الكتاب: عمدة القاري
المؤلف: العيني
الجزء: ٢٥
الوفاة: ٨٥٥
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة: بيروت - دار إحياء التراث العربي
الناشر: دار إحياء التراث العربي
ردمك:
ملاحظات:

94
((كتاب التمني))
أي: هذا كتاب في بيان التمني، وهو تفعل من الأمنية، والجمع أماني، والتمني إرادة تتعلق بالمستقبل فإن كان في خير من غير أن يتعلق بحسد فهو مطلوب، وإلا فهو مذموم، والفرق بين التمني والترجي أن بينهما عموما وخصوصا، فالترجي في الممكن، والتمني أعم من ذلك.
1
((باب من تمنى الشهادة))
أي: هذا باب في بيان أمر من تمنى الشهادة، وفي رواية أبي ذر عن المستملي: باب ما جاء في التمني ومن تمنى الشهادة، وكذا لابن بطال، لكن بغير بسملة، وأثبتها ابن التين، لكن حذف لفظ: باب، وفي رواية النسفي بعد البسملة: ما جاء في التمني، واقتصر الإسماعيلي على: باب ما جاء في تمني الشهادة.
7226 حدثنا سعيد بن عفير، حدثني الليث حدثني عبد الرحمان بن خالد عن ابن شهاب عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول والذي نفسي بيده لولا أن رجالا يكرهون أن يتخلفوا بعدي ولا أجد ما أحملهم ما تخلفت، لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل
ا
مطابقته للترجمة ظاهرة. فإن قلت: ما وجه ظهوره ومن أين يستفاد التمني في الحديث؟ قلت: من لفظ وددت إذ التمني أعم من أن يكون بحرف: ليت، وغيرها.
ونصف السند من الأول بصريون، ونصف الثاني مدنيون.
و عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي.
والحديث مضى في كتاب الجهاد في: باب تمني الشهادة.
قوله: بيده من المتشابهات، والأئمة في أمثالها طائفتان مفوضة ومؤولة. قوله: ما تخلفت أي عن سرية. قوله: لوددت من الودادة وهي إرادة وقوع شيء على وجه مخصوص يراد، وقال الراغب: الود محبة الشيء وتمني حصوله.
حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده وددت إني لأقاتل في سبيل الله فأقتل
2

ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا فكان أبو هريرة يقولهن ثلاثا: أشهد بالله.
ا
هذا طريق آخر أخرجه عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة.
قوله: لأقاتل بلام التأكيد من باب المفاعلة هكذا في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره بدون اللام. قوله: يقولهن أي: أقتل، ثلاثا. قوله: أشهد بالله أنه، قال ذلك.
وفائدته التأكيد وظاهره أنه من كلام الراوي عن أبي هريرة، أي: أشهد بالله أن أبا هريرة كان يقول كلمات: أقتل، ثلاث مرات.
2
((باب تمني الخير وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان لي أحد ذهبا)))
أي هذا باب في بيان تمني الخير، وهذه الترجمة أعم من الترجمة التي قبلها لأن تمني الشهادة في سبيل الله من جملة الخير وأشار بهذا العموم إلى أن التمني لا ينحصر في طلب الشهادة. قوله: وقول النبي بالجر عطف على قوله: تمني الخير. قوله: لو كان لي أحد ذهبا جواب، لو، هو قوله: لأحببت، على ما يأتي الآن، ولكن في حديث الباب: لو كان عندي، على ما تقف عليه، وباللفظ المذكور هنا مضى في الرقاق موصولا.
7228 حدثنا إسحاق بن نصر، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن همام سمع أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو كان عندي أحد ذهبا لأحببت أن لا يأتي ثلاث وعندي منه دينار، ليس شيء أرصده في دين علي أجد من يقبله
انظر الحديث 2389 وطرفه
قيل لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأنه لا يشبه التمني، ورد عليه بأن في قوله: لأحببت معنى التمني. وقيل: إنها بمعنى: وددت. وقال الكرماني أيضا: الحديث لا يوافق الترجمة لأن: لو، تدل على امتناع الشيء لامتناع غيره لا للتمني، ثم أجاب بقوله: لو، بمعنى: أن، لمجرد الملازمة ومحبة كون غير الواقع واقعا هو نوع من التمني فغايته أن هذا تمن على هذا التقدير. قال السكاكي: الجملة الجزائية جملة خبرية مقيدة بالشرط، فعلى هذا هو تمن الشرط.
ورجاله قد ذكروا غير مرة قريبا وبعيدا.
والحديث مضى في الرقاق في: باب قول النبي، ما أحب أن لي مثل أحد ذهبا.
قوله: ثلاث أي: ثلاثة أيام، والواو في: وعندي، للحال. قوله: أرصده من الرصد أو من الإرصاد. قوله: من يقبله الضمير فيه راجع إلى الدينار أو إلى الدين،
والجملة حال. فافهم.
3
((باب قول النبيصلى الله عليه وسلم: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت)))
أي: هذا باب في بيان قول النبي لو استقبلت من أمري ما استدبرت أي: استدبرته، وجواب: لو، محذوف تقديره: ما سقت الهدي، على ما يأتي الآن في حديث الباب.
7229 حدثنا يحياى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، حدثني عروة أن عائشة قالت قال رسول الله لو استقبلت من أمري ما استدبرت. ما سقت الهدي، ولحللت مع الناس حين حلوا
ا
الترجمة جزء الحديث. والحديث مضى في الحج.
قوله: لو استقبلت أي: لو علمت في أول الحال ما علمت آخرا من جواز العمرة في أشهر الحج ما سقت معي الهدي، أي: ما قارنت أو ما أفردت. قوله: ولحللت أي: لتمتعت، لأن صاحب الهدي لا يمكن له الإحلال حتى يبلغ الهدي محله.
3

7230 حدثنا الحسن بن عمر، حدثنا يزيد، عن حبيب، عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال: كنا مع رسول الله فلبينا بالحج وقدمنا مكة لأربع خلون من ذي الحجة، فأمرنا النبي أن نطوف بالبيت وبالصفا والمروة وأن نجعلها عمرة ولنحل إلا من كان معه هدي، قال: ولم يكن مع أحد منا هدي غير النبي وطلحة وجاء علي من اليمن معه الهدي فقال: أهللت بما أهل به رسول الله فقالوا: ننطلق إلى منى، وذكر أحدنا يقطر، قال رسول الله إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولولا أن معي الهدي لحللت قال: ولقيه سراقة وهو يرمي جمرة العقبة، فقال: يا رسول الله ألنا هاذه خاصة؟ قال: لا بل لأبد قال: وكانت عائشة قدمت مكة وهي حائض، فأمرها النبي أن تنسك المناسك كلها، غير أنها لا تطوف ولا تصلي حتى تطهر، فلما نزلوا البطحاء قالت عائشة: يا رسول الله أتنطلقون بحجة وعمرة وأنطلق بحجة؟ قال: ثم أمر عبد الرحمان بن أبي بكر الصديق أن ينطلق معها إلى التنعيم فاعتمرت عمرة في ذي الحجة بعد أيام الحج.
ا
مطابقته للترجمة من حيث إنها جزء منه.
وشيخه الحسن بن عمر بن شقيق البصري، ويزيد من الزيادة هو ابن زريع البصري، وحبيب ضد العدو وابن أبي قريبة أبو محمد المعلم البصري، وعطاء بن أبي رباح.
والحديث مضى في الحج في: باب تقضي الحائض المناسك كلها، إلا الطواف بالبيت، ومضى الكلام فيه مستوفى.
قوله: فلبينا بالحج أي: كنا مفردين. قوله: وطلحة هو ابن عبيد الله أحد العشرة المبشرة. قوله: فقالوا أي: الصحابة المأمورون بالإحلال. قوله: يقطر أي: منيا بسبب قرب عهدنا بالجماع. قوله: وسراقة بالضم هو ابن مالك الكناني بالنونين.
4
((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليت كذا وكذا)))
أي: هذا باب في بيان قول النبي الخ وكلمة: ليت، حرف تمن يتعلق بالمستحيل غالبا وبالممكن قليلا، ومنه حديث الباب فإن كلا من الحراسة والمبيت بالمكان الذي تمناه قد وجد.
7231 حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا سليمان بن بلال، حدثني يحياى بن سعيد سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: قالت عائشة: أرق النبي ذات ليلة فقال: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة إذ سمعنا صوت السلاح. قال: من هذا؟ قيل، سعد يا رسول الله، جئت أحرسك، فنام النبي حتى سمعنا غطيطه.
قال أبو عبد الله، وقالت عائشة: قال بلال:
* ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
* بواد وحولي إذخر وجليل
*
فأخبرت النبي.
انظر الحديث 2885
مطابقته للترجمة ظاهرة على ما قلناه الآن.
وخالد بن مخلد بفتح الميم واللام البجلي الكوفي، و يحيى بن سعيد الأنصاري.
والحديث مضى في الجهاد عن إسماعيل بن الخليل، ومضى الكلام فيه.
قوله: أرق أي: سهر. قوله: قوله: ذات ليلة لفظ: ذات، مقحم. قوله: سعد هو سعد بن أبي وقاص، رضي الله تعالى عنه، قيل: لم احتاج إلى الحراسة والله عز وجل قال * (والله يعصمك من الناس) * * (ي
1764; اأيها الرسول بلغ مآ أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدى القوم الكافرين) * أجيب لعله كان قبل نزول الآية. قوله: غطيطه بفتح الغين المعجمة صوت النائم ونفخه.
4

قوله: قال أبو عبد الله هو البخاري. قوله: قالت عائشة هو تعليق منه تقدم موصولا بتمامه في مقدم النبي في كتاب الهجرة. قوله: إذخر حشيش طيب الرائحة، والجليل، بفتح الجيم الثمام واحده جليلة، والثمام بضم الثاء المثلثة، وقال ابن الأثير: الثمام نبت ضعيف قصير لا يطول.
5
((باب تمني القرآن والعلم))
أي: هذا باب في بيان تمني قراءة القرآن وتحصيل العلم، وأضاف إليه: العلم، بطريق الإلحاق به في الحكم وهذا حسن وكذا كل تمن في أبواب الخير ولكن إنما يحوز منها ما كان في معنى هذا الحديث إذا خلصت النية في ذاك، وخلص ذلك من البغي والحسد.
7232 حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: لا تحاسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل والنهار يقول: لو أوتيت مثل ما أوتي هاذا لفعلت كما يفعل، ورجل آتاه الله مالا ينفقه في حقه فيقول: لو أوتيت مثل ما أوتي لفعلت كما يفعل
انظر الحديث 5026 وطرفه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: لو أوتيت لأن فيه التمني.
وجرير هو ابن عبد الحميد، والأعمش سليمان، وأبو صالح ذكوان الزيات.
والحديث يأتي في التوحيد. وأخرجه النسائي في كتاب العلم عن إسحاق بن إبراهيم.
قوله: إلا في اثنتين أي: في خصلتين، ويروى: في اثنين، أي: في شيئين. قوله: رجل آتاه الله المضاف فيه محذوف أي: خصلة رجل. قوله: آناء الليل وفي رواية المستملي: من آناء الليل، بزيادة: من. قوله: يقول: لو أوتيت أي: سامعه يقول: لو أوتيت، أي: لو أعطيت، وظاهره أن القائل هو الذي أوتي القرآن وليس كذلك، وإنما معناه ما ذكرناه وأوضحه في فضائل القرآن ولفظه: فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت... إلى آخره. قوله: لفعلت أي: لقرأت أولا ولأنفقت ثانيا. قيل: هذا غبطة لا حسد. وأجيب: بأن معناه: لا حسد إلا فيهما، لكن هذان لا حسد فيهما فلا حسد كقوله تعالى: * (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الاولى ووقاهم عذاب الجحيم) * قال الكرماني: والحديث مر في كتاب العلم. قلت: ليس كذلك لأن الذي مضى في كتاب العلم من حديث عبد الله بن مسعود: لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها.
حدثنا قتيبة حدثنا جرير بهذا.
أي: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير بن عبد الحميد بهذا الحديث المذكور، وأشار بهذا إلى أن له شيخين في هذا الحديث: أحدهما عثمان بن أبي شيبة عن جرير، والآخر قتيبة بن سعيد عن جرير أيضا.
6
((باب ما يكره من التمني))
أي: هذا باب في بيان ما يكره من التمني، وأشار بهذا إلى أن التمني الذي فيه الإثم يكره. وعن الشافعي: لولا أن نأثم بالتمني لتمنينا أن يكون كذا، والتمني الذي فيه الإثم هو الذي يكون داعيا إلى الحسد والبغضاء.
* (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنسآء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شىء عليما) *
سيقت الآية بكمالها في رواية كريمة، وفي رواية أبي ذر: إلى قوله * (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنسآء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شىء عليما) * وقال المهلب: بين الله تعالى في هذه الآية ما لا يجوز تمنيه، وذلك ما كان من عرض الدنيا وأشباهه، وقال الطبري
5

أو قيل: إن هذه الآية نزلت في نساء تمنين منازل الرجال وأن يكون لهن ما لهم، فنهى الله سبحانه عن الأماني الباطلة إذا كانت الأماني الباطلة تورث أهلها الحسد والبغي بغير الحق. وقال ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما: في هذه الآية لا يتمن الرجل بأن يقول: ليت لي مال فلان وأهله، فنهى الله عن ذلك وأمر عباده أن يسألوه من فضله.
7233 حدثنا الحسن بن الربيع، حدثنا أبو الأحوص، عن عاصم، عن النضر بن أنس قال: قال أنس، رضي الله عنه: لولا أني سمعت النبي يقول لا تتمنوا الموت لتمنيت
انظر الحديث 5671 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحسن بن الربيع بن سليمان البجلي الكوفي يعرف بالبوراني، وهو شيخ مسلم أيضا وأبو الأحوص سلام بتشديد اللام ابن سليم الكوفي، والنضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن أنس بن مالك.
والحديث أخرجه مسلم في الدعوات عن حامد بن عمر.
قوله: لا تتمنوا بتاءين في أوله، وهي رواية الكشميهني، وفي رواية غيره بحذف التاء الأولى للتخفيف، ومعنى النهي عن تمني الموت هو أن الله عز وجل قدر الآجال فمتمني الموت غير راض بقدر الله ولا يسلم لقضائه.
7234 حدثنا محمد، حدثنا عبدة عن ابن أبي خالد، عن قيس قال: أتينا خباب بن الأرت نعوده، وقد اكتوى سبعا، فقال: لولا أن رسول الله نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به.
ا
مطابقته للترجمة ظاهرة. ومحمد هو ابن سلام بالتشديد والتخفيف، وعبدة بفتح العين وسكون الباء الموحدة هو ابن سليمان، وابن أبي خالد هو إسماعيل. واسم أبي خالد سعد البجلي، وقيس هو ابن أبي حازم بالحاء المهملة والزاي.
والحديث مضى في الطب عن آدم، وفي الدعوات عن مسدد وفي الرقاق عن أبي موسى، ومضى الكلام فيه.
قوله: نعوده جملة حالية، وكذلك وقد اكتوى قيل: المكي منهي عنه. أجيب بأنه عند عدم الضرورة أو عند اعتقاد أن الشفاء منه. قلت: في الجواب الأول نظر لا يخفى.
7235 حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا هشام بن يوسف، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أبي عبيد اسمه سعد بن عبيد مولى عبد الرحمان بن أزهر عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يتمنى أحدكم الموت، إما محسنا فلعله يزداد، وإما مسيئا فلعله يستعتب
ا
مطابقته للترجمة ظاهرة. ورجاله قد ذكروا غير مرة.
والحديث مضى في الطب عن أبي اليمان. وأخرجه النسائي في الجنائز عن عمرو بن عثمان.
قوله: إما محسنا تقديره إما أن يكون محسنا، وكذا التقدير في قوله: وإما مسيئا ووقع في رواية أحمد عن عبد الرزاق بالرفع فيهما، وهذا هو الأصل، ويحتمل أن يكون الحذف من بعض الرواة. وقد بين رسول الله، ما للمحسن والمسيء في أن لا يتمنى الموت، وذلك ازدياد المحسن من الخير ورجوع المسئ عن الشر، وذلك نظر من الله للعبد وإحسان منه إليه خير له من تمنيه الموت. قوله: يستعتب أي: يسترضي الله بالتوبة وهو مشتق من الاستعتاب الذي هو طلب الإعتاب والهمزة للإزالة أي: يطلب إزالة العتاب وهو على غير قياس إذ الاستفعال إنما يبنى من الثلاثي لا من المزيد فيه.
7
((باب قول الرجل: لولا الله ما اهتدينا))
أي: هذا باب في بيان قول الرجل: لولا الله ما اهتدينا، هكذا الترجمة في رواية الأكثرين، وفي رواية المستملي والسرخسي: باب قول النبي
7236 حدثنا عبدان، أخبرني أبي، عن شعبة، حدثنا أبو إسحاق، عن البراء بن عازب قال: كان النبي
6

ينقل معنا التراب يوم الأحزاب، ولقد رأيته وارى التراب بياض بطنه يقول:
* لولا أنت ما اهتدينا
* نحن ولا تصدقنا ولا صلينا
*
* فأنزلن سكينة علينا
*
إن الأولى وربما قال: أن الملا قد بغوا عليناإذا أرادوا فتنة أأيناأبينا
يرفع بها صوته
الترجمة جزء لما في الحديث لأن فيه: لولا الله، أيضا في رواية شعبة.
وعبدان لقب عبد الله بن عثمان يروي عن أبيه عثمان بن جبلة بن أبي رواد البصري، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي، وقد مضى هذا في: باب حفر الخندق في غزوة الخندق، من حديث شعبة بأتم سياقا، ومضى في الجهاد أيضا.
قوله: ولقد رأيته أي: رسول الله قوله: وارى أي غطى التراب بياض بطنه وهي جملة حالية بحذف حرف: قد، كما في قوله تعالى: * (إلا الذين يصلون إلى قوم
بينكم وبينهم ميثاق أو جآءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلونكم أو يقاتلوا قومهم ولو شآء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) * قوله: بطنه ويروى: إبطيه. فأنزلن بالنون الخفيفة للتأكيد. قوله: سكينة هي الوقار والطمأنينة. قوله: إن الأولى أي: إن الذين وربما قال: إن الملأ وتقدم في الجهاد: إن العدا. قوله: بغوا أي: ظلموا قوله: أبينا من الإباء وهو الامتناع وهو مكرر، وقد مضى الكلام فيه مستوفى في المواضع المذكورة.
8
((باب كراهية تمنى لقاء العدو))
أي: هذا باب في بيان كراهية تمني لقاء العدو، ومضى في أواخر الجهاد: باب لا تتمنوا لقاء العدو، فإن قلت يجوز تمني الشهادة لأن تمنيها محبوب فكيف ينهى عن لقاء العدو؟ قلت: حصول الشهادة أخص من اللقاء لإمكان تحصيل الشهادة مع نصرة الإسلام ودوام عزه، واللقاء هذا يفضي إلى عكس ذلك، فنهى عن تمنيه، ولا ينافي في ذلك تمني الشهادة. وقيل: لعل الكراهة مختصة بمن يثق بقوته ويعجب بنفسه ونحو ذلك.
ورواه الأعرج عن أبي هريرة عن النبي
أي: وروى المذكور من كراهية تمني لقاء العدو. عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة عن النبي وقد مر هذا في الجهاد معلقا من رواية عبد الملك العقدي عن مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج. ومضى الكلام فيه، فليراجع إليه هناك.
حدثني عبد الله بن محمد، حدثنا معاوية بن عمر و، حدثنا أبو إسحاق، عن موسى بن عقبة، عن سالم أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، وكان كاتبا له، قال: كتب إليه عبد الله بن أبي أوفاى فقرأته، فإذا فيه أن رسول الله قال: لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية
ا
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي، ومعاوية بن عمرو بن المهلب الأزدي البغدادي أصله كوفي وهو أيضا أحد مشايخ البخاري روى عنه في الجمعة وروى عن عبد الله المسندي ومحمد بن عبد الرحيم وأحمد بن أبي رجاء عنه في مواضع، وأبو إسحاق هو إبراهيم بن محمد الفزاري بفتح الفاء وبالزاي، وموسى بن عقبة بضم العين المهملة وسكون القاف الإمام في المغازي، وسالم أبو النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة مولى عمر بن عبيد الله.
قوله: وكان كاتبا له أي وكان سالم أبو النضر كاتبا لعمر بن عبيد الله القرشي. قوله: قال: كتب إليه أي: قال سالم: كتب إلى عمر بن عبيد الله عبد الله بن أبي أوفى الصحابي، واسم أبي أوفى علقمة.
والحديث مضى في الجهاد في: باب لا تتمنوا لقاء العدو.
قوله: وسلوا الله العافية
7

أي السلامة من المكروهات والبليات في الدنيا والآخرة.
وفي الحديث: دلالة على جواز الرواية بالكتابة دون السماع.
9
((باب ما يجوز من اللو))
أي: هذا باب في بيان ما يجوز أن يقال: لو كان كذا لكان كذا، قوله: من اللو، بسكون الواو، ويروى بالتشديد ولما أرادوا إعرابها جعلوها اسما بالتعريف ليكون علامة لذلك وبالتشديد ليصير متمكنا، قال الشاعر:
* ألام على لو ولو كنت عالما
* بأذناب لو م تفتني أوائله
*
وقال ابن الأثير: الأصل: لو، ساكنة الواو وهي حرف من حروف المعاني يمتنع بها الشيء لامتناع غيره غالبا، فلما أرادوا إعرابها أتو فيها بالتعريف ليكون علامة لذلك، ومن ثمة شدد الواو، وقد سمع بالتشديد منونا، قال الشاعر: وذكر البيت المذكور. وقال ابن التين في بعض النسخ وتبعه الكرماني في باب ما يجوز من لو بغير ألف ولام ولا تشديد على الأصل: وقال بعضهم: لعله من إصلاح بعض الرواة لكونه لم يعرف وجهه. قلت: هذا هو الصواب لأن معناه باب ما يجوز من ذكر لو في كلامه لا يحتاج إلى تكلفات بعيدة، وأما الشاعر فإنه شدد: لو، للضرورة، ونسبة بعض الرواة إلى عدم معرفة وجه ذلك من سوء الأدب.
وقوله تعالى: * (قال لو أن لى بكم قوة أو آوى
1764; إلى ركن شديد) *
هذا حكاية عن قول لوط، عليه السلام وتمامه: * (وآوى إلى ركن شديد) * واحتج به البخاري على جواز استعمال: لو، في الكلام. وقال عياض: الذي يفهم من ترجمة البخاري ومما ذكره في الباب من الأحاديث أنه يجوز استعمال: لو ولولا، فيما يكون للاستقبال مما فعله لوجود غيره، ثم قال: النهي على ظاهره وعمومه لكنه نهي تنزيه. وقال النووي: الظاهر أن النهي عن إطلاق ذلك فيما لا فائدة فيه، وأما من قاله تأسفا على ما فاته من طاعة الله أو ما هو متعذر عليه ونحو هذا فلا بأس به،
وعليه يحمل أكثر الاستعمال الموجودة في الأحاديث، ثم إن جواب: لو، في قوله: * (قال لو أن لى بكم قوة أو آوى
1764; إلى ركن شديد) * محذوف تقدير: لقاتلتكم والمعنى: لو كان لي قوة أي منعة وشيعة تنصرني، وقصته مشهورة في التفسير.
7238 حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، حدثنا أبو الزناد، عن القاسم بن محمد قال: ذكر ابن عباس المتلاعنين فقال عبد الله بن شداد: أهي التي قال رسول الله لو كنت راجما امرأة من غير بينة قال: لا، تلك امرأة أعلنت.
ا
مطابقته للترجمة ظاهرة في قوله: لو كنت راجما
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه.
قوله: ذكر ابن عباس المتلاعنين أي: قصتهما. قوله: فقال عبد الله بن شداد بفتح الشين المعجمة وتشديد الدال ابن الهاد واسمه أسامة بن عمرو الليثي الكوفي. قوله: أهي التي أي: أهي المرأة التي قال رسول الله، إلى آخره، ويوضحه ما قد مضى في اللعان في: باب قول النبي لو كنت راجما بغير بينة، وهو الذي رواه القاسم بن محمد عن ابن عباس: أنه ذكر التلاعن عند النبي الحديث وفيه: فأتاه رجل من قومه يشكو إليه قد وجد مع امرأته رجلا... إلى آخره، وهي المرأة التي قال عبد الله بن شداد: هي التي قال رسول الله لو كنت راجما امرأة من غير بينة وجواب: لو، محذوف أي: لرجمتها. قوله: قال: لا أي: قال ابن عباس: ليست تلك المرأة، وقال: تلك امرأة أعلنت أي: أعلنت السوء في الإسلام.
7239 حدثنا علي، حدثنا سفيان قال عمر و: حدثنا عطاء قال: أعتم النبي بالعشاء فخرج عمر فقال: الصلاة يا رسول الله رقد النساء والصبيان، فخرج ورأسه يقطر يقول:
8

لولا أن أشق على أمتي أو على الناس، وقال سفيان أيضا، على أمتي لأمرتهم بالصلاة هاذه الساعة
وقال ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس: أخر النبي هاذه الصلاة فجاء عمر فقال: يا رسول الله رقد النساء والولدان، فخرج وهو يمسح الماء عن شقه يقول: إنه للوقت لولا أن أشق على أمتي
وقال عمرو: حدثنا عطاء ليس فيه ابن عباس، أما عمر و فقال: رأسه يقطر.
وقال ابن جريج: يمسح الماء عن شقه.
وقال عمرو: لولا أن أشق على أمتي.
وقال ابن جريج: إنه لوقت، لولا أن أشق على أمتي.
وقال إبراهيم بن المنذر: حدثنا معن حدثني محمد بن مسلم عن عمر و عن عطاء عن ابن عباس عن النبي
انظر الحديث 571
قيل: لا مطابقة هنا بين الحديث والترجمة لأن الترجمة معقودة على: لو، وفي هذا الحديث لولا، ولو لامتناع الشيء لامتناع غيره، لولا لامتناع الشيء لوجود غيره، فبينهما بون بعيد. وأجيب بأن مآل: لولا، إلى: لو، إذ معناه: لو لم تكن المشقة لأمرتهم. ويحتمل أن يقال: أصله: لو زيد عليه لا.
قد ذكر في هذا الباب تسعة أحاديث في بعضها النطق: بلو، وفي بعضها لولا.
وشيخ البخاري هنا علي بن عبد الله بن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار، وعطاء هو ابن أبي رباح.
قوله: قال أعتم النبي أي: قال عطاء: أعتم النبي إلى قوله، قال ابن جريج: مرسل، وشرح المتن فيه مضى في الصلاة، ولنذكر بعض شيء. قوله: أعتم أي: أبطأ واحتبس أو دخل في ظلمة الليل. قوله: الصلاة منصوب على الإغراء، ويجوز الرفع على تقدير هي الصلاة، أي: وقتها. قوله: يقطر أي: ماء. قوله: لولا أن أشق بضم الشين أي: لولا أن أثقل عليهم وأدخلهم في المشقة.
قوله: وقال سفيان هو ابن عيينة الراوي.
قوله: قال ابن جريج إلى قوله: وقال عمرو ومسند، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وهو ليس بتعليق بل هو موصول بالسند المذكور. قوله: والولدان جمع وليد وهو الصبي. قوله: إنه للوقت أي: إن هذا الوقت وقت الصلاة، واللام مفتوحة أي: لولا أن أشق عليهم لحكمت بأن هذه الساعة هي وقت صلاة العشاء. قوله: وقال عمرو أي: ابن دينار: حدثنا عطاء أي ابن أبي رباح ليس فيه أي في سنده عبد الله بن عباس.
قوله: أما عمرو إلى قوله: وقال إبراهيم إشارة إلى اختلاف لفظ عمرو، ولفظ ابن جريج فيما روياه: فقال عمرو: رأسه يقطر، وقال ابن جريج: يمسح الماء عن شقه، وكذا اختلافهما فيما بعد ذلك حيث قال عمر: ولولا أن أشق على أمتي، وقال ابن جريج.. أنه للوقت.
قوله: وقال إبراهيم بن المنذر، على وزن اسم الفاعل من الإنذار ابن عبد الله بن المنذر أبو إسحاق الحزامي المديني، وهو أحد مشايخ البخاري، روى عنه في غير موضع، وروى عن محمد بن أبي غالب حديثا في الاستئذان، وإبراهيم هذا يروي عن معن بفتح الميم وسكون العين المهملة وبالنون ابن عيسى القزاز بالقاف وتشديد الزاي الأولى عن محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس عن النبي وهذا موصول بذكر ابن عباس، وهو مخالف
لتصريح سفيان بن عيينة عن عمرو بأن حديثه ليس فيه ابن عباس، قيل: هذا يعد من أوهام الطائفي وهو موصوف بسوء الحظ. قلت: إذا كان الأمر كما قال هذا القائل فيكف رضي البخاري بإخراجه عنه موصولا؟.
7240 حدثنا يحياى بن بكير، حدثنا الليث، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمان سمعت أبا هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك
انظر الحديث 887
وجه المطابقة قد ذكرناه. و عبد الرحمن هو ابن هرمز الأعرج. والحديث من أفراده.
تابعه سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس عن النبي
9

قد ذكر هذه المتابعة في كثير من النسخ بعد حديث أنس الذي يأتي، قيل: كذا وقع في رواية كريمة وهو غلط، والصواب ثبوتها بعد حديث أنس، فحينئذ معنى: تابعه، تابع حميدا عن ثابت سلميان بن المغيرة القيسي البصري، ووصل هذه المتابعة مسلم من طريق أبي النضر عن سليمان بن المغيرة.
7241 حدثنا عياش بن الوليد، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا حميد عن ثابت عن أنس، رضي الله عنه، قال: واصل النبي آخر الشهر وواصل أناس من الناس، فبلغ النبي فقال لو مد بي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم، إني لست مثلكم، إني أظل يطعمني ربي ويسقين
انظر الحديث 1961
مطابقته للترجمة في قوله: لو مد بي الشهر أي: لو كمل بي الشهر، وجواب: لو، هو قوله: قوله: لواصلت
وعياش بتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة ابن الوليد الرقام البصري، وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى السامي البصري، وحميد ابن أبي حميد الطويل يروي عن ثابت البناني عن أنس بن مالك، وتارة يروي حميد عن أنس بلا واسطة في الأكثر. والحديث مضى في الصوم.
قوله: أناس بضم الهمزة هو الناس، قال الكرماني ما معناه. قلت: التنوين فيه للتبعيض كما قال الزمخشري في قوله تعالى: * (سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذى باركنا حوله لنريه من ءاياتنآ إنه هو السميع البصير) * أو للتقليل كما في قوله: * (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة فى جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذالك هو الفوز العظيم) * قوله: يدع أي: يترك، المتعمقون أي المتكلفون المتشددون. قوله: أظل أي: أصبر حال كوني يطعمني ربي ويسقين قال الكرماني: في هذه الرواية: أظل، فكيف صح الصيام مع الإطعام بالنهار؟ وفي التي بعدها: أبيت، فكيف صح الوصال؟ قلت: الغرض من الإطعام لازمه وهو التقوية.
7242 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، وقال الليث: حدثني عبد الرحمان بن خالد عن ابن شهاب أن سعيد بن المسيب أخبره، أن أبا هريرة قال: نهى رسول الله عن الوصال قالوا: تواصل؟ قال: أيكم مثلي؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقين فلما أبوا أن ينتهوا واصل بهم يوما، ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال: لو تأخر لزدتكم كالمنكل لهم
ا
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو اليمان الحكم بن نافع، وبقية الرجال تقدموا غير مرة.
والحديث مضى في الصوم.
قوله: وقال الليث: حدثني عبد الرحمن بن خالد هو ابن مسافر الفهمي أمير مصر، وهذا التعليق وصله الدارقطني من طريق أبي صالح عن الليث. قوله: كالمنكل لهم بضم الميم وفتح النون وكسر الكاف المشددة أي: كالمعذب لهم.
7243 حدثنا مسدد، حدثنا أبو الأحوص، حدثنا أشعث، عن الأسود بن يزيد عن عائشة قالت، سألت النبي عن الجدر أمن البيت هو قال: نعم قلت فما لهم لم يدخلوه في البيت؟ قال: إن قومك قصرت بهم النفقة قلت فما شأن بابه مرتفعا؟ قال: فعل ذاك قومك ليدخلوا من شاءوا، ويمنعوا من شاءوا، لولا أن قومك حديث عهد بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت وأن ألصق بابه في الأرض
ا
مطابقته للترجمة في قوله: لولا ووجهها ما ذكرناه عن قريب.
وأبو الأحوص سلام بالتشديد ابن سليم، وأشعث بالشين المعجمة والثاء المثلثة ابن أبي الشعثاء الكوفي، والأسود بن يزيد من الزيادة.
والحديث مضى في الحج ومضى الكلام فيه.
قوله:
10

عن الجدر بفتح الجيم يعني: الحجر بكسر الحاء ويقال له: الحطيم أيضا. قوله: فما لهم؟ ويروى: ما بالهم؟ قوله: لم يدخلوه بضم الياء من الإدخال والضمير المنصوب يرجع إلى الجدر. قوله: قصرت بهم النفقة أي: آلات العمارة من الحجر وغيره ولم يريدوا أن يضيفوا إليها من خارج ما كان في زمان إبراهيم، عليه السلام. قوله: فعل ذاك أي: ارتفاع الباب. قوله: ليدخلوا أي: لأن يدخلوا من الإدخال. قوله: من شاءوا مفعوله. قوله: إن قومك يعني: قريشا، ويروى: إن قومي.
قوله: حديث عهد أي: جديد عهد بالإضافة ويروى: حديث عهدهم، برفع: عهدهم بقوله: حديث، بالتنوين وجواب: لولا، محذوف أي: لفعلت قوله: أن أدخل بضم الهمزة وهو فعل المتكلم من المضارع، وكذا قوله: أن ألصق من الإلصاق.
7244 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار واديا أو شعبا لسلكت وادي الأنصار أو شعب الأنصار.
انظر الحديث 3779
وجه مطابقته للترجمة ما ذكرناه فيما مضى.
وأبو اليمان الحكم بن نافع، وشعيب بن أبي حمزة، وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز.
ومضى الحديث في مناقب الأنصار.
قوله: لولا الهجرة قال محيي السنة: ليس المراد منه الانتقال عن النسب الولادي لأنه حرام مع أن نسبه أفضل الأنساب، وإنما أراد النسب البلادي أي: لولا أن الهجرة أمر ديني وعبادة مأمور بها لانتسبت إلى داركم، والغرض منه التعريض بأن لا فضيلة أعلى من النصرة بعد الهجرة، وبيان أنهم بلغوا من الكرامة مبلغا، لولا أنه من المهاجرين لعد نفسه من الأنصار. قوله: شعبا بكسر الشين المعجمة: الطريق في الجبل وما انفرج بين الجبلين، والأنصار هم الصحابة المدنيون الذين آووا ونصروا أي: أتابعهم في طرائقهم ومقاصدهم في الخيرات والفضائل.
7245 حدثنا موسى، حدثنا وهيب، عن عمرو بن يحياى، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس واديا أو شعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها
انظر الحديث 433
وجه مطابقته للترجمة ما ذكرناه. وشيخ البخاري موسى بن إسماعيل البصري يقال له: التبوذكي، ووهيب مصغر وهب ابن خالد البصري، و عمرو بن يحيى المازني الأنصاري، وعباد بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن تميم بن زيد، سمع عمه عبد الله بن زيد المدني الأنصاري المازني، رضي الله تعالى عنه. ومضى الحديث في غزوة الطائف بعين هذا الإسناد بأتم منه مطولا.
تابعه أبو التياح عن أنس عن النبي في الشعب.
أي: تابع عباد بن تميم أبو التياح بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد الياء آخر الحروف وبالحاء المهملة يزيد بن حميد الضبعي بضم الضاد المعجمة وفتح الباء الموحدة، وبالعين المهملة البصري عن أنس في الشعب يعني: في قوله: لو سلك الناس واديا أو شعبا لسلكت وأدي الأنصار أو شعبهم
95
((كتاب أخبار الآحاد))
1
((باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوقفي الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام
11

((
أي: هذا باب في بيان ما جاء في إجازة خبر الواحد... الخ، الإجازة هو الإنفاذ والعمل به والقول بحجيته. قوله: الصدوق، ببناء المبالغة والمراد أن يكون له ملكة الصدق يعني: يكون عدلا وهو من باب إطلاق اللازم وإرادة الملزوم. قوله: في الأذان... الخ. إنما ذكر هذه الأشياء ليعلم أن إنفاذ الخبر إنما هو في العمليات لا في الاعتقاديات، والمراد بقبول خبره في الأذان أنه إذا كان مؤتمنا فأذن تضمن دخول الوقت فجازت صلاة ذلك الوقت، وفي الصلاة الإعلام بجهة القبلة، وفي الصوم الإعلام بطلوع الفجر أو غروب الشمس. قوله: والفرائض من عطف العام على الخاص. قوله: والأحكام جمع الحكم وهو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير، وهو من عطف العام على عام أخص منه لأن الفرائض فرد من الأحكام.
قم اعلم أنه عند جميع الرواة هكذا: باب ما جاء... الخ، بلفظ: باب، ووقع في بعض النسخ قبل البسملة: كتاب خبر الواحد، وكذا وقع عند الكرماني، وثبتت البسملة قبل لفظ: باب، في رواية كريمة والأصيلي، وسقطت لأبي ذر والقابسي والجرجاني.
وقول الله تعالى: * (وما كان المؤمنون لينفروا كآفة فلولا نفر من كل فرقة منهم طآئفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعو
1764; ا إليهم لعلهم يحذرون) *
وقول الله تعالى بالجر عطف على المضاف إليه في باب ما جاء، أي: وفي بيان قول الله تعالى، وساق الآية كلها في رواية كريمة، وفي رواية غيرها وقول الله تعالى: * (وما كان المؤمنون لينفروا كآفة فلولا نفر من كل فرقة منهم طآئفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعو
1764; ا إليهم لعلهم يحذرون) * الآية وأول الآية قوله تعالى: * (وما كان المؤمنون لينفروا كآفة فلولا نفر من كل فرقة منهم طآئفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعو
1764; ا إليهم لعلهم يحذرون) * الآية. وسبب نزول هذه الآية أن الله لما أنزل في حق المنافقين ما أنزل بسبب تخلفهم عن الغزاة مع رسول الله قال المؤمنون: والله لا نتخلف غزوة يغزوها رسول الله ولا سرية أبدا، فلما أرسل السرايا بعد تبوك نفر المؤمنون جميعا وتركوه وحده، فنزلت هذه الآية ولفظها لفظ الخبر ومعناه الأمر، والمعنى: ما كان لهم أن ينفروا جميعا بل ينفر بعضهم ويبقى مع النبي بعض قوله: * (فلولا نفر) * يعني: فحين لم يكن نفير الكافة ولم يكن مصلحة فهلا نفر من كل فرقة منهم طائفة؟ قال الزمخشري: أي: من كل جماعة كثيرة قليلة منهم يكفونهم النفير * (ليتفقهوا بالدين) * أي: ليتكلفوا الفقاهة. فيه * (ولينذروا قومهم) * بعلمهم * (إذا رجعوا إليهم) * أي النافرين لعلهم يحذرون إرادة أن يحذروا الله فيعملوا عملا صالحا، والكلام في الطائفة، ومراد البخاري أن لفظ طائفة يتناول الواحد فما فوقه ولا يختص بعدد معين، وهو منقول عن ابن عباس والنخعي ومجاهد وعطاء وعكرمة، وعن ابن عباس أيضا: من أربعة إلى أربعين، وعن الزهري: ثلاثة، وعن الحسن: عشرة، وعن مالك: أقل الطائفة أربعة، وعن عطاء: اثنان فصاعدا، وقال الراغب: لفظ طائفة يراد بها الجمع والواحد طائف ويراد بها الواحد.
ويسمى الرجل طائفة لقوله تعالى: * (وإن طآئفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفى
1764; ء إلى أمر الله فإن فآءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطو
1764; ا إن الله يحب المقسطين) * فلو اقتتل رجلان دخل في معنى الآية.
لو قال: ويسمى الواحد، أو الشخص، لكان أولى. قوله لقوله تعالى: * (وإن طآئفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفى
1764; ء إلى أمر الله فإن فآءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطو
1764; ا إن الله يحب المقسطين) * استدلال منه بهذه الآية على أن الواحد يسمى طائفة. قوله: فلو اقتتل رجلان، دخل في معنى الآية لإطلاق الطائفة على الواحد، وعن مجاهد في الآية المذكورة أنهما كانا رجلين، ويروى: فلو اقتتل الرجلان بالألف واللام. قوله: دخل، ويروى: دخلا، وهو الصواب.
وقوله تعالى: * (ياأيها الذين ءامنو
1764; ا إن جآءكم فاسق بنبإ فتبينو
1764; ا أن تصيببوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) *
قال الكرماني: وجه الاستدلال به أنه أوجب الحذر عند مجيء فاسق بنبأ، أي: بخبر وأمر بالتبين عند الفسق فحيث لا فسق لا يجب التبين فيجب العمل به. وقال بعضهم: وجه الدلالة منها تؤخذ من مفهومي الشرط والصفة فإنهما يقتضيان قبول
12

خبر الواحد العدل. انتهى. قلت: كلام الكرماني كاد أن يقرب وكلام الآخر كاد أن يبعد جدا لأن الخصم لا يقول بالمفهوم، والذي يظهر أنه إنما ذكر هذه الآية لقوله في الترجمة: خبر الواحد الصدوق، واحتج بها على أن خبر الواحد الفاسق لا يقبل، فافهم.
وكيف بعث النبي أمراءه واحدا بعد واحد فإن سها أحد منهم رد إلى السنة.
استدل بهذا أيضا على إجازة خبر الواحد الصادق، فإن النبي كان يبعث أمراءه إلى الجهاد واحدا بعد واحد لأن خبر الواحد لو لم يكن مقبولا لما كان في إرساله معنى. وقال الكرماني: إذا كان خبر الواحد مقبولا فما فائدة بعث الآخر بعد الأول؟. قلت: لرده إلى الحق عند سهوه، وهو معنى قوله: فإن سها واحد منهم، أي: من الأمراء المبعوثين، رد إلى السنة وهو على صيغة المجهول، وأراد بالسنة الطريق الحق والمنهج الصواب. وقال الكرماني: والسنة هي الطريقة المحمدية، يعني: شريعته واجبا ومندوبا وغيرهما.
1
((باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوقفي الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام
((
أي: هذا باب في بيان ما جاء في إجازة خبر الواحد... الخ، الإجازة هو الإنفاذ والعمل به والقول بحجيته. قوله: الصدوق، ببناء المبالغة والمراد أن يكون له ملكة الصدق يعني: يكون عدلا وهو من باب إطلاق اللازم وإرادة الملزوم. قوله: في الأذان... الخ. إنما ذكر هذه الأشياء ليعلم أن إنفاذ الخبر إنما هو في العمليات لا في الاعتقاديات، والمراد بقبول خبره في الأذان أنه إذا كان مؤتمنا فأذن تضمن دخول الوقت فجازت صلاة ذلك الوقت، وفي الصلاة الإعلام بجهة القبلة، وفي الصوم الإعلام بطلوع الفجر أو غروب الشمس. قوله: والفرائض من عطف العام على الخاص. قوله: والأحكام جمع الحكم وهو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير، وهو من عطف العام على عام أخص منه لأن الفرائض فرد من الأحكام.
قم اعلم أنه عند جميع الرواة هكذا: باب ما جاء... الخ، بلفظ: باب، ووقع في بعض النسخ قبل البسملة: كتاب خبر الواحد، وكذا وقع عند الكرماني، وثبتت البسملة قبل لفظ: باب، في رواية كريمة والأصيلي، وسقطت لأبي ذر والقابسي والجرجاني.
وقول الله تعالى: * (وما كان المؤمنون لينفروا كآفة فلولا نفر من كل فرقة منهم طآئفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعو
1764; ا إليهم لعلهم يحذرون) *
وقول الله تعالى بالجر عطف على المضاف إليه في باب ما جاء، أي: وفي بيان قول الله تعالى، وساق الآية كلها في رواية كريمة، وفي رواية غيرها وقول الله تعالى: * (وما كان المؤمنون لينفروا كآفة فلولا نفر من كل فرقة منهم طآئفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعو
1764; ا إليهم لعلهم يحذرون) * الآية وأول الآية قوله تعالى: * (وما كان المؤمنون لينفروا كآفة فلولا نفر من كل فرقة منهم طآئفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعو
1764; ا إليهم لعلهم يحذرون) * الآية. وسبب نزول هذه الآية أن الله لما أنزل في حق المنافقين ما أنزل بسبب تخلفهم عن الغزاة مع رسول الله قال المؤمنون: والله لا نتخلف غزوة يغزوها رسول الله ولا سرية أبدا، فلما أرسل السرايا بعد تبوك نفر المؤمنون جميعا وتركوه وحده، فنزلت هذه الآية ولفظها لفظ الخبر ومعناه الأمر، والمعنى: ما كان لهم أن ينفروا جميعا بل ينفر بعضهم ويبقى مع النبي بعض قوله: * (فلولا نفر) * يعني: فحين لم يكن نفير الكافة ولم يكن مصلحة فهلا نفر من كل فرقة منهم طائفة؟ قال الزمخشري: أي: من كل جماعة كثيرة قليلة منهم يكفونهم النفير * (ليتفقهوا بالدين) * أي: ليتكلفوا الفقاهة. فيه * (ولينذروا قومهم) * بعلمهم * (إذا رجعوا إليهم) * أي النافرين لعلهم يحذرون إرادة أن يحذروا الله فيعملوا عملا صالحا، والكلام في الطائفة، ومراد البخاري أن لفظ طائفة يتناول الواحد فما فوقه ولا يختص بعدد معين، وهو منقول عن ابن عباس والنخعي ومجاهد وعطاء وعكرمة، وعن ابن عباس أيضا: من أربعة إلى أربعين، وعن الزهري: ثلاثة، وعن الحسن: عشرة، وعن مالك: أقل الطائفة أربعة، وعن عطاء: اثنان فصاعدا، وقال الراغب: لفظ طائفة يراد بها الجمع والواحد طائف ويراد بها الواحد.
ويسمى الرجل طائفة لقوله تعالى: * (وإن طآئفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفى
1764; ء إلى أمر الله فإن فآءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطو
1764; ا إن الله يحب المقسطين) * فلو اقتتل رجلان دخل في معنى الآية.
لو قال: ويسمى الواحد، أو الشخص، لكان أولى. قوله لقوله تعالى: * (وإن طآئفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفى
1764; ء إلى أمر الله فإن فآءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطو
1764; ا إن الله يحب المقسطين) * استدلال منه بهذه الآية على أن الواحد يسمى طائفة. قوله: فلو اقتتل رجلان، دخل في معنى الآية لإطلاق الطائفة على الواحد، وعن مجاهد في الآية المذكورة أنهما كانا رجلين، ويروى: فلو اقتتل الرجلان بالألف واللام. قوله: دخل، ويروى: دخلا، وهو الصواب.
وقوله تعالى: * (ياأيها الذين ءامنو
1764; ا إن جآءكم فاسق بنبإ فتبينو
1764; ا أن تصيببوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) *
قال الكرماني: وجه الاستدلال به أنه أوجب الحذر عند مجيء فاسق بنبأ، أي: بخبر وأمر بالتبين عند الفسق فحيث لا فسق لا يجب التبين فيجب العمل به. وقال بعضهم: وجه الدلالة منها تؤخذ من مفهومي الشرط والصفة فإنهما يقتضيان قبول خبر الواحد العدل. انتهى. قلت: كلام الكرماني كاد أن يقرب وكلام الآخر كاد أن يبعد جدا لأن الخصم لا يقول بالمفهوم، والذي يظهر أنه إنما ذكر هذه الآية لقوله في الترجمة: خبر الواحد الصدوق، واحتج بها على أن خبر الواحد الفاسق لا يقبل، فافهم.
وكيف بعث النبي أمراءه واحدا بعد واحد فإن سها أحد منهم رد إلى السنة.
استدل بهذا أيضا على إجازة خبر الواحد الصادق، فإن النبي كان يبعث أمراءه إلى الجهاد واحدا بعد واحد لأن خبر الواحد لو لم يكن مقبولا لما كان في إرساله معنى. وقال الكرماني: إذا كان خبر الواحد مقبولا فما فائدة بعث الآخر بعد الأول؟. قلت: لرده إلى الحق عند سهوه، وهو معنى قوله: فإن سها واحد منهم، أي: من الأمراء المبعوثين، رد إلى السنة وهو على صيغة المجهول، وأراد بالسنة الطريق الحق والمنهج الصواب. وقال الكرماني: والسنة هي الطريقة المحمدية، يعني: شريعته واجبا ومندوبا وغيرهما.
7246 حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا أيوب عن أبي قلابة، حدثنا مالك قال: أتينا النبي ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان رسول الله رقيقا فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا أو قد اشتقنا، سألنا عمن تركنا بعدنا، فأخبرناه قال: ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم، وعلموهم ومروهم وذكر أشياء أحفظها، أو لا أحفظها، وصلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم
ا
مطابقته للترجمة في قوله: فليؤذن أحدكم لأن أذان الواحد يؤذن بدخول الوقت والعمل به.
وعبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي، وأيوب هو السختياني، وأبو قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي، ومالك هو ابن الحويرث بضم الحاء المهملة وفي آخره ثاء مثلثة بن حشيش بشينين معجمتين على وزن عظيم من بني سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة حجازي سكن البصرة ومات بها سنة أربع وسبعين.
والحديث بعين هذا الإسناد والمتن قد مضى في الصلاة في: باب الأذان للمسافر، وقد كرر هذا الحديث بلا فائدة جديدة. ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: أتينا النبي، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أي: وافدين عليه. قوله: ونحن شببة بشين معجمة وباءين موحدتين وفتحات: جمع شاب، وهو من كان دون
الكهولة. قوله: متقاربون أي: في السن، ووقع عند أبي داود: متقاربون في العلم، وعند مسلم متقاربون في القراءة. قوله: رقيقا بقافين، ويروى: بفاء وقاف، وعند مسلم: بقافين، فقط. قوله: اشتهينا أهلنا وفي رواية الكشميهني: أهلينا، بكسر اللام وزيادة الياء جمع أهل وفي الصلاة: اشتقنا إلى أهلنا، والمراد بالأهل الزوجات أو أعم من ذلك. قوله: سألنا بفتح اللام والضمير المرفوع فيه يرجع إلى النبي قوله: ارجعوا إلى أهليكم إنما أذن لهم بالرجوع لأن الهجرة كانت قد انقطعت بعد الفتح فكانت الإقامة بالمدينة باختيار الوافد. قوله: وعلموهم أي: الشرائع، قوله: ومروهم بالإتيان بالواجبات والاجتناب عن المحرمات. قوله: أحفظها أو لا أحفظها ليس شكا بل هو تنويع وقائل هذا هو أبو قلابة. قوله: وصلوا كما رأيتموني أصلي أي: من جملة الأشياء التي حفظها أبو قلابة عن مالك هو قوله هذا قوله: فإذا حضرت الصلاة أي: فإذا دخل وقتها. قوله: أكبركم أي: أفضلكم أو أسنكم، وعند النسائي: في الفضيلة.
7247 حدثنا مسدد، عن يحياى، عن التيمي، عن أبي عثمان، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره، فإنه يؤذن أو قال: ينادي بليل ليرجع قائمكم وينبه نائمكم وليس الفجر أن يقول هاكذا وجمع يحياى كفيه حتى يقول هاكذا
13

ومد يحياى إصبعيه السبابتين.
انظر الحديث 621 وطرفه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه يخبر أن هذا الوقت الذي يؤذن فيه من الليل حتى يجوز التسحر في ذلك الوقت، وهو خبر واحد صدوق في هذا الأذان.
و يحيى هو ابن سعيد القطان، و التيمي هو سليمان بن طرخان، وأبو عثمان هو عبد الرحمن النهدي، بفتح النون وسكون الهاء.
والحديث مضى في الأذان قبل الفجر.
قوله: من سحوره بالضم وهو التسحر وبالفتح ما يتسحر به من الطعام. قوله: أو قال: ينادي شك من الراوي. قوله: ليرجع من الرجع وهو متعد، ومن الرجوع لازم. قوله: هكذا أي: مستطيلا غير منتشر، وهو الصبح الكاذب. قوله: وجمع يحيى هو يحيى القطان الراوي قوله: حتى يقول هكذا أي: حتى يصير مستطيلا منتشرا في الأفق ممدودا من الطرفين اليمين والشمال، وهو الصبح الصادق.
7248 حدثنا موساى بن إسماعيل، حدثنا عبد العزيز بن مسلم، حدثنا عبد الله بن دينار سمعت عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قوله: إن بلالا ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم.
ا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: إن بلالا ينادي بليل على الوجه الذي ذكرناه في رأس الحديث السابق، وهو أيضا في الباب المذكور.
وابن أم مكتوم اسمه عبد الله، وقيل: عمرو بن قيس القرشي العامري، واسم أم مكتوم عاتكة بنت عبد الله وهو ابن خال خديجة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها، هاجر إلى المدينة قبل مقدم النبي، استخلفه النبي على المدينة ثلاث عشرة مرة، وكان أعمى.
7249 حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن علقمة عن عبد الله قال: صلى بنا النبي الظهر خمسا فقيل أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت خمسا؟ فسجد سجدتين بعد ما سلم.
ا
قال ابن التين ما حاصله أن هذا الحديث ليس بمطابق للترجمة لأن المخبر فيه ليس بواحد وإنما كانوا جماعة. وأجاب عنه الكرماني بما حاصله أن هذا لم يخرج بإخبار الجماعة عن الآحاد، نعم صار من الأخبار المفيدة لليقين بسبب أنه صار محفوفا بالقرائن. انتهى. قلت: هذا جواب غير مشبع، بل الجواب الكافي هو أن حديث عبد الله بن مسعود رواه البخاري عن شيخين. أحدهما هذا رواه عن حفص بن عمر بن غياث عن شعبة عن الحكم بفتح الكاف ابن عتيبة مصغر عتبة الباب عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس عن عبد الله بن مسعود، وفيه: قالوا صليت خمسا. والآخر أخرجه في الصلاة في: باب ما إذا صلى خمسا، رواه عن أبي الوليد عن شعبة إلى... آخره، مثله سواء، غير أن فيه: قال، وما ذاك؟ قال: صليت خمسا فالقائل واحد، فصدقه النبي، لكونه صدوقا عنده، فهذا مطابق للترجمة فلا يضر إيراد الحديث الذي فيه القائلون جماعة في هذه الترجمة، لأن الحديثين حديث واحد عن صحابي واحد في حادثة واحدة، وأما حكم الحديث فقد مضى بيانه هناك.
7250 حدثنا إسماعيل، حدثني مالك عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ فقال: أصدق ذو اليدين؟ فقال الناس: نعم. فقام رسول الله فصلى ركعتين أخريين
14

ثم سلم، ثم كبر، ثم سجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع، ثم كبر، فسجد مثل سجوده ثم رفع.
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه، عمل بخبر ذي اليدين وهو واحد. فإن قلت: لم يكتف، بمجرد إخباره حتى قال: أصدق ذو اليدين؟ فقالوا: نعم قلت: لم يكن سؤاله منهم إلا لأجل استثبات خبره لكونه انفرد دون من صلى معه لاحتمال خطئه في ذلك، ولا يلزم من ذلك رد خبره مطلقا.
وشيخ البخاري إسماعيل بن أبي أويس واسمه عبد الله ابن أخت مالك، وأيوب هو السختياني، ومحمد هو ابن سيرين.
والحديث مضى في الصلاة في: باب من لم يتشهد في سجدتي السهو فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك إلى آخره، ومضى الكلام فيه مستوفى. واسم
ذي اليدين: خرباق، بكسر الخاء المعجمة وإسكان الراء وبالباء الموحدة وبالقاف، ولقب به لطول في يده.
7251 حدثنا إسماعيل، حدثني مالك عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر قال: بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشأم فاستداروا إلى الكعبة.
ا
مطابقته للترجمة ظاهرة، وهي في قوله: إذ أتاهم آت لأن الصحابة قد عملوا بخبره واستداروا إلى الكعبة وكانت وجوههم إلى الشام. ومضى الحديث في أوائل الصلاة في: باب ما جاء في القبلة، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك... الخ، ومضى الكلام فيه.
7252 حدثنا يحياى، حدثنا وكيع عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: لما قدم رسول الله المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا، وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة. فأنزل الله تعالى: * (قد نرى تقلب وجهك في السمآء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون) * فوجه نحو الكعبة وصلى معه رجل العصر، ثم خرج، فمر على قوم من الأنصار فقال: هو يشهد أنه صلى مع النبي وأنه قد وجه إلى الكعبة، فانحرفوا وهم ركوع في صلاة العصر.
ا
مطابقته للترجمة في معنى قوله: وصلى معه رجل الخ.
وشيخ البخاري يحيى بن موسى البلخي، و وكيع هو ابن الجراح، و إسرائيل هو ابن يونس يروي عن جده أبي إسحاق عن عمرو بن عبد الله السبيعي عن البراء بن عازب، رضي الله تعالى عنه.
والحديث مضى في الصلاة في: باب التوجه نحو القبلة، عن عبد الله بن رجاء. وأخرجه الترمذي في الصلاة وفي التفسير عن هناد عن وكيع، ومضى الكلام فيه.
قوله: وصلى معه رجل العصر الصحيح أن الرجل لم يعرف اسمه. وقال الكرماني: فإن قلت: في الحديث السابق أنها صلاة الفجر؟ قلت: التحويل كان عند صلاة العصر وبلوغ الخبر إلى قباء في اليوم الثاني وقت صلاة الصبح، فإن قلت: فصلاة أهل قباء في المغرب والعشاء قبل وصول الخبر إليهم صحيحة؟ قلت: نعم، لأن النسخ لا يؤثر في حقهم إلا بعد العلم به. قوله: وهم ركوع أي: راكعون.
7253 حدثنا يحياى بن قزعة، حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: كنت أسقي أبا طلحة الأنصاري وأبا عبيدة بن الجراح وأبي بن كعب شرابا من فضيخ وهو تمر، فجاءهم آت فقال: إن الخمر قد حرمت. فقال أبو طلحة: يا أنس قم إلى هاذه الجرار فاكسرها. قال أنس: فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى انكسرت.
ا
15

مطابقته للترجمة في قوله: فجاءهم آت لم يعرف اسمه، وورد في بعض طرق هذا الحديث: فوالله ما سألوا عنها ولا راجعوا بعد خبر الرجل، وهو حجة قوية في قبول خبر الواحد لأنهم أثبتوا نسخ الشيء الذي كان مباحا حتى أقدموا من أجله على تحريمه والعمل بمقتضى ذلك.
والحديث مضى في أوائل كتاب الأشربة في: باب نزول تحريم الخمر، وهي من البسر والتمر.
و يحيى بن قزعة بالقاف والزاي والعين المهملة المفتوحات، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة واسمه زيد بن سهل الأنصاري ابن أبي أنس بن مالك، روى عن أنس بن مالك، واسم أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح.
قوله: من فضيخ بالضاد والخاء المعجمتين شراب يتخذ من البسر. قوله: وهو تمر أي: الفضيخ تمر مفضوخ أي: مكسور. قوله: إلى مهراس بكسر الميم.
7254 حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق، عن صلة، عن حذيفة أن النبي قال لأهل نجران: لأبعثن إليكم رجلا أمينا حق أمين فاستشرف لها أصحاب النبي فبعث أبا عبيدة.
مطابقته للترجمة في قوله: لأبعثن إليكم رجلا أمينا وأبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السبيعي، وصلة بكسر الصاد المهملة وفتح اللام المخففة ابن زفر، وحذيفة بن اليمان العبسي.
والحديث مضى في مناقب أبي عبيدة عن مسلم بن إبراهيم وفي المغازي عن بندار وعن عباس بن الحسين.
قوله: لأهل نجران وقصتهم ما رواه البخاري في المغازي: حدثني عباس بن الحسين حدثنا يحيى بن آدم عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن حذيفة، قال: جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله، الحديث. وفيه ابعث معنا رجلا أمينا فقال لأبعثن إليكم رجلا أمينا... الحديث. قوله: لأهل نجران بفتح النون وسكون الجيم وهو بلد باليمن. قوله: فاستشرف لها أي: تطلع لها ورغبوا فيها حرصا على أن يكون كل منهم هو الأمين الموعود الموصوف لا حرصا على الولاية والأمانة وإن كانت مشتركة. بين الكل، لكن النبي خص بعضهم بصفات غلبت عليهم وكانوا بها أخص: كالحياء بعثمان، رضي الله تعالى عنه.
7255 حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة، عن خالد، عن أبي قلابة، عن أنس، رضي الله عنه، قال النبي لكل أمة أمين وأمين هاذه الأمة أبو عبيدة
انظر الحديث 3744 وطرفه
ذكر هذا لكونه مناسبا للحديث الذي قبله فيكون مناسبا للترجمة لأن المناسب للمناسب للشيء مناسب لذلك الشيء.
وخالد هو ابن مهران الحذاء البصري، وأبو قلابة عبد الله بن زيد.
والحديث مضى في مناقب أبي عبيدة.
7256 حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن يحياى بن سعيد، عن عبيد بن حنين عن ابن عباس عن عمر، رضي الله عنهم، قال: وكان رجل من الأنصار إذا غاب عن رسول الله وشهدته أتيت بما يكون من رسول الله وإذ غبت عن رسول الله وشهد أتاني بما يكون من رسول الله
ا
مطابقته للترجمة من حيث إن عمر، رضي الله تعالى عنه، كان يقبل خبر الشخص الواحد.
و يحيى بن سعيد الأنصاري، و عبيد بن حنين كلاهما مصغر مولى زيد بن الخطاب.
والحديث مضى في العلم في: باب التناوب في العلم، بأتم منه مطولا، ومضى الكلام فيه.
قوله: وشهدته أي: وحضرته. قوله: بما يكون أي: من أقواله وأفعاله وأحواله. قوله: وشهد وفي رواية الكشميهني والمستملي: وشهده، بالضمير في آخره. أي: وحضر عند النبي، وشاهد ما كان عنده من الأقوال والأفعال.
16

7257 حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن زبيد، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمان، عن علي، رضي الله عنه، أن النبي بعث جيشا وأمر عليهم رجلا فأوقد نارا وقال: ادخلوها، فأرادوا أن يدخلوها.
وقال آخرون: إنما فررنا منها، فذكروا للنبي فقال للذين أرادوا أن يدخلوها: لو دخلوها لم يزالوا فيها إلى يوم القيامة وقال للآخرين: لا طاعة في معصية، إنما الطاعة في المعروف
انظر الحديث 4340 وطرفه
قال ابن التين ما حاصله أنه لا مطابقة بين هذا الحديث والترجمة لأنهم لم يطيعوه، ورد عليه بأنهم كانوا مطيعين له في غير دخول النار، وبه يتم المقصود.
قوله: غندر، هو لقب محمد بن جعفر، وزبيد بضم الزاي وفتح الباء الموحدة مصغر زيد ابن الحارث اليامي بالياء آخر الحروف، وسعد بن عبيدة بالضم ختن أبي عبد الرحمن السلمي واسمه عبد الله.
والحديث مضى في أوائل الأحكام في: باب السمع والطاعة للإمام، فإنه أخرجه هناك بأتم منه عن عمر بن حفص، ومضى الكلام فيه.
7258، 7259 حدثنا زهير بن حرب، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب أن عبيد الله بن عبد الله أخبره أن أبا هريرة، وزيد بن خالد أخبراه أن رجلين اختصما إلى النبي
اما
7260 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن أبا هريرة قال: بينما نحن عند رسول الله إذ قام رجل من الأعراب فقال: يا رسول الله اقض لي بكتاب الله، فقام خصمه فقال: صدق يا رسول الله، اقض له بكتاب الله، وأذن لي. فقال له النبي قل فقال: إن ابني كان عسيفا على هاذا والعسيف الأجير فزنى بامرأته فأخبروني أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة من الغنم ووليدة، ثم سألت أهل العلم فأخبروني أن على امرأته الرجم، وإنما على ابني جلد مائة وتغريب عام. فقال: والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله أما الوليدة والغنم فردوها وأما ابنك فعليه جلد مائة وتغريب عام، وأما أنت يا أنيس لرجل من أسلم فاغد على امرأة هاذا، فإن اعترفت فارجمها فغدا عليها أنيس فاعترفت فرجمها.
ا
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ من تصديق أحد المتخاصمين الآخر وقبول خبره، وقد أخرجه من طريقين أحدهما عن زهير مصغر زهر ابن حرب بن شداد، ويعقوب بن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وصالح هو ابن كيسان، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري.
والآخر عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن الزهري... إلى آخره.
والحديث قد مضى في مواضع كثيرة منها عن قريب في المحاربين في: باب إذا رمى امرأته أو امرأة غيره بالزنى عند الحاكم، وأسفل منه بسبعة أبواب في: باب هل يأمر الإمام رجلا فيضرب الحد غائبا عنه؟ ومضى الكلام فيه مرارا.
قوله: وأذن لي عطف على قول الأعرابي أي: ائذن في التكلم وعرض الحال. قوله: فقال أي: الأعرابي: إن ابني... إلى آخره. قوله: والعسيف الأجير مدرج. قوله: يا أنيس بضم الهمزة مصغر أنس بالنون.
17

2
((باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم الزبير طليعة وحده))
أي: هذا باب في بيان بعث النبي الزبير بن العوام حال كونه طليعة حال كونه وحده، والطليعة بفتح الطاء هو من يبعث ليطلع على أحوال العدو ويجمع على طلائع.
7261 حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، حدثنا ابن المنكدر قال: سمعت جابر بن عبد الله قال: ندب النبي الناس يوم الخندق فانتدب الزبير، ثم ندبهم فانتدب الزبير، ثم ندبهم فانتدب الزبير، فقال: لكل نبي حواري وحواري الزبير.
قال سفيان: حفظته من ابن المنكدر، وقال له أيوب: يا أبا بكر حدثهم عن جابر فإن القوم يعجبهم أن تحدثهم عن جابر، فقال في ذالك المجلس: سمعت جابرا... فتتابع بين أحاديث، سمعت جابرا. قلت لسفيان: فإن الثوري يقول: يوم قريظة، فقال: كذا حفظته: كما أنك جالس يوم الخندق.
قال سفيان: هو يوم واحد، وتبسم سفيان.
ا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: ندب النبي فانتدب الزبير رضي الله تعالى عنه.
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة يروي عن محمد بن المنكدر عن جابر، رضي الله تعالى عنه.
والحديث مضى في الجهاد في: باب هل يبعث الطليعة وحده.
قوله: ندب النبي يقال: ندب إلى الأمر أي دعا إليه وحث عليه. قوله: يوم الخندق قال موسى بن عقبة: كانت في شوال سنة أربع قوله: فانتدب الزبير أي: أجابه وأسرع إليه. قوله: حواري بفتح الحاء المهملة وتخفيف الواو وكسر الراء وتشديد الياء آخر الحروف ومعناه: الناصر، وقال ابن الأثير: يقال حواري من أصحابي أي خاصتي من أصحابي وناصري، قيل: كل الصحابة كانوا أنصارا له وأجيب: بأنه كان له اختصاص بالنصرة وزيادة فيها على أقرانه لا سيما في ذلك اليوم، وهو لفظ مفرد منصرف وإذا أضيف إلى ياء المتكلم جاز حذفها والاكتفاء بالكسرة وتبديلها فتحة للتخفيف إذ فيه استثقال.
قوله: قال سفيان هو ابن عيينة. قوله: وقال له أيوب أي: قال لابن المنكدر أيوب السختياني. قوله: يا أبا بكر أصله: أبا بكر، حذفة الهمزة للتخفيف وهو كنية محمد بن المنكدر. قوله: أن تحدثهم أي: بأن تحدثهم، وكلمة: أن، مصدرية. قوله: فتتابع بتاءين في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني: فتتابع، بتاء واحدة. قوله: بين أحاديث وفي رواية الكشميهني: أربعة أحاديث. قوله: قلت لسفيان القائل هو علي بن عبد الله بن المديني شيخ البخاري، وسفيان هو ابن عيينة. قوله: فإن الثوري أي: سفيان الثوري يقول: يوم قريظة يعني: موضع يوم الخندق. قوله: فقال: كذا حفظته أي: فقال سفيان بن عيينة: كذا حفظته من ابن المنكدر، يعني: يوم الخندق حفظا ظاهرا محققا كظهور جلوسك هنا. قوله: يوم الخندق ظرف لقوله: كذا حفظته.
قوله: قال سفيان أي: ابن عيينة هو يوم واحد يعني: يوم الخندق ويوم قريظة يوم واحد. وقال الكرماني: يوم الأحزاب أيضا، إذ الثلاثة كانوا في زمن واحد. قلت: قريظة بضم القاف وفتح الراء وبالظاء المعجمة قبيلة من اليهود، وسمي يوم الأحزاب لاجتماع طوائف الناس فيه، جمع حزب بالكسر.
3
((باب قول الله تعالى: * (ياأيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبى إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذى النبى فيستحيى منكم والله لا يستحى من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسئلوهن من ورآء حجاب ذالكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحو
1764; ا أزواجه من بعده أبدا إن ذالكم كان عند الله عظيما) * فإذا أذن له واحد جاز))
.
أي: هذا باب في ذكر قول الله تعالى... إلى آخره. كان ينبغي أن يذكر هذا في التفسير، قال قتادة ومقاتل: دخلت جماعة في بيت أم سلمة، رضي الله تعالى عنها، فأكلوا ثم أطالوا الجلوس. فتأذى بهم رسول الله، واستحيا منهم أن يأمرهم بالخروج، والله لا يستحيي من الحق، فأنزل الله هذه الآية قوله: * (إلا أن يؤذن لكم) * أي: إلا أن تدعوا إلى طعام فيؤذن لكم فتأكلونه. قوله: فإذا أذن له واحد جاز لعدم تعيين العدد في النص فصار الواحد من جملة
18

ما يصدق عليه وجود الإذن.
7262 حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد، عن أيوب، عن أبي عثمان، عن أبي موساى أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطا وأمرني بحفظ الباب، فجاء رجل يستأذن فقال: ائذن له وبشره بالجنة فإذا أبو بكر، ثم جاء عمر فقال: ائذن له وبشره بالجنة ثم جاء عثمان فقال: ائذن له وبشره بالجنة
ا
مطابقته للترجمة ظاهرة، وحماد هو ابن زيد وأيوب هو السختياني، وأبو عثمان هو عبد الرحمن النهدي، وأبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري.
والحديث مضى في: مناقب عمر بن الخطاب، فإنه أخرجه هناك بأتم منه: حدثنا يوسف بن موسى حدثنا أبو أسامة حدثني عثمان بن غياث حدثنا أبو عثمان النهدي عن أبي موسى... وأخرجه أيضا في مناقب أبي بكر بأطول منه: حدثنا محمد بن مسكين أبو الحسن يحيى بن حسان حدثنا شريك بن أبي نمر عن سعيد بن المسيب أخبرنا أبو موسى الأشعري.... الحديث.
قوله: حائطا هو بستان أريس بفتح الهمزة وكسر الراء. قوله: وأمرني بحفظ الباب قال ابن التين: قول أبي موسى هنا: وأمرني بحفظ الباب. وقال في الرواية الماضية: ولم يأمرني بحفظه، فأحدهما وهم. وأجاب الكرماني بأنه لم يأمره أولا وأمره آخرا.
7263 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا سليمان بن بلال، عن يحياى، عن عبيد بن حنين سمع ابن عباس عن عمر، رضي الله عنهم، قال: جئت فإذا رسول الله في مشربة له وغلام لرسول الله أسود على رأس الدرجة، فقلت: قل: هاذا عمر بن الخطاب، فأذن لي.
ا
مطابقته للترجمة ظاهرة. و يحيى هو ابن سعيد الأنصاري، و عبيد بن حنين كلاهما بالتصغير.
والحديث مضى في سورة التحريم مطولا جدا.
قوله: في مشربة بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وضم الراء وفتحها: الغرفة. قوله: وغلام اسمه رباح بفتح الراء وتخفيف الباء الموحدة وبالحاء المهملة.
4
((باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث من الأمراء والرسل واحدا بعد واحد))
أي: هذا باب في بيان ما كان النبي، يبعث، وفي بعض النسخ: باب ما كان يبعث النبي، أما الأمراء فإنه كان أمر على مكة عتاب بن أسيد، وعلى الطائف عثمان بن أبي العاص، وعلى البحرين ابن العلاء الحضرمي، وعلى عمان عمرو بن العاص، وعلى نجران أبا سفيان بن حرب، وعلى صنعاء وسائر بلاد اليمن باذان ثم ابنه شهر وفيروز المهاجر بن أمية وأبان بن سعيد بن العاص، وأمر على السواحل أبا موسى الأشعري، وعلى الجند وما معها معاذ بن جبل، وكان كل منهما يقضي في عمله ويسير فيه وكانا ربما التقيا، وأمر يزيد بن أبي سفيان على تيماء، وثمامة بن أثال على اليمامة، وسنذكر قصة باذان عن قريب. وأما الرسل فإنه، بعث ستة نفر مصطحبين في سنة ست من الهجرة رسلا منه إلى من نذكر، وهم:
حاطب بن أبي بلتعة أرسله إلى المقوقس صاحب الإسكندرية واسمه جريج بن مينا فمضى بكتاب رسول الله إليه فقبل الكتاب وأكرم حاطبا وأحسن نزله وسرحه إلى النبي وأهدى له مع حاطب كسوة وبغلة بسرجها وجاريتين إحداهما مارية أم إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، والأخرى وهبها لمحمد بن قيس العبدري.
وشجاع بن وهب أرسله إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك البلقاء من أرض الشام، وقيل: توجه لجبلة، وقيل: لهما معا. وقال بن إسحاق: ثم بعث رسول الله شجاع
19

ابن وهب إلى المنذر بن الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق، قال شجاع: فانتهيت إليه وهو بغوطة دمشق فقرأ كتاب رسول الله ورمى به، وقال: أنا أسير إليه، وعزم على ذلك فمنعه قيصر، ولما بلغ رسول الله ذلك قال: باد ملكه.
ودحية بن خليفة أرسله إلى قيصر ملك الروم فأكرمه قيصر ووضع كتاب رسول الله على فخده وساله عن النبي وثبت عنده صحة نبوته، فهم بالإسلام فلم توافقه الروم، فخافهم على ملكه فأمسك ورد دحية ردا جميلا.
وسليط بن عمرو العامري أرسله إلى هوذة بن علي ملك اليمامة فأكرمه وأنزله ورد الجواب بقوله: إن جعلت لي بعض الأمر صرت إليك وأسلمت ونصرتك، وإلا قصدت حربك فقال لا ولا كرامة اللهم اكفنيه فمات.
وعمرو بن أمية الضمري أرسله إلى النجاشي ملك الحبشة واسمه أصحمة فأخذ كتاب رسول الله ووضعه على عينيه، ونزل عن سريره وجلس على الأرض وأسلم على يد جعفر بن أبي طالب ولما مات صلى عليه النبي
وعبد الله بن حذافة أرسله إلى كسرى إبرويز بن هرمز، فمزق كتابه وقال: يكاتبني وهو عبدي؟ ولما بلغ النبي ذلك قال: مزق الله ملكه ثم كتب كسرى إلى باذان وهو نائبه على اليمن: أن ابعث إلى هذا الرجل بالحجاز رجلين من عندك جلدين فليأتياني به، فبعث باذان قهرمانه وكان كاتبا حاسبا بكتاب فارس، وبعث معه رجلا من الفرس يقال له: خرخرة، وكتب معهما إلى رسول الله يأمره أن ينصرف معهما إلى كسرى، فخرجا حتى قدما على رسول الله ودخلا على رسول الله وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما، فكره النظر إليهما وقال لهما. ارجعا حتى تأتيناني غدا، وأتى الخبر من السماء رسول الله بأن الله عز وجل قد سلط على كسرى ابنه شيرويه فقتله في شهر كذا وكذا في ليلة كذا وكذا في ساعة كذا وكذا من الليل، فدعاهما النبي فأخبرهما وأعطى خرخرة منطقة فيها ذهب وفضة كان أهداها له بعض الملوك، فخرجا من عنده حتى قدما على باذان وأخبراه الخبر، فقال: والله ما هذا بكلام ملك، وإني لأرى الرجل نبيا كما يقول، وليكونن ما قد قال، فلم ينشب باذان أن قدم عليه كتاب شيرويه فيه أنه قتل كسرى في تاريخ كذا وكذا، فلما وقف عليه قال: إن هذا الرجل لرسول، فأسلم وأسلمت الأبناء من فارس، وقرره النبي في موضعه وهو أول نائب من نوابه، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.
ويقال: إنه أرسل العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي العبدي ملك البحرين من قبل الفرس فأسلم وأسلم جميع العرب بالبحرين. وأرسل الحارث بن عمير إلى ملك بصرى فلما نزل أرض مؤتة عرض له عمرو بن شرحبيل الغساني فقتله ولم يقتل لرسول الله رسول غيره، وأرسل جرير بن عبد الله البجلي إلى ذي الكلاع وذي عمرو فأسلما وتوفي رسول الله وجرير عندهما، وأرسل السائب بن العوام وهو أخو الزبير إلى فروة عمرو الجذامي وكان عاملا لقيصر بعمان، فأسلم وكتب إلى النبي وبعث إليه هدية مع مسعود بن سعد، وهي بغلة شهباء يقال لها: فضة، وفرس يقال لها: الظرب، وقباء سندس مخوص بالذهب، فقبل، هديته وأجاز مسعودا اثني عشر أوقية، وأرسل عياش بن أبي ربيعة المخزومي إلى الحارث، وفروخ ونعيم بن عبد كلاب من حمير، والله أعلم.
وقال ابن عباس: بعث النبي ددحية الكلبي بكتابه إلى عظيم بصراى أن يدفعه إلى قيصر.
هذا قطعة من الحديث الطويل المذكور في بدء الوحي، وهذا التعليق لم يثبت إلا في رواية الكشميهني وحده.
7264 حدثنا يحياى بن بكير، حدثني الليث عن يونس عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن عباس أخبره أن رسول الله بعث بكتابه إلى كسراى، فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، يدفعه عظيم البحرين إلى كسراى، فلما قرأه كسراى مزقه، فحسبت أن ابن المسيب قال: فدعا عليهم رسول الله أن يمزقوا كل ممزق.
ا
قد مرت الآن قضية كسرى، وذكرنا أن الرسول كان عبد الله بن حذافة.
ويونس هو ابن يزيد الأيلي.
قوله: فأمره
20

أي أمر حاصله وهو عبد الله بن حذافة. قوله: فحسبت القائل هو ابن شهاب الزهري. قوله: كل ممزق أي: كل تمزيق، وكذا جرى ولم يبق من الأكاسرة أحد وآخرهم يزدجرد فقتل في أيام عمر، رضي الله تعالى عنه. وقيل: في أيام عثمان، رضي الله تعالى عنه.
7265 حدثنا مسدد، حدثنا يحياى، عن يزيد بن أبي عبيد، حدثنا سلمة بن الأكوع أن رسول الله قال لرجل من أسلم: أذن في قومك أو في الناس يوم عاشوراء أن من أكل فليتم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم
انظر الحديث 1924 وطرفه
مطابقته للترجمة في قوله: قوله: قال لرجل من أسلم أذن في قومك فإنه من جملة الرسل الذين أرسلهم. واسم الرجل هند بن أسماء بن حارثة.
و يحيى هو ابن سعيد القطان، ويزيد من الزيادة ابن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع.
والحديث مضى في آخر كتاب الصوم عن المكي بن إبراهيم ثلاثيا.
قوله: فليتم بقية يومه أي: ليصم تمام يومه.
((باب وصاة النبي صلى الله عليه وسلم وفود العرب أن يبلغوا من وراءهم، قاله مالك بن الحويرث))
أي: هذا باب في بيان وصاة النبي بفتح الواو وبالقصر، ويجوز كسرها أي: وصية النبي قوله: وفود العرب الوفود جمع وفد، وقد مر تفسيره عن قريب. قوله: أن يبلغوا أي: بأن يبلغوا، وكلمة: أن، مصدرية و: يبلغوا، من التبليغ قوله: من وراءهم في محل النصب على المفعولية. قوله: قاله مالك بن الحويرث أشار به إلى حديثه الذي مضى في أوائل: باب ما جاء في إجازة خبر الواحد، فليراجع إليه.
7266 حدثنا علي بن الجعد، أخبرنا شعبة. وحدثني إسحاق أخبرنا النضر أخبرنا شعبة، عن أبي جمرة قال: كان ابن عباس يقعدني على سريره، فقال: إن وفد عبد القيس لما أتوا رسول الله قال: من الوفد؟ قالوا: ربيعة. قال: مرحبا بالوفد أو القوم غير خزايا ولا ندامى قالوا: يا رسول الله إن بيننا وبينك كفار مضر، فمرنا بأمر ندخل به الجنة ونخبر به من وراءنا، فسألوا عن الأشربة فنهاهم عن أربع وأمرهم بأربع: أمرهم بالإيمان بالله، قال: هل تدرون ما الإيمان بالله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: شهادة أن لا إلاه إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأظن فيه صيام رمضان وتؤتوا من المغانم الخمس ونهاهم عن الدباء والحنتم والمزفت والنقير وربما قال: المقير، قال: احفظوهن وأبلغوهن من وراءكم
ا
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وهو ظاهر. وأخرجه من طريقين: أحدهما عن علي بن الجعد بفتح الجيم وسكون العين المهملة ابن عبيد الجوهري البغدادي عن شعبة عن أبي جمرة بفتح الجيم وبالراء نصر بن عمران الضبعي البصري. والآخر عن إسحاق. قال الكرماني: هو إما ابن منصور وإما ابن إبراهيم، وقال بعضهم: إسحاق بن راهويه، كذا ثبت في رواية أبي ذر فأغنى عن تردد الكرماني. قلت: ثبوته في رواية أبي ذر لا ينافي ثبوت غيره في رواية غيره.
والحديث مضى في كتاب الإيمان في: باب أداء الخمس من الإيمان فإنه أخرجه هناك عن علي ابن الجعد... إلى آخره. ومضى الكلام فيه هناك مستوفى.
قوله: يقعدني من الإقعاد، وكان ترجمانا بينه وبين الناس فيما يستفتونه، فلذلك كان يقعده على سريره. قوله: عبد القيس هو أبو قبيلة كانوا ينزلون البحرين وحوالي القطيف بفتح القاف. قوله: ربيعة فخذ من عبد القيس لأنهم من أولاده. قوله: خزايا جمع خزيان وهو المفتضح والذليل. قوله: ولا ندامى أي: وغير ندامى وهو جمع ندمان بمعنى النادم. قوله: مضر بضم الميم وفتح الضاد المعجمة
21

وبالراء قبيلة، ويقال: ربيعة ومضر أخوان، يقال: ربيعة الخيل ومضر الحمراء، لأنهما لما اقتسما الميراث أخذ مضر الذهب وربيعة الفرس ولم يكن لهم الوصول إلى المدينة إلا عليهم، وكانوا يخافون منهم إلا في الشهر الحرام. قوله: من وراءنا بحسب المكان من البلاد البعيدة. أو بحسب الزمان من الأولاد ونحوهم، ويروى: من ورائنا بكسر الميم. قوله: وتؤتوا من المغانم قال الكرماني: لم عدل عن أسلوب أخواته؟ قلت: للإشعار بمعنى التجدد لأن سائر الأركان كانت ثابتة قبل ذلك. بخلاف الخمس فإن فرضيته كانت متجددة، ولم يذكر الحج لأنه لم يفرض حينئذ، أو لأنهم لا يستطيعون الحج بسبب لقاء مضر. فإن قلت: المذكور خمس لا أربع؟ قلت: لم يجعل الشهادة من الأربع لعلمهم بذلك، وإنما أمرهم بأربع لأنه لم يكن في علمهم أنها من دعائم الإيمان. قوله: والدباء بتشديد الباء الموحدة وبالمد اليقطين والمزفت
بتشديد الفاء المطلي بالزفت والنقير بفتح النون وكسر القاف الجذع المنقور الوسط كانوا ينبذون فيه. قوله: وربما قال أي: قال ابن عباس: المقير، أي المطلي بالقار وهو الزفت، والنهي عن الظروف لكن المراد منه النهي عن شرب الأنبذة التي فيها.
6
((باب خبر المرأة الواحدة))
أي: هذا باب في بيان خبر المرأة الواحدة هل يعمل به أم لا؟ وفي التوضيح فيه الإمساك على شك فيه حتى يتيقن أمره.
7267 حدثنا محمد بن الوليد، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن توبة العنبري، قال: قال لي الشعبي: أرأيت حديث الحسن عن النبي وقاعدت ابن عمر قريبا من سنتين أو سنة ونصف فلم أسمعه يحدث عن النبي غير هاذا، قال: كان ناس من أصحاب النبي فيهم سعد فذهبوا يأكلون من لحم فنادتهم امرأة من بعض أزواج النبي إنه لحم ضب فأمسكوا فقال رسول الله كلوا أو اطعموا فإنه حلال أو قال: لا بأس به، شك فيه ولاكنه ليس من طعامي
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: فأمسكوا حيث سمعوا من كلام تلك المرأة تركوا الأكل، فدل ذلك على أن خبر المرأة الواحدة العدلة يعمل به وقوله كلوا غير متوجه إلى نفي كلامها بل هو إعلام بأنها تؤكل وإنما منعتهم المرأة لكونها علمت أن النبي، ما كان يأكل فبنت على هذا ومنعتهم، وما علمت أن ترك أكل النبي من ذلك لكونه يعافه بل لكونه حراما.
وتوبة بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الواو وبالباء الموحدة ابن كيسان العنبري نسبة إلى بني العنبر بطن مشهور من بني تميم، والشعبي عامر بن شراحيل من كبار التابعين، قيل: إنه أدرك خمسمائة صحابي.
قوله: أرأيت من رؤية البصر والاستفهام للإنكار. قوله: حديث الحسن أي: البصري عن النبي وكان الشعبي ينكر على من يرسل الأحاديث عن النبي إشارة إلى أن الحامل لفاعل ذلك طلب الإكثار من التحديث عنه، وإلا لكان يكتفي بما سمعه موصولا. وقال الكرماني: غرضه أن الحسن مع أنه تابعي يكثر الحديث عن النبي يعني: أنه جريء على الإقدام عليه. وعبد الله بن عمر مع أنه صحابي يقلل فيه محتاط محترز ما أمكن. قوله: وقاعدت ابن عمر قال بعضهم: الجملة حالية. قلت: ليس كذلك بل هو ابتداء كلام لبيان تقليل ابن عمر في الحديث أي: جلست معه قريبا من سنتين، أو قريبا من سنة ونصف، فلم أسمعه يحدث عن النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، غير هذا وأشار به إلى الحديث الذي بعده. وهو قوله: كان ناس من أصحاب النبي فيهم سعد هو ابن أبي وقاص. قوله: فنادتهم امرأة هي ميمونة إحدى زوجات النبي، قوله: شك فيه أي: قال شعبة: شك فيه توبة العنبري. قوله: لكنه أي: لكن الضب ليس من طعامي أي: من الطعام المألوف به فأعافه.
22

* (بسم الله الرحمان الرحيم) *
((كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة))
أي: هذا باب في بيان الاعتصام، وهو افتعال من العصمة، وهذه الترجمة مقتبسة من قوله تعالى: * (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعدآء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذالك يبين الله لكم ءاياته لعلكم تهتدون) * إذ المراد بالحبل الكتاب والسنة على سبيل الاستعارة المصرحة، والقرينة الإضافة إلى الله، والجامع كونهما سببا للمقصود الذي هو الثواب، كما أن الحبل سبب للمقصود من السقي ونحوه، والمراد بالكتاب القرآن المتعبد بتلاوته، وبالسنة ما جاء عن النبي من أقواله وأفعاله وتقريره وما هم بفعله.
7268 حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، عن مسعر وغيره عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: قال رجل من اليهود لعمر: يا أمير المؤمنين لو أن علينا نزلت هاذه الآية * (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ومآ أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة ومآ أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالازلام ذالكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الأسلام دينا فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم) * لاتخذنا ذالك اليوم عيدا. فقال عمر: إني لأعلم أي يوم نزلت هذه الآية، نزلت يوم عرفة في يوم جمعة.
سمع سفيان من مسعر، ومسعر قيسا وقيس طارقا.
ا
وجه ذكر هذا الحديث عقيب هذه الترجمة من حيث إن الآية تدل على أن هذه الأمة معتصمة بالكتاب والسنة لأن الله تعالى من عليهم بهذه الآية بإكمال الدين وإتمام النعمة وبرضاه لهم بدين الإسلام.
والحميدي عبد الله بن الزبير بن عيسى منسوب إلى أحد أجداد حميد بالضم، وسفيان هو ابن عيينة، ومسعر بكسر الميم ابن كدام بكسر الكاف وتخفيف الدال. قوله: وغيره قيل: يحتمل أن يكون سفيان الثوري فإن أحمد أخرجه من روايته عن قيس بن مسلم الجدلي بفتح الجيم والدال المهملة الكوفي، كان عابدا ثقة ثبتا لكنه نسب إلى الإرجاء، وهو يروي عن طارق بن شهاب الأحمسي معدود في الصحابة لأنه رأى النبي، لكن لم يثبت له منه سماع.
والحديث مضى في كتاب الإيمان في: باب زيادة الإيمان ونقصانه، ومضى الكلام فيه.
قوله: يوم عرفة هو غير منصرف، وعرفات منصرف لأن عرفة علم للزمان المعين، وعرفات اسم جنس له.
قوله: سمع سفيان من مسعر إلى آخره، من كلام البخاري وأشار به إلى أن العنعنة المذكورة من هذا السند محمولة عنده على السماع لاطلاعه على سماع كل منهم من
شيخه، فافهم.
7269 حدثنا يحياى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب أخبرني أنس بن مالك أنه سمع عمر الغد حين بايع المسلمون أبا بكر، واستوى على منبر رسول الله تشهد قبل أبي بكر فقال: أما بعد فاختار الله لرسوله الذي عنده على الذي عندكم، وهاذا الكتاب الذي هدى الله به رسولكم فخذوا به تهتدوا، وإنما هدى الله به رسوله.
انظر الحديث 7219
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: وهذا الكتاب... إلى آخره، يفهم من له ذوق من دقائق التراكيب.
والحديث مضى في كتاب الأحكام في: باب الاستخلاف، بأتم منه.
قوله: الغد أي في اليوم الثاني من يوم المبايعة الأولى الخاصة ببعض الصحابة. قوله: الذي عنده أي: في الآخرة على الذي عندكم أي: في الدنيا.
7270 حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ضمني إليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم علمه الكتاب
ا
23

مطابقته للترجمة من حيث إنه دعا له بأن يعلمه الله الكتاب ليعتصم به.
ووهيب مصغر وهب ابن خالد بن عجلان البصري يروي عن خالد الحذاء.
والحديث قد مضى في كتاب العلم في: باب قول النبي اللهم علمه الكتاب.
7271 حدثنا عبد الله بن صباح، حدثنا معتمر قال: سمعت عوفا أن أبا المنهال حدثه أنه سمع أبا برزة قال: إن الله يغنيكم أو نعشكم بالإسلام وبمحمد.
انظر الحديث 7112
مطابقته للترجمة من حيث إغناء الله عباده بالإسلام وبنبيه وهو عبارة عن الاعتصام بالدين وبرسوله
وعبد الله بن صباح بتشديد الباء الموحدة العطار البصري، ومعتمر هو ابن سليمان بن طرخان البصري، وعوف بالفاء في آخره هو المشهور بعوف الأعرابي، وأبو المنهال بكسر الميم وسكون النون سيار بن سلامة، وأبو برزة بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وبالزاي اسمه نضلة بفتح النون وسكون الضاد المعجمة بن عبيد الأسلمي سكن البصرة.
والحديث مضى في الفتن في: باب إذا قال عند قوم شيئا.
قوله: يغنيكم من الإغناء بالغين المعجمة والنون. قوله: أو نعشكم بنون ثم عين مهملة وشين معجمة أي: رفعكم أو جبركم من الكسر أو أقامكم من العثر.
7272 حدثنا إسماعيل، حدثني مالك عن عبد الله بن دينار أن عبد الله بن عمر كتب إلى عبد الملك بن مروان يبايعه، وأقر بذلك بالسمع والطاعة على سنة الله وسنة رسوله فيما استطعت.
انظر الحديث 7203 وطرفه
مطابقته للترجمة في قوله: على سنة الله وسنة رسوله فقد اعتصم بهما.
والحديث مضى بأتم من هذا في أواخر كتاب الأحكام في: باب كيف يبايع الإمام.
قوله: يبايعه حال. قوله: وأقر بذلك ويروى: وأقر لك، وهو عطف على متقدم عليه كان في مكتوب ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما. قوله: فيما استطعت يعني قدر استطاعتي.
1
((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بعثت بجوامع الكلم)))
أي: هذا باب في ذكر قول النبي بعثت بجوامع الكلم أي: بجوامع الكلمات القليلة الجامعة للمعاني الكثيرة، وحاصله أنه كان يتكلم بالقول الموجز القليل اللفظ الكثير المعاني، وقيل: المراد بجوامع الكلم القرآن بدليل قوله: بعثت، والقرآن هو الغاية في إيجاز اللفظ واتساع المعاني.
7273 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله قال: بعثت بجوامع الكلم ونصرت بالرعب وبينا أنا نائم رأيتني أتيت بمفاتيح خزائن الأرض، فوضعت في يدي
قال أبو هريرة: فقد ذهب رسول الله وأنتم تلغثونها أو ترغثونها أو كلمة تشبهها.
الترجمة جزء من الحديث وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف يروي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري.
والحديث من أفراده.
قوله: ونصرت على بناء المجهول. قوله: بالرعب أي: الخوف أي: بمجرد الخبر الواصل إلى العدو يفزعون مني ويؤمنون. قوله: وبينا أصله بين أشبعت فتحة النون فصارت ألفا، ويضاف إلى جملة. قوله: رأيتني بضم التاء المثناة أي: رأيت نفسي. قوله: أتيت على بناء المجهول أي: أعطيت. قوله: فوضعت أي: مفاتيح خزائن الأرض بها فتح الله على أمته، والخزائن جمع خزانة وهي الموضع الذي يخزن فيها.
قوله: قال أبو هريرة موصول بالسند المذكور أولا. قوله: فقد ذهب أي: مات. قوله: وأنتم تلغثونها بلام ساكنة وغين معجمة مفتوحة ثم بثاء مثلثة مأخوذة من اللغيث بوزن عظيم وهو الطعام المخلوط بالشعير، ذكره صاحب المحكم عن ثعلب، والمراد: تأكلونها كيف ما اتفق، ويقال: معنى تلغثونها تأكلونها، يعني: الدنيا من اللغيت وهو طعام يخلط بالشعير. قوله: أو ترغثونها شك من الراوي، وهو مثل، تلغثونها،
24

ولكنه بالراء بدل اللام، ومعناه: ترضعونها، من رغث الجدي أمه إذا رضعها، قاله القزاز. وقال أبو عبد الملك. أما باللام فلا نعرف له معنى، وأما بالراء فمعناه: ترضعونها. يقال: ناقة غوث، أي: غزيرة اللبن وكذلك الشاة. وفي المنتهى لأبي المعالي اللغوي: لغث طعامه ولعث بالغين المعجمة والعين المهملة إذا فرقه. قال: واللغيث ما يبقى في الكيل من الحب، فعلى هذا المعنى: وأنتم تأخذون المال فتفرقونه بعد أن تحوزوه. قوله: أو كلمة تشبهها أي: أو قال كلمة تشبه إحدى الكلمتين المذكورتين نحو: تنتثلونها من الانتثال بتاء الافتعال، أو تنثلونها من النثل بالنون والثاء المثلثة وهو الاستخراج، يقال: نثل كنانته إذا استخرج ما فيها من السهام، ومثل جرابه إذا نفض ما فيه. وقال الداودي: المحفوظ في هذا الحديث: تنتثلونها، وفي التلويح في بعض النسخ الصحيحة: وأنتم تلعقونها، بعين مهملة ثم قاف، قال بعضهم: وهو تصحيف، ولو كان له بعض اتجاه. قلت: مجرد دعوى التصحيف لا تسمع ولا يبعد لصحة المعنى.
7274 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا الليث، عن سعيد، عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله أو من أو: آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أني أكثرهم تابعا يوم القيامة.
انظر الحديث 4981
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: وإنما كان الذي أوتيت وحيا إلى آخره، فإنه أراد بقوله: وحيا أوحاه الله إلي القرآن ولا شك أن فيه جوامع الكلم، وهو في القرآن كثير منها. قوله تعالى: * (ولكم في القصاص حيواة ياأولي الألباب لعلكم تتقون) * الآية وقوله: * (تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجرى من تحتها الانهر خالدين فيها وذالك الفوز العظيم) * وغيرها الآية.
وسعيد هذا يروي عن أبيه أبي سعيد المقبري واسمه كيسان.
والحديث مضى في فضائل القرآن عن عبد الله بن يوسف.
قوله: إلا أعطي على صيغة المجهول. قوله: من الآيات أي: المعجزات. قوله: ما مثله في محل الرفع لاستناد أعطي إليه قوله: أومن بضم الهمزة وسكون الواو وكسر الميم من الأمن. قوله: أو: آمن شك من الراوي بالمد وفتح الميم من الإيمان، وحكى ابن قرقول: أن في رواية القابسي بفتح الهمزة وكسر الميم بغير مد من الإيمان. قوله: عليه أي: مغلوبا عليه، يعني: فيه تضمين معناها وإلا فاستعماله بالباء أو باللام. قوله: وإنما كان الذي أوتيت هكذا رواية المستملي، وفي رواية غيره: أوتيته، بالهاء ومعنى الحصر فيه أن القرآن أعظم المعجزات بدوامه إلى آخر الدهر، ولما كان لا شيء يقاربه فضلا عن أن يساويه كان ما عداه بالنسبة إليه كأن لم يقع، ويقال: معناه أن كل نبي أعطي من المعجزات ما كان مثله لمن كان قبله من الأنبياء فآمن به البشر، وأما معجزتي العظمى فهي القرآن الذي لم يعط أحد مثله. فلهذا أنا أكثرهم تبعا. ويقال: إن الذي أوتيت لا يتطرق إليه تخييل بسحر وشبهه بخلاف معجرة غيري فإنه قد يخيل الساحر بشيء مما يقارب صورته. كما خيلت السحرة في صورة العصا. والخيال قد يروج على بعض العوام الناقصة العقول. قوله: تابعا نصب على التمييز.
2
((باب الاقتداء بسنن رسول الله))
أي: هذا باب في بيان وجوب الاقتداء بسنن رسول الله وسننه أقواله وأفعاله، وأمر الله عز وجل عباده باتباع نبيه والاقتداء بسننه فقال: * (ما كان الله ليذر المؤمنين على مآ أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبى من رسله من يشآء فئامنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم) *، * (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) * وقال: * (الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التى كانت عليهم فالذين ءامنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذى
1764; أنزل معه أولائك هم المفلحون) * الآية، وتوعد من خالف سبيله ورغب عن سنته فقال: * (لا تجعلوا دعآء الرسول بينكم كدعآء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) * الآية.
وقول الله تعالى: * (واجعلنا للمتقين إماما) * قال: أئمة نقتدي بمن قبلنا ويقتدي بنا من بعدنا.
وقول الله بالجر عطف على الاقتداء. قوله: أئمة، لم يعلم القائل من هو ولكن ذكر في التفسير قال مجاهد أي: اجعلنا ممن نقتدي بمن قبلنا حتى يقتدي بنا من بعدنا. قوله: أئمة يعني، استعمل الإمام هذا بمعنى الجمع بدليل: اجعلنا، وقال الكرماني: فإن قلت: الإمام هو المقتدى به فمن أين استفاد المأمومية حتى ذكر المقدمة الأولى أيضا؟ قلت: هي لازمة إذ لا يكون متبوعا إلا إذا كان تابعا لهم أي: ما لم يتبع الأنبياء لا تتبعه الأولياء، ولهذا لم يذكر الواو بين المقدمتين.
25

وقال ابن عون: ثلاث أحبهن لنفسي ولإخواني: هذه السنة أن يتعلموها ويسألوا عنها، والقرآن أن يتفهموه ويسألوا عنه، ويدعوا الناس إلا من خير.
أي: وقال عبد الله بن عوف البصري من صغار التابعين، ووصل تعليقه هذا محمد بن نصر المروزي في كتاب السنة والجوزقي من طريقه، قال محمد بن نصر: حدثنا
يحيى بن يحيى حدثنا سليم بن أحضر سمعت ابن عوف يقول غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث: ثلاث أحبهن لنفسي... الخ. قوله: ولإخواني، وفي رواية حماد ولأصحابي. قوله: هذه السنة، أشار إلى طريقة النبي إشارة نوعية لا شخصية. وقال في القرآن: يتفهموه، وفي السنة: يتعلموها، لأن الغالب على حال المسلم أن يتعلم القرآن في أول أمره فلا يحتاج إلى الوصية بتعلمه، فلهذا أوصى بفهم معناه وإدراك منطوقه وفحواه. قوله: أن يتفهموه، وفي رواية يحيى: فيتدبروه، قوله: ويدعوا الناس، بفتح الدال أي: يتركوا الناس، ووقع في رواية الكشميهني بسكون الدال من الدعاء، وفي روايته ويدعوا الناس إلى خير، قال الكرماني: في قوله: ويدعوا الناس أي يتركوا الناس، أي: لا يتعرضوا لهم، رحم الله امرءا شغله خويصة نفسه عن الغير، نعم إن قدر على إيصال خير فبها ونعمت، وإلا ترك الشر أيضا خير.
7275 حدثنا عمرو بن عباس، حدثنا عبد الرحمان، حدثنا سفيان، عن واصل، عن أبي وائل قال: جلست إلى شيبة في هاذا المسجد، قال: جلس إلي عمر في مجلسك هاذا فقال: لقد هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء، إلا قسمتها بين المسلمين. قلت: ما أنت بفاعل. قال: لم؟ قلت: لم يفعله صاحباك. قال: هما المرآن يقتدى بهما.
انظر الحديث 1594
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: هما المرآن يقتدى بهما أي بالنبي وبأبي بكر، رضي الله تعالى عنه، والاقتداء بالنبي اقتداء بسنته.
وعمرو بفتح العين ابن عباس بالباء الموحدة الأهوازي، و عبد الرحمن بن مهدي، و سفيان هو الثوري، و واصل هو ابن حيان بتشديد الياء آخر الحروف وبالنون، وأبو وائل بالهمزة بعد الألف شقيق بن سلمة.
قوله: إلى شيبة بفتح الشين وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة هو ابن عثمان الحجبي العبدري أسلم بعد الفتح وبقي إلى زمان يزيد بن معاوية وليس له في البخاري ولا في مسلم إلا هذا الحديث. قوله: في هذا المسجد أي: المسجد الحرام. قوله: لقد هممت أي: قصدت أن لا أدع أي: أن لا أترك فيها، أي: في الكعبة صفراء أي: ذهبا، ولا بيضاء أي: فضة. قوله: قلت: القائل هو شيبة. قوله: ما أنت بفاعل أي: ما أنت تفعل ذلك. قوله: قال: لم؟ أي: قال عمر: لم لا أفعل؟ قوله: لم يفعله صاحباك أراد بهما النبي، وأبا بكر، رضي الله تعالى عنه. وجواب: لو، محذوف أي: لفعلت، ولكنهما ما فعلاه. فقال عمر: هما المرآن يقتدى بهما وقال ابن بطال: أراد عمر، رضي الله تعالى عنه، قسمة المال في مصالح المسلمين. فلما ذكر شيبة أن النبي، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وأبا بكر بعده لم يتعرضا له لم يسعه خلافهما، ورأى أن الاقتداء بهما واجب، فربما يهدم البيت أو يحتاج إلى ترميمه فيصرف ذلك المال فيه، ولو صرف في منافع المسلمين لكان كأنه قد خرج عن وجهه الذي عين فيه.
7276 حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان قال: سألت الأعمش فقال: عن زيد بن وهب سمعت حذيفة يقول: حدثنا رسول الله أن الأمانة نزلت من السماء في جذر قلوب الرجال، ونزل القرآن فقرأوا القرآن وعلموا من السنة
انظر الحديث 6497 وطرفه
مطابقته للترجمة في آخر الحديث، وهو ظاهر.
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، والأعمش سلميان، وزيد بن وهب الهمداني الجهني الكوفي من قضاعة خرج إلى النبي، فقبض النبي وهو في
26

الطريق، سمع جماعة من الصحابة.
والحديث مضى مطولا في الرقاق وفي الفتن عن محمد بن كثير عن الثوري.
قوله: الأمانة قيل: المراد بها الإيمان وشرائعه. قوله: جذر بفتح الجيم وإسكان الذال المعجمة الأصل، والرجال المؤمنون. قوله: ونزل القرآن يعني: كان في طباعهم الأمانة بحسب الفطرة التي فطر الناس عليها، ووردت الشريعة بذلك فاجتمع الطبع والشرع في حفظها.
7277 حدثنا آدم بن أبي إياس، حدثنا شعبة، أخبرنا عمرو بن مرة سمعت مرة الهمداني يقول: قال عبد الله: إن أحسن الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها، * (إن ما توعدون لأت ومآ أنتم بمعجزين) *
انظر الحديث 6098
مطابقته للترجمة في قوله: وأحسن الهدي هدي محمد، لأن الهدي هو السمت والطريقة، وهي من سنن النبي،
وعمرو بن مرة الجملي بفتح الجيم وتخفيف الميم، ومرة شيخه ابن شراحيل، ويقال له: مرة الطيب بالتشديد، وعبد الله هو ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه.
والحديث مضى في كتاب الأدب.
قوله: وأحسن الهدي بفتح الهاء وسكون الدال، كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني بضم الهاء وفتح الدال مقصورا وهو ضد الضلال. قوله: وشر الأمور إلى آخره، زيادة على الرواية المتقدمة في الأدب، والبخاري اختصره هناك. وظاهر سياق هذا الحديث أنه موقوف لكن القدر الذي له حكم الرفع منه: وأحسن الهدي هدي محمد، فإن فيه إخبارا عن صفة من صفاته وهو أحد أقسام المرفوع على ما قالوه، ولكن جاء هذا عن ابن مسعود مصرحا فيه بالرفع من وجه آخر أخرجه أصحاب السنن الأربعة، لكن ليس هو على شرط البخاري. قوله: محدثاتها جمع محدثة والمراد به ما أحدث وليس له أصل في الشرع، وسمي في عرف الشرع بدعة
، وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة. قوله: * (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون) * إلى آخره، من كلام ابن مسعود أخذه من القرآن للموعظة التي تناسب الحال.
7278، 7279 حدثنا مسدد، حدثنا سفيان، حدثنا الزهري، عن عبيد الله، عن أبي هريرة وزيد بن خالد قال: كنا عند النبي فقال: لأقضين بينكما بكتاب الله
اما
مطابقته للترجمة من حيث إن قوله، بكتاب الله أن السنة يطلق عليها كتاب الله لأنها بوحيه، فإذا كان المراد هو السنة يدخل في الترجمة.
وسفيان هو ابن عيينة، والزهري محمد بن مسلم، وعبيد الله هو ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهذا قطعة من حديث العسيف والذي استأجره، وقد مر بتمامه غير مرة. قوله: بينكما الخطاب لوالد العسيف، والذي استأجره وليس خطابا لأبي هريرة وزيد بن خالد، لأنه قد يتوهم ذلك ظاهرا.
7280 حدثنا محمد بن سنان، حدثنا فليح، حدثنا هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: كل أمتي يدخلون الجنة، إلا من أبى قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: من أطاعني لأن من أطاعه يعمل بسنته.
وفليح بضم الفاء وفتح اللام وبالحاء المهملة ابن سليمان المدني، وهلال بن علي هو الذي يقال له ابن أبي ميمونة، وهلال ابن هلال، وهلال بن أسامة المدني، وعطاء بن يسار ضد اليمين.
والحديث من أفراده.
قوله: إلا من أبى أي: امتنع عن قبول الدعوة أو عن امتثال الأمر، فإن قلت: العاصي يدخل الجنة أيضا، إذ لا يبقى مخلدا في النار؟ قلت: يعني لا يدخل في أول الحال، أو المراد بالإباء الامتناع عن الإسلام.
7281 حدثنا محمد بن عبادة، أخبرنا يزيد، حدثنا سليم بن حيان، وأثناى عليه، حدثنا سعيد
27

بن ميناء، حدثنا أو سمعت جابر بن عبد الله يقول: جاءت ملائكة إلى النبي وهو نائم فقال بعضهم: إنه نائم. وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان. فقالوا: إن لصاحبكم هاذا مثلا، فاضربوا له مثلا، فقال بعضهم: إنه نائم. وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان. فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارا، وجعل فيها مأدبة وبعث داعيا، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار. ولم يأكل من المأدبة. فقالوا: أولوها له يفقهها، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدار الجنة والداعي محمد فمن أطاع محمدا فقد أطاع الله، ومن عصى محمدا فقد عصاى الله، ومحمد فرق بين الناس.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: فمن أطاع محمدا فقد أطاع الله لأن من أطاعه يعمل بسنته.
ومحمد بن عبادة بفتح العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة وبالدال المهملة الواسطي، وما له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر مضى في كتاب الأدب، ويزيد من الزيادة ابن هارون، وسليم بفتح السين المهملة على وزن كريم ابن حيان بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف. قوله: وأثنى عليه أي: على سليم بن حيان، القائل بهذا هو محمد شيخ البخاري، وفاعل: أثنى، هو يزيد. قوله: قال حدثنا أو سمعت القائل ذاك سعيد بن ميناء والشاك هو سليم بن حيان شك في أي الصيغتين قالها شيخه سعيد، ويجوز في جابر النصب والرفع، أما النصب فعلى تقدير: سمعت جابرا، وأما الرفع فعلى تقدير: حدثنا جابر.
قوله: جاءت ملائكة لم يدر أساميهم، وجاء في رواية الترمذي على ما نذكره عن قريب أن الذين حضروا في هذه القصة: جبريل وميكائيل، عليهما السلام، ولفظه: خرج علينا النبي يوما فقال، إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي. قوله: إن لصاحبكم أي: لسيدنا محمد قوله: فاضربوا له مثلا وفي رواية الأكثر قال: فاضربوا له، وسقط لفظ: قال في رواية أبي ذر. قوله: مثله بفتح الميم والمثلثة أي: صفته، ويمكن أن يراد به ما عليه أهل البيان وهو ما نشأ من الاستعارات التمثيلية. قوله: مأدبة بسكون الهمزة وضم الدال بعدها باء موحدة وحكى الفتح في الدال، وقال ابن التين: عن أبي عبد الملك الضم والفتح لغتان فصيحتان، وقال أبو موسى الحامض: من قال بالضم أراد الوليمة، ومن قال بالفتح أراد به أدب الله الذي أدب به عباده، ويتعين الضم هنا. قوله: أولوها أي: فسروها واكشفوها كما هو تعبير الرؤيا حتى يفهم الحق، وقال الكرماني: فإن قلت: التشبيه يقتضي أن يكون مثل الباني هو مثل النبي حيث قال: مثله كمثل رجل بنى دارا لا مثل الداعي. قلت: هذا ليس من باب تشبيه المفرد بالمفرد، بل تشبيه المركب بالمركب من غير ملاحظة مطابقة المفردات من الطرفين، كقوله تعالى: * (إنما مثل الحيواة الدنيا كمآء أنزلناه من السمآء فاختلط به نبات الارض مما يأكل الناس والانعام حتى إذآ أخذت الارض زخرفها وازينت وظن أهلهآ أنهم قادرون عليهآ أتاهآ أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالامس كذالك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) * قوله: فرق بفتح الراء المشددة على أنه فعل ماض، كذا في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره بسكون الراء وبتنوين القاف بمعنى: فارق بين المطيع والعاصي. قوله: ومحمد مرفوع على أنه مبتدأ، و: فرق أو فرق، على الوجهين خبره.
تابعه قتيبة عن ليث عن خالد عن سعيد بن أبي هلال عن جابر: خرج علينا النبي
أي: تابع محمد بن عبادة قتيبة بن سعيد كلاهما من مشايخ البخاري، وليث هو ابن سعد، وخالد هو ابن يزيد أبو عبد الرحيم المصري أحد الثقات، وسعيد بن أبي هلال الليثي المدني، وروى الترمذي هذه المتابعة: حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال أن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: خرج علينا النبي
يوما فقال: إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي، يقول أحدهما لصاحبه: اضرب له مثلا. فقال: اسمع سمعت أذنك، واعقل
28

عقل قلبك، إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ دارا ثم بنى فيها بيتا ثم جعل فيها مائدة ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه، فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من تركه، فالله هو الملك، والدار الإسلام، والبيت الجنة، وأنت يا محمد رسول من أجابك دخل الإسلام ومن دخل الإسلام دخل الجنة ومن دخل الجنة أكل مما فيها هذا حديث مرسل لأن سعيد بن أبي هلال لم يدرك جابر بن عبد الله. انتهى. قيل: فائدة إيراد البخاري هذه المتابعة لرفع توهم من يظن أن طريق سعيد بن ميناء موقوف لأنه لم يصرح برفع ذلك إلى النبي وذكر هذه المتابعة لتصريحها بالرفع.
7282 حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم، عن همام عن حذيفة قال: يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيدا، فإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا.
مطابقته للترجمة في قوله: استقيموا لأن الاستقامة هي الاقتداء بسنن الرسول
وأبو نعيم الفضل بن دكين، وسفيان هو الثوري، والأعمش هو سليمان، وإبراهيم هو النخعي، وهمام بتشديد الميم هو ابن الحارث. ورجال السند كلهم كوفيون.
قوله: يا معشر القراء بضم القاف قارىء، والمراد بهم العلماء بالقرآن والسنة والعباد وكان في الصدر الأول إذا أطلقوا القراء أرادوا بهم العلماء. قوله: استقيموا أي: اسلكوا طريق الاستقامة، وهو كناية عن التمسك بأمر الله فعلا وتركا. قوله: فقد سبقتم على صيغة المجهول يعني: لازموا الكتاب والسنة فإنكم مسبوقون سبقا بعيدا، أي: قويا متمكنا، فربما يلحقون بهم بعض اللحوق. قوله: فإن أخذتم يمينا وشمالا أي: خالفتم الأمر وأخذتم غير طريق الاستقامة، فقد ضللتم ضلالا بعيدا، أي: قويا متمكنا. قال الله تعالى: * (وأن هاذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذالكم وصاكم به لعلكم تتقون) *
7283 حدثنا أبو كريب، حدثنا أبو أسامة، عن بريد، عن أبي بردة عن أبي موساى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به، كمثل رجل أتى قوما، فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني وإني أنا النذير العريان، فالنجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا فانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم، فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذالك مثل من أطاعني، فاتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق
انظر الحديث 6482
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: فأطاعه طائفة من قومه لأن إطاعة النبي اقتداء بسنته.
وأبو كريب محمد بن العلاء، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وبريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء هو ابن عبد الله يروي عن جده أبي بردة عامرا أو الحارث، وأبو بردة يروي عن أبيه أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس.
والحديث مضى في الرقاق في: باب الانتهاء عن المعاصي.
قوله العريان أي: المجرد عن الثياب، كانت عادتهم أن الرجل إذا رأى العدو وأراد إنذار قومه يخلع ثوبه ويديره حول رأسه إعلاما لقومه من بعيد بالغارة ونحوها. قوله: فالنجاء ممدودا ومقصورا بالنصب على أنه مفعول مطلق أي: الإسراع والإدلاج، بكسر الهمزة السير أول الليل، ومن باب الافتعال السير آخر الليل. قوله: على مهلهم أي: على سكينتهم. قوله: فصبحهم الجيش أي: أتوهم صباحا وأغاروا عليهم. قوله: واجتاحهم بالجيم ثم الحاء المهملة أي: استأصلهم.
7284، 7285 حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ل يث، عن عقيل، عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول الله واستخلف أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب قال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله
29

أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إلاه إلا الله، فمن قال: لا إلاه إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله؟ فقال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعه. فقال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق.
قال ابن بكير، وعبد الله عن الليث: عناقا، وهو أصح.
ما
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن من فرق بينهما خرج على الاقتداء بسنته.
ورجاله قد ذكروا غير مرة. والحديث قد مضى في أول الزكاة، ومضى الكلام فيه.
قوله: واستخلف على صيغة المجهول. قوله: الناس هم طائفة منعوا الزكاة بشبهة أن صلاة أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، ليست سكنا لهم بخلاف صلاة الرسول، فإنها كانت سكنا قال تعالى: * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم والله سميع عليم) * قوله: فإن الزكاة حق المال أي: هذا داخل تحت الاستثناء الرافع للعصمة المبيح للقتال.
قوله: قال ابن بكير أي: يحيى بن عبد الله بن بكير المصري، وعبد الله هو ابن صالح كاتب الليث يعني: حدثه به يحيى بن بكير وعبد الله عن الليث بالسند المذكور بلفظ: عناقا، بدل عقالا.
7286 حدثني إسماعيل، حدثني ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، قال: قدم عيينة بن
حصن بن حذيفة بن بدر فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس بن حصن، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجلس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبانا، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي هل لك وجه عند هاذا الأمير فتستأذن لي عليه؟ قال: سأستأذن لك عليه.
قال ابن عباس: فاستأذن لعيينة، فلما دخل قال: يا ابن الخطاب والله ما تعطينا الجزل وما تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى هم بأن يقع به، فقال الحر: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه * (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) * وإن هاذا من الجاهلين، فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافا عند كتاب الله.
انظر الحديث 4642
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: وكان وقافا عند كتاب الله فإن الذي يقف عند كتاب الله هو الذي يقتدي بسنن رسول الله والوقوف عند كتاب الله عبارة عن العمل بما فيه.
وإسماعيل هو ابن أبي أويس يروي عن عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد الأيلي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري.
والحديث مضى في التفسير في سورة الأعراف عن أبي اليمان عن شعيب.
قوله: عيينة مصغر عينة بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالنون ابن حصن بكسر الحاء المهملة وسكون الصاد المهملة وبالنون ابن حذيفة بن بدر الفزاري معدود في الصحابة وكان في الجاهلية موصوفا بالشجاعة والجهل والجفاء، وله ذكر في المغازي ثم أسلم في الفتح وشهد مع النبي حنينا فأعطاه مع المؤلفة وسماه النبي الأحمق المطاع، ووافق طليحة الأسدي لما ادعى النبوة، فلما غلبهم المسلمون في قتال أهل الردة فر طليحة وأسر عيينة، فأتي به أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، فاستتابه فتاب. قوله: الحر بضم الحاء المهملة وتشديد الراء ابن قيس بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، قال أبو عمر: الحر كان من الوفد الذين قدموا على رسول الله
30

من فزارة مرجعه من تبوك. قوله: وكان من النفر أي: وكان الحر بن قيس من الطائفة: الذين يدنيهم عمر أي: يقربهم ثم بين ابن عباس سبب إدنائه الحر بقوله: وكان القراء أصحاب مجلس عمر وأراد بالقراء العلماء والعباد فدل ذلك على أن الحر المذكور كان يتصف بذلك، فلذلك كان عمر يدنيه. قوله: ومشاورته أي: وأصحاب مشاورته، يعني: كان يشاورهم في الأمور. وقال الكرماني: ومشاورته بلفظ المصدر وبلفظ المفعول. قوله: كهولا كانوا أو شبانا الكهول جمع كهل والشبان جمع شاب، أراد أن هؤلاء المذكورين أصحاب مجلسه وأصحاب مشورته سواء فيهم الكهول والشبان لأن كلهم كانوا على خير. قوله: هل لك وجه أي: وجاهة ومنزلة. قوله: عند هذا الأمير أراد به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، لكن لم يقل هذا الأمير إلا من قوة جفائه وعدم معرفته بمنازل الأكابر. قوله: فتستأذن لي بالنصب أي: فتطلب منه الإذن في خلوة، لأن عمر كان لا يحتجب إلا عند خلوته وراحته ولأجل ذلك قال: الحر سأستأذن لك حتى تجتمع به وحدك.
قوله: قال ابن عباس موصول بالسند المذكور. قوله: يا ابن الخطاب هذا أيضا من جفائه حيث لم يقل: يا أمير المؤمنين، أو يا عمر بن الخطاب، وقد تقدم في سورة الأعراف: فلما دخل عليه قال: هي يا ابن الخطاب بكسر الهاء وسكون الباء، وهذه كلمة تقال في الاستزادة، وبمعنى التهديد، وأشار صاحب التوضيح إلى المعنى الثاني. قوله: الجزل بفتح الجيم وسكون الزاي بعدها لام، أي: العطاء الكثير، وأصل الجزل ما عظم من الخطب. قوله: وما تحكم وفي رواية الكشميهني: ولا تحكم. قوله: حتى هم أن يقع به أي: حتى قصد أن يبالغ في ضربه، وفي رواية التفسير: حتى هما أن يوقع به، قوله: وإن هذا من الجاهلين أي: أعرض عنه. قوله: فوالله ما جاوزها قيل: إنه من كلام ابن عباس، وقيل: من كلام الحر بن قيس، ومعنى: ما جاوزها، ما عمل بغير ما دلت عليه الآية، بل عمل بمقتضاها، فلذلك قال: وكان وقافا عند كتاب الله أي: يعمل بما فيه ولا يتجاوزه.
7287 حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء ابنة أبي بكر، رضي الله عنهما، أنها قالت: أتيت عائشة حين خسفت الشمس، والناس قيام وهي قائمة تصلي، فقلت: ما للناس؟ فأشارت بيدها نحو السماء. فقالت: سبحان الله فقلت: آية؟ قالت برأسها: أن نعم، فلما انصرف رسول الله حمد الله وأثناى عليه ثم قال: ما من شيء لم أره إلا وقد رأيته في مقامي هاذا، حتى الجنة والنار، وأوحي إلي أنكم تفتنون في القبور قريبا من فتنة الدجال، فأما المؤمن أو المسلم لا أدري أي ذالك قالت أسماء فيقول: محمد جاءنا بالبينات فأجبنا وآمنا، فيقال: نم صالحا علمنا أنك موقن، وأما المنافق أو المرتاب لا أدري أي ذالك قالت أسماء فيقول: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته
ا
وجه مطابقته للترجمة يمكن أن يؤخذ من قوله: محمد جاءنا بالبينات فأجبنا لأن الذي أجاب وآمن هو الذي اقتدى بسنته،
وفاطمة بنت المنذر زوجة هشام بن عروة، وأسماء جدتها.
والحديث مضى في كتاب العلم في: باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس.
قوله: حين خسفت الشمس ويروى: كسفت الشمس، فدل على أن الخسوف والكسوف كليهما يستعملان للشمس، وفيه رد على من قال: إن الكسوف مختص بالشمس والخسوف بالقمر. قوله: تفتنون أي: تمتحنون، وذلك بسؤال منكر ونكير. قوله: فأجبنا أي: دعوته وآمنا به.
7288 حدثنا إسماعيل، حدثني مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دعوني ما تركتكم، إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم.
31

مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث لأن الذي يجتنب عما نهاه نبي الله ويأتمر بما أمره به يكون ممن اقتدى بسنن النبي
وإسماعيل هو ابن أبي أويس ابن أخت مالك، وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز والحديث من أفراده بهذا الوجه.
قوله: دعوني أي: اتركوني. قوله: ما تركتكم أي: مدة تركي إياكم، وإنما غاير بين اللفظين لأن الماضي أميت من باب يدع، وأما قراءة * (ما ودعك ربك وما قلى) * بالتخفيف فشاذة. قوله: هلك على صيغة المعلوم من الماضي: ومن فاعله وهو رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: إنما أهلك، على صيغة المعلوم أيضا من الثلاثي المزيد فيه، ويكون سؤالهم مرفوعا فاعله. وقوله: من كان مفعوله وليس فيه الباء، وأما على رواية غير الكشميهني بالباء: بسؤالهم أي: بسبب سؤالهم. قوله: واختلافهم بالرفع والجر بحسب العطف على ما قبله. قوله: وإذا أمرتكم بأمر وفي رواية مسلم: بشيء. قوله: فأتوا منه ما استطعتم أي: افعلوا قدر استطاعتكم، وقال النووي: هذا من جوامع الكلم وقواعد الإسلام ويدخل فيه كثير من الأحكام كالصلاة لمن عجز عن ركن أو شرط فيأتي بالمقدور، وكذا الوضوء وستر العورة وحفظ بعض الفاتحة والإمساك في رمضان لمن أفطر بالعذر ثم قدر في أثناء النهار إلى غير ذلك من المسائل التي يطول شرحها.
3
((باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه))
أي: هذا باب في بيان ما يكره من كثرة السؤال عن أمور معينة، ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيتها، والسؤال عما لا يكون له شاهد في عالم الحس، كالسؤال عن قرب الساعة وعن الروح وعن مدة هذه الأمة إلى أمثال ذلك مما لا يعرف إلا بالنقل الصرف. قوله: وتكلف ما لا يعنيه، أي: ما لا يهمه.
وقوله تعالى: * () *
وقوله بالجر عطفا على قوله: ما يكره، وكأنه استدل بهذه الآية على المدعي من الكراهة، وفي سبب نزولها اختلاف. فقال سعيد بن جبير: نزلت في الذين سألوا عن البحيرة والسائبة والوصيلة، ألا ترى أن ما بعدها: * (ما جعل الله من بحيرة ولا سآئبة ولا وصيلة ولا حام ولاكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون) * وقال الحسن البصري: سألوه عن أمور الجاهلية التي عفى الله عنها، ولا وجه للسؤال عما عفى الله عنها. وقيل: كان الذي سأل رسول الله عن أبيه ينازعه رجلان فأخبره بأنه منهما. واعلم أن السؤال عن مثل هذا لا ينبغي، وإنه أظهر فيه الجواب ساء ذلك السائل وأدى ذلك إلى فضيحته، وقيل: إنما نهى في هذه الآية لأنه وجب الستر على عباده رحمة منه لهم، وأحب أن لا يقترحوا المسائل. وقال المهلب: وأصل النهي عن كثرة السؤال والتنطع في المسائل مبين في قوله تعالى في بقرة بني إسرائيل حين أمرهم الله بذبح بقرة، فلو ذبحوا أي بقرة كانت، لكانوا مؤتمرين غير عاصين، فلما شددوا شدد الله عليهم، وقيل: أراد النهي عن أشياء سكت عنها، فكره السؤال عنها لئلا يحرم شيئا كان مسكوتا عنه.
7289 حدثنا عبد الله بن يزيد المقرىء، حدثنا سعيد، حدثني عقيل عن ابن شهاب، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته.
مطابقته للجزء الثاني للترجمة ظاهرة. وسعيد هو ابن أبي أيوب الخزاعي المصري، واسم أبي أيوب مقلاص بكسر الميم وسكون القاف وفي آخره صاد مهملة، وكان ثقة ثبتا. قوله: عن أبيه هو سعد بن أبي وقاص.
والحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي، عن يحيى بن يحيى وغيره. وأخرجه أبو داود في السنة عن عثمان بن أبي شيبة.
قوله: إن أعظم المسلمين جرما أي: من حيث الجرم أي: الذنب، وفي رواية مسلم: إن أعظم الناس في المسلمين جرما، قال الطيبي
32

شيخ شيخي: فيه من المبالغة أنه جعله عظيما ثم فسره بقوله: جرما، ليدل على أنه نفس الجرم. وقوله: في المسلمين أي: في حقهم. قوله: عن شيء وفي رواية سفيان: عن أمر. قوله: لم يحرم على صيغة المجهول من التحريم صفة لقوله: شيء. قوله: فحرم على صيغة المجهول أيضا من التحريم، وفي رواية مسلم: عليهم، وله من رواية سفيان: عليهم، وقال ابن بطال عن المهلب: ظاهر الحديث يتمسك به القدرية في أن الله يفعل شيئا من أجل شيء وليس كذلك، بل هو على كل شيء قدير، فهو فاعل السبب والمسبب كل ذلك بتقديره، ولكن الحديث محمول على التحذير مما ذكر فعظم جرم من فعل ذلك لكثرة الكارهين لفعله، وقال غيره: أهل السنة لا ينكرون إمكان التعليل، وإنما ينكرون وجوبه فلا يمتنع أن يكون المقدر الشيء الفلاني يتعلق به الحرمة إن سئل عنه، وقد سبق القضاء بذلك، لا أن السؤال علة للتحريم. فإن قلت: قوله تعالى: * (ومآ أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحى
1764; إليهم فاسئلو
1764; ا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) * يدل على وجوب السؤال. قلت: هو معارض بقوله: لا تسألوا عن أشياء فالتحقيق أن المأمور به هو ما تقرر حكمه من وجوب ونحوه، والمنهي هو ما لم يتعبد الله به عباده ولم يتكلم بحكم فيه. فإن قلت: السؤال ليس يتعلق به حرمة ولئن تعلقت به فليس بكبيرة، ولئن كانت فليست بأكبر الكبائر. قلت: السؤال عن الشيء بحيث يصير سببا لتحريم شيء مباح هو أعظم الجرائم لأنه صار سببا لتضييق الأمر على جميع المسلمين، فالقتل مثلا مضرته راجعة إلى المقتول وحده بخلافه فإنه عام للكل.
7290 حدثنا إسحاق أخبرنا عفان، حدثنا وهيب، حدثنا موسى بن عقبة سمعت أبا النضر يحدث عن بسر بن سعيد، عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة في المسجد من حصير، فصلى رسول الله فيها ليالي حتى اجتمع إليه ناس، ثم فقدوا صوته ليلة، فظنوا أنه قد نام، فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم. فقال: ما
زال بكم الذي رأيت من صنيعكم، حتى خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة
انظر الحديث 731 وطرفه
مطابقته للترجمة للجزء الثاني وهي إنكاره ما صنعوا من تكلف ما لم يأذن لهم فيه من الجمعية في المسجد في صلاة الليل.
وشيخه إسحاق هو ابن منصور، وقال الجياني: لعله ابن منصور أو ابن راهويه، وعفان هو ابن مسلم الصفار، ووهيب هو ابن خالد، وأبو النضر بفتح النون وسكون المعجمة سالم بن أبي أمية، وبسر بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة ابن سعيد مولى الحضرمي من أهل المدينة.
والحديث مضى في كتاب الصلاة عن عبد الأعلى بن حماد، ومضى الكلام فيه.
قوله: اتخذ حجرة بالراء وفي رواية المستملي: بالزاي، وهما بمعنى، قال الكرماني: اتخذ حجرة أي: حوط موضعا في المسجد بحصير يستره من الناس ليصلي فيه. قوله: ليالي أي: من رمضان، وذلك كان في التراويح. قوله: من صنيعكم بفتح الصاد وكسر النون وفي رواية السرخسي: من صنعكم، بضم الصاد وسكون النون. قوله: أن يكتب أي: يفرض. قوله: إلا المكتوبة أي: إلا المفروضة. فإن قلت: صلاة العيد ونحوها شرع فيها الجماعة في المسجد؟ قلت: لها حكم الفريضة لأنها من شعار الشرع. فإن قلت: تحية المسجد وركعتا الطواف ليس البيت فيهما أفضل. قلت: العام قد يخص بالأدلة الخارجية، وتحية المسجد لتعظيم المسجد فلا تصح إلا فيه، وما من عام، إلا وقد خص إلا قوله تعالى: * (الذين يأكلون الربواا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالو
1764; ا إنما البيع مثل الربواا وأحل الله البيع وحرم الربواا فمن جآءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولائك أصحاب النار هم فيها خالدون) * وغيرها
7291 حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا أبو أسامة، عن بريد بن أبي بردة، عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري قال: سئل رسول الله عن أشياء كرهها، فلما أكثروا عليه المسألة غضب وقال: سلوني فقام رجل فقال: يا رسول الله من أبي؟ قال: أبوك حذافة ثم قام آخر فقال:
33

يا رسول الله من أبي؟ فقال: أبوك سالم مولى شيبة فلما رأى عمر ما بوجه رسول الله من الغضب قال: إنا نتوب إلى الله عز وجل.
انظر الحديث 92
مطابقته للجزء الأول للترجمة ظاهرة وشيخه يوسف بن موسى بن راشد القطان الكوفي سكن بغداد ومات بها سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وبريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء ابن عبد الله يروي عن جده أبي بردة عامر أو الحارث عن أبي موسى الأشعري.
والحديث مضى في كتاب العلم في: باب الغضب في الموعظة، فإنه أخرجه هناك عن محمد بن العلاء عن أبي أسامة ومضى الكلام فيه.
قوله: إنا نتوب إلى الله عز وجل زاد في رواية الزهري: فبرك عمر، رضي الله تعالى عنه، على ركبتيه، فقال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا، وفي رواية قتادة من الزيادة: ونعوذ بالله من شر الفتن، وفي مرسل السدي عند الطبري في نحو هذه القصة: فقام إليه عمر فقبل رجله، وقال: رضينا بالله ربا... فذكر مثله، وزاد: وبالقرآن إماما فاعف عفا الله عنك، فلم يزل به حتى رضي.
7292 حدثنا موساى، حدثنا أبو عوانة، حدثنا عبد الملك، عن وراد كاتب المغيرة قال: كتب معاوية إلى المغيرة: اكتب إلي ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إليه إن نبي الله كان يقول في دبر كل صلاة: لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد وكتب إليه إنه كان ينهاى عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال، وكان ينهاى عن عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات.
ا
مطابقته للجزء الأول للترجمة في قوله: وكثرة السؤال
و موسى هو ابن إسماعيل، و أبو عوانة بفتح العين المهملة اسمه الوضاح اليشكري، و عبد الملك هو ابن عمير، ووراد بفتح الواو وتشديد الراء كاتب المغيرة بن شعبة ومولاه.
والحديث أخرجه البخاري في مواضع في الصلاة في: باب الذكر بعد الصلاة، فإنه أخرجه هناك عن محمد بن يوسف إلى قوله: منك الجد، وفي الرقاق عن علي بن مسلم، وفي القدر عن محمد بن سنان وفي الدعوات عن قتيبة ومضى الكلام فيه في هذا المواضع.
قوله: في دبر أي: في عقب كل صلاة. قوله: الجد أي: البخت والحظ أو أب الأب، وبالكسر الاجتهاد أي: لا ينفع ذا الغنى أو النسب أو الكد والسعي منك غناه، وإنما ينفعه الإيمان والطاعة. وقال الخطابي: من، هاهنا بمعنى البدل، وقال الجوهري: معنى منك، هاهنا عندك تقديره: ولا ينفع هذا الغنى عندك غنى، وإنما ينفعهم العمل بطاعتك. قوله: وكتب إليه عطف على قوله: فكتب إليه وهو موصول بالسند المذكور. قوله: عن قيل وقال بلفظ الاسمين وبلفظ الفعلين الماضيين أي: نهى عن الجدال والخلاف أو عن أقوال الناس. قوله: وكثرة السؤال أي: عن المسائل التي لا حاجة إليها، أو عن أخبار الناس أو عن أحوال تفاصيل معاش صاحبك، أو هو سؤال للأموال الاستكثار من المنافع الدنيوية. قوله: وإضاعة المال هو صرفه في غير ما ينبغي قوله: عن عقوق الأمهات جمع أم وأصلها: أمه، فلذلك تجمع على أمهات، وقال بعضهم: الأمهات للناس والأمات للبهائم، قاله الجوهري، وإنما اقتصر على الأمهات لأن حرمتهن آكد من الأباء ولأن أكثر العقوق يقع للأمهات. قوله:
ووأد البنات هو دفنهن أحياء تحت التراب، وهذا كان من عادتهم في الجاهلية. قوله: ومنع أي: ومنع الرجل ما توجه عليه من الحقوق. قوله: وهات أي: ونهى عن طلب الرجل ما ليس له حاجة إليه. وقال الجوهري: تقول: هات يا رجل، التاء أي: أعطني، وللاثنين: هاتيان، وللجمع: هاتوا أو للمرأة: هاتي، وللمرأتين: هاتيا، وللنساء: هاتين. مثل: عاطين، وقال الخليل: أصل هات من آتى يؤتى فقلبت الألف هاء.
34

7293 حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس قال: كنا عند عمر فقال: نهينا عن التكلف.
مطابقته للجزء الثاني للترجمة ظاهرة. وهكذا أورده البخاري مختصرا.
وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي مسلم الكجي عن سليمان بن حرب شيخ البخاري ولفظه: عن أنس كنا عند عمر، رضي الله تعالى عنه، وعليه قميص في ظهره أربع رقاع، فقرأ: * (وفاكهة وأبا) * فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب؟ ثم قال: مه؟ نهينا عن التكلف. قيل: إخراج البخاري هذا الحديث في هذا الباب إشارة منه إلى أن قول الصحابي: أمرنا ونهينا، في حكم المرفوع ولو لم يضفه إلى النبي ومن ثمة اقتصر على قوله: نهينا عن التكلف وحذف القصة.
7294 حدثنا أبو اليمان أخبرنا، شعيب، عن الزهري. ح وحدثني محمود، حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر، عن الزهري، أخبرني أنس بن مالك، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر، فلما سلم قام على المنبر فذكر الساعة وذكر أن بين يديها أمورا عظاما، ثم قال: من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل عنه فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هاذا
قال أنس: فأكثر الناس البكاء، وأكثر رسول الله أن يقول سلوني فقال أنس: فقام إليه رجل فقال: أين مدخلي يا رسول الله؟ قال: النار فقام عبد الله بن حذافة فقال: من أبي يا رسول الله؟ قال: أبوك حذافة قال: ثم أكثر أن يقول: سلوني سلوني فبرك عمر على ركبتيه فقال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا قال: فسكت رسول الله حين قال عمر ذالك، ثم قال رسول الله والذي نفسي بيده لقد عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هاذا الحائط، وأنا أصلي، فلم أر كاليوم في الخير والشر
ا
مطابقته للجزء الأول للترجمة، وأخرجه من طريقين: الأول: عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن مسلم الزهري عن أنس بن مالك، والثاني: عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق بن همام عن معمر بن راشد عن الزهري.
والحديث مضى في الصلاة في: باب وقت الظهر عند الزوال، أخرجه عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن أنس وهنا ساقه على لفظ معمر، ومضى الكلام فيه.
قوله: فأكثر الناس البكاء وفي رواية الكشميهني: فأكثر الأنصار البكاء، وذلك لما سمعوا من الأمور العظام الهائلة التي بين أيديهم. قوله: وأكثر رسول الله أن يقول: سلوني كلمة: أن، مصدرية أي: أكثر من قوله: سلوني، وذلك على سبيل الغضب. قوله: النار بالرفع ووجه ذلك أنه كان منافقا، أو عرف رداءة خاتمة حاله كما عرف حسن خاتمة العشرة المبشرة. قوله: فبرك من البروك وهو للبعير، فاستعمل للإنسان كما استعمل المشفر للشفة مجازا. قوله: آنفا يقال: فعلت الشيء آنفا، أي: في أول وقت يقرب مني وهنا معناه: الآن. قوله: في عرض هذا الحائط بضم العين أي: في جانبه أو ناحيته. قوله: وأنا أصلي جملة حالية. قوله: كاليوم صفة لمحذوف أي: فلم أر يوما مثل هذا اليوم.
7295 حدثنا محمد بن عبد الرحيم، أخبرنا روح بن عبادة، حدثنا شعبة، أخبرني موساى بن أنس قال: سمعت أنس بن مالك قال: قال رجل: يا نبي الله من أبي؟ قال: أبوك فلان ونزلت الآية * (ياأيها
35

الذين ءامنوا لا تسألوا عن أشيآء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرءان تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم) *
ا
مطابقته للترجمة ظاهرة. ومحمد بن عبد الرحيم أبو يحيى كان يقال له صاعقة، وروح بفتح الراء ابن عبادة بالضم وتخفيف الباء.
والحديث مضى في التفسير عن المنذر بن الوليد الجارودي، وفي الرقاق عن محمد بن عبد الرحيم مثل ما هنا.
7296 حدثنا الحسن بن صباح، حدثنا شبابة، حدثنا ورقاء، عن عبد الله بن عبد الرحمان سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول الله لن يبرح الناس يتساءلون حتى يقولوا: هاذا الله خالق كل شيء فمن خلق الله؟
مطابقته للترجمة في الجزء الأول. وشيخه الحسن بن الصباح بتشديد الباء الواسطي، وشبابة بفتح الشين المعجمة وتخفيف الباء الموحدة الأولى ابن سوار بفتح السين المهملة وتشديد الواو، وورقاء مؤنث الأورق ابن عمر، و عبد الله بن عبد الرحمن أبو طوالة بضم الطاء المهملة وتخفيف الواو الأنصاري قاضي المدينة.
والحديث من أفراده من هذا الوجه.
قوله: لن يبرح أي: لن يزال. قوله: يتساءلون وفي رواية المستملي: يساءلون، بتشديد السين قال الكرماني، معرفة الله بالدليل فرض عين أو فرض كفاية، والسؤال عنها واجب. والجواب يحتمل أن يراد أن كونه تعالى غير مخلوق ضروري أو كسبي يقارب الضروري، فالسؤال عنه تعنت أو هو مذمة للسؤال الذي يكون على سبيل التعنت، وإلا فهو صريح الإيمان إذ لا بد من الانقطاع إلى من لا يكون له خالق دفعا للتسلسل أو ضرورة. قوله: حتى يقولوا أي: حتى أن يقولوا. قوله: هذا الله خالق كل شيء وفي رواية مسلم: هذا خلق الله الخلق، ثم إنه يحتمل أن يكون: هذا، مفعولا والمعنى: حتى يقال هذا القول، وأن يكون مبتدأ حذف خبره أي: هذا
الأمر قد علم ويحتمل أن يكون: هذا الله، مبتدأ وخبرا. و: خالق كل شيء، خبر مبتدأ محذوف أي: هو خالق كل شيء، ويحتمل أن يكون: هذا، مبتدأ و: الله، عطف بيان، و: خالق كل شيء، خبره. وفي مسلم: فمن وجد من ذلك شيئا فليقل: آمنت بالله، وزاد في رواية أخرى: ورسله، وفي رواية أبي داود والنسائي: فقولوا: الله أحد الله الصمد، السورة، ثم يتفل عن يساره، ثم ليستعذ بالله.
7297 حدثنا محمد بن عبيد بن ميمون، حدثنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود، رضي الله عنه، قال: كنت مع النبي في حرث بالمدينة وهو يتوكأ على عسيب، فمر بنفر من اليهود فقال بعضهم: سلوه عن الروح، وقال بعضهم: لا تسألوه لا يسمعكم ما تكرهون، فقاموا إليه فقالوا: يا أبا القاسم حدثنا عن الروح، فقام ساعة ينظر فعرفت أنه يوحى إليه، فتأخرت عنه حتى صعد الوحي ثم قال: * (وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والارض لن ندعوا من دونه إلاها لقد قلنا إذا شططا) *.
ا
مطابقته للجزء الثاني للترجمة ظاهرة.
ومحمد بن عبيد مصغر عبد والأعمش سليمان، وإبراهيم النخعي، وعلقمة بن قيس.
والحديث مضى في تفسير سورة: سبحان، فإنه أخرجه هناك عن عمر بن حفص عن أبيه عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود، ومضى الكلام فيه.
قوله: في حرث بالثاء المثلثة أي: زرع، ويروى في: خرب، بالخاء المعجمة والباء الموحدة. قوله: عسيب بفتح العين وكسر السين المهملتين وهو جريد النخل. قوله: لا يسمعكم بالرفع والجزم. قوله: حتى صعد الوحي بكسر العين المهملة.
36

4
((باب الاقتداء بأفعال النبي))
أي: هذا باب في بيان الاقتداء بأفعال النبي ولم يوضح ما حكم الاقتداء بأفعاله، لمكان الاختلاف فيه، فقال قوم: يجب اتباعه في فعله كما يجب في قوله حتى يقوم دليل على الندب أو الخصوصية، كذا قاله الداودي، وبه قال ابن شريح وأبو سعيد الإصطخري وابن خيران، وقال آخرون: يحتمل الوجوب والندب والإباحة فيحتاج إلى القرينة، وبه قال أبو بكر بن أبي الطيب، وقال آخرون: للندب إذا ظهر وجه القربة، وقيل: ولو لم يظهر. وقال آخرون: ما فعله إن كان بيانا لمجمل فحكمه حكم ذلك المجمل وجوبا أو ندبا أو إباحة، وقال الشافعي: إنه يدل على الندب، وقال مالك: يدل على الإباحة.
7298 حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: اتخذ النبي خاتما من ذهب فاتخذ الناس خواتيم من ذهب فقال النبي إني اتخذت خاتما من ذهب فنبذه وقال: إني لن ألبسه أبدا فنبذ الناس خواتيمهم
ا
مطابقته للترجمة من حيث إن الناس اقتدوا بفعله، حيث نبذوا خواتيمهم التي صنعوها من ذهب لما نبذ النبي، خاتمه.
وأبو نعيم الفضل بن دكين، وسفيان هو الثوري كما نص عليه الحافظ المزي.
والحديث مضى من وجه آخر في كتاب اللباس في: باب خواتيم الذهب.
قوله: خواتيم يعني: اتخذ كل واحد خاتما لأن مقابلة الجمع بالجمع مفيدة للتوزيع. قوله: اتخذت ويروى: أخذت.
5
((باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم والعلو في الدين والبدع))
أي: هذا باب في بيان ما يكره من التعمق وهو التشدد في الأمر حتى يتجاوز الحد فيه. قوله: والتنازع في العلم، أي: التجادل فيه يعني عند الاختلاف في الحكم إذا لم يتضح الدليل فيه. قوله: والغلو، بضم الغين المعجمة واللام وتشديد الواو وهو التجاوز في الحد، قاله الكرماني. قلت: الغلو فوق التعمق وهو من غلا في الشيء يغلو غلوا، وغلا في السعر يغلو غلاء، وورد النهي عنه صريحا فيما أخرجه النسائي وابن ماجة والحاكم من طريق أبي العالية عن ابن عباس، قال: قال رسول الله فذكر حديثا وفيه: وإياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من قبلكم الغلو في الدين، وهو مثل البحث في الربوبية حتى يحصل نزغة من نزغات الشيطان فيؤدي إلى الخروج عن الحق، والذين غلوا في الفكرة آل بهم الأمر إلى أن جعلوا آلهة ثلاثة، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، قوله: والبدع جمع بدعة وهي ما لم يكن له أصل في الكتاب والسنة، وقيل: إظهار شيء لم يكن في عهد رسول الله ولا في زمن الصحابة، رضي الله تعالى عنهم.
لقوله تعالى: * (ياأهل الكتاب لا تغلوا فى دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فئامنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إلاه واحد سبحانه أن يكون له ولد له وما فى السماوات وما فى الارض وكفى بالله وكيلا) *
احتج بهذه الآية على تحريم الغلو في الدين، وأهل الكتاب: اليهود والنصارى، وإذا قلنا: إن لفظ أهل الكتاب للتعميم يتناول غير اليهود والنصارى بالإلحاق.
7299 حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا هشام، أخبرنا معمر، عن الزهري عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تواصلوا قالوا: إنك
تواصل. قال: إني لست مثلكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني فلم ينتهوا عن الوصال، قال: فواصل بهم النبي يومين أو ليلتين ثم رأوا الهلال فقال النبي لو تأخر الهلال لزدتكم كالمنكل لهم
ا
قيل: لا مطابقة بين الحديث والترجمة هنا أصلا، ورد بأن عادته جرت بإيراد ما لا يطابق الترجمة ظاهرا لكن يناسبها طريق
37

من طرق الحديث الذي يورده، وهنا كذلك.
ومضى في حديث أنس في كتاب التمني قال: واصل النبي، آخر الشهر وواصل أناس من الناس، فبلغ النبي، فقال: لو مد بي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم، إني لست مثلكم، إني أظل يطعمني ربي ويسقيني، فإن هذا يطابق الترجمة، وحديث الوصال واحد وإن كان رواية الصحابة متعددة، وقد رواه في كتاب الصيام في ثلاثة أبواب عن أنس وابن عمر وابن سعيد وعن عائشة وأبي هريرة، وحديث الباب رواه في: باب التنكيل لمن أكثر الوصال، أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وهنا أخرجه عن عبد الله بن محمد المعروف بالمسندي عن هشام بن يوسف اليماني قاضيها، عن معمر بفتح الميمين ابن راشد عن محمد بن مسلم الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
قوله: لا تواصلوا أي: في الصوم. قوله: إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني قيل: إذا كان يطعمه الله لا يكون مواصلا بل مفطرا. وأجيب: بأن المراد بالإطعام لازمه وهو التقوية، أو المراد من طعام الجنة وهو لا يفطر آكله، قوله: فلم ينتهوا عن الوصال قيل: لم خالفوا النهي؟ وأجيب: بأنهم ظنوا أنه ليس للتحريم. قوله: لزدتكم أي: في المواصلة حتى تعجزوا عنه وعن سائر الطاعات. قوله: كالمنكل أي: كالمعاقب من التنكيل وهو التعذيب ومنه النكال، هكذا رواية الأكثرين والكشميهني، ويروى: كالمنكي، بضم الميم وسكون النون وبعد الكاف ياء آخر الحروف ساكنة من النكاية والإنكاء وهو رواية أبي ذر عن السرخسي، وعن المستملي: كالمنكر، من الإنكار، ومضى في كتاب الصوم من طريق شعيب عن الزهري: كالتنكيل لهم حين أبو أن ينتهوا.
7300 حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثني إبراهيم التيمي حدثني أبي قال: خطبنا علي، رضي الله عنه، على منبر من آجر وعليه سيف فيه صحيفة معلقة، فقال: والله، ما عندنا من كتاب يقرأ إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة، فنشرها فإذا فيها أسنان الإبل، وإذا فيها: المدينة حرم من عير إلى كذا، فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا؛ وإذا فيه: ذمة المسلمين واحدة يسعاى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، وإذا فيها: من والى قوما بغير إذن مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا.
ا
مطابقته للترجمة ما قاله الكرماني: لعله استفاد من قول علي، رضي الله تعالى عنه، تبكيت من تنطع في الكلام وجاء بغير ما في الكتاب والسنة، وقال بعضهم: الغرض من إيراد الحديث هنا لعن من أحدث حدثا فإنه وإن قيد في الخبر بالمدينة فالحكم عام فيها وفي غيرها إذا كان من متعلقات الدين. انتهى. قلت: الذي قاله الكرماني هو المناسب لألفاظ الترجمة، والذي قاله هذا القائل بعيد من ذلك يعرف بالتأمل.
وشيخ البخاري يروي عن أبيه حفص بن غياث بالغين المعجمة والثاء المثلثة عن سليمان الأعمش عن إبراهيم التيمي، وإبراهيم يروي عن أبيه يزيد بن شريك التيمي.
والحديث مضى في آخر الحج في: باب حرم المدينة، ومضى الكلام مستوفى فيه، ولنذكر بعض شيء لبعد المسافة.
قوله: من آجر قال الكرماني: الآجر بالمد وضم الجيم وتشديد الراء معرب، وقال الجوهري: الآجر الذي يبنى به فارسي معرب، ويقال أيضا: آجور، على وزن فاعول. وقال في باب الدال: الترميد الآجر. قلت: في لغة أهل مصر هو الطوب المشوي. قوله: أسنان الإبل أي: إبل الديات لاختلافها في العمد والخطأ. وشبه العمد. قوله: عير بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالراء جبل بمكة. قوله: إلى كذا كناية
38

عن موضع أو جبل. قوله: حدثا أي: بدعة أو ظلما. قوله: لعنة الله المراد باللعنة هنا البعد عن الجنة أول الأمر بخلاف لعنة الكفار فإنها البعد عنها كل الإبعاد أولا وآخرا. قوله: صرفا ولا عدلا الصرف الفريضة والعدل النافلة، وقيل بالعكس. قوله: وإذا فيها ذمة المسلمين أي: في الصحيفة، ويروى: فيه، أي: في الكتاب، والذمة العهد والأمان يعني أمان المسلم للكافر صحيح، والمسلمون كنفس واحدة فيعتبر أمان أدناهم من العبد والمرأة ونحوهما. قوله: فمن أخفر أي: نقض عهده قوله: والى أي: نسب نفسه إليهم كانتمائه إلى غير أبيه أو انتمائه إلى غير معتقه وذلك لما فيه من كفر النعمة وتضييع حقوق الإرث والولاء وقطع الرحم ونحوه، ولفظ: بغير إذن مواليه ليس لتقييد الحكم به، وإنما هو إيراد الكلام على ما هو الغالب.
7301 حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا مسلم، عن مسروق قال: قالت عائشة، رضي الله عنها: صنع النبي شيئا ترخص فيه وتنزه عنه قوم فبلغ ذالك النبي فحمد الله ثم قال: ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه؟ فوالله إني أعلمهم بالله وأشدهم له خشية.
انظر الحديث 6101
مطابقته للجزء الأول للترجمة تؤخذ من قوله: ترخص فيه وتنزه عنه قوم لأن تنزيههم عما رخص فيه النبي تعمق.
والثلاثة الأول من رجال الحديث قد ذكروا الآن، ومسلم قال الكرماني: يحتمل أن يكون ابن صبيح مصغر الصبح ويحتمل أن يكون ابن أبي عمران البطين بفتح الباء
الموحدة لأنهما يرويان عن مسروق والأعمش يروي عنهما. وقال غيره: هو مسلم بن صبيح أبو الضحى مشهور بكنيته أكثر من اسمه، وقد وقع عند مسلم مصرحا به في رواية جرير عن الأعمش فقال: عن أبي الضحى به، قلت: وكذا نص عليه الحافظ المزي، فقال: مسلم بن صبيح أبو الضحى عن مسروق عن عائشة، ثم ذكر الحديث المذكور.
وقد مضى الحديث في الأدب في: باب من لم يواجه بالعتاب.
قوله: صنع النبي شيئا فرخص فيه أي: أسهل فيه مثل الإفطار في بعض الأيام والصوم في بعضها من غير رمضان، ومثل التزوج وتنزه قوم عنه أي: احترزوا عنه بأن سردوا الصوم واختاروا العزوبة، وأشار ابن بطال إلى أن الذي تنزهوا عنه القبلة للصائم، وقال الداودي: التنزه عما رخص فيه الشارع من أعظم الذنوب لأن هذا يرى نفسه أتقى في ذلك من رسوله، وهذا إلحاد. وكذا قال ابن التين: ولا شك أنه إلحاد إذا اعتقد ذلك قوله: أعلمهم بالله إشارة إلى القوة العلمية، وأشدهم خشية إلى القوة العملية، أي: هم يتوهمون أن رغبتهم عما فعلت أفضل لهم عند الله، وليس كما توهموا، إذ أنا أعلمهم بالأفضل وأولاهم بالعمل.
7302 حدثني محمد بن مقاتل، أخبرنا وكيع، عن نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة قال: كاد الخيران أن يهلكا أبو بكر وعمر لما قدم على النبي وفد بني تميم أشار أحدهما بالأقرع بن حابس التيمي الحنظلي أخي بني مجاشع، وأشار الآخر بغيره، فقال أبو بكر لعمر: إنما أردت خلافي فقال عمر: ما أردت خلافك. فارتفعت أصواتهما عند النبي فنزلت * (ياأيها الذين ءامنوا لا ترفعو
1764; ا أصواتكم فوق صوت النبى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون) * إلى قوله * (عظيم) *.
قال ابن أبي مليكة: قال ابن الزبير: فكان عمر بعد ولم يذكر ذالك عن أبيه يعني: أبا بكر إذا حدث النبي بحديث حدثه كأخي السرار لم يسمعه حتى يستفهمه.
مطابقته للجزء الثاني وهو التنازع في العلم تؤخذ من قوله: فارتفعت أصواتهما أي: أصوات أبي بكر وعمر، رضي الله
39

تعالى عنهما، كما يجيء الآن، وكان تنازعهما في تولية اثنين في الإمارة كل منهما كان يريد تولية خلاف ما يريده الآخر فتحاربا على ذلك عند النبي وارتفعت أصواتهما فأنزل الله تعالى: * (ياأيها الذين ءامنوا لا ترفعو
1764; ا أصواتكم فوق صوت النبى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون * إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولائك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم) * إنما قلنا: تنازعهما في العلم لأن كلا منهما أشار بالتولية لكل واحد من الاثنين واختلفا، وقد ذكرنا أن معنى التنازع في العلم الاختلاف.
وشيخ البخاري محمد بن مقاتل أبو الحسن المروزي المجاور بمكة، ونافع بن عمر الجمحي يروي عن عبد الله بن أبي مليكة بضم الميم واسمه زهير الأحول المكي القاضي على عهد عبد الله بن الزبير.
والحديث قد مضى في تفسير سورة الحجرات فإنه أخرجه هناك عن يسرة بن صفوان عن نافع بن عمر إلى آخره.
قوله: الخيران تثنية خير بفتح الخاء المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف المكسورة، وأراد بهما أبا بكر وعمر، وفسرهما بقوله: أبو بكر وعمر أي: هما أبو بكر وعمر. قوله: لما قدم على النبي وفد بني تميم وفي الرواية المتقدمة: ركب بني تميم. قوله: أشار أحدهما أي: أحد الخيرين وهو عمر، رضي الله تعالى عنه، بتأمير الأقرع بن حابس الحنظلي أخي بني مجاشع، أي: واحد منهم، وبنو مجاشع بضم الميم وبالجيم والشين المعجمة المكسورة ابن دارم بن مالك بن زيد مناة بن تميم وكانت عامتهم بالبصرة. قوله: وأشار الآخر أراد به أبا بكر، رضي الله تعالى عنه. قوله: بغيره أي: بغير الأقرع وهو القعقاع بن معبد بن زرارة التميمي أحد وفد بني تميم، وكانا يطلبان الإمارة، ولما تنازع أبو بكر وعمر، رضي الله تعالى عنهما، في ذلك وارتفعت أصواتهما عند النبي نزلت: إلى قوله * (ياأيها الذين ءامنوا لا ترفعو
1764; ا أصواتكم فوق صوت النبى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون * إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولائك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم) * وقيل: نزلت في غير ذلك على ما ذكره في التفسير. قوله: * (ولا تجهروا بالقول) * أي: في المخاطبة، وقيل: لا تدعوه باسمه: يا محمد، كما يدعو بعضكم بعضا. قوله: * (أن تحبط أعمالكم) * أي: خشية أن تحبط أعمالكم، والحال أي: لا تعلمون. قوله: * (إن الذين يغضون أصواتهم) * الغض النقض من كل شيء قوله: للتقوى أي: أخلص من المعصية. قوله:
قال ابن الزبير أي: عبد الله بن الزبير: فكان عمر بعد أي: بعد نزول هذه الآية إذا حدث النبي إلى آخره. قوله: ولم يذكر عن أبيه يعني أبا بكر معترض بين قوله: بعد وبين قوله: إذا حدث وفسر قوله: عن أبيه بقوله: يعني أبا بكر ولم يكن أبو بكر أبا لعبد الله بن الزبير حقيقة وإنما كان جده للأم وأطلق عليه الأب وفهم منه أن الجد للأم يسمى أبا كما في قوله تعالى: * (ولا تنكحوا ما نكح ءاباؤكم من النسآء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وسآء سبيلا) * والجد للأم داخل في ذلك. قوله: كأخي السرار قال أبو العباس النحوي لفظ: أخي، صلة أي: صاحب المشاورة، والسرار بكسر السين، وقال ابن الأثير: كأخي السرار السرار المساررة أي: كصاحب السرار وكمثل المساررة لخفص صوته. قوله: لم يسمعه بضم الياء أي: لم يسمع عمر النبي حديثه حتى يستفهم النبي منه، من الاستفهام وهو طلب الفهم.
7303 حدثنا إسماعيل، حدثني مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله قال في مرضه: مروا أبا بكر يصلي بالناس قالت عائشة قلت إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء، فمر عمر فليصل بالناس، فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت عائشة فقلت لحفصة قولي: إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء، فمر عمر فليصل بالناس، ففعلت حفصة فقال رسول الله إنكن لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل للناس فقالت حفصة
لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيرا.
ا
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه المراددة والمراجعة في الأمر وهو مذموم داخل في معنى التعمق لأن التعمق المبالغة في الأمر والتشديد فيه.
وإسماعيل هو ابن أبي أويس.
والحديث مضى في الصلاة في ثلاثة أبواب من أبواب الإمامة آخرها: باب إذا بكى الإمام في الصلاة. وأخرجه هناك عن إسماعيل أيضا إلى آخره.
قوله: ففعلت حفصة أي: قالت، لأن الفعل أعم الأفعال. قوله: صواحب يوسف أي: أنتن تشوشن الأمر علي كما أنهن شوشن
40

على يوسف، عليه السلام.
7304 حدثنا آدم، حدثنا ابن أبي ذئب، حدثنا الزهري عن سهل بن سعد الساعدي قال: جاء عويمر العجلاني إلى عاصم بن عدي فقال: أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فيقتله أفتقتلونه به؟ سل لي يا عاصم رسول الله فسأله فكره النبي المسائل وعاب، فرجع عاصم فأخبره أن النبي كره المسائل فقال عويمر: والله لآتين النبي فجاء وقد أنزل الله تعالى القرآن خلف عاصم، فقال له: قد أنزل الله فيكم قرآنا، فدعا بهما فتقدما فتلاعنا، ثم قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها. ففارقها ولم يأمره النبي بفراقها، فجرت السنة في المتلاعنين. وقال النبي انظروها فإن جاءت به أحمر قصيرا مثل وحرة فلا أراه إلا قد كذب، وإن جاءت به أسحم أعين ذا أليتين فلا أحسب إلا قد صدق عليها، فجاءت به على الأمر المكروه
ا
مطابقته للجزء الأول للترجمة لأن عويمرا أفحش في السؤال، فلهذا كره النبي المسائل وعابها.
وآدم هو ابن أبي إياس يروي عن محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب بكسر الذال المعجمة واسمه هشام بن سعيد.
والحديث قد مضى في كتاب اللعان في مواضع ومضى الكلام فيه.
قوله: خلف عاصم أي: بعد رجوعه، وأراد بالقرآن قوله تعالى: * (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهدآء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين) * الآية. قوله: فدعا بهما أي: بعويمر وزوجته. قوله: ولم يأمره لأن نفس اللعان يوجب المفارقة، وفيه خلاف. قوله: فجرت السنة أي: صار الحكم بالفراق بينهما شريعة. قوله: وحرة بفتح الواو والحاء المهملة والراء وهي دويبة فوق العرسة حمراء، وقيل: دويبة حمراء تلزق بالأرض كالوزغة تقع في الطعام فتفسده. قوله: أسحم أي: أسود أعين أي: واسع العين. قوله: ذا أليتين هو على الأصل وإلا فالاستعمال على حذف التاء منه، قيل: كل الناس ذو إليتين أي: عجيزتين. وأجيب: بأن معناه إليتين كبيرتين. قوله: على الأمر المكروه أي: الأسحم الأعين، لأنه متضمن لثبوت زناها عادة.
7305 حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث حدثني عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني مالك بن أوس النضري وكان محمد بن جبير بن مطعم ذكر لي ذكرا من ذلك، فدخلت على مالك فسألته فقال: انطلقت حتى أدخل على عمر أتاه حاجبه يرفأ فقال: هل لك في عثمان وعبد الرحمان والزبير وسعد يستأذنون؟ قال: نعم، فدخلوا فسلموا وجلسوا، فقال: هل لك في علي وعباس؟ فأذن لهما. قال العباس: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين الظالم، استبا. فقال الرهط، عثمان وأصحابه: يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر، فقال: اتئدوا أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، هل تعلمون أن رسول الله قال: لا نورث ما تركنا صدقة يريد رسول الله نفسه قال الرهط: قد قال ذالك، فأقبل عمر على علي وعباس، فقال: أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله قال ذالك؟ قالا: نعم. قال عمر: فإني محدثكم عن
41

هاذا الأمر: إن الله كان خص رسوله في هاذا المال بشيء لم يعطه أحدا غيره، فإن الله يقول: * (ومآ أفآء الله على رسوله منهم فمآ أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولاكن الله يسلط رسله على من يشآء والله على كل شىء قدير) * الآية فكانت هذه خالصة لرسول الله ثم والله ما احتازها دونكم، ولا استأثر بها عليكم، وقد أعطاكموها وبثهافيكم، حتى بقي منها هذا المال، وكان النبي ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله، فعمل النبي بذلك حياته أنشدكم بالله هل تعلمون ذالك؟ فقالوا: نعم، ثم قال لعلي وعباس: أنشدكما الله هل تعلمان ذالك؟ قالا: نعم، ثم توفى الله نبيه فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله فقبضها أبو بكر فعمل فيها بما عمل فيها رسول الله وأنتما حينئذ، وأقبل على علي وعباس فقال: تزعمان أن أبا بكر فيها كذا؟ والله يعلم أنه فيها صادق بار راشد تابع للحق؟ ثم توفى الله أبا بكر فقلت: أنا ولي رسول الله وأبي بكر، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل به رسول الله وأبو بكر، ثم جئتماني وكلمتكما على كلمة واحدة وأمركما جميع، جئتني تسألني نصيبك من ابن أخيك، وأتاني هذا يسألني نصيب امرأته من أبيها، فقلت: إن شئتما دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه، تعملان فيها بما عمل به رسول الله وبما عمل فيها أبو بكر وبما عملت فيها منذ وليتها، وإلا فلا تكلماني فيها فقلتما: ادفعها إلينا بذالك، فدفعتها إليكما بذالك، أنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذالك؟ قال الرهط: نعم. فأقبل على علي وعباس فقال: أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما؟ بذالك؟ قالا: نعم. قال: أفتلتمسان مني قضاء غير ذالك؟ فوالذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذالك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي فأنا أكفيكماها.
ا
مطابقته للجزء الأول للترجمة لأن منازعة علي وعباس قد طالت واشتدت عند عمر، وفيه نوع من التعمق. ألا ترى إلى قول عثمان ومن معه: يا أمير المؤمنين اقض
بينهما. وأرح أحدهما من الآخر.
ومالك بن أوس النضري بفتح النون وسكون الضاد المعجمة نسبة إلى النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، وفي همدان أيضا النضر بن ربيعة، قال ابن دريد: النضر الذهب.
والحديث مضى في باب فرض الخمس بطوله، ومضى الكلام فيه مبسوطا.
قوله (يرفأ بفتح الياء آخر الحروف وسكون الراء وبالفاء مهموزا وغير مهموز اسم حاجب عمر، رضي الله تعالى عنه، ومولاه. قوله: الظالم إنما جاز للعباس مثل هذا القول لأن عليا كان كالولد له وللوالد ما ليس لغيره، أو هي كلمة لا يراد بها حقيقتها إذ الظلم وضع الشيء في غير موضعه وهو متناول للصغيرة وللخصلة المباحة التي لا تليق به عرفا، وبالجملة حاشا لعلي أن يكون ظالما، ولا يصير ظالما بالنسبة إليه ولا بد من التأويل. قال بعضهم: هاهنا مقدر أي: هذا الظالم إن لم ينصف، أو: كالظالم. وقال المازري: هذا اللفظ لا يليق بالعباس وحاشا علي من ذلك، فهو سهو من الرواة، وإن كان لا بد من صحته فيؤول بأن العباس تكلم بما لا يعتقد ظاهره مبالغة في الزجر وردعا لما يعتقد أنه مخطىء فيه، ولهذا لم ينكره أحد من الصحابة لا الخليفة ولا غيره مع تشددهم في إنكار المنكر، وما ذاك إلا أنهم فهموا بقرينة الحال أنه لا يريد به الحقيقة. قوله: استبا أي: تخاشنا في الكلام، تكلما بغليظ القول كالمستبين. قوله: اتئدوا
42

من الافتعال أي: اصبروا وأمهلوا. قوله: أنشدكم بالله وفي رواية الكشميهني: أنشدكم الله، بحذف الباء أي: أسألكم بالله. قوله: لا نورث بفتح الراء. قوله: صدقة بالرفع يريد به نفسه، أي: لا يريد به الأمة، وقيل: إنما جمع لأن ذلك حكم عام لكل الأنبياء. قوله: هذا الأمر أي: قصة ما تركه رسول الله، وكيفية تصرفه فيه في حياته وتصرف أبي بكر فيه ودعوى فاطمة والعباس الإرث ونحوه. قوله: في هذا المال أي: الفيء. قوله: لم يعط أحدا غيره لأنه أباح الكل له لا لغيره، قوله: احتازها بالحاء المهملة والزاي يعني: جمعها، وفي رواية الكشميهني بالجيم والزاي. قوله: استأثر بها أي: استقل واستبد. قوله: وبثها أي: فرقها. قوله: مجعل مال الله أي: ما هو لمصالح المسلمين. قوله: وأنتما مبتدأ. قوله: تزعمان خبره. قوله: كذا وكذا أي: ليس محقا ولا فاعلا بالحق. فإن قلت: كيف جاز لهما مثل هذا الاعتقاد في حقه؟ قلت: قالاه باجتهادهما قبل وصول حديث: لا نورث، إليهما وبعد ذلك رجعا عنه، واعتقد أنه محق بدليل أن عليا، رضي الله تعالى عنه، لم يغير الأمر عما كان عليه حين انتهت نوبة الخلافة إليه، قوله: على كلمة واحدة يعني: لم يكن بينكما مخالفة وأمركما مجتمع لا تفرق فيه ولا تنازع عليه. قوله: عنها أي: فإن عجزتما عن التصرف فيها مشتركا فأنا أكفيكماها وأتصرف فيها لكما.
6
((باب إثم من آواى محدثا))
أي: هذا باب في بيان إثم من آوى بالمد محدثا بضم الميم وكسر الدال أي: مبتدعا أو ظالما أو آوى محدث المعصية.
رواه علي عن النبي
أي: روى إثم من آوى محدثا علي بن أبي طالب عن النبي، قال بعضهم: تقدم موصولا في الباب الذي قبله، قلت: ليس في الباب الذي قبله ما يطابق الترجمة، وإنما الذي يطابقها ما تقدم في: باب الجزية، في: باب إثم من عاهد ثم غدر، فإن فيه: فمن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله... الحديث.
7306 حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد، حدثنا عاصم قال: قلت لأنس: أحرم رسول الله المدينة قال: نعم. ما بين كذا إلى كذا لا يقطع شجرها، من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
قال عاصم: فأخبرني موسى بن أنس أنه قال: أو آوى محدثا.
انظر الحديث 1867
مطابقته للترجمة في آخر الحديث. وعبد الواحد هو ابن زياد وعاصم هو ابن سليمان الأحول.
والحديث مضى في الحج عن أبي النعمان محمد بن الفضل، ومضى الكلام فيه.
قوله: قال عاصم: فأخبرني هو موصول بالسند المذكور. قوله: موسى بن أنس قال الدارقطني في كتاب العلل: موسى بن أنس وهم من البخاري أو من موسى بن إسماعيل شيخه، والصواب: النضر، بسكون العجمة ابن أنس كما رواه مسلم في صحيحه
7
((باب ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس))
أي: هذا باب في بيان ما يذكر من ذم الرأي الذي يكون على غير أصل من الكتاب أو السنة أو الإجماع، وأما الرأي الذي يكون على أصل من هذه الثلاثة فهو محمود وهو الاجتهاد. قوله: وتكلف القياس الذي لا يكون على هذه الأصول لأنه ظن، وأما القياس الذي يكون على هذه الأصول فغير مذموم وهو الأصل الرابع المستنبط من هذه، والقياس هو الاعتبار والاعتبار مأمور به، فالقياس مأمور به وذلك لقوله تعالى: * (هو الذى
1764; أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لاول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنو
1764; ا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف فى قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدى المؤمنين فاعتبروا ياأولى الابصار) *
فالقياس إذا مأمور به فكان حجة. فإن قلت: روى البيهقي من طريق مجاهد عن الشعبي عن عمرو بن حويرث عن عمر قال: إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن أغنتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا. قلت: في صحته نظر، ولئن سلمنا فإنه أراد به الرأي مع وجود النص.
43

* (ولا تقف ولا تقل ما ليس لك علم به) *
احتج به لما ذكره من ذم التكلف ثم فسر القفو بالقول، وهو من كلام ابن عباس، أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه، وقال أبو عبيدة: معناه لا تتبع ما لا تعلم وما لا يعنيك. وقال الراغب: الاقتفاء اتباع القفا كما أن الارتداف اتباع الردف، ويكنى بذلك عن الاغتياب وتتبع المعائب، ومعنى * (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولائك كان عنه مسؤولا) * لا تحكم بالقيافة والظن وهو حجة على من يحكم بالقائف.
7307 حدثنا سعيد بن تليد، حدثنا ابن وهب حدثني عبد الرحمان بن شريح وغيره عن أبي الأسود، عن عروة قال: حج علينا عبد الله بن عمر و فسمعته يقول: سمعت النبي يقول إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاهموه انتزاعا، ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم، فيبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون فحدثت به عائشة زوج النبي.
ثم إن عبد الله بن عمر و حج بعد فقالت: يا ابن أختي انطلق إلى عبد الله فاستثبت لي منه الذي حدثتني عنه، فجئته فسألته فحدثني به كنحو ما حدثني، فأتيت عائشة فأخبرتها فعجبت فقالت: والله لقد حفظ عبد الله بن عمر و.
انظر الحديث 100
مطابقته للترجمة في قوله: فيفتون برأيهم الذي هو غير مبني على أصل من الكتاب أو السنة أو الإجماع.
وسعيد بن تليد بفتح التاء المثناة من فوق وكسر اللام على وزن عظيم وهو سعيد بن عيسى بن تليد نسب إلى جده أبو عثمان المصري يروي عن عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن شريح الإسكندراني عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن. قوله: وغيره هو عبد الله بن لهيعة، أبهمه البخاري لضعفه عنده واعتمد على عبد الرحمن بن شريح.
والحديث مضى في كتاب العلم في: باب كيف يقبض العلم، وأخرجه مسلم في القدر عن قتيبة وآخرين. وأخرجه الترمذي في العلم عن هارون بن إسحاق. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن رافع وغيره. وأخرجه ابن ماجة في السنة عن أبي كريب وغيره.
قوله: حج علينا أي: مارا علينا. قوله: عبد الله بن عمرو أي: ابن العاص. قوله: أعطاهموه كذا في رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني، وفي رواية غيرهم: أعطاكموه. قوله: انتزاعا نصب على المصدرية، ووقع في رواية حرملة: لا ينزع العلم من الناس، وفي الرواية المتقدمة في كتاب العلم من طريق مالك: إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، وفي رواية الحميدي في مسنده من قلوب العباد. وعند الطبراني: إن الله لا ينزع العلم من صدور الناس بعد أن يعطيهم إياه. قوله: مع قبض العلماء بعلمهم أي: يقبض العلماء مع علمهم. وقال الكرماني: أو يراد من لفظ: بعلمهم، بكتبهم بأن يمحى العلم من الدفاتر ويبقى: مع، على المصاحبة أو: مع، بمعنى عند. قوله: يستفتون على صيغة المجهول أي: يطلب منهم الفتوى. قوله: فيفتون بضم الياء على صيغة المعلوم من الإفتاء. قوله: فيضلون بفتح الياء قوله: ويضلون بضم الياء من الإضلال. قوله: فحدثت به عائشة أي: قال عروة: حدثت بهذا الحديث عائشة أم المؤمنين. قوله: بعد أي: بعد تلك السنة والحجة. قوله: فقالت: يا ابن أختي أي: فقالت عائشة لعروة: يا ابن أختي، لأن عروة ابن أسماء أخت عائشة. قوله: فاستثبت لي منه أي: من عبد الله بن عمرو. قوله: كنحو ما حدثني أي: في مرته الأولى. قوله: فعجبت أي: عائشة من جهة أنه ما غير حرفا منه.
7308 حدثنا عبدان أخبرنا أبو حمزة سمعت الأعمش قال: سألت أبا وائل: هل شهدت صفين؟ قال: نعم. فسمعت سهل بن حنيف يقول. وحدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبي وائل قال: قال سهل بن حنيف: يا أيها الناس اتهموا رأيكم على دينكم، لقد
44

رأيتني يوم أبي جندل، ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله لرددته وما وضعنا سيوفنا على عواتقنا إلى أمر يفظعنا إلا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه غير هاذا الأمر.
قال: وقال أبو وائل: شهدت صفين، وبئست صفون.
ا
مطابقته للترجمة في قوله: اتهموا رأيكم على دينكم قال الكرماني: وذلك أن سهلا كان يتهم بالتقصير في القتال في صفين، فقال: اتهموا رأيكم، فإني لا أقصر وما كنت مقصرا وقت الحاجة كما في يوم الحديبية، فإني رأيت نفسي يومئذ لو قدرت على مخالفة حكم رسول الله لقاتلت قتالا لا مزيد عليه، لكني أتوقف اليوم لمصالح المسلمين. انتهى. وقال بعضهم: قوله: اتهموا رأيكم على دينكم أي: لا تعملوا في أمر الدين بالرأي المجرد الذي لا يستند إلى أصل من الدين. انتهى. قلت: ما قاله الكرماني أقرب إلى معنى التركيب، وما قاله غيره أقرب إلى الترجمة.
وأخرج الحديث المذكور من طريقين. الأول: عن عبدان لقب عبد الله بن عثمان عن أبي حمزة بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون السكري عن سليمان الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن سهل بن حنيف بضم الحاء المهملة وفتح النون. والطريق الثاني: عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة بفتح العين المهملة الوضاح اليشكري عن سليمان الأعمش إلى آخره. والحديث مر في كتاب الجزية في باب مجرد بعد: باب إثم من عاهد ثم غدر، فإنه أخرجه هناك عن عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش ومضى أيضا في غزوة الحديبية.
قوله: هل شهدت صفين؟ أي: هل حضرت وقعة صفين التي كانت بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وصفين بكسر الصاد المهملة وتشديد الفاء المكسورة وسكون الياء آخر الحروف وبالنون وهو موضع بين الشام والعراق بشاطىء الفرات. قوله: اتهموا رأيكم مر تفسيره الآن. قوله: لقد رأيتني أي: لقد رأيت نفسي يوم أبي جندل وهو يوم من أيام غزوة الحديبية وقصتها مختصرة أنها كانت في ذي القعدة سنة ست بلا خلاف، وخرج رسول الله إليها في رمضان وساق معه الهدي وأحرم بالعمرة ليأمن الناس من حربه ومعه المهاجرون والأنصار، وكان الهدي سبعين بدنة والناس سبعمائة رجل فكانت كل بدنة عن عشرة نفر، ولما بلغ الخبر قريشا خرجوا، ونزلوا بذي طوى وعاهدوا الله أن محمدا لا يدخلها أبدا ثم إن بديل بن ورقاء أتى النبي في رجال من خزاعة فسألوه ما الذي جاء به؟ فأخبرهم أنه لم يأت للحرب بل زائرا للبيت، ورجعوا إلى قريش فأخبروهم به، ثم جرى أمور كثيرة من مراسلات وغيرها إلى أن بعثت قريش سهيل بن عمرو إلى رسول الله بالمصالحة وأن يرجع عامه هذا، وجرى كلام كثير حتى جرى الصلح على وضع الحرب عشر سنين على أن من أتى من قريش بغير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يردوه عليه، فبينا رسول الله يكتب الكتاب هو وسهيل بن عمرو إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد، قد: انفلت منهم، ولما رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه وأخذ بتلبيبه، وقال: يا محمد قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا. قال: صدقت، فجعل يجر أبا جندل ليرده إلى قريش وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أرد إلى المشركين يفتنونني في ديني؟ فزاد الناس ذلك هما إلى همهم، فقال رسول الله يا أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين بمكة فرجا ومخرجا. ولما فرغ الصلح قام النبي إلى هديه فنحره وحلق رأسه، وقام الصحابة كلهم ينحرون ويحلقون رؤوسهم، ثم قفل رسول الله إلى المدينة. قوله: ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله لرددته قد ذكرنا أنهم لما اتهموا سهل بن حنيف بالتقصير في القتال في قصة صفين صعب عليه، وقال لهم: أنا لست بمقصر في القتال وقت الحاجة، ولما جاء أبو جندل إلى رسول الله مسلما فرده، إلى المشركين لأجل الصلح المذكور بينهم وبين النبي صعب على سهل ذلك جدا، فقال لهم حين اتهموه بالتقصير في القتال: لو كنت أستطيع رد أبي جندل لرددته، ولكني قصرت لأجل أمر رسول الله فإنه أمر برده ولم يكن يسعني أن أرد أمر رسول الله وقال الكرماني: لم نسب اليوم إلى أبي جندل لا إلى الحديبية؟ قلت: لأن رده إلى المشركين كان شاقا على المسلمين وكان ذلك أعظم ما جرى عليهم من سائر
45

الأمور، وأرادوا القتال بسببه وأن لا يردوا أبا جندل ولا يرضون بالصلح. قوله: وما وضعنا سيوفنا على عواتقنا جمع عاتق. قوله: إلى أمر يفظعنا بضم الياء وسكون الفاء وكسر الظاء المعجمة أي: يخوفنا ويهولنا، قاله الكرماني، وقال ابن الأثير: أي يوقعنا في أمر فظيع أي: شديد شنيع وقد فظع يفظع فهو مفظع، وفظع الأمر فهو فظيع. وقال الجوهري: وأفظع الرجل، على ما لم يسم فاعله، أي: نزل به أمر عظيم، وأفظعت الشيء واستفظعته وجدته فظيعا. قوله: ألا أسهلن بنا أي: أفضين بنا إلى سهولة يعني السيوف أفضين بنا إلى أمر سهل نعرفه خبرا غير هذا الأمر أي: الذي نحن فيه من هذه المقاتلة في صفين، فإنه لا يسهل بنا، وفي رواية الكشميهني بها وقال بعضهم إلا أسهلن أي: أنزلتنا في السهل من الأرض أي: أفضين بنا وهو كناية عن التحول من الشدة إلى الفرج. قلت: هذا معنى بعيد على ما لا يخفى على المتأمل.
قوله: قال: وقال أبو وائل أي: قال الأعمش: قال أبو وائل المذكور: شهدت صفين وبئست صفون أي: بئست المقاتلة التي وقعت فيها. وإعراب هذا اللفظ كإعراب الجمع كقوله تعالى: * (كلا إن كتاب الابرار لفى عليين * ومآ أدراك ما عليون) * والمشهور أن يعرب بالنون ويكون بالياء في الأحوال الثلاث، تقول: هذه صفين برفع النون ورأيت صفين ومررت بصفين بفتح النون فيهما، وكذلك تقول في قنسرين وفلسطين ونبرين، والحاصل أن فيها لغتين: إحداهما: إجراء الإعراب على ما قبل النون وتركها مفتوحة كجمع السلامة. والثانية: أن يجعل النون حرف الإعراب كما ذكرنا، ووقع في رواية أبي ذر: شهدت صفين وبئست صفين، وفي رواية النسفي: وبئست الصفون، بالألف واللام وهو لا ينصرف للعلمية والتأنيث، والمشهور كسر الصاد وقيل: جاء بفتحها أيضا.
8
((باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول: (لا أدري) أو لم يجب حتى ينزل عليه الوحي، ولم يقل برأي ولا بقياس لقوله تعالى: * (إنآ أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بمآ أراك الله ولا تكن للخآئنين خصيما) *))
أي: هذا باب في بيان ما كان النبي، الخ. قوله: يسأل على صيغة المجهول. قوله: لا أدري قال الكرماني: فيه حزازة حيث قال: لا أدري، إذ ليس في الحديث ما يدل عليه ولم يثبت عنه، ذلك. وقال بعضهم: هو تساهل شديد منه لأنه أشار في الترجمة إلى ما ورد في ذلك ولكنه لم يثبت عنده منه شيء على شرطه، ثم ذكر حديث ابن مسعود: من علم شيئا فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم وذكر حديث ابن عمر: جاء رجل إلى النبي، فقال: أي البقاع خير؟ قال: لا أدري، فأتاه جبريل، عليه السلام، فسأله فقال: لا أدري، فقال: سل ربك، فانتفض جبريل انتفاضة وحديث أبي هريرة أن رسول الله، قال: ما أدري الحدود كفارة لأهلها. انتهى.
قلة نسبة الكرماني إلى التساهل الشديد تساهل أشد منه لأن قوله: ليس في الحديث ما يدل عليه، صحيح. وقوله: ولم يثبت عنه ذلك، أيضا صحيح لأن مراده أنه لم يثبت عنده، فإذا كان كذلك فقول البخاري: لا أدري، غير واقع في محله. قوله: ولم يقل برأي ولا قياس قال الكرماني: قيل: لا فرق بينهما وهما مترادفان، وقيل: الرأي هو التفكر، أي: لم يقل بمقتضى العقل ولا بالقياس، وقيل: الرأي أعم لتناوله مثل الاستحسان، وقال المهلب ما حاصله الرد على البخاري في قوله: ولم يقل برأي ولا قياس لأن النبي، قد علم أمته كيفية القياس والاستنباط في مسائل لها أصول ومعان في كتاب الله عز وجل ليريهم كيف يصنعون فيما عدموا فيه النصوص، والقياس هو تشبيه ما لا حكم فيه بما فيه حكم في المعنى، وقد شبه، الحمر بالخيل فقال: ما أنزل الله علي فيهما بشيء غير هذه الآية الفاذة الجامعة * (فمن يعمل مثقال
ذرة خيرا يره) * وقال للتي أخبرته: إن أباها لم يحج: أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته؟ فالله أحق بالقضاء. وهذا هو عين القياس عند العرب، وعند العلماء بمعاني الكلام، وأما سكوته، حتى نزل الوحي فإنما سكت في أشياء معضلة ليست لها أصول في الشريعة، فلا بد فيها من اطلاع الوحي، ونحن الآن قد فرغت لنا الشرائع وأكمل الله الدين فإنما ننظر ونقيس موضوعاتها فيما أعضل من النوازل. قوله: لقوله: * (بما أراك الله) * أي: لقول الله تعالى، ويروى: هكذا لقول الله، وهو رواية
46

المستملي، واحتج البخاري بقوله تعالى: * (بما أراك الله) * أي: بما أعلمك الله. وأجيب عن هذا بأنه إذا حكم بين الناس القياس فقد حكم أيضا بما أراه الله، ونقل ابن التين عن الداودي بما حاصله: إن الذي احتج به البخاري بما ادعاه من النفي حجة في الإثبات، لأن المراد بقوله: ليس محصورا في النصوص بل فيه إذن بالقول في الرأي. قلت: فحينئذ تنقلب الحجة عليه.
وقال ابن مسعود: سئل النبي عن الروح فسكت حتى نزلت.
ذكر هذا التعليق عن عبد الله بن مسعود دليلا لقوله في الترجمة: ولم يجب، لأن عدم الإجابة السكوت ولا ينتهض هذا دليلا لما ادعاه لأنا قد ذكرنا أن سكوته في مثل هذا الموضع لكونه في أشياء معضلة وليس لها أصول في الشريعة، فلا بد في مثل هذا من الوحي، ومع هذا ما أطلعه الله في هذه الآية، وهي: * (ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربى ومآ أوتيتم من العلم إلا قليلا) * الآية على حقيقة كيفية الروح، بل قال: * (ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربى ومآ أوتيتم من العلم إلا قليلا) * وهذا التعليق مضى موصولا في آخر: باب ما يكره من كثرة السؤال، لكنه ذكر فيه: فقام ساعة ينتظر، وأورده في كتاب العلم بلفظ: فسكت، وأورده في تفسير سبحان، بلفظ: فأمسك، وفي رواية مسلم: فأسكت النبي، فلم يرد عليه شيئا.
7309 حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان قال: سمعت ابن المنكدر يقول: سمعت جابر بن عبد الله يقول: مرضت فجاءني رسول الله يعودني وأبو بكر وهما ماشيان، فأتاني وقعد أغمي علي، فتوضأ رسول الله ثم صب وضوءه علي فأفقت فقلت يا رسول الله وربما قال سفيان: فقلت: أي رسول الله كيف أقضي في مالي؟ كيف أصنع في مالي؟ قال: فما أجابني بشيء حتى نزلت آية الميراث.
ا
مطابقته للترجمة على زعمه تؤخذ من آخر الحديث. وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة يروي عن محمد بن المنكدر.
والحديث مضى في سورة النساء في قوله تعالى: * (يوصيكم الله) * ولفظه في آخر الحديث فنزلت * (يوصيكم الله) *
قوله: وقد أغمي علي أي: غشي، والواو فيه للحال. قوله: وضوءه بفتح الواو وهو الماء الذي يتوضأ به. قال الداودي: وفي هذا الحديث الوضوء للمريض شفاء. قوله: وربما قال سفيان هو ابن عيينة الراوي.
قال الداودي: فيه: جواز الرواية بالمعنى، ورد عليه بأن هذا لا يتضمن حكما، وليس من قول رسول الله،
9
((باب تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الرجال والنساء مما علمه الله ليس برأي ولا تمثيل))
أي: هذا باب في بيان تعليم رسول الله، أمته إلى آخره، قال المهلب: مراده أن العالم إذا كان يمكنه أن يحدث بالنصوص لا يحدث بنظره ولا قياسه. انتهى. وقال صاحب التوضيح ترجم في كتاب العلم: باب هل يجعل للنساء يوما على حدة في العلم، ثم نقل كلام المهلب، ثم قال: بهذا معنى الترجمة لأنه، حدثهم حديثا عن الله لا يبلغه قياس ولا نظر، وإنما هو توقيف ووحي، وكذلك ما حدثهم به من سننه فهو عن الله تعالى أيضا لقوله: هههه 0 النجم: 3 ف قوله: ليس برأي قد مر تفسير الرأي. قوله: ولا تمثيل أي: قياس وهو إثبات مثل حكم معلوم في معلوم آخر لاشتراكهما في علة الحكم، وهذا يدل على أنه من نفاة القياس، وقد قلنا فيما مضى: إن القياس اعتبار والاعتبار مأمور به لقوله تعالى: 0 الحشر: 2 ف فالقياس مأمور به.
7310 حدثنا مسدد، حدثنا أبو عوانة، عن عبد الرحمان بن الأصبهاني، عن أبي صالح ذكوان،
47

عن أبي سعيد: جاءت امرأة إلى رسول الله فقالت يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله فقال: اجتمعن في يوم كذا وكذا، في مكان كذا وكذا فاجتمعن فأتاهن رسول الله فعلمهن مما علمه الله، ثم قال: ما منكن امرأة تقدم بين يديها من ولدها ثلاثة، إلا كان لها حجابا من النار فقالت امرأة منهن
1764; يا رسول الله اثنين؟ قال: فأعادتها مرتين، ثم قال: واثنين واثنين واثنين
قال الكرماني ما حاصله: إن موضع الترجمة هو قوله: لها حجابا من النار لأن هذا أمر توقيفي تعليم من الله تعالى ليس قولا برأي ولا تمثيل لا دخل لهما فيه. انتهى. قلت: هذا الحديث لا يدل على مطابقة الترجمة أصلا لأن عدم دلالته على الرأي والتمثيل لا يستلزم نفيهما.
وأبو عوانة بالفتح هو الوضاح اليشكري، و عبد الرحمن بن الأصبهاني هو عبد الرحمن بن عبد الله الأصبهاني الكوفي وأصله من أصبهان، وقال الكرماني: في أصبهان أربع لغات: فتح الهمزة وكسرها وبالباء الموحدة وبالفاء، وقد مضى الحديث في كتاب العلم في: باب هل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم؟ فإنه أخرجه هناك عن آدم عن شعبة عن ابن الأصبهاني... إلى آخره، وفي الجنائز عن مسلم بن إبراهيم، ومضى الكلام فيه.
قوله: جاءت امرأة قيل: يحتمل أن تكون هي أسماء بنت يزيد بن السكن. قوله: من نفسك أي: من أوقات نفسك. قوله: اجتمعن أولا بلفظ الأمر، وثانيا بالماضي. قوله: تقدم من التقديم أي: إلى يوم القيامة.
((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتيظاهرين على الحق يقاتلون): وهم أهل العلم))
أي: هذا باب في بيان قول النبي إلى آخره، وروى مسلم مثل هذه الترجمة عن ثوبان قال: حدثنا حماد: هو ابن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان، قال: قال رسول الله لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك وروى أيضا مثله عن المغيرة بن شعبة، وجابر بن سمرة. قوله: وهم أهل العلم، من كلام البخاري. وقال الترمذي: سمعت محمد بن إسماعيل هو البخاري يقول: سمعت علي بن المديني يقول: هم أصحاب الحديث.
7311 حدثنا عبيد الله بن موساى، عن إسماعيل، عن قيس، عن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون
انظر الحديث 3640 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة. و عبيد الله بن موسى بن باذان الكوفي، و إسماعيل هو ابن أبي خالد، و قيس هو ابن أبي حازم بالحاء المهملة والزاي.
والحديث مضى في علامات النبوة. وأخرجه مسلم كما ذكرناه آنفا.
قوله: ظاهرين أي: معاونين على الحق، وقيل: غالبين، وقيل: عالين. قوله: أمر الله أي: القيامة. قوله: وهم ظاهرون أي: غالبون على من خالفهم. قيل: فيه حجية الإجماع وامتناع خلو العصر عن المجتهدين. فإن قلت: يعارض هذا الحديث حديث عبد الله بن عبد الله بن عمرو: لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس هم شر من أهل الجاهلية لا يدعون الله بشيء إلا رده عليهم، رواه مسلم. قلت: المراد من شرار الناس الذين تقوم عليهم الساعة قوم يكونون بموضع مخصوص وبموضع آخر تكون طائفة يقاتلون على الحق لا يضرهم من خالفهم ويؤيده ما رواه أبو أمامة مرفوعا لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين حتى يأتيهم أمر الله، وهم كذلك قيل: يا رسول الله وأين هم؟ قال: هم ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس. قلت: الأكناف جمع كنف بالتحريك وهو الجانب والناحية.
48

7312 حدثنا إسماعيل، حدثنا ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، أخبرني حميد قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان يخطب قال: سمعت النبي يقول من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم ويعطي الله، ولن يزال أمر هاذه الأمة مستقيما حتى تقوم الساعة، أو حتى يأتي أمر الله
ا
مطابقته للترجمة ظاهرة، وقال الكرماني: ليس في الباب ما يدل على أنهم أهل العلم على ما ترجم عليه. وأجاب بقوله: نعم فيه، إذ، من جملة الاستقامة أن يكون فيهم: إذ، التفقه والمتفقه لا بد منه لترتبط الأخبار بعضها ببعض، وتحصل جهة جامعة بينهما معنى.
وإسماعيل هو ابن أبي أويس يروي عن عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن حميد بالضم بن عبد الرحمن بن عوف.
والحديث أخرجه في العلم عن سعيد بن عفير، وفي الخمس عن حبان عن ابن المبارك. وأخرجه مسلم في الزكاة عن حرملة عن ابن وهب به.
قوله: خيرا عام لأن النكرة في سياق النفي تفيد العموم أي: جميع الخيرات، ويحتمل أن يكون التنوين للتعظيم. قوله: أنا قاسم أي: أقسم بينكم، فألقي إلى كل واحد ما يليق به من أحكام الدين، والله يوفق من يشاء منهم للفقه والتفهم منه والتفكر في معانيه. قوله: أو حتى يأتي أمر الله شك من الراوي، وفيه: أن أمته آخر الأمم.
11
((باب قول الله تعالى: * (أو يلبسكم شيعا) *))
أي: هذا باب في ذكر قول الله عز وجل: * (أو يلبسكم شيعا) * وأوله: * (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الايات لعلهم يفقهون) * وفي الآية أقوال: قال ابن عباس: * (من فوقكم) * أئمة السوء أو * (من تحت أرجلكم) * خدم السوء، وقيل: الأتباع، وقال الضحاك * (من فوقكم) * أي: كباركم أو * (من تحت أرجلكم) * من سفلتكم، وقال أبو العباس إ ئ يعني: الرجم، * (أو يلبسكم شيعا) * يعني، الخسف. قوله: ث ج ح الشيع الفرق والمعنى شيعا متفرقة مختلفة لا متفقة، يقال: لبست الشيء خلطته، وألبست عليه إذا لم تبينه، وقال ابن بطال: أجاب الله دعاء نبيه في عدم استئصال أمته بالعذاب، ولم يجبه في أن لا يلبسهم شيعا أي: فرقا مختلفين وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض أي: بالحرب والقتل بسبب ذلك، وإن كان ذلك من عذاب الله لكنه أخف من الاستئصال وفيه للمؤمنين كفارة.
7313 حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان قال عمر و: سمعت جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، يقول: لما نزل على رسول الله * (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الايات لعلهم يفقهون) * قال: أعوذ بوجهك * (أو من تحت أرجلكم) * قال: أعوذ بوجهك، فلما نزلت: * (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الايات لعلهم يفقهون) * قال: هاتان أهون، أو أيسر.
انظر الحديث 4628 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعلي بن عبد الله هو ابن المديني. وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو بالفتح هو ابن دينار.
والحديث مضى في سورة الأنعام. وأخرجه الترمذي في التفسير عن محمد بن يحيى بن أبي عمر.
قوله: من فوقكم كإمطار الحجارة عليهم كما كان على قوم لوط، عليه السلام أو من تحت أرجلكم كالخسف كما فعل بقارون. قوله: أو يلبسكم شيعا أي: يخلطكم فرقا أصحاب أهواء مختلفة. قوله: ويذيق بعضكم أي: يقتل بعضكم بعضا. قوله: بوجهك من المتشابهات. قوله: هاتان أي: المحنتان أو الخصلتان وهما: اللبس والإذاقة أهون من الاستئصال والانتقام من عذاب الله، وإن كانت الفتنة من عذاب الله، ولكن هي أخف لأنها كفارة للمؤمنين. قوله: أو أيسر شك من الراوي.
12
((باب من شبه أصلا معلوما بأصل مبين قد بين الله حكمهما، ليفهم السائل))
49

أي: هذا باب في بيان من شبه أصلا معلوما الخ، وهذا الباب للدلالة على صحة القياس، وأنه ليس مذموما. فإن قلت: الباب المتقدم يشعر بالذم والكراهة. قلت: القياس على نوعين: صحيح مشتمل على جميع شرائطه المذكورة في فن الأصول وفاسد بخلاف ذلك، فالمذموم هو الفاسد، وأما الصحيح فلا مذمة فيه بل هو مأمور به، كما ذكرناه عن قريب. قوله: من شبه أصلا معلوما قال الكرماني: لو قال: من شبه أمرا معلوما لوافق اصطلاح أهل القياس، وهذا المذكور من الترجمة رواية الكشميهني والإسماعيلي والجرجاني، ورواية غيرهم من شبه أصلا معلوما بأصل مبين وقد بين النبي، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، حكمهما. وفي رواية النسفي: من شبه أصلا معلوما بأصل مبهم قد بين الله حكمهما ليفهم السائل.
7314 حدثنا أصبغ بن الفرج، حدثني ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمان، عن أبي هريرة: أن أعرابيا أتى رسول الله فقال: إن امرأتي ولدت غلاما أسود، وإني أنكرته، فقال له رسول الله هل لك من إبل قال: نعم. قال: فما ألوانها؟ قال: حمر. قال: هل فيها من أورق؟ قال: إن فيها لورقا. قال: فأنى ترى ذالك جاءها؟ قال: يا رسول الله عرق نزعها. قال: ولعل هاذا عرق نزعه ولم يرخص له في الانتفاء منه.
انظر الحديث 5305 وطرفه
مطابقته للترجمة من حيث إن النبي شبه للأعرابي، ما أنكر من لون الغلام بما عرف في نتاج الإبل، فقال له: هل لك من إبل إلى قوله: لعل عرقا نزعه فأبان له بما يعرف أن الإبل الحمر تنتج الأورق أي: الأغبر، وهو الذي فيه سواد وبياض فكذلك المرأة البيضاء تلد الأسود.
وأصبغ بن الفرج أبو عبد الله المصري روى عن عبد الله بن وهب المصري عن يونس بن يزيد الأيلي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة.
والحديث قد مضى في اللعان ولكن عن يحيى بن قزعة عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، ومضى الكلام فيه.
قوله: وإني أنكرته لأني أبيض وهو أسود. قوله: لورقا بضم الواو جمع الأورق وهو ما في لونه بياض إلى سواد. قوله: عرق أي: أصل. قوله: نزعها أي: اجتذبها إليه حتى ظهر لونه عليه. قوله: في الانتفاء أي: في اللعان ونفي الولد من نفسه.
7315 حدثنا مسدد، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أن امرأة جاءت إلى النبي فقالت إن أمي نذرت أن تحج فماتت قبل أن تحج، أفأحج عنها؟ قال: نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ قالت نعم فقال: فاقضوا الذي له، فإن الله أحق بالوفاء
انظر الحديث 1852 وطرفه
مطابقته للترجمة من حيث إن النبي، شبه لتلك المرأة التي سألته الحج عن أمها بدين الله بما تعرف غيره من دين العباد، غير أنه قال: فدين الله أحق
وأبو عوانة بالفتح الوضاح، وأبو بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة جعفر بن أبي وحشية.
والحديث قد مر في كتاب الحج في: باب الحج المنذور عن الميت، ومضى الكلام فيه.
قوله: قاضيته بالضمير ويروى: قاضية، بدون الضمير. قوله: فاقضوا أي: فاقضوا أيها المسلمون الحق الذي لله تعالى، ودخلت المرأة التي سألته الحج عن أمها في هذا الخطاب دخولا بالقصد الأول، وقد علم في الأصول أن النساء يدخلن في خطاب الرجال لا سيما عند القرينة المدخلة. قيل: قال الفقهاء: حق الآدمي مقدم على حق الله تعالى: وأجيب: بأن التقديم بسبب احتياجه لا ينافي الأحقية بالوفاء واللزوم، واحتج المزني بهذين الحديثين على من أنكر القياس قال: وأول من أنكر القياس إبراهيم النظام وتبعه بعض المعتزلة
50

وداود بن علي وما اتفق عليه الجماعة هو الحجة فقد قاس الصحابة ومن بعدهم من التابعين وفقهاء الأمصار، وقيل: دعوى الأولية في إنكار القياس بإبراهيم مردود لأنه ثبت عن ابن مسعود من الصحابة وعن عامر الشعبي التابعي من فقهاء الكوفة، وعن محمد بن سيرين من فقهاء البصرة. والله أعلم.
13
((باب ما جاء في اجتهاد القضاة بما أنزل الله تعالى لقوله: * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) *
أي هذا باب في بيان ما جاء في اجتهاد القضاة في حكمهم بما أنزل الله تعالى، وفي رواية أبي ذر والنسفي وابن بطال وطائفة: باب ما جاء في اجتهاد القضاة، والاجتهاد لغة المبالغة في الجهد، واصطلاحا استفراغ الوسع في درك الأحكام الشرعية. قوله: لقوله * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) * وفي
القرآن أيضا فأولئك هم الفاسقون و * (فأولئك هم الكافرون) * وتخصيص آية الظلم من حيث إن الظلم عام شامل للفسق والكفر لأنه وضع الشيء في غير موضعه، وهو يشملهما.
ومدح النبي صاحب الحكمة حين يقضي بها ويعلمها لا يتكلف من قبله ومشاورة الخلفاء وسؤالهم أهل العلم.
يجوز في قوله: ومدح النبي، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وجهان: أحدهما: أن يكون مصدرا مجرورا عطفا على قوله: ما جاء في اجتهاد القضاة، ويكون المصدر مضافا إلى فاعله. وقوله: صاحب الحكمة منصوب على أنه مفعوله. والثاني: أن يكون فعلا ماضيا من المدح ويكون النبي مرفوعا على أنه فاعل له: وصاحب الحكمة منصوب على المفعولية، والحكمة العلم الوافي المتقن. قوله: حين يقضي بها أي: بالحكمة. قوله: من قبله بكسر القاف وفتح الموحدة أي: من جهته، وفي رواية الكشميهني: من قيله، بكسر القاف وسكون الياء آخر الحروف أي: من كلامه، وفي رواية النسفي: من قبل نفسه. قوله: ومشاورة الخلفاء بالجر عطفا على قوله: في اجتهاد القضاة أي: وفيما جاء في مشاورة الخلفاء، أراد أن مشاورة الخلفاء وسؤالهم أهل العلم بما أنزل الله تعالى في الأحكام، وذكر الخلفاء ليس بقيد لأن سائر الحكام في ذلك سواء. وقوله: أهل العلم منصوب تنازع فيه العاملان أعني قوله: مشاورة وقوله: وسؤالهم
7316 حدثنا شهاب بن عباد، حدثنا إبراهيم بن حميد، عن إسماعيل عن قيس، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق، وآخر آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها
ا
مطابقته للترجمة الثانية ظاهرة. وشهاب بن عباد بالفتح وتشديد الباء الموحدة العبدي الكوفي، وإبراهيم بن حميد بالضم الرؤاسي، وإسماعيل بن أبي خالد البجلي واسم أبي خالد سعد، وقيس بن أبي حازم، وعبد الله هو ابن مسعود.
والحديث مضى في أوائل الأحكام في: باب أجر من قضى بالحكمة، فإنه أخرجه هناك عن شهاب بن عباد أيضا... الخ، ومضى الكلام فيه.
7317 حدثنا محمد، أخبرنا أبو معاوية، حدثنا هشام، عن أبيه، عن المغيرة بن شعبة قال: سأل عمر بن الخطاب عن إملاص المرأة هي التي يضرب بطنها فتلقي جنينا؟ فقال: أيكم سمع من النبي فيه شيئا فقلت أنا، فقال: ما هو؟ قلت: سمعت النبي يقول فيه غرة عبد أو أمة فقال: لا تبرح حتى تجيئني بالمخرج فيما قلت. فخرجت فوجدت محمد بن
51

مسلمة فجئت به فشهد معي أنه سمع النبي يقول فيه غرة عبد أو أمة
انظر الحديث 6906 وطرفه
مطابقته للترجمة الثانية ظاهرة. ومحمد شيخ البخاري قال الكلاباذي: ابن سلام وابن المثنى يرويان عن أبي معاوية محمد بن خازم بالمعجمة. قلت: لم يجزم بأحدهما. والمشهور أنه محمد بن سلام لأن اختصاصه به مشهور.
والحديث مضى في آخر الديات في: باب جنين المرأة.
قوله: عن إملاص المرأة الإملاص إلقاء المرأة الجنين ميتا وهي التي يضرب بطنها. قوله: أيكم سمع؟ قيل: خبر الواحد حجة يجب العمل به، فلم ألزمه بالشاهد؟ وأجيب: للتأكيد وليطمئن قلبه بذلك مع أنه لم يخرج بانضمام آخر إليه عن كونه خبر الواحد. قوله: غرة بالتنوين، وقوله: عبد عطف بيان.
تابعه ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة عن المغيرة.
أي: تابع هشام بن عروة في روايته عن أبيه عروة بن أبي الزناد هو عبد الرحمن عن أبيه هو عبد الله بن ذكوان عن عروة بن الزبير عن المغيرة بن شعبة. وأخرج المحاملي هذه المتابعة موصولة فقال: حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي حدثني ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة عن المغيرة، فذكره. قيل: وقع في رواية الكشميهني: عن الأعرج عن أبي هريرة، وهو غلط، والصواب: عن عروة عن المغيرة، وذكر هذه المتابعة سقط في رواية النسفي.
((باب قول النبي
لتتبعن سنن من كان قبلكم))
أي هذا باب في ذكر قول النبي
لتتبعن بفتح اللام للتأكيد وفتح التاءين المدغم إحداهما في الأخرى وكسر الباء الموحدة وضم العين وبالنون الثقيلة وأصله تتبعون من الاتباع قوله سنن من كان قبلكم بفتح السين والنون أي طريقة من كان قبلكم يعني في كل شيء مما نهى الشرع عنه وذمه وقال ابن التين في شرح هذا اللفظ في الحديث قرأناه بضمها يعني بضم السين وقال المهلب الفتح أولى لأنه هو الذي يستعمل فيه الذراع والشبر على ما يأتي الآن * -
7319 حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع فقيل يا رسول الله كفارس والروم؟ فقال: ومن الناس إلا أولائك.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها أي: حتى تسير أمتي بسير القرون قبلها، الأخذ بفتح الهمزة وكسرها السيرة، يقال: أخذ فلان بأخذ فلان أي: سار بسيرته، وحكى ابن بطال عن الأصيلي: بما أخذ القرون، بالباء الموحدة و: ما، الموصولة، و: أخذ، بصورة الفعل الماضي وهو رواية الإسماعيلي
أيضا، وفي رواية النسفي: بمأخذ القرون، على وزن مفعل بفتح الميم، والقرون جمع قرن بفتح القاف وسكون الراء وهو الأمة من الناس.
وشيخ البخاري أحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي وهو شيخ مسلم أيضا، وابن أبي ذئب بكسر الذال المعجمة وهو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب القرشي المدني واسم أبي ذئب هشام بن سعيد، والمقبري بفتح الميم وسكون القاف وضم الباء الموحدة هو سعيد بن أبي سعيد بن أبي كيسان. والحديث من أفراده.
قوله: شبرا بشبر وذراعا بذراع تمثيل، وفي رواية الكشميهني: شبرا شبرا وذراعا ذراعا. قوله: كفارس والروم؟ أراد هؤلاء الذين يتبعونهم كفارس والروم وهما جيلان مشهوران من الناس، وفارس هم الفرس وملكهم كسرى، وملك الروم قيصر. قوله: ومن الناس إلا أولئك؟ أي: فارس والروم، وكلمة: من، للاستفهام على سبيل الإنكار، قيل: الناس ليسوا منحصرين فيهما. وأجيب: بأن المراد حصر الناس المتبوعين المعهودين المتقدمين، وإنما عين هذين الجيلين لكونهما كانا إذ ذاك أكبر ملوك الأرض وأكثرهم رعية وأوسعهم بلادا.
52

7320 حدثنا محمد بن عبد العزيز، حدثنا أبو عمر الصنعاني من اليمن، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم قلنا: يا رسول الله اليهود والنصاراى؟ قال: فمن
انظر الحديث 3456
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن الترجمة جزء منه.
ومحمد بن عبد العزيز الرملي، وأبو عمر حفص بن ميسرة الصنعاني من صنعاء اليمن احترز به عن صنعاء الشام، وعطاء بن يسار خلاف اليمين وأبو سعيد سعد بن مالك.
والحديث مضى في ذكر بني إسرائيل عن سعيد بن أبي مريم.
قوله: جحر ضب بضم الجيم وسكون الحاء المهملة، والضب بفتح الضاد المعجمة وتشديد الباء الموحدة هو الحيوان المشهور. قوله: اليهود بالرفع أي: الذين قبلنا هم اليهود، وبالجر عطف على أنه بدل: عمن قبلكم، قوله: فمن؟ استفهام إنكار، فالتقدير: فمن هم غير أولئك؟ وقال الكرماني: هذا مغاير لما تقدم آنفا أنهم كفارس. قلت: الروم نصارى وفي الفرس كان يهود، مع أن ذلك لا على سبيل المثال، وقال ابن بطال: أعلم النبي أن أمته ستتبع المحدثات من الأمور والبدع والأهواء كما وقع للأمم قبلهم. انتهى. قلت: قد وقع معظم ما ذكره خصوصا في الديار المصرية وخصوصا في ملوكها وعلمائها وقضاتها.
15
((باب إثم من دعا إلى ضلالة أو من سن سنة سيئة لقول الله تعالى: * (ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم) *))
أي: هذا باب في بيان إثم من دعا الناس إلى ضلالة، أراد عليه إثم مثل إثم من تبعه فيها، وقد ورد بذلك حديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي قوله: أو من سن سنة سيئة كذلك ورد حديث أخرجه مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي، وهو حديث طويل وفيه قال رسول الله، من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا قوله: لقول الله تعالى: * (ومن أوزار الذين يضلون) * الآية وأولها * (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا سآء ما يزرون) * قال مجاهد: حملهم ذنوب أنفسهم وذنوب من أطاعهم ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم شيئا.
7321 حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله قال: قال النبي ليس من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها وربما قال سفيان: من دمها، لأنه أول من سن القتل أولا.
انظر الحديث 3335 وطرفه
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه السنة السيئة، وهي قتل النفس.
والحميدي عبد الله بن الزبير بن عيسى منسوب إلى حميد أحد أجداده، وسفيان هو ابن عيينة يروي عن سليمان الأعمش عن عبد الله بن مرة بضم الميم وتشديد الراء عن مسروق بن الأجدع عن عبد الله بن مسعود.
والحديث مضى في خلق آدم عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه، وفي الديات عن قبيصة عن سفيان الثوري، ومضى الكلام فيه.
قوله: تقتل على صيغة المجهول. قوله: على ابن آدم الأول وهو قابيل وهو أول من سن القتل لأنه قتل أخاه هابيل وهو أول قتيل وقع في العالم. قوله: كفل بكسر
53

الكاف أي: نصيب.
16
((باب ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم وما اجتمع عليه الحرمان مكة والمدينة، وما كان بها من مشاهد النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار ومصلى النبي صلى الله عليه وسلم والمنبر والقبر.))
أي: هذا باب في بيان ما ذكر النبي وحض أي حرض. فقوله: ذكر وقوله: حض تنازعا في العمل في قوله على اتفاق أهل العلم، ويروى: وما حض عليه من اتفاق أهل العلم، قاله الكرماني. وإذا اتفق أهل عصر من أهل العلم عل قول حتى ينقرضوا ولم يتقدم فيه اختلاف فهو إجماع، واختلف إذا كان من الصحابة اختلاف ثم أجمع من بعدهم على أحد أقوالهم هل يكون ذلك إجماعا؟ والصحيح أنه ليس بإجماع. واختلف في الواحد إذا خالف الجماعة: هل يؤثر في إجماعهم؟ وكذلك في اثنين وثلاثة من العدد الكثير. قوله: وما اجتمع عليه الحرمان عطف على ما قبله. وقوله: مكة والمدينة أي: أحد الحرمين مكة والآخر المدينة، أراد أن ما اجتمع عليه أهل الحرمين من الصحابة ولم يخالف صاحب من غيرهما فهو إجماع، كذا قيده ابن التين، ثم نقل عن سحنون أنه: إذا خالف ابن عباس أهل المدينة لم ينعقد لهم إجماع، وقال ابن بطال: اختلف أهل العلم فيما هم فيه أهل المدينة حجة على غيرهم من الأمصار فكان الأبهري يقول: أهل المدينة حجة على غيرهم من طريق الاستنباط، ثم رجع فقال: قولهم من طريق النقل أولى من طريق غيرهم، وهم وغيرهم سواء في الاجتهاد، وهذا قول الشافعي. وذهب أبو بكر بن الطيب إلى أن قولهم أولى من طريق الاجتهاد والنقل جمعيا، وذهب أصحاب أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه، إلى أنهم ليسوا حجة على غيرهم لا من طريق النقل ولا من طريق الاجتهاد، وقال المهلب: غرض البخاري في الباب تفضيل المدينة بما خصها الله به من معالم الدين وأنها دار الوحي ومهبط الملائكة بالهدى والرحمة، وبقعة شرفها الله عز وجل بسكنى رسوله وجعل فيها قبره ومنبره وبينهما روضة من رياض الجنة. قوله: وما كان... إلى آخره إشارة أيضا إلى تفضيل المدينة بفضائل وهي ما كان من مشاهد النبي، وإنما جمع المشهد بقوله: من مشاهد النبي، إشارة إلى أن المدينة مشهد النبي، ومشهد المهاجرين ومشهد الأنصار وأصله من شهد المكان شهودا إذا حضره. قوله: ومصلى النبي عطف على مشاهد النبي والمنبر والقبر معطوفان عليه، وهذه أيضا إشارة إلى فضيلة المدينة بأمور. منها: أن فيها مصلى النبي وهو موضع يصلى فيه، ومنها: أن فيها منبره، وقال فيه: منبري على حوضي، ومنها: أن فيها قبره الذي بينه وبين منبره روضة من رياض الجنة، كما ذكرناه.
7322 حدثنا إسماعيل، حدثني مالك، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله السلمي، أن أعرابيا بايع رسول الله على الإسلام، فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة فجاء الأعرابي إلى رسول الله فقال: يا رسول الله أقلني بيعتي، فأباى رسول الله ثم جاءه فقال: أقلني بيعتي، فأباى، ثم جاءه فقال: أقلني بيعتي فأباى، فخرج الأعرابي فقال رسول الله إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها
ا
مطابقته للترجمة من حيث الفضيلة التي اشتمل على ذكرها كل منهما.
وإسماعيل بن أبي أويس. والحديث مضى في الأحكام في: باب من بايع ثم استقال البيعة، ومضى الكلام فيه مبسوطا.
54

7323 حدثنا موساى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد، حدثنا معمر عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله قال: حدثني ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كنت أقرىء عبد الرحمان بن عوف فلما كان آخر حجة حجها عمر، فقال عبد الرحمان بمنى: لو شهدت أمير المؤمنين أتاه رجل قال: إن فلانا يقول: لو مات أمير المؤمنين لبايعنا فلانا، فقال عمر: لأقومن العشية فأحذر هاؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغصبوهم. قلت: لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس ويغلبون على مجلسك فأخاف أن لا ينزلوها على وجهها فيطير بها كل مطير، فأمهل حتى تقدم المدينة دار الهجرة ودار السنة فتخلص بأصحاب رسول الله من المهاجرين والأنصار فيحفظوا مقالتك وينزلوها على وجهها، فقال: والله لأقومن به في أول مقام أقومه بالمدينة.
قال ابن عباس: فقدمنا المدينة فقال: إن الله بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل آية الرجم.
ا
مطابقته للترجمة في قوله: دار الهجرة ودار السنة فتخلص بأصحاب رسول الله، من المهاجرين والأنصار وذكر في الترجمة ما يتعلق بوصف المدينة بهذه الأشياء.
و موسى بن إسماعيل البصري التبوذكي يروي عن عبد الواحد بن زياد عن معمر بفتح الميمين ابن راشد عن محمد بن مسلم الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود.
وهذا الحديث قطعة من حديث طويل قد مضى في كتاب الحدود في: باب رجم الحبلى من الزنى إذا أحصنت، ومضى الكلام فيه مبسوطا.
قوله: (أقرىء بضم الهمزة من الإقراء. قوله: فلما كان آخر حجة جواب. لما، محذوف نحو: رجع عبد الرحمن بن عوف من عند عمر، رضي الله تعالى عنهما. قوله: بمنى يحتمل أن يتعلق بقوله: كنت أقرىء قوله: لو شهدت كلمة: لو، إما للتمني وإما جزاؤه محذوف. قوله: الذين يريدون أن يغصبوهم أي: الذين يقصدون أمورا ليس ذلك وظيفتهم ولا لهم مرتبة ذلك فيريدون أن يباشرونها بالظلم والغصب. قوله: رعاع الناس بفتح الراء وتخفيف العين المهملة الأولى وهم أحداث الناس وأراذلهم. قوله: ويغلبون على مجلسك أي: يكثرون في مجلسك. قوله: لا ينزلوها بضم الياء أي: لا ينزلون خطبتك أو وصيتك أو كلماتك أو مقالتك، والقرينة على ذلك قوله: على وجهها أي: على ما ينبغي حق كلامك. قوله: فيطير بها كل مطير قال صاحب التوضيح أي يتأول على خلاف وجهها. قلت: معناه ينقلها كل ناقل بالسرعة والانتشار لا بالتأني والضبط. وقوله: يطير بفتح الياء مضارع من طار. وقوله: كل مطير فاعله، والمطير بضم الميم اسم فاعل من أطار، وقال الكرماني: ويروى: فيطيروا بها، بصيغة المجهول من التطير مفردا وجمعا، وكل مطير بفتح الميم وكسر الطاء، ويروى: مطار، بضم الميم. قوله: فأمهل أمر من الإمهال أي: اصبر ولا تستعجل. قوله: دار الهجرة بالنصب على البدلية من المدينة. قوله: فتخلص بالنصب أي: حتى تقدم المدينة فتصل بأصحاب رسول الله قوله: فيحفظوا عطف على قوله: فتخلص
قوله: قال ابن عباس موصول بالسند المذكور. قوله: بعث محمدا بالحق حذف منه قطعة كبيرة بين قوله: فقدمنا المدينة وبين قوله: فقال، إلى آخره، مضى بيانها في الباب المذكور في الحدود. قوله: آية الرجم وهي قوله: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما، وهو منسوخ التلاوة باقي الحكم.
7324 حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد، عن أيوب، عن محمد قال: كنا عند أبي هريرة، وعليه ثوبان ممشقان من كتان، فتمخط فقال: بخ بخ، أبو هريرة يتمخط في الكتان؟ لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منبر رسول الله إلى حجرة عائشة مغشيا علي فيجيء الجائي، فيضع رجله
55

على عنقي ويراى أني مجنون وما بي من جنون، ما بي إلا الجوع.
مطابقته للترجمة في قوله: وإني لأخر فيما بين منبر رسول الله، إلى حجرة عائشة وهي مكان القبر الشريف.
وحماد هو ابن زيد يروي عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين.
والحديث أخرجه الترمذي في الزهد عن قتيبة.
قوله: وعليه الواو فيه للحال. قوله: ممشقان بضم الميم وفتح الميم الثانية والشين المعجمة المشددة وبالقاف أي مصبوغان بالمشق بكسر الميم وسكون الشين وهو الطين الأحمر. قوله: فتمخط أي: استنثر. قوله: بخ بخ بفتح الباء الموحدة فيها وتشديد الخاء المعجمة وبتخفيفها وهي كلمة تقال عند الرضا والإعجاب. وقال الجوهري؛ هي كلمة تقال عند المدح والرضا بالشيء وقد تكون للمبالغة. قوله: لقد رأيتني بضميري المتكلم وهو من خصائص أفعال القلوب أي: لقد رأيت نفسي. قوله: لأخر أي: أسقط. قوله: مغشيا علي حال أي مغمى عليه. قوله: ويرى أني مجنون أي: يظن أني مجنون، والحال ما بي من الجنون، وما بي إلا الجوع.
7325 حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن عبد الرحمان بن عابس قال: سئل ابن عباس: أشهدت العيد مع النبي قال: نعم، ولولا منزلتي منه ما شهدته من الصغر، فأتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت فصلى، ثم خطب، ولم يذكر أذانا ولا إقامة، ثم أمر بالصدقة، فجعل النساء يشرن إلى آذانهن وحلوقهن، فأمر بلالا فأتاهن ثم رجع إلى النبي.
ا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: فأتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت لأن العلم بفتحتين هو المصلى، وفي الترجمة من مشاهد النبي، مصلاه الذي كان يصلي فيه صلاة العيد والجنائز، ودار كثير بن الصلت بنيت بعد العهد النبوي، وإنما عرف المصلى بها لشهرتها. وقال أبو عمر: كثير بن الصلت بن معد يكرب الكندي ولد على عهد رسول الله وسماه كثيرا وكان اسمه قليلا يروي عن أبي بكر وعمر وعثمان، وزيد بن ثابت، رضي الله تعالى عنهم. وقال الذهبي: الأصح أن الذي سماه كثيرا عمر، رضي الله تعالى عنه.
وشيخ البخاري محمد بن كثير بالثاء المثلثة، وسفيان هو الثوري، و عبد الرحمن بن عابس بالعين المهملة وبعد الألف باء موحدة مكسورة وبالسين المهملة ابن ربيعة النخعي.
والحديث مضى في الصلاة عن عمرو بن علي وفي العيدين عن مسدد، ومضى الكلام فيه.
7326 حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، رضي الله عنهما، أن النبي كان يأتي قباء ماشيا وراكبا.
مطابقته للترجمة تؤخذ من حيث إن قباء مشهد من مشاهد النبي
وأبو نعيم الفضل بن دكين، وسفيان هو ابن عيينة. والحديث مضى في أواخر الصلاة في ثلاثة أبواب متوالية أولها: باب مسجد قباء.
7327 حدثنا عبيد بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة، عن هشام عن أبيه، عن عائشة قالت لعبد الله بن الزبير: ادفني مع صواحبي ولا تدفني مع النبي في البيت، فإني أكره أن أزكى. وعن هشام عن أبيه أن عمر أرسل إلى عائشة: ائذني لي أن أدفن مع صاحبي؟ فقالت: إي والله، قال: وكان الرجل إذا أرسل إليها من الصحابة قالت: لا والله، لا أوثرهم بأحد أبدا.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: أن أدفن مع صاحبي يعني في قبر النبي
وأبو أسامة حماد بن أسامة، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير، رضي الله تعالى عنهم.
والحديث من أفراده.
قوله: ادفني مع صواحبي أي: أمهات
56

المؤمنين، يعني: ادفني في مقبرة البقيع معهن. قوله: في البيت أراد حجرتها التي دفن فيها النبي وصاحباه. قوله: أن أزكى على صيغة المجهول من التزكية، المعنى أنها كرهت أن يظن أنها أفضل الصحابة بعد النبي وصاحبيه حيث جعلت نفسها ثالثة الضجيعين.
قوله: مع صاحبي أراد بهما رسول الله وأبا بكر، رضي الله تعالى عنه. قوله: إي والله بكسر الهمزة وسكون الياء وهو حرف جواب بمعنى نعم، ولا يقع إلا بعد القسم. قوله: من الصحابة فيه حذف تقديره: إذا أرسل إليها أحد من الصحابة يسألها أن يدفن معهم. قوله: قالت جواب الشرط. قوله: لا أؤثرهم بالثاء المثلثة يقال: آثر كذا بكذا أي اتبعه إياه أي لا أتبعهم بدفن آخر عندهم. وقال صاحب المطالع هو من باب القلب أي: لا أوثر بهم أحدا، ويحتمل أن يكون لا أثيرهم بأحد، أي: لا أنبشهم لدفن أحد، والباء بمعنى اللام واستشكله ابن التين بقول عائشة في قصة عمر، رضي الله تعالى عنه: لأوثرنه على نفسي، ثم أجاب باحتمال أن يكون الذي آثرت عمر
به المكان الذي دفن فيه من وراء قبر أبيها بقرب النبي وذلك لا ينفي وجود مكان آخر في الحجرة، وذكر ابن سعد من طرق: أن الحسن بن علي، رضي الله تعالى عنهما، أوصى أخاه أن يدفنه عندهم إن لم تقع بذلك فتنة، فصده عن ذلك بنو أمية فدفن بالبقيع.
وأخرجه الترمذي من حديث عبد الله بن سلام، وقال: مكتوب في التوراة صفة محمد وعيسى، عليهما السلام، يدفن معه. قال أبو داود أحد رواته: وبقي في البيت موضع قبر، وفي رواية الطبراني يدفن عيسى مع رسول الله، وأبي بكر وعمر، رضي الله تعالى عنهما، فيكون قبرا رابعا.
7329 حدثنا أيوب بن سليمان، حدثنا أبو بكر بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، عن صالح بن كيسان قال ابن شهاب: أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله كان يصلي العصر فيأتي العوالي والشمس مرتفعة.
وزاد الليث عن يونس: وبعد العوالي أربعة أميال، أو ثلاثة.
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ من قوله: فيأتي العوالي لأن إتيانه إلى العوالي يدل على أن العوالي من جملة مشاهده في المدينة.
وأيوب بن سليمان بن بلال، وأبو بكر بن أبي أويس اسمه عبد الحميد، وأبو أويس اسمه عبد الله الأصبحي الأعشى المديني، والحديث من أفراده.
قوله: والشمس الواو فيه للحال.
قوله: وزاد الليث أي زاد الليث في روايته عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن أنس، ووصل هذه الزيادة البيهقي من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث: حدثني الليث عن يونس أخبرني ابن شهاب عن أنس فذكر الحديث بتمامه، وزاد في آخره: وبعد العوالي من المدينة أربعة أميال. قوله: أو ثلاثة شك من الراوي أي: أو ثلاثة أميال، والعوالي جمع عالية وهي مواضع مرتفعة على غيرها قرب المدينة، وذكر هنا بعدها من المدينة أربعة أميال، وقيل: ثلاثة، والأميال جمع ميل وهو ثلث الفرسخ، وقيل: هو مد البصر.
7330 حدثنا عمرو بن زرارة، حدثنا القاسم بن مالك، عن الجعيد سمعت السائب بن يزيد يقول: كان الصاع على عهد النبي مدا وثلثا بمدكم اليوم وقد زيد فيه
انظر الحديث 1859 وطرفه
لم يذكر أحد هنا وجه المطابقة بين الحديث والترجمة أصلا، ويمكن أن يكون الصاع النبوي داخلا في قوله: وما اجتمع عليه الحرمان، لأن الصاع النبوي كان مما اجتمع عليه أهل الحرمين في أيام النبي، وهو أنه كان مدا وثلث مد، وقد زيد بعده، صلى الله تعالى عليه وسلم، في زمن عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه، مد وثلث وهو معنى قوله: وقد زيد فيه وهي جملة حالية.
وشيخ البخاري عمرو بالفتح ابن زرارة بضم الزاي وفتح الراءين بينهما ألف، والقاسم بن مالك أبو جعفر المزني الكوفي، والجعيد بضم الجيم وفتح العين المهملة مصغر جعد وقد يستعمل مكبرا، وهو ابن
57

عبد الرحمن بن أويس الكندي المدني، والسائب بن يزيد ابن أخت النمر الكندي، ويقال: غيره الصحابي.
والحديث مضى في الحج عن عمرو بن زرارة وفي الكفارات عن عثمان بن أبي شيبة. وأخرجه النسائي في الزكاة عن عمرو بن زرارة.
قوله: مدا وثلثا ويروى: مد وثلث، ووجهه أن يكون على اللغة الربيعية يكتبون المنصوب بدون الألف، وقال الكرماني: أو يكون في: وكان، ضمير الشأن. قلت: فعلى هذا يكون: مد وثلث، مرفوعان على الخبرية عن الصاع المرفوع على الابتداء.
7331 حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم بارك لهم في مكيالهم، وبارك لهم في صاعهم ومدهم يعني: أهل المدينة.
انظر الحديث 2130 وطرفه
هذا الحديث متعلق بالحديث السابق لأن فيه الدعاء بالبركة في صاعهم، فمطابقة ذاك للترجمة تسد مطابقة هذا.
والحديث مضى في البيوع عن عبد الله بن مسلمة أيضا، وفي الكفارات عن عبد الله بن يوسف. وأخرجه مسلم والنسائي كلاهما عن قتيبة.
7332 حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا أبو ضمرة، حدثنا موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر أن اليهود جاءوا إلى النبي برجل وامرأة زنيا فأمر بهما فرجما قريبا من حيث توضع الجنائز عند المسجد.
ا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: من حيث توضع الجنائز وفي رواية المستملي: حيث موضع الجنائز، أي: للصلاة عليها، وهو المصلى.
وأبو ضمرة بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم وبالراء واسمه أنس بن عياض.
والحديث مضى في المحاربين في: باب أحكام أهل الذمة عن إسماعيل بن عبد الله بأتم منه، ومضى الكلام فيه.
7333 حدثنا إسماعيل، حدثني مالك عن عمر و مولى المطلب، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، أن رسول الله طلع له أحد فقال: هاذا جبل يحبنا ونحبه، اللهم إن إبراهيم حرم مكة، وإني أحرم ما بين لابتيها.
ا
مطابقته للترجمة من حيث إن أحدا أيضا من مشاهده
وإسماعيل هو ابن أبي أويس، وعمرو مولى المطلب بن عبد الله المخزومي.
والحديث مضى في الجهاد عن عبد العزيز بن عبد الله وفي أحاديث الأنبياء عن القعنبي وفي المغازي في أخر غزوة أحد عن عبد الله بن يوسف، ومضى الكلام فيه.
قوله: يحبنا أي: يحبنا أهله، ويحتمل أن يكون حقيقة بأن الله يخلق فيه الحياة والإدراك والمحبة كحنين الجذع. قوله: ما بين لابتيها تثنية لابة بفتح الباء الموحدة المخففة وهي الحرة وهي الحجارة السود أي: ما بين طرفيها من الحجارة السود.
تابعه سهل عن النبي في أحد.
أي تابع أنس بن مالك سهل بن سعد في روايته الحديث المذكور لكن تابعه سهل بن سعد في غير التحريم، أشار به إلى ما ذكره في كتاب الزكاة معلقا من حديث سهل بن سعيد، ولفظه: وقال سلميان عن سهل بن سعد عن عمارة بن غزية عن عباس عن أبيه عن النبي، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، قال: أحد جبل يحبنا ونحبه وعباس هو ابن سهل بن سعد يروي عنه.
58

7334 حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا أبو غسان، حدثني أبو حازم، عن سهل أنه كان بين جدار المسجد مما يلي القبلة وبين المنبر ممر الشاة.
انظر الحديث 496
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن أبي مريم هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم المصري وأبو غسان بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة محمد بن مطرف وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار الأعرج عن سهل بن سعد والحديث مر في أوائل الصلاة.
7335 حدثنا عمرو بن علي، حدثنا عبد الرحمان بن مهدي، حدثنا مالك، عن خبيب بن عبد الرحمان، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي
مطابقته للترجمة ظاهرة. وخبيب بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة، وحفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه.
والحديث مضى في آخر الصلاة وفي آخر الحج عن مسدد وفي الحوض عن إبراهيم بن المنذر. وأخرجه مسلم في الحج عن زهير بن حرب وغيره.
قوله: روضة من رياض الجنة يجوز أن يكون حقيقة وأنها تنتقل إلى الجنة أو العمل فيها موصل إلى الجنة، واحتج به في المعونة على تفضيل المدينة لأنه قد علم أنه إنما خص ذلك الموضع منها بفضيلة على بقيتها فكان بأن يدل على فضلها على ما سواها أولى. وقال الكرماني: روضة أي: كروضة أو هو حقيقة، وكذا حكم المنبر قالوا: معناه من لزم العبادة فيما بينهما فله روضة منها، ومن لزمها عند المنبر يشرب من الحوض.
7336 حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا جويرية، عن نافغ، عن عبد الله قال: سابق النبي بين الخيل فأرسلت التي ضمرت منها وأمدها إلى الحفياء إلى ثنية الوداع، والتي لم تضمر أمدها ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق، وأن عبد الله كان فيمن سابق.
مطابقته للترجمة من حيث إن المواضع المذكورة فيه تدخل في لفظ المشاهد في الترجمة المذكورة.
وجويرية مصغر جارية ابن أسماء البصري.
والحديث مضى في الصلاة في: باب هل يقال مسجد بني فلان.
قوله: سابق من المسابقة وهي المراهنة في إعداء الخيل. قوله: فأرسلت على صيغة المجهول، وفي رواية الكشميهني: فأرسل أي: فأرسل النبي، أي بأمره. قوله: ضمرت على صيغة المجهول من التضمير، وقال الخطابي: تضمير الخيل أن يظاهر عليها بالعلق مدة ثم تغشى بالجلال ولا تعلف إلا قوتا حتى تعرق فيذهب كثرة لحمها وتصلب، وزيد في المسافة للخيل المضمرة لقوتها، ونقص منها لما لم تضمر لقصورها عن شأو ذات التضمير ليكون عدلا بين النوعين، وكله إعداد للقوة في إعزاز كلمة الله امتثالا لقوله تعالى: * (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وءاخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شىء فى سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون) * قوله: منها أي: من الخيول. قوله: وأمدها: الأمد الغاية، قوله: إلى الحفياء بفتح المهملة وإسكان الفاء وبالياء آخر الحروف وبالمد: وهو موضع بينه وبين ثنية الوداع خمسة أميال أو ستة، والثنية أضيفت إلى الوداع لأن الخارج من المدينة يمشي معه المودعون إليها. قوله: بني زريق بضم الزاي وفتح الراء، وبنو زريق من الأنصار. قوله: وأن عبد الله هو عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنهما.
حدثنا قتيبة، عن ل يث، عن نافع، عن ابن عمر. وحدثني إسحاق، أخبرنا عيسى وابن إدريس، وابن أبي غنية، عن أبي حيان، عن الشعبي عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: سمعت عمر على منبر النبي.
ا
59

مطابقته للترجمة في قوله: على منبر النبي واقتصر من الحديث على هذا المقدار لكون الذي يحتاج إليه هنا هو ذكر المنبر، وتمامه مضى في كتاب الأشربة في: باب ما جاء في أن الخمر ما خامر العقل: حدثنا أحمد بن أبي رجاء أخبرنا يحيى عن أبي حيان التيمي عن الشعبي عن ابن عمر قال: خطب عمر على منبر رسول الله فقال: إنه قد نزل تحريم الخمر وهي من خمسة أشياء: العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل... الحديث.
وهنا أخرجه من طريقين: أحدهما: عن قتيبة بن سعيد عن ليث بن سعد عن نافع عن عبد الله بن عمرو. والآخر: عن إسحاق، قال الكلاباذي: هو ابن إبراهيم الحنظلي
المعروف بابن راهويه، وهو يروي عن عيسى بن يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي وعن عبد الله بن إدريس بن زيد الكوفي وعن ابن أبي غنية بفتح الغين المعجمة وكسر النون وتشديد الياء آخر الحروف واسمه يحيى بن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية الخزاعي الكوفي، وأصله من أصبهان تحولوا عنها حين افتتحها أبو موسى الأشعري إلى الكوفة وهو يروي عن أبي حيان بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبالنون واسمه يحيى بن سعيد بن حيان أبو حيان التيمي، تيم الرباب، الكوفي، وهو يروي عن عامر بن شراحيل الشعبي عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما.
7338 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني السائب بن يزيد سمع عثمان بن عفان خطيبا على منبر النبي
مطابقته للترجمة في المنبر. وأبو اليمان الحكم بن نافع، وشعيب هو ابن أبي حمزة يروي عن محمد بن مسلم الزهري عن السائب بن يزيد الصحابي، واقتصر على هذا المقدار من الحديث لأجل لفظ المنبر.
قوله: خطيبا حال من عثمان، ويروى: خطبنا، بنون المتكلم مع غيره بلفظ الماضي أي: خطبنا عثمان، وقد أخرج أبو عبيد في كتاب الأموال من وجه آخر عن الزهري فزاد فيه يقول: هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤده... الحديث، ونقل فيه عن إبراهيم بن سعد أنه أراد شهر رمضان، وقال أبو عبيد: وجاء من وجه آخر أنه شهر الله المحرم.
7339 حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا هشام بن حسان أن هشام بن عروة حدثه عن أبيه أن عائشة قالت: قد كان يوضع لي ولرسول الله هاذا المركن فنشرع فيه جميعا.
ا
لم أر أحدا من الشراح ذكر وجه دخول هذا الحديث في هذا الباب، غير أن واحدا منهم ذكر وقال: إن مركن عائشة الذي كانت تشرع فيه مع رسول الله ومقدار ما يكفيهما من الماء سنة، ولا يوجد ذلك المركن إلا بالمدينة. انتهى. قلت: يمكن أن يؤخذ من هذا وجه مطابقته للترجمة في ذكر المدينة.
وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى السامي بالسين المهملة البصري.
والحديث مضى في كتاب الغسل في: باب غسل الرجل مع امرأته.
قوله: المركن بكسر الميم، قال الكرماني: الإجانة، وقال بعضهم: وأبعد من فسره بالإجانة بكسر الهمزة وتشديد الجيم ثم نون وهي القصرية بكسر القاف. قلت: قال ابن الأثير: المركن الإجانة التي يغسل فيها الثياب والميم زائدة، وكذا فسره الأصمعي.
7340 حدثنا مسدد، حدثنا عباد بن عباد، حدثنا عاصم الأحول عن أنس قال: حالف النبي بين الأنصار وقريش في داري التي بالمدينة. وقنت شهرا يدعو على أحياء من بني سليم.
ا
[مطابقته للترجمة في قوله: في داري التي بالمدينة
وعباد بن عباد بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة فيهما.
والحديث مضى في الكفالة عن محمد بن الصباح وعنه روى مسلم في الفضائل. وأخرجه أبو داود عن مسدد في الفرائض.
قوله: حالف من المحالفة وهي المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق. فإن قلت: ورد لا حلف في الإسلام؟ قلت: هذا على الحلف الذي كان في الجاهلية على الفتن والقتال والغارات ونحوها، فهذه هي التي نهى عنها.
قوله: وقنت الخ حديث مستقل مضى في
60

كتاب الوتر إنما دعا على أحياء من بني سليم لأنهم غدروا وقتلوا القراء، وقد مر بيانه فيما مضى.
7342 حدثنا أبو كريب، حدثنا أبو أسامة، حدثنا بريد عن أبي بردة قال: قدمت المدينة فلقيني عبد الله بن سلام فقال لي: انطلق إلى المنزل فأسقيك في قدح شرب فيه رسول الله وتصلي في مسجد صلى فيه النبي فانطلقت معه فسقاني سويقا وأطعمني تمرا وصليت في مسجده.
انظر الحديث 3814
مطابقته للترجمة في قوله: وصليت في مسجده وأبو كريب بضم الكاف محمد بن العلاء وأبو أسامة حماد بن أسامة، وبريد بضم الباء الموحدة ابن عبد الله بن أبي بردة بضم الباء أيضا ابن أبي موسى الأشعري واسم أبي بردة عامر أو الحارث وقد مر غير مرة، وعبد الله بن سلام بالتخفيف وبين في رواية عبد الرزاق سبب قدوم أبي بردة المدينة.
وأخرجه من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبي بردة قال: أرسلني أبي إلى عبد الله بن سلام لأتعلم منه، فسألني: من أنت؟ فأخبرته فرحب بي.
قوله: انطلق إلى المنزل أي: انطلق معي إلى منزلي، فالألف واللام بدل من المضاف إليه. قوله: فسقاني ويروى: فأسقاني.
7343 حدثنا سعيد بن الربيع، حدثنا علي بن المبارك، عن يحياى بن أبي كثير حدثني عكرمة عن ابن عباس أن عمر رضي الله عنه، حدثه قال: حدثني النبي قال: أتاني الليلة آت من ربي وهو بالعقيق أن صل في هاذا الوادي المبارك وقل: عمرة وحجة
وقال هارون بن إسماعيل: حدثنا علي: عمرة في حجة. 0 انظر الحديث 1534 وطرفه
مطابقته للترجمة في قوله: وهو بالعقيق لأنه داخل في مشاهده،
وسعيد بن الربيع أبو زيد الهروي كان يبيع الثياب الهروية فنسب إليها وهو من أهل البصرة.
والحديث مضى في أوائل الحج في: باب قول النبي العقيق واد مبارك، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: آت هو الملك والظاهر أنه جبريل، عليه الصلاة والسلام. قوله: بالعقيق وهو واد بظاهر المدينة. قوله: أن صل قال الكرماني: لعل المراد بالصلاة سنة الإحرام. وفيه: دليل على أنه كان قارنا. قوله: عمرة وحجة منصوبان أي: نويت أو أردت.
قوله: وقال هارون بن إسماعيل هو أبو الحسن الخزاز بالخاء المعجمة والزاءين المعجمتين البصري.
قوله: حدثنا علي هو ابن المبارك. قوله: عمرة في حجة معناه: عمرة مع حجة، أو: عمرة مدرجة في حجة يعني القران.
7344 حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر: وقت النبي قرنا لأهل نجد والجحفة لأهل الشأم وذا الحليفة لأهل المدينة. قال: سمعت هاذا من النبي وبلغني أن النبي قال: ولأهل اليمن يلملم وذكر العراق فقال: لم يكن عراق يومئذ.
ا
مطابقته للترجمة لا تخفى لمن يتأملها ومحمد بن يوسف أبو أحمد البخاري البيكندي، وسفيان هو ابن عيينة.
والحديث قد مضى في أوائل الحج عن ابن عمر من وجوه.
قوله: وقت أي: عين الميقات. قوله: قرنا بسكون الراء، وقال الجوهري: هو بفتحها، وهو على مرحلتين من مكة، ويروى: قرن، باعتبار أنه غير منصرف أو باعتبار اللغة الربيعية. قوله: وبلغني فإن قلت: هذه رواية عن مجهول. قلت: لا قدح بذلك لأنه يروي عن صحابي آخر والصحابة كلهم عدول. قوله: وذكر على صيغة المجهول
61

قوله: فقال أي: ابن عمر. قوله: لم يكن عراق يومئذ يعني: لم يكن أهل العراق في ذلك الوقت مسلمين حتى يوقت لهم ميقات، وكانت العراق يومئذ بأيدي كسرى وعماله من الفرس والعرب. وقال بعضهم: يعكر على هذا الجواب ذكر أهل الشام فلعل مراد ابن عمر نفي العراقين وهما المصران المشهوران: الكوفة والبصرة، وكل منهما إنما صار مصرا جامعا بعد فتح المسلمين بلاد الفرس. انتهى. قلت: هذا كلام واه لأن ابن عمر يقول: وقت النبي، ففي ذلك الوقت لم يكن اسم الكوفة ولا اسم البصرة مذكورا ولا خطر بخاطر أحد أن في العراق بلدين الكوفة والبصرة، وإنما تمصرتا في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، والجواب عن قوله: ويعكر، أن الحج فرض في سنة ست من الهجرة كما قرره الشافعي، فلهذا ذهب إلى أنه للتراخي لأنه لم يحج إلا في سنة عشر وبينهما أربع سنين، وفي هذه المدة دخل ناس في الإسلام من القاطنين فيما وراء المدينة من ناحية الشام، وتوقيت النبي المواقيت كان في زمن حجه.
7345 حدثنا عبد الرحمان بن المبارك، حدثنا الفضيل، حدثنا موسى بن عقبة، حدثني سالم ابن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أري وهو في معرسه بذي الحليفة فقيل له: إنك ببطحاء مباركة.
مطابقته للترجمة لا تخفى لأن ذا الحليفة أيضا من أعظم مشاهده، ولهذا قيل له: إنك في بطحاء مباركة وبطحاء الوادي وأبطحه حصاه اللين في بطن المسيل، وذو الحليفة على ستة أميال من المدينة، وقيل: سبعة، وهو ماء من مياه بني جشم بينهم وبين جحفة، وهي ميقات أهل المدينة التي تسميها العوام آبار علي، رضي الله تعالى عنه.
و عبد الرحمن بن المبارك بن عبد الله، و الفضيل بضم الفاء ابن سليمان النميري البصري والحديث مضى في أوائل الحج.
قوله: أري بضم الهمزة على بناء المجهول. قوله: في معرسه وهو اسم المكان من التعريس وهو المنزل الذي كان في آخر الليل.
انتهت أحاديث هذا الباب وهي أربعة وعشرون حديثا كلها داخلة تحت ترجمته، فبعون الله ولطفه ذكرنا وجوه المطابقات فيها على الفتح الإلاهي والفيض الرباني فلله الحمد أولا وآخرا أبدا دائما.
17
((باب قول الله تعالى: * (ليس لك من الامر شىء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) *))
أي: هذا باب في ذكر قول الله عز وجل: * (ليس لك من الامر شىء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) * أي: ليس لك من أمر خلقي شيء، وإنما أمرهم والقضاء فيهم بيدي دون غيري وأقضي الذي أشاء من التوبة على من كفر بي وعصاني، أو العذاب إما في عاجل الدنيا بالقتل، وإما في الآجل بما أعددت لأهل الكفر. ومضى ذكر سبب نزولها في تفسير سورة آل عمران، ويجيء الآن أيضا. وقال ابن بطال: دخول هذه الترجمة في كتاب الاعتصام من جهة دعاء النبي، على المذكورين لكونهم لم يذعنوا للإيمان ليعتصموا به من اللعنة، وإن معنى قوله: * (ليس لك من الامر شىء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) * هو معنى قوله: * (ليس عليك هداهم ولاكن الله يهدى من يشآء وما تنفقوا من خير فلانفسكم وما تنفقون إلا ابتغآء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون) *
7346 حدثنا أحمد بن محمد، أخبرنا عبد الله، أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في صلاة الفجر، ورفع رأسه
من الركوع، قال: اللهم ربنا ولك الحمد في الآخرة ثم قال: اللهم العن فلانا وفلانا فأنزل الله عز وجل * (ليس لك من الامر شىء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) *
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأحمد بن محمد السمسار المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك، ومعمر بن راشد.
والحديث مضى في سورة آل عمران ومضى الكلام فيه.
قوله: يقول قال الكرماني: أين مقول يقول؟ ثم أجاب بقوله: جعله كالفعل اللازم أي: يفعل القول ويخفيه، أو هو محذوف. وقال بعضهم: يحتمل أن يكون بمعنى قائلا. أو لفظ: قال، المذكور زائد. قلت: هذا
62

الاحتمال لا يمنع السؤال لأنه وإن كان حالا فلا بد له من مقول، ودعواه بزيادة، قال: غير صحيحة لأنه واقع في محله. قوله: ورفع رأسه الواو فيه للحال. قوله: ربنا ولك الحمد ويروى بدون الواو. قوله: في الآخرة من كلام ابن عمر، أي: في الركعة الآخرة، ووهم فيه الكرماني وهما فاحشا وظن أنه متعلق بالحمد حتى قال: وجه التخصيص بالآخرة مع أن له الحمد في الدنيا أيضا لأن نعيم الآخرة أشرف فالحمد عليه هو الحمد حقيقة. أو المراد بالآخرة: العاقبة، أي: قال كل الحمود إليك انتهى. وفي جمع الحمد على الحمود نظر. قوله: فلانا وفلانا قال الكرماني: يعني رعلا وذكوان، قيل: وهم فيه أيضا لأنه سمى ناسا بأعيانهم لا القبائل.
18
((باب قول الله تعالى: * (ولقد صرفنا فى هاذا القرءان للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شىء جدلا) * وقوله تعالى: * (ولا تجادلو
1764; ا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولو
1764; ا ءامنا بالذى
1764; أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلاهنا وإلاهكم واحد ونحن له مسلمون) *))
أي: هذا باب في ذكر قوله تعالى: * (ولا تجادلو
1764; ا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولو
1764; ا ءامنا بالذى
1764; أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلاهنا وإلاهكم واحد ونحن له مسلمون) * وفي التفسير بين سبب نزولها. قوله. وقوله تعالى: ل م... الآية اختلف العلماء في تأويل هذه الآية، فقالت طائفة: هي محكمة ويجوز مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن على معنى الدعاء لهم إلى الله والتنبيه على حججه وآياته رجاء إجابتهم إلى الإيمان، هذا قول مجاهد وسعيد بن جبير. وقال ابن زيد: معناه * (ولا تجادلوا أهل الكتاب) * يعني إذا أسلموا وأخبروكم بما في كتبهم و ى يي في المخاطبة * (إلا الذين ظلموا) * بإقامتهم على الكفر، فخاطبوهم بالسيف. وقال قتادة: هي منسوخة بآية القتال.
7347 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري. ح وحدثني محمد بن سلام، أخبرنا عتاب بن بشير عن إسحاق عن الزهري، أخبرني علي بن حسين أن حسين بن علي رضي الله عنهما، أخبره أن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، قال: إن رسول الله طرقه وفاطمة عليها السلام، بنت رسول الله فقال، لهم: ألا تصلون؟ فقال علي: فقلت: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف رسول الله حين قال له ذلك: ولم يرجع إليه شيئا، ثم سمعه وهو مدبر يضرب فخذه وهو يقول: * (ولقد صرفنا فى هاذا القرءان للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شىء جدلا) *.
مطابقته للجزء الأول للترجمة ظاهرة. وأخرجه من طريقين: أحدهما: عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن مسلم الزهري عن علي بن الحسين. والآخر: عن محمد بن سلام بالتخفيف ووقع عند النسفي غير منسوب عن عتاب بفتح العين المهملة وتشديد التاء المثناة من فوق وبالباء الموحدة ابن بشير بفتح الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة والجزري بالجيم والزاي والراء عن إسحاق بن راشد الجزري أيضا ووقع إسحاق عند النسفي وأبي ذر غير منسوب ونسب عند الباقين، وساق المتن على لفظه عن الزهري عن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنهم.
والحديث مضى في الصلاة عن أبي اليمان أيضا وفي التفسير عن علي بن عبد الله.
قوله: طرقه أي: طرق عليا وفاطمة، منصوب لأنه عطف على الضمير المنصوب بطرقه، ومعناه: أتاه ليلا وسيأتي مزيد الكلام فيه. قوله: فقال لهم: ألا تصلون؟ أي: لعلي وفاطمة ومن عندهما. أو إن أقل الجمع اثنان، وفي رواية شعيب ألا تصليان؟ بالتثنية على الأصل. قوله: بعثنا أي من النوم للصلاة. قوله: حين قال له ذلك فيه التفات، وفي رواية شعيب: حين قلت له ذلك. قوله: وهو مدبر بضم أوله وكسر الباء الموحدة أي: مول ظهره بتشديد اللام، وفي رواية الكشميهني: وهو منصرف. قوله: يضرب فخذه جملة وقعت حالا، وكذلك قوله: وهو يقول وكأن رسول الله حرضهم على الصلاة باعتبار الكسب والقدرة، وأجابه علي، رضي الله تعالى عنه، باعتبار القضاء والقدر. قالوا: وكان يضرب فخذه تعجبا من سرعة جوابه والاعتبار بذلك أو تسليما لقوله. وقال المهلب: لم يكن لعلي، رضي الله تعالى عنه، أن يدفع ما دعاه النبي، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إليه من الصلاة بقوله
63

بل كان عليه الاعتصام بقبوله، ولا حجة لأحد في ترك المأمور به بمثل ما احتج به علي: قيل له: ما فائدة قوله: رفع القلم عن النائم؟.
قال أبو عبد الله: يقال: ما أتاك ليلا فهو طارق، ويقال: الطارق النجم، والثاقب المضيء، يقال: أثقب نارك للموقد.
أبو عبد الله هو البخاري قوله: يقال ما أتاك ليلا فهو طارق كذا لأبي ذر، وسقط من رواية النسفي، وثبت للباقين لكن بدون لفظ: يقال، وقيل: معنى طرقه جاءه ليلا، وقال ابن فارس: حكى بعضهم أن ذلك قد يقال في النهار أيضا، وقيل: أصل الطروق من الطرق وهو الدق، وسمي الآتي بالليل طارقا لحاجته إلى دق الباب. قوله: ويقال الطارق النجم، والثاقب المضيء. قال تعالى: * (ومآ أدراك ما الطارق * النجم الثاقب) * كأنه يثقب الظلام بضوئه فينفذ فيه، ووصف بالطارق لأنه يبدو بالليل. قوله: أثقب أمر من الثقب وهو متعد، يقال: ثقبت الشيء ثقبا وهو من باب نصر ينصر والأمر منه: أثقب بضم الهمزة. قوله: للموقد، بكسر القاف وهو الذي يوقد النار.
حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن سعيد عن أبيه، عن أبي هريرة قال: بينا نحن في المسجد خرج رسول الله فقال: انطلقوا إلى يهود فخرجنا معه حتى جئنا بيت المدراس فقام النبي فناداهم فقال: يا معشر يهود أسلموا تسلموا فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم، قال: فقال لهم رسول الله ذلك أريد أسلموا تسلموا فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم، فقال لهم رسول الله ذلك أريد ثم قالها الثالثة، فقال: اعلموا أنما الأرض لله ورسوله وأني أريد أن أجليكم من هاذه الأرض، فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه، وإلا فاعلموا أنما الأرض لله ورسوله
انظر الحديث 3167 وطرفه
مطابقته للجزء الثاني للترجمة من حيث إنه بلغ اليهود ودعاهم إلى الإسلام فقالوا: بلغت ولم يذعنوا لطاعته فبالغ في تبليغهم وكرره، وهذه مجادلة بالتي هي أحسن.
وسعيد هو المقبري يروي عن أبيه كيسان.
والحديث مضى في الجزية عن عبد الله بن يوسف وفي الإكراه عن عبد العزيز بن عبد الله. وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي كلهم عن قتيبة، فمسلم في المغازي، وأبو داود في الخراج، والنسائي في السير.
قوله: بيت المدراس بكسر الميم وهو الذي يقرأ فيه التوراة، وقيل: هو الموضع الذي كانوا يقرأون فيه، وإضافة البيت إليه إضافة العام إلى الخاص، ويروى: المدارس بضم الميم، قاله الكرماني: قوله: أسلموا بفتح الهمزة من الإسلام وتسلموا من السلامة. قوله: ذلك أريد بضم الهمزة وكسر الراء أي: التبليغ هو مقصودي * (إنى
1764; أريد أن تبوء بإثمى وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزآء الظالمين) *، وغيرها وفي رواية أبي زيد المروزي فيما ذكره القابسي بفتح الهمزة وبزاي من الزيادة وأطبقوا على أنه تصحيف، ووجهه بعضهم بأن معناه: أكرر مقالتي مبالغة في التبليغ. قوله: أن أجليكم أي: أطردكم من تلك الأرض وكان خروجهم إلى الشام. وقال الجوهري: جلوا عن أوطانهم وجلوتهم أنا يتعدى ولا يتعدى، وأجلوا عن البلد وأجليتهم أنا كلاهما بالألف، وزاد في الغريبين وجلى عن وطنه بالتشديد. قوله: بماله الباء للمقابلة نحو: بعته بذاك.
19
((باب قوله تعالى: * (وكذالك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهدآء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التى كنت عليهآ إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم) *))
أي: هذا باب في ذكر قوله تعالى: الخ معناه مثل الجعل الغريب الذي اختصصناكم فيه بالهداية أي عدلا يوم القيامة كما جاء في حديث نوح يقول قوم نوح، عليه السلام: كيف يشهدون علينا
64

ونحن أول الأمم وهم آخر الأمم؟ فيقولون: نشهد أن الله عز وجل بعث إلينا رسولا وأنزل إلينا كتابا فكان فيما أنزل الله إلينا خبركم.
وما أمر النبي بلزوم الجماعة وهم أهل العلم
هذا عطف على ما قبله، تقديره: وفيما أمر النبي، بلزوم الجماعة المراد بالجماعة أهل الحل والعقد في كل عصر. وقال الكرماني: مقتضى الأمر بلزوم الجماعة أنه يلزم المكلف متابعة ما اجتمع عليه المجتهدون وهم المراد بقوله: وهل أهل العلم.
7349 حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا أبو أسامة، حدثنا الأعمش، حدثنا أبو صالح، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله يجاء بنوح يوم القيامة فيقال له هل بلغت فيقول نعم يا رب فتسأل أمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير، فيقول: من شهودك؟ فيقول محمد وأمته. فيجاء بكم فتشهدون ثم قرأ رسول الله * (وكذالك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهدآء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التى كنت عليهآ إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم) *
انظر الحديث 3339 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج أبو يعقوب المروزي، وأبو أسامة حماد بن أسامة، والأعمش سليمان، وأبو صالح ذكوان الزيات.
والحديث مضى في ذكر نوح، عليه السلام، عن موسى بن إسماعيل، وفي التفسير عن يونس بن راشد، ومضى الكلام فيه.
قوله: حدثنا، الأعمش ويروى: قال الأعمش، حذف منه: قال، الثانية. قوله: فيقول محمد ويروى: فيقال.
وعن جعفر بن عون حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري عن النبي بهاذا.
وجعفر بن عون بالنون بن جعفر المخزومي القرشي الكوفي، وهو معطوف على قوله: أبو أسامة، والقائل هو إسحاق بن منصور، فروى هذا الحديث عن أبي أسامة بصيغة التحديث. وعن جعفر بن عوف بالعنعنة. وأبو نعيم جزم بأن رواية جعفر بن عون معلقة. وأخرجه من طريق أبي مسعود الرازي عن أبي أسامة وحده، ومن طريق بندار عن جعفر بن عون وحده.
20
((باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ خلاف الرسول من غير علم فحكمه مردود لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد).))
أي: هذا باب فيه إذا اجتهد العامل، وفي رواية الكشميهني: إذا اجتهد العالم. قوله: العامل قال الكرماني: أي عامل الزكاة. قلت: لفظ العامل أعم من آخذ الزكاة، وقال الحاكم: أي القاضي، وهذا أيضا أعم من القاضي. قوله: أو الحاكم كلمة: أو، فيه للتنويع. فإن قلت: قد مضى في كتاب الأحكام: باب إذا قضى الحاكم بجور وخلاف أهل العلم فهو مردود، فما فائدة ذكر هذه الترجمة هنا؟ قلت: تلك الترجمة معقودة لمخالفة الإجماع، وهذه الترجمة معقودة لمخالفة الرسول قوله: فأخطأ، أي: في أخذ واجب الزكاة، أو في قضائه. قاله الكرماني: قلت: هو أعم من ذلك. قوله: خلاف الرسول، أي: مخالفا للسنة. قوله: من غير علم أي: جاهلا. قال الكرماني: وحاصله إن حكم بغير السنة ثم تبين له أن السنة بخلاف حكمه وجب عليه الرجوع منه إليها وهو الاعتصام بالسنة، ثم قال: وفي الترجمة نوع تعجرف. قلت: كأنه أشار بذلك إلى قوله: فأخطأ، لأن ظاهره ينافي المقصود. لأن من أخطأ خلاف الرسول لا يذم بخلاف من أخطأ وفاقه. وقال بعضهم ردا عليه. وتمام الكلام عند قوله: فأخطأ، ويتعلق بقوله: اجتهد. وقوله: خلاف الرسول، أي: فقال خلاف الرسول، فأي عجرفة في هذا. انتهى. قلت: فيما قاله عجرفة أكثر مما قاله الكرماني لأن تقديره بقوله: فقال خلاف الرسول، يكون عطفا على أخطأ
65

فيؤدي إلى نفي المقصود الذي ذكرناه الآن، ووجد بخط الحافظ الدمياطي في حاشية نسخته: الصواب فأخطأ بخلاف الرسول. قوله: لقول النبي، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، إلى آخره قد تقدم هذا موصولا في كتاب الصلح عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، بلفظ آخر، ورواه مسلم بهذا اللفظ، ومضى الكلام فيه هناك. وقال ابن بطال: مراده أن من حكم بغير السنة جهلا أو غلطا يجب عليه الرجوع إلى حكم السنة وترك ما خالفها امتثالا لأمر الله بإيجاب طاعة رسوله، وهذا هو نفس الاعتصام بالسنة.
7350، 7351 حدثنا إسماعيل، عن أخيه عن سليمان بن بلال، عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمان بن عوف أنه سمع سعيد بن المسيب يحدث أن أبا سعيد الخدري وأبا هريرة حدثاه أن رسول الله بعث أخا بني عدي الأنصاري واستعمله على خيبر، فقدم بتمر جنيب، فقال له رسول الله أكل تمر خيبر هاكذا؟ قال: لا والله يا رسول الله، إنا لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع. فقال رسول الله لا تفعلوا، ولكن مثلا بمثل، أو بيعوا هاذا واشتروا بثمنه من هاذا، وكذلك الميزان.
اما
مطابقته للترجمة من حيث إن الصحابي اجتهد فيما فعل من غير علم فرده النبي، ونهاه عما فعل.
وإسماعيل هو ابن أبي أويس، وأخوه أبو بكر واسمه عبد الحميد بتقديم الحاء المهملة على الميم وهو يروي عن سليمان بن بلال أبي أيوب القرشي التيمي عن عبد المجيد بالميم قبل الجيم ابن سهيل ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، وقال الغساني: سقط من كتاب الفربري من هذا الإسناد: سليمان بن بلال، وذكر أبو زيد المروزي أنه لم يكن في أصل الفربري، والصواب رواية النسفي فإنه ذكره ولا يتصل السند إلا به.
والحديث مضى في كتاب البيوع في: باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه.
قوله: أخا بني عدي يعني: واحدا منهم كما يقال: يا أخا همدان، أي: واحدا منهم، واسم هذا المنعوت سواد بن غزية بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي وتشديد التحتية. قوله: جنيب بفتح الجيم وكسر النون هو نوع من التمر وهو أجود تمرهم والجمع رديء. وقال الأصمعي: كل لون من النخل لا يعرف اسمه فهو جمع، وقال الجوهري: الجمع الدقل، وقال القزاز: الجمع أخلاط أجناس التمر. قوله: لا تفعلوا أي: هذا الفعل، وفي مسلم: هو الربا فردوه ثم بيعوا تمرنا واشتروا لنا هذا. قوله: وكذلك الميزان يعني: كل ما يوزن يباع وزنا بوزن، وقال الكرماني: الحديث تقدم في البيع وليس فيه ذكر هذه الجملة، فما معناها؟ وأجاب بقوله: يعني الموزونات حكمها حكم المكيلات لا يجوز فيها أيضا التفاضل، فلا بد فيها من البيع ثم الاشتراء بثمنه.
21
((باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ))
أي: هذا باب في بيان أجر الحاكم إذا اجتهد في حكمه فأصاب أو أخطأ، أما إذا أصاب فله أجران، وأما إذا أخطأ فله أجر، وتفاوت الأجر مع التساوي في العمل لكون المصيب فاز بالصواب وفاز بتضاعف الأجر، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ولعله للمصيب زيادة في العمل إما كمية وإما كيفية. قيل: لم يكون الأجر للمخطىء. وأجيب: لأجل اجتهاده في طلب الصواب لا على خطئه. وقال ابن المنذر: وإنما يؤجر الحاكم إذا أخطأ إذا كان عالما بالاجتهاد فاجتهد، فأما إذا لم يكن عالما فلا.
7352 حدثنا عبد الله بن يزيد المقري المكي، حدثنا حيوة، حدثني يزيد بن عبد الله بن
66

الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن بسر بن سعيد، عن أبي قيس مولاى عمرو بن العاص، عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر قال: فحدثت بهاذا الحديث أبا بكر بن عمرو بن حزم فقال: هاكذا حدثني أبو سلمة
بن عبد الرحمان، عن أبي هريرة.
وقال عبد العزيز بن المطلب عن عبد الله بن أبي بكر عن أبي سلمة، عن النبي مثله
مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضح الإبهام الذي فيه لأنه لم يبين فيها كمية الأجر ولا كيفيته.
وعبد الله بن يزيد من الزيادة المقرئ من الإقراء، وحيوة بن شريح بضم الشين المعجمة، ويزيد من الزيادة ابن عبد الله بن أسامة بن الهاد، ومحمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي المدني التابعي ولأبيه صحبة، وبسر بضم الباء الموحدة ابن سعيد، وأبو قيس من الفقهاء. قال في الطبقات اسمه سعد. وقال البخاري: لا يعرف له اسم، وتبعه الحاكم أبو أحمد وجزم ابن يونس في تاريخ مصر بأنه عبد الرحمن بن ثابت وهو أعرف بالمصريين من غيره، وليس لأبي قيس هذا في البخاري إلا هذا الحديث.
وفي هذا السند أربعة من التابعين أولهم: يزيد بن عبد الله.
والحديث أخرجه مسلم في الأحكام عن يحيى بن يحيى وغيره. وأخرجه أبو داود في القضاء عن القواريري. وأخرجه النسائي فيه عن إسحاق بن إبراهيم. وأخرجه ابن ماجة في الأحكام عن همام بن عمار.
قوله: إذا حكم الحاكم فاجتهد القياس أن يقال: إذا اجتهد فحكم، لأن الحكم متأخر عن الاجتهاد، ولكن معنى: حكم، إذا أراد أن يحكم. قوله: ثم أصاب وفي رواية أحمد: فأصاب، وهو الأصوب، ومعناه: صادف ما في نفس الأمر من حكم الله. قوله: فأخطأ أي: ظن أن الحق في جهته فصادف أن الذي في نفس الأمر بخلاف ذلك. قوله: قال فحدثت أي: قال عبد الله بن يزيد أحد رواة الحديث. قوله: هكذا حدثني أبو سلمة يعني: مثل حديث أبي قيس مولى عمرو بن العاص. قوله: وقال عبد العزيز بن المطلب بضم الميم وتشديد الطاء ابن عبد الله بن حنطب المخزومي قاضي المدينة، وكنيته أبو طالب وهو من أقران مالك، ومات قبله وليس له في البخاري سوى هذا الموضع الواحد المعلق المرسل لأن أبا سلمة تابعي، وعبد الله بن أبي بكر يروي عن شيخ أبيه وهو ولد الراوي المذكور في السند الذي قبله أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وكان قاضي المدينة أيضا.
22
((باب الحجة على من قال: إن أحكام النبي صلى الله عليه وسلم كانت ظاهرة، وما كان يغيب بعضهم عن مشاهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأمور الإسلام))
.
أي: هذا باب في بيان الحجة إلى آخره، عقد هذا الباب لبيان أن كثيرا من أكابر الصحابة كان يغيب عن مشاهد النبي ويفوت عنهم ما يقوله أو يفعله من الأفعال التكليفية، فيستمرون على ما كانوا اطلعوا عليه إما على المنسوخ لعدم اطلاعهم على الناسخ، وإما على البراءة الأصلية، ثم أخذ بعضهم من بعض مما رواه عن رسول الله فهذا الصديق، رضي الله تعالى عنه، على جلالة قدره لم يعلم النص في الجدة حتى أخبره محمد بن مسلمة والمغيرة بالنص فيها، وهذا عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، رجع إلى أبي موسى الأشعري، رضي الله تعالى عنه، في الاستئذان، وهو حديث الباب وأمثال هذا كثيرة، ويرد بهذا الباب على الرافضة وقوم من الخوارج زعموا أن أحكامه وسنته منقولة عنه نقل تواتر، وأنه لا يجوز العمل بما لم ينقل متواترا، وهو مردود بما صح أن الصحابة كان يأخذ بعضهم من بعض، ويرجع بعضهم إلى رواية غيره عن رسول الله وانعقد الإجماع على القول بالعمل بأخبار الآحاد. قوله: كانت ظاهرة أي: للناس لا تخفى إلا على النادر. قوله: وما كان يغيب، عطف على مقول القول، وكلمة: ما، نافية أو عطف على الحجة فما موصولة. قوله: عن
67

مشاهد النبي ووقع في رواية النسفي: مشاهدة، ويروى: عن مشهد النبي بالإفراد، ووقع في مستخرج أبي نعيم: وما كان يفيد بعضهم بعضا، بالفاء والدال من الإفادة.
7353 حدثنا مسدد، حدثنا يحياى، عن ابن جريج، حدثني عطاء، عن عبيد بن عمير قال: استأذن أبو موساى على عمر فكأنه وجده مشغولا، فرجع فقال عمر: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس؟ ائذنوا له؟ فدعي له فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: إنا كنا نؤمر بهاذا، قال: فأتني على هاذا ببينة أو لأفعلن بك، فانطلق إلى مجلس من الأنصار فقالوا: لا يشهد إلا أصاغرنا، فقام أبو سعيد الخدري فقال: قد كنا نؤمر بهاذا، فقال عمر: خفي علي هاذا من أمر النبي ألهاني الصفق بالأسواق.
انظر الحديث 2062 وطرفه
مطابقته للترجمة من حيث إن عمر، رضي الله تعالى عنه، لما خفي عليه أمر الاستئذان رجع إلى قول أبي موسى الأشعري في قوله: قد كنا نؤمر بهذا أي: بالاستئذان، فدل هذا على أن خبر الواحد يعمل به، وأن بعض السنن كان يخفى على بعض الصحابة، وأن الشاهد منهم يبلغ الغائب ما شهد، وإن الغائب كان يقبله ممن حدثه ويعتمده ويعمل به. فإن قلت: طلب عمر، رضي الله تعالى عنه، البينة يدل على أنه لا يحتج بخبر الواحد. قلت: فيه دليل على أنه حجة لأنه بانضمام خبر أبي سعيد إليه لا يصير متواترا. وقال البخاري في كتاب بدء الإسلام: أراد عمر التثبت لا أنه لا يجيز خبر الواحد.
و يحيى في السند هو القطان يروي عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن عبيد بن عمير الليثي المكي. قال: استأذن أبو موسى وهو عبد الله بن قيس الأشعري، رضي الله تعالى عنه، وقد مضت قضية أبي موسى مع عمر بن الخطاب في كتاب الاستئذان في: باب التسليم والاستئذان ثلاثا. ما حملك على ما صنعت؟ أي: من الرجوع وعدم التوقف. قوله: قد كنا نؤمر قال الأصوليون: مثله يحمل على أن الآمر به هو النبي، وهو قوله: إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع. قوله: فقالوا القائل أولا هو أبي بن كعب ثم تبعه الأنصار في ذلك. قوله: فقام أبو سعيد هو الخدري سعد بن مالك. قوله: ألهاني أي: شغلني الصفق وهو ضرب اليد على اليد للبيع.
7354 حدثنا علي، حدثنا سفيان، حدثني الزهري أنه سمعه من الأعرج يقول أخبرني أبو هريرة قال: إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث على رسول الله والله الموعد إني كنت امرأ مسكينا ألزم رسول الله على ملء بطني، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم، فشهدت من رسول الله ذات يوم وقال: من يبسط رداءه حتى أقضي مقالتي ثم يقبضه فلن ينسى شيئا سمعه مني فبسطت بردة كانت علي فوالذي بعثه بالحق ما نسيت شيئا سمعته منه.
ا
مطابقته للترجمة من حيث إن أبا هريرة أخبر عن النبي، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، من أقواله وأفعاله ما غاب عنه كثير من الصحابة، ولما بلغهم ما سمعه قبلوه وعملوا به فدل على أن خبر الواحد يقبل ويعمل به. وفيه حجة على الذين يشترطون التواتر في أخبار النبي، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.
وعلي هو ابن عبد الله بن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، والزهري محمد بن مسلم، والأعرج عبد الرحمان بن هرمز.
والحديث قد مضى في أول كتاب البيوع بأطول منه من وجه آخر ومضى أيضا في كتاب العلم في: باب حفظ العلم من حديث مالك عن الزهري عن الأعرج.
قوله: والله
68

الموعد جملة معترضة، ومراده من هذا يوم القيامة يعني: يظهر أنكم على الحق في الإنكار أو إني عليه في الإكثار. قوله: على ملء بطني بكسر الميم والهمزة في آخره، أراد به سد جوعته. قوله: على أموالهم أي: على مزارعهم والمال وإن كان عاما لكنه قد يخص بنوع منه ولم يكن للأنصار إلا المزارع. قوله: ثم يقبضه بالرفع. قوله: فلن ينسى هكذا رواية الكشميهني، ونقل ابن التين أنه وقع في الرواية: فلن ينس، بالنون والجزم وروى عن الكسائي أنه قال: الجزم بلن لغة لبعض العرب، ويروى: فلم ينس. قوله: سمعه مني ويروى: يسمعه، بصورة المضارع.
23
((باب من رأى ترك النكير من النبي صلى الله عليه وسلم حجة لا من غير الرسول))
أي: هذا باب في بيان من رأى ترك النكير أي الإنكار وهو بفتح النون وكسر الكاف مبالغة في الإنكار غرضه أن تقرير الرسول، حجة إذ هو نوع من فعله ولأنه لو كان منكرا للزمه التغيير ولا خلاف بين العلماء في ذلك، لأنه، لا يجوز له أن يرى أحدا من أمته يقول قولا أو يفعل فعلا محظورا فيقرره عليه لأن الله تعالى فرض عليه النهي عن المنكر. قوله: لا من غير الرسول، يعني: ليس بحجة ترك الإنكار من غير الرسول لجواز أنه لم يتبين له حينئذ وجه الصواب. وقال ابن التين: الترجمة تتعلق بالإجماع السكوتي وأن الناس اختلفوا فيه، وقد علم ذلك في موضعه.
7355 حدثنا حماد بن حميد، حدثنا عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا شعبة، عن سعد ابن إبراهيم، عن محمد بن المنكدر قال: رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن الصياد الدجال. قلت: تحلف بالله؟ قال: إني سمعت عمر يحلف على ذالك عند النبي فلم ينكره النبي.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وحماد بن حميد بالضم الخراساني وذكر الحافظ المزي في التهذيب أن في بعض النسخ القديمة من البخاري: حدثنا حماد بن حميد صاحب لنا حدثنا بهذا الحديث. وعبيد الله بن معاذ في الإحياء.
وقد أخرج مسلم هذا الحديث عن عبيد الله بن معاذ بلا واسطة، قيل: هو أحد الأحاديث التي نزل فيها البخاري عن مسلم، أخرجها مسلم عن شيخ وأخرجها البخاري بواسطة بينه وبين ذلك الشيخ. قلت: عبيد الله بن معاذ من مشايخ مسلم روى عنه في غير موضع، وروى البخاري عن محمد بن النضر وحماد بن حميد وأحمد غير منسوب عنه في ثلاث مواضع في كتابه: في تفسير سورة الأنفال في موضعين، وفي آخر الاعتصام، وروى البخاري هنا عن حماد عن عبيد الله عن أبيه معاذ بن حسان العنبري البصري عن شعبة عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمان بن عوف عن محمد بن المنكدر عن جابر. وأخرجه مسلم وأبو داود كلاهما عن عبيد الله بن معاذ، فمسلم أخرجه في الفتن، وأبو داود في الملاحم.
قوله: إن ابن الصياد كذا لأبي ذر بصيغة المبالغة، ووقع عند ابن بطال مثله لكن بغير الألف واللام، وكذا في رواية مسلم، وفي رواية الباقين ابن الصائد، بوزن الظالم واسمه صاف، وإنما حلف عمر بالظن ولعله سمعه من النبي، أو فهمه بالعلامات والقرائن. فإن قلت: جاء في خبره أن عمر قال لرسول الله، دعني أضرب عنقه، فقال: إن يكن هو فلن تسلط عليه، وإن لم يكن فلا خير لك في قتله، فهذا يدل على شكه فيه، وترك القطع عليه أنه الدجال. قلت: يمكن أن يكون هذا الشك منه كان متقدما على يمين عمر بأنه الدجال، ثم أعلمه الله أنه الدجال، وجواب آخر أن الكلام، وإن خرج مخرج الشك، فقد يجوز، أن يراد به اليقين والقطع. كقوله: لئن أشركت ليحبطن عملك وقد علم تعالى أن ذلك لا يقع منه فإنما خرج هذا منه على المتعارف عند العرب في مخاطبتها قال الشاعر:
* أيا ظبية الوعساء بين جلاجل
* وبين النقا أأنت أم أم سالم؟
*
69

فأخرج كلامه مخرج الشك مع كونه غير شاك في أنها ليست بأم سالم، وكذلك كلامه خرج مخرج الشك لطفا منه بعمر في صرفه عن عزمه على قتله.
24
((باب الأحكام التي تعرف بالدلائل، وكيف معنى الدلالة وتفسيرها))
أي: هذا باب في بيان الأحكام التي تعرف بالدلائل أي بالملازمات الشرعية أو العقلية. وقال ابن الحاجب وغيره: المتفق عليها خمسة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس والاستدلال، وذلك كلما علم ثبوت الملزوم شرعا أو عقلا علم ثبوت لازمه عقلا أو شرعا، قوله: بالدلائل، كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني: بالدليل، بالإفراد والدليل ما يرشد إلى المطلوب ويلزم من العلم به العلم بوجود المدلول. قوله: وكيف، معنى الدلالة، بفتح الدال وكسرها وحكي ضمها أيضا والفتح أعلى، ومعنى الدلالة هو كإرشاد النبي أن الخاص وهو الحمر حكمه داخل تحت حكم العام. وهو * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * فإن من ربطها في سبيل الله فهو عامل للخير يرى جزاءه خيرا، ومن ربطها فخرا ورياء فهو عامل للشر يرى جزاءه شرا. قوله: وتفسيرها يجوز بالرفع والجر، وتفسيرها يعني: تبيينها كتعليم عائشة، رضي الله تعالى عنها، للمرأة السائلة التوضؤ بالفرصة.
وقد أخبر النبي أمر الخيل وغيرها ثم سئل عن الحمر فدلهم على قوله تعالى: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) *
قد بينا معناه الآن.
وسئل النبي عن الضب فقال: لا آكله ولا أحرمه وأكل على مائدة النبي الضب فاستدل ابن عباس بأنه ليس بحرام
فيه أيضا بيان تقريره، عليه الصلاة والسلام، وأنه يفيد الجواز إلى أن يوجد منه قرينة تصرفه إلى غير ذلك. قوله: فاستدل ابن عباس بأنه أي: بأن أكل الضب ليس بحرام، وذلك لما رأى أنه يؤكل على مائدته بحضرته ولم ينكره ولا منع منه، ولقائل أن يقول: لا آكله، قرينة على عدم جواز أكله مع قوله تعالى: * (الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التى كانت عليهم فالذين ءامنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذى
1764; أنزل معه أولائك هم المفلحون) * ولا شك أن الضب من الخبائث لأن النفس الزكية لا تقبله، ألا ترى كيف قال إني أعافه؟ وأما قوله: ولا أحرمه فيحتمل أنه يكون قبل نزول الآية، ويحتمل أنه كان الذين أكلوه في ذلك الوقت في مجاعة وكان الوقت في ضيق شديد من عدم ما يؤكل من الحيوان.
7356 حدثنا إسماعيل، حدثني مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله قال: الخيل لثلاثة لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر. فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله، فأطال في مرج أو روضة فما أصابت في طيلها ذالك المرج أو الروضة كان له حسنات، ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقي به كان ذالك حسنات له، وهي لذالك الرجل أجر. ورجل ربطها تغنيا وتعففا ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فهي له ستر، ورجل ربطها فخرا ورياء فهي على ذالك وزر وسئل رسول الله عن الحمر قال: ما أنزل الله علي فيها إلا هاذه الآية الفاذة الجامعة * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) *
ا
70

مطابقته للترجمة من حيث إن النبي لما بين أمور الخير وسئل عن الحمر عرف حكم الحمر بالدليل وهو قوله تعالى: 0 الزلزلة: 7 ف الآية، وقد ذكرناه الآن.
وإسماعيل هو ابن أبي أويس، وأبو صالح ذكوان الزيات السمان.
والحديث قد مضى في الشرب عن عبد الله بن يوسف وفي الجهاد وفي علامات النبوة عن القعنبي وفي التفسير عن إسماعيل وعن يحيى بن سليمان ومضى الكلام فيه.
قوله: وزر هو الاسم. قوله: فأطال مفعوله محذوف. أي: أطال لها الذي يشد به. قوله: في مرج هو الموضع الذي ترعى فيه الدواب. قوله: أو روضة شك من الراوي قوله: في طيلها بكسر الطاء وفتح الياء آخر الحروف وهو الحبل الطويل الذي تشد به الدابة عند الرعي. قوله: فاستنت من الاستنان وهو العدو. قوله: شرفا بفتحتين وهو الشوط، قوله: يسقي به أي: يسقيه، والياء زائدة ويروى: تسقى، بلفظ المجهول. قوله: تغنيا قال ابن نافع: أي يستغني بها عما في أيدي الناس، وانتصابها على التعليل. قوله: وتعففا أي: يتعفف بها عن الافتقار إليهم بما يعمل عليها ويكسبه على ظهرها. قوله: في رقابها فيه دليل على أن فيها الزكاة، واعتمد عليه الحنفية في إيجاب الزكاة في الخيل والخصم فسره بقوله: لا ينسى التصدق ببعض كسبه عليها الله تعالى. قوله: وسئل رسول الله قيل: يمكن أن يكون السائل هو صعصعة بن معاوية عم الأحنف التميمي لأن له حديثا رواه النسائي في التفسير وصححه الحاكم ولفظه: قدمت على النبي فسمعته يقول: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * إلى آخر السورة، قال: ما أبالي أن لا أسمع غيرها، حسبي حسبي. قوله: الفاذة بتشديد الذال المعجمة: المفردة في معناها، ومعنى الجامعة التي تجمع أعمالها البر كلها دقيقها وجليلها، وكذلك أعمال المعاصي.
7357 حدثنا يحياى، حدثنا ابن عيينة، عن منصور بن صفية، عن أمه عن عائشة أن امرأة سألت النبي.
أخرج هذا الحديث من طريقين: أحدهما: أخرجه مختصرا عن يحيى، قال الكلاباذي: هو يحيى بن جعفر البيكندي، وقال بعضهم: صنيع ابن السكن، يقتضي أنه يحيى بن موسى البلخي. قلت: تبع الكلاباذي في هذا جماعة منهم البيهقي، و ابن عيينة هو سفيان، ومنصور بن عبد الرحمان بن طلحة بن الحارث بن أبي طلحة بن عبد الدار العبدري الحجبي يروي عن أمه صفية بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، ولصفية ولأبيها صحبة.
والطريق الثاني: هو قوله:
حدثنا محمد هو ابن عقبة، حدثنا الفضيل بن سليمان النميري البصري، حدثنا منصور بن عبد الرحمان بن شيبة، حدثتني أمي عن عائشة، رضي الله عنها، أن امرأة سألت النبي عن الحيض كيف تغتسل منه قال: تأخذين فرصة ممسكة فتوضئين بها قالت كيف أتوضأ بها يا رسول الله؟ قال النبي توضئي قالت كيف أتوضأ بها يا رسول
الله؟ قال النبي توضئين بها قالت عائشة فعرفت الذي يريد رسول الله فجذبتها إلي فعلمتها.
انظر الحديث 314 وطرفه
مطابقته للترجمة من حيث إنه لما سألته المرأة المذكورة عن كيفية الاغتسال علمها بالدليل.
وشيخ البخاري محمد بن عقبة الشيباني الكوفي، قال أبو حاتم: ليس بالمشهور، ورد عليه بأنه روى عنه مع البخاري يعقوب بن سفيان، وأبو كريب وآخرون، ووثقه جماعة منهم ابن عدي، وقال الكلاباذي: هو من قدماء شيوخ البخاري وما له عنده سوى هذا الموضع، ورد عليه بأن له موضعا آخر مضى في الجمعة وآخر في غزوة المريسيع وله في الأحاديث الثلاثة عنده متابع، فما أخرج له شيئا استقلالا ولكنه ساقه المتن هنا بلفظه. وأما لفظ ابن عيينة فقد مضى في الطهارة قاله بعضهم، وليس كذلك، بل هو في كتاب
71

الحيض في: باب دلك المرأة نفسها إذا طهرت من الحيض، أخرجه عن يحيى المذكور في الطريق الأول عن ابن عيينة إلى آخره، ومضى الكلام فيه.
قوله: إن امرأة هي: أسماء بنت شكل بفتح الشين المعجمة والكاف واللام. قوله: كيف تغتسل منه على صيغة المجهول. قوله: تأخذين ويروى: تأخذي، والأول هو الصواب. قوله: فرصة بتثليث الفاء وسكون الراء وبالصاد المهملة وهي القطعة من القطن أو الخروق تتمسح بها المرأة من الحيض. قوله: ممسكة أي: مطيبة بالمسك. وقال الخطابي: قد تأول الممسكة على معنى الإمساك دون الطيب، يريد أنها تمسكها بيدها فتستعملها. قوله: فتوضئين بها أي: تتنظفين وتتطهرين أي: أراد معناها اللغوي. قوله: فجذبتها إلي بتشديد الياء.
7358 حدثنا موساى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أن أم حفيد بنت الحارث بن حزن أهدت إلى النبي سمنا وأقطا وأضبا فدعا بهن النبي فأكلن على مائدته، فتركهن النبي كالمتقذر لهن ولو كن حراما ما أكلن على مائدته ولا أمر بأكلهن.
مطابقته للترجمة من حيث إنه لما تركهن كالمتقذر لهن ربما امتنعوا عن أكلها ثم إنه لما دعا بهن وأكلن على مائدته صار ذلك دليلا على إباحتهن.
وأبو عوانة بفتح المهملة الوضاح اليشكري، وأبو بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة جعفر بن أبي وحشية.
والحديث مضى في الأطعمة في: باب الأقط عن مسلم بن إبراهيم.
قوله: أن أم حفيد بضم الحاء المهملة وفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة واسمها هزيلة مصغر هزلة بالزاي بنت الحارث الهلالية أخت ميمونة أم المؤمنين، وهي خالة ابن عباس وخالة خالد بن الوليد، واسم أم كل منهما لبابة بضم اللام وتخفيف الباء الموحدة الأولى. قوله: وأضبا بفتح الهمزة وضم الضاد المعجمة وتشديد الباء الموحدة جمع ضب وفي رواية الكشميهني: وضبا، بالإفراد. وقال صاحب التوضيح أصل أضبا أضببا على وزن أفلس اجتمع مثلان متحركان وأسكن الأول ونقلت حركته إلى الساكن الذي قبله. انتهى. قلت: كأنه استغرب هذا وطول الكلام فيه، ومن قرأ مختصرا في علم التصريف يعلم هذا، ومع هذا لم يكمل ما قاله فيه وتتمته أنه لما اجتمع فيه حرفان مثلان نقلت حركة الأول إلى الضاد وأدغم في الثاني. قوله: كالمتقذر بالقاف والذال المعجمة. قوله: لهن أي: لهذه المذكورات الثلاث، وفي رواية الكشميهني له بالإفراد وهو الأوجه لأنه لم يكن يتقذر السمن والأقط، وكذا الكلام في دعا بهن وفي الباقي وذكرنا الخلاف في الضب فيما مضى.
7359 حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال: قال النبي من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا أو ليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته وإنه أتي ببدر قال ابن وهب: يعني: طبقا فيه خضرات من بقول فوجد لها ريحا، فسأل عنها، فأخبر بما فيها من البقول، فقال: قربوها فقربوها إلى بعض أصحابه كان معه، فلما رآه كره أكلها قال: فإني أناجي من لا تناجي
مطابقته للترجمة من حيث إن النبي، لما امتنع من الخضرات المذكورة لأجل ريحها امتنع الرجل الذي كان معه، فلما رآه قد امتنع قال له كل وفسر كلامه بقوله: فإني أناجي من لا تناجي.
وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري، ويونس هو ابن يزيد الأيلي.
والحديث مضى في الصلاة عن سعيد بن عفير، ومضى الكلام فيه.
قوله: وليقعد في بيته وفي رواية الكشميهني: أو ليقعد، بزيادة الألف في أوله. قوله: ببدر بفتح الباء الموحدة وهو الطبق على ما يأتي، سمي
72

بدرا لاستدارته تشبيها بالقمر، قوله: قال ابن وهب موصول بسند الحديث المذكور. قوله: فيه خضرات بفتح أوله وكسر ثانيه، وقال ابن التين: وضبط في بعض الروايات بفتح الضاد وضم الخاء. قوله: قربوها بكسر الراء أمر للجماعة. وقوله: فقربوها بصيغة الجمع للماضي. قوله: إلى بعض أصحابه منقول بالمعنى لأن لفظه قربوها لأبي أيوب، رضي الله تعالى عنه، فكأن الراوي لم يحفظه، فكنى عنه بذلك، وعلى تقدير أن لا يكون عينه ففيه التفات، لأن نسق العبارة أن يقول: إلى بعض أصحابي قوله: كان معه من كلام الراوي، أي: مع النبي قوله: فلما رآه كره أكلها فاعل: كره، بمقتضى ظاهر الكلام هو بعض أصحابه ولكنه في الحقيقة هو أبو أيوب. وفيه حذف تقديره: فلما رآه امتنع من أكلها وأمر بتقريبها إليه كره أكلها، ويحتمل أن يكون التقدير: فلما رآه لم يأكل منها كره أكلها. قال ابن بطال: قوله: قربوها نص على جواز الأكل، وكذا قوله: أناجي إلى آخره وقالوا: يدخل في حكم الثوم والبصل الكراث والفجل، وقد ورد في الفجل حديث، وعلل ذلك بأن الملائكة تتأذى مما يتأذى به بنو آدم، قيل: يريد غير الحافظين.
وقال ابن عفير عن ابن وهب: بقدر فيه خضرات، ولم يذكر الليث وأبو صفوان عن يونس قصة القدر، فلا أدري هو من قول الزهري أو في الحديث؟.
أي: قال سعيد بن كثير بن عفير بضم العين المهملة وفتح الفاء نسب لجده عن عبد الله بن وهب: بقدر، بكسر القاف وسكون الدال. قوله: ولم يذكر الليث، أي: ابن سعد، وأبو صفوان عبد الله بن سعيد الأموي قال الكرماني: والظاهر أن لفظ: ولم يذكر، وكذا لفظ؛ فلا أدري، لأحمد ابن صالح، ويحتمل أن يكون لعبد الله بن وهب أو لابن عفير، وللبخاري تعليقا. قوله: فلا أدري هو من قول الزهري أو في الحديث معناه أن الزهري نقله مرسلا عن رسول الله، ولهذا لم يروه يونس، والليث وأبو صفوان، أو مسندا كما في الحديث، ولهذا نقله يونس لابن وهب، ومضى الحديث في آخر كتاب الجماعة في: باب ما جاء في الثوم.
7360 حدثني عبيد الله بن سعد بن إبراهيم، حدثنا أبي وعمي قالا: حدثنا أبي عن أبيه أخبرني محمد بن جبير أن أباه جبير بن مطعم أخبره أن امرأة من الأنصار أتت رسول الله فكلمته في شيء، فأمرها بأمر فقالت: أرأيت يا رسول الله إن لم أجدك؟ قال: إن لم تجديني فأتي أبا بكر
انظر الحديث 3659 وطرفه
مطابقته للترجمة من حيث إنه، قال للمرأة المذكورة فيه: إنها إن لم تجده تأتي أبا بكر، رضي الله تعالى عنه. قال الكرماني: ما وجه مناسبة هذين الحديثين بالترجمة؟. قلت: أما الأول: فيستدل منه أن الملك يتأذى بالرائحة الكريهة. وأما الثاني: فيستدل به على خلافة أبي بكر، رضي الله تعالى عنه. قلت: باب الأحكام التي تعرف بالدلائل ليس بينها وبين الحديثين مطابقة بالوجه الذي ذكره من استنباط الحكم من الحديثين، وإنما وجه المطابقة ما ذكرته من الفيض الرحماني.
وشيخه عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمان بن عوف، وأبوه سعد وعمه يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وقال الدمياطي: مات يعقوب سنة ثمان ومائتين وكان أصغر من أخيه سعد، انفرد به البخاري واتفقا على أخيه، وجبير بضم الجيم وفتح الباء الموحدة ابن مطعم اسم فاعل من الإطعام ابن عدي بن نوفل القرشي النوفلي.
والحديث مضى في فضل أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، عن الحميدي وفي الأحكام عن عبد العزيز بن عبد الله ومضى الكلام فيه.
قوله: إن امرأة لم يدر اسمها. قوله: في شيء يعني: سألته في شيء يخصها.
73

زاد الحميدي عن إبراهيم بن سعد: كأنها تعني الموت.
يروى: زاد لنا الحميدي، أي: زاد الحميدي عبد الله بن الزبير بن عيسى المنسوب إلى أحد أجداده حميد، يعني: زاد على الحديث الذي قبله لفظ: كأنها تعني الموت، يعني: تعني بعدم وجدانها النبي موته وقد مضى في مناقب الصديق: حدثنا الحميدي ومحمد بن عبد الله قالا: حدثنا إبراهيم بن سعد، وساقه بتمامه، وفيه الزيادة، ويستفاد منه أنه إذا قال: زادنا، أو: زاد لنا، أو زادني أو زاد لي فهو كقوله: حدثنا، وكذلك: قال لنا، وقال لي ونحو ذلك.
(بسم الله الرحمان الرحيم)
25
((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء)))
أي: هذا باب في قول النبي إلى آخره هذه الترجمة. حديث أخرجه أحمد وابن أبي شيبة والبزار من حديث جابر، رضي الله تعالى عنه، أن عمر، رضي الله تعالى عنه، أتي بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه عليه فغضب فقال: لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبرونكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني. ورجاله ثقات إلا أن في مجالد ضعفا. قوله: لا تسألوا أهل الكتاب أي: اليهود والنصارى. قوله: عن شيء أي: مما يتعلق بالشرائع لأن شرعنا مكتف ولا يدخل في النهي سؤالهم عن الأخبار المصدقة لشرعنا وعن الأخبار عن الأمم السالفة. وأما قوله تعالى: * (فإن كنت في شك ممآ أنزلنآ إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جآءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين) * فالمراد به من آمن منهم، والنهي إنما هو عن سؤال من لم يؤمن منهم.
7361 وقال أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني حميد بن عبد الرحمان سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة، وذكر كعب الأحبار، فقال: إن كان من أصدق هاؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذالك لنبلو عليه الكذب.
مطابقته للترجمة في ذكر كعب الأحبار الذي كان يتحدث من الكتب القديمة، ويسأل عنه من أخبارهم.
وكعب هو ابن ماتع بكسر التاء المثناة من فوق بعدها عين مهملة ابن عمرو بن قيس من آل ذي رعين، وقيل: ذي الكلاع الحميري، وقيل: غير ذلك في اسم جده، ويكنى أبا إسحاق كان في حياة النبي رجلا وكان يهوديا عالما بكتبهم حتى كان يقال له: كعب الحبر، وكعب الأحبار، أسلم في عهد عمر، رضي الله تعالى عنه. وقيل: في خلافة أبي بكر، رضي الله تعالى عنه. وقيل: أسلم في عهد النبي، وتأخرت هجرته، والأول أشهر، وغزا الروم في خلافة عمر ثم تحول في خلافة عثمان، رضي الله تعالى عنه، إلى الشام إلى أن مات بحمص. وقال الواقدي وغيره: مات سنة اثنتين وثلاثين، وقال ابن سعد: ذكروه لأبي الدرداء فقال: إن عند ابن الحميرية لعلما كثيرا. وأخرج ابن سعد من طريق عبد الرحمان بن جبير بن نفير قال: قال معاوية: إلا إن كعب الأحبار أحد العلماء إن كان عنده لعلم كالبحار، وإن كنا مفرطين، وروى عن النبي، مرسلا وعن عمر بن الخطاب وعائشة وآخرين من الصحابة، رضي الله تعالى عنهم، وروى عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير ومعاوية، رضي الله تعالى عنهم، وروى له البخاري والأربعة: ابن ماجة في التفسير.
وشيخ البخاري أبو اليمان الحكم بن نافع، وشعيب بن أبي حمزة، والزهري محمد بن مسلم، وحميد بالضم ابن عبد الرحمان بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان.
قوله: سمع معاوية أي: أنه سمع معاوية، وحذف أنه يقع كثيرا. قوله: بالمدينة يعني: لما حج في خلافته. قوله: وذكر على صيغة المجهول. قوله: إن كان كلمة: إن، مخففة من المثقلة. قوله: من أصدق هؤلاء المحدثين ويروى: لمن أصدق هؤلاء المحدثين بزيادة لام التأكيد. قوله: الكتاب يشمل التوراة والإنجيل والصحف. قوله: وإن كنا مع ذلك أي: مع كونه أصدق المحدثين. أراد بالمحدثين أنظار كعب ممن كان من أهل الكتاب لنبلو أي: لنختبر عليه الكذب يعني: يقع بعض ما يخبرنا عنه بخلاف ما يخبرنا به. وقال ابن حبان في كتاب الثقات أراد معاوية أنه يخطئ أحيانا فيما يخبر به ولم يرد أنه كان كذابا، وقال غيره: الضمير في قوله: لنبلو عليه الكذب
74

للكتاب لا لكعب، وإنما يقع في كتابهم الكذب لكونهم بدلوه وحرفوه. وقال ابن الجوزي: المعنى الذي يخبر به كعب عن أهل الكتاب يكون كذبا لا أنه يتعمد الكذب، وإلا فقد كان كعب من أخيار الأحبار.
7362 حدثني محمد بن بشار، حدثنا عثمان بن عمر، أخبرنا علي بن المبارك، عن يحياى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم * (قولو
1764; ا ءامنا بالله ومآ أنزل إلينا ومآ أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ومآ أوتى موسى وعيسى ومآ أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) * الآية.
انظر الحديث 4485
مطابقته للترجمة من حيث إنه أمرهم بعدم التصديق وعدم التكذيب فيقتضي ترك السؤال عنهم.
ومحمد بن بشار بفتح الباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة، وعثمان بن عمر بن فارس البصري، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
والحديث بعينه سندا ومتنا مضى في تفسير سورة البقرة في: باب قوله: * (قولوا آمنا بالله) * الآية، ومضى الكلام فيه.
7363 حدثنا موساى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم، أخبرنا ابن شهاب عن عبيد الله أن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسول الله أحدث تقرأونه محضا لم يشب وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا. ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟ لا والله ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذي أنزل عليكم.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم المذكور قريبا، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود.
والحديث مضى في الشهادات عن يحيى بن بكير عن الليث، ويأتي في الوحيد عن أبي اليمان.
قوله: أحدث أي: الكتب، وكذا تقدم في كتاب الشهادات. قيل: كتابنا قديم فما معنى أحدث؟ أجيب بأنه أحدث نزولا مع أن اللفظ حادث، وإنما القديم هو المعنى القائم بذات الله تعالى. قوله: محضا أي: صرفا خالصا. قوله: لم يشب أي: لم يخلط من شاب يشوب شوبا لأنه لم يتطرق إليه تحريف ولا تبديل بخلاف التوراة. قوله: وقد حدثكم أي: الكتاب الذي أنزل على النبي ويروى: وقد حدثتم على صيغة المجهول. قوله: ألا ينهاكم؟ كلمة: ألا، للتنبيه، ويروى: لا ينهاكم، بدون الهمزة في أوله استفهام محذوف الأداة. بدليل ما تقدم في الشهادات. أو: لا ينهاكم. قوله: ما جاءكم فاعل: ينهاكم، والإسناد مجازي. قوله: من العلم أي: الكتاب والسنة. قوله: لا والله كلمة: لا، تأكيد للنفي. والمقصود أنهم لا يسألونكم مع أن كتابهم محرف فأنتم بالطريق الأولى أن لا تسألوهم، لكن يجوز لكم السؤال عنهم.
26
((باب كراهية الخلاف))
أي: هذا باب في بيان كراهية الخلاف أي: في الأحكام الشرعية، وقد وقع هذا الباب في كثير من النسخ بعد بابين، وسقط بالكلية لابن بطال، فصار حديثه من جملة باب النهي على التحريم.
7364 حدثنا إسحاق، أخبرنا عبد الرحمان بن مهدي، عن سلام بن أبي مطيع، عن أبي عمران الجوني، عن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه
75

مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسحاق هو ابن راهويه، قاله الكلاباذي، وسلام بتشديد اللام ابن أبي مطيع الخزاعي، وأبو عمران عبد الملك بن حبيب الجوني بفتح الجيم وسكون الواو وبالنون نسبة إلى أحد أجداده الجون بن عوف، وقال ابن الأثير: الجون بطن من كندة منهم أبو عمران الجوني.
والحديث مضى في فضائل القرآن عن أبي النعمان. وأخرجه مسلم في القدر عن يحيى بن يحيى وغيره. وأخرجه النسائي في فضائل القرآن عن عمرو بن علي به وعن غيره.
قوله: ما ائتلفت أي: ما توافقت عليه القراءة.
قال أبو عبد الله: سمع عبد الرحمان سلاما.
أي: قال أبو عبد الله البخاري: سمع عبد الرحمن بن مهدي سلام بن أبي مطيع، وأشار بهذا إلى ما أخرجه في فضائل القرآن عن عمرو بن علي عن عبد الرحمن قال: حدثنا سلام بن أبي مطيع، ووقع هذا الكلام للمستملي وحده.
7365 حدثنا إسحاق، أخبرنا عبد الصمد، حدثنا همام حدثنا أبو عمران الجوني، عن جندب بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اقرأوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن إسحاق أيضا عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن همام بتشديد الميم الأولى عن يحيى البصري عن أبي عمران... الخ. وأمرهم النبي، بالائتلاف وحذرهم الفرقة، وعند حدوث الشبهة التي توجب المنازعة فيه أمرهم بالقيام عن الاختلاف ولم يأمرهم بترك قراءة القرآن إذا اختلفوا في تأويله لإجماع الأمة على أن قراءة لمن فهمه ولمن لم يفهمه، فدل على أن قوله: قوموا عنه على وجه الندب لا على وجه التحريم للقراءة عند الاختلاف.
قال أبو عبد الله: وقال يزيد بن هارون، عن هارون الأعور: حدثنا أبو عمران، عن جندب عن النبي
هذا تعليق وصله الدارمي عن يزيد بن هارون فذكره.
7366 حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: لما حضر النبي قال: وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال: هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده قال عمر: إن النبي غلبه الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله، واختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغط والاختلاف عند النبي قال: قوموا عني.
قال عبيد الله: فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم.
ا
مطابقته للترجمة ظاهرة. وشيخ البخاري إبراهيم بن موسى بن يزيد الفراء أبو إسحاق الرازي يعرف بالصغير، روى عنه مسلم أيضا، وهشام بن يوسف، ومعمر بفتح الميمين ابن راشد، وعبيد الله بن عبد الله ذكر عن قريب.
والحديث مضى في العلم في: باب كتابة العلم عن يحيى بن سليمان وفي المغازي عن علي بن عبد الله وفي الطب عن عبد الله بن محمد. وأخرجه مسلم في الوصايا
76

عن محمد بن رافع. وأخرجه النسائي في العلم عن إسحاق بن إبراهيم بن راهويه.
قوله: لما حضر بلفظ المجهول أي: لما حضره الموت قوله: هلم أي: تعالوا، وعند الحجازيين يستوي فيه المفرد والجمع المؤنث والمذكر. قوله: اللغط هو الصوت بلا فهم المقصود. قوله: إن الرزية بالراء ثم الزاي، وهي: المصيبة. قوله: من اختلافهم بيان لقوله: ما حال
27
((باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم على التحريم إلا ما تعرف إباحته))
أي: هذا باب في بيان نهي النبي، واقع على التحريم، وهو حقيقة فيه إلا ما تعرف إباحته بقرينة الحال أو بقيام الدليل عليه أو بدلالة السياق. فقوله: نهي النبي كلام إضافي مرفوع بالابتداء. وقوله: على التحريم خبره، ومتعلقه: حاصل أو واقع أو نحو ذلك.
وكذلك أمره نحو قوله حين أحلوا: أصيبوا من النساء
أي: كحكم النهي حكم أمره يعني تحريم مخالفته لوجوب امتثاله ما لم يقم الدليل على إرادة الندب أو غيره. قوله: نحو قوله أي: قول النبي في حجة الوداع حين أحلوا من العمرة قوله: أصيبوا أمر لهم بالإصابة من النساء أي: بجماعهن. وقال أكثر الأصوليين: النهي ورد لثمانية أوجه وهو حقيقة في التحريم مجاز في باقيها، والأمر لستة عشر وجها حقيقة في الإيجاب مجاز في الباقي.
وقال جابر: ولم يعزم عليهم ولكن أحلهن لهم.
أي: قال جابر بن عبد الله: ولم يعزم أي: لم يوجب النبي، الجماع أي: لم يأمرهم أمر إيجاب، بل أمرهم أمر إحلال وإباحة.
وقالت أم عطية: نهينا عن اتباع الجنازة ولم يعزم علينا.
اسم أم عطية نسيبة مصغرة ومكبرة الأنصارية قوله: نهينا على صيغة المجهول، ومثله يحمل على أن الناهي كان رسول الله أراد أن النهي لم يكن للتحريم بل للتنزيه. لقوله: ولم يعزم أي: ولم يوجب علينا وهذا التعليق قد مضى موصولا في كتاب الجنائز.
7367 حدثنا المكي بن إبراهيم، عن ابن جريج قال عطاء: قال جابر: قال أبو عبد الله: وقال محمد بن بكر: حدثنا ابن جريج، قال: أخبرني عطاء، سمعت جابر بن عبد الله في أناس معه، قال: أهللنا أصحاب رسول الله في الحج خالصا ليس معه عمرة، قال عطاء: قال جابر: فقدم النبي صبح رابعة مضت من ذي الحجة، فلما قدمنا أمرنا النبي أن نحل وقال: أحلوا وأصيبوا من النساء قال عطاء: قال جابر: ولم يعزم عليهم، ولكن أحلهن لهم، فبلغه أنا نقول: لما لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس، أمرنا أن نحل إلى نسائنا فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المذي. قال: ويقول جابر بيده هكذا، وحركها، فقام رسول الله فقال: قد علمتم أني أتقاكم لله، وأصدقكم وأبركم، ولولا هديي لحللت كما تحلون، فحلوا، فلو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت فحللنا وسمعنا وأطعنا.
ا
مطابقته للترجمة من حيث إن أمره بإصابة النساء لم يكن على الوجوب ولهذا قال: ولم يعزم عليهم ولكن أحلهن أي: النساء لهم.
وابن جريج هو عبد الملك وعطاء هو ابن أبي رباح والحديث مر في الحج.
قوله: أصحاب منصوب على الاختصاص.. قوله: قال جابر معطوف على شيء محذوف، يظهر هذا مما مضى في: باب من أهل في زمن النبي ولفظه
77

أمر النبي، عليا أن يقيم على إحرامه، فذكر الحديث ثم قال: وقال جابر: أهللنا بالحج خالصا. قوله: خالصا ليس معه عمرة هو محمول على ما كانوا ابتدأوا به: ثم يقع الإذن بإدخال العمرة في الحج وبفسخ الحج إلى العمرة، فصاروا على ثلاثة أنحاء مثل ما قالت عائشة: منا من أهل بالحج، ومنا من أهل بعمرة، ومنا من جمع. قال أبو عبد الله هو البخاري: وقال محمد بن بكر البرساني بضم الباء الموحدة نسبة إلى برسان بطن من الأزد، وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وعطاء بن أبي رباح.
قوله: (في أناس معه فيه التفات لأن مقتضى الكلام أن يقول: معي، ووقع كذلك في رواية يحيى القطان، وقال الكرماني: ولعل البخاري ذكره تعليقا عن محمد بن بكر لأنه مات سنة ثلاث ومائتين. قوله: فقدم النبي أي: مكة. قوله: أمرنا بفتح الراء. قوله: أن نحل أي: بالإحلال أي: بأن نصير متمتعين بعد أن نجعله عمرة. قوله: وأصيبوا من النساء هو إذن لهم في جماع نسائهم. قوله: إلا خمس أي: خمس ليال. قوله: أمرنا بفتح الراء. قوله: مذاكيرنا جمع الذكر على غير قياس. قوله: المذي بفتح الميم وكسر الذال المعجمة وفي رواية المستملي: المني، وكذا عند الإسماعيلي. قوله: ويقول جابر بيده هكذا وحركها أي: أمالها، وهكذا إشارة إلى التقطر وكيفيته، ووقع في رواية الإسماعيلي: قال، يقول جابر كأني، انظر إلى يده يحركها. قوله: ولولا هديي لحللت كما تحلون وفي رواية الإسماعيلي: لأحللت، حل وأحل لغتان، والمعنى: لولا أن معي الهدي لتمتعت لأن صاحب الهدي لا يجوز له التحلل حتى يبلغ الهدي محله، وذلك في يوم العيد. قوله: فلو استقبلت من أمري ما استدبرت أي: لو علمت في أول الأمر ما علمت آخرا، وهو جواز العمرة في أشهر الحج ما سقت الهدي.
7368 حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، عن الحسين، عن ابن بريدة، حدثني عبد الله المزني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلوا قبل صلاة المغرب قال في الثالثة: لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة.
انظر الحديث 1183
مطابقته للترجمة في قوله: لمن شاء فإن فيه إشارة إلى أن الأمر حقيقة في الوجوب إلا إذا قامت قرينة تدل على التخيير بين الفعل والترك. وقوله: لمن شاء إشارة إليه فكان هذا صارفا عن الحمل على الوجوب.
وأبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو المقعد البصري مات بالبصرة سنة أربع وعشرين ومائتين، وعبد الوارث بن سعيد، والحسين بن ذكوان المعلم، وابن بريدة بضم الباء الموحدة وفتح الراء عبيد الله الأسلمي قاضي مرو، وعبد الله المزني بالزاي والنون هو ابن مغفل على صيغة اسم المفعول من التغفيل بالغين المعجمة والفاء.
والحديث مضى في كتاب الصلاة في: باب كم بين الأذان والإقامة.
قوله: كراهية أي: لأجل كراهية أن يتخذها الناس سنة أي: طريقة لازمة لا يجوز تركها، أو سنة راتبة يكره تركها.
28
((باب قول الله تعالى: * (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلواة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) * * (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الامر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) * وأن المشاورة قبل العزم والتبين لقوله تعالى: * (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الامر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) *))
أي: هذا باب في قول الله تعالى: * (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلواة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) * الشورى على وزن فعلى المشورة تقول منه: شاورته في الأمر واستشرته بمعنى، ومعنى: * (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلواة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) * أي: يتشاورون. قوله * (وشاورهم في الأمر) * اختلفوا في أمر الله عز وجل رسوله أن يشاور أصحابه، فقالت طائفة: في مكائد الحروب وعند لقاء العدو تطييبا لنفوسهم وتأليفا لهم على دينهم وليروا أنه يسمع منهم ويستعين بهم، وإن كان الله أغناه عن رأيهم بوحيه، روي هذا عن قتادة والربيع وابن إسحاق، وقالت طائفة: فيما لم يأته فيه وحي ليبين لهم صواب الرأي، وروي عن الحسن والضحاك قالا: ما أمر الله نبيه بالمشاورة لحاجته إلى رأيهم، وإنما أراد أن يعلمهم ما في المشورة من الفضل، وقال آخرون. إنما أمر بها مع غناه عنهم لتدبيره تعالى له وسياسته إياه ليستن به من بعده ويقتدوا به فيما ينزل بهم من النوازل، وقال الثوري: وقد سن رسول الله،
78

الاستشارة في غير موضع استشار أبا بكر وعمر، رضي الله تعالى عنهما، في أسارى بدر وأصحابه يوم الحديبية. قوله: وأن المشاورة عطف على قول الله. قوله: قبل العزم أي: على الشيء، وقبل التبين أي: وضوح المقصود لقوله تعالى: * (فإذا عزمت) * الآية وجه الدلالة أنه أمر أولا بالمشاورة ثم رتب التوكل على العزم وعقبه عليه إذ قال: * (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الامر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) * وقال قتادة: أمر الله نبيه إذا عزم على أمر أن يمضي فيه ويتوكل على الله.
فإذا عزم الرسول لم يكن لبشر التقدم على الله ورسوله
يريد أنه بعد المشورة إذا عزم على فعل أمر مما وقعت عليه المشورة وشرع فيه لم يكن لأحد من البشر التقدم على الله ورسوله لورود النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله
وشاور النبي أصحابه يوم أحد في المقام والخروج فرأوا له الخروج، فلما لبس لأمته وعزم قالوا: أقم، فلم يمل إليهم بعد العزم، وقال: لا ينبغي لنبي يلبس لأمته فيضعها حتى يحكم الله
هذا مثال لما ترجم به أنه يشاور فإذا عزم لم يرجع قوله: لأمته أي: درعه وهو بتخفيف اللام وسكون الهمزة، وقيل: الأداة بفتح الهمزة وتخفيف الدال، وهي الآلة من درع وبيضة وغيرهما من السلاح، والجمع لام بسكون الهمزة. قوله: أقم أي: اسكن بالمدينة ولا تخرج منها إليهم. قوله: فلم يمل أي: فما مال إلى كلامهم بعد العزم، وقال: ليس ينبغي له إذا عزم على أمر أن ينصرف عنه لأنه نقض للتوكل الذي أمر الله به عند العزيمة، وليس اللأمة دليل العزيمة.
وشاور عليا وأسامة فيما رمى به أهل الإفك عائشة فسمع منهما حتى نزل القرآن، فجلد الرامين ولم يلتفت إلى تنازعهم، ولاكن حكم بما أمره الله.
أي: شاور النبي، علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد، ومضت قصة الإفك مطولة في تفسير سورة النور. قوله: فسمع منهما أي: من علي وأسامة يعني: سمع كلامهما ولم يعمل به حتى نزل القرآن. قوله: فجلد الرامين، وسماهم أبو داود في روايته وهم: مسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش، وعن عمرة عن عائشة قالت: لما نزلت براءتي قام رسول الله، على المنبر فدعا بهم وحدهم، رواه أحمد وأصحاب السنن من رواية محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة، قوله: ولم يلتفت إلى تنازعهم قال ابن بطال عن القابسي: كأنه أراد تنازعهما، فسقطت الألف لأن المراد علي وأسامة. وقال الكرماني: القياس تنازعهما إلا أن يقال: أقل الجمع اثنان، أو المراد: هما ومن معهما ووافقهما في ذلك.
وكانت الأئمة بعد النبي يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها، فإذا وضح الكتاب أو السنة لم يتعدوه إلى غيره اقتداء بالنبي
أي: وكانت الأئمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم كانوا يستشيرون الأمناء وقيد به لأن غير المؤتمن لا يستشار ولا يلتفت إلى قوله. قوله: في الأمور المباحة التي كانت على أصل الإباحة. قوله: ليأخذوا بأسهلها أي: بأسهل الأمور إذا لم يكن فيها نص بحكم معين والباقي ظاهر.
ورأى أبو بكر قتال من منع الزكاة، فقال عمر: كيف تقاتل وقد قال رسول الله
79

أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إلاه إلا الله، فإذا قالوا: لا إلاه إلا الله، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين ما جمع رسول الله ثثم تابعه بعد عمر فلم يلتفت أبو بكر إلى مشورة إذ كان عنده حكم رسول الله في الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة، وأرادوا تبديل الدين وأحكامه، وقال النبي من بدل دينه فاقتلوه
هذا غير مناسب في هذا المكان لأنه ليس من باب المشاورة، وإنما هو من باب الرأي، وهذا مصرح فيه بقوله: فلم يلتفت إلى مشورة والعجب من صاحب التوضيح حيث يقول: فعل الصديق وشاور أصحابه في مقاتلة مانعي الزكاة، وأخذ بخلاف ما أشاروا به عليه من الترك. انتهى. والذي هنا من قوله: فلم يلتفت إلى مشورة يرد ما قاله. قوله: من بدل دينه فاقتلوه مضى موصولا من حديث ابن عباس في كتاب المحاربين.
وكان القراء أصحاب مشورة عمر كهولا كانوا أو شبابا وكان وقافا عند كتاب الله عز وجل.
وكان القراء أي العلماء، وكان اصطلاح الصدر الأول أنهم كانوا يطلقون القراء على العلماء. قوله: كهولا كانوا أو شبابا يعني: كان يعتبر العلم لا السن والشباب على وزن فعال بالموحدتين ويروى شبانا بضم الشين وتشديد الباء وبالنون. قوله: وقافا، بتشديد القاف أي كثير الوقوف وقد مر الكلام فيه عن قريب.
7369 حدثنا الأويسي، حدثنا إبراهيم، عن صالح، عن ابن شهاب، حدثني عروة وابن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله عن عائشة، رضي الله عنها، حين قال لها أهل الإفك، قالت: ودعا رسول الله علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يسألهما، وهو يستشيرهما في فراق أهله، فأما أسامة فأشار بالذي يعلم من براءة أهله، وأما علي فقال: لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك. فقال: هل رأيت من شيء يريبك قالت ما رأيت أمرا أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله، فقام على المنبر فقال: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي؟ والله ما علمت على أهلي إلا خيرا فذكر براءة عائشة
ا
مطابقته للترجمة ظاهرة، والأويسي بضم الهمزة وفتح الواو وسكون الياء وبالسين المهملة عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى أبو القاسم القرشي الأويسي المديني، ونسبته إلى أويس بن سعد، والأويس اسم من أسماء الذئب، وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وصالح هو ابن كيسان، وعروة بن الزبير بن العوام، وابن المسيب هو سعيد بن المسيب، وعبيد الله هو ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود.
وهذا الحديث طرف من حديث الإفك المطول.
قد مضى في الشهادات عن أبي الربيع وفي المغازي وفي التفسير وفي الأيمان والنذور عن عبد العزيز الأويسي وفي الجهاد وفي التوحيد وفي الشهادات وفي المغازي وفي التفسير وفي الإيمان عن حجاج بن منهال وفي التفسير والتوحيد أيضا عن يحيى بن بكير، وفي الشهادات أيضا، ومضى الكلام فيه غير مرة.
قوله: ودعا عطف على مقدر أي: قالت: عمل رسول الله، كذا ودعا. قوله: حين استلبث الوحي أي: تأخر وأبطأ. قوله: أهله؟ أي: عائشة.
7370 وقال أبو أسامة عن هشام. وحدثني محمد بن حرب حدثنا يحياى بن أبي زكرياء
80

الغساني، عن هشام، عن عروة، عن عائشة أن رسول الله خطب الناس فحمد الله وأثناى عليه، وقال: ما تشيرون علي في قوم يسبون أهلي، ما علمت عليهم من سوء
قط؟ وعن عروة قال: لما أخبرت عائشة بالأمر قالت: يا رسول الله أتأذن لي أن أنطلق إلى أهلي فأذن لها، وأرسل معها الغلام وقال رجل من الأنصار: سبحانك ما يكون لنا أن نتكلم بهاذا، سبحانك هاذا بهتان عظيم.
ا
هذا تعليق من البخاري وأبو أسامة حماد بن أسامة الكوفي، وهشام هو ابن عروة.
قوله: حدثني محمد بن حرب هذا طريق موصول. وحرب ضد الصلح النشائي بياع النشا بالنون والشين المعجمة، ويحيى بن أبي زكريا مقصورا وممدودا الغساني بالغين المعجمة وتشديد السين المهملة السامي سكن واسطا ويروى: العشاني، بضم العين المهملة وتخفيف الشين المعجمة. وقال صاحب المطالع إنه وهم.
قوله: ما تشيرون علي؟ هكذا بلفظ: الاستفهام ومضى في طريق أبي أسامة بصيغة الأمر أشيروا علي قوله: ما علمت عليهم يعني: أهله، وجمع باعتبار الأهل أو يلزم من سبها سب أبويها. قوله: لما أخبرت بلفظ المجهول. قوله: بالأمر أي: بكلام أهل الإفك وشأنهم. قوله: وقال رجل من الأنصار هو أبو أيوب خالد، رضي الله تعالى عنه، والله أعلم.
97
((كتاب التوحيد))
أي: هذا كتاب في بيان إثبات الوحدانية لله تعالى بالدليل، وإنما قلنا: بالدليل، لأن الله عز وجل واحد أزلا وأبدا قبل وجود الموحدين وبعدهم، وكذا وقعت الترجمة للنسفي، وعليه اقتصر الأكثرون عن الفربري، وفي رواية المستملي: كتاب التوحيد والرد على الجهمية وغيرهم، ووقع لابن بطال وابن التين: كتاب رد الجهمية وغيرهم التوحيد، وقال بعضهم: وضبطوا التوحيد بالنصب على المفعولية، وظاهره معترض لأن الجهمية وغيرهم من المبتدعة لم يردوا التوحيد وإنما اختلفوا في تفسيره. انتهى. قلت: لا اعتراض عليه فإن من الجهمية طائفة يردون التوحيد وهم طوائف ينتسبون إلى جهم بن صفوان من أهل الكوفة، وعن ابن المبارك: إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ونستعظم أن نحكي قول جهم، وقال الكرماني: وفي بعض النسخ: كتاب التوحيد ورد الجهمية، بالإضافة، إلى المفعول، ولم تثبت البسملة قبل لفظ: الكتاب، إلا لأبي ذر.
1
((باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تعالى))
أي: هذا باب في بيان ما جاء في دعاء النبي، أمته إلى توحيد الله تعالى، وهو الشهادة بأن الله إلاه واحد، والتوحيد في الأصل مصدر وحد يوحد، ومعنى: وحدت الله: اعتقدته منفردا بذاته وصفاته لا نظير له ولا شبيه، وقيل: التوحيد إثبات ذات غير مشبهة بالذوات ولا معطلة عن الصفات.
7371 حدثنا أبو عاصم، حدثنا زكرياء بن إسحاق، عن يحياى بن عبد الله بن صيفي، عن أبي معبد، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن النبي بعث معاذا إلى اليمن.
7372 وحدثني عبد الله بن أبي الأسود، حدثنا الفضل بن العلاء، حدثنا إسماعيل بن أمية، عن يحياى بن عبد الله بن محمد بن صيفي أنه سمع أبا معبد مولى ابن عباس يقول: سمعت ابن عباس يقول: لما بعث النبي معاذا نحو اليمن قال له: إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذالك فأخبرهم أن الله فرض عليهم
81

خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم، فإذا أقروا بذالك فخذ منهم، وتوق كرائم أموال الناس.
ا
مطابقته للترجمة في قوله: تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى
وأخرجه من طريقين: أحدهما: عن أبي عاصم الضحاك المشهور بالنبيل، وكثيرا ما يروي عنه البخاري بالواسطة، وهو يروي عن زكريا بن إسحاق المكي عن يحيى بن عبد الله بن صيفي، قال الكلاباذي: هو يحيى بن عبد الله بن محمد بن صيفي مولى عمرو بن عثمان بن عفان المكي عن أبي معبد بفتح الميم والباء الموحدة واسمه نافذ بالنون والفاء وبالذال المعجمة. والطريق الثاني: عن عبد الله بن أبي الأسود هو عبد الله بن محمد بن أبي الأسود واسمه حميد البصري يروي عن الفضل بن العلاء الكوفي نزل البصرة وثقه علي بن المديني، وقال أبو حاتم: شيخ يكتب حديثه. وقال الدارقطني: كثير الوهم وما له في البخاري سوى هذا الموضع، وقد قرنه بغيره ولكنه ساق المتن هنا على لفظه.
وإسماعيل بن أمية الأموي.
والحديث مر في أول الزكاة عن أبي عاصم إلى آخره. ومضى الكلام فيه. قوله: سمعت ابن عباس يقول وفي بعض النسخ: سمعت ابن عباس لما بعث النبي بحذف: قال، أو: يقول. وقد جرت العادة بحذفه خطأ. قوله: نحو اليمين أي: جهة اليمن، ويروى: نحو أهل اليمن، وهذا من إطلاق الكل وإرادة البعض لأنه بعثه إلى بعضهم لا إلى جميعهم لأن اليمن مخلافان، وبعث النبي معاذا إلى مخلاف وأبا موسى الأشعري إلى مخلاف، كما مر في آخر المغازي: ويحتمل أن يكون الخبر على
عمومه في الدعوى إلى الأمور المذكورة وإن كانت إمرة معاذ إنما كانت على جهة من اليمن مخصوصة. قوله: تقدم بفتح الدال. قوله: من أهل الكتاب هم اليهود، وكان ابتداء دخول اليهود اليمن في زمن أسعد ذي كرب وهو تبع الأصغر فقام الإسلام وبعض أهل اليمن على اليهودية وبعد ذلك دخل دين النصرانية لما غلبت الحبشة على اليمن وكان منهم أبرهة صاحب الفيل ولم يبق بعد باليمن أحد من النصارى أصلا إلا بنجران، وهي بين مكة واليمن وبقي ببعض بلادها قليل من اليهود. قوله: فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله أي: فليكن أول الأشياء دعوتهم إلى التوحيد وكلمة: ما، مصدرية، ومضى في الزكاة فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله. قوله: فإذا عرفوا ذلك أي: التوحيد. قوله: فإذا أقروا بذلك أي: صدقوا وآمنوا به. فخذ منهم الزكاة. قوله: وتوق كرائم أموال الناس أي: احذر واجتنب خيار مواشيهم أن تأخذها في الزكاة، والكرائم جمع كريمة وهي الشاة الغزيرة اللبن.
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة عن أبي حصين والأشعث بن سليم سمعا الأسود بن هلال، عن معاذ بن جبل قال: قال النبي يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، أتدري ما حقهم عليه؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: أن لا يعذبهم.
ا
مطابقته للترجمة في قوله: أن يعبدوه لأن معناه أن يوحدوه، ولهذا عطف عليه بالواو التفسيرية.
وغندر هو محمد بن جعفر، وأبو حصين بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي، والأشعث بن سليم بضم السين مصغر سلم وهو الأشعث بن أبي الشعثاء المحاربي، والأسود بن هلال المحاربي الكوفي.
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن أبي موسى وبندار، ومر مثله من حديث أنس عن معاذ في اللباس وفي الرقاق عن هدنة بن خالد وفي الاستئذان عن موسى بن إسماعيل وفي الجهاد عن عمرو بن ميمون عن معاذ بن جبل أخرجه عن إسحاق بن إبراهيم.
قوله: ما حقهم عليه؟ أي: ما حق العباد على الله؟ هذا من باب المشاكلة كما في قوله تعالى: * (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) * وأما أن يراد به الثابت أو الواجب الشرعي بإخباره عنه أو كالواجب في تحقق وجوبه وليس ذلك بإيجاب العقل، وبظاهره احتجب المعتزلة في قولهم: تجب على الله المغفرة.
82

7374 حدثنا إسماعيل، حدثني مالك عن عبد الرحمان بن عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي صعصعة عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري أن رجلا سمع رجلا يقرأ: * (قل هو الله أحد) * يرددها فلما أصبح جاء إلى النبي فذكر له ذالك وكأن الرجل يتقالها، فقال رسول الله والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثلث القرآن
انظر الحديث 5013 وطرفه
مطابقته للترجمة من حيث إنه صرح فيه من وصف الله بالأحدية.
وإسماعيل هو ابن أبي أويس، ومضى متن الحديث في فضائل القرآن عن عبد الله بن يوسف عن مالك إلى آخره.
قوله: يرددها أي: يكررها ويعيدها. قوله: وكأن من الحروف المشبهة ويروى: وكان بلفظ الماضي من الكون. قوله: يتقالها بتشديد اللام أي: يعدها قليلة. قوله: لتعدل اللام فيه للتأكيد وإنما تعدل ثلث القرآن لأنه على ثلاثة أنواع: أحكام وقصص وصفات، وسورة الإخلاص في الصفات.
وزاد إسماعيل بن جعفر، عن مالك، عن عبد الرحمان عن أبيه عن أبي سعيد: أخبرني أخي قتادة بن النعمان عن النبي
إسماعيل بن جعفر أبو إبراهيم الأنصاري المديني، كان يكون ببغداد، وقد ذكر هذه الزيادة في فضائل القرآن في فضل * (قل هو الله أحد) * لكن زاد في أوله راويا آخر حيث قال: وزاد أبو معمر: حدثنا إسماعيل بن جعفر عن مالك بن أنس، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أخبرني أخي قتادة بن النعمان أن رجلا قام في زمن النبي، يقرأ من السحر * (قل هو الله أحد) * لا يزيد عليها، فلما أصبحنا أتى الرجل إلى النبي، فذكر نحوه، ومضى الكلام فيه هناك، وقتادة بن النعمان الأنصاري أخو أبي سعيد لأمه.
7375 حدثنا محمد، حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، حدثنا عمرو، عن ابن أبي هلال أن أبا الرجال محمد بن عبد الرحمان، حدثه عن أمه عمرة بنت عبد الرحمان وكانت في حجر عائشة زوج النبي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاته فيختم: * (لم يلد ولم يولد) * فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي فقال: سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟ فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمان، وأنا أحب أن أقرأ بها فقال النبي أخبروه أن الله يحبه
مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا في ترجمة الحديث السابق.
ومحمد شيخ البخاري قال الكلاباذي: هو فيما أحسب محمد بن يحيى الذهلي ووقع في بعض النسخ: أحمد بن صالح، وبه جزم أبو نعيم في المستخرج وأبو مسعود في الأطراف وقال المزي في الأطراف في بعض النسخ حدثنا محمد حدثنا أحمد بن صالح عن ابن وهب المصري عن عمرو بن الحارث المصري عن ابن أبي هلال، وسماه مسلم في رواية الليثي المدني عن أبي الرجال بالجيم، إنما كنى به لأنه كان له عشرة أولاد ذكور رجال.
والحديث أخرجه مسلم في الصلاة عن أحمد بن عبد الرحمن. وأخرجه النسائي فيه وفي اليوم والليلة عن أبي الربيع سليمان بن داود، ومضى في الصلاة في: باب الجمع بين السورتين في الركعة، عن عبيد الله عن ثابت عن أنس ما يشبهه مطولا وفي آخره: حبك إياها أدخلك الجنة.
قوله: في حجر عائشة بفتح الحاء وكسرها، قوله: على سرية أي: أميرا عليهم. قوله: صفة الرحمن قال ابن التين: إنما قال: إنها صفة
83

الرحمن لأن فيها أسماءه وصفاته، وأسماؤه مشتقة من صفاته. قوله: أخبروه أن الله يحبه أي: يريد ثوابه لأنه تعالى لا يوصف بالمحبة الموجودة في العباد.
2
((باب قول الله تبارك وتعالى: * (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمان أيا ما تدعوا فله الاسمآء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذالك سبيلا) *))
أي: هذا باب في قول الله تبارك وتعالى، وقال ابن بطال: غرضه في هذا الباب إثبات الرحمة وهي صفات الذات فالرحمن وصف وصف الله به نفسه وهو متضمن لمعنى الرحمة، فالرحامن بمعنى المترحم، والرحيم بمعنى المتعطف، وقيل: الرحمن في الدنيا والرحيم في الآخرة ولما نزلت هذه الآية قالوا: اندعوا اثنين، فأعلم الله سبحانه وتعالى أن لا يدعى غيره. فقال: * (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمان أيا ما تدعوا فله الاسمآء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذالك سبيلا) * وقال ابن عباس في قوله تعالى: * (رب السماوات والارض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا) * قال: هل تعلم أحدا اسمه الرحمان سواه؟ قوله: أيا كلمة أي: بفتح الهمزة وتشديد الياء تأتي لمعان. أحدها أن يكون شرطا وهي أي هذه، وسبب نزول هذه الآية أن النبي تهجد ليلة بمكة فجعل يكثر في سجوده: يا الله يا رحمان، فقال المشركون: كاد محمد يدعو إلاهنا فيدعو إلاهين وما نعرف رحمانا إلا رحمان اليمامة. وقال الزمخشري: الدعاء بمعنى التسمية لا بمعنى النداء، وهو يتعدى إلى مفعولين نقول: دعوته زيدا، ثم تترك أحدهما استغناء عنه فيقال: دعوت زيدا. والله والرحمان المراد بهما الاسم لا المسمى وأو للتخيير يعني: * (اذعوا الله أو ادعوا الرحمان) * يعني: سموا بهذا الاسم أو بهذا الاسم واذكروا إما هذا وإما هذا، والتنوين في: أياما، عوض عن المضاف إليه و: ما، صلة للإبهام المؤكد لما في: أي، أي: أي هذين الاسمين سميتم أو ذكرتم فله أسماء ومعنى كونها أحسن الأسماء أنها مستقلة بمعنى التمجيد والتقديس والتعظيم.
7376 حدثنا محمد، أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن زيد بن وهب وأبي ظبيان، عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرحم الله من لا يرحم الناس
انظر الحديث 6013
مطابقته للترجمة تؤخذ من لفظ: الرحمان ومحمد شيخ البخاري قال الكرماني: محمد إما ابن سلام وإما ابن المثنى، وقال بعضهم: قال الكرماني تبعا لأبي علي الجياني: هو إما ابن سلام وإما ابن المثنى. قلت: لم يذكر الكرماني أبا علي الجياني أصلا والأمانة مطلوبة في النقل قال: وقد وقع التصريح بالثاني في رواية أبي ذر عن شيوخه فتعين الجزم. قلت: دعوى الجزم مردودة على ما لا يخفى، فافهم. وأبو معاوية محمد بن خازم بالخاء المعجمة والزاي يروي عن سلميان الأعمش عن زيد بن وهب الهمداني الكوفي من قضاعة خرج إلى النبي، فقبض النبي، وهو في الطريق، وأبو ظبيان بفتح الظاء المعجمة وكسرها وسكون الباء الموحدة وبالياء آخر الحروف واسمه حصين مصغر الحصن بالمهملتين ابن جندب الكوفي.
والحديث مضى في الأدب عن عمر بن حفص. وأخرجه مسلم في فضائل النبي عن زهير بن حرب وغيره.
7377 حدثنا أبو النعمان، حدثنا حماد بن زيد، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي، عن أسامة بن زيد قال: كنا عند النبي إذ جاءه رسول إحدى بناته يدعوه إلى ابنها في الموت، فقال النبي ارجع فأخبرها أن لله ما أخذ، وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب فأعادت الرسول أنها أقسمت ليأتينها، فقام النبي وقام معه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل فدفع الصبي إليه ونفسه تقعقع كأنها في شن،
84

ففاضت عيناه، فقال له سعد: يا رسول الله ما هاذا؟ قال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء
ا
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو النعمان محمد بن الفضل وأبو عثمان النهدي عبد الرحمن بن مل.
والحديث مضى في كتاب الجنائز في: باب قول النبي، يعذب الميت ببعض بكاء أهله.
قوله: تدعوه إلى ابنها قد تقدم في كتاب المرضى أنها قالت: إن ابنتي، وقال ابن بطال: هذا الحديث لم يضبطه الراوي فمرة قال: صبية، ومرة قال: صبيا. وقال الكرماني: يحتمل أنهما قضيتان. قلت: احتمال بعيد. قوله: تقعقع أي: تضطرب وتتحرك، وقال الداودي: يعني صارت في صدره كأنها فواق. قوله: شن بفتح الشين المعجمة وتشديد النون وهي القربة الخلقة. قوله: ما هذا؟ فيه استعمال الإشارة وهو استعمال العرب، ويروى: ما هذه؟ قوله: الرحماء منصوب بقوله: يرحم الله وهو جمع رحيم، كالكرماء جمع كريم.
3
((باب قول الله تعالى: * (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) *
))
أي: هذا باب في قول الله تعالى: * (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) * هذه هي القراءة المشهورة، وبها رواية أبي ذر والأصيلي والنسفي ووقع في رواية القابسي: أنا الرزاق ذو القوة المتين وعليه جرى ابن بطال، وقال: إن الذي وقع عند أبي ذر وغيره لظنهم أنه خلاف القراءة، قال: وقد ثبت ذلك قراءة عن ابن مسعود، وذكر أن النبي أقرأه كذلك أخرجه أصحاب السنن والحاكم صححه من طريق عبد الرحمن بن يزيد النخعي عن ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه: أقرأني رسول الله فذكره. وقال بعضهم: تبع الكرماني ابن بطال فيما قاله. قلت: لم يقل الكرماني هكذا، وإنما لفظه: باب قول الله عز وجل: * (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) * وفي بعضها: إني أنا الرزاق، وقال بعضهم، هو قراءة ابن مسعود.
7378 حدثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن أبي عبد الرحمان السلمي، عن أبي موسى الأشعري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يدعون له الولد، ثم يعافيهم ويرزقهم.
انظر الحديث 6099
مطابقته للترجمة في آخر الحديث. وعبدان لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي، وأبو حمزة بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون السكري، وأبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب بن ربيعة السلمي بضم السين المهملة وأبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس.
والحديث مضى في الأدب عن مسدد عن يحيى، ومضى الكلام فيه.
قوله: أصبر أفعل تفضيل، قيل: الصبر حبس النفس على المكروه، والله تعالى منزه عنه، وأجيب: بأن المراد لازمه وهو ترك المعاجلة بالعقوبة. قوله: على أذى قيل: إنه منزه عن الأذى، وأجيب: بأن المراد به أذى يلحق أنبياءه إذ في إثبات الولد إيذاء للنبي، صلى الله عليه وآله وسلم، لأنه تكذيب له وإنكار لمقالته. قوله: يدعون له الولد أي: ينسبون إليه وينسبونه له، ثم يدفع عنهم المكروهات من العلل والبليات. قوله: ويرزقهم اختلفوا في الرزق، فالجمهور على أنه ما ينتفع به العبد غذاء أو غيره حلالا أو حراما، وقيل: هو الغذاء، وقيل: هو الحلال، قيل: القدرة قديمة وإضافة الرزق حادثة. وأجيب: بأن التعلق حادث واستحالة الحدوث إنما هي في الصفات الذاتية لا في الفعليات والإضافيات. قوله: من الله صلة: لأصبر، ووقع الفاصلة بينهما لأنها ليست أجنبية.
((باب قول الله تعالى: * (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا) * * (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الارحام وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير) * * (لاكن الله يشهد بمآ أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا) * * (والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا فى كتاب إن ذلك على الله يسير) * * (إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ويوم يناديهم أين شركآئى قالو
1764; ا ءاذناك ما منا من شهيد) *))
85

أي: هذا باب في قول الله عز وجل: * (عالم الغيب) * الخ ذكر هنا خمس قطع من خمس آيات: الأولى: قوله: * (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا) * يعني الله عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا، إلا من ارتضى من رسول اختاره فيما يقوله، والرسول إما جميع الرسل أو جبريل، عليه السلام، لأنه المبلغ لهم واختلف في المراد بالغيب فقيل: هو على عمومه، وقيل: ما يتعلق بالوحي خاصة، وقيل: ما يتعلق بعلم الساعة، وهو ضعيف، لأن علم الساعة مما استأثر الله بعلمه، إلا أن ذهب قائل ذلك بأن الاستثناء منقطع وفي الآية رد على المنجمين وعلى كل من يدعي أنه يطلع على ما سيكون من حياة أو موت أو غير ذلك، لأنه مكذب للقرآن. الآية الثانية: قوله تعالى: * (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الارحام وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير) * روي عن مجاهد أن رجلا يقال له: الوارث بن عمرو بن حارثة، من أهل البادية أتى النبي، فسأله عن الساعة ووقتها، وقال إن أرضنا أجدبت، فمتى ينزل الغيث؟ وتركت امرأتي حبلى فمتى تلد؟ وقد علمت أين ولدت فبأي أرض أموت؟ وقد علمت ما عملت اليوم فماذا أعمل غدا؟... فأنزل الله تعالى هذه الآية. الآية الثالثة: في الحجج القاطعة في إثبات العلم لله تعالى، وحرفه صاحب الاعتزال نصرة لمذهبه، فقال: أنزله ملتبسا بعلمه الخاص وهو تأليفه على نظم وأسلوب يعجز عنه كل بليغ، ورد عليه بأن نظم العبارات ليس هو نفس العلم القديم بل دال عليه. الآية الرابعة: كالآية الأولى في إثبات العلم. والآية الخامسة: فمعناها لا يعلم متى وقت قيامها غيره، فالتقدير إليه يرد علم وقت الساعة.
قال يحياى: الظاهر على كل شيء علما، والباطن على كل شيء علما.
يحيى هذا هو ابن زياد الفراء النحوي المشهور، ذكر ذلك في كتاب معاني القرآن له، وقال الكرماني: يحيى، قيل: هو ابن زياد بن عبد الله بن منظور الذهلي، وهو الذي نقل عنه البخاري في كتاب معاني القرآن قلت: هو الفراء بعينه ولكن قوله: الذهلي، غلط لأن الفراء ديلمي كوفي مولى بني أسد، وقيل: مولى بني منقر. والظاهر أن هذا من الناسخ، ومات الفراء في سنة سبع ومائتين في طريق مكة وعمره ثلاث وستون سنة، وإنما قيل له: الفراء ولم يكن يعمل الفراء ولا يبيعها، لأنه كان يفري الكلام. ومنظور، بالظاء المعجمة. قوله: الباطن على كل شيء ويروى: الباطن بكل شيء، يعني: العالم بظواهر الأشياء وبواطنها. وقيل: الظاهر أي: دلائله، الباطن بذاته عن الحواس، أي: الظاهر عند العقل الباطن عند الحس وهو تفسير لقوله تعالى: * (هو الاول والاخر والظاهر والباطن وهو بكل شىء عليم) *
7379 حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا سليمان بن بلال، حدثني عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله.
ا
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث مضى في آخر الاستسقاء فإنه أخرجه هناك عن محمد بن يوسف عن سفيان عن عبد الله بن دينار، ومضى الكلام فيه.
قوله: مفاتيح الغيب استعارة إما مكنية وإما مصرحة، ولما كان جميع ما في الوجود محصورا في علمه شبهه الشارع بالمخازن واستعار لبابها المفتاح، والحكمة في كونها خمسا الإشارة إلى حصر العوالم فيها، ففي قوله: ما تغيض الأرحام إشارة إلى ما يزيد في النفس وينقص، وخص الرحم بالذكر لكون الأكثر يعرفونها بالعادة
ومع ذلك ينفي أن يعرف أحد حقيقتها. وفي قوله: ولا يعلم متى يأتي المطر إشارة إلى العالم العلوي، وخص المطر مع أن له أسبابا قد تدل بجري العادة على وقوعه لكنه من غير تحقيق، وفي قوله: ولا تدري نفس بأي أرض تموت إشارة إلى أمور العالم السفلي مع أن عادة أكثر الناس أن يموت ببلده، ولكن ليس ذلك حقيقة، بل لو مات في بلده لا يعلم في أي بقعة يدفن فيها ولو كان هناك مقبرة لأسلافه بل قبر أعده هو له. وفي قوله: ولا يعلم ما في غد إلا الله إشارة إلى أنواع الزمان وما فيها من الحوادث، وعبر بلفظ: غد، لكون حقيقته أقرب الأزمنة، وإذا كان مع قربه لا يعلم حقيقة ما يقع فيه، وفي قوله: ولا يعلم متى تقوم الساعة
86

إلا الله إشارة إلى علوم الآخرة فإذا لم يعلم أولها مع قربها فنفي علم ما بعدها أولى.
7380 حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن إسماعيل، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب، وهو يقول: * (لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير) * ومن حدثك أنه يعلم الغيب فقد كذب وهو يقول لا يعلم الغيب إلا الله.
ا
مطابقته للترجمة في آخر الحديث، وسفيان هو ابن عيينة، وإسماعيل هو ابن أبي خالد البجلي يروي عن عامر الشعبي عن مسروق بن الأجدع.
والحديث مضى مطولا في التفسير عن يحيى عن وكيع ومضى الكلام فيه.
قوله: رأى ربه أي: في ليلة المعراج واختلفوا في رؤيته، فعائشة ممن أنكرها لكنها لم تنقل عن النبي، بل قالته اجتهادا واستدلالا. وقال الداودي: إنما أنكرت ما قيل عن ابن عباس أنه رآه بقلبه، ومعنى الآية: لا تحيط به الأبصار. وقيل: لا تدركه الأبصار وإنما يدركه المبصرون، وقيل: لا تدركه في الدنيا. قوله: ومن حدثك أنه يعلم الغيب قال الداودي: ما أظنه محفوظا وإنما المحفوظ: من حدثك أن محمدا كتم شيئا مما أنزل الله إليه فقد كذب، قال: وإنما قال ذلك لأن الرافضة كانت تقول: إنه خص عليا، رضي الله تعالى عنه، بعلم لم يعلمه غيره، وأما علم الغيب فما أحد يدعي لرسول الله أنه كان يعلم منه إلا ما علم.
5
((باب قول الله تعالى: * (السلام المؤمن) *))
أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (السلام المؤمن) * كذا في رواية الجميع، وزاد ابن بطال المهيمن وقال: غرضه بهذا إثبات أسماء من أسماء الله تعالى، وكأنه أراد بهذا القدر الإشارة إلى الآيات الثلاث المذكورة في آخر سورة الحشر. قال شيخ شيخي الطيبي، رحمه الله: السلام مصدر نعت به، والمعنى: ذو السلامة من كل آفة ونقيصة، أي: الذي سلمت ذاته عن الحدوث والعيب، وصفاته عن النقص، وأفعاله عن الشر المحض، وهو من أسماء التنزيه. وفي الحديث الصحيح أنه اسم من أسماء الله تعالى، وقد أطلق على التحية الواقعة بين المؤمنين، وقيل: السلام في حقه تعالى الذي سلم المؤمنون من عقوبته. واختلف في تأويل قوله تعالى: * (والله يدعو
1764; إلى دار السلام ويهدى من يشآء إلى صراط مستقيم) * فقيل: الجنة لأنه لا آفة فيها ولا كدر فالسلام على هذا والسلامة بمعنى كاللذاذ واللذاذة. وقال قتادة: الله السلام وداره الجنة. قوله: المؤمن قال شيخ شيخي: المؤمن في الأصل الذي يجعل غيره آمنا، وفي حق الله تعالى على وجهين: أحدهما: أن يكون صفة ذات وهو أن يكون متضمنا لكلام الله تعالى الذي هو تصديقه لنفسه في أخباره، ولرسله في صحة دعواهم الرسالة. والثاني: أن يكون متضمنا صفة فعل هي أمانة رسله وأوليائه المؤمنين به من عقابه، وأليم عذابه. قوله: المهيمن، راجع إلى معنى الحفظ والرعاية وذلك صفة فعل له عز وجل، وقد روى البيهقي من حديث ابن عباس في قوله: مهيمنا عليه، قال: مؤتمنا عليه، وفي رواية علي بن أبي طلحة عنه: المهيمن: الأمين القرآن أمين على كل كتاب قبله، وقيل: الرقيب على الشيء، والحافظ له. وقال شيخ شيخي: المهيمن الرقيب المبالغ في المراقبة والحفظ من قولهم: هيمن الطير إذا نشر جناحه على فرخه صيانة له، وقيل: أصله مؤيمن فقبلت الهمزة هاء فصار مهيمن، قاله الخطابي وابن قتيبة ومن تبعهما، واعترض إمام الحرمين ونقل الإجماع على أن أسماء الله تعالى لا تصغر. قلت: هم ما ادعوا أنه مصغر حتى يصح الاعتراض عليهم، ومهيمن غير مصغر لأن وزنه: مفيعل، وليس هذا من أوزان التصغير.
7381 حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا مغيرة، حدثنا شقيق بن سلمة قال: قال عبد الله: كنا نصلي خلف النبي فنقول السلام على الله، فقال النبي
87

إن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إلاه إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
ا
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي، روى عنه مسلم أيضا، وزهير هو ابن معاوية الجعفي، ومغيرة بضم الميم وكسرها هو ابن المقسم بكسر الميم، وعبد الله هو ابن مسعود.
والحديث قد مضى في كتاب الصلاة في: باب التشهد في الأخيرة بأتم منه، ومضى الكلام فيه.
6
((باب قول الله تعالى: * (ملك الناس) * فيه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم))
أي: هذا باب في قول الله عز وجل: * (ملك الناس) * فيه وجهان. أحدهما: أن يكون راجعا إلى صفة ذات وهو القدرة لأن الملك بمعنى القدرة. والآخر: أن
يكون راجعا إلى صفة فعل وذلك بمعنى القهر والصرف لهم عما يريدونه إلى ما يريده. قوله: فيه عن ابن عمر أي: في هذا الباب عن عبد الله بن عمر عن النبي، وهو قوله: إن الله يقبض يوم القيامة الأرض وتكون السماوات بيمينه ثم يقول: أنا الملك وسيأتي هذا بعد أبواب بسنده.
7382 حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقبض الله الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض؟
مطابقته للترجمة ظاهرة. وابن وهب هو عبد الله، ويونس هو ابن يزيد، وسعيد هو ابن المسيب.
والحديث مضى في الرقاق في: باب يقبض الله الأرض، ومضى الكلام فيه.
قوله: يقبض الله الأرض أي: يجمعها وتصير كلها شيئا واحدا. قوله: بيمينه من المتشابهات فإما أن يفوض وإما أن يؤول بقدرته، وفيه إثبات اليمين لله تعالى صفة له من صفات ذاته وليست بجارحة، خلافا للجهمية.
وعن أحمد بن سلمة عن إسحاق بن راهويه قال: صح أن الله يقول بعد فناء خلقه: لمن الملك اليوم فلا يجيبه أحد، فيقول لنفسه: * (وهو الذى ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولى الحميد) * وفيه: الرد على من زعم أن الله يخلق كلاما فيسمعه من شاء بأن الوقت الذي يقول فيه: لمن الملك اليوم، ليس هناك أحد.
وقال شعيب والزبيدي وابن مسافر وإسحاق بن يحياى عن الزهري عن أبي سلمة مثله.
وشعيب هو ابن أبي حمزة، والزبيدي هو محمد بن الوليد صاحب الزهري نسبه إلى زبيد بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف قبيلة، وابن مسافر هو عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي المصري واليها، وإسحاق بن يحيى الكلبي الحمصي، وأبو سلمة عبد الرحمن بن عوف، قوله: مثله وقع لأبي ذر وسقط لغيره، وليس المراد أن أبا سلمة أرسله بل مراده أنه اختلف على الزهري وهو محمد بن مسلم في شيخه، فقال: يونس سعيد بن المسيب، وقال الباقون: أبو سلمة، وكل منهما يرويه عن أبي هريرة، فرواية شعيب وصلها الدارمي قال: حدثنا الحكم بن نافع وهو أبو اليمان فذكره، وفيه: سمعت أبا سلمة يقول: قال أبو هريرة... ورواية الزبيدي وصلها ابن خزيمة من طريق عبد الله بن سالم عنه عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، ورواية ابن مسافر قد تقدمت موصولة في تفسير سورة الزمر من طريق الليث بن سعد عنه، كذلك، ورواية إسحاق بن يحيى وصلها الذهلي، رحمه الله، في الزهريات.
88

7
((باب قول الله تعالى: * (وهو العزيز الحكيم) * وغيرها * (قل نعم وأنتم داخرون) * الصافات: 180 * (يقولون لئن رجعنآ إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولاكن المنافقين لا يعلمون) * ومن حلف بعزة الله وصفاته
أي: هذا باب في قول الله عز وجل: آ أ ؤ ذكر فيه ثلاث قطع من ثلاث آيات: الأولى: قوله تعالى: * (وهو العزيز الحكيم) *، وغيرها فالعزيز متضمن للعزة ويجوز أن يكون صفة ذات يعني القدرة والعظمة، وأن يكون صفة فعل بمعنى القهر لمخلوقاته والغلبة لهم. وقال الحليمي معناه: الذي لا يوصل إليه ولا يمكن إدخال مكروه عليه، فإن العزيز في لسان العرب من العزة وهي الصلابة. وقال الخطابي: العزيز المنيع الذي لا يغلب، والعز قد يكون من الغلبة، يقال منه: عز يعز، بفتح العين وقد يكون بمعنى نفاسة القدر، يقال منه: عز يعز، بكسر العين فيؤول معنى العز على هذا وأنه لا يعازه شيء. قوله: الحكيم، متضمن لمعنى الحكمة وهو إما صفة ذات يكون بمعنى العلم والعلم من صفات الذات، وإما صفة فعل بمعنى الأحكام. الآية الثانية: * (قل نعم وأنتم داخرون) * ففي إضافة العزة إلى الربوبية إشارة إلى أن المراد هاهنا القهر والغلبة، ويحتمل أن يكون الإضافة للاختصاص كأنه قيل: ذو العزة وأنها من صفات الذات، والتعريف في العزة للجنس، فإذا كانت العزة كلها لله تعالى فلا يصح أن يكون أحد معتزا إلا به، ولا عزة لأحد إلا وهو مالكها. والآية الثالثة: يعرف حكمها من الثانية، وهي بمعنى الغلبة لأنها جواب لمن ادعى أنه الأعز، وأن ضده الأذل فرد عليه أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، فهو كقوله: * (كتب الله لاغلبن أنا ورسلى
1764; إن الله قوى عزيز) * قوله: ومن حلف بعزة الله وصفاته كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية المستملي: وسلطانه، بدل. وصفاته، والأول أولى، وقد تقدم في كتاب الأيمان والنذور: باب الحلف بعزة الله وصفاته، وكلامه، وقد تقدم الكلام فيه. وقال ابن بطال ما ملخصه: الحالف بعزة الله التي هي صفة ذات يحنث، والحالف بعزة الله التي هي صفة فعل لا يحنث، بل هو منهي عن الحلف بها كما نهى عن الحلف بحق السماء وحق زيد. انتهى. لكن إذا أطلق الحالف انصرف إلى صفة الذات وانعقد اليمين إلا إن قصد خلاف ذلك.
وقال أنس: قال النبي تقول جهنم قط قط وعزتك
هذا طرف من حديث مطول مضى في تفسير سورة ق والمراد به أن النبي نقل عن جهنم أنها تحلف بعزة الله وأقرها على ذلك، فيحصل المراد سواء كانت هي الناطقة حقيقة أم الناطق غيرها كالموكلين بها.
وقال أبو هريرة عن النبي يبقى رجل بين الجنة والنار آخر أهل النار دخولا الجنة، فيقول: رب اصرف وجهي عن النار، لا وعزتك لا أسألك غيرها. قال أبو سعيد: إن رسول الله قال: قال الله عز وجل: لك ذلك وعشرة أمثاله
مطابقة هذا والذي قبله للترجمة ظاهرة. هذا طرف حديث طويل تقدم مع شرحه في آخر كتاب الرقاق. قوله: يبقى رجل يروي: أن اسمه جهنية، بالجيم والنون، قيل: ليس كلام هذا حجة. وأجيب: بأن حكاية رسول الله على سبيل التقرير والتصديق حجة. قوله: وقال أبو سعيد من تتمة حديث أبي هريرة، قاله الكرماني. قلت:
ليس كذلك بل المراد أن أبا سعيد وافق أبا هريرة على رواية الحديث المذكور إلا ما ذكره من الزيادة في قوله: عشرة أمثاله
وقال أيوب: وعزتك لا غنى بي عن بركتك.
هذا أيضا طرف من حديث لأبي هريرة مضى في كتاب الأيمان والنذور، وتقدم أيضا موصولا في كتاب الطهارة في الغسل، وأوله: بينا أيوب يغتسل... وتقدم أيضا في أحاديث الأنبياء، عليهم السلام، مع شرحه، ووقع في رواية الحاكم: لما عافى الله أيوب أمطرعليه جرادا من ذهب.. الحديث. قوله: لا غنى بي، بالقصر في رواية الأكثرين، وفي رواية المستملي: لا غناء، ممدودا وكذا في رواية أبي ذر للسرخسي.
89

7383 حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا حسين المعلم، حدثني عبد الله بن بريدة، عن يحياى بن يعمر، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول أعوذ بعزتك الذي لا إلاه إلا أنت الذي لا يموت والجن والإنس يموتون.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو المقعد البصري، وعبد الوارث بن سعيد، وحسين هو ابن ذكوان، وعبد الله بن بريدة بضم الباء الموحدة ابن حصيب الأسلمي قاضي مرو مات بمرو، و يحيى بن يعمر بلفظ المضارع بفتح الميم وبضمها أيضا والفتح أشهر وهو القاضي بمرو أيضا.
والحديث أخرجه مسلم في الدعاء عن حجاج بن المسارع. وأخرجه النسائي في النعوت عن عثمان بن عبد الله.
قوله: الذي لا إلاه إلا أنت قيل: ما، العائد للموصول. وأجيب: بأنه إذا كان المخاطب نفس المرجوع إليه يحصل الارتباط، وكذلك المتكلم نحو:
* أنا الذي سمتني أمي حيدرة
*
قوله: لا يموت بلفظ الغائب، ويروى بالخطاب. قوله: الجن والإنس يموتون استدلت به طائفة على أن الملائكة لا تموت. ولا يصح هذا الاستدلال لأنه مفهوم لقب ولا اعتبار به فيعارضه ما هو أقوى منه، وهو عموم قوله تعالى: * (ولا تدع مع الله إلاها ءاخر لا إلاه إلا هو كل شىء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون) * وقال بعضهم: لا مانع من دخول الملائكة في مسمى الجن لجامع ما بينهم من الاستتار. قلت: هذا كلام واه لأن مسمى الجن غير مسمى الملائكة، ولا يلزم من استتارهم عن أعين الناس صحة دخول الملائكة الذين هم من النور في الجن الذين خلقوا من مارج من نار.
7384 حدثنا ابن أبي الأسود، حدثنا حرمي، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يلقى في النار وقال لي خليفة: حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا سعيد عن قتادة، عن أنس وعن معتمر سمعت أبي عن قتادة، عن أنس عن النبي قال: لا يزال يلقى فيها، وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع فيها رب العالمين قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض، ثم تقول: قد قد بعزتك وكرمك، ولا تزال الجنة تفضل حتى ينشىء الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة
مطابقته للترجمة في قوله: بعزتك وشيخ البخاري ابن أبي الأسود هو عبد الله بن محمد البصري واسم أبي الأسود حميد بن الأسود، وحرمي بفتح الحاء المهملة والراء وياء النسبة هو ابن عمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم.
وأخرج هذا الحديث من طريقين. الأول: عن ابن أبي الأسود بالتحديث. والثاني: بالقول، حيث قال: وقال لي خليفة هو ابن خياط عن يزيد من الزيادة ابن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، وقال الكرماني ما حاصله: إنه قال: أخرجه من ثلاث طرق وذكر الطريقين وقال: الطريق الثالث، تعليق وهو قوله: وعن معتمر سمعت أبي وهو سليمان بن طرخان عن قتادة، وأنكر عليهم بعضهم بأن هذا ليس بتعليق، لأن قوله: وعن معتمر، معطوف على قوله: حدثنا يزيد بن زريع، موصول فالتقدير: وقال لي خليفة عن معتمر، وبهذا جزم أصحاب الأطراف. قلت: كونه معطوفا موصولا لا ينافي كونه طريقا آخر على ما لا يخفى لاختلاف شيخي خليفة.
قوله: وتقول هل من مزيد؟ أي: تقول النار، وإسناد القول إليها مجاز أو حقيقة بأن يخلق الله القول فيها ومزيد بمعنى الزيادة مصدر ميمي. قوله: قدمه قيل: المراد بها المتقدم أي: يضع الله فيها من قدمه لها من أهل العذاب، أو ثمة مخلوق اسمه القدم أو أراد بوضع القدم الزجر عليها والتسكين لها، كما تقول لشيء تريد محوه وإبطاله: جعلته تحت قدمي، أو: هو مفوض إلى الله، وقال النضر بن شميل: القدم هاهنا الكفار الذين سبق في علم الله أنهم من أهل النار وأنهم يملأ بهم النار حتى ينزوي بعضها إلى بعض من الملأ، ولتضايق أهلها، فتقول: قط قط، أي: امتلأت حسبي حسبي. قوله: ينزوي مضارع من الانزواء، ويروى: تزوى على صيغة المجهول من زوى سره عنه إذا طواه، أو من زوى الشيء إذا جمعه وقبضه. قوله: قد قد روي بسكون الدال وكسرها وهو اسم مرادف: لقط، أي: حسب. قوله: تفضل أي: عن الداخلين فيها. قوله: حتى ينشئ من الإنشاء،
90

أي: حتى ينشئ الله خلقا فيسكنهم من الإسكان فضل الجنة أي: الموضع الذي فضل منها وبقي عنهم، ويروى: أفضل بصيغة. أفعل التفضيل. فقيل: هو مثل: الناقص والأشج أعد لابني مروان، يعني: عاد لابني مروان. وفيه: أن دخول الجنة ليس بالعمل.
8
((باب قول الله تعالى: * (وقالوا لولا نزل عليه ءاية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل ءاية ولاكن أكثرهم لا يعلمون) *
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (وقالوا لولا نزل عليه ءاية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل ءاية ولاكن أكثرهم لا يعلمون) * أي: بكلمة الحق، وهي قوله: كن، وقيل: ملتبسا بالحق لا بالباطل، وذكر ابن التين أن الداودي قال: إن الباء هاهنا بمعنى اللام أي: لأجل الحق. قلت: ذكر النحاة أن الباء تأتي لأربعة عشر معنى ولم يذكروا فيها أنها تجيء بمعنى اللام، وقال ابن بطال: المراد بالحق هاهنا ضد الهزل، وقيل: يقال لكل موجود من فعل الله تعالى يقتضي الحكمة حق، ويطلق على
الاعتقاد في الشيء المطابق في الواقع، ويطلق على الواجب واللازم الثابت والجائز، وعن الحليمي: الحق ما لا يسع إنكاره ويلزم إثباته والاعتراف به، ووجود الباري أولى ما يجب الاعتراف به ولا يسع جحوده إذ لا مثبت تظاهرت عليه البينة ما تظاهرت على وجوده عز وجل.
7385 حدثنا قبيصة، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن سليمان، عن طاوس عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: كان النبي يدعو من الليل: اللهم لك الحمد أنت رب السماوات والأرض لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض، ومن فيهن، لك الحمد أنت نور السماوات والأرض، قولك الحق ووعدك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق والنار حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت، وبك خاصمت وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وأسررت وأعلنت، أنت إلاهي لا إلاه لي غيرك
ا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: أنت رب السماوات والأرض لأن معناه: أنت مالك السماوات والأرض وخالقهما.
وقبيصة بفتح القاف ابن عقبة، وسفيان هو الثوري، وابن جريج عبد الملك، وسليمان الأحول.
والحديث مضى في صلاة الليل عن علي بن عبد الله وفي الدعوات عن عبد الله بن محمد، ومضى الكلام فيه.
الليل أي: في الليل أو من قيام الليل. قوله: رب السماوات الرب السيد والمصلح والمالك. قوله: أنت قيم السماوات أي: مدبرها ومقومها. قوله: نور السماوات أي: منورها وهو من جملة صفات الفعل، وقد مر تفسير الحق. قوله: وعدك حق من عطف الخاص على العام لأن الوعد أيضا قول. قوله: لقاؤك المراد باللقاء البعث. قوله: إليك أنبت أي: رجعت إلى عبادتك. قوله: وبك خاصمت أي: ببراهينك التي أعطيتني خاصمت الأعداء. قوله: وإليك حاكمت يعني: من جحد الحق حاكمته إليك أي: جعلتك حاكما بيني وبينه لا غيرك مما كانت الجاهلية تتحاكم إلى الصنم ونحوه. قوله: فاغفر لي سؤاله المغفرة تواضع منه أو تعليم لأمته.
حدثنا ثابت بن محمد حدثنا سفيان بهذا، وقال: أنت الحق وقولك الحق.
أشار بهذا إلى أن في رواية قبيصة سقط منها: أنت الحق قبل قوله: قولك الحق وثبت في رواية ثابت بالثاء المثلثة في أوله ابن محمد العابد البناني بضم الباء الموحدة وتخفيف النون الأولى عن سفيان الثوري. قوله: بهذا، أي: بالسند المذكور والمتن، وسيأتي بيانه في: باب قوله تعالى: * (وجوه يومئذ ناضرة) *
9
((باب قول الله تعالى: * (من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والاخرة وكان الله سميعا بصيرا) *))
أي: هذا باب في قول الله تعالى: * (من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والاخرة وكان الله سميعا بصيرا) * غرضه من هذا الرد على المعتزلة حيث قالوا: إنه سميع بلا سمع، وعلى من قال: معنى السميع العالم بالمسموعات لا غير، وقولهم هذا يوجب مساواته تعالى للأعمى والأصم الذي يعلم أن السماء خضراء ولا يراها، وأن في العالم أصوتا ولا يسمعها، وفساده ظاهر، فوجب كونه سميعا بصيرا مفيدا أمرا زائدا على ما يفيد كونه
91

عالما. وقال البيهقي: السميع من له سمع يدرك به المسموعات، والبصير من له بصر يدرك به المرئيات، قيل: كيف يتصور السمع له وهو عبارة عن وصول الهواء المتموج إلى العصب المفروش في مقعر الصماخ؟ وأجيب: بأنه ليس السمع ذلك بل هو حالة يخلقها الله في الحي، نعم جرت سنة الله تعالى أنه لا يخلقه عادة إلا عند وصول الهواء إليه، ولا ملازمة عقلا بينهما، والله تعالى يسمع المسموع بدون هذه الوسائط العادية. كما أنه يرى بدون المواجهة والمقابلة وخروج الشعاع ونحوه من الأمور التي لا يحصل الإبصار عادة إلا بها.
وقال الأعمش: عن تميم عن عروة عن عائشة قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، فأنزل الله تعالى على النبي * (قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها وتشتكى
1764; إلى الله والله يسمع تحاوركمآ إن الله سميع بصير) *
أي: وقال سليمان الأعمش عن تميم بن سلمة الكوفي التابعي عن عروة بن الزبير عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت:... إلى آخره، ووصل هذا التعليق أحمد والنسائي باللفظ المذكور هنا، وأخرجه ابن ماجة من رواية أبي عبيدة بن معن عن الأعمش بلفظ: تبارك الذي وسع سمعه كل شي، إني أسمع كلام خولة، ويخفى علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله وهي تقول: أكل شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهر مني، اللهم إني أشكوا إليك، فما برحت حتى نزل جبريل، عليه السلام، بهؤلاء الآيات: * (قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها وتشتكى
1764; إلى الله والله يسمع تحاوركمآ إن الله سميع بصير) * انتهى. ومعنى قول عائشة أوعى: وسع سمعه الأصوات، لا أنه اتسع صوته لها، لأن الموصوف بالسعة لا يصح وصفه بالضيق بدلا منه، والوصفان جميعا من صفات الأجسام فيستحيل هذا في حق الله فوجب صرف قولها عن ظاهره إلى ما اقتضاه صحة الدليل.
7386 حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي عثمان، عن أبي موساى قال: كنا مع النبي في سفر، فكنا إذا علونا كبرنا، فقال: أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، تدعون سميعا بصيرا قريبا ثم أتى علي، وأنا أقول في نفسي: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال لي: يا عبد الله بن قيس قل: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة أو قال: ألا أدلك به؟
ا
مطابقته للترجمة في قوله: تدعون سميعا بصيرا
وأيوب هو السختياني، وأبو عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي بفتح النون، وأبو موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس.
والحديث مضى في كتاب الدعوات في: باب الدعاء إذا علا عقبة، وأخرجه هناك بعين هذا الإسناد عن سليمان بن حرب إلى آخره، وبعين هذا المتن، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: أربعوا بفتح الباء الموحدة أي: ارفعوا ولا تبالغوا في الجهر، وحكى ابن التين أنه وقع في رواية بكسر الباء، وأنه في كتب أهل اللغة وبعض كتب الحديث بفتحها. قلت: الفتح هو الصحيح لأنه من الكلمة التي في لام فعله حرف حلق ولا يجيء مضارعه إلا بفتح عين الفعل. قوله: أصم ويروى: أصما، ولعله لمناسبة: غائبا. قوله: ولا غائبا قال الكرماني: فإن قلت: المناسب، ولا أعمى، وقلت: الأعمى غائب عن الإحساس بالبصر والغائب كالأعمى في عدم رؤية ذلك المبصر، فنفى لازمه ليكون أبلغ وأعم، وزاد: القريب، إذ رب سامع وباصر لا يسمع ولا يبصر لبعده عن المحسوس، فأثبت القريب لتبين وجود المقتضى وعدم المانع، ولم يرد بالقرب قرب المسافة لأنه تعالى منزه عن الحلول في مكان بل القرب بالعلم أو هو مذكور عل سبيل الاستعارة. قوله: كنز أي: كالكنز في نفاسته. أو قال شك من الراوي أي: ألا أدلك على كلمة هي كنز بهذا الكلام.
وقال ابن بطال: في هذا الحديث: نفي الآفة المانعة من السمع، والآفة المانعة من البصر وإثبات كونه سميعا بصيرا قريبا مستلزم أن لا يصح أضداد
92

هذه الصفات عليه.
7387، 7388 حدثنا يحياى بن سليمان، حدثني ابن وهب، أخبرني عمر و، عن يزيد عن أبي الخير سمع عبد الله بن عمرو أن أبا بكر الصديق، رضي الله عنه، قال للنبي يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي. قال: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي من عندك مغفرة إنك أنت الغفور الرحيم
الحديث 7388: انظر الحديث 834 وطرفه
مطابقته للترجمة من حيث إن بعض الذنوب مما يسمع وبعضها مما يبصر لم تقع مغفرته إلا بعد الإسماع والإبصار. وقال ابن بطال: مناسبته للترجمة من حيث إن دعاء أبي بكر بما علمه النبي يقتضي أن الله تعالى سمع لدعائه ويجازيه عليه، وبما ذكرنا رد على من قال: حديث أبي بكر ليس مطابقا للترجمة إذ ليس فيه ذكر صفتي السمع والبصر.
و يحيى بن سليمان بن يحيى أبو سعيد الجعفي الكوفي نزل بمصر ومات بها سنة سبع أو ثمان وثلاثين ومائتين، يروي عن عبد الله بن وهب المصري عن عمرو بن الحارث المصري عن يزيد من الزيادة ابن أبي حبيب: واسم أبي حبيب سويد عن أبي الخير مرثد بفتح الميم وبالثاء المثلثة ابن عبد الله، و عبد الله بن عمرو بن العاص.
والحديث مضى في كتاب الصلاة في: باب الدعاء قبل السلام، ومضى الكلام فيه.
قوله: كثيرا بالثاء المثلثة وهو المشهور من الروايات، ووقع للقابسي بالباء الموحدة. قوله: مغفرة أي: عظيمة، ولفظ: من عندك أيضا يدل على التعظيم لأن عظمة المعطي تستلزم عظمة العطاء.
7389 حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، حدثني عروة أن عائشة رضي الله عنها، حدثته، قال النبي إن جبريل عليه السلام، ناداني قال: إن الله قد سمع قول قومك وما ردوا عليك
انظر الحديث 323
مطابقته للترجمة ظاهرة. ورجاله مشهورون قد ذكروا غير مرة.
والحديث قد مضى بأتم منه في بدء الخلق.
قوله: وما ردوا عليك أي: أجابوك، أو ردهم الدين عليك وعدم قبولهم الإسلام، وإنما ناداه بعد رجوعه، من الطائف ويأسه من أهله.
10
((باب قول الله تعالى: * (قل هو القادر) *))
أي: هذا باب في قول الله عز وجل: * (قل هو القادر) * القدرة من صفات الذات والقدرة والقوة بمعنى واحد.
7390 حدثني إبراهيم بن المنذر، حدثنا معن بن عيسى، حدثني عبد الرحمان بن أبي الموالي قال: سمعت محمد بن المنكدر يحدث عبد الله بن الحسن يقول: أخبرني جابر بن عبد الله السلمي قال: كان رسول الله يعلم أصحابه الاستخارة في الأمور كلها كما يعلم السورة من القرآن، يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم فإن كنت تعلم هاذا الأمر، ثم يسميه بعينه خيرا لي في عاجل أمري وآجله قال: أو في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه. اللهم. وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري أو قال: في عاجل
93

أمري وآجله فاصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به.
انظر الحديث 1162 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الله بن الحسن بلفظ التكبير فيهما ابن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنهم، وكان عبد الله كبير بني هاشم في وقته، وكان من العباد، وثقه ابن معين والنسائي وهو من صغار التابعين مات في حبس المنصور سنة ثلاث وأربعين ومائة وله خمس وسبعون سنة، وليس له ذكر في البخاري إلا في هذا الموضع. قوله: السلمي بفتح السين المهملة واللام.
والحديث قد مضى في كتاب التهجد في: باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى، وفي كتاب الدعوات ومضى الكلام فيه.
قوله: الاستخارة أي: صلاة الاستخارة ودعائها، وهي طلب الخيرة بوزن العنبة اسم من قولك اختاره الله. قوله: وأستقدرك أي: أطلب منك أن تجعل لي قدرة عليه، والباء في بعلمك، وبقدرتك يحتمل أن يكون للاستعانة وأن يكون للاستعطاف كما في قوله تعالى: * (قال رب بمآ أنعمت على فلن أكون ظهيرا للمجرمين) * أي: بحق علمك، ويقال: قدرت الشيء أقدره بالضم والكسر فمعنى أقدره أجعله مقدورا لي. قوله: ثم يسميه بعينه أي: يذكر حاجته معينة باسمها. قوله: ثم رضني به أي: اجعلني راضيا به، فافهم.
11
((باب مقلب القلوب. وقول الله تعالى: * (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم فى طغيانهم يعمهون) *))
أي: هذا باب فيه ذكر مقلب القلوب، هذا على تقدير إضافة الباب إلى مقلب القلوب، ويجوز قطع الباب عنه ويكون مقلب مرفوعا أنه خبر مبتدأ محذوف أي: الله مقلب القلوب، ويكون التقدير: هذا باب يذكر فيه: الله مقلب القلوب، ومعناه مبدل الخواطر وناقض العزائم، فإن قلوب العباد تحت قدرته يقلبها كيف يشاء. وقال الكرماني: فإن قلت: لا تحمله على حقيقته بأن يكون معناه يا جاعل القلب قلبا؟ قلت: لأن مظان استعماله تنبو عنه، وفيه أن أغراض القلب كالإرادة ونحوها بخلق الله تعالى، وهذا من الصفات الفعلية ومرجعه إلى القدرة، وقيل: سمي القلب به لكثرة تقلبه من حال إلى حال، قال الشاعر:
* وما سمي الإنسان إلا لأنسه
* ولا القلب إلا أنه يتقلب
*
7391 حدثني سعيد بن سليمان، عن ابن المبارك، عن موساى بن عقبة، عن سالم، عن عبد الله قال: أكثر ما كان النبي يحلف لا ومقلب القلوب
انظر الحديث 6617 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة. وسعيد بن سليمان الواسطي سكن بغداد يلقب بسعدويه يروي عن عبد الله بن المبارك المروزي وعبد الله هو ابن عمر بن الخطاب.
والحديث مضى في القدر عن محمد بن مقاتل وفي الأيمان والنذور عن محمد بن يوسف عن سفيان، ومضى الكلام فيه.
قوله: لا ومقلب القلوب الواو فيه للقسم وبعد لا يقدر نحو: لا أفعل أو لا أقول وحق مقلب القلوب.
12
((باب إن لله مائة اسم إلا واحدا قال ابن عباس: ذو الجلال العظمة البر اللطيف))
أي: هذا باب فيه إن لله مائة اسم إلا واحدا، وقد مضى في الدعوات: باب لله مائة اسم غير واحد. قوله: قال ابن عباس، أي: قال عبد الله بن عباس: تفسير الجلال العظمة، وفي رواية الكشميهني: ذو الجلال العظيم. قوله: البر اللطيف، أي: قال ابن عباس: تفسير البر اللطيف.
7392 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدة من أحصاها دخل الجنة، أحصيناه: حفظناه.
انظر الحديث 2736 وطرفه
94

مطابقته للترجمة من حيث المعنى ظاهرة. وأبو اليمان الحكم بن نافع، وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز.
والحديث مضى في الشروط بعين هذا الإسناد والمتن، ومضى الكلام فيه.
قوله: إلا واحدا كذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره: إلا واحدة، ولعل التأنيث باعتبار الكلمة، أو هي للمبالغة في الوحدة نحو: رجل علامة وراوية، وفائدة مائة إلا واحدة التأكيد ورفع التصحيف لأن تسعة تتصحف بسبعة وتسعين بسبعين والحكمة في الاستثناء أن الوتر أفضل من الشفع أن الله وتر يحب الوتر. وقال الكرماني: الغرض من الباب إثبات الأسماء لله تعالى.
واختلفوا فيها: فقيل: الاسم عين المسمى، وقيل: غيره، وقيل: لا هو ولا غيره، وهذا هو الأصح. وذكر نعيم بن حماد أن الجهمية قالوا: إن أسماء الله تعالى مخلوقة لأن الاسم غير المسمى وادعوا أن الله كان ولا وجود لهذه الأسماء ثم خلقها فتسمى بها، قال: قلنا لهم: إن الله تعالى قال: * (سبح اسم ربك الاعلى) * وقال: * (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والارض فى ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الامر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذالكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون) * فأخبر أنه المعبود ودل كلامه على اسمه بما دل به على نفسه، فمن زعم أن اسم الله مخلوق فقد زعم أن الله أمر نبيه أن يسبح مخلوقا.
قوله: من أحصاها أي: من حفظها وعرفها، لأن العارف بها يكون مؤمنا والمؤمن يدخل الجنة لا محالة. وقيل: أي عددها معتقدا بها، وقيل: أطلق القيام بحقها والعمل بمقتضاها. قوله: أحصيناه: حفظناه هذا من كلام البخاري أشار به إلى أن معنى الإحصاء هو الحفظ، والإحصاء في اللغة يطلق بمعنى الإحاطة بعلم عدد الشيء وقدره، ومنه * (ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شىء عددا) * قاله الخليل، وبمعنى الإطاقة له، قال تعالى: * (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثى اليل ونصفه وثلثه وطآئفة من الذين معك والله يقدر اليل والنهار علم ألن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرءان علم أن سيكون منكم مرضى وءاخرون يضربون فى الارض يبتغون من فضل الله وءاخرون يقاتلون فى سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلواة وءاتوا الزكواة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لانفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم) * أي: لن تطيقوه.
13
((باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها))
أي: هذا باب في السؤال بأسماء الله تعالى، قال ابن بطال: مقصوده بهذه الترجمة تصحيح القول بأن الاسم هو المسمى، فلذلك صحت الاستعاذة بالاسم كما تصح بالذات. قلت: كون الاسم هو المسمى لا يتمشى إلا في الله تعالى، كما نبه عليه صاحب التوضيح هنا حيث قال: غرض البخاري أن يثبت أن الاسم هو المسمى في الله تعالى على ما ذهب إليه أهل السنة.
7393 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثني مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا جاء أحدكم فراشه فلينفضه بصنفة ثوبه ثلاث مرات وليقل: باسمك رب وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين
انظر الحديث 6320
ذكر في هذا الباب تسعة أحاديث كلها في التبرك باسم الله عز وجل والسؤال به والاستعاذة. ومطابقة هذا الحديث للترجمة في قوله: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه وقال ابن بطال: أضاف الوضع إلى الاسم والرفع إلى الذات فدل على أن المراد بالاسم الذات وبالذات يستعان في الوضع والرفع لا باللفظ.
وشيخ البخاري عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى بن عمرو بن أويس الأويسي المدني، يروي عن مالك بن أنس عن سعيد بن أبي سعيد كيسان ونسبته إلى مقبرة المدينة.
والحديث مضى في كتاب الدعوات ومضى الكلام فيه.
قوله: بصنفة ثوبه بفتح الصاد المهملة وكسر النون وبالفاء وهو أعلى حاشية الثوب الذي عليه الهدب، وقيل: جانبه، وقيل: طرفه وهو المراد هنا، قاله عياض، وقال ابن التين: رويناه بكسر الصاد وسكون النون. والحكمة فيه أنه ربما دخلت فيه حية أو عقرب وهو لا يشعر ويده مستورة بحاشية الثوب لئلا يحصل في يده مكروه إن كان هناك شيء، وذكر المغفرة عند الإمساك والحفظ عند الإرسال لأن الإمساك كناية عن الموت فالمغفرة تناسبه، والإرسال كناية عن الإبقاء في الحياة فالحفظ يناسبه.
تابعه يحياى وبشر بن المفضل عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي
95

أي: تابع عبد العزيز في روايته عن مالك عن سعيد يحيى بن سعيد القطان وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن المفضل بتشديد الضاد المعجمة عن عبيد الله بن عبد الله العمري عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، ومتابعة يحيى رواها النسائي عن عمرو بن علي وابن مثنى عن يحيى عن عبيد الله به، ومتابعة بشر بن المفضل فقد أخرجها مسدد في مسنده.
وزاد زهير وأبو ضمرة وإسماعيل بن زكرياء: عن عبيد الله عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي
زهير بن معاوية وأبو ضمرة أنس بن عياض وإسماعيل بن زكريا الخلقاني الكوفي عن عبد الله بن عمر العمري عن سعيد المقبري عن أبيه كيسان عن أبي هريرة عن النبي وأراد بالزيادة هي لفظة: أبيه، أما زيادة زهير فقد مضت في الدعوات عن أحمد بن يونس، وكذلك أخرجها أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا زهير قال: حدثنا عبيد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله إذا آوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثم ليضطجع على شقه الأيمن.... الحديث، أما زيادة أبي ضمرة فأخرجها مسلم عن إسحاق بن موسى حدثنا أنس بن عياض هو أبو ضمرة حدثنا عبيد الله فذكره؛ وأما زيادة إسماعيل بن زكريا فرواها الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن يونس بن محمد عنه.
ورواه ابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي
أي: روى الحديث المذكور محمد بن عجلان الفقيه المدني عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي، وكذلك رواه النسائي عن قتيبة عن يعقوب بن عبد الرحمن عن ابن عجلان عن سعيد به.
تابعه محمد بن عبد الرحمان والدراوردي وأسامة بن حفص.
أي: تابع محمد بن عجلان محمد بن عبد الرحمن وعبد العزيز بن محمد الدراوردي نسبة إلى دراورد قرية بخراسان وأسامة بن حفص المدني يعني: هؤلاء تابعوا محمد بن عجلان في روايتهم بإسقاط ذكر الأب بين سعيد وبين أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه، أما متابعة محمد بن عبد الرحمن الطفاوي البصري....
وأما متابعة الدراوردي فأخرجها محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني عنه، وأما متابعة أسامة بن حفص.... (1).
7394 حدثنا مسلم، حدثنا شعبة، عن عبد الملك، عن ربعي، عن حذيفة قال: كان النبي إذا أوى إلى فراشه قال: اللهم باسمك أحيا وأموت وإذا أصبح قال: الحمد
الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور
مطابقته للترجمة في قوله: اللهم باسمك أحيا وأموت
وعبد الملك بن عمير، وربعي بكسر الراء وسكون الباء الموحدة وكسر العين المهملة وتشديد الياء ابن حراش بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء وبالشين المعجمة الغطفاني، وكان من العباد يقال: إنه تكلم بعد الموت.
والحديث مضى في الدعوات في: باب وضع اليد اليمنى تحت الخد الأيمن، ومضى الكلام فيه.
7395 حدثنا سعد بن حفص، حدثنا شيبان، عن منصور، عن ربعي بن حراش. عن خرشة بن الحر، عن أبي ذر قال: كان النبي إذا أخذ مضجعه من الليل قال: باسمك نموت ونحيا
96

فإذا استيقظ قال: الحمد الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور
انظر الحديث 6325
مطابقته للترجمة في قوله: باسمك نموت ونحيا
وسعد بن حفص أبو محمد الطلحي الكوفي يقال له: الضخم، وشيبان بن عبد الرحمن أبو معاوية، ومنصور بن المعتمر، وخرشة بالمعجمتين والراء المفتوحات ابن الحر بضم الحاء وتشديد الراء الفزاري الكوفي عن أبي جندب بن جنادة على المشهور.
والحديث مضى في الدعوات عن عبدان عن أبي حمزة.
7396 حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير، عن منصور، عن سالم، عن كريب، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله فقال: باسم الله اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدا
ا
مطابقته للترجمة في قوله: بسم الله
وجرير هو ابن عبد الحميد، وسالم هو ابن أبي الجعد، وكريب مولى عبد الله بن عباس.
والحديث مضى في كتاب النكاح عن سعد بن حفص ومر أيضا في كتاب الوضوء في: باب التمسية على كل حال وعند الوقاع، فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن جرير.
قوله: إن يقدر قيل: التقدير أزلي فما وجه أن يقدر؟ وأجيب بأن المراد به تعلقه. قوله: لم يضره شيطان ويروى: الشيطان، أي: يكون من المخلصين.
7397 حدثنا عبد الله بن مسلمة، حدثنا فضيل، عن منصور، عن إبراهيم، عن همام عن عدي بن حاتم قال: سألت النبي قلت أرسل كلابي المعلمة؟ قال: إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فأمسكن فكل، وإذا رميت بالمعراض فخزق فكل
ا
مطابقته للترجمة في قوله: وذكرت اسم الله
وفضيل مصغر فضل بالضاد المعجمة ابن عياض بكسر العين المهملة وتخفيف الياء آخر الحروف وبالضاد المعجمة ابن موسى أبو علي التميمي اليربوعي، ولد بسمرقند ونشأ بأبيورد وكتب الحديث بالكوفة وتحول إلى مكة فأقام بها إلى أن مات سنة سبع وثمانين ومائة، وقبره بمكة مشهور يزار، ومنصور هو ابن المعتمر، وإبراهيم هو النخعي، وهمام هو ابن الحارث النخعي.
والحديث مضى من وجوه كثيرة في الصيد.
قوله: كلابي المعلمة هي التي تنزجر بالزجر وتسترسل بالإرسال ولا تأكل منه مرارا. قوله: المعراض بكسر الميم سهم بلا ريش ونصل وغالبا يصيب بعرض عوده دون حده، وقيل: هو نصل عريض له ثقل فإن قتل الصيد بحده فجرحه ذكاه، وهو معنى: الخزق، بالخاء المعجمة والزاي فيحل أكله، وإن قتل بعرضه فهو وقيذ لأن عرضه لا يسلك إلى داخله فلا يحل، وخزق بالزاي أي جرح ونفذ وطعن فيه، ولو صحت الرواية بالراء فمعناه: مرق.
7398 حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا أبو خالد الأحمر قال: سمعت هشام بن عروة يحدث عن أبيه، عن عائشة قالت: قالوا: يا رسول الله إن هنا أقواما حديثا عهدهم بشرك يأتونا بلحمان لا ندري يذكرون اسم الله عليها أم لا؟ قال: اذكروا أنتم اسم الله وكلوا
انظر الحديث 2057 وطرفه
مطابقته للترجمة في قوله: اذكروا أنتم اسم الله
ويوسف بن موسى بن راشد القطان الكوفي سكن بغداد ومات بها سنة خمسين ومائتين، وأبو خالد اسمه سليمان بن حيان الكوفي.
والحديث أخرجه أبو داود في الذبائح عن يوسف بن موسى نحوه.
قوله: حديثا بالتنوين وعهدهم مرفوع به. قوله: يأتونا قال الكرماني: بالإدغام والفك. قلت: لا إدغام هنا، وإنما هذا على لغة من يحذف نون الجمع بدون جازم
وناصب وأصله: يأتوننا. قوله: بلحمان بضم اللام
97

جمع لحم. قال الكرماني: فيه جواز أكل متروك التسمية عند الذبح. قلت كأنه لم يقرأ قوله تعالى: * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى
1764; ا أوليآئهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) *
تابعه محمد بن عبد الرحمان والدراوردي وأسامة بن حفص
أي: تابع أبا خالد محمد بن عبد الرحمن الطفاوي وعبد العزيز الدراوردي وأسامة بن حفص في روايته عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. أما متابعة محمد بن عبد الرحمن فقد أخرجها البخاري في كتاب البيوع في: باب من لم ير الوساوس ونحوها من الشبهات، فإنه أخرجه عن أحمد بن المقدام العجلي عن محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة... الحديث. وأما متابعة الدراوردي فأخرجها محمد بن يحيى العدني عنه. وأما متابعة أسامة بن حفص فقد أخرجها البخاري أيضا في كتاب الصيد في: باب ذبيحة الأعراب ونحوهم عن محمد بن عبيد الله عن أسامة بن حفص المدني عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة... الحديث.
7399 حدثنا حفص بن عمر، حدثنا هشام، عن قتادة عن أنس قال: ضحى النبي بكبشين يسمي ويكبر.
ا
مطابقته للترجمة في قوله: يسمي وهشام هو ابن عبد الله الدستوائي.
والحديث أخرجه أبو داود في الأضاحي عن مسلم بن إبراهيم.
قوله: يسمي أي: يذكر اسم الله مثل البسملة. قوله: ويكبر أي: يقول: الله أكبر.
7400 حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، عن الأسود بن قيس، عن جندب أنه شهد النبي يوم النحر صلى ثم خطب فقال: من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخراى، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله
ا
مطابقته للترجمة في آخر الحديث. وهو قوله: فليذبح باسم الله
والحديث مضى في العيد في: باب كلام الإمام والناس في خطبة العيد، فإنه أخرجه هناك عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة عن الأسود عن جندب... الحديث، ومضى الكلام فيه.
7401 حدثنا أبو نعيم، حدثنا ورقاء، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: قال النبي لا تحلفوا بآبائكم، ومن كان حالفا فليحلف بالله.
ا
مطابقته للترجمة في قوله: فليحلف بالله وأبو نعيم الفضل بن دكين، وورقاء مؤنث الأورق ابن عمر الخوارزمي.
والحديث قد مضى في كتاب الأيمان.
قوله: لا تحلفوا بآبائكم كانوا يحلفون بهم فنهاهم عن ذلك، قيل: ثبت أنه قال: أفلح وأبيه. وأجيب بأنها كلمة تجري عل اللسان عمودا للكلام ولا يقصد بها اليمين، والحكمة في النهي هي أن الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به وحقيقة العظمة مختصة بالله تعالى، وهكذا حكم غير الآباء من سائر المخلوقات.
14
((باب ما يذكر في الذات والنعوت وأسامي الله، وقال خبيب: وذالكفي ذات الإلاه، فذكر الذات باسمه تعالى))
أي: هذا باب في بيان ما يذكر في الذات، يريد ما يذكر في ذات الله ونعوته: هل هو كما يذكر أسامي الله؟ يعني: هل يجوز إطلاقه كإطلاق الأسامي أو يمنع؟ والذي يفهم من كلامه أنه لا يمنع، ألا يرى كيف استشهد على ذلك بقول خبيب، بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الأخرى ابن عدي الأنصاري قوله:
وذلك في ذات الإلاه وإن يشأيبارك على أوصال شلو ممزع.
أنشد ذلك وقبله بيت آخر على ما يجيء الآن حين أسر وخرجوا به للقتل، وقد مضت قصته في غزوة
98

بدر. وقال الكرماني: ذكر حقيقة الله بلفظ الذات أو ذكر الذات ملتبسا باسم الله وقد سمع رسول الله قول خبيب هذا ولم ينكره فصار طريق العلم به التوقيف من الشارع، قيل: ليس فيه دلالة على الترجمة لأنه لا يراد بالذات الحقيقة التي هي مراد البخاري بقرينة ضم الصفة إليه حيث قال: ما يذكر في الذات والنعوت. وأجيب: بأن غرضه جواز إطلاق الذات في الجملة. قوله: والنعوت أي: الأوصاف جمع نعت وفرقوا بين الوصف والنعت بأن الوصف يستعمل في كل شيء حتى يقال: الله موصوف، بخلاف النعت فلا يقال: الله منعوت، ولو قال في الترجمة: في الذات والأوصاف لكان أحسن. قوله: وأسامي الله قال بعضهم: الأسامي جمع اسم. قلت: ليس كذلك، بل الأسامي جمع أسماء وأسماء جمع اسم، فيكون الأسامي جمع الجمع.
7402 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري أخبرني عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي حليف لبني زهرة، وكان من أصحاب أبي هريرة أن أبا هريرة قال: بعث رسول الله عشرة منهم خبيب الأنصاري، فأخبرني عبيد الله بن عياض أن ابنة الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا استعار منها موساى يستحد بها، فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه، قال خبيب الأنصاري:
ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي شق كان لله مصرعيوذلك في ذات الإله وإن يشأيبارك على أوصال شلو ممزع
فقتله ابن الحارث، فأخبر النبي أصحابه خبرهم يوم أصيبوا.
أوضح بهذا الحديث قوله: وقال خبيب
* وذلك في ذات الإلاه
*
وأبو اليمان الحكم بن نافع، وعمرو بن أبي سفيان بن أسيد بفتح الهمزة وكسر السين ابن جارية بالجيم الثقفي حليف بالحاء المهملة أي معاهدهم.
والحديث قد مضى في الجهاد مطولا في: باب هل يستأسر الرجل.
قوله: عشرة أي عشرة أنفس. قوله: فأخبرني أي: قال الزهري: فأخبرني عبيد الله بن عياض بكسر العين المهملة وتخفيف الياء آخر الحروف وبالضاد المعجمة ابن عمرو المكي، وقال الحافظ المنذري: عبيد الله بن عياض بن عمر والقاري حجازي. قوله: ابنة الحارث ابن عامر بن نوفل بن عبد مناف كان خبيب قتل أباها. قوله: حين اجتمعوا أي: إخوتها لقتله اقتصاصا لأبيهم. قوله: استعار منها ويروى: فاستعار منها بالفاء، قال الكرماني: الفاء زائدة، وجوز بعض النحاة زيادتها أو التقدير: استعار فاستعار، والمذكور مفسر للمقدر. قوله: موسى مفعل أو فعلى منصرف وغير منصرف على خلاف بين الصرفيين. قوله: يستحد من الاستحداد وهو حلق الشعر بالحديد. قوله: ولست أبالي ويروى: ما أبالي، وليس موزونا إلا بإضافة شيء إليه نحو: إنا، قوله: شق بكسر الشين المعجمة وتشديد القاف وهو النصف. قوله: مصرعي من الصرع وهو الطرح على الأرض ويجوز أن يكون مصدرا ميميا ويجوز أن يكون اسم مكان. قوله: في ذات الإلاه أي: في طاعة الله وسبيل الله. قوله: على أوصال جمع وصل ويريد بها المفاصل أو العظام. قوله: شلو بكسر الشين المعجمة وهو العضو. قوله: ممزع بالزاي المفرق والمقطع. قوله: فقتله ابن الحارث هو عقبة بالقاف ابن الحارث بن عامر.
15
((باب قول الله تعالى: * (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أوليآء من دون المؤمنين ومن يفعل ذالك فليس من الله في شىء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير) * وقوله جل ذكره * (وإذ قال الله ياعيسى ابن مريم أءنت قلت للناس اتخذونى وأمى إلاهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لى
1764; أن أقول ما ليس لى بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما فى نفسى ولا أعلم ما فى نفسك إنك أنت علام الغيوب) *
أي: هذا باب في ذكر قوله عز وجل: * (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أوليآء من دون المؤمنين ومن يفعل ذالك فليس من الله في شىء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير) * ذكر هنا آيتين وذكر ثلاث أحاديث لبيان إثبات نفس لله تعالى، وفي
99

القرآن جاء أيضا * (قل لمن ما فى السماوات والارض قل لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسرو
1764; ا أنفسهم فهم لا يؤمنون) * * (واصطنعتك لنفسى) * وقال ابن بطال: النفس لفظ يحتمل معاني والمراد بنفسه ذاته فوجب أن يكون نفسه هي هو وهو اجتماع، وكذا قال الراغب: نفسه ذاته، وهذا وإن كان يقتضي المغايرة من حيث إنه مضاف ومضاف إليه فلا شيء من حيث المعنى سوى واحد سبحانه وتعالى وتنزه عن الاثنينية من كل وجه، وقيل: إن إضافة النفس هنا إضافة ملك، والمراد بالنفس نفوس عباده وفي الأخير بعد لا يخفى. وقيل: ذكر النفس هنا للمشاكلة والمقابلة. قلت: هذا يمشي في الآية الثانية دون الأولى. وقال الزجاج في قوله تعالى: * (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أوليآء من دون المؤمنين ومن يفعل ذالك فليس من الله في شىء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير) * أي: إياه. وقيل: يحذركم عقابه، وقال ابن الأنباري: في قوله تعالى: * (وإذ قال الله ياعيسى ابن مريم أءنت قلت للناس اتخذونى وأمى إلاهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لى
1764; أن أقول ما ليس لى بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما فى نفسى ولا أعلم ما فى نفسك إنك أنت علام الغيوب) * أي: ولا أعلم ما في غيبك، وقيل: معناه تعلم ما في غيبي ولا أعلم ما في غيبك.
7403 حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، عن شقيق. عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش، وما أحد أحب إليه المدح من الله.
قيل: لا مطابقة هنا بين الترجمة وهذا الحديث لأنه ليس فيه ذكر النفس حتى قال الكرماني: الظاهر أن هذا الحديث كان قبل هذا الباب فنقله الناسخ إلى هذا الباب، ونسبه بعضهم إلى أن هذا غفلة من مراد البخاري، فإن ذكر النفس ثابت في هذا الحديث الذي أورده وإن كان لم يقع في هذا الطريق، وهو في هذا الحديث أورده في سورة الأنعام وفيه: ولا شيء أحب إليه المدح من الله وكذلك مدح نفسه. قلت: هذا ليس غفلة منه لأن كلامه على الظاهر لأن الذي ينبغي أن لا يذكر حديث عقيب ترجمة إلا ويكون فيه لفظ يطابق الترجمة وإلا يبقى بحسب الظاهر غير مطابق، ومع هذا اعتذر الكرماني عنه حيث قال: لعله أقام استعمال أحد مقام النفس لتلازمهما في صحة
استعمال كل واحد منهما مقام الآخر، ويؤيده قول غيره: وجه مطابقته أنه صدر الكلام بأحد، وأحد الواقع في النفي عبارة عن النفس على وجه مخصوص، بخلاف أحد الواقع في قوله تعالى: * (قل هو الله أحد) * وهذا السند بعينه مر في الكتاب غير مرة.
والأعمش سليمان، وشقيق بن سلمة أبو وائل، وعبد الله هو ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه.
والحديث مضى في سورة الأنعام ومضى أيضا في أواخر النكاح في: باب الغيرة، بغير هذا الإسناد والمتن.
قوله: أغير من الله غيرة الله هي كراهيته الإتيان بالفواحش أي: عدم رضاه به لا عدم إرادته، وقيل: الغضب لازم الغيرة أي: غضبه عليها، ثم لازم الغضب إرادة إيصال العقوبة عليها. قوله: أحب بالنصب والمدح بالرفع فاعله وهو مثل مسألة الكحل، ويروى: أحب بالرفع وهو بمعنى المحبوب لا بمعنى المحب.
7404 حدثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما خلق الله الخلق كتب في كتابه: هو يكتب على نفسه وهو وضع عنده على العرش إن رحمتي تغلب غضبي
ا
مطابقته للترجمة في قوله: على نفسه
وعبدان لقب عبد الله بن عثمان المروزي؛ وأبو حمزة بالحاء المهملة والزاي اسمه محمد بن ميمون، والأعمش سليمان، وأبو صالح ذكوان الزيات السمان.
والحديث أخرجه مسلم قال: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا المغيرة يعني الحزامي عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة: أن النبي، قال: لما خلق الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي
قوله: وهو وضع بمعنى موضوع عنده، وكذا في رواية أخرى لمسلم، فهو موضوع عنده، وقال الجوهري: وضعت الشيء من يدي وضعا وموضعا وموضوعا، وهو مثل المعقول وزنا.
7405 حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش سمعت أبا صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه، إذا
100

ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة
مطابقته للترجمة في قوله: ذكرته في نفسي
والحديث من أفراده.
قوله: أنا عند ظن عبدي بي يعني: إن ظن أني أعفو عنه وأغفر له فله ذلك، وإن ظن العقوبة والمؤاخذة فكذلك، ويقال: إن كان فيه شيء من الرجاء رجاه لأنه لا يرجو إلا مؤمن بأن له ربا يجازي، ويقال: إني قادر على أن أعمل به ما ظن أني عامله به. وقال الكرماني: وفيه إشارة إلى ترجيح جانب الرجاء على الخوف. قوله: وأنا معه أي: بالعلم إذ هو منزه عن المكان، وقيل: أنا معه بحسب ما قصد من ذكره لي. قوله: فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي يعني: إن ذكرني بالتنزيه والتقديس سرا ذكرته بالثواب والرحمة سرا، وقيل: معناه إن ذكرني بالتعظيم أذكره بالإنعام. قوله: وإن ذكرني في ملأ أي: في جماعة ذكرته في ملأ خير منهم يعني الملائكة المقربين. وقال ابن بطال: هذا الحديث نص من الشارع على أن الملائكة أفضل من بني آدم، ثم قال: وهو مذهب جمهور أهل العلم، وعلى ذلك شواهد من كتاب الله تعالى، منها قوله تعالى: * (فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هاذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) * ولا شك أن الخلود أفضل من الفناء، فكذلك الملائكة أفضل من بني آدم وإلا فلا يصح معنى الكلام. قلت: ما وافق أحد على أن هذا مذهب الجمهور، بل الجمهور على تفضيل البشر، وفيه الخلاف المشهور بين أهل السنة والمعتزلة، وأصحابنا الحنفية فصلوا في هذا تفصيلا حسنا: وهو أن خواص بني آدم أفضل من خواص الملائكة، وعوام بني آدم أفضل من عوامهم، وخواص الملائكة أفضل من عوام بني آدم، واستدلالهم بهذا الحديث على تفضيل الملائكة على بني آدم لا يتم لأنه يحتمل أن يراد بالملأ الخير الأنبياء أو أهل الفراديس. قوله: وإن تقرب إلي بشبر هكذا رواية المستملي والسرخسي: بشبر، بزيادة الباء في أوله وفي رواية غيرهما: شبرا، بالنصب أي: مقدار شبر، وكذلك تقدير ذراعا مقدار ذراع، وتقدير: باعا مقدار باع. قوله: هرولة أي: إتيانا هرولة والهرولة الإسراع ونوع من العدو وأمثال هذه الإطلاقات ليس إلا على سبيل التجوز إذ البراهين العقلية القاطعة قائمة على استحالتها على الله تعالى، فمعناه: من تقرب إلي بطاعة قليلة أجازيه بثواب كثير، وكلما زاد في الطاعة أزيد في الثواب، وإن كان كيفية إتيانه بالطاعة على التأني يكون كيفية إتياني بالثواب على السرعة. فالغرض أن الثواب راجح على العمل مضاعف عليه كما وكيفا، ولفظ: النفس والتقرب والهرولة، إنما هو مجاز على سبيل المشاكلة، أو على طريق الاستعارة، أو على قصد إرادة لوازمها، وهو من الأحاديث القدسية الدالة على كرم أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
16
((باب قول الله تبارك وتعالى: * (ولا تدع مع الله إلاها ءاخر لا إلاه إلا هو كل شىء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون) *))
أي: هذا باب في قول الله عز وجل... إلى آخره. قوله: وكذا في قوله * (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) * وقال ابن بطال: في هذه الآية والحديث دلالة
على أن لله وجها، وهو من صفة ذاته وليس بجارحة ولا كالوجوه التي نشاهدها من المخلوقين، كما نقول: إنه عالم ولا نقول إنه كالعلماء الذين نشاهدهم. وقال غيره: دلت الآية على أن المراد بالوجه الذات المقدسة، ولو كانت صفة من صفات العلم لشملها الهلاك كما شمل غيرها من الصفات، وهو محال. وقال الكرماني ما حاصله: إن المراد بالوجه الذات، وقال أبو عبيدة: إلا جاهه، واحتج بقوله: لفلان جاه في الناس، أي: وجه. وقيل: إلا إياه، ولا يجوز أن يكون وجهه غيره لاستحالة مفارقته له بزمان أو مكان أو عدم أو وجود، فثبت أن له وجها لا كالوجوه لأنه * (فاطر السماوات والارض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الانعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شىء وهو السميع البصير) *
7406 حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حماد عن عمر و عن جابر بن عبد الله قال: لما نزلت هاذه الآية: * (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الايات لعلهم يفقهون) * قال النبي أعوذ
101

بوجهك فقال: * (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الايات لعلهم يفقهون) * فقال النبي أعوذ بوجهك قال: * (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الايات لعلهم يفقهون) * فقال النبي هذا أيسر
انظر الحديث 4628 وطرفه
[/ / مح
مطابقته للترجمة في قوله: أعوذ بوجهك
وحماد هو ابن زيد، وعمر هو ابن دينار.
والحديث مر في تفسير سورة الأنعام فإنه أخرجه هناك عن أبي النعمان عن حماد إلى آخره نحوه، ومضى أيضا في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة في: باب قول الله تعالى: * (أو يلبسكم شيعا) * فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن سفيان عن عمرو عن جابر، ومضى الكلام فيه.
قوله: هذا أيسر وفي رواية ابن السكن: هذه، وسقط في رواية الأصيلي لفظ: الإشارة.
17
((باب قول الله تعالى: * (أن اقذفيه فى التابوت فاقذفيه فى اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لى وعدو له وألقيت عليك محبة منى ولتصنع على عينى
1764;) * تغذى. وقوله جل ذكره: * (تجرى بأعيننا جزآء لمن كان كفر) *))
أي: هذا باب في بيان قوله جل ذكره... إلى آخره. وأشار بالآيتين إلى أن لله تعالى صفة سماها عينا ليست هو ولا غيره وليست كالجوارح المعقولة بيننا لقيام الدليل على استحالة وصفه بأنه ذو جوارح وأعضاء، خلافا لما يقوله المجسمة من أنه تعالى جسم لا كالأجسام، وقيل: على عيني أي: على حفظي، وتستعار العين لمعان كثيرة. قوله: تغذى كذا وقع في رواية الأصيلي والمستملي بضم التاء وفتح الغين المعجمة بعدها ذال معجمة من التغذية، ووقع في نسخة الصغاني بالدال المهملة وليس بفتح أوله على حذف التاءين فإنه تفسير: تصنع، وقال ابن التين: هذا التفسير لعبادة، ويقال: صنعت الفرس إذا أحسنت القيام عليه قوله: د ذ أي: بعلمنا. وقال الكرماني: أما العين فالمراد منها المرآى أو الحفظ، وبأعيننا أي: وبمرآى منا، أو هو محمول على الحفظ إذ الدليل مانع عن إرادة العضو، وأما الجمع فهو للتعظيم.
7407 حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا جويرية، عن نافع، عن عبد الله قال: ذكر الدجال عند النبي فقال: إن الله لا يخفى عليكم إن الله ليس بأعور وأشار بيده إلى عينه وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافئة
ا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: إن الله ليس بأعور وأشار بيده إلى عينه لأن فيه إثبات العين.
وجويرية هو ابن أسماء.
والحديث من أفراده بهذا الوجه، قال الحافظ المزي: وفي كتاب أبي مسعود: عن مسدد، بدل: موسى بن إسماعيل. والذي في الصحيح موسى بن إسماعيل، هكذا منسوب في عدة أصول.
قوله: إن الله ليس بأعور قيل: في إشارته إلى العين نفي العور وإثبات العين، ولما كان منزها عن الجسمية والحدقة ونحوهما لا بد من الصرف إلى ما يليق به. واحتجت المجسمة بقوله: إن الله ليس بأعور وأشار بيده إلى عينه على أن عينه كسائر الأعين. قلنا: إذا قامت الدلائل على استحالة كونه محدثا وجب صرف ذلك إلى معنى يليق به وهو نفي النقص والعور عنه جلت عظمته، وأنه ليس كمن لا يرى ولا يبصر، بل منتف عنه جميع النقائص والآفات. قوله: أعور عين اليمنى من باب إضافة الموصوف إلى صفته. قوله: طافئة أي: ناتئة شاخصة، ضد راسبة.
7408 حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، أخبرنا قتادة قال: سمعت أنسا، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما بعث الله من نبي إلا أنذر قومه الأعور الكذاب، إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه كافر
انظر الحديث 7131
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الحديث السابق.
والحديث مضى في الفتن عن سليمان بن حرب.
قوله: الأعور الكذاب أي: الدجال. قيل: معلوم أنه ليس الرب بدلائل متعددة. وأجيب: بأن ذلك معلوم للعلماء، والمقصود أن يشير إلى أمر محسوس تدركه العوام.
102

18
((باب قول الله تعالى: * (هو الله الخالق البارىء المصور له الاسمآء الحسنى يسبح له ما فى السماوات والارض وهو العزيز الحكيم) *))
أي: هذا باب في قول الله عز وجل... إلى آخره. قوله: * (هو الله الخالق البارىء المصور له الاسمآء الحسنى يسبح له ما فى السماوات والارض وهو العزيز الحكيم) * كذا وقع في رواية الأكثرين، والتلاوة: * (هو الله الخالق البارىء المصور له الاسمآء الحسنى يسبح له ما فى السماوات والارض وهو العزيز الحكيم) * وثبت كذلك في بعض النسخ من رواية كريمة، وقال شيخ شيخي الطيبي: قيل: إن الألفاظ الثلاثة مترادفة، وهو وهم، فإن الخالق من الخلق وأصله: التقدير المستقيم، ويطلق على الإبداع وهو إيجاد الشيء على غير مثال. كقوله: * (خلق السماوات والارض بالحق تعالى عما يشركون) * وعلى التكوين كقوله: * (خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين) * والبارىء من البرء وأصله خلوص الشيء عن غيره إما على سبيل التفصي منه كقولهم: برئ فلان من مرضه والمديون من دينه، وإما على سبيل الإنشاء ومنه برأ الله النسمة. وقيل: البارىء الخالق البرىء من التفاوت والتنافر المخلين بالنظام، والمصور مبدع صور المخترعات ومرتبها بحسب مقتضى الحكمة والثلاثة من صفات الفعل إلا إذا أريد بالخالق المقدر فيكون من صفات الذات، لأن مرجع التقدير إلى الإرادة والخلق في حق غير الله يقع بمعنى التقدير، وبمعنى: الكذب، والبارىء خص بوصف الله تعالى والبرية الخلق، قيل: أصله الهمزة فهو من برأ، وقيل: أصله البري من بريت العود، وقيل: البرية من البرى بالقصر وهو التراب، ويحتمل أن يكون معناه موحد الخلق من البري وهو التراب، والمصور معناه المهيىء قال تعالى: * (هو الذي يصوركم في الارحام كيف يشآء لا إلاه إلا هو العزيز الحكيم) * والصورة في الأصل ما يتميز به الشيء عن غيره.
7409 حدثنا إسحاق، حدثنا عفان، حدثنا وهيب، حدثنا موساى هو ابن عقبة، حدثني محمد بن يحياى بن حيان، عن ابن محيريز، عن أبي سعيد الخدري في غزوة بني المصطلق أنهم أصابوا سبايا فأرادوا أن يستمتعوا بهن ولا يحملن، فسألوا النبي عن العزل، فقال: ما عليكم أن لا تفعلوا فإن الله قد كتب من هو خالق إلى يوم القيامة
ا
مطابقته للترجمة في قوله: من هو خالق إلى يوم القيامة
وإسحاق قال الغساني: هو إما ابن منصور، وإما إسحاق بن راهويه، قيل: يؤيد أنه ابن منصور أن ابن راهويه لا يقول إلا: أخبرنا، وهنا ثبت في النسخ: حدثنا، وعفان هو ابن مسلم الصفار، ووهيب مصغر وهب ابن خالد البصري، و محمد بن يحيى بن حيان بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف الأنصاري، و ابن محيريز هو عبد الله بن محيريز بضم الميم وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وكسر الراء وسكون الياء آخر الحروف وبالزاي الجمحي القرشي السامي.
ومضى الحديث في النكاح في: باب العزل.
قوله: المصطلق بكسر اللام. قوله: عن العزل وهو نزع الذكر من الفرج، وقت الإنزال. قوله: ما عليكم أن لا تفعلوا أي: ليس عليكم ضرر في ترك العزل، أو: ليس عدم العزل واجبا. عليكم، وقال المبرد: لا زائدة.
وقال مجاهد: عن قزعة سمعت أبا سعيد فقال: قال النبي ليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها
قزعة هو ابن يحيى وهو من الأقران لأن مجاهدا في طبقة قزعة. قوله: سمعت وفي رواية أبي ذر: سألت والمسؤول عنه محذوف، وقد وصل هذا التعليق مسلم من رواية سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: ذكر العزل عند رسول الله، فقال: ولم يفعل ذلك أحدكم، ولم يقل: فلا يفعل ذلك. قوله: مخلوقة أي: مقدرة الخلق أو معلومة الخلق عند الله أي: لا بد لها من مجيئها من العدم إلى الوجود، والخلق من صفات الفعل وهو راجع إلى صفة القدرة.
19
((باب قول الله عز وجل: * (قال ياإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى أستكبرت أم كنت من العالين) *
103

أي: هذا باب في قول الله عز وجل: * (قال ياإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى أستكبرت أم كنت من العالين) * واليد هنا القدرة. وقال أبو المعالي: ذهب بعض أئمتنا إلى أن اليدين والعينين والوجه صفات ثابتة للرب والسبيل إلى إثباتها السمع دون قضية العقل، والذي يصح عندنا حمل اليدين على القدرة والعينين على البصر والوجه على الوجود، وقال ابن بطال: في هذه الآية ثبات اليدين لله تعالى وليستا بجارحتين خلافا للمشبهة من المثبتة، وللجهمية من المعطلة.
7410 حدثنا معاذ بن فضالة، حدثنا هشام، عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يجمع الله المؤمنين يوم القيامة كذالك، فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هاذا، فيأتون آدم، فيقولون: يا آدم أما ترى الناس؟ خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء شفع لنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هاذا، فيقول: لست هناك ويذكر لهم خطيئته التي أصاب ولكن ائتوا نوحا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، فيأتون نوحا فيقول: لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمان، فيأتون إبراهيم فيقول: لست هناكم ويذكر لهم خطاياه التي أصابها ولكن ائتوا موسى عبدا آتاه الله التوراة وكلمه تكليما، فيأتون موسى فيقول: لست هناكم ويذكر لهم خطيئته التي أصاب ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمته وروحه، فيأتون عيسى فيقول: لست هناكم، ولكن
ائتوا محمدا عبدا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني فأنطلق فأستأذن على ربي فيؤذن لي عليه، فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقال لي: ارفع محمد، وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع، فأحمد ربي بمحامد علمنيها، ثم أشفع فيحد لي حدا، فأدخلهم الجنة، ثم أرجع فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقال: ارفع محمد وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع، فأحمد ربي بمحامد علمنيها ربي ثم أشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة، ثم أرجع فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقال: ارفع محمد قل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع، فأحمد ربي بمحامد علمنيها ثم أشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة، ثم أرجع فأقول: يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود
قال النبي يخرج من النار من قال: لا إلاه إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة ثم يخرج من النار من قال لا إلاه إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة، ثم يخرج من النار من قال: لا إلاه إلا الله وكان في قلبه ما يزن من الخير ذرة
ا
مطابقته للترجمة في قوله: خلقك الله بيده
ومعاذ بن فضالة بفتح الفاء وتخفيف الضاد المعجمة وحكي ضم الفاء، وهشام هو الدستوائي.
والحديث مضى في أول تفسير سورة البقرة عن مسلم بن إبراهيم عن هشام وعن خليفة عن يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة ومضى الكلام فيه.
قوله: يجمع مع الله المؤمنين يتناول كل المؤمنين من الأمم الماضية. قوله: كذلك أي: مثل الجمع الذي نحن عليه. قوله: لو استشفعنا الجزاء محذوف أو كلمة: لو، للتمني فلا يحتاج إلى الجزاء. قوله: يريحنا بضم الياء
104

وكسر الراء من الإراحة. قوله: من مكاننا هذا أي: من الموقف بأن يحاسبوا ويخلصوا من حر الشمس والغموم والكروب وسائر الأهوال مما لا يطيقون ولا يحملون. قوله: أما ترى الناس أي: فيما هم فيه. قوله: شفع أمر من التشفيع وهو قبول الشفاعة. قال الكرماني: وهو لا يناسب المقام اللهم إلا أن يقال: هو تفعيل للتكثير والمبالغة، وفي بعض النسخ: اشفع، أمر من شفع يشفع. قوله: لست هناك أي: ليس لي هذه المرتبة والمنزلة، هكذا رواية الأكثرين في الموضعين، وفي رواية أبي ذر عن السرخسي؛ هناكم، قوله: خطيئته التي أصاب وهي أكل الشجرة. قوله: نوحا بالتنوين منصرف لسكون أوسطه. قوله: فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض قال الكرماني: مفهومه أن آدم، عليه السلام، ليس برسول، وأجاب بأنه لم يكن للأرض أهل وقت آدم وهو مقيد بذلك. انتهى. قلت: كذا ذكر صاحب التوضيح السؤال والجواب، وهو في الحقيقة من كلام ابن بطال، وكذا قاله الداودي ثم قال ابن بطال: فإن قيل: لما تناسل منه ولده وجب أن يكون رسولا إليهم. قيل: لما أهبط آدم، عليه السلام، إلى الأرض علمه الله أحكام دينه وما يلزمه من طاعة ربه، ولما حدث ولده بعده حملهم على دينه وما هو عليه من شريعة ربه، كما أن الواحد منا إذا ولد له ولد يحمله على سنته وطريقته ولا يستحق بذلك أن يسمى رسولا، وإنما سمي نوح رسولا لأنه بعث إلى قوم كفار ليدعوهم إلى الإيمان. قلت: لقائل أن يقول: إن قابيل لما قتل هابيل وهرب من آدم وعصى عليه ومعه أولاده فآدم دعاهم إلى الطاعة وإلى دينه، فهذا يطلق عليه أنه أرسل إليهم فإذا صح هذا يحتاج إلى جواب شاف في الوجه بين هذا وبين قوله عليه السلام: فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض وهنا شيء آخر وهو أن أهل التاريخ ذكروا أن إدريس، عليه السلام، جد نوح فإن صح أن إدريس رسول لم يصح قولهم: إنه قبله، وإلا احتمل أن يكون إدريس غير مرسل. قوله: ويذكر خطيئته التي أصاب وهي دعوته: * (وقال نوح رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا) * قوله: خطاياه وخطايا إبراهيم، عليه السلام، كذباته الثلاث: (إني مستقيم) و (بل فعله كبيرهم) وإنها أختي أي: سارة، عليها السلام. قوله: وكلمته لوجوده بمجرد قول كن قوله: وروحه لنفخ الروح في مريم، عليها السلام. قوله: فيؤذن لي وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني: ويؤذن لي، بالواو. قوله: فيدعني أي: يتركني. قوله: ارفع أي: رأسك يا محمد. قوله: وقل يسمع بالياء آخر الحروف في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر عن السرخسي والكشميهني بالتاء المثناة من فوق. قوله: وسل تعطه وفي رواية أبي ذر عن المستملي: تعط، بلا هاء في الموضعين. قوله: واشفع تشفع أي: تقبل شفاعتك. قوله: فيحد لي حدا أي: يعين لي قوما مخصوصين للتخليص، وذلك إما بتعيين ذواتهم وإما بيان صفاتهم. قوله: إلا من حبسه القرآن إسناد الحبس إليه مجاز يعني: من حكم الله في القرآن بخلوده وهم الكفار، قال الله تعالى: * (ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل * ورسولا إلى بنى
1764; إسراءيل أنى قد جئتكم بآية من ربكم أنى
1764; أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرىء الاكمه والابرص وأحى الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون فى بيوتكم إن في ذالك لأية لكم إن كنتم مؤمنين * ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بأية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون * إن الله ربى وربكم فاعبدوه هاذا صراط مستقيم * فلمآ أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصارى
1764; إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله ءامنا بالله واشهد بأنا مسلمون * ربنآ ءامنا بمآ أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين * ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين * إذ قال الله ياعيسى إني متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفرو
1764; ا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفرو
1764; ا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون * فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والاخرة وما لهم من ناصرين * وأما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين * ذالك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم * إن مثل عيسى عند الله كمثل ءادم خلقه من تراب ثم قال
له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين * فمن حآجك فيه من بعد ما جآءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنآءنا وأبنآءكم ونسآءنا ونسآءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين * إن هاذا لهو القصص الحق وما من إلاه إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم * فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين * قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سوآء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون * ياأهل الكتاب لم تحآجون فى
1764; إبراهيم ومآ أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون * هاأنتم هاؤلا
1764; ء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحآجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون * ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين * إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهاذا النبى والذين ءامنوا والله ولى المؤمنين * ودت طآئفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون * ياأهل الكتاب لم تكفرون بأيات الله وأنتم تشهدون * ياأهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون * وقالت طآئفة من أهل الكتاب ءامنوا بالذي
1764; أنزل على الذين ءامنوا وجه النهار واكفرو
1764; ا ءاخره لعلهم يرجعون * ولا تؤمنو
1764; ا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى
1764; ا أحد مثل مآ أوتيتم أو يحآجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشآء والله واسع عليم * يختص برحمته من يشآء والله ذو الفضل العظيم * ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قآئما ذالك بأنهم قالوا ليس علينا فى الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون * بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين * إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولائك لا خلاق لهم فى الاخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم * وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون * ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لى من دون الله ولاكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون * ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون * وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لمآ ءاتيتكم من كتاب وحكمة ثم جآءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذالكم إصرى قالو
105

1764; ا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين * فمن تولى بعد ذالك فأولائك هم الفاسقون * أفغير دين الله يبغون وله أسلم من فى السماوات والارض طوعا وكرها وإليه يرجعون * قل ءامنا بالله ومآ أنزل علينا ومآ أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والاسباط وما أوتى موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون * ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الاخرة من الخاسرين * كيف يهدى الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدو
1764; ا أن الرسول حق وجآءهم البينات والله لا يهدى القوم الظالمين * أولائك جزآؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين * خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون * إلا الذين تابوا من بعد ذالك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم * إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولائك هم الضآلون * إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الارض ذهبا ولو افتدى به أولائك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين * لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شىء فإن الله به عليم * كل الطعام كان حلا لبنى
1764; إسراءيل إلا ما حرم إسراءيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين * فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولائك هم الظالمون * قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين * إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين * فيه ءايات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان ءامنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين * قل ياأهل الكتاب لم تكفرون بئيات الله والله شهيد على ما تعملون * قل ياأهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من ءامن تبغونها عوجا وأنتم شهدآء وما الله بغافل عما تعملون * ياأيها الذين ءامنو
1764; ا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين * وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم ءايات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم * ياأيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون * واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعدآء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذالك يبين الله لكم ءاياته لعلكم تهتدون * ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولائك هم المفلحون * ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جآءهم البينات وأولائك لهم عذاب عظيم * يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون * وأما الذين ابيضت وجوههم ففى رحمة الله هم فيها خالدون * تلك ءايات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين * ولله ما فى السماوات وما فى الارض وإلى الله ترجع الامور * كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو ءامن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون * لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الادبار ثم لا ينصرون * ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفو
1764; ا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وبآءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذالك بأنهم كانوا يكفرون بئايات الله ويقتلون الانبيآء بغير حق ذالك بما عصوا وكانوا يعتدون * ليسوا سوآء من أهل الكتاب أمة قآئمة يتلون ءايات الله ءانآء اليل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الاخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
ويسارعون فى الخيرات وأولائك من الصالحين * وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين * إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولائك أصحاب النار هم فيها خالدون) * ونحوه. قيل: أول الحديث يشعر بأن هذه الشفاعة في العرصات لخلاص جميع أهل الموقف من أهواله، وآخره يدل على أنها للتخليص من النار. وأجيب: بأن هذه شفاعات متعددة: فالأولى لأهوال الموقف وهو المستفاد من: يؤذن لي عليه.
قوله: قال النبي، هو موصول بالإسناد الأول وليس بإرسال ولا تعليق. قوله: من الخير من الإيمان. قوله: ما يزن أي: ما يعدل. قوله: ذرة بفتح الذال المعجمة.
وفي الحديث: بيان فضيلة النبي، حيث أتى بما خاف منه غيره. وفيه: شفاعته لأهل الكبائر من أمته خلافا للمعتزلة والقدرية والخوارج فإنهم ينكرونها. وفيه الدلالة على وقوع الصغائر منهم، نقله ابن بطال عن أهل السنة، وأطبقت المعتزلة والخوارج على أنه: لا يجوز وقوعها منهم. قلت: أنا على قولهم في هذه المسألة خاصة.
7411 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يد الله ملآى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار.
وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم يغض ما في يده
وقال: وكان عرشه على الماء وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع
ا
105

مطابقته للترجمة في قوله: منذ خلق السماوات
وأبو اليمان الحكم بن نافع، وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز.
والحديث بعين هذا الإسناد والمتن مضى في تفسير سورة هود وفيه زيادة، وهي في أوله قال: قال الله عز وجل: أنفق أنفق عليك، وقال: يد الله... إلى آخره، ومضى الكلام فيه.
قوله: يد الله حقيقة لكنها كالأيدي التي هي الجوارح، ولا يجوز تفسيرها بالقدرة كما قالت القدرية لأن قوله: وبيده الأخرى ينافي ذلك لأنه يلزم إثبات قدرتين وكذا لا يجوز أن تفسر بالنعمة لاستحالة خلق المخلوق بمخلوق مثله، لأن النعم كلها مخلوفة، وأبعد أيضا من فسرها بالخزائن. قوله: ملأى بفتح الميم وسكون اللام وبالهمزة وبالقصر تأنيث ملآن، ووقع في مسلم بلفظ: ملآن، قيل: هو غلط والمراد لازمه أي: في غاية الغنى، وتحت قدرته ما لا نهاية له من الأرزاق. قوله: لا يغيضها؟ بفتح الياء وبالمعجمتين أي: لا ينقصها. يقال: غاض الماء يغيض أي: نقص. قوله: سحاء بفتح السين المهملة وتشديد الحاء المهملة وبالمد أي: دائمة السح أي: الصب والسيلان، يقال: سح يسح بضم السين في المضارع فهو ساح والمؤنث سحاء وهي فعلاء لا أفعل لها كهطلاء، وقال ابن الأثير: وفي رواية: يمين الله ملآى سحا، بالتنوين على المصدر، واليمين هاهنا كناية عن محل عطائه ووصفها بالامتلاء لكثرة منافعها فجعلها كالعين الثرة التي لا يغيضها الاستقاء ولا ينقصها الامتناح، وخص اليمين لأنها في الأكثر مظنة العطاء على طريق المجاز والاتساع. قوله: الليل والنهار منصوبان على الظرفية. قوله: منذ خلق السماوات وفي رواية أبي ذر: منذ خلق الله السماوات. قوله: فإنه لم يغض أي: لم ينقص، ووقع في رواية همام: لم ينقص ما في يمينه. وقال الطيبي: يجوز أن يكون ملآى ولا يغيضها، وسحاء و: أرأيتم أخبارا مترادفة ليد الله، ويجوز أن تكون الثلاثة أوصافا لملآى، ويجوز أن يكون: أرأيتم، استئنافا فيه معنى الترقي كأنه لما قيل ملآى أوهم جواز النقصان فأزيل بقوله: لا يغيضها شيء وقد يمتلئ الشيء ولا يغيض، فقيل: سحاء إشارة إلى عدم الغيض وقرنه بما يدل على الاستمرار من ذكر الليل والنهار، ثم أتبعه بما يدل على أن ذلك ظاهر غير خاف على ذي بصر وبصيرة بعد أن اشتمل من ذكر الليل والنهار. بقوله: أرأيتم على تطاول المدة لأنه خطاب عام عظيم والهمزة فيه للتقرير.
قوله: وقال: وكان عرشه على الماء سقط قال من رواية همام. فإن قلت: ما مناسبة ذكر العرش هنا؟ قلت: ليستطلع السامع من قوله: خلق السماوات والأرض ما كان قبل ذلك، فذكر ما يدل على أن عرشه قبل السماوات والأرض كان على الماء، كما وقع في حديث عمران بن حصين: كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء ثم خلق السماوات والأرض، ومضى هذا في بدء الخلق عن سعيد بن جبير: سألت ابن عباس: على أي شيء كان الماء ولم يخلق سماء ولا أرضا؟ فقال: على متن الريح. قوله: يخفض ويرفع أي: يخفض الميزان ويرفعه، وقال الخطابي: الميزان هنا مثل، وإنما هو القسمة بين الخلائق يبسط الرزق على من يشاء ويقتر، كما يصنعه الوزان عند الوزن يرفع مرة ويخفض أخرى.
7412 حدثنا مقدم بن محمد، قال: حدثني عمي القاسم بن يحيى، عن عبيد الله، عن نافع عن ابن عمر، رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله يقبض يوم القيامة الأرض، وتكون السماوات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك رواه سعيد عن مالك
وقال عمر بن حمزة: سمعت سالما سمعت ابن عمر عن النبي بهاذا.
وقال أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري أخبرني أبو سلمة أن أبا هريرة قال: قال رسول الله يقبض الله الأرض
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: يقبض وقوله: وتكون السماوات بيمينه ولا يخفى ذلك على المتأمل الفطن.
ومقدم على صيغة اسم المفعول من التقديم ابن محمد بن يحيى الهلالي الواسطي، وعمه القاسم بن يحيى بن عطاء روى عنه ابن أخيه مقدم المذكور، وعبيد الله بن عمر العمري.
والحديث من أفراده بهذا الوجه.
قوله: رواه سعيد أي: روى الحديث المذكور
106

سعيد بن داود بن أبي زنبر بفتح الزاي وسكون النون وفتح الباء الموحدة ثم راء المدني سكن بغداد وحدث بالري وما له في البخاري إلا هذا الموضع، وقد حدث عنه البخاري في كتاب الأدب المفرد وتكلم فيه جماعة ووصل تعليقه الدارقطني في غرائب مالك وأبو القاسم اللالكائي من طريق أبي بكر الشافعي عن محمد بن خالد الآجري عن سعيد.
قوله: وقال عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر: سمعت سالما هو ابن عبد الله بن عمر عم عمر المذكور، وهذا وصله مسلم وأبو داود وغيرهما من رواية أبي أسامة عن عمر بن حمزة عن سالم بن عبد الله: أخبرني عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذ هذه بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ هذا لفظ مسلم، وفي رواية له: يأخذ الله سماواته وأرضه بيديه فيقول: أنا الله، ويقبض أصابعه ويبسطها: أنا الملك... الحديث. وفي رواية أخرى: يأخذ الجبار سماواته وأرضه بيده... قوله: بهذا أي: بهذا الحديث.
قوله: وقال أبو اليمان الحكم بن نافع الخ، وتقدم الكلام فيه في: باب قوله تعالى: * (ملك الناس) * قبل هذا بثلاثة عشر بابا.
[/ بش
7414 حدثنا مسدد، سمع يحياى بن سعيد، عن سفيان حدثني منصور وسليمان عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله أن يهوديا جاء إلى النبي فقال: يا محمد إن الله يمسك السماوات على إصبع والأرضين على إصبع، والجبال على إصبع والشجر على إصبع والخلائق على إصبع، ثم يقول: أنا الملك... فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه، ثم قرأ * (وما قدروا الله حق قدره) *.
ا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: والخلائق على إصبع على ما لا يخفى على المتأمل.
و يحيى بن سعيد القطان، و سفيان هو الثوري، ومنصور هو ابن المعتمر، وسليمان هو الأعمش، و إبراهيم هو النخعي، و عبيدة بفتح العين هو ابن عمرو السلماني أسلم في حياة النبي، و عبد الله هو ابن مسعود، وقد تابع سفيان الثوري عن منصور على قوله: عبيدة، شيبان بن عبد الرحمن عن منصور كما مضى في تفسير سورة الزمر وفضيل بن عياض بعده وجرير بن عبد الحميد عند مسلم، وخالفه عن الأعمش في قوله: عبيدة، حفص بن غياث المذكور في الباب وجرير وأبو معاوية وعيسى بن يونس عند مسلم. فكلهم قالوا عن الأعمش عن إبراهيم بن علقمة، بدل: عبيدة، ويعلم من تصرف الشيخين أنه عند الأعمش على الوجهين.
والحديث مضى في تفسير سورة الزمر في: باب قوله تعالى: * (وما قدروا الله حق قدره) * عن آدم عن شيبان ومضى الكلام فيه.
قوله: أن يهوديا جاء وفي رواية علقمة عن ابن مسعود: جاء رجل من أهل الكتاب، وفي رواية فضيل بن عياض عند مسلم: جاء حبر، وزاد شيبان في روايته: من الأحبار. قوله: فقال يا محمد وفي رواية علقمة: يا أبا القاسم، وجمع بينهما في رواية فضيل بن عياض. قوله: إن الله يمسك السماوات وفي راية شيبان: يجعل، بدل: يمسك، وزاد فضيل: يوم القيامة. قوله: والشجر على إصبع زاد في رواية علقمة: والشرى، وفي رواية شيبان: الماء والثرى، وفي رواية فضيل بن عياض: الجبال والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع. قوله: والخلائق وفي رواية: فضيل وشيبان: وسائر الخلق، وروى الترمذي من حديث ابن عباس: مر يهودي بالنبي، فقال: يا يهودي حدثنا. فقال: كيف تقول يا أبا القاسم إذا وضع الله السماوات على ذه والأرضين على ذه والماء على ذه والجبال على ذه وسائر الخلق على ذه؟ وأشار أبو جعفر يعني أحد رواته بخنصره أولا ثم تابع حتى بلغ الإبهام. قال الترمذي: حسن غريب صحيح. قوله: فضحك رسول الله، وفي رواية علقمة عن ابن مسعود: فرأيت النبي ضحك. قوله: حتى بدت أي: ظهرت نواجذه جمع ناجذ بنون وجيم مكسورة ثم ذال معجمة، وهو ما يظهر عند الضحك من الأسنان، وقيل: هي الأنياب.
107

وقيل: الأضراس، وقيل: الدواخل من الأضراس التي في أقصى الحلق، وزاد شيبان بن عبد الرحمن: تصديقا لقول الحبر، وفي رواية فضيل: تعجبا وتصديقا له، وعند مسلم: تعجبا مما قال الحبر تصديقا له، وفي رواية جرير عنده: وتصديقا له، بزيادة: واو، وأخرجه ابن خزيمة من رواية إسرائيل عن منصور: حتى بدت نواجذه تصديقا له.
ثم الكلام هنا في مواضع.
الأول: في أمر الإصبع، قال ابن بطال: لا يحمل الإصبع على الجارحة بل يحمل على أنه صفة من صفات الذات لا يكيف ولا يحدد وهذا ينسب إلى الأشعري، وعن ابن فورك: يجوز أن يكون الإصبع خلقا يخلقه الله فيحمل ما يحمل الإصبع، ويحتمل أن يراد به القدرة والسلطان. وقال الخطابي: لم يقع ذكر الإصبع في القرآن ولا في حديث مقطوع به، وقد تقرر أن اليد ليست جارحة حتى يتوهم من ثبوتها ثبوت الأصابع، بل هو توقيف أطلقه الشارع فلا يكيف ولا يشبه، ولعل ذكر الأصابع من تخليط اليهود، فإن اليهود مشبهة وفيما يدعونه من التوراة ألفاظ تدخل في باب التشبيه ولا تدخل في مذاهب المسلمين، ورد عليه إنكاره ورود الإصبع لوروده في عدة أحاديث. منها: حديث مسلم: إن قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن، قيل: هذا لا يرد عليه لأنه إنما نفى القطع، وفيه نظر لا يخفى، أقول: لا يمنع ثبوت الإصبع الذي هو غير الجارحة، فكما ثبت اليد أنها غير جارحة فكذلك الإصبع.
الموضع الثاني: في تصديق النبي، إياه، قال الخطابي: قول الراوي تصديقا له، ظن منه وحسبان وروى هذا الحديث غير واحد من أصحاب عبد الله فلم يذكروا فيه:
تصديقا له، وقال القرطبي في المفهم وأما من زاد: تصديقا له، فليس بشيء فإن هذه الزيادة من قول الراوي وهي باطلة لأن النبي لا يصدق المحال، وهذه الأوصاف في حق الله تعالى محال، وطول الكلام فيه ثم قال: ولئن سلمنا أن النبي صرح بتصديقه لم يكن ذلك تصديقا في المعنى بل في اللفظ الذي نقله من كتابه عن نبيه، ويقطع بأن ظاهره غير مراد.
الموضع الثالث: في ضحك النبي قال القرطبي: وضحك النبي إنما هو للتعجب من جهل اليهودي، فظن الراوي أن ذلك التعجب تصديق، وليس كذلك، وقال ابن بطال: حاصل الخبر أنه ذكر المخلوقات وأخبر عن قدرة الله جميعا، فضحك النبي تعجبا من كونه يستعظم ذلك، في قدرة الله تعالى.
الموضع الرابع: في أن النبي ما كان يضحك إلا تبسما، وهنا ضحك حتى بدت نواجذه، وهو قهقهة. قال الكرماني: كان التبسم هو الغالب، وهذا كان نادرا، أو: المراد بالنواجذ الأضراس مطلقا.
الموضع الخامس: في الحكمة في قراءته قوله تعالى: * (وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون) * فقيل: أشار بهذا إلى أن الذي قاله اليهودي يسير في جنب ما يقدر عليه، أي: ليس قدرته بالحد الذي ينتهي إليه الوهم أو يحيط به الحد والبصر، وقال الخطابي: الآية محتملة للرضاء والإنكار، وقال القرطبي: ضحكه تعجبا من جهل اليهودي فلذلك قرأ هذه الآية: * (وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون) * أي: ما عرفوه حق معرفته وما عظموه حق عظمته.
((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا شخص أغير من الله)))
أي: هذا باب في قول النبي، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: لا شخص أغير من الله ووقع في بعض النسخ: باب قول النبي، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: لا أحد أغير من الله، وقال عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك: لا شخص أغير من الله، وابن بطال غير قوله: لا شخص بقوله: لا أحد، وعليه شرح. وقال: اختلف ألفاظ هذا الحديث فلم يختلف في حديث ابن مسعود أنه بلفظ: لا أحد، فظهر أن لفظ: شخص، جاء في موضع: أحد، فكان من تصرف الراوي. قلت: اختلاف ألفاظ الحديث هو أن في رواية ابن مسعود: ما من أحد أغير من الله، وفي رواية عائشة: ما أحد أغير من الله، وفي رواية أسماء: لا شيء أغير من الله، وفي رواية أبي هريرة: إن الله تعالى يغار، كل ذلك مضى في كتاب النكاح في: باب الغيرة، ورواية ابن مسعود مبينة أن لفظ: الشخص، موضوع موضع: أحد، وقال الداودي: في قوله: لا شخص أغير من الله لم يأت متصلا ولم تتلق الأمة مثل هذه الأحاديث بالقبول، وهو يتوقى في الأحكام التي لا تلجىء الضرورة الناس إلى العمل به. وقال الخطابي: إطلاق الشخص في صفات الله غير جائز لأن الشخص إنما يكون جسما مؤلفا، وخليق أن لا تكون هذه اللفظة صحيحة، وأن تكون تصحيفا من الراوي
108

وكثير من الرواة يحدث بالمعنى وليس كلهم فقهاء، وفي كلام آحاد الرواة جفاء وتعجرف. وقال بعض كبار التابعين: نعم المرء ربنا لو أطعناه ما عصانا، ولفظ المرء إنما يطلق على الذكور من الآدميين، فأرسل الكلام وبقي أن يكون لفظ الشخص جرى على هذا السبيل فاعتوره الفساد من وجوه: أحدها أن اللفظ لا يثبت إلا من طريق السمع. والثاني: إجماع الأمة على المنع منه. والثالث: أن معناه أن يكون جسما مؤلفا فلا يطلق على الله، وقد منعت الجهمية إطلاق الشخص مع قولهم بالجسم فدل ذلك على ما قلناه من الإجماع على منعه في صفته، عز وجل. قوله: لا شخص، كلمة: لا، لنفي الجنس، و: أغير، مرفوع خبره، و: أغير، أفعل تفضيل من الغيرة وهي الحمية والأنفة. وقال عياض: الغيرة مشتقة من تغير القلب وهيجان الغضب بسبب المشاركة فيما به الاختصاص، وأشد ذلك ما يكون بين الزوجين، هذا في حق الآدمي، وأما في حق الله فيأتي عن قريب. قوله: وقال عبيد الله بن عمرو بتصغير العبد وبفتح العين في عمرو بن أبي الوليد الأسدي مولاهم الرقي، يروي عن عبد الملك هو ابن عمير بن سويد الكوفي وهو أول من عبر نهر جيحون نهر بلخ على طريق سمرقند مع سعيد بن عثمان بن عفان، خرج غازيا معه ومات سنة ست وثلاثين ومائة، وعمره يوم مات مائة سنة وثلاث سنين. وقال الخطابي: انفرد به عبيد الله عن عبد الملك ولم يتابع عليه، ورد بعضهم على الخطابي بقوله: إنه لم يراجع صحيح مسلم ولا غيره من الكتب التي وقع فيها هذا اللفظ من غير رواية عبيد الله بن عمرو، ورد الروايات الصحيحة والطعن في أئمة الحديث الضابطين مع إمكان توجيه ما رووا من الأمور التي أقدم عليها كثير من غير أهل الحديث، وهو يقتضي قصور فهم من فعل ذلك منهم، ومن ثمة قال الكرماني: لا حاجة لتخطئة الرواة الثقاة بل حكم هذا حكم سائر المتشابهات: إما التفويض وإما التأويل. انتهى. قلت: هذا وقع في عين ما أنكر عليه، والخطابي لم ينكر هذه اللفظة وحده، وكذلك أنكرها الداودي وابن فورك والقرطبي، قال: أصل وضع الشخص في اللغة لجرم الإنسان وجسمه، واستعمل في كل شيء ظاهر، يقال: شخص الشيء إذا ظهر، وهذا المعنى محال على الله. انتهى. فكلامه يدل على أنه لا يرضى بإطلاق هذه اللفظة على الله وإن كان قد أوله، والعجب من هذا القائل: إنه أيد كلامه بما قاله الكرماني، مع أنه ينسبه في مواضع إلى الغفلة وإلى الوهم والغلط، ومن أين ثبت له عدم مراجعة الخطابي إلى صحيح مسلم وغيره؟ وكلامه عام في كل موضع فيه، والسهو والنسيان غير مرفوعين عن كل أحد يقعان عن الثقات وغيرهم، وفي نسبة الثقات إلى قصور الفهم واقع هو فيه.
7416 حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة، حدثنا عبد الملك عن وراد كاتب المغيرة، عن المغيرة قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك رسول الله فقال: تعجبون من غيرة سعد والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين، ولا أحد أحب إليه المدحة من الله، ومن أجل ذالك وعد الله الجنة
انظر الحديث 6846
مطابقته للترجمة من حيث المعنى ظاهرة، وموسى بن إسماعيل التبوذكي؛ وأبو عوانة بفتح العين المهملة وبالنون بعد الألف الوضاح بن عبد الله اليشكري، وعبد الملك
هو ابن عمير، وقد مر الآن، ووراد بفتح الواو وتشديد الراء كاتب المغيرة بن شعبة ومولاه، وسعد بن عبادة بضم العين وتخفيف الباء الموحدة سيد الخزرج.
والحديث أخرجه البخاري في كتاب النكاح في: باب الغيرة معلقا. من قوله: قال وراد... إلى قوله: والله أغير مني، ثم أخرجه موصولا في كتاب المحاربين في: باب من رأى مع امرأته رجلا فقتله، فقال: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة... إلى قوله: والله أغير مني.
قوله: غير مصفح بضم الميم وسكون الصاد وفتح الفاء وكسرها أي: غير ضارب بعرضه بل بحده، وقال ابن التين: بتشديد الفاء في سائر الأمهات.
109

قوله: والله مجرور بواو القسم. قوله: لأنا مبتدأ دخلت عليه لام التأكيد المفتوحة. وقوله: أغير منه خبره. وقوله: والله مرفوع بالابتداء و: أغير مني خبره ومعنى غيرة الله الزجر عن الفواحش والتحريم لها والمنع منها، وقد بين ذلك بقوله: ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش جمع فاحشة وهي كل خصلة قبيحة من الأقوال والأفعال. قوله: ما ظهر منها قال مجاهد: هو نكاح الأمهات في الجاهلية وما بطن الزنى، وقال قتادة: سرها وعلانيتها. قوله: ولا أحد بالرفع لأنه اسم: لا، وأحب بالنصب لأنه خبره إن جعلتها حجازية، وترفعه على أنه خبر إن جعلتها تميمية. قوله: العذر مرفوع لأنه فاعل: أحب، قال الكرماني: المراد بالعذر الحجة لقوله تعالى: * (رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما) * وقال صاحب التوضيح العذر التوبة والإنابة. قوله: المدحة مرفوع لأنه فاعل: أحب وهو بكسر الميم مع هاء التأنيث وبفتحها مع حذف الهاء، والمدح الثناء بذكر أوصاف الكمال والإفضال. قوله: ومن أجل ذلك وعد الله الجنة كذا فيه بحذف أحد المفعولين للعلم، والمراد به: من أطاعه، وفي رواية مسلم، وعد الجنة، بإضمار الفاعل وهو الله، وقال ابن بطال: إرادته المدح من عباده طاعته وتنزيهه عما لا يليق به والثناء عليه ليجازيهم على ذلك.
21
((باب * (قل أى شىء أكبر شهادة قل الله شهيد بينى وبينكم وأوحى إلى هاذا القرءان لانذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله ءالهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إلاه واحد وإننى برىء مما تشركون) * وسمى الله تعالى نفسه: شيئا * (قل الله) * وسمى النبي صلى الله عليه وسلم القرآن: شيئا، وهو صفة من صفات الله وقال: * (ولا تدع مع الله إلاها ءاخر لا إلاه إلا هو كل شىء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون) *))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (قل أى شىء أكبر شهادة قل الله شهيد بينى وبينكم وأوحى إلى هاذا القرءان لانذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله ءالهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إلاه واحد وإننى برىء مما تشركون) * وقال بعضهم: باب، بالتنوين. قلت: ليس كذلك لأن التنوين يكون في المعرب والمعرب هو المركب الذي لم يشبه مبنى الأصل، فإذا قلنا مثل ما ذكرنا يأتي التنوين والإعراب. قوله: باب إلى قوله: شيئا، كذا وقع في رواية أبي ذر والقابسي، وسقط: باب، لغيرهما من رواية الفربري، وسقطت الترجمة من رواية النسفي، وذكر قوله: * (قل أى شىء أكبر شهادة قل الله شهيد بينى وبينكم وأوحى إلى هاذا القرءان لانذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله ءالهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إلاه واحد وإننى برىء مما تشركون) * وحديث سهل بن سعد بعد أثري أبي العالية ومجاهد في تفسير استوى على العرش، ووقع عند الأصيلي وكريمة * (قل أى شىء أكبر شهادة قل الله شهيد بينى وبينكم وأوحى إلى هاذا القرءان لانذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله ءالهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إلاه واحد وإننى برىء مما تشركون) * سمى الله نفسه شيئا اا قوله: * (قل الله) * أي: قل يا محمد، أي شيء، كلمة: أي: استفهامية ولفظ: شيء، أعم العام لوقوعه على كل ما يصلح أن يخبر عنه. وقال الزمخشري: أي شيء، أي: شهيد أكبر شهادة، فوضع شيئا مقام شهيد ليبالغ بالتعميم، ويقال: إن قريشا أتوا النبي، بمكة فقالوا: يا محمد ما نرى أحدا يصدقك فيما تقول، ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر ولا صفة فأرنا من يشهد لك أنك رسول الله، فأنزل الله هذه الآية: * (قل أى شىء أكبر شهادة قل الله شهيد بينى وبينكم وأوحى إلى هاذا القرءان لانذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله ءالهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إلاه واحد وإننى برىء مما تشركون) * على ما أقول. قوله: فسمى الله نفسه شيئا يعني: إثباتا للوجود ونفيا للعدم وتكذيبا للزنادقة والدهرية. قوله: وسمى النبي، القرآن: شيئا أشار به إلى الحديث الذي أورده من حديث سهل بن سعد وفيه: أمعك شيء من القرآن؟ وقد مضى في النكاح. قوله: وهو صفة أي: القرآن صفة من صفات الله أي: من صفات ذاته، وكل صفة تسمى شيئا بمعنى أنها موجودة. قوله: وقال: * (ولا تدع مع الله إلاها ءاخر لا إلاه إلا هو كل شىء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون) * فهو أنه مستثنى متصل فيجب اندراجه في المستنثى منه، والشيء يساوي الموجود لغة وعرفا، وقيل: إن الاستثناء منقطع والتقدير: لكن هو لا يهلك.
7417 حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل أمعك من القرآن شيء؟ قال: نعم سورة كذا وسورة كذا، لسور سماها.
ا
مطابقته للترجمة في قوله: وسمى النبي القرآن شيئا
وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار.
والحديث مضى في النكاح بأتم منه. ومضى الكلام فيه.
22
((باب * (وكان عرشه على الماء) * * (وهو رب العرش العظيم) *))
أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (وهو الذى خلق السماوات والارض فى ستة أيام وكان عرشه على المآء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفرو
1764; ا إن هاذآ إلا سحر مبين) * في قوله: * (فإن تولوا فقل حسبى الله لا
1764; إلاه إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) * وذكر هاتين القطعتين
110

من الآيتين الكريمتين تنبيها على فائدتين: الأولى: من قوله: هي لدفع توهم من قال: إن العرش لم يزل مع الله تعالى، مستدلين بقوله في الحديث: كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء. وهذا مذهب باطل، ولا يدل قوله تعالى: * (وهو الذى خلق السماوات والارض فى ستة أيام وكان عرشه على المآء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفرو
1764; ا إن هاذآ إلا سحر مبين) * على أنه حال عليه، وإنما أخبر عن العرش خاصة بأنه على الماء، ولم يخبر عن نفسه بأنه حال عليه تعالى الله عن ذلك، لأنه لم يكن له حاجة إليه، وإنما جعله ليتعبد به ملائكته كتعبد خلقه بالبيت الحرام ولم يسمه بيته بمعنى أنه يسكنه، وإنما سماه بيته لأنه الخالق له والمالك، وكذلك العرش سماه عرشه لأنه مالكه والله تعالى ليس لأوليته حد ولا منتهى، وقد كان في أوليته وحده ولا عرش معه. والفائدة الثانية: من قوله: * (اذهب بكتابى هاذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون) * لدفع توهم من قال: إن العرش هو الخالق الصانع. وقوله: * (رب العرش) * يبطل هذا القول الفاسد لأنه يدل على أنه مربوب مخلوق، والمخلوق كيف يكون خالقا؟ وقد اتفقت أقاويل أهل التفسير على أن العرش هو السرير وأنه جسم ذو قوائم بدليل قوله، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، وهذا صفة المخلوق لدلائل قيام الحدوث به من التأليف وغيره، وجاء عن عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة: عرشه من ياقوتة حمراء.
قال أبو العالية: استوى إلى السماء، ارتفع. فسواهن: خلقهن.
أبو العالية رفيع بن مهران الرياحي سمع ابن عباس، وقال الكرماني: أبو العالية بالمهملة والتحتانية كنية لتابعيين بصريين راويين عن ابن عباس اسم أحدهما: رفيع مصغر رفع ضد الخفض، واسم الآخر: زياد بالتحتانية الخفيفة. انتهى. قلت: لم يعين أيهما قال: استوى إلى السماء ارتفع، وكذلك غيره من الشراح أهمل ولم يبين، والظاهر أنه: رفيع، لشهرته أكثر من زياد، ولكثرة روايته عن ابن عباس. والتعليق المذكور وصله الطبري عن محمد بن أبان: حدثنا أبو بكر بن عياش عن حصين عن أبي العالية... وقد اختلف العلماء في معنى الاستواء فقالت المعتزلة: بمعنى الاستيلاء والقهر والغلبة كما في قول الشاعر:
* قد استوى بشر على العراق
* من غير سيف ودم مهراق
*
بمعنى: قهر وغلب، وأنكر عليهم بأنه لا يقال: استولى، إلا إذا لم يكن مستوليا ثم استولى، والله عز وجل لم يزل مستوليا قاهرا غالبا، وقال أبو العالية: معنى استوى ارتفع، وفيه نظر لأنه لم يصف به نفسه، وقالت المجسمة: معناه استقر وهو فاسد لأن الاستقرار من صفات الأجسام ويلزم منه الحلول والتناهي وهو محال في حق الله تعالى. واختلف أهل السنة فقال بعضهم: معناه ارتفع مثل قول أبي العالية، وبه قال أبو عبيدة والفراء وغيرهما، وقال بعضهم: معناه ملك وقدر، وقال بعضهم: معناه علا، وقيل: معنى الاستواء التمام والفراغ من فعل الشيء ومنه. قوله تعالى: * (ولما بلغ أشده واستوى ءاتيناه حكما وعلما وكذلك نجزى المحسنين) * فعلى هذا فمعنى استوى على العرش أتم الخلق وخص لفظ العرش لكونه أعظم الأشياء. وقيل: إن: على، في قوله: * (على العرش) * بمعنى: إلى، فالمراد على هذا: انتهى إلى العرش، أي: فيما يتعلق بالعرش لأنه خلق الخلق شيئا بعد شيء، والصحيح تفسير استوى بمعنى: علا، كما قاله مجاهد، على ما يأتي الآن، وهو المذهب الحق. وقول معظم أهل السنة: لأن الله سبحانه وتعالى وصف نفسه بالعلي. واختلف أهل السنة: هل الاستواء صفة ذات أو صفة فعل؟ فمن قال: معناه علا، قال: هي صفة ذات، ومن قال غير ذلك قال: هي صفة فعل. قوله: فسواهن: خلقهن هو من كلام أبي العالية أيضا. قوله: خلقهن كذا في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: فسوى خلق، والمنقول عن أبي العالية بلفظ: فقضاهن، كما أخرجه الطبري من طريق أبي جعفر الرازي عنه في قوله تعالى: * (هو الذى خلق لكم ما فى الارض جميعا ثم استوى إلى السمآء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شىء عليم) * قال: ارتفع. وفي قوله: فقضاهن: خلقهن، والذي وقع فسواهن، تغيير وفي تفسير: سوى بخلق نظر، لأن في التسوية قدرا زائدا على الخلق كما في قوله تعالى: * (الذى خلق فسوى) *
وقال مجاهد: استوى على العرش.
111

هذا هو الصحيح، ووصله الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه.
وقال ابن عباس: المجيد الكريم، والودود الحبيب، يقال: حميد مجيد، كأنه فعيل من ماجد، محمود من حميد.
مطابقته للترجمة من حيث إنه لما ذكر العرش ذكر أن الله وصفه بالمجيد في قوله عز وجل: * (ذو العرش المجيد) * فسر المجيد بالكريم ووصل هذا ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وقرئ: ذو العرش صفة لربك، وقرئ: المجيد، بالجر صفة للعرش، ومجد الله عظمته ومجد العرش علوه وعظمته. قوله: والودود الحبيب، ذكر هذا استطرادا لأن قبل قوله: * (وهو الغفور الودود * ذو العرش المجيد) * وفسر الودود بالحبيب، وقال الزمخشري: الودود الفاعل بأهل طاعته ما يفعله الودود من إعطائهم ما أرادوا. قوله: كأنه فعيل، أي: كأن مجيدا على وزن فعيل أخذ من ماجد ومحمود أخذ من حميد، ويروى: من حمد، على
صيغة الماضي وهو الصواب. وقال الكرماني: غرضه أن مجيدا فعيل بمعنى فاعل، وحميدا فعيل بمعنى محمود. فهو من باب القلب، ويروى: محمود من حمد بلفظ ماضي المجهول والمعروف، وإنما قال: كأنه، لاحتمال أن يكون حميد بمعنى حامد، والمجيد بمعنى الممجد. وفي الجملة في عبارة البخاري تعقيد. انتهى. وقال بعضهم: التعقيد في قوله: محمود من حمد. قلت: سبحان الله كيف يقول هذا القائل التعقيد في قوله: محمود من حمد، وهذا كلام من لم يذق من علم التصريف شيئا، بل لفظ: محمود، مشتق من: حمد، والتعقيد الذي ذكره الكرماني ونسبه إلى البخاري هو قوله: ومحمود أخذ من حميد، لأن محمودا لم يؤخذ من حميد، وإنما كلاهما أخذا من: حمد، الماضي. فافهم.
7418 حدثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن جامع بن شداد، عن صفوان بن محرز عن عمران بن حصين قال: إني عند النبي إذ جاءه قوم من بني تميم، فقال: اقبلوا البشراى يا بني تميم قالوا: بشرتنا فأعطنا، فدخل ناس من أهل اليمن فقال: اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا: قبلنا جئناك لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول هاذا الأمر ما كان؟ قال: كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء ثم أتاني رجل فقال: يا عمران أدرك ناقتك، فقد ذهبت، فانطلقت أطلبها، فإذا السراب ينقطع دونها، وايم الله لوددت أنها قد ذهبت ولم أقم.
ا
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبدان لقب عبد الله بن عثمان، وأبو حمزة بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون، وجامع بن شداد بتشديد الدال المهملة الأولى، وصفوان بن محرز بضم الميم على صيغة الفاعل من الإحراز.
والحديث مضى في أول كتاب بدء الخلق.
قوله: إذ جاء قوم من بني تميم وفي رواية المغازي: جاءت بنو تميم، وهو محمول على إرادة بعضهم، وفي رواية بدء الخلق: جاء نفر من بني تميم، والمراد: وفد تميم، كما صرح به ابن حبان في روايته. اقبلوا البشرى وفي رواية أبي عاصم: أبشروا يا بني تميم قوله: بشرتنا أي: بالجنة ونعيمها، أعطنا شيئا، وفي المغازي، فقالوا: أما إذا بشرتنا فأعطنا، وفيها: فتغير وجهه، وعند أبي نعيم في المستخرج كأنه كره ذلك، وفي رواية في المغازي: فرئي ذلك في وجهه، وفيها: فقالوا: يا رسول الله بشرتنا، وهو دال على إسلامهم، قيل: بنو تميم قبلوها حيث قالوا: بشرتنا. غاية ما في الباب أنهم سألوا شيئا. وأجيب بأنهم لم يقبلوها حيث لم يهتموا بالسؤال عن حقائقها وكيفية المبدأ والمعاد، ولم يعتنوا بضبطها وحفظها، ولم يسألوا عن موجباتها وعن الموصلات إليها. وقيل: المراد بهذه البشارة أن من أسلم نجا من الخلود في النار، ثم بعد ذلك يترتب جزاؤه على وفق عمله إلا أن يعفو الله. قوله: فأعطنا زعم ابن الجوزي أن القائل: أعطنا هو الأقرع بن حابس التميمي. قوله: فدخل ناس من أهل اليمن وفي رواية حفص:
112

ثم دخل عليه، وفي رواية أبي عاصم: فجاءه ناس من أهل اليمن. قوله: عن أول هذا الأمر أي: ابتداء خلق العالم والمكلفين. قوله: ما كان؟ ما للاستفهام. قوله: ولم يكن شيء قبله حال، قاله الطيبي، وعند الكوفيين: خبر والمعنى يساعده إذ التقدير: كان الله منفردا، وقد جوز الأخفش دخول الواو في خبر: كان وأخواتها، نحو: كان زيد وأبوه قائم. قوله: وكان عرشه على الماء قال الكرماني: عطف على: كان الله، ولا يلزم منه المعية، إذ اللازم من الواو هو الاجتماع في أصل الثبوت وإن كان بينهما تقديم وتأخير. وقال شيخ شيخي الطيبي، طيب الله ثراهما: لفظ: كان، في الموضعين بحسب حال مدخولها، فالمراد بالأول الأزلية والقدم، وبالثاني: الحدوث بعد العدم. قوله: في الذكر أي: اللوح المحفوظ. قوله: أدرك ناقتك فقد ذهبت وفي رواية أبي معاوية: انحلت ناقتك من عقالها. قوله: دونها أي: كانت الناقة من وراء السراب بحيث لا بد من المسافة السرابية للوصول إليها، والسراب بالسين المهملة الذي يراه الإنسان نصف النهار كأنه ماء. قوله: وأيم الله يمين تقدم معناه غير مرة. قوله: لوددت إلى آخره، الود المذكور تسلط على مجموع ذهابها وعدم قيامه، لا على أحدهما فقط، لأن ذهابها كان قد تحقق بانفلاتها، أو المراد بالذهاب الفعل الكلي، قاله بعضهم، وفي الأخير نظر لا يخفى.
7419 حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معم، عن همام حدثنا أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن يمين الله ملأى، لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض؟ فإنه لم ينقص ما في يمينه، وعرشه على الماء وبيده الأخراى الفيض أو القبض يرفع ويخفض
ا
مطابقته للترجمة في قوله: وعرشه على الماء
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وعبد الرزاق بن همام، ومعمر بن راشد، وهمام بفتح الهاء وتشديد الميم ابن منبه أخو وهب بن منبه، وكان أكبر من وهب.
ومضى نحوه عن قريب من رواية الأعرج عن أبي هريرة ومضى شرحه هناك.
قوله: وعرشه على الماء ليس المراد بالماء ماء البحر بل هو ما تحت العرش، والواو فيه للحال. قوله: الفيض بالفاء والياء آخر الحروف، والقبض بالقاف والباء الموحدة، وكلمة: أو، ليست للترديد بل للتنويع. قال الكرماني يحتمل أن يكون شكا من الراوي، والأول أولى.
7420 حدثنا أحمد، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت عن أنس قال: جاء زيد بن حارثة يشكو فجعل النبي يقول اتق الله وأمسك عليك زوجك.
قالت عائشة لو كان رسول الله كاتما شيئا لكتم هاذه، قال: فكانت زينب تفخر على أزواج النبي تقول زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات.
وعن ثابت * (وإذ تقول للذى
1764; أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكى لا يكون على المؤمنين حرج فى
1764; أزواج أدعيآئهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا) * نزلت في شأن زينب وزيد بن حارثة.
انظر الحديث 4787
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: من فوق سبع سماوات لأن المراد من فوق سبع سماوات هو العرش، ويؤيده ما رواه أبو القاسم التيمي في كتاب الحجة من طريق داود بن أبي هند عن عامر الشعبي قال: كانت زينب تقول للنبي، أنا أعظم نسائك عليك حقا، أنا خيرهن منكحا، وأكرمهن سفيرا، وأقربهن رحما، زوجنيك الرحمان من فوق عرشه، وكان جبريل، عليه السلام، هو السفير بذلك، وأنا ابنة عمتك وليس لك من نسائك قريبة غيري.
وشيخ البخاري أحمد، كذا وقع لجميع الرواة غير منسوب وذكر أبو نصر الكلاباذي أنه أحمد بن سيار المروزي، وذكر الحاكم أنه أحمد بن النضر النيسابوري، وهو المذكور في سورة الأنفال. وقال صاحب التوضيح قال فيه ابن البيع: هو أبو الفضل أحمد بن نصر بن
113

عبد الوهاب النيسابوري، وقال غيره: هو أبو الحسن أحمد بن سيار بن أيوب بن عبد الرحمن المروزي، واقتصر عليه صاحب الأطراف نقلا روى عنه النسائي ومات سنة ثمان وستين ومائتين، وقال جامع رجال الصحيحين أحمد غير منسوب حدث عن أبي بكر بن محمد المقدمي في التوحيد وعن عبيد الله بن معاذ في تفسير سورة الأنفال، روى عنه البخاري، يقال: إنه أحمد بن سيار المروزي فإنه حدث عن المقدمي، فأما الذي حدث عن عبيد الله بن معاذ فهو أحمد بن النصر بن عبد الوهاب، على ما حكاه أبو عبد الله بن البيع عن أبي عبد الله الأخرم، وهو حديث آخر.
والحديث ذكره المزي في الأطراف.
قوله: جاء زيد بن حارثة بالحاء المهملة وبالثاء المثلثة، مولى رسول الله قوله: يشكو أي: من أخلاق زوجته زينب بنت جحش، وقال الداودي: الذي شكاه من زينب وأمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله كان من لسانها، وهم يرون أنه ابن رسول الله فلما أراد طلاقها قال له * (وقرن فى بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى وأقمن الصلواة وءاتين الزكواة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * وكان رسول الله يحب طلاقه إياها، فكره أن يقول له: طلقها، فيسمع الناس بذلك.
قوله: قالت عائشة موصول بالسند المذكور وليس بتعليق، كذا وقع في الأصول: قالت عائشة لو كان رسول الله، كاتما شيئا لكتم هذه أي الآية، وهي: * (وإذ تقول للذى
1764; أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكى لا يكون على المؤمنين حرج فى
1764; أزواج أدعيآئهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا) * وقال الداودي: وقال أنس: لو كان... الخ موضع: وقالت عائشة، واقتصر عياض في الشفاء على نسبته إلى عائشة وأغفل حديث أنس هذا، وهو عند البخاري وفي مسند الفردوسي من وجه آخر: عن عائشة من لفظه لو كنت كاتما شيئا من الوحي.. الحديث. قوله: أهاليكن الأهالي جمع أهل على غير القياس، والقياس: أهلون، وأهل الرجل امرأته وولده وكل من في عياله، وكذا كل أخ أو أخت أو عم أو ابن عم أو صبي أجنبي يعوله في منزله. وعن الأزهري: أهل الرجل أخص الناس به ويكنى به عن الزوجة، ومنه: وسار بأهله، وأهل البيت سكانه، وأهل الإسلام من تدين به، وأهل القرآن من يقرأونه ويقومون بحقوقه. قوله: من فوق سبع سماوات لما كانت جهة العلو أشرف من غيرها أضيفت إلى فوق سبع سماوات، وقال الراغب: فوق، يستعمل في المكان والزمان والجسم والعدد والمنزلة والقهر. فالأول: باعتبار العلو ويقابله تحت نحو * (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الايات لعلهم يفقهون) * والثاني: باعتبار الصعود والانحدار نحو: * (إذ جآءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا) * والثالث: في العدد نحو: * (يوصيكم الله فى
1764; أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين فإن كن نسآء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه الثلث فإن كان له إخوة فلامه السدس من بعد وصية يوصى بهآ أو دين ءابآؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما) * والرابع: في الكبر والصغر، كقوله: * (إن الله لا يستحى أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين ءامنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذآ أراد الله بهاذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين) * والخامس: يقع تارة باعتبار الفضيلة الدنيوية نحو: * (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحيواة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون) * والأخروية نحو: * (زين للذين كفروا الحيواة الدنيا ويسخرون من الذين ءامنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشآء بغير حساب) * والسادس: نحو قوله تعالى: * (وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير) * * (يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون) *
قوله: وعن ثابت أي: البناني، وهو موصول بالسند المذكور. قوله: * (ما الله مبديه) * أي: مظهره، والذي كان أخفى في نفسه هو علمه بأن زيدا سيطلقها ثم
ينكحها، والله أعلمه بذلك، والواو في: * (وتخفي في نفسك) * وفي * (تخشى الناس) * للحال أي: تقول لزيد: أمسك عليك زوجك، والحال أنك تخفي في نفسك أن لا يمسكها. وقال الزمخشري: يجوز أن تكون: واو، العطف كأنه قيل: وإذ تجمع بين قولك أمسك وإخفاء خلافه خشية الناس، والله أحق أن تخشاه.
7421 حدثنا خلاد بن يحياى، حدثنا عيسى بن طهمان قال: سمعت أنس بن مالك، رضي الله عنه، يقول: نزلت آية الحجاب في زينب بنت جحش، وأطعم عليها يومئذ خبزا ولحما، وكانت تفخر على نساء النبي وكانت تقول إن الله أنكحني في السماء.
ا
مطابقته للجزء الثالث للترجمة. وهو قول أبي العالية: استوى إلى السماء وهنا قوله: في السماء
وخلاد بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام وبالدال المهملة ابن يحيى السلمي بضم السين المهملة وفتح اللام الكوفي ثم المكي، وعيسى بن طهمان بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء البكري البصري.
وهذا هو الحديث الثالث والعشرون من ثلاثيات البخاري وهو آخر الثلاثيات. والحديث أخرجه النسائي في عشرة النساء عن إسحاق بن إبراهيم وفي النكاح عن أحمد بن يحيى الصوفي وفي النعوت
114

عن إسحاق بن إبراهيم عن يحيى بن آدم.
قوله: آية الحجاب هي * (ياأيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبى إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذى النبى فيستحيى منكم والله لا يستحى من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسئلوهن من ورآء حجاب ذالكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحو
1764; ا أزواجه من بعده أبدا إن ذالكم كان عند الله عظيما) * الآية. قوله: عليها أي: على وليمتها. قوله: وأنكحني حيث قال الله تعالى: ى * (وإذ تقول للذى
1764; أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكى لا يكون على المؤمنين حرج فى
1764; أزواج أدعيآئهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا) * قوله: في السماء وجه هذا أن جهة العلو لما كانت أشرف أضيفت إليها، والمقصود علو الذات والصفات وليس ذلك باعتبار أنه محله أو جهته، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
7423 حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثني محمد بن فليح قال: حدثني أبي حدثني هلال عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من آمن بالله ورسوله وأقام الصلاة وصام رمضان، كان حقا على الله أن يدخله الجنة، هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها قالوا: يا رسول الله أفلا ننبىء الناس بذلك؟ قال: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمان، ومنه تفجر أنهار الجنة.
انظر الحديث 2790
مطابقته للترجمة في قوله: وفوقه عرش الرحمان
ومحمد بن فليح يروي عن أبيه فليح بن سلميان، وكان اسمه عبد الملك ولقبه فليح فغلب على اسمه واشتهر به، وهلال بن علي هو هلال بن أبي ميمونة، وهلال بن أبي هلال المديني، وعطاء بن يسار ضد اليمين.
والحديث مضى في الجهاد في: باب درجات المجاهدين في سبيل الله، فإنه أخرجه هناك: حدثنا يحيى بن صالح حدثنا فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار.... الخ. ومضى الكلام فيه مستوفى.
قوله: كان حقا على الله تعالى احتجت به المعتزلة والقدرية على أن الله يجب عليه الوفاء لعبده الطائع، وأجاب أهل السنة: بأن معنى الحق الثابت أو هو واجب بحسب الوعد شرعا لا بحسب العقل، وهو المتنازع فيه. فإن قلت: لم يذكر الزكاة والحج؟ قلت: لأنهما موقوفان على النصاب والاستطاعة، وربما لا يحصلان له. قوله: هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها قيل: هذا بعد انقضاء الهجرة بعد الفتح أو يكون من غير أهل مكة لأن الهجرة لم تكن على جميعهم. قوله: أفلا ننبىء الناس؟ قال الكرماني: بالخطاب وبالتكلم. قوله: كما بين السماء والأرض اختلف الخبر الوارد في قدر مسافة ما بين السماء والأرض، فذكر الترمذي: مائة عام، وذكر الطبراني: خمسمائة عام، وروى ابن خزيمة في التوحيد من صحيحه، وابن أبي عاصم في كتاب السنة عن ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه، قال: بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام
115

وبين كل سماء خمسمائة عام، وفي رواية: وغلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وبين السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي وبين الماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء والله فوق العرش، ولا يخفى عليه شيء من أعمالكم. قوله: الفردوس هو البستان. قال الفراء: هو عربي، وعن ابن عزيز أنه بستان بلغة الروم. قوله: فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة قيل: الأوسط كيف يكون أعلى وما هما إلا متنافيان؟ وأجيب: بأن الأوسط هو الأفضل فلا منافاة. قوله: تفجر بضم الجيم من الثلاثي ومضارع التفجر أيضا.
7424 حدثنا يحياى بن جعفر، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم هو التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال: دخلت المسجد ورسول الله جالس فلما غربت الشمس قال: يا أبا ذر هل تدري أين تذهب هاذه؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنها تذهب تستأذن في السجود فيؤذن لها، وكأنها قد قيل لها ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها ثم قرأ: ذلك مستقر لها في قراءة عبد الله.
ا
مطابقته للترجمة من حيث إن هذا الحديث فيه أنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، الحديث، وهذا مختصر منه وتقدم تمامه في كتاب بدء الخلق فإنه أخرجه هناك في: باب صفة الشمس والقمر عن محمد بن يوسف عن سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر، رضي الله عنه.
و يحيى بن جعفر بن أعين البخاري البيكندي، و أبو معاوية محمد بن خازم بالخاء المعجمة والزاي، و الأعمش سليمان، و إبراهيم التيمي يروي عن أبيه يزيد بن شريك التيمي تيم الرباب وأبو ذر اسمه جندب بن جنادة على المشهور.
والحديث مضى في مواضع في بدء الخلق كما ذكرنا، وفي التفسير عن الحميدي وعن أبي نعيم ومضى الكلام فيه.
قوله: ذلك مستقر لها في قراءة عبد الله أي: ابن مسعود، والقراءة المشهورة: * (والشمس تجرى لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم) *
7425 حدثنا موسى عن إبراهيم، حدثنا ابن شهاب، عن عبيد بن السباق أن زيد بن ثابت.
وقال الليث: حدثني عبد الرحمان بن خالد عن ابن شهاب عن ابن السباق أن زيد بن ثابت حدثه قال: أرسل إلي أبو بكر فتتبعت القرآن حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره. * (لقد جآءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم) * حتى خاتمة براءة. 0 ا
مطابقته للترجمة عند تمام الآية المذكورة * (فإن تولوا فقل حسبى الله لا
1764; إلاه إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) * وموسى هو ابن إسماعيل التبوذكي، وإبراهم هو ابن سعد وهو سبط عبد الرحمن بن عوف، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري، وعبيد مصغر عبد ابن السباق بالسين المهملة وتشديد الباء الموحدة الثقفي، و عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي والي مصر.
والحديث مضى في آخر تفسير سورة التوبة مطولا.
قال الليث تعليق، ومر هناك من وصله عن سعيد بن عفير: حدثنا الليث به. قوله: مع أبي خزيمة الأنصاري هو ابن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، واسمه: تيم اللات، شهد بدرا وما بعدها، مات في خلافة عثمان، رضي الله تعالى عنه. وأبو خزيمة هو الذي جعل الشارع شهادته بشهادة رجلين، قال الكرماني: فإن قلت: شرط القرآن التواتر فكيف ألحقها به؟ قلت: معناه لم أجدها مكتوبة عند غيره.
حدثنا يحياى بن بكير حدثنا الليث عن يونس بهاذا، وقال: مع أبي خزيمة الأنصاري.
هذا طريق آخر عن يحيى بن بكير هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي المصري عن الليث بن سعد عن يونس بن يزيد، بهذا... أي بهذا الحديث.
7426 حدثنا معلى بن أسد، حدثنا وهيب، عن سعيد عن قتادة، عن أي العالية عن
116

ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: كان النبي يقول عند الكرب لا إلاه إلا الله العليم الحليم، لا إلاه إلا الله رب العرش العظيم، لا إلاه إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم
مطابقته للترجمة في قوله: رب العرش العظيم
ووهيب هو ابن خالد، وسعيد هو ابن أبي عروبة، وأبو العالية بالعين المهملة وبالياء آخر الحروف اسمه رفيع مصغرا.
والحديث قد مضى في كتاب الدعوات في: باب الدعاء عند الكرب.
قوله: الحليم الحلم هو الطمأنينة عند الغضب، وحيث أطلق على الله فالمراد لازمها وهو تأخير العقوبة، ووصف العرش بالعظمة من جهة الكم، وبالكرم أي: الحسن من جهة الكيف، فهو ممدوح ذاتا وصفة، وهذا الذكر من جوامع الكلم.
7427 حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان عن عمرو بن يحياى عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم يصعقون يوم القيامة، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش. وقال الماجشون عن عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فأكون أول من بعث فإذا موسى آخذ بالعرش
ا
مطابقته للترجمة في قوله: العرش في الموضعين.
وسفيان هو الثوري، و عمرو بن يحيى يروي عن أبيه يحيى بن عمارة المازني الأنصاري، وأبو سعيد اسمه سعد بن مالك.
والحديث قد مضى في كتاب الأنبياء، عليهم السلام في: باب قول الله تعالى: * (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لاخيه هارون اخلفنى فى قومى وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) * بعين هذا الإسناد والمتن. وفيه زيادة وهي: فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور.
قوله: يصعقون كذا في بعض النسخ، وفي بعضها: الناس يصعقون، كما في الباب المذكور وهو الصحيح، والظاهر أن لفظ: الناس، سقط من الكاتب.
قوله: قال الماجشون بفتح الجيم وضمها وكسرها وهو معرب: ماهكون، يعني: شبيه القمر، وقيل: شبيه الورد، وهو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ميمون المدني، وهذا اللقب قد يستعمل أيضا لأكثر أقاربه، و عبد الله بن الفضل بسكون الضاد المعجمة الهاشمي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، رضي الله تعالى عنه. وقال أبو مسعود الدمشقي في الأطراف وتبعه جماعة من المحدثين: إنما روى الماجشون هذا عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج لا عن أبي سلمة، وقالوا: البخاري وهم في هذا حيث قال: عن أبي سلمة. وأجيب عن هذا: بأن لعبد الله بن الفضل في هذا الحديث شيخين، والدليل عليه أن أبا داود الطيالسي أخرج في مسنده عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة طرفا من هذا الحديث، وبهذا يرد أيضا على من قال: إن البخاري جزم بهذه الرواية، وهي وهم. قلت: إنما جزم بناء على الجواب المذكور، فلذلك قال: قال الماجشون وإلا فعادته إذا كان مثل هذا غير مجزوم عنده يذكره بصيغة التمريض، فافهم.
23
((باب قول الله تعالى: * (تعرج الملائكة والروح إليه فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) * وقوله جل ذكره * (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولائك هو يبور) *
أي: هذا باب في قول الله عز وجل: * (تعرج الملائكة) * إلى آخره، ذكر هاتين القطعتين من الآيتين الكريمتين وأراد بالأولى الرد على الجهمية المجسمة في تعلقهم بظاهر قوله تعالى: * (من الله ذي المعارج * تعرج الملائكة والروح إليه فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) * وقد تقرر أن الله ليس بجسم فلا يحتاج إلى مكان يستقر فيه، فقد كان ولا مكان وإنما أضاف المعارج إليه إضافة تشريف، والمعارج جمع معرج كالمصاعد جمع مصعد والعروج الارتقاء، يقال: عرج بفتح الراء يعرج بضمها عروجا ومعرجا، والمعرج المصعد والطريق الذي تعرج فيه الملائكة إلى السماء، والمعراج شبيه سلم أو درج تعرج فيه الأرواح إذا قبضت وحيث تصعد أعمال بني آدم. وقال الفراء: المعارج من نعت الله ووصف بذلك نفسه لأن الملائكة تعرج إليه. وقيل: معنى قوله: * (من الله ذي المعارج) * أي: الفواضل العالية.
117

قوله: * (تعرج الملائكة والروح إليه فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) * اختلف فيه. فقيل: جبريل، عليه السلام، وقيل: ملك عظيم تقوم الملائكة صفا ويقوم وحده صفا، قال الله عز وجل: * (يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمان وقال صوابا) * وقيل: هو خلق من خلق الله تعالى لا ينزل ملك إلا ومعه اثنان منهم، وعن ابن عباس: إنه ملك له أحد عشر ألف جناح وألف وجه يسبح الله إلى يوم القيامة. وقيل: هم خلق كخلق بني آدم لهم أيد وأرجل. وأما الآية الثانية فرد شبهتهم أيضا لأن صعود الكلم إليه لا يقتضي كونه في جهة إذ الباري سبحانه وتعالى لا تحويه جهة إذ كان موجودا ولا جهة، ووصف الكلم بالصعود إليه مجاز لأن الكلم عرض والعرض لا يصح أن ينتقل. قوله: الكلم الطيب قيل: القرآن، والعمل الصالح يرفعه القرآن، وعن قتادة: العمل الصالح يرفعه الله عز وجل، والعمل الصالح أداء فرائض الله تعالى.
وقال أبو جمرة عن ابن عباس: بلغ أبا ذر مبعث النبي فقال لأخيه: اعلم لي علم هاذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء.
أبو جمرة بالجيم والراء نضر بن عمران الضبعي البصري، وهذا التعليق مضى موصولا في: باب إسلام أبي ذر. قوله: اعلم من العلم. قوله: لي أي: لأجلي، أو من الإعلام أي: أخبرني خبر هذا الرجل الذي بمكة يدعي النبوة.
وقال مجاهد العمل الصالح يرفع الكلم الطيب.
هذا التعليق وصله الفريابي من رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد وهو قول ابن عباس، وزاد فيه مجاهد: والعمل الصالح، أي: أداء فرائض الله، فمن ذكر الله ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله وكان أولى به.
يقال: ذي المعارج: الملائكة تعرج إليه.
أي: قال: معنى ذي المعارج الملائكة العارجات. قوله: إليه، أي: إلى الله، ويروى: إلى الله، أيضا.
[/ شر
7429 حدثنا إسماعيل، حدثني مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بكم، فيقول: كيف تركتم عبادي فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسماعيل هو ابن أبي أويس، وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز.
والحديث مضى في أوائل كتاب الصلاة في: باب فضل صلاة العصر، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك... إلى آخره، ومضى الكلام فيه.
قوله: يتعاقبون أي: يتناوبون وهو نحو أكلوني البراغيث، والسؤال عن التزكية فقالوا: وأتيناهم وهم يصلون فزادوا على الجواب إظهارا لبيان فضيلتهم واستدراكا لما قالوا:) (* (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل فى الأرض خليفة قالو
1764; ا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدمآء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني
1764; أعلم ما لا تعلمون) * وأما اتفاقهم في هذين الوقتين فلأنهما وقتا الفراغ من وظيفتي الليل والنهار، ووقت رفع الأعمال. وأما اجتماعهم فهو من تمام لطف الله بالمؤمنين ليكونوا لهم شهداء، وأما السؤال فلطلب اعتراف الملائكة بذلك، وأما وجه التخصيص بالذين باتوا وترك ذكر الذين ظلوا فإما اكتفاء بذكر اجتماعهما عن
الأخرى، وإما لأن الليل مظنة المعصية ومظنة الاستراحة، فلما لم يعصوا واشتغلوا بالطاعة فالنهار أولى بذلك، وأما لأن حكم طرفي النهار يعلم من حكم طرف الليل، فذكره كالتكرار.
7430 وقال خالد بن مخلد، حدثنا سليمان، حدثني عبد الله بن دينار، عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إلى الله إلا الطيب
118

فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل
انظر الحديث 1410
مطابقته للترجمة في قوله: ولا يصعد إلى الله إلا الطيب.
وخالد بن مخلد بفتح الميم واللام، وسليمان هو ابن بلال، وأبو صالح ذكوان الزيات.
والحديث مضى في أوائل الزكاة في: باب الصدقة من كسب طيب، مسندا وهذا معلق. وأخرجه مسلم عن أحمد بن عثمان عن خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال، لكن خالف في شيخ سليمان فقال: عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه. قوله: وقال خالد بن مخلد كذا هو عند جميع الرواة، ووقع عند الخطابي في شرحه قال أبو عبد الله البخاري: حدثنا خالد بن مخلد.
قوله: بعدل تمرة بكسر العين وفتحها بمعنى المثل، وقيل بالفتح: ما عادله من جنسه، وبالكسر ما ليس من جنسه، وقيل بالعكس، والعدل بالكسر نصف الحمل. وقال الخطابي: عدل التمرة ما يعادلها في قيمتها، يقال: عدل الشيء مثله في القيمة، وعدله مثله في المنظر. قوله: بيمينه فيه معنى حسن القبول، فإن العادة جارية بأن تصان اليمين عن مس الأشياء الدنية، وليس فيما يضاف إليه تعالى من صفة اليد شمال لأنها محل النقص والضعف، وقد روي: كلتا يديه يمين، وليست بمعنى الجارحة إنما هي صفة جاء بها التوقيف فنطلقها ولا نكيفها وننتهي حيث انتهى التوقيف. قوله: يتقبلها وفي رواية الكشميهني: يقبلها بدون التاء المثناة من فوق. قوله: لصاحبه وفي رواية المستملي: لصاحبها، قوله: فلوه بفتح الفاء وضمها وشدة الواو الجحش والمهر إذا فطمه.
ورواه ورقاء عن عبد الله بن دينار عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة عن النبي ولا يصعد إلى الله إلا طيب
أي: روى الحديث المذكور ورقاء بن عمر بن كليب، أصله من خوارزم، ويقال: من الكوفة، سكن المدائن عن عبد الله بن دينار عن سعيد بن يسار ضد اليمين وأشار بهذا إلى أن رواية ورقاء موافقة لرواية سليمان بن بلال إلا في الشيخ، فإن سلميان يروي عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح، وورقاء يروي عن عبد الله بن دينار عن سعيد بن يسار وفي المتن متفقان إلا في قوله: الطيب، فإن رواية ورقاء طيب بغير الألف واللام، وهو معنى قول الكرماني: والفرق بين الطريقين أن الطيب في الأول معرفة وفي الثاني نكرة، واقتصر على هذا الفرق ولم يذكر اختلاف الشيخ. ثم إن تعليق ورقاء وصله البيهقي من طريق أبي النضر هاشم بن القاسم عن ورقاء، فوقع عنده: الطيب، بالألف واللام، وقال في آخره: مثل أحد، عوض: مثل الجبل.
7431 حدثنا عبد الأعلى بن حماد، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا سعيد، عن قتادة عن أبي العالية، عن ابن عباس أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهن عند الكرب: لا إلاه إلا الله العظيم الحليم، لا إلاه إلا الله رب العرش العظيم، لا إلاه إلا الله رب السماوات ورب العرش الكريم
ليس هذا بمطابق للترجمة، ومحله في الباب السابق، ولعل الناسخ نقله إلى هنا.
وسعيد هو ابن أبي عروبة، وأبو العالية رفيع.
وقد مر الحديث في الباب الذي قبله. قال الكرماني: هذا ذكر وتهليل وليس بدعاء. قلت: هو مقدمة الدعاء، فاطلق الدعاء عليه باعتبار ذلك، أو الدعاء أيضا ذكر لكنه خاص فأطلقه وأراد العام.
7432 حدثنا قبيصة، حدثنا سفيان عن أبيه، عن ابن أبي نعم أو، أبي نعم، شك قبيصة عن أبي سعيد، قال: بعث إلى النبي بذهيبة فقسمها بين أربعة.
وحدثني إسحاق بن نصر، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا سفيان عن أبيه، عن ابن أبي نعم، عن أبي سعيد الخدري قال: بعث علي وهو باليمن إلى النبي بذهيبة في تربتها، فقسمها بين الأقرع بن حابس
119

الحنظلي، ثم أحد بني مشاجع، وبين عيينة بن بدر الفزاري، وبين علقمة بن علاثة العامري ثم أحد بني كلاب، وبين زيد الخيل الطائي، ثم أحد بني نبهان، فتغضبت قريش والأنصار فقالوا: يعطيه صناديد أهل نجد ويدعنا؟ قال: إنما أتألفهم فأقبل رجل غائر العينين ناتىء الجبين كث اللحية مشرف الوجنتين محلوق الرأس فقال: يا محمد اتق الله. فقال النبي فمن يطيع الله إذا عصيته؟ فيأمني على أهل الأرض ولا تأمنوني؟ فسأل رجل من القوم قتله أراه خالد بن الوليد فمنعه النبي فلما ولى قال النبي إن من ضئضيء هاذا قوما يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد
ا
لا مطابقة بينه وبين الترجمة بحسب الظاهر، وقد تكلف بعضهم في توجيه المطابقة فقال ما حاصله: إن في الرواية التي في المغازي: وأنا أمين من في السماء، ما يدل عليها، وهو أن معنى قوله: من في السماء: على العرش في السماء، وفيه تعسف، وكذلك تكلف فيه الكرماني حيث قال ما ملخصه: أن يقال دل عليها لازم. قوله:
لا يجاوز حناجرهم أي: لا يصعد إلى السماء، وفيه جر ثقيل.
ثم إنه أخرج هذا الحديث من طريقين. أحدهما: عن قبيصة بن عقبة عن سفيان الثوري عن أبيه سعيد بن مسروق عن عبد الرحمن بن أبي نعم بضم النون وسكون العين المهملة أو أبي نعم أبي الحكم عن أبي سعيد الخدري واسمه سعد بن مالك بن سنان. والثاني: عن إسحاق بن نصر وهو إسحاق بن إبراهيم بن نصر البخاري السعدي كان ينزل بالمدينة بباب سعد فالبخاري يروي عنه تارة بنسبته إلى جده وتارة بنسبته إلى أبيه وهو يروي عن عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني عن سفيان الثوري... إلى آخره. وقد مضى هذا الحديث في أحاديث الأنبياء في: باب قول الله عز وجل: * (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية) * حيث قال: قال ابن كثير: عن سفيان عن أبيه إلى آخره... ومضى أيضا في المغازي في: باب بعث علي، رضي الله تعالى عنه، عن قتيبة عن عبد الواحد عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة عن عبد الرحمن بن أبي نعم قال: سمعت أبا سعيد الخدري.... إلى آخره، ومضى أيضا في تفسير سورة براءة في: باب قوله: والمؤلفة قلوبهم، عن محمد بن كثير عن سفيان عن أبيه مختصرا، ومضى الكلام فيه مرارا، ولنذكر بعض شيء لبعد المسافة.
قوله: شك قبيصة يعني في قوله: ابن أبي نعم أو أبي نعم هكذا قاله بعضهم، والذي يفهم من كلام الكرماني أن شكه في ابن أبي نعم، وقد مضى في أحاديث الأنبياء بلا شك: عن ابن أبي نعم، بضم النون وسكون العين المهملة. قوله: بعث على صيغة المجهول. قوله: بذهيبة مصغر ذهبة وقد يؤنث الذهب في بعض اللغات. قوله: في تربتها أي مستقرة فيها والتأنيث على نية قطعة من الذهب، وفي الصحاح الذهب معروف وربما أنث والقطعة منه ذهبة، فأراد بالتربة تبر الذهب ولا يصير ذهبا خالصا إلا بعد السبك.
بعث علي أي: علي بن أبي طالب، وهذا يفسر قوله أولا: بعث إلى النبي، بذهيبة. قوله: وهو باليمن أي: والحال أن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، باليمن وهو رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: في اليمن. قوله: بين الأقرع هؤلاء أربعة أنفس من المؤلفة قلوبهم الذين يعطون من الزكاة أحدهم: الأقرع بن حابس الحنظلي نسبة إلى حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. قوله: بني مجاشع بضم الميم وبالجيم وبالشين المعجمة المكسورة وبالعين المهملة ابن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، الثاني: عيينة مصغر عين ابن بدر نسب إلى جد أبيه وهو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة الفزاري بفتح الفاء ونسبته إلى فزارة بن ذيبان بن بغيض بن ريث بن غطفان. والثالث: علقمة بن علاثة بضم العين المهملة وتخفيف اللام وبالثاء المثلثة ابن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب، وهو معنى قوله: قوله: العامري نسبة إلى عامر بن عوف
120

بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلاب. قوله: ثم أحد بني كلاب وهو ابن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن. الرابع: زيد الخيل هو ابن مهلهل بن زيد بن منهب الطائي نسبة إلى طيىء واسمه جلهمة بن أدد. قوله: ثم أحد بني نبهان هو أسود بن عمرو بن الغوث بن طيىء، قال الخليل: أصل طيىء طوى قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء والنسبة إلى طيىء طائي على غير القياس لأن القياس طيي على وزن طيعي، ولما قدم زيد على النبي سماه: زيد الخير، بالراء بدل اللام، وكان قدومه... وقيل له: زيد الخيل لعنايته بها، ويقال: لم يكن في العرب أكثر خيلا منه، وكان شاعرا خطيبا شجاعا جوادا مات على إسلامه في حياة النبي وقيل: مات في خلافة أبي بكر، رضي الله تعالى عنه. وأما علقمة فإنه ارتد مع من ارتد ثم عاد ومات في خلافة عمر، رضي الله تعالى عنه، بحوران، وأما عيينة فإنه ارتد مع طلحة ثم عاد إلى الإسلام، وأما الأقرع فإنه أسلم وشهد الفتوح واستشهد باليرموك، وقيل: بل عاش إلى خلافة عثمان، رضي الله تعالى عنه، فأصيب بالجوزجان. وقال المبرد: كان في صدر الإسلام رئيس خندف. وقال المرزباني: هو أول من حرم القمار، وقيل: كان سنوطا أعرج مع قرعه وعوره وكان يحكم في المواسم وهو آخر الحكام من بني تميم. قوله: فغضبت قريش وفي رواية الأكثرين: فتغيظت قريش، من الغيظ من باب التفعل، وفي رواية أبي ذر عن الحموي: فتغضبت، من الغضب من باب التفعل أيضا وكذا في رواية النسفي، والذي مضى في قصة عاد: فغضبت، قوله: يعطيه أي: يعطي النبي، المال صناديد نجد وهو جمع صنديد وهو السيد، وكانت هؤلاء الأربعة المذكورة سادات أهل نجد، وقال الرشاطي: نجد ما بين الحجاز إلى الشام إلى العذيب فالطائف من نجد والمدينة من نجد وأرض اليمامة والبحرين إلى عمان إلى العروض، وقال ابن دريد: نجد أرض للعرب. قوله: ويدعنا أي: يتركنا ولا يعطينا شيئا. قوله: إنما أتألفهم من التألف وهو المداراة والإيناس ليثبتوا على الإسلام رغبة فيما يصل إليهم من المال. قوله: رجل اسمه عبد الله ذو الخويصرة مصغر الخاصرة بالخاء المعجمة والصاد المهملة التميمي قوله: غائر العينين من غارت عينه إذ دخلت وهو ضد الجاحظ، وقال الكرماني: غائر العينين أي: داخلتين في الرأس لاصقتين بقعر الحدقة. قوله: ناتىء الجبين أي: مرتفع الجبين من النتوء بالنون والتاء المثناة من فوق، ويروى: ناشز الجبين، والمعنى واحد. قوله: كث اللحية بتشديد المثلثة أي: كثير شعرها غير مسبلة. قوله: مشرف الوجنتين أي: غليظهما يعني: ليس بسهل الخد، يقال: أشرفت وجنتاه علتا، والوجنتان العظمان المشرفان على الخدين. وفي الصحاح الوجنة ما ارتفع من الخد وفيها أربع لغات بتثليث الواو والرابع: أجنة. قوله: محلوق الرأس كانوا لا يحلقون رؤوسهم ويوفرون شعورهم، وقد فرق رسول الله، شعره وحلق في حجة وعمرة، وقال الداودي: كان هذا الرجل من بني تميم من بادية العراق. قوله: فيأمني بفتح الميم وتشديد النون أصله: يأمنني، فأدغمت النون الأولى في الثانية، ويروى: على الأصل: فيأمنني، أي: فيأمنني الله تعالى أي: يجعلني أمينا على أهل الأرض ولا تأمنوني؟ أنتم، ويروى: ولا تأمنونني أنتم؟ على الأصل. قوله: أراه بضم الهمزة أي: أظن هذا الرجل خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه، ووقع في كتاب استتابة المرتدين: عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه. ولا تنافي بينهما لاحتمال وقوعه منهما. قوله: فلما ولى أي: فلما أدبر. قوله: إن من ضئضيء أي: من أصل هذا الرجل، وهو بكسر الضادين المعجمتين وسكون الهمزة الأولى، قوما ويروى: قوم فإما أنه كتب على اللغة الربيعية فإنهم يكتبون المنصوب بدون الألف، وإما أن يكون في: إن، ضمير
الشأن. قوله: لا يبلغ حناجرهم أي: لا يرتفع إلى الله منهم شيء، والحناجر جمع حنجرة وهو الحلقوم. قوله: يمرقون من المروق وهو النفوذ حتى يخرج من الطرف الآخر، والحاصل: يخرجون خروج السهم. قوله: مروق السهم أي: كمروق السهم من الرمية بتشديد الياء آخر الحروف على فعيلة بمعنى مفعولة. قوله: ويدعون أي: يتركون. قوله: لأقتلنهم قيل: لم منع خالد بن الوليد وقد أدركه؟
121

وأجيب: بأنه إنما أراد إدراك طائفتهم وزمان كثرتهم وخروجهم على الناس بالسيف، وإنما أنذر رسول الله، أن سيكون ذلك وقد كان كما قال، وأول ما نجم هو في زمان علي، رضي الله تعالى عنه. قوله: قتل عاد وقد تقدم في بعث علي إلى اليمن أنه قال: لأقتلنهم قتل ثمود، ولا تعارض لأن الغرض منه الاستئصال بالكلية وعاد وثمود سواء فيه إذ عاد استوصلت بالريح الصرصر وثمود أهلكوا بالطاغية، قال الكرماني: ما معنى: كقتل حيث لا قتل؟ وأجاب بأن المراد لازمه وهو الهلاك، ويحتمل أن تكون الإضافة إلى الفاعل، ويراد به: القتل الشديد القوي لأنهم مشهورون بالشدة والقوة.
7433 حدثنا عياش بن الوليد، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال: سألت النبي عن قوله * (والشمس تجرى لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم) * قال: مستقرها تحت العرش
ا
مطابقته للترجمة تأتي ببعض التعسف، بيانه أنه لما نبه على بطلان قول من أثبت الجهة من قوله: * (من الله ذي المعارج) * وبين أن العلو الفوقي مضاف إلى الله، وأن الجهة التي يصدق عليها أنها سماء والجهة التي يصدق عليها أنها عرش كل منهما مخلوق مربوب محدث، وقد كان الله قبل ذلك، ولا ابتداء لأوليته ولا انتهاء لآخريته، فمن هذا تستأنس المطابقة.
وعياش بفتح العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبعد الألف شين معجمة ابن الوليد الرقام. والأعمش سليمان، وإبراهيم التيمي يروي عن أبيه يزيد من الزيادة ابن شريك، وقد مر عن قريب.
والحديث مضى في الباب الذي قبله وهو مختصر من الحديث الذي فيه: وقرأ ابن عباس: لا مستقر لها أي: جارية لا تثبت في موضع واحد.
قوله: مرفوع بالابتداء و * (تجري لمستقر لها) * خبره وقيل: هي خبر مبتدأ محذوف تقديره: وآية لهم الشمس تجري لمستقر لها.
24
((باب قول الله تعالى: * (وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة) *))
أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (وجوه يومئذ) * أي: يوم القيامة، والناضرة من نضرة النعيم من النظر. وقال الكرماني: المقصود من الباب ذكر الظواهر التي تشعر بأن العبد يرى ربه يوم القيامة. فإن قلت: لا بد للرؤية من المواجهة والمقابلة وخروج الشعاع من الحدقة إليه وانطباع صورة المرئي في حدقة الرائي ونحوها مما هو محال على الله تعالى. قلت: هذه شروط عادية لا عقلية يمكن حصولها بدون هذه الشروط عقلا، ولهذا جوز الأشعرية رؤية أعمى الصين بقة أندلس إذ هي حالة يخلقها الله تعالى في الحي فلا استحالة فيها. وقال غيره: استدل البخاري بهذه الآية وبأحاديث الباب على أن المؤمنين يرون ربهم في جنات النعيم، وهو مذهب أهل السنة والجماعة وجمهور الأمة، ومنعت ذلك الخوارج والمعتزلة وبعض المرجئة، ولهم في ذلك دلائل فاسدة. وفي التوضيح حاصل اختلاف الناس في رؤية الله يوم القيامة أربعة أقوال: قال أهل الحق: يراه المؤمنون يوم القيامة دون الكفار، وقالت المعتزلة والجهمية: هي ممتنعة لا يراه مؤمن ولا كافر، وقال ابن سالم البصري: يراه الجميع الكافر والمؤمن، وقال صاحب كتاب التوحيد من الكفار من يراه رؤية امتحان لا يجدون فيها لذة كما يكلمهم بالطرد والإبعاد، قال: وتلك الرؤية قبل أن يوضع الجسر بين ظهراني جهنم، وهذه الآية التي هي الترجمة جاءت فيما رواه عبد بن حميد والترمذي والطبري وآخرون، وصححه الحاكم من طريق ثوير بن أبي فاختة عن ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، عن النبي قال: إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر في ملكه ألف سنة، وإن أفضلهم منزلة، من ينظر في وجه ربه عز وجل في كل يوم مرتين. قال، ثم تلا قلت: ثوير هذا ضعيف جدا، تكلم فيه جماعة كثيرون.
7434 حدثنا عمرو بن عون، حدثنا خالد، وهشيم عن إسماعيل، عن قيس، عن جرير
122

قال: كنا جلوسا عند النبي إذ نظر إلى القمر ليلة البدر قال: إنكم سترون ربكم كما ترون هاذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروب الشمس فافعلوا
ا
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن كلا منهما يدل على الرؤية.
وعمرو بن عون بن أوس السلمي الواسطي نزل البصرة. قال البخاري: مات سنة خمس وعشرين ومائتين أو نحوها، وخالد هو ابن عبد الله بن عبد الرحمن الطحان الواسطي من الصالحين، وهشيم مصغر هشم ابن بشير الواسطي، وإسماعيل هو ابن أبي خالد الأحمسي البجلي الكوفي واسم أبي خالد: سعد، وقيل: هرمز، وقيل: كثير، وقيس هو ابن أبي حازم بالحاء المهملة والزاي البجلي، وجرير بن عبد الله البجلي.
والحديث مضى في الصلاة في: باب فضل صلاة العصر عن الحميدي. وأخرجه بقية الجماعة، ومضى في التفسير أيضا عن إسحاق بن إبراهيم، ومضى الكلام فيه.
قوله: لا تضامون بتخفيف الميم من الضيم وهو الذل والتعب أي: لا يضيم بعضكم بعضا في الرؤية بأن يدفعه عنه ونحوه، ويروى بفتح التاء وضمها وشدة الميم من
الضم أي: لا تتزاحمون ولا تتنازعون ولا تختلفون فيها، وفيه وجوه أخرى ذكرناها. قوله: أن لا تغلبوا بلفظ المجهول، قال الكرماني: والتعقيب بكلمة الفاء يدل على أن الرؤية قد يرجى نيلها بالمحافظة على هاتين الصلاتين: الصبح والعصر، وذلك لتعاقب الملائكة في وقتيهما، أو لأن وقت صلاة الصبح وقت لذيذ النوم وصلاة العصر وقت الفراغ من الصناعات وإتمام الوظائف، فالقيام فيهما أشق على النفس.
7435 حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا عاصم بن يوسف اليربوعي، حدثنا أبو شهاب، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله قال: قال، النبي صلى الله عليه وسلم إنكم سترون ربكم عيانا
ا
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن يوسف بن موسى القطان الكوفي عن عاصم بن يوسف اليربوعي نسبة إلى: يربوع بن حنظلة في تميم، ويربوع بن غيظ في غطفان الكوفي عن أبي شهاب واسم عبد ربه بن نافع الحناط بالحاء المهملة وتشديد النون إلى آخره.
قوله: عيانا تقول عاينت الشيء عيانا إذا رأيته بعينك، وقال الطبراني: تفرد أبو شهاب عن إسماعيل بن أبي خالد بقوله: عيانا وهو حافظ متقن من ثقات المسلمين.
7436 حدثنا عبدة بن عبد الله، حدثنا حسين الجعفي، عن زائدة عن بيان بن بشر عن قيس بن أبي حازم، حدثنا جرير قال: خرج علينا رسول الله ليلة البدر فقال: إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون هاذا، لا تضامون في رؤيته
ا
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن عبدة بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة ابن عبد الله الصفار البصري عن حسين بن علي بن الوليد الجعفي بضم الجيم وسكون العين المهملة وبالفاء نسبة إلى جعف بن سعد العشيرة من مذحج، وقال الجوهري: أبو قبيلة من اليمن، والنسبة إليه كذلك، عن زائدة بن قدامة عن بيان بفتح الباء الموحدة وتخفيف الياء آخر الحروف وبالنون ابن بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة الأحمسي بالمهملتين الخ.
قوله: كما ترون معنى التشبيه بالقمر أنكم ترونه رؤية محققة لا شك فيها ولا تعب ولا خفاء كما ترون القمر كذلك، فهو تشبيه للرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي، ولا كيفية الرؤية بكيفية الرؤية.
7437 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن
123

عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي هريرة أن الناس قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله هل تضارون في القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: فهل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فإنكم ترونه كذلك يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت، الطواغيت وتبقاى هاذه الأمة فيها شافعوها أو منافقوها شك إبراهيم فيأتيهم الله فيقول: أنا ربكم فيقولون هاذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاءنا عرفناه، فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه، ويضرب الصراط بين ظهري جهنم، فأكون أنا وأمتي أول من يجيزها، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، ودعواى الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم السعدان؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم ما قدر عظمها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم المؤمن أو الموبق يبقى بعمله أو الموثق بعمله، ومنهم المخردل أو المجازاى أو نحوه، ثم يتجلى حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار، من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد الله أن يرحمه ممن يشهد أن لا إلاه إلا الله، فيعرفونهم في النار بأثر السجود تأكل النار ابن آدم إلا أثر السجود، حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار قد امتحشوا، فيصب عليهم ماء الحياة، فينبتون تحته كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار هو آخر أهل النار دخولا الجنة، فيقول: أي رب اصرف وجهي عن النار، فإنه قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها، فيدعو الله بما شاء أن يدعوه ثم يقول الله: هل عسيت إن أعطيت ذالك أن تسألني غيره؟ فيقول: لا وعزتك. لا أسألك غيره، ويعطي ربه من عهود ومواثيق ما شاء، فيصرف الله وجهه عن النار، فإذا أقبل على الجنة ورآها سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول: أي رب قدمني إلى باب الجنة، فيقول الله له: ألست قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسألني غير الذي أعطيت أبدا؟ ويلك يا ابن آدم ما أغدرك،
124

فيقول: أي رب ويدعو الله حتى يقول: هل عسيت إن أعطيت ذالك أن تسأل غيره؟ فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره، ويعطي ما شاء من عهود ومواثيق، فيقدمه إلى باب الجنة، فإذا قام إلى باب الجنة انفقهت له الجنة فرأى ما فيها من الحبرة والسرور، فيسكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول: أي رب أدخلني الجنة فيقول الله: ألست قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسأل غير ما أعطيت؟ فيقول: ويلك يا ابن آدم ما أغدرك فيقول: أي رب لا أكونن أشقاى خلقك، فلا يزال يدعو حتى يضحك الله منه، فإذا ضحك منه قال له: ادخل الجنة، فإذا دخلها قال الله له: تمنه فسأل ربه وتمنى حتى إن الله ليذكره يقول كذا وكذا حتى انقطعت به الأماني، قال الله: ذالك لك ومثله معه.
قال عطاء بن يزيد: وأبو سعيد الخدري مع أبي هريرة، لا يرد عليه من حديثه شيئا، حتى إذا حدث أبو هريرة: أن الله تبارك وتعالى قال: ذالك لك ومثله معه قال أبو سعيد الخدري: وعشرة أمثاله معه يا أبا هريرة قال أبو هريرة: ما حفظت إلا قوله: ذالك ومثله معه قال أبو سعيد الخدري: أشهد أني حفظت من رسول الله قوله ذالك لك وعشرة أمثاله قال أبو هريرة: فذالك الرجل آخر أهل الجنة دخولا الجنة.
ا
مطابقته للترجمة ظاهرة. وشيخ البخاري عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى أبو القاسم العامري الأويسي المديني يروي عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عطاء بن يزيد من الزيادة الليثي الجندعي، وقد مضى الحديث في الرقاق في: باب الصراط جسر جهنم عن محمود عن عبد الرزاق ومضى الكلام فيه.
قوله: هل تضارون؟ بفتح التاء المثناة من فوق وضمها وتشديد الراء وتخفيفها فالتشديد بمعنى: لا تتخالفون ولا تجادلون في صحة النظر إليه لوضوحه وظهوره، يقال: ضاره يضاره مثل ضره يضره، وقال الجوهري: يقال أضرني فلان إذا دنا مني دنوا شديدا فأراد بالمضارة الاجتماع والازدحام عند النظر إليه، وأما التخفيف فهو من الضير لغة في الضر والمعنى فيه كالأول. قوله: كذلك أي: واضحا جليا بلا شك ولا مشقة ولا اختلاف. قوله: فيتبع بتشديد التاء من الاتباع. قوله: الشمس الشمس الأول منصوب لأنه مفعول يعبد والثاني منصوب بقوله: فيتبع وكذلك الكلام في: القمر القمر، والطواغيت الطواغيت وهو جمع طاغوت، والطواغيت الشياطين أو الأصنام وفي الصحاح الطاغوت الكاهن وكل رأس في الضلال، قد يكون واحدا وقد يكون جمعا وهو على وزن لاهوت مقلوب لأن من طغى ولاهوت من لاه وأصله طغووت مثل جبروت نقلت الواو إلى ما قبل الغين ثم قلبت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها. قوله: شافعوها أي: شافعو الأمة وأصله شافعون سقطت النون للإضافة من شفع يشفع شفاعة فهو شافع وشفيع. قوله: شك إبراهيم هو إبراهيم بن سعد الراوي المذكور. قوله: فيأتيهم الله إسناد الإتيان إلى الله تعالى مجاز عن التجلي لهم، وقيل: عن رؤيتهم إياه لأن الإتيان إلى الشخص مستلزم لرؤيته، وقال عياض: أي: يأتيهم بعض ملائكته أو يأتيهم في صورة الملك، وهذا آخر امتحان المؤمنين. وقال الكرماني: فإن قلت: الملك معصوم فكيف يقول: أنا ربكم، وهو كذب؟ قلت: لا نسلم عصمته من مثل هذه الصغيرة. انتهى. قلت: فحينئذ فرعون لم يصدر منه إلا صغيرة في قوله: * (فقال أنا ربكم الاعلى) * ولو نزه شرحه عن مثل هذا لكان أحسن. قوله: فإذا جاء ربنا عرفناه وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني: فإذا جاءنا قوله: في صورته أي: في صفته أي: يتجلى لهم الله على الصفة التي عرفوه بها، وقال ابن التين: اختلف في معنى الصورة، فقيل: صورة اعتقاد كما تقول: صورة اعتقادي في هذا الأمر، فالمعنى يرونه على ما كانوا يعتقدون من الصفات، وقال ابن قتيبة: لله صورة لا كالصور كما أنه شيء لا كالأشياء، فأثبت لله صورة قديمة، وقال ابن فورك: وهذا جهل من قائله، وقال الداودي: إن كانت الصورة محفوظة فيحتمل أن يكون المراد صورة الأمر والحال الذي يأتي فيه، وقال المهلب: أما قولهم، فإذا جاء ربنا عرفناه فإنما ذلك أن الله تعالى يبعث إليهم ملكا ليفتنهم ويختبرهم في اعتقاد صفات ربهم الذي ليس كمثله شيء، فإذا قال لهم الملك: أنا ربكم، رأوا عليه دليل الخلقة التي تشبه المخلوقات فيقولون هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاءنا عرفنا أي: إنك لست ربنا فيأيتهم الله في صورته التي يعرفون أي: يظهر إليهم في ملكه الذي
125

لا ينبغي لغيره، وعظمته التي لا تشبه شيئا من مخلوقاته فيعرفون أن ذلك الجلال والعظمة لا يكون لغيره، فيقولون: أنت ربنا الذي لا يشبهك شيء، فالصورة يعبر بها عن حقيقة الشيء. قوله: فيتبعونه أي: فيتبعون أمره إياهم بذهابهم إلى الجنة أو ملائكته التي تذهب بهم إليها. قوله: بين ظهري جهنم أي: على وسطها، ويروى: بين ظهراني جهنم، وكل شيء متوسط بين شيئين فهو بين ظهريهما وظهرانيهما. وقال الداودي: يعني على أعلاها فيكون جسرا، ولفظ ظهري مقحم والصراط جسر ممدود على متن جهنم أحد من السيف وأدق من الشعر يمر عليه الناس كلهم. قوله: من يجيزها أي: يجوز يقال: أجزت الوادي جزته لغتان، وقال الأصمعي: أجاز بمعنى قطع، وفي رواية المستملي: أول من يجيء. قوله: يومئذ أي: في حال الإجازة وإلا ففي يوم القيامة مواطن يكلم الناس فيها وتجادل كل نفس عن نفسها ولا يتكلمون لشدة الأهوال. قوله: كلاليب جمع كلوب بفتح الكاف وهو حديدة معطوفة الرأس يعلق عليها اللحم، وقيل: الكلوب الذي يتناول به الحداد الحديد من النار، كذا في كتاب ابن بطال، وفي كتاب ابن التين: هو المعقف الذي يخطف به الشيء. قوله: شوك السعدان هو في أرض نجد وهو نبت له شوكة عظيمة مثل الحسك من كل الجوانب. قوله: تخطف بفتح الطاء ويجوز كسرها. قوله: بأعمالهم أي: بسبب أعمالهم أو بقدر أعمالهم. قوله: فمنهم المؤمن بالميم والنون من الإيمان. قوله: يبقى بعمله من البقاء ويروى: يقي بعمله من الوقاية، ويروى: يعني بعمله، وكذا في مسلم. وقال القاضي عياض: قوله: فمنهم المؤمن بقي بعمله روي على ثلاث أوجه. أحدها المؤمن بقي بعمله بالميم والنون، وبقي بالباء والقاف. قوله: والثاني الموثق بالمثلثة والقاف: والثالث الموبق يعني: بعمله، فالموبق بالباء الموحدة والقاف ويعني بفتح الياء المثناة وبعدها العين ثم النون، قال القاضي: هذا أصحها، وكذا قال، وكذا قال صاحب المطالع هذا الثالث هو الصواب. قال: وفي بقي على الوجه الأول ضبطان: أحدهما: بالباء الموحدة. والثاني: بالياء المثناة من تحت من الوقاية. قوله: أو الموبق بالواو وبالباء الموحدة والقاف من وبق إذا هلك وبوقا، وأوبقته ذنوبه أهلكته قوله: ومنهم المخردل من خردلت اللحم فصلته، وخردلت الطعام أكلت خياره، قاله صاحب العين وقال غيره: خردلته صرعته وهذا الوجه يوافق معنى الحديث، كما قاله ابن بطال. وقال الكرماني: ويقال بالذال المعجمة أيضا، والجردلة بالجيم الإشراف على الهلاك وهذا كله شك من الرواة. قوله: أو المجازي بالجيم والزاي وفي مسلم: ومنهم المجازى حتى ينجى. قوله: أو نحوه هذا شك من الراوي أيضا. قوله: إذا فرغ الله أي: أتم. قوله: ممن يشهد قيل: هذا تكرار لقوله: لا يشرك وأجيب بأن فائدته تأكيد الإعلام بأن تعلق إرادة الله بالرحمة ليس إلا للموحدين. قوله: إلا أثر السجود أي: موضع أثر السجود، وهو الجبهة، وقيل: الأعظم السبعة، قيل: قال الله تعالى: * (يوم يحمى عليها فى نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هاذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) * وأجيب بأنه نزل في أهل الكتاب مع أن الكي غير الأكل. فإن قلت: ذكر مسلم مرفوعا: أن قوما يخرجون من النار يحترقون فيها إلا دارة الوجوه. قلت: هؤلاء القوم مخصوصون من جملة الخارجين من النار بأنه لا يسلم منهم من النار إلا دارة الوجوه، وأما غيرهم فتسلم جميع أعضاء السجود منهم عملا بعموم هذا الحديث، فهذا الحديث عام وذلك
خاص فيعمل بالعام إلا ما خص. قوله: قد امتحشوا بالحاء المهملة والشين المعجمة وهو بفتح التاء والحاء هكذا هو في الروايات، وكذا نقله القاضي عن متقني شيوخه، قال: وهو وجه الكلام، وكذا ضبطه الخطابي والهروي وقالا في معناه: احترقوا، وروي على صيغة المجهول، وفي الصحاح المحش إحراق النار الجلد، وفيه لغة: أمحشته النار، وامتحش الجلد احترق، وقال الداودي: امتحشوا ضمروا ونقصوا كالمحترقين. قوله: الحبة بكسر الحاء بزر البقول والعشب تنبت في جوانب السيل والبراري وجمعها حبب بكسر لحاء وفتح الباء. قوله: في حميل السيل بفتح الحاء المهملة ما جاء به السيل من طين ونحوه أي: محمول السيل، والتشبيه إنما هو في سرعة النبات وطراوته وحسنه. قوله: قد قشبني بالقاف والشين المعجمة والباء الموحدة المفتوحات أي: آذاني وأهلكني، هكذا معناه عند الجمهور من أهل اللغة، وقال الداودي: معناه غير جلدي وصورتي. قوله: ذكاؤها بفتح الذال المعجمة وبالمد في جميع الروايات ومعناه: لهبها واشتعالها وشدة لفحها، والأشهر في اللغة أنه مقصور، وقيل: القصر والمد لغتان، يقال: ذكت النار تذكو ذكاء إذا اشتعلت، وأذكيتها أنا. قوله: هل عسيت؟ بفتح التاء على الخطاب، ويقال بفتح
126

السين وكسرها لغتان قرىء بهما في السبع، وقرأ نافع بالكسر والباقون بالفتح وهو الأفصح الأشهر في اللغة، وقال الخليل: لا يستعمل منه مستقبل، قوله: أن أعطيت بفتح التاء على صيغة المجهول. قوله: ذلك أي: صرف وجهك من النار، وقال الكرماني: فإن قلت: ما وجه حمل السؤال على المخاطب إذ لا يصح أن يقال أنت سؤال، إذ السؤال حدث وهو ذات؟ قلت: تقديره أنت صاحب السؤال، أو عسى أمرك سؤالك، أو هو من باب زيد عدل، أو هو بمعنى: قرب، أي: قرب من السؤال، أو أن الفعل بدل اشتمال عن فاعله. قوله: ما أغدرك؟ فعل التعجب من الغدر وهو الخيانة وترك الوفاء بالعهد. قوله: انفهقت من الانفهاق بالفاء ثم القاف وهو الانفتاح والاتساع، وحاصل المعنى: انفتحت واتسعت. قوله: من الحبرة بفتح الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة، قال الكرماني: النعمة، وقال ابن الأثير: الحبرة سعة العيش وكذلك الحبور، وفي مسلم: فرأى ما فيها من الخير بالخاء العجمة وبالياء آخر الحروف، وقال النووي: هذا هو الصحيح المشهور في الروايات والأصول، وحكى عياض أن بعض رواة مسلم: الحبر بفتح الحاء المهملة وسكون الباء ومعناه السرور، وقال صاحب المطالع كلاهما صحيح والثاني أظهر. قوله: لا أكونن بالنون الثقيلة هكذا في رواية المستملي، وفي رواية غيره: لا أكون. قوله: أشقى خلقك قيل: هو ليس بأشقى لأنه خلص من العذاب وزحزح عن النار وإن لم يدخل الجنة. وأجيب: بأنه أشقى أهل التوحيد الذين هم أبناء جنسه فيه، ويقال: أشقى خلقك الذين لم يخلدوا في النار. قوله: حتى يضحك الله منه الضحك محال على الله ويراد لازمه وهو الرضا عنه ومحبته إياه. قوله: تمنه الهاء فيه للسكت وهو أمر من: تمنى يتمنى. قوله: ويذكره أي: يذكر المتمنى الفلاني والفلاني، يسمى له أجناس ما يتمنى، وهذا من عظيم رحمة الله سبحانه. قوله: الأماني جمع أمنية، ويجوز في الجمع التخفيف والتشديد. قوله: ومثله معه أي: ومثل ما أعطى بسؤاله يعطى أيضا مثله، والجمع بين روايتي أبي هريرة وأبي سعيد: أن الله أعلم أولا بما في حديث أبي هريرة، ثم تكرم الله فزاد بما في رواية أبي سعيد، ولم يسمعه أبو هريرة.
7439 حدثنا يحياى بن بكير، حدثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري قال: قلنا: يا رسول الله هل نراى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوا؟ قلنا: لا. قال: فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون في رؤيتهما، ثم قال: ينادي مناد: ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون، فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم، حتى يبقاى من كان يعبد الله من بر أو فاجر وغبرات من أهل الكتاب، ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها سراب، فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيرا ابن الله، فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا، فيتساقطون في جهنم، ثم يقال للنصاراى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال: كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما. تريدون؟ فيقولون: نريد أن تسقينا. فيقال: اشربوا، فيتساقطون، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر فيقال لهم: ما يحبسكم وقد ذهب الناس؟ فيقولون: فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم، وإنا سمعنا مناديا ينادي: ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، وإنما ننتظر ربنا، قال: فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه
127

فيه أول مرة، فيقول: أنا ربكم. فيقولون: أنت ربنا، فلا يكلمه إلا الأنبياء، فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق، فيكشف عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ويبقاى من كان يسجد لله رياء وسمعة، فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقا واحدا، ثم يؤتاى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنم قلنا: يا رسول الله وما الجسر؟ قال: مدحضة مزلة عليه خطاطيف وكلاليب وحسكة مفلطحة لها شوكة عقيفاء، تكون بنجد يقال لها: السعدان، المؤمن عليها كالطرف وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم وناج مخدوش ومكدوس في نار جهنم حتى يمر آخرهم يسحب سحبا، فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق، قد تبين لكم من المؤمن يومئذ للجبار، وإذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم يقولون: ربنا إخواننا الذين كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويعملون معنا؟ فيقول الله تعالى: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه، ويحرم الله صورهم على النار، فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه وإلى أنصاف ساقيه فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا
قال أبو سعيد: فإن لم تصدقوني فاقرأوا: * (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما) * فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون فيقول الجبار بقيت شفاعتي، فيقبض قبضة من النار فيخرج أقواما قد امتحشوا فيلقون في نهر بأفواه الجنة يقال له: ماء الحياة، فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل قد رأيتموها إلى جانب الصخرة وإلى جانب الشجرة، فما كان إلى الشمس منها كان أخضر، وما كان منها إلى الظل كان أبيض، فيخرجون كأنهم اللؤلؤ فيجعل
في رقابهم الخواتيم فيدخلون الجنة، فيقول: أهل الجنة: هاؤلاء عتقاء الرحمان، أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه، فيقال لهم: لكم ما رأيتم ومثله معه.
ا
مطابقته للترجمة ظاهرة. ويحيى بن بكير هو يحيى بن عبد لله بن بكير المخزومي المصري يروي عن الليث بن سعد عن خالد بن يزيد من الزيادة الجمحي عن سعيد بن أبي هلال الليثي المدني عن زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، عن عطاء بن يسار ضد اليمين عن أبي سعيد الخدري واسمه سعد بن مالك.
والحديث مضى في تفسير سورة النساء عن محمد بن عبد العزيز.
يقال تضارون بالتخفيف أي: لا يلحقكم ضرر ولا يخالف بعضكم بعضا ولا تتنازعون، ويروى، بالتشديد أي: لا تضارون أحدا فتسكن الراء الأولى وتدغم في التي بعدها، وحذف مفعوله لبيان معناه. قوله: إذا كانت صحوا أي: ذات صحو، وفي الصحاح أصحت السماء انقشع عنها الغيم فهي مصحية. وقال الكسائي: فهي صحو، ولا تقل: مصحية. قوله: إلا كما تضارون بفتح التاء المثناة من فوق وضمها وتشديد الراء وتخفيفها. قوله: وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم وفي رواية مع إلاههم بالإفراد. قوله: وغبرات بضم الغين المعجمة وتشديد الباء الموحدة أي: بقايا. وقال الكرماني: جمع غابر، وليس كذلك بل هو جمع غبر وغبر الشيء بقيته. وقال ابن الأثير: الغبرات جمع غبر، والغبر جمع غابر. قوله: كأنها سراب هو الذي يتراءى للناس
128

في القاع المستوي وسط النهار في الحر الشديد لامعا مثل الماء * (والذين كفرو
1764; ا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن مآء حتى إذا جآءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب) * قوله: عزير اسم منصرف وإن كانت فيه العجمة والعلمية، مثل نوح ولوط، قوله: فيقال كذبتم قيل: كانوا صادقين في عبادة عزير؟ وأجيب بأنهم كذبوا في كونه ابن الله. قال الكرماني؛ فإن قلت: المرجع هو الحكم الواقع لا المشار إليه، فالصدق والكذب راجعان إلى الحكم بالعبادة لا إلى الحكم بكونه ابنا. قلت: إن الكذب راجع إلى الحكم بالعبادة المقيدة وهي منتفية في الواقع باعتبار انتفاء قيدها، وهو في حكم القضيتين كأنهم قالوا: عزير هو ابن الله ونحن كنا نعبده، فكذبهم في القضية الأولى. قوله: فيتساقطون لشدة عطشهم وإفراط حرارتهم. قوله: ما يحبسكم؟ بالحاء المهملة والباء الموحدة من الحبس، هكذا في رواية الكشميهني أي: ما يمنعكم من الذهاب؟ وفي رواية غيره: ما يجلسكم؟ بالجيم واللام من الجلوس أي: ما يقعدكم عن الذهاب؟ قوله: فيقولون: فارقناهم أي: الناس في الدنيا وكنا في ذلك الوقت أحوج إليهم منا في هذا اليوم فكل واحد هو المفضل والمفضل عليه لكن باعتبار زمانين أي: نحن فارقنا أقاربنا وأصحابنا ممن كانوا يحتاج إليهم في المعاش لزوما لطاعتك ومقاطعة لأعداء الدين وغرضهم منه التضرع إلى الله في كشف هذه خوفا من المصاحبة معهم في النار، يعني: كما لم نكن مصاحبين لهم في الدنيا لا نكون مصاحبين لهم في الآخرة. قوله: في صورة أي: في صفة. وأطلق الصورة على سبيل المشاكلة، واستدل ابن قتيبة بذكر الصورة على أن لله صورة لا كالصور، كما ثبت أنه شيء لا كالأشياء. وقال ابن بطال: تمسكت به المجسمة فأثبتوا لله صورة، ولا حجة لاحتمال أن تكون بمعنى العلامة وضعها الله لهم دليلا على معرفته، كما يسمى الدليل والعلامة صورة. قوله: غير صورته التي رأوه أول مرة قيل: يحتمل أن يشير بذلك إلى ما عرفوه حين أخرج ذرية آدم من صلبه. ثم أنساهم ذلك في الدنيا، ثم يذكرهم بها في الآخرة. قوله: فإذا رأينا ربنا عرفناه قال ابن بطال: عن المهلب أن الله يبعث لهم ملكا ليختبرهم في اعتقاد صفات ربهم الذي ليس كمثله شيء، فإذا قال لهم: أنا ربكم، ردوا عليه لما رأوا عليه من صفة المخلوق، فقوله: فإذا جاء ربنا عرفناه أي: إذا أظهر لنا في ملك لا ينبغي لغيره وعظمته لا تشبه شيئا من مخلوقاته فحينئذ يقولون: أنت ربنا. قال: وأما قوله: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق فهذا يحتمل أن الله عرفهم على ألسنة الرسل من الملائكة والأنبياء أن الله جعل لهم علامة تجلية الساق. قوله: يكشف على صيغة المجهول والمعروف عن ساقه فسر الساق بالشدة أي: يكشف عن شدة ذلك اليوم وأمر مهول وهذا مثل تضربه العرب لشدة الأمر كما يقال: قامت الحرب على ساق، وجاء عن ابن عباس في قوله: * (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون) * قال: عن شدة من الأمر. وقيل: المراد به النور العظيم، وقيل: هو جماعة من الملائكة يقال: ساق من الناس، كما يقال: رجل من جراد، وقيل: هو ساق يخلقه الله خارجا عن السوق المعتادة، وقيل: جاء الساق بمعنى النفس أي: تتجلى لهم ذاته. قوله: رياء أي: ليراه الناس. قوله: وسمعة أي: ليسمعه الناس. قوله: فيذهب كيما يسجد لفظة: كي. هنا بمنزلة لام التعليل في المعنى والعمل، دخلت على كلمة: ما، المصدرية بعدها: أن، مضمرة تقديره: يذهب لأجل السجود. قوله: طبقا واحدا الطبق فقار الظهر أي: صار فقارة واحدة كالصفحة فلا يقدر على السجود، وقيل: الطبق عظم رقيق يفصل بين كل فقارين، وقال ابن بطال: تمسك به من أجاز تكليف ما لا يطاق من الأشاعرة، والمانعون تمسكوا بقوله تعالى: * (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى لعلهم يرشدون) * ورد عليهم: بأن هذا ليس فيه تكليف ما لا يطاق، وإنما هو خزي وتوبيخ إذ أدخلوا أنفسهم بزعهمم في جملة المؤمنين الساجدين في الدنيا، وعلم الله منهم الرياء في سجودهم، فدعوا في الآخرة إلى السجود كما دعي المؤمنون المحقون فيتعذر السجود عليهم وتعود ظهورهم طبقا واحدا ويظهر الله تعالى نفاقهم، فأخبرهم وأوقع الحجة عليهم. قوله: ثم يؤتى بالجسر بفتح الجيم وكسرها حكاهما ابن السكيت والجوهري. قوله: مدحضة من دحضت رجله دحضا زلقت، ودحضت الشمس عن كبد السماء زالت، ودحضت حجته بطلت. قوله: مزلة من زلت الأقدام سقطت. وقال الكرماني: مزلة بكسر الزاي وفتحها بمعنى المزلقة، أي: موضع تزلق فيه الأقدام، ومدحضة أي: محل ميل الشخص، وهما بفتح الميم ومعناهما متقاربان. قوله: خطاطيف جمع خطاف بالضم وهو الحديدة المعوجة كالكلوب يختطف بها الشيء، والكلاليب جمع كلوب، وقد مر تفسيره في الحديث الماضي. قوله: وحسكة بفتحات
129

وهي شوكة صلبة معروفة، قاله ابن الأثير. وقال صاحب التهذيب وغيره: الحسك نبات له ثمر خشن يتعلق بأصواف الغنم وربما اتخذ مثله من حديد، وهو من آلات
الحرب، وقال الجوهري: الحسك حسك السعدان، والحسكة ما يعمل من حديد على مثاله. قوله: مفلطحة بضم الميم وفتح الفاء وسكون اللام وفتح الطاء المهملة وبالحاء المهملة أي: عريضة، هكذا في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني: مطلفحة، بتقديم الطاء وتأخير الفاء واللام قبلها من طلفحه إذا أرقه، والطلافح العراض، والأول هو المعروف في اللغة، يعني: عريض، يقال: فلطح القرص إذا بسطه وعرضه. قوله: عقيفاء بضم العين المهملة وفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف وبالفاء ممدودا، ويروى: عقيفة، على وزن كريمة وهي المنعطفة المعوجة. قوله: المؤمن عليها أي: يمر عليها كالطرف بكسر الطاء وهو الكريم من الخيل وبالفتح البصر يعني كلمح البصر، وهذا هو الأولى لئلا يلزم التكرار. قوله: وكأجاويد الخيل جمع الأجواد وهو جمع الجواد وهو فرس بين الجودة بالضم رائع. قوله: والركاب الإبل واحدتها الراحلة من غير لفظها. قوله: مسلم بفتح اللام المشددة. قوله: مخدوش أي: مخموش ممزوق، قاله الكرماني: من الخمش بالمعجمتين وهو تمزيق الوجه بالأظافير. قوله: ومكدوس بالمهملتين أي: مصروع، ويروى بالشين المعجمة أي: مدفوع مطرود، ويروى مكردس بالمهملات من كردست الدواب إذا ركب بعضها بعضا، يعني: أنهم ثلاثة أقسام: قسم مسلم لا يناله شيء، وقسم يخدش ثم يسلم ويخلص، وقسم يسقط في جهنم. قوله: وآخرهم أي: آخر الناجين يسحب على صيغة المجهول. قوله: فما أنتم بأشد لي مناشدة أي: مطالبة. قوله: قد تبين جملة حالية. قوله: من المؤمن صلة أشد. قوله: للجبار وقوله: في إخوانهم كلاهما متعلق بمناشدة مقدرة أي: ليس طلبكم مني في الدنيا في شأن حق يكون ظاهرا لكم أشد من طلب المؤمنين من الله في الآخرة في شأن نجاة إخوانهم من النار، والغرض شدة اعتناء المؤمنين بالشفاعة لإخوانهم. قوله: في إخوانهم ويروى وبقي إخوانهم. فإن قلت: المؤمن مفرد فلم جمع الضمير؟ قلت: باعتبار الجمع المراد من لفظ الجنس، وكان القياس أن يقال: إذا رأى، بدون الواو ولكن قوله: في إخوانهم مقدم عليه حكما، وهذا خبر مبتدأ محذوف أي: وذلك إذا رأوا نجاة أنفسهم يقولون: ربنا إخواننا الخ. وقال الكرماني: يقولون، استئناف كلام. قلت: الذي يظهر من حل التركيب أنه جواب إذا، والله أعلم. قوله: فأخرجوه صيغة أمر للجماعة. قوله: فيخرجون بضم الياء من الإخراج قوله: من عرفوا مفعوله وكذلك البواقي. قوله: ذرة بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء. وقال ابن الأثير: سئل ثعلب عنها فقال: إن مائة نملة وزن حبة، والذرة واحدة منها، وقيل: الذرة ليس لها وزن، ويراد بها ما يرى في شعاع الشمس الداخل في النافذة.
قوله: قال أبو سعيد هو الخدري راوي الحديث. قوله: بأفواه الجنة الأفواه جمع فوهة بضم الفاء وتشديد الواو المفتوحة على غير القياس، وأفواه الأزقة والأنهار أوائلها، والمراد مفتتح مسالك قصور الجنة. قوله: في حافتيه تثنية حافة بتخفيف الفاء وهي الجانب. قوله: الخواتيم أراد أشياء من الذهب تعلق في أعناقهم كالخواتيم علامة يعرفون بها وهم كاللالىء في صفائهم. قوله: بغير عمل عملوه أي: في الدنيا ولا خير قدموه في الدنيا إلى الآخرة، أراد مجرد الإيمان دون أمر زائد عليه من الأعمال والخيرات، وعلم منه أن شفاعة الملائكة والنبيين والمؤمنين فيمن كان له طاعة غير الإيمان الذي لا يطلع عليه إلا الله.
7440 وقال حجاج بن منهال: حدثنا همام بن يحياى، حدثنا قتادة عن أنس، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يحبس المؤمنون يوم القيامة حتى يهموا بذالك، فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا فيريحنا من مكاننا، فيأتون آدم فيقولون: أنت آدم أبو الناس، خلقك الله بيده وأسكنك جنته وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء لتشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هاذا، قال: فيقول: لست هناكم قال: ويذكر خطيئته التي أصاب: أكله من الشجرة، وقد نهي عنها ولكن ائتو
130

ا نوحا أول نبي بعثه الله تعالى إلى أهل الأرض، فيأتون نوحا فيقول: لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب: سؤاله ربه بغير علم ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمان، قال: فيأتون إبراهيم فيقول: إني لست هناكم ويذكر ثلاث كلمات كذبهن ولكن ائتوا موسى عبدا آتاه الله التوراة وكلمه وقربه نجيا، فيأتون موسى، فيقول: إني لست هناكم ويذكر لهم خطيئته التي أصاب: قتله النفس ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وروح الله وكلمته، قال: فيأتون عيسى فيقول: لست هناكم ولكن ائتوا محمدا عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. فيأتوني فأنطلق فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت له ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، فيقول: ارفع محمد، وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعطه. قال: فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، ثم أشفع فيحد لي حدا، فأخرج فأدخلهم الجنة قال قتادة: وسمعته أيضا يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول: ارفع محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعط، قال: فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، قال: ثم أشفع فيحد لي حدا فأخرج فأدخلهم الجنة قال قتادة: وسمعته يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول: ارفع محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعطه، قال: فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، قال: ثم أشفع فيحد لي حدا فأخرج فأدخلهم الجنة قال قتادة: وقد سمعته يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة حتى ما يبقاى في النار إلا من حبسه القرآن أي: وجب عليه الخلود قال: ثم تلا هاذه الآية * (ومن اليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) * قال: وهذا المقام المحمود الذي وعده نبيكم
ا
حجاج بن منهال أحد مشايخ البخاري: ولم يقل: حدثنا، لأنه إما أنه سمعه منه مذاكرة لا تحميلا، وإما أنه كان عرضا ومناولة، وهكذا وقع عند جميع الرواة إلا في رواية أبي زيد المروزي عن الفربري، فقال فيها: حدثنا حجاج، وكلهم ساقوا الحديث كله إلا النسفي فساق منه إلى قوله: خلقك الله بيده ثم قال: فذكر الحديث... ووقع لأبي ذر عن الحموي نحوه، لكن قال: وذكر هذا الحديث بطوله بعد قوله: حتى يهموا بذلك ونحوه للكشميهني.
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن أبي كامل وهمام بتشديد الميم ابن يحيى بن دينار المحلي أبي عبد الله البصري، وقد مضى أكثر شرحه.
قوله: حتى يهموا من الوهم ويروى بتشديد الميم من: الهم، بمعنى القصد والحزن معروفا ومجهولا، وفي صحيح مسلم يهتموا أي: يعتنوا بسؤال الشفاعة وإزالة
الكرب عنهم. قوله: لو استشفعنا جواب: لو، محذوف أو هو للتمني. قوله: فيريحنا بضم الياء من الإراحة. قوله: لست أهلا لذلك وليس لي هذه المنزلة. قوله: التي أصاب أي: التي أصابها. قوله: أكله منصوب بأنه بدل من الخطيئة، أو بيان لها أو بفعل مقدر نحو: يعني أكله، ويروى:
131

ويذكر أكله، بحذف لفظ الخطيئة التي أصاب. قوله: ائتوا نوحا أول نبي بعثه الله قيل: يلزم منه أن يكون آدم غير نبي. وأجيب: اللازم ليس كذلك بل كان نبيا لكن لم يكن أهل أرض يبعث إليهم، وقد مر الكلام فيه عن قريب. قوله: سؤاله ربه أي: دعاءه بقوله: * (وقال نوح رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا) * قوله: ثلاث كلمات وهي قوله: * (فقال إنى سقيم) * و * (قال بل فعله كبيرهم هاذا فاسئلوهم إن كانوا ينطقون) * وهذه أختي وهذه رواية المستملي، وفي رواية غيره. ثلاث كذبات. قال القاضي: هذا يقولونه تواضعا وتعظيما لما يسألونه وإشارة إلى أن هذا المقام لغيرهم، ويحتمل أنهم علموا أن صاحبها محمد، ويكون إحالة كل واحد منهم على الآخر ليصل بالتدريج إلى محمد، إظهارا لفضيلته، وكذلك إلهام الناس لسؤالهم عن آدم، عليه الصلاة والسلام. قوله: في داره أي: جنته والإضافة للتشريف: كبيت الله، وحرم الله، أو الضمير راجع إلى رسول الله، على سبيل الالتفات، قاله الكرماني، وفيه تأمل. قوله: ارفع محمد يعني: ارفع رأسك يا محمد. قوله: يسمع على صيغة المجهول مجزوم لأنه جواب الأمر. قوله: اشفع أمر من شفع يشفع شفاعة وتشفع على صيغة المجهول بتشديد الفاء ومعناه: تقبل شفاعتك. قوله: وسل أمر من سأل وتعط على صيغة المجهول جواب الأمر. قوله: فيحد لي حدا أي: يعين لي طائفة معينة. قوله: فأخرج أي: من داره فأخرجهم، من الإخراج وأدخلهم من الإدخال. قوله: قال قتادة هو الراوي المذكور وهو متصل بالسند المذكور. قوله: فأخرج وأخرجهم أي: أخرج من الدار وهو بفتح الهمزة وأخرجهم، بضم الهمزة من الإخراج. قوله: أي: وجب عليه أي: بنص القرآن، وهو قوله تعالى: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذالك لمن يشآء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا) * وهم الكفار، قول: وعده أي: حيث قال: * (ومن اليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) * وهذا هو إشارة إلى الشفاعة الأولى التي لم يصرح بها في الحديث، ولكن السياق وسائر الروايات تدل عليه.
7441 حدثنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم، حدثني عمي، حدثنا أبي عن صالح، عن ابن شهاب قال: حدثني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة وقال لهم: اصبروا حتى تلقوا الله ورسوله، فإني على الحوض
ا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: حتى تلقوا الله.
قوله: حدثني عمي، هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد، وأبوه هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وصالح هو ابن كيسان.
وأخرج الحديث مسلم مطولا من هذا الوجه فقال في أوله: لما أفاء الله على رسوله من أموال هوازن الحديث.
قبة بضم القاف وتشديد الباء الموحدة، وهو بيت صغير مستدير من الخيام وهو من بيوت العرب. قوله: حتى تلقوا الله اللقاء مقابلة الشيء ومصادفته، لقيه يلقاه ويقال أيضا في الإدراك بالحس والبصيرة، ومنه قوله تعالى: * (ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون) * وملاقاة الله يعبر بها عن الموت وعن يوم القيامة، وقيل ليوم القيامة: يوم التلاقي، لالتقاء الأولين والآخرين فيه. قوله: فإني على الحوض أراد به الحوض الذي أعطاه الله تعالى، وهو في الجنة، ويؤتى به إلى المحشر يوم القيامة.
وفيه: رد على المعتزلة في إنكارهم الحوض، وفي بعض النسخ: حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض، وعلى هذه الرواية سأل الكرماني حيث قال: الله منزه عن المكان فكيف يكون على الحوض؟ ثم أجاب بقوله: هو قيد للمعطوف كقوله: * (ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين) * أو لفظ: على الحوض، ظرف للفاعل لا للمفعول، وفي أكثر النسخ بدل في كلمة: فإني على الحوض، فسقط السؤال عن درجة الاعتبار بالكلية.
7442 حدثني ثابت بن محمد، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن سليمان الأحول، عن طاوس عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: كان النبي إذا تهجد من الليل قال: اللهم ربنا لك الحمد، أنت قيم السماوات والأرض، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق وقولك الحق، ووعدك
132

الحق ولقاؤك الحق، والجنة حق والنار حق والساعة حق، اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت، وإليك خاصمت وبك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وأسررت وأعلنت وما أنت أعلم به مني لا إلاه إلا أنت
ا
مطابقته للترجمة في قوله: ولقاؤك حق لأن معناه: رؤيتك.
وثابت بالثاء المثلثة في أوله ابن محمد أبو إسماعيل العابد الشيباني الكوفي، وسفيان هو الثوري، وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج.
والحديث قد مضى في أول كتاب التهجد فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله، ومضى الكلام فيه.
قال أبو عبد الله: قال قيس بن سعد وأبو الزبير عن طاوس: قيام. وقال مجاهد: القيوم القائم على كل شيء. وقرأ عمر: القيام، وكلاهما مدح.
قيس بن سعد المكي الحبشي مفتي مكة مات سنة تسع عشرة ومائة. وأبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس القرشي الأسدي المكي مولى حكيم بن حزام مات سنة ثمان وعشرين ومائة، أراد أن قيسا وأبا الزبير رويا هذا الحديث عن طاوس عن ابن عباس، فوقع عندهما: أنت قيام السماوات، بدل: أنت قيم السماوات، وطريق قيس
وصلها مسلم، وأبو داود من طريق عمران بن مسلم عن قيس، وطريق أبي الزبير وصلها مالك في الموطأ عنه. قوله: وقال مجاهد أراد أن مجاهدا فسر القيوم بقوله: القائم على كل شيء ووصله الفريابي في تفسيره عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا. قوله: وقرأ عمر أي: ابن الخطاب، رضي الله تعالى عنه: الله لا إلاه إلا هو الحي القيام لا تأخذه سنة ولا نوم وهو على وزن فعال بالتشديد وهي صيغة مبالغة، وكذلك لفظ: القيوم، وقال أبو عبيدة وابن المثنى: القيوم فيعول وهو القائم الذي لا يزول، وقال الخطابي: القيوم نعت للمبالغة في القيام على كل شيء بالرعاية له، وقال الحليمي: القيوم القائم على كل شيء من خلقه يدبره بما يريد. قوله: وكلاهما مدح أي: القيوم والقيام مدح لأنهما من صيغ المبالغة. ولا يستعملان في غير المدح، بخلاف: القيم، فإنه يستعمل في الذم أيضا. وقال محمد بن فرح بالفاء وسكون الراء وبالحاء المهملة القرظي في كتاب الأسنى في الأسماء الحسنى يجوز وصف العبد بالقيم ولا يجوز بالقيوم، وقال الغزالي في المقصد الأسنى القيوم هو القائم بذاته، والقيم لغيره وليس ذلك إلا الله تعالى. وقال الكرماني: فعلى هذا التفسير هو صفة مركبة من صفات الذات وصفة الفعل.
7443 حدثنا يوسف بن موساى، حدثنا أبو أسامة، حدثني الأعمش عن خيثمة عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، ولا حجاب يحجبه
ا
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث.
و يوسف بن موسى بن راشد القطان الكوفي سكن بغداد، و أبو أسامة حماد بن أسامة يروي عن سليمان الأعمش عن خيثمة بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالثاء المثلثة ابن عبد الرحمن الجعفي، و عدي بن حاتم الطائي.
والحديث مضى في الرقاق عن عمر بن حفص.
قوله: ما منكم الخطاب للمؤمنين، وقيل: بعمومه. قوله: ترجمان فيه لغات ضم التاء والجيم وفتح الأول وضم الثاني. قوله: حجاب وفي رواية الكشميهني: حاجب، قال ابن بطال: معنى رفع الحجاب إزالة الآفة عن أبصار المؤمنين المانعة لها من رؤيته، واستعير الحجاب للرد، فكان نفيه دليلا على ثبوت الإجابة. وأصل الحجاب الستر الحاصل بين الرائي والمرئي، والمراد هنا منع الأبصار من الرؤية.
7444 حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد، عن أبي عمران، عن أبي
133

بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب، آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبر على وجهه في جنة عدن
انظر الحدبث 4878 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة.
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وأبو عمران هو عبد الملك بن حبيب الجوني، وأبو بكر بن أبي موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس.
والحديث مضى في تفسير سورة الرحمان.
قوله: جنتان إشارة إلى قوله تعالى: * (ومن دونهما جنتان) * وتفسير له وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هما جنتان. قوله: آنيتهما مبتدأ ومن فضة مقدما خبره، ويحتمل أن يكون فاعل فضة أي: جنتان مفضض آنيتهما، واختلفوا في قوله: ومن دونهما فقيل: في الدرجة وقيل: في الفضل. فإن قلت: يعارضه حديث أبي هريرة، قلنا: يا رسول الله: حدثنا عن الجنة مما بناؤها. قال: لبنة من ذهب ولبنة من فضة أخرجه أحمد والترمذي وصححه. قلت: المراد بالأول: صفة ما في كل الجنة من آنية وغيرها، ومن الثاني: حوائط الجنان كلها. قوله: إلا رداء الكبر ويروى إلا رداء الكبرياء، هو من المتشابهات إذ لا رداء حقيقة ولا وجه فإما أن يفوض أو: يؤول الوجه بالذات، والرداء صفة من صفات الذات اللازمة المنزهة عما يشبه المخلوقات، وقال القرطبي في المفهم الرداء استعارة كنى بها عن العظمة كما في الحديث الآخر: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، وليس المراد الثياب المحسوسة. قوله: على وجهه حال من رداء الكبر. قوله: في جنة عدن راجع إلى القوم. وقال عياض: معناه راجع إلى الناظرين، أي: وهم في جنة عدن لا إلى الله، فإنه لا تحويه الأمكنة سبحانه وتعالى. وقال القرطبي: متعلق بمحذوف في موضع الحال من القوم مثل، كائنين في جنة عدن.
7445 حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عبد الملك بن أعين وجامع بن أبي راشد، عن أبي وائل عن عبد الله، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اقتطع مال امرىء مسلم بيمين كاذبة لقي الله وهو عليه غضبان قال عبد الله، ثم قرأ رسول الله مصداقه من كتاب الله جل ذكره * (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولائك لا خلاق لهم فى الاخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) * الآية
ا
مطابقته للترجمة في قوله: لقي الله.
والحميدي عبد الله بن الزبير بن عيسى ونسبته إلى حميد أحد أجداده، وسفيان هو ابن عيينة، وعبد الملك بن أعين بفتح الهمزة وسكون العين المهملة وفتح الياء آخر الحروف وبالنون الكوفي، وجامع ابن أبي راشد الصيرفي الكوفي، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وعبد الله هو ابن مسعود.
والحديث مضى في الإيمان في: باب عهد الله، ومضى الكلام فيه.
قوله: من اقتطع أي: أخذ قطعة لنفسه. قوله: غضبان قد مر غير مرة أن نسبة مثل هذا الكلام إلى الله تعالى يراد به لازمه، ولازم الغضب عقابه. قوله: مصداقه بكسر الميم مفعال من الصدق أي: مما يصدق هذا الحديث ويوافقه قوله تعالى: * (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولائك لا خلاق لهم فى الاخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) * الآية ووقع في رواية أبي ذر هكذا إلى أن قال: * (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولائك لا خلاق لهم فى الاخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) * الآية.
7446 حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا سفيان، عن عمر، وعن أبي صالح، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم: رجل حلف على سلعة لقد أعطى بها أكثر مما أعطى، وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبة، بعد العصر ليقتطع
134

بها مال امرىء مسلم؛ ورجل منع فضل ماء فيقول الله يوم القيامة: اليوم أمنعك فضلي، كما منعت فضل ما لم تعمل يداك
ا
مطابقته للترجمة من حيث إن الغضب إذا كان سببا لعدم الرؤية يكون الرضا سببا لحصولها، وهذا القدر كاف.
وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي، وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار، وأبو صالح ذكوان الزيات.
والحديث مضى في كتاب الشرب في: باب إثم من منع ابن السبيل من الماء، ومضى الكلام فيه.
قوله: منع فضل ماء أي: يمنع الناس من الماء الفاضل عن حاجته. قوله: ما لم تعمل يداك أي: حصوله وطلوعه من المنبع ليس بقدرتك بل هو بإنعام الله عز وجل وفضله على العباد، والمراد به مثل الماء الذي لا يكون ظهوره بسعي الشخص كالعيون والسيول لا كالآبار والقنوات.
7447 حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا أيوب، عن محمد، عن ابن أبي بكرة، عن أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم: ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، أي شهر هاذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس ذا الحجة؟ قلنا: بلى. قال: أي بلد هاذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: أليس البلدة قلنا: بلى. قال: فأي يوم هاذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس يوم النحر قلنا: بلى. قال: فإن دماءكم وأموالكم قال محمد وأحسبه قال: وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هاذا، في بلدكم هاذا في شهركم هاذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى من بعض من سمعه فكان محمد إذا ذكره قال: صدق النبي ثم قال: ألا هل بلغت ألا هل بلغت
ا
مطابقته للترجمة في قوله: وستلقون ربكم
وعبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي، وأيوب هو السختياني، ومحمد هو ابن سيرين، واسم أبي بكرة هذا عبد الرحمن لأن لأبي بكرة أولادا غيره واسم أبي بكرة نفيع بضم النون مصغرا.
والحديث مضى في كتاب العلم في: باب قول النبي رب مبلغ أوعى من سامع وفي الحج عن عبد الله بن محمد وفي التفسير وفي بدء الخلق وفي الفتن وفي المغازي، ومضى الكلام فيه غير مرة، وما يتعلق بتفسير أول الحديث قد مضى في تفسير سورة براءة، وما يتعلق بآخر الحديث قد مضى في الفتن.
قوله: الزمان أراد به السنة. قوله: قد استدار استدارة مثل حالته يوم خلق الله السماوات والأرض. قوله: حرم بضمتين أي: محرم فيها القتال. قوله: ورجب مضر إنما أضافوه إليهم لأنهم كانوا يحافظون على تحريمه أشد محافظة من غيرهم ولم يغيروه عن مكانه، ووصفه بالذي بين جمادى وشعبان للتأكيد أو لإزالة الريب الحادث فيه من النسيء. وقال الزمخشري: النسيء تأخير حرمة شهر إلى شهر آخر كانوا يحلون الشهر الحرام ويحرمون مكانه شهرا آخر حتى رفضوا تخصيص الأشهر الحرم، وكانوا يحرمون من شهور العام أربعة أشهر مطلقا، وربما زادوا في الشهور فيجعلونها ثلاثة عشر شهرا أو أربعة عشر شهرا، والمعنى: رجعت الأشهر إلى ما كانت عليه، وعاد الحج إلى ذي الحجة وبطلت تغييراتهم، وقد وافقت حجة الوداع ذا الحجة. قوله: البلدة أي: المعهودة وهي مكة المشرفة. قوله: قال محمد أي: ابن سيرين. قوله: يضرب بالرفع وبالجزم عند الكسائي نحو
135

لا تدن من الأسد يأكلك. قوله: من يبلغه بضم اللام وبفتحها مشددة. قوله: فلعل استعمل استعمال عسى. قوله: أوعى أي: أحفظ وأضبط أي: علم بالتجربة والاستقراء أن كثيرا من السامعين هم أفضل من شيوخهم.
25
((باب ما جاء في قول الله تعالى: * (ولا تفسدوا فى الارض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين) *))
أي: هذا باب في قول الله عز وجل: * (إن رحمة الله قريب من المحسنين) *
إنما قال: قريب، والقياس: قريبة، لأن الفعيل الذي بمعنى الفاعل قد يحمل على الذي بمعنى المفعول أو الرحمة بمعنى الترحم أو صفة لموصوف محذوف أي: شيء
قريب، أو لما كان وزنه وزن المصدر نحو: شهيق وزفير أعطى له حكمه في استواء المذكر والمؤنث. وقال ابن التين: هو من التأنيث المجازي كطلع الشمس وفيه نظر لأن شرطه تقدم الفعل. وقال ابن بطال: الرحمة تنقسم إلى صفة ذات فيكون معناه إرادة إثابة الطائعين، وإلى صفة فعل فيكون معناه أن فضل الله بسوق السحاب وإنزال المطر قريب من المحسنين، فكان ذلك رحمة لهم لكونه بقدرته وإرادته ونحوه وتسمية الجنة رحمة لكونها فعلا من أفعاله حادثة بقدرته.
7448 حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد، حدثنا عاصم، عن أبي عثمان عن أسامة قال: كان ابن لبعض بنات النبي يقضي، فأرسلت إليه أن يأتيها، فأرسل: إن ما أخذ وله ما أعطى، وكل إلى أجل مسمى فلتصبر ولتحتسب فأرسلت إليه فأقسمت عليه فقام رسول الله وقمت معه ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وعبادة بن الصامت فلما دخلنا ناولوا رسول الله الصبي ونفسه تقلقل في صدره حسبته قال: كأنها شنة فبكى رسول الله فقال سعد بن عبادة أتبكي؟ فقال: إنما يرحم الله من عباده الرحماء
ا
مطابقته للترجمة في آخر الحديث.
وعبد الواحد بن زياد العبدي، وعاصم هو الأحول، وأبو عثمان هو عبد الرحمن بن مل النهدي، وأسامة بن زيد بن حارثة.
والحديث مضى في الجنائز عن عبدان وفي الطب عن حجاج بن منهال وفي النذور عن حفص بن عمرو، ومضى الكلام فيه.
قوله: كان ابن وفي النذور: أنه بنت. قوله: يقضي أي: يموت أي: كان في النزع. قوله: تقلقل أي: تصوت اضطرابا. قوله: الرحماء جمع رحيم كالكرماء جمع كريم.
7449 حدثنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم، حدثنا يعقوب، حدثنا أبي عن صالح بن كيسان، عن الأعرج، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اختصمت الجنة والنار إلى ربهما، فقالت الجنة: يا رب ما لها لا يدخلها إلا ضعفاء الناس وسقطهم؟ وقالت: النار: يعني أوثرت بالمتكبرين؟ فقال الله تعالى للجنة: أنت رحمتي، وقال للنار: أنت عذابي أصيب بك من أشاء، ولكل واحدة منكما ملؤها. قال: فأما الجنة فإن الله لا يظلم من خلقه أحدا، وإنه ينشىء للنار من يشاء، فيلقون فيها فتقول: هل من مزيد ثلاثا حتى يضع فيها قدمه فتمتلىء، ويرد بعضها إلى بعض وتقول: قط قط قط
انظر الحديث 4849 وطرفه
مطابقته للترجمة في قوله: أنت رحمتي
وعبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي المدني، سمع عمه يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أصله مدني كان بالعراق سمع يعقوب هذا أباه، إبراهيم بن سعد وكان على قضاء بغداد، وسمع هو صالح بن كيسان الغفاري مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه، وسمع هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج.
والحديث رواه مسلم من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة،
136

رضي الله تعالى عنه.
تصمت الجنة والنار إما مجاز عن حالهما المشابهة للخصومة، وإما حقيقة بأن يخلق الله فيهما الحياة والنطق ونحوهما، واختصامهما افتخار بعضهما على بعض بمن يسكنهما، وفي رواية مسلم: احتجت النار والجنة، وفي لفظ آخر: تحاجت النار والجنة. قوله: فقالت الجنة: يا رب ما لها هو على طريقة الالتفات، وإلا فمقتضى الظاهر: ما لي. قوله: وسقطهم بالفتحتين الضعفاء الساقطون من أعين الناس، وفي رواية مسلم بعد قوله: وسقطهم وعجزهم، وفي رواية بعده: وغرتهم وعجزهم، بفتح العين المهملة والجيم جمع عاجز أي: العاجزون عن طلب الدنيا والتمكن فيها، وضبط أيضا بضم العين وتشديد الجيم المفتوحة وهو أيضا جمع عاجز، وغرتهم بكسر الغين المعجمة وتشديد الراء وبالتاء المثناة من فوق، قال النووي: هذا هو الأشهر في نسخ بلادنا أي: البله الغافلون الذين ليس لهم حذق في أمور الدنيا. قوله: وقالت النار: يعني أوثرت على صيغة المجهول أي: اختصصت، وهذا مقول القول أبرزه في بعض النسخ بقوله: يعني أوثرت بالمتكبرين؟ ولم يقع هذا في كثير من النسخ حتى قال ابن بطال: سقط قوله: أوثرت هنا من جميع النسخ. وقال الكرماني: أين مقول القول؟ ثم قال: قلت: مقدر معلوم من سائر الروايات وهو أوثرت بالمتكبرين. قوله: وإنه ينشئ للنار من يشاء أي: يوجد ويخلق، وقال القابسي: المعروف في هذا الموضع أن الله ينشئ للجنة خلقا، وأما النار فيضع فيها قدمه قال: ولا أعلم في شيء من الأحاديث أنه ينشئ للنار خلقا، وأما النار فيضع فيها قدمه قال: ولا أعلم في شيء من الأحاديث أنه ينشئ للنار خلقا، إلا هذا. وقال الكرماني: واعلم أن هذا الحديث مر في سورة ق بعكس هذه الرواية، قال ثمة: وأما النار فتمتلىء ولا يظلم الله من خلقه أحدا. وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا، كذا في صحيح مسلم وقيل: هذا وهم من الراوي إذ تعذيب غير العاصي لا يليق بكرم الله تعالى، بخلاف الإنعام على غير المطيع، ثم قال الكرماني: لا محذورا في تعذيب الله من لا ذنب له إذا القاعدة القائلة بالحسن والقبح العقليين باطلة، فلو عذبه لكان عدلا والإنشاء للجنة لا ينافي الإنشاء للنار، والله يفعل ما يشاء فلا حاجة إلى الحمل على الوهم. قوله: فيلقون فيها على صيغة المجهول. قوله: هل من مزيد قالها ثلاث مرات، قال الزمخشري: المزيد إما مصدر كالمجيد، وإما اسم مفعول كالمبيع، وقيل: هذا استفهام إنكار وإنه لا يحتاج إلى زيادتها. قوله: حتى يضع فيها قدمه هذا لفظ من المتشابهات، والحكم فيه إما التفويض وإما التأويل، فقيل: المراد به التقدم أي: يضع الله فيها من قدمه لها من أهل العذاب أو ثمة مخلوق اسمه القدم، أو وضع القدم عبارة عن الزجر والتسكين لها كما يقال: جعلته تحت رجلي ووضعته تحت قدمي. قوله: ويرد ويروى: يزوى، أي: يضم. قوله: قط قط قط ثلاث مرات كذا وقع في بعض النسخ، وفي بعضها مرتين وهو الأظهر، ومعنى: قط، حسب وتكرارها
للتأكيد وهي ساكنة الطاء مخففة، ويروى: قطي قطي، أي: حسبي.
7450 حدثنا حفص بن عمر، حدثنا هشام، عن قتادة، عن أنس، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليصيبن أقواما سفع من النار بذنوب أصابوها عقوبة، ثم يدخلهم الله الجنة بفضل رحمته، يقال لهم: الجهنميون
انظر الحديث 6559
مطابقته للترجمة في قوله: بفضل رحمته
وهشام هو ابن أبي عبد الله الدستوائي.
والحديث بهذا الوجه من أفراده.
قوله: ليصيبن مؤكدة بالنون الثقيلة واللام فيه مفتوحة للتأكيد. وقوله: سفع بالرفع فاعله بفتح السين المهملة وسكون الفاء وبالعين المهملة وهو اللفح واللهب كذا، قاله الكرماني، وهو تفسير الشيء بما هو أخفى منه. وقال ابن الأثير: السفع علامة تغير ألوانهم، يقال: سفعت الشيء إذا جعلت عليه علامة يريد أثرا من النار. قلت: اللفح بفتح اللام وسكون الفاء وبالحاء المهملة حر النار ووهجها. قوله: عقوبة نصب على التعليل أي: لأجل العقوبة. قوله: الجهنميون جمع جهنمي نسبة إلى جهنم.
وقال همام: حدثنا قتادة حدثنا أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم
137

هذا طريق آخر في حديث أنس عن همام بن يحيى عن قتادة عن أنس، وقيل: هشام، في بعض النسخ قال الكرماني: قيل: هو الصحيح والفرق بين الطريقين أن الأولى بلفظ العنعنة، والثانية بلفظ التحديث، وتعليق همام هذا تقدم موصولا في كتاب الرقاق.
26
((باب قول الله تعالى: * (إن الله يمسك السماوات والارض أن تزولا ولئن زالتآ إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا) *))
أي: هذا باب في قول الله عز وجل أن الله الآية. قوله: أن تزولا أي: كراهة أن تزول. قاله الزمخشري، والإمساك منع، وعن ابن عباس: أنه قال لرجل مقبل من الشام: من لقيت به؟ قال: كعبا. قال: وما سمعته يقول؟ قال: سمعته يقول: إن السماوات على منكب ملك. قال كذب كعب، أما ترك يهوديته بعد؟ ثم قرأ هذه الآية.
7451 حدثنا موسى، حدثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن إبراهيم عن علقمة، عن عبد الله قال: جاء حبر إلى رسول الله فقال: يا محمد إن الله يضع السماء على إصبع، والأرض على إصبع، والجبال على إصبع والشجر والأنهار على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يقول بيده: أنا الملك، فضحك رسول الله وقال: * (وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا مآ أنزل الله على بشر من شىء قل من أنزل الكتاب الذى جآء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلمو
1764; ا أنتم ولا ءاباؤكم قل الله ثم ذرهم فى خوضهم يلعبون) *
ا
مطابقته للترجمة تأتي من قوله: إن الله يضع لأن معناه في الحقيقة يمسك لأنه جاء بلفظ: يمسك في: باب قوله: * (قال ياإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى أستكبرت أم كنت من العالين) * وحديث الباب أيضا مر هناك مع شرحه.
وموسى هو ابن إسماعيل، وأبو عوانة الوضاح اليشكري، والأعمش هو سليمان، وإبراهيم هو النخعي، وعلقمة هو ابن قيس، وعبد الله هو ابن مسعود.
قوله: جاء حبر بفتح الحاء المهملة وجاء كسرها بعدها باء موحدة ساكنة ثم راء، وذكر صاحب المشارق أنه وقع في بعض الروايات: جاء جبريل، عليه السلام، قال: وهو تصحيف فاحش.
27
((باب ما جاء في خلق السماوات والأرض وغيرهما من الخلائق))
أي: هذا باب في بيان ما جاء إلى آخره قوله: في خلق السماوات، كذا في رواية الكشميهني، وفي رواية الأكثرين: في تخليق السماوات والأول أولى وعليه شرح ابن بطال، وغرضه في هذا الباب أن يعرفك أن السماوات والأرض وما بينهما كل ذلك مخلوق لقيام دلائل الحدوث بها من الآيات الشاهدات من انتظام الحكمة وإيصال المعيشة فيهما، وقام برهان العقل على أن لا خالق غير الله، وبطل قول من يقول: إن الطبائع خالقة للعالم، وإن الأفلاك السبعة هي الفاعلة وإن الظلمة والنور خالقان، وقول من زعم: إن العرش هو الخالق. وفسدت جميع هذه الأقوال بقيام الدليل على حدوث ذلك كله وافتقاره إلى محدث لاستحالة وجود محدث لا محدث له، كاستحالة وجود مضروب لا ضارب له، وكتاب الله عز وجل شاهد بصحة هذا وهو قوله تعالى: * (ياأيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السمآء والارض لا إلاه إلا هو فأنى تؤفكون) * فنفى كل خالق سواه والآيات فيه كثيرة.
وهو فعل الرب تبارك وتعالى وأمره، فالرب بصفاته وفعله وأمره وكلامه وهو الخالق هو المكون غير مخلوق وما كان بفعله وأمره وتخليقه وتكوينه فهو مفعول ومخلوق ومكون.
وهو أي الخالق أو التخليق باعتبار الروايتين فعل الرب وأمره أي بقول: كن. قوله: بصفاته كالقدرة وفعله أي: خلقه. قوله: وكلامه من عطف العام على الخاص لأن المراد بالأمر هنا هو قوله: كن، وهو من جملة كلامه، وسقط في بعض النسخ قوله: وفعله. قال الكرماني: وهو أولى ليصح لفظ غير مخلوق. قوله: هو المكون بكسر الواو، واختلف في التكوين هل هي صفة فعل قديمة أو حادثة؟ فقال جمع من السلف منهم أبو حنيفة. رضي الله تعالى عنه: هي قديمة، وقال آخرون منهم ابن كلاب والأشعري: هي حادثة لئلا يلزم أن يكون المخلوق قديما، وأجابوا بأنه يوجد في الأزل صفة الخلق ولا مخلوق. قوله:
138

وما كان بفعله وأمره الخ فائدة تكرار هذه الألفاظ بيان اتحاد معانيها وجواز الإطلاق عليه. قوله: مكون بفتح الواو المشددة.
7452 حدثنا سعيد بن أبي مريم، أخبرنا محمد بن جعفر، أخبرني شريك بن عبد الله ابن أبي نمر، عن كريب، عن ابن عباس قال: بت في بيت ميمونة ليلة والنبي عندها لأنظر كيف صلاة رسول الله بالليل فتحدث رسول الله مع أهله ساعة ثم رقد فلما كان ثلث الليل الآخر أو بعضه قعد فنظر إلى السماء، فقرأ: * (إن في خلق السماوات والأرض) * إلى قوله * (لأولي الألباب) * ثم قام فتوضأ واستن ثم صلى إحدى عشرة ركعة، ثم أذن بلال بالصلاة فصلى ركعتين، ثم خرج فصلى للناس الصبح.
ا
مطابقته للترجمة في الآية ظاهرة.
وقد مضى هذا الحديث بهذا السند والمتن في تفسير سورة آل عمران، وكرره لأجل الترجمة.
قوله: أو بعضه وفي رواية الكشميهني: أو نصفه. قوله: واستن أي: استاك.
28
((باب * (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين) *))
أي: هذا باب في قوله عز وجل: ؤ إ الآية الكلمة التي سبقت هي كلمة الله بالقضاء المتقدم منه قبل أن يخلق خلقه في أم الكتاب الذي جرى به القلم للمرسلين: أنهم لهم المنصورون في الدنيا والآخرة.
7453 حدثنا إسماعيل، حدثني مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما قضى الله الخلق كتب عنده فوق عرشه إن رحمتي سبقت غضبي
ا
مطابقته للترجمة في قوله: سبقت
وإسماعيل هو ابن أبي أويس، وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز.
والحديث أخرجه النسائي في النعوت عن شعيب بن شعيب.
قوله: لما قضى الله الخلق أي: لما أتمه كتب عنده أي: أثبت في اللوح المحفوظ. قيل: صفاته تعالى قديمة كيف يتصور السبق بين الرحمة والغضب؟ وأجيب: بأنهما من صفات الفعل لا من صفات الذات، فجاز سبق أحد الفعلين على الآخر، وذلك لأن إيصال الخير من مقتضيات صفته بخلاف غيره فإنه بسبب معصية العبد.
7454 حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا الأعمش سمعت زيد بن وهب، سمعت عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق أن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما وأربعين ليلة، ثم يكون علقة مثله، ثم يكون مضغة مثله، ثم يبعث إليه الملك فيؤذن بأربع كلمات فيكتب: رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينها وبينه إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل أهل الجنة فيدخلها
مطابقته للترجمة في قوله: فيسبق عليه الكتاب
وآدم هو ابن أبي إياس.
والحديث مضى في كتاب بدء الخلق عن الحسن بن الربيع وفي خلق آدم عن عمر بن حفص وفي القدر عن أبي الوليد ومضى الكلام فيه.
قوله: الصادق أي: في نفسه والمصدق من عند الله. قوله: يجمع معنى جمعها هو أن النطفة إذا وقعت في الرحم وأراد الله أن يخلق منها بشرا طارت في أطراف المرأة
139

تحت كل شعرة وظفر فيمكث أربعين يوما ثم ينزل دما في الرحم، فذلك هو معنى جمعها. قوله: الكتاب أي: ما قدر عليه. قوله: إلا ذراع المراد به التمسك بقربه إلى الموت.
وفيه: أن الأعمال من الحسنات والسيئات إمارات لا موجبات، وأن مصير الأمر في العاقبة إلى ما سبق به القضاء وجرى به التقدير.
7455 حدثنا خلاد بن يحياى، حدثنا عمر بن ذر، سمعت أبي يحدث عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ فنزلت * (وما تنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا) * إلى آخر الآية.
قال: هاذا كان الجواب لمحمد
انظر الحديث 3218 وطرفه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: * (وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذالك وما كان ربك نسيا) * لأن المراد بأمر ربك بكلامه، وقيل: هي مستفادة من التنزل لأنه إنما يكون بكلمات أي بوحيه.
وشيخ البخاري خلاد بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام ابن يحيى بن صفوان أبو محمد السلمي الكوفي سكن مكة، وعمر بن ذر بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء الهمداني الكوفي يروي عن أبيه ذر بن عبد الله الهمداني الكوفي.
والحديث مضى في تفسير سورة مريم فإنه أخرجه هناك عن أبي نعيم عن عمر بن ذر إلى آخره. ومضى الكلام فيه.
قوله: * (له ما بين أيدينا) * أمر الآخرة * (وما خلقنا) * أمر الدنيا، وما بين ذلك البرزخ بين الدنيا والآخرة.
قوله: هذا كان الجواب لمحمد، هكذا في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: كان هذا الجواب لمحمد، وهذا المقدار زائد على الرواية الماضية في التفسير.
7456 حدثنا يحياى، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: كنت أمشي مع رسول الله في حرث بالمدينة، وهو متكىء على عسيب، فمر بقوم من اليهود فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح. وقال بعضهم: لا تسألوه عن الروح، فسألوه فقام متوكئا على العسيب وأنا خلفه، فظننت أنه يوحى إليه، فقال: * (ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربى ومآ أوتيتم من العلم إلا قليلا) * فقال بعضهم لبعض: قد قلنا لكم: لا تسألوه.
ا
هذا الحديث مضى في كتاب العلم. وترجم عليه بقوله: * (وما أوتيتم ومن العلم إلا قليلا) * ولم أر أحدا من الشراح ذكر وجه المطابقة هنا، وخطر لي أن تؤخذ وجه المطابقة من قوله: الآية. فإن فيها * (من أمر ربي) * وإنه قد سبق في علم الله تعالى أن أحدا لا يعلمه ما هو وأن علمه عند الله.
وشيخ البخاري يحيى، قال الكرماني: هو إما ابن موسى الختن بالخاء المعجمة وتشديد الفوقانية، وإما ابن جعفر البلخي، وجزم به بعضهم بأنه ابن جعفر، ولا دليل على جزمه عند الاحتمال القوي.
قوله: في حرث بالثاء المثلثة هو الزرع، وفي الرواية المتقدمة في العلم: في خرب، بفتح المعجمة وكسر الراء وبالباء الموحدة. قوله: وهو متكئ الواو فيه للحال. قوله: على عسيب بفتح العين المهملة وكسر السين المهملة: القضيب، وربما يكون من جريد. قوله: فظننت قال الداودي: معناه أيقنت والظن يكون يقينا وشكا، وهو من الأضداد ويدل على صحة هذا التأويل أن في الحديث الذي بعد هذا: فعلمت أنه يوحى إليه، ويجوز أن يكون هذا الظن على بابه، ويكون ظن ثم تحققه وهو الأظهر.
7457 حدثني إسماعيل، حدثني مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه إلا الجهاد في سبيله،
140

وتصديق كلماته بأن يدخله الجنة أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة
ا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: وتصديق كلماته
وإسماعيل هو ابن أبي أويس وقد مر بقية الرجال عن قريب.
والحديث مضى في الخمس عن إسماعيل أيضا. وأخرجه النسائي في الجهاد عن محمد بن مسلمة وغيره.
قوله: تكفل الله من باب التشبيه أي: كالكفيل أي: كأنه أكرم بملابسة الشهادة إدخال الجنة وبملابسة السلامة المرجع بالأجر والغنيمة أي: أوجب تفضلا على ذاته، يعني: لا يخلو من الشهادة أو السلامة، فعلى الأول: يدخل الجنة بعد الشهادة في الحال، وعلى الثاني: لا ينفك عن أجر أو غنيمة مع جواز الاجتماع بينهما إذ هي قضية مانعة الخلو لا مانعة الجمع. وقال الكرماني: المؤمنون كلهم يدخلهم الجنة. ثم أجاب بقوله: يعني يدخله عند موته أو عند دخول السابقين بلا حساب ولا عذاب. قوله: أو يرجعه بفتح الياء لأنه متعد.
7458 حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن أبي موسى قال: جاء رجل إلى النبي فقال: الرجل يقاتل حمية، ويقاتل شجاعة، ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله
ا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: لتكون كلمة الله
وسفيان هو ابن عيينة. والأعمش سليمان، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وأبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس.
والحديث مضى في الجهاد في: باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فإنه أخرجه هناك عن سليمان بن حرب عن عمرو عن أبي وائل... الخ.
قوله: حمية أي: أنفة ومحافظة على ناموسه. قوله: لتكون كلمة الله أي: كلمة التوحيد، أو حكم الله بالجهاد.
((
((باب قول الله تعالى: * (إنما قولنا لشيء إذا أردناه) *))
أي: هذا باب في قول الله تعالى: وقد وقع في كثير من النسخ: إنما أمرنا لشيء والقرآن: نن وكذا في نسختنا، وكذا وقع على الصواب بب عند أبي ذر، وعليه شرح ابن التين، ثم الترجمة هذا المقدار المذكور عند أبي ذر، وزاد غيره: * (إنما قولنا لشىء إذآ أردناه أن نقول له كن فيكون) * ونقص في رواية أبي زيد المروزي: * (إذا أردنا) * ومعنى الآية: إنما قولنا لشيء إذا أردنا أن نخرجه من العدم إلى الوجود قوله: فيكون قال سيبويه: فهو يكون. وقال الأخفش هو معطوف على: نقول، وغرض البخاري في هذا الباب الرد على المعتزلة في قولهم: إن أمر الله الذي هو كلامه مخلوق، وإن وصفه تعالى نفسه بالأمر وبالقول في هذه الآية مجاز واتساع كما في امتلأ الحوض ومال الحائط، وهذا الذي قالوه فاسد لأنه عدول عن ظاهر الآية وحملها على حقيقتها إثبات كونه تعالى حيا، والحي لا يستحيل أن يكون متكلما.
7458 حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن أبي موسى قال: جاء رجل إلى النبي فقال: الرجل يقاتل حمية، ويقاتل شجاعة، ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله
ا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: لتكون كلمة الله
وسفيان هو ابن عيينة. والأعمش سليمان، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وأبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس.
والحديث مضى في الجهاد في: باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فإنه أخرجه هناك عن سليمان بن حرب عن عمرو عن أبي وائل... الخ.
قوله: حمية أي: أنفة ومحافظة على ناموسه. قوله: لتكون كلمة الله أي: كلمة التوحيد، أو حكم الله بالجهاد.
((
((باب قول الله تعالى: * (إنما قولنا لشيء إذا أردناه) *))
أي: هذا باب في قول الله تعالى: وقد وقع في كثير من النسخ: إنما أمرنا لشيء والقرآن: نن وكذا في نسختنا، وكذا وقع على الصواب بب عند أبي ذر، وعليه شرح ابن التين، ثم الترجمة هذا المقدار المذكور عند أبي ذر، وزاد غيره: * (إنما قولنا لشىء إذآ أردناه أن نقول له كن فيكون) * ونقص في رواية أبي زيد المروزي: * (إذا أردنا) * ومعنى الآية: إنما قولنا لشيء إذا أردنا أن نخرجه من العدم إلى الوجود قوله: فيكون قال سيبويه: فهو يكون. وقال الأخفش هو معطوف على: نقول، وغرض البخاري في هذا الباب الرد على المعتزلة في قولهم: إن أمر الله الذي هو كلامه مخلوق، وإن وصفه تعالى نفسه بالأمر وبالقول في هذه الآية مجاز واتساع كما في امتلأ الحوض ومال الحائط، وهذا الذي قالوه فاسد لأنه عدول عن ظاهر الآية وحملها على حقيقتها إثبات كونه تعالى حيا، والحي لا يستحيل أن يكون متكلما.
7458 حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن أبي موسى قال: جاء رجل إلى النبي فقال: الرجل يقاتل حمية، ويقاتل شجاعة، ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله
ا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: لتكون كلمة الله
وسفيان هو ابن عيينة. والأعمش سليمان، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وأبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس.
والحديث مضى في الجهاد في: باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فإنه أخرجه هناك عن سليمان بن حرب عن عمرو عن أبي وائل... الخ.
قوله: حمية أي: أنفة ومحافظة على ناموسه. قوله: لتكون كلمة الله أي: كلمة التوحيد، أو حكم الله بالجهاد.
((
((باب قول الله تعالى: * (إنما قولنا لشيء إذا أردناه) *))
أي: هذا باب في قول الله تعالى: وقد وقع في كثير من النسخ: إنما أمرنا لشيء والقرآن: نن وكذا في نسختنا، وكذا وقع على الصواب بب عند أبي ذر، وعليه شرح ابن التين، ثم الترجمة هذا المقدار المذكور عند أبي ذر، وزاد غيره: * (إنما قولنا لشىء إذآ أردناه أن نقول له كن فيكون) * ونقص في رواية أبي زيد المروزي: * (إذا أردنا) * ومعنى الآية: إنما قولنا لشيء إذا أردنا أن نخرجه من العدم إلى الوجود قوله: فيكون قال سيبويه: فهو يكون. وقال الأخفش هو معطوف على: نقول، وغرض البخاري في هذا الباب الرد على المعتزلة في قولهم: إن أمر الله الذي هو كلامه مخلوق، وإن وصفه تعالى نفسه بالأمر وبالقول في هذه الآية مجاز واتساع كما في امتلأ الحوض ومال الحائط، وهذا الذي قالوه فاسد لأنه عدول عن ظاهر الآية وحملها على حقيقتها إثبات كونه تعالى حيا، والحي لا يستحيل أن يكون متكلما.
7459 حدثنا شهاب بن عباد، حدثنا إبراهيم بن حميد، عن إسماعيل عن قيس، عن المغيرة بن شعبة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يزال من أمتي قوم ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر الله
انظر الحديث 3640 وطرفه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: حتى يأتيهم أمر الله
وشهاب بن عباد بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة الكوفي، وإبراهيم بن حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي الكوفي يروي عن إسماعيل بن أبي خالد البجلي الكوفي عن قيس بن أبي حازم عن المغيرة بن شعبة.
والحديث مضى في الاعتصام في: باب لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق.
قوله: ظاهرين أي: غالبين على سائر الناس بالبرهان أو به أو بالسنان. قوله: على الناس ويروى: على الخلق، وقال البخاري فيما مضى: وهم أهل العلم. قوله: حتى يأتيهم أمر الله أي: يوم القيامة أو علاماتها.
141

7460 حدثنا الحميدي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن جابر، حدثني عمير بن هانىء أنه سمع معاوية قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، ما يضرهم من كذبهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك
فقال مالك بن يخامر: سمعت معاذا يقول: وهم بالشأم؛ فقال معاوية: هاذا مالك يزعم أنه سمع معاذا يقول: وهم بالشأم.
ا
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الحديث السابق.
والحميدي هو عبد الله بن الزبير منسوب إلى أجداده حميد، والوليد بن مسلم الأموي الدمشقي، وابن جابر هو عبد الرحمن بن زيد بن جابر الأسدي الشامي، وعمير مصغر عمرو بن هانىء بالنون بعد الألف الشامي.
والحديث مضى في علامات النبوة في: باب سؤال المشركين أن يريهم النبي، آية، بهذا السند والمتن، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: قائمة بأمر الله يعني: بحكم الله، يعني: الحق. قوله: حتى يأتي أمر الله يعني: القيامة. قوله: وهم على ذلك الواو فيه للحال. وقال الكرماني: المعرفة إذا أعيدت معرفة تكون عين الأولى، ثم أجاب بأنه إذا لم تكن قرينة موجبة للمغايرة أو ذلك إنما هو في المعرف باللام فقط.
قوله: فقال مالك بن يخامر بضم الياء آخر الحروف وبالخاء المعجمة وكسر الميم وبالراء الشامي. قوله: معاذا يعني: معاذ بن جبل، رضي الله تعالى عنه.
7461 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن عبد الله بن أبي حسين، حدثنا نافع بن جبير، عن ابن عباس قال: وقف النبي على مسيلمة في أصحابه فقال: لو سألتني هاذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله
ا
مطابقته للترجمة في قوله: ولن تعدو أمر الله فيك
وأبو اليمان الحكم بن نافع، وعبد الله بن أبي حسين هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي القرشي النوفلي، ونافع بن جبير بن مطعم عن عبد الله بن عباس.
والحديث مضى في علامات النبوة بهذا الإسناد بعينه بأتم وأطول منه، وأوله: قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله، فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته، وقد بثها في بشر كثير من قومه، فأقبل إليه رسول الله ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وفي يد رسول الله قطعة جريد، حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال: لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله الحديث.
قوله: ولن تعدو أمر الله فيك أي: ما قدره عليك من الشقاوة أو السعادة. قوله: ولئن أدبرت أي: أعرضت عن الإسلام ليعقرنك الله أي: ليهلكنك. وقيل: أصله من عقر النخل وهو أن تقطع رؤوسها فتيبس، ويروى: ليعذبنك الله.
7462 حدثنا موسى بن إسماعيل، عن عبد الواحد، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة عن ابن مسعود قال: بينا أنا أمشي مع النبي في بعض حرث المدينة، وهو يتوكأ على عسيب معه، فمررنا على نفر من اليهود فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح وقال بعضهم: لا تسألوه أن يجيء فيه بشيء تكرهونه. فقال بعضهم: لنسألنه، فقام إليه رجل منهم، فقال: يا أبا القاسم ما الروح؟ فسكت عنه النبي فعلمت أنه يوحاى إليه، فقال: * (ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربى ومآ أوتيتم من العلم إلا قليلا) *
قال الأعمش: هاكذا في قراءتنا.
ا
142

هذا الحديث قد مضى قبل هذا الباب عن قريب أخرجه عن يحيى عن وكيع عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة بن عبد الله، وهنا أخرجه عن موسى بن إسماعيل البصري الذي يقال له التبوذكي، و عبد الواحد هو ابن زياد يروي عن سليمان الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن قيس عن عبد الله بن مسعود.
قوله: في بعض حرث أي: زرع، ويروى: في خرب، بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء وقد تقدم هذا عن قريب. قوله: سلوه عن الروح اختلفوا في الروح المسؤول عنها، فقيل: هي الروح التي تقوم بها الحياة، وقيل: الروح المذكورة في قوله تعالى: * (يوم يقوم الروح والملائكة صفا) * والأول هو الظاهر. قوله: * (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) * كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني * (وما أوتيتم) * على وفق القراءة المشهورة ويؤيد الأول قول الأعمش: هكذا في قراءتنا وقال ابن بطال: غرضه الرد على المعتزلة في زعمهم أن أمر الله مخلوق، فبين أن الأمر هو قوله تعالى للشيء: * (كن فيكون) *، وغيرها بأمره له فإن أمره وقوله بمعنى واحد، وإنه بقول: كن، حقيقة وإن الأمر غير الخلق لعطفه عليه بالواو في قوله: * (ألا له الخلق والأمر) *
30
((باب قول الله تعالى: * (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا) * * (ياأيها النبى إنآ أرسلناك شاهدا ومبشرا
ونذيرا) *
* (إن ربكم الله الذى خلق السماوات والارض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى اليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين) *))
هذا باب في قول الله عز وجل... الخ قوله تعالى: * (قل لو كان البشر) * ساق الآية كلها في رواية كريمة، وفي رواية أبي زيد المروزي * (قل لو كان البشر مدادا لكلمات ربي) * إلى آخر الآية، وسبب نزوله أن اليهود قالوا: لما نزل قوله آ أ ؤ إ ئ ا 0 الإسراء: 85 ف كيف وقد أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء، فنزلت هذه الآية، والمعنى: لو كان البحر مدادا للقلم والقلم يكتب لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي لأنها أعظم من أن يكون لها أمد لأنها صفة من صفات ذاته، فلا يجوز أن يكون لها غاية ومنتهى. وأخرج عبد الرزاق في تفسيره من طريق أبي الجوزاء: لو كان كل شجرة في الأرض أقلاما والبحور مدادا لنفد الماء وتكسرت الأقلام قبل أن تنفد كلمات الله تعالى، وعن معمر عن قتادة: إن المشركين قالوا في هذا القرآن: يوشك أن ينفد، فنزلت، والنفاد الفراغ وسمي المداد مدادا لإمداده الكاتب، وأصله من الزيادة. فإن قلت: الكلمات لأقل العدد وأقلها عشرة فما دونها، فكيف جاء هنا؟ قلت: العرب تستغني بالجمع القليل عن الكثير وبالعكس. قال تعالى: * (وهم في الفرقان آمنون) * وغرف الجنة أكثر من أن تحصى. قوله: أي: بمثل البحر زيادة. فإن قلت: قال في أول الآية: مدادا، وفي آخرها: مددا، وكلاهما بمعنى واشتقاقهما غير مختلف؟ قلت: لأن الثانية آخر الآية، فروعي فيها السجع وهو الذي يقال في القرآن الفواصل، وقرأ ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة: مدادا مثل الأول.
قوله: * (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام) * الآية، وسبب نزول هذه الآية أن المشركين قالوا: القرآن كلام قليل يوشك أن ينفد، فنزلت، ومعنى الآية: لو كان شجر الأرض أقلاما وكان البحر ومعه سبعة أبحر مدادا ما نفدت كلمات الله، وقيل: فيه حذف تقديره: فكتبت بهذه الأقلام وهذه الأبحر كلمات الله تعالى لتكسرت الأقلام ونفدت البحور ولم تنفد كلمات الله. قوله: * (من بعده) * أي: من خلفه تكتب. وقال أبو عبيدة: البحر هنا العذب فأما الملح فلا تثبت فيه الأقلام.
قوله: * (إن ربكم الله الذي خلق السماوات) * الآية بين الله عز وجل أن المنفرد بقدرة الإيجاد هذا الذي يجب أن يعبد دون غيره، واختلفوا أي يوم بدأ بالخلق على ثلاثة أقوال: أحدها: يوم السبت، كما جاء في صحيح مسلم والثاني: يوم الأحد، قاله عبد الله بن سلام وكعب والضحاك ومجاهد واختاره ابن جرير الطبري، وبه يقول أهل التوراة. الثالث: يوم الاثنين، قاله إسحاق وبه يقول أهل الإنجيل، ومعنى
143

قوله: هه ه أي: مقدار ذلك لأن اليوم يعرف بطلوع الشمس، وغروبها، ولم يكن يومئذ شمس ولا قمر، والحكمة في خلقها في ستة أيام مع قدرته على خلقها في لحظة واحدة لوجوه: الأول: أنه أراد أن يوقع في كل يوم أمرا تستعظمه الملائكة ومن يشاهده، وهذا عند من يقول: خلق الملائكة قبل السماوات والأرض. والثاني: ليعلم عباده التثبت في الأمور فالتثبت أبلغ في الحكمة والتعجيل أبلغ في القدرة. الثالث: أن الإمهال في خلق شيء بعد شيء أبعد من أن يظن أن ذلك وقع بالطبع أو بالاتفاق. الرابع: ليعلمنا بذلك الحساب. لأن أصل الحساب من ستة، ومنه يتفرع سائر الأعداد. قوله: * (ثم استوى على العرش) * قد ذكرنا معنى الاستواء عن قريب، وخص العرش بذلك لأنه أعظم المخلوقات، والعرش في اللغة: السرير، قاله الخليل. قوله: * (يغشى الليل والنهار) * الإغشاء إلباس الشيء الشيء. وقال الزجاج: المعنى أن الليل يأتي على النهار فيغطيه، وإنما لم يقل: ويغشى النهار الليل، لأن في الكلام دليلا، عليه كقوله: * (والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون) * قال في موضع آخر: * (خلق السماوات والارض بالحق يكور اليل على النهار ويكور النهار على اليل وسخر الشمس والقمر كل يجرى لاجل مسمى ألا هو العزيز الغفار) * قوله: * (يطلبه حثيثا) * أي: يطلب الليل النهار محثوثا أي: بالسرعة. قوله: * (مسخرات) * أي: مذللات لما يراد منهن من طلوع وأفول وسير على حسب الإرادة. قوله: * (ألا له الخلق والأمر) * والغرض من إيراد الآية هنا هو أن يعلم أن الأمر غير الخلق لأن بينهما حرف العطف، وعن ابن عيينة: فرق بين الخلق والأمر فمن جمع بينهما فقد كفر أي: من جعل الأمر من جملة ما خلقه فقد كفر، وفيه خلاف المعتزلة، ومعنى هذا الباب إثبات الكلام لله تعالى صفة لذاته ولم يزل متكلما ولا يزال كمعنى الباب الذي قبله، وإن كان وصف الله كلامه بأنه كلمات فإنه شيء واحد لا يتجزىء ولا ينقسم، وكذلك يعبر عنه بعبارات مختلفة تارة عربية وتارة سريانية وبجميع الألسنة التي أنزلها الله على أنبيائه وجعلها عبارة عن كلامه القديم الذي لا يشبه كلام المخلوقين، ولو كانت كلماته مخلوقة لنفدت كما ينفد البحار والأشجار وجميع المحدثات، فكما لا يحاط بوصفه تعالى كذلك لا يحاط بكلماته وجميع صفاته.
7463 حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن أبي الزنادد عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته، إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلمته أن يدخله الجنة أو يرده إلى مسكنه بما نال من أجر أو غنيمة
ا
مطابقته للترجمة في قوله: وتصديق كلمته وفي رواية عن أبي ذر، كلماته، بصيغة الجمع.
والحديث مر عن قريب بشرحه، وأخرجه هناك عن إسماعيل عن مالك.
31
((باب في المشيئة والإرادة * (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) *))
أي: هذا باب في ذكر المشيئة والإرادة، قال الراغب: المشيئة عند الأكثر كالإرادة سواء، وقال الكرماني: وللإرادة تعريفات مثل: اعتقاد النفع في الفعل أو تركه، والأصح أنها صفة مخصصة لأحد طرفي المقدر بالوقوع، والمشيئة ترادفها، وقيل: هي الإرادة المتعلقة بأحد الطرفين، وفي التوضيح معنى الباب إثبات المشيئة والإرادة لله تعالى، وأن مشيئته وإرادته ورحمته وغضبه وسخطه وكراهته كل ذلك بمعنى واحد أسماء مترادفة، وهي راجعة كلها إلى معنى الإرادة، كما يسمي الشيء الواحد بأسماء كثيرة، وإرادته تعالى صفة من صفات ذاته خلافا لمن يقول من المعتزلة: إنها مخلوقة من أوصاف أفعاله.
وقوله تعالى: * (قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشآء وتنزع الملك ممن تشآء وتعز من تشآء وتذل من تشآء بيدك الخير إنك على كل شىء قدير) * * (إلا أن يشآء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربى لاقرب من هاذا رشدا) * * (إنك لا تهدى من أحببت ولاكن الله يهدى من يشآء وهو أعلم بالمهتدين) *
144

وقوله بالجر عطف على قوله: في المشيئة والإرادة، وهذه الآيات تدل على إثبات الإرادة لله تعالى والمشيئة، وأن العباد لا يريدون شيئا إلا وقد سبقت إرادة الله تعالى به وأنه خالق لأعمالهم طاعة كانت أو معصية. فإن قلت: * (شهر رمضان الذى
1764; أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) * يدل على أنه لا يريد المعصية؟ قلت: ليس هذا على العموم، وإنما هو خاص فيمن ذكر ولم يكلفه ما لا يطيق فعله، وهذا من المؤمنين المفترض عليهم الصيام، فالمعنى: يريد الله بكم اليسر الذي هو التخيير بين صومكم في السفر وإفطاركم فيه، ولا يريد بكم العسر الذي هو إلزامكم الصوم في السفر، وكذلك تأويل قوله تعالى: * (إن تكفروا فإن الله غنى عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور) * فإنه على الخصوص في المؤمنين الذين أراد منهم الإيمان، فكان ما أراده منهم ذلك لا الكفر فلم يكن.
قال سعيد بن المسيب عن أبيه: نزلت في أبي طالب.
أي: قال سعيد عن أبيه المسيب بن حزن القرشي المخزومي، وكان سعيد ختن أبي هريرة على ابنته، وأعلم الناس بحديث أبي هريرة، والمسيب شهد بيعة الرضوان وسمع النبي في مواضع تقدم موصولا بتمامه في تفسير سورة القصص، وكان النبي حريصا على إسلام أبي طالب.
((باب * (شهر رمضان الذى
1764; أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) *))
جعل ابن بطال هذا الباب بابين، وساق الأول إلى قوله: قال سعيد بن المسيب، نزلت في أبي طالب، ثم ترجم باب ثم ساق فيه الأحاديث، وقد تعلقت المعتزلة بهذه الآية على أن الله تعالى لا يريد المعصية، وقد ذكرنا الجواب آنفا.
7464 حدثنا مسدد، حدثنا عبد الوارث، عن عبد العزيز، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعوتم الله فاعزموا في الدعاء، ولا يقولن أحدكم: إن شئت فأعطني، فإن الله لا مستكره له
انظر الحديث 6338
مطابقته للترجمة في قوله: إن شئت
وعبد الوارث بن سعيد البصري، وعبد العزيز بن صهيب البصري عن أنس بن مالك.
والحديث مضى في الدعوات، عن مسدد أيضا في: باب ليعزم المسألة فإنه لا مكره له.
قوله: فاعزموا من عزمت عليه إذا أردت فعله وقطعت عليه أي: فاقطعوا بالمسألة ولا تعلقوها بالمشيئة. وقيل: العزم بالمسألة الجزم بها من غير ضعف في الطلب، وقيل: هو حسن الظن بالله في الإجابة، وقيل: في التعليق صورة الاستغناء عن المطلوب ومنه وعن المطلوب. قوله: لا مستكره له أي: لأن التعليق يوهم إمكان إعطائه على غير المشيئة، وليس بعد المشيئة إلا الإكراه، والله لا مكره له.
7465 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب عن الزهري. ح وحدثنا إسماعيل، حدثني أخي عبد الحميد، عن سليمان، عن محمد بن أبي عتيق، عن ابن شهاب، عن علي بن حسين أن حسين بن علي، عليهما السلام، أخبره أن علي بن أبي طالب أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت رسول الله ليلة فقال لهم: ألا تصلون؟ قال علي: فقلت: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف رسول الله حين قلت ذالك ولم يرجع إلي شيئا، ثم سمعته وهو مدبر يضرب فخذه ويقول: * (ولقد صرفنا فى هاذا القرءان للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شىء جدلا) *
مطابقته للترجمة في قوله: إذا شاء
أخرجه من طريقين الأول: عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة
145

عن محمد بن مسلم الزهري. والثاني: عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه عبد الحميد عن سليمان بن بلال عن محمد بن أبي عتيق الصديق التيمي عن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه.
والحديث مضى في كتاب الاعتصام في: باب قوله تعالى: * (ولقد صرفنا فى هاذا القرءان للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شىء جدلا) * فإنه أخرجه هناك من طريقين أحدهما: عن أبي اليمان عن شعيب. والآخر: عن محمد بن سلام عن عتاب بن بشير، ومضى الكلام فيه هناك.
قاله من الطروق وهو المجيء بالليل، أي: طرق عليا. وقوله: وفاطمة بالنصب عطف عليه. قوله: لهم إنما جمع الضمير باعتبار أن أقل الجمع اثنان، أو أراد عليا وفاطمة ومن معهما. قوله: إن يبعثنا أي: من النوم إلى الصلاة. قوله: وهو مدبر أي: مول ظهره، وفي ضرب رسول الله، فخذه وقراءته الآية إشارة إلى أن الشخص يجب عليه متابعة أحكام الشريعة لا ملاحظة الحقيقة، ولهذا جعل جوابه من باب الجدل.
7466 حدثنا محمد بن سنان، حدثنا فليح، حدثنا هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مثل المؤمن كمثل خامة الزرع يفيء ورقه من حيث أتتها الريح تكفئها، فإذا سكنت اعتدلت، وكذالك المؤمن يكفأ بالبلاء، ومثل الكافر كمثل الأرزة صماء معتدلة حتى يقصمها الله إذا شاء
انظر الحديث 5644
مطابقته للترجمة في قوله: إذا شاء وفليح مصغرا ابن سليمان.
والحديث مضى في أوائل كتاب الطلب فإنه أخرجه هناك عن إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح عن أبيه عن هلال بن علي إلى آخره.
قوله: خامة الزرع بتخفيف الميم أول ما ينبت على ساق أو الطاقة الغضة الرطبة منه. قوله: يفيء بالفاء أي: يتحول ويرجع. قوله: أتتها من الإتيان. قوله: تكفئها أي: تقلبها وتحولها. قوله: يكفأ على صيغة المجهول. قوله: الأرزة بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الزاي وهو شجر الصنوبر، وقيل: بفتح الراء وهو الشجر الصلب. قوله: صماء أي: الصلبة ليست بجوفاء ولا رخوة. قوله: يقصمها بالقاف وبالصاد المهملة المكسورة أي: يكسرها.
7467 حدثنا الحكم بن نافع، أخبرنا شعيب، عن الزهري أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم على المنبر يقول: إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أعطي أهل التوراة التوراة، فعملوا بها حتى انتصف النهار ثم عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا، ثم أعطي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا به حتى صلاة العصر، ثم عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا، ثم أعطيتم القرآن فعملتم به حتى غروب الشمس، فأعطيتم قيراطين قيراطين، قال أهل التوراة: ربنا هاؤلاء أقل عملا وأكثر أجرا؟ قال: هل ظلمتكم من أجركم من شيء؟ قالوا: لا. فقال: فذالك فضلي أوتيه من أشاء
ا
مطابقته للترجمة في قوله: من أشاء
والحديث مضى في كتاب الصلاة في بيان من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب، فإنه أخرجه هناك عن عبد العزيز بن عبد الله مضى الكلام فيه.
قوله: فيما سلف أي: في جملة ما سلف، أي: نسبة زمانكم إلى زمانهم كنسبة وقت العصر إلى تمام النهار، والقيراط مختلف فيه عند الأقوام، ففي مكة ربع سدس الدينار، وفي موضع
146

آخر نصف عشر الدينار، وهلم جرا، والمراد به هاهنا النصف وكرر ليدل على تقسيم القراريط على جميعهم. قوله: فلذلك إشارة إلى الكل أي: كله فضلي.
7468 حدثنا عبد الله المسندي، حدثنا هشام، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أبي إدريس، عن عبادة بن الصامت قال: بايعت رسول الله في رهط فقال: أبايعكم على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرفوا ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذالك شيئا فأخذ به في الدنيا فهو له كفارة وطهور، ومن ستره الله فذالك إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له
ا
مطابقته للترجمة في آخر الحديث.
وشيخ البخاري هو عبد الله بن محمد المسندي بفتح النون، قيل له ذلك لأنه كان وقت الطلب يتتبع الأحاديث المسندة ولا يرغب في المقاطيع والمراسيل، وهشام هو ابن يوسف الصنعاني اليماني قاضيها، ومعمر بفتح الميمين ابن راشد، وأبو إدريس عائذ الله بالذال المعجمة الخولاني.
والحديث مضى في كتاب الإيمان في باب مجرد بعد: باب علامة الإيمان.
قوله: في رهط وهم النقباء الذين بايعوا ليلة العقبة بمنى قبل الهجرة. قوله: تفترونه قد مر تفسير البهتان قوله: بين أيديكم وأرجلكم تأكيد لما قبله ومعناه: من قبل أنفسكم، واليد والرجل كنايتان عن الذات لأن معظم الأفعال تقع بهما، وقد بسطنا الكلام في باب مجرد بعد: باب علامة الإيمان حب الأنصار. قوله: فأخذ على صيغة المجهول أي: عوقب به. قوله: وطهور أي: مطهر لذنوبه.
7469 حدثنا معلى بن أسد، حدثنا وهيب، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة رضي الله عنها أن نبي الله سليمان، عليه السلام، كان له ستون امرأة، فقال: لأطوفن الليلة على نسائي فلتحملن كل امرأة ولتلدن فارسا يقاتل في سبيل الله، فطاف على نسائه فما ولدت منهن إلا امرأة ولدت شق غلام، قال نبي الله لو كان سليمان استثنى لحملت كل امرأة منهن فولدت فارسا يقاتل في سبيل الله
ا
مطابقته للترجمة في قوله: استثنى لأن المراد منه: لو قال: إن شاء الله بحسب اللغة.
ووهيب مصغر وهب ابن خالد البصري، وأيوب هو السختياني، ومحمد هو ابن سيرين.
والحديث مضى في كتاب الجهاد في: باب من طلب الولد للجهاد، وفي أحاديث الأنبياء في: باب قول الله تعالى: * (ووهبنا لداوود سليمان نعم العبد إنه أواب) *
قوله: كان له ستون امرأة لفظ: ستون، لا ينافي ما تقدم من: سبعين وتسعين، إذ مفهوم العدد لا اعتبار له. قوله: شق غلام أي: نصف غلام، قيل: هو ما قال تعالى: * (ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب) *
7470 حدثنا محمد، حدثنا عبد الوهاب الثقفي، حدثنا خالد الحذاء، عن عكرمة عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أعرابي يعوده فقال: لا بأس عليك طهور إن شاء الله قال: قال الأعرابي: طهور؟ بل هي حمى تفور، على شيخ كبير، تزيره القبور. قال النبي فنعم إذا
مطابقته للترجمة في قوله: إن شاء الله
وشيخ البخاري محمد، قال ابن السكن: محمد بن سلام، وقال الكلاباذي: يروي
147

البخاري في الجامع عنه وعن ابن بشار وعن ابن المثنى وعن ابن حوشب بالمهملة والمعجمة عن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي.
والحديث مضى في علامات النبوة عن معلى بن أسد وفي الطب عن إسحاق عن خالد.
قوله: يعوده من عاد المريض إذا زاره. قوله: لا بأس طهور أي: هذا المرض مطهر لك من الذنوب. قوله: قال الأعرابي: طهور قوله: هذا استبعاد للطهارة منه، فلذلك قال: بل هي حمى تفور من الفوران وهو الغليان. قوله: تزيره من أزاره إذا حمله على الزيارة والضمير المرفوع فيه يرجع إلى الحمى، والمنصوب إلى الأعرابي، والقبور منصوب على المفعولية، وهذه اللفظة كناية عن الموت.
7471 حدثنا ابن سلام، أخبرنا هشيم، عن حصين، عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه: حين ناموا عن الصلاة، قال النبي إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردها حين شاء فقضوا حوائجهم وتوضأ إلى أن طلعت الشمس وابيضت، فقام فصلى.
انظر الحديث 595
مطابقته للترجمة في قوله: حين شاء في الموضعين.
وابن سلام هو محمد، وهشيم مصغرا ابن بشير، وحصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي، وعبد الله بن أبي قتادة يروي عن أبيه أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري السلمي.
ومضى الحديث في كتاب الصلاة في: باب الأذان بعد ذهاب الوقت، وهنا ذكره مختصرا، وهناك ذكره بأتم من هنا.
قوله: إن الله قبض أرواحكم إنما قال النبي هذا في سفرة من الأسفار، واختلفوا في هذه السفرة، ففي مسلم في حديث أبي هريرة: عند رجوعهم من خيبر، وفي حديث ابن مسعود عند أبي داود: في سفرة الحديبية أقبل النبي من الحديبية ليلا فنزل فقال: من يكلأ؟ فقال بلال: أنا، الحديث وفي حديث زيد بن أسلم مرسلا أخرجه مالك في الموطأ عرس رسول الله ليلا بطريق مكة، وكذا في حديث عطاء بن يسار مرسلا رواه عبد الرزاق: أن ذلك كان بطريق تبوك، وفي التوضيح في قوله إن الله قبض أرواحكم دليل على أن الروح هو النفس، وهو قول أكثر الأئمة. وقال ابن حبيب وغيره: الروح بخلافها فالروح هو النفس المتردد الذي لا يبقى بعده حياة، والنفس هي التي تلذ وتتألم وهي التي تتوفى عند النوم، فسمى النبي ما يقبضه في النوم روحا وسماه الله في كتابه نفسا. في قوله: ل م ن ه و ى * (الله يتوفى الانفس حين موتها والتى لم تمت فى منامها فيمسك التى قضى عليها الموت ويرسل الاخرى إلى أجل مسمى إن فى ذلك لايات لقوم يتفكرون) * قوله: عن الصلاة أي: صلاة الصبح. قوله: وتوضأوا بلفظ الماضي قوله: وابيضت أي: ارتفعت قوله: فصلى أي: الصلاة الفائتة قضاء قيل: كذا قال هنا، وقال في خبر بلال حين كلأهم: لم يوقظهم إلا الشمس، وقال الداودي: إما أن يكون هذا يوما آخر أو يكون في أحد الخبرين وهم. قلت: مر الكلام فيه في كتاب الصلاة.
7472 حدثنا يحياى بن قزعة، حدثنا إبراهيم، بن سعد عن ابن شهاب عن أبي سلمة، والأعرج. وحدثنا إسماعيل، حدثني أخي، عن سليمان، عن محمد بن أبي عتيق، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمان وسعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود، فقال المسلم: والذي اصطفى محمدا على العالمين، في قسم يقسم به، فقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين، فرفع المسلم يده عند ذلك فلطم اليهودي. فذهب اليهودي إلى رسول الله فأخبره بالذي كان من أمره وأمر المسلم، فقال النبي لا تخيروني على موسى فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي؟ أو كان ممن استثنى الله
ا
148

مطابقته للترجمة ظاهرة تؤخذ من قوله: ممن استثنى الله لأنه أشار به إلى قوله تعالى: * (ونفخ فى الصور فصعق من فى السماوات ومن فى الارض إلا من شآء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون) *
وأخرج هذا الحديث من طريقين: أحدهما: عن يحيى بن قزعة عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم ابن عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنه، عن محمد بن مسلم بن شهاب
الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وعبد الرحمن بن هرمز هو الأعرج عن أبي هريرة: والآخر: عن إسماعيل ابن أبي أويس عن أخيه عبد الحميد عن سليمان بن بلال عن محمد بن أبي عتيق وهو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق، واسم أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، عن ابن شهاب الزهري عن أبي سلمة المذكور عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.
والحديث مضى في الخصومات ومضى الكلام فيه.
قوله: استب بمعنى: تساب رجل من المسلمين ورجل من اليهود قوله: لا تخيروني أي: لا تجعلوني خيرا منه ولا تفضلوني عليه. قاله: تواضعا، أو قبل علمه بأنه سيد ولد آدم، أو: لا تخيروني بحيث يؤدي إلى الخصومة أو إلى نقض الغير. قوله: يصعقون بفتح العين من صعق بكسرها إذا أغمي عليه أو هلك. قوله: باطش أي: متعلق به بالقوة قابض بيده، ولا يلزم من تقدم موسى، عليه السلام، بهذه الفضيلة تقدمه على سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، مطلقا إذ الاختصاص بفضيلة لا يستلزم الأفضلية على الإطلاق. قوله: استثنى الله في قوله: * (ونفخ فى الصور فصعق من فى السماوات ومن فى الارض إلا من شآء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون) *
7473 حدثنا إسحاق بن أبي عيسى، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا شعبة، عن قتادة عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يأتيها الدجال فيجد الملائكة يحرسونها، فلا يقربها الدجال ولا الطاعون، إن شاء الله
مطابقته للترجمة في قوله: إن شاء الله
وإسحاق بن أبي عيسى اسمه جبريل وليس له إلا هذه الرواية.
والحديث مضى في الفتن عن يحيى بن موسى.
قوله: يأتيها الدجال أي: يقصد إتيانها، وقال الكرماني: مر هذا الحديث في آخر الحج. قلت: لم يمر في آخر الحج بهذا الإسناد عن أنس، ومضى في آخر الحج عن أبي بكرة وأبي هريرة وغفل عن كتاب الفتن.
7474 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، حدثني أبو أسامة بن عبد الرحمان أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل نبي دعوة فأريد إن شاء الله أن أختبىء دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة
انظر الحديث 6304
مطابقته للترجمة في قوله: إن شاء الله
ورجاله قد ذكروا عن قريب غير مرة. والحديث أخرجه في كتاب الدعوات.
قوله: دعوة أي: دعوة متحققة الإجابة متيقنة القبول.
7475 حدثنا يسرة بن صفوان بن جميل اللخمي، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا أنا نائم رأيتني على قليب، فنزعت ما شاء الله أن أنزع، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له، ثم أخذها عمر فاستحالت غربا، فلم أر عبقريا من الناس يفري فريه حتى ضرب الناس حوله بعطن
مطابقته للترجمة في قوله: ما شاء الله.
ويسرة بفتح الياء آخر الحروف والسين المهملة والراء ابن صفوان بن جميل بالجيم المفتوحة اللخمي بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة وبالميم نسبة إلى لخم، وهو مالك بن عدي بن الحارث بن مرة، قال ابن السمعاني، لخم وجذام قبيلتان من اليمن.
والحديث مضى في مناقب عمر، رضي الله تعالى عنه.
قوله: رأيتني بالجمع بين ضميري
149

المتكلم أي: رأيت نفسي. قوله: على قليب هو البئر، وابن أبي قحافة هو أبو بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، وأبو قحافة بضم القاف وتخفيف الحاء المهملة واسمه: عمارة، واسم أبي بكر: عبد الله. قوله: ذنوبا بفتح الذال المعجمة الدلو المملوء، والغرب بفتح الغين وسكون الراء الدلو العظيم. قوله: فاستحالت أي: تحولت من الصغر إلى الكبر. قوله: عبقريا بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة وهو السيد. قوله: يفري بفتح الياء آخر الحروف وسكون الفاء وكسر الراء. قوله: فريه بفتح الفاء وكسر الراء وتشديد الياء آخر الحروف أي: لم أر سيدا يعمل مثل عمله في غاية الإجادة ونهاية الإصلاح. قوله: بعطن هو الموضع الذي تساق إليه الإبل بعد السقي للاستراحة، ومن أراد أن يشبع من هذا فليرجع إلى مناقب عمر، رضي الله تعالى عنه.
7476 حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا أبو أسامة، عن بريد، عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: كان النبي إذا أتاه السائل وربما قال: جاءه السائل أو صاحب الحاجة قال: اشفعوا فلتؤجروا ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء.
مطابقته للترجمة في قوله: ما شاء
وأبو أسامة حماد بن أسامة، وبريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء ابن عبد الله بن أبي بردة عامر أو الحارث بن أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس، وبريد هذا يروي
عن جده أبي بردة.
والحديث قد مضى بهذا السند والمتن في كتاب الأدب في: باب قول الله تعالى: * (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شىء مقيتا) *
قوله: ويقضي الله على لسان رسوله أي: يظهر الله على لسان رسوله بالوحي أو الإلهام ما قدره في علمه بأن سيقع.
7477 حدثنا يحياى، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن همام سمع أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، ارحمني إن شئت، ارزقني إن شئت، وليعزم مسألته إنه يفعل ما يشاء لا مكره له
انظر الحديث 6339
للترجمة ظاهرة. و يحيى، قال الكرماني: يحيى: إما ابن موسى الجعفي وإما أبو جعفر البلخي، و همام هو ابن منبه.
والحديث مضى عن قريب.
قوله: وليعزم أي: وليقطع ولا يعلقه.
7478 حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا أبو حفص عمر و، حدثنا الأوزاعي، حدثني ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أنه تماراى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موساى: أهو خضر؟ فمر بهما أبي بن كعب الأنصاري فدعاه ابن عباس، فقال: إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موساى الذي سأل السبيل إلى لقيه. هل سمعت رسول الله يذكر شأنه قال: نعم إني سمعت رسول الله يقول قوله: بينا موساى في ملإ بني إسرائيل إذ جاءه رجل فقال: هل تعلم أحدا أعلم منك؟ فقال موساى: لا، فأوحي إلى موساى: بلى عبدنا خضر، فسأل موساى السبيل إلى لقيه، فجعل الله له الحوت آية، وقيل له: إذ فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه، فكان موساى يتبع أثر الحوت في البحر، فقال فتى موساى لموساى * (قال أرأيت إذ أوينآ إلى الصخرة فإنى نسيت الحوت ومآ أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله فى البحر عجبا) * قال موساى * (فوجدا عبدا من عبادنآ ءاتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما) * خضرا وكان من شأنهما ما قص الله. 0 ا
150

مطابقته للترجمة تؤخذ من بقية الآية التي قص الله فيها قصتهما وهو * (وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين فى المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغآ أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمرى ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا) *
وعبد الله بن محمد المسندي، وأبو حفص عمرو بفتح العين ابن أبي سلمة التنيسي بكسر التاء المثناة من فوق والنون المشددة، والأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو.
والحديث مضى في كتاب العلم في: باب ما يذكر في ذهاب موسى في البحر إلى الخضر، ومضى الكلام فيه، ومضى أيضا بوجوه كثيرة في تفسير سورة الكهف.
قوله: تمارى أي: تجادل وتناظر. قوله: أهو خضر؟ بفتح الخاء وكسرها وسكون الضاد المعجمة وبفتحها وكسر الضاد سمي به لأنه جلس على الأرض اليابسة فصارت خضراء وكان اسمه بليا بفتح الباء الموحدة وسكون اللام وبالياء آخر الحروف مقصورا وكنيته أبو العباس. قوله: لقيه بضم اللام وكسر القاف وتشديد الباء آخر الحروف أي: لقائه. قوله: السبيل إليه أي: الطريق إليه أي إلى اجتماعه به. قوله: في ملأ أي: في جماعة وفتى موسى هو يوشع بن نون بضم النون.
7479 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري. ح وقال أحمد بن صالح: حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمان عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ننزل غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر يريد المحصب
ا
مطابقته للترجمة في قوله: إن شاء الله
وأخرجه من طريقين أحدهما: عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن مسلم الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة والآخر: بطريق المذاكرة حيث قال: وقال أحمد بن صالح بدون: حدثنا، وكل هؤلاء قد مضوا قريبا وبعيدا.
ومضى الحديث في كتاب الحج بأتم منه في: باب نزول النبي، مكة.
قوله: بخيف بني كنانة فسره بقوله: يريد المحصب وهو بين مكة ومنى، والخيف في الأصل ما انحدر من غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء. قوله: حيث تقاسموا أي: تحالفوا على الكفر أي: على أنهم لا يناكحوا بني هاشم وبني المطلب ولا يبايعوهم ولا يساكنوهم بمكة حتى يسلموا إليهم النبي، وكتبوا بها صحيفة وعلقوها على الكعبة.
7480 حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا ابن عيينة، عن عمر و، عن أبي العباس، عن عبد الله بن عمر قال: حاصر النبي أهل الطائف فلم يفتحها، فقال: إنا قافلون إن شاء الله فقال المسلمون: نقفل ولم نفتح؟ قال: فاغدوا على القتال فغدوا فأصابتهم جراحات قال النبي إنا قافلون غدا، إن شاء الله فكأن ذالك أعجبهم فتبسم رسول الله.
انظر الحديث 4325 وطرفه
مطابقته للترجمة في قوله: إن شاء الله
وعبد الله بن محمد المسندي يروي عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي العباس السائب بن فروخ الشاعر المكي الأعمى عن عبد الله بن عمر بن الخطاب،
وقيل: عبد الله بن عمرو بن العاص، والأول هو الصواب، ومضى في غزوة الطائف.
قوله: قافلون أي: راجعون. قوله: فكأن بتشديد النون.
32
((باب قول الله تعالى: * (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلى الكبير) * ولم يقل ماذا خلق ربكم؟ وقال جل ذكره: * (الله لا إلاه إلا هو الحى القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الارض من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شآء وسع كرسيه السماوات والارض ولا يؤوده حفظهما وهو العلى العظيم) *))
أي: هذا باب في قول الله عز وجل: * (ولا تنفع الشفاعة عنده) * إلخ، وغرض البخاري من ذكر هذه الآية بل من الباب كله
151

بيان كلام القائم بذاته، ودليله أنه قال: ه و ى * (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلى الكبير) * ولم يقل: ماذا خلق ربكم؟ وفيه رد للمعتزلة والخوارج والمرجئة والجهمية والنجارية لأنهم قالوا: إنه متكلم يعني خالق الكلام في اللوح المحفوظ مثلا، وفي هذا ثلاثة أقوال: قول أهل الحق أن القرآن غير مخلوق وأنه كلامه تعالى قائم بذاته لا ينقسم ولا يتجزأ أو لا يشبه شيئا من كلام المخلوقين. والقول الثاني، ما ذكرنا عن هؤلاء المذكورين، والقول الثالث: أن الواجب فيه الوقف فلا يقال إنه مخلوق ولا غير مخلوق. وفيه إثبات الشفاعة قوله: * (إذا فزع) * أي: إذا أزيل الخوف والتفعيل للإزالة والسلب وحاصل المعنى: حتى إذا ذهب الفزع * (قالوا ماذا قال ربكم) * فدل ذلك على أنهم سمعوا قولا لم يفهموا معناه من أجل فزعهم فقالوا ماذا قالوا ربكم ولم يقولوا: ماذا خلق ربكم؟ وأكد ذلك بما حكاه عن الملائكة أيضا قالوا: الحق، والحق إحدى صفتي الذات ولا يجوز على الله غيره لأنه لا يجوز على كلامه الباطل.
قوله: * (من ذا الذي يشفع عنده) * قال ابن بطال: أشار بذلك إلى سبب النزول لأنه جاء أنهم لما قالوا: شفعاؤنا عند الله الأصنام، نزلت، فأعلم الله أن الذين يشفعون عنده من الملائكة والأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، إنما يشفعون فيمن يشفعون فيه بعد إذنه لهم في ذلك.
وقال مسروق عن ابن مسعود: إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماوات شيئا، فإذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت عرفوا أنه الحق ونادوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق.
أي: قال مسروق بن الأجدع الهمداني الوادعي عن عبد الله بن مسعود في تفسير الآية المذكورة: سمع أهل السماوات شيئا، وفي رواية أبي داود وغيره: سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا، وفي رواية الثوري: الحديد، بدل السلسلة. وعند ابن أبي حاتم: مثل صوت السلسلة، وعنده في حديث النواس بن سمعان: إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماوات منه رجفة، أو قال: رعدة شديدة من خوف الله تعالى، فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعقوا وخروا لله سجدا. قوله: عن قلوبهم أي: قلوب الملائكة. قوله: وسكن الصوت أي: الصوت المخلوق لإسماع السماوات إذ الدلائل القاطعة قائمة على تنزهه عن الصوت لأنه مستلزم للحدوث لأنه من الموجودات السيالة الغير القارة. قوله: ونادوا ماذا قال ربكم؟ قيل: ما فائدة السؤال وهم سمعوا ذلك؟ وأجيب: بأنهم سمعوا قولا ولم يفهموا معناه كما ينبغي لأجل فزعهم. ثم هذا التعلق وصله البيهقي في الأسماء والصفات من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن مسلم بن صبيح وهو أبو الضحى عن مسروق، ولفظه: إن الله عز وجل إذا تكلم بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا، فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل، عليه السلام، فإذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم قال: ويقولون: يا جبريل ماذا قال ربكم؟ قال: فيقول: الحق، قال: فينادون الحق الحق، وقال البيهقي: ورواه أحمد بن شريح الرازي وعلي بن أشكاب وعلي بن مسلم ثلاثتهم عن أبي معاوية مرفوعا. أخرجه أبو داود في السنن عنهم ولفظه مثله إلا أنه قال: فيقولون: ماذا قال ربك؟ قال: ورواه شعبة عن الأعمش موقوفا وجاء عنه مرفوعا أيضا.
ويذكر عن جابر عن عبد الله بن أنيس قال: سمعت النبي يقول يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان
هذا تعليق بصيغة التمريض عن جابر بن عبد الله الصحابي الخزرجي الأنصاري المكثر في الحديث، وهو مع كثرة روايته وعلو مرتبته رحل إلى الشام وأخذ يسمعه من عبد الله بن أنيس مصغر أنس بن سعد الجهني العقبي الأنصاري حليفا. وفي التوضيح هذا أسنده الحارث بن أبي أسامة في مسنده من حديثه، قال: بلغني حديث عن رجل من أصحاب رسول الله، فأتبعت بعيرا فشددت عليه رحلي ثم سرت إليه، فسرت شهرا حتى قدمت الشام، فإذا عبد الله بن أنيس الأنصاري فذكره مطولا. قوله: فيناديهم أي: يقول ليدل على الترجمة، كذا قاله الكرماني. قوله: بصوت أي: مخلوق غير قائم به. قال
152

الكرماني: ما السر في كونه خارقا للعادة إذ في سائر الأصوات التفاوت ظاهرا بين القريب والبعيد؟ قلت: ليعلم أن المسموع منه كلام الله تعالى كما أن موسى، عليه السلام، كان يسمع من جميع الجهات، كذلك. قوله: أنا الملك وأنا الديان أي: لا ملك إلا أنا، ولا يجازي إلا أنا، إذ تعريف الخبر دليل الحصر، واختار هذا اللفظ لأن فيه الإشارة إلى الصفات السبعة: الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام وليمكن المجازاة على الكليات والجزئيات قولا وفعلا.
7481 حدثنا علي بن عبده الله، حدثنا سفيان، عن عمر و، عن عكرمة عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان قال علي: وقال غيره: صفوان ينفذهم ذالك فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق وهو العلي الكبير
قال علي: حدثنا سفيان حدثنا عمر و عن عكرمة عن أبي هريرة بهذا.
قال سفيان: قال عمر و: سمعت عكرمة، حدثنا أبو هريرة قال علي: قلت لسفيان، قال: سمعت عكرمة قال: سمعت أبا هريرة قال: نعم. قلت لسفيان إن إنسانا روى عن عمر و، عن عكرمة عن أبي هريرة يرفعه أنه قرأ: فزع، قال سفيان: هاكذا قرأ عمر و فلا أدري سمعه هاكذا أم لا، قال سفيان: وهي قراءتنا.
انظر الحديث 4701 وطرفه
مطابقته للترجمة في قوله: فإذا فزع عن قلوبهم وعلي بن عبد الله هو المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وعمر هو ابن دينار.
ومضى هذا الحديث بهذا السند في تفسير سورة الحجر.
قوله: يبلغ به النبي، أي: يرفعه إلى النبي قوله: إذا قضى الله الأمر ووقع في حديث ابن مسعود: إذا تكلم الله بالوحي. قوله: خضعانا قال بعضهم: هو مصدر كغفران. قلت: قال الخطابي وغيره: هو جمع خاضع وهذا أولى وانتصابه على الحالية. قوله: كأنه أي: كأن الصوت الحاصل من ضرب أجنحتهم صوت السلسلة على صفوان وهو الحجر الأملس. قوله: قال علي هو ابن المديني الراوي قال غيره أي: غير سفيان صفوان ينفذهم ذلك يعني: بزيادة لفظ الإنفاذ أي: ينفذ الله ذلك الأمر أو القول إلى الملائكة، ويروى: من النفوذ، أي: ينفذ ذلك إليهم أو عليهم، ويحتمل أن يراد أن غير سفيان قال: صفوان، بفتح الفاء باختلاف الطريقين في الفتح والسكون لا غير، ويكون ينفذهم غير مختص بالغير بل مشترك بين سفيان وغيره. قوله: فإذا فزع قد مضى تفسيره.
قوله: قال علي هو ابن المديني أيضا حدثنا سفيان قال حدثنا عمرو عن عكرمة عن أبي هريرة بهذا أي: بهذا الحديث، أراد بهذا أن سفيان حدثه عن عمرو بلفظ التحديث لا بالعنعنة كما في الطريق الأولى.
قوله: قال سفيان: قال عمرو أي: قال سفيان بن عيينة: قال عمرو بن دينار: سمعت عكرمة قال: حدثنا أبو هريرة. قوله: قال علي هو ابن المديني أيضا: قلت لسفيان بن عيينة؛ قال عكرمة. قال: سمعت أبا هريرة؟ قال: نعم أي: قال سفيان: نعم سمعته. وهذا يشعر بأن كلامه كان علي سبيل الاستفهام من سفيان. قوله: قلت لسفيان أي: قال علي أيضا: قلت لسفيان بن عيينة إن إنسانا روى عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن أبي هريرة يرفعه أي: إلى رسول الله أنه قرأ: فرغ، بالراء والغين المعجمة من قولهم: فرغ الزاد إذا لم يبق منه شيء. قال سفيان: هكذا قرأ عمرو بالراء والغين المعجمة، قيل: كيف جازت القراءة إذا لم تكن مسموعة قطعا؟ وأجيب بأنه لعل مذهبه جواز القراءة بدون السماع إذا كان المعنى صحيحا. قوله: فلا أدري سمعه هكذا أم لا أي: أسمعه عمرو عن عكرمة أو قرأها كذلك من قبل نفسه بناء على أنها قراءته. قوله: قال سفيان أي: ابن عيينة وهي قراءتنا يعني بالراء والغين المعجمة، يريد سفيان أنها قراءة نفسه وقراءة من تبعه فيه.
7482 حدثنا يحياى بن بكير، حدثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة
153

ابن عبد الرحمان، عن أبي هريرة أنه كان يقول: قال رسول الله ما أذن الله لشيء ما أذن للنبي يتغنى بالقرآن وقال صاحب له: يريد أن يجهر به.
قال الكرماني: فهم البخاري من الإذن القول لا الاستماع به بدليل أنه أدخل هذا الحديث في هذا الباب. قلت: فيه موضع التأمل.
وقد أخرج هذا الحديث في فضائل القرآن في: باب من لم يتغن بالقرآن، من طريقين وقد فسروا في الأول التغني بالجهر، والثاني بالاستغناء، وفسروا الإذن بالاستماع. يقال: أذن يأذن إذنا بفتحتين أي: استمع وفهم القول منه بعيد. قوله: ما أذن الله لشيء أي: ما استمع لشيء ما استمع للنبي وكلمة: ما، مصدرية أي: استماعه أي: كاستماعه للنبي واستماع الله مجاز عن تقريبه القارئ وإجزال ثوابه أو قبول قراءته. قوله: للنبي بالألف واللام ويروى: لنبي، بدون الألف واللام. قوله: قال صاحب له أي: لأبي هريرة، أراد أن المراد بالتغني الجهر به بتحسين الصوت. وقال سفيان بن عيينة: المراد الاستغناء عن الناس، وقيل: أراد بالنبي الجنس، وبالقرآن القراءة.
7483 حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا أبو صالح، عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله: يا آدم فيقول: لبيك وسعديك، فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار.
مطابقته لحديث ابن مسعود الذي فيه: وسكن الصوت وهو مطابق للترجمة التي فيها: * (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلى الكبير) * والمطابق للمطابق للشيء مطابق لذلك الشيء.
وشيخ البخاري يروي عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن أبي صالح ذكوان عن أبي سعيد الخدري سعد بن مالك.
والحديث مضى في تفسير سورة الحج بهذا السند بعينه بأتم منه وأطول، ومر أيضا في كتاب الأنبياء في: باب قصة يأجوج ومأجوج.
قوله: يقول الله: يا آدم يعني: يوم القيامة. قوله: فينادي على صيغة المعلوم في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر بفتح الدال على صيغة المجهول، ولا محذور في رواية المعلوم لأن قوله: إن الله يأمرك يدل ظاهرا على أن المنادي ملك يأمره الله تعالى بالنداء، فإن قلت: حفص بن غياث تفرد بهذا الطريق، وقد قال أبو زرعة: ساء حفظه بعدما استقضي ولهذا طعن أبو الحسن بن الفضل في صحة هذا الطريق. قلت: ليس كذلك وقد وافقه عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الأعمش أخرجه عبد الله بن أحمد في كتاب السنة له عن أبيه عن المحاربي، وعن يحيى بن معين: حفص بن غياث ثقة. وقال العجلي: ثقة مأمون. وقال يعقوب بن شيبة: ثقة ثبت إذا حدث من كتابه، ويتقى بعض حفظه، وكان الرشيد ولاه قضاء بغداد فعزله، وولاه قضاء الكوفة. وقال ابن أبي شيبة: ولي الكوفة ثلاث عشرة سنة وبغداد سنتين ومات يوم مات ولم يخلف درهما وخلف عليه تسعمائة درهم دينا، وكان يقال: ختم القضاء بحفص بن غياث، وكانت وفاته في سنة أربع وتسعين ومائة، وصلى عليه الفضل بن عباس وكان أمير الكوفة يومئذ، وهو من جملة أصحاب أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنهما. قوله: بعثما بفتح الباء الموحدة وسكون العين المهملة وبالثاء المثلثة أي
: طائفة شأنهم أن يبعثوا إلى النار وتمامه قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، قيل: وأينا ذلك الواحد يا رسول الله؟ قال: فإن منكم رجلا ومن يأجوج ومأجوج ألف.
7484 حدثنا عبيد بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة، ولقد أمره ربه أن يبشرها ببيت في الجنة.
انظر الحديث 3816
لم أرى أحدا من الشراح ذكر لهذا الحديث مطابقة للترجمة اللهم إلا أن يقال بالتعسف: إن معنى: لمن أذن له أمر له، لأن معنى الإذن لأحد بشيء أن يفعل يتضمن معنى الأمر على وجه الإباحة.
وعبيد بن إسماعيل كان اسمه في الأصل: عبيد الله، أبو محمد
154

القرشي الكوفي، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير.
والحديث مضى في المناقب في: باب تزويج النبي، خديجة وفضلها، فإنه أخرجه هناك بوجوه كثيرة.
قوله: ولقد أمره ربه أي: ولقد أمر النبي ربه، هكذا في رواية المستملي والسرخسي، وفي رواية غيرهما: ولقد أمره الله. قوله: ببيت في الجنة هكذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: من الجنة، وصفة البيت أنه من قصب الدر المجوف.
33
((باب كلام الرب مع جبريل ونداء الله الملائكة))
أي: هذا باب في بيان كلام الرب مع جبريل الأمين، عليه السلام، وفي نداء الملائكة، وفي هذا الباب أيضا إثبات كلام الله تعالى وإسماعه جبريل والملائكة، فيسمعون عند ذلك الكلام القديم القائم بذاته الذي لا يشبه كلام المخلوقين إذ ليس بحروف ولا تقطيع وليس من شرطه أن يكون بلسان وشفتين وآلات، وحقيقته أن يكون مسموعا مفهوما، ولا يليق بالباري أن يستعين في كلامه بالجوارح والأدوات.
وقال معمر: وإنك لتلقى القرآن، أي: يلقى عليك وتلقاه أنت أي: تأخذه عنهم.
قال الكرماني: معمر بفتح الميمين وإسكان المهملة بينهما قيل: إنه ابن المثنى أبو عبيدة مصغرا التيمي اللغوي. قلت: لا يحتاج إلى قوله. قيل: بل هو أبو عبيدة معمر بن المثنى بلا خلاف، وربما يتبادر الذهن إلى أنه معمر بن راشد وليس كذلك فافهم. قوله: وإنك لتلقى القرآن هذا من القرآن، قال الله تعالى: * (وإنك لتلقى القرءان من لدن حكيم عليم) * فسره أبو عبيدة: بيلقى عليك... إلى آخره، والخطاب للنبي ويلقى على صيغة المجهول، وتلقاه بتشديد القاف. قالوا: إن جبريل، عليه السلام، يتلقى أي: يأخذ من الله تلقيا روحانيا ويلقي على محمد إلقاء جسمانيا
ومثله * (فتلقىءادم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) *
أي: مثل المذكور معنى قوله: فتلقى آدم من ربه أي: قبلها وأخذها عنه، وأصل اللقاء استقبال الشيء ومصادفته.
7485 حدثني إسحاق، حدثنا عبد الصمد، حدثنا عبد الرحمان هو ابن عبد الله بن دينار عن أبيه، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدا نادى جبريل إن الله قد أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماء: إن الله قد أحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ويوضع له القبول في أهل الأرض
انظر الحديث 3209 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة.
وإسحاق هو ابن منصور، وقال الكرماني: إسحاق إما الحنظلي وإما الكوسج. قلت: هذا التردد غير مفيد بل هو ابن منصور بن بهرام الكوسج، والحنظلي هو إسحاق بن راهويه لا يقول إلا أخبرنا، وهنا ما قال إلا: حدثنا، وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث، وأبو صالح ذكوان الزيات.
والحديث مضى في كتاب الأدب في: باب المقت من الله، من رواية نافع عن أبي هريرة.
قوله: إذا أحب عبدا محبة الله للعبد إيصال الخبر إليه بالتقرب والإثابة، وكذا محبة الملائكة وذلك بالاستغفار والدعاء لهم ونحوه. قوله: ويوضع له القبول في الأرض أي: في أهل الأرض أي: في قلوبهم، ويعلم منه أن من كان مقبول القلوب هو محبوب الله عز وجل، وقيل: يوضع له القبول في الأرض عند الصالحين ليس عند جميع الخلق، والذي يوضع له بعد موته أكثر منه في حياته.
7486 حدثنا قتيبة بن سعيد، عن مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج عن أبي هريرة
155

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون
مطابقته للترجمة في قوله: فيسألهم وهو أعلم أي: بهم من الملائكة.
وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز.
والحديث مضى في كتاب الصلاة في: باب فضل صلاة العصر، ومضى الكلام فيه.
قوله: يتعاقبون أي: يتناوبون في الصعود والنزول لرفع أعمال العباد الليلية والنهارية، وهو في الاستعمال نحو: أكلوني البراغيث. قوله: ثم يعرج أي: ثم يصعد. قوله: الذين باتوا فيكم من البيتوتة إنما خصهم بالذكر مع أن حكم الذين ظلموا كذلك لأنهم كانوا في الليل الذي هو زمان الاستراحة مشتغلين بالطاعة، ففي النهار وبالطريق الأولى، أو اكتفى بأحد الضدين عن الآخر. قوله: فيسألهم أي: فيسألهم ربهم، ولم يذكر لفظ: ربهم، عند الجمهور ووقع في بعض طرق الحديث، ووقع أيضا عند ابن خزيمة من طريق أبي صالح عن أبي هريرة: فيسألهم ربهم، وفائدة السؤال مع علمه تعالى يحتمل أن يكون إلزاما لهم وردا لقولهم: * (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل فى الأرض خليفة قالو
1764; ا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدمآء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني
1764; أعلم ما لا تعلمون) *
7487 حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن واصل عن المعرور قال: سمعت أبا ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتاني جبريل فبشرني أنه من مات لا يشرك بالله شيئا، دخل الجنة. قلت: وإن سرق وإن زنى؟ قال: وإن سرق وإن زنى
ا
مطابقته للترجمة من حيث إن جبريل، عليه السلام، تبشيره لا يكون إلا بإخبار الله تعالى بذلك وأمره له به.
ومحمد بن بشار هو بندار، وغندر هو محمد بن جعفر، وواصل بن حيان بتشديد الياء آخر الحروف الأحدب، والمعرور على وزن مفعول بالعين المهملة ابن سويد الأسدي الكوفي، وأبو ذر جندب بن جنادة على المشهور.
وهذا الحديث طرف من حديث طويل جدا قد مضى في كتاب الرقاق في: باب المكثرون هم المقلون.
34
((باب قول الله تعالى: * (لاكن الله يشهد بمآ أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا) *))
أي: هذا باب في قول الله عز وجل: * (أنزله بعلمه) * أي: أنزل القرآن إليك بعلم منه أنك خيرته من خلقه. وقال ابن بطال: المراد بالإنزال إفهام العباد معاني الفروض التي في القرآن وليس إنزاله كإنزال الأجسام المخلوقة، لأن القرآن ليس بجسم ولا مخلوق. انتهى. ولا تعلق للقدرية في هذه الآية في قولهم: إن القرآن مخلوق، لأن القرآن قائم بذاته لا ينقسم ولا يتجزىء، وإنما معنى الإنزال هو الإفهام كما ذكرناه. قوله: * (والملائكة يشهدون) * أي: يشهدون لك بالنبوة.
قال مجاهد: يتنزل الأمر بينهن بين السماء السابعة والأرض السابعة.
وفي رواية أبي ذر عن السرخسي: من السماء السابعة، ووصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: من السماء السابعة إلى الأرض السابعة.
7488 حدثنا مسدد، حدثنا أبو الأحوص، حدثنا أبو إسحاق الهمداني، عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا فلان إذا أويت إلى فراشك فقل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت؛ فإنك إن
156

مت في ليلتك مت على الفطرة وإن أصبحت أصبت أجرا
ا
مطابقته للترجمة في قوله: آمنت بكتابك الذي أنزلت
وأبو الأحوص سلام بتشديد اللام ابن سليم الكوفي وأبو إسحاق عمرو السبيعي الهمداني.
والحديث مضى في الدعوات في: باب النون على الشق الأيمن، ومضى أيضا في آخر كتاب الوضوء، ومضى الكلام فيه.
قوله: يا فلان كناية عن البراء. قوله: إذا أويت بالقصر. قوله: إلى فراشك أي: إلى مضجعك. قوله: على الفطرة أي: فطرة الإسلام والطريقة الحقة الصحيحة المستقيمة. قوله: أصبت أجرا أي: أجرا عظيما بدليل النكير، ويروى: خيرا، مكانه.
7489 حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب وزلزل بهم.
زاد الحميدي
1764; حدثنا سفيان، حدثنا ابن أبي خالد. سمعت عبد الله سمعت النبي.
ا
مطابقته للترجمة في قوله: اللهم منزل الكتاب
وسفيان بن عيينة. والحديث مضى في الجهاد في: باب الدعاء على المشركين بالهزيمة.
قوله: يوم الأحزاب هو اليوم الذي اجتمع قبائل العرب على مقاتلة النبي، قوله: سريع الحساب أي: سريع زمان الحساب، أو سريع هو في الحساب، قيل: ذم النبي، السجع؟ وأجيب: بأنه ذم سجعا كسجع الكهان في تضمنه باطلا وفي تحصيله التكلف. قوله: وزلزل بهم كذا في رواية السرخسي، وفي رواية غيره: زلزلهم.
قوله: زاد الحميدي هو عبد الله بن الزبير ونسبته إلى حميد أحد أجداده، أراد بهذه الزيادة التصريح في رواية سفيان بالتحديث والتصريح بالسماع في رواية ابن أبي خالد، ورواية عبد الله بالسماع بخلاف رواية قتيبة فإنها بالعنعنة.
116 - (حدثنا مسدد عن هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما * (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) * قال أنزلت ورسول الله
متوار بمكة فكان إذا رفع صوته سمع المشركون فسبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به: وقال الله تعالى * (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) * لا تجهر بصلاتك حتى يسمع المشركون ولا تخافت بها عن أصحابك فلا تسمعهم وابتغ بين ذلك سبيلا أسمعهم ولا تجهر حتى يأخذوا عنك القرآن)
مطابقته للترجمة في قوله أنزلت وهشيم بن بشير وكلاهما مصغران وأبو بشر بكسر الباء الموحدة جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس البصري والحديث مضى في آخر تفسير سورة سبحان في باب ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها قوله أنزلت من الإنزال والفرق بينه وبين التنزيل أن الإنزال دفعة واحدة والتنزيل بالتدريج بحسب الوقائع والمصالح قوله متوار أي مختف قوله ولا تخافت من المخافتة وهي الإسرار قوله ولا تجهر بصلاتك أي بقراءتك ولا تخافت بها عن أصحابك يعني التوسيط بين الأمرين لا الإفراط ولا التفريط وعن عائشة أن هذه الآية نزلت في الدعاء وقيل كان الصديق رضي الله تعالى عنه يخافت في صلاة الليل وعمر رضي الله تعالى عنه يجهر فأمر أبو بكر أن يرفع قليلا وأمر عمر أن يخفض قليلا وقال زياد بن عبد الرحمن لا تجهر بها في صلاة النهار ولا تخافت بها في صلاة الليل
157

35
((باب قول الله تعالى: * (سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا) * حق * (وما هو بالهزل) * باللعب))
أي: هذا باب في قول الله تعالى: * (يريدون أن يبدلوا كلام الله) * هذا المقدار في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر: * (يريدون أن يبدلوا كلام الله) * الآية. وقال ابن بطال: أراد بهذه الترجمة وأحاديث بابها ما أراد في الأبواب قبلها: أن كلام الله تعالى صفة قائمة به وأنه لم يزل متكلما ولا يزال. انتهى. ومعنى قوله: * (يريدون أن يبدلوا كلام الله) * هو أن المنافقين تخلفوا عن الخروج مع رسول الله إلى غزوة تبوك واعتذروا بما علم الله إفكهم فيه، وأمر الله رسوله أن يقرأ عليهم قوله: * (فإن رجعك الله إلى طآئفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معى أبدا ولن تقاتلوا معى عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين) * فأعلمهم بذلك وقطع أطماعهم بخروجهم معه، فلما رأوا الفتوحات قد تهيأت لرسول الله أرادوا الخروج معه رغبة منهم في المغانم، فأنزل الله * (سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا) * الآية فهذا معنى الآية: أن يبدلوا أمره له بأن لا يخرجوا معه بأن يخرجوا معه، فقطع الله أطماعهم من ذلك مدة أيامه، بقوله: * (فإن رجعك الله إلى طآئفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معى أبدا ولن تقاتلوا معى عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين) * قوله: * (لقول فصل) * وفي رواية أبي ذر * (وإنه لقول فصل) * وفسر قوله: فصل بقوله: حق وفي غير رواية أبي ذر ثبت حق بغير ألف ولام، وسقط من رواية أبي زيد المروزي، وفسر قوله: * (وما هو بالهزل) * باللعب كذا فسره أبو عبيدة.
7491 حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: * (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار) *
انظر الحديث 4826 وطرفه
مطابقته للترجمة في إثبات إسناد القول إلى الله تعالى. وهذا الحديث من الأحاديث القدسية.
قوله: يؤذيني من المتشابهات وكذلك اليد والدهر، فإما أن يفوض وإما أن يؤول، والمراد من الإيذاء النسبة إليه تعالى ما لا يليق له، وتؤول اليد بالقدرة والدهر بالمدهر أي: مقلب الدهور. قوله: أنا الدهر يروى بالنصب أي: أنا ثابت في الدهر باق فيه.
والحديث مضى أولا: في تفسير سورة الجاثية وثانيا: في كتاب الأدب.
7492 حدثنا أبو نعيم، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله عز وجل: الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي، والصوم جنة، وللصائم فرحتان فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك
ا
مطابقته للترجمة ظاهرة في قوله: يقول الله
وأبو نعيم الفضل بن دكين يروي هنا عن الأعمش، كذا وقع عند جميع الرواة إلا أن أبا علي بن السكن قال حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان الأعمش، زاد فيه: سفيان الثوري، قال أبو علي الجياني: الصواب قول من خالفه من سائر الرواة، وأبو صالح ذكوان الزيات.
والحديث مضى في كتاب الصوم في: بابين، ومضى الكلام فيه.
قوله: الصوم لي سائر العبادات لله تعالى ووجه التخصيص به هو أنه لم يعبد أحد غير الله به إذ لم تعظم الكفار في عصر من الأعصار معبودا لهم بالصيام، بخلاف السجود والصدقة ونحوهما. قوله: يدع أي: يترك. قوله: جنة بضم الجيم أي: ترس. قوله: حين يلقى ربه يعني: يوم القيامة. وفيه إثبات رؤية الله تعالى. قوله: ولخلوف بضم الخاء على الأصح، وقيل بفتحها، وهو رائحة الفم المتغيرة. قوله: أطيب عند الله لا يتصور الطيب على الله إلا بطريق الفرض، أي: لو تصور الطيب عند الله لكان الخلوف أطيب.
7493 حدثنا عبد الله بن محمد، عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة
158

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينما أيوب يغتسل عريانا خر عليه رجل جراد من ذهب، فجعل يحثي في ثوبه فناداه ربه: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى يا رب، ولاكن لا غنى بي عن بركتك
انظر الحديث 279 وطرفه
مطابقته للترجمة في قوله: فناداه ربه: يا أيوب
ومعمر بفتح الميمين ابن راشد، وهمام بتشديد الميم ابن منبه.
والحديث مضى في كتاب الطهارة في: باب من اغتسل عريانا.
قوله: رجل جراد بكسر الراء وسكون الجيم جماعة كثيرة منه كالجماعة الكثيرة من الناس. قوله: فناداه ربه أي: قال الله له. قوله: أغنيتك من الإغناء.
7494 حدثنا إسماعيل، حدثني مالك عن ابن شهاب عن أبي عبد الله الأغر، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟
انظر الحديث 1145 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة في قوله: فيقول
وإسماعيل بن أبي أويس، وأبو عبد الله الأغر بفتح الغين المعجمة وتشديد الراء واسمه سلمان الجهني المدني.
والحديث مضى في كتاب التهجد في: باب الدعاء في الصلاة من آخر الليل.
ولم يزل من النزول كذا في رواية أبي ذر عن المستملي والسرخسي، وفي رواية الأكثرين: يتنزل من باب التفعل، وهذا من باب المتشابهات والأمر فيها قد علم أنه إما التفويض وإما التأويل بنزول ملك الرحمة، ومن القائلين في إثبات هذا وإنه لا يقبل التأويل أبو إسماعيل الهروي، وأورد هذا الحديث من طرق كثيرة في كتابه الفاروق مثل حديث عطاء مولى أم صبية عن أبي هريرة بلفظ: إذا ذهب ثلث الليل.... فذكر الحديث وزاد: فلا يزال بها حتى يطلع الفجر، فيقول: هل من داع فيستجاب له؟ أخرجه النسائي وابن خزيمة في صحيحه وحديث ابن مسعود وفيه: فإذا طلع الفجر صعد إلى العرش أخرجه ابن خزيمة. وأخرجه أبو إسماعيل من طريق أخرى عن ابن مسعود، قال: جاء رجل من بني سليم إلى رسول الله فقال: علمني... فذكر الحديث وفيه: فإذا انفجر الفجر صعد ومن حديث عبادة بن الصامت، وفي آخره: ثم يعلو ربنا على كرسيه ومن حديث جابر وفيه: ثم يعلو ربنا إلى السماء العليا، إلى كرسيه ومن حديث أبي الخطاب أنه سأل النبي عن الوتر، فذكر الحديث وفي آخره: حتى إذا طلع الفجر ارتفع قال بعضهم: هذه الطرق كلها ضعيفة. قلت: ألم يعلم هو أن الحديث إذا روي من طرق كثيرة ضعيفة تشتد فيشد بعضها بعضا؟ وليس في هذا الباب. وأمثاله إلا التسليم والتفويض إلى ما أراد الله من ذلك، فإن الأخذ بظاهره يؤدي إلى التجسيم، وتأويله يؤدي إلى التعطيل، والسلامة في السكوت والتفويض.
فيه: التحريض على قيام آخر الليل. قال تعالى: * (الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالاسحار) * ومن جهة العقل أيضا هو وقت صفاء النفس لخفة المعدة لانهضام الطعام وانحداره عن المعدة وزوال كلال الحواس وضعف القوي وفقدان المشوشات وسكون الأصوات ونحو ذلك.
7495 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد أن الأعرج حدثه أنه سمع أبا هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول نحن الآخرون السابقون يوم القيامة وبهاذا الإسناد: قال الله: أنفق أنفق عليك
ا
مطابقته للترجمة في قوله: قال الله وهو من الأحاديث القدسية.
وأبو اليمان الحكم بن نافع يروي عن شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج.
قوله: نحن الآخرون السابقون يوم القيامة من حديث مستقل.
وقوله: أنفق أنفق عليك حديث آخر مستقل، وقد سبق مرارا مثله وهو إما أنه سمعه من رسول الله مع الذي بعده في سياق واحد فنقله كما سمعه، أو سمع الراوي من أبي هريرة كذلك فرواه كما سمعه، وقيل: كان
159

هذا في أول صحيفة بعض الرواة عن أبي هريرة بالإسناد متقدما على الأحاديث فلما أراد نقل حديث منها ذكروه مع الإسناد.
قوله: نحن الآخرون أي: في الدنيا السابقون في الآخرة.
قوله: وبهذا الإسناد أي: الإسناد المذكور، وهو: حدثنا أبو اليمان... إلى آخره. قوله: أنفق بفتح الهمزة أمر من الإنفاق أي: أنفق على عباد الله. قوله: أنفق بضم الهمزة فعل المتكلم من المضارع جواب الأمر، فإذا أنفق العبد أعطاه الله عوضه بل أكثر منه أضعافا مضاعفة.
7497 حدثنا زهير بن حرب، حدثنا ابن فضيل، عن عمارة، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة فقال: هاذه خديجة أتتك بإناء فيه طعام أو إناء فيه شراب فأقرئها من ربها السلام وبشرها ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب.
انظر الحديث 3820
مطابقته للترجمة في قوله: فأقرئها من ربها السلام وهو بمعنى التسليم عليها.
وابن فضيل بالتصغير اسمه محمد، وعمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم ابن القعقاع، وأبو زرعة بضم الزاي وسكون الراء وبالعين المهملة اسمه هرم البجلي.
ومضى الحديث في المناقب في: باب تزويج النبي خديجة وفضلها، رضي الله تعالى عنها.
قوله: فقال هذه خديجة أتتك القائل هو جبريل، عليه السلام، وقد تقدم في المناقب: أن أبا هريرة قال: أتى جبريل النبي فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتت... الحديث. وهذاك يوضح هذا. ونقل الكرماني هذا هكذا، ثم قال: ومع هذا فالحديث غير مرفوع بل هو موقوف، يعني بالنظر إلى صورة هذا فقول بعضهم: جزم الكرماني أن هذا الحديث موقوف غير مرفوع، مردود مجرد تشنيع عليه بلا وجه لأن مقصوده بالنظر إلى ما ورد هنا مختصرا، ولم يجزم بأنه موقوف. قوله: أتتك وفي رواية المستملي: تأتيك، بصيغة المضارع، وتقدم هناك: أتت، بغير ضمير. قوله: بإناء فيه طعام أو إناء فيه شراب هكذا رواية الأكثرين وفي رواية الأصيلي وأبي ذر: بإناء فيه طعام أو إناء أو شراب، وقال الكرماني: ما معنى ما قاله ثانيا: أو إناء؟ ثم أجاب: يعني قال: إناء فيه طعام أو أطلق الإناء ولم يذكر ما فيه، ولم يوجد في بعض النسخ الثاني وفي بعض الروايات: أو أدام، مكانه، وهذا الترديد شك من الراوي: أو شراب، بالرفع والجر. قوله: ببيت في التوضيح بيت الرجل قصره وبيته داره وبيته شرفه. قوله: من قصب قال الكرماني: يريد به قصب الدر المجوف، وقيل: اصطلاح الجوهريين أن يقولوا: قصب من الدر وقصب من الجوهر، وقال الهروي: أراد بقصر من زمردة مجوفة أو من لؤلؤة مجوفة. قوله: لا صخب فيه أي: لا صياح ولا جلبة. قوله: ولا نصب أي: ولا تعب، وقال الداودي: يعني لاعوج.
7498 حدثنا معاذ بن أسد، أخبرنا عبد الله، أخبرنا معمر، عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
مطابقته للترجمة في قوله: قال الله
ومعاذ بضم الميم وبالذال ابن أسد أبو عبد الله المروزي نزل البصرة روى عن عبد الله بن مبارك المروزي.
والحديث مضى في تفسير سورة السجدة من رواية الأعرج عن أبي هريرة، وهذا من الأحاديث القدسية.
قوله: أعددت أي: هيأت. قوله: لعبادي الإضافة فيه للتشريف أي: لعبادي المخلصين، ويروى: لعبادي. فقط.
7499 حدثنا محمود، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج، أخبرني سليمان الأحول أن طاوسا أخبره أنه سمع ابن عباس يقول: كان النبي إذا تهجد من الليل قال: اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض، ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق ووعدك الحق، وقولك الحق ولقاؤك الحق، والجنة حق والنار حق والنبيون حق والساعة حق، اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك
160

توكلت، وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، أنت إلاهي لا إلاه إلا أنت
ا
مطابقته للترجمة في قوله: وقولك الحق ومعنى الحق الثابت اللازم.
ومحمود هو ابن غيلان المروزي، وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج.
والحديث مضى في كتاب التهجد ومضى أيضا بالقرب من أوائل التوحيد في: باب قوله تعالى: * (وهو الذى خلق السماوات والارض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ فى الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير) *، * (وهو الذى خلق السماوات والارض فى ستة أيام وكان عرشه على المآء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفرو
1764; ا إن هاذآ إلا سحر مبين) * ومضى الكلام فيه.
7500 حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا عبد الله بن عمر النميري، حدثنا يونس بن يزيد الإيلي، قال: سمعت الزهري قال: سمعت عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله عن حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله مما قالوا، وكل حدثني طائفة من الحديث الذي حدثني عن عائشة قالت: ولاكن والله ما كنت أظن أن الله ينزل في براءتي وحيا يتلاى، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى، ولكني كنت أرجو أن يراى رسول الله في النوم رؤيا يبرئني الله بها، فأنزل الله تعالى: * (إن الذين جآءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرىء
منهم ما اكتسب من الإثم والذى تولى كبره منهم له عذاب عظيم) * العشر الآيات.
ا
مطابقته للترجمة في قوله: أن يتكلم الله وهذا طرف من قصة الإفك، وقد ذكر منه بهذا الإسناد قطعا يسيرة في مواضع منها في الجهاد والشهادات والتفسير، وساقه بتمامه في الشهادات وفي تفسير سورة النور.
وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة.
قوله: وكل أي: كل واحد من الأئمة المذكورين حدثني طائفة أي: بعضا. قوله: ينزل بالضم من الإنزال.
7501 حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا المغيرة بن عبد الرحمان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها. وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة، وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف
مطابقته للترجمة في قوله: يقول الله
وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن.
وهو من الأحاديث القدسية ومضى في كتاب الرقاق في: باب من هم بحسنة أو بسيئة... مثله من حديث ابن عباس.
قوله: من أجلي أي: امتثالا لحكمي وخالصا لي أقول: من أجلي، يعني: خوفا مني.
7502 حدثنا إسماعيل بن عبد الله، حدثني سليمان بن بلال عن معاوية بن أبي مزرد، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خلق الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم فقال: مه؟ قالت: هاذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلاى يا رب قال: فذالك لك ثم قال أبو هريرة: * (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الارض وتقطعو
1764; ا أرحامكم) *
ا
مطابقته للترجمة في قوله: قال في ثلاث مواضع.
وإسماعيل بن عبد الله وكنية عبد الله أبو أويس، ومعاوية بن أبي مزرد بضم الميم وفتح الزاي وكسر الراء المشددة وبالدال المهملة، واسم أبي مزرد عبد الرحمن بن يسار أخي سعيد بن يسار. ضد
161

اليمين الراوي عن أبي هريرة.
والحديث مر في أول كتاب الأدب.
قوله: فرغ منه أي: أتم خلقه وهو تعالى لا يشغله شأن عن شأن. وقال النووي، رحمه الله: الرحم التي توصل وتقطع إنما هي معنى من المعاني لا يأتي منها الكلام إذ هي قرابة تجمعها رحم واحدة فيتصل بعضها ببعض، فالمراد تعظيم شأنها وفضيلة واصلها وتأثيم قاطعها على عادة العرب في استعمال الاستعارات. قوله: مه أما كلمة ردع وزجر وإما للاستفهام، فتقلب الألف هاء. قوله: هذا مقام العائذ أي المعتصم الملتجىء المستجير بك من قطع الأرحام. وقال الكرماني: قال بعضهم: فإن قيل: الفاء في: فقال، يوجب كون قول الله عقيب قول الرحم، فيكون حادثا. قلت: لما دل الدليل على قدمه وجب حمله على معنى إفهامه إياها، أو على قول ملك أمور يقول لها: قال، وقول الرحم: مه؟ ومعناه الزجر مال توجهه فوجب توجهه إلى من عاذت الرحم بالله من قطعه إياها، ثم قال الكرماني: أقول: منشأ الكلام الأول قلة عقله، ومنشأ الثاني فساد نقله.
7503 حدثنا مسدد، حدثنا سفيان، عن صالح عن عبيد الله، عن زيد بن خالد قال: مطر النبي فقال: قال الله أصبح: من عبادي كافر بي ومؤمن بي
مطابقته للترجمة في قوله: قال الله
وسفيان هو ابن عيينة، وصالح هو ابن كيسان، وعبيد الله هو ابن عبد الله بن عتبة، وزيد بن خالد الجهني.
والحديث طرف من حديث طويل مضى في الاستسقاء.
قوله: مطر النبي بضم الميم أي: وقع المطر بدعائه، قد ذكرنا أن مطر في الرحمة وأمطر في العذاب. وقال الهروي: العرب تقول: مطرت السماء وأمطرت، يعني: بمعنى واحد. قوله: أصبح من عبادي بينه في الحديث الآخر قال: فمن قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا، فهو مؤمن بالكوكب كافر بي.
7504 حدثنا إسماعيل، حدثني مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله: إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه، وإذا كره لقائي كرهت لقاءه
مطابقته للترجمة في قوله: قال الله
ورجاله قد ذكروا عن قريب.
والحديث مضى في كتاب الرقاق في: باب من أحب لقاء الله.
قوله: لقائي أي: الموت.
7505 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله: أنا عند ظن عبدي بي
انظر الحديث 7405 وطرفه
مطابقته للترجمة في قوله: قال الله
وأبو اليمان الحكم بن نافع، وأبو الزناد عبد الله، والأعرج عبد الرحمن.
والحديث مضى في أوائل التوحيد في: باب * (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أوليآء من دون المؤمنين ومن يفعل ذالك فليس من الله في شىء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير * قل إن تخفوا ما فى صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما فى السماوات وما فى الارض والله على كل شىء قدير * يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سو
1764; ء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد) * أي: إن كان مستظهر برحمتي وفضلي فارحمه بالفضل.
7506 حدثنا إسماعيل، حدثني مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رجل لم يعمل خيرا قط، فإذا مات فحرقوه واذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين، فأمر الله البحر فجمع ما فيه، وأمر البر فجمع ما فيه، ثم قال: لم فعلت؟ قال: من خشيتك وأنت أعلم، فغفر له
انظر الحديث 3481
مطابقته للترجمة في قوله: ثم قال: لم فعلت؟
وإسماعيل هو ابن أبي أويس.
والحديث مضى في بني إسرائيل وفي الرقاق.
قوله: قال رجل هو كان نباشا في بني إسرائيل. قوله: فإذا مات فيه التفات ومقتضى الكلام أن يقال: فإذا مت. قوله: وأنت أعلم جملة حالية أو معترضة. قوله: فغفر له قيل: إن كان مؤمنا فلم شك في قدرة الله، وإن كان كافرا فكيف غفر له؟ وأجيب: بأنه كان مؤمنا بدليل الخشية، ومعنى: قدر، مخففا ومشددا: حكم وقضى أو ضيق. كقوله تعالى: * (أيحسب أن لن
162

يقدر عليه أحد) * وقيل أيضا على ظاهره ولكنه قاله وهو غير ضابط لنفسه، بل قاله في حال دخول الدهش والخوف عليه فصار كالغافل لا يؤاخذ به، أو أنه جهل صفة من صفات الله وجاهل الصفة كفره مختلف فيه، أو أنه كان في زمان ينفعه مجرد التوحيد، أو كان في شرعهم جواز العفو عن الكافر، أو معناه: لئن قدر الله على مجتمع صحيح الأعضاء ليعذبني وحسب أنه إذا قدر عليه محترقا مفترقا لا يعذبه.
7507 حدثنا أحمد بن إسحاق، حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا همام، حدثنا إسحاق بن عبد الله سمعت عبد الرحمان بن أبي عمرة قال: سمعت أبا هريرة قال: سمعت النبي قال: إن عبدا أصاب ذنبا وربما قال: أذنب ذنبا فقال: رب أذنبت ذنبا، وربما قال: أصبت فاغفر لي. فقال ربه: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أصاب ذنبا أو أذنب ذنبا فقال: رب أذنبت أو أصبت آخر فاغفره. فقال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا وربما قال: أصاب ذنبا قال: قال رب أصبت أو أذنبت آخر فاغفره لي. فقال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ به؟ غفرت لعبدي ثلاثا فليعمل ما شاء.
مطابقته للترجمة في قوله: فقال ربه وفي قوله: فقال: أعلم عبدي؟
وأحمد بن إسحاق بن الحصين بن جابر بن جندل أبو إسحاق السلمي السرماري نسبة إلى سرمارة قرية من قرى بخارى، وعمرو بن عاصم الكلاباذي البصري حدث عنه البخاري بلا واسطة في كتاب الصلاة وغيرها، وهمام هو ابن يحيى وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري التابعي المشهور، و عبد الرحمن بن أبي عمرة تابعي جليل من أهل المدينة له في البخاري عن أبي هريرة عشرة أحاديث غير هذا الحديث، واسم أبيه كنيته، وهو أنصاري صحابي، ويقال: إن لعبد الرحمن رؤية، وقال ابن أبي حاتم: ليست له صحبة.
والحديث أخرجه مسلم في التوبة عن عبد بن حميد وغيره. وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن عمرو بن منصور.
قال ربه: أعلم؟ بهمزة الاستفهام والفعل الماضي. قوله: يأخذ به أي: يعاقبه عليه. قوله: ثم مكث ما شاء الله أي: من الزمان. قوله: فاغفره لي أي: اغفر الذنب لي واعف عني. قوله: فليعمل ما شاء معناه: ما دمت تذنب فتتوب غفرت لك. وقال النووي في الحديث: إن الذنوب ولو تكررت مائة مرة بل ألفا وأكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته، أو تاب عن الجميع توبة واحدة صحت توبته.
7508 حدثنا عبد الله بن أبي الأسود، حدثنا معتمر، سمعت أبي، حدثنا قتادة عن عقبة بن عبد الغافر، عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر رجلا فيمن
سلف أو فيمن كان قبلكم قال كلمة يعني: أعطاه الله مالا وولدا، فلما حضرت الوفاة قال لبنيه: أي أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب. قال: فإنه لم يبتئر أو لم يبتئز عند الله خيرا، وإن يقدر الله عليه يعذبه فانظروا إذا مت فأحرقوني حتى إذا صرت فحما فاسحقوني أو قال: فاسحكوني فإذا كان يوم ريح عاصف فأذروني فيها، فقال نبي الله فأخذ مواثيقهم على ذالك وربي ففعلوا، ثم أذروه في يوم عاصف، فقال الله عز وجل: كن فإذا هو رجل قائم، قال الله: أي عبدي ما حملك على أن فعلت ما فعلت؟ قال: مخافتك أو فرق منك قال: فما تلافاه أن رحمه عندها وقال
163

مرة أخراى: فما تلافاه غيرها.
فحدثت به أبا عثمان فقال: سمعت هاذا من سلمان غير أنه زاد فيه: أذروني في البحر، أو كما حدث.
انظر الحديث 3468 وطرفه
مطابقته للترجمة في قوله: قال الله. أي عبدي
وشيخ البخاري عبد الله بن أبي الأسود هو عبد الله بن محمد بن أبي الأسود واسم أبي الأسود حميد بن الأسود البصري ومعتمر هو ابن سليمان يروي عن أبيه سليمان بن طرخان التيمي البصري، وعقبة بن عبد الغافر أبو نهار الأزدي العوذي البصري، وأبو سعيد سعد بن مالك الخدري، وفيه ثلاثة من التابعين.
والحديث مضى في ذكر بني إسرائيل عن أبي الوليد، وفي الرقاق عن موسى بن إسماعيل، ومضى الكلام فيه على نسق.
قوله: أو فيمن كان شك من الراوي. قوله: قال كلمة أي قال النبي، كلمة. قوله: يعني: أعطاه الله مالا وولدا تفسير لقوله: كلمة، وهو صفة لقوله: رجلا قوله: أي أب كنت لكم؟ لفظ: أي، منصوب بقوله: كنت وجاز تقديمه لكونه استفهاما. ويجوز الرفع. قوله: قالوا: خير أب بالنصب على تقدير: كنت خير أب، ويجوز الرفع بتقدير أنت خير أب. قوله: لم يبتئر من الافتعال من بأر بالباء الموحدة والراء أي: لم يقدم خبيئة خير ولم يدخر، يقال فيه: بارت الشيء وابتارته أباره وابتئره. قوله: أو لم يبتئز بالزاي موضع الراء، كذا في رواية أبي ذر، وقيل: ينسب هذا إلى أبي زيد المروزي. قوله: فاسحقوني من سحق الدواء دقه ومنه مسك سحيق. قوله: أو قال: فاسحكوني شك من الراوي وهو بمعناه، ويروى: فاسهكوني بالهاء بدل الحاء المهملة وقال الخطابي، ويروى فأسحلوني، يعني: باللام، ثم قال: معناه أبردوني بالمسحل وهو المبرد، ويقال للبرادة سحالة. قوله: فأذروني فيها أي: الريح من ذرى الريح الشيء وأذرته أطارته. قوله: وربي قسم من المخبر بذاك عنهم تأكيد لصدقه. قوله: أو فرق شك من الراوي أي: خوف منك. قوله: فما تلافاه بالفاء أي: فما تداركه. قوله: أن رحمه أي: بأن رحمه. قال الكرماني: مفهومه عكس المقصود، ثم قال: ما، موصولة أي: الذي تلافاه هو الرحمة أو نافية وكلمة الاستثناء محذوفة عند من جوز حذفها، أو المراد ما تلافى عدم الابتئار لأجل أن رحمه الله، أو بأن رحمه.
قوله: فحدثت به أبا عثمان وهو عبد الرحمن النهدي والقائل به هو سليمان التيمي، وقال بعضهم: ذهل الكرماني فجزم بأنه قتادة. قلت: لم أر هذا في شرحه، ولئن كان موجودا فله أن يقول: أنت ذهلت لأنه لم يبرهن على ما قاله. قوله: من سلمان هو سلمان الفارسي الصحابي، وأبو عثمان معروف بالرواية عنه.
حدثنا موسى حدثنا معتمر، وقال: لم يبتئر. وقال خليفة: حدثنا معتمر وقال: لم يبتئز، فسره قتادة: لم يدخر.
موسى هو ابن إسماعيل التبوذكي حدث عن معتمر بن سليمان، وقال: لم يبتئر، يعني بالراء وقد ساقه بتمامه في الرقاق. قوله: وقال خليفة أي: ابن خياط أحد شيوخ البخاري حدث عن معتمر، وقال: لم يبتئز بالزاي. قوله: فسره أي: فسر لفظ لم يبتئز قتادة بأن معناه لم يدخر.
36
((باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم))
أي هذا باب في بيان كلام الرب عز وجل... الخ لما بين كلام الرب مع الملائكة المشاهدة له ذكر في هذا الباب كلامه مع البشر يوم القيامة بخلاف ما حرمهم في الدنيا. لحجابه الأبصار عن رؤيته فيها، فيرفع في الآخرة ذلك الحجاب عن أبصارهم ويكلمهم على حال المشاهدة، كما قال، ليس بينه وبينه ترجمان، وفي جميع أحاديث الباب كلام العرب عز وجل مع عباده.
7509 حدثنا يوسف بن راشد، حدثنا أحمد بن عبد الله، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن حميد قال: سمعت أنسا، رضي الله عنه: قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا كان يوم القيامة
164

شفعت فقلت: يا رب أدخل الجنة من كان في قلبه خردلة؛ فيدخلون، ثم أقول: أدخل الجنة من كان في قلبه أدنى شيء
فقال أنس: كأني أنظر إلى أصابع رسول الله
ا
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن السياق يدل عليها من التشفيع وقوله: يا رب والإجابة مع أن الحديث مختصر.
ويوسف بن راشد هو يوسف بن موساى بن راشد القطان الكوفي نزيل بغداد، ونسبته لجده أشهر، وأحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي روى عنه البخاري بغير واسطة في الوضوء وغيره، وأبو بكر بن عياش بالعين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف الأسدي القارئ، وحميد هو الطويل.
قوله: شفعت على صيغة المجهول كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني بفتحه مخففا فالأول من التشفيع وهو تفويض الشفاعة إليه والقبول منه. قوله: أدخل
الجنة بفتح الهمزة من الإدخال. قوله: من كان مفعوله. قوله: خردلة أي: من الإيمان.
وقال بعضهم ويستفاد منه: صحة القول بتجزيء الإيمان وزيادته ونقصانه. قلت: الإيمان هو التصديق بالقلب وهو لا يقبل الشدة والضعف، فكيف يتجزىء؟ ولفظ الخردلة والذرة والشعيرة تمثيل.
قوله: كأني أنظر إلى أصابع رسول الله، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يعني: عند قوله: أدنى شيء يضم أصابعه ويشير بها.
7510 حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا معبد بن هلال العنزي قال: اجتمعنا ناس من أهل البصرة فذهبنا إلى أنس بن مالك وذهبنا معنا بثابت إليه يسأله لنا عن حديث الشفاعة، فإذا هو في قصره، فوافقناه يصلي الضحى، فاستأذناه فأذن لنا وهو قاعد على فراشه، فقلنا لثابت: لا تسأله عن شيء أول من حديث الشفاعة. فقال: يا أبا حمزة هاؤلاء إخوانك من أهل البصرة جاؤوك يسألونك عن حديث الشفاعة. فقال: حدثنا محمد قال: إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض فيأتون آدم فيقولون: اشفع لنا إلى ربك، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بإبراهيم فإنه خليل الرحمان، قال: فيأتون إبراهيم فيقول: لست لها، ولكن عليكم بموساى فإنه كليم الله، فيأتون موساى فيقول: لست لها ولكن عليكم بعيسى، فإنه روح الله وكلمته، فيأتون عيسى فيقول: لست لها، ولكن عليكم بمحمد فيأتوني فأقول: أنا لها. فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن، فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه، واشفع تشفع. فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان، فأنطلق فأفعل، ثم أعود. فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدا فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقول: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل
فلما خرجنا من عند أنس قلت لبعض أصحابنا: لو مررنا بالحسن وهو متوار في منزل أبي خليفة، فحدثناه بما حدثنا أنس بن
165

مالك فأتيناه فسلمنا عليه فأذن لنا، فقلنا له: يا أبا سعيد جئناك من عند أخيك أنس بن مالك فلم نر مثل ما حدثنا في الشفاعة، فقال: هيه؟ فحدثناه بالحديث فانتهاى إلى هاذا الموضع، فقال: هيه؟ فقلنا: لم يزد لنا على هاذا، فقال: لقد حدثني وهو جميع منذ عشرين سنة، فلا أدري أنسي أم كره أن تتكلوا؟ قلنا: يا أبا سعيد فحدثنا. فضحك وقال خلق الإنسان عجولا ما ذكرته إلا وأنا أريد أن أحدثكم: حدثني كما حدثكم به، قال: ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع، فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال: لا إلاه إلا الله، فيقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال: لا إلاه إلا الله
ا
مطابقته للترجمة ظاهرة. فإن فيه سؤالات من النبي والأجوبة من الله عز وجل.
ومعبد بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الباء الموحدة وبالدال المهملة ابن هلال العنزي نسبة إلى عنز بالعين المهملة وبالنون والزاي، وهو عبد الله بن وائل بن قاسط ينتهي إلى ربيعة بن نزار، وهو بصري، وقال الكرماني: لم يتقدم ذكره. قلت: كأنه أشار بهذا إلى أنه لم يرو في البخاري إلا حديث الشفاعة هذا.
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن أبي ربيع الزهراني وغيره. وأخرجه النسائي في التفسير عن يحيى بن جندب ولم يذكر فيه حديث الحسن.
قوله: ناس من أهل البصرة بيان لقوله: اجتمعنا وهو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: وهم ناس، أو: ونحن ناس من أهل البصرة، يعني: ليس فيهم أحد من غير أهلها. قوله: بثابت بالثاء المثلثة في أوله ابن أسلم البصري أبو محمد البناني، نسبة إلى بنانة بضم الباء الموحدة وتخفيف النون الأولى، وكانت أمة لسعد بن لؤي حضنت بنته، وقيل: زوجته ونسب إليها ولد سعد، وعبد العزيز بن صهيب ليس منسوبا إلى القبيلة، وإنما قيل له البناني لأنه كان ينزل سكة بنانة بالبصرة، وعلي بن إبراهيم البناني منسوب إلى بنانة ناحية من نواحي الشاهجان. قوله: يسأله أي: يسأل ثابت أنسا وهو من الأحوال المقدرة. قوله: في قصره كان قصر أنس، رضي الله تعالى عنه، بموضع يسمى الزاوية على نحو فرسخين من البصرة. قوله: أول أي: أسبق ووزنه أفعل أو فوعل فيه اختلاف بين علماء التصريف. قوله: يا أبا حمزة أصله: يا أبا حمزة، حذفت الألف للتخفيف، وأبو حمزة بالحاء المهملة والزاي كنية أنس. قوله: فقال: حدثنا أي: فقال أنس: حدثنا محمد قوله: ماج الناس أي: اضطربوا واختلطوا من هيبة ذلك اليوم، يقال: ماج البحر اضطربت أمواجه. قوله: لست لها أي: ليس لي هذه المرتبة. قوله: عليكم بإبراهيم لم يذكر فيه نوحا فإنه سبق في الروايات الأخر، قال آدم: عليكم بنوح، ونوح قال: عليكم بإبراهيم، وقال الكرماني: لعل آدم قال: ائتوا غيري نوحا وإبراهيم وغيرهما، قلت: ليس فيه ما يغني عن الجواب، ويمكن أن يكون آدم ذكر نوحا أيضا وذهل عنه الراوي هنا. قوله: فإنه كليم الله كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني: فإنه كلم الله بلفظ الفعل الماضي. قوله: فيقال: يا محمد وفي رواية الكشميهني: فيقول، في المواضع الثلاثة. قوله: أنا لها أي: للشفاعة يعني: أنا أتصدى بهذا الأمر. قوله: فأقول: يا رب أمتي أمتي قيل الطالبون للشافعة منه عامة الخلائق وذلك أيضا للإراحة من هول الموقف لا للإخراج من النار، وأجاب القاضي عياض وقال: المراد فيؤذن لي في الشفاعة الموعود بها في إزالة الهول، وله شفاعات أخر خاصة بأمته، وفيه اختصار. وقال المهلب: فأقول: يا رب أمتي أمتي مما زاد سليمان بن حرب على سائر الرواة، وقال الداودي: ولا أراه محفوظا. لأن الخلائق اجتمعوا واستشفعوا ولو كانت هذه الأمة لم تذهب إلى غير نبيها، وأول هذا الحديث ليس متصلا بآخره، وإنما أتى فيه بأول الأمر وآخره وفيما بينهما ليذهب كل أمة من كان يعبد، وحديث: يؤتى بجهنم، وحديث ذكر الموازين والصراط وتناثر الصحف والخصام بين
يدي الرب، جل جلاله، وأكثر أمور يوم القيامة هي فيما بين أول هذا الحديث وآخره. قوله: ذرة بفتح الذال المعجمة
166

وتشديد الراء، وصحف شعبة فرواه بالضم والتخفيف. قوله: أدنى أي: أقل، وفائدة التكرار التأكيد، ويحتمل أن يراد التوزيع على الحبة والخردلة والإيمان أقل حبة من أقل خردلة من أقل إيمان.
قوله: بالحسن أي: البصري. قوله: وهو متوار أي: مختف في منزل أبي خليفة الطائي البصري خوفا من الحجاج بن يوسف الثقفي. قوله: من عند أخيك أي: في الدين والمؤمنون إخوة. قوله: فقال: هيه؟ بكسر الهاءين وهي كلمة استزادة في الحديث وقد تنون، وقال ابن التين: قرأناه بكسر الهاء من غير تنوين ومعناه: زد من هذا الحديث، والهاء بدل من الهمزة، كما أبدلت في هراق وأصله أرقاق، وقال الجوهري: إذا قلت إيه يا رجل؟ تريد بكسر الهاء غير منونة فإنما تأمره أن يزيدك من الحديث المعهود. كأنك قلت: هات الحديث، وإن نونت كأنك قلت: هات حديثا ما. قوله: وهو جميع أي: مجتمع أراد أنه كان حينئذ شابا، وقال الجوهري: الرجل المجتمع الذي بلغ أشده ولا يقال ذلك للأنثى. قوله: منذ عشرين سنة منذ ومذ يصح أن يكونا حرفي جر ويصح أن يكونا اسمين فترفع ما بعدهما على التاريخ أو على التوقيت. تقول في التاريخ: ما رأيته مذ يوم الجمعة، أي: أول انقطاع الرؤية يوم الجمعة، وفي التوقيت ما رأيته منذ سنة أي: أمد ذلك سنة. قوله: أن تتكلوا أي: تعتمدوا على الشفاعة فتتركون العمل. قوله: وعزتي لا فرق بين هذه الألفاظ وأنها مترادفة، وقيل: نقيض العزة الذل ونقيض الكبر الصغر ونقيض العظمة الحقارة ونقيض الجليل الدقيق وبضدها تتبين الأشياء وإذا أطلقت على الله فالمراد لوازمها بحسب ما يليق به، وقيل: الكبرياء يرجع إلى كمال الذات، والعظمة إلى كمال الصفات، والجلال إلى كمالها. قوله: لأخرجن منها من قال: لا إلاه إلا الله فإن قلت: لو لم يقل: محمد رسول الله، لكفاه. قلت: لا، وهذا إشعار كمال الكلمة وتمامها كإطلاق: الحمد لله رب العالمين وإرادة السورة بتمامها.
7511 حدثنا محمد بن خالد، حدثنا عبيد الله بن موساى، عن إسرائيل، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة عن عبد الله قال: قال رسول الله إن آخر أهل الجنة دخولا الجنة وآخر أهل النار خروجا من النار رجل يخرج حبوا فيقول له ربه ادخل الجنة فيقول رب الجنة ملأى، فيقول له ذالك ثلاث مرات، فكل ذلك يعيد عليه: الجنة ملأى، فيقول: إن لك مثل الدنيا عشر مرار
انظر الحديث 6571
مطابقه للترجمة ظاهرة في قوله: فيقول له ربه
ومحمد بن خالد، قال الكرماني: هو الذهلي بضم المعجمة وسكون الهاء. قلت: هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس نسب لجد أبيه وبذلك جزم الحاكم والكلاباذي وأبو مسعود، وقيل: محمد بن خالد بن جبلة الرافقي، وبذلك جزم أبو أحمد بن عدي وخلف الواسطي في الأطراف ووقع في رواية الكشميهني: محمد بن مخلد، والأول هو الصواب، ولم يذكر أحد ممن صنف رجال البخاري ولا في رجال الكتب الستة أحدا اسمه محمد بن مخلد، وهو يروي عن عبيد الله بن موسى الكوفي وكثيرا يروي البخاري عنه بلا واسطة، و إسرائيل هو ابن موسى بن أبي إسحاق عمرو السبيعي، و منصور هو ابن المعتمر، و إبراهيم هو النخعي، و عبيدة بفتح العين ابن عمرو السلماني، و عبد الله هو ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه.
والحديث قد مضى في صفة الجنة عن عثمان عن جرير، ومضى مطولا في الرقاق ومضى الكلام فيه.
فيه قوله (حبوا) وهو المشي على اليدين وعلى البطن أو على الأست. قوله: فكل ذلك بالفاء في رواية الكشميهني وفي رواية غيره: كل ذلك، بدون الفاء. قوله: عشر مرار وفي رواية الكشميهني: عشر مرات.
7512 حدثنا علي بن حجر، أخبرنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن خيثمة، عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه
167

ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه، فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة
قال الأعمش: وحدثني عمرو بن مرة عن خيثمة مثله، وزاد فيه: ولو بكلمة طيبة
ا
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعلي بن حجر بضم الحاء المهملة وسكون الجيم السعدي المروزي، وعيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، والأعمش سليمان، وخيثمة بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالثاء المثلثة ابن عبد الرحمن الجعفي.
قال الكرماني: والحديث مضى في الزكاة. قلت: ليس كذلك، بل مضى في الرقاق عن عمر بن حفص وإنما أخرجه في الزكاة مسلم.
قوله: ترجمان بفتح التاء وضم الجيم وبفتحهما وضمهما. قوله: أيمن منه الأيمن الميمنة. قوله: أشأم منه الأشام المشئمة.
قوله: قال الأعمش موصول بالسند المذكور.
7513 حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله، رضي الله عنه، قال: جاء حبر من اليهود فقال: إنه إذا كان يوم القيامة جعل الله السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع والماء والثرى على إصبع والخلائق على إصبع ثم يهزهن ثم يقول: أنا الملك أنا الملك، فلقد رأيت النبي
يضحك حتى بدت نواجذه تعجبا وتصديقا لقوله، ثم قال النبي إلى قوله * (وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون) *
ا
مطابقته للترجمة في قوله: ثم يقول: أنا الملك أنا الملك
وجرير هو ابن عبد الحميد، ومنصور بن المعتمر، وإبراهيم النخعي، وعبيدة السلماني. وكلهم كوفيون.
والحديث مضى قبل هذا الباب بستة عشر بابا في: باب قول الله تعالى: ومضى الكلام فيه، وقد قلنا: إن الحديث من المتشابهات والأمر فيه إما التفويض وإما التأويل، والمقصود بيان استحقار العالم عند قدرته إذ يستعمل الحمل بالإصبع عند القدرة بالسهولة وحقارة المحمول، كما تقول لمن استقل شيئا: أنا أحمله بخنصري.
قوله: ثم يهزهن وفيه إشارة أيضا إلى حقارتها أي: لا يثقل عليه لا إمساكها ولا تحريكها ولا قبضها ولا بسطها.
7514 حدثنا مسدد، حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن صفوان بن محرز أن رجلا سأل ابن عمر: كيف سمعت رسول الله يقول في النجوى؟ قال: يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه، فيقول: أعملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم، ويقول: أعملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم، فيقرره ثم يقول: إني سترت عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم
وقال آدم: حدثنا شيبان حدثنا قتادة حدثنا صفوان عن ابن عمر: سمعت النبي
مطابقته للترجمة في قوله: فيقول في الموضعين.
وأبو عوانة بفتح العين المهملة الوضاح اليشكري، وصفوان بن محرز على صيغة اسم فاعل من الإحراز بالمهملة والزاي المازني.
والحديث مضى في كتاب المظالم.
قوله: في النجوى أي: التناجي الذي بين الله وعبده المؤمن يوم القيامة. قوله: يدنو من الدنو والمراد به القرب الرتبي لا المكاني. قوله: كنفه بفتحتين وهو الساتر أي: حتى تحيط به عنايته التامة وهو أيضا من المتشابهات وفيه فضل عظيم من الله عز وجل على عباده المؤمنين. قوله: فيقرره أي: يجعله مقرا بذلك أو مستقرا عليه ثابتا.
قوله: وقال آدم هو ابن أبي إياس ذكر هذه الرواية لتصريح قتادة فيها بقوله: حدثنا صفوان وشيبان هو ابن عبد الرحمن.
168

37
((باب قوله تعالى: * (ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما) *))
أي: هذا باب في قول الله عز وجل: * (وكلم الله موسى تكليما) * وفي بعض النسخ: باب ما جاء في قوله عز وجل: * (وكلم الله موسى تكليما) * وكذا في رواية أبي زيد المروزي، وفي رواية أبي ذر: باب ما جاء * (وكلم الله موسى تكليما) * ولغيرهما: باب قوله تعالى: * (وكلم الله موسى تكليما) * وأورد البخاري هذه الآية مستدلا بأن الله متكلم، وأجمع أهل السنة على أن الله تعالى كلم موسى بلا واسطة ولا ترجمان، وأفهمه معاني كلامه وأسمعه إياه إذ الكلام مما يصح سماعه، وهذه الآية أقوى ما ورد في الرد على المعتزلة.
وقال ابن التين: اختلف المتكلمون في سماع كلام الله فقال الأشعري: كلام الله القائم بذاته يسمع عند تلاوة كل تال وعند قراءة كل قارىء، وقال الباقلاني: إنما تسمع التلاوة دون المتلو والقراءة دون المقروء.
7515 حدثنا يحياى بن بكير، حدثنا الليث، حدثنا عقيل عن ابن شهاب، حدثنا حميد بن عبد الرحمان عن أبي هريرة أن النبي قال: احتج آدم وموسى فقال موسى: أنت آدم الذي أخرجت ذريتك من الجنة، قال آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، بم تلومني على أمر قد قدر علي قبل أن أخلق؟ فحج آدم موسى
ا
مطابقته للترجمة في قوله: اصطفاك الله برسالته وبكلامه
وعقيل بالضم هو ابن خالد. والحديث قد مضى في كتاب القدر.
قوله: احتج آدم وموسى أي: تحاجا وتناظرا. قوله: أخرجت ذريتك من الجنة أي: كنت سببا لخروجهم بواسطة أكل الشجرة. قوله: وبكلامه كذا في رواية الكشميهني: بكلامه، بالباء وفي رواية غيره: كلامه، بلا باء. قوله: بم أصله بما تلومني؟ ويروى: ثم تلومني؟ بالثاء المثلثة. قوله: فحج أي: غلب آدم موسى بالحجة.
7516 حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا هشام، حدثنا قتادة، عن أنس، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيريحنا من مكاننا هاذا فيأتون آدم فيقولون له: أنت آدم أبو البشر خلقك الله بيده وأسجد لك الملائكة وعلمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا إلى ربنا حتى يريحنا. فيقول لهم: لست هناكم... فيذكر لهم خطيئته التي أصاب
ا
هذا قطعة من حديث أنس طويل، وقد مضى في الرقاق.
وهشام هو الدستوائي: قال الكرماني: أين الترجمة؟ ثم قال: تمام الحديث وهو قول إبراهيم، عليه السلام؛ عليكم بموسى فإنه كليم الله، وقال الإسماعيلي؛ أراد ذكر موسى، قالوا له: وكلمك الله... فلم يذكره.
7517 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثني سليمان عن شريك بن عبد الله أنه قال: سمعت ابن مالك يقول، ليلة أسري برسول الله من مسجد الكعبة إنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أولهم: أيهم هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم. فقال آخرهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك الليلة، فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخراى فيما يراى قلبه، وتنام عينه ولا ينام قلبه، وكذالك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم، فتولاه منهم جبريل، فشق جبريل ما بين
169

نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم بيده، حتى أنقاى جوفه، ثم أتي بطست من ذهب فيه تور من ذهب محشوا إيمانا وحكمة، فحشا به صدره ولغاديده يعني: عروق حلقه ثم أطبقه ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فضرب بابا من أبوابها فناداه أهل السماء: من هاذا؟ فقال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: معي محمد. قال: وقد بعث إليه؟ قال: نعم. قالوا: فمرحبا به وأهلا، فيستبشر به أهل السماء لا يعلم أهل السماء ما يريد الله به في الأرض حتى يعلمهم، فوجد في السماء الدنيا آدم، فقال له جبريل: هاذا أبوك فسلم عليه فسلم عليه، ورد عليه آدم وقال: مرحبا وأهلا بابني نعم الابن أنت، فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان، فقال: ما هاذان النهران يا جبريل؟ قال: هاذان النيل والفرات عنصرهما، ثم مضاى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فضرب يده فإذا هو مسك أذفر، قال: ما هاذا يا جبريل؟ قال: هاذا الكوثر الذي خبأ لك ربك، ثم عرج به إلى السماء الثانية، فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى: من هاذا؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمد قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم. قالوا: مرحبا به وأهلا، ثم عرج به إلى السماء الثالثة وقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية، ثم عرج به إلى الرابعة فقالوا له مثل ذالك، ثم عرج به إلى السماء الخامسة فقالوا له مثل ذالك، ثم عرج به إلى السادسة فقالوا له مثل ذالك، ثم عرج به إلى السماء السابعة فقالوا له مثل ذالك، كل سماء فيها أنبياء قد سماهم، فأوعيت منهم: إدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه، وإبراهيم في السادسة، وموساى في السابعة بتفضيل كلام الله، فقال موساى: رب لم أظن أن يرفع علي أحد. ثم علا به فوق ذالك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهاى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى فأوحاى الله فيما أوحاى إليه: خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة، ثم هبط حتى بلغ موساى فاحتبسه موساى فقال: يا محمد ماذا عهد إليك ربك؟ قال: عهد إلي خمسين صلاة كل يوم وليلة، قال: إن أمتك لا تستطيع ذالك، فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم، فالتفت النبي إلى جبريل كأنه يستشيره في ذالك، فأشار إليه جبريل؛ أن نعم، إن شئت. فعلا به إلى الجبار فقال وهو مكانه: يا رب خفف عنا، فإن أمتي لا تستطيع هاذا، فوضع عنه عشر صلوات، ثم رجع إلى موساى فاحتبسه، فلم يزل يردده موساى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات، ثم احتبسه موساى عند الخمس فقال: يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هاذا فضعفوا فتركوه، فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا، فارجع فليخفف عنك ربك، كل ذالك يلتفت النبي إلى جبريل ليشير عليه ولا يكره ذالك جبريل، فرفعه عند الخامسة فقال: يا رب
170

إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم، فخفف عنا؟. فقال الجبار: يا محمد قال: لبيك وسعديك. قال: إنه لا يبدل القول لدي، كما فرضت عليك في أم الكتاب. قال: فكل حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أم الكتاب، وهي خمس عليك، فرجع إلى موساى فقال: كيف فعلت؟ فقال: خفف عنا، أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها. قال موساى: قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذالك فتركوه، ارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضا: قال رسول الله يا موساى قد والله استحييت من ربي مما اختلفت إليه. قال: فاهبط بسم الله. قال: واستيقظ وهو في مسجد الحرام
ا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله
وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي المدني، وسليمان هو ابن بلال، وشريك بن عبد الله بن أبي نمر بفتح النون وكسر الميم المدني التابعي، وهو أكبر من شريك بن عبد الله النخعي القاضي وقال النووي: جاء في رواية شريك أوهام أنكرها العلماء من جملتها أنه قال ذلك قبل أن يوحى إليه، وهو غلط لم يوافق عليه، وأيضا: العلماء أجمعوا على أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء، فكيف يكون قبل الوحي؟ قوله: ابن مالك هو أنس بن مالك، كذا وقع في كثير من النسخ، وصرح في بعضها: أنس بن مالك، رضي الله عنه.
ثم إن البخاري أورد حديث الإسراء من رواية الزهري عن أنس عن أبي ذر في أوائل كتاب الصلاة، وأورده من رواية قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة في بدء الخلق وفي أوائل البعثة قبيل الهجرة وفي صفة النبي عن إسماعيل بن أبي أويس. وأخرجه مسلم في الإيمان عن هارون بن سعيد الأيلي.
قوله أنه جاءه وفي رواية الكشميهني: إذ جاءه. قوله: ثلاثة نفر أي: من الملائكة. قوله: قبل أن يوحى إليه أنكرها الخطابي وابن حزم وعبد الحق والقاضي عياض والنووي، وقد مضى الآن ما قاله النووي، وقد صرح هؤلاء المذكورون بأن شريكا تفرد بذلك. قيل: فيه نظر، لأنه وافقه كثير بن خنيس بضم الخاء المعجمة وفتح النون عن أنس كما أخرجه سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي في المغازي من طريقه. قوله: وهو نائم في المسجد الحرام قد أكد هذا بقوله في آخر الحديث فاستيقظ وهو في المسجد الحرام قوله: أيهم هو؟ أي: محمد، وكان عند رسول الله رجلان آخران. قيل إنهما حمزة بن عبد المطلب عمه وجعفر بن أبي طالب ابن عمه. قوله:
فقال أحدهم أي: أحد النفر الثلاثة. قوله: أوسطهم هو خيرهم أي: مطلوبك هو خير هؤلاء. قوله: خذوا خيرهم لأجل أن يعرج به إلى السماء. قوله: وكانت أي: كانت هذه القصة في تلك الليلة لم يقع شيء آخر فيها. قوله: فلم يرهم أي: بعد ذلك حتى أتوه ليلة أخرى لم يعين المدة التي بين المجيئين فيحمل على أن المجيء الثاني كان بدء الوحي إليه وحينئذ وقع الإسراء والمعراج، وإذا كان بين المجيئين مدة فلا فرق بين أن تكون تلك المدة ليلة واحدة أو ليالي كثيرة أو عدة سنين، وبهذا يرتفع الإشكال عن رواية شريك ويحصل الوفاق أن الإسراء كان في اليقظة بعد البعثة وقبل الهجرة، فيسقط تشنيع الخطابي وابن حزم وغيرهما بأن شريكا خالف الإجماع في دعواه أن المعراج كان قبل البعثة. وقال الكرماني: ثبت في الروايات الأخر أن الإسراء كان في اليقظة. وأجاب بقوله: إن قلنا بتعدده فظاهر، وإن قلنا باتحاده فيمكن أن يقال: كان في أول الأمر في اليقظة وآخره في النوم، وليس فيه ما يدل على كونه نائما في القصة كلها. قوله: حتى احتملوه أي: احتمل هؤلاء النفر الثلاثة النبي فوضعوه عند بئر زمزم فإن قلت: في حديث أبي ذر: فرج سقف بيتي، وفي حديث مالك بن صعصعة: أنه كان في الحطيم. قلت: إذا تعدد الإسراء فلا إشكال، وإذا اتحد فالإشكال باق على حاله. قوله: إلى لبته بفتح اللام وتشديد الباء الموحدة هو موضع القلادة من الصدر، وقال الداودي: إلى لبته: إلى عانته، لأن اللبة العانة. وقال ابن التين: وهو الأشبه، وفيه الرد على من أنكر شق الصدر عند الإسراء، وزعم أن ذلك إنما وقع وهو صغير، وثبت ذلك في غير رواية شريك في الصحيحين من حديث أبي ذر، ووقع الشق أيضا عند البعثة كما أخرجه أبو داود
171

الطيالسي في مسنده وأبو نعيم والبيهقي في دلائل النبوة قوله: ثم أتى بطست بفتح الطاء وكسرها ويقال بالإدغام طس، وهو الإناء المعروف. قوله: فيه تور بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الواو وبالراء وهو إناء يشرب فيه. قوله: محشوا كذا وقع بالنصب على الحال، وقال بعضهم: حال من الضمير في الجار والمجرور، والتقدير: بطست كائن من ذهب، فنقل الضمير من اسم الفاعل إلى الجار والمجرور. انتهى. قلت: هذا كلام من لم يشم شيئا من العربية، والذي يتصدى لشرح مثل هذا الكتاب يتكلم في ألفاظ الأحاديث النبوية مثل هذا الكلام أفلا يعلم أنه يعرض ما يقوله على ذوي الألباب والبصائر؟ والذي يقال: إن محشوا حال من التور الموصوف بقوله: من ذهب قوله: إيمانا قال بعضهم: منصوب على التمييز، وهذا أيضا تصرف واه، وإنما هو مفعول قوله: محشوا لأن اسم المفعول يعمل عمل فعله. وقوله: وحكمة عطف عليه قبل الإيمان والحكمة معنيان فكيف يحشى بهما؟ وأجيب: بأن معناه أن الطست كان فيه شيء يحصل به كما لهما، فالمراد سببهما مجازا. قوله: فحشا به صدره حشا على بناء المعروف وفيه ضمير يرجع إلى جبريل، عليه السلام، وصدره منصوب على المفعولية، وهذا هكذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: حشي، على بناء المجهول وصدره مرفوع به. قوله: ولغاديده بفتح اللام وبالغين المعجمة وبالدالين المهملتين جمع لغد، وقال الجوهري: اللغاديد هي اللحمات يعني التي بين الحنك وصفحة العنق، واحدها لغدود أو لغديد، ويقال له أيضا: لغد، وجمعه: ألغاد. وقد فسرها في الحديث بقوله: يعني عروق حلقه قوله: ثم عرج به بفتح الراء أي صعد به. قوله: إلى السماء الدنيا فإن قلت: كيف كان مجيئه من عند بئر زمزم بعد الشق والإطباق إلى سماء الدنيا؟ قلت: إن كانت القصة متعددة فلا إشكال، وإن كانت متحدة ففي الكلام حذف كثير تقديره: ثم أركبه البراق إلى بيت المقدس ثم أتى بالمعراج. قوله: ما يريد الله به في الأرض كذا في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: بما يريد، أي: على لسان من شاء كجبريل، عليه السلام. قوله: يطردان أي: يجريان. فإن قلت: هذا يخالف حديث مالك بن صعصعة فإن فيه بعد ذكر سدرة المنتهى، فإذا في أصلها أربعة أنهار. قلت: أصل نبعهما من تحت سدرة المنتهى ومقرهما في السماء الدنيا ومنها ينزلان إلى الأرض: فالنيل نهر مصر والفرات بالتاء الممدودة في الخط وصلا ووقفا فهو عليه ريف العراق. قوله: عنصرهما أي: عنصر النيل والفرات، وقال الكرماني بضم الصاد وفتحها وهو مرفوع بالبدلية. قوله: أذفر بالذال المعجمة وبالفاء والراء مسك جيد إلى الغاية شديد ذكاء الريح. فإن قلت: الكوثر في الجنة والجنة في السماء السابعة لما روى أحمد عن حميد الطويل عن أنس رفعه: دخلت الجنة فإذا فيها نهر حافتاه خيام اللؤلؤ فضربت بيدي مجرى مائه فإذا مسك أذفر، فقال جبريل، عليه السلام: هذا الكوثر الذي أعطاك الله تعالى قلت: أجيب بأنه يمكن أن يكون في هذا الموضع شيء محذوف تقديره: ثم مضى به من السماء الدنيا إلى السماء السابعة، وفيه تأمل. قوله: إبراهيم في السادسة وموسى في السابعة قيل: مر في آخر كتاب الفضائل أن موسى كان في السادسة وإبراهيم في السابعة. وأجيب: بأن النووي قال: إن كان الإسراء مرتين فلا إشكال، وإن كان مرة واحدة فلعله وجده في السادسة ثم ارتقى هو أيضا إلى السابعة. قوله: بتفضيل كلام الله أي: بسبب أن له فضلا بكلام الله إياه، وهذا هكذا في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: بفضل كلام الله. قوله: فقال موساى: رب لم أظن أن يرفع علي أحد، كذا هو في رواية الكشميهني: أن يرفع، على صيغة المجهول، و: أحد، بالرفع به وفي رواية غيره: أن ترفع علي، صيغة المعلوم خطاب الله عز وجل، واحدا مفعول: ترفع. وقال ابن بطال: فهم موسى، عليه السلام، من اختصاصه بكلام الله عز وجل له في الدنيا دون غيره من البشر بقوله تعالى: * (قال ياموسى إنى اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ مآ ءاتيتك وكن من الشاكرين) * أن المراد بالناس هنا البشر كلهم، فلما فضل الله محمدا عليه بما أعطاه من المقام المحمود وغيره ارتفع على موسى وغيره بذلك. قوله: ثم علا به أي: ثم علا جبريل بالنبي، عليهما الصلاة والسلام بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى أي: منتهى علم الملائكة. أو منتهى صعودهم، أو أمر الله تعالى أو أعمال العباد. قوله: ودنا الجبار قيل: مجاز عن قربه المعنوي وظهور منزلته عند الله وتدلى أي: طلب زيادة القرب وقاب قوسين هو منه، عبارة عن لطف المحل وإيضاح المعرفة، ومن الله إجابته ورفيع درجته إليه: و: ألقاب، ما بين
172

مقبض القوس والسية بكسر السين وخفة التحتانية وهي ما عطف من طرفيها، ولكل قوس قابان، وقيل: أصله قابي قوس. وقال الخطابي: ليس في هذا الكتاب حديث أبشع مذاقا منه لقوله: ودنا الجبار فتدلى فإن الدنو يوجب تحديد المسافة والتدلي يوجب التشبيه بالمخلوق الذي تعلق من فوق إلى أسفل، ولقوله: وهو مكانه لكن إذا اعتبر الناظر لا يشكل عليه وإن كان في الرؤيا فبعضها مثل ضرب ليتأول على الوجه الذي يجب أن يصرف إليه معنى التعبير في مثله، ثم إن القصة إنما حكاها بحليتها
أنس بعبارته من تلقاء نفسه لم يعزها إلى رسول الله ثم إن شريكا كثير التفرد بمناكير لا يتابعه عليها سائر الرواة، ثم إنهم أولوا التدلي فقيل: تدلى جبريل، عليه السلام، بعد الارتفاع حتى رآه النبي، متدليا كما رآه مرتفعا، وقيل: تدلى محمد شاكرا لربه على كرامته، ولم يثبت في شيء صريحا أن التدلي: مضاف إلى الله تعالى، ثم أولوا مكانه بمكان النبي، قوله: ماذا عهد إليك ربك؟ أي: أمرك أو أوصاك؟ قال: عهد إلي خمسين صلاة فيه حذف تقديره: عهد إلي أن أصلي وآمر أمتي أن يصلوا خمسين صلاة. قوله: أن نعم هذا هكذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: أي نعم، وكلمة: أن، بالفتح وسكون النون مفسرة. فهي في المعنى هنا مثل: أي. قوله: إنه لا يبدل القول لدي قيل: ما تقول في النسخ فإنه تبديل القول؟ وأجيب: بأنه ليس هذا تبديلا بل هو بيان انتهاه الحكم. قوله: في أم الكتاب هو اللوح المحفوظ. قوله: قد والله راودت قيل: قد حرف لازم دخوله على الفعل، وأجيب بأنه داخل عليه والقسم مقحم بينهما لتأكيده، وجواب القسم محذوف أي: والله قد راودت. قوله: راودت بني إسرائيل من المراودة وهي المراجعة. قوله: أبدانا والفرق بين البدن والجسم أن البدن من الجسد ما دون الرأس والأطراف. قوله: كل ذلك يلتفت وفي رواية الكشميهني: يلتفت. قوله: فرفعه وفي رواية المستملي: يرفعه، بالياء آخر الحروف والأول أولى. قوله: عند الخامسة أي: عند المرة الخامسة. قال الكرماني: إذا خفف كل مرة عشر ففي المرة الأخيرة خمس تكون هذه الدفعة سادسة، ثم أجاب بقوله: ليس فيه هذا الحصر، فربما خفف بمرة واحدة خمسة عشرا وأراد به عند تمام الخامسة، وقيل: هذا التنصيص على الخامسة على أنها الأخيرة يخالف رواية ثابت عن أنس أنه وضع عنه في كل مرة خمسا، وأن المراجعة كانت تسع مرات. قلت: كأن الكرماني لم يقف على رواية ثابت، فلذلك أغفلها. قوله: ارجع إلى ربك فليخفف عنك هذا أيضا بعد قوله: إنه لا يبدل القول لدي قال الداودي: لا يثبت هذا لتواطؤ الروايات على خلافه، وما كان موسى، عليه السلام، ليأمره بالرجوع بعد أن يقول الله تعالى له ذلك. قوله: قال: فاهبط بسم الله ظاهر السياق يشعر بأن القائل بقوله اهبط بالخطاب للنبي، أنه موسى، عليه الصلاة والسلام، وليس كذلك بل القائل بذلك هو جبريل، عليه السلام، وبذلك جزم الداودي. قوله: واستيقظ أي رسول الله والحال أنه في المسجد الحرام. قال القرطبي: يحتمل أن يكون استيقاظا من نومة نامها بعد الإسراء، لأن إسراءه لم يكن طول ليلته وإنما كان بعضها، ويحتمل أن يكون المعنى: أفقت مما كنت فيه مما خامر باطنه من مشاهدة الملأ الأعلى لقوله تعالى: * (لقد رأى من ءايات ربه الكبرى) * فلم يرجع إلى حال بشريته إلا وهو بالمسجد الحرام، وأما قوله في أوله: بينا أنا نائم فمراده في أول القصة وذلك أنه كان قد ابتدأ نومه فأتاه الملك فأيقظه. وفي قوله في الرواية الأخرى: بينا أنا بين النائم واليقظان. أتاني الملك، إشارة إلى أنه لم يكن استحكم في نومه. فإن قلت: ما وجه تخصيص موسى، عليه السلام، بالقضية المذكورة دون غيره ممن لقيه النبي من الأنبياء، عليهم السلام؟ قلت: إما لأنه في السابعة فهو أول من وصل إليه أو لأن أمته أكثر من أمة غيره وإيذاءهم له أكثر من غيره، أو لأن دينه فيه الأحكام الكثيرة والتشريعات العظيمة الوافرة إذا الإنجيل مثلا أكثر مواعظ. فإن قلت: في حديث مالك بن صعصعة، رضي الله تعالى عنه، أنه لقيه في الصعود في السادسة؟ قلت: يحتمل أن موسى، عليه السلام، صعد إلى السابعة من السادسة فلقيه النبي في الهبوط في السابعة.
38
((باب كلام الرب عز وجل مع أهل الجنة))
173

أي: هذا باب في بيان كلام الرب مع أهل الجنة، أي: بعد دخولهم الجنة، وقد تقدم بيان كلام الرب، جل جلاله، مع الأنبياء والملائكة، عليهم السلام، ثم شرع يبين في هذا كلامه مع أهل الجنة.
7518 حدثنا يحياى بن سليمان، حدثني ابن وهب قال: حدثني مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضاى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذالك؟ فيقولون: يا رب وأي شيء أفضل من ذالك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا
انظر الحديث 6549
مطابقته للترجمة ظاهرة.
ويحيى بن سلميان أبو سعيد الجعفي الكوفي سكن مصر وسمع عبد الله بن وهب.
والحديث مضى في: باب صفة الجنة عن معاذ بن أسد، ومضى الكلام فيه.
قوله: والخير في يديك قيل: الشر أيضا في يديه، لأنه لا مؤثر إلا الله. وأجيب: بأنه خصصه رعاية للأدب والكل بالنسبة إليه تعالى خير، وكذا قوله: بيدك الخير قيل: ظاهر الحديث أن اللقاء أفضل من الرضا. وأجيب بأنه لم يقل: أفضل من كل شيء، بل أفضل من الإعطاء، فجاز أن يكون اللقاء أفضل من الرضا وهو من الإعطاء، أو اللقاء مستلزم للرضا، فهو من باب إطلاق اللازم وإرادة الملزوم، وقيل: الحكمة في ذكر دوام رضاه بعد الاستقرار لأنه لو أخبر به قبل الاستقرار لكان خيرا من علم اليقين، فأخبر به بعد الاستقرار ليكون من باب عين اليقين. قوله: فلا أسخط عليكم بعده أبدا فيه أن لله تعالى إن سخط على أهل الجنة لأنه من متفضل عليهم بالإنعامات كلها سواء كانت دنيوية أو أخروية، وكيف لا والعمل المتناهي لا يقتضي إلا الجزاء المتناهي، وفي الجملة لا يجب على الله شيء.
7519 حدثنا محمد بن سنان، حدثنا فليح، حدثنا هلال، عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوما يحدث، وعنده رجل من أهل البادية: أن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع، فقال له: أو لست فيما شئت؟ قال: بلاى ولاكني أحب أن أزرع، فأسرع وبذر، فتبادر الطرف نباته واستواؤه
واستحصاده وتكويره أمثال الجبال، فيقول الله تعالى: دونك يا ابن آدم فإنه لا يشبعك شيء
فقال الأعرابي: يا رسول الله لا تجد هاذا إلا قرشيا أو أنصاريا، فإنهم أصحاب زرع، فأما نحن فلسنا بأصحاب زرع. فضحك رسول الله
انظر الحديث 2348
مطابقته للترجمة ظاهرة. ومحمد بن سنان بكسر السين المهملة وتخفيف النون الأولى، وفليح مصغرا ابن سليمان، وقد مر غير مرة، وهلال هو ابن علي، وعطاء بن يسار ضد اليمين.
ومضى الحديث في كتاب المزارعة في باب مجرد عقيب: باب كراء الأرض بالذهب.
قوله: وعنده الواو فيه للحال. قوله: أن رجلا هو مفعول: يحدث. قوله: أو لست الهمزة فيه للاستفهام، والواو للعطف أي: أو ما رضيت بما أنت فيه من النعم؟ قوله: فتبادر الطرف بالنصب. وقوله: نباته بالرفع فاعل: تبادر، يعني: نبت قبل طرفة عين واستوى واستحصد. قوله: وتكويره أي: جمعه كما في البيدر. قوله: دونك أي: خذه. قوله: فإنه لا يشبعك شيء من الإشباع كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية المستملي: لا يسعك، من الوسع قبل: قوله تعالى: * (إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى) * معارض لهذا. وأجيب: بأن نفي الشبع لا ينافي الجوع لأن بينهما واسطة وهي الكفاية. قيل: ينبغي أن لا يشبع لأن
174

الشبع يمنع طول الأكل المستلذ منه مدة الشبع، والمقصود منه بيان حرصه وترك القناعة كأنه قال: لا يشبع عينك شيء. ويقال: واختلف في الشبع في الجنة، والصواب: أن لا يشبع فيها، إذ لو كان لمنع دوام الأكل المستلذ وأكل أهل الجنة لا عن جوع فيها.
قوله: فقال الأعرابي مفرد الأعراب. قاله الكرماني، وفيه تأمل، والأعراب جنس من العرب يسكنون البوادي لا زرع لهم ولا استنبات.
39
((باب ذكر الله بالأمر وذكر العباد بالدعاء والتضرع والرسالة والإبلاغ))
أي: هذا باب في ذكر الله تعالى لعباده يكون بأمره لهم بعبادته والتزام طاعته، ويكون مع رحمته لهم وإنعامه عليهم إذا أطاعوه أو بعذابه إذا عصوه. قوله: وذكر العباد له بأن يدعوه ويتضرعوا له ويبلغوا رسالته إلى الخلائق يعني: المراد بذكرهم الكمال لأنفسهم والتكميل للغير، وقيل: الباء في قوله: بالأمر بمعنى: مع. قوله: والإبلاغ هذا هكذا في رواية غير الكشميهني وفي روايته: والبلاغ.
لقوله تعالى: * (فاذكرونى
1764; أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون) * * (واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه ياقوم إن كان كبر عليكم مقامى وتذكيرى بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعو
1764; ا أمركم وشركآءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضو
1764; ا إلى ولا تنظرون * فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجرى إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين) *
احتج البخاري بقوله تعالى: * (فاذكرونى
1764; أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون) * أن العبد إذا ذكر الله بالطاعة يذكره الله عز وجل بالرحمة والمغفرة. وعن ابن عباس، في هذه الآية: إذا ذكر العبد ربه وهو على طاعته ذكره برحمته، وإذا ذكره وهو على معصيته ذكره بلعنته. وذكر المفسرون فيها معاني كثيرة ليس هذا الموضع محل ذكرها.
قوله * (واتل عليهم نبأ نوح) * قال ابن بطال: أشار إلى أن الله تعالى ذكر نوحا، عليه السلام، بما بلغ به من أمره وذكر بآيات ربه، وكذلك فرض على كل نبي تبليغ كتابه وشريعته. وقال المفسرون: أي يا محمد اقرأ على المشركين خبر نوح أي: قصته، وفيه دليل على نبوته حيث أخبر عن قصص الأنبياء، عليهم السلام، ولم يكن يقرأ الكتب. قوله: * (إذا قال) * أي: حين قال لقومه: * (إن كانبحير) * أي عظم وثقل وشق * (عليكم مقامي) * أي مكثي بين أظهركم. وقال الفراء: المقام بضم الميم الإقامة وبفتحها الموضع الذي يقوم فيه. قوله: * (وتذكيري بآيات الله) * أي: عظتي وتخويفي إياكم عقوبة الله. قوله: * (فعلى الله توكلت) * جواب الشرط، وكان متوكلا على الله في كل حال، ولكن بين أنه متوكل في هذا على الخصوص ليعلم قومه أن الله تعالى يكفيه أمرهم أي: إن لم تنصروني فإني أتوكل على من ينصرني. قوله: * (فاجمعوا أمركم) * من الإجماع وهو الإعداد والعزيمة على الأمر. قوله: * (وشركاءكم) * أي: وأمر شركائكم، أقام المضاف إليه مقام المضاف. قوله: غمة يأتي تفسيره الآن. قوله: * (ثم اقضوا علي) * أي: ما في نفوسكم من مكروه ما تريدون. قوله: أي: ولا تمهلون. قوله: * (ولا تنظرون) * أي: أعرضتم عن الإيمان * (فما سألتكم من أجر) * يعني: لم يكن دعائي إياكم طمعا في مالكم. قوله: * (إن أجري إلا على الله) * أي: ما أجري وثوابي إلا على الله. قوله: * (أمرت أن أكون من المسلمين) * أي: أن أنقاد لما أمرت به فلا يضرني كفركم وإنما يضركم.
غمة: هم وضيق.
فسر الغمة المذكورة في الآية بالهم والضيق، يقال: القوم في غمة إذا غطى عليهم أمرهم والتبس، ومنه: غم الهلال أي: غشيه ما غطاه، وأصله مشتق من الغمامة.
قال مجاهد: إلي ما في أنفسكم، يقال افرق اقض.
أشار بهذا إلى تفسير مجاهد. قوله: ثم اقضوا إلي ما في أنفسكم من إهلاكي ونحوه من سائر الشرور، ووصل
175

الفريابي هذا في تفسيره عن ورقاء بن عمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: * (واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه ياقوم إن كان كبر عليكم مقامى وتذكيرى
بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعو
1764; ا أمركم وشركآءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضو
1764; ا إلى ولا تنظرون) * اقضوا إلي ما في أنفسكم. وحكى ابن التين افعلوا ما بدا لكم. وقال غيره: أظهروا الأمر وميزوه بحيث لا تبقى شبهة، ثم اقضوا بما شئتم من قتل أو غيره من غير إمهال. قوله: يقال: أفرق اقض قيل: هذا ليس من كلام مجاهد بدليل قوله: يقال، ويؤيده أيضا، إعادة قوله بعده. وقال مجاهد، وفي بعض النسخ ليس فيه لفظ: يقال، فعلى هذا يكون من قول مجاهد ومعناه: أظهر الأمر وأفصله وميزه بحيث لا تبقى شبهة وسترة وكتمان ثم اقض بالقتل ظاهرا مكشوفا ولا تمهلني بعد ذلك.
وقال مجاهد * (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذالك بأنهم قوم لا يعلمون) * إنسان يأتيه فيستمع ما يقول وما أنزل عليه، فهو آمن حتى يأتيه فيسمع كلام الله، وحتى يبلغ مأمنه حيث جاءه.
قال ابن بطال: ذكر هذه الآية من أجل أمر الله تعالى نبيه بإجارة الذي يسمع الذكر حتى يسمعه فإن آمن فذاك وإلا فيبلغ مأمنه حتى يقضي الله فيه ما شاء. قوله: إنسان يأتيه إلى آخره تفسير مجاهد. قوله تعالى: * (وأن أحد من المشركين استجارك) * أصله: وإن استجارك أحد، فحذف استجارك لدلالة استجارك الظاهر عليه. قوله: إنسان أي مشرك يعني: إن أراد مشرك سماع كلام الله تعالى فأعرض عليه القرآن وبلغه إليه وأمنه عند السماع، فإن أسلم فذاك، وإلا فرده إلى مأمنه من حيث أتاك. وتعليق مجاهد هذا وصله الفريابي بالسند الذي ذكرناه آنفا.
النبأ العظيم: القرآن.
هو تفسير مجاهد أيضا. وقال الكرماني أي: ما قال جل جلاله: * (عم يتسآءلون * عن النبإ العظيم) * أي: القرآن، فأجب عن سؤالهم وبلغ القرآن إليهم. قال ابن بطال: سمي نبأ لأنه ينبأ به، والمعنى إذا سألوا عن النبأ العظيم فأحبهم وبلغ القرآن إليهم. وقيل: حق الخبر الذي يسمى نبأ أن يتعرى عن الكذب.
صوابا: حقا في الدنيا وعمل به.
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمان وقال صوابا) * أي: قال حقا في الدنيا وعمل به فإنه يؤذن له في القيامة بالتكلم، وهذا وصله الفريابي أيضا بسنده المذكور، ووجه مناسبة ذكره هذا هاهنا على عادته أنه إذا ذكر آية مناسبة للمقصود يذكر معها بعض ما يتعلق بتلك السورة التي فيها تلك الآية مما ثبت عنده تفسيره ونحوه على سبيل التبعية.
40
((باب قول الله تعالى: * (الذى جعل لكم الارض فراشا والسمآء بنآء وأنزل من السمآء مآء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون) * وقوله جل ذكره * (قل أءنكم لتكفرون بالذى خلق الارض فى يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين) * وقوله * (والذين لا يدعون مع الله إلاها ءاخر ولا يقتلون النفس التى حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذالك يلق أثاما) * * (ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من الشاكرين) *
غرض البخاري في هذا الباب إثبات نسبة الأفعال كلها إلى الله تعالى سواء كانت من المخلوقين خيرا أو شرا، فهي لله خلق وللعباد كسب، ولا ينسب شيء من الخلق إلى غير الله تعالى، فيكون شريكا وندا ومساويا له في نسبة الفعل إليه، وقد نبه الله تعالى عباده على ذلك بالآيات المذكورة وغيرها المصرحة بنفي الأنداد والآلهة المدعوة معه، فتضمنت الرد على من يزعم أنه يخلق أفعاله، والأنداد جمع ند بكسر النون وتشديد الدال ويقال له: النديد، أيضا، وهو نظير الشيء الذي يعارضه في أموره، وقيل: ند الشيء من يشاركه في جوهره فهو ضرب من المثل، لكن المثل يقال في أي مشاركة كانت، فكل ند مثل من غير عكس. وقال الكرماني: الترجمة مشعرة بأن المقصود من الباب إثبات نفي الشريك لله تعالى، فكان المناسب ذكره في أوائل كتاب التوحيد. وأجاب: بأن المقصود ليس ذلك، بل هو بيان كون أفعال العباد بخلق الله تعالى، وفيه الرد على الجهمية حيث قالوا، لا قدرة للعبد أصلا، وعلى المعتزلة حيث قالوا: لا دخل لقدرة الله فيها، إذ المذهب الحق أن لا جبر ولا قدر، ولكن أمر بين
176

الأمرين، أي: بخلق الله وكسب العبد، وهو قول الأشعرية. قيل: لا تخلو أفعال العبد إما أن تكون بقدرته، وإما أن لا تكون بقدرته، إذ لا واسطة بين النفي والإثبات، فإن كانت بقدرته فهو القدر الذي هو مذهب المعتزلة، وإن لم تكن بها فهو الجبر المحض الذي هو مذهب الجهمية. وأجيب: بأن للعبد قدرة فلا جبر، وبها يفرق بين النازل من المنارة والساقط منها، ولكن لا تأثير لها بل الفعل واقع بقدرة الله وتأثير قدرته فيه بعد تأثير قدرة العبد عليه، وهذا هو المسمى بالكسب، فقيل: القدرة صفة تؤثر على وفق الإرادة فإذا نفيت التأثير عنها فقد نفيت القدرة لانتفاء الملزوم عند انتفاء لازمه، وأجيب: بأن هذا التعريف غير جامع لخروج القدرة الحادثة عنه، بل التعريف الجامع لها هو أنها صفة يترتب عليها الفعل أو الترك.
وقال عكرمة * (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) * * (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون) * * (ولئن سألتهم من خلق السماوات والارض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون) * فذلك إيمانهم وهم يعبدون غيره
عكرمة هو مولى ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، وهذا التعليق وصله الطبري عن هناد بن السري عن أبي الأحوص عن سماك بن حرب عن عكرمة، فذكره. قوله
: * (إلا وهم مشركون) * يعني: إذا سألوا عن الله وعن صفته وصفوه بغير صفته وجعلوا له ولدا وأشركوا به.
وما ذكر في خلق أفعال العباد وأكسابهم لقوله تعالى: * (الذى له ملك السماوات والارض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك فى الملك وخلق كل شىء فقدره تقديرا) *
هذا عطف على قول الله المضاف إليه تقديره: باب فيما ذكر في خلق أفعال العباد وإكسابهم، وفي رواية الكشميهني: أعمال العباد، ويروى: واكتسابهم من باب الافتعال الخلق لله والكسب للعباد، واحتج على ذلك بقوله: * (بديع السماوات والارض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شىء وهو بكل شىء عليم) * لأن لفظة: كل، إذا أضيفت إلى نكرة تقتضي عموم الأفراد.
وقال مجاهد: ما تنزل الملائكة إلا بالحق بالرسالة والعذاب.
هذا وصله الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد. وقال الكرماني: ما ننزل الملائكة، بالنون ونصب الملائكة فهو استشهاد لكون نزول الملائكة بخلق الله تعالى وبالتاء المفتوحة والرفع فهو لكون نزولهم بكسبهم.
* (ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما) * المبلغين المؤدين من الرسل
هذا في تفسير الفريابي أيضا بالسند المذكور. قوله: * (ليسأل الصادقين) * أي: الأنبياء المبلغين المؤدين للرسالة عن تبليغهم.
* (أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون) *، * (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) * عندنا.
هذا أيضا من قول مجاهد أخرجه الفريابي بالسند المذكور.
* (والذى جآء بالصدق وصدق به أولائك هم المتقون) * القرآن وصدق به المؤمن يقول يوم القيامة هاذا الذي أعطيتني عملت بما فيه.
هذا وصله الطبري من طريق منصور بن المعتمر عن مجاهد قال: * (الذي جاء بالصدق) * وصدق به هم أهل القرآن يجيئون به يوم القيامة يقولون: هذا الذي أعطيتمونا عملنا بما فيه، وروي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: الذي جاء بالصدق وصدق به رسول الله بلا إلاه إلا الله، وعن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، الذي جاء بالصدق محمد، والذي صدق به أبو بكر، رضي الله تعالى عنه.
7520 حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل، عن عبد الله قال: سألت النبي أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل
177

ندا وهو خلقك قلت إن ذالك لعظيم قلت ثم أي قال: ثم أن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك قلت ثم أي قال: ثم أن تزاني بحليلة جارك
ا
مطابقته للترجمة ظاهرة تؤخذ من قوله: أن تجعل لله ندا وجرير هو ابن عبد الحميد، ومنصور هو ابن المعتمر، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وعمرو بن شرحبيل بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الحاء المهملة وكسر الباء الموحدة وبالياء آخر الحروف الساكنة منصرفا وغير منصرف الهمداني أبي ميسرة، وعبد الله هو ابن مسعود.
والحديث مضى في: باب إثم الزناة في كتاب الحدود.
قوله: أن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك وفي التوضيح يعني الموؤودة قلت: الموؤودة التي كانت تقتل لأجل العار، والمراد هنا من يقتل ولده خشية الفقر، كما قال الله تعالى: 8 9 * (ولا تقتلو
1764; ا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا) * قيل: هو بدون مخافة الطعم أعظم أيضا. وأجيب بأن مفهومه لا اعتبار له إذ شرط اعتباره أن لا يكون خارجا مخرج الأغلب ولا بيانا للواقع. قوله: بحليلة أي: بزوجة جارك والحال أنه خلق لك زوجة وتقطع بالزنى الرحم..
41
((باب قول الله تعالى: * (وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولاكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون) *
أي: هذا باب في قول الله عز وجل: * (وما كنتم) * الآية وقد ساق الآية كلها في رواية كريمة، وفي رواية غيره إلى: * (سمعكم) * ثم قال: الآية. قال صاحب التوضيح غرض البخاري من الباب إثبات السمع لله تعالى وإذ ثبت أنه سميع وجب كونه سامعا يسمع كما أنه لما ثبت أنه عالم وجب كونه عالما لم يعلم خلافا لمن أنكر صفات الله من المعتزلة، وقالوا: معنى وصفه بأنه سامع للمسموعات وصفه بأنه عالم بالمعلومات، ولا سمع له ولا هو سامع حقيقة، وهذا رد لظواهر كتاب الله ولسنن رسول الله، قوله: أي: تخافون. وقيل: تخشون، وسبب نزول هذه الآية يبين في حديث الباب.
7521 حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا منصور، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد الله، رضي الله عنه، قال اجتمع عند البيت ثقفيان وقرشي أو قرشيان وثقفي كثيرة شحم بطونهم قليلة فقه قلوبهم، فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع ما نقول؟ قال الآخر: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا. وقال الآخر: إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا، فأنزل الله تعالى * (وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولاكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون) * الآية
انظر الحديث 4816 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة.
والحميدي هو عبد الله بن الزبير، وسفيان هو ابن عيينة، ومنصور بن المعتمر، ومجاهد بن جبر بفتح الجيم المفسر المكي يحكي أنه رأى هاروت وماروت، وأبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن سخبرة الأزدي، وعبد الله بن مسعود.
والحديث قد مضى مرتين في سورة حم السجدة: أحدهما: عن الحميدي عبد الله بن الزبير... إلى آخره مثل ما أخرجه هنا.
قوله: كثيرة شحم بطونهم إشارة إلى وصفهم. فقوله: بطونهم، مبتدأ و: كثيرة شحم، خبره والكثيرة مضافة إلى الشحم هذا إذا كان بطونهم مرفوعا وإذا كان مجرورا بالإضافة يكون الشحم الذي هو مضاف مرفوعا بالابتداء، وكثيرة مقدما خبره. واكتسب الشحم التأنيث من المضاف إليه إن كانت الكثيرة غير مضافة، وكذلك الكلام في قليلة فقه قلوبهم قوله: أترون؟ بالضم أي: أتظنون، ووجه الملازمة فيما قال إنه كان يسمع هو أن نسبة جميع المسموعات إلى الله تعالى على السواء.
وفي الحديث من الفقه إثبات القياس الصحيح وإبطال الفاسد، فالذي قال: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا قد أخطأ في قياسه لأنه شبه الله تعالى بخلقه الذين يسمعون الجهر ولا يسمعون السر، والذي قال: إن كان يسمع إن جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا أصاب في قياسه حيث لم
178

يشبه الله بالمخلوقين ونزهه عن مماثلتهم. فإن قلت: الذي أصاب في قياسه كيف وصف بقلة الفقه؟ قلت: لأنه لم يعتقد حقيقة ما قال ولم يقطع به.
42
((باب قول الله تعالى: * (يسأله من فى السماوات والارض كل يوم هو فى شأن) *))
أي: هذا باب في قول الله عز وجل: * (كل يوم هو في شأن) * أي: في شأن يحدثه لا يبديه يعز ويذل ويحيي ويميت ويخفض ويرفع ويغفر ذنبا ويكشف كربا ويجيب داعيا. وعن ابن عباس ينظر في اللوح المحفوظ كل يوم ستين وثلاثمائة نظرة.
* (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون) * وقوله تعالى: * (ياأيها النبى إذا طلقتم النسآء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) * وأن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين لقوله تعالى: * (فاطر السماوات والارض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الانعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شىء وهو السميع البصير) *
قال المهلب غرض البخاري من الباب الفرق بين وصف كلامه بأنه مخلوق ووصفه بأنه حادث يعني: لا يجوز إطلاق المخلوق عليه ويجوز إطلاق الحادث عليه. وقال الكرماني: لم يقصد ذلك ولا يرضى بما نسبه إليه إذ لا فرق بينهما عقلا ونقلا وعرفا. وقيل: إن مقصوده أن حدوث القرآن وإنزاله إنما هو بالنسبة إلينا. وقيل: الذي ذكره المهلب هو قول بعض المعتزلة وبعض الظاهرية فإنهم اعتمدوا على قوله عز وجل: * (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون) * فإنه وصف الذكر الذي هو القرآن بأنه محدث وهذا خطأ لأن الذكر الموصوف في الآية بالإحداث ليس هو نفس كلامه تعالى لقيام الدليل على أن محدثا ومخلوقا ومخترعا، ومنشأ ألفاظ مترادفة على معنى واحد، فإذا لم يجز وصف كلامه تعالى القائم بذاته بأنه مخلوق لم يجز وصفه بأنه محدث، فالذكر الموصوف في الآية بأنه محدث هو الرسول لأنه قد سماه الله في آية أخرى ذكرا. فقال تعالى: * (أعد الله لهم عذابا شديدا فاتقوا الله ياأولى الألباب الذين ءامنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا * رسولا يتلو عليكم ءايات الله مبينات ليخرج الذين ءامنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجرى من تحتها الانهار خالدين فيهآ أبدا قد أحسن الله له رزقا) * فسماه ذكرا في هذه الآية فيكون المعنى: ما يأتيهم من رسول من ربهم محدث ويحتمل أن يكون المراد بالذكر هنا هو وعظ الرسول وتحذيره إياهم من المعاصي، فسمي وعظه ذكرا وأضافه إليه لأنه فاعل له. وقيل: رجوع الإحداث إلى الإنسان لا إلى الذكر القديم، لأن نزول القرآن على رسول الله كان شيئا بعد شيء، فكان يحدث نزوله حينا بعد حين، وقيل: جاء الذكر بمعنى العلم كما في قوله تعالى: * (ومآ أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحى
1764; إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) * وبمعنى العظمة كما في قوله: * (ص
1764; والقرءان ذى الذكر) * أي: العظمة، وبمعنى الصلاة كما في قوله تعالى: * (ياأيها الذين ءامنو
1764; ا إذا نودى للصلواة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) * وبمعنى الشرف كما في قوله: * (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون) * فإذا كان الذكر يجيء بهذه المعاني وهي كلها محدثة كان حمله على أحد هذه المعاني أولى. وقال الداودي: الذكر في الآية القرآن. قال: وهو محدث عندنا، وهذا ظاهر قول البخاري لقوله: وأن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين فأثبت أنه محدث وهو من صفاته ولم يزل سبحانه وتعالى بجميع صفاته، وقال ابن التين: هذا منه عظيم، واستدلاله يرد عليه لأنه إذا كان لم يزل بجميع صفاته وهو قديم فكيف تكون صفته محدثة وهو لم يزل بها؟ إلا أن يريد أن المحدث غير المخلوق، كما يقوله البلخي ومن تبعه، وهو ظاهر كلام البخاري حيث قال: وأن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين فأثبت أنه محدث. ثم قال الداودي نحو ما ذكره في شرح قول عائشة: ولشأني أحقر من أن يتكلم الله في يأمر يتلى قال الداودي: فيه أن الله تعالى تكلم ببراءة عائشة حين أنزل فيها بخلاف بعض قول الناس أنه لم يتكلم. وقال ابن التين أيضا: هذا من الداودي عظيم لأنه يلزم منه أن يكون الله متكلما بكلام حادث فتحل فيه الحوادث، تعالى الله عن ذلك، وإنما المراد بأنزل الإنزال الذي هو المحدث ليس أن الكلام القديم نزل الآن. وقال الكرماني: قوله: وحدثه أي: إحداثه. ثم قال: اعلم أن صفات الله تعالى إما سلبية وتسمى بالتنزيهات، وإما وجودية حقيقية كالعلم والقدرة، وإنها قديمة لا محالة، وإما إضافية كالخلق والرزق وهي حادثة لا يلزم تغير في ذات الله وصفاته التي هي بالحقيقة صفات له، كما أن تعلق العلم والقدرة بالمعلومات والمقدورات حادثة، وكذا كل صفة فعلية له، فحين تقررت هذه القاعدة فالإنزال مثلا حادث والمنزل قديم، وتعلق القدرة حادث ونفس القدرة قديمة،
والمذكور وهو القرآن قديم والذكر حادث.
179

وقال ابن مسعود عن النبي إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة
أراد يراد هذا المعلق جواز الإطلاق على الله بأنه محدث بكسر الدال لقوله صلى الله عليه وسلم إن الله يحدث من أمره ما يشاء ولكن إحداثه لا يشبه إحداث المخلوقين. وأخرج أبو داود هذا الحديث من طريق عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن عبد الله قال: كنا نسلم في الصلاة ونأمر بحاجتنا، فقدمت على رسول الله، وهو يصلي، فسلمت عليه فلم يرد علي السلام، فأخذني ما قدم وما حدث. فلما قضى صلاته قال: إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن الله قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة ورواه النسائي أيضا وفي روايته: وإن مما أحدث... ورواه أيضا أحمد وابن حبان وصححه.
7522 حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا حاتم بن وردان، حدثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: كيف تسألون أهل الكتاب عن كتبهم وعندكم كتاب الله أقرب الكتب عهدا بالله تقرأونه محضا لم يشب.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: أقرب الكتب وقد روي فيه: أحدث الكتب.
أخرجه موقوفا عن علي بن عبد الله بن المديني عن حاتم بن وردان البصري عن أيوب السختياني عن عكرمة إلى آخره.
قوله: لم يشب بضم الياء أي: لم يخلط بالغير كما خلط اليهود حيث حرفوا التوراة.
7523 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عباس قال: يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على نبيكم أحدث الأخبار بالله محضا لم يشب؟ وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب قد بدلوا من كتب الله وغيروا، فكتبوا بأيديهم قالوا: هو من عند الله ليشتروا بذلك ثمنا قليلا، أو لا ينهاكم ما جاءكم من العلم، عن مسألتهم؟ فلا والله ما رأينا رجلا منهم يسألكم عن الذي أنزل عليكم.
هذا طريق آخر في حديث ابن عباس المذكور.
وهو أيضا موقوف أخرجه عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن مسلم الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس.
قوله: أحدث الأخبار أي: لفظا إذا القديم هو المعنى القائم به عز وجل، أو نزولا. أو إخبارا من الله تعالى. قوله: وقد حدثكم الله حيث قال: * (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هاذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) * قوله: ليشتروا بذلك وفي رواية المستملي: ليشتروا به. قوله: ما جاءكم من العلم إسناد المجيء إلى العلم مجاز كإسناد النهي إليه. قوله: فلا والله أي: ما يسألكم رجل منهم مع أن كتابهم محرف فلم تسألون أنتم منهم؟ وقد مر في آخر الاعتصام بالكتاب في: باب قول النبي لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء. قوله: عن الذي أنزل عليكم في رواية المستملي: إليكم.
43
((باب قول الله تعالى: * (لا تحرك به لسانك لتعجل به) * وفعل النبي حيث ينزل عليه الوحي))
أي: هذا باب في قول الله عز وجل: * (لا تحرك لسانك) * أي بالقرآن: لتعجل به وغرض البخاري أن قراءة الإنسان
180

وتحريك شفيته ولسانه عمل له يؤجر عليه، وكان يحرك به لسانه عند قراءة جبريل، عليه السلام، مبادرة منه ما يسمعه، فنهاه الله تعالى عن ذلك ورفع عنه الكلفة والمشقة التي كانت تناله في ذلك مع ضمانه تعالى تسهيل الحفظ عليه وجمعه له في صدره، كما ذكره في حديث الباب.
وقال أبو هريرة عن النبي قال الله تعالى: أنا مع عبدي حيثما ذكرني وتحركت بي شفتاه
هذا من الأحاديث التي علقها البخاري ولم يصلها في موضع آخر في كتابه. وأخرجه أحمد بأتم منه ولفظه: إذا ذكرني، ويروى: ما إذا ذكرني. قوله: أنا مع عبدي هذه المعية معية الرحمة، وأما في قوله: وهو معكم أينما كنتم فهي معية العلم. وحاصل الكلام أنا مع عبدي زمان ذكره لي بالحفظ والكلاءة لا على أنه معه بذاته، ومعنى قوله: وتحركت بي شفتاه تحركت باسمي وذكره لي إذ محال حلوله في الأماكن ووجوده في الأفواه وتعاقب الحركات عليه.
7524 حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا أبو عوانة، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: * (لا تحرك به لسانك لتعجل به) * قال: كان النبي يعالج من التنزيل شدة وكان يحرك شفتيه فقال لي ابن عباس: أحركهما لك كما كان رسول الله يحركهما؟ فقال سعيد: أنا أحركهما كما كان ابن عباس يحركهما، فحرك شفتيه فأنزل الله عز وجل: * (لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرءانه) * قال: جمعه في صدرك ثم تقرأوه * (فإذا قرأناه فاتبع قرءانه) * قال: فاستمع له وأنصت: * (ثم إن علينا) * أن تقرأه. قال: فكان رسول الله إذا أتاه جبريل، عليه السلام، استمع فإذا انطلق جبريل قرأه النبي كما أقرأه.
مطابقته للترجمة ظاهرة.
وأبو عوانة بفتح العين المهملة الوضاح بن عبد الله اليشكري، وموسى بن أبي عائشة أبو بكر الهمداني.
والحديث تقدم مشروحا في أول الكتاب، والمقصود من الباب بيان كيفية تلقي النبي كلام الله من جبريل، عليه السلام. وقيل: مراد البخاري بهذين الحديثين المعلق والموصول الرد على من زعم أن قراءة القارئ قديمة، فأبان أن حركة اللسان بالقرآن فعل القارئ بخلاف المقروء فإنه كلام الله القديم، كما أن حركة لسان ذكر الله حادثة من فعله، والمذكور وهو الله تعالى قديم، وإلى ذلك أشار بالتراجم التي تأتي بعد هذا.
44
((باب قول الله تعالى: * (وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور * ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) * يتخافتون يتسارون))
أي: هذا باب في قول الله عز وجل: * (وأسروا قولكم أو اجهروا به) * يعني: أن الله عالم بالسر من أقوالكم والجهر به فلا يخفى عليه شيء من ذلك. وقال ابن بطال: مراده بهذا الباب إثبات العلم لله تعالى صفة ذاتية لاستواء علمه بالجهر من القول والسر، وقد بينه في آية أخرى: * (سوآء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف باليل وسارب بالنهار) * وأن اكتساب العبد من القول والفعل لله تعالى لقوله: * (وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور) * ثم قال عقيب ذلك: * (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) * فدل على أنه عالم بما أسروه وما جهروا به وأنه خالق لذلك فيهم. وقال ابن المنير: ظن الشارح أنه قصد بالترجمة إثبات العلم وليس كما ظن وإلا لتعاطفت المقاصد مما اشتملت عليه الترجمة، لأنه لا مناسبة بين العلم وبين حديث: ليس منا من لم يتغن بالقرآن، وإنما قصد البخاري الإشارة إلى النكتة التي كانت سبب محنته بمسألة اللفظ، فأشار بالترجمة إلى أن تلاوات الخلق تتصف بالسر والجهر ويستلزم أن تكون مخلوقة، وسياق الكلام يأبى ذلك، فقد قال البخاري في كتاب خلق أفعال العباد بعد أن ذكر عدة أحاديث دالة على ذلك: فبين النبي، أن أصوات الخلق وقراءتهم ودراستهم وتعليمهم وألسنتهم مختلفة
181

بعضها أحسن وأزين وأحلى وأصوت وأرتل وألحن وأعلى وأخفض وأغض وأخشع وأجهر وأخفى وأمهر وأمد وألين من بعض. قوله: يتخافتون أشار به إلى قوله تعالى: * (فانطلقوا وهم يتخافتون) * ثم فسره بقوله: يتسارون بتشديد الراء أي: يتساررون فيما بينهم بكلام خفي. وقيل في بعض النسخ بشين معجمة وزيادة واو بغير تثقيل أي: يتراجعون.
7525 حدثني عمرو بن زرارة، عن هشيم، أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، في قوله تعالى: * (ويدع الإنسان بالشر دعآءه بالخير وكان الإنسان عجولا) * قال: نزلت ورسول الله مختف بمكة فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله لنبيه * (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمان أيا ما تدعوا فله الاسمآء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذالك سبيلا) * أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن * (ولا تخافت بها) * عن أصحابك فلا تسمعهم * (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمان أيا ما تدعوا فله الاسمآء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذالك سبيلا) *
مطابقته للترجمة لا تخفى.
وعمرو بن زرارة بضم الزاي وتخفيف الراء الأولى ابن واقد الكلابي النيسابوري، وروى عنه مسلم أيضا، وهشيم بن بشير وأبو بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس.
والحديث مضى في تفسير سورة بني إسرائيل فإنه أخرجه هناك عن يعقوب بن إبراهيم عن هشيم... إلى آخره، ومضى الكلام فيه.
قوله: فيسمع بالنصب والرفع قيل: إذا كان النبي، مختفيا عن الكفار فكيف يرفع الصوت؟ وهو ينافي الاختفاء؟ وأجيب: بأنه لعله أراد الإتيان بشبه الجهر أو إنه ما كان يبقى له عند الصلاة ومناجاة الرب اختيار لاستغراقه في ذلك.
7526 حدثنا عبيد بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة، عن هشام عن أبيه عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: نزلت هاذه الآية * (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمان أيا ما تدعوا فله الاسمآء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذالك سبيلا) * في الدعاء.
انظر الحديث 4723 وطرفه
أشار بهذا إلى وجه آخر في سبب نزول هذه الآية، أخرجه عن عبيد بن إسماعيل واسمه في الأصل عبد الله القرشي الكوفي، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير، وقد مر في تفسير سورة سبحان.
7527 حدثنا إسحاق، حدثنا أبو عاصم، أخبرنا ابن جريج، أخبرنا ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منا من لم يتغن بالقرآن وزاد غيره يجهر به.
مطابقته للترجمة من حيث إن في قوله: من لم يتغن بالقرآن إضافة الفعل إليه، وذلك يدل على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى.
وإسحاق قال الحاكم: هو ابن نصر، وقال الغساني: هو ابن منصور أشبه، وأبو عاصم الضحاك وهو من مشايخ البخاري روى عنه كثيرا بلا واسطة، وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وابن شهاب محمد بن مسلم الزهري، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
والحديث مضى في فضائل القرآن.
قوله: ليس منا أي: ليس من أهل سنتنا، وليس المراد أنه ليس من أهل ديننا. قوله: من لم يتغن أي: من لم يجهر بقراءة القرآن. قوله: غيره هو صاحب لأبي هريرة، زاد في آخر الحديث يجهر به أي: بالقرآن.
45
((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار)، ورجل يقول: لو أوتيت مثل ما أوتي هذا فعلت كما يفعل، فبين الله أن
قيامه بالكتاب هو فعله.
182

وقال * (ومن ءاياته خلق السماوات والارض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن فى ذالك لأيات للعالمين) * وقال جل ذكره: * (ياأيها الذين ءامنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) *
أي: هذا باب في ذكر قول النبي، رجل... إلى آخره، وغرضه من هذا الباب أن قول العباد وفعلهم منسوبان إليهم، وهو كالتعميم بعد التخصيص بالنسبة إلى الباب المتقدم عليه. قيل إن الترجمة مخرومة إذ ذكر من صاحب القرآن حال المحسود فقط، ومن صاحب المال حال الحاسد فقط، وهو خرم غريب ملبس. قال الكرماني: نعم مخروم ولكن ليس غريبا ولا ملبسا، إذ المتروك هو نصف الحديث بالكلية حاسدا ومحسودا، وهو حال ذي المال والمذكور هو بيان صاحب القرآن حاسدا ومحسودا، إذ المراد من رجل ثانيا هو الحاسد، ومن مثل ما أوتي هو القرآن لا المال. ومر الحديث أولا في كتاب العلم وآخرا في كتاب التمني. قوله: آناء الليل أي: ساعات الليل. وقال الأخفش: واحدها: أني، مثل معي، وقيل: أنو، يقال: مضى أنيان من الليل، وأنوان. وقال أبو عبيدة: واحدها أنى مثل نحى، والجمع: آناء. قوله: فبين الله ليس في كثير من النسخ إلا قوله: فبين، فقط بدون ذكر فاعله، ولهذا قال الكرماني: إن النبي قال: إن قيام الرجل بالقرآن فعله حيث أسند القيام إليه، وفي رواية الكشميهني: إن قراءة الكتاب فعله. قوله: ألسنتكم أي: لغاتكم، إذ لا اختلاف في العضو المخصوص بحيث يصير في الآيات. قوله: وافعلوا الخير هذا عام في فعل الخير يتناول قراءة القرآن والذكر والدعاء.
7528 حدثنا قتيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هرير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحاسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فهو يقول: لو أوتيت مثل ما أوتي هذا لفعلت كما يفعل، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه في حقه فيقول: لو أوتيت مثل ما أوتي عملت فيه مثل ما يعمل.
انظر الحديث 5026 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة.
وجرير بن عبد الحميد، والأعمش سليمان، وأبو صالح ذكوان الزيات.
والحديث مضى في العلم كما ذكرنا الآن. قوله: لا تحاسد إلا في اثنتين ويروى: إلا في اثنين، بالتذكير. قيل: الخصلتان من باب الغبطة. وأجيب بأن مراده: لا تحاسد إلا فيهما، وليس ما فيهما حسد فلا حسد. كقوله: * (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الاولى ووقاهم عذاب الجحيم) * وأطلق الحسد وأراد الغبطة. قوله: رجل أي: خصلة رجل ليصح بيانا لاثنتين. قوله: فهو يقول أي: الحاسد... وبقية لكلام مرت في العلم.
7529 حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، قال الزهري: عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا حسد في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار.
سمعت سفيان مرارا، لم أسمعه يذكر الخبر، وهو من صحيح حديثه.
انظر الحديث 5025
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وسالم بن عبد الله يروي عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنهم.
قوله: سمعت قائله هو علي بن عبد الله شيخ البخاري أي: سمعت هذا الحديث من سفيان مرارا ولم أسمعه يذكره بلفظ أخبرنا أو حدثنا الزهري هل يقول بلفظ: قال ومع هذا هو من صحيح حديثه ولا قدح فيه لأنه قد علم من الطرق الآخر الصحيحات.
46
((باب قول الله تعالى: * (ي
1764; اأيها الرسول بلغ مآ أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدى القوم الكافرين) *
وقال الزهري من الله عز وجل الرسالة، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغ وعلينا التسليم.))
183

أي هذا باب في قول الله تعالى... إلى آخره، قال الكرماني: الشرط والجزاء متحدان، إذ معنى إن لم تفعل إن لم تبلغ. وأجاب بأن المراد من الجزاء لازمه نحو: من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها فهجرته إلى ما هاجر إليه. قوله: رسالاته، أي: الإرسال لا بد في الرسالة من ثلاثة أمور المرسل والمرسل إليه والرسول، ولكل منهم أمر: للمرسل الإرسال، وللرسول التبليغ وللمرسل إليه القبول والتسليم.
وقال: * (ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شىء عددا) * وقال تعالى: * (أبلغكم رسالات ربى وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون * أو عجبتم أن جآءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون * فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بئاياتنآ إنهم كانوا قوما عمين * وإلى عاد أخاهم هودا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إلاه غيره أفلا تتقون * قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين * قال ياقوم ليس بى سفاهة ولكنى رسول من رب العالمين * أبلغكم رسالات ربى وأنا لكم ناصح أمين) *
وقال هكذا في بعض النسخ بدون ذكر فاعله، وفي بعضها: وقال الله: * (ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شىء عددا) *
وقال كعب بن مالك حين تخلف عن النبي * (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) *
كعب بن مالك الأنصاري هو أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول الله، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، عن غزوة تبوك. قال الكرماني: وجه مناسبته لهذه الترجمة التفويض والانقياد والتسليم، ولا يستحسن أحد أن يزكي أعماله بالعجلة، بل يفوض الأمر إلى الله تعالى. وحديث كعب في تفسير سورة براءة مطولا.
وقالت عائشة: إذا أعجبك حسن عمل امرىء * (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) * ولا يستخفنك أحد.
أرادت عائشة بذلك أن أحدا لا يستحسن عمل غيره، فإذا أعجبه ذلك فليقل: اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون قوله: ولا يستخفيك أحد بالخاء المعجمة المكسورة والفاء المفتوحة والنون الثقيلة للتأكيد، حاصل المعنى: لا تغتر بعمل أحد فتظن به الخير إلا إن رأيته واقفا عند حدود الشريعة. وهذا الحديث ذكره البخاري في كتاب خلق أفعال العباد مطولا، وفيه إذا أعجبك حسن عمل امرئ إلى آخره، وأرادت بالعمل ما كان من القراءة والصلاة ونحوهما، فسمت كل ذلك عملا.
وقال معمر * (ذالك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) * هاذا القرآن * (ذالك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) * بيان ودلالة كقوله تعالى: * (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلواة ومما رزقناهم ينفقون) * هاذا حكم الله.
معمر بفتح الميمين قيل: هو أبو عبيدة بالضم اللغوي وقيل: هو معمر بن راشد البصري ثم التيمي. قوله: هذا القرآن، يعني: ذلك، بمعنى: هذا، وهو خلاف المشهور، وهو أن ذلك للبعيد وهذا للقريب. كقوله: * (لكم حكم الله) * أي: هذا حكم الله وكقوله: * (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين) * وغيرها أي: هذه أعلام القرآن. قوله: * (هدى للمتقين) * فسره بقوله: بيان ودلالة، بكسر الدال وفتحها ودلولة أيضا، حكاهما الجوهري. قال: الفتح أعلى. قال الكرماني: تعلقه بالترجمة نوع من التبليغ سواء كان بمعنى البيان أو الدلالة.
* (ذالك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) * لا شك * (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين) * وغيرها يعني هاذه أعلام القرآن.
فسر قوله: * (لا ريب فيه) * أي: لا شك. قوله: بكل آيات الله أي: هذه آيات الله، واستعمل: تلك، التي للبعيد في موضع: هذه، التي للقريب.
ومثله: * (هو الذى يسيركم فى البر والبحر حتى إذا كنتم فى الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جآءتها ريح عاصف وجآءهم الموج من كل مكان وظنو
1764; ا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هاذه لنكونن من الشاكرين) * يعني: بكم.
أي: مثل المذكور فيما مضى في استعمال البعيد وإرادة القريب. قوله تعالى: * (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم) * يعني: بكم.
وقال أنس: بعث النبي خاله حراما إلى قومه، وقال: أتؤمنوني أبلغ رسالة رسول الله فجعل يحدثهم.
هذا قطعة من حديث مضى في الجهاد موصولا من طريق همام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس، قال: بعث النبي أقواما من بني سليم... الحديث، ولفظه في المغازي: عن أنس: فانطلق حرام أخو أم سليم فذكره، وحرام ضد حلال ابن
184

ملحان بكسر الميم وبالحاء المهملة الأنصاري البدري الأحدي، بعثه رسول الله إلى بني عامر فقال لهم: أتؤمنوني؟ أي: تجعلوني آمنا، فآمنوه فبينما هو يحدثهم عن النبي إذا أومؤوا إلى رجل منهم فطعنه، فقال: الله أكبر فزت ورب الكعبة. وقد مر في قصة بئر معونة، فافهم.
7530 حدثنا الفضل بن يعقوب، حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي، حدثنا المعتمر بن سليمان، حدثنا سعيد بن عبيد الله الثقفي، حدثنا بكر بن عبد الله المزني وزياد بن جبير بن حية، عن جبير بن حية، قال المغيرة: أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن رسالة ربنا، أنه: من قتل منا صار إلى الجنة
انظر الحديث 3159
مطابقته للترجمة ظاهرة.
والفضل بن يعقوب الرخامي البغدادي، وعبد الله بن جعفر الرقي، وزياد بن جبير بضم الجيم وفتح الباء الموحدة ابن حبة بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وهو يروي عن والده جبير بن حية، والمغيرة هو ابن شعبة.
والحديث مضى مطولا في كتاب الجزية. وفي التوضيح إسناد حديث المغيرة فيه موضعان نبه عليهما الجياني. أحدهما: كان في أصل أبي محمد الأصيلي معمر بن سليمان، ثم ألحق تاء بين العين والميم فصار: معتمرا، وهو المحفوظ ثانيهما: سعيد بن عبيد الله مصغرا هو الصواب، ووقع في نسخة أبي الحسن مكبرا، وكذا كان في نسخة أبي محمد عبد الله إلا أنه أصلحه بالتصغير فزاد ياء وكتب في الحاشية: هو سعيد بن عبيد الله بن جبير بن حية، وكذا رواه ابن السكن على الصواب، وحية بن مسعود بن معتب بن مالك بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف، اتفقا عليه، عن ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، وانفرد البخاري بأبيه جبير، ولاه زياد أصفهان. وتوفي في أيام عبد الملك بن مروان، وقد روى عن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، قال صاحب التوضيح ورأيت بخط الدمياطي: معمر بن سليمان، قيل: إنه وهم والصواب معتمر بن سليمان، لأن عبد الله بن جعفر لا يروي عن معمر، وهذا عكس ما أسلفناه عن الجياني.
7531 حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن إسماعيل، عن الشعبي عن مسروق، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: من حدثك أن محمدا كتم شيئا
وقال محمد، حدثنا أبو عامر العقدي، حدثنا شعبة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي عن مسروق، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: من حدثك أن النبي كتم
شيئا من الوحي فلا تصدقه إن الله تعالى يقول: * (ي
1764; اأيها الرسول بلغ مآ أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدى القوم الكافرين) *
ا
مطابقته للترجمتة ظاهرة.
وأخرجه من طريقين أولهما: عن محمد بن يوسف الفريابي البخاري البيكندي عن سفيان هو الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد واسمه سعد، على خلاف فيه، عن عامر الشعبي عن مسروق بن الأجدع عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها. والثاني: عن محمد وهو إن كان محمد المذكور في الأول فهو مرفوع، وإن كان غيره يكون معلقا. وأبو عامر عبد الملك العقدي.
قوله: يا أيها الرسول بلغ وجه الاستدلال به أن ما أنزل عام والأمر للوجوب فيجب عليه تبليغ كل ما أنزل عليه.
7532 حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل قال: قال عبد الله: قال رجل: يا رسول الله أي الذنب أكبر عند الله تعالى؟ قال: أن تدعو ندا وهو خلقك قال: ثم أي؟ قال: ثم أن تقتل ولدك أن يطعم معك قال: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة
185

جارك فأنزل الله تصديقها * (والذين لا يدعون مع الله إلاها ءاخر ولا يقتلون النفس التى حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذالك يلق أثاما) * الآية
ا
مطابقته للترجمة من حيث أن يكون نزول الآية المذكورة قبل الحديث، وأن النبي استنبط منها هذه الأشياء الثلاثة وبلغها فيكون الحديث مما تضمنته الآية فيدخل فيها وفي تبليغها.
والحديث مضى عن قريب بعين هذا الإسناد والمتن في: باب قول الله تعالى: * (الذى جعل لكم الارض فراشا والسمآء بنآء وأنزل من السمآء مآء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون) * ومضى الكلام فيه.
47
((باب قول الله تعالى: * (كل الطعام كان حلا لبنى
1764; إسراءيل إلا ما حرم إسراءيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) *))
أي: هذا باب في قول الله عز وجل: * (قل فأتوا بالتوراة) * وسبب نزولها ما روي عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، أنه قال: كان إسرائيل اشتكى عرق النساء فكان له صياح فقال: إن أبرأني الله من ذلك لا آكل عرقا. وقال عطاء: لحوم الإبل وألبانها. قال الضحاك: قال اليهود لرسول الله، حرم علينا هذا في التوراة، فأكذبهم الله تعالى وأخبر أن إسرائيل حرم على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ودعاهم إلى إحضارها، فقال: * (قل فأتوا بالتوراة) * الآية ثم إن غرض البخاري من هذه الترجمة أن يبين أن المراد بالتلاوة القراءة، وقد فسرت التلاوة بالعمل، والعمل من فعل الفاعل، وسيظهر الكلام وضوحا مما يأتي الآن.
وقول النبي أعطي أهل التوراة التوراة فعملوا بها، وأعطي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا به، وأعطيتم القرآن فعملتم به
وقول النبي، بالجر عطفا على قول الله تعالى: * (قل فأتوا بالتوراة) * والمقصود من ذكر هذا وما بعده ذكر أنواع التسليم الذي هو الغرض من الإرسال والإنزال وهو التلاوة والإيمان به والعمل به، وهذا المعلق يأتي الآن في آخر الباب موصولا بلفظ: أوتي وأوتيتم، وقد مضى في اللفظ المعلق: أعطي وأعطيتم، في باب المشيئة والإرادة في أوائل كتاب التوحيد.
وقال أبو رزين: يتلونه يتبعونه ويعملون به حق عمله.
أبو رزين بفتح الراء وكسر الزاي وسكون الياء آخر الحروف وبالنون هو ابن مسعود مالك الأسدي التابعي الكبير الكوفي. وفسره قوله تعالى: * (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولائك يؤمنون به ومن يكفر به فأولائك هم الخاسرون) * بقوله: يتبعونه ويعملون به حق عمله، كذا في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره: يتلونه يتبعونه ويعملون به حق عمله، ووصله سفيان الثوري في تفسيره من رواية أبي حذيفة موسى بن مسعود عنه عن منصور بن المعتمر عن أبي رزين فذكره.
يقال: يتلاى يقرأ، حسن التلاوة حسن القراءة للقرآن.
أراد بهذا أن معنى التلاوة القراءة، والدليل عليه أنه يقال: فلان حسن التلاوة، ويقال أيضا: حسن القراءة. قوله: للقرآن، يعني لقراءة القرآن، والفرق بينهما أن التلاوة تأتي بمعنى الاتباع وهي تقع بالجسم تارة، وتارة بالاقتداء في الحكم، وتارة بالقراءة وتدبر المعنى. قال الراغب: التلاوة في عرف الشرع تختص باتباع كتب الله المنزلة: تارة بالقراءة وتارة بامتثال ما فيها من أمر ونهي، وهي أعم من القراءة، فكل قراءة تلاوة من غير عكس.
لا يمسه: لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن بالقرآن، ولا يحمله بحقه إلا الموقن لقوله تعالى: * (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بئايات الله والله لا يهدى القوم الظالمين) *
186

أشار بهذا إلى تفسير قوله تعالى: * (لا يمسه إلا المطهرون) * وفسر قوله: لا يمسه بقوله: لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن بالقرآن. أي: المطهرون من الكفر، ولا يحمله بحقه إلا الموقن بكونه من عند الله المطهرون من الجهل والشك ونحوه، لا الغافل كالحمار مثلا الذي يحمل الأسفار ولا يدري ما هي. قوله: إلا الموقن،
وفي رواية المستملي: إلا المؤمن.
وسمى النبي الإسلام والإيمان والصلاة عملا قال أبو هريرة: قال النبي لبلال أخبرني بأرجاى عمل عملته في الإسلام قال: ما عملت عملا أرجاى عندي أني لم أتطهر إلا صليت، وسئل: أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله ثم الجهاد ثم حج مبرور
قيل: لا فائدة زائدة في قوله: وسمى النبي، إلى آخره لأنه لم ينكر أحد كون هذه الأشياء أعمالا لأن الإسلام والإيمان من أعمال القلب واللسان، والصلاة من أعمال الجوارح. قوله: قال أبو هريرة، قد مضى موصولا في كتاب التهجد في: باب فضل الطهور بالليل والنهار، وقد وهم بعضهم حيث قال: تقدم موصولا في مناقب بلال قوله: وسئل أي النبي أي: الأعمال أفضل؟... إلى آخره قد مضى في الإيمان في: باب من قال: إن الإيمان هو العمل، أخرجه من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله سئل... إلى آخره، ومضى كذلك في الحج في: باب فضل الحج المبرور، وفيه: سئل أي الأعمال؟ وفي الذي في الإيمان. سئل: أي العمل؟ بالإفراد.
7533 حدثنا عبدان، أخبرنا عبد الله، أخبرنا يونس، عن الزهري أخبرني سالم، عن ابن عمر، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما بقاؤكم فيمن سلف من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أوتي أهل التوراة التوراة فعملوا بها حتى انتصف النهار ثم عجزوا، فأعطوا قيراطا قيراطا، ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل، فعملوا به حتى صليت العصر، ثم عجزوا، فأعطوا قيراطا قيراطا، ثم أوتيتم القرآن فعملتم به حتى غربت الشمس، فأعطيتم قيراطين قيراطين. فقال أهل الكتاب: هاؤلاء أقل منا عملا وأكثر أجرا؟ قال الله تعالى: هل ظلمتكم من حقكم شيئا؟ قالوا: لا. قال: فهو فضلي أوتيه من أشاء
ا
مطابقته للترجمة في قوله: أوتي أهل التوراة التوراة
وعبدان لقب عبد الله بن عثمان المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك، ويونس هو ابن يزيد.
والحديث مضى أولا في كتاب مواقيت الصلاة في: باب من أدرك ركعة من العصر، ثم مضى في كتاب التوحيد في: باب المشيئة والإرادة، ومضى الكلام فيه مكررا.
48
((باب وسمى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عملا، وقال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)))
هذا باب مجرد عن الترجمة لأنه كالفصل لما قبله، ولهذا قال: وسمى بالواو. وقوله: لا صلاة... إلى آخره قد مضى في الصلاة في: باب وجوب القراءة للإمام والمأموم، وأخرجه من حديث عبادة بن الصامت أن رسول الله، قال: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، وقال الكرماني: لا صلاة، أي: لا صحة للصلاة لأنها أقرب إلى نفي الحقيقة بخلاف الكمال ونحوه. قلت: لم لا تقول أيضا في قوله، لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد؟ والقول: بلا كمال للصلاة إلا بفاتحة الكتاب متعين لقوله تعالى: * (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثى اليل ونصفه وثلثه وطآئفة من الذين معك والله يقدر اليل والنهار علم ألن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرءان علم أن سيكون منكم مرضى وءاخرون يضربون فى الارض يبتغون من فضل الله وءاخرون يقاتلون فى سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلواة وءاتوا الزكواة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لانفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم) * أجمع أهل التفسير أنها نزلت في الصلاة.
187

7534 حدثنا سليمان، حدثنا شعبة، عن الوليد. وحدثني عباد بن يعقوب الأسدي، أخبرنا عباد بن العوام، عن الشيباني، عن الوليد بن العيزار، عن أبي عمرو الشيباني، عن ابن مسعود، رضي الله عنه، أن رجلا سأل النبي أي الأعمال أفضل قال: الصلاة لوقتها، وبر الوالدين ثم الجهاد في سبيل الله
مطابقته للأحاديث التي مضت فيما قبل ظاهرة.
وأخرجه من طريقين أحدهما: عن سليمان بن حرب عن شعبة عن الوليد بالفتح ابن العيزار عن أبي عمرو بن سعد بن إياس الشيباني عن عبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنه والطريق الثاني: عن عباد بتشديد الباء الموحدة ابن يعقوب الأسدي عن عباد بالتشديد أيضا ابن العوام بتشديد الواو عن الشيباني سليمان بن فيروز أبي إسحاق الكوفي عن الوليد بن العيزار... إلى آخره.
وعباد هذا شيخ البخاري مذكور بالرفض ولكنه موصوف بالصدق وليس له في البخاري إلا هذا الحديث الواحد، وساقه على لفظه. قلت: ترك الرواية عن مثل هذا هو الأوجب، والرفض إذا ثبت فهو جرح عظيم.
والحديث مضى في الصلاة لوقتها وفي الأدب أيضا ومضى الكلام فيه.
49
((باب قول الله تعالى:
* (إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا) *))
أي: هذا باب في قوله عز وجل: إن الإنسان الخ. غرضه من هذا الباب إثبات خلق الله تعالى للإنسان بأخلاقه التي خلقه عليها من الهلع والمنع والإعطاء والصبر على
الشدة واحتسابه ذلك على ربه تعالى، وفسر الهلوع بقوله: ضجورا. وقال الجوهري: الهلع أفحش الجوع، وقال الداودي: إنه والجزع واحد، وقال بعض المفسرين: الهلوع فسره الله تعالى بقوله: إذا مسه إلى آخره.
50
((باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه))
أي هذا باب في ذكر النبي وروايته عن ربه أي: بدون واسطة جبريل، عليه السلام، ويسمى بالحديث القدسي.
188

وقال صاحب التوضيح معنى هذا الباب أنه روى عن ربه السنة كما روى عنه القرآن، وهذا مبين في كتاب الله * (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحى يوحى) *
7536 حدثني محمد بن عبده الرحيم، حدثنا أبو زيد سعيد بن الربيع الهروي، حدثنا شعبة، عن قتادة عن أنس، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه قال: إذا تقرب العبد إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإذا تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة
مطابقته للترجمة ظاهرة.
ومحمد بن عبد الرحيم الذي يقال له صاعقة، وسعيد بن الربيع بياع الثياب الهروية روى عنه البخاري في جزاء الصيد بدون الواسطة.
والحديث يأتي الآن عن أنس عن أبي هريرة، فعلى هذا الحديث مرسل صحابي.
والهرولة: الإسراع، ونوع من العدو وأمثال هذه الإطلاقات ليست إلا على التجوز إذ البراهين العقلية قائمة على استحالتها على الله تعالى، فمعناه: من تقرب إلي بطاعة قليلة أجزيته بثواب كثير، وكلما زاد في الطاعة أزيد في الثواب، وإن كان كيفية إتيانه بالطاعة على التأني تكون كيفية إتياني بالثواب على السرعة، والغرض أن الثواب راجح على العمل مضاعف عليه كما وكيفا، ولفظ التقرب والهرولة إنما هو على سبيل المشاكلة أو طريق الاستعارة أو على قصد إرادة لوازمها.
7537 حدثنا مسدد، عن يحياى عن التيمي، عن أنس بن مالك، عن أبي هريرة قال: ربما ذكر النبي قال: إذا تقرب العبد مني شبرا، تقربت منه ذراعا، وإذا تقرب مني ذراعا، تقربت منه باعا أو بوعا
وقال معتمر: سمعت أبي سمعت أنسا عن النبي يرويه عن ربه عز وجل
انظر الحديث 7405 وطرفه
هذا الحديث مثل الحديث الذي مضى غير أن أنسا هنا يروي عن أبي هريرة وهناك روى عن النبي، وهنا أيضا قال معتمر بن سليمان سمعت أبي سليمان بن طرخان قال سمعت أنسا يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم وأراد بهذا التعليق بيان التصريح بالرواية فيه عن الله عز وجل، وقد وصله مسلم من رواية معتمر.
و يحيى هو القطان، و التيمي هو سليمان بن طرخان.
قوله ربما ذكر النبي، أي: ربما ذكر أبو هريرة النبي، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، كذا في الروايات كلها، وليس فيه الرواية عن الله سبحانه وتعالى. وروى مسلم: حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى هو ابن سعيد وابن أبي عدي كلاهما عن سليمان، فذكره بلفظ: عن أبي هريرة عن النبي، قال: قال الله عز وجل فإن قلت: قال هنا إذا تقرب العبد مني وفي الحديث السابق قال: إذا تقرب العبد إلي قلت: الأصل: من، واستعماله بإلى لقصد معنى الانتهاء، والصلاة تختلف بحسب المقصود. قوله: أو بوعا قال الخطابي: البوع مصدر باع إذا مد باعه ويحتمل أن يكون جمع باع مثل ساق وسوق، ومعنى الحديث مضاعفة الثواب حتى يكون مشبها بفعل من أقبل نحو صاحبه قدر شبر فاستقبله صاحبه ذراعا، وقد يكون معنه التوفيق له بالعمل الذي يقرب فيه.
7538 حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة عن النبي يرويه عن ربكم قال: لكل عمل كفارة والصوم لي، وأنا أجزي به، ولخلوف
189

فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك
ا
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث مضى في الصيام بأتم منه في: باب فضل الصوم من رواية الأعرج عن أبي هريرة ومضى أيضا في التوحيد في باب قوله الله تعالى: * (سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا) *
قوله: لكل عمل أي: من المعاصي كفارة أي: ما يوجب سترها وغفرانها، قيل: جميع الطاعات لله. وأجيب بأن الصوم لم يتقرب به إلى معبود غير الله بخلاف غيره من الطاعات. فإن قلت: جزاء الكل من الله تعالى؟ قلت: ربما فوض جزاء غير الصيام إلى الملائكة. قوله: ولخلوف بضم الخاء؛ الرائحة المتغيرة للفم. فإن قلت: الله منزه عن الأطيبية. قلت: هو على سبيل الفرض، يعني: لو فرض لكان أطيب منه. فإن قلت: دم الشهيد كريح المسك والخلوف أطيب منه فالصائم أفضل من الشهيد؟ قلت: منشأ الأطيبية ربما تكون الطهارة لأنه طاهر، والدم نجس. فإن قلت: ما الحكمة في تحريم إزالة الدم مع أن رائحته مساوية لرائحة المسك وعدم تحريم إزالة الخلوف مع أنه أطيب منه؟ قلت: إما أن تحصيل مثل ذلك الدم محال بخلاف الخلوف، أو أن تحريمه مستلزم للجرح، أو ربما يؤدي إلى ضرر كأدائه إلى النحر، أو أن الدم لكونه نجسا واجب الإزالة شرعا.
7539 حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، عن قتادة. ح وقال لي خليفة: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس، رضي الله
عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه قال: لا ينبغي لعبد أن يقول: إنه خير من يونس بن متى، ونسبه إلى أبيه
مطابقته للترجمة في قوله: فيما يرويه عن ربه
وأخرجه من طريقين: الأول: عن حفص بن عمر عن شعبة عن قتادة عن أبي العالية رفيع مصغرا عن ابن عباس. والثاني: بطريق المذاكرة عن خليفة بن خياط عن يزيد من الزيادة ابن زريع مصغر زرع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة... إلى آخره، وساقه على لفظ سعيد، ومضى الحديث في أحاديث الأنبياء، عليهم السلام، في ترجمة يونس، عليه السلام، عن حفص بن عمر بالسند المذكور هنا، ومضى أيضا في تفسير سورة الأنعام، وصرح فيه بالتحديث عن ابن عباس.
قوله: ونسبه إلى أبيه جملة حالية موضحة، وقيل: متى اسم أمه والأول أصح عند الجمهور، وإنما خصصه من بين سائر الأنبياء لئلا يتوهم غضاضة في حقه بسبب نزول قوله تعالى: * (فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم) * قوله: إنه خير ويروى: أنا خير، وهي الأشهر. قال الكرماني: يحتمل لفظ: أنا، أن يكون كناية عن رسول الله، أو عن كل متكلم، وإنما قاله مع أنه سيد ولد آدم قبل علمه بأنه سيدهم وأفضلهم، أو قاله تواضعا وهضما لنفسه.
7540 حدثنا أحمد بن أبي سريج، أخبرنا شبابة، حدثنا شعبة، عن معاوية بن قرة، عن عبد الله بن مغفل المزني قال: رأيت رسول الله يوم الفتح على ناقة له يقرأ سورة الفتح، أو: من سورة الفتح، قال: فرجع فيها. قال: ثم قرأ معاوية يحكي قراءة ابن مغفل، وقال: لولا أن يجتمع الناس عليكم لرجعت كما رجع ابن مغفل يحكي النبي فقلت لمعاوية كيف كان ترجيعه قال:، ثلاث مرات.
ا
تعلق هذا الحديث بالباب من حيث إن الرواية عن الرب أعم من أن تكون قرآنا أو غيره بالواسطة أو بدونها، لكن المتبادر إلى الذهن المتداول على الألسنة ما كان بغير الواسطة. وقال المهلب: معنى هذا الباب له، روى عن ربه السنة كما روى عنه القرآن، ودخول حديث ابن مغفل فيه للتنبيه على أن القرآن أيضا رواية له عن ربه. وقيل: قول النبي، قال الله، و: روى عن ربه، سواء.
وشيخ البخاري أحمد بن أبي سريج
190

مصغر السرج بالسين المهملة وبالراء وبالجيم واسمه الصباح أبو جعفر النهشلي الرازي، وشبابة بفتح الشين المعجمة وتخفيف الباءين الموحدتين ابن سوار بفتح السين المهملة وتشديد الواو وبالراء الفزاري بالفتح، ومعاوية بن قرة المزني، وعبد الله بن مغفل بضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الفاء المفتوحة المزني ويروى المغفل بالألف واللام.
ومضى الحديث في فضائل القرآن في: باب الترجيع.
قوله: فرجع فيها من الترجيع وهو ترديد الصوت في الحلق وتكرار الكلام جهرا بعد إخفائه، وقول معاوية يدل على أن القراءة بالترجيع والألحان أن تجمع نفوس الناس إلى الإصغاء والفهم، ويستميلها ذلك حتى لا يكاد يصير عن استماع الترجيع المشوب بلذة الحكمة المفهمة. قوله: كيف كان ترجيعه؟ قال: ثلاث مرات. فإن قلت: في رواية مسلم بن إبراهيم في تفسير سورة الفتح عن شعبة: قال معاوية: لو شئت أن أحكي لكم قراءته لفعلت، وهذا ظاهره أنه لم يرجع. قلت: يحمل الأول على أنه حكى القراءة دون الترجيع.
51
((باب ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله بالعربية وغيرهالقول الله تعالى: * (كل الطعام كان حلا لبنى
1764; إسراءيل إلا ما حرم إسراءيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) *))
أي: هذا باب في بيان ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها مثل الإنجيل والزبور والصحف التي نزلت على بعض الأنبياء، عليهم السلام، بالعربية أي: باللغة العربية وغيرها من اللغات. وقال الكرماني: قوله: تفسير التوراة وغيرها، وكتب الله عطف الخاص على العام، وفي بعض النسخ لم يوجد لفظ وغيرها، فهو عطف العام على الخاص، وفي رواية الكشميهني بالعبرانية موضع العربية. قوله: لقول الله تعالى: * (كل الطعام كان حلا لبنى
1764; إسراءيل إلا ما حرم إسراءيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) * قيل: الآية لا تدل على التفسير وأجيب بأن الغرض أنهم يتلونها حتى يترجم عن معانيها، والحاصل أن الذي بالعربية مثلا يجوز التعبير عنه بالعبرانية وبالعكس، وهل تقييد الجواز لمن لا يفقه ذلك اللسان أو لا؟ الأول قول الأكثرين، وقد كان وهب بن منبه وغيره يترجمون كتب الله إلا أنه لا يقطع على صحتها لقوله، لا تصدقوا أهل الكتاب فيما يفسرونه من التوراة بالعربية، لثبوت كتمانهم لبعض الكتاب وتحريفهم له.
7541 وقال ابن عباس أخبرني: أبو سفيان بن حرب أن هرقل دعا ترجمانه، ثم دعا بكتاب النبي فقرأه بسم الله الرحمان الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل: * (قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سوآء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) * الآية.
ا
هذا قطعة من الحديث الطويل الذي مضى موصولا في بدء الوحي.
وأبو سفيان صخر بن حرب الأموي والد معاوية، وهرقل اسم قيصر الروم، والترجمان الذي يعبر بلغة عن لغة.
قوله: دعا ترجمانه وفي رواية الكشميهني: بترجمانه، وكان غرض النبي، في إرساله إليه أن يترجم عنده ليفهم مضمونه، واحتج أبو حنيفة، رضي الله تعالى عنه، بحديث هرقل وأنه دعا ترجمانه وترجم له كتاب رسول الله، بلسانه حتى فهمه على أنه يجوز قراءته بالفارسية، وقال: إن الصلاة تصح بذلك.
7542 حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عثمان بن عمر، أخبرنا علي بن المبارك، عن يحياى ابن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم * (قولو
1764; ا ءامنا بالله ومآ أنزل إلينا ومآ أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ومآ أوتى موسى وعيسى ومآ أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) * الآية
انظر الحديث 4485 وطرفه
مطابقته للترجمة لا تخفى على من يتأملها.
وعثمان بن عمر بن فارس البصري.
والحديث مضى بهذا الإسناد في تفسير
191

سورة البقرة وفي الاعتصام في: باب لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء وهذا من النوادر يقع مكررا في ثلاث مواضع بسند واحد، وقال ابن بطال: استدل بهذا الحديث من قال بجواز قراءة القرآن بالفارسية. قلت: هذا مذهب أبي حنيفة كما ذكرنا الآن أيضا.
7543 حدثنا مسدد، حدثنا إسماعيل، عن أيوب، عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: أتي النبي برجل وامرأة من اليهود قد زنيا، فقال لليهود: ما تصنعون بهما قالوا: نسخم وجوههما ونخزيهما. قال: * (كل الطعام كان حلا لبنى
1764; إسراءيل إلا ما حرم إسراءيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) * فجاؤوا فقالوا لرجل ممن يرضون: يا أعور اقرأ، فقرأ حتى انتهى إلى موضع منها، فوضع يده عليه. قال: ارفع يدك، فرفع يده فإذا فيه آية الرجم تلوح. فقال: يا محمد إن عليهما الرجم ولاكنا نكاتمه بيننا، فأمر بهما فرجما، فرأيته يجانىء عليها الحجارة.
ا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: إن عليهما الرجم... إلى آخره لأن الذي قرأه فسره بالعربية أن عليهما الرجم حتى رجما.
وإسماعيل هو ابن علية وهو اسم أمه وأبوه إبراهيم، وأيوب هو السختياني.
والحديث مضى في آخر علامات النبوة ومضى أيضا في كتاب المحاربين في: باب الرجم في البلاط.
قوله: نسخم من التسخيم بالسين المهملة والخاء المعجمة وهو تسويد الوجه. قوله: ونخزيهما أي: نفضحهما بأن نركبهما على الحمار معكوسين وندورهما في الأسواق. قوله: لرجل هو عبد الله بن صوريا مقصورا الأعور اليهودي كان حبرا منهم. قوله: يا أعور منادى مبني على الضم، وفي رواية الكشميهني؛ أعور، بالجر على أنه صفة رجل. قوله: ووضع يده عليه هكذا في رواية الكشميهني، أي: على الموضع، وفي رواية غيره: عليها، أي: على آية الرجم. قوله: قال: ارفع يدك أبهم القائل ولم يذكره، وقد تقدم أنه عبد الله بن سلام. قوله: نكاتمه أي: الرجم، وفي رواية الكشميهني: نكاتمها. أي: الآية التي فيها الرجم. قوله: يجانىء بالجيم وكسر النون بعد الألف وبالهمز أي: يكب عليها، يقال جنىء الرجل على الشيء وجانأ عليه وتجانأ عليه إذا أكب، وروي بالمهملة أي: يحني عليها ظهره، أي: يغطيها يقال: حنوت العود عطفته وحنيت لغة. قوله: عليها الحجارة في أكثر النسخ هكذا، وفي بعضها: للحجارة، باللام وعند عدم اللام تقديره: عن الحجارة، أو مضاف مقدر نحو: اتقاء الحجارة، أو فعل نحو يقيها الجارة.
52
((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة وزينوا القرآن بأصواتكم))
أي: هذا باب في قول النبي الماهر إلى آخره. والماهر الحاذق المراد به هنا جودة التلاوة مع حسن الحفظ. قوله: مع السفرة الكرام السفرة الكتبة جمع سافر مثل كاتب وزنا ومعنى، وهم الكتبة الذين يكتبون من اللوح المحفوظ، وفي رواية أبي ذر: مع سفرة الكرام، من: باب إضافة الموصوف إلى الصفة. قوله: الكرام أي: المكرمين عند الله. قوله: البررة أي: المطيعين المطهرين من الذنوب، وفي الترمذي: الذي يقرأ القرآن وهو به ماهر مع السفرة الكرام البررة، وقال: هو حسن صحيح. وأصل الحديث مضى مسندا في التفسير لكن بلفظ: مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة، وقال ابن الأثير: مع السفرة الكرام البررة، أي: الملائكة. قوله: وزينوا القرآن بأصواتكم هذا من الأحاديث التي علقها البخاري ولم يصلها في موضع آخر من كتابه. وأخرجه في كتاب خلق أفعال العباد من رواية عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بهذا، وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة من هذا الوجه، وأخرجه ابن حبان في صحيحه ومعنى: زينوا القرآن بأصواتكم يعني: بالمد والترتيل، وليس بالتطريف الفاحش الذي يخرج إلى حد الغناء.
192

7544 حدثنا إبراهيم بن حمزة، حدثني ابن أبي حازم، عن يزيد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما أذن
الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر به
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث.
وإبراهيم بن حمزة بالحاء المهملة والزاي أبو إسحاق الزبيري الأسدي المديني مات سنة ثلاثين ومائتين وهو من أفراده، وابن أبي حازم هو عبد العزيز بن أبي حازم بالحاء المهملة والزاي واسمه سلمة بن دينار المدني، ويزيد من الزيادة ابن الهاد، وهو ابن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي المدني الأعرج، ومحمد بن إبراهيم بن الحارث أبو عبد الله التيمي القرشي المدني، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، رضي الله تعالى عنه.
والحديث مضى في كتاب التوحيد في: باب * (وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور) *
قوله: ما أذن الله معنى: أذن هنا استمع، والمراد لازمه وهو الرضا به والإرادة له.
7545 حدثنا يحياى بن بكير، حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله عن حديث عائشة حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، وكل حدثني طائفة من الحديث، قالت: فاضطجعت على فراشي وأنا حينئذ أعلم أني بريئة، وأن الله يبرئي، ولاكن والله ما كنت أظن أن الله ينزل في شأني وحيا يتلى ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى، وأنزل الله عز وجل: * (إن الذين جآءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم والذى تولى كبره منهم له عذاب عظيم) * العشر الآيات كلها.
ا
مطابقته للترجمة في قوله: بأمر يتلى أي: بالأصوات في المحاريب والمحافل.
ورجاله كلهم قد ذكروا غير مرة.
والحديث طرف من حديث مطول قد مضى في تفسير سورة النور، ومضى الكلام فيه.
قوله: وكل أي: قال الزهري: وكل من هؤلاء الأئمة حدثني قطعة من حديث الإفك. قوله: يبرئني أي برؤيا يراها رسول الله ونحوها. قوله: ولكن وفي رواية الكشميهني: ولكني. قوله: ولشأني اللام فيه مفتوحة للتأكيد. قوله: في بتشديد الياء.
7547 حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا هشيم عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: كان النبي متواريا بمكة وكان يرفع صوته، فإذا سمع المشركون سبوا القرآن ومن جاء به، فقال الله عز وجل لنبيه * (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمان أيا ما تدعوا فله الاسمآء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذالك سبيلا) *
مطابقته للترجمة من حيث بيان اختلاف الصوت بالجهر والإسرار.
وهشيم مصغرا ابن بشير كذلك الواسطي، وأبو بشر جعفر بن أبي وحشية إياس الواسطي.
والحديث مضى في تفسير سورة سبحان، ومضى قريبا أيضا في: باب
193

قوله: * (وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور) *
7548 حدثنا إسماعيل، حدثني مالك، عن عبد الرحمان بن عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي صعصعة عن أبيه، أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال له: إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة.
قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله.
انظر الحديث 609 وطرفه
مطابقته للترجمة من حيث إن رفع الصوت بالقرآن أحق بالشهادة وأولى.
وإسماعيل هو ابن أبي أويس.
والحديث قد مضى في كتاب الصلاة في: باب رفع الصوت بالنداء، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك إلى آخره.
7549 حدثنا قبيصة، حدثنا سفيان، عن منصور عن أمه عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: كان النبي يقرأ القرآن ورأسه في حجري وأنا حائض.
انظر الحديث 297
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ من قوله: يقرأ القرآن
وقبيصة هو ابن عقبة، وسفيان هو الثوري، ومنصور هو ابن عبد الرحمن التيمي وأمه صفية بنت شيبة الحجبي المكي.
والحديث مضى في كتاب الحيض.
قوله: حجري بفتح الحاء وكسرها. قوله: وأنا حائض جملة حالية. فافهم.
53
((باب قول الله تعالى: * (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثى اليل ونصفه وثلثه وطآئفة من الذين معك والله يقدر اليل والنهار علم ألن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرءان علم أن سيكون منكم مرضى وءاخرون يضربون فى الارض يبتغون من فضل الله وءاخرون يقاتلون فى سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلواة وءاتوا الزكواة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لانفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم) *))
أي هذا باب في قوله عز وجل: * (فاقرؤا ما تيسر من القرآن) * قال المهلب: يريد ما تيسر من حفظه على اللسان من لغة وإعراب. قوله: من القرآن، وفي رواية الكشميهني: ما تيسر منه، وكل من اللفظين في السورة، وقال بعضهم: والمراد بالقراءة الصلاة لأن القراءة بعض أركانها. قلت: هذا لم يقل به أحد، والمفسرون مجمعون على أن المراد منه القراءة في الصلاة وهو حجة على جميع من يرى فرضية قراءة الفاتحة في الصلاة.
7550 حدثنا يحياى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، حدثني عروة أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمان بن عبد القاري حدثاه أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله فكدت أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سلم فلببته بردائه، فقلت: من أقرأك هاذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله فقلت كذبت أقرأنيها على غير ما قرأت. فانطلقت به أقوده إلى رسول الله فقلت إني سمعت هاذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها. فقال: أرسله اقرأ يا هشام فقرأ القراءة التي سمعته، فقال رسول الله كذلك أنزلت ثم قال رسول الله اقرأ يا عمر فقرأت التي أقرأني، فقال: كذلك أنزلت إن هاذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه
ا
مطابقته للترجمة في قوله في آخر الحديث: فاقرأوا ما تيسر منه
وعقيل بضم العين ابن خالد، والمسور بكسر الميم ابن مخرمة بفتحها
194

وعبد الرحمن بن عبد بالتنوين القاري منسوب، إلى القارة بالقاف.
والحديث مضى في الخصومات وفي فضائل القرآن في: باب أنزل القرآن على سبعة أحرف، ومضى الكلام فيه.
قوله: أساوره أي: أواثبه. قوله: فتصبرت ويروى: تربصت قوله: فلببته من التلبيب بالموحدتين جمع الثياب عند الصدر في الخصومة والجر. قوله: فقال: أرسله أي: أطلقه. قوله: على سبعة أحرف أي: سبع لغات، وقيل الحرف الإعراب يقال: فلان يقرأ حرف عاصم أي: بالوجه الذي اختاره من الإعراب. وقال الأكثرون: هو قصر في السبعة فقيل هي في صورة التلاوة من إدغام وإظهار ونحوهما ليقرأ كل بما يوافق لغته ولا يكلف القرشي الهمز ولا الأسدي فتح حرف المضارعة. وقيل: بل السبعة كلها لمضر وحدها.
54
((باب قول الله تعالى: * (ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر * كذبت عاد فكيف كان عذابى ونذر * إنآ أرسلنا عليهم ريحا صرصرا فى يوم نحس مستمر * تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر * فكيف كان عذابى ونذر * ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر) * * (ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر) *))
أي: هذا باب في قول الله عز وجل: * (ولقد يسرنا القرآن للذكر) * تيسير القرآن للذكر تسهيله على اللسان ومسارعته إلى القراءة حتى إنه ربما يسبق اللسان إليه في القراءة فيجاوز الحرف إلى ما بعده، وتحذف الكلمة حرصا على ما بعدها. قيل: المراد بالذكر الأذكار والاتعاظ، وقيل: الحفظ. قوله: * (فهل من مدكر) * أصله مفتعل من الذكر، قلبت التاء دالا وأدغمت الدال في الدال.
وقال النبي كل ميسر لما خلق له
الآن يأتي هذا موصولا من حديث عمران وعلي، رضي الله تعالى عنهما.
يقال: ميسر: مهيأ.
هذا تفسير البخاري إذا تيسر أمر من الأمور يقال: تهيأ.
وقال مجاهد: يسرنا القرآن بلسانك: هونا قراءته عليك.
وصله الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: * (ولقد يسرنا القرآن للذكر) * قال هونا قراءته، والمذكور رواية أبي ذر، وفي رواية غيره: هوناه عليك.
وقال مطر الوراق * (ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر) * * (ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر) * * (ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر) * قال: هل من طالب علم فيعان عليه.
مطر هو ابن طهمان أبو رجاء الخراساني الوراق، سكن البصرة وكان يكتب المصاحف، مات سنة تسع عشرة ومائة، ووقع هذا التعليق عند أبي ذر عن الكشميهني وحده، وثبت أيضا للجرجاني عن الفربري، ووصله الفريابي عن ضمرة بن ربيعة عن عبد الله بن سودب عن مطر.
7551 حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث قال يزيد: حدثني مطرف بن عبد الله، عن عمران قال: قلت: يا رسول الله فيما يعمل العاملون؟ قال: كل ميسر لما خلق له
انظر الحديث 6596
مطابقته للترجمة في لفظ التيسير.
وأبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو البصري المقعد، وعبد الوارث بن سعيد، ويزيد من الزيادة ابن أبي يزيد واسمه سنان القسام، ويقال له بالفارسية: رشك، بكسر الراء وسكون الشين المعجمة كان يقسم الدور ويمسح بمكة، ومطرف على صيغة اسم الفاعل من التطريف بالطاء المهملة ابن عبد الله العامري يروي عن عمران بن حصين، رضي الله تعالى عنه.
وهذا مختصر من حديث مضى في كتاب القدر عن عمران ومضى الكلام فيه.
قوله: فيما ويروى: فيم، بحذف الألف بكلمة: ما، الاستفهامية، قال ذلك حين قال رسول الله، ما منكم إلا كتب مكانه في الجنة أو النار كل واحد منهما يسهل عليه ما كتب من عملهما.
195

7552 حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة عن منصور والأعمش سمعا سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمان عن علي، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في جنازة، فأخذ عودا فجعل ينكت في الأرض، فقال: ما منكم من أحد إلا كتب مقعده من النار أو من الجنة قالوا: ألا نتكل؟ قال: اعملوا فكل ميسر * (فأما من أعطى واتقى) * الآية
ا
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الحديث الأول.
وغندر بضم الغين المعجمة وسكون النون محمد بن جعفر، ومنصور هو ابن المعتمر، والأعمش هو سليمان، وسعد بن عبيدة أبو حمزة بالمهملة والزاي السلمي بالضم الكوفي ختن أبي عبد الرحمن السلمي واسمه عبد الله بن حبيب الكوفي القاري ولأبيه صحبة.
والحديث مضى في الجنائز مطولا في: باب موعظة المحدث عند القبر.
قوله: ينكت أي: يضرب في الأرض فيؤثر فيها. قوله: إلا كتب أي: قدر في الأزل أن يكون من أهل النار أو من أهل الجنة. فقالوا: ألا نعتمد على ما قدر الله علي نا ونترك العمل؟ فقال: لا، اعملوا فإن أهل السعادة ييسرون لعملهم، وأهل الشقاوة لعملهم.
55
((باب قول الله تعالى: * (كلا إذا دكت الارض دكا دكا * وجآء ربك والملك صفا صفا) * * (والطور * وكتاب مسطور) *
قال قتادة: مكتوب، يسطرون: يخطون في أم الكتاب جملة الكتاب. وأصله ما يتكلم من شيء إلا كتب عليه.))
مجيد أي كريم على الله، وقرئ: مجيد، بالخفض أي: قرآن رب مجيد، وقيل: معنى مجيد أحكمت آياته وبينت وفصلت وقرأ نافع: محفوظ، بالرفع على أنه نعت لقرآن، وقرأ غيره بالخفض على أنه نعت للوح، والطور قيل: جبل بالشام، وكتاب مسطور قال قتادة: مكتوب، وصله البخاري في كتاب خلق أفعال العباد من طريق يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى: ة * (والطور * وكتاب مسطور) * قال: المسطور المكتوب. قوله: يسطرون، أي: يكتبون، رواه عبد بن حميد من طريق شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة في قوله: * (ن
1764; والقلم وما يسطرون) * قال: وما يكتبون. قوله: في أم الكتاب جملة الكتاب وأصله وصله أبو داود في كتاب الناسخ والمنسوخ من طريق معمر عن قتادة نحوه. قوله: ما يلفظ إلى آخره، وصله ابن أبي حاتم من طريق شعيب بن أبي عروبة عن قتادة والحسن، فذكره.
وقال ابن عباس: يكتب الخير والشر.
يعني في قوله: * (ما يلفظ من قول) * وصله الطبري وابن أبي حاتم من طريق هشام ابن حسان عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: * (ما يلفظ من قول) * قال: إنما يكتب الخير والشر.
يحرفون: يزيلون وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله عز وجل، ولاكنهم يحرفونه يتأولونه على غير تأويله دراستهم: تلاوتهم، واعية: حافظة؛ وتعيها: تحفظها * (قل أى شىء أكبر شهادة قل الله شهيد بينى وبينكم وأوحى إلى هاذا القرءان لانذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله ءالهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إلاه واحد وإننى برىء مما تشركون) * يعني: أهل مكة ومن بلغ هاذا القرآن فهو له نذير.
قوله: يحرفون. في قوله تعالى: * (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خآئنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين) * أي: يزيلونه من جهة المعنى ويؤولونه بغير المراد الحق قوله: دراستهم، في قوله تعالى: * (أن تقولو
1764; ا إنمآ أنزل الكتاب على طآئفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين) * أي: عن تلاوتهم، وقال أبو عبيدة: * (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خآئنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين) * يقلبون ويغيرون. قوله: واعية في قوله تعالى: * (لنجعلها لكم تذكرة وتعيهآ أذن واعية) * أي: حافظة، وصله ابن أبي حاتم، من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. قوله: وأوحي إلى آخره، وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
196

7553 وقال لي خليفة بن خياط: حدثنا معتمر سمعت أبي عن قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي قال: لما قضاى الله الخلق كتب كتابا عنده غلبت أو قال سبقت رحمتي غضبي، فهو عنده فوق العرش
ا
مطابقته للترجمة من حيث إنه يشير به إلى أن اللوح المحفوظ فوق العرش.
ومعتمر هو ابن سليمان يروي عن أبيه سليمان بن طرخان بفتح المهملة هو المشهور، وقال الغساني: هو بالضم والكسر، وأبو رافع اسمه نفيع مصغر نفع الصائغ البصري، يقال: أدرك الجاهلية وكان بالمدينة ثم تحول إلى البصرة، قال أبو داود: قتادة لم يسمع من أبي رافع، وقال غيره: سمع منه.
والحديث مضى في التوحيد من حديث الأعرج عن أبي هريرة نحوه في: باب * (ولقد ضل قبلهم أكثر الاولين) *
قوله: قضى الله أي: أتم الله خلقه. قوله: كتب كتابا إما حقيقة عن كتابة اللوح المحفوظ، ومعنى الكتابة: خلق صورته فيه أو أمر بالكتابة، وإما مجاز عن تعلق الحكم به والإخبار به. قوله: عنده العندية المكانية مستحيلة في حقه تعالى، فهي محمولة على ما يليق به، أو مفوضة إليه أو مذكورة على سبيل التمثيل والاستعارة، وهي من المتشابهات. وقال الكرماني: كيف يتصور السبق في الصفات القديمة إذ معنى القديم هو عدم المسبوقية؟ وأجاب بأنها من صفات الأفعال أو المراد: سبق تعلق الرحمة، وذلك لأن إيصال العقوبة بعد عصيان العبد بخلاف إيصال الخير فإنه من مقتضيات صفاته.
56
((باب قول الله تعالى: * (والله خلقكم وما تعملون) *))
أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (والله خلقكم وما تعملون) * قال المهلب: غرض البخاري من هذه الترجمة، إثبات أن أفعال العباد وأقوالهم مخلوقة لله تعالى، وقيل: وما تعملون من الأصنام من الخشب والحجارة، وقال قتادة: وما تعملون بأيديكم، وقيل: يجوز أن تكون كلمة: ما، نافية أي: وما تعملون ولكن الله خالقه، ويجوز أن تكون: ما، مصدرية أي: وعملكم، ويجوز أن تكون استفهاما بمعنى التوبيخ.
* (إنا كل شىء خلقناه بقدر) *
الظاهر أنه سقط منه: قوله تعالى، قال الكرماني التقدير خلقنا كل شيء بقدر فيستفاد منه أن الله خالق كل شيء.
ويقال للمصورين: أحيوا ما خلقتم.
كذا وقع في رواية الأكثرين، وهو المحفوظ وفي رواية الكشميهني ويقول أي: بقول الله عز وجل، أو: يقول الملك بأمره، وهذا الأمر للتعجيز.
* (إن ربكم الله الذى خلق السماوات والارض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى اليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين) *
قال ابن عيينة: بين الله الخلق من الأمر لقوله تعالى: * (إن ربكم الله الذى خلق السماوات والارض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى اليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين) *
ساق في رواية كريمة الآية كلها، والمناسب منها لما تقدم. قوله: فيخص به قوله: * (قل من رب السماوات والارض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أوليآء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوى الاعمى والبصير أم هل تستوى الظلمات والنور أم جعلوا لله شركآء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شىء وهو الواحد القهار) * * (الله خالق كل شىء وهو على كل شىء وكيل) * ولذلك عقبه بقوله: وقال ابن عيينة هو سفيان بين الله الخلق من الأمر بقوله: وهذا الأثر وصله ابن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية من طريق بشار بن موسى. قال: كنا عند سفيان بن عيينة فقال: * (ألا له الخلق والأمر) * فالخلق هو المخلوقات والأمر هو الكلام. وقال الراغب: الأمر لفظ عام للأفعال والأقوال كلها، ومنه قوله عز وجل: * (ولله غيب السماوات والارض وإليه يرجع الامر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون) * ويقال للإبداع أمر نحو قوله تعالى: * (ألا له الخلق والأمر) * وقيل: المراد بالخلق في الآية الدنيا وما فيها. وبالأمر الآخرة وما فيها، فهو
197

كقوله: * (أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون) *
وسمى النبي الإيمان عملا قال أبو ذر وأبو هريرة: سئل النبي أي الأعمال أفضل قال: إيمان بالله وجهاد في سبيله، وقال: * (فلا تعلم نفس مآ أخفى لهم من قرة أعين جزآء بما كانوا يعملون) * وغيرها وقال وفد عبد القيس للنبي مرنا بجمل من الأمره إن عملنا بها دخلنا الجنة، فأمرهم بالإيمان والشهادة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فجعل ذالك كله عملا.
قد مر في كتاب الإيمان في: باب من قال: الإيمان هو العمل، وبسطنا الكلام فيه قوله: قال أبو ذر إلى قوله: * (فلا تعلم نفس مآ أخفى لهم من قرة أعين جزآء بما كانوا يعملون) * وغيرهاف تقدم الكلام فيه في: باب قول الله تعالى: * (كل الطعام كان حلا لبنى
1764; إسراءيل إلا ما حرم إسراءيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) * وهو قبل هذا الباب بثمانية أبواب. قوله: * (فلا تعلم نفس مآ أخفى لهم من قرة أعين جزآء بما كانوا يعملون) *، وغيرها أي: من الطاعات. قال الكرماني: أي من الإيمان وسائر الطاعات، أدخل قوله: من
الإيمان، لأجل مذهبه على ما لا يخفى. قوله: وفد عبد القيس إلى آخره يأتي الكلام فيه بعد حديث واحد.
7555 حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا أيوب عن أبي قلابة والقاسم التميمي، عن زهدم قال: كان بين هاذا الحي من جرم وبين الأشعريين ود وإخاء، فكنا عند أبي موساى الأشعري، فقرب إليه الطعام فيه لحم دجاج، وعنده رجل من بني تيم الله، كأنه من الموالي، فدعاه إليه فقال: إني رأيته يأكل شيئا فقذرته، فحلفت لا آكله. فقال: هلم فلأحدثك عن ذاك: إني أتيت النبي في نفر من الأشعريين نستحمله قال: والله لا أحملكم، وما عندي ما أحملكم فأتي النبي بنهب إبل فسأل عنا، فقال: أين النفر الأشعريون فأمر لنا بخمس ذود غر الذراى، ثم انطلقنا. قلنا: ما صنعنا؟ حلف رسول الله لا يحملنا وما عنده ما يحملنا، ثم حملنا. تغفلنا رسول الله يمينه والله لا نفلح أبدا. فرجعنا إليه فقلنا له. فقال: لست أنا أحملكم ولاكن الله حملكم، إني والله لا أحلف على يمين فأراى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير منه وتحللتها
ا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: ولكن الله حملكم حيث نسب الحمل إلى الله تعالى.
وشيخه عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي أبو محمد، وشيخه عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وأيوب هو السختياني، وأبو قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي، والقاسم بن عاصم التميمي، ويقال: الكلبي، ويقال: الليثي، زهدم بفتح الزاي ابن مضرب على وزن اسم الفاعل من التضريب بالضاد المعجمة.
والحديث قد مضى في مواضع كثيرة في المغازي عن أبي نعيم وفي النذور والذبائح أيضا عن أبي معمر وفي النذور أيضا عن قتيبة وفي الذبائح عن يحيى عن وكيع.
قوله وبين الأشعريين جمع أشعري نسبة إلى أشعر، أبو قبيلة من اليمن. قوله: يأكل شيئا أي: من النجاسة، هكذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره: يأكل فقط. قوله: فقذرته بكسر الذال المعجمة. أي: كرهته. قوله: فلأحدثك كذا هو في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: فلأحدثنك، بنون التأكيد. قوله: نستحمله أي: نطلب منه الحملان، أي: أن يحملنا. قوله: بنهب أي: غنيمة. قوله: ذود بفتح الذال المعجمة وهي من الإبل ما بين الثلاث إلى العشرة الذرى بضم الذال جمع ذروة وهي أعلى كل شيء أي: ذرى الأسنمة البيض أي: من سمنهن وكثرة شحمهن. قوله: ثم حملنا بفتح اللام. قوله: تغفلنا أي: طلبنا غفلته وكنا سبب ذهوله عن الحال التي وقعت. قوله: ولكن الله حملكم يحتمل وجوها: أن يريد إزالة المنة عنهم وإضافة النعمة إلى الله
198

تعالى، أو أنه نسي وفعل الناسي مضاف إلى الله تعالى، كما جاء في الصائم إذا أكل ناسيا فإن الله أطعمه، وأن الله حين ساق هذه الغنيمة إليهم فهو أعطاهم. أو نظرا إلى الحقيقة فإن الله خالق كل الأفعال. قوله: وتحللتها من التحلل وهو التفصي من عهدة اليمين والخروج من حرمتها إلى ما يحل له بالكفارة.
7556 حدثنا عمرو بن علي، حدثنا أبو عاصم، حدثنا قرة بن خالد، حدثنا أبو جمرة الضبعي قلت لابن عباس، فقال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله فقالوا: إن بيننا وبينك المشركين من مضر، وإنا لا نصل إليك إلا في أشهر حرم، فمرنا بجمل من الأمر إن عملنا به دخلنا الجنة، وندعو إليها من وراءنا. قال: آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع آمركم بالإيمان بالله، وهل تدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إلاه إلا الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وتعطوا من المغنم الخمس. وأنهاكم عن أربع: لا تشربوا في الدباء، والنقير والظروف المزفتة والحنتمة
ا
هذا حديث وفد عبد القيس الذي مضى عن قريب. وقال: وفد عبد القيس الذي مضى عن قريب للنبي،
أخرجه عن عمرو بن علي بن يحيى الصيرفي عن أبي عاصم الضحاك. وهو شيخ البخاري، روى عنه كثيرا بلا واسطة عن قرة بضم القاف وتشديد الراء ابن السدوسي عن أبي جمرة بالجيم والراء نصر بن عمران الضبعي بضم الضاد المعجمة وفتح الباء الموحدة والحديث قد مضى في كتاب الإيمان في باب أداء الخمس من الإيمان ومضى الكلام فيه.
قوله: قلت لابن عباس، فقال: قدم كذا في هذه الرواية، لم يذكر مفعول. قلت: والتقدير: قلت: حدثنا إما مطلقا وإما عن قصة عبد القيس. قوله: من مضر غير منصرف قبيلة كانوا بين ربيعة والمدينة. قوله: في أشهر حرم هي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، وذلك لأنهم كانوا يمتنعون عن القتال فيها. قوله: النقير بفتح النون جذع ينقر وسطه وينبذ فيه. قوله: والحنتمة بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح التاء المثناة من فوق ويجمع على: حنتم، وهي جرار خضر يجلب فيها الخمر.
7557 حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن نافع، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أصحاب هاذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم
ا
مطابقته للترجمة من حيث إن من زعم أنه يخلق فعل نفسه لو صحت دعواه لما وقع الإنكار على هؤلاء المصورين. وقال الكرماني: أسند الخلق إليهم صريحا، وهو خلاف الترجمة، ولكن المراد كسبهم فأطلق لفظ الخلق عليه استهزاء، أو أطلق بناء عل زعمهم.
والحديث أخرجه النسائي في الزينة عن قتيبة أيضا، وأخرجه ابن ماجة في التجارات عن محمد بن رمح.
قوله: أصحاب هذه الصور أي: المصورين. قوله: أحيوا أي: اجعلوه حيوانا ذا روح، وهذا الأمر أمر تعجيز.
7558 حدثنا أبو النعمان، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب عن نافع عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم إن أصحاب هاذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم
انظر الحديث 5951
الكلام فيه مثل الكلام في حديث عائشة.
وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي، وأيوب هو السختياني.
والحديث أخرجه مسلم في اللباس عن أبي الربيع وغيره. والنسائي في الزينة عن قتيبة وغيره.
199

7559 حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا ابن فضيل، عن عمارة، عن أبي زرعة سمع أبا هريرة، رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول قال الله عز وجل ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو شعيرة
انظر الحديث 5953
الكلام في مطابقة هذا مثل ما مر فيما قبله.
وابن فضيل مصغر وهو محمد، وعمارة بن القعقاع، وأبو زرعة اسمه هرم بفتح الهاء وكسر الراء البجلي.
والحديث مضى في اللباس عن موسى بن إسماعيل. وأخرجه مسلم في اللباس عن ابن نمير وغيره.
قوله: ذهب من الذهاب الذي هو بمعنى القصد والإقبال إليه. قوله: فليخلقوا ذرة بفتح الذال المعجمة وهي النملة الصغيرة، وهذا استهزاء، أو قول على زعمهم، أو التشبيه في الصورة وحدها لا من سائر الوجوه. قوله: أو شعيرة عطف الخاص على العام، أو هو شك من الراوي، والغرض تعجيزهم وتعذيبهم تارة بخلق الحيوان، وأخرى بخلق الجماد، وفيه نوع من الترقي في الخساسة ونوع من التنزل في الإلزام.
57
((باب قراءة الفاجر والمنافق وأصواتهم وتلاوتهم لا تجاوز حناجرهم))
أي: هذا باب في بيان حال قراءة الفاجر. قال الكرماني: الفاجر المنافق بقرينة جعله قسيما للمؤمن في الحديث، ومقابلا له. وعطف المنافق عليه إنما هو من باب العطف التفسيري. قوله: وتلاوتهم، مبتدأ وخبره: لا تجاوز، وإما جمع الضمير فهو حكاية عن لفظ الحديث، وزيد في بعض الروايات: وأصواتهم، والحناجر جمع حنجرة وهي الحلقوم، وهو مجرى النفس كما أن المري مجرى الطعام والشراب.
7560 حدثنا هدبة بن خالد، حدثنا همام، حدثنا قتادة، حدثنا أنس عن أبي موسى، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كالأترجة، طعمها طيب وريحها طيب، والذي لا يقرأ كالتمرة طعمها طيب، ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن، كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها
مطابقته للترجمة ظاهرة.
وهدبة بضم الهاء ابن خالد القيسي بفتح القاف، وهمام بتشديد الميم هو ابن يحيى العوذي، وأنس هو ابن مالك، وأبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري.
والرجال كلهم بصريون، وفيه: رواية الصحابي عن الصحابي.
والحديث مضى في فضائل القرآن عن مسدد، ومضى الكلام فيه.
قوله: كالأترجة بضم الهمزة ويقال: الأترنجة والترنجة وفي التوضيح كالأترجة، كذا في الأصول ولأبي الحسن: كالأترنجة، بالنون والصواب الأول لأن النون والهمزة لا يجتمعان، والمعروف: الأترج. وحكى أبو زيد: ترنجة وترج. وقالوا: الأترجة أفضل الثمار للخواص الموجودة فيها مثل: كبر جرمها، وحسن منظرها، ولين ملمسها، ولونها يسر الناظرين، ثم أكلها يفيد بعد الالتذاذ طيب النكهة ودباغ المعدة، وقوة الهضم، واشتراك الحواس الأربعة: البصر والذوق والشم واللمس في الاحتظاء بها، ثم إن أجزاءها تنقسم على طبائع: فقشرها حار يابس، وجرمها حار رطب، وحماضها بارد يابس، وبزرها حار مجفف. قوله: كمثل الحنظلة وهي شجرة مشهورة، وفي بعض البلاد تسمى: بطيخ أبي جهل، فإن قلت: قال في آخر فضائل القرآن: كالحنظلة طعمها مر وريحها مر. وهنا قال: ولا ريح لها؟ قلت: المقصود منهما واحد، وذلك هو بيان عدم النفع لا له ولا لغيره، وربما كان مضرا فمعناه: لا ريح لها نافعة.
7561 حدثنا علي، حدثنا هشام، أخبرنا معمر، عن الزهري. ح وحدثني أحمد بن صالح
200

حدثنا عنبسة، حدثنا يونس، عن ابن شهاب، أخبرني يحياى بن عروة بن الزبير أنه سمع عروة بن الزبير يقول: قالت عائشة، رضي الله عنها، سأل أناس النبي عن الكهان فقال: إنهم ليسوا بشيء فقالوا: يا رسول الله فإنهم يحدثون بالشيء يكون حقا. قال: فقال النبي تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرقرها في أذن وليه، كقرقرة الدجاجة، فيخلطون فيه أكثر من مائة كذبة
ا
مطابقته للترجمة من حيث مشابهة الكاهن بالمنافق من حيث إنه لا يتنفع بالكلمة الصادقة لغلبة الكذب عليه ولفساد حاله، كما لا ينتفع المنافق بقراءته لفساد عقيدته وانضمام
خبثه إليها.
وأخرجه من طريقين: الأول: عن علي بن المديني عن هشام بن يوسف الصنعاني عن معمر بن راشد عن محمد بن مسلم الزهري. والثاني: عن أحمد بن صالح أبي جعفر المصري عن عنبسة بن خالد بن يزيد بن أبي النجا ابن أخي يونس بن يزيد الأيلي، سمع عمه يونس بن يزيد عن ابن شهاب الزهري عن يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة.
والحديث مضى في أواخر الطب في: باب الكهانة، ومضى الكلام فيه.
قوله: سأل أناس وفي رواية معمر: ناس، وكلاهما واحد. قوله: عن الكهان أي: عن حالهم، والكهان جمع كاهن وهو الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان، ويدعي معرفة الأسرار. قوله: يخطفها بالفتح على اللغة الفصيحة وبكسرها، والجني مفرد الجن أي: يختلسها الجني من أخبار، وفي رواية الكشميهني: يحفظها، من الحفظ. قوله: فيقرقرها من القرقرة وهو الوضع في الأذن بالصوت، والقر الوضع فيها بدون الصوت، وإضافة القرقرة إلى الدجاجة من إضافة الفاعل، والدجاجة بفتح الدال وكسرها. وقال الخطابي: غرضه نفي ما يتعاطون من علم الغيب. قال: والصواب كقرقرة الزجاجة ليلائم معنى القارورة الذي في الحديث الآخر، وتكون إضافة القرقرة إلى المفعول فيه نحو مكر الليل.
7562 حدثنا أبو النعمان، حدثنا مهدي بن ميمون، سمعت محمد بن سيرين، يحدث عن معبد بن سيرين عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يخرج ناس من قبل المشرق ويقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوقه، قيل: ما سيماهم؟ قال: سيماهم التحليق أو قال: التسبيد
ا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم
وأخرجه عن أبي النعمان محمد بن الفضل عن مهدي بن ميمون الأزدي عن محمد بن سيرين عن أخيه معبد بن سيرين بفتح الميم، والأربعة بصريون.
قوله: يخرج ناس من قبل المشرق تقدم في الفتن أنهم: الخوارج. قوله: تراقيهم جمع ترقوة بفتح أوله وسكون الراء وضم القاف وفتح الواو وهي العظم الذي بين نقرة النحر والعاتق. قوله: يمرقون أي: يخرجون. قوله: من الرمية بكسر الميم الخفيفة وتشديد الياء آخر الحروف، فعيلة بمعنى المرمية أي: المرمى إليها. قوله: إلى فوقه بضم الفاء وهو موضع الوتر من السهم. قوله: ما سيماهم؟ بكسر المهملة مقصورا وممدودا: العلامة. قوله: التحليق هو إزالة الشعر. قوله: أو التسبيد بالمهملة والباء الموحدة وهو استيصال الشعر. فإن قلت: يلزم من وجود العلامة وجود ذي العلامة، فكل محلوق الرأس منهم لكنه خلاف الإجماع. قلت: كان في عهد الصحابة لا يحلقون رؤوسهم إلا في النسك أو الحاجة، وأما هؤلاء فقد جعلوا الحلق شعارهم، ويحتمل أن يراد به حلق الرأس واللحية وجميع شعورهم.
58
((باب قول الله تعالى: * (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) *))
أي: هذا باب في قول الله عز وجل: * (ونضع الموازين بالقسط) * وفي رواية أبي ذر أي: في يومها، والموازين جمع ميزان وأصله: موزان، قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، والقسط مصدر يستوي فيه المفرد المثنى والجمع، أي:
201

تضع الموازين العادلات. قيل: ثمة ميزان واحد يوزن به الحسنات. وأجيب بأنه جمع باعتبار العباد وأنواع الموزونات. وقال الزجاج: أي نضع الموازين ذوات القسط. قال أهل السنة: إنه جسم محسوس ذو لسان وكفتين، والله تعالى يجعل الأعمال والأقوال كالأعيان موزونة أو توزن صحفها، وقيل: ميزان كميزان الشعر، وفائدته إظهار العدل والمبالغة في الإنصاف والإلزام قطعا لأعذار العباد.
وأن أعمال بني آدم وقولهم يوزن.
قد ذكروا أن الأعمال والأقوال تتجسد بإذن الله تعالى فتوزن، أو توزن الصحائف التي فيها الأعمال.
وقال مجاهد: القسطاط: العدل بالرومية.
أي: قال مجاهد في قوله تعالى: * (يابنى
1764; آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم ءاياتى فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) *، * (وزنوا بالقسطاس المستقيم) * وهو بضم القاف وكسرها العدل بلغة أهل الروم، هو من توافق اللغتين.
ويقال: القسط مصدر المقسط، وهو العادل. وأما القاسط فهو الجائر.
اعترض الإسماعيلي على البخاري في قوله: القسط مصدر المقسط، ومصدر المقسط الإقساط، يقال: أقسط إذا عدل، وقسط إذا جار. وقال الكرماني: المصدر المحذوف الزوائد نظرا إلى أصله.
قلت: هذا ليس بكاف في الجواب.
7563 حدثنا أحمد بن إشكاب، حدثنا محمد بن فضيل، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم
كلمتان حبيبتان إلى الرحمان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم
انظر الحديث 6406 وطرفه
ختم البخاري كتابه بالتسبيح والتحميد كما بدأ أوله بحديث النية عملا به.
وأبو زرعة اسمه: هرم، ومر رجاله عن قريب.
وقد مضى الحديث في الدعوات عن زهير بن حرب وفي الأيمان والنذور عن قتيبة، وهنا رواه عن أحمد بن إشكاب بكسر الهمزة وفتحها وسكون الشين المعجمة وبالكاف وبالباء الموحدة غير منصرف، وقيل: هو منصرف أبو عبد الله الصفار الكوفي سكن مصر ويقال: أحمد بن ميمون بن إشكاب، ويقال: أحمد بن عبد الله بن إشكاب، ويقال: اسم إشكاب مجمع مات سنة تسع عشر ومائتين وهو من أفراده.
قوله: كلمتان أي: كلامان، وتطلق الكلمة عليه كما يقال: كلمة الشهادة. قوله: حبيبتان أي: محبوبتان يعني بمعنى المفعول لا الفاعل، والمراد محبوبية قائلهما، ومحبة الله للعبد إرادة إيصال الخير إليه والتكريم. قيل: ما وجه لحوق علامة التأنيث؟ والفعيل إذا كان بمعنى المفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث. فأجيب: بأن التسوية جائزة لا واجبة، ووجوبها في المفرد لا في المثنى، أو أن هذه التاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية. قوله: إلى الرحمن تخصيص لفظ الرحمن من بين سائر الأسماء الحسنى لأن القصد من الحديث بيان سعة رحمة الله تعالى على عباده، حيث يجازي على الفعل القليل بالثواب الكثير، ولا يقال: إنه سجع، لأن المنهي سجع الكهان. قوله: سبحان مصدر لازم النصب بإضمار الفعل، وقال الزمخشري: سبحان علم للتسبيح كعثمان علم للرجل، قيل: سبحان واجب الإضافة فكيف الجمع بين الإضافة والعلمية؟ وأجيب: بأنه ينكر ثم يضاف، ومعنى التسبيح التنزيه يعني: أنزه الله تنزيها عما لا يليق به. قوله: وبحمده الواو للحال أي: أسبحه ملتبسا بحمدي له من أجل توفيقه لي للتسبيح ونحوه. أو لعطف الجملة على الجملة أي: أسبح وألتبس بحمده، والحمد هو الثناء بالجميل على وجه التفضيل، وتكرار التسبيح للإشعار بتنزيهه على الإطلاق، والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما.
202

فرغت يمين مؤلفه ومسطره العبد الفقير إلى رحمة ربه الغني أبو محمد محمودبن أحمد العيني من تأليف هذا الجزء وتسطيره. الحادي والعشرين من عمدة القاري في شرح البخاري الذي به كمل الشرح بتوفيق الله وعونه ولطفه وكرمه، في آخر الثلث الأول من ليلة السبت الخامس من شهر جمادى الأولى عام سبعة وأربعين وثمانمائة من الهجرة النبوية، في داره التي مقابلة مدرسته البدرية في حارة كتامة بالقرب من الجامع الأزهر، وكان ابتداء شروعي في تأليفه في آخر شهر رجب الأصم الأصب سنة عشرين وثمانمائة، وفرغت من الجزء الأول يوم الاثنين السادس عشر من شهر ذي الحجة الحرام سنة عشرين وثمانمائة، وفرغت من الجزء الثاني نهار الثلاثاء السابع من شهر جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، وفرغت من الجزء الثالث يوم الجمعة الثامن من جمادى الأولى سنة ثلاثة وثلاثين وثمانمائة، بعد أن مكثت فيه نصف سنة، وكان الخلو بين الثاني والثالث مقدار ستة عشر سنة، وأكثر، وفرغت من الرابع يوم الثلاثاء التاسع من ربيع الآخر سنة تسع وثلاثين وثمانمائة، ثم استمريت في الكتابة والتأليف إلى التاريخ المذكور في الحادي والعشرين وكانت مدة مكثي في التأليف مقدار عشر سنين مع تخلل أيام كثيرة فيها، والحمد لله تعالى على هذه النعمة، صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أحمدك يا من أوضحت سنن الحق لسالكيها بآيات بينات. وأبنت طرق الهداية بعلامات واضحات. وكشفت عن الضلالة حجب الأوهام والخزعبلات. فظهرت وحشية المنظر منفورة الشكل لدى أرباب البصائر والإدراكات. فاندفع الباطل وزهق بما للحقيقة من قوة وصدمات. فتعالى وانتصر سبيل دين الحق المؤيد بأم الكتاب التي هي آيات محكمات. والمدعم بسنة خير خلق الله المعزز بالبراهين والمعجزات. فنشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له شهادة دائمة في المحيا والممات. ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صاحب المقام المحمود والمناقب الباهرات. اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ما دامت أزمنة وأوقات. وسلم تسليما كثيرا وبارك عليهم وعلى من تبع هديهم بتحيات مباركات زاكيات.
203