا لا يقتضي أن لا يعمل إلا في المساجد حتى
يتمشى هذا التعليل بل يجوز أن يستاك ثم يدخل المسجد للصلاة كما روى الطبراني في معجمه
عن صالح بن أبي صالح عن زيد بن خالد الجهني قال ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من بيته
لشئ من الصلوات حتى يستاك انتهى
وإن كان في المسجد فأراد أن يصلي جاز أن يخرج من المسجد ثم يستاك ثم يدخل
ويصلي ولو سلم فلا نسلم أنه من إزالة المستقذرات كيف وقد تقدم أن زيد بن خالد الجهني
كان يشهد الصلوات في المساجد وسواكه على أذنه موضع القلم من أذن الكاتب لا يقوم إلى
الصلاة إلا استن ثم رده إلى موضعه وأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سوكهم خلف آذانهم يستنون
بها لكل صلاة وأن عبادة بن الصامت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
كانوا يروحون والسواك على
آذانهم انتهى
قلت كلام الشيخ شمس الحق هذا كلام حسن طيب لكن صاحب الطيب الشذي لم
يرض به فنقل شيئا منه وترك أكثره ثم تفوه بما يدل على أنه لم يفهم كلامه المذكور أو له تعصب
شديد يحمله على مثل هذا التفوه
85

وأما حديث أحمد الذي ذكره القاري بلفظ صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير
سواك فلم أقف على هذا اللفظ نعم روى أحمد وغيره عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فضل
الصلاة بالسواك على الصلاة بغير سواك سبعون ضعفا قال المنذري بعد ذكره رواه أحمد
والبزار وأبو يعلى وابن خزيمة في صحيحه وقال في القلب من هذا الخبر شئ فإني أخاف أن
يكون محمد بن إسحاق لم يسمعه من ابن شهاب ورواه الحاكم وقال صحيح الإسناد كذا قال
ومحمد بن إسحاق إنما أخرج له مسلم في المتابعات وعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال لأن أصلي ركعتين بسواك أحب إلى من أن أصلي سبعين ركعة بغير سواك رواه أبو نعيم
في كتاب السواك بإسناد جيد وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان بالسواك أفضل من
سبعين ركعة بغير سواك رواه أبو نعيم أيضا بإسناد صحيح انتهى ما في الترغيب
قوله (وأما محمد) بن إسماعيل البخاري (فزعم أن حديث أبي سلمة عن زيد بن خالد
أصح)
قال الحافظ في فتح الباري حكى الترمذي عن البخاري أنه سأله عن رواية محمد بن
عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة ورواية محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن زيد بن خالد
فقال رواية محمد بن إبراهيم أصح قال الترمذي كلا الحديثين صحيح عندي قلت رجح
البخاري عن طريق محمد بن إبراهيم لأمرين أحدهما أن فيه قصة وهي قول أبي سلمة فكان
زيد بن خالد يضع السواك منه موضع القلم من أذن الكاتب فكلما قام إلى الصلاة استاك
ثانيهما أنه توبع فأخرج الإمام أحمد من طريق يحيى بن أبي كثير حدثنا أبو سلمة عن زيد بن
خالد فذكر نحوه انتهى كلام الحافظ
86

قوله (وفي الباب عن أبي بكر الصديق وعلي وعائشة وابن عباس وحذيفة وزيد بن
خالد وأنس وعبد الله بن عمرو وأم حبيبة وابن عمر وأبي أمامة وأيوب وتمام بن عباس
وعبد الله بن حنظلة وأم سلمة وواثلة وأبي موسى) أما حديث أبي بكر رضي الله عنه فأخرجه
أحمد وأبو يعلى مرفوعا بلفظ السواك مطهرة للفم مرضاة للرب قال الحافظ الهيثمي في مجمع
الزوائد رجاله ثقات إلا أن عبد الله بن محمد لم يسمع من أبي بكر وأما حديث علي فأخرجه
الطبراني في الأوسط بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل
وضوء قال الهيثمي فيه ابن إسحاق وهو ثقة مدلس وقد صرح بالتحديث وإسناده حسن
انتهى وقد حسن إسناده أيضا المنذري في الترغيب
وأما حديث عائشة فأخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما بمثل حديث
أبي بكر المذكور وأخرجه البخاري معلقا مجزوما قال المنذري وتعليقات البخاري المجزومة
صحيحة انتهى ولعائشة أحاديث أخرى في السواك وأما حديث ابن عباس فأخرجه الطبراني
في الكبير والأوسط بمثل حديث أبي بكر المذكور وزاد فيه ومجلاة للبصر ولابن عباس أحاديث
أخرى في السواك وأما حديث حذيفة فأخرجه الشيخان بلفظ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام للتهجد
من الليل يشوس فاه بالسواك وأما حديث زيد بن خالد فأخرجه أبو داود والترمذي وأما حديث
أنس فأخرجه البخاري بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أكثرت عليكم
في السواك ولأنس أحاديث في السواك وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو نعيم في كتاب
السواك بلفظ لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك بالأسحار وفي إسناد ابن لهيعة وأما
حديث أم حبيبة فأخرجه أحمد وأبو يعلى بلفظ قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لولا أن أشق
على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة قال الهيثمي رجاله ثقات وأما حديث ابن عمر
فأخرجه أحمد مرفوعا بلفظ عليكم بالسواك فإنه مطيبة للفم مرضاة للرب تبارك وتعالى وفي
إسناده ابن لهيعة ولابن عمر أحاديث أخرى في السواك وأما حديث أبي أمامة فأخرجه ابن ماجة
مرفوعا بلفظ تسوكوا فإن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ما جاءني جبريل إلا أوصاني
بالسواك الحديث وأما حديث أبي أيوب فأخرجه
أحمد والترمذي مرفوعا بلفظ أربع من سنن
المرسلين الختان والتعطر والسواك والنكاح وأما حديث تمام ابن عباس فأخرجه أحمد والطبراني في
87

الكبير مرفوعا بلفظ ما لكم تدخلون على قلحا استاكوا فلولا أن أشق على أمتي لأمرتهم
بالسواك عند كل طهور هذا لفظ الطبراني قال الهيثمي فيه أبو علي الصيقل وهو مجهول وأما
حديث عبد الله بن حنظلة فلم أقف عليه وأما حديث أم سلمة فأخرجه الطبراني قالت
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال جبريل يوصيني بالسواك حتى خفت على أضراسي قال المنذري
إسناده لين وأما حديث واثلة وهو ابن الأسقع فأخرجه أحمد والطبراني مرفوعا بلفظ قال أمرت
بالسواك حتى خشيت أن يكتب علي قال المنذري فيه ليث بن سليم وأما حديث أبي موسى
فأخرجه الشيخان في السواك على طرف اللسان
أعلم أنه قد جاء في السواك أحاديث كثيرة عن هؤلاء الصحابة المذكورين وغيرهم رضوان
الله عليهم في الصحاح وغيرها ذكرها الحافظ عبد العظيم المنذري في الترغيب والحافظ الهيثمي
في موضعين من كتابه مجمع الزوائد والحافظ ابن حجر في التلخيص والشيخ على المتقي في كنز
العمال من شاء الاطلاع عليها فليرجع إلى هذه الكتب
23 - قوله (نا عبدة) تقدم (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد التيمي أبو
عبد الله المدني ثقة له أفراد من الرابعة روى عن أنس وجابر وغيرهما وعنه يحيى بن أبي كثير
وابن إسحاق وعدة قال ابن سعد كان فقيها محدثا وقال أحمد يروي مناكير ووثقه ابن معين وأبو
حاتم والنسائي وابن خراش توفي سنة 021 عشرين ومائة
قوله (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك) أي بفرضيته أي لولا مخافة المشقة عليهم
بالسواك عند كل صلاة لأمرت به وفرضت عليهم لكن لم آمر به ولم أفرض عليهم لأجل خوف
المشقة قال القاضي أبو بكر بن العربي في العارضة اختلف العلماء في السواك فقال إسحاق إنه
واجب ومن تركه عمدا أعاد الصلاة وقال الشافعي سنة من سنن الوضوء واستحبه مالك في
كل حال يتغير فيه الفم وأما من أوجبه فظاهر الأحاديث تبطل قوله فأما القول بأنه سنة أو
مستحب فمتعارف وكونه سنة أقوى انتهى (ولأخرت العشاء إلى ثلث الليل) يأتي الكلام عليه في
موضعه (قال) أي أبو سلمة (فكان زيد بن خالد) راوي الحديث (يشهد الصلوات) أي الخمس
أي يحضرها (في المسجد) للجماعة (وسواكه على أذنه) بضم الذال ويسكن والجملة حال (موضع
88

القلم من أذن الكاتب) أي والحال أن سواكه كان موضوعا على أذنه موضع القلم من أذن الكاتب
(لا يقوم إلى الصلاة إلا استن) أي استاك والاستنان استعمال السواك (ثم رده) أي السواك (إلى
موضعه) أي من الأذن وفي رواية أبي داود قال أبو سلمة فرأيت زيدا يجلس في المسجد وإن
السواك من أذنه موضع القلم من أذن الكاتب فكلما قام إلى الصلاة استاك قال القاري في
المرقاة قد انفرد زيد بن خالد به فلا يصلح حجة أو استاك لطهارتها انتهى
قلت فيه أنه لم ينفرد به زيد بن خالد كما عرفت ثم صنيعه هذا يدل عليه ظاهر حديث
الباب وليس ينفيه شئ من الأحاديث المرفوعة فكيف لا يكون حجة
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود
باب ما جاء إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء
24 - قوله (حدثنا أبو الوليد أحمد بن بكار) بفتح الموحدة وتشديد الكاف هو أحمد بن
عبد الرحمن بن بكار بن عبد الملك بن الوليد بن أبي أرطاة قال الحافظ صدوق وتكلم فيه بلا
حجة (من ولد بسر بن أرطاة) بضم الواو وسكون اللام جمع ولد بسر بضم الموحدة وسكون
المهملة ويقال له بسر بن أبي أرطاة (قال نا الوليد بن مسلم) القرشي مولاهم أبو العباس
الدمشقي ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية روى عن ابن عجلان والأوزاعي وغيرهما وعنه
أحمد وإسحاق وابن المديني وخلق مات سنة 591 خمس وتسعين ومائة (عن الأوزاعي) اسمه عبد
الرحمن بن عمرو بن أبي عمرو الفقيه ثقة جليل قال ابن سعد كان ثقة مأمونا فاضلا خيرا كثير
الحديث والعلم والفقه قال إسحاق إذا اجتمع الأوزاعي والثوري ومالك على الأمر فهو سنة
مات سنة 751 سبع وخمسين ومائة (عن الزهري)
اسمه محمد بن مسلم بن عبيد الله بن
عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري وكنيته أبو بكر
89

الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه وهو من رؤوس الطبقة الرابعة كذا في التقريب
ومحمد بن مسلم هذا معروف بالزهري وابن شهاب (عن سعيد بن المسيب) بن حزن أبي
وهب بن عمرو القرشي المخزومي أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار من كبار الثانية قال ابن
المديني لا أعلم في التابعين أوسع علما منه مات بعد التسعين وقد ناهز الثمانين كذا في التقريب
(وأبي سلمة) هو ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني أحد الأعلام قال عمرو بن علي ليس
له اسم روى عن أبيه وأسامة بن زيد وأبي أيوب وأبي هريرة وغيرهم وعنه ابنه عمر وعروة
والأعرج والزهري وغيرهم قال ابن سعد كان ثقة فقيها كثير الحديث مات سنة 49 أربع
وتسعين وكان مولده في بضع وعشرين
قوله (إذا استيقظ أحدكم من الليل) كذا في رواية الترمذي وابن ماجة وفي رواية
الشيخين إذا استيقظ أحدكم من نومه وليس في روايتهما من الليل (فلا يدخل) من الإدخال وفي
رواية الشيخين فلا يغمس (يده في الإناء) أي في إناء الماء (حتى يفرغ) من الإفراغ أي حتى يصب
الماء (عليها) أي على يده (مرتين أو ثلاثا) وفي رواية مسلم وغيره حتى يغسلها ثلاثا وفي حديث
ابن عمر عند الدارقطني حتى يغسلها ثلاث مرات (فإنه لا يدري أين باتت يده) روى النووي عن
الشافعي وغيره من العلماء أن أهل الحجاز كانوا يستنجون بالحجارة وبلادهم حارة فإذا ناموا
عرقوا فلا يؤمن أن تطوف يده على موضع النجاسة أو على بثرة أو قملة والنهي عن الغمس قبل
غسل اليد مجمع عليه لكن الجماهير على أنه نهي تنزيه لا تحريم فلو غمس لم يفسد الماء ولم يأثم
الغامس وقال التوبشتي هذا في حق من بات مستنجيا بالأحجار معروريا ومن بات على خلاف
ذلك ففي أمره سعة ويستحب له أيضا غسلها لأن السنة إذا وردت لمعنى لم تكن لتزول بزوال
ذلك المعنى كذا في المرقاة
قوله (وفي الباب عن ابن عمر وجابر وعائشة) أما حديث ابن عمر فأخرجه الدارقطني
وقال إسناده حسن ولفظه إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها
ثلاث مرات فإنه لا يدري أين باتت يده أو أين طافت يده وأما حديث جابر فأخرجه ابن ماجة
والدارقطني وأما حديث عائشة فأخرجه ابن أبي حاتم في العلل وحكى عن أبيه أنه وهم كذا في
النيل
90

قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما
قوله (قال الشافعي وأحب لكل من استيقظ من النوم قائلة كانت أو غيرها أن لا يدخل
يده في وضوئه فإن أدخل يده قبل أن يغسلها كرهت ذلك له ولم يفسد ذلك الماء إذا لم يكن على يده
نجاسة) فحمل الشافعي حديث الباب على الاستحباب وهو قول الجمهور قال ابن تيمية في
المنتقى وأكثر العلماء حملوا هذا يعني حديث الباب على الاستحباب مثل ما روى أبو هريرة أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات فإن الشيطان يبيت على
خياشيمه متفق عليه انتهى قال الشوكاني في النيل وإنما مثل المصنف محل النزاع بهذا الحديث
لأنه قد وقع الاتفاق على عدم وجوب الاستنثار عند الاستيقاظ ولم يذهب إلى وجوبه أحد انتهى
وقال أحمد ابن حنبل إذا استيقظ من الليل فأدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها فأعجب إلى أن
يهريق الماء قال في المرقاة ذهب الحسن البصري والإمام أحمد في إحدى الروايتين إلى الظاهر
وحكما بنجاسة الماء كذا نقله الطيبي قال الشمني عن عروة بن الزبير أحمد بن جنبل وداود
أنه يجب على المستيقظ من نوم الليل غسل اليدين لظاهر الحديث انتهى ما في المرقاة وقال النووي
في شرح مسلم تحت حديث الباب فيه النهي عن غمس اليد في الإناء قبل غسلها وهذا مجمع
عليه لكن الجماهير من العلماء المتقدمين والمتأخرين على أنه نهي تنزيه لا تحريم فلو خالف وغمس
لم يفسد الماء ولم يأثم الغامس وحكى أصحابنا عن الحسن البصري أنه ينحبس أن كان قام من نوم
الليل وحكاه أيضا عن إسحاق بن راهويه ومحمد بن جرير الطبري وهو ضعيف جدا فإن
الأصل في الماء واليد الطهارة فلا ينجس بالشك وقواعد الشرع متظاهرة على هذا قال ثم مذهبنا
ومذهب المحققين أن هذا الحكم ليس مخصوصا بالقيام من النوم بل المعتبر فيه الشك في نجاسة
اليد فمتى شك في نجاستها كره له غمسها في الإناء قبل غسلها سواء قام من نوم الليل أو النهار
أو شك في نجاستها من غير نوم وهذا مذهب جمهور العلماء وحكى عن أحمد بن حنبل رواية أنه
إن قام من نوم الليل كره كراهة تحريم وإن قام من نوم النهار كره كراهة تنزيه ووافقه عليه داود
الظاهري اعتمادا على لفظ المبيت في الحديث وهذا مذهب
ضعيف جدا فإن النبي صلى الله عليه وسلم نبه على
العلة بقوله فإنه لا يدري أين باتت يده ومعناه أنه لا يأمن النجاسة على يده أو هذا عام لوجود
91

احتمال النجاسة في نوم الليل والنهار وفي اليقظة وذكر الليل أولا لكونه الغالب ولم يقتصر عليه
خوفا من توهم أنه مخصوص به بل ذكر العلة بعده انتهى كلام النووي (وقال إسحاق) هو ابن
راهويه (إذا استيقظ من النوم بالليل أو النهار فلا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها) فلم يخص
إسحاق بن راهويه الحكم بالاستيقاظ من نوم الليل كما خصه به الإمام أحمد
قلت القول الراجح عندي هو ما ذهب إليه إسحاق والله تعالى أعلم وأما إذا أدخل يده
في الإناء قبل غسلها فهل صار الماء نجسا أم لا فالظاهر أن الماء صار مشكوكا فحكمه حكم الماء
المشكوك والله تعالى أعلم
واعلم أن الجمهور اعتذروا عن حمل حديث الباب على الوجوب بأعذار لا يطمئن بواحد
منها قلبي فمن اطمأن بها قلبه فليقل بما قال به الجمهور
باب في التسمية عند الوضوء
ورد في هذا الباب أحاديث كثيرة واختلف أئمة الحديث في صحتها وضعفها فقال بعضهم
كل ما روي في هذا الباب فهو ليس بقوي وقال بعضهم لا يخلو هذا الباب من حسن صريح
وصحيح غير صريح وقال الحافظ ابن حجر والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل
على أن له أصلا انتهى
قلت الأمر كما قال الحافظ ومقتضى أحاديث الباب هو الوجوب والله تعالى أعلم
25 - قوله (حدثنا نصر بن علي) بن نصر بن علي الجهضمي ثقة ثبت طلب للقضاء
فامتنع من العاشرة كذا في التقريب وقال في الخلاصة أحد أئمة البصرة روى عن المعتمر
ويزيد بن زريع وابن عيينة وخلق وعنه ع يعني الأئمة الستة قال أبو حاتم هو عندي أوثق من
92

الفلاس وأحفظ قال البخاري مات سنة 052 خمسين ومائتين
(وبشر بن معاذ) البصري الضرير يكنى أبا سهل صدوق من العاشرة (والعقدي) بفتح
المهملة والقاف (نا بشر بن المفضل بن لاحق الرقاشي أبو إسماعيل البصري ثقة ثبت عابد من
الثامنة)
(عن عبد الرحمن بن حرملة) بن عمرو بن سنة الأسلمي المدني صدوق ربما أخطأ (عن
أبي ثقال) بكسر المثلثة بعدها فاء (المري) بضم الميم وتشديد الراء اسمه ثمامة بن وائل بن حصين
وقد ينسب لجده وقيل اسمه وائل بن هاشم بن حصين وهو مشهور بكنيته مقبول من الخامسة كذا
في التقريب وقال في الخلاصة قال البخاري في حديثه نظر انتهى كذا في الخلاصة
(عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب) بفتح الراء وبالموحدة المدني قاضيها
قال في التقريب مقبول
(عن جدته) وفي رواية الحاكم حدثتني جدتي أسماء بنت سعيد بن زيد بن عمرو أنها سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحافظ في التقريب أسماء بنت سعيد بن زيد ابن عمرو بن نفيل لم تسم في
الكتابين يعني جامع الترمذي وسنن ابن ماجة وسماها البيهقي ويقال إن لها صحبة انتهى
وذكرها الحافظ الذهبي في الميزان في النسوة المجهولات (عن أبيها) هو سعيد بن زيد بن
عمرو بن نفيل العدوي أبو الأعور أحد العشرة
قوله (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) قال الشاه ولي الله الدهلوي في كتابه حجة الله
البالغة هو نص على أن التسمية ركن أو شرط ويحتمل أن يكون المعنى لا يكمل الوضوء لكن
لا أرتضي بمثل هذا التأويل فإنه من التأويل البعيد الذي يعود بالمخالفة على اللفظ انتهى
قلت لا شك في أن هذا الحديث نص على أن التسمية ركن للوضوء أو شرط له لأن ظاهر
قوله لا وضوء أنه لا يصح ولا يوجد إذ الأصل في النفي الحقيقة قال القاري في المرقاة قال
القاضي هذه الصيغة حقيقة في نفي الشئ ويطلق مجازا على الاعتداد به لعدم صحته كقوله عليه
الصلاة والسلام لا صلاة إلا بطهور وعلى نفي كماله كقوله عليه الصلاة والسلام لا صلاة
لجار المسجد إلا في المسجد وههنا محمولة على نفي الكمال خلافا لأهل الظاهر لما روى ابن عمر
93

وابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال من توضأ وذكر اسم الله كان طهورا لجميع بدنه ومن توضأ ولم يذكر اسم
الله عليه كان طهورا لأعضاء وضوئه والمراد بالطهارة من الذنوب لأن الحدث لا يتجزأ
انتهى
قلت حديث ابن عمر وابن مسعود هذا ضعيف رواه الدارقطني والبيهقي من حديث
ابن عمر وفيه أبو بكر الداهري عبد الله بن الحكم وهو متروك ومنسوب إلى الوضع ورواه
الدارقطني والبيهقي أيضا من حديث أبي هريرة وفيه مرداس بن محمد ابن عبد الله بن أبان عن
أبيه وهما ضعيفان ورواه الدارقطني والبيهقي أيضا من حديث ابن مسعود وفي إسناده يحيى بن
هشام السمسار وهو متروك فالحديث لا يصلح للاحتجاج فلا يصح الاستدلال به على أن
النفي في قوله صلى الله عليه وسلم لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه محمول على نفي الكمال
فإن قلت قد صرح ابن سيد الناس في شرح الترمذي بأنه قد روي في بعض الروايات لا
وضوء كاملا وقد استدل به الرافعي فهذه الرواية صريحة في أن المراد في قوله لا وضوء في حديث
الباب نفي الكمال
قلت قال الحافظ في التلخيص لم أره هكذا انتهى فلا يعلم حال هذه الرواية كيف
هي صالحة للاحتجاج أم لا والله تعالى أعلم
قوله (في الباب عن عائشة وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وسهل بن سعد وأنس) أما
حديث عائشة فأخرجه البزار وأبو بكر بن أبي شيبة في مسنديهما وابن عدي وفي إسناده حارثة بن
محمد وهو ضعيف وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي في العلل
والدارقطني وابن السكن والحاكم والبيهقي من طريق محمد ابن موسى المخزومي عن يعقوب بن
سلمة عن أبيه عن أبي هريرة بهذا اللفظ ورواه الحاكم من هذا الوجه فقال يعقوب بن أبي
سلمة وادعى أنه الماجشون وصححه لذلك فوهم والصواب أنه الليثي قال الحافظ قال
البخاري لا يعرف له سماع من أبيه ولا لأبيه من أبي هريرة وأبوه ذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما
أخطأ وهذه عبارة عن ضعفه فإنه قليل الحديث جدا ولم يرو عنه سوى ولده فإذا كان يخطئ مع
قلة ما روى فكيف يوصف بكونه ثقة قال ابن الصلاح انقلب إسناده على الحاكم فلا يحتج لثبوته
بتخريجه له وتبعه النووي وله طرق أخرى كلها ضعيفة وأما حديث أبي سعيد الخدري فأخرجه
أحمد والدارمي والترمذي
في العلل وابن ماجة وابن السكن والبزار والدارقطني والحاكم
94

والبيهقي بلفظ حديث الباب وزعم ابن عدي أن زيد بن الحباب تفرد به عن كثير بن زيد قال
الحافظ وليس كذلك فقد رواه الدارقطني من حديث أبي عامر العقدي وابن ماجة من حديث أبي
أحمد الزهري وكثير بن زيد قال ابن معين ليس بالقوي وقال أبو زرعة صدوق فيه لين وقال أبو
حاتم صالح الحديث ليس بالقوي يكتب حديثه وكثير بن زيد رواه عن ريح بن عبد الرحمن بن أبي
سعيد وربيح قال أبو حاتم شيخ وقال البخاري منكر الحديث وقال أحمد ليس بالمعروف وقال
المروزي لم يصححه أحمد وقال ليس فيه شئ يثبت وقال البزار كل ما روي في هذا الباب فليس
بقوي وذكر أنه روى عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة وقال العقيلي الأسانيد
في هذا الباب فيها لين وقد قال أحمد بن حنبل إنه أحسن شئ في هذا الباب وقد قال أيضا لا
أعلم في التسمية حديثا صحيحا وأقوى شئ فيه حديث كثير بن زيد عن ربيح وقال إسحاق
هذا يعني حديث أبي سعيد أصح ما في الباب وأما حديث سهل ابن سعد فأخرجه ابن
ماجة والطبراني وفيه عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد بن سعد وهو ضعيف وتابعه أخوه
أبي بن عباس وهو مختلف فيه وأما حديث أنس فأخرجه عبد الملك بن حبيب الأندلسي وعبد
الملك شديد الضعف
قوله (قال أحمد لا أعلم في هذا الباب حديثا له إسناد جيد) وقال البزار كل ما روي في
هذا الباب فليس بقوي
قلت أحاديث هذا الباب كثيرة يشد بعضها بعضا فمجموعها يدل أن لها أصلا قال
الحافظ ابن حجر والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلا وقال أبو بكر بن
أبي شيبة ثبت لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وقال ابن سيد الناس في شرح الترمذي لا يخلوا هذا الباب
من حسن صريح وصحيح غير صريح انتهى وقال الحافظ المنذري في الترغيب وفي الباب أحاديث
كثيرة لا يسلم شئ منها عن مقال وقد ذهب الحسن وإسحاق بن راهويه وأهل الظاهر إلى
وجوب التسمية في الوضوء حتى إنه إذا تعمد تركها أعاد الوضوء وهو راوية عن الإمام أحمد ولا
شك أن الأحاديث التي وردت فيها إن كان لا يسلم شئ منها عن مقال فإنها تتعاضد بكثرة طرقها
وتكتسب قوة انتهى كلام المنذري وحديث الباب أعني حديث سعيد بن زيد أخرجه أيضا
أحمد وابن ماجة والبزار والدارقطني والعقيلي والحاكم وأعل بالاختلاف والإرسال وفي إسناده أبو
ثفال عن رباح مجهولان فالحديث ليس بصحيح قاله أبو حاتم وأبو زرعة وقد أطال الكلام على
95

حديث سعيد بن زيد هذا الحافظ ابن حجر في التلخيص
قوله (وقال إسحاق إن ترك التسمية عامدا أعاد الوضوء وإن كان ناسيا أو متأولا أجزأه)
فعند إسحاق التسمية واجب في الوضوء وهو قول الظاهرية وإحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل
واختلفوا هل هي واجبة مطلقا أو على الذاكر فعند إسحاق على الذاكر وعند الظاهرية مطلقا
وذهبت الشافعية والحنفية ومالك وربيعة إلى أنها سنة واحتج الأولون بأحاديث الباب واحتج
الآخرون بحديث ابن عمر مرفوعا من توضأ وذكر اسم الله كان طهورا لجميع بدنه الحديث وقد
تقدم وقد عرفت أنه ضعيف لا يصلح للاحتجاج
قوله (قال محمد بن إسماعيل أحسن شئ في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرحمن)
يعني حديث سعيد بن زيد المذكور في هذا الباب وقال أحمد أقوى شئ فيه حديث كثير ابن زيد
عن ربيح يعني حديث أبي سعيد وسئل إسحاق بن راهويه أي حديث أصح في التسمية فذكر
حديث أبي سعيد
قوله (وأبو ثفال المري أسمه ثمامة) بضم المثلثة (بن حصين) بالتصغير وحصين جد أبي
ثقال واسم أبيه وائل كما تقدم (فنسبه إلى جده) أي إلى جده الأعلى
96

باب ما جاء في المضمضة والاستنشاق
أصل المضمضة في اللغة التحريك ومنه مضمض النعاس في عينية إذا تحركتا بالنعاس ثم
اشتهر استعماله في وضع الماء في الفم وتحريكه وأما معناه في الوضوء الشرعي فأكمله أن يضع الماء
في الفم ثم يديره ثم يمجه كذا في الفتح والاستنشاق هو إدخال الماء في الأنف
27 - قوله (وجرير) هو ابن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي نزيل الري وقاضيها ثقة
صحيح الكتاب قيل كان في آخر عمره يهم من حفظه مات سنة 188 ثمان وثمانين ومائة وهو من
رجال الكتب الستة
(عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي ثقة ثبت وكان لا يدلس من طبقة
الأعمش مات سنة 132 اثنتين وثلاثين ومائة وهو من رجال الكتب الستة أيضا
(عن هلال بن يساف) قال في التقريب بكسر التحتية وكذا في القاموس وقال الخزرجي
بفتح التحتية الأشجعي مولاهم ثقة من أوساط التابعين (عن سلمة بن قيس) الأشجعي صحابي
سكن الكوفة
قوله إذا توضأت فانتثر قال في القاموس استنثر استنشق الماء ثم استخرج بنفس
الأنف كانتثر انتهى وقال الحافظ الاستنثار هو طرح الماء الذي يستنشقه المتوضئ أي يجذبه
بريح أنفه لتنظيف ما في داخله فيخرجه بريح أنفه سواء كان بإعانة يده أم لا وحكي عن مالك
كراهية فعله بغير إعانة اليد لكونه يشبه فعل الدابة والمشهور عدم الكراهة وإذا استنثر بيده
فالمستحب أن يكون باليسرى بوب عليه النسائي وأخرجه مقيد بها من حديث علي انتهى
(وإذا استجمرت) أي إذا استعملت الجمار وهي الحجارة الصغار في الاستنجاء (فأوتر) أي
ثلاثا أو خمسا ووقع في رواية أبي هريرة من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج
أخرجه أحمد وأبو
داود وابن ماجة قال الحافظ في الفتح وهذه الزيادة حسنة الإسناد وأخذ بهذه
الرواية أبو حنيفة ومالك فقالوا لا يعتبر العدد بل المعتبر الإيتار وأخذ الشافعي وأحمد وأصحاب
97

الحديث بحديث سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يستنج أحدكم بأقل من ثلاثة أحجار رواه
مسلم فاشترطوا أن لا ينقص من الثلاث مع مراعاة الإنقاء وإذا لم يحصل بها فيزاد حتى ينقى
ويستحب حينئذ الإيتار لقوله من استجمر فليوتر وليس بواجب لقوله من لا فلا حرج وبهذا
يحصل الجمع بين الروايات في هذا الباب انتهى
قوله (وفي الباب عن عثمان ولقيط بن صبرة وابن عباس والمقدام بن معد يكرب ووائل بن
حجر) أما حديث عثمان فأخرجه الشيخان وأما حديث لقيط بن صبرة فأخرجه أحمد وأهل السنن
الأربع والشافعي وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي وفيه وبالغ في
الاستنشاق إلا أن تكون صائما وفي رواية من هذا الحديث إذا توضأت فمضمض أخرجها
أبو داود وغيره قال الحافظ في الفتح إن إسنادها صحيح وقد رد الحافظ في التلخيص ما أعل به
حديث لقيط بن صبرة من أنه لم يرو عن عاصم بن لقيط بن صبرة إلا إسماعيل بن كثير وقال ليس
بشئ لأنه روى عنه غيره وصححه الترمذي والبغوي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة وقال
النووي هو حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة وأما حديث ابن
عباس فأخرجه أبو داود وابن ماجة وابن الجارود والحاكم وصححه ابن القطان ولفظه استنثروا
مرتين بالغتين أو ثلاثا كذا في التلخيص وأما حديث المقدام بن معد يكرب فأخرجه أبو داود
وسكت عنه هو والمنذري وأما حديث وائل بن حجر فأخرجه الطبراني في الكبير والبزار وفيه
سعيد بن عبد الجبار قال النسائي ليس بالقوي وذكره ابن حبان في الثقات وفي مسند البزار
والطبراني محمد بن حجر وهو ضعيف كذا في مجمع الزوائد ص 94 ج 1 وفي الباب أحاديث
أخرى منها حديث أبي هريرة إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر أخرجه الشيخان
قوله (حديث سلمة بن قيس حديث حسن صحيح) وأخرجه النسائي
قوله (فقالت طائفة منهم إذا تركهما في الوضوء حتى صلى أعاد الصلاة ورأوا ذلك في
98

الوضوء والجنابة سواء وبه يقول ابن أبي ليلى وعبد الله بن المبارك وأحمد وإسحاق)
واستدلوا بأحاديث الباب وقولهم هو الراجح لثبوت الأمر بهما والأصل في الأمر
الوجوب مع ثبوت مواظبته صلى الله عليه وسلم عليهما
(وقال أحمد الاستنشاق أو كد من المضمضة) لما ورد في حديث لقيط بن صبرة وبالغ في
الاستنشاق إلا أن تكون صائما
(وقالت طائفة من أهل العلم يعيد في الجنابة ولا يعيد في الوضوء وهو قول سفيان الثوري
وبعض أهل الكوفة) وهو قول أبي حنيفة ومن تبع فعند هؤلاء المضمضة والاستنشاق سنتان في
الوضوء وواجبان في غسل الجنابة واستدلوا على عدم الوجوب في الوضوء بحديث عشر من سنن
المرسلين وقد رده الحافظ في التلخيص وقال إنه لم يرد بلفظ عشر من السنن بل بلفظ من الفطرة
ولو ورد لم ينتهض دليلا على عدم الوجوب لأن المراد به السنة أي الطريقة لا السنة بالمعنى
الأصولي واستدلوا أيضا بحديث ابن عباس مرفوعا بلفظ المضمضة والاستنشاق سنة رواه
الدارقطني قال الحافظ وهو حديث ضعيف واستدلوا أيضا بما رواه الترمذي وحسنه وصححه
الحاكم من قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي توضأ كما أمرك الله فأحاله على الآية وليس فيها ذكر المضمضة
والاستنشاق والاستنثار ورد بأن الأمر بغسل الوجه أمر بها وبأن وجوبها ثبت بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
والأمر منه أمر من الله تعالى بدليل وما آتاكم الرسول فخذوه
قوله (وقالت طائفة لا يعيد في الوضوء ولا في الجنابة إلخ) ليس لهذه الطائفة دليل صحيح
وقد اعترف جماعة من الشافعية وغيرهم بضعف دليل من قال بعدم وجوب المضمضة والاستنشاق
والاستنثار قاله في النيل والله تعالى أعلم
99

باب في المضمضة والاستنشاق من كف واحد
28 - قوله (حدثنا يحيى بن موسى) بن عبد ربه الحدني البلخي أبو زكريا لقبه خت
بفتح المعجمة وتشديد المثناة ثقة روى عن الوليد بن مسلم ووكيع وغيرهما وعنه البخاري
وأبو داود والترمذي والنسائي والسراج وقال مأمون مات سنة 042 أربعين ومائتين كذا في
التقريب والخلاصة (نا إبراهيم بن موسى) بن يزيد التميمي أبو إسحاق الفراء الصغير الرازي
الحافظ أحد بحور الحديث وكان أحمد ينكر على من يقول الصغير ويقول هو كبير في العلم
والجلالة روى عن أبي الأحوص وخالد الطحان وغيرهما وعنه البخاري ومسلم وأبو داود
وغيرهم قال أبو زرعة كتبت عنه مائة ألف حديث وهو أتقن وأحفظ من أبي بكر بن أبي شيبة
وثقة النسائي مات بعد العشرين ومائتين (نا خالد) هو خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد
المزني مولاهم الواسطي الطحان ثقة ثبت قال أحمد كان ثقة دينا بلغني أنه اشترى نفسه
من الله ثلاث مرات يتصدق بوزن نفسه فضة
(عن عمرو بن يحيى) بن عمارة بن أبي حسن المازني المدني سبط عبد الله بن زيد وثقة أبو
حاتم والنسائي (عن أبيه) هو يحيى بن عمارة وثقة النسائي وغيره (عن عبد الله بن زيد) هو
عبد الله بن زيد بن عاصم وهو غير عبد الله بن زيد بن عبد ربه صاحب الأذان كذا قاله الحفاظ
من المتقدمين والمتأخرين وغلطوا سفيان بن عيينة في قوله هو هو وممن نص على غلطه في ذلك
البخاري في كتاب الاستسقاء من صحيحه وقد قيل إن صاحب الأذان لا يعرف له غير حديث
الأذان والله أعلم قاله النووي
قوله (مضمض واستنشق من كف واحد فعل ذلك ثلاثا) وفي رواية مسلم مضمض
واستنشق من كف واحدة ففعل ذلك ثلاثا وكذلك
وقع في رواية البخاري قال النووي فيه
حجة صريحة للمذهب الصحيح المختار أن السنة في المضمضة والاستنشاق أن يكون بثلاث
غرفات يتمضمض ويستنشق من كل واحدة منها انتهى وقال الحافظ في الفتح وهو صريح
في الجمع في كل مرة انتهى
100

قلت حديث عبد الله بن زيد هذا دليل صحيح صريح لمن قال إن المستحب في المضمضة
والاستنشاق أن يجمع بينهما بثلاث غرفات بأن يتمضمض ويستنشق من غرفة ثم يتمضمض
ويستنشق من غرفة ثم يتمضمض ويستنشق من غرفة وإليه ذهب طائفة من أهل العلم وإليه
ذهب الشافعي كما هو المشهور عنه وقال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد وكان هديه صلى الله عليه وسلم الوصل
بين المضمضة والاستنشاق كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
تمضمض واستنشق من كف واحدة فعل ذلك ثلاثا وفي لفظ تمضمض واستنثر غرفات
فهذا أصح ما روى في المضمضة والاستنشاق ولم يجئ الفصل بين المضمضة والاستنشاق في
حديث صحيح البتة انتهى
فإن قلت قال القاري في المرقاة قوله مضمض واستنشق من كف واحد فيه حجة
للشافعي كذا قاله ابن الملك وغيره من أئمتنا والأظهر أن قوله من كف تنازع فيه الفعلان
والمعنى مضمض من كف وقيد الواحدة احترازا عن التثنية انتهى
وقال العيني في شرح البخاري ص 096 ج 1 والجواب عما ورد في الحديث فتمضمض
واستنشق بكف واحد أنه محتمل لأنه يحتمل أنه تمضمض واستنشق بكف واحد بماء واحد
ويحتمل أنه فعل ذلك بكف واحد بمياه والمحتمل لا يقوم به حجة ويرد هذا المحتمل إلى الحكم
الذي ذكرنا توفيقا بين الدليلين وقد يقال إن المراد استعمال الكف الواحد بدون الاستعانة
بالكفين انتهى كلام العيني
قلت قوله صلى الله عليه وسلم مضمض واستنشق من كف واحد فعل ذلك ثلاثا هو ظاهر في الجمع بين
المضمضة والاستنشاق ولذلك قال ابن الملك وغيره من الأئمة الحنفية فيه حجة للشافعي وقد
جاءت أحاديث أخرى صحيحة صريحة في الجمع لا احتمال فيها غيره
فمنها حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة وجمع بين المضمضة والاستنشاق
رواه الدارمي وابن حبان والحاكم وإسناده حسن
ومنها حديث ابن عباس أيضا قال توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرف غرفة فتمضمض
واستنشق ثم غرف غرفة فغسل وجهه ثم غرف غرفة فغسل يده اليمنى رواه النسائي
ومنها حديث ابن عباس أيضا أنه توضأ فغسل وجهه أخذ غرفة من ماء فتمضمض بها
واستنشق ثم أخذ غرفة من ماء فجعل بها هكذا أضافها إلى يده الأخرى فغسل بها وجهه
الحديث وفي آخره ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ رواه البخاري في باب غسل الوجه
101

باليدين من غرفة واحدة
ومنها حديث علي رواه أبو داود عن عبد خير قال رأيت عليا أتى بكرسي فقعد عليه ثم أتى
بكوز من ماء فغسل يده ثلاثا ثم تمضمض مع الاستنشاق بماء واحد وسكت عنه أبو داود
والمنذري ورواه النسائي بلفظ ثم مضمض واستنشق بكف واحد وفي آخر من سره أن ينظر
إلى طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا طهوره ولأبي داود الطيالسي في حديث علي ثم تمضمض ثلاثا مع
الاستنشاق بماء واحد كما في التلخيص الحبير للحافظ ابن حجر
فظهر أن ما ذكره القاري والعيني من التأويل لا يليق أن يلتفت إليه ولذلك لم يرض به
العيني نفسه حيث قال في شرح البخاري بعد ما ذكر من التأويل وفيه نظر لا يخفى والأحسن أن
يقال إن كل ما روي من ذلك في هذا الباب هو محمول على الجواز انتهى
وقال بعض العلماء الحنفية في شرحه لشرح الوقاية وذكر السغناقي في النهاية بعد ما ذكر
مستند الشافعي أنه عليه الصلاة والسلام كان يتمضمض ويستنشق بكف واحد له عندنا تأويلان
أحدهما أنه لم يستعن في المضمضة والاستنشاق باليدين كما في غسل الوجه والثاني أنه
فعلهما باليد اليمنى ورده العيني بأن الأحاديث المصرحة بأنه تمضمض واستنشق بماء واحد
لا يمكن تأويلها بما ذكره انتهى كلام بعض العلماء
وأعلم أن مذهب الإمام أحمد ومذهب الإمام الشافعي المشهور هو الوصل بين المضمضة
والاستنشاق وحجتهم حديث عبد الله بن زيد المذكور في الباب والأحاديث التي ذكرناها
ومذهب الإمام أبي حنيفة الفصل بينهما بأن يتمضمض ثلاثا بثلاث غرفات ثم يستنشق كذلك
وحجتهم حديث كعب بن عمرو قال العيني في عمدة القاري ص 096 ج 1 وأما وجه الفصل
بينهما كما هو مذهبنا فما رواه الطبراني عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده كعب بن عمرو
اليامي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا فأخذ لكل واحدة ماء جديدا
وكذا روى عنه أبو داود في سننه وسكت عنه وهو دليل رضاه بالصحة انتهى كلام العيني
قلت حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده الذي رواه أبو داود في سننه والطبراني في
معجمه ضعيف لا تقوم بمثله حجة لأن في سنديهما ليث بن أبي سليم وهو ضعيف اختلط أخيرا
لم يميز حديثه فترك وأيضا في سنديهما مصرف بن عمرو وهو مجهول قال الحافظ ابن حجر في
التلخيص ص 28 أما حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده فرواه أبو داود في حديث فيه
102

ورأيته يفصل بين المضمضة والاستنشاق وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف وقال ابن حبان
كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل ويأتي عن الثقات بما ليس من حديثهم تركه يحيى بن القطان
وابن مهدي وابن معين وأحمد ابن حنبل وقال النووي في تهذيب الأسماء اتفق العلماء على ضعفه
انتهى
وقال في التقريب صدوق اختلط أخيرا ولم يتميز حديثه فترك انتهى
وقال فيه مصرف بن عمرو بن كعب بن عمرو واليامي الكوفي روى عنه طلحة بن مصرف
مجهول انتهى
والعلامة العيني ذكر حديث الطبراني ولم يذكر سنده بتمامه وسنده هكذا قال الطبراني
حدثنا الحسين بن إسحاق التستري حدثنا شيبان بن فروخ ثنا أبو سلمة الكندي ثنا ليث ابن أبي
سليم حدثني طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده كعب بن عمر واليامي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ
إلخ هكذا في تخريج الهداية للزيلعي
واحتج الحنفية أيضا على الفصل بالأحاديث التي وقع فيها لفظ مضمض ثلاثا واستنشق
ثلاثا
وأنت تعلم أن هذا اللفظ ليس صريحا فيما ذهبوا إليه من الفصل بل هو محتمل فإنه يحتمل
أن يكون معناه أنه مضمض ثلاثا بثلاث غرفات أخرى واستنشق ثلاثا بثلاث غرفات ويحتمل
أن يكون معناه أنه مضمض واستنشق بغرفة ثم فعل هكذا ثم فعل هكذا فللقائلين بالوصل أن
يجيبوا عن هذا بمثل ما أجاب الحنفية عن حديث عبد الله ابن زيد المذكور بأن يقولوا هذا محتمل
والمحتمل لا يقوم به حجة أو يرد هذا المحتمل إلى الأحاديث المحكمة الصريحة في الوصل
المذكور توفيقا بين الدليلين
واحتجوا أيضا بما رواه ابن السكن في صحاحه عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال شهدت
علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان توضئا ثلاثا ثلاثا وأفردا المضمضة
من الاستنشاق ثم قالا
هكذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ذكره الحافظ في التلخيص
قلت ذكر الحافظ هذا الحديث في التلخيص لكنه لم يذكر سنده ولم يبين أنه صحيح أو
حسن فلا يعلم حال إسناده فمتى لم يعلم أنه حسن أو صحيح لا يصلح للاحتجاج ولو فرض
أن هذا الحديث قابل للاحتجاج وأن الأحاديث التي وقع فيها مضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا تدل
صراحة على الفصل فيقال إن الفصل والوصل كلاهما ثابتان جائزان كما قال العلامة العيني
103

الأحسن أن يقال إن كل ما روى من ذلك فهو محمول على الجواز وقد تقدم قوله هذا وقال
العلامة محمد بن إسماعيل الأمير في سبل السلام ومع ورود الروايتين بالجمع وعدمه فالأقرب
التخيير وأن الكل سنة وإن كان رواية الجمع أكثر وأصح انتهى
وقال القاضي أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي الجمع أقوى في النظر وعليه يدل
الظاهر من الأثر وقد أخبرنا شيخنا أبو عبد الله محمد بن يوسف بن أحمد القيسي قال رأيت النبي
صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت له أجمع بين المضمضة والاستنشاق في غرفة واحدة قال نعم
فائدة اعلم أن اختلاف الأئمة في الوصل والفصل إنما هو في الأفضلية لا في الجواز
وعدمه وقد صرح به الخطيب الشافعي وابن أبي زيد المالكي وغيرهما وذكر صاحب الفتاوي
الظهيرية إنه يجوز عند أبي حنيفة أيضا وصل المضمضة بالاستنشاق
قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عباس) تقدم تخريجه قوله (حديث عبد الله بن زيد حديث حسن غريب) حديث عبد الله بن زيد هذا أخرجه
البخاري ومسلم في صحيحيهما فالظاهر أن يقول حديث صحيح (ولم يذكروا هذا الحرف) أي
هذا اللفظ (أن النبي صلى الله عليه وسلم مضمض واستنشق من كف واحد) بيان لقوله هذا الحرف (وخالد ثقة
حافظ عند أهل الحديث) يعني والزيادة من الثقة الحافظ مقبول
قوله (قال بعض أهل العلم إلخ) ذكر الترمذي هنا ثلاثة أقوال لكن لا يظهر الفرق بين
الثاني والثالث فتفكر (وقال الشافعي إن جمعها في كف فهو جائز وإن فرقهما فهو أحب) جاء عن
الشافعي في هذه المسألة قولان أحدهما كقول أبي حنيفة وهو الذي نقله الترمذي ههنا والثاني أن
يتمضمض بغرفة ويستنشق بها ثم هكذا ثم هكذا وهذا هو المشهور عنه قال العيني في عمدة
104

القاري ص 690 ج 1 روى البويطي عن الشافعي أن يأخذ ثلاث غرفات للمضمضة وثلاث
غرفات للاستنشاق وفي رواية غيره عنه في الأم يغرف غرفة يتمضمض بها ويستنشق ثم يغرف
غرفة يتمضمض بها ويستنشق ثم يغرف ثالثة يتمضمض بها ويستنشق فيجمع في كل غرفة بين
المضمضة والاستنشاق واختلف نصه في الكيفيتين فنص في الأم وهو نص مختصر المزني أن
الجمع أفضل ونص البويطي أن الفصل أفضل ونقله الترمذي عن الشافعي قال النووي قال
صاحب المهذب القول بالجمع أكثر في كلام الشافعي وهو أكثر في الأحاديث الصحيحة انتهى
كلام العيني
باب ما جاء في تخليل اللحية
بكسر اللام وسكون الحاء اسم لجمع من الشعر ينبت على الخدين والذقن
29 - قوله (حدثنا ابن أبي عمر) هو محمد بن يحيى بن أبي عمر المدني نزيل مكة تقدم
(عن عبد الكريم بن أبي المخارق) بضم الميم وبالخاء المعجمة المعلم البصري نزيل مكة
واسم أبيه قيس وقيل طارق ضعيف (أبي أمية) كنية عبد الكريم (عن حسان بن بلال) المزني
البصري روى عن عمار بن ياسر وحكيم بن حزام وعنه أبو قلابة وأبو بشر وغيرهما وثقه ابن
المديني
قوله (فخلل لحيته) أي أدخل أصابعه في خلال لحيته (فقيل له) أي لعمار (أو قال) أي
حسان بن بلال (فقلت له) أي لعمار (يخلل لحيته) قال ابن العربي أي يدخل يده في خللها
وهي الفروج التي بين الشعر ومنه فلان خليل فلان أي يخالل حبه فروج جسمه حتى يبلغ إلى
قلبه ومنه الخلال وبناء ذلك كله يرجع إلى هذا انتهى
والحديث يدل على مشروعية تخليل اللحية في الوضوء قال الشوكاني وقد اختلف
الناس في ذلك فذهب إلى وجوب ذلك في الوضوء والغسل العترة والحسن بن صالح وأبو ثور
105

والظاهرية كذا في البحر واستدلوا بما وقع في أحاديث الباب بلفظ هكذا أمرني ربي
وذهب مالك والشافعي والثوري والأوزاعي إلى أن تخليل اللحية ليس بواجب في الوضوء قال
مالك وطائفة من أهل المدينة ولا في غسل الجنابة وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما
والثوري والأوزاعي والليث وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وداود والطبري وأكثر أهل العلم
أن تخليل اللحية واجب في غسل الجنابة ولا يجب في الوضوء هكذا في شرح الترمذي لابن
سيد الناس قال وأظنهم فرقوا بين ذلك والله تعالى أعلم لقوله صلى الله عليه وسلم تحت كل شعرة جنابة فبلوا
الشعر واتقوا البشر انتهى
وقال القاضي أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي اختلف العلماء في تخليلها على
أربعة أقوال
أحدها أنه لا يستحب قاله مالك
الثاني أنه يستحب قاله ابن حبيب
الثالث أنها إن كانت خفيفة وجب إيصال الماء إليها وإن كانت كثيفة لم يجب ذلك قاله
مالك عن عبد الوهاب
الرابع من علمائنا من قال يغسل ما قابل الذقن إيجابا وما وراءه استحبابا وفي تخليل
اللحية في الجنابة روايتان عن مالك إحداهما أنه واجب وإن كثفت رواه ابن وهب وروى ابن
القاسم وابن عبد الحكم سنة لأنها قد صارت في حكم الباطن كداخل العين ووجه آخر وهو
قول أبي حنيفة والشافعي أن الفرض قد انتقل إلى الشعر بعد نباته كشعر الرأس انتهى كلام ابن
العربي
قلت أرجح الأقوال وأقواها عندي هو قول أكثر أهل العلم والله تعالى أعلم
30 - قوله (نا سفيان) هو ابن عيينة (عن سعيد بن أبي عروبة) البشكرى مولاهم أبي
النضر البصري ثقة حافظ له تصانيف لكنه كثير التدليس واختلط وكان من أثبت الناس في
قتادة (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري الأكمة ثقة ثبت مدلس احتج به أرباب
الصحاح (عن حسان بن بلال عن عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله) قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر
هذه الرواية حسان ثقة لكن لم يسمعه ابن عيينة من سعيد ولا قتادة من حسان انتهى
106

فحديث عمار من هذا الطريق ضعيف ومن طريق عبد الكريم بن أبي المخارق عن حسان
أيضا ضعيف لأنه لم يسمع منه هذا الحديث كما بينه الترمذي
قوله (وفي الباب عن عائشة وأم سلمة وأنس وابن أوفى وأبي أيوب) أما حديث عائشة
فأخرجه أحمد من رواية طلحة بن عبد الله بن كريز عنها وإسناده حسن كذا في التلخيص
وأما حديث أم سلمة فأخرجه الطبراني والعقيلي والبيهقي بلفظ كان إذا توضأ خلل لحيته وفي
إسناده خالد بن إلياس وهو منكر الحديث كذا في التلخيص وأما حديث أنس فأخرجه
أبو داود بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكة فخلل به لحيته
وقال هكذا أمرني ربي وفي إسناده الوليد بن زروان وهو مجهول الحال وله طرق أخرى عن
أنس ضعيفة قاله الحافظ وأما حديث ابن أبي أوفى فأخرجه أبو عبيد في كتاب الطهور وفي
إسناده أبو الورقاء وهو ضعيف وهو في الطبراني أيضا كذا في التلخيص وأما حديث أبي
أيوب فأخرجه ابن ماجة والعقيلي وأحمد والترمذي في العلل وفيه أبو سورة لا يعرف
قلت وفي الباب أيضا عن ابن عباس وابن عمر وأبي أمامة وأبي الدرداء وكعب بن
عمرو وأبي بكرة وجابر بن عبد الله وجرير وعبد الله بن عكبرة ذكر أحاديث هؤلاء مع الكلام
عليها الحافظ الزيلعي في تخريج الهداية والحافظ في التلخيص قال ابن أبي حاتم في كتاب
العلل سمعت أبي يقول لا يثبت في تخليل اللحية حديث انتهى وقال عبد الله بن أحمد عن
أبيه ليس في تخليل اللحية شئ صحيح انتهى
قلت قولهما هذا معارض بتصحيح الترمذي لحديث عثمان الآتي وبتصحيح الحاكم وابن
القطان وغيرهما لبعض أحاديث الباب غيره ولا شك في أن أحاديث تخليل اللحية كثيرة
ومجموعها يدل على أن لها أصلا كيف وقد صحح الترمذي حديث عثمان وحسنه الإمام
البخاري كما ستعرف وحسن الحافظ ابن حجر حديث عائشة وهي بمجموعها تصلح
للاحتجاج على استحباب تخليل اللحية في الوضوء وهذا هو الحق عندي والله تعالى أعلم
قوله (عن عامر بن شقيق) بن جمرة بالجيم والراء الأسدي الكوفي لين الحديث كذا في
107

التقريب وقال الذهبي في الميزان ضعفه ابن معين وقال أبو حاتم ليس بقوي وقال
النسائي ليس به بأس انتهى وذكره ابن حبان في الثقات وحسن حديثه الإمام البخاري
وصححه الترمذي فالظاهر أنه يصلح للاحتجاج وأما قول أبي حاتم ليس بقوي وتضعيف
ابن معين فهو مجمل
قوله (كان يخلل لحيته) وفي حديث أنس عند أبي داود أخذ كفا من ماء فأدخله تحت
حنكه فخلل به لحيته وفي حديث ابن عمر عند ابن ماجة والدارقطني والبيهقي كان إذا توضأ
عرك عارضيه بعض العرك ثم يشبك لحيته بأصابعه من تحتها وحديث ابن عمر هذا صححه
ابن السكن وضعفه غيره
قوله (هذا حديث صحيح) وقال الترمذي في علله الكبير قال محمد بن إسماعيل يعني
البخاري أصح شئ عندي في التخليل حديث عثمان وهو حديث حسن انتهى
وقال الحافظ الزيلعي أمثل أحاديث تخليل اللحية حديث عثمان وقال الحافظ في بلوغ
المرام أخرجه الترمذي وصححه ابن خزيمة انتهى ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح
الإسناد انتهى والحديث رواه أيضا ابن ماجة وابن حبان وابن خزيمة والدارقطني
قوله (وقال بهذا أكثر أهل العلم) أي قالوا بما يدل عليه أحاديث الباب من استحباب
تخليل اللحية (من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم رأوا تخليل اللحية) وقد روي عن ابن
عباس وابن عمر وأنس وعلي وسعيد بن جبير وأبي قلابة ومجاهد وابن سيرين والضحاك
وإبراهيم النخعي أنهم كانوا يخللون لحاهم ومن روي عنه أنه كان لا يخلل إبراهيم النخعي
والحسن وابن الحنفية وأبو العالية وأبو جعفر الهاشمي والشعبي ومجاهد والقاسم وابن أبي ليلى
ذكر ذلك عنهم ابن أبي شيبة بأسانيده إليهم ذكره الشوكاني (وقال إسحاق إن تركه ناسيا أو
متأولا أجزأه وإن تركه عامدا أعاده) أي أعاد الوضوء فعند إسحاق تخليل اللحية واجب في
108

الوضوء واستدل من قال بالوجوب ببعض أحاديث التخليل الذي وقع فيه قوله صلى الله عليه وسلم هكذا
أمرني ربي
أجاب عنه من قال بالاستحباب بأنه لا يصلح للاستدلال به على الوجوب لما فيه من
المقال وقال الشوكاني في النيل والإنصاف أن أحاديث الباب بعد تسليم انتهاضها للاحتجاج
وصلاحيتها للاستدلال لا تدل على الوجوب لأنها أفعال وما ورد في بعض الروايات من قوله
صلى الله عليه وسلم هكذا أمرني ربي لا يفيد الوجوب على الأمة لظهوره في الاختصاص به وهو يتخرج على
الخلاف المشهور في الأصول هل يعم الأمة ما كان ظاهر الاختصاص به أم لا والفرائض
لا تثبت إلا بيقين والحكم على ما لم يفرضه الله بالفرضية كالحكم على ما فرضه بعدمها لا شك
في ذلك لأن في كل واحد منهما من التقول على الله بما لم يقل ولا شك أن الغرفة الواحدة
لا تكفي كث اللحية لغسل وجهه وتخليل لحيته ودفع ذلك كما قال بعضهم بالوجدان مكابرة
منه نعم الاحتياط والأخذ بالأوثق لا شك في أولويته لكن بدون مجاراة على الحكم بالوجوب
انتهى كلام الشوكاني وقد استدل من قال بعدم الوجوب بحديث ابن عباس أنه توضأ فغسل
وجهه فأخذ غرفة من ماء فتمضمض بها واستنشق ثم أخذ غرفة من ماء فجعل بها هكذا
أضافها إلى يده الأخرى فغسل بها وجهه ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى ثم أخذ
غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى الحديث رواه البخاري وإلى هذا الاستدلال أشار
الشوكاني بقوله ولا شك أن الغرفة الواحدة لا تكفي لغسل وجهه وتخليل لحيته إلخ وقد
استدل ابن تيمية بحديث ابن عباس هذا على عدم وجوب إيصال الماء إلى باطن اللحية الكثة
فقال وقد علم أنه صلى الله عليه وسلم كان
كث اللحية وأن الغرفة الواحدة وإن عظمت لا تكفي غسل باطن
اللحية الكثة مع غسل الوجه فعلم أنه لا يجب انتهى
109

باب ما جاء في مسح الرأس أنه يبدأ بمقدم الرأس إلى مؤخره
أي ذاهبا إلى مؤخره
32 - قوله (مسح رأسه) زاد ابن الطباع كله وكذا في رواية ابن خزيمة (فأقبل بهما
وأدبر) أي بدأ بمقدم الرأس الذي يلي الوجه وذهب بهما إلى القفا ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ
منه وهو مبتدأ الشعر وهذا المعنى هو المتعين المعتمد ويدل عليه قوله (بدأ بمقدم رأسه ثم
ذهب بهما إلى قفاه إلخ) وهذه الجملة عطف بيان لقوله فأقبل بهما وأدبر ومن ثم لم تدخل الواو
على بدأ قال الزرقاني قال الحافظ في الفتح الظاهر أنه من الحديث وليس مدرجا من كلامه
مالك ففيه حجة على من قال السنة أن أن يبدأ بمؤخر الرأس إلى مقدمة لظاهر قوله أقبل وأدبر
ويرد عليه أن الواو لا تقتضي الترتيب وعند البخاري من رواية سليمان بن بلال فأدبر
بيديه وأقبل فلم يكن في ظاهرة حجة لأن الإقبال والإدبار ن الأمور الإضافية ولم يعين ما
أقبل إليه وما أدبر عنه ومخرج الطريقين متحد فهما بمعنى واحد وعينت رواية مالك البداءة
بمقدم الرأس فيحمل قوله أقبل على أنه من تسمية الفعل بابتدائه أي بدأ بقبل الرأس وقيل في
توجيهه غير ذلك انتهى كلام الحافظ
قوله (وفي الباب عن معاوية والمقدام بن معد يكرب وعائشة) أما حديث معاوية فأخرجه
110

أبو داود بلفظ إن معاوية توضأ للناس كما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فلما بلغ رأسه غرف غرفة
من ماء فتلقاها بشماله حتى وضعها على وسط رأسه حتى قطر الماء أو كاد يقطر ثم مسح من
مقدمه إلى مؤخره إلى مقدمه وأما حديث المقدام بن معد يكرب فأخرجه أيضا
أبو داود وفيه فلما بلغ مسح رأسه وضع كفيه على مقدم رأسه فأمرهما حتى القفا ثم ردهما
إلى المكان الذي منه بدأ والحديثان سكت عليهما أبو داود ثم المنذري وأما حديث عائشة
فأخرجه النسائي وفيه ووضعت يدها في مقدم رأسها ثم مسحت رأسها واحدة إلى
مؤخرة
قوله (حديث عبد الله بن زيد أصح شئ في هذا الباب) حديث عبد الله بن زيد هذا
أخرجه الجماعة (وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق) قال الحافظ ابن عبد البر أصح حديث
في هذا الباب حديث عبد الله بن زيد والمشهور المتداول الذي عليه الجمهور البداءة من مقدم
الرأس إلى مؤخره انتهى
باب ما جاء أنه يبدأ بمؤخر الرأس
33 - قوله (نا بشر بن المفضل) بن لاحق الرقاشي أبو إسماعيل البصري ثقة ثبت عابد
قال أحمد إليه المنتهى في التثبيت في البصرة
وقال ابن المديني كان يصلي كل يوم أربعمائة ركعة
ويصوم يوما ويفطر يوما سنة 187 سبع وثمانين ومائة
(عن عبد الله بن محمد بن عقيل) متكلم فيه تقدم ترجمته في باب مفتاح الصلاة الطهور
(عن الربيع) بضم الراء وفتح الموحدة وكسر التحتانية المشددة أنصارية نجارية من المبايعات
تحت الشجرة (بنت معوذ) بضم الميم وفتح العين وكسر الواو المشددة (بن عفراء) بسكون
111

العين المهملة وسكون الفاء والمد (مسح برأسه مرتين بدأ بمؤخر رأسه تم بمقدمه) الظاهر أن
قوله بدأ بمؤخر رأسه بيان لقوله مرتين فليستا بمسحتين والحديث يدل على البداءة بمؤخر الرأس
وهو مذهب بعض أهل الكوفة كما حكى الترمذي
وأجاب ابن العربي عنه بأن تحريف من الراوي بسبب فهمه فإنه فهم من قوله فأقبل
بهما وأدبر أنه يقتضي الابتداء بمؤخر الرأس فصرح بما فهم منه وهو مخطئ في فهمه
وأجاب غيره بأنه عارض ما هو أصح منه وهو حديث عبد الله بن زيد وبأنه فعل لبيان
الجواز
وقال الشوكاني قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي هذه الرواية محمولة على الرواية
بالمعنى عند من يسمي الفعل بما ينتهي إليه كأنه حمل قوله ما أقبل وما أدبر على الابتداء بمؤخر
الرأس فأداها بمعناها عنده وإن لم يكن كذلك قال ذكر معناه ابن العربي ويمكن أن يكون
النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا لبيان الجواز مرة وكانت مواظبته على البداءة بمقدم الرأس وما كان أكثر
مواظبة عليه كان أفضل والبداءة بمؤخر الرأس محكية عن الحسن بن حي ووكيع بن الجراح
قال أبو عمر بن عبد البر قد توهم بعض الناس في حديث ابن عبد الله بن زيد في قوله ثم
مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر أن بدأ بمؤخر رأسه وتوهم غيره أنه بدأ من وسط رأسه فأقبل
بيده وأدبر هذه ظنون لا تصح وقد روى عن ابن عمر أنه كان يبدأ من وسط رأسه ولا يصح
وأصح حديث في الباب حديث عبد الله بن زيد والمشهور المتداول الذي عليه الجمهور البداءة
من مقدم الرأس إلى مؤخره انتهى
قوله (هذا حديث حسن) حديث ربيع بنت معوذ هذا له روايات وألفاظ مدار الكل على
عبد الله بن محمد بن عقيل وفيه مقال مشهور
لا سيما إذا عنعن وقد فعل ذ لك في جميعها قاله
الشوكاني قلت عبد الله بن محمد بن عقيل مدلس كما صرح به الحافظ في طبقات المدلسين ولذا
قال الشوكاني لا سيما إذا عنعن (وحديث عبد الله بن زيد أصح من هذا وأجود) لأن حديث
عبد الله بن زيد متفق عليه وأما حديث ربيع بنت معوذ هذا فقد عرفت حاله (وقد ذهب بعض
112

أهل الكوفة إلى هذا الحديث) وهو مذهب مرجوح والمذهب الراجح المعول عليه هو البداءة
بمقدم الرأس
باب ما جاء أن مسح الرأس مرة
34 - قوله (نا بكر بن مضر) بن محمد بن حكيم مولى شرحبيل بن حسنة وثقه أحمد وابن
معين (عن ابن عجلان) هو محمد بن عجلان المدني صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي
هريرة كذا في التقريب
قوله (ومسح ما أقبل منه وما أدبر) هذا عطف تفسيري نقوله ومسح رأسه أي مسح ما أقبل
من الرأس ومسح ما أدبر من الرأس أي مسح من مقدم الرأس إلى منتهاه ثم رد يديه من مؤخر
الرأس إلى مقدمه (وصدغيه وأذنيه) معطوفان على ما أقبل والصدغ بضم الصاد المهملة وسكون
الدال الموضع الذي بين العين والأذن والشعر المتدلي على ذلك الموضع (مرة واحدة) متعلق بمسح
فيكون قيدا في الإقبال والإدبار وما بعده فباعتبار الإقبال يكون مرة وباعتبار الإدبار مرة أخرى
وهو مسح واحد وبه يجمع بينه وبين ما سبق من حديثها أنه مسح برأسه مرتين والحديث يدل على
مشروعية مسح الصدغ والأذن وأن مسحهما مع الرأس وأنه مرة واحدة
قوله (وفي الباب عن علي وجد طلحة بن مصرف) أما حديث علي فأخرجه الترمذي وابن
ماجة وأما حديث جد طلحة بن مصرف فأخرجه أحمد عن ليث عن طلحة بن مصرف عن أبيه
عن جده أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح رأسه حتى بلغ القذال وما يليه من مقدم العنق وفيه
ليث بن أبي سليم وهو ضعيف وأخرجه أبو داود وذكر له علة أخرى عن أحمد بن حنبل قال
كان ابن عيينة ينكره ويقول أيش هذا طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده قوله حديث الربيع
113

حديث حسن صحيح قال الشوكاني وفي تصحيحه نظر فإنه روي من طريق ابن عقيل انتهى
قلت تقدم الكلام في ابن عقيل في باب مفتاح الصلاة الطهور فتذكر
قوله (وقد روى من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح برأسه مرة) روى الطبراني في
الأوسط من حديث أنس بلفظ ومسح برأسه مرة قال الحافظ وإسناده صالح ورواه بن
السكن من حديث رزيق بن حكيم عن رجل من الأنصار مثله وفي الباب أحاديث كثيرة مذكورة
في التلخيص والنيل ونصب الراية والدراية
قوله (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم وبه
يقول جعفر بن محمد وسفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وإسحاق رأوا مسح الرأس مرة
واحدة) قال في شرح السنة اختلفوا في تكرار المسح هل هو سنة أم لا فالأكثر على أنه يمسح مرة
واحدة ومنهم الأئمة الثلاثة والمشهور من مذهب الشافعي أن المسح بثلاثة أصابع بثلاثة مياه
جديدة كذا في المرقاة وقال في النيل قد اختلف في ذلك فذهب عطاء وأكثر العترة والشافعي
إلى أنه يستحب تثليث مسحه كسائر الأعضاء انتهى فعلم أن للشافعي في مسح الرأس قولان
التوحيد والتثليث ذكر الأول الترمذي والثاني صاحب شرح السنة واستدل من قال بالمسح مرة
واحدة بأحاديث الباب وبما في الصحيحين من حديث عثمان وعبد الله بن زيد من إطلاق مسح
الرأس مع ذكر تثليث غيره من الأعضاء وهو القول الراجح المعول عليه واستدل من قال بتثليث
المسح بأحاديث لا يخلو واحد منها من كلام قال القاضي الشوكاني في النيل والإنصاف أن
أحاديث الثلاث لم تبلغ إلى درجة الاعتبار حتى يلزم التمسك بها لما فيها من الزيادة فالوقوف على
ما صح من الأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما من حديث عثمان وعبد الله بن زيد وغيرهما هو
المتعين لا سيما بعد تقييده في تلك الروايات بالمرة الواحدة وحديث من زاد على هذا فقد أساء
وظلم الذي صححه ابن خزيمة وغيره قاض بالمنع من الزيادة على الوضوء الذي قال بعده النبي
صلى الله عليه وسلم هذه المقالة كيف وقد ورد في رواية سعيد بن منصور في هذا الحديث التصريح بأنه مسح
رأسه مرة واحدة ثم قال من زاد قال الحافظ في الفتح ويحمل ما ورد من الأحاديث في تثليث المسح
114

إن صحت على إرادة الإستيعاب بالمسح لا أنها مسحات مستقلة لجميع الرأس جميعا بين الأدلة
انتهى
قوله (حدثنا محمد بن منصور) بن داود الطوسي أبو جعفر العابد نزيل بغداد ثقة من
صغار العاشرة (سألت جعفر بن محمد) بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي
المعروف بالصادق ثقة صدوق فقيه إمام مات سنة 841 ثمان وأربعين ومائة عن ثمان وستين سنة
(فقال إي والله) بكسر الهمزة حرف إيجاب
باب ما جاء أنه يأخذ لرأسه ماء جديد
35 - قوله (حدثنا علي بن خشرم) بمعجمتين على وزن جعفر المروزي ثقة (نا عبد الله ابن
وهب) بن مسلم القرشي مولاهم المصري الفقيه حافظ عابد من التاسعة مات سنة تسع وتسعين
ومائة عن أربع وسبعين سنة (نا عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري مولاهم المصري أبو
أيوب ثقة فقيه حافظ من السابعة مات قديما قبل الخمسين ومائة (عن حبان) بفتح الحاء المهملة
وبالموحدة المشددة (بن واسع) بن حبان بن منقذ ابن عمرو الأنصاري ثم المازني المدني
صدوق من الخامسة (عن أبيه) واسع بن حبان بفتح المهملة ثم موحدة ثقيلة صحابي ابن صحابي
وقيل بل ثقة من كبار التابعين
قوله (وأنه مسح بماء غير فضل يديه) قال النووي معناه أنه مسح الرأس بماء جديد لا ببقية
من ماء يديه ولا يستدل بهذا على أن الماء المستعمل لا تصح الطهارة به لأن هذا إخبار عن الإتيان
بماء جديد للرأس ولا يلزم من ذلك اشتراطه انتهى قال في سبل السلام وأخذ ماء جديد للرأس
115

أمر لا بد منه وهو الذي دلت عليه الأحاديث
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم مطولا
قوله (وأنه مسح بماء غبر) بالغين المعجمة والباء الموحدة المفتوحتين أي بقي وما
موصولة وفي بعض النسخ بماء غبر (فضل يديه) كذا في النسخ المطبوعة الموجودة عندنا وفي نسخة
قلمية عتيقة صحيحة من فضل يديه بزيادة لفظة من وهو الظاهر والظاهر عندي أن من بيانية
والمعنى أنه لم يمسح الرأس بماء جديد بل مسح بما بقي على يديه أي ببقية من ماء يديه وأما على ما
في النسخة المطبوعة فالظاهر أن فضل يديه بالجر يدل ما غبر ويجوز أن يكون بالرفع على أنه خبر
مبتدأ محذوف أي وهو فضل يديه هذا كله ما عندي والله تعالى أعلم ورواية ابن لهيعة هذه
مخالفة لرواية عمرو بن الحارث المذكورة أولا ولكن رواية عمرو أصح من رواية ابن لهيعة كما
صرح به الترمذي
قوله (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم رأوا أن يأخذ لرأسه ماء جديدا) واستدلوا
على ذلك بحديث الباب قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي وبه أخذ علماؤنا يعني
الحنفية غير أنهم قالوا هذا إذا أصاب يده شيئا بحيث لم يبق البلل في يده وهو لا ينافي الحديث
بل العلة تقتضيه نعم ظاهر هذا الحديث الإطلاق فيأخذ ماء جديدا على كل حال لكن الحديث
الثاني مسح رأسه بماء غبر أي بقي من فضل يديه يدل على الذي ذهب إليه علماؤنا فهم حملوا
الحديثين على حالة والآخر على حالة أخرى ففيه جمع بين الحديثين ولا شك أن الجمع أولى انتهى
كلام أبي الطيب
قلت رواية مسح بما غبر تفرد بها ابن لهيعة وهو ضعيف وخالف فيها عمرو بن الحارث
وهو ثقة حافظ فهذه الرواية غير محفوظة نعم أخرج أبو داود عن ربيع بنت معوذ أن النبي صلى الله عليه وسلم
مسح برأسه من فضل ماء كان في يده قال السيوطي في مرقاة الصعود احتج به من رأى طهورية
الماء المستعمل وتأوله البيهقي على أنه أخذ ماء جديدا وصب نصفه ومسح ببلل يده ليوافق
116

حديث عبد الله بن زيد ومسح رأسه بماء غير فضل يديه أخرجه مسلم والمصنف يعني أبا داود
والترمذي انتهى كلام السيوطي
قلت إن صح حديث ربيع بنت معوذ هذا فلا حاجة إلى تأويل البيهقي بل يقال كلا
الأمرين جائزان إن شاء أخذ لرأسه ماء جديد أو إن شاء مسحه بفضل ما يكون في يده لكن في
سنده ابن عقيل وفيه مقال مشهور كما عرفت وفي متنه اضطراب فإن ابن ماجة أخرج من
طريق شريك عن عبد الله بن عقيل عن الربيع بنت معوذ قالت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بميضأة فقال
اسكبي فسكبت فغسل وجهه وذراعيه وأخذ ماء جديدا فمسح به رأسه مقدمه ومؤخره فالقول
الراجح هو أن يؤخذ لمسح الرأس ماء جديد والله تعالى أعلم
باب مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما
36 - قوله (نا ابن إدريس) هو عبد الله بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي الكوفي ثقة فقيه
عابد من الثامنة (عن ابن عجلان) هو محمد بن عجلان المدني صدوق إلا أنه اختلطت عليه
أحاديث أبي هريرة من الخامسة (عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم المدني ثقة (عن عطاء بن
يسار) الهلالي المدني مولى ميمونة ثقة فاضل صاحب مواعظ وعبادة من صغار الثالثة
قوله (ظاهرهما وباطنهما) بالجر فيهما بدلان من أذنيه
وظاهر الأذنين خارجهما مما يلي
الرأس وباطن الأذنين داخلهما مما يلي الوجه وأخرج ابن حبان في صحيحه من حديث ابن
عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فغرف غرفة فغسل وجهه الحديث، وفيه ثم غرف غرفة فمسح برأسه
وأذنيه داخلهما بالسبابتين وخالف بإبهاميه إلى ظاهر أذنيه فمسح ظاهرهما وباطنهما ذكره الحافظ في
التلخيص وقال صححه ابن خزيمة وابن مندة قال ورواه أيضا النسائي وابن ماجة والحاكم
والبيهقي ولفظ النسائي ثم مسح برأسه وأذنيه باطنهما بالسبابتين وظاهرهما بإبهاميه ولفظ ابن
117

ماجة مسح أذنيه فأدخل فيهما السبابتين وخالف إبهاميه إلى ظاهر أذنيه فمسح ظاهرهما وباطنهما
ذكره الحافظ في التلخيص وقال صححه ابن خزيمة وابن مندة قال ورواه أيضا النسائي وابن
ماجة والحاكم والبيهقي ولفظ النسائي ثم مسح برأسه وأذنيه باطنهما بالسبابتين وظاهرهما بإبهاميه
ولفظ ابن ماجة مسح أذنيه فأدخلهما السبابتين وخالف بإبهاميه إلى ظاهر أذنيه فمسح ظاهرهما
وباطنهما انتهى وفي حديث المقدام بن معد يكرب وأدخل أصبعيه في صماخي أذنه أخرجه أبو
داود والطحاوي ففي هذه الآثار بيان كيفية مسح الأذنين
قوله (وفي الباب عن الربيع) أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم في المستدرك (حديث ابن
عباس حديث حسن صحيح) وصححه أيضا ابن خزيمة وابن مندة كما تقدم
قوله (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم يرون مسح الأذنين ظهورهما وبطونهما) وهو
الحق يدل عليه أحاديث الباب
باب ما جاء أن الأذنين من الرأس
37 - قوله (عن سنان بن ربيعة) الباهلي البصري أبي ربيعة صدوق فيه لين أخرج له
البخاري مقرونا من الرابعة (عن شهر بن حوشب) الأشعري الشامي مولى أسماء بنت يزيد بن
السكن صدوق كثير الإرسال والأوهام من الثالثة كذا في التقريب
قوله (وقال الأذنان من الرأس) أي فيمسحان معه لا من الوجه فيغسلان معه (قال حماد)
118

أي ابن زيد (لا أدري هذا) أي قوله الأذنان من الرأس
قوله (وفي الباب عن أنس) قد ورد في أن الأذنين من الرأس ثمانية أحاديث قال الحافظ
في التلخيص
الأول حديث أبي أمامة رواه د ت ق وقد بينت أنه مدرج في كتابي في ذلك
الثاني حديث عبد الله ين زيد قواه المنذري وابن دقيق العيد وقد بينت أيضا أنه مدرج
الثالث حديث ابن عباس رواه البزار وأعله الدارقطني بالاضطراب وقال إنه وهم
والصواب رواية ابن جريج عن سليمان بن موسى مرسلا
والرابع حديث أبي هريرة رواه ابن ماجة وفي عمرو بن الحصين وهو متروك
الخامس حديث أبي موسى أخرجه الدارقطني واختلف في وقفه ورفعه وصوب الوقف وهو
منقطع أيضا
السادس حديث ابن عمر أخرجه الدارقطني وأعله أيضا
السابع حديث عائشة أخرجه الدارقطني وفيه محمد بن الأزهر وقد كذبه أحمد
الثامن حديث أنس أخرجه الدارقطني من طريق عبد الحكيم عن أنس وهو ضعيف انتهى
ما في التلخيص
قلت حديث عبد الله بن زيد أخرجه ابن ماجة قال الزيلعي في تخريج الهداية بعد ذكره
هذا أمثل إسناد في الباب لاتصاله وثقة رواته انتهى لكن قال الحافظ أنه مدرج كما عرفت قال
الزيلعي أما حديث ابن عباس فأخرجه الدارقطني عن أبي كامل الجحدري ثنا غندر محمد بن
جعفر عن ابن جريج عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الأذنان من الرأس قال ابن القطان إسناده
صحيح لاتصاله وثقة رواته انتهى
قال وأعله الدارقطني باضطراب في إسناده وقال إسناده وهم وإنما هو مرسل ثم
أخرجه عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وتبعه عبد الحق في ذلك وقال
ابن جريج الذي دار الحديث عليه يروى عنه عن سليمان ابن موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا قال
119

وهذا ليس بقدح فيه وما يمنع أن يكون فيه حديثان مسند ومرسل انتهى
قلت كلام ابن القطان هذا متجه
قوله (هذا حديث ليس إسناده بذاك القائم) أي ليس بالقوي قال ابن دقيق العيد في
الأمام وهذا الحديث معلول بوجهين أحدهما الكلام في شهر بن حوشب والثاني الشك في
رفعه ولكن شهرا وثقه أحمد ويحي والعجلي ويعقوب بن شيبة وسنان بن ربيعة أخرج له
البخاري وهو وإن كان قد لين فقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به وقال ابن معين ليس بالقوي
فالحديث عندنا حسن والله أعلم انتهى كلامه وقال ابن القطان في الوهم والإيهام شهر بن
حوشب ضعفه قوم ووثقه الآخرون وممن وثقه ابن حنبل وابن معين وقال أبو زرعة لا بأس به وقال أبو حاتم
ليس هو بدون ابن الزبير وغير هؤلاء ضعفه ولا أعرف لمضعفه حجة كذا في تخريج
الزيلعي وقال الزيلعي وقد صحح الترمذي في كتابه حديث شهر بن حوشب عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم لف على
الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساء وقال هؤلاء أهل بيتي ثم قال هذا حسن صحيح
قوله (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أن
الأذنين من الرأس) أي فيمسحان معه وهو القول الراجح المعول عليه (به يقول سفيان
الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق) وهو قول أبي حنيفة (وقال بعض أهل العلم ما أقبل من
الأذنين فمن الوجه وما أدبر فمن الرأس) وإليه ذهب الشعبي والحسن بن صالح ومن تبعهم
فإنهم قالوا يغسل ما أقبل منهما مع الوجه ويمسح ما أدبر مع الرأس ذكره العيني وغيره (وقال
إسحاق أختار أن يمسح مقدمهما مع وجهه ومؤخره مع رأسه) ذكر الترمذي في هذه المسألة
ثلاثة مذاهب وههنا مذاهب
أخرى فمنها أن الأذنين من الوجه فيغسلان معه وإليه ذهب
الزهري وداود ذكره الشوكاني في النيل ومنها مذهب ابن شريح أنه كان يغسلهما مع الوجه
ويمسحهما مع الرأس
120

واستدل من قال إن الأذنين من الرأس بأحاديث الباب
واستدل الطحاوي لمذهب الشعبي ومن تبعه في شرح الآثار بما رواه بسنده عن علي أنه
حكى الوضو النبوي فأخذ حفنة من ماء بيديه جميعا فضرب بهما وجهه ثم الثانية مثل ذلك ثم
الثالثة ثم ألقم إبهاميه ما أقبل من أذنيه ثم أخذ كفا من ماء بيده اليمنى فصبها على ناصيته ثم
أرسلها تسيل على وجهه ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثا واليسرى مثل ذلك ثم مسح برأسه
وظهور أذنيه وذكر ابن تيمية هذا الحديث في المنتقى نقلا عن مسند أحمد وأبي داود وقال فيه
حجة لمن رأى ما أقبل من الأذنين من الوجه انتهى
قلت قال المنذري في الحديث مقال قال الترمذي سألت محمد بن إسماعيل عنه
فضعفه وقال ما أدري ما هذا انتهى وقال الحافظ في التلخيص ورواه البزار وقال لا نعلم أحد روى
هذا هكذا إلا من حديث عبيد الله الخولاني ولا نعلم أن أحدا رواه عنه إلا محمد بن طلحة بن
يزيد بن ركانة وقد صرح ابن إسحاق بالسماع فيه وأخرجه ابن حبان من طريقه مختصرا
وضعفه البخاري فيما حكاه الترمذي انتهى فهذا الحديث لا يصلح للاستدلال
وذكر الحافظ الزيلعي في نصب الراية في استدلال ابن شريح أنه روى أصحاب السنن
عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجود القرآن سجد وجهي للذي خلقه وصوره
وشق سمعه وبصره فهذا الحديث يدل على أن الأذنين من الوجه فبهذا الحديث وحديث
الأذنان من الرأس استند ابن شريح فيما كان يفعله
قلت حديث عائشة هذا ليس بنص على أن الأذنين من الوجه ولم أقف على حديث
صحيح صريح يدل على كون الأذنين من الوجه ثم لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم غسل الأذنين
وإنما الثابت عنه صلى الله عليه وسلم هو مسح الأذنين فقط فالقول الراجح المعول عليه هو أن الأذنين من
الرأس لأحاديث الباب ويدل عليه حديث الصنابحي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا توضأ العبد
المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه وذكر الحديث وفيه فإذا مسح برأسه خرجت
الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه رواه مالك والنسائي وابن ماجة قال ابن تيمية في
المنتقي فقوله تخريج من أذنيه إذا مسح رأسه دليل على أن الأذنين داخلتان في مسماه ومن جملته
انتهى فالمتعين هو مسح الأذنين مع الرأس
واختلفوا في أنهما يمسحان ببقية ماء الرأس أو بماء جديد قال الشوكاني في النيل ذهب
121

مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور إلى أنه يؤخذ لهما ماء جديد وذهب الثوري وأبو حنيفة إلى أنهما
يمسحان مع الرأس بماء واحد قال ابن عبد البر وروى عن جماعة مثل هذا القول من
الصحابة والتابعين واحتج الأولون بما في حديث عبد الله ابن زيد في صفة وضوء رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه توضأ فمسح أذنيه بماء غير الماء الذي مسح به الرأس أخرجه الحاكم من طريق حرملة
عن ابن وهب قال الحافظ إسناد ظاهره الصحة وأخرجه البيهقي من طريق عثمان الدارمي
عن الهيثم بن خارجة عن ابن وهب بلفظ فأخذ لأذنيه ماء خلاف الماء الذي أخذ لرأسه
وقال هذا إسناد صحيح لكن ذكر الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في الإمام أنه رأى في رواية
ابن المقبري عن ابن قتيبة عن حرملة بهذا الاسناد ولفظه ومسح برأسه بماء غير فضل يديه لم
يذكر الأذنين وقال الحافظ كذا هو في صحيح ابن حبان عن ابن مسلم عن حرملة وكذا رواه
الترمذي عن علي بن خشرم عن ابن وهب وقال عبد الحق ورد الأمر بتجديد الماء للأذنين
من حديث نمران بن جارية عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وتعقبه ابن القطان بأن الذي في رواية
جارية بلفظ أخذ للرأس ماء جديدا رواه البزار والطبراني وروى في الموطأ عن نافع عن ابن
عمر أنه كان إذا توضأ يأخذ الماء بأصبعيه لأذنيه وصرح الحافظ في بلوغ المرام بعد أن ذكر
حديث البيهقي السابق أن المحفوظ ما عند مسلم من هذا الوجه بلفظ ومسح برأسه بماء غير
فضل يديه
وأجاب القائلون أنهما يمسحان بماء الرأس بما سلف من إعلال هذا الحديث قالوا
فيوقف على ما ثبت من مسحهما مع الرأس كما في حديث ابن عباس والربيع وغيرهما قال ابن
القيم في الهدى لم يثبت عنه أنه أخذ لهما ماء جديدا وإنما صح ذلك عن ابن عمر انتهى ما في
النيل
قلت لم أقف على حديث مرفوع صحيح خال عن الكلام يدل على مسح الأذنين لماء
جديد نعم ثبت ذلك عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما من فعله روى الامام مالك في
موطئه عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يأخذ الماء بأصبعيه لأذنيه والله تعالى أعلم
122

باب في تخليل الأصابع
38 - قوله (عن سفيان) هو الثوري (عن أبي هاشم) أسمه إسماعيل بن كثير الحجازي المكي
ثقة من السادسة (عن عاصم بن لقيط بن صبرة) بفتح المهملة وكسر الموحدة العقيلي بالتصغير
ثقة من الثالثة (عن أبيه) لقيط بن صبرة صحابي مشهور
قوله (إذا توضأت فخلل الأصابع) صيغة أمر من التخليل وهو إدخال الشئ خلال
شئ وهو وسطه والحديث دليل على وجوب تخليل أصابع اليدين والرجلين
قوله (وفي الباب عن ابن عباس والمستورد وأبي أيوب) أما حديث ابن عباس فأخرجه
أحمد وابن ماجة والترمذي وأما حديث المستورد فأخرجه الخمسة إلا أحمد وأما حديث أبي
أيوب فأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف
قلت وفي الباب أيضا عن عثمان أخرجه الدارقطني بلفظ أنه خلل أصابع قدميه ثلاثا
وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت وعن الربيع بنت معوذ أخرجه الطبراني في الأوسط
قال الحافظ وإسناده ضعيف وعن عائشة أخرجه الدارقطني وفيه عمر بن قيس وهو منكر
الحديث وعن وائل بن حجر أخرجه الطبراني في الكبير قال الحافظ فيه ضعف وانقطاع
وعن عبد الله بن زيد أخرجه أحمد وعن أبي هريرة أخرجه الدارقطني خللوا بين أصابعكم
لا يخللها الله يوم القيامة بالنار وفي الباب أيضا أحاديث أخرى عن غير هؤلاء الصحابة رضي
الله عنهم أجمعين من شاء الوقوف عليها فليرجع إلى النيل
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والشافعي وابن
123

الجارود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي مطولا ومختصرا وصححه أيضا البغوي وابن
القطان
قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم أنه يخلل أصابع رجليه في الوضوء وبه يقول
أحمد وإسحاق) قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي قال أصحابنا من سنن الوضوء تخليل
أصابع الرجلين في غسلهما قال وهذا إذا كان الماء يصل إليها من غير تخليل فلو كانت الأصابع
ملتفة لا يصل الماء إليها إلا بالتخليل فحينئذ يجب التخليل لا لذاته لكن لأداء فرض الغسل
انتهى قال الشوكاني بعد ذكر كلام ابن سيد الناس هذا والأحاديث قد صرحت بوجوب
التخليل وثبت من قوله صلى الله عليه وسلم وفعله ولا فرق بين إمكان وصول الماء بدون تخليل وعدمه ولا بين
أصابع اليدين والرجلين فالتقييد بأصابع الرجلين أو بعدم إمكان وصول الماء لا دليل عليه
انتهى قلت الأمر كما قال الشوكاني (وقال إسحاق يخلل أصابع يديه ورجليه) قول إسحاق هذا
هو الراجح المعول عليه طلاق قوله صلى الله عليه وسلم فخلل الأصابع ولحديث ابن عباس الآتي في هذا
الباب
39 - قوله (حدثنا إبراهيم بن سعيد) الجوهري أبو إسحاق الطبري نزيل بغداد ثقة
حافظ تكلم فيه بلا حجة من العاشرة (قال ثنا سعد بن عبد الحميد بن جعفر) الأنصاري أبو
معاذ المدني نزيل بغداد صدوق له أغاليط من كبار العاشرة (قال ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد)
المدني مولى قريش صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد وكان فقيها من السابعة كذا في التقريب
وقال في الخلاصة قال ابن معين ما حدث بالمدينة فهو صحيح وقال في هامش الخلاصة نقلا
عن التهذيب وما حدث به ببغداد والعراق فمضطرب (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش
مولى آل الزبير ثقة فقيه إمام في المغازي من الخامسة لم يصح أن ابن معين لينه كذا في
التقريب وقال في الخلاصة قال مالك عليكم بمغازي عقبة فإنه ثقة وهي أصح المغازي
مات سنة 141 إحدى وأربعين ومائة (عن صالح مولى التوأمة) بفتح المثناة وسكوت الواو
124

وبعدها همزة مفتوحة صدوق اختلط بآخره قال ابن عدي لا بأس برواية القدماء عنه كابن أبي
ذئب وابن جريج من الرابعة كذا في التقريب قلت سماع موسى ابن عقبة منه قبل أن يختلط
قوله (إذا توضأت بين يديك ورجليك) هذا الحديث حجة على من قيد
التخليل بأصابع الرجلين وأما ما جاء في بعض الأحاديث من ذكر الرجلين فقط فهو تنصيص
ببعض الأفراد
قوله (هذا حديث حسن غريب) قال في النيل فيه صالح مولى التوأمة وهو ضعيف
ولكن حسنه البخاري لأنه من رواية موسى بن عقبة عن صالح وسماع موسى عنه قبل أن يختلط
انتهى
قوله (عن يزيد بن عمرو) المعافري المصري صدوق من الرابعة (عن أبي عبد الرحمن
الحبلى) بضم المهملة والموحدة المعافري ثقة من الثالثة
قوله (ذلك) أي خلل (بخنصره) أي بخنصر يده اليسرى
قوله (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة) عرابة هذا الحديث والذي
قبله ترجع إلى الاسناد فلا ينافي الحسن قاله ابن سيد الناس وقد شارك ابن لهيعة في روايته
عن يزيد بن عمرو الليث وعمرو بن الحارث فالحديث إذن صحيح سالم عن الغرابة كذا في
النيل
125

باب ما جاء ويل للأعقاب من النار قوله (ثنا عبد العزيز بن محمد) بن عبيد الدراوردي أبو محمد الجهني مولاهم المدني
صدوق كان يحدث من كتب غيره فيخطئ قال النسائي حديثه عن عبيد الله العمري منكر
من الثامنة
قوله (ويل للأعقاب من النار) الويل الحزن والهلاك والمشقة من العذاب كذا في
المجمع قال الحافظ في الفتح اختلف في معناه على أقوال أظهرها ما رواه ابن حبان في
صحيحه من حديث أبي سعيد مرفوعا ويل واد في جهنم قال الحافظ وجاز الابتداء بالنكرة
لأنه دعاء انتهى والأعقاب جمع عقب بفتح عين وكسر قاف وبفتح عين وكسرها مع سكون
قاف مؤخر القادم قال البغوي معناه ويل لأصحاب الأعقاب المقصرين في غسلها وقيل أراد
أن العقب مختص بالعقاب ورواه غيره مطولا فروى عبد الله بن عمرو قال تخلف النبي صلى الله عليه وسلم
عنا في سفرة فأدركنا وقد أرهقنا العصر فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته ويل
للأعقاب من النار مرتين أو ثلاثا أخرجه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري والحديث دليل
على وجوب غسل الرجلين وأن المسح لا يجزئ قال ابن خزيمة لو كان الماسح مؤديا للفرض
لما توعد بالنار وأشار بذلك إلى ما كان من الخلاف من الشيعة أن الواجب المسح أخذ بظاهر
قراءة وأرجلكم بالخفض وقد تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة وضوئه أنه غسل رجليه
وهو المبين لأمر الله وقال في حديث عمرو بن عنبسة الذي رواه ابن خزيمة وغيره مطولا في
فضل الوضوء ثم يغسل قدميه كما أمره الله ولم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك إلا
عن علي وابن عباس وأنس وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك قال عبد الرحمن بن أبي ليلى
أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على غسل القدمين رواه سعيد بن منصور وادعى الطحاوي
وابن حزم أن المسح منسوخ والله أعلم كذا في فتح الباري
126

قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وعائشة وجابر بن عبد الله وعبد الله بن الحارث ومعيقب
وخالد بن الوليد وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان) أما حديث
عبد الله بن عمرو فأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة وأما حديث عائشة
فأخرجه مسلم وأما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه بلفظ ويل
للعراقيب من النار وأخرجه ابن ماجة وأخرجه الطحاوي أيضا كذا في عمدة القاري ص 656
ج 1 وأما حديث عبد الله بن الحارث فسيجئ تخريجه وأما حديث معيقيت فأخرجه أحمد
والطبراني في الكبير بمثل حديث الباب قال الهيثمي وفيه أيوب بن عتبة والأكثر على تضعيفه
وأما حديث خالد بن الوليد وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان
فأخرجه ابن ماجة بلفظ أتموا الوضوء ويل للأعقاب من النار
قلت وفي الباب أيضا عن عبد الله بن عمر أخرجه ابن أبي شيبة وعن أبي أمامة أخرجه
أيضا ابن أبي شيبة وقد روى من حديث أبي أمامة ومن حديث أخيه ومن حديثهما معا ومن
حديث أحدهما على الشك قاله ابن سيد الناس وعن عمر بن الخطاب أخرجه مسلم وعن
خالد بن معدان أخرجه أحمد كذا في النيل وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها العيني في عمدة
القاري ص 656 ج 1 بألفاظها من شاء الوقوف عليها فليرجع إليه
قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
وابن ماجة (وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار) قال
المنذري في الترغيب هذا الحديث الذي أشار إليه الترمذي رواه الطبراني في الكبير وابن خزيمة
في صحيحه من حديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي
مرفوعا ورواه أحمد موقوفا عليه
انتهى (وفقه هذا الحديث أنه لا يجوز المسح على القدمين إذا لم يكن عليهما خفان أو جوربان)
127

إذ لو جاز المسح على القدمين لم يدع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الماسح على القدمين بالويل من النار
وقوله جوربان تثنية جورب ويجئ تفسيره وحكم المسح عليهما
باب ما جاء في الوضوء مرة مرة
42 - قوله (عن سفيان) هو الثوري لأن أبا نعيم صرح به في كتابه قاله العيني (توضأ
مرة مرة) فيه دليل على أن الواجب من الوضوء مرة مرة ولهذا اقتصر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان
الواجب مرتين مرتين أو ثلاثا ثلاثا لما اقصر على مرة مرة قال النووي قد أجمع المسلمون على
أن الواجب في غسل الأعضاء مرة مرة وعلى أن الثلاث سنة وقد جاءت الأحاديث
الصحيحة بالغسل مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثا ثلاثا وبعض الأعضاء وبعضها مرتين
والاختلاف دليل على جواز ذلك كله وأن الثلاث هي الكمال والواحدة تجزئ انتهى
قوله (وفي الباب عن عمر وجابر وبريدة وأبي رافع وابن الفاكه) أما حديث عمر
فأخرجه الترمذي وابن ماجة وأما حديث جابر فأخرجه ابن ماجة وأما حديث بريدة فأخرجه
البزار وأما حديث أبي رافع فأخرجه البزار أيضا والدارقطني في سننه وأما حديث ابن الفاكه
فأخرجه البغوي في معجمه وفيه عدي بن الفضل وهو متروك وقد ذكر العيني في شرح
البخاري حديث ابن الفاكه بسنده ومتنه
قلت وفي الباب أيضا عن عبد الله بن عمر أخرجه البزار وعن عكراش بن ذؤيب ذكره
أبو بكر الخطيب وعن أبي بن كعب أخرجه ابن ماجة
قوله (حديث ابن عباس أحسن شئ في هذا الباب وأصح) أخرجه الجماعة إلا مسلما
128

قوله (وروى رشدين) بكسر الراء وسكون الشين المعجمة (بن سعد) المهري أبو الحجاج
المصري ضعيف رجح أبو حاتم عليه ابن لهيعة وقال ابن يونس كان صالحا في دينه فأدركته
غفلة الصالحين في الحديث من السابعة (وغيره) كابن لهيعة (عن الضحاك بن شرحبيل)
الغافقي المصري صدوق بهم من الرابعة ورواية رشدين هذه أخرجها ابن ماجة (والصحيح ما
روى ابن عجلان وهشام بن سعد) المدني صدوق له أوهام ورمي بالتشيع من كبار السابعة
(وسفيان الثوري وعبد العزيز بن محمد) بن عبيد الدراوردي أبو محمد الجهني مولاهم المدني
صدوق كان يحدث من كتب غيره فيخطئ قال النسائي حديثه عن عبيد الله العمري منكر
من الثامنة
باب ما جاء في الوضوء مرتين مرتين
43 - قوله (حدثنا أبو كريب ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة عابد من
الحادية عشرة (نا زيد بن حباب) بضم المهملة وموحدتين أبو الحسين العكلي أصله من خراسان
وكان بالكوفة ورحل في الحديث فأكثر منه وهو صدوق يخطئ في حديث الثوري من
التاسعة (عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان) العنسي الدمشقي الزاهد صدوق يخطئ ورمي
بالقدر وتغير بآخره من السابعة (حدثني عبد الله بن الفضل) الهاشمي المدني ثقة من الرابعة
(عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج) المدني ثقة عالم من الثالثة
129

قوله (توضأ مرتين مرتين) أي غسل أعضاء وضوئه مرتين مرتين وفيه دليل على أن
التوضأ مرتين مرتين يجوز ولا خلاف في ذلك
قوله (هذا حديث حسن غريب إلخ) وأخرجه أبو داود
قوله (وفي الباب عن جابر) أخرجه ابن ماجة وفي الباب أيضا عن عبد الله بن زيد أن
النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين أخرجه أحمد والبخاري (وقد روى عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم
توضأ ثلاثا ثلاثا) يجئ تخريجه في الباب الآتي
باب ما جاء في الوضوء ثلاثا ثلاثا
44 - قوله (نا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان العنبري مولاهم أبو سعيد
البصري ثقة ثبت حافظ عارف بالرجال والحديث قال ابن المديني ما رأيت أعلم منه مات
سنة ثمان وتسعين ومائة بالبصرة عن ثلاث وستين سنة (عن سفيان) هو الثوري (عن أبي حية)
بفتح الحاء المهملة وتشديد المثناة التحتية ابن قيس الهمداني الوادعي قيل اسمه عمرو بن نصر
وقيل اسمه عبد الله وقيل اسمه عامر بن الحارث وقال أبو أحمد الحاكم وغيره لا يعرف اسمه
مقبول من الثالثة
قوله (توضأ ثلاثا ثلاثا) قد أجمع العلماء على أن الواجب
غسل الأعضاء مرة واحدة وأن
الثلاث سنة لثبوت الاقتصار من فعله صلى الله عليه وسلم على مرة واحدة مرتين كما تقدم
130

قوله (وفي الباب عن عثمان والربيع وابن عمر وعائشة وأبي رافع وعبد الله بن
عمرو ومعاوية وأبي هريرة وجابر وعبد الله بن زيد وأبي ذر) أما حديث عثمان فأخرجه أحمد
ومسلم بلفظ حديث الباب وأما حديث الربيع وهي بنت معوذ بن عفراء فأخرجه الترمذي وأبو
داود وابن ماجة وأما حديث ابن عمر فأخرجه ابن حبان وغيره أنه توضأ ثلاثا ثلاثا ورفع ذلك إلى
النبي صلى الله عليه وسلم وأما حديث عائشة وأبي هريرة فأخرجه ابن ماجة بسند لا بأس به أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ
ثلاثا ثلاثا وأما حديث أبي أمامة فأخرجه ثابت بن القاسم السرقسطي في كتاب الدلائل بسند
لا بأس به أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا وأما حديث أبي رافع فأخرجه الطبراني في الأوسط
وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وأما حديث معاوية ففي
كتاب المفرد لأبي داود من حديث علي بن أبي جملة عن أبيه عن أمير المؤمنين عبد الملك حدثني أبو
خالد عن معاوية رضي الله عنه رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا كذا في عمدة القاري ص 847
ج 1 وفي الباب أحاديث كثيرة أخرجها أصحاب الصحاح الستة وغيرهم
قوله (حديث على أحسن شئ في هذا الباب وأصح) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن
ماجة
قوله (وقال ابن المبارك لا آمن إذا زاد في الوضوء على الثلاث أن يأثم) يدل عليه حديث
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء فأراه ثلاثا
ثلاثا ثم قال هكذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم رواه النسائي وابن ماجة
قال الإمام حافظ الدين النسفي هذا إذا زاد معتقدا أن السنة هذا فأما لو زاد لطمأنينة القلب
131

عند الشك أو نية وضوء آخر فلا بأس لأنه عليه الصلاة والسلام أمر بترك ما يريبه إلى ما
لا يريبه انتهى قال القاري قلت أما قوله لطمأنينة القلب عند الشك ففيه أن الشك بعد
الثليث لا وجه له وإن وقع بعده فلا نهاية له وهو الوسوسة ولهذا أخذ ابن المبارك بظاهره
فقال لا آمن إذا زاد على الثلاث أن يأثم انتهى قال القاري وأما قوله أو بنية وضوء آخر فيه
إن قبل الإتيان بعبادة بعد الوضوء لا يستحب له التجديد مع أنه لا يتصور التجديد إلا بعد تمام
الوضوء لا في الأثناء وأما قوله لأنه أمر بترك ما يريبه إلخ ففيه أن غسل المرة الأخرى مما يريبه
فينبغي تركه إلى ما لا يريبه وهو ما عينه الشارع ليتخلص عن الريبة والوسوسة انتهى كلام
القاري
قلت قوله قبل الإتيان بعبادة بعد الوضوء لا يستحب له التجديد يخدشه إطلاق
حديث الوضوء على الوضوء نور على نور لكن هذا الحديث ضعيف قال الحافظ العراقي في تخريج
الإحياء لم أقف عليه وقال الحافظ ابن حجر هو حديث ضعيف رواه رزين في مسنده (وقال
أحمد وإسحاق لا يزيد الثلاث إلا رجل مبتلي) أي بالجنون لمظنة أنه بالزيادة يحتاط لدينه قال
ابن حجر ولقد شاهدنا من الموسوسين من يغسل يده بالمئين وهو مع ذلك يعتقد أن حدثه هو
اليقين كذا في المرقاة
باب ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثا
قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي أي باب الحديث الذي ورد في الوضوء مرة
ومرتين وثلاثا يعني في الحديث الواحد المشتمل على ثلاث أحوال في ثلاث أوقات فيرجع مآل هذا
الباب الواحد إلى مجموع الأبواب الثلاثة إلا أن الأبواب الثلاثة السابقة باعتبار الأحاديث الثلاثة
وهذا الباب باعتبار حديث واحد لا باعتبار
حالة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يجمع الأحوال المذكورة في وضوء
واحد انتهى
45 - (حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري) الكوفي أبو محمد أو أبو إسحاق نسيب السدي
132

أو ابن أخته أو ابن بنته صدوق يخطئ ورمي بالرفض من العاشرة
46 - (عن ثابت بن أبي صفية) الثمالي بضم المثلثة كنيته أبو حمزة واسم أبيه دينار وقيل
سعيد كوفي ضعيف رافضي من الخامسة مات في خلافة أبي جعفر
قوله (قال قلت لأبي جعفر) هو محمد الباقر (حدثك جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة)
أي تارة (ومرتين مرتين) أي أخرى (وثلاثا ثلاثا) أي أخرى (قال نعم) قال الطيبي من عادة
المحدثين أن يقول القارئ بين يدي الشيخ حدثك فلان عن فلان يرفع إسناده وهو ساكت
يقرر وذلك كما يقول الشيخ حدثني فلان عن فلان ويسمعه الطالب انتهى وتوضيحه ما قال
ابن حجر أن من أحد طرق الرواية أن يقول التلميذ للشيخ حدثك فلان عن فلان كذا والشيخ
يسمع فإذا فرغ قال نعم فهو بمنزلة قول الشيخ حدثني فلان إلخ والتلميذ ساكت أي يسمع
كذا في المرقاة قلت قال السيوطي في تدريب الراوي إذا قرئ على الشيخ قائلا أخبرك فلان
أو نحوه كقلت أخبرنا فلان والشيخ مصغ إليه فاهم له غير منكر ولا مقر لفظا صح السماع
وجازت الرواية به اكتفاء بالقرائن الظاهرة ولا
يشترط نطق الشيخ بالإقرار كقوله نعم على
الصحيح الذي قطع به جماهير أصحاب الفنون وشرط بعض الشافعية والظاهريين نطقه به
انتهى كلام السيوطي
قوله (وروى وكيع هذا الحديث إلخ) الفرق بين رواية وكيع وشريك أن وكيعا رواه
مختصرا بلفظ توضأ مرة مرة قال نعم ولم يذكر لفظ مرتين مرتين وثلاثا ثلاثا وأما شريك فرواه
بلفظ توضأ مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثا ثلاثا قال نعم وحديث شريك رواه ابن ماجة أيضا وقال
علي القاري في المرقاة سنده حسن
قلت في سنده شريك وقد عرفت حاله وأيضا في سنده ثابت بن أبي صفية وهو ضعيف
133

كما عرفت ولكن في الباب أحاديث صحيحة (وشريك كثير الغلط) شريك هذا هو ابن
عبد الله النخعي الكوفي القاضي بواسط تقدم ترجمته
باب فيمن توضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثا
47 - قوله (عن عمرو بن يحيى) بن عمارة بن أبي حسن المازني المدني سبط عبد الله ابن
زيد بن عاصم ثقة وثقة أبو حاتم والنسائي (عن أبيه) يحيى بن عمارة ثقة من الثالثة
قوله (توضأ فغسل وجهه ثلاثا وغسل يديه مرتين مرتين ومسح برأسه وغسل رجليه)
كذا في النسخة الحاضرة المطبوعة وفي نسخة قلمية عتيقة صحيحة
وغسل رجليه مرتين بزيادة
لفظ مرتين
قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم مطولا
قوله (وقد ذكر في غير حديث) أي في عدة أحاديث
(وقد رخص بعض أهل العلم في ذلك لم يروا بأسا أن يتوضأ الرجل بعض وضوئه ثلاثا
134

وبعضه مرتين أو مرة) وهو القول الراجح المعول عليه لأحاديث الباب
باب في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان
48 - قوله (نا أبو الأحوص) هو سلام بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي ثقة متقن
صاحب حديث من السابعة (عن أبي إسحاق) هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ثقة
مدلس (عن أبي حية) بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتانية المفتوحة هو ابن قيس الهمداني
الوادعي عن علي وعنه أبو إسحاق فقط قال أحمد شيخ كذا في الخلاصة وقال الحافظ في
التقريب قيل اسمه عمرو بن نصر وقيل اسمه عبد الله وقيل اسمه عامر بن الحارث وقال أبو
أحمد الحاكم وغيره لا يعرف اسمه مقبول من الثالثة انتهى
قوله (توضأ فغسل كفيه) أي شرع في الوضوء أو أراده فالفاء تعقيبية والأظهر أنها
لتفصيل ما أجمل في قوله توضأ قاله القاري (فغسل كفيه) المراد من الكفين اليدان إلى الرسغين
(حتى أنقاهما) أي أزال الوسخ عنهما (ومسح برأسه مرة) فيه دليل على أن السنة في مسح الرأس
أن يكون مرة واحدة وعليه الجمهور وقد تقدم الكلام في هذا في باب ما جاء أن مسح الرأس
مرة (ثم غسل قدميه إلى الكعبين) فيه رد على من جوز المسح على الرجلين بغير خف أو جورب
(ثم قام فأخذ فضل طهوره) بفتح الطاء أي بقية مائه الذي توضأ به (فشربه وهو قائم) زاد في
رواية للبخاري ثم قال إن أناسا يكرهون الشرب قائما وإن النبي صلى الله عليه وسلم صنع مثل ما صنعت
قال ابن الملك أما شرب فضله فلأنه ماء أدى به عبادة وهي الوضوء فيكون فيه بركة فيحسن
شربه قائما تعليما الأمة أن الشرب قائما جائز فيه
قلت هذا الحديث يدل على جواز الشرب قائما وثبت الشرب قائما عن عمر أخرجه الطبري
وفي الموطأ أن عمر وعثمان وعليا كانوا يشربون قياما وكان سعد وعائشة لا يرون بذلك بأسا
135

وثبتت الرخصة عن جماعة من التابعين وقد ثبت المنع عن الشرب قائما ففي صحيح مسلم عن
أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائما وفي رواية أخرى عنده نهى أن يشرب الرجل قائما وفيه
عن أبي هريرة لا يشربن أحدكم قائما فمن نسي فليستقي فسلك أهل العلم في هذا مسالك
فمنهم من قال إن أحاديث الجواز أثبت من أحاديث النهي ومنهم من قال إن أحاديث النهي
منسوخة بأحاديث الجواز ومنهم من قال إن أحاديث النهي محمولة على كراهة التنزيه وأحاديث
الجواز على بيانه قال الحافظ هذا أحسن المسالك وأسلمها وأبعدها من الاعتراض ويأتي الكلام
مبسوطا في هذه المسألة في موضعها (ثم قال) أي علي رضي الله عنه (كيف كان طهور
رسول الله صلى الله عليه وسلم) بضم الطاء أي وضوءه وطهارته
قوله (وفي الباب عن عثمان وعبد الله بن زيد وابن عباس وعبد الله بن عمرو وعائشة
والربيع وعبد الله بن أنيس) أما حديث عثمان فأخرجه البخاري ومسلم وغيرها وأما حديث
عبد الله بن زيد فأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة مطولا ومختصرا وأما
حديث ابن عباس فأخرجه البخاري وغيره وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد وأبو
داود والنسائي وابن ماجة وأما حديث عائشة فلم أقف عليه
وأما حديث الربيع وهي بنت معوذ بن عفراء فأخرجه أبو داود وأما حديث عبد الله بن
أنيس فلينظر من أخرجه
49 - قوله (عن عبد خير) بن يزيد الهمداني أبي عمارة الكوفي مخضرم ثقة من الثانية لم
يصح له صحبة وهو من كبار أصحاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه (حديث علي رواه أبو
إسحاق الهمداني) هو عمرو بن عبد الله السبيعي أي روى أبو إسحاق الهمداني حديث علي عن
136

ثلاثة شيوخ أبي حية وعبد خير والحارث وهؤلاء رووا عن علي
قوله (وقد رواه زائدة بن قدامة وغير واحد عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي
حديث الوضوء بطوله) أخرج حديث قدامة عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي أبو داود
والنسائي والدارمي والدارقطني
(فقال مالك بن عرفطة) بضم العين وسكون الراء المهملتين وضم الفاء وفتح الطاء أي
قال شعبة مالك بن عرفطة مكان خالد بن علقمة واتفق الحفاظ كالترمذي وأبي داود والنسائي
على وهم شعبة في تسمية شيخه بمالك بم عرفطة وإنما هو خالد بن علقمة قال النسائي في
سننه قال أبو عبد الرحمن هذا خطأ والصواب خالد بن علقمة ليس مالك بن عرفطة انتهى
قوله (وروى عن أبي عوانة إلخ) بصيغة المجهول أي روى مرة عن أبي عوانة عن خالد
بن علقمة عن عبد خير عن علي وروى مرة أخرى عن أبي عوانة عن مالك بن عرفطة كما
روى شعبة والصحيح خالد بن علقمة قال أبو داود في سننه مالك بن عرفطة إنما هو
خالد بن علقمة أخطأ فيه شعبة قال داود قال أبو عوانة يوما حدثنا مالك بن عرفطة عن
عبد خير فقال عمرو الأعصف رحمك الله أبا عوانة هذا خالد بن علقمة ولكن شعبة مخطئ
فيه فقال أبو عوانة هو في كتابي خالد بن علقمة ولكن قال شعبة هو مالك بن عرفطة قال أبو
داود حدثنا عمرو بن عون قال حدثنا أبو عوانة عن مالك بن عرفطة قال أبو داود وسماعه
قديم قال أبو داود وحدثنا أبو كامل قال حدثنا أبو عوانة عن خالد بن علقمة وسماعه متأخر
كان بعد ذلك رجع إلى الصواب انتهى
اعلم أن هذه العبارة ليست في أكثر نسخ أبي داود قال الحافظ المزي بعد ذكر هذه العبارة
في رواية أبي الحسن بن العبد ولم يذكره أبو القاسم
انتهى
137

باب في النضح بعد الوضوء
المراد بالنضح ههنا هو أن يأخذ قليلا من الماء فيرش به مذاكيره بعد الوضوء لينفي عنه
الوسواس وقد نضح عليه الماء ونضحه به إذا رشه عليه كذا في النهاية
50 - قوله (وأحمد بن أبي عبيد الله السليمي) بفتح المهملة وكسر اللام (البصري)
الوراق ثقة من العاشرة (نا أبو قتيبة سلم بن قتيبة) الخراساني نزيل البصرة صدوق من
التاسعة (عن الحسن بن علي الهاشمي) هو الحسن بن علي بن محمد بن ربيعة بن نوفل بن
الحارث بن عبد المطلب النوفلي الهاشمي ضعيف كذا في التقريب (عن عبد الرحمن) وفي
نسخة قلمية عتيقة صحيحة عن الأعرج وعبد الرحمن هذا هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ثقة
ثبت من الثالثة
قوله (يا محمد إذا توضأت) أي إذا فرغت من الوضوء (فانتضح) قال القاضي أبو
بكر بن العربي في العارضة اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث على أربعة أقوال
الأول معناه إذا توضأت فصب الماء على العضو صبا ولا تقتصر على مسحة فإنه لا يجزئ
فيه إلا الغسل
الثاني معناه استبرئ الماء بالنثر والتنحنح يقال نضحت استبرأت وانتضحت تعاطيت
الاستبراء له
الثالث معناه إذا توضأت فرش الإزار الذي يلي الفرج ليكون ذلك مذهبا للوسواس
138

الرابع معناه الاستنجاء بالماء إشارة إلى الجمع بينه وبين الأحجار فإن الحجر يخفف
الوسخ والماء يطهره وقد حدثني أبو مسلم المهدي قال من الفقه الرائق الماء يذهب الماء
معناه أن من استنجى بالأحجار لا يزال البول يرشح فيجد منه البلل فإذا استعمل الماء نسب
الخاطر ما يجد من البلل إلى الماء وارتفع الوسواس انتهى كلام ابن العربي ملخصا وقال
الخطابي في معالم السنن الانتضاح ههنا الاستنجاء بالماء وكان من عادة أكثرهم أن يستنجوا
بالحجارة لا يمسون الماء وقد يتأول الانتضاح أيضا على رش الفرج بالماء بعد الاستنجاء ليدفع
بذلك وسوسة الشيطان انتهى وذكر النووي عن الجمهور أن الثاني هو المراد ههنا وفي جامع
الأصول الانتضاح رش الماء على الثوب ونحوه والمراد به أن يرش على فرجه بعد الوضوء ماء
ليذهب عنه الوسواس الذي يعرض للانسان أنه قد خرج منذ ذكره بلل فإذا كان ذلك المكان
بللا ذهب ذلك الوسواس وقيل أراد بالانتضاح الاستنجاء بالماء لأن الغالب كان من عادتهم
أنهم يستنجون بالحجارة انتهى
قلت والحق أن المراد بالانتضاح في هذا الحديث هو الرش على الفرج بعد الوضوء كما
يدل عليه ألفاظ أكثر الأحاديث الواردة في هذا الباب
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن ماجة (وسمعت محمدا يقول الحسن بن علي
الهاشمي منكر الحديث) قال في شرح النخبة قولهم متروك أو ساقط متروك أو ساقط أو فاحش الغلط ومنكر
الحديث أشد من قولهم ضعيف أوليس بالقوي أو فيه مقال انتهى قال الذهبي في الميزان
ضعفه أحمد والنسائي وأبو حاتم والدارقطني وقال البخاري منكر الحديث انتهى
قلت فحديث الباب ضعيف وفي الباب أحاديث عديدة مجموعها يدل على أن له
أصلا
قوله (وفي الباب عن أبي الحكم بن سفيان وابن عباس وزيد بن حارثة وأبي سعيد) أما
حديث الحكم بن سفيان فأخرجه أبو داود وابن ماجة ولفظه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم أخذ كفا
من ماء فنضح به فرجه وأما حديث ابن عباس فأخرجه عبد الرزاق في جامعه أنه
شكى إليه رجل فقال إني أكون في الصلاة فيتخيل لي أن بذكري بللا فقال قاتل الله الشيطان
139

إنه يمس ذكر الإنسان ليريه أنه قد أحدث فإذا توضأت فانضح فرجك بالماء فإن وجدت فقل هو
من الماء ففعل الرجل ذلك فذهب كذا في شرح سراج أحمد وأما حديث زيد بن حارثة
فأخرجه ابن ماجة ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم علمني جبريل الوضوء وأمرني أن أنضح تحت ثوبي
لما يخرج من البول بعد الوضوء وأخرجه الدارقطني أيضا وفيه ابن لهيعة وفيه مقال مشهور
وأما حديث أبي سعيد فلم أقف على من أخرجه وفي الباب أيضا عن جابر قال توضأ رسول
الله صلى الله عليه وسلم فنضح فرجه أخرجه ابن ماجة وعن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل عليه
السلام لما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فعلمه الوضوء فلما فرغ من وضوئه أخذ حفنة من ماء فرش بها
نحو الفرج فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرش بعد وضوئه رواه أحمد وفيه رشدين ابن سعد وثقه هيثم بن
خارجة وأحمد بن حنبل في رواية وضعفه آخرون كذا في مجمع الزوائد
قوله (وقال بعضهم) أي بعض الرواة (سفيان بن الحكم أو الحكم بن سفيان) أي
بالشك (واضطربوا في الحديث) أي في إسناد هذا الحديث قال الحافظ ابن الأثير ورواه
روح بن القاسم وشعبة وشيبان ومعمر وأبو عوانة وزائدة وجرير بن عبد الحميد وإسرائيل
وهريم بن سفيان مثل سفيان على الشك وقال شعبة وأبو عوانة وجرير عن الحكم أو ابن
الحكم ورواه عامة أصحاب الثوري على الشك إلا عفيف بن سالم والفريابي فإنهما روياه فقالا
الحكم بن سفيان من غير شك ورواه وهيب بن خالد عن منصور عن الحكم عن أبيه ورواه
مسعر عن منصور فقال عن رجل من ثقيف ولم يسمه وممن رواه ولم يشك سلام بن أبي مطيع
وقيس بن الربيع وشريك فقالوا عن الحكم بن سفيان ولم يشكوا انتهى وقال الحافظ هو
الحكم بن سفيان بن عثمان بن عامر بن معتب بن مالك بن كعب بن سعد بن عوف بن ثقيف
الثقفي قال أبو زرعة وأبو إبراهيم الحربي له صحبة واختلف فيه على مجاهد فقيل هكذا وقيل
سفيان بن الحكم وقيل غير ذلك وقال أحمد والبخاري ليست للحكم صحبة وقال ابن
المديني والبخاري وأبو حاتم الصحيح الحكم بن سفيان انتهى وقال ابن عبد البر له حديث
واحد وهو مضطرب الإسناد انتهى
تنبيه كون هذا الحديث مضطرب الإسناد ظاهر من كلام الحافظ ابن الأثير وقد صرح
به الحافظ ابن عبد البر ولم يقف على هذا صاحب الطيب الشذي فاعترض على الإمام الترمذي
الذي هو من أئمة الحديث حيث قال إن ما جرح الترمذي باضطراب ليس بسديد انتهى
140

فالعجب أنه مع عدم وقوفه كيف ارتكب هذه الجرأة الشنيعة ثم قال قوله واضطربوا في هذا
الحديث الحديث بالمعنى اللغوي أي في لفظ الحكم بن سفيان انتهى قلت هذا جهل على
جهل
باب في إسباغ الوضوء
قوله (في إسباغ الوضوء) أي إتمامه وإكماله والإسباغ في اللغة الإتمام ومنه درع سابغ
51 - قوله (نا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الأنصاري الزرقي أبو إسحاق القاري
ثقة ثبت (عن العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب الحرقي أبي شبل صدوق ربما وهم (عن أبيه)
ثقة
قوله (ألا أدلكم) الهمزة للاستفهام ولا نافية وليس ألا للتنبيه بدليل قولهم بلى (يمحو
الله به الخطايا) قال القاضي عياض محو الخطايا كناية عن غفرانها قال ويحتمل محوها من كتاب
الحفظة ويكون دليلا على غفرانها قاله النووي (ويرفع به الدرجات) أي يعلي به المنازل في الجنة (قالوا
بلى يا رسول الله) فائدة السؤال والجواب أن يكون الكلام أوقع في النفس بحكم الإبهام والتبيين
(قال إسباغ الوضوء) أي إتمامه وإكماله باستيعاب المحل بالغسل وتطويل الغرة وتكرار
الغسل ثلاثا (على المكاره) جمع مكره بفتح الميم ما يكرهه شخص ويشق عليه والكره بالضم
والفتح المشقة أي يتوضأ مع برد شديد وعلل يتأذى معها بمس الماء ومع إعوازه والحاجة إلى طلبه
والسعي في تحصيله وابتياعه بالثمن الغالي ونحوها مما يشق كذا في المجمع (وكثرة الخطى إلى
المساجد) الخطى بضم الخاء المعجمة جمع خطوة وهي ما بين القدمين قال النووي كثرة الخطى
141

تكون ببعد الدار وكثرة التكرار (وانتظار الصلاة) أي وقتها أو جماعتها (بعد الصلاة) يعني إذا
صلى بالجماعة أو منفردا ثم ينتظر صلاة أخرى ويعلق في فكره بها بأن يجلس في المجلس أو في بيته
ينتظرها أو يكون في شغله وقلبه معلق بها (فذلكم الرباط) بكسر الراء وأصل الرباط أن يربط
الفريقان خيولهم في ثغر كل منهما معدا لصاحبه يعني أن المواظبة على الطهارة ونحوها
كالجهاد وقيل معناه أن هذه الخلال تربط صاحبها عن المعاصي وتكفه عن المحارم كذا في
المجمع وقال النووي في شرح صحيح مسلم قوله فذلكم الرباط أي الرباط المرغب فيه
وأصل الرباط الحبس على الشئ كأنه حبس نفسه على هذه الطاعة وقيل إنه أفضل الرباط كما
قيل الجهاد جهاد النفس ويحتمل أنه الرباط المتيسر الممكن أي إنه من أنواع الرباط انتهى
وقال القاضي إن هذه الأعمال هي المرابطة الحقيقية لأنها تسد طرق الشيطان على النفس وتقهر
الهوى وتمنعها من قبول الوساوس فيغلب بها حزب الله جنود الشيطان وذلك هو الجهاد الأكبر
52 - قوله (ثلاثا) أي قال هذه الكلمة ثلاث مرات وحكمة تكرارها للاهتمام بها
وتعظيم شأنها وقيل كررها على عادته في تكرار الكلام ليفهم عنه والأول أظهر والله أعلم
قوله (وفي الباب عن علي وعبد الله بن عمرو وابن عباس وعبيدة ويقال عبيدة بن
عمرو وعائشة وعبد الرحمن بن عائشة وأنس) أما حديث علي فأخرجه أبو يعلى والبزار بإسناد
صحيح والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ولفظه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إسباغ الوضوء
في المكاره وإعمال الأقدام إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة يغسل الخطايا غسلا كذا في
الترغيب وأما حديث عبد الله
بن عمرو فأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة
والدارمي وأما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني الليلة آت
من ربي وفي رواية رأيت ربي في أحسن صورة فقال لي يا محمد قلت لبيك رب
وسعديك قال هل تدري فيم يحيصم الملأ الأعلى الحديث وأما حديث عبيدة بن عمرو
فأخرجه أحمد والبزار والطبراني في الكبير ورجال أحمد ثقات ولفظه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
142

توضأ فأسبغ الوضوء كذا في مجمع الزوائد وأما حديث عبد الرحمن بن عائش فأخرجه
البغوي في شرح السنة كذا في المشكاة ص 26 وأما حديث أنس فأخرجه البزار ولفظه قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أدلكم على ما يكفر الله به الخطايا إسباغ الوضوء وكثرة الخطى إلى
المساجد قال في مجمع الزوائد عاصم بن بهدلة لم يسمع من أنس وبقية رجاله ثقات
قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) والحديث رواه مسلم أيضا
قوله (والعلاء بن عبد الرحمن هو ابن يعقوب الجهني) ضمير هو يرجع إلى العلاء لا إلى
عبد الرحمن (وهو) أي العلاء بن عبد الرحمن فهذا الضمير أيضا يرجع إلى العلاء لا إلى عبد
الرحمن (ثقة عند أهل الحديث) قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة العلاء بن عبد
الرحمن وقال الترمذي وهو ثقة عند أهل الحديث انتهى
فظهر أن ضمير هو في قوله وهو ثقة عند أهل الحديث
باب المنديل بعد الوضوء
قال في القاموس المنديل بالكسر والفتح وكمنبر الذي يتمسح به وتمندل به وتمندل تمسح
انتهى أي باب استعمال المنديل بعد الوضوء لتنشيف الماء قوله حدثنا سفيان
بن وكيع بن
الجراح أبو محمد الرواس الكوفي كان صدوقا إلا أنه ابتلي بوراقه فأدخل عليه ما ليس من
حديثه فنصح فلم يقيل فسقط حديثه كذا في التقريب (عن أبي معاذ) اسمه سليمان بن أرقم وهو
ضعيف عند أصل الحديث كما صرح به الترمذي فيما بعده
53 - قوله (كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خرقة ينشف بها بعد الوضوء) من التنشيف قال
143

الجزري في النهاية أصل النشف دخول الماء في الأرض والثوب يقال نشفت الأرض الماء تنشفه
نشفا شربته ونشف الثوب العرق وتنشفه وأرض نشفة ومنه الحديث كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم
نشافة ينشف بها غسالة وجهه يعني منديلا يمسح بها وضوءه انتهى وقال في القاموس نشف
الثوب العرق كسمع ونصر شربه والحوض الماء شربه كتنشفه وقال فيه نشف الماء تنشيفا أخذه
بخرقة ونحوها انتهى والحديث دليل جواز التنشيف بعد الوضوء لكنه حديث ضعيف
قوله (وفي الباب عن معاذ بن جبل) أخرجه الترمذي في هذا الباب
قلت وفي الباب أحاديث أخرى فمنها حديث الوضين بن عطاء أخرجه ابن ماجة عن
محفوظ بن علقمة عن سلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فقلب جبة صوف كانت عليه فمسح بها وجهه
وهذا ضعيف عند جماعة ومنها حديث أبي بكر كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خرقة يتنشف بها بعد الوضوء
أخرجه البيهقي وقال إسناده غير قوي
ومنها حديث أنس مثله وأعله
ومنها حديث أبي مريم إياس بن جعفر عن فلان رجل من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له
منديل أو خرقة يمسح بها وجهه إذا توضأ أخرجه النسائي في الكنى بسند صحيح
ومنها حديث منيب بن مدرك المكي الأزدي قال رأيت جارية تحمل وضوء ومنديلا فأخذ
صلى الله عليه وسلم الماء فتوضأ ومسح بالمنديل وجهه أسنده الإمام مغلطائي في شرحه كذا في عمدة القاري شرح
البخاري للعيني
قلت هذه الأحاديث كلها ضعيفة إلا حديث أبي مريم عن رجل من الصحابة فقال
العيني أخرجه النسائي في الكنى بسند صحيح وإني لم أقف على سنده ولم أظفر بكتاب الكنى
للنسائي
54 - قوله (حدثنا رشدين بن سعد) بكسر الراء وسكون الشين المعجمة على وزن
مسكين قال الحافظ ضعيف ورجح أبو حاتم عليه ابن لهيعة
وقال ابن يونس كان صالحا في دينه فأدركته غفلة الصالحين فخلط في الحديث انتهى
144

وقال الذهبي في الميزان كان صالحا عابدا سئ الحفظ غير معتمد انتهى
(عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم) بفتح أوله وسكون النون وضم العين المهملة
الإفريقي قال الحافظ ضعيف في حفظه وكان رجلا صالحا انتهى قلت هو مع ضعفه مدلس
أيضا صرح به الحافظ في طبقات المدلسين (عن عتبة بن حميد) الضبي البصري يكنى أبا معاذ وثقه
ابن حبان وضعفه أحمد
وقال أبو حاتم صالح كذا في الخلاصة وقال في التقريب صدوق له أوهام
(عن عبادة بن نسي) بضم النون وفتح المهملة وشدة التحتانية الخفيفة الكندي قاضي
طبرية ثقة فاضل من الثالثة قاله الحافظ (عن عبد الرحمن بن غنم) بفتح المعجمة وسكون النون
الأشعري مختلف في صحبته وذكره العجلي في كبار ثقات التابعين قاله الحافظ
قوله (إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه) أي نشف به بعد الوضوء وهذا الحديث أيضا
دليل على جواز التنشيف لكن هذا الحديث أيضا ضعيف
قوله (حديث عائشة ليس بالقائم) وصححه الحاكم والحق أنه ضعيف
قوله (وأبو معاذ يقولون هو سليمان بن أرقم وهو ضعيف عند أهل الحديث) قال
الخزرجي في الخلاصة سليمان بن أرقم البصري أبو معاذ عن الحسن وعطاء وعنه الثوري
ويحيى بن حمزة قال الترمزي متروك انتهى
وقال الذهبي في الميزان قال خ هو مولى قريظة أو النضير روى عن الحسن والزهري
أنهم تركوه وقال أحمد لا يروي عنه وقال عباس وعثمان عن ابن معين ليس بشئ وقال
145

الجوزجاني ساقط وقال أبو داود والدارقطني متروك وقال أبو زرعة ذاهب وقال محمد بن عبد الله
الأنصاري كنا ننهي عن مجالسة سليمان بن أرقم فذكر منه أمرا عظيما انتهى
قوله (وقد رخص قوم من أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم في المنديل
بعد الوضوء) قال ابن المنذر أخذ المنديل بعد الوضوء عثمان والحسن ابن علي وأنس
وبشير بن أبي مسعود ورخص فيه الحسن وابن سيرين وعلقمة والأسود ومسروق والضحاك
وكان مالك والثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي لا يرون به بأسا كذا في عمدة القاري
واحتج المرخصون بأحاديث الباب وبحديث أم هاني عند الشيخين قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غسله
فسترت عليه فاطمة ثم أخذ ثوبه فالتحف به قال العيني هذا ظاهر في التنشف بحديث قيس بن
سعد رواه أبو داود أتانا النبي صلى الله عليه وسلم فوضعنا له ماء فاغتسل ثم أتيناه بملحفة ورسية فاشتمل بها
فكأني أنظر إلى أثر الورس عليه
قلت في الاستدلال بهذين الحديثين على جواز التنشيف بعد الوضوء تأمل كما لا يخفى
على المتأمل (ومن كرهه إنما كره من قبل أنه قيل إن الوضوء يوزن) أي من جهة أن ماء الوضوء
يوزن فيكره إزالته بالتنشيف
وفيه أن الظاهر أن المراد ما استعمل في الوضوء يوزن لا الباقي على الأعضاء
وقيل لأن ماء الوضوء نور يوم القيامة
وفيه مثل ما في ما قبله
وقيل لأنه إزالة لأثر العبادة
وفيه أنه قد ثبت نفضه صلى الله عليه وسلم يديه بعد الغسل قال ابن دقيق العيد نفضه الماء بيده يدل
على أن لا كراهة في التنشيف لأن كلا منهما إزالة انتهى
وقيل لأن الماء يسبح ما دام على أعضاء الوضوء
وفيه ما قال القاري من أن عدم تسبيح ماء الوضوء إذا نشف يحتاج إلى نقل صحيح
انتهى
146

قلت قد كره التنشيف عبد الرحمن بن أبي ليلى والنخعي وابن المسيب ومجاهد وأبو
العالية كما ذكره العيني واحتجوا بما ذكر وقد عرفت ما فيه واحتجوا بحديث أنس أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يمسح وجهه بالمنديل بعد الوضوء ولا أبو بكر ولا عمر ولا ابن مسعود أخرجه
ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ
وفيه أن هذا الحديث ضعيف صرح به الحافظ في التلخيص فلا يصلح للاستدلال
وبحديث ميمونة في غسل النبي صلى الله عليه وسلم وفيه فناولته ثوبا فلم يأخذه فانطلق وهو ينفض يديه
أخرجه البخاري قالوا هذا الحديث يدل على كراهة التنشيف بعد الغسل فيثبت به كراهته بعد
الوضوء أيضا
وفيه ما قال الحافظ من أنه لا حجة فيه لأنها واقعة حال يتطرق إليه الاحتمال فيجوز أن
يكون عدم الأخذ لأمر آخر لا يتعلق بكراهة التنشيف بل لأمر يتعلق بالخرقة أو لكونه كان
مستعجلا أو غير ذلك قال المهلب يحتمل تركه الثوب لإبقاء بركة الماء أو للتواضع أو لشئ
آخر رآه في الثوب من حرير أو وسخ وقد وقع عند الإسماعيلي من رواية أبي عوانة في هذا الحديث
عن الأعمش قال فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي فقال لا بأس بالمنديل وإنما رده مخافة أن
يصير عادة
وقال التيمي في شرحه في هذا الحديث دليل على أنه كان ينشف ولولا ذلك لم تأته
بالمنديل
وقال ابن دقيق العيد نفضه الماء بيده يدل على أن لا كراهة في التنشيف لأن كلا منهما
إزالة انتهى كلام الحافظ
والقول الراجح عندي هو قول من قال بجواز التنشيف والله تعالى أعلم
قوله (حدثنا محمد بن حميد) بن حيان الرازي حافظ ضعيف وكان ابن معين حسن
الرأي فيه (قال حدثنا جرير) هو ابن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي نزيل الري وقاضيها
ثقة صحيح الكتاب قيل كان في آخر عمره يهم من حفظه (حدثنيه علي بن مجاهد) بن مسلم
القاضي الكابلي بضم الموحدة وتخفيف اللام متروك وليس في شيوخ أحمد أضعف منه (عني)
كان جرير حدث به أولا علي بن مجاهد ثم نسي جرير فأخبره علي بن مجاهد بأنك حدثتني به عن
147

ثعلبة فرواه جرير بعد ما نسي وقال حدثنيه علي بن مجاهد عني قال ابن الصلاح وقد روى
كثير من الأكابر أحاديث نسوها بعد ما حدثوا بها وكان أحدهم يقول حدثني فلان عني عن فلان
بكذا وصنف في ذلك الخطيب أخبار من حدث ونسي وكذلك الدارقطني (وهو عندي ثقة)
هذا قول جرير (عن ثعلبة) بن سهيل التميمي الطهوي الكوفي كان يسكن بالري وكان متطببا
روى عن الزهري وغيره وعنه جرير بن عبد الحميد وغيره
قال الحافظ في تهذيب روى له الترمذي أثرا موقوفا في الوضوء انتهى
قلت أشار الحافظ إلى أثر الزهري هذا
باب ما يقال بعد الوضوء
55 - قوله (حدثنا جعفر بن محمد بن عمران الثعلبي) بالمثلثة ثم المهملة وفتح اللام
وقد ينسب إلى جده صدوق روى عن وكيع ويحيى بن سليم وعنه أبو داود والترمذي
والنسائي
قال أبو حاتم صدوق قال الذهبي توفي بعد الأربعين ومائتين (عن معاوية بن
صالح) بن حدير الحضرمي أحد الأعلام وقاضي الأندلس وثقة أحمد وابن معين روى عن
مكحول وربيعة بن يزيد وخلق وعنه الثوري والليث وابن وهب وخلق
قال ابن عدي هو عندي ثقة إلا أنه يقع في حديثه إفرادات
مات سنة 851 ثمان
وخمسين ومائة
(عن ربيعة بن يزيد الدمشقي) قال الحافظ ثقة عابد وقال في الخلاصة أحد الأعلام
روى عن واثلة وعبد الله بن الديلمي وجبير بن نفير وعنه جعفر بن ربيعة وحياة بن شريح
والأوزاعي وثقة النسائي قتل سنة 321 ثلاث وعشرين ومائة
(عن أبي إدريس الخولاني) اسمه عائذ الله بن عبد الله ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين
148

وسمع من كبار الصحابة ومات سنة 08 ثمانين قال سعيد بن عبد العزيز كان عالم الشام بعد
أبي الدرداء (وأبي عثمان) قال في التقريب أبو عثمان شيخ لربيعة بن يزيد بن يزيد الدمشقي
قيل هو سعيد بن هاني الخولاني
وقيل جرير بن عثمان وإلا فمجهول
قلت قال أبو داود في سننه حدثنا أحمد بن سعيد عن ابن وهب عن معاوية بن صالح عن
أبي عثمان وأظنه سعيد بن هانئ عن جبير بن نفير عن عقبة قال معاوية وحدثني ربيعة بن
يزيد عن أبي إدريس عن عقبة إلخ فرواية أبي داود هذا تؤيد أن أبا عثمان هو سعيد بن هانئ
وأيضا تدل على أن قوله وأبي عثمان في رواية الترمذي معطوف على ربيعة
تنبيه اعلم أن حديث الباب قد أخرجه مسلم بدون زيادة اللهم اجعلني من التوابين
إلخ بإسنادين أحدهما عن شيخه محمد بن حاتم قال نا عبد الرحمن بن مهدي قال نا
معاوية بن صالح عن ربيعة يعني ابن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن عقبة بن عامر قال
وحدثني أبو عثمان عن جبير بن نفير عن عقبة بن عامر وثانيهما روى عن شيخه أبي بكر بن أبي
شيبة قال نا زيد بن الحباب قال نا معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس
الخولاني وأبي عثمان عن جبير بن نفير بن مالك الحضرمي عن عقبة بن عامر
وحقق النووي في شرح مسلم أن قائل وحدثني أبو عثمان في السند الأول هو معاوية ابن
صالح وأن قوله وأبي عثمان في السند الثاني معطوف على ربيعة وأطنب في تصويبه نقلا عن أبي
علي الغساني الجياني
ثم قال النووي قال أبو علي وقد خرج أبو عيسى الترمذي في مصنفه هذا الحديث من
طريق زيد بن الحباب عن شيخ له لم يقيم إسناده عن زيد وحمل أبو عيسى في ذلك على زيد بن
الحباب وزيد برئ من هذه
العهدة والوهم في ذلك من أبي عيسى أو من شيخه الذي حدثه به
لأنا قدمنا من رواية أئمة حفاظ عن زيد بن الحباب ما خالف ما ذكره أبو عيسى انتهى
قلت قوله وحمل أبو عيسى في ذلك على زيد بن الحباب إلخ يشير به إلى قوله أبي عيسى
فيما بعد قد خولف زيد بن الحباب في هذا الحديث إلخ
149

قوله (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) جمع بينها إلماما بقوله تعالى
إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ولما كانت التوبة طهارة الباطن عن أدران الذنوب
والوضوء طهارة الظاهر عن الأحداث المانعة عن التقرب إليه تعالى ناسب الجمع بينهما
قوله (وفي الباب عن أنس وعقبة بن عامر) وأما حديث أنس فأخرجه ابن ماجة وأما
حديث عقبة بن عامر فأخرجه مسلم
قوله (خولف زيد بن الحباب في هذا الحديث) خالفه عبد الله بن صالح وغيره وبين
الترمذي صورة المخالفة بقوله روى عبد الله بن صالح وغيره إلخ
قوله (هذا حديث في إسناده اضطراب ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم كثير شئ)
أعلم أن حديث عمر هذا أخرجه مسلم في صحيحه من وجه آخر بدون زيادة اللهم اجعلني من
التوابين واجعلني من المتطهرين فهو صحيح سالم من الاضطراب
قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر كلام الترمذي هذا ما لفظه لكن رواية مسلم سالمة من
هذا الاعتراض والزيادة التي عنده رواها البزار والطبراني في الأوسط من طريق ثوبان ولفظه
من دعا بوضوء فتوضأ فساعة فرغ من وضوئه يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا
رسول الله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين الحديث ورواه ابن ماجة من
حديث أنس انتهى ما في التلخيص
150

ثم اعلم أنه لم يصح في هذا الباب غير حديث عمر الذي رواه مسلم وقد جاء في هذا
الباب أحاديث ضعاف
منها حديث أبي سعيد بلفظ من توضأ فقال سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا
أنت استغفرك وأتوب إليك كتب في رق ثم طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة واختلف في
رفعه ووقفه والمرفوع ضعيف وأما الموقوف فهو صحيح كما حقق ذلك الحافظ في التلخيص ثم
أعلم أن ما ذكره الحنفية والشافعية وغيرهم في كتبهم من الدعاء عند كل عضو كقولهم يقال عند
غسل الوجه اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه وعند غسل اليد اليمنى اللهم
اعطني كتابي بيميني وحاسبني حسابا يسيرا إلخ فلم يثبت فيه حديث
قال الحافظ في التلخيص قال الرافعي ورد بها الأثر عن الصالحين قال النووي في
الروضة هذا الدعاء لا أصل له وقال ابن الصلاح لم يصح فيه حديث
قال الحافظ روى فيه عن علي من طرق ضعيفة جدا أوردها المستغفري في الدعوات وابن
عساكر في أماليه انتهى
وقال ابن القيم في الهدى ولم يحفظ عنه أنه كان يقول على وضوئه شيئا غير التسمية وكل
حديث في أذكار الوضوء الذي يقال عليه فكذب مختلق لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا منه ولا علمه
لأمته ولا يثبت عنه غير التسمية في أوله وقوله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين في اخره انتهى
باب الوضوء بالمد
56 - قوله (قال حدثنا إسماعيل بن علية) هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي مولاهم
أبو بشر المعروف بابن علية ثقة حافظ من الثامنة (عن أبي ريحانة) اسمه عبد الله ابن مطر
البصري مشهور بكنيته صدوق تغير
باخره من الثالثة (عن سفينة) هو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنى
أبا عبد الرحمن يقال كان اسمه مهران أو غير ذلك فلقب سفينة لكونه حمل شيئا كبيرا في السفر
مشهور له أحاديث
151

قوله (كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع) قال الحافظ في فتح الباري المد بضم الميم
وتشديد الدال إناء يسع رطلا وثلثا بالبغدادي قاله جمهور أهل العلم وخالف بعض الحنفية
فقالوا المد رطلان انتهى وقال العيني في عمدة القاري وهو أي المد رطلان عند أبي حنيفة وعند
الشافعي رطل وثلث بالعراق وأما الصاع فعند أبي يوسف خمسة أرطال وثلث رطل عراقية وبه
قال مالك والشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة ومحمد الصاع ثمانية أرطال انتهى
وقال العيني معترضا على الحافظ ما لفظه مذهب أبي حنيفة أن المد رطلان وما خالف أبو
حنيفة أصلا لأنه يستدل في ذلك بما رواه جابر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد رطلين ويغتسل
بالصاع ثمانية أرطال أخرجه ابن عدي وبما رواه أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد
رطلين ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال أخرجه الدارقطني انتهى كلام العيني
قلت هذان الحديثان ضعيفان لا تقوم بهما الحجة أما حديث جابر فأخرجه ابن عدي في
الكامل عن عمران بن موسى بن وجيه الوجيهي عن عمرو بن دينار عنه وضعف عمران بن
موسى هنا عن البخاري والنسائي وابن معين ووافقهم وقال إنه في عداد من يضع الحديث كذا
في نصب الراية وقال الحافظ في الدراية فيه عمران ابن موسى وهو هالك انتهى
وأما حديث أنس فقال الحافظ في الدراية بعد ذكره هو من رواية ابن أبي ليلى عن عبد
الكريم عن أنس وإسناده ضعيف وأخرجه أيضا من طريق أخرى وفيه موسى ابن نصر وهو
ضعيف جدا والحديث في الصحيحين عن أنس ليس فيه ذكر الوزن انتهى كلام الحافظ
وقال الزيلعي في نصب الراية أخرجه الدارقطني في سننه من ثلاثة طرق ثم ذكرها ثم قال
وضعف البيهقي هذه الأسانيد الثلاثة وقال الصحيح عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد انتهى كلام الزيلعي
والعجب من العيني أنه استدل لأبي حنيفة بهذين الحديثين الضعيفين ولم يذكر ما فيهما من
المقال الذي يسقطهما عن الاحتجاج
واستدل لأبي حنيفة بما رواه الدارقطني عن صالح بن موسى الطلحي حدثنا منصور بن
المعتمر عن إبراهيم عن عائشة قالت جرت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغسل من الجنابة صاع
من ثمانية أرطال وفي الوضوء رطلان وهذا الحديث أيضا ضعيف قال الدارقطني بعد روايته لم
يروه عن منصور غير صالح وهو ضعيف الحديث انتهى
152

والحاصل أنه لم يقم دليل صحيح على ما ذهب إليه أبو حنيفة من أن المد رطلان لذلك ترك
الإمام أبو يوسف مذهبه واختار ما ذهب إليه جمهور أهل العلم أن المد رطل وثلث رطل قال
البخاري في صحيحه باب صاع المدينة ومد النبي صلى الله عليه وسلم وبركته وما توارث أهل المدينة من ذلك
قرنا بعد قرن انتهى
قال العيني في عمدة القاري قوله وما توارث أهل المدينة أي بيان ما توارث أهل المدينة قرنا
أي جيلا بعد جيل على ذلك ولم يتغير إلى زمنه ألا ترى أن أبا يوسف لما اجتمع مع مالك في
المدينة فوقعت بينهما المناظرة في قدر الصاع فزعم أبو يوسف أنه ثمانية أرطال وقام مالك ودخل بيته
وأخرج صاعا وقال هذا صاع النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو يوسف فوجدته خمسة أرطال وثلثا فرجع أبو يوسف
إلى قول مالك وخالف صاحبيه في هذا انتهى كلام العيني
وأخرج الطحاوي في شرح الآثار قال حدثنا ابن أبي عمران قال أخبرنا علي بن صالح
وبشر بن الوليد جميعا عن أبي يوسف قال قدمت المدينة فأخرجه إلى من أثق به صاعا فقال هذا
صاع النبي صلى الله عليه وسلم فقدرته فوجدته خمسة أرطال وثلث رطل وسمعت ابن أبي عمران يقول يقال إن
الذي أخرج هذا لأبي يوسف هو مالك بن أنس انتهى
وقال الحافظ في التلخيص الحبير قوله والدليل على أن الصاع خمسة أرطال وثلث فقط بنقل
أهل المدينة خلفا عن سلف ولمالك مع أبي يوسف فيه قصة مشهورة والقصة رواها البيهقي بإسناد
جيد وأخرج ابن خزيمة والحاكم من طريق عروة عن أسماء بنت أبي بكر أمه أنهم كانوا يخرجون
زكاة الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمد الذي يقتات به أهل المدينة وللبخاري عن مالك عن نافع
عن ابن عمر أنه كان يعطي زكاة رمضان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بالمد الأول انتهى ما في التلخيص
وقال الزيلعي في نصب الراية والمشهور ما أخرجه البيهقي عن الحسين بن الوليد القرشي
وهو ثقة قال قدم علينا أبو يوسف من الحج فقال إني أريد أن أفتح عليكم بابا من العلم أهمني
ففحصت عنه فقدمت المدينة فسألت عن الصاع فقالوا صاعنا هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لهم
ما حجتكم في ذلك فقالوا نأتيك بالحجة غدا فلما أصبحت أتاني نحو من خمسين شيخا من أبناء
المهاجرين والأنصار مع كل رجل منهم الصاع تحت ردائه كل رجل منهم يخبر عن أبيه وأهل بيته
أن هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظرت فإذا هي سواء قال فعيرته فإذا هو خمسة أرطال وثلث بنقصان
يسير فرأيت أمرا قويا فتركت قول أبي حنيفة رضي الله عنه في الصاع وأخذت بقول أهل المدينة
هذا هو المشهور من قول أبي يوسف
153

وقد روى أن مالكا رضي الله عنه ناظره واستدل عليه بالصيعان التي جاء بها أولئك الرهط
فرجع أبو يوسف إلى قوله وقال عثمان بن سعيد الدارمي سمعت علي بن المديني يقول عيرت
صاع النبي صلى الله عليه وسلم فوجدته خمسة أرطال وثلث رطل بالثمر انتهى ما في نصب الراية
وروى البخاري في صحيحة ص 082 ج 7 بإسناده عن السائب بن يزيد أنه كان على عهد
النبي صلى الله عليه وسلم مدا وثلثا بمدكم اليوم فزيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز
قال الحافظ في الفتح قال ابن بطال هذا يدل على أن مدهم حين حدث به السائب كان
أربعة أرطال فإذا زيد عليه ثلثه وهو رطل وثلث قام منه خمسة أرطال وثلث وهو الصاع بدليل أن
مده صلى الله عليه وسلم رطل وثلث وصاعه أربعة أمداد انتهى
ثم روى البخاري عن نافع قال كان ابن عمر يعطي زكاة رمضان بمد النبي صلى الله عليه وسلم المد الأول
وفي كفارة اليمين بمد النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو قتيبة قال لنا مالك مدنا أعظم من مدكم ولا نرى الفضل إلا
في مد النبي صلى الله عليه وسلم وقال لي مالك لو جاءكم أمير فضرب مدا أصغر من مد النبي صلى الله عليه وسلم بأي شئ كنتم
تعطون قلت كنا نعطي بمد النبي صلى الله عليه وسلم قال أفلا ترى أن الأمر إنما يعود إلى مد النبي صلى الله عليه وسلم انتهى
ويأتي باقي الكلام فيما يتعلق بالمد والصاع في باب صدقة الفطر
قوله (وفي الباب عن عائشة وجابر وأنس بن مالك) أما حديث عائشة فأخرجه الشيخان
قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من قدح يقال له الفرق ولها روايات أخرى
ففي بعضها كان يغتسل بخمس مكاكيك ويتوضأ بمكوك وفي أخرى يغسله الصعاع ويوضئه المد
وأما حديث جابر فأخرجه أحمد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجزئ من الغسل الصاع ومن
الوضوء المد كذا في المنتقى وقال الشوكاني وأخرجه أبو داود وابن خزيمة وابن ماجة بنحوه
وصححه ابن القطان
وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد
ويتوضأ بالمد
قوله (حديث سفينة حديث صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وابن ماجة كذا في المنتقى
154

قوله (هكذا رأى بعض أهل العلم الوضوء بالمد والغسل بالصاع) أي بالتوقيت والتحديد
(وقال الشافعي وأحمد وإسحاق ليس معنى هذا الحديث على التوقيت إلخ) هذا القول هو الراجح
المعول عليه قال ابن حجر قد روى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تغتسل
هي والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد هو الفرق
قال ابن عيينة والشافعي وغيرهما هو ثلاثة آصع وروى مسلم أيضا من حديثها أنه صلى الله عليه وسلم
كان يغتسل من إناء يسع ثلاثة أمداد فهذا يدل على اختلاف الحال في ذلك بقدر الحاجة وفيه رد
على من قدر الوضوء والغسل بما ذكر في حديث الباب كابن شعبان من المالكية وكذا من قال به
من الحنفية مع مخالفتهم له في مقدار المد والصاع وحمله الجمهور على الاستحباب لأن أكثر من
قدر وضوءه وغسله صلى الله عليه وسلم من الصحابة قدرهما بذلك ففي مسلم عن سفينة مثله ولأحمد وأبي داود
بإسناد صحيح عن جابر مثله
وفي الباب عن عائشة وأم سلمة وابن عباس وابن عمر وغيرهم وهذا إذا لم تدع الحاجة إلى
الزيادة وهو أيضا في حق من يكون خلقه معتد انتهى كلام الحافظ
واعترض العيني على قوله فيه رد على من قدر الوضوء والغسل بما ذكر إلخ بأنه لا رد فيه
على من قال به من الحنفية لأنه لم يقل ذلك بطريق الوجوب كما قال ابن شعبان بطريق الوجوب
فإنه قال لا يجزئ أقل من ذلك وأما من قال به من الحنفية فهو محمد بن الحسن فإنه روي عنه أنه
قال إن المغتسل لا يكن أن يعم جسده بأقل من مد وهذا يختلف باختلاف أجساد الأشخاص
انتهى كلام العيني
قلت قول محمد بن الحسن المذكور يدل دلالة ظاهرة على أنه قال ذلك بطريق الوجوب
فإنه إذا لا يمكن عنده أن يعم المغتسل جسده بأقل من مد وجب أن يكون الماء مدا أو أكثر ولا
يجزئ أقل من ذلك
وأما قول العيني وهذا يختلف باختلاف أجساد الأشخاص فلا يجدي نفعا لأن محمد ابن
الحسن لم يخص مغتسلا عن مغتسل فتفكر ثم قال العيني إن الروايات مختلفة في هذا الباب
ففي رواية أبي داود من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد وفي حديث
155

أم عمارة أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فأتى بإناء فيه ماء قدر ثلثي المد وفي رواية ابن خزيمة وابن حبان في
صحيحيهما والحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بثلثي مد من ماء
فتوضأ فجعل يدلك ذراعيه وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وذكر روايات
كثيرة مختلفة ثم قال قال النووي قال الشافعي وغيره من العلماء الجمع بين هذه الروايات أنها
كانت اغتسالات في أحوال وجد فيها أكثر ما استعمله وأقله فدل على أنه لا حد في قدر ماء الطهارة
يجب استيفاؤه ثم قال الاجماع قائم على ذلك انتهى
قلت في دعوى الاجماع كلام كيف وقد عرفت مذهب ابن شعبان وبعض الحنفية
باب كراهية الاسراف في الوضوء
57 - قوله (نا أبو داود) هو الطيالسي واسمه سليمان بن داود بن الجارود الفارسي مولى
الزبير الطيالسي البصري أحد الأعلام الحفاظ روى عن ابن عوف وهشام بن أبي عبد الله
وخلائق وعنه أحمد وابن المديني وابن بشار وخلق قال ابن مهدي أبو داود أصدق الناس وقال
أحمد ثقة يحتمل خطؤه وقال وكيع جبل العلم مات سنة 402 أربع ومائتين عن إحدى وسبعين
كذا في الخلاصة
وقال في التقريب ثقة حافظ غلط في أحاديث (نا خارجة بن مصعب) أبو الحجاج
السرخسي متروك وكان يدلس عن الكذابين ويقال إن ابن معين كذبه قاله الحافظ (عن
يونس بن عبيد) العبدي مولاهم أبو عبد الله البصري أحد الأئمة وثقة أحمد وأبو حاتم (عن
الحسن) هو البصري (عن عتي) بضم أوله مصغرا ثقة من الثالثة
قوله (أن للوضوء شيطانا) أي للوسوسة فيها (يقال له الولهان) بفتحتين مصدر وله يوله
ولهانا وهو ذهاب العقل والتحير من شدة الوجد وغاية العشق سمي بها شيطان الوضوء إما لشدة
حرصه على طلب الوسوسة في الوضوء وإما لقائه الناس بالوسوسة في مهواة الحيرة حتى يرى
صاحبه حيران ذاهب العقل لا يدري كيف يلعب به الشيطان ولم يعلم هل وصل الماء إلى العضو أم
لا وكم مرة غسله فهو بمعنى اسم الفاعل أو باق على مصدريته للمبالغة كرجل عدل قاله
156

القاري (فاتقوا وسواس الماء) قال الطيبي أي وسواسه هل وصل الماء إلى أعضاء الوضوء أم لا
وهل غسل مرتين أو مرة وهل هو طاهر أو نجس أو بلغ قلتتين أو لا وقال ابن الملك وتبعه ابن
حجر أي وسواس الولهان وضع الماء موضع ضميره مبالغة في كمال الوسواس في شأن الماء أو
لشدة ملازمته له كذا في المرقاة والحديث يدل على كراهية الاسراف في الماء للوضوء وقد أجمع
العلماء على النهي عن الاسراف في الماء ولو على شاطئ النهر
قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وعبد الله بن مغفل) أما حديث عبد الله بن عمرو
فأخرجه النسائي وابن ماجة ولفظه قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء فأراه ثلاثا
ثلاثا ثم قال هكذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم وأما حديث عبد الله بن
مغفل فأخرجه أبو داود وابن ماجة ولفظه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء
قوله (حديث أبي بن كعب حديث غريب) وأخرجه ابن ماجة (لأنا لا نعلم أحدا أسنده)
أي رواه مرفوعا (وخارجة ليس بالقوي عند أصحابنا) أي أهل الحديث قاله الطيبي كذا في
المرقاة قلت الأمر كما قال الطيبي وقد تقدم في المقدمة تحقيق ذلك (وضعفه ابن المبارك) قال
الذهبي في الميزان وهاه أحمد وقال ابن معين ليس بثقة وقال أيضا كذاب وقال البخاري تركه ابن
المبارك ووكيع وقال الدارقطني وغيره ضعيف وقال ابن عدي هو ممن يكتب حديثه قال الذهبي
انفرد بخبر إن للوضوء شيطانا يقال له الولهان مات سنة 168 ثمان وستين ومائة وكان له جلالة
بخراسان انتهى
باب الوضوء لكل صلاة
58 - قوله (حدثنا محمد بن حميد الرازي) بن حيان الرازي حافظ ضعيف وكان ابن
157

معين حسن الرأي فيه من العاشرة روي عن يعقوب بن عبد الله القمي وجرير ابن عبد الحميد
وسلمة بن الفضل وغيرهم وعنه أبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد ابن حنبل ويحيى بن معين
وغيرهم كذا في التقريب وتهذيب التهذيب وقال في الخلاصة قال ابن معين ثقة كيس وقال
البخاري فيه نظر وكذبه الكوسج وأبو زرعة وصالح بن محمد وابن خراش مات سنة 842 ثمان
وأربعين ومائتين (نا سلمة بن الفضل) الأبرش بالمعجمة مولى الأنصار قاضي الري صدوق كثير
الخطأ من التاسعة قاله الحافظ روى عن ابن إسحاق وحجاج بن أرطاة وعنه عثمان بن أبي شيبة
وابن معين ووثقه وقال مرة ليس به بأس يتشيع قال البخاري عنده مناكير وقال أبو حاتم محله
الصدق وقال ابن سعد كان ثقة صدوقا وهو صاحب مغازي ابن إسحاق وقال النسائي ضعيف
كذا في الخلاصة وهامشها
قوله (عن حميد) هو حميد بن أبي حميد الطويل البصري ثقة مدلس روى عن أنس
والحسن وعكرمة وعنه شعبة ومالك والسفيانان والحمادان وخلق قال القطان مات حميد وهو
قائم يصلي قال شعبة لم يسمع حميد من أنس إلا أربعة وعشرين حديثا مات سنة 142 ثنتين
وأربعين ومائة
قوله (كان يتوضأ لكل صلاة) أي مفروضة (كنا نتوضأ وضوء واحدا) أي كنا نصلي
الصلوات بوضوء واحد ما لم نحدث كما في الرواية الآتية
قوله (حديث أنس حديث حسن غريب) تفرد به محمد بن إسحاق وهو مدلس ورواه عن
حميد معنعنا
قوله (وقد كان بعض أهل العلم يرى الوضوء لكل صلاة استحبابا لا على الوجوب) بل إن
أكثر أهل العلم يرون الوضوء لكل صلاة استحبابا لا على الوجوب قال الطحاوي في شرح
الآثار ذهب قوم إلى أن الحاضرين يجب عليهم أن يتوضأوا لكل صلاة واحتجوا في ذلك بهذا
158

الحديث أي بحديث سليمان عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة وخالفهم في ذلك أكثر
العلماء فقالوا لا يجب الوضوء إلا من حدث انتهى وقال الحافظ في الفتح اختلف السلف في
معنى قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الآية فقال الأكثرون التقدير إذا قمتم
إلى الصلاة محدثين واستدل الدارمي في مسنده على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم لا وضوء إلا لمن أحدث
ومن العلماء من حمله على ظاهره وقال كان الوضوء لكل صلاة واجبا ثم اختلفوا أهل نسخ أو
استمر حكمه ويدل على النسخ ما أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة من حديث عبد الله بن
حنظلة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالسواك وذهب إلى استمرار الوجوب قوم كما جزم به الطحاوي ونقله
ابن عبد البر عن عكرمة وابن سيرين وغيرهما واستبعده النووي وجنح إلى تأويل ذلك إن ثبت
عنهم وجزمنا بأن الاجماع استقر على عدم الوجوب ويمكن حمل الآية على ظاهرها من غير نسخ
ويكون الأمر في حق المحدثين على الوجوب وفي حق غيرهم على الندب وحصل بيان ذلك بالسنة
انتهى كلام الحافظ
قوله (نا يحيى بن سعيد) هو القطان (نا سفيان بن سعيد) هو الثوري (عن عمرو ابن عامر
الأنصاري) الكوفي ثقة
قوله (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة) قال الحافظ أي مفروضة وظاهره أن تلك
كانت عادته قال الطحاوي يحتمل أن ذلك كان واجبا عليه خاصة ثم نسخ يوم الفتح بحديث
بريدة يعني الذي أخرجه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد قال ويحتمل أنه
كان يفعله استحبابا ثم خشي أن يظن وجوبه فتركه لبيان الجواز قال الحافظ وهذا أقرب وعلى
التقدير الأول فالنسخ كان قبل الفتح بدليل حديث سويد بن النعمان فإنه كان في خيبر وهي قبل
الفتح بزمان انتهى قلت وحديث سويد بن النعمان الذي أشار إليه الحافظ أخرجه البخاري
وغيره قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر حتى إذا كنا بالصهباء صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
العصر فلما صلى دعا بالأطعمة فلم يؤت إلا بالسويق فأكلنا وشربنا ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم إلى المغرب
فمضمض ثم صلى لنا المغرب ولم يتوضأ (قلت فأنتم ما كنتم تصنعون) وفي رواية البخاري قلت
كيف كنتم تصنعون والقائل عمرو بن عامر والمراد الصحابة
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري وغيره
قوله (من توضأ على طهر) أي مع كونه طاهرا (كتب الله له به عشر حسنات) قال ابن
159

رسلان يشبه أن يكون المراد كتب الله له به عشرة وضوءات فإن أقل ما وعد به من الأضعاف
الحسنة بعشر أمثالها وقد وعد بالواحدة سبعمائة ووعد ثوابا بغير حساب قال في شرح السنة
تحديد الوضوء مستحب إذا كان قد صلى بالوضوء الأول صلاة وكرهه قوم إذا لم يصل بالأول صلاة
ذكره الطيبي قال القاري ولعل سبب الكراهة هو الاسراف
فائدة قال الحافظ المنذري في الترغيب وأما الحديث الذي يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الوضوء على
الوضوء نور على نور فلا يحضرني له أصل من حديث النبي صلى الله عليه وسلم ولعله من كلام بعض السلف
قوله (روى هذا الحديث الإفريقي) هو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وهو
ضعيف (عن أبي غطيف) بالتصغير الهذلي قال الحافظ مجهول (حدثنا بذلك الحسين بن حريث
المروزي) ثقة من العاشرة (حدثنا محمد بن يزيد الواسطي) أصله شامي ثقة ثبت عابد من كبار
التاسعة
قوله (وهو إسناد ضعيف) لأن الإفريقي ضعيف وأبا غطيف مجهول والحديث أخرجه أبو
داود وابن ماجة أيضا
قوله (قال علي) هو علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم أبو الحسن ابن
المديني البصري ثقة ثبت إمام أعلم أهل عصره بالحديث وعلله حتى قال البخاري ما استصغرت
نفسي إلا عنده وقال القطان كنا نستفيد منه أكثر مما يستفيد منا وكذلك قال شيخه ابن عيينة
وقال النسائي كأن الله خلق عليا لهذا الشأن
قوله (هذا إسناد مشرقي) أي رواة هذا الحديث أهل المشرق وهم أهل الكوفة والبصرة
كذا في بعض الحواشي
160

باب ما جاء أنه يصلي الصلوات بوضوء واحد
61 - قوله (عن سفيان) هو ابن سعيد الثوري (عن علقمة بن مرثد) بفتح الميم والثاء
وسكون الراء بينهما وثقة أحمد والنسائي
قوله (عمدا صنعته) أي لبيان الجواز قال القاري في المرقاة شرح المشكاة الضمير راجع
للمذكور وهو جمع الصلوات الخمس بوضوء واحد والمسح على الخفين وعمدا تمييزا أو حال من
الفاعل فقدم اهتماما بشرعية المسألتين في الدين واختصاصهما ردا لزعم من لا يرى المسح على
الخفين وفيه دليل على أن من يقدر أن يصلي صلوات كثيرة بوضوء واحد لا تكره صلاته إلا أن
يغلب عليه الأخبثان كذا ذكره الشراح لكن رجوع الضمير إلى مجموع الأمرين يوهم أنه لم يكن
يمسح على الخفين قبل الفتح والحال أنه ليس كذلك فالوجه أن يكون الضمير راجعا إلى الجمع
فقط أي جمع الصلوات بوضوء واحد انتهى كلامه
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة
قوله (وروى هذا الحديث علي بن قادم) الخزاعي الكوفي صدوق (وروى سفيان الثوري
161

هذا الحديث أيضا عن محارب بن دثار) أي كما رواه عن علقمة بن مرثد فهذا الحديث عند
سفيان عن شيخين علقمة بن مرثد ومحارب بن دثار كلاهما عن سليمان بن بريدة (مرسل) أي
هذا مرسل وفي نسخة قلمية صحيحة مرسلا وهو الظاهر (وهذا أصح من حديث وكيع) أي هذا
المرسل الذي رواه عبد الرحمن بن مهدي وغيره عن سفيان عن محارب بن دثار عن سليمان بن
بريدة بدون ذكر عن أبيه أصح من حديث وكيع الذي رواه عن سفيان عن محارب مسندا بذكر عن
أبيه ووجه كون المرسل أصح لأن رواته أكثر والمرسل قول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
كذا أو فعل كذا والمسند ما اتصل سنده مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
تنبيه أعلم أن سفيان روى هذا الحديث عن شيخين علقمة بن مرثد ومحارب بن دثار
واختلاف أصحاب سفيان في روايته مرسلا ومسندا إنما هو في روايته عن محارب لا في روايته عن
علقمة فإن أصحابه لا يختلفون في روايته عن علقمة في الاسناد وا رسال بل كلهم متفقون في
روايته مسندا وهذا ظاهر على من وقف على طرق الحديث ولم يقف على هذا صاحب الطيب
الشذي فاعترض على الترمذي حيث قال ولعل الحق خلافه ثم هذا المعترض يظن أن بين
الارسال والرفع منافاة فإنه قال في شرح قول الترمذي وهذا أصح من حديث وكيع أي رواية
الإرسال أصح من رواية الرفع وجه الصحة كون المرسلين أكثر ممن رفعه انتهى والأمر ليس
كذلك وهذا ظاهر فإن رواية الارسال أيضا مرفوعة
قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم إلخ) قال النووي في شرح صحيح مسلم في هذا
الحديث أنواع من العلم منها جواز الصلوات المفروضات والنوافل بوضوء واحد ما لم يحدث
وهذا جائز بإجماع من يعتد
به وحكى الطحاوي وابن بطال عن طائفة أنهم قالوا يجب الوضوء لكل
صلاة وإن كان متطهرا واحتجوا بقول الله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم
162

الآية وما أظن هذا المذهب يصح عن أحد ولعلهم أرادوا استحباب تجديد الوضوء عند كل
صلاة ودليل الجمهور الأحاديث الصحيحة منها هذا الحديث وحديث أنس وحديث سويد بن
النعمان وفي معناه أحاديث كثيرة وأما الآية الكريمة فالمراد بها والله أعلم إذا قمتم محدثين انتهى
كلام النووي مختصرا وقال الحافظ في الفتح اختلف السلف في معنى الآية فقال الأكثرون
التقدير إذا قمتم إلى الصلاة محدثين وقال الآخرون بل الأمر على عمومه من غير تقدير حذف إلا
أنه في حق المحدث على الايجاب وفي حق غيره على الندب وقال بعضهم كان على الايجاب ثم
نسخ فصار مندوبا ويدل لهذا ما رواه أحمد وأبو داود عن عبد الله بن حنظلة الأنصاري أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر فلما شق عليه وضع عنه الوضوء إلا من
حدث ولمسلم من حديث بريدة كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة فلما كان يوم الفتح صلى
الصلوات بوضوء واحد فقال له عمر أنك فعلت شيئا لم تكن تفعله فقال عمدا فعلته أي لبيان
الجواز وسيأتي حديث أنس في ذلك انتهى كلام الحافظ قلت (وإرادة الفضل) بالنصب عطف
على استحبابا أي وطلبا للفضيلة والثواب لا على الوجوب
قوله (وفي الباب عن جابر بن عبد الله) أخرجه ابن ماجة
باب في وضوء الرجل والمرأة من إناء واحد
62 - قوله (عن عمرو بن دينار) المكي أبي محمد الأثرم الجمحي مولاهم ثقة ثبت من
الرابعة (عن أبي الشعثاء) اسمه جابر بن زيد الأزدي ثم الخزاعي البصري مشهور بكنيته ثقة
فقيه من الثالثة كذا في التقريب وقال في الخلاصة روى عن ابن عباس فأكثر ومعاوية وابن عمرو
عنه عمرو بن دينار
وقتادة وخلق قال ابن عباس هو من العلماء انتهى
163

قوله (وضوء الرجل) بضم الواو لأن المراد الفعل
قوله (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم) يحتمل أن يكون مفعولا معه يحتمل أن يكون
عطفا على الضمير وهو من باب تغليب المتكلم على الغائب لكونها هي السبب في الاغتسال
فكأنها أصل في الباب قاله الحافظ
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم
قوله (وهو قول عامة الفقهاء إلخ) قال النووي في شرح مسلم وأما تطهير الرجل والمرأة
من إناء واحد فهو جائز بإجماع المسلمين لهذه الأحاديث التي في الباب انتهى وقال الحافظ في
الفتح نقل الطحاوي ثم القرطبي والنووي الاتفاق على جواز اغتسال الرجل والمرأة من الاناء
الواحد وفيه نظر لما حكاه ابن المنذر عن أبي هريرة أنه كان ينهي عنه وكذا حكاه ابن عبد البر عن
قوم وهذا الحديث حجة عليهم انتهى وتعقب العيني على الحافظ فقال في نظره نطر لأنهم
قالوا با تفاق دون الاجماع فهذا القائل لم يعرف الفرق بين الاتفاق وا جماع انتهى كلام
العيني قلت قال النووي هو جائز بإجماع المسلمين كما عرفت فنظر الحافظ صحيح بلا مرية
ونظر العيني مردود عليه
قوله (وفي الباب عن علي وعائشة وأنس وأم هانئ وأم صبية وأم سلمة وابن عمر) أما
حديث علي فأخرجه أحمد وأما حديث عائشة وأنس فأخرجه البخاري وغير وأما حديث أم
هانئ فأخرجه النسائي وأما حديث أم صبية بصاد مهملة وموحدة مصغرا فأخرجه أبو داود
والطحاوي وأما حديث أم سلمة فأخرجه ابن ماجة والطحاوي وأما حديث ابن عمر فأخرجه
مالك في الموطأ والنسائي وابن ماجة
164

باب كراهية فضل طهور المرأة قوله (عن سفيان) هو الثوري (عن سليما التيمي) هو ابن طرخان أبو المعتمر
البصري نزل في التيم فنسب إليهم ثقة عابد من الرابعة (عن أبي حاجب) اسمه سودة بن عاصم
العنزي البصري صدوق يقال إن مسلما أخرج له من الثالثة (عن رجل من بني غفار) هو الحكم
بن عمرو قاله الحافظ
قوله (عن فضل طهور المرأة) أي عما فضل من الماء بعد ما توضأت المرأة منه
قوله (وفي الباب عن عبد الله بن سرجس) بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم بعدها
مهملة صحابي سكن البصرة وحديثه أخرجه ابن ماجة بلفظ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل
الرجل بفضل وضوء المرأة والمرأة بفضل الرجل ولكن يشرعان جميعا قال ابن ماجة بعد إخراجه
ما لفظه الصحيح هو الأول والثاني وهم انتهى قلت أراد بالأول حديث الحكم بن عمرو الآتي
فإنه أخرجه قبل حديث عبد الله بن سرجس وأراد بالثاني حديث عبد الله بن سرجس وفي الباب
ما أخرجه أبو داود والنسائي من طريق حميد بن عبد الرحمن الحميري قال لقيت رجلا صحب
النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل ويغتسل الرجل
بفضل المرأة وليغترفا جميعا قال في الفتح رجاله ثقات ولم أقف لمن أعله على حجة قوية انتهى
وقال في البلوغ إسناده صحيح قال أحمد قيده بما إذا خلت به لأن أحاديث الباب ظاهرة في
الجواز إذا اجتمعا ونقل الميموني عن أحمد أن الأحاديث الواردة في منع التطهر بفضل المرأة وفي
جواز ذلك مضطربة قال لكن صح عن عدة من الصحابة المنع فيما إذا خلت به وعورض بصحة
الجواز عن جماعة من الصحابة منهم ابن
عباس والله أعلم انتهى أعلم أن لأحمد في هذه المسألة
قولين أحدهما هذا الذي ذكره الترمذي وهو المشهور والثاني كقول الجمهور قال ابن قدامة في
المغنى اختلفت الرواية عن أحمد والمشهور عنه أنه لا يجوز ذلك إذا خلت به والثانية يجوز الوضوء
به للرجال والنساء اختارها ابن عقيل وهو قول أكثر أهل العلم
165

قوله (وكره بعض أهل العلم الوضوء بفضل المرأة وهو قول أحمد وإسحاق إلخ) قال
الحافظ في الفتح صح عن عبد الله بن سرجس الصحابي وسعيد بن المسيب والحسن البصري
أنهم منعوا التطهر بفضل المرأة وبه
قوله (قال نا أبو داود) هو الطيالسي ففي رواية أبي داود حدثنا ابن بشار قال حدثنا
أبو داود يعني الطيالسي وأبو داود الطيالسي اسمه سليمان بن داود بن الجارود البصري أحد حفاظ
الإسلام والطيالسي بفتح الطاء وخفة التحتية وكسر اللام منسوب إلى بيع الطيالسة جمع طيلسان
هو نوع من الأردية (عن عاصم) هو ابن سليمان الأحول أبو عبد الرحمن البصري وثقه ابن معين
وأبو زرعة وقال أحمد ثقة من الحفاظ (عن الحكم) بفتح الحاء والكاف (بن عمرو الغفاري) ويقال
له الحكم ابن الأقرع صحابي نزل البصرة
قوله (نهى عن أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة) قيل النهي محمول على التنزيه بقرينة
أحاديث الجواز الآتية في الباب الآتي (أو قال) وقال بسؤرها شك من شعبة
قوله (هذا حديث حسن) قال الحافظ في الفتح حديث الحكم بن عمرو وأخرجه أصحاب
السنن وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان وأغرب النووي فقال اتفق الحفاظ على تضعيفه
باب الرخصة في ذلك
65 - قوله (نا أبو الأحوص) اسمه سلام بن سليم الكوفي الحافظ قال ابن معين ثقة
166

متقن (عن عكرمة) هو عكرمة بن عبد الله مولى ابن عباس أصله بربري ثقة ثبت عالم بالتفسير لم
يثبت تكذيبه عن ابن عمر ولا يثبت عنه بدعة كذا في التقريب
قوله (بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) هي ميمونة رضي الله عنها لما أخرجه الدارقطني من حديث
ابن عباس عن ميمونة قالت أجنبت فاغتسلت من جفنة ففضلت فيها فضلة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم
يغتسل منه فقلت له فقال الماء ليس عليه جنابة واغتسل منه (في جفنة) بفتح الجيم وسكون الفاء
أي قصعة كبيرة وجمعة جفان (إني كنت جنبا) يضم الجيم والنون والجنابة معروفة يقال منها أجنب
بالألف وجنب على وزن قرب فهو جنب ويطلق على الذكر والأنثى والمفرد والتثنية والجمع (إن الماء
لا يجنب) بضم الياء وكسر النون ويجوز فتح الياء وضم النون قال الزعفراني أي لا يصير جنبا كذا
في المرقاة وحديث ابن عباس هذا يدل على جواز التطهر بفضل المرأة وحديث الحكم بن عمرو
الغفاري الذي تقدم في الباب المتقدم يدل على النهي عن ذلك وقد جمع بينهما بأن النهي محمول
على ما تساقط من الأعضاء لكونه قد صار مستعملا والجواز على ما بقي من الماء وبذلك جمع
الخطابي وبأن النهي محمول على التنزيه بقرينة أحاديث الجواز قيل إن قول بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
إني كنت جنبا عند إرادته صلى الله عليه وسلم التوضؤ بفضلها يدل على أن النهي كان متقدما فحديث الجواز ناسخ
لحديث النهي والله تعالى أعلم
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وقال الحافظ في
البلوغ وصححه ابن خزيمة وقال في الفتح وقد أعله قوم بسماك بن حرب رواية عن عكرمة لأنه
كان يقبل التلقين لكن قد رواه عنه شعبه وهو لا يحمل عن مشايخه إلا صحيح حديثهم انتهى
وأخرج أحمد ومسلم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة وأخرج
أحمد وابن ماجة عن ابن عباس عن ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ بفضل غسلها من الجنابة
قوله (وهو قول سفيان الثوري ومالك والشافعي) قال النووي في شرح مسلم وأما تطهير
الرجل بفضلها فهو جائز عندنا وعند مالك وأبي حنيفة وجماهير العلماء سواء خلت به أو لم تخل قال
بعض أصحابنا ولا كراهة في ذلك للأحاديث الصحيحة الواردة به وذهب أحمد بن حنبل وداود
167

إلى أنها إذا خلت بالماء واستعملته لا يجوز للرجل استعمال فضلها وروى عن أحمد كمذهبنا
وروى عن الحسن وسعيد بن المسيب كراهة فضلها مطلقا والمختار ما قاله الجماهير لهذه الأحاديث
الصحيحة في تطهيره صلى الله عليه وسلم مع أزواجه وكل واحد منهما يستعمل فضل صاحبه ولا تأثير للخلوة
انتهى
قلت هذا الاختلاف في تطهير الرجل بفضل المرأة وأما تطهير المرأة بفضل الرجل فقال
النووي جائز بالإجماع وتعقبه الحافظ بأن الطحاوي قد أثبت فيه الخلاف واعلم أن الإمام أحمد
ومن تبعه حملوا حديث ميمونة على أنها لم تخل به قال ابن تيمية في المنتقى أكثر أهل العلم على
الرخصة للرجل من فضل طهور المرأة والإخبار بذلك أصح وكرهه أحمد وإسحاق إذا خلت به وهو
قول عبد الله بن سرجس وحملوا حديث ميمونة على أنها لم تخل به جمعا بينه وبين حديث الحكم
انتهى
قلت في هذا الحمل نظر فإن الخلوة عند الإمام أحمد كما في المغنى لابن قدامة استعمالها للماء
من غير مشاركة الرجل في استعماله لأن أحمد قال إذا خلت به فلا يعجبني أن يغتسل به وإذا شرعا
فيه جميعا فلا بأس به وظاهر أن ميمونة رضي الله عنها خلت به كيف هو وقد قالت أجنبت
فاغتسلت من جفنة ففضلت فيها فضلة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلخ كما في رواية الدارقطني فكيف يصح
حمل حديث ميمونة على أنها لم تخل به وأما ما نقل الميموني عن أحمد من أنه قال الأحاديث من
الطرفين مضطربة فأجاب عنه الحافظ بأنه إنما يصار إليه عند تعذر الجمع وهو ممكن بأن يحمل
أحاديث النهي على ما تساقط من الأعضاء والجواز على ما بقي من الماء أو يحمل النهي على التنزيه
جمعا بين الأدلة انتهى
قلت حمل النهي على
التنزيه هو أولى والله تعالى أعلم
باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شئ
66 - قوله (والحسن بن علي الخلال) الحلواني الريحاني المكي روى عن عبد الرزاق ووكيع
وعبد الصمد وخلق وعنه الأئمة الستة كان ثقة ثبتا متقنا توفي بمكة سنة 242 اثنتين وأربعين
ومائتين (نا أبو أسامة) هو حماد بن أسامة القرشي مولاهم الكوفي مشهور بكنيته ثقة ثبت ربما
دلس وكان بآخره يحدث من كتب غيره من كبار التاسعة مات سنة 201 إحدى ومائتين وهو ابن
168

ثمانين (عن الوليد بن كثير) المدني ثم الكوفي وثقة ابن معين وأبو داود (عن محمد بن كعب) بن
سليم بن أسد القرظي المدني وكان قد نزل الكوفة مدة ثقة عالم من الثالثة ولد سنة 04 أربعين
على الصحيح ووهم من قال ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كذا في التقريب
(عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج) قال الحافظ في التقريب عبيد الله ابن
عبد الله بن رافع بن خديج يأتي في عبيد الله بن عبد الرحمن ثم قال فيه عبيد الله بن عبد
الرحمن بن رافع الأنصاري ويقال ابن عبد الله هو راوي حديث بئر بضاعة مستور من الرابعة
انتهى
قلت فالحق أنه ليس بمستور كما ستعرف (عن أبي سعيد الخدري) بضم الخاء المعجمة
اسمه سعد بن مالك بن سنان بن عبيد الأنصاري له ولأبيه صحبة استصغر بأحد ثم شهد ما
بعدها وروى الكثير مات بالمدينة سنة ثلاث أو أربع أو خمس وستين كذا في التقريب
قوله (قيل يا رسول الله أنتوضأ) كذا في النسخ الحاضرة بالنون والتاء بصيغة المتكلم مع
الغير وقال الحافظ في التلخيص قوله أنتوضأ بتائين خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم انتهى
قلت والظاهر هو ما قال الحافظ ففي رواية قاسم بن أصبغ في مصنفه قالوا يا رسول الله
إنك تتوضأ من بئر بضاعة الحديث (من بئر بضاعة) بضم الباء الموحدة وأجيز كسرها وبالضاد
المعجمة وحكي بالصاد المهملة وهي بئر معروفة بالمدينة قاله ابن الملك وقال الطيبي نقلا عن
التوربشتي بضاعة دار بني ساعدة بالمدينة وهم بطن من الخزرج وأهل اللغة يضمون الباء
ويكسرونها والمحفوظ في الحديث الضم (وهي بئر يلقى فيها الحيض) بكسر الحاء المهملة وفتح
التحتية جمع حيضة بكسر الحاء وسكون التحتية وهي الخرقة التي تستعمل في دم الحيض (ولحوم
الكلاب والنتن) بفتح النون وسكون التاء وتكسر وهي الرائحة الكريهة والمراد ههنا الشئ النتن
كالعذرة والجيفة
قال ابن رسلان في شرح سنن أبي داود وينبغي أن يضبط بفتح النون وكسر التاء وهو الشئ
الذي له رائحة كريهة من قولهم نتن الشئ بكسر التاء ينتن بفتحها فهو نتن انتهى
169

قال الطيبي معنى قوله يلقى فيها أن البئر كانت بمسيل من بعض الأودية التي يحتمل أن ينزل
فيها أهل البادية فتلقي تلك القاذورات بأفنية منازلهم فيكسحها السيل فيلقيها في البئر فعبر عنه
القائل بوجه يوهم أن الإلقاء من الناس لقلة تدينهم وهذا مما لا يجوزه مسلم فأنى يظن ذلك
بالذين هم أفضل القرون وأزكاهم انتهى
قلت كذلك قال غير واحد من أهل العلم وهو الظاهر المتعين (إن الماء طهور) أي طاهر
مطهر قال القاري في المرقاة قيل الألف واللام للعهد الخارجي فتأويله إن الماء الذي تسألون
عنه وهو ماء بئر بضاعة فالجواب مطابقي لا عموم كلي كما قاله الامام مالك انتهى
وإن كان الألف واللام للجنس فالحديث مخصوص بالاتفاق كما ستقف (لا ينجسه شئ)
لكثرته فإن بئر بضاعة كان بئرا كثيرا الماء يكون ماؤها أضعاف قلتين لا يتغير بوقوع هذه الأشياء
والماء الكثير لا ينجسه شئ ما لم يتغير
قال العلامة الشاه ولي الله الدهلوي في حجة الله البالغة قوله صلى الله عليه وسلم الماء طهور لا ينجسه
شئ معناه المعادن لا تنجس بملاقاة النجاسة إذا أخرجت ورميت ولم يتغير أحد أوصافه ولم
تفحش وهل يمكن أن يظن ببئر بضاعة أنها كانت تستقر فيها النجاسات كيف وقد جرت عادة
بني ادم باجتناب عما هذا شأنه فكيف يستقي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كانت تقع فيها النجاسات
من غير أن يقصد إلقاؤها كما تشاهد من آبار زماننا ثم تخرج تلك النجاسات فلما جاء الاسلام
سألوا عن الطهارة الشرعية الزائدة على ما عندهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الماء طهور لا ينجسه شئ
يعني لا ينجس نجاسة غير ما عندكم انتهى
قوله (هذا حديث حسن وقد جود أبو أسامة هذا الحديث) أي رواه بسند جيد وصححه
أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو محمد بن حزم قاله الحافظ في التلخيص وزاد في البدر المنير
والحاكم وآخرون من الأئمة الحفاظ
فإن قلت في سند هذا الحديث عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج وهو مستور كما
قال الحافظ في التقريب فكيف يكون هذا الحديث صحيحا أو حسنا
قلت صحح هذا الحديث أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وهما إماما الجرح والتعديل
170

وأيضا صحح هذا الحديث الحاكم وغيره وذكر ابن حبان عبيد الله هذا في الثقات فثبت أنه لم
يكن عند هؤلاء الأئمة مستورا والعبرة لقول من عرف لا بقول من جهل
فإن قلت قال ابن القطان في كتابه الوهم والإبهام إن في إسناده اختلافا فقوم يقولون
عبيد الله بن عبد الله بن رافع وقوم يقولون عبد الله بن عبد الله بن رافع ومنهم من يقول
عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع ومنهم من يقول عبد الله ومنهم من يقول عن
عبد الرحمن بن رافع فيحصل فيه خمسة أقوال وكيف ما كان فهو لا يعرف له حال ولا عين كذا
في تخريج الهداية للزيلعي
وقال الحافظ في التلخيص وأعله ابن القطان بجهالة راوية عن أبي سعيد واختلاف الرواة
في اسمه واسم أبيه
قلت أما إعلاله بجهالة الراوي عن أبي سعيد فليس بشئ فإنه إن جهله ابن القطان فقد
عرفه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما وأما إعلاله باختلاف الرواة في اسمه واسم أبيه فهو
أيضا ليس بشئ لأن اختلاف الرواة في السند أو المتن لا يوجب الضعف إلا بشرط استواء وجوه
الاختلاف فمتى رجح أحد الأقوال قدم ولا يعل الصحيح بالمرجوح وههنا وجوه الاختلاف
ليست بمستوية بل رواية الترمذي وغيره التي وقع فيها عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج
راجحة وباقي الروايات مرجوحة فإن مدار تلك الروايات على محمد بن إسحاق وهو مضطرب
فيها وتلك الروايات مذكورة في سنن الدارقطني فهذه الرواية الراجحة تقدم على تلك
الروايات المرجوحة ولا تعل هذه بتلك
(وفي الباب عن ابن عباس وعائشة) أما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد وابن خزيمة وابن
حبان بلفظ إن الماء لا ينجسه شئ ورواه أصحاب السنن بلفظ إن الماء لا يجنب وفيه قصة
وقال الحازمي لا يعرف مجودا إلا من حديث سماك بن حرب عن عكرمة وسماك مختلف فيه
وقد احتج به مسلم كذا في التلخيص
وأما حديث عائشة فأخرجه الطبراني في الأوسط وأبو يعلى والبزار وأبو علي بن السكن في
صحاحه من حديث شريك بلفظ إن الماء لا ينجسه شئ ورواه أحمد من طريق أخرى صحيحة
لكنه موقوف كذا في التلخيص
قلت وفي الباب أيضا عن جابر بلفظ إن الماء لا ينجسه شئ وفيه قصة أخرجه ابن ماجة
171

وفي إسناده أبو سفيان طريف بن شهاب وهو ضعيف متروك وقد اختلف فيه على شريك الراوي
عنه
وههنا فوائد متعلقة بحديث الباب فلنا أن نذكرها
الفائدة الأولى أعلم أن بئر بضاعة كانت بئر معروفة بالمدينة ولم تكن غديرا أو طريقا للماء
إلى البساتين والدليل على ذلك أنها لو كانت غديرا أو طريقا للماء إلى البساتين لم تسم بئرا قال في
القاموس بئر بضاعة بالضم وقد يكسر بالمدينة قطر رأسها ستة أذرع انتهى
وقال في النهاية هي بئر معروفة بالمدينة انتهى
وقال أبو داود في سننه سمعت قتيبة بن سعيد قال سألت قيم بئر بضاعة عن عمقها قال أكثر
ما يكون الماء إلى العانة قلت فإذا نقصت قال دون العورة قال أبو داود وقدرت أنا بئر بضاعة
بردائي مددته عليها ثم ذرعته فإذا عرضها ستة أذرع وسألت الذي فتح لي باب البستان فأدخلني
إليه هل غير بناؤها قال لا ورأيت فيها ماء متغير اللون انتهى
وأما قول صاحب الهداية إن ماء بئر بضاعة كان جاريا بين البساتين وكذا زعم الطحاوي أن
بئر بضاعة كانت طريقا للماء إلى البساتين فغلط لا دليل عليه
قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية وقول صاحب الكتاب إن ماءها كان جاريا إلى
البساتين هذا رواه الطحاوي في شرح الآثار عن الواقدي فقال أخبرنا أبو جعفر محمد بن أبي
أحمد بن أبي عمران عن أبي عبد الله محمد بن شجاع الثلجي عن الواقدي قال كانت بئر بضاعة
طريقا للماء إلى البساتين انتهى
وهذا سند ضعيف مرسل ومدلوله على جريانه غير ظاهر
قال البيهقي في المعرفة وزعم الطحاوي أن بئر بضاعة كان ماؤها جاريا لا يستقر وأنها
كانت طريقا إلى البساتين ونقل ذلك عن الواقدي والواقدي لا يحتج بما يسند فضلا عما يرسله
وحال بئر بضاعة مشهور بين أهل الحجاز بخلاف ما حكاه انتهى ما في نصب الراية وقال الحافظ
ابن حجر في الدراية وأما قوله إن ماء بئر بضاعة كان جاريا بين البساتين فهو كلام مردود على من
قاله وقد سبق إلى دعوى ذلك وجزم به الطحاوي فأخرج عن أبي جعفر بن أبي عمران عن
محمد بن شجاع الثلجي عن الواقدي قال كانت بئر بضاعة طريقا للماء إلى البساتين وهذا
إسناد واه جدا ولو صح لم يثبت به المراد لاحتمال أن يكون المراد أن الماء كان ينقل منها بالسانية إلى
البساتين ولو كانت سيحا جاريا لم تسم بئرا انتهى كلام الحافظ
172

قلت العجب من الطحاوي أنه أسنده من طريق محمد بن شجاع الثلجي عن الواقدي
وجزم به محمد بن شجاع الثلجي كذاب قال الذهبي في الميزان محمد بن شجاع الثلجي
الفقيه البغدادي أبو عبد الله صاحب التصانيف قال ابن عدي كان يضع الحديث في التشبيه
وينسبها إلى أهل الحديث يثلبهم بذلك قال الذهبي جاء من غير وجه أنه كان ينال من أحمد
وأصحابه يقول أيش قام به أحمد وقال زكريا الساجي محمد بن شجاع كذاب احتال في إبطال
الحديث نصرة للرأي انتهى كلام الحافظ الذهبي
والواقدي متروك قد استقر الاجماع على وهنه ومع هذا لم يدرك عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا عصر
الصحابة رضي الله عنهم فإنه مات سنة سبع ومائتين ولم يذكر من أخذ هذا عنه فكيف يعبأ بقوله
هذا
ثم قول الواقدي هذا معارض بقوله الاخر فحكى البلاذري في تاريخه عن الواقدي أنه قال
تكون بئر بضاعة سبعا في سبع وعيونها كثيرة فهي لا تنزح انتهى
الفائدة الثانية حديث الباب قد استدل به الظاهرية على ما ذهبوا إليه من أن الماء لا
يتنجس مطلقا وأن تغير لونه أو طعمه أو ريحه بوقوع النجاسة فيه وأما غيرهم فكلهم خصصوه أما
المالكية فبحديث أبي أمامة مرفوعا إن الماء لا ينجسه شئ إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه
أخرجه ابن ماجة ومذهبهم أن الماء لا يتنجس إلا ما تغير لونه أو طعمه أو ريحه وأما الشافعية
فبحديث القلتين وهو حديث صحيح كما ستعرف ومذهبهم أن الماء إن كان قلتين لا يتنجس إلا
أن تغير ريحه أو طعمه أو لونه وإن كان دون القلتين يتنجس وإن لم يتغير أحد أوصافه وأما الحنفية
فبالرأي ولهم في هذا الباب اثنا عشر مذهبا الأول التحديد بالتحريك قال الإمام محمد في
موطئه ص 66 إذا كان الحوض عظيما إن حركت منه ناحية لم تتحرك به الناحية الأخرى لم يفسد
ذلك الماء ما ولغ فيه سبع ولا ما وقع فيه من قذر إلا أن يغلب على ريح أو طعم فإذا كان
حوضا صغيرا إن حركت منه ناحية تحركت الناحية الأخرى فولغ فيه السباع أو وقع فيه القذر لا
يتوضأ منه قال وهذا كله قول أبي حنيفة انتهى كلامه
قلت وهو مذهب أصحابه القدماء والثاني التحديد بالكدرة والثالث التحديد بالصبغ
والرابع التحديد بالسبع في السبع والخامس التحديد بالثمانية في الثمانية والسادس
عشرين في عشرين والسابع العشر في العشر وهو مذهب جمهور الحنفية المتأخرين والثامن
خمسة عشر في خمسة عشر والتاسع اثنا عشر في اثنا عشر قال صاحب التعليق الممجد بعد ذكر مذهب
الظاهرية ومذهب المالكية ومذهب الشافعية وهذه المذاهب الاثني عشر للحنفية ما لفظه ولقد
173

خضت في بحار هذه المباحث وطالعت لتحقيقها كتب أصحابنا يعني الحنفية وكتب غيرهم المعتمدة
فوضح لنا ما هو الأرجح منها وهو الثاني يعني مذهب المالكية ثم الثالث يعني مذهب الشافعية
ثم الرابع وهو مذهب قدماء أصحابنا وأئمتنا والباقية مذاهب ضعيفة انتهى كلامه
قلت والمذهب الرابع أعني مذهب قدماء الحنفية أيضا ضعيف لم يقم عليه دليل صحيح
فإن قلت قد احتج الإمام محمد على هذا المذهب بما رواه بإسناده أن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص حتى وردوا حوضا فقال عمرو بن العاص
يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع فقال عمر بن الخطاب يا صاحب الحوض لا تخبرنا
فإنا نرد على السباع وترد علينا قال الحنفية إن غرض عمر من قوله لا تخبرنا أنك لو أخبرتنا لضاق
الحال فلا تخبرنا فإنا نرد على السباع وترد علينا ولا يضرنا ورودها عند عدم علمنا ولا يلزمنا
الاستفسار من ذلك ولو كان سؤر السباع طاهرا لما منع صاحب الحوض عن الإخبار لأن إخباره
لا يضر قالوا والحوض كان صغيرا يتنجس بملاقاة النجاسة وإلا فلو كان كبيرا لما سأل فكيف قلتم
إن المذهب الرابع لم يقم عليه دليل صحيح
قلت يحتمل أن يكون غرض عمر من قوله لا تخبرنا أن كل ذلك عندنا سواء أخبرتنا أو لم
تخبرنا فلا حاجة إلى إخبارك وعلى هذا حمل المالكية والشافعية قوله لا تخبرنا لم يقم وإذا جاء
الاحتمال بطل الاستدلال ثم هذا الاستدلال موقوف على نجاسة سئور السباع وهي ليست بمتفق
عليها بل المالكية والشافعية قائلون بطهارته وقد ورد بذلك بعض الأحاديث المرفوعة
قال ابن الأثير في جامع الأصول زاد رزين قال زاد بعض الرواة في قول عمر إني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها ما أخذت في بطونها وما بقي فهو لنا طهور وشراب انتهى
وروى ابن ماجة عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة
تردها السباع والكلاب والحمر وعن الطهارة منها فقال لها ما حملت في بطونها ولنا ما غبر طهور
وروى الدارقطني في سننه عن جابر قيل يا رسول الله أنتوضأ بما أفضلت الحمر قال نعم
وبما أفضلت السباع وهذه الأحاديث تؤيد ما قال المالكية والشافعية من أن غرض عمر من قوله
لا تخبرنا أن كل ذلك عندنا سواء أخبرتنا أو لم تخبرنا فلا حاجة إلى إخبارك فتفكر
والحاصل أن الاستدلال بقول عمر المذكور على المذهب الرابع ليس بمستقيم على أنه
ليس فيه ما يدل على ما في المذهب الرابع من التحريك وتحديده
174

فإن قلت كيف قلتم إن المذهب الرابع أيضا ضعيف لم يقم عليه دليل صحيح وقد أقام
عليه الحنفية دلائل من الكتاب والسنة
قال صاحب البحر الرائق استدل أبو حنيفة على ما ذكره الرازي في أحكام القرآن بقوله
تعالى ويحرم عليهم الخبائث والنجاسات لا محالة من الخبائث فحرمها الله تعالى تحريما مبهما
ولم يفرق بين حالة اختلاطها وانفرادها بالماء فوجب تحريم كل ما تيقنا فيه جزءا من النجاسة
ويكون جهة الحظر من النجاسة أولى من جهة الإباحة لأن الأصل أنه إذا اجتمع المحرم والمبيح
قدم المحرم ويدل عليه من السنة قوله صلى الله عليه وسلم لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه من
الجنابة وفي لفظ آخر ولا يغتسل فيه من جنابة ومعلوم أن البول القليل في الماء الكثير لا يغير لونه
ولا طعمه ولا رائحته ويدل أيضا قوله عليه الصلاة والسلام إذا استيقظ أحدكم من منامه
فليغسل يده ثلاثا قبل أن يدخلها في الاناء فإنه لا يدري أين باتت يده فأمر بغسل اليد احتياطا
من نجاسة أصابته من موضع الاستنجاء ومعلوم أنها لا تغير الماء ولولا أنها مفسدة عند التحقيق
لما كان للأمر بالاحتياط معنى وحكم النبي صلى الله عليه وسلم بنجاسته بولوغ الكلب بقوله طهور إناء أحدكم
إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبعا وهو لا يغير وهذا كلام الرازي
والحاصل أنه حيث غلب على الظن وجود نجاسة في الماء لا يجوز استعماله لهذه الدلائل لا
فرق بين أن يكون قلتين أو أكثر أو أقل تغير أو لا وهذا هو مذهب أبي حنيفة والتقدير بشئ دون
شئ لا بد من نص ولم يوجد انتهى كلام صاحب البحر الرائق
وقال أيضا وما صرنا إليه يشهد له الشرع والعقل أما الشرع فقد قدمنا الأحاديث الواردة
في ذلك
وأما العقل فإنه إذا لم يتيقن بعدم النجاسة إلى الجانب الآخر أو يغلب على ظننا والظن
كاليقين فقد استعملت الماء الذي فيه نجاسة يقينا وأبو حنيفة لم يقدر ذلك بشئ بل اعتبر غلبة
ظن المكلف فهذا دليل عقلي مؤيد بالأحاديث الصحيحة المتقدمة فكان العمل به متعينا انتهى
قلت هذه الدلائل كلها غير مفيدة أما الاستدلال بآية ويحرم عليهم الخبائث فلأن
هذه الآية تفيد تحريم أكل الخبائث لا مطلق استعمالها بقرينة ما قبله وهو قوله تعالى ويحل
لهم الطيبات فإن الحل والحرمة غالبا يستعملان في المأكولات ولذا فسر المفسرون الخبائث بالميتة
والدم والخنزير وأمثال ذلك فالمعنى يحل لهم أكل الطيبات ويحرم أكل الخبائث فإذن لا تفيد الآية
إلا حرمة النجاسة المخلوطة بالماء أكلا لا حرمة مطلق استعمالها ولئن سلمنا أن المراد تحريم
175

استعمال مطلق النجاسة فلا يفيد أيضا إذا الماء سيال بالطبع مغير لما اختلط به إلى نفسه إذا غلب
عليه فإذا وقعت النجاسة في ماء ولم يغلب ريحه أو لونه أو طعمه عليه حصل العلم بأن تلك
النجاسة فيه قد تغيرت إلى طبيعة الماء الغالب ولم تبق نجاسة وخبيثة فينبغي الوضوء حينئذ سواء
تحرك جانب منه بتحريك جانب منه أو لم يتحرك بخلاف ما إذا غلب ريحه أو طعمه أو لونه فإنه لم
يعلم مغلوبية الماء وبقاء النجاسة على حالها فلا يجوز الوضوء ح وأما الاستدلال بحديث لا يبولن
فلأنه بعد تسليم دلالته على التحريم والتنجس إنما يفيد تنجس الماء الدائم في الجملة لا على
تنجس كل ماء ولو حمل على الكلية للزم تنجس الحوض الكبير أيضا بالبول ولا قائل به وكذا
الاستدلال بحديث الاستيقاظ فإنه لا يدل إلا على تنجس الماء في الجملة لا على الكلية فلا
ينتهض هذا وأمثاله إلا إلزاما على من قال بالطهارة مطلقا لا تحقيقا لمذهب أبي حنيفة وكذا
حديث ولوغ الكلب وأمثاله
وأما شهادة العقل فتعارضه شهادة أخرى وهي ما مر من كون الماء مغيرا إلى نفسه
وبالجملة الدلائل لا تثبت التحديد بالتحريك وأما التحديد بالقلتين فقد ثبت من كلام
الشارع بنفسه وكذا التحديد بالغير وعدمه ثابت من كلامه الشارع ومؤيد بشهادة العقل أيضا
والقياسات العقلية والاستنباطات الفقهية من الآيات المبهمة والأحاديث المطلقة لا تعارض هذه
التحديدات المصرحة كذا أجاب صاحب السعاية حاشية شرح الوقاية وهو من العلماء الحنفية
وقد أجاد وأصاب ثم قال والذي أظن أن هذه الأخبار لم تصل إلى الإمام أبي حنيفة أو وصلته
وحملها على معنى لاح له وإلا لقال بها حتما ولم يحتج إلى الاستنباط قطعا ولقوة دليل الشافعية
والمالكية في هذا الباب جوز أصحابنا تقليدهم في ذلك بل قلدهم أبو يوسف في بعض الوقائع مع
كونه مجتهدا قد صرحوا بأن المجتهد يحرم عليه التقليد كما في الطريقة المحمدية وشرحها الحديقة
الندية وقد جوز أئمتنا الحنفية الأخذ في باب الطهارة بمذهب الغير ولو كان الأخذ بعد صدور
الفعل فاسدا في مذهبه كما حكى أن أبا يوسف اغتسل ليوم الجمعة وصلى بالناس إماما ببغداد
فوجدوا الذي في البئر الذي اغتسل من مائه فأرة ميتة فأخبر بذلك فقال نأخذ بقول إخواننا من أهل
المدينة تمسكا بالحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا كذا في
التاتارخانية وغيرها ولعل حرمة التقليد للمجتهد مقيدة بما إذا لم يكن ما قلده حكما قويا موافقا
للقياس داخلا في ظاهر النص فإذا كان حكما ضعيفا مخالفا للقياس غير داخل في ظاهر النص
يحرم تقليد المجتهد فيه لمجتهد آخر وهذه المسألة الحكم فيها قوي لأن عدم التغير بوقوع النجاسة دليل
على بقاء الطهارة موافق للقياس داخل في ظاهر النص وهو حديث القلتين انتهى كلامهما ملخصا
176

انتهى كلام صاحب السعاية
الفائدة الثالثة تمسك الظاهرية بحديث الباب على أن البئر لا تتنجس بوقوع النجاسة فيها
قليلا كان الماء فيها أو كثيرا تغير لونه أو طعمه أو ريحه أو لم يتغير وقد عرفت أن حديث الباب وما
في معناه ليس على إطلاقه وعمومه بل هو مخصوص بأحاديث أخرى صحيحة
ولنا أن نذكر ههنا مذاهب أخرى في طهارة البئر ونجاستها فاعلم أنهم اختلفوا فيما إذا
وقعت نجاسة في البئر هل تتنجس أم لا على مذاهب
الأول مذهب الظاهرية وقد ذكرناه آنفا
والثاني أنه إن تغير لونه أو طعمه أو ريحه يتنجس وإلا لا وهو مذهب المالكية وتمسكوا
بحديث الماء طهور لا ينجسه شئ إلا ما تغير لونه أو طعمه أو ريحه وقد تقدم تخريجه
والثالث أن الماء في البئر إن كان دون القلتين يتنجس وإن كان قدر القلتين فصاعدا
لا يتنجس إلا إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه وهو مذهب الشافعية وتمسكوا بحديث القلتين وهو
المذهب الراجح وبه عمل الإمام أبو يوسف في بغداد كما عرفت أن أبا يوسف اغتسل يوم الجمعة
وصلى بالناس إماما ببغداد فوجدوا في البئر الذي اغتسل من مائه فأرة ميتة فأخبر بذلك فقال نأخذ
بقول إخواننا من أهل المدينة تمسكا بالحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا كذا في التتارخانية وغيرها
والرابع إن كان غديرا عظيما بحيث لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الآخر لم يتنجس وإلا
يتنجس وهو مذهب المتقدمين من الحنفية
الخامس إن كان عشرا في عشر لا يتنجس وإلا يتنجس وهو مسلك أكثر المتأخرين من
الحنفية وقد مر في الفائدة الثانية أن للحنفية في الماء أربعة عشر مذهبا فكلها تجري ههنا وها هنا
مذهب آخر زائد على ما مر خاص بالآبار وهو ما روي عن محمد أنه قال اجتمع رأيي ورأي أبي
يوسف على أن ماء البئر في حكم الماء الجاري لأنه ينبع من أسفله ويؤخذ من أعلاه فهو كحوض
الحمام يصب من جانب ويخرج من جانب آخر فلا يتنجس كذا نقله في الغنية وفتح القدير وغيرهما
ثم إذا تنجس ماء البئر هل يطهر بنزح الماء أم لا فقال بشر المريسي إنه لا يطهر أبدا لأنه
وإن نزح جميع ما فيها يبقى الطين والحجارة نجسا فيتنجس الماء الجديد فلا سبيل إلى طهارته كذا
حكاه ابن الهمام والعيني وغيرهما عنه وقال غير بشر المريسي من أهل العلم يطهر البئر بنزح الماء
177

واستدل الحنفية على تنجس ماء البئر وإن كان زائدا على قدر القلتين وطهارته بنزح الماء بما
رواه الطحاوي وابن أبي شيبة عن عطاء أن حبشيا وقع في زمزم فمات فأمر ابن الزبير فنزح ماءها
فجعل الماء لا ينقطع فنظر فإذا عين تجري من قبل الحجر الأسود فقال ابن الزبير حسبكم قالوا
إسناد هذا الأثر صحيح ويردون به حديث القلتين
قلت سلمنا أن إسناده صحيح لكن قد تقرر أن صحة الإسناد لا تستلزم صحة المتن ولو
سلم صحة المتن فيحتمل أن يكون نزح لنجاسة ظهرت على وجه الماء أو تطييبا للقلوب وتنظيفا
للماء فإن زمزم للشرب لا من جهة الوجوب الشرعي وقد اعترف به صاحب السعاية من
الحنفية حيث قال فيها ص 224 وما روي عنهم من النزح لا يدل على النجاسة بل يحتمل
التنظيف والتنزه انتهى وأما ما قال صاحب الجوهر النقي من أن الراوي جعل علة نزحها موته
دون غلبة دمه لقوله مات فأمر أن تنزح كقوله زنى ماعز فرجم انتهى ففيه نظر فإنه ليس فيه دليل
على أن الموت كان علة للنزح إنما فيه أن الزنجي مات في زمزم فأمر بعد ذلك أن تنزح وأما أن
علة النزح هل هي الموت أو أمر آخر فلا يدل عليه لفظ مات فأمر أن تنزح كما قال الطحاوي في
شرح الآثار ليس في حديث أبي الدرداء وثوبان قاء فأفطر دليل على أن القئ كان مفطرا له إنما
فيه أنه قاء فأفطر بعد ذلك انتهى وقال الشيخ العلامة محدث الهند الشاه ولي الله في كتابه حجة
الله البالغة ص 142 ج 1 وقد أطال القوم في فروع موت الحيوان في البئر والعشر في العشر والماء
الجاري وليس في كل ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم البتة وأما الآثار المنقولة عن الصحابة والتابعين
كأثر ابن الزبير في الزنجي وعلى في الفأرة والنخعي والشعبي في نحو السنور فليست مما يشهد له
المحدثون بالصحة ولا مما اتفق عليه جمهور أهل القرون الأولى وعلى تقدير صحتها يمكن أن
يكون ذلك تطيبا للقلوب وتنظيفا للماء لا من جهة الوجوب الشرعي كما ذكر في كتب المالكية
ودون نفي هذا الاحتمال خرط القتاد وبالجملة فليس في هذا الباب شئ يعتد به ويجب العمل
عليه وحديث القلتين أثبت من ذلك كله بغير شبهة ومن المحال أن يكون الله تعالى شرع في هذه
المسائل لعباده شيئا زيادة على ما لا ينفكون عنه من الارتفاقات وهي مما يكثر وقوعه وتعم به البلوى
ثم لا ينص عليه النبي صلى الله عليه وسلم نصا جليا ولا يستفيض في الصحابة ومن بعدهم ولا حديث واحد
فيه انتهى كلامه وقال الحافظ ابن حجر في الدراية روى البيهقي من طريق ابن عيينة كنت أنا
بمكة منذ سبعين سنة لم أر صغيرا ولا كبيرا يعرف حديث الزنجي ولا سمعت أحدا يقول نزحت
زمزم وقال الشافعي إن ثبت هذا عن ابن عباس فلعل نجاسته ظهرت على وجه الماء أو نزحها
للتنظيف انتهى قال البيهقي في السنن الكبرى بعد ذكر قول الشافعي وابن عيينة وعن أبي عبيد
178

قال وكذلك لا ينبغي لأن الآثار جاءت في نعتها أنها لا تنزح ولا تذم انتهى قلت فهذه الآثار
أيضا تخدش في صحة واقعة نزح زمزم فإن صحتها تخالف قوله لا تنزح وكذلك تخالف قوله لا
تذم فأي مذمة لزمزم تكون أقبح من أن يكون ماؤها نجسا خبيثا فإن قلت أجاب عن ذلك
صاحب الجوهر النقي حيث قال ليس فيه أن ابن عباس وابن الزبير قدرا على استئصال الماء
بالنضح حتى يكون مخالفا للآثار التي ذكرها أبو عبيد بل صرح في رواية ابن أبي شيبة بأن الماء لم
ينقطع وفي رواية البيهقي بأن العين غلبتهم حتى دست بالقباطي والمطارف انتهى قلت ظن
صاحب الجوهر النقي أن نزح البئر لا يكون إلا باستئصال مائها وليس كذلك ففي القاموس
نزح البئر استقى ماءها حتى ينفد أو يقل انتهى
وأما قول بعضهم عدم علمهما لا يصح دليلا فإنهما لم يدركا ذلك الوقت وبينه وبينهما قريب
من مائه وخمسين سنة
ففيه أن وقوع الزنجي في زمزم وموته فيها ثم نزحها من الوقائع العظام والحوادث الجسام
فلو كان هذا صحيحا لم يكن في ذلك الوقت نسيا منسيا بحيث لا يعرفه أحد من أهل مكة لا
صغير ولا كبير إذ بعيد كل البعد أن يحدث مثل هذه الحادثة بمكة في زمن ابن عباس وابن الزبير
وهما من صغار الصحابة ثم لا يعرفه أحد من أهل مكة في زمن سفيان بن عيينة وهو من أوساط
التابعين ولو سلم ثبوت واقعة نزح زمزم فلا تدل على أن نزحها كان لنجاسة كما قد عرفت
باب منه اخر
67 - قوله (عن محمد بن إسحاق) هو إمام المغازي صدوق يدلس كذا في التقريب وقال
ابن الهمام في فتح القدير أما ابن إسحاق فثقة لا شبهة عندنا ولا عند محققي المحدثين انتهى وقال
العيني في عمدة القاري ابن إسحاق من الثقات الكبار عند الجمهور انتهى وتقدم ترجمته في
باب الرخصة في استقبال القبلة بغائط أو بول بأبسط من هذا (عن محمد بن جعفر بن الزبير) بن
العوام الأسدي ثقة (عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب شقيق سالم ثقة
قوله (وهو يسأل) بصيغة المجهول جملة حالية (عن الماء يكون في الفلاة من الأرض) قال في
القاموس الفلاة القفر أو المفازة لا ماء فيها أو الصحراء الواسعة ج فلا وفلوات وفلى وفلى (وما
179

ينوبه من السباع والدواب) عطف على الماء يقال ناب المكان وأنابه إذا تردد إليه مرة بعد أخرى
(قال) صلى الله عليه وسلم إذا كان الماء قلتين تثنية القلة وسيأتي بيان معنى القلة (لم يحمل الخبث) بفتحتين
النجس أي لم ينجس بوقوع النجاسة فيه وفي رواية لأبي داود إذا كان الماء قلتين فإنه لا ينجس
ولفظ الحاكم فقال إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شئ قال القاضي الحديث بمنطوقه يدل على أن
الماء إذا بلغ قلتين لم ينجس بملاقاة النجاسة فإن معنى لم يحمل لم يقبل النجاسة كما يقال فلان
لا يقبل ضيما إذا امتنع عن قبوله وذلك إذا لم يتغير فإن تغير نجس ويدل بمفهومه على أنه إذا
كان أقل ينجس بالملاقاة وهذا المفهوم يخصص حديث خلق الماء طهورا عند من قال بالمفهوم
ومن لم يقل به أجراه على عمومه كما لك فإن الماء قل أو كثر لا ينجس عنده إلا بالتغير وقال
الحافظ في التلخيص قوله لم يحمل الخبث معناه لم ينجس بوقوع النجاسة فيه كما فسره في الرواية
الأخرى التي رواها أبو داود وابن حبان وغيرهما إذا بلغ الماء قلتين لم ينجس والتقدير لا يقبل
النجاسة بل يدفعها عن نفسه ولو كان المعنى يضعف عن حمله لم يكن للتقييد معنى فإن ما دونها
أولى بذلك وقيل معناه لا يقبل حكم النجاسة كما في قوله تعالى مثل الذين حملوا التوراة ثم لم
يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا أي لم لم يقبلوا حكمها انتهى كلام الحافظ
قوله (قال محمد بن إسحاق القلة هي الجرار) جمع جرة بفتح الجيم بالفارسية سوى وقال
في القاموس القلة بالضم الحب العظيم والجرة العظيمة أو عامة أو من الفخار والكوز الصغار
ضد ج كصرد وجبال انتهى والحب بضم الحاء المهملة
بالفارسية خم وقال الجزري في النهاية القلة
الحب العظيم والجمع قلال وهي معروفة بالحجار انتهى
قوله (وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق قالوا إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شئ ما لم يتغير
ريحه أو طعمه) أي أو لونه واستدلوا بحديث الباب وهو حديث صحيح قابل للاحتجاج
وضعفه جماعة لكن الحق أنه صحيح قال الحافظ أبو الفضل العراقي في أماليه قد صحح هذا
الحديث الجم الغفير من أئمة الحفاظ الشافعي وأبو عبيد وأحمد وإسحاق ويحيى بن معين وابن
180

خزيمة والطحاوي وابن حبان والدارقطني وابن منده والحاكم والخطابي والبيهقي وابن حزم
وآخرون كذا في قوت المغتذي وقال الحافظ في فتح الباري رواته ثقات وصححه جماعة من أهل
العلم انتهى وقال فيه أيضا الفصل بالقلتين أقوى لصحة الحديث فيه وقد اعترف الطحاوي
من الحنفية بذلك وقال في بلوغ المرام صححه ابن خزيمة وابن حبان انتهى
وقال في التلخيص قال الحاكم صحيح على شرطهما وقد احتجا بجميع رواته وقال ابن
منده إسناده على شرط مسلم وقال ابن معين الحديث جيد الإسناد وقال ابن دقيق العيد هذا
الحديث قد صححه بعضهم وهو صحيح على طريق الفقهاء لأنه وإن كان مضطرب الاسناد
مختلفا في بعض ألفاظه فإنه يجاب عنه بجواب صحيح بأن يمكن الجمع بين الروايات انتهى ما في
التلخيص والذين لم يقولوا بحديث القلتين فمنهم من اعترف بصحة واعتذر من العمل به
بالإجمال في معنى القلة قال الحافظ في الفتح قول من لا يعتبر إلا التغير وعدمه قوي لكن الفصل
بالقلتين أقوى لصحة الحديث فيه وقد اعترف الطحاوي من الحنفية بذلك لكنه اعتذر من القول به
فإن القلة في العرف تطلق على الكبيرة والصغيرة كالجرة ولم يثبت من الحديث تقديرهما فيكون
مجملا فلا يعمل به وقواه ابن دقيق العيد لكن استدل له غيرهما فقال أبو عبيد القاسم بن سلام
المراد القلة الكبيرة إذ لو أراد الصغيرة لم يحتج لذكر العدد فإن الصغير بين قدر واحدة كبيرة ويرجع
في الكبيرة إلى العرف عند أهل الحجاز
والظاهر أن الشارع عليه السلام ترك تحديدها على سبيل التوسعة والعلم محيط بأنه ما
خاطب الصحابة إلا بما يفهمون فانتهى الإجمال انتهى كلام الحافظ
وقال الزيلعي في نصب الراية قال البيهقي في كتاب المعرفة وقلال هجر كانت مشهورة
عند أهل الحجاز ولشهرتها عندهم شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى ليلة المعراج من نبق سدرة المنتهى
بقلال هجر فقال في حديث مالك بن صعصعة رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا ورقها مثل آذان
الفيلة وإذا نبقها مثل قلال هجر قال واعتذار الطحاوي في ترك الحديث أصلا بأنه لا يعلم مقدار
القلتين لا يكون عذرا عند من علمه انتهى
وقال الحافظ في الفتح بعد ذكر كلام البيهقي هذا فإن قيل أي ملازمة بين هذا التشبيه
وبين ذكر القلة في حد الماء فالجواب أن التقييد بها في حديث المعراج دال على أنها كانت معلومة
عندهم بحيث يضرب بها المثل في الكبر كما أن التقييد المطلق إنما ينصرف إلى التقييد المعهود وقال
الأزهري القلال مختلفة في قرى العرب وقلال هجر أكبرها وقلال هجر مشهورة الصنعة معلومة
181

المقدار والقلة لفظ مشترك وبعد صرفها إلى أحد معلوماتها وهي الأواني تبقى مترددة بين الكبار
والصغار والدليل على أنها من الكبار جعل الشارع الحد مقدارا بعدد فدل على أنه أشار إلى أكبرها
لأنه لا فائدة في تقديره بقلتين صغيرتين مع القدرة على تقديره بواحدة كبيرة انتهى
قلت وقد جاء في حديث ضعيف تقييد القلتين بقلال هجر وهو ما روى ابن عدي من
حديث ابن عمر إذا بلغ الماء قلتين من قلال هجر لم ينجسه شئ قال الحافظ في التلخيص في
إسناده المغيرة بن صقلاب وهو منكر الحديث قال النفيلي لم يكن مؤتمنا على الحديث وقال ابن
عدي لا يتابع على عامة حديثه انتهى
قلت قال الذهبي في الميزان في ترجمة المغيرة بن صقلاب قال أبو حاتم صالح الحديث
وقال أبو زرعة لا بأس به انتهى
فالاعتذار من القول بحديث القلتين بزعم الإجمال في معنى القلة اعتذار بارد ومن الذين
لم يقولوا به اعتذروا بأن الحديث ضعيف مضطرب الاسناد قالوا إن محمد بن إسحاق يروي تارة
عن محمد بن جعفر عن عبيد الله عن ابن عمر كما رواه الترمذي وغيره وتارة عن الزهري عن
سالم عن ابن عمر وتارة عنه عن عبيد الله عن أبي هريرة ثم وقع الاختلاف في شيخ محمد بن
جعفر فقال مرة عن عبد الله بن عبد الله المكبر ومرة عن عبيد الله بن عبد الله المصغر
قلت هذا الاعتذار أيضا بارد فإن هذا الاختلاف ليس قادحا مورثا لضعف الحديث
فإن وجوه الاختلاف ليست بمستوية فإن الرواية الصحيحة المحفوظة هي رواية ابن إسحاق عن
محمد بن جعفر عن عبيد الله عن ابن عمر كما رواها الترمذي وغيره كذلك رواها جماعة كثيرة عن
ابن إسحاق قال الدارقطني في سننه رواه إبراهيم ابن سعد وحماد بن سلمة ويزيد بن زريع
وعبد الله بن المبارك وعبد الله بن نمير وعبد الرحيم ابن سليمان وأبو معاوية الضرير ويزيد بن
هارون وإسماعيل بن عياش وأحمد بن خالد الوهبي وسفيان الثوري وسعيد بن زيد أخو حماد بن
زيد وزائدة بن قدامة عن محمد ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن
أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى
وقال الدارقطني فيه ورواه عاصم بن المنذر بن الزبير بن العوام عن عبد الله بن عبد الله
بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم فكان في هذه الرواية قوة لرواية محمد بن إسحاق عن محمد بن
جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن أبيه انتهى
وأما رواية ابن إسحاق عن الزهري عن سالم عن ابن عمر فمدارها على عبد الوهاب ابن
182

عطاء وهو مدلس ورواها عن ابن إسحاق بالعنعنة فهي ضعيفة لمظنة التدليس على أنه قد خالف
جميع أصحاب ابن إسحاق
وأما روايته عن الزهري عن عبيد الله عن أبي هريرة فليست بمحفوظة قال الدارقطني نا أبو
سهل أحمد بن محمد بن زياد وعمر بن عبد العزيز بن دينار قالا حدثنا أبو إسماعيل الترمذي نا محمد
بن وهب المسلمي نا ابن عياش عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن القليب الحديث
قال الدارقطني كذا رواه محمد بن وهب عن إسماعيل بن عياش بهذا الاسناد والمحفوظ عن
ابن عياش عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر
عن أبيه انتهى
وقد اعتذروا أيضا بأن الحديث مضطرب المتن ففي بعضها قلتين وفي بعضها قلتين أو
ثلاثا
وفي رواية موقوفة أربعين قلة وكذلك في رواية مرفوعة أربعين قلة
قلت هذا الاعتذار أيضا بارد فإن هذا الاختلاف أيضا ليس قادحا مورثا للضعف فإن
رواية أربعين قلة التي هي مرفوعة ضعيفة جدا فإن في سندها القاسم بن عبد الله العمري قال
ابن التركماني في الجوهر النقي حكى البيهقي عن القاسم بن عبد الله العمري كان ضعيفا
كثير الخطأ
وفي كتاب ابن الجوزي قال أحمد ليس هو عندي بشئ كان يكذب ويضع الحديث ترك
الناس حديثه وقال يحيى ليس بشئ وقال مرة كذاب خبيث وقال الرازي والنسائي والأزدي
متروك الحديث وقال أبو زرعة لا يساوي شيئا متروك الحديث انتهى
وقال الزيلعي في نصب الراية روى الدارقطني في سننه وابن عدي في الكامل والعقيلي في
كتابه عن القاسم بن عبد الله العمري عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد
الله قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا بلغ الماء أربعين قلة فإنه لا يحمل الخبث انتهى
قال الدارقطني كذا رواه القاسم العمري عن ابن المنكدر عن جابر ووهم في إسناده وكان
ضعيفا كثير الخطأ وخالفه روح بن القاسم وسفيان الثوري ومعمر بن راشد رووه عن ابن
المنكدر عن عبد الله بن عمرو موقوفا ورواه أيوب السختياني عن محمد بن المنكدر من قوله لم
183

يجاوزه ثم روى بأسناد صحيح من جهة روح بن القاسم عن محمد بن المنكدر عن عبد الله بن
عمرو قال إذا بلغ الماء أربعين قلة لم ينجس انتهى
فرواية أربعين قلة التي هي مرفوعة لشدة ضعفها لا تساوي رواية قلتين
وأما رواية أربعين قلة التي هي موقوفة فهي قول عبد الله بن عمرو وقوله هذا وإن كان
صحيحا من جهة السند فهو لا يساوي رواية قلتين التي هي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأما رواية قلتين أو ثلاثا فقد قال البيهقي في المعرفة قوله أو ثلاث شك وقع لبعض الرواة
انتهى
فرواية قلتين أو ثلاثا بالشك ترجع إلى رواية قلتين التي هي خالية عن الشك
والظاهر أن الشك من حماد بن سلمة فإن بعض أصحابه يروون عنه قلتين وبعضهم قلتين
أو ثلاثا
أو من عاصم بن المنذر فإن كل من روى هذا الحديث غيره عن عبيد الله بن عبد الله بن
عمر إنما رواه بلفظ قلتين بغير شك والله تعالى أعلم
وقد اعتذروا أيضا بأن الحديث مضطرب من جهة المعنى فإن القلة مشترك بين رأس الرجل
ورأس الجبل والجرة والقربة وغير ذلك ولم يتعين معناها وإن أريد بها الأواني كالجرة والخابية فلم
يثبت مقدارها مع أنها متقاربة جدا
قلت هذا الاعتذار أيضا ليس بشئ فإن القلة بمعنى رأس الرجل أو رأس الجبل لا يحصل
بها التحديد البتة
والمقصود من الحديث ليس إلا التحديد فلا يجوز أن يراد من القلة رأس الرجل أو رأس
الجبل فتعين أن المراد من القلة الأواني
ولما كانت قلال هجر مشهورة معروفة المقدار عند العرب كثيرة الاستعمال في أشعارهم
ولذلك شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم نبق سدرة المنتهى بقلال هجر تعين أن تكون هي مرادة في الحديث وقد
تقدم ما يتعلق بهذا فتذكر
والحاصل أن حديث الباب صحيح قابل للاحتجاج وكل ما اعتذروا به عن العمل
والقول به فهو مدفوع
184

قوله (وقالوا يكون نحوا من خمس قرب) جمع قربة أي يكون مقدار القلتين قريبا من خمس
قرب وذلك نحو خمسمائة رطل كما في السبل
وقال الجزري في النهاية القاسة الحب العظيم والجمع قلال وهي معروفة بالحجاز ومنه
الحديث في صفة سدرة المنتهى نبقها مثل قلال هجر
وهجر قرية قريبة من المدينة وليست هجر البحرين وكانت تعمل بها القلال تأخذ الواحدة
منها مزادة من الماء سميت قلة لأنها تقل أي ترفع وتحمل انتهى كلام الجزري
وقال الشيخ محمد طاهر في مجمع البحار القلة جرة عظيمة تسع خمسمائة رطل انتهى
باب كراهية البول في الماء الراكد
أي الساكن الذي لا يجري
68 - قوله (عن همام بن منبه) بن كامل الا بناوي الصنعاني اليماني عن أبي هريرة نسخة
صحيحة ومعاوية وابن عباس وطائفة وعنه أخوه وهب ومعمر وثقه ابن معين قال ابن سعد
مات سنة إحدى وثلاثين ومائة
قوله (لا يبولن) بفتح اللام وبنون التأكيد الثقيلة (في الماء الدائم) زاد في رواية البخاري
الذي لا يجري وهو تفسير للدائم وإيضاح لمعناه (ثم يتوضأ منه) كذا في رواية الترمذي وأحمد
وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن حبان
وفي رواية الشيخين وغيرهما ثم يغتسل فيه قال الحافظ في الفتح بضم اللام على
المشهور وقال ابن مالك يجوز الجزم عطفا على يبولن لأنه مجزوم الموضع بلا الناهية ولكنه بني على
الفتح لتوكيده بالنون
ومنع ذلك القرطبي فقال لو أريد النهي يقال ثم لا يغتسلن فحينئذ يتساوى الأمران في النهي
عنهما لأن المحل الذي تواردا عليه شئ واحد وهو الماء قال فعدوله عن ذلك يدل على أنه لم يرد
185

العطف بل نبه على مآل الحال والمعنى أنه إذا بال فيه قد يحتاج إليه فتمتنع عليه استعماله ومثله
يقوله صلى الله عليه وسلم لا يضربن أحدكم امرأته ضرب الأمة ثم يضاجعها فإنه لم يروه أحد بالجزم لأن المراد
النهي عن الضرب لأنه يحتاج في مآل حاله إلى مضاجعتها فتمتنع لإساءته إليها فلا يحصل له
مقصوده وتقدير اللفظ ثم هو يضاجعها وفي حديث الباب ثم هو يغتسل منه
وتعقب بأنه لا يلزم من تأكيد النهي أن لا يعطف عليه نهي آخر غير مؤكد لاحتمال أن يكون
للتأكيد في أحدهما معنى ليس ل خر
قال القرطبي ولا يجوز النصب إذ لا تضمر أن بعد ثم وأجازه ابن مالك بإعطاء ثم حكى
الواو
وتعقبه النووي بأن ذلك يقتضي أن يكون النهي عنه الجمع بين الأمرين دون إفراد
أحدهما
وضعفه ابن دقيق العيد بأنه لا يلزم أن يدل على الأحكام المتعددة لفظ واحد فيؤخذ النهي
عن الجمع بينهما من هذا الحديث أن تثبيت رواية النصب ويؤخذ النهي عن الافراد من حديث
آخر
قال الحافظ وهو ما رواه مسلم من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن البول في الماء
الراكد وعنده من طريق أبي السائب عن أبي هريرة بلفظ لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو
جنب وروى أبو داود النهي عنهما في حديث واحد ولفظه لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا
يغسل فيه من الجنابة انتهى كلام الحافظ
فكل ما ذكر في يغتسل من الإعراب يجري في يتوضأ
والحديث بظاهره يدل على تنجس الماء الراكد مطلقا قليلا كان أو كثيرا لكنه ليس بمجهول
على ظاهره بالاتفاق قال العيني في عمدة القاري هذا الحديث عام فلا بد من تخصيصه اتفاقا
بالماء المتبحر الذي لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الطرف الآخر أو بحديث القلتين كما ذهب إليه
الشافعي أو بالعمومات الدالة على طهورية الماء ما لم يتغير أحد أوصافه الثلاثة كما ذهب إليه مالك
رحمه الله انتهى
وقال الحافظ في الفتح لا فرق في الماء الذي لا يجري في الحكم المذكور بين بول الآدمي
وغيره خلافا لبعض الحنابلة ولا بين أن يبول في الماء أو يبول في ماء ثم يصبه فيه خلافا للظاهرية
186

وهذا كله محمول على الماء القليل عند أهل العلم على اختلافهم في حد القليل وقد تقدم قول من
لا يعتبر وعدمه وهو قوي لكن الفصل بالقلتين أقوى لصحة الحديث فيه انتهى
قلت الأمر عندي كما قال الحافظ والله تعالى أعلم قال ونقل عن مالك أنه حمل النهي
على التنزيه فيما لا يتغير وهو قول الباقين في الكثير وقال القرطبي يمكن حمله على التحريم مطلقا
على قاعدة سد الذريعة يفضي إلى تنجيس الماء انتهى
قلت ما قال القرطبي حسن جيد
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري بلفظ لا يبولن أحدكم في الماء الدائم
الذي لا يجري ثم يغتسل فيه وأخرجه مسلم بهذا اللفظ إلا أن فيه منه مكان فيه وأخرجه أيضا
أبو داود والنسائي وابن ماجة
قوله (وفي الباب عن جابر) أخرجه مسلم مرفوعا بلفظ أنه نهي أن يبال في الماء الراكد
وفي الباب أيضا عن ابن عمر مرفوعا بلفظ لا يبولن أحدكم في الماء الناقع
باب في ماء البحر أنه طهور
69 - قوله (وحدثنا الأنصاري) هو إسحاق بن موسى الأنصاري وقد تقدم في باب ما جاء
في فضل الطهور أن الترمذي إذا قال الأنصاري يريد به إسحاق بن موسى الأنصاري (عن صفوان
بن سليم) بضم السين وفتح اللام الزهري مولاهم المدني روى عن ابن عمر وأبي أمامة بن سهل
ومولاه حميد بن عبد الرحمن وعنه مالك والليث بن سعد وخلق قال أحمد ثقة من خيار عباد الله
الصالحين يستشفي بحديثه وينزل القطر من السماء بذكره وقال أنس بن عياض رأيت صفوان بن
سليم ولو قيل له غدا القيامة ما كان عنده مزيد على ما هو عليه من العبادة مات سنة 231 اثنتين
وثلاثين ومائة كذا في الخلاصة قلت هو من رجال الكتب الستة (عن سعيد بن سلمة من آل ابن
الأزرق) وثقه النسائي (أن المغيرة بن أبي بردة) الكناني روى عن أبي هريرة وعنه سعيد بن سلمة
187

وثقه النسائي كذا في الخلاصة
قوله (سأل رجل) سمى ابن بشكوال السائل عبد الله المدلجي
وقال النووي في شرح المهذب اسمه عبيد وقيل عبد قال وأما قول السمعاني في الأنساب
اسمه العركي ففيه إيهام أن العركي اسم علم له وليس كذلك بل العركي وصف له وهو ملاح
السفينة كذا في قوت المغتذي
(إنا نركب البحر) زاد الحاكم نريد الصيد قال الزرقاني المراد من البحر الملح لأنه المتوهم فيه لأنه
مالح ومر وريحه منتن انتهى
(ونحمل معنا القليل من الماء) وفي رواية أحمد والحاكم والبيهقي قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوما فجاء صياد فقال يا رسول الله إنا ننطلق في البحر نريد الصيد فيحمل أحدنا معه الإداوة وهو
يرجو أن يأخذ الصيد قريبا فربما وجده كذلك وربما لم يجد الصيد حتى يبلغ من البحر مكانا لم يظن
أن يبلغه فلعله يحتلم أو يتوضأ فإن اغتسل أو توضأ بهذا الماء فلعل أحدنا يهلكه العطش فهل ترى
في ماء البحر أن نغتسل به أو نتوضأ إذا خفنا ذلك (عطشنا) بكسر الطاء (هو الطهور) بفتح الطاء
أي المطهر قال ابن الأثير في النهاية وقال المجد في القاموس الطهور المصدر واسم ما يتطهر به أو
الطاهر المطهر انتهى
قلت المراد ههنا هو المعنى الأخير قال الزرقاني أي البالغ في الطهارة ومنه قوله تعالى
وأنزلنا من السماء ماء طهورا أي طاهرا في ذاته مطهرا لغيره قال ولم يقل في جوابه نعم مع
حصول الغرض به ليقرن الحكم بعلته وهي الطهورية المتناهية في بابها انتهى
قوله (ماؤه) بالرفع فاعل الطهور (الحل) أي الحلال كما في رواية الدارقطني عن جابر
وأنس وابن عمرو (ميتته) بالرفع فاعل الحل
قال الرافعي لما عرف صلى الله عليه وسلم اشتباه الأمر على السائل في ماء البحر أشفق أن يشتبه عليه حكم
ميتته وقد يبتلي بها راكب ابحر فعقب الجواب عن سؤاله ببيان حكم الميتة
وقال غيره سأله عن مائه فأجابه عن مائه وطعامه لعلمه بأنه قد يعوزهم الزاد فيه كما يعوزهم
188

الماء فلما جمعتهم الحاجة انتظم الجواب بهما
وقال ابن العربي وذلك من محاسن الفتوى أن يجاء في الجواب بأكثر مما يسئل عنه تتميما
للفائدة وإفادة لعلم آخر غير مسؤول عنه ويتأكد ذلك عند ظهور الحاجة إلى الحكم كما هنا لأن
من توقف في طهورية ماء البحر فهو عن العلم بحل ميتته مع تقدم تحريم الميتة أشد توقفا قال
الشيخ محمد بن إسماعيل الأمير في السبل المراد بالميتة ما مات فيه من دوابه مما لا يعيش إلا فيه لا
ما مات فيه مطلقا فإنه وأن صدق عليه لغة أنه ميتة بحر فمعلوم أنه لا يراد إلا ما ذكرنا قال
وظاهره حل كل ما مات فيه ولو كان كالكلب والخنزير انتهى
قلت اختلف أهل العلم في حل غير السمك من دواب البحر
فقال الحنفية يحرم أكل ما سوى السمك
وقال أحمد يؤكل كل ما في البحر إلا الضفدع والتمساح
وقال ابن أبي ليلى ومالك يباح كل ما في البحر
وذهب جماعة إلى أن ماله نظير من البر يؤكل نظيره من حيوان البحر مثل بقر الماء ونحوه ولا
يؤكل نظيره في البر مثل كلب الماء وخنزير الماء فلا يحل أكله
وعن الشافعية أقوال قال الحافظ في الفتح لا خلاف بين العلماء في حل السمك على
اختلاف أنواعه وإنما اختلف فيما كان على صورة حيوان البر كالآدمي والكلب والخنزير والثعبان
فعند الحنفية وهو قول الشافعية يحرم ما عدا السمك وعن الشافعية الحل مطلقا على الأصح
المنصوص وهو مذهب المالكية إلا الخنزير في رواية
وحجتهم قوله تعالى أحل لكم صيد البحر وحديث هو الطهور ماؤه الحل ميتته
أخرجه مالك وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهم
وعن الشافعية ما يؤكل نظيره في البر حلال وما لا فلا واستثنوا على الأصح ما يعيش في البحر
والبر وهو نوعان
النوع الأول ما ورد في منع أكله شئ يخصه كالضفدع وكذا استثناه أحمد للنهي عن
قتله ومن المستثنى أيضا التمساح لكونه يعدو بنابه ومثله القرش في البحر الملح خلافا لما أفتى
به المحب الطبري والثعبان والعقرب والسرطان والسلحفاة للاستخباث والضرر اللاحق من
السم
النوع الثاني ما لم يرد فيه مانع فيحل أكله بشرط التذكية كالبط وطير الماء انتهى كلام
189

الحافظ باختصار وقال العيني في عمدة القاري ص 03 ج 1 وعندنا يكره أكل ما سوى السمك من دواب
البحر كالسلحفاة والضفدع وخنزير الماء
واحتجوا بقوله تعالى يحرم عليهم الخبائث وما سوى السمك خبيث انتهى كلام
العيني
وأجاب الحنفية عن قوله الحل ميتته بأن المراد من الميتة السمك لا غيره بدليل حديث ابن
عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلت لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالجراد والحوت
وأما الدمان فالطحال والكبد أخرجه أحمد وابن ماجة
وقالوا في تفسير قوله تعالى أحل لكم صيد البحر وطعامه إن المراد من صيد البحر
مصيدات البحر مما يؤكل ومما لا يؤكل والمراد من طعامه ما يطعم من صيده والمعنى أحل
لكم الانتفاع بجميع ما يصاد في البحر وأحل لكم أكل المأكول منه وهو السمك وحده
وقال من ذهب إلى حل جميع ما في البحر من دوابه مطلقا أو مستثنيا بعضها في تفسير قوله
تعالى هذا إن المراد بصيد البحر ما صيد من البحر والمراد من طعامه ما قذفه البحر ورماه إلى
الساحل والمعنى أحل لكم أكل جميع ما صدتم من البحر وما قذفه البحر قال الخازن في تفسيره
المراد بالصيد ما صيد من البحر فأما طعامه فاختلفوا فيه فقيل ما قذفه البحر ورمى به إلى الساحل
ويروي ذلك عن أبي بكر وعمرو ابن عمر وأيوب وقتادة
وقيل صيد البحر طريه وطعامه مالحه ويروى ذلك عن سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب
والسدي ويروى عن ابن عباس ومجاهد كالقولين انتهى
وقال الامام البخاري في صحيحه قال عمر صيده ما اصطيد وطعامه ما رمي به
قال الحافظ في الفتح وصله المصنف في التاريخ وعبد بن حميد عن أبي هريرة قال لما قدمت
البحرين سألني أهلها عما قذف البحر فأمرتهم أن يأكلوه فلما قدمت على عمر فذكر قصة قال
فقال عمر قال الله عز وجل في كتابه أحل لكم صيد البحر وطعامه فصيده ما صيد وطعامه ما
قذف فإذا عرفت هذا كله فاعلم أن السمك بجميع أنواعه حلال بلا شك وأما غير السمك
من سائر دواب البحر فما كان منه ضارا يضر أكله أو مستخبثا أو ورد نص في منع أكله فهو حرام
وأما ما لم يثبت بنص صريح أكله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن الصحابة رضي الله عنهم مع
190

وجوده في ذلك العهد فاقتداء بهم في عدم الأكل هو المتعين هذا ما عندي والله تعالى أعلم
تنبيه قال صاحب العرف الشذي ما لفظ قال مولانا محمود حسن إن الحل أي في قوله
الحل ميتته بمعنى الطاهر وثبت الحل بمعنى الطهارة كما في قصة صفية بنت حي حلت بالصهباء
أي طهرت من الحيض انتهى
قلت القول بأن المراد من الحل في قوله صلى الله عليه وسلم الحل ميتته بمعنى الطاهر غير محمود بل هو باطل
جدا أما أولا فلأنه لم يقل به أحد ممن قبله من أهل العلم الذين عليهم الاعتماد وأما ثانيا فلأنه
يلزم على هذا أن يكون لفظ الحل حشوا لا طائل تحته فإنه يكفي أن يقول هو الطهور ماؤه وميتته
وأما ثالثا فلأن ابن عمر أحد رواة هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قد فهم هو من لفظ الحل
الحلال دون الطهارة
ففي التلخيص وروى الدارقطني من طريق عمرو بن دينار عن عمرو بن دينار عن عبد
الرحمن بن أبي هريرة أنه سأل ابن عمر آكل ما طفى على الماء قال إن طافيه ميتته وقال النبي صلى الله عليه وسلم
إن ماءه طهور وميتته حل فانظر أن ابن عمر أراد من لفظ الحلال ضد الحرام دون معنى الطاهر
وقد تقرر أن راوي الحديث أدرى بمعناه
وقال أيضا والمراد بالميتة غير المذبوح فلا يدل على حل الطافي قال وأثر أبي بكر الصديق
في الطافي مضطرب اللفظ انتهى
قلت القول بأن المراد بالميتة غير المذبوح لئلا يدل على حل الطافي مما لا يصغي إليه فإن
الطافي حلال عند الجمهور وهو الحق والصواب يدل على حله ما أخرجه البخاري في صحيحه
عن عمرو أنه سمع جابرا يقول غزونا جيش الخبط وأمر علينا أبو عبيدة فجعنا جوعا شديدا فألقى
البحر حوتا ميتا لم ير مثله يقال له العنبر فأكلنا منه نصف شهر الحديث ورواه مسلم أيضا وفي
رواية عندهما فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كلوا رزقا أخرجه الله أطعمونا إن
كان معكم فأتاه بعضهم بعضو فأكله قال الحافظ يستفاد منه إباحة ميتة البحر سواء مات بنفسه أو
مات باصطياد وهو قول الجمهور انتهى وقد تقدم قول عمر صيده ما اصطيد وطعامه ما رمى
وقال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه الطافي حلال ذكره البخاري معلقا قال الحافظ وصله
أبو بكر بن أبي شيبة والطحاوي والدارقطني من رواية عبد الملك ابن أبي بشير عن عكرمة عن ابن
191

عباس قال أشهد على أبي بكر أنه قال السمكة الطافية حلال زاد الطحاوي لمن أراد أكله
وللدارقطني من وجه آخر عن ابن عباس من أبي بكر إن الله ذبح لكم ما في البحر فكلوه كله فإنه
ذكي
وأما حديث جابر ما ألقاه البحر أو جزر عنه فكلوه وما مات فيه فطفا فلا تأكلوه أخرجه أبو
داود فالصحيح أنه موقوف كما حققه الحافظ في الفتح وقال وإذا لم يصح إلا موقوفا فقد عارضه
قول أبي بكر وغيره والقياس يقتضي حله لأنه سمك لو مات في البر لأكل بغير تذكية ولو نضب عنه
الماء أو قتلته سمكة أخرى فمات لأكل فكذلك إذا مات وهو في البحر انتهى
وأما قوله وأثر أبي بكر الصديق مضطرب اللفظ فعجيب جدا فإنه لم يرو عنه أثر خلاف
قوله الطافي حلال البتة وأما أثره بلفظ إن الله ذبح لكم ما في البحر إلخ فهو ليس ينافي أثره
الأول
قوله (وفي الباب عن جابر) هو ابن عبد الله (والفراسي) بكسر الفاء وتخفيف الراء
وبالمهملة صحابي
أما حديث جابر فأخرجه أحمد وابن ماجة وابن حبان والدارقطني والحاكم من طريق
عبيد الله بن مقسم عنه قال أبو علي بن السكن حديث جابر أصح ما روى في هذا الباب
ورواه الطبراني في الكبير والدارقطني والحاكم من حديث المعافي بن عمران عن ابن جريج عن أبي
الزبير عن جابر وإسناده حسن ليس فيه إلا ما يخشى من التدليس
أما حديث الفراسي فأخرجه البيهقي
وفي الباب أيضا عن ابن عباس وعبد الله بن عمرو وعلي بن أبي طالب وغيرهم رضي الله
عنهم ذكر أحاديثهم الحافظ في التلخيص مع الكلام عليها
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وقد صحح هذا الحديث غير الترمذي ابن المنذر وابن
خزيمة وابن حبان والحاكم وابن منده وأبو محمد البغوي كذا في قوت المغتذي والحديث أخرجه
أيضا مالك والشافعي عنه والأربعة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي وصححه البخاري
فيما حكى عنه الترمذي كذا في التلخيص
192

قوله (وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلخ) وهذا هو الحق يدل عليه
أحاديث الباب (وقد كره بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء بماء البحر منهم ابن
عمر وعبد الله بن عمرو) لم يقم على الكراهة دليل صحيح قال الزرقاني التطهير بماء البحر حلال صحيح كما عليه
جمهور السلف والخلف وما نقل عن بعضهم من عدم الإجزاء به مزيف أو مؤل بأنه أراد بعدم
الإجزاء على وجه الكمال عنده (وقال عبد الله بن عمرو وهو نار) قال القاضي أبو بكر بن العربي
أراد به طبق النار لأنه ليس بنار في نفسه انتهى
وقيل إنه أراد أنه ضار يورث المرض
قلت ما قال ابن العربي هو الراجح وهو الظاهر قال الشوكاني في النيل فإن قيل كيف
شكوا في جواز الوضوء بماء البحر قلنا يحتمل أنهم لما سمعوا قوله صلى الله عليه وسلم لا تركب البحر إلا حاجا أو
معتمرا أو غازيا في سبيل الله فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحر أخرجه أبو داود وسعيد بن
منصور في سننه عن ابن عمر مرفوعا ظنوا أنه لا يجزئ التطهر به وقد روي موقوفا على ابن عمر
بلفظ ماء البحر لا يجزئ من وضوء ولا جنابة إن تحت البحر نارا ثم ماء ثم نارا حتى عد سبعة
أبحر وسبع أنيار وروى أيضا عن ابن عمرو بن العاص أنه لا يجزئ التطهر به ولا حجة في
أقوال الصحابة لا سيما إذا عارضت المرفوع والإجماع وحديث ابن عمر المرفوع قال أبو داود
رواته مجهولون وقال الخطابي ضعفوا إسناده وقال البخاري ليس هذا الحديث بصحيح وله طريق
أخرى عند البزار وفيها ليث بن أبي سليم وهو ضعيف
قال في البدر المنير في الحديث جواز الطهارة بماء البحر وبه قال جميع العلماء إلا ابن عبد البر
وابن عمر وسعيد بن المسيب وروى مثل ذلك عن أبي هريرة وروايته ترده وكذا رواية عبد الله بن
عمر وتعريف الطهور بلام الجنسية المفيدة للحصر لا ينفي طهورية غيره من المياه لوقوع ذلك جوابا
لسؤال من شك في طهورية ماء البحر من غير قصد للحصر وعلى تسليم أنه لا تخصيص بالسبب
ولا يقصر الخطاب العام عليه فمفهوم الحصر المفيد لنفي الطهورية عن غير مائه عموم مخصص
بالمنطوقات الصحيحة الصريحة القاضية باتصاف غيره بها انتهى وقال ابن قدامة في المغني وقولهم
193

هو نار إن أريد به أنه نار في الحال فهو خلاف الحس وإن أريد به أنه يصير نارا لم يمنع ذلك الوضوء
به حال كونه ماء انتهى
باب التشديد في البول
70 - قوله (عن طاووس) بن كيسان اليماني أبي عبد الرحمن الحميري مولاهم الفارسي
يقال اسمه ذكوان وطاووس لقب ثقة فقيه فاضل من الثالثة روى عن أبي هريرة وعائشة وابن
عباس وزيد بن ثابت وغيرهم قال طاووس أدركت خمسين من الصحابة وعنه مجاهد والزهري
وخلق قال ابن عباس إني لأظن طاووسا من أهل الجنة وقال عمرو بن دينار ما رأيت مثله وقال
ابن حبان حج أربعين حجة مات سنة ست ومائة
قوله (مر على قبرين) وفي رواية ابن ماجة مر بقبرين جديدين (فقال إنهما يعذبان) أي إن
صاحبي القبرين يعذبان
قال الحافظ في الفتح يحتمل أن يقال أعاد الضمير على غير مذكور لأن سياق الكلام يدل
عليه وأن يقال أعاده على القبرين مجازا والمراد من فيهما قال وقد اختلف في المقبورين فقيل كانا
كافرين وبه جزم أبو موسى المديني واحتج بما رواه من حديث جابر بسند فيه ابن لهيعة أن النبي
صلى الله عليه وسلم مر على قبرين من بني النجار هلكا في الجاهلية فسمعهما يعذبان في البول والنميمة
قال أبو موسى هذا وإن كان ليس بقوي لكن معناه صحيح لأنهما لو كان مسلمين لما كان
لشفاعته إلى أن تيبس الجريدتان معنى ولكنه لما رآهما يعذبان لم يستجز للطفه وعطفه حرمانهما من
إحسانه فشفع لهما إلى المدة المذكورة
قال الحافظ الحديث الذي احتج به أبو موسى ضعيف كما اعترف به وقد رواه أحمد بإسناد
صحيح على شرط مسلم وليس فيه سبب التعذيب فهو من تخليط ابن لهيعة وهو مطابق لحديث
جابر الطويل الذي قدمنا أن مسلما أخرجه واحتمال
كونهما كافرين فيه ظاهر
وأما حديث الباب فالظاهر من مجموع طرقه أنهما كانا مسلمين ففي رواية ابن ماجة مر
بقبرين جديدين فانتفى كونهما في الجاهلية
194

وفي حديث أبي أمامة عند أحمد أنه صلى الله عليه وسلم مر بالبقيع فقال من دفنتم اليوم ههنا
فهذا يدل على أنهما كانا مسلمين لأن البقيع مقبرة المسلمين والخطاب للمسلمين مع جريان
العادة بأن كل فريق يتولاه من هو منهم ويقوي كونهما كانا مسلمين رواية أبي بكرة عند أحمد
والطبراني بإسناد صحيح يعذبان وما يعذبان في كبير وبلى وما يعذبان إلا في الغيبة والبول فهذا
الحصر ينفي كونهما كانا كافرين لأن الكافر وإن عذب على ترك أحكام الاسلام فإنه يعذب مع
ذلك على الكفر بلا خلاف انتهى (وما يعذبان في كبير) أي في أمر كان يكبر عليهما ويشق فعله لو
أراده لا أنه في نفسه غير كبير كيف وهما يعذبان فيه فإن عدم التنزه يبطل الصلاة والنميمة سعى
بالفساد كذا في النهاية والمجمع وقال ابن دقيق العيد أي إنه سهل يسير على من يريد التوقي عنه
ولا يريد بذلك أنه صغير من الذنوب غير كبير منها لأنه قد ورد في الصحيح من الحديث وإنه
لكبير فيحمل قوله إنه لكبير على كبر الذنب وقوله وما يعذبان في كبير على سهولة الدفع والاحتراز
وأما هذا فكان لا يستتر من بوله أي لا يجعل بينه وبين بوله سترة يعني لا يتحفظ منه ولمسلم
وأبي داود في حديث الأعمش لا يستتر وقد وقع لأبي نعيم في المستخرج من طريق وكيع عن
الأعمش كان لا يتوقى وهي مفسرة للمراد كذا في الفتح وفيه التحذير من ملابسه البول ويلحق
به غيره من النجاسات وأما هذا فكان يمشي بالنميمة هي نقل كلام الغير بقصد الاضرار وهي
من أقبح القبائح قاله النووي وقال الجزري في النهاية هي نقل الحديث من قوم إلى قوم على جهة
الافساد والشر وقد تم الحديث ينمه وينمه نما فهو نمام والاسم النميمة
قوله (وفي الباب عن زيد بن ثابت وأبي بكرة وأبي هريرة وأبي موسى وعبد الرحمن ابن
حسنة) أما حديث زيد بن ثابت فلم أقف على من أخرجه وأما حديث أبي بكرة فأخرجه أحمد
والطبراني في الأوسط بمعنى حديث الباب وأخرجه ابن ماجة مختصرا وأما حديث أبي هريرة
فأخرجه ابن ماجة مرفوعا بلفظ أكثر عذاب القبر من البول وأخرجه أحمد والحاكم وقال صحيح
على شرط الشيخين ولا أعلم له علة قال المنذري وهو كما قال وأما حديث أبي موسى فأخرجه
الطبراني في الكبير بلفظ قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول قاعدا قد جافى بين فخديه حتى جعلت آوي
له من طول الجلوس الحديث قال الهيثمي فيه علي بن عاصم وكان كثير الخطأ والغلط وينبه على
غلطه فلا يرجع ويحتقر الحفاظ انتهى وأما حديث عبد الرحمن بن حسنة فأخرجه ابن ماجة وابن
حبان في صحيحه وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها المنذري في الترغيب والهيثمي في مجمع
195

الزوائد
قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة
قوله (وروى منصور هذا الحديث عن مجاهد عن ابن عباس) منصور هذا هو ابن المعتمر
(ورواية الأعمش أصح) أي رواية الأعمش بذكر طاووس بين مجاهد وابن عباس وأصح من رواية
منصور ثم بين الترمذي وجه كونها أصح بقوله سمعت أبا بكر إلخ وروى البخاري هذا
الحديث في صحيحه على الوجهين قال الحافظ في الفتح وإخراجه له على الوجهين يقتضي صحتهما
عنده فيحمل على أن مجاهد أسمعه من طاووس عن ابن عباس ثم سمعه من ابن عباس بلا واسطة
أو العكس ويؤيده أن في سياقه عن طاووس زيادة على ما في روايته عن ابن عباس وصرح ابن حبان
بصحة الطريقين معا وقال الترمذي رواية الأعمش أصح انتهى
قلت وقال البخاري أيضا إن رواية الأعمش أصح قال الترمذي في العلل سألت محمدا
أيهما أصح فقال رواية الأعمش أصح انتهى ويؤيد من قال بصحة الطريقين أن شعبة ابن الحجاج
رواه عن الأعمش كما رواه منصور ولم يذكر طاووسا قاله العيني (وسمعت أبا بكر محمد بن أبان)
بفتح همزة وخفة موحدة وبنون بالصرف وتركه والصرف هو المختار كذا في المغني ومحمد بن أبان
هذا لقبه حمدويه وكان مستملي وكيع ثقة حافظ روى عن ابن عيينة وغندر وطبقتهما وعنه البخاري
وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم قال ابن حبان كان ممن جمع وصنف مات ببلخ
سنة 144 أربع وأربعين ومائة
196

باب ما جاء في نضح بول الغلام قبل أن يطعم
71 - قوله (عن أم قيس بنت محصن) بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد
المهملتين آخره نون هي أخت عكاشة صحابية مشهورة من المهاجرات الأول طال عمرها
بدعوة من النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعلم أن امرأة عمرت ما عمرت
قوله (لم يأكل الطعام) صفة لابن (فبال عليه) وفي رواية البخاري فبال على ثوب رسول
الله صلى الله عليه وسلم (فرشه عليه) وفي رواية البخاري فنضحه ولم يغسله وفي رواية لمسلم فلم يزد على أن
نضح بالماء قال الحافظ ولا تخالف بين الروايتين أي بين نضح ورش لأن المراد به أن الابتداء كان
بالرش وهو تنقيط الماء وانتهى إلى النضح وهو صب الماء ويؤيده رواية مسلم في حديث عائشة
من طريق جرير عن هشام فدعا بماء فصبه عليه ولأبي عوانة فصبه على البول يتبعه إياه انتهى
قوله (وفي الباب عن علي وعن عائشة وزينب ولبابة بنت الحارث وهي أم الفضل بن
عباس بن عبد المطلب وأبي السمح وعبد الله بن عمرو وأبي ليلى وابن عباس) أما حديث علي
فأخرجه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي قال الحافظ في الفتح
وإسناده صحيح ولفظه ينضح
بول الغلام ويغسل بول الجارية وبعضهم رواه موقوفا وليس ذلك بعلة قادحة قاله الحافظ
وأما حديث عائشة فأخرجه الشيخان وغيرهما ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالصبيان
فيدعو لهم فأتى بصبي فبال على ثوبه فدعا بماء فأتبعه إياه زاد مسلم ولم يغسله
وأما حديث زينب وهي بنت جحش فأخرجه الطبراني مطولا وفيه أنه يصب من الغلام
ويغسل من الجارية وفي إسناده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف قاله العيني وقال الحافظ أخرجه
عبد الرزاق
197

وأما حديث لبابة فأخرجه أبو داود وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحه والكجي في سننه
ولفظه قالت كان الحسين بن علي في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبال عليه فقلت البس ثوبا وأعطني
إزارك حتى أغسله قال إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر وأخرجه البيهقي أيضا في
سننه من وجوه كثيرة والطحاوي أيضا من وجهين
وأما حديث أبي السمح فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة قال كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم
الحديث وفيه يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام وأبو السمح لا يعرف له اسم ولا
يعرف له غير هذا الحديث كذا قاله أبو زرعة وقيل اسمه إياد
أما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الطبراني في الأوسط أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بصبي فبال
عليه فنضحه وأتي بجارية فبالت عليه فغسله
وأما حديث أبي ليلى فأخرجه الطحاوي في شرح الآثار
وأما حديث ابن عباس فأخرجه الدارقطني عنه قال أصاب ثوب النبي صلى الله عليه وسلم وجلده بول
صغير وهو صغير فصب عليه من الماء بقدر ما كان من البول قال الحافظ إسناده ضعيف
قوله (وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم إلخ) قال الحافظ
في الفتح واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب أصحها الاكتفاء بالنضح في بول الصبي لا
الجارية وهو قول على عطاء والحسن والزهري وإسحاق وابن وهب وغيرهم
والثاني يكفي النضح فيهما وهو مذهب الأوزاعي وحكى عن مالك والشافعي وخصص
ابن العربي النقل في هذا بما إذا كانا لم يدخل أجوافهما شئ أصلا
والثالث هما سواء في وجوب الغسل وبه قال الحنفية والمالكية قال ابن دقيق العيد اتبعوا في
ذلك القياس وقالوا المراد
بقولها ولم يغسله أي غسلا مبالغا فيه وهو خلاف الظاهر ويبعده ما ورد
في الأحاديث الأخرى من التفرقة بين بول الصبي والصبية فإنهم لا يفرقون بينهما قال وقد ذكر في
التفرقة بينها أوجه منها ما هو ركيك وأقوى ذلك ما قيل إن النفوس أعلق بالذكور منها بالإناث
يعني فحصلت الرخصة في الذكور لكثرة المشقة انتهى
قلت احتج الأولون القائلون بالاكتفاء بالنضح في بول الصبي لا الجارية بأحاديث الباب
198

وهي نصوص صريحة فيما ذهبوا إليه وأما المذهب الثاني فلم أقف على دليله وأحاديث الباب
ترده
وأما المذهب الثالث وهو مذهب الحنفية والمالكية فاستدلوا عليه بأنه لا فرق بين بول الصبي
وبول الصبية في النجاسة فهما نجسان فهما سواء في وجوب الغسل وأجابوا عن أحاديث الباب
بأن المراد بالرش والنضح فيهما الغسل فإنه قد يذكر النضح ويراد به الغسل وكذلك قد يذكر الرش
ويراد به الغسل أما الأول فكما في حديث علي عند أبي داود وغيره إذا وجد أحدكم ذلك أي المذي
فلينضح فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة رواه أبو داود وغيره فإن المراد بقوله فلينضح الغسل
والدليل عليه أن هذا الحديث رواه مسلم وغيره ووقع فيه بغسل ذكره ويتوضأ ومما يدل على
أنه قد ذكر النضح ويراد به الغسل ما رواه الترمذي عن سهل بن حنيف قال كنت ألقى من المذي
شدة وكنت أكثر منه الغسل الحديث وفيه قلت يا رسول الله فكيف بما يصيب ثوبي منه فقال
يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به من ثوبك حيث يرى أنه أصابه فإن المراد يالنضح ههنا
الغسل وأما الثاني وهو أن الرش قد يذكر ويراد به الغسل ففي حديث أسماء رضي الله عنها عند
الترمذي حتيه ثم اقرصيه ثم رشيه وصلي فيه أراد اغسليه فلما ثبت أن النضح والرش يذكران
ويراد بهما الغسل وجب حمل ما جاء في الباب من النضح والرش على الغسل هكذا أجاب
العلامة العيني وغيره من العلماء الحنفية
وفيه أنه لا شك في أنه قد يذكر النضح ويراد به الغسل وكذلك الرش لكن هذا إذا لم
يكن مانع يمنع منه بل يكون هناك دليل يدل على أن يراد بالنضح أو الرش الغسل كما في حديث
علي وحديث أسماء المذكورين وأما فيما نحن فيه فليس ههنا دليل يدل على أن يراد بالرش أو النضح
الغسل بل ههنا دليل يدل على عدم إرادة الغسل ففي حديث أم قيس بنت محصن عند البخاري
فنضحه ولم يغسله وفي حديث عائشة عند مسلم فدعا بماء فأتبعه إياه ولم يغسله فقوله ولم يغسله
دليل صريح على أنه ليس المراد بالنضح أو الرش في أحاديث الباب الغسل وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث
لبابة بنت الحارث إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر في جواب لبابة حين قالت البس
ثوبا وأعطني إزارك حتى أغسله أيضا دليل واضح على أنه لم يرد بالنضح أو الرش في أحاديث
الباب الغسل وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث علي ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية دليل على أنه
ليس المراد بالنصح الغسل وإلا لكان المعنى يغسل بول الغلام ويغسل بول الجارية وهو كما ترى
فجوابهم بأن ما جاء في هذا الباب من النضح والرش محمول على الغسل غير صحيح
فإن قيل قال العيني وغيره من العلماء الحنفية المراد بالنضح والرش في أحاديث الباب الغسل
199

من غير عرك وبالغسل الغسل بعرك أو المراد بهما الغسل من غير مبالغة فيه وبالغسل الغسل بالمبالغة
فيه
قلنا قولهم هذا لا دليل عليه بل ظاهر أحاديث الباب يبطله
فإن قيل المراد بالرش والنضح في أحاديث الباب الصب واتباع الماء توفيقا بين الأحاديث
فقد وقع في حديث عائشة عند مسلم من طريق جرير عن هشام فدعا بماء فصبه عليه ولأبي عوانة
فصبه على البول يتبعه إياه ورواه الطحاوي في شرح الآثار بلفظ إن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بصبي فبال عليه
فأتبعه الماء ولم يغسله وفي حديث أم الفضل عند الطحاوي إنما يصب على بول الغلام ويغسل بول
الجارية ووقع في حديث أبي ليلى عند الطحاوي فصب عليه الماء واتباع الماء والصب نوع من
الغسل وحكمه حكم الغسل ألا ترى أن رجلا لو أصاب ثوبه عذرة فأتبعها الماء حتى ذهب بها أن
ثوبه قد طهر انتهى فثبت أن بول الغلام وبول الجارية هما سواء في وجوب الغسل وهو مذهب
الحنفية والمالكية
قلنا سلمنا أن المراد بالنضح والرش في أحاديث الباب إنباع الماء والصب لكن لا نسلم أن
مطلق الصب واتباع الماء نوع من الغسل وحكمه حكم الغسل ألا ترى أن رجلا لو أصاب ثوبه
عذرة فأتبعها الماء وصب عليه لكن لم يذهب بها لا يطهر ثوبه وقد وجد اتباع الماء والصب
والعجب من الطحاوي أنه كيف قال اتباع الماء حكمه حكم الغسل وقد روى هو حديث
عائشة بلفظ فأتبعه الماء ولم يغسله وأيضا رواه بلفظ فنضحه ولم يغسله وأيضا روى هو حديث أم
قيس بلفظ فدعا فنضحه ولم يغسله
وأعلم أنه لم يرد في حديث من أحاديث الباب النضح أو الرش أو الصب أو اتباع الماء مقيدا
بالذهاب بالبول أو بأثر البول أعني لم يرد في حديث فصب عليه الماء حتى ذهب به أو حتى ذهب
بأثره أو فنضحه أو رشه حتى ذهب به أو بأثره بل وقعت هذه الألفاظ مطلقة وأيضا لم يرد في حديث
صحيح من أحاديث الباب بيان مقدار الماء إلا في حديث ابن عباس ففيه فصب عليه من الماء بقدر
ما كان من البول وهو حديث ضعيف كما عرفت ثم الظاهر من صب الماء على البول بقدره أنه لا
يذهب به بالكلية فتأمل هذا ما عندي والله تعالى أعلم
فإن قيل بول الغلام نجس فنجاسته هي موجبة لحمل النضح والرش وصب الماء واتباع
الماء على الغسل فإن الثوب أو البدن إذا أصابته نجاسة أية نجاسة كانت لا يطهر إلا بالغسل
قلنا نجاسة بول الغلام لا توجب حمل النضح والرش وغيرهما على الغسل وقولكم إن
200

الثوب أو البدن إذا أصابته نجاسة أية نجاسة كانت لا يطهر إلا بالغسل ممنوع ألا ترون أن الثوب إذا أصابه
المني ويبس كفى لطهارته الفرك ولا يجب الغسل مع أن المني اليابس نجس كما أن المني الرطب
نجس فنقول بول الغلام إذا أصاب البدن أو الثوب كفى لطهارته النضح والرش ولا يجب
الغسل وأما بول الجارية إذا أصاب الثوب فلا يطهر إلا بالغسل مع أن بول الغلام نجس كما أن
بول الجارية نجس فتفكر
فإن قيل إن بين المني الرطب واليابس فرقا بالرطوبة واليبوسة ولا فرق بين بول الجارية
وبول الغلام بوجه
قلنا لا نسلم أن لا فرق بين بول الغلام وبول الجارية بوجه قال الحافظ ابن القيم في
إعلام الموقعين وأما غسل الثوب من بول الصبية ونضحه من بول الصبي إذا لم يطعما فهذا للفقهاء
فيه ثلاثة أقوال أحدها أنهما يغسلان جميعا والثاني ينضحان والثالث التفرقة وهو الذي جاءت
به السنة وهذا من محاسن الشريعة وتمام حكمتها ومصلحتها والفرق بين الصبي والصبية من
ثلاثة أوجه أحدها كثرة حمل الرجال والنساء للذكر فتعم البلوى ببوله فيشق عليه غسله
والثاني أن بوله لا ينزل في مكان واحد بل ينزل متفرقا ههنا وههنا فيشق غسل ما أصابه
كله بخلاف بول الأنثى
الثالث أن بول الأنثى أخبث وأنتن من بول الذكر وسببه حرارة الذكر ورطوبة الأنثى
فالحرارة تخفف من نتن البول وتذيب منها ما يحصل من رطوبة وهذه معان مؤثرة يحسن اعتبارها في
الفرق انتهى كلامه
فحاصل الكلام أن أصح المذاهب وأقواها في هذا الباب مذهب من قال بالاكتفاء بالنضح
في بول الغلام وبوجوب الغسل في بول الجارية والله تعالى أعلم قال الحافظ ابن القيم في إعلام
الموقعين بعد ذكر أحاديث
الباب ما لفظه فردت هذه السنن بقياس متشابه على بول الشيخ وبعموم
لم يرد به هذا الخاص وهو قوله إنما يغسل الثوب من أربع من البول والغائط والمني والدم وهذا
الحديث لا يثبت فإنه من رواية علي بن زيد بن جدعان عن ثابت بن حماد قال أبو علي لا أعلم
رواه عن علي بن زيد غير ثابت بن حماد وأحاديثه مناكير ومعلولات ولو صح وجب العمل
بالحديثين ولا يضرب أحدهما بالآخر ويكون البول فيه مخصوصا ببول الصبي كما خص منه بول ما
يؤكل لحمه بأحاديث دون هذه في الصحة والشهرة انتهى
201

قوله (وهذا ما لم يطعما فإذا طعما غسلا جميعا) لحديث علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال بول الغلام الرضيع ينضح وبول الجارية يغسل قال قتادة وهذا ما لم يطعما فإذا طعما غسلا
جميعا رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن كذا في المنتقى قال الشوكاني في النيل قوله بول
الغلام الرضيع هذا تقييد للفظ الغلام بكونه رضيعا وهكذا يكون تقييدا للفظ الصبي والصغير
والذكر الواردة في بقية الأحاديث انتهى وروى أبو داود عن علي رضي الله عنه موقوفا قال يغسل
بول الجارية ينضح وبول الغلام ما لم يطعم وروى من طريق الحسن عن أمه قالت إنها أبصرت أم
سلمة تصب الماء على بول الغلام ما لم يطعم فإذا طعم غسلته وكانت تغسل بول الجارية قال
الحافظ في التلخيص سنده صحيح ورواه البيهقي من وجه آخر عنها موقوفا أيضا وصححه
انتهى وفي حديث أم قيس المذكور في الباب دخلت بابن لي على النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل الطعام قال
الحافظ في الفتح المراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرتضعه والتمر الذي يحنك به والعسل الذي
يلعقه للمداواة وغيرها فكان المراد أنه لم يحصل له الاغتذاء بغير اللبن على الاستقلال هذا مقتضى
كلام النووي في شرح مسلم وشرح المهذب وأطلق في الروضة تبعا لأصلها أنه لم يطعم ولم يشرب
غير اللبن وقال في نكت التنبيه المراد أنه لم يأكل غير اللبن وغير ما يحنك به وما أشبهه وحمل
الموفق الحموي في شرح التنبيه قول ما لم قولهما لم يأكل على ظاهر فقال معناه لم يستقل بجعل
الطعام في فيه والأول أظهر وبه جزم الموفق ابن قدامة وغيره وقال ابن التين يحتمل أنها أرادت
أنه لم يتقوت بالطعام ولم يستغن به عن الرضاع ويحتمل أنها إنما جاءت به عند ولادته ليحنكه صلى الله عليه وسلم
فيحمل النفي على عمومه انتهى
باب ما جاء في بول ما يؤكل لحمه
72 - قوله (حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني) أبو علي البغدادي صاحب الشافعي عن
ابن عيينة وعبيد بن حميد وغيرهما وعنه البخاري وأصحاب السنن الأربعة وثقة النسائي مات
في بعض سنة 062 ستين ومائتين (نا عفان بن مسلم) بن عبد الله الباهلي أبو عثمان الصفار
البصري ثقة ثبت قال ابن المديني كان إذا شك في حرف من الحديث تركه وربما وهم وقال ابن
معين أنكرناه في صفر سنة تسع عشرة ومات بعدها بيسير من كبار العاشرة كذا في التقريب وقال في
الخلاصة اختلط سنة 91 تسع عشرة ومات سنة 022 عشرين ومائتين قاله البخاري وأبو داود
202

ومطين انتهى (نا حماد بن سلمة) بن دينار البصري أبو سلمة ثقة عابد أثبت الناس في ثابت وتغير
حفظه من كبار الثامنة روي عن ثابت وسماك وقتادة وحميد وخلق وعنه ابن جريج وابن إسحاق
شيخاه وشعبه ومالك وأمم قال القطان إذا رأيت الرجل يقع في حماد فاتهمه على الاسلام توفي
167 سنة سبع وستين ومائة
فائدة إذا روى عفان عن حماد غير منسوب فهو ابن سلمة قاله الحافظ أبو الحجاج (أنا حميد
وقتادة وثابت) أما حميد فهو ابن أبي حميد الطويل أبو عبيدة البصري اختلف في اسم أبيه على
عشرة أقوال ثقة مدلس عابه زائدة لدخوله في شئ من أمر الأمراء قال القطان مات حميد وهو قائم
يصلي مات سنة 142 اثنتين وأربعين ومائة
وأما قتادة فهو ابن دعامة وأما ثابت فهو ابن أسلم البناني بضم الموحدة ونونين مخففين أبو
محمد البصري ثقة عابد
قوله (أن أناسا من عرينة) بالعين والراء المهملتين والنون مصغرا حي من قضاعة وحي
من بجيلة والمراد ههنا الثاني كذا ذكره موسى بن عقبة في المغازي كذا في الفتح (قدموا) بكسر الدال أي
نزلوا وجاؤا (فاجتووها) من الاجتواء أي كرهوا هواء المدينة وماءها قال ابن فارس اجتويت البلد
إذا كرهت المقام فيه وإن كنت في نعمة وقيده الخطابي بما إذا تضرر بالإقامة وهو المناسب لهذه
القصة وقال القزاز اجتووا أي لم يوافقهم طعامها وقال ابن العربي داء يأخذ من الوباء وفي رواية
أخرى استوخموا قال وهو بمعناه وقال غيره داء يصيب الجوف وفي رواية أبي عوانة عن أنس في هذه
القصة فعظمت بطونهم (واستاقوا الإبل) من السوق وهو السير العنيف أي ساقوها بمبالغة بليغة
واهتمام تام (فقطع أيديهم وأرجلهم) أي أمر
بقطعهما وفي رواية البخاري فأمر فقطع أيديهم
وأرجلهم (من خلاف) فيه رد على من قال إنه قطع يدي كل واحد ورجليه (وسمر أعينهم) وفي
نسخة صحيحة قلمية وسمل باللام قال الخطابي السمل فقأ العين بأي شئ كان قال أبو ذئيب
الهذلي
والعين بعدهم كأن حداقها سملت بشوك فهي عور تدمع
قال والسمر لغة في السمل وقد يكون من المسمار يريد أنهم كحلوا بأميال قد أحميت قال
203

الحافظ قد وقع التصريح بالمراد عند المصنف يعني البخاري من رواية وهيب عن أيوب ومن رواية
الأوزاعي عن يحيى كلاهما عن أبي قلابة ولفظه ثم أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها فهذا يوضح
ما تقدم ولا يخالف ذلك رواية السمل لأنه فقأ العين بأي شئ كان كما مضى انتهى كلام الحافظ
(وألقاهم بالحرة) هي أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة وإنما ألقاهم فيها لأنها قرب المكان
الذي فعلوا فيه ما فعلوا (يكد الأرض) أي يحكها والكد الحك (يكدم الأرض) أي يعض عليها
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (وهو قول أكثر أهل العلم قالوا لا بأس ببول ما يؤكل لحمه) وهو قول مالك وأحمد
وطائفة من السلف ووافقهم من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان والاصطخري
والروياني وذهب الشافعي والجمهور إلى القول بنجاسة الأبوال والأوراث كلها من مأكول اللحم
وغيره قاله الحافظ قلت وذهب إلى طهارة بول ما يؤكل لحمه محمد بن الحسن من أصحاب أبي
حنيفة
واحتج من قال بطهارة بول مأكول اللحم بأحاديث
منها حديث الباب أما من الإبل فبهذا الحديث وأما من مأكول اللحم فبالقياس عليه
قال ابن العربي تعلق بهذا الحديث من قال بطهارة أبوال الإبل
وعورضوا بأنه أذن لهم في شربها للتداوي
وتعقب بأن التداوي ليس حال ضرورة بدليل أنه لا يجب فكيف يباح الحرام لما لا يجب
وأجيب بمنع أنه ليس حال ضرورة إذا أخبره بذلك من يعتمد على خبره وما أبيح للضرورة
لا يسمى حراما وقت تناوله لقوله تعالى وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه
فما اضطر إليه المرء فهو غير محرم عليه كالميتة للمضطر والله أعلم
قال الحافظ بعد نقل كلام ابن العربي هذا وما تضمنه كلامه من أن الحرام لا يباح إلا لأمر
واجب غير مسلم فإن الفطر في رمضان حرام ومع ذلك فيباح لأمر جائز كالسفر
204

وأما قول غيره لو كان نجسا ما جاز التداوي به لحديث إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم
عليها والنجس حرام فلا يتداوى به لأنه غير شفاء
فجوابه أن الحديث محمول على حالة الاختيار وأما في حال الضرورة فلا يكون حراما
كالميتة للضرورة
ولا يرد قوله صلى الله عليه وسلم في الخمر إنها ليست بدواء إنها داء في جواب من سأل عن التداوي بها فإن
ذلك خاص بالخمر ويلتحق بها غيرها من المسكر والفرق بين المسكر وبين غيره من النجاسات أن
الحديث باستعماله في حالة الاختيار دون غيره ولأن شربه يجر إلى مفاسد كثيرة ولأنهم كانوا في
الجاهلية يعتقدون أن في الخمر شفاء فجاء الشرع بخلاف معتقدهم قاله الطحاوي بمعناه وأما
أبوال الإبل فقد روى ابن المنذر عن ابن عباس مرفوعا إن في أبوال الإبل شفاء لذربة بطونهم
والذرب فساد المعدة فلا يقاس ما ثبت أن فيه دواء على ما ثبت نفي الدواء عنه وبهذه الطريق يحصل الجمع
بين الأدلة والعمل بمقتضاها كلها انتهى كلام الحافظ و
منها أحاديث الاذن بالصلاة في مرابض الغنم
وأجيب عنها بأنها لا دلالة فيها على جواز المباشرة
ورد هذا الجواب بأن أحاديث الاذن بالصلاة في مرابض الغنم مطلقة ليس فيها تخصيص
موضع دون موضع ولا تقييد بحائل فهذه الأحاديث بإطلاقها تدل على جواز الصلاة فيها بحائل
وبغير حائل وفي كل موضع منها
قال الحافظ ابن تيمية فإذا أطلق الاذن في ذلك ولم يشترط حائلا يقي من الأبوال وأطلق
الاذن في الشرب لقوم حديثي العهد بالإسلام جاهلين بأحكامه ولم يأمرهم بغسل أفواههم وما
يصيبهم منها لأجل صلاة ولا لغيرها مع اعتيادهم شربها دل ذلك على مذهب القائلين بالطهارة
انتهى كذا نقل الشوكاني قوله هذا في النيل
ومنها حديث البراء مرفوعا لا بأس ببول ما أكل لحمه وحديث جابر ما أكل لحمه فلا بأس
ببوله رواهما الدارقطني وهما ضعيفان لا يصلحان للاحتجاج قال الحافظ في التلخيص إسناد
كل منهما ضعيف جدا انتهى
واحتج من قال بنجاسة الأبوال والأرواث كلها وإليه ذهب الشافعي والجمهور كما عرفت
وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف بحديث أبي هريرة مرفوعا استنزهوا من البول فإن عامة عذاب
205

القبر منه صححه ابن خزيمة وغيره قالوا هذا الحديث بعمومه ظاهر في تناول جميع الأبوال
فيجيب اجتنابها لهذا الوعيد وبحديث ابن عباس المتفق عليه قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال
إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستتر من البول الحديث قالوا فعم
جنس البول ولم يخصه ببول الانسان
وأجيب عنه بأن المراد به بول الانسان لما في صحيح البخاري بلفظ كان لا يستتر من بوله
قال البخاري ولم يذكر سوى بول الناس انتهى
فالتعريف في البول للعهد قال ابن بطال أراد البخاري أن المراد بقوله كان لا يستتر من
البول بول الناس لا بول سائر الحيوان فلا يكون فيه حجة لمن حمله على العموم في بول جميع
الحيوان انتهى
قلت وأجيب عن حديث أبي هريرة المذكور أيضا بهذا الجواب أعني أن المراد بقوله
استنزهوا من البول بول الناس لا بول سائر الحيوان وقد ذكرنا دلائل الفريقين مع بيان ما لها وما
عليها فتأمل وتدبر وعندي القول الظاهر قول من قال بطهارة بول ما يؤكل لحمه والله تعالى
أعلم
73 - قوله (حدثنا الفضل بن سهل الأعرج) البغدادي أصله من خراسان صدوق من
الحادية عشرة (نا يحيى بن غيلان) بن عبد الله بن أسماء الخزاعي أو الأسلمي البغدادي أبو الفضل
ثقة من العاشرة (إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم لأنهم سملوا أعين الرعاة) تقدم معنى السمل أي فعل
صلى الله عليه وسلم ذلك على سبيل القصاص قال العيني في عمدة القاري السؤال الثاني ما وجه تعذيبهم
بالنار الجواب أنه كان قبل نزول الحدود وآية المحاربة والنهي عن المثلة فهو منسوخ وقيل ليس
بمنسوخ وإنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم قصاصا لأنهم
فعلوا بالرعاة مثل ذلك وقد رواه مسلم في بعض طرقه
انتهى (هذا حديث غريب إلخ) وأخرجه مسلم (وهو معنى قوله والجروح قصاص) قال الله
206

تعالى وكتبنا عليهم فيها أي في التوراة أن النفس بالنفس أي أن النفس تقتل بالنفس
إذا قتلتها والعين بالعين أي والعين تفقأ بالعين والأنف بالأنف أي والأنف يجدع بالأنف
والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص أي يقتص فيها إذا أمكن كاليد والرجل والذكر
ونحو ذلك وما لا يمكن فيه الحكومة وهذا الحكم وإن كتب عليهم فهو مقرر في شرعنا كذا في
تفسير الجلالين
(وقد روي عن محمد بن سيرين أنه قال إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تنزل
الحدود) قال الحافظ في الفتح مال جماعة منهم ابن الجوزي إلى أنه وقع ذلك عليهم على
سبيل القصاص وذهب إلى أن ذلك منسوخ قال ابن شاهين عقب حديث عمران بن حصين في
النهي عن المثلة هذا الحديث ينسخ كل مثلة وتعقبه ابن الجوزي بأن ادعاء النسخ يحتاج إلى
تاريخ
قال الحافظ يدل عليه ما رواه البخاري في الجهاد من حديث أبي هريرة في النهي عن
التعذيب بالنار بعد الاذن فيه وقصة العرنيين قبل إسلام أبي هريرة وقد حضر الاذن ثم النهي
وروى قتادة عن ابن سيرين أن قصتهم كانت قبل أن تنزل الحدود ولموسى بن عقبة في المغازي
وذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى بعد ذلك عن المثلة بالآية التي في سورة المائدة وإلى هذا مال البخاري
وحكاه أمام الحرمين في النهاية عن الشافعي انتهى كلام الحافظ بالاختصار
باب ما جاء في الوضوء من الريح
74 - قوله (لا وضوء إلا من صوت أو ريح) أي لا وضوء واجب إلا من سماع صوت أو
وجدن رائحة ريح خرجت منه قال الطيبي نفي جنس أسباب التوضؤ واستثنى منه الصوت
والريح والنواقض كثيرة
ولعل ذلك في صورة مخصوصة يعني بحسب السائل فالمراد نفي جنس الشك وإثبات اليقين
أي لا يتوضأ عن شك مع سبق ظن الطهارة إلا بيقين الصوت أو الرائحة
قوله (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وابن ماجة
207

75 - قوله (إذا كان أحدكم في المسجد) قيل يوهم أن حكم غير المسجد بخلاف المسجد
لكن أشير به إلى أن الأصل أن يصلي في المسجد لأنه مكانها فعلى المؤمن ملازمة الجماعات في المسجد (فوجد
ريحا بين أليتيه) تثنية الألية قال في القاموس الألية العجزة أو ما ركب العجز من لحم أو شحم
وفي رواية مسلم إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شئ أم لا (فلا يخرج
من المسجد) للتوضؤ (حتى يسمع صوتا) أي صوت ريح خرج منه (أو يجد ريحا) أي يجد رائحة
ريح خرجت منه قال في شرح السنة معناه حتى يتيقن الحدث لا لأن سماع الصوت أو
وجدان الريح شرط إذ قد يكون أصم فلا يسمع الصوت وقد يكن أخشم فلا يجد الريح
وينتقض طهره إذا تيقن الحدث قال الإمام في الحديث دليل على أن الريح الخارجة من أحد
السبيلين توجب الوضوء وقال أصحاب أبي حنيفة خروج الريح من القبل لا يوجب الوضوء وفيه
دليل على أن اليقين لا يزول بالشك في شئ من أمر الشرع وهو قول عامة أهل العلم انتهى
وقال النووي هذا الحديث أصل من أصول الحديث وقاعدة عظيمة من قواعد الدين وهي
أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك ولا يضر الشك الطارئ عليها فمن
ذلك مسألة الباب التي ورد فيها الحديث وهي أن من تيقن الطهارة وشك في الحدث حكم ببقائه
على الطهارة ولا فرق بين حصول هذا الشك في نفس الصلاة وحصوله خارج الصلاة هذا مذهبنا
ومذهب جماهير العلماء من السلف والخلف قال أصحابنا ولا فرق في شكه بين أن يستوي
الاحتمالان في وقوع الحدث وعدمه أو يترجح أحدهما ويغلب في ظنه فلا وضوء عليه في كل حال
أما إذا تيقن الحدث وشك في الطهارة فإنه يلزمه الوضوء
بإجماع المسلمين انتهى
والحديث لم يحكم عليه الترمذي بشئ من الصحة والضعف وهو حديث صحيح وأخرجه
مسلم
76 - قوله (إن الله لا يقبل صلاة أحدكم) قال القاري في المرقاة أي قبول إجابة وإثابة
208

بخلاف المبسل والآبق فإن صلاتهما لا تقبل أيضا لكنها لا تقبل بترك الإثابة وتقبل إجابة فلا يرد
ما قيل من أنه لا يلزم من عدم القبول عدم الجواز والصحة مع أن الطهارة شرط الصحة انتهى
وقال الحافظ في فتح الباري والمراد بالقبول ههنا ما يرادف الصحة وهو الإجزاء وحقيقة القبول
ثمرة وقوع الطاعة مجزئة رافعة لما في الذمة ولما كان الاتيان بشروطها مظنة الإجزاء الذي القبول
ثمرته عبر عنه بالقبول مجازا
وأما القبول المنفي في مثل قوله صلى الله عليه وسلم من أتى عرافا لم تقبل له صلاة فهو الحقيقي لأنه قد يصح
العمل ويتخلف القبول لمانع ولهذا كان بعض السلف يقول لأن تقبل لي صلاة واحدة أحب إلي
من جميع الدنيا قاله ابن عمر قال لأن الله تعالى قال إنما يتقبل الله من المتقين انتهى
(إذا أحدث) أي صار ذا حدث قبل الصلاة أو في أثنائها (حتى يتوضأ) أي بالماء أو ما يقوم
مقامه وقد روى النسائي بإسناد قوي عن أبي ذر مرفوعا الصعيد الطيب وضوء المسلم فأطلق
الشارع على التيمم أنه وضوء لكونه قام مقامه ولا يخفى أن المراد بقبول صلاة من كان محدثا
فتوضأ أي مع باقي شروط الصلاة كذا في فتح الباري
(قوله هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما
قوله (وفي الباب عن عبد الله بن زيد وعلي بن طلق وعائشة وابن عباس وأبي سعيد) أما
حديث عبد الله بن زيد فأخرجه الشيخان وغيرهما ففي صحيح البخاري عن عباد بن تميم عن
عمه أنه شكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشئ في الصلاة فقال لا ينفتل أو
لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا قال الحافظ في الفتح قوله عن عمه هو عبد الله بن
زيد بن عاصم المازني الأنصاري سماه مسلم وغيره في روايتهم لهذا الحديث من طريق ابن عيينة
انتهى
وأما حديث علي بن طلق فأخرجه أبو داود والترمذي
وأما حديث عائشة فأخرجه أحمد والبزار والطبراني في الكبير وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر
المسلمين إذا خرج من أحدهم الريح أن يتوضأ
قال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح إلا أن فيه محمد بن إسحاق وقد قال حدثني هشام
209

بن عروة
وأما حديث ابن عباس فأخرجه البزار والبيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يخيل إليه في
صلاته أنه أحدث ولم يحدث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في صلاته حتى يفتح مقعدته
فيخيل إليه أنه أحدث ولم يحدث فإذا وجد أحدكم وهو ذلك فلا ينصرف حتى يسمع ذلك بأذنه أو يجد
ريح ذلك بأنفه قال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله رجال الصحيح انتهى
وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أبو يعلى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الشيطان يأتي أحدكم في
صلاته فيمد شعره من دبره فيرى أنه قد أحدث فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ورواه
ابن ماجة باختصار وفيه علي بن زيد واختلف في الاحتجاج به كذا في مجمع الزوائد
قوله (هذا حديث حسن صحيح) كذا في النسخ الموجودة وهو تكرار
قوله (وقال) أي ابن المبارك (إذا خرج من قبل المرأة الريح وجب عليها الوضوء وهو
قول الشافعي وإسحاق) وقال أصحاب أبي حنيفة خروج الريح من القبل لا يوجب الوضوء قال
القاري في المرقاة توجيه قول الحنفية أنه نادر فلا يشمله النص كذا قيل
والصحيح ما قاله ابن الهمام من أن الريح الخارج من الذكر اختلاج لا ريح فلا ينقض
كالريح الخارجة من جراحة في البطن انتهى
وقال بعض العلماء الحنفية في شرحه لشرح الوقاية اتفق أصحابنا على أن الريح الخارجة من
الدبر ناقضة واختلفوا في الخارجة من الذكر وقبل المرأة
فروى القدوري عن محمد أنه يوجب الوضوء وبه أخذ بعض المشايخ وقال أبو الحسن لا
وضوء فيهما إلا أن تكون المرأة مفضاة والمفضاة هي التي اختلط سبيلاها القبل والدبر وقيل مسلك
البول والحيض فيستحب لها الوضوء وكان الشيخ أبو حفص الكبير يقول إذا كانت المرأة مفضاة
210

يجب عليها الوضوء وإن لم تكن مفضاة لا يجب
وهكذا ذكر هشام في نوادره عن محمد
ومن المشايخ من قال في المفضاة إذا كان الريح منتنا يجب الوضوء وما لا فلا كذا في
الذخيرة
وبه علمت أن الاختلاف في الريح الخارجة منهما على قولين
الأول أنه يوجب الوضوء ودليله عموم ما ورد في الحديث إن الحدث ما خرج من أحد
السبيلين فإن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب وبه قال الشافعي كذا في البناية
والثاني أنه لا يوجب وإليه مال صاحب الهداية وعلل بأنها لا تنبعث عن محل النجاسة
وهو مبني على أن عين الريح ليست بنجسة وإنما يتنجس بمرورها على محل النجاسة وهذا لا يتمشى
على قول من قال من المشايخ بتنجس عين الريح
والأولى في التعليل ما ذكره غيره أنها اختلاج لا ريح وليس بشئ خارج لكن هذا أيضا
قاصر فإنه لا يتمشى في ما إذا وجدت النتن أو سمعت الصوت من القبل أو الذكر فإن هناك لا
شك في خروج شئ
وممن اختار هذا القول قاضي خان في فتاواه وصاحب مراقي الفلاح وقال هو الأصح لأنه
اختلاج لا ريح وإن كان ريحا فلا نجاسة فيه وريح الدبر ناقضة لمرورها بالنجاسة وصاحب
التنوير وصاحب الدر المختار وغيرهم من المتأخرين
ولا يخفى عليك أن الموافق للأحاديث هو القول الأول فليكن هو المعول انتهى
باب الوضوء من النوم
77 - قوله (المعنى واحد) أي معنى أحاديث إسماعيل وهناد ومحمد واحد وفي ألفاظها
اختلاف
قوله (نام وهو ساجد) أي نام في حالة السجدة (حتى غط) قال في القاموس غط النائم
211

صات انتهى والمعنى نام صلى الله عليه وسلم في حالة السجدة حتى سمع غطيطه وهو صوت يخرج مع نفس النائم
(أو نفخ) شك من الراوي قال في مجمع البحار حتى نفخ أي تنفس بصوت حتى يسمع منه صوت
النفخ كما يسمع من النائم (ثم قام يصلي) أي من غير أن يتوضأ وضوءا جديدا (إلا على من نام
مضطجعا) أي واضعا جنبه على الأرض قال في القاموس ضجع كمنع وضع جنبه بالأرض
كأضجع واضطجع (استرخت) أي فترت وضعفت (مفاصله) جمع مفصل وهو رؤوس العظام
والعروق
قوله (وفي الباب عن عائشة وابن مسعود وأبي هريرة) أما حديث عائشة فأخرجه ابن
ماجة عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام حتى ينفخ ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ قال الطنافسي قال
وكيع تعني وهو ساجد
وأما حديث ابن مسعود فأخرجه أيضا ابن ماجة عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام حتى نفخ ثم قام
فصلى
وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البيهقي بلفظ من استحق النوم وجب عليه الوضوء وقال
بعده لا يصح رفعه وروى موقوفا وإسناده صحيح ورواه في الخلافيات من طريق آخر عن أبي
هريرة وأعله بالربيع بن بدر عن ابن عدي وكذا قال الدارقطني في العلل إن وقفه أصح كذا في
التلخيص
واعلم أن الترمذي لم يحكم على حديث ابن عباس المذكور بشئ من الصحة أو الضعف
ههنا وقد تكلم عليه في علله المفرد وقد تكلم عليه غيره من أئمة الحديث قال الحافظ في
التلخيص مداره على يزيد أبي خالد الدالاني وعليه اختلف في ألفاظه ضعف الحديث من أصله
أحمد والبخاري فيما نقله الترمذي في العلل المفرد وأبو داود في السنن والترمذي وإبراهيم الحربي في
علله وغيرهم وقال البيهقي في الخلافيات تفرد به أبو خالد الدالاني وأنكره عليه جميع أئمة
الحديث وقال في السنن أنكره عليه جميع الحفاظ وأنكروا سماعه من قتادة وقال الترمذي رواه
سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس قوله ولم يذكر فيه أبا العالية ولم يرفعه انتهى
212

قوله (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يقومون فيصلون ولا يتوضؤون) وفي
رواية أبي داود كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم
يصلون ولا يتوضؤون فظهر من هذه الرواية أن المراد من قوله ينامون أنهم كانوا ينامون قعودا
وكان نومهم هذا في انتظار العشاء الآخرة قال في القاموس خفق فلان حرك رأسه إذا نعس
وقال الخطابي معناه تسقط أذقانهم على صدورهم
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود
قوله (سمعت صالح بن عبد الله) بن ذكوان الباهلي الترمذي نزيل بغداد عن مالك
وشريك وابن المبارك وخلق وعنه الترمذي وأبو حاتم وقال صدوق مات سنة 932 تسع وثلاثين
ومائتين (فقال لا وضوء عليه) أي لا يجب عليه الوضوء
قوله (واختلف العلماء في الوضوء من النوم فرأى أكثرهم أنه لا يجب عليه الوضوء إذا نام
قاعدا أو قائما حتى ينام مضطجعا وبه يقول الثوري وابن المبارك وأحمد) واستدلوا على ذلك
بحديث ابن عباس المذكور وقد عرفت ما فيه من المقال لكن قال الشوكاني في النيل والمقال الذي
فيه منجبر بما له من الطرق والشواهد ورجح هذا المذهب
قلت هذا المذهب هو أرجح المذاهب عندي والله تعالى أعلم وهو مذهب عمر وأبي
هريرة رضي الله عنهما فروى الامام مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال
إذا نام أحدكم مضطجعا فليتوضأ
213

وروى البيهقي من طريق يزيد بن قسيط عن أبي هريرة أنه سمعه يقول ليس على المحتبي
النائم ولا على القائم النائم وضوء حتى يضطجع قال الحافظ إسناده جيد ومن المؤيدات لهذا
المذهب حديث أنس المذكور
قال الشوكاني والأحاديث المطلقة في النوم تحمل على المقيدة بالاضطجاع قال ومن
المؤيدات لهذا الجمع ما رواه مسلم عن ابن عباس بلفظ إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني
وحديث إذا نام العبد في صلاته باهى الله به ملائكته أخرجه الدارقطني وابن شاهين من حديث
أبي هريرة والبيهقي من حديث أنس وابن شاهين أيضا من حديث أبي سعيد وفي جميع طرقه
مقال
وحديث من استحق النوم وجب عليه الوضوء عند البيهقي من حديث أبي هريرة بإسناد
صحيح قال البيهقي روى ذلك مرفوعا ولا يصح وقال الدارقطني وقفه أصح وقد فسر
استحقاق النوم بوضع الجنب انتهى كلام الشوكاني
(وقال بعضهم إذا نام حتى غلب على عقله وجب عليه الوضوء وبه يقول إسحاق) وعن
إسحاق قول آخر وهو أن النوم حدث ينقض قليله وكثيرة
قال الحافظ في الفتح نقل ابن المنذر وغيره عن بعض الصحابة والتابعين المصير إلى أن
النوم حدث ينقض قليله وكثيرة وهو قول أبي عبيدة وإسحاق بن راهويه قال ابن المنذر وبه
أقول لعموم حديث صفوان بن عسال يعني الذي صححه ابن خزيمة وغيره ففيه إلا من غائط أو
بول أو نوم فسوى بينهما في الحكم والمراد بقليلة وكثيرة طول زمانه وقصره لا مبادية انتهى
كلام الحافظ
قلت وأما قول إسحاق الذي ذكره الترمذي فمبني على أن النوم ليس بحديث بل هو
مظنة الحدث
(وقال الشافعي من نام قاعدا فرأى رؤيا أو زالت مقعدته لوسن النوم فعليه الوضوء)
الوسن أول النوم وقد وسن يوسن سنة فهو وسن ووسنان والهاء في السنة عوض من الواو
المحذوفة قاله الجزري في النهاية
214

واعلم أن للشافعي في انتقاض الوضوء من النوم أقوالا
قال الحافظ في الفتح وقيل لا ينقض نوم غير القاعد مطلقا وهو قول الشافعي في
القديم وعنه التفصيل بين خارج الصلاة فينقض أو داخلها فلا وفصل في الجديد بين القاعد
المتمكن فلا ينقض وبين غيره فينقض وفي المهذب وإن وجد منه النوم وهو قاعد ومحل
الحدث منه متمكن بالأرض فالمنصوص أنه لا ينقض وضوءه وقال البويطي ينقض وهو اختيار
المزني انتهى
وتعقب بأن لفظ البويطي ليس صريحا في ذلك فإنه قال ومن نام جالسا أو قائما فرأى رؤيا
وجب عليه الوضوء
قال النووي هذا قابل للتأويل انتهى ما في الفتح
باب الوضوء مما غيرت النار
79 - قوله (الوضوء مما مست النار) وفي رواية مسلم توضئوا مما مست النار (ولو من
ثور أقط) بفتح الهمزة وكسر القاف وهو لبن مجفف مستحجر والثور قطعة منه والحديث
دليل على وجوب الوضوء مما مست النار وبه قال بعض أهل العلم والأكثر على أنه منسوخ كما
ستعرف (أنتوضأ من الدهن) أي الذي مسته النار (أنتوضأ من الحميم) وهو الماء الحار بالنار
(إذا سمعت حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تضرب له مثلا) بل اعمل به واسكت عن ضرب المثل له
قوله (وفي الباب عن أم حبيبة وأم سلمة وزيد بن ثابت وأبي طلحة وأبي أيوب وأبي
موسى)
215

أما حديث أم حبيبة فأخرجه الطحاوي وأحمد وأبو داود والنسائي ولفظه توضؤا مما
مست النار
وأما حديث زيد بن ثابت فأخرجه مسلم بلفظ توضؤا مما مست النار
وأما حديث أبي طلحة فأخرجه الطحاوي والطبراني في الكبير عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أكل
ثور أقط فتوضأ
وأما حديث أبي أيوب فأخرجه الطبراني في الكبير بلفظ إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل مما
غيرت النار توضأ
قال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله رجال الصحيح
وأما حديث أبي موسى فأخرجه أحمد والطبراني في الأوسط بلفظ توضؤا مما غيرت النار
لونه قال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله موثقون
قوله (وقد رأى بعد أهل العلم الوضوء مما غيرت النار وأكثر أهل العلم من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم على ترك الوضوء مما غيرت النار) قال الحازمي في كتاب
الاعتبار قد اختلف أهل العلم في هذا الباب فبعضهم ذهب إلى الوضوء مما مست النار
وممن ذهب إلى ذلك ابن عمر وأبو طلحة وأنس بن مالك وأبو موسى وعائشة وزيد ابن
ثابت وأبو هريرة وأبو غرة الهذلي وعمر بن عبد العزيز وأبو مجاز لاحق بن حميد وأبو قلابة
ويحيى بن يعمر والحسن البصري والزهري
وذهب أكثر أهل العلم وفقهاء الأمصار إلى ترك الوضوء مما مست النار ورأوه آخر
الأمرين من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
وممن لم ير منه الوضوء أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عباس وعامر ابن ربيعة
وأبو أمامة والمغيرة بن شعبة وجابر بن عبد الله رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ومن التابعين
عبيدة السلماني وسالم بن عبد الله والقاسم بن محمد ومن معهم من فقهاء أهل المدينة
ومالك بن أنس والشافعي وأصحابه وأهل الحجاز وعامتهم وسفيان الثوري وأبو حنيفة وأهل
216

الكوفة وابن المبارك وأحمد وإسحاق انتهى كلام الحازمي
قلت والظاهر الراجح ما ذهب إليه أكثر أهل العلم والله تعالى أعلم
باب ما جاء في ترك الوضوء مما غيرت النار
80 - قوله (وأتته بقناع) بكسر القاف قال الجزري في النهاية القناع هو الطبق الذي
يؤكل عليه (فأتته بعلالة) بضم العين وهي البقية من كل شئ (فأكل ثم صلى العصر ولم
يتوضأ) هذا دليل على أن الوضوء مما مست النار ليس بواجب
قوله (وفي الباب عن أبي بكر الصديق) قال إن النبي صلى الله عليه وسلم نهش من كتف ثم صلى ولم
يتوضأ أخرجه أبو يعلى والبزار وفيه هشام بن مصك وقد أجمعوا على ضعفه كذا في مجمع الزوائد
(ولا يصح حديث أبي بكر في هذا من قبل إسناده إنما رواه حسام بن مصك) بكسر الميم وفتح
المهملة بعدها كاف مثقلة الأزدي أبو سهل البصري ضعيف يكاد أن يترك
قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وابن مسعود وأبي رافع وأم الحكم وعمرو ابن أمية وأم
عامر وسويد بن النعمان وأم سلمة)
أما حديث أبي هريرة فأخرجه البزار بلفظ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ من أثوار أقط ثم أكل
كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ
217

قال في مجمع الزوائد هو في الصحيح خلا قوله ثم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ
ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ البزار انتهى وعن انتهى أيضا قال نشلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم
كتفا من قدر العباس فأكلها وقام يصلي ولم يتوضأ أخرجه أبو يعلى قال في مجمع الزوائد فيه
محمد بن عمرو عن أبي سلمة وهو حديث حسن انتهى وأما حديث ابن مسعود فأخرجه أحمد
وأبو يعلى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل اللحم ثم يقوم إلى الصلاة ولا يمس ماء قال في مجمع
الزوائد رجاله موثقون وأما حديث أبي رافع فأخرجه مسلم بلفظ قال أشهد لقد كنت أشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم
بطن الشاة ثم صلى ولم يتوضأ وله حديث آخر في هذا الباب أخرجه أحمد ذكره صاحب
المشكاة
وأما حديث أم الحكم فلم أقف عليه وأما حديث عمرو بن أمية فأخرجه الشيخان وأما
حديث أم عامر فأخرجه الطبراني في الكبير وأما حديث سويد بن النعمان فأخرجه البخاري
وأما حديث أم سلمة فأخرجه أحمد بلفظ إنها قالت قربت إلى النبي صلى الله عليه وسلم جنبا مشويا فأكل منه ثم قام
إلى الصلاة ولم يتوضأ
قوله (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن
بعدهم إلخ) وعليه كان عمل الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم قال البخاري في صحيحه
وأكل أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم لحما فلم يتوضؤا
قال الحافظ في الفتح وصله الطبراني في مسند الشاميين بإسناد حسن من طريق
سليمان بن عامر قال رأيت أبا بكر وعمر وعثمان أكلوا مما مسته النار ولم يتوضؤا ورويناه من
طرق كثيرة عن جابر مرفوعا وموقوفا على الثلاثة مفرقا ومجموعا
218

قوله (رأوا ترك الوضوء مما مست النار) أي اعتقدوه (وهذا آخر الأمرين من رسول الله
صلى الله عليه وسلم وكأن) بتشديد النون من الحروف المشبهة بالفعل (هذا الحديث ناسخ للحديث الأول
حديث الوضوء مما مست النار) قوله (حديث الوضوء مما مست النار) بدل من قوله الحديث
الأول
وكان الزهري يرى أن الأمر بالوضوء مما مست النار ناسخ لأحاديث الإباحة لأن الإباحة
سابقة
واعترض عليه بحديث جابر قال كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما
مست النار رواه أبو داود والنسائي وغيرهما وصححه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما لكن قال أبو داود وغيره إن المراد بالأمر هنا الشأن
والقصة لا مقابل النهي وأن هذا اللفظ مختصر من حديث جابر المشهور في قصة المرأة التي
صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فأكل منها ثم توضأ وصلى الظهر ثم أكل منها وصلى العصر ولم يتوضأ
فيحتمل أن تكون هذه القصة وقعت قبل الأمر بالوضوء مما مست النار وأن وضوءه لصلاة الظهر
كان عن حدث لا بسبب الأكل من الشاة
وحكى البيهقي عن عثمان الدارمي أنه قال لما اختلفت أحاديث الباب ولم يتبين الراجح
منها نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون بعد النبي صلى الله عليه وسلم فرجحنا به أحد الجانبين وارتضى
النووي بهذا في شرح المهذب وبهذا تظهر حكمة تصدير البخاري حديث الباب يعني
حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ بالأثر المنقول عن
الخلفاء الثلاثة قال النووي كان الخلاف فيه معروفا بين الصحابة والتابعين ثم استقر
الإجماع على أنه لا وضوء مما مست النار إلا ما تقدم استثناؤه من لحوم الإبل
وجمع الخطابي بوجه آخر وهو أن أحاديث الأمر محمولة على الاستحباب لا على
الوجوب كذا في الفتح
قلت واختاره صاحب المنتقي فقال هذه النصوص يعني التي فيها ترك الوضوء مما
مست النار إنما تنفي الإيجاب ولهذا قال الذي سأله أنتوضأ من لحوم الغنم قال
219

إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ ولولا أن الوضوء من ذلك مستحبا لما أذن فيه لأنه
إسراف وتضييع للماء بغير فائدة انتهى واختار الشوكاني أن حديث الأمر بالوضوء مما مست
النار ليس بمنسوخ فقال في النيل وأجاب الأولون يعني الذين قالوا بترك الوضوء مما مست
النار عن ذلك يعني عن حديث الأمر بالوضوء مما مست النار بجوابين
الأول أنه منسوخ بحديث جابر
الثاني أن المراد بالوضوء غسل الفم والكفين
قال ولا يخفاك أن الجواب الأول إنما يتم بعد تسليم أن فعله صلى الله عليه وسلم يعارض القول
الخاص بنا وينسخه والمتقرر في الأصول خلافه
وأما الجواب الثاني فقد تقرر أن الحقائق الشرعية مقدمة على غيرها وحقيقة الوضوء
الشرعية هي غسل جميع الأعضاء التي تغسل للوضوء فلا تخالف هذه الحقيقة إلا لدليل
وأما دعوى الاجماع فهي من الدعاوى التي لا يهابها طالب الحق ولا يحول بينه وبين
مراده منه نعم الأحاديث الواردة في ترك الوضوء من لحوم الغنم مخصصة لعموم الأمر بالوضوء
مما مست النار وما عدا لحوم الغنم داخل تحت ذلك العموم انتهى كلام الشوكاني
باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل
81 - قوله (نا أبو معاوية) هو محمد بن خازم الضرير أحد الأئمة ثقة (عن عبد الله بن
عبد الله) الهاشمي مولاهم الرازي الكوفي القاضي عن جابر بن سمرة وعبد الرحمن بن أبي
ليلى وعنه الأعمش وحجاج بن أرطاة وثقه أحمد بن حنبل (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى)
الأنصاري المدني ثم الكوفي ثقة من الثانية اختلف في سماعه عن عمر قاله الحافظ في
التقريب
وقال الخزرجي في الخلاصة روى عن عمر ومعاذ وبلال وأبي ذر وأدرك مائة وعشرين
من الصحابة الأنصاريين
220

وعنه ابنه عيسى ومجاهد وعمرو بن ميمون أكبر منه والمنهال بن عمرو وخلق وثقه ابن
معين مات سنة 38 ثلاث وثمانين انتهى
قوله (فقال توضؤا منها) فيه دليل على أن أكل لحوم الإبل ناقض للوضوء قال النووي
اختلف العلماء في أكل لحوم الجزور فذهب الأكثرون إلى أنه لا ينقض الوضوء وممن ذهب
إليه الخلفاء الأربعة الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي بن كعب وابن
عباس وأبو الدرداء وأبو طلحة وعامر بن ربيعة وأبو أمامة وجماهير التابعين ومالك وأبو حنيفة
والشافعي وأصحابهم وذهب إلى انتقاض الوضوء به أحمد بن حنبل وإسحق بن راهويه
ويحيى بن يحيى وأبو بكر بن المنذر وابن خزيمة واختاره الحافظ أبو بكر البيهقي
وحكى عن أصحاب الحديث مطلقا وحكى عن جماعة من الصحابة
واحتج هؤلاء بحديث جابر بن سمرة الذي رواه مسلم قال أحمد بن حنبل وإسحق بن
راهويه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حديثان حديث جابر وحديث البراء وهذا المذهب أقوى دليلا
وإن كان الجمهور على خلافه
وقد أجاب الجمهور عن هذا الحديث بحديث جابر كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم
ترك الوضوء مما مست النار ولكن هذا الحديث عام وحديث الوضوء من لحوم الإبل خاص
والخاص مقدم على العام انتهى
قال الحافظ في التلخيص قال البيهقي حكى بعض أصحابنا عن الشافعي قال إن
صح الحديث في لحوم الإبل قلت به
قال البيهقي قد صح فيه حديثان حديث جابر بن سمرة وحديث البراء قاله أحمد بن
حنبل وإسحاق بن راهويه انتهى وقال الدميري وأنه المختار المنصور من جهة الدليل انتهى
وقال بعض علماء الحنفية في تعليقه على الموطأ للإمام محمد ولاختلاف الأخبار في
هذا الباب أي الوضوء مما مست النار اختلف العلماء فيه فمنهم من جعله ناقضا بل جعله
الزهري ناسخا لعدم النقض
ومنهم من لم يجعله ناقضا وعليه الأكثر
ومنهم من قال من أكل لحم الإبل خاصة وجب عليه الوضوء وليس عليه الوضوء في غيره
221

أخذا من حديث البراء وغيره وبه قال أحمد وإسحاق وطائفة من أهل الحديث وهو مذهب قوي
من حيث الدليل قد رجحه النووي وغيره انتهى
وأما قول من قال إن المراد من قوله توضؤا منها غسل اليدين والفم لما في لحم الإبل من
رائحة كريهة ودسومة غليظة بخلاف لحم الغنم فهو بعيد لأن الظاهر منه هو الوضوء الشرعي لا
اللغوي وحمل الألفاظ الشرعية على معانيها الشرعية واجب
وأما قول من قال إن حديث البراء وما في معناه منسوخ فهو أيضا بعيد فإن النسخ لا يثبت
بالاحتمال وقد ذكر العلامة الموفق ابن قدامة في المغني في هذا البحث كلاما حسنا مفيدا قال إن
أكل لحم الإبل ينقض الوضوء على كل حال نيئا ومطبوخا عالما كان أو جاهلا
وبهذا قال جابر بن سمرة ومحمد بن إسحاق وإسحاق وأبو خيثمة ويحيى بن يحيى وابن المنذر
وهو أحد قولي الشافعي
قال الخطابي ذهب إلى هذا عامة أصحاب الحديث
وقال الثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي لا ينقض الوضوء بحال لأنه روي عن ابن
عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الوضوء مما يخرج لا مما يدخل
وروي عن جابر قال كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار رواه أبو داود ولنا ما
روى البراء بن عازب قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الإبل فقال توضؤا منها وسئل عن
لحوم الغنم فقال لا يتوضأ منها رواه مسلم وأبو داود
وروى جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أخرجه مسلم
وروى الإمام أحمد بإسناده عن أسيد بن حضير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم توضؤا من لحوم
الإبل ولا تتوضؤا من لحوم الغنم
وروى ابن ماجة عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم ومثل ذلك
قال أحمد وإسحاق بن راهويه فيه حديثان صحيحان عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث البراء وحديث
جابر بن سمرة وحديثهم عن ابن عباس لا أصل له وإنما هو من قول ابن عباس موقوفا عليه
ولو صح لوجب تقديم حديثنا عليه لكونه أصح منه وأخص والخاص يقدم على العام وحديث
جابر لا يعارض حديثنا أيضا لصحته وخصوصه
فإن قيل فحديث جابر متأخر فيكون ناسخا قلنا لا يصح النسخ به لوجوه أربعة
222

أحدها أن الأمر بالوضوء من لحوم الإبل متأخر عن نسخ الوضوء مما مست النار أو مقارن
له بدليل أنه قرن الأمر بالوضوء من لحوم الإبل بالنهي عن الوضوء من لحوم الغنم وهي مما مست
النار
فإما أن يكون النسخ حصل بهذا النهي وإما أن يكون بشئ قبله فإن كان به فالأمر
بالوضوء من لحوم الإبل مقارن لنسخ الوضوء مما غيرت النار فكيف يجوز أن يكون منسوخا به
ومن شرط الناسخ تأخره وإن كان النسخ قبله لم يجز أن ينسخ بما قبله
الثاني أن أكل لحوم الإبل إنما نقض لكونه من لحوم الإبل لا لكونه مما مست النار
ولهذا ينقض وإن كان نيئا فنسخ إحدى الجهتين لا يثبت به نسخ الجهة الأخرى كما لو
حرمت المرأة للرضاع ولكونها ربيبة فنسخ التحريم بالرضاع ولم يكن نسخا لتحريم الربيبة
الثالث أن خبرهم عام وخبرنا خاص والعام لا ينسخ به الخاص لأن من شرط النسخ تعذر
الجمع والجمع بين العام والخاص ممكن بتنزيل العام على ما عدا محل التخصيص
الرابع أن خبرنا صحيح مستفيض ثبتت له قوة الصحة والاستفاضة والخصوص وخبرهم
ضعيف لعدم هذه الوجوه الثلاثة فيه لا يجوز أن يكون ناسخا له
فإن قيل الأمر بالوضوء في خبركم يحتمل الاستحباب فنحمله عليه ويحتمل أنه أراد
بالوضوء غسل اليدين لأن الوضوء إذا أضيف إلى الطعام اقتضى غسل اليد كما كان عليه السلام
يأمر بالوضوء قبل الطعام وبعده وخص ذلك بلحم الإبل لأن فيه من الحرارة والزهومة ما ليس في
غيره
قلنا أما الأول فمخالف للظاهر من ثلاثة أوجه أحدها أن مقتضى الأمر الوجوب
الثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن حكم هذا اللحم فأجاب بالأمر بالوضوء منه فلا يجوز حمله على
غير الوجوب لأنه يكون تلبيسا
على السائل لا جوابا
الثالث أنه عليه السلام قرنه بالنهي عن الوضوء من لحوم الغنم والمراد بالنهي ههنا نفي
الإيجاب لا التحريم فيتعين حمل الأمر على الإيجاب ليحصل الفرق
وأما الثاني فلا يصح لوجوه أربعة أحدها أنه يلزم منه حمل الأمر على الاستحباب فإن
غسل اليد بمفرده غير واجب وقد بينا فساده
الثاني أن الوضوء إذا جاء في لسان الشارع وجب حمله على الوضوء الشرعي دون اللغوي
لأن الظاهر منه أنه إنما يتكلم بموضوعاته
223

الثالث أنه يخرج جوابا لسؤال السائل عن حكم الوضوء من لحومها والصلاة في مباركها فلا
يفهم من ذلك سوى الوضوء المراد للصلاة
الرابع أنه لو أراد غسل اليد لما فرق بينه وبين لحم الغنم فإن غسل اليد منها مستحب ولهذا
قال من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شئ فلا يلومن إلا نفسه وما ذكروه من زيادة الزهومة فأمر
يسير لا يقتضي التفريق والله أعلم
ثم لا بد من دليل نصرف به اللفظ عن ظاهره ويجب أن يكون الدليل له من القوة بقدر قوة
الظواهر المتروكة وأقوى منها وليس لهم دليل انتهى كلام ابن قدامة
تنبيه قال صاحب بذل المجهود أخرج ابن ماجة عن أسيد بن حضير وعبد الله بن عمرو
يرفعانه توضؤا من ألبان الإبل وهذا محمول عند جميع الأمة على شربها بأن يستحب له أن
يمضمض ويزيل الدسومة عن فمه كذلك يستحب له إذا أكل لحم الجزور أن يغسل يده وفمه
وينفي الدسومة والزهومة انتهى كلامه
قلت قوله هذا محمول عند جميع الأمة على شربها بأن يستحب له إلخ مبني على غفلته عن
مذاهب الأمة
قال ابن قدامة وفي شرب لبن الإبل روايتان إحداهما ينقض الوضوء لما روى أسيد بن
حضير
الثانية لا وضوء فيه لأن الحديث إنما ورد في اللحم وقولهم فيه حديثان صحيحان يدل
على أن لا صحيح فيه سواهما والحكم ههنا غير معقول فيجب الاقتصار على مورد النص انتهى
كلام ابن قدامة
على أن استجاب المضمضة من شرب لبن الإبل ليس لحديث أسيد وعبد الله بن عمرو بل
لحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبنا فمضمض وقال إن له دسما
قال الحافظ في الفتح فيه بيان لعلة المضمضة من اللبن فيدل على استحبابها من كل شئ
دسم ويستنبط منه استحباب غسل اليدين للتنظيف انتهى
وأما حديث أسيد بن حضير وحديث عبد الله بن عمرو فضعيفان لا يصلحا للاحتجاج قال
صاحب الشرح الكبير المسمى بالشافي شرح المقنع حديث أسيد بن حضير في طريقه الحجاج بن
أرطاة قال الإمام أحمد والدارقطني لا يحتج به وحديث عبد الله بن عمرو رواه ابن ماجة من رواية
224

عطاء بن السائب وقد قيل عطاء اختلط في اخر عمره قال أحمد من سمع منه قديما فهو صحيح
ومن سمع منه حديثا لم يكن بشئ انتهى
قلت روى هذا الحديث عن عطاء بن السائب خالد بن يزيد بن عمر الفزاري وهو ممن
رووا عنه بعد اختلاطه
قال الحافظ في مقدمة الفتح يحصل لي من مجموع كلام الأئمة أن رواية شعبة وسفيان
الثوري وزهير بن معاوية وزائدة وأيوب وحماد بن زيد عنه قبل الاختلاط وأن جميع من روى عنه
غير هؤلاء فحديثه ضعيف لأنه بعد اختلاطه إلا حماد بن سلمة فاختلف قولهم فيه انتهى
قلت وأيضا في سند حديث عبد الله بن عمرو بقية المدلس وهو رواه عن خالد بن يزيد
بالعنعنة فقول صاحب بذل المجهود كذلك يستحب له إذا أكل لحم الجزور أن يغسل يده وفمه
إلخ ليس مما يصغي إليه
تنبيه اخر قال صاحب بذل المجهود ولما كان لحوم الإبل داخلة فيما مست النار وكان فردا
من أفراده ونسخ وجوب الوضوء عنه بجميع أفرادها يعني بحديث جابر أنه قال كان آخر الأمرين
من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار استلزم نسخ الوجوب عن هذا الفرد أيضا انتهى
قلت من قال بانتقاض الوضوء من أكل لحوم الإبل قال الموجب للوضوء إنما هو أكل لحوم
الإبل من جهة كونها لحوم الإبل لا من جهة كونها مما مست النار ولذلك يقولون بوجوب الوضوء من
أكل لحم الإبل مطلقا مطبوخا كان أو نيئا أو قديدا فنسخ وجوب الوضوء مما مست النار بحديث جابر
المذكور لا يستلزم نسخ وجوب الوضوء من أكل لحوم الإبل فإن لحوم الإبل من جهة كونها لحوم
الإبل ليست فردا من أفراد مما مست النار البتة وقد أوضحه ابن قدامة كما عرفت
قال الحافظ ابن القيم وأما من يجعل لحوم الإبل هو الموجب للوضوء سواء مسته النار أو لم
تمسه فيوجب الوضوء من نيئة ومطبوخه وقد يده فكيف يحتج عليه بهذا الحديث انتهى
فقول صاحب بذل المجهود ولما كان لحوم الإبل داخلة فيما مست النار وكان فردا من أفراده
إلخ مبني على عدم تدبره
قوله (وفي الباب عن جابر بن سمرة وأسيد بن حضير) أما حديث جابر بن سمرة فأخرجه
مسلم في صحيحه عنه بلفظ أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من لحوم الغنم قال إن شئت
فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ قال أنتوضأ من لحوم الإبل قال نعم فتوضأ من لحوم الإبل
الحديث
225

وأما حديث أسيد بن حضير فأخرجه ابن ماجة عنه مرفوعا بلفظ لا توضؤا من ألبان الغنم
وتوضأوا من ألبان الإبل
وفي الباب أيضا عن ذي الغرة أخرجه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه وعن عبد الله بن عمرو
أخرجه ابن ماجة
قوله (وقد روى الحجاج بن أرطاة عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن
أسيد بن حضير) فخالف الحجاج بن أرطاة الأعمش فإنه قال عن البراء بن عازب
وقال الحجاج عن أسيد بن حضير وحديث الحجاج بن أرطاة أخرجه ابن ماجة (والصحيح
حديث عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن البراء بن عازب) فإن الأعمش الراوي عن عبد الله بن
عبد الله أوثق وأحفظ من الحجاج
قال الحافظ في التلخيص قال ابن خزيمة في صحيحه لم أر خلافا بين علماء الحديث أن هذا
الخبر أي حديث البراء صحيح من جهة النقل العدالة ناقليه وذكر الترمذي الخلاف فيه علي ابن أبي
ليلى هل هو عن البراء أو عن ذي الغرة أو عن أسيد بن حضير وصحح أنه عن البراء وكذا ذكره
ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه انتهى
(وروى عبيدة) بضم العين وفتح الموحدة ابن المعتب بكسر المثناة الثقيلة بعدها موحدة
(الضبي) أبو عبد الرحيم الكوفي الضرير ضعيف واختلط بآخره ما له في البخاري سوى موضع
واحد في الأضاحي كذا في التقريب وقال في الخلاصة قال ابن عدي مع ضعفه يكتب حديثه علق
له البخاري فرد حديث (عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ذي
الغرة) أخرج حديث عبيدة هذا عبد الله بن أحمد في مسند أبيه ومداره على عبيدة الضبي وهو
ضعيف كما عرفت
(وروى حماد بن سلمة هذا الحديث عن الحجاج بن أرطاة فأخطأ فيه) وخطؤه في مقامين
226

(وقال عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه) هذا هو خطؤه الأول والصحيح عن
عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى (عن أسيد بن حضير) هذا هو خطؤه الثاني
والصحيح عن البراء بن عازب (قال إسحاق أصح ما في هذا الباب) أي في باب الوضوء من لحوم
الإبل (حديثان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث البراء) أي الذي أخرجه الترمذي في هذا الباب
وأخرجه أيضا أبو داود وابن ماجة وابن حبان وابن الجارود وابن خزيمة (وجابر بن سمرة) أخرجه
مسلم وتقدم لفظه
باب الوضوء من مس الذكر قوله
82 - قوله (عن بسرة بنت صفوان) بضم الموحدة وسكون السين صحابية لها سابقة وهجرة
عاشت إلى ولاية معاوية
قوله (ومن مس ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ) فيه دليل على أن مس الذكر ينقض الوضوء
والمراد مسه من غير حائل لما أخرج ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة إذا أفضى أحدكم
بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب ولا ستر فقد وجب عليه الوضوء وصححه الحاكم وابن عبد البر
وقال ابن السكن هو أجود ما روي في هذا الباب
227

قوله (وفي الباب عن أم حبيبة وأبي أيوب وأبي هريرة وأروى ابنة أنيس وعائشة وجابر
وزيد بن خالد وعبد الله بن عمرو) وأيضا في الباب عن سعد بن أبي وقاص وأم سلمة وابن
عباس وابن عمر وطلق بن علي والنعمان بن بشير وأنس وأبي بن كعب ومعاوية بن حيدة وقبيصة
فأما حديث أم حبيبة فأخرجه ابن ماجة والأثرم وصححه أحمد وأبو زرعة كذا في المنتقى
وقال الخلال في العلل صحح أحمد حديث أم حبيبة وقال ابن السكن لا أعلم به علة كذا
في التلخيص
وأما حديث أبي أيوب فأخرجه ابن ماجة وأما حديث أبي هريرة فتقدم تخريجه
وأما حديث أروى ابنة أنيس بضم الهمزة وفتح النون مصغرا فأخرجه البيهقي قال الحافظ
في التلخيص وسأل الترمذي البخاري عنه فقال ما تصنع بهذا لا تشتغل به
وأما حديث عائشة فأخرجه الدارقطني وضعفه قال الحافظ وله شاهد من حديث
عبد الله بن عمرو
وأما حديث جابر فأخرجه ابن ماجة والأثرم وقال ابن عبد البر إسناده صالح وقال الضياء
لا أعلم بإسناده بأسا وقال الشافعي سمعت جماعة من الحفاظ غير ابن نافع يرسلونه
وأما حديث زيد بن خالد فأخرجه أحمد والبزار
وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد والبيهقي من طريق بقية حدثني محمد بن
الوليد الزبيدي حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه أيما رجل مس فرجه فليتوضأ وأيما
امرأة مست فرجها فلتتوضأ قال الترمذي في العلل عن البخاري هو عندي صحيح
وأما حديث سعد بن أبي وقاص فأخرجه الحاكم وأما حديث أم سلمة فذكره الحاكم
وأما حديث ابن عباس فأخرجه البيهقي وفي إسناده الضحاك بن حمزة وهو منكر الحديث
وأما حديث ابن عمرو فأخرجه الدارقطني والبيهقي وأما حديث علي بن طلق فأخرجه الطبراني
وصححه وأما حديث النعمان بن بشير فذكره ابن منده وكذا حديث أنس وأبي بن كعب
ومعاوية بن حيدة وقبيصة كذا في التلخيص ص 46
228

قوله (هذا) أي حديث بسرة (حديث حسن صحيح) وأخرجه الخمسة كذا في المنتقى
وقال في النيل وأخرجه أيضا مالك والشافعي وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود وقال أبو داود
قلت لأحمد حديث بسرة ليس بصحيح قال بل هو صحيح وقال الدارقطني صحيح ثابت وصححه
أيضا يحيى بن معين فيما حكاه ابن عبد البر وأبو حامد بن الشرقي والبيهقي والحازمي قاله
الحافظ
قلت وكل ما طعنوا به في صحة حديث بسرة هذا فهو مدفوع والحق أنه صحيح
قوله (وهكذا روى غير واحد مثل هذا عن هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة إلخ)
حاصله أن غير واحد من أصحاب هشام رووا هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه عن
بسرة بلا ذكر واسطة بين عروة وبسرة وهكذا روى أبو الزناد عن عروة عن بسرة ورواه غير واحد
من أصحاب هشام عن هشام بن عروة عن أبيه عن مروان عن بسرة بذكر واسطة مروان بن عروة
وبسرة وليست رواية من روى بلا ذكر واسطة بين عروة وبسرة بمنقطعة قال الحافظ في
التلخيص وقد جزم ابن خزيمة وغير واحد من الأئمة بأن عروة سمعه من بسرة وفي صحيح ابن
خزيمة وابن حبان قال عروة فذهبت إلى بسرة
فسألتها فصدقته واستدل على ذلك برواية جماعة من
الأئمة له عن هشام بن عروة عن أبيه عن مروان عن بسرة قال عروة ثم لقيت بسرة فصدقته
انتهى
قوله (وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين وبه يقول الأوزاعي
والشافعي وأحمد وإسحاق) وقال الحافظ الحازمي في كتاب الاعتبار ص 40 وممن روى عنه الإيجاب يعني
229

إيجاب الوضوء من مس الذكر من الصحابة عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبو أيوب الأنصاري
وزيد بن خالد وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وجابر وعائشة وأم حبيبة وبسرة بنت
صفوان وسعد بن أبي وقاص في إحدى الروايتين وابن عباس في إحدى الروايتين رضوان الله
عليهم أجمعين ومن التابعين عروة ابن الزبير وسليمان بن يسار وعطاء بن أبي رباح وأبان بن عثمان
وجابر بن زيد والزهري ومصعب بن سعد ويحيى بن أبي كثير عن رجال من الأنصار وسعيد بن
المسيب في أصح الروايتين وهشام بن عروة والأوزاعي وأكثر أهل الشام والشافعي وأحمد وإسحاق
والمشهور من قول مالك أنه كان يوجب منه الوضوء انتهى
قوله (قال أبو زرعة حديث أم حبيبة في هذا الباب أصح) تقدم تخريج حديث أم حبيبة
(وقال محمد) يعني البخاري (لم يسمع مكحول من عنبسة بن أبي سفيان) وكذا قال يحيى بن معين
وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي أنه لم يسمع منه وخالفهم دحيم وهو أعرف بحديث الشاميين
فأثبت سماع مكحول من عنبسة قاله الحافظ
باب ترك الوضوء من مس الذكر
قوله (نا ملازم بن عمرو) بن عبد الله بن بدر السحيمي بالمهملتين مصغرا أبو عمرو
اليمامي وثقه ابن معين والنسائي وغيرهما (عن عبد الله بن بدر) السحيمي اليمامي روى عن ابن
230

عباس وطلق بن علي وعنه سبطه ملازم بن عمرو وعكرمة بن عمار وثقه ابن معين وأبو زرعة (عن
قيس بن طلق بن علي الحنفي) اليمامي وثقه العجلي وابن معين وابن حبان والحنفي بفتح الحاء
والنون منسوب إلى حنفية قبيلة من اليمامة (عن أبيه) أي طلق بن علي صحابي وفد قديما وبنى
في المسجد كذا في الخلاصة وقال الطيبي إن طلقا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبني مسجد المدينة
وذلك في السنة الأولى
قوله (وهل هو إلا مضغة) بضم الميم وسكون الضاد وفتح الغين المعجمتين أي قطعة لحم
أي ليس الذكر إلا قطعة لحم (منه) أي من الرجل (أو بضعة) بفتح الباء الموحدة وسكون الضاد
المعجمة بمعنى المضغة وهما لفظان مترادفان معناهما القطعة من اللحم وأو للشك من الراوي
وفي رواية أبي داود قال قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل كأنه بدوي فقال يا بني الله ما ترى
في مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ فقال صلى الله عليه وسلم هل هو إلا مضغة منه أو بضعة منه
قوله (وفي الباب عن أبي أمامة) أخرجه ابن ماجة وفي سنده جعفر بن الزبير وهو متروك
والقاسم وهو ضعيف
قال الحافظ الزيلعي هو حديث ضعيف قال البخاري والنسائي والدارقطني في جعفر ابن
الزبير متروك والقاسم أيضا ضعيف
وفي الباب أيضا عن عصمة بن مالك قال الحافظ الزيلعي هو حديث ضعيف أيضا
قوله (وقد روى عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبعض التابعين أنهم لم يروا
الوضوء من مس الذكر وهو قول أهل الكوفة وابن المبارك) قال الحازمي في كتاب الاعتبار ص
40 قد اختلف أهل العلم في هذا الباب فذهب بعضهم إلى حديث طلق بن علي ورأوا ترك
الوضوء من مس الذكر روى ذلك عن علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود
وعبد الله بن عباس وحذيفة بن اليمان وعمران بن حصين وأبي الدرداء وسعد بن أبي وقاص في
إحدى الروايتين وسعيد بن المسيب في إحدى الروايتين وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي
231

وربيعة بن عبد الرحمن وسفيان بن زائدة الثوري وأبي حنيفة وأصحابه ويحيى بن معين وأهل
الكوفة انتهى
واستدل هؤلاء بحديث طلق بن علي المذكور هذا الباب
وأجاب ابن الهمام عن حديث بسرة بنت صفوان المذكور في الباب المتقدم بأن حديث
طلق بن علي يترجح عليه بأن حديث الرجال أقوى لأنهم أحفظ للعلم وأضبط ولهذا جعلت شهادة
امرأتين بمنزلة رجل
وفيه أن بسرة بنت صفوان لم تنفرد بحديث إيجاب الوضوء من مس الذكر بل رواه عدة
رجال من الصحابة منهم أبو هريرة وحديثه صحيح كما عرفت ومنهم عبد الله بن عمرو وحديثه
أيضا صحيح كما عرفت ومنهم جابر وإسناد حديثه صالح كما عرفت ومنهم زيد بن خالد
وسعد بن أبي وقاص وابن عباس وابن عمرو وغيرهم وتقدم تخريج أحاديثهم
وأجاب بعضهم بأن حديث طلق أثبت من حديث بسرة وقد أسند الطحاوي إلى ابن
المديني أنه قال حديث ملازم بن عمرو أحسن من حديث بسرة وعن عمرو بن علي الفلاس أنه قال
حديث طلق عندنا أثبت من حديث بسرة
وفيه أن الظاهر أن حديث بسرة هو الأثبت والأقوى والأرجح قال البيهقي يكفي في
ترجيح حديث بسرة على حديث طلق أن حديث طلق لم يخرجه الشيخان ولم يحتجا بأحد رواته
وحديث بسرة قد احتجا بجميع رواته كذا في التلخيص
قال العلامة محمد بن إسماعيل الأمير في سبل السلام حديث بسرة أرجح لكثرة من
صححه ولكثرة شواهده وقد اعترف بذلك بعض العلماء الحنفية حيث قال في تعليقه على موطأ
الإمام محمد الإنصاف في هذا البحث أنه إن اختير طريق الترجيح ففي أحاديث النقض كثرة
وقوة انتهى
وقال في حاشيته على شرح الوقاية إن أحاديث النقض أكثر وأقوى من أحاديث الرخصة
انتهى وأجاب بعضهم بأن حديث بسرة منسوخ بحديث طلق
وفيه أن هذا دعوى من غير دليل بل الدليل يقتضي خلافه كما ستعرف عن قريب
وأجاب بعضهم بأن المراد بالوضوء في حديث بسرة الوضوء اللغوي أو غسل اليد
وفيه أن الواجب أن تحمل الألفاظ الشرعية على معانيها الشرعية على أنه قد وقع في حديث
ابن عمر عند الدارقطني فليتوضأ وضوءه للصلاة
232

وقال بعضهم إن حديث بسرة وحديث طلق تعارضا فتساقطا والأصل عدم النقض
وفيه أن حديث بسرة هو أثبت وأقوى وأرجح من حديث طلق كما عرفت فيقدم عليه ثم
الظاهر أن حديث بسرة متأخر وحديث طلق متقدم فيجعل المتأخر ناسخا والمتقدم منسوخا كما
ستعرف عن قريب
واحتج من قال بنقض الوضوء من مس الذكر بحديث بسرة المذكور في الباب المتقدم وله
شواهد كثيرة كما عرفت
وأجابوا عن حديث طلق أو بأنه ضعيف وثانيا بأنه منسوخ قال الحازمي في كتاب
الاعتبار قالوا أما حديث طلق فلا يقاوم هذا الحديث يعني حديث بسرة لأسباب منها نكارة سنده
وركاكة روايته
قال الشافعي في القديم وزعم يعني من خالفه أن قاضي اليمامة ومحمد بن جابر ذكرا عن
قيس بن طلق عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن لا وضوء منه
قال الشافعي قد سألنا عن قيس فلم نجد من يعرفه بما يكون لنا فيه قبول خبره وقد
عارضه من وصفنا نعته ورجاحته في الحديث وثبته
وأشار الشافعي إلى حديث أيوب بن عتبة قاضي اليمامة ومحمد بن جابر السحيمي عن
قيس بن طلق وقد مر حديثهما وأيوب بن عتبة ومحمد بن جابر ضعيفان عند أهل العلم بالحديث
وقد روى حديث طلق أيضا ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر عن قيس إلا أن صاحبي
الصحيح لم يحتجا بشئ من روايتهما
ورواه أيضا عكرمة بن عمارة عن قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم مرس وعكرمة أقوى من رواه عن
قيس إلا أنه رواه منقطعا
قالوا وقد روينا عن يحيى بن معين أنه قال لقد أكثر الناس في قيس بن طلق وأنه لا يحتج
بحديثه
روينا عن أبي حاتم أنه قال سألت أبي زرعة عن هذا الحديث فقالا قيس بن طلق ليس ممن
تقوم به حجة ووهناه ولم يثبتاه
قالوا وحديث قيس بن طلق كما لم يخرجه صاحبا الصحيح لم يحتجا أيضا بشئ من رواياته
ولا بروايات أكثر رواة حديثه في غير هذا الحديث
233

وحديث بسرة وإن لم يخرجاه لاختلاف وقع في سماع عروة من بسرة أو هو عن مروان عن
بسرة فقد احتجا بسائر رواة حديثها مروان فمن دونه
قالوا فهذا وجه رجحان حديثها على حديث قيس من طريق الإسناد كما أشار إليه الشافعي
لأن الرجحان إنما يقع بوجود شرائط الصحة والعدالة في حق هؤلاء الرواة دون من خالفهم
انتهى كلام الحازمي
قلت الراجح المعول عليه هو أن حديث بسرة وحديث طلق كلاهما صحيحان لكن
حديثها أصح وأثبت وأرجح من حديثه كما عرفت فيما تقدم
وأما القول بأن حديث طلق منسوخ فاستدلوا عليه بأن حديث طلق متقدم وحديث بسرة
متأخر قال الحازمي في كتاب الاعتبار ص 54 و 64 الدليل على ذلك يعني النسخ من جهة
التاريخ أن حديث طلق كان في أول الهجرة زمن كان النبي صلى الله عليه وسلم يبني المسجد وحديث بسرة وأبي
هريرة وعبد الله بن عمرو كان بعد ذلك لتأخرهم في الاسلام
ثم روى الحازمي بإسناده عن طلق بن علي قال قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وهم يبنون المسجد
فقال يا يمامي أنت أرفق بتخليط الطين ولدغتني عقرب فرقاني رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال كذا روى من هذا الوجه مختصرا وقد روى من وجه أخر أتم من هذا
وفيه ذكر الرخصة في مس الذكر قالوا إذا ثبت أن حديث طلق متقدم وأحاديث المنع
متأخرة وجب المصير إليها وصح ادعاء النسخ في ذلك ثم نظرنا هل نجد أمرا يؤكد ما صرنا إليه
فوجدنا طلقا روى حديثا في المنع فدلنا ذلك على صحة النقل في إثبات النسخ وأن طلقا قد شاهد
الحالتين وروى الناسخ والمنسوخ
ثم ذكر الحازمي بإسناده عن قيس بن طلق عن أبيه طلق بن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من مس
فرجه فليتوضأ
قال الطبراني لم يرو هذا الحديث عن أيوب بن عتبة إلا حماد بن محمد وهما عندي صحيحان
يشبه أن يكون سمع الحديث الأول من النبي صلى الله عليه وسلم قبل هذا ثم سمع هذا بعد فوافق حديث بسرة
وأم حبيبة وأبي هريرة وزيد بن خالد الجهني وغيرهم ممن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بالوضوء من
مس الذكر فسمع الناسخ والمنسوخ
ثم روى الحازمي بإسناده عن إسماعيل سعيد الكسائي الفقيه أنه قال المذهب في ذلك
234

عند من يرى الوضوء من ذلك يقولون قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء من مس الذكر من وجوه
شتى فلا يرد ذلك بحديث ملازم بن عمرو وأيوب بن عتبة ولو كانت روايتهما مثبة لكان في ذلك
مقال لكثرة من روى بخلاف روايتهما ومع ذلك الاحتياط في ذلك أبلغ
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناده صحيح أنه نهى أن يمس الرجل ذكره بيمينه أفلا ترون أن
الذكر لا يشبه سائر الجسد ولو كان ذلك بمنزلة الإبهام والأنف والأذن وما هو منا كان لا بأس علينا
أن نمسه بأيماننا وكيف يشبه الذكر بما وصفوه من الإبهام وغيره ذلك ولو كان ذلك شرعا سواءا
لكان سبيله في المس ما سميناه ولكن ههنا علة قد غابت عنا معرفتها ولعل ذلك أن تكون عقوبة
لكي يترك الناس مس الذكر فنصير من ذلك إلى الاحتياط انتهى كلام الحازمي
قال ابن حبان في صحيحه إن حديث طلق أوهم عالما من الناس أنه معارض لحديث بسرة
وليس كذلك لأنه منسوخ فإن طلق بن علي كان قدومه على النبي صلى الله عليه وسلم أول سنة من سني الهجرة
حيث كان المسلمون يبنون مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة
ثم أخرجه بسنده إلى طلق بن علي قال وأبو هريرة إسلامه سنة سبع من الهجرة فكان خبر
أبي هريرة بعد خبر طلق لسبع سنين وطلق بن علي رجع إلى بلده ثم أخرج عن طلق بن علي قال
خرجنا وفدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة نفر خمسة من بني حنيفة ورجلا من بني ابن ربيعة حتى قدمنا
على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصلينا معه وأخبرنا أن بأرضنا بيعة لنا واستوهبناه من فضل طهوره
فقال اذهبوا بهذا الماء فإذا قدمتم بلدكم فاكسروا بيعتكم ثم انضحوا مكانها من هذا الماء واتخذوا
مكانها مسجدا وفيه حتى قدمنا بلدنا فعملنا الذي أمرنا قال ابن حبان فهذا بيان واضح أن
طلق بن علي رجع إلى بلده بعد قدومه ثم لا يعلم له رجوع إلى المدينة بعد ذلك فمن ادعى ذلك
فليثبته بسنة مصرحة ولا سبيل له إلى ذلك انتهى كلام ابن حبان
قال بعض العلماء الحنفية في شرحه لشرح الوقاية المسمى بالسعاية بعد ذكر كلام الحازمي
المذكور ما لفظه هذا تحقيق حقيق بالقبول فإنه بعد إدارة النظر من الجانبين يتحقق أن أحاديث
النقض أكثر وأقوى من أحاديث الرخصة وأن أحاديث
الرخصة متقدمة وهو وإن لم يكن متيقنا
لجواز أن يكون حديث أبي هريرة وغيره من مراسيل الصحابة لكنه هو الظاهر فالأخذ بالنقض
أحوط وهو وإن كان مما يخالفه القياس من كل وجه لكن لا مجال بعد ورود الحديث
وأما كون أجل الصحابة كابن مسعود وابن عباس وعلي ونحوهم قائلين بالرخصة فلا يقدح
بعد ثبوت الآثار المرفوعة والعذر من قبلهم أنه قد بلغهم حديث طلق وأمثاله ولم يبلغهم ما ينسخه
235

ولو وصل لقالوا به وهذا ليس بمستبعد فقد ثبت انتساخ التطبيق في الركوع عند جمع ولم يبلغ ابن
مسعود وحتى دام على ذلك مع كونه ملازما للرسول عليه الصلاة والسلام انتهى كلامه
قلت الأمر عندي كما قال صاحب السعاية والله تعالى أعلم
قوله (وهذا الحديث أحسن شئ روى في هذا الباب) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن
ماجة وصححه ابن حبان والطبراني وابن حزم وقال ابن المديني هو أحسن من حديث بسرة
وضعفه الشافعي وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني والبيهقي وابن الجوزي وادعى فيه النسخ ابن
حبان والطبراني وابن العربي والحازمي وآخرون كذا في التلخيص قلت تقدم كلام الحازمي
وابن حبان
قوله (وقد تكلم بعض أهل الحديث في محمد بن جابر وأيوب بن عتبة) قال الخزرجي في
الخلاصة في ترجمة محمد بن جابر ضعفه ابن معين وقال الفلاس صدوق متروك الحديث وقال
الحافظ في التقريب صدوق ذهبت كتبه فساء حفظه وخلط كثيرا وعمى فصار يلقن ورجحه أبو
حاتم على ابن لهيعة انتهى
وقال الحافظ في ترجمة أيوب بن عتبة ضعيف وقال الذهبي في الميزان في ترجمته ضعفه أحمد
وقال مرة ثقة لا يقيم حديث يحيى وقال ابن معين ليس بالقوى وقال البخاري هو عندهم لين
وقال أبو حاتم أما كتبه فصحيحة ولكن يحدث من حفظه فيغلط وقال ابن عدي مع ضعفه يكتب
حديثه وقال النسائي مضطرب الحديث انتهى ورواية محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه
أخرجها أبو داود وابن ماجة
236

باب ترك الوضوء من القبلة
86 - قوله (عن عروة) قال الحافظ الزيلعي لم ينسب الترمذي عروة في هذا الحديث أصلا
وأما ابن ماجة فإنه نسبه فقال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع ثنا الأعمش عن حبيب بن أبي
ثابت عن عروة بن الزبير عن عائشة فذكره وكذلك رواه الدارقطني ورجال هذا السند كلهم
ثقات انتهى وكذلك قال الحافظ ابن حجر وقال وأيضا فالسؤال الذي في رواية أبي داود ظاهر في
أنه ابن الزبير لأن المزني لا يجسر أن يقول ذلك الكلام لعائشة انتهى كلام الحافظ وأراد بالسؤال
الذي في رواية أبي داود قوله من هي إلا أنت وهذا السؤال موجود في رواية الترمذي أيضا
قوله (قبل بعض نسائه) أي بعض أزواجه (ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ) أي فصلى
بالوضوء السابق ولم يتوضأ وضوءا جديدا من التقبيل وفيه دليل على أن مس المرأة لا ينقض
الوضوء
قوله (قد روى نحو هذا عن غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول
سفيان الثوري وأهل الكوفة قالوا ليس في القبلة وضوء) وإليه ذهب علي وابن عباس وعطاء
وطاوس وأبو حنيفة واستدل لهم بحديث عائشة المذكور في الباب وهو حديث ضعيف لكنه
مروي من طرق يقوي بعضها بعضا وبحديث أبي سلمة عن عائشة قالت كنت أنام بين يدي
رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتها والبيوت يومئذ
ليس فيها مصابيح أخرجه البخاري ومسلم وفي لفظ فإذا أراد أن يسجد غمز رجلي فضممتها
إلي ثم سجد وبحديثها قالت إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي وأني لمعترضة بين يديه اعتراض
237

الجنازة حتى إذا أراد أن يوتر مسني برجله أخرجه النسائي قال الحافظ في التلخيص إسناده
صحيح وقال الزيلعي إسناده على شرط الصحيح وبحديثها قالت فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة
من الفراش فالتمسته فوضعت يدي على باطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان الحديث
أخرجه مسلم والترمذي (وقال مالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق في القبلة
وضوء وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين) وإلى ذلك ذهب ابن
مسعود وابن عمر والزهري واستدل هؤلاء بقوله تعالى أو لامستم النساء قالوا هذه الآية
صرحت بأن اللمس من جملة الأحداث الموجبة للوضوء وهو حقيقة في لمس اليد ويؤيد بقاؤه على
معناه الحقيقي قراءة أو لمستم فإنها ظاهرة في مجرد اللمس من دون جماع روى البيهقي عن أبي
عبيدة وطارق بن شهاب عن عبد الله قال قوله أو لامستم النساء قول معناه ما دون الجماع
قال البيهقي هذا إسناد موصول صحيح وروى مالك في الموطأ عن عبد الله بن عمر أنه كان
يقول قبله الرجل امرأته وجسها بيده من الملامسة فمن قبل امرأته أو جسها بيده فعليه الوضوء
وقد أجيب عن هذا بأنه لا كلام في أن حقيقة الملامسة واللمس هو الجس باليد لكن المراد
في الآية المجاز وهو الجماع لوجود القرينة وهي أحاديث عائشة المذكورة التي استدل بها القائلون بأن
القبلة ليس فيها وضوء وقد صرح ابن عباس رضي الله عنهما الذي علمه الله تأويل كتابه
واستجاب فيه دعوة رسوله بأن اللمس المذكور في الآية هو الجماع وقد تقرر أن تفسيره أرجح من
تفسير غيره لتلك المزية وكذلك صرح علي رضي الله عنه أيضا قال الحافظ عماد الدين في تفسيره
اختلف المفسرون والأئمة في معنى ذلك على قولين
أحدهما أن ذلك كناية عن الجماع لقوله تعالى وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد
فرضتم لهن فريضة الآية وقال تعالى يا أيها الذين امنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن
من قبل أن تمسوهن الآية قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج ثنا وكيع عن سفيان عن أبي
إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى أو لامستم النساء قال الجماع
وروي عن علي وأبي بن كعب ومجاهد وطاوس والحسن وعبيد بن عمير وسعيد بن جبير والشعبي
وقتادة ومقاتل بن حيان نحو ذلك وقال ابن جرير حدثني حميد بن مسعدة ثنا يزيد بن زريع ثنا
شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال ذكروا اللمس فقال ناس من الموالي ليس بالجماع وقال
ناس من العرب اللمس الجماع قال فلقيت ابن عباس فقلت له إن ناسا من الموالي والعرب
238

اختلفوا في اللمس فقالت الموالي ليس بالجماع وقالت العرب الجماع قال فمن أي الفريقين كنت
قلت كنت من الموالي قال غلب فريق الموالي إن اللمس والمس والمباشرة الجماع ولكن الله يكني
ما شاء بما شاء إلى أن قال وقد صح من غير وجه عن عبد الله بن عباس أنه قال ذلك ثم قال ابن
جرير وقال آخرون عنى الله تعالى بذلك كل من لمس بيد أو بغيرها من أعضاء الانسان وأوجب
الوضوء على كل من مس بشئ من جسده شيئا من جسدها ثم أورد أثر عبد الله بن مسعود وابن
عمر وأقوال جماعة من التابعين في أن القبلة من المس وفيها الوضوء ثم قال والقول بوجوب
الوضوء من المس هو قول الشافعي وأصحابه ومالك والمشهور عن أحمد بن حنبل ثم قال ابن
جرير وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال عنى الله بقوله أو لامستم النساء الجماع
دون غيره عن معاني اللمس لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ
انتهى
قلت قول من قال إن مس المرأة لا ينقض الوضوء هو الأقوى والأرجح عندي والله تعالى
أعلم
قوله (وإنما ترك أصحابنا حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا لأنه لا يصح عندهم لحال
الإسناد) فهو ضعيف لكن قال الشوكاني في النيل الضعيف منجبر بكثرة رواياته وبحديث لمس
عائشة لبطن قدم النبي صلى الله عليه وسلم والاعتذار عن حديث عائشة في لمسها لقدمه صلى الله عليه وسلم بما ذكره ابن حجر في
الفتح من أن اللمس يحتمل أنه كان بحائل أو على أن ذلك خاص به تكلف ومخالفة للظاهر انتهى
كلامه والمراد من قوله أصحابنا أهل الحديث قال الشيخ سراج أحمد السرهندي في شرح
الترمذي ما لفظه وجزاين نيست له ترك كردند أصحاب ما أهل حديث حديث عائشة إلخ
وقال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي قوله وإنما ترك أصحابنا أي من أهل الحديث أو من
الشافعية كذا قال بعض العلماء لكن الظاهر هو الأول انتهى قلت بل هو المتعين وقد تقدم ما يتعلق
بقوله أصحابنا في المقدمة (قال وسمعت أبا بكر العطار البصري) اسمه أحمد بن محمد بن إبراهيم صدوق
من الحادية عشرة كذا في التقريب (وقال هو شبه لا شئ) يعني أنه ضعيف والحديث أخرجه أبو
239

داود وابن ماجة (وقال حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة) قال ابن أبي حاتم في كتاب
المراسيل ذكر أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال لم يسمع حبيب بن أبي ثابت من
عروة وكذلك قال أحمد لم يسمع من عروة انتهى (وقد روى عن إبراهيم التيمي عن عائشة أن
النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ) أخرجه أبو داود والنسائي (وهذا لا يصح أيضا ولا يعرف لإبراهيم
التيمي سماعا من عائشة) قال الدارقطني في سننه بعد رواية حديث إبراهيم التيمي عن عائشة
وإبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة ولا من حفصة ولا أدرك زمانهما وقد روى هذا الحديث
معاوية بن هشام عن الثوري عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عائشة فوصل إسناده
واختلف عنه في لفظه فقال عثمان بن أبي شيبة عنه بهذا الإسناد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم
وقال عنه غير عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل ولا يتوضأ والله أعلم انتهى (وليس يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم
في هذا الباب شئ) أي في باب ترك الوضوء من القبلة لكن حديث الباب مروي من طرق كثيرة
فالضعف منجبر بكثرة الطرق ويؤيده أحاديث عائشة الأخرى كما قد عرفت
واعلم أن القائلين بانتقاض الوضوء من القبلة ولمس المرأة اختلفوا في اشتراط وجود اللذة وعدمه
قال الزرقاني في شرح الموطأ لم يشترط الشافعي وجود اللذة لظاهر قول ابن عمر وابن مسعود
وعمر والآية وللاجماع على وجوب الغسل على المستكرهة والنائمة بالتقاء الختانين وإن لم تقع لذة
واشترط مالك اللذة أو وجودها عند اللمس وهو أصح لأنه لم يأت في الملامسة إلا قولان الجماع وما
دونه ومن قال بالثاني إنما
أراد ما دونه مما ليس بجماع ولم يرد اللطمة ولا قبلة الرجل ابنته ولا اللمس
بلا شهوة فلم يبق إلا ما وقعت به اللذة إذ لا خلاف أن من لطم امرأته أو داوى جرحها لا وضوء
عليه فكذلك من لمس ولم يلتذ كذا قال ابن عبد البر وفيه نظر فذهب الشافعي أن مس المرأة
بلطمها أو مداوة جرحها ناقض للوضوء فإن أراد نفي الخلاف في مذهبه لم يتم الدليل لأنه من
جملة محمل النزاع انتهى كلام الزرقاني
240

باب الوضوء من القئ والرعاف
بضم الراء الدم الذي يخرج من الأنف وأيضا الدم بعينه كذا في القاموس
87 - قوله (حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر) اسمه أحمد بن عبد الله بن محمد بن
عبد الله بن أبي السفر بفتح السين والفاء سعيد بن يحمد الكوفي روى عن عبد الله بن نمير وأبي
أسامة وعبد الصمد بن عبد الوارث وغيرهم وعنه الترمذي والنسائي وابن ماجة قال أبو حاتم
شيخ مات سنة 852 ثمان وخمسين ومائتين كذا في الخلاصة وقال في التقريب صدوق يهم
(وإسحق بن منصور) بن بهرام الكوسج أبو يعقوب التميمي المروزي ثقة ثبت من الحادية عشرة
كذا في التقريب وقال في الخلاصة هو أحد الأئمة المتمسكين بالسنة صاحب مسائل الإمامين أحمد
وإسحاق رحال جوال واسع العلم عن ابن عيينة والنضر بن شميل وخلق وعنه البخاري
ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وقال ثقة ثبت مات سنة 152 إحدى وخمسين ومائتين (قال
أبو عبيدة ثنا وقال إسحاق أنا عبد الصمد بن عبد الوارث) يعني قال أبو عبيدة في روايته ثنا عبد
الصمد بلفظ التحديث وقال إسحاق في روايته أنا عبد الصمد بلفظ الإخبار وعبد الصمد بن
عبد الوارث هذا هو ابن سعيد العنبري التنوري أبو سهل البصري الحافظ صدوق ثبت في شعبة
من التاسعة مات سنة 702 سبع ومائتين
(قال حدثني أبي) هو عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري قال النسائي ثقة
ثبت وقال الحافظ الذهبي أجمع المسلمون على الاحتجاج به قال ابن سعد توفي سنة 081 سنة
ثمانين ومائة (عن حسين المعلم) هو الحسين بن ذكوان المعلم الكتب العوذي البصري ثقة ربما وهم
قاله الحافظ (عن يعيش بن الوليد المخزومي) الأموي المعيطي روى عن أبيه
ومعاوية وعنه
يحيى بن أبي كثير والأوزاعي وثقه النسائي (عن أبيه) هو الوليد بن هشام بن معاوية بن هشام بن
عقبة بن أبي معيط بالتصغير الأموي أبو يعيش المعيطي ثقة من السادسة
241

(عن معدان بن أبي طلحة) ويقال ابن طلحة اليعمري شامي ثقة قاله الحافظ
قوله (قاء فتوضأ) قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي الفاء تدل على أن الوضوء
كان مرتبا على القئ وبسببه وهو المطلوب فتكون هي للسببية فيندفع به ما أجاب به القائلون
بعدم النقض من أنه لا دلالة في الحديث على أن القئ ناقض للوضوء لجواز أن يكون الوضوء بعد
القئ على وجه الاستحباب أو على وجه الاتفاق انتهى
قلت قوله قاء فتوضأ ليس نصا صريحا في أن القئ ناقض للوضوء لاحتمال أن تكون الفاء
للتعقيب من دون أن تكون للسببية قال الطحاوي في ح الآثار وليس في هذين الحديثين يعني
في حديث أبي الدرداء وثوبان بلفظ قاء فأفطر دلالة على أن القئ كان مفطرا له إنما فيه قاء فأفطر بعد
ذلك انتهى
(فلقيت ثوبان) قائله معدان بن أبي طلحة (فذكرت ذلك له) أي فذكرت لثوبان أن أبا
الدرداء حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ (فقال) أي ثوبان (صدق) أي أبو الدرداء (أنا صببت
له) صلى الله عليه وسلم (وضوأه) بفتح الواو أي ماء وضوئه
(وقال إسحاق بن منصور معدان بن طلحة) بحذف لفظ أبي (وابن أبي طلحة أصح) بزيادة
لفظ أبي كما في رواية أبي عبيدة
قوله (وقد رأى غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم من التابعين
الوضوء من القئ والرعاف وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق) وهو قول
الزهري وعلقمة والأسود وعامر الشعبي وعروة بن الزبير والنخعي وقتادة والحكم بن عيينة وحماد
والثوري والحسن بن صالح بن حي وعبيد الله بن الحسين والأوزاعي كذا ذكره ابن عبد البر
واستدل لهم بحديث الباب
242

قلت الاستدلال بحديث الباب موقوف على أمرين
الأول أن تكون الفاء في فتوضأ للسببية وهو ممنوع كما عرفت والثاني أن يكون لفظ فتوضأ
بعد لفظ قاء محفوظا وهو محل تأمل
فإنه روى أبو داود هذا الحديث بلفظ قاء فأفطر وبهذا اللفظ ذكر الترمذي في كتاب الصيام
حيث قال وروى عن أبي الدرداء وثوبان وفضالة بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر قال وإنما معنى
هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان صائما فقاء فضعف فأفطر لذلك
هكذا روى في بعض الحديث مفسرا انتهى وأورده الشيخ ولي الدين محمد بن عبد الله في
المشكاة بلفظ قاء فأفطر وقال رواه أبو داود والترمذي والدارمي انتهى
وأورده الحافظ في التلخيص بهذا اللفظ حيث قال حديث أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قاء فأفطر أحمد وأصحاب السنن الثلاثة وابن الجارود وابن حبان والدارقطني والبيهقي
والطبراني وابن منده والحاكم من حديث معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر قال معدان فلقيت ثوبان في مسجد دمشق إلخ ورواه الطحاوي بهذا
اللفظ في شرح الآثار فمن يروم الاستدلال بحديث الباب على أن القئ ناقض للوضوء لا بد له
من أن يثبت أن لفظ توضأ بعد لفظ قاء محفوظ فما لم يثبت هذان الأمران لا يتم الاستدلال
واستدل لهم أيضا بحديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أصابه قئ أو رعاف أو
قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم أخرجه ابن ماجة
قلت هذا حديث ضعيف فإنه من رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج وهو حجازي
ورواية إسماعيل عن الحجازيين ضعيفة ثم الصواب أنه مرسل
واستدل لهم أيضا بأحاديث أخرى ذكرها الزيلعي في نصب الراية والحافظ في الدراية
وكلها ضعيفة لا يصلح واحد منها للاستدلال من شاء الوقوف عليها وعلى ما فيها من الكلام
فليرجع إلى هذين الكتابين قال النووي في الخلاصة ليس في نقض الوضوء وعدم نقضه بالدم
والقئ والضحك في الصلاة حديث صحيح انتهى كذا في نصب الراية ص 32 (وقال بعض أهل
العلم ليس في القئ والرعاف وضوء وهو قول مالك والشافعي) فعند مالك لا يتوضأ من رعاف
ولا قئ ولا قيح يسيل من الجسد ولا يجب الوضوء إلا من حدث يخرج
من ذكر أو دبر وقيل ومن
243

نوم وعليه جماعة أصحابه وكذلك الدم عنده يخرج من الدبر لا وضوء فيه لأنه يشترط الخروج
المعتاد وقول الشافعي في الرعاف وسائر الدماء الخارجة كقوله إلا ما يخرج من المخرجين سواء
كان دما أو حصاة أو دودا أو غير ذلك وممن كان لا يرى في الدماء الخارجة من غير المخرجين
الوضوء طاوس ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة بن عبد الرحمن وأبو ثور كذا قال ابن عبد البر
في الاستذكار وقال البخاري في صحيحه وقال الحسن ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم
وقال طاوس ومحمد بن علي وعطاء وأهل الحجاز ليس في الدم وضوء انتهى قال الحافظ في
الفتح قوله وأهل الحجاز هو من عطف العام على الخاص لأن الثلاثة المذكورين قيل حجازيون
وقد رواه عبد الرزاق من طريق أبي هريرة وسعيد بن جبير وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق ابن
عمر وسعيد بن المسيب وأخرجه إسماعيل القاضي من طريق أبي الزناد عن الفقهاء السبعة من أهل
المدينة وهو قول مالك والشافعي قال وقد صح أن عمر صلى وجرحه ينبع انتهى كلام الحافظ
قلت أثر عمر هذا رواه مالك في الموطأ وفيه فصلى عمر وجرحه يثعب دما قال الزرقاني بمثلثة ثم
عين مفتوحة قال ابن الأثير أي يجري انتهى
واحتج لمالك والشافعي ومن تبعهما بما في صحيح البخاري تعليقا عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان في غزوة ذات الرقاع فرمى رجل بسهم فنزفه الدم فركع وسجد ومضى في صلاته انتهى
أجاب عنه الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات بأنه إنما ينتهض حجة إذا ثبت اطلاع
النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة ذلك الرجل وقال الخطابي ولست أدري كيف يصح الاستدلال والدم إذا
سال أصاب بدنه وربما أصاب ثيابه ومع إصابة شئ من ذلك لا تصح صلاة إلا أن يقال إن الدم
كان يجري من الجرح على سبيل الدفق حتى لم يصب شيئا من ظاهر بدنه وإن كان كذلك فهو أمر
عجب كذا ذكره الشمني انتهى كلام الشيخ
قلت حديث جابر المذكور صحيح قال الحافظ في فتح الباري أخرجه أحمد وأبو داود
والدارقطني وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم انتهى والظاهر هو اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على
صلاة ذلك الرجل فإن صلاته تلك كانت في حالة الحراسة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وذكر العلامة العيني
حديث جابر هذا في شرح الهداية من رواية
سنن أبي داود وصحيح ابن حبان والدارقطني
والبيهقي قال وزاد فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا لهما قال ولم يأمره بالوضوء ولا بإعادة الصلاة
انتهى فإن كان الأمر كما قال العيني فاطلاعه صلى الله عليه وسلم على صلاة ذلك الرجل ثابت وأما قول الخطابي
ولست أدري كيف يصح الاستدلال إلخ فقال الحافظ ابن حجر بعد ذكره ويحتمل أن يكون الدم
أصاب الثوب فقط فنزعه ولم يسل على جسمه إلا قدر يسير معفو عنه ثم الحجة قائمة به على كون
244

خروج الدم لا ينقض ولم يظهر الجواب عن كون الدم أصابه انتهى
وأجاب هؤلاء عما تمسك به الأولون بأن حديث أبي الدرداء المذكور في الباب بلفظ إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر ليس بنص صريح في أن القئ ناقض للوضوء كما عرفت ثم هو مروي
بهذا اللفظ وقد روي بلفظ قاء فأفطر قال الشوكاني في النيل الحديث عند أحمد وأصحاب السنن
الثلاث وابن الجارود وابن حبان والدارقطني والبيهقي والطبراني وابن منده والحاكم بلفظ إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر قال معدان فلقيت ثوبان في مسجد دمشق الحديث وبأن حديث
عائشة المذكور ضعيف لا يصلح للاحتجاج فإنه من رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج وهو
حجازي ورواية إسماعيل عن الحجازيين ضعيفة
قوله (وحديث حسين أحسن شئ في هذا الباب) قال ابن منده إسناده صحيح متصل
وتركه الشيخان في سنده قال الترمذي جوده حسين وكذا قال أحمد وفيه اختلاف كثير
ذكره الطبراني وغيره كذا في النيل
باب الوضوء بالنبيذ
بفتح النون وكسر الباء ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير
نبذت التمر والعنب إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذا وأنبذته اتخذته نبيذا سواء كان مسكرا أم لا
ويقال للخمر المعتصر من العنب نبيذ كما يقال للنبيذ خمر قاله ابن الأثير في النهاية
88 - قوله (نا شريك) هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي (عن أبي فزارة) اسمه راشد بن
كيسان الكوفي ثقة من الخامسة (عن أبي زيد) مجهول ليس يدري من هو ولا يعرف أبوه ولا بلده
245

قوله (سألني النبي صلى الله عليه وسلم ما في إداوتك) بكسر الهمزة إناء صغير من جلد يتخذ للماء وفي
رواية أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ليلة الجن ما في إداوتك (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (تمرة طيبة وماء
طهور) بفتح الطاء أي النبيذ ليس إلا تمرة وهي طيبة وماء وهو طهور فليس فيه ما يمنع التوضؤ
قوله (وإنما روي هذا الحديث عن أبي زيد عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو زيد رجل مجهول
عند أهل الحديث) قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية قال ابن حبان في كتاب الضعفاء أبو
زيد شيخ يروي عن ابن مسعود ليس يدري من هو ولا أبوه ولا بلده ومن كان بهذا النعت ثم لم
يرو إلا خبرا واحدا خالف فيه الكتاب والسنة والإجماع والقياس استحق مجانبة ما رواه انتهى
وقال ابن أبي حاتم في كتابه العلل سمعت أبا زرعة يقول حديث أبي فزارة بالنبيذ ليس
بصحيح وأبو زيد مجهول وذكر ابن عدي عن البخاري قال أبو زيد الذي روى حديث ابن
مسعود في الوضوء بالنبيذ مجهول لا يعرف بصحبة عبد الله ولا يصح هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
وهو خلاف القرآن انتهى
قال القاري في المرقاة قال السيد جمال أجمع المحدثون على أن هذا الحديث ضعيف
انتهى
وقال الحافظ في فتح الباري هذا الحديث أطبق علماء السلف على تضعيفه انتهى
وقال الطحاوي في معاني الآثار إن حديث ابن مسعود روي من طرق لا تقوم بمثلها
حجة انتهى
والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجة
قوله (وقد رأى بعض أهل العلم الوضوء بالنبيذ منهم سفيان وغيره) ومنهم أبو حنيفة
246

قال في شرح الوقاية فإن عدم الماء إلا نبيذ التمر قال أبو حنيفة بالوضوء به فقط
وأبو يوسف بالتيمم فحسب ومحمد بهما انتهى
واستدل لهم بحديث عبد الله بن مسعود المذكور في الباب وقد عرفت أنه ضعيف لا يصلح
للاحتجاج
وروي أن الإمام أبا حنيفة رجع إلى قول أبي يوسف قال القاري في المرقاة وفي خزانة
الأكمل قال التوضؤ بنبيذ التمر جائز من بين سائر الأشربة عند عدم الماء ويتيمم معه عند أبي حنيفة
وبه أخذ محمد وفي رواية عنه يتوضأ ولا يتيمم وفي رواية يتيمم ولا يتوضأ وبه أخذ أبو يوسف
وروى نوح الجامع أن أبا حنيفة رجع إلى هذا القول انتهى
وقال العيني في شرح البخاري ص 849 ج 1 ما لفظه وفي أحكام القران لأبي بكر
الرازي عن أبي حنيفة في ذلك ثلاث روايات إحداها يتوضأ به ويشترط فيه النية ولا يتيمم وهذه
هي المشهورة
وقال قاضيخان هو قوله الأول وبه قال زفر والثانية يتيمم ولا يتوضأ رواها عنه نوح بن أبي
مريم وأسد بن عمر والحسن بن زياد
قال قاضيخان وهو الصحيح عنه والذي رجع إليها وبها قال أبو يوسف وأكثر العلماء واختار
الطحاوي هذا
والثالثة روى عنه الجمع بينهما وهذا قول محمد انتهى
(وقال بعض أهل العلم لا يتوضأ بالنبيذ وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) وبه قال أكثر
العلماء وجمهورهم ودليلهم أن النبيذ ليس بماء وقال الله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا
طيبا وأجابوا عن حديث الباب بأنه ضعيف لا يصلح للاحتجاج وضعف الطحاوي أيضا
حديث عبد الله بن مسعود واختار أنه لا يجوز بالنبيذ الوضوء في سفر ولا في حضر
وقال إن حديث ابن مسعود روي من طرق لا تقوم بمثلها حجة وقد قال عبد الله ابن
مسعود إني لم أكن ليلة الجن مع النبي صلى الله عليه وسلم ووددت أني كنت معه
وسئل أبو عبيدة هل كان أبوك ليلة الجن مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا مع أن فيه انقطاعا لأن
أبا عبيدة لم يسمع من أبيه ولم نعتبر فيه اتصالا ولا انقطاعا ولكنا احتججنا بكلام أبي عبيدة لأن
مثله في تقدمه في العلم ومكانه من أمره لا يخفى عليه مثل هذا فجعلنا قوله حجة فيه (وقول
247

من قال لا يتوضأ بالنبيذ أقرب إلى الكتاب وأشبه لان الله تعالى قال (فلم تجدوا ماء فتيمموا
صعيدا طيبا) أي والنبيذ ليس بماء
قال ابن العربي في العارضة والماء يكون في تصفيته ولونه وطعمه فإذا خرج عن إحداها لم
يكن ماء
وقال فلم يجعل بين الماء والتيمم واسطة وهذه زيادة على ما في كتاب الله عز وجل والزيادة
عندهم على النص نسخ ونسخ القرآن عندهم لا يجوز إلا بقرآن مثله أو بخبر متواتر ولا ينسخ الخبر
الواحد إذا صح فكيف إذا كان ضعيفا مطعونا فيه انتهى
تنبيه قال صاحب العرف الشذي وأما قول إنه يلزم الزيادة على القاطع بخبر الواحد
فالجواب أنه وإن كان الماء المنبذ مقيدا في بادئ الرأي إلا أن العرب يستعملون النبيذ موضع الماء
المطلق فلم يكن على طريق التفكه بل يكون مثل الماء المخلوط بالثلج المستعمل في زماننا فإنه لا
يقول أحد بأنه ماء مقيد انتهى
قلت هذا الجواب واه جدا فإن النبيذ لو كان مثل الماء المخلوط بالثلج لم يقع الاختلاف في
جواز التوضؤ به عند عدم الماء بل يجوز الوضوء به عند وجود الماء أيضا كما يجوز الوضوء بالماء
المخلوط بالثلج عند وجود الماء الخالص بالاتفاق
والعجب كل العجب أنه كيف تفوه بأن النبيذ مثل الماء المخلوط بالثلج ومعلوم أن الثلج
نوع من أنواع من المياه الصرفة فالماء المخلوط به ماء صرف وأما النبيذ فليس بماء صرف بل هو
ماء اختلط به أجزاء ما ألقي فيه من التمر وغيره وصار طعمه حلوا بحيث زال عنه اسم الماء ألا
ترى أنه وقع في بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم سأل ابن مسعود هل معك ماء فقال لا مع أنه كان معه
النبيذ
قال الزيلعي في نصب الراية إنه عليه السلام قال هل معك ماء قال لا فدل على أن الماء
استحال في التمر حتى سلب عنه اسم
الماء وإلا لما صح نفيه عنه انتهى وأما قوله إن العرب
يستعملون النبيذ موضع المطلق إلخ فلا يجدي نفعا فإن باستعمالهم شيئا غير الماء مكان الماء المطلق
لا يكون ذلك الشئ عند الشرع ماء مطلقا وفي حكمه
248

واعلم أن هذا الإشكال الذي ذكره القاضي أبو بكر بن العربي عسير جدا على الحنفية لا
يمكن منهم دفعه ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا وأما ما قيل من أن حديث النبيذ مشهور يزاد بمثله
على الكتاب فهو مما لا يلتفت إليه فإن شراح الهداية قد بينوا أن هذا الحديث ليس مشهورا بالشهرة
الاصطلاحية الذي تجوز به الزيادة نعم له شهرة عرفية ولغوية كما ذكره صاحب السعاية وقال
الزيلعي في نصب الراية أما كونه مشهورا فليس يريد الاصطلاحي انتهى
وأما قول صاحب بذل المجهود قال به جماعة من كبراء الصحابة منهم علي وابن مسعود وابن
عمر وابن عباس رضي الله عنهم فتبين أن الحديث ورد مورد الشهرة والاستفاضة حيث عمل به
الصحابة وتلقوه بالقبول ومثله مما ينسخ به الكتاب
فمبني على قلة اطلاعه فإنه لم يثبت بسند صحيح عن أحد من الصحابة التوضؤ بالنبيذ
قال الحافظ في الدراية قوله والحديث مشهور عمل به الصحابة أما الشهرة فليست
الاصطلاحية وإنما يريد شهرته بين الناس وأما عمل الصحابة فلم يثبت عن أحد منهم فقد
أخرج الدارقطني ذلك من وجهين ضعيفين عن علي ومن وجه اخر أضعف منهما عن ابن عباس
ومن طريق أخرى عن ابن عباس مرفوعا إذا لم يجد أحدكم ماء ووجد النبيذ فليتوضأ به وأخرجه
من وجه اخر نحوه وقال الصواب موقوف على عكرمة قال البيهقي رواه هقل والوليد عن
الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة من قوله وكذا قال شيبان وعلي بن المبارك عن يحيى
انتهى
باب المضمضة من اللبن
89 - قوله (عن عقيل) بضم العين مصغرا هو ابن خالد بن عقيل بالفتح الأيلي أبو خالد
مولى عثمان روى عن القاسم وسالم والزهري وخلق وعنه أيوب بن أيوب والليث وثقه أحمد
قال أبو حاتم أثبت من معمر مات سنة 141 إحدى وأربعين ومائة
قوله (إن له دسما) منصوب على أنه اسم إن وقدم عليه خبره والدسم بفتحتين الشئ
الذي يظهر على اللبن من الدهن وهو بيان لعلة المضمضة من اللبن فيدل على استحبابها من كل
شئ دسم ويستنبط منه استحباب غسل اليدين للتنظيف قاله الحافظ وغيره
249

قوله (وفي الباب عن سهل بن سعد وأم سلمة) أخرج حديثهما ابن ماجة قال الحافظ في
الفتح وإسناد كل منهما حسن
قوله (وهذا حديث حسن صحيح) هذا أحد الأحاديث التي أخرجها الأئمة الخمسة وهم
الشيخان وأبو داود والنسائي والترمذي عن شيخ واحد وهو قتيبة قاله الحافظ
قوله (وهذا عندنا على الاستحباب)
فإن قلت روى ابن ماجة هذا الحديث من طريق الوليد بن مسلم قال حدثنا الأوزاعي
فذكره بصيغة الأمر مضمضوا من اللبن الحديث ورواه ابن ماجة من حديث أم سلمة
وسهل بن سعد مثله وأصل الأمر الوجوب
قلت نعم الأصل في الأمر الوجوب لكن إذا وجد دليل الاستحباب يحمل عليه وههنا دليل
الاستحباب موجود قال الحافظ في الفتح والدليل على أن الأمر فيه للاستحباب ما رواه الشافعي
عن ابن عباس راوي الحديث أنه شرب لبنا فمضمض ثم قال لو لم أتمضمض ما باليت وروى
أبو داود بإسناد حسن عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبنا فلم يتمضمض ولم يتوضأ انتهى كلام
الحافظ
فإن قلت ادعى ابن شاهين أن حديث أنس ناسخ لحديث ابن عباس
قلت لم يقل به أحد ومن قال فيه بالوجوب حتى يحتاج إلى دعوى النسخ قاله العيني
باب في كراهة رد السلام غير متوضئ
90 - قوله (قالا نا أبو أحمد) اسمه محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم الأسدي الزبيري
250

الكوفي ثقة ثبت إلا أنه قد يخطئ في حديث الثوري من التاسعة مات سنة 203 ثلاث ومائتين
كذا في التقريب (عن سفيان) هو الثوري (عن الضحاك بن عثمان) بن عبد الله بن خالد بن حزام
الأسدي الحزامي المدني روى عن زيد بن أسلم ونافع وخلق وعنه الثوري وابن وهب ويحيى
القطان وخلق وثقه ابن معين وأبو داود وابن سعد وقال توفي بالمدينة سنة 351 ثلاث وخمسين
ومائة وقال أبو زرعة ليس بقوي كذا في الخلاصة وقال في التقريب صدوق يهم
قوله (فلم يرد عليه) في هذا دلالة على أن المسلم في هذه الحالة لا يستحق جوابا وهذا متفق
عليه بين العلماء بل قالوا يكره أن يسلم على المشتغل بقضاء حاجة البول والغائط فإن سلم كره له
رد السلام ويكره للقاعد لقضاء الحاجة أن يذكر الله تعالى بشئ من الأذكار فلا يرد السلام ولا
يشمت العاطس ولا يحمد الله تعالى إذا عطس وفي حديث جابر بن عبد الله عند ابن ماجة أن
رجلا مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتني على مثل هذه الحالة
فلا تسلم علي فإنك إن فعلت ذلك لم أرد عليك
قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري
قوله (وإنما يكره هذا) أي رد السلام (إذا كان) أي الذي سلم عليه (على الغائط والبول)
وأما إذا فرغ وقام فلا كراهة في رد السلام وعلى هذا فلا مطابقة بين الحديث والباب إذ الحديث
خاص والباب عام
قوله (وفي الباب عن المهاجر بن قنفذ وعبد الله بن حنظلة وعلقمة بن الشفواء وجابر
والبراء) أما حديث المهاجر بن قنفذ فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة بلفظ إنه سلم على
251

النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ فلم يرد عليه حتى فرغ من وضوئه فرد عليه وقال إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا
أني كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة ولفظ أبو داود وهو يبول وأما حديث عبد الله بن حنظلة
فأخرجه أحمد بلفظ إن رجلا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وقد بال فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال بيده
إلى الحائط يعني أنه تيمم قال الهيثمي في مجمع الزوائد فيه رجل لم يسم انتهى وأما حديث
علقمة بن الشفواء فأخرجه الطبراني في الكبير بلفظ قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أهرق الماء نكلمه
فلا يكلمنا حتى يأتي منزله فيتوضأ وضوءه للصلاة قلنا يا رسول الله نكلمك فلا تكلمنا ونسلمك
فلا ترد علينا حتى نزلت اية الرخصة يا أيها الذين امنوا إذا قمتم إلى الصلاة الآية قال
الهيثمي وفيه جابر الجعفي وهو ضعيف انتهى وأما حديث جابر وهو ابن عبد الله فأخرجه ابن
ماجة وقد تقدم لفظه وفي الباب عن جابر بن سمرة أيضا قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
يبول فسلمت عليه فلم يرد علي ثم دخل بيته ثم خرج فقال وعليكم السلام أخرجه الطبراني في
الكبير والأوسط وقال تفرد به الفضل بن أبي حسان قال الهيثمي في مجمع الزوائد لم أجد من
ذكره وأما حديث البراء وهو ابن عازب فأخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ إنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم
وهو يبول فلم يرد عليه السلام حتى فرغ قال الهيثمي فيه من لم أعرفه انتهى
باب ما جاء في سؤر الكلب
91 - قوله (حدثنا سوار) بفتح السين وتشديد الواو (بن عبد الله العنبري) التميمي
البصري قاضي الرصافة وغيرها ثقة من العاشرة غلط من تكلم فيه قاله الحافظ روى عن
معتمر بن سليمان ويزيد بن زريع وغيرهما وعنه أبو داود والترمذي والنسائي ووثقه قال ابن حبان
في الثقات مات سنة 543 خمس وأربعين ومائتين (نا المعتمر بن سليمان) التيمي أبو محمد
البصري أحد الأعلام يلقب بالطفيل ثقة مات سنة 781 سبع وثمانين ومائة (قال سمعت أيوب)
بن أبي تميمة كيسان السختياني البصري الفقيه أحد الأئمة الأعلام ثقة ثبت حجة من كبار الفقهاء
مات سنة 131 إحدى وثلاثين ومائة وله خمس وستون عن محمد بن سيرين الأنصاري
البصري ثقة ثبت عابد كبير القدر كان لا يرى الرواية بالمعنى من الثالثة مات سنة 110 عشرة
ومائة
252

قوله (إذا ولغ) يقال ولغ يلغ بالفتح فيهما إذا شرب بطرف لسانه أو أدخل لسانه فيه فحركه
وقال ثعلب هو أن يدخل لسانه في الماء وغيره من كل مائع فيحركه زاد ابن درستويه شرب أو لم
يشرب كذا في الفتح (أولاهن أو أخراهن بالتراب) كذا في رواية الترمذي وفي رواية مسلم
وغيره من طريق هشام بن حسان عن ابن سيرين أولاهن
قال الحافظ في الفتح هي رواية الأكثر عن ابن سيرين ثم ذكر الروايات المختلفة في محل
غسلة التتريب ثم قال ورواية أولاهن أرجح من حيث الأكثرية والأحفظية ومن حديث المعنى أيضا
لأن تتريب الأخيرة يقتضي الاحتياج إلى غسلة أخرى لتنظيفه انتهى
فقوله أولاهن أو أخراهن بالتراب في رواية الترمذي إن كانت كلمة أو فيه للشك من الراوي
فيرجع إلى الترجيح وقد عرفت أن رواية أولاهن أرجح وإن كانت من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فهو تخيير
منه
قوله (وإذا ولغت فيه الهرة غسل مرة) هذه الجملة ليست من الحديث المرفوع بل هي
مدرجة وسيجئ تحقيقه
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مالك وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة
قوله (وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) قال الشوكاني في النيل والحديث يدل على وجوب
الغسلات السبع من ولوغ الكلب
وإليه ذهب ابن عباس وعروة بن الزبير ومحمد بن سيرين وطاوس وعمرو بن دينار
والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وداود انتهى
وقال النووي فيه وجوب غسل نجاسة ولوغ الكلب سبع مرات وهذا مذهبنا ومذهب
مالك والجماهير وقال أبو حنيفة يكفي غسله ثلاث مرات انتهى
وقال الحافظ في الفتح أما الحنفية فلم يقولوا بوجوب السبع ولا التتريب واعذر الطحاوي
وغيره عنهم بأمور
253

منها كون أبي هريرة راويه أفتى بثلاث غسلات فثبت بذلك نسخ السبع
وتعقب بأنه يحتمل أن يكون أفتى بذلك لاعتقاده ندبية السبع لا وجوبها أو كان نسي ما رواه
والاحتمال لا يثبت النسخ
وأيضا فقد ثبت أنه أفتى بالغسل سبعا ورواية من روى عنه موافقة فتياه لروايته أصح من
رواية من روى عنه مخالفتها من حيث الإسناد ومن حيث النظر
أما النظر فظاهر وأما الأسناد فالموافقة وردت من رواية حماد بن زيد عن أيوب عن ابن
سيرين عنه وهذا من أصح الأسانيد
وأما المخالفة فمن رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه وهو دون الأول في القوة
بكثير
ومنها أن العذرة أشد في النجاسة من سؤر الكلب ولم تقيد بالسبع فيكون الولوغ كذلك من
باب الأولى
وأجيب بأنه لا يلزم من كونها أشد منه في الاستقذار أن لا يكون منها في تغليظ الحكم
وبأنه قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار
ومنها دعوى أن الأمر بذلك كان عند الأمر بقتل الكلاب فلما نهى عن قتلها نسخ الأمر
بالغسل
وتعقب بأن الأمر بقتلها كان في أوائل الهجرة والأمر بالغسل متأخر جدا لأنه من رواية أبي
هريرة وعبد الله بن مغفل وقد ذكر ابن مغفل أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالغسل وكان إسلامه سنة سبع
كأبي هريرة بل سياق مسلم ظاهر في أن الأمر بالغسل كان بعد الأمر بقتل الكلاب انتهى كلام
الحافظ
تنبيه ذكر النيموي فعل أبي هريرة عن عطاء عن أبي هريرة أنه قال إذا ولغ الكلب في الإناء
غسله ثلاث مرات قال رواه الدارقطني وآخرون وإسناده صحيح ثم ذكر قول أبي هريرة عن
عطاء عن أبي هريرة قال إذا ولغ الكلب في الاناء فأهرقه ثم اغسله ثلاث مرات قال رواه
الدارقطني والطحاوي وإسناده صحيح انتهى
قلت مدار فعل أبي هريرة وقوله على عبد الملك بن أبي سليمان لم يروهما غيره وهو وإن كان
ثقة لكن كان له أوهام وكان يخطئ
قال الحافظ في التقريب صدوق له أوهام
254

وقال الخزرجي في الخلاصة قال أحمد ثقة يخطئ
قال الدارقطني بعد روايته هذا موقوف ولم يروه هكذا غير عبد الملك عن عطاء اه
قال البيهقي تفرد به عبد الملك من أصحاب عطاء ثم أصحاب أبي هريرة والحفاظ الثقات
من أصحاب عطاء وأصحاب أبي هريرة يروون سبع مرات وفي ذلك دلالة على خطأ رواية
عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة في الثلاث وعبد الملك لا يقبل منه ما يخالف
الثقات لمخالفته أهل الحفظ والثقة في بعض روايته تركه شعبة بن الحجاج ولم يحتج به البخاري في
صحيحه انتهى
كذا ذكر العيني كلام البيهقي في شرح البخاري ولم يتكلم عليه إلا أنه نقل عن أحمد والثوري أنه
من الحفاظ وعن الثوري هو ثقة فقيه متقن وعن أحمد بن عبد الله ثقة ثبت في الحديث
وقد عرفت أنه ثقة يخطئ وله أوهام ولم يحتج به البخاري في صحيحه فكيف ما رواه مخالفا
وقد ثبت عن أبي هريرة بإسناد أصح من هذا أنه أفتى بغسل الاناء سبع مرات موافقا لحديثه
المرفوع ففي سنن الدارقطني ص 33 حدثنا المحاملي نا حجاج بن الشاعر نا عارم نا حماد بن زيد
عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة في الكلب يلغ في الإناء قال يهراق ويغسل سبع مرات قال
الدارقطني صحيح موقوف انتهى وقول أبي هريرة هذا أرجح وأقوى إسنادا من قوله وفعله المذكورين المخالفين لحديثه
المرفوع كما عرفت في كلام الحافظ فقوله الموافق لحديثه المرفوع يقدم على قوله وفعله المذكورين
وأما قول النيموي في التعليق ولم يرو أحد من أصحابه يعني أصحاب أبي هريرة أثرا من قوله أو
فعله خلاف ما رواه منه عطاء إلا ابن سيرين في رواية عند البيهقي قال في المعرفة وروينا عن
حماد بن زيد ومعتمر بن سليمان عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة من قوله نحو روايته
عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال ولم يذكر السند حتى ينظر فيه انتهى فمبني على قصور نظره أو على فرط تعصبه فإن
البيهقي وإن لم يذكر سنده فالدارقطني ذكره في سننه وقال بعد روايته صحيح موقوف وقد صرح
الحافظ في الفتح بأنه سنده أرجح وأقوى من سند قوله المخالف لحديثه
والعجب من النيموي أنه رأى في سنن الدارقطني قول أبي هريرة المخالف لروايته ونقله منه
ولم ير فيه قوله الموافق لحديثه وكلاهما مذكوران في صفحة واحدة
تنبيه اخر قال صاحب العرف الشذي وجواب الحديث من قبلنا أن التسبيع مستحب
255

عندنا كما صرح به الزيلعي شارح الكنز ثم وجدته مرويا عن أبي حنيفة في تحرير ابن الهمام انتهى
قلت فبطل بهذا قولكم بادعاء نسخ التسبيع يا معشر الحنفية ثم حمل الأمر بالتسبيع على
الاستحباب ينافيه قوله صلى الله عليه وسلم طهور إناء أحدكم الحديث
ثم قال ولو كان التسبيع واجبا كيف اكتفى بالتثليث قلت تقدم جوابه في كلام الحافظ
ثم قال وفتوى التثليث مرفوعة في كامل ابن عدي عن الكرابيسي وهو حسين بن علي
تلميذ الشافعي وهو حافظ إمام فالحديث حسن أو صحيح
قلت تفرد برفعها الكرابيسي ولم يتابعه على ذلك أحد وقد صرح ابن عدي في الكامل بأن
المرفوع منكر قال الحافظ في لسان الميزان ما لفظه قال يعني ابن عدي حدثنا أحمد بن الحسن ثنا
الكرابيسي ثنا إسحاق الأزرق ثنا عبد الملك عن عطاء عن الزهري رفعه إذا ولغ الكلب في إناء
أحدكم فليهرقه وليغسله ثلاث مرات ثم أخرجه ابن عدي من طريق عمر بن شبة عن إسحاق
موقوفا ثم قال تفرد الكرابيسي برفعه وللكرابيسي كتب مصنفة ذكر فيها الاختلاف وكان حافظا لها
ولم أجد له منكرا غير ما ذكرت انتهى ما في اللسان فقول صاحب العرف الشذي فالحديث حسن
أو صحيح ليس مما يلتفت إليه
تنبيه آخر للعيني تعقبات على كلام الحافظ الذي نقلناه عن الفتح كلها مخدوشة واهية
حاجة إلى نقلها ثم دفها لكن لما ذكرها صاحب بذل المجهود وصاحب الطيب الشذي وغيرهما
واعتمدوا عليها فعلينا أن نذكرها ونظهر ما فيها من الخدشات قال العيني كون الأمر بقتل
الكلاب في أوائل الهجرة يحتاج إلى دليل قطعي ولئن سلمنا ذلك فكان يمكن أن يكون أبو هريرة
وابن المغفل قد سمعا ذلك من صحابي آخر فأخبرا عن النبي صلى الله عليه وسلم لاعتمادهما صدق الرواي عنه لأن
الصحابة كلهم عدول انتهى
قلت قد رد هذا التعقب المولوي عبد الحي اللكنوي في السعاية ردا حسنا فقال وهذا
تعقب غير مرضي عندي فإن كون رواية أبي هريرة وابن المغفل بواسطة صحابي آخر احتمال مردود
لورود سماع أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وشهادته على أبلغ وجه بسماعه أخرجه ابن ماجة عن أبي
رزين قال رأيت أبا هريرة يضرب جبهته بيده ويقول يا أهل العرق أنتم تزعمون أني أكذب على
رسول الله صلى الله عليه وسلم لكون لكم الهناء وعلي الإثم أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ولغ الكلب في
إناء أحدكم فليغسله سبع مرات وكذا ابن المغفل سمع أمر قتل الكلاب كما أخرجه الترمذي عنه
وحسنه قال لمن يرفع أغصان الشجرة عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال لولا أن الكلاب
256

أمة من الأمم لأمرت بقتلها فقتلوا منها كل أسود بهيم وما من بيت يرتبطون كلبا إلا نقص من
عملهم كل يوم قيراط إلا كلب صيد أو كلب حرث أو كلب غنم
فهذا يدل على أنه سمع بلا واسطة نسخ عموم القتل والرخصة في كلب الصيد ونحوه
وظاهر سياق مسلم عنه أن الأمر بالغسل سبعا وقع بعد ذلك ويدل عليه صريحا رواية الطحاوي
في شرح معاني الآثار عنه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب ثم قال مالي وللكلاب ثم قال إذا
ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات وعفروه الثامنة بالتراب فدل ذلك صريحا على أن
الأمر بالغسل سبعا كان بعد نسخ الأمر بقتل الكلاب لا في ابتداء الاسلام انتهى ما في السعاية
قال العيني بعد ذكر احتمال اعتقاد الندب والنسيان هذا إساءة الظن بأبي هريرة فالاحتمال
الناشئ من غير دليل لا يسمع انتهى
قلت قدره صاحب السعاية فقال إن احتمال النسيان واعتقاد الندب ليس بإساءة ظن وليس
فيه قدح بوجه من الوجوه انتهى
قلت وفي احتمال اعتقاد الندب كيف يكون إساءة الظن وقد قال صاحب العرف الشذي
وجواب الحديث من قبلنا أن التسبيع مستحب عندنا كما صرح به الزيلعي وصاحب الكنز ثم
وجدته مرويا عن أبي حنيفة في تحرير ابن الهمام انتهى
قال العيني بعد ما ذكر أن قياس سؤر الكلب على العذرة قياس في مقابلة النص وهو فاسد
الاعتبار ما لفظه ليس هو قياس في مقابلة النص بل هو من باب ثبوت الحكم بدلالة النص
انتهى
قلت قد رده صاحب السعاية فقال هذا لو تم لدل على تطهير الإناء من سؤر الكلب واحدا
أو ثلاثا بدلالة النص وأحاديث السبع دالة بعبارتها على اشتراط السبع وقد تقرر في الأصول أن
العبارة مقدمة على الدلالة قال وأيضا هذا منقوض بنقض الوضوء بالقهقهة في الصلاة مع عدم
نقضه بسب المسلم في الصلاة وهو أشد منه فالجواب الجواب انتهى
وإن شئت الوقوف على ما بقي من تعقباته مع بيان ما فيها من الخدشات فارجع إلى
السعاية
تنبيه اعلم أن الشيخ ابن الهمام قد تصدى لإثبات نسخ أحاديث السبع فذكر فيه تقريرات
في فتح القدير وقد رد تلك التقريرات صاحب السعاية ردا حسنا وقال في أول كلامه عليها ما
257

لفظه وفيه على ما أقول خدشات تنبهك على أن تقريره كله من خرافة ناشئ عن عصبية مذهبية
وقال في اخر كلامه عليها ما لفظه فتأمل في هذا المقام فإن المقام من مزال الأقدام حتى زل قدم
الهجام بن الهمام انتهى
ولعل صاحب بذل المجهود عن هذا غافل فذكر تلك التقريرات المردودة وكذا ذكر
تعقبات العيني المردودة واعتمد عليهما واغتنمهما
وكذلك يأتي في أمثال هذه المباحث بالتقريرات المخدوشة ولا يظهر ما فيها من الخدشات
ولا يشير إلى من ردها فلا أدري أنه يأتي بها مع الوقوف على ردها أو مع الغفلة عن ذلك فالله
تعالى أعلم
فإن كان لا يدري فتلك مصيبة وإن كان يدري فالمصيبة أعظم
وقد أطال في هذا البحث الفاضل للكنوي في السعاية الكلام وأجاد وقال في اخر البحث ما
لفظه ولعل المنصف غير المتعسف يعلم بعد ملاحظة هذا البحث ضعف كلام أرباب التثليث
وقوة كلام أصحاب التسبيع والتثمين انتهى
قوله (وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة نحو هذا ولم يذكر فيه إذا ولغت
الهرة غسل مرة) قال الحافظ في الدراية بعد نقل هذا الحديث عن جامع الترمذي وذكر قوله هذا
وقد أخرجه أبو داود وبين أن الهر موقوف انتهى
وقال البيهقي في المعرفة حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة إذا ولغ الهر غسل مرة
فقد أدرجه بعض الرواة في حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم في ولوغ
الكلب ووهموا فيه والصحيح أنه في ولوغ الكلب مرفوع وفي ولوغ الهر موقوف ميزه علي بن نصر الجهضمي عن قرة بن خالد عن ابن
سيرين عن أبي هريرة ووافقه عليه جماعة من الثقات انتهى
وروى الدارقطني هذا الحديث في سننه من طريق أبي بكر النيسابوري عن حماد وبكار عن
أبي عاصم عن قرة بن خالد عن محمد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طهور الاناء إذا ولغ
فيه الكلب يغسل سبع مرات الأولى بالتراب والهرة مرة أو مرتين قرة يشك ثم قال الدارقطني
قال أبو بكر كذا رواه أبو عاصم مرفوعا ورواه غيره عن قرة ولوغ الكلب مرفوعا وولوغ الهر
258

موقوفا انتهى
وقوله (وفي الباب عن عبد الله بن مغفل) أخرجه مسلم مرفوعا بلفظ إذا ولغ الكلب في
الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة بالتراب قال النووي في شرح مسلم فأما رواية
وعفروه الثامنة بالتراب فمذهبنا ومذهب الجماهير أن المراد اغسلوه سبعا واحدة منهن بالتراب مع
الماء فكأن التراب قائم مقام غسله فسميت ثامنة لهذا والله أعلم انتهى
وتعقب ابن دقيق العيد على هذا القول بأن قوله وعفروه الثامنة بالتراب ظاهر في كونها غسلة
مستقلة لكن لو وقع التعفير في أوله قبل ورود الغسلات السبع كانت الغسلات ثمانية ويكون
إطلاق الغسلة على التتريب مجازا وهذا الجمع من مرجحات تعين التراب في الأولى انتهى
باب ما جاء في سؤر الهرة
قوله (نا معن) هو معن بن عيسى بن يحيى الأشجعي ثقة ثبت قال أبو حاتم هو أثبت
أصحاب مالك
(عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني ثقة حجة من رجال الستة مات
سنة 132 اثنتين وثلاثين ومائة (عن حميدة ابنة عبيد بن رفاعة) الأنصارية المدنية زوج إسحاق بن
أبي طلحة وهي والدة يحيى بن إسحاق مقبولة كذا في التقريب قلت هي من التابعيات
وذكرها ابن حبان في الثقات كما في تهذيب التهذيب (عن كبشة ابنة كعب بن مالك) زوج عبد الله
بن أبي قتادة وقال ابن حبان لها صحبة (وكانت عند ابن أبي قتادة) وهو الحارث بن ربعي
الأنصاري فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم واسم ابنه عبد الله والمعنى كانت زوجة ولده (أن أبا قتادة دخل
عليها) أي على كبشة (قالت فسكبت له وضوءا) بضم التاء على المتكلم والوضوء بفتح الواو ماء
الوضوء أي صببت له وضوءا في الإناء ليتوضأ منه لما جاء في رواية فسكبت له وضوءا في إناء قاله
259

أبو الطيب السندي وفي المرقاة قال الأبهري بضم التاء على التكلم ويجوز السكون على التأنيث
انتهى
قال القاري لكن أكثر النسخ الحاضرة المصححة بالتأنيث ويؤيد المتكلم ما في المصابيح
قالت فسكبت انتهى
(فأصغي) بالغين المعجمة أي أمال (لها) أي الهرة الإناء ليسهل عليها الشرب (فرآني أنظر
إليه) أي فرآني أبو قتادة والحال أني أنظر إلى شرب الهرة الماء نظر المنكر أو المتعجب (فقال أتعجبين)
أي بشربها من وضوئي (يا ابنة أخي) المراد إخوة الاسلام ومن عادة العرب أن يدعو بيا ابن أخي
ويا ابن عمي وإن لم يكن أخا أو عما له في الحقيقة (إنها) أي الهرة (ليست بنجس) قال
المنذري ثم النووي ثم ابن دقيق العيد ثم ابن سيد الناس بفتح الجيم من النجاسة كذا في زهر
الربى على المجتبى وكذا ضبط السيوطي في قوت المغتذي
وقال القاري في المرقاة وذكر الكازروني أن بعض الأئمة قال هو بفتح الجيم والنجس
النجاسة فالتقدير أنها ليست بذات نجس وفيما سمعنا وقرأنا على مشايخنا هو بكسر الجيم وهو
القياس أي ليست بنجسة ولم يلحق التاء نظرا إلى أنها في معنى السنور انتهى
(إنما هي من الطوافين عليكم) قال البغوي في شرح السنة يحتمل أنه شبهها بالمماليك من
خدم البيت الذين يطوفون على أهله للخدمة كقوله تعالى طوافون عليكم ويحتمل أنه شبهها
بمن يطوفون للحاجة يريد أن الأجر في مواساتها كالأجر في مواساة من يطوف للحاجة والأول هو
المشهور وقول الأكثر وصححه النووي في شرح أبي داود وقال لم يذكر جماعة سواه (والطوافات)
شك من الراوي كذا قاله ابن الملك
وقال في الأزهار يشبه ذكورها بالطوافين وإناثها بالطوافات
وقال ابن حجر وليست للشك لوروده بالواو في روايات أخر بل للتنويع ويكون ذكر
الصنفين من الذكور والإناث كذا في المرقاة
260

قوله (وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة) أما حديث عائشة فأخرجه أبو داود عن داود بن
صالح بن دينار التمار عن أمه أن مولاتها أرسلتها بهريسة إلى عائشة فوجدتها تصلي فأشارت إلى أن
ضعيها فجاءت هرة فأكلت منها فلما انصرفت أكلت من حيث أكلت الهرة فقالت إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضلها
قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر هذا الحديث ما لفظه
ورواه الدارقطني وقال تفرد به عبد العزيز الدراوردي عن داود بن صالح عن أمه بهذه
الألفاظ وروى ابن ماجة والدارقطني من حديث حارثة عن عمرة عن عائشة قالت كنت أتوضأ أنا
ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد قد أصابت منه الهرة قبل ذلك
قال الدارقطني وحارثة لا بأس به انتهى كذا في نصب الراية
وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الدارقطني بلفظ قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي دار قوم من
الأنصار ودونهم دار فشق ذلك عليهم فقالوا يا رسول الله تأتي دار فلان ولا تأتي دارنا فقال عليه
الصلاة والسلام لأن في داركم كلبا قالوا فإن في دارهم سنورا فقال عليه السلام السنور سبع
ورواه الحاكم مختصرا بلفظ السنور سبع
ورواه أحمد وابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه في مسانيدهم الهر سبع وفي أسانيد جميع
هؤلاء عيسى بن المسيب وعليه مدار جميع طرق الحديث وهو ضعيف
وقد ذكر الزيلعي طرق هذا الحديث مع الكلام على عيسى بن المسيب من شاء
الاطلاع عليه فليرجع إليه
وفي الباب عن أنس بن مالك قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض بالمدينة يقال لها بطحان
فقال يا أنس اسكب لي وضوء فسكبت له فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته أقبل إلى الإناء وقد أتى
هر فولغ في الاناء فوقف له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقفة حتى شرب الهر ثم سألته فقال يا أنس إن الهر من
متاع البيت لن يقذر شيئا ولن ينجسه كذا في نصب الراية
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مالك وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة
والدارمي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني قال الحافظ في بلوغ المرام صححه الترمذي
وابن خزيمة وقال في التلخيص وصححه البخاري والترمذي
والعقيلي والدارقطني
261

قوله (وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم مثل الشافعي
وأحمد وإسحاق لم يروا بسؤر الهرة باسا) يعني أن سؤر الهرة طاهر من غير كراهة عند هؤلاء الأئمة
وهو قول مالك وغيره من أهل المدينة والليث وغيره من أهل مصر والأوزاعي وغيره من أهل الشام
والثوري ومن وافقه من أهل العراق والشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي عبيد
وعلقمة وإبراهيم وعطاء ابن يسار والحسن فيما روى عنه الأشعث والثوري فيما روى عنه أبو
عبد الله محمد بن نصر المروزي كذا ذكره الحافظ بن عبد البر وبه قال أبو يوسف حكاه العيني
والطحاوي
وهو رواية عن محمد ذكره الزاهدي في شرح مختصر القدوري والطحاوي كذا في التعليق
الممجد وقال الحنفية إن سؤر الهرة طاهر مع الكراهة
واحتج الأولون بأحاديث الباب وقولهم هو الحق والصواب
واحتج الحنفية بأن أحاديث الباب تدل على طهارته والأمر بغسل الإناء بولوغ الهرة وكذلك
كونها سبعا يدل بظاهره على نجاسته فأثبتوا حكم الكراهة عملا بهما
ورد احتجاجهم هذا بأن الأمر بغسل الإناء بولوغ الهرة لم يثبت وأما ما ورد في حديث أبي
هريرة المذكور في الباب المتقدم من الأمر بغسل الإناء بولوغ الهرة بلفظ وإذا ولغت فيه الهرة غسل
مرة فقد عرفت أنه ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم بل هو مدرج
وقال القاري في المرقاة بعد ذكر بعض أحاديث الباب ما لفظه وأما خبر يغسل الاناء من
ولوغ الكلب سبعا ومن ولوغ الهرة مرة فمدرج من قول أبي هريرة كما بينه البيهقي وغيره وإن خفي
على الطحاوي ولذا قال سؤر الهرة مكروه كراهة تحريم قال وأما ما اشتهر بين الناس من أنه
عليه الصلاة والسلام قطع ذيل ثوبه الذي رقدت عليه هرة فلا أصل له انتهى فأما كونها سبعا
فلم يثبت بحديث صحيح وما جاء فيه فهو ضعيف لا يقاوم الأحاديث التي هي نصوص صريحة في
أن الهرة ليست بنجسة
على أنه لا يلزم من كونها سبعا أن تكون نجسة قال القاضي الشوكاني في النيل حديث
الباب مصرح بأنها ليست بنجس فيخصص به عموم حديث السباع بعد تسليم ورود ما يقضي
بنجاسة السباع وأما مجرد الحكم عليها بالسبعية فلا يستلزم أنها نجس إذ لا ملازمة بين النجاسة
262

والسبعية على أنه قد أخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحياض
التي تكون بين مكة والمدينة فقيل إن الكلاب والسباع ترد عليها فقال لها ما أخذت في بطونها ولنا
ما بقي شراب وطهور وأخرج الشافعي والدارقطني والبيهقي في المعرفة وقال له أسانيد إذا ضم
بعضها إلى بعض كانت قوية بلفظ أنتوضأ بما أفضلت الحمر قال نعم وبما أفضلت السباع كلها
وأخرج الدارقطني وغيره عن ابن عمر قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فسار ليلا فمروا
على رجل جالس عند مقراة له وهي الحوض الذي يجتمع فيه الماء فقال عمر أولغت لسباع عليك
الليلة في مقراتك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا صاحب المقراة لا تخبره هذا متكلف لها ما حملت في بطونها
ولنا ما بقي شراب وطهور هذه الأحاديث مصرحة بطهارة ما أفضلت السباع انتهى ما في النيل
فائدة قال العلماء يستحب اتخاذ الهرة وتربيتها أخذا من الأحاديث وأما حديث حب الهرة
من الإيمان فموضوع على ما قاله جماعة كالصغاني ذكره القاري
قوله (قد جود مالك هذا الحديث عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) أي صححه
وجعله جيدا قال الزيلعي في نصب الراية رواه الحاكم في المستدرك وقال وقد صحح مالك هذا
الحديث واحتج به في موطئه وقد شهد البخاري ومسلم لمالك أنه الحكم في حديث المدنيين فوجب
الرجوع إلى هذا الحديث في طهارة الهرة قال الشيخ تقي الدين في الإمام ورواه ابن خزيمة وابن
منده في صحيحيهما ولكن ابن منده قال وحميدة وخالتها كبشة لا يعرف لهما رواية إلا في هذا الحديث
ومحلهما محل الجهالة ولا يثبت هذا الخبر من وجه من الوجوه قال الشيخ وإذا لم يعرف حالهما إلا في
هذا الحديث فلعل طريق من صححه أن يكون اعتمد على إخراج مالك لروايتهما مع شهرته
بالتثبت انتهى ما في نصب الراية وقال الحافظ في التلخيص بعد ذكر قول ابن منده متعقبا عليه
فأما قوله لا يعرف لهما إلا هذا الحديث فمتعقب بأن لحميدة حديثا اخر في تشميت العاطس رواه
أبو داود ولها ثالث رواه أبو نعيم في المعرفة وأما حالهما فحميدة روى عنها مع إسحاق ابنه يحيى وهو
ثقة عند ابن معين وأما كبشة فقيل إنها صحابية فإن ثبت فلا يضر الجهل بحالها والله أعلم انتهى
قلت قد تقدم أن حميدة ذكرها ابن حبان في الثقات وقال الحافظ في التقريب مقبولة وأما كبشة
فقال ابن حبان لها صحبة وتبعه الزبير بن بكار وأبو موسى كما في تهذيب التهذيب وقد صحح
الحديث البخاري والترمذي وابن خزيمة وغيرهم كما عرفت فقول من عرف مقدم على من لم
يعرف
263

باب المسح على الخفين
قال الحافظ في الفتح نقل ابن المنذر عن ابن المبارك قال ليس في المسح على الخفين عن
الصحابة اختلاف لأن كل من روى عنه منهم إنكاره فقد روي عنه إثباته وقال ابن عبد البر لا
أعلم روى عن أحد من فقهاء السلف إنكاره إلا عن مالك مع أن الروايات الصحيحة عنه
مصرحة بإثباته وقال ابن المنذر اختلف العلماء أيهما أفضل المسح على الخفين أو نزعهما
وغسل القدمين قال والذي أختاره أن المسح أفضل لأجل من طعن فيه من أهل البدع من
الخوارج والروافض قال وإحياء ما طعن فيه المخالفون أفضل من تركه انتهى
قوله (عن إبراهيم) هو النخعي (عن همام بن الحارث) النخعي الكوفي روى عن عمر
وعمار وغيرهما وعنه إبراهيم النخعي وغيره وثقه ابن معين مات سنة 56 خمس وستين كذا في
الخلاصة قلت هو من حال الكتب الستة (بال جرير بن عبد الله) البجلي الصحابي الشهير في
الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم بعثه إلى ذي الخلصة فهدمها وفيه عنه قال ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ
أسلمت ولا رآني إلا تبسم (أتفعل هذا) أي أتمسح على الخفين (قال وما يمنعني) أي أي شئ
يمنعني عن المسح (قال وكان يعجبهم حديث) جرير في رواية البخاري قال إبراهيم فكان يعجبهم
وفي رواية لمسلم فكان أصحاب عبد الله بن مسعود يعجبهم (لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة)
معناه أن الله تعالى قال في سورة المائدة فاغسلوا وجوهكم وأيدكم إلى المرافق وامسحوا
برؤوسكم وأرجلكم فلو كان إسلام جرير متقدما على نزول المائدة لاحتمل كون حديثه في مسح
الخف منسوخا بآية المائدة فلما كان إسلامه متأخرا علمنا أن حديثه يعمل به وهو مبين أن المراد
بآية المائدة غير صاحب الخف فتكون السنة مخصصة للآية قاله النووي
264

قوله (وفي الباب عن عمر وعلي وحديفة والمغيرة إلخ) قال الحافظ الزيلعي قال ابن عبد
البر في كتاب الاستذكار روى عن النبي صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين نحو أربعين من الصحابة وفي
الإمام قال ابن المنذر روينا عن الحسن أنه قال حدثني سبعون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين ثم ذكر الزيلعي من هذه الأحاديث ما تبسر له فإن شئت الاطلاع عليها
فارجع إلى تخريجه للهداية
قوله (حديث جرير حسن صحيح) أخرجه الأئمة الستة في كتبهم
قوله (ويروي عن شهر بن حوشب) الأشعري الشامي مولى أسماء بنت يزيد بن السكن
صدوق كثير الإرسال والأوهام قاله الحافظ وقال في الخلاصة وثقة ابن معين وأحمد وقال
يعقوب بن سفيان شهر وإن قال ابن عون تركوه فهو ثقة وقال ابن معين ثبت وقال النسائي
ليس بالقوي وقال أبو زرعة لا بأس به انتهى وقد تقدم ترجمته بأبسط من هذا (فقلت له) أي
لجرير (في ذلك) أي في مسحة على الخفين وأنكرت عليه (أقبل المائدة أو بعد المائدة) أي رأيت
مسحه صلى الله عليه وسلم على خفيه قبل نزول سورة المائدة أم بعده (فقال ما أسلمت إلا بعد المائدة) يعني إنما
رأيت مسحه صلى الله عليه وسلم على خفيه بعد نزول المائدة لأن إسلامي لم يكن إلا بعد نزولها رواه أبو داود من
وجه اخر بلفظ إن جريرا بال ثم توضأ فمسح على الخفين وقال ما يمنعني أن أمسح وقد رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح. قالوا إنما كان ذلك قبل نزول المائدة. قال ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة
(نا خالد بن زياد الترمذي) قاضيها الأزدي أبو عبد الرحمن صدوق (عن مقاتل بن حيان) بتشديد
التحتانية النبطي أبي بسطام البلخي الخزاز بزائين منقوطتين صدوق فاضل أخطأ الأزدي
في
265

زعمه أن وكيعا كذبه كذا في التقريب روى عن مجاهد وعروة وسالم وعنه إبراهيم بن أدهم وابن المبارك
وثقه ابن معين كذا في الخلاصة (وقال) أي أبو عيسى الترمذي (وروى بقية) هو بقية بن الوليد قال
النسائي إذا قال حدثنا وأخبرنا فهو ثقة وقال الجوزجاني إذا حدث عن الثقات فلا بأس وقال أبو
مسهر الغساني بقية ليست أحاديثه نقية فكن منها على تقية كذا في الخلاصة وقال في التقريب
صدوق كثير التدليس (عن إبراهيم بن أدهم) بن منصور العجلي أو التميمي البلخي ثم الشامي
أحد الزهاد الأعلام روى عن منصور وأبي جعفر محمد بن علي وغيرهما وعنه الثوري والأوزاعي
وشقيق البلخي وغيرهم قال النسائي ثقة مأمون أحد الزهاد مات سنة 261 اثنتين وستين ومائة
باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم
قوله (عن سعيد بن مسروق) الثوري والد سفيان ثقة (عن عمرو بن ميمون) الأودي
الكوفي مخضرم مشهور ثقة عابد نزل الكوفة مات سنة 46 أربع وستين وقيل بعدها (عن أبي
عبد الله الجدلي) بفتح الجيم والدال منسوب إلى جديلة حي من طي
قوله (أنه سئل عن المسح على الخفين) أي مدته (فقال للمسافر ثلاث وللمقيم يوم) وفي
رواية أبي داود للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة أي للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوم
وليلة
266

قوله (وأبو عبد الله الجدلي اسمه عبد بن عبد) قال الحافظ في التقريب أبو عبد الله الجدلي
اسمه عبد أو عبد الرحمن بن عبد ثقة رمي بالتشيع من كبار الثالثة
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وابن ماجة
قوله (وفي الباب عن علي وأبي بكرة وأبي هريرة وصفوان بن عسال وعوف بن مالك
وابن عمر وجرير) أما حديث علي فأخرجه مسلم من طريق شريح بن هانئ قال سألت علي بن
أبي طالب عن المسح على الخفين فقال جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة
للمقيم وأما حديث أبي بكرة فأخرجه الأثرم في سننه وابن خزيمة والدارقطني قال الخطابي هو
صحيح الإسناد كذا في المنتقى ولفظه فيه رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة
إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن أبي شيبة والبزار وأما
حديث صفوان بن عسال فأخرجه الترمذي وأما حديث عوف بن مالك فأخرجه أحمد والبزار
والطبراني في معجمه الوسط وأما حديث ابن عمر فأخرجه أيضا الطبراني في معجمه الوسط
وأما حديث جرير فأخرجه الطبراني في الأوسط والكبير
قوله (نا أبو الأحوص) اسمه سلام بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي الحافظ روى عن
الأسود بن قيس وزياد بن علاقة وخلق وعنه ابن مهدي وهناد بن السري وخلق قال ابن معين
ثقة وقال العجلي صاحب سنة واتباع مات 971 سنة تسع وسبعين ومائة قلت هو من رجال
الكتب الستة (عن عاصم بن أبي النجود) اسمه بهدلة في قول الجمهور وقال عمرو بن علي بهدلة
اسم أمه قال أبو حاتم محله الصدق وليس محله أن يقال هو ثقة ولم يكن بالحافظ قد تكلم فيه ابن
علية قال العقيلي لم يكن فيه
إلا سوء الحفظ وقال البزار لا نعلم أحدا ترك حديثه مع أنه لم يكن
بالحافظ كذا في مقدمة فتح الباري وقال في التقريب صدوق له أوهام حجة في القراءة وحديثه في
الصحيحين مقرون انتهى (عن زر) بكر أوله وتشديد الراء (بن حبيش) بمهملة وموحدة
267

ومعجمة مصغرا الأسدي الكوفي ثقة جليل مخضرم
قوله (إذا كنا سفرا) بسكون الفاء جمع سافر كصحب جمع صاحب أي إذا كنا مسافرين
وأما قول صاحب الطيب الشذي إن سفرا جمع مسافر فهو غلط (ولكن من غائط وبول ونوم)
عطف على مقدر يدل عليه إلا من جنابة وقوله من غائط متعلق بمحذوف تقديره وأمرنا أن ننزع
خفافنا من جنابة ولا ننزع من غائط وبول ونوم وفي رواية النسائي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا
مسافرين أن نمسح على خفافنا ولا ننزعها ثلاثة أيام من غائط وبول ونوم إلا من جنابة
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشافعي وأحمد والنسائي وابن ماجة وابن
خزيمة وابن حبان والدارقطني والبيهقي قاله الحافظ في التلخيص وقال فيه قال الترمذي عن
البخاري حديث حسن وصححه الترمذي والخطابي ومداره عندهم على عاصم بن أبي النجود عن
زر بن حبيش عنه وذكر ابن منده أبو القاسم أنه رواه عن عاصم أكثر من أربعين نفسا وتابع
عاصما عليه عبد الوهاب بن بخت وإسماعيل بن أبي خالد وطلحة بن مصرف والمنهال بن عمرو
ومحمد بن سوقة وذكر جماعة معه ومراده أصل الحديث لأنه في الأصل طويل مشتمل على التوبة
والمرء مع من أحب وغير ذلك لكن حديث طلحة عند الطبراني بإسناد لا بأس به انتهى
قوله (وقد روى الحكم بن عتيبة) بالمثناة ثم الموحدة مصغرا أبو محمد الكندي الكوفي
ثبت فقيه إلا أنه ربما دلس من الخامسة (وحماد) هو ابن أبي سليمان مسلم الأشعري أبو إسماعيل
الكوفي الفقيه روى عن أنس وأبي وائل والنخعي وعنه ابنه إسماعيل ومغيرة وأبو حنيفة ومسعر
وشعبة وتفقهوا به قال النسائي ثقة مرجئ مات سنة 021 عشرين ومائة كذا في الخلاصة (ولا
يصح) بين الترمذي وجه عدم صحته بقوله قال علي بن المديني وهذا الحديث بهذا السند أخرجه
أبو داود في سننه قال الحافظ في التلخيص حديث خزيمة بن ثابت رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر
أن يمسح ثلاثة أيام ولياليهن ولو استزدناه لزاد رواه أبو داود بزيادة وابن ماجة بلفظ ولو مضى السائل على
مسألته لجعلها خمسا ورواه ابن حبان باللفظين جميعا ورواه الترمذي وغيره بدون الزيادة قال
268

الترمذي قال البخاري لا يصح عندي لأنه لا يعرف للجدلي سماع من خزيمة وذكر عن يحيى بن
معين أنه قال هو صحيح وقال ابن دقيق العيد الروايات متظافرة متكاثرة برواية التيمي له عن
عمرو بن ميمون عن الجدلي عن خزيمة وقال ابن أبي حاتم في العلل قال أبو زرعة الصحيح من
حديث التيمي عن عمرو بن ميمون عن الجدلي عن خزيمة مرفوعا والصحيح عن النخعي عن
الجدلي بلا واسطة وادعى النووي في شرح المهذب الاتفاق على ضعف هذا الحديث وتصحيح ابن
حبان له يرد عليه مع نقل الترمذي عن ابن معين أنه صحيح أيضا كما تقدم والله أعلم انتهى ما في
التلخيص
قوله (وهو قول العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء مثل
سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق قالوا يمسح المقيم يوما والمسافر ثلاثة أيام
ولياليهن) وإليه ذهب جمهور العلماء وهو الحق والصواب واستدلوا على هذا التوقيت بأحاديث
الباب قال الحافظ في الدراية وفي الباب عن أكثر من عشرة من الصحابة
فائدة قال النووي مذهب الشافعي وكثيرين أن ابتداء المدة من حين الحدث بعد لبس
الخف لا من حين اللبس ولا من حين المسح انتهى قلت وهو قول أبي حنيفة ونقل عن
الأوزاعي وأبي ثور وأحمد أنهم قالوا إن ابتداءها من وقت اللبس (وقد روى عن بعض أهل العلم
أنهم لم يوقتوا في المسح على الخفين وهو قول مالك بن أنس) قال الشوكاني في النيل قال مالك
269

والليث بن سعد لا وقت للمسح على الخفين ومن لبس خفيه وهو طاهر مسح ما بدا له والمقيم
والمسافر في ذلك سواء وروي مثل ذلك عن عمر بن الخطاب وعقبة بن عامر وعبد الله بن عمر
والحسن البصري انتهى ويروى ذلك عن الشعبي وربيعة والليث وأكثر أصحاب مالك ذكره
العيني
والحجة لهم في هذا حديث أبي بن عمارة أنه قال يا رسول الله أمسح على الخفين قال نعم قال
يوما قال نعم قال ويومين نعم قال وثلاثة قال نعم وما شئت أخرجه أبو داود وقال ليس بقوي قال
الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجة والدارقطني والحاكم في
المستدرك قال أبو داود ليس بالقوي وضعفه البخاري فقال لا يصح وقال أبو داود اختلف في
إسناده وليس بالقوي وقال أبو زرعة الدمشقي عن أحمد رجاله لا يعرفون وقال أبو الفتح
الأزدي هو حديث ليس بالقائم ونقل النووي في شرح المهذب اتفاق الأئمة على ضعفه قلت
وبالغ الجوزقاني فذكره في الموضوعات انتهى ولهم في عدم التوقيت أحاديث أخرى لكن ليس
فيها ما يشفي العليل ويروي الغليل فإن منها ما هو صحيح فليس بصريح في المقصود وما هو
صريح فليس بصحيح (والتوقيت أصح) يعني التوقيت هو الصحيح فإن أحاديثه كثيرة صحيحة
وليس في عدم التوقيت حديث صحيح
باب في المسح على الخفين أعلاه وأسفله
أي أعلى كل واحد من الخفين وأسفله وكان للترمذي أن يقول أعلاهما وأسفلهما أو يقول
باب المسح على الخف أعلاه وأسفله
قوله (حدثنا أبو الوليد الدمشقي) اسمه أحمد بن عبد الرحمن بن بكار روى عن الوليد بن
مسلم ومروان بن معاوية وعبد الرزاق وعنه الترمذي والنسائي وابن
ماجة قال الحافظ صدوق
270

تكلم فيه بلا حجة (نا الوليد بن مسلم) القرشي مولاهم أبو العباس الدمشقي ثقة لكنه كثير
التدليس (أخبرني ثور بن يزيد) أبو خالد الحمصي ثقة ثبت إلا أنه يرى القدر (عن رجاء بن
حياة) بفتح المهملة وسكون التحتانية وفتح الواو الكندي الفلسطيني ثقة فقيه من الثالثة (عن
كاتب المغيرة) اسمه وراد بتشديد الراء الثقفي الكوفي ثقة من الثالثة وفي رواية ابن ماجة عن
وراد كاتب المغيرة
قوله (مسح أعلى الخف وأسفله) هذا الحديث دليل لمن قال إن المسح على أعلى الخف
وأسفله لكن الحديث ضعيف كما ستعرف
قوله (وهذا قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين) وبه قال ابن عمر قال
الحافظ في التلخيص روى الشافعي في القديم وفي الإملاء من حديث نافع عن ابن عمر أنه كان
يمسح أعلى الخف وأسفله انتهى (وبه يقول مالك والشافعي وإسحاق) في موطأ الامام مالك أنه
سأل ابن شهاب عن المسح على الخفين كيف هو فأدخل ابن شهاب إحدى يديه تحت الخف
والأخرى فوقه ثم أمرهما قال يحيى قال مالك وقول ابن شهاب أحب ما سمعت إلى ذلك انتهى
قال الحافظ ابن عبد البر في الاستذكار لم يختلف قول مالك أن المسح على الخفين على حسب ما
وصفه ابن شهاب أنه يدخل إحدى يديه تحت الخف والأخرى فوقه إلا أنه لا يرى الاعاء على من
اقتصر على ظهور الخفين إلا في الوقت وأما الشافعي فقد نص أنه لا يجزئه المسح على أسفل
الخف ويجزئه على ظهره فقط ويستحب أن لا يقتصر أحد على مسح ظهور الخفين وبطونها معا
كقول مالك وهو قول عبد الله بن عمر ذكره عبد الرزاق عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر
أنه كان يمسح ظهور خفيه وبطونهما كما نقله بعض العلماء
في تعليقه على موطأ محمد عن
الاستذكار وقال الشاه ولي الله الدهلوي في المسوى قال الشافعي مسح أعلى الخف فرض
ومسح أسفله سنة وقال أبو حنيفة لا يمسح إلا الأعلى
قلت تمسك القائلون بالمسح على أعلى الخف وأسفله بحديث الباب وهو حديث فيه كلام
لأئمة الحديث كما ستعرف ولم أجد في هذا الباب حديثا مرفوعا صحيحا خاليا عن الكلام وقد
صح عن علي بإسناد صحيح أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه ظاهرهما وكذلك ثبت
271

كما ستقف عليه في الباب الآتي عن المغيرة بن شعبة بإسناد حسن فالقول الراجح قول من قال
بالمسح على أعلى الخف دون أسفله والله تعالى أعلم
قوله (وهذا حديث معلول) المعلول ويقال له المعلل بفتح اللام إسناد فيه علل وأسباب غامضة
خفية قادحة في الصحة يتنبه لها الحذاق المهرة من أهل هذا الشأن كإرسال في الموصول ووقف في
المرفوع ونحو ذلك وحديث المغيرة هذا أخرجه أبو دواد وابن ماجة أيضا (لم يسنده عن ثور بن
يزيد غير الوليد بن مسلم) أي لم يرو هذا الحديث مرفوعا متص عن ثور أحد إلا الوليد بن مسلم
(قال حدثت عن كاتب المغير) بصيغة المجهول ففيه انقطاع (مرسل) أي فهو مرسل وفي بعض
النسخ مرسلا قال الحافظ في التلخيص حديث المغيرة أنه صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله رواه أحمد
وأبو داود والترمذي وابن ماجة والدارقطني والبيهقي وابن الجارود من طريق ثور بن يزيد عن
رجاء بن حياة عن كاتب المغيرة عن المغيرة وفي رواية ابن ماجة عن وراد كاتب المغيرة قال الأثرم
عن أحمد أنه كان يضعفه ويقول ذكرته لعبد الرحمن بن مهدي فقال عن ابن المبارك عن ثور حدثت
عن رجاء عن كاتب المغيرة ولم يذكر المغيرة قال أحمد وقد كان نعيم بن حماد حدثني به عن ابن
المبارك كما حدثني الوليد بن مسلم به عن ثور فقلت له إنما يقول هذا الوليد فأما ابن المبارك فيقول
حدثت عن رجاء ولا يذكر المغيرة فقال لي نعيم هذا حديثي الذي أسأل عنه فأخرج إلى كتابه
القديم بخط عتيق فإذا فيه ملحق بين السطرين بخط ليس بالقديم عن المغيرة فأوقفته عليه
وأخبرته أن هذه زيادة في الإسناد لا أصل لها فجعل يقول للناس بعد وأنا أسمع أضربوا على هذا
الحديث وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه وأبي زرعة حديث الوليد ليس بمحفوظ وقال
موسى بن هارون وأبو داود لم يسمع ثور من رجاء حكاه قاسم بن أصبغ عنه وقال البخاري في
التاريخ الأوسط ثنا محمد بن الصباح ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن المغيرة رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه ظاهرهما قال وهذا أصح من حديث رجاء عن كاتب المغيرة وكذا
رواه أبو دواد والترمذي من حديث ابن أبي الزناد ورواه أبو داود
الطيالسي عن ابن أبي الزناد فقال عن عروة بن المغيرة عن أبيه وكذا أخرجه البيهقي من رواية
إسماعيل بن موسى عن ابن أبي الزناد وقال الترمذي هذا حديث معلول لم يسنده عن ثور غير
272

الوليد قلت رواه الشافعي في الأم عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن ثور مثل الوليد وذكر
الدارقطني في العلل أن محمد بن عيسى بن سميع رواه أبو ثور كذلك قال الترمذي وسمعت أبا
زرعة ومحمدا يقولان ليس بصحيح وقال أبو داود لم يسمعه ثور من رجاء وقال الدارقطني روى
عن عبد الملك بن عمير عن وراد كاتب المغيرة عن المغيرة ولم يذكر أسفل الخف وقال ابن حزم
أخطأ فيه الوليد في موضعين فذكرهما كما تقدم قلت ووقع في سنن الدارقطني ما يوهم رفع العلة
وهي حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ثنا داود بن الرشيد عن الوليد بن مسلم عن ثور بن
يزيد ثنا رجاء بن حياة فذكره فهذا ظاهره أن ثورا سمعه من رجاء فتزول العلة ولكن رواه
أحمد بن عبيد الصفار في مسنده عن أحمد بن يحيى الحلواني عن داود بن رشيد فقال عن رجاء ولم
يقل حدثنا رجاء فهذا اختلاف على داود يمنع القول بصحة وصلة مع ما تقدم في كلام الأئمة
انتهى كلام الحافظ بلفظه
باب في المسح على الخفين ظاهرهما
قوله (نا عبد الرحمن بن أبي الزناد) بفتح النون القرشي مولاهم المدني قال الحافظ في
التقريب صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد وكان فقيها (عن أبيه) أي أبي الزناد واسمه عبد الله بن
ذكوان ثقة فقيه
قوله (يمسح على الخفين على ظاهرهما) أي على أعلاهما وهذا الحديث دليل على أن
المسح على أعلى الخفين دون أسفلهما
قوله (حديث المغيرة حديث حسن) وأخرجه أبو داود وسكت عنه ونقل المنذري تحسين
الترمذي وأقره وقال البخاري في التاريخ الأوسط ثنا محمد بن الصباح ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه
عن عروة بن الزبير عن المغيرة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه ظاهرهما قال وهذا أصح من
حديث رجاء عن كاتب المغيرة كذا في التلخيص وقد تقدم هذا في كلام الحافظ الذي نقلناه في
273

الباب المتقدم وفي الباب عن علي قال لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من
أعلاه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه ظاهرهما أخرجه أبو داود قال الحافظ في بلوغ
المرام بإسناد حسن وقال في التلخيص إسناده صحيح وفي الباب أيضا عن عمر بن الخطاب
عند ابن أبي شيبة والبيهقي قاله الشوكاني في النيل
قوله (ولا نعلم أحدا يذكر عن عروة عن المغيرة على ظاهرهما غيره) أي غير عبد
الرحمن بن أبي الزناد يعني لفظ على ظاهرهما تفرد بذكره عبد الرحمن
قوله (وهو قول غير واحد من أهل العلم وبه يقول سفيان الثوري وأحمد) وبه يقول أبو
حنيفة ومن تبعه وإسحاق ودواد وهو قول علي بن أبي طالب وقيس بن سعد بن عبادة والحسن
البصري وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح وجماعة كذا في الاستذكار
والحجة لهم حديث المغيرة المذكور في هذا الباب وحديث علي الذي ذكرناه وحديث عمر
الذي عند ابن أبي شيبة والبيهقي قال الشوكاني في النيل ليس بين الحديثين تعارض غاية الأمر أن
النبي صلى الله عليه وسلم مسح تارة على باطن الخف وظاهره وتارة على ظاهره ولم يرو عنه ما يقضي بالمنع من
إحدى الصفتين فكان جميع ذلك جائز أو سنة انتهى كلام الشوكاني
قلت نعم ليس بين الحديثين تعارض ولم يرو عنه ما يقضي بالمنع من إحدى الصفتين لكن
لا شك في أن حديث المسح على ظاهر الخفين حديث صحيح وأما حديث المسح على ظاهرهما
وباطنهما فقد عرفت ما فيه من الكلام فالعمل بحديث المسح على ظاهر الخفين هو الراجح المتعين
هذا ما عندي والله أعلم
قوله (وكان مالك يشير بعبد الرحمن بن أبي الزناد) أي بضعفه قال الحافظ في تهذيب
التهذيب وتكلم فيه مالك لروايته عن أبيه كتاب السبعة يعني الفقهاء وقال أين كنا عن هذا
انتهى
قلت قد تكلم فيه غير واحد من أئمة الحديث ففي هذا الكتاب وقال ابن محرز عن
274

يحيى بن معين ليس مما يحتج به أصحاب الحديث ليس بشئ وقال معاوية بن صالح وغيره عن
ابن معين ضعيف وقال الدوري عن ابن معين لا يحتج بحديثه وهو دون الدراوردي وقال
صالح بن أحمد عن أبيه مضطرب الحديث وقال محمد بن عثمان عن ابن المديني كان عند أصحابنا
ضعيفا وقال عبد الله بن علي بن المديني عن أبيه ما حدث بالمدينة فهو صحيح وما حدث ببغداد
أفسده البغداديون وفيه وقال الترمذي والعجلي ثقة وصحح الترمذي عدة من أحاديثه وقال في
اللباس ثقة حافظ انتهى
275

باب في المسح على الجوربين والنعلين قوله (عن سفيان) هو الثوري وقد وقع في بعض نسخ أبي داود عن سفيان الثوري وكذا
وقع في رواية الطحاوي (عن أبي قيس) اسمه عبد الرحمن بن ثروان الأودي مشهور بكنيته وثقه
ابن معين والعجلي والدارقطني وقال أحمد يخالف في أحاديثه وقال أبو حاتم ليس بالقوي وقال
النسائي ليس به بأس كذا في مقدمة فتح الباري وقال في التقريب صدوق ربما خالف (عن
هزيل) بالتصغير (بن شرحبيل) بضم المعجمة وفتح الراء المهملة وسكون الحاء المهملة بعدها باء
موحدة الكوفي ثقة مخضرم
قوله (توضأ النبي صلى الله عليه وسلم ومسح على الجوربين) تثنية الجورب قال في القاموس الجورب
لفافة الرجل ج جواربه وجوارب وتجورب لبسه وجوربته ألبسته وقال القاضي أبو بكر بن
العربي في شرح الترمذي الجورب غشاء للقدم من صوف يتخذ للدفء وهو التسخان وفي
تفسير الجورب أقوال أخرى وستقف عليها
(النعلين) تثينة النعل قال في القاموس النعل ما وقيت به القدم من الأرض كالنعلة مؤنثة
ج نعال بالكسر انتهى وقال الجزري في النهاية النعل مؤنثة وهي التي تلبس في المثنى تسمى الان
تاسومة انتهى
قال الطيبي معنى قوله والنعلين هو أن يكون قد لبس النعلين فوق الجوربين وكذا قال
الطحاوي في المعالم قلت هذا المعنى هو الظاهر قال الطحاوي في شرح الآثار في باب المسح على
النعلين مسح على نعلين تحتهما جوربان وكان قاصدا بمسحه ذلك إلى جوربيه لا نعليه وجورباه لو
كانا عليه بلا نعلين جاز له أن يمسح عليهما فكان مسحه ذلك مسحا أراد به الجوربين فأتى ذلك
على الجوربين والنعلين فكان مسحه على الجوربين هو الذي تطهر ومسحه على
النعلين فضل
انتهى كلام الطحاوي
276

وأما قول ابن ملك في شرح قوله والنعلين أي ونعليهما فيجوز المسح على الجوربين بحيث
يمكن متابعة المشي عليهما انتهى وكذا قول أبي الوليد إن معنى الحديث أنه مسح على جوربين
منعلين لا أنه جورب على الانفراد ونعل على الانفراد انتهى فبعيد قال الحافظ بن القيم في تهذيب السنن بعد ذكر
قول أبي الوليد هذا ما لفظه هذا التأويل مبني على أنه يستحب مسح أعلى الخف وأسفله والظاهر
أنه مسح على الجوربين الملبوسين عليهما نعلان منفصلان هذا هو المفهوم منه فإنه فصل بينهما وجعلهما
شيئين ولو كانا جوربين منعلين لقال مسح على الجوربين المنعلين وأيضا فإن الجلد في أسفل
الجورب لا يسمى نعلا في لغة العرب ولا أطلق عليه أحد هذا الاسم وأيضا المنقول عن عمر بن
الخطاب في ذلك أنه مسح على سيور النعل التي على ظاهر القدم مع الجورب فأما أسفله وعقبة
فلا انتهى كلام ابن القيم
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وضعفه كثير من أئمة الحديث كما ستقف عليه
والحديث أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحة (وهو قول غير واحد من
أهل العلم) من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم قال أبو داود في سننه ومسح على الجوربين علي بن أبي
طالب وابن مسعود والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو أمامة وسهل بن سعد وعمرو بن حريث
وروى ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس انتهى وقال الحافظ ابن القيم في تهذيب
السنن قال ابن المنذر يروى المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم علي وعمار وأبي
مسعود الأنصاري وأنس وابن عمر والبراء وبلال وعبد الله بن أبي أوفي وسهل بن سعد وزاد أبو
داود وأبو أمامه وعمرو بن حريث وعمرو بن عباس فهؤلاء ثلاثة عشر صحابيا انتهى كلام ابن
القيم
قلت قد تتبعت كتب الحديث لأقف على أسانيد جميع هذه الآثار وألفاظها فلم أقف إلا
على بعضها فأقول أما أثر علي فأخرجه عبد الرزاق في مصنفه أخبرني الثوري عن زبرقان عن
كعب بن عبد الله قال رأيت عليا بال فمسح على جوربيه ونعليه ثم قام يصلي وأما أثر ابن مسعود
فأخرجه أيضا عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا معمر عن الأعمش عن إبراهيم أن ابن مسعود كان
يمسح على خفيه ويمسح على جوربيه وسنده صحيح أما أثر البراء بن عازب فأخرجه
أيضا عبد
الرزاق أخبرنا الثوري عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه قال رأيت البراء بن عازب
يمسح على جوربيه ونعليه وأما أثر أنس فأخرجه أيضا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة عن
277

أنس بن مالك أنه كان يمسح على الجوربين وأما أثر أبي مسعود فأخرجه عبد الرزاق أخبرنا
الثوري عن منصور عن خالد بن سعد قال كان أبو مسعود الأنصاري يمسح على الجوربين له من
شعر ونعليه وسنده صحيح وأما أثر ابن عمر فأخرجه أيضا عبد الرزاق أخبرنا الثوري عن
يحيى بن أبي حية عن أبي خلاس عن ابن عمر أنه كان يمسح على جوربيه ونعليه كذا ذكر الحافظ
الزيعلي أسانيد هذه الآثار وألفاظها ولم أقف على أسانيد بقية الآثار والله تعالى أعلم
(وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق قالوا يمسح على
الجوربين وإن لم يكن نعلين) أي وإن لم يكن كل واحد من الجوربين نعلين أي منعلين وفي بعض
النسخ وإن لم يكونا نعلين وهو الظاهر والظاهر أن الترمذي أراد بقوله نعلين منعلين وقد وقع في
بعض النسخ منعلين على ما ذكره الشيخ سراج أحمد في شرح الترمذي والمنعل من التنعيل
وهو ما وضع الجلد على أسفله (إذا كانا ثخينين) أي غليظين قال القاموس في ثخن ككرم
ثخونة وثخنا كعنب غلظ وصلب انتهى وقال في منتهى الأرب ثوب ثخين النسج جامة
سطيرياف ثخن ككرم ثخونة وثخانة وثخنا كعنب سطير وسخت كرديد ثخين كامين نعت است
ازان انتهى وعلم من هذا القيد أن الجوربين إذا كانا رقيقين لا يجوز المسح عليهما عند هؤلاء
الأئمة وبقولهم قال صاحبا أبي حنيفة أبو يوسف ومحمد وقوله (وفي الباب عن أبي موسى)
وأخرجه ابن ماجة والطحاوي وغيرهما وسيأتي الكلام على هذا الحديث
وههنا مباحث عديدة متعلقة بحديث الباب نذكرها إفادة للطلاب
المبحث الأول أعلم أن الترمذي حسن حديث الباب وصححه ولكن كثيرا من أئمة
الحديث ضعفوه قال النسائي في سننه الكبرى لا نعلم أحدا تابع أبا قيس على هذه الرواية
والصحيح عن المغيرة أنه عليه السلام مسح على الخفين انتهى وقال أبو داود في سننه كان عبد
الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث لأن المعروف عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين
قال وروى أبو موسى الأشعري أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الجوربين وليس بالمتصل ولا
بالقوي وذكر البيهقي حديث المغيرة هذا وقال إنه حديث منكر ضعفه سفيان الثوري وعبد
الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي
بن المديني ومسلم بن الحجاج والمعروف
عن المغيرة حديث المسح على الخفين ويروي عن جماعة أنهم فعلوه قال النووي كل واحد من
278

هؤلاء لو انفرد قدم على الترمذي مع أن الجرح مقدم على التعديل قال واتفق الحفاظ على تضعيفه
ولا يقبل قول الترمذي إنه حسن صحيح انتهى وقال الشيخ تقي الدين في الإمام أبو قيس
الأودي اسمه عبد الرحمن بن ثروان احتج به البخاري في صحيحه وذكر البيهقي في سننه أن أبا
محمد يحيى بن منصور قال رأيت مسلم بن الحجاج ضعف هذا الخبر وقال أبو قيس الأودي
وهزيل بن شرحبيل لا يحتملان وخصوصا مع مخالفتهما الأجلة الذين رووا هذا الخبر عن المغيرة
فقالوا مسح على الخفين وقالوا لا يترك ظاهر القرآن بمثل أبي قيس وهزيل قال فذكرت هذه
الحكاية عن مسلم لأبي العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي فسمعته يقول سمعت علي بن
محمد بن شيبان يقول سمعت أبا قدامة السرخسي يقول قال عبد الرحمن بن مهدي قلت
لسفيان الثوري لو حدثتني بحديث أبي قيس عن هزيل ما قبلته منك فقال سفيان الحديث
ضعيف ثم أسند البيهقي عن أحمد بن حنبل قال ليس يروي هذا الحديث إلا من رواية أبي
قيس الأودي وأبي عبد الرحمن بن مهدي أن يحدث بهذا الحديث وقال هو منكر وأسند البيهقي
أيضا عن علي بن المديني قال قال حديث المغيرة بن شعبة في المسح رواه عن المغيرة أهل المدينة
وأهل الكوفة وأهل البصرة ورواه هزيل بن شرحبيل عن المغيرة إلا أنه قال ومسح على
الجوربين فخالف الناس وأسند أيضا عن يحيى بن معين قال الناس كلهم يروونه على الخفين
غير أبي قيس قال الشيخ ومن يصححه يعتمد بعد تعديل أبي قيس على كونه ليس مخالفا لرواية
الجمهور مخالفة معارضة بل هو أمر زائد على ما رووه ولا يعارضه ولا سيما وهو طريق مستقل
برواية هزيل عن المغيرة لم يشارك المشهورات في سندها انتهى كذا في نصب الراية من 75 ج 1
قلت قوله بل هو أمر زائد على ما رووه إلخ فيه نظر فإن الناس كلهم رووا عن المغيرة
بلفظ مسح على الخفين وأبو قيس يخالفهم جميعا فيروي عن هزيل عن المغيرة بلفظ مسح على
الجوربين والنعلين فلم يزد على ما رووا بل خالف ما رووا نعم لو روى بلفظ مسح على الخفين
الجوربين والنعلين لصح أن يقال إنه روى أمرا زائدا على ما رووه وإذ ليس فليس فتفكر فإذا
عرفت هذا كله ظهر لك أن أكثر الأئمة من أهل الحديث حكموا على هذا الحديث بأنه ضعيف
مع أنهم لم يكونوا غافلين عن مسألة زيادة الثقة فحكمهم عندي والله تعالى أعلم مقدم على حكم
الترمذي بأنه حسن صحيح
وفي الباب حديثان آخران حديث ابن مسعود وحديث بلال وهما أيضا ضعيفان لا
يصلحان للاحتجاج
أما حديث أبي موسى فأخرجه الطحاوي في شرح الآثار من طريق أبي سنان عن الضحاك
279

بن عبد الرحمن عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على جوربيه ونعليه وأخرجه أيضا ابن
ماجة والبيهقي من طريق عيسى بن سنان عن الضحاك بن عبد الرحمن عن أبي موسى وقد تقدم
أن أبا داود حكم على هذا الحديث بأنه ليس بالمتصل ولا بالقوي وقال البيهقي بعد رواية الحديث
له علتان إحداهما أن الضحاك بن عبد الرحمن لم يثبت سماعة من أبي موسى والثانية أن عيسى بن
سنان ضعيف انتهى قلت أبو سنان الذي وقع في سند الطحاوي هو عيسى بن سنان قال
الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمته قال الأثرم قلت لأبي عبد الله أبو سنان عيسى بن سنان
فضعفه قال يعقوب بن شيبة عن ابن معين لين الحديث وقال جماعة عن ابن معين ضعيف
الحديث وقال أبو زرعة مخلط ضعيف الحديث وقال أبو حاتم ليس بقوي في الحديث وقال
العجلي لا بأس به وقال النسائي ضعيف قال ابن خراش صدوق وقال مرة في حديثه نكرة
وذكره ابن حيان في الثقات وقال الكناني عن أبي حازم يكتب حديثه ولا يحتج به انتهى كلام
الحافظ
فإن قلت قال الشيخ علاء الدين المارديني إن التضعيف بعدم ثبوت سماع عيسى بن
سنان عن أبي موسى وهو على مذهب من يشترط للاتصال ثبوت السماع قال ثم هو معارض بما
ذكره عبد الغني فإنه قال في الكمال سمع الضحاك من أبي موسى قال وابن سنان وثقه ابن معين
وضعفه غيره وقد أخرج الترمذي في الجنائز حديثا في سنده عيسى بن سنان هذا وحسنه انتهى
كذا نقل بعض مجوزي المسح عل الجورب مطلقا في رسالته وأقره فالظاهر أن حديث أبي
موسى حسن صالح للاحتجاج
قلت ذكر أبو داود وغيره أن في حديث أبي موسى المذكور علتين لضعفه الأولى الانقطاع
والثانية ضعف عيسى بن سنان فإن ثبت سماع الضحاك من أبي موسى ترتفع العلة الأولى وتبقى
الثانية وهي كافية لضعف حديث أبي موسى المشهور وأما قول المارديني وابن سنان وثقه ابن
معين وضعفه غيره ففيه أن ابن معين أيضا ضعفه قال الذهبي في الميزان ضعفه أحمد وابن
معين وهو مما يكتب على لينه إلخ وقال الحافظ في تهذيب التهذيب قال يعقوب بن شيبة عن ابن
معين لين الحديث وقال جماعة عن ابن معين ضعيف الحديث كما عرفت آنفا قلت ولضعف
هذا الحديث علة ثالثة وهي أن عيسى بن سنان مخلط قال الحافظ أبو زرعة مخلط ضعيف
الحديث كما عرفت آنفا في كلام الحافظ وأما قول المارديني وقد أخرج الترمذي في الجنائز حديثا
في سنده عيسى بن سنان وحسنه فمما لا يصغى إليه فإن الترمذي قد يحسن الحديث مع تصريحه
بالانقطاع وكذا مع تصريحه بضعف بعض رواته ثم تساهل الترمذي مشهور
280

وأما حديث بلال فهو أيضا ضعيف قال الزيلعي رواه الطبراني في معجمه من طريق ابن
أبي شيبة ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة
عن بلال قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه ويزيد بن أبي زياد وابن أبي ليلى مستضعفان مع نسبتهما
إلى الصدق انتهى كلام الزيلعي قلت في سنده الأول الأعمش وهو مدلس ورواه عن الحكم
بالعنعنة ولم يذكر سماعه منه قال الذهبي في الميزان في ترجمة الأعمش ربما دلس عن ضعيف لا
يدري به فإن قال حدثنا فلا كلام وإن قال عن تطرق إليه الاحتمال إلا في شيوخ أكثر منهم كإبراهيم
وأبي وائل وأبي صالح السمان فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال انتهى وفي سنده
الثاني يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف قال الحافظ في التقريب في ترجمته ضعيف كبر فتغير وصار
يتلقن كان شيعيا انتهى
فإن قلت كيف قلتم إن حديث بلال ضعيف وقد قال الحافظ في الدراية وفي الباب عن
بلال أخرجه الطبراني بسندين رجال أحدهما ثقات انتهى وأراد برجال أحدهما رجال السند الأول
فإنهم كلهم ثقات
قلت لا شك في أن رجال السند الأول في حديث بلال كلهم ثقات ولكن فيهم
الأعمش وقد عرفت أنه مدلس ورواه عن الحكم بالعنعنة وعنعنة المدلس غير مقبولة وقد تقرر أنه
لا يلزم من كون رجال السند ثقات صحة الحديث لجواز أن يكون فيه ثقة مدلس ورواه عن
شيخه الثقة بالعنعنة أو يكون فيه علة أخرى ألا ترى أن الحافظ ذكر في التلخيص حديث العينة
الذي رواه الطبراني من طريق الأعمش عن عطاء عن ابن عمر وذكر أن ابن القطان صححه ثم
قال ما لفظه وعندي أن الإسناد الذي صححه ابن القطان معلول لأنه لا يلزم من كونه رجاله
ثقات أن يكون صحيحا لأن الأعمش مدلس ولم يذكر سماعه من عطاء انتهى كلام الحافظ
وقال الزيلعي في نصب الراية في بحث الجهر بالبسملة نقلا عن ابن الهادي ولو فرض ثقة الرجال
لم يلزم منه صحة الحديث حتى ينتفي منه الشذوذ
والحاصل أنه ليس في باب المسح على الجوربين حديث مرفوع صحيح خال عن الكلام
هذا ما عندي والله تعالى أعلم
المبحث الثاني في تفسير الجورب وبيان ما وقع فيه من الاختلاف
قال مجد الدين الفيروزآبادي في القاموس الجورب لفافة الرجل انتهى وقال أبو الفيض
مرتضى الزبيدي في تاج العروس الجورب لفافة الرجل وهو بالفارسية كورب وأصله كوربا
281

ومعناه قبر الرجل انتهى وقال الطيبي الجورب لفافة الجلد وهو خف معروف من نحو الساق
انتهى وكذلك في مجمع البحار وقال الشوكاني في النيل الخف نعل من أدم يغطي القدمين
والجرموق أكبر منه والجورب أكبر من الجرموق وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات
الجورب خف يلبس على الخف إلى الكعب للبرد ولصيانة الخف الأسفل من الدرن والغسالة
انتهى وقال القاضي أبو بكر بن العربي عارضة الأحوذي الجورب غشاء للقدم من صوف
يتخذ للدفء انتهى وقال الحافظ بن تيمية في فتاواه الفرق بين الجوربين والنعلين إنما هو من
كون هذا من صوف وهذا من جلود انتهى وقال العيني الجورب هو الذي يلبسه أهل البلاد
الشامية الشديدة البرد وهو يتخذ من غزل الصوف المفتول يلبس في القدم إلى ما فوق الكعب
انتهى قلت ويتخذ من الشعر أيضا كما تقدم أن أبا مسعود كان يمسح على جوربين له من شعر
فتفسير المجد الفيروزآبادي عام يشمل كل ما يصدق عليه أنه لفافة الرجل سواء كان من الجلد أو
الصوف أو الشعر أو غير ذلك وسواء كان ثخينا أو رقيقا بل هو شامل للمخيط وغيره قال في
غنية المستملي شرح منية المصلي بعد ذكر تفسير المجد ما لفظه كأن تفسيره باعتبار اللغة لكن
العرف خص اللفافة بما ليس بمخيط والجورب بالمخيط ونحوه الذي يلبس كما يلبس الخف انتهى
وتفسير الطيبي والشوكاني والشيخ عبد الحق يدل على أن الجورب يتخذ من الجلد وأنه نوع من
الخف وأنه يكون أكبر منه وتفسير ابن العربي وابن تيمية والعيني يدل على أنه يتخذ من الصوف
وقال شمس الأئمة الحلواني وهو من الأئمة الحنفية الجورب خمسة أنواع من المرعزي ومن الغزل
والشعر والجلد الرقيق والكبرباس ذكره نجم الدين الزاهدي عنه كما في حاشية البحر الرائق
وفيها أن المرعزي الزغب الذي تحت شعر العنز والغزل ما غزل من الصوف والكرباس ما نسج
من مغزول القطن قال الحلبي ويلحق بالكرباس كل ما كان من نوع الخيط كالكتان والإبريسم
أي الحرير انتهى ما في حشية البحر
فالاختلاف في تفسير الجورب من جهتين من جهة ما يتخذ منه ومن جهة مقداره قال
العلامة أبو الطيب شمس الحق في غاية المقصود بعد ذكر هذين النوعين من الاختلاف ما لفظه
فهذا الاختلاف والله أعلم إما لأن أهل اللغة اختلفوا في
تفسيره وإما لكون الجورب مختلف
الهيئة والصنعة في البلاد المتفرقة ففي بعض الأماكن يصنع من الأديم وفي بعضها من صوف وفي
بعضها من كل الأنواع فكل من فسره إنما فسره على هيئة بلاده ومنهم من فسره بكل ما يوجد في
البلاد بأي نوع كان انتهى كلامه
قلت يمكن أن يجمع بين هذه التفاسير المختلفة بأن الجورب هو لفافة الرجل كما قاله صاحب
282

القاموس من أي شئ كان وأما تقييدهم بالجلد والصوف والشعر أو غير ذلك فعلى حسب
صنعة بلادهم والله تعالى أعلم
المبحث الثالث في تحرير المذاهب في المسح على الجوربين وبيان ما هو الراجح عندي
قال الطحاوي في شرح الآثار ص 995 ج 1 إنا لا نرى بأسا بالمسح على الجوربين إذا كانا صفيقين
قد قال به أبو يوسف ومحمد وأما أبو حنيفة فإنه كان لا يرى ذلك حتى يكونا صفيقين ويكونا مجلدين
فيكونا كالخفين انتهى وفي شرح الوقاية من من كتب الحنفية أو جوربيه الثخينين أي بحيث يستمسكان
على الساق بلا شد منعلين أو مجلدين حتى إذا كانا ثخينين غير منعلين أو مجلدين
لا يجوز عند أبي حنيفة خلافا لهما وعنه أنه رجع إلى قولهما وبه يفتى انتهى ما في شرح الوقاية
والمنعل من التنعيل ما وضع الجلد على أسفله كالنعل للقدم والمجلد من التجليد ما وضع الجلد
على أعلاه وأسفله كليهما وحاصل مذهب الحنفية أن الجوربين إن كان منعلين أو مجلدين يجوز
المسح عليهما باتفاقهم وإن لم يكونا منعلين أو مجلدين اختلفوا فيه فمنعه أبو حنيفة في قوله
القديم مستدلا بأنه لا يمكن مواظبة المشي فيه إلا إذا كان منع أو مجلدا فلم يكن في معنى الخف
وجوزه صاحباه بناء على أنه إذا كان ثخينا يمكن فيه تتابع المشي فشابه الخف فإن لم يكونا ثخينين
أيضا لا يجوز المسح عليهما اتفاقا كذا في عمدة الرعاية وأما مذهب مالك فكمذهب أبي حنيفة
القديم وأما مذهب الشافعي وأحمد فقد ذكره الترمذي وهو أنه يجوز المسح عليهما إذا كانا ثخينين
وإن لم يكونا منعلين وعلى هذا فقول أبي حنيفة الجديد وقول صاحبيه وقول الشافعي وأحمد
واحد وهو جواز المسح على الجوربين إذا كانا ثخينين ونقل عن الشافعي كقول أبي حنيفة
القديم قال ابن قدامة في المغني وقال أبو حنيفة ومالك والأوزاعي ومجاهد وعمرو بن ديناد
والحسن بن مسلم والشافعي لا يجوز المسح عليهما إلا أن ينعلا لأنه لا يمكن متابعة المشي فيهما
فلم يجز المسح عليهما كالرقيقين انتهى وقال ابن العربي في العارضة اختلف العلماء في المسح
على الجوربين على ثلاثة أقوال الأول أنه يمسح عليها إذا كانا مجلدين إلى الكعبين قال به
الشافعي وبعض أصحابنا الثاني إن كان صفيقا جاز المسح عليه وإن لم يكن مجلدا إذا كان له
نعل وبه فسر بعض أصحاب الشافعي مذهبه وبه قال أبو حنيفة وحكاه أصحاب الشافعي عن
مالك الثالث أنه يجوز المسح عليه وإن لم يكن له نعل ولا تجليد قاله أحمد بن حنبل قال وجه
الأول أن الحديث ضعيف كله فإن كانا مجلدين رجعا خفين ودخلا تحت أحاديث الخف ووجه
الثاني أنه ملبوس في الرجل يسترها إلى الكعب يمكن متابعة المشي عليه فجاز المسح ووجه الثالث
ظاهر الحديث ولو كان صحيحا لكان أصلا انتهى كلام ابن العربي وقال ابن رسلان في شرح
283

سنن أبي داود نص الشافعي في الأم على أنه يجوز المسح على الجوربين بشرط أن يكون صفيقا
منعلا وقطع به جماعة من الشافعية ونقل المزني أنه لا يمسح على الجوربين مجلدي القدمين قال
القاضي أبو الطيب لا يجوز المسح على الجوربين إلا أن يكون سائر المحل الفرض يمكن متابعة
المشي عليه هذا هو الصحيح في المذهب انتهى كلام ابن رسلان
فإن قلت قد وقع في أحاديث الباب لفظ الجوربين مطلقا غير مقيد بشي من هذه القيود
التي قيدهما بها هؤلاء الأئمة فما بالهم قيدوهما بها واشرطوا جواز المسح عليهما بتلك
القيود فبعضهم بالتجليد وبعضهم بالتنعيل وبعضهم بالصفاقة والثخونة
قلت الأصل هو غسل الرجلين كما هو ظاهر القران والعدول عنه لا يجوز إلا بأحاديث
صحيحة اتفق على صحتها أئمة الحديث كأحاديث المسح على الخفين فجاز العدول عن غسل
القدمين إلى المسح على الخفين بلا خلاف وأما أحاديث المسح على الجوربين ففي صحتها كلام
عند أئمة الفن كما عرفت فكيف يجوز العدول عن غسل القدمين إلى المسح على الجوربين
مطلقا وإلى هذا أشار مسلم يقوله لا يترك ظاهر القرآن بمثل أبي قيس وهزيل انتهى فلأجل
ذلك اشترطوا جواز المسح على الجوربين بتلك القيود ليكونا في معنى الخفين ويدخلا تحت أحاديث
الخفين فرأى بعضهم أن الجوربين إذا كانا مجلدين كانا في معنى الخفين ورأى بعضهم أنهما إذا
كانا منعلين كانا في معناهما وعند بعضهم أنهما إذا كانا صفيقين ثخينين كانا في معناهما وإن لم
يكونا مجلدين ولا منعلين والله تعالى أعلم
فإن قلت قد ضعف الإمام أحمد حديث المسح على الجوربين ومع تضعيفه قد قال بجواز
المسح على الجوربين ولم يقيدها بشئ من هذه القيود كما يظهر من كلام ابن العربي
قلت قد قيدهما الإمام أحمد أيضا بقيد الثخونة كما صرح به الترمذي وقال ابن قدامة في
المغني قد قال أحمد في موضع لا يجزيه المسح على الجورب حتى يكون جوربا صفيقا يقوم قائما في
رجله لا ينكسر مثل الخفين إنما مسح القوم على الجوربين لأنه كان عندهم بمنزلة الخف في رجل
الرجل يذهب فيه الرجل ويجئ انتهى كلامه وقد قال قيل هذا سئل أحمد عن جورب الخرق
يمسح عليه فكره الخرق ولعل أحمد كرهها لأن الغالب عليها الخفة وأنها لا تثبت بأنفسها فإن
كانت مثل جورب الصوف في الصفاقة والثبوت فلا فرق انتهى كلامه على أنه لم يعتمد على حديث
الجوربين بل اعتمد على آثار الصحابة رضي الله عنهم قال الحافظ بن القيم في تلخيص السنن قد
نص أحمد على جواز المسح على الجوربين وعلل رواية أبي قيس وهذا من إنصافه وعدله رحمه
الله وإنما عمدته هؤلاء الصحابة وصريح القياس فإنه لا يظهر بين الجوربين والخفين فرق مؤثر
284

يصح أن يحال الحكم عليه انتهى كلام ابن القيم وأما قوله لا يظهر بين الجوربين والخفين فرق
مؤثر إلخ ففيه أن الجوربين إذا كانا من غير الجلد وكانا ثخينين صفيقين بحيث يستمسكان على
القدمين بلا شد ويمكن تتابع المشي فيهما فلا شك في أنه ليس بين هذين الجوربين والخفين فرق
مؤثر لأنهما في معنى الخفين وأما إذا كانا رقيقين بحيث لا يستمسكان على القدمين بلا شد ولا
يمكن تتابع المشي فهما ليسا في معنى الخفين فلا شك في أن بينهما وبين الخفين فرقا مؤثرا ألا
ترى أن الخفين بمنزلة النعلين عند عدم وجدانهما يذهب الرجل فيهما ويجئ ويمشي أينما شاء
فلابس الخفين لا يحتاج إلى نزعهما عند المشي فلا ينزعهما يوما وليلة بل أياما وليالي فهذا يشق عليه
نزعهما عند كل وضوء بخلاف لابس الجوربين الرقيقين فإنه كلما أراد أن يمشي يحتاج إلى النزع
فينزعهما في اليوم والليلة مرات عديدة وهذا لا يشق عليه نزعهما عند كل وضوء وهذا الفرق
يقتضي أن يرخص للابس الخفين دون لابس الجوربين الرقيقين فقياس هذا على ذلك قياس مع
الفارق فعدم ظهور الفرق المؤثر بينهما وبين الخفين ممنوع ولو سلم أنه لا يظهر الفرق بينهما وبين
الخفين فلا شك في أن الجوربين الرقيقين ليس داخلين تحت أحاديث الخفين لأن الجورب ليس من
أفراد الخف فلا وجه لجواز المسح عليهما إلا مجرد القياس ولا يترك ظاهر القرآن بمجرد القياس
البتة
فإن قلت قد أجاب الحافظ بن القيم عن قول مسلم لا يترك ظاهر القرآن بمثل أبي قيس
وهزيل فقال جوابه من وجهين أحدهما أن ظاهر القران لا ينفي المسح على الجوربين إلا كما
ينفي المسح على الخفين وما كان الجواب عن موارد الاجماع فهو الجواب عن مسألة النزاع
الثاني الذين سمعوا القران من النبي صلى الله عليه وسلم وعرفوا تأويله مسحوا على الجوربين وهم أعلم الأمة
بظاهر القرآن ومراد الله منه انتهى
قلت في كلا الوجهين من الجواب نظر أما الوجه الأول ففيه أنه قد ورد في المسح على
الخفين أحاديث كثيرة قد أجمع على صحتها أئمة الحديث فلأجل هذه الأحاديث الصحيحة تركوا
ظاهر القرآن وعملوا بها وأما المسح على الجوربين فلم يرد فيه حديث أجمع على صحته وما ورد
فيه فقد عرفت ما فيه من المقال فكيف يترك ظاهر القرآن ويعمل به وأما الوجه الثاني ففيه أنه لم
يثبت أن الجواربة التي كان الصحابة رضي الله عنهم يمسحون عليها كانت رقائق بحيث
لا تستمسك على الأقدام ولا يمكن لهم تتابع المشي فيها فيحتمل أنها كانت صفيقة ثخينة فرأوا
أنها في معنى الخفاف وأنها داخلة تحت أحاديث المسح على الخفين وهذا الاحتمال هو الظاهر
عندي وقد عرفت قول الإمام أحمد إنما مسح القوم على الجوربين لأنه كان عندهم بمنزلة الخف
285

إلخ فلا يلزم من مسح الصحابة على الجواربة التي كانوا يمسحون عليها جواز المسح على الجوربين
مطلقا ثخينين كانا أو رقيقين فتفكر
والراجح عندي أن الجوربين إذا كانا صفيقين ثخينين فهما في معنى الخفين يجوز المسح
عليهما وأما إذا كانا رقيقين بحيث لا يستمسكان على القدمين بلا شد ولا يمكن المشي فيهما فهما
ليسا في معنى الخفين وفي جواز المسح عليهما عندي تأمل والله تعالى أعلم
تنبيه أعلم أن العلامة أبا الطيب شمس الحق رحمه الله تعالى قد اختار قول من اشترط في
جواز المسح على الجوربين التجليد حيث قال في غاية المقصود بعد ذكر المذاهب المذكورة ما
لفظه وأنت خبير أن الجورب يتخذ من الأديم وكذا من الصوف وكذا من القطن ويقال لكل
واحد من هذا إنه جورب ومن المعلوم أن هذه الرخصة بهذا العموم التي ذهبت إليها تلك الجماعة
لا تثبت إلا بعد أن يثبت أن الجوربين الذين مسح عليهما النبي صلى الله عليه وسلم كانا من صوف سواء كانا
منعلين أو ثخينين فقط ولم يثبت هذا قط فمن أين علم جواز المسح على الجوربين غير المجلدين
بل يقال إن المسح يتعين على الجوربين المجلدين لا غيرهما لأنهما في معنى الخف والخف لا يكون
إلا من أديم نعم إن كان الحديث قوليا بأن قال النبي صلى الله عليه وسلم امسحوا على الجوربين لكان يمكن
الاستدلال بعمومه على كل أنواع الجورب وإذ ليس فليس فإن قلت لما كان الجورب من
الصوف أيضا احتمل أن الجوربين الذين مسح عليهما النبي صلى الله عليه وسلم كانا من صوف أو قطن إذ لم يبين
الراوي قلت نعم الاحتمال في كل جانب سواء يحتمل كونهما من صوف وكذا من قطن لكن
ترجح الجانب الواحد وهو كونه من أديم لأنه يكون حينئذ في معنى الخف ويجوز المسح عليه قطعا
وأما المسح على غير الأديم فثبت بالاحتمالات التي لم تطمئن النفس بها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم دع ما
يريبك إلى ما لا يريبك انتهى كلامه
قلت كلامه هذا حسن طيب لكن فيه أن لقائل أن يقول إن هذا القول لا يثبت إلا بعد
أن يثبت أن الجوربين اللذين مسح عليهما النبي صلى الله عليه وسلم كانا مجلدين ولم يثبت هذا قط فمن أين علم
جواز المسح على الجوربين المجلدين وأما قوله إن الجوربين المجلدين في معنى الخف فلا يجدي
نفعا فإن القائلين بجواز المسح على الجوربين الثخينين فقط يقولون أيضا إنهما لثخونتهما وصفاقتهما
في معنى الخف فتفكر
تنبيه قد استدل بعض مجوزي المسح على الجوربين مطلقا ثخينا كان أو رقيقا بما رواه
الإمام أحمد في مسنده قال حدثنا يحيى بن سعيد عن ثور عن راشد بن سعد عن ثوبان قال بعث
286

رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم شكوا إليه ما أصابهم من البرد فأمرهم
أن يمسحوا على العصائب والتساخين ورواه أبو داود في سننه وقال قال ابن الأثير في النهاية
العصائب هي العمائم لأن الرأس يعصب بها والتساخين كل ما يسخن به القدم من خف
وجورب ونحوهما ولا واحد لها من لفظها قال ورجال هذا الحديث ثقات مرضيون انتهى
قلت هذا الحديث لا يصلح للاستدلال فإنه منقطع فإن راشد بن سعد لم يسمع من
ثوبان قال الحافظ بن أبي حاتم في كتاب المراسيل ص 22 أنبأ عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما
كتب إلى قال قال أحمد يعني ابن حنيل راشد بن سعد لم يسمع من ثوبان انتهى
وقال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب قال أبو حاتم والحربي لم يسمع من ثوبان
وقال الخلال عن أحمد لا ينبغي أن يكون سمع منه انتهى
على أن التساخين قد فسرها أهل اللغة بالخفاف قال ابن الأثير في النهاية في حرف التاء ما
لفظه أمرهم أن يمسحوا على التساخين هي الخفاف ولا واحد لها من لفظها وقيل واحدها تسخان
وتسخين وتسخن والتاء فيها زائدة وذكرناها هنا حملا على ظاهر لفظها قال حمزة الأصفهاني
أما التسخان فتعريب تشكن وهو اسم غطاء من أغطية الرأس كان العلماء والموابذة يأخذونه على
رؤوسهم خاصة وجاء في الحديث ذكر العمائم والتساخين فقال من تعاطى تفسيره هو الخف
حيث لم يعرف فارسيته انتهى
وقال في حرف السين إنه أمرهم أن يمسحوا على المشاوذ والتساخين التساخين الخفاف
ولا واحد لها من لفظها وقيل واحدها تسخان وتسخين هكذا في شرح كتب اللغة والغريب
وقال حمزة الأصفهاني في كتاب الموازنة التسخان تعريب تشكن إلى آخر ما ذكر في حرف التاء
وكذا في مجمع البحار فلما ثبت أن التساخين عند أهل اللغة والغريب هي الخفاف فالاستدلال
بهذا الحديث على جواز المسح على الجوربين مطلقا ثخينين كانا أو رقيقين غير صحيح
ولو سلم أن التساخين عند بعض أهل اللغة هي كل ما يسخن به القدم من خف وجورب
ونحوهما فعند بعضهم التسخان تعريب تشكن وهو اسم غطاء من أغطية الرأس كما عرفت وفي
الدر المنثور للسيوطي قال حمزة التسخان معرب تشكن وهو اسم غطاء من أغطية الرأس كان
العلماء والقضاة يأخذونه على
رؤوسهم خاصة ووهم من فسره بالخف انتهى
فحصل للتساخين ثلاثة تفاسير الأول إنهما هي الخفاف والثاني إنها هي كل ما يسخن به
القدم الثالث إنها هي تعريب تشكن وهو اسم غطاء من أغطية الرأس فمن ادعى أن المراد بها
287

في حديث ثوبان المذكور كل ما يسخن به القدم دون غيره فعليه بيان الدليل الصحيح ودونه خرط
القتاد
تنبيه اخر قال الحافظ بن تيمية في فتاواه ما لفظه يجوز المسح على الجوربين إذا كان يمشي
فيهما سواء كانت مجلدة أو لم تكن في أصح قولي العلماء ففي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على
جوربيه ونعليه وهذا الحديث إذا لم يثبت فالقياس يقتضي ذلك فإن الفرق بين الجوربين
والنعلين إنما هو كون هذا من صوف وهذا من جلود ومعلوم أن مثل هذا الفرق غير مؤثر في
الشريعة فلا فرق بين أن يكون جلودا أو قطنا أو كتابا أو صوفا كما لم يفرق بين سواد اللباس في
الإحرام وبياضه وغايته أن الجلد أبقى من الصوف وهذا لا تأثير له كما لا تأثير لكون الجلد قويا
بل يجوز المسح على ما يبقى وما لا يبقى وأيضا فمن المعلوم أن الحاجة إلى المسح على هذا
كالحاجة إلى المسح على هذا سواء ومع التساوي في الحكمة والحاجة يكون التفريق بينهما تفريقا
بين المتماثلين وهذا خلاف العدل والاعتبار الصحيح الذي جاء به الكتاب والسنة وما أنزل الله به
كتبه وأرسل به رسله انتهى كلامه
قلت كلام الحافظ بن تيمية هذا ليس مخالفا لما اخترنا من أن الجوربين إذا كانا ثخينين
صفيقين يمكن تتابع المشي فيهما يجوز المسح عليهما فإنهما في معنى الخفين فإنه رحمه الله قيد جواز
المسح على الجوربين بقوله إذا كان يمشي فيهما وظاهر أن تتابع المشي فيهما لا يمكن فيهما إلا إذا كانا
ثخينين وأما قوله ومع التساوي في الحكمة والحاجة يكون التفريق بينهما تفريقا بين المتماثلين فإنما
يستقيم إذا كان الجوربان ثخينين بحيث يمكن تتابع المشي فيهما وأما إذا كانا رقيقين بحيث لا يمكن
تتابع المشي فيهما فلا كما عرفت فيما تقدم فقيام الجوربين الرقيقين على الخفين قياس مع
الفارق هذا ما عندي والله تعالى أعلم
288

باب ما جاء في المسح على الجوربين والعمامة
في نسخة قلمية عتيقة باب ما جاء في المسح على العمامة وليس فيها لفظ الجوربين وهو
الظاهر
قوله (عن بكر بن عبد الله المزني) البصري ثقة من أوساط التابعين (عن الحسن) هو الحسن
البصري (عن ابن المغيرة بن شعبة) اسم ابن المغيرة هذا حمزة وللمغيرة ابنان حمزة وعروة
والحديث مروي عنهما جميعا لكن رواية بكر بن عبد الله المزني إنما هي عن حمزة بن المغيرة وعن
ابن المغيرة غير مسمى ولا يقول بكر بن عروة ومن قال عروة عنه فقد وهم قاله النووي في شرح
مسلم وحمزة بن المغيرة هذا ثقة من أوساط التابعين
قوله (ومسح على الخفين والعمامة) بكسر العين وجمعه العمائم (قال بكر وقد سمعته من ابن
المغيرة) أي بلا واسطة الحسن (وذكر محمد بن بشار في هذا الحديث في موضع اخر أنه مسح على
ناصيته وعمامته) الناصية مقدم الرأس وقد وقع في رواية لمسلم مسح على الخفين ومقدم رأسه
وعلى عمامته (وذكر بعضهم المسح على الناصية والعمامة ولم يذكر بعضهم الناصية) والذاكرون
ثقات حفاظ فزيادة الناصية مقبولة بلا
شك قال النووي في شرح مسلم قوله ومسح بناصيته
وعلى العمامة هذا مما احتج به أصحابنا على أن مسح بعض الرأس يكفي ولا يشترط الجميع لأنه
لو وجب الجميع لما اكتفى بالعمامة عن الباقي فإن الجمع بين الأصل والبدل في عضو واحد
289

لا يجوز كما لو مسح على خف واحد وغسل الرجل الأخرى وأما التيمم بالعمامة فهو عند
الشافعي وجماعة على الاستحباب ليكون الطهارة على جميع الرأس ولا فرق بين أن يكون لبس
العمامة على طهر أو على حدث وكذا لو كان على رأسه قلنسوة ولم ينزعها مسح بناصيته
ويستحب أن يتيمم على القلنسوة كالعمامة ولو اقتصر على العمامة ولم يمسح شيئا من الرأس لم يجزه
ذلك عندنا بلا خلاف وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأكثر العلماء وذهب أحمد بن حنبل إلى جواز
الاقتصار ووافقه عليه جماعة من السلف انتهى كلام النووي
قلت والمرجح عندي هو ما ذهب إليه أحمد بن حنبل لأحاديث الباب والله تعالى أعلم
قوله (وفي الباب عن عمرو بن أمية وسلمان وثوبان وأبي أمامة) أما حديث عمرو بن أمية
فأخرجه أحمد والبخاري وابن ماجة عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على عمامته وخفيه وأما
حديث سلمان فأخرجه أحمد عنه أنه رأى رجلا قد أحدث وهو يريد أن يخلع خفيه فأمره سلمان أن
يمسح على خفيه وعلى عمامته وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه وعلى خماره وحديث
سلمان هذا أخرجه أيضا الترمذي في العلل ولكنه قال مكان وعلى خماره وعلى ناصيته وفي إسناده
أبو شريح قال الترمذي سألت محمد بن إسماعيل عنه ما اسمه فقال لا أدري لا أعرف اسمه
وفي إسناده أيضا أبو مسلم مولى زيد بن صوحان وهو مجهول قال الترمذي لا أعرف اسمه ولا
أعرف له غير هذا الحديث وأما حديث ثوبان فأخرجه أحمد وأبو داود عنه قال بعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم شكوا إليه ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا
على العصائب والتساخين قال صاحب المنتقي العصائب والعمائم والتساخين الخفاف قال
الشوكاني في النيل في إسناده راشد بن سعد عن ثوبان قال الخلال في علله إن أحمد قال لا ينبغي
أن يكون راشد بن سعد من ثوبان لأنه مات قديما انتهى
وأما حديث أبي أمامة فأخرجه الطبراني بلفظ مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخفين والعمامة في
غزوة تبوك وفي الباب أيضا عن خزيمة بن ثابت أخرجه الطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح على
الخفين والخمار وعن أبي طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح على الخفين والخمار أخرجه الطبراني في
معجمه الصغير وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الموقين والخمار أخرجه
البيهقي في سننه وعن أبي ذر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الموقين والخمار أخرجه الطبراني
290

في معجمه الأوسط وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها الزيلعي في نصب الراية من شاء الوقوف
عليها فليرجع إليه
قوله (حديث المغيرة بن شعبة حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم بلفظ فمسح بناصيته
وعلى العمامة وعلى الخفين ولم يخرجه البخاري وقال الحافظ وقد وهم المنذري فعزاه إلى المتفق
عليه وتبع في ذلك ابن الجوزي فوهم وقد تعقبه ابن عبد الهادي وصرح عبد الحق في الجمع
بين الصحيحين أنه من أفراد مسلم
قوله (وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمر
وأنس وبه يقول الأوزاعي وأحمد وإسحاق قالوا يمسح على العمامة) قال الحافظ في الفتح وإلى
هذا ذهب الأوزاعي والثوري في رواية عنه وأحمد وإسحاق وأبو ثور والطبري وابن خزيمة وابن
المنذر وغيرهم وقال ابن المنذر ثبت ذلك عن أبي بكر وعمر وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن يطع
الناس أبا بكر وعمر يرشدوا إنتهى
قال الشوكاني في النيل قال الشافعي إن صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبه أقول انتهى
وقال فيه ورواه أي المسح على العمامة ابن رسلان عن أبي أمامة وسعد بن مالك وأبي الدرداء
وعمر بن عبد العزيز والحسن وقتادة ومكحول وروى الخلال بإسناده عن عمر أنه قال من لم يطهره
المسح على العمامة فلا طهره الله انتهى
وقال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد ومسح على العمامة مقتصرا عليها ومع الناصية وثبت
عنه ذلك فعلا وأمرا في عدة أحاديث لكن في قضايا أعيان يحتمل أن يكون خاصة بحال الحاجة
والضرورة ويحتمل العموم كالخفين وهو أظهر انتهى
وفي شرح الموطأ للزرقاني وأجاز المسح عليها أحمد والأوزاعي وداود وغيرهم للآثار وقياسا
على الخفين ومنعه مالك والشافعي وأبو حنيفة لأن المسح على الخفين مأخوذ من الآثار لا من
291

القياس ولو كان منه لجاز المسح على القفازين وقال الخطابي فرض الله مسح الرأس وحديث
مسح العمامة محتمل للتأويل فلا يترك المتيقن للمحتمل وقياسه على الخف بعيد لمشقة نزعه
بخلافها وتعقب بأن الآية لا تنفي الاقتصار على المسح لا سيما عند من يحمل المشترك على حقيقته
ومجازه لأن من قال قبلت رأس فلان يصدق ولو على حائل وبأن المجيزين الاقتصار على مسح
العمامة شرطوا فيه مشقة نزعها كالخف ورد الأول بأن الأصل حمل اللفظ على حقيقته ما لم يرد
نص صريح بخلافه والنصوص وردت على النبي صلى الله عليه وسلم فعلا وأمرا بمسح الرأس فتحمل رواية
مسح العمامة على أنه كان لعذر بدليل المسح على الناصية معها كما في مسلم انتهى كلام الزرقاني
قلت قد ثبتت وصحت أحاديث المسح على العمامة فلا حاجة إلى القياس على المسح على
الخفين ولا حاجة إلى تأويل تلك الأحاديث بل الظاهر أن تحمل على ظواهرها
فائدة اختلف القائلون بالمسح على العمامة هل يحتاج الماسح على العمامة إلى لبسها على
طهارة أو لا يحتاج فقال أبو ثور لا يمسح على العمامة إلا من لبسها على طهارة قياسا على الخفين
ولم يشترط ذلك الباقون وكذلك اختلفوا في التوقيت فقال أبو ثور أيضا إن وقته كوقت المسح
على الخفين وروى مثل ذلك عن عمر والباقون لم يوقتوا قال ابن حزم إن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على
العمامة والخمار ولم يوقت ذلك بوقت وفيه أن الطبراني قد روى من حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يمسح على الخفين والعمامة ثلاثا في السفر ويوما وليلة في الحضر لكن في إسناده مروان أبو
سلمة قال ابن أبي حاتم ليس بالقوي وقال البخاري منكر الحديث وقال الأزدي ليس بشئ
وسئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال ليس بصحيح انتهى كلام الشوكاني
قوله (يقول سمعت وكيع بن الجراح يقول إن مسح على العمامة يجزئه للأثر) أي للحديث
والأمر عندي كما قال وكيع فإن أحاديث الباب تدل على أجزاء المسح على العمامة
292

قوله (عن عبد الرحمن بن إسحاق) بن عبد الله بن الحرث بن كنانة القرشي العامري
المدني روى عن أبيه والزهري وعنه إبراهيم بن طهمان وبشر بن المفضل وثقة ابن معين قال
أبو داود ثقة قدري قال الفسوي وابن خزيمة ليس به بأس قال ابن عدي أكثر أحاديثه صحاح وله ما
ينكر كذا في الخلاصة (عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار ياسر) قال في التقريب أبو عبيدة بن
محمد بن عمار بن ياسر أخو سلمة وقيل هو هو مقبول انتهى وقال في الخلاصة وثقه ابن معين وفيه
كلام أبي حاتم انتهى
قوله (فقال السنة يا ابن أخي) أي هو السنة يا ابن أخي (فقال أمس الشعر) أمر من المس
يعني لا يجوز المسح على العمامة فعليك أن تمس الشعر وقال محمد في موطئه أخبرنا مالك قال
بلغني عن جابر ابن عبد الله أنه سئل عن العمامة فقال لا حتى يمس الشعر الماء قال صاحب
التعليق الممجد قوله حتى يمس من الإحساس أو المس أي يصيب الشعر بالنصب على أنه مفعول
مقدم الماء بالرفع أو النصب انتهى
قوله (وقال غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين لا يمسح على العمامة
إلا أن يمسح برأسه ومع العمامة وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي)
قال الحافظ في الفتح اختلف السلف في معنى المسح على العمامة فقيل إنه كمل عليها بعد مسح
الناصية وقد تقدمت رواية مسلم بما يدل على ذلك وإلى عدم الاقتصار على المسح عليها ذهب
الجمهور وقال الخطابي فرض الله مسح الرأس والحديث في مسح الرأس محتمل للتأويل فلا يترك
المتيقن للمحتمل قال وقياسه على مسح الخف بعيد لأنه يشق نزعه بخلافها
وتعقب بأن الذين أجازوا الاقتصار على مسح العمامة شرطوا فيه المشقة في نزعها كما في
الخف وطريقه أن تكون محكمة كعمائم العرب وقالوا عضو يسقط فرضه في التيمم فجاز المسح
على حائله كالقدمين وقالوا الآية لا تنفي ذلك ولا سيما عند من يحمل المشترك على حقيقته
ومجازه لأن من قال قبلت رأس فلان يصدق ولو كان على حائل انتهى وقال ابن قدامة في
293

المغني يجوز المسح على العمامة قال ابن المنذر وممن مسح على العمامة أبو بكر الصديق وبه قال عمر
وأنس وأبو أمامة وروي عن سعيد بن مالك وأبي رضي الله عنهم وبه قال عمر بن عبد
العزيز والحسن وقتادة ومكحول والأوزاعي وأبو ثور وابن المنذر وقال عروة والنخعي والشعبي
والقاسم ومالك والشافعي وأصحاب الرأي لا يمسح عليها لقوله الله تعالى (وامسحوا
برؤوسكم) ولأنه لا تلحقه المشقة في نزعها فلم يجز المسح عليها كالكمين ولنا ما روى
المغيرة بن شعبة قال توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح على الخفين والعمامة قال الترمذي هذا حديث حسن
صحيح قال أحمد هو من خمسة وجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم روى الخلال بإسناده عن عمر رضي الله عنه
أنه قال من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله قال ومن شرط جواز المسح على العمامة أن
تكون ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه كمقدم الرأس والأذنين وشبههما من جوانب
الرأس فإنه يعفى عنه قال ومن شرط جواز المسح عليها أن تكون على صفة عمائم المسلمين إما
بأن يكون تحت الحنك منها شئ لأن هذه عمائم العرب وهي أكثر سترا من غيرها ويشق نزعها
فيجوز المسح عليها سواء كانت ذؤابة أو لم يكن قاله القاضي وسواء كانت صغيرة أو كبيرة فإن
لم يكن تحت الحنك منها شئ ولا لها ذؤابة لم يجز المسح عليها لأنها على صفة عمائم أهل الذمة ولا
يشق نزعها وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط رواه أبو عبيدة والاقتعاط أن
لا يكون تحت الحنك منها شئ وروى أن عمر رضي الله عنه رأى رجلا ليس تحت حنكه من عمامته
شئ فحنكه بكور منها وقال ما هذه الفاسقية فامتنع المسح عليها للنهي عنها وسهولة نزعهما وإن
كانت ذات ذؤابة ولم تكن محنكة ففي المسح عليها وجهان أحدهما جوازه لأنها لا تشبه عمائم أهل
الذمة إذ ليس من عادتهم الذؤابة والثاني لا يجوز لأنها داخلة في عموم النهي ولا يشق نزعها قال
وإن نزع العمامة بعد المسح عليها بطلت طهارته نص عليه أحمد قال والتوقيت في مسح العمامة
كالتوقيت في مسح الخف لما روى أبو أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يمسح على الخفين والعمامة ثلاثا في
السفر ويوما وليلة للمقيم رواه الخلال بإسناده إلا أنه من رواية شهر بن حوشب ولا ممسوح على
وجه الرخصة فتوقت بذلك كالخف انتهى ما في المغني
قلت لا ريب في أنه صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة كما يدل عليه أحاديث الباب وأما هذه
الشرائط التي ذكرها ابن قدامة فلم أر ما يدل على ثبوتها من الأحاديث الصحيحة والله تعالى
أعلم وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط فلم يذكر ابن قدامة سنده
ولم يذكر تحسينه ولا تصحيحه عن أحد من أئمة الحديث ولم أقف على سنده ولا على من حسنه أو
صححه فالله أعلم كيف هو وأما ما رواه في توقيت المسح على العمامة ففي إسناده شهر بن
294

حوشب الأشعري الشامي مولى أسماء بنت يزيد بن السكن صدوق كثير الإرسال والأوهام كذا
في التقريب وقد أخرجه الطبراني أيضا وفي إسناده مروان أبو سلمة وقد عرفت أن البخاري قال
إنه منكر الحديث وقال ابن أبي حاتم ليس بالقوي وقد عرفت أيضا أنه سئل أحمد بن حنبل عن
هذا الحديث فقال ليس بصحيح
تنبيه قال الإمام محمد في موطئه بلغنا أن المسح على العمامة كان فترك انتهى قال
صاحب التعليق الممجد لم نجد إلى الان ما يدل على كون المسح على العمامة منسوخا لكن
ذكروا أن بلاغات محمد مسندة فلعل عنده وصل بإسناده انتهى كلامه قلت لا بد لمن يدعى أن
المسح على العمامة كان فترك أن يأتي بالحديث الناسخ الصحيح الصريح ولا يثبت النسخ بمجرد
قول الإمام محمد المذكور كما لا يخفي على العالم المنصف
باب ما جاء في الغسل من الجنابة
قال الجزري في النهاية الجنب الذي يجب عليه الغسل بالجماع أو خروج المني ويقع على
الواحد واثنين والجمع والمؤنث بلفظ واحد وقد يجمع على أجناب وجنبين وأجنب يجنب
إجنابا والجنابة الاسم وهي في الأصل البعد وسمي الإنسان جنبا لأنه نهى أن يقرب
مواضع الصلاة ما لم يتطهر وقيل لمجانبته الناس حتى يغتسل انتهى وفي القاموس الجنابة
المني وقد أجنب وجنب وجنب وأجنب واستجنب وهو جنب بضمتين يستوي للواحد
والجمع انتهى (عن سالم بن أبي الجعد) الأشجعي الكوفي ثقة من رجال الكتب الستة وكان
يرسل كثيرا من الثالثة مات سنة 79 سبع أو ثمان وتسعين وقيل مائة أو بعد ذلك ولم يثبت أنه
جاوز المائة (عن كريب) بالتصغير هو ابن أبي مسلم الهاشمي مولاهم المدني أبو رشدين مولى ابن
عباس ثقة من الطبقة الوسطى من التابعين روى عن مولاه ابن عباس وعائشة وأم هانئ وعنه
أبو سلمة وبكير بن الأشج موسى بن عقبة وثقه النسائي مات سنة ثمان وتسعين (عن خالته
ميمونة) بنت الحارث العامرية الهلالية زوج النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها سنة سبع وتوفيت بسرف حيث بنى
بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما بين مكة والمدينة وذلك سنة 51 إحدى وخمسين
295

قوله (وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلا) بضم الغين وسكون السين أي ماء الاغتسال وفي رواية
البخاري وغيره وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم ماء للغسل (فاغتسل) أي أراد الاغتسال (من الجنابة) من سببية
أي لأجل الجنابة فأكفأ الاناء أي أماله قال في النهاية يقال كفأت الإناء وأكفأته إذا كببته وإذا
أملته وقال في القاموس أكفأ أمال وقلب (فغسل كفيه) يحتمل أن يكون غسلهما للتنظيف مما بهما
من مستقذر ويحتمل أن يكون هو الغسل المشروع عند القيام من النوم وهو الراجح يدل عليه
قول ميمونة ثم أدخل يده في الإناء وقول عائشة في حديثها الآتي فغسل يديه قبل أن يدخلهما في
الإناء (فأفاض على فرجه) أي صب الماء عليه وغسله وفي رواية للبخاري وغسل فرجه وما أصابه
من الأذى وفي رواية أخرى له فغسل مذاكيره ثم دلك بيده الحائط أو الأرض شك من الراوي
وفيه دليل على استحباب مسح اليد بالتراب من الحائط أو التراب بعد الاستنجاء (فأفاض على
رأسه ثلاثا) ظاهره يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم يمسح رأسه كما يفعل في الوضوء قاله ابن دقيق العيد وقال
الحافظ في الفتح ولم يقع في شئ من طرق هذا الحديث التنصيص على مسح الرأس في هذا
الوضوء وتمسك به المالكية لقولهم إن وضوء الغسل لا تمسح فيه الرأس بل يكتفي عنه لغسلها
انتهى (ثم أفاض على سائر جسده) أي أسال الماء على باقي جسده قال في القاموس السائر الباقي
لا الجميع كما توهم جماعات وقد يستعمل له ومنه قول الأخرس
فجللتها لنا لبابة لما وقد النوم سائر الحراس
وقال الجزري في النهاية والسائر مهموز الباقي والناس يستعملونه في معنى الجميع وليس
بصحيح وقد تكررت هذه اللفظة في الحديث وكلها بمعنى باقي الشئ انتهى
قلت قد وقع عند البخاري في حديث عائشة من طريق مالك عن هشام عن أبيه عنها ثم
يفيض الماء على جلده كله قال الحافظ هذا التأكيد يدل على أنه عمم جميع جسده بالغسل بعد ما
تقدم انتهى ووقع في حديثها من طريق عبد الله عن هشام عن أبيه ثم غسل سائر جسده قال
الحافظ أي بقية جسده قال فيحتمل أن يقال إن سائر هنا بمعنى الجميع جمعا بين الروايتين انتهى
(ثم تنحى) أي تحول إلى ناحية (فغسل رجليه) وفي رواية للبخاري عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم
296

قالت توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءه للصلاة غير رجليه الحديث وفيه ثم نحى رجليه فغسلهما
هذه غسلة من الجنابة
قال الحافظ تحت هذه الرواية فيه التصريح بتأخير الرجلين في وضوء الغسل إلى آخره
وهو مخالف لظاهر رواية عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ بغسل يديه ثم يتوضأ
كما يتوضأ للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء الحديث ويمكن الجمع بينهما إما بحمل رواية عائشة
على المجاز بأن المراد يتوضأ أكثر الوضوء كما يتوضأ للصلاة وهو ما سوى الرجلين وبحمله على حالة
أخرى وبحسب اختلاف هاتين الحالتين اختلف نظر العلماء فذهب الجمهور إلى استحباب
تأخير غسل الرجلين في الغسل وعن مالك إن كان المكان غير نظيف فالمستحب تأخيرهما وإلا
فالتقديم وعند الشافعية في الأفضل قولان قال النووي أصحهما وأشهرهما ومختارهما أنه يكمل
وضوءه قال لأن أكثر الروايات عن عائشة وميمونة كذلك قال الحافظ كذا قال النووي وليس في
شئ من الروايات عنهما التصريح بذلك بل هي إما محتملة كرواية توضأ وضوءه للصلاة أو
ظاهرة في تأخيرهما كرواية أبي معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة الحديث وفي آخره ثم أفاض على سائر جسده ثم غسل رجليه وله
شاهد من رواية أبي سلمة عن عائشة أخرجه أبو داود والطيالسي بلفظ فإذا فرغ غسل رجليه
ويوافقها أكثر الروايات عن ميمونة أو صريحة في تأخيرهما كحديث الباب وراويها مقدم في الحفظ
والفقه على جميع من رواه عن الأعمش انتهى كلام الحافظ ملخصا
قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة
قوله (وفي الباب عن أم سلمة وجابر وأبي سعيد وجبير بن مطعم وأبي هريرة) أما حديث
أم سلمة فأخرجه مسلم وأما حديث جابر فأخرجه ابن ماجة عنه قال قلت يا رسول الله إنا في أرض باردة فكيف الغسل من
الجنابة فقال صلى الله عليه وسلم أما أنا فأحثوا على رأسي ثلاثا وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أيضا ابن ماجة
عنه أن رجلا سأله عن الغسل من الجنابة فقال ثلاثا فقال الرجل إن شعري كثير فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان أكثر شعرا منك وأطيب وأما حديث جبير بن مطعم فأخرجه أيضا ابن ماجة عنه قال
تماروا في الغسل من الجنابة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنا فأفيض على رأسي
ثلاث أكف وأخرجه أيضا البخاري ومسلم والنسائي وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجة
عنه بلفظ سأله رجل كم أفيض على رأسي وأنا جنب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثو على رأسه
297

ثلاث حثيات قال الرجل إن شعري طويل قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر شعرا منك وأطيب
قوله (نا سفيان) هو ابن عينية كما يظهر من عبارة الحافظ الآتية (إذا أراد أن يغتسل من
الجناية) أي من أجل رفعها أو بسبب حدوثها (بدأ بغسل يديه) وفي نسخة صحيحة فغسل يديه
قال الحافظ يحتمل أن يكون غسلهما للتنظيف مما بهما من مستقذر ويحتمل أن يكون هو الغسل
المشروع عند القيام من النوم ويدل عليه زيادة ابن عيينة في هذا الحديث قبل أن يدخلهما في
الإناء رواه الشافعي والترمذي وزاد أيضا ثم يغسل فرجه انتهى قلت رواية الترمذي والتي
أشار إليها الحافظ هي هذه التي نحن في شرحها وظهر من كلام الحافظ هذا أن سفيان في هذه الرواية
هو ابن عيينة (ثم يغسل) وفي النسخة القلمية ثم غسل (ثم يتوضأ وضوءه) بالنصب أي
كوضوئه للصلاة (ثم يشرب) من التشريب أو الإشراب (شعره) بالنصب (الماء) بالنصب أيضا
وهما مفعولان ليشرب أي يسقى صلى الله عليه وسلم شعره المبارك الماء قال في مجمع البحار تشريبه بل جميعه
بالماء انتهى وقال ابن العربي في العارضة قوله يشرب شعره الماء يعني يسقيه كقوله تعالى
(وأشربوا في قلوبهم العجل) أي سقي في قلوبهم حبه قال معناه يصب عليه الماء فيسري إلى
مداخله كسريانه إلى بواطن البدن شبهه به وسماه شرابا لأجله وهذا مجاز بديع انتهى
(وفي رواية الشيخين) ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره (ثم يحثي على
رأسه ثلاث حثيات) أي ثلاث غرف بيديه واحدها حثية قاله في النهاية والمعنى يصب على
رأسه ثلاث غرف بيديه وفي رواية للشيخين ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه قوله (هذا
حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما قوله (ثم يفرغ) من الإفراغ وهو الصب (ثم
298

يفيض) من الإفاضة وهو الإسالة (وقالوا إن انغمس الجنب في الماء ولم يتوضأ أجزأه) يعني
الوضوء ليس بواجب في غسل الجنابة (وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) وهو قول أبي حنيفة
وأصحابه قال الشافعي في الأم فرض الله تعالى الغسل مطلقا لم يذكر فيه شيئا يبدأ به قبل شئ
فكيفما جاء به المغتسل أجزأه إذا أتى بغسل جميع بدنه والاحتياط في الغسل ما روت عائشة ثم
حديث عائشة عن مالك بسنده قال ابن عبد البر هو أحسن حديث روي في ذلك فإن لم يتوضأ
قبل الغسل ولكن عم جسده ورأسه ونواه فقد أدى ما عليه بلا خلاف لكنهم مجمعون على
استحباب الوضوء قبل الغسل كذا ذكره الزرقاني في شرح الموطأ وقال الحافظ في الفتح نقل
ابن بطال الإجماع على أن الوضوء لا يجب مع الغسل وهو مردود فقد ذهب جماعة منهم أبو ثور
وداود وغيرهما إلى أن الغسل لا ينوب عن الوضوء للمحدث انتهى كلام الحافظ وقال ابن العربي
في العارضة قال أبو ثور يلزم الجمع بين الوضوء والغسل كما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعنه ثلاثة
أجوبة الأول أن ذلك ليس بجمع كما بيناه وإنما هو غسل كله الثاني أنه إن كان جمع بينهما
فإنما ذلك استحباب بدليل قوله تعالى (حتى تغتسلوا) وقوله (وإن كنتم جنبا فاطهروا)
فهذا هو الفرض الملزم والبيان المكمل وما جاء من بيان هيئته لم يكن بيانا لمجمل واجب فيكون
واجبا وإنما كان إيضاحا لسنة الثالث أن سائر الأحاديث ليس فيها ذكر الوضوء ومنها ما قال
النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة إذا قالت له إني امرأة أشد ضفر رأسي فأنقضه للغسل من الجنابة فقال لها
إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماء ثم تضغثيه ثم تفيضين على جسدك الماء
فإذا أنت قد طهرت انتهى كلام ابن العربي قلت في كل من الأجوبة الثلاثة عندي نظر أما في
الأول فلأن ظاهر حديث ميمونة وحديث عائشة هو الجمع كما عرفت أما في الثاني فلأن المراد
بقوله تعالى (حتى تغتسلوا) هو الاغتسال الشرعي الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غسل
الجنابة وكذا المراد بقوله تعالى (فاطهروا) هو التطهر الشرعي وأما في الثالث فلأن عدم ذكر
الوضوء في بعض أحاديث غسل الجنابة ليس بدليل على أنه ليس بواجب في غسل الجنابة كما لا
يخفي على المتأمل هذا ما عندي والله تعالى أعلم
299

باب هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل
قوله (نا سفيان) هو ابن عيينة كما في رواية أبي داود (عن أيوب بن موسى) ابن عمرو بن
سعيد بن العاص الأموي الفقيه الكوفي من رجال الكتب الستة قال ابن المديني له نحو
أربعين حديثا وثقة أحمد وقال يحيى أصيب مع داود بن علي في سنة ثلاثين ومائة له في البخاري
فرد حديث (عن المقبري) وفي رواية مسلم عن سعيد بن أبي سعيد المقبري قال الحافظ في التقريب ثقة
من الثالثة تغير قبل موته بأربع سنين انتهى قلت هو من رجال الكتب الستة (عن عبد الله بن
رافع) المخزومي المدني مولى أم سلمة ثقة من الثالثة روى عن مولاته أم سلمة وأبي هريرة وعنه
سعيد المقبري وابن إسحاق وثقه أبو زرعة (عن أم سلمة) بفتح السين وكسر اللام واسمها هند
بنت أبي أمية واسم أبي أمية سهيل ويقال له زاد الراكب كانت عند أبي سلمة بن عبد الأسد فهاجر
بها إلى أرض الحبشة الهجرتين فولدت له هناك زينب وولدت له بعد ذلك سلمة وعمرو درة ومات
أبو سلمة في جمادي الأخرى سنة 4 أربع من الهجرة فتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة في ليال بقين
من شوال سنة أربع وتوفيت سنة 59 تسع وخمسين وقيل سنة 26 ثنتين وستين والأول أصح قال
أبو نعيم الأصبهاني وصلى عليها سعيد بن زيد وهو غلط والصحيح أبو هريرة وقبرت بالبقيع وهي
ابنة أربع وثمانين سنة كذا في تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير للحافظ ابن الجوزي
قوله (إني امرأة أشد) بفتح الهمزة بضم الشين أي أحكم (ضفر رأسي) أو نسجه أو فتله
بالضاد المفتوحة المعجمة والفاء الساكنة نسج الشعر وإدخال بعضه في بعض والضفيرة الذؤابة
قال القاري وقال النووي بفتح الضاد وإسكان الفاء هذا هو المشهور المعروف في رواية الحديث
والمستفيض عند المحدثين والفقهاء وغيرهم ومعناه أحكم فتل شعري وقال الإمام ابن أبزي في
الجزء الذي صنفه في لحن الفقهاء من ذلك قولهم في حديث أم سلمة أشد ضفر رأسي يقولونه
بفتح الضاد وإسكان الفاء وصوابه ضم الضاد الفاء جمع ضفيرة كسفينة وسفن وهذا الذي أنكره
ليس كما زعمه بل الصواب جواز الأمرين ولكل واحد منهما معنى صحيح ولكن يترجح ما قدمناه
لكونه المروي المسموع في الروايات الثابتة المتصلة
أفأنقضه لغسل الجنابة أي أفرقه لأجله حتى
300

يصل الماء إلى باطنه وفي رواية مسلم أفأنقضه للحيضة والجنابة (قال لا إنما يكفيك) بكسر الكاف
(أن تحثي) بكسر مثلثه وسكون ياء أصله تحثيين كتضربين أو تنصرين فحذف حرف العلة بعد نقل
حركته أو حذفه وحذف النون للنصب كذا في مجمع البحار قال القاري ولا يجوز فيه النصب
والحثي الإثارة أي تصبي (ثم تفيضي) من الإفاضة عطف على تحثي أي تسيلي (فتطهرين) أي
فأنت تطهرين
قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري
قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم أن المرأة إذا اغتسلت من الجنابة فلم تنقض
شعرها إن ذلك يجزئها بعد أن تفيض الماء على رأسها) مذهب الجمهور أن المرأة إذا اغتسلت من
الجنابة أو الحيض يكفيها أن تحثي على رأسها ثلاث حثيات ولا يجب عليها نقض شعرها وقال
الحسن وطاوس يجب النقض في غسل الحيض دون الجنابة وبه قال أحمد ورجح جماعة من أصحابه
أنه للاستحباب فيهما
واستدل من قال بوجوب النقض في غسل الحيض دون الجنابة بقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة وانقضى
رأسك وامتشطي
واستدل الجمهور بحديث أم سلمة المذكور في الباب وفي
رواية لمسلم للحيضة والجنابة
وحملوا الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم وانقضى رأسك على الاستحباب جمعا بين الروايتين أو بجمع بالتفصيل بين
من لا يصل الماء إلى أصوله بالنقض فيلزم وإلا فلا هذا خلاصة ما ذكره الحافظ في الفتح
وقيل إن شعر أم سلمة كان خفيفا فعلم صلى الله عليه وسلم أن يصل الماء إلى أصوله
وقيل بأنه إن كان مشدودا نقض وإلا لم يجب نقضه لأنه يبلغ الماء أصوله
قال صاحب سبل السلام لا يخفي أن حديث عائشة كان في الحج فإنها أحرمت بعمرة ثم
301

حاضت قبل دخول مكة فأمرها صلى الله عليه وسلم أن تنقض رأسها وتمتشط وتغتسل بالحج وهي حينئذ لم تطهر
من حيضها فليس إلا غسل تنظيف لا حيض فلا يعارض حديث أم سلمة أصلا فلا حاجة إلى
هذه التأويلات التي في غاية الركاكة فإن خفة شعر هذه دون هذه يفتقر إلى دليل والقول بأن هذا
مشدود وهذا غير مشدود والعبارة عنهما من الراوي بلفظ النقض دعوى بغير دليل انتهى
باب ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة
قوله (نا الحارث بن وجيه) بالواو والجيم والياء التحتانية والهاء بوزن فعيل وقيل بفتح
الواو وسكون الجيم بعدها موحدة الراسي أبو محمد البصري ضعيف كذا في التقريب (نا
مالك بن دينار) البصري الزاهد أبو يحيى صدوق عابد وثقه النسائي مات سنة 031 ثلاثين ومائة
(عن محمد بن سيرين) الأنصاري البصري ثقة ثبت عابد كبير القدر كان لا يرى الرواية بالمعنى من
الثالثة مات 011 سنة عشر ومائة روى عن مولاه أنس وزيد بن ثابت وأبي هريرة وطائفة من كبار
التابعين وعنه الشعبي وثابت وقتادة ومالك بن دينار وخلق كثير قال ابن سعد كان ثقة مأمونا
عاليا رفيعا فقيها إماما كثير العلم وقال أبو عوانة رأيت ابن سيرين في السوق فما رآه أحد إلا ذكر
الله وروى أنه اشترى بيتا فأشرفت فيه على ثمانين ألف دينار فعرض في قلبه شئ فتركه
قوله (تحت كل شعرة جنابة) فلو بقيت شعرة واحدة لم يصل إليها الماء بقيت جنابة
والشعر بفتح الشين وسكون العين للإنسان وغيره فيجمع على شعور مثل فلس وفلوس وبفتح
العين فيجمع على أشعار مثل سبب وأسباب وهو مذكر الواحد شعرة والشعرة بكسر الشين على
وزن سدرة شعر الركب للنساء خاصة قاله في العباب (فاغسلوا الشعر
) بفتح العين وسكونها أي
جميعه قال الخطابي ظاهر هذا الحديث يوجب نقض القرون والضفائر إذا أراد الاغتسال من الجنابة
لأنه لا يكون شعره مغسولا إلا أن ينقضها وإليه ذهب إبراهيم النخعي وقال عامة أهل العلم
إيصال الماء إلى أصول الشعر وإن لم ينقض شعره يجزيه والحديث ضعيف انتهى (وأنقوا البشر) من
302

الإنقاء نظفوا البشر من الأوساخ لأنه لو منع شئ من ذلك وصول الماء لم يرتفع الجنابة والبشر
بفتح الباء والشين قال الجوهري في الصحاح البشر ظاهر جلد الانسان
قوله (وفي الباب عن علي وأنس) أما حديث على فأخرجه أحمد وأبو داود عنه قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من ترك موضع شعرة من جنابة لم يصبها الماء فعل الله به كذا وكذا من النار
قال علي فمن ثم عاديت شعري زاد أبو داود وكان يجز شعره رضي الله عنه كذا في المنتقى وقال
الحافظ في التلخيص إسناده صحيح فإنه من رواية عطاء بن السائب وقد سمع منه حماد بن سلمة
قبل الاختلاط أخرجه أبو داود وابن ماجة من حديث حماد لكن قيل إن الصواب وقفه على علي
انتهى وأما حديث أنس فأخرجه أبو يعلى والطبراني في الصغير وفيه ويا أنس بالغ في الاغتسال
في الجنابة فإنك تخرج من مغتسلك وليس عليك ذنب ولا خطيئة قال قلت كيف المبالغة يا رسول
الله قال تبل أصول الشعر وتنقي البشرة الحديث وفيه محمد بن الحسن بن أبي يزيد وهو ضعيف
قال الهيثمي وفي الباب أيضا عن أبي أيوب أخرجه ابن ماجة في حديث فيه أداء الأمانة وغسل
الجنابة فإن تحت كل شعرة جنابة وإسناده ضعيف كذا في التلخيص
قوله (حديث الحارث بن وجيه غريب إلخ) وأخرجه أبو داود وابن ماجة والبيهقي
قال الحافظ في التلخيص مداره على الحارث بن وجيه وهو ضعيف جدا قال أبو داود الحارث
حديثه منكر وهو ضعيف وقال الشافعي الحديث ليس بثابت وقال البيهقي أنكره أهل العلم
بالحديث البخاري وأبو داود وغيرهما انتهى كلام الحافظ (وهو شيخ ليس بذلك) وفي بعض النسخ
ليس بذلك أي بذاك المقام الذي يوثق به أدى روايته ليست بقوية كذا في الطيبي وظاهره يقتضي أن
قوله وهو شيخ للجرح وهو مخالف لما عليه عامة أصحاب الجرح والتعديل من أن قولهم شيخ من
ألفاظ مراتب التعديل فعلى هذا يجئ إشكال اخر في قول الترمذي لأن قولهم ليس بذاك من
ألفاظ الجرح اتفاقا فالجمع بينما في شخص واحد جمع بين المتنافيين فالصواب أن يحمل قوله وهو
شيخ على الجرح بقرينة مقارنته بقوله ليس بذاك وإن كان من ألفاظ التعديل ولإشعاره بالجرح
303

لأنهم وإن عدوه في ألفاظ التعديل صرحوا أيضا بإشعاره بالقرب من التجريح أو نقول لا بد في
كون الشخص ثقة من شيئين العدالة والضبط كما بين في موضعه فإذا وجد في الشخص العدالة
دون الضبط يجوز أن يعدل باعتبار الصفة الأولى ويجوز أي يجرح باعتبار الصفة الثانية فإذا كان
كذلك لا يكون الجمع بينهما جمعا بين المتنافيين كذا في السيد جمال الدين رحموه الله كذا في المرقاة
باب الوضوء بعد الغسل
قوله (حدثنا إسماعيل بن موسى) الفزاري أبو محمد ابن بنت السدي قال النسائي ليس به
بأس قال ابن عدي أنكروا منه الغلو في التشيع كذا في الخلاصة وقال في التقريب صدوق يخطئ
ورمي بالرفض
قوله (كان لا يتوضأ بعد الغسل) أي اكتفاء بوضوئه الأول في الغسل أو باندراج ارتفاع
الحدث الأصغر تحت ارتفاع الأكبر بإيصال الماء إلى جميع أعضائه وهو رخصة قاله القاري قلت
المعتمد هو الأول والله تعالى أعلم وفي رواية ابن ماجة لا يتوضأ بعد الغسل من الجنابة قال في
المنتقى بعد ذكر هذا الحديث رواه الخمسة وقال في النيل قال الترمذي حديث حسن صحيح
قلت ليس في النسخ الموجودة عندنا قول الترمذي وقال القاضي الشوكاني قال ابن سيد الناس في
شرح الترمذي تختلف نسخ الترمذي في تصحيح حديث عائشة وأخرجه البيهقي بأسانيد جيدة
وفي الباب عن ابن عمر مرفوعا وعنه موقوفا أنه قال لما سئل عن الوضوء بعد الغسل وأي
وضوء أعم من الغسل رواه ابن أبي شيبة وروى ابن أبي شيبة أيضا أنه قال لرجل قال له إني
أتوضأ بعد الغسل فقال لقد تعمقت وروي عن حذيفة أنه قال أما يكفي أحدكم أن يغسل من
قرنه إلى قدمه وقد روي نحو ذلك عن جماعة من الصحابة ومن بعدهم حتى
قال أبو بكر بن
العربي إنه لم يختلف العلماء أن الوضوء داخل تحت الغسل وأن نية طهارة الجنابة تأتي على طهارة
الحدث وتقضي عليها لأن موانع الجنابة أكثر من موانع الحدث فدخل الأقل في نية الأكثر وأجزأت
نية الأكبر عنه انتهى
304

فإن قلت كيف يكون حديث الباب صحيحا وفي إسناده شريك بن عبد الله النخعي وهو
وإن كان صدوقا لكنه يخطئ كثيرا وتغير حفظه منذ ولي قضاء الكوفة
قلت قال أحمد هو في أبي إسحاق أثبت من زهير وقد روى حديث الباب عن أبي إسحاق
ثم لم ينفرد هو في روايته بل تابعه زهير في رواية أبي داود وأخرجه البيهقي بأسانيد صحيحة كما
عرفت
قوله (هذا قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلخ) بل لم يختلف فيه العلماء كما صرح
به ابن العربي
باب ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل إلخ
المراد بالختانان ختان الرجل وخفاض المرأة وختان الرجل هو مقطع جلدة كمرته وخفاض
المرأة هو مقطع جلدة في أعلى فرجها تشبه عرف الديك بينها وبين مدخل الذكر جلدة رقيقة وإنما
ثنيا بلفظ واحد تغليبا وله نظائر وقاعدته رد الأثقل إلى الأخف والأدنى إلى الأعلى
قوله (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني ثقة جليل
قال ابن عيينة كان أفضل أهل زمانه عن أبيه وأسلم العدوي وعنه شعبة ومالك وخلق ووثقه أحمد
وابن سعد وأبو حاتم مات سنة 621 ست وعشرين ومائة (عن أبيه) أي القاسم بن محمد بن أبي
بكر الصديق ثقة أحد الفقهاء بالمدينة قال أيوب ما رأيت أفضل منه من الثالثة مات سنة 106
ست ومائة على الصحيح كذا في التقريب قلت هو أحد الفقهاء السبعة بالمدينة روى عن عائشة
وأبي هريرة وابن عباس وابن عمر وطائفة وعنه الشعبي والزهري وخلق قال ابن سعد كان ثقة
305

عالما فقيها إماما كثير الحديث
قوله (إذا جاوز الختان الختان) الأول بالرفع والثاني بالنصب والختان هو موضع القطع
من فرج الذكر والأنثى وهو أعم من أن يكون مختونا أم لا والمراد بمجاوزة الختان الختان الجماع
وهو غيبوبة الحشفة وفي رواية عبد الله بن عمرو بن العاصي إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة
فقد وجب الغسل أخرجه ابن ماجة (وجب الغسل) بضم الغين المعجمة اسم للاغتسال
(فعلته) الضمير راجع إلى مصدر جاوز (أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم) بالرفع أو النصب (فاغتسلنا) ظاهره
أنها تعني بغير إنزال وأنه ناسخ لمفهوم حديث إنما الماء من الماء
قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو ورافع بن خديج) أما حديث أبي
هريرة فأخرجه الشيخان ولفظه إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب عليه الغسل
ولمسلم وأحمد وإن لم ينزل وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه ابن ماجة وتقدم لفظه وأما
حديث رافع بن خديج فأخرجه أحمد والحازمي في كتاب الاعتبار ولفظه قال ناداني رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأنا على بطن امرأتي فقمت ولم أنزل فاغتسلت وخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عليك الماء من الماء قال رافع ثم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بالغسل
قال الحازمي بعد رواية هذا الحديث هذا حديث حسن قال الشوكاني في النيل في تحسينه نظر
لأن في إسناده رشدين وليس من رجال الحسن وفيه أيضا مجهول انتهى قلت الأمر كما قال
الشوكاني
قوله (عن علي بن زيد) بن جدعان التيمي البصري أصله حجازي ضعيف روى عن ابن
المسيب وعنه قتادة والسفيانان
والحمادان وخلق قال أحمد وأبو زرعة ليس بالقوي وقال ابن خزيمة
سيئ الحفظ وقال شعبة حدثنا علي بن زيد قبل أن يختلط وقال يعقوب بن شيبة ثقة وقال
الترمذي صدوق إلا أنه ربما يرفع الشئ الذي يوقفه غيره
قوله (إذا جاوز الختان الختان) قال في مجمع البحار أي حاذي أحدهما الاخر سواء
تلامسا أو لا كما إذا لف الذكر بالثوب وأدخل انتهى قال الشوكاني ورد الحديث بلفظ المحاذاة
306

وبلفظ الملاقاة وبلفظ الملامسة وبلفظ الإلصاق والمراد بالملاقة المحاذاة قال القاضي أبو بكر إذا
غابت الحشفة في الفرج فقد وقعت الملاقاة قال ابن سيد الناس وهكذا معنى مس الختان الختان
أي قاربه وداناه ومعنى إلزاق الختان بالختان إلصاقه به ومعنى المجاوزة ظاهر قال ابن سيد الناس
في شرح الترمذي حاكيا عن ابن العربي وليس المراد حقيقة اللمس ولا حقيقة الملاقاة وإنما هو من
باب المجاز والكناية عن الشئ بما بينه وبينه ملابسة وهو ظاهر وذلك أن ختان المرأة في أعلى الفرج
ولا يمسه الذكر في الجماع وقد أجمع العلماء على أنه لو وضع ذكره على ختانها ولم يولجه لم يجب الغسل
على واحد منهما فلا بد من قدر زائد على الملاقاة وهو ما وقع مصرحا به في حديث عبد الله بن
عمرو بن العاص بلفظ إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل أخرجه ابن أبي شيبة
انتهى قلت وأخرجه ابن ماجة أيضا
قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) والحديث صححه ابن حبان وابن القطان
وأعله البخاري بأن الأوزاعي أخطأ فيه ورواه غيره عن عبد الرحمن بن القاسم مرسلا واستدل
على ذلك بأن أبا الزناد قال سألت القاسم بن محمد سمعت في هذا الباب شيئا فقال لا وأجاب
من صححه بأنه يحتمل أن يكون القاسم كان نسيه ثم تذكر فحدث به ابنه أو كان حدث به ثم
نسي ولا يخلو الجواب عن نظر قال الحافظ وأصله في مسلم بلفظ إذا جلس بين شعبها الأربع
ومس الختان الختان فقد وجب الغسل وقال النووي هذا الحديث أصله صحيح لكنه فيه تغير
وتبع في ذلك ابن الصلاح
قوله (وهو قول أكثر أهل العلم إلخ) قال النووي أعلم أن الأمة مجتمعة الان على
وجوب الغسل بالجماع وإن لم
يكن معه إنزال وكانت جماعة من الصحابة على أنه لا يجب إلا
بالإنزال ثم رجع بعضهم وانعقد الاجماع بعد الآخرين انتهى وقال ابن العربي إيجاب الغسل
أطبق عليه الصحابة ومن بعدهم وما خالف فيه إلا داود ولا عبرة بخلافه قال الحافظ في
الفتح وأما نفي ابن العربي الخلاف فمعترض فإنه مشهور بين الصحابة ثبت عن جماعة منهم
لكن ادعى ابن القصار أن الخلاف ارتفع بين التابعين وهو معترض أيضا فقد قال الخطابي إنه
307

قال به جماعة من الصحابة فسمي بعضهم قال ومن التابعين الأعمش وتبعه عياض لكن لم يقل
به أحد بعد الصحابة غيره وهو معترض أيضا فقد ثبت ذلك عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن وهو
في سنن أبي داود بإسناد صحيح وعن هشام بن عروة عند عبد الرزاق بإسناد صحيح وقال
الشافعي في اختلاف الحديث حديث الماء من الماء ثابت لكنه منسوخ إلى أن قال فخالفنا بعض
أهل ناحيتنا يعني من الحجازيين فقالوا لا يجب الغسل حتى ينزل هو فعرف بهذا أن الخلاف كان
مشهورا بين التابعين ومن بعدهم لكن الجمهور على إيجاب الغسل وهو الصواب انتهى كلام
الحافظ
قلت لا شك في أن مذهب الجمهور هو الحق والصواب وأما حديث الماء من الماء وما في
معناه فهو منسوخ ويأتي بيان النسخ في الباب الآتي
باب ما جاء أن الماء من الماء
مقصود الترمذي من عقد هذا الباب أن حديث الماء من الماء منسوخ وهذا الحديث
أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
الاثنين إلى قباء حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب عتبان فصرخ به فخرج يجر
رداءه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعجلنا الرجل فقال عتبان أرأيت الرجل يعجل عن امرأته ولم يمن
ماذا عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الماء من الماء والمراد بالماء الأول ماء الغسل وبالثاني المني
وفيه جناس تام
قوله (ثنا يونس بن يزيد) ابن أبي النجاد الأيلي أبو زيد مولى آل أبي سفيان ثقة إلا أن في
روايته عن الزهري وهما قليلا وفي غير الزهري خطأ قاله الحافظ في التقريب وقال في مقدمة
فتح الباري قال ابن أبي حاتم عن عباس الدوري قال ابن معين أثبت الناس في الزهري مالك
ومعمر ويونس وشعيب وقال عثمان الدارمي عن أحمد بن صالح نحن لا نقدم على يونس في
308

الزهري أحدا قال ووثقه الجمهور مطلقا ضعفوا بعض روايته حيث يخالف أقرانه ويحدث
من حفظه فإذا حدث من كتابه فهو حجة قال واحتج به الجماعة (عن سهل بن سعد) بن
مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي له ولأبيه صحبة مشهور مات سنة 88 ثمان وثمانين
وقيل بعدها
قوله (إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الاسلام ثم نهي عنها) أي عن هذه الرخصة
وفرض الغسل بمجرد الإيلاج وفي رواية أبي داود أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كان
رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الاسلام ثم أمر بالاغتسال بعد وفي رواية للحازمي في
كتاب الاعتبار قال كان الماء من الماء شيئا في أول الاسلام ثم ترك ذلك بعد وأمروا بالغسل إذا
مس الختان
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والدارمي وقال الحافظ في
الفتح هو إسناد صالح لأن يحتج به وقال فيه صححه ابن خزيمة وابن حبان
قوله (وإنما كان الماء من الماء في أول الاسلام ثم نسخ بعد ذلك) لا شك في أن حديث
أبي بن كعب المذكور صريح في النسخ
على أن حديث الغسل وإن لم ينزل أرجح من حديث الماء من الماء لأنه بالمنطوق وترك
الغسل من حديث الماء من الماء بالمفهوم أو بالمنطوق أيضا لكن ذلك أصرح منه كذا في الفتح
(منهم أبي بن كعب ورافع بن خديج) أما رواية أبي بن كعب فهي مذكورة في هذا الباب أما رواية
رافع بن خديج فأخرجها الحازمي في كتاب الاعتبار وقد تقدمت
309

قوله (عن أبي الجعاف) بفتح الجيم وتثقيل المهملة واخره فاء اسمه داود بن أبي عوف
مشهور بكنيته صدوق شيعي ربما أخطأ كذا في التقريب وقال في الخلاصة روى عن أبي حازم
وعكرمة وعنه شريك والسفيانان وثقه أحمد وابن معين وقال النسائي ليس به بأس قال ابن عدي لا
يحتج به انتهى وقال في التهذيب قال ابن معين يخطئ
قوله (إنما الماء من الماء في الاحتلام) يعني أن حديث الماء بالماء محمول على صورة
مخصوصة وهي ما يقع في المنام من رواية الجماع وهو تأويل بجمع بين الحديثين من غير تعارض
قال التوربشتي قول ابن عباس إنما الماء من الماء إلخ قاله من طريق التأويل والاحتمال ولو انتهى
إليه الحديث بطوله لم يكن يأوله هذا التأويل انتهى قلت أراد التوربشتي بالحديث بطوله حديث
أبي سعيد الذي رواه مسلم وقد نقلناه من صحيحه في أول هذا الباب وقال الشيخ عبد الحق
الدهلوي يمكن أن يقال إن قول ابن عباس هذا ليس تأويلا للحديث وإخراجا له بهذا التأويل
من كونه منسوخا بل غرضه بيان حكم المسألة بعد العلم بكونه منسوخا وحاصله أن عمومه
منسوخ فبقي الحكم في الاحتلام انتهى
قوله (سمعت الجارود) أي الجارود بن معاذ السلمي الترمذي ثقة رمي بالإرجاء روى
عن جرير وابن عيينة والوليد بن مسلم وعنه الترمذي والنسائي ووثقه توفي سنة 442 أربع
وأربعين ومائتين (لم نجد الحديث إلا عند شريك) هو ابن عبد الله الكوفي صدوق يخطئ
كثيرا تغير حفظه منذ ولي الكوفة قال الحافظ في التلخيص إسناده لين لأنه من رواية شريك عن
أبي الجحاف انتهى
310

قوله (وفي الباب عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والزبير وطلحة وأبي أيوب وأبي
سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الماء من الماء) لم أجد عندهم هذا الحديث بهذا اللفظ لكن أخرج
البخاري في صحيحه من طريق زيد بن خالد الجهني أنه سأل عثمان بن عفان فقال أرأيت إذا
جامع الرجل امرأته فلم يمن فقال عثمان يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره وقال عثمان
سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألت عن ذلك علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله
وأبي بن كعب فأمروه بذلك وأخبرني أبو سلمة أن عروة بن الزبير أخبره أنا أبا أيوب أخبره أنه
سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحافظ في الفتح قد حكى الأثرم عن أحمد أن حديث زيد بن
خالد هذا معلول لأنه ثبت عن هؤلاء الخمسة الفتوى بخلاف ما في هذا الحديث وقد حكى
يعقوب بن أبي شيبة عن علي بن المديني أنه شاذ والجواب عن ذلك أن الحديث ثابت من جهة
اتصال إسناده وحفظ رواته وقد روى ابن عيينة أيضا عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار نحو
رواية أبي سلمة عن عطاء أخرجه ابن أبي شيبة وغيره فليس هو فردا وأما كونهم أفتوا بخلافه
فلا يقدح ذلك في صحته لاحتمال أنه ثبت عندهم ناسخه فذهبوا إليه وكم من حديث منسوخ
وهو صحيح من حديث الصناعة الحديثية انتهى كلامه
باب فيمن يستيقظ ويرى بللا ولا يذكر احتلاما
قوله (نا حماد بن خالد الخياط) بالخاء المعجمة القرشي أبو عبد الله البصري نزيل بغداد
أمي (عن عبد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني ضعيف
عابد كذا في التقريب وسيجئ ما فيه من الكلام
قوله (يجد البلل) بفتحتين الرطوبة (ولا يذكر احتلاما) الاحتلام افتعال من الحلم بضم
311

المهملة وسكون اللام وهو ما يراه النائم في نومه يقال منه حلم بالفتح واحتلم والمراد به ههنا
أمر خاص وهو الجماع أي لا يذكر أنه جامع في النوم (قال يغتسل) خبر بمعنى الأمر وهو للوجوب
(يرى) بفتح الياء أي يعتقد (قال لا غسل عليه) لأن البلل علامة ودليل والنوم لا عبرة به
فالمدار على البلل سواء تذكر الاحتلام أم لا (قالت أم سلمة) وفي رواية أبي داود فقالت أم سليم (من
النساء شقائق الرجال) هذه الجملة مستأنفة فيها معنى التعليل قال ابن الأثير أي نظائرهم وأمثالهم
كأنهن شققن منهم ولأن حواء خلقت من ادم عليه الصلاة والسلام وشقيق الرجل أخوه لأبيه
ولأمه لأن شق نسبة من نسبة يعني فيجب الغسل على المرأة برؤية البلل بعد النوم كالرجل انتهى
قوله (حديث عائشة في الرجل يجد البلل) بدل من قوله هذا الحديث قال في المنتقى بعد
ذكر هذا الحديث رواه الخمسة إلا النسائي وقال في النيل رجاله رجال الصحيح إلا عبد الله بن
عمر العمري وقد اختلف فيه ثم ذكر أقوال الجرح والتعديل فيه ثم قال وقد تفرد به المذكور
عند من ذكره المصنف من المخرجين له ولم نجده عن غيره وهكذا رواه أحمد وابن أبي شيبة من
طريقه فالحديث معلول بعلتين الأولى العمري المذكور والثانية التفرد وعدم المتابعة فقصر عن
درجة الحسن والصحة انتهى
قوله (وعبد الله) أي ابن عمر بن حفص العمري المذكور في السند (ضعفه يحيى بن سعيد
من قبل حفظه في الحديث) قال الذهبي في الميزان صدوق في حفظه شئ روى عن نافع
وجماعة روى أحمد بن أبي مريم عن ابن معين ليس به بأس يكتب حديثه وقال الدارمي قلت
لابن معين كيف حاله في نافع قال صالح ثقة وقال الفلاس كان يحيى القطان لا يحدث عنه
وقال أحمد بن حنبل صالح لا بأس به وقال النسائي وغيره ليس بالقوي وقال ابن عدي في نفسه
صدوق وقال ابن المديني عبد الله ضعيف وقال ابن حبان كان ممن غلب عليه الصلاح والعبادة
حتى غفل عن حفظ الأخبار وجودة الحفظ للآثار فلما فحش خطؤه استحق الترك ومات سنة
173 ثلاث وسبعين ومائة انتهى ما في الميزان
312

قوله (وهو قول غير واحد من أهل العلم إلخ) قال الخطابي في معالم السنن ظاهر هذا
الحديث أي حديث عائشة المذكور في الباب يوجب الاغتسال إذا رأى بلة وإن لم يتيقن أنها الماء
الدافق وروى هذا القول عن جماعة من التابعين منهم عطاء والشعبي والنخعي وقال أحمد بن
حنبل أعجب إلى أن يغتسل وقال أكثر أهل العلم لا يجب قال النسائي في سننه قلت ما مال إليه
الجماعة الأولى من أن مجرد رؤية البلة موجب للاغتسال هو أوفق بحديث الباب وبحديث أم سلمة
أخرجه الشيخان بلفظ إذا رأت الماء وبحديث خولة بنت حكيم بلفظ ليس عليها غسل حتى
تنزل فهذه الأحاديث تدل على اعتبار مجرد وجود المني سواء انضم إلى ذلك الدفق والشهوة أم لا
وهذا هو الظاهر وبه قال أبو حنيفة والله تعالى أعلم
باب ما جاء في المني والمذي
المني بفتح الميم وكسر النون وتشديد الياء اخر الحروف وهو عام يشمل ماء الرجل وماء
المرأة وله خواص يعرف بها إحداها الخروج بشهوة مع الفتور عقبه الثانية الرائحة كرائحة
الطلع الثالثة الخروج بدفق ودفعات هذا كله في مني الرجل وأما المرأة فهو أصفر رقيق كذا
في النووي وأما المذي وهو الماء الرقيق الذي يخرج عند الشهوة الضعيفة والملاعبة ونحوها من غير
دفق والودي وهو ماء أبيض كدر لا رائحة له يخرج بعد البول فموجبان للوضوء لا للغسل وقال
الحافظ المذي فيه لغات أفصحها بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وتخفيف الياء ثم بكسر الذال
313

وتشديد الياء وهو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الملاعبة أو تذكر الجماع وإرادته وقد لا يحس
بخروجه انتهى كلام الحافظ
قوله (عن علي قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم) هذا يدل على أن عليا رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم
بنفسه وفي رواية مالك والبخاري ومسلم أنه قال فأمرت المقداد بن الأسود فسأله وفي رواية
للنسائي أن عليا قال أمرت عمار بن ياسر وجمع ابن حبان بين هذا الاختلاف بأن عليا أمر عمارا أن
يسأل ثم سأل بنفسه قال الحافظ وهو جمع جيد إلا بالنسبة إلى آخره لكونه مغايرا لقوله إنه
استحيى عن السؤال بنفسه لأجل فاطمة فيتعين حمله على المجاز بأن بعض الرواة أطلق أنه سأل
لكونه الامر بذلك وبهذا جزم الإسماعيلي ثم النووي (فقال من المذي الوضوء) فيه دليل على أن
خروج المذي لا يوجب الغسل وإنما يجب به الوضوء
قوله (وفي الباب عن المقداد بن الأسود وأبي بن كعب) أما حديث المقداد فأخرجه أبو داود
والنسائي وابن ماجة وأما حديث أبي بن كعب فأخرجه ابن أبي شيبة وغيره
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود
والنسائي وابن ماجة وأخرجه
البخاري ومسلم مختصرا وفي إسناد الترمذي يزيد بن أبي زياد وقد عرفت ما فيه من الكلام وقد
صحح الترمذي حديث يزيد هذا في مواضع وحسنه في موضع كما عرفت في المقدمة فلعل
تصحيحه وتحسينه بمشاركة الأمور الخارجة عن نفس السند من اشتهار المتون ونحو ذلك وإلا
فيزيد ليس من رجال الحسن فكيف الصحيح وأيضا الحديث من رواية ابن أبي ليلى عن علي وقد
قيل إنه لم يسمع منه
قوله (وهو قول عامة أهل العلم إلخ) قال الحافظ في الفتح وهو إجماع
314

باب في المذي يصيب الثوب
المذي بفتح الميم وسكون الذال وتخفيف الياء البلل اللزج من الذكر عند ملاعبة النساء
ولا يجب فيه الغسل وهو نجس يجب غسله وينقض الوضوء ورجل مذاء فعال للمبالغة في كثرة
المذي وقد أمذى الرجل بمذي ومذي كذا في النهاية
قوله (نا عبدة) بن سليمان الكلابي أبو محمد الكوفي ثقة وقد تقدم (عن محمد بن إسحاق)
ثقة إلا أنه مدلس وروايته عن سعيد بن عبيد عند الترمذي بالعنعنة وعند أبي داود بالتحديث
فزالت علة التدليس (عن سعيد بن عبيد) بالتصغير وفي رواية أبي داود حدثني سعيد بن عبيد (هو
ابن السباق) بشد الموحدة قال في التقريب سعيد بن عبيد بن السباق الثقفي أبو السباق المدني ثقة من الرابعة
انتهى قلت روى عن أبيه وعن أبي هريرة وعنه الزهري وابن إسحاق وثقه النسائي (عن أبيه) هو
عبيد بن السباق بفتح السين المهملة والموحدة الشديدة المدني الثقفي أبو سعيد ثقة من الثالثة
روى عن زيد بن ثابت وسهل بن حنيف وعنه ابن شهاب وثقه غير واحد (عن سهل بن حنيف)
ابن واهب الأنصاري الأوسي صحابي من أهل بدر واستخلفه علي على البصرة ومات في خلافته
قوله (كنت ألقى من المذي شدة وعناء) قال في الصراح عناء بالفتح والمد رنج ديدن
(فكنت أكثر منه الغسل) من الإكثار ومن للتعليل أي كنت أكثر الاغتسال لأجل خروج المذي
(فقال إنما يجزئك) من الاجزاء أي يكفيك (من ذلك) أي من خروج المذي (الوضوء) بالرفع على
الفاعلية (قال يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به ثوبك) وفي رواية الأثرم يجزيك أن تأخذ
حفنة من ماء فترش عليه واستدل به على أن المذي إذا أصاب الثوب يكفي نضحه ورش الماء
عليه ولا يجب غسله
315

قوله (هذا حديث حسن صحيح) والحديث أخرجه أيضا أبو داود وابن ماجة
قوله (ولا نعرفه في مثل هذا إلا من حديث محمد بن إسحاق في المذي مثل هذا) الذي وقع فهذه
العبارة لفظ هذا مثل مرتين فالثاني تأكيد للأول والمعنى لا نعرف مثل هذا الحديث في باب المذي
من نضح الثوب إذا أصابه المذي في حديث إلا في حديث محمد بن إسحاق والحاصل أن
محمد بن إسحاق متفرد بهذا عن سعيد بن عبيد
قوله (واختلف أهل العلم في المذي يصيب الثوب فقال بعضهم لا يجزئ إلا الغسل وهو
قول الشافعي وإسحاق) واستدل من قال بالغسل بحديث علي قال كنت رجلا مذاء الحديث
وفيه يغسل ذكره ويتوضأ رواه مسلم وبحديث عبد الله بن سعد وفيه وكل فحل يمذي فتغسل من
ذلك فرجك وأنثييك وتتوضأ وضوءك للصلاة رواه أبو داود وقالوا حديث النضح والرش محمول
على ذلك (وقال بعضهم يجزئه النضح وقال أحمد أرجو أن يجزئه النضح بالماء) والحجة لهم في ذلك
حديث الباب قال الشوكاني اختلف أهل العلم في المذي إذا أصاب الثوب فقال الشافعي
وإسحاق وغيرهما لا يجزئه إلا الغسل أخذا برواية الغسل وفيه أن رواية
الغسل إنما هي في الفرج
لا في الثوب الذي هو محل النزاع فإنه لم يعارض رواية النضح المذكورة في الباب معارض
فالاكتفاء به صحيح مجزئ وقال وقد ثبت في رواية الأثرم لفظ فترش عليه وليس المصير إلى الأشد
بمتعين بل ملاحظة التخفيف من مقاصد الشريعة المألوفة فيكون مجزئا كالغسل انتهى
قلت كلام الشوكاني هذا عندي محل تأمل فتفكر
316

باب في المني يصيب الثوب
قال النووي في شرح مسلم اختلف العلماء في طهارة مني الادمي فذهب مالك وأبو
حنيفة إلى نجاسته إلا أن أبا حنيفة قال يكفي في تطهيره فركه إذا كان يابسا وهو رواية عن أحمد
وقال مالك لا بد من غسله رطبا ويابسا وقال الليث هو نجس ولا تعاد الصلاة منه وقال الحسن
لا تعاد الصلاة من المني في الثوب وإن كان كثيرا وتعاد منه في الجسد وإن قل وذهب كثيرون إلى أن
المني طاهر روى ذلك عن علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وعائشة وداود وأحمد في
أصح الروايتين وهو مذهب الشافعي وأصحاب الحديث وقد غلط من أوهم أن الشافعي منفرد
بطهارته
ودليل القائلين بالنجاسة رواية الغسل ودليل القائلين بالطهارة رواية الفرك فلو كان نجسا
لم يكف فركه كالدم وغيره قالوا رواية الغسل محمولة على الاستحباب والتنزه واختيار النظافة
انتهى كلام النووي وقال الطحاوي بعد ذكر الآثار التي تدل على طهارة المني فذهب الذاهبون
إلى أن المني طاهر قال العيني أراد بهؤلاء الذاهبين الشافعي وأحمد وإسحاق وداود انتهى وقال
الشوكاني في النيل قالوا الأصل الطهارة فلا تنتقل عنها إلا بدليل وأجيب بأن التعبد بالإزالة غسلا
أو فركا أو حتا أو سلتا أو حكا ثابت ولا معنى لكون الشئ نجسا إلا أنه مأمور بإزالة بما أحال
عليه الشارع فالصواب أن المني نجس يجوز تطهيره بأحد الأمور انتهى قلت كلام
الشوكاني هذا حسن جيد
قوله (ضاف عائشة ضعيف) أي نزل عليها قال في القاموس ضفته وأضيفه ضيفا وضيافة
بالكسر نزلت عليه ضيفا انتهى وقال في النهاية وفي حديث عائشة ضافها ضيف ضفت الرجل
إذا نزلت به في ضيافة وأضفته إذا أنزلته وتضيفته إذا نزلت به وتضيفني إذا أنزلني (فأمرت له
بملحفة) قال في القاموس لحاف ككتاب ما يلتحف به واللباس فوق سائر اللباس من دثار البرد
ونحوه كالملحفة وقال في الصراح ملحفة بالكسر جادر (وبها أثر الاحتلام) أي أثر المني الواو
حالية (إنما كان يكفيه أن يفركه) أي يدلكه حتى يذهب الأثر من الثوب
317

واستدل بهذا الحديث من قال بطهارة المني وقال إن كان المني نجسا لم يكف فركه كالدم
وغيره
وأجيب بأن ذلك لا يدل على الطهارة وإنما يدل على كيفية التطهير فغاية الأمر أنه نجس
خفف في تطهيره بما هو أخف من الماء والماء لا يتعين لإزالة جميع النجاسات وإلا لزم عدم طهارة
العذرة التي في النعل لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بمسحها في التراب ورتب على ذلك الصلاة فيها قاله
الشوكاني
واستدلوا أيضا بحديث عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلت المني من ثوبه بعرق
الإذخر ثم يصلي فيه ويحته يابسا ثم يصلي فيه رواه أحمد قال الحافظ في التلخيص بإسناد
حسن وذكره الحافظ الزيلعي في نصب الراية وسكت عنه وبحديث عائشة أنها كانت تسلت المني
من ثوبه بعرق الإذخر ثم يصلي فيه رواه ابن خزيمة ذكره الحافظ في الفتح وسكت عنه وبأثر ابن
عباس أنه قال في المني يصيب الثوب قال أمطه بعود أو إذخرة فإنما هو بمنزلة المخاط أو البصاق
رواه البيهقي في المعرفة وصححه
قلت في الاستدلال بحديث عائشة الأول وكذا بالثاني نظر لما عرفت انفا وأما أثر ابن
عباس فهو قوله وليس بمرفوع
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة
قوله (وهو قول غير واحد من الفقهاء مثل سفيان وأحمد وإسحاق قالوا في المني يصيب
الثوب يجزئه الفرك وإن لم يغسله) وهو قول أبي حنيفة إذا كان يابسا وقال مالك لا بد من غسله
رطبا كان أو يابسا كما تقدم
قوله (وهكذا روى عن منصور عن إبراهيم عن همام بن الحارث عن عائشة مثل رواية
318

الأعمش) أي كما روى الأعمش عن إبراهيم عن همام عن عائشة كذلك رواه منصور أيضا
وحديث منصور أخرجه مسلم وكذلك رواه الحاكم أيضا وحديثه أخرجه أبو داود (وروى أبو
معشر هذا الحديث عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة) وكذلك أيضا رواه حماد ومغيرة وواصل
والأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة وحديث أبي معشر ومغيرة وواصل والأعمش عند
مسلم وحديث حماد عند أبي داود (وحديث الأعمش أصح) لا أدري ما وجه كون حديث
الأعمش أصح فإن الأعمش كما لم يتفرد برواية الحديث عن إبراهيم عن همام عن عائشة بل تابعه
منصور والحكم كذلك لم يتفرد أبو معشر بروايته عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة بل تابعه حماد
ومغيرة وواصل والأعمش والظاهر أن حديث الأعمش وحديث أبي معشر كليهما صحيحان ليس
واحد منهما أصح من الاخر والحديث سمعه إبراهيم عن همام والأسود كليهما ففي صحيح مسلم
حدثنا عمر بن حفص بن غياث قال نا أبي عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود وهمام عن عائشة
إلخ والله تعالى أعلم
قوله (عن سليمان بن يسار) الهلالي المدني مولى ميمونة وقيل أم سلمة ثقة فاضل أحد
الفقهاء السبعة من كبار الثالثة مات بعد المائة وقيل قبلها
قوله (أنها غسلت منيا من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم) استدل بهذا الحديث من قال بنجاسة المني
وأجاب القائلون بطهارته بأنه محمول على الاستحباب وللقائلين بالنجاسة دلائل أخرى ذكرها
صاحب آثار السنن وقد ذكرنا ما فيها من الكلام في كتابنا أبكار المنن وإن شئت الوقوف على أدلة
الفريقين مع ما لها وما عليها فارجع إليه
319

قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الأئمة الستة
قوله (حديث عائشة أنها غسلت منيا من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمخالف لحديث الفرك
إلخ) قال الحافظ في فتح الباري وليس بين حديث الغسل وحديث الفرك تعارض لأن الجمع
بينهما واضح على القول بطهارة المني بأن يحمل الغسل على الاستحباب للتنظيف لا على الوجوب
وهذه طريقة الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث وكذا الجمع ممكن على القول بنجاسته بأن يحمل
الغسل على ما كان رطبا والفرك على ما كان يابسا وهذه طريقة الحنفية والطريقة الأولى أرجح
لأن فيها العمل بالخبر والقياس معا لأنه لو كان نجسا لكان القياس وجوب غسله دون الاكتفاء
بفركه كالدم وغيره وهم لا يكتفون فيما لا يعفي عنه من الدم بالفرك ويرد الطريقة الثانية أيضا ما
في رواية ابن خزيمة من طريق أخرى عن عائشة كانت تسلت المني من ثوبه بعرك الإذخر ثم يصلي
فيه ويحكه من ثوبه يابسا ثم يصلي فيه فإنه يتضمن ترك الغسل في الحالتين وأما مالك فلم يعرف
العرك وقال إن العمل عندهم على وجوب الغسل كسائر النجاسات وحديث الفرك حجة عليهم
انتهى كلام الحافظ
قوله (قال ابن عباس المني بمنزلة المخاط فأمطه) من الإماطة وهي الإزالة (ولو بإذخرة)
بكسر الهمزة وسكون الذال المعجمة وكسر الخاء حشيش طيب الريح وأثر ابن عباس هذا
أخرجه البيهقي في المعرفة وقال هذا هو الصحيح موقوف وقد روى عن شريك عن ابن أبي ليلى
عن عطاء مرفوعا ولا يثبت كذا في نصب الراية
320

باب في الجنب ينام قبل أن يغتسل
قوله (ثنا أبو بكر بن عياش) بتحتانية مشددة وشين معجمة ابن سالم الأسدي الكوفي
المقرئ الحناط مشهور بكنيته والأصح أنها اسمه وقيل اسمه محمد وقيل غير ذلك ثقة عابد
إلا أنه لما كبر ساء حفظه وكتابه صحيح وروايته في مقدمة مسلم كذا في التقريب وقال في مقدمة
فتح الباري قال أحمد ثقة وربما غلط وقال أبو نعيم لم يكن في شيوخنا أكثر غلطا منه وسئل أبو
حاتم عنه وعن شريك فقال هما في الحفظ سواء غير أن أبا بكر أصح كتابا وذكره ابن عدي في
الكامل وقال لم أجد له حديثا منكرا من رواية الثقات عنه وقال ابن حبان كان يحيى القطان
وعلي بن المديني يسيئان الرأي فيه وذلك أنه لما كبر ساء حفظه فكان يهم وقال ابن سعد كان ثقة
صدوقا عالما بالحديث إلا أنه كثير الغلط وقال العجلي كان ثقة صاحب سنة وكان يخطئ بعض
الخطأ وقال يعقوب بن شيبة كان له فقه وعلم ورواية وفي حديثه اضطراب قلت لم يرو له مسلم
إلا شيئا في مقدمة صحيحه وروى له البخاري أحاديث قلت ثم ذكر الحافظ أحاديث أكثرها
بمتابعة غيره
قوله (كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس الماء) فيه دليل على أن الجنب يجوز له أن ينام
قبل أن يغتسل وقبل أن يتوضأ لكن الحديث فيه مقال كما ستقف والحديث أخرجه أيضا أبو داود
وغيره
قوله (وقد روى غير واحد عن الأسود عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه كان يتوضأ قبل أن
321

ينام) يعني أن غير واحد رووا عن الأسود عن عائشة هذا اللفظ وخالفهم أبو إسحاق فروى عن
الأسود عن عائشة بلفظ كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء (ويرون أن هذا غلط من أبي
إسحق) قال ابن العربي في العارضة تفسير غلط أبي إسحاق هو أن هذا الحديث الذي رواه أبو
إسحاق ههنا مختصرا اقتطعه من حديث طويل فأخطأ في اختصاره إياه ونص الحديث الطويل ما
رواه أبو غسان حدثنا زهير بن حرب حدثنا أبو إسحق قال أتيت الأسود بن يزيد وكان لي أخا
وصديقا فقلت يا أبا عمرو حدثني ما حدثتك عائشة أم المؤمنين عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام أول الليل ويحيي آخره ثم إن كانت له حاجة قضى حاجته ثم ينام
قبل أن يمس ماء فإذا كان عند النداء الأول وثب وربما قالت قام فأفاض عليه الماء وما قالت
اغتسل وأنا أعلم ما تريد وإن نام جنبا توضأ وضوء الرجل للصلاة فهذا الحديث الطويل فيه
وإن نام وهو جنب توضأ وضوء الصلاة فهذا يدلك على أن قوله فإن كانت له حاجة قضى حاجته
ثم ينام قبل أن يمس ماء أنه يحتمل أحد وجهين إما أن يريد بالحاجة حاجة الإنسان من البول
والغائط فيقضيها ثم يستنجي ولا يمس ماء وينام فإن وطئ توضأ كما في اخر الحديث ويحتمل أن
يريد بالحاجة حاجة الوطء وبقوله ثم ينام ولا يمس ماء يعني ماء الاغتسال ومن لم يحمل الحديث
على أحد هذين الوجهين تناقض أوله وآخره فتوهم أبو إسحاق أن الحاجة هي حاجة الوطء فنقل
الحديث على معنى ما فهم والله أعلم انتهى كلام ابن العربي
قلت وقد تكلم في هذا الحديث غير واحد من الحفاظ قال أحمد ليس بصحيح وقال أبو
داود هو وهم قال يزيد بن هارون هو خطأ وقال مهنا عن أحمد بن صالح لا يحل أن يروى هذا
الحديث وفي علل الأثرم لو لم يخالف أبا إسحاق في هذا إلا إبراهيم وحده لكفى قال ابن مفوز
أجمع المحدثون أنه خطأ من أبي إسحاق قال الحافظ وتساهل في نقل الاجماع فقد صحح البيهقي
وقال إن أبا إسحاق قد بين سماعه من الأسود في رواية زهير عنه
322

باب في الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام
قوله (قال نعم إذا توضأ) المراد به الوضوء الشرعي لا اللغوي لما رواه البخاري عن
عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة قال الحافظ في
الفتح أي توضأ وضوء كما للصلاة وليس المعنى أنه توضأ لأداء الصلاة وإنما المراد توضأ وضوءا
شرعيا لا لغويا انتهى وقد اختلف العلماء هل هو واجب أو غير واجب فالجمهور قالوا بالثاني
واستدلوا بحديث عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء وقد تقدم أن فيه مقالا لا
ينتهض به للاستدلال وبحديث طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه بغسل واحد ولا يخفى أنه ليس فيه على
المدعي هنا دليل وبحديث ابن عباس مرفوعا إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة ليس فيه
أيضا دليل على المدعي كما لا يخفى وذهب داود وجماعة إلى الأول لورود الأمر بالوضوء ففي
رواية البخاري ومسلم ليتوضأ ثم لينم وفي رواية لهما توضأ واغسل ذكرك ثم نم قال الشوكاني
يجب الجمع بين الأدلة بحمل الأمر على الاستحباب ويؤيد ذلك أنه أخرج ابن خزيمة وابن حبان
في صحيحهما من حديث ابن عمر أنه سئل النبي صلى الله عليه وسلم أينام أحدنا وهو جنب قال نعم ويتوضأ إن
شاء انتهى وقال النووي في شرح مسلم وأما حديث أبي إسحاق السبيعي عن الأسود عن
عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب ولا يمس ماء رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة
وغيرهم فهو ضعيف ولو صحح لم يكن مخالفا يعني لحديث ابن عمر المذكور في الباب وما في
معناه بل كان له جوابان أحدهما جواب الامامين الجليلين أبي العباس بن سريج وأبي بكر
البيهقي أن المراد لا يمس ماء للغسل والثاني وهو عندي حسن أن المراد أنه كان في بعض الأوقات لا
يمس ماء أصلا لبيان الجواز إذ لو واظب عليه لتوهم وجوبه انتهى
قوله (وفي الباب عن عمار وعائشة وجابر وأبي سعيد وأم سلمة) أما حديث عمار فأخرجه
323

أحمد والترمذي وأما حديث عائشة فأخرجه الجماعة عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام
وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة وأما حديث جابر فلم أقف عليه وأما حديث أم
سلمة فأخرجه الطبراني في الكبير عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه
للصلاة وإذا أراد أن يطعم غسل يديه قال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله ثقات
قوله (قالوا إذا أراد الجنب أن ينام توضأ) أي على سبيل الاستحباب وهو قول الجمهور
كما تقدم
باب ما جاء في مصافحة الجنب
قوله (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه) أي أبا هريرة وفي رواية البخاري لقيني (وهو جنب) أي والحال
أن أبا هريرة كان جنبا (قال) أي أبو هريرة (فانخنست) بنون ثم خاء معجمة ثم نون ثم سين
مهملة أي تنحيت قال في القاموس انخنس تأخر وتخلف وفي رواية للبخاري فانسللت قال
الحافظ أي ذهبت في خفية (فقال أين كنت أو أين ذهبت) شك من الراوي (إن المؤمن لا ينجس)
قال النووي يقال بضم الجيم وفتحها لغتان وفي ماضيه لغتان نجس ونجس بكسر الجيم وضمها
فمن كسرها في الماضي فتحها في المضارع ومن ضمها في الماضي ضمها في المضارع أيضا انتهى
قال الحافظ تمسك بمفهومه بعض أهل الظاهر فقال إن الكافر نجس العين وقواه بقوله تعالى
(إنما المشركون نجس)
324

وأجاب الجمهور عن الحديث بأن المراد أن المؤمن طاهر الأعضاء لاعتياده مجانبة النجاسة
بخلاف المشرك لعدم تحفظه عن النجاسة وعن الآية بأن المراد أنهم نجس في الاعتقاد
وحجتهم أن الله تعالى أباح نكاح نساء أهل الكتاب ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من
يضاجعهن ومع ذلك فلم يجب عليه من غسل الكتابية إلا مثل ما يجب عليه من غسل المسلمة
فدل على أن الآدمي الحي ليس بنجس العين إذ لا فرق بين النساء والرجال انتهى قال القاري
نقلا عن ابن الملك وما روي عن ابن عباس من أن أعيانهم نجسة كالخنزير وعن الحسن من
صافحهم فليتوضأ فمحمول على المبالغة في التبعد عنهم والاحتراز منهم انتهى
قوله (وفي الباب عن حذيفة) أخرجه البزار عنه قال صافحني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا جنب
الهيثمي في مجمع الزوائد فيه مندل بن علي وقد ضعفه أحمد ويحيى بن معين في رواية ووثقه في
أخرى ووثقه معاذ بن معاذ انتهى
قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (وقد رخص غير واحد من أهل العلم في مصافحة الجنب ولم يروا بعرق الجنب
والحائض بأسا) في شرح السنة فيه يعني في حديث أبي هريرة المذكور جواز مصافحة الجنب
ومخالطته وهو قول عامة العلماء واتفقوا على طهارة عرق الجنب والحائض وفيه دليل على جواز
تأخير الاغتسال للجنب وأن يسعى في حوائجه كذا في المرقاة واستدل به الامام البخاري على
طهارة عرق الجنب لأن بدنه لا ينجس بالجناية فكذلك ما تحلب منه
325

باب ما جاء في المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل
قوله (جاءت أم سليم ابنة ملحان) بكسر الميم وسكون اللام والحاء المهملة هي أم
أنس بن مالك وفي اسمها خلاف تزوجها مالك بن النضر أبو أنس بن مالك فولدت له أنسا ثم
قتل عنها مشركا فأسلمت فخطبها أبو طلحة وهو مشرك فأبت ودعته إلى الاسلام فأسلم وقالت إني
أتزوجك ولا آخذ منك صداقا سلامك فتزوجها أبو سلمة روى عنها خلق كثير (إن الله لا
يستحيي من الحق) قدمت هذا القول تمهيدا لعذرها في ذكر ما يستحيي منه والمراد بالحياء هنا معناه
اللغوي إذ الحياء الشرعي خير كله والحياء لغة تغير وانكسار وهو مستحيل في حق الله تعالى فيحمل
هنا على أن المراد أن لا يأمر بالحياء في الحق أو يمنع من ذكر الحق وقد يقال إنما يحتاج إلى التأويل
في الإثبات ولا يشترط في النفي أن يكون ممكنا لكن لما كان المفهوم يقتضي أنه يستحيي من غير
الحق عاد إلى جانب الاثبات فاحتيج إلى تأويله قاله ابن دقيق العيد كذا في الفتح (فهل على المرأة
تعني غسلا إذا هي رأت في المنام مثل ما يرى الرجل) وفي رواية أحمد من حديث أم سليم أنها قالت
يا رسول الله إذا رأت المرأة أن زوجها يجامعها في المنام أتغتسل (قال نعم إذا هي رأت الماء) أي
المني بعد الاستيقاظ (فلتغتسل) فيه دليل على وجوب الغسل على المرأة با نزال وكأن أم سليم لم
تسمع حديث الماء من الماء أو سمعته وقام عندها ما يوهم خروج المرأة عن ذلك وهو ندور بروز
الماء منها وقد روى أحمد من حديث أم سليم هذه القصة أن أم سلمة قالت يا رسول الله وهل
للمرأة ماء فقال هن شقائق الرجال وروى من حديث خولة بنت حكيم في نحو هذه القصة ليس
عليها غسل حتى تنزل كما ينزل الرجل (فضحت النساء يا أم سليم) إذ حكيت عنهن ما يدل على
كثرة شهوتهن قاله في مجمع البحار وقال الحافظ هذا يدل على أن كتمان مثل ذلك من
326

عادتهن لأنه يدل على شدة شهوتهن للرجال
قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (وفي الباب عن أم سليم وخولة وعائشة وأنس) أما حديث أم سليم فأخرجه مسلم
وأما حديث خولة فأخرجه النسائي وأحمد وأما حديث عائشة فأخرجه مسلم وأما حديث أنس
فأخرجه أيضا مسلم
باب في الرجل يستدفئ بالمرأة بعد الغسل
أي يطلب الدفاءة بفتحتين والمد وهي الحرارة بأن يضع أعضاءه على أعضائها
قوله (ثم جاء فاستدفأ بي) أي طلب الحرارة مني بأن وضع أعضاءه الشريفة على أعضائي
من غير حائل وجعلني مكان الثوب الذي يستدفأ به ليجد السخونة من بدني كذا في اللمعات وفي
المرقاة قال السيد جمال الدين أي يطلب مني الحرارة ومنه قوله تعالى (لكم فيها دفء) أي ما
تستدفؤون به وفيه أن بشرة الجنب طاهرة لأن الاستدفاء إنما يحصل من مس البشرة كذا في الطيبي
وفيه بحث انتهى قال القاري ولعله أراد أن الاستدفاء يمكن مع الثوب أيضا (فضممته إلي ولم
أغتسل) والحديث رواه ابن ماجة ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل من الجنابة ثم يستدفئ بي قبل
أن أغتسل قال القاري في المرقاة سنده حسن
327

قوله (هذا الحديث ليس بإسناده بأس) وأخرجه ابن ماجة وتقدم لفظه آنفا
باب التيمم للجنب إذا لم يجد الماء
قوله (نا سفيان) هو الثوري (عن خالد الحذاء) بفتح المهملة وتشديد الذال المعجمة
وخالد هذا هو ابن مهران أبو المنازل البصري ثقة من رجال الستة وقيل له الحذاء لأنه كان يجلس
عندهم وقيل لأنه كان يقول أحذ على هذا النحو (عن أبي قلابة) بكسر القاف اسمه عبد الله بن
زيد بن عمرو أو عامر الجرمي البصري ثقة فاضل كثير الإرسال مات سنة أربع ومائة وقيل سنة
ست وقيل سنة سبع (عن عمرو بن بجدان) بضم الموحدة وسكون الجيم العامري البصري تفرد
عنه أبو قلابة لا يعرف حاله قاله الحافظ في التقريب وقال الخزرجي في الخلاصة وثقه ابن حبان
ووثقه العجلي أيضا كما ستقف
قوله (إن الصعيد الطيب) أي الطاهر المطهر قال في القاموس الصعيد التراب أو وجه
الأرض (طهور المسلم) وفي رواية أبي داود وضوء المسلم (وإن لم يجد الماء عشر سنين) كلمة إن
للوصل والمراد من عشر سنين الكثرة لا المدة المقدرة قال القاري وفيه دلالة على أن خروج الوقت
غير ناقض للتيمم بل حكمه حكم الوضوء كما هو مذهبنا يعني الحنفية قال وما صح عن ابن عمر
أنه يتيمم لكل صلاة وإن لم يحدث محمول على الاستحباب انتهى قلت الأمر كما قال القاري
(فإذا وجد الماء فليمسه) بضم الياء وكسر الميم من الإمساس (بشرته) بفتحتين ظاهر الجلد أي
328

فليوصل الماء إلى بشرته وجلده (فإن ذلك) أي الإمساس (خير) أي من الخيور وليس معناه أن
كليهما جائز عند وجود الماء لكن الوضوء خير بل المراد أن الوضوء واجب عند وجود الماء ونظيره
قوله تعالى (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا) مع أنه لا خير ولا أحسنية لمستقر
أهل النار
قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وعمران بن حصين) أما حديث أبي
هريرة فأخرجه البزار عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر
سنين فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشره فإن ذلك خير قال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله
رجال الصحيح وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد عنه قال جاء رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال يا رسول الله الرجل يغيب لا يقدر على الماء أيجامع أهله قال نعم قال الهيثمي فيه
الحجاج بن أرطاة وفيه ضعف ولا يتعمد الكذب وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه
الشيخان عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فصلى بالناس فإذا هو برجل معتزل فقال ما
منعك أن تصلي قال أصابتني جنابة ولا ماء قال عليك بالصعيد فإنه يكفيك
قوله (وقد روى هذا الحديث أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر عن أبي ذر ولم
يسمه) رواه أبو داود في سننه من طريق موسى بن إسماعيل نا حماد عن أيوب إلخ قال المنذري في
تلخيصه وهذا الرجل الذي من بني عامر هو عمرو بن بجدان المتقدم في الحديث قبله سماه خالد
الحذاء عن أبي قلابة وسماه سفيان الثوري عن أيوب رضي الله عنهم انتهى
قوله (وهذا حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وقال الشوكاني في النيل
329

ورواه ابن حبان والحاكم والدارقطني وصححه أبو حاتم وعمرو بن بجدان قد وثقه العجلي قال
الحافظ وغفل ابن القطان فقال إنه مجهول انتهى ما في النيل قلت وقد غفل الحافظ أيضا فإنه قال
في التقريب لا يعرف حاله
تنبيه قد اختلفت نسخ الترمذي ههنا فوقع في النسخ الموجودة عندنا هذا حديث حسن
وقال المنذري في تلخيص السنن قال الترمذي حديث حسن صحيح انتهى وقال ابن تيمية في
المنتقى بعد ذكر هذا الحديث رواه أحمد والترمذي وصححه انتهى
قوله (وهو قول عامة الفقهاء أن الجنب والحائض إذا لم يجد الماء) أي كل واحد منهما وفي
نسخة قلمية عتيقة إذا لم يجدا الماء بصيغة التثنية وهو الظاهر (تيمما وصليا إلخ) قال الشوكاني في
النيل وقد أجمع على ذلك العلماء ولم يخالف فيه أحد من السلف والخلف إلا ما جاء عن عمر بن
الخطاب وعبد الله بن مسعود وحكي مثله عن إبراهيم النخعي من عدم جوازه للجنب وقيل أن
عمر وعبد الله رجعا عن ذلك وقد جاءت بجوازه للجنب الأحاديث الصحيحة وإذا صلى الجنب
بالتيمم ثم وجد الماء وجب عليه الاغتسال بإجماع العلماء إلا ما يحكى عن
أبي سلمة بن عبد الرحمن
الامام التابعي أنه قال لا يلزمه وهو مذهب متروك بإجماع من بعده ومن قبله وبالأحاديث
الصحيحة المشهورة في أمره صلى الله عليه وسلم للجنب بغسل بدنه إذ وجد الماء انتهى
باب في المستحاضة
الاستحاضة جريان الدم من فرج المرأة في عرق يقال له العاذل بعين مهملة وذال معجمة
يقال استحيضت المرأة استمر بها الدم بعد أيامها المعتادة فهي مستحاضة كذا في الفتح
330

قوله (جاءت فاطمة ابنة أبي حبيش) بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة وسكون المثناة
التحتية قال الحافظ في التقريب صحابية لها حديث في الاستحاضة (إني امرأة أستحاض) بصيغة
المجهول (فلا أطهر) أي لا ينقطع عني الدم (أفأدع الصلاة) كانت قد علمت أن الحائض لا تصلي
فظنت أن ذلك الحكم مقترن بجريان الدم من الفرج فأرادت تحقيق ذلك فقالت أفأدع الصلاة أي
أتركها والعطف على مقدر بعد الهمزة لأن لها صدر الكلام أي أيكون لي حكم الحائض فأترك
الصلاة (قال لا) أي لا تدعي الصلاة (إنما ذلك) بكسر الكاف أي الذي تشتكينه (عرق) بكسر
العين المهملة أي دم عرق انشق وانفجر منه الدم أو إنما سببها عرق منها في أدنى الرحم (وليست)
أي العلة التي تشتكينها وفي رواية الشيخين على ما في المشكاة ليس وهو الظاهر (بالحيضة) قال
الحافظ بفتح الحاء كما نقله الخطابي عن أكثر المحدثين أو كلهم وإن كان قد اختار الكسر على إرادة
الحالة لكن الفتح هنا أظهر وقال النووي وهو متعين أو قريب من المتعين لأنه صلى الله عليه وسلم أراد إثبات
الاستحاضة ونفي الحيض وأما قوله فإذا أقبلت الحيضة فيجوز فيه الوجهان معا جوازا حسنا
انتهى كلامه قال الحافظ والذي في روايتنا بفتح الحاء في الموضعين (فإذا أقبلت الحيضة) قال
القاري بالكسر اسم للحيض ويؤيده رواية الفتح وقيل المراد بها الحالة التي كانت تحيض فيها وهي
تعرفها فيكون ردا إلى العادة وقيل المراد بها الحالة التي تكون للحيض من قوة الدم في اللون
والقوام ويؤيده حديث عروة الذي يتلوه وهي لم تعرف أيامها فيكون ردا إلى التمييز قال الطيبي
وقد اختلف العلماء فيه فأبو حنيفة منع اعتبار التمييز مطلقا والباقون عملوا بالتمييز في حق
المبتدأة واختلفوا فيما إذا تعارضت العادة والتمييز فأعتبر مالك وأحمد وأكثر أصحابنا التمييز ولم
ينظروا إلى العادة وعكس ابن خيران انتهى
قلت أراد بحديث عروة الذي رواه عروة عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض
فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف فإذا
كان ذلك فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق رواه أبو داود والنسائي (فاغسلي عنك الدم وصلي) أي
بعد الاغتسال وفي رواية للبخاري ثم اغتسلي وصلي
331

قوله (قال أبو معاوية في حديثه وقال توضئي لكل صلاة حتى يجئ ذلك الوقت) قال
بعضهم إن هذا مدرج وقد رد الحافظ في الفتح عليه وجزم بعضهم أنه موقوف على عروة وقد
رد الحافظ عليه أيضا وقال ولم ينفرد أبو معاوية بذلك فقد رواه النسائي من طريق حماد بن زيد عن
هشام وادعى أن حمادا تفرد بهذه الزيادة وأما مسلم أيضا إلى ذلك وليس كذلك فقد رواها
الدارمي من طريق حماد بن سلمة والسراج من طريق يحيى بن سليم كلاهما عن هشام انتهى وفي
الحديث دليل على أن المرأة إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض وتعمل على
إقباله وإدباره فإذا انقضى قدره اغتسلت عنه ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم الحدث فتتوضأ
لكل صلاة لكنها لا تصلي بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة مؤادة أو مقضية لظاهر قوله ثم
توضئي لكل صلاة وبهذا قال الجمهور وعند الحنفية أن الوضوء متعلق بوقت الصلاة فلها أن
تصلي به الفريضة الحاضرة وما شاءت من الفوائت ما لم يخرج وقت الحاضرة على قولهم المراد
بقوله توضئي لكل صلاة ففيه مجاز الحذف ويحتاج إلى دليل وعند المالكية يستحب له الوضوء لكل
صلاة ولا يجب إلا بحدث آخر وقال أحمد وإسحاق إن اغتسلت لكل فرض فهو أحوط قاله
الحافظ في الفتح وقال ابن عبد البر ليس في حديث مالك ذكر الوضوء لكل صلاة على المستحاضة
وذكر في حديث غيره فلذا كان مالك يستحبه لها ولا يوجبه كما لا يوجبه على صاحب السلس قال
الحافظ في الفتح
فإن قلت قال في الهداية لنا قوله عليه السلام المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة
قلت قال الحافظ الزيلعي في تخريج الهداية غريب جدا وقال الحافظ في الدراية لم أجده
هكذا وإنما في حديث أم سلمة تتوضأ لكل صلاة
فإن قلت قال ابن الهمام في فتح القدير نقلا عن شرح مختصر الطحاوي روى أبو حنيفة عن
هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت أبي حبيش توضئي لوقت كل
صلاة فهذه الرواية بلفظ توضئي لوقت كل صلاة تدل على أن المراد بقوله توضئي لكل صلاة أي
لوقت كل صلاة
قلت نعم لو كان هذا اللفظ في هذا الطريق محفوظا لكان دليلا على المطلوب لكن في كونه
محفوظا كلاما فإن الطرق الصحيحة كلها قد وردت بلفظ توضئي لكل صلاة وأما هذا اللفظ فلم
332

يقع في واحد منها وقد تفرد به الإمام أبو حنيفة وهو سئ الحفظ كما صرح به الحافظ ابن عبد البر
والله تعالى أعلم
قوله (وفي الباب عن أم سلمة) أخرجه الخمسة إلا الترمذي كذا في المنتقى ولفظه أنها
استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة تهراق الدم فقال لتنظر قدر الليالي والأيام التي كانت تحيضن
وقدرهن من الشهر فتدع الصلاة ثم لتغتسل وتستثفر ثم تصلي
قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
باب ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة
قوله (عن أبي اليقظان) اسمه عثمان بن عمير بالتصغير ويقال ابن قيس والصواب أن
قيسا جد أبيه وهو عثمان بن أبي حميد أيضا البجلي أبو اليقظان الكوفي الأعمى ضعيف واختلط
وكان يدلس ويغلو في التشيع كذا في التقريب وقال في الخلاصة ضعفه أحمد وغيره وتركه ابن
مهدي (عن عدي بن ثابت) الأنصاري الكوفي ثقة رمي بالتشيع من رجال الستة (عن أبيه) هو
ثابت قال الحافظ في التقريب ثابت الأنصاري والد عدي قيل هو ابن قيس بن الحطيم هو جد
عدي لا أبوه وقيل اسم أبيه دينار وقيل عمرو بن أخطب وقيل عبيد بن عازب فهو مجهول الحال
انتهى قلت قد أطال الحافظ الكلام في ترجمة ثابت الأنصاري في تهذيب التهذيب من يشاء
الوقوف على ذلك فليرجع إليه (عن جده) أي جد عدي
333

قوله (قال في المستحاضة) أي في شأنها (تدع الصلاة أيام أقرائها) جمع قرء وهو مشترك بين
الحيض والطهر والمراد به ههنا الحيض للسباق واللحاق قاله القاري (التي كانت تحيض فيها) أي
قبل الاستحاضة (ثم) أي بعد فراغ زمن حيضها باعتبار العادة (تغتسل) أي مرة (وتتوضأ عند كل
صلاة) قوله عند كل صلاة متعلق بتتوضأ لا بتغتسل وفيه دليل على أن المستحاضة تتوضأ عند كل
صلاة والحديث ضعيف لكن له شواهد ذكرها الحافظ الزيلعي والحافظ ابن حجر في تخريجهما ومنها
حديث عائشة المذكور في الباب المتقدم
قوله (هذا حديث قد تفرد به شريك عن أبي اليقظان) وأخرجه أبو داود وضعفه وأخرجه
ابن ماجة أيضا (وسألت محمدا عن هذا الحديث فقلت عدي بن ثابت عن أبيه عن جده جد عدي
ما اسمه فلم يعرف محمد اسمه وذكرت لمحمد قول يحيى بن معين أن اسمه دينار فلم يعبأ به) قال
المنذري بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه وقد قيل إنه جده أبو أمه عبد الله بن يزيد
الخطمي قال الدارقطني ولا يصح من هذا كله شئ وقال أبو نعيم وقال غير يحيى اسمه قيس
الخطمي هذا آخر كلامه
وقيل لا يعلم جده وكلام الأئمة يدل على ذلك وشريك هو ابن عبد الله
النخعي قاضي الكوفة تكلم فيه غير واحد وأبو اليقظان هذا هو عثمان بن عمير الكوفي ولا يحتج
بحديثه انتهى كلام المنذري
قوله (وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة إن اغتسلت لكل صلاة هو أحوط لها وإن
توضأت لكل صلاة أجزأها وإن جمعت بين الصلاتين بغسل أجزأها) فالاغتسال لكل صلاة ليس
334

بواجب على المستحاضة عند أحمد وإسحاق وهو قول الجمهور وروي عن بعض الصحابة أنهم
قالوا يجب عليها أن تغتسل لكل صلاة والقول الراجح المعول عليه هو قول الجمهور وسيجئ
الكلام فيه في باب ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة
باب في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد
قوله (نا أبو عامر العقدي) بفتح المهملة والقاف اسمه عبد الملك بن عمرو القيسي
البصري ثقة من رجال الستة قال النسائي ثقة مأمون مات سنة أربع ومائتين (نا زهير بن محمد)
التميمي أبو المنذر الخراساني سكن الشام ثم الحجاز رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة فضعف
بسببها قال البخاري عن أحمد كان زهير الذي يروي عنه الشاميون آخر وقال أبو حاتم حدث
بالشام من حفظه فكثر غلطه كذا في التقريب وقال في الخلاصة قال البخاري للشامين عنه
مناكير وهو ثقة ليس به بأس (عن إبراهيم بن محمد بن طلحة) التيمي المدني ثقة وكان يسمى أسد
قريش (عن عمه عمران بن طلحة) ابن عبيد الله التيمي المدني له رؤية ذكره العجلي في ثقات
التابعين (عن أمه حمنة) بفتح المهملة وسكون الميم وبالنون (ابنة جحش) بفتح الجيم وسكون الحاء
المهملة وبالشين المعجمة هي أخت زينب أم المؤمنين وامرأة طلحة بن عبيد الله
قوله (كنت أستحاض حيضة) بفتح الحاء وهو مصدر أستحاض على حد أنبته الله نباتا ولا
يضره الفرق في اصطلاح العلماء بين الحيض والاستحاضة إذ الكلام وارد على أصل اللغة (كبيرة)
وفي بعض النسخ كثيرة وكذا في رواية أبي داود (شديدة) قال القاري كثيرة في الكمية شديدة في
الكيفية (أستفتيه وأخبره) الواو لمطلق الجمع وإلا كان حقها أن تقول أخبره
وأستفتيه (فوجدته في
بيت أختي زينب بنت جحش) أم المؤمنين (فما تأمرني) ما استفهامية (فيها) أي في الحيضة يعني في
335

حال وجودها (فقد منعتني الصيام والصلاة) أي على زعمها (أنعت) أي أصف (الكرسف) بضم
الكاف وسكون الراء وضم السين أي القطن (فإنه) أي الكرسف (يذهب الدم) من الا ذهاب أي
يمنع خروجه إلى ظاهر الفرج أو معناه فاستعمليه لعل دمك ينقطع (هو أكثر من ذلك) أي الدم
أكثر من أن ينقطع بالكرسف (قال فتلجمي) أي شدي اللجام يعني خرقة على هيئة اللجام
كالاستثفار (قال فاتخذي ثوبا) أي تحت اللجام وقال القاري أي مطبقا (إنما أثج) بضم المثلثة
وتشديد الجيم (ثجا) من ثج الماء والدم لازم ومتعدي أي أنصب أو أصبه فعلى الثاني تقديره أثج
الدم وعلى الأول إسناد الثج إلى نفسها للمبالغة على معنى أن النفس جعلت كأن كلها دم ثجاج
وهذا أبلغ في المعنى (سآمرك) السين للتأكيد (بأمرين) أي بحكمين أو صنفين (أيهما صنعت) قال
أبو البقاء في إعرابه إنها بالنصب لا غير والناصب لها صنعت كذا في قوت المغتذي (وإن قويت) أي
قدرت (فأنت أعلم) بما تختارينه منهما فاختاري أيهما شئت (فقال إنما هي) أي الثجة أو العلة
(ركضة من من الشيطان) قال الجزري في النهاية أصل الركض الضرب بالرجل والإصابة بها كما
تركض الدابة وتصاب بالرجل أراد الاضرار بها وا ذاء لمعنى إن الشيطان قد وجد بذلك طريقا إلى
التلبيس عليها في أمر دينها وطهرها وصلاتها حتى أنساها ذلك عادتها وصار في التقدير كأنه ركضة
بآلة من ركضاته انتهى (فتحيضي) أي اجعلي نفسك حائضا يقال تحيضت المرأة أي قعدت أيام
حيضها من الصلاة والصوم (ستة أيام أو سبعة أيام) قال الخطابي يشبه أن يكون ذلك منه صلى الله عليه وسلم على
غير وجه التحديد من الستة والسبعة لكن على معنى اعتبار حالها بحال من هي مثلها وفي مثل سنها
من نساء أهل بيتها فإن كانت عادة مثلها أن تقعد ستا قعدت ستا وإن سبعا فسبعا وفيه وجه آخر
وذلك أنه قد يحتمل أن تكون هذه المرأة قد ثبت لها فيما تقدم أيام ستة أو سبعة إلا أنها قد نسيتها فلا
تدري أيتهما كانت فأمرها أن تتحرى وتجتهد وتبني أمرها على ما تيقنته من أحد العددين ومن
ذهب إلى هذا استدل بقوله في علم الله أي فيما علم الله من أمرك ستة أو سبعة انتهى (في علم الله)
أي في علم الله من أمرك من الست أو السبع أي هذا شئ بينك وبين الله فإنه يعلم ما تفعلين من
الإتيان بما أمرتك به أو تركه وقيل في علم الله أي في علم الله أي حكم الله تعالى أي ما أمرتك فهو حكم الله
تعالى وقيل في علم الله أي أعلمك الله من عادة النساء من الست أو السبع قاله ابن
336

رسلان قال القاري في المرقاة قيل أو للشك من الراوي وقد ذكر أحد العددين اعتبارا بالغالب
من حال نساء قومها وقيل للتخيير بين كل واحد من العددين لأنه العرف الظاهر والغالب من
أحوال النساء وقال النووي أو للتقسيم أي ستة إن اعتادتها أو سبعة إن اعتادتها إن كانت معتادة لا
مبتدأة أو لعلها شكت هل عادتها ستة أو سبعة فقال لها ستة إن لم تذكري عادتك أو سبعة إن ذكرت
أنها عادتك أو لعل عادتها كانت مختلفة فيهما فقال ستة في شهر الستة وسبعة في شهر السبعة انتهى
وقيل هو الظاهر أنها كانت معتادة ونسيت أن عادتها كانت ستا أو سبعا فذكر القاري مثل ما ذكره
الخطابي بقوله وفيه وجه آخر إلخ ثم قال القاري ومعناه أي معنى قوله في علم الله على قول الشك في
علمه الذي بينه وشرعه لنا كما يقال في حكم الله وفي كتاب الله وقيل فيما أعلمك الله من عادات
النساء من الست أو السبع وفي قول التخيير فيما علم الله من ستة أو سبعة انتهى ما في المرقاة (ثم
اغتسلي) أي بعد الستة أو السبعة من الحيض (فإذا رأيت) أي علمت (أنك قد ظهرت
واستنقأت) قال أبو البقاء كذا وقع في هذه الرواية بالألف والصواب واستنقيت لأنه من نقى
الشئ وأنقيته إذا نظفته ولا وجه فيه للألف ولا الهمزة انتهى وقال القاري في المرقاة قال في
المغرب الاستنقاء مبالغة في تنقية البدن قياس ومنه قوله إذا رأيت أنك طهرت واستنقيت الهمزة
فيه خطأ انتهى قال وهو في النسخ كلها يعني نسخ المشكلة بالهمز مضبوط فيكون جرأة عظيمة من
صاحب المغرب بالنسبة إلى العدول الضابطين الحافظين مع إمكان حمله على الشذوذ إذ الياء من
حرف الإبدال وقد جاء شئمة مهموزا بدلا من شيمة شاذا على ما في الشافية (فصلى أربعا
وعشرين ليلة) يعني أيامها إن كانت مدة الحيضة ستة أو ثلاثا (وعشرين ليلة وأيامها) إن كانت مدة
الحيض سبعة (فإن ذلك يجزئك) أي يكفيك يقال أجزأني الشئ أي كفاني (فإن قويت على أن
تؤخري الظهر وتعجلي العصر ثم تغتسلين حين تطهرين وتصلين الظهر والعصر جميعا) وفي
بعض النسخ ثم تغتسلي وتصلي بحذف النون وهو الظاهر وهذا هو الأمر الثاني بدليل قوله وهو
أعجب الأمرين إلي وأما الأمر الأول فقال صاحب سبل السلام هو الوضوء لكل صلاة بعد
الاغتسال عن الحيض بمرور الستة أو السبعة الأيام فإن في صدر الحديث سآمرك بأمرين ثم ذكر
لها الأمر الأول أنها تحيض ستا أو سبعا ثم تغتسل وتصلي وقد علم أنها تتوضأ لكل صلاة لأن
337

استمرار الدم ناقض فلم يذكره في هذه الرواية وقد ذكره في غيرها ثم ذكر الأمر الثاني من جمع
الصلاتين انتهى وقال القاري وغيره الأمر الأول هو الاغتسال لكل صلاة
قلت لم يصرح بالأمر الأول في هذا الحديث وهو إما الوضوء لكل صلاة أو الاغتسال
لكل صلاة لا غيرهما وأعجبهما إلي هو الثاني والله تعالى أعلم (ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء
ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي) وفي بعض النسخ بحذف النون في جميع هذه الكلمات
وهو الظاهر وكذلك فافعلي (وصومي) أي في هذه المدة التي تصلي (إن قويت على ذلك) بدل من
الشرط الأول (وهو أعجب الأمرين إلي) أي الجمع بين الصلاتين بغسل واحد أحب الأمرين إلي
والأمر الأول هو الاغتسال لكل صلاة أو الوضوء لكل صلاة كما تقدم
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وأحمد وابن ماجة والدارقطني
والحاكم قال المنذري في تلخيصه قال الخطابي قد ترك بعض العلماء القول بهذا الحديث لأن ابن
عقيل راويه ليس بذاك وقال أبو بكر البيهقي تفرد به عبد الله بن محمد بن عقيل وهو مختلف في
الاحتجاج به هذا آخر كلامه وقد أخرجه الترمذي وابن ماجة وقال الترمذي هذا حديث حسن
صحيح وقال أيضا وسألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال هو حديث حسن وقال
أحمد هو حديث حسن صحيح انتهى قال صاحب سبل السلام بعد نقل كلام المنذري هذا
فعرفت أن القول بأنه حديث غير صحيح غير صحيح بل قد صححه الأئمة انتهى
338

قلت عبد الله بن محمد بن عقيل متكلم فيه وقد تقدم في باب مفتاح الصلاة الطهور أن
الترمذي قال سمعت محمد بن إسماعيل يعني البخاري يقول كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن
إبراهيم والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل قال محمد هو مقارب الحديث
انتهى كلام الترمذي وقال الحافظ الذهبي في ترجمته بعد ذكر أقوال الجارحين والمعدلين حديثه في
مرتبة الحسن انتهى
قوله (وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة إذا كانت تعرف حيضها بإقبال الدم وإدباره
فإقباله) وفي بعض النسخ وإقباله بالواو وهو الظاهر (أن يكون أسود وإدباره أن يتغير إلى الصفرة)
كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث فاطمة بنت أبي حبيش إذا كان دم الحيضة فإنه أسود يعرف إلخ
وقد تقدم تخريجه ولفظه (فالحكم لها على حديث فاطمة بنت أبي حبيش) أي الذي تقدم في باب
المستحاضة وقد عرفت هناك أن فيه دلالة على أن المرأة إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة
تعتبر دم الحيض وتعمل على إقباله وإدباره فإذا انقضى قدره اغتسلت منه (وإن كان المستحاضة
لها أيام معروفة قبل أن تستحاض فإنها تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة
وتصلي) كما يدل عليه حديث عدي بن ثابت عن أبيه عن جده الذي تقدم في باب ما جاء أن
المستحاضة تتوضأ لكل صلاة وكذا يدل عليه حديث أم سلمة الذي ذكرنا تخريجه ولفظه في باب
المستحاضة ويدل عليه أيضا حديث عائشة عن أم حبيبة بنت جحش وفيه امكثي قدر ما كانت
تحبسك حيضتك ثم اغتسلي رواه مسلم (وإذا استمر بها الدم ولم يكن لها أيام معروفة) بأن كانت
مبتدأة غير معتادة (ولم تعرف الحيض بإقبال الدم وإدباره فالحكم لها على حديث حمنة بنت جحش)
فترجع إلى حال من هي مثلها وفي مثل سنها من نساء أهل بيتها فإن كانت عادة مثلها أن تقعد ستا
قعدت ستا وإن سبعا فسبعا كما قال الخطابي أو ترجع إلى الحالة الغالبة في النساء كما قال غيره
فحمل الإمام أحمد وإسحاق حديث حمنة بنت جحش على عدم معرفتها لعادتها وعدم التمييز
339

بصفات الدم ومحصل ما قال الإمام أحمد وإسحاق في المستحاضة أنها إن كانت معتادة ترجع إلى
عادتها المعروفة سواء كانت مميزة أو غير مميزة لحديث عائشة عن أم حبيبة وإن كانت غير معتادة
وهي مميزة أعني تعرف حيضها بإقبال الدم وإدباره تعتبر دم الحيض وتعمل على إقباله وإدباره
لحديث فاطمة بنت أبي حبيش وإن كانت مبتدأة غير مميزة لإعادة لها ولا تمييز ترجع إلى الحالة
الغالبة في النساء ستا أو سبعا لحديث حمنة بنت جحش وهذا الجمع بين هذه الأحاديث هو جمع
حسن والله تعالى أعلم
قال الطيبي قد اختلف العلماء فيه يعني في اعتبار التمييز فأبو حنيفة منع اعتبار التمييز
مطلقا والباقون عملوا بالتمييز في حق المبتدأة واختلفوا فيما إذا تعارضت العادة والتمييز فاعتبر
مالك وأحمد وأكثر أصحابنا التمييز ولم ينظروا إلى العادة وعكس ابن خيران انتهى كلام الطيبي
(وقال الشافعي المستحاضة إذا استمر بها الدم في أول ما رأت فدامت على ذلك فإنها تدع الصلاة
ما بينها وبين خمسة عشر يوما فإذا طهرت في خمسة عشر يوما أو قبل ذلك فإنها أيام حيض) بشرط
أن يكون طهارتها بعد يوم وليلة فإنها إذا طهرت قبل يوم وليلة لا يكون ذلك الدم حيضا عند
الشافعي (فإذا رأت الدم أكثر من خمسة عشر يوما فإنها تقضي صلاة أربعة عشر يوما) وذلك لأن
أقل مدة الحيض عنده يوم وليلة وأكثرها خمسة عشر يوما فلما رأت مبتدأة الدم فما لم يزد على خمسة
عشر يوما فكله حيض ومتى زاد على خمسة عشرة فالزائد دم الاستحاضة البتة ووقع به
الشك في خمسة عشر أيضا لاحتمال أن يكون انقطاع الحيض بعد يوم وليلة من أول ما رأت أو
بعد يومين أو ثلاث إلى خمسة عشر يوما فبنى الأمر على اليقين وطرح الشك والله تعالى أعلم
كذا في بعض الحواشي
وأعلم أن قول الشافعي هذا في المستحاضة المبتدأة التي لا تمييز لها وأما إذا كانت ذات تمييز
بأن ترى في بعض الأيام دما أسود وفي بعضها دما أحمر أو أصفر فالدم الأسود حيض بشرط أن لا
340

ينقص عن يوم وليلة ولا يزيد على خمسة عشر يوما كذا حرره الشافعي كذا في المرقاة
قوله (فاختلف أهل العلم في أقل الحيض وأكثره فقال بعض أهل العلم أقل الحيض ثلاث
وأكثره عشرة وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة وبه يأخذ ابن المبارك) قال ابن قدامة في
المغني قال الثوري وأبو حنيفة وصاحباه أقله ثلاثة أيام وأكثره عشر لما روى واثلة بن الأسقع أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة وقال أنس قرء المرأة ثلاث أربع خمس ست
سبع ثمان تسع عشرة ولا يقول أنس ذلك إلا توقيفا
ثم قال ابن قدامة مجيبا عن حديث واثلة وأثر أنس ما لفظه وحديث واثلة يرويه محمد بن
أحمد الشامي وهو ضعيف عن حماد بن المنهال وهو مجهول وحديث أنس يرويه الجلد بن أيوب
وهو ضعيف قال ابن عيينة هو محدث لا أصل له وقال أحمد في حديث أنس ليس هو شيئا هذا
من قبل الجلد بن أيوب قيل إن أحمد بن إسحاق رواه وقال ما أراه سمعه إلا من الحسن بن دينار
وضعفه جدا قال وقال يزيد بن زريع ذاك أبو حنيفة لم يحتج إلا بالجلد بن أيوب وحديث الجلد
قد روي عن علي ما يعارضه فإنه قال ما زاد على خمسة عشر استحاضة وأقل الحيض يوم وليلة
انتهى ما في المغني واستدل لهم أيضا بحديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أقل الحيض للجارية
البكر والثيب ثلاث وأكثر ما يكون عشرة أيام فإذا زاد فهي مستحاضة رواه الطبراني والدارقطني
في سننه من طريق عبد الملك عن العلاء بن كثير عن مكحول عنه وعبد الملك مجهول والعلاء بن
كثير ضعيف الحديث ومكحول لم يسمع من أبي أمامة وفي الباب أحاديث أخرى كلها ضعيفة
ذكرها الحافظ الزيلعي في نصب الراية والحافظ بن حجر في الدراية مع بيان ضعفها (وقال
بعض أهل العلم منهم عطاء بن أبي رباح أقل الحيض يوم وليلة وأكثر خمسة عشرة وهو قول
الأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وأبي عبيدة) واستدل على هذا بما روي أنه صلى الله عليه وسلم
341

قال تمكث إحداكن شطر دهرها لا تصلي قال الحافظ في التلخيص لا أصل له بهذا اللفظ قال
الحافظ أبو عبد الله بن منده فيما حكاه ابن دقيق العيد في الإمام عنه ذكر بعضهم هذا الحديث لا
يثبت بوجه من الوجوه وقال البيهقي في المعرفة هذا الحديث يذكره بعض فقهائنا وقد طلبته
كثيرا فلم أجده في شئ من كتب الحديث أو ولم أجد له إسنادا وقال ابن الجوزي في التحقيق
هذا لفظ يذكره أصحابنا ولا أعرفه وقال الشيخ أبو إسحاق في المهذب لم أجده بهذا اللفظ إلا
في كتب الفقهاء وقال النووي في شرحه باطل لا يعرف انتهى ما في التلخيص بقدر الحاجة
قلت لم أجد حديثا لا صحيحا ولا ضعيفا يدل على أن أقل الحيض يوم ليلة وأكثره خمسة
عشر يوما إلا هذا الحديث وقد عرفت أنه لا أصل له بل هو باطل وأما ما ذهب إليه سفيان
الثوري وأهل الكوفة فإنه يدل عليه عدة أحاديث لكنها كلها ضعيفة كما عرفت
تنبيه قال ابن قدامة في المغني أقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوما ثم قال
مستدلا على هذا ما لفظه ولنا أنه ورد في الشرع مطلقا من غير تحديد ولا حد له في اللغة ولا في
الشريعة فيجب الرجوع فيه إلا العرف والعادة كما في القبض والإحراز والتفرق وأشباهها
وقد وجد حيض معتاد يوما وقال عطاء رأيت من النساء من تحيض خمسة عشر وقال أحمد
حدثني يحيى بن آدم قال سمعت شريكا يقول عندنا امرأة تحيض كل شهر خمسة عشر يوما حيضا
مستقيما وقال ابن المنذر قال الأوزاعي عندنا امرأة تحيض غدوة وتطهر عشيا يرون أنه حيض
تدع له الصلاة وقال الشافعي رأيت امرأة أثبت لي عنها أنها لم تزل تحيض يوما لا تزيد عليه وأثبت
لي عن نساء أنهن لم يزلن يحضن أقل من ثلاثة أيام وذكر إسحاق بن راهويه عن بكر بن عبد الله
المزني أنه قال تحيض امرأتي يومين وقال إسحق قالت امرأة من أهلنا معروفة لم أفطر منذ عشرين
سنة في شهر رمضان إلا يومين وقولهن يجب الرجوع إليه لقول الله تعالى (ولا يحل لهن أن
يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) فلولا أن قولهن مقبول ما حرم عليهن الكتمان وجرى ذلك
مجرى قوله ولا تكتموا الشهادة ولم يوجد حيض أقل من ذلك عادة مستمرة في عصر من
الأعصار فلا يكون حيضا بحال انتهى ما في المغني
قلت كلام بن قدامة هذا يدل صراحة على أنه من قال إن أقل الحيض يوم وليلة أو أكثره
خمسة عشر يوما ليس له دليل من الكتاب والسنة وإنما اعتماده على العرف والعادة وهي مختلفة
حتى قال الأوزاعي عندنا امرأة تحيض غدوة وتطهر عشيا فتفكر
342

باب ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة
قوله (استفتت أم حبيبة ابنة جحش) بتقديم الجيم المفتوحة على الحاء الساكنة بعدها شين
معجمة وهي أخت حمنة بنت جحش قال في سبل السلام أم حبيبة كانت تحت عبد الرحمن بن
عوف وبنات جحش ثلاث زينب أم المؤمنين وحمنة وأم حبيبة قيل إنهن كن مستحاضات
كلهن وقد ذكر البخاري ما يدل على أن بعض أمهات المؤمنين كانت مستحاضة فإن صح أن
الثلاث مستحاضات فهي زينب وقد عد العلماء المستحاضات في عصره صلى الله عليه وسلم فبلغن عشر نسوة
انتهى (فقالت إني أستحاض) بهمزة مضمومة وفتح تاء وهذه الكلمة ترد على بناء المفعول يقال
استحيضت المرأة فهي مستحاضة إذا استمر بها الدم بعد أيام حيضها ونفاسها (فلا أطهر) أي مدة
مديدة (أفأدع الصلاة) بهمزة الاستفهام أي أفأتركها ما دامت الاستحاضة معي ولو طالت المدة (فقال
لا) أي لا تدعيها (إنما ذلك) بكسر الكاف خطا بالها وتفتح على خطاب العام أي الذي تشتكينه
(عرق) بكسر العين وسكون الراء أي دم عرق انشق وانفجر منه الدم أو إنما سببها عرق فمه في
أدنى الرحم (فاغتسلي وصلي) أي إذا أقبلت حيضتك فدعى الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي
يدل عليه ما رواه الشيخان عن عائشة قالت جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت
يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة فقال لا إنما ذلك عرق وليس بحيض
فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عند الدم ثم صلي (فكانت تغتسل) أي أم
حبيبة (لكل صلاة) أي عند كل صلاة (قال الليث لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم
حبيبة أن تغتسل عند كل صلاة ولكنه شئ فعلته هي) وقال الشافعي إنما أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
343

تغتسل وتصلي وليس فيه أنه أمرها أن تغتسل لكل صلاة قال ولا أشك إن شاء الله أن غسلها كان
تطوعا غير ما أمرت به وذلك واسع لها وكذا قال سفيان بن عيينة
قوله (ويروى هذا الحديث عن الزهري عن عمرة عن عائشة قالت استفتت أم حبيبة
بنت جحش) فالزهري يروي هذا الحديث على ثلاثة وجوه عن عروة عن عائشة كما في حديث
الباب وعن عمرة عن عائشة وهذه الرواية عند أبي داود وعن عروة وعمرة كليهما عن عائشة
كما بينه الترمذي بقوله وروى الأوزاعي عن الزهري إلخ
قوله (وقد قال بعض أهل العلم المستحاضة تغتسل عند كل صلاة) قال النووي في شرح
مسلم واعلم أنه لا يجب على المستحاضة الغسل لشئ من الصلوات ولا في وقت من الأوقات إلا
مرة واحدة في وقت انقطاع حيضها وبهذا قال جمهور العلماء من السلف والخلف وهو مروي عن
علي وابن مسعود وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم وهو قول عروة بن الزبير وأبي سلمة بن عبد
الرحمن ومالك وأبي حنيفة وأحمد وروى عن ابن عمر وابن الزبير وعطاء بن أبي رباح أنهم قالوا
يجب عليها أن تغتسل لكل صلاة وروى هذا أيضا عن علي وابن عباس وروى عن عائشة أنها
قالت تغتسل كل يوم غسلا واحدا وعن ابن المسيب والحسن قالا تغتسل من صلاة الظهر إلى
صلاة الظهر دائما ودليل الجمهور أن الأصل عدم الوجوب فلا يجب إلا ما ورد الشرع بإيجابه
ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمرها بالغسل إلا مرة واحدة عند انقطاع حيضها وهو قوله عليه
السلام إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وليس في هذا ما يقتضي تكرار
الغسل
وأما الأحاديث الواردة في سنن أبي داود والبيهقي وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالغسل فليس
فيها شئ ثابت وقد بين البيهقي ومن قبله ضعفها وإنما صح في هذا ما رواه البخاري ومسلم في
صحيحيهما أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك عرق
فاغتسلي ثم صلي فكانت تغتسل عند كل صلاة انتهى كلام النووي ونقل بعد هذا قول
الشافعي الذي ذكرنا فيما تقدم وقال وكذا قاله شيخه سفيان بن عيينة والليث بن سعد وغيرهما
344

قلت وقد جمع بعضهم بأن أحاديث الغسل لكل صلاة محمولة على الاستحباب والله تعالى
أعلم وحديث الباب أخرجه الشيخان وغيرهما
باب ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصلاة
قوله (عن أبي قلابة) بكسر القاف تخفيف اللام والباء الموحدة اسمه عبد الله بن
زيد بن عمرو أو عامر الجرمي البصري ثقة فاضل كثير الإرسال قال العجلي فيه نصب يسير من
الثالثة مات بالشام هاربا من القضاء سنة أربع ومائة وقيل بعدها كذا في التقريب (عن معاذة) هي
بنت عبد الله العدوية وهي معدودة في فقهاء التابعين قال في التقريب ثقة من الثالثة
قوله (أحرورية أنت) الحروري منسوب إلى حرورا بفتح الحاء وضم الراء المهملتين وبعد
الواو الساكنة راء أيضا بلدة على ميلين من الكوفة ويقال لمن يعتقد مذهب الخوارج حروري
لأن أول فرقة منهم خرجوا على علي بالبلدة المذكورة فاشتهروا بالنسبة إليها وهم فرق كثيرة لكن
من أصولهم المتفق عليها بينهم الأخذ بما دل عليه القرآن ورد ما زاد عليه من الحديث مطلقا ولهذا
استفهمت عائشة معاذة استفهام إنكار وزاد مسلم في رواية فقلت لا لكني أسأل أي سؤالا مجردا
لطلب العلم لا للتعنت وفهمت عائشة عنها طلب الدليل فاقتصرت في الجواب عليه دون
التعليل والذي ذكره العلماء في الفرق بين الصلاة والصيام أن الصلاة تتكرر فلم يجب قضاؤها
للحرج بخلاف الصيام كذا في الفتح وقال النووي معنى قول عائشة إن طائفة من الخوارج
يوجبون على الحائض قضاء الصلاة الفائتة في زمن الحائض وهو خلاف إجماع المسلمين وهذا
الاستفهام الذي استفهمته عائشة هو استفهام إنكار أي هذه طريقة الحرورية وبئست الطريقة
(فلا تؤمر بقضاء) أي لا يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء مع علمه بالحيض وتركها الصلاة في زمنه ولو
كان القضاء واجبا لأمرها به وفي رواية لمسلم فتؤمر بقضاء الصوم ولا تؤمر بقضاء الصلاة
345

قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما (وهو قول عامة الفقهاء لا
اختلاف بينهم في أن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة) نقل ابن المنذر وغيره إجماع أهل
العلم على ذلك وروى عبد الرزاق عن معمر أنه سأل الزهري عنه فقال اجتمع الناس عليه
وحكى ابن عبد البر عن طائفة من الخوارج أنهم كانوا يوجبونه وعن سمرة بن جندب أنه كان
يأمر به فأنكرت عليه أم سلمة لكن استقر الإجماع على عدم الوجوب كما قاله الزهري وغيره
كذا في الفتح
باب ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرءان القرآن
قوله (والحسن بن عرفة) بن يزيد العبدي أبو علي البغدادي صدوق من العاشرة مات
سنة سبع وخمسين ومائتين وقد جاوز المائة قاله الحافظ وقال الخزرجي وثقه ابن معين وأبو حاتم
وكان له عشرة أولاد بأسماء العشرة (نا إسماعيل بن عياش) بن سليم العنسي أبو عتبة الحمصي
صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم قاله الحافظ وقال الخزرجي في ترجمته عالم
الشام وأحد مشايخ الإسلام وثقة أحمد وابن معين ودحيم والبخاري وابن عدي في أهل الشام
وضعفوه في الحجازيين مات سنة 181 إحدى وثمانين ومائة
قوله (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن) أي لا القليل ولا الكثير والحديث
يدل على أنه لا يجوز للجنب ولا للحائض قراءة شئ من القرآن وقد وردت أحاديث في تحريم
346

قراءة القرآن للجنب وفي كلها مقال لكن تحصل القوة بانضمام بعضها إلى بعض ومجموعها
يصلح لأن يتمسك بها
قوله (وفي الباب عن علي) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئنا القرآن ما لم نكن جنبا رواه
الخمسة وهذا لفظ الترمذي وحسنه وصححه ابن حبان كذا في بلوغ المرام وقال الزيلعي في
نصب الراية روى أصحاب السنن الأربعة من حديث عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن
علي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحجبه أو يحجزه عن القرآن شئ ليس الجنابة قال الترمذي
حديث حسن صحيح ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وصححه قال ولم يحتجا
بعبد الله بن سلمة ومدار الحديث عليه انتهى قال الشافعي أهل الحديث لا يثبتونه قال
البيهقي لأن مداره على عبد الله بن سلمة بكسر اللام وكان قد كبر وأنكر حديثه وعقله وإنما روى
هذا بعد كبره قاله شعبة انتهى كلامه هذا آخر كلام الزيلعي وقال الحافظ والحق أنه من قبيل
الحسن يصلح للحجة
وفي الباب أيضا عن جابر أخرجه الدارقطني بنحو حديث ابن عمر وهو ضعيف
قوله (حديث ابن عمر لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة
إلخ) وأخرجه ابن ماجة أيضا من هذا الطريق والحديث ضعيف لأن إسماعيل بن عياش قد وثقه
أئمة الحديث في أهل الشام وضعفوه في الحجازيين وهو روى هذا الحديث عن موسى بن عقبة
وهو من أهل الحجاز قال البيهقي في المعرفة هذا حديث ينفرد به إسماعيل بن عياش وروايته عن
أهل الحجاز ضعيفة لا يحتج بها قاله أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما من الحفاظ وقد
روى هذا عن غيره وهو ضعيف انتهى وقال ابن أبي حاتم في علله سمعت أبي وذكر حديث
إسماعيل بن عياش هذا فقال أخطأ إنما هو من قول ابن عمر كذا في نصب الراية
قوله (قالوا لا تقرأ الحائض ولا الجنب من القرآن شيئا إلى طرف الآية) أي بعضها فلا
347

بأس لهما قراءة بعض الآية أو حرف أو حرفين أو نحو ذلك وأما قراءة الآية بتمامها فلا يجوز لهما
البتة قال الخطابي في الحديث من الفقه أن الجنب لا يقرأ القرآن وكذلك الحائض لا تقرأ لأن
حدثها أغلظ من حدث الجنابة وقال مالك في الجنب أنه لا يقرأ الآية ونحوها وقد حكى أنه قال
تقرأ الحائض ولا يقرأ الجنب لأن الحائض إن لم تقرأ نسيت القرآن لأن أيام الحيض تتطاول ومدة
الجنابة لا تطول وروى عن ابن المسيب وعكرمة أنهما كانا لا يريان بأسا بقراءة الجنب القرآن
وأكثر العلماء على تحريمه انتهى
قلت قول الأكثر هو الراجح يدل عليه حديث الباب والله تعالى أعلم
تنبيه أعلم أن البخاري عقد بابا في صحيحه يدل على أنه قائل بجواز قراءة القرآن
للجنب والحائض فإنه قال باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت وقال
إبراهيم لا بأس أن تقرأ الآية ولم ير ابن عباس بالقراءة للجنب بأسا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على
كل أحيانه وذكر آثارا أخرى ثم ذكر فيه حديث عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر
إلا الحج فلما جئنا سرف حضت الحديث وفيه فافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى
تطهري قال الحافظ في الفتح قال ابن بطال وغيره إن مراد البخاري الاستدلال على جواز قراءة
الحائض والجنب بحديث عائشة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستثن من جميع مناسك الحج إلا الطواف وإنما
استثناه لكونه صلاة مخصوصة وأعمال الحج مشتملة على ذكر وتلبية ودعاء ولم تمنع الحائض من
شئ من ذلك فكذلك الجنب لأن حدثها أغلظ من حدثه ومنع القراءة إن كان لكونه ذكر الله فلا
فرق بينه وبين ما ذكر وإن كان تعبدا فيحتاج إلى دليل خاص ولم يصح عند المصنف يعني
البخاري شئ من الأحاديث الواردة في ذلك وإن كان مجموع ما ورد في ذلك تقوم به الحجة عند
غيره لكن أكثرها قابل للتأويل ولهذا تمسك البخاري ومن قال بالجواز غيره كالطبري وابن المنذر
وداود بعموم حديث كان يذكر الله على كل أحيانه لأن الذكر أعم من أن يكون بالقرآن وبغيره
وإنما فرق بين الذكر والتلاوة بالعرف والحديث المذكور وصله مسلم من حديث عائشة ثم قال
الحافظ وفي جميع ما استدل به نزاع يطول ذكره لكن الظاهر من تصرفه ما ذكرناه
واستدل الجمهور على المنع بحديث علي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحجبه عن القرآن شئ ليس
الجنابة رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان وضعف بعضهم بعض رواته والحق
أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة لكن قيل في الاستدلال به نظر لأنه فعل مجرد فلا يدل على
تحريم ما عداه وأجاب الطبري عنه بأنه محمول على الأكمل جمعا بين الأدلة وأما حديث ابن عمر
348

مرفوعا لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن فضعيف من جميع طرقه انتهى كلام الحافظ
وقال في التلخيص بعد ذكر حديث ابن عمر ما لفظه وله شاهد من حديث جابر رواه الدارقطني
مرفوعا وفيه محمد بن الفضل وهو متروك وموقوفا وفيه يحيى بن أبي أنيسة وهو كذاب وقال
البيهقي وهذا الأثر ليس بالقوي وصح عن عمر أنه كان يكره أن يقرأ القرآن وهو جنب وساقه
عنه في الخلافيات بإسناد صحيح انتهى وقال العيني في عمدة القاري وربما يعضدان أي حديث
ابن عمرو حديث جابر بحديث علي ولم يصح عند البخاري في هذا الباب حديث فلذلك ذهب
إلى جواز قراءة الجنب والحائض أيضا انتهى
قوله (قال وسمعت) أي قال الترمذي وسمعت (قال وإنما حديث إسماعيل بن عياش عن
أهل الشام) أي قال البخاري حديث إسماعيل بن عياش الذي هو صحيح وصالح للاحتجاج إنما
هو ما يرويه عن أهل الشام قال في الخلاصة إسماعيل بن عياش العنسي الحمصي عالم الشام وثقه
أحمد وابن معين ودحيم والبخاري وابن عدي في أهل الشام وضعفوه في الحجازيين وقال في
التقريب صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم (وقال أحمد بن حنبل إسماعيل بن
عياش أصلح من بقية) كذا قال الترمذي وقال الذهبي في الميزان في ترجمة إسماعيل بن عياش
قال عبد الله بن أحمد سئل أبي عن إسماعيل وبقية فقال بقية أحب إلي وقال في ترجمة بقية قال أحمد
هو أحب إلى إسماعيل ابن عياش انتهى فهذا مناقض لما قال الترمذي
349

باب ما جاء في مباشرة الحائض
قوله (عن سفيان) هو الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) هو النخعي
(عن الأسود) هو ابن يزيد بن قيس
(يأمرني أن أتزر) قال الحافظ في الفتح كذا في روايتنا وغيرها بتشديد التاء المثناة بعد
الهمزة وأصله أأتزر بهمزة ساكنة بعد الهمزة المفتوحة ثم المثناة بوزن افتعل وأنكر أكثر النحاة
الادغام حتى قال صاحب المفصل إنه خطأ لكن حكاه غيره أنه مذهب الكوفيين حكاه
الصغاني في مجمع البحرين وقال ابن الملك إنه مقصور على السماع انتهى وقال
الكرماني في قول عائشة وهي من فصحاء العرب حجة فالمخطئ مخطئ انتهى والمراد
بذلك أنها تشد إزارها على وسطها (ثم يباشرني) من المباشرة وهي الملامسة من لمس بشرة
الرجل بشرة المرأة وقد ترد المباشرة بمعنى الجماع والمراد ههنا هو المعنى الأول بالإجماع
واستدل أبو حنيفة ومالك والشافعي بهذا الحديث وقالوا يحرم ملامسة الحائض من السرة
إلى الركبة وعند أبي يوسف ومحمد وفي وجه لأصحاب الشافعي أنه يحرم المجامعة فحسب
ودليلهم قوله صلى الله عليه وسلم (اصنعوا كل شئ إلا النكاح) كذا نقله الطيبي ولعل قوله صلى الله عليه وسلم لبيان
الرخصة وفعله عزيمة تعليما للأمة لأنه أحوط فإن من يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه
ويؤيده ما ورد عن معاذ بن جبل قال قلت يا رسول الله ما يحل لي من امرأتي وهي حائض قال
ما فوق الإزار والتعفف عن ذلك أفضل رواه أبو داود وغيره كذا في المرقاة وقال الحافظ في
الفتح وذهب كثير من السلف والثوري وأحمد وإسحاق إلى أن الذي يمتنع من الاستمتاع بالحائض
الفرج فقط وبه قال محمد بن الحسن من الحنفية ورجحه
الطحاوي وهو اختيار اصبغ من المالكية
وأحد القولين أو الوجهين للشافعية واختاره ابن المنذر وقال النووي هو الأرجح دليلا لحديث أنس
وفي مسلم اصنعوا كل شئ إلا الجماع وحملوا حديث الباب على الاستحباب جمعا بين الأدلة
انتهى قال ابن دقيق العيد ليس في حديث الباب ما يقتضي منع ما تحت الإزار لأنه فعل مجرد
350

انتهى ويدل على الجواز أيضا ما رواه أبو داود بإسناد قوي عن عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
أنه كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا انتهى وقال العيني في عمدة القاري النوع
الثالث المباشرة بين السرة فيما بين السرة والركبة في غير القبل والدبر فعند أبي حنيفة حرام وهو
رواية عن أبي يوسف وهو الوجه الصحيح للشافعية وهو قول مالك وقول أكثر العلماء منهم
سعيد بن المسيب وشريح وطاوس وعطاء وسليمان بن يسار وقتادة وعند محمد بن الحسن وأبي
يوسف في رواية يتجنب شعار الدم فقط وممن ذهب إليه عكرمة ومجاهد والشعبي والنخعي
والحكم والثوري والأوزاعي وأحمد وأصبغ وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وابن المنذر وداود وهذا
أقوى دليل لحديث أنس اصنعوا كل شئ إلا النكاح واقتصار النبي صلى الله عليه وسلم في مباشرته على ما فوق
الإزار محمول على الاستحباب وقول محمد هو المنقول عن علي وابن عباس وأبي طلحة رضي الله
تعالى عنهم انتهى كلام العيني
قوله (وفي الباب عن أم سلمة وميمونة) أخرج حديثهما البخاري
قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق) والقول الراجح هو جواز الاستمتاع بالحائض
بكل شئ إلا الجماع لحديث أنس المذكور والله تعالى أعلم
باب في مؤاكلة الجنب الحائض وسؤرهما
وفي بعض النسخ وسؤرهما
قوله (حدثنا عباس العنبري) هو عباس بن عبد العظيم بن إسماعيل العنبري البصري أبو
351

الفضل ثقة حافظ من كبار الحادية عشرة روى عنه البخاري تعليقا والباقون مات سنة 642 ست
وأربعين ومائتين (ومحمد بن عبد الأعلى) الصنعاني البصري ثقة من العاشرة مات سنة 452 أربع
وخمسين ومائتين (عن حرام بن معاوية) قال الخزرجي حرام ابن حكيم بن خالد الأنصاري أو
العنسي ويقال هو حرام بن معاوية عن عمه عبد الله بن سعد وأبي هريرة وعنه العلاء بن الحارث
وثقه دحيم انتهى وقال الحافظ في ترجمة حرام بن حكيم بن خالد ما لفظه وهو حرام بن معاوية
كان معاوية بن صالح يقوله على الوجهين ووهم من جعلهما اثنين وهو ثقة من الثالثة انتهى (عن
عمه عبد الله بن سعد) صحابي شهد فتح القادسية
قوله (فقال واكلها) صيغة أمر من المواكلة أي كل معها وفيه دلالة على جواز مؤاكلة
الحائض
قوله (وفي الباب عن عائشة وأنس) أما حديث عائشة فأخرجه مسلم والنسائي وأبو داود
عنها قالت كنت أتعرق العظم وأنا حائض فأعطيه النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فمه في الموضع الذي فيه
وضعته وأشرب الشراب فأناوله فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب منه وأما حديث أنس
فأخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما عنه قال إن اليهود كانوا إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من
البيت ولم يواكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت الحديث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم جامعوهن
في البيوت واصنعوا كل شئ غير النكاح إلخ
قوله (حديث عبد الله بن سعد حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وأخرجه أيضا أبو
داود ورواته كلهم ثقات وإنما غربه الترمذي لأنه تفرد به الحارث عن حكيم بن حزام
وحكيم بن حزام عن عمه عبد الله بن سعد قاله الشوكاني
قلت رواه الترمذي من طريق العلاء بن الحارث عن حرام بن معاوية عن عمه عبد الله بن
سعد لا من طريق العلاء عن حكيم بن حزام
352

قوله (وهو قول عامة أهل العلم لم يروا بمؤاكلة الحائض بأسا) قال ابن سيد الناس في
شرح الترمذي وهذا مما أجمع الناس عليه وهكذا نقل الإجماع محمد بن جرير الطبري وأما
قوله تعالى (فاعتزلوا النساء في المحيض) فالمراد اعتزلوا وطأهن (واختلفوا في فضل وضوئها
فرخص في ذلك بعضهم وكره بعضهم طهورها) الراجح هو عدم الكراهة وحديث عائشة
المذكور يدل على أن ريق الحائض طاهر وعلى طهارة سؤرها من طعام أو شراب قال الشوكاني ولا
خلاف فيهما فيما أعلم
باب ما جاء في الحائض تتناول الشئ من المسجد
أي تأخذه منه
قوله (نا عبيدة بن حميد) بفتح العين وحميد بالتصغير هو المعروف بالحذاء التيمي أو الليثي
أو الضبي صدوق نحوي ربما أخطأ قال الحافظ وقال الخزرجي قال ابن سعد ثقة صاحب
نحو وعربية مات سنة 091 تسعين ومائة (عن ثابت بن عبيد) بالتصغير الأنصاري الكوفي مولى
يزيد بن ثابت ثقة وثقه أحمد وابن معين
قوله (ناوليني) أي أعطيني (الخمرة) بضم الخاء المعجمة وإسكان الميم قال الخطابي هي
السجادة التي يسجد عليها المصلي ويقال سميت بهذا
لأنها تخمر وجه المصلي عن الأرض أي
تستره وصرح جماعة بأنها لا تكون إلا قدر ما يضع الرجل حر وجهه في سجوده وقد جاء في سنن
أبي داود عن ابن عباس قال جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول
الله صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدا عليها فأحرقت منها موضع درهم فذا تصريح بإطلاق الخمرة
353

على ما زاد على قدر الوجه انتهى (إن حيضتك ليست في يدك) يعني إن يدك ليست بنجسة لأنها لا
حيض فيها قال النووي بفتح الحاء هذا هو المشهور في الرواية وهو الصحيح وقال الخطابي
المحدثون يقولونها بفتح الحاء وهو خطأ وصوابها بالكسر أي الحالة والهيئة وأنكر القاضي عياض
هذا على الخطابي وقال الصواب ههنا ما قاله المحدثون من الفتح لأن المراد الدم وهو الحيض
بالفتح بلا شك لقوله صلى الله عليه وسلم ليست بيدك معناه أن النجاسة التي يصان المسجد عنها وهي دم
الحيض ليست بيدك وهذا بخلاف حديث أم سلمة فأخذت ثياب حيضتي فإن الصواب فيه
الكسر هذا كلام القاضي وهذا الذي اختاره من الفتح هو الظاهر ههنا ولما قاله الخطابي وجه
قال في شرح السنة في الحديث دليل على أن للحائض أن تتناول شيئا من المسجد وأن من حلف
أن لا يدخل دارا أو مسجدا فإنه لا يحنث بإدخال بعض جسده فيه انتهى
قوله (وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة) أما حديث ابن عمر فأخرجه أحمد عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة ناوليني الخمرة من المسجد فقالت إني قد أحدثت فقال أو حيضتك في
يدك قال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله رجال الصحيح وأما حديث أبي هريرة فأخرجه
النسائي بلفظ قال أبو هريرة بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ قال يا عائشة ناوليني الثوب فقالت
إني لا أصلي فقال إنه ليس في يدك فناولته وفي الباب أيضا عن أنس وأبي بكرة ذكر حديثهما
الهيثمي في مجمع الزوائد
قوله (وهو قول عامة أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافا في ذلك بأن لا بأس أن تتناول
الحائض شيئا من المسجد) أي بمد يدها من غير دخول فيه
354

باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض
قوله (حدثنا بندار) لقب محمد بن بشار (نا يحيى بن سعيد) هو القطان (وبهز بن أسد)
العمي أبو الأسود البصري ثقة ثبت مات بعد المائتين وقيل قبلها قاله الحافظ (عن حكيم الأثرم)
البصري قال الحافظ لين وقال الخزرجي في الخلاصة ليس به بأس (عن أبي تميمة) بفتح التاء
الفوقانية وكسر الميم اسمه طريف بن مجالد (الهجيمي) بضم الهاء وفتح الجيم مصغرا البصري ثقة
من الثالثة مات سنة 79 سبع وتسعين أو قبلها أو بعدها
قوله (من أتى حائضا) أي جامعها (أو امرأة في دبرها) مطلقا سواء كانت حائضا أو غيرها
(أو كاهنا) قال الجزري في الكاهن الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدعي
معرفة الأسرار وقد كان في العرب كهنة كشق وسطيح وغيرهما فمنهم من كان يزعم أن له تابعا
من الجن ورئيا يلقي إليه الأخبار ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها
على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله وهذا يخصونه باسم العراف كالذي يدعي معرفة
الشئ المسروق ومكان الضالة ونحوهما والحديث الذي فيه من أتى كاهنا قد يشتمل على إتيان
الكاهن والعراف والمنجم انتهى كلام الجزري وقال الطيبي أتى لفظ مشترك هنا بين المجامعة
وإتيان الكاهن قال القاري الأولى أن يكون التقدير أو صدق كاهنا فيصير من قبيل علفتها ماء
وتبنا باردا أو يقال من أتى حائضا أو امرأة بالجماع أو كاهنا بالتصديق انتهى (فقد كفر بما أنزل على
محمد) الظاهر أنه محمول على التغليظ والتشديد كما قاله الترمذي وقيل إن كان المراد الإتيان
باستحلال وتصديق فالكفر محمول على ظاهره وإن كان بدونهما فهو على كفران النعمة
355

قوله (وإنما معنى هذا الحديث عند أهل العلم على التغليظ) يعني على التشديد والتهديد
ثم استدل الترمذي على هذا بقوله وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أتى حائضا فليتصدق بدينار
إلخ ذكر الترمذي هذا الحديث هنا هكذا معلقا وقد رواه با سناد من حديث ابن عباس في
الباب الآتي
قوله (وضعف محمد هذا الحديث) قال الذهبي في الميزان في ترجمة حكيم الأثرم قال
البخاري لم يتابع على حديثه يعني حماد بن سلمة عنه عن أبي تميمة عن أبي هريرة مرفوعا من أتى
كاهنا إلخ
باب ما جاء في الكفارة في ذلك
قوله (عن خصيف) بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة مصغرا ابن عبد الرحمن
الجزري صدوق سئ الحفظ خلط باخره ورمي بالإرجاء كذا في التقريب وقال في الخلاصة
ضعفه أحمد ووثقه ابن معين وأبو زرعة وقال ابن عدي إذا حدث عنه ثقة فلا بأس به انتهى
قوله (في الرجل يقع على امرأته) أي يجامع امرأته (وهي حائض) جملة حالية (قال يتصدق
356

بنصف دينار) كذا في هذه الرواية وروى بألفاظ مختلفة كما ستقف والحديث في سنده شريك بن
عبد الله النخعي الكوفي صدوق يخطئ كثيرا تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة وفيه خصيف
وقد عرفت حاله
قوله (نا الفضل بن موسى) السيناني أبو عبد الله المروزي ثقة ثبت وربما أغرب (عن أبي
حمزة السكري) سمي بذلك لحلاوة كلامه كذا في الخلاصة وقال القاموس بالضم السين
وتشديد الكاف معرب شكر انتهى فعلى هذا يكون السكري بضم السين وتشديد الكاف وكذا
ضبط في نسخة قلمية بالقلم وضبط في النسخة الأحمدية المطبوعة بفتح السين والكاف الخفيفة
قال الحافظ في التقريب ثقة فاضل من السابعة (عن عبد الكريم) بن مالك الجزري يكنى بأبي
سعيد مولى بني أمية وهو الخضري نسبة إلى قرية من اليمامة ثقة متقن من السادسة
قوله (إذا كان دما أحمر فدينار وإن كان دما أصفر فنصف دينار) قال المنذري هذا الحديث
قد وقع الاضطراب في إسناده ومتنه فروي مرفوعا وموقوفا ومرسلا ومعضلا وقال عبد
الرحمن بن مهدي قيل لشعبة إنك كنت ترفعه قال إني كنت مجنونا فصححت وأما الاضطراب في
متنه فروي بدينار أو نصف دينار على الشك وروي يتصدق بدينار فإن لم يجد فبنصف دينار
وروي إذا كان دما أحمر فدينار وإن كان دما أصفر فنصف دينار وروي إن كان الدم عبيطا
فليتصدق بدينار وإن كان صفرة فنصف دينار انتهى كلام المنذري وقال الحافظ في التلخيص
والاضطراب في إسناد هذا الحديث ومتنه كثير انتهى
قلت لا شك في أن إسناد هذا الحديث ومتنه اختلافا كثيرا لكن مجرد الاختلاف قليلا كان
أو كثيرا لا يورث الاضطراب القادح في صحة الحديث بل يشترط له استواء وجوه الاختلاف
فمتى رجحت رواية من الروايات المختلفة من حيث الصحة قدمت ولا تعل الرواية الراجحة
بالمرجوحة وههنا رواية عبد الحميد عن مقسم عن ابن عباس بلفظ فليتصدق بدينار أو بنصف
دينار صحيحة راجحة فكل رواتها مخرج لهم في الصحيح إلا مقسما الراوي عن ابن عباس
فانفرد به البخاري لكن ما أخرج له إلا حديثا واحدا وقد صحح هذه الرواية الحاكم وابن دقيق
العيد وقال ما أحسن حديث عبد الحميد عن مقسم عن ابن عباس فقيل تذهب إليه فقال
357

نعم ورواية عبد الحميد هذه لم يخرجها الترمذي وأخرجها أبو داود قال حدثنا مسددنا يحيى عن
شعبة قال حدثني الحكم عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم
في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال يتصدق بدينار أو نصف دينار قال أبو داود هكذا الرواية
الصحيحة قال دينار أو نصف دينار ولم يرفعه شعبة فرواية عبد الحميد هذه صحيحة راجحة وأما
باقي الروايات فضعيفة مرجوحة لا توازي رواية عبد الحميد فلا تعل رواية عبد الحميد هذه
بالروايات الضعيفة قال الحافظ في التلخيص قد أمعن ابن القطان القول في تصحيح هذا
الحديث والجواب عن طرق الطعن فيه بما يراجع منه وأقر ابن دقيق العيد تصحيح ابن القطان
وقواه في الامام وهو الصواب فكم من حديث احتجوا به وفيه من الاختلاف أكثر مما في هذا
الحديث كحديث بئر بضاعة وحديث القلتين ونحوهما وفي ذلك ما يرد على النووي في دعواه في
شرح المهذب والتنقيح والخلاصة أن الأئمة كلهم خالفوا الحاكم في تصحيحه وأن الحق أنه
ضعيف باتفاقهم وتبع في بعض ذلك ابن الصلاح انتهى كلام الحافظ وبالجملة رواية عبد
الحميد صحيحة لكن وقع الاختلاف في رفعها فرفعها شعبة مرة ووقفها مرة قال الحافظ في بلوغ
المرام بعد ذكر هذه الرواية مرفوعة صححه الحاكم وابن القطان ورجح غير هما وقفه قال
الشوكاني في النيل ويجاب عن دعوى الاختلاف في رفعه ووقفه بأن يحيى بن سعيد ومحمد بن
جعفر وابن أبي عدي رفعوه عن شعبة وكذلك وهب بن جرير وسعيد بن عامر والنضر بن شميل
وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف قال ابن سيد الناس من رفعه عن شعبة أجل وأكثر وأحفظ ممن
وقفه وأما قول شعبة أسنده لي الحكم مرة ووقفه مرة فقد أخبر عن المرفوع والموقوف أن كلا عنده ثم
لو تساوى رافعوه مع واقفيه لم يكن في ذلك ما يقدح فيه وقال أبو بكر الخطيب اختلاف الروايتين
في الرفع لا يؤثر في الحديث ضعفا وهو مذهب أهل الأصول لأن إحدى الروايتين ليست مكذبة
للأخرى والأخذ بالمرفوع أخذ بالزيادة وهي واجبة القبول انتهى
قلت يؤيد ترجيح وقفها قول عبد الرحمن بن مهدي قيل لشعبة إنك كنت ترفعه قال إني
كنت مجنونا فصححت وبين البيهقي في روايته أن شعبة رجع عن رفعه والله تعالى أعلم
قوله (وهو قول بعض أهل العلم وبه يقول أحمد وإسحاق وقال ابن المبارك يستغفر ربه
358

ولا كفارة عليه) قال الحافظ ابن عبد البر حجة من لم يوجب الكفارة باضطراب هذا الحديث
وأن الذمة على البراءة ولا يجب أن يثبت فيها شئ لمسكين ولا غيره إلا بدليل لا مدفع فيه ولا
مطعن عليه وذلك معدوم في هذه المسألة كذا في التلخيص وقال الخطابي في المعالم ذهب إلى
إيجاب الكفارة عليه غير واحد من العلماء ومنهم قتادة وأحمد بن حنبل وإسحاق وقال به الشافعي
قديما ثم قال في الجديد لا شئ عليه قلت ولا ينكر أن يكون فيه كفارة لأنه وطء محظور
كالواطئ في رمضان وقال أكثر العلماء لا شئ عليه ويستغفر الله وزعموا أن هذا الحديث مرسل
أو موقوف على ابن عباس ولا يصح متصلا مرفوعا والذمم بريئة إلا أن تقوم الحجة بشغلها وكان
ابن عباس يقول إذا أصابها في فور الدم تصدق بدينار وإن كان في اخره فنصف دينار وقال قتادة
دينار للحائض ونصف دينار إذا أصابها قبل أن تغتسل وكان أحمد بن حنبل يقول هو مخير بين
الدينار ونصف الدينار انتهى كلام الخطابي بلفظه قلت وذهب إلى إيجاب الكفارة على من
وطئ امرأته وهي حائض ابن عباس والحسن البصري وسعيد بن جبير والأوزاعي أيضا واختلفوا
في الكفارة فقال الحسن وسعيد عتق رقبة وقال الباقون دينار أو نصف دينار على اختلاف منهم في
الحال الذي يجب فيه الدينار أو نصف الدينار بحسب اختلاف الروايات كذا في النيل
قوله (وقد روى مثل قول ابن المبارك عن بعض التابعين منهم سعيد بن جبير وإبراهيم)
هو النخعي ولعل لسعيد بن جبير في هذه المسألة قولان ومنهم عطاء وابن أبي مليكة والشعبي
ومكحول والزهري وربيعة وحماد بن أبي سليمان وأيوب السختياني وسفيان الثوري والليث بن
سعد ومالك وأبو حنيفة وهو الأصح عن الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وجماهير من السلف
قالوا إنه لا كفارة عليه بل الواجب الاستغفار والتوبة وأجابوا عن الحديث بما سبق من المطاعن
قالوا والأصل البراءة فلا ينتقل عنها إلا بحجة قال الشوكاني بعد ذكر هذا ما لفظه وقد عرفت
انتهاض الرواية الأولى من حديث الباب فالمصير إليها متحتم وعرفت بما أسلفناه صلاحيتها
للحجية وسقوط الاعتلالات الواردة عليها انتهى
قلت ومن الاعتلالات اعتلال الاختلاف في رفعها ووقفها وقد عرفت أن قول عبد
الرحمن بن مهدي يؤيد وقفها وبين البيهقي في روايته أن شعبة رجع عن رفعها فتأمل
359

باب ما جاء في غسل دم الحيض من الثوب
قوله (من الحيضة) بفتح الحاء أي من الحيض (حتيه) الحت الحك من نصر ينصر أي
حكية والمراد إزالة عينه (ثم اقرصيه بالماء) القرص الدلك بأطراف الأصابع والأظفار أي تدلكي
موضع الدم بأطراف الأصابع بالماء ليتحلل بذلك ويخرج ما تشربه الثوب منه (ثم رشيه) من
الرش أي صبي الماء عليه
قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وأم قيس) أما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود والنسائي
وابن ماجة وأما حديث أم قيس فأخرجه أبو داود
قوله (حديث أسماء في غسل الدم حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما
قوله (فقال بعض أهل العلم من التابعين إذا كان الدم مقدار الدرهم فلم يغسل وصلى
فيه أعاد الصلاة) جاء فيه حديث أخرجه الدارقطني في سننه عن روح بن غطيف عن الزهري عن أبي
سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعاد الصلاة من
قدر الدرهم من الدم وفي لفظ إذا كان في الثوب قدر الدرهم من الدم غسل الثوب وأعيدت الصلاة قال البخاري حديث باطل وروح هذا منكر
360

الحديث وقال ابن حبان هذا حديث موضوع لا شك فيه لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن اخترعه أهل
الكوفة وكان روح ابن غطيف يروي الموضوعات عن الثقات وذكره ابن الجوزي في الموضوعات وذكره
أيضا من حديث نوح بن أبي مريم عن يزيد الهاشمي عن أبي سلمة عن أبي
هريرة مرفوعا نحوه وأغلظ في نوح بن أبي مريم كذا في تخريج الزيلعي (وقال بعضهم إذا كان
الدم أكثر من قدر الدرهم أعاد الصلاة وهو قول سفيان وابن المبارك) وهو قول الحنفية وقال
صاحب الهداية قدر الدرهم وما دونه من النجاسة المغلظة كالدم والبول والخمر وخرء الدجاج
وبول الحمار جازت الصلاة معه وإن زاد فلم يجز قال لنا إن القليل لا يمكن التحرز عنه فيجعل
معفوا وقدرناه بقدر الدرهم أخذا عن موضع الاستنجاء انتهى قال العيني في شرح البخاري
ص 309 ج 1 وأما تقدير أصحابنا القليل بقدر الدرهم فلما ذكره صاحب الأسرار عن علي وابن
مسعود أنهما قدرا النجاسة بالدرهم وكفى بهما حجة في الاقتداء وروي عن عمر أيضا أنه قدره
بظفره وفي المحيط وكان ظفره قريبا من كفنا فدل على أن ما دون الدرهم لا يمنع انتهى
قلت لا بد للحنفية أن يثبتوا صحة اثار علي وابن مسعود وعمر رضي الله عنهم المذكورة
وبمجرد ذكر صاحب الأسرار هذه الآثار لا يصح الاستدلال بها وإني قد فتشت كثيرا لكن لم أقف
على أسانيدها ولا على مخرجيها فالله تعالى أعلم كيف حالها وأما قول الحنفية أن ظفر عمر كان
قريبا من كفنا فهذا ادعاء محض لم يثبت بدليل صحيح نعم ثبت أنه رضي الله عنه كان طويل
القامة قال الحافظ بن الجوزي في كتابه التلقيح ما لفظه تسمية الطوال عمر بن الخطاب
الزبير بن العوام قيس بن سعد حبيب بن مسلمة علي بن عبد الله بن عباس انتهى ومن المعلوم أن
كون عمر من طوال الصحابة لا يستلزم أن يكون ظفره قريبا من كفنا وأما تقديرهم أخذا عن
موضع الاستنجاء ففيه أيضا كلام لا يخفى على المتأمل (ولم يوجب بعض أهل العلم وغيرهم عليه
الإعادة وإن كان أكثر من قدر الدرهم وبه يقول أحمد وإسحاق) يدل على ما ذهب إليه هؤلاء
ظاهر ما أخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم كلهم من طريق ابن
إسحاق حدثني صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة ذات الرقاع فرمى
361

رجل بسهم فنزفه الدم فركع وسجد ومضى في صلاته والقصة طويلة محصلها أنه صلى الله عليه وسلم نزل بشعب فقال
من يحرسنا الليلة فقام رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فباتا بفم الشعب
فاقتسما الليل للحراسة فنام المهاجري وقام الأنصاري يصلي فجاء رجل من العدو فرأى الأنصاري
فرماه بسهم فأصابه فنزعه واستمر في صلاته ثم رماه بثان فصنع كذلك ثم رماه بثالث فنزعه وركع
وسجد وقضى صلاته ثم أيقظ رفيقه فلما رأى ما به من الدماء قال لم لا أنبهتني أول ما رمى قال
كنا في سورة فأحببت أن لا أقطعها فظاهر هذا الحديث يدل على ما ذهب إليه أحمد وإسحاق
ومن تبعهما فتفكر (وقال الشافعي يجب عليه الغسل وإن كان أقل من الدرهم) قال صاحب
الهداية وقال زفر والشافعي لا تجوز قليل النجاسة وكثيرها سواء لأن النص الموجب للتطهير لم
يفصل انتهى قال العيني في شرح البخاري قال ابن بطال حديث أسماء أصل عند العلماء في
غسل النجاسات من الثياب ثم قال وهذا الحديث محمول عندهم على الدم الكثير لأن الله تعالى
شرط في نجاسته أن يكون مسفوحا وهو كناية عن الكثير الجاري لأن الفقهاء اختلفوا في مقدار ما
يتجاوز عنه من الدم فاعتبر الكوفيون فيه وفي النجاسات دون الدرهم في الفرق بين قليله
وكثيره وقال مالك قليل الدم معفو ويغسل قليل سائر النجاسات وروى عن ابن وهب أن قليل
دم الحيض ككثيره وكسائر الأنجاس بخلاف سائر الدماء والحجة في أن اليسير من دم الحيض
كالكثير قوله صلى الله عليه وسلم لأسماء حتيه ثم أقرصيه حيث لم يفرق بين قليله وكثيره ولا سألها عن مقداره ولم
يحد فيه مقدار الدرهم ولا دونه قال العيني حديث عائشة ما كان لأحدانا إلا ثوب واحد فيه
تحيض فإن أصابه شئ من دم بلته بريقها ثم قصعته بريقها رواه أبو داود وأخرجه البخاري أيضا
ولفظه قالت بريقها فقصعته يدل على الفرق بين القليل والكثير وقال البيهقي هذا في الدم
اليسير الذي يكون معفوا عنه وأما الكثير منه فصح عنها أي عن عائشة أنها كانت تغسله فهذا
حجة عليهم في عدم الفرق بين القليل والكثير من النجاسة وعلى الشافعي أيضا في قوله إن يسير
الدم يغسل كسائر الأنجاس إلا دم البراغيث فإنه لا يمكن التحرز عنه وقد روي عن أبي هريرة
أنه لا يرى بالقطرة والقطرتين بأسا في الصلاة وعصر ابن عمر بثرة فخرج منها دم فمسه بيده
وصلى فالشافعية ليسوا بأكثر احتياطا من أبي هريرة وابن عمر ولا أكثر رواية منهما حتى خالفوهما
حيث لم يفرقوا بين القليل والكثير على أن قليل الدم موضع ضرورة لأن الانسان لا يخلو في غالب
حاله من بثرة ودمل أو برغوث فعفي عنه ولهذا حرم الله المسفوح منه فدل أن غيره ليس بمحرم
انتهى كلام العيني
362

قلت في كلام العيني هذا أشياء فتفكر
باب ما جاء في كم تمكث النفساء
أي كم تمكث في نفاسها وإلى أي مدة لا تصلي ولا تصوم قال الجوهري النفاس ولادة المرأة
إذا وضعت فهي نفساء ونسوة نفاس وليس في الكلام فعلاء يجمع على فعال غير نفساء وعشراء
انتهى
قوله (نا شجاع بن الوليد أبو بدر) السكوني الكوفي صدوق ورع له أوهام (عن علي بن
عبد الأعلى) الثعلبي الكوفي الأحول صدوق ربما وهم كذا في التقريب ووثقه البخاري كما بينه
الترمذي (عن أبي سهل) اسمه كثير بن زياد البرساني بصري نزل بلخ ثقة (عن مسة الأزدية) بضم
الميم وتشديد السين المهملة هي أم بسة بضم الموحدة وتشديد السين المهملة مقبولة قاله الحافظ في
التقريب وقال في تهذيب التهذيب روت عن أم سلمة في النفساء وعنها أبو سهل كثير بن زياد
قال وذكر الخطابي وابن حبان أن الحكم بن عتيبة روى عنها أيضا انتهى وروى الدارقطني في
سننه ص 29 عن الحكم بن عتيبة عن مسة عن أم سلمة
قوله (وكانت النفساء تجلس) أي بعد نفاسها كما في رواية أبي داود وقال الحافظ ابن تيمية
في المنتقى معنى الحديث كانت تؤمر أن تجلس إلى الأربعين لئلا يكون الخبر كذبا إذ لا يمكن أن
تتفق عادة نساء عصر في حيض أو نفاس انتهى بلفظه (وكنا نطلي وجوهنا) أي نلطخ وجوهنا قال
في القاموس طلى البعير الهناء يطليه وبه لطخه كطلاه (بالورس) الورس بوزن الفلس نبت أصفر
يكون باليمين تتخذ منه الغمرة للوجه وورس الثوب توريسا صبغه بالورس (من الكلف) بفتح
الكاف واللام لون بين السوداء والحمرة وهي حمرة كدرة تعلو الوجه وشئ يعلو الوجه كالسمسم
كذا في الصحاح للجوهري وزاد في رواية أبي داود لا يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء صلاة النفاس
363

قوله (هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل إلخ) قال الحافظ في التلخيص أخرجه
أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة والدارقطني والحاكم وأبو سهل وثقه البخاري وابن معين
وضعفه ابن حبان وأم بسة مسة مجهولة الحال قال الدارقطني لا يقوم بها حجة وقال ابن
القطان لا يعرف حالها وأغرب ابن حبان فضعفه بكثير بن زياد ولم يصب وقال النووي قول
جماعة من مصنفي الفقهاء إن هذا الحديث ضعيف مردود عليهم وله شاهد أخرجه ابن ماجة من
طريق سلام عن حميد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت للنفساء أربعين يوما إلا أن ترى الطهر
قبل ذلك قال لم يروه عن حميد غير سلام وهو ضعيف ورواه عبد الرزاق من وجه آخر عن أنس
مرفوعا وروى الحاكم من حديث عثمان عن الحسن بن أبي العاص قال وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء
في نفاسهن أربعين يوما وقال صحيح إن سلم من أبي هلال قلت وقد ضعفه الدارقطني والحسن
عن عثمان بن أبي العاص منقطع والمشهور عن عثمان موقوف عليه انتهى ما في التلخيص وقد ذكر
الحافظ حديث الباب في بلوغ المرام وقال صححه الحاكم وأقر تصحيحه ولم ينكر عليه وقد قال
في التقريب في ترجمة مسة الأزدية إنها مقبولة كما عرفت وقال صاحب عون المعبود وأجاب في
البدر المنير عن القول بجهالة مسة فقال ولا نسلم جهالة عينها وجهالة حالها مرتفعة فإنه روى عنها
جماعة كثير بن زياد والحكم بن عتيبة وزيد بن علي بن الحسين ورواه محمد بن عبد الله العزرمي
عن الحسن عن مسة أيضا فهؤلاء رووا عنها وقد أثنى على حديثها البخاري وصحح الحاكم إسناده
فأقل أحواله أن يكون حسنا انتهى
قلت الظاهر أن هذا الحديث حسن صالح الحديث للاحتجاج وفي الباب أحاديث
364

أخرى ضعيفة تؤيده فمنها ما تقدم في كلام الحافظ ومنها حديث أبي الدرداء وأبي هريرة قالا قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم تنتظر النفساء أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإن بلغت أربعين يوما ولم
تر الطهر فلتغتسل ذكره ابن عدي وفيه العلاء بن كثير وهو ضعيف جدا ومنها حديث
عبد الله بن عمر وأخرجه الحاكم في المستدرك والدارقطني في سننه وفي إسناده عمرو بن الحصين
وابن علاثه قال الدارقطني متروكان ضعيفان ومنها حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت
للنساء في نفاسهن أربعين يوما أخرجه الدارقطني ومنها حديث جابر قال وقت للنساء أربعين يوما
أخرجه الطبراني في معجمه الوسط ذكر الحافظ الزيلعي في نصب الراية هذه الروايات بأسانيدها
ومتونها مع الكلام عليها
قوله (وهو قول أكثر الفقهاء وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد
وإسحاق) وهو قول الحنفية واستدلوا بأحاديث الباب قال الشوكاني في النيل والأدلة الدالة على
أن أكثر النفاس أربعون يوما متعاضدة بالغة إلى حد الصلاحية والاعتبار فالمصير إليها متعين
فالواجب على النفساء وقوف أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك انتهى (ويروى عن الحسن
البصري أنه قال إنها تدع الصلاة خمسين يوما إذا لم تطهر) وفي نسخة قلمية عتيقة إذا لم تر الطهر
(ويروى عن عطاء بن أبي رباح والشعبي ستين يوما) وهو قول الشافعي وروى عن إسماعيل
وموسى ابني جعفر بن محمد الصادق سبعون يوما قالوا إذ هو أكثر ما وجد
قلت لم أجد على هذه الأقوال دليلا من السنة فالقول الراجح المعول عليه هو ما قال به
أكثر الفقهاء والله تعالى أعلم
365

باب ما جاء في الرجل يطوف على نسائه بغسل واحد
قوله (نا أبو أحمد) اسمه محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم الأنصاري
الزبيري مولاهم الكوفي من أصحاب الكتب الستة قال العجلي ثقة يتشيع وقال بندار ما رأيت
قط أحفظ من أبي أحمد وقال أبو حاتم حافظ للحديث عاقل مجتهد له أوهام مات سنة ثلاث
ومائتين (نا سفيان) هو الثوري (عن معمر) هو ابن راشد الأزدي مولاهم أبو عروة البصري نزيل
اليمن ثقة ثبت فاضل إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئا وكذا فيما حدث
به بالبصرة من كبار السابعة كذا في التقريب
قوله (كان يطوف على نسائه في غسل واحد) أي يجامعهن ثم يغسل غسلا واحدا ولأحمد
والنسائي في ليلة بغسل واحد والحديث دليل على أن الغسل بين الجماعين لا يجب وعليه
الاجماع ويدل على استحبابه ما أخرجه أبو داود والنسائي عن أبي رافع أنه صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على
نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه قال فقلت يا رسول الله ألا تجعله غسلا واحدا قال هذا أزكى
وأطيب وأظهر
فإن قيل أقل القسمة ليلة لكل امرأة فكيف طاف على الجميع
فالجواب أن وجوب القسم عليه مختلف فيه قال أبو سعيد لم يكن واجبا عليه بل كان يقسم
بالتسوية تبرعا وتكرما والأكثرون على وجوبه وكان طوافه صلى الله عليه وسلم برضاهن وقال ابن عبد البر معنى
الحديث أنه فعل ذلك عند قدومه من سفر ونحوه في وقت ليس لواحدة منهن يوم معين معلوم
فجمعهن يومئذ ثم دار بالقسم عليهن بعد والله أعلم لأنهن كن حرائر وسنته صلى الله عليه وسلم فيهن العدل
بالقسم وأن لا يمس الواحدة في يوم الأخرى انتهى
قوله (وفي الباب عن أبي رافع) تقدم آنفا تخريجه ولفظه
366

قوله (حديث أنس حديث صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري كذا في المنتقى وقال
في النيل الحديث أخرجه البخاري أيضا من حديث قتادة عن أنس بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة قال قلت لأنس بن مالك
أو كان يطيقه قال كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين ولم يذكر فيه الغسل انتهى
قوله (وهو قول غير واحد من أهل العلم منهم الحسن البصري أن لا بأس أن يعود قبل
أن يتوضأ) في كلام الترمذي هذا شئ فإن حديث الباب لا يدل على هذا بل يدل على أن لا بأس
أن يعود قبل أن يغتسل فتفكر وأما مسألة العود قبل أن يتوضأ فتأتي في الباب الآتي
قوله (وقد روى محمد بن يوسف) بن واقد بن عثمان الضبي مولاهم الفريابي وثقة أبو
حاتم والنسائي وقال البخاري كان أفضل زمانه وقال ابن عدي له عن الثوري إفرادات وقال
الذهبي في الميزان كان ثقة فاضلا عابدا من أجلة أصحاب الثوري
367

باب ما جاء إذا أراد أن يعود توضأ
قوله (عن عاصم الأحول) هو عاصم بن سليمان التميمي مولاهم أبو عبد الرحمن
البصري وثقه ابن معين وأبو زرعة وغيرهما (عن أبي المتوكل) الناجي اسمه علي بن داود مشهور
بكنيته ثقة من الثالثة مات سنة 108 ثمان ومائة وقيل قبل ذلك
قوله (فليتوضأ بينهما) أي بين الاتيانين (وضوءا) أي كوضوء الصلاة وحمله بعض أهل
العلم على الوضوء اللغوي وقال المراد به غسل الفرج ورد عليه ابن خزيمة بما رواه في هذا الحديث
فقال فليتوضأ وضوءه للصلاة واختلف العلماء في الوضوء بينهما فقال أبو يوسف لا يستحب وقال
الجمهور يستحب وقال ابن حبيب المالكي وأهل الظاهر يجب واحتجوا بحديث الباب وقال
الجمهور إن الأمر بالوضوء في هذا الحديث للاستحباب لا للوجوب
واستدلوا على ذلك بما رواه الطحاوي عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يجامع ثم يعود ولا
يتوضأ واستدل ابن خزيمة على أن الأمر فيه بالوضوء للندب بما رواه في هذا الحديث فقال فإنه
أنشط للعود فدل على أن الأمر للارشاد أو للندب وحديث الباب حجة على أبي يوسف
قوله (وفي الباب عن عمر) وفي الباب عن ابن عمر أيضا قال في النيل تحت حديث أبي
سعيد المذكور في الباب ما لفظه ويقال إن الشافعي قال لا يثبت مثله قال البيهقي ولعله لم يقف
على إسناد حديث أبي سعيد ووقف على إسناد غيره فقد روى عن عمرو بن عمر بإسنادين
ضعيفين انتهى ما في النيل قلت لم أقف على من أخرج حديثهما
368

قوله (وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك بن سنان) بكسر السين وبالنون بايع
تحت الشجرة وشهد ما بعد أحد وكان من علماء الصحابة مات سنة 47 أربع وسبعين
قوله (حديث أبي سعيد الخدري صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري كذا في المنتقى
باب ما جاء إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء
قوله (إذا أقيمت الصلاة) أي قال عروة (فأخذ) أي عبد الله بن الأرقم (فقدمه) أي فقدم
الرجل ليؤم القوم (وكان) أي عبد الله بن الأرقم (ووجد أحدكم الخلاء) أي الحاجة إلى الخلاء
وفي رواية الشافعي ووجد أحدكم الغائط فليبدأ بالغائط (فليبدأ بالخلاء) وجاز له ترك الجماعة بهذا
العذر وفي رواية مالك إذا أراد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة
قوله (وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة وثوبان وأبي أمامة) أما حديث عائشة فأخرجه
مسلم عنها أنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا صلاة بحضرة الطعام ولا هو يدافعه
369

الأخبثان وأما حديث أبي هريرة فلم أقف عليه وأما حديث ثوبان فأخرجه الترمذي وأبو داود
وفيه ولا يصل وهو حقن حتى يتخفف وأما حديث أبي أمامة فأخرجه أحمد مرفوعا بلفظ قال
لا يأت أحدكم الصلاة وهو حاقن الحديث وأخرجه ابن ماجة أيضا وفيه السفر بن نسير وهو
ضعيف وقد وثقه ابن حبان كذا في مجمع الزوائد
قوله (حديث عبد الله بن الأرقم حديث حسن صحيح) وأخرج مالك وأبو داود والنسائي
نحوه
قوله (هكذا روى مالك بن أنس ويحيى بن سعيد القطان وغير واحد من الحفاظ)
كزهير بن معاوية وسفيان بن عيينة وحفص بن غياث وغيرهم (عن هشام بن عروة عن أبيه عن
عبد الله بن الأرقم) فلم يزيدوا بين عروة وعبد الله بن الأرقم رجلا (وروى وهيب وغيره)
كأنس بن عياض وشعيب بن إسحاق (عن هشام بن عروة عن رجل عن عبد الله بن الأرقم) فزاد
هؤلاء بين عروة وعبد الله بن الأرقم رجلا ورواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن أيوب بن موسى
عن هشام عن عروة قال خرجنا في حج أو عمرة مع عبد الله بن الأرقم الزهري فأقام الصلاة ثم
قال صلوا وذهب لحاجته فلما رجع قال إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال إذا أقيمت الصلاة وأراد أحدكم
الغائط فليبدأ بالغائط فهذا الإسناد يشهد بأن رواية مالك ومن تابعه متصلة لتصريحه بأن عروة
370

سمعه من عبد الله بن الأرقم وابن جريج وأيوب ثقتان حافظان ذكره الزرقاني نقلا عن ابن عبد
البر
باب ما جاء في الوضوء من الموطئ
بفتح الميم وسكون الواو وكسر الطاء قال الخطابي الموطئ ما يوطأ في الطريق من
الأذى وأصله الموطوء انتهى وقال بعضهم الموطئ موضع وطء القدم
قوله (عن محمد بن عمارة) بن حزم المدني عن محمد بن إبراهيم التيمي وعنه مالك وابن
إدريس وثقه ابن معين كذا في الخلاصة وقال في التقريب صدوق يخطئ انتهى (عن محمد بن
إبراهيم) بن الحارث بن خالد بن صخر التيمي المدني وثقه ابن معين والناس كذا في الخلاصة وقال
في التقريب ثقة له أفراد انتهى (عن أم ولد لعبد الرحمن بن عوف) وفي رواية مالك في الموطأ وأبي
داود عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال الزرقاني اسمها حميدة تابعية صغيرة
مقبولة وقال الحافظ في التقريب حميدة عن أم سلمة يقال هي أم ولد لإبراهيم بن عوف (أطيل)
من الإطالة (ذيل) الذيل بفتح الذال هو طرف الثوب الذي يلي الأرض وإن لم يمسها (في المكان
القذر) بكسر الذال أي في مكان ذي قذر أي في المكان النجس (يطهره) أي الذيل (ما بعده) في
محل الرفع فاعل يطهر أي مكان الذي بعد المكان القذر بزوال ما يتشبث بالذيل من القذر قال
الخطابي كان الشافعي يقول إنما هو فيما جر على ما كان يابسا لا يعلق بالثوب منه شئ فأما إذا جر
على رطب فلا يطهره إلا بالغسل وقال أحمد ليس معناه إذا أصابه بول ثم مر بعده على الأرض أنها
تطهره ولكنه يمر بالمكان فيقذره ثم يمر بمكان أطيب منه فيكون هذا بذاك لا على أنه يصيبه منه
شئ وقال مالك فيما روي عنه إن الأرض يطهر بعضها
بعضا وإنما هو أن يطأ الأرض القذرة ثم
يطأ الأرض اليابسة النظيفة فإن بعضها يطهر بعضا فأما النجاسة مثل البول ونحوه يصيب الثوب
371

أو بعض الجسد فإن ذلك لا يطهره إ الغسل قال وهذا إجماع الأمة انتهى كلامه قال الزرقاني
وذهب بعض العلماء إلى حمل القذر في الحديث على النجاسة ولو رطبة وقالوا يطهره الأرض
اليابسة لأن الذيل للمرأة كالخف والنعل للرجل ويؤيده ما في رواية ابن ماجة عن أبي هريرة قيل يا
رسول الله إنا نريد المسجد فنطأ الطريقة النجسة فقال صلى الله عليه وسلم الأرض يطهر بعضها بعضا لكنه
حديث ضعيف كما قاله البيهقي وغيره انتهى وقال الشيخ الأجل ولي الله المحدث الدهلوي في
المسوى شرح الموطأ تحت حديث أم سلمة إن أصاب الذيل نجاسة الطريق ثم مر بمكان آخر
واختلط به طين الطريق وغبار الأرض وتراب ذلك المكان ويبست النجاسة المتعلقة فيطهر الذيل
النجس بالتناثر أو الفرك وذلك معفو عنه عند الشارع بسبب الحرج والضيق كما أن غسل العضو
والثوب من دم الجراحة معفو عنه عند المالكية وكما أن النجاسة الرطبة التي أصابت الخف تزول
بالدلك ويطهر الخف عند الحنفية والمالكية بسبب الحرج وكما أن الماء المستنقع الواقع في الطريق
وإن وقع فيه النجاسة معفو عنه عند المالكية بسبب الحرج وإني لا أجد الفرق بين الثوب الذي
أصابه دم الجراحة والثوب الذي أصابه الماء المستنقع وبين الذيل الذي تعلقت به نجاسة رطبة ثم
اختلط به غبار الأرض وترابها وطين الطريق فتناثرت به النجاسة أو زالت بالفرك فإن حكمها
واحد وما قال البغوي إن هذا الحديث محمول على النجاسة اليابسة التي أصابت الثوب ثم
تناثرت بعد ذلك ففيه نظر لأن النجاسة التي تتعلق بالذيل في المشي في المكان القذر تكون رطبة في
غالب الأحوال وهو معلوم بالقطع في عادة الناس فإخراج الشئ الذي تحقق وجوده قطعا أو
غالبا عن حالته الأصلية بعيد وأما طين الشارع يطهره ما بعده ففيه نوع من التوسع في الكلام
لأن المقام يقتضي أن يقال هو معفو عنه أو لا بأس به لكن عدل عنه بإسناد التطهير إلى شئ لا
يصلح أن يكون مطهرا للنجاسة فعلم أنه معفو عنه وهذا أبلغ من الأول انتهى وقد قال
الإمام محمد في موطئه بعد رواية حديث الباب ما لفظه قال محمد لا بأس بذلك ما لم يعلق بالذيل
قذر فيكون أكثر من قدر الدرهم الكبير المثقال فإذا كان كذلك فلا يصلين فيه حتى يغسله وهو
قول أبي حنيفة انتهى
قلت أقرب هذه الأقوال عندي قول الشيخ الأجل الشاه ولي الله والله أعلم وحديث
الباب أخرجه مالك في الموطأ وأحمد والدارمي وأبو داود وسكت عنه هو والمنذري ورواه الشافعي وابن أبي
شيبة أيضا وفي الباب عن امرأة من بني عبد الأشهل قالت قلت يا رسول الله إن لنا طريقا إلى
المسجد منتنة فكيف نفعل إذا مطرنا قالت فقال أليس بعدها طريق هي أطيب منها قلت بلى قال
فهذه بهذه أخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري والمرأء من بني عبد الأشهل هذه صحابية
372

ذكره ابن الأثير في أسد الغابة وقد تقدم أن جهالة اسم الصحابي لا تضر
تنبيه قال علي القاري في المرقاة بعد ذكر تأويل الإمام أحمد والإمام مالك ما لفظه وما في
أحمد ومالك من التأويل لا يشفي العليل ولو حمل أنه من باب طين الشارع وأنه طاهر أو معفو
لعموم البلوى لكان له وجه وجيه لكن لا يلائمه قوله أليس بعدها إلخ فالمخلص ما قاله
الخطابي من أن في إسناد الحديثين معا مقالا لأن أم ولد إبراهيم وامرأة من بني عبد الأشهل
مجهولتان لا يعرف حالهما في الثقة والعدالة فلا يصح الاستدلال بهما انتهى وقال أيضا لو ثبت
أنها أي امرأة من بني عبد الأشهل صحابية لما قيل إنها مجهولة انتهى
قلت قول القاري هذا عجيب جدا فإن كون امرأة من بني عبد الأشهل صحابية ظاهر من
نفس الحديث ألا ترى أنها شافهت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألته بلا واسطة وقالت قلت يا رسول الله
إن لنا إلخ ولكن لما لم يطلعوا على اسمها ونسبها قالوا إنها مجهولة فهذا لا يقدح في كونها
صحابية ولا يلزم من كونها صحابية أن يعلم اسمها ورسمها وأما أم ولد إبراهيم بن عبد
الرحمن بن عوف فقال الحافظ في التقريب حميدة عن أم سلمة يقال هي أم ولد
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف مقبولة من الرابعة انتهى وقال في تهذيب التهذيب
حميدة أنها سألت أم سلمة فقالت إني امرأة طويلة الذيل وعنها محمد بن إبراهيم بن الحارث
وقيل عنه عن أم ولد إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أم سلمة وهو المشهور قلت يجوز
أن يكون اسم أم الولد حميدة فيلتئم القولان انتهى
قوله (ولا نتوضأ من الموطئ) قال الخطابي إنما أراد بذلك أنهم كانوا لا يعيدون الوضوء
373

للأذى إذا أصاب أرجلهم لا أنهم كانوا لا يغسلون أرجلهم ولا ينظفونها من الأذى إذا أصابها
انتهى وقال العراقي يحتمل أن يحمل الوضوء على اللغوي وهو التنظيف فيكون المعنى أنهم
كانوا لا يغسلون أرجلهم من الطين ونحوها ويمشون عليه بناء على أن الأصل فيه الطهارة
انتهى وحمله البيهقي على النجاسة اليابسة وأنهم كانوا لا يغسلون الرجل من وطء النجاسة
اليابسة وبوب عليه في المعرفة باب النجاسة اليابسة بطؤها برجله أو يجر عليها ثوبه وحديث
عبد الله بن مسعود هذا أخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري وأخرجه ابن ماجة وصححه
الحاكم
باب ما جاء في
التيمم التيمم في اللغة القصد قال امرؤ القيس
تيممتها من أذرعات وأهلها بيثرب أدنى دارها نظر عالي
أي قصدتها وفي الشرع القصد إلى الصعيد لمسح الوجه واليدين بنية استباحة الصلاة
ونحوها قال ابن السكيت قوله فتيمموا صعيدا أي اقصدوا الصعيد ثم كثر استعمالهم حتى
صار التيمم مسح الوجه واليدين بالتراب انتهى فعلى هذا هو مجاز لغوي وعلى الأول حقيقة
شرعية واختلف في التيمم هل هو عزيمة أو رخصة وفصل بعضهم
فقال هو لعدم الماء عزيمة
وللعذر رخصة كذا في الفتح
قوله (حدثنا أبو حفص عمرو بن علي الفلاس) الصيرفي الباهلي البصري ثقة حافظ
روى عنه الأئمة الستة وغيرهم مات سنة 942 تسع وأربعين ومائتين (نا سعيد) هو ابن أبي عروبة
ثقة حافظ وكان من أثبت الناس في قتادة (عن عزرة) بفتح العين المهملة وسكون الزاي المعجمة
374

هو ابن عبد الرحمن بن زرارة الخزاعي الكوفي شيخ لقتادة ثقة (عن سعيد بن عبد الرحمن بن
أبزى) الخزاعي مولاهم الكوفي وثقة النسائي (عن أبيه) أي عبد الرحمن بن أبزى بفتح المهزة
وسكون الموحدة وبالزاي مقصورا صحابي صغير قاله الحافظ (عن عمار بن ياسر) صحابي جليل
مشهور من السابقين الأولين بدري قتل مع علي بصفين 73 سنة سبع وثلاثين
قوله (أمره بالتيمم للوجه والكفين) وفي رواية أبي داود سألت النبي صلى الله عليه وسلم وسلم عن التيمم فأمرني
ضربة واحدة للوجه والكفين وفي رواية الشيخين إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا ثم ضرب
بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه والحديث يدل
على أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين وقد ذهب إلى ذلك عطاء ومكحول والأوزاعي
وأحمد بن حنبل وإسحاق قال في الفتح ونقله ابن المنذر عن جمهور العلماء واختاره وهو قول
عامة أهل الحديث كذا في النيل وقال الحافظ في الفتح الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح
منها سوى حديث أبي جهيم وعمار وما عداهما فضعيف ومختلف في رفعه ووقفه والراجح عدم
رفعه فأما حديث أبي جهيم فورد بذكر اليدين مجملا وأما حديث عمار فورد بذكر الكفين في
الصحيحين وبذكر المرفقين في السنن وفي رواية إلى نصف الذراع وفي رواية إلى الإباط فأما
رواية المرفقين وكذا نصف الذراع ففيهما مقال وأما رواية الإباط فقال الشافعي وغيره إن كان وقع
بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فكل تيمم صح للنبي صلى الله عليه وسلم بعده فهو ناسخ وإن كان وقع بغير أمره فالحجة فيما أمره
به ومما يقوي رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين كون عمار كان يفتي بعد النبي
صلى الله عليه وسلم بذلك وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره ولا سيما الصحابي المجتهد انتهى
قوله (وفي الباب عن عائشة وابن عباس) أما حديث عائشة فأخرجه البزار في مسنده عنها
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين وفيه الحريش بن
الخريت ضعفه أبو حاتم وأبو زرعة والبخاري كذا في مجمع الزوائد وذكره الحافظ الزيلعي في
نصب الراية بإسناده ثم قال قال البزار لا نعلمه يروي عن عائشة إلا من هذا الوجه والحريش رجل
من أهل البصرة أخو الزبير بن الخريت انتهى ورواه ابن عدي في الكامل وأسنده عن البخاري
أنه قال حريش بن الخريت فيه نظر قال وأنا لا أعرف حاله فإني لم أعتبر حديثه انتهى كلامه وأما
حديث ابن عباس فأخرجه الحاكم والبيهقي وعبد الرزاق والطبراني كذا في شرح سراج أحمد
375

قوله (حديث عمار حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود وسكت عنه هو والمنذري
وروى الشيخان عن عمار بن ياسر قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في
الصعيد كما تمرغ الدابة ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال إنما كان يكفيك أن تقول بيديك
هكذا ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه
وهذا اللفظ لمسلم وفي رواية للبخاري وضرب بكفيه الأرض نفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه
وكفيه
قوله (وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم علي عمار وابن
عباس وغير واحد من التابعين منهم الشعبي وعطاء ومكحول قالوا التيمم ضربة للوجه والكفين
وبه يقول أحمد وإسحاق) قال ابن قدامة في المغنى المسنون عند أحمد التيمم بضربة واحدة فإن
تيمم بضربتين جاز قال الأثرم قلت لأبي عبد الله التيمم ضربة واحدة فقال نعم ضربة للوجه
والكفين ومن قال بضربتين فإنما هو شئ زاده انتهى وقد عرفت فيما مر آنفا أن الحافظ قال في
فتح الباري الاكتفاء بضربة واحدة نقله ابن المنذر عن جمهور العلماء واختاره انتهى وقال
الشوكاني في النيل وهو قول عامة أهل الحديث انتهى واستدلوا على ذلك بحديث عمار المذكور
في الباب وبحديثه المروي في الصحيحين الذي ذكرنا لفظه (وقال بعض أهل العلم منهم ابن عمرو
جابر وإبراهيم والحسن التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين وبه يقول سفيان
الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي) وهو قول أبي حنيفة وأصحابه
واستدلوا بأحاديث لا يخلو واحد منها من المقال
376

فمنها حديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة
لليدين إلى المرفقين رواه الدارقطني
وفيه أن الصحيح أنه موقوف قال الحافظ في بلوغ المرام صحح الأئمة وقفه
ومنها حديث عمار قال كنت في القوم حين نزلت الرخصة في المسح بالتراب إذا لم نجد الماء
فأمرنا فضربنا واحدة للوجه ثم ضربة أخرى لليدين إلى المرفقين رواه البزار قال الحافظ في
الدراية بإسناد حسن
وفيه أن الحافظ قال في الدراية ص 37 بعد قوله بإسناد حسن ولكن أخرجه أبو داود علته فقال
إلى المناكب وذكر أبو داود والاختلاف فيه ثم ذكر الحافظ حديث أبي هريرة في الضربتين
وقال سيأتي الكلام عليه ثم قال ويعارضه ما ثبت في الصحيحين عن عمار قال قال لي رسول الله
صلى الله عليه وسلم إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك وفي رواية
ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه وروى
أحمد من طريق أخرى عن عمار أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في التيمم ضربة للوجه والكفين انتهى ما
قال الحافظ في الدراية
قلت فظهر من كلام الحافظ أن حديث عمار الذي رواه البزار لا يصلح للاحتجاج وإن
كان سنده حسنا وقد تقرر أن حسن الإسناد أو صحته لا يستلزم حسن الحديث أو صحته وقد
استدل صاحب اثار السنن بحديث عمار الذي رواه البزار ونقل من الدراية قول الحافظ بإسناد
حسن ولم ينقل قوله الباقي الذي يثبت منه ضعفه وكذلك فعل صاحب العرف الشذي وليس
هذا من شأن أهل العلم
ومنها حديث جابر من طريق عثمان بن محمد الأنماطي عن حرمي بن عمارة عن عزرة بن
ثابت عن أبي الزبير عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال التيمم ضربة للوجه وضربة للذراعين إلى المرفقين
رواه الدارقطني والحاكم وصححه وقال الحافظ في الدراية وأخرجه الدارقطني والحاكم نحو
حديث ابن عمر المذكور من حديث جابر بإسناد حسن انتهى
وفيه أن حديث جابر هذا اختلف في رفعه ووقفه والصحيح أنه موقوف قال الدارقطني
بعد ما أخرجه رجاله كلهم ثقات والصواب موقوف انتهى وقال الحافظ في التلخيص ضعف
ابن الجوزي هذا الحديث بعثمان بن محمد وقال إنه متكلم فيه وأخطأ في ذلك قال ابن دقيق
العيد لم يتكلم فيه أحد نعم روايته شاذة لأن أبا نعيم رواه عن عزرة موقوفا أخرجه الدارقطني
377

والحاكم أيضا انتهى
قلت وأخرجه الطحاوي أيضا في شرح الآثار حدثنا فهد قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا
عزرة بن ثابت عن أبي الزبير عن جابر قال أتاه رجل فقال أصابتني جنابة وإني تمعكت في التراب
فقال أصرت حمارا وضرب بيديه إلى الأرض فمسح وجهه ثم ضرب بيديه إلى الأرض فمسح
بيديه إلى المرفقين وقال هكذا التيمم
تنبيه قال صاحب العرف الشذي وقفها الطحاوي وعندي أنها مرفوعة واختلط على
الموقفين لفظ أتاه فإنهم زعموا أن مرجع الضمير المنصوب هو جابر بن عبد الله والحال أن المرجع
هو النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الحافظ العيني انتهى
قلت قوله إن المرجع هو النبي صلى الله عليه وسلم باطل جدا فإنه ليس في هذه الرواية ذكر النبي صلى الله عليه وسلم
أصلا قبل الضمير ولا بعده ولذلك لم يقل به أحد من المحدثين بل أوقفوه وأرجعوا الضمير
إلى جابر وقوله كما قال الحافظ العيني ليس بصحيح فإن العيني لم يقل به بل قال في شرح البخاري
بعد ذكر حديث جابر المرفوع ما لفظه وأخرجه الطحاوي وابن أبي شيبة موقوفا
فإن قلت عثمان بن محمد ثقة لم يخالفه أحد من أصحاب عزرة غير أبي نعيم وزيادة الثقة
مقبولة فكيف تكون روايته المرفوعة شاذة
قلت عثمان بن محمد وإن كان ثقة لكن أبا نعيم أوثق منه وأتقن وأحفظ قال الحافظ في
التقريب في ترجمة عثمان بن محمد مقبول وقال الذهبي في الميزان في ترجمته شيخ حدث عنه
إبراهيم الحلي صويلح وقد تكلم فيه انتهى وقال الحافظ في ترجمة أبي نعيم ثقة ثبت وقال
الخزرجي في الخلاصة في ترجمة أبي نعيم قال أحمد ثقة يقظان عارف بالحديث وقال الفسوي أجمع
أصحابنا على أن أبا نعيم كان غاية في الإتقان انتهى فظهر أن رواية محمد بن عثمان المرفوعة
شاذة
ومنها حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى
المرفقين رواه الطبراني
وفيه أنه حديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج قال العيني في شرح البخاري في إسناده
جعفر بن الزبير قال شعبة وضع أربعمائة حديث انتهى
ومنها حديث عائشة الذي أشار إليه الترمذي وقد عرفت أنه أيضا ضعيف لا يصلح
378

للاحتجاج وقال العيني في شرح البخاري بعد ذكره في إسناده الحريش بن خريت ضعفه أبو
حاتم وأبو زرعة انتهى وفي الباب أحاديث أخرى غير هذه الأحاديث المذكورة وكلها ضعيفة
قال الشوكاني أحاديث الضربتين لا تخلو جميع طرقها من مقال ولو صحت لكان الأخذ بها متعينا لما
فيها من الزيادة فالحق الوقوف على ما ثبت في الصحيحين من حديث عمار من الاقتصار على
ضربة حتى يصح ذلك المقدار انتهى
تنبيه قال الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات عدم صحة أحاديث الضربتين في زمن
الأئمة الذين استدلوا بها محل منع إذ يحتمل أن تطرق الضعف والوهن فيها بعدهم من جهة لين
بعض الرواة الذين رووها بعد زمن الأئمة فالمتأخرون من المحدثين الذين جاءوا بعدهم
أوردوها في السنن دون الصحاح فلا يلزم من وجود الضعف في الحديث عن المتأخرين وجوده
عند المتقدمين مثلا رجال الإسناد في زمن أبي حنيفة كان واحدا من التابعين يروي عن الصحابي
أو اثنين أو ثلاثة إن لم يكونوا منهم وكانوا ثقات من أهل الضبط والإتقان ثم روى ذلك الحديث من
بعده من لم يكن في تلك الدرجة فصار الحديث عند علماء الحديث مثل البخاري ومسلم والترمذي
وأمثالهم ضعيفا ولا يضر ذلك في الاستدلال به عند أبي حنيفة فتدبر وهذه نكتة جيدة انتهى
كلام الشيخ
قلت قد تدبرنا فعلمنا أنه لا يثبت بهذه النكتة صحة أحاديث الضربتين الضعيفة البتة
أما أولا فلأنا سلمنا أنه يحتمل أن تطرق الضعف في أحاديث الضربتين بعد زمن الامام
أبي حنيفة وغيره من الأئمة المتقدمين القائلين بالضربتين ولكن هذا احتمال محض وبالاحتمال لا
يثبت صحة هذه الأحاديث الضعيفة التي ثبت ضعفها عند المتأخرين من حفاظ المحدثين الماهرين
بفنون الحديث مثل البخاري ومسلم والترمذي وأمثالهم
وأما ثانيا فلأنا لا نسلم أن من قال بالتيمم بالضربتين كامام أبي حنيفة وغيره استدل بهذه
الأحاديث الضعيفة حتى يثبت باستدلاله بها صحتها بل نقول يحتمل أن هذه الأحاديث الضعيفة
لم تبلغه وإنما استدل ببعض آثار الصحابة رضي الله عنهم فما لم يثبت استدلاله بهذه الأحاديث
الضعيفة لا يثبت بالنكتة المذكورة صحة هذه الأحاديث الضعيفة
وأما ثالثا فلأنه لو سلم أنه استدل بهذه الأحاديث الضعيفة فعلى هذا التقدير أيضا لا يلزم
صحتها لجواز أنه لم يبلغه في هذا الباب غير هذه الأحاديث الضعاف فاستدل بها وعمل بمقتضاها
مع العلم بضعفها قال النووي في التقريب وعمل العالم وفتياه على وفق حديث ليس حكما
379

بصحته ولا مخالفته قدح في صحته ولا في روايته انتهى قال السيوطي في التدريب وقال ابن كثير
في القسم الأول نظر إذا لم يكن في الباب غير ذلك الحديث وتعرض للاحتجاج به في فتياه أو
حكمه أو استشهد به عند العمل بمقتضاه قال العراقي والجواب أنه لا يلزم من كون ذلك الباب
ليس فيه غير هذا الحديث أن لا يكون ثم دليل اخر من قياس أو إجماع ولا يلزم المفتي أو الحاكم
أن يذكر جميع أدلته بل ولا بعضها ولعل له دليلا اخر واستأنس بالحديث الوارد في الباب وربما
كان يرى العمل بالضعيف وتقديمه على القياس انتهى
وأما رابعا فلأن هذه النكتة ليست بجيدة بل هي فاسدة فإن حاصلها أنه لا يلزم من
وجود الضعف في الحديث في الزمن المتأخر وجوده فيه في الزمن المتقدم وعلى هذا يلزم صحة كل
حديث ضعيف ثبت ضعفه في الزمن المتأخر لضعف بعض رواته فإن الراوي الضعيف إما أن
يكون تابعيا أو غيره ممن دونه فعلى الأول يقال إن الحديث كان في زمن الصحابة صحيحا
والضعف إنما حدث في زمن التابعي وعلى الثاني يقال إن الحديث كان صحيحا في الزمن التابعي
والضعف إنما حدث في زمن غير التابعي ممن دونه واللازم باطل فالملزوم كذلك فتدبر وتفكر
تنبيه آخر قال الشيخ الأجل الشاه ولي الله في المسوى شرح الموطأ تحت أثر ابن عمر أنه
كان يتيمم إلى المرفقين إن هذين الحديثين يعني أثر ابن عمر وحديث عمار ليسا متعارضين
عندي فإن فعل ابن عمر كمال التيمم وفعله صلى الله عليه وسلم أقل التيمم كما أن لفظ يكفيك يرشد إليه فكما
أن أصل الوضوء غسل الأعضاء مرة مرة وكماله غسلها ثلاث مرات ثلاث مرات كذلك أصل
التيمم ضربة واحدة والمسح إلى الكفين وكماله ضربتان والمسح إلى المرفقين انتهى كلامه معريا
قلت لو كان حديث الضربتين والمسح إلى المرفقين مرفوعا صحيحا لتم ما قال الشيخ
الأجل الدهلوي ولكن قد عرفت أن أحاديث الضربتين والمرفقين ضعيفة أو مختلفة في الرفع
والوقف والراجح هو الوقف وأما حديث عمار المرفوع فمتفق عليه وكان يفتي به عمار بعد النبي
صلى الله عليه وسلم فكيف يصح القول بأن فعل ابن عمر كمال التيمم وفعله صلى الله عليه وسلم أقل التيمم وأما مجرد فعل ابن
عمر فلا يدل على أنه كمال التيمم ألا ترى أن ابن المنذر قد روى بإسناد صحيح أن ابن عمر كان
يغسل رجليه في الوضوء سبع مرات ذكره الحافظ في الفتح فهل يقال إن غسل ابن عمر الرجلين
سبع مرات كمال غسل الرجلين كلا ثم كلا
تنبيه آخر اعلم أن العلماء الحنفية وغيرهم ممن قال بالتيمم بالضربتين وبمسح الوجه
واليدين إلى المرفقين قد اعتذروا عن العمل بروايات عمار الصحيحة القاضية بالتيمم بضربة
380

واحدة وبمسح الوجه والكفين بأعذار كلها باردة ذكرها صاحب السعاية من العلماء الحنفية مع
الكلام عليها فنحن نذكر عبارته ههنا فإنها كافية لرد أعذارهم
قال أعلم أن نزاعهم في مقامين الأول في كيفية مسح الأيدي هل هو إلى الإبط أم إلى
المرفق أم إلى الرسغ والثاني في توحد الضربة للوجه واليدين وتعددها أما النزاع الأول فأضعف
الأقوال فيه هو القول الأول وأقوى الأقوال فيه من حيث الدليل هو الاكتفاء بمسح اليدين إلى
الرسغين لما ثبت في روايات حديث عمار الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه كيفية التيمم حين بلغه
تمعكه في التراب واكتفى فيه على مسح الوجه والكفين قال وأجيب عنه بوجوه
أحدها أن تعليمه لعمار وقع بالفعل وقد ورد في الأحاديث القولية المسح إلى المرفقين ومن
المعلوم أن القول مقدم على الفعل
وفيه نظر أما أولا فلأن تعليمه وإن كان بالفعل لكنه انضم معه قوله إنما كان يكفيك هذا
فصار الحديث في حكم الحديث القولي وأما ثانيا فلأنه ورد في رواية لمسلم إنما كان يكفيك أن
تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك وفي رواية للبخاري يكفيك الوجه
والكفان وهذا يدل على أن التعليم وقع بالقول أيضا
وثانيهما ما ذكره النووي والعيني وغيرهما من أن مقصوده صلى الله عليه وسلم بيان صورة الضرب وكيفية
التعليم لا بيان جميع ما يحصل به التيمم فلا يدل ذلك على عدم افتراض ما عدا المذكور فيه
وفيه أيضا نظر أما أو فلأن سياق الروايات شاهد بأن المراد بيان جميع ما يحصل به التيمم
وإلا لم يقل صلى الله عليه وسلم إنما كان يكفيك فحمله على مجرد تعليم صورة الضرب حمل بعيد وأما ثانية فلأنه
لو لم يكن المقصود من التعليم بيان جميع ما يحصل به التيمم لزم السكوت في معرض الحاجة وهو
غير جائز من صاحب الشريعة وذلك لأن عمارا لم يكن يعلم كيفية التيمم المشروعة ولم يكن
تحقق عنده ما يكفي في التيمم ولذلك تمعك في التراب تمعك الدابة فلما ذكر ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم
لم يكن له بد من بيان جميع ما يحصل به التيمم لاحتياج عمار إليه غاية الحاجة والاكتفاء في
تعليمه عند ذلك ببيان صورة الضرب فقط مضر بالمقصود لبقاء جهالة ما وراءه
وثالثها أن المراد بالكفين في تلك الروايات اليدان
وفيه نظر ظاهر فإن ذكر اليد وإرادة بعض منها واقع شائع كما في قوله تعالى السارق
والسارقة فاقطعوا أيديهما وقوله تعالى إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في
الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف الآية حيث ذكر فيها
381

اليد وأريد به بعضها وهو الكف والرسغ وأما إطلاق الكف وإرادة اليد فغير شائع وهو مجاز غير
متعارف فلا يحمل عليه إلا عند تعذر الحقيقة وهو مفقود ههنا على أنه لو أريد منه اليد وهو اسم
من الأصابع إلى المناكب لزم ثبوت لزوم مسح اليد إلى المناكب ولا قائل به
ورابعا أنه لما تعارضت الأحاديث رجعنا إلى آثار الصحابة فوجدنا كثيرا منهم أفتوا بالمسح
إلى المرفقين فأخذنا به
وفيه أن الرجوع إلى آثار الصحابة إنما يفيد إذا كان بينهم اتفاق ولا كذلك ههنا فإن عمارا
منهم قد أفتى بالوجه والكفين وأصرح منه ما أفتى به ابن عباس وشيده بذكر النظير كما أخرجه
الترمذي
وخامسها ما ذكره الطحاوي وارتضى به العيني في عمدة القاري من أن حديث عمار لا
يصلح حجة في كون التيمم إلى الكوعين أو المرفقين أو المنكبين أو الإبطين لاضطرابه
وفيه أن الاضطراب في هذا المقام غير مضر لكون روايات المرفقين والمنكبين مرجوحة
ضعيفة بالنسبة إلى غيرها فسقط الاعتبار بها وروايات الآباط قصتها مقدمة على قصة روايات
الكفين فلا تعارضها فبقيت روايات الكفين سالمة عن القدح والمعارضة انتهى كلام صاحب
السعاية مختصرا
تنبيه آخر قال الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات إن الأحاديث وردت في الباب
متعارضة جاءت في بعضها ضربتين وفي بعضها ضربة واحدة وفي بعضها مطلق الضرب وفي
بعضها كفين وفي بعضها يدين إلى المرفقين وفي بعضها يدين مطلقا والأخذ بأحاديث الضربتين
والمرفقين أخذ بالاحتياط وعمل بأحاديث الطرفين لاشتمال الضربتين على ضربة ومسح الذراعين
إلى المرفقين على مسح الكفين دون العكس أيضا التيمم طهارة ناقصة فلو كان محله أكثر بأن
يستوعب إلى المرفقين وكان للوجه واليدين ضربة على حدة لكان أحسن وأولى وإلى الاحتياط أقرب
وأدنى لا يقال إلى الآباط أقرب إلى الاحتياط لأن حديث الآباط ليس بصحيح انتهى كلام
الشيخ
قلت أحاديث الضربتين والمرفقين ضعيفة أو مختلفة في الرفع والوقف والراجح هو
الوقف ولم يصح من أحاديث الباب سوى حديثين أحدهما حديث أبي جهيم بذكر اليدين مجملا
وثانيها حديث عمار بذكر ضربة واحدة للوجه والكفين وهما حديثان صحيحان متفق عليهما كما
عرفت هذا كله في كلام الحافظ ولا تعارض بينهما فإن الأول محمول على
الثاني فالأخذ بأحاديث
382

الضربتين والمرفقين ليس أخذا بالاحتياط كيف وهل يكون في أخذ المرجوح وترك الراجح
احتياطا كلا بل الاحتياط في أخذ حديث ضربة واحدة للوجه والكفين بل هو المتعين وأما قوله
التيمم طهارة ناقصة إلخ ففيه أنه لم يثبت كون التيمم طهارة ناقصة بدليل صحيح بل الثابت أن
التيمم عند عدم وجدان الماء وضوء المسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد
الماء عشر سنين الحديث رواه البزار وصححه ابن القطان ولكن صوب الدارقطني إرساله
وللترمذي عن أبي ذر نحوه وصححه فالتيمم عند عدم وجدان الماء وضوء المسلم ومن ادعى أنه
وضوء ناقص فعليه الدليل ولو سلم أن التيمم طهارة ناقصة فالأخذ بأحاديث الضربتين والمرفقين
لا يكون أولى ولا إلى الاحتياط أقرب لأنها ليست بصحيحة كما أن الأخذ بحديث الآباط ليس
أولى ولا إلى الاحتياط أقرب عند الشيخ الدهلوي
قوله (وقد روى هذا الوجه عن عمار) وفي نسخة قلمية صحيحة وقد روى هذا الحديث
عن عمار وهو الظاهر (أنه قال الوجه والكفين) بالجر على الحكاية (من غير وجه) أي من غير طريق
واحد بل من طرق كثيرة (فضعف بعض أهل العلم حديث عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم للوجه
والكفين لما روى عنه حديث المناكب والآباط) فظن أن حديث المناكب والآباط مخالف لحديث
الوجه والكفين ومعارض له فضعفه للاختلاف والاضطراب (قال إسحاق بن إبراهيم) أي في
الجواب عن تضعيف بعض أهل العلم وحاصل الجواب أن تيممهم إلى المناكب والآباط لم يكن
بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وأما التيمم للوجه والكفين فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم وعلمه فلا تعارض بين الحديثين
383

وإسحق بن إبراهيم هذا هو إسحاق بن راهويه (ففي هذا دلالة على أنه انتهى إلى ما علمه النبي
صلى الله عليه وسلم) قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي أي إن عمارا انتهى إلى أن التيمم للوجه والكفين
فكان هو آخر الأمرين فالأول ما فهموا من إطلاق اليد في الكتاب في آية التيمم والثاني ما انتهوا
إليه بتعليم النبي صلى الله عليه وسلم فكان الثاني هو المعتبر والمعمول به ويدل على جواز الاجتهاد في زمن النبي
صلى الله عليه وسلم لأن عمارا رضي الله عنه اجتهد أو ثم لما علمه النبي صلى الله عليه وسلم ترك انتهى كلام أبي الطيب
قوله (فكانت السنة في القطع الكفين) قال أبو الطيب السندي أي الطريقة في الدين قطع
الكفين للسرقة يعني بسبب إطلاق اليد في آية السرقة فكذا التيمم يكفي فيه مسح الوجه والكفين
لإطلاق اليد في التيمم ومطلق اليد الكفان بدليل آية السرقة انتهى وقال ابن العربي في
العارضة تحت أثر ابن عباس هذا ما لفظه هذه إشارة حبر الأمة وترجمان القرآن وكان كلام
المتقدمين من قبل إشارة وبسطه أن الله حدد الوضوء إلى المرفقين فوقفنا
عند تحديده وأطلق
القول في اليدين فحملت على ظاهر مطلق اسم اليد وهو الكفان كما فعلنا في السرقة فهذا أخذ
للظاهر لا قياس للعبادة على العقوبة انتهى (إنما هو الوجه والكفين) تقرير للمطلوب بعد الفراغ
384

من تقرير الدليل والظاهر أن يقول الكفان لأنه خبر لهو بطريق العطف إلا أن يقال إنه بحذف
المضاف وإبقاء جر المضاف إليه على حاله أي إنما هو مسح الوجه والكفين وهو قليل ولكنه وارد
كقراءة ابن جماز والله يريد الآخرة بجر الآخرة أي عوض الآخرة أي متاعها قاله أبو الطيب
السندي
باب
قوله (حدثنا أبو سعيد الأشج) اسمه عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي أحد
الأئمة روى عن عبد السلام بن حرب وأبي خالد الأحمر وغيرهما وعنه الأئمة الستة قال أبو
حاتم ثقة إمام أهل زمانه قيل مات سنة 257 سبع وخمسين ومائتين (وعقبة بن خالد) بن عقبة
السكوني أبو مسعود الكوفي المجدر بالجيم المفتوحة روى عن هشام والأعمش وعنه أحمد
وإسحاق وأبو بكر بن أبي شيبة وغيرهم وثقة أبو حاتم مات سنة 188 ثمان وثمانين ومائة (وابن
أبي ليلى) أعلم أن ابن أبي ليلى يطلق على محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وعلى أبيه وعلى أخيه
عيسى وعلى ابن أخيه عبد الله بن عيسى والمراد ههنا هو الأول وهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي
ليلى الأنصاري الكوفي القاضي أبو عبد الرحمن صدوق سئ الحفظ جدا قاله الحافظ في
التقريب وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى عن أخيه عيسى وابن أخيه عبد الله بن عيسى
ونافع مولى ابن عمر وعمر وبن مرة وذكر كثيرا من شيوخه وتلامذته ثم ذكر أقوال الحفاظ فيه ما
محصلها أنه صدوق سئ الحفظ فقيه وقال أحمد بن حنبل فقهه أحب إلينا من حديثه (عن
عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق الجملي المرادي الكوفي الأعمى ثقة عابد كان لا يدلس
ورمي بالإرجاء (عن عبد الله بن سلمة
) بكسر اللام المرادي الكوفي صدوق تغير حفظه من
الثانية روى عن عمر وعلي ومعاذ وغيرهم وعنه عمرو بن مرة وأبو إسحاق السبيعي وأبو
الزبير قال البخاري لا يتابع في حديثه وثقه العجلي كذا في التقريب وفي الخلاصة
قوله (يقرئنا القرآن) من الإقراء أي يعلمنا (على كل حال) أي متوضئا كان أو غير
متوضئ (ما لم يكن جنبا) وفي رواية أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن
385

ويأكل معنا اللحم ولم يكن يحجبه أو قال يحجزه عن القرآن شئ ليس الجنابة
فإن قيل حديث عائشة الذي رواه مسلم عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل
أحيانه وعلقه البخاري يخالف حديث علي هذا فإنه يدل بظاهره على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ حال الجنابة
أيضا فإن قولها على كل أحيانه يشمل حالة الجنابة أيضا وقولها يذكر الله يشمل تلاوة القرآن
أيضا
يقال إن حديث عائشة يخصص بحديث علي هذا فيراد بذكر الله غير تلاوة القرآن قال
العيني حديث عائشة لا يعارض حديث علي لأنها أرادت الذكر الذي غير القرآن انتهى وقال
صاحب سبل السلام حديث عائشة قد خصصه حديث علي عليه السلام وأحاديث أخرى
وكذلك هو مخصص بحالة الغائط والبول والجماع والمراد بكل أحيانه معظمها كما قال الله تعالى
يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم انتهى وقال في شرح حديث الباب أخرج أبو يعلي من
حديث علي عليه السلام قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم قرأ شيئا من القرآن ثم قال هكذا لمن
ليس بجنب لأنه نهى وأما الجنب فلا ولا آية قال الهيثمي رجاله موثوقون وهو يدل على التحريم
لأنه نهى وأصله ذلك ويعاضد ما سلف انتهى
قوله (حديث علي حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وقال
المنذري وذكر أبو بكر البزار أنه لا يروي عن علي إلا من حديث عمرو بن مرة عن عبد الله بن
سلمة وحكى البخاري عمرو بن مرة كان عبد الله يعني ابن سلمة يحدثنا فنعرف وننكر وكان قد
كبر لا يتابع في حديثه وذكر الإمام الشافعي رضي الله عنه هذا الحديث وقال لم يكن أهل الحديث
يثبتونه قال البيهقي وإنما توقف الشافعي في ثبوت هذا الحديث لأن مداره على عبد الله بن سلمة
الكوفي وكان قد كبر وأنكر من حديثه وعقله بعض النكرة وإنما روى هذا الحديث بعد ما كبر
قاله شعبة هذا آخر كلامه وذكر الخطابي أن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه كان يوهن حديث
علي هذا ويضعف أمر عبد الله بن سلمة انتهى كلام المنذري
قوله (قالوا يقرأ الرجل القرآن على غير وضوء) أي يجوز له أن يقرأ على غير وضوء
واستدلوا على ذلك بحديث الباب (ولا يقرأ في المصحف) أي أخذا بيده وما شابه فإنه إذا لم يمسه
386

ويقرأ ناظرا فيه فهو جائز (إلا وهو طاهر) أي متوضئ (وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد
وإسحاق) وهو قول أبي حنيفة وبه يقول مالك قال في الموطأ ولا يحمل أحد المصحف بعلاقته ولا
على وسادة إلا وهو طاهر ولو جاز ذلك لحل في خبيئته قال وإنما كره ذلك لمن يحمله وهو غير طاهر
إكراما للقرآن وتعظيما له انتهى واستدلوا على ذلك بحديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم
عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابا وكان فيه لا يمس القرآن إلا طاهر رواه
الأثرم والدارقطني وهو لمالك في الموطأ مرسلا عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم
أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم أن لا يمس القرآن إلا طاهر وقال الأثرم
واحتج أبو عبد الله يعني أحمد بحديث ابن عمر ولا يمس المصحف إلا على طهارة كذا في المنتقى
قال ابن عبد البر لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث وقد روى مسندا من وجه صالح
وهو كتاب مشهور عند أهل السير معروف عند أهل العلم معرفة يستغني بها في شهرتها عن الإسناد
لأنه أشبه المتواتر لتلقي الناس له بالقبول ولا يصح عليهم تلقي مالا يصح انتهى قلت لا شك
في أن هذا الحديث يدل على أنه لا يجوز مس المصحف إلا لمن كان طاهرا ولكن الطاهر يطلق
بالاشتراك على المؤمن والطاهر من الحدث الأكبر والأصغر ومن ليس على بدنه نجاسة ويدل
لإطلاقه على الأول قول الله تعالى إنما المشركون نجس وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة المؤمن لا
ينجس وعلى الثاني وإن كنتم جنبا فاطهروا وعلى الثالث قوله صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين دعهما
فإني أدخلتهما طاهرتين وعلى الرابع الإجماع على أن الشئ الذي ليس عليه نجاسة حسية ولا
حكمية يسمى طاهرا وقد ورد إطلاق ذلك في كثير والذي يترجح أن المشترك مجمل في معانيه فلا
يعمل به حتى يبين وقد وقع الإجماع على أنه لا يجوز للمحدث حدثا أكبر أن يمس المصحف
وخالف في ذلك داود وأما المحدث حدثا أصغر فذهب ابن عباس والشعبي والضحاك إلى أنه
يجوز له مس المصحف وقال القاسم وأكثر الفقهاء لا يجوز كذا في النيل قلت القول الراجح
عندي قول أكثر الفقهاء وهو الذي يقتضه تعظيم القرآن وإكرامه والمتبادر من لفظ الطاهر في
هذا الحديث هو المتوضئ وهو الفرد الكامل للطاهر والله تعالى أعلم وقال القاري في شرح قوله
لا يمس القرآن إلا طاهر ما لفظه بخلاف غيره كالجنب والمحدث فإنه ليس له أن يمسه إلا بغلاف
متجاف وكره بالكم قال الطيبي بيان لقوله تعالى لا يمسه إلا المطهرون فإن الضمير إما
للقرآن والمراد نهي الناس عن مسه إلا على الطهارة وإما للوح ولا نافية ومعنى المطهرون الملائكة
387

فإن الحديث كشف أن المراد هو الأول ويعضده مدح القرآن بالكرم وبكونه ثابتا في اللوح المحفوظ
فيكون الحكم بكونه لا يمسه مرتبا على الوصفين المتناسبين للقرآن انتهى ما في المرقاة
تنبيه قال الحافظ في بلوغ المرام بعد ذكر الحديث المذكور الذي استدل به الأكثرون على
عدم جواز مس القرآن لغير المتوضئ ما لفظه رواه مالك مرسلا ووصله النسائي وابن حبان وهو
معلول انتهى قال صاحب السبل وإنما قال المصنف إن هذا الحديث معلول لأنه من رواية
سليمان بن داود وهو متفق على تركه كما قاله ابن حزم ووهم في ذلك فإنه ظن أنه سليمان بن داود
اليماني وليس كذلك بل هو سليمان بن داود الخولاني وهو ثقة اثنى عليه أبو زرعة وأبو حاتم
وعثمان بن سعيد وجماعة من الحفاظ وكتاب عمرو بن حزم تلقاه الناس بالقبول قال ابن عبد البر
إنه أشبه المتواتر لتلقي الناس له بالقبول وقال يعقوب بن سفيان لا أعلم كتابا أصح من هذا
الكتاب فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين يرجعون إليه ويدعون رأيهم وقال الحاكم قد شهد
عمر بن عبد العزيز وإمام عصره الزهري بالصحة بهذا الكتاب وفي الباب من حديث حكيم بن
حزام لا يمس القرآن إلا طاهر وإن كان في إسناده مقال إلا أنه ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد من
حديث عبد الله بن عمر أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمس القرآن إلا طاهر قال الهيثمي رجاله
موثوقون وذكر له شاهدين انتهى
باب ما جاء في البول يصيب الأرض
قوله (دخل أعرابي) بفتح الهمزة منسوب إلى الأعراب وهم سكان البوادي ووقعت النسبة
إلى الجمع دون الواحد فقيل أعرابي لأنه جرى مجرى القبيلة كأنها واحد لأنه لو نسب إلى الواحد
وهو عرب لقيل عربي فيشتبه المعنى لأن العربي كل من هو من ولد إسماعيل عليه السلام سواء
كان ساكنا في البادية أو بالقرى وهذا غير المعنى الأول قاله الشيخ تقي الدين وقد جاء في تسمية
هذا الأعرابي وتعيينه روايات مختلفة ولم أر في هذا رواية صحيحة خالية عن الكلام قال القاضي أبو
بكر بن العربي في العارضة رواه الدارقطني فقال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيخ كبير فقال يا محمد
متى الساعة فقال له ما أعددت لها فقال لا والذي بعثك بالحق ما أعددت لها من كثير صلاة ولا
388

صيام إلا أني أحب الله ورسوله قال فأنت مع من أحببت قال فذهب الشيخ فأخذ يبول في المسجد
فمر عليه الناس فأقاموه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه عسى أن يكون من أهل الجنة فصبوا على بوله
الماء فبين أن البائل في المسجد هو السائل عن الساعة المشهود له بالجنة انتهى كلام ابن العربي
قلت في إسناده المعلي المالكي قال الدارقطني بعد روايته المعلي مجهول وقال الحافظ في
الفتح حكى أبو بكر التاريخي عن عبد الله بن نافع المزني أنه الأقرع بن حابس التميمي قال
وأخرج أبو موسى المديني في الصحابة من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عن سليمان بن يسار قال
اطلع ذو الخويصرة اليماني وكان رجلا جافيا وهو مرسل وفي إسناده أيضا مبهم بين محمد بن
إسحاق وبين محمد بن عمرو بن عطاء وهو عنده من طريق الأصم عن أبي زرعة الدمشقي عن
أحمد بن خالد الذهبي عنه وهو في جمع مسندا بن إسحاق لأبي زرعة الدمشقي من طريق
الشاميين عنه بهذا السند لكن قال في أوله اطلع ذو الخويصرة التميمي وكان جافيا والتميمي هو
حرقوس بن زهير الذي صار بعد ذلك من رؤوس الخوارج وقد فرق بعضهم بينه وبين اليماني
لكن له أصل أصيل قال ونقل عن أبي الحسن بن فارس أنه عيينة بن حصن والعلم عند الله تعالى
انتهى كلام الحافظ
قوله (لقد تحجرت واسعا) بصيغة الخطاب من باب تفعل أي ضيقت ما وسعه الله
وخصصت به نفسك دون غيرك وأصل الحجر المنع ومنه الحجر على السفيه (فأسرع إليه الناس)
وفي رواية للبخاري فزجره الناس ولمسلم فقال الصحابة مه مه وله في رواية أخرى فصاح الناس
به (أهريقوا عليه) أي صبوا عليه قال الطيبي أمر من أهراق يهريق بسكون الهاء إهراقا نحو
إسطاعا وأصله أراق فأبدلت الهمزة هاء ثم جعل عوضا عن ذهاب حركة العين فصارت كأنها من
نفس الكلمة ثم أدخل عليه الهمزة أي صبوا (سج) بفتح السين المهملة وسكون الجيم الدلو
الملاى ماء (أو دلوا) شك من الراوي قال أبو بكر بن العربي في العارضة السجل الدلو والدلو
مؤنثة والسجل مذكر فإن لم يكن فيها ماء فليست بسجل كما أن القدح لا يقال له كأس إلا إذا كان
فيه ماء يقال له دلو سجيلة أي ضخمة وكذلك الذنوب الدلو الملآى ماء مثله ولكنها مؤنثة والغرب
الدلو العظيمة بإسكان الراء فإن فتحتها فهو الماء السائل من البئر والحوض وغير ذلك أيضا
انتهى
389

قلت وقال ابن دريد السجل دلو واسعة وفي الصحاح الدلو الضخمة قال العيني في
شرح البخاري ص 688 ج 1 في رواية الترمذي أهريقوا عليه سج من ماء أو دلوا من ماء
اعتبار الأداء باللفظ وإن كان الجمهور على عدم اشتراطه وأن المعنى كاف ويحمل ههنا على
الشك ولا معنى للتنويع ولا للتخيير ولا للعطف فلو كان الراوي يرى جواز الرواية بالمعنى لاقتصر
على أحدهما فلما تردد في التفرقة بين الدلو والسجل وهما بمعنى علم أن ذلك التردد لموافقة اللفظ
قاله الحافظ القشيري قال العيني ولقائل أن يقول إنما يتم هذا أن لو اتحد المعنى في السجل
والدلو لغة لكنه غير متحد فالسجل الدلو الضخمة المملوءة ولا يقال لها فارغة سجل انتهى كلام
العيني (إنما بعثتم ميسرين) أي مسهلين على الناس قال ابن دقيق العيد وفي الحديث دليل على
تطهير الأرض النجسة بالمكاثرة بالماء واستدل بالحديث أيضا على أنه يكتفي بإفاضة الماء ولا
يشترط نقل التراب من المكان بعد ذلك خلافا لمن قال به ووجه الاستدلال بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم
لم يرد عنه في هذا الحديث الأمر بنقل التراب وظاهر ذلك الاكتفاء بصب الماء فإنه لو وجب لأمر
به ولو أمر به لذكر وقد ورد في حديث اخر الأمر بنقل التراب ولكنه تكلم فيه وأيضا لو كان نقل
التراب واجبا في التطهير لاكتفى به فإن الأمر بصب الماء حينئذ يكون زيادة تكليف وتعب من غير
منفعة تعود إلى المقصود وهو تطهير الأرض
قوله (قال سعيد قال سفيان وحدثني يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك نحو هذا) حديث
يحيى بن سعيد عن أنس أخرجه الشيخان
قوله (وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وابن عباس وواثلة بن الأسقع) أما حديث
عبد الله بن مسعود فأخرجه أبو يعلي عنه قال جاء أعرابي فبال في المسجد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمكانه
فاحتفر وصب عليه دلوا من ماء وفيه سمعان بن مالك وهو ضعيف كذا في مجمع الزوائد وقال
الحافظ في التلخيص رواه الدارمي والدارقطني وفيه سمعان بن مالك وليس بالقوي قاله أبو زرعة
وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبي زرعة هو حديث منكر وكذا قال أحمد وقال أبو حاتم لا أصل
له انتهى وأما حديث ابن عباس فأخرجه أبو يعلي والبزار والطبراني عنه أنه قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم
390

أعرابي فبايعه ثم انصرف فقام ففشج فبال فهم الناس به الحديث وفيه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من
ماء فصب على بوله قال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله رجال الصحيح وأما حديث واثلة بن
الأسقع فأخرجه ابن ماجة في الطهارة وفي إسناده عبيد الله بن أبي حميد الهزلي وهو ضعيف وأخرجه
أيضا أحمد والطبراني قال الحافظ في التلخيص وفيه عبيد الله بن أبي حميد الهزلي وهو منكر الحديث
قاله البخاري وأبو حاتم
قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا مسلما كذا في المنتقي
قوله (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد إسحاق) قال الشوكاني في
النيل استدل به يعني بحديث الباب على أن تطهير الأرض المتنجسة يكون بالماء لا بالجفاف بالريح
والشمس لأنه لو كفي ذلك لما حصل التكليف بطلب الماء وهو مذهب العترة والشافعي ومالك
وزفر وقال أبو حنيفة وأبو يوسف هما مطهران لأنهما يحيلان الشئ انتهى وقال النووي في شرح
مسلم وفيه أن الأرض تطهر بصب الماء عليها ولا يشترط حفرها وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور
وقال أبو حنيفة لا تطهر إلا بحفرها انتهى قال الحافظ في الفتح ص 162 ج 1 كذا أطلق
النووي وغيره والمذكور في كتب الحنفية التفصيل بين ما إذا كانت رخوة بحيث يتخللها الماء حتى
يغمرها فهذه لا تحتاج إلى حفر وبين ما إذا كانت صلبة فلا بد من حفرها وإلقاء التراب لأن الماء لم
يغمر أعلاها وأسفلها انتهى كلام الحافظ
قلت الأمر كما قال الحافظ قال العيني في شرح البخاري قال أصحابنا يعني الحنفية إذا
أصابت الأرض نجاسة رطبة فإن كانت الأرض رخوة صب عليها الماء حتى يتسفل فيها وإذا لم يبق
على وجهها شئ من النجاسة وتسفل الماء يحكم بطهارتها ولا يعتبر فيها العدد وإنما هو على اجتهاده
وما هو في غالب ظنه أنها طهرت ويقوم التسفل في الأرض مقام العصر فيما لا يحتمل العصر وعلى
قياس ظاهر الرواية يصب عليها الماء ثلاث مرات ويتسفل في كل مرة وإن كانت الأرض صلبة فإن
كانت صعودا يحفر في أسفلها حفيرة ويصب الماء عليها ثلاث مرات ويتسفل إلى الحفيرة ثم تكبس
الحفيرة وإن كانت مستوية بحيث لا يزول عنها الماء لا يغسل لعدم الفائدة في الغسل بل تحفر
وعن أبي حنيفة لا تطهر الأرض حتى تحفر إلى الموضع
الذي وصلت إليه النداوة وينقل التراب
انتهى كلام العيني وقال في شرح الوقاية والأرض والآجر المفروش باليبس وذهاب الأثر للصلاة
لا للتيمم انتهى
391

واستدل الحنفية على أن تطهير الأرض المتنجسة يكون بالجفاف واليبس بحديث زكاة
الأرض يبسها
وأجيب بأن هذا الحديث لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الحافظ في التلخيص بعد ذكره لا
أصل له في المرفوع نعم ذكره ابن أبي شيبة موقوفا عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر رواه عبد
الرزاق عن أبي قلابة من قوله بلفظ جفوف الأرض طهورها انتهى
وبحديث ابن عمر قال كنت أبيت في المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت فتى شابا عزبا
وكانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد فلم يكونوا يرشون من ذلك أخرجه أبو داود وبوب
عليه بقوله باب في طهور الأرض إذا يبست قال الحافظ في الفتح استدل أبو داود بهذا الحديث
على أن الأرض تطهر إذا لاقتها النجاسة بالجفاف يعني أن قوله لم يكونوا يرشون يدل على نفي
صب الماء من باب الأولى فلولا أن الجفاف يفيد تطهير الأرض ما تركوا ذلك ولا يخفى ما فيه انتهى
كلام الحافظ
قلت استدلال أبي داود بهذا الحديث على أن أن الأرض تطهر بالجفاف صحيح ليس فيه
عندي خدشة إن كان فيه لفظ تبول محفوظا ولا مخالفة بين هذا الحديث وبين حديث الباب فإنه
يقال إن الأرض تطهر بالوجهين أعني بصب الماء عليها وبالجفاف واليبس بالشمس أو الهواء والله
تعالى أعلم
واستدل من قال إن الأرض لا تطهر إلا بالحفر بروايات جاء فيها ذكر الحفر قال الزيلعي
في نصب الراية 111 ج 1 ورد فيه الحفر من طريقين مسندين وطريقين مرسلين فالمسندان
أحدهما عن سمعان بن مالك عن أبي وائل عن عبد الله قال جاء أعرابي فبال في المسجد فأمر النبي
صلى الله عليه وسلم بمكانه فاحتفر وصب عليه دلوا من ماء انتهى وذكر ابن أبي حاتم في علله أنه سمع أبا زرعة
يقول في هذا الحديث إنه منكر ليس بالقوي انتهى أخرجه الدارقطني في سننه الثاني أخرجه
الدارقطني أيضا عن الجبار بن العلاء عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن أنس أن أعرابيا بال في
المسجد فقال عليه السلام احفروا مكانه ثم صبوا عليه ذنوبا من ماء قال الدارقطني وهم عبد
الجبار علي ابن عيينة لأن أصحاب ابن عيينة الحفاظ رووه عنه عن يحيى بن سعيد بدون الحفر وإنما
روى ابن عيينة هذا عن طاوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال احفروا مكانه مرسلا انتهى وأما المرسلان
392

فأحدهما هذا الذي أشار إليه الدارقطني رواه عبد الرزاق في مصنفه والثاني رواه أبو داود في سننه
عن عبد الله بن معقل قال صلى أعرابي فذكر القصة وفي آخره فقال عليه السلام خذوا ما بال عليه
من التراب فألقوه وأهريقوا على مكانه ماء قال أبو داود هذا مرسل فإن ابن معقل لم يدرك النبي
صلى الله عليه وسلم انتهى ما في نصب الراية وقال الحافظ في الفتح واحتجوا فيه بحديث جاء من ثلاث طرق
أحدها موصول عن ابن مسعود أخرجه الطحاوي لكن إسناده ضعيف قاله أحمد وغيره والآخران
مرسلان أخرج أحدهما أبو داود من طريق عبد الله بن مقرن والآخر من طريق سعيد بن منصور
من طريق طاوس ورواتهما ثقات وهو يلزم من يحتج بالمرسل مطلقا وكذا من يحتج به إذا اعتضد
مطلقا والشافعي إنما يعتضد عنده إذا كان من رواية كبار التابعين وكان من أرسل إذا سمى لا
يسمي إلا ثقة وذلك مفقود في المرسلين المذكورين على ما هو ظاهر من سنديهما انتهى كلام
الحافظ
قلت الأحاديث المرفوعة المتصلة الصحيحة خالية عن حفر الأرض وأما الأحاديث التي
جاء فيها ذكر حفر الأرض فمنها ما هو موصول فهو ضعيف لا يصلح للاستدلال ومنها ما هو
مرسل فهو أيضا ضعيف عند من لا يحتج بالمرسل وأما من يحتج به فعند بعضهم أيضا ضعيف لا
يصلح للاستدلال كالإمام الشافعي فقول من قال إن الأرض لا تطهر إلا بالحفر ونقل التراب قول
ضعيف إلا عند من يحتج بالمرسل مطلقا وعند من يحتج به إذا اعتضد مطلقا
واحتج من قال إن الأرض تطهر بصب الماء عليها بحديث الباب وهذا القول هو أصح
الأقوال وأقواها من حيث الدليل ثم قول من قال إنها تطهر بالجفاف بالشمس أو الهواء إن كان
لفظ تبول في حديث ابن عمر المذكور محفوظا وأما قول من قال إنها لا تطهر إلا بالحفر ونقل
التراب فمستنده الروايات التي وقع فيها ذكر الحفر وقد عرفت ما في تلك الروايات من المقال ثم
هي إن دلت على أن الأرض النجسة لا تطهر إلا بالحفر ونقل التراب فهي معارضة بحديث ابن
عمر المذكور وبحديث الباب هذا ما عندي والله أعلم
393

أبواب الصلاة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم
باب في مواقيت الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم
جمع ميقات وهو مفعال من الوقت وهو القدر المحدود من الزمان أو المكان
(عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة) قال في التقريب عبد الرحمن بن
الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي أبو الحارث المدني صدوق له أوهام (عن
حكيم بن حكيم وهو ابن عباد بن حنيف) الأنصاري الأوسي صدوق قاله الحافظ وذكره ابن حبان
في الثقات قاله
الخزرجي (قال أخبرني نافع بن جبير بن مطعم) النوفلي أبو محمد أو أبو عبد الله
المدني ثقة فاضل من الثانية مات سنة 99 تسع وتسعين وهو من رجال الكتب الستة
قوله (أمني جبريل عند البيت) أي عند بيت الله وفي رواية في الأم للشافعي عند باب
394

الكعبة (مرتين) أي في يومين ليعرفني كيفية الصلاة وأوقاتها (فصلى الظهر في
الأولى منهما) أي المرة الأولى من المرتين قال الحافظ في الفتح بين ابن إسحاق في المغازي أن ذلك كان صبيحة الليلة
التي فرضت فيها الصلاة وهو ليلة الإسراء قال ابن إسحاق وحدثني عتبة بن مسلم عن نافع بن
جبير وقال عبد الرزاق عن ابن جريج قال قال نافع بن جبير وغيره لما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم من الليلة
التي أسري به لم يرعه إلا جبريل نزل حين زالت الشمس ولذلك سميت الأولى أي صلاة الظهر
فأمر فصيح بأصحابه الصلاة جامعة فاجتمعوا فصلى به جبريل وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس فذكر
الحديث انتهى (حين كان الفئ) هو ظل الشمس بعد الزوال (مثل الشراك) أي قدره قال ابن
الأثير الشراك أحد سيور النعل التي تكون على وجهها انتهى وفي رواية أبي داود حين زالت
الشمس وكانت قدر الشراك قال ابن الأثير قدره ههنا ليس على معنى التحديد ولكن زوال
الشمس لا يبين إلا بأقل ما يرى من الظل وكان حينئذ بمكة هذا القدر والظل يختلف باختلاف الأزمنة
والأمكنة وإنما يتبين ذلك في مثل مكة من البلاد التي يقل فيها الظل فإذا كان طول النهار واستوت
الشمس فوق الكعبة لم ير بشئ من جوانبها ظل فكل بلد يكون أقرب إلى خط الاستواء ومعدل
النهار يكون الظل فيه أقصر وكل ما بعد عنهما إلى جهة الشمال يكون الظل أطول انتهى (ثم صلى
العصر حين كان كل شئ مثل ظله) أي سوى ظله الذي كان عند الزوال يدل عليه ما رواه
النسائي من حديث جابر بن عبد الله بلفظ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر حين زالت الشمس
وكان الفئ قدر الشراك وظل الرجل (ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس) أي غربت (وأفطر
الصائم) أي دخل وقت إفطاره بأن غابت الشمس فهو عطف تفسير (ثم صلى العشاء حين غاب
الشفق) أي الأحمر على الأشهر قاله القاري وقال النووي في شرح مسلم المراد بالشفق الأحمر هذا
مذهب الشافعي وجمهور الفقهاء وأهل اللغة وقال أبو حنيفة والمزني رضي الله عنهما وطائفة من
الفقهاء وأهل اللغة المراد الأبيض والأول هو الراجح المختار انتهى كلام النووي
قلت وإليه ذهب صاحبا أبي حنيفة أبو يوسف ومحمد وقالا الشفق هو الحمرة وهو رواية
عن أبي حنيفة بل قال في النهر وإليه رجع الإمام وقال في الدر الشفق هو الحمرة عندهما وبه قالت
الثلاثة وإليه رجع الإمام كما هو في شروح المجمع وغيره فكان هو المذهب قال صدر الشريعة وبه
يفتي كذا في حاشية النسخة الأحمدية ولا شك في أن المذهب الراجح المختار هو أن الشفق الحمرة
يدل عليه حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الشفق الحمرة رواه الدارقطني وصححه ابن خزيمة
395

وغيره ووقفه على ابن عمر كذا في بلوغ المرام قال محمد بن إسماعيل الأمير في سبل السلام البحث
لغوي والمرجع فيه إلى أهل اللغة وابن عمر من أهل اللغة ومخ العرب فكلامه حجة وإن كان
موقوفا عليه انتهى ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو عند مسلم وقت المغرب ما
لم يسقط ثور الشفق قال الجزري في النهاية أي انتشاره وثوران حمرته من ثار الشئ يثور إذا انتشر
وارتفع انتهى وفي البحر الرائق من كتب الحنفية قال الشمني هو ثوران حمرته انتهى ووقع في
رواية أبي داود وقت المغرب ما لم يسقط فور الشفق قال الخطابي هو بقية حمرة الشفق في الأفق
وسمي فورا بفورانه وسطوعه وروى أيضا ثور الشفق وهو ثوران حمرته انتهى وقال الجزري في
النهاية هو بقية حمرة الشمس في الأفق الغربي سمي فورا لسطوعه وحمرته ويروى بالثاء وقد تقدم
انتهى (ثم صلى الفجر حين برق الفجر) أي طلع (وصلى المرة الثانية) أي في اليوم الثاني (حين
كان ظل كل شئ مثله لوقت العصر بالأمس) أي فرغ من الظهر حينئذ كما شرع في العصر في
اليوم الأول حينئذ قال الشافعي وبه يندفع اشتراكهما في وقت واحد على ما زعمه جماعة ويدل له
خبر مسلم وقت الظهر ما لم يحضر العصر (ثم صلى المغرب لوقته الأول) استدل به من قال إن
لصلاة المغرب وقتا واحدا وهو عقب غروب الشمس بقدر ما يتطهر ويستر عورته ويؤذن ويقيم فإن
أخر الدخول في الصلاة عن هذا الوقت أثم وصارت قضاء وهو قول الشافعية قال النووي
وذهب المحققون من أصحابنا إلى ترجيح القول بجواز تأخيرها ما لم يغب الشفق وأنه يجوز
ابتداؤها في كل وقت من ذلك ولا يأثم بتأخيرها عن أول الوقت وهذا هو
الصحيح والصواب
الذي لا يجوز غيره والجواب عن حديث جبريل عليه السلام حين صلى المغرب في اليومين حين
غربت الشمس من ثلاثة أوجه
الأول أنه اقتصر على بيان وقت الاختيار ولم يستوعب وقت الجواز وهذا جار في الصلوات
سوى الظهر
والثاني أنه متقدم في أول الأمر بمكة وأحاديث امتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق
متأخرة في أواخر الأمر بالمدينة فوجب اعتمادها
والثالث أن هذه الأحاديث أصح إسنادا من حديث بيان جبريل فوجب تقديمها انتهى
396

كلام النووي (فقال يا محمد هذا) أي ما ذكر من الأوقات الخمسة (وقت الأنبياء من قبلك) قال ابن
العربي في عارضة الأحوذي ظاهره يوهم أن هذه الصلوات في هذه الأوقات كانت مشروعة لمن
قبلهم من الأنبياء وليس كذلك وإنما معناه أن هذا وقتك المشروع لك يعني الوقت الموسع
المحدود بطرفين الأول والآخر وقوله وقت الأنبياء قبلك يعني ومثله وقت الأنبياء قبلك أي
صلاتهم كانت واسعة الوقت وذات طرفين وإلا فلم تكن هذه الصلوات على هذا الميقات إلا
لهذه الأمة خاصة وإن كان غيرهم قد شاركهم في بعضها وقد روى أبو داود في حديث العشاء
أعتموا بهذه الصلاة فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم وكذا قال ابن سيد الناس وقال يريد
في التوسعة عليهم في أن الوقت أولا وآخرا لا أن الأوقات هي أوقاتهم بعينها كذا في قوت المغتذي
(والوقت فيما بين هذين الوقتين) قال ابن سيد الناس يريد هذين وما بينهما أما إرادته أن الوقتين
الذين أوقع فيهما الصلاة وقت لها فتبين بفعله وأما الإعلام بأن ما بينهما أيضا وقت فبينه قوله عليه
الصلاة والسلام
قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وبريدة وأبي موسى وأبي مسعود وأبي سعيد وجابر وعمرو
بن حزم والبراء وأنس) أما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي والنسائي وصححه ابن السكن
والحاكم وأما حديث بريدة فأخرجه الترمذي وأما حديث أبي موسى فأخرجه مسلم وأبو داود
والنسائي وأبو عوانة وأما حديث أبي مسعود فأخرجه مالك في الموطأ وإسحاق بن راهويه وأصله
في الصحيحين من غير تفصيل وفصله أبو داود وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أحمد والطحاوي
وأما حديث جابر فأخرجه أحمد والترمذي والنسائي وأما حديث عمرو بن حزم فأخرجه
إسحاق بن راهويه وأما حديث البراء فذكره ابن أبي خيثمة وأما حديث أنس فأخرجه الدارقطني
وابن السكن في صحيحه والإسماعيلي في معجمه
397

قوله (حديث ابن عباس حديث حسن) وصححه
ابن عبد البر وأبو بكر بن العربي قال إن عبد البر إن الكلام في إسناده لا وجه له والحديث أخرجه أيضا أحمد وأبو داود وابن خزيمة
والدارقطني والحاكم
قوله (وقال محمد أصح شئ في المواقيت حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم) قال ابن القطان
حديث جابر يجب أن يكون مرسلا لأن جابرا لم يذكر من حديثه بذلك ولم يشاهد ذلك صبيحة
الإسراء لما علم من أنه أنصاري إنما صحب بالمدينة قال وابن عباس وأبو هريرة اللذان رويا أيضا
قصة إمامة جبريل فليس يلزم في حديثهما من الإرسال ما في رواية جابر لأنهما قالا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ذلك وقصه عليهما كذا في قوت المغتذي
باب منه
أي مما جاء في مواقيت الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا الباب كالفصل من الباب المتقدم
قوله (نا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي مولاهم أبو عبد الرحمن الكوفي صدوق عارف
رمي بالتشيع كذا في التقريب قال في الخلاصة قال النسائي ليس به بأس قال البخاري مات سنة
398

195 خمس وتسعين ومائة
قوله (وإن أول وقت العصر حين يدخل وقتها) كأن وقته كان معلوما عندهم (وإن آخر
وقتها حين تصفر الشمس) أي آخر وقتها المختار والمستحب وإلا فآخر وقتها إلى غروب الشمس
(وإن آخر وقتها حين ينتصف الليل) أي اخر وقتها اختيارا أما وقت الجواز فيمتد إلى طلوع
الفجر الثاني لحديث أبي قتادة ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجئ
وقت الصلاة الأخرى وقال الإصطخري إذا ذهب نصف الليل صارت قضاء ودليل الجمهور
حديث أبي قتادة قاله النووي
قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو) أخرجه مسلم عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت
الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر ووقت العصر ما لم تصفر
الشمس ووقت الصلاة المغرب ما لم تغب الشمس ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط
ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس الحديث
قوله (سمعت محمدا يقول حديث الأعمش عن مجاهد في المواقيت أصح من حديث
محمد بن فضيل عن الأعمش) حديث الأعمش عن مجاهد في المواقيت رواه الترمذي بعد هذا
(وحديث محمد بن فضيل خطأ أخطأ فيه محمد بن الفضيل) أي أخطأ في الإسناد حيث روى عن
الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وإنما هو عن الأعمش عن مجاهد قال كان يقال إلخ قال
الحافظ في التلخيص ورواه الحاكم من طريق أخرى عن محمد بن عباد بن جعفر أنه سمع
أبا هريرة وقال صحيح الإسناد
399

قوله (والحسن بن الصباح) بتشديد الموحدة (البزار) بفتح الموحدة وتشديد الزاي المعجمة
وبعدها راء مهملة أبو علي الواسطي ثم البغدادي أحد أعلام السنة روى عن إسحاق الأزرق
ومعن بن عيسى وغيرهما وعنه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وقال ليس بالقوي وقال
أحمد ثقة مات سنة 942 تسع وأربعين ومائتين كذا في الخلاصة وقال في التقريب صدوق يهم
وكان عابدا فاضلا انتهى (وأحمد بن محمد بن موسى) أبو العباس السمسار المعروف بمردويه ثقة
حافظ من العاشرة كذا في التقريب (قالوا ثنا إسحاق بن يوسف الأزرق) المخزومي الواسطي
ثقة قيل لأحمد أثقة هو قال إي والله (عن سفيان) هو الثوري (عن سليمان بن بريدة) بن
الحصيب الأسلمي المروزي ثقة وثقه ابن معين وأبو حاتم قال الحاكم لم يذكر سماعا من أبيه قال
الخزرجي حديثه عن أبيه في مسلم في عدة مواضع (عن أبيه) هو بريدة بن الحصيب بمهملتين
مصغرا صحابي أسلم قبل بدر مات سنة 36 ثلاث وستين
قوله (فقال أقم معنا إن شاء الله) قال أبو الطيب السندي كأنه للتبرك وإلا فلم يعرف تقييد
الأمر بمثل هذا الشرط وفي رواية لمسلم صل معنا هذين يعني اليومين (فأمر بلالا فأقام حين طلع
الفجر) وفي رواية لمسلم فأمر بلالا فأذن بغلس فصلى الصبح فأمره فأقام حين زالت الشمس أي
عن حد الاستواء وفي رواية لمسلم حين زالت الشمس عن بطن السماء فصلى العصر (والشمس
بيضاء مرتفعة) أي لم تختلط بها صفرة أي فصلى العصر في أول وقته (ثم أمره بالمغرب حين وقع
حاجب الشمس) أي طرفها الأعلى كذا في مجمع البحار وفي رواية لمسلم حين غابت الشمس
400

(فنور بالفجر) من التنوير أي أسفر بصلاة الفجر (فأبرد وأنعم أن يبرد) أي أبرد بصلاة الظهر
وزاد وبالغ في الابراد يقال أحسن إلى فلان وأنعم أي زاد في الإحسان وبالغ قال الخطابي
الإبراد أن يتفيأ الأفياء وينكسر وهج الحر فهو برد بالنسبة إلى حر الظهيرة (فأقام والشمس آخر
وقتها فوق ما كانت) أي فأقام العصر والحال أن الشمس آخر وقتها في اليوم الثاني فوق الوقت
الذي كانت الشمس فيه في اليوم الأول والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة العصر في اليوم الثاني حين
صار ظل الشئ مثليه وقد كان صلاها في اليوم الأول حين كان ظل الشئ مثله وفي رواية لمسلم
وصلى العصر والشمس مرتفعة أخرها فوق الذي كان قال القاري في المرقاة أخر بالتشديد أي
أخر صلاة العصر في اليوم الثاني فوق التأخير الذي وجد في اليوم الأول بأن أوقعها حين صار ظل
الشئ مثليه كما بينته الروايات الأخر يريد أن صلاة العصر كانت مؤخرة عن الظهر لأنها كانت
مؤخرة عن وقتها انتهى (فقال الرجل أنا ههنا حاضر فقال مواقيت الصلاة كما بين هذين) الكاف
زائدة وفي رواية وقت صلاتكم بين ما رأيتم
قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه مسلم أيضا
باب ما جاء في التغليس بالفجر
أي أداء صلاة الفجر في الغلس والغلس ظلمة آخر الليل
401

قوله (ونا الأنصاري) هو إسحاق بن موسى الأنصاري والترمذي قد يقول الأنصاري وقد
يصرح باسمه (نا معن) هو ابن عيسى بن يحيى الأشجعي
قوله (وإن كان) إن مخففة من المثقلة أي إنه كان (قال الأنصاري) أي في روايته (فتمر
النساء متلففات) بالنصب على الحالية من التلفف بالفائين (بمروطهن) المروط جمع مرط بكسر ميم
وسكون راء وهو كساء معلم من خز أو صوف أو غير ذلك كذا قال الحافظ وغيره أي فتمر النساء
حال كونهن مغطيات رؤوسهن وأبدانهن بالأكسية (ما يعرفن) على البناء للمفعول وما نافية أي
لا يعرفهن أحد (من الغلس) من تعليلية أي لأجل الغلس قال الحافظ في فتح الباري قال
الداودي معناه لا يعرفن أنساء أم رجال لا يظهر للرائي إلا الأشباح خاصة وقيل لا يعرف
أعيانهن فلا يفرق بين خديجة وزينب وضعفه النووي بأن المتلففة في النهار لا تعرف عينها فلا
يبقى في الكلام فائدة
وتعقب بأن المعرفة إنما تتعلق بالأعيان فلو كان المراد الأول لعبر بنفي العلم وما ذكره من
أن المتلففة بالنهار لا تعرف عينها فيه نظر لأن لكل امرأة هيئة غير هيئة الأخرى في الغالب ولو كان
بدنها مغطى وقال الباجي هذا يدل على أنهن كن سافرات إذ لو كن متنقبات لمنع تغطية الوجه من
معرفتهن لا الغلس قال الحافظ وفيه ما فيه لأنه مبني على اشتباه الذي أشار إليه النووي وأما
إذا قلنا إن لكل واحدة منهن هيئة غالبا فلا يلزم ما ذكر انتهى كلام الحافظ وقال ولا معارضة بين
هذا وبين حديث أبي برزة أنه كان ينصرف من الصلاة حين يعرف الرجل جليسه لأن هذا إخبار
عن رؤية المتلفعة على بعد وذلك إخبار عن رؤية الجليس انتهى (وقال قتيبة) أي روايته
(متلفعات) من التلفع قال الجزري في النهاية أي متلففات بأكسيتهن واللفاع ثوب يجلل به
الجسد كله كساء كان أو غيره وتلفع بالثوب إذا اشتمل به انتهى وقال الحافظ في الفتح قال
الأصمعي التلفع أن تشتمل بالثوب حتى تجلل به جسدك وفي شرح الموطأ لابن حبيب التلفع
لا يكون إلا بتغطية الرأس والتلفف يكون بتغطية الرأس وكشفه انتهى
قوله (وفي الباب عن ابن عمر وأنس وقيلة بنت مخرمة) أما حديث ابن عمر فأخرجه ابن
402

ماجة ويأتي لفظه وله حديث آخر أخرجه أحمد عن أبي الربيع قال كنت مع ابن عمر فقلت له إني
أصلي معك ثم ألتفت فلا أرى وجه جليسي ثم أحيانا تسفر فقال كذلك رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يصلي وأحببت أن أصليها كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها قال الشوكاني في إسناده أبو الربيع قال
الدارقطني مجهول انتهى وأما حديث أنس فأخرجه البخاري عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت
تسحرا فلما فرغا من سحورهما قام نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فقلنا لأنس كم كان بين فراغهما من
سحورهما ودخولهما في الصلاة قال قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية وأما حديث قيلة بنت مخرمة
فلينظر من أخرجه وفي الباب أيضا عن جابر بن عبد الله وأبي برزة الأسلمي وأبي مسعود
الأنصاري أما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه الشيخان عن محمد بن عمرو بن الحسن بن علي
قال سألنا جابر بن عبد الله عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان يصلي الظهر بالهاجرة والعصر والشمس
حية والمغرب إذا وجبت والعشاء إذا كثر الناس عجل وإذا قلوا أخر والصبح بغلس وأما حديث
أبي برزة فأخرجه الشيخان أيضا وفيه وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه وأما
حديث أبي مسعود الأنصاري فسيأتي تخريجه
قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة
قوله (وهو الذي أختاره غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمرو من
بعدهم من التابعين وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق يستحبون التغليس بصلاة الفجر)
وهو قول مالك قال ابن قدامة في المغني وأما صلاة الصبح فالتغليس بها أفضل وبهذا قال مالك
والشافعي وإسحاق قال ابن عبد البر صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعمر وعثمان أنهم
كانوا يغلسون ومحال أن يتركوا الأفضل ويأتوا الدون وهم النهاية في إتيان الفضائل انتهى
واستدلوا بأحاديث الباب قال الحازمي في كتاب الاعتبار تغليس النبي صلى الله عليه وسلم ثابت وأنه داوم عليه
إلى أن فارق الدنيا ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يداوم إلا على ما هو الأفضل وكذلك أصحابه من بعده
تأسيا به صلى الله عليه وسلم وروى بإسناده عن أبي مسعود قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح مرة بغلس ثم صلى
403

مرة أخرى فأسفر بها ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر قال هذا
طرف من حديث طويل في شرح الأوقات وهو حديث ثابت مخرج في الصحيح بدون هذه الزيادة
وهذا إسناد رواته عن آخره ثقات والزيادة عن الثقة مقبولة وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى هذا
الحديث ورأوا التغليس أفضل روينا ذلك عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلى رضي
الله عنهم وعن ابن مسعود وأبي موسى الأشعري وأبي مسعود الأنصاري وعبد الله بن الزبير
وعائشة وأم سلمة رضوان الله عليهم أجمعين ومن التابعين عمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير
وإليه ذهب مالك وأهل الحجاز والشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق انتهى
قلت حديث أبي مسعود الذي ذكره الحازمي بإسناده أخرجه أيضا أبو داود وغيره كذا قال
الحافظ في الفتح وقال المنذري في تلخيص السنن والحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي
وابن ماجة بنحوه ولم يذكروا رؤيته لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه الزيادة في قصة الإسفار رواتها عن
آخرهم ثقات والزيادة من الثقة مقبولة انتهى كلام المنذري وقال الخطابي هو صحيح الإسناد
وقال ابن سيد الناس إسناد حسن وقال الشوكاني رجاله في سنن أبي داود رجال الصحيح
فإن قلت كيف يكون إسناد أبي مسعود المذكور صحيحا أو حسنا وفيه أسامة بن زيد
الليثي وقد ضعفه غير واحد قال أحمد ليس بشئ فراجعه ابنه عبد الله فقال إذا تدبرت حديثه
تعرف فيه النكرة وقال النسائي ليس بالقوي وقال يحيى القطان ترك حديثه بآخره وقال أبو حاتم
يكتب حديثه ولا يحتج به كذا في الميزان
ولو سلم أنه ثقة فزيادته المذكورة شاذة غير مقبولة فإنه قد تفرد بها والحديث رواه غير واحد
من أصحاب الزهري ولم يذكروا هذه الزيادة غيره والثقة إذا خالف الثقات في الزيادة فزيادته
لا تقبل وتكون غير محفوظة
قلت أسامة بن زيد الليثي وإن تكلم فيه لكن الحق أنه ثقة صالح للاحتجاج قال إمام هذا
الشأن يحيى بن معين ثقة حجة وقال ابن عدي لا بأس به كذا في الميزان ولذلك ذكره الحافظ الذهبي في
كتابه ذكر أسماء من تكلم فيه وهو موثق حيث قال فيه أسامة بن زيد الليثي لا العدوي صدوق قوي
الحديث أكثر مسلم إخراج حديث ابن وهب ولكن أكثرها شواهد أو متابعات والظاهر أنه ثقة وقال
النسائي وغيره ليس بالقوي انتهى وأما قول أحمد إذا تدبرت حديثه تعرف فيه النكرة فالظاهر أنه ليس
مراده الإطلاق بل أراد حديثه الذي روي عن نافع ففي الجوهر النقي قال أحمد بن حنبل روى عن نافع
أحاديث مناكير فقال له ابنه عبد الله وهو حسن الحديث فقال
404

أحمد إن تدبرت حديثه فستعرف فيه النكرة على أن قول أحمد في رجل روى مناكير لا يستلزم
ضعفه فقد قال في محمد بن إبراهيم بن الحارث التميمي في حديثه شئ يروي أحاديث مناكير
وقد احتج به الجماعة وكذا قال في بريد بن عبد الله بن أبي بردة روى مناكير وقد احتج به الأئمة
كلهم كذا في مقدمة فتح الباري وأما قول يحيى القطان ترك حديثه بآخره فغير قادح فإنه متعنت
جدا في الرجال كما صرح به الذهبي في الميزان في ترجمة سفيان بن عيينة وقال الحافظ الزيلعي في
نصب الراية ص 437 ج 1 في توثيق معاوية بن صالح احتج به مسلم في صحيحه وكون يحيى بن
سعيد لا يرضاه غير قادح فإن يحيى شرطه شديد في الرجال انتهى أما قول أبي حاتم لا يحتج به
من غير بيان السبب فغير قادح أيضا قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية في توثيق معاوية بن
صالح وقول أبي حاتم لا يحتج به غير قادح فإنه لم يذكر السبب وقد تكررت هذه اللفظة منه في
رجال كثيرين من أصحاب الصحيح الثقات الأثبات من غير بيان السبب كخالد الحذاء وغيره انتهى
كلام الزيلعي وأما قول النسائي ليس بالقوي فغير قادح أيضا فإنه مجمل مع أنه متعنت وتعنته
مشهور فالحق أن أسامة بن زيد الليثي ثقة صالح للاحتجاج وزيادته المذكورة مقبولة كما صرح
به الحافظ الحازمي وغيره فإنها ليست منافية لرواية غيره من الثقات الذين لم يذكروها وزيادة الثقة
إنما تكون شاذة إذا كانت منافية لرواية غيره من الثقات وقد حققناه في كتابنا أبكار المنن في نقد
آثار السنن في باب وضع اليدين على الصدر وقال الحافظ بن حجر في فتح الباري وقد وجدت
ما يعضد رواية أسامة بن زيد ويزيد عليها أن البيان من فعل جبريل وذلك فيما رواه الباغندي في
مسند عمر بن عبد العزيز والبيهقي في السنن الكبرى من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن
أبي بكر بن حزم أنه بلغه عن أبي مسعود فذكره منقطعا لكن رواه الطبراني من وجه آخر عن
أبي بكر عن عروة فرجع الحديث إلى عروة ووضح أن له أصلا وأن في رواية مالك ومن تابعه
اختصارا وبذلك جزم ابن عبد البر وليس في رواية مالك ومن تابعه ما ينفي الزيادة المذكورة فلا
توصف والحالة هذه بالشذوذ انتهى كلام الحافظ
قلت ويؤيد زيادة أسامة بن زيد المذكورة ما رواه ابن ماجة قال حدثنا عبد الرحمن بن
إبراهيم الدمشقي ثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعي ثنا نهيك بن يريم الأوزاعي ثنا مغيث بن سمي
قال صليت مع عبد الله بن الزبير الصبح بغلس فلما سلم أقبلت على ابن عمر فقلت ما هذه
الصلاة قال هذه صلاتنا كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلما طعن عمر أسفر بها عثمان
وإسناده صحيح ورواه الطحاوي أيضا قال في شرح الآثار حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا
بشر بن بكر قال حدثني الأوزاعي ح وحدثنا فهد قال ثنا محمد بن كثير قال ثنا الأوزاعي بإسناد ابن
405

ماجة بنحوه وإذا عرفت هذا كله ظهر لك أن حديث أسامة بن زيد المذكور صحيح وزيادته
المذكورة مقبولة
باب ما جاء في الإسفار بالفجر
قوله (عن عاصم بن عمر بن قتادة) الأوسي الأنصاري المدني ثقة عالم بالمغازي من
الرابعة مات بعد العشرين ومائة وهو من رجال الكتب الستة (عن محمود بن لبيد) بن عقبة بن
رافع الأوسي الأشهلي المدني صحابي صغير جل روايته عن الصحابة مات سنة 69 ست وتسعين
وقيل سبع وله تسع وتسعون سنة
قوله (أسفروا بالفجر) أي صلوا صلاة الفجر إذا أضاء الفجر وأشرق قال الجزري في
النهاية أسفر الصبح إذا انكشف وأضاء وقال في القاموس سفر الصبح يسفر أضاء وأشرق كأسفر
انتهى (فإنه) أي الإسفار بالفجر
قوله (وفي الباب عن أبي برزة وجابر) لم أقف على من أخرج حديثهما في الإسفار وقد أخرج
الشيخان عنهما التغليس قال الحافظ في الدراية وعن جابر وأبي برزة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يصلي الصبح بغلس متفق عليهما (وبلال) أخرج حديثه البزار في مسنده بنحو حديث رافع بن
خديج وفي سنده أيوب بن يسار وهو ضعيف قال البخاري فيه منكر الحديث وقال النسائي
متروك الحديث وذكر الحافظ الزيلعي سنده بتمامه في نصب الراية وفي الباب أيضا عن
محمود بن لبيد وأبي هريرة وأنس بن مالك وبلال وغيرهم رضي الله عنهم ذكر أحاديث هؤلاء
406

الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد مع الكلام عليها وعامة هذه الأحاديث ضعاف
قوله (وقد روى شعبة والثوري هذا الحديث عن محمد بن إسحاق) فتابعا عبدة (ورواه
محمد بن عجلان أيضا عن عاصم بن عمر بن قتادة) فتابع محمد بن عجلان محمد بن إسحاق فلا
يقدح عنعنته في صحة الحديث
قوله (حديث رافع بن خديج حديث حسن صحيح) قال الحافظ في فتح الباري رواه
أصحاب السنن وصححه غير واحد
قوله (وقد رأى غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين الإسفار بصلاة
الفجر وبه يقول سفيان الثوري) وهو قول الحنفية واستدلوا بأحاديث الباب واستدل لهم أيضا
بحديث عبد الله بن مسعود قال ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين جمع بين
المغرب والعشاء وصلى الفجر قبل ميقاتها رواه الشيخان قال ابن التركماني في الجوهر النقي معناه
قبل وقتها المعتاد إذ فعلها قبل طلوع الفجر غير جائز فدل على أن تأخيرها كان معتادا للنبي صلى الله عليه وسلم
وأنه عجل بها يومئذ قبل وقتها المعتاد انتهى
وفيه أن هذا الحديث إنما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم قام بصلاة الفجر في مزدلفة خلاف عادته أول ما
بزغ الفجر بحيث يقول قائل طلع الفجر وقال قائل لم يطلع وهذا لا يثبت منه البتة أن القيام
لصلاة الفجر بعد الغلس في الإسفار كان معتادا للنبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ في فتح الباري لا حجة
فيه لمن منع التغليس بصلاة الصبح لأنه ثبت عن عائشة وغيرها كما تقدم في المواقيت التغليس بها
بل المراد هنا أنه كان إذا أتاه المؤذن بطلوع الفجر صلى ركعتي الفجر في بيته ثم يخرج فصلى الصبح
مع ذلك بغلس وأما بمزدلفة فكان الناس مجتمعين والفجر نصب أعينهم فبادر بالصلاة أول ما بزغ
حتى إن بعضهم كان لم يتبين له طلوعه وهو بين في رواية إسماعيل حيث قال ثم صلى الفجر حين
طلع الفجر وقائل يقول لم يطلع انتهى كلام الحافظ فالاستدلال بحديث عبد الله بن مسعود هذا
على استحباب الإسفار بصلاة الفجر ليس بشئ
وأجيب من قبل من قال باستحباب الإسفار عن أحاديث التغليس بأجوبة كلها مخدوشة
407

فمنها أن التغليس كان في ابتداء الإسلام ثم نسخ
وفيه هذا مجرد دعوى لا دليل عليها وقد ثبت تغليسه صلى الله عليه وسلم بصلاة الفجر إلى وفاته كما
تقدم قال بعضهم بعد ذكر هذا الجواب فيه أنه نسخ اجتهادي مع ثبوت حديث الغلس إلى
وفاته صلى الله عليه وسلم
ومنها أن الإسفار كان معتادا للنبي صلى الله عليه وسلم وتمسكوا في ذلك بحديث عبد الله بن مسعود
المذكور
وفيه أن القول بأن الإسفار كان معتادا له صلى الله عليه وسلم باطل جدا بل معتاده صلى الله عليه وسلم كان هو التغليس
كما يدل عليه حديث عائشة وحديث أبي مسعود وغيرهما وأما التمسك بحديث ابن مسعود
المذكور فقد عرفت ما فيه
ومنها أن التغليس لو كان مستحبا لما اجتمع الصحابة رضي الله عنهم على الإسفار وقد
روى الطحاوي عن إبراهيم النخعي قال ما أجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على شئ ما
اجتمعوا على التنوير
وفيه أن دعوى إجماع الصحابة على الإسفار باطلة جدا كيف وقد قال الترمذي في باب
التغليس وهو الذي اختاره غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمر إلخ وقال
الحافظ ابن عبد البر صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يغلسون كما عرفت
في كلام ابن قدامة وروى الطحاوي في شرح الآثار ص 401 عن جابر بن عبد الله قال كانوا
يصلون الصبح بغلس وروى عن المهاجر أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى أن صل
الصبح بسواد أو قال بغلس وأطل القراءة ثم قال الطحاوي أفلا تراه يأمرهم أن يكون دخولهم
فيها بغلس وأن يطيلوا القراءة فكذلك عندنا أراد منه أن يدركوا الإسفار فكذلك كل من روينا عنه
في هذا شيئا سوى عمر قد كان ذهب إلى هذا المذهب أيضا ثم ذكر أثر أبي بكر في تغليسه في
صلاة الفجر وتطويله القراءة فيها ثم قال فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه قد دخل فيها في
وقت غير الإسفار ثم مد القراءة فيها حتى خيف عليه طلوع الشمس وهذا بحضرة أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقرب عهدهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وبفعله لا ينكر ذلك عليه منكر فذلك دليل
على متابعتهم له ثم فعل ذلك عمر من بعده فلم ينكره عليه من حضره منهم انتهى فلما عرفت
هذا كله ظهر لك ضعف قول إبراهيم النخعي المذكور (وقال الشافعي وأحمد وإسحاق معنى
الإسفار أن يضح الفجر فلا يشك فيه ولم يروا أن معنى الاسفار تأخير الصلاة) يقال وضح الفجر
408

إذا أضاء قاله الحافظ في التلخيص قال ابن الأثير في النهاية قالوا يحتمل أنهم حين أمرهم
بتغليس صلاة الفجر في أول وقتها كانوا يصلونها عند الفجر الأول حرصا ورغبة فقال أسفروا بها
أي أخروها إلى أن يطلع الفجر الثاني ويتحقق ويقوي ذلك أنه قال لبلال نور بالفجر قدر ما
يبصر القوم مواقع نبلهم انتهى
قلت هذا جواب الشافعي وغيره عن حديث الإسفار
وفيه نظر قال ابن الهمام تأويل الإسفار بتيقن الفجر حتى لا يكون شك في طلوعه ليس
بشئ إذا ما لم يتبين لم يحكم بصحة الصلاة فضلا عن إثابة الأجر على أن في بعض رواياته ما ينفيه
وهو أسفروا بالفجر فكلما أسفرتم فهو أعظم للأجر انتهى وقال الحافظ في الدراية في هذا
التأويل فقد أخرج الطبراني وابن عدي من رواية هرمز بن عبد الرحمن سمعت جدي رافع بن
خديج يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال يا بلال نور بصلاة الصبح حتى يبصر القوم مواقع نبلهم من
الإسفار وقد ذكر الزيلعي روايات أخرى تدل على نفي هذا التأويل
وقيل إن الأمر بالإسفار خاص في الليالي المقمرة لأن أول الصبح لا يتبين فيها فأمروا
بالإسفار احتياطا كذا في النهاية وحمله بعضهم على الليالي المعتمة
وحمله بعضهم على الليالي القصيرة دراك النوام الصلاة قال معاذ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى اليمن فقال إذا كان في الشتاء فغلس بالفجر وأطل القراءة قدر ما يطيق الناس ولا تملهم وإذا
كان في الصيف فأسفر بالفجر فإن الليل قصير والناس نيام فأمهلهم حتى يدركوا كذا نقله القاري
في المرقاة عن شرح السنة
قلت ورواه بقي بن مخلد قلت أسلم الأجوبة وأولاها ما قال الحافظ ابن القيم في إعلام الموقعين بعد ذكر حديث
رافع بن خديج ما لفظه وهذا بعد ثبوته إنما المراد به الإسفار دواما لا ابتداء فيدخل فيها مغلسا
ويخرج منها مسفرا كما كان يفعله صلى الله عليه وسلم فقوله موافق لفعله لا مناقض له وكيف يظن به المواظبة
على فعل ما الأجر الأعظم في خلافه انتهى كلام ابن القيم وهذا هو الذي اختاره الطحاوي في
شرح الآثار وقد بسط الكلام فيه وقال في آخره فالذي ينبغي الدخول في الفجر في وقت التغليس
والخروج منها في وقت الإسفار على موافقة ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو قول أبي
حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن انتهى كلام الطحاوي
فإن قلت يخدش هذا الجمع حديث عائشة ففيه أن النساء ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين
الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس رواه الجماعة والبخاري ولا يعرف بعضهن بعضا
409

قلت نعم لكن يمكن أن يقال إنه كان أحيانا ويدل عليه حديث أبي برزة ففيه وكان ينفتل
من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه ويقرأ بالستين إلى المائة رواه البخاري ومال الحافظ
الحازمي في كتاب الاعتبار إلى نسخ أفضلية الإسفار فإنه عقد بابا بلفظ بيان نسخ الأفضلية
بالإسفار ثم ذكر فيه حديث أبي مسعود قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح مرة بغلس ثم صلى مرة
أخرى فأسفر بها ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر قال الحازمي
هذا إسناد رواته عن آخره ثقات والزيادة من الثقة مقبولة انتهى وقد تقدم حديث أبي مسعود هذا
مع ذكر ما يعضده فتذكر وقد رجح الشافعي حديث التغليس على حديث الإسفار بوجوه ذكرها
الحازمي في كتاب الاعتبار
قلت لا شك في أن أحاديث التغليس أكثر وأصح وأقوى من أحاديث الاسفار ومذهب
أكثر أهل العلم أن التغليس هو الأفضل فهو الأفضل والأولى
تنبيه قال صاحب العرف الشذي في ترجيح الإسفار ما لفظه ولنا قوله عليه السلام
والحديث القولي مقدم أي أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر فصار الترجيح لمذهب الأحناف
انتهى
قلت القولي إنما يقدم إذا لم يمكن الجمع بين الحديث القولي والفعلي وفيما نحن فيه يمكن
الجمع كما أوضحه الطحاوي وابن القيم فلا وجه لتقديم الحديث القولي ثم كيف يكون الترجيح
لمذهب الأحناف فإنه خلاف ما واظب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون من التغليس
ولذلك قال السرخسي الحنفي في مبسوطه يستحب الغلس وتعجيل الظهر إذا اجتمع الناس كما
نقله صاحب العرف عنه والله تعالى أعلم
باب ما جاء في التعجيل بالظهر
قوله (عن سفيان) هو الثوري (عن حكيم
بن جبير) قال في التقريب ضعيف ويأتي ما فيه
من الكلام (عن إبراهيم) هو النخعي
410

قوله (ما رأيت أحد أشد تعجيلا للظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه دليل على أن
التعجيل بالظهر أفضل قال ابن قدامة في المغني لا نعلم في استحباب تعجيل الظهر في غير
الحر والغيم خلافا انتهى
قوله (وفي الباب عن جابر بن عبد الله وخباب وأبي برزه وابن مسعود وزيد بن ثابت
وأنس وجابر بن سمرة) أما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه البخاري في باب وقت المغرب
ومسلم بلفظ كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة الحديث وأما حديث خباب فأخرجه مسلم
بلفظ شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا أي فلم يزل شكوانا ورواه
ابن المنذر بعد قوله فلم يشكنا وقال إذا زالت الشمس فصلوا كذا في فتح الباري وأما حديث
أبي برزة فأخرجه البخاري ومسلم بلفظ كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض
الشمس الحديث وأما حديث ابن مسعود فأخرجه ابن ماجة بلفظ شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حر
الرمضاء فلم يشكنا وفي إسناده زيد بن جبير قال أبو حاتم ضعيف وقال البخاري منكر
الحديث وأما حديث زيد بن ثابت فلينظر من أخرجه وأما حديث أنس فأخرجه البخاري
ومسلم بلفظ إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظهائر سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر وأما حديث
جابر بن سمرة فأخرجه مسلم وغيره بلفظ كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا دحضت الشمس
قوله (حديث عائشة حديث حسن) قد حسن الترمذي هذا الحديث وفيه حكيم بن جبير
وهو متكلم فيه فالظاهر أنه لم ير بحديثه بأسا وهو من أئمة الفن
قوله (وهو الذي اختاره أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم) قال القاضي
الشوكاني في النيل تحت حديث جابر بن سمرة الذي ذكرنا ما لفظه الحديث يدل على استحباب
تقديمها وإليه ذهب الهادي والقاسم والشافعي والجمهور للأحاديث الواردة في أفضلية أول الوقت
411

وقد خصه الجمهور بما عدا أيام شدة الحر وقالوا يستحب الإبراد فيها إلى أن يبرد الوقت وينكسر
الوهج انتهى
قوله (قال علي) هو ابن المديني (قال يحيى بن سعيد) هو القطان (وقد تكلم شعبة في
حكيم بن جبير من أجل حديثه الذي روي عن ابن مسعود إلخ) روى المؤلف هذا الحديث في
باب من تحل له الزكاة بإسناده عن حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عنه
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيام ومسألته في وجهه خموش أو
خدوش أو كدوح قيل يا رسول الله وما يغنيه قال خمسون درهما أو قيمتها من الذهب قال
الترمذي بعد رواية هذا الحديث وحديث ابن مسعود حديث حسن وقد تكلم شعبة في حكيم بن
جبير من أجل هذا الحديث انتهى كلامه وروى هذا الحديث أبو داود وابن ماجة وزادا فقال
رجل لسفيان أن شعبة لا يحدث عن حكيم بن جبير فقال سفيان حدثناه زبيد عن محمد بن عبد
الرحمن بن يزيد (وروى له سفيان وزائدة) أي رويا عن حكيم بن جبير (ولم ير يحيى بحديثه
بأسا) قال الذهبي في الميزان في ترجمة حكيم بن جبير قال أحمد ضعيف منكر الحديث وقال
البخاري كان شعبة يتكلم فيه وقال النسائي ليس بالقوي وقال الدارقطني متروك وقال معاذ قلت
لشعبة حدثني بحديث حكيم بن جبير قال أخاف النار إن أحدث عنه قلت فهذا يدل على أن
شعبة ترك الرواية عنه بعد وقال علي سألت يحيى بن سعيد عنه فقال وكم روى إنما روى يسيرا روى
عنه زائدة وتركه شعبة من أجل حديث الصدقة وروى عباس عن يحيى في حديث حكيم
بن جبير حديث ابن مسعود لا تحل الصدقة لمن عنده خمسون درهما فقال يرويه سفيان عن
زيد لا أعلم أحدا يرويه غير يحيى بن آدم وهذا وهم لو كان كذا لحدث به الناس عن سفيان
ولكنه حديث منكر يعني وإنما المعروف بروايته حكيم وقال الفلاس كان يحيى يحدث عن حكيم
وكان عبد الرحمن لا يحدث عنه وعن ابن مهدي قال إنما روى أحاديث يسيرة وفيها منكرات
وقال الجوزجاني حكيم بن جبير كذاب انتهى
412

قوله (حدثنا الحسن بن علي الحلواني) بضم المهملة وسكون اللام وبالنون منسوب إلى
حلوان موضع قريب بالشام قال الحافظ في التقريب الحسن بن علي بن محمد الهذلي أبو علي
الخلال الحلواني بضم المهملة نزيل مكة ثقة حافظ له تصانيف من الحادية عشرة انتهى
قوله (صلى الظهر حين زالت الشمس) قال صاحب فتح القدير وغيره من العلماء
الحنفية هو محمول عندنا على زمان الشتاء أما في أيام الصيف فالمستحب الإبراد والدليل عليه ما
في البخاري قال لأنس كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتد
البرد بكر بالصلاة وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة والمراد الظهر لأنه جواب السؤال عنها
قلت قد تقدم حديث جابر بلفظ كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالهاجرة وهو متفق عليه وقال
الجزري في النهاية الهجير والهاجرة اشتداد الحر نصف النهار انتهى وقد روى البخاري ومسلم
عن أنس قال إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظهائر سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر وفي رواية
للبخاري كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود ففي
حديث أنس هذا دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم كان يبكر بصلاة الظهر في شدة الحر أيضا فلا حاجة إلى حمل
قوله صلى الظهر حين زالت الشمس على زمان الشتاء
قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه البخاري بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت
الشمس فصلى الظهر الحديث
413

باب ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر
قوله (إذا أشتد الحر فأبردوا من الإبراد أي أخروا إلى أن يبرد الوقت يقال أبرد إذا دخل
في البرد كأظهر إذا دخل في الظهيرة ومثله في المكان أنجد إذا دخل في النجد وأتهم إذا دخل في
التهامة (عن الصلاة) في رواية البخاري بالصلاة قال الحافظ في الفتح كذا للأكثر والباء للتعدية
وقيل زائدة ومعنى أبردوا أخروا على سبيل التضمين أي أخروا الصلاة وفي رواية الكشميهني عن
الصلاة فقيل زائدة أيضا أو عن بمعنى الباء أو هي للمجاوزة أي تجاوزوا وقتها المعتاد إلى أن تنكسر
شدة الحر والمراد بالصلاة الظهر لأنها الصلاة التي يشتد الحر غالبا في أول وقتها وقد جاء صريحا
في حديث أبي سعيد انتهى قلت حديث أبي سعيد هذا أخرجه البخاري بلفظ أبردوا بالظهر فإن
شدة الحر من فيح جهنم (فإن شدة الحر من فيح جهنم) أي من سعة انتشارها وتنفسها ومنه
مكان أفيح أي متسع وهذا كناية عن شدة استعارها وظاهره أن مثار وهج الحر في الأرض من
فيح جهنم حقيقة وقيل هو من مجاز التشبيه أي كأنه نار جهنم في الحر والأول أولى ويؤيده
حديث أبي هريرة اشتكت النار إلى ربها فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف
قال صاحب العرف الشذي ما لفظه ههنا سؤال عقلي وهو أن التجربة أن شدة الحر
وضعفها بقرب الشمس وبعدها فكيف إن شدة الحر من فيح جهنم قال فنجيب بما يفيد في
مواضع عديدة وهو للأشياء أسباب ظاهرة وباطنة والباطنة تذكرها الشريعة والظاهرة لا تنفيها
الشريعة فكذلك يقال في الرعد والبرق والمطر ونهر جيحان وسيحان انتهى
قلت هذا الجواب إنما يتمشى فيما لا تخالف بين الأسباب الباطنة التي بينتها الشريعة وبين
الأسباب الظاهرة التي أثبتها أرباب الفلسفة القديمة أو الجديدة وأما إذا كان بينهما التخالف فلا
تفكر
414

قوله (وفي الباب عن أبي سعيد وأبي ذر وابن عمرو المغيرة والقاسم بن صفوان عن أبيه
وأبي موسى وابن عباس وأنس) أما حديث أبي سعيد فأخرجه البخاري وتقدم لفظه وأما حديث
أبي ذر فأخرجه الشيخان عنه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر فقال النبي
صلى الله عليه وسلم إبرد ثم أراد أن يؤذن فقال له أبرد حتى رأينا فئ التلول فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن شدة الحر من فيح
جهنم فإذا أشتد الحر فأبردوا بالصلاة وأما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري وابن ماجة وأما
حديث المغيرة فأخرجه أحمد وابن ماجة وأما حديث القاسم بن صفوان عن أبيه فأخرجه أحمد
والطبراني في الكبير مرفوعا بلفظ أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم قال في مجمع الزوائد
والقاسم بن صفوان وثقه ابن حبان وقال أبو حاتم القاسم بن صفوان لا يعرف إلا في هذا الحديث
انتهى وأما حديث أبي موسى فأخرجه النسائي وأما حديث ابن عباس فأخرجه البزار وفيه
عمرو بن صهبان وهو ضعيف وأما حديث أنس فأخرجه النسائي عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان
الحر أبرد بالصلاة وإذا كان البرد عجل وللبخاري نحوه كذا في المنتقى
قوله (وروى عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا ولا يصح) رواه أبو يعلي والبزار بلفظ قال
إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أبردوا بالصلاة إذا اشتد الحر فإن شدة الحر من فيح جهنم
الحديث وفيه محمد بن الحسن بن زبالة نسب إلى وضع الحديث كذا في مجمع الزوائد
قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة
قوله (قد اختار قوم من أهل العلم تأخير صلاة الظهر في شدة الحر وهو قول ابن المبارك
وأحمد وإسحاق) وهو قال أبي حنيفة قال محمد في موطئه بعد ذكر حديث أبي هريرة المذكور في
الباب بهذا نأخذ نبرد بصلاة الظهر في الصيف ونصلي في الشتاء حين تزول الشمس وهو قول أبي
415

حنيفة انتهى (وقال الشافعي إنما الإبراد بصلاة الظهر إذا كان مسجدا ينتاب أهله من البعد) من الانتياب أي يحضرون وأصل
الانتياب الحضور نوبا لكن المراد ههنا مطلق الحضور (فأما المصلي
وحده) أي الذي يصلي منفردا (والذي يصلي في مسجد قومه) ولا ينتاب من البعد (فالذي أحب
له) أي لكل من المصلي وحده والذي يصلي في مسجد قومه (أن لا يؤخر الصلاة في شدة الحر) لعدم المشقة عليه
لعدم تأذيه بالحر في الطريق (ومعنى من ذهب إلى تأخير الظهر في شدة الحر هو
أولى وأشبه بالاتباع) أي من ذهب إلى تأخير الظهر في شدة الحر لكل من المصلي مطلقا سواء كان
مصليا وحده أو في مسجد قومه أو ينتاب من البعد فمذهبه أولى واستدل له الترمذي بحديث أبي
ذر إذ فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر با براد في السفر وكان الصحابة رضي الله عنهم يجتمعون معه صلى الله عليه وسلم
في السفر ولا يحتاجون أن ينتابوا من البعد وفيه ما ستقف عليه (وأما ما ذهب إليه الشافعي) مبتدأ
وخبره فإن في حديث أبي ذر إلخ قال الحافظ في الفتح قال جمهور أهل العلم يستحب تأخير
الظهر في شدة الحر إلى أن يبرد الوقت وينكسر الوهج وخصه بعضهم بالجماعة فأما المنفرد
فالتعجيل في حقه أفضل وهذا قول أكثر المالكية والشافعي أيضا لكنه خصه بالبلد الحار وقيد
الجماعة بما إذا كانوا ينتابون مسجدا من بعد فلو كانوا مجتمعين أو كانوا يمشون في كن فالأفضل في
416

حقهم التعجيل والمشهور عن أحمد التسوية من غير تخصيص ولا قيد وهو قول إسحاق والكوفيين
وابن المنذر واستدل له الترمذي بحديث أبي ذر قال فلو كان الأمر على ما ذهب إليه الشافعي لم
يأمر بالإبراد لاجتماعهم في السفر وكانوا لا يحتاجون إلى أن ينتابوا من البعد
وتعقبه الكرماني بأن العادة في العسكر الكثير تفرقتهم في أطراف المنزل للتخفيف وطلب
الرعي فلا نسلم اجتماعهم في تلك الحالة انتهى وأيضا فلم تجر عادتهم باتخاذ خباء كبير يجمعهم
بل كانوا يتفرقون في ظلال الشجر وليس هناك كن يمشون فيه فليس في سياق الحديث ما يخالف ما
قاله الشافعي وغايته أنه استنبط من النص العام وهو الأمر بالإبراد معنى يخصصه وذلك جائز على
الأصح في الأصول لكنه مبني على أن العلة في ذلك تأذيهم بالحر في طريقهم وللمتمسك بعمومه
أن يقول العلة فيه تأذيهم بحر الرمضاء في جباههم حالة السجود ويؤيده حديث أنس كنا إذا
صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم بالظهائر سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر رواه أبو عوانة في صحيحه بهذا
اللفظ وأصله في مسلم وفي حديث أيضا في الصحيحين نحوه
والجواب عن ذلك أن العلة الأولى أظهر فإن الإبراد لا يزيل الحر عن الأرض انتهى كلام
الحافظ
قلت الظاهر عندي هو ما ذهب إليه الجمهور لإطلاق الحديث والله تعالى أعلم
تنبيه قال صاحب العرف الشذي هذا الموضع الذي اعترض فيه الترمذي على الشافعي
مع كونه مقلدا للشافعي انتهى
قلت قد بينا في المقدمة أن الإمام الترمذي لم يكن مقلدا للشافعي ولا لغيره واعتراضه هذا
أيضا يدل على أنه لم يكن مقلدا له فإنه ليس من شأن المقلد الاعتراض على إمامه المقلد وأيضا لو
كان الترمذي مقلدا للشافعي لقوى دلائله ومسالكه في جميع مواقع بيان المذاهب أو غالبها وضعف
دلائل غيره ومسالكه كما هو دأب المقلد ألا ترى أن صاحب الهداية كيف قوى دلائل إمامه الإمام
أبي حنيفة وزيف دلائل غيره من ابتداء الهداية إلى آخرها فتفكر وقد اعترف صاحب تتمة مسك
الذكي ههنا بأن الترمذي لم يكن شافعيا
قوله (نا أبو داود) هو سليمان بن داود الطيالسي (عن مهاجر أبي الحسن) التيمي مولاهم
الصائغ روى عن ابن عباس والبراء وعنه شعبة ومسعر وثقه أحمد وابن معين وغيرهما (عن زيد
417

بن وهب) الجهني الكوفي مخضرم ثقة جليل لم يصب من قال في حديثه خلل
قوله (فأراد أن يقيم) وفي رواية البخاري فأراد المؤذن أن يؤذن ورواه أبو عوانة بلفظ فأراد
بلال أن يؤذن وفيه ثم أمره فأذن وأقام قال الحافظ في الفتح ويجمع بينهما بأن إقامته كانت
لا تتخلف عن الأذان لمحافظته صلى الله عليه وسلم على الصلاة في أول الوقت فرواية فأراد بلال أن يقيم أي أن
يؤذن ثم يقيم ورواية فأراد أن يؤذن أي ثم يقيم انتهى (حتى رأينا فئ التلول) أي قال له أبرد فأبرد
حتى أن رأينا والفئ بفتح الفاء وسكون الياء بعدها همزة هو ما بعد الزوال من الظل والتلول
جمع التل بفتح المثناة وتشديد اللام كل ما اجتمع على الأرض من تراب أو رمل أو نحو ذلك وهي
في الغالب منبطحة غير شاخصة فلا يظهر لها ظل إلا إذا ذهب أكثر وقت الظهر وقد اختلف العلماء
في غاية الإبراد فقيل حتى يصير الظل ذراعا بعد ظل الزوال وقيل ربع قامة وقيل ثلثها
وقيل نصفها وقيل غير ذلك ونزلها المازري على اختلاف الأوقات والجاري على القواعد أنه يختلف باختلاف
الأحوال لكن يشترط أن لا يمتد إلى آخر الوقت كذا في فتح الباري
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود
باب ما جاء في تعجيل العصر
قوله (والشمس في حجرتها) الواو للحال والمراد بالشمس ضوءها والحجرة بضم المهملة
وسكون الجيم البيت أي والشمس باقية في داخل بيت عائشة (لم يظهر الفئ من حجرتها) أي لم
يرتفع الفئ أي ضوء الشمس من داخل بيتها على الجدار الشرقي قال الخطابي معنى الظهور
ههنا الصعود والعلو يقال ظهرت على الشئ إذا علوته ومنه قوله تعالى ومعارج عليها يظهرون
418

انتهى وقال النووي معناه التبكير بالعصر في أول وقتها وهو حين يصير ظل كل شئ
مثله وكانت الحجرة ضيقة العرصة قصيرة الجدار بحيث يكون طول جدارها أقل من مساحة
العرصة بشئ يسير فإذا صار ظل الجدار مثله دخل وقت العصر وتكون الشمس بعد في أواخر
العرصة لم يقع الفئ في الجدار الشرقي انتهى وقال الحافظ في الفتح والمستفاد من هذا الحديث
تعجيل صلاة العصر في أول وقتها وهذا هو الذي فهمته عائشة وكذا الراوي عنها عروة واحتج
به على عمر بن عبد العزيز في تأخيره صلاة العصر
وشذ الطحاوي فقال لا دلالة فيه على التعجيل لاحتمال أن الحجرة كانت قصيرة الجدار فلم
تكن الشمس تحتجب عنها إلا بقرب غروبها فيدل على التأخير لا على التعجيل
وتعقب بأن الذي ذكره من الاحتمال إنما يتصور مع اتساع الحجرة وقد عرف بالاستفاضة
والمشاهدة أن حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن متسعة ولا يكون ضوء الشمس باقيا في قعر الحجرة
الصغيرة إلا والشمس قائمة مرتفعة وإلا متى مالت ارتفع ضوؤها عن قاع الحجرة ولو كان الجدار
قصيرا انتهى كلام الحافظ
تنبيه قال صاحب العرف الشذي ناصرا للطحاوي ما لفظه ونقول أنه عليه السلام شرع
في التهجد وهو في حجرة واقتدى أصحابه خارجها فلا بد من كون الجدران قصيرة فإن معرفة
انتقالات الإمام شرط لصحته الاقتداء انتهى
قلت من انتقالات الإمام الانتقال من الجلوس إلى السجدة ومن السجدة إلى الجلوس
فيلزم أن تكون جدران الحجرة قدر الذراع فإن معرفة هذا الانتقال لا يعرف إلا إذا كان طولها
بنحوه وهذا كما ترى فإن قال يعرف هذا الانتقال بتكبيرات الانتقال قيل له فلا يلزم كون الجدر
قصيرة فإن انتقالات الإمام تعرف بتكبيرات الانتقالات ثم لا يثبت من مجرد كون جدران الحجرة
قصيرة تأخير العصر
ثم قال صاحب العرف الشذي ما لفظه قال الحافظ ههنا قال الطحاوي إن التغليس
بالفجر كان بسبب جدران الحجرة وكان في الواقع الإسفار وأقول إن الطحاوي لم يقل بما نقل
الحافظ فإن كلامه في الجدران في العصر لا الفجر انتهى
قلت لعل هذا لم ير كلام الحافظ ووهم واختلط عليه قول غيره فإن الحافظ لم ينقل عن
الطحاوي أن التغليس بالفجر كان بسبب الجدران فيالله العجب أن هذا الرجل مع غفلته
الشديدة ووهمه الفاحش كيف اجترأ على نسبة الوهم إلى الحافظ
419

قوله (وفي الباب عن أنس وأبي أروى وجابر ورافع بن خديج) أما حديث أنس فأخرجه
البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس
مرتفعة حية فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيهم والشمس مرتفعة وبعض العوالي من المدينة على
أربعة أميال ونحوه وأما حديث أبي أروى فأخرجه البزار بلفظ قال كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم
صلاة بالمدينة ثم اتي ذا الحليفة قبل أن تغيب الشمس وهي على قدر فرسخين ورواه أحمد
باختصار والطبراني في الكبير وفيه صالح بن محمد أبو واقد وثقه أحمد وضعفه يحيى بن معين
والدارقطني وجماعة كذا في مجمع الزوائد وأما حديث جابر فأخرجه الشيخان وفيه كان يصلي
الظهر بالهاجرة والعصر والشمس حية وأما حديث رافع بن خديج فأخرجه البخاري ومسلم
بلفظ قال كنا نصلي العصر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تنحر الجزور فتقسم عشر قسم ثم تطبخ فنأكل
لحما نضيجا قبل مغيب الشمس
قوله (ويروى عن رافع أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم في تأخير العصر ولا يصح) أخرجه الدارقطني
في سننه عن عبد الواحد بن نافع قال دخلت مسجد المدينة فأذن مؤذن بالعصر وشيخ جالس
فلامه وقال إن أبي أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بتأخير هذه الصلاة فسألت عنه فقالوا هذا
عبد الله بن رافع بن خديج ورواه البيهقي في سننه وقال قال الدارقطني فيما أخبرنا أبو بكر بن
الحارث هذا حديث ضعيف الإسناد والصحيح عن رافع ضد هذا وعبد الله بن رافع ليس بالقوي
ولم يروه عنه غير عبد الواحد ولا يصح هذا الحديث عن رافع ولا عن غيره من الصحابة وقال ابن
حبان عبد الواحد بن نافع يروي عن أهل الحجاز المقلوبات وعن أهل الشام الموضوعات لا يحل
ذكره في الكتاب إلا على سبيل القدح فيه انتهى ورواه البخاري في تاريخه الكبير في ترجمة عبد الله
بن رافع حدثنا أبو عاصم عن عبد الواحد بن نافع به وقال لا يتابع عليه يعني عبد الله بن رافع
والصحيح عن رافع غيره ثم أخرجه عن رافع قال كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العصر ثم تنحر
الجزور الحديث كذا في نصب الراية
420

قوله (وبه يقول عبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق) وبه يقول الليث والأوزاعي
وأهل المدينة وغيرهم يقولون إن تعجيل العصر أفضل وهو الحق يدل عليه أحاديث الباب وقال
محمد في الموطأ تأخير العصر أفضل عندنا من تعجيلها إذا صليتها والشمس بيضاء نقية لم تدخلها
صفرة وبذلك جاء عامة الآثار وهو قول أبي حنيفة انتهى وعلله صاحب الهداية وغيره من الفقهاء
الحنفية بأن في تأخيرها تكثير النوافل وقد رده صاحب التعليق الممجد وهو من العلماء الحنفية بأنه
تعليل في مقابلة النصوص الصحيحة الصريحة الدالة على أفضلية التعجيل وهي كثيرة مروية في
الصحاح الستة وغيرها انتهى وقد استدل العيني في البناية شرح الهداية على أفضلية التأخير
بأحاديث الأول ما أخرجه أبو داود عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه عن جده قال
قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فكان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية والثاني حديث
رافع بن خديج الذي أشار إليه الترمذي والثالث حديث أم سلمة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد
تعجيلا للظهر منكم وأنتم أشد تعجيلا للعصر منه أخرجه الترمذي في باب تأخير العصر الآتي
والرابع حديث أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس بيضاء وأجاب عن هذه الأحاديث
صاحب التعليق الممجد فقال ولا يخفى على الماهر ما في الاستناد بهذه الأحاديث أما الحديث
الأول فلا يدل إلا على أنه كان يؤخر العصر ما دام كون الشمس بيضاء وهذا أمر غير مستنكر فإنه
لم يقل أحد بعدم جواز ذلك والكلام إنما هو في فضيلة التأخير وهو ليس بثابت منه لا يقال هذا
الحديث يدل على أن التأخير كان عادته يشهد به لفظ كان لأنا نقول لو دل على ذلك لعارضه كثير
من الأحاديث القوية الدالة على أن عادته كانت التعجيل فالأولى أن لا يحمل هذا الحديث
على الدوام دفعا للمعارضة واعتبارا لتقديم الأحاديث القوية انتهى قلت حديث عبد الرحمن بن
علي بن شيبان ضعيف فإنه رواه عنه يزيد بن عبد الرحمن بن علي بن شيبان وهو مجهول كما صرح
به في التقريب والخلاصة والميزان فهذا الحديث الضعيف لا يصلح للاحتجاج قال وأما الحديث
الثاني فقد رواه الدارقطني عن عبد الواحد بن نافع فذكر بمثل ما ذكرنا عن نصب الراية قال وأما
الحديث الثالث فإنما يدل على كون التعجيل في الظهر أشد من التعجيل في العصر لا على
استحباب التأخير قال وأما الحديث الرابع فلا يدل أيضا على استحباب التأخير قلت بل هو
يدل على استحباب التعجيل فإن الطحاوي رواه هكذا عن أنس مختصرا ورواه أصحاب الكتب
421

الستة عنه بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس مرتعة حية فيذهب الذاهب إلى
العوالي فيأتيهم والشمس مرتفعة وبعض العوالي من المدينة على أربعة أميال أو نحوه فالعجب
من العيني أنه كيف استدل بهذه الأحاديث التي الأول والثاني منها ضعيفان لا يصلحان
للاستدال والثالث لا يدل على استحباب التأخير والرابع يدل على استحباب التعجيل وقد
استدل الإمام محمد على أفضلية التأخير بحديث القيراط وستعرف في الباب الآتي أن الاستدلال به
أيضا ليس بصحيح ولم أر حديثا صحيحا صريحا يدل على أفضلية تأخير العصر
تنبيه استدل صاحب العرف الشذي على تأخير صلاة العصر ما لفظه وأدلتنا كثيرة لا
استوعبها ومنها ما في أبي داود عن علي أن وقت الإشراق من جانب الطلوع مثل بقاء الشمس بعد
العصر ومن المعلوم أن وقت الإشراق يكون بعد ذهاب وقت الكراهة انتهى
قلت حديث علي هذا بهذا اللفظ ليس في أبي داود البتة ولا في كتاب من كتب الحديث
فعليه أن يثبت أولا كونه في أبي داود أو في كتاب آخر من كتب الحديث بهذا اللفظ المذكور ثم بعد
ذلك يستدل به ودونه خرط القتاد
ولو سلم أنه بهذا اللفظ موجود في كتاب من كتب الحديث فلا يثبت منه تأخير العصر ولا
يدل عليه وإنما يدل على أن وقت الإشراف في الامتداد والطول كوقت العصر ومن المعلوم أن ابتداء
وقت العصر إذا صار ظل الشئ كطوله وامتداده إلى الغروب كما أن من المعلوم أن ابتداء
الإشراق يكون بعد ذهاب وقت الكراهة ولا تعلق له بتأخير العصر ولا بتعجيله فتفكر
ولا تعجبوا من هؤلاء المقلدين أنهم كيف يتركون الأحاديث الصحيحة الصريحة في تعجيل
العصر وبتشبثون بمثل هذا الحديث فإن هذا من شأن التقليد
ثم قال ما لفظه ولنا حديث آخر حسن عن جابر بن عبد الله أخرجه أبو داود في سننه
وكذلك أخرجه الحافظ في الفتح إن الساعة المحمودة من الجمعة بعد العصر في الساعة الأخيرة
واليوم اثنا عشر ساعة وفي فتح الباري في موضع أن ما بعد العصر ربع النهار انتهى
قلت هذا الحديث أيضا ليس في سنن أبي داود بهذا اللفظ ثم لا تعلق له بتأخير العصر ولا
تعجيله وأما قول الحافظ فليس بحجة على أنه لا يدل على التأخير
قوله (حين انصرف) أي العلاء بن عبد الرحمن (وداره) أي دار أنس بن مالك (فقال قوموا
422

فصلوا العصر) وفي رواية مسلم فلما دخلنا عليه قال أصليتم العصر فقلنا له إنما انصرفنا الساعة
من الظهر قال فصلوا العصر (تلك صلاة المنافق) قال ابن الملك إشارة إلى مذكور حكما أي صلاة
العصر التي أخرت إلى الاصفرار وقال الطيبي إشارة إلى ما في الذهن من الصلاة المخصوصة
والخبر بيان لما في الذهن من الصلاة المخصوصة قال النووي فيه تصريح بذم تأخير صلاة العصر
بلا عذر لقوله صلى الله عليه وسلم جلس يرقب الشمس (يجلس يرقب الشمس) أي ينتظرها جملة استئنافية بيان
للجملة السابقة (حتى إذا كانت بين قرني الشيطان) أي قربت من الغروب قال السيوطي في
قوت المغتذي قيل هو على حقيقته وظاهره والمراد يحازيها بقرينة عند غروبها وكذا عند طلوعها لأن
الكفار يسجدون لها حينئذ فيقارنها ليكون الساجدون لها في صورة الساجدين له وقيل هو على
المجاز والمراد بقرنيه علوه وارتفاعه وسلطانه وغلبة أعوانه وسجود مطيعيه من الكفار للشمس
انتهى (فنقر أربعا) من نقر الطائر الحبة نقرا أي التقطها قال في النهاية يريد تخفيف السجود وأنه
لا يمكث فيه إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد أكله انتهى وقيل تخصيص الأربع بالنقر وفي
العصر ثمان سجدات اعتبارا بالركعات
تنبيه قال صاحب العرف الشذي ما لفظه قوله فنقر أربعا هذا يدل على وجوب تعديل
الأركان فإن الشريعة عدت السجدات الثمانية الخالية عن الجلسة أربع سجدات وعن أبي حنيفة
من ترك القومة أو الجلسة أخاف أن لا تجوز صلاته انتهى
قلت ومع هذا أكثر الأحناف ينقرون كنقر الديك ويتركون تعديل الأركان متعمدين بل
إذا رأوا أحدا يعدل الأركان تعديلا حسنا فيظنون أنه ليس على المذهب الحنفي فهداهم الله تعالى
إلى التعديل
تنبيه آخر قال صاحب العرف الشذي ما لفظه أعلم أن الأرض كروية اتفاقا فيكون
طلوع الشمس وغروبها في جميع الأوقات فقيل إن الشياطين كثيرة فيكون شيطان لبلد وشيطان
آخر لبلدة أخرى وهكذا وعلى كروية الأرض تكون ليلة القدر مختلفة وكذلك يكون نزول الله
تعالى أيضا متعددا وظني أن سجدة الشمس بعد الغروب تحت العرش لا تكون متعددة بل تكون
بعد دورة واحدة لا حين كل من الغوارب المختلفة بحسب تعدد البلاد انتهى
423

قلت إن أراد بقوله أن الأرض كروية اتفاقا أن جميع أئمة الدين من السلف والخلف متفقون
على كروية الأرض وقائلون بها فهذا باطل بلا مرية وإن أراد به اتفاق أهل الفلسفة وأهل الهيئة
فهذا مما لا يلتفت إليه ثم ما فرع على كروية الأرض ففيه أنظار وخدشات فتفكر
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي
باب ما جاء في تأخير صلاة العصر
قوله (وأنتم أشد تعجيلا للعصر منه) قال الطيبي ولعل هذا الإنكار عليهم بالمخالفة
انتهى قال القاري إن الخطاب لغير الأصحاب قال وفي الجملة يدل الحديث على استحباب
تأخير العصر كما هو مذهبنا انتهى قلت ليس فيه دلالة على استحباب تأخير العصر نعم فيه أن
الذين خاطبتهم أم سلمة كانوا أشد تعجيلا للعصر منه صلى الله عليه وسلم وهذا لا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يؤخر
العصر حتى يستدل به على استحباب تأخير العصر وقال الفاضل اللكنوي في التعليق الممجد
هذا الحديث إنما يدل على أن التعجيل في الظهر أشد من التعجيل في العصر لا على استحباب
التأخير انتهى وقد تقدم كلامه هذا فيما تقدم وقال صاحب العرف الشذي ما لفظه حديث
الباب ظاهره مبهم والتأخير ههنا إضافي وإطلاق الألفاظ الإضافية ليست بفاصلة انتهى ثم قال
بعد هذا الاعتراف نعم يخرج شئ لنا انتهى
قلت لا يخرج لكم شئ من هذا الحديث أيها الأحناف كيف وظاهره مبهم والتأخير فيه
إضافي وأطلق فيه اللفظ الإضافي وهو ليس بفاصل وقد ثبت بأحاديث صحيحة صريحة
استحباب التعجيل وقد استدل الحنفية على استحباب تأخير العصر بهذا الحديث وبأحاديث
أخرى قد ذكرتها في الباب المتقدم ولا يصح استدلالهم بواحد منها كما عرفت وقد استدل محمد في
424

آخر موطئه على ذلك بحديث القيراط وهو ما رواه من طريق مالك عن عبد الله بن دينار أن
عبد الله بن عمر أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما أجلكم فيما خلا من الأمم كما بين صلاة العصر
إلى مغرب الشمس وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالا فقال من يعمل إلى
نصف النهار على قيراط قيراط قال فعملت اليهود ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى العصر
على قيراط قيراط فعملت النصارى إلى قيراط قيراط ثم قال من يعمل لي من صلاة العصر إلى
مغرب الشمس على قيراطين قيراطين ألا فأنتم الذين يعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس
على قيراطين قيراطين قال فغضب اليهود والنصارى وقالوا نحن أكثر عملا وأقل عطاء قال هل
ظلمتكم من حقكم شيئا قالوا لا قال فإنه فضلي أعطيه من شئت قال محمد بعد إخراجه ما
لفظه هذا الحديث يدل على أن تأخير العصر أفضل من تعجيلها ألا ترى أنه جعل ما بين الظهر
إلى العصر أكثر مما بين العصر إلى المغرب في هذا الحديث ومن عجل العصر كان ما بين الظهر إلى
العصر أقل مما بين العصر إلى المغرب فهذا يدل على تأخير العصر تأخير العصر أفضل من تعجيلها
ما دامت الشمس بيضاء نقية لم تخالطها صفرة وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا انتهى
كلامه
قلت هذا الحديث ليس بصريح في استحباب تأخير العصر قال صاحب التعليق الممجد
واستنبط أصحابنا الحنفية أمرين
أحدهما ما ذكره أبو زيد الدبوسي في كتابه الأسرار وتبعه الزيلعي شارح الكنز وصاحب
النهاية شارح الهداية وصاحب البدائع وصاحب مجمع البحرين في شرحه وغيرهم أن وقت الظهر
من الزوال إلى صيرورة ظل كل شئ مثليه ووقت العصر منه إلى الغروب كما هو رواية عن إمامنا
أبي حنيفة وأفتى به كثير من المتأخرين
ووجه الاستدلال به بوجوه كلها لا تخلو عن شئ أحدها أن قوله صلى الله عليه وسلم إنما أجلكم فيما
خلاكما بين الصلاة العصر إلى مغرب الشمس يفيد قلة زمان هذه الأمة بالنسبة إلى زمان من خلا
وزمان هذه الأمة هو مشبه بما بين العصر إلى المغرب فلا بد أن يكون هذا الزمان قلي من زمان
اليهود أي من الصبح إلى الظهر ومن زمان النصارى أي من الظهر إلى العصر ولن تكون القلة
بالنسبة إلى زمان النصارى إلا إذا كان ابتداء وقت العصر من حين صيرورة الظل مثليه فإنه حينئذ
يريد وقت الظهر أي من الزوال إلى المثلين على وقت العصر من المثلين إلى الغروب وأما إن كان
ابتداء العصر حين المثل فيكونان متساويين
وفيه
ما ذكره في فتح الباري وبستان المحدثين وشرح القاري وغيرها
425

أما أولا فلأن لزوم المساواة على تقدير المثل ممنوعة فإن المدة بين الظهر والعصر لو كان بمصير
ظل كل شئ مثله يكون أزيد بشئ من ذلك الوقت إلى الغروب على ما هو محقق عند الرياضيين
إلا أن يقال هذا التفاوت لا يظهر إلا عند الحساب والمقصود من الحديث تفهيم كل أحد
وأما ثانيا فلأن المقصود من الحديث مجرد التمثيل ولا يلزم في التمثيل التسوية من كل
وجه
وأما ثالثا فلأن قلة مدة هذه الأمة إنما هي بالنسبة إلى مدتي مجموع اليهود والنصاري لا
بالنسبة إلى كل أحد وهو حاصل على كل تقدير
وأما رابعا فلأنه يحتمل أن يراد بنصف النهار في الحديث نصف النهار الشرعي وحينئذ فلا
يستقيم الاستدلال
وأما خامسا فإنه ليس في الحديث إلا أن ما بين صلاة العصر إلى الغروب أقل من الزوال إلى
العصر ومن المعلوم أن صلاة العصر لا يتحقق في أول وقته غالبا فالقلة حاصلة على كل تقدير وإنما يتم
مرام المستدل إن تم لو كان لفظ الحديث ما بين وقت العصر إلى الغروب وإذ ليس فليس
وثانيها أن قول النصاري نحن أكثر عملا لا يستقيم إلا بقلة زمانهم ولن تكون القلة إلا في
صورة المثلين وفيه ما مر سابقا وآنفا
وثالثها ما نقله العيني أنه جعل لنا النبي صلى الله عليه وسلم من زمان الدنيا في مقابلة من كان قبلنا من الأمم
بقدر ما بين صلاة العصر إلى الغروب وهو يدل على أن بينهما أقل من ربع النهار لأنه لم يبق من
الدنيا ربع الزمان لحديث بعثت أنا الساعة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى فنسبة ما بقي من
الدنيا إلى قيام الساعة مع ما بعض مقدار ما بين السبابة والوسطى قال السهيلي وبينهما نصف سبع
لأن الوسطى ثلاثة أسباع كل مفصل منها سبع وزيادتها على السبابة نصف سبع انتهى
وفيه أيضا ما مر سالفا ثم لا يخفى على المستيقظ أن المقصود من الحديث ليس إلا التمثيل
والتفهيم فالاستدلال لو تم بجميع تقاديره لم يخرج تقدير وقت العصر بالمثلين إلا بطريق الإشارة
426

وهناك أحاديث صحيحة صريحة دالة على مضي وقت الظهر ودخول وقت العصر بالمثل ومن المعلوم
أن العبارة مقدمة على الإشارة وقد مر معنا ما يتعلق بهذا المقام في صدر الكلام
الأمر الثاني ما ذكره صاحب الكتاب من أن هذا الحديث يدل على أن تأخير العصر أي من
أول وقتها أفضل من تعجيلها قال بعض أعيان متأخري المحدثين في بستان المحدثين ما معربه ما
استنبطه محمد من هذا الحديث صحيح وليس مدلول الحديث إلا أن ما بين صلاة العصر إلى
الغروب أقل من نصف النهار إلى العصر ليصح قلة العمل وكثرته وهذا لا يحصل إلا بتأخير
العصر من أول الوقت انتهى ثم ذكر كلاما مطولا محصله الرد على من استدل به في باب المثلين
وقد ذكرنا خلاصته
ولا يخفي أن هذا أيضا إنما يصح إذا كان الأكثرية لكل من اليهود والنصارى وإلا فلا كما
ذكرنا مع أنه إن صح فليس هو إلا بطريق الإشارة والأحاديث على التعجيل بالعبارة مقدمة عليه
عند أرباب البصيرة انتهى كلام الفاضل اللكنوي
باب ما جاء في وقت المغرب
قوله (نا حاتم بن إسماعيل) المدني كوفي الأصل قال في التقريب صحيح الكتاب صدوق
يهم انتهى وقال في الخلاصة قال ابن سعيد كان ثقة مأمونا كثير الحديث انتهى
قلت هو من رجال الكتب الستة (عن يزيد بن أبي عبيد) الأسلمي مولى سلمة بن الأكوع
ثقة من الرابعة كذا في التقريب (وتوارت بالحجاب) هذا تفسير للجملة الأولى أعني إذا غربت
الشمس والحديث يدل على أن وقت المغرب يدخل عند غروب الشمس وهو مجمع عليه (وفي
الباب عن جابر وزيد بن خالد وأنس ورافع بن خديج وأبي أيوب وأم حبيبة وعباس بن عبد
المطلب) أما حديث جابر فأخرجه أحمد وأما حديث زيد بن خالد فأخرجه الطبراني وأما حديث
427

أنس فأخرجه أحمد وأبو داود وأما حديث رافع بن خديج فأخرجه البخاري ومسلم وأما حديث
أبي أيوب فأخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وأما حديث أم حبيبة فلينظر من أخرجه وأما حديث
عباس بن عبد المطلب فأخرجه ابن ماجة
قوله (حديث سلمة بن الأكوع حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا النسائي
قوله (اختاروا تعجيل صلاة المغرب) لحديث الباب ولحديث رافع بن خديج كنا نصلي
المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله متفق عليه ولحديث عقبة بن عامر
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تزال أمتي بخير أو على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم رواه
أحمد وأبو داود (حتى قال بعض أهل العلم ليس لصلاة المغرب إلا وقت واحد) قد اختلف السلف
في صلاة المغرب هل هي ذات وقت أو وقتين فقال الشافعي وابن المبارك إنه ليس لها إلا وقت
واحد وهو أول الوقت وقال الأكثرون هي ذات وقتين أول الوقت هو غروب الشمس وآخره
ذهاب الشفق الأحمر تمسك الشافعي وابن المبارك بحديث جبريل فإن فيه ثم صلى المغرب لوقته
الأول وتمسك الأكثرون بحديث عبد الله بن عمرو فإن فيه وقت صلاة المغرب ما لم يسقط ثور
الشفق رواه مسلم وغيره وبحديث أبي موسى فإن فيه ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط
الشفق رواه مسلم وغيره وقول الأكثرين هو الحق وأما حديث جبريل فإنه كان بمكة وهذان
الحديثان متأخران عنه ومتضمنان لزيادة قال النووي في شرح مسلم تحت حديث عبد الله بن
عمرو هذا الحديث وما بعده من الأحاديث صريح في أن وقت المغرب يمتد إلى غروب الشفق
وهذا أحد القولين في مذهبنا وهو ضعيف عند جمهور نقلة مذهبنا وقالوا الصحيح أنه ليس لها إلا
وقت واحد وهو عقب غروب الشمس بقدر ما يطهر ويستر عورته ويؤذن ويقيم فإن أخر الدخول
في الصلاة عن هذا الوقت أثم وصارت قضاء وذهب المحققون من أصحابنا إلى ترجيح القول
428

بجواز تأخيرها ما لم يغب الشفق وأنه يجوز ابتداؤها في كل وقت من ذلك ولا يأثم بتأخيرها عن أول
الوقت وهذا هو الصحيح والصواب الذي لا يجوز غيره
والجواب عن حديث جبريل حين صلى المغرب في اليومين في وقت واحد حين غربت
الشمس من ثلاثة أوجه أحدها أنه اقتصر على بيان وقت الاختيار ولم يستوعب وقت الجواز
وهذا جار في كل الصلاة سوى الظهر والثاني أنه متقدم في أول الأمر بمكة وهذه الأحاديث
بامتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق متأخرة في أواخر الأمر بالمدينة فوجب اعتمادها والثالث أن
هذه الأحاديث أصح إسنادا من حديث بيان جبريل عليه السلام فوجب تقديمها انتهى كلام
النووي
باب ما جاء في وقت صلاة العشاء الآخرة
وقد تقدم في حديث جبريل وغيره أن أول وقتها حين يغيب الشفق وهو مجمع عليه وأما اخر
وقتها فالثابت من الأحاديث الصحيحة الصريحة أنه إلى نصف الليل ففي حديث عبد الله بن
عمرو فإذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى نصف الليل رواه مسلم وفي حديث أبي هريرة الذي
تقدم وإن آخر وقتها حين ينتصف الليل ويفهم من حديث أبي قتادة إنما التفريط على من لم يصل
الصلاة حتى يجئ وقت الصلاة الأخرى رواه مسلم أن آخر وقتها إلى طلوع الفجر قال النووي
قوله فإنه وقت إلى نصف الليل معناه وقت لأدائها اختيارا وأما وقت الجواز فيمتد إلى طلوع
الفجر لحديث أبي قتادة عند مسلم إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجئ وقت الصلاة
الأخرى وقال الإصطخري إذا ذهب نصف الليل صارت قضاء ودليل الجمهور حديث أبي قتادة
المذكور انتهى كلام النووي قال الحافظ في الفتح عموم حديث أبي قتادة مخصوص بالإجماع في
الصبح وعلى قول الشافعي الجديد في
المغرب فللإصطخري أن يقول إنه مخصوص بالحديث
المذكور وغيره من الأحاديث في العشاء قال ولم أر في امتداد وقت العشاء إلى طلوع الفجر حديثا
صريحا يثبت انتهى
429

تنبيه ذكر النيموي في آثار السنن أثرين يدلان على أن وقت العشاء إلى طلوع الفجر
أحدهما أثر أبي هريرة عن عبيد بن جريج أنه قال لأبي هريرة ما إفراط صلاة العشاء قال طلوع
الفجر رواه الطحاوي وثانيهما أثر عمر عن نافع بن جبير قال كتب عمر إلى أبي موسى وصل
العشاء أي الليل شئت ولا تغفلها رواه الطحاوي ورجاله ثقات ثم قال دل الحديثان على أن وقت
العشاء يبقى بعد مضي نصف الليل إلى طلوع الفجر ولا يخرج بخروجه فبالجمع بين الأحاديث
كلها يثبت أن وقت العشاء من حين دخوله إلى نصف الليل أفضل وبعضه أولى من بعض وأما
بعد نصف الليل فلا يخلو من الكراهة انتهى وقال الحافظ الزيلعي في نصب الراية ص 122
تكلم الطحاوي في شرح الآثار ههنا كلاما حسنا ملخصه أنه قال يظهر من مجموع الأحاديث أن
اخر وقت العشاء حين يطلع الفجر وذلك أن ابن عباس وأبا موسى والخدري رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم
أخرها إلى ثلث الليل وروى أبو هريرة وأنس أنه أخرها حتى انتصف الليل وروى ابن عمر أنه
أخرها حتى ذهب سدس الليل وروت عائشة أن أعتم بها حتى ذهب عامة الليل وكل هذه
الروايات في الصحيح قال فثبت بهذا أن الليل كله وقت لها ولكنه على أوقات ثلاثة فأما من
حين يدخل وقتها إلى أن يمضي ثلث الليل فأفضل وقت صليت فيه وأما بعد ذلك إلى أن يتم
نصف الليل ففي الفضل دون ذلك وأما بعد نصف الليل فدونه ثم ساق بسنده عن نافع بن
جبير قال كتب عمر إلى أبي موسى وصل العشاء أي الليل شئت ولا تغفلها ولمسلم في قصة
التعريس عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس في النوم تفريط إنما التفريط أن يؤخر صلاة حتى
يدخل وقت الأخرى فدل على بقاء الأولى إلى أن يدخل وقت الأخرى وهو طلوع الثاني انتهى
قلت لا شك في أن كلام الطحاوي هذا حسن لو كان في هذا حديث مرفوع صحيح
ولكن لم أجد حديثا مرفوعا صحيحا أما حديث أبي قتادة المرفوع فقد عرفت فيما تقدم أن عمومه
مخصوص بالإجماع في الصبح فلقائل أن يقول إنه مخصوص بحديث عبد الله بن عمرو بن
العاص وما في معناه وأما حديث عائشة المرفوع أنه أعتم بها حتى ذهب عامة الليل فليس المراد
بعامة الليل أكثره كما زعم الطحاوي وغيره بل المراد كثير منه قال النووي في شرح مسلم قوله
في رواية عائشة إنه أعتم بها حتى ذهب عامة الليل أي كثير منه وليس المراد أكثر ولا بد من هذا
التأويل لقوله صلى الله عليه وسلم إنه لوقتها ولا يجوز أن يكون المراد بهذا القول ما بعد نصف الليل لأنه لم يقل أحد
من العلماء إن تأخيرها إلى ما بعد نصف الليل أفضل انتهى وأما الحديثان الذان ذكرهما النيموي
فهما ليسا مرفوعين بل أحدهما قول عمر وفي سنده حبيب بن أبي ثابت وعليه مداره وهو مدلس
ورواه عن نافع بن جبير بالعنعنة قال الحافظ ابن حجر في طبقات المدلسين حبيب بن أبي ثابت
430

الكوفي تابعي مشهور يكثر التدليس وثانيهما قول أبي هريرة فيحتمل أنه قال به بناء على عموم
حديث أبي قتادة والله تعالى أعلم وقال ابن العربي في عارضة الأحوذي لا خلاف بين الأمة أن
أول وقت صلاة العشاء غروب الشفق واختلفوا في آخرها فمنهم من قال إلى ثلث الليل قال به
مالك والشافعي ومنهم من قال إنه إلى شطر الليل قاله ابن حبيب وأبو حنيفة وقد ثبت عن
النبي صلى الله عليه وسلم فع أنه أخرها إلى شطر الليل وقولا له قال وقت العشاء إلى شطر الليل في صحيح
مسلم فلا قول بعد هذا والله أعلم انتهى كلام ابن العربي
قوله (عن أبي بشر) بن أبي إياس ابن أبي وحشية ثقة من أثبت الناس في سعيد بن جبير
وضعفه شعبة في حبيب بن سالم وفي مجاهد قاله الحافظ في التقريب (عن بشير بن ثابت) الأنصاري
مولاهم بصري ثقة وقال ابن حبان وهم من قال فيه بشر بغيرياء (عن حبيب بن سالم) الأنصاري
مولى النعمان بن بشير وكاتبه لا بأس به من أوساط التابعين
قوله (أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة) هذا من باب التحديث بنعمة الله عليه بزيادة
العلم مع ما فيه من حمل
السامعين على اعتماد مرويه ولعل وقوع هذا القول منه بعد موت غالب
أكابر الصحابة وحفاظهم الذين هم أعلم بذلك منه (لسقوط القمر) أي وقت غروبه أو سقوطه
إلى الغروب (لثالثة) أي في ليلة ثالثة من الشهر
قوله (عن أبي عوانة بهذا الإسناد) أي بالإسناد المتقدم وحديث النعمان بن بشير المذكور
431

أخرجه أبو داود والنسائي والدارمي قال ابن العربي حديث النعمان صحيح وإن لم يخرجه الإمامان
فإن أبا داود أخرجه عن مسدد والترمذي عن أبي عوانة عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية عن
بشير بن ثابت عن حبيب بن سالم فأما حبيب بن سالم مولى النعمان بن بشير فقال أبو حاتم هو
ثقة وأما بشير بن ثابت فقال يحيى بن معين إنه ثقة ولا كلام فيمن دونهما وإن كان هشيم قد
رواه عن أبي بشير عن حبيب بن سالم بإسقاط أبي بشير وما ذكرناه أصح وكذلك رواه شعبة وغيره
وخطأ من أخطأ في الحديث لا يخرجه عن الصحة انتهى كلام ابن العربي
باب ما جاء في تأخير العشاء الآخرة
قوله (لولا أن أشق) من المشقة أي لولا خشية وقوع المشقة عليهم (لأمرتهم) أي وجوبا (إلى
ثلث الليل أو نصفه) قيل إلى ثلث الليل أي في الصيف أو نصف الليل أي في الشتاء ويحتمل
التنويع وهو الأظهر ويحتمل الشك من الراوي
قوله (وفي الباب عن جابر بن سمرة وجابر بن عبد الله وأبي برزة وابن عباس وأبي سعيد
الخدري وزيذ بن خالد وابن عمر) أما حديث جابر فأخرجه أحمد ومسلم والنسائي بلفظ كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخر العشاء الآخرة وأما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه الشيخان وأما
حديث أبي برزة فأخرجه الجماعة ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن يؤخر العشاء التي يدعونها
العتمة وأما حديث ابن عباس فأخرجه البخاري وله حديث اخر في تأخير العشاء عند الطبراني
في الكبير ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وأما حديث أبي سعيد الخدري فأخرجه أحمد وأبو داود
وأما حديث ابن عمر فأخرجه مسلم
432

قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وابن ماجة
قوله (وهو الذي اختاره أكثر أهل العلم إلخ) لأحاديث الباب وهي كثيرة لكن قال ابن
بطال ولا يصلح ذلك الان للأئمة لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بالتخفيف وقال إن فيهم الضعيف وذا الحاجة
فترك التطويل عليهم في الانتظار أولى قال الحافظ في الفتح بعد نقل كلام ابن بطال هذا ما
لفظه وقد روى أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وغيرهم من حديث أبي سعيد الخدري
صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العتمة فلم يخرج حتى مضى نحو من شطر الليل الحديث وفيه ولولا
ضعف الضعيف وسقم السقيم وحاجة ذي الحاجة لأخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل ثم ذكر
الحافظ حديث أبي هريرة المذكور في الباب ثم قال فعلى هذا من وجد به قوة على تأخيرها ولم يغلبه
النوم ولم يشق على أحد من المأمومين فالتأخير في حقه أفضل وقد قرر النووي ذلك في شرح
مسلم وهو اختيار كثير من أهل الحديث من الشافعية وغيرهم والله أعلم ونقل ابن المنذر عن
الليث وإسحاق أن المستحب تأخير العشاء إلى قبل الثلث وقال الطحاوي يستحب إلى الثلث وبه
قال مالك وأحمد وأكثر الصحابة والتابعين وهو قول الشافعي في الجديد وقال في القديم التعجيل
أفضل وكذا قال في الإملاء وصححه النووي وجماعة وقالوا إنه مما يفتى به على القديم وتعقب بأنه
ذكره في الإملاء وهو من كتبه الجديدة والمختار من حيث الدليل أفضلية التأخير ومن حيث النظر
التفصيل والله أعلم انتهى كلام الحافظ
باب ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء والسمر بعدها
السمر بالتحريك هو الحديث بالليل قال في مجمع البحار روي بفتح الميم من المسامرة فهي
الحديث بالليل وبسكونها فهو مصدر وأصل السمر لون ضوء القمر لأنهم كانوا يتحدثون فيه
انتهى
433

قوله (نا هشيم) بالتصغير ابن بشير بوزن عظيم السلمي أبو معاوية الواسطي قال يعقوب
الدورقي كان عند هشيم عشرون ألف حديث قال العجلي ثقة يدلس (أنا عوف) ابن أبي جميلة
المعروف بالأعرابي ثقة (قال أحمد) هو ابن منيع (ونا عباد بن عباد هو المهلبي وإسماعيل بن علية
جميعا) أي عباد بن عباد وإسماعيل بن علية كلاهما (عن عون) كذا في النسخ المطبوعة بالنون
والظاهر أنه تصحيف من الكاتب والصحيح عوف بالفاء وهو ابن أبي جميلة الأعرابي والله أعلم
ومقصود الترمذي بهذا أن لأحمد بن منيع ثلاثة شيوخ هشيم وعباد بن عباد وإسماعيل بن علية
فروى هشيم هذا الحديث عن عوف بلفظ أخبرنا ورواه عباد وإسماعيل بن علية عن عوف بلفظ
عن وإنما نبه الترمذي على هذا الفرق لأن هشيما مدلس وهشيم هذا هو هشيم بن بشير مشهور
بالتدليس قال ابن سعد ثقة حجة إذا قال أنا وعباد بن عباد المهلبي هو ابن حبيب بن المهلب أبو
معاوية البصري ثقة ربما وهم
تنبيه اعلم أن صاحب العرف الشذي لم يقف على مقصود الترمذي ولم يفهم هذا المقام
وظن لفظ عن عون صحيحا فإنه قال ما لفظه قوله وقال أحمدنا عباد بن إلخ ههنا تحويل والمراد
سيار انتهى
قلت ليس المراد سيارا بل المراد عوف ثم قال قوله جميعا عن عون المراد من الجميع هو
عوف وعباد وإسماعيل انتهى
قلت ليس كذلك بل المراد من الجميع هو عباد وإسماعيل فتفكر (عن سيار بن سلامة) بفتح
السين وشدة التحتانية الرياحي البصري ثقة (عن أبي برزة) اسمه نضلة ابن عبيد الأسلمي
صحابي مشهور بكنيته أسلم قبل الفتح وغزا سبع غزوات ثم نزل البصرة وغزا خراسان ومات بها
سنة 56 خمس وستين
قوله (يكره النوم قبل العشاء) لأن النوم قبلها قد يؤدي إلى إخراجها عن وقتها مطلقا أو
عن الوقت المختار (والحديث بعدها) لأن الحديث بعدها قد يؤدي إلى النوم عن الصبح عن وقتها
المختار أو عن قيام الليل وكان عمر بن الخطاب يضرب الناس على ذلك ويقول أسمرا أول الليل
434

ونوما آخره وإذا تقرر أن علة النهي ذلك فقد يفرق فارق بين الليالي الطوال والقصار ويمكن أن
تحمل الكراهة على الإطلاق حسما للمادة لأن الشئ إذا شرع مظنة قد يستمر فيصير مئنة كذا في
فتح الباري
قوله (وفي الباب عن عائشة وعبد الله بن مسعود وأنس) أما حديث عائشة فأخرجه ابن
ماجة بلفظ ما نام رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل العشاء وسمر بعدها
وأما حديث ابن مسعود فأخرجه ابن ماجة بلفظ جدب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم السمر بعد
العشاء يعني زجرنا وأما حديث أنس فلم أقف عليه وفي الباب أيضا عن ابن عباس رواه
القاضي أبو الطاهر الذهلي
قوله (حديث أبي برزة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة
قوله (وقد كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء ورخص في ذلك بعضهم إلخ) قال
الحافظ في الفتح بعد ذكر قول الترمذي هذا ما لفظه ومن نقلت عنه الرخصة قيدت في أكثر
الروايات بما إذا كان له من يوقظه أو عرف من عادته أنه لا يستغرق وقت الاختيار بالنوم وهذا
جيد حيث قلنا إن علة النهي خشية خروج الوقت وحمل الطحاوي الرخصة على ما قبل دخول
وقت العشاء والكراهة على ما بعد دخوله انتهى كلام الحافظ
قلت احتج من قال بالكراهة بأحاديث الباب واحتج من قال بالجواز بدون كراهة بما
أخرجه البخاري وغيره من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتم بالعشاء حتى ناداه عمر نام
النساء والصبيان ولم ينكر عليهم وبحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شغل عنها ليلة حتى رقدنا
في المسجد ثم استيقظنا ثم رقدنا ثم استيقظنا ثم خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليهم
قال ابن سيد الناس وما أرى هذا من هذا الباب ولا نعاسهم في المسجد وهم في انتظار
435

الصلاة من النوم المنهي عنه وإنما هو من السنة التي هي مبادئ النوم كما قال
وسنان أقصده النعاس فرنقت في جفنه سنة وليس بنائم
وقد أشار الحافظ في الفتح إلى الفرق بين هذا النوم والنوم المنهي عنه كذا في النيل
باب ما جاء في الرخصة في السمر بعد العشاء
قوله (يسمر) بضم الميم من باب نصر ينصر (في الأمر من أمر المسلمين) فيه دلالة على عدم
كراهة السمر بعد العشاء إذا كان لحاجة دينية عامة أو خاصة وسيأتي وجه الجمع بينه وبين حديث
أبي برزة الذي تقدم في الباب المتقدم
قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وأوس بن حذيفة وعمران بن حصين) أما حديث
عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة ولفظه كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن بني
إسرائيل حتى يصبح لا يقوم إلا عظيم صلاة وأما حديث أوس بن حذيفة وحديث عمران بن
حصين فلم أقف عليهما
قوله (حديث عمر حديث حسن) قلت هذا الحديث منقطع لأنه ليس لعلقمة سماع من
عمرو أخرجه أحمد والنسائي أيضا وقال الحافظ في الفتح رجاله ثقات انتهى قال في النيل وإنما
قصر به عن التصحيح الانقطاع الذي فيه بين علقمة وعمر انتهى (وقد روى هذا الحديث
الحسن بن عبيد الله) بن عروة النخعي أبو عروة الكوفي ثقة فاضل روى عن إبراهيم بن يزيد
وإبراهيم بن سويد النخعيين وإبراهيم بن يزيد التيمي وغيرهم وعنه شعبة والسفيانان وزائدة
436

وغيرهم قال ابن معين ثقة صالح وقال العجلي وأبو حاتم والنسائي ثقة وقال عمرو بن علي مات
سنة 931 وقيل سنة 241 كذا في التقريب وتهذيب التهذيب (عن رجل من جعفي يقال قيس أو
ابن قيس) قال الحافظ في تهذيب التهذيب قيس بن مروان وهو ابن أبي قيس الجعفي الكوفي
روى عن عمر حديث من أراد أن يقرأ القرآن رطبا الحديث وعنه خيثمة بن عبد الرحمن
وعلقمة بن قيس وعمارة بن عمير وقرثع الضبي ذكره ابن حبان في الثقات انتهى وقال في
التقريب قيس بن أبي قيس مروان الجعفي الكوفي صدوق من الثانية انتهى (عن عمر عن النبي
صلى الله عليه وسلم هذا الحديث في قصة طويلة) رواه أحمد في مسنده ص 52 ج 1 ففيه حدثنا عبد الله حدثني
أبو معاوية ثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه وهو بعرفة
قال معاوية وحدثنا الأعمش عن خيثمة عن قيس بن مروان أنه أتى عمر رضي الله عنه فقال جئت
يا أمير المؤمنين من الكوفة وتركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلبه فغضب وانتفخ حتى كان
يملأ ما بين شعبتي الرجل فقال ومن هو ويحك قال عبد الله بن مسعود فما زال يطفأ ويسرى
عنه الغضب حتى كاد يعود إلى حاله التي كان عليها ثم قال ويحك والله ما أعلمه بقي من الناس
أحد هو أحق بذلك منه وسأحدثك عن ذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال يسمر عند أبي بكر
رضي الله عنه الليلة كذاك في الأمر من أمر المسلمين وإنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه فخرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع قراءته فلما كدنا نعرفه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سره أن يقرأ القران رطبا كما
أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد الحديث
قوله (وقد أختلف أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم في السمر بعد
العشاء فكره قوم منهم السمر بعد العشاء) واحتجوا بأحاديث المنع عن السمر بعد العشاء
(ورخص بعضهم إذا كان في معنى العلم وما لا بد من الحوائج وأكثر الحديث على الرخصة)
واحتجوا بأحاديث الباب التي تدل على الرخصة وقالوا حديث عمر وما في معناه يدل على عدم
كراهة السمر بعد العشاء إذا كان لحاجة دينية عامة أو خاصة وحديث أبي برزة وما في معناه يدل
437

على الكراهة وطريق الجمع بينهما أن تحمل أحاديث المنع على السمر الذي لا يكون لحاجة دينية ولا
لما بد من الحوائج وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه باب السمر في العلم قال العيني في
شرح البخاري نبه على أن السمر المنهي عنه إنما هو فيما لا يكون من الخير وأما السمر بالخير فليس
بمنهى بل هو مرغوب فيه انتهى
قلت هذا الجمع هو المتعين
قوله (وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا سمر إلا لمصل أو مسافر) قال الحافظ في الفتح
أما حديث لا سمر إلا لمصل أو مسافر فهو عند أحمد بسند فيه راو مجهول وقال الشوكاني في النيل
ص 316 وقد أخرج الإمام أحمد والترمذي عن ابن مسعود لا سمر بعد الصلاة يعني العشاء
الآخرة إلا لأحد رجلين مصل أو مسافر ورواه الحافظ ضياء الدين المقدسي في الأحكام من
حديث عائشة مرفوعا بلفظ لا سمر إلا لثلاثة مصل أو مسافر أو عروس انتهى وفي مجمع
الزوائد بعد ذكر حديث ابن مسعود رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط فأما أحمد
وأبو يعلى فقالا عن خيثمة عن رجل عن ابن مسعود وقال الطبراني عن خيثمة عن زياد بن حدير
ورجال الجميع ثقات وعند أحمد في رواية عن خيثمة عن عبد الله بإسقاط الرجل انتهى
باب ما جاء في الوقت الأول من الفضل
قوله (عن القاسم بن غنام) الأنصاري البياضي المدني صدوق مضطرب الحديث قاله
الحافظ في التقريب وقال الخزرجي في الخلاصة وثقه ابن حبان (عن عمته أم فروة) قال الحافظ في
التقريب أم فروة الأنصارية صحابية لها حديث في فضل الصلاة أول الوقت ويقال هي بنت أبي
قحافة وأخت أبي بكر الصديق انتهى وقال المنذري في تلخيص السنن أم فروة هذه هي أخت
أبي بكر الصديق لأبيه ومن قال فيها أم فروة الأنصارية فقد وهم انتهى
438

قوله (الصلاة لأول وقتها) قال ابن الملك اللام بمعنى في وقال الطيبي اللام للتأكيد وليس
كما في قوله تعالى قدمت لحياتي أي وقت حياتي لأن الوقت مذكور ولا كما في قوله تعالى
فطلقوهن لعدتهن أي قبل عدتهن لذكر الأول فيكون تأكيدا قال القاري المختار أن المراد
بأول الوقت المختار أو مطلق لكنه خص ببعض الأخبار انتهى
قلت الظاهر هو الثاني كما لا يخفى ويؤيده حديث ابن عمر الآتي فهو المعول عليه والحديث
دليل على أن الصلاة لأول وقتها أفضل الأعمال لكن الحديث ضعيف من وجهين الأول أن في سنده
عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف والثاني أن فيه اضطرابا كما ستقف عليهما ولكن له شاهد
من حديث ابن مسعود ويأتي في هذا الباب
قوله (نا يعقوب بن الوليد المدني) قال الحافظ في التقريب كذبه أحمد وغيره (عن عبد الله بن
عمر) هو العمري
قوله (الوقت الأول من الصلاة) قال القاري من تبعيضية والتقدير من أوقات الصلاة
وقال قال الطيبي من بيان للوقت (رضوان الله) أي سبب رضائه كاملا لما فيه من المبادرة إلى
الطاعات (والوقت الآخر) بحيث يحتمل أن يكون خروجا من الوقت أو المراد به وقت الكراهة
(عفو الله) والعفو يكون عن المقصرين فأفاد أن تعجيل الصلاة أول وقتها أفضل قاله المناوي وقال
البيهقي قال الشافعي ولا يؤثر على رضوان الله شئ لأن العفو لا يكون إلا عن تقصير انتهى
والحديث ضعيف جدا قال البيهقي في المعرفة حديث الصلاة في أول الوقت رضوان الله إنما
يعرف بيعقوب بن الوليد وقد كذبه أحمد بن حنبل وسائر الحفاظ قال وقد روى هذا الحديث
بأسانيد كلها ضعيفة وإنما يروي عن أبي جعفر محمد بن علي من قوله انتهى قال الحافظ الزيلعي
في نصب الراية بعد ذكر كلام البيهقي هذا وأنكر ابن القطان في كتابة على أبي محمد عبد الحق
لكونه أعل الحديث بالعمري وسكت عن يعقوب قال ويعقوب هو العلة قال أحمد فيه كان من
الكذابين الكبار وكان يضع الحديث وقال أبو حاتم كان يكذب والحديث الذي رواه موضوع وابن
439

عدي إنما أعله به وفي بابه ذكره انتهى ما في نصب الراية
قلت والعجب من الترمذي أيضا فإنه سكت عن يعقوب ولم يعل الحديث به
تنبيه اعلم أن هذا الحديث يدل على أن تعجيل الصلاة أول وقتها أفضل من تأخيرها إلى
آخر وقتها لأن في التعجيل رضوان الله وفي التأخير عفو الله وظاهر أن العفو لا يكون إلا عن
تقصير قال في النهاية في أسماء الله تعالى العفو هو فعول من العفو وهو التجاوز عن الذنب وترك
العقاب عليه وأصله المحو والطمس انتهى وذكر صاحب بذل المجهود في تفسير قوله والوقت
الاخر عفو الله ما لفظه إن العفو عبارة عن الفضل قال الله تعالى ويسألونك ماذا ينفقون قل
العفو ومعنى الحديث أن من أدى الصلاة في أول الأوقات فقد نال رضوان الله وأمن من سخطه
وعذابه ومن أدى في آخر الوقت فقد نال فضل الله ونيل فضل الله لا يكون بدون الرضوان
فكانت هذه الدرجة أفضل من تلك انتهى
قلت هذا ليس تفسيرا للحديث بل هو تحريف له ويبطله حديث أبي هريرة مرفوعا إن
أحدكم يصلي الصلاة لوقتها وقد ترك من الوقت الأول ما هو خير له من أهله وماله رواه
الدارقطني
قوله (وفي الباب عن علي وابن عمر وعائشة وابن مسعود) قد أخرج الترمذي أحاديث
هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم في هذا الباب
قوله (عن سعيد بن عبد الله الجهني) الحجازي روى عن محمد بن عمر بن علي وعنه ابن
وهب وثقه ابن حبان له حديث عندهم كذا في الخلاصة وقال في التقريب مقبول (عن محمد بن
عمر بن علي بن أبي طالب) الهاشمي قال الحافظ صدوق وقال في الخلاصة وثقة ابن حبان (عن
أبيه) أي عمر بن علي بن أبي طالب الهاشمي ثقة وثقه العجلي وغيره
440

قوله (يا علي ثلاث) أي من المهمات وهو المسوغ للابتداء والمعنى ثلاثة أشياء وهي الصلاة
والجنازة والمرأة ولذا ذكر العدد (لا تؤخرها) بالرفع خبر لثلاث (الصلاة) بالرفع أي منها أو إحداها
أو وهي (إذا آنت) بالمد والنون من آن يئين أينا مثل حانت مبنى ومعنى وفي بعض النسخ أتت
بالتائين من الإتيان قال السيوطي في قوت المغتذي قال ابن العربي وابن سيد الناس كذا رويناه
بتائين كل واحدة منهما معجمة باثنتين من فوقها وروى آنت بنون ومد بمعنى حانت وحضرت
انتهى وقال القاري في المرقاة قال التوربشتي في أكثر النسخ المقروءة أتت بالتائين وكذا عند أكثر
المحدثين وهو تصحيف والمحفوظ من ذوي الإتقان آنت على وزن حانت ذكره الطيبي انتهى ما في
المرقاة (والجنازة إذا حضرت) بكسر الجيم وفتحها لغتان في النعش والمبيت وقيل الكسر للأول
والفتح للثاني والأصح أنهما للميت في النعش قال الأشرف فيه دليل على أن الصلاة على الجنازة
لا تكره في الأوقات المكروهة نقله الطيبي قال القاري وهو كذلك عندنا يعني الحنفية أيضا إذا
حضرت في تلك الأوقات من الطلوع والغروب والاستواء وأما إذا حضرت قبلها وصلى عليها في
تلك الأوقات فمكروهة وكذا حكم سجدة التلاوة وأما بعد الصبح وقبله وبعد العصر فلا
يكرهان مطلقا انتهى كلام القاري (والأيم) بفتح الهمزة وتشديد الياء المكسورة أي المرأة العزبة
ولو بكرا (إذا وجدت) أنت (لها كفؤا) الكفؤ المثل وفي النكاح أن يكون الرجل مثل المرأة في
الاسلام والحرية والصلاح والنسب وحسن الكسب والعمل قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر
هذا الحديث رواه الترمذي من حديث علي وقال غريب وليس إسناده بمتصل وكذا قال الحافظ
الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر هذا الحديث بإسناده نق عن جامع الترمذي
قلت ليست هذه العبارة أعني غريب وليس إسناده بمتصل في النسخ المطبوعة والقلمية
الموجودة عندنا وقال الحافظ في الدراية بعد ذكر هذا الحديث أخرجه الترمذي والحاكم بإسناد
ضعيف
قوله (حديث أم فروة لا يروى إلا من حديث عبد الله بن عمر العمري وليس هو بالقوي
عند أهل الحديث) عبد الله بن عمر العمري هذا هو عبد الله بن عمر بن حفص ابن عاصم بن
441

عمر بن الخطاب المدني ضعيف عابد وقال الذهبي في الميزان صدوق في حفظه شئ روى أحمد بن
أبي مريم عن ابن معين ليس به بأس يكتب حديثه وقال الدارمي قلت لابن معين كيف حاله في نافع
قال صالح ثقة وقال الفلاس كان يحيى القطان لا يحدث عنه وقال أحمد بن حنبل صالح
لا بأس به وقال النسائي وغيره ليس بالقوي وقال ابن المديني عبد الله ضعيف وقال ابن حبان
كان ممن غلب عليه الصلاح والعبادة حتى غفل عن حفظ الأخبار وجودة الحفظ للآثار فلما فحش
خطؤه استحق الترك انتهى (واضطربوا في هذا الحديث) قال الزيلعي في نصب الراية ذكر
الدارقطني في كتاب العلل في هذا الحديث اختلافا كثيرا واضطرابا ثم قال والقوي قول من قال
عن القاسم عن جدته أم الدنيا عن أم فروة انتهى قال في الإمام وما فيه من الاضطراب في
إثبات الواسطة بين القاسم وأم فروة وإسقاطها يعود إلى العمري وقد ضعف ومن أثبت الواسطة
يقضي على من أسقطها وتلك الواسطة مجهولة انتهى ما في الميزان
قوله (نا مروان بن معاوية الفزاري) أبو عبد الله الكوفي نزيل مكة ثم دمشق ثقة حافظ وكان يدلس
أسماء الشيوخ كذا في التقريب وهو من رجال الكتب الستة (عن أبي يعفور) بالفاء هو
عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس بن أبي صفية الثعلبي العامري الكوفي ويقال له أبو يعفور
الأصغر والصغير روى عن السائب بن يزيد وأبي الضحى والوليد بن العيزار وغيرهم وعنه
الحسن بن صالح والسفيانان ومروان بن معاوية وغيرهم قال أحمد وابن معين ثقة وقال أبو حاتم
ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات كذا في تهذيب التهذيب
اعلم أنه وقع في بعض نسخ الترمذي أبو يعقوب بالقاف وهو غلط (عن الوليد بن العيزار)
بفتح العين المهملة وإسكان التحتانية ثم زاي العبدي الكوفي ثقة (عن أبي عمرو الشيباني) بالشين
المعجمة الكوفي له إدراك روى عن علي وابن مسعود وثقه ابن معين مات سنة خمس وتسعين وقيل
سنة ست وهو ابن مائة وعشرين سنة كذا في الخلاصة وقال في التقريب ثقة مخضرم من الثانية
قوله (أي العمل أفضل) وفي رواية البخاري أي العمل أحب إلى الله ومحصل ما أجاب به
العلماء عن هذا الحديث وغيره مما اختلفت فيه الأجوبة بأنه أفضل الأعمال أن الجواب اختلف
لاختلاف أحوال السائلين بأن
أعلم كل قوم بما يحتاجون إليه أو بما لهم فيه رغبة أو بما هو لائق بهم
442

أو كان الاختلاف باختلاف الأوقات بأن يكون العمل في ذلك الوقت أفضل منه في غيره فقد كان
الجهاد في ابتداء الإسلام أفضل الأعمال لأنه الوسيلة إلى القيام بها والتمكن في أدائها وقد
تضافرت النصوص على أن الصلاة أفضل من الصدقة ومع ذلك ففي وقت مواساة المضطر تكون
الصدقة أفضل أو أن أفضل ليست على بابها بل المراد بها الفضل المطلق أو المراد من أفضل
الأعمال فخذفت من وهي مرادة (فقال الصلاة على مواقيتها) وفي رواية البخاري على وقتها قال
الحافظ وهي رواية شعبة وأكثر الرواة وفي رواية للبخاري لوقتها وكذا أخرجه مسلم باللفظين
قال وخالفهم علي بن حفص وهو شيخ صدوق من رجال مسلم فقال الصلاة في أول وقتها أخرجه
الحاكم والدارقطني والبيهقي من طريقه قال الدارقطني ما أحسبه حفظه لأنه كبر وتغير حفظه قال
الحافظ ورواه الحسن بن علي المعمري في اليوم والليلة عن أبي موسى محمد بن المثني عن غندر عن
شعبة كذلك قال الدارقطني تفرد به العمري فقد رواه أصحاب أبي موسى عنه بلفظ على وقتها
وقد أطلق النووي في شرح المهذب أن رواية في أول وقتها ضعيفة قال الحافظ لكن لها طريق
أخرى أخرجها ابن خزيمة في صحيحه والحاكم وغيرهما من طريق عثمان بن عمر عن مالك بن
مغول عن الوليد وتفرد عثمان بذلك والمعروف عن مالك بن مغول كرواية الجماعة انتهى كلام
الحافظ بتلخيص (قلت وماذا يا رسول الله إلخ) وفي رواية البخاري ثم أي قال ثم بر الوالدين قال
ثم أي قال الجهاد في سبيل الله
قوله (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم
قوله (عن خالد بن يزيد) الجمحي المصري الإسكندراني ثقة من رجال الكتب الستة (عن
سعيد بن أبي هلال) الليثي مولاهم المصري قيل مدني الأصل وقال ابن يونس بل نشأ بها قال
الحافظ في التقريب صدوق لم أر لابن حزم في تضعيفه سلفا إلا أن الساجي حكى عن أحمد أنه
اختلط انتهى قلت هو من رجال الكتب الستة (عن إسحاق بن عمر) قال في الميزان تركه
443

الدارقطني انتهى وهو من رجال الترمذي
قوله (ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة لوقتها الآخر مرتين حتى قبضه الله) قال القاري لعلها ما
حسبت صلاته مع جبريل للتعلم وصلاته مع السائل للتعليم يعني أوقات صلاته عليه الصلاة
والسلام كلها كانت في وقتها الاختياري إلا ما وقع من التأخير إلى آخره نادرا لبيان الجواز انتهى
قوله (وليس إسناده بمتصل) يثبت من قول الترمذي هذا أن إسحاق بن عمر ليس له سماع
من عائشة قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة إسحاق بن عمر روى له الترمذي حديثا
واحدا في مواقيت الصلاة وقال غريب وليس إسناده بمتصل انتهى
قوله (قال الشافعي والوقت الأول من الصلاة أفضل إلخ) الأمر كما قال الشافعي (ولم
يكونوا يدعون) بفتح الدال أي يتركون
باب ما جاء في السهو عن وقت صلاة العصر
قوله (فكأنما وتر) على بناء المفعول أي سلب وأخذ (أهله وماله) بنصبهما ورفعهما قال
الحافظ هو بالنصب عند الجمهور على أنه مفعول ثان لوتر وأضمر في وتر مفعول ما لم يسم فاعله
444

وهو عائد إلى الذي فاتته فالمعنى أصيب بأهله وماله وهو متعد إلى مفعولين ومثله قوله تعالى
ولن يتركم أعمالكم وقيل وتر ههنا بمعنى نقص فعلى هذا يجوز نصبه ورفعه لأن من رد النقص
إلى الرجل نصب وأضمر ما يقوم مقام الفاعل ومن رده إلى الأهل رفع قال القرطبي يروى
بالنصب على أن وتر بمعنى سلب وهو يتعدى إلى مفعولين وبالرفع على أن وتر بمعنى أخذ فيكون
أهله هو الذي لم يسم فاعله قال وظاهر الحديث التغليظ على من تفوته العصر وإن ذلك مختص
بها وروى ابن حبان وغيره من حديث نوفل بن معاوية مرفوعا من فاتته الصلاة فكأنما وتر أهله
وماله وهذا ظاهره العموم في الصلوات المكتوبات وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر عن نوفل
بلفظ لأن يوتر لأحدكم أهله وماله خير له من أن يفوته وقت صلاة وهذا أيضا ظاهره العموم
ويستفاد منه رواية النصب لكن المحفوظ من حديث نوفل بلفظ من الصلوات صلاة من فاتته
فكأنما وتر أهله وماله أخرجه البخاري في علامات النبوة ومسلم أيضا قال وبوب الترمذي على
حديث الباب ما جاء في السهو عن وقت العصر فحمله على الساهي وعلى هذا فالمراد بالحديث
أنه يلحقه من الأسف عند معاينة الثواب لمن صلى ما يلحق من ذهب ماله وأهله وقد روى معنى
ذلك عن سالم بن عبد الله ابن عمر ويؤخذ منه التنبيه على أن أسف العامد أشد لاجتماع فقد الثواب
وحصول الإثم انتهى كلام الحافظ
قوله (وفي الباب عن بريدة ونوفل بن معاوية) أما حديث بريدة فأخرجه البخاري بلفظ
بكروا بصلاة العصر فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله وأما حديث
نوفل بن معاوية فتقدم تخريجه في كلام الحافظ (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه
البخاري ومسلم
445

باب ما جاء في تعجيل الصلاة إذا أخرها الإمام
قوله (حدثنا محمد بن موسى البصري) أبو عبد الله الحرسي بفتح المهملتين روى عن
سهيل بن حزم وزياد البكائي وجماعة وعنه الترمذي والنسائي وقال صالح وثقه ابن حبان كذا في
الخلاصة وقال الحافظ في التقريب لين وضبط الحرسي بفتح المهملة والراء وبالسين المعجمة (نا
جعفر بن سليمان الضبعي) بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة نسبة إلى ضبيعة بن نزار كذا في
المغني لصاحب مجمع البحار وقال في التقريب صدوق زاهد لكنه كان يتشيع (عن أبي عمران
الجوني) بفتح الجيم وسكون الواو بنون منسوب إلى الجون بطن من كندة كذا في المغني
قوله (يميتون الصلاة) قال النووي معنى يميتون الصلاة يؤخرونها ويجعلونها كالميت الذي
خرجت روحه والمراد بتأخيرها عن وقتها أي عن وقتها المختار لا عن جميع وقتها فإن المنقول عن
الأمراء المتقدمين والمتأخرين إنما هو تأخيرها عن وقتها المختار ولم يؤخرها أحد منهم عن جميع
وقتها فوجب حمل هذه الأخبار على ما هو الواقع انتهى كلام النووي
قلت فيه نظر قال الحافظ في الفتح قد صح أن الحجاج وأميره الوليد وغيرهما كانوا
يؤخرون الصلاة عن وقتها والآثار في ذلك مشهورة منها ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن
عطاء قال أخر الوليد الجمعة حتى أمسى فجئت فصليت الظهر قبل أن أجلس ثم صليت العصر
وأنا جالس إيماء وهو يخطب إنما فعل ذلك عطاء خوفا على نفسه من القتل ومنها ما رواه أبو نعيم
شيخ البخاري في كتاب الصلاة من طريق أبي بكر بن عتبة قال صليت إلى جنب أبي جحيفة فمسى
الحجاج بالصلاة فقام أبو جحيفة فصلى ومن طريق ابن عمر أنه كان يصلي مع الحجاج فلما أخر
الصلاة ترك أن يشهدها معه ومن طريق محمد بن أبي إسماعيل قال كنت بمنى وصحف تقرأ للوليد
فأخروا الصلاة فنظرت إلى سعيد بن جبير وعطاء يومئان إيماء وهما قاعدان انتهى كلام الحافظ
قوله (فصل الصلاة لوقتها فإن صليت) أي صلاة الأمراء (لوقتها) أي في وقتها (كانت
446

لك نافلة) أي كانت الصلاة التي صليت مع الأمراء نافلة لك (وإلا كنت قد أحرزت صلاتك)
أي حصلتها فإنك قد صليت في أول الوقت قال النووي معناه إذا علمت من حالهم تأخيرها عن
وقتها المختار فصلها لأول وقتها ثم إن صلوها لوقتها المختار فصلها أيضا وتكون صلاتك معهم
نافلة وإلا كنت قد أحرزت صلاتك بفعلك في أول الوقت أي حصلتها وصنتها واحتطت لها قال
والحديث يدل على أن الإمام إذا أخر الصلاة عن أول وقتها معهم يستحب للمأموم أن يصليها في
أول الوقت منفردا ثم يصليها مع الإمام فيجمع فضيلتي أول الوقت والجماعة قال وفي الحديث أن
الصلاة التي يصليها مرتين تكون الأولى فريضة والثانية نفلا انتهى
قوله (وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وعبادة بن الصامت) أما حديث عبد الله بن
مسعود فأخرجه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات كذا في مجمع الزوائد وأما حديث
عبادة بن الصامت فأخرجه أبو داود بلفظ ستكون عليكم بعدي أمراء تشغلهم أشياء عن الصلاة
لوقتها حتى يذهب وقتها فصلوا الصلاة لوقتها فقال رجل يا رسول الله أصلي معهم فقال نعم إن
شئت ورواه أحمد
بنحوه وفي لفظ واجعلوا صلاتكم معهم تطوعا والحديث سكت عنه أبو داود
والمنذري
قوله (حديث أبي ذر حديث حسن) وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي
قوله (والصلاة الأولى هي المكتوبة عند أكثر أهل العلم) وهو الحق وحديث الباب نص
صريح فيه ومن قال بخلافه فليس له دليل صحيح
قوله (وأبو عمران الجوني اسمه عبد الملك بن حبيب) وهو مشهور بكنيته ثقة من كبار
الرابعة كذا في التقريب
447

باب ما جاء في النوم عن الصلاة
قوله (عن ثابت البناني) بضم الموحد ونونين مخففتين هو ثابت بن أسلم أبو محمد
البصري ثقة عابد روى عن ابن عمر وعبد الله بن مغفل وأنس وخلق من التابعين وعنه شعبة
والحمادان وغيرهم قال حماد بن زيد ما رأيت أعبد من ثابت وقال شعبة كان يختم كل يوم وليلة
ويصوم الدهر وثقه النسائي وأحمد والعجلي كذا في التقريب والخلاصة قلت هو من رجال الكتب
الستة (عن عبد الله بن رباح الأنصاري) المدني ثم البصري ثقة من الثالثة قتله الأزارقة كذا في
التقريب وهو من رجال مسلم والأربعة وهو من أوساط التابعين
قوله (ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم نومهم عن الصلاة) روى الترمذي هذا الحديث مختصرا ورواه
مسلم مطولا وذكر قصة نومهم وفيه فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطريق فوضع رأسه ثم قال احفظوا
علينا صلاتنا فكان أول من استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم والشمس في ظهره الحديث وفيه فجعل بعضنا
يهمس إلى بعض ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا (فقال إنه) الضمير للشان (ليس في النوم
تفريط) أي تقصير ينسب إلى النائم في تأخيره الصلاة (إنما التفريط في اليقظة) أي إنما التفريط
يوجد في حالة اليقظة بأن تسبب في النوم قبل أن يغلبه أو في النسيان بأن يتعاطى ما يعلم ترتبه عليه
غالبا كلعب الشطرنج فإنه يكون مقصرا حينئذ ويكون آثما كذا في المرقاة وقال الشوكاني ظاهر
الحديث أنه لا تفريط في النوم سواء كان قبل دخول وقت الصلاة أو بعده قبل تضييقه وقيل إنه إذا
تعمد النوم قبل تضييق الوقت واتخذ ذلك ذريعة إلى ترك الصلاة لغلبة ظنه أنه لا يستيقظ إلا وقد
خرج الوقت كان آثما والظاهر أنه لا إثم عليه بالنظر إلى النوم لأن فعله في وقت يباح فعله
فيشمله الحديث وأما إذا نظر إلى التسبب به للترك فلا إشكال في العصيان بذلك ولا شك في
إثم من نام بعد تضييق الوقت لتعلق الخطاب به والنوم مانع من الامتثال والواجب إزالة المانع
انتهى (فإذا نسي أحدكم صلاة) أي تركها نسيانا (أو نام عنها) ضمن نام معنى غفل أي غفل عنها
448

في حال نومه قاله الطيبي أي نام غافلا عنها (فليصلها إذا ذكرها) أي بعد النسيان أو النوم وقيل فيه
تغليب للنسيان فعبر بالذكر وأراد به ما يشمل الاستيقاظ والأظهر أن يقال إن النوم لما كان يورث
النسيان غالبا قابلهما بالذكر
قوله (وفي الباب عن ابن مسعود وأبي مريم وعمران بن حصين وجبير بن مطعم وأبي
جحيفة وعمرو بن أمية الضمري وذي مخبر وهو ابن أخ النجاشي) أما حديث ابن مسعود فأخرجه
أبو داود والنسائي وأما حديث ابن أبي مريم فلم أقف عليه وأما حديث عمران بن حصين
فأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وأما حديث جبير بن مطعم فلم أقف عليه وأما حديث أبي
جحيفة فأخرجه أبو يعلى والطبراني في الكبير ورجاله ثقات وأما حديث عمرو بن أمية فأخرجه أبو
داود وأما حديث ذي مخبر فأخرجه أيضا أبو داود
قوله (حديث أبي قتادة حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي قال الحافظ
إسناد أبي داود على شرط مسلم انتهى وأخرجه بنحوه في قصة نومهم في صلاة الفجر
قوله (فقال بعضهم يصليها إذا استيقظ أو ذكر وإن كان عند طلوع الشمس أو عند
غروبها وهو قول أحمد وإسحاق والشافعي ومالك) واستدلوا بأحاديث الباب قال الشوكاني في
النيل فجعلوها مخصصة لأحاديث الكراهة قال وهو تحكم لأنها يعني أحاديث الباب أعم منها يعني
من أحاديث الكراهة من وجه وأخص من وجه وليس أحد العمومين أولى بالتخصيص من الآخر
انتهى (وقال بعضهم لا يصلي حتى تطلع الشمس أو تغرب) وبه قالت الحنفية لما رواه البخاري عن
449

ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى ترتفع وإذا غاب
حاجب الشمس فأخروها حتى تغيب ولعموم أحاديث الكراهة وفيه أيضا ما في استدلال
القائلين بالجواز فتفكر
باب ما جاء في الرجل ينسى الصلاة
قوله (من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها) زاد مسلم في رواية لا كفارة لها إلا ذلك قال
النووي معناه لا يجزئه إلا الصلاة مثلها ولا يلزمه مع ذلك شئ اخر
قوله (وفي الباب عن سمرة وأبي قتادة) أما حديث سمرة فأخرجه أحمد عن بشر بن حرب
عنه قال أحسبه مرفوعا من نسي صلاة فليصلها حين يذكرها وبشر بن حرب ضعفه ابن المبارك
وجماعة ووثقه ابن عدي وقال لم أر له حديثا منكرا كذا في مجمع الزوائد وأما حديث أبي قتادة
فتقدم تخريجه في الباب المتقدم
قوله (حديث أنس حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة
قوله (ويروى عن علي بن أبي طالب أنه قال في الرجل ينسى الصلاة يصليها متى ذكرها في
وقت أو غير وقت) أي ذكرها في وقت الصلاة أو في غير وقتها (وهو قول أحمد وإسحاق) وهو قول
450

الشافعي ومالك كما عرفت في الباب المتقدم واستدلوا بحديث الباب (ويروى عن أبي بكرة أنه
نام عن صلاة العصر فاستيقظ عند غروب الشمس فلم يصل حتى غربت الشمس) لم أقف على
من أخرج هذا الأثر ولا على من أخرج أثر علي المتقدم (وقد ذهب قوم من أهل الكوفة إلى هذا)
وهو قول أبي حنيفة واستدلوا بأحاديث النهي عن الصلاة في الأوقات المنهية عنها (وأما أصحابنا
فذهبوا إلى قول علي بن أبي طالب) المراد بقوله أصحابنا أهل الحديث وقد تقدم تحقيقه في المقدمة
قال العيني في شرح البخاري احتج بعضهم بقوله إذا ذكرها على جواز قضاء الفوائت في الوقت
المنهي عن الصلاة فيه قلت ليس بلازم أن يصلي في أول حال الذكر غاية ما في الباب أن ذكره
سبب لوجوب القضاء فإذا ذكرها في الوقت المنهي وأخرها إلى أن يخرج ذلك وصلى يكون عاملا
بالحديثين أحدهما هذا والآخر حديث النهي في الوقت المنهي عنه انتهى
قلت الظاهر المتبادر من قوله فليصلها حين يذكرها كما في رواية سمرة وكذا من قوله
فليصلها إذا ذكرها قضاؤها في أول حال الذكر وأما قوله ليس بلازم أن يصلي في أول حال الذكر
إلخ ففيه أن الحديث لا يدل على أن لا يصليها إذا ذكرها في الوقت المنهي بل فيه الأمر بقضاء
الصلاة حين ذكرها مطلقا في وقت أو غير وقت كما قال علي بن أبي طالب
باب ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ
قوله (عن أبي الزبير) اسمه محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم المكي صدوق إلا
أنه يدلس من الرابعة كذا في التقريب
قوله (شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات) قال الحافظ في الفتح في قوله أربع
451

صلوات تجوز لأن العشاء لم تكن فاتت انتهى ويدل حديث جابر الآتي على أنهم شغلوه عن صلاة
العصر وحدها قال اليعمري من الناس من رجح ما في الصحيحين وصرح بذلك ابن العربي أن
الصحيح أن الصلاة التي شغل عنها واحدة وهي العصر قال الحافظ في الفتح ويؤيده حديث
علي في مسلم شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر قال ومنهم من جمع بأن الخندق كانت
وقعته أياما فكان ذلك في أوقات مختلفة في تلك الأيام قال وهذا أولى قال ويقربه أن روايتي أبي
سعيد وابن مسعود ليس فيهما تعرض لقصة عمر بل فيهما أن قضاءه للصلاة بعد خروج وقت
المغرب وأما رواية حديث الباب ففيها أن ذلك عقب غروب الشمس انتهى كلام الحافظ (فأمر
بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء)
فيه دليل على أن الفوائت تقضى مرتبة الأولى فالأولى قال الحافظ والأكثر على وجوب ترتيب
الفوائت مع الذكر لا مع النسيان وقال الشافعي لا يجب الترتيب فيها واختلفوا فيما إذا تذكر فائتة
في وقت حاضرة ضيق هل يبدأ بالفائتة وإن خرج وقت الحاضرة أو يبدأ بالحاضرة أو يتخير فقال
بالأول مالك وقال بالثاني الشافعي وأصحاب الرأي وأكثر أصحاب الحديث وقال بالثالث
أشهب وقال عياض محل الخلاف إذا لم تكثر الصلوات الفوائت وأما إذا كثرت فلا خلاف أنه يبدأ
بالحاضرة واختلفوا في حد القليل فقيل صلاة يوم وقيل أربع صلوات وقال ولا ينهض
الاستدلال به يعني بحديث جابر الآتي لمن يقول بوجوب ترتيب الفوائت إلا إذا قلنا إن أفعال النبي
صلى الله عليه وسلم المجردة للوجوب إلا أن يستدل بعموم قوله صلوا كما رأيتموني أصلي فيقوى وقد اعتبر
الشافعية في أشياء غير هذه انتهى
قلت استدل صاحب الهداية على وجوب ترتيب الفوائت بحديث الباب بضم قوله صلوا
كما رأيتموني أصلي حيث قال ولو فاتته صلوات رتبها في القضاء كما وجبت في الأصل لأن النبي
صلى الله عليه وسلم شغل عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاهن مرتبا ثم قال صلوا كما رأيتموني أصلي انتهى
قال الحافظ ابن حجر في الدراية في قول المصنف يعني صاحب الهداية ثم قال صلوا إلى آخره ما
يوهم أنه بقية من الحديث وليس كذلك بل هو حديث مستقل فلو قال وقال صلوا لكان أولى
انتهى كلام الحافظ وكذلك قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية واستدل الحنفية على فرضية
الترتيب بين الوقتيات والفوائت وبين الفوائت بعضها ببعض بقول ابن عمر من نسي صلاة من صلاته
452

فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فإذا سلم الإمام فليصل صلاته التي نسي ثم ليصل بعدها الصلاة
الأخرى أخرجه مالك في الموطأ ورواه الدارقطني والبيهقي مرفوعا ورفعه خطأ والصحيح أنه قول ابن
عمر قال الحافظ في الدراية حديث من نام عن صلاة أو نسيها فلم يذكرها إلا وهو مع
الإمام فليصل التي هو فيها ثم ليصل التي ذكرها ثم ليعد التي صلى مع الإمام رواه الدارقطني
والبيهقي من حديث ابن عمر مرفوعا قال الدارقطني وهم أبو إبراهيم الترجماني في رفعه والصحيح
أنه من قول ابن عمر هكذا رواه مالك وغيره عن نافع وقال البيهقي قد رواه يحيى بن أيوب عن
سعيد بن عبد الرحمن شيخ أبي إبراهيم فيه فوقفه انتهى وهذا الموقوف عند الدارقطني وحديث
مالك في الموطأ وقال النسائي في الكني رفعه غير محفوظ وقال أبو زرعة رفعه خطأ انتهى ما في
الدراية واستدل على وجوب الترتيب أيضا بحديث لا صلاة لمن عليه صلاة قال العيني قال أبو
بكر هو باطل وتأوله جماعة على معنى لا نافلة لمن عليه فريضة وقال ابن الجوزي هذا نسمعه
على ألسنة الناس وما عرفت له أصلا انتهى
قوله (وفي الباب عن أبي سعيد وجابر) أما حديث أبي سعيد فأخرجه أحمد والنسائي قال
حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب يهوي من الليل الحديث وفيه فدعا رسول الله
صلى الله عليه وسلم بلالا فأقام الظهر فصلاها فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها ثم أمره فأقام العصر
فصلاها فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها ثم أمره فأقام المغرب فصلاها كذلك وقال
وذلك قبل أن ينزل الله عز وجل في صلاة الخوف فإن خفتم فرجالا أو ركبانا وإسناده صحيح
وأما حديث جابر فأخرجه البخاري ومسلم وأخرجه الترمذي في هذا الباب
قوله (حديث عبد الله ليس بإسناده بأس إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله) فالحديث
منقطع لكنه يعتضد بحديث أبي سعيد المذكور وهذا الحديث أخرجه أيضا النسائي
قوله (وهو الذي اختاره بعض أهل العلم في الفوائت أن يقيم الرجل لكل صلاة إذا
قضاها) وهو المذهب الراجح المختار يدل عليه حديث الباب وحديث أبي سعيد المذكور
453

قوله (قال يوم الخندق) وهو غزوة الأحزاب (وجعل يسب كفار قريش) لأنهم كانوا
السبب في تأخيرهم الصلاة عن وقتها إما المختار كما وقع لعمر وأما مطلقا كما وقع لغيره (ما كدت
أصلي العصر حتى تغرب الشمس) وفي رواية للبخاري ما كدت أصلي العصر حتى كانت الشمس
تغرب قال اليعمري لفظة كاد من أفعال المتقاربة فإذا قلت كاد زيد يقوم فهم منها أنه قارب القيام
ولم يقم قال والراجح أن لا تقترن بأن بخلاف عسى فإن الراجع فيها أن تقترن قال وقد وقع في
مسلم في هذا الحديث حتى كادت الشمس أن تغرب قال وإذا تقرر أن معنى كاد المقاربة فقول عمر
ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب معناه أنه صلى العصر قرب غروب الشمس لأن
نفي الصلاة يقتضي إثباتها وإثبات الغروب يقتضي نفيه فتحصل من ذلك لعمر ثبوت الصلاة ولم
يثبت الغروب انتهى
قلت الأمر كما قال اليعمري لأن كاد إذا أثبتت نفت وإذا نفت أثبتت كما قال فيها المعري
ملغزا
وإذا نفت والله أعلم أثبتت وإن أثبتت قامت مقام حجود
فإن قيل الظاهر أن عمر كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فكيف أختص بأن أدرك صلاة العصر قبل
غروب الشمس بخلاف بقية الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم معهم فالجواب أنه يحتمل أن يكون الشغل
وقع بالمشركين إلى قرب غروب الشمس وكان عمر حينئذ متوضئا فبادر فأوقع الصلاة ثم جاء إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فأعلمه بذلك في الحال التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها قد شرع يتهيأ للصلاة ولهذا قام عند
الإخبار هو وأصحابه إلى الوضوء قاله الحافظ (والله إن صليتها) لفظة إن نافية وفي رواية
البخاري والله ما صليتها (قال فنزلنا بطحان) بضم أوله وسكون
ثانيه واد بالمدينة (فصلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب) استدل به على عدم مشروعية الأذان
للفائتة وأجاب من اعتبره بأن المغرب كانت حاضرة ولم يذكر الراوي الأذان لها وقد عرف من عادته
454

صلى الله عليه وسلم الأذان للحاضرة فدل على أن الراوي ترك ذكر ذلك لا أنه لم يقع في نفس الأمر وقد وقع
في حديث ابن مسعود المذكور في الباب فأمر بلا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر
الحديث
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما
باب ما جاء في الصلاة الوسطى أنها العصر
قوله (عن سعيد) هو ابن المسيب (عن الحسن) هو ابن أبي الحسن البصري (عن سمرة)
بفتح السين وضم الميم (بن جندب) بضم الجيم والدال وتفتح صحابي مشهور له أحاديث مات
بالبصرة سنة ثمان وخمسين
قوله (أنه قال في صلاة الوسطى صلاة العصر) لأنها وسطى بين صلاتي النهار وصلاة
الليل والحديث رواه أحمد أيضا وفي رواية له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حافظوا على الصلوات والصلاة
الوسطى وسماها لنا أنها صلاة العصر
قوله (هذا حديث صحيح) أي حديث ابن مسعود صحيح وأخرجه مسلم
قوله (وفي الباب عن علي وعائشة وحفصة وأبي هريرة) أما حديث علي فأخرجه الشيخان
455

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى
غابت الشمس ولمسلم وأحمد وأبي داود شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر وأما حديث
عائشة فأخرجه الجماعة إلا البخاري وابن ماجة وأما حديث حفصة فأخرجه مالك في الموطأ قال
عمرو بن رافع إنه كان يكتب لها مصحفا فقالت له إذا انتهيت إلى حافظوا على الصلوات والصلاة
الوسطى فآذني فأذنتها فقالت اكتب والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين وأما
حديث أبي هريرة فأخرجه البيهقي كذا في شرح سراج أحمد
قوله (حديث سمرة في صلاة الوسطى حديث حسن) كذا حسنه ههنا وصححه في
التفسير وقد اختلف في صحة سماع الحسن من سمرة فقال شعبة لم يسمع منه شيئا وقيل سمع منه
حديث العقيقة وقال البخاري قال علي بن المديني سماع الحسن من سمرة صحيح ومن أثبت مقدم
على من نفى كذا في النيل ويأتي بسط الكلام فيه
قوله (وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم) قال النووي في مجموعه
الذي يقتضي الأحاديث الصحيحة أنها العصر وهو المختار وقال الماوردي نص الشافعي أنها
الصبح وصحت الأحاديث أنها العصر فكان هذا هو مذهبه لقوله إذا صح الحديث فهو مذهبي
واضربوا بقولي على عرض الحائط وقال الطيبي هذا هو مذهب كثير من الصحابة والتابعين وإليه
ذهب أبو حنيفة وأحمد وداود وقيل الصبح وعليه بعض الصحابة والتابعين وهو مشهور مذهب
مالك والشافعي وقيل الظهر وقيل المغرب وقيل العشاء وقيل أخفاها الله تعالى في الصلوات كليلة
القدر وساعة الإجابة في الجمعة انتهى كذا في المرقاة وفي الباب أقوال أخر ذكرها الشوكاني في
النيل وقال المذهب الذي يتعين المصير إليه ولا يرتاب في صحته هو أن الصلاة الوسطى هي العصر
انتهى قلت لا شك أن هذا هو الحق والصواب يدل عليه الأحاديث الصحيحة الصريحة
456

قوله (وقال زيد بن ثابت وعائشة الصلاة الوسطى صلاة الظهر) روى أحمد وأبو داود عن
زيد بن ثابت قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحابه
منها فنزلت حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقال إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين
انتهى واستدل بهذا الحديث من قال إن الصلاة الوسطى هي الظهر قال الشوكاني وأنت خبير
بأن مجرد كون صلاة الظهر كانت شديدة على الصحابة لا يستلزم أن تكون الآية نازلة فيها غاية
ما في ذلك أن المناسب أن تكون الوسطى هي الظهر ومثل هذا لا يعارض به النصوص
الصحيحة الصريحة في أن الصلاة الوسطى هي العصر الثابتة في الصحيحين وغيرهما من طرق
متعددة انتهى (وقال ابن عباس وابن عمر الصلاة الوسطى صلاة الصبح) وهو مذهب الشافعي
صرح به في كتبه قال وإنما نص على أنها الصبح لأنه لم تبلغه الأحاديث الصحيحة في العصر
انتهى واستدل الماوردي من أصحابه إن مذهبه إنها العصر لصحة الأحاديث فيه قال من قال إن
الصلاة الوسطى هي الصبح بما رواه النسائي عن ابن عباس قال أدلج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عرس
فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس أو بعضها فلم يصل حتى ارتفعت الشمس وهي صلاة
الوسطى قال الشوكاني ويمكن الجواب عن ذلك من وجهين الأول أن ما روي من قوله في هذا
الخبر وهي صلاة الوسطى يحتمل أن يكون من المدرج وليس من قول ابن عباس ويحتمل أن
يكون من قوله وقد أخرج عنه أبو نعيم أنه قال الصلاة الوسطى صلاة العصر وهذا صريح لا
يتطرق إليه من الاحتمال ما يتطرق إلى الأول فلا يعارضه الوجه الثاني أنه روى عنه أحمد في مسنده
قال قاتل رسول الله صلى الله
عليه وسلم عدوا فلم يفرغ منهم حتى أخر العصر عن وقتها فلما رأى ذلك قال اللهم
من حبسنا عن الصلاة الوسطى املأ بيوتهم نارا أو قبورهم نارا وقد تقرر أن الاعتبار عند مخالفة
الراوي روايته بما روى لا بما رأى انتهى
457

قوله (قال محمد قال علي وسماع الحسن من سمرة صحيح واحتج بهذا الحديث) في سماع
الحسن من سمرة ثلاثة مذاهب
أحدها أنه سمع منه مطلقا وهو قول ابن المديني ذكره البخاري عنه والظاهر من الترمذي أنه
يختار هذا القول فإنه صحح في كتابه عدة أحاديث من رواية الحسن عن سمرة واختار الحاكم هذا
القول فقال في كتابه المستدرك بعد أن أخرج حديث الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له
سكتتان سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من قراءته ولا يتوهم أن الحسن لم يسمع من سمرة فإنه
سمع منه انتهى وأخرج في كتابه عدة أحاديث من رواية الحسن عن سمرة وقال في بعضها على
شرط البخاري وقال في كتاب البيوع بعد أن روى حديث الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى
عن بيع الشاة باللحم وقد احتج البخاري بالحسن عن سمرة انتهى
القول الثاني أنه لم يسمع منه شيئا واختاره ابن حبان في صحيحه فقال بعد أن روى
حديث الحسن عن سمرة في السكتتين والحسن لم يسمع من سمرة شيئا انتهى وقال صاحب
التنقيح قال ابن معين الحسن لم يلق سمرة وقال شعبة الحسن لم يسمع من سمرة قال
البرديجي أحاديث الحسن عن سمرة كتاب ولا يثبت عنه حديث قال فيه سمعت سمرة انتهى
كلامه
القول الثالث أنه سمع منه حديث العقيقة فقط قاله النسائي وإليه مال الدارقطني في
سننه فقال في حديث السكتتين والحسن اختلف في سماعه من سمرة ولم يسمع منه إلا حديث
العقيقة فيها قاله قريش بن أنس انتهى واختاره عبد الحق في أحكامه فقال عند ذكره هذا
الحديث والحسن لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة واختاره البزار في مسنده فقال في آخر
ترجمة سعيد بن المسيب عن أبي هريرة والحسن سمع من سمرة حديث العقيقة ثم رغب عن
السماع عنه ولما رجع إلى ولده أخرجوا له صحيفة سمعوها من أبيهم فكان يرويها عنه من غير أن
يخبر بسماع لأنه لم يسمعها منه انتهى روى البخاري في تاريخه عن عبد الله بن أبي الأسود عن
قريش بن أنس عن حبيب بن الشهيد قال قال محمد بن سيرين سئل الحسن ممن سمع حديثه
في العقيقة فسألته فقال سمعته من سمرة وعن البخاري رواه الترمذي في جامعه بسنده ومتنه
ورواه النسائي عن هارون بن عبد الله عن قريش وقال عبد الغني تفرد به قريش بن أنس عن
حبيب بن الشهيد وقد رده آخرون وقالوا لا يصح له سماع منه انتهى كذا في نصب الراية في
458

تخريج الهداية للزيلعي وقال الحافظ في تهذيب التهذيب وأما رواية الحسن عن سمرة بن
جندب ففي صحيح البخاري سماعا منه لحديث العقيقة وقد روى عنه نسخة كبيرة غالبها في
السنن الأربعة وعند علي بن المديني أن كلها سماع وكذا حكى الترمذي عن البخاري وقال يحيى
القطان وآخرون هي كتاب وذلك لا يقتضي الانقطاع وفي مسند أحمد حدثنا هشيم عن حميد
الطويل وقال جاء رجل إلى الحسن فقال إن عبدا له أبق وإنه نذر إن يقدر عليه أن يقطع يده فقال
الحسن حدثنا سمرة قال قلما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة إلا أمر فيها بالصدقة ونهى عن المثلة
وهذا يقتضي سماعه منه لغير حديث العقيقة وقال أبو داود عقب حديث سليمان بن سمرة عن أبيه
في الصلاة دلت هذه الصحيفة على أن الحسن سمع من سمرة قال الحافظ ولم يظهر لي وجه
الدلالة بعد انتهى وقال الشوكاني في النيل تحت حديث الحسن عن سمرة المذكور في هذا الباب
ما لفظه وحديث سمرة حسنه الترمذي في كتاب الصلاة من سننه وصححه في التفسير ولكنه من
رواية الحسن عن سمرة وقد اختلف في صحة سماعه منه فقال شعبة لم يسمع منه شيئا وقيل سمع
منه حديث العقيقة وقال البخاري قال علي بن المديني سماع الحسن من سمرة صحيح ومن أثبت
مقدم على من نفى انتهى
باب ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر
قوله (وهو ابن زاذان) بزاي وذال معجمة الواسطي أبو المغيرة الثقفي ثقة ثبت عابد (أنا
أبو العالية) اسمه رفيع بالتصغير ابن مهران الرياحي ثقة كثير الإرسال من كبار التابعين
قوله (نهى عن الصلاة بعد الفجر) أي بعد صلاة الفجر (حتى تطلع الشمس) وفي
حديث أبي سعيد الخدري عند البخاري لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس قال الحافظ في
459

الفتح ويجمع بين الحديثين بأن المراد بالطلوع طلوع مخصوص أي حتى تطلع مرتفعة (وعن
الصلاة بعد العصر) أي بعد صلاة العصر
قوله (وفي الباب عن علي وابن مسعود وأبي سعيد وعقبة بن عامر وأبي هريرة وابن عمر
وسمرة بن جندب وسلمة بن الأكوع وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو ومعاذ بن عفراء
والصنابحي ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة وكعب بن مرة وأبي أمامة وعمرو بن عبسة ويعلى بن
أمية ومعاوية) أما حديث علي فأخرجه أبو داود عن عاصم بن ضمرة عنه بلفظ قال كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يصلي في إثر كل صلاة مكتوبة ركعتين إلا الفجر والعصر والحديث سكت عنه أبو داود
وقال المنذري في تلخيصه وقد تقدم الكلام على عاصم بن ضمرة وأما حديث ابن مسعود
فأخرجه الطحاوي بلفظ كنا ننهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ونصف النهار
وأما حديث أبي سعيد فأخرجه البخاري ومسلم وأما حديث عقبة بن عامر فأخرجه الجماعة إلا
البخاري بلفظ ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا الحديث وأما
حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري ومسلم وأما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري ومسلم
وأما حديث سمرة بن جندب وحديث سلمة بن الأكوع فلم أقف عليهما وأما حديث زيد بن
ثابت فأخرجه الطبراني وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الطبراني في الأوسط وأما حديث
معاذ بن عفراء فذكر حديثه ابن سيد الناس في شرح الترمذي بنحو حديث أبي سعيد المتفق عليه
وأما حديث الصنابحي وهو بضم الصاد المهملة فأخرجه مالك وأحمد والنسائي وأما حديث
عائشة فأخرجه أبو داود بلفظ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر وينهي عنها ويواصل وينهي
عن الوصال وأما حديث كعب بن مرة فأخرجه الطبراني وأما حديث أبي أمامة فلم أقف عليه
وأما حديث عمرو بن عبسة فأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وأما حديث يعلى بن أمية فلم أقف
عليه وأما حديث معاوية فأخرجه البخاري قال الحافظ في التلخيص وفي الباب أيضا عن
سعد بن أبي وقاص وأبي ذر وأبي قتادة وحفصة وأبي الدرداء وصفوان بن معطل وغيرهم
قوله (حديث ابن عباس عن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما
460

قوله (وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أنهم كرهوا الصلاة بعد
صلاة الصبح إلخ) قال القاضي اختلفوا في جواز الصلاة في الأوقات الثلاثة وبعد صلاة الصبح
إلى الطلوع وبعد صلاة العصر إلى الغروب فذهب داود إلى جواز الصلاة فيها مطلقا وقد روى
عن جمع من الصحابة فلعلهم لم يسمعوا نهيه عليه السلام أو حملوه على التنزيه دون التحريم
وخالفهم الأكثرون فقال الشافعي لا يجوز فيها فعل صلاة لا سبب لها أما الذي له سبب
كالمنذورة وقضاء الفائتة فجائز لحديث كريب عن أم سلمة واستثنى أيضا مكة واستواء الجمعة
لحديث جبير بن مطعم وأبي هريرة وقال أبو حنيفة يحرم فعل كل صلاة في الأوقات الثلاثة سوى
عصر يومه عند الاصفرار ويحرم المنذورة والنافلة بعد الصلاتين دون المكتوبة الفائتة وسجدة التلاوة
وصلاة الجنازة وقال مالك يحرم فيها النوافل دون الفرائض ووافقه غير أنه جوز فيها ركعتي
الطواف كذا في المرقاة وقال النووي أجمعت الأئمة على كراهة صلاة لا سبب لها في الأوقات المنهي
عنها واتفقوا على جواز الفرائض المؤداة فيها واختلفوا في النوافل التي لها سبب كصلاة تحية
المسجد وسجود التلاوة والشكر وصلاة العيد والكسوف وصلاة الجنازة وقضاء الفائتة فذهب
الشافعي وطائفة إلى جواز ذلك كله بلا كراهة وذهب أبو حنيفة وآخرون إلى أن ذلك داخل في
عموم النهي واحتج الشافعي بأنه صلى الله عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر وهو صريح في قضاء السنة
الفائتة فالحاضرة أولى والفريضة المقضية أولى ويلتحق ماله سبب انتهى قال الحافظ بعد نقل
كلام النووي هذا وما نقله من الإجماع والاتفاق متعقب فقد حكى
غيره عن طائفة من السلف
الإباحة مطلقا وأن أحاديث النهي منسوخ وبه قال داود وغيره من أهل الظاهر وبذلك جزم ابن
حزم وعن طائفة أخرى المنع مطلقا في جميع الصلوات وقد صح عن أبي بكرة وكعب بن عجرة
المنع من صلاة الفرض في هذه الأوقات انتهى
قوله (قال شعبة لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا ثلاثة أشياء إلخ) المقصود من ذكر هذا أن
حديث الباب من طريق قتادة عن أبي العالية موصول (وحديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
461

لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى) بفتح الميم والفوقية المشددة وقوله أنا عبارة عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ذلك صلى الله عليه وسلم تواضعا إن كان قاله بعد أن علم أنه سيد البشر وقيل عبارة عن كل
قائل يقول ذلك كي لا يفضل أحد نفسه على يونس عليه السلام قيل وخص يونس بالذكر لما يخشى
على من سمع قصته أن يقع في نفسه تنقيص له فبالغ في ذكر فضله لسد هذه الذريعة والحديث
أخرجه البخاري وغيره
باب ما جاء في الصلاة بعد العصر
قوله (نا جرير) هو ابن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي ثم الرازي ثقة صحيح الكتاب
قيل كان في آخر عمره يهم من حفظه (عن عطاء بن السائب) الثقفي الكوفي صدوق اختلط في
آخر عمره قال ابن مهدي يختم كل ليلة
قوله (إنما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر لأنه أتاه مال إلخ) وفي صحيح البخاري
من حديث أم سلمة صلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر ركعتين وقال شغلني ناس من عبد القيس عن
الركعتين بعد الظهر (ثم لم يعدلهما) من عاد يعود وهذا معارض بروايات عائشة رضي الله عنها
منها قولها ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم السجدتين بعد العصر عندي قط
ومنها قولها ما تركهما حتى لقي الله ومنها قولها وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين أخرج هذه الروايات
البخاري وغيره فوجه الجمع أنه يحمل النفي على عدم علم الراوي فإنه لم يطلع على ذلك
والمثبت مقدم على النافي وكذا ما رواه النسائي من طريق أبي سلمة عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
462

صلى في بيتها بعد العصر ركعتين مرة واحدة الحديث وفي رواية له عنها لم أره يصليهما قبل ولا بعد
فيجمع بين الحديثين بأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يصليهما إلا في بيته فلذلك لم يره ابن عباس ولا أم سلمة
ويشير إلى ذلك قول عائشة في رواية للبخاري وكان لا يصليهما في المسجد مخافة أن تثقل على أمته
قوله (وفي الباب عن عائشة وأم سلمة وميمونة وأبي موسى) أما حديث عائشة وحديث أم
سلمة فمر تخريجهما آنفا وأما حديث ميمونة فأخرجه أحمد قال في النيل في إسناده حنظلة
السدوسي وهو ضعيف وقد أخرجه أيضا الطبراني وأما حديث أبي موسى فأخرجه أحمد في
مسنده ص 614 ج 4 بلفظ أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين بعد العصر
قوله (حديث ابن عباس حديث حسن) وأخرجه ابن حبان قال الحافظ في الفتح هو من
رواية جرير عن عطاء وقد سمع منه بعد اختلاطه وإن صح فهو شاهد لحديث أم سلمة انتهى
قلت أراد بحديث أم سلمة حديثها الذي أخرجه الطحاوي بزيادة فقلت يا رسول الله أفنقضيهما
إذا فاتتا قال لا ويأتي عن قريب
قوله (وقد روى عن زيد بن ثابت نحو حديث ابن عباس) رواه أحمد في مسنده عن
قبيصة بن ذؤيب يقول إن عائشة أخبرت آل الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عندها ركعتين بعد
العصر فكانوا يصلونها قال قبيصة فقال زيد بن ثابت يغفر الله لعائشة نحن أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم
من عائشة إنما كان ذلك لأن أناسا من الأعراب أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهجير فقعدوا يسألونه ويفتيهم
حتى صلى الظهر ولم يصل ركعتين ثم قعد يفتيهم حتى صلى العصر فانصرف إلى بيته فذكر أنه لم
يصل بعد الظهر شيئا فصلاهما بعد العصر يغفر الله لعائشة نحن أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم من عائشة
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر
463

قوله (وقد روى عن عائشة في هذا الباب روايات) أي مختلفة بعضها يدل على جواز الصلاة بعد
العصر وبعضها يدل على عدم الجواز (روي عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ما دخل عليها بعد العصر إلى صلى
ركعتين) أخرجه البخاري وغيره فهذا يدل على الجواز (وروى عنها عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد الصبح حتى تطلع الشمس) هذا يدل على
عدم الجواز وقد قيل لرفع الاختلاف إن رواية عائشة الأولى محمولة على الصلاة التي لها سبب
وروايتها الثانية على الصلاة التي لا سبب لها قلت يؤيده ما في رواية أم سلمة عند الشيخين يا
رسول الله سمعتك تنهي عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما قال يا ابنة أبي أمية سألت عن هاتين
الركعتين بعد العصر وإنه أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر
وقيل إن صلاته صلى الله عليه وسلم بعد العصر من خصوصياته صلى الله عليه وسلم قلت يؤيده ما رواه الطحاوي من حديث أم
سلمة وزاد فقلت يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتتا قال لا لكن هذه الرواية ضعيفة لا تقوم بها
حجة كما صرح به الحافظ في الفتح وقال فيه ليس في رواية الإثبات معارضة للأحاديث الواردة في
النهي لأن رواية الإثبات لها سبب فألحق بها ما له سبب وبقي ما عدا ذلك على عمومه والنهي فيه
محمول على ما لا سبب له وأما من يرى عموم النهي ولا يخصه بماله سبب فيحمل الفعل على
الخصوصية ولا يخفى رجحان الأول انتهى كلام الحافظ فتفكر وتأمل
قوله (والذي اجتمع عليه أكثر أهل العلم على كراهية الصلاة بعد العصر حتى تغرب
الشمس وبعد الصبح حتى تطلع الشمس إلا ما استثني
من ذلك إلى قوله فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم
رخصة في ذلك) أشار إلى حديث جبير بن مطعم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بني عبد مناف
464

لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار قال الحافظ في بلوغ المرام
رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن حبان (وقد قال به) أي بما ذكر من كراهة الصلاة بعد العصر
وبعد الصبح إلا ما استثني (قوم من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم وبه يقول
الشافعي وأحمد وإسحاق) احتجوا بأحاديث النهي عن الصلاة بعد العصر وبعد الصبح وبما روي
في الرخصة في ذلك قالوا بهما (وقد كره قوم من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم
الصلاة بمكة أيضا بعد العصر وبعد الصبح وبه يقول سفيان الثوري ومالك بن أنس وبعض أهل
الكوفة) وبه يقول أبو حنيفة واحتجوا بعموم النهي قال الشوكاني في النيل قد اختلف أهل
العلم في الصلاة بعد العصر وبعد الفجر فذهب الجمهور إلى أنها مكروهة وادعى النووي الاتفاق
على ذلك وتعقبه الحافظ بأنه قد حكى عن طائفة من السلف الإباحة مطلقا وأن أحاديث النهي
منسوخة قال وبه قال داود وغيره من أهل الظاهر وبذلك جزم ابن حزم وقد اختلف القائلون
بالكراهة فذهب الشافعي إلى أنه يجوز من الصلاة في هذين الوقتين ما له سبب واستدل بصلاته
صلى الله عليه وسلم سنة الظهر بعد العصر قال الشوكاني وأجاب عن ذلك من أطلق الكراهة بأن ذلك من
خصائصه والدليل عليه ما أخرجه أبو داود عن عائشة أنها قالت كان يصلي بعد العصر وينهي
عنهما ويواصل وينهي عن الوصال وما أخرجه أحمد عن أم سلمة أنها قالت فقلت يا رسول الله
أنقضيهما إذا فاتتا فقال لا قال البيهقي وهي رواية ضعيفة وقد احتج بها الطحاوي على أن
ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم قال البيهقي الذي اختص به صلى الله عليه وسلم المداومة على ذلك لا أصل القضاء
انتهى وفي سند حديث عائشة محمد بن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء وهو مدلس ورواه
عن محمد بن عمرو بالعنعنة قال وذهب أبو حنيفة إلى كراهة التطوعات في هذين الوقتين مطلقا
واستدل القائلون بالإباحة مطلقا بأدلة ثم ذكر تلك الأدلة وتكلم على كل واحد
منها وليس واحد منها خاليا عن الكلام ثم قال واعلم أن الأحاديث القاضية بكراهة الصلاة بعد صلاة العصر
والفجر عامة فما كان أخص منها مطلقا كحديث يزيد بن الأسود وابن عباس وحديث
علي وقضاء
465

سنة الظهر بعد العصر وسنة الفجر بعده فلا شك أنها مخصصة لهذا العموم وما كان بينه وبين
أحاديث الباب عموم وخصوص من وجه كأحاديث تحية المسجد وأحاديث قضاء الفوائت والصلاة
على الجنازة لقوله صلى الله عليه وسلم يا علي ثلاث لا تؤخر الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت الحديث أخرجه
الترمذي وصلاة الكسوف لقوله صلى الله عليه وسلم فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة والركعتين عقب التطهر
وصلاة الاستخارة وغير ذلك فلا شك أنها أعم من أحاديث الباب من وجه وأخص منها من وجه
وليس أحد العمومين أولى من الآخر بجعله خاصا لما فيه من التحكم والوقف هو المتعين حتى يقع
الترجيح بأمر خارج انتهى كلام الشوكاني بتلخيص واختصار
باب ما جاء في الصلاة قبل المغرب
قوله (عن كهمس بن الحسين) كذا في النسخ الحاضرة بالتصغير وفي التقريب والخلاصة
كهمس بن الحسن بالتكبير وثقه أحمد وابن معين (عن عبد الله بن بريدة) ابن الحصيب الأسلمي
المروزي قاضيها ثقة (عن عبد الله بن مغفل) صحابي بايع تحت الشجرة ونزل البصرة مات سنة
57 سبع وخمسين وقيل بعد ذلك
قوله (بين كل أذانين) أي أذان وإقامة وهذا من باب التغليب كالقمرين للشمس والقمر
ويحتمل أن يكون أطلق على الإقامة أذان لأنها إعلام بحضور فعل الصلاة كما أن الأذان إعلام
بدخول الوقت (صلاة) أي وقت صلاة أو المراد صلاة نافلة قاله الحافظ قلت لا حاجة إلى تقدير
الوقت (لمن شاء) أي كون الصلاة بين الأذانين لمن شاء وفي الصحيحين عن عبد الله بن مغفل
قال قال النبي صلى الله عليه وسلم صلوا قبل صلاة المغرب ركعتين قال في الثالثة لمن شاء كراهية أن يتخذها
الناس سنة كذا في المشكاة والحديث دليل على جواز الركعتين بعد أذان المغرب وقبل صلاته وهو
الحق والقول بأنه منسوخ مما لا التفات إليه فإنه لا دليل عليه
قوله (وفي الباب عن عبد الله بن الزبير) أخرجه ابن حبان في صحيحه عن سليم بن عامر
466

عن عبد الله بن الزبير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان كذا
في نصب الراية ورواه محمد بن نصر أيضا في قيام الليل ص 62 وفي الباب أيضا عن أنس بن
مالك وعقبة بن عامر وسيجئ تخريجهما
قوله (حديث عبد الله بن مغفل حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما
قوله (فلم ير بعضهم الصلاة قبل المغرب) وهو قول مالك والشافعي على ما قال الحافظ في
الفتح وهو قول أبي حنيفة وعن مالك قول آخر باستحبابهما وعند الشافعية وجه رجحه النووي
ومن تبعه وقال في شرح مسلم قول من قال إن فعلهما يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها خيال
فاسد منابذ للسنة ومع ذلك فزمنها يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها انتهى قال الحافظ
ومجموع الأدلة يرشد إلى تخفيفهما كما في ركعتي الفجر انتهى واحتج من لم ير الصلاة قبل المغرب
بأحاديث ذكرها الحافظ الزيلعي قال لأصحابنا في تركها أحاديث منها ما أخرجه أبو داود عن
طاوس قال سئل ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب فقال ما رأيت أحدا على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم يصليهما ورخص في الركعتين بعد العصر قال الزيلعي سكت عنه أبو داود ثم المنذري في
مختصره فهو صحيح عندهما قال النووي في الخلاصة إسناده حسن قال
وأجاب العلماء عنه بأنه نفي فتقدم رواية المثبت ولكونها أصح وأكثر رواة ولما معهم من علم
ما لم يعلمه ابن عمر انتهى
قلت جوابهم هذا حسن صحيح وذكر الزيلعي هذا الجواب وأقره ولم يتكلم عليه بشئ
قال الزيلعي حديث آخر أخرجه الدارقطني ثم البيهقي في سننهما عن حيان بن عبيد الله
العدوي ثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عند كل أذانين ركعتين ما خلا
المغرب انتهى ورواه البزار في مسنده وقال لا نعلم رواه عن ابن بريدة إلا حيان بن عبيد الله وهو
رجل مشهور من أهل البصرة لا بأس انتهى كلامه وقال البيهقي في المعرفة أخطأ فيه حيان بن
عبيد الله في الاسناد والمتن جميعا أما السند فأخرجاه في الصحيح عن سعيد الجريري وكهمس عن
عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال بين كل أذانين صلاة قال في الثالثة لمن
شاء وأما المتن فكيف يكون صحيحا وفي رواية ابن المبارك عن كهمس في هذا الحديث قال وكان
467

ابن بريدة يصلي قبل المغرب ركعتين وفي رواية حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن
مغفل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوا قبل المغرب ركعتين وقال في الثالثة لمن شاء خشية أن يتخذها
الناس سنة رواه البخاري في صحيحه انتهى وذكر ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات
ونقل عن الفلاس أنه قال كان حيان هذا كذابا انتهى كلام الزيلعي وقال الحافظ في الفتح وأما
رواية حيان فشاذة لأنه وإن كان صدوقا عند البزار وغيره لكنه خالف الحفاظ من أصحاب عبد الله
بن بريدة في إسناد الحديث ومتنه وقد وقع في بعض طرقه عند الإسماعيلي وكان بريدة يصلي ركعتين
قبل صلاة المغرب فلو كان الاستثناء محفوظا لم يخالف بريدة راويه انتهى
قلت قال الزيلعي حديث آخر رواه الطبراني في كتاب مسند الشاميين عن جابر قال
سألنا نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيتن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الركعتين قبل المغرب فقلن لا غير أن أم
سلمة قالت صلاهما عندي مرة فسألته ما هذه الصلاة فقال نسيت الركعتين قبل العصر فصليتهما
الان انتهى
قلت على تقدير صحة هذا الحديث فجوابه هو ما ذكره الزيلعي نقلا عن النووي من أنه
نفي فتقدم رواية المثبت إلخ
قال الزيلعي حديث آخر معضل رواه محمد بن الحسن في الآثار أخبرنا أبو حنيفة ثنا حماد
بن أبي سليمان أنه سأل إبراهيم النخعي عن الصلاة قبل المغرب فنهاه عنها وقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبا بكر وعمر لم يكونوا يصلونها انتهى
قلت هذا الحديث لا يصلح للاستدلال فإنه معضل فهذه الأحاديث هي التي احتج بها
من منع الصلاة قبل المغرب وقد عرفت أنه لا يصح الاحتجاج بواحد منها
وادعى بعضهم بنسخ الصلاة قبل المغرب فقال إنما كان ذلك في أول الأمر حيث نهى عن
الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس فبين لهم بذلك وقت الجواز ثم ندب إلى المبادرة إلى المغرب
في أول وقتها فلو استمرت المواظبة على الاشتغال بغيرها لكان ذلك ذريعة إلى مخالفة إدراك أول
وقتها
قلت هذا ادعاء محض لا دليل عليه فلا التفات إليه وقد روى محمد بن نصر وغيره من
طرق قوية عن عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبي بن كعب وأبي الدرداء وأبي موسى
وغيرهم أنهم كانوا يواظبون عليهما
فإن قلت قال العيني في عمدة القاري ادعى ابن شاهين أن هذا الحديث منسوخ
468

بحديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عند كل أذانين ركعتين ما خلا المغرب
ويزيده وضوحا ما رواه أبو داود في سننه عن طاوس قال سئل ابن عمر عن الركعتين بعد المغرب
فقال ما رأيت أحدا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما ورخص في الركعتين بعد العصر انتهى كلام
العيني
قلت قد عرفت آنفا أن حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه هذا شاذ والاستثناء فيه غير
محفوظ قد أخطأ حيان بن عبيد الله الراوي عن عبد الله بن بريدة في الاسناد والمتن وأما قول ابن
عمر ما رأيت أحدا إلخ فقد عرفت في كلام الزيلعي بأنه نفي فتقدم رواية المثبت ولكونها أصح
وأكثر رواة ولما معهم من علم ما لم يعلمه ابن عمر
فالعجب من العيني أنه ذكر ادعاء ابن شاهين النسخ بحديث عبد الله بن بريدة عن أبيه ولم
يرد عليه بل أقره بل قال ويزيده وضوحا إلخ (وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
أنهم كانوا يصلون قبل صلاة المغرب ركعتين بين الأذان والإقامة) أي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
وبحضرته وبعد وفاته وكذلك روي عن غير واحد من التابعين وتبعهم أنهم كانوا يصلون قبل
صلاة المغرب ركعتين بين الأذان والإقامة ففي الصحيحين عن أنس بن مالك قال كان المؤذن إذا
أذن قام ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم كذلك يصلون
الركعتين قبل المغرب زاد مسلم حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد
صليت من كثرة من يصليهما وفي رواية النسائي قال كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي قيام الليل
لمحمد بن نصر المروزي عن أبي الخير رأيت أبا تميم الجيشاني يركع الركعتين حين يسمع أذان
المغرب فأتيت عقبة بن عامر الجهني فقلت له ألا أعجبك من أبي تميم الجيشاني عبد الله بن مالك
يركع ركعتين قبل المغرب وأنا أريد أن أغمصه فقال عقبة إنما كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال فما يمنعك الان قال الشغل
وعن زر قدمت المدينة فلزمت عبد الرحمن بن عوف وأبي بن كعب فكانا يصليان ركعتين
قبل صلاة المغرب لا يدعان ذلك
وعن رغبان مولى حبيب بن مسلمة قال لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يهبون إليهما كما
يهبون إلى المكتوبة يعني الركعتين قبل المغرب
469

وعن خالد بن معدان أنه كان يركع ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب لم يدعهما
حتى لقي الله وكان يقول إن أبا الدرداء كان يركعهما يقول لا أدعهما وإن ضربت بالسياط
وقال عبد الله بن عمرو الثقفي رأيت جابر بن عبد الله يصلي ركعتين قبل المغرب
وعن يحيى بن سعيد أنه صحب أنس بن مالك إلى الشام فلم يكن يترك ركعتين عند كل
أذان
وسئل قتادة عن الركعتين قبل المغرب فقال كان أبو برزة يصليهما وكان عبد الله بن برزة
ويحيى بن عقيل يصليان قبل المغرب ركعتين وعن الحكم رأيت عبد الرحمن بن أبي ليلى يصلي
قبل المغرب ركعتين وسئل الحسن عنهما فقال حسنتين والله جميلتين لمن أراد الله بهما وعن سعيد
بن المسيب حق على كل مؤمن إذا أذن أن يركع ركعتين وكان الأعرج وعامر بن عبد الله بن
الزبير يركعهما وأوصى أنس بن مالك ولده أن لا يدعوهما وعن مكحول على المؤذن أن يركع
ركعتين على إثر التأذين وعن الحكم بن الصلت رأيت عراك بن مالك إذا أذن المؤذن بالمغرب قام
فصلى سجدتين قبل الصلاة وعن عبيد الله بن عبد الله بن عمر إن كان المؤذن ليؤذن بالمغرب ثم
تقرع المجالس من الرجال يصلونهما انتهى ما في كتاب قيام الليل بقدر الحاجة وفيه آثار أخرى
من شاء الوقوف عليها فليرجع إليه
ثم ذكر محمد بن نصر فيه من لم يركع الركعتين قبل صلاة المغرب فقال عن النخعي قال
كان بالكوفة من خيار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان
وأبو مسعود الأنصاري وعمار بن ياسر والبراء بن عازب فأخبرني من رمقهم كلهم فما رأى أحدا
منهم يصليهما قبل المغرب وفي رواية أن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا لا يصلون الركعتين قبل
المغرب وقيل لإبراهيم أن ابن أبي هذيل كان يصلي قبل المغرب قال إن ذاك لا يعلم انتهى
وقال ليس في حكاية هذا الذي روى عنه إبراهيم أنه رمقهم فلم يرهم يصلونهما دليل على
كراهتهم لهما إنما تركوهما لأن تركهما كان مباحا وقد يجوز أن يكون أولئك الذين
حكى عنهم من حكى أنه رمقهم فلم يرهم يصلونهما قد صلوهما في غير الوقت الذي رمقهم انتهى كلام محمد بن
نصر
قلت على أنه قد ثبت أن إبراهيم النخعي لم يلق أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا عائشة
ولم يسمع منها شيئا ففي أثره الأول مجهول وفي أثره الثاني انقطاع إذا عرفت هذا كله ظهر لك
470

بطلان قول القاضي أبي بكر بن العربي اختلف فيها الصحابة ولم يفعلها أحد بعدهم وكذلك
ظهر بطلان قول من قال بنسخ الركعتين قبل المغرب بأثر النخعي المذكور قال الحافظ في الفتح
والمنقول عن الخلفاء الأربعة رواه محمد بن نصر وغيره من طريق إبراهيم النخعي عنهم وهو
منقطع ولو ثبت لم يسكن فيه دليل على النسخ ولا الكراهة (وقال أحمد وإسحاق إن صلاهما فحسن
وهذا عندهما على الاستحباب) قال الحافظ في الفتح إلى استحبابهما ذهب أحمد وإسحاق
وأصحاب الحديث وقال محمد بن نصر في كتاب قيام الليل وقال أحمد بن حنبل في الركعتين
قبل المغرب أحاديث جياد أو قال صحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم فقال إلا
أنه قال لمن شاء فمن شاء صلى قبل له قيل الأذان أم بين الأذان والإقامة فقال بين الأذان
والإقامة ثم قال وإن صلى إذا غربت الشمس وحلت الصلاة أي فهو جائز قال هذا شئ ينكره
الناس وتبسم كالمتعجب ممن ينكر ذلك وسئل عنهما فقال أنا لا أفعله وإن فعله رجل لم يكن به
بأس انتهى ما في قيام الليل وقال الحافظ في الفتح وذكر الأثرم عن أحمد أنه قال ما فعلتهما إلا مرة
واحدة حتى سمعت الحديث انتهى
واحتج من قال باستحبابهما بأحاديث صحيحة صريحة
منها حديث عبد الله بن مغفل المذكور في الباب وهو حديث صحيح أخرجه الشيخان كما
عرفت ومنها حديث عبد الله بن الزبير الذي أشار إليه الترمذي ومنها حديث أنس بن مالك
وهو حديث صحيح أخرجه الشيخان وتقدم لفظه
ومنها حديث عقبة بن عامر وتقدم لفظه نقلا عن قيام الليل وهو حديث صحيح أخرجه
البخاري
ومنها حديث عبد الله بن مغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين أخرجه ابن
حبان في صحيحه وأخرجه محمد بن نصر في القيام الليل بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى قبل
المغرب ركعتين ثم قال صلوا قبل المغرب ركعتين ثم قال عند الثالثة لمن شاء خاف أن يحسبها
الناس سنة قال العلامة ابن أحمد المقريزي في مختصر قيام الليل هذا إسناده صحيح على شرط
مسلم وقد صح في ابن حبان حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين قبل المغرب فهذه الأحاديث هي
التي احتج بها من قال باستحباب الركعتين قبل المغرب وهو الحق
471

باب من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس
قوله (وعن بسر بن سعيد) المدني العابد مولى ابن الحضرمي ثقة جليل من الثانية مات سنة
مائة بالمدينة في خلافة عمر بن عبد العزيز (وعن الأعرج) هو عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي
مولاهم أبو داود المدني ثقة ثبت عالم من الثالثة (يحدثونه) أي يحدثون زيد بن أسلم
قوله (من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح) أي من أدرك من
صلاة الصبح ركعة بركوعها وسجودها قبل طلوع الشمس فقد أدرك صلاة الصبح والإدراك
الوصول إلى الشئ فظاهر أنه يكتفي بذلك وليس بذلك مرادا با جماع فقيل يحمل على أنه أدرك
الوقت فإذا صلى ركعة أخرى فقد كملت صلاته وهذا قول الجمهور وقد صرح بذلك في رواية
الدراوردي عن زيد بن أسلم أخرجه البيهقي من وجهين ولفظه من أدرك من الصبح ركعة قبل
أن تطلع الشمس وركعة بعد ما تطلع الشمس فقد أدرك الصلاة وللنسائي من وجه آخر من
أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة كلها إلا أن يقضي ما فاته وللبيهقي من وجه آخر من
أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فليصل إليها أخرى
ويؤخذ من هذا الرد على الطحاوي حيث خص الإدراك باحتلام الصبي وطهر الحائض
وإسلام الكافر ونحوها وأراد بذلك نصرة مذهبه في أن من أدرك من الصبح ركعة تفسد صلاته
لأنه لا يكملها إلا في وقت الكراهة
قوله (وفي الباب عن عائشة) قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك من العصر سجدة قيل أن
تغرب الشمس أو من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن
ماجة قال صاحب المنتقي والسجدة هنا الركعة
472

قوله (حديث أبي هريرة حديث صحيح) أخرجه الأئمة الستة
قوله (وبه يقول أصحابنا والشافعي وأحمد وإسحاق) فقالوا من أدرك ركعة من صلاة
الصبح قبل طلوع الشمس فقد أدرك صلاة الصبح ولا تبطل بطلوعها كما أن من أدرك ركعة من
صلاة العصر قبل غروب الشمس فقد أدرك صلاة العصر ولا تبطل بغروبها وهو الحق قال
النووي قال أبو حنيفة تبطل صلاة الصبح بطلوع الشمس لأنه دخل وقت النهي عن الصلاة
بخلاف غروب الشمس والحديث حجة عليه انتهى قال القاري في المرقاة بعد ذكر كلام
النووي هذا ما لفظه وجوابه ما ذكره صدر الشريعة أن المذكور في كتب أصول الفقه أن الجزء
المقارن للأداء سبب لوجوب الصلاة وآخر وقت العصر وقت ناقص إذ هو وقت عبادة الشمس
فوجب ناقصا فإذا أداه أداه كما وجب فإذا اعترض الفساد بالغروب لا تفسد والفجر كل وقته
وقت كامل لأن الشمس لا تعبد قبل طلوعها فوجب كاملا فإذا اعترض الفساد بالطلوع تفسد لأنه
لم يؤدها كما وجب فإن قيل هذا تعليل في معرض النص قلنا لما وقع التعارض بين هذا الحديث
وبين النهي الوارد عن الصلاة في الأوقات الثلاثة رجعنا إلى القياس كما هو حكم التعارض
والقياس رجح هذا الحديث في صلاة العصر وحديث النهي في صلاة الفجر وأما سائر الصلوات
فلا تجوز في الأوقات الثلاثة المكروهة لحديث النهي فيها انتهى كلام القاري
قلت ما ذكره صدر الشريعة مردود قد الفاضل اللكنوي وهو من العلماء الحنفية في
حاشيته على شرح الوقاية حيث قال فيه بحث وهو أن المصير إلى القياس عند تعارض النصين إنما
هو إذا لم يمكن الجمع بينهما وأما إذا أمكن يلزم أن يجمع وههنا العمل بكليهما ممكن بأن يخص صلاة
العصر والفجر الوقتيتان من عموم حديث النهي ويعمل بعمومه في غيرهما وبحديث الجواز فيهما
إلا أن يقال حديث الجواز خاص وحديث النهي عام وكلاهما قطعيان عند الحنفية متساويان في
الدرجة والقوة فلا يخص أحدهما الآخر
وفيه أن قطعية العام كالخاص ليس متفقا عليه بين الحنفية فإن كثيرا منهم وافقوا الشافعية في
كون العام ظنيا كما هو مبسوط في شروح المنتخب الحسامي وغيرها انتهى كلامه وقال في تعليقه
على موطأ الإمام محمد لا مناص عن ورود أن التساقط إنما يتعين عند تعذر الجمع وهو ههنا ممكن
بوجوه عديدة لا تخفى على المتأمل انتهى كلامه
473

قلت الأمر كما قال لا ريب في أن الجمع ههنا ممكن فمع إمكانه القول بالتساقط باطل
وقد ذكر ذلك الفاضل وجها للجمع وهو وجه حسن ونحن نذكر وجها آخر قال الحافظ في
الفتح وادعى بعضهم أن أحاديث النهي ناسخة لهذا الحديث وهي دعوى تحتاج إلى دليل فإنه
لا يصار إلى النسخ بالاحتمال والجمع ههنا ممكن بأن تحمل أحاديث النهي على ما سبب له من
النوافل ولا شك أن التخصيص أولى من ادعاء النسخ انتهى كلام الحافظ قال الشوكاني في
النيل وهذا أيضا جمع بما يوافق مذهب الحافظ والحق أن أحاديث النهي عامة تشمل كل صلاة
وهذا الحديث خاص فيبنى العام على الخاص ولا يجوز في ذلك الوقت شئ من الصلوات
بدليل يخصه سواء كان من ذوات الأسباب أو غيرها قال ومفهوم الحديث أن من أدرك أقل من
ركعة لا يكون مدركا للوقت وأن صلاته تكون قضاء وإليه ذهب الجمهور وقال البعض أداء
والحديث يرده قال واختلفوا إذا أدرك من لا تجب عليه الصلاة كالحائض تطهر والمجنون يعقل
والمغمى عليه يفيق والكافر يسلم دون ركعة من وقتها هل تجب عليه الصلاة أم لا وفيه قولان
للشافعي أحدهما لا تجب وروي عن مالك عملا بمفهوم الحديث وأصحهما عن أصحاب الشافعي
أنها تلزمه وبه قال أبو حنيفة لأنه أدرك جزءا من الوقت فاستوى قليله وكثيره وأجابوا عن مفهوم
الحديث بأن التقييد بركعة خرج مخرج الغالب ولا يخفى ما فيه من البعد وأما إذا أدرك أحد هؤلاء
ركعة وجبت عليه الصلاة بالاتفاق بينهم ومقدار هذه الركعة قدر ما يكبر ويقرأ أم القرآن ويركع
ويرفع ويسجد سجدتين
فائدة إدراك الركعة قبل خروج الوقت لا يخص صلاة الفجر والعصر لما ثبت عند
البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ من أدرك ركعة من الصلاة فقد
أدرك الصلاة وهو أعم من حديث الباب قال الحافظ ويحتمل أن تكون اللام عهدية ويؤيده أن
كلا منهما من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة وهذا مطلق وذاك يعني حديث الباب مقيد فيحمل
المطلق على المقيد انتهى ويمكن أن يقال إن حديث الباب دل بمفهومه على اختصاص ذلك الحكم
بالفجر والعصر وهذا الحديث دل بمنطوقه على أن حكم جميع الصلوات لا يختلف في ذلك والمنطوق
أرجح من المفهوم فيتعين المصير إليه ولاشتماله على الزيادة التي ليست منافية للمزيد
كذا في النيل
قوله (ومعنى هذا الحديث عندهم لصاحب العذر مثل الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها
فيستيقظ عند طلوع الشمس وعند غروبها) قال الحافظ في الفتح ونقل بعضهم
474

الاتفاق على أنه لا يجوز لمن ليس له عذر تأخير الصلاة حتى لا يبقى منها إلا هذا القدر انتهى
باب في الجمع بين الصلاتين
قوله (من غير خوف ولا مطر) الحديث ورد بلفظ من غير خوف ولا سفر وبلفظ من غير
خوف ولا مطر قال الحافظ واعلم أنه لم يقع مجموعا بالثلاثة في شئ من كتب الحديث بل
المشهور من غير خوف ولا سفر (أراد أن لا تحرج) بصيغة الماضي المعلوم من التحرج (أمته) بالرفع
على الفاعلية وفي رواية لمسلم أراد أن لا يحرج أمته وفي رواية أخرى له أراد أن لا يحرج أحدا من
أمته قال ابن سيد الناس قد اختلف في تقييده فروي بالياء المضمومة آخر الحروف وأمته منصوب
على أنه مفعوله وروى تحرج بالتاء ثالثة الحروف مفتوحة وضم أمته على أنها فاعلة ومعناه إنما فعل
تلك لئلا يشق عليهم ويثقل فقصد إلى التخفيف عنهم
قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرج مسلم عن عبد الله بن شقيق قال خطبنا ابن
عباس يوما بعد العصر حين غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون الصلاة الصلاة
قال فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني الصلاة الصلاة فقال ابن عباس أتعلمني بالسنة لا أم
لك ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء قال عبد الله بن
شقيق فحاك في صدري من ذلك شئ فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته قال الحافظ في الفتح
وقد ذهب جماعة من الأئمة إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث فجوز والجمع في الحضر للحاجة
مطلقا لكن بشرط أن لا يتخذ ذلك عادة وممن قال به ابن سيرين وربيعة وأشهب وابن المنذر
والقفال الكبير وحكاه الخطابي عن جماعة من أهل الحديث انتهى وذهب الجمهور إلى أن الجمع
لغير عذر لا يجوز وأجابوا عن حديث الباب بأجوبة
475

منها أن الجمع المذكور كان للمرض وقواه النووي قال الحافظ وفيه نظر لأنه لو كان جمعه
صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين لعارض المرض لما صلى معه إلا من له نحو ذلك العذر والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم جمع
بأصحابه وقد صرح بذلك ابن عباس في روايته
ومنها أن الجمع المذكور كان لعذر المطر قال النووي وهو ضعيف بالرواية الأخرى من غير
خوف ولا مطر
ومنها أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم وبان أن وقت العصر دخل فصلاها
قال النووي وهذا أيضا باطل لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر فلا احتمال فيه في
المغرب والعشاء
ومنها أن الجمع المذكور صوري بأن يكون أخر الظهر لآخر وقتها وعجل العصر في أول
وقتها قال النووي هذا احتمال ضعيف أو باطل لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل قال الحافظ
وهذا الذي ضعفه قد استحسنه القرطبي ورجحه إمام الحرمين وجزم به من القدماء ابن الماجشون
والطحاوي وقواه ابن سيد الناس بأن أبا الشعثاء وهو راوي الحديث عن ابن عباس قد قال به
قال الحافظ ويقوي ما ذكره من الجمع الصوري أن طرق الحديث كلها ليس فيها تعرض لوقت
الجمع فإما أن يحتمل على مطلقها فيستلزم إخراج الصلاة عن وقتها المحدود بغير عذر وإما أن يحمل
على صفة مخصوصة لا تستلزم الإخراج ويجمع بها بين مفترق الأحاديث فالجمع الصوري أولى
انتهى قال الشوكاني في النيل ومما يدل على تعين حمل حديث الباب على الجمع الصوري ما
أخرجه النسائي عن ابن عباس بلفظ صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا والمغرب
والعشاء جميعا أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء فهذا ابن عباس راوي
حديث الباب قد صرح بأن ما رواه من الجمع المذكور هو الجمع الصوري ثم ذكر الشوكاني
مؤيدات أخرى للجمع الصوري ودفع إيرادات ترد عليه من شاء الاطلاع عليها فليرجع إلى
النيل وهذا الجواب هو أولى الأجوبة عندي وأقواها وأحسنها فإنه يحصل به التوفيق والجمع بين
مفترق الأحاديث والله تعالى أعلم
قوله (وقد روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا) أي ما يخالف هذا الحديث
476

المذكور ثم رواه بقوله حدثنا أبو سلمة إلخ
قوله (حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف البصري) الجوباري من شيوخ الترمذي ومسلم
وأبي داود وابن ماجة صدوق مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين (عن أبيه) سليمان التيمي (عن
حنش) بفتح الحاء المهملة والنون لقب حسين بن قيس أبي علي الواسطي وهو متروك كذا
في التقريب
قوله (من جمع بين الصلاتين من غير عذر) كسفر ومرض (فقد أتى بابا من أبواب الكبائر)
قال المناوي تمسك به الحنفية على منع الجمع في السفر وقال الشافعي السفر عذر انتهى قلت قد
جاء في الجمع بين الصلاتين في السفر أحاديث صحيحة صريحة في الصحيحين وغيرهما وحديث
ابن عباس هذا ضعيف جدا قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة حنش بن قيس
حديثه من جمع بين الصلاتين الحديث لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به ولا أصل له وقد صح عن
ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر انتهى وأما قول الحاكم بعد روايته في المستدرك
هذا حديث صحيح فقد رده الذهبي كما صرح به المناوي وعلى تقدير صحته فالجواب هو ما
قال الشافعي من أن السفر عذر
قوله (وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه أحمد وغيره) قال الذهبي في الميزان في ترجمته
قال أحمد متروك وقال أبو زرعة وابن معين ضعيف وقال البخاري لا يكتب حديثه وقال النسائي
ليس بثقة وقال مرة متروك وقال السعدي أحاديثه منكرة جدا وقال الدارقطني متروك وعد الذهبي
حديثه من جمع بين الصلاتين إلخ من منكراته
قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم أن لا يجمع بين الصلاتين إلا في السفر أو بعرفة)
477

قال الترمذي في آخر كتابه في كتاب العلل ما لفظه جميع ما في هذا الكتاب من الحديث هو
معمول به وبه أخذ بعض أهل العلم ما خلا حديثين حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين
الظهر والعصر بالمدينة والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر ولا مطر وحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال إذا شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد في الرابعة فاقتلوه انتهى قال النووي في شرح مسلم وهذا
الذي قاله الترمذي في حديث شارب الخمر هو كما قاله فهو حديث منسوخ دل الاجماع على
نسخه وأما حديث ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به بل لهم أقوال ثم ذكر تلك
الأقوال وقد مرت في كلام الحافظ وقال صاحب دراسات اللبيب هذا القول منه أي من
الترمذي غريب جدا وجه الغرابة أنا قدمنا أن عدم الأخذ بالحديث ممن ينسب إليه ذلك إنما
يتحقق إذا لم يجب عن ذلك الحديث ولم يحمله على محمل وأما إذا فعل ذلك فقد أخذ به وهذا
الحديث يعني حديث ابن عباس كثرت في تأويله أقوال العلماء ومذاهبهم فيه ومع هذه التأويلات
والمذاهب فيه وإن كانت بعضها بعيدة كيف يطلق عليه أنه لم يعمل به أحد من العلماء وإن أراد
الترمذي أنه لم يعمل بظاهره من غير تأويل أحد من العلماء فيبطل قوله كل حديث في كتابي هذا
معمول به ما خلا حديثين فإن كل حديث في كتابه ليس مما لم يؤول أصلا وعمل بظاهره على أن
هذا الحديث عمل بظاهره جماعة من العلماء ثم ذكر قول النووي وذهب جماعة من الأئمة إلى
جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك
وحكاه الخطابي عن القفال الشاشي الكبير من أصحاب الشافعي عن أبي إسحاق المروزي وعن
جماعة من أصحاب الحديث واختاره ابن المنذر انتهى كلامه قلت الأمر كما قال صاحب
الدراسات
قوله (ورخص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض وبه يقول
أحمد وإسحاق) وقال عطاء يجمع المريض بين المغرب والعشاء كذا في صحيح البخاري معلقا
ووصله عبد الرزاق قال الحافظ في الفتح وصله عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج عنه قال
واختلف العلماء في المريض هل يجوز له أن يجمع بين الصلاتين كالمسافر لما فيه من الرفق به أولا
فجوزه أحمد وإسحاق واختاره بعض الشافعية وجوزه
مالك بشرطه والمشهور عن الشافعي
وأصحابه المنع ولم أر في المسألة نقلا عن أحد من الصحابة انتهى كلام الحافظ وقال العيني في
عمدة القاري قال عياض الجمع بين الصلوات المشتركة في الأوقات تكون تارة سنة وتارة رخصة
478

فالسنة الجمع بعرفة والمزدلفة وأما الرخصة فالجمع في السفر والمرض والمطر فمن تمسك بحديث
صلاة النبي صلى الله عليه وسلم مع جبريل عليه الصلاة والسلام وقد أمه فلم ير الجمع في ذلك ومن خصه أثبت
جواز الجمع في السفر بالأحاديث الواردة فيه وقاس المرض عليه فنقول إذا أبيح للمسافر الجمع
بمشقة السفر فأحرى أن يباح للمريض وقد قرن الله تعالى المريض بالمسافر في الترخيص له في
الفطر والتيمم وأما الجمع في المطر فالمشهور من مذهب مالك إثباته في المغرب والعشاء وعنه قولة
شاذة أنه لا يجمع إلا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومذهب المخالف جواز الجمع بين الظهر والعصر
والمغرب والعشاء في المطر انتهى ما في العمدة (وقال بعض أهل العلم يجمع بين الصلاتين في المطر
وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق) قال الحافظ ابن تيمية في المنتقى في باب جمع المقيم لمطر أو
لغيره بعد ذكر حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعا وثمانيا الظهر والعصر والمغرب
والعشاء ما لفظه قلت وهذا يدل بفحواه على الجمع للمطر والخوف وللمرض وإنما خولف ظاهر
منطوقه في الجمع لغير عذر للإجماع ولأخبار المواقيت فنبقي فحواه على مقتضاه وقد صح الجمع
للمستحاضة والاستحاضة نوع مرض ولمالك في الموطأ عن نافع أن ابن عمر كان إذا جمع
الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر جمع معهم وللأثرم في سننه عن أبي سلمة بن
عبد الرحمن أنه قال من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء انتهى كلام ابن
تيمية قلت أثر أبي سلمة بن عبد الرحمن هذا سكت عنه ابن تيمية والشوكاني ولم أقف على
سنده فالله أعلم بحاله كيف هو صحيح أو ضعيف وقد أثبت الحافظ ابن القيم في إعلام
الموقعين جواز الجمع بين الصلاتين لأصحاب الأعذار وبسط فيه من شاء الاطلاع عليه فليرجع
إليه فإن قيل كيف جوزوا الجمع بين الصلاتين لعذر المرض والمطر وقد قال الإمام محمد
في موطئه بلغنا عن عمر بن الخطاب أنه كتب في الآفاق ينهاهم أن يجمعوا بين الصلاتين
ويخبرهم أن الجمع بين الصلاتين في وقت واحد كبيرة من الكبائر قال أخبرنا بذلك الثقات
عن العلاء بن الحارث عن مكحول انتهى فقول عمر هذا بإطلاقه يدل على أن الجمع بين
الصلاتين مطلقا كبيرة من الكبائر سواء كان من عذر أو من غير عذر فالجواب من قبل
المجوزين أن المراد بالجمع في قول عمر المذكور الجمع من غير عذر يدل عليه ما أخرجه
الحاكم عن أبي العالية عن عمر قال جمع الصلاتين من غير عذر من الكبائر قال وأبو العالية لم
479

يسمع من عمر ثم أسند عن أبي قتادة أن عمر كتب إلى عامل لا ثلاث من الكبائر الجمع بين
الصلاتين من غير عذر والفرار من الزحف الحديث قال وأبو قتادة أدرك عمر فإذا انضم هذا إلى
الأول صار قويا قالوا فقول عمر هذا لا يضرنا فإنه يدل على المنع من الجمع من غير عذر
والعذر قد يكون بالسفر وقد يكون بالمطر وبغير ذلك ونحن نقول به وقالوا أيضا من عرض له
عذر يجوز له الجمع إذا أراد ذلك وأما إذا لم يكن له ذلك ولم يرد الجمع بل ترك الصلاة عمدا
إلى أن دخل وقت الأخرى فهو آثم بلا ريب
باب ما جاء في بدء الأذان
أي في ابتدائه والأذان لغة الإعلام وشرعا الإعلام بوقت الصلاة بألفاظ مخصوصة قال
الحافظ في الفتح وردت أحاديث تدل على أن الأذان شرع بمكة قبل الهجرة فذكر تلك
الأحاديث ثم قال والحق أنه لا يصح شئ من هذه الأحاديث وقد جزم ابن المنذر بأنه صلى الله عليه وسلم كان
يصلي بغير أذان منذ فرضت الصلاة بمكة إلى أن هاجر إلى المدينة وإلى أن وقع التشاور في ذلك
على ما في حديث عبد الله بن عمر ثم حديث عبد الله بن زيد انتهى كلام الحافظ والمراد بحديث
عبد الله بن عمر وحديث عبد الله بن زيد اللذان رواهما الترمذي في هذا الباب
قوله (حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي) أبو عثمان البغدادي من شيوخ الترمذي
والشيخين وغيرهم وثقه النسائي مات سنة 942 تسع وأربعين ومائتين (نا أبي) هو يحيى بن
سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص الأموي الحافظ الكوفي نزيل بغداد لقبه الجمل صدوق يغرب
كذا في التقريب وقال في الخلاصة وهامشها وثقة ابن معين والدارقطني والنسائي وأبو داود (عن
محمد بن إبراهيم التيمي) المدني كنيته أبو عبد الله ثقة له أفراد من الرابعة (عن محمد بن
عبد الله بن زيد) بن عبد ربه الأنصاري المدني ثقة (عن أبيه) هو عبد الله بن زيد الأنصاري
الخزرجي صحابي مشهور أري الأذان مات سنة اثنتين وثلاثين وصلى عليه عثمان
قوله (إن هذه لرؤيا حق) أي ثابتة صحيحة صادقة (فإنه أندى) قال الجزري في النهاية
480

أي أرفع وأعلى صوتا وقيل أحسن وأعذب وقيل أبعد انتهى وفي القاموس أندى كثر عطاياه أو
حسن صوته انتهى وفيه أيضا النداء بالضم والكسر الصوت والندى بعده وهو ندى الصوت
كغنى بعيده انتهى
قلت والأحسن أن يراد بأندى ههنا أحسن وأعذب وإلا لكان في ذكر قوله أمد بعده
تكرار على هذا ففي الحديث دليل على اتخاذ المؤذن حسن الصوت وقد أخرج الدارمي وأبو
الشيخ بإسناد متصل بأبي محذورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بنحو عشرين رجلا فأذنوا فأعجبه صوت
أبي محذورة فعلمه الأذان ولابن خزيمة أنه صلى الله عليه وسلم قال لقد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن
الصوت وصححه ابن السكن كذا في التلخيص والنيل
قلت وحديث أبي محذورة هذا أخرجه النسائي أيضا ولفظه قال لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
من حنين خرجت عاشر عشرة من أهل مكة نطلبهم فسمعناهم يؤذنون بالصلاة فقمنا نؤذن
لنستهزئ بهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت فأرسل إلينا
فأذنا رجل رجل وكنت آخرهم فقال حين أذنت تعال فأجلسني بين يديه فمسح على ناصيتي فبرك
علي ثلاث مرات ثم قال اذهب فأذن عند البيت الحرام الحديث (وأمد صوتا منك) أي أرفع
وأعلى صوتا منك وفيه دليل على اتخاذ المؤذن رفيع الصوت وجهيره (فألق) أمر من الالقاء (عليه)
أي على بلال (ما قيل لك) أي في المنام (وليناد) أي وليؤذن بلال (بذلك) أي بما تلقى إليه (وهو
يجر إزاره) أي للعجلة جملة حالية (لقد رأيت مثل الذي قال) أي بلال يعني أذن (فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم فلله الحمد) حيث أظهر الحق ظهورا وازداد في البيان نورا قاله القاري والظاهر أن يقول
حيث أظهر الحق إظهارا وزاد في البيان نورا
قوله (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه الترمذي في هذا الباب
قوله (حديث عبد الله بن زيد حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود فذكر فيه كلمات
481

الأذان والإقامة وأخرجه ابن ماجة فلم يذكر فيه لفظ الإقامة وزاد فيه شعرا وأخرجه بن حبان في
صحيحه فذكره بتمامه قال البيهقي في المعرفة قال محمد بن يحيى الذهلي ليس في أخبار
عبد الله بن زيد في فضل الأذان خبر أصح من هذا لأن محمدا سمعه من أبيه وابن أبي ليلى لم
يسمع من عبد الله بن زيد انتهى ورواه ابن خزيمة في صحيحه ثم قال سمعت محمد بن يحيى
الذهلي يقول ليس في أخبار إلى آخر لفظ البيهقي وزاد خبر ابن إسحاق هذا ثابت صحيح
لأن محمد بن عبد الله بن زيد سمعه من أبيه ومحمد بن إسحاق سمعه من محمد بن إبراهيم التيمي
وليس هو مما دلسه ابن إسحاق انتهى وقال الترمذي في علله الكبير سألت محمد بن إسماعيل
عن هذا الحديث فقال هو عندي صحيح انتهى كذا في نصب الراية وأعلم أن الترمذي روى
هذا الحديث من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي بلفظ عن ورواه أبو داود
من طريقه عنه بلفظ حدثني ولذلك قال الذهلي وغيره محمد بن إسحاق سمعه من محمد بن
إبراهيم التيمي وليس هو مما دلسه
قوله (وقد روى هذا الحديث إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق أتم من هذا الحديث
وأطول وذكر فيه قصة الأذان مثنى مثنى والإقامة مرة مرة) أخرجه أبو داود من طريق يعقوب بن
إبراهيم بن سعد ثنا أبي وهو إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق قال حدثني محمد بن
إبراهيم بن الحارث التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد قال قال حدثني أبي عبد الله ابن زيد لما
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل
ناقوسا في يده فقلت يا عبد الله أتبيع الناقوس قال وما تصنع به فقلت ندعو به إلى الصلاة قال
أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك فقلت له بلى قال فقال تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر
أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول
الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر
لا إله إلا الله قال ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال ثم تقول إذا أقمت الصلاة الله أكبر الله أكبر
أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت
الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلخ
قوله (ولا نعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا يصح إلا هذا الحديث الواحد في الأذان) قال
482

الحافظ في التلخيص بعد ذكر قول الترمذي هذا وكذا قال البخاري وفيه نظر فإن له عند النسائي
وغيره حديثا غير هذا في الصدقة وعند أحمد آخر في قسمة النبي صلى الله عليه وسلم شعره وأظفاره وإعطائه لمن
تحصل له أضحية انتهى كلام الحافظ قلت إن كان هذان الحديثان صحيحين فلا شك في أن في
قول الترمذي هذا نظرا وإلا فلا وجه للنظر كما لا يخفى على المتأمل فتأمل قوله (حدثنا أبو
بكر بن أبي النضر) قال في التقريب أبو بكر بن النضر بن أبي النضر البغدادي قد ينسب لجده
اسمه وكنيته واحد وقيل اسمه محمد وقيل أحمد وأبو النضر هو هاشم بن القاسم مشهور وأبو بكر
ثقة انتهى قلت هو من شيوخ الترمذي ومسلم مات سنة 542 خمس وأربعين ومائتين (نا
الحجاج بن محمد) المصيصي الأعور أبو محمد ترمذي الأصل نزل بغداد ثم المصيصة ثقة ثبت لكنه
اختلط في آخر عمره لما قدم بغداد قبل موته (قال ابن جريج) اسمه عبد الملك بن عبد العزيز بن
جريج ثقة فقيه فاضل وكان يدلس ويرسل
قوله (كان المسلمون حين قدموا المدينة) أي من مكة في الهجرة (فيتحينون الصلوات) أي
يقدرون أحيانها ليأتوا إليها والحين الوقت والزمان (فقال بعضهم اتخذوا ناقوسا) قال النووي
قال أهل اللغة هو الذي يضرب به النصارى لأوقات صلواتهم وجمعه نواقيس والنقس ضرب
الناقوس وقال في النهاية الناقوس هي خشبة طويلة تضرب بخشبة أصغر منها والنصاري
يعلمون بها أوقات صلواتهم انتهى (وقال بعضهم اتخذوا قرنا) القرن هو البوق الذي ينفخ فيه
ويقال له بالفارسية ناي بزرك والمراد أنه ينفخ فيه فيجتمعون عند سماع صوته وهو من شعار
اليهود (أولا تبعثون رجلا) الواو للعطف على مقدر أي أتقولون بموافقة اليهود والنصارى ولا
تبعثون والهمزة لإنكار الجملة الأولى ومقررة للثانية (ينادي بالصلاة) قال القاضي عياض ظاهره أنه
483

إعلام ليس على صفة الأذان الشرعي بل إخبار بحضور وقتها قال النووي هذا الذي قاله
محتمل أو متعين فقد صح في حديث عبد الله بن زيد في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما أنه رأى
الأذان في المنام فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره به فجاء عمر فقال يا رسول الله والذي بعثك بالحق
لقد رأيت مثل الذي رأى وذكر الحديث فهذا ظاهره أنه كان في مجلس آخر فيكون الواقع الإعلام
أولا ثم رأى عبد الله بن زيد الأذان فشرعه النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إما بالوحي وإما باجتهاده صلى الله عليه وسلم على
مذهب الجمهور في جواز الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم وليس هو عملا بمجرد المنام هذا ما لا شك فيه بلا
خلاف انتهى كلام النووي قال الحافظ في الفتح كان اللفظ الذي ينادي به بلال للصلاة قوله
الصلاة جامعة أخرجه ابن سعد في الطبقات من مراسيل سعيد بن المسيب انتهى (يا بلال قم فناد
بالصلاة) قال الحافظ في الفتح في رواية الإسماعيلي فأذن بالصلاة قال عياض المراد الإعلام المحض
بحضور وقتها لا خصوص الأذان المشروع وأغرب القاضي أبو بكر بن العربي فحمل قوله أذن على
الأذان المشروع وطعن في صحة حديث ابن عمر وقال عجبا لأبي عيسى كيف صححه والمعروف
أن شرع الأذان إنما كان برؤيا عبد الله بن زيد انتهى وقال الحافظ ولا تدفع الأحاديث الصحيحة
بمثل هذا مع إمكان الجمع كما قدمنا وقد قال ابن منده في حديث ابن عمر إنه مجمع على صحته
انتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر) وأخرجه البخاري ومسلم
وغيرهما
باب ما جاء في الترجيع في الأذان
هو إعادة الشهادتين بصوت عال بعد ذكرهما بخفض الصوت قال ابن قدامة في المغنى
اختيار أحمد من الأذان أذان بلال وهو خمس عشرة كلمة لا ترجيع فيه وبهذا قال الثوري
وأصحاب الرأي وإسحاق وقال مالك والشافعي ومن تبعهما من أهل الحجاز الأذان المسنون أذان
أبي محذورة وهو مثل ما وصفنا إلا أنه ليس فيه الترجيع وهو أن يذكر الشهادتين مرتين مرتين يخفض
484

بذلك صوته ثم يعيدهما رافعا بهما صوته إلا أن مالكا قال التكبير في أوله مرتان حسب فيكون
الأذان عنده سبع عشرة كلمة وعند الشافعي تسع عشرة كلمة انتهى قوله (ثنا إبراهيم بن عبد
العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة) الجمحي المكي يكني أبا إسماعيل صدوق يخطئ (قال
أخبرني أبي وجدي جميعا عن أبي محذورة) أما أبوه فهو عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة
قال الحافظ في التقريب مقبول وأما جده فهو عبد الملك بن أبي محذورة قال في التقريب مقبول
وقال في الخلاصة وثقه ابن حبان قوله (وألقى عليه الأذان حرفا حرفا) أي لقنه الأذان كلمة
كلمة (قال إبراهيم) هو ابن عبد العزيز المذكور في السند (قال بشر) هو ابن معاذ شيخ الترمذي
(فقلت له) أي لإبراهيم (فوصف الأذان بالترجيع) كذا روى الترمذي هذا الحديث مختصرا ورواه
أبو داود والنسائي مطولا قوله (حديث أبي محذورة في الأذان حديث صحيح وقد روي من غير
وجه) أي من غير طريق واحدة بل من طرق عديدة رواه مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم وله
ألفاظ وطرق
قوله (وعليه العمل بمكة وهو قول الشافعي) قال النووي في شرح مسلم في شرح حديث
أبي محذورة في هذا الحديث حجة بينة ودلالة واضحة لمذهب مالك والشافعي وجمهور العلماء أن
الترجيع في الأذان ثابت مشروع وهو العود إلى الشهادتين مرتين برفع الصوت بعد قولهما مرتين
بخفض الصوت وقال أبو حنيفة والكوفيون لا يشرع الترجيع عملا بحديث عبد الله بن زيد فإنه
ليس فيه ترجيع وحجة الجمهور هذا الحديث الصحيح والزيادة مقدمة مع أن حديث أبي
محذورة هذا متأخر عن حديث عبد الله بن زيد فإن حديث أبي محذورة سنة ثمان من الهجرة بعد
حنين وحديث ابن زيد في أول الأمر وانضم إلى هذا كله عمل أهل مكة والمدينة وسائر الأمصار
انتهى كلام النووي واحتج الجمهور على مشروعية الترجيع وثبوته بروايات أبي محذورة وهي
485

نصوص صريحة فيه فمنها الروايتان اللتان ذكرهما الترمذي في هذا الباب
ومنها ما رواه مسلم في صحيحه عنه قال ألقى على رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو بنفسه فقال
قل الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن
محمدا رسول الله ثم تعود فتقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن
لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة
حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ومنها ما رواه أبو داود في سننه
عنه قال قلت يا رسول الله علمني سنة الأذان قال فمسح مقدم رأسه قال تقول الله أكبر الله أكبر
الله أكبر الله أكبر ترفع بها صوتك ثم تقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن
محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله تخفض بها صوتك ثم ترفع صوتك بالشهادة أشهد أن
لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على
الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح فإن كان صلاة الصبح قلت الصلاة خير
من النوم الصلاة خير من النوم الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله قال القاري في المرقاة شرح المشكاة
قال النووي حسن نقله ميرك وقال ابن الهمام إسناده صحيح انتهى وهذه الرواية نص صريح في أن
الترجيع من سنة الأذان
ومنها ما رواه النسائي وأبو داود وابن ماجة عنه قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان فقال الله
أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول
الله أشهد أن محمدا رسول الله ثم يعود فيقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد
أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة الحديث
وإسناده صحيح فهذه الروايات كلها نصوص صريحة في ثبوت الترجيع ومشروعيته وأجاب عن
هذه الروايات من لم يقل بالترجيع بأجوبة كلها مخدوشة واهية جدا فمنها ما ذكره ابن الهمام في
فتح القدير فقال روى الطبراني في الأوسط عن أبي محذورة يقول ألقي على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان
حرفا حرفا الله أكبر إلخ ولم يذكر ترجيعا فتعارضا فتساقطا ويبقى حديث ابن عمرو عبد الله بن
زيد سالما عن المعارض انتهى ورده القاري في المرقاة شرح المشكاة حيث قال وفيه أن عدم ذكره
في حديث لا يعد معارضا لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ والزيادة من الثقة مقبولة نعم لو
صرح بالنفي كان معارضا مع أن المثبت مقدم على النافي انتهى
ومنها ما قال الطحاوي أنه يحتمل أن الترجيع إنما كان لأن أبا محذورة لم يمد بذلك صوته
486

على ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ارجع وامدد من صوتك هكذا اللفظ في هذا الحديث
انتهى وهذا التأويل مردود فإنه وقع في رواية أبي داود ثم ارجع فمد من صوتك بزيادة لفظ ثم
ولفظه هكذا قل الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله
أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله مرتين مرتين قال ثم ارجع فمد من
صوتك أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله إلخ فمعنى قوله ثم ارجع فمد من صوتك
أي اخفض صوتك بالشهادتين مرتين مرتين ثم ارجع فمد من صوتك وارفعه بهما مرتين مرتين
يدل عليه رواية أبي داود التي ذكرناها قبل هذا بلفظ تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ترفع
بها صوتك ثم تقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد
أن محمدا رسول الله تخفض بها صوتك ثم ترفع صوتك بالشهادة أشهد أن لا إله إلا الله إلخ
والروايات بعضها يفسر بعضا ويرد هذا التأويل أيضا ما رواه الترمذي في هذا الباب بإسناد
صحيح عن أبي محذورة بلفظ إن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة
كلمة ومنها ما ذكره أبو زيد الدبوسي في الأسرار وتبعه بعض شراح الهداية من أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره
بذلك لحكمة رويت في قصته وهي أن أبا محذورة كان يبغض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام بغضا
شديدا فلما أسلم أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرك أذنه وقال له ارجع وأمدد بها من صوتك ليعلم أنه
لا حياء من الحق أو ليزيد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بتكرير الشهادتين ورده العيني حيث قال هذا
ضعيف فإنه خفض صوته عند ذكر اسم الله تعالى أيضا بعد أن رفع صوته بالتكبير ولم ينقل في
كتب الحديث أنه عرك أذنه انتهى
ومنها ما قال ابن الجوزي في التحقيق من أن أبا محذورة كان كافرا قبل أن يسلم فلما أسلم
ولقنه النبي صلى الله عليه وسلم الأذان أعاد عليه الشهادة وكررها ليثبت عنده ويحفظها ويكررها على أصحابه
المشركين فلما كررها عليه ظنها من الأذان ومنها ما قال صاحب الهداية من أن ما رواه كان
تعليما فظنه ترجيعا وقد ذكر الحافظ الزيلعي في نصب الراية هذه الأقوال وقال هذه الأقوال
متقاربة في المعنى ثم ردها فقال ويردها لفظ أبي داود قلت يا رسول الله علمني سنة الأذان وفيه ثم تقول
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله تخفض بها صوتك ثم ترفع صوتك بها فجعله
من سنة الأذان وهو كذلك في صحيح ابن حبان ومسند أحمد انتهى وكذلك رد هذه الأقوال
الحافظ ابن حجر في الدراية
قلت ولرد هذه الأقوال وجوه أخرى منها أن فيها سوء الظن بأبي محذورة ونسبة الخطأ إليه
من غير دليل ومنها أن أبا محذورة كان مقيما بمكة مؤذنا لأهلها إلى أن توفي وكانت وفاته سنة 59
487

تسع وخمسين وكل من كان في هذه المدة بمكة من الصحابة ومن التابعين كانوا يسمعون تأذينه
بالترجيع وكذلك يسمع كل من يرد في مكة في مواسم الحج وهي مجمع المسلمين فيها فلو كان
ترجيع أبي محذورة غير مشروع وكان من خطئه لأنكروا عليه ولم يقروه على خطئه ولكن لم يثبت
إنكار أحد من الصحابة وغيرهم على أبي محذورة في ترجيعه في الأذان فظهر بهذا بطلان تلك
الأقوال وثبت أن الترجيع من سنة الأذان بل ثبت إجماع الصحابة على سنيته على طريق الحنفية
فتفكر وقد بسطنا الكلام في هذه المسألة في كتابنا أبكار المنن في نقد آثار السنن
واستدل لمن لم يقل بمشروعية الترجيع بما رواه مسلم عن عمر بن الخطاب مرفوعا إذا قال
المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله قال أشهد أن
لا إله إلا الله ثم قال أشهد أن محمدا رسول الله قال أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال حي على
الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله الحديث قيل يستفاد من هذا الحديث أن الأذان ليس فيه
الترجيع
وأجيب عنه بأنه يستفاد منه أيضا أن الأذان ليس فيه تربيع التكبير ولا تثنية باقي الكلمات
فما هو الجواب عنهما هو الجواب عن الترجيع
واستدل أيضا بحديث عبد الله بن زيد قال ابن الجوزي في التحقيق حديث عبد الله بن
زيد هو أصل في التأذين وليس فيه ترجيع فدل على أن الترجيع غير مسنون انتهى وقد عرفت
جوابه جوابه في كلام النووي وقال الطحاوي في شرح الآثار كره قوم أن يقال في أذان الصبح
الصلاة خير من النوم واحتجوا في ذلك بحديث عبد الله بن زيد في الأذان وخالفهم في ذلك
آخرون فاستحبوا أن يقال ذلك في التأذين للصبح بعد الفلاح وكان الحجة لهم في ذلك أنه وإن لم
يكن ذلك في حديث عبد الله بن زيد فقد علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا محذورة بعد ذلك فلما علمه
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أبا محذورة كان زيادة على ما في حديث عبد الله بن زيد ووجب استعمالها انتهى
كلام الطحاوي
قلت فكذلك يقال إن الترجيع وإن لم يكن في حديث عبد الله بن زيد فقد علمه رسول
الله صلى الله عليه وسلم أبا محذورة بعد ذلك فلما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أبا محذورة كان زيادة على ما في حديث
عبد الله بن زيد فوجب استعماله
488

قوله (نا عفان) هو ابن مسلم (علمه الأذان تسع عشرة كلمة) أي مع الترجيع والحديث
نص صريح في سنية الترجيع في الأذان (وا قامة) بالنصب أي علمه الإقامة (سبع عشرة كلمة)
قال ابن الملك لأنه لا ترجيع فيها فانحذف عنها كلمتان وزيدت الإقامة شفعا تفصيله الله أكبر
الله أكبر الله أكبر الله أكبر أربع كلمات ثلاث منها تأكيد وأشهد أن لا إله إلا الله مرتان المرة الثانية
تأكيد وكذا أشهد أن محمدا رسول الله مرتان وحي على الصلاة مرتان وحي على الفلاح مرتان
وقد قامت الصلاة مرتان والله أكبر الله أكبر كلمتان ولا إله إلا الله كلمة واحدة وبهذا قال أبو
حنيفة والإقامة عند مالك إحدى عشرة كلمة لأنه يقول كل كلمة مرة واحدة إلا كلمة التكبير
والإقامة كما رواه ابن عمر وأنس كذا ذكره الطيبي كذا في المرقاة
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والدارمي
(وأبو محذورة اسمه سمرة) وقيل أوس وقيل سلمة وقيل سلمان قاله الحافظ (ابن معير) بكسر الميم
وسكون المهملة وفتح التحانية وقيل عمير بن لوذان وأبو محذورة هذا صحابي مشهور مكي
مؤذن مكة مات بها سنة تسع وخمسين وقيل تأخر بعد ذلك أيضا (وقد روي عن أبي محذورة أنه
كان يفرد الإقامة) أخرجه الدارقطني وسيجئ لفظه
تنبيه قال صاحب بذل المجهود تحت حديث أبي محذورة ما لفظه وهذا الحديث يحتج به
على سنية الترجيع في الأذان وبه قال الشافعي ومالك لأنه ثابت في حديث أبي محذورة وهو
حديث صحيح أخرجه مسلم مشتمل على زيادة غير متنافية فيجب قبولها وهو أيضا متأخر عن
حديث عبد الله بن زيد لأن حديث أبي محذورة سنة ثمان من الهجرة بعد حنين
وحديث
عبد الله بن زيد في أول الأمر ويرجحه أيضا عمل أهل مكة والمدينة انتهى وقال صاحب العرف
489

الشذى ما لفظه واستمر الترجيع في مكة إلى عهد الشافعي وكان السلف يشهدون وسم الحج
كل سنة ولم ينكر أحد انتهى
قلت والأمر كما قالا ولكنهما مع هذا الاعتراف لم يقولا بسنية الترجيع في الأذان فأما
صاحب بذل المجهود فأجاب عن حديث أبي محذورة بأن الترجيع في أذانه لم يكن لأجل الأذان بل
كان لأجل التعليم فإنه كان كافرا فكرر رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهادتين برفع الصوت لترسخا في قلبه
كما تدل عليه قصته المفصلة فظن أبو محذورة أنه ترجيع وأنه في أصل الأذان انتهى
قلت هذا الجواب مردود كما عرفت آنفا ثم قال صاحب البذل مستدلا على عدم سنية
الترجيع ما لفظه وقد روى الطبراني في معجمه الأوسط عن أبي محذورة أنه قال ألقي على رسول
الله صلى الله عليه وسلم الأذان حرفا حرفا الله أكبر الله أكبر إلى آخره لم يذكر فيه ترجيعا انتهى
قلت أجاب عن هذه الرواية في نصب الراية فقال بعد ذكر هذه الرواية وهذا معارض
للرواية المتقدمة التي عند مسلم وغيره ورواه أبو داود في سننه حدثنا النفيلي ثنا إبراهيم بن
إسماعيل فذكره بهذا الإسناد وفيه ترجيع انتهى
ثم قال وأيضا يدل على عدم الترجيع ما رواه أبو داود والنسائي عن ابن عمر إنما كان
الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين والإقامة مرة غير أن يقول قد قامت الصلاة انتهى
قلت قد تقدم الجواب عن هذه الرواية فتذكر ثم هذه الرواية إن تدل على عدم الترجيع
فتدل أيضا على عدم تثنية الإقامة فعليهم أن يقولوا بعدم تثنيتها أيضا وأما صاحب العرف
الشذي فقال إن رجع الحنفي في الأذان ففي البحر أنه يباح ليس بسنة ولا مكروه وعليه الاعتماد
وقال الحق ثبوت الترجيع ووجه الرجحان لنا في عدم الترجيع أن بلالا استمر أمره بين يدي
رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل تعليمه عليه السلام الأذان أبا محذورة وبعده انتهى
قلت قد استمر الترجيع أيضا من حين تعليمه عليه السلام الأذان بالترجيع أبا محذورة إلى
عهد الشافعي كما اعترف هو به فحاصل الكلام أنه ليس لإنكار سنية الترجيع في الأذان وجه إلا
التقليد أو قلة الاطلاع
باب ما جاء في إفراد الإقامة
490

قوله (قال أمر بلال) بصيغة المجهول (أن يشفع) بفتح أوله وفتح الفاء أي يأتي بألفاظه
شفعا قال الزين بن المنير وصف الأذان بأنه شفع يفسره قوله مثنى أي مرتين مرتين وذلك
يقتضي أن تستوي جميع ألفاظه لكن لم يختلف في كلمة التوحيد التي في آخره مفردة فيحمل قوله
مثنى على ما سواها (ويوتر الإقامة) أي يأتي بألفاظها مرة مرة زاد في رواية الصحيحين إلا الإقامة
قال الحافظ في الدراية وفي بعض طرقه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة وقال
في بلوغ المرام وللنسائي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا انتهى فرواية النسائي نص صريح في أن الامر هو
النبي صلى الله عليه وسلم والروايات يفسر بعضها بعضا وبهذا ظهر بطلان قول العيني في شرح الكنز لا حجة لهم
فيه لأنه لم يذكر الأمر فيحتمل أن يكون هو النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره
قوله (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي بلفظ إنما كان الأذان
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين والإقامة مرة مرة غير أنه يقول قد قامت
الصلاة قد قامت الصلاة وإسناده صحيح وفي الباب أيضا عن عبد الله ابن زيد وله طريقان كلاهما صحيحان
الأول ما رواه أبو داود في سننه من طريق محمد بن إسحاق حدثني محمد بن إبراهيم
التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه حدثني أبي عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال لما
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس وفيه ثم تقول إذا أقيمت الصلاة الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا
الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت
الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ورواه أحمد في مسنده من هذا الطريق ورواه ابن حبان في
صحيحه قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية قال البيهقي في المعرفة قال محمد بن يحيى الذهلي
ليس في أخبار عبد الله بن زيد في فصل الأذان خبر أصح من هذا لأن محمدا سمعه من أبيه وابن
أبي ليلى لم يسمع من عبد الله بن زيد انتهى ورواه ابن خزيمة في صحيحه ثم قال سمعت
محمد بن يحيى الذهلي يقول ليس في أخبار إلى آخر لفظ البيهقي وزاد خبر ابن إسحاق هذا ثابت
صحيح لأن محمد بن عبد الله بن زيد سمعه من أبيه ومحمد بن إسحاق سمعه من محمد بن
إبراهيم التيمي وليس هو مما دلسه ابن إسحاق وقال الترمذي في علله الكبير سألت محمد بن
إسماعيل عن هذا الحديث فقال هو عندي صحيح انتهى ما في نصب الراية
491

والطريق الثاني ما رواه أحمد في مسنده من طريق محمد بن إسحاق عن الزهري عن
سعيد بن المسيب عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب بالناقوس
يجمع للصلاة الناس الحديث وفيه ثم تقول إذا أقمت الصلاة الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا
الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت
الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله قال الحافظ في التلخيص بعد ما ذكر الطريق الأول ورواه
أحمد والحاكم من وجه آخر عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن زيد وقال هذا أمثل الروايات
في قصة عبد الله بن زيد لأن سعيد بن المسيب قد سمع من عبد الله بن زيد ورواه يونس ومعمر
وشعيب إسحاق عن الزهري إنتهى ما في التلخيص وقال في عون المعبود نقلا عن غاية وابن
المقصود بعد نقل هذا الطريق من مسند أحمد وأخرجه الحاكم من هذا الطريق وقال هذه أمثل
الروايات في قصة عبد الله بن زيد لأن سعيد بن المسيب قد سمع من عبد الله ابن زيد ورواه يونس
ومعمر وشعيب وابن إسحاق عن الزهري ومتابعة هؤلاء لمحمد بن إسحاق عن الزهري ترفع
احتمال التدليس الذي يحتمله عنعنة ابن إسحاق انتهى ما في العون
وفي الباب أيضا عن أبي محذورة رواه البخاري في تاريخه والدارقطني وابن خزيمة بلفظ إن
النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة قاله الحافظ في التلخيص وقال في الفتح وروى
الدارقطني وحسنه في حديث لأبي محذورة وأمره أن يقيم واحدة انتهى
قوله (حديث أنس حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة
قوله (وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق) إلا أن مالكا يقول إن الإقامة عشر
كلمات بتوحيد قد قامت الصلاة وأما الشافعي وأحمد وإسحاق فعندهم إحدى عشرة كلمة فإنهم
يقولون بتثنية قد قامت الصلاة واستدلوا بحديث ابن عمر الذي أشار إليه الترمذي وبحديث
عبد الله بن زيد ذكرناه من طريقين وأما مالك فاستدل بحديث أنس المذكور في الباب
وقول الشافعي ومن تبعه هو الراجح المعول عليه قال الحازمي في كتاب الاعتبار رأي أكثر أهل
العلم أن الإقامة فرادى وإلى هذا المذهب ذهب سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والزهري
ومالك بن أنس وأهل الحجاز والشافعي وأصحابه وإليه ذهب عمر بن عبد العزيز ومكحول
492

والأوزاعي وأهل الشام وإليه ذهب الحسن البصري ومحمد بن سيرين وأحمد بن حنبل ومن تبعهم
من العراقيين وإليه ذهب يحيى بن يحيى وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي ومن تبعهما من الخراسانيين
وذهبوا في ذلك إلى حديث أنس انتهى كلام الحازمي
قلت وأجاب عن أحاديث الباب من لم يقل بإفراد الإقامة كالحنفية بأجوبة كلها مخدوشة لا
يطمئن بواحد منها القلب السليم فقال بعضهم إن إفراد الإقامة كان أولا ثم نسخ بحديث أبي
محذورة الذي رواه أصحاب السنن وفيه تثنية الإقامة وهو متأخر عن حديث أنس فيكون
ناسخا
وعورض بأن في بعض طرق حديث أبي محذورة المحسنة التربيع والترجيع فكان يلزمهم
القول به
وقد أنكر الإمام أحمد على من ادعى النسخ بحديث أبي محذورة واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع
بعد الفتح إلى المدينة وأقر بلالا على إفراد الإقامة وعلمه سعد القرظ فأذن به بعده كما رواه
الدارقطني والحاكم
وقال بعضهم إن إفراد الإقامة منسوخ بحديث إن بلالا كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم يقيم مثنى مثنى
ورد هذا بأنه لم يثبت ذلك عن بلال بسند صحيح وما روي عنه في ذلك فهو ضعيف كما
ستعرف ولو سلم أنه صحيح فليس فيه دلالة على النسخ لاحتمال أن بلالا كان مذهبه الإباحة
والتخيير
وأجاب العيني في البناية بأن ما رواه الشافعي محمول على الجمع بين الكلمتين في الإقامة
والتفريق في الأذان وعلى الإتيان قولا بحيث لا ينقطع الصوت
ورد بأن هذا تأويل باطل يبطله حديث عبد الله بن زيد المذكور بلفظ ثم تقول إذا أقمت
الصلاة الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي
على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وكذا يبطله حديث
أنس المذكور فتأويل العيني هذا مردود عليه
والحق أن أحاديث إفراد الإقامة صحيحة ثابتة محكمة ليست بمنسوخة ولا بمؤلة نعم قد
ثبت أحاديث تثنية الإقامة أيضا وهي أيضا محكمة ليست بمنسوخة ولا بمؤلة وعندي الإفراد
والتثنية كلاهما جائزان والله تعالى أعلم قال الحافظ في الفتح قال ابن عبد البر ذهب أحمد
وإسحاق وداود وابن حبان وابن جرير إلى ذلك من الاختلاف المباح فإن ربع التكبير الأول في
493

الأذان أو ثناه أو رجع في التشهد أو لم يرجع أو ثنى الإقامة أو أفردها كلها أو إلا قد قامت الصلاة
فالجميع جائز وعن ابن خزيمة إن ربع الأذان ورجع فيه ثنى الإقامة وإلا أفردها قيل ولم يقل بهذا
التفصيل أحد قبله انتهى كلام الحافظ
باب ما جاء في أن الإقامة مثنى مثنى أي مرتين مرتين
قوله (حدثنا أبو سعيد الأشج) اسمه عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي ثقة
من صغار العاشرة كذا في التقريب قلت روى عنه الأئمة الستة (نا عقبة بن خالد) بن عقبة
السكوني أبو مسعود الكوفي المجدر بالجيم صدوق صاحب حديث (عن ابن أبي ليلى) هو
محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه المقرئ حدث عن الشعبي وعطاء والحكم ونافع
وعمرو بن مرة وطائفة وكان أبوه من كبار التابعين فلم يدرك الأخذ عنه حدث عنه شعبة
والسفيانان وزائدة ووكيع وخلائق قاله الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ وقال حديثه في وزن
الحسن ولا يرتقي إلى الصحة لأنه ليس بالمتقن عندهم انتهى (عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن
طارق الجملي المرادي أبي عبد الله الكوفي الأعمى ثقة عابد كان لا يدلس ورمي بالإرجاء وهو من
رجال الكتب الستة (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري المدني ثم الكوفي ثقة من الثانية كذا
في التقريب وقال في الخلاصة أدرك مائة وعشرين من الصحابة الأنصاريين مات سنة ثلاث
وثمانين
قوله (شفعا شفعا) أي مثنى مثنى (في الأذان وا قامة) استدل به من قال بتثنية الإقامة
وحديث إفراد الإقامة أصح وأثبت وقد ثبت بطريقين صحيحين عن عبد الله بن زيد إفراد الإقامة
كما عرفت فيما تقدم
قوله (حديث عبد الله بن زيد رواه وكيع عن الأعمش عن عمرو
بن مرة عن عبد
494

الرحمن بن أبي ليلى أن عبد الله بن زيد رأى الأذان في المنام) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه فقال
حدثنا وكيع ثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال حدثنا أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم إن عبد الله بن زيد الأنصاري جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله رأيت في المنام كأن
رجلا قام وعليه بردان أخضران فقام على حائط فأذن مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى وأخرجه البيهقي
في سننه عن وكيع به قال في الامام وهذا رجال الصحيح وهو متصل على مذهب الجماعة
في عدالة الصحابة وأن جهالة أسمائهم لا تضر كذا في نصب الراية
قلت في إسناده الأعمش وهو مدلس ورواه عن عمرو بن مرة بالعنعنة (وقال شعبة عن
عمرو بن مرة عن عبد الرحم ن بن أبي ليلى قال ثنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ) لم أقف عليه
قوله (وهذا أصح من حديث ابن أبي ليلى) أي المذكور في الباب (وعبد الرحمن بن أبي ليلى
لم يسمع من عبد الله بن زيد) قال البيهقي في كتاب المعرفة حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قد
اختلف عليه فيه فروى عنه عن عبد الله بن زيد وروى عنه عن معاذ بن جبل وروى عنه قال
حدثنا أصحاب محمد قال ابن خزيمة عبد الرحمن ابن أبي ليلى لم يسمع من معاذ ولا من عبد الله بن
زيد وقال محمد بن إسحاق لم يسمع منهما ولا من بلال فإن معاذا توفي في طاعون عمواس سنة ثمان
عشرة وبلال توفي بدمشق سنة عشرين وعبد الرحمن ابن أبي ليلى لست بقين من خلافة عمر
وكذلك قاله الواقيى ومصعب الزبيري فثبت انقطاع حديثه انتهى كلامه كذا في نصب الراية
ص 041 ج 1 وحديث عبد الله بن زيد هذا له روايات فمنها ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه
ومنها ما أخرجه الطحاوي بلفظ قال أخبرني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن زيد الأنصاري
رأى في المنام الأذان فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال علمه بلالا فأذن مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى وقعد
قعدة قال بعضهم إسناده صحيح
495

قلت في إسناده أيضا الأعمش ورواه عن عمرو بن مرة بالعنعنة ومنها ما أخرجه البيهقي
في الخلافيات من طريق أبى العميس قال سمعت عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري
يحدث عن أبيه عن جده أنه أري الأذان مثنى مثنى والإقامة مثنى مثنى قال فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته
فقال علمهن بلالا قال فتقدمت فأمرني أن أقيم قال الحافظ في الدراية إسناده صحيح
قلت ذكر تثنية الإقامة في هذا الحديث غير محفوظ فإنه قد تفرد به أبو أسامة عن أبي
العميس ورواه عبد السلام بن حرب عنه فلم يذكر فيه تثنية الإقامة وعبد السلام بن حرب أعلم
الكوفيين بحديث أبي العميس وأكثرهم عنه رواية قال الزيلعي في نصب الراية نقلا عن
البيهقي وقد رواه عبد السلام بن حرب عن أبي العميس فلم يذكر فيه تثنية الإقامة وعبد السلام
أعلم الكوفيين بحديث أبي العميس وأكثرهم عنه رواية انتهى ومنها ما أخرجه أبو عوانة
يعقوب بن إسحاق الحافظ في صحيحه عن عمرو بن شبة عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن
شعبة عن المغيرة عن الشعبي عن عبد الله بن زيد الأنصاري سمعت أذان رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان
أذانه وإقامته مثنى مثنى
قلت في إسناده انقطاع لأن الشعبي لم يثبت سماعه من عبد الله بن زيد وفيه المغيرة وهو
ابن مقسم وهو مدلس وروى هذا الحديث عن الشعبي بالعنعنة
وفي الباب عن أبي محذورة أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة
كلمة أخرجه الترمذي في باب الترجيع في الأذان والنسائي والدارمي
قوله (قال بعض أهل العلم الأذان مثنى مثنى والإقامة مثنى مثنى وبه يقول سفيان الثوري وابن
المبارك وأهل الكوفة) وبه يقول أبو حنيفة وأصحابه قال الشوكاني في النيل وقد اختلف الناس في ذلك
فذهب الشافعي وأحمد وجمهور العلماء إلى أن ألفاظ الإقامة إحدى عشرة كلمة كلها مفردة إلا
التكبير في أولها وآخرها ولفظ قد قامت الصلاة فإنها مثنى مثنى واستدلوا بهذا الحديث يعني
حديث أنس المذكور في الباب المتقدم وحديث عبد الله بن زيد يعني الذي ذكرناه في الباب
المتقدم وحديث ابن عمر يعني الذي أشار إليه الترمذي في الباب المتقدم قال الخطابي مذهب جمهور
العلماء والذي جرى به العمل في الحرمين والحجاز والشام واليمن ومصر والمغرب إلى أقصى بلاد
496

الإسلام أن الإقامة فرادى قال أيضا مذهب كافة العلماء أنه يكرر قوله قد قامت الصلاة إلا مالكا
فإن المشهور عنه أنه لا يكررها وذهب الشافعي في قديم قوليه إلى ذلك قال النووي ولنا قول شاذ
أنه يقول في التكبير الأول الله أكبر مرة وفي الأخيرة مرة ويقول قد قامت الصلاة مرة قال ابن سيد
الناس وقد ذهب إلى القول بأن الإقامة إحدى عشرة كلمة عمر بن الخطاب وابنه وأنس والحسن
البصري والزهري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور ويحيى بن يحيى وداود وابن المنذر قال
البيهقي ممن قال بإفراد الإقامة سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وابن سيرين وعمر بن عبد
العزيز قال البغوي هو قول أكثر العلماء وذهبت الحنفية والثوري وابن المبارك وأهل الكوفة إلى أن
ألفاظ الإقامة مثل الأذان عندهم مع زيادة قد قامت الصلاة مرتين واستدلوا بما في رواية من
حديث عبد الله بن زيد عند الترمذي وأبي داود بلفظ كان أذان رسول الله صلى الله عليه وسلم شفعا شفعا في
الأذان والإقامة وأجيب عن ذلك بأنه منقطع كما قال الترمذي وقال الحاكم والبيهقي الروايات
عن عبد الله بن زيد في هذا الباب كلها منقطعة وقد تقدم ما في سماع ابن أبي ليلى عن عبد الله بن
زيد ويجاب عن هذا الانقطاع بأن الترمذي قال بعد إخراج هذا الحديث عن عبد الرحمن ابن أبي
ليلى عن عبد الله بن زيد ما لفظه وقال شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى حدثنا
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن زيد رأى الأذان في المنام قال الترمذي وهذا أصح انتهى وقد
روى ابن أبي ليلى عن جماعة من الصحابة منهم عمر وعلي وعثمان وسعد بن أبي وقاص وأبي بن
كعب والمقداد وبلال وكعب بن عجرة وزيد بن أرقم وحذيفة بن اليمان وصهيب وخلق يطول
ذكرهم وقال أدركت عشرين ومائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم من الأنصار فلا علة للحديث
لأنه على الرواية عن عبد الله بدون توسيط الصحابة مرسل عن الصحابة وهو في حكم المسند
وعلى روايته عن الصحابة عنه مسند ومحمد بن عبد الرحمن وإن كان بعض أهل الحديث يضعفه
فمتابعة الأعمش إياه عن عمرو بن مرة ومتابعة شعبة كما ذكر ذلك الترمذي مما يصحح خبره وإن
خالفاه في الإسناد وأرسلا فهي مخالفة غير قادحة
واستدلوا أيضا بما رواه الحاكم والبيهقي في الخلافيات والطحاوي من رواية سويد بن غفلة
أن بلال كان يثني الأذان والإقامة وادعى الحاكم فيه الانقطاع قال الحافظ ولكن في رواية
الطحاوي سمعت بلالا ويؤيد ذلك ما رواه بن أبي شيبة عن جبر بن علي عن شيخ يقال له
الحفص عن أبيه عن جده وهو سعد القرظ قال أذن بلال حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أذن لأبي بكر في
حياته ولم يؤذن في زمان عمر وسويد بن غفلة هاجر في زمن أبي بكر وأما ما رواه أبو داود من أن
بلالا ذهب إلى الشام في حياة أبي بكر فكان بها حتى مات فهو مرسل وفي إسناده عطاء الخراساني
497

وهو مدلس وروى الطبراني في مسند الشاميين من طريق جنادة بن أبي أمية عن بلال أنه كان
يجعل الأذان والإقامة مثنى مثنى وفي إسناده ضعف قال الحافظ وحديث أبي محذورة في تثنية
الإقامة مشهور عند النسائي وغيره انتهى وحديث أبي محذورة حديث صحيح ساقه الحازمي في
الناسخ والمنسوخ وذكر فيه الإقامة مرتين مرتين وقال هذا حديث حسن على شرط أبي داود
والترمذي والنسائي وسيأتي ما خرجه عنه الخمسة أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة
والإقامة سبع عشرة وهو حديث صححه الترمذي وغيره وهو متأخر عن حديث بلال الذي فيه
الأمر بإيتار الإقامة لأنه بعد فتح مكة لأن أبا محذورة من مسلمة الفتح وبلالا أمر بإفراد الإقامة أول
ما شرع الأذان فيكون ناسخا وقد روى أبو الشيخ أن بلالا أذن بمنى ورسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مرتين
مرتين وأقام مثل ذلك إذا عرفت هذا تبين لك أن أحاديث تثنية الإقامة صالحة للاحتجاج بها
وأحاديث الإقامة وإن كانت أصح منها لكثرة طرقها وكونها في الصحيحين لكن أحاديث إفراد
التثنية مشتملة على الزيادة فالمصير إليها لازم لا سيما مع تأخر تاريخ بعضها كما عرفناك وقد ذهب
بعض أهل العلم إلى جواز إفراد الإقامة وتثنيتها قال أبو عمر بن عبد البر ذهب أحمد بن حنبل
وإسحاق بن راهويه وداود بن علي ومحمد بن جرير إلى إجازة القول بكل ما روي عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم في ذلك وحملوه على الإباحة والتخيير وقالوا كل ذلك جائز لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم جميع
ذلك وعمل به أصحابه فمن شاء قال الله أكبر أربعا في أول الأذان ومن شاء ثنى ومن شاء ثنى
الإقامة ومن شاء أفردها إلا قوله قد قامت الصلاة فإن ذلك مرتان على كل حال انتهى
قلت ما ذهب إليه الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهما من جواز إفراد الإقامة وتثنيتها
هو القول الراجح المعول عليه بل هو المتعين عندي ولما كانت أحاديث إفراد الإقامة أصح وأثبت
من أحاديث تثنيتها لكثرة طرقها وكونها في الصحيحين كان الأخذ بها أولى وأما قول الشوكاني
لكن أحاديث التثنية مشتملة على الزيادة فالمصير إليها لازم ففيه نظر كما لا يخفى على المتأمل
قوله (وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وأهل الكوفة) وهو قول أبي حنيفة قال
الحازمي في كتاب الاعتبار في باب تثنية الإقامة بعد ذكر حديث أبي محذورة الذي فيه وعلمني
الإقامة مرتين ما لفظه اختلف أهل العلم في هذا الباب فذهبت طائفة إلى أن الإقامة مثل الأذان
مثنى مثنى وهو قول سفيان الثوري وأبي حنيفة وأهل الكوفة واحتجوا في الباب بهذا الحديث يعني
حديث أبي محذورة ورأوه محكما ناسخا لحديث بلال ثم ذكر حديث بلال بإسناده عن أنس بلفظ
إنهم ذكروا الصلاة عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال نوروا نارا أو اضربوا قوسا فأمر بلالا أن يشفع الأذان
498

ويوتر الإقامة وقال هذا حديث صحيح عليه ثم قال قالوا وهذا ظاهر في النسخ لأن بلالا
أمر بإفراد الإقامة أول ما شرع الأذان على ما دل عليه حديث أنس وأما حديث أبي محذورة كان
عام حنين وبين الوقتين مدة مديدة قال وخالفهم في ذلك أكثر أهل العلم فرأوا أن الإقامة فرادى
وذهبوا في ذلك إلى حديث أنس وأجابوا عن حديث أبي محذورة بوجوه منها أن من شرط الناسخ
أن يكون أصح سندا وأقوم قاعدة في جميع جهات الترجيحات على ما قدرناه في مقدمة الكتاب
وغير مخفي على من الحديث صناعته أن حديث أبي محذورة لا يوازي حديث أنس في جهة واحدة
في الترجيحات فضلا عن الجهات كلها ومنها أن جماعة من الحفاظ ذهبوا إلى أن هذه اللفظة في
تثنية الإقامة غير محفوظة بدليل ما أخبرنا به أبو إسحاق إبراهيم بن علي الفقيه فذكر بإسناده
عن إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة أخبرني جدي عبد الملك بن أبي محذورة
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة وقال عبيد الله بن الزبير الحميدي عن
إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك قال أدركت جدي وأبي
وأهلي يقيمون فيقولون الله
أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمد رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت
الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر لا إله إلا الله ونحو ذلك حكى الشافعي عن ولد أبي محذورة في
بقاء أبي محذورة وولده على إفراد الإقامة دلالة ظاهرة على وهم وقع فيما روى في حديث أبي محذورة
من تثنية الإقامة قال ثم لو قدرنا أن هذه الزيادة محفوظة وأن الحديث ثابت ولكنه منسوخ وأذان
بلال هو آخر الأذانين لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما عاد من حنين ورجع إلى المدينة أقر بلالا على أذانه وإقامته
انتهى كلام الحازمي
قلت قد تكلم القاضي الشوكاني على هذه الوجوه التي ذكرها الحازمي في الجواب عن
حديث أبي محذورة فقال وقد أجاب القائلون بإفراد الإقامة عن حديث أبي محذورة بأجوبة منها
أن من شرط الناسخ أن يكون أصح سندا وأقوم قاعدة وهذا ممنوع فإن المعتبر في الناسخ مجرد
الصحة لا الأصحية ومنها أن جماعة من الأئمة ذهبوا إلى أن هذه اللفظة في تثنية الإقامة غير
محفوظة ورووا من طريق أبي محذورة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة كما ذكر ذلك
الحازمي في الناسخ والمنسوخ وأخرجه البخاري في تاريخه والدارقطني وابن خزيمة وهذا الوجه غير
نافع لأن القائلين بأنها غير محفوظة غاية ما اعتذروا به عدم الحفظ وقد حفظ غيرهم من الأئمة كما
تقدم ومن علم حجة على من لا يعلم وأما رواية إيتار الإقامة عن أبي محذورة فليست كرواية
التشفيع على أن الاعتماد على الرواية المشتملة على الزيادة ومن الأجوبة أن تثنية الإقامة لو فرض
أنها محفوظة وأن الحديث بها ثابت لكانت منسوخة فإن أذان بلال هو آخر الأمرين لأن النبي صلى الله عليه وسلم
499

لما عاد من حنين ورجع إلى المدينة أقر بلالا على أذانه وإقامته قالوا وقد قيل لأحمد بن حنبل أليس
حديث أبي محذورة بعد حديث عبد الله بن زيد لأن حديث أبي محذورة بعد فتح مكة قال أليس
قد رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فأقر بلالا على الأذان عبد الله بن زيد وهذا أنهض ما أجابوا به
ولكنه متوقف على نقل صحيح أن بلالا أذن بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأفرد الإقامة ومجرد قول
أحمد بن حنبل لا يكفي فإن ثبت ذلك كان دليلا لمذهب من قال بجواز الكل ويتعين المصير إليها
لأن فعل كل واحد من الأمرين عقب الاخر مشعر بجواز الجميع لا بالنسخ انتهى كلام الشوكاني
قلت قد ثبت أن بلالا أمره النبي صلى الله عليه وسلم بإفراد الإقامة وقد ثبت أيضا أنه أذن حياته صلى الله عليه وسلم ولم
يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عاد من حنين أمر بلالا بتثنية الإقامة ومنعه من إفرادها فالظاهر هو ما قال
الإمام أحمد والله تعالى أعلم
باب ما جاء في الترسل في الأذان
أي بقطع الكلمات بعضها عن بعض والتأني في التلفظ بها قال ابن قدامة الترسل التمهل
والتأني من قولهم جاء فلان على رسله والحدر ضد ذلك وهو الإسراع وقطع التطويل وهذا من
آداب الأذان ومستحباته قال الأذان إعلام الغائبين والتثبت فيه أبلغ في الاعلام والإقامة
إعلام الحاضرين فلا حاجة إلى التثبت فيها
قوله (نا المعلي) بفتح ثانيه وتشديد اللام المفتوحة (بن أسد) العمي البصري أخو بهز ثقة
ثبت لم يخطئ إلا في حديث واحد كذا في التقريب (نا عبد المنعم) بن نعيم الأسواري أبو سعيد
البصري (هو صاحب السقاء) هو لقب عبد المنعم ولعله كان يسقي الناس الماء قال الحافظ في
التقريب متروك (نا يحيى بن مسلم) البصري قال الحافظ مجهول (عن الحسن وعطاء)
الحسن هو الحسن بن يسار البصري وعطاء وهو عطاء بن أبي رباح المكي
قوله (إذا أذنت فترسل) أي تأن ولا تعجل والرسل بكسر الراء وسكون السين التؤدة
500

والترسل طلبه (وإذا أقمت فاحدر) أي أسرع وعجل في التلفظ بكلمات الإقامة كذا في المجمع
وقال الحافظ في التلخيص الحدر بالحاء والدال المهملتين الإسراع ويجوز في قوله فاحدر ضم
الدال وكسرها قال ابن قدامة وروى أبو عبيد بإسناده عن عمر رضي الله عنه أنه قال لمؤذن بيت
المقدس إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحذم قال الأصمعي وأصل الحذم في المشي إنما هو
الإسراع وأن يكون مع هذا كأنه يهوي بيديه إلى خلفه انتهى (والمعتصر) هو من يؤذيه بول أو غائط
أي يفرغ الذي يحتاج إلى الغائط ويعصر بطنه وفرجه كذا في المجمع والمرقاة (ولا تقوموا حتى
تروني) أي خرجت وسيأتي توضيح هذا في باب الإمام بالإقامة
قوله (وهو إسناد مجهول) فإن فيه يحيى بن مسلم البصري وهو مجهول قال الحافظ
الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر هذا الحديث وذكر كلام الترمذي هذا ما لفظه وعبد المنعم هذا
ضعفه الدارقطني وقال أبو حاتم منكر الحديث جدا لا يجوز الاحتجاج به وأخرجه الحاكم في
مستدركه عن عمرو بن فائد الأسواري ثنا يحيى بن مسلم به سواء ثم قال هذا حديث ليس في
إسناده مطعون فيه غير عمر وبن فائد ولم يخرجاه انتهى قال الذهبي في مختصره وعمرو بن فائد
قال الدارقطني متروك انتهى وقال الحافظ في التلخيص وروى الدارقطني من حديث سويد بن
غفلة عن علي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نرتل الأذان ونحدر الإقامة وفيه عمرو بن شمر وهو
متروك وقال البيهقي روي بإسناد اخر عن الحسن وعطاء عن أبي هريرة ثم ساقه وقال الإسناد
الأول أشهر يعني طريق جابر وروى الدارقطني من حديث عمر موقوفا نحوه وليس في إسناده إلا
أبو الزبير مؤذن بيت المقدس وهو تابعي قديم مشهور انتهى وحديث جابر المذكور في الباب أخرجه
أيضا الحاكم والبيهقي وابن عدي وضعفوه إلا الحاكم فقال ليس في إسناده مطعون غير عمرو بن
فائد قال الحافظ لم يقع إلا في روايته هو ولم يقع في رواية الباقين لكن عندهم فيه عبد المنعم
صاحب السقاء وهو كاف في تضعيف الحديث انتهى
501

فائدة حديث الباب يدل على أن المؤذن يقول كل كلمة من كلمات الأذان بنفس واحد
فيقول التكبيرات الأربع في أول الأذان بأربعة أنفس ثم يقول الله أكبر بنفس اخر ثم يقول الله أكبر
بنفس اخر ثم يقول الله أكبر بنفس اخر وعلى هذا يقول كل كلمة
بنفس واحد لكن قال النووي في شرح مسلم قال أصحابنا يستحب للمؤذن أن يقول كل
تكبيرتين بنفس واحد فيقول في أول الأذان الله أكبر الله أكبر بنفس واحد ثم يقول الله أكبر
الله أكبر بنفس اخر انتهى ووجهه بأن الإقامة إحدى عشرة كلمة منها الله أكبر الله أكبر
أولا وآخرا وهذا وإن كان صورة تثنية فهو بالنسبة إلى الأذان إفراد وتعقب عليه الحافظ في
الفتح بأن هذا إنما يتأتى في أول الأذان لا في التكبير الذي في آخره وعلى ما قال النووي
ينبغي للمؤذن أن يفرد كل تكبيرة من اللتين في آخره بنفس انتهى قلت ما قال الحافظ حسن
موجه لكن يستأنس لما قال النووي من أن المؤذن يقول كل تكبيرتين بنفس واحد في أول الأذان وفي
اخره بما رواه مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال المؤذن الله
أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله قال أشهد أن لا إله إلا
الله ثم قال أشهد أن محمدا رسول الله قال أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال حي على الصلاة
قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال الله أكبر
الله أكبر قال الله أكبر الله أكبر ثم قال لا إله إلا الله قال لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة انتهى
فقوله صلى الله عليه وسلم إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر في أول الأذان وكذا في آخره
يدل بظاهره على ما قال النووي والله تعالى أعلم
باب ما جاء في إدخال الإصبع الأذن عند الأذان
قوله (عن عون بن أبي جحيفة) بتقديم الجيم على الحاء مصغرا السوائي ثقة (عن أبيه) هو
أبو جحيفة واسمه وهب بن عبد الله السوائي مشهور بكنيته ويقال له وهب الخير صحابي
معروف وصحب عليا مات سنة 74 أربع وسبعين
قوله (رأيت بلالا يؤذن ويدور) أي عند الحيعلتين (ويتبع) من الاتباع (فاه) أي فمه
(ههنا وههنا) أي يمينا وشمالا وفي رواية وكيع عند مسلم قال فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا يمينا
502

وشمالا يقول حي على الصلاة حي على الفلاح قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذه الرواية فيه
تقييد للالتفات في الأذان وأن محله عند الحيعلتين انتهى وروى هذا الحديث قيس بن الربيع عن
عون فقال فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح لوى عنقه يمينا وشمالا ولم يستدر أخرجه أبو
داود قال الحافظ في الفتح ويمكن الجمع بأن من أثبت الاستدارة عنى استدارة الرأس ومن نفاها
عنى استدارة الجسد كله انتهى (وإصبعاه في أذنيه) جملة حالية أي جاعلا أصبعيه في أذنيه والأصبع
مثلثة الهمزة والباء (ورسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة) قال الجزري في النهاية القبة من الخيام بيت صغير
مستدير وهو من بيوت العرب (أراه) بضم الهمزة أي أظنه والظاهر أن قائل أراه هو عون والضمير
المنصوب يرجع إلى أبي جحيفة (قال من أدم) بفتحتين جمع أديم أي جلد (بالعنزة) بفتح العين
والنون والزاي عصا أقصر من الرمح لها سنان وقيل هي الحربة القصيرة قاله الحافظ وقال
الجزري في النهاية العنزة مثل نصف الرمح أو أكبر شيئا وفيها سنان مثل سنان الرمح والعكازة
قريب منها انتهى (فركزها) أي غرزها (بالبطحاء) يعني بطحاء مكة وهو موضع خارج مكة وهو
الذي يقال له الأبطح قاله الحافظ قلت ويقال له المحصب أيضا (يمر بين يديه الكلب والحمار)
قال الحافظ أي بين العنزة والقبلة لا بينه وبين العنزة ففي رواية عمرو بن أبي زائدة ورأيت الناس
والدواب يمرون بين يدي العنزة (وعليه حلة حمراء) الحلة بضم الحاء إزار ورداء قال الجزري في
النهاية الحلة واحد الحلل وهي برود اليمن ولا تسمى حلة إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد
(كأني أنظر إلى بريق ساقيه) أي لمعانهما والبريق اللمعان (قال سفيان) هو الثوري الراوي عن
عون (نراه حبرة) بكسر المهملة وفتح الموحدة أي نظن أن الحلة الحمراء التي كانت عليه صلى الله عليه وسلم لم تكن
حمراء بحتا بل كانت حبرة يعني كانت فيها خطوط حمر فإن الحبرة على ما في القاموس والمجمع
هي ضرب من برود من اليمن موشى مخطط وقال ابن القيم إن الحلة الحمراء بردان يمانيان
منسوجان بخطوط حمر مع الأسود وغلط من قال إنها كانت حمراء بحتا قال وهي معروفة بهذا
الاسم انتهى وتعقب الشوكاني عليه بأن الصحابي قد وصفها بأنها حمراء وهو من أهل اللسان
والواجب الحمل على المعنى الحقيقي وهو الحمراء البحت والمصير إلى المجاز أعني كون بعضها أحمر
دون بعض لا يحمل ذلك الوصف عليه إلا لموجب فإن أراد أن ذلك معنى الحلة الحمراء لغة فليس
في كتب اللغة ما يشهد لذلك وإن أراد أن ذلك حقيقة شرعية فيها فالحقائق الشرعية لا تثبت
503

بمجرد الدعوى انتهى كلام الشوكاني وقد عقد الإمام البخاري في صحيحه بابا بلفظ باب
الصلاة في الثوب الأحمر وأورد فيه هذا الحديث قال الحافظ في الفتح يشير إلى الجواز والخلاف
في ذلك مع الحنفية فإنهم قالوا يكره وتأولوا حديث الباب بأنها كانت حلة من برود فيها خطوط حمر
انتهى ويأتي الكلام في هذه المسألة في موضعها بالبسط إن شاء الله قوله (حديث أبي جحيفة
حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم إلا أنهما لم يذكرا فيه إدخال الأصبعين في الأذنين
ولا الاستدارة وفي الباب عن عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
حدثني أبي عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يجعل أصبعيه في أذنيه قال إنه أرفع
لصوتك أخرجه ابن ماجة وهو حديث ضعيف وفي الباب روايات أخرى
قوله (وعليه العمل عند أهل العلم يستحبون أن يدخل المؤذن إصبعيه في أذنيه في
الأذان) قالوا في ذلك فائدتان إحداهما أنه قد يكون أرفع لصوته وفيه حديث ضعيف أخرجه أبو
الشيخ من طريق سعد القرظ عن بلال وثانيتهما أنه علامة للمؤذن ليعرف من رآه على بعد أو كان
به صمم أنه يؤذن قاله الحافظ وقال لم يرد تعيين الإصبع التي يستحب وضعها وجزم النووي أنها
المسبحة وإطلاق الإصبع مجاز عن الأنملة انتهى قوله (وقال بعض أهل العلم وفي الإقامة أيضا
يدخل إصبعيه في أذنيه وهو قول الأوزاعي) لا دليل عليه من السنة وأما القياس على الأذان
فقياس مع الفارق قال القارئ في المرقاة في شرح حديث عبد الرحمن بن سعد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أمر بلالا أن يجعل إصبعيه في أذنيه قال إنه أرفع لصوتك ما لفظه قال الطيبي ولعل الحكمة أنه إذا
سد صماخيه لا يسمع إلا الصوت الرفيع فيتحرى في استقصائه كالأطرش قيل وبه يستدل
الأصم على كونه أذانا فيكون أبلغ في الاعلام قال ابن حجر ولا يسن ذلك في الإقامة لأنه لا
يحتاج فيها إلى أبلغية الإعلام لحضور السامعين انتهى (وأبو جحيفة اسمه وهب السوائي)
بمضمومة وخفة واو فألف فكسر همزة نسبة إلى سواءة بن عامر كذا في المغنى
504

باب ما جاء في التثويب في الفجر
التثويب هو العود إلى الإعلام بعد الإعلام ويطلق على الإقامة كما في حديث حتى إذا ثوب
أدبر حتى إذا فرغ أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه وعلى قول المؤذن في أذان الفجر الصلاة خير من
النوم وكل من هذين تثويب قديم ثابت من وقته صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وقد أحدث الناس تثويبا ثالثا
بين الأذان والإقامة قاله في فتح الودود قلت ومراد الترمذي بالتثويب ههنا هو قول المؤذن في
أذان الفجر الصلاة خير من النوم
قوله (أبو أحمد الزبيري) بضم الزاء الموحدة هو محمد بن عبد الله بن الزبير بن درهم
الأسدي الكوفي ثقة ثبت إلا أنه قد يخطئ في حديث الثوري وهو من رجال الكتب الستة (أبو
إسرائيل) يجئ ترجمته (عن الحكم) هو ابن عتيبة (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال) عبد
الرحمن هذا لم يسمع من بلال كما صرح به الحافظ في التلخيص
قوله (لا تثوبن في شئ من الصلوات إلا في صلاة الفجر) من التثويب قال الجزري في
النهاية هو قوله الصلاة خير من النوم وقال والأصل في التثويب أن يجئ الرجل مستصرخا
فيلوح بثوبه ليرى ويشتهر فسمى الدعاء تثويبا لذلك وكل داع مثوب وقيل إنما سمي تثويبا من
ثاب يثوب إذا رجع فهو رجوع إلى الأمر بالمبادرة إلى الصلاة وأن المؤذن إذا قال حي على الصلاة
فقد دعاهم إليها وإذا قال بعدها الصلاة خير من النوم فقد رجع إلى كلام معناه المبادرة إليها انتهى
كلام الجزري وحديث الباب أخرجه ابن ماجة والبيهقي وقال عبد الرحمن لم يلق بلالا
قوله (وفي الباب عن أبي محذورة) أخرجه أبو داود قال قلت يا رسول الله علمني سنة
الأذان الحديث وفي آخره فإن كان صلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم
505

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ورواه ابن حبان في صحيحه وفي الباب أيضا عن أنس قال من
السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر حي على الصلاة حي على الفلاح قال الصلاة خير من النوم
أخرجه ابن خزيمة في صحيحه والدارقطني ثم البيهقي في سننهما وقال البيهقي إسناده صحيح كذا
في نصب الراية وفي الباب أحاديث أخرى مذكورة فيه
وأعلم أنه قد ثبت كون الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم في أذان الفجر بعد حي
على الفلاح حي على الفلاح من حديث أبي محذورة وبلال المذكورين وكذا من حديث ابن عمر
قال الأذان الأول بعد حي على الفلاح الصلاة خير من النوم مرتين رواه السراج والطبراني والبيهقي
وسنده حسن كما صرح به الحافظ وهو مذهب الكافة وهو الحق وأما ما قال الإمام محمد في موطئه
من أن الصلاة خير من النوم يكون ذلك في نداء الصبح بعد الفراغ من النداء ففيه نظر
قوله (حديث بلال لا نعرفه إلا من حديث أبي إسرائيل الملائي) بمضمومة وخفة لام وبمد
بياء في آخره نسبة إلى بيع الملاء نوع من الثياب (إنما رواه عن الحسن بن عمارة) وهو متروك (وأبو إسرائيل
اسمه إسماعيل بن أبي إسحاق وليس بذاك القوي) قال الذهبي في الميزان أبو إسرائيل
أسمه إسماعيل بن أبي إسحاق خليفة ضعفوه وقد كان شيعيا بغيضا من الغلاة الذين يكرهون
عثمان قال ابن المبارك لقد من الله على المسلمين بسوء حفظ أبي إسرائيل وذكر أقوال الجرح وقال
الحافظ في التقريب صدوق سئ الحفظ
قوله (قال إسحاق في التثويب) أي في تفسيره (غير هذا) أي غير هذا الذي فسره به ابن
506

المبارك وأحمد (قال) أي إسحاق (هو شئ أحدثه الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم إذا أذن المؤذن فاستبطأ
القوم قال بين الأذان وا قامة قد قامت الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح) وبهذا التفسير
قال الحنفية قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر حديث الباب اختلفوا في التثويب
فقال أصحابنا يعني الحنفية هو أن يقول بين الأذان وا قامة حي على الصلاة حي على الفلاح
مرتين وقال الباقون هو قوله في الأذان الصلاة خير من النوم انتهى كلام الزيلعي قلت قول
التابعين هو قوله في الأذان الصلاة خير من النوم انتهى كلام الزيلعي قلت قول الباقين هو
الصحيح كما صرح به الترمذي وهو المراد في حديث الباب وأما ما قال به إسحاق ومن تبعه فهو
محدث كما صرح به الترمذي فكيف يكون مرادا في الحديث النبوي (والذي أحدثوه) عطف على
الذي كرهه قال التوربشتي أما النداء بالصلاة الذي يعتاده الناس من بعد الأذان على أبواب
المسجد فإنه بدعة يدخل في القسم المنهي عنه انتهى (وروى عن عبد الله بن عمر إنه كان يقول في
صلاة الفجر) أي في أذان صلاة الفجر ولم أقف على من أخرج هذا الأثر (وروى عن مجاهد قال
دخلت مع عبد الله بن عمر مسجدا إلخ) رواه أبو داود في سننه ولفظه قال كنت مع ابن عمر
فثوب رجل في الظهر أو العصر قال اخرج بنا فإن هذه بدعة انتهى وإنما قال اخرج بنا لأنه كان
507

حينئذ أعمى
باب ما جاء أن من أذن فهو يقيم
قوله (نا عبدة ويعلي عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم) بفتح أوله وسكون النون وضم
المهملة الإفريقي قاضيها ضعيف من جهة حفظه وكان رجلا صالحا قاله الحافظ (عن زياد بن
نعيم) بضم النون مصغرا هو زياد بن ربيعة بن نعيم الحضرمي ثقة (عن زياد بن الحارث
الصدائي) بضم الصاد وخفة الدال فألف فهمزة نسبة إلى صداء ممدود وهو حي من اليمن قاله
صاحب مجمع البحار وغيره وهو حليف لبني الحارث بن كعب بايع النبي صلى الله عليه وسلم وأذن بين يديه
ويعد في البصريين قاله الطيبي وقال الحافظ له صحبة ووفادة (أن أخا صداء) هو زياد بن الحارث
الصدائي (ومن أذن فهو يقيم) قال ابن الملك فيكره أن يقيم غيره وبه قال الشافعي وعند أبي حنيفة
لا يكره لما روى أن ابن أم مكتوم ربما كان يؤذن ويقيم بلال وربما كان عكسه والحديث محمول
على ما إذا لحقه الوحشة بإقامة غيره كذا في المرقاة
قلت لم أقف على هذه الرواية التي ذكرها ابن الملك ولأبي حنيفة حديث آخر وسيأتي ذكره
وتحقيق هذه المسألة
قوله (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه أبو حفص عمر بن شاهين في كتاب الناسخ
508

والمنسوخ وأبو الشيخ الأصبهاني في كتاب الأذان والخطيب البغدادي عن سعيد بن أبي راشد
المازني ثنا عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سير له فحضرت الصلاة فنزل القوم
فطلبوا بلالا فلم يجدوه فقام رجل فأذن ثم جاء بلال فذكر له فأراد أن يقيم فقال له عليه السلام
مهلا يا بلال فإنما يقيم من أذن قال ابن أبي حاتم في العلل قال أبي هذا حديث منكر وسعيد هذا
منكر الحديث ضعيف كذا في نصب الراية
قوله (إنما نعرفه من حديث الإفريقي) هو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم (والإفريقي هو
ضعيف) قال في البدر المنير ضعيف لكثرة روايته للمنكرات مع علمه وزهده ورواية المنكرات كثيرا
ما يعتري الصالحين لقلة تفقدهم للرواة لذلك قيل لم نر الصالحين في شئ أكذب منهم في الحديث
كذا في النيل وقال ميرك ضعف الحديث الترمذي لأجل الإفريقي وحسنه الحازمي وقواه العقيلي
وابن الجوزي انتهى والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجة (يقوي أمره ويقول هو مقارب
الحديث) هذا من ألفاظ التعديل وقد تقدم توضيحه في المقدمة
قوله (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم أذن فهو يقيم) قال الحافظ الحازمي في
كتاب الاعتبار اتفق أهل العلم في الرجل يؤذن ويقيم غيره على أن ذلك جائز واختلفوا في
الأولوية فذهب أكثرهم إلى أنه لا فرق وأن الأمر متسع وممن رأى ذلك مالك وأكثر أهل الحجاز
وأبو حنيفة وأكثر أهل الكوفة وأبو ثور وذهب بعضهم إلى أن الأولى أن من أذن فهو يقيم وقال
سفيان الثوري كان يقال من أذن فهو يقيم وروينا عن أبي محذورة أنه جاء وقد أذن إنسان فأذن
وأقام وإلى هذا ذهب أحمد وقال الشافعي في رواية الربيع عنه وإذا أذن الرجل أحببت أن يتولى
الإقامة لشئ يروى فيه أن من أذن فهو يقيم وكان من حجة من ذهب إلى القول الثاني ما أخبرنا
به أبو المحاسن فذكر بإسناده حديث زياد بن الحارث الصدائي بأطول مما رواه الترمذي ثم قال
قالوا فهذا الحديث أقوم إسنادا من الأول يعني من حديث عبد الله بن زيد ذكره قبل ذلك
بلفظ رأى عبد الله الأذان في المنام فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال ألقه على بلال فألقاه على بلال فأذن
509

فقال عبد الله أنا رأيته وأنا كنت أريده قال فأقم أنت قال ثم حديث عبد الله بن زيد كان في أول
ما شرع الأذان وذلك في السنة الأولى وحديث الصدائي كان بعده بلا شك والأخذ بآخر الأمرين
أولى وطريق الإنصاف أن يقال الأمر في هذا الباب على التوسع وادعاء النسخ مع إمكان الجمع
بين الحديثين على خلاف الأصل إذا لا عبرة لمجرد التراخي ثم نقول في حديث عبد الله بن زيد
إنما فوض الأذان إلى بلال لأنه كان أندى صوتا من عبد الله على ما ذكر في الحديث والمقصود من
الأذان الإعلام ومن شرطه الصوت وكلما كان الصوت أعلى كان أولى وأما زيد بن الحارث فكان
جهوري الصوت ومن صلح للأذان فهو للإقامة أصلح وهذا المعنى يؤكد قول من قال من أذن
فهو يقيم انتهى كلام الحازمي
قلت حديث عبد الله بن زيد وحديث الصدائي كلاهما ضعيفان والأخذ بحديث
الصدائي أولى لما ذكر الحازمي ولأن قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الصدائي من أذن فهو يقيم قانون كلي
وأما حديث عبد الله بن زيد ففيه بيان واقعة جزئية يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أراد بقوله لعبد الله بن زيد فأقم
أنت تطييب قلبه لأنه رأى الأذان في المنام ويحتمل أن يكون لبيان الجواز ولأن لحديث الصدائي
شاهدا ضعيفا من حديث ابن عمر وقد تقدم ذكره قال الحافظ في الدراية وأخرج ابن شاهين في
الناسخ والمنسوخ له من حديث ابن عمر شاهدا انتهى وقال صاحب سبل السلام والحديث دليل
على أن الإقامة حق لمن أذن فلا تصح من غيره وعضد حديث الباب يعني حديث الصدائي حديث
ابن عمر بلفظ مهلا يا بلال فإنما يقيم من أذن أخرجه الطبراني والعقيلي وأبو الشيخ وإن كان قد
ضعفه أبو حاتم وابن حبان انتهى
باب ما جاء في كراهية الأذان بغير وضوء
قوله (عن معاوية بن يحيى) هو معاوية بن يحيى الصدفي أبو روح الدمشقي روى عن
مكحول وابن شهاب وعنه بقية بن الوليد بن مسلم ضعيف كذا في الخلاصة والتقريب
قوله (لا يؤذن إلا متوضئ) الحديث دليل على أنه يكره الأذان بغير وضوء لكن الحديث
ضعيف من وجهين فإن في سنده معاوية بن يحيى الصدفي وهو ضعيف كما عرفت فيه انقطاع بين
510

الزهري وأبي هريرة فإنه لم يسمع منه كما صرح به الترمذي
قوله (نا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي الفقيه ثقة حافظ (عن يونس) ابن يزيد بن أبي
النجاد الأيلي ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهما قليلا وفي غير الزهري خطأ من كبار السابعة
كذا في التقريب وغيره
قوله (قال قال أبو هريرة لا ينادى) أي يؤذن والحديث موقوف ومنقطع
قوله (وهذا أصح من الحديث الأول) أي هذا الحديث الموقوف الذي رواه عبد الله ابن
وهب عن يونس عن ابن شهاب عن أبي هريرة أرجح وأقل ضعفا من الحديث الأول المرفوع الذي
رواه معاوية بن يحيى عن الزهري عن أبي هريرة فإن هذا المرفوع ضعيف من وجهين كما عرفت
والموقوف ضعيف من وجه واحد وهو الانقطاع (والزهري لم يسمع من أبي هريرة) فصار الحديث
من الطريقين منقطعا لكن رواه أبو الشيخ عن ابن أبي عاصم حدثنا هشام بن عمار حدثنا
الوليد بن مسلم عن معاوية بن يحيى عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال لا يؤذن إلا متوضئ وقال البيهقي كذا رواه معاوية بن يحيى الصدفي وهو ضعيف
والصحيح رواية يونس وغيره عن الزهري مرسلا كذا في عمدة القاري
قوله (فكرهه بعض أهل العلم وبه يقول الشافعي وإسحاق) وهو قول عطاء قال
البخاري في صحيحه قال عطاء الوضوء حق وسنة انتهى قال الحافظ وصله عبد الرزاق عن ابن
جرير قال قال لي عطاء حق وسنة مسنونة أن لا يؤذن المؤذن إلا متوضئا هو من الصلاة هو فاتحة
511

الصلاة ولابن أبي شيبة من وجه آخر عن عطاء أنه كره أن يؤذن الرجل على غير وضوء انتهى
وهو قول أحمد قال صاحب السبل قد ذهب أحمد وآخرون إلى أن لا يصح أذان المحدث حدثا
أصغر عملا بهذا الحديث انتهى لكن ذكر الترمذي أحمد في المرخصين وذكر العيني في شرح
البخاري الشافعي مع أحمد في المرخصين حيث قال قال صاحب الهداية من أصحابنا وينبغي أن
يؤذن ويقيم على طهر لأن الأذان والإقامة ذكر شريف يستحب فيه الطهارة فإن أذن على غير وضوء
جاز وبه قال الشافعي وأحمد وعامة أهل العلم وعن مالك أن الطهارة شرط في الإقامة دون
الأذان وقال عطاء والأوزاعي وبعض الشافعية تشترط فيهما انتهى كلام العيني (ورخص في ذلك
بعض أهل العلم وبه يقول سفيان وابن المبارك وأحمد) وهو قول إبراهيم النخعي كما في صحيح
البخاري وهو قول مالك والكوفيين لأن الأذان ليس من جملة الأركان فلا يشترط فيه ما يشترط في
الصلاة من الطهارة ولا من استقبال القبلة كما لا يستحب فيه الخشوع الذي ينافيه الالتفات
وجعل الأصبع في الأذن كذا في فتح الباري
قلت العمل على حديث الباب هو الأولى فإن الحديث وإن كان ضعيفا لكن له شاهدا
من حديث وائل قال الحافظ في التلخيص روى البيهقي والدارقطني في الأفراد وأبو الشيخ في
الأذان من حديث عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال حق وسنة أن لا يؤذن الرجل إلا وهو طاهر
ولا يؤذن إلا وهو قائم إلا أن فيه انقطاعا لأن عبد الجبار عنه ثبت في صحيح مسلم أنه قال كنت
غلاما لا أعقل صلاة أبي ونقل النووي اتفاق أئمة الحديث على أنه لم يسمع من أبيه انتهى ما في
التلخيص وله شاهد آخر من حديث ابن عباس ذكره الزيلعي في نصب الراية بلفظ يا ابن
عباس إن الأذان متصل بالصلاة فلا يؤذن أحدكم إلا وهو طاهر أخرجه أبو الشيخ والله تعالى
أعلم
باب ما جاء أن الامام أحق بإقامة
قوله (سمع جابر بن سمرة) بن جنادة بضم الجيم بعدها نون السوائي بضم المهملة والمد
صحابي ابن صحابي نزل الكوفة ومات بها بعد سنة سبعين كذا في التقريب
512

قوله (يمهل فلا يقيم حتى إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج أقام الصلاة حين يراه) هذا
الحديث يدل على أن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقيم إلا بعد أن يراه وقد أخرج الشيخان عن
أبي قتادة مرفوعا إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني أي قد خرجت وهذا الحديث يدل على
أن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقيم قبل أن يراه ويجمع بينهما بأن بلالا كان يراقب وقت خروج
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأول ما يراه يشرع في الإقامة قبل أن يراه غالب الناس ثم إذا رأوه قاموا ويشهد
لذلك ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب أن الناس كانوا ساعة يقول المؤذن الله
أكبر يقومون إلى الصلاة فلا يأتي النبي صلى الله عليه وسلم مقامه حتى تعتدل الصفوف وفي صحيح مسلم وسنن
أبي داود ومستخرج أبي عوانة أنهم كانوا يعدلون الصفوف قبل خروجه صلى الله عليه وسلم وفي حديث أبي قتادة
أنهم كان يقومون ساعة تقام الصلاة ولو لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم فنهاهم عن ذلك لاحتمال أن يقع له
شغل يبطئ فيه عن الخروج فيشق عليهم الانتظار كذا في الفتح والنيل والله تعالى أعلم
قوله (حديث جابر بن سمرة حديث حسن) وأخرجه مسلم بلفظ كان بلال يؤذن إذا
دحضت الشمس فلا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم فإذا خرج أقام الصلاة
قوله (وهكذا قال بعض أهل العلم أن المؤذن أملك بالأذان والإمام أملك بالإقامة) وقد
ورد مثله عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤذن أملك بالأذان والإمام أملك بالإقامة رواه
ابن عدي وضعفه كذا في بلوغ المرام قال محمد بن إسماعيل الأمير في سبل السلام في شرح هذا
الحديث المؤذن أملك بالأذان أي وقته موكول إليه لأنه أمين عليه والإمام أملك بالإقامة فلا يقيم
إلا بعد إشارته قال الشوكاني ولعل تضعيفه له لأن في إسناده شريكا القاضي وقد أخرج
البيهقي نحوه عن علي رضي الله عنه من قوله وقال ليس بمحفوظ ورواه أبو الشيخ من طريق أبي
الجوزاء عن ابن عمه وفيه معارك وهو ضعيف انتهى
513

باب ما جاء في الأذان بالليل
قوله (عن سالم) هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي المدني أحد الفقهاء السبعة
وكان ثبتا عابدا فاضلا كان يشبه بأبيه في الهدى والسمت قاله الحافظ (عن أبيه) هو عبد الله بن
عمر
قوله (إن بلالا يؤذن بليل) كان تأذينه بالليل ليرجع القائم وينتبه النائم كما جاء في حديث
ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو قال ينادي بليل
ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم رواه الجماعة إلا الترمذي (فكلوا واشربوا) أي أيها المريدون
الصيام (حتى تسمعوا تأذين ابن أم مكتوم) قد بينت رواية البخاري أنه لم يكن بين أذانيهما إلا
مقدار أن يرقى ذا وينزل ذا قال الحافظ في الفتح قد أورده أي أورد البخاري هذا الحديث في
الصيام وزاد في آخره فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر قال القاسم لم يكن بين أذانيهما إلا أن يرقى
ذا وينزل ذا وفي هذا تقييد لما أطلق في الروايات الأخرى من قوله إن بلالا يؤذن بليل قال وفيه
حجة لمن ذهب إلى أن الوقت الذي يقع فيه الأذان قبل الفجر هو وقت السحور انتهى قال في
سبل السلام وفيه شرعية الأذان قبل الفجر لا لما شرع له الأذان فإن الأذان شرع كما سلف
للإعلام بدخول الوقت ولدعاء السامعين لحضور الصلاة وهذا الأذان الذي قبل الفجر قد أخبر
صلى الله عليه وسلم بوجه شرعيته بقوله ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم والقائم هو الذي يصل صلاة الليل
ورجوعه عودة إلى نومه أو قعوده عن صلاته إذا سمع الأذان فليس للإعلام بدخول وقت ولا
لحضور الصلاة فذكر الخلاف في المسألة واستدلال للمانع والمجيز لا يلتفت إليه من همه العمل
بما ثبت انتهى
قوله (وفي الباب عن ابن مسعود وعائشة وأنيسة وأنس وأبي ذر وسمرة) أما حديث ابن
514

مسعود فأخرجه الجماعة إلا الترمذي وتقدم لفظه وأما حديث عائشة فأخرجه الشيخان وأما
حديث أنيسة بالتصغير وهي بنت حبيب فأخرجه ابن حبان وأحمد مرفوعا بلفظ إذا أذن ابن أم
مكتوم فكلوا واشربوا وإذا أذن بلال فلا تأكلوا ولا تشربوا كذا في الدراية وأما حديث أنس
فأخرجه البزار عنه قال أذن بلال قبل الفجر فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فيقول ألا أن العبد نام
فرقى بلال وهو يقول ليت بلالا ثكلته أمه وابتل من نضح دم جبينه قال الحافظ الهيثمي وفيه
محمد بن القاسم ضعفه أحمد وأبو داود ووثقه ابن معين وأما حديث أبي ذر فأخرجه الطحاوي
عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال إنك تؤذن إذا كان الفجر ساطعا وليس ذلك الصبح إنما الصبح
هكذا معترضا وفي سنده ابن لهيعة وأما حديث سمرة وهو سمرة بن جندب فأخرجه مسلم
قوله (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (فقال بعض أهل العلم إذا أذن المؤذن بالليل أجزأه ولا يعيد وهو قول مالك إلخ)
تمسك من قال بالإجزاء بحديث ابن مسعود وتقدم لفظه وأجيب بأنه مسكوت عنه فلا يدل
وعلى التنزل فمحله فيما إذا لم يرد نطق بخلافه وههنا قد ورد حديث ابن عمر وعائشة بما يشعر
بعدم الاكتفاء نعم حديثه زياد بن الحارث عند أبي داود يدل على الاكتفاء فإنه فيه أنه أذن قبل
الفجر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وأنه استأذنه في الإقامة فمنعه إلى أن طلع الفجر فأمره فأقام لكن في إسناده
ضعف وأيضا فهي واقعة عين وكانت في سفر قاله الحافظ في الفتح (وقال بعض أهل العلم إذا
أذن بالليل أعاد وبه يقول سفيان الثوري) وهو قول أبي حنيفة ومحمد قال الخطابي وكان أبو يوسف
يقول بقول أبي حنيفة ثم رجع فقال لا بأس أن يؤذن للفجر خاصة قبل طلوع الفجر اتباعا للأثر
وكان أبو حنيفة ومحمد لا يجيزان ذلك قياسا على سائر الصلوات وإليه ذهب سفيان الثوري
انتهى قال الحافظ في الفتح وإلى الاكتفاء مطلقا ذهب مالك والشافعي وأحمد وأصحابهم وخالف
ابن خزيمة وابن المنذر وطائفة من أهل الحديث وقال به الغزالي في الاحياء وادعى بعضهم أنه لم يرد
في شئ من الحديث ما يدل على الاكتفاء انتهى
515

قلت لم أقف على حديث صحيح صريح يدل على الاكتفاء فالظاهر عندي قول من قال
بعدم الاكتفاء والله تعالى أعلم
قوله (فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينادي إن العبد نام) يعني أن غلبة النوم على عينيه منعته من تبين
الفجر قال الحافظ في الفتح وقال الخطابي هو يتأول على وجهين أحدهما أن يكون أراد به أنه غفل
عن الوقت كما يقال نام فلان عن حاجتي إذا غفل عنها ولم يقم بها والوجه الآخر أن يكون معناه
قد عاد لنومه إذا كان عليه بقية من الليل يعلم الناس ذلك لئلا ينزعجوا من نومهم وسكونهم
انتهى وهذا الحديث رواه الترمذي معلقا ووصله أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل
وداود بن شبيب المعنى قالا ثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر فذكره والحديث مما تمسك به
من قال إن المؤذن إذا أذن بالليل أعاد لكنه غير محفوظ كما بينه الترمذي (وروى عبد العزيز ابن أبي
رواد) بفتح الراء وتشديد الواو صدوق عابد ربما وهم ورمي بالإرجاء (أن مؤذنا لعمر) اسم هذا
المؤذن مسروح وقال بعضهم مسعود (أذن بليل فأمره عمر أن يعيد الأذان) هكذا ذكره الترمذي
معلقا ورواه أبو داود في سننه يد موصو بعد حث حماد بن سلمة (ولعل حماد بن سلمة أراد هذا
الحديث) أي أثر عمر فوهم في رفعه والمعنى أن حماد بن سلمة كان له أن يقول إن مؤذنا لعمر أذن بليل
516

فأمره عمر أن يعيد الأذان فوهم فقال إن بلالا أذن بليل فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينادي إن العبد نام
قال الحافظ في الفتح اتفق أئمة الحديث علي بن المدني وأحمد بن حنبل والبخاري والذهلي
وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والأثرم والدارقطني على أن حمادا أخطأ في رفعه وأن الصواب وقفه على
عمر بن الخطاب وأنه هو الذي وقع له ذلك مع مؤذنه انتهى كلام الحافظ
باب ما جاء في كراهية الخروج من المسجد بعد الأذان
قوله (عن سفيان) هو الثوري (عن إبراهيم بن مهاجر) بن جابر البجلي الكوفي صدوق
لين الحفظ من الخامسة (عن أبي الشعثاء) سليم بن أسود بن حنظلة الكوفي ثقة باتفاق من كبار
الثالثة وروى هذا الحديث عنه ابنه أشعث أيضا وهو ثقة ولم ينفرد بروايته عنه إبراهيم بن
مهاجر
قوله (أما هذا فقد عصا أبا القاسم) قال الطيبي أما للتفصيل يقتضي شيئين فصاعدا
والمعنى أما من ثبت في المسجد وأقام الصلاة فيه فقد أطاع أبا القاسم وأما هذا فقد عصى انتهى
وقال القاري رواه أحمد وزاد ثم قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنتم في المسجد فنودي بالصلاة فلا
517

يخرج أحدكم حتى يصلي وإسناده صحيح انتهى والحديث يدل على أنه لا يجوز الخروج من
المسجد بعد ما أذن فيه لكنه مخصوص بمن ليس له ضرورة يدل عليه حديث أبي هريرة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وقد أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر
انصرف قال على مكانكم فمكثنا على هيئتنا حتى خرج إلينا ينطف رأسه ماء وقد اغتسل رواه
البخاري وغيره فهذا الحديث يدل على أن حديث الباب مخصوص بمن ليس له ضرورة فيلتحق
بالجنب المحدث والراعف والحاقن ونحوهم وكذا من يكون إماما لمسجد آخر ومن في معناه
وقد أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه فصرح
برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبالتخصيص ولفظه لا يسمع النداء في مسجدي ثم يخرج منه إلا لحاجة ثم
لا يرجع إليه إلا منافق كذا في الفتح
قوله (وفي الباب عن عثمان) أخرجه ابن ماجة مرفوعا بلفظ من أدركه الأذان في المسجد
ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجعة فهو منافق
قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي
وابن ماجة قال ابن الهمام وأخرجه الجماعة إلا البخاري عن أبي الشعثاء قال كنا مع أبي هريرة في
المسجد فخرج رجل حين أذن المؤذن للعصر فقال أبو هريرة أما هذا فقد عصى أبا القاسم ومثل
هذا موقوف عند بعضهم وإن كان ابن عبد البر قال فيه وفي نظائره مسند لحديث أبي هريرة من لم
يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم وقال لا يختلفون في ذلك انتهى
قوله (أو أمر لا بد منه) كأن يكون حاقنا أو راعفا (ويروى عن إبراهيم النخعي أنه قال
يخرج ما لم يأخذ المؤذن في الإقامة
قول إبراهيم النخعي هذا مخالف لظاهر أحاديث الباب فإنها
صريحة في منع الخروج بعد الأذان مطلقا أخذ المؤذن في الإقامة أو لم يأخذ إلا أن يحمل قوله على ما
518

إذا كان له حاجة وهو يريد الرجوع فيدل على جواز الخروج حينئذ ما أخرجه أبو داود في المراسيل
عن سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يخرج أحد من المسجد بعد النداء إلا منافق إلا أحد
أخرجته حاجة وهو يريد الرجوع (وهذا عندنا) أي عند أهل الحديث (لمن له عذر في الخروج منه)
أي من المسجد والمعنى أن جواز الخروج من المسجد بعد الأذان مخصوص بمن له عذر في
الخروج وأما من لا عذر له فلا يجوز له الخروج (وقد روى أشعث بن أبي الشعثاء هذا الحديث
عن أبيه) رواه مسلم
باب ما جاء في الأذان في السفر
قوله (عن سفيان) هو الثوري كما صرح به الحافظ في الفتح (عن أبي قلابة) الجرمي (عن
مالك بن الحويرث) بالتصغير الليثي صحابي نزل البصرة وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وأقام عنده عشرين
ليلة وسكن البصرة
قوله (قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وابن عم لي) بالرفع على العطف وبالنصب على أنه
مفعول معه (فأذنا) أي من أحب منكما أن يؤذن فليؤذن وذلك لاستوائهما في الفضل ولا يعتبر في
الأذان السن بخلاف الإمامة قاله الحافظ قال وهو واضح من سياق حديث الباب حيث قال
فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم ومراده بحديث الباب حديث مالك بن الحويرث بلفظ
أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومي الحديث وفي آخره فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم
519

وليؤمكم أكبركم وقال أبو الحسن بن القصار أراد بقوله فأذنا الفضل وإلا فأذان الواحد
يجزئ وكأنه فهم منه أنه أمرهما أن يؤذنا جميعا كما هو ظاهر اللفظ وتعقب عليه الحافظ وذكر في
ضمن تعقبه توجيها آخر لقوله فأذنا حيث قال فإن أراد يعني أبا الحسن بن القصار أنهما يؤذنان
معا فليس ذلك بمراد وقد قدمنا النقل عن السلف بخلافه وإن أراد أن كلا منهما يؤذن على حدة
ففيه نظر فإن أذان الواحد يكفي الجماعة نعم يستحب لكل أحد إجابة المؤذن فالأولى حمل الأمر
على أن أحدهما يؤذن والآخر يجيب قال والحامل على صرفه عن ظاهره قوله فليؤذن لكم أحدكم
وللطبراني من طريق حماد ابن سلمة عن خالد الحذاء في هذا الحديث إذا كنت مع صاحبك فليؤذن
وأقم وليؤمكما أكبركما انتهى (وأقيما) أي من أحب منكما أن يقيم فليقم قال الحافظ فيه حجة لمن
قال باستحباب إجابة المؤذن بالإقامة إن حمل الأمر على ما قضى وإلا فالذي يؤذن هو الذي يقيم
انتهى (وليؤمكما أكبركما) أي سنا قال القرطبي قوله وليؤمكما أكبركما يدل على تساويهما في شروط
الإمامة ورجح أحدهما بالسن قال العيني لأن هؤلاء كانوا مستوين في باقي الخصال لأنهم هاجروا
جميعا وصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولازموه عشرين ليلة فاستووا في الأخذ عنه فلم يبق ما يقدم به إلا
السن انتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري قال ميرك ورواه الجماعة والمعنى
عندهم متقارب وبعضهم ذكر فيه قصة كذا قاله الشيخ الجزري كذا في المرقاة
قوله (والعمل عليه عند أكثر أهل العلم اختاروا الأذان في السفر) أي ولو كان المسافر
منفردا (وقال بعضهم تجزئ الإقامة إنما الأذان على من يريد أن يجمع الناس) روى عبد الرزاق
بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يقول إنما التأذين لجيش أو ركب عليهم أمير فينادي بالصلاة
ليجتمعوا فأما غيرهم فإنما هي الإقامة وحكى نحو ذلك عن مالك وذهب الأئمة الثلاثة والثوري
وغيرهم إلى مشروعية الأذان لكل أحد كذا في فتح الباري قلت وكان ابن عمر يؤذن في السفر في
صلاة الصبح ويقيم روى مالك في الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يزيد على الإقامة
في السفر إلا في الصبح فإنه كان ينادي فيها ويقيم وكان يقول إنما الأذان للإمام الذي يجتمع إليه
الناس قال الزرقاني وذلك لإظهار شعار الإسلام لأنه وقت الإغارة على الكفار وكان صلى الله عليه وسلم في ذلك
520

الوقت يغير إذا لم يسمع الأذان ويمسك إذا سمعه ونقل عنه البوني أن ذلك لإعلام من معه من
نائم وغيره بطلوع الفجر وسائر الصلوات لا تخفى عليهم (والقول الأول أصح) فإنه ثابت
بحديث الباب وهو حجة على من ذهب إلى القول الثاني وروى البخاري وغيره أن أبا سعيد
الخدري قال لعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا
كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن
جن ولا إنس ولا شئ إلا شهد له يوم القيامة قال أبو سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
الحافظ وهذا الحديث يقتضي استحباب الأذان للمنفرد وبالغ عطاء فقال إذا كنت في سفر فلم
تؤذن ولم تقم فأعد الصلاة ولعله كان يرى ذلك شرطا في صحة الصلاة أو يرى استحباب الإعادة
لا وجوبها انتهى كلام الحافظ
فائدة قال أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي لم يذكر أبو عيسى رفع الصوت بالأذان
وذكر أبو داود فيه حديث أبي هريرة المؤذن يغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس
والحديث في ذلك مشهور صحيح بيناه في شرح الصحيحين انتهى قلت وفي ذلك حديث أبي
سعيد الخدري الذي ذكرناه آنفا
باب ما جاء في فضل الأذان
قوله (ثنا أبو تميلة) بمثناه مصغرا اسمه يحيى بن واضح الأنصاري مولاهم ثقة من كبار
التاسعة مشهور بكنيته (نا أبو حمزة) اسمه محمد بن ميمون المروزي ثقة فاضل (عن جابر) هو ابن
يزيد بن الحارث الجعفي أبو عبد الله الكوفي ضعيف رافضي كذا في التقريب
قوله (من أذن سبع سنين محتسبا) أي طالبا للثواب لا للأجرة (كتبت له براءة) بالمد أي
521

خلاص (من النار) قال المناوي لأن مداومته على النطق بالشهادتين والدعاء إلى الله تعالى هذه المدة
من غير باعث دنيوي صير نفسه كأنها معجونة بالتوحيد والنار لا سلطان لها على من صار كذلك
وأخذ منه أنه يندب للمؤذن أن لا يأخذ على أذانه أجرا انتهى
قوله (وفي الباب عن ابن مسعود وثوبان ومعاوية وأنس وأبي هريرة وأبي سعيد) أما
حديث ابن مسعود وحديث ثوبان فلم أقف على من أخرجهما وأما حديث معاوية فأخرجه مسلم
عنده قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة وأما حديث
أنس فأخرجه مسلم وله أحاديث في هذا الباب وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد عنه مرفوعا
بلفظ المؤذن يغفر له مدى صوته ويصدقه كل رطب ويابس وأخرجه أبو داود وابن خزيمة
وعندهما ويشهد له كل رطب ويابس وأما حديث أبي سعيد فقد مر تخريجه ولفظه وفي الباب
أحاديث كثيرة ذكرها المنذري في الترغيب والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد
قوله (حديث ابن عباس حديث غريب) وأخرجه بن ماجة وهو حديث ضعيف لأن في
سنده جابرا الجعفي (وأبو حمزة السكري) ثم بذلك لحلاوة كلامه كذا في الخلاصة (وجابر بن
يزيد الجعفي) بضم الجيم وسكون العين وبفاء منسوب إلى جعفي بن سعد كذا في المغني لصاحب
مجمع البحار (ضعفوه تركه يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي) وقال الإمام أبو حنيفة ما رأيت
فيمن لقيت أفضل من عطاء ولا لقيت فيمن لقيت أكذب من جابر الجعفي ما أتيته بشئ من رأيي
قط إلا جاءني فيه بحديث كذا في تخريج الزيلعي ص 842 (لولا جابر الجعفي لكان أهل الكوفة
بغير حديث ولولا حماد لكان أهل الكوفة بغير فقه) حماد هذا هو ابن أبي سليمان أبو إسماعيل
522

الكوفي الفقيه روى عن إبراهيم النخعي وخلق وعنه ابنه إسماعيل ومغيرة وأبو حنيفة ومسعر
وشعبة وتفقهوا به قال النسائي ثقة مرجئ
باب ما جاء أن الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن
قوله (الإمام ضامن) قال الجزري في النهاية أراد بالضمان ههنا الحفظ والرعاية لا ضمان
الغرامة لأنه يحفظ على القوم صلاتهم وقيل إن صلاة المقتدين به في عهدته وصحتها مقرونة بصحة
صلاته فهو كالمتكفل لهم صحة صلاتهم انتهى (المؤذن مؤتمن) قيل المراد أنه أمين على مواقيت
الصلاة وقيل أمين على حرم الناس لأنه يشرف على المواضع العالية قلت ويؤيد الأول حديث أبي
محذورة مرفوعا المؤذنون أمناء الله على فطرهم وسحورهم أخرجه الطبراني في الكبير قال
الهيثمي في مجمع الزوائد إسناده حسن والحديث استدل به على فضيلة الأذان وعلى أنه أفضل من
الإمامة لأن الأمين أرفع حالا من الضمين ويؤيد قول من قال إن الإمامة أفضل أن النبي صلى الله عليه وسلم
والخلفاء الراشدين بعده أموا ولم يؤذنوا وكذا كبار العلماء بعدهم (اللهم أرشد الأئمة) أي
أرشدهم للعلم بما تكفلوه والقيام به والخروج عن عهدته (واغفر للمؤذنين) أي ما عسى يكون لهم
تفريط في الأمانة التي حملوها من جهة تقديم على الوقت أو تأخير عنه سهوا قال الأشرف يستدل
بقوله الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن على فضل الأذان على الإمامة لأن حال الأمين أفضل من حال
الضمين تم كلامه ورد بأن هذا الأمين يتكفل الوقت فحسب وهذا الضامن يتكفل أركان الصلاة
ويتعهد للسفارة بينهم وبين ربهم في الدعاء فأين أحدهما من الاخر وكيف لا والإمام خليفة رسول
الله صلى الله عليه وسلم والمؤذن خليفة بلال وأيضا الإرشاد الدلالة الموصلة إلى البغية والغفران مسبوق بالذنب
قاله الطيبي قال القارئ في المرقاة وهو مذهبنا في الحنفية وعليه جمع من الشافعية انتهى قلت
وهو القول الراجح وقد تقدم ما يؤيده والله تعالى أعلم
523

قوله (وفي الباب عن عائشة وسهل بن سعد وعقبة بن عامر) أما حديث عائشة فأخرجه
ابن حبان في صحيحه عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن فأرشد
الله الأئمة وعفى عن المؤذنين وأما حديث سهل بن سعد فأخرجه ابن ماجة والحاكم في المستدرك
عنه مرفوعا بلفظ الإمام ضامن فإن أحسن فله ولهم وإن أساء فعليه ولا عليهم وأما حديث
عقبة بن عامر فلم أقف عليه وفي الباب أيضا عن أبي أمامة ووائلة وأبي محذورة ذكر أحاديثهم
الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد
قوله (وذكر عن علي بن المديني أنه لم يثبت حديث أبي صالح عن أبي هريرة ولا حديث أبي
صالح عن عائشة في هذا) ورجح العقيلي والدارقطني طريق أبي صالح عن أبي هريرة على طريق
أبي صالح عن عائشة كما نقل الترمذي عن أبي زرعة وصححهما ابن حبان جميعا ثم قال قد سمع
أبو صالح هذين الخبرين من عائشة وأبي هريرة جميعا كذا في التلخيص ص 77 وقال في النيل
قال اليعمري والكل صحيح والحديث متصل انتهى وحديث أبي هريرة المذكور أخرجه أيضا أحمد
وأبو داود
524

باب ما يقول إذا أذن المؤذن
قوله (عن عطاء بن يزيد الليثي) المدني نزيل الشام ثقة من الثالثة
قوله (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن) قال القاري في المرقاة إلا في الحيعلتين
فإنه يقول لا حول ولا قوة إلا بالله وإلا في قوله الصلاة خير من النوم فإنه يقول صدقت وبررت
وبالحق نطقت وبررت بكسر الراء الأولى وقيل بفتحها أي صرت ذا بر وخير كثير انتهى كلام
القاري
قلت أما قوله إلا في الحيعلتين فلحديث عمر مرفوعا إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال
أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله قال أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال أشهد
أن محمدا رسول الله قال أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة
إلا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال الله أكبر الله أكبر قال الله
أكبر الله أكبر ثم قال لا إله إلا الله قال لا إله إلا الله دخل الجنة رواه مسلم وأما قوله وإلا في
قوله الصلاة خير من النوم فإنه يقول صدقت وبررت فلم أقف على حديث يدل عليه وقال
محمد بن إسماعيل الأمير في سبل السلام ص 87 وقيل يقول في جواب التثويب صدقت وبررت
وهذا استحسان من قائله وإلا فليس فيه سنة تعتمد انتهى
فائدة أخرج أبو داود في سننه عن رجل من أهل الشام عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة
أو عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن بلالا أخذ في الإقامة فلما أن قال قد قامت الصلاة قال النبي
صلى الله عليه وسلم أقامها الله وأدامها وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر في الأذان انتهى يريد بحديث عمر
ما ذكرناه آنفا عن صحيح مسلم وفيه دلالة على استحباب مجاوبة المقيم لقوله وقال في سائر الإقامة
بنحو حديث عمر وفيه أيضا أنه يستحب لسامع الإقامة أن يقول عند قول المقيم قد قامت الصلاة
أقامها الله وأدامها لكن الحديث في إسناده رجل مجهول وشهر بن حوشب تكلم فيه غير واحد
525

ووثقه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل
قوله (وفي الباب عن أبي رافع وأبي هريرة وأم حبيبة وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن
ربيعة وعائشة ومعاذ بن أنس ومعاوية) أما حديث أبي رافع فأخرجه أحمد والبزار والطبراني في
الكبير وفيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف إلا أن مالكا روى عنه كذا في مجمع الزوائد وأما
حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي وابن حبان والحاكم كذا في التلخيص وأما حديث أم حبيبة
فأخرجه ابن خزيمة والحاكم وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو داود والنسائي وأما
حديث عبد الله بن ربيعة فلم أقف عليه وأما حديث عائشة فأخرجه أبو داود وأما حديث
معاذ بن أنس فأخرجه أحمد والطبراني في الكبير وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف كذا في مجمع الزوائد
وأما حديث معاوية فأخرجه البخاري والنسائي
قوله (حديث أبي سعيد حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة
قوله (وهكذا روى معمر وغير واحد عن الزهري مثل حديث مالك إلخ) أي كما روى
مالك هذا الحديث عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد كذلك رواه معمر وغير واحد عن
الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد لكن عبد الرحمن بن إسحاق أحد أصحاب الزهري
خالف هؤلاء فرواه عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ورواية مالك أصح فإنه
تابعه معمر وغير واحد من أصحاب الزهري بخلاف رواية عبد الرحمن بن إسحاق فإنه لم يتابعه
أحد قال الحافظ في الفتح اختلف على الزهري في إسناد هذا الحديث وعلى مالك أيضا لكنه
اختلاف لا يقدح في صحته فرواه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة
أخرجه النسائي وابن ماجة وقال أحمد بن صالح وأبو حاتم وأبو داود والترمذي حديث مالك ومن
526

تابعه أصح انتهى
باب ما جاء في كراهية أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرا
قوله (نا أبو زبيد) بالتصغير اسمه عبثر بن القاسم الزبيدي بالضم الكوفي ثقة من الثامنة
(عن أشعث) هو ابن سوار الكندي النجار الكوفي مولى ثقيف يقال له أشعث النجار ويقال له
أشعث التابوتي وأشعث الأفرق روى عن الحسن البصري والشعبي وغيرهما وروى عنه شعبة
والثوري وعبثر بن القاسم وغيرهم قاله الحافظ في تهذيب التهذيب وقال في التقريب ضعيف
وقال الخزرجي حدثه في مسلم متابعة (عن الحسن) هو البصري (عن عثمان بن أبي العاص)
صحابي شهير استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف ومات في خلافة معاوية بالبصرة
قوله (إن من آخر ما عهد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي حين توديعه إلى الطائف للعمل (أن اتخذ
مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا) فيه دلالة ظاهرة على أن يكره أخذ الأجرة وقد عقد ابن
حبان ترجمة على الرخصة في ذلك وأخرج عن أبي محذورة أنه قال فألقي على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان
فأذنت ثم أعطاني حين قضيت التأذين صرة فيها من فضة وأخرجه أيضا النسائي قال
اليعمري ولا دليل فيه لوجهين الأول إن قصة أبي محذورة أول ما أسلم لأنه أعطاء حين علمه
الأذان وذلك قبل إسلام عثمان بن أبي العاص الراوي لحديث النهي فحديث عثمان متأخر
الثاني أنها واقعة عين يتطرق إليها الاحتمال وأقرب الاحتمالات فيها أن يكون من باب التأليف
لحداثة عهده بالإسلام كما أعطى حينئذ غيره من المؤلفة قلوبهم ووقائع الأحوال إذا تطرق إليها
الاحتمال سلبها الاستدلال لما يبقى فيها من الإجمال قال الشوكاني بعد نقل كلام ابن سيد الناس
هذا وأنت خبير بأن هذا الحديث لا يرد على من قال إن الأجرة إنما تحرم إذا كانت مشروطة لا إذا
أعطيها بغير مسألة والجمع بين الحديثين بمثل هذا حسن
قلت ما قال الشوكاني في وجه الجمع بين الحديثين لا شك في حسنة
527

قوله (حديث عثمان حديث حسن) قال في المنتقي بعد ذكره رواه الخمسة وقال في النيل
صححه الحاكم وقال ابن المنذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعثمان ابن أبي العاص واتخذ مؤذنا لا
يأخذ على أذانه أجرا وأخرج ابن حبان عن يحيى البكالي قال سمعت رجلا قال لابن عمر إني
لأحبك في الله فقال له ابن عمر إني لأبغضك في الله فقال سبحان الله أحبك في الله وتبغضني في الله
قال نعم أنك تسأل على أذانك أجرا وروى عن ابن مسعود أنه قال أربع لا يؤخذ عليهن أجر
الأذان وقراءة القرآن والمقاسم والقضاء انتهى
قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يأخذ على الأذان أجرا واستحبوا
للمؤذن أن يحتسب في أذانه) قال الخطابي أهذ المؤذن على أذانه مكروه بحسب مذاهب أكثر
العلماء قال الحسن أخشى أن لا تكون صلاته خالصة وكرهه الشافعي وقال يرزق من خمس
الخمس من سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه مرصد لمصالح المسلمين وقال في النيل قد ذهب إلى تحريم
الأجر شرطا على الأذان وا قامة الهادي والقاسم والناصر وأبو حنيفة وغيرهم وقال مالك لا بأس
بأخذ الأجر على ذلك وقال الأوزاعي يجاعل عليه ولا يؤاجر وقال الشافعي في الأم أحب أن
يكون المؤذنون متطوعين قال وليس للإمام أن يرزقهم وهو يجد من يؤذن متطوعا ممن له أمانة إلا
أن يرزقهم من ماله قال ولا أحسب أحدا ببلد كثير الأهل يعوزه أن يجد مؤذنا أمينا يؤذن
متطوعا فإن لم يجده فلا بأس أن يرزق مؤذنا ولا يرزقه إلا من خمس الخمس الفضل وقال ابن
العربي الصحيح جواز أخذ الأجرة على الأذان والصلاة والقضاء وجميع الأعمال الدينية فإن الخليفة
يأخذ أجرته على هذا كله وفي كل واحد منها
يأخذ النائب أجرة كما يأخذ المستغيب والأصل في ذلك
قوله صلى الله عليه وسلم ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة انتهى فقاس المؤذن على العامل
وهو قياس في مصادمة النص وفتيا ابن عمر التي مرت لم يخالفها أحد من الصحابة كما صرح بذلك
اليعمري كذا في النيل
قلت القول الراجح عندي هو قول الجمهور والله تعالى أعلم
528

باب ما يقول إذا أذن المؤذن من الدعاء
قوله من الدعاء بيان لما والمعنى أي دعاء يدعو به السامع إذا أذن المؤذن
قوله (عن الحكيم) بضم أوله مصغرا (بن عبد الله بن قيس) بن مخرمة بن المطلب المطلبي
نزيل مصر صدوق من الرابعة (عن عامر بن سعد) بن أبي وقاص الزهري المدني روى عن أبيه
وغيره قال ابن سعد ثقة كثير الحديث مات سنة 401 أربع ومائة (عن سعد بن أبي وقاص) اسمه
مالك صحابي جليل شهد بدرا والمشاهد وهو أحد العشرة واخرهم موتا وأول من رمي في سبيل
الله وفارس الإسلام وأحد ستة الشورى ومقدم جيوش الاسلام في فتح العراق ومناقبه كثيرة مات
بالعقيق سنة خمس وخمسين على المشهور
قوله (من قال حين يسمع المؤذن) أي أذانه أو صوته أو قوله وهو الأظهر وهو يحتمل أن
يكون المراد به حين يسمع الأول أو الأخير وهو قوله آخر الأذان لا إله إلا الله وهو أنسب
ويمكن أن يكون معنى يسمع يجيب فيكون صريحا في المقصود وأن الثواب المذكور مرتب على
الإجابة بكمالها مع هذه الزيادة ولأن قوله بهذه الشهادة في أثناء الأذان ربما يفوته الإجابة في بعض
الكلمات الآتية كذا في المرقاة (وأنا أشهد أن لا إله إلا الله) وفي رواية لمسلم أن أشهد بغير لفظ أن وبغير
الواو (رضيت بالله ربا) أي بربوبيته وبجميع قضائه وقدره فإن الرضا بالقضاء باب الله الأعظم
وقيل حال أي مربيا ومالكا وسيدا ومصلحا (ومحمد رسولا) أي بجميع ما أرسل به وبلغه إلينا من
الأمور الاعتقادية وغيرها (وبالإسلام) أي بجميع أحكام من الإسلام الأوامر والنواهي (دينا)
أي اعتقادا أو انقيادا قاله القاري (غفر الله له ذنوبه) أي من الصغائر جزاء لقوله من قال حين
يسمع المؤذن
529

قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة
قال ميرك والعجب من الحاكم أنه أخرجه في المستدرك وأعجب من ذلك تقرير الذهبي له في
استدراكه عليه وهو في صحيح مسلم بلفظه انتهى ذكره القاري في المرقاة ثم قال لعل إخراج
الحاكم له بغير السند الذي في مسلم فلينظر فيه ليعلم ما فيه والله أعلم انتهى
باب منه أيضا
قوله (حدثنا محمد بن سهل بن عسكر البغدادي) التميمي مولاهم البخاري الحافظ
الجوال وثقه النسائي وابن عدي روى عنه مسلم والترمذي والنسائي وغيرهم (وإبراهيم ابن
يعقوب) الحافظ الجوزجاني بضم الجيم الأولى مصنف الجرح والتعديل نزيل دمشق روى عنه
أبو داود والترمذي والنسائي ووثقه وكان أحمد يكاتبه إلى دمشق ويكرمه إكراما شديدا وقال
الدارقطني كان من الحفاظ المصنفين وقد رمي بالنصب توفي سنة 952 تسع وخمسين ومائتين قال
الحافظ في التقريب ثقة حافظ
قوله (علي بن عياش) بالياء الأخيرة والشين المعجمة وهو الحمصي من كبار شيوخ
البخاري ولم يلقه من الأئمة الستة غيره (حين يسمع النداء) أي الأذان واللام للعهد أو المراد من
النداء تمامه أي حين يسمع النداء بتمامه يدل عليه حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص عند
مسلم بلفظ قولوا مثل ما يقول ثم صلوا ثم سلوا الله لي الوسيلة ففي هذا أن ذلك يقال عند
فراغ الأذان (اللهم) أي يا الله والميم عوض عن يا فلذلك لا يجتمعان (رب) منصوب على النداء
(هذه الدعوة التامة) بفتح الدال والمراد بالدعوة ههنا ألفاظ الأذان التي يدعي بها الشخص إلى
عبادة الله تعالى قاله العيني وقال الحافظ المراد بها دعوة التوحيد كقوله تعالى له دعوة الحق
وقيل لدعوة التوحيد تامة لأن الشرك نقص أو التامة التي لا يدخلها تغيير ولا تبديل بل هي باقية
530

إلى يوم النشور أو لأنها هي التي تستحق صفة التمام وما سواها فمعرض للفساد (والصلاة) المراد
بالصلاة المعهودة المدعو إليها حينئذ (القائمة) أي الدائمة التي لا تغيرها ملة ولا تنسخها شريعة
وأنها قائمة ما دامت السماوات والأرض (آت) أمر من الإيتاء أي أعط (الوسيلة) قد فسرها النبي
صلى الله عليه وسلم بقوله فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وقع ذلك في حديث عبد الله بن عمر
عند مسلم (والفضيلة) المرتبة الزائدة على سائر الخلائق ويحتمل أن تكون منزلة أخرى أو تفسيرا
للوسيلة قاله الحافظ (مقاما محمودا) أي يحمد القائم فيه وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من
أنواع الكرامات ونصب على الظرفية أي ابعثه يوم القيامة فأقمه مقاما محمودا أو ضمن ابعثه معنى
أقمة أو على أنه مفعول به ومعنى ابعثه أعطه (الذي وعدته) قال الحافظ في الفتح زاد في رواية
البيهقي إنك لا تخلف الميعاد وقال الطيبي المراد قوله تعالى عسى أن يبعثك ربك مقاما
محمودا وأطلق عليه الوعد لأن عسى من الله واقع كما صح عن ابن عيينة وغيره والموصول إما
بدل أو عطف بيان أو خبر مبتدأ محذوف وليس صفة للنكرة ووقع في رواية النسائي وابن خزيمة
وغيرهما المقام المحمود بالألف واللام فيصح وصفة بالموصول قال ابن الجوزي والأكثر على أن
المراد بالمقام المحمود الشفاعة وقيل إجلاسه على العرش وقيل على الكرسي وحكى كلا من
القولين عن جماعة وعلى تقدير الصحة لا ينافي الأول لاحتمال أن يكون الإجلاس علامة الأذن في
الشفاعة ويحتمل أن يكون المراد بالمقام المحمود الشفاعة كما هو المشهور وأن يكون الإجلاس
هي المنزلة المعبر عنها بالوسيلة أو الفضيلة ووقع في صحيح ابن حبان من حديث كعب بن مالك
مرفوعا يبعث الله الناس فيكسوني ربي حلة خضراء فأقول ما شاء الله أن أقول فذلك المقام
المحمود ويظهر أن المراد بالقول المذكور هو الثناء الذي يقدمه بين يدي الشفاعة ويظهر أن
المقام المحمود هو مجموع ما يحصل له في تلك الحالة ويشعر قوله في آخر الحديث حلت له شفاعتي
بأن الأمر المطلوب له الشفاعة والله أعلم انتهى كلام الحافظ (إلا حلت له الشفاعة) أي استحقت
ووجبت أو نزلت عليه يقال حل يحل بالضم إذا نزل
واللام بمعنى على ويؤيده رواية مسلم
حلت عليه ووقع في الطحاوي من حديث ابن مسعود وجبت له ولا يجوز أن يكون حلت من الحل
لأنها لم تكن قبل ذلك محرمة كذا في الفتح وفي رواية البخاري حلت له شفاعتي بدون إلا وهو
الظاهر وأما مع إلا فيجعل من في من قال استفهامية للانكار قاله في فتح الودود وقال السيوطي
في حاشية النسائي ما لفظه وقوله هنا وفي رواية الترمذي إلا يحتاج إلى تأويل وتأويله أنه حمله
على معنى لا يقول ذلك أحد إلا حلت انتهى
531

فائدة قد اشتهر على الألسنة في هذا الدعاء زيادتان الأولى إنك لا تخلف الميعاد في آخره
والثانية والدرجة الرفيعة بعد قوله والفضيلة أما الأولى فقد وقعت في رواية البيهقي كما عرفت
وأما الثانية فلم أجدها في رواية قال القاري في المرقاة أما زيادة الدرجة الرفيعة المشهورة على
الألسنة فقال البخاري لم أره في شئ من الروايات انتهى
قوله (حديث جابر حديث حسن غريب إلخ) بل هو حديث صحيح غريب فإنه أخرجه
البخاري في صحيحه بسند الترمذي قال الحافظ فهو غريب مع صحته وقد توبع ابن المنكدر
عليه عن جابر أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق أبي الزبير عن جابر كذا في قوت المغتذي
باب ما جاء في أن الدعاء لا يرد بين الأذان وا قامة
قوله (وأبو أحمد) اسمه محمد بن عبد الله بن زبير الزبيري الكوفي ثقة ثبت إلا أنه قد يخطئ
في حديث الثوري (وأبو نعيم) بالتصغير هو الفضل بن دكين الملائي قال أحمد ثقة يقظان عارف
بالحديث وقال الفسوي أجمع أصحابنا على أن أبا نعيم كان غاية في الإتقان (قالوا نا سفيان) هو
الثوري (عن زيد العمى) بفتح العين
وشدة الميم قال في المغني إنما سمي زيد بالعمي لأنه كلما
سئل عن شئ يقول حتى أسأل عمي وزيد العمي هذا هو ابن الحواري البصري قاضي هراة قال
الحافظ في التقريب ضعيف وقال الخزرجي في الخلاصة ضعفة أبو حاتم والنسائي وابن عدي
قال أحمد والدارقطني صالح انتهى (عن أبي إياس) بكسر الهمزة ككتاب (معاوية بن قرة) بضم
القاف وشدة المزني البصري ثقة عالم من رجال الكتب الستة
532

قوله (الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة) بل يقبل ويستجاب وفي بعض روايات أنس
الدعاء بين الأذان والإقامة مستجاب ذكره السيوطي في الجامع الصغير ولفظ الدعاء بإطلاقه
شامل لكل ولا بد من تقييده بما في الأحاديث الأخرى من أنه ما لم يكن دعاء بإثم أو قطيعة
رحم قال المناوي تحت قوله مستجاب أي بعد جمع شروط الدعاء وأركانه وآدابه فإن تخلف شئ
منها فلا يلوم إلا نفسه انتهى
قوله (حديث أنس حديث حسن) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان
والضياء في المختارة كذا في المنتقي والنيل وقال في بلوغ المرام وصححه ابن خزيمة (وقد رواه أبو
إسحاق الهمداني) بسكون الميم وبالدال المهملة وهو السبيعي قاله في الخلاصة (عن بريد)
بالموحدة مصغرا (بن أبي مريم) البصري ثقة من الرابعة (عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم
مثل هذا) أي مثل حديث الباب قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر حديث الباب رواه النسائي
وابن خزيمة وابن حبان من حديث بريد بن أبي مريم عن أنس وأخرجه هو وأبو داود والترمذي من طريق
معاوية ابن قرة عن أنس قال وروى أبو داود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم من حديث سهل بن
سعد قال ما ترد على داع دعوته عند حضور النداء الحديث انتهى
باب ما جاءكم فرض الله على عبادة من الصلوات
قوله (فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به الصلاة خمسين) وفي رواية ثابت عن أنس عند
مسلم فرض الله على خمسين صلاة كل يوم وليلة وفي رواية للبخاري فرض الله على أمتي خمسين
صلاة قال الحافظ فيحتمل أن يقال في كل من رواية الباب اختصار أو يقال ذكر الفرض عليه
يستلزم الفرض على الأمة وبالعكس إلا ما يستثنى من خصائصه (ثم نقصت حتى جعلت خمسا) قال
533

الحافظ قد حققت رواية ثابت أن التخفيف كان خمسا خمسا وهي زيادة معتمدة يتعين حمل باقي
الروايات عليها (ثم نودي يا محمد إنه) الضمير للشأن (لا يبدل القول) أي لا يغير (وإن لك بهذا
الخمس خمسين) أي ثواب خمسين صلاة والحديث استدل به على فرضية الصلوات الخمس وعدم
فرضية ما زاد عليها كالوتر وعلى جواز النسخ قبل الفعل قال الحافظ في الفتح قال ابن بطال
وغيره ألا ترى أنه عز وجل نسخ الخمسين بالخمس قبل أن تصلي ثم تفضل عليهم بأن أكمل لهم
الثواب وتعقبه ابن المنير فقال هذا ذكره طوائف من الأصوليين والشراح وهو مشكل على من
أثبت النسخ قيل الفعل كالأشاعرة أو منعه كالمعتزلة لكونهم اتفقوا جميعا على أن لا يتصور قبل
البلاغ وحديث الإسراء وقع فيه النسخ قبل البلاغ فهو مشكل عليهم جميعا وقال وهذه نكتة
مبتكرة قال الحافظ إن أراد البلاغ لكل أحد فممنوع وإن أراد قيل البلاغ إلى أمته فمسلم لكن
قد يقال ليس هو بالنسبة إليهم نسخا لكن هو بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم نسخ لأنه كلف بذلك قطعا ثم نسخ بعد أن بلغه وقبل أن
يفعل فالمسألة صحيحة التصوير في حقه صلى الله عليه وسلم انتهى
قوله (وفي الباب عن عبادة بن الصامت وطلحة بن عبيد الله وأبي قتادة وأبي ذر ومالك بن
صعصعة وأبي سعيد الخدري) أما حديث عبادة بن الصامت فأخرجه أحمد والنسائي عنه مرفوعا
خمس صلوات افترضهن الله تعالى من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن
وخشوعهن كان له على الله عهدا أن يغفر له الحديث وروى مالك والنسائي نحوه وأما حديث
طلحة بن عبيد الله فأخرجه الشيخان عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر
الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول الحديث وفيه خمس صلوات في اليوم والليلة
الحديث وأما حديث أبي قتادة فلينظر من أخرجه وأما حديث أبي ذر فأخرجه الشيخان وأما
حديث مالك بن صعصعة فأخرجه الشيخان أيضا وأما حديث أبي سعيد الخدري فلينظر من
أخرجه
قوله (حديث أنس حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد والنسائي والحديث طرف
من حديث الإسراء الطويل وأخرجه الشيخان مطولا
534

باب في فضل الصلوات الخمس
قوله (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة زاد مسلم في رواية ورمضان إلى رمضان (كفارات
لما بينهن) أي من الذنوب وفي رواية لمسلم مكفرات لما بينهن (ما لم تغش الكبائر) وفي رواية
لمسلم إذا اجتنب الكبائر قال النووي في شرح مسلم في شرح حديث ما من امرئ
مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها
من الذنوب ما لم يؤت كبيرة معناه إن الذنوب كلها تغفر إلا الكبائر فإنها لا تغفر وليس
المراد أن الذنوب تغفر ما لم تكن كبيرة فإن كانت لا يغفر شئ من الصغائر فإن هذا وإن
كان محتملا فسياق الحديث يأباه قال القاضي عياض هذا المذكور في الحديث من غفر
الذنوب ما لم يؤت كبيرة هو مذهب أهل السنة وأن الكبائر إنما يكفرها التوبة أو رحمة الله
تعالى وفضله وقال القاري في المرقاة إن الكبيرة لا يكفرها الصلاة والصوم وكذا الحج
وإنما يكفرها التوبة الصحيحة لا غيرها نقل ابن عبد البر الإجماع عليه بعد ما حكى في
تمهيده عن بعض معاصريه أن الكبائر لا يكفرها غير التوبة ثم قال وهذا جهل وموافقة
للمرجئة في قولهم إنه لا يضر مع الايمان ذنب وهو مذهب باطل بإجماع الأمة انتهى قال
العلامة الشيخ محمد طاهر في مجمع البحار ص 122 ج 2 ما لفظه في تعليقي للترمذي
لا بد في حقوق الناس من القصاص ولو صغيرة وفي الكبائر من التوبة ثم ورد وعد المغفرة
في الصلوات الخمس والجمعة ورمضان فإذا تكرر يغفر بأولها الصغائر وبالبواقي يخفف عن
الكبائر وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة يرفع بها الدرجات انتهى
قوله (وفي الباب عن جابر وأنس وحنظلة الأسيدي) أما حديث جابر فأخرجه
535

مسلم وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان وأما حديث حنظلة الأسيدي ويقال له حنظلة
الكاتب فأخرجه أحمد بإسناد جيد مرفوعا بلفظ من حافظ على الصلوات الخمس
ركوعهن وسجودهن ومواقيتهن وعلم أنهن حق من عند الله دخل الجنة الحديث ورواته
رواة الصحيح قاله المنذري في الترغيب
قوله (حديث أ بي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
باب ما جاء في فضل الجماعة
قوله (صلاة الجماعة تفضل) أي تزيد في الثواب (على صلاة الرجل وحده) أي منفردا
(بسبع وعشرين درجة) المراد بالدرجة الصلاة فتكون صلاة الجماعة بمثابة سبع وعشرين صلاة
كذا دل عليه ألفاظ الأحاديث ورجحه ابن سيد الناس كذا في قوت المغتذي
قوله (وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأبي سعيد وأبي هريرة
وأنس بن مالك) أما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة
وأما حديث أبي بن كعب فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في
صحيحيهما قال الحافظ المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث قد جزم يحيى بن معين
والذهلي بصحة هذا الحديث وأما حديث معاذ بن جبل فأخرجه البزار والطبراني في الكبير
مرفوعا بلفظ تفضل صلاة الجميع على صلاة الرجل وحده خمسة وعشرين صلاة وفيه
عبد الحكيم بن منصور وهو ضعيف كذا في مجمع الزوائد وأما حديث أبي سعيد فأخرجه
البخاري وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة وأما حديث
536

أنس فأخرجه الدارقطني
قوله (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم (وعامة من روى عن النبي
صلى الله عليه وسلم إنما قالوا خمس وعشرين إلا ابن عمر فإنه قال بسبع وعشرين) قال الحافظ في الفتح بعد
ذكر قول الترمذي هذا لم يختلف عليه في ذلك إلا ما وقع عند عبد الرزاق عن عبد الله
العمري عن نافع فقال فيه خمس وعشرون لكن العمري ضعيف ووقع عند أبي عوانة في
مستخرجه من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع فإنه قال فيه بخمس وعشرين
وهي شاذة مخالفة لرواية الحفاظ من أصحاب عبيد الله وأصحاب نافع وإن كان راويها ثقة وأما
غير ابن عمر فصح عن أبي سعيد وأبي هريرة كما في هذا الباب وعن ابن مسعود عند أحمد
وابن خزيمة وعن أبي بن كعب عند ابن ماجة والحاكم وعن عائشة وأنس عند السراج وورد
أيضا من طرق ضعيفة عن معاذ وصهيب وعبد الله بن زيد بن ثابت وكلها عند الطبراني
واتفق الجميع على خمس وعشرين سوى رواية لأبي هريرة عند أحمد قال فيها سبع وعشرون وفي
إسنادها شريك القاضي وفي حفظه ضعف قال واختلف في أن أيهما أرجح فقيل رواية
الخمس لكثرة رواتها وقيل رواية السبع لأن فيها زيادة من عدل حافظ انتهى كلام الحافظ
باختصار يسير قال النووي والجمع بينهما يعني بين روايتي الخمس والسبع من ثلاثة أوجه
أحدها أنه لا منافاة بينهما فذكر القليل لا ينفي الكثير ومفهوم العدد باطل عند جمهور
الأصوليين والثاني أن يكون أخبر أو بالقليل ثم أعلمه الله تعالى بزيادة الفضل فأخبر بها
والثالث أنه يختلف باختلاف أحوال المصلين والصلاة فيكون لبعضهم خمس وعشرون ولبعضهم
سبع وعشرون بحسب كمال الصلاة ومحافظته على هيأتها وخشوعها وكثرة جماعتها وفضلهم
وشرف البقعة ونحو ذلك قال فهذه هي الأجوبة المعتمدة انتهى وقد ذكر الحافظ في الفتح
وجوها أخر للجمع بين الروايتين من شاء الاطلاع عليها فليرجع إليه
537

قوله (بخمس وعشرين جزءا) قال الحافظ في الفتح وقع الاختلاف في مميز العدد
المذكور ففي الروايات كلها التعبير بقوله درجة أو حذف المميز إلا طرق حديث أبي هريرة ففي
بعضها ضعفا وفي بعضها جزءا وفي بعضها درجة وفي بعضها صلاة ووقع هذا الأخير في بعض
طرق حديث أنس والظاهر أن ذلك من تصرف الرواة ويحتمل أن يكون ذلك من التفنن في
العبارة
قوله (هذا حديث حسن صحيح) تقدم تخريجه آنفا
باب ما جاء فيمن سمع النداء فلا يجيب
قوله (عن جعفر بن برقان) بضم الموحدة وسكون الراء بعدها قاف (لقد هممت) اللام
جواب القسم والهم العزم وقيل دونه وزاد مسلم في أوله أنه صلى الله عليه وسلم فقد ناسا في بعض الصلوات
فقال لقد هممت فأفاد ذكر سبب الحديث (فتيتي) الفتية جمع فتي أي جماعة من شبان أصحابي أو
خدمي وغلماني (أن يجمعوا حزم الحطب) جمع حزمة بضم الحاء ما حزم كذا في القاموس وقال
في الصراح حزمه بالضم بند هيزم وكاغذ وعلف وجزآن على أقوام لا يشهدون الصلاة) وفي
رواية أبي داود ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة فأحرقها عليهم
538

قوله (وفي الباب عن أبي مسعود) أخرجه مسلم قال لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة
إلا منافق قد علم نفاقه أو مريض الحديث (وأبي الدرداء) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من ثلاثة
في قرية ولا بد ولا تقام فيهم الصلاة إلا وقد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل
الذئب القاصية أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي ورواه الحاكم وصححه وقال النووي إسناده
صحيح (وابن عباس) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر قالوا
وما العذر قال خوف أو مرض لم تقبل منه الصلاة التي صلى أخرجه أبو داود قال المنذري وفي
إسناده أبو خياب يحيى بن أبي حية الكلبي وهو ضعيف والحديث أخرجه ابن ماجة بنحوه
وإسناده أمثل وفيه نظر انتهى (ومعاذ بن أنس وجابر) أخرجه العقيلي في الضعفاء كما يأتي عن
قريب
قوله (وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا إلخ) أخرج ابن ماجة
وبقي بن مخلد وابن حبان وغيرهم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم من سمع النداء فلم يجب فلا
صلاة له إلا من عذر قال الحافظ في التلخيص إسناده صحيح لكن قال الحاكم وقفه غندر
وأكثر أصحاب شعبة ثم أخرج له شواهد منها عن أبي موسى الأشعري بلفظ من سمع النداء
فارغا صحيحا فلم يجب فلا صلاة له رواه البزار من طريق سماك عن أبي بردة عن أبيه موقوف
وقال البيهقي الموقوف أصح ورواه العقيلي في الضعفاء من حديث جابر وضعفه ورواه ابن عدي
من حديث أبي هريرة وضعفه انتهى
قوله (وقال بعض أهل العلم هذا على التغليظ والتشديد) يعني أن قول الصحابة من
سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له ليس على ظاهره بل هو محمول على التغليظ والتشديد
539

(ومعنى الحديث) أي حديث أبي هريرة المذكور في الباب (أن لا يشهد جماعة ولا جمعة رغبة
عنها) أي إعراضا عنها قال الحافظ في فتح الباري والحديث ظاهر في كون الجماعة فرض عين
لأنها لو كانت سنة لم يهدد تاركها بالتحريق ولو كانت فرض كفاية لكانت قائمة بالرسول ومن
معه وإلى القول بأنها فرض عين ذهب عطاء والأوزاعي وأحمد وجماعة من محدثي الشافعية كأبي
ثور وابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان وبالغ داود ومن تبعه فجعلها شرطا في صحة الصلاة
وظاهر نص الشافعي أنها فرض كفاية وعليه جمهور المتقدمين من أصحابه وقال به كثير من
الحنفية والمالكية والمشهور عند الباقين أنها سنة مؤكدة وقد أجابوا عن ظاهر حديث الباب
بأجوبة ثم ذكر الحافظ عشرة أجوبة وقال في آخر كلامه واجتمع من الأجوبة لمن لم يقل
بالوجوب عشرة أجوبة لا توجد مجموعة في غير هذا الشرح انتهى ونحن نذكر بعضا منها
فمنها أنه يستنبط من نفس الحديث عدم الوجوب لكونه صلى الله عليه وسلم هم بالتوجه إلى المتخلفين فلو
كانت الجماعة فرض عين ما هم بتركها إذا توجه وتعقب بأن الواجب يجوز تركه لما هو أوجب
منه ومنها أن الحديث ورد مورد الزجر وحقيقته غير مرادة وإنما المراد المبالغة ويرشد إلى ذلك
وعيدهم بالعقوبة التي يعاقب بها الكفار وقد انعقد الإجماع على منع عقوبة المسلمين بذلك
وأجيب بأن المنع وقع بعد نسخ التعذيب بالنار وكان قبل ذلك جائزا بدليل حديث أبي هريرة
الذي رواه البخاري في الجهاد الدال على جواز التحريق بالنار ثم نسخه فحمل التهديد على
حقيقته غير ممتنع ومنها أنه صلى الله عليه وسلم ترك تحريقهم بعد التهديد فلو كانت فرض عين لما تركهم
وتعقب بأنه صلى الله عليه وسلم لا يهم إلا بما يجوز له فعله لو فعله وأما الترك فلا يدل على عدم الوجوب
لاحتمال أن يكونوا انزجروا بذلك وتركوا التخلف الذي ذمهم بسببه على أنه قد جاء في بعض
الطرق بيان سبب الترك وهو فيما رواه أحمد من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ لولا ما
في البيوت من النساء والذرية لأقمت صلاة العشاء وأمرت فتياني يحرقون الحديث.
540