الكتاب: عمدة القاري
المؤلف: العيني
الجزء: ٢٤
الوفاة: ٨٥٥
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة: بيروت - دار إحياء التراث العربي
الناشر: دار إحياء التراث العربي
ردمك:
ملاحظات:

27
((باب إذا أقر بالحد ولم يبين هل للإمام أن يستر عليه؟))
أي: هذا باب فيه إذا أقر شخص بالحد عند الإمام بأن قال: إني أصبت ما يوجب الحد، هل للإمام أن يستر عليه؟ فجوابه: له أن يستر عليه. ولم يذكر الجواب بناء على عادته اكتفاء بما في حديث الباب ألا ترى إلى قولهصلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال: إني أصبت حدا فأقمه علي: أليس قد صليت معنا؟ فلم يستكشفه عنه، فدل على أن الستر أولى. لأن في الكشف عنه نوع نجسس منهي عنه، وجعلها شبهة دارئة للحد.
6823 ح دثنا عبد القدوس بن محمد، حدثني عمرو بن عاصم الكلابي، حدثنا همام بن يحياى، حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كنت عند النبي فجاءه رجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه علي. قال: ولم يسأله عنه، قال: وحضرت الصلاة فصلى مع النبي فلما قضى النبي قام إليه الرجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حدا فأقم في كتاب الله قال أليس قد صليت معنا؟ قال: نعم. قال: فإن الله قد غفر لك ذنبك أو: حدك
مطابقته للترجمة ظاهرة من حيث إنه يوضحها ويبين الحكم فيها.
وعبد القدوس بن محمد بن عبد الكبير بن شعيب بن الحبحاب بمهملتين وبموحدتين البصري العطار وهو من أفراده وما له في البخاري إلا هذا الحديث الواحد وقد طعن فيه الحافظ أبو بكر أحمد بن هارون البرذنجي فقال: هذا عندي حديث منكر، وهم فيه عمرو بن عاصم مع أن هماما كان يحيى بن سعيد لا يرضاه وهو عندي صدوق يكتب حديثه ولا يحتج به، وأبان العطار أمثل منه. وأجيب عنه بأنه لم يبين الوهم وكونه منكرا على طريقته في تسميته ما ينفرد به الراوي منكرا إذا لم يكن فيه متابع.
والحديث صحيح أخرجه مسلم أيضا في التوبة عن حسن بن علي الحلواني عن عمرو بن عاصم.
قوله: إني أصبت حدا أي: فعلت فعلا يوجب الحد. قوله: فأقمه علي بتشديد الياء. قوله: ولم يسأله عنه أي: لم يستفسره. قوله: فلما قضى النبي أي: فلما أدى: وقالها بعد الصلاة لا قبلها لأن الصلاة مكفرة للخطايا 8 9 0 هود: 114 قوله: أو: حدك شك من الراوي أي: أو ما يوجب حدك.
28
((باب هل يقول الإمام للمقر: لعلك لمست أو غمزت))
2

أي: هذا باب فيه: هل يقول الإمام للمقر بالزنا: لعلك لمست المرأة أو غمزتها بعينيك أو بيديك؟ وفي بعض النسخ بعد هذا: أو نظرت، يعني: أو نظرت إليها. وجواب الاستفهام مقدر يوضحه حديث الباب.
6824 ح دثنا عبد الله بن محمد الجعفي، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبي قال: سمعت يعلى بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لما أتى ماعز بن مالك النبي قال له: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت قال: لا يا رسول الله. قال: أنكتها؟ لا يكني، قال: فعند ذلك أمر برجمه.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ووهب يروي عن أبيه جرير بن حازم بن زيد البصري، ويعلى بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وفتح اللام بوزن يرضى ابن حكيم بفتح الحاء المهملة الثقفي مولاهم من أهل البصرة مات بالشام.
والحديث أخرجه أبو داود في الحدود عن زهير بن حرب وغيره وأخرجه النسائي في الرجم عن عمرو بن علي وغيره.
قوله: لعلك قبلت؟ حذف مفعوله للعلم به أي: المرأة المعهودة.
قوله: أنكتها؟ بكسر النون من النيك. قوله: لا يكني أي: لا يصرح بغير هذه اللفظة، حاصله أنه صرح بلفظ النيك لأن الحدود لا تثبت بالكنايات.
وفيه: جواز تلقين المقر في الحدود، إذ لفظ الزنى يقع على نظر العين وغيره.
29
((باب سؤال الإمام المقر: هل أحصنت))
أي: هذا باب يذكر فيه سؤال الإمام المقر: هل أحصنت؟ لأن الإحصان شرط الرجم، وهو أن يتزوج امرأة ويدخل بها.
22 - (حدثنا سعيد بن عفير قال حدثني الليث حدثني عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي سلمة أن أبا هريرة قال أتى رسول الله
رجل من الناس وهو في المسجد فناداه يا رسول الله إني زنيت يريد نفسه فأعرض عنه النبي
فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه فجاء لشق وجه النبي
الذي أعرض عنه فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النبي
فقال أبك جنون قال لا يا رسول الله فقال أحصنت قال نعم يا رسول الله قال اذهبوا به فارجموه)
مطابقته للترجمة في قوله فقال أحصنت ورجاله قد ذكروا غير مرة وابن المسيب هو سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف والحديث مر عن قريب في باب لا يرجم المجنون والمجنونة قوله ' رجل من الناس ' يعني ليس من أكابر الناس ولا من المشهورين فيهم قوله ' يريد نفسه ' فائدة هذا الكلام بيان أنه لم يكن مستفتيا من جهة الغير مسندا إلى نفسه على سبيل الفرض كما هو عادة المستفتي للغير هكذا قاله الكرماني وغيره قلت الظاهر أنه يريد به التأكيد بأنه هو الزاني قوله فتنحى أي بعد الرجل للجانب الذي أعرض مقابلا له وقبله بكسر القاف أي مقابلا ومعاينا له
(قال ابن شهاب أخبرني من سمع جابرا قال فكنت فيمن رجمه فرجمناه بالمصلى فلما أذلقته الحجارة جمز حتى أدركناه بالحرة فرجمناه)
أي قال محمد بن مسلم بن شهاب الزهري وهو موصول بالسند المذكور قوله ' من سمع ' قيل أنه أبو سلمة قوله ' جمز ' بالجيم والميم والزاي المفتوحات أي عدا وأسرع وبقية الشرح مرت في باب لا يرجم المجنون
3

30
((باب الاعتراف بالزنى))
أي: هذا باب في بيان حكم الاعتراف بالزنا.
6827 6828 ح دثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان، قال: حفظناه من في الزهري قال: أخبرني عبيد الله أنه سمع أبا هريرة وزيد بن خالد قالا: كنا عند النبي فقام رجل فقال: أنشدك الله إلا ما قضيت بيننا بكتاب الله، فقام خصمه وكان أفقه منه فقال: اقض بيننا بكتاب الله وأذن لي. قال: قل قال: إن ابني كان عسيفا على هاذا، فزني بامرأته، فافتديت منه بمائة شاة وخادم، ثم سألت رجالا من أهل العلم، فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وعلى امرأته الرجم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده، لأقضين بينكما بكتاب الله جل ذكره، المائة شاة والخادم رد، وعلى ابنك. جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس على امرأة هاذا، فإن اعترفت فارجمها فغدا عليها فاعترفت فرجمها. قلت لسفيان: لم يقل: فأخبروني أن على ابني الرجم. فقال: أشك فيها من الزهري، فربما قلتها وربما سكت.
مطابقته للترجمة في قوله: فاعترفت فرجمها
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وعبيد الله هو ابن عبد الله بن عتبة.
والحديث مضى في الوكالة عن أبي الوليد وفي الشروط عن قتيبة وفي النذور عن إسماعيل بن أبي أويس وغير ذلك في مواضع كثيرة. وأخرجه بقية الجماعة ومضى الكلام فيه مفرقا.
قوله من في الزهري أي: من فمه، وفي رواية الحميدي: حدثنا الزهري، وفي رواية الإسماعيلي: سمعت الزهري. قوله: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية شعيب: بينما نحن عند النبيصلى الله عليه وسلم وفي رواية ابن أبي ذئب: وهو جالس في المسجد. قوله: فقام رجل في رواية الشروط: أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية شعيب في الأحكام: إذا قام رجل من الأعراب. قوله: أنشدك الله بفتح الهمزة وسكون النون وضم الشين المعجمة من قولهم: نشده إذا سأله رافعا نشيدته وهي صوته، وضمن معنى: أنشدك أذكرك. قال سيبويه معنى: وأنشدك إلا فعلت ما أطلب منك إلا فعلك. وقيل: يحتمل أن يكون: إلا، جواب القسم لما فيها من معنى الحصر، وتقديره: أسألك بالله لا تفعل شيئا إلا القضاء بكتاب الله. فإن قلت: ما فائدة هذا والنبي لا يحكم إلا بكتاب الله؟. قلت: هذا من خفاء وجه الحكم عليه حين سأل أهل العلم الذين أجابوا بمائة جلدة وتغريب عام، وهذا من قبيل قول الملكين لداود عليه السلام. ص: 22 ومن هذا قالوا: يجوز قول الخصم للإمام العادل: اقض بيننا بالحق، على أن النبي لم ينكر عليه قوله ذلك. قوله: إلا قضيت بكسر الهمزة وتشديد اللام وهي كلمة استثناء، والمعنى: ما أطلب منك إلا القضاء بحكم الله. قوله: بكتاب الله قال شيخنا زين الدين: هل المراد بقوله: بكتاب الله، أي بقضائه وحكمه؟ أو المراد به القرآن؟ يحتمل كلا الأمرين. قوله: فقام خصمه، وكان أفقه منه الواو في: وكان، للحال وفي رواية مالك: وقال الآخر وهو أفقههما. إما مطلقا وإما في هذه القضية الخاصة. قوله: وائذن لي أي: في التكلم، وهذا من جملة كلام الرجل لا الخصم، وهذا من جملة أفقهيته حيث استأذن بحسن الأدب وترك رفع الصوت، وقد ورد حديث مرفوع، وإن كان ضعيفا: أن حسن السؤال نصف العلم. قوله: إن ابني ويروى: إن ابني هذا. فإن قلت: إقرار الأب عليه لا يقبل. قلت: قال الكرماني: هذا أيضا جواب لاستفتائه، أي: إن كان ابنك زنى وهو بكر فعليه كذا. قلت: الأحسن ما قاله النووي، على ما يجيء عن قريب. قوله: كان عسيفا بفتح المهملة الأولى: الأجير، قاله مالك، وقال أبو عمر: وقد يكون العبد والسائل، وفي المحكم العسيف الأجير المستهان، وقيل: هو المملوك المستهان، وقيل: كل خادم عسيف والجمع عسفاء على القياس وعسفة على غير قياس، وفي شرح الموطأ لعبد الملك
4

بن حبيب: العسيف الغلام الذي لم يبلغ الحلم. قوله: وخادم الخادم الجارية المعدة للخدمة بدليل لفظ مالك: وجارية لي. قوله: ثم سألت رجالا من أهل العلم وفيه إشعار بأن الصحابة كانوا يفتون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكر محمد بن سعد منهم أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وعبد الرحمن بن عوف وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت رضي الله عنهم. قوله: المائة شاة على مذهب الكوفيين. قوله: وخادم عطف عليه. قوله: رد أي: مردود، وفي رواية الكشميهني: رد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام قال النووي رحمه الله: هو محمول على أنه علم أن الابن كان بكرا وأنه اعترف بالزنى، ويحتمل أنه أضمر اعترافه، والتقدير: وعلى ابنك إن اعترف، والأول أليق وأنه كان في مقام الحكم، فلو كان في مقام الإفتاء لم يكن فيه إشكال لأن التقدير إن كان زنى وهو بكر، وقرينة اعترافه حضوره مع أبيه وسكوته على ما نسبه إليه. وأما العلم بكونه بكرا فوقع صريحا من كلام أبيه في رواية عمرو بن شعيب، ولفظه: كان ابني أجيرا لامرأة هذا وابني لم يحصن. قوله: واغد يا أنيس كلمة: غدا، أمر من غدا غدوا وهو الذهاب هنا والتوجه وليس المراد حقيقة الغدو، وهو التأخير إلى أول النهار. وحكى عياض أن بعضهم استدل به على جواز تأخير إقامة الحد عند ضيق الوقت، واستضعفه بأنه ليس في الخبر أن ذلك كان في آخر النهار، وأنيس مصغر أنس واختلف فيه في هذا الحديث: فالمشهور أنه أنيس بن الضحاك الأسلمي وكانت المرأة أيضا أسلمية كما ذهب ابن عبد البر إلى هذا، وقيل: أنيس بن مرثد، وقيل: ابن أبي مرثد، وهو غير صحيح لأن أنيس بن أبي مرثد صحابي مشهور غنوي بالغين المعجمة والنون الأسلمي وهو بفتحتين غير مصغر ولم يصح أيضا قول من قال: إنه أنس بن مالك وصغرهصلى الله
عليه وسلم لأنه أنصاري لا أسلمي، ووقع في رواية شعيب وابن أبي ذئب: وأما أنت يا أنيس لرجل من أسلم، فاغد. قيل: حد الزنى لا يثبت بالتجسس والاستكشاف عنه فما وجه إرسال أنيس إلى المرأة؟ وأجيب: بأن المقصود منه إعلامها بأن هذا الرجل قذفها ولها عليه حد القذف، فإما أن تطالبه به أو تعفو عنه أو تعترف بالزنى. قوله: قلت لسفيان القائل لسفيان بن عيينة هو علي بن عبد الله شيخ البخاري. قوله: لم يقل: فأخبروني أن على ابني الرجم أي: لم يقل الرجل الذي قال: إن ابني كان عسيفا، في كلامه، فأخبروني أن على ابني الرجم. قوله: فقال أي: سفيان: أشك فيها أي: في سماعها من الزهري، فتارة أذكرها وتارة أسكت عنها.
وفي الحديث فوائد: الترافع إلى السلطان الأعلى فيما قد قضى فيه غيره ممن هو دونه إذا لم يوافق الحق، وفسخ كل صلح وقع على خلاف السنة، وما قبضه الذي قضى له بالباطل لا يصلح أن يكون ملكا له، وللعالم أن يفتي في مصر فيه من هو أعلم منه. وفيه: جواز عدم الاقتصار على قول واحد من العلماء، وجواز قول الخصم للإمام العدل: اقض بيننا بالحق. وفيه: النفي والتغريب للبكر الزاني استدلت به الشافعية وأبو حنيفة لا يقول بالنفي لأن إيجابه زيادة على النص والزيادة على النص بخبر الواحد نسخ، فلا يجوز وفيه رجم الثيب بلا جلد، على ما ذهب إليه أئمة الفتوى في الأمصار. وفيه: إرسال الواحد لتنفيذ الحكم. وفيه: أن المخدرة التي لا تعتاد البروز لا تكلف الحضور لمجلس الحكم بل يجوز أن يرسل إليها من يحكم لها وعليها، وقد ترجم النسائي في ذلك.
6829 ح دثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عبيد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال عمر: لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن، إذا قامت البينة أو كان الحمل أو الاعتراف.
قال سفيان: كذا حفظت، ألا وقد رجم رسول الله ورجمنا بعده.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: ألا وإن الرجم إلى آخره. ورجاله هم المذكورون في الحديث السابق.
قوله: فيضلوا
5

من الضلال. قوله: أنزلها الله أي: باعتبار ما كان الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما، من القرآن فنسخت تلاوته، أو باعتبار أنه 3 ها 0 النجم: 3 4 قوله: وقد أحصن على صيغة المجهول من الإحصان في موضع الحال، وقد علم أن الماضي إذا وقع حالا لا بد فيه من كلمة: قد، إما تحقيقا وإما تقديرا. قوله: أو كان الحمل أي: أو ثبت الحمل، ويروى: الحبل، بفتح الباء الموحدة موضع الميم.
قوله: قال سفيان موصول بالسند المذكور. قوله: كذا حفظت جملة معترضة بين قوله: أو الاعتراف وقوله: ألا وقد رجم
31
((باب رجم الحبلى من الزنى إذا أحصنت))
أي: هذا باب في بيان رجم المرأة التي حبلت من الزنى إذا أحصنت أي: تزوجت. قوله: من الزنى، وفي رواية أبي ذر: في الزنى، والإجماع على أنها ترجم ولكن بعد الوضع عند الكوفيين، وقيل: بعد الفطام، وقال مالك: إذا وضعت حدث إذا وجد للمولود من يرضعه وإلا أخرت حتى ترضعه وتفطمه خشية هلاكه. وقال الشافعي: لا ترجم حتى تفطمه، كما جرى للمرجومة.
واختلفوا في المرأة توجد حاملا ولا زوج لها، فقال مالك: إن قالت: استكرهت أو تزوجت، فلا يقبل منها ويقام عليها الحد إلا أن تقيم بينة على ما ادعت من ذلك، أو تجيء بنداء أو استغاثة. وقال الكوفيون والشافعي: لا حد عليها إلا أن تقر بالزنى أو تقوم عليها بينة.
6830 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثني إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس قال: كنت أقرىء رجالا من المهاجرين منهم عبد الرحمان بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى، وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها، إذ رجع إلي عبد الرحمان فقال: لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في فلان؟ يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا، فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت، فغضب عمر ثم قال: إني، إن شاء الله، لقائم العشية في الناس فمحذرهم، هاؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم. قال عبد الرحمان: فقلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، فإنهم هم الذين يغلبون على قربك، حين تقوم في الناس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير وأن لا يعوها وأن لا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس، فتقول ماقلت متمكنا، فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها. فقال عمر: أما والله، إن شاء الله، لأقومن بذالك أول مقام أقومه بالمدينة، قال ابن عباس: فقدمنا المدينة في عقيب ذي الحجة، فلما كان يوم الجمعة عجلنا الرواح حين زاغت الشمس، حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر، فجلست حوله تمس ركبتي، ركبته، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب، فلما رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف، فأنكر علي، وقال: ما عسيت أن يقول ما لم
6

يقل قبله، فجلس عمر على المنبر، فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد، فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها، لا أدري لعلها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب علي: إن الله بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، فلذا رجم رسول الله ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى، إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف، ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم، أو إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم، ألا ثم إن رسول الله قال: لا تطروني
كما أطري عيسى ابن مريم وقولوا عبد الله ورسوله ثم إنه بلغني أن قائلا منكم يقول: والله لو مات عمر بايعت فلانا، فلا يغترن امرؤ أن يقول: إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة، وتمت، ألا وإنها قد كانت كذالك، ولاكن الله وقاى شرها وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر، من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو، ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا، وإنه قد كان من خيرنا حين توفي الله نبيه ألا إن الأنصار، خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنا علي والزبير ومن معهما، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت لأبي بكر: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هاؤلاء من الأنصار، فانطلقنا نريدهم فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان فذكرا ما تمالاى عليه القوم فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد إخواننا هاؤلاء من الأنصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم، اقضوا أمركم. فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمل بين ظهرانيهم، فقلت: من هاذا؟ فقالوا: هاذا سعد بن عبادة. فقلت: ما له؟ قالوا: يوعك، فلما جلسنا قليلا تشهد خطيبهم فأثناى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم معشر المهاجرين رهط، وقد دفت دافة من قومكم، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا، وأن يحضنونا من الأمر، فلما سكت أردت أن أتكلم وكنت زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الحد، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك... فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر فكان هو أحلم مني وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها، أو أفضل منها حتى سكت، فقال: ما ذكرتم فيكم من خير
7

فأنتم له أهل، ولن يعرف هاذا الأمر إلا لهاذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا، وقد رضيت لكم أحد هاذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم، فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا، فلم أكره مما قال غيرها، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذالك من إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، اللهم إلا أن تسول إلي نفسي عند الموت شيئا لا أجده الآن، فقال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش، فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى فرقت من الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده، فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار ونزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة، فقلت: قتل الله سعد بن عبادة. قال عمر: وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقواى من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا، فإما بايعناهم على ما لا نرضاى وإما نخالفهم فيكون فساد، فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا.
مطابقته للترجمة في قوله: إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة
وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي المدني، وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن، وصالح بن كيسان.
قوله كنت أقرىء بضم الهمزة من الإقراء أي: كنت اقرىء قرآنا وفيه دلالة على أن العلم يأخذه الكبير عن الصغير، وأغرب الداودي فقال: يعني يقرأ عليهم ويلقنونه، واعترضه ابن التين وقال: هذا خروج عن الظاهر. قوله: في آخر حجة حجها يعني عمر رضي الله عنه، وكان ذلك في سنة ثلاث وعشرين. قوله: إذ رجع جواب قوله: فبينما قوله: إلي بتشديد الياء. قوله: لو رأيت رجلا جزاؤه محذوف تقديره: لرأيت عجبا، أو كلمة: لو، للتمني فلا تحتاج إلى جواب. قوله: هل لك في فلان؟ لم يدر اسمه. قوله: لو قد مات عمر كلمة: قد، مقحمة لأن لو، لازم أن يدخل على الفعل، وقيل: قد، في تقدير الفعل ومعناه: لو تحقق موت عمر. قوله: لقد بايعت فلانا يعني: طلحة بن عبيد الله، وقال الكرماني: هو رجل من الأنصار وكذا نقله ابن بطال عن المهلب، لكن لم يذكر مستنده في ذلك. قوله: إلا فلتة بفتح الفاء وسكون اللام وبالتاء المثناة من فوق أي: فجأة يعني: بايعوه فجأة من غير تدبر. قوله: وتمت أي: وتمت المبايعة عليه. قوله: أن يغصبوهم أمرهم كذا هو في رواية الجمع بغين معجمة وصاد مهملة، وفي رواية مالك: يغتصبوهم بزيادة تاء الافتعال ويروى: أن يغصبونهم، وهي لغة كقوله تعالى: البقرة: 237 بالرفع وهو تشبيههم أن بما المصدرية فلا ينصبون بها، أي: الذين يقصدون أمورا ليس ذلك وظيفتهم ولا لهم مرتبة ذلك فيريدون مباشرتها بالظلم والغصب، وحكى ابن التين أنه روي بالعين المهملة وضم أوله: من أعصب، أي: صار لا ناصر له، والمعصوب الضعيف من أعصبت الشاة إذا انكسر أحد قرنيها أو قرنها الداخل وهو المشاش، والمعنى: أنهم يغلبون على الأمر فيضعف لضعفهم. قوله: رعاع الناس بفتح الراء وبعينين مهملتين وهم الجهلة الأراذل والغوغاء بغينين معجمتين بينهما واو ساكنة، وهو في الأصل: الجراد الصغار حين يبدأ في الطيران ويطلق على السفلة المتسرعين إلى الشر. قوله: يغلبون على قربك أي: هم الذين يكونون قريبا منك عند قيامك للخطبة لغلبتهم، ولا يتركون المكان القريب إليك لأولي النهى من الناس، ووقع في رواية الكشميهني وأبي زيد المروزي: قرنك، بكسر القاف وبالنون وهو خطأ، وفي رواية ابن وهب عن مالك: على مجلسك إذا قمت في الناس. قوله: يطيرها بضم الياء من الإطارة يقال: أطار الشيء إذا أطلقه. قوله: كل مطير بالرفع فاعل: يطيرها والضمير المنصوب فيه يرجع إلى المقالة، و: مطير، بضم الميم اسم فاعل من الإطارة،
8

وفي رواية السرخسي، يطير بها، بفتح الياء وبالياء الموحدة بعد الراء أي: يحملون مقالتك على غير وجهها. قوله: وأن لا يعوها أي: وأن لا يحفظوها، من الوعي وهو الحفظ. قوله: وأن لا يضعونها وترك النصب جائز مع الناصب لكنه خلاف الأفصح. قوله: فأمهل أمر من الإمهال هو التؤدة والرفق والتأني يقال: أمهلته إذا انتظرته ولم تعاجله. قوله: فتخلص بضم اللام وبالصاد المهملة أي: تصل. قوله: متمكنا حال من الضمير الذي في: قلت. قوله: فيعي أي: يحفظ أهل العلم مقالتك. قوله: أقومه وفي رواية السرخسي: أقوم، بدون الضمير. قوله: في عقب ذي الحجة بفتح العين المهملة وكسر القاف أو السكون، والأول أولى لأنه يقال لما بعد التكملة والثاني لما قرب منها، يقال: جاء عقب الشهر بالوجهين، والواقع الثاني لأن عمر رضي الله تعالى عنه، قدم قبل أن ينسلخ ذو الحجة في يوم الأربعاء، وقال الكرماني قوله: عقب ذي الحجة أي: يوم هو آخره، أو الشهر المعاقب له، أي: أول المحرم. وفي التوضيح يقال: جاء على عقب الشهر وفي عقبه بضم العين
وإسكان القاف إذا جاء بعد تمامه. قوله: عجلنا الرواح ويروى: عجلنا بالرواح، وهكذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: عجلت الرواح، بدون الباء. قوله: حين زاغت الشمس أي: حين زالت الشمس عن مكانها، والمراد به اشتداد الحر. قوله: حتى أجد قال الكرماني: أجد، بالرفع. قلت: لا يرتفع الفعل بعد حتى إلا إذا كان حالا ثم إذا كان الحال بالنسبة إلى زمن التكلم فالرفع واجب وإن كان محكيا جاز الرفع والنصب كما في قراءة نافع: حتى يقول الرسول، بالرفع. قوله: سعيد بن زيد هو أحد العشرة المبشرة. قوله: حوله وفي رواية الإسماعيلي: حذوه، وفي رواية إسحاق الفربري عن مالك: حذاه، وفي رواية معمر: فجلست إلى جنبه تمس ركبتي ركبته. قوله: فلم أنشب بفتح الشين المعجمة أي: فلم أمكث ولم أتعلق بشيء حتى خرج عمر رضي الله تعالى عنه، من مكانه إلى جهة المنبر. قوله: ما عسيت أن يقول القياس أن يقول: ما عسى أن يقول، فكأنه في معنى: رجوت وتوقعت. قوله: لعلها بين يدي أجلي أي: بقرب موتي، وهو من الأمور التي وقعت على لسان عمر رضي الله تعالى عنه، فوقعت كما قال. قوله: وعاها أي: حفظها. قوله: فليحدث بها يعني: على حسب ما وعى وعقل. وفيه: الحض لأهل العلم على تبليغه ونشره. قوله: فلا أحل بضم الهمزة من الإحلال وذلك نهي لأجل التقصير والجهل عن الحديث بما لم يعلموه ولا ضبطوه. قوله: لأحد ظاهره يقتضي أن يقال: له، ليرجع الضمير إلى الموصول، ولكن الشرط هو الارتباط وعموم الأحد قائم مقامه. قوله: إن الله بعث محمد قال الطيبي: قدم عمر رضي الله تعالى عنه، هذا الكلام قبل ما أراد أن يقول توطئة له ليتيقظ السامع لما يقول. قوله: آية الرجم مرفوع لأنه اسم كان، وخبره هو قوله: مما أنزل الله مقدما وكلمة: من للتبعيض وآية الرجم هي قوله: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما وهو قرآن نسخت تلاوته دون حكمه. قوله: مما أنزل الله وفي رواية الكشميهني: فيما أنزل الله. قوله: ووعيناها أي: حفظناها. قوله: رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية الإسماعيلي: ورجم، بزيادة الواو. قوله: إن طال بكسر الهمزة. قوله: أن يقول بفتح الهمزة. قوله: بترك فريضة أنزلها الله أي: في الآية المذكورة التي نسخت تلاوتها وبقي حكمها، وقد وقع ما خشيه عمر رضي الله تعالى عنه، فإن طائفة من الخوارج أنكروا الرجم، وكذا بعض المعتزلة أنكروه. قوله: والرجم في كتاب الله حق أي: في قوله تعالى: النساء: 15 وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد به رجم الثيب وجلد البكر. قوله: أو كان الحبل بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة، وفي رواية معمر: الحمل، بالميم. قوله: أو الاعتراف أي: الإقرار بالزنى. قوله: ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أي: مما نسخت تلاوته وبقي حكمه. قوله: لا ترغبوا عن آبائكم أي: لا تتركوا النسبة عن آبائكم فتنسبون إلى غيرهم. قوله: فإنه كفر بكم أي: فإن انتسابكم إلى غير آبائكم كفر بكم أي: كفر حق ونعمة. قوله: أو إن كفرا بكم شك من الراوي، قال الكرماني: أو إن كفرا، شك فيما كان في القرآن، وهو أيضا من المنسوخ التلاوة دون الحكم. قوله: ألا ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا بفتح الهمزة وتخفيف اللام حرف افتتاح كلام غير الذي قبله، وفي رواية مالك: ألا وإن، بالواو بدل: ثم، قوله: لا تطروني من الإطراء وهو المبالغة في المدح. قوله: كما أطري عيسى على صيغة المجهول، وفي رواية سفيان: كما أطرت النصارى عيسى عليه السلام، حيث قالوا: هو ابن الله، ومنهم من ادعى أنه هو الله. قوله: ألا وإنها أي: وإن بيعة أبي بكر رضي الله تعالى عنه. قوله: كانت كذلك أي: فلتة، وصرح بذلك في
9

رواية إسحاق بن عيسى عن مالك. وقال الداودي: معنى قوله: قوله: كانت فلتة أنها وقعت من غير مشورة مع جميع من كان ينبغي أن يشاوروا، وأنكر هذا الكرابيسي، وقال: المراد أن أبا بكر ومن معه تفلتوا في ذهابهم إلى الأنصار فبايعوا أبا بكر بحضرتهم، والمراد بالفلتة ما وقع من مخالفة الأنصار وما أرادوه من مبايعة سعد بن عبادة، وقال ابن حبان: معنى قوله: قوله: كانت فلتة أن ابتداءها كان عن غير ملأ كثير. وفي التوضيح قال عمر: والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من بيعة أبي بكر رضي الله تعالى عنه، ولأن أقدم فيضرب عنقي أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، فهذا يبين أن قول عمر: كانت فلتة، لم يرد مبايعة أبي بكر، وإنما أراد ما وصفه من خلافة الأنصار عليهم، وما كان من أمر سعد بن عبادة وقومه. قوله: ولكن الله وقى شرها أي: ولكن الله رفع شر خلافة أبي بكر رضي الله عنه، ومعناه: أن الله وقاهم ما في العجلة غالبا من الشر، وقد بين عمر سبب إسراعهم ببيعة أبي بكر، وذلك أنه لما خشوا أن يبايع الأنصار سعد بن عبادة، وقال أبو عبيد: عجلوا بيعة أبي بكر خيفة انتشار الأمر وأن يتعلق به من لا يستحق فيقع الشر. قوله: من تقطع الأعناق أي: أعناق الإبل يعني: تقطع من كثرة السير، حاصله ليس فيكم مثل أبي بكر في الفضل والتقدم فلذلك مضت بيعته على حال فجأة ووقى شرها فلا يطمعن من أحد في مثل ذلك. قوله: عن غير مشورة بفتح الميم وضم الشين المعجمة وبفتح الميم وسكون الشين وفي رواية الكشميهني: من غير مشورة. قوله: فلا يبايع جواب: من، على صيغة المجهول من المبايعة بالباء الموحدة ويروى بالتاء المثناة من فوق: من المتابعة، وهذه أولى لقوله: ولا الذي تابعه بالتاء المثناة من فوق في أوله وبالياء الموحدة بعد الألف. قوله: تغرة أن يقتلا أي: المبايع والمتابع بالموحدة وفتح الياء آخر الحروف في الأول، وبالمثناة من فوق وكسر الموحدة في الثاني، وتغرة بالغين المعجمة مصدر يقال: غرر نفسه تغريرا وتغرة إذا عرضها للهلاك، وفي الكلام مضاف محذوف تقديره: خوف تغرة أن يقتلا، أي: خوف وقوعهما في القتل فحذف المضاف الذي هو الخوف وأقيم المضاف إليه الذي هو تغرة مقامه وانتصب على أنه مفعول له. قوله: وإنه قد كان أي: وإن أبا بكر قد كان من خيرنا بالخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف كذا في رواية المستملي، وفي رواية غيره بالباء الموحدة، فعلى رواية المستملي يقرأ إن الأنصار، بكسر همزة: إن، على أنه ابتداء كلام، وعلى رواية غيره بفتحها على أنه خبر كان، وكلمة: ألا معترضة. قوله: ألا إن الأنصار قد ذكرنا غير مرة أن كلمة: ألا، لافتتاح الكلام ينبه بها المخاطب على ما يأتي. قوله: بأسرهم أي: بكليتهم. قوله: في سقيفة بني ساعدة وهي الصفة، وقال الكرماني: كان لهم طاق يجتمعون فيه لفصل القضايا وتدبير الأمور. قوله: وخالف عنا أي: معرضا عنا. وقال المهلب: أي في الحضور والاجتماع لا بالرأي والقلب. وفي رواية مالك ومعمر: أن عليا والزبير ومن كان معهما تخلفوا في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا في رواية سفيان، لكن قال: العباس، بدل: الزبير رضي الله عنه. قوله: فانطلقنا نريدهم زاد جويرية: فلقينا أبا عبيدة بن الجراح، رضي الله تعالى عنه، فأخذ أبو بكر
بيده يمشي بيني وبينه. قوله: لقينا رجلان فعل وفاعل وهما: عويم بن ساعدة ومعن بن عدي الأنصاري. قوله: صالحان صفة: رجلان، وفي رواية معمر عن ابن شهاب: شهدا بدرا، وفي رواية ابن إسحاق: رجلا صدق: عويم بن ساعدة ومعن بن عدي، كذا أدرج تسميتهما وبين مالك أنه قول عروة ولفظه، قال ابن شهاب: أخبرني عروة أنهما معن بن عدي وعويم بن ساعدة، قلت: معن بن عدي بن الجد بن عجلان بن ضبيعة البلوي من بلي ابن الحارث بن قضاعة شهد العقبة وبدرا وأحدا والخندق وسائر مشاهد النبي صلى الله عليه وسلم وقتل يوم اليمامة شهيدا في خلافة أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، وعويم بن ساعدة بن عايش بن قيس شهد العقبتين جميعا في قول الواقدي وغيره، وشهد بدرا وأحدا والخندق، ومات في خلافة عمر بالمدينة. قوله: ما تمالأ عليه القوم أي: ما اتفق عليه القوم وهو بفتح اللام وبالهمزة من باب التفاعل. قوله: لا عليكم أن لا تقربوهم كلمة: لا، بعد: أن، زائدة. قوله: رجل مزمل على وزن اسم المفعول من التزميل وهو الإخفاء واللف في الثوب. قوله: بين ظهرانيهم بفتح الظاء المعجمة والنون أي: بينهم، وأصله بين ظهريهم فزيدت الألف والنون للتأكيد. قوله: يوعك بضم الياء وفتح العين أي: يحصل له الوعك وهو الحمى بنافض ولذلك زمل. قوله: تشهد خطيبهم أي: قال كلمة الشهادة، قيل: كان ثابت بن قيس بن شماس خطيب الأنصار
10

فيحتمل أن يكون الخطيب. قوله: وكتيبة الإسلام بفتح الكاف وكسر التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة وهو الجيش المجتمع الذي لا ينتشر ويجمع على كتائب. قوله: معشر المهاجرين كذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره معاشر المهاجرين. قوله: رهط أي: قليل. قال الخطابي: رهط، أي: نفر يسير بمنزلة الرهط وهو من الثلاثة إلى العشرة، أي: عددكم بالنسبة إلى الأنصار قليل، ورفعه على الخبرية. قوله: وقد دفت دافة بتشديد الفاء أي: عدد قليل، وقال الكرماني: الدافة الرفقة يسيرون سيرا لينا. أي: وأنكم قوم طراد غرباء أقبلتم من مكة إلينا تريدون أن تختزلونا من الاختزال بالخاء المعجمة والزاي وهو الاقتطاع أي: تقتطعونا عن الأمر وتنفردون به دوننا. قوله: وأن يحضنونا بالحاء المهملة والضاد المعجمة. أي: يخرجوننا من الأمر أي: الإمارة والحكومة ويستأثرون علينا، يقال: حضنت الرجل عن الأمر إذا اقتطعته دونه وعزلته عنه، ووقع في رواية أبي علي بن السكن: يحتصونا بالتاء المثناة من فوق، والصاد المهملة المشددة وفي رواية الكشميهني يحصونا بضم الحاء بدون التاء وهو بمعنى الاقتطاع والاستئصال، وفي رواية أبي بكر الحنفي عن مالك عند الدارقطني: ويخطفونا، بالخاء المعجمة والطاء المهملة وبالفاء. واتفقت الروايات على أن قوله: فإذا هم الخ بقية كلام خطيب الأنصار. قوله: فلما سكت أي: خطيب الأنصار. قوله: زورت من التزوير بالزاي والواو، وهو التهيئة والتحسين، وفي رواية مالك: رويت، براء وواو مشددة ثم ياء آخر الحروف من الروية ضد البديهة. قوله: وكنت أداري منه بعض الحد أي: أدفع عنه بعض ما يعتري له من الغضب ونحوه. قوله: على رسلك بكسر الراء أي: اتئد واستعمل الرفق والتؤدة. قوله: أن أغضبه بضم الهمزة وسكون الغين المعجمة وكسر الضاد المعجمة وبالباء الموحدة من الإغضاب، وفي رواية الكشميهني: بمهملتين وياء آخر الحروف من العصيان. قوله: هو أحلم مني أي: أشد حلما مني والحلم هو الطمأنينة عند الغضب. قوله: وأوقر أي: أكثر وقارا وهو الثاني في الأمور والرزانة عند التوجه إلى المطلب. قوله: ما ذكرتم أي: من النصرة وكونكم كتيبة الإسلام. قوله: ولن يعرف على صيغة المجهول. قوله: هذا الأمر أي: الخلافة، وفي رواية مالك: ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش. قوله: هم أوسط العرب وفي رواية الكشميهني: هو، بدل: هم، والأول أوجه، ومعنى أوسط: أعدل وأفضل، ومنه قوله تعالى: البقرة: 143 أي: عدلا. قوله: أحد هذين الرجلين هما عمر وأبو عبيدة بن الجراح بين ذلك بقوله: فأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح والآخذ بيده هو أبو بكر والضمير في: يده، يرجع إلى عمر رضي الله تعالى عنه. قال الكرماني: كيف جاز له أن يقول هذا القول وقد جعله، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، إماما في الصلاة وهي عمدة الإسلام؟ ثم قال: قاله تواضعا وتأدبا وعلما بأن كلا منهما لا يرى نفسه أهلا لذلك بوجوده، وأنه لا يكون للمسلمين إلا إمام واحد. قوله: وهو جالس أي: أبو بكر جالس بيننا. قوله: فلم أكره مما قال غيرها هذا قول عمر رضي الله عنه. أي: لم أكره مما قال أبو بكر غير هذه المقالة، وهي قوله: وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم قوله: كان والله أن أقدم على صيغة المجهول من التقديم وكلمة: أن، مفتوحة لأنها اسم: كان، ولفظة: والله، معترضة بينهما. قوله: فتضرب عنقي بالنصب عطف على: أن أقدم، قوله: لا يقربني ذلك أي: تقديم عنقي وضربه من الإثم. قوله: أحب إلي بالنصب خبر كان. قوله: من أن أتامر كلمة، إن، مصدرية أي: من كوني أميرا على قوم فيهم أبو بكر موجود. قوله: أن تسول بضم التاء وفتح السين وتشديد الواو المكسورة أي: أن تزين نفسي، يقال: سولت له نفسه شيئا أي: زينته، ويقول له الشيطان: افعل كذا وكذا. قوله: إلي بتشديد الياء. قوله: شيئا منصوب بقوله: أن تسول قوله: لا أجده الآن من الوجدان أي: الساعة هذه. قوله: فقال قائل من الأنصار كذا في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: فقال قائل الأنصار، بإضافة قائل إلى الأنصار، وقد سمى سفيان هذا القائل في روايته عند البزار فقال: حباب بن المنذر، وحباب بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة الأولى ابن المنذر على وزن اسم الفاعل من الإنذار ابن الجموح بن يزيد بن حرام الأنصاري شهد بدرا واحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: منا أمير إنما قال ذلك لأن العرب لم تكن تعرف الإمارة، إنما كانت
11

تعرف السيادة بكون لكل قبيلة سيد لا تطيع إلا سيد قومها، فجرى هذا القول منه على العادة المعهودة حين لم يعرف أن حكم الإسلام بخلافه، فلما بلغه أن الخلافة في قريش أمسك عن ذلك. وأقبلت الجماعة إلى البيعة. قوله: إنا جذيلها بضم الجيم. مصغر الجذل بفتح الجيم وكسرها وسكون الذال وهو أصل الشجر، والمراد به عود ينصب في العطن للجربى لتحتك. أي: أنا ممن يستشفى فيه برأيي كما يستشفى الإبل الجربى بالاحتكاك به، والتصغير للتعظيم، والمحكك صفة: جذيل. قوله: وعذيقها مصغر العذق بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة النخل وبالكسر القنو منها. قوله: المرجب من الترجيب وهو التعظيم وهو أنها إذا كانت كريمة فمالت بنوا لها من جانبها المائل بناء رفيعا كالدعامة ليعتمدها ولا يسقط، ولا يعمل ذلك إلا لكرمها، وقيل: هو ضم عذاقها إلى سعفاتها وشدها بالخوص لئلا ينفضها الريح، أو يوضع الشوك حولها لئلا تصل إليها الأيدي المتفرقة. قوله: اللغط بالغين المعجمة الصوت والجلبة. قوله: حتى فرقت بكسر الراء أي: حتى خشيت، وفي رواية
مالك: حتى خفت، وفي رواية جويرية: حتى أشفقنا الاختلاف. قوله: ونزونا بفتح النون والزاي وسكون الواو أي: وثبنا عليه وغلبنا عليه. قوله: قتلتم سعد بن عبادة قيل: ما معناه وهو كان حيا؟ وأجيب: بأن هذا كناية عن الإعراض والخذلان والاحتساب في عدد القتلى لأن من أبطل فعله وسلب قوته فهو كالمقتول. قوله: فقلت: قتل الله سعد بن عبادة القائل هو عمر، رضي الله تعالى عنه، ووجه قوله هذا إما إخبار عما قدر الله عن إهماله وعدم صيرورته خليفة، وإما دعاء صدر عنه عليه في مقابلة عدم نصرته للحق. قيل: إنه تخلف عن البيعة وخرج إلى الشام فوجد ميتا في مغتسله وقد اخضر جسده ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلا يقول ولا يرون شخصه.
الخزرج سعد بن عبادة فرميناه بسهمين فلم نخط فؤاده.
قوله: ما وجدنا أي: من دفن رسول الله قوله: من أمر في موضع المفعول. قوله: أقوى مفعول. قوله: ما وجدنا قوله: ولم تكن بيعة جملة حالية. قوله: أن يبايعوا بفتح همزة أن لأنه مفعول قوله: خشينا قوله: فإما بايعناهم من المبايعة بالباء الموحدة وبالياء آخر الحروف قبل العين وفي رواية الكشميهني: تابعناهم بالتاء المثناة من فوق وبالباء الموحدة قبل العين. قوله: على ما لا نرضى ويروى: على ما نرضى، والأول هو الوجه وهو رواية مالك أيضا. قوله: فمن بايع رجلا بالباء الموحدة وفي رواية مالك: بالتاء المثناة من فوق. قوله: فلا يتابع هو على صيغة المجهول من المتابعة بالتاء المثناة من فوق. قوله: ولا الذي بايعه بالباء الموحدة. قوله: تغرة أن يقتلا أي خوف وقوعهما في القتل، وقد مر تفسير هذا عن قريب.
32
((باب البكران يجلدان وينفيان))
أي: هذا باب فيه البكران يجلدان وينفيان، وهو تثنية بكر وهو الذي لم يجامع في نكاح صحيح وإنما ثناه ليشمل الرجل والمرأة. فقوله: البكران، مبتدأ: ويجلدان، على صيغة المجهول خبره وقد ورد خبر بلفظ الترجمة أخرجه ابن أبي شيبة من طريق الشعبي عن مسروق عن أبي بن كعب، رضي الله تعالى عنه، مثله.
النور: 2 3 ف
ساق في رواية كريمة إلى قوله: المؤمنون كما ذكر هنا، وفي رواية أبي ذر ساق من قوله: الزانية إلى قوله: في دين الله ثم قال الآية، ثم إنه ذكر الآية الأولى لبيان أن الجلد ثابت بكتاب الله عز وجل، وذكر الآية الثانية لتعلقها بما قبلها وذلك لأن قوله: الزاينة والزاني يدلان على الجنسين المنافيين لجنسي العفيف والعفيفة، ثم أشار إلى هذا * (الزاني لا ينكح إلا زانية) * يعني لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء، وكذا الزانية لا ترغب في نكاح الصلحاء من الرجال.
وسبب نزول هذه الآية ما قاله مجاهد: إنه كان في
12

الجاهلية نساء يزنين فأراد أناس من المسلمين نكاحهن، فنزلت. وبه قال الزهري وقتادة، وعن سعيد بن المسيب: إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: * (وانكحوا الأيامى منكم) * (0 النور: 32 ف والآية الأولى ناسخة لقوله تعالى: واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) * 0 النساء: 15 ف الآية ولقوله: * (واللذان يأتيانها منكم فأذوها) * 0 النساء: 16 ف فكل من زنى منهما أوذي إلى الموت، قاله مجاهد، وقال النحاس: لا خلاف في ذلك بين المفسرين قوله: * (لا تأخذكم بهما رأفة) * أي: لا تأخذكم بسببهما رحمة، والمعنى: لا تخففوا العذاب ولكن أوجعوهما. قوله: إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر يعني: إن كنتم تصدقون بتوحيد الله وبالبعث الذي فيه جزاء الأعمال.
قوله: طائفة اختلفوا في مبلغ عددها، فعن النخعي ومجاهد: أقله رجل واحد فما فوقه، وعن عطاء وعكرمة: رجلان فصاعدا، وعن الزهري: ثلاثة فصاعدا وعن ابن زيد: أربعة بعدد من تقبل شهادته على الزنى، وعن قتادة نفر من المسلمين. وقال الزجاج: لا يجوز أن تكون الطائفة واحدا لأن معناها معنى الجماعة، والجماعة لا تكون أقل من اثنين، وقال غيره: لا يمنع ذلك على قول أهل اللغة، لأن معنى طائفة: قطعة، يقال أكلت طائفة من الشاة أي: قطعة منها.
وقال ابن عيينة: رأفة في إقامة الحدود.
أي: قال سفيان بن عيينة في تفسير قوله تعالى: * (ولا تأخذكم بهما رأفة) * 0 النور: 2 يعني: رحمة في إقامة الحدود، ويروى: رأفة ويروى: رأفة إقامة الحدود بدون لفظ في، ويروى: قال ابن علية بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد الياء آخر الحروف وعليه جرى ابن بطال، والمعتمد هو الأول، وابن علية اسمه إسماعيل بن إبراهيم الأسدي البصري، وعليه اسم أمه مولاة لبني أسد.
6831 حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا عبد العزيز، أخبرنا ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن زيد بن خالد الجهني قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يأمر فيمن زنى ولم يحصن جلد مائة وتغريب عام.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد العزيز هو ابن أبي سلمة الماجشون.
والحديث مضى في الشهادات عن يحيى بن بكير عن الليث عن الزهري عن عبيد الله... الخ. وأخرجه بقية الجماعة.
قوله: ولم يحصن على صيغة المجهول والمعلوم. قوله: جلد مائة بالنصب بنزع الخافض أي: بجلد مائة. قوله: وتغريب عام عطف عليه.
وفي التوضيح في الحديث تغريب البكر مع الجلد وهو حجة على أبي حنيفة ومحمد في إنكار التغريب. قلت: أبو حنيفة يحتج بظاهر القرآن فإنه لا نفي فيه، وقال مالك: ينفى البكر الحر ولا تغرب المرأة ولا العبد، وقال الثوري والأوزاعي والشافعي: يغرب المرأة والرجل. واختلف قول الشافعي في نفي العبد، وعند الشافعية: لا
تغرب المرأة وحدها بل مع زوج أو محرم واختلف في المسافة التي تغرب إليها، فروي عن عمر رضي الله تعالى عنه، أنه قال: إلى فدك، ومثله عن ابنه، وبه قال عبد الملك، وزاد: إلى مثل الجيار من المدينة، وروي عن علي رضي الله تعالى عنه: من الكوفة إلى البصرة، وقال الشعبي: ينفيه من عمله إلى غيره. وقال مالك: يغرب عاما في بلد يحبس فيه لئلا يرجع إلى البلد الذي نفي منه، وعن أحمد: إلى قدر ما تقصر فيه الصلاة، وقال أبو ثور: إلى ميل وأقل منه. وقال ابن المنذر: يجزئ من ذلك ما يقع عليه اسم النفي قل أو كثر.
(قال ابن شهاب وأخبرني عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب غرب ثم لم تزل تلك السنة)
هذا موصول بالسند المذكور أي قال محمد بن مسلم بن شهاب الزهري أخبرني عروة بن الزبير بن العوام أن عمر إلى آخره وهذا منقطع لأن عروة لم يسمع من عمر رضي الله عنه لكنه ثبت عن عمر من وجه آخر أخرجه الترمذي حدثني أبو كريب ويحيى بن أكتم قالا حدثنا عبد الله بن إدريس عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي
ضرب وغرب وأن أبا بكر ضرب وغرب وأن عمر ضرب وغرب ورواه النسائي أيضا وابن خزيمة وصححه الحاكم وذكر الترمذي أن أكثر أصحاب عبيد الله بن عمر رووه عنه موقوفا على أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما قوله ' ثم لم تزل ' بفتح الزاي قوله ' تلك '
13

السنة بالرفع والنصب أي دامت وزاد عبد الرزاق عن مالك ثم لم تزل تلك السنة حتى غرب مروان ثم ترك الناس ذلك يعني أهل المدينة * -
6833 ح دثنا يحياى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله قضاى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام بإقامة الحد عليه.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعقيل بضم العين ابن خالد.
والحديث أخرجه النسائي في الرجم عن محمد بن رافع.
قوله: ولم يحصن بصيغة المعلوم والمجهول. قوله: بإقامة الحد أي: ملتبسا جامعا بينهما، ويروى: وإقامة الحد.
33
((باب نفي أهل المعاصي والمخنثين))
أي: هذا باب في بيان نفي أهل المعاصي وهو جمع معصية. قوله: والمخنثين أي: وفي بيان نفي المخنثين وهو جمع مخنث بتشديد النون المفتوحة وبكسرها والفتح أشهر، وهو القياس مأخوذ من خنثت الشيء فتخنث أي: عطفته فتعطف، ومنه سمي المخنث، قاله الجوهري، وفي المغرب تركيب الخنث يدل على لين وتكسر ومنه المخنث وهو المشبه في كلامه بالنساء تكسرا وتعطفا. وقال الكرماني: والغرض من ذكر هذا الباب هنا التنبيه على أن التغريب على المذنب الذي لا حد عليه ثابت، وعلى الذي عليه الحد بالطريق الأولى. قلت: يفهم من هذا أن المرتكب لمعصية من المعاصي يجوز نفيه. والترجمة أيضا تدل عليه، وقال بعض العلماء: لا ينفى إلا ثلاثة: بكر زان، ومخنث، ومحارب، والمخنث إذا كان يؤتى رجم مع الفاعل أحصنا أو لم يحصنا عند مالك، وقال الشافعي: إن كان غير محصن فعليه الحد، وكذا عند مالك إذا كانا كافرين أو عبدين، وقيل: يرقى بالمرجوم على رأس جبل ثم يتبع بالحجارة، وهو نوع من الرجم وفعله جائز، وقال أبو حنيفة: لا حد فيه وإنما فيه التعزير، وعند بعض أصحابنا: إذا تكرر يقتل. وحديث: ارجموا الفاعل والمفعول به، متكلم فيه، وقال بعض أهل الظاهر: لا شيء على من فعل هذا الصنيع، وقال الخطابي: هذا أبعد الأقوال من الصواب.
28 - (حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام حدثنا يحيى عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لعن النبي
المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال أخرجوهم من بيوتكم وأخرج فلانا وأخرج فلانا)
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وهشام هو الدستوائي ويحيى هو ابن أبي كثير والحديث مضى في اللباس وأخرجه أبو داود في الأدب عن مسلم بن إبراهيم به وأخرجه الترمذي والنسائي أيضا قوله والمترجلات أي النساء الشبيهات بالرجال المتكلفات في الرجولة وهو بالحقيقة ضد المخنثين لأنهم المتشبهون بالنساء قوله ' وأخرج فلانا ' قال الكرماني هما ماتع بالتاء المثناة من فوق وبالعين المهملة وهيت بكسر الهاء وسكون الياء آخر الحروف وبالتاء المثناة من فوق قوله ' وأخرج فلانا ' في رواية أبي ذر وأخرج عمر رضي الله تعالى عنه فلانا قلت فعلى هذا فاعل أخرج الأول هو النبي
وفاعل أخرج الثاني هو عمر رضي الله تعالى عنه وعلى رواية غير أبي ذر الفاعل في كليهما هو النبي
ويؤيده رواية أبي داود الحديث عن مسلم بن إبراهيم شيخ البخاري المذكور وفيه فقال أخرجوهم من بيوتكم وأخرجوا فلانا وفلانا من المخنثين وأراد بقوله فلانا وفلانا هما اللذين سماهما الكرماني وأما اسم فلان الذي أخرجه عمر رضي الله تعالى عنه فقيل أنه أبو ذؤيب وقيل جعدة السلمي وعن مسلمة بن محارب عن إسماعيل بن مسلم أن أمية بن يزيد الأسدي ومولى مزينة كانا يحكران الطعام بالمدينة فأخرجهما عمر رضي الله تعالى عنه
14

وذكر بعضهم يحتمل أن يفسر قوله ' وأخرج ' عمر فلانا أن يكون واحد هؤلاء المذكورين الذين أخرجهم عمر رضي الله تعالى عنه * -
34
((باب من أمر غير الإمام بإقامة الحد غائبا عنه))
أي: هذا باب في بيان من أمر... الخ، وقال الكرماني: في عبارته تعسف والأولى أن يقال: من أمره الإمام وغائبا حال من فاعل الإقامة وهو الغير، ويحتمل أن يكون حالا من المحدود المقام عليه.
6835 6836 حدثنا عاصم بن علي، حدثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن عبيد الله، عن أبي هريرة، وزيد بن خالد أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي وهو جالس فقال: يا رسول الله اقض بكتاب الله. فقام خصمه فقال: صدق اقض له يا رسول الله بكتاب الله، إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته، فأخبروني أن على ابني الرجم، فافتديت بمائة من الغنم ووليدة، ثم سألت أهل العلم فزعموا أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام، فقال: والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، أما الغنم والوليدة فرد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، وأما أنت يا أنيس فاغد على امرأة هاذا فارجمها فغدا أنيس فرجمها.
مطابقته للترجمة في آخر الحديث. وابن أبي ذئب بلفظ الحيوان المشهور هو محمد بن عبد الرحمان، وعبيد الله هو ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود.
والحديث مضى في مواضع كثيرة في النذور عن إسماعيل بن أبي أويس وفي المحاربين عن عبد الله بن يوسف وفي الصلح والأحكام عن آدم وفي الوكالة عن أبي الوليد وفي الشروط عن قتيبة وسيجئ في الاعتصام وخبر الواحد. وأخرجه بقية الجماعة وقد مر تفسيره غير مرة وقد مر عن قريب أيضا في: باب الاعتراف بالزنى.
قوله: إن ابني هذا كلام الأعرابي لا خصمه، مر في كتاب الصلح هكذا: جاء الأعرابي فقال: يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله، فقام خصمه فقال: صدق، فقال الأعرابي: إن ابني.. هكذا قاله الكرماني، وقال بعضهم: بل الذي قال: اقض بيننا هو والد العسيف. قلت: الاختلاف في هذا على ابن أبي ذئب يظهر ذلك بالتأمل. قوله: كان عسيفا أي أجيرا. قوله: فارجمها فيه اختصار أي: فإن اعترفت بالزنى فارجمها، تشهد عليه سائر الروايات والقواعد الشرعية.
35
((باب قول الله تعالى: * (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكن من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذاتت أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رجيم) *))
أي: هذا باب في ذكر قول الله تعالى: * (ومن لم يستطع) * الخ، هكذا ساقه وفي رواية كريمة، وفي رواية أبي ذر * (ومن لم يستطع منكم طولا) * ء آ الآية، وهكذا وقع في أصول البخاري ولم يذكر فيه حديثا. وابن بطال أدخل فيه حديث أبي هريرة الذي في الباب الذي بعده ثم ذكره فيه أيضا. لكن من طريق آخر وأباه ابن التين فذكره كما ذكرنا قوله: طولا أي: فضلا وسعة وقدرة. قوله: * (المحصنات المؤمنات) * أي: الحرائر العفائف المؤمنات. قوله: * (فمما) * أي: فتزوجوا مما ملكت أيمانكم من فتياتكم أي: من إمائكم المؤمنات، والفتيات جمع فتاة وهي الأمة، فيه دليل على أنه لا يجوز نكاح الأمة الكافرة من دليل
15

الخطاب. والمعروف من مذهب مالك: أن نكاح الأمة الذمية لا يجوز وأجازه الآخرون. قوله: * (والله أعلم بإيمانكم) * يعني: هو العالم بحقائق الأمور وسرائرها وإنما لكم أيها الناس الظاهر من الأمور. قوله: * (بعضكم من بعض) * فيه قولان: أحدهما: أنكم مؤمنون وأنتم إخوة. والثاني: أنكم بنو آدم، وإنما قيل لهم هذا فيما روي لأنهم كانوا في الجاهلية يعيرون بالهجانة ويسمون ابن الأمة هجينا فقال تعالى: * (بعضكم من بعض) * قوله: * (فانكهوهن بإذن أهلهن) * يدل على أن السيد هو ولي أمته لا تزوج إلا بإذنه، وكذلك هو ولي عبده ولا يتزوج إلا بإذنه، وإن كان مالك الأمة امرأة زوجها من يزوج المرأة بإذنها لما جاء في الحديث: لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها. قوله: * (وآتوهن أجورهن) * أي: وأعطوهن مهورهن أي: عن طيب نفس منكم ولا تبخسوهن منه شيئا استهانة بهن لكونهن إماء مملوكات. قوله: * (محصنات) * أي: عفائف عن الزنى لا يتعاطينه، ولهذا قال: * (غير مسافحات) * أي: غير زواني اللاتي لا يمنعن أنفسهن من أحد. قوله: 0 أي: أخلاه، وهو جمع خدن بكسر الخاء وهو الصديق وكذلك الخدين، ووقع في رواية المستملي وحده: غير مسافحات زواني ولا متخذات أخدان أخلاء. قوله: فإذا أحصن فيه قراءتان إحداهما: بضم الهمزة وكسر الصاد. والأخرى: بفتح الهمزة والصاد فعل لازم، فقيل: معنى القراءتين واحد. واختلفوا فيه على قولين: أحدهما: إن المراد بالإحصان هنا الإسلام، روي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وأنس والأسود بن زيد وزر بن حبيش وسعيد بن جبير وعطاء وإبراهيم النخعي والشعبي والسدي، وبه قال مالك والليث والأوزاعي والكوفيون والشافعي. والآخر: أن المراد هاهنا التزوج، وهو قول ابن عباس ومجاهد وعكرمة وطاوس والحسن وقتادة. قوله: يعني: الزنى. قوله: * (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) * يعني: الحد كما في قوله: 0 النور: 8 وهو خمسون جلدة وتغريب نصف سنة. قوله: إشارة إلى نكاح الإماء عند عدم الطول. قوله: * (العنت) * يعني: الإثم والضرر بغلبة الشهوة، هكذا فسره الثعلبي، ويقال: العنت الزنى وهو في الأصل المشقة. قوله: * (وإن تصبروا) * كلمة: أن، مصدرية أي: وصبركم عن نكاح الإماء خبر لكم
36
((باب إذا زنت الأمة))
أي: هذا باب يذكر فيه إذا زنت الأمة ولم يذكر جواب إذا الذي هو الحكم اكتفاء بما ذكره في الحديث على عادته، ولم يذكر الأصيلي هذه الترجمة، وجرى على ذلك ابن بطال.
6838 ح دثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ قال: إذا زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير
قال ابن شهاب: لا أدري بعد الثالثة أو الرابعة.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: سئل عن الأمة إذا زنت
والحديث مضى في البيوع عن إسماعيل بن أبي أويس وعن زهير بن حرب وفي العتق عن مالك بن إسماعيل ومضى الكلام فيه.
قوله ' ولم تحصن ' من الإحصان الذي هو بمعنى العفة عن الزنا وفي التلويح اختلف العلماء في إحصان الإماء غير ذات الأزواج ما هو فقالت طائفة إحصان الأمة تزويجها فإذا زنت ولا زوج لها فعليها الأدب ولا حد عليها هذا قول ابن عباس وطاوس وقتادة وبه قال أبو عبيدة وقالت طائفة إحصانها إسلامها فإذا كانت الأمة مسلمة وزنت وجبت عليها خمسون جلدة سواء كانت ذات زوج أو لم تكن روي هذا عن عمر بن الخطاب في رواية وهو قول علي وابن مسعود وابن عمر وأنس وإليه ذهب النخعي ومالك والليث والأوزاعي والكوفيون والشافعي وزعم أهل المقالة الأولى أنه لم يقل في هذا الحديث ولم تحصن غير مالك وليس كما زعموا لأنه رواه يحيى بن سعيد عن ابن شهاب كما رواه مالك ورواه كذلك طائفة عن ابن عيينة عن الزهري وإذا اتفق مالك ويحيى وسفيان على شيء فهم حجة على من خالفهم قوله ' ولو
16

بضفيرة ' بفتح الضاد المعجمة وكسر الفاء وبالراء وهو الشعر المنسوج والحبل المفتول بمعنى المضفور فعيل بمعنى مفعول قوله ' ثم بيعوها ' أمر ندب وحث على مباعدة الزانية وخرج اللفظ في ذلك على المبالغة وقالت الظاهرية بوجوب بيعها إذا زنت الرابعة وجلدت ولم يقل به أحد من السلف قوله ' قال ابن شهاب ' موصول بالسند المذكور قوله ' لا أدري ' بعد الثالثة أي لا أدري هل يجلدها ثم يبيعها ولو بضفير بعد الزنية الثالثة أو بعد الزنية الرابعة وروى الترمذي من حديث أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله
إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ثلاثا بكتاب الله فإن عادت فليبعها ولو بحبل من شعر فهذا يدل على أن بيعها بعد الرابعة وروى النسائي من حديث حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال أتى النبي
رجل فقال جاريتي زنت فتبين زناها قال أجلدها خمسين فأتاه وقال عادت فتبين زناها قال أجلدها خمسين ثم أتاه فقال عادت فتبين زناها قال بعها ولو بحبل من شعر فهذا يدل على أن بيعها بعد الثالثة *
((باب لا يثرب على الأمة إذا زنت ولا تنفى))
أي هذا باب يذكر فيه لا يثرب على صيغة المجهول من التثريب بالثاء المثلثة وهو التوبيخ والملامة والتعيير ومنه قوله تعالى * (لا تثريب عليكم) * قوله ' ولا تنفى ' على صيغة المجهول أيضا واستنبط عدم النفي من قوله
ثم بيعوها لأن المقصود من النفي الإبعاد عن الوطن الذي وقعت فيه المعصية وهو لا يلزم حصوله من البيع
31 - (حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة أنه سمعه يقول قال النبي
إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها ولا يثرب ثم إن زنت فليجلدها ولا يثرب ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر)
مطابقته للترجمة في قوله ولا يثرب وسعيد المقبري يروي عن أبيه كيسان مولى بني ليث عن أبي هريرة والحديث مضى في البيوع عن عبد العزيز بن عبد الله وأخرجه مسلم في الحدود والنسائي في الرجم جميعا عن عيسى بن حماد وقال المزي رواه غير واحد عن سعيد عن أبي هريرة قوله ' فتبين ' أي تحقق زناها وثبت وفيه إقامة السيد الحد على عبده وأمته وهي مسألة خلافية فقال الشافعي وأحمد واسحق وأبو ثور يعم الحدود كلها وهو قول جماعة من الصحابة أقاموا الحدود على عبيدهم منهم ابن عمر وابن مسعود وأنس بن مالك رضي الله تعالى عنهم وقال الثوري والأوزاعي يحده المولى في الزنا وقال مالك والليث يحده في الزنا والشرب والقذف إذا شهد عنده الشهود لا بإقرار العبد إلا القطع خاصة فإنه لا يقطعه إلا الإمام وقال الكوفيون لا يقيمها إلا الإمام خاصة واحتجوا بما روي عن الحسن وعبد الله بن محيريز وعمر بن عبد العزيز أنهم قالوا الجمعة والحدود والزكاة والنفي إلى السلطان خاصة وفيه دليل على التغابن في البيع وأن المالك الصحيح الملك جائز له أن يبيع ماله القدر الكبير بالتافه اليسير وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء إذا عرف قدر ذلك واختلفوا فيه إذا لم يعرف قدر ذلك قال النبي
دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض
(تابعه إسماعيل بن أمية عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي
)
أي تابع الليث إسماعيل بن أمية عن سعيد المقبري عن أبي هريرة وهذه المتابعة في المتن لا في السند لأنه نقص منه قوله عن أبيه ووصلها النسائي من طريق بشر بن المفضل عن إسماعيل بن أمية *
((باب أحكام أهل الذمة وإحصانهم إذا زنوا ورفعوا إلى الإمام))
أي هذا باب في بيان أحكام أهل الذمة اليهود والنصارى وسائر من تؤخذ منه الجزية قوله ' وإحصانهم ' أي وفي بيان إحصانهم هل الإسلام شرط فيه أم لا كما سيأتي بيان الخلاف فيه قوله ' إذا زنوا ' ظرف لقوله أحكام أهل الذمة قوله ' ورفعوا ' على صيغة المجهول إلى الإماء سواء جاؤوا إلى
17

الإمام بأنفسهم أو جاء بهم غيرهم للدعوى عليهم وهنا فصلان (الأول) اختلف العلماء في إحصان أهل الذمة (فقالت) طائفة في الزوجين الكتابيين يزنيان ويرفعان إلينا عليهما الرجم وهما محصنان وهذا قول الزهري والشافعي وقال الطحاوي وروى عن أبي يوسف أن أهل الكتاب يحصن بعضهم بعضا ويحصن المسلم النصرانية ولا
تحصنه النصرانية وقال النخعي لا يكونان محصنين حتى يجامعا بعد الإسلام وهو قول مالك والكوفيين وقالوا الإسلام من شرط الإحصان ' الفصل الثاني ' أيضا اختلفوا في وجوب الحكم بين أهل الذمة فروى التخيير فيه عن ابن عباس وعطاء والشعبي والنخعي وبه قال مالك وأحمد والشافعي وقال آخرون أنه واجب وروي ذلك عن مجاهد وعكرمة وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وهو الأظهر من قولي الشافعي
32 - (حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد حدثنا الشيباني قال سألت عبد الله بن أبي أوفى عن الرجم فقال رجم النبي
فقلت أقبل النور أم بعده قال لا أدري)
قال الكرماني مطابقته للترجمة إطلاق قوله رجم وقيل جرى على عادته في الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث وهو ما أخرجه أحمد والطبراني والإسماعيلي من طريق هشيم عن الشيباني قال قلت هل رجم النبي
فقال نعم رجم يهوديا ويهودية وعبد الواحد هو ابن زياد والشيباني بفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة اسمه سليمان بن أبي سليمان فيروز أبو إسحاق الكوفي وعبد الله بن أبي أوفى اسمه علقمة بن خالد الأسلمي والحديث أخرجه مسلم في الحدود عن أبي كامل عن ابن أبي شيبة قوله أقبل النور الهمزة فيه للاستفهام على سبيل استخبار وأراد بالنور سورة النور قوله أم بعده أي أم رجم بعد نزول سورة النور وقوله أم بعده بالضمير رواية الكشميهني وفي رواية غيره أم بعد بضم الدال قوله لا أدري يدل على تحريه وتثبته فيمدح به ولا عيب فيه
(تابعه علي بن مسهر وخالد بن عبد الله والمحاربي وعبيدة بن حميد عن الشيباني)
أي تابع عبد الواحد علي بن مسهر بضم الميم وسكون السين المهملة وكسر الهاء وبالراء أبو الحسن القرشي الكوفي وتابعه أيضا خالد بن عبد الله الطحان وتابعه أيضا المحاربي بصيغة اسم الفاعل من المحاربة واسمه عبد الرحمن بن محمد الكوفي وتابعه أيضا عبيدة بفتح العين وكسر الباء الموحدة ابن حميد بضم الحاء الصبي الكوفي وكل هؤلاء تابعوه في روايتهم عن الشيباني المذكور في روايته عن عبد الله بن أبي أوفى أما متابعة علي بن مسهر فرواها ابن أبي شيبة عنه عن الشيباني قال قلت لعبد الله بن أبي أوفى فذكر مثله بلفظ قلت بعد سورة النور وأما متابعة خالد بن عبد الله فرواها البخاري عن إسحاق عن خالد عن الشيباني سألت عبد الله بن أبي أوفى وقد مضى هذا في باب رجم المحصن وأما متابعة المحاربي فلم أقف عليها وأما متابعة عبيدة فرواها الإسماعيلي من رواية أبي ثور وأحمد بن منيع قالا حدثنا عبيدة بن حميد وجرير عن الشيبان ولفظه قبل النور أو بعدها
(وقال بعضهم المائدة والأول أصح)
أي قال بعض هؤلاء التابعين المذكورين قيل أنه عبيدة لأن لفظه في مسند أحمد بن منيع فقلت بعد سورة المائدة أو قبلها قوله المائدة أي ذكر سورة المائدة بدل سورة النور ولعل من ذكر سورة المائدة توهم من ذكر اليهودي واليهودية أن المراد سورة المائدة لأن فيها الآية التي نزلت بسبب سؤال اليهود عن حكم اللذين زنيا منهم وهي قوله تعالى * (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة) * قوله والأول أصح أي من ذكر النور
33 (حدثنا إسماعيل بن عبد الله حدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
18

أنه قال إن اليهود جاؤوا إلى رسول الله
فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا فقال لهم رسول الله
ما تجدون في التوراة في شأن الرجم فقالوا نفضحهم ويجلدون قال عبد الله بن سلام كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم قالوا صدق يا محمد فيها آية الرجم فأمر بهما رسول الله
فرجما فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة)
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مضى عن قريب في باب الرجم في البلاط من رواية عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ومضى أيضا في علامات النبوة عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن نافع عنه ومضى الكلام فيه قوله نفضحهم بفتح النون والضاد المعجمة من الفضيحة ومعناه نكشف مساويهم يقال فضحه فافتضح قوله ويجلدون على صيغة المجهول قوله فأتوا بصيغة الماضي قوله يحني بالحاء المهملة والنون المكسورة من حنا إذا عطف أو من جنا بالجيم والهمزة إذا أكب عليه قوله يقيها من الوقاية وهي الحفظ وقد مر الكلام مستوفى في لفظ يحني وقد ذكروا في ضبطه عشرة أوجه وفيه من الفوائد وجوب الحد على الكافر الذمي إذا زنى وهو قول الجمهور وقبول شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض وأن أنكحة الكفار صحيحة وأن اليهود كانوا ينسبون إلى التوراة ما ليس فيها وإن شرع من قبلنا يلزمنا ما لم يقص الله بالإنكار واحتج به الشافعي وأحمد وأن الإسلام ليس بشرط الإحصان وقالت المالكية وأكثر الحنفية أنه شرط وأجابوا عن حديث الباب بأنه
إنما رجمهما بحكم التوراة وليس هو من حكم الإسلام في شيء *
((باب إذا رمى امرأته أو امرأة غيره بالزنا عند الحاكم والناس هل على الحاكم أن يبعث إليها فيسألها عما رميت به))
أي هذا باب فيه إذا رمى إلى آخره يعني إذا قال امرأتي زنت أو قال امرأة فلان زنت قوله ' هل على الحاكم أن يبعث إليها ' أي إلى المرأة المرمية بالزنا فيسألها عما رميت به وهو على صيغة المجهول وجواب هل محذوف تقديره نعم يجب عليه ذلك ولم يذكره اكتفاء بما في الحديث وقد قام الإجماع على أن هذا القاذف إذا لم يأت ببينة لزمه الحد إلا أن تقر المقذوفة به
34 - (حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد أنهما أخبراه أن رجلين اختصما إلى رسول الله
فقال أحدهما اقض بيننا بكتاب الله وقال الآخر وهو أفقههما أجل يا رسول الله فاقض بيننا بكتاب الله وأذن لي أن أتكلم قال تكلم قال إن ابني كان عسيفا على هذا قال مالك والعسيف الأجير فزنى بامرأته فأخبروني أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لي ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام وإنما الرجم على امرأته فقال رسول الله
أما والذي نفسي بيده لأقضين
19

بينكما بكتاب الله أما غنمك وجاريتك فرد عليك وجلد ابنه مائة وغربه عاما وأمر أنيسا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت فارجمها فاعترفت فرجمها)
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث قد مر غير مرة فآخره قد مر عن قريب في باب من أمر غير الإمام بإقامة الحد وقد مر الكلام فيه قوله وأذن لي قال الكرماني هو من كلام الأعرابي لا من كلام الأفقه قد مر في الصلح صريحا وقال النووي وفي استئذانه دليل على أفقهيته *
((باب من أدب أهله أو غيره دون السلطان))
أي هذا باب في بيان من أدب أهله من زوجته وأرقائه قوله أو غيره أي وأدب غير أهله قوله دون السلطان يعني من غير أن يستأذنه في ذلك وقال الكرماني دون السلطان يحتمل أن يكون بمعنى عنده وغيره وقال بعضهم هذه الترجمة معقودة لبيان الخلاف هل يحتاج من وجب عليه الحد من الأرقاء إلى أن يستأذن سيده الإمام في إقامة الحد عليه أو له أن يقيم عليه ذلك بغير مشورة انتهى قلت لم يبين الخلاف في هذه الترجمة أصلا (وأما كيفية) الخلاف فقد قال مالك يحد المولى عبده وأمته في الزنا وشرب الخمر والقذف إذا شهد عنده الشهود لا بإقراره ولا يقطعه في السرقة وإنما يقطعه الإمام وبه قال الليث وروى عن جماعة من الصحابة أنهم أقاموا الحدود على عبيدهم منهم ابن عمر بن مسعود وأنس ابن مالك وقال ابن أبي ليلى أدركت بقايا الأنصار يضربون الوليدة من ولائدهم إذا زنت في مجالسهم وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يقيم الحدود على العبيد والإماء إلا السلطان دون المولى في الزنا وسائر الحدود (وبه) قال الحسن بن حيي وقال الثوري والأوزاعي بحده في الزنا وقال الشافعي يحده في كل حد ويقطعه
(وقال أبو سعيد عن النبي
إذا صلى فأراد أحد أن يمر بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله وفعله أبو سعيد)
ذكر هذا التعليق عن أبي سعيد الخدري واسمه سعد بن مالك لدلالته على تأديب الرجل غير أهله إذا كان في واجب فإن النبي
أذن لمن صلى وأراد أحد أن يمر بين يديه بأن يدفعه وهو تأديب له وقد مر هذا التعليق موصولا في كتاب الصلاة في باب يرد المصلي من مر بين يديه قوله وفعله أبو سعيد أي فعل أبو سعيد ما أمر النبي
في دفع المار بين يدي المصلي وقد مر هذا أيضا في الباب المذكور.
35 - (حدثنا إسماعيل حدثني مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت جاء أبو بكر رضي الله عنه ورسول الله
واضع رأسه على فخذي فقال حبست رسول الله
والناس وليسوا على ماء فعاتبني وجعل يطعن بيده في خاصرتي ولا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله
فأنزل الله آية التيمم)
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن أبا بكر أدب ابنته عائشة بحضرة النبي
من غير أن يستأذنه وإسماعيل هو ابن أبي أويس واسمه عبد الله بن أخت مالك وعبد الرحمن بن القاسم يروي عن أبيه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن عائشة والحديث مضى مطولا في الطهارة وفي النكاح عن عبد الله بن يوسف وفي فضل أبي بكر عن قتيبة وفي التفسير عن إسماعيل المذكور وأخرجه مسلم في الطهارة عن يحيى بن يحيى عن مالك وأخرجه النسائي فيه وفي التفسير عن قتيبة عن مالك ومضى الكلام فيه في الطهارة قوله ورسول الله
واضع جملة حالية قوله حبست قول أبي بكر لعائشة لأنها كانت سبب توقف رسول الله
إذا فقدت قلادتها فتوقفوا لطلب الماء قوله والناس بالنصب عطف على ما قبله والواو في وليسوا للحال قوله يطعن بضم
20

العين وقيل بفتحها وقال ابن فارس طعن بالرمح يطعن بالضم وطعن يطعن بالفتح في القول قوله إلا مكان رسول الله
بفتح الميم وقال الكرماني هو كقولهم جنات فلان أو مجلسه أو إلا مكانه على فخذي أو عندي أو إلا كونه عندي
36 - (حدثنا يحيى بن سليمان حدثني ابن وهب أخبرني عمر وأن عبد الرحمن بن القاسم حدثه عن أبيه عن عائشة قالت أقبل أبو بكر فلكزني لكزة شديدة وقال حبست الناس في قلادة فبي الموت لمكان رسول الله
وقد أوجعني نحوه)
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن يحيى بن سليمان أبو سعيد الكوفي نزيل مصر عن عبد الله بن وهب المصري عن عمرو بن الحرث المصري قوله '
فلكزني ' بالزاي أي وكزني وقال أبو عبيد اللكز الضرب بالجمع على العضد وقال أبو زيد في جميع الجسد والجمع بضم الجيم وسكون الميم وهو الضرب بجميع أصابعه المضمومة يقال ضربه بجمع كفه قوله فبي الموت أي فالموت ملتبس بي لمكان رسول الله
مني فخفت أن أكون سبب تنبهه من النوم قوله وقد أوجعني أي لكزه إياي قوله نحوه أي نحو الحديث المذكور
(قال أبو عبد الله لكز ووكز واحد)
أبو عبد الله هو البخاري نفسه وأراد أن هذين اللفظين بمعنى واحد وهو من كلام أبي عبيدة ولم يثبت هذا أعني قوله قال أبو عبد الله إلا في رواية المستملي * -
((باب من رأى مع امرأته رجلا فقتله))
أي: هذا باب فيمن رأى... إلى آخره، كذا أطلق ولم يبين الحكم، وقد اختلف فيه، فقال الجمهور: عليه القود، وقال أحمد وإسحاق: إن أقام بينة أنه وجده مع امرأته هدر دمه، وقال الشافعي: يسعه فيما بينه وبين الله قتل الرجل إن كان ثيبا، وعلم أنه نال منها ما يوجب الغسل، ولكن لا يسقط عنه القود في ظاهر الحكم، وقال ابن حبيب: إن كان المقتول محصنا فالذي ينجي قاتله من القتل أن يقيم أربعة شهداء تشهد أنه فعل بامرأته، وإن كان غير محصن فعلى قاتله القود وإن أتى بأربعة شهداء. وذكر ابن مزين عن ابن القاسم: أن ذلك في البكر والثيب سواء يترك قاتله إذا قامت له البينة بالرؤية. وقال إصبغ: عن ابن القاسم وأشهب استحب الدية في البكر في مال القاتل، وقال المغيرة: لا قود فيه ولا دية، وقد أهدر عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، دما من هذا الوجه، وقال ابن المنذر: الأخبار عن عمر في هذا مختلفة وعامتها منقطعة فإن ثبت عن عمر أنه أهدر الدم فيها فإنما ذلك لشيء ثبت عنده يسقط القود.
6846 ح دثنا موسى، حدثنا أبو عوانة، حدثنا عبد الملك، عن وراد، كاتب المغيرة عن المغيرة قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذالك النبي فقال: أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه والله أغير مني
مطابقته للترجمة من حيث إن الذي يفهم من كلام سعد بن عبادة، رضي الله تعالى عنه، أن هذا الأمر لو وقع له لقتل الرجل، ولهذا لما بلغ النبي لم ينهه عن ذلك حتى قال الداودي: قوله: صلى الله تعالى عليه وسلم: أتعجبون من غيرة سعد؟ يدل على أنه حمد ذلك وأجازه له فيما بينه وبين الله، والغيرة من أحمد الأشياء، ومن لم تكن فيه فليس على خلق محمود، وبالغ أصحابنا في هذا حيث قالوا: رجل وجد مع امرأته أو جاريته رجلا يريد أن يغلبها ويزني بها، له أن يقتله، فإن رآه مع امرأته أو مع محرم له
21

وهي مطاوعة له على ذلك قتل الرجل والمرأة جميعا، ومنهم من منع ذلك مطلقا، فقال المهلب: الحديث دال على وجوب القود فيمن قتل رجلا وجده مع امرأته لأن الله عز وجل وإن كان أغير من عباده، فإن أوجب الشهود في الحدود فلا يجوز لأحد أن يتعد حدود الله، ولا يسقط دما بدعوى. وروى عبد الرزاق عن الثوري عن المغيرة بن النعمان عن هانىء بن حرام: أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتلهما، قال: فكتب عمر، رضي الله تعالى عنه، كتابا في العلانية أن يقتلوه، وفي السر أن يعطوه الدية.
وموسى شيخ البخاري هو ابن إسماعيل، وأبو عوانة بفتح العين المهملة هو الوضاح اليشكري، وعبد الملك هو ابن عمير، ووراد بفتح الوو وتشديد الراء كاتب المغيرة بن شعبة الثقفي يروي عن المغيرة بن شعبة.
والحديث مضى في أواخر النكاح في: باب الغيرة ومضى الكلام فيه.
قوله: غير مصفح بضم الميم وفتح الصاد المهملة وفتح الفاء وكسرها أي: ضربته بحد السيف للإهلاك لا بصفحه وهو عرضه للإرهاب. قوله: من غيرة سعد؟ بفتح الغين المعجمة. المنع أي: منع من التعلق بأجنبي بنظر وغيره، وغيرة الله تعالى منعه عن المعاصي.
42
((باب ما جاء في التعريض))
أي: هذا باب في بيان ما جاء في التعريض وهو نوع من الكتابة ضد التصريح، وقال الراغب: هو كلام له ظاهر وباطن، فقصد قائله الباطن ويظهر إرادة الظاهر.
6847 ح دثنا إسماعيل، حدثني مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله جاءه أعرابي فقال: يا رسول اللهصلى الله عليه وسلم إن امرأتي ولدت غلاما أسود. فقال: هل لك من إبل؟ قال: نعم. قال: ما ألوانها؟ قال: حمر. قال: هل فيها من أورق؟ قال: نعم. قال: فأنى كان ذلك؟ قال: أراه عرق نزعه. قال: فلعل ابنك هاذا نزعه عرق 0 انظر الحديث 5305 وطرفهف
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: غلاما أسود ومعناه: أنا أبيض وهو أسود. فهو ليس مني وأمه زانية.
وإسماعيل هو ابن أبي أويس. والحديث مضى في الطلاق عن يحيى بن قزعة ومضى الكلام فيه.
قوله: هل لك من إبل؟ إنما سأله عن ألوان الإبل لأن الحيوانات تجري طباع بعضها على مشاكلة بعض في اللون والخلقة، ثم قد يندر منها الشيء لعارض، فكذلك الآدمي يختلف بحسب نوادر الطباع ونوادر العروق. قوله: هل فيها من أورق؟ الأورق من الإبل ما في لونه ب يا ض إلى سواد كالرماد، وقال ابن التين: الأورق الأسمر، ومنه: بعير أورق إذا كان لونه لون الرماد. قوله: فأنى؟ بفتح الهمزة وفتح النون المشددة أي: من أين كان ذلك؟ قوله: أراه بضم الهمزة أي: أظنه عرق نزعة قال ابن التين: لعله وقع بالنسبة إلى أحد آبائه.
وقال الخطابي: فيه أن التعريض بالقذف يوجب الحد. قلت: اختلف العلماء في هذا الباب. فقال قوم: لا حد في التعريض، وإنما يجب بالتصريح البين، وروي هذا عن ابن مسعود، وبه قال القاسم بن محمد والشعبي وطاوس وحماد وابن المسيب في رواية، والحسن البصري والحسن بن حيي، وإليه ذهب الثوري وأبو حنيفة والشافعي إلا أنهما يوجبان عليه الأدب والزجر، واحتجوا بحديث الباب وعليه يدل تبويب البخاري. وقال آخرون: التعريض كالتصريح، وروي ذلك عن عمر وعثمان وعروة والزهري وربيعة، وبه قال مالك والأوزاعي، وقال ابن عبد البر: روي عن وجوه أن عمر، رضي الله تعالى عنه، حد في التعريض بالفاحشة، وعن ابن جريج الذي حده عمر، رضي الله تعالى عنه، في التعريض عكرمة بن عامر بن هشام بن عبد مناف بن عبد الدار، هجا وهب بن زمعة بن الأسود بن عبد المطلب بن أسد، فعرض له في هجائه. وسمعت ابن أبي مليكة يقول ذلك، وروي نحو هذا عن ابن المسيب. وفيه: إثبات الشبهة وإثبات القياس به. وفيه: الزجر عن تحقيق ظن السوء وتقدم حكم الفراش على اعتبار المشابهة.
43
((باب كم التعزير والأدب))
22

أي: هذا باب فيه كم التعزير، وأشار بلفظ: كم إلى الخلاف في عدد التعزير على ما يجيء عن قريب، والتعزير مصدر من عزر بالتشديد مأخوذ من العزر وهو الرد والمنع، واستعمل في الدفع عن الشخص لدفع أعدائه عنه ومنعهم عن إضراره، ومنه: عزره القاضي إذا أدبه لئلا يعود إلى القبيح، ويكون بالقول والفعل بحسب ما يليق بالمعزر. قوله: والأدب بمعنى التأديب وهو أعم من التعزير، ومنه تأديب الوالد وتأديب المعلم. وقال الأزهري وأبو زيد: الأدب اسم يقع على كل رياضة محمودة يتخرج بها الإنسان في فضيلة من الفضائل.
واختلف العلماء في مبلغ التعزير على أقوال. أحدها: لا يزاد على عشر جلدات إلا في حد، وهو قول أحمد وإسحاق. والثاني روي عن الليث أنه قال: يحتمل أن لا يتجاوز بالتعزير عشرة أسواط، ويحتمل ما سوى ذلك. والثالث: أن لا يبلغ فوق عشرين سوطا. والرابع: أن لا يبلغ أكثر من ثلاثين جلدة، وهما مرويان عن عمر، رضي الله تعالى عنه. والخامس قال الشافعي في قوله الآخر: لا يبلغ عشرين سوطا. والسادس قال أبو حنيفة ومحمد: لا يبلغ به أربعين سوطا بل ينقص منه سوطا، وبه قال الشافعي في قول والسابع قال ابن أبي ليلى وأبو يوسف: أكثره خمسة وسبعون سوطا. والثامن قال مالك: التعزير ربما كان أكثر من الحد إذا أدى الإمام اجتهاده إلى ذلك، وروي مثله عن أبي يوسف وأبي ثور والتاسع قال الليث: لا يتجاوز تسعة وأقل، وبه قال أهل الظاهر، نقله ابن حزم والعاشر قال الطحاوي: ولا يجوز اعتبار التعزير بالحدود لأنهم لم يختلفوا في أن التعزير موكول إلى اجتهاد الإمام فيخفف تارة ويشدد أخرى.
6848 ح دثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث، حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن بكير بن عبد الله، عن سليمان بن يسار، عن عبد الرحمان بن جابر بن عبد الله، عن أبي بردة، رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله
مطابقته للترجمة من حيث إنه بين قوله في الترجمة: كم التعزير، وفيه بحث يأتي عن قريب.
ويزيد من الزيادة ابن أبي حبيب بفتح الحاء المهملة أبو رجاء المصري واسم أبي حبيب سويد، وبكير بضم الباء الموحدة ابن عبد الله بن الأشج، وسليمان بن أبي يسار ضد اليمين وعبد الرحمان بن جابر بن عبد الله الأنصاري، وفي رواية الأصيلي: عن أبي أحمد الجرجاني عبد الرحمان عن جابر ثم خط على قوله: عن جابر، فصار: عن عبد الرحمان عن أبي بردة بضم الباء الموحدة اسمه هانىء بكسر النون ابن نيار بكسر النون وتخفيف الياء آخر الحروف الأوسي الحارثي الأنصاري المدني، خال البراء بن عازب، شهد بدرا وسمع النبي وروى عنه جابر بن عبد الله عند الشيخين، وعبد الرحمان بن جابر عند البخاري هاهنا.
وأخرجه مسلم في الحدود عن أحمد بن عيسى. وأخرجه أبو داود فيه عن قتيبة عن الليث به وعن أحمد بن صالح عن ابن وهب به. وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة. وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة وعن محمد بن أبي عبد الرحمان المنقري عن أبيه عن سعيد بن أبي أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير عن سليمان عن عبد الرحمان بن فلان عن أبي بردة به وعن محمد بن وهب الحراني عن محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير عن سليمان عن عبد الرحمان بن جابر عن أبيه عن أبي بردة وفي المحاربة عن محمد بن عبد الله بن بزيغ عن فضيل بن سليمان نحوه. وابن ماجة في الحدود عن محمد بن رمح التجيبي عن الليث به، وفي حديث أبي لهيعة: حدثني بكير عن سليمان عن عبد الرحمان بن جابر حدثني أبو بردة به. وقال الدارقطني: قال مسلم: عن عبد الرحمان بن جابر عن رجل من الأنصار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال حفص بن ميسرة: عن عبد الرحمان بن جابر عن أبيه، قال: والقول قول الليث ومن تابعه، وفي موضع آخر: حديث عمرو بن الحارث عن بكير عن سليمان عن عبد الرحمان بن جابر عن أبيه عن أبي بردة صحيح، وقال البيهقي: هذا حديث ثابت وأحسن ما يصار إليه في هذا ما ثبت عن بكير فذكره، قال: وقد أقام إسناده عمرو بن الحارث فلا يضره تقصير من قصره. فإن قلت: قال ابن المنذر: في إسناده مقال، ونقل ابن بطال عن الأصيلي: أنه اضطرب حديث عبد الله بن جابر
23

فوجب تركه لاضطرابه ولوجود عمل الصحابة والتابعين بخلافه. قلت: رد عليه بأن عبد الرحمان ثقة صرح بسماعه وإبهام الصحابي لا يضر، وقد اتفق الشيخان على تصحيحه وهم العمدة في الصحيح ولا يضر هذا الاختلاف عندهما في صحة الحديث لأنه كيف ما دار يدور على ثقة، وحاصل الاختلاف هل هو صحابي مبهم أو مسمى؟ فالراجح الثاني، وإبهام الصحابي أيضا لا يضر، فالراجح أنه أبو بردة بن نيار، وهل بين عبد الرحمان وأبي بردة واسطة وهو أبوه جابر أو لا؟. فالراجح هو الثاني أيضا.
قوله: إلا في حد من حدود الله ظاهره أن المراد بالحد ما ورد فيه من الشارع عدد من الجلد أو الضرب المخصوص أو عقوبة، وقيل: المراد بالحد حق الله، وقيل: المراد بالحد هاهنا الحقوق التي هي أوامر الله تعالى ونواهيه وهي المراد بقوله: وفي آية أخرى وقال: وقال: ومعنى الحديث: لا يزاد على العشر في التأديبات التي لا تتعلق بمعصية: كتأديب الأب ولده الصغير، وقيل: يحتمل أن يفرق بين مراتب المعاصي، فما ورد فيه تقدير لا يزاد عليه، وما لم يرد فيه التقدير فإن كان كبيرة جازت الزيادة فيه، وكان مالك يرى العقوبة بقدر الذنب، ويرى ذلك موكولا إلى اجتهاد الأئمة وإن جاوز ذلك الحد. وقال الداودي: لم يبلغ مالكا هذا الحديث، يعني حديث الباب، وقال ابن القصار: لما كان طريق التعزير إلى اجتهاد الإمام على حسب ما يغلب على ظنه أنه يردع به، وكان في الناس من يردعه الكلام وفيهم من لا يردعه مائة سوط، وهي عنده كضرب المزوجة، فلم يكن للتحديد فيه معنى وكان مفوضا إلى ما يؤديه اجتهاده بأن يردع مثله. وقال المهلب: ألا يرى أن سيدنا رسول الله زاد المواصلين في النكال؟ فكذلك يجوز للإمام أن يزيد فيه على حسب اجتهاده، فيجب أن يضرب كل واحد على قدر عصيانه للسنة ومعاندته أكثر مما يضرب الجاهل، ولو كان في شيء من ذلك حد، لم يجز خلافه. وقال ابن حزم: الحد في سبعة أشياء: الردة، والحرابة قبل أن يقدر عليه، والزنى، والقذف بالزنا، وشرب المسكر أسكر أم لم يسكر، والسرقة، وجحد العارية. وأما سائر المعاصي فإنما فيها التعزير فقط وهو الأدب. ومن الأشياء التي رأى فيها قوم من المتقدمين حدا واجبا: السكر والقذف بالخمر والتعريض وشرب الدم وأكل الخنزير والميتة وفعل قوم لوط وإتيان البهيمة وسحق النساء وترك الصلاة غير جاحد لها والفطر في رمضان والسحر.
6849 ح دثنا عمرو بن علي، حدثنا فضيل بن سليمان، حدثنا مسلم بن أبي مريم، حدثني عبد الرحمان بن جابر عمن سمع النبيصلى الله عليه وسلم قال: لا عقوبة فوق عشر ضربات إلا في حد من حدود الله
انظر الحديث 6848 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة، وهو طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن عمرو بن علي بن بحر أبي حفص الباهلي البصري الصيرفي، وهو شيخ مسلم أيضا عن فضيل تصغير فضل بالضاد المعجمة ابن سليمان النميري البصري عن مسلم بن أبي مريم السلمي المديني عن عبد الرحمان بن جابر بن عبد الله عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم
قوله: عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم مبهم ولكن لا يضر إبهام الصحابي كما ذكرناه عن قريب، وقد سماه أبو حفص بن ميسرة فقال: عن مسلم بن أبي مريم عن عبد الرحمان بن جابر عن أبيه، أخرجه الإسماعيلي، وقال: رواه إسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن مسلم بن أبي مريم عن عبد الرحمان بن جابر عن رجل من الأنصار. وقوله: عن رجل من الأنصار، يحتمل أن يكون أبا بردة، ويحتمل أن يكون جابر بن عبد الله، لأن كلا من أبي بردة وجابر بن عبد الله أنصاري.
6850 حدثنا يحيى بن سليمان، حدثني ابن وهب أخبرني عمر و أن بكيرا حدثه قال: بينما أنا جالس عند سليمان بن يسار، إذ جاء عبد الرحمان بن جابر، فحدث سليمان بن يسار، ثم أقبل علينا سليمان بن يسار، فقال: حدثني عبد الرحمان بن جابر أن أباه حدثه أنه سمع أبا بردة الأنصاري
24

قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا تجلدوا فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله
انظر الحديث 6848 وطرفه
هذا طريق ثالث في الحديث المذكور أخرجه عن يحيى بن سليمان الكوفي نزل مصر عن عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث بن بكير بن عبد الله بن الأشج إلى آخره، ومعنى هذا الحديث في الطريق الثلاثة واحد غير أن ألفاظه مختلفة، ففي الأول: عشر جلدات، وفي الثاني: عشر ضربات، وفي الثالث: عشرة أسواط.
6851 حدثنا يحياى بن بكير، حدثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب، حدثنا أبو سلمة أن أبا هريرة، رضي الله عنه، قال: نهاى رسول الله عن الوصال فقال له رجال من المسلمين: فإنك يا رسول الله تواصل فقال رسول الله أيكم مثلي؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقين فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما، ثم يوما، ثم رأوا الهلال فقال: لو تأخر لزدتكم كالمنكل بهم حين أبوا.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: كالمنكل بهم أي: كالمحذر المريد لعقوبتهم. ويستفاد منه: جواز التعزير بالتجويع ونحوه من الأمور المعنوية.
ورجاله قد ذكروا غير مرة قريبا وبعيدا، وعقيل بضم العين ابن خالد، وأبو سلمة بن عبد الرحمان بن عوف والحديث بهذا الوجه من أفراده.
قوله: عن الوصال أي: بين الصومين. قوله: فقال له رجال ويروى: رجل، بالإفراد. قوله: إني أبيت قد مر في كتاب الصوم: أظل، ويراد منهما الوقت المطلق لا المقيد بالليل والنهار. قوله: يطعمني إطعام الله تعالى له وسقيه محمول على الحقيقة بأن يرزقه الله تعالى طعاما وشرابا من الجنة ليالي صيامه كرامة له، وقيل: هو مجاز عن لازمها وهو القوة، وقيل: المجاز هو الوجه لأنه لو أكل حقيقة بالنهار لم يكن صائما، وبالليل لم يكن مواصلا. قوله: فلما أبوا أي: فلما امتنعوا. قوله: أن ينتهوا كلمة: أن، مصدرية أي: الانتهاء، وإنما لم ينتهوا لأنهم فهموا منه أنه للتنزيه والإرشاد إلى الأصلح وإنما رضي لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالوصال لاحتمال المصلحة تأكيدا لزجرهم وبيانا للمفسدة المترتبة على الوصال. قوله: لو تأخر أي: الهلال لزدت الوصال عليكم إلى تمام الشهر حتى يظهر عجزكم. قوله: كالمنكل أي: قال ذلك كالمنكل من النكال وهو العقوبة.
تابعه شعيب ويحياى بن سعيد ويونس عن الزهري.
أي: تابع عقيلا شعيب بن أبي حمزة ويحيى بن سعيد الأنصاري ويونس بن يزيد في روايتهم عن محمد بن مسلم الزهري. أما متابعة شعيب فرواها البخاري في كتاب الصيام في: باب التنكيل لمن أكثر الوصال: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمان أن أبا هريرة قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم فقال له رجل من المسلمين: إنك تواصل... الخ. وأما متابعة يحيى بن سعيد فوصلها الذهلي في الزهريات وأما متابعة يونس فوصلها مسلم من طريق ابن وهب عنه: حدثني أبو الطاهر قال: سمعت عبد الله بن وهب يحدث عن يونس عن ابن شهاب، وحدثني حرملة بن يحيى قال؟ أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب. قال: أخبرني سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمان... الحديث مطولا.
وقال عبد الرحمان بن خالد: عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلمأي قال عبد الرحمان بن خالد بن مسافر الفهمي المصري أمير مصر لهشام بن عبد الملك بن مروان يروي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي وذكر الإسماعيلي أن أبا صالح رواه عن الليث عن عبد الرحمان بن خالد، فجمع فيه بين سعيد وأبي سلمة.
25

6852 ح دثني عياش بن الوليد، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن عبد الله بن عمر أنهم كانوا يضربون على عهد رسول الله إذا اشتروا طعاما جزافا أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤوه إلى رحالهم.
مطابقته للترجمة في قوله: إنهم كانوا يضربون الخ، وذلك لمخالفتهم الأمر الشرعي.
وعياش بفتح العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف ابن الوليد أبو الوليد الرقام البصري، ومعمر بفتح الميمين ابن راشد، وسالم هو ابن عبد الله بن عمر، وقال الجياني: كذا رواه مسندا متصلا عن ابن السكن وأبي زيد وغيرهما، وفي نسخة أبي أحمد مرسلا لم يذكر فيه ابن عمر أرسله عن سالم والصواب ما تقدم، وقد وقع في رواية مسلم: عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الأعلى بهذا الإسناد عن سالم عن ابن عمر به، وقد تقدم في البيوع من طريق يونس عن الزهري: أخبرني سالم بن عبد الله أن ابن عمر قال... فذكر نحوه.
قوله: يضربون على صيغة المجهول. قوله: على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: على زمانه. قوله: جزافا بالجيم بالحركات الثلاث وهو فارسي معرب وأصله: كزافا، بالكاف موضع الجيم وهو البيع بلا كيل ونحوه. قوله: أن يبيعوه أي: لأن يبيعوه، فكلمة: أن مصدرية أي: يضربون لبيعهم في مكانهم. قوله: حتى يؤوه كلمة: حتى، للغاية و: أن، مقدرة بعدها، والمعنى: إيواؤهم إياها إلى رحالهم أي: إلى منازلهم. والمقصود النهي عن بيع المبيع حتى يقبضه المشتري.
6853 ح دثنا عبدان، أخبرنا عبد الله، أخبرنا يونس، عن الزهري، أخبرني عروة، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: ما انتقم رسول الله لنفسه في شيء يؤتى إليه حتى ينتهك من حرمات الله فينتقم لله.
مطابقته للترجمة من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتقم لله إذا انتهك حرمة حد من حدود الله إما بالضرب وإما بالحبس وإما بشيء آخر يكرهه، وهذا داخل في: باب التعزير والتأديب.
وعبدان هو لقب عبد الله بن عثمان يروي عن عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد عن محمد بن مسلم الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين.
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن حرملة عن ابن وهب عن يونس.
قوله: ما انتقم من الانتقام وهو المبالغة في العقوبة، وقال ابن الأثير: معنى الحديث ما عاقب رسول الله أحدا على مكروه أتاه من قبله، يقال: نقم ينقم ونقم ينقم فالأول من باب علم والثاني من باب ضرب. قوله: حتى ينتهك أي: حتى يبالغ في خرق محارم الشرع وإتيانها، والانتهاك ارتكاب المعصية. وفيه حذف تقديره: حتى ينتهك شيء من حرمات الله جمع حرمة كظلمة تجمع على ظلمات والحرمة ما لا يحل انتهاكه. قوله: فينتقم بالنصب عطف على قوله: حتى ينتهك لأن: أن، مقدرة بعد: حتى فافهم.
44
((باب من أظهر الفاحشة واللطخ والتهمة بغير بينة))
أي: هذا باب في بيان حكم من أظهر الفاحشة وهي أن يتعاطى ما يدل عليها عادة من غير أن يثبت ذلك ببينة أو بإقرار. قوله: واللطخ، بفتح اللام وسكون الطاء المهملة وبالخاء المعجمة وهو الرمي بالشر، يقال: لطخ فلان بكذا أي: رمي بشر، ولطخه بكذا بالتخفيف والتشديد: لوثه به. قوله: والتهمة، بضم التاء المثناة من فوق وسكون الهاء، وقال الكرماني: المشهور سكون الهاء لكن قالوا: الصواب فتحها، وقال ابن الأثير: التهمة فعلة من الوهم والتاء بدل من الواو، يقال: اتهمته إذا ظننت فيه ما نسب إليه، وقال الجوهري: اتهمت فلانا بكذا، والاسم التهمة بالتحريك وأصل التاء فيه واو.
6854 ح دثنا علي، حدثنا سفيان، قال الزهري: عن سهل بن سعد قال: شهدت المتلاعنين
26

وأنا ابن خمس عشرة، فرق بينهما فقال زوجها: كذبت عليها إن أمسكتها، قال: فحفظت ذاك من الزهري: إن جاءت به كذا وكذا فهو، وإن جاءت به كذا وكذا كأنه وحرة فهو، وسمعت الزهري يقول: جاءت به للذي يكره.
مطابقته للترجمة ظاهرة من حيث إن فيه إظهار الفاحشة واللطخ.
وعلي شيخ البخاري وهو ابن عبد الله بن المديني، وفي بعض النسخ: أبوه عبد الله مذكور معه، وسفيان هو ابن عيينة.
والحديث مضى في الطلاق عن إسماعيل بن عبد الله بن يوسف وعن أبي الربيع الزاهراني، وسيجئ في الاعتصام وفي الأحكام، ومضى الكلام فيه في الطلاق.
قوله: وأنا ابن خمس عشرة الواو فيه للحال، ويروى: ابن خمس عشرة سنة بإظهار المميز. قوله: فحفظت ذاك أي: المذكور بعده، وهو: إن جاءت به أسود أعين ذا إليتين فلا أراه إلا قد صدق عليها، وإن جاءت به أحمر قصيرا كأنه وحرة فلا أراها إلا قد صدقت وكذب عليها. قوله: إن جاءت به أي: بالولد كذا وكذا فهو وقع بالكناية وهو قوله: فهو وبالاكتفاء في الموضعين: وبيانه ما ذكرناه الآن. قوله: وحرة بفتح الواو والحاء المهملة والراء وهي دويبة كسام أبرص، وقيل: دويبة حمراء تلصق بالأرض، وقال القزاز: هي كالوزغة تقع في الطعام فتفسده، فيقال: وحر. قوله: وسمعت الزهري القائل بهذا هو سفيان. قوله: جاءت به أي: جاءت المرأة بالولد للذي يكره
6855 ح دثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، حدثنا أبو الزناد، عن القاسم بن محمد قال: ذكر ابن عباس المتلاعنين فقال عبد الله بن شداد: هي التي قال رسول الله لو كنت راجما امرأة عن غير بينة قال: لا تلك امرأة أعلنت
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: عن غير بينة وأبو الزناد بكسر الزاي وتخفيف النون عبد الله بن ذكوان، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، وعبد الله بن شداد بن الهاد الليثي والحديث مضى في اللعان.
قوله: عن غير بينة كذا في رواية الكشميهني بلفظة عن وفي رواية غيره: من غير بينة بلفظة من، بالميم. قوله: قال لا أي: قال ابن عباس: لا، تلك امرأة أعلنت أي: السوء والفجور.
6856 ح دثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث، حدثني يحياى بن سعيد، عن عبد الرحمان بن القاسم، عن القاسم بن محمد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ذكر التلاعن عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال عاصم بن عدي في ذالك قولا، ثم انصرف، فأتاه رجل من قومه يشكو أنه وجد مع أهله رجلا، فقال عاصم: ما ابتليت بهاذا إلا لقولي، فذهب به إلى النبي فأخبره بالذي وجد عليه امرأته، وكان ذالك الرجل مصفرا قليل اللحم، سبط الشعر، وكان الذي ادعاى عليه أنه وجده عند أهله آدم خدلا كثير اللحم، فقال النبي اللهم بين فوضعت شبيها بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجده عندها، فلاعن النبي صلى الله عليه وسلم بينهما، فقال رجل لابن عباس في المجلس هي التي قال النبي صلى الله عليه وسلم لو رجمت أحدا بغير بينة رجمت هاذه فقال: لا، تلك امرأة كانت تظهر في الإسلام السوء 0
27

هذا طريق آخر مطول في حديث ابن عباس، وهو أيضا مضى في اللعان.
قوله: ذكر التلاعن بضم الذال على صيغة المجهول والتلاعن مرفوع. قوله: عاصم بن عدي بفتح العين المهملة وكسر الدال ابن الجد بن عجلان العجلاني ثم البلوي شهد بدرا واحدا والخندق والمشاهد كلها، وقيل: لم يشهد بدرا، مات سنة خمس وأربعين وقد بلغ قريبا من عشرين ومائة سنة. قوله: فأتاه رجل أي: فأتى عاصم بن عدي رجل وهو عويمر مصغر عامر قوله: من قومه أي: من قوم عاصم بن عدي، يعني: هو الآخر عجلاني. قوله: مع أهله أي: مع امرأته. قوله: ما ابتليت على صيغة المجهول من الابتلاء. قوله: فذهب به أي: فذهب عاصم بالرجل المذكور إلى النبي صلى الله عليه وسلم قوله: مصفرا أي: مصفر اللون. قوله: سبط الشعر بفتح السين المهملة وكسر الباء الموحدة وسكونها وهو نقيض الجعد. قوله: آدم من الأدمة وهي السمرة الشديدة، وقيل: من أدمة الأرض وهي لونها ومنه سمى آدم، عليه السلام. قوله: خدلا بفتح الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة وهو الممتلىء الساق غليظا، وقال ابن فارس: يقال: امرأة خدلة أي ممتلئة الأعضاء دقيقة العظام، وقال الجوهري: الخدلاء البينة الخدل وهي الممتلئة الساقين والذراعين، وقال الهروي: الخدل الممتلىء الساق، وذكر الحديث، ورويناه: خدلا بفتح الدال وتشديد اللام وقال الكرماني: ويروى بكسر الخاء والتخفيف. قوله: فقال رجل لابن عباس الرجل هو عبد الله بن شداد المذكور في الحديث السابق. قوله: كانت تظهر في الإسلام السوء
قال النووي: أي: أنه اشتهر عنها وشاع ولكن لم تقم البينة عليها بذلك ولا اعترفت، فدل على أن الحد لا يجب بالاستفاضة. وقال المهلب: فيه: أن الحد لا يجب على أحد إلا ببينة أو إقرار ولو كان متهما بالفاحشة.
45
((باب رمي المحصنات))
أي: هذا باب في بيان حكم قذف المحصنات أي: العفيفات، ولا يختص بالمتزوجات.
* (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا فى الدنيا والاخرة ولهم عذاب عظيم) *
ذكر هاتين الآيتين لأن الأولى تدل على بيان حكم حد القذف، والثانية تدل على أنه من الكبائر. قوله: ا ب ة أي: العفائف الحرائر المسلمات، وناب فيها ذكر رمي النساء عن ذكر رمي الرجال إذ حكم المحصنين في القذف كحكم المحصنات قياسا واستدلالا، وأن من قذف حرا عفيفا مؤمنا عليه الحد ثمانون كمن قذف حرة مؤمنة، واختلف في حكم قذف الأرقاء على ما سيأتي، إن شاء الله تعالى. واعلم أن الآية الأولى ساقها أبو ذر والنسفي كذا. الآية وساقها غيرهما إلى قوله: ساق الآية الثانية أبو ذر كذا. الآية وساق غيره إلى:
عذاب عظيم
47 - (حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا سليمان عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة عن النبي
قال اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي المديني من أفراد البخاري وسليمان هو ابن بلال وثور بفتح الثاء المثلثة وسكون الواو ابن زيد المدني وأبو الغيث اسمه سلام مولى ابن مطيع
28

والحديث مضى في الوصايا وفي الطب ومضى الكلام فيه قوله الموبقات أي المهلكات وقال المهلب سميت بذلك لأنها سبب لإهلاك مرتكبها * -
46
((باب قذف العبيد))
أي: هذا باب في بيان حكم قذف العبيد، والإضافة فيه إضافة إلى المفعول، وطوي ذكر الفاعل، وقال بعضهم: ويحتمل أن تكون الإضافة للفاعل والحكم فيه أن على العبد إذا قذف نصف ما على الحر ذكرا كان أو أنثى، وهذا قول الجمهور، وعن عمر بن عبد العزيز والزهري والأوزاعي وأهل الظاهر: حده ثمانون. انتهى. قلت: حديث الباب يدل على أن الإضافة للمفعول على ما لا يخفى، وإن كان فيه احتمال لما قاله، والمراد بقوله: العبيد الأرقاء، وقال بعضهم: عبر بالعبيد اتباعا للفظ الحديث، وحكم العبد والأمة في القذف سواء. قلت: لفظ الحديث مملوكه وليس فيه اتباع من حيث اللفظ وإن كان يطلق على العبد مملوك.
48 - (حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد عن فضيل بن غزوان عن ابن أبي نعم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت أبا القاسم
يقول من قذف مملوكه وهو بريء مما قال جلد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال)
مطابقته للترجمة من حيث أن لفظ المملوك يطلق على العبد ويحيى بن سعيد القطان وفضيل مصغر فضل بالضاد المعجمة ابن غزوان بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي وابن أبي نعم اسمه عبد الرحمن البجلي الكوفي وأبو نعم بضم النون وسكون العين المهملة لم أقف على اسمه والحديث أخرجه مسلم في الأيمان والنذور عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره وأخرجه أبو داود في الأدب عن إبراهيم بن موسى الرازي وأخرجه الترمذي في البر عن أحمد بن محمد وأخرجه النسائي في الرجم عن سويد بن نصر قوله سمعت أبا القاسم في رواية الإسماعيلي حدثنا أبو القاسم نبي التوبة قوله من قذف مملوكه وفي رواية الإسماعيلي من قذف عبده بشيء قوله وهو بريء الواو فيه للحال قوله جلد يوم القيامة فيه إشعار أنه لا حد عليه في الدنيا وقال المهلب العلماء مجمعون على أن الحر إذا قذف عبدا فلا حد عليه وحجتهم قوله جلد يوم القيامة فلو وجب عليه الحد في الدنيا لذكره كما ذكره في الآخرة وقال الشافعي ومالك من قذف من يحسبه عبدا فإذا هو حر فعليه الحد وقال ابن المنذر واختلفوا فيما يجب على قاذف أم الولد فقال ابن عمر عليه الحد وبه قال مالك وهو قياس قول الشافعي وروي عن الحسن أنه لا حد عليه * -
47
((باب هل يأمر الإمام رجلا فيضرب الحد غائبا عنه))
أي: هذا باب فيه هل يأمر الإمام رجلا فيضرب الحد رجلا غائبا عنه؟ حاصل معنى هذه الترجمة أن رجلا إذا وجب عليه الحد وهو غائب عن الإمام هل له أن يقول لرجل: اذهب إلى فلان الذي هو غائب فأقم عليه الحد؟ وجواب الاستفهام محذوف تقديره: له ذلك.
وقد فعله عمر.
أي: وقد فعل هذا الذي استفهم عنه عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، وهذا لم يثبت إلا في رواية الكشميهني، وروى هذا الأثر سعيد بن منصور بسند صحيح عن عمر أنه كتب إلى عامله: إن عاد فحدوه، وذكره في قصة طويلة.
6860 ح دثنا محمد بن يوسف، حدثنا ابن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله
29

بن عتبة، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني قالا: جاء رجل إلى النبي فقال: أنشدك الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله، فقام خصمه وكان أفقه منه فقال: صدق اقض بيننا بكتاب الله، واذن لي يا رسول الله. فقال النبي قل فقال: إن ابني كان عسيفا في أهل هاذا فزنى بامرأته، فافتديت منه بمائة شاة وخادم، وإني سألت رجالا من أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هاذا الرجم. فقال: والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، المائة والخادم رد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، ويا أنيس اغد على امرأة هاذا فسلها، فإن اعترفت فارجمها فاعترفت فرجمها.
مطابقته للترجمة في قوله: يا أنيس اغد على امرأة هذا إلى آخره.
والحديث قد مر غير مرة، وآخره مر عن قريب في: باب إذا رمى امرأته أو امرأة غيره بالزنا عند الحاكم، ومر الكلام فيه غير مرة.
قوله: أنشدك الله أي: ما أطلب منك إلا قضاءك بحكم الله. قوله: واذن لي هو كلام الرجل لا كلام خصمه بدليل رواية كتاب الصلح. قوله: عسيفا أي، أجيرا. قوله: يا أنيس إنما خصه لأنه أسلمي والمرأة أسلمية. قوله: فاعترفت فيه حذف تقديره: فذهب أنيس إليها فسألها: هل زنيت؟ فاعترفت، أي: أقرت بالزنى فرجمها بإقرارها
((كتاب الديات))
أي: هذا باب في بيان أحكام الديات وهو جمع دية أصلها: ودى من وديت القتيل أديه دية إذا أعطيت ديته، واتديت أي: أخذت ديته، فحذفت الواو منه وعوض عنها
الهاء، وإذا أردت الأمر منه تقول: د، بكسر الدال أصله: أود، فحذفت الواو منه تبعا لفعله فصار أد، واستغنى عن الهمزة فحذفت فصار، د، على وزن: ع فتقول: د، ديا، دو، أدي، ديا، دين ويجوز إدخال هاء السكت في أمر الواحد فيقال: ده، كما يقال: قه، ق، الذي هو أمر يقي وقي المغرب الدية مصدر: ودي القتيل إذا أعطي وليه ديته، وأصل التركيب على معنى الجري والخروج، ومنه الوادي لأن الماء يدي فيه أي: يجري فيه. فإن قلت: ترجم غير البخاري كتاب القصاص وأدخل تحته الديات، والبخاري بالعكس؟. قلت: ترجمته أعم من ترجمة غيره لأن ما يجب فيه القصاص يجوز العفو عنه على مال، فتشمله الدية.
وقول الله تعالى: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزآؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) *
وقول الله بالجر عطف على قوله: الديات، هذا على وجود الواو، أي: في قول الله، وعلى قول أبي ذر والنسفي بدون الواو، وكذا قول الله فيكون حينئذ مرفوعا على الابتداء وخبره هو قوله: * (ومن يقتل) * فإن قلت: ما وجه تصدير هذه الترجمة بهذه الآية؟. قلت: لأن فيها وعيدا شديدا عند القتل متعمدا بغير حق فإن من فعل هذا وصولح عليه بمال فتشمله الدية، وإذا احترز الشخص عن ذلك فلا يحتاج إلى شيء، واختلف العلماء في تأويل هذه الآية: هل للقاتل توبة في ذلك أم لا؟ فروي عن ابن مسعود وابن عباس وزيد بن ثابت وابن عمر أنه: لا توبة له، وأنها غير منسوخة، وأنها نزلت بعد الآية التي في الفرقان التي فيها توبة القاتل بستة أشهر، ونزلت آية الفرقان في أهل الشرك، ونزلت آية النساء في المؤمنين، وروى سعيد بن المسيب أن ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، سأله رجل: إني قتلت فهل لي من توبة؟ قال: تزود من الماء البارد فإنك لا تدخل الجنة أبدا، وذكره ابن أبي شيبة أيضا عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وأبي الدرداء، وروي عن علي وابن عباس وابن عمر: للقاتل توبة من طرق لا يحتج بها، واحتج أهل السنة بأن القاتل في مشيئة الله بحديث عبادة بن الصامت الذي فيه ذكر بيعة العقبة، وفيه: من أصاب ذنبا فأمره إلى الله إن شاء غفر له
30

وإن شاء عذبه وإلى هذا ذهب جماعة من التابعين وفقهاء الأمصار، وقيل: الآية في حق المستحل، وقيل: المراد بالخلود طول الإقامة.
6861 ح دثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل قال: قال عبد الله: قال رجل: يا رسول الله أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: أن تدعو لله ندا وهو خلقك قال: ثم أي؟ قال: ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قال: ثم أي؟ قال: ثم أن تزاني بحليلة جارك فأنزل الله عز وجل تصديقها 0 الفرقان: 68 ف الآية 0
مطابقته للترجمة للآية المذكورة في قوله:
وجرير هو ابن عبد الحميد، والأعمش هو سليمان، وأبو وائل هو شقيق بن سلمة، وعمرو بفتح العين ابن شرحبيل بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الحاء المهملة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف الهمداني الكوفي، وعبد الله هو ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه.
والحديث مضى في التفسير عن عثمان بن أبي شيبة وفي الأدب عن محمد بن كثير وسيجئ في التوحيد أيضا ومضى الكلام فيه.
قوله: ندا بكسر النون وتشديد الدال المهملة، وهو النظير والمثل وكذلك النديد. قوله: وهو خلقك الواو فيه للحال. قوله: ثم أي؟ بفتح الهمزة وتشديد الياء أي: ثم أي ذنب بعد ذلك؟ قوله: خشية أن يطعم أي: لأجل خشية أن يطعم معك، قيل: القتل مطلقا أعظم فما وجه هذا التقييد؟. وأجيب: بأنه خرج مخرج الغالب إذ كانت عادتهم ذلك، وهذا المفهوم لا اعتبار له، وجواب آخر وهو أن فيه شيئين: القتل وضعف الاعتقاد في أن الله هو الرزاق، وهذا نظير قوله تعالى: 8 9 0 الإسراء: 31 ف وقوله تعالى: 0 1 2 3 4 0 الأنعام: 140 ف قوله: بحليلة أي: بزوجة جارك وهو بفتح الحاء المهملة وفيه الزنى والخيانة مع الجار الذي أوصى الله بحفظ حقه. قوله: فأنزل الله تصديقها أي: تصديق هذه الأشياء المذكورة في سورة الفرقان وهو قوله عز وجل: 0 1 2 إلى آخر الآية. قوله: الآية أي اقرأ تمام الآية آ أ قال مجاهد: الأثام واد في جهنم، وقال سيبويه والخليل: أي يلق جزاء الأثام، وقال القتبي: الأثام العقوبة.
6862 ح دثنا علي، حدثنا إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، عن أبيه عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما
هذا مطابق للحديث السابق المطابق للآية المذكورة.
وعلي شيخ البخاري ذكر هكذا غير منسوب ولم يذكره أبو علي الجياني في تقييده ولا نبه عليه الكلاباذي، وقيل: إنه علي بن الجعد. قلت: علي بن الجعد بن عبيد أبو الحسن الجوهري الهاشمي مولاهم البغدادي، قال جامع رجال الصحيحين روى عنه البخاري في كتابه اثني عشر حديثا وذكر في ترجمة علي بن أبي هاشم أنه سمع إسحاق بن سعيد المذكور. والحديث من أفراده.
قوله: لن يزال كذا في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: لا يزال قوله: في فسحة بضم الفاء وسكون السين المهملة وحاء مهملة أي: في سعة منشرح الصدر وإذا قتل نفسا بغير حق صار منحصرا ضيقا لما أوعد الله عليه ما لم يوعد على غيره. قوله: من دينه كذا في رواية الأكثرين بكسر الدال المهملة من الدين. وفي رواية الكشميهني: من ذنبه، بفتح الذال المعجمة وسكون النون وبالباء الموحدة، فمعنى الأول: أنه يضيق عليه دينه بسبب الوعيد لقاتل النفس عمدا بغير حق، ومعنى الثاني: أنه يصير في ضيق بسبب ذنبه.
31

6863 ح دثني أحمد بن يعقوب، حدثنا إسحاق سمعت أبي يحدث عن عبد الله بن عمر قال: إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله. 0 انظر الحديث 6862 ف
هذا حديث ابن عمر أيضا لكنه موقوف عليه. قوله: حدثني أحمد بن يعقوب ويروى: حدثنا بنون الجمع أحمد بن يعقوب المسعودي الكوفي وهو من أفراده. قوله: حدثنا إسحاق يروى: أخبرنا إسحاق وهو ابن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص المذكور في الحديث السابق.
قوله: من ورطات الأمور هي جمع ورطة بفتح الواو وسكون الراء وهي الهلاك يقال: وقع فلان في ورطة أي في شيء لا ينجو منه. قوله: التي لا مخرج... الخ تفسير الورطات. قوله: بغير حله أي: بغير حق من الحقوق المحللة للسفك. قال الكرماني: الوصف بالحرام يغني عن هذا القيد، ثم أجاب بقوله: الحرام يراد به ما شأنه أن يكون حرام السفك، أو هو للتأكيد.
6864 ح دثنا عبيد الله بن موساى، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم أول ما يقضاى بين الناس في الدماء 0 انظر الحديث 6533 ف
مطابقته للآية المذكورة من حيث كون الوعيد الشديد فيها يكون أول ما يقضى يوم القيامة بين الناس في الدماء أي: في القضاء بها لأنها أعظم المظالم فيما يرجع إلى العباد.
أخرجه عن عبيد الله بن موسى بن باذام أبي محمد العبسي الكوفي عن سليمان الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود، وفي رواية مسلم من طريق آخر: أول ما يقضى يوم القيامة بين الناس، وقال بعضهم: هذا السند يلتحق بالثلاثيات وهي أعلى ما عند البخاري من حيث العدد، وهذا في حكمه من جهة أن الأعمش تابعي وإن كان روى هذا عن تابعي آخر فإن ذلك التابعي أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن له صحبة. انتهى. قلت: إذا لم يكن له صحبة كيف يكون الحديث من الثلاثيات؟ فالذي ليست له صحبة هو من آحاد الناس سواء كان تابعيا أو غيره. فإن قلت: روي عن أبي هريرة: أول ما يحاسب به المرء صلاته، أخرجه النسائي وبينهما تعارض. قلت: لا تعارض لأن حديث عبد الله فيما بينه وبين غيره، وحديث أبي هريرة في خاصة نفسه.
6865 ح دثنا عبدان، حدثنا عبد الله، حدثنا يونس عن الزهري، حدثنا عطاء بن يزيد أن عبيد الله بن عدي حدثه أن المقداد بن عمر و الكندي حليف بني زهرة حدثه وكان شهد بدرا مع النبي أنه قال: يا رسول الله إن ل قيت كافرا فاقتتلنا فضرب يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ بشجرة، وقال: أسلمت لله أقتله بعد أن قالها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتله قال: يا رسول الله فإنه طرح إحداى يدي، ثم قال ذالك بعد ما قطعها، أقتله؟. قال: لا تقتله فإن قتلته، فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال
0 انظر الحديث 4019 ف
مطابقته للآية المذكورة من حيث إن فيه نهيا عظيما عن قتل النفس التي أسلمت لله.
وعبدان هو لقب عبد الله بن عثمان يروي عن عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد عن محمد بن مسلم الزهري عن عطاء بن يزيد من الزيادة الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الياء آخر الحروف النوفلي، له إدراك عن المقداد بن عمرو، وهو المعروف بالمقداد بن الأسود، رضي الله تعالى عنه.
والحديث مضى في المغازي في غزوة بدر عن أبي عاصم عن ابن جريج وعن إسحاق بن إبراهيم. وأخرجه مسلم في الإيمان عن قتيبة وغيره. وأخرجه أبو داود والنسائي فيه جميعا عن قتيبة: فأبو داود في الجهاد، والنسائي في السير.
قوله: إن لقيت كذا في رواية الأكثرين بكلمة، إن، الشرطية وفي رواية أبي ذر: إني لقيت، بصيغة الإخبار عن الماضي، وظاهر هذا يقتضي أن سؤال المقداد عن الذي وقع له في نفس الأمر لأنه سأل عن الحكم في ذلك إذا وقع، والذي وقع في غزوة
32

بدر بلفظ: أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار... الحديث، وهذا يؤيد رواية الأكثرين. قوله: فضرب بالسيف قال الكرماني: كيف قطع يده وهو ممن يكتم إيمانه؟ فأجاب بقوله: دفعا للصائل، أو السؤال كان على سبيل الفرض والتمثيل لا سيما وفي بعض الروايات: إن لقيت، بحرف الشرط. قوله: ثم لاذ بشجرة أي: التجأ إليها، وفي رواية الكشميهني: ثم لاذ مني أي منع نفسه مني، وقال: أسلمت لله. أي: دخلت في الإسلام. قوله: أقتله؟ أي: أأقتله؟ وهمزة الاستفهام فيه مقدرة. قوله: بعد أن قالها أي: بعد أن قال كلمة الإسلام. قوله: فإن قتلته أي: بعد أن قال: أسلمت لله.. الخ قاله الكرماني. قوله: بمنزلتك أي: الكافر مباح الدم قبل الكلمة، فإذا قالها صار محظور الدم كالمسلم، فإن قتله المسلم بعد ذلك صار دمه مباحا بحق القصاص كالكافر بحق الدين، فالتشبيه في إباحة الدم لا في كونه كافرا. وقيل: معناه أنت بقصد قتله آثما كان هو أيضا بقصد قتلك آثما، فالتشبيه بالإثم انتهى. قلت: قوله الأول كلام الخطابي نقله عنه وحاصله اتحاد المنزلتين مع اختلاف المأخذ، فالأول: أنه مثلك في صون الدم، والثاني: أنك مثله في الهدر. وقوله الثاني كلام المهلب، وقال الداودي: معناه أنك صرت قاتلا كما كان هو قاتلا. قال: وهذا من المعاريض لأنه أراد الإغلاظ بظاهر اللفظ دون باطنه، وإنما أراد أن كلا منهما قاتل ولم يرد أنه صار كافرا بقتله إياه. وقيل: إن قتلته مستحلا لقتله في الكفر فأنت مستحل مثله، والحاصل من هذا كله النهي عن قتل من يشهد بالإسلام. واحتج بعضهم بقوله: أسلمت لله، على صحة إسلام من قال ذلك ولم يزد عليه، ورد ذلك بأنه كان ذلك في الكف على أنه ورد في بعض طرقه أنه قال: لا إلاه إلا الله، وهي رواية معمر عن الزهري عند مسلم في هذا الحديث.
6866 وقال حبيب بن أبي عمرة: عن سعيد، عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم للمقداد إذا كان رجل مؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار فأظهر إيمانه فقتلته، فكذالك كنت أنت تخفي إيمانك بمكة من قبل
مطابقته لحديث المقداد من حيث إن المعنى قريب. وحبيب ضد العدو ابن أبي عمرة بفتح العين المهملة وسكون الميم وبالراء القصاب الكوفي، وسعيد هو ابن جبير.
وهذا التعليق وصله البزار والدارقطني في الأفراد والطبراني في الكبير من رواية أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم والد محمد بن أبي بكر المقدمي عن حبيب بن أبي ثابت. وفي أوله: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها المقداد، فلما أتوهم وجدوهم تفرقوا، وفيهم رجل له مال كثير لم يبرح فقال: أشهد، أن لا إلاه إلا الله، فأهوى إليه المقداد فقتله... الحديث. وفيه: فذكروا ذلك لرسول الله فقال: يا مقداد قتلت رجلا قال: لا إلاه إلا الله؟ فكيف لك: بلا إلاه إلا الله؟ فأنزل الله تعالى: * (ياأيها الذين ءامنوا إذا ضربتم فى سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى
1764; إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحيواة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذالك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا) * الآية فقال النبي للمقداد: كان رجل مؤمن يخفي إيمانه الخ.
2
((باب قول الله تعالى: * (من أجل ذالك كتبنا على بنى
1764; إسراءيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الارض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جآءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذالك فى الارض لمسرفون) * قال ابن عباس: من حر مقتلها إلا بحق حيي الناس منه جميعا))
أي: هذا باب في قول الله تعالى: * (من أجل ذالك كتبنا على بنى
1764; إسراءيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الارض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جآءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذالك فى الارض لمسرفون) * وقع في رواية غير أبي ذر: باب قوله تعالى: وزاد المستملي والأصيلي * (من أجل ذالك كتبنا على بنى
1764; إسراءيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الارض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جآءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذالك فى الارض لمسرفون) * وأول الآية:) (* (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها) * * (من أجل ذالك كتبنا على بنى
1764; إسراءيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الارض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جآءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذالك فى الارض لمسرفون) * الآية وتعليق ابن عباس أخرجه إسماعيل بن أبي زياد السامي في تفسيره عنه، ورواه وكيع عن سفيان عن خصيف عن مجاهد عنه فذكره.
6867 ح دثنا قبيصة، حدثنا سفيان عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن
33

عبد الله، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقتل نفس إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها
مطابقته لصدر الآية التي فيها ظاهرة، لأن المراد من ذكر ومن أحياها صدرها وهو قوله: * (من قتل نفسا) * الآية.
وقبيصة بفتح القاف وهو ابن عقبة، وسفيان هو ابن عيينة، وقيل: الثوري والأول هو الظاهر، والأعمش سليمان، وعبد الله بن مرة بضم الميم وتشديد الراء الخارفي بخاء معجمة وراء مكسورة وبالفاء الكوفي.
وفيه ثلاثة من التابعين في نسق. وهم كوفيون وعبد الله هو ابن مسعود.
والحديث مضى في خلق آدم عن عمر بن حفص عن أبيه. وأخرجه مسلم في الحدود عن أبي بكر بن أبي شيبة، ومضى الكلام فيه.
قوله: لا تقتل نفس زاد حفص في روايته: ظلما. قوله: على ابن آدم الأول هو: قابيل. قتل هابيل. قوله: كفل بكسر الكاف أي: نصيب. قال، عليه الصلاة والسلام: من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.
6868 ح دثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة قال وافد بن عبد الله: أخبرني عن أبيه أنه سمع عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض
مطابقته للآية المذكورة تتأتى على قول من فسر قوله: كفارا بحرمة الدماء فإن فيه ثمانية أقوال منها هذا، وقد ذكرناه في أوائل كتاب الحدود في: باب ظهر المؤمن حمى، ومضى الحديث فيه أيضا.
وأبو الوليد شيخ البخاري اسمه هشام بن عبد الملك، وواقد بكسر القاف وبالدال المهملة ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، نسبه الراوي إلى جد أبيه، فالمراد بقولنا: أبيه، محمد لا عبد الله، وهو يروي عن جده عبد الله فقول أبي ذر في روايته: كذا وقع هنا واقد بن عبد الله، والصواب: واقد بن محمد. قلت: نعم، وكذا وقع واقد بن محمد: سمعت أبي في: باب ظهر المؤمن حمى، لكن وجه هذه الرواية ما ذكرناه الآن.
قوله: أخبرني عن أبيه من باب تقديم اسم الراوي على صيغة الإخبار عنه: تقديرا لكلام: حدثنا شعبة أخبرني واقد بن عبد الله عن أبيه يعني: محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر يروي عن أبيه عن جده عبد الله كما ذكرنا، فافهم فإن فيه قلقا.
6869 ح دثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة عن علي بن مدرك قال: سمعت أبا زرعة بن عمرو بن جرير، عن جرير قال: قال النبي في حجة الوداع: استنصت الناس لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض
مطابقته للآية المذكورة مثل مطابقة الحديث السابق.
والحديثان سواء غير أن الذي سبق عن عبد الله بن عمر، وهذا عن جرير بن عبد الله البجلي، رضي الله تعالى عنه. أخرجه عن محمد بن بشار بفتح الباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة عن غندر بضم الغين المعجمة وسكون النون وهو لقب محمد بن جعفر، وقد مر غير مرة. قوله: سمعت أبا زرعة هو هرم بفتح الهاء وكسر الراء ابن عبد الله بن جرير بن عبد الله سمع جده جرير بن عبد الله. والحديث مضى في العلم عن حجاج بن منهال، وفي المغاز عن حفص بن عمر ومضى الكلام فيه.
قوله: قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ويروى: قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم فعلى هذه الرواية قوله: استنصت الناس أمر أي: أسكت الناس ليسمعوا الخطبة، والخطاب لجرير، ويروى: استنصت الناس، بصيغة الماضي جملة حالية، ومعنى الباقي قد مر غير مرة.
رواه أبو بكرة وابن عباس عن النبي
أي: روى قوله: لا ترجعوا بعدي كفارا... الحديث أبو بكرة بفتح الباء الموحدة نفيع بضم النون وفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وبالعين المهملة ابن الحارث الثقفي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى البخاري حديثه هذا مطولا في كتاب الحج.
34

قوله: وابن عباس أي: ورواه أيضا عبد الله بن عباس، وقد مضى في الحج أيضا.
6870 ح دثني محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن فراس، عن الشعبي، عن عبد الله بن عمر و عن النبي قال صلى الله عليه وسلم: الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين أو قال: اليمين الغموس شك شعبة
وقال معاذ: حدثنا شعبة قال: الكبائر: الإشراك بالله واليمين الغموس وعقوق الوالدين، أو قال: وقتل النفس.
انظر الحديث 6675 وطرفه
للآية المذكورة في قوله: وقتل النفس ومحمد بن جعفر هو غندر، وقد مضى الآن، وشيخه شعبة يروي عن فراس بكسر الفاء وتخفيف الراء وبالسين المهملة ابن يحيى الخارفي بالخاء المعجمة والراء والفاء عن عامر الشعبي عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
والحديث مضى في الأيمان والنذور في: باب اليمين الغموس، أخرجه عن محمد بن مقاتل عن النضر عن شعبة عن فراس... الخ.
قوله: أو قال: اليمين الغموس شك من شعبة. قوله: وقال معاذ بضم الميم ابن معاذ العنبري، وقال الكرماني: هذا إما تعليق من البخاري وإما مقول لابن بشار. انتهى. وقد وصله الإسماعيلي من رواية عبيد الله بن معاذ عن أبيه ولفظه: الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين، أو قال: قتل النفس واليمين والغموس، والغموس على وزن فعول بمعنى فاعل أي: تغمس صاحبها في الإثم أو النار وهي الكاذبة التي يتعمدها صاحبها عالما أن الأمر بخلافه.
10 - (حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد الصمد حدثنا شعبة حدثنا عبيد الله بن أبي بكر سمع أنسا رضي الله عنه عن النبي
قال الكبائر ح وحدثنا عمرو حدثنا شعبة عن ابن أبي بكر عن أنس بن مالك عن النبي
قال أكبر الكبائر الإشراك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وقول الزور أو قال وشهادة الزور)
مطابقته للآية المذكورة في قوله وقتل النفس وأخرجه من طريقين أحدهما عن إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج أبي يعقوب المروزي عن عبد الصمد بن عبد الوارث العنبري البصري عن شعبة عن عبيد الله بن أبي بكر ابن أنس بن مالك عن جده أنس بن مالك والآخر عن عمرو بن مرزوق عن شعبة عن عبيد الله الخ والحديث مضى في الشهادات عن عبد الله بن نمير وفي الأدب عن محمد بن الوليد والطريق الثاني أخرجه مسلم في الإيمان عن يحيى بن حبيب وغيره وأخرجه الترمذي في البيوع وفي التفسير عن محمد بن عبد الأعلى وأخرجه النسائي في القضاء والتفسير والقصاص عن إسحاق بن إبراهيم وغيره وهنا ذكر عن شعبة قتل النفس بغير شك وتارة ذكرها بالشك وتارة لم يذكرها أصلا قوله ' أو شهادة الزور ' شك من الراوي وليس العدد فيه محصورا قيل لابن عباس هي سبع قال هي إلى السبعين أقرب وعنه أيضا إلى السبعمائة أقرب وقيل هي إحدى عشرة وقالت جماعة من أهل السنة كل المعاصي سواء لا يقال صغيرة أو كبيرة لأن المعنى واحد وظواهر الكتاب والسنة ترد عليهم وقد قال الله تعالى * (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) * الآية
11 - (حدثنا عمرو بن زرارة أخبرنا هشيم أخبرنا حصين حدثنا أبو ظبيان قال سمعت أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما يحدث قال بعثنا رسول الله
إلى الحرقة من جهينة قال فصبحنا القوم فهزمناهم قال ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم قال فلما غشيناه قال لا إله إلا الله قال فكف عنه الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته قال فلما قدمنا بلغ ذلك النبي
قال فقال لي يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله قال قلت يا رسول
35

الله إنما كان متعوذا قال أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله قال فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم)
مطابقته للآية المذكورة تؤخذ من معنى قوله أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله بالتكرر وفيه عظم قتل النفس المؤمنة وعمرو ابن زرارة بضم الزاي وتخفيف الراء الأولى ابن واقد الكلابي النيسابوري وهو شيخ مسلم أيضا قال الكرماني روى البخاري هذا الحديث بهذا الإسناد في المغازي قبيل غزوة الفتح إلا أن ثمة عمرو بن محمد بدل ابن زرارة قلت كلاهما من شيوخ البخاري قوله ' أخبرنا هشيم ' هكذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره وحدثنا هشيم بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة الواسطي قوله أخبرنا حصين هكذا في رواية أبي ذر والأصيلي وفي رواية غيرهما حدثنا حصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد
الرحمن الواسطي من صغار التابعين وأبو ظبيان بفتح الظاء المعجمة وكسرها وسكون الباء الموحدة وتخفيف الياء آخر الحروف وبالنون واسمه حصين أيضا ابن جندب المذحجي بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة وبالجيم وهو من كبار التابعين وأسامة بن زيد بن حارثة بالحاء المهملة وبالثاء المثلثة حب رسول الله
وابن حبه وابن مولاه القضاعي بضم القاف وخفة الضاد المعجمة وبالعين المهملة قوله ' إلى الحرقة ' بضم الحاء المهملة وفتح الراء وبالقاف قبيلة من جهينة وقال ابن الكلبي سموا بذلك لوقعة كانت بينهم وبين بني مرة بن عوف بن سعد بن دينار فأحرقوهم بالسهام لكثرة من قتل منهم وكان هذا البعث في رمضان سنة سبع أو ثمان قوله ' فصبحنا القوم ' أي أتيناهم صباحا قوله ' فلما غشيناه ' بفتح الغين المعجمة وكسر الشين المعجمة أي لحقنا به قوله ' حتى قتلته ' قال الكرماني المقتول هو مرداس بكسر الميم ابن نهيك بفتح النون وكسر الهاء وبالكاف قلت هذا قول الكلبي وقال أبو عمر مرداس بن عمرو الفدكي قوله ' متعوذا ' نصب على الحال قال الكرماني أي لم يكن بذلك قاصدا للإيمان بل كان غرضه التعوذ من القتل وفي رواية الأعمش قالها خوفا من السلاح وفي رواية ابن أبي عاصم من وجه آخر عن أسامة إنما فعل ذلك ليحرز دمه وقال الكرماني كيف جاز تمني عدم سبق الإسلام ثم أجاب بقوله تمنى إسلاما لا ذنب فيه أو ابتداء الإسلام ليجب ما قبله وقال الخطابي ويشبه أن أسامة قد أول قوله تعالى * (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا) * وهو معنى مقالته كان متعوذا ولذلك لم تلزمه ديته وفي التوضيح قتل أسامة هذا الرجل لظنه كافر أو جعل ما سمع منه من الشهادة تعوذا من القتل وأقل أحوال أسامة في ذلك أن يكون قد أخطأ في فعله لأنه إنما قصد إلى قتل كافر عنده ولم يكن عرف بحكمه
فيمن أظهر الشهادة وقال ابن بطال كانت هذه القصة سبب تخلف أسامة أن لا يقاتل مسلما بعد ذلك ومن ثمة تخلف عن علي رضي الله تعالى عنه في الجمل وصفين قوله فما زال يكررها أي يكرر مقالته أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله كذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره بعدما قال وفيه تعظيم أمر القتل بعدما يقول الشخص لا إله إلا الله قوله حتى تمنيت الخ حاصل المعنى أني تمنيت أن يكون إسلامي الذي كان قبل ذلك اليوم بلا ذنب لأن الإسلام يجب ما قبله فتمنيت أن يكون ذلك الوقت أول دخولي في الإسلام لآمن من جريرة تلك الفعلة ولم يرد أنه تمنى أن لا يكون مسلما قبل ذلك وقد مر ما قاله الكرماني فيه * -
6873 ح دثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث، حدثنا يزيد، عن أبي الخير، عن الصنابحي، عن عبادة بن الصامت، رضي الله عنه، قال: إني من النقباء الذين بايعوا رسول الله بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئا، ولا تسرق، ولا نزني، ولا نقتل النفس التي حرم الله، ولا ننتهب ولا نعصي بالجنة، إن فعلنا ذلك، فإن غشينا من ذلك شيئا كان قضاء ذلك إلى الله.
36

مطابقته للآية المذكورة في قوله: ولا تقتل النفس التي حرم الله
ويزيد من الزيادة هو ابن أبي حبيب، وأبو الخير هو مرثد بن عبد الله، والصنابحي بضم الصاد المهملة وتخفيف النون وكسر الباء الموحدة وبالحاء المهملة نسبة إلى صنابح بن زاهر بن عامر بطن من مراد واسمه عبد الرحمان بن عسيلة مصغر العسلة بالمهملتين ابن عسل بن عسال.
والحديث مضى في المناقب في: باب وفود الأنصار، أخرجه عن قتيبة عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير... الخ، ومضى في كتاب الإيمان في باب مجرد أخرجه عن أبي اليمان.
قوله: بايعوا رسول الله يعني: ليلة العقبة. قوله: ولا ننتهب ويروى: ولا ننهب فالأول من الانتهاب والثاني من النهب. قوله: ولا نعصي أي: في المعروف بالعين المهملة وذكر ابن التين أنه روي بالقاف على ما يأتي، وذكره ابن قرقول بالعين والصاد المهملتين، وقال: كذا لأبي ذر والنسفي وابن السكن والأصيلي، وعند القابسي: ولا نقضي، أي: ولا نحكم بالجنة من قبلنا، وقال القاضي: الصواب العين. كما في آية 6 7 8 9 0 الممتحنة: 12 ف قوله: بالجنة على رواية العين والصاد المهملتين يتعلق بقوله: بايعناه أي: بايعناه بالجنة، وعلى رواية القابسي يتعلق بقوله: ولا نقضي قوله: ذلك إشارة أولا إلى التروك وثانيا إلى الأفعال. قوله: فإن غشينا بفتح الغين المعجمة وكسر الشين المعجمة أي: إن أصبنا شيئا من ذلك، وهو الإشارة إلى الأفعال. قوله: كان قضاء ذلك أي: حكمه. إلى الله إن شاء عاقب وإن شاء عفا عنه.
وفيه: دليل لأهل السنة على أن المعاصي لا يكفر بها.
6874 ح دثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا جويرية، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من حمل علينا السلاح فليس منا
مطابقته للآية تؤخذ من معنى الحديث لأن المراد من حمل السلاح عليهم قتالهم. قال الكرماني: أي: قاتلنا من جهة الدين أو من استباح ذلك، وجويرية مصغر جارية ابن أسماء. والحديث من أفراده.
قوله: فليس منا أي: فليس على طريقنا.
رواه أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم
أي: روى الحديث المذكور أبو موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس، وسيأتي موصولا في كتاب الفتن في: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من حمل علينا السلاح
6875 ح دثنا عبد الرحمان بن المبارك، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا أيوب ويونس عن الحسن، عن الأحنف بن قيس قال: ذهبت لأنصر هذا الرجل فلقيني أبو بكرة. فقال: أين تريد؟ قلت: أنصر هاذا الرجل، قال: ارجع فإني سمعت رسول الله يقول إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار قلت يا رسول الله هاذا القاتل
فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه
مطابقته للآية المذكورة ظاهرة.
وعبد الرحمان بن المبارك بن عبد الله، وأيوب هو السختياني، ويونس هو ابن عبيد البصري، والحسن هو البصري، والأحنف بن قيس السعدي البصري واسمه الضحاك، والأحنف لقبه عرف به يكنى أبا بحر أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، قاله أبو عمرو، قال: أسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قلت: فلذلك دعا له النبي صلى الله عليه وسلم مات سنة سبع وستين بالكوفة، وأبو بكرة نفيع بن الحارث.
والحديث مضى في كتاب الإيمان في: باب المعاصي من أمر الجاهلية، ومضى الكلام فيه.
قوله: لأنصر هذا الرجل أراد به علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وكان الأحنف تخلف عنه في وقعة الجمل. قوله: ارجع أمر من الرجوع. قوله: بسيفهما بإفراد السيف رواية الكشميهني، وفي رواية غيره بالتثنية. قوله: فالقاتل بالفاء لأنه جواب: إذا، وقال الكرماني: ويروى بدون الفاء، وهو دليل على جواز حذف الفاء من جواب الشرط نحو:
من يفعل الحسنات الله يشكرها
وقال: يحتمل أن يقال: إذا، ظرفية وفيه تأمل. وقال الخطابي: هذا الوعيد إذا لم يكونا يتقاتلان على
37

تأويل، وإنما يتقاتلان على عداوة أو طلب دنيا ونحوه، وأما من قاتل أهل البغي أو دفع الصائل فقتل فإنه لا يدخل في هذا الوعيد لأنه مأمور بالقتال للذب عن نفسه غير قاصد به قتل صاحبه.
3
((باب قول الله تعالى * (ياأيها الذين ءامنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى فمن عفى له من أخيه شىء فاتباع بالمعروف وأدآء إليه بإحسان ذالك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذالك فله عذاب أليم) * البقرة: 178))
أي: هذا باب في ذكر قول الله عز وجل: * (يا أيها الذين آمنوا) * إلى آخره وفي رواية أبي ذر: * (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) * الآية وفي رواية الأصيلي وابن عساكر (الحر بالحر) إلى قوله: عذاب أليم وساق في رواية كريمة الآية كلها ولم يذكر في هذا الباب حديثا، وذكر بعده أبوابا تشتمل على ما في الآية المذكورة: من الأحكام، وسيأتي بيان سبب نزول هذه الآية. فقال: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن عمرو عن مجاهد عن ابن عباس قال: كان في بني إسرائيل قصاص ولم تكن فيهم الدية، فقال الله لهذه الأمة: كتب عليكم القصاص إلى آخر الحديث. قوله: ج ح خ أي: من ترك له من أخيه شيء يعني بعد استحقاق الدم فاتباع أي: فذلك العفو اتباع بالمعروف، أي: قتل الطالب اتباع بالمعروف إذا قبل الدية. ش ص ض يعني من القاتل يعني: من غير ضرر. قوله:؟ أي: أخذ الدية في العمد تخفيف من الله عليكم ورحمة. قوله: ف أي: فمن قتل بعد أخذ الدية ف ق أي: موجع شديد.
4
((باب سؤال القاتل حتى يقر والإقرار في الحدود))
أي: هذا باب في بيان سؤال الإمام القاتل يعني: من اتهم بالقتل ولم تقم عليه البينة، ويسأله حتى يقر فيقيم عليه الحد، هذه الترجمة هكذا وقعت في رواية الأكثرين ولم يقع في رواية النسفي وكريمة لفظ: باب، وإنما وقع بعد قوله: ف ق وإذا لم يزل يسأل القاتل حتى أقر، والإقرار في الحدود.
6876 ح دثنا حجاج بن منهال، حدثنا همام، عن قتادة، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين، فقيل لها: من فعل بك هذا فلان أو فلان؟ حتى سمي اليهودي، فأتي به النبي فلم يزل به حتى أقر، فرض رأسه بالحجارة.
مطابقته للترجمة في قوله: فلم يزل به حتى أقر وهمام هو ابن يحيى.
والحديث مضى في الأشخاص عن موسى بن إسماعيل وفي الوصايا عن حسان بن أبي عباد، ومضى الكلام فيه.
قوله: رض بالضاد المعجمة المشددة من رض يرض رضا إذا رضخ ودق وفيه القصاص بالمثل. قوله: رأس جارية قال بعضهم: يحتمل أن تكون أمة، ويحتمل أن تكون حرة، لكن دون البلوغ. قلت: تقدم في الطلاق بلفظ: عدا يهودي على جارية، فأخذ أوضاحا كانت عليها ورضخ رأسها، وفيه: فأتى أهلها رسول الله وهي في آخر رمق... الحديث، وهذا يدل على أنها كانت حرة، وقال هذا القائل المذكور: وهذا لا يعين كونها حرة لاحتمال أن يراد بأهلها مواليها رقيقة كانت أو عتيقة. قلت: هذا عدول عن الظاهر، فإن الموالي لا يطلق عليهم: أهل، بالحقيقة والاحتمال الناشئ عن غير دليل لا يثبت الحكم. والأوضاح جمع وضح وهي الحلي من فضة، قاله أبو عبيدة وغيره، وقال الجوهري: الأوضاح حلي من الدراهم الصحاح. قوله: فلان أو فلان؟ هذا هكذا في رواية أبي ذر والأصيلي وابن عساكر، ولأبي ذر عن الكشميهني: أفلان أم فلان؟ وفي رواية غيره: أفلان وفلان؟ بهمزة الاستفهام على سبيل الاستخبار، وتقدم في الأشخاص من وجه آخر عن همام: أفلان أفلان؟ بالتكرار بغير واو العطف. قوله: حتى سمي اليهودي بضم السين على بناء المجهول. قوله: فأتي به أي: باليهودي. قوله: حتى أقر أي اليهودي، أي: حتى أقر أنه فعل بها ما ذكر، وفي رواية الوصايا: حتى اعترف. قال أبو مسعود: لا أعلم أحدا
38

قال في هذا الحديث: حتى اعترف ولا حتى أقر إلا همام بن يحيى. وقال غيره: هذه اللفظة إنما جاءت من رواية قتادة ولم ينقلها غيره، وهي مما عد عليه. قلت:
ثبتت هذه اللفظة في الصحيحين فيرد به ما قيل مما ذكرنا، ويرد به أيضا سؤال من قال: كيف قتل النبي صلى الله عليه وسلم اليهودي بلا بينة ولا اعتراف؟ وأجيب: عن هذا أيضا: بأن هذا كان في ابتداء الإسلام، وكان يقتل القاتل بقول القتيل، وقيل: يمكن أنه قتله لا ببينة ولا اعتراف بل بسبب آخر موجب لقتله، وقيل: كان علمه بالوحي فلذلك قتله.
واختلف العلماء في صفة القود. فقال مالك: إنه يقتل بمثل ما قتل به، فإن قتله بعصا أو بحجر أو بالخنق أو بالتغريق قتل بمثله، وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور وإسحاق وابن المنذر، وقال الشافعي: إن طرحه في النار عمدا حتى مات طرح في النار حتى يموت، وقال إبراهيم النخعي وعامر الشعبي والحسن البصري وسفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه: لا يقتل القاتل في جميع الصور إلا بالسيف. واحتجوا بما رواه الطحاوي: حدثنا ابن مرزوق حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا سفيان الثوري عن جابر عن أبي عازب عن النعمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا قود إلا بالسيف، وأبو عاصم الضحاك بن مخلد شيخ البخاري وجابر الجعفي، وأبو عازب مسلم بن عمرو أو مسلم بن أراك، والنعمان بن بشير. وأخرجه أبو داود والطيالسي ولفظه: لا قود إلا بحديدة، وأجابوا عن حديث الباب بأنه نسخ بنسخ المثلة كما فعل رسول الله بالعرنيين. فإن قلت: قال البيهقي: هذا الحديث لم يثبت له إسناد، وجابر مطعون فيه. قلت: وإن طعن فيه فقد قال وكيع: مهما شككتم في شيء فلا تشكوا في أن جابرا ثقة. وقال شعبة: صدوق في الحديث. وأخرج له ابن حبان في صحيحه وقد روي مثله عن أبي بكرة، رواه ابن ماجة بإسناده الجيد عن أبي هريرة، ورواه البيهقي من حديث الزهري عن أبي سلمة عنه نحوه، وعن عبد الله بن مسعود. وأخرجه البيهقي أيضا من حديث إبراهيم عن علقمة عنه، ولفظه: لا قود إلا بالسلاح، وعن علي، رضي الله تعالى عنه، رواه معلى بن هلال عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عنه، ولفظه: لا قود إلا بحديدة، وعن أبي سعيد الخدري أخرجه الدارقطني من حديث أبي عازب عن أبي سعيد الخدري عن النبي قال: القود بالسيف والخطأ على العاقلة.
وهؤلاء ستتة أنفس من الصحابة رووا عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: أن القود لا يكون إلا بالسيف، ويشد بعضه بعضا. وأقل أحواله أن يكون حسنا، فصح الاحتجاج به.
5
((باب إذا قتل بحجر أو بعصا))
أي: هذا باب يذكر فيه إذا قتل شخص شخصا بحجر أو قتله بعصا. وجواب: إذا، محذوف تقديره: يقتل بما قتل به، وإنما قدرنا هكذا، وإن كان يحتمل أن يقال: لا يقتل إلا بالسيف موافقة لحديث الباب، ولم يذكره على عادته اكتفاء بحديث الباب. وقال بعضهم: كذا أطلق ولم يثبت الحكم إشارة إلى الاختلاف في ذلك، ولكن إيراده الحديث يشير إلى ترجيح قول الجمهور. انتهى. قلت: الوجه في تركه الجواب ما ذكرناه، وأي شيء من الترجمة يدل على الاختلاف فيه، ولا وجه أيضا لقوله: إيراده الحديث يشير إلى ترجيح قول الجمهور.
6877 حدثنا محمد، أخبرنا عبد الله بن إدريس، عن شعبة، عن هشام بن زيد بن أنس عن جده أنس بن مالك قال: خرجت جارية عليها أوضاح بالمدينة، قال: فرماها يهودي بحجر. قال: فجيء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبها رمق، فقال لها رسول الله فلان قتلك فرفعت رأسها، فأعاد عليها، قال: فلان قتلك فرفعت رأسها، فقال لها في الثالثة: فلان قتلك فخفضت رأسها، فدعا به رسول الله فقتله بين الحجرين
مطابقته للترجمة في قوله: فرماها يهودي بحجر
ومحمد هو ابن عبد الله بن نمير في قول الكلاباذي، وقال أبو علي بن السكن: هو محمد بن سلام.
والحديث أخرجه مسلم في الحدود عن أبي موسى وبندار وغيرهما. وأخرجه
39

أبو داود في الديات عن عثمان بن أبي شيبة. وأخرجه النسائي فيه عن إسماعيل بن مسعود. وأخرجه ابن ماجة فيه عن بندار وغيره.
قوله: أوضاح جمع وضح وقد مر تفسيره عن قريب. قوله: رمق وهو بقية الحياة. قوله: فخفضت أراد به الإشارة برأسها.
6
((باب قول الله تعالى: * (وكنبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح فصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) *))
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس الآية بكمالها سيقت في رواية كريمة، وفي رواية أبي ذر والأصيلي: باب قول الله تعالى: وفي رواية النسفي كذا ولكن بعده إلى قوله: وإنما ذكر البخاري هذه الآية لمطابقتها قوله في حديث الباب: النفس بالنفس، واحتج بها أبو حنيفة وأصحابه على أن المسلم يقاد بالذمي في العمد، وبه قال الثوري، وجعلوا هذه الآية ناسخة للآية التي في البقرة، وهي قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكن القصاص بالقتلى الحر بالحر) * عن أبي مالك أن هذه الآية منسوخة بقوله: * (إن النفس بالنفس) * وقال البيهقي: باب فيمن لا قصاص بينه باختلاف الدين قال الله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص الحر بالحر) * إلى قوله: * (فمن عفي له من أخيه شيء) * وقال صاحب الجوهر النقي قلت: هذه الآية حجة لخصمه لأن عموم القتل يشمل المؤمن والكافر وخوطب المؤمنون بوجوب القصاص في عموم القتل وكذا قوله تعالى: * (الحر بالحر) * يشملهما بعمومه. قوله: أن النفس بالنفس يؤخذ منه جواز قتل الحر بالعبد والمسلم بالذمي وهو قول الثوري والكوفيين، وقال مالك والليث والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور: لا يقتل حر بعبد، وفي التوضيح هذا
مذهب أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت، رضي الله تعالى عنهم. قوله: * (والعين بالعين) * قال الزمخشري: المعطوفات كلها قرأت منصوبة ومرفوعة، والمعنى: فرضنا عليهم فيها أي: في التوراة: أن النفس مأخوذة بالنفس مقتولة بها إذا قتلتها بغير حق، وكذلك العين مفقوءة بالعين، والأنف مجدوع بالأنف، والأذن مصلومة بالأذن والسن مقلوعة بالسن. قوله: والجروح قصاص يعني: ذات قصاص، وهو المقاصصة ومعناه: ما يمكن فيه القصاص وتعرف المساواة. قوله: فمن تصدق به أي: فمن تصدق من أصحاب الحق به، أي: بالقصاص وعفا عنه. قوله: * (فمن تصدق) * أي: التصدق به كفارة للمتصدق يكفر الله عنه سيئاته. وعن عبد الله بن عمر: ويهدم عنه ذنوبه بقدر ما تصدق به. قوله: * (ومن لم يحكم) * إلى آخره قال، هنا * (فأولئك هم الظالمون) * لأنهم لم ينصفوا المظلوم من الظالم الذين أمروا بالعدل والتسوية بينهم فيه فخالفوا وظلموا وتعدوا.
6878 حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله قال: قال رسول الله: لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إلاه إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة
المطابقة بينه وبين الآية المذكورة في قوله: النفس بالنفس كما ذكرناه عن قريب.
وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن عبد الله بن مرة بضم الميم وتشديد الراء عن مسروق بن الأجدع عن عبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنه.
والحديث أخرجه مسلم في الحدود عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره. وأخرجه أبو داود فيه عن عمرو بن عون. وأخرجه الترمذي في الديات عن هناد. وأخرجه النسائي في المحاربة عن إسحاق بن منصور وفي
40

القود عن بشر بن خالد.
قوله: إلا بإحدى ثلاث أي: بإحدى خصال ثلاث. قوله: والنفس بالنفس أي: تقتل النفس التي قتلت عمدا بغير حق بمقابلة النفس المقتولة. قوله: والثيب الزاني أي: الثيب من ليس ببكر يقع على الذكر والأنثى، يقال: رجل ثيب وامرأة ثيب، وأصله واوي لأنه من ثاب يثوب إذا رجع لأن الثيب بصدد العود والرجوع. قلت: أصله ثويب، قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء وهو الثاني من الثلاث، وهو بيان استحقاق الزاني المحصن للقتل وهو الرجم بالحجارة. وأجمع المسلمون على ذلك، وكذلك أجمعوا على أن الزاني الذي ليس بمحصن حده جلد مائة. قوله: والمارق من الدين كذا هو في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني: والمفارق لدينه وفي رواية النسفي والسرخسي والمستملي. والمارق لدينه وقال الطيبي: هو التارك لدينه من المروق وهو الخروج، ولفظ الترمذي: والتارك لدينه المفارق للجماعة، وقال شيخنا في شرح الترمذي هو المرتد، وقد أجمع العلماء على قتل الرجل المرتد إذا لم يرجع إلى الإسلام، وأصر على الكفر. واختلفوا في قتل المرتدة فجعلها أكثر العلماء كالرجل المرتد، وقال أبو حنيفة، رضي الله تعالى عنه: لا تقتل المرتدة لعموم قوله: نهى عن قتل النساء والصبيان قوله: التارك للجماعة قيد به للإشعار بأن الدين المعتبر هو ما عليه الجماعة.
وقال الكرماني: فإن قلت: الشافعي يقتل بترك الصلاة؟. قلت: لأنه تارك للدين الذي هو الإسلام يعني الأعمال ثم قال: لم لا يقتل تارك الزكاة والصوم؟ وأجاب بأن الزكاة يأخذها الإمام قهرا، وأما الصوم فقيل: تاركه يمنع من الطعام والشراب لأن الظاهر أنه ينويه لأنه معتقد لوجوبه. انتهى. قلت: في كل ما قاله نظر. أما قوله في الصلاة: لأنه تارك للدين الذي هو الإسلام، يعني الأعمال فإنه غير موجه، لأن الإسلام هو الدين والأعمال غير داخلة فيه، لأن الله عز وجل عطف الأعمال على الإيمان في سورة العصر، والمعطوف غير المعطوف عليه، ولهذا استشكل إمام الحرمين قتل تارك الصلاة من مذهب الشافعي، واختار المزني أنه: لا يقتل، واستدل الحافظ أبو الحسن علي بن الفضل المصري المالكي بهذا الحديث على أن تارك الصلاة لا يقتل إذا كان تكاسلا من غير جحد. فإن قلت: احتج بعض الشافعية على قتل تارك الصلاة بقوله أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إلاه إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة قلت: قد رد عليه ابن دقيق العيد بأن هذا إن أخذه من منطوق قوله: أن أقاتل الناس ففيه بعد، فإنه فرق بين المقاتلة على الشيء والقتل عليه، وإن أخذه من قوله: فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم فهذا دلالة المفهوم، والخلاف فيها معروف. ودلالة منطوق حديث الباب تترجح على دلالة المفهوم.
وأما قول الكرماني بأن الزكاة يأخذها الإمام قهرا منه ففيه خلاف مشهور فلا تقوم به حجة. وأما قوله: لأنه معتقد لوجوبه أي: لأن تارك الصوم معتقد لوجوبه فيرد عليه أن تارك الصلاة أيضا يعتقد وجوبها، واستدل بعض جماعة بقوله: التارك الجماعة، على أن مخالف الإجماع كافر فمن أنكر وجوب مجمع عليه فهو كافر، والصحيح تقييده بإنكار ما يعلم وجوبه من الدين ضرورة: كالصلوات الخمس، وقيد بعضهم ذلك بإنكار وجوب ما علم وجوبه بالتواتر: كالقول بحدوث العالم فإنه معلوم بالتواتر، وقد حكى القاضي عياض الإجماع على تكفير القائل، بقدم العالم واستثنى بعضهم مع الثلاثة المذكورة: الصائل، فإنه يجوز قتله للدفع؟ وأجيب عنه بأنه إنما يجوز دفعه إذا أدى إلى القتل. فلا يحل تعمد قتله إذا اندفع بدون ذلك، فلا يقال: يجوز قتله، بل دفعه. وقيل: الصائل على قتل النفس داخل في قوله. التارك الجماعة، واستدل به أيضا على قتل الخوارج والبغاة لدخولهم في مفارقة الجماعة، وفيه حصر ما يوجب القتل في الأشياء الثلاثة المذكورة، وحكى ابن العربي عن بعض أصحابهم: أن أسباب القتل عشرة، وقال ابن العربي: ولا يخرج عن هذه الثلاثة بحال، فإن من سحر أو سب الله أو سب النبي أو الملك فإنه كافر، وقال الداودي: هذا الحديث منسوخ بقوله تعالى: * (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فأباح القتل بالفساد، وبحديث قتل الفاعل والمفعول به في الذي يعمل عمل قوم لوط، وقيل: هما في الفاعل بالبهيمة.
7
((باب من أقاد بالحجر))
41

أي: هذا باب في بيان من أقاد أي اقتص بالحجر من القود وهو القصاص.
6879 حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن هشام بن زيد عن أنس، رضي الله عنه، أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها، فقتلها بحجر، فجيء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبها رمق، فقال: أقتلك فلان فأشارت برأسها أن لا، ثم قال الثانية: فأشارت برأسها أن لا، ثم سألها الثالثة فأشارت برأسها أن نعم، فقتله النبي صلى الله عليه وسلم بحجرين.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ومحمد بن جعفر هو غندر. وقد مر الحديث عن قريب في: باب إذا قتل بحجر، ومضى الكلام فيه.
قوله: أن لا كلمة: أن، في الموضعين تفسيرية تفسر ما بعدها. قوله: أن نعم هكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره: أي نعم.
8
((باب من قتل له قتيل فهو بخير النظرين))
أي: هذا باب فيه ذكر من قتل له قتيل أي: القتيل بهذا القتل لا بقتل سابق لأن قتل القتيل محال. وقال الكرماني: ومثله. يذكر في علم الكلام على سبيل المغالطة، قالوا: لا يمكن إيجاد موجود لأن الموجد إما أن يوجده في حال وجوده فهو تحصيل الحاصل، وأما في حال العدم فهو جمع بين النقيضين، فيجاب باختيار الشق الأول إذ ليس إيجادا للموجود بوجود سابق ليكون تحصيل الحاصل، بل إيجاد له بهذا الوجود، وكذا حديث: من قتل قتيلا فله سلبه. قوله: فهو أي: ولي القتيل بخير النظرين أي: الدية أو القصاص.
6880 حدثنا أبو نعيم، حدثنا شيبان، عن يحياى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن خزاعة قتلوا رجلا.
وقال عبد الله بن رجاء: حدثنا حرب، عن يحياى، حدثنا أبو سلمة، حدثنا أبو هريرة أنه عام فتح مكة قتلت خزاعة رجلا. من بني ليث بقتيل لهم في الجاهلية، فقام رسول الله فقال: إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليهم رسوله والمؤمنين، ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، ألا وإنما أحلت لي ساعة من نهار، ألا وإنها ساعتي هاذه حرام: لا يختلاى شوكها، ولا يعضد شجرها ولا يلتقط ساقطتها إلا منشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما يودى وإما يقاد فقام رجل من أهل اليمن يقال له أبو شاة، فقال: اكتب لي يا رسول الله. فقال رسول الله اكتبوا لأبي شاة ثم قام رجل من قريش فقال: يا رسول الله إلا الإذخر، فإنما نجعله في بيوتنا وقبورنا، فقال رسول الله إلا الإذخر
انظر الحديث 112 وطرفه
مطابقته للترجمة من حيث إن الترجمة من لفظ الحديث.
وأخرجه من طريقين. أحدهما عن أبي نعيم بضم النون الفضل بن دكين عن شيبان بن عبد الرحمان النحوي أصله بصري سكن الكوفة عن يحياى بن أبي كثير اليمامي الطائي واسم أبي كثير صالح بن المتوكل عن أبي سلمة بن عبد الرحمان بن عوف عن أبي هريرة ومضى هذا في العلم في: باب كتابة العلم، فإنه أخرجه هناك عن أبي نعيم عن شيبان... الخ نحوه. وفيه بعض الزيادة والنقصان. والطريق الآخر: أخرجه عن عبد الله بن رجاء بن المثنى البصري في صورة التعليق، وهو أيضا شيخه روى عنه في غير موضع، وروى عن محمد غير منسوب عنه
42

عن حرب بن شداد عن يحياى عن أبي سلمة عن أبي هريرة ووصله البيهقي من طريق هشام بن علي السيرافي عنه، وساق البخاري الحديث هنا على لفظ حرب، وساق الطريق الأول على لفظ شيبان، كما في كتاب العلم، ومراده من الطريق الثاني تبيين عدم تدليس يحياى بن أبي كثير، وتقدم في اللقطة من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحياى عن أبي سلمة مصرحا بالتحديث في جميع السند.
قوله: أنه أي: الشأن. قوله: خزاعة بضم الخاء المعجمة وبالزاي وهي قبيلة كانوا غلبوا على مكة وحكموا فيها، ثم أخرجوا منها فصاروا في ظاهرها، وكانت بينهم وبين بني بكر عداوة ظاهرة في الجاهلية، وكانت خزاعة حلفاء بني هاشم بن عبد مناف إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكانت بنو بكر حلفاء قريش. قوله: رجلا من بني ليث واسم الرجل القاتل من خزاعة: خراش، بالخاء والشين المعجمتين ابن أمية الخزاعي، واسم المقتول منهم في الجاهلية: أحمر، واسم المقتول من بني ليث: قبيلة، لم يدر اسمه، وبنو ليث قبيلة مشهورة ينسبون إلى ليث بن بكر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر. قوله: حبس عن مكة الفيل أشار به إلى قصة الحبشة وهي مشهورة. قوله: ألا بفتح الهمزة واللام المخففة وهي كلمة تنبيه تدل على تحقق ما بعدها، وتأتي لمعان أخر. قوله: ولا يختلى بالخاء المعجمة أي: لا يجز شوكها. قوله: ولا يعضد أي: لا يقطع. قوله: ولا يلتقط بفتح الياء من الالتقاط وفاعله هو قوله: إلا منشد بالرفع وهو المعرف يعني: لا يجوز لقطتها إلا للتعريف. قوله: فهو أي: ولي القتيل بخير النظرين، وهما: الدية والقصاص. قوله: إما يودى بضم الياء على صيغة المجهول ويروى: إما أن يؤدى، أي: إما أن يعطى الدية، وإما أن يقاد أي يقتص من القود وهو القصاص. واختلف العلماء في أخذ الدية من قاتل العمد، فروي عن سعيد بن المسيب والحسن وعطاء: أن ولي المقتول بالخيار بين القصاص وأخذ الدية، وبه قال الليث والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وقال الثوري والكوفيون: ليس له إذا كان عمدا إلا القصاص، ولا يأخذ الدية إلا إذا رضي القاتل، وبه قال مالك في المشهور عنه. قوله: أبو شاه بالهاء لا غير على المشهور، وقيل: بالتاء. قوله: ثم قام رجل من قريش هو
العباس بن عبد المطلب، وقد مر الكلام فيه مبسوطا في كتاب العلم وكتاب الحج. والإذخر بكسر الهمزة وسكون الذال المعجمة وكسر الخاء المعجمة وبالراء وهي: حشيشة طيبة الرائحة تسقف بها البيوت فوق الخشب، وهمزتها زائدة.
وتابعه عبيد الله عن شيبان في الفيل.
أي: تابع حرب بن شداد عبيد الله بن موسى بن باذام الكوفي، وهو شيخ البخاري أيضا، في روايته عن شيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ: الفيل، بالفاء وهو الحيوان المشهور، وقد مر في كتاب العلم حبس مكة عن القتل أو الفيل بالشك.
قال بعضهم: عن أبي نعيم: القتل.
أراد بالبعض محمد بن يحياى الذهلي فإنه روى عن أبي نعيم الفضل بن دكين: القتل، بالقاف والتاء المثناة من فوق، وقد مر في العلم: وجعلوه على الشك، كذا قال أبو نعيم: الفيل أو القتل، وغيره يقول: الفيل، يعني بالفاء.
وقال عبيد الله: إما أن يقاد أهل القتيل.
هو عبيد الله بن موسى المذكور شيخ البخاري أي: قال في روايته.. الحديث المذكور عن شيبان بعد قوله: إما أن يودى وإما أن يقاد أهل القتيل، يعني: زاد هذه اللفظة، وهي في روايته: إما أن يعطى الدية وإما أن يقاد أهل القتيل، ومعناه: يؤخذ لأهل القتيل بثأرهم، هكذا يفسر حتى لا يبقى الإشكال، وقد استشكله الكرماني ثم أجاب بقوله: هو مفعول ما لم يسم فاعله ليودى له، وأما مفعول: يقاد، ضمير عائد إلى القتيل، وبالتفسير الذي فسرناه يزول الإشكال فلا يحتاج إلى التكلف.
6881 حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا سفيان، عن عمر و، عن مجاهد، عن ابن عباس، رضي
43

الله عنهما، قال: كانت في بني إسرائيل قصاص ولم تكن فيهم الدية، فقال الله لهذه الأمة. * (كتب عليكم القصاص في القتلى) * إلى هذه الآية * (فمن عفي له من أخيه شيء) *
قال ابن عباس: فالعفو أن يقبل الدية في العمد، قال: ز س أن يطلب بمعروف ويؤدي بإحسان
انظر الحديث 4498
مطابقته للترجمة من حيث إن لولي القتيل ترك القصاص والرضا بالدية وأن الاختيار في أخذ الدية أو الاقتصاص راجع إلى ولي القتيل ولا يشترط في ذلك رضا القاتل، وكذا كان قصد البخاري من الترجمة المذكورة.
وسفيان هو ابن عيينة وعمرو بفتح العين ابن دينار وقد تقدم في سورة البقرة عن الحميدي عن سفيان: حدثنا عمرو سمعت مجاهدا عن ابن عباس، هكذا وصله ابن عيينة عن عمرو بن دينار وهو أثبت الناس في عمرو، ورواه ورقاء بن عمر عن عمرو فلم يذكر فيه ابن عباس. أخرجه النسائي.
قوله كانت في بني إسرائيل قصاص كذا هنا، كانت، بالتأنيث وفي رواية الحميدي عن سفيان: كان، وهو أوجه ولكنه أنث هنا باعتبار معنى المقاصة، ولم يكن في دين عيسى، عليه السلام، القصاص فكل واحد منهما واقع في الطرف، وهذا الدين الإسلامي هو الواقع وسطا. قوله: فقال الله: إلى قوله: * (فمن عفي له من أخيه شيء) * كذا وقع في رواية قتيبة، وكذا وقع في رواية أبي ذر والأكثرين، ووقع في رواية النسفي والقابسي إلى قوله: * (فمن له من أخيه شيء) * ووقع في رواية ابن أبي عمر في مسنده إلى قوله: في هذه الآية، وبهذا يظهر المراد وإلا فالأول يوهم أن قوله: * (فمن عفي له من أخيه شيء) * في آية تلي الآية المبدأ بها وليس كذلك. قوله: فالعفو أن يقبل أي ولي القتيل أن يقبل الدية في العمد، يعني: يترك له دمه ويرضى منه بالدية. قوله: * (فاتباع بالمعروف) * أي: في المطالبة بالدية من القاتل وعلى القاتل إذ ذاك أداء إليه بإحسان وهو معنى قوله: ويؤدي بإحسان أي: القاتل كما ذكرنا.
9
((باب من طلب دم امرىء بغير حق))
أي: هذا باب في بيان حكم من طلب دم رجل بغير حق.
6882 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن عبد الله بن أبي حسين، حدثنا نافع بن جبير، عن ابن عباس أن النبي قال: أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرىء بغير حق ليهريق دمه
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة، وعبد الله بن أبي حسين هو عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي حسين المدني النوفلي، نسب إلى جده، ونافع بن جبير بضم الجيم وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف ابن مطعم القرشي المدني. والحديث من أفراده.
قوله: أبغض الناس أفعل التفضيل هنا بمعنى المفعول من البغض، والبغض من الله إرادة إيصال المكروه. قوله: الناس أي: المسلمين. قوله: ملحد بضم الميم وهو المائل عن الحق العادل عن القصد أي: الظالم. فإن قلت: مرتكب الصغيرة مائل عن الحق؟. قلت: هذه الصيغة في العرف تستعمل للخارج عن الدين فإذا وصف بها من ارتكب معصية كان في ذلك إشارة إلى عظمها. وقيل: إيراده بالجملة الاسمية مشعر بثبوت الصفة والتنكير للتعظيم فيكون في ذلك إشارة إلى عظم الذنب، وقيل: معناه الظلم في أرض الحرم بتغييرها عن وصفها أو تبديل أحكامها. قوله: ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية أي: طالب في الإسلام طريقة الجاهلية كالنياحة مثلا. وفي التوضيح ومبتغ روي بالغين يعني من الابتغاء وهو الطلب وبالعين المهملة من التتبع والذي شرحه ابن بطال الأول. فإن قيل: هذه صغيرة؟ أجيب بأن معنى الطلب سنيتها
ليس فعلها بل إرادة بقاء تلك القاعدة وإشاعتها وتنفيذها، بل جميع قواعدها لأن اسم الجنس المضاف عام، ولهذا لم يقل: فاعلها. قوله: ومطلب بضم الميم وتشديد الطاء وكسر اللام، وأصله: متطلب، لأنه من باب الافتعال فأبدلت التاء طاء وأدغمت الطاء في الطاء، ومعناه: متكلف للطلب. قوله: بغير حق احترازا عمن يفعل ذلك بحق كالقصاص
44

مثلا. قوله: ليهريق بفتح الهاء وسكونها وقال الكرماني: الإهراق هو المحظور المستحق لمثل هذا الوعيد لا مجرد الطلب، ثم أجاب بقوله: المراد الطلب المرتب عليه المطلوب، أو ذكر الطلب ليلزم في الإهراق بالطريق الأولى، وقال المهلب: المراد بهؤلاء الثلاثة أنهم أبغض أهل المعاصي إلى الله تعالى فهو كقوله: أكبر الكبائر، وإلا فالشرك أبغض إلى الله من جميع المعاصي.
10
((باب العفو في الخطإ بعد الموت))
أي: هذا باب في بيان عفو ولي المقتول عن القاتل في القتل الخطأ بعد موت المقتول، وليس المراد عفو المقتول لأنه محال، وإنما قيده بما بعد الموت لأنه لا يظهر أثره إلا فيه إذ لو عفا المقتول ثم مات لم يظهر لعفوه أثر لأنه لو عاش تبين أن لا شيء له بعفوه عنه. وقال ابن بطال: أجمعوا على أن عفو الولي إنما يكون بعد موت المقتول، وأما قبل ذلك فالعفو للقتيل خلافا لأهل الظاهر فإنهم أبطلوا عفو القتيل.
6883 حدثنا فروة، حدثنا علي بن مسهر، عن هشام، عن أبيه عن عائشة: هزم المشركون يوم أحد.
وحدثني محمد بن حرب، حدثنا أبو مروان يحيى بن أبي زكرياء، عن هشام، عن عروة، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: صرخ إبليس يوم أحد في الناس: يا عباد الله أخراكم. فرجعت أولاهم على أخراهم حتى قتلوا اليمان، فقال حذيفة: أبي أبي فقتلوه؟ فقال حذيفة: غفر الله لكم. قال: وقد كان انهزم منهم قوم حتى لحقوا بالطائف.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: غفر الله لكم لأن معناه: عفوت عنكم، لأن المسلمين كانوا قتلوا اليمان أبا حذيفة خطأ يوم أحد فعفا حذيفة عنهم بعد قتله.
وقد أخرج أبو إسحاق الفزاري في السير عن الأوزاعي عن الزهري قال: أخطأ المسلمون بأبي حذيفة يوم أحد حتى قتلوه، فقال حذيفة: يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين: فبلغت النبي فزاده عنده خيرا ووداه من عنده.
وفروة شيخ البخاري بفتح الفاء وسكون الراء وبالواو ابن أبي المغراء أبو القاسم الكندي الكوفي وعلي بن مسهر بضم الميم اسم فاعل من الإسهار بالسين المهلمة والراء، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها.
وأخرجه من طريقين: أحدهما: هو الذي ذكرناه، وسقط هذا في رواية أبي ذر. والثاني: عن محمد بن حرب بياع النشا بالنون والشين المعجمة الواسطي عن أبي مروان يحيى بن أبي زكريا الغساني الشامي سكن واسط. قيل: ظاهره أن الروايتين سواء، وليس كذلك، وساق المتن هنا على لفظ أبي مروان، وأما لفظ علي بن مسهر فقد تقدم في: باب من حنث ناسيا، في كتاب الأيمان والنذور. ومر الحديث في: باب صفة إبليس فإنه أخرجه هناك عن زكريا بن يحيى عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة، ومر الكلام فيه.
قوله: أخراكم أي: اقتلوا أو احذروا. قوله: حتى قتلوا اليمان أي: قتل المسلمون اليمان بفتح الياء آخر الحروف وتخفيف الميم وبالنون وهو والد حذيفة. قوله: أبي أبي أي: قال حذيفة: هذا أبي، أبي لا تقتلوه، ولم يسمعوا منه فقتلوه ظانين أنه من المشركين فدعا لهم حذيفة. قال الكرماني: فدعا لهم وتصدق بديته على المسلمين. وقال الخطابي: فيه: أن المسلم إذا قتل صاحبه خطأ عند اشتباك الحرب لا شيء عليه، وكذلك في جميع الازدحامات إلا إذا فعله قاصدا لهلاكه. قوله: منهم أي: من المشركين. قوله: بالطائف وهو البلد المشهور وراء مكة، شرفها الله.
((باب قول الله تعالى: * (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى ؤهله
45

وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما) *))
أي: هذا باب في ذكر قول الله عز وجل.. إلى آخره، كذا سيقت الآية بتمامها عند الأكثرين، وفي رواية أبي ذر هكذا: باب قول الله تعالى: * (ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ) * وكذا في رواية ابن عساكر، ولم يذكر معظمهم في هذا الباب حديثا هذه الآية أصل في الديات فذكر فيها ديتين وثلاث كفارات ذكر الدية والكفارة بقتل المؤمن في دار الإسلام وذكر الكفارة دون الدية بقتل المؤمن في دار الحرب في صف المشركين إذا حضر معهم الصف فقتله مسلم، وذكر الدية والكفارة بقتل الذمي في دار الإسلام، وقال مجاهد وعكرمة: هذه الآية نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي، قتل رجلا مسلما ولم يعلم بإسلامه وكان ذلك الرجل يعذبه بمكة مع أبي جهل ثم أسلم وخرج مهاجرا إلى النبي فلقيه عياش في الطريق فقتله وهو يحسبه كافرا، ثم جاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فأخبره بذلك فأمره أن يعتق رقبة، ونزلت الآية، حكاه الطبري عنهما. وقال السدي: قتله يوم الفتح، وقد خرج من مكة ولا يعلم بإسلامه، وقيل: نزلت في أبي عامر والد أبي الدرداء، خرج إلى سرية فعدل إلى شعب فوجد رجلا في غنم فقتله وأخذها، وكان يقول: لا إلاه إلا الله، فوجد في نفسه من ذلك فذكره لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكر عليه قتله إذ قال: لا إلاه إلا الله، فنزلت الآية. وقيل: نزلت في والد حذيفة بن اليمان قتل خطأ يوم أحد، وقد مضى عن قريب.
قوله: إلا خطأ ظاهره غير مراد فإنه لا يشرع قتله خطأ ولا عمدا لكن تقديره: إن قتله خطأ. وقال الأصمعي وأبو عبيد: المعنى إلا أن يقتله مخطئا، وهو استثناء منقطع. قوله: 0 لا تجوز الكافرة، وحكى ابن جرير عن ابن عباس والشعبي وإبراهيم النخعي والحسن البصري أنهم قالوا: لا يجزئ الصغير إلا أن يكون قاصدا للإيمان، واختار ابن جرير أنه إن كان مولودا بين أبوين مسلمين جاز وإلا فلا، والذي عليه الجمهور أنه متى كان مسلما صح عتقه عن الكفارة سواء كان صغيرا أو كبيرا. قوله: * (إلا أن يصدقوا) * أي: إلا أن يتصدقوا بالدية فلا يجب. قوله: * (فإن كان من قوم عدو لكم) * أي: إذا كان القتيل مؤمنا ولكن أولياؤه من الكفار أهل الحرب فلا دية لهم وعلى قاتله تحرير رقبة مؤمنة لا غير. قوله: ميثاق أي: عهد وهدنة فالواجب دية مسلمة إلى أهل القتيل وتحرير رقبة. قوله: متتابعين يعني لا إفطار بينهما فإن أفطر من غير عذر من مرض أو حيض أو نفاس استأنف الصوم. واختلفوا في السفر: هل يقطع أم لا؟ عل قولين. قوله: توبة أي: رحمة رحمة من الله بكم أي: التيسير عليكم بتخفيف عنكم بتحرير الرقبة المؤمنة إذا أيسرتم بها. قوله: * (وكان الله عليما حكيما) * أي: لم يزل عليما بما يصلح عباده فيما يكلفهم من فرائضه، حكيما بما يقضي فيه ويأمر.
12
((باب إذا أقر بالقتل مرة قتل به))
أي: هذا باب يذكر فيه إذا أقر شخص بالقتل مرة واحدة قتل به أي: بذلك الإقرار، كذا وقعت هذه الترجمة عند الأكثرين، وفي رواية النسفي لم تذكر هذه الترجمة بل قال بعد قوله خطأ: الآية وإذا أقر إلى آخره.
6884 حدثني إسحاق، أخبرنا حبان، حدثنا همام، حدثنا قتادة، حدثنا أنس بن مالك: أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين، فقيل لها: من فعل بك هاذا؟ أفلان أفلان؟ حتى سمي اليهودي فأومأت برأسها، فجيء باليهودي فاعترف، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرض رأسه بالحجارة وقد قال همام: بحجرين.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسحاق شيخ البخاري قال الغساني: لم أجده منسوبا عند أحد، ويشبه أن يكون ابن منصور. قلت: إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج أبو يعقوب المروزي، انتقل بآخرة إلى نيسابور وهو شيخ
46

مسلم أيضا، مات سنة إحدى وخمسين ومائتين، وقيل: لا يبعد أن يكون إسحاق بن راهويه فإنه كثير الرواية عن حبان بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن هلال الباهلي، وهمام بتشديد الميم بن يحيى بن دينار البصري.
والحديث قد مر في مواضع في الأشخاص وفي الوصايا وفي الديات، ومضى عن قريب في: باب من أقاد بالحجر. وأخرجه بقية الجماعة.
قوله: فقيل لها أي: للجارية، أي: سئل عنها وإنما سئل عنها مع أنه لا يثبت بإقرارها شيء عليه لأن يعرف المتهم من غيره فيطالب فإن اعترف ثبت عليه. قوله: فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم أي: بعد موت الجارية المذكورة.
وفي التوضيح فيه: حجة على الكوفيين في قولهم: لا بد من الإقرار مرتين، وهو خلاف الحديث لأنه لم يذكر فيه أن اليهودي أقر أكثر من مرة واحدة، ولو كان فيه حد معلوم لبينه، وبه قال مالك والشافعي. انتهى. قلت: اشتراط الكوفيين مرتين في الإقرار قياس على اشتراط الأربع في الزنى، ومطلق الاعتراف لا ينحصر على المرة.
13
((باب قتل الرجل بالمرأة))
أي: هذا باب في بيان وجوب قتل الرجل بمقابلة قتله المرأة، وهو قول فقهاء عامة الأمصار وجماعة العلماء، وشذ الحسن ورواه عن عطاء فقالا: إن قتل أولياء المرأة الرجل بها أدوا نصف الدية، وإن قتل أولياء الرجل المرأة أخذوا من أوليائها نصف دية الرجل، وروي مثله عن الشعبي عن علي، رضي الله تعالى عنه، وبه قال عثمان البتي، وحجة الجماعة حديث الباب أخرجه غير مرة.
6885 حدثنا مسدد، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، أن النبي قتل يهوديا بجارية قتلها على أوضاح لها.
مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضح حكمها. ويزيد من الزيادة ابن زريع مصغر زرع وسعيد هو ابن أبي عروبة بفتح العين المهملة وضم الراء، وذكر غير مرة مع شرحه.
والأوضاح جمع وضح نوع من الحلي يعمل من فضة سميت بها لبياضها لأن الوضح البياض من كل شيء.
14
((باب القصاص بين الرجال والنساء في الجراحات))
أي: هذا باب في بيان وجوب القصاص... الخ، والجراحات جمع جراحة ووجوب القصاص في ذلك قول الثوري والأوزاعي ومالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: لا قصاص بين الرجال والنساء فيما دون النفس من الجراحات، لأن المساواة معتبرة في النفس دون الأطراف، ألا ترى أن اليد الصحيحة لا تؤخذ بيد شلاء؟ والنفس الصحيحة تؤخذ بالمريضة؟.
وقال أهل العلم: يقتل الرجل بالمرأة.
أراد بأهل العلم الجمهور من العلماء فإن عندهم: يقتل الرجل بالمرأة، بالنص.
ويذكر عن عمر: تقاد المرأة من الرجل في كل عمد يبلغ نفسه فما دونها من الجراح.
أي: يذكر عن عمر بن الخطاب: تقتص المرأة من الرجل، يعني: إذا قتلت الرجل في قتل العمد الذي يبلغ نفس الرجل فما دونها من الجراح، يعني في: كل عضو من أعضائها عند قطعها من أعضاء الرجل، وفيه الخلاف الذي ذكرناه آنفا.
وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور من طريق النخعي قال: فيما جاء به عروة البارقي إلى شريح من عند عمر، قال: جروح الرجال والنساء سواء. قلت: لم يصح سماع النخعي من شريح فلذلك ذكر البخاري أثر عمر هذا بصيغة التمريض.
وبه قال عمر بن عبد العزيز وإبراهيم وأبو الزناد عن أصحابه.
أي: وبما روي عن عمرو بن الخطاب قال عمرو بن عبد العزيز وإبراهيم النخعي وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن
47

ذكوان المدني. قوله: عن أصحابه أي: عن أصحاب أبي الزناد مثل عبد الرحمان بن هرمز الأعرج والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وغيرهم. وأثر عمر بن عبد العزيز وإبراهيم أخرجه ابن أبي شيبة من طريق الثوري عن جعفر بن برقان عن عمر بن عبد العزيز وعن مغيرة عن إبراهيم النخعي قالا: القصاص بين الرجل والمرأة في العمد سواء. وأثر أبي الزناد أخرجه البيهقي من طريق عبد الرحمان بن أبي الزناد عن أبيه. قال: كل من أدركت من فقهائنا وذكر السبعة في مشيخة سواهم أهل فقه وفضل ودين، قال: ربما اختلفوا في الشيء فأخذنا بقول أكثرهم وأفضلهم رأيا أنهم كانوا يقولون: المرأة تقاد بالرجل عينا بعين وأذنا بأذن وكل شيء من الجوارح على ذلك وإن قتلها قتل بها.
وجرحت أخت الربيع إنسانا فقال النبي صلى الله عليه وسلم القصاص
هذا تعليق من البخاري: والربيع بضم الراء وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف مصغر الربيع ضد الخريف بنت النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة والصواب: بنت النضر عمة أنس، وقال الكرماني: قيل صوابه حذف لفظ الأخت وهو الموافق لما مر في سورة البقرة في آية: * (كتب عليكم القصاص) * أن الربيع نفسها كسرت ثنية جارية... إلى آخره اللهم إلا أن يقال: هذه امرأة أخرى، لكنه لم ينقل عن أحد. انتهى. قلت: وقد ذكر جماعة أنهما قضيتان، وقال النووي: قال العلماء: المعروف رواية البخاري ويحتمل أن تكونا قضيتين، وجزم ابن حزم أنهما قضيتان صحيحتان وقعتا لامرأة واحدة. إحداهما أنها جرحت إنسانا فقضي عليها بالضمان، والأخرى أنها كسرت ثنية جارية فقضي عليها بالقصاص، وحلفت أمها في الأولى وأخوها في الثانية، وقال البيهقي بعد أن أورد الروايتين: ظاهر الخبرين يدل على أنهما قضيتان. قوله: القصاص، بالنصب على الإغراء وهو التحريض على الأداء أي: أدوه، وفي رواية النسفي: كتاب الله القصاص، قيل: الجراحة غير مضبوطة فلا يتصور التكافؤ فيها. وأجيب قد تكون مضبوطة، وجوز بعضهم: القصاص، على وجه التحري.
6886 حدثنا عمرو بن علي، حدثنا يحياى، حدثنا سفيان، حدثنا موساى بن أبي عائشة، عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: لددنا النبي في مرضه، فقال: لا تلدوني فقلنا: كراهية المريض للدواء فلما أفاق قال: لا يبقى أحد منكم إلا لد غير العباس فإنه لم يشهدكم
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه قصاص الرجل من المرأة لأن الذين لدوه كانوا رجالا ونساء، بل أكثر البيت كانوا نساء.
وعمرو بن علي بن بحر أبو حفص الباهلي البصري الصيرفي وهو شيخ مسلم أيضا، و يحيى هو ابن سعيد القطان، و سفيان هو الثوري، و موسى بن أبي عائشة الهمداني الكوفي أبو بكر، و عبيد الله بن عبد الله بتصغير الابن وتكبير الأب ابن عتبة بن مسعود.
والحديث مضى في: باب مرض النبي ووفاته.
قوله: لددنا مشتق من اللدود وهو ما يصب في المسعط من الدواء في أحد شقي الفم، وقد لد الرجل فهو ملدود وألددته أنا والتد هو. قوله: لا تلدوني بضم اللام. قوله: كراهية المريض للدواء يعني: لم ينهنا نهي تحريم بل نهي تنزيه لأنه كرهه كراهية المريض الدواء. قوله: إلا لد بلفظ المجهول أي: لا يبقى أحد إلا لد قصاصا ومكافأة لفعلهم. وقال الكرماني: يحتمل أن يكون ذلك عقوبة لهم لمخالفتهم نهيه، وقال الخطابي. فيه: حجة لمن رأى في اللطمة ونحوها من الإيلام والضرب القصاص على جهة التحري، وإن لم يوقف على حده، لأن اللدود يتعذر ضبطه وتقديره: على حد لا يتجاوز ولا يوقف عليه إلا بالتحري. قوله: فإنه لم يشهدكم أي: لم يحضركم.
((من أخذ حقه أو اقتص دون السلطان))
48

أي: هذا باب في بيان من أخذ حقه من جهة غريمه بغير حكم حاكم. قوله: أو اقتص ممن وجب له قصاص في نفس أو طرف. قوله: دون السلطان يعني بغير أمر السلطان، ومراده بالسلطان الحاكم لأن من له حكم له تسلط والنون فيه زائدة، وجواب: من، غير مذكور، وفيه بيان الحكم ولم يذكره على عادته إما اكتفاء بما ذكر في حديث الباب، وإما اعتمادا على ذهن مستنبط الحكم من الخبر. وقال ابن بطال: اتفق أئمة الفتوى على أنه لا يجوز لأحد أن يقتص من حقه دون السلطان. قال: وإنما اختلفوا فيمن أقام الحد على عبده، وقد تقدم. قال: وأما أخذ الحق فإنه يجوز عندهم أن يأخذ حقه من المال خاصة إذا جحده إياه ولا بينة له عليه، وقيل: إذا كان السلطان لا ينصر المظلوم ولا يوصله إلى حقه جاز له أن يقتص دون الإمام.
6887 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد أن الأعرج حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول: إنه سمع رسول الله يقول نحن الآخرون السابقون
قيل: لا مطابقة أصلا بين الترجمة والحديث المذكور. وقال صاحب التوضيح أدخل هذا الحديث في الباب وليس منه لأنه سمع الحديثين معا. قلت: يعني: سمع هذا الحديث والحديث الذي بعده في نسق واحد فحدث بهما جميعا كما سمعهما، وبهذا أجاب الكرماني قبله، وأجاب الكرماني بجوابين أيضا: أحدهما: أن الراوي عن أبي هريرة سمع منه أحاديث أولها ذلك فذكرها على الترتيب الذي سمعه منه، والآخر: كان أول الصحيفة ذلك فاستفتح بذكره. انتهى.
ثم إنه أخرج هذا الحديث عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمان بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة واختصره، وقد مر في آواخر كتاب الوضوء في: باب البول في الماء الدائم، بعين هذا الإسناد عن أبي اليمان... الخ.
قوله: نحن الآخرون يعني: في الدنيا والسابقون في الآخرة، وفي رواية أبي ذر: نحن الآخرون السابقون يوم القيامة.
6888 وبإسناده: لو اطلع في بيتك أحد، ولم تأذن له خذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح
هذا الحديث يطابق الترجمة وسيأتي عن قريب. قوله: وبإسناده أي: بإسناد الحديث المتقدم.
قوله لو اطلع بتشديد الطاء. وقوله: أحد فاعله قوله: ولم يأذن لم قيد به لأنه لو أذن له بذلك ففقأ عينه بحصاة أو نواة ونحوهما يلزمه القصاص. قوله: خذفته بالخاء والذال المعجمتين، وفي رواية أبي ذر والقابسي بالحاء المهملة والأول أوجه لأنه ذكر الحصاة والرمي بالحصاة الخذف بالمعجمة وقال القرطبي: الرواية بالمهملة خطأ لأن في نفس الخبر أنه الرمي بالحصاة وهو بالمعجمة جزما، وهذا الرمي إما أن يكون بين الإبهام والسبابة، وإما بين السبابتين. قوله: ففقأت عينه أي: فقلعتها. وقال ابن القطاع: فقأ عينه أطفأ ضوءها. قوله: من جناح بالضم أي: من إثم أو مؤاخذة، وفي رواية لابن أبي عاصم: من حرج بدل جناح، ويروى: ما كان عليه في ذلك من شيء، وفي رواية أخرى: يحل لهم فقء عينه، ويروى من حديث ثوبان مرفوعا. لا يحل لأمرىء من المسلمين أن ينظر في جوف بيت حتى يستأذن فإن فعل فقد دخل. وقال الطحاوي: لم أجد لأصحابنا في المسألة نصا غير أن أصلهم أن من فعل شيئا دفع به عن نفسه مما له فعله أنه لا ضمان عليه مما تلف منه، كالمعضوض: إذا انتزع يده من في العاض لأنه دفع عن نفسه. وقال أبو بكر الرازي: ليس هذا بشيء، ومذهبهم أنه يضمن لأنه يمكنه أن يدفعه عن الاطلاع من غير فقء العين، بخلاف المعضوض لأنه لم يمكنه خلاصه إلا بكسر سن العاض، وروى ابن عبد الحكم عن مالك: أن عليه القود، وقالت المالكية: الحديث خرج مخرج التغليظ.
6889 حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن حميد: أن رجلا اطلع في بيت النبي
49

فسدد إليه مشقصا فقلت من حدثك بهذا؟ قال: أنس بن مالك.
(انظر الحديث 6242 وطرفه)
قال الكرماني: فإن قلت: هذا الحديث لا يطابق الترجمة لأنه هو الإمام الأعظم فلا يدل على جواز ذلك لآحاد الناس. قلت: حكم أقواله وأفعاله عام متناول للأمة إلا ما دل دليل على تخصيصه به.
ويحيى هو ابن سعيد القطان، وحميد هو الطويل.
وهذا الحديث مرسل أولا ومسندا آخرا. قال الكرماني. قلت: كونه مرسلا أولا لأن حميدا لم يدرك القصة، وكونه مسندا آخرا لأنه قال: من حدثك بهذا؟ قال: أنس
قوله: أن رجلا اطلع بتشديد الطاء. قوله: فسدد إليه بالسين المهملة وتشديد الدال الأولى أي: صوب وفاعله النبي ومشقصا مفعوله وهو بكسر الميم وبالقاف وبالصاد المهملة النصل العريض أو السهم الذي فيه ذلك، وقال ابن التين: رويناه بتشديد الشين المعجمة أي: أوثقه. قال: وروي بالسين المهملة أي قومه وهداه إلى ناحيته. قوله: من حدثك القائل يحيى لحميد. قوله: قال: أنس بن مالك أي: حدثني أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه.
16
((باب إذا مات في الزحام أو قتل))
أي: هذا باب مترجم بما إذا مات شخص في الزحام أو قتل، وفي رواية ابن بطال: أو قتل به، أي: بالزحام، ولم يذكر جواب: إذا، الذي هو الحكم لمكان الاختلاف فيه، على ما سيجيء بيانه عن قريب إن شاء الله.
6890 حدثني إسحاق بن منصور، أخبرنا أبو أسامة قال: هشام أخبرنا عن أبيه، عن عائشة قالت: لما كان يوم أحد هزم المشركون، فصاح إبليس: أي عباد الله أخراكم، فرجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم، فنظر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان فقال: أي عباد الله أبي أبي قالت: فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه. فقال حذيفة: غفر الله لكم.
قال عروة: فما زالت في حذيفة منه بقية حتى لحق بالله.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه لأنهم كانوا متزاحمين عليه.
قوله: حدثني إسحاق ويروى: أخبرنا. وأما إسحاق هذا فقد قال الغساني: لا يخلو أن يراد به إما ابن منصور وإما ابن نصر وإما ابن إبراهيم الحنظلي. قلت: وقع في بعض النسخ: إسحاق بن منصور، بذكر أبيه، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وهشام هو ابن عروة بن الزبير.
قوله: قال: هشام أخبرنا عن أبيه من تقديم اسم الراوي على الصيغة.
قوله: هزم على بناء المجهول. قوله: أي عباد الله أي: يا عباد الله أخراكم أي: قاتلوا أخراكم. قوله: فاجتلدت من الجلد وهو القوة والصبر. قوله: اليمان اسم أبي
حذيفة. قوله: أبي أبي أي: هذا أبي لا تقتلوه. قوله: فما احتجزوا أي: فما امتنعوا وما انفكوا، ويقال: فما تركوه، ومن ترك شيئا فقد انحجز عنه. قوله: قتلوه أي: المسلمون قتلوه. قوله: منه قال بعضهم: أي من ذلك الفعل، وهو العفو. قلت: الظاهر أن المعنى أي: من قتلهم اليمان. قوله: بقية أي: بقية خير، قاله الكرماني، وقد مر الكلام فيه عن قريب في: باب العفو عن الخطأ، ومر مطولا في غزوة أحد.
واختلفوا في حكم الترجمة المذكورة، فروي عن عمر وعلي، رضي الله تعالى عنهما: أن ديته تجب في بيت المال، وبه قال إسحاق، وقال الحسن البصري: إن ديته تجب على من حضر، وقال الشافعي: يقال لوليه، أدع على من شئت واحلف، فإن حلف استحق الدية، وإن نكل حلف المدعى عليه على النفي، وسقطت المطالبة. وقال مالك: دمه هدر.
17
((باب إذا قتل نفسه خطأ فلا دية له))
أي: هذا باب فيه إذا قتل شخص نفسه خطأ أي: مخطئا أي: قتلا خطأ فلا دية له أي: فلا تجب الدية له، وزاد الإسماعيلي
50

ولا إذا قتل نفسه عمدا. وقال الإسماعيلي: وليس مطابقا لما بوب له. قلت: إنما قال: خطأ، لمحل الخلاف فيه. قال ابن بطال، قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق: تجب ديته على عاقلته فإن عاش فهي له عليهم وإن مات فهي لورثته. وقال الجمهور، منهم: ربيعة ومالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي: لا شيء فيه. وحديث الباب حجة لهم حيث لم يوجب الشارع لعامر بن الأكوع دية على عاقلته ولا على غيرها، ولو وجب عليها شيء لبينه لأنه مكان يحتاج فيه إلى البيان، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، والنظر يمنع أن يجب للمرء على نفسه شي بدليل الأطراف فكذا الأنفس. وأجمعوا على أنه إذا قطع طرفا من أطرافه عمدا أو خطأ لا يجب فيه شيء. قال الكرماني: إن لفظ: فلا دية له، في الترجمة المذكورة لا وجه له، وموضعه اللائق به الترجمة السابقة أي: إذا مات في الزحام فلا دية له على المزاحمين عليه، لظهور: أن قاتل نفسه لا دية له، ولعله من تصرفات النقلة عن نسخة الأصل. وقالت الظاهرية: ديته على عاقلته، فربما أراد البخاري بهذا ردهم. انتهى. قلت: على هذا لا وجه لقوله: وموضعه اللائق به الترجمة السابقة، بل اللائق به أن يذكر في الترجمتين جميعا. فافهم.
6891 حدثنا المكي بن إبراهيم، حدثنا يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة قال: خرجنا مع النبي إلى خيبر، فقال رجل منهم: أسمعنا يا عامر من هنياتك، فحدا بهم فقال النبي من السائق قالوا: عامر. فقال: رحمه الله فقالوا: يا رسول الله هلا أمتعتنا به؟ فأصيب صبيحة ليلته فقال القوم: حبط عمله قتل نفسه، فلما رجعت وهم يتحدثون أن عامرا حبط عمله، فجئت إلى النبي فقلت يا نبي الله فداك أبي وأمي زعموا أن عامرا حبط عمله؟ فقال: كذب من قالها، إن له لأجرين اثنين: إنه لجاهد مجاهد وأي قتل يزيده عليه؟
مطابقته للترجمة من حيث إنه لم يحكم بالدية لورثة عامر على عاقلته أو على بيت مال المسلمين.
ويزيد من الزيادة ابن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع بفتحتين ابن عمرو بن الأكوع واسمه سنان الأسلمي.
وهذا الحديث هو التاسع عشر من ثلاثيات البخاري، وقد مضى في المغازي عن القعنبي، وفي الأدب عن قتيبة، وفي المظالم عن أبي عاصم النبيل، وفي الذبائح عن مكي بن إبراهيم، وفي الدعوات عن مسدد. وأخرجه مسلم وابن ماجة أيضا. وقد مضى الكلام فيه.
قوله: إلى خيبر هي قرية كانت لليهود نحو أربع مراحل من المدينة إلى الشام. قوله: أسمعنا بفتح الهمزة أمر من الإسماع. وعامر هو عم سلمة، وقيل: أخوه. قوله: من هنياتك بضم الهاء وفتح النون وتشديد الياء آخر الحروف جمع هنية وقد تبدل الياء هاء فيقال: هنيهة، ويجمع على هنيهات، وأراد بها الأراجيز، ووقع في رواية المستملي بحذف الياء. قوله: فحدا بهم أي: ساقهم منشدا للأراجيز. قوله: أمتعتنا به أي: وجبت له الشهادة بدعائك وليتك تركته لنا وكانوا قد عرفوا أنه لا يدعو لأحد خاصة عند القتال إلا استشهد. قوله: فأصيب على صيغة المجهول أي: فأصيب عامر صبيحة ليلته تلك. قوله: فلما رجعت القائل به عامر. قوله: وهم يتحدثون الواو فيه للحال. قوله: اثنين تأكيد لقوله: أجرين قوله: لجاهد مجاهد كلاهما اسم الفاعل الأول من جهد والثاني من جاهد مجاهدة، ومعناه: جاهد في الخير مجاهد في سبيل الله، وقال الكرماني: ويروى أنه لجاهد بلفظ الماضي مجاهد بفتح الميم جمع مجهد يعني: حضر مواطن من الجهاد عدة مجاهد. قوله: وأي قتل يزيده عليه أي: أي قتل يزيده الأجر على أجره؟ ويروى: يزيد، بدون الهاء، وقيل: أي أنه بلغ أرقى الدرجات وفضل النهاية. وفي التوضيح وإنما قالوا: حبط عمله، لقوله تعالى: * (ولا تقتلوا أنفسكم) * وهذا إنما هو فيمن يتعمد قتل نفسه، إذ الخطأ لا ينهى عنه أحد، وقال الداودي: ويحتمل أن يكون هذا قبل قوله تعالى: * (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ) *
51

18
((باب إذا عض رجلا فوقعت ثناياه))
أي: هذا باب فيه إذا عض رجل رجلا، والعض هو القبض بالأسنان، يقال: عضه وعض به وعض عليه. قوله: فوقعت ثناياه أي: ثنايا العاض. وهو جمع ثنية وهو مقدم الأسنان، وجواب إذا محذوف تقديره: هل يلزمه شيء أم لا؟ واختلف العلماء فيه فقالت طائفة: من عض يد رجل فانتزع المعضوض يده من فم العاض فقلع شيئا من أسنان العاض فلا شيء عليه في السن، روي هذا عن أبي بكر الصديق وشريح، وهو قول الكوفيين والشافعي، قالوا: ولو جرحه المعضوض في موضع آخر فعليه ضمانه. وقال ابن أبي ليلى ومالك: هو ضامن لدية السن، وقال عثمان البتي: إن كان انتزعها من ألم أو وجع أصابه فلا شيء عليه، وإن انتزعها من غير ألم
فعليه الدية، وحديث الباب حجة الأولين.
6892 حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا قتادة قال: سمعت زرارة بن أوفاى عن عمران بن حصين: أن رجلا عض يد رجل فنزع يده من فمه فوقعت ثنيتاه، فاختصموا إلى النبي فقال: يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل؟ لا دية لك
مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضح ما فيها من الإبهام.
وزرارة بضم الزاي وتخفيف الراء الأولى ابن أوفى بالفاء من الوفاء أبو حاجب العامري قاضي البصرة.
والحديث أخرجه مسلم في الحدود عن أبي موسى وبندار، وأخرجه الترمذي في الديات عن علي بن حشرم. وأخرجه النسائي في القصاص عن ابن بشار وابن المثنى وغيرهما. وأخرجه ابن ماجة في الديات عن علي بن محمد.
قوله: أن رجلا عض يد رجل كلاهما هنا مبهمان، ووقع في رواية مسلم بهذا السند عن عمران قال: قاتل يعلى بن أمية رجلا فعض أحدهما صاحبه... الحديث ويستفاد منه تعيين أحد المبهمين، وأنه يعلى بن أمية، ولكن لم يميز العاض من المعضوض. ووقع في صحيح مسلم في حديث عمران قال: قاتل يعلى بن منية أو ابن أمية رجلا فعض أحدهما صاحبه، ووقع أيضا فيه وفي البخاري من حديث يعلى بن أمية. قال كان لي أجير فقاتل إنسانا فعض أحدهما يد الآخر، قال: لقد أخبرني صفوان أيهما عض الآخر فنسيته، ولمسلم من رواية صفوان بن يعلى أن أجيرا ليعلى بن أمية عض رجل ذراعه فجذبها. انتهى فتعين من هذا أن يعلى هو العاض ولا ينافيه قوله في الصحيحين كان لي أجير فقاتل إنسانا، لأنه يجوز أن يكنى عن نفسه ولا يبين للسامعين أنه العاض، كما قالت عائشة، رضي الله تعالى عنها: قبل النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، امرأة من نسائه، فقال لها الراوي: ومن هي إلا أنت؟ فضحكت. وقال النووي في شرح مسلم قال الحفاظ: الصحيح المعروف أن المعضوض هو أجير يعلى لا يعلى، قال: ويحتمل أنهما قضيتان جرتا ليعلى وأجيره في وقت أو وقتين، وقال شيخنا زين الدين في شرح الترمذي ليس في شيء من طرق مسلم أن يعلى هو المعضوض، بل ولا في شيء من الكتب الستة، والذي عند مسلم: أن أجير يعلى هو المعضوض ويتعين أن يعلى هو العاض، والله أعلم. قوله: فنزع يده من فمه هكذا رواية الكشميهني: من فمه، وفي رواية غيره: من فيه. قوله: فوقعت ثنيتاه كذا في رواية الأكثرين، ثنيتاه، بالتثنية وفي رواية الكشميهني: ثناياه بصيغة الجمع ووقع في رواية هشام عن قتادة: فسقطت ثنيته، بالإفراد، ووقع في رواية الإسماعيلي: فندرت ثنيته، والتوفيق بين هذه الروايات أن الاثنين يطلق عليهما صيغة الجمع وأن رواية الإفراد على إرادة الجنس، كذا قيل، ولكن يعكر عليه رواية محمد بن علي: فانتزع إحدى ثنيتيه، فعلى هذا يحمل على التعدد. قوله: كما يعض الفحل هو الذكر من الحيوان. قوله: لا دية لك هكذا رواية الكشميهني: لا دية لك وفي رواية غيره: لا دية له، وفي رواية هشام: فأبطله، وقال: أردت أن تأكل لحمه؟.
6893 حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن عطاء، عن صفوان بن يعلى، عن أبيه قال: خرجت في غزوة فعض رجل فانتزع ثنيته، فأبطلها النبي
52

مطابقته للترجمة من حيث إن فيه إيضاح ما أبهم في الحديث السابق.
وأبو عاصم هو الضحاك بن مخلد النبيل، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وعطاء هو ابن أبي رباح المكي، وصفوان بن يعلى يروي عن أبيه يعلى بوزن يرضى من العلو بالعين المهملة ابن منية بضم الميم وسكون النون وفتح الياء آخر الحروف وهي أمه، وأما اسم أبيه: فأمية، بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد الياء آخر الحروف، وقال أبو عمر: يعلى بن أمية بن أبي عبيدة التميمي الحنظلي ويقال له: يعلى بن منية، ينسب حينا إلى أبيه وحينا إلى أمه، أسلم يوم الفتح وشهد حنينا والطائف وتبوك، وقتل سنة ثمان وثلاثين مع علي، رضي الله تعالى عنه، بصفين بعد أن شهد الجمل مع عائشة، رضي الله تعالى عنها، وهذا السند وقع هنا بعلو درجة ومضى في الإجارة والجهاد والمغازي من طريق ابن جريج بنزول، لكن ساقه فيها بأتم مما هنا.
قوله في غزوة وفي رواية الكشميهني: في غزاة، وثبت ذلك في رواية سفيان أنها غزوة تبوك، ومثله في رواية ابن علية بلفظ: جيش العسرة، وأبعد من قال: إنه كان في سفر كان فيه الإحرام بعمرة، واعتمد في هذا على ما روي من حديث يعلى في: باب من أحرم جاهلا وعليه قميص... الحديث وفيه: عض رجل يد رجل فانتزع ثنيته فأبطله النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، لأن هذا محمول على أن الراوي سمع الحديثين فأوردهما معا عاطفا لأحدهما على الآخر بالواو التي لا تقتضي الترتيب. قوله: فعض رجل فانتزع ثنيته كذا وقع هنا عند البخاري بالاختصار المجحف، وقد بينه الإسماعيلي من طريق يحيى القطان عن ابن جريج ولفظه: قاتل رجل آخر فعض يده فانتزع يده فاندرت ثنيته. قوله: فأبطلها النبي صلى الله عليه وسلم أي: حكم بأن لا ضمان على المعضوض.
19
((باب السن بالسن))
أي: هذا باب فيه السن يقلع في مقابلة السن إذا قلعه أحد، وقال ابن بطال: أجمعوا على قلع السن بالسن في العمد. واختلفوا في سائر عظام الجسد، فقال مالك: فيها القود إلا ما كان مخوفا أو كان كالمأمومة والمنقلة والهاشمة ففيها الدية. وقال الشافعي والليث والحنفية: لا قصاص في عظم غير السن لأن دون العظم حائل من جلد ولحم وعصب تتعذر معه المماثلة، وقال الطحاوي: اتفقوا على أنه لا قصاص في عظم الرأس فيلحق به سائر العظام، وقال بعضهم: وتعقب بأنه قياس مع وجود النص فإن في حديث الباب أنها كسرت الثنية فأمرت بالقصاص مع أن الكسر لا تطرد فيه المماثلة. قلت: لا يرد ما ذكره لأن مراده من قوله: سائر العظام هي التي لا تتحقق فيها المماثلة.
6894 حدثنا الأنصاري، حدثنا حميد، عن أنس، رضي الله عنه، أن ابنة النضر لطمت جارية فكسرت ثنيتها، فأتوا النبي فأمر بالقصاص
مطابقته للترجمة ظاهرة. والأنصاري هو محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك أبو عبد الله الأنصاري البصري، وحميد بالضم الطويل.
وهذا الحديث هو الموفي للعشرين من ثلاثيات البخاري، وسماه البخاري في سورة البقرة حيث قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا حميد أن أنسا حدثهم عن النبي قال: كتاب الله القصاص...
قوله: إن ابنة النضر هي الربيع بضم الراء وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف، بنت النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة وهو جد أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم، والربيع المذكورة عمة أنس، رضي الله تعالى عنه، وتقدم في التفسير بهذا السند: أن الربيع عمته، وفي تفسير المائدة من رواية الفزاري عن حميد عن أنس: كسرت عمة أنس، ولأبي داود من طريق معتمر عن حميد عن أنس: كسرت الربيع أخت أنس بن النضر. قوله: لطمت جارية وفي رواية الفزاري: جارية من الأنصار، وفي رواية معتمر: امرأة، بدل: جارية، وهذا يوضح أن المراد بالجارية المرأة الشابة لا الأمة الرقيقة. قوله: فأتوا النبي أي: فأتى أهل الجارية النبي فطلبوا القصاص فأمر بالقصاص وقال الكرماني: سبق آنفا أنها جرحت، وقال هاهنا: كسرت، والجرح غير الكسر، ثم أجاب عن ذلك فنحن نذكره بأحسن منه. فقوله: سبق آنفا، أشار به
53

إلى الحديث المذكور في: باب القصاص بين الرجال والنساء، وقد مر عن قريب، والجواب: أنه ورد في الربيع حديثان مختلفان وحكمان اثنان في قضيتين مختلفتين لجارية واحدة، أحد الحكمين في جراحة جرحتها الربيع إنسانا فقضى بالقصاص من تلك الجراحة، فحلفت أنه لا تقتص منها، فأبر الله قسمها ورضوا بالدية. والثاني: في ثنية امرأة كسرتها فقضى بالقصاص، فحلف أخوها أنس بن النضر أن لا تقتص منها، ورضوا بالأرش، وكان هذا قبل أحد، لأن أنس بن النضر قتل يوم أحد.
20
((باب دية الأصابع))
أي: هذا باب في بيان دية الأصابع هل هي مستوية أو مختلفة؟.
6895 حدثنا آدم، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس عن النبي قال: هاذه وهاذه سواء يعني: الخنصر والإبهام.
مطابقته للترجمة من حيث إنه أوضح الحكم في الترجمة.
والحديث أخرجه أبو داود في الديات عن نصر بن علي وغيره. وأخرجه الترمذي فيه عن بندار عن يحيى. وأخرجه النسائي فيه عن نصر بن علي به وغيره. وأخرجه ابن ماجة فيه عن علي بن محمد وغيره.
قوله: سواء يعني: في الدية، والخنصر بالكسر الإصبع الصغرى.
وثبت في كتاب الديات الذي كتبه سيدنا رسول الله لآل عمرو بن حزم أنه قال في: اليد خمسون من الإبل في كل إصبع عشر من الإبل، وأجمع العلماء على أن في اليد نصف الدية، وأصابع اليد والرجل سواء، وعلى هذا أئمة الفتوى، ولا فضل لبعض الأصابع عندهم على بعض. وقال ابن المنذر: روينا عن عمر وعلي وعروة بن الزبير تفضيل بعض الأصابع على بعض، روى الثوري وحماد بن زيد بن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب: أن عمر جعل في الإبهام خمس عشرة وفي البنصر تسعا، وفي الخنصر ستا، وفي السبابة والوسطى عشرا عشرا. حتى وجد في كتاب الديات عند آل عمرو بن حزم أنه، عليه الصلاة والسلام، قال: الأصابع كلها سواء فأخذ به وترك الأول. ورواه جعفر بن عون عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب قال: قضى عمر، رضي الله تعالى عنه، في الإبهام بثلاث عشرة والتي تليها بثنتي عشرة وفي الوسطى بعشرة وفي التي تليها بتسع وفي الخنصر بست، ولم يلتفت أحد من الفقهاء إلى هذين القولين لما ثبت في حديث الباب عن ابن عباس، وحديث عمرو بن حزم.
وأما مفاصل الأصابع فروي عن قتادة عن عكرمة عن عمر، رضي الله تعالى عنه، أنه قضى في كل أنملة بثلث دية الإصبع، وعن عبد الرزاق عن ابن جريج عن رجل عن مكحول عن زيد بن ثابت أنه قال: في الإصبع الزائدة ثلث دية الإصبع، وقال آخرون: لا شيء فيها، وقال آخرون: فيها حكم.
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: سمعت النبي نحوه
أي: هذا طريق آخر نازل درجة من السند الأول من أجل وقوع التصريح بسماع ابن عباس عن النبي وفي الطريق الأول نوع إرسال صوري لروايته بلفظة: عن.
قوله: نحوه أي: نحو الحديث السابق. وأخرجه ابن ماجة من رواية ابن أبي عدي بلفظ: الأصابع سواء، وابن أبي عدي محمد واسم أبي عدي إبراهيم.
21
((باب إذا أصاب قوم من رجل هل يعاقب؟ أو يقتص منهم كلهم))
أي: هذا باب فيه إذا أصاب قوم من رجل يعني: إذا فجعوه، قوله: يعاقب، على بناء المجهول كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية: يعاقبون بصيغة الجمع وفي رواية: يعاقبوا، بحذف النون وهي لغة ضعيفة، وقال الكرماني: فإن قلت: ما مفعول قوله: يعاقب؟. قلت: هو من تنازع الفعلين في لفظ كلهم. فإن قلت: ما فائدة الجمع بين المعاقبة والاقتصاص؟. قلت: الغالب أن القصاص يستعمل في الدم والمعاقبة المكافأة والمجازاة، مثل مجازاة اللد ونحوه، فلعل غرضه التعميم، ولهذا فسرنا الإصابة بالتفجيع
54

ليتناول الكل. قوله: أو يقتص منهم كلهم يعني إذا قتل أو جرح جماعة شخصا واحدا هل يجب القصاص على الجميع أو يتعين واحد ليقتص منه؟ ولم يذكر الجواب اكتفاء بما ذكره في الباب، ولمكان الاختلاف فيه، فروي عن محمد بن سيرين أنه قال، في الرجل يقتله الرجلان: يقتل أحدهما، ويؤخذ الدية من الآخر. وقال الشعبي، في الرجل يقتله النفر: يدفع إلى أولياء المقتول فيقتلون من شاؤوا ويعفون عمن شاؤوا، ونحوه عن ابن المسيب والحسن وإبراهيم.
ومذهب جمهور العلماء أن جماعة إذا قتلوا واحدا قتلوا به أجمع، وروي نحوه عن علي والمغيرة بن شعبة وعطاء، وروي عن عبد الله بن الزبير ومعاذ: أن لولي القتيل أن يقتل واحدا من الجماعة ويأخذ بقية الدية من الباقين، مثل أن يقتله عشرة أنفس فله أن يقتل واحدا منهم ويأخذ من التسعة تسعة أعشار الدية، وبه قال ابن سيرين والزهري، وقالت الظاهرية: لا قود على واحد منهم أصلا وعليهم الدية، وبه، قال ربيعة، وهو خلاف ما أجمعت عليه الصحابة.
وقال مطرف عن الشعبي في رجلين شهدا على رجل أنه سرق فقطعه علي، ثم جاءا بآخر وقالا: أخطأنا، فأبطل شهادتهما وأخذا بدية الأول، وقال: لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما.
مطرف بضم الميم اسم فاعل من التطريف بالطاء المهملة والراء ابن طريف بفتح الطاء وكسر الراء، يروي عن عامر الشعبي.
قوله: شهدا على رجل كانت الشهادة عند علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، بأن الرجل المذكور سرق، فقطعه علي، رضي الله تعالى عنه. لثبوت سرقته عنده بشهادة هذين الاثنين قوله: ثم جاءا بآخر بلفظ التثنية أي: ثم جاء هذان الشاهدان عند علي، رضي الله تعالى عنه، برجل آخر، وقالا: أخطأنا في ذلك، وكان السارق هذا لا ذاك. قوله: فأبطل أي: علي شهادتهما هذه التي وقعت على الرجل الثاني لكونهما صارا متهمين. قوله: وأخذا على صيغة المجهول أي: وأخذ الشاهدان المذكوران بدية الأول أي: الرجل الأول الذي قطعت يده، ويروى: وأخذ بالإفراد على صيغة المعلوم أي: وأخذهما علي رضي الله تعالى عنه، بدية الرجل الأول. قوله: وقال أي: علي: لو علمت أنكما تعمدتما أي: في شهادتكهما لقطعتكما لأنهما قد أقرا بالخطأ فيه، وهذا التعليق رواه الشافعي، رضي الله تعالى عنه، عن سفيان بن عيينة أحد مشايخه عن مطرف المذكور. وفي التلويح رواه الطبري عن بندار عن شعبة عن قتادة عنه.
6896 وقال لي ابن بشار: حدثنا يحياى، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن غلاما قتل غيلة، فقال عمر: لو اشترك فيها أهل صنعاء لقتلتهم.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وابن بشار بفتح الباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة وبالراء وهو محمد بن بشار المعروف ببندار، و يحيى هو ابن سعيد القطان، و عبيد الله هو ابن عمر العمري.
وهذا الأثر موصول إلى عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، بسند صحيح، ورواه ابن أبي شيبة من وجه آخر: حدثنا وكيع حدثنا العمري عن نافع عن ابن عمر: أن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، قتل سبعة من أهل صنعاء برجل، وقال: لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم. قوله: قتل على صيغة المجهول. قوله: غيلة بكسر الغين المعجمة أي: غفلة وخديعة. قوله: فيها أي: في هذه الفعلة، وفي رواية الكشميهني: فيه، وهو أوجه. قوله: أهل صنعاء بالمد بلدة باليمن، وهذا الأثر حجة للجمهور على أن الجمع يقتل بواحد، وقال صاحب التوضيح كأن البخاري أراد بأثر عمر، رضي الله تعالى عنه، الرد على محمد بن سيرين، قال: في الرجل يقتله الرجلان يقتل أحدهما ويؤخذ الدية من الآخر، وقد ذكرناه عن قريب.
وقال مغيرة بن حكيم عن أبيه: إن أربعة قتلوا صبيا، فقال عمر... مثله.
مغيرة بن حكيم الصنعاني الأنباري، وثقه يحيى والعجلي والنسائي وابن حبان، وروى له مسلم والنسائي والترمذي واستشهد به البخاري، وأثره هذا مختصر من الأثر الذي وصله عبد الله بن وهب ومن طريقه قاسم بن إصبغ والطحاوي
55

والبيهقي، وقال ابن وهب: حدثني جرير بن حازم أن المغيرة بن حكيم الصنعاني حدثه عن أبيه: أن امرأة بصنعاء غاب عنها زوجها وترك في حجرها ابنا له من غيرها، غلاما يقال له: أصيل، فاتخذت المرأة بعد زوجها خليلا، فقالت له: إن هذا الغلام يفضحنا، فاقتله فأبى فامتنعت منه، فطاوعها فاجتمع على قتل الغلام الرجل ورجل آخر والمرأة وخادمها، فقتلوه ثم قطعوا أعضاءه وجعلوه في عيبة بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف والباء الموحدة المفتوحة، وهي وعاء من أدم فطرحوه في ركية بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد الياء آخر الحروف، وهي البئر التي لم تطو في ناحية القرية ليس فيها ماء... فذكر القصة. وفيه: فأخذ خليلها فاعترف، ثم اعترف الباقون فكتب يعلى وهو يومئذ أمير بشأنهم إلى عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، فكتب إليه عمر بقتلهم. قوله: إن أربعة هم: خليل المرأة ورجل آخر والمرأة وخادمها. قوله: صبيا هو الذي ذكرنا اسمه الآن، قوله: مثله أي: مثل قوله: لو اشترك فيها أهل صنعاء لقتلتهم.
وأقاد أبو بكر وابن الزبير وعلي وسويد بن مقرن من لطمة.
أي: أمر بالقود أبو بكر الصديق وعبد الله بن الزبير وعلي بن أبي طالب وسويد بضم السين المهملة ابن مقرن بالقاف وكسر الراء المشددة وبالنون المزني من لطمة أي: من أجل لطمة. وهي الضرب على الخد بالكف.
فأثر أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، رواه ابن أبي شيبة: عن شيبان عن شبابة عن يحيى عن شيبة بن الحضرمي قال: سمعت طارق بن شهاب يقول: لطم أبو بكر يوما رجلا لطمة، فقيل: ما رأينا كاليوم قط منعه ولطمه؟ فقال أبو بكر: إن هذا أتاني يستحملني فحملته فإذا هو يمنعهم، فحلفت لا أحمله ثلاث مرات، ثم قال له: اقتص، فعفا الرجل. وأثر ابن الزبير رواه ابن أبي شيبة أيضا عن ابن عيينة عن عمرو عنه: أنه أقاد من لطمة. وأثر علي، رضي الله تعالى عنه، رواه ابن أبي شيبة أيضا عن أبي عبد الرحمان المسعودي عبد الله بن عبد الملك عن ناجية أبي الحسن عن أبيه: أن عليا، رضي الله تعالى عنه، قال في رجل لطم رجلا، فقال للملطوم:
اقتص. وأثر سويد بن مقرن رواه وكيع عن سفيان بن سعيد عن مغيرة عن إبراهيم عن الشعبي عنه.
وأقاد عمر من ضربة بالدرة.
أي: أقاد عمر بن الخطاب من أجل ضربة بالدرة بكسر الدال وتشديد الراء وهي الآلة التي يضرب بها. وأخرجه أبو الفرج الأصبهاني في تاريخه بسند فيه ضعف وانقطاع.
وأقاد علي من ثلاثة أسواط.
أي: أقاد علي بن أبي طالب من أجل زيادة الجالد على المجلود ثلاثة أسواط. وأخرجه أبو بكر ابن أبي شيبة: حدثنا أبو خالد عن أشعث عن فضيل عن عبد الله بن معقل قال: كنت عند علي فجاءه رجل فساره فقال علي: يا قنبر أخرج هذا واجلده، ثم جاءه المجلود فقال: إنه زاد علي ثلاثة أسواط، فقال له علي: ما تقول؟ قال: صدق يا أمير المؤمنين. قال: خذ السوط واجلده ثلاث جلدات، ثم قال: يا قنبر إذا جلدت فلا تتعد الحدود.
واقتص شريح من سوط وخموش.
أي: اقتص شريح بن الحارث القاضي من أجل سوط وخموش بضم الخاء المعجمة وهو الخدوش وزنا ومعنى: وأخرج هذا الأثر سعيد بن منصور من طريق إبراهيم النخعي قال: جاء رجل إلى شريح فقال: أقدني من جلوازك فسأله فقال: ازدحموا عليك فضربته سوطا، فأقاده منه. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي إسحاق عن شريح أنه أقاد من لطمة وخموش. قلت: الجلواز، بكسر الجيم وسكون اللام وآخره، زاي هو الشرطي، سمي بذلك لأن من شأنه حمل الجلواز بكسر الجيم وهو السير الذي يشد في الوسط، وعادة الشرطي أن يربطه في وسطه، وقال الليث وابن القاسم: يقاد من الضرب بالسوط وغيره إلا اللطمة في العين ففيها العقوبة خشية على العين، والمشهور عن مالك، وهو قول الأكثرين: لا قود في اللطمة إلا
56

إن جرحت ففيها حكومة، والسبب فيه تعذر المماثلة، وإن كانت اللطمة على الخد ففيها القود. وقالت طائفة: لا قصاص في اللطمة، روي هذا عن الحسن وقتادة، وهو قول مالك والكوفيين والشافعي، وقال الشافعي: إذا جرح ففيه حكومة.
6897 حدثنا مسدد، حدثنا يحياى عن سفيان، حدثنا موساى بن أبي عائشة، عن عبيد الله بن عبد الله قال: قالت عائشة: لددنا رسول الله في مرضه، وجعل يشير إلينا: لا تلدوني. قال: فقلنا: كراهية المريض بالدواء، فلما أفاق قال: ألم أنهكم أن تلدوني؟ قال: قلنا: كراهية للدواء. فقال رسول الله لا يبقى منكم أحد إلا لد، وأنا أنظر، إلا العباس فإنه لم يشهدكم.
هذا الحديث قد مضى عن قريب في: باب القصاص بين الرجال والنساء فإنه أخرجه هناك عن عمرو بن علي عن يحيى إلى آخره، وهنا أخرجه عن مسدد عن يحيى القطان عن سفيان الثوري عن موسى بن أبي عائشة الهمداني عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود. وقال الكرماني: وحديث اللدود ليس صريحا في القصاص لاحتمال أن يكون عقوبة لهم حيث خالفوا أمره صلى الله عليه وسلم قال شارح التراجم أما القصاص من اللطمة والدرة والأسواط فليس من الترجمة، لأنه من شخص واحد، وقد يجاب عنه بأنه إذا كان القود يؤخذ من هذه المحقرات فكيف لا يقاد من الجمع من الأمور العظام كالقتل والقطع وأشباه ذلك.
قوله: لا تلدوني بالضم، وقيل بالكسر. قوله: قال أي: قال قوله: كراهية بالنصب والرفع قوله: بالدواء ويروى: للدواء. قوله: ألم أنهكم؟ ويروى: ألم أنهكن؟ قوله: إلا لد بضم اللام وتشديد الدال على صيغة المجهول. قوله: وأنا أنظر جملة حالية أي: بحضوري وحالة نظري إليه. قوله: إلا العباس استثناء من أحد وهو لم يكن حاضرا وقت اللد فلا قصاص عليه، ومر الكلام فيه في الباب المذكور فليرجع إليه.
22
((باب القسامة))
أي: هذا باب في بيان القسامة وأحكامها. والقسامة بفتح القاف وتخفيف السين المهملة مصدر أقسم قسما وقسامة، وفي بعض النسخ: كتاب القسامة، وقال الكرماني: هي مشتقة من القسم على الدم أو من قسمته اليمين انتهى. يقال: أقسمت إذا حلفت، وقسمت قسامة لأن فيها اليمين، والصحيح أنها اسم للأيمان. وقال الأزهري: إنها اسم للأولياء الذين يحلفون على استحقاق دم المقتول، وقال ابن سيده: القسامة الجماعة يقسمون على الشيء أو يشهدون به، ويمين القسامة منسوبة إليهم ثم أطلقت على الأيمان نفسها.
وقال الأشعث بن قيس: قال النبي صلى الله عليه وسلم شاهداك أو يمينه
قال بعضهم: أشار البخاري بذكره هنا إلى ترجيح رواية سعيد بن عبيد في حديث الباب: أن الذي يبدأ في يمين القسامة المدعى عليهم. قلت: الظاهر أن البخاري ذهب إلى ترك القتل بالقسامة لأنه صدر هذا الباب، أولا بحديث الأشعث بن قيس والحكم فيه مقصور على البينة أو اليمين، ثم ذكر عن ابن أبي مليكة وعمر بن عبد العزيز بالإرسال بغير إسناد، وروى ابن أبي شيبة عن عبد الرحيم بن سليمان عن الحسن: أن أبا بكر وعمر والجماعة الأول لم يكونوا يقتلون بالقسامة، وروي عن إبراهيم بسنده: القود بالقسامة جور، وفي رواية أبي معشر: القسامة يستحق فيها الدية ولا يقاد فيها، كذا قاله قتادة.
والأشعث بسكون الشين المعجمة وفتح العين المهملة وبالثاء المثلثة ابن قيس الكندي قدم على النبي في ستين راكبا من كندة وأسلم ثم ارتد عن الإسلام بعد النبي ثم رجع إلى الإسلام في خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه، ومات سنة أربعين بعد قتل علي بن أبي طالب،
57

رضي الله تعالى عنه، بأربعين يوما، وصلى عليه الحسن بن علي، رضي الله تعالى عنهما. وحديثه قد مضى مطولا موصولا في كتاب الشهادات ثم في كتاب الأيمان والنذور. ومضى الكلام فيه.
وقال ابن أبي مليكة: لم يقد بها معاوية.
أي: قال عبد الله بن أبي مليكة بضم الميم واسمه زهير وهو جد عبد الله وأبوه عبد الرحمان نسب إلى جده وكان قاضي ابن الزبير، رضي الله تعالى عنهما. قوله: لم يقد بضم الياء من أقاد أي: لم يقتص معاوية بن أبي سفيان، يعني: لم يحكم بالقود في القسامة، ووصله حماد بن سلمة في مصنفه عن ابن أبي مليكة: سألني عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه، عن القسامة فأخبرته أن عبد الله بن الزبير أقاد بها، وأن معاوية يعني ابن أبي سفيان لم يقد بها. وقال البيهقي: روينا عن معاوية خلافه، وقال ابن بطال: وقد صح عن معاوية أنه أقاد بها.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة وكان أمره على البصرة في قتيل وجد عند بيت من بيوت السمانين: إن وجد أصحابه بينة وإلا فلا تظلم الناس، فإن هاذا لا يقضاى فيه إلى يوم القيامة.
عدي بن أرطاة غير منصرف الفزاري من أهل دمشق. قوله: وكان أمره أي: جعله أميرا على البصرة في سنة تسع وتسعين وقتله معاوية بن يزيد بن المهلب في آخر سنة اثنتين ومائة. قوله: في قتيل أي: في أمر قتيل. قوله: السمانين جمع سمان وهم الذين يبيعون السمن. قوله: إن وجد الخ بيان كتاب عمر بن عبد العزيز، وهو إن وجد أصحاب القتيل بينة فاحكم بها. قوله: وإلا أي: وإن لم يجد أصحاب القتيل بينة فلا تظلم الناس أي: لا تحكم بشيء فيه، فإن هذه القضية من القضايا التي لا يحكم فيها إلى يوم القيامة لأن فيها الشهادة على الغائب، وشهادة من لا يصلح لها. وروى ابن أبي شيبة: حدثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري قال: دعاني عمر بن عبد العزيز فسألني عن القسامة، وقال: بدا لي أن أردها. أن الأعرابي يشهد والرجل الغائب يجيء فيشهد. قلت: يا أمير المؤمنين إنك لن تستطيع ردها، قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده، وحدثنا ابن نمير حدثنا سعيد عن قتادة أن سليمان بن يسار حدث أن عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه قال: ما رأيت مثل القسامة قط أقيد بها، والله تعالى يقول: * (واشهدوا ذوى عدل منكم) * وقالت الأسباط: * (وما شهدنا إلا بما علمنا) * قال سليمان: فقلت: القسامة حق قضى بها رسول الله
6898 حدثنا أبو نعيم، حدثنا سعيد بن عبيد، عن بشير بن يسار زعم أن رجلا من الأنصار يقال له: سهل بن أبي حثمة أخبره أن نفرا من قومه انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها، ووجدوا أحدهم قتيلا، وقالوا للذي وجد فيهم: قتلتم صاحبنا قالوا: ما قتلنا ولا علمنا قاتلا فانطلقوا إلى النبي فقالوا: يا رسول الله انطلقنا إلى خيبر فوجدنا أحدنا قتيلا. فقال: الكبر الكبر فقال لهم: تأتون بالبينة على من قتله؟ قالوا: ما لنا بينة. قال: فيحلفون قالوا: لا نرضاى بأيمان اليهود، فكره رسول الله أن يبطل دمه فوداه مائة من إبل الصدقة.
أي: ذكر البخاري هذا الحديث مطابقا لما قبله في عدم القود في القسامة، وأن الحكم فيها مقصور على البينة واليمين كما في حديث الأشعث.
وأخرجه عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن سعيد بن عبيد أبي الهذيل الطائي الكوفي عن بشير بضم
58

الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالراء ابن يسار بفتح الياء، آخر الحروف وتخفيف السين المهملة وبالراء المدني مولى الأنصار، وقال ابن سعد: كان شيخا كبيرا فقيها أدرك عامة الصحابة، ووثقه يحيى بن معين والنسائي وكناه محمد بن إسحاق: أبا كيسان، وهو يروي عن سهل بن أبي حثمة بفتح الحاء المهملة وسكون الثاء المثلثة، وقال الحافظ المزي: هو سهل بن عبد الله بن أبي حثمة بفتح الحاء المهملة والثاء المثلثة واسمه عامر بن ساعدة الأنصاري وكنيته أبو يحيى، وقيل: أبو محمد. والحديث مضى في الصلح وفي الجزية عن مسدد وفي الأدب عن سليمان بن حرب. وأخرجه بقية الجماعة، وقد ذكرناه. وأخرجه الطحاوي من أربع طرق صحاح. الأول: قال: حدثنا يونس قال: حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد سمع بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة قال: وجد عبد الله بن سهل قتيلا في قليب من قلب خيبر، فجاء أخوه عبد الرحمان بن سهل وعماه حويصة ومحيصة ابنا مسعود إلى رسول الله فذهب عبد الرحمان ليتكلم فقال النبي الكبر الكبر ليتكلم أحد عميه إما حويصة وإما محيصة، فتكلم الكبير منهما، فقال: يا رسول الله إنا وجدنا عبد الله بن سهل قتيلا في قليب من قلب خيبر، وذكر عداوة اليهود لهم، قال: أفتبرئكم اليهود بخمسين يمينا أنهم لم يقتلوه؟ قال: فقلت: وكيف نرضى بأيمانهم وهم مشركون؟ قال: فيقسم منكم خمسون أنهم قتلوه؟ قالوا: كيف نقسم على ما لم نره، فوداه رسول الله من عنده. وإنما ذكرنا هذا لأنه كالشرح لحديث الباب.
قوله: زعم أي: قال، وليس في رواية ابن نمير: زعم، بل عنده: عن سهل بن أبي حثمة الأنصاري أنه أخبره. قوله: أن نفرا بفتح النون والفاء وهو رهط الإنسان وعشيرته وهو اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة ولا واحد له من لفظه، وقد بين الطحاوي هؤلاء النفر وهم: عبد الرحمان بن سهل وعماه حويصة ومحيصة. قوله: ووجدوا أحدهم وهو عبد الله بن سهل. قوله: وقالوا للذي وجد فيهم أي: للذين وجد فيهم، وهذا مثل قوله تعالى: * (وخضتم كالذي خاضوا) * قوله: الكبر الكبر بضم الكاف فيهما وبالنصب فيهما على الإغراء. وقال الكرماني: الكبر، بضم الكاف مصدر أو جمع الأكبر أو مفرد بمعنى الأكبر، يقال: هو كبرهم أي: أكبرهم، ويروى: الكبر بكسر الكاف وفتح الباء أي: كبير السن أي: قدموا الأكبر سنا في الكلام. قوله: أن يبطل بضم الياء من الإبطال ويجوز فتحها من البطلان. قوله: فوداه مائة وفي رواية الكشميهني، بمائة، بزيادة حرف الباء. قوله: من إبل الصدقة وزعم بعضهم أنه غلط من سعيد بن عبيد لتصريح يحيى بن سعيد من عنده. ووفق قوم بين الروايتين بأنه يحتمل أنه كان اشتراه من إبل الصدقة بمال دفعه من عنده، أي: من بيت المال المرصد للمصالح، وأطلق
عليه الصدقة باعتبار الانتفاع به مجانا لما في ذلك من قطع المنازعة وإصلاح ذات البين.
وهذا الحديث مشتمل على أحكام:
الأول: فيه مشروعية القسامة في الدم، وهو أمر كان في الجاهلية فأقره رسول الله في الإسلام، وتوقفت طائفة عن الحكم بالقسامة، روي ذلك عن سالم بن عبد الله بن عمر وأبي قلابة وعمر بن عبد العزيز والحكم بن عتيبة، وقد ذكرنا بعض ذلك. الثاني: أن القوم إذا اشتركوا في معنى من معان الدعوى وغيرها كان أولاهم أن يبدأ بالكلام أكبرهم. الثالث: فيه جواز الوكالة في المطالبة بالحدود. الرابع: فيه جواز وكالة الحاضر لأن ولي الدم فيه هو عبد الرحمان بن سهل أخو القتيل وحويصة ومحيصة ابنا عمه. الخامس: فيه كيفية القسامة الواجبة فيه. وقد اختلفوا فيها، فقال يحيى بن سعيد وأبو الزناد وربيعة ومالك والشافعي وأحمد والليث بن سعد: يستحلف المدعون بالدم فإذا حلفوا استحقوا ما ادعوا، وهذا في القسامة خاصة وهو يخص قوله البينة على المدعي واليمين على من أنكر، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: البينة على المدعي واليمين على من أنكر إلا في القسامة وقال البيهقي: هذا الحديث مخصوص بما أخبرنا علي بن بشير أخبرنا علي بن محمد المصري حدثنا عبدة بن سليمان حدثنا مطرف بن عبد الله حدثنا الزنجي عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم قال: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر إلا في القسامة وقال عثمان البتي والحسن بن صالح وسفيان الثوري وعبد الرحمان
59

بن أبي ليلى وعبد الله بن شبرمة وعامر الشعبي وإبراهيم النخعي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد، رحمهم الله: يبدأ بأيمان المدعى عليهم فيحلفون ثم يغرمون الدية، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه.
وأجابوا عن حديث عمرو بن شعيب بأنه معلول من خمسة وجوه. الأول: أن الزنجي هو مسلم بن خالد شيخ الشافعي ضعيف، كذا قال البيهقي نفسه في سننه في: باب من زعم أن التراويح بالجماعة أفضل، وقال ابن المديني: ليس بشيء، وقال أبو زرعة والبخاري: منكر الحديث. الثاني: أن ابن جريج لم يسمع من عمرو، حكاه البيهقي أيضا في سننه في: باب وجوب الفطرة على أهل البادية عن البخاري: أن ابن جريج لم يسمع من عمرو. الثالث: الاحتجاج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مختلف فيه. الرابع: أن الزنجي مع ضعفه خالفه عبد الرزاق وحجاج وقتادة فرووه عن ابن جريج عن عمرو مرسلا، كذا ذكره الدارقطني في سننه الخامس: أن الزنجي اختلف عليه فيه. قال الذهبي: قال عثمان بن محمد بن عثمان الرازي: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة: أن رسول الله قال: البينة على المدعي واليمين على من أنكر إلا في القسامة
السادس: من الأحكام فيه أن القتيل إذا وجد في المحلة فالقسامة والدية على أهل المحلة.
وقال أبو عمر: ما نعلم في شيء من الأحكام المروية عن رسول الله في الاضطراب والتضاد ما في هذه القضية فإن الآثار فيها متضادة متدافعة، وهي قضية واحدة. وذكر أبو القاسم البلخي في معرفة الرجال عن ابن إسحاق قال: سمعت عمرو بن شعيب يحلف في المسجد الحرام: والله الذي لا إلاه إلا هو إن حديث سهل بن أبي حثمة في القسامة ليس كما حدث، ولقد وهم. وقال أبو عمر: وقد خطأ جماعة من أهل الحديث حديث سعيد بن عبيد وذموا البخاري في تخريجه وتركه رواية يحيى بن سعيد. قال الأصيلي: أسنده عن يحيى شعبة وسفيان بن عيينة وعبد الوهاب الثقفي وعيسى بن حماد وبشر بن المفضل وهؤلاء ستة نفر أسندوه، وأرسله مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار، ولم يذكر سهل بن أبي حثمة. وقال الأثرم: قال أحمد: الذي أذهب إليه في القسامة حديث بشير من رواية يحيى فقد وصله عنه حفاظ وهو أصح من حديث سعيد بن عبيد. وقال النسائي: لا أعلم أحدا تابع سعيد بن عبيد على روايته عن بشير، وقال صاحب التوضيح قد ذكره الدارقطني من حديث حبيب بن أبي ثابت عن بشير مثله.
قلت: حديث يحيى بن سعيد رواه مسلم من طرق عديدة منها: ما رواه وقال: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة، قال يحيى: وحسبت قال: وعن رافع بن خديج أنهما قالا: خرج عبد الله بن سهل بن زيد ومحيصة بن مسعود بن زيد حتى إذا كانا بخيبر تفرقا في بعض ما هنالك، ثم إذا محيصة يجد عبد الله بن سهل قتيلا، فدفنه ثم أقبل إلى رسول الله هو وحويصة بن مسعود وعبد الرحمان بن سهل وكان أصغر القوم، فذهب عبد الرحمان ليتكلم قبل صاحبه فقال له رسول كبر الكبر في السن، فصمت وتكلم صاحباه وتكلم معهما، فذكروا لرسول الله مقتل عبد الله بن سهل، فقال لهم: أتحلفون خمسين يمينا فتستحقون صاحبكم؟ قالوا: كيف نحلف ولم نشهد؟ قال: فتبرئكم يهود بخمسين يمينا؟ قالوا: وكيف نقبل أيمان كفار؟ فلما رأى ذلك رسول الله أعطى عقله.
6899 حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم الأسدي، حدثنا الحجاج ابن أبي عثمان، حدثني أبو رجاء من آل أبي قلابة، حدثني أبو قلابة أن عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يوما للناس، ثم أذن لهم فدخلوا فقال: ما تقولون في القسامة؟ قال: نقول: القسامة القود بها حق، وقد أقادت بها الخلفاء. قال لي: ما تقول يا أبا قلابة؟ ونصبني للناس. فقلت: يا أمير المؤمنين عندك رؤوس الأجناد وأشراف العرب، أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل محصن
60

بدمشق أنه قد زنى ولم يروه، أكنت ترجمه؟ قال: لا. قلت: أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل بحمص أنه سرق أكنت تقطعه ولم يروه؟ قال: لا. قلت: فوالله ما قتل رسول الله أحدا قط، إلا في إحدى ثلاث خصال: رجل قتل بجريرة نفسه فقتل، أو رجل زنى بعد إحصان، أو رجل حارب الله ورسوله وارتد عن الإسلام. فقال القوم: أو ليس قد حدث أنس بن مالك أن رسول الله قطع في السرق، وسمر الأعين ثم نبذهم في الشمس؟ فقلت: أنا أحدثكم حديث أنس.
حدثني أنس أن نفرا من عكل ثمانية قدموا على رسول الله فبايعوه على الإسلام فاستوخموا الأرض فسقمت أجسامهم، فشكوا ذالك إلى رسول الله قال: أفلا تخرجون مع
راعينا في إبله فتصيبون من ألبانها وأبوالها قالوا: بلاى، فخرجوا فشربوا من ألبانها وأبوالها فصحوا فقتلوا راعي رسول الله وأطردوا النعم، فبلغ ذالك رسول الله فأرسل في آثارهم، فأدركوا فجيء بهم فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم ثم نبذهم في الشمس، حتى ماتوا. قلت: وأي شيء أشد مما صنع هؤلاء؟ ارتدوا عن الإسلام، وقتلوا، وسرقوا. فقال عنبسة بن سعيد: والله إن سمعت كاليوم قط. فقلت: أترد علي حديثي يا عنبسة؟ قال: لا، ولاكن جئت بالحديث على وجهه، والله لا يزال هاذا الجند بخير ما عاش هاذا الشيخ بين أظهرهم. قلت: وقد كان في هاذا سنة من رسول الله دخل عليه نفر من الأنصار فتحدثوا عنده، فخرج رجل منهم بين أيديهم فقتل، فخرجوا بعده فإذا هم بصاحبهم يتشحط في الدم، فرجعوا إلى رسول الله فقالوا: يا رسول الله صاحبنا كان تحدث معنا فخرج بين أيدينا فإذا نحن به يتشحط في الدم، فخرج رسول الله فقال: بمن تظنون أو ترون قتله؟ قالوا: نراى أن اليهود قتلته. فأرسل إلى اليهود فدعاهم، فقال: آنتم قتلتم هذا؟ قالوا: لا. قال: أترضون نفل خمسين من اليهود ما قتلوه؟ فقالوا: ما يبالون أن يقتلونا أجمعين، ثم ينتفلون. قال: أفتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم؟ قالوا: ما كنا لنحلف. فوداه من عنده. قلت: وقد كانت هذيل خلعوا حليفا لهم في الجاهلية، فطرق أهل بيت من اليمن بالبطحاء فانتبه له رجل منهم، فحذفه بالسيف فقتله، فجاءت هذيل فأخذوا اليماني فرفعوه إلى عمر بالموسم، وقالوا: قتل صاحبنا. فقال: إنهم قد خلعوه. فقال: يقسم خمسون من هذيل ما خلعوه؟ قال: فأقسم منهم تسعة وأربعون رجلا، وقدم رجل منهم من الشأم، فسألوه أن يقسم فافتدى يمينه منهم بألف درهم، فأدخلوا مكانه رجلا آخر، فدفعه إلى أخي المقتول، فقرنت يده بيده. قالوا: فانطلقنا والخمسون الذين أقسموا، حتى إذا كانوا بنخلة
61

أخذتهم السماء، فدخلوا في غار في الجبل فانهجم الغار على الخمسين الذين أقسموا، فماتوا جميعا، وأفلت القرينان واتبعهما حجر، فكسر رجل أخي المقتول، فعاش حولا ثم مات. قلت: وقد كان عبد الملك بن مروان أقاد رجلا بالقسامة، ثم ندم بعد ما صنع، فأمر بالخمسين الذين أقسموا، فمحوا من الديوان وسيرهم إلى الشام.
إيراد البخاري هذا الحديث هنا من حيث إن الحلف فيه توجه أولا على المدعى عليه لا على المدعي كقصة النفر من الأنصار.
وأبو بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة هو إسماعيل المشهور بابن علية اسم أمه الأسدي بفتح السين منسوب إلى بني أسد بن خزيمة لأن أصله بل من مواليهم، والحجاج بفتح الحاء المهملة وتشديد الجيم الأولى هو المعروف بالصواب، واسم أبي عثمان ميسرة، وقيل: سالم، وكنية الحجاج أبو الصلت، ويقال غير ذلك، وهو بصري وهو مولى بني كندة، وأبو رجاء ضد الخوف اسمه سلمان وهو مولى أبي قلابة بكسر القاف وتخفيف اللام عبد الله بن زيد الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء، ووقع هاهنا من آل أبي قلابة. وفيه تجوز، فإنه منهم باعتبار الولاء لا بالأصالة.
وقد أخرجه أحمد فقال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا حجاج عن أبي رجاء مولى أبي قلابة، وكذا عند مسلم عن أبي شيبة.
وعمر بن عبد العزيز هو أمير المؤمنين. من الخلفاء الراشدين. قوله: أبرز أي: أظهر سريره وهو ما جرت عادة الخلفاء بالاختصاص بالجلوس عليه، والمراد به أنه أخرجه إلى ظاهر الدار لا إلى جهة الشارع، وكان ذلك زمن خلافته وهو بالشام. قوله: ثم أذن لهم أي: للناس فدخلوا عنده. قوله: القسامة القود بها حق القسامة مبتدأ. وقوله: القود مبتدأ ثان، وحق خبره والجملة خبر المبتدأ الأولى ومعنى حق واجب. قوله: الخلفاء نحو معاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن الزبير وعبد الملك بن مروان، لأنه نقل عنهم أنهم كانوا يرون القود بالقسامة. قوله: يا با قلابة أصله: يا أبا قلابة، بالهمزة حذفت للتخفيف، وأبو قلابة هو الراوي في الحديث. قوله: ونصبني قال الكرماني أي: أجلسني خلف سريره للإفتاء ولإسماع العلم. وقيل: معناه أبرزني لمناظرتهم، أو لكونه خلف السرير فأمره أن يظهر، وهذا التفسير أحسن ويساعده رواية أبي عوانة: وأبو قلابة خلف السرير قاعد، فالتفت إليه فقال: ما تقول يا أبا قلابة؟ قوله: رؤوس الأجناد بفتح الهمزة وسكون الجيم: جمع جند، وهو في الأصل الأنصار والأعوان ثم اشتهر في المقاتلة، وكان عمر، رضي الله تعالى عنه، قسم الشام بعد موت أبي عبيدة ومعاذ على كل أربعة أمراء مع كل أمير جند، فكان كل من فلسطين ودمشق وحمص وقنسرين يسمى جندا باسم الجند الذين نزلوها. وقيل: كان الرابع الأردن، وإنما أفردت قنسرين بعد ذلك وكان أمراء الأجناد خالد بن الوليد، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو بن العاص، رضي الله تعالى عنهم. قوله: وأشراف العرب وفي رواية أحمد بن حرب: وأشراف الناس، الأشراف جمع شرف يقال: فلان شرف قومه، أي: رئيسهم وكريمهم وذو قدر وقيمة عندهم يرفع الناس أبصارهم للنظر إليه ويستشرفونه. قوله: أرأيت؟ أي: أخبرني. قوله: بدمشق أي: كائن بدمشق بكسرالدال وفتح الميم وسكون الشين المعجمة البلد المشهور بالشام ديار الأنبياء، عليهم السلام. قوله: بحمص بكسر الحاء المهملة وسكون الميم بلد مشهور بالشام، وقال الشيخ أبو الحسن القابسي: لم يمثل أبو قلابة بما شبهه لأن الشهادة طريقها غير طريق اليمين. وقال: والعجب من عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه، على مكانته من العلم كيف لم يعارض أبا قلابة في قوله وليس أبو قلابة من فقهاء التابعين، وهو عند الناس معدود في البلد؟ وقال صاحب التوضيح ويدل على صحة مقالة الشيخ أبي الحسن في الفرق بين الشهادة واليمين أنه عرض على أولياء المقتول اليمين وعلم أنهم لم يحضروا بخيبر. قوله: إلا في إحدى وفي رواية أحمد بن حرب: إلا بإحدى. قوله: قتل بجريرة نفسه بفتح الجيم وهو الذنب والجناية أي: قتل نفسا بما يجر إلى نفسه من الذنب أو الجناية أي: قتل ظلما فقتل قصاصا. قوله: فقتل على صيغة المجهول، ويروى: فقتل، على صيغة المعلوم أي: قتله رسول الله
62

قيل: هذا الحديث حجة على أبي قلابة لأنه إذا ثبت القسامة فقتل قصاصا أيضا. وأجيب: بأنه ربما أجاب بأنه بعد ثبوتها لا يستلزم القصاص لانتفاء الشرط. قوله: أوليس؟ الهمزة للاستفهام والواو للعطف على مقدر لائق بالمقام. قوله: في السرق بفتح السين والراء مصدر سرق سرقا، وقال الكرماني: السرق جمع سارق وبالكسر السرقة. قوله: وسمر الأعين بالتشديد والتخفيف ومعناه: كحلها بالمسامير. قوله: ثم نبذهم أي: طرحهم. قوله: من عكل بضم العين المهملة وسكون الكاف وهي قبيلة. فإن قلت: قد تقدم في الطهارة: من العرنيين؟. قلت: كان بعضهم من عكل وبعضهم من العرنيين، وثبت كذلك في بعض الطرق. قوله: ثمانية بالنصب بدل
من نفر. قوله: فاستوخموا الأرض أي: لم توافقهم وكرهوها، وأصله من الوخم بالخاء المعجمة، يقال: وخم الطعام إذا ثقل فلم يستمرىء فهو وخيم. قوله: فسقمت بكسر القاف. قوله: أجسامهم وفي رواية أحمد بن حرب: أجسادهم. قوله: مع راعينا اسمه يسار ضد اليمين النوبي بضم النون وبالباء الموحدة. قوله: واطردوا النعم أي: ساقوا الإبل. قوله: فأدركوا على صيغة المجهول وهذا الحديث قد مر أكثر من عشر مرات. منها في كتاب الوضوء: قوله: فقال عنبسة بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة ثم بالسين المهملة ابن سعيد الأموي أخو عمرو بن سعيد الأشدق واسم جده العاص بن سعيد بن العاص بن أمية. وكان عنبسة من خيار أهل بيته، وكان عبد الملك بن مروان بعد أن قتل أخاه عمرو بن سعيد يكرمه، وله رواية وأخبار مع الحجاج بن يوسف، ووثقه ابن معين وغيره. قوله: إن سمعت كاليوم قط كلمة: إن بكسر الهمزة وسكون النون بمعنى: ما، النافية ومفعول: سمعت، محذوف تقديره: ما سمعت قبل اليوم مثل ما سمعت منك اليوم. قوله: فقلت: أترد علي؟ القائل، أبو قلابة كأنه فهم من كلام عنبسة إنكار ما حدث به. قوله: قال: لا أي: قال عنبسة: لا أرد عليك. قوله: هذا الشيخ أي: أبو قلابة. قوله: وقد كان إلى قوله: فوداه من عنده من كلام أبي قلابة، أورد فيه لأنه قصة عبد الله بن سهل المذكورة. قوله: في هذا قال الكرماني أي: في مثل هذا سنة، وهي أنه يحلف المدعى عليه أولا. قوله: دخل عليه إلى قوله: وقد كانت هذيل بيان القصة المذكورة أي: دخل على رسول الله فقتل على صيغة المجهول، قوله: فإذا هم كلمة... إذا، للمفاجأة قوله: يتشحط بالشين المعجمة وبالحاء والطاء المهملتين أي: يضطرب. قوله: فخرج رسول الله لعله لما جاؤوه كان في داخل بيته أو في المسجد فخرج إليهم فأجابهم. قوله: أو ترون؟ بضم أوله شك من الراوي وهي بمعنى تظنون. قوله: نرى بضم النون أي: نظن أن اليهود قتلته هكذا بتاء التأنيث في رواية المستملي وفي رواية غيره قتله بدون التاء، وقال بعضهم في رواية المستملي: قتلنه بصيغة الجمع. قلت: هذا غلط فاحش لأنه مفرد مؤنث ولا يصح أن يقول: قتلنه، بالنون بعد اللام لأنه صيغة جمع المؤنث. قوله: أترضون نفل خمسين يمينا بفتح النون وسكون الفاء وبفتحها، وهو الحلف. وقال ابن الأثير: يقال نفلته فنفل أي: حلفته فحلف، ونفل وانتقل إذا حلف، وأصل النفل النفي، يقال: نفلت الرجل عن نسبه أي: نفيته، وسميت اليمين في القسامة نفلا لأن القصاص ينفى بها. قوله: ثم ينتفلون من باب الافتعال أي: ثم يحلفون. قوله: بأيمان خمسين بالإضافة أو الوصف. وهو أولى. قوله: ما كنا لنحلف بكسر اللام وبنصب الفاء أي: لأن نحلف. قوله: فقلت القائل هو أبو قلابة. قوله: وقد كانت هذيل بضم الهاء وفتح الذال المعجمة، وهي القبيلة المشهورة، ينسبون إلى هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر، وهي قصة موصولة بالسند المذكور إلى أبي قلابة لكنها مرسلة لأن أبا قلابة لم يدرك عمر، رضي الله تعالى عنه. قوله: حليفا بالحاء المهملة وبالفاء، هكذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: خليعا، بالخاء المعجمة وبالعين المهملة على وزن فعيل بفتح الفاء وكسر العين، والخليع يقال لرجل قال له قومه: ما لنا منك ولا علينا، وبالعكس. وتخالع القوم إذا نقضوا الحلف فإذا فعلوا ذلك لم يطالبوه بجناية، فكأنهم خلعوا اليمين التي كانوا كتبوها معه، ومنه سمي الأمير إذا عزل: خليعا. قوله: فطرق بضم الطاء المهملة أي: هجم عليهم ليلا. قوله: بالبطحاء أي: ببطحاء مكة، وهو واد بها الذي فيه حصاة اللين في بطن المسيل، والبطحاء
63

الحصى الصغار. قوله: فانتبه له أي: للخليع المذكور فحذفه أي: رماه بسيف فقتله. قوله: فاخذوا اليماني بتخفيف الياء أي: الرجل اليماني. قوله: فرفعوه إلى عمر أي: فرفعوا أمره إلى عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه. قوله: بالموسمي بكسر السين وهو الوقت الذي يجتمع فيه الحاج كل سنة كأنه وسم بذلك الوسم، وهو مفعل منه اسم للزمان لأنه معلم لهم يقال وسمه يسمه وسما وسمة إذا أثر فيه بكى. قوله: قد خلعوا أي: قد خلعوه. قوله: تسعة وأربعون رجلا فإن قلت: قال عمر: يقسم خمسون رجلا من هذيل. قلت: مثل هذا الإطلاق جائز من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء، أو المراد الخمسون تقريبا. قوله: بنخلة بفتح النون وسكون الخاء المعجمة موضع على ليلة من مكة ولا ينصرف. قوله: أخذتهم السماء أي: المطر. قوله: فانهجم الغار أي: سقط. قوله: فماتوا جميعا لأنهم حلفوا كاذبين. قوله: وأفلت القرينان أخو المقتول والرجل الذي أكمل الخمسين وهما اللذان قرنت يد أحدهما بيد الآخر. وقوله: أفلت على صيغة المجهول أي: تخلص، يقال: أفلت وتفلت وانفلت كلها بمعنى تخلص. قوله: واتبعهما حجر بتشديد التاء أي: وقع عليهما بعد أن خرجا من الغار. قوله: قلت القائل هو أبو قلابة. قوله: فمحوا بضم الميم من المحو. قوله: من الديوان بكسر الدال وفتحها وهو الدفتر الذي يكتب فيه أسماء الجيش وأصل العطاء، وأول من دون الديوان عمر رضي الله تعالى عنه، وهو فارسي معرب. قوله: إلى الشام أي: نفاهم، وفي رواية أحمد بن حرب: من الشام، وهذه أوجه لأن إمامة عبد الملك كانت بالشام اللهم إلا أن يقال: لما نفاهم كان بالعراق لمحاربة مصعب بن الزبير، فحينئذ يكونون من أهل العراق فنفاهم إلى الشام، وقال القابسي: عجبا لعمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه، كيف أبطل حكم القسامة الثابت بحكم رسول الله وعمل الخلفاء الراشدين بقول أبي قلابة، وهو من جملة التابعين؟ وسمع منه في ذلك قولا مرسلا غير مسند مع أنه انقلبت عليه قصة الأنصار إلى قصة خيبر، فركب إحداهما بالأخرى لقلة حفظه؟ وكذا سمع حكاية مرسلة مع أنها لا تعلق بها بالقسامة إذ الخلع ليس قسامة، وكذا محو عبد الملك لا حجة فيه، والله أعلم.
23
((باب من اطلع في بيت قوم ففقؤوا عينه فلا دية له))
أي: هذا باب في بيان حكم من اطلع في بيت قوم... الخ قوله: اطلع، بتشديد الطاء. قوله: ففقؤوا عينه أي: ففقأ القوم عين المطلع. قوله: فلا دية له، جواب: من أي: فلا تجب الدية للمطلع قال الجوهري: فقأت عينه فقأ وفقأتها تفقئه إذا بخصتها، وقال ابن الأثير: الفقء الشق والبخص، ومنه حديث موسى، عليه السلام، أنه فقأ ملك الموت.
6900 حدثنا أبو اليمان، حدثنا حماد بن زيد، عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس، عن أنس، رضي الله عنه، أن رجلا اطلع في بعض حجر النبي صلى الله عليه وسلم
فقام إليه بمشقص أو بمشاقص وجعل يختله ليطعنه.
انظر الحديث 6242 وطرفه
قيل: لا يطابق الحديث الترجمة لأنه ليس فيه التصريح بأنه لا دية له. وأجيب بأن في بعض طرقه التصريح بذلك، وقد جرت عادته بالإشارة إلى ما ورد فيه من ذلك، ومر مثله كثيرا.
وأبو اليمان الحكم بن نافع، وفي بعض النسخ: حدثنا أبو النعمان وهو محمد بن الفضل، وعبيد الله بن أبي بكر يروي عن جده أنس بن مالك.
والحديث مضى في الاستئذان عن مسدد، ومضى الكلام فيه.
قوله: أن رجلا قال ابن بشكوال عن الحسن بن مغيث: إنه الحكم بن العاص بن أمية. قوله: اطلع أي: نظر من علو. قوله: من حجر في بعض حجر النبي قال الكرماني: الحجر أولا البنية وثانيا جمع الحجرة. قلت: الحجر، بالكسر الحائط والمعنى أنه اطلع من حائط في بعض حجر النبي وهو بضم الحاء وفتح الجيم جمع حجرة الدار. قوله: بمشقص بكسر الميم وهو النصل العريض. قوله: أو بمشاقص شك من الراوي هو جمع مشقص، ويروى: مشاقص، بدون الباء في أوله. قوله: يختله بالخاء المعجمة أي: يستغفله ويأتيه من حيث يراه. قوله: ليطعنه بضم العين وفتحها.
64

6901 حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ل يث، عن ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن رجلا اطلع في جحر في باب رسول الله ومع رسول الله مدرى يحك به رأسه، فلما رآه رسول الله قال: لو أعلم أن تنتظرني لطعنت به في عينيك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل الإذن من قبل البصر
انظر الحديث 5924 وطرفه
الكلام في وجه الترجمة مثل الكلام في الحديث السابق. والحديث مضى في: باب الاستئذان، ومضى الكلام فيه.
قوله: في جحر بضم الجيم وسكون الحاء وهو البخش أو الشق في الباب. قوله: في باب رسول الله وفي رواية الكشميهني: من باب رسول الله وكذلك من جحر عنده. قوله: مذرى بكسر الميم وسكون الذال المعجمة وبالراء مقصورا منونا حديدة يسوى بها شعر الرأس، وقيل: هي شبيهة بالمشط. قوله: تنتظرني أي: تنتظرني يعني: ماطعنت لأني كنت مترددا بين نظره ووقفه غير ناظر. قوله: من قبل البصر بكسر القاف وفتح الباء الموحدة يعني: إنما شرع الاستئذان في دخول الدار من جهة البصر لئلا يطلع على عورة أهلها، وفي رواية الكشميهني: من جهة النظر.
6902 حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، حدثنا أبو الزنادد عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم لو أن امرءا اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح
انظر الحديث 6888
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: لم يكن عليك جناح أي: حرج.
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمان بن هرمز.
قال الكرماني: والحديث مضى في: باب بدء السلام، وليس فيه هذا. وقال صاحب التوضيح وقد سلف في: باب من أخذ حقه أو اقتص دون السلطان، وليس كذلك أيضا، وإنما الذي سلف فيه عن أنس بن مالك وذكره المزي في الأطراف عن البخاري في كتاب الديات ولم يذكر شيئا غيره. قوله: فخذفته بالخاء والذال المعجمتين أي: رميته، قيد بالحصاة لأنه لو رماه بحجر ثقيل أو سهم مثلا تعلق به القصاص، وفي وجه للشافعية: لا ضمان مطلقا، ولو لم يندفع إلا بذلك جاز. قوله: جناح أي: خرج كما ذكرنا، وعند مسلم من هذا الوجه: ما كان عليك من جناح.
واستدل به على جواز رمي من يتجسس، ولو لم يندفع، بالشيء الخفيف جاز بالثقيل، وأنه إن أصيبت نفسه أو بعضه فهو هدر، وذهب المالكية إلى القصاص واعتلوا بأن المعصية لا تدفع بالمعصية، ورد بأن المأذون فيه إذا ثبت الإذن لا يسمى معصية، وهل يشترط الإنذار قبل الرمي؟ فيه وجهان للشافعية، قيل: يشترط كدفع الصائل وأصحهما: لا.
24
((باب العاقلة))
أي: هذا باب في بيان العاقلة وهو جمع عاقل، وهو دافع الدية وسميت الدية عقلا تسمية بالمصدر لأن الإبل كانت تعقل بفناء ولي القتيل، ثم كثر الاستعمال حتى أطلق العقل على الدية، ولو لم يكن إبلا، وقيل: اشتقاقها من عقل يعقل إذا تحمل، فمعناه أنه يحمل الدية عن القاتل، وقيل: من عقل يعقل إذا منع ودفع يدفع، وذلك أنه كان في الجاهلية كل من قتل التجأ إلى قومه لأنه يطلب ليقتل فيمنعون عنه القتل فسميت عاقلة أي: مانعة. وقال ابن فارس: عقلت القتيل أي: أعطيت ديته، وعقلت عنه إذا التزمت ديته فأديتها عنه، والعاقلة: أهل الديوان وهم أهل الرايات وهم الجيش الذين كتبت أسماؤهم في الديوان، وعند مالك والشافعي وأحمد: هم أهل العشيرة وهي العصبات، وعن بعض الشافعية: عاقلة الرجل من قبل الأب وهم عصبته، وقال الكرماني: العاقلة أولياء النكاح، وقال أصحابنا: إن لم يكن القاتل من أهل الديوان فعاقلته أهل حرفته، وإن لم يكن فأهل حلفه.
65

6903 حدثنا صدقة بن الفضل، أخبرنا ابن عيينة، حدثنا مطرف قال: سمعت الشعبي قال: سمعت أبا جحيفة، قال: سألت عليا، رضي الله عنه: هل عندكم شيء ما
ليس في القرآن؟ وقال مرة: ما ليس عند الناس؟ فقال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما عندنا إلا ما في القرآن، إلا فهما يعطى رجل في كتابه وما في الصحيفة؟. قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر.
مطابقته للترجمة في قوله: العقل وهي الدية. وابن عيينة سفيان، ومطرف بوزن اسم فاعل من التطريف بالطاء المهملة ابن طريف بالطاء المهملة أيضا، والشعبي هو عامر بن شراحيل، وأبو جحيفة بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وبالفاء اسمه وهب بن عبد الله السوائي.
والحديث مضى في كتاب العلم في: باب كتابة العلم، فإنه أخرجه هناك عن محمد بن سلام عن وكيع عن سفيان عن مطرف... الخ.
قوله: (قال مطرف كذا في رواية أبي ذر، وفي رواية الباقين: حدثنا مطرف، وكذا هو في رواية الحميدي عن ابن عيينة. قوله: ليس في القرآن أي: ما كتبتموه عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء حفظتموه أو لا وليس المراد تعميم كل مكتوب أو مضبوط لكثرة الثابت عن علي، رضي الله تعالى عنه، من مرويه عن النبي مما ليس في الصحيفة المذكورة. قوله: فلق الحب أي: شقها. قوله: وبرأ النسمة أي: خلق الإنسان. قوله: إلا فهما استثناء منقطع أي: لكن الفهم عندنا هو الذي أعطيه الرجل، وقيل: حرف العطف مقدر أي: وفهم، وقد مر في كتاب العلم أنه قال: لا إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة. والفهم بالسكون والحركة وهو ما يفهم من فحوى كلامه ويستدرك من باطن معانيه التي هي غير الظاهر عن نصه، ويدخل فيه جميع وجوه القياس، قاله الخطابي. قوله: يعطى رجل بضم الياء على صيغة المجهول. قوله: في كتابه أي: في كتاب الله عز وجل. قوله: قلت القائل هو أبو جحيفة. قوله: العقل أي: الدية أي أحكام الدية. قوله: وفكاك الأسير بالكسر والفتح، قال الكرماني: مر في كتاب الحج في: باب حرم المدينة أن فيها أيضا: المدينة حرم ما بين عائر إلى كذا... الحديث، وأجاب بأن عدم التعريض ليس تعرضا للعدم فلا منافاة. قوله: وأن لا يقتل المسلم بكافر احتج به عمر بن عبد العزيز والأوزاعي والثوري وابن شبرمة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور على أن المسلم لا يقتل بالكافر، وإليه ذهب أهل الظاهر، وقال ابن حزم في المحلى وإن قتل مسلم عاقل بالغ ذميا أو مستأمنا عمدا أو خطأ فلا قود عليه ولا دية ولا كفارة، لكن يؤدب في العمد خاصة، ويسجن حتى يتوب كفا لضرره. وقال الشعبي وإبراهيم النخعي ومحمد بن أبي ليلى وعثمان البتي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر، فيما ذكره الرزاي: يقتل المسلم بالكافر، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود، وأجابوا عن ذلك: بأن المراد لا يقتل مؤمن بكافر غير ذي عهد، وقد بسطنا الكلام فيه في شرحنا لمعاني الآثار وللطحاوي، فليرجع إليه.
25
((باب جنين المرأة))
أي: هذا باب في بيان حكم جنين المرأة. والجنين على وزن قتيل حمل المرأة ما دام في بطنها سمي بذلك لاستتاره، فإن خرج حيا فهو ولد، وإن خرج ميتا فهو: سقط، سواء كان ذكرا أو أنثى ما لم يستهل صارخا.
6904 حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك. وحدثنا إسماعيل، حدثنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمان، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت، جنينها، فقضى رسول الله فيها بغرة عبد أو أمة
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأخرجه عن مالك عن شيخين. أحدهما: عن عبد الله بن يوسف عنه والآخر: عن إسماعيل بن أبي أويس عنه، وسقطت رواية إسماعيل هنا لأبي ذر.
ومضى الحديث في الطب عن قتيبة عن مالك. وأخرجه مسلم عن يحيى
66

بن يحيى عن مالك. وأخرجه النسائي عن أبي الطاهر عن مالك.
قوله: أن امرأتين هما كانتا ضرتين تحت حمل بن مالك بن النابغة الهذلي من هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر، نزل البصرة، ذكره مسلم في تسمية من روى عن النبي قلت: حمل بفتح الحاء المهملة والميم ويقال حمله. قوله: رمت إحداهما الأخرى وفي رواية يونس وعبد الرحمان بن خالد: فرمت إحداهما الأخرى بحجر، وزاد عبد الرحمان: فأصاب بطنها وهي حامل، وروى أبو داود من طريق حمل بن مالك: فضربت إحداهما الأخرى بمسطح، وعند مسلم من طريق عبيد بن نضلة عن المغيرة بن شعبة قال: ضربت امرأة ضرتها بعمود فسطاط وهي حبلى فقتلتها، وفي رواية أبي داود من حديث بريدة: أن امرأة حذفت امرأة أخرى فطرحت جنينها، وفي رواية عبد الرحمان بن خالد: فقتلت ولدها في بطنها، وفي رواية يونس: فقتلتها. قوله: غرة بضم الغين المعجمة وتشديد الراء، وقال ابن الأثير: الغرة العبد نفسه أو الأمة، وأصل الغرة البياض الذي يكون في وجه الفرس، وكان أبو عمرو بن العلاء يقول: الغرة عبد أبيض أو أمة بيضاء، وسمي غرة لبياضه فلا يقبل في الدية عبد أسود ولا جارية سوداء، وليس ذلك شرطا عند الفقهاء، وإنما الغرة عندهم ما بلغ ثمنه نصف عشر الدية من العبيد والإماء. قوله: عبد أو أمة قال الإسماعيلي: قراءة العامة بالإضافة يعني: بإضافة الغرة إلى العبد وغيرهم بالتنوين. قلت: على هذا الوجه يكون العبد بدلا من الغرة، وحكى القاضي عياض الاختلاف، وقال: التنوين أوجه لأنه بيان للغرة ما هي، وقال الباجي: يحتمل أن يكون: أو، شكا من الراوي في تلك الواقعة لمخصوصة، ويحتمل أن يكون للتنويع وهو الأظهر، وقيل: المرفوع من الحديث قوله: بغرة وأما قوله: عبد أو أمة فمن الراوي، وقال ابن الأثير: وقد جاء في بعض الروايات في هذا الحديث: بغرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل، وقيل: إن الفرس والبغل غلط من الراوي، ثم إن الغرة إنما تجب في الجنين إذا سقط ميتا وإن سقط حيا ثم مات ففيه الدية كاملة.
6905 حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب، حدثنا هشام، عن أبيه عن المغيرة بن شعبة عن عمر رضي الله عنه، أنه استشارهم في إملاص المرأة، فقال المغيرة:
قضى النبي بالغرة عبد أو أمة قال: ائت من يشهد معك، فشهد محمد بن مسلمة أنه شهد النبي قضى به.
الحديث 6906 طرفه في: 6908، 7318
مطابقته للترجمة ظاهرة. ووهيب هو ابن خالد، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير.
والحديث أخرجه أبو داود في الديات أيضا عن موسى بن إسماعيل عن وهيب.
قوله: استشارهم أي: استشار الصحابة، رضي الله تعالى عنهم، وفي رواية مسلم: عن هشام عن أبيه عن المسور بن مخرمة: استشار الناس. قوله: في إملاص المرأة بكسر الهمزة وهو إلقاء المرأة ولدها ميتا، وسيجئ في الاعتصام من طريق أبي معاوية: عن هشام عن أبيه عن المغيرة سأل عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، عن إملاص المرأة وهي التي تضرب بطنها فتلقي جنينها، فقال: أيكم سمع من النبي فيه شيئا؟ قوله: فقال المغيرة فيه تجريد لأن السياق يقتضي أن يقول: فقلت.
قوله: فشهد محمد بن مسلمة بفتح الميم واللام الخزرخي البدري الكبير القدر، مات سنة ثلاث وأربعين. قوله: أنه شهد النبي أي: حضره. وفي الحديث الذي يأتي قال: ائت بمن شهد معك. أي: قال النبي للمغيرة بن شعبة: ائت من يشهد معك، قيل: خبر الواحد حجة يجب قبوله، فلم طلب الشاهد؟ وأجيب للتثبيت والتأكيد ومع هذا فشهادته لم تخرج عن خبر الواحد.
6907 حدثنا عبيد الله بن موسى، عن هشام، عن أبيه أن عمر نشد الناس من سمع النبي قضي في السقط. وقال المغيرة: أنا سمعته قضى فيه بغرة عبد أو أمة. قال: ائت من يشهد معك على هاذا، فقال محمد بن مسلمة: أنا أشهد على النبي بمثل هاذا.
انظر الحديث 6906 وطرفه
هذا طريق آخر في الحديث المذكور، وهذا في حكم الثلاثيات. لأن هشاما تابعي.
قوله: عن أبيه عن عمر هذا صورته
67

الإرسال لأن عروة لم يسمع عمر، لكن تبين من الرواية السابقة واللاحقة أن عروة حمله عن المغيرة عن عمر، وإن لم يصرح به في هذه الرواية. قوله: فقال المغيرة كذا في رواية أبي ذر بالفاء وفي رواية غيره بالواو. قوله: ائت من يشهد كذا بصيغة الأمر من الإتيان، ووقع في رواية أبي ذر عن غير الكشميهني: آنت؟ بألف ممدودة ثم نون ساكنة ثم تاء مثناة من فوق بصيغة استفهام المخاطب على إرادة الاستثبات أي: اأنت تشهد؟ ثم استفهمه ثانيا: من يشهد معك؟.
قوله: بمثل هذا أي: بمثل ما شهد المغيرة.
6908 حدثني محمد بن عبد الله، حدثنا محمد بن سابق، حدثنا زائدة، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه أنه سمع المغيرة بن شعبة يحدث عن عمر أنه استشارهم في إملاص المرأة.. مثله.
هذا طريق آخر أخرجه عن محمد بن عبد الله هو محمد بن يحيى بن عبد الله الذهلي عن محمد بن سابق الفارسي البغدادي روى عنه البخاري بدون واسطة في: باب الوصايا، فقط وهو يروي عن زائدة من الزيادة ابن قدامة بضم القاف الثقفي... الخ.
قوله: مثله أي: مثل الحديث المذكور، وهو رواية وهيب المذكورة.
26
((باب جنين المرأة وأن العقل على الوالد وعصبة الوالد لا على الولد))
أي هذا باب في بيان حكم جنين المرأة وفي بيان أن العقل أي: الدية أي: دية المرأة المقتولة على الوالد أي على والد القاتلة وعلى عصبته، وذكر لفظ: الوالد إشارة إلى ما ورد في بعض طرق القصة. قوله: لا على الولد قال ابن بطال: يريد أن ولد المرأة إذا لم يكن من عصبتها لا يعقل عنها لأن العقل على العصبة دون ذوي الأرحام، ولذلك لا تعقل الإخوة من الأم. قال: ومقتضى الخبر أن من يرثها لا يعقل عنها إذا لم يكن من عصبتها، ثم قال: قال ابن المنذر: وهذا قول مالك والشافعي وأحمد وأبي ثور وكل من أحفظ عنهم.
6909 حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة: أن رسول الله قضى في جنين امرأة من بني لحيان بغرة عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت، فقضى رسول الله أن ميراثها لبنيها وزوجها، وأن العقل على عصبتها.
قيل: لا مطابقة بين الترجمة والحديث لأنه ليس فيه إيجاب العقل على الوالد. وأجيب بأن لفظ: الوالد، قد ورد في بعض طرق الحديث، وعادته أنه يترجم بمثل هذا.
وأخرجه عن عبد الله بن يوسف عن الليث بن سعد عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الخ، وقد مضى في الفرائض عن قتيبة، ومضى الكلام فيه.
قوله: من بني لحيان بكسر اللام وسكون الحاء المهملة وتخفيف الياء آخر الحروف وهم بطن من هذيل فلا منافاة بينه وبين قوله فيما تقدم: إنها من هذيل. قوله: بغرة عبد أو أمة بالإضافة أو الوصف كما ذكرناه عن قريب، واختلفوا لمن تكون هذه الغرة، فذكر ابن حبيب أن مالكا اختلف فيه. قوله: فمرة قال: إنها لأمه، وهو قول الليث. ومرة قال: إنها بين الأبوين: الثلثان للأب والثلث للأم. وهو قول أبي حنيفة والشافعي. قوله: وأن العقل أي: الدية أي: وقضى أن عقل المرأة التي توفيت على عصبتها، وهي التي قضى عليها بالغرة هي المتوفاة حتف أنفها.
6910 حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، حدثنا يونس، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمان أن أبا هريرة، رضي الله عنه، قال: اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر قتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى النبي فقضى أن دية جنينها
68

غرة: عبد أو وليدة، وقضى أن دية المرأة على عاقلتها.
هذا وجه آخر في حديث أبي هريرة المذكور وأخرجه عن أحمد بن صالح أبي جعفر المصري عبد الله بن وهب المصري عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي سلمة بن عبد الرحمان بن عوف... إلى آخره.
قوله: وما في بطنها أي: وقتل ما في بطن المرأة وهو الجنين. قوله: غرة بالرفع لأنه خبر إن واسمها قوله: دية جنينها قوله: على عاقلتها هي: عصبتها.
27
((باب من استعان عبدا أو صبيا))
أي: هذا باب في بيان من استعان من الاستعانة وهي طلب العون هكذا في رواية الأكثرين: استعان، بالنون وفي رواية النسفي والإسماعيلي: استعار بالراء من الاستعارة وهي طلب العارية، ووجه ذكر هذا الباب في كتاب الديات هو أنه إذا هلك العبد في الاستعمال تجب الدية. واختلفوا في دية الصبي. وفي التوضيح إن استعان حرا بالغا متطوعا أو بإجارة وأصابه شيء فلا ضمان عليه عند الجميع إن كان ذلك العمل لا غرر فيه، وإنما يضمن من جنى وتعدى. واختلف إذا استعمل عبدا بالغا في شيء فعطب، فقال ابن القاسم: إن استعمل عبدا في بئر يحفرها ولم يأذن له سيده في الإجارة فهو ضامن إن عطب، وذلك إذا بعثه إلى سفر بكتاب، وروى ابن وهب عن مالك: لا ضمان عليه سواء أذن له سيده في الإجارة أو لم يأذن مما أصاب، إلا أن يستعمله في غرر كبير لأنه لم يؤذن له فيه.
ويذكر أن أم سلمة بعثت إلى معلم الكتاب: ابعث إلي غلمانا ينفشون صوفا ولا تبعث إلي حرا.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم واسمها: هند. قوله: قوله: معلم الكتاب وفي رواية النسفي: معلم كتاب، وهو بضم الكاف وتشديد التاء، قال الجوهري: الكتاب الكتبة والكتاب أيضا والمكتب واحد، والجمع: الكتاتيب والمكاتب. قوله: ينفشون بالفاء من نفشت القطن أو الصوف أنفشه نفشا وعهن منفوش. قوله: ولا تبعث إلي بكسر الهمزة وتشديد الياء، كذا في رواية الجمهور، وذكره ابن بطال بلفظ: إلا، التي هي حرف الاستثناء، وشرحه على ذلك، وهذا عكس معنى رواية الجمهور، واشتراط أم سلمة أن لا يرسل إليها حرا لأن الجمهور قائلون: بأن من استعان صبيا حرا لم يبلغ أو عبدا بغير إذن مولاه فهلكا في ذلك العمل فهو ضامن لقيمة العبد ولدية الصبي الحر على عاقلته. وقال الداودي: يحتمل فعل أم سلمة لأنها أمهم. وقال الكرماني: ولعل غرضها من منع الحر إكرام الحر وإيصال العوض لأنه على تقدير هلاكه في ذلك العمل لا يضمنه، بخلاف العبد فإن الضمان عليها لو هلك به، وهذا التعليق رواه وكيع بن الجراح عن معمر عن سفيان عن ابن المنكدر عن أم سلمة، وهو منقطع، لأن محمد بن المنكدر لم يسمع من أم سلمة، فلذلك ذكره البخاري بصيغة التمريض.
6911 حدثنا عمرو بن زرارة، أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، عن عبد العزيز، عن أنس قال: لما قدم رسول الله المدينة أخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بي إلى رسول الله فقال: يا رسول الله إن أنسا غلام كيس فليخدمك. قال: فخدمته في الحضر والسفر، فوالله ما قال لي لشيء صنعته: لم صنعت هاذا هكذا ولا لشيء لم أصنعه: قوله: لم لم تصنع هذا هاكذا
انظر الحديث 2768 وطرفه
مطابقته للترجمة من حيث إن الخدمة مستلزمة للاستعانة، فيطابق الجزء الأخير من الترجمة.
وعمرو بن زرارة بضم الزاي وفتح الراء الأولى النيسابوري، وإسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية، وعبد العزيز هو ابن صهيب.
والحديث مضى في الوصايا عن يعقوب بن إبراهيم ومضى الكلام فيه.
قوله: حدثنا عمرو وفي بعض النسخ: حدثني، بالإفراد. قوله: أخذ
69

أبو طلحة هو زيد بن سهل الأنصاري زوج أم سليم، رضي الله تعالى عنها. قوله: كيس بفتح الكاف وتشديد الياء آخر الحروف المكسورة وبالسين المهملة أي: طريف، وقيل: أي عاقل والكيس خلاف الأحمق. قوله: فليخدمك بضم الميم.
وفيه: حسن خلق النبي وأنه ما اعترض عليه لا في فعل ولا في ترك.
28
((باب المعدن جبار والبئر جبار))
أي: هذا باب يذكر فيه المعدن جبار بضم الجيم وتخفيف الباء الموحدة أي: هدر لا شيء فيه، ومعنى: المعدن جبار، هو أن يحفر معدنا في موات أو في ملكه فيهلك فيه الأجير أو غيره ممن يمر به، فلا ضمان عليه في ذلك. وقال الترمذي: المعدن جبار إذا احتفر الرجل معدنا فوقع فيها إنسان فلا غرم عليه، ذكره في تفسير حديث الباب. قوله: والبئر جبار، يعني إذا احتفر بئر للسبيل في ملك أو موات فوقع فيها إنسان فلا غرم على صاحبها، ويقال: المراد بالبئر هنا العادية القديمة التي لا يعلم لها مالك، تكون في البادية فيقع فيها إنسان أو دابة فلا شيء في ذلك على أحد.
6912 حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث، حدثنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمان، عن أبي هريرة: أن رسول الله قال: العجماء جرحها
جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس
مطابقته للترجمة من حيث إن الترجمة بعض الحديث. وهذا الحديث أخرجه بقية الأئمة السنة. فمسلم عن يحيى بن يحيى وغيره، وأبو داود عن مسدد، والترمذي عن أحمد بن منيع. والنسائي عن إسحاق بن إبراهيم. وابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة ببعضه وعن هشام بن عمار ومحمد بن ميمون بباقيه، وكلهم قالوا فيه: عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة، وهكذا قال الإمام مالك بن أنس، وخالفهم يونس بن يزيد فرواه: عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة كلاهما عن أبي هريرة، رواه كذلك مسلم والنسائي، وقول الليث ومالك أصح، ويجوز أن يكون ابن شهاب الزهري سمعه من الثلاثة جميعا.
قوله العجماء مبتدأ أو قوله: جرحها بدل منه وخبره قوله: جبار والجرح هنا بفتح الجيم مصدر، والجرح بالضم اسم قال القاضي: إنما عبر بالجرح لأنه الأغلب، أو هو مثال منه على ما عداه، وأما الرواية التي لم يذكر فيها لفظ الجرح فمعناه إتلاف العجماء بأي وجه كان بجرح أو غيره جبار أي: هدر لا شيء فيه والعجماء تأنيث الأعجم وهي البهيمة، وقال الترمذي: فسره بعض أهل العلم فقالوا: العجماء الدابة المنفلتة من صاحبها فما أصابت في انفلاتها فلا غرم على صاحبها. انتهى. واحتج به أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه، على أنه لا ضمان فيما أتلفته البهائم مطلقا سواء فيه الجرح وغيره، وسواء فيه الليل والنهار، وسواء كان معها أو لا إلا أن يحملها الذي معها على الإتلاف أو يقصده فحينئذ يضمن لوجود التعدي منه، وهو قول داود وأهل الظاهر، وقال مالك والشافعي وأحمد: إن كان معها أحد من مالك أو مستأجر أو مستعير أو مودع أو وكيل أو غاصب أو غيرهم وجب عليه ضمان ما أتلفته، وحملوا الحديث على ما إذ لم يكن معها أحد فأتلفت شيئا بالنهار أو انفلتت بالليل بغير تفريط من مالكها فأتلفت شيئا، وليس معها أحد. وأجاب أصحاب أبي حنيفة: بأن الحديث مطلق عام فوجب العمل بعمومه، وأما التعدي فخارج عنه. قوله: والبئر جبار قد مر تفسيره آنفا، وفي رواية مسلم: والبئر جرحها جبار، والمراد بجرحها ما يحصل للواقع فيها من الجراحة، وقال ابن العربي: اتفقت الروايات المشهورة على التلفظ بالبئر وجاءت رواية شاذة بلفظ: النار جبار بنون وألف ساكنة قبل الراء ومعناه عندهم أن من استوقد نارا مما يجوز له فتعدت حتى أتلفت شيئا فلا ضمان عليه. قال: وقال بعضهم: صحفها بعضهم لأن أهل اليمن يكتبون النار بالياء لا بالألف فظن بعضهم البئر بالباء الموحدة: النار، بالنون فرواها كذلك. قوله: والمعدن جبار قد مر تفسيره. قوله: وفي الركاز الخمس بكسر الراء وهو ما وجد من دفن الجاهلية مما تجب فيه الزكاة من ذهب أو فضة، أي: مقدار ما تجب فيه الزكاة، وهو النصاب فإنه يجب فيه الخمس على سبيل الزكاة الواجبة، كذا
70

قال شيخنا في شرح الترمذي ثم قال: هذا عند جمهور العلماء، وهو قول مالك والشافعي وأحمد. وفيه حجة على أبي حنيفة وغيره من العراقيين حيث: قالوا: الركاز هو المعدن وجعلوهما لفظين مترادفين. وقد عطف الشارع أحدهما على الآخر، وذكر لهذا حكما غير الحكم الذي ذكره في الأول. انتهى. قلت: المعدن هو الركاز، فلما أراد أن يذكر له حكما آخر ذكره بالاسم الآخر وهو: الركاز، ولو قال: وفيه الخمس بدون أن يقول: وفي الركاز الخمس لحصل الالتباس باحتمال عود الضمير إلى البئر، وقد أورد أبو عمر في التمهيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمر وقال النبي صلى الله عليه وسلم في كنز وجده رجل: إن كنت وجدته في قرية مسكونة، أو في غير سبيل، أو في سبيل ميتاء فعرفه، وإن كنت وجدته في خربة جاهلية أو في قرية غير مسكونة أو في غير سبيل ميتاء، ففيه وفي الركاز الخمس. وقال القاضي عياض: وعطف الركاز على الكنز دليل على أن الركاز غير الكنز وأنه المعدن كما يقوله أهل العراق، فهو حجة لمخالف الشافعي. وقال الخطابي: الركاز وجهان: فالمال الذي يوجد مدفونا لا يعلم له مالك ركاز، وعروق الذهب والفضة ركاز. قلت: وعن هذا قال صاحب الهداية الركاز يطلق على المعدن وعلى المال المدفون. وقال أبو عبيد الهروي: اختلف في تفسير الركاز أهل العراق وأهل الحجاز، فقال أهل العراق: هي المعادن، وقال أهل الحجاز: هي كنوز أهل الجاهلية، وكل محتمل في اللغة، والأصل فيه قولهم: ركز في الأرض إذا ثبت أصله.
29
((باب العجماء جبار))
أي: هذا باب يذكر فيه العجماء جبار، وإنما أعاد ذكر هذا بترجمة أخرى لما فيها من التفاريع الزائدة على البئر والمعدن.
وقال ابن سيرين: كانوا لا يضمنون من النفحة ويضمنون من رد العنان.
أي: قال محمد بن سيرين: كانوا، أي: العلماء من الصحابة والتابعين لا يضمنون بالتشديد من التضمين من النفحة بفتح النون وسكون الفاء وبالحاء المهملة وهي الضربة بالرجل، يقال: نفحت الدابة إذا ضربت برجلها، ويضمنون من رد العنان بكسر العين المهملة وتخفيف النون وهو ما يوضع في فم الدابة ليصرفها الراكب لما يختار، وذلك لأن في الأول لا يمكنه التحفظ بخلاف الثاني، وهذا التعليق وصله سعيد بن منصور عن هشيم: حدثنا ابن عون عن محمد بن سيرين.
وقال حماد: لا تضمن النفحة إلا أن ينخس إنسان الدابة.
أي: قال حماد بن أبي سليمان الأشعري: واسم أبي سليمان مسلم. قوله: لا تضمن على صيغة المجهول، والنفحة مرفوع به لأنه مفعول قام مقام الفاعل. قوله: إلا أن ينخس بضم الخاء المعجمة وفتحها وكسرها من النخس، وهو غرز مؤخر الدابة أو جنبها بعود ونحوه.
وقال شريح: لا تضمن ما عاقب أن يضربها فتضرب برجلها.
أي: قال شريح بن الحارث الكندي القاضي المشهور. قوله: ما عاقب، يروى بالتذكير والتأنيث، فالمعنى على التذكير لا يضمن ضارب الدابة ما دام في تعاقبها بالضرب، وهي أيضا تضرب برجلها على سبيل المعاقبة أي: المكافأة منها، وأما على معنى التأنيث فقوله: لا تضمن، أي: الدابة بإسناد الضمان إليها مجازا،
والمراد ضاربها. قوله: أن يضربها قال الكرماني: أن يضربها فتضرب برجلها إما مجرور بجار مقدر أي: بأن يضربها، أو مرفوع خبر مبتدأ محذوف أي: بأن يضربها، أو مرفوع خبر مبتدأ محذوف أي: وهو أن يضربها، وفي قول شريح هذا قلاقة قل من يفسرها كما ينبغي، وأثره هذا وصله ابن أبي شيبة من طريق محمد بن سيرين عن شريح، قال: يضمن السائق والراكب ولا تضمن الدابة إذا عاقبت. قلت: وما عاقبت. قال إذا ضربها رجل فأصابته.
71

وقال الحكم وحماد: إذا ساق المكاري حمارا عليه امرأة فتخر لا شيء عليه.
الحكم بفتحتين هو ابن عتيبة مصغر عتبة الدار، وحماد هو ابن أبي سليمان. قوله: فتخر، بالخاء المعجمة أي: فتسقط لا شيء عليه أي: على المكاري أي: لا ضمان.
وقال الشعبي: إذا ساق دابة فأتعبها فهو ضامن لما أصابت، وإن كان خلفها مترسلا لم يضمن.
الشعبي هو عامر بن شراحيل الكوفي ونسبته إلى شعب من همدان أدرك غير واحد من الصحابة ومات أول سنة ست ومائة، وهو ابن سبع وسبعين سنة. قوله: فأتعبها من الإتعاب ويروى: فاتبعها، من الاتباع. قوله: خلفها أي: وراءها، ويروى: خلفها، بتشديد اللام بماضي التفعيل. قوله: مترسلا نصب على أنه خبر: كان، أي: متسهلا في السير موقوفا بها لا يسوقها ولا يبعثها، لم يضمن شيئا مما أصابته، ووصله ابن أبي شيبة من طريق إسماعيل بن سالم عن عامر الشعبي، فذكره.
6913 حدثنا مسلم، حدثنا شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العجماء عقلها جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس
مطابقته للترجمة ظاهرة. ومسلم هو ابن إبراهيم الأزدي القصاب البصري، ومحمد بن زياد من الزيادة بتخفيف الياء الجمحي بضم الجيم البصري.
والحديث أخرجه مسلم في الحدود عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه وعن ابن بشار عن شعبة.
قوله: عقلها أي: ديتها قيل جرحها هدر لا ديتها، وأجيب: بأنهما متلازمان إذ معناه: لا دية لها.
30
((باب إثم من قتل ذميا بغير جرم))
أي: هذا باب في بيان إثم من قتل ذميا بغير موجب شرعي لقتله.
6914 حدثنا قيس بن حفص، حدثنا عبد الواحد، حدثنا الحسن، حدثنا مجاهد، عن عبد الله بن عمر و عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما.
انظر الحديث 3166
مطابقته للترجمة غير ظاهرة لأن الترجمة بالذمي وهو كتابي عقد معه عقد الجزية. وأجاب الكرماني بأن المعاهد أيضا ذمي باعتبار أن له ذمة المسلمين وفي عهدهم، والذمي أعم من ذلك.
وقيس بن حفص أبو محمد الدارمي البصري وهو من أفراد البخاري مات سنة تسع وعشرين ومائتين، وعبد الواحد هو ابن زياد، والحسن هو ابن عمرو الفقيمي بضم الفاء وفتح القاف.
والحديث مضى في الجزية عن قيس أيضا. وأخرجه ابن ماجة في الديات عن أبي كريب.
قوله: معاهدا ويروى: معاهدة، وهو الظاهر لأن التأنيث باعتبار النفس، والأول باعتبار الشخص، ويجوز فتح الهاء وكسرها والمراد به: من له عهد بالمسلمين سواء كان بعقد جزية أو هدنة من سلطان أو أمان من مسلم. قوله: لم يرح بفتح الراء وكسرها أي: لم يجد رائحة الجنة ولم يشمها، وزعم أبو عبيد أنه يقال: يرح ويرح أي: بالضم من أرحت، وعند الهروي يروى بثلاثة أوجه: يرح يرح يرح، وقال الجوهري: راح الشيء يراحه ويريحه، أي: وجد ريحه، وقال الكرماني: المؤمن لا يخلد في النار. وأجاب بأنه لم يجد أول ما يجدها سائر المسلمين الذين لم يقترفوا الكبائر، وهو وعيد تغليظا، ويقال: ليس على الحتم والإلزام، وإنما هذا لمن أراد الله عز وجل إنفاذ الوعيد فيه. قوله: يوجد على صيغة المجهول، ويروى: ليوجد، باللام المفتوحة، والأول رواية الكشميهني قوله: أربعين عاما كذا وقع في رواية الجميع ووقع في رواية عمرو بن عبد الغفار عن الحسن بن عمرو سبعين عاما هذا في رواية الإسماعيلي ومثله في حديث أبي هريرة عند الترمذي من طريق محمد بن عجلان عن أبيه عنه، ولفظه: وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا وفي الأوسط للطبراني: من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ: من مسيرة مائة عام،
72

وللطبراني عن أبي بكرة: خمسمائة عام. وفي حديث لجابر ذكره صاحب الفردوس إن ريح الجنة يدرك من مسيرة ألف عام، وهذا اختلاف شديد. وتكلم الشراح في هذا كلاما كثيرا غالبه بالتعسف، وقال شيخنا زين الدين في شرح الترمذي إن الجمع بين هذه الروايات باختلاف الأشخاص بتفاوت منازلهم ودرجاتهم، وقال الكرماني: يحتمل أن لا يكون العدد بخصوصه مقصودا بل المقصود المبالغة والتكثير.
31
((باب لا يقتل المسلم بالكافر))
أي: هذا باب يذكر فيه: لا يقتل المسلم بمقابلة الكافر.
6915 حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا مطرف أن عامرا حدثهم عن أبي جحيفة قال: قلت لعلي: وحدثنا صدقة بن الفضل، أخبرنا ابن عيينة، حدثنا مطرف قال: سمعت الشعبي يحدث قال: سمعت أبا جحيفة قال: سألت عليا، رضي الله عنه: هل عندكم شيء مما ليس في القرآن؟ وقال ابن عيينة مرة: ما ليس عند الناس؟ فقال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ما عندنا إلا ما في القرآن، إلا فهما يعطى رجل في كتابه، وما في الصحيفة. قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي، وزهير هو ابن معاوية الكوفي، ومطرف بتشديد الراء المكسورة بن طريف على وزن كريم الكوفي، وعامر بن شراحيل الشعبي، وأبو جحيفة بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وهب بن عبد الله السوائي.
والحديث مضى عن قريب في: باب العاقلة فإنه أخرجه هناك عن صدقة بن الفضل عن سفيان بن عتبة عن مطرف... الخ، وقد وقع في بعض النسخ هنا: حدثنا صدقة بن الفضل... الخ بعد قوله: حدثنا أحمد بن يونس قيل: الصواب أن طريق أحمد بن يونس تقدم في الجزية. قلت: وقد تقدم في: باب العاقلة، كما ذكرنا الآن: عن صدقة بن الفضل، وتقدم في كتاب العلم: عن محمد بن سلام.
قوله: وقال ابن عيينة هو سفيان بن عيينة، في بعض النسخ: قال أحمد عن سفيان بن عيينة، أي: قال أحمد بن يونس الراوي عن سفيان بالسند المذكور، وقد مضى الكلام فيه غير مرة.
32
((باب إذا لطم المسلم يهوديا عند الغضب))
أي: هذا باب في بيان ما إذا لطم المسلم يهوديا عند الغضب ماذا يكون حكمه؟ ولم يذكره، ولكن تقديره: لم يجب عليه شيء لأنه لم يذكر في حديث الباب القصاص، فلو كان فيه قصاص لبينه، وهو قول جماعة الفقهاء، وفي التوضيح هذه المسألة إجماعية لأن الكوفيين لا يرون القصاص في اللطمة ولا الأدب إلا أن يجرحه ففيه الأرش.
ورواه أبو هريرة عن النبي
أي: روى أبو هريرة حديث لطم المسلم اليهودي عن النبي وقد تقدم موصولا في قصة موسى في أحاديث الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، ومضى شرحه هناك.
6916 حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن عمرو بن يحياى، عن أبيه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تخيروا بين الأنبياء.
المطابقة بين الترجمة وبين هذا الحديث في تمامه فإنه أخرجه مختصرا وتمامه: جاء رجل من اليهود فقال: يا أبا القاسم ضرب وجهي رجل من أصحابك... الحديث، قال: لا تخيروا بين الأنبياء ويجيء أيضا في الحديث الذي يليه.
وكذا أخرجه أبو داود
73

مختصرا نحوه، وقد مضى في الأشخاص عن موسى بن وهيب، وفي التفسير وفي أحاديث الأنبياء وفي التوحيد على ما سيجيء عن محمد بن يوسف. وأخرجه مسلم في أحاديث الأنبياء عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره، وأخرجه هنا عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن سفيان الثوري عن عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي الحسن المازني الأنصاري المدني عن أبيه يحيى عن أبي سعيد سعد بن مالك سنان الخدري.
قوله: لا تخيروا أي: لا تقولوا بعضهم خير من بعض، فإن قلت: سيدنا محمد أفضلهم لأنه قال: أنا سيد ولد آدم؟. قلت: قال ذلك تواضعا، أو يقال: قال ذلك قبل علمه بأنه أفضل، وقيل: معناه لا تخيروا بحيث يلزم نقص على الآخر، أو بحيث يؤدي إلى الخصومة.
6917 حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن عمرو بن يحياى المازني، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري قال: جاء رجل من اليهود إلى النبي قد لطم وجهه فقال: يا محمد إن رجلا من أصحابك، من الأنصار، قد لطم في وجهي، قال: ادعوه فدعوه قال: لم لطمت وجهه فقال: قال: يا رسول الله إني مررت باليهود فسمعته يقول: والذي اصطفى موسى على البشر، قال: قلت: وعلى محمد قال: فأخذتني غضبة فلطمته، قال: لا تخيروني من بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جزي بصعقة الطور.
هذا طريق آخر في حديث أبي سعيد بأتم من الطريق الأول الذي أورده مختصرا. وقد ذكرنا المواضع التي مضى فيها.
قوله: جاء رجل قوله: قد لطم على صيغة المجهول، وهي جملة حالية. قوله: إن رجلا قوله: لم لطمت وجهه؟ ويروى: ألطمت؟ بهمزة الاستفهام. قوله: قال: قلت: وعلى محمد ويروى: فقلت أعلى محمد؟ بهمزة الاستفهام. قوله: لا تخيروني قد مر تفسيره الآن قوله: يصعقون من صعق إذا غشي عليه من الفزع ونحوه. قوله: فإذا أنا كلمة إذا للمفاجأة. قوله: بآخذ اسم فاعل من أخذ قوله: بقائمة هي كالعمود للعرش. وفيه أن العرش جسم وأنه ليس بعلم، كما قال سعيد بن جبير، لأن القائمة لا تكون إلا جسما قوله: فلا أدري أفاق قبلي قد مر في كتاب الخصومات: لا أدري أفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله أي: في قوله تعالى: * (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون) * والتلفيق بينهما أن المستثنى قد يكون نفس موسى، عليه السلام، ولا أدري. أي: هذه الثلاثة: الإفاقة أو الاستثناء أو المجازاة. كان. قوله: جزي بضم الجيم وكسر الزاي، هذه رواية الكشميهني، وفي رواية غيره:
جوزي، بالواو بعد الجيم. قال بعضهم: هو أولى. قلت: لم يقم دليل على الأولولية. وقال الجوهري: جزيته بما صنع، وجازيته بمعنى فلا تفاوت بينهما.
((كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم))
أي: هذا كتاب في بيان استتابة المرتدين أي: الجائرين عن القصد الباغين الذين يردون الحق مع العلم به، كذا في رواية الفربري، وسقط لفظ: كتاب، في رواية المستملي، وفي رواية النسفي: كتاب المرتدين، ثم ذكر التسمية، ثم قال: باب استتابة المرتدين والمعاندين وإثم من أشرك... الخ. قوله: والمعاندين كذا في رواية الأكثرين بالنون، وفي رواية الجرجاني بالهاء، بدل النون.
74

1
((باب إثم من أشرك بالله وعقوبته في الدنيا والآخرة))
أي: هذا باب في ذكر إثم من أشرك بالله... الخ، وفي رواية القابسي، حذف لفظ: باب، وقوله: إثم من أشرك بالله بعد قوله: وقتالهم.
قال الله تعالى: * (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) *.
ذكر الآية الأولى لأنه لا إثم أعظم من الشرك. وأصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه، فالمشرك أصل من وضع الشيء في غير موضعه، لأنه جعل لمن أخرجه من العدم إلى الوجود مساويا، فنسب النعمة إلى غير المنعم بها. وأما الآية الثانية: فإنه خوطب بها النبي ولكن المراد غيره. والإحباط المذكور مقيد بالموت على الشرك لقوله تعالى: * (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصدعن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولائك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * ووقع في بعض النسخ: * (ولئن أشركت ليحبطن عملك) * بالواو فيه لعطف هذه الآية على الآية التي قبلها تقديره: وقال الله تعالى: * (لئن أشركت) *
حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير عن الأعمش، عن إبراهيم عن علقمة، عن عبد الله، رضي الله عنه، قال: لما نزلت هاذه الآية: * (الذين ءامنوا ولم بلبسوا إيمانهم بطلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) * شق ذالك على أصحاب النبي وقالوا: أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله إنه ليس بذاك ألا تسمعون إلى قول لقمان: * (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يبني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم للعبيد) *.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وجرير بفتح الجيم هو ابن عبد الحميد الرازي أصله من الكوفة. والأعمش هو سليمان يروي عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس عن عبد الله بن مسعود.
والحديث مضى في كتاب الإيمان في: باب ظلم دون ظلم، ومضى الكلام فيه.
قوله: إنه ليس بذاك ويروى: بذلك، أي: بالظلم مطلقا، بل المراد به ظلم عظيم يدل عليه التنوين وهو الشرك. فإن قلت: كيف يجتمع الإيمان والشرك؟. قلت: كما اجتمع في الذين قالوا: هؤلاء الآلهة شفعاؤنا عند الله الكبير وآمنوا بالله وأشركوا به.
6919 حدثنا مسدد، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا الجريري، وحدثني قيس بن حفص، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، أخبرنا سعيد الجريري، حدثنا عبد الرحمان بن أبي بكرة، عن أبيه رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: أكبر الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزورر وشهادة الزور ثلاثا أو قول الزور فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.
مطابقته للترجمة في قوله: الإشراك بالله.
والجريري، بضم الجيم وفتح الراء مصغر الجر نسبة إلى جرير بن عباد بضم العين وتخفيف الباء الموحدة واسمه سعيد بن إياس البصري، وإسماعيل بن إبراهيم هو إسماعيل بن علية، وأبو بكرة نفيع بن الحارث الثقفي نزل البصرة ثم تحول إلى الكوفة.
والحديث قد مضى في الشهادات وفي كتاب الأدب في عقوق الوالدين، ومضى الكلام فيه.
قوله: أو قول الزور شك من الراوي. قوله: ليته سكت قيل: تمنوا سكوته وكلامه لا يمل منه، عليه الصلاة والسلام؟. وأجيب: بأنهم أرادوا استراحته وما ورد من قوله القتل من أكبر الكبائر وكذا الزنا ونحوه، فوارد في كل مكان بمقتضى المقام وما يناسب حال الحاضرين لذلك المقام.
75

6920 حدثني محمد بن الحسين بن إبراهيم، أخبرنا عبيد الله بن موساى، أخبرنا شيبان، عن فراس، عن الشعبي، عن عبد الله بن عمر و، رضي الله عنهما، قال: جاء أعرابي إلى النبي فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: الإشراك بالله قال: ثم ماذا؟ قال: ثم عقوق الوالدين قال: ثم ماذا؟ قال: اليمين الغموس قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: الذي يقتطع مال امرىء مسلم هو فيها كاذب
انظر الحديث 6675 وطرفه
مطابقته للترجمة في قوله: الإشراك بالله
وعبيد الله هو ابن موسى العبسي الكوفي، وهو أحد مشايخ البخاري، روى عنه في الإيمان بلا واسطة، وشيبان هو ابن عبد الرحمن النحوي، وفراس بكسر الفاء وتخفيف الراء وبالسين المهملة ابن يحيى المكتب، والشعبي هو عامر بن شراحيل، وعبد الله بن عمرو بن العاص.
والحديث مضى في النذور عن محمد بن مقاتل وفي الديات عن ابن بشار عن غندر، ومضى الكلام فيه.
قوله: الإشراك بالله قيل: هو مفرد كيف طابق السؤال بلفظ الجمع؟ وأجيب: بأنه لما قال: ثم ماذا علم أنه سائل عن أكثر من الواحد، وقيل: فيه مضاف مقدر تقديره: ما أكبر الكبائر؟ قيل: قد تقدم في أول كتاب الديات قريبا أنه قال: ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك. وأجيب: لعل حال ذلك السائل يقتضي تغليظ أمر القتل والزجر عنه، وحال هذا تغليظ أمر العقوق. قوله: الغموس أي: يغمس صاحبها في الإثم أو النار. قوله: يقتطع أي: يأخذ قطعة من ماله لنفسه، وهو على سبيل المثال، وأما حقيقتها فهي اليمين الكاذبة التي يتعمدها صاحبها عالما أن الأمر بخلافه. قوله: قلت: قال الكرماني: إما لعبد الله وإما لبعض الرواة عنه.
6921 حدثنا خلاد بن يحياى، حدثنا سفيان، عن منصور والأعمش، عن أبي وائل عن ابن مسعود، رضي الله عنه، قال: قال رجل: يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ قال: من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر لأن منهم من قال: المراد بالإساءة في الإسلام الارتداد من الدين، فيدخل في قوله: في إثم من أشرك بالله.
وخلاد بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام ابن يحيى بن صفوان أبو محمد السلمي الكوفي سكن مكة، وسفيان الثوري، ومنصور هو ابن المعتمر، والأعمش سليمان، وأبو وائل شقيق بن سلمة.
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن عثمان عن جرير.
قوله: أؤاخذ؟ الهمزة فيه للاستفهام. ونؤاخذ على صيغة المجهول من المؤاخذة، يقال: فلان أخذ بذنبه أي: حبس وجوزي عليه وعوقب به. قوله: من أحسن في الإسلام الإحسان في الإسلام الاستمرار على دينه وترك المعاصي. قوله: ومن أساء الإساءة في الإسلام الارتداد عن دينه. قوله: أخذ بالأول أي: بما عمل في الكفر. قوله: والآخر أي: بما عمل في الإسلام. وقال الخطابي: ظاهره خلاف ما أجمع عليه الأمة من أن الإسلام يجب ما قبله. وقال تعالى: * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد نضت سنت الأولين) *
وتأويله: أن يعير بما كان منه في الكفر ويبكت به، كأنه يقال له: أليس قد فعلت كذا وكذا وأنت كافر؟ فهلا منعك إسلامك من معاودة مثله إذا أسلمت، ثم يعاقب على المعصية التي اكتسبها أي: في الإسلام. وقال الكرماني: يحتمل أن يكون معنى أساء في الإسلام ألا يكون صحيح الإسلام، أو لا يكون إيمانه خالصا بأن يكون منافقا ونحوه.
2
((باب حكم المرتد والمرتدة))
أي: هذا باب في بيان حكم الرجل المرتد، وحكم المرأة المرتدة: هل حكمهما سواء أم لا.
76

وقال ابن عمر والزهري وإبراهيم: تقتل المرتدة.
أي: قال عبد الله بن عمر ومحمد بن مسلم الزهري وإبراهيم النخعي: تقتل المرأة المرتدة، فعلى هذا لا فرق بين المرتد والمرتدة بل حكمهما سواء. وأثر ابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن عبد الكريم عمن سمع ابن عمر، وقال صاحب التلويح ينظر في جزم البخاري به على قول من قال: المجزوم صحيح. وأثر الزهري وصله عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في المرأة تكفر بعد إسلامها قال: تستتاب فإن تابت وإلا قتلت. وأثر إبراهيم أخرجه عبد الرزاق أيضا عن معمر عن سعيد بن أبي عروبة عن أبي معشر عن إبراهيم مثله. واختلف النقلة عن إبراهيم. فإن قلت: أخرج ابن أبي شيبة عن حفص عن عبيدة عن إبراهيم: لا تقتل. قلت: عبيدة ضعيف فالأول أولى، وروى أبو حنيفة، رضي الله تعالى عنه، عن عاصم عن أبي ذر عن ابن عباس: لا تقتل النساء إذا هن ارتددن.
واستتابتهم.
كذا ذكره بعد ذكر الآثار المذكورة، وفي رواية أبي ذر ذكره قبلها، وفي رواية القابسي: واستتابتهما بالتثنية على الأصل لأن المذكور اثنان: المرتد والمرتدة، وأما وجه الذكر بالجمع فقال بعضهم جمع على إرادة الجنس. قلت: هذا ليس بشيء، بل هو على من يرى إطلاق الجمع على التثنية كما في قوله تعالى: * (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجيريل وصالح المؤمنين والملاكة بعد ذلك طهير) * والمراد قلباكما.
وقال الله تعالى: * (إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولائك هم الضآلون * إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الارض ذهبا ولو افتدى به أولائك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين * لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شىء فإن الله به عليم * كل الطعام كان حلا لبنى
1764; إسراءيل إلا ما حرم إسراءيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين * فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولائك هم الظالمون * قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين * إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين) *
آل عمران: 86 90
هذه خمس آيات متواليات من سورة آل عمران في رواية أبي ذر. قال الله تعالى:
إلى آخرها وفي رواية القابسي بعد قوله: حق إلى قوله: * (إن تقبل توبته وؤولئك هم الظالمون) * وساق في رواية كريمة والأصيلي ما حذف من الآية لأبي ذر.
وقال ابن جرير بإسناده إلى عكرمة: عن ابن عباس قال: كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد وأخفى الشرك ثم ندم، فأرسل إلى قومه: أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لي من توبة؟ قال: فنزلت إلى قوله: * (غفور رحيم) * فأرسل إليه قومه فأسلم، وهكذا رواه النسائي وابن حبان والحاكم من طريق داود بن أبي هند به، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. قوله: * (وجاءهم البينات) * أي: قامت عليهم الحجج والبراهين على ما جاءهم به الرسول ووضح لهم الأمر ثم ارتدوا إلى ظلمة الشرك، فكيف يستحق هؤلاء الهداية بعد ما تلبسوا به من العماية؟ ولهذا قال: * (والله لا يهدي القوم الظالمين) * قوله: * (خالدين فيها) * أي: في اللعنة. قوله: * (إلا الذين تابوا) * الآية هذا من لطفه ورحمته ورأفته على خلقه أنه من تاب إليه تاب عليه. قوله: * (إن الذين كفروا) * الآية توعد من الله وتهدد لمن كفر بعد إيمانه. قوله: * (ثم ازدادوا كفروا) * يعني: استمروا عليه إلى الممات لا تقبل لهم توبة عند مماتهم. قوله: * (وأولئك هم الظالمون) *: الخارجون عن منهج الحق إلى طريق الغي.
وقال: * (يااأيها الذين ءامنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين) * هذه الآية في سورة آل عمران أيضا، يحذر الله تعالى عباده المؤمنين عن أن يطيعوا فريقا، أي: طائفة من الذين أوتوا
77

الكتاب الذين يحسدون المؤمنين على ما آتاهم الله من فضله وما منحهم به من إرسال رسوله، وقال عكرمة: هذه الآية نزلت في شماس بن قيس اليهودي، دس على الأنصار من ذكرهم بالحروب التي كانت بينهم فكادوا يقتتلون، فأتاهم النبي فذكرهم فعرفوا أنها من الشيطان، فتعانق بعضهم بعضا ثم انصرفوا سامعين مطيعين، فنزلت. وأخرجه الطبراني من حديث ابن عباس موصولا.
وقال: الذين ءامنوا ثم كفروا ثم ءامنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرالم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا.
هذه الآية الكريمة في سورة النساء، وسيقت هذه الآية كلها في رواية كريمة، وفي رواية أبي ذر هكذا: * (إن الذين آمنوا ثم كفروا) * إلى سبيلا وفي رواية النسفي * (ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا) * الآية أخبر الله تعالى عمن دخل في الإيمان ثم رجع واستمر على ضلالته وازداد حتى مات بأنه لا يغفر الله له ولا يجعل له مما هو فيه فرجا ولا مخرجا ولا طريقا إلى الهدى، ولهذا قال: * (لم يكن الله ليغفر لهم) * وروى ابن أبي حاتم من طريق جابر المعلى عن عامر الشعبي عن علي، رضي الله تعالى عنه، أنه قال: يستتاب المرتد ثلاثا، ثم تلى هذه الآية: * (إن الذين آمنوا) * الآية.
وقال: * (يا أيها الذين ءامنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه لمن يشاء والله واسع عليم) *
هذه الآية الكريمة في المائدة ساقها بتمامها في رواية كريمة وأولها: * (يا أيها الذين آمنوا من يرتد) * الآية ووقع في رواية أبي ذر: من يرتدد، بفك الإدغام وهي قراءة ابن عامر ونافع، ويقال: إن الإدغام لغة تميم والإظهار لغة الحجاز. وقال محمد بن كعب القرظي: نزلت في الولاة من قريش، وقال الحسن البصري: نزلت في أهل الردة أيام أبي بكر الصديق. قوله: * (بقوم يحبهم ويحبونه) * قال الحسن: هو والله أبو بكر وأصحابه رواه ابن أبي حاتم. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: هم أهل القادسية، وعن مجاهد: هم قوم من سبأ، وقال ابن أبي حاتم بإسناده إلى ابن عباس قال: ناس من أهل اليمن ثم من كندة ثم من السكون. قوله: * (أذلة) * جمع ذليل وضمن الذل معنى الحنو والعطف فلذلك قيل: * (أذلة على المؤمنين) * كأنه قيل: عاطفين عليهم على وجه التذلل والتواضع، وقرئ: أذلة وأعزة، بالنصب على الحال.
وقال: * (من كفر بالله بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) *
هذه الآيات كلها في سورة النحل متوالية سيقت كلها في رواية كريمة، وفي رواية أبي ذر * (من شرح بالكفر) * إلى قوله: * (ولكن من شرح بالكفر صدرا) * أي: طاب به نفسا فاعتقده. قوله: * (ذلك) * إشارة إلى الوعيد وأن العضب والعذاب يلحقانهم بسبب استحبابهم الدنيا على الآخرة. قوله: * (وأولئك هم الغافلون) * الكاملون في الغفلة الذين لا أحد أغفل منهم. قوله: * (لا جرم) * بمعنى حقا. وجرم فعل عند البصريين واسم عند الكوفيين بمعنى حقا، وتدخل اللام في جوابه نحو: لا جرم لآتينك، وقال تعالى: * (ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون) * فعلى قول البصريين: لا رد لقول الكفار، وجرم معناه عندهم: كسب، أي كسب كفرهم النار لهم.
78

* (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذينمن قبلكم لعلكم تتقون) *.
هذه الآية الكريمة في سورة البقرة سبق كلها هكذا في رواية كريمة، وفي رواية أبي ذر: * (ولا يزالزن يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) * إلى قوله: * (وأولئك هم أصحاب النار هم فيها خالدون) * قوله: * (حتى يردوكم) * يعني: مشركي مكة. قوله: يعني: حتى يصرفوكم. قوله: مجزوم لأنه معطوف على ما قبله، ولو كان جوابا لكان منصوبا. قوله: أي: بطلت أعمالهم أي حسناتهم. وفي هذه الآية تقييد مطلق ما في قوله: الآية أي: شرط حبط الأعمال عند الارتداد أن يموت وهو كافر.
6922 حدثنا أبو النعمان محمد بن الفضل، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة قال: أتي علي، رضي الله عنه، بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذالك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله لا تعذبوا بعذاب الله ولقتلتهم لقول رسول الله من بدل دينه فاقتلوه.
انظر الحديث 3017
مطابقته للترجمة في قوله: من بدل دينه فاقتلوه والذي يبدل دينه هو المرتد.
وأيوب هو السختياني، وعكرمة مولى عبد الله بن عباس.
والحديث مضى في الجهاد عن علي بن عبد الله، ومر الكلام فيه.
قوله: أتي على صيغة المجهول. قوله: بزنادقة جمع زنديق بكسر الزاي فارسي معرب، وقال سيبويه: الهاء في زنادقة بدل من ياء زنديق. وقد تزندق والاسم الزندقة، واختلف في تفسيره فقيل: هو المبطن للكفر المظهر للإسلام كالمنافق، وقيل: قوم من الثنوية القائلين بالخالقين، وقيل: من لا دين له، وقيل: هو من تبع كتاب زردشت المسمى بالزند، وقيل: هم طائفة من الروافض تدعى السبائية، ادعوا أن عليا، رضي الله تعالى عنه، إلاه وكان رئيسهم عبد الله بن سبأ. بفتح السين المهملة وتخفيف الباء الموحدة وكان أصله يهوديا. قوله: فأحرقهم قد مضى في كتاب الجهاد في: باب لا يعذب بعذاب الله، من طريق سفيان بن عيينة عن أيوب بهذا السند: أن عليا، رضي الله عنه، حرق قوما، وروى الحميدي عن سفيان بلفظ: حرق المرتدين، وروى ابن أبي شيبة: كان أناس يعبدون الأصنام في السر، وروى الطبراني في الأوسط من طريق سويد بن غفلة: أن عليا، رضي الله تعالى عنه، بلغه أن قوما ارتدوا عن الإسلام فبعث إليهم فأطعمهم ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا فحفروا حفيرة ثم أتى بهم فضرب أعناقهم ورماهم فيها ثم ألقى عليهم الحطب فأحرقهم ثم قال: صدق الله، ورسوله، وروى الإسماعيلي حديث عكرمة، ولفظه: أن عليا أتي بقوم قد ارتدوا عن الإسلام، أو قال: بزنادقة ومعهم كتب لهم، فأمر بنار فانضجت ورماهم فيها، وروي عن قتادة أن عليا أتي بناس من الزط يعبدون وثنا فأحرقهم، فقال ابن عباس... الحديث. قوله: فبلغ ذلك ابن عباس أي: بلغ ما فعله علي من الإحراق بالنار، وكان ابن عباس حينئذ أميرا على البصرة من قبل علي، رضي الله تعالى عنه. قوله: لنهي رسول الله لا تعذبوا بعذاب الله أي: لنهيه عن القتل بالنار. بقوله: لا تعذبوا وهذا يحتمل أن يكون ابن عباس قد سمعه من النبي ويحتمل أن يكون قد سمعه من بعض الصحابة. واختلف في الزنديق: هل يستتاب؟ فقال مالك والليث وأحمد وإسحاق: يقتل ولا تقبل توبته. وقول أبو حنيفة وأبي يوسف مختلف فيه، فمرة قالا: بالاستتابة، ومرة قالا: لا. قلت: روي عن أبي حنيفة أنه قال: إن أتيت بزنديق أستتيبه، فإن تاب وإلا قتلته. وقال الشافعي: يستتاب كالمرتد، وهو قول عبد الله بن الحسن، وذكر ابن المنذر عن علي، رضي الله تعالى عنه. مثله، وقيل لمالك: لم تقتله، ورسول الله لم يقتل المنافقين وقد عرفهم
79

فقال: لأن توبته لا تعرف. وقال ابن الطلاع في أحكامه لم يقع في شيء من المصنفات المشهورة أنه قتل مرتدا ولا زنديقا، وقتل الصديق امرأة يقال لها: أم قرفة ارتدت بعد إسلامها.
حدثنا مسدد، حدثنا يحياى، عن قرة بن خالد قال: حدثني حميد بن هلال، حدثنا أبو بردة عن أبي موساى قال: أقبلت إلى النبي ومعي رجلان من الأشعريين أحدهما عن يميني والآخر عن يساري، ورسول الله يستاك فكلاهما سأل، فقال: يا أبا موساى أو: يا عبد الله بن قيس قال: قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما وما شعرت أنهما يطلبان العمل، فكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت، فقال: لن أو لا نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موساى، أو: يا عبد الله بن قيس إلى اليمن ثم اتبعه معاذ بن جبل فلما قدم عليه ألقى له وسادة، قال: انزل، وإذا رجل عنده موثق. قال: ما هاذا؟ قال: كان يهوديا فأسلم، ثم تهود، قال: اجلس. قال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله، ثلاث مرات، فأمر به فقتل، ثم تذاكرا قيام الليل فقال أحدهما: أما أنا فأقوم وأنام وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي.
مطابقته للترجمة في قوله: فأمر به فقتل
و يحيى هو ابن سعيد القطان، وقرة، بضم القاف وتشديد الراء، ابن خالد السدوسي، و أبو بردة بضم الباء الموحدة اسمه: عامر، وقيل: الحارث، واسم أبي موسى: عبد الله بن قيس الأشعري.
والحديث مضى مختصرا ومطولا في الإجارة، وسيجئ في الأحكام، ومضى الكلام فيه.
قوله: ومعي رجلان لم يدر اسمهما، وفي مسلم رجلان من بني عمي، وكلاهما أي: كلا الرجلين المذكورين سأل، كذا بحذف المسؤول، وبينه أحمد في روايته: سأل العمل، يعني: الولاية. قوله: أو: يا عبد الله بن قيس شك من الراوي بأيهما خاطبه، قوله: قلصت أي: انزوت، ويقال: قاص، أي: ارتفع. قوله: فقال: لن أو لا شك من الراوي أي: لن نستعمل على عملنا من أراده، أو: لا نستعمل من أراده، أي: من أراد العمل، وفي رواية أبي العميس: من سألنا، بفتح اللام. قوله: أو يا عبد الله شك من الراوي. قوله: ثم اتبعه بسكون التاء المثناة من فوق. قوله: معاذ بن جبل بالنصب أي: ثم اتبع رسول الله أبا موسى معاذ بن جبل، أي: بعثه بعده، ويروى: ثم أتبعه بتشديد التاء، فعلى هذا يكون معاذ مرفوعا على الفاعلية. وتقدم في المغازي بلفظ: بعث النبي أبا موسى ومعاذا إلى اليمن، فقال: يسرا ولا تعسرا، ويحمل على أنه أضاف معاذا إلى أبي موسى بعد سبق ولايته، لكن قبل توجهه وصاه. قوله: فلما قدم عليه مضى في المغازي: أن كلا منهما كان على عمل مستقل، وأن كلا منهما إذا سار في أرضه فقرب من صاحبه أحدث به عهدا، وفي رواية أخرى هناك: فجعلا يتزاوران، فزار معاذ أبا موسى. قوله: ألقى له وسادة بكسر الواو وهي المخدة وقال بعضهم: ومعنى ألقى وسادة فرشها له. قلت: هذا غير صحيح، والوسادة لا تفرش وإنما المعنى: وضع الوسادة تحته ليجلس عليها، وكانت عادتهم وضع الوسادة تحت من أرادوا إكرامه مبالغة فيه. قوله: انزل أي: فاجلس على الوسادة. قوله: فإذا رجل كلمة: إذا، للمفاجأة. قوله: موثق أي: مربوط بقيد، وفي رواية الطبراني: فإذا عنده رجل موثق بالحديد، فقال: يا أخي أبعثت تعذب الناس؟ إنما بعثنا نعلمهم دينهم ونأمرهم بما ينفعهم، فقال: إنه أسلم ثم كفر، فقال: والذي بعث محمدا بالحق لا أبرح حتى أحرقه بالنار. قوله: قضاء الله بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي: هذا قضاء الله، أي: حكم الله، وقال بعضهم:
ويجوز النصب ولم يبين وجهه. قوله: ثلاث مرات أي: كررا هذا الكلام ثلاث مرات، وفي رواية أبي داود: أنهما كررا القول، فأبو موسى يقول:
80

اجلس، ومعاذ يقول: لا أجلس، فعلى هذا قوله: ثلاث مرات من كلام الراوي لا تتمة كلام معاذ. قوله: فأمر به فقتل وفي رواية أيوب: فقال: والله لا أقعد حتى تضرب عنقه، فضرب عنقه. وفي رواية الطبراني التي مضت الآن: فأتى بحطب فألهب فيه النار فكتفه وطرحه فيها، ويمكن الجمع بين الروايتين بأنه ضرب عنقه ثم ألقاه في النار، ويؤخذ منه أن معاذا وأبا موسى كانا يريان جواز التعذيب بالنار وإحراق المرتد بالنار ومبالغة في إهانته وترهيبا من الاقتداء به، وقد مر أن عليا رضي الله تعالى عنه، أحرق الزنادقة بالنار، وقال الداودي: إحراق علي، رضي الله تعالى عنه، الزنادقة ليس بخطأ، لأنه قال لقوم: إن لقيتم فلانا وفلانا فأحرقوهم بالنار، ثم قال: إن لقيتموهما فاقتلوهما فإنه لا ينبغي أن يعذب بعذاب الله، ولم يكن، يقول في الغضب والرضا إلا حقا، قال الله تعالى: * (وما ينطق عن الهوى) * قوله: فأرجو في نومتي بالنون أي نومي ما أرجو في قومتي بالقاف أي: في قيامي بالليل، وفي رواية سعيد: وأحتسب في نومتي ما أحتسب في قومتي، كما مر في المغازي، وحاصله أن يرجو الأجر في ترويح نفسه بالنوم ليكون أنشط له في القيام.
3
((باب قتل من أبى قبول الفرائض وما نسبوا إلى الردة))
أي: هذا باب في بيان جواز قتل من أبى أي: امتنع من قبول الفرائض أي: الأحكام الواجبة. قوله: وما نسبوا إلى الردة قال الكرماني: ما، نافية، وقيل: مصدرية، أي: ونسبتهم إلى الردة. قلت: الأظهر أنها موصولة والتقدير: وقتل الذين نسبوا إلى الردة، والله أعلم.
وهذا مختلف فيه.
فمن أبى أداء الزكاة وهو مقر بوجوبها، فإن كان بين ظهرانينا ولم يطلب حربا ولا امتنع بالسيف فإنها تؤخذ منه قهرا وتدفع للمساكين ولا يقتل، وإنما قاتل الصديق، رضي الله تعالى عنه، مانعي الزكاة لأنهم امتنعوا بالسيف ونصبوا الحرب للأمة، وأجمع العلماء على أن من نصب الحرب في منع فريضة أو منع حقا يجب عليه لآدمي وجب قتاله، فإن أبى القتل على نفسه فدمه هدر.
وأما الصلاة فمذهب الجماعة أن من تركها جاحدا فهو مرتد فيستتاب فإن تاب وإلا قتل، وكذلك جحد سائر الفرائض واختلفوا فيمن تركها تكاسلا، وقال: لست أفعلها، فمذهب الشافعي إذا ترك صلاة واحدة حتى أخرجها عن وقتها أي: وقت الضرورة، فإنه يقتل بعد الاستتابة إذا أصر على الترك، والصحيح عنده أنه يقتل حدا لا كفرا. ومذهب مالك أنه يقال له: صل ما دام الوقت باقيا، فإن صلى ترك وإن امتنع حتى خرج الوقت قتل. ثم اختلفوا، فقال بعضهم: يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وقال بعضهم: يقتل لأن هذا حد الله، عز وجل، يقام عليه لا تسقطه التوبة بفعل الصلاة، وهو بذلك فاسق كالزاني والقاتل لا كافر، وقال أحمد: تارك الصلاة مرتد كافر وماله فيء ويدفن في مقابر المسلمين، وسواء ترك الصلاة جاحدا أو تكاسلا. وقال أبو حنيفة والثوري والمزني: لا يقتل بوجه ولا يخلى بينه وبين الله تعالى. قلت: المشهور من مذهب أبي حنيفة أنه يعزر حتى يصلي، وقال بعض أصحابنا: يضرب حتى يخرج الدم من جلده.
6924 حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أبا هريرة قال: لما توفي النبي واستخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب، قال عمر: يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إلاه إلا الله؟ فمن قال: لا إلاه إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه، إلا بحقه وحسابه على الله؟ قال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها، قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال
81

فعرفت أنه الحق.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعقيل بضم العين ابن خالد.
والحديث مضى في الزكاة عن أبي اليمان عن شعيب، وسيجئ في الاعتصام عن قتيبة عن الليث، ومضى الكلام فيه.
قوله: حتى يقولوا: لا إلاه إلا الله وفي رواية مسلم: من وحد الله وكفر بما يعبد من دونه حرم دمه وماله. قوله: من فرق بتشديد الراء وتخفيفها والمراد بالفرق من أقر بالصلاة وأنكر الزكاة جاحدا أو مانعا مع الاعتراف. قوله: فإن الزكاة حق المال يشير إلى دليل منع التفرقة التي ذكرها أن حق النفس الصلاة وحق المال الزكاة، فمن صلى عصم نفسه ومن زكى عصم ماله، فإن لم يصل قوتل على ترك الصلاة ومن لم يزك أخذت الزكاة من ماله قهرا، وإن نصب الحرب لذلك قوتل. قوله: عناقا بفتح العين وتخفيف النون: الأنثى من ولد المعز، ووقع في رواية قتيبة عن الليث عند مسلم: عقالا، وفي رواية عبد الله بن صالح عن الليث: عناقا أصح، ويؤيده ما في رواية ذكرها أبو عبيد: لو منعوني جديا أذوط صغير الفك والذقن. قوله: فعرفت أي: بالدليل الذي أقامه الصديق وغيره إذ لا يجوز للمجتهد أن يقلد المجتهد.
4
((باب إذا عرض الذمي وغيره بسب النبي صلى الله عليه وسلمولم يصرح نحو قوله: السام عليك))
أي: هذا باب فيما عرض بتشديد الراء من التعريض وهو خلاف التصريح، وهو نوع من الكناية. قوله: وغيره أي: وغير الذمي نحو المعاهد ومن يظهر الإسلام قوله: بسب النبي أي: بتنقيصه، ولكن لم يصرح بل بالتعريض نحو قوله: السام بفتح السين المهملة وتخفيف الميم وهو الموت قوله: عليك هكذا بالإفراد في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: عليكم، فقيل: ليس فيه تعريض السب. وأجيب بأنه لم يرد به التعريض المصطلح عليه وهو أن يستعمل لفظا في حقيقته يلوح به إلى
معنى آخر يقصده، والظاهر أن البخاري اختار في هذا مذهب الكوفيين فإن عندهم أن من سب النبي أو عابه فإن كان ذميا عزر ولا يقتل وهو قول الثوري، وقال أبو حنيفة، رضي الله تعالى عنه: إن كان مسلما صار مرتدا بذلك، وإن كان ذميا لا ينتقض عهده، وقال الطحاوي: وقول اليهودي لرسول الله السام عليك، لو كان مثل هذا الدعاء من مسلم لصار به مرتدا يقتل، ولم يقتل الشارع القائل به من اليهود لأن ما هم عليه من الشرك أعظم من سبه. فإن قلت: من أين يعلم أن البخاري اختار في هذا مذهب الكوفيين ولم يصرح بالجواب في الترجمة؟. قلت: عدم تصريحه يدل على ذلك إذ لو اختار غيره لصرح به، ويؤيده أن حديث الباب لا يدل على قتل من يسبه من أهل الذمة فإنه لم يقتله. فإن قلت: إنما لم يقتله لمصلحة التأليف أو لعدم قيام البينة بالتصريح. قلت: لم يقتلهم بما هو أعظم منه وهو الشرك كما ذكرناه على أن قوله: السام عليك، الدعاء بالموت والموت لا بد منه. فإن قلت: قتل النبي كعب بن الأشرف فإنه قال: من لكعب بن الأشرف فإنه يؤذي الله ورسوله؟ ووجه إليه من قتله غيلة، وقتل أبا رافع قال البزار: كان يؤذي رسول الله ويعين عليه. وفي حديث آخر: أن رجلا كان يسبه فقال: من يكفيني عدوي؟ فقال خالد: أنا فبعثه إليه فقتله. قال ابن حزم: وهو حديث صحيح مسند رواه عن النبي رجل من بلقين وقال ابن المديني وهو اسمه وبه يعرف: وذكر عبد الرزاق أنه سبه رجل فقال: من يكفيني عدوي؟ فقال الزبير: أنا، فقتله. قلت: الجواب في هذا كله أنه لم يقتلهم بمجرد سبهم وإنما كانوا عونا عليه ويجمعون من يحاربونه، ويؤيده ما رواه البزار عن ابن عباس أن عقبة بن أبي معيط نادى: يا معاشر قريش؟ ما لي أقتل من بينكم صبرا؟ فقال له بكفرك وافترائك على رسول الله، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، على أن هؤلاء كلهم لم يكونوا من أهل الذمة، بل كانوا مشركين يحاربون الله ورسوله.
82

6926 حدثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن، أخبرنا عبد الله، أخبرنا شعبة، عن هشام بن زيد بن أنس بن مالك قال: سمعت أنس بن مالك يقول: مر يهودي برسول الله فقال: السام عليك فقال رسول الله وعليك فقال رسول الله أتدرون ما يقول؟ قال: السام عليك قالوا: يا رسول الله ألا تقتله؟ قال: لا إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم
انظر الحديث 6258
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، وهشام بن زيد يروي عن جده أنس بن مالك.
والحديث أخرجه النسائي في اليوم والليلة عن زيد بن حزم.
قوله: السام عليك هكذا عليك بالإفراد، ولم يختلف أحد أن لفظ: عليك، بالإفراد في حديث أنس، وكذا في رواية الكشميهني في حديث عائشة، رضي الله تعالى عنها. وهذا الحديث الذي يليه، وفي رواية غيره: عليكم، وكذا الخلاف في حديث ابن عمر الذي بعده. قوله: ألا نقتله؟ كلمة ألا للتحضيض. قوله: قال: لا أي: قال رسول الله لا تقتلوه.
وفيه: حجة ظاهرة للكوفيين منهم أبو حنيفة، رضي الله تعالى عنه. فإن قلت: الواو في: وعليك، تقتضي التشريك. قلت: معناه: وعليك ما تستحق من اللعنة والعذاب، أو ثمة مقدر أي: وأنا أقول: وعليك، أو الموت مشترك أي: نحن وأنتم كلنا نموت، قاله الكرماني.
6927 حدثنا أبو نعيم، عن ابن عيينة، عن الزهري، عن عروة عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: استأذن رهط من اليهود على النبي فقالوا: السام عليك. فقلت: بل عليكم السام واللعنة فقال: يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله قلت أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: قلت وعليكم
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين يروي عن سفيان بن عيينة عن محمد بن مسلم الزهري عن عروة بن هشام عن عائشة.
والحديث مضى في الأدب في: باب الرفق في الأمر كله، ومضى الكلام فيه. وأخرجه مسلم في الاستئذان عن عمر والناقد وزهير بن حرب. وأخرجه الترمذي فيه. والنسائي في التفسير وفي اليوم والليلة جميعا عن سعيد بن عبد الرحمن عن سفيان.
قوله: رهط قد ذكرنا غير مرة أن الرهط من الرجال ما دون العشرة ولا تكون فيهم امرأة ولا واحد له من لفظه وجمعه أرهط وأرهاط وأراهط جمع الجمع.
6928 حدثنا مسدد، حدثنا يحياى بن سعيد، عن سفيان ومالك بن أنس قالا: حدثنا عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر، رضي الله عنهما، يقول: قال رسول الله إن اليهود إذا سلموا على أحدكم إنما يقولون: سام عليك، فقل: عليك
انظر الحديث 6257
مطابقته للترجمة ظاهرة. و يحيى بن سعيد القطان، وسفيان بن عيينة.
والحديث أخرجه النسائي في اليوم والليلة عن قتيبة بن سعيد والحارث بن مسكين.
قوله: سام عليك ويروى: السام عليكم. قوله: فقل: عليك ويروى: عليكم، قال الكرماني: قوله: فقل المقام يقتضي أن يقال: فليقل، أمرا غالبا، وأجاب بأن قوله: أحدكم فيه معنى الخطاب لكل أحد.
5
((باب
((
أي: هذا باب ذكر بغير ترجمة على عادته في مثل هذا، فهو كالفصل لما قبله من الباب، ولفظ: باب، محذوف عند ابن بطال وألحق حديث ابن مسعود في الباب الذي
قبله.
83

5
((باب
((
أي: هذا باب ذكر بغير ترجمة على عادته في مثل هذا، فهو كالفصل لما قبله من الباب، ولفظ: باب، محذوف عند ابن بطال وألحق حديث ابن مسعود في الباب الذي قبله.
6929 حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، قال: حدثني شقيق قال: قال عبد الله: كأني أنظر إلى النبي يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه، فأدموه، فهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون
انظر الحديث 3477
وجه ذكر هذا الحديث هنا من حيث إنه ملحق بالباب المترجم الذي فيه ترك النبي قتل ذاك القائل بقوله: السام عليك، وكان هذا من رفقه وصبره على أذى الكفار، والأنبياء، عليهم السلام، كانوا مأمورين بالصبر. قال الله تعالى: * (فاصب كما صبر أهل العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) * وفي هذا الحديث بيان صبر نبي من الأنبياء الذين أنفع غيره منهم. وأخرجه عن عمر بن حفص عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن شقيق بن سلمة أبي وائل وكلهم كوفيون.
والحديث مضى في بني إسرائيل بهذا السند. وأخرجه مسلم وابن ماجة كلاهما عن محمد بن نمير، فمسلم في المغازي وابن ماجة في الفتن.
قوله: قال عبد الله هو ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه. قوله: يحكي نبيا النبي، هو الحاكي والمحكي عنه، ويحتمل أن يكون هذا النبي هو نوح، عليه السلام، لأن قومه كانوا يضربونه حتى يغمى عليه ثم يفيق، فيقول: اهد قومي فإنهم لا يعلمون. أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة نوح، عليه السلام، من حديث الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير به. قوله: أدموه بفتح الميم أي: جرحوه بحيث جرى عليه الدم.
((باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم))
أي: هذا باب في بيان قتل الخوارج... الخ، وهو جمع خارجة أي: طائفة خرجوا عن الدين وهم قوم مبتدعون سموا بذلك لأنهم خرجوا على خيار المسلمين، وقال الشهرستاني في الملل والنحل كل من خرج على الإمام الحق فهو خارجي سواء في زمن الصحابة أو بعدهم، وقال الفقهاء: الخوارج غير الباغية وهم الذين خالفوا الإمام بتأويل باطل ظنا. والخوارج خالفوا لا بتأويل أو بتأويل باطل قطعا. وقيل: هم طائفة من المبتدعة لهم مقالات خاصة مثل: تكفير العبد بالكبيرة، وجواز كون الإمام من غير قريش، سموا به لخروجهم على الناس بمقالاتهم. قوله: والملحدين أي: وقتل الملحدين وهو جمع ملحد، وهو العادل عن الحق المائل إلى الباطل. قوله: بعد إقامة الحجة عليهم يشير البخاري بذلك إلى أنه لا يجب قتال خارجي ولا غيره إلا بعد الاعذار عليه، ودعوته إلى الحق وتبيين ما التبس عليه، فإن أبى عن الرجوع إلى الحق وجب قتاله بدليل الآية التي ذكرها.
وقول الله تعالى: * (وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم) *
أشار بهذه الآية الكريمة إلى أن قتال الخوارج والملحدين لا يجب إلا بعد إقامة الحجة عليهم، وإظهار بطلان دلائلهم، والدليل عليه هذه الآية لأنها تدل على أن الله لا يؤاخذ عباده حتى يبين لهم ما يأتون وما يذرون، وهكذا فسرها الضحاك. وقال مقاتل والكلبي: لما أنزل الله تعالى الفرائض فعمل بها الناس جاء ما نسخها من القرآن، وقد مات ناس وهم كانوا يعملون الأمر الأول من القبلة والخمر وأشباه ذلك، فسألوا عنه رسول الله فأنزل الله تعالى: * (وما كان الله ليضل قوما) * يعني: وما كان الله ليبطل عمل قوم عملوا بالمنسوخ حتى يبين لهم الناسخ. وقال الثعلبي: أي ما كان الله ليحكم عليكم بالضلال بعد استغفاركم للمشركين قبل أن يقدم إليكم بالنهي، أي: ما كان الله ليوقع الضلالة في قلوبكم بعد الهدى حتى يبين لهم ما يتقون أي: ما يخافون ويتركون. وقال الزمخشري: المراد مما يتقون ما يجب اتقاؤه للنهي.
وكان ابن عمر يراهم شرار خلق الله، وقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين.
مطابقة هذا الأثر للترجمة ظاهرة، ووصله الطبري في تهذيب الآثار من طريق بكير بن عبد الله بن الأشج أنه سأل
84

نافعا: كيف كان رأي ابن عمر في الحرورية؟ قال: كان يراهم شرار خلق الله، انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين. انتهى. قلت: الحرورية هم الخوارج وإنما سموا حرورية لأنهم نزلوا في موضع يسمى حروراء، بالمد والقصر وهو موضع قريب من الكوفة، وكان أول مجتمعهم وتحكيمهم فيها، وقال ابن الأثير: الحرورية طائفة من الخوارج وهم الذين قاتلهم علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، وكان عندهم من التشدد في الدين ما هو معروف، وكان كبيرهم عبد الله بن الكواء بفتح الكاف وتشديد الواو وبالمد اليشكري، وعدة الخوارج عشرون فرقة.
وقال ابن حزم: وأسوؤهم حالا الغلاة وهم الذين ينكرون الصلوات الخمس ويقولون: الواجب صلاة بالغداة وصلاة بالعشي، ومنهم من يجوز نكاح بنت الابن وبنت ابن الأخ والأخت، ومنهم من أنكر أن تكون سورة يوسف من القرآن، وأن من قال: لا إلاه إلا الله، فهو مؤمن عند الله ولو اعتقد الكفر بقلبه، وأقربهم إلى قول أهل الحق الإباضية، وقد بقيت منهم بقية بالغرب. وقال الجوهري الإباضية فرقة من الخوارج أصحاب عبد الله بن إباض التيمي وهو بكسر الهمزة وتخفيف الباء الموحدة وبالضاد
المعجمة وهو في الأصل: الحبل الذي يشد به رسغ البعير إلى عضده حتى ترتفع يده عن الأرض.
قوله: شرار خلق الله قال الكرماني: أي: شرار المسلمين لأن الكفار لا يؤولون كتاب الله. قوله: فجعلوها أي أولوها وصيروها، وكان ابن عمر يكره القدرية أيضا ويراهم من الشرار. وفي التوضيح عن كتاب الإسفرايني: كان عبد الله بن عمر وابن عباس وابن أبي أوفى وجابر وأنس بن مالك وأبو هريرة وعقبة بن عامر وأقرانهم، رضي الله تعالى عنهم، يوضون إلى أخلافهم بأن لا يسلموا على القدرية ولا يعودوهم ولا يصلوا خلفهم ولا يصلوا عليهم إذا ماتوا.
6930 حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا خيثمة، حدثنا سويد بن غفلة قال: علي، رضي الله عنه: إذا حدثتكم عن رسول الله حديثا فوالله لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة، وإني سمعت رسول الله يقول سيخرج قوم في آخر الزمان حداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة
انظر الحديث 3611 وطرفه
مطابقته للترجمة من حيث إن القوم المذكورين فيه هم الخوارج والملحدون.
أخرجه عن عمر بن حفص عن أبيه حفص بن غياث بكسر الغين المعجمة وتخفيف الياء آخر الحروف وبالثاء المثلثة عن سليمان الأعمش عن خيثمة بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة ابن عبد الرحمن بن أبي سبرة بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة الجعفي، لأبيه وجده صحبة، عن سويد بضم السين المهملة بن غفلة بفتح الغين المعجمة والفاء واللام الجعفي من كبار التابعين ومن المخضرمين عاش مائة وثلاثين سنة، وقيل: إن له صحبة.
والحديث قد مضى في علامات النبوة فإنه أخرجه هناك عن محمد بن كثير عن سفيان الأعمش... إلى آخره، وكذا مضى بهذا السند في فضائل القرآن، ومضى الكلام فيه.
قوله: حدثنا عمر بن حفص ويروى: حدثني، بالإفراد. قوله: حدثنا خيثمة قال الإسماعيلي: خالف عيسى بن يونس فقال عن الأعمش: حدثني عمرو بن مرة عن خيثمة به، وهذا يبين أن فيه انقطاعا. قلت: قد صرح الأعمش بالتحديث عن خيثمة فلعله سمعه من خيثمة مرة ومرة من عمرو بن مرة. قوله: قال علي هو ابن أبي طالب، وفيه لفظ: قال آخر مقدر تقديره: قال: قال علي أي: قال سويد بن غفلة: قال علي، وقد مضى في آخر فضائل القرآن من رواية الثوري عن الأعمش بهذا السند. قال:
85

قال علي، وعند النسائي من هذا الوجه عن علي، رضي الله تعالى عنه، وقال الدارقطني: لم يصح لسويد بن غفلة عن علي مرفوع إلا هذا وقيل: ماله في الكتب الستة غيره.
قوله: لأن أخر أي: أسقط. قوله: خدعة بتثليث الخاء المعجمة والمعنى: إذا حدثتكم عن النبي لا أكني ولا أعرض ولا أواري، وإذا حدثتكم عن غيره أفعل هذه الأشياء لأخدع بذلك من يحاربني، فإن الحرب ينقضي أمره بخدعة واحدة. قوله: سيخرج قوم في آخر الزمان وفي رواية النسائي من حديث أبي برزة: يخرج في آخر الزمان قوم، قيل: هذا يخالف حديث أبي سعيد المذكور في الباب بعده، لأن مقتضاه أنهم خرجوا في خلافة علي، رضي الله تعالى عنه، ولذا أكثرت الأحاديث الواردة في أمرهم. وأجاب ابن التين بأن المراد زمان الصحابة، واعترض عليه بعضهم بقوله: لأن آخر زمان الصحابة كان على رأس المائة، وهم قد خرجوا قبل ذلك بأكثر من ستين سنة. ثم أجاب بقوله: ويمكن الجمع بأن المراد من آخر الزمان آخر زمان خلافة النبوة فإن في حديث سفينة المخرج في السنن وصحيح ابن حبان وغيره مرفوعا: الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكا، وكانت قصة الخوارج وقتلهم بالنهروان في أواخر خلافة علي سنة ثمان وثلاثين بعد النبي بدون الثلاثين بنحو سنتين. انتهى. قلت: يسقط السؤال من الأول إن قلنا بتعدد خروج الخوارج، وقد وقع خروجهم مرارا. قوله: حداث الأسنان بضم الحاء وتشديد الدال هكذا في رواية المستملي والسرخسي، وفي أكثر الروايات: أحداث الأسنان، جمع حدث بفتحتين وهو صغير السن. وقال ابن الأثير: حداثة السن كناية عن الشباب وأول العمر، وقال ابن التين: حداث بالضم جمع حديث مثل كرام جمع كريم وكبار جمع كبير، والحديث الجديد من كل شيء ويطلق على الصغير بهذا الاعتبار، والمراد بالأسنان العمر يعني أنهم شباب قوله: سفهاء الأحلام يعني: عقولهم رديئة، والأحلام جمع حلم بكسر الحاء وكأنه من الحلم بمعنى الأناءة والتثبت في الأمور، وذلك من شعار العقلاء، وأما بالضم فعبارة عما يراه النائم. قوله: يقولون من خير قول البرية قيل: هذا مقلوب والمراد من قول خير البرية هو القرآن، وقال الكرماني: من خير قول البرية أي: خير أقوال الناس، أو خير من قول البرية، وهو القرآن فعلى هذا ليس بمقلوب. قوله: لا يجاوز إيمانهم حناجرهم وفي رواية الكشميهني: لا يجوز والحناجر بالحاء المهملة في أوله جمع حنجرة وهي الحلقوم والبلعوم وكله يطلق على مجرى النفس مما يلي الفم، وفي رواية مسلم من رواية زيد بن وهب عن علي: لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، فكأنه أطلق الإيمان على الصلاة، وفي حديث أبي ذر: لا يجاوز إيمانهم حلاقيمهم والمراد أنهم يؤمنون بالنطق لا بالقلب. قوله: يمرقون من الدين من المروق وهو الخروج، يقال: مرق من الدين مروقا خرج منه ببدعته وضلالته، ومرق السهم من الغرض إذا أصابه ثم نفذه، ومنه قيل للمرق مرق لخروجه من اللحم، وفي رواية سويد بن غفلة عند النسائي والطبري: يمرقون من الإسلام، وفي رواية للنسائي: يمرقون من الحق. قوله: من الرمية بفتح الراء وكسر الميم وتشديد الياء آخر الحروف وهو الشيء يرمى ويطلق على الطريدة من الوحش إذا رماها الرامي، وقال الكرماني: الرمية فعيلة من الرمي بمعنى المرمية أي: الصيد مثلا. فإن قلت: الفعيل بمعنى المفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث. فلم أدخل التاء فيه؟. قلت: هذا النقل الوصفية إلى الإسمية، وقيل: ذلك الاستواء إذا كان
الموصوف مذكورا معه، وقيل: ذلك الدخول غالبا للذي لم يقع بعد، يقال: خذ ذبيحتك للشاة التي لم تذبح، وإذا وقع عليها الفعل فهي ذبيح.
6931 حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الوهاب، قال: سمعت يحياى بن سعيد قال: أخبرني محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة وعطاء بن يسار أنهما أتيا أبا سعيد الخدري فسألاه عن الحرورية: أسمعت النبي قال: لا أدري ما الحرورية؟ سمعت النبي يقول يخرج في هاذه الأمة ولم يقل: منها قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، يقرأون القرآن
86

لا يجاوز حلوقهم أو حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، فينظر الرامي إلى سهمه إلى نصله إلى رصافه فيتماراى في الفوقة هل علق بها من الدم شيء
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن الحرورية هم الخوارج. وقد مر عن قريب.
وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، و يحيى بن سعيد هو الأنصاري، و محمد بن إبراهيم هو التيمي، وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمان بن عوف، وعطاء بن يسار ضد اليمين.
وفي السند ثلاثة من التابعين على نسق، واسم أبي سعيد الخدري سعد بن مالك.
والحديث مر في مواضع كثيرة في علامات النبوة عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي سعيد وهذا السياق على لفظ أبي سلمة وحده ومضى في الأدب عن عبد الرحمان بن إبراهيم وفي فضائل القرآن عن عبد الله بن يوسف.
قوله: عن الحرورية قد مضى تفسيره عن قريب. قوله: أسمعت؟ الهمزة للاستفهام على سبيل الاستخبار، والخطاب لأبي سعيد. قوله: النبي منصوب بقوله: أسمعت والمسموع محذوف، كذا في رواية الجميع، وقد بينه ابن ماجة في روايته عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة، قلت لأبي سعيد: هل سمعت رسول الله يذكر الحرورية؟ قوله: قال: لا أدري ما الحرورية فإن قلت: سيجيء حديث أبي سعيد أيضا في أول الباب الذي يلي الباب المذكور، وفيه: وأشهد أن عليا، رضي الله تعالى عنه. قتلهم وأنا معه... الحديث، فهؤلاء الذين قتلهم وهو معه هم الحرورية، فكيف قال هنا: لا أدري؟. قلت: معنى قوله هنا: لا أدري أنه لم يحفظ فيهم بطريق النص بلفظ الحرورية، وإنما وصف صفتهم التي سمعها من النبي وتلك الصفات لوجودها في الحرورية تدل على أنهم هم المراد ممن وصفهم النبي قوله: يخرج في هذه الأمة أي: أمة النبي قوله: ولم يقل منها أي: ولم يقل النبي من هذه الأمة، بكلمة: من. قوله: قوم مرفوع لأنه فاعل يخرج. فإن قلت: وقع في رواية الطبراني من وجه آخر عن أبي سعيد بلفظ: من أمتي، ووقع في حديث مسلم عن أبي ذر، رضي الله تعالى عنه: سيكون بعدي من أمتي قوم، وله أيضا من طريق زيد بن وهب عن علي، رضي الله تعالى عنه: يخرج قوم من أمتي. قلت: المراد بالأمة في حديث أبي سعيد أمة الإجابة وفي رواية مسلم أمة الدعوة، وأما حديث الطبراني فضعيف. وقال الثوري: فيه دلالة على فقه الصحابة وتحريرهم الألفاظ. وفيه: إشارة من أبي سعيد إلى تكفير الخوارج وأنهم من غير هذه الأمة. قوله: يحقرون بفتح الياء أي: يستقلون والضمير فيه يرجع إلى قوم، ولو قيل: تحقرون، بالخطاب فله وجه. وقد روى الطبراني عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة: يتعبدون يحقر أحدكم صلاته وصيامه مع صلاتهم وصيامهم. قوله: فينظر الرامي.. الخ تمثيل لحال هؤلاء بحال الرامي المذكور بهذه الصفة في عدم حصول الفائدة من عبادتهم كعدم حصول مقصود هذا الرامي من الرمية. قوله: إلى نصله وهو حديدة السهم. قوله: إلى رصافه بكسر الراء وبالصاد المهملة جمع الرصفة وهو العصب الذي يكون فوق مدخل النصل، وقال الكرماني: قال بعضهم محتجين بهذا التركيب بوقوع بدل الغلط في الكلام البليغ. قوله: فيتمارى أي: فيشك في الفوقة بضم الفاء وهو موضع الوتر من السهم وفي المخصص وجمعه أفواق وفوق، وفوقة بكسر الفاء، وعن أبي حنيفة: فوق وفوقة، وقد يجعل الفوق واحدا ويجمع أفواقا يريد أنهم لما تأولوا القرآن على غير الحق لم يحصل لهم بذلك أجر، ولم يتعلقوا بسببه بالثواب لا أولا ولا وسطا ولا آخرا. قوله: هل علق بكسر اللام.
6932 حدثنا يحيى بن سليمان، حدثني ابن وهب، قال: حدثني عمر أن أباه حدثه عن عبد الله بن عمر وذكر الحرورية، فقال: قال النبي يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية
هذا بعض حديث أبي سعيد المذكور، غير أن في حديثه: يمرقون من الدين وهنا من الإسلام.
أخرجه عن يحيى بن سليمان أبي سعيد الجعفي الكوفي نزل مصر، عن عبد الله بن وهب عن عمر بضم العين، كذا ذكر عند الجميع بغير نسبة، وهو عمر بن
87

محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقد مضى في كتاب التفسير في تفسير سورة لقمان رواه عن يحيى بن سليمان عن ابن وهب، حدثني عمر بن محمد بن زيد عن عبد الله بن عمر.
قوله: حدثني عمر بالإفراد، وفي رواية أبي ذر: حدثنا، بالجمع قوله: وذكر الحرورية جملة حالية.
7
((باب من ترك قتال الخوارج للتألف، وأن لا ينفر الناس عنه))
أي: هذا باب في بيان من ترك قتال الخوارج للتألف أي لأجل الإلفة. قوله: وأن لا ينفر الناس عنه، عطف على ما قبله أي: ولأجل أن لا ينفر الناس عنه أي: عن التارك، دل عليه قوله: ترك، وفي بعض النسخ: ولئلا ينفر الناس عنه، وقال الداودي: قوله: من ترك قتال الخوارج، ليس بشيء لأنه لم يكن يومئذ قتال، ولو قال: لم يقتل، لأصاب، وتسميتهم ذا الخويصرة من الخوارج ليس بشيء لأنه لم يكن يومئذ هذا الاسم، وإنما سموا به لخروجهم على علي، رضي الله تعالى عنه، وقال
المهلب: التألف إنما كان في أول الإسلام إذ كانت الحاجة ماسة إليه لدفع مضرتهم، فأما اليوم فقد أعلى الله الإسلام فلا يجب التألف إلا أن ينزل بالناس جميعهم حاجة لذلك فلإمام الوقت ذلك. وقال ابن بطال: لا يجوز ترك قتال من خرج على الأمة وشق عصاها، وأما ذو الخويصرة فإنما ترك الشارع قتله لأنه عذره لجهله، وأخبر أنه من قوم يخرجون ويمرقون من الدين، فإذا خرجوا وجب قتالهم.
6933 حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا هشام، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد قال: بينا النبي يقسم جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التميمي، فقال: اعدل يا رسول الله فقال: ويلك من يعدل إذا لم أعدل؟ قال عمر بن الخطاب: دعني أضرب عنقه. قال: دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاته وصيامه مع صيامه، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر في قذذه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر في نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر في رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر في نضيه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم. آيتهم رجل إحدى يديه أو قال: ثدييه مثل ثدي المرأة أو قال: مثل البضعة تدردر، يخرجون على حين فرقة من الناس قال أبو سعيد: أشهد سمعت من النبي وأشهد أن عليا قتلهم وأنا معه، جيء بالرجل على النعت الذي نعته النبي قال فنزلت فيه: * (ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون) *.
قيل: لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأن الحديث في ترك القتل إلى آخره، والترجمة في القتال. وأجيب بأن ترك القتل يوجد من ترك القتال من غير عكس.
وعبد الله بن محمد هو الجعفي، المسندي بفتح النون، وهشام هو ابن يوسف الصنعاني، ومعمر بفتح الميمين هو ابن راشد، والزهري هو محمد بن مسلم، وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمان بن عوف، وأبو سعيد سعد بن مالك الخدري.
وحديثه قد مضى قبل هذا الباب.
قوله بينا أصله: بين، فأشبعت فتحة النون فصارت: بينا. وقد يقال: بينما بزيادة الميم وكلاهما يحتاج إلى جواب. وهو قوله: جاء عبد الله قوله: يقسم بفتح أوله من القسمة وجاء هنا هكذا بحذف المفعول، وقال الكرماني: أي يقسم مالا، ولم يبين المقسوم ما هو ولا متى كانت القسمة؟ أما المقسوم فكان تبرا بعثه علي بن أبي طالب من اليمن، وتقدم هكذا في الأدب عن أبي سعيد، وأما القسمة فكانت يوم حنين، قسمه رسول الله بين أربعة نفر: الأقرع بن حابس الحنظلي، وعيينة بن حصن الفزاري، وعلقمة بن علاثة العامري، وزيد الخير الطائي. قوله: عبد الله بن ذي الخويصرة بضم الخاء المعجمة مصغر الخاصرة وقد تقدم في: باب علامات النبوة:
88

فأتى ذو الخويصرة رجل من تميم، وفي جل النسخ، بل في كلها: عبد الله بن ذي الخويصرة بزيادة الابن. وأخرج الثعلبي ثم الواحدي في أسباب النزول من طريق محمد بن يحيى الذهلي عن عبد الرزاق، فقال: ابن ذي الخويصرة التميمي وهو حرقوص بن زهير أصل الخوارج، وقد اعتمد على ذلك ابن الأثير فترجم لذي الخويصرة في الصحابة، وذكر الطبري حرقوص بن زهير في الصحابة، وذكر أن له في فتوح العراق أثرا، وأنه الذي افتتح سوق الأهواز، ثم كان مع علي في حرورية ثم صار مع الخوارج فقتل معهم. قوله: ويلك كذا في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: ويحك، قوله: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني أضرب عنقه قيل: سبق في المغازي في: باب بعث علي، رضي الله عنه، إلى اليمن أن القائل به خالد بن الوليد، وأجاب الكرماني بقوله: لا محذور في صدور هذا القول منهما. وفي التوضيح وفي قول عمر هذا دليل على أن قتله كان مباحا لأن الشارع لم ينكر عليه، وأن إبقاءه جائز لعلة. قوله: ينظر على صيغة المجهول. قوله: في قذذه بضم القاف وفتح الذال المعجمة الأولى جمع قذة وهو ريش السهم. قوله: في نصله قد مر تفسيره عن قريب، وكذا تفسير الرصاف. قوله: في نضيه بفتح النون وكسر الضاد المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف وهو عود السهم بلا ملاحظة أن يكون له نصل وريش، وفي التوضيح وحكي فيه كسر النون. قوله: قد سبق الفرث والدم يعني: جاوزهما الفرث وهو السرجين ما دام في الكرش وحاصل المعنى أنه مر سريعا في الرمية وخرج لم يعلق به من الفرث والدم شيء، فشبه خروجهم من الدين ولم يتعلقوا منه بشيء بخروج ذلك السهم. قوله: آيتهم أي: علامتهم. قوله: إحدى يديه بفتح الياء آخر الحروف وفتح الدال تثنية يد. قوله: أو قال ثدييه شك من الراوي، وهو بفتح الثاء المثلثة تثنية ثدي. قوله: البضعة بفتح الباء الموحدة القطعة من اللحم. قوله: تدردر يعني: تضطرب تجيء وتذهب وأصله: تتدردر من باب التفعلل، فحذفت إحدى التائين. قوله: على حين فرقة أي: على زمان افتراق الناس. قال الداودي: يعني ما كان يوم صفين. وقال ابن التين: رويناه بالحاء المهملة والنون، وفي رواية الكشميهني: على خير فرقة، بالخاء المعجمة وفي آخره راء أي: أفضل طائفة في عصره، وقال عياض: هم علي وأصحابه، أو خير القرون وهم الصدر الأول، وفي رواية أحمد عن عبد الرزاق: حين فترة من الناس، بفتح الفاء وسكون التاء المثناة من فوق. قوله: وأشهد أن عليا قتلهم وفي رواية شعيب: أن علي بن أبي طالب قاتلهم، ووقع في رواية أفلح بن عبد الله: وحضرت مع علي، رضي الله عنه، يوم قتلهم بالنهروان، ونسبة قتلهم إلى علي لكونه كان القائم في ذلك. قوله: جيء بالرجل أي: بالرجل الذي قال رجل إحدى يديه وقد علم أن النكرة إذا أعيدت معرفة تكون عين الأول وهو ذو الثدية بفتح الثاء المثلثة مكبرا وبضمها مصغرا. قوله: على النعت الذي نعته النبي أي: على الوصف الذي وصفه وهو قوله: وآيتهم رجل إحدى يديه إلى قوله: تدردر وفي رواية مسلم: قال أبو سعيد: وأنا أشهد أن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فوجد فأتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله الذي نعته. قوله: فنزلت فيه أي: في الرجل المذكور، وفي رواية السرخسي: فنزلت فيهم، أي: نزلت الآية وهي قوله عز وجل: * (ومنهم ما يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون) *
اللمز العيب أي: يعيبك في قسم الصدقات.
6934 حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد، حدثنا الشيباني، حدثنا يسير بن عمرو قال: قلت لسهل بن حنيف: هل سمعت النبي يقول في الخوارج شيئا؟ قال
: سمعته يقول وأهوى بيده قبل العراق: يخرج منه قوم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الواحد هو ابن زياد، والشيباني هو أبو إسحاق سليمان، ويسير بضم الياء آخر الحروف وفتح السين مصغر يسر ضد العسر ويقال له: أسير أيضا. بضم الهمزة ابن عمرو وهو من بني محارب بن ثعلبة نزل الكوفة، ويقال:
89

إن له صحبة وليس له في البخاري إلا هذا الحديث الواحد، وسهل بن حنيف بن واهب الأنصاري البدري.
والحديث أخرجه مسلم في الزكاة عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره. وأخرجه النسائي في فضائل القرآن عن محمد بن آدم.
قوله: وأهوى بيده أي: مدها جهة العراق. قوله: يخرج منه قوم هؤلاء القوم خرجوا من نجد موضع التميمين. قوله: مروق السهم أي: كمروق السهم.
8
((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان دعوتهما واحدة)))
أي: هذا باب في ذكر قول النبي وترجمه بلفظ الخبر. قوله: فئتان أي: جماعتان هما فئة علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، وفئة معاوية بن أبي سفيان. قوله: دعوتهما ويروى: دعواهما، والمراد بالدعوى الإسلام على القول الراجح، وقيل: المراد اعتقاد كل منهما أنه على الحق وصاحبه على الباطل بحسب اجتهادهما. وفيه معجزة للنبي وقال الداودي: هاتان الفئتان هما إن شاء الله أصحاب الجمل زعم علي بن أبي طالب أن طلحة والزبير بايعاه فتعلق بذلك، وزعم طلحة والزبير أن الأشتر النخعي أكرههما على المشي إلى علي، رضي الله تعالى عنه، وقد جاء في الكتاب والسنة الأمر بقتال الفئة الباغية إذا تبين بغيها، وقال الله تعالى: * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداها على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفىء إلى أمر الله فإن فآءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) *.
6935 حدثنا علي، حدثنا سفيان، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان دعواهما واحدة.
الترجمة عين الحديث كما ذكرنا غير أن فيها: طائفتان، في بعض النسخ وفي الحديث: فئتان. أخرجه عن علي بن عبد الله المعروف بابن المديني عن سفيان بن عيينة عن أبي الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمان بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة. والحديث بهذا السند من أفراده.
9
((باب ما جاء في المتأولين))
أي: هذا باب في بيان ما جاء من الأخبار في حق المتأولين ولا خلاف بين العلماء أن كل متأول معذور بتأويله غير ملوم فيه إذا كان تأويله ذلك سائغا في لسان العرب، أو كان له وجه في العلم، ألا يرى أنه لم يعنف عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، في تلببه بردائه، على ما يجيء الآن في حديثه، وعذره في ذلك لصحة مراد عمر واجتهاده، وكذلك يجيء في بقية أحاديث الباب.
6936 قال أبو عبد الله: وقال الليث: حدثني يونس عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير: أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمان بن عبد القاري أخبراه أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرؤوها على حروف كثيرة، لم يقرئنيها رسول الله كذلك فكدت أساوره في الصلاة، فانتظرته حتى سلم ثم لببته بردائه أو بردائي فقلت: من أقرأك هذه السورة؟ قال: أقرأنيها رسول الله قلت له كذبت فوالله إن رسول الله أقرأني هاذه السورة التي سمعتك تقرؤوها، فانطلقت أقوده إلى رسول الله فقلت يا رسول الله إني سمعت هاذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، وأنت أقرأتني
90

سورة الفرقان. فقال رسول الله أرسله يا عمر اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأها قال رسول الله هاكذا أنزلت ثم قال رسول الله اقرأ يا عمر فقرأت فقال: هاكذا أنزلت، ثم قال: إن هاذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه
مطابقته للترجمة من حيث إن النبي لم يؤاخذ عمر بتكذيبه هشاما ولا بكونه لببه بردائه وأراد الإيقاع به، بل صدق هشاما في نقله وعذر عمر في إنكاره.
وأبو عبد الله هو البخاري نفسه وليس هذا في كثير من النسخ بل قال بعد الترجمة: وقال الليث هذا تعليق منه.
ومضى هذا الحديث في الأشخاص في: باب كلام الخصوم بعضهم في بعض، أخرجه عن عبد الله بن يوسف عن ملك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمان بن عبد القاري أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب... الخ. وليس فيه ذكر المسور بن مخرمة. ومضى الكلام فيه.
ووصل هذا التعليق الإسماعيلي عن عبد الله بن صالح كاتب الليث عنه ويونس شيخ الليث فيه هو ابن يزيد وقد تقدم في فضائل القرآن وغيره من رواية الليث أيضا موصولا لكن عن عقيل لا عن يونس، وقال بعضهم، وهم مغلطاي ومن تبعه، في أن البخاري رواه عن سعيد بن عفير عن الليث عن يونس. قلت: أراد بقوله: ومن تبعه صاحب التوضيح وهو شيخه، وقد أدمج ذكره هنا.
قوله: أساوره بالسين المهملة أي: أواثبه وأحمل عليه. وأصله من السورة وهو البطش. قوله: ثم لببته من التلبيب وهو جمع الثياب عند الصدر في الخصومة والجد. قوله: أو بردائي شك من الراوي. قوله: على سبعة أحرف أي: على سبعة لغات هي أفصح اللغات. وقيل: الحرف الإعراب، يقال: فلان يقرأ بحرف عاصم أي بالوجه الذي اختاره من الإعراب، وقيل: توسعة وتسهيلا لم يقصد به الحصر، وفي الجملة قالوا: هذه القراءات السبع ليس كل واحدة منها واحدة من تلك السبع، بل
يحتمل أن تكون كلها واحدة من اللغات السبعة.
6937 حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا وكيع. ح وحدثنا يحياى، حدثنا وكيع عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، رضي الله عنه، قال: لما نزلت هاذه الآية: * (الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) * شق ذالك على أصحاب النبي وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله ليس كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه: * (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) *
مطابقته للترجمة من حيث إنه لم يؤاخذ الصحابة، رضي الله تعالى عنهم بحملهم الظلم في الآية على عمومه حتى يتناول كل معصية، بل عذرهم لأنه ظاهر في التأويل، ثم بين لهم المراد بقوله: ليس كما تظنون الخ.
وأخرجه من طريقين أحدهما: عن إسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه عن وكيع بن الجراح عن سليمان الأعمش. والآخر: عن يحيى بن موسى بن عبد ربه يقال له: خت، وهو من أفراده عن وكيع عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس.
والإسناد كلهم كوفيون. ومضى الحديث في أول كتاب استتابة المرتدين.
6938 حدثنا عبدان، أخبرنا عبد الله، أخبرنا معمر، عن الزهري، أخبرني محمود بن الربيع قال: سمعت عتبان بن مالك يقول: غدا علي رسول الله فقال رجل: أين مالك بن
91

الدخشن؟ فقال رجل منا: ذاك منافق لا يحب الله ورسوله، فقال النبي لا تقولوه، يقول: لا إلاه إلا الله يبتغي بذالك وجه الله تعالى؟ قال: بلى قال: فإنه لا يوافي عبد يوم القيامة به إلا حرم الله عليه النار
مطابقته للترجمة من حيث إنه لم يؤاخذ القائلين في حق مالك بن الدخشن بما قالوا، بل بين لهم أن إجراء أحكام الإسلام على الظاهر دون الباطن.
وأخرجه عن عبدان وهو لقب عبد الله بن عثمان المروزي يروي عن عبد الله بن المبارك المروزي... الخ، والحديث مضى في الصلاة في: باب المساجد في البيوت، ومضى الكلام فيه.
قوله: الدخشن بضم الدال المهملة وسكون الخاء المعجمة وضم الشين المعجمة ثم نون، وجاء الدخشم أيضا بالميم موضع النون، وقد يصغر. قوله: ذاك منافق ويروى: ذلك منافق. قوله: لا تقولوه بصيغة النهي كذا في رواية المستملي والسرخسي وفي رواية الكشميهني: ألا تقولوه، وقال ابن التين: جاءت الرواية كذا والصواب: تقولونه، أي: تظنونه. قلت: حذف النون من الجمع بلا ناصب ولا جازم لغة فصيحة ويحتمل أن يكون خطابا للواحد، وحدثت الواو من إشباع الضمة، وقال بعضهم: وتفسير القول بالظن فيه نظر والذي يظهر أنه بمعنى الرؤية أو السماع. انتهى. قلت: القول بمعنى الظن كثير، أنشد سيبويه:
* أما الرحيل فدون بعد غد
* فمتى تقول الدار تجمعنا
*
يعني: متى تظن الدار تجمعنا؟ والبيت لعمر بن أبي ربيعة المخزومي. ونقل صاحب التوضيح عن ابن بطال: أن القول بمعنى الظن كثير بشرط كونه في المخاطب، وكونه مستقبلا، ثم أنشد البيت المذكور مضافا إلى سيبويه. قوله: لا يوافي ويروى: لن يوافي، أي: لا يأتي أحد بهذا القول إلا حرم الله عليه النار
21 - (حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن حصين عن فلان قال تنازع أبو عبد الرحمن وحبان بن عطية فقال أبو عبد الرحمن لحبان لقد علمت ما الذي جرأ صاحبك على الدماء يعني عليا قال ما هو لا أبا لك قال شيء سمعته يقوله قال ما هو قال بعثني رسول الله
والزبير وأبا مرثد وكلنا فارس قال انطلقوا حتى تأتوا روضة حاج قال أبو سلمة هكذا قال أبو عوانة حاج فإن فيها امرأة معها صحيفة من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين فاتوني بها فانطلقنا على أفراسنا حتى أدركناها حيث قال لنا رسول الله
تسير على بعير لها وكان كتب إلى أهل مكة بمسير رسول الله
إليهم فقلنا أين الكتاب الذي معك قالت ما معي كتاب فأنخنا بها بعيرها فابتغينا في رحلها فما وجدنا شيئا فقال صاحباي ما نرى معها كتابا قال فقلت لقد علمنا ما كذب رسول الله
ثم حلف علي والذي يحلف به لتخرجن الكتاب أو لأجردنك فأهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجت الصحيفة فأتوا بها رسول الله
فقال عمر يا رسول الله قد خان الله رسوله والمؤمنين دعني فأضرب عنقه فقال رسول الله
يا حاطب ما حملك على ما صنعت قال يا رسول الله ما لي أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله ولكني أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع بها عن أهلي وما لي وليس من أصحابك أحد إلا له هنالك من قومه من يدفع الله
92

به عن أهله وماله قال صدق لا تقولوا له إلا خيرا قال فعاد فعمر فقال يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين دعني فلأضرب عنقه قال أوليس من أهل بدر وما يدريك لعل الله اطلع عليهم فقال اعملوا ما شئتم فقد أوجبت له الجنة فاغرورقت عيناه فقال الله ورسوله أعلم)
مطابقته للترجمة من حيث أن النبي
عذره في تأويله وشهد بصدقه وأخرجه عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة الوضاح اليشكري عن حصين بضم الخاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي عن فلان قال الكرماني هو سعد بن عبيدة بضم العين المهملة مصغرا أبو حمزة بالحاء المهملة وبالزاي ختن أبي عبد الرحمن السلمي انتهى قلت وقع فلان هنا مبهما وسمي في رواية هشام في الجهاد وعبد الله بن إدريس في الاستئذان سعد بن عبيدة وكان الكرماني ما اطلع عليه ذاهلا حتى قال قيل سعد بن عبيدة وسعد تابعي روى عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر والبراء رضي الله تعالى عنه قوله ' تنازع أبو عبد الرحمن ' هو السلمي المذكور وصرح به في رواية عفان قوله ' وحبان ' بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة وحكى أبو علي الجياني أن بعض رواة أبي ذر ضبطه بفتح أوله قال بعضهم وهو وهم قلت حكى المزي أن ابن ماكولا ذكره بالكسر وأن ابن الفرضي ضبطه بالفتح وكذا ذكره في المطالع قوله ' لقد علمت ما الذي ' كذا في رواية الكشميهني وكذا في أكثر الطرق وفي رواية الحموي والمستملي من الذي ويروى لقد علمت الذي بدون ما ومن ووقع في الجهاد في باب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة بلفظ ما الذي قوله ' جرأ ' بفتح الجيم وتشديد الراء وبالهمزة من الجرأة وهو الإقدام على الشيء قوله ' يعني عليا ' أي يعني بقوله من الذي جرأ علي بن أبي طالب قال الكرماني فإن قلت كيف جاز نسبة الجرأة على القتل إلى علي رضي الله تعالى عنه قلت غرضه أنه لما كان جاز ما بأنه من أهل الجنة عرف أنه إن وقع منه خطأ فيما اجتهد فيه عفي عنه يوم القيامة قطعا قوله ' قال ما هو ' أي قال حبان ما هو الذي جرأه قوله ' لا أبا لك ' بفتح الهمزة جوزوا هذا التركيب تشبيها له بالمضاف وإلا فالقياس لا أب لك وهذا إنما يستعمل دعامة للكلام ولا يراد به الدعاء عليه حقيقة وقيل هي كلمة تقال عند الحث على الشيء والأصل فيه أن الإنسان إذا وقع في شدة عاونه أبوه فإذا قيل لا أبا لك فمعناه ليس لك أب جد في الأمر جد من ليس له معاون ثم أطلق في الاستعمال في موضع استبعاد ما يصدر من المخاطب من قول أو فعل قوله شيء مرفوع لأنه فاعل جرأ قوله ' يقوله ' جملة وقعت صفة لقوله شيء والضمير المنصوب فيه يرجع إلى شيء وكذا بالضمير في رواية المستملي وفي رواية الكشميهني يقول بحذف الضمير قوله ' قال ما هو ' أي قال حبان المذكور ما هو أي ذلك الشيء قوله قال بعثني أي قال أبو عبد الرحمن قال علي بعثني وسقطت قال الثانية على عادتهم بإسقاطها في الخط والتقدير قال أبو عبد الرحمن قال علي رضي الله تعالى عنه بعثني رسول الله
قوله والزبير بالنصب عطف على نون الوقاية لأن محلها النصب وفي مثل هذا العطف خلاف بين البصريين والكوفيين قوله ' وأبا مرثد ' بفتح الميم وسكون الراء وفتح الثاء المثلثة واسمه كناز بفتح الكاف وتشديد النون وبالزاي الغنوي بالغين المعجمة وتقدم في غزوة الفتح من طريق عبيد الله بن أبي رافع عن علي ذكر المقداد بدل أبي مرثد ومضى في الجهاد في باب إذا اضطروا الزبير وفي باب الجاسوس بعثني أنا والزبير والمقداد قال الكرماني ذكر القليل لا ينفي الكثير قوله فارس أي راكب فرس قوله روضة حاج بالحاء المهملة وبالجيم وهو موضع قريب من مكة قاله في التوضيح وقال النووي وهي بقرب المدينة وقال الواقدي هي بالقرب من ذي الحليفة وقيل من المدينة نحو اثني عشر ميلا قوله قال أبو سلمة هو موسى بن إسماعيل شيخ البخاري المذكور فيه قوله هكذا قال أبو عوانة هو أحد الرواة حاج بالحاء المهملة والجيم قال النووي قال العلماء هو غلط من أبي عوانة
93

وكأنه اشتبه عليه بمكان آخر يقال فيه ذات حاج بالحاء المهملة والجيم وهو موضع بين المدينة والشام يسلكه الحاج وزعم السهيلي أن هشيما كان يقولها أيضا حاج بالحاء المهملة والجيم وهو وهم أيضا والأصح خاخ بمعجمتين قوله تسير من السير جملة وقعت حالا من المرأة التي معها الكتاب وفي رواية محمد بن فضيل عن حصين تشتد من الاشتداد بالشين المعجمة قوله فابتغينا أي طلبنا قوله فقال صاحباي وهما الزبير وأبو مرثد ويروى فقال صاحبي بالإفراد باعتبار أن واحدا منهما قال قوله لقد علمنا وفي رواية الكشميهني لقد علمتما بالخطاب لصاحبيه قوله ثم حلف علي والذي يحلف به أي قال والله لأن الذي يحلف به هو لفظة الله قوله ' أو لأجردنك ' أي أنزع ثيابك حتى تكوني عريانة وكلمة أو هنا بمعنى إلى وينتصب المضارع بعدها بأن مضمرة نحو قوله لألزمنك أو تقضيني حقي أي إلى أن تقضيني حقي وفي رواية ابن فضيل أو لأقتلنك ويروى لأجزرنك بجيم ثم زاي أي أصيرك مثل الجزور إذا ذبحت ويروى لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب قال ابن التين كذا وقع بكسر القاف وفتح الياء آخر الحروف وتشديد النون قال والياء زائدة وقال الكرماني هو بكسر الياء وفتحها كذا جاء في الرواية بإثبات الياء والقواعد التصريفية تقتضي حذفها لكن إذا صحت الرواية فلتحمل على أنها وقعت على طريق المشاكلة لتخرجن وهذا توجيه الكسرة وأما الفتحة فتحمل على خطاب المؤنثة الغائبة على طريق الالتفات من الخطاب إلى الغيبة قال ويجوز فتح القاف على البناء للمجهول فعلى هذا فترفع الثياب واختلف هل كانت هذه المرأة مسلمة أو على دين قومها فالأكثر على الثاني فقد عدت فيمن أهدر النبي
دمهم يوم الفتح وكانت مغنية فأهدر دمها لأنها كانت تغني بهجائه وهجاء أصحابه وذكر الواقدي أنها من مزينة وأنها من أهل العرج بفتح العين المهملة وسكون الراء وبالجيم وهي قرية بين مكة والمدينة وذكر الثعلبي أنها كانت مولاة أبي صيفي بن عمرو بن هاشم بن عبد مناف وقيل عمران بدل عمرو وقيل مولاة بني أسد ابن عبد العزى وقيل كانت من موالي العباس وفي تفسير مقاتل بن حبان أن حاطبا أعطاها عشرة دنانير وكساها برداء وقال الواحدي أنها قدمت المدينة فقال لها النبي
جئت مسلمة قالت لا ولكن احتجت قال فأين أنت عن شباب قريش وكانت مغنية قالت ما طلبت من بعد وقعة بدر شيئا من ذلك فكساها وحملها فأتاها حاطب فكتب معها كتابا إلى أهل مكة أن رسول الله
يريد أن يغزو فخذوا حذركم قوله فأهوت أي مالت قوله ' إلى حجزتها ' بضم الحاء المهملة وسكون الجيم وبالزاي وهي معقد الإزار قوله وهي محتجزة بكساء من احتجز بإزاره شده على وسطه وقد مر في باب الجاسوس أنها أخرجته من عقاصها أي من شعورها قال الكرماني لعلها أخرجته من الحجزة أولا وأخفته في الشعر ثم اضطرت إلى الإخراج منه أو بالعكس قوله ' فاتوا بها ' أي بالصحيفة قوله ' رسول الله
' ويروى ' فاتوا بها إلى رسول الله
' قوله ' فإذا فيه ' أي في الكتاب من حاطب إلى ناس من المشركين من أهل مكة سماهم الواقدي في روايته سهيل بن عمرو العامري وعكرمة بن أبي جهل المخزومي وصفوان بن أمية الجمحي قوله ' ما لي أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله ' وفي رواية المستملي ' ما بي أن لا أكون ' بالباء الموحدة بدل اللام وفي رواية عبد الرحمن بن حاطب ' أما والله ما ارتبت منذ أسلمت في الله ' وفي رواية ابن عباس قال ' والله إني لناصح لله ورسوله ' قوله ' يد ' أي منة أدفع بها عن أهلي ومالي وفي رواية أعشى ثقيف ' والله ورسوله أحب إلي من أهلي ومالي ' وفي رواية عبد الرحمن بن حاطب ' ولكني كنت امرأ غريبا فيكم وكان لي بنون وأخوة بمكة فكتبت لعلي أدفع عنهم ' قوله ' هنالك ' وفي رواية المستملي هناك قوله ' قال صدق ' أي قال رسول الله
' صدق حاطب ' فيحتمل أن يكون قد عرف صدقه من كلامه ويحتمل أن يكون بالوحي قوله ' فعاد عمر ' أي إلى كلامه الأول في حاطب وفيه إشكال حيث عاد إلى كلامه الأول بعد أن صدق النبي
حاطبا وأجيب عنه بأنه ظن أن صدقه في عذره لا يدفع عنه ما وجب عليه من القتل قوله ' فلأضرب عنقه ' قال الكرماني فلأضرب بالنصب وهو في تأويل مصدر محذوف وهو خبر مبتدأ محذوف أي اتركني فتركك للضرب وبالجزم
94

والفاء زائدة على مذهب الأخفش واللام للأمر ويجوز فتحها على لغة سليم وتسكينها مع الفاء عند قريش وأمر المتكلم نفسه باللام فصيح قليل الاستعمال وبالرفع أي فوالله لأضرب قوله أوليس من أهل بدر وفي رواية الحارث أليس قد شهد بدرا وهو استفهام تقرير وجزم في رواية عبيد الله بن أبي رافع أنه شهد بدرا وزاد الحارث فقال عمر رضي الله تعالى عنه بلى ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك قوله لعل الله اطلع عليهم أي على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد أوجبت لكم الجنة قال العلماء معناه الغفران لهم في الآخرة وإلا فلو توجه على أحد منهم حد أو غيره أقيم عليه في الدنيا ونقل القاضي عياض الإجماع على إقامة الحد قال وضرب النبي
مسطحا الحد وكان بدريا وفي التوضيح وقد اعترض بعض أهل البدع بهذا الحديث على قضية مسطح حين جلد في قذف عائشة رضي الله تعالى عنها وكان بدريا قالوا وكان ينبغي أن لا يحد كحاطب والجواب أن المراد غفر لهم عقاب الآخرة دون الدنيا وقد قام الإجماع على أن كل من ارتكب من أهل بدر ذنبا بينه وبين الله فيه حد وبينه وبين الخلق من القف أو الجراح أو القتل فإن عليه فيه الحد والقصاص وليس يدل عفو العاصي في الدنيا وإقامة الحدود عليه على أنه يعاقب في الآخرة لقوله
في ماعز والغامدية لقد تاب توبة لو قسمت على أهل الأرض لوسعتهم قوله فاغرورقت عيناه أي عينا عمر رضي الله تعالى عنه وهو من الاغريراق
(قال أبو عبد الله خاخ أصح ولكن كذا قال أبو عوانة حاج وحاج تصحيف وهو موضع. وهشيم يقول خاخ)
أبو عبد الله هو البخاري نفسه خاخ أصح يعني بخاءين معجمتين قوله ولكن كذا قال أبو عوانة وهو الوضاح اليشكري أحد رواة حديث الباب قوله وحاج تصحيف يعني بالحاء المهملة والجيم مصحف وقد مر بيانه عن قريب قوله وهو موضع يعني حاج بالحاء المهملة وبالجيم اسم موضع وقد ذكرناه قوله وهشيم بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير الواسطي يقول خاخ يعني بالمعجمتين يعني في قول الأكثرين وقيل بل هو أيضا يقول مثل قول أبي عوانة وبه جزم السهيلي ويؤيده أن البخاري لما أخرجه من طريقه في الجهاد عبر بقوله روضة كذا فلو كان بالمعجمتين لما كنى عنه * -
89
((كتاب الإكراه))
أي: هذا كتاب في بيان حكم الإكراه، والإكراه بكسر الهمزة هو إلزام الغير بما لا يريده، وهو يختلف باختلاف المكره والمكره عليه والمكره به.
وقول الله تعالى: * (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) *
وقول الله عز وجل بالجر عطف على لفظ الإكراه، وهذه الآية الكريمة في سورة النحل وأولها الآية. واختلف النحاة في العامل في قوله: * (ومن كفر) * وفي قوله: * (من شرح بالكفر صدرا) * فقالت نجاة الكوفة: جوابهما واحد في قوله: * (فعليهم غضب) * لأنهما جزءان اجتمعا أحدهما منعقد بالآخر فجوابهما واحد كقول القائل من يأتنا من يحسن نكرمه، يعني من يحسن ممن يأتينا نكرمه. وقالت نحاة البصرة، قوله: * (من كفر) * مرفوع بالرد على الذين في قوله: * (إنما يفتري الكذب) * الآية ومعنى الكلام: إنما يفتري الكذب من كفر بالله من بعد إيمانه، ثم استثنى * (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) *
وقال ابن عباس: نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر لأن الكفار أخذوه وقالوا له: اكفر بمحمد
95

فطاوعهم على ذلك وقلبه كاره ذلك مطمئن بالإيمان، ثم جاء إلى رسول الله وهو يبكي، فأنزل الله تعالى هذه الآية. قوله: من شرح بالكفر صدرا أي: طاب نفسه بذلك وأتى به على اختيار وقبول.
وقال * (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير) * وهي تقية
هذا من آية أولها * (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير) *
أي: تقية، وكلاهما بمعنى واحد أشار إليه البخاري بقوله: وهي تقية، والمعنى: إلا أن تتقوا منهم تقية، وهي الحذر عن إظهار ما في الضمير من العقيدة ونحوها عند
الناس.
وقال: * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا) *
إلى قوله: * (وساءت مصيرا) *
أي: وقال الله عز وجل: * (فيه ءايات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان ءامنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين) * هكذا وقع في بعض النسخ وفيه تغيير لأن قوله: * (فيه ءايات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان ءامنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين) * إلى قوله: * (فيه ءايات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان ءامنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين) * من آية وتمامها * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى
1764; أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالو
1764; ا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا) * قوله: من آية أخرى متقدمة على الآية المذكورة، وأولها قوله: * (وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنسآء والولدان الذين يقولون ربنآ أخرجنا من هاذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا) * والصحيح هو الذي وقع في بعض النسخ، ونسب إلى أبي ذر، وهو: * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا) * إلى قوله: * (فأولائك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا) * قال: * (فأولائك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا) * هاتان آيتان: الأولى هي قوله: * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا) * إلى قوله * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا) * وهي أيضا آيتان. الثانية قوله: * (وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنسآء والولدان الذين يقولون ربنآ أخرجنا من هاذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا) * إلى قوله: * (وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنسآء والولدان الذين يقولون ربنآ أخرجنا من هاذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا) * وهي متقدمة على الآية الأولى وأولها قوله: * (وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنسآء والولدان الذين يقولون ربنآ أخرجنا من هاذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا) * الآية أشار إليه بقوله: وقال، أي: وقال الله تعالى * (المستضعفين) * إلى آخره.
وقد اختلف الشراح في هذا الموضع حتى خرج بعضهم عن مسلك الصواب، فقال ابن بطال: * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى
1764; أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالو
1764; ا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا) * إلى قوله: * (فأولائك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا) * وقال: انتهى. قلت: ذكر هنا آيتين متواليتين أولاهما هي قوله: * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى
1764; أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالو
1764; ا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا) * إلى قوله: وتمامها: * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى
1764; أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالو
1764; ا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا) * والأخرى هي قوله: * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى
1764; أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالو
1764; ا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا * إلا المستضعفين من الرجال والنسآء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا) * وليس فيه تغيير للتلاوة. وقال بعضهم: إلا أن فيه تصرفا فيما ساقه المصنف. قلت: فيما ساقه أيضا نظر لا يخفى، وقال ابن التين: قوله * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى
1764; أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالو
1764; ا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا) *: إلى قوله: * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى
1764; أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالو
1764; ا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا) * ليس التلاوة كذلك لأن قوله: * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى
1764; أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالو
1764; ا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا) * قبل هذا قال ووقع في بعض النسخ إلى قوله: غفور رحيم وفي بعضها * (
فأولائك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا) * وقال: * (إلا المستضعفين من الرجال والنسآء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا) * إلى قوله: * (من لدنك نصيرا) * وهذا على سبيل التنزيل، وقال بعضهم: كذا قال فأخطأ فالآية التي آخرها: أولها * (المستضعفين) * بالواو لا بلفظ: إلا، وقال صاحب التوضيح ووقع في الآيتين تخليط في شرح ابن التين قلت: والصواب ما ذكرنا. ثم نذكر شرح الآيات المذكورة.
فقوله: * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى
1764; أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالو
1764; ا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا) * روى ابن حاتم بإسناده إلى عكرمة عن ابن عباس قال: كان قوم من أهل مكة أسلموا وكانوا يخفون إسلامهم، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم فأصيب بعضهم، قال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم، فنزلت: * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى
1764; أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالو
1764; ا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا) * الآية قوله: * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى
1764; أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالو
1764; ا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا) * أي: بترك الهجرة. قوله: * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى
1764; أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالو
1764; ا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا) *: مكثتم هاهنا، وتركتم الهجرة. قالوا: كنا مستضعفين في
96

الأرض أي: لا نقدر على الخروج من البلد ولا الذهاب في الأرض * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى
1764; أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالو
1764; ا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا) * الآية وقال أبو داود بإسناده إلى سمرة بن جندب: أما بعد، قال رسول الله من جاء مع المشرك وسكن معه فإنه مثله. قوله: * (إلا المستضعفين من الرجال والنسآء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا) * الآية، عذر من الله عز وجل لهؤلاء في ترك الهجرة وذلك لأنهم لا يقدرون على التخلص من أيدي المشركين، ولو قدروا ما عرفوا يسلكون الطريق، ولهذا قال: * (فأولائك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا) * وقال عكرمة: يعني نهوضا إلى المدينة، وقال السدي: يعني مالا، وقال الضحاك: يعني طريقا. قوله: * (فأولائك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا) * أي: يتجاوز عنهم تركهم الهجرة، وعسى من الله موجبة. قوله: * (وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنسآء والولدان الذين يقولون ربنآ أخرجنا من هاذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا) * أي: في الجهاد. قوله: * (المستضعفين) * أي: وفي المستضعفين أي: في استنقاذهم. قوله: * (وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنسآء والولدان الذين يقولون ربنآ أخرجنا من هاذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا) * كلمة: من، بيانية قوله: من هذه القرية، يعني: مكة ووصفها بقوله: * (الظالم أهلها) * قوله: * (وليا) * أي: ناصرا.
فعذر الله المستضعفين الذين لا يمتنعون من ترك ما أمر الله به، والمكره لا يكون إلا مستضعفا غير ممتنع من فعل ما أمر به.
قوله: فعذر الله أي: جعلهم معذورين. قوله: غير ممتنع غرضه أن المستضعف لا يقدر على الامتناع من الفعل فهو فاعل لأمر المكره. فهو معذور.
وقال الحسن التقية إلى يوم القيامة.
أي: قال الحسن البصري: التقية ثابتة إلى يوم القيامة، لم تكن مختصة بعصره ووصله ابن أبي شيبة عن هشيم عن وكيع عن قتادة عنه.
وقال ابن عباس، فيمن يكرهه اللصوص فيطلق: ليس بشيء.
أي: قال عبد الله بن عباس فيمن يكرهه اللصوص على طلاق امرأته فيطلق امرأته، قوله: ليس بشيء، أي: لا يقع طلاقه، وهذا كأنه مبني على أن الإكراه يتحقق من كل قادر عليه، وهو قول الجمهور، وقال أبو حنيفة: لا إكراه إلا من سلطان وأثر ابن عباس أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان لا يرى طلاق المكره شيئا، وذكر ابن وهب عن عمر بن الخطاب وعلي وابن عباس أنهم كانوا لا يرون طلاقه شيئا، وذكره ابن المنذر عن ابن الزبير وابن عمر وابن عباس وعطاء وطاوس والحسن وشريح والقاسم ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور، وأجازت طائفة طلاقه، روي ذلك عن الشعبي والنخعي وأبي قلابة والزهري وقتادة، وهو قول الكوفيين.
وبه قال ابن عمر وابن الزبير والشعبي والحسن.
أي: وبقول ابن عباس قال عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعامر بن شراحيل الشعبي والحسن البصري، وعن الشعبي إن أكرهه اللصوص فليس بطلاق، وإن أكرهه السلطان فهو طلاق. قلت: هو مذهب أبو حنيفة. رضي الله تعالى عنه، كما ذكرناه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنية
هذا الحديث قد مضى في أول الكتاب مطولا موصولا، وقد بينا هناك اختلاف لفظ العمل ثم وجه إيراد هذا الحديث هنا الإشارة إلى الرد على من فرق في الإكراه بين القول والفعل وهو مذهب الظاهرية، فإنهم فرقوا بينهما. قال ابن حزم: الإكراه قسمان: إكراه على كلام، وإكراه على فعل. فالأول لا يجب به شيء: كالكفر والقذف والإقرار بالنكاح والرجعة والطلاق والبيع والابتياع والنذور والأيمان والعتق والهبة وغير ذلك. والثاني: على قسمين:
97

أحدهما ما تبيحه الضرورة كالأكل والشرب، فهذا يبيحه الإكراه فمن أكره على شيء من ذلك فلا يلزمه شيء لأنه أتى مباحا له إتيانه. والآخر: ما لا تبيحه كالقتل والجراح والضرب وإفساد الأموال، فهذا لا يبيحه الإكراه، فمن أكره على شيء من ذلك لزمه. وفي التوضيح وقالت طائفة: الإكراه في القول والفعل سواء إذا أسر الإيمان، روي ذلك عن عمر بن الخطاب، وهو قول مكحول ومالك وطائفة من أهل العراق.
ثم وجه الاستدلال بالحديث المذكور على التسوية بين القول والفعل وهو الذي عليه الجمهور، هو أن العمل يتناول فعل الجوارح والقلوب والأقوال. فإن قلت: إذا كان كذلك يحتاج كل فعل إلى نية والمكره لا نية له، فلا يؤاخذ. قلت: له نية وهي نية عدم الفعل الذي أكره عليه. فإن قلت: ينبغي على هذا أن لا يؤاخذ الناس والمخطىء في الطلاق والعتاق ونحوهما، لأنه لا نية لهما. قلت: بل يؤاخذ فيصح طلاقه حتى لو قال: اسقني، فجرى على لسانه: أنت طالق، وقع الطلاق لأن القصد أمر باطني لا يوقف عليه فلا يتعلق الحكم لوجود حقيقته بل يتعلق بالسبب الظاهر الدال وهو أهليته، والقصد بالبلوغ والعقل. فإن قلت: ينبغي على هذا أن يقع طلاق النائم. قلت: المانع هو قوله، عليه السلام: رفع القلم عن ثلاث.
6940 حدثنا يحياى بن بكير، حدثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن هلال بن أسامة أن أبا سلمة بن عبد الرحمان أخبره عن أبي هريرة أن النبي كان يدعو في الصلاة: اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة، وسلمة بن هشام والوليد، بن الوليد، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر وابعث عليهم سنين كسني يوسف
مطابقته للترجمة من حيث إن هؤلاء الذين كان النبي، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، يدعو لهم كانوا مكرهين في مكة أو من حيث إن المكره لا يكون إلا مستضعفا.
وخالد بن يزيد من الزيادة الجمحي الإسكندراني الفقيه، وسعيد بن أبي هلال الليثي المدني، وهلال بن أسامة منسوب إلى جده هو هلال بن علي، ويقال له: هلال بن أبي ميمونة ويقال: ابن أبي هلال.
والحديث مضى في الاستسقاء عن قتيبة عن مغيرة بن عبد الرحمان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه... الخ.
قوله: في الصلاة أي: في القنوت، وكان هذا سبب القنوت، وعياش بفتح العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة ابن أبي ربيعة من بني مخروم، وسلمة بن هشام أخو أبي جهل، والوليد بن الوليد ابن عم أبي جهل، والمستضعفين من المؤمنين من بعدهم من باب ذكر العام بعد الخاص. قوله: وطأتك الوطأة الدوس بالقدم، وهذا مجاز عن الأخذ بالقهر والشدة. قوله: على مضر بضم الميم وفتح الضاد المعجمة: أبو قريش.
1
((باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر))
أي: هذا باب في بيان من اختار في الإكراه الضرب والقتل والهوان أي: الذلة والتضعف والتحقر.
6941 حدثنا محمد بن عبد الله بن حوشب الطائفي، حدثنا عبد الوهاب أيوب عن أبي قلابة، عن أنس، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار
مطابقته للترجمة تؤخذ من آخر الحديث من حيث إنه سوى بين كراهية الكفر وبين كراهة دخول النار والقتل والضرب، والهوان أسهل عند المؤمن من دخول النار، فيكون أسهل من الكفر إن اختار الأخذ بالشدة.
وعبد الوهاب بن عبد المجيد
98

الثقفي، وأيوب هو السختياني، وأبو قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي.
والحديث مضى في كتاب الإيمان في: باب حلاوة الإيمان بهذا السند، غير أن شيخه هناك محمد بن المثنى، ومضى الكلام فيه.
قوله: ثلاث أي: ثلاث خصال. قال الكرماني والجملة بعده إما صفة أو خبر له. قلت: على قوله: صفة، كلامه ظاهر، وأما على قوله: أو خبر، ففيه نظر. قوله: أن يكون كلمة: أن، مصدرية وهو خبر لمبتدأ محذوف تقديره، أو الثلاث كون الله ورسوله في محبته إياهما أكثر محبة من محبة سواهما. قوله: وأن يحب المرء أي: والثاني أن يحب المرء بالتقدير المذكور. قوله: وأن يكره أي: والثالث أن يكره، وقال الكرماني: قال لمن قال: ومن عصاهما فقد غوي: بئس الخطيب أنت ثم أجاب بقوله: ذمه لأن الخطبة ليس محل الاختصار فكان غير موافق لمقتضى المقام.
6942 حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا عباد، عن إسماعيل سمعت قيسا سمعت سعيد بن زيد يقول: لقد رأيتني وإن عمر موثقي على الإسلام ولو انقض أحد مما فعلتم بعثمان كان محقوقا أن ينقض.
انظر الحديث 3862 وطرفه
مطابقته للترجمة من حيث إن عثمان بن عفان، رضي الله تعالى عنه، اختار القتل على الإتيان بما يرضي القتلة، فاختياره على الكفر بالطريق الأولى.
وسعيد بن سليمان الواسطي سكن بغداد يلقب بسعدويه، وعباد بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن العوام بتشديد الواو والواسطى، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم بالحاء المهملة وبالزاي، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وهو ابن عم عمر بن الخطاب بن نفيل.
والحديث قد مضى في: باب إسلام سعيد بن زيد، فإنه أخرجه هناك عن قتيبة بن سعيد عن سفيان عن إسماعيل عن قيس، قال: سمعت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في مسجد الكوفة يقول: والله لقد رأيتني وإن عمر لموثقي على الإسلام قبل أن يسلم عمر، ولو أن أحدا انقض للذي صنعتم بعثمان لكان محقوقا أن ينقض.
قوله: لقد رأيتني أي: لقد رأيت نفسي وهو من خصائص أفعال القلوب. قوله: وإن عمر أي: عمر بن الخطاب، رضي الله عنه. الواو فيه للحال. قوله: موثقي اسم فاعل من الإيثاق وهو الإحكام وأراد به يثبتني على الإسلام، وأصل هذا من الوثاق وهو حبل أو قيد يشد به الأسير والدابة. قوله: ولو انقض من الانقضاض بالقاف وهو الانصداع والانشقاق، وفي الرواية المتقدمة انفض بالفاء. قوله: أحد بضمتين وهو الجبل المعروف بالمدينة. قوله: مما فعلتم أي: بسبب ما فعلتم بعثمان بن عفان من المخالفة له والخروج عن طاعته وهو أمير المؤمنين ثم حصرهم إياه ثم قتلهم له ظلما وعدوانا. قوله: محقوقا أي: جديرا أن ينقض أي: ينشق وينصدع.
6943 حدثنا مسدد، حدثنا يحياى عن إسماعيل، حدثنا قيس عن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذالك عن دينه، والله ليتمن هاذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولاكنكم تستعجلون
انظر الحديث 3612 وطرفه
مطابقته للترجمة من حيث دلالة طلب خباب دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم على الكفار لكونهم تحت قهرهم وأذاهم كالمكرهين بما لا يريدون.
و يحيى هو ابن سعيد القطان، و إسماعيل هو ابن أبي خالد، و قيس هو ابن أبي حازم المذكوران عن قريب، وخباب بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأولى ابن الأرت بفتح الهمزة وتشديد التاء المثناة من فوق ابن جندلة مولى خزاعة.
والحديث مضى في علامات النبوة عن محمد بن المثنى عن يحيى، وفي مبعث النبي ومضى
99

الكلام فيه.
قوله: بردة له ويروى: متوسد بردة في ظل الكعبة، وهو كساء أسود مربع والجمع برود وأبراد. قوله: ألا في الموضعين للتحضيض، قال ابن بطال: إنما يجب النبي سؤال خباب ومن معه بالدعاء على الكفار مع قوله تعالى: * (وقال ربكم ادعونى
1764; أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين) * لأنه علم أنه قد سبق القدر بما جرى عليهم من البلوى ليؤجروا عليها، وأما غير الأنبياء فواجب عليهم الدعاء عند كل نازلة لعدم اطلاعهم على ما اطلع عليه النبي وقال بعضهم: وليس في الحديث تصريح بأنه لم يدع لهم بل يحتمل أنه قد دعا. قلت: هذا احتمال بعيد لأنه لو كان دعا لهم لما قال: قد كان من كان قبلكم الخ وقوله هذا تسلية لهم وإشارة إلى الصبر على ذلك لينقضي أمر الله عز وجل، ثم قال هذا القائل: وإلى ذلك الإشارة يعني إلى ما قاله من الاحتمال بقوله: ولكنكم تستعجلون قلت: هذا لا يدل على أنه دعا لهم بل هذا يدل على أنهم لا يستعجلون في إجابة الدعاء في الدنيا، على أن الظاهر منه ترك الاستعجال في هذا الوقت ولو كان يجاب لهم فيما بعد. قوله: يؤخذ يعني منهم. قوله: بالمنشار بكسر الميم وسكون النون وهي الآلة التي ينشر بها الأخشاب ويروى الميشار، بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف من وشر الخشبة إذا نشرها غير مهموز، وفيه لغة بالهمزة من: أشر الخشبة. قوله: ما دون لحمه وعظمه أي: من تحتهما، ويروى: من دون لحمه. قوله: فما يصده أي: فما يمنعه. قوله: هذا الأمر أي: الإسلام. قوله: من صنعاء بالمد، وهي قاعدة اليمن ومدينتها العظمى وحضرموت بفتح الحاء وسكون الضاد المعجمة وفتح الراء والميم وبضم الميم أيضا وبالهمزة بلدة أيضا باليمن. وهو كبعلبك في الإعراب. قوله: والذئب بالنصب عطف على لفظة: الله أي: ولا يخاف الذئب على غنمه. فافهم.
2
((باب في بيع المكره ونحوه في الحق وغيره))
أي: هذا باب في بيان بيع المكره. قوله: ونحوه المضطر. قوله: في الحق أي: في المالي. قوله: وغيره أي: غير الحق. قيل: لا دخل لهذه اللفظة فيه لأن الحديث في بيع اليهود وهو إكراه بحق، وأجاب الكرماني بأن المراد بالحق المالي وغيره الجلاء بالجيم أو المراد بالحق الجلاء، والمراد بغير مثل الجنايات.
6944 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا الليث عن سعيد المقبري عن أبيه، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: بينما نحن في المسجد إذ خرج علينا رسول الله فقال: انطلقوا إلى يهود فخرجنا معه حتى جئنا بيت المدراس، فقام النبي فناداهم يا معشر يهود أسلموا تسلموا فقالوا: قد بلغت يابا القاسم، فقال: ذالك أريد ثم قالها الثانية، فقالوا: قد بلغت يابا القاسم، ثم قال الثالثة، فقال: اعلموا أن الأرض لله ورسوله، وإني أريد أن أجليكم فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه، وإلا فاعلموا أن الأرض لله ورسوله
انظر الحديث 3167 وطرفه
قيل: لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأن الحديث أشبه ببيع المضطر، فإن المكره على البيع هو الذي يحمل على بيع الشيء أراد أو لم يرد، واليهود شحوا على أموالهم فاختاروا بيعها فصاروا كأنهم اضطروا إلى بيعها فصاروا كالمضطرب إلى بيع ماله عند تضييق دائنه عليه، فيكون جائزا، ولو أكره عليه لم يجز وأجيب بأنه لو
كان الإلزام بالبيع من جهة الشرع لجاز على أنا قد ذكرنا أن المراد بقوله في الترجمة: ببيع المكره، ونحوه، هو المضطر، وقيل: ترجم بالحق وغيره ولم يذكر إلا الشق الأول. وأجيب: بأن مراده بالحق الدين، وبغيره ما عداه مما يكون بيعه لازما، لأن اليهود أكرهوا على بيع أموالهم لا لدين عليهم.
وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي المدني يروي عن الليث بن سعد عن سعيد المقبري عن أبيه كيسان عن أبي هريرة.
والحديث مضى في الجزية عن عبد الله بن يوسف عن الليث وسيجئ في الاعتصام عن قتيبة عن الليث. وأخرجه مسلم في المغازي. وأبو داود في الخراج. والنسائي في السير جميعا عن قتيبة.
قوله: يهود غير منصرف. قوله: بيت المدراس بكسرالميم وبالسين المهملة
100

على وزن مفعال وزن الآلة وهو الموضع الذي كانوا يقرأون فيه التوراة، وقال ابن الأثير: مفعال غريب في المكان، والظاهر أنه للمبالغة، وقال الكرماني: وإضافة البيت إليه من إضافة العام إلى الخاص نحو شجر الأراك. قوله: فناداهم وفي رواية الكشميهني: فنادى. قوله: أسلموا بكسر اللام أمر، و: تسلموا من السلامة جوابه. قوله: يا أبا القاسم أصله يا أبا القاسم. حذفت الهمزة للتخفيف. قوله: ذلك أريد أي: بقولي: أسلموا يعني: إن اعترفتم أنني بلغتكم سقط عني الحرج. قوله: اعلموا أن الأرض وفي رواية الكشميهني: إنما الأرض في الموضعين. قوله: ورسوله قال الداودي: لله افتتاح كلام. وقوله: ورسوله، حقيقة لأنها فيما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، وقال غيره: المراد أن الحكم لله في ذلك وللرسول لكونه المبلغ عنه القائم بتنفيذ أوامره. قوله: أجليكم بضم الهمزة من الإجلاء وهو الإخراج عن أرضهم. قوله: فمن وجد منكم بماله، قال الكرماني: الباء فيه للمقابلة.
3
((باب لا يجوز نكاح المكره))
أي: هذا باب في بيان أنه لا يجوز نكاح المكره.
* (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وءاتوهم من مال الله الذى
1764; ءاتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغآء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحيواة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم) *
قال صاحب التوضيح إدخال البخاري هذه الآية في هذا الباب لا أدري ما وجهه، ثم استدرك ما ذكره بما فيه الجواب وهو أنه إذا نهى عن الإكراه فيما لا يحل فالنهي عن الإكراه فيما يحل بالطريق الأولى. قال الثعلبي: هذه الآية نزلت في معاذة ومسيكة جاريتي عبد الله بن أبي المنافق، كان يكرههما على الزنا بضريبة يأخذها منهما، وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية يؤاجرون إماءهم، فلما جاء الإسلام قالت معاذة لمسيكة: إن هذا الأمر الذي نحن فيه لا يخل من وجهين: فإن يكن خيرا فقد استكثرنا منه، وإن يكن شرا فقد آن لنا أن ندعه: فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية. قوله: فتياتكم أي: إماءكم جمع فتاة. قوله: على البغاء أي: على الزنا. وقال ابن الأثير: يقال بغت المرأة تبغي بغيا بالكسر إذا زنت فهي بغي فجعلوا البغاء على زنة العيوب كالحران والشراد لأن الزنى عيب. قوله: إن أردن كلمة: إن، هنا بمعنى إذا أردن وليس معناه الشرط، لأنه لا يجوز إكراههن على الزنى إن لم يردن تحصنا نظيرها. قوله تعالى: * (ال
1764; م
1764;) * والتحصن التعفف. قوله: ومن يكرههن أي: بعد النهي لهن فإن الله غفور رحيم والوزر على المكره.
6945 حدثنا يحياى بن قزعة، حدثنا مالك، عن عبد الرحمان بن القاسم، عن أبيه عن عبد الرحمان ومجمع ابني يزيد بن جارية الأنصاري، عن خنساء بنت خذام الأنصارية، أن أباها زوجها وهي
مطابقته للترجمة ظاهرة. و يحيى بن قزعة بفتح القاف والزاي والعين المهملة الحجازي من أفراد البخاري، وعبد الرحمان بن القاسم يروي عن أبيه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، ومجمع على وزن اسم الفاعل من التجمع ابن يزيد بن جارية بالجيم وبالياء آخر الحروف. قال أبو عمر: يزيد بن جارية والد عبد الرحمان، شهد خطبة الوداع وروى منها ألفاظا، وخنساء بفتح الخاء المعجمة وسكون النون وبالسين المهملة وبالمد بنت خذام بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الذال المعجمة ابن وديعة الأنصارية من الأوس.
والحديث مضى في النكاح في: باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها، ومضى الكلام فيه.
قوله: وهي ثيب كذا في رواية مالك، وروى محمد بن إسحاق عن حجاج بن السائب عن أبيه عن جدته خنساء بنت خذام، قال: وكانت أيما من رجل فزوجها أبوها رجلا من بني عوف... الحديث، وقال محمد بن سحنون: جمع أصحابنا على إبطال نكاح المكره والمكرهة، قالوا: ولا يجوز المقام عليه لأنه لم ينعقد، وقال ابن القاسم:
101

لا يلزم المكره ما أكره عليه من نكاح أو طلاق أو عتق أو غيره، وقال محمد بن سحنون: وأجاز أهل العراق نكاح المكره.
6946 حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أبي عمر و وهو ذكوان عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قلت: يا رسول الله تستأمر النساء في أبضاعهن؟ قال: نعم قلت فإن البكر تستأمر فتستحي فتسكت، قال: سكاتها إذنها
انظر الحديث 5137 وطرفه
مطابقته للترجمة من حيث يفهم منه أن نكاح البكر لا يجوز إلا برضاها وبغير رضاها يكون حكمها حكم المكره.
ومحمد بن يوسف يجوز أن يكون الفريابي وشيخه سفيان الثوري، ويجوز أن يكون البيكندي البخاري وشيخه سفيان بن عيينة، فإن كلا من السفيانين مشهور بالرواية عن ابن جريج وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ولكن جزم أبو نعيم أن هذا الحديث إنما هو عن الفريابي فإنه إذا أطلق سفيان ولم ينسبه فهو الثوري، وإذا أراد سفيان بن عيينة نسبه، وابن أبي مليكة هو عبيد الله بن عبد الله أو عبد الرحمان بن أبي مليكة بضم الميم واسمه زهير التيمي المكي الأحول القاضي على عهد ابن الزبير، وأبو عمرو بفتح العين اسمه ذكوان مولى عائشة، رضي الله تعالى عنها، وكانت قد دبرته.
ومضى الحديث في النكاح.
قوله: تستأمر على صيغة المجهول يعني: تستشار النساء في عقد نكاحها. قوله: في إبضاعهن قال الكرماني: جمع بضع. قلت: ليس كذلك وليس بجمع بل هو بكسر الهمزة من أبضعت المرأة إبضاعا، إذا زوجتها. قوله: فتستحي بياء واحدة وفيه لغة أخرى: فتستحيي، بياءين. قوله: سكاتها وفي رواية الإسماعيلي: سكوتها، وفي الرواية التي تقدمت في النكاح بلفظ: صمتها.
4
((باب إذا أكره حتى وهب عبدا أو باعه لم يجز))
أي: هذا باب يذكر فيه إذا أكره الرجل حتى وهب عبده لشخص أو باعه له لم يجز، أي: لم يصح لا الهبة ولا البيع، والعبد باق على ملكه.
وبه قال بعض الناس.
أي: بالحكم المذكور قال بعض الناس وهو: عدم جواز هبة المكره عبده، وكذا بيعه. قلت: إن أراد ببعض الناس الحنفية فمذهبهم ليس كذلك، فإن مذهبهم أن شخصا إذا أكره على بيع ماله أوهبته لشخص أو على إقراره بألف مثلا لشخص ونحو ذلك، فباع أو وهب وأقر، ثم زال الإكراه فهو بالخيار إن شاء أمضى هذه الأشياء وإن شاء فسخها، لأن الملك ثبت بالعقد لصدوره من أهله في محله إلا أنه قد شرط الحل، وهو التراضي، فصار كغيره من الشروط المفسدة، حتى لو تصرف فيه تصرفا لا يقبل النقض: كالعتق والتدبير ونحوهما، لا ينفذ وتلزمه القيمة، وإن، أجازه جاز لوجود التراضي، بخلاف البيع الفاسد لأن الفساد لحق الشرع.
فإن نذر المشتري فيه نذرا فهو جائز بزعمه.
أراد بهذا الكلام التشنيع على هؤلاء البعض من الناس، وإثبات تناقضهم في كلامهم أي: قال هؤلاء البعض: فإن نذر المشتري يعني: المشتري من المكره في الذي اشتراه نذرا فهو جائز قوله: بزعمه، أي: بقوله.
وكذلك إن دبره.
أي: وكذلك قال هؤلاء البعض: إن دبر المشتري من المكره العبد الذي اشتراه، وبيان التناقض الذي زعمه البخاري فيما قاله الكرماني: قال: قال المشايخ: إذا قال البخاري بعض الناس يريد به الحنفية، وغرضه أن يبين أن كلامهم متناقض
102

لأن بيع الإكراه هل هو ناقل للملك إلى المشتري أم لا، فإن قالوا: نعم، فصح منه جميع التصرفات، ولا يختص بالنذر والتدبير، وإن قالوا: لا، فلا يصحان هما أيضا، وأيضا فيه تحكم وتخصيص. قلت: أولا ليس مذهب الحنفية في هذا كما زعمه البخاري كما ذكرنا، وثانيا: إنا نمنع هذا الترديد في نقل الملك وعدمه بل الملك يثبت بالعقد لصدوره من أهله في محله، إلا أنه قد شرط الحل وهو التراضي، فصار كغيره من الشروط المفسدة حتى لو تصرف فيه تصرفا لا يقبل النقض: كالعتق والتدبير ونحوهما، ينفذ وتلزمه القيمة، وإن أجازه جاز لوجود التراضي، بخلاف البيع الفاسد لأن الفساد لحق الشرع.
6947 حدثنا أبو النعمان، حدثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر، رضي الله عنه، أن رجلا من الأنصار دبر مملوكا ولم يكن له مال غيره، فبلغ ذلك رسول الله فقال: من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم النحام بثمانمائة درهم قال: فسمعت جابرا يقول: عبدا قبطيا مات عام أول.
قال الداودي ما حاصله: أنه لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأنه لا إكراه فيه، ثم قال: إلا أن يراد أنه، باعه وكان كالمكره له على بيعه.
وأبو النعمان محمد بن الفضل والحديث مضى في العتق.
قوله: أن رجلا اسمه أبو مذكور، والمملوك اسمه يعقوب، والمشتري نعيم بضم النون وفتح العين المهملة، وقد وقع في بعض النسخ: نعيم بن النحام، والصواب: نعيم النحام، بدون لفظ الابن لأنه قال سمعت في الجنة نحمة نعيم، أي: سعلته فهو صفته لا صفة أبيه. قوله: عبدا قبطيا أي: من قبط مصر.
وفيه: جواز بيع المدبر، قيل: هو حجة على الحنفية في منع بيع المدبر، وأجابوا بأن هذا محمول على المدبر المقيد، وهو يجوز بيعه إلا أن يثبتوا أنه كان مدبرا مطلقا، ولا يقدرون على ذلك، وكونه لم يكن له مال غيره ليس علة لجواز بيعه، لأن المذهب فيه أن يسعى في قيمته، وجواب آخر: أنه محمول على بيع الخدمة والمنفعة لا بيع الرقبة، لما روى الدارقطني بإسناده عن أبي جعفر أنه قال: شهدت الحديث من جابر إنما أذن في بيع خدمته، وأبو جعفر ثقة.
5
((باب من الإكراه. كره وكره واحد))
أي: هذا باب في جملة ما ورد في أمر الإكراه مما تضمنته الآية المذكور في الباب، وفيها لفظ: كرها، بفتح الكاف أشار البخاري بأن لفظ: كره، بالفتح وكره بالضم
واحد في المعنى. قوله: كره وكره بالرفع ويروى: كرها وكرها على ما في الآية وهو الأوجه، ولم يقع هذا في رواية النسفي، وقيل: الكره بالضم ما أكرهت نفسك عليه، وبالفتح ما أكرهك عليه غيرك.
6948 حدثنا حسين بن منصور، حدثنا أسباط بن محمد حدثنا الشيباني سليمان بن فيروز، عن عكرمة، عن ابن عباس، وقال الشيباني. وحدثني عطاء أبو الحسن السوائي ولا أظنه إلا ذكره عن ابن عباس، رضي الله عنهما: * (ياأيها الذين ءامنوا لا يحل لكم أن ترثوا النسآء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض مآ ءاتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) * الآية، قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاؤوا زوجها، وإن شاؤوا لم يزوجها، فهم أحق بها من أهلها، فنزلت هاذه الآية بذلك.
انظر الحديث 4579
مطابقته للترجمة في قوله: كرها في الآية.
وحسين بن منصور النيسابوري ما له في البخاري إلا هذا الموضع، مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين، وأسباط بلفظ الجمع ابن محمد القرشي الكوفي، وعطاء أبو الحسن السوائي بضم السين المهملة وخفة الواو وبالهمزة بعد الألف نسبة إلى سواء بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بطن كبير، وهو من أفراد البخاري.
والحديث مر تفسيره في سورة النساء.
قوله: قال: كان ويروى: كانوا، وهي الأصح. قوله: فهم أي: أهل الرجل، ويروى:
103

وهم، بالواو. قوله: في ذلك ويروى: بذلك.
وقال المهلب: فائدة: هذا الباب والله أعلم التعريف بأن كل من أمسك امرأة لأجل الإرث منها طمعا أن تموت فلا يحل له ذلك بنص القرآن.
6
((باب إذا استكرهت المرأة على الزنى فلا حد عليها))
أي: هذا باب يذكر فيه إذا استكرهت المرأة على الزنى فلا يجب الحد عليها لأنها مكرهة.
لقوله تعالى: * (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وءاتوهم من مال الله الذى
1764; ءاتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغآء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحيواة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم) *
ويروى: في قوله تعالى، والأول أصوب. وجه مناسبة الآية للترجمة من حيث إن فيها دلالة على أن لا إثم على المكرهة على الزنا فيلزم أن لا يجب عليها الحد. قوله: ومن يكرههن أي: بعد النهي بقوله تعالى: * (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وءاتوهم من مال الله الذى
1764; ءاتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغآء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحيواة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم) * قوله: غفور رحيم أي: لهن وقد قرىء في الشاذ: فإن الله من بعد إكراهن لهن غفور رحيم، وهي قراء ابن مسعود وجابر وسعيد بن جبير، ونسبت أيضا إلى ابن عباس، وقال الطيبي: يستفاد منه الوعيد الشديد للمكرهين لهن، وفي ذكر المغفرة والرحمة تعريض وتقديره: انتهوا أيها المكرهون فإنهن مع كونهن مكرهات قد يؤاخذن لولا رحمة الله ومغفرته فكيف بكم أنتم؟.
6949 وقال الليث: حدثني نافع أن صفية بنت أبي عبيد أخبرته: أن عبدا من رقيق الإمارة وقع على وليدة من الخمس، فاستكرهها حتى افتضها، فجلده عمر الحد ونفاه، ولم يجلد الوليدة من أجل أنه استكرهها.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وتعليق الليث بن سعد الذي رواه عن نافع مولى ابن عمر وصله أبو القاسم البغوي عن العلاء بن موسى عن الليث، وصفية بنت أبي عبيد الثقفية امرأة عبد الله بن عمر، ويروى: ابنة أبي عبيد.
قوله: الإمارة بكسر الهمزة أي: من مال الخليفة وهو عمر رضي الله عنه.
قوله: من الخمس أي: من مال خمس الغنيمة الذي يتعلق التصرف فيه بالإمام ومعنى قوله: وقع على وليدة زنا بها. قوله: افتضها أي أزال بكارتها. ومادته قاف وضاد معجمة مأخوذة من القضة بكسر القاف وهي عذرة البكرة.
وفيه: إن عمر كان يرى نفي الرقيق كالحر من البلد يعني: يغربه نصف سنة لأن حده نصف حد الحر في الجلد، واختلفوا في وجوب الصداق لها، فقال عطاء والزهري: نعم، وهو قول مالك وأحمد وإسحاق وأبي ثور، وقال الشعبي: إذا أقيم عليها الحد فلا صداق لها وهو قول الكوفيين.
قال الزهري في الأمة البكر يفترعها الحر: يقيم ذالك الحكم من الأمة العذراء بقدر قيمتها، ويجلد وليس في الأمة الثيب في قضاء الأئمة غرم، ولكن عليه الحد.
أي: قال محمد بن مسلم الزهري... إلى آخره. قوله: يفترعها بالفاء والراء والعين المهملة أي: يفتضها. قوله: يقيم قال الكرماني: ويقيم إما بمعنى يقوم وإما من قامت الأمة مائة دينار إذا بلغت قيمتها. قوله: ذلك أي: الاقتراع. قوله: الحكم بفتحتين أي: الحاكم. قوله: العذراء أي: البكر. قوله: بقدر قيمتها أي: على الذي
افتضها، ويروى: بقدر ثمنها، والمعنى: أن الحاكم يأخذ من المفترع دية الافتراع نسبة قيمتها أي أرش النقص وهو التفاوت بين كونها بكرا وثيبا. وفائدة قوله: ويجلد دفع توهم من يظن أن الغرم يغني عن الجلد. قوله: غرم أي: غرامة، وقول مالك كقول الزهري كما نقل عن المهلب.
6950 حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله هاجر إبراهيم بسارة دخل بها قرية فيها ملك من الملوك أو جبار من الجبابرة فأرسل إليه: أن أرسل إلي بها، فأرسل بها، فقام إليها فقامت توضأ وتصلي. فقالت:
104

اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك، فلا تسلط علي الكافر، فغط حتى ركض برجله
مطابقته للترجمة ظاهرة من حيث إنه كما لا ملامة عليها في الخلوة معه إكراها، فكذلك المستكرهة في الزنا لا حد عليها، كذا قاله الكرماني، وصاحب التوضيح قلت: الأقرب أن يقال: وجه المطابقة من حيث إنه أكره إبراهيم، عليه السلام، على إرسالها إليه.
وأبو اليمان الحكم بن نافع، وشعيب بن أبي حمزة، وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمان بن هرمز.
ومضى الحديث في آخر البيع، وفي أحاديث الأنبياء، عليهم السلام.
قوله: هاجر إبراهيم عليه السلام قال الكرماني: من العراق إلى الشام. قلت: قال أهل السير: من بيت المقدس إلى مصر، وسارة أم إسحاق عليهما السلام. قوله: دخل بها قرية قال الكرماني: هي حران بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء وبالنون، وهي كانت مدينة عظيمة تعدل ديار مصر في حد الجزيرة بين الفرات ودجلة، واليوم هي خرابة، قيل: كان مولد إبراهيم بها، وقول الكرماني: قرية هي حران فيه نظر، والذي ذكره أهل السير: هي مصر، ومما يؤيد هذا الذي ذكره قول من قال: إن حران هي التي ولد فيها إبراهيم عليه السلام. قوله: أو جبار شك من الراوي. قوله: فأرسل إليه أي: أرسل ذلك الجبار إلى إبراهيم، عليه السلام، فأرسل بها إبراهيم عليه السلام، كرها. قوله: توضأ بضم الهمزة أصله: تتوضأ، فحذفت منه إحدى التاءين. قوله: إن كنت ليس على الشك لأنها لم تكن شاكة في إيمانها، وإنما هو على خلاف مقتضى الظاهر، فيؤول بنحو: إن كنت مقبولة الإيمان. قوله: فغط بضم الغين المعجمة وتشديد الطاء المهملة أي: خنق وصرع، وقال الداودي: ورويناه هنا بالعين المهملة، ويحتمل أن يكون من العطعطة وهي حكاية صوت، وقال الشيباني: العطوط المغلوب ذكره الجوهري في باب العين المهملة. قوله: حتى ركض برجله أي: حركه ودفع وجمع، ولم يذكر البخاري حكم إكراه الرجل على الزنى، فذهب الجمهور إلى أنه لا حد عليه. وقال مالك وجماعة: عليه الحد لأنه لا تنتشر الآلة إلا بلذة، وسواء أكرهه سلطان أو غيره، وعن أبي حنيفة: لا يحد إن أكرهه سلطان، وخالفه أبو يوسف ومحمد، رحمهما الله تعالى.
7
((باب يمين الرجل لصاحبه إنه أخوه إذا خاف عليه القتل أو نحوه، وكذالك كل مكره يخاف فإنه يذب عنه الظالم ويقاتل دونه ولا يخذله، فإن قاتل دون المظلوم فلا قود عليه ولا قصاص.))
أي: هذا باب في بيان يمين الرجل أنه أخوه إذا خاف عليه القتل بأن يقتله ظالم إن لم يحلف اليمين الذي أكرهه الظالم عليها قوله: أو نحوه أي: أو نحوه القتل، مثل قطع اليد أو قطع عضو من أعضائه. قوله: فإنه يذب بفتح الياء آخر الحروف وضم الذال المعجمة أي: يدفع عنه الظالم، ويروى: المظالم، جمع مظلمة ويروى: ويدرء عنه الظالم، أي: يدفعه ويمنعه منه. قوله: ويقاتل دونه أي: يقاتل عنه ولا يخذله له أي: لا يترك نصرته. قوله: فإن قاتل دون المظلوم أي: عن المظلوم. قوله: فلا قود عليه ولا قصاص قال صاحب التوضيح يريد ولا دية لأن الدية تسمى أرشا، وقال الكرماني: لم كرر القود إذ هو القصاص بعينه ثم أجاب بأنه لا تكرار إذ القصاص أعم من أن يكون في النفس، ويستعمل غالبا في القواد أو هو تأكيد. قلت: في الجواب الثاني نظر لا يخفى، وقال ابن بطال: ذهب مالك والجمهور إلى أن من أكره على يمين إن لم يحلفها قتل أخوه المسلم أنه لا حنث عليه، وقال الكوفيون يحنث لأنه كان له أن يوري، فلما ترك التورية صار قاصدا لليمين، فيحنث.
وإن قيل له: لتشربن الخمر أو لتأكلن الميتة أو لتبيعن عبدك أو تقر بدين أو تهب هبة وكل عقدة أو لنقتلن أباك أو أخاك في الإسلام، وسعه ذالك لقول النبي صلى الله عليه وسلم المسلم أخو المسلم.
105

أي: إن قيل لرجل يعني: لو قال رجل لرجل لتشربن الخمر وأكرهه على ذلك، أو قال: لتأكلن الميتة وأكرهه على ذلك، أو قال له: لتبيعن عبدك وأكرهه على ذلك، وهذه الألفاظ الثلاثة كلها مؤكدة بالنون الثقيلة وباللامات المفتوحة في أوائلها. قوله: أو تقر أي: أو قال له: لتقر بدين لفلان وأكرهه على ذلك، أو قال له: تهب هبة لفلان وأكرهه على ذلك، قوله: وكل عقدة لفظ كل مضافة إلى لفظ عقدة وهو مبتدأ وخبره محذوف أي: كذلك، نحو أن يقول: لتقرضن أو لتؤجرن ونحوهما. ويروى: أو تحل عقدة، عطف على ما قبله، وتحل فعل مضارع مخاطب من الحل بالحاء المهملة، قال الكرماني: المراد بحل العقدة فسخها. قوله: أباك أو أخاك في الإسلام، إنما قيد بالإسلام ليجعله أعم من الأخ القريب من النسب. قوله: وسعه ذلك، أي: جاز له له لنقتلن أباك أو قال أي الأكل والشرب والإقرار والهبة لتخليص الأب والأخ في الدين، يعني: المؤمن عن القتل. وقال ابن بطال: مراد البخاري أن من هدد بقتل والده أو بقتل أخيه في الإسلام إن لم يفعل شيئا من المعاصي أو يقر على نفسه بدين ليس عليه، أو يهب شيئا لغيره بغير طيب نفس منه، أو يحل عقدا كالطلاق والعتاق بغير اختياره، فله أن يفعل جميع ما هدده به لينجو أبوه من القتل، وكذا أخوه المسلم. قوله: لقول النبي دليل. قوله: أو أخاك في الإسلام، وقد تقدم هذا الحديث في: باب المظالم.
وقال بعض الناس: لو قيل له لتشربن الخمر أو لتأكلن الميتة. أو لتقتلن ابنك أو أباك أو ذا رحم محرم لم يسعه، لأن هاذا ليس بمضطر ثم ناقض، فقال: إن قيل له لنقتلن أباك أو ابنك أو لتبيعن هاذا العبد أو تقر بدين أو تهب، يلزمه في القياس، ولاكنا نستحسن ونقول: البيع والهبة وكل عقدة في ذالك باطل، فرقوا بين كل ذي رحم
محرم وغيره بغير كتاب ولا سنة.
قيل أراد ببعض الناس الحنفية. قوله: لو قيل له أي: قال ظالم لرجل وأراد قتل والده: لتشربن الخمر أو لتأكلن الميتة. قوله: أو لنقتلن ابنك أي: أو قال: لنقتلن ابنك إن لم تفعل ما أقول لك. قوله: أو ذا رحم محرم أي: أو قال: لنقتلن ذا رحم محرم لك إن لم تفعل كذا، والمحرم هو من لا يحل نكاحها أبدا لحرمته. قوله: لم يسعه أي: لم يسعه أن يفعل ما أمره به لأنه ليس بمضطر في ذلك لأن الإكراه إنما يكون فيما يتوجه إلى الإنسان في خاصة نفسه لا في غيره، وليس له أن يدفع بها معاصي غيره، فإن فعل يأثم، وعند الجمهور: لا يأثم. وقال الكرماني: يحتمل أن يقال: إنه ليس بمضطر لأنه مخير في أمور متعددة والتخيير ينافي الإكراه. وقال بعضهم. قوله: في أمور متعددة ليس كذلك، بل الذي يظهر أن: أو، فيه للتنويع لا للتخيير وأنها أمثلة لأمثال واحد. قلت: ما الذي يظهر أن: أو، فيه للتنويع؟ بل هي للتخيير لأنها وقعت بعد الطلب. قوله: ثم ناقض الضمير فيه يرجع إلى بعض الناس بيان التناقض على زعمه أنهم قالوا بعدم الإكراه في الصورة الأولى، وقالوا به في الصورة الثانية من حيث القياس، ثم قالوا ببطلان البيع ونحوه استحسانا، فقد ناقضوا إذ يلزم القول بالإكراه، وقد قالوا بعدم الإكراه. قلت: هذه المناقضة ممنوعة لأن المجتهد يجوز له أن يخالف قياس قوله بالاستحسان، والاستحسان حجة عند الحنفية. قوله: فرقوا بين كل ذي رحم محرم وغيره بغير كتاب ولا سنة أراد به أن مذهب الحنفية في ذي الرحم بخلاف مذهبهم في الأجنبي، فلو قيل لرجل: لتقتلن هذا الرجل الأجنبي أو لتبيعن كذا، ففعل لينجيه من القتل لزمه البيع، ولو قيل له ذلك في ذي رحم محرم لم يلزمه ما عقده. قلت: هذا أيضا بطريق الاستحسان، وهو غير خارج عن الكتاب والسنة. أما الكتاب فقوله تعالى: * (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولائك الذين هداهم الله وأولائك هم أولو الالباب) * وأما السنة فقوله ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن وقال الكرماني: وما ذكره البخاري من أمثال هذه المباحث غير مناسب لوضع هذا الكتاب إذ هو خارج عن فنه. قلت: أنكر عليه بعضهم هذا الكلام، فقال: للبخاري أسوة بالأئمة الذين سلك طريقهم: كالشافعي وأبي ثور والحميدي وأحمد وإسحاق، فهذه طريقتهم في البحث. انتهى. قلت: لم يسلك أحد منهم فيما جمعه من الحديث خاصة هذا المسلك، وإنما ذكروا في مؤلفات مشتملة على الأصول والفروع، وإن ذكر أحد
106

منهم هذه المباحث في كتب الحديث خاصة فالكلام عليه أيضا وارد على أن أحدا لا ينازع أن البخاري لا يساوي الشافعي في الفقه، ولا في البحث عن مثل هذه المباحث.
وقال النبي قال إبراهيم لامرأته: هاذه أختي وذالك في الله.
هذا استشهد به البخاري على عدم الفرق بين القريب والأجنبي في هذا الباب، وبيان ذلك أن إبراهيم، عليه السلام، قال لامرأته وهي سارة. وكذا في رواية الكشميهني: هذه أختي، يعني في الإسلام، فإذا كانت أخته في الإسلام وجبت عليه حمايتها والدفع عنها. قوله: وذلك في الله من كلام البخاري، يعني: قوله: هذه أختي، لإرادة التخلص فيما بينه وبين الله. قلت: فرقهم. بين القريب والأجنبي أيضا استسحان لأنه إذا وجبت حماية أخيه المسلم في الدين على ما قالوا، فحماية قريبه أوجب.
وقال النخعي: إذا كان المستخلف ظالما فنية الحالف، وإن كان مظلوما فنية المستحلف.
أي: قال إبراهيم النخعي: إذا كان المستحلف ظالما فالمعتبر نية الحالف، وإن كان مظلوما فالمعتبر نية المستحلف. قيل: كيف يكون المستحلف مظلوما. وأجيب: بأن المدعي المحق إذا لم تكن له نية ويستحلفه المدعى عليه فهو مظلوم، وأثر إبراهيم هذا وصله محمد بن الحسن في كتاب الآثار عن أبي حنيفة عن حماد عنه بلفظ: إذا استحلف الرجل وهو مظلوم فاليمين على ما نوى وعلى ما روى، وإذا كان ظالما فاليمين على نية من استحلفه. وقال ابن بطال: قول النخعي يدل على أن النية عنده نية المظلوم أبدا، أو إلى مثله ذهب مالك والجمهور، وعند أبي حنيفة: النية نية الحالف أبدا، وقال غيره: ومذهب الشافعي أن الحلف إذا كان عند الحاكم فالنية نية الحاكم. وهي راجعة إلى نية صاحب الحق، وإن كان في غير الحاكم فالنية نية الحالف.
6951 حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب أن سالما أخبره أن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته
انظر الحديث 2442
مطابقته للترجمة من حيث إن المسلم تجب عليه حماية أخيه المسلم.
والحديث قد مر في كتاب المظالم بعين هذا الإسناد بأتم منه.
قوله: ولا يسلمه من الإسلام وهو الخذلان. قوله: في حاجته أي: في قضاء حاجته.
6952 حدثنا محمد بن عبد الرحيم، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا هشيم، أخبرنا عبيد الله بن أبي بكره بن أنس عن أنس، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله انصر أخاك ظالما أو مظلوما فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما؟ أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره
انظر الحديث 2443 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة. ومحمد بن عبد الرحيم البزاز بمعجمتين الملقب بصاعقة وهو من طبقة البخاري في أكثر شيوخه، وسعيد بن سليمان الواسطي سكن بغداد وهو أيضا من شيوخ البخاري. وقد روى عنه بغير واسطة في مواضع، وهشيم مصغر هشيم ابن بشير مصغر بشر الواسطي، وعبيد الله بن أبي بكر بن أنس يروي عن جده أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه.
والحديث مر في كتاب المظالم من حديث عبيد الله بن أبي بكر بن أنس وحميد الطويل سمعا أنس بن مالك يقول: قال رسول الله انصر أخاك ظالما أو مظلوما انتهى هذا المقدار. وأخرجه فيه أيضا عن مسدد عن معتمر عن حميد عن أنس، قال: قال رسول الله انصر أخاك ظالما أو مظلوما. قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلوما
107

فكيف ننصره ظالما؟ قال: تأخذ فوق يده
قوله: أفرأيت أي: أخبرني والفاء عاطفة على مقدر بعد الهمزة، وفيه نوعان من المجاز أطلق الرؤية وأراد، الإخبار، وأطلق الاستفهام وأراد الأمر، والعلاقتان ظاهرتان، وكذا القرينة. قوله إذا كان ظالما كيف أنصره؟ أي: كيف أنصره على ظلمه؟ قوله: تحجزه بالحاء المهملة والجيم والزاي: تمنعه، ويروى: تحجره بالراء موضع الزاي من الحجر وهو المنع. قوله: أو تمنعه شك من الراوي قوله: فإن ذلك أي: منعه عن الظلم نصره
((كتاب الحيل))
أي: هذا كتاب في بيان الحيل وهو جمع حيلة وهي ما يتوصل به إلى المقصود بطريق خفي. وقال الجوهري: الحيلة بالكسر اسم من الاحتيال. ذكره في فصل الياء. ثم قال: وهو من الواو: ويقال هو أحيل منك وأحول منك أي: أكثر حيلة، وما أحيله لغة فيما أحوله.
1
((باب في ترك الحيل))
أي: هذا باب في بيان ترك الحيل، قيل: أشار بلفظ الترك إلى دفع توهم جواز الحيل في الترجمة الأولى. قلت: الترجمة الأولى بعمومها تتناول الحيلة الجائزة والحيلة الغير الجائزة، وأطلقها لأن من الحيل ما لا يمنع منها، وفي هذه الترجمة بين أحد النوعين وهو الترك.
وأن لكل امرىء ما نوي في الأيمان وغيرها.
أي: هذا في بيان أن لكل امرئ ما نوى، وهذا قطعة من الحديث الذي يأتي الآن، وأيضا مضى في أول الكتاب. وهو قوله إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى الحديث. ومضى الكلام فيه مبسوطا. قوله: في الأيمان وغيرها من كلام البخاري، والأيمان بفتح الهمزة جمع يمين. قوله: وغيرها وفي رواية الكشميهني: قيل: وجه ذلك إرادة اليمين المستفادة من الأيمان، وفيه نظر لا يخفى، وهذا الحديث محمول على العبادات، والبخاري عمم في ذلك بحيث يشتمل كلامه على المعاملات أيضا.
6953 حدثنا أبو النعمان، حدثنا حماد بن زيد، عن يحياى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقاص قال: سمعت عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يخطب قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يا أيها الناس إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن هاجر إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه
مطابقته للترجمة من حيث إن مهاجر أم قيس جعل الهجرة حيلة في تزويج أم قيس.
وأبو النعمان محمد بن الفضل، و يحيى بن سعيد القطان، و محمد بن إبراهيم التيمي. وقد شرحت هذا الحديث في أول الكتاب لم يشرح أحد مثله من الشراح المتقدمين والمتأخرين، واحتج بهذا الحديث من قال بإبطال الحيل، ومن قال بإعمالها لأن مرجع كل من الفريقين إلى نية العامل. وفي المحيط كتاب الحيل ومشروعيته بقوله تعالى في قصة أيوب عليه السلام: * (وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب) * وهي الفرار والهروب عن المكروه، والاحتيال للهروب عن الحرام والتباعد عن الوقوع في الآثام لا بأس به، بل هو
108

مندوب إليه، وأما الاحتيال لإبطال حق المسلم فإثم وعدوان. وقال النسفي في الكافي عن محمد بن الحسن قال: ليس من أخلاق المؤمنين الفرار من أحكام الله بالحيل الموصلة إلى إبطال الحق.
2
((باب في الصلاة))
أي: هذا باب في بيان دخول الحيلة في الصلاة.
6954 حدثني إسحاق بن نصر، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ
انظر الحديث 135
وقال الكرماني: فإن قلت: ما وجه تعلق الحديث بالكتاب؟. قلت: قالوا مقصود البخاري الرد على الحنفية حيث صححوا صلاة من أحدث في الجلسة الأخيرة، وقالوا: إن التحلل يحصل بكل ما يضاد الصلاة فهم متحيلون في صحة الصلاة مع وجود الحدث. ووجه الرد أنه محدث في الصلاة فلا تصح لأن التحلل منها ركن فيها لحديث: وتحليلها التسليم، كما أن التحريم بالتكبير ركن منها، وحيث قالوا: المحدث في الصلاة يتوضأ ويبني، وحيث حكموا بصحتها عند عدم النية في الوضوء بعلة أنه ليس بعبادة. انتهى.
وقال ابن المنير: أشار البخاري بهذه الترجمة إلى رد قول من قال بصحة صلاة من أحدث عمدا في أثناء الجلوس الأخير، ويكون حدثه كسلامه بأن ذلك من الحيل
لتصحيح الصلاة مع الحدث. انتهى. وقال ابن بطال: فيه رد على من قال: إن من أحدث في القعدة الأخيرة إن صلاته صحيحة. انتهى. وقيل: التحريم يقابله التسليم لحديث: تحريمها التكبير وتحليلها التسليم، فإذا كان أحد الطرفين ركنا كان الطرف الآخر ركنا
قلت: لا مطابقة بين الحديث والترجمة أصلا فإنه لا يدل أصلا على شيء من الحيل، وقول الكرماني: فهم متحيلون في صحة الصلاة مع وجود الحدث، كلام مردود غير مقبول أصلا لأن الحنفية ما صححوا صلاة من أحدث في القعدة الأخيرة بالحيلة، وما للحيلة دخل أصلا في هذا، بل حكموا بذلك بقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، لابن مسعود، رضي الله تعالى عنه: إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك رواه أبو داود في سننه ولفظه: إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم وإن شئت أن تقعد فاقعد. ورواه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه وهذا ينافي فرضية السلام في الصلاة لأنه صلى الله عليه وسلم، خير المصلي بعد القعود بقوله إن شئت أن تقوم... إلى آخره، وهو حجة على الشافعي في قوله: السلام فرض وما حملهم على هذا الكلام الساقط إلا فرط تعصبهم الباطل.
وقوله: وجه الرد أنه محدث في صلاته، فلا تصح غير صحيح لأن صلاته قد تمت. وقوله: لحديث: وتحليلها التسليم، استدلال غير صحيح، لأنه خبر من أخبار الآحاد فلا يدل على الفرضية، وكذلك استدلالهم على فرضية تكبيرة الافتتاح بقوله تحريمها التكبير، غير صحيح لما ذكرنا، بل فرضيته بقوله تعالى: * (وربك فكبر) * المراد به في الصلاة إذ لا يجب خارج الصلاة بإجماع أهل التفسير، ولا مكان يجب فيه إلا في افتتاح الصلاة. وقوله: بعلة أنه لبس بعبادة، كلام ساقط أيضا، لأن الحنفية لم يقولوا: إن الوضوء ليس بعبادة مطلقا، بل قالوا: إنه عبادة غير مستقلة بذاتها بل هو وسيلة إلى إقامة الصلاة، وقول ابن المنير أيضا، بأن ذلك من الحيل لتصحيح الصلاة، مردود كما ذكرنا وجهه، وقول ابن بطال: فيه رد... الخ كذلك مردود. لأن الحديث لا يدل على ما قاله قطعا. وقول من قال: فإذا كان أحد الطرفين ركنا كان الطرف الآخر ركنا، غير سديد ولا موجة أصلا لعدم استلزام ذلك على ما لا يخفى.
قوله: حدثني إسحاق ويروى: حدثنا إسحاق، وهو ابن نصر أبو إبراهيم السعدي البخاري كان ينزل بالمدينة بباب سعد، يروي عن عبد الرزاق بن همام عن معمر بن راشد عن همام بتشديد الميم ابن منبه الأبناوي الصنعاني.
والحديث مضى في الطهارة ومضى الكلام فيه.
3
((باب في الزكاة))
109

أي: هذا باب في بيان ترك الحيل في إسقاط الزكاة، وفيه خلاف سيأتي.
وأن لا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق، خشية الصدقة.
أي: وفي بيان أن لا يفرق.. إلى آخره، وهو لفظ الحديث الأول في الباب، وهو قطعة من حديث طويل مضى في الزكاة بالسند المذكور، ومضى الكلام فيه.
6955 حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، حدثنا أبي، حدثنا ثمامة بن عبده الله بن أنس أن أنسا حدثه أن أبا بكر كتب له فريضة الصدقة التي فرض رسول الله ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة
مطابقته للترجمة ظاهرة. ومحمد بن عبد الله يروي عن أبيه عبد الله بن المثنى بن أنس بن مالك الأنصاري يروي عن عمه ثمامة بن عبد الله بن أنس، وثمامة بضم الثاء المثلثة وتخفيف الميم.
قوله: ولا يجمع عطف على: فريضة، أي: لو كان لكل شريك أربعون شاة فالواجب شاتان لا يجمع بينهما ليكون الواجب شاة واحدة. ولا يفرق كما لو كان بين الشريكين أربعون، لئلا تجب فيه الزكاة لأنه حيلة في إسقاطها أو تنقيصها.
6956 حدثنا قتيبة، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن أبي سهيل، عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله: أن أعرابيا جاء إلى رسول الله ثائر الرأس فقال: يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة؟ فقال: الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئا فقال: أخبرني بما فرض الله علي من الصيام؟ قال: شهر رمضان إلا أن تطوع شيئا قال: أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة؟ قال: أخبره رسول الله شرائع الإسلام، قال: والذي أكرمك لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا، فقال رسول الله أفلح إن صدق أو دخل الجنة إن صدق.
وجه المطابقة بين الحديث والترجمة لا يتأتى إلا بالتعسف، وأبو سهيل مصغر السهل اسمه نافع بن مالك، وطلحة بن عبيد الله مصغرا التيمي أحد العشرة المبشرة بالجنة. قتله مروان بن الحكم يوم الجمل.
والحديث مضى في الإيمان، ومضى الكلام فيه.
قوله: شرائع الإسلام أي: واجبات الزكاة وغيرها، وقال الكرماني: مفهوم الشرط يوجب أنه إن تطوع لا يفلح. قلت: شرط اعتبار مفهوم المخالفة عدم مفهوم الموافقة، وهاهنا مفهوم الموافقة ثابت، إذ من تطوع يفلح بالطريق الأولى.
وقال بعض الناس: في عشرين ومائة بعير حقتان، فإن أهلكها متعمدا أو وهبها أو احتال فيها فرارا من الزكاة، فلا شيء عليه.
قيل: أراد بعض الناس أبا حنيفة والتشنيع عليه لأن مذهبه أن كل حيلة يتحيل بها أحد في إسقاط الزكاة فأثم ذلك عليه. وأبو حنيفة يقول: إذا نوى بتفويته الفرار من الزكاة قبل الحول بيوم لم تضره النية، لأن ذلك لا يلزمه إلا بتمام الحول، ولا يتوجه إليه معنى قوله خشية الصدقة إلا حينئذ، وقد قام الإجماع على جواز التصرف قبل
دخول الحول كيف شاء، وهو قول الشافعي أيضا، فكيف يريد بقوله: بعض الناس أبا حنيفة على الخصوص؟ وقيل: أراد به أبا يوسف، فإنه قال: في عشرين ومائة
110

بعير.. إلى آخره، وقال: لا شيء عليه لأنه امتناع عن الوجوب لا إسقاط الواجب، وقال محمد: يكره لم فيه من القصد إلى إبطال حق الفقراء بعد وجود سببه، وهو النصاب.
6957 حدثنا إسحاق، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعا أقرع يفر منه صاحبه فيطلبه ويقول أنا كنزك قال: والله لن يزال يطلبه حتى يبسط يده فيلقمها فاه
0 انظر الحديث 1403 ف
6958 وقال رسول الله إذا ما رب النعم لم يعط حقها تسلط عليه يوم القيامة تخبط وجهه بأخفافها
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه منع الزكاة بأي وجه كان من الوجوه المذكورة.
وإسحاق قيل: إنه ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في المستخرج وقال الكرماني: قال الكلاباذي: يروي البخاري عن إسحاق بن منصور وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي وإسحاق بن إبراهيم السعدي عن عبد الرزاق. انتهى. قلت: مقتضى كلام الكرماني أن إسحاق هنا يحتمل أن يكون أحد الثلاثة المذكورين بغير تعيين. والحديث مضى في الزكاة.
قوله كنز أحدكم الكنز المال الذي يخبأ ولا تؤدى زكاته. قوله: شجاعا من المثلثات وهو حية، والأقرع بالقاف أي المتناثر شعر رأسه لكثرة سمه. قوله: لن يزال وفي رواية الكشميهني. لا يزال. قوله: حتى يبسط يده أي: صاحب المال. قوله: فيلقمها أي: يده.
قوله: وقال رسول الله وهو موصول بالسند المذكور. قوله: إذا ما رب النعم كلمة: ما، زائدة والرب المالك والنعم بفتحتين الإبل والبقر والغنم، والظاهر أن المراد به هنا هو الإبل بقرينة ذكر أخفافها لأنه للإبل خاصة وهو جمع خف والخف للإبل كالظلف للشاة.
وقال بعض الناس، في رجل له إبل فخاف أن تجب عليه الصدقة فباعها. بإبل مثلها أو بغنم أو ببقر أو بدراهم فرارا من الصدقة بيوم احتيالا: فلا بأس عليه، وهو يقول: إن زكى إبله قبل أن يحول الحول بيوم أو بسنة جازت عنه.
قال بعض الشراح أراد البخاري ببعض الناس أبا حنيفة يريد به التشنيع عليه بإثبات التناقض، فما قاله بيان ما يريده من التناقض. هو أنه: نقل ما قاله في رجل له إبل... إلى آخره، ثم قال: وهو يقول: أي: والحال أن بعض الناس المذكور يقول: إن زكى إبله... الخ، يعني: جاز عنده التزكية قبل الحول بيوم، فكيف يسقطه في ذلك اليوم؟ وقال صاحب التلويح ما ألزم البخاري أبا حنيفة من التناقض فليس بتناقض لأنه لا يوجب الزكاة إلا بتمام الحول، ويجعل من قدمها كمن قدم دينا مؤجلا، وقد سبقه بهذا ابن بطال.
6959 حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ل يث، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أنه قال: استفتى سعد بن عبادة الأنصاري رسول الله في نذر كان على أمه توفيت قبل أن تقضيه، فقال رسول الله اقضه عنها
انظر الحديث 2761 وطرفه
مطابقته للترجمة تظهر بتعسف من كلام المهلب حيث قال: في هذا الحديث حجة على أن الزكاة لا تسقط بالحيلة ولا بالموت، لأن النذر لما لم يسقط بالموت والزكاة أوكد منه فلا تسقط. قلت: فيه نظر لا يخفى. أما الحديث فإنه لا يدل على حكم الزكاة لا بالسقوط ولا بعدم السقوط، وأما قياس عدم سقوط النذر بالموت فقياس غير صحيح. لأن النذر حق
111

معين لواحد والزكاة حق الله وحق الفقراء فمن أين الجامع بينهما؟ ومع هذا فهذا الحديث والحديثان اللذان قبله لا تطابق الترجمة إذا حققت النظر فيها، وأنها بمعزل عنها.
ورجال الحديث المذكور ذكروا غير مرة. والحديث مضى في كتاب الأيمان والنذور.
وقال بعض الناس: إذا بلغت الإبل عشرين ففيها أربع شياه، فإن وهبها قبل الحول، أو باعها فرارا واحتيالا لإسقاط الزكاة فلا شيء عليه، وكذالك إن أتلفها فمات فلا شيء في ماله.
أراد بقوله بعض الناس أبا حنيفة أو الحنفية كما ذكرنا. والكلام فيه مثل الكلام في الفرعين المتقدمين، وهو أن الحنفية إنما قالوا: لا شيء عليه في هذه الثلاثة، لأنه إذا أزال عن ملكه قبل الحول فمن أين يكون عليه شيء؟ فلا يرد عليهم ما زعمه البخاري، فحينئذ لا فائدة في تكرار هذه الفروع، وذكرها مفرقة. فإن قلت: قال الكرماني: إنما كررها لإرادة زيادة التشنيع ولبيان مخالفتهم لثلاثة أحاديث. قلت: التشنيع على المجتهدين الكبار لا يجوز وليس فيما ذهبوا إليه مخالفة لأحاديث الباب كما تراه، وهي بمعزل عما ذهبوا إليه، ومن له إدراك دقيق في دقائق الكلام يقف على هذا، ويظهر له الحق الباطل والصواب من الخطأ، والله ولي العصمة والتوفيق.
4
((باب الحيلة في النكاح))
أي: هذا باب في بيان ترك الحيلة في النكاح.
6960 حدثنا مسدد، حدثنا يحياى بن سعيد، عن عبيد الله، قال: حدثني نافع، عن عبد الله، رضي الله عنه، أن رسول الله نهاى عن الشغار. قلت لنافع: ما الشغار؟
قال: ينكح ابنة الرجل وينكحه ابنته بغير صداق، وينكح أخت الرجل وينكحه أخته بغير صداق.
انظر الحديث 5112
لا مطابقة أصلا بين الترجمة والحديث حتى قيل: إن إدخال البخاري الشغار في باب الحيلة في النكاح مشكل لأن القائل بالجواب يبطل الشغار ويوجب مهر المثل.
وعبيد الله بالتصغير ابن عمر العمري، وعبد الله هو ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، والحديث مضى في النكاح، ومضى الكلام فيه.
وقال بعض الناس: إن احتال حتى تزوج على الشغار فهو جائز والشرط باطل.
وقال في المتعة: النكاح فاسد والشرط باطل.
وقال بعضهم: المتعة والشغار جائز والشرط باطل.
أراد ببعض الناس الحنفية على ما قالوا: إن في كل موضع قال البخاري: قال بعض الناس، فمراده الحنفية أو أبو حنيفة وحده، وهذا غير وارد عليهم لأنهم قالوا بصحة العقدين فيه وبوجوب مهر المثل لوجود ركن النكاح من أهله في محله، والنهي في الحديث لإخلاء العقد عن المهر فصار كالعقد بالخمر. قوله: إن احتال، لم يذكر أحد من الحنفية أنهم احتالوا في الشغار وإنما قالوا: صورة نكاح الشغار أن يقول الرجل: إني أزوجك ابنتي على أن تزوجني ابنتك أو أختك، فيكون أحد العقدين عوضا عن الآخر فالعقدان جائزان ولكل منهما مهر مثلها. وقال مالك والشافعي وأحمد: نكاح الشغار باطل لظاهر الحديث.
قوله: وقال في المتعة أي: وقال بعض الناس في نكاح المتعة: النكاح فاسد والشرط باطل، وصورته أن يتزوج المرأة بشرط أن يتمتع بها أياما ثم يخلي سبيلها، هكذا ذكره الكرماني، وعند أبي حنيفة صورته أن يقول: متعيني نفسك، أو أتمتع بك مدة معلومة، طويلة أو قصيرة، فتقول: متعتك نفسي ولا بد من لفظ التمتع فيه، هذا مجمع عليه.
قوله: وقال بعضهم... الخ لم أر أحدا من الشراح بين من هؤلاء البعض، وقال صاحب التوضيح المراد به بعض أصحاب أبي حنيفة. قلت: لم يذكر أحد من أصحاب أبي حنيفة شيئا من هذا، وقال بعضهم: كأنه يشير إلى ما نقل عن زفر أنه أجاز الموقت وألغى الشرط لأنه شرط فاسد
112

والنكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة. انتهى. قلت: مذهب زفر ليس كذلك، بل عنده ما صورته أن يتزوج امرأة إلى مدة معلومة فالنكاح صحيح ويلزم، واشتراط المدة باطل، وعند أبي حنيفة وصاحبيه: النكاح باطل.
6961 حدثنا مسدد، حدثنا يحياى عن عبيد الله بن عمر، حدثنا الزهري عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي، عن أبيهما: أن عليا، رضي الله عنه، قيل له: إن ابن عباس لا يرى بمتعة النساء بأسا فقال: إن رسول الله نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية.
هذا أيضا غير مطابق لعدم التعرض إلى الحيلة في المتعة، وإنما صورتها ما ذكرنا.
و يحيى هو القطان، و عبيد الله بن عمر العمري، ومحمد بن علي هو المعروف بابن الحنفية، وعلي هو ابن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه.
والحديث مضى في كتاب النكاح ومضى الكلام فيه.
وقال بعض الناس: إن احتال حتى تمتع فالنكاح فاسد.
وقال بعضهم النكاح جائز والشرط باطل.
لا مناسبة لذكر هذا هنا لأن بطلان المتعة مجمع عليه. وقوله: إن احتال ليس له دخل في المتعة، وإنما ذكره ليشنع به على الحنفية من غير وجه.
قوله: وقال بعضهم الخ، قال بعضهم: إنه قول زفر، وليس كذلك، وإنما قول زفر قد بيناه عن قريب، فافهم.
5
((باب ما يكره من الاحتيال في البيوع ولا يمنع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ))
أي: هذا باب في بيان ما يكره من الاحتيال في البيوع ولم يذكر فيه حديثا، وقال الكرماني: هو من قبيل ما ترجم له ولم يلحق الحديث به، هذا هو الغالب. قلت: لما لم يظفر بحديث يتعلق بالترجمة كان تركها هو الأوجه. قوله: ولا يمنع فضل الماء... الخ التقدير فيه: وباب في بيان لا يمنع... الخ، ويجيء الكلام فيه الآن.
6962 حدثنا إسماعيل، حدثنا مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: أن رسول الله قال: لا يمنع فضل الماء ليمنع به فضل الكلإ
انظر الحديث 2353 وطرفه
الجزء الثاني من الترجمة هو عين حديث الباب، قال الكرماني: كيفية تعلقه بكتاب الحيل هو إرادة صيانة الكلأ المباح للكل المشترك فيه، فيحيل بصيانة الماء لتلزم صيانته.
وإسماعيل هو بن أويس، وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان، والأعرج هو عبد الرحمان بن هرمز.
والحديث مضى في كتاب الشرب.
قوله: لا يمنع على صيغة المجهول يعني: لا يمنع فضل الماء عنه بوجه من الوجوه لأنه إذا لم يمنع بسبب غيره فأحرى أن يمنع بسبب نفسه، وفي تسميته: فضلا، إشارة إلى أنه إذا لم يكن زيادة عن حاجة صاحب البئر جاز لصاحب البئر منعه، صورته: رجل له بئر وحولها كلأ مباح وهو بفتح الكاف واللام المخففة وبالهمزة وهو
ما يرعى، فأراد الرجل الاختصاص به فيمنع فضل ماء بئره أن يرده نعم غيره للشرب وهو لا حاجة له في الماء الذي يمنعه، وإنما حاجته إلى الكلأ، وهو لا يقدر على منعه لكونه غير مملوك له فيمنع الماء فيتوفر له الكلأ، وأمر الشارع صاحب البئر أن لا يمنع فضل الماء لئلا يكون مانعا للكلأ.
6
((باب ما يكره من التناجش))
أي: هذا باب في بيان ما يكره من التناجش، وهو أن يزيد في الثمن بلا رغبة فيه ليوقع الغير فيه، وأنه ضرب من التحيل في تكثير
113

الثمن، والمراد من الكراهة كراهة التحريم.
6963 حدثنا قتيبة بن سعيد، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله نهى عن النجش. انظر الحديث 2142
مطابقته للترجمة ظاهرة، ودخوله في كتاب الحيل من حيث إن فيه نوعا من الحيلة لإضرار الغير.
والحديث مضى في كتاب البيوع ومضى الكلام فيه.
7
((باب ما ينهاى من الخداع في البيوع))
أي: هذا باب في بيان ما جاء في النهي من الخداع، ويقال له: الخدع، بالفتح والكسر، ورجل خادع، وفي المبالغة: خدوع وخداع. قوله: من الخداع وفي رواية الكشميهني: عن الخداع.
وقال أيوب: يخادعون الله كما يخادعون آدميا لو أتوا الأمر عيانا كان أهون علي.
أيوب هو السختياني. قوله: كما يخادعون ويروى: كأنما يخادعون. قوله: عيانا قال الكرماني: لو علموا هذه الأمور بأن أخذ الزائد على الثمن معاينة بلا تدليس لكان أسهل لأنه ما جعل الدين آلة له، وقول أيوب هذا رواه وكيع عن سفيان بن عيينة عن أيوب.
6964 حدثنا إسماعيل، حدثنا مالك عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما: أن رجلا ذكر للنبي أنه يخدع في البيوع، فقال: إذا بايعت فقل: لا خلابة
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسماعيل هو ابن أبي أويس. والحديث مضى في البيوع.
قوله: أن رجلا هو حبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن منقذ على صيغة اسم الفاعل من الإنقاذ بالذال المعجمة. قوله: يخدع على صيغة المجهول. قوله: لا خلابة بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام وبالباء الموحدة ومعناه: لا خديعة. وقال المهلب: معنى قوله: لا خلابة أي: لا تخلبوني أي لا تخدعوني فإن ذلك لا يحل، وقال: لا يدخل في الخداع الثناء على السلعة والإطناب في مدحها فإنه متجاوز عنه ولا ينقض به البيع.
8
((باب ما ينهاى عن الاحتيال للولي في اليتيمة المرغوبة وأن لا يكمل صداقها))
أي: هذا باب في بيان ما ينهى عن الاحتيال للولي في اليتيمة التي يرغب وليها فيها، وفي بيان ما ينهى أن لا يكمل صداقها، ويروى أن لا يكمل لها صداقها.
6965 حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري قال: كان عروة يحدث أنه سأل عائشة * (وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النسآء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذالك أدنى ألا تعولوا) * قالت هي اليتيمة في حجر وليها. فيرغب في مالها وجمالها فيريد أن يتزوجها بأدنى من سنة نسائها، فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق، ثم استفتى الناس رسول الله بعد فأنزل الله * (ويستفتونك فى النسآء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم فى الكتاب فى يتامى النسآء اللاتى لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما) * فذكر الحديث
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو اليمان الحكم بن نافع، وشعيب بن أبي حمزة.
والحديث مضى في التفسير في مواضع في سورة النساء، ومضى الكلام فيه مستوفى.
قوله: في حجر وليها بفتح الحاء المهملة وكسرها. قوله: بأدنى من سنة نسائها أي: أقل من
114

مهر مثل أقاربها. قوله: فنهوا على صيغة المجهول. قوله: إلا أن يقسطوا بضم الياء من الإقساط وهو العدل. قوله: فذكر الحديث أي: باقي الحديث. واليتيمة إذا كانت ذات جمال ومال رغبوا في نكاحها وإذا كانت مرغوبا عنها في قلة المال والجمال تركوها، وأخذوا غيرها من النساء. قلت: فكما يتركونها مرغوبين عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى من الصداق.
9
((باب إذا غصب جارية فزعم أنها ماتت، فقضي بقيمة الجارية الميتة ثموجدها صاحبها فهي له وترد القيمة ولا تكون القيمة ثمنا))
أي: هذا باب مترجم بما إذا غصب رجل جارية لشخص، يعني: أخذها قهرا، فلما ادعى عليه المغصب منه زعم أي: الغاصب أن الجارية ماتت، فقضي، على
صيغة المجهول، ويجوز أن يكون على صيغة المعلوم، أي: فقضى الحاكم بقيمة تلك الجارية التي زعم الغاصب أنها ماتت ثم وجدها صاحبها وهو المغصوب منه فهي أي الجارية له أي: للمالك، ويرد القيمة التي حكم بها إلى الغاصب ولا تكون القيمة ثمنا، إذ ليس ذلك بيعا إنما أخذ القيمة لزعم هلاكها، فإذا زال ذلك وجب الرجوع إلى الأصل.
وقال بعض الناس: الجارية للغاصب لأخذه القيمة، وفي هاذا احتيال لمن اشتهى جارية رجل لا يبيعها فغصبها، واعتل بأنها ماتت حتى يأخذ ربها قيمتها، فيطيب للغاصب جارية غيره.
أراد ببعض الناس: أبا حنيفة، وليس لذكر هذا الباب هنا وجه لأنه ليس موضعه، وإنما أراد به التشنيع على الحنفية، وليس هذا من دأب المشايخ. قوله: لأخذه أي: صاحبها. قوله: واعتل أي: تعلل واعتذر.
قال النبي أموالكم عليكم حرام ولكل غادر لواء يوم القيامة
هذان طريقان للحديثين المذكورين ذكرهما في معرض الاحتجاج على ما ذكره، وليس فيهما ما يدل على دعواه أما الأول فمعناه: أن أموالكم عليكم حرام إذا لم يوجد التراضي، وهنا قد وجد التراضي بأخذ المالك القيمة وأما الثاني: فلا يقال للغاصب في اللغة: إنه غادر، لأن الغدر ترك الوفاء والغصب هو أخذ شيء قهرا أو عدوانا. وقول الغاصب: إنها ماتت، كذب ثم أخذ المالك القيمة رضا، فالحديث الأول وصله البخاري مطولا من حديث أبي بكر في أواخر الحج، وقال الكرماني: قوله: أموالكم عليكم مقابلة الجمع بالجمع، وهي تفيد التوزيع فيلزم أن يكون مال كل شخص حراما عليه، وأجاب بأن هذا مثل قولهم: بنو تميم قتلوا أنفسهم، أي: قتل بعضهم بعضا، فهو مجاز أو إضمار فيه للقرينة الصارفة عن ظاهرها، كما علم من القواعد الشرعية. والحديث الثاني ذكره موصولا هنا على ما يجيء الآن.
6966 حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، عن النبي قال: لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به
أبو نعيم هو الفضل بن دكين، وسفيان هو الثوري: والحديث من أفراده.
10
((باب))
أي: هذا باب كذا وقع في رواية الأكثرين بغير ترجمة، وقد مر أمثال هذا فيما مضى وقد ذكرنا أنه كالفصل لما قبله، وحذفه النسفي والإسماعيلي وابن بطال ولم يذكروه أصلا، وأضاف ابن بطال مسألة الباب إلى الباب الذي قبله. وأما الكرماني فإنه لا يذكر غالب التراجم.
6967 حدثنا محمد بن كثير، عن سفيان، عن هشام، عن عروة عن زينب ابنة أم سلمة عن أم سلمة عن النبي قال: إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل
115

بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذ، فإنما أقطع له قطعة من النار
لما كان هذا الباب غير مترجم وهو كالفصل يكون حديثه مضافا إلى الباب الذي قبله، ووجه التطابق ظاهر لنهيه عن أخذ مال الغير إذا كان يعلم أنه في نفس الأمر للغير.
ومحمد بن كثير بالثاء المثلثة، وسفيان هو الثوري، وهشام هو ابن عروة بن الزبير، وزينب ابنة أم سلمة تروي عن أمها أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية.
والحديث مضى في المظالم عن عبد العزيز بن عبد الله، وفي الشهادات عن القعنبي وسيأتي في الأحكام عن أبي اليمان عن شعيب.
قوله إنما أنا بشر يعني: كواحد منكم ولا أعلم الغيب وبواطن الأمور كما هو مقتضى الحالة البشرية، وأنا أحكم بالظاهر. قوله: ولعل استعمل هنا استعمال: عسى. قوله: ألحن أفعل التفضيل من: لحن، بكسر الحاء إذا فطن، والمراد أنه إذا كان أفطن كان قادرا على أن يكون أقدر من حجته من الآخر، وفي رواية المظالم بلفظ: أبلغ بحجته. قوله: على نحو ما اسمع كلمة: ما، موصولة هكذا في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: على نحو مما أسمع. قوله: من حق أخيه ويروى: من أخيه، وتفسيره: من حق أخيه. قوله: فلا يأخذ وفي رواية الكشميهني: فلا يأخذه. قوله: قطعة من النار قال الكرماني: حرام عليه ومرجعه إلى النار، وقيل: معناه إن أخذها مع علمه بأنها حرام عليه دخل النار.
11
((باب شهادة الزور في النكاح))
أي: هذا باب في بيان حكم شهادة الزور في النكاح، وقد مضى عن قريب في: باب الحيلة في النكاح، وذكر فيه الشغار والمتعة وأتى بهذا الباب هنا لبيان حكم شهادة الزور، كما ذكرنا.
6968 حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا هشام، حدثنا يحياى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا الثيب حتى تستأمر فقيل يا رسول الله كيف إذنها؟ قال: إذا سكتت
انظر الحديث 5136 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة. وهشام هو الدستوائي والحديث قد مر في النكاح.
قوله: لا تنكح على صيغة المجهول أي: لا تزوج. قوله: حتى تستأذن على صيغة المجهول أيضا، أي: حتى يؤخذ منها الإذن. قوله: حتى تستأمر على صيغة المجهول أيضا أي: حتى تستشار.
وقال بعض الناس: إذا لم تستأذن البكر ولم تزوج فاحتال رجل فأقام شاهدي زور أنه تزوجها برضاها، فأثبت القاضي نكاحها، والزوج يعلم أن الشهادة باطلة فلا بأس أن يطأها، وهو تزويج صحيح.
أراد به أيضا أبا حنيفة، وأراد به التشنيع عليه، ولا وجه له في ذكره هاهنا. قوله: إذا لم تستأذن وفي رواية الكشميهني: إن لم تستأذن. قوله: شاهدي زور بإضافة شاهدي إلى زور، ويروى: فأقام شاهدين زورا. قوله: والزوج يعلم الواو فيه للحال. وأبو حنيفة إمام مجتهد أدرك صحابة ومن التابعين خلقا كثيرا، وقد تكلم في هذه المسألة بأصل وهو: أن القضاء لقطع المنازعة بين الزوجين من كل وجه، فلو لم ينفذ القضاء بشهادة الزور باطنا كان تمهيدا للمنازعة بينهما، وقد عهدنا بنفوذ مثل ذلك في الشرع. ألا ترى أن التفريق باللعان ينفذ باطنا وأحدهما كاذب بيقين؟ والقاضي إذا حكم بطلاقها بشاهدي زور، وهو لا يعلم أنه يجوز أن يتزوجها من لا يعلم ببطلان النكاح ولا يحرم عليه بالإجماع، وقال بعض المشنعين: هذا خطأ في القياس، ثم مثل لذلك بقوله: ولا خلاف بين
116

الأئمة أن رجلا لو أقام شاهدي زور على ابنته أنها أمته وحكم الحاكم بذلك لا يجوز له وطؤها، فكذلك الذي شهد على نكاحها هما في التحريم سواء. قلت: هذا القياس الذي فيه الخطأ الظاهر، يفرق بين القياسين من له إدراك مستقيم.
6969 حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، حدثنا يحياى بن سعيد، عن القاسم: أن امرأة من ولد جعفر تخوفت أن يزوجها وليها وهي كارهة، فأرسلت إلى شيخين من الأنصار: عبد الرحمان ومجمع ابني جارية، قالا: فلا تخشين فإن خنساء بنت خذام أنكحها أبوها وهي كارهة فرد النبي ذالك.
قال سفيان: وأما عبد الرحمان فسمعته يقول عن أبيه: إن خنساء.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عينية، و يحيى بن سعيد الأنصاري، و القاسم هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه.
والحديث مضى في النكاح في: باب إذا زوج ابنته وهي كارهة فنكاحها مردود.
قوله: أن امرأة من ولد جعفر وفي رواية ابن أبي عمر عن سفيان: أن امرأة من آل جعفر، أخرجه الإسماعيلي ولم يدر اسم المرأة، وقال بعضهم: ويغلب على الظن أنه جعفر بن أبي طالب، ثم قال: وتجاسر الكرماني فقال: المراد به جعفر الصادق بن محمد الباقر، وكان القاسم بن محمد جد جعفر الصادق لأمه انتهى. ثم قال: وخفي عليه أن القصة المذكورة وقعت وجعفر الصادق صغير لأن مولده سنة ثمانين وكانت وفاة عبد الرحمان بن يزيد بن جارية في سنة ثلاث وتسعين من الهجرة، وقد وقع في الحديث أنه أخبر المرأة بحديث خنساء بنت خذام، فكيف تكون المرأة المذكورة في مثل تلك الحالة وأبوها ابن ثلاث عشرة سنة أو دونها؟ انتهى. قلت: هو أيضا تجاسر حيث قال بغلبة الظن: إنه جعفر بن أبي طالب، والكرماني لم يقل هذا من عنده، وإنما نقله عن أحد فلا ينسب إليه التجاسر، ويمكن أن يكون جعفر غير ما قالا. قوله: وهي كارهة الواو فيه للحال. قوله: عبد الرحمان بالجر ومجمع على وزن اسم الفاعل من التجميع عطف عليه، وهما ابنا يزيد بن جارية بالجيم وهنا قد نسبا إلى جدهما، وتقدم في النكاح أنهما نسبا إلى أبيهما، ولقد صحف من قال: حارثة، بالحاء المهملة والثاء المثلثة. قوله: فلا تخشين قال الكرماني: بلفظ الجمع خطاب للمرأة المتخوفة، وأصحابها، وقال ابن التين: صوابه بكسر الباء وتشديد النون، ولو كان بلا نون التأكيد لحذفت النون في النهي على ما عرف. قوله: فإن خنساء بفتح الخاء المعجمة وسكون النون وبالسين المهملة وبالمد بنت خذام بكسر الخاء المعجمة وبالذال المعجمة الخفيفة ابن وديعة الأنصارية من الأوس، وقال أبو عمر: اختلفت الأحاديث في حالها في ذلك الوقت، فرواية مالك عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمان ومجمع ابني يزيد بن جارية عن خنساء أنها كانت ثيبا، ورواية ابن المبارك عن الثوري عن عبد الرحمان بن القاسم عن عبد الله بن يزيد ابن وديعة عن خنساء بنت خذام أنها كانت يومئذ بكرا، والصحيح نقل مالك إن شاء الله تعالى.
قوله: قال سفيان: وأما عبد الرحمان يعني: ابن القاسم بن محمد بن أبي بكر، رضي الله تعالى عنه. قوله: فسمعته يقول عن أبيه عن خنساء أراد أنه أرسله فلم يذكر فيه عبد الرحمان بن يزيد ولا أخاه.
6970 حدثنا أبو نعيم، حدثنا شيبان، عن يحياى عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا: كيف إذنها؟ قال: أن تسكت
انظر الحديث 5136 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو نعيم الفضل بن دكين، وشيبان هو ابن عبد الرحمان النحوي، و يحيى هو ابن أبي كثير، وأبو سلمة بن عبد الرحمان بن عوف، رضي الله تعالى عنه.
والحديث أخرجه مسلم في النكاح.
قوله: الأيم هي من لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا، لكن المراد منها هنا الثيب بقرينة المقابلة للبكر، والأفعال هنا كلها على صيغة المجهول، ومضى الكلام
117

فيه في النكاح.
وقال بعض الناس: إن احتال إنسان بشاهدي زور على تزويج امرأة ثيب بأمرها، فأثبت القاضي نكاحها إياه، والزوج يعلم أنه لم يتزوجها قط، فإنه يسعه هاذا النكاح، ولا بأس بالمقام له معها.
أراد به التشنيع أيضا على أبي حنيفة. قوله: يسعه أي: يجوز له ويحل له، قال الكرماني: وهذا تشنيع عظيم لأنه أقدم على الحرام البين عالما بالتحريم متعمدا لركوب الإثم. انتهى. وقد ذكرنا أن أبا حنيفة بنى هذه الأشياء على أن حكم الحاكم بشاهدي زور ينفذ ظاهرا وباطنا.
6971 حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة عن ذكوان، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله البكر تستأذن قلت إن البكر تستحي. قال: إذنها صماتها
انظر الحديث 5137 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو عاصم هو الضحاك بن مخلد، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة بضم الميم واسمه زهير، وذكوان بفتح الذال المعجمة وبالواو مولى عائشة رضي الله عنها. والحديث قد مضى في النكاح.
وقال بعض الناس: إن هوي رجل جارية يتيمة أو بكرا، فأبت، فاحتال فجاء بشاهدي زور على أنه تزوجها، فأدركت فرضيت اليتيمة فقبل القاضي شهادة الزور والزوج يعلم ببطلان ذلك حل له الوطء.
هذا تشنيع آخر على الحنفية، وقوله هذا تكرار بلا فائدة لأن حاصل هذه الفروع الثلاثة واحد، وذكره إياها واحدا بعد واحد لا يفيد شيئا لأنه قد علم أن حكم الحاكم ينفذ ظاهرا وباطنا ويحلل ويحرم. وقال الكرماني: فائدة التكرار كثرة التشنيع. قوله: إن هوي بكسر الواو يعني: أحب. قوله: جارية هي الفتية من النساء يتيمة أو بكرا ويروى عن الكشميهني: ثيبا أو بكرا. قوله: فأدركت ظاهرة أنها بعد الشهادة بلغت ورضيت، ويحتمل أن يريد أنه جاء بشاهدين على أنها أدركت ورضيت فتزوجها فيكون داخلا تحت الشهادة. والفاء للسببية فقبل القاضي بشهادة الزور. كذا في رواية الأكثرين: بشهادة، بالباء الموحدة وفي رواية الكشميهني بحذف الباء. قوله: جاز له الوطء ويروى: حل له الوطء.
12
((باب ما يكره من احتيال المرأة مع الزوج والضرائر، وما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك))
أي: هذا باب في بيان ما يكره... الخ كلمة: موصولة، والضرائر جمع ضرة بفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء. قوله: وما نزل أي: وفي بيان ما نزل على النبي قوله: في ذلك أي: فيما ذكر من احتيال المرأة مع الزوج والضرائر، وأراد بقوله: وما نزل قوله تعالى: * (يا أيها النبي لا تحرم ما أحل الله لك) * وذلك لما قال شربت عسلا ولن أعود، وقبل: إنما حرم جاريته مارية فحلف أن لا يطأها، وأسر ذلك إلى حفصة فأفشته إلى عائشة، ونزل القرآن في ذلك.
6972 حدثنا عبيد بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله يحب الحلواء ويحب العسل وكان إذا صلى العصر أجاز على نسائه فيدنو منهن، فدخل على حفصة فاحتبس عندها، أكثر مما كان يحتبس، فسألت عن ذلك فقال لي: أهدت امرأة من قومها عكة عسل، فسقت رسول الله منه شربة فقلت أما والله لنحتالن له،
118

فذكرت ذلك لسودة، قلت: إذا دخل عليك فإنه سيدنو منك، فقولي له: يا رسول الله أكلت مغافير؟ فإنه سيقول: لا، فقولي له: ما هاذه الريح؟ وكان رسول الله يشتد عليه أن يوجد منه الريح فإنه سيقول سقتني حفصة شربة عسل، فقولي له: جرست نحله العرفط، وسأقول ذالك، وقوليه أنت يا صفية، فلما دخل على سودة قلت: تقول سودة: والذي لا إلاه إلا هو لقد كدت أن أبادره بالذي قلت لي، وإنه لعلى الباب فرقا منك، فلما دنا رسول الله قلت يا رسول الله أكلت مغافير؟ قال: لا قلت فما هاذه الريح؟ قال: سقتني حفصة شربة عسل قلت جرست نحله العرفط فلما دخل علي قلت له مثل ذلك، ودخل على صفية فقالت له مثل ذلك، فلما دخل على حفصة قالت له: يا رسول الله ألا أسقيك منه؟ قال: لا حاجة لي به قالت تقول سودة سبحان الله لقد حرمناه. قالت: قلت لها: اسكتي.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: والله لنحتالن له
وأبو أسامة حماد بن أسامة، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن أم المؤمنين عائشة، رضي الله تعالى عنها.
والحديث قد مضى في الأطعمة عن إسحاق بن إبراهيم وفي الأشربة عن عبد الله بن أبي شيبة وفيه وفي الطب عن علي بن عبد الله وهنا عبيد بن إسماعيل أربعتهم عن أبي أسامة. وأخرجه بقية الجماعة وقد ذكرناه.
قوله: الحلواء بمد وبقصر، قال الداودي: يريد التمر وشبهه. قوله: أجاز أي: تمم النهار وأنفده، يقال: جاز الوادي جوازا، وأجازه إذا قطعه، وقال الأصمعي: جاز مشى فيه، وأجازه قطعه، وذكره ابن التين بلفظ: جاز، قال: كذا وقع في المجمل وقال الضحاك: جزت الموضع سرت فيه وأجزته خلفته وقطعته. قوله: عكة بالضم الآنية من الجلد. قوله: فسقت رسول الله شربة يعني: حفصة، قال صاحب التوضيح هذه غلط لأن حفصة هي التي تظاهرت مع عائشة في هذه القصة، وإنما شربه عند صفية بنت حيي، وقيل: عند زينب، والأصح أنها زينب، وقال الكرماني: تقدم في كتاب الطلاق أنه شرب في بيت زينب والمتظاهرتان على هذا القول عائشة وحفصة، ثم قال: لعله شرب في بيتهما فهما قضيتان. قوله: لنحتالن من الاحتيال. فإن قلت: كيف جاز على أزواجه الاحتيال؟. قلت: هذه من مقتضيات الطبيعة للنساء، وقد عفى عنهن. قوله: مغافير جمع مغفور بالغين المعجمة وبالفاء والواو والراء وهو صبغ كالعسل له رائحة كريهة. قوله: جرست بالجيم والراء وبالسين المهملة أي: لحست باللسان وأكلت. قوله: العرفط بضم العين المهملة والفاء وإسكان الراء وبالطاء المهملة وهو شجر خبيث الثمر، وقيل: العرفط موضع، وقيل: شجر من العضاء وثمرته بيضاء مدحرجة، وقال الجوهري: ثمرة كل العضاء صفراء إلا أن العرفط ثمرته بيضاء. قوله: أن أبادره من المبادرة ويروى أن
أبادئه بالباء الموحدة من المبادأة، يقال: أبادئهم أمرهم أي: أظهره، ويروى: أن أناديه، بالنون موضع الباء. قوله: ألا أسقيك؟ بضم الهمزة وفتحها، وفي الصحاح سقيته وأسقيته. قوله: حرمناه أي: منعناه من العسل.
13
((باب ما يكره من الاحتيال في الفرار من الطاعون))
أي: هذا باب في بيان ما يكره من الاحتيال في الفرار أي: الهروب من الطاعون، قال الكرماني: هو بثر مؤلم جدا يخرج غالبا في الآباط مع لهيب وخفقان وقيء ونحوه.
6973 حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الله بن عامر بن ربية أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، خرج إلى الشأم، فلما جاء بسرغ بلغه أن الوباء وقع
119

بالشأم، فأخبره عبد الرحمان بن عوف أن رسول الله قال: إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه فرجع عمر من سرغ
وعن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله: أن عمر إنما انصرف من حديث عبد الرحمان.
انظر الحديث 5729 وطرفه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: وإذا وقع بأرض الخ.
وعبد الله بن مسلمة القعنبي يروي عن مالك بن أنس عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عبد الله بن عامر بن ربيعة العنزي حي من اليمن، ولد على عهد رسول الله وروى عنه وقبض النبي وهو ابن أربع أو خمس سنين، ومات في سنة تسع وثمانين، وقيل: خمس وثمانين، وذكره الذهبي في الصحابة وقال ولد سنة ست من الهجرة روى عنه الزهري وغيره، وقد وعى عن النبي
والحديث مضى في الطب عن عبد الله بن يوسف ومضى الكلام فيه.
قوله: خرج إلى الشام كان خروج عمر، رضي الله تعالى عنه، إلى الشام في ربيع الثاني سنة ثماني عشرة. قوله: يسرغ بفتح السين المهملة وسكون الراء وبالغين المعجمة منصرف وغير منصرف وهي قرية في طرف الشام مما يلي الحجاز وقال البكري: سرغ مدينة بالشام افتتحها أبو عبيدة بن الجراح، رضي الله تعالى عنه، هي واليرموك والجابية والرمادة متصلة. قوله: أن الوباء بالمد والقصر وجمع المقصور: أوباء، وجمع الممدود: أوبئة، وهو المرض العام. قوله: فلا تقدموا بفتح الدال، قيل: لا يموت أحد إلا بأجله ولا يتقدم ولا يتأخر، فما وجه النهي عن الدخول والخروج؟ وأجيب: بأنه لم ينه عن ذلك حذرا عليه إذ لا يصيبه إلا ما كتب عليه، بل حذرا من الفتنة في أن يظن أن هلاكه كان من أجل قدومه عليه وأن سلامته كانت من أجل خروجه. وفي التوضيح ولا يتحيل في الخروج في تجارة أو زيارة أو شبههما ناويا بذلك الفرار منه، ويبين هذا المعنى قوله إنما الأعمال بالنيات قال: والمعنى في النهي عن الفرار منه كأنه يفر من قدر الله وقضائه، وهذا لا سبيل إليه لأحد لأن قدره لا يغلب.
قوله: وعن ابن شهاب موصول بما قبله. قوله: عن سالم بن عبد الله يعني: ابن عمر بن الخطاب، وأشار بهذا إلى أن انصراف عمر، رضي الله تعالى عنه، من سرغ كان من حديث عبد الرحمان بن عوف، وروي أن انصرافه كان من أبي عبيدة بن الجراح، وذلك أنه لما استقبل عمر فقال: جئت بأصحاب رسول الله تدخلهم أرضا فيها الطاعون الذين هم أئمة يقتدى بهم؟ فقال عمر، رضي الله تعالى عنه: يا أبا عبيدة أشككت؟ فقال أبو عبيدة: كأني يعقوب إذ قال لبنيه * (لا تدخلوا من باب واحد) * فقال عمر: والله لأدخلنها. فقال أبو عبيدة: والله لا تدخلها، فرده.
وفيه: قبول خبر الواحد، وفيه: أنه يوجد عند بعض العلماء ما ليس عند أكبر منه قيل. وفيه: دليل على تقدم خبر الواحد على القياس وموضعه في كتب الأصول.
حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري، حدثنا عامر بن سعد بن أبي وقاص أنه سمع أسامة بن زيد يحدث سعدا أن رسول الله ذكر الوجع فقال: رجز أو عذاب عذب به بعض الأمم ثم بقي منه بقية، فيذهب المرة ويأتي الأخرى، فمن سمع بأرض فلا يقدمن عليه، ومن كان بأرض وقع بها فلا يخرج فرارا منه
انظر الحديث 3473 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو اليمان الحكم بن نافع.
والحديث مضى في ذكر بني إسرائيل عن عبد العزيز بن عبد الله عن مالك، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: ذكر الوجع أي: الطاعون. قوله: رجز بكسر الراء وضمها العذاب. قوله: أو عذاب شك من الراوي قوله: فيذهب المرة أي: لا يكون دائما بل في بعض الأوقات. قوله: فلا يقدمن بفتح الدال وبالنون المؤكدة الثقيلة.
14
((باب في الهبة والشفعة))
120

أي: هذا باب فيما يكره من الاحتيال في الرجوع عن الهبة والاحتيال في إسقاط الشفعة.
وقال بعض الناس: إن وهب هبة ألف درهم أو أكثر حتى مكث عنده سنين، واحتال في ذلك ثم رجع الواهب فيها فلا زكاة على واحد منهما، فخالف الرسول في الهبة
وأسقط الزكاة.
أراد به التشنيع أيضا على أبي حنيفة من غير وجه لأن أبا حنيفة في أي موضع قال هذه المسألة على هذه الصورة بل الذي قاله أبو حنيفة هو أن الواهب له أن يرجع في هبته، ولكن لصحة الرجوع قيود. الأول: أن يكون أجنبيا. والثاني: أن يكون قد سلمها إليه لأنه قبل التسليم يجوز مطلقا. والثالث: أن لا يقترن بشيء من الموانع، وهي مذكورة في موضعها، واستدل في جواز الرجوع بقوله صلى الله عليه وسلم من وهب هبة فهو أحق بهبته ما لم يثب منها. أي: ما لم يعوض، رواه أبو هريرة وابن عباس وابن عمر، رضي الله تعالى عنهم.
أما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجة في الأحكام من حديث عمرو بن دينار عن أبي هريرة. وأما حديث ابن عباس فأخرجه الطبراني من حديث عطاء عنه قال: قال رسول الله من وهب هبة فهو أحق بهبته ما لم يثب منها. وأما حديث ابن عمر فأخرجه الحاكم من حديث سالم بن عبد الله يحدث عن ابن عمر: أن النبي قال: من وهب هبة فهو أحق بها ما لم يثب منها. وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، فكيف يحل أن يقال في حق هذا الإمام الذي علمه وزهده لا يحيط بهما الواصفون أنه خالف الرسول؟ وكيف خالفه وقد احتج فيما قاله بأحاديث هؤلاء الثلاثة من الصحابة الكبار؟ وأما الحديث الذي احتج به مخالفوه وهو ما رواه البخاري الذي يأتي الآن، ورواه أيضا الجماعة غير الترمذي: عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس عن النبي قال: العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه، فلم ينكره أبو حنيفة بل عمل بالحديثين معا فعمل بالحديث الأول في جواز الرجوع وبالثاني في كراهة الرجوع، لا في حرمه الرجوع كما زعموا، وقد شبه النبي رجوعه بعود الكلب في قيئه، وفعل الكلب يوصف بالقبح لا بالحرمة وهو يقول به لأنه مستقبح، ولقائل أن يقول: للقائل الذي قال: إن أبا حنيفة خالف الرسول: أنت خالفت الرسول في الحديث الذي يحتج به على عدم الرجوع لأن هذا الحديث يعم منع الرجوع مطلقا سواء كان الذي يرجع منه أجنبيا أو والدا له. فإن قلت: روى أصحاب السنن الأربعة عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن طاوس عن ابن عمرو بن عباس، رضي الله تعالى عنهم، عن النبي قال: لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده. قلت: هذا بناء على أصلهم أن للأب حق التملك في مال الابن لأنه جزؤه، فالتمليك منه كالتمليك من نفسه من وجه قوله، واحتال في ذلك، فسره بعضهم بقوله بأن تواطأ مع الموهوب له على ذلك. قلت: لم يقل أحد من أصحاب أبي حنيفة: إن أبا حنيفة أو أحدا من أصحابه قال ذلك، وإنما هذا اختلاق لتمشية التشنيع عليهم.
6975 حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن أيوب السختياني، عن عكرمة عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: قال النبي العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه، ليس لنا مثل السوء.
مطابقته للجزء الأول من الترجمة. وأبو نعيم الفضل بن دكين، وسفيان هو الثوري. والحديث مضى في كتاب الهبة.
قوله: وليس لنا مثل السوء أي: الصفة الرديئة.
6976 حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا هشام بن يوسف، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن جابر بن عبد الله قال: إنما جعل النبي الشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة.
مطابقته للجزء الثاني من الترجمة. وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي.
والحديث مضى في البيوع عن محمد بن محبوب وعن محمود عن عبد الرزاق وفيه وفي الشفعة وفي الشركة عن مسدد.
قوله: في كل ما لم يقسم أي: ملكا مشتركا مشاعا
121

بين الشركاء. قوله: وصرفت بالتخفيف والتشديد أي: منعت، وقال ابن مالك: أي خلصت وثبتت من الصرف وهو الخالص، قال: ولا شفعة، لأنه صار مقسوما وصار في حكم الجوار وخرج عن الشركة، وقد ذكرنا فيه من الخلاف وغيره غير مرة.
وقال بعض الناس: الشفعة للجوار ثم عمد إلى ما شدده فأبطله، وقال: إن اشترى دارا فخاف أن يأخذها الجار بالشفعة فاشترى سهما من مائة سهم ثم اشترى الباقي وكان للجار الشفعة في السهم الأول ولا شفعة له في باقي الدار، وله أن يحتال في ذالك.
هذا تشنيع آخر على أبي حنيفة. وهو غير صحيح لأن هذه المسألة فيها خلاف بين أبي يوسف ومحمد، فأبو يوسف هو الذي يرى ذلك، وقال محمد: يكره ذلك، وبه قال الشافعي. قوله: للجوار بكسر الجيم وضمها وهو المجاورة. قوله: ثم عمد إلى ما شدده بالشين المعجمة ويروى بالمهملة وأراد به إثبات الشفعة للجار. قوله: فأبطله يعني أبطل ما شدده ويريد به إثبات التناقض وهو أنه قال: الشفعة للجار ثم أبطله حيث قال في هذه الصورة: لا شفعة للجار في باقي الدار، وناقض كلامه. قلت: لا تناقض هنا أصلا لأنه لما اشترى سهما من مائة سهم كان شريكا لمالكها، ثم إذا اشترى منه الباقي يصير هو أحق بالشفعة من الجار لأن استحقاق الجار الشفعة إنما يكون بعد الشريك في نفس الدار وبعد الشريك في حقها. قوله: إن اشترى دارا أي: إذا أراد اشتراءها.
6977 حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، عن إبراهيم بن ميسرة قال: سمعت عمرو بن الشريد قال: جاء المسور بن مخرمة فوضع يده على منكبي، فانطلقت معه إلى سعد فقال أبو رافع للمسور: ألا تأمر هاذا أن يشتري مني بيتي الذي في داري؟ فقال: لا أزيده على أربعمائة إما مقطعة وإما منجمة. قال: أعطيت خمسمائة نقدا، فمنعته، ولولا أني سمعت النبي يقول الجار أحق بسقبه ما بعتكه. أو قال: ما أعطيتكه.
قلت لسفيان: إن معمرا لم يقل هاكذا، قال: لاكنه قال لي هاكذا.
مطابقته للجزء الثاني من الترجمة. وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وإبراهيم بن ميسرة ضد الميمنة الطائفي، وعمرو بن الشريد بالشين المعجمة وكسر الراء وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة الثقفي، والمسور بكسر الميم وسكون السين المهملة وبالواو ثم بالراء ابن مخرمة بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة ابن نوفل القرشي ولد بمكة بعد الهجرة بسنتين وقدم به المدينة في عقب ذي الحجة سنة ثمان وقبض النبي وهو ابن ثمان سنين، وسمع من النبي وحفظ عنه، وفي حصار الحصين بن نمير مكة لقتال ابن الزبير أصابه حجر من حجر المنجنيق وهو يصلي في الحجر فقتله، وذلك في مستهل ربيع الأول سنة أربع وستين، وصلى عليه ابن الزبير بالحجون وهو ابن اثنتين وستين، وأبوه مخرمة من مسلمة الفتح وهو أحد المؤلفة قلوبهم وممن حسن إسلامه منهم، مات بالمدينة سنة أربع وخمسن وقد بلغ مائة سنة وخمس عشرة سنة، وسعد هو ابن أبي وقاص وهو خال المسور المذكور، وأبو رافع مولى رسول الله واسمه أسلم القبطي.
قوله: ألا تأمر هذا يعني: سعد بن أبي وقاص، والمراد أنه يسأله أو يشير عليه. قال الكرماني: وفيه أن الأمر لا يشترط فيه العلو ولا الاستعلاء. قوله: بيتي الذي في داري كذا في رواية الأكثرين بالإفراد، وفي رواية الكشميهني: بيتي اللذين، بالتثنية. قوله: إما مقطعة
122

وإما منجمة ويروى: مقطعة أو منجمة، بالشك من الراوي والمراد أنها مؤجلة على نقدات مفرقة، والنجم الوقت المعين المضروب. قوله: أعطيت على صيغة المجهول والقائل هو أبو رافع. قوله: بسقبه ويروى: بصقبه، بالصاد وبفتح القاف وسكونها وهو القرب، يقال: سقبت داره بالكسر والمنزل سقب والساقب القريب ويقال للبعيد أيضا، جعلوه من الأضداد. وقال إبراهيم الحربي في كتاب غريب الحديث الصقب بالصاد ما قرب من الدار ويجوز أن يقال: سقب، بالسين واستدل به أصحابنا أن للجار الشفعة بعد الخليط في نفس المبيع، وهو الشريك ثم للخليط في حق المبيع كالشرب بالكسر والطريق، وهو حجة على الشافعي حيث لم يثبت الشفعة للجار. قوله: ما بعتكه أي: الشيء، وفي رواية المستملي: ما بعتك بحذف المفعول. قوله: أو قال: ما أعطيتكه شك من الراوي، قيل: هو سفيان ويروى: ما أعطيتك، بحذف الضمير.
قوله: قلت لسفيان القائل هو علي بن عبد الله شيخ البخاري. قوله: أن معمرا لم يقل هكذا يشير به إلى ما رواه عبد الله بن المبارك عن معمر عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبيه بالحديث دون القصة.
أخرجه النسائي وابن ماجة عن حسين المعلم عن عمرو بن الشريد عن أبيه: أن رجلا قال: يا رسول أرضي ليس فيها لأحد شرك ولا قسم إلا الجوار، فقال: إنما الجار أحق بسقبه ما كان، وأخرجه الطحاوي أيضا، وهذا صريح بوجوب الشفعة لجوار لا شركة فيه. انتهى. قلت: الشريد بن سويد الثقفي عداده في أهل الطائف له صحبة النبي ويقال: إنه من حضرموت، ويقال: إنه من همدان حليف لثقيف، روى عنه عمرو، والمراد على هذا بالمخالفة إبدال الصحابي بصحابي آخر، وقال الكرماني: يريد أن معمرا لم يقل هكذا أي: إن الجار أحق بالشفعة، بزيادة لفظ: الشفعة، ورد عليه بأن الذي قاله لا أصل له ولم يعلم مستنده فيه ما هو، بل لفظ معمر: الجار أحق بصقبه، كرواية أبي رافع سواء. قوله: لكنه أي: قال سفيان: لكن إبراهيم بن ميسرة قال لي هكذا وحكى الترمذي عن البخاري: إن الطريقين صحيحان، والله أعلم.
وقال بعض الناس: إذا أراد أن يبيع الشفعة فله أن يحتال حتى يبطل الشفعة، فيهب البائع للمشتري الدار ويحدها ويدفعها إليه ويعوضه المشتري ألف درهم، فلا يكون للشفيع فيها شفعة.
هذا تشنيع على الحنفية بلا وجه على ما نذكره. قوله: أن يبيع الشفعة من البيع قال الكرماني: لفظ الشفعة، من الناسخ أو المراد لازم البيع وهو الإزالة. قلت: في رواية الأصيلي وأبي ذر عن غير الكشميهني: إذا أراد أن يقطع الشفعة، ويروى: إذا أراد أن يمنع الشفعة. قوله: ويحدها أي: يصف حدودها التي تميزها، وقال الكرماني: ويروى في بعض النسخ: ونحوها، وهو أظهر، وإنما سقطت الشفعة في هذه الصورة لأن الهبة ليست معاوضة محضة فأشبهت الإرث.
6978 حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد، عن أبي رافع أن سعدا ساومه بيتا بأربعمائة مثقال، فقال: لولا أني سمعت رسول الله يقول الجار أحق بصقبه لما أعطيتك.
أي: هذا حديث أبي رافع المذكور ذكره مختصرا من طريق سفيان الثوري عن إبراهيم بن ميسرة، وأورده في آخر كتاب الحيل بأتم منه.
سعد هو ابن أبي وقاص، قيل: ذكر البخاري في هذه المسألة حديث أبي رافع ليعرفك إنما جعله النبي حقا للشفيع لقوله: الجار أحق بصقبه لا يحل إبطاله انتهى. قلت: ليس في الحديث ما يدل على أن البيع وقع والشفيع لا يستحق إلا بعد صدور البيع، فحينئذ لا يصح أن، يقال: لا يحل إبطاله، وقال صاحب التوضيح إنما أراد البخاري أن يلزم أبا حنيفة التناقض لأنه يوجب الشفعة للجار ويأخذ في ذلك بحديث: الجار أحق بصقبه، فمن اعتقد هذا وثبت ذلك عنده من قضائه وتحيل بمثل هذه الحيلة في إبطال شفعة الجار فقد أبطل السنة التي اعتقدها. انتهى. قلت: هذا الذي قاله كلام
123

من غير إدراك ولا فهم، لأنه لا جار في هذه الصورة لأن الذي فيها الشريك في نفس المبيع والجار لا يتقدم عليه ولا يستحق الجار الشفعة إلا بعده بل وبعد الشريك في حق المبيع أيضا فكيف يحل لهذا القائل أن يفتري على هذا الإمام الذي سبق إمامه وإمام غيره وينسب إليه أبطال السنة.
وقال بعض الناس: إن اشتراى نصيب دار فأراد أن يبطل الشفعة وهب لابنه الصغير ولا يكون عليه يمين.
هذا أيضا تشنيع على الحنفية. قوله: وهب أي: ما اشتراه لابنه الصغير ولا يكون عليه يمين في تحقق الهبة، ولا في جريان شروطها. وقيد بالصغير لأن الهبة لو كانت للكبير وجب عليه اليمين فتحيل إلى إسقاطها بجعلها للصغير، وأشار باليمين أيضا إلى أن لو وهب لأجنبي فإن للشفيع أن يحلف الأجنبي أن الهبة حقيقية وأنها جرت
بشروطها: والصغير لا يحلف لكن عند المالكية: أن أباه الذي يقبل له يحلف، وعن مالك: لا تدخل الشفعة في الموهوب مطلقا، كذا ذكره في المدونة
15
((باب احتيال العامل ليهدى له))
أي: هذا باب في بيان كراهة حيلة العامل لأجل أن يهدى له، على صيغة المجهول، والعامل هو الذي يتولى أمور الرجل في ماله وملكه وعمله ومنه قيل للذي يستخرج الزكاة: عامل.
6979 حدثنا عبيد بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة عن هشام، عن أبيه عن أبي حميد الساعدي قال: استعمل رسول الله رجلا على صدقات بني سليم يدعاى ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه قال: هاذا مالكم وهاذا هدية، فقال رسول الله فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك، إن كنت صادقا ثم خطبنا فحمد الله وأثناى عليه ثم قال: أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول: هاذا مالكم وهاذا هدية، أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته؟ والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة، فلا أعرفن أحدا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر ثم رفع يديه حتى رئي بياض إبطيه، يقول: اللهم هل بلغت بصر عيني وسمع أذني.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: وهذا هدية قال المهلب حيلة العامل ليهدى له تقع بأن يسامح بعض من عليه الحق فلذلك قال: هلا جلس في بيت أبيه وأمه لينظر هل يهدى له؟ ويقال: احتيال العامل هو بأن ما أهدي له في عمالته يستأثر به ولا يضعه في بيت المال، وهدايا العمال والأمراء هي من جملة حقوق المسلمين.
وأبو أسامة حماد بن أسامة، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن أبي حميد بضم الحاء عبد الرحمان، وقيل: المنذر الساعدي الأنصاري.
والحديث مضى في الهبة عن عبد الله بن محمد وفي النذور عن أبي اليمان وفي الزكاة عن يوسف بن موسى، ومضى الكلام فيه في الزكاة.
قوله: ابن اللتبيه بضم اللام وسكون التاء المثناة من فوق وبالباء الموحدة وياء النسبة، وقيل: بفح التاء المثناة من فوق، وقيل: بالهمزة المضمومة بدل اللام واسمه عبد الله. قوله: فلا أعرفن نهي للمتكلم صورة وفي المعنى نهي لقوله: أحدا ويروى فلأعرفن أي: والله لأعرفن. قوله: رغاء هو صوت ذات الخف. قوله: تيعر بالكسر وقيل بالفتح من اليعار بضم الياء آخر
124

الحروف وتخفيف العين المهملة وهو صوت الشاة. قوله: بياض إبطيه ويروى بالإفراد. قوله: بصر عيني بلفظ الماضي وكذلك لفظ: سمع أي: أبصرت عيناي رسول الله ناطقا ورافعا يديه وسمعت كلامه، وهو قول أبي حميد الراوي له. وقال عياض: ضبط أكثرهم بسكون الصاد وبسكون الميم وفتح الراء والعين مصدرين مضافين وهو مفعول: بلغت، وهو مقول رسول الله
6980 حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد، عن أبي رافع قال: قال النبي الجار أحق بصقبه.
هذا الحديث والذي يأتي في آخر الباب يتعلقان بباب الهبة والشفعة، فلا وجه لذكرهما في هذا الباب. ومن هذا قال الكرماني: كان موضعهما المناسب قيل: باب احتيال العامل، لأنه من بقية مسائل الشفعة، وتوسيط هذا الباب بينهما أجنبي، ثم قال: ولعله من جملة تصرفات النقلة عن الأصل. ولعله كان في الحاشية ونحوها فنقلوه إلى غير مكانه، ورجاله قد ذكروا عن قريب، وكذلك شرحه.
وقال بعض الناس: إن اشترى دارا بعشرين ألف درهم، فلا بأس أن يحتال حتى يشتري الدار بعشرين ألف درهم، وينقده تسعة آلاف درهم وتسعمائة درهم، وتسعة وتسعين وينقده دينارا بما بقي من العشرين الألف، فإن طلب الشفيع أخذها بعشرين ألف درهم، وإلا فلا سبيل له على الدار، فإن استحقت الدار رجع المشتري على البائع بما دفع إليه، وهو تسعة آلاف درهم وتسعمائة وتسعة وتسعون درهما ودينار، لأن البيع حين استحق انتقض الصرف في الدينار، فإن وجد بهاذه الدار عيبا ولم تستحق فإنه يردها عليه بعشرين ألف درهم. قال: فأجاز هذا الخداع بين المسلمين، وقال: قال النبي لا داء ولا خبثة ولا غائلة
هذا أيضا تشنيع بعد تشنيع بلا وجه. قوله: إن اشترى دارا أي: أراد اشتراء دار بعشرين ألف درهم. قوله: فلا بأس أن يحتال أي: على إسقاط الشفعة حتى يشتري الدار بعشرين ألف درهم. قوله: وينقده أي: ينقد البائع تسعة آلاف درهم وتسعمائة وتسعة وتسعين وينقده دينارا بما بقي أي: بمقابلة ما بقي من العشرين الألف، ويروى: من العشرين ألفا يعني: مصارفه عنها. قوله: فإن طلب الشفيع أي: أخذها بالشفعة. قوله: أخذها بصيغة الماضي، أي: أخذها بعشرين ألف درهم يعني: بثمن الذي وقع عليه العقد. قوله: وإلا فلا سبيل له على الدار يعني: وإن لم يرض أخذها بعشرين ألفا فلا سبيل له على الدار لسقوط الشفعة لكونه امتنع من بدل الثمن الذي وقع عليه العقد. قوله: فإن استحقت على صيغة المجهول، يعني: إذا ظهرت الدار مستحقة لغير البائع. قوله: لأن البيع أي: لأن المبيع. قوله: حين استحق أي: للغير. قوله: انتقض الصرف أي: الذي وقع بين البائع والمشتري في الدار المذكورة بالدينار، وهي رواية الكشميهني أعني في الدينار، وفي رواية غيره في الدار والأول أوجه. قوله: فإن وجد بهذه الدار أي: الدار المذكورة عيبا. قوله: ولم تستحق الواو فيه للحال أي: والحال أنها لم تخرج مستحقة فإنه يردها، أي: الدار عليه أي: على البائع بعشرين ألفا. قال: وهذا تناقض بين لأن الأمة مجمعة وأبو حنيفة معهم على أن البائع لا يرد في الاستحقاق والرد بالعيب إلا ما قبض، فكذلك الشفيع لا يشفع إلا بما نقد المشتري وما قبضه من البائع لا بما عقد، وأشار إلى ذلك بقوله: قال: فأجاز هذا الخداع بين المسلمين أي: أجاز الحيلة في إيقاع الشريك في العين إن أخذ الشفعة وإبطال حقه بسبب الزيادة في الثمن باعتبار العقد لو تركها، والضمير في: قال، يرجع إلى
125

البخاري وفي: أجاز إلى بعض الناس، فإن كان مراده من قوله: فأجاز، أي: أبو حنيفة ففيه سوء الأدب فحاشا أبو حنيفة من ذلك، فدينه المتين وورعه المحكم يمنعه
عن ذلك. قوله: وقال: قال النبي أي: قال البخاري: قال النبي وأراد بهذا الحديث المعلق الذي مضى موصولا بأتم منه في أوائل كتاب البيوع الاستدلال على حرمة الخداع بين المسلمين في معاقداتهم قوله: لا داء أي: لا مرض ولا خبثة بكسر الخاء المعجمة أي: لا يكون، وحكى الضم أيضا وقال الهروي: الخبثة، أن يكون البيع غير طيب كأن يكون من قوم لم يحل سبيهم لعهد تقدم لهم، وقال ابن التين: وهذا في عهد الرقيق، قيل: إنما خصه بذلك لأن الخبر إنما ورد فيه قوله: ولا غائلة وهو أن يأتي أمرا سوءا كالتدليس ونحوه، وقال الكرماني: الغائلة الهلاك أي: لا يكون فيه هلاك مال المشتري، والأصل عنده من يرى هذا الاحتيال في هذه الصورة وغيرها هو أن إبطال الحقوق الثابتة بالتراضي جائز.
6981 حدثنا مسدد، حدثنا يحياى، عن سفيان، قال: حدثني إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد، أن أبا رافع ساوم سعد بن مالك بيتا بأربعمائة مثقال، وقال: لولا أني سمعت النبي يقول: الجار أحق بصقبه ما أعطيتك.
قد مر الكلام فيه عن قريب عند قوله: حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان... الخ، وهو بعين ذلك الحديث غير أنه أخرجه هنا: عن مسدد عن يحيى القطان عن سفيان الثوري، وهناك: عن أبي نعيم عن سفيان عن إبراهيم... الخ ومضى الكلام فيه.
* (بسم الله الرحمان الرحيم) *
ثبتت البسملة هنا لجميع الرواة.
((كتاب التعبير))
أي: هذا كتاب في بيان التعبير. وقال الكرماني: قالوا الفصيح العبارة لا التعبير وهي التفسير والإخبار بما يؤول إليه أمر الرؤيا، والتعبير خاص بتفسير الرؤيا وهي العبور من ظاهرها إلى باطنها، وقيل: هو النظر في الشيء فتعبير بعضه ببعض حتى يحصل على فهمه، وأصله من العبر، بفتح العين وسكون الباء وهو التجاوز من حال إلى حال والاعتبار والعبرة الحالة التي يتوصل بها من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد، ويقال: عبرت الرؤيا بالتخفيف إذا فسرتها، وعبرتها بالتشديد لأجل المبالغة في ذلك.
1
((باب أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة))
أي: هذا باب فيه أول ما بدىء به، وهكذا وقع في رواية النسفي والقابسي، وكذا وقع لأبي ذر مثله إلا أنه سقط له عن غير المستملي لفظ: باب. ووقع لغيرهم، باب التعبير وأول ما بدىء به... الخ. والرؤيا ما يراه الشخص في منامه، وهي على وزن فعلى وقد تسهل الهمزة، وقال الواحدي: هو في الأصل مصدر كالبشري فلما جعلت اسما لما يتخيله النائم أجريت مجرى الأسماء. وقال ابن العربي: الرؤيا إدراكات يخلقها الله عز وجل في قلب العبد على يدي ملك أو شيطان إما بأسمائها أي: حقيقتها وإما بكناها أي: بعبارتها، وإما تخليط، ونظيرها في اليقظة: الخواطر، فإنها قد تأتي على نسق في قصد وقد تأتي مسترسلة غير محصلة.
وروى الحاكم والعقيلي من رواية محمد بن عجلان عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: لقي عمر عليا، رضي الله عنهما، فقال: يا أبا الحسن الرجل يرى الرؤيا فمنها ما يصدق ومنها ما يكذب؟ قال: نعم. سمعت رسول الله يقول: ما من عبد ولا أمة ينام فيمتلىء نوما إلا يخرج بروحه إلى العرش. فالذي لا يستيقظ دون العرش فتلك الرؤيا التي تصدق والذي يستيقظ دون العرش فتلك التي تكذب قال الذهبي في تلخيصه هذا حديث منكر ولم يصححه المؤلف، ولعل الآفة من
126

الراوي عن ابن عجلان. انتهى. الراوي عن ابن عجلان هو أزهر بن عبد الله الأزدي الخرساني، ذكره العقيلي في ترجمته، وقال: إنه غير محفوظ. قوله: الرؤيا الصادقة، قد ذكرنا أن الرؤيا في المنام، والرؤية هي النظر بالعين والرأي بالقلب، والصادقة هي رؤيا الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، ومن تبعهم من الصالحين، وقد تقع لغيرهم بندور والأحلام الملتبسة أضغاث وهي لا تندر بشيء.
6982 حدثنا يحياى بن بكير، حدثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب. ح وحدثني عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر قال، الزهري: فأخبرني عروة عن عائشة، رضي الله عنها، أنها قالت: أول ما بدىء به رسول الله من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، فكان يأتي حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد ويتزود لذالك، ثم يرجع إلى خديجة فتزود لمثلها حتى فجئه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فيه فقال: فقال له النبي فقلت ما أنا بقارىء، فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: ع فقلت ما أنا بقارىء، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: ع فقلت ما أنا بقارىء، فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: * (اقرأ باسم ربك الذى خلق) * حتى بلغ: * (علم الإنسان ما لم يعلم) * فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال: زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال: يا خديجة ما لي وأخبرها الخبر، وقال: قد خشيت على نفسي فقالت له كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وهو ابن عم خديجة أخو أبيها. وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، فيكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي. فقالت له خديجة: أي ابن عم اسمع من ابن أخيك. فقال ورقة: ابن أخي ماذا تراى؟ فأخبره النبي ما رأى، فقال ورقة: هاذا الناموس الذي أنزل على موساى يا ليتني فيها جذعا، أكون حيا حين يخرجك قومك، فقال رسول الله أو مخرجي هم؟ فقال ورقة: نعم، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا كي
يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفاى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدى له جبريل، فقال: يا محمد إنك رسول الله حقا فيسكن لذالك جأشه وتقر نفسه فيرجع فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذالك، فإذا أوفاى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذالك.
وقال ابن عباس: فالق
127

الإصباح: ضوء الشمس بالنهار وضوء القمر بالليل.
ف
هذا الحديث قد مر في أول الكتاب ومضى الكلام فيه مستوفى.
وعائشة لم تدرك هذا الوقت فإما أنها سمعته من النبي أو من صحابي آخر.
وأخرجه هنا من طريقين: أحدهما: عن يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي المصري عن الليث بن سعد المصري عن عقيل بضم العين ابن خالد عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري والآخر عن عبد الله بن محمد الجعفي المعروف بالمسندي عن عبد الرزاق بن همام عن معمر بن راشد عن محمد بن مسلم الزهري، وكتب بين الإسناد حرف ح إشارة إلى التحويل من إسناد قبل ذكر الحديث إلى إسناد آخر. وقال الكرماني: أو الإشارة إلى صح أو إلى الحائل أو إلى الحديث.
قوله فأخبرني عروة ذكر حرف الفاء إشعارا بأنه روى له حديثا ثم عقبه بهذا الحديث، فهو عطف على مقدر، ووقع عند مسلم: عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق مثله، لكن فيه: وأخبرني، بالواو لا بالفاء. قوله: الصادقة وفي رواية: الصالحة، وهما بمعنى واحد بالنسبة إلى أمور الآخرة في حق الأنبياء، عليهم السلام. وأما بالنسبة إلى أمور الدنيا فالصالحة أخص فرؤيا النبي صادقة وقد تكون صالحة وهي الأكثر وغير صالحة بالنسبة إلى الدنيا، كما وقع في الرؤيا يوم أحد، وأما رؤيا غير الأنبياء، عليهم السلام، فبينهما عموم وخصوص إن فسرنا الصادقة بأنها التي لا تحتاج إلى تعبير، وإن فسرناها بأنها غير الأضغاث فالصالحة أخص مطلقا. وقيل: الرؤيا الصادقة ما يقع بعينه أو ما يعبر في المنام أو يخبر به من لا يكذب، والصالحة ما يسر. وقال الكرماني: الصالحة ما صلح صورتها أو ما صلح تعبيرها، والصادقة المطابقة للواقع. قوله: جاءت هكذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: جاءته قوله: فلق الصبح بفتح الفاء: ضوء الصبح وشقه من الظلمة وافتراقها منه. وجه التشبيه بفلق الصبح دون غيره هو أن شمس النبوة كانت الرؤيا مبادئ أنوارها فما زال ذلك النور يتسع حتى أشرقت الشمس، فمن كان باطنه نوريا كان في التصديق بكريا كأبي بكر، ومن كان باطنه مظلما كان في التكذيب خفاشا كأبي جهل، وبقية الناس بين هاتين المنزلتين كل منهم بقدر ما أعطي من النور. قوله: جراء بكسر الحاء وبالمد وهو الأفصح وحكى بتثليث أوله مع المد والقصر والصرف وعدمه، فتجتمع فيه عدة لغات مع قلة أحرفه ونظيره: قباء، والخطابي جزم بأن فتح أوله لحن وكذا ضمه وكذا قصره، قيل: الحكمة في تخصيصه بالتخلي فيه أن المقيم فيه كانت تمكنه فيه رؤية الكعبة فتجتمع فيه لمن يخلو فيه ثلاث عبادات: الخلوة والتعبد والنظر إلى البيت. وقيل: إن قريشا كانت تفعله، وأول من فعل ذلك من قريش عبد المطلب وكانوا يعظمونه لجلالته وكبر سنه، فتبعه على ذلك من كان يتأله وكان يخلو بمكان جده وسلم له ذلك أعمامه لكرامته عليهم. قوله: وهو التعبد تفسير للتحنث الذي في ضمن: يتحنث، وهو إدراج من الراوي. قوله: الليالي ذوات العدد قال الكرماني: الليالي مفعول يتحنث وذوات بالكسر أي كثيرة. وقال الكرماني: الليالي ذوات العدد، يحتمل الكثرة إذ الكثير يحتاج إلى العدد، وقال غيره: المراد به الكثرة لأن العدد على قسمين فإذا أطلق أريد به مجموع القلة والكثرة فكأنها قالت ليالي كثيرة، أي: مجموع قسم العدد. قوله: فتزود لمثلهاكذا في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: فتزوده، بالضمير. وقوله: لمثلها أي: لمثل الليالي، وقيل: يحتمل أن يكون للمرة أو الفعلة أو الخلوة أو العبادة، وقال بعض من عاصرناه: إن الضمير للسنة فذكر من رواية ابن إسحاق: كان يخرج إلى غار حراء في كل عام شهرا من السنة يتنسك فيه يطعم من جاءه من المساكين. قال: وظاهره التزود لمثلها كان في السنة التي تليها لا لمرة أخرى من تلك السنة، واعترض عليه بعض تلامذته بأن مدة الخلوة كانت شهرا كان يتزود لبعض ليالي الشهر، فإذا نفد ذلك الزاد رجع إلى أهله فيتزود قدر ذلك من جهة أنهم لم يكونوا في سعة بالغة من العيش، وكان غالب زادهم اللبن واللحم، وذلك لا يدخر منه كفاية الشهر لئلا يسرع إليه الفساد، ولا سيما وقد وصف بأنه كان يطعم من يرد عليه. قوله: حتى فجئه الحق كلمة: حتى، هنا على أصلها لانتهاء الغاية، والمعنى: انتهى توجهه لغار حراء بمجيء الملك وترك ذلك، وفجئه بفتح الفاء وكسر الجيم وبهمزة فعل ماض أي: جاءه الوحي بغتة، وقال الطيبي: الحق أي: أمر الحق وهو الوحي أو: رسول الحق وهو جبريل،
128

عليه السلام، وقيل: الحق الأمر البين الظاهر أو المراد: الملك بالحق، أي: الأمر الذي بعث به. قوله: فجاءه الفاء فاء التفسيرية، وقيل: يحتمل أن تكون للتعقيب، وقيل: يحتمل أن تكون سببية. قوله: فيه أي: في الغار، وهذا يرد قول من قال: إن الملك لم يدخل إليه الغار بل كلمه والنبي داخل الغار والملك على الباب، والملك هنا جبريل، عليه السلام، وقيل: اللام فيه لتعريف الماهية لا للعهد إلا أن يكون المراد به ما عهده، عليه السلام، قبل ذلك لما كلمه في صباه وكان سن النبي حين جاءه جبريل، عليه السلام، في غار حراء أربعين سنة على المشهور، وكان ذلك يوم الاثنين نهارا في شهر رمضان في سابع عشرة، وقيل: في سابعه، وقيل في: رابع عشرين، وقيل: كان في سابع عشرين شهر رجب، وقيل: في أول شهر ربيع الأول، وقيل: في ثامنه. قوله: فقال اقرأ ظاهره أنه لم يتقدم من جبريل شيء قبل هذه الكلمة ولا السلام، وقيل: يحتمل أنه سلم وحذف ذكره، وروى الطيالسي أن جبريل سلم أولا ولم ينقل أنه سلم عند الأمر بالقراءة. قوله: فقال اقرأ قيل: دلت القصة على أن مراد جبريل، عليه السلام أن يقول النبي نص ما قاله، وهو قوله: اقرأ وإنما لم يقل له: قل: اقرأ لئلا يظن أن لفظة: قل، أيضا من القرآن. فإن قلت: ما الذي أراد باقرأ. قلت: هو المكتوب الذي في النمط، كذا في رواية ابن إسحاق، فلذلك قال: ما أنا بقارئ يعني: أنا أمي لا أحسن قراءة الكتب، فإن قلت: ما كان المكتوب في ذلك النمط؟. قلت: الآيات الأول من * (اقرأ باسم ربك الذى خلق) * وقيل: ويحتمل أن يكون ذلك جملة القرآن نزل باعتبار ثم نزل منجما باعتبار
آخر، وفيه إشارة إلى أن أمره تكمل باعتبار الجملة ثم تكمل باعتبار التفصيل. فغطني من الغط بالغين المعجمة وهو العصر الشديد والكبس، وقال ابن الأثير: قيل: إنما غطه ليختبره، هل يقول من تلقاء نفسه شيئا وقيل: لتنبيهه واستحضاره ونفي منافيات القراءة عنه. وقال السهيلي: تأويل الغطات الثلاث أنها كانت في النوم أنه ستقع له ثلاث شدائد يبتلى بها ثم يأتي الوحي، وكذا كانت: الأولى: في الشعب لما حصرتهم قريش فإنه لقي ومن تبعه شدة عظيمة. الثانية: لما خرجوا توعدوهم بالقتل حتى فروا إلى الحبشة. والثالثة: لما هموا به ما هموا من المكر به، كما قال تعالى: * (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) * الآية، فكانت له العاقبة في الشدائد الثلاث، وقال من عاصرنا من المشايخ ما ملخصه: إن هذه المناسبة حسنة ولا يتعين للنوم بل يكون بطريق الإشارة في اليقظة وقال: ويمكن أن تكون المناسبة أن الأمر الذي جاء به ثقيل من حيث القول والعمل والنية، أو من جهة التوحيد والأحكام والإخبار بالغيب الماضي والآتي، وأشار بالإرسالات الثلاث إلى حصول التيسير والتسهيل والخفيف في الدنيا والبرزخ والآخرة عليه وعلى أمته قوله: حتى بلغ مني الجهد؟ بضم الجيم الطاقة وبفتحها الغاية، ويجوز فيه رفع الدال ونصبها، أما الرفع فعلى أنه فاعل بلغ، وهي القراءة التي عليها الأكثرون وهي المرجحة، وأما النصب فعلى أن فاعل: بلغ، هو الغط الذي دل عليه قوله: غطني والتقدير: بلغ مني الغط جهده أي: غايته، وقال الشيخ التوربشتي: لا أرى الذي قاله بالنصب إلا وهما فإنه يصير المعنى أنه غطه حتى استفرغ الملك قوته في ضغطه بحيث لم يبق فيه مزيد، وهو قول غير سديد، فإن البنية البشرية لا تطيق استنفاد القوة الملكية لا سيما في مبتدأ الأمر، وقد صرح في الحديث بأنه دخله الرعب من ذلك. انتهى. وقيل: لا مانع أن يكون الله قواه على ذلك ويكون من جملة معجزاته، وقال الطيبي في جوابه، بأن جبريل لم يكن حينئذ على صورته الملكية فيكون استفراغ جهده بحسب صورته التي جاء بها حين غطه، وقال: وإذا صحت الرواية اضمحل الاستبعاد. انتهى، وفيه تأمل. قوله: فرجع بها أي: مصاحبا بالآيات المذكورة الخمس. قوله: ترجف بوادره جملة حالية والبوادر جمع البادرة وهي اللحمة بين العنق والمنكب، وقد تقدم في بدء الوحي بلفظ: فؤاده قيل: الحكمة في العدول عن القلب إلى الفؤاد أن الفؤاد وعاء القلب فإذا حصل الرجفان للفؤاد حصل لما فيه. قوله: الروع بفتح الراء الفزع. قوله: مالي أي: ما كان الذي حصل لي؟ قوله: قد خشيت على نفسي هكذا رواية الكشمهيني: وفي رواية غيره: خشيت علي، بالتشديد يعني: من أن يكون مرضا أو عارضا من الجن. وقال الكرماني: قالوا: الأولى: خشيت أني لا أقوى على تحمل أعباء الرسالة ومقاومة الوحي. قوله: فقالت له كلا أي: فقالت خديجة للنبي كلا، أي: ليس الأمر كما زعمت بل لا خشية عليك،
129

وأصل كلمة: كلا، للردع والإبعاد وقد يجيء بمعنى: حقا. قوله: أبشر خطاب من خديجة للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وهو أمر من البشارة بكسر الباء وضمها وهو اسم والمصدر بشر وبشور من بشرت الرجل أبشره بالضم أي: أدخلت له سرورا وفرحا ولم يعين فيه المبشر به ووقع في دلائل النبوة للبيهقي من طريق أبي ميسرة مرسلا مطولا، وفي آخر: فأبشر فإنك رسول الله حقا، وفيه: لا يفعل الله بك إلا خيرا. قوله: لا يخزيك الله أبدا من الخزي بالمعجمتين وهو الذل والهوان، وفي رواية الكشميهني: لا يحزنك الله، من الحزن بالحاء المهملة والنون. قوله: الكل أي: ثقل من الناس. قوله: على نوائب الحق جمع نائبة وهي ما ينوب الإنسان أي: ينزل به من المهمات والحوادث. قوله: وهو ابن عم خديجة رضي الله تعالى عنها، أخو أبيها كذا وقع هنا، وأخو صفة للعم فكان حقه أن يذكر مجرورا. وكذا وقع في رواية ابن عساكر: أخي أبيها، ووجه رواية الرفع أنه مبتدأ محذوف أي: هو أخو أبيها، فائدته دفع المجاز في إطلاق العم عليه. قوله: تنصر أي: دخل في دين النصرانية. قوله: في الجاهلية أي: قبل البعثة المحمدية. قوله: بالعبرانية بكسر العين وكذلك العبري، قال الجوهري: هو لغة اليهود وقد ذكرنا في أول الكتاب في هذا الحديث أن العبراني نسبة إلى العبر، وزيدت فيه الألف والنون في النسبة على غير القياس، وقال ابن الكلبي: ما أخذ على غربي الفرات في قرية العرب يسمى العبر وإليه ينسب العبريون من اليهود لأنهم لم يكونوا عبروا الفرات. قوله: اسمع من ابن أخيك إنما قالته تعظيما وإظهارا للشفقة لأنه لم يكن ابن أخي ورقة. قوله: هذا الناموس هو صاحب السر يعني جبريل، عليه السلام، وقد مر الكلام فيه مطولا. قوله: جذعا بفتح الجيم والذال المعجمة وهو الشاب القوي، وانتصابه على تقدير: ليتني أكون جذعا، أو هو منصوب على مذهب من ينصب: بليت، الجزأين، أو: حال، قاله الكرماني. قلت: لا يكون حالا إلا بالتأويل. قوله: أو مخرجي هم؟ الهمزة للاستفهام، والواو للعطف على مقدر بعدها، وهم مبتدأ، ومخرجي مقدما خبره وأصله: مخرجين، فلما أضيف إلى ياء المتكلم سقطت النون. قوله: بما جئت به وفي رواية الكشميهني: بمثل ما جئت به. قوله: إلا عودي على صيغة المجهول من المعاداة. قوله: نصرا مؤزرا بالهمزة في رواية الأكثرين من التأزير وهو التقوية وأصله من الأزر وهو القوة، وقال القزاز: الصواب موازرا بغير همز من وازرته إذا عاونته، ومنه أخذ: وزير الملك، ويجوز حذف الألف فتقول نصرا موزرا ويرد عليه قول الجوهري: أزرت فلانا عاونته والعامة تقول: وازرته. قوله: ثم لم ينشب بفتح الشين المعجمة أي: لم يلبث. قوله: حزن النبي من الحزن بضم الحاء وسكون الزاي وبفتحها. قوله: عدا بالعين المهملة من العدو وهو الذهاب بسرعة. ومنهم من أعجمها فيكون من الذهاب: غدوة. قوله: يتردى أي: يسقط. قوله: شواهق الجبال الشواهق جمع شاهق وهو المرتفع العالي من الجبل. قوله: فلما أوفى بذروة جبل أي: فلما أشرف بذروة جبل بكسر الذال المعجمة وبفتحها وضمها والضم أعلى، وذروة كل شيء أعلاه. قوله: تبدى له أي: ظهر له، وفي رواية الكشميهني، بدا له، وهو بمعنى ظهر أيضا. قوله: جاشه بالجيم والشين المعجمة وهو النفس والاضطراب.
قوله: وقال ابن عباس.. الخ ذكره هذا المعلق عن ابن عباس لأجل ما وقع في حديث الباب إلا جاءت مثل فلق الصبح ثبت هذا للنسفي ولأبي زيد المروزي ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني، ووصله الطبري من طريق علي بن طلحة عن ابن عباس في قوله: فالق الإصباح يعني بالإصباح ضوء الشمس بالنهار وضوء القمر بالليل واعترض على البخاري بأن ابن عباس فسر: الإصباح، لا لفظ: فالق، الذي هو المراد هنا. وأجيب عنه: بأن مجاهدا فسر قوله: * (اقرأ باسم ربك الذى خلق) *
بأن الفلق الصبح، فلعى هذا فالمراد بفلق الصبح إضاءته، والفالق اسم فاعل من ذلك.
2
((باب رؤيا الصالحين))
أي: هذا باب في بيان عامة رؤيا الصالحين، وهي التي يرجى صدقها، لأنه قد يجوز على الصالحين الأضغاث في رؤياهم لكن الأغلب عليهم الصدق والخير وقلة تحكم الشيطان عليهم في النوم أيضا لما جعل الله عليهم من الصلاح، وبقي سائر الناس
130

غير الصالحين تحت تحكم الشيطان عليهم في النوم مثل تحكمه عليهم في اليقظة في أغلب أمورهم، وإن كان قد يجوز منهم الصدق في اليقظة فكذلك يكون في رؤياهم صدق أيضا.
وقوله تعالى: * (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شآء الله ءامنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا) *
وقوله، بالجر عطف على الصالحين، والتقدير: وفي بيان قوله، عز وجل: * (لقد صدق الله) * لآية وسيقت هذه الآية كلها في رواية كريمة. وأخرج عبد بن حميد والطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في تفسير هذه الآية قال: أري النبي وهو بالحديبية أنه دخل مكة هو وأصحابه محلقين، فلما نحر الهدي بالحديبية قال أصحابه: أين رؤياك؟ فنزلت. وقوله: * (فجعل من دون ذلك فتحا قريبا) * قال: النحر بالحديبية، فرجعوا ففتحوا خيبر، والمراد بالفتح فتح خيبر، قال: ثم اعتمر بعد ذلك فكان تصديق رؤياه في السنة القابلة، وكانت الحديبية سنة ست، وفي قوله: إن شاء الله أقوال. فقيل: هل هو مما خوطب العباد أن يقولوه مثل: الآية والاستثناء لمن مات منهم قبل ذلك أو قتل، أو هو حكاية لما قيل لرسول الله في منامه.
6983 حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك أن رسول الله قال: الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث أخرجه النسائي في تعبير الرؤيا عن قتيبة وغيره. وأخرجه ابن ماجة فيه عن هشام بن عمار.
قوله: الحسنة هي إما باعتبار حسن ظاهرها أو حسن تأويلها، وقسموا الرؤيا إلى الحسنة ظاهرا وباطنا كالتكلم مع الأنبياء، عليهم السلام، أو ظاهرا لا باطنا كسماع الملاهي، وإلى رديئة ظاهرا وباطنا كلدغ الحية، أو ظاهرا لا باطنا كذبح الولد. قوله: من الرجل ذكر للغالب فلا مفهوم له فإن المرأة الصالحة كذلك، قاله ابن عبد البر. قوله: جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة قال الكرماني: قوله: من النبوة أي: في حق الأنبياء دون غيرهم وكان الأنبياء يوحى إليهم في منامهم كما يوحى إليهم في اليقظة، وقيل: معناه أن الرؤيا تأتي على موافقة النبوة لا أنها جزء باق من النبوة. وقال الزجاج: تأويل قوله: جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة أن الأنبياء، عليهم السلام، يخبرون بما سيكون والرؤيا تدل على ما يكون. وقال الخطابي ناقلا عن بعضهم ما ملخصه: إن أول ما بدىء به الوحي إلى أن توفي ثلاث وعشرون سنة أقام بمكة ثلاث عشرة سنة وبالمدينة عشرا وكان يوحى إليه في منامه في أول الأمر بمكة ستة أشهر وهي نصف سنة فصارت، هذه المدة جزءا من ستة وأربعين جزءا من النبوة بنسبتها من الوحي في المنام، ثم اعلم أن قوله: جزء من ستة وأربعين جزءا هو الذي وقع في أكثر الأحاديث، وفي رواية لمسلم من حديث أبي هريرة: جزء من خمسة وأربعين، وفي رواية له من حديث ابن عمر جزء من سبعين جزءا، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود موقوفا. وأخرجه الطبراني عنه من وجه آخر مرفوعا. وللطبراني من وجه آخر عنه: من ستة وسبعين. وسنده ضعيف. وأخرجه ابن عبد البر من طريق عبد العزيز بن المختار عن ثابت عن أنس مرفوعا: جزء من ستة وعشرين، وأخرج أحمد وأبو يعلى حديثا في هذا الباب، وفيه: قال ابن عباس: إني سمعت العباس بن عبد المطلب يقول: سمعت رسول الله يقول: الرؤيا الصالحة من المؤمن جزء من خمسين جزءا من النبوة. وأخرجه الترمذي والطبري من حديث أبي ذر بن العقيلي: جزء من أربعين. وأخرجه الطبري من وجه آخر عن ابن عباس: أربعين. وأخرج الطبري أيضا من حديث عبادة: جزء من أربعة وأربعين. وأخرج أيضا أحمد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: جزء من تسعة وأربعين. وذكر القرطبي في المفهم بلفظ: سبعة، بتقديم السين فحصلت من هذه عشرة أوجه. ووقع في شرح النووي
131

وفي رواية عبادة: أربعة وعشرون، وفي رواية ابن عمر: ستة وعشرون، وقيل: جاء فيه اثنان وسبعون، واثنان وأربعون، وسبعة وعشرون، وخمسة وعشرون فعلى هذا ينتهي العدد إلى ستة عشر وجها. وأجاب من تكلم في بيان وجه الاختلاف الأعداد بأنه وقع بحسب الوقت الذي حدث فيه النبي بذلك كأن يكون لما أكمل ثلاث عشرة سنة بعد مجيء الوحي إليه حدث بأن الرؤيا جزء من ستة وعشرين إن ثبت الخبر بذلك، وذلك وقت الهجرة، ولما أكمل عشرين حدث بأربعين ولما أكمل اثنين وعشرين حدث بأربعة وأربعين، ثم بعدها بخمسة وأربعين، ثم حدث بستة وأربعين في آخر حياته. وأما ما عدا ذلك من الروايات بعد الأربعين فضعيف، ورواية الخمسين يحتمل أن تكون لجبر الكسر، ورواية السبعين للمبالغة وما عدا ذلك لم يثبت. والله أعلم.
3
((باب الرؤيا من الله))
أي: هذا باب يذكر فيه الرؤيا من الله، وإضافة الرؤيا إلى الله للتشريف كما في قوله تعالى: * (فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها) * والرؤيا المضافة إلى الله لا يقال لها: حلم، والتي تضاف إلى الشيطان لا يقال لها رؤيا، وهذا تصرف شرعي وإلا فالكل يسمى: رؤيا.
6984 حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا يحياى هو ابن سعيد قال: سمعت أبا سلمة قال: سمعت أبا قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان.
مطابقته للترجمة ظاهرة هذا على هذه الرواية من غير ذكر الوصف للرؤيا، وهي رواية أحمد بن يحيى الحلواني عن أحمد بن يونس شيخ البخاري، ويروى الرؤيا الصادقة من الله وفي رواية الكشميهني الرؤيا الصالحة وهي التي وقعت في معظم الروايات.
وأحمد بن يونس هو أحمد بن يونس اليربوعي الكوفي، وزهير هو ابن معاوية أبو خيثمة الكوفي، ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري، وأبو سلمة بن عبد الرحمان بن عوف، وأبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري.
والحديث مضى في الطب عن خالد بن مخلد. وأخرجه بقية الجماعة.
قوله: والحلم بضم الحاء واللام قال ابن التين: كذا قرأناه وفي ضبط الجوهري بسكون اللام وهو ما يراه النائم وحلم بفتح الحاء واللام كضرب تقول: حلمت بكذا وحلمته، وقال ابن سيده في مثلثه: ويجمع على أحلام لا غير، وقال الزمخشري: الحالم النائم يرى في منامه شيئا وإذا لم ير شيئا فليس بحالم. وقال الزجاج: الحلم بالضم ليس بمصدر، وإنما هو اسم، وحكى ابن التياني في الموعب عن الأصمعي في المصدر حلما وحلما والحلم بالكسر الأناءة يقال منه: حلم، بضم اللام. قوله: من الشيطان أضيفت إليه لكونها على هواه ومراده، وقيل: لأنه الذي يخيل بها ولا حقيقة لها في نفس الأمر.
6985 حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث، حدثني ابن الهاد، عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي يقول إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها، وليحدث بها، وإذا رأى غير ذالك مما يكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره
الحديث 6985 طرفه في: 7045
مطابقته للترجمة في قوله: فإنما هي من الله وابن الهاد هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي، وعبد الله بن خباب بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأولى الأنصاري، وأبو سعيد بن مالك الخدري.
والحديث أخرجه الترمذي والنسائي في الرؤيا واليوم والليلة جميعا عن قتيبة.
قوله: وليحدث بها هكذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره: وليتحدث بها. قوله: فليستعذ وفي بعض النسخ: فليستعذ بالله. قوله: لا تضره وفي رواية
132

الكشميهني: فإنها لن تضره.
4
((باب الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة))
أي: هذا باب يذكر فيه الرؤيا الصالحة.. إلى آخره، وسقطت هذه الترجمة للنسفي، وذكر أحاديثها في الباب الذي قبله.
6986 حدثنا مسدد، حدثنا عبد الله بن يحياى بن أبي كثير وأثنى عليه خيرا، وقال: ل قيته باليمامة عن أبيه، حدثنا أبو سلمة، عن أبي قتادة، عن النبي قال: الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، فإذا حلم فليتعوذ منه وليبصق عن شماله فإنها لا تضره
وعن أبيه قال: حدثنا عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي مثله.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الله بن يحيى بن أبي كثير ضد القليل اليماني، وقال الكرماني: لم يتقدم ذكره.
قوله: وأثنى عليه خيرا أي: وأثنى مسدد على عبد الله بن يحيى خيرا، وهي جملة حالية. أي: أثنى عليه خيرا حال كونه حدث عنه، وقد أثنى عليه أيضا إسحاق بن إسرائيل فيما أخرجه الإسماعيلي من طريقه قال: حدثنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير وكان من خيار الناس. وأهل الورع والدين. قوله: لقيته باليمامة أي: قال مسدد: لقيت عبد الله بن يحيى باليمامة بتخفيف الميم، قال الجوهري: اليمامة بلاد كان اسمها الجو بالجيم وتشديد الواو، وقال الكرماني: بين مكة واليمن، وقال الجوهري: اليمامة اسم جارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام، يقال: أبصر من زرقاء اليمامة، فسميت البلاد المذكورة باسم هذه الجارية لكثرة ما أضيف إليها، وقيل: جو اليمامة. قوله: عن أبيه هو يحيى بن أبي كثير، واسم أبي كثير صالح بن المتوكل، وقيل، غير ذلك، روى عن أبي سلمة بن عبد الرحمان بن عوف، وروى عنه ابنه عبد الله المذكور، وأبو قتادة هو الحارث بن ربعي وقد مضى عن قريب. قوله: فإذا حلم بفتح اللام. قوله: فليتعوذ منه أي: من الشيطان لأنه ينسب إليه. قوله: وليبصق أمر بالبصق عن شماله طرد للشيطان الذي حضر رؤياه المكروهة وتحقيرا له واستقذارا، وخص الشمال لأنه محل الأقذار والمكروهات، ويروى: فلينفث، ويروى أيضا: فليتفل، وأكثر الروايات على الثاني، وادعى بعضهم أن معناها واحد، ولعل المراد بالجميع النفث وهو نفخ بلا ريق ويكون التفل والبصق محمولين مجازا.
قوله: وعن أبيه هو عطف على السند الذي قبله وهذا يدل على أن مسددا له طريقان في الحديث المذكور. أحدهما: عن عبد الله بن يحيى عن أبيه عن أبي سلمة وهو المذكور والآخر: عن عبد الله بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أبي قتادة عن النبي وكذا أخرجه الإسماعيلي عن عبد الله بن يحيى بن أبي كثير عن أبيه عن أبي سلمة. قوله: مثله أي: مثل الحديث المذكور، وقال الكرماني: قال أصحاب علوم الحديث: إذا روى الراوي حديثا بسنده ثم اتبعه بإسناد آخر له، وقال في آخره. مثله، أو: نحوه، فهل يجوز رواية لفظ الحديث الأول بالإسناد الثاني؟ فقال شعبة: لا. وقال الثوري: نعم، وقال ابن معين: يجوز في مثله، ولا يجوز في
نحوه.
6987 حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن عبادة بن الصامت، عن النبي قال: رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة
مطابقته للترجمة ظاهرة. وغندر هو محمد بن جعفر.
والحديث أخرجه مسلم في تعبير الرؤيا أيضا عن بندار وأبي موسى كلاهما عن غندر وغيره. وأخرجه الترمذي في الرؤيا عن محمود بن غيلان وأخرجه النسائي فيه عن إسماعيل بن مسعود، ومضى الكلام فيه عن قريب.
133

6988 حدثنا يحيى بن قزعة، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله قال: رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة
الحديث 6988 طرفه في 7017
مطابقته للترجمة ظاهرة. ورجاله قد ذكروا غير مرة. والحديث من أفراده.
ورواه ثابت وحميد وإسحاق بن عبد الله وشعيب عن أنس عن النبي
أي: روى الحديث المذكور هؤلاء الأربعة عن أنس بن مالك. أما رواية ثابت بن حميد البناني بضم الباء الموحدة وتخفيف النون فقد وصلها البخاري عن معلى بن أسد، وسيأتي في: باب من رأى النبي وأما رواية حميد الطويل فوصلها أحمد عن محمد بن أبي عدي عنه. وأما رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة فقد مضت عن قريب. وأما رواية شعيب هو ابن الحبحاب فوصلها أبو عبد الله بن منده من طريق عبد الله بن سعيد.
6989 حدثني إبرهيم بن حمزة، حدثني ابن أبي حازم والدراوردي، عن يزيد عن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله يقول الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإبراهيم بن حمزة وأبو إسحاق القرشي وابن أبي حازم هو عبد العزيز، واسم أبي حازم سلمة بن دينار، والدراوردي هو عبد العزيز بن محمد بن عبيد، والدراوردي بفتح الدال نسبة إلى داراورد قرية من قرى خراسان، ويزيد من الزيادة هو المعروف بابن الهاد، والسند كله مدنيون وتقدم الكلام فيه.
قوله: من النبوة كذا في جميع الطرق وليس فيه شيء منها بلفظ: من الرسالة، بدل: من النبوة، وكان السر فيه أن الرسالة تزيد على النبوة بتبليغ الأحكام للمكلفين بخلاف النبوة المجردة فإنها اطلاع على بعض المغيبات.
5
((باب المبشرات))
أي: هذا باب في بيان المبشرات وهي بكسر الشين جمع مبشرة، قال بعضهم: وهي البشرى. قلت: ليس كذلك لأن البشرى اسم بمعنى البشارة، والمبشرة اسم فاعل للمؤنث من التبشير وهو إدخال السرور والفرح على المبشر بفتح الشين، والمراد بالمبشرة هنا الرؤيا الصالحة، وقد ورد في قوله تعالى: * (لهم البشرى في الحيواة الدنيا وفى الاخرة لا تبديل لكلمات الله ذالك هو الفوز العظيم) * هي الرؤيا الصالحة، أخرجه الترمذي وابن ماجة وصححه الحاكم من رواية أبي سلمة عن عبد الرحمان عن عبادة بن الصامت.
6990 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، حدثني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله يقول لم يبق من النبوة إلا المبشرات قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو اليمان الحكم بن نافع. والحديث من أفراده.
قوله: لم يبق قال الكرماني: قوله: لم يبق فإن قلت: هو في معنى الماضي لكن المراد منه الاستقبال إذ قبل زمانه وحال زمانه كان غيرها باقيا منها فالمراد بعد. قلت: صدق في زمانه أنه لم يبق لأحد غيره نبوة. فإن قلت: هل يقال لصاحب الرؤيا الصالحة: له شيء من النبوة؟ قلت: جزء النبوة ليس بنبوة إذ جزء الشيء غيره أو لا هو ولا غيره فلا نبوة له. فإن قلت: الرؤيا الصالحة أعم لاحتمال أن تكون منذرة إذا الصلاح قد يكون باعتبار تأويلها. قلت: فيرجع إلى المبشر، نعم يخرج منها ما لا صلاح لها لا صورة ولا تأويلا. وقال ابن التين. معنى الحديث أن الوحي ينقطع بموتي ولا يبقى ما يعلم منه ما سيكون إلا الرؤيا. فإن قيل: يرد عليه الإلهام لأن
134

فيه إخبارا بما سيكون وهو للأنبياء بالنسبة للوحي كالرؤيا ويقع في غير الأنبياء كما تقدم في مناقب عمر، رضي الله تعالى عنه، قد كان فيمن مضى من الأمم محدثون، وفسر المحدث بفتح الدال بالملهم بفتح الهاء، وقد أخبر كثير من الأولياء عن أمور مغيبة فكانت كما أخبروا. وأجيب: بأن الحصر في المنام لكونه يشمل آحاد المؤمنين، بخلاف الإلهام فإنه مختص بالبعض، ومع كونه مختصا فإنه نادر. وقال المهلب ما حاصله: إن التعبير بالمبشرات خرج للأغلب، فإن من الرؤيا ما تكون منذرة وهي صادقة يريها الله للمؤمن رفقا به ليستعد لما يقع قبل وقوعه.
6
((باب رؤيا يوسف، عليه السلام))
أي هذا باب في بيان رؤيا يوسف، عليه السلام، كذا وقع للأكثرين، ووقع للنسفي: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمان، صلوات الله عليهم وسلامه.
وقوله تعالى: * (إذ قال يوسف لابيه ياأبت إنى رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين * قال يابنى لا تقصص رءياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين * وكذالك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث ويتم نعمته عليك وعلىءال يعقوب كمآ أتمهآ على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم) * وقوله تعالى: * (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال ياأبت هاذا تأويل رؤياى
1764; من قبل قد جعلها ربى حقا وقد أحسن بى
1764; إذ أخرجنى من السجن وجآء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بينى وبين إخوتى
1764; إن ربى لطيف لما يشآء إنه هو العليم الحكيم * رب قد آتيتنى من الملك وعلمتنى من تأويل الاحاديث فاطر السماوات والارض أنت ولى فى الدنيا والاخرة توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين) *
وقوله، بالجر عطف على ما قبله، وسيقت هذه الآيات كلها إلى قوله: بالصالحين في رواية كريمة، وفي رواية أبي ذر والنسفي ساق إلى ساجدين ثم قال: إلى قوله: عليم حكيم قوله: إذ قال أي: اذكر حين قال يوسف لأبيه، يعني يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، عليهم السلام. قوله: أحد عشر كوكبا نصب على التمييز وأسماؤها: جرثان والطارق والذيال وذو الكتفين وذو القابس ووثاب وعمودان والفليق والمصبح والضروج وذو الفرغ. قوله: رأيتهم لي ساجدين ولم يقال: رأيتها ساجدة، لأنه لما وصفها الله بما هو خاص بالعقلاء وهو السجود أجرى عليها حكمهم كأنها عاقلة، ورأى يوسف، عليه السلام، هذا وهو ابن اثني عشرة سنة، وقيل: كان بين رؤيا يوسف ومصير إخوته إليه أربعون سنة، وقيل: ثمانون. قوله: على إخوتك وهم يهوذا وروبيل وريالون وشمعون ولاوي ويشجر ودينه دان ونفتال وجاد وآشر. قوله: فيكيدوا لك أي: فيبغوا لك الغوائل ويحتالوا في هلاكك. قوله: يجتبيك أي: يصطفيك. قوله: من تأويل الأحاديث يعني: تعبير الرؤيا. قوله: ويتم نعمته عليك يعني: يوصل لك نعم الدنيا بنعمة الآخرة. قوله: وعلى آل يعقوب أي: أهله وهم نسله وغيرهم. قوله: أبويك أراد بهما الجد وأبا الجد قوله: هذا تأويل رؤياي وهو قوله: إني رأيت أحد عشر كوكبا قوله: أحسن بي يقال: أحسن إليه وبه. قوله: من البدو أي: من البادية لأنهم كانوا أهل عمل وأصحاب مواش ينتقلون في المياه والمناجع. قوله: من بعد أن نزغ الشيطان أي: أفسد بيننا وأغوى. قوله: لطيف ذو لطف وصنع لما يشاء عالم بدقائق الأمور. قوله: من الملك أي: ملك مصر وتأويل الأحاديث تعبير الرؤيا. قوله: فاطر السماوات يعني: يا فاطر السماوات والأرض أنت وليي أي: متولي أمري. قوله: توفني يعني: اقبضني إليك وألحقني بالصالحين يعني: بآبائي الأنبياء، عليهم السلام، ثم توفاه الله تعالى بمصر ودفن في النيل في صندوق من رخام ومات وعمره مائة وعشرون سنة.
135

قال أبو عبد الله: فاطر، والبديع والمبتدع والباريء والخالق، واحد.
أبو عبد الله هو البخاري نفسه، وأشار إلى أن معنى هذه الألفاظ الأربعة واحد، وأشار بالفاطر إلى المذكور في قوله: * (رب قد آتيتنى من الملك وعلمتنى من تأويل الاحاديث فاطر السماوات والارض أنت ولى فى الدنيا والاخرة توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين) *، وغيرها وقيل: دعوى البخاري الوحدة في معنى هذه الألفاظ ممنوعة عند المحققين، ورد عليه بعضهم بأن البخاري لم يرد بذلك أن حقائق معانيها متوحدة، وإنما أراد أنها ترجع إلى معنى واحد وهو إيجاد الشيء بعد أن لم يكن. قلت: قوله: واحد، ينافي هذا التأويل، ومعنى الفاطر من الفطر وهو الابتداء والاختراع، قاله الجوهري. ثم قال ابن عباس: كنت لا أدري ما معنى * (فاطر السماوات والأرض) * حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي: أنا ابتدأتها. قوله: والبديع، معناه الخالق المخترع لا عن مثال سابق، فعيل بمعنى مفعل، يقال: أبدع فهو مبدع وكذا في بعض النسخ مبدع. قوله: والبارىء والخالق، قال الطيبي: قيل: الخالق البارىء المصور ألفاظ مترادفة وهو وهم لأن الخالق من الخلق وأصله التقدير المستقيم، والبارىء مأخوذ من البرء وأصله خلوص الشيء عن غيره، إما على سبيل التقصي منه وعليه قولهم برئ من مرضه، وإما على سبيل الإنشاء منه، ومنه: برأ الله النسمة وهو البارىء لها، وقيل: البارىء هو الذي خلق الخلق بريئا من التفاوت والتنافر. قوله: البارىء ويروى: البادىء، وقيل لبعضهم: البارىء بالراء، ولأبي ذر والأكثر: البادىء بالدال بدل الراء والهمز ثابت فيهما، وزعم بعض من عاصرناه من الشراح أن الصواب بالراء ورواية الدال وهم، ورد عليه بعضهم بأنه وقع في بعض طرق الأسماء الحسنى: المبدىء، وفي سورة العنكبوت * (أولم يروا كيف يبدىء الله الخلق ثم يعيده إن ذالك على الله يسير) * ثم قال: * (قل سيروا فى الارض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشىء النشأة الاخرة إن الله على كل شىء قدير) * فاسم الفاعل من الأول مبدىء ومن الثاني بادىء. انتهى. قلت: في هذا الرد نظر لا يخفى.
من البدو بادئة
أشار به إلى ما ذكر آنفا من قوله: * (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال ياأبت هاذا تأويل رؤياى
1764; من قبل قد جعلها ربى حقا وقد أحسن بى
1764; إذ أخرجنى من السجن وجآء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بينى وبين إخوتى
1764; إن ربى لطيف لما يشآء إنه هو العليم الحكيم) * أي: من البادية. وقد ذكرناه.
7
((باب رؤيا إبراهيم عليه السلام))
أي: هذا باب في بيان رؤيا إبراهيم الخليل، عليه السلام، كذا وقع لأبي ذر، وسقط لفظ: باب، لغيره.
وقوله تعالى: * (فلما بلغ معه السعى قال يابنى إنى
1764; أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال ياأبت افعل ما تؤمر ستجدنى
1764; إن شآء الله من الصابرين * فلما أسلما وتله للجبين * وناديناه أن ياإبراهيم * قد صدقت الرؤيآ إنا كذلك نجزى المحسنين) *
وقوله، مجرور عطف على ما قبله، وسيقت الآيات كلها في رواية كريمة، وفي رواية أبي ذر: * (فلما بلغ منه السعي) * إلى قوله: * (نجزي المحسنين) * وسقط للنسفي قوله: السعي أي: بلغ أن يسعى مع أبيه في أشغاله وحوائجه ومعه لا يتعلق ببلغ لاقتضائه بلوغهما معا حد السعي ولا بالسعي لأن صلة المصدر لا تتقدم عليه فبقي أن يكون بيانا كأنه قال: لما قال: فلما بلغ معه السعي قوله: فلما أسلما سيجيء تفسيره، وكذا تفسير قوله: وتله
قال مجاهد: أسلما سلما ما أمرا به، وتله وضع وجهه بالأرض
وصل الفريابي في تفسيره تعليق مجاهد عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فذكره، وليس في هذا الباب وفي الباب الذي قبله حديث، واكتفى بالقرآن. وقال بعضهم: وقول الكرماني: إنه كان في كل منهما بياض ليلحق به حديثا يناسبه محتمل مع بعده. قلت: لم يقل الكرماني هكذا أصلا وإنما قال: وهذان البابان مما ترجمهما البخاري ولم يتفق له إثبات حديث فيهما.
8
((باب التواطؤ على الرؤيا))
136

أي: هذا باب في بيان التواطؤ أي: توافق جماعة على رؤيا واحدة، وإن اختلفت عباراتهم.
6991 حدثنا يحياى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن بن عمر رضي الله عنهما، أن أناسا أروا ليلة القدر في السبع الأواخر، وأن أناسا أروها أنها في العشر الأواخر، فقال النبي التمسوها في السبع الأواخر
انظر الحديث 1158 وطرفه
للترجمة ظاهرة ولكن اعترضه الإسماعيلي فقال: اللفظ الذي ساقه خلاف التواطؤ، وحديث التواطؤ: أرى رؤياكم قد تواطأت على العشر الأواخر، ورد عليه بأنه لم يلتزم إيراد الحديث بلفظ التواطؤ، وإنما أراد بالتواطؤ التوافق وهو أعم من أن يكون الحديث بلفظه أو بمعناه.
ورجال الحديث قد تكرر ذكرهم. والحديث من أفراده.
قوله: أن أناسا وفي رواية الكشميهني: أن ناسا. قوله: أروا على صيغة المجهول أي: في المنام. قوله: الأواخر جمع والسبع مفرد فلا مطابقة. وأجيب بأنه اعتبر الآخرية بالنظر إلى كل جزء منها.
9
((باب رؤيا أهل السجون والفساد والشرك))
أي: هذا باب في بيان رؤيا أهل السجون وهو جمع سجن بالكسر وهو الحبس وبالفتح مصدر، وقد سجنه يسجنه من باب نصر أي حبسه. قوله: والفساد أي رؤيا أهل الفساد يعني أهل المعاصي. قوله: والشرك يعني رؤيا أهل الشرك، ووقع في رواية أبي ذر بدل الشرك الشراب. بضم الشين المعجمة وتشديد الراء جمع شارب أو بفتحتين مخففا أي: وأهل الشراب وأريد به الشراب المحرم وعطفه على الفساد من عطف الخاص على العام، وأشار بهذا إلى أن الرؤيا الصالحة معتبرة في حق هؤلاء بأنها قد تكون بشرى لأهل السجن بالخلاص، وإن كان المسجون كافرا تكون بشرى له بهدايته إلى الإسلام كما كانت رؤيا الفتيين اللذين حبسا مع يوسف، عليه السلام، صادقة. وقال أبو الحسن بن أبي طالب: وفي صدق رؤيا الفتيين حجة على من زعم أن الكافر لا يرى رؤيا صادقة. وأما رؤيا أهل الفساد فتكون بشرى لهم بالتوبة والرجوع عما هم فيه، وأما رؤيا الكافر فتكون بشرى له بهدايته إلى الإيمان.
لقوله تعالى: * (ودخل معه السجن فتيان قال أحدهمآ إنى
1764; أرانى
1764; أعصر خمرا وقال الآخر إنى
1764; أرانى
1764; أحمل فوق رأسى خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين * قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذالكما مما علمنى ربى
1764; إنى تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالاخرة هم كافرون * واتبعت ملة ءابآءي
1764; إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنآ أن نشرك بالله من شىء ذالك من فضل الله علينا وعلى الناس ولاكن أكثر الناس لا يشكرون * ياصاحبى السجن ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) *
وقال الفضيل عند قوله: * (يا صاحبي السجن) * لبعض الأتباع يا عبد الله * (ياصاحبى السجن ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار * ما تعبدون من دونه إلا أسمآء سميتموهآ أنتم وءابآؤكم مآ أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدو
1764; ا إلا إياه ذالك الدين القيم ولاكن أكثر الناس لا يعلمون * ياصاحبى السجن أمآ أحدكما فيسقى ربه خمرا وأما الاخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضى الامر الذى فيه تستفتيان * وقال للذى ظن أنه ناج منهما اذكرنى عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث فى السجن بضع سنين * وقال
137

الملك إنى
1764; أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات ياأيها الملأ أفتونى فى رؤياى إن كنتم للرؤيا تعبرون * قالو
1764; ا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الاحلام بعالمين * وقال الذى نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون * يوسف أيها الصديق أفتنا فى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلى
1764; أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون * قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه فى سنبله إلا قليلا مما تأكلون * ثم يأتى من بعد ذالك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون * ثم يأتى من بعد ذالك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون * وقال الملك ائتونى به فلما جآءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة الاتى قطعن أيديهن إن ربى بكيدهن عليم) *
سيقت هذه الآيات كلها في رواية كريمة، وهي ثلاث عشرة آية، وفي رواية أبي ذر من قوله: * (ودخل معه السجن فتيان) * ثم قال: إلى قوله: إرجع إلى ربك قوله: لقوله تعالى وفي بعض النسخ: وقوله تعالى، بدون لام التعليل، والأول أولى لأنه يحتج بقوله: * (ودخل معه) * إلى آخره على اعتبار الرؤيا الصالحة في حق أهل السجن والفساد والشرك وهو أيضا يوضح حكم الترجمة فإنه لم يتعرض فيها إلى بيان الحكم. قوله: ودخل معه أي: مع يوسف فتيان وهما غلامان كانا للوليد بن ريان ملك مصر الأكبر. أحدهما: خبازه وصاحب طعامه واسمه مجلث. والآخر: ساقيه صاحب شرابه واسمه نبوء، غضب عليهما الملك فحبسهما وكان يوسف لما دخل السجن قال لأهله: إني أعبر الأحلام، فقال أحد الفتيين لصاحبه فلنجرب هذا العبد العبراني فتراءيا له فسألاه من غير أن يكونا رأيا شيئا فقال أحدهما: إني أراني أعصر خمرا أي: عنبا بلغة عمان. وقيل لأعرابي معه عنب ما معك؟ قال: خمر، وقرأ ابن مسعود: عصر عنبا، وقيل: إنما قال خمرا باعتبار ما يؤول إليه. قوله: * (نبئنا بتأويله) * أي: أخبرنا بتعبيره وما يؤول إليه أمر هذه الرؤيا. قوله: إنل نراك من المحسنين) * أي: من العالمين الذين أحسنوا العلم قاله الفراء، وقال ابن إسحاق: المحسنين إلينا إن قلت ذلك. قوله: * (لا يأتيكما طعام ترزقانه) * إنما قال ذلك لأنه كره أن يعبر لهما ما سألاه لما علم في ذلك من المكروه على أحدهما فأعرض عن سؤالهما وأخذ في غيره، فقال لهما: لا يأتيكما طعام ترزقانه في نومكما إلا نبأتكما بتأويله أي: بتفسيره، وألوانه أي طعام أكلتم وكم أكلتم ومتى أكلتم من قبل أن يأتيكما، فقالا له. هذا من فعل العرافين والكهنة، فقال يوسف: ما أنا بكاهن وإنما ذلكما العلم ما علمني ربي، ثم أعلمهما أنه مؤمن، فقال: * (إني تركت ملة) * أي: دينهم وشريعتهم. قوله: * (واتبعت ملة آبائي إبراهيم) * هي الملة الحنيفية. قوله: ذلك أي: التوحيد والعلم من فضل الله فأراهما دينه وعلمه وفطنته ثم دعاهما إلى الإسلام فأقبل عليهما وعلى أهل السجن، وكان بين أيديهم أصنام يعبدونها من دون الله فقال إلزاما للحجة: * (يا صاحبي السجن) * جعلهما صاحبي السجن لكونهما فيه، فقال: * (أأرباب متفرقون) * يعني: شتى لا تضر ولا تنفع * (خير أم الله الواحد القهار) * قوله: وقال الفضيل إلى قوله: * (القهار) * وقع هنا عند كريمة ووقع عند أبي ذر بعد قوله: * (إرجع إلى ربك) * ووقع عند غيرهما بعد قوله الأعناب والدهن والذي عند كريمة هو أليق. قوله: * (ما تعبدون) * أي: من دون الله إلا أسماء يعني لا حقيقة لها قوله: * (من سلطان) * أي: حجة وبرهان. قوله: * (ذلك الدين) * أي: ذلك الذي دعوتكم إليه من التوحيد وترك الشرك هو * (الدين القيم) * أي: المستقيم ثم فسر رؤياهما بقوله: * (يا صاحبي السجن) * الخ. ولما سمعا قول يوسف قالا: ما رأينا شيئا كنا نلعب فقال يوسف: * (أي قضي الأمر) * أي: فرغ الأمر الذي سألتهما ووجب حكم الله عليكما بالذي أخبرتكما به، وقال يوسف عند ذلك للذي ظن أي علم أنه تاج وهو الساقي * (أذكرني عند ربك) * أي: سيدك قوله: * (فأنساه الشيطان) * أي: أنسى يوسف الشيطان ذكر ربه حتى ابتغى الفرج من غيره واستعان بالمخلوق، فلذلك لبث في السجن بضع سنين. واختلف في معناه، فقال أبو عبيدة: هو ما بين الثلاثة إلى الخمسة، وقال مجاهد: ما بين ثلاث إلى سبع، وقال قتادة والأصمعي:
138

ما بين الثلاثة إلى التسع، وقال ابن عباس: ما دون العشرة، وأكثر المفسرين هاهنا أن البضع سبع سنين، ولما دنا فرج يوسف رأى ملك مصر الأكبر رؤيا عجيبة هالته، وقال: إني أرى سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس يأكلهن سبع بقرات عجاف أي: مهازيل فابتلعنهن فدخلن في بطونهن فلم ير منهن شيء، ورأى سبع سنبلات خضر قد انعقد حبها وأخر يابسات قد احتصدت وأفركت فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليهن، فجمع السحرة والكهنة والحازة، والقافة وقصها عليهم وقال: * (أيها الملأ) * أي: الأشراف * (أفتوني في رؤياي) * فاعبروها * (إن كنتم للرؤيا تعبرون) * قالوا: هذا الذي رأيته * (أضغاث أحلام) * أي: أحلام مختلطة مشتبهة أباطيل، والأضغاث جمع ضغث وهو الحزمة من أنواع الحشيش. قوله: * (وقال الذي نجا منهما) * هو الساقي قوله: * (واذكر) * أي تذكر حاجة يوسف وهو قوله: * (اذكرني عند ربك) * قوله: * (بعد أمة) * أي: بعد حين، وعن عكرمة: بعد قرن، وعن سعيد بن جبير: بعد سنين، وسيجئ مزيد الكلام فيه. قوله: * (أنبئكم) * أي: أخبركم بتأويله. قوله: * (فأرسلون) * يعني إلى يوسف فأرسلوه إليه فقال يوسف يعني: يا يوسف * (أيها الصديق) * وهو الكثير الصدق. قوله: * (أفتنا) * إلى قوله: هههها من كلام الساقي المرسل إلى يوسف. قوله: * (لعلهم يعلمون) * أي: تأويل رؤيا الملك، وقيل: يعلمون فضلك وعلمك. قوله: * (قال تزرعون) * أي: قال يوسف: * (إرجع إلى ربك) * أي كعادتكم، قاله الثعلبي، وقال الزمخشري: دأبا مصدر دأب في العمل
وهو حال من المأمورين أي: دائبين أي: إما على تدأبون دأبا وإما على إيقاع المصدر حالا يعني: ذوي دأب. قوله: د أي: اتركوه في سنبله، إنما قال ذلك ليبقى ولا يفسد. قوله: 0 يعني: سبع سنين جدب وقحط. قوله: ك ل أي: تحرسون وتدخرون. قوله: ه ه من الغوث أو من الغيث وهو المطر أي: يمطرون منه. قوله: هه أكثر المفسرين على معنى يعصرون العنب خمرا والزيتون زيتا والسمسم دهنا، وقال أبو عبيدة: يعصرون ينجون من الجدب والكرب العصر والعصرة النجاة والملجأ، وقيل: يعصرون يمطرون. دليله * (وأنزلنا من المعصرات مآء ثجاجا) * ثم إن الساقي لما رجع إلى الملك وأخبره بما أفتاه يوسف من تأويل رؤياه * (فلما جاءه الرسول) * أي بيوسف أي: لما جاء يوسف الرسول وقال: أجب الملك، قال يوسف: * (أرجع إلى ربك) * أي: سيدك الملك فأسأله * (ما بال النبوة) * الآية وإنما قال ذلك حتى يظهر عذره ويعرف صحة أمره من قبل النسوة، وتمام القصة في موضعها.
وادكر افتعل من ذكر، أمة قرن وتقرأ أمه نسيان، وقال ابن عباس يعصرون الأعناب والدهن. تحصنون تحرسون.
أشار بهذا إلى تفسير بعض الألفاظ التي وقعت في الآيات المذكورة منها قوله: وادكر فإنه على وزن افتعل لأن أصله اذكر بالذال المعجمة فنقلت إلى باب الافتعال فصار اذتكر، ثم قلبت التاء دالا مهملة فصار اذدكر، ثم قلبت الذال المعجمة دالا مهملة ثم أدغمت الدال في الدال فصار ادكر قال الزمخشري: هذا هو الفصيح، وعن الحسن بالذال المعجمة. وقوله: افتعل من ذكر رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: افتعل من ذكرت، ومنها قوله: أمة فإنه فسرها بقوله: قرن. قوله: ويقرا أمه بفتح الهمزة وتخفيف الميم وبالهاء المنونة، فسره بقوله: نسيان. وأخرجه الطبري عن عكرمة وتنسب هذه القراءة في الشواذ إلى ابن عباس والضحاك، يقال: رجل مأموه ذاهب العقل، يقال: أمهت آمه أمها بسكون الميم ومنها قوله: يعصرون إشارة إلى تفسيره بقوله: وقال ابن عباس: يعصرون الأعناب والدهن، ووصله هكذا ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. ومنها قوله: تحصنون ففسره بقوله. يحرسون، وقد مر الكلام فيه.
6992 حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء، حدثنا جويرية، عن مالك، عن الزهري أن سعيد بن المسيب وأبا عبيد أخبراه عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله لو لبثت
139

في السجن ما لبث يوسف ثم أتاني الداعي لأجبته.
مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه. وعبد الله هو ابن محمد بن أسماء بن عبيد الضبعي سمع عمه جويرية بن أسماء وهما اسمان علمان مشتركان بين الذكور والإناث، وأبو عبيد بالضم اسمه سعد بن عبيد مولى عبد الرحمان بن الأزهر بن عوف.
والحديث مضى في التفسير وفي أحاديث الأنبياء بهذا السند.
قوله: ما لبث أي: مدة لبثه. قوله: ثم أتاني الداعي أي: من الملك يدعوني إليه لأسرعت في الإجابة ولبادرت إليه ولا اشترطت شرطا لإخراجي، وقد كان يوسف لما أتاه الداعي يدعوه إلى الملك قال: ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن، ولا يلزم من ذلك تفضيل يوسف على النبي لأنه قال ذلك تواضعا أو بيانا للمصلحة، إذ لعل في الخروج مصالح الإسراع بها أولى.
10
((باب من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام))
أي: هذا باب في بيان أمر من رأى النبي في منامه.
6993 حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله، عن يونس، عن الزهري، حدثني أبو سلمة أن أبا هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي
قال أبو عبد الله: قال ابن سيرين: إذا رآه في صورته.
مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضحها أن رؤية النبي في المنام صحيحة لا تنكر وليست بأضغاث أحلام ولا من تشبيهات الشيطان يؤيده قوله فقد رأى الحق أي: الرؤيا الصحيحة. وذكر أبو الحسن عن علي بن أبي طالب في مدخله الكبير رؤية سيدنا رسول الله تدل على الخصب والأمطار وكثرة الرحمة ونصر المجاهدين وظهور الدين وظفر الغزاة والمقاتلين ودمار الكفار وظفر المسلمين بهم وصحة الدين إذ رئي في الصفات المحمودة، وربما دل على الحوادث في الدين وظهور الفتن والبدع إذا رئي في الصفات المكروهة.
وعبدان شيخ البخاري لقب عبد الله بن عثمان المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، ويونس هو ابن يزيد الأيلي، والزهري هو محمد بن مسلم، وأبو سلمة بن عبد الرحمان بن عوف، رضي الله تعالى عنه.
والحديث أخرجه مسلم في التعبير عن أبي الطاهر بن السرح وغيره. وأخرجه أبو داود في الأدب عن أحمد بن صالح.
قوله: فسيراني في اليقظة زاد مسلم من هذا الوجه أو فكما رآني في اليقظة، هكذا بالشك، ومعنى لفظ البخاري أن المراد أهل عصره أي: من رآه في المنام وفقه الله للهجرة إليه والتشرف بلقائه أو يرى تصديق تلك الرؤيا في الدار الآخرة، أو يراه فيها رؤية خاصة في القرب منه والشفاعة. قوله: ولا يتمثل الشيطان بي أي: لا يحصل له مثال صورتي ولا يتشبه بي قالوا: كما منع الله الشيطان أن يتصور بصورته في اليقظة كذلك منعه في المنام لئلا يشتبه الحق بالباطل.
قوله: قال أبو عبد الله إلى آخره، لم يثبت للنسفي ولأبي ذر، وثبت عند غيرهما، وأبو عبد الله هو البخاري نفسه، قال محمد بن سيرين: إذا رآه في صورته أراد أن
رؤيته إياه لا تعتبر إلا إذا رآه على صفته التي وصف بها وهذا التعليق رواه إسماعيل بن إسحاق القاضي عن سليمان بن حرب من شيوخ البخاري عن حماد بن زيد عن أيوب، قال: كان محمد يعني ابن سيرين إذا قص عليه رجل أنه رأى النبي قال: صف الذي رأيته، فإن وصف له بصفة لا يعرفها قال: لم يره، وهذا سند صحيح. فإن قلت: يعارضه ما أخرجه ابن أبي عاصم من وجه آخر عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله من رآني في المنام فقد رآني فإني أرى في كل صورة. قلت: في سنده صالح مولى التوأمة وهو ضعيف لاختلاطه، وهو من رواية من سمع منه بعد الاختلاط.
6994 حدثنا معلى بن أسد، حدثنا عبد العزيز بن مختار، حدثنا ثابت البناني، عن أنس
140

، رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة
انظر الحديث 6983
مطابقته للترجمة ظاهرة. ورجاله كلهم بصريون. والحديث أخرجه الترمذي في الشمائل عن عبد الله بن عبد الرحمان عن معلى بن أسد به.
قوله: فقد رآني قيل: معناه أن رؤياه صحيحة لا تكون أضغاثا ولا من تشبيهات الشيطان، ويعضده في بعض طرقه: فقد رأى الحق، وقال الطيبي: هنا اتحد الشرط والجزاء فدل على أن الغاية في الكمال أي: فقد رآني رؤيا ليس بعدها شيء، وقيل: هو في معنى الإخبار أي: من رآني فأخبره بأنها رؤية حق ليست أضغاث أحلام ولا تخيلات الشيطان ورؤيته سبب الإخبار. قيل: كيف يكون ذلك وهو في المدينة، والرائي في الشرق والغرب. وأجيب: بأن الرؤية أمر يخلقه الله تعالى ولا يشترط فيها عقلا مواجهة ولا مقابلة ولا مقارنة ولا خروج شعاع ولا غيره ولهذا جاز أن يرى أعمى الصين بقة أندلس، وقيل كثيرا يرى على خلاف صفته المعروفة ويراه شخصان في حالة واحدة في مكانين والجسم الواحد لا يكون إلا في مكان واحد، وأجاب النووي حاكيا عن بعضهم: ذلك ظن الرائي أنه رآه كذلك، وقد يظن الظان بعض الخيالات مرئيا لكونه مرتبطا بما يراه عادة فذاته الشريفة هي مرئية قطعا لا خيال ولا ظن فيه، لكن هذه الأمور العارضة قد تكون متخيلة للرآئي. قوله: فإن الشيطان لا يتمثل بي ومضى في حديث أبي هريرة في كتاب العلم: فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي، وفي حديث جابر عند ابن ماجة: لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي، وفي لفظ مسلم: أن يتشبه، بدل أن يتمثل، وفي حديث ابن مسعود عند الترمذي وابن ماجة: إن الشيطان لا يستطيع أن يتمثل بي، وفي حديث أبي قتادة، على ما يجيء: وأن الشيطان لا يتراءاى بي، بالراء ومعناه: لا يستطيع أن يصير مرئيا بصورتي، وفي رواية أبي ذر: لا يتزايا، بالزاي وبعد الألف ياء آخر الحروف، وفي حديث أبي سعيد في آخر الباب: فإن الشيطان لا يتكونني.
6995 حدثنا يحياى بن بكير، حدثنا بكير، حدثنا الليث عن عبيد الله بن أبي جعفر قال: أخبرني أبو سلمة عن أبي قتادة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، فمن رأى شيئا يكرهه فلينفث عن شماله ثلاثا وليتعوذ من الشيطان فإنها لا تضره، وإن الشيطان لا يتزايا بي
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: وإن الشيطان لا يتزايا بي
والثلاثة الأول من السند مصريون، وعبد الله بن أبي جعفر الأموي القرشي واسم أبي جعفر يسار وكان عبيد الله بقية في زمانه، وأبو سلمة بن عبد الرحمان بن عوف، وأبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري.
والحديث مضى في الطب عن خالد بن مخلد وفي التعبير عن أحمد بن يونس ومضى الكلام فيه.
قوله: لا يتزايا بالزاي أي: لا يقصدني لأن يصير مرئيا بصورتي.
6996 حدثنا خالد بن خلي، حدثنا محمد بن حرب، حدثني الزبيدي عن الزهري قال أبو سلمة: قال أبو قتادة، رضي الله عنه، قال النبي من رآني فقد رأى الحق
مطابقته للترجمة ظاهر. وخالد بن خلي بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام وتشديد الياء أبو القاسم الحمصي قاضيها وهو من أفراد البخاري، ومحمد بن حرب أبو عبد الله النسائي روى عنه البخاري في آخر الاعتصام، والزبيدي نسبة إلى زبيد بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء والدال المهملة واسمه محمد بن الوليد بن عامر الشامي الحمصي. وحديث أبي قتادة قد مر عن قريب غير مرة.
قوله: فقد رأى الحق أي: الرؤية الصحيحة الثابتة لا أضغاث أحلام ولا خيالات باطلة، وقال الطيبي: الحق هنا مصدره مؤكد أي: فقد رأى رؤية الحق.
141

تابعه يونس وابن أخي الزهري.
أي تابع الزبيدي في رواية عن الزهري يونس بن يزيد وابن أخي الزهري وهو محمد بن عبد الله بن مسلم، ووصلها مسلم من طريقهما وساقها على لفظ يونس، وأحال برواية ابن أخي الزهري عليه.
6997 حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث، حدثني ابن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول من رآني فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتكونني
مطابقته للترجمة ظاهرة. وابن الهاد هو يزيد بن عبد الله بن أسامة، وعبد الله بن خباب بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأولى، وقد مر ذكره عن قريب. والحديث من أفراده.
قوله: فإن الشيطان لا يتكونني لتتميم المعنى والتعليل للحكم ومعناه: لا يتكون كونا مثل كوني، أو: لا يتخذ كوني أي: لا يتشكل بشكلي، وقال الكرماني: التكون لازم فما وجهه؟ ثم أجاب بقوله: لزومه غير لازم، أو معناه: لا يتكون كوني، فحذف المضاف وأوصل المضاف إليه بالفعل.
11
((باب رؤيا الليل))
أي: هذا باب في بيان الرؤيا التي تكون بالليل هل تساوي الرؤيا التي تكون بالنهار أو يتفاوتان؟. قيل: كأنه يشير إلى حديث أبي سعيد: أصدق الرؤيا بالأسحار. أخرجه أحمد مرفوعا وصححه ابن حبان وذكر نصر بن يعقوب الدينوري أن الرؤيا أول الليل تبطىء بتأويلها، ومن النصف الثاني تسرع بتفاوت أجزاء الليل، وأن أسرعها تأويلا رؤيا السحر ولا سيما عند طلوع الفجر، وعن جعفر الصادق: أسرعها تأويلا رؤيا القيلولة.
رواه سمرة.
أي: روى حديث رؤيا الليل سمرة بن جندب الفزاري الصحابي المشهور، وسيأتي حديثه في آخر كتاب التعبير، إن شاء الله تعالى.
6998 حدثنا أحمد بن المقدام العجلي، حدثنا محمد بن عبد الرحمان الطفاوي، حدثنا أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم أعطيت مفاتيح الكلم ونصرت بالرعب وبينما أنا نائم البارحة إذ أتيت بمفاتيح خزائن الأرض، حتى وضعت في يدي قال أبو هريرة: فذهب رسول الله وأنتم تنتقلونها.
مطابقته للترجمة في قوله: وبينما أنا نائم البارحة
والطفاوي بضم الطاء وتخفيف الفاء وبالواو نسبة إلى بني طفاوة أو إلى طفاوة موضع، وأيوب هو السختياني، ومحمد هو ابن سيرين والحديث من أفراده.
قوله: مفاتيح الكلم أي: لفظ قليل يفيد معاني كثيرة، وهذا غاية البلاغة، وستأتي رواية أخرى: بعثت بجوامع الكلم، وقال البخاري: بلغني أن جوامع الكلم هو أن الله تعالى يجمع الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الوحد والأمرين، أو نحو ذلك. قوله: ونصرت بالرعب بضم الراء وسكون العين الفزع، أي: ينهزمون من عسكر الإسلام بمجرد الصيت ويخافون منهم أو ينقادون بدون إيجاف خيل ولا ركاب. قوله: البارحة اسم لليلة الماضية، وإن كان قبل الزوال. قوله: أتيت على صيغة المجهول. قوله: في يدي إما حقيقة وإما مجاز باعتبار قوله: تنتقلونها من الانتقال من النقل بالنون والقاف، ويروى تنتفلونها بالفاء موضع القاف أي: تغتنمونها، ويروى: تنتثلونها، بالثاء المثلثة موضع الفاء أي: تستخرجونها وذلك كاستخراجهم خزائن كسرى ودفائن قيصر.
142

6999 حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، أن رسول الله قال: أراني الليلة عند الكعبة، فرأيت رجلا آدم كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال، له لمة كأحسن ما أنت راء من اللمم، قد رجلها تقطر ماء متكئا على رجلين أو على عواتق رجلين يطوف بالبيت، فسألت: من هاذا؟ فقيل: المسيح ابن مريم، ثم إذا أنا برجل جعد قطط أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية، فسألت: من هذا؟ فقيل: المسيح الدجال
مطابقته للترجمة في قوله: أراني الليلة عند الكعبة
والحديث مضى في اللباس عن عبد الله بن يوسف. وأخرجه مسلم في الإيمان عن يحيى بن يحيى.
قوله: أراني الليلة أي: أرى نفسي، والليلة نصب على الظرفية وسيأتي في: باب الطواف بالكعبة، من وجه آخر عن ابن عمر بلفظ: بينا أنا نائم رأيتني أطوف بالكعبة. قوله: من أدم الرجال بضم الهمزة وسكون الدال جمع آدم وهو الأسمر، قال الداودي: هو إلى السمرة أميل، وقال أبو عبد الملك: الأدم فوق الأسمر يعلوه سواد قليل. قوله: له لمة بكسر اللام وتشديد الميم وهو الشعر المجاوز شحمة الأذن، واللمم: بالكسر أيضا جمع لمة فإذا بلغ المنكبين فهي جمة، والوفرة دون ذلك. قوله: رجلها بتشديد الجيم أي: سرحها. قوله: يقطر ماء جملة حالية. قوله: متكئا حال من قوله: قوله: رجلا وهو نكرة ولكنه وصف بالأوصاف المذكورة فصار حكمه حكم المعرفة. قوله: أو على عواتق رجلين شك من الراوي، وهو جمع عاتق وهو اسم لما بين المنكب والعنق. وقيل: هذا جمع فكيف أضيف إلى المثنى؟ وأجيب: بأنه نحو قوله: * (إن تتوبآ إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذالك ظهير) * وجاز مثله إذ لا التباس. قوله: جعد أي: غير سبط أو قصير. قوله: قطط وهو المبالغ في الجعودة. قوله: طافية ضد الراسبة، وقال ابن الأثير: الطافية هي الحبة التي قد خرجت عن حد نبت أخواتها فظهرت من بينها وارتفعت، وقيل: أراد به الحبة الطافية على وجه الماء، شبه عينه بها، ويقال: طفا الشيء على الماء يطفو إذا علا، فعين الدجال طافية على وجهه قد برزت كالعنبة، وقال ابن بطال: من قرأ: طافئة، بالهمزة فمعناه: أن عينه مفقوءة ذهب ضوؤها كأنها عنبة نضجت فذهب ماؤها، ومن قرأ بغير همز فمعناه أنها برزت وخرج الباطن الأسود فيها لأن كل شيء ظهر فقد طفا. قوله: المسيح الدجال وفي تسمية الدجال بالمسيح خمسة أقوال، وفي تسميته بالدجال عشرة أقوال ذكرناها كلها في كتابنا الموسوم بزين المجالس وكذلك ذكرنا في تسمية عيسى ابن مريم بالمسيح ثلاثة وعشرين وجها اختصرنا هنا ذكره خوفا من السآمة، ومختصره معنى المسيح في عيسى، عليه السلام، كونه لا يمسح ذا عاهة إلا برئ، ومعناه في الدجال كونه ممسوح إحدى العينين، وقيل فيه: بالخاء المعجمة.
7000 حدثنا يحياى، حدثنا الليث عن يونس، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله أنص ابن عباس كان يحدث أن رجلا أتى رسول الله فقال: إني أريت الليلة في المنام وساق الحديث
مطابقته للترجمة ظاهرة. و يحيى بن عبد الله بن بكير ينسب إلى جده، و عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي.
قوله: إني أريت على صيغة المجهول، ويروى: رأيت، وقد اقتصر البخاري على هذا المقدار من الحديث، وسيأتي بتمامه بهذا السند في: باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب، وسيأتي شرحه هناك، إن شاء الله تعالى.
وتابعه سليمان بن كثير وابن أخي الزهري وسفيان بن حسين عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن النبي
143

أي: تابع الزهري في روايته عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس سليمان بن كثير، ووصل هذه المتابعة مسلم، وقال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمان الدارمي أخبرنا محمد بن كثير حدثنا سليمان وهو ابن كثير عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس: أن رسول الله كان يقول لأصحابه: من رأى منكم رؤيا فليقصها أعبرها له، قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله إني رأيت ظلمة، فأحاله على ما قبله. قوله: وابن أخي الزهري أي: تابعه أيضا ابن أخي الزهري، وهو محمد بن عبد الله بن مسلم، وقال بعضهم: وصمها الذهلي في الزهريات ولا أعلم صحته. قوله: وسفيان بن حسين أي: وتابعه أيضا سفيان بن حسين الواسطي ووصلها أحمد عن يزيد بن هارون عنه.
وقال الزبيدي عن الزهري عن عبيد الله أن ابن عباس أو أبا هريرة عن النبي
أي: وقال محمد بن الوليد بن عامر الحمصي عن محمد بن مسلم الزهري عن عبيد الله بن عبد الله أن ابن عباس أو أبا هريرة فذكره بالشك، ووصله مسلم وقال: حدثنا حاجب بن الوليد حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي أخبرني الزهري عن عبيد الله بن عبد الله أن ابن عباس أو أبا هريرة كان يحدث أن رجلا أتى رسول الله، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، ثم ساق الحديث بسند آخر.
وقال شعيب وإسحاق بن يحياى عن الزهري: كان أبو هريرة يحدث عن النبي وكان معمر لا يسنده حتى كان بعد.
شعيب هو ابن أبي حمزة الحمصي، وإسحاق بن يحيى الكلبي الحمصي، وقال بعضهم: وصلها الذهلي في الزهريات ولا أعلم صحته. قوله: وكان معمر أي: ابن راشد لا يسند الحديث المذكور حتى أسنده بعد ذلك، قال عبد الرزاق: كان معمر يحدث به فيقول: كان ابن عباس يعني ولا يذكر عبيد الله بن عبد الله في السند حتى جاء زمعة بكتاب فيه: عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس، فكان لا يشك فيه بعد.
12
((باب الرؤيا بالنهار))
أي: ها باب في بيان أمر الرؤيا الواقعة بالنهار، وفي رواية أبي ذر رؤيا النهار.
وقال ابن عون عن ابن سيرين: رؤيا النهار مثل رؤيا الليل.
أي قال عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين، ووصله عن علي بن أبي طالب القيرواني في كتاب التعبير من طريق مسعدة بن اليسع عن عبد الله بن عون، وفي التوضيح قال أبو الحسن علي بن أبي طالب في كتابه نور البستان وربيع الإنسان لا فرق بين رؤيا النهار والليل، وحكمهما واحد في العبارة، وكذا رؤيا النساء ورؤيا الرجال.
7001 حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول: كان رسول الله يدخل على أم حرام بنت ملحان، وكانت تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها يوما فأطعمته وجعلت تفلي رأسه، فنام رسول الله ثم استيقظ وهو يضحك
قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال:
144

ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هاذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة، شك إسحاق قالت: فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم. فدعا لها رسول الله ثم وضع رأسه ثم استيقظ وهو يضحك فقلت ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله كما قال في الأولى، قالت: فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت من الأولين فركبت البر في زمان معاوية بن أبي سفيان فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر، فهلكت.
مطابقته للترجمة في قوله: فنام رسول الله ثم استيقظ وهو يضحك
والحديث مضى في الجهاد عن عبد الله بن يوسف أيضا وفي الاستئذان عن إسماعيل. وأخرجه مسلم في الجهاد عن يحيى بن يحيى، ومضى الكلام فيه.
قوله: يدخل على أم حرام بنت ملحان بكسر الميم وقيل بفتحها، وهي خالة أنس بن مالك، ووجه دخوله، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، عليها أنها كانت خالته من الرضاع. قوله: تفلي على وزن ترمي، أي: تفتش عن القمل. قوله: ثبج هذا البحر بفتح الثاء المثلثة والباء الموحدة وبالجيم أي: وسطه. قوله: في زمان معاوية احتج بعضهم على صحة خلافة معاوية ولا يصح لأنه كان في زمنه وهو أمير بالشام والخليفة عثمان بن عفان، رضي الله تعالى عنه، ولئن سلمنا أن ذلك كان في زمن دعواه الخلافة لا يصح لقوله صلى الله عليه وسلم الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ومعاوية ومن بعده يسمون ملوكا ولو سموا خلفاء.
13
((باب رؤيا النساء))
أي: هذا باب في بيان رؤيا النساء، قال ابن بطال: الاتفاق على أن رؤيا المؤمنة الصالحة داخلة في قوله: رؤيا المؤمن الصالح جزء من أجزاء النبوة
7003 حدثنا سعيد بن عفير حدثني الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أن أم العلاء امرأة من الأنصار بايعت رسول الله أخبرته أنهم اقتسموا المهاجرين قرعة، قالت: فطار لنا عثمان بن مظعون وأنزلناه في أبياتنا فوجع وجعه الذي توفي فيه، فلما توفي غسل وكفن في أثوابه، دخل رسول الله قالت فقلت رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك، لقد أكرمك الله. فقال رسول الله وما يدريك أن الله أكرمه فقلت بأبي أنت يا رسول الله، فمن يكرمه الله؟ فقال رسول الله أما
هو فوالله لقد جاءه اليقين، والله إني لأرجو له الخير، ووالله ما أدري وأنا رسول الله ماذا يفعل بي فقالت والله لا أزكي بعده أحدا أبدا.
هذا مضى في الجنائز وفيه: فرأيت لعثمان عينا تجري، فأخبرت رسول الله فقال: ذلك عمله ويأتي أيضا الآن، وهذا هو وجه مطابقة الحديث للترجمة.
وأم العلاء ابنة الحارث بن ثابت بن حارثة بن ثعلبة ابن حلاس بن أمية الأنصارية من المبايعات، وكان رسول الله يعودها في مرضها.
قوله: أنهم أي: أن الأنصار اقتسموا المهاجرين يعني: أخذ كل منهم واحدا من المهاجرين حين قدموا المدينة. قوله: فطار لنا أي: وقع في سهمنا عثمان بن مظعون بالظاء المعجمة والعين المهملة. قوله: فوجع بكسر الجيم أي: مرض، ويجوز ضم الواو، وقال ابن التين بالضم رويناه. قوله: أبا السائب بالسين المهملة كنية عثمان بن مظعون. قوله: فشهادتي مبتدأ وعليك صلته والجملة الخبرية خبره وهي: لقد أكرمك الله أي: شهادتي عليك قولي: لقد أكرمك الله. قوله: بأبي أنت أي: مفدى بأبي أنت. قوله: أما هو بفتح الهمزة وتشديد الميم وقسمه. قوله: والله ما أدري وأنا رسول الله وأما مقدر نحوه * (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون وللنسآء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا) * إن لم يكن عطفا على الله، قال الكرماني: فإن قلت: معلوم أنه مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وله من المقامات المحمودة ما ليس لغيره. قلت:
145

هو نفي للدراية التفصيلية والمعلوم هو الإجمالي. قوله: ما يفعل بي وفي الحديث الآتي: ما يفعل به. قال الداودي: الأول ليس بصحيح والصحيح هذا لأن الرسول لا يشك، قال: أو قال ذلك قبل أن يخبر بأن أهل بدر يدخلون الجنة.
7004 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري بهذا، وقال: ما أدري ما يفعل به قالت وأحزنني فنمت فرأيت، لعثمان عينا تجري، فأخبرت رسول الله فقال: ذلك عمله
هذا هو من الحديث الماضي أخرجه عن أبي اليمان الحكم بن نافع.. الخ. قوله: بهذا أي: بالحديث المذكور. قوله: ذلك ويروى: ذاك.
14
((باب الحلم من الشيطان))
أي: هذا باب يذكر فيه الحلم من الشيطان، والحلم بضم الحاء وقد سبق معناه. وقد حذف ابن بطال وغيره هذا الباب لأن سبق مع الكلام عليه.
فإذا حلم فليبصق عن يساره وليستعذ بالله عز وجل.
حلم بفتح اللام، وهذه الترجمة ببعض ألفاظ الحديث.
7005 حدثنا يحياى بن بكير، حدثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة أن أبا قتادة الأنصاري وكان من أصحاب النبي وفرسانه قال: سمعت رسول الله يقول الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم الحلم يكرهه فليبصق عن يساره، وليستعذ بالله منه فلن يضره
مطابقته للترجمة ظاهرة. وقد مضى في: باب من رأى النبي عن يحيى بن بكير عن الليث عن عبد الله بن أبي جعفر عن أبي سلمة عن أبي قتادة، الحديث، وبينهما بعض اختلاف في رجال السند وفي المتن من زيادة ونقصان.
قوله: وكان من أصحاب النبي ذكر هذا تعظيما له وافتخارا به وتعليما للجاهل، وإن كان من الصحابة المشهورين. قوله: وفرسانه أي: ومن فرسان النبي ومن فروسيته أنه قتل يوم خيبر عشرين رجلا، فنفله الشارع سلبهم. قوله: الرؤيا من الله أي: المنام المحبوب من الله تعالى: والحلم المكروه من الشيطان أي: على طبعه، وإلا فالكل من الله تعالى. قوله: فإذا حلم بفتح اللام، وقد مر آنفا.
15
((باب اللبن))
أي: هذا باب في حكم رؤية اللبن إذا رآه في المنام بماذا يعبر به.
6007 حدثنا عبدان، أخبرنا عبد الله، أخبرنا يونس، عن الزهري، أخبرني حمزة بن عبد الله أن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه حتى إني لأرى الري يخرج من أظفاري، ثم أعطيت فضلي يعني عمر قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم
مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضحها ويبين تعبير اللبن.
وعبدان بن لقب عبد الله بن عثمان المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، ويونس هو ابن يزيد، وحمزة بالزاي ابن عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنهم يروي عن أبيه عبد الله.
والحديث مضى في العلم عن سعيد بن عفير.
قوله: لأرى الري اللام فيه للتأكيد، والري بكسر الراء وتشديد الياء الاسم وبالفتح مصدر، قال الجوهري: روينا من الري بالكسر أروي ريا ورواه أيضا. قوله: يخرج من أظفاري ويروى: يجري
146

من أظافيري، وهو جمع أظفار جمع ظفر. قال الداودي: قد يراه من تحت الجلد أو يحسه فيكون هذا ريا. وقال الكرماني: الخروج يستعمل: بعن؟. قلت: معناه خرج عن البدن حاصلا أو ظاهرا في الأظافير، فليس صلته أو باعتبار أن بين الحروف معاوضة انتهى. قلت: هذا السؤال والجواب على كون اللفظ يخرج في أظافيري
على ما في بعض النسخ على رواية الأكثرين، وأما على نسخة يخرج من أظفاري، على رواية الكشميهني، فلا يحتاج إلى هذا التكلف. وقال الكرماني أيضا: إن الري معنى والخروج للأعيان. قلت: هو بمعنى ما يروى به، أو ثمة مقدر يعني: أثر الري أو نحوه.
16
((باب إذا جراى اللبن في أطرافه أو أظافيره))
أي: هذا باب يذكر فيه إذا جرى اللبن في أطرافه أو أظافيره يعني: في المنام.
7007 حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي عن صالح، عن ابن شهاب، حدثني حمزة بن عبد الله بن عمر أنه سمع عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما أنا نائم أتيت بقدح لبن، فشربت منه حتى إني لأراى الري يخرج من أطرافي، فأعطيت فضلي عمر بن الخطاب فقال من حوله: فما أولت ذالك يا رسول الله؟ قال: العلم
هذا هو الحديث الذي سبق قبله في: باب اللبن، غير أنه أخرجه هنا عن علي بن عبد الله المديني عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمان بن عوف عن صالح بن كيسان عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري.. الخ، ومضى الكلام فيه.
17
((باب القميص في المنام))
أي: هذا باب في رؤية القميص.
26 - (حدثنا علي بن عبد الله حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثني أبي عن صالح عن ابن شهاب قال حدثني أبو أمامة بن سهل أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول قال رسول الله
بينما أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك ومر علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره قالوا ما أولت يا رسول الله قال الدين)
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله هم المذكورون في الباب السابق غير أن هناك بعد ابن شهاب حمزة بن عبد الله وهنا أبو أمامة بن سهل واسمه أسعد بن سهل بن حنيف الأنصاري أدرك النبي
ويقال أنه سماه وكناه باسم جده وكنيته ولم يسمع من النبي
وسمع أباه وأبا سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما والحديث مضى في العلم في باب تفاضل أهل الإيمان قوله رأيت الناس قال بعضهم رأيت من الرؤية البصرية وقوله يعرضون حال ويجوز أن يكون من الرؤية العلمية ويعرضون مفعول ثان والناس بالنصب على المفعولية ويجوز فيه الرفع انتهى قلت في هذا التفصيل نظر ويعرضون حال على كل تقدير ولم يبين وجه رفع الناس قوله علي بتشديد الياء وليس هذا اللفظ في كثير من النسخ ولكن هو مقدر قوله قمص بضم القاف والميم جمع قميص ومناسبته بالدين أنه يستر العورة كما أن الدين يستر الأعمال السيئة قيل جر القميص منهي عنه الجواب المنهي هو الذي يجر للخيلاء لا القميص الأخروي الذي هو لباس التقوى قوله الثدي بفتح الثاء المثلثة وسكون الدال ويجمع على ثدي بضم الثاء وكسر الدال
147

وتشديد الياء وظاهر الكلام أن الثدي يكون للرجل وقال الجوهري الثدي للرجل والمرأة وقال ابن فارس الثدي للمرأة الجمع الثدي يذكر ويؤنث وثندوة الرجل كثدي المرأة وأصل ثدي ثدوي على وزن فعول فاجتمع حرفا علة وسبق الأول بالسكون فقلبت ياء وأدغمت الياء في الياء التي بعدها وكسرت الدال لأجل الياء التي بعدها ويقال أيضا بكسر الثاء المثلثة قوله ومر علي بتشديد الياء والواو في وعليه للحال وكذا يجره حال وفي رواية عقيل يجتر قوله ما أولت كذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره ما أولته بالضمير ومضى في الإيمان بلفظ فما أولت ذلك ووقع عند الحكيم الترمذي فقال له أبو بكر رضي الله تعالى عنه على ما تأولت هذا يا رسول الله * -
18
((باب جر القميص في المنام))
أي: هذا باب في بيان حكم جر القميص في المنام.
7009 حدثنا سعيد بن عفير، حدثني الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب أخبرني أبو أمامة بن سهل، عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي، وعليهم قمص، فمنها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجتره قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: الدين
مطابقته للترجمة في قوله: وعليه قميص يجتره وهذا هو الحديث الذي مضى في الباب السابق. أخرجه من وجه آخر عن ابن شهاب، وفيه: فضيلة عمر، رضي الله تعالى عنه.
19
((باب الخضر في المنام والروضة الخضراء))
أي: هذا باب في بيان رؤية الخضر في المنام، والخضر بضم الخاء المعجمة وسكون الضاد المعجمة جمع أخضر وهو اللون المعروف من أصول الألوان، ووقع في
رواية النسفي وأبي أحمد الجرجاني: باب الخضرة. قوله: والروضة الخضراء، قال القيرواني: الروضة التي لا يعرف نبتها تعبر بالإسلام لنضارتها وحسن بهجتها، وتعبر أيضا بكل مكان فاضل يطاع الله فيه: كقبر رسول الله وحلق الذكر وجوامع الخير وقبور الصالحين. وقال ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة. وقال: ارتعوا من رياض الجنة، يعني: حلق الذكر، وقال: القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، وقد تدل الروضة على المصحف وعلى كتاب العلم كقولهم: الكتب رياض الحكماء.
7010 حدثني عبد الله بن محمد الجعفي، حدثنا حرمي بن عمارة، حدثنا قرة بن خالد عن محمد بن سيرين قال: قال قيس بن عباد كنت في حلقة فيها سعد بن مالك وابن عمر، فمر عبد الله بن سلام فقالوا: هاذا رجل من أهل الجنة؟ فقلت له: إنهم قالوا كذا وكذا، فقال: سبحان الله ما كان ينبغي لهم أن يقولوا ما ليس لهم به علم، إنما رأيت كأنما عمود وضع في روضة خضراء، فنصب فيها وفي رأسها عروة، وفي أسفلها منصف والمنصف الوصيف فقيل: ارقه فرقيت حتى أخذت بالعروة، فقصصتها على رسول الله فقال رسول الله يموت عبد الله وهو
148

آخذ بالعروة الوثقى
انظر الحديث 2813 وطرفه
مطابقته للجزء الثاني من الترجمة في قوله: في روضة خضراء
وعبد الله بن محمد هو المعروف بالمسندي والجعفي بضم الجيم وسكون العين المهملة وبالفاء نسبة إلى جعف بن سعد العشيرة من مذحج، وقال الجوهري: أبو قبيلة من اليمن والنسبة إليه كذلك، وحرمي بفتح الحاء المهملة والراء وبالميم وياء النسبة وهو اسم بلفظ النسب، وعمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم، وقرة بضم القاف وتشديد الراء ابن خالد السدوسي، وقيس بن عباد بضم العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة البصري التابعي الثقة الكبير له إدراك، قدم المدينة خلافة عمر، رضي الله تعالى عنه، ووهم من عده من الصحابة، وقد مضى ذكره في مناقب عبد الله بن سلام بهذا الحديث. ومضى له حديث آخر في تفسير سورة الحج وغزوة بدر أيضا وليس له في البخاري سوى هذين الحديثين.
قوله: في حلقة بسكون اللام ويجمع على حلق بكسر الحاء كقصعة وقصع، وقال الجوهري: جمع الحلقة حلق بفتح الحاء على غير قياس. قوله: فيها سعد بن مالك هو سعد بن أبي وقاص، رضي الله تعالى عنه. قوله: هذا رجل من أهل الجنة إنما قالوا ذلك لأنهم سمعوا رسول الله يقول: إنه لا يزال متمسكا بالإسلام حتى يموت. قوله: فقلت له أي: لعبد الله بن سلام، والقائل هو قيس بن عباد. قوله: فقال: سبحان الله أي: فقال عبد الله بن سلام: سبحان الله، للتعجب إنما أنكر عبد الله عليهم للتواضع وكراهة أن يشار إليه بالأصابع فيدخله العجب، قال الكرماني: الأولى أن يقال: إنما قاله لأنهم لم يسمعوا ذلك صريحا بل قالوه استدلالا واجتهادا، فهو في مشيئة الله تعالى. إنما رأيت الخ التئام هذا الكلام بما قبله هو أنه لما أنكر عليهم ما قالوه ذكر المنام المذكور فهذا يدل على أنه إنما أنكر عليهم الجزم ولم ينكر أصل الإخبار بأنه من أهل الجنة، وهكذا يكون شأن المراقبين الخائفين المتواضعين. قوله: كأنما عمود وضع في روضة خضراء وفي رواية ابن عون: في وسط الروضة، ولم يذكر وصف الروضة هنا، ومضى في المناقب من رواية ابن عون، رأيت كأني في روضة، ذكره من سعتها وخضرتها، وقال الكرماني: يحتمل أن يراد بالروضة جميع ما يتعلق بالدين، وبالعمود الأركان الخمسة، وبالعروة الوثقى الدين. وفي التوضيح والعمود دال على كل ما يعتمد عليه: كالقرآن والسنن والفقه في الدين، ومكان العمود وصفات المنام تدل على تأويل الأمر وحقيقة التعبير، وكذلك العروة الإسلام والتوحيد وهي العروة الوثقى، قال تعالى: * (لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم) * فأخبر الشارع بأن ابن سلام يموت على الإيمان، ولما في هذه الرؤيا من شواهد ذلك حكم له الصحابة بالجنة بحكم الشارع بموته على الإسلام، وقال الداودي: قالوا: لأنه كان بدريا، وفيه: القطع بأن كل من مات على الإسلام والتوحيد لله دخل الجنة وإن نالت بعضهم عقوبات. قوله: فنصب فيها أي: العمود نصب في الروضة، ونصب بضم النون وكسر الصاد المهملة من النصب وهو ضد الخفض. وفي المطالع وفي رواية العذري: انتصب، والأول هو الصواب، وقال الكرماني: ويروى: نيص من ناص بالمكان أي أقام فيه، وهو بالنون في أوله وفي رواية المستملي والكشميهني: قبضت، بفتح القاف والباء الموحدة وسكون الضاد المعجمة وبتاء الخطاب، وقال الكرماني: ويروى: قبضت، بلفظ مجهول القبض وهو بإعجام الضاد. قوله: وفي رأسها أي: وفي رأس العمود، وإنما أنث الضمير لأن العمود إما مؤنث سماعي وإما باعتبار معنى العمدة، وقيل: المراد منه عمودة وحيث استوى فيه التذكير والتأنيث لم تلحقه التاء. قوله: منصف بكسر الميم وهو الوصيف بالصاد المهملة أي: الخادم، وقد فسره في الحديث بقوله: والمنصف الوصيف وهو مدرج تفسير ابن سيرين. وقال ابن التين روينا: منصف، بفتح الميم، وقال الهروي: يقال: نصفت الرجل أنصفه نصافة إذا خدمته، والمنصف الخادم والمراد هنا بالوصيف عون الله له. قوله: ارقه أي: قيل لعبد الله بن سلام: ارقه، وهو أمر من رقى يرقى من باب علم يعلم إذا صعد ومصدره رقي. قوله: فرقيت بكسر القاف على الأفصح؟. قوله: حتى أخذت بالعروة وتقدم في المناقب: فرقيت حتى كنت في أعلاها فأخذت بالعروة فاستمسكت، فاستيقظت وإنها لفي يدي، ووقع في رواية خرشة عند مسلم: حتى أتى
149

بي عمودا رأسه في السماء وأسفله في الأرض أعلاه حلقة، فقال لي: اصعد فوق هذا، قال: قلت: كيف أصعد؟ فأخذ بيدي فزجل بي بزاي وجيم أي: رفعني فإذا أنا متعلق بالحلقة، ثم ضرب العمود فخر وبقيت متعلقا بالحلقة حتى أصبحت. قوله: فقصصتها أي: الرؤيا، والباقي ظاهر.
20
((باب كشف المرأة في المنام))
أي: هذا باب في بيان كشف الرجل المرأة في المنام بأن كشف وجهها ليراه ليتزوج بها.
7011 حدثنا عبيد بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله أريتك في المنام مرتين إذا رجل يحملك في سرقة من حرير، فيقول: هذه امرأتك، فأكشفها فإذا هي أنت، فأقول: إن يكن هاذا من عند الله يمضه
مطابقته للترجمة في قوله: فأكشفها وعبيد مصغر عبد ابن إسماعيل الهباري القرشي الكوفي، واسمه في الأصل عبد الله أبو محمد، وأبو أسامة حماد بن أسامة الليثي، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن أم المؤمنين عائشة.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النكاح. وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي كريب.
قوله: أريتك بضم الهمزة وكسر الراء والكاف خطاب لعائشة. قوله: مرتين وقع عند مسلم مرتين أو ثلاثا، بالشك قيل: يحتمل أن يكون الشك من هشام فاقتصر البخاري على مرتين لأنه محقق. قوله: إذا رجل يحملك يأتي في الباب الذي يليه: فإذا ملك يحملك، والتوفيق بينهما أن الملك يتشكل بشكل الرجل، والمراد به جبريل، عليه السلام. قوله: في سرقه بفتح السين المهملة وفتح الراء والقاف أي: في قطعة من حرير، وفي التوضيح السرقة شقة الحرير. وقوله: من حرير تأكيد كقوله: أساور من ذهب، والأساور لا تكون إلا من ذهب وإن كان من فضة تسمى قلبا، وإن كانت من قرون أو عاج تسمى مسكة. قوله: فأكشفها بلفظ المتكلم. قوله: فإذا هي أنت قال القرطبي: يريد أنه رآها في النوم كما رآها في اليقظة فكانت هي المراد بالرؤيا لا غيرها. قوله: يمضه مجزوم لأنه جواب الشرط أي: ينفذه ويكمله. وقال الكرماني: يحتمل أن تكون هذه الرؤيا قبل النبوة وأن تكون بعدها وبعد العلم فإن رؤياه وحي، فعبر عما علمه بلفظ الشك ومعناه اليقين إشارة إلى أنه لا دخل له فيه وليس ذلك باختياره وفي قدرته. انتهى. قلت: بين حماد بن سلمة في روايته المراد ولفظه: أتيت بجارية في سرقة من حرير بعد وفاة خديجة، فكشفتها فإذا هي أنت، وهذا يدفع الاحتمال الذي ذكره الكرماني.
21
((باب ثياب الحرير في المنام))
أي: هذا باب في بيان رؤية ثياب الحرير في المنام.
7012 حدثنا محمد، أخبرنا أبو معاوية، أخبرنا هشام، عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله أريتك قبل أن أتزوجك مرتين رأيت الملك يحملك في سرقة من حرير، فقلت له: اكشف، فكشف فإذا هي أنت، فقلت: إن يكن هاذا من عند الله يمضه، ثم أريتك يحملك في سرقة من حرير، فقلت: اكشف، فكشف فإذا هي أنت، فقلت: إن يك هاذا من عند الله يمضه
هذا هو الحديث المذكور قبل هذا الباب.
ومحمد شيخ البخاري، قال الكلاباذي: محمد بن سلام أو محمد بن المثنى كل منهما
150

يروي عن أبي معاوية محمد بن خازم بالخاء المعجمة والزاي، وجزم السرخسي في رواية أبي ذر عنه أنه محمد بن العلاء أبو كريب، ومضى الكلام فيه.
قوله: اكشف فكشف قد مر في الرواية الماضية: اكشفها، فالكاشف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ثمة وهنا الملك، والتوفيق بينهما أنه يحتمل أن يراد بقوله: اكشفها، أمرت بكشفها أو كشف كل منهما شيئا، وقيل: نسبة الكشف إليه لكونه الآمر به، وأن الذي باشر الكشف هو الملك.
وقال ابن بطال رؤية المرأة في المنام تحتمل وجوها. منها: أن تدل على امرأة تكون له في اليقظة تشبه التي رآها في المنام كما كانت رؤية الشارع هذه ومنها: أنه قد تدل على الدنيا والمنزلة فيها والسعة في الرزق وهو أصل عند المعبرين في ذلك. ومنها أنه قد تدل على فتنة بما يقترن بها من دلائل ذلك، وثياب الحرير واتخاذها للنساء في الرؤيا تدل على النكاح وعلى الأزواج وعلى العز والغناء، ولبس الذهب والفضة واللباس دال على حشم لابسه لأنه محله، ولا خير في ثياب الحرير للرجل. والله أعلم.
22
((باب المفاتيح في اليد))
أي: هذا باب في بيان رؤية المفاتيح في اليد. وقال أهل التعبير: المفتاح مال وعز وسلطان وصلاح وعلم وحكمة، فمن رأى أنه يفتح بابا بمفتاح فإنه يظفر بحاجته بمعونة من له يد، وإن رأى أن في يده مفتاحا فإنه يصيب سلطانا عظيما، فإن كان مفتاح الجنة فإنه يصيب سلطانا عظيما في الدين أو عملا كثيرا من أعمال البر أو يجد كنزا أو مالا حلالا ميراثا، وإن كان مفتاح الكعبة حجب سلطانا أو إماما، وقس على هذا سائر المفاتيح. وقال الكرماني: وقد يكون إذا فتح به بابا دعا دعاء يستجاب له.
7013 حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا الليث، حدثني عقيل عن ابن شهاب أخبرني سعيد ابن المسيب أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعثت بجوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض، فوضعت في يدي.
قال محمد: وبلغني أن جوامع الكلم: أن الله يجمع الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد، والأمرين أو نحو ذلك.
مطابقته للترجمة في قوله: أتيت بمفاتيح خزائن الأرض
ورجاله قد مروا تقريبا وبعيدا. والحديث مضى في الجهاد عن يحيى بن بكير ومضى الكلام فيه.
قوله: قال محمد ويروى: قال أبو عبد الله. قلت: قال محمد رواية كريمة، وقوله: أبو عبد الله رواية أبي ذر، قيل: هو البخاري لأن اسمه محمد وكنيته أبو عبد الله، وقال بعضهم: الذي يظهر أن الصواب ما عند كريمة فإن هذا الكلام ثبت عن الزهري واسمه محمد بن مسلم وقد ساقه البخاري هنا من طريقه فيبعد أن يأخذ كلامه فينسبه لنفسه. انتهى. قلت: سبق بهذا الكلام صاحب التوضيح ولا يخلو عن تأمل. قوله: يجمع الأمور الكثيرة الخ قال الهروي: يعني القرآن.
23
((باب التعليق بالعروة والحلقة))
أي: هذا باب في بيان من رأى في منامه أنه يتعلق بالعروة أو بالحلقة. وقال أهل التعبير: الحلقة والعروة المجهولة تدل لمن تمسك بها على قوته في دينه وإخلاصه فيه.
7014 حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا أزهر، عن ابن عون. وحدثني خليفة، حدثنا معاذ، حدثنا ابن عون، عن محمد، حدثنا قيس بن عباد، عن عبد الله بن سلام قال: رأيت كأني في روضة، وسط الروضة عمود، في أعلاى العمود عروة، فقيل لي: ارقه. قلت: لا أستطيع، فأتاني وصيف فرفع ثيابي فرقيت فاستمسكت بالعروة، فانتبهت وأنا مستمسك بها، فقصصتها على النبي
151

فقال: تلك الروضة روضة الإسلام وذالك العمود عمود الإسلام، وتلك العروة عروة الوثقى، لا تزال مستمسكا بالإسلام حتى تموت
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: فاستمسكت بالعروة وهو الحديث الذي مر عن قريب في: باب الخضر في المنام والروضة الخضراء، ومضى الكلام فيه.
وأخرجه هنا من طريقين الأول: عن عبد الله بن محمد المعروف بالمسندي عن أزهر بفتح الهمزة وسكون الزاي ابن سعد السمان البصري عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين عن قيس بن عباد والثاني: عن خليفة بن خياط بفتح الخاء المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف عن معاذ بن معاذ بضم الميم فيهما التميمي عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين عن قيس بن عباد الخ.
قوله: حدثني ويروى: حدثنا. قوله: ارقه إلها فيه هاء السكت. قوله: وصيف بفتح الواو وهو الخادم. قوله: وأنا مستمسك بها قيل: كيف كانت العروة بعد الانتباه في يده؟ وأجيب: يعني انتبهت حال الاستمساك حقيقة بعده لشمول قدرة الله عز وجل له.
24
((باب عمود الفسطاط تحت وسادته))
أي: هذا باب في ذكر من رأى في منامه عمود الفسطاط تحت وسادته، والعمود معروف وجمعه أعمدة وعمد بضمتين وبفتحتين وهو ما ترفع به الأخبية من الخشب، والعمود يطلق أيضا على ما يرفع به البيوت من حجارة كالرخام والصوان ويطلق أيضا على ما يعتمد عليه من حديد أو غيره، وعمود الصبح ابتداء ضوئه. والفسطاط بضم الفاء وبكسرها وبالطاء المهملة مكررة هو الخيمة العظيمة، وقال الكرماني: هو السرادق، ويقال له: الفستات والفستاط والفساط، وقال الجوالقي: هو فارسي معرب. قوله: تحت وسادته وفي رواية النسفي: عند وسادته، وهي بكسر الواو المخدة، وهذه الترجمة ليس فيها حديث وبعده: باب الإستبرق ودخول الجنة في المنام، وهكذا عند الجميع إلا أنه سقط لفظ: باب، عند النسفي والإسماعيلي وأما ابن بطال فإنه جمع الترجمتين في باب واحد فقال: باب عمود الفسطاط تحت وسادته ودخول الجنة في المنام، وفيه حديث ابن عمر الآتي: وقال ابن بطال: سألت المهلب: كيف ترجم البخاري بهذا الباب ولم يذكر فيه حديثا؟ فقال: لعله رأى حديث ابن عمر أكمل إذ فيه أن السرقة كانت مضروبة في الأرض على عمود كالخباء وأن ابن عمر اقتلعها فوضعها تحت وسادته، وقام هو بالسرقة بمسكها وهي كالهودج من إستبرق فلا يرى موضعا من الجنة إلا طار إليه، ولما لم يكن هذا بسنده لم يذكره لكنه ترجم به ليدل على أن ذلك مروي أو ليبين سنده فيلحقه بها، فأعجلته المنية عن تهذيب كتابه. والله أعلم.
25
((باب الاستبرق ودخول الجنة في المنام))
أي: هذا باب في بيان رؤية الإستبرق، وهو الغليظ من الديباج وهو فارسي معرف بزيادة القاف، وقد يعبر الحرير في المنام بالشرف في الدين والعلم لأن الحرير من أشرف ملابس الدنيا، وكذلك العلم بالدين أشرف العلوم. قوله: ودخول الجنة في المنام عطف على الإستبرق أي: وفي بيان رؤية الدخول في الجنة في المنام ورؤية دخول الجنة في المنام تدل على دخولها في اليقظة، ويعبر أيضا بالدخول في الإسلام الذي هو سبب لدخول الجنة.
7015 حدثنا معلى بن أسد، حدثنا وهيب، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: رأيت في المنام كأن في يدي سرقة من حرير لا أهوي بها إلى مكان في الجنة، إلا طارت بي إليه.
7016 فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخاك رجل صالح أو قال: إن عبد الله رجل صالح
152

مطابقته للجزء الأول للترجمة تؤخذ من قوله: رأيت في المنام كأن في يدي سرقة من حرير وتؤخذ للجزء الثاني من قوله: لا أهوي بها إلى مكان في الجنة إلا طارت
بي إليه فإن قلت: ليس فيه ما يطابق الجزء الأول من الترجمة فإنها لفظ: الإستبرق، وليس فيه. قلت: قد مر أن السرقة قطعة من الحرير. وقيل شقة منه الإستبرق أيضا نوع من الحرير.
وشيخ البخاري معلى بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد اللام المفتوحة ابن أسد العمي أبو الهيثم البصري أخو بهز بن أسد، ووهيب مصغر وهب ابن خالد البصري، وأيوب هو السختياني، ونافع يروي عن مولاه عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنهما.
والحديث مضى في صلاة الليل عن أبي النعمان عن حماد، ومضى الكلام فيه.
قوله: أهوي بها بضم الهمزة من الإهواء وثلاثية: هوى أي: سقط، وقال الأصمعي: أهويت بالشيء إذا رميت به، ويقال: أهويت له بالسيف. قوله: إلا طارت بي إليه طيران السرقة قوة يرزقه الله تعالى على التمكن من الجنة حيث يشاء.
قوله: أو إن عبد الله شك من الراوي، ووقع في رواية حماد عند مسلم: إن عبد الله رجل صالح. بالجزم، وزاد الكشميهني في روايته عن الفربري: لو كان يصلي من الليل، ووقع في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: نعم الفتى، أو قال: نعم الرجل ابن عمر، كان يصلي من الليل، رواه مسلم.
26
((باب القيد في المنام))
أي: هذا باب في بيان من رأى أنه مقيد في المنام، ولم يذكر ما يكون تعبيره اكتفاء بما ذكر في الحديث.
7017 حدثنا عبد الله بن صباح، حدثنا معتمر قال: سمعت عوفا حدثنا محمد بن سيرين أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله إذا اقترب الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن، ورؤيا المؤمن، جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة، وما كان من النبوة فإنه لا يكذب
قال محمد: وأنا أقول هاذه، قال: وكان يقال: الرؤيا ثلاث: حديث النفس، وتخويف الشيطان، وبشراى من الله، فمن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد، وليقم فليصل، قال: وكان يكره الغل في النوم، وكان يعجبهم القيد، ويقال: القيد ثبات في الدين.
انظر الحديث 6988
مطابقته للترجمة في قوله: وكان يعجبهم القيد الخ.
وعبد الله بن الصباح بتشديد الباء الموحدة العطار البصري، ومعتمر بن سليمان، وعوف الأعرابي والحديث من أفراده.
قوله: إذا اقترب الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن هكذا في رواية أبي ذر عن غير الكشميهني، وفي رواية غيره: إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وقال الخطابي: فيه قولان: أحدهما: أن المعنى إذا تقارب زمان الليل وزمان النهار وهو وقت استوائهما أيام الربيع، وذلك وقت اعتدال الطبائع الأربع غالبا. والثاني: أن المراد من اقتراب الزمان انتهاء مدته إذا دنا قيام الساعة. وقال ابن بطال: الصواب هو الثاني، وقال الداودي: المراد بتقارب الزمان نقص الساعات والأيام والليالي، ومراده بالنقص سرعة مرورها وذلك قرب قيام الساعة. وقيل: معنى كون رؤيا المؤمن في آخر الزمان لا تكاد تكذب أنها تقع غالبا على الوجه المرئي لا تحتاج إلى التعبير فلا يدخلها الكذب، والحكمة في اختصاص ذلك بآخر الزمان أن المؤمن في ذلك الوقت يكون غريبا كما في الحديث: بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا أخرجه مسلم، فيقل أنس المؤمن ومعينه في ذلك الوقت فيكرم بالرؤيا الصادقة، وقيل: المراد بالزمان المذكور زمان المهدي عند بسط العدل وكثرة الأمن وبسط الخير والرزق، وقال القرطبي: المراد والله أعلم بآخر الزمان المذكور في هذا الحديث زمان الطائفة الباقية مع عيسى ابن مريم، صلوات الله عليهما وسلامه، بعد قتله الدجال. قوله: ورؤيا المؤمن جزء... الحديث، معطوف على جملة الحديث قبله، وهذا: إذا اقترب الزمان... الحديث، فهو مرفوع أيضا، وقد مر الكلام فيه عن قريب.
قوله: قال محمد هو ابن سيرين. قوله: وأنا أقول هذه إشارة إلى الجملة
153

المذكورة. وقال الكرماني: هذه أي المقالة. وقوله: وأنا أقول هذه كذا هو في رواية أبي ذر وفي جميع الطرق، ووقع في شرح ابن بطال وأنا أقول هذه الأمة، وذكره عياض كذلك، وقال: خشي ابن سيرين أن يتأول أحد معنى قوله: وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا، أنه إذا تقارب الزمان لم يصدق إلا رؤيا الرجل الصالح، وأنا أقول هذه الأمة يعني: أن رؤيا هذه الأمة صادقة كلها صالحها وفاجرها ليكون صدق رؤياهم زجرا لهم وحجة عليهم لدروس أعلام الدين وطموس آثاره بموت العلماء وظهور المنكر. انتهى. وقال بعضهم: وهذا مرتب على ثبوت هذه الزيادة وهي لفظ: الأمة، ولم أجدها في شيء من الأصول. انتهى. قلت: عدم وجدانه ذلك لا يستلزم عدم وجدانه عند غيره. قوله: قال: وكان يقال: الرؤيا ثلاث... الخ. أي قال محمد بن سيرين: الرؤيا على ثلاثة أقسام، ولم يعين ابن سيرين القائل بهذا من هو. قالوا: هو أبو هريرة وقد رفعه بعض الرواة ووقفه آخرون، وقد أخرجه أحمد عن هوذة بن خليفة عن عوف بسنده مرفوعا: الرؤيا ثلاث... الحديث مثله. وأخرجه الترمذي والنسائي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن سيرين عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله الرؤيا ثلاث: فرؤيا حق، ورؤيا يحدث بها الرجل نفسه، ورؤيا تخويف من الشيطان وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي من طريق عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن محمد بن سيرين مرفوعا أيضا بلفظ: الرؤيا ثلاث فالرؤيا الصالحة بشرى من الله، والباقي نحوه. قوله: حديث النفس أي: أولها حديث النفس وهو ما كان في اليقظة في خيال الشخص فيرى ما يتعلق به عند المنام. قوله: وتخويف الشيطان وهو الحلم أي: المكروهات منه. قوله: وبشرى أي: الثالث بشرى من الله. أي: المبشرات وهي المحبوبات. ووقع في حديث عوف بن مالك عند ابن ماجة بسند حسن رفعه: الرؤيا ثلاث: منها أهاويل من الشيطان ليحزن ابن آدم، ومنها ما بهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا
من النبوة، قيل: ليس الحصر مرادا من قوله: ثلاث، لثبوت أربعة أنواع أخرى الأول: حديث النفس وهو في حديث أبي هريرة في الباب. الثاني: تلاعب الشيطان، وقد ثبت عند مسلم من حديث جابر، رضي الله تعالى عنه، قال: جاء أعرابي فقال: يا رسول الله رأيت في المنام كان رأسي قطع فأنا أتبعه، وفي لفظ: فتدحرج فاشتددت في إثره، فقال: لا تخبر بتلاعب الشيطان بك في المنام، وفي رواية له: إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يخبر به الناس والثالث: رؤيا ما يعتاده الرائي في اليقظة كمن كانت عادته أن يأكل في وقت فنام فيه فرأى أنه يأكل، أو بات طافحا من أكل أو شرب فرأى أنه يتقيأ، وبينه وبين حديث النفس عموم وخصوص. الرابع: الأضغاث. قوله: قال: وكان يكره أي: قال ابن سيرين: كان أبو هريرة يكره الغل في النوم، لأنه من صفات أهل النار لقوله تعالى: * (إذ الاغلال فى
1764; أعناقهم والسلاسل يسحبون) * الآية، وقد تدل على الكفر وقد تدل على امرأة تؤذي، يعني يعبر بها. والغل بضم الغين المعجمة وتشديد اللام هو الحديد الذي يجعل في العنق، وقالوا: إن انضم الغل إلى القيد يدل على زيادة المكروه، وإذ جعل الغل في اليدين حمد لأنه كف لهما عن الشر، وقد يدل الغل على البخل بحسب الحال، وقالوا أيضا: إن رأى أن يديه مغلولتان فإنه بخيل، وإن رأى أنه قيد وغل فإنه يقع في سجن أو شدة. وقال الكرماني: اختلفوا في قوله: وكان يقال إلى قوله: في الدين فقال بعضهم: كله كلام الرسول وقيل: كله كلام ابن سيرين، وقيل: القيد ثبات في الدين هو كلام رسول الله وقيل: وكان يكره، فاعله رسول الله وهو كلام أبي هريرة. انتهى. قلت: أخذ الكرماني هذا من كلام الطيبي. قوله: وكان يعجبهم كذا ثبت هنا بلفظ الجمع والإفراد في: يكره، ونقول: وقال الطيبي: ضمير الجمع لأهل التعبير، وكذا قوله: وكان يقال: القيد ثبات في الدين قال المهلب: روي عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: القيد ثبات في الدين، من رواية قتادة ويونس وآخرين، وتفسير ذلك أنه يمنع الخطايا ويقيد عنها، وروى ابن ماجة من حديث وكيع عن أبي بكر الهذلي عن ابن سيرين، فذكر قصة القيد مرفوعة.
154

وروى قتادة ويونس وهشام وأبو هلال عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي وأدرجه بعضهم كله في الحديث وحديث عوف أبين، وقال يونس: لا أحسبه إلا عن النبي في القيد.
أي روى أصل الحديث قتادة بن دعامة ويونس بن عبيد أحد أئمة البصرة وهشام بن حسان الأزدي وأبو هلال محمد بن سليم بالضم الراسبي وقال الكرماني: لم يسبق ذكره كل هؤلاء رووه عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي قوله: وأدرجه بعضهم كله أي كل المذكور من لفظ: الرؤيا ثلاث... إلى: في الدين، أي جعله كله مرفوعا، والمراد به رواية هشام بن أبي عبد الله الدستوائي عن قتادة، وقال مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا معاذ حدثني أبي عن قتادة عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن رسول الله وأدرجه في الحديث. قوله: وأكره الغل... الخ، ولم يذكر: الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة. قوله: وحديث عوف أبين أي: وحديث عوف الأعرابي أظهر حيث فصل المرفوع عن الموقوف، وقال الكرماني: أبين أي في أن لا يكون ذلك من الحديث. قوله: وقال يونس: لا أحسبه.. أي: لا أحسب الذي أدرجه بعضهم إلا عن النبي في القيد، يعني: أنه شك في رفعه.
وقال أبو عبد الله: لا تكون الأغلال إلا في الأعناق.
أبو عبد الله هو البخاري نفسه، وأشار بهذا الكلام إلى رد قول من قال: قد يكون الغل في غير العنق كاليد والرجل، ولكن لا ينهض هذا الرد لما قال أبو علي القالي: الغل ما يربط به اليد، وقال ابن سيده: الغل خاصة تجعل في العنق أو اليد، والجمع أغلال ويد مغلولة جعلت في الغل قال تعالى: * (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشآء وليزيدن كثيرا منهم مآ أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضآء إلى يوم القيامة كلمآ أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون فى الارض فسادا والله لا يحب المفسدين) *
27
((باب العين الجارية في المنام))
أي: هذا باب في بيان رؤية العين الجارية في المنام، وقال المهلب: العين الجارية تحتمل وجوها فإن كان ماؤها صافيا عبرت بالعمل الصالح وإلا فلا، وقيل: العين الجارية عمل جار من صدقة أو معروف لحي أو ميت، وقيل: عين الماء نعمة وبركة وخير وبلوغ أمنية إن كان صاحبها مستورا، وإن كان غير عفيف أصابته مصيبة يبكي لها أهل داره.
7018 حدثنا عبدان، أخبرنا عبد الله، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أم العلاء وهي امرأة من نسائهم بايعت رسول الله قالت: طار لنا عثمان بن مظعون في السكنى حين اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين، فاشتكى فمرضناه حتى توفي، ثم جعلناه في أثوابه، فدخل علينا رسول الله فقلت رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله. قال: وما يدريك؟ قلت لا أدري، والله. قال: أما هو فقد جاءه اليقين، إني لأرجو له الخير من الله، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم قالت أم العلاء فوالله لا أزكي أحدا بعده. قالت: ورأيت لعثمان في النوم عينا تجري، فجئت رسول الله فذكرت ذالك له فقال: ذاك عمله يجري له
مطابقته للترجمة في قوله: ورأيت لعثمان في النوم إلى آخره.
وعبدان لقب عبد الله بن عثمان المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي.
والحديث قد مضى في: باب رؤيا النساء، ومضى الكلام فيه. وأم العلاء والدة خارجة بن زيد الراوي عنها هنا واسمها كنيتها.
قوله: وهي امرأة من نسائهم أي: من الأنصار، وهو من كلام الزهري الراوي عن خارجة.
قوله طار لنا
155

يعني: وقع لنا في سهمنا. قوله: حين اقترعت وفي رواية أبي ذر عن غير الكشميهني: حين أقرعت، بحذف التاء. قوله: فاشتكى أي: مرض. قوله: فمرضناه بتشديد الراء أي: قمنا بأمره في مرضه. قوله: حتى توفي كانت وفاته في شعبان سنة ثلاث من الهجرة. قوله: ذاك عمله يجري له يعني: شيء من عمله بقي له ثوابه جاريا كالصدقة، وأنكر صاحب التلويح أن يكون له شيء من الأمور الثلاثة التي ذكرها مسلم من حديث أبي هريرة رفعه: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث.. الحديث، ورد عليه بأنه كان له ولد صالح شهد بدرا وما بعدها وهو السائب مات في خلافة أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، فهو أحد الثلاثة، وقد كان عثمان من الأغنياء فلا يبعد أن يكون له صدقة استمرت بعد موته، فقد أخرج ابن سعد من مرسل أبي بردة بن أبي موسى، قال: دخلت امرأة عثمان بن مظعون على نساء النبي فرأين هيئتها فقلن: مالك؟ فما في قريش أغنى من بعلك؟ فقالت: أما ليله فقائم... الحديث.
28
((باب نزع الماء من البئر حتى يرواى الناس))
أي: هذا باب في بيان من يرى أنه ينزع الماء أي: يستخرج الماء من البئر حتى يروى، بفتح الواو من روى يروي من باب علم يعلم. قوله: الناس، بالرفع فاعله.
رواه أبو هريرة عن النبي
أي: روى نزع الماء من البئر أبو هريرة، وسيأتي موصولا في الباب الثاني.
7019 حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير، حدثنا شعيب بن حرب، حدثنا صخر بن جويرية، حدثنا نافع أن ابن عمر، رضي الله عنهما، حدثه قال: قال رسول الله بينا أنا على بئر أنزع منها، إذ جاءني أبو بكر وعمر، فأخذ أبو بكر الدلو فنزع ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف فغفر الله له، ثم أخذها ابن الخطاب من يد أبي بكر فاستحالت في يده غربا، فلم أر عبقريا من الناس يفري فريه حتى ضرب الناس بعطن.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ويعقوب بن إبراهيم بن كثير بالثاء المثلثة الدورقي، وشعيب بن حرب المدائني يكنى أبا صالح، كان أصله من بغداد فسكن المداين فنسب إليها، ثم انتقل إلى مكة فنزلها إلى أن مات بها وماله في البخاري سوى هذا الحديث، وصخر بفتح الصاد المهملة وسكون الخاء المعجمة وبالراء ابن جويرية مصغر جارية بالجيم.
والحديث مضى في فضائل أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، عن أحمد بن سعيد.
قوله: بينا قد ذكرنا غير مرة أن أصل: بينا، بين فأشبعت فتحة النون فصارت بينا، ويقال أيضا: بينما، ويضاف إلى جملة. قوله: إذ جاءني جوابه، وكلمة: إذ، للمفاجأة. قوله: ذنوبا بفتح الذال المعجمة وهو الدلو الممتلىء. قوله: أو ذنوبين شك من الراوي. قوله: وفي نزعه ضعف بفتح الضاد وضمها لغتان. قوله: ثم أخذها ابن الخطاب أي: ثم أخذ الدلو عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه. قوله: من يد أبي بكر، رضي الله تعالى عنه فيه: إشارة إلى أن عمر ولي الخلافة بعهد من أبي بكر، بخلاف أبي بكر فإن خلافته لم تكن بعهد صريح من النبي ولكن وقعت عدة إشارات إلى ذلك فيها ما يقرب من الصريح. قوله: فاستحالت أي: تحولت في يد عمر، رضي الله تعالى عنه قوله: غربا بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وبالباء الموحدة وهو الدلو العظيمة المتخذة من جلود البقر فإذا فتحت الراء فهو الماء الذي يسيل بين البئر والحوض. قوله: عبقريا بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة وفتح القاف وهو الكامل الحاذق في عمله. قوله: يفري بسكون الفاء وكسر الراء. قوله: فريه بفتح الفاء وكسر الراء وتشديد الياء آخر الحروف أي: يعمل عمله جيدا صالحا عجيبا. قوله: حتى ضرب
156

الناس بعطن بفتح المهملتين وآخره نون وهو ما يعد للشرب حول البئر من مبارك الإبل، والعطن للإبل كالوطن للناس لكن غلب على مبركها حول الحوض. وقال ابن الأثير في حديث: ضرب الناس بعطن، أي: رويت إبلهم حتى بركت وأقامت مكانها.
29
((باب نزع الذنوب والذنوبين من البئر بضعف))
أي: هذا باب في بيان نزع الذنوب وهو الدلو الممتلىء كما ذكرناه الآن. قوله: بضعف، أي: مع ضعف.
7020 حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا موساى بن عقبة، عن سالم، عن أبيه عن رؤيا النبي في أبي بكر وعمر قال: رأيت الناس اجتمعوا فقام أبو بكر فنزع ذنوبا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف
157

والله يغفر له، ثم قام عمر بن الخطاب فاستحالت غربا، فما رأيت من الناس يفري فريه حتى ضرب الناس بعطن
هذا الحديث هو الذي مضى في الباب السابق غير أنه أخرجه من طريق آخر عن أحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي عن زهير بن معاوية الجعفي عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقد مضى الكلام فيه.
7021 حدثنا سعيد بن عفير، حدثني الليث قال: حدثني عقيل عن ابن شهاب أخبرني سعيد أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله قال: بينما أنا نائم رأيتني على قليب وعليها دلو. فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها ابن أبي قحافة، فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له، ثم استحالت غربا فأخذها عمر بن الخطاب فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر بن الخطاب، حتى ضرب الناس بعطن
مطابقته للترجمة ظاهرة، وهو مثل حديث ابن عمر أخرجه عن سعيد بن عفير عن الليث بن سعد عن عقيل بن خالد عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب.
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد عن أبيه عن جده.
قوله: رأيتني أي: رأيت نفسي. قوله: على قليب هو البئر المقلوب ترابها قبل الطي. قوله: ابن أبي قحافة هو أبو بكر الصديق واسم أبي قحافة: عبد الله بن عثمان، رضي الله تعالى عنه. قوله: والله يغفر له ليس له نقص فيه ولا إشارة إلى ذنب، وإنما هي كلمة كانوا يدعمون بها كلامهم، ونعمت الدعامة، وكذا ليس في قوله: وفي نزعه ضعف حط من فضيلته وإنما هو إخبار عن حال ولايتهما، وقد كثر انتفاع الناس في ولاية عمر، رضي الله تعالى عنه، لطولها واتساع الإسلام والفتوحات وتمصير الأمصار.
30
((باب الاستراحة في المنام))
أي: هذا باب في بيان أمر الاستراحة في المنام، قال أهل التعبير: إن كان المستريح مستلقيا على قفاه فإنه يقوى أمره وتكون الدنيا تحت يده، لأن الأرض أقوى ما يستند إليه بخلاف ما إذا كان منبطحا فإنه لا يدري ما وراءه.
7022 حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن همام أنه سمع أبا هريرة، رضي الله عنه، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما أنا نائم رأيت إني على حوض أسقي الناس، فأتاني أبو بكر فأخذ الدلو من يدي ليريحني، فنزع ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له، فأتى ابن الخطاب فأخذ منه فلم يزل ينزع حتى تولى الناس والحوض يتفجر
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: ليريحني
وإسحاق بن إبراهيم هو المعروف بابن راهويه، ويحتمل أن يكون إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي، لأن كلا منهما يروي عن عبد الرزاق، ومعمى بفتح الميمين ابن راشد، وهمام بتشديد الميم الأولى ابن منبه. والحديث من أفراده.
قوله: على حوض وفي رواية المستملي والكشميهني: على حوضي، بياء المتكلم وقال الكرماني: قوله: على حوض فإن قلت سبق: على بئر وعلى قليب. قلت: لا منافاة. انتهى. قلت: هذا ليس بجواب يرضي سائله، بل الذي يقال هنا كأنه كان يملأ من البئر فيسكب في الحوض والناس يتناولون الماء لأنفسهم ولبهائمهم. فإن قلت: ما الفرق بين قوله: على حوض وقوله: على حوضي؟. قلت: على حوض أولى يعني: على حوض من الأحواض، وأما: على حوضي، بالياء فيراد به حوضه الذي أعطاه الله، عز وجل وذكره في القرآن. وقيل: يحتمل أن يكون له حوض في الدنيا لا حوضه الذي في الآخرة. قوله: حتى تولى الناس أي: حتى أعرض الناس، والواو في: والحوض للحال. قوله: يتفجر أي: يتدفق ويسيل.
31
((باب القصر في المنام))
أي: هذا باب في بيان رؤية القصر أو الدخول في القصر في المنام، قال أهل التعبير: القصر في المنام عمل صالح لأهل الدين ولغيرهم حبس وضيق، وقد يعبر عن دخول القصر بالتزويج.
7023 حدثنا سعيد بن عفير، حدثني الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال: بينا نحن جلوس عند رسول الله قال: بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، قلت: لمن هذا القصر قالوا: لعمر بن الخطاب، فذكرت غيرته فوليت مدبرا قال أبو هريرة: فبكى عمر بن الخطاب ثم قال: أعليك بأبي أنت وأمي يا رسول الله أغار؟
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا عن قريب. والحديث مضى في صفة الجنة وفي فضائل عمر، رضي الله تعالى عنه، عن سعيد بن أبي مريم.
قوله: فإذا امرأة تتوضأ ونقل عن الخطابي وابن قتيبة أن قوله: تتوضأ، تصحيف والأصل: فإذا امرأة شوهاء، يعني حسناء، قاله ابن قتيبة، قال: والوضوء لغوي ولا مانع منه. وقال الكرماني: الجنة ليست دار التكليف فما وجه هذا الوضوء؟ ثم أجاب بقوله: لا يكون على وجه التكليف، وقال القرطبي: إنما توضأت لتزداد حسنا ونورا لا أنها تزيل وسخا ولا قذرا إذ الجنة منزهة عن ذلك، وقيل: يحتمل أن يكون وضوءا حقيقة ولا يمنع من ذلك كون الجنة ليست دار التكليف لجواز أن يكون على غير وجه التكليف، وقيل: كانت هذه المرأة أم سليم وكانت في قيد الحياة حينئذ فرآها النبي في الجنة إلى جانب قصر عمر، رضي الله تعالى عنه، فيكون تعبيرها أنها من أهل الجنة لقول الجمهور من أهل التعبير: إن من رأى أنه دخل الجنة فإنه يدخلها، فكيف إذا كان الرائي لذلك أصدق الخلق؟ وأما وضوؤها فيعبر بنظافتها حسا ومعنى وطهارتها جسما وحكما، وأما كونها إلى قصر عمر، رضي الله تعالى عنه، ففيه إشارة إلى أنها تدرك خلافته، وكان كذلك. قوله: أعليك بأبي أنت وأمي يا رسول الله أغار؟ قيل: إنه مقلوب لأن القياس أن يقول: أعليها أغار منك؟ وقال الكرماني: لفظ: عليك، ليس متعلقا بأغار بل التقدير مستعليا عليك أغار عليها. قال: ودعوى القياس المذكور ممنوعة إذ لا يخرج إلى ارتكاب القلب مع وضوح المعنى بدونه، ويحتمل أن يكون أطلق علي، وأراد: من، كما قيل: إن حروف الجر تتناوب. قلت: يجيء: على، بمعنى: من، كما في قوله تعالى: * (الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون) * قوله: بأبي أنت وأمي جملة معترضة أي: أنت مفدى
بأبى وأمي.
158

7024 حدثنا عمر بن علي، حدثنا معتمر بن سليمان، حدثنا عبيد الله بن عمر، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لرجل من قريش، فما منعني أن أدخله يا ابن الخطاب إلا ما أعلم من غيرتك قال: وعليك أغار يا رسول الله؟.
انظر الحديث 3679 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعمرو بن علي بن بحر بن كثير أبو حفص الباهلي البصري الصيرفي وهو شيخ مسلم أيضا، ومعتمر بن سليمان بن طرخان البصري، وعبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب.
والحديث مضى في النكاح عن محمد بن أبي بكر المقدمي وأخرجه النسائي في المناقب عن عمرو بن علي به.
قوله: لرجل من قريش قيل: إنه عرف من الرواية الأخرى أنه عمر، رضي الله تعالى عنه، والأحسن ما قاله الكرماني: علم النبي أنه عمر إما بالقرائن وإما بالوحي.
32
((باب الوضوء في المنام))
أي: هذا باب في بيان رؤية الوضوء في المنام قال أهل التعبير: رؤية الوضوء في المنام وسيلة إلى سلطان أو عمل، فإن أتمه في النوم حصل مراده في اليقظة، وإن تعذر لعجز الماء مثلا، أو توضأ بما لا يجوز الصلاة به، فلا. والوضوء للخائف أمان ويدل على حصول الثواب وتكفير الخطايا.
7025 حدثني يحيى بن بكير، حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله قال: بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هاذا القصر؟ فقالوا: لعمر، فذكرت غيرته فوليت مدبرا فبكى عمر، وقال: عليك بأبي أنت وأمي يا رسول الله أغار؟.
مطابقته للترجمة في قوله فإذا امرأة تتوضأ. ورجال هذا قد مروا عن قريب، وفيما مضى أيضا مكررا، والحديث مضى في الباب السابق غير أنه هناك: عن جابر، وهنا: عن أبي هريرة، ومضى الكلام فيه.
33
((باب الطواف بالكعبة في المنام))
أي: هذا باب في بيان من رأى أنه يطوف بالكعبة في المنام، قال أهل التعبير: الطواف يدل على الحج وعلى التزويج وحصول أمر مطلوب من الإمام وعلى بر الوالدين وعلى خدمة عالم والدخول في أمر الإمام، فإن كان الرائي رقيقا دل على نصحه لسيده.
7026 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر: أن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله بينما أنا نائم رأيتني أطوف بالكعبة، فإذا رجل آدم سبط الشعر بين رجلين ينطف رأسه ماء، فقلت: من هذا؟ قالوا: ابن مريم، فذهبت ألتفت فإذا رجل أحمر جسيم جعد الرأس أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا الدجال، أقرب الناس به شبها ابن قطن، وابن قطن رجل من بني المصطلق من خزاعة
مطابقته للترجمة في قوله: رأيتني أطوف بالكعبة
وأبو اليمان الحكم بن نافع. والحديث مضى في: باب رؤيا الليل، ومضى أيضا في أحاديث الأنبياء، عليهم السلام في: * (أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون) * ومضى الكلام فيه مستوفى.
قوله: سبط الشعر
159

بسكون الباء الموحدة وكسرها. قوله: ينطف بضم الطاء وكسرها قال المهلب: النطف الصب وكان ينطف لأن تلك الليلة كانت ماطرة، وقال الكرماني: يحتمل أن يكون ذلك أثر غسله بزمزم ونحوه، أو الغرض منه بيان لطافته ونظافته لا حقيقة النطف، وقال أبو القاسم الأندلسي: وصف عيسى، عليه السلام، بالصورة التي خلقه الله عليها ورآه يطوف، وهذه رؤيا حق لأن الشيطان لا يتمثل في صورة الأنبياء عليهم السلام، ولا شك أن عيسى في السماء وهو حي ويفعل الله في خلقه ما يشاء. وقال الكرماني: مر في الأنبياء في: باب مريم، وأما عيسى فأحمر جعد. قلت: ذاك ليس في الطواف بل في وقت آخر، أو يراد به جعودة الجسم أي: اكتنازه. قوله: فذهبت ألتفت... إلى آخره، قال أبو القاسم المذكور، وصف الدجال بصورته، قال: ودل هذا الحديث على أن الدجال يدخل مكة دون المدينة لأن الملائكة الذين على أنقابها يمنعونه من دخولها. قال صاحب التوضيح أنكروا ذلك وقالوا: في هذا الدليل نظر، وقال الكرماني: الدجال لا يدخل مكة وقت ظهور شوكته وأيضا لا يدخل في المستقبل. قوله: ابن قطن اسمه عبد العزى ابن قطن بن عمرو بن حبيب بن سعيد بن عائد بن مالك بن خزيمة وهو المصطلق بن سعد أخي كعب وعدي أولاد عمرو بن ربيعة، وهو لحي بن حارثة بن عمرو مزيقيا، وقال الزهري ابن قطن رجل من خزاعة هلك في الجاهلية.
34
((باب إذا أعطى فضله غيره في المنام))
أي: هذا باب يذكر فيه إذا أعطى شخص ما فضل منه من اللبن لشخص غيره في المنام، وفي بعض النسخ: في النوم.
7027 حدثنا يحياى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر: أن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله يقول بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن، فشربت منه حتى إني لأرى الري يجري، ثم أعطيت فضله عمر قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث قد مضى في هذا الكتاب في: باب اللبن، وفي: باب إذا جرى اللبن في أطرافه، ومضى الكلام فيه.
قوله: الري بكسر الراء وتشديد الياء ما يروى به يعني: اللبن، أو هو إطلاق على سبيل الاستعارة وإسناد الخروج إليه قرينة. وقيل: اسم من أسماء اللبن.
((باب الأمن وذهاب الروع في المنام))
أي: هذا باب في بيان حصول الأمن وذهاب الروع في المنام، والروع بفتح الراء وسكون الواو وبالعين المهملة الخوف، وأما الروع بضم الراء فهو النفس، قال أهل التعبير، من رأى أنه قد أمن من شيء فإنه يخاف منه.
7028 حدثني عبيد الله بن سعيد، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا صخر بن جويرية، حدثنا نافع أن ابن عمر قال: إن رجالا من أصحاب رسول الله كانوا يرون الرؤيا على عهد رسول الله فيقصونها على رسول الله فيقول فيها رسول الله ما شاء الله، وأنا غلام حديث السن، وبيتي المسجد قبل أن أنكح، فقلت في نفسي: لو كان فيك خير لرأيت مثل ما يراى هاؤلاء، فلما اضطجعت ليلة
160

قلت: اللهم إن كنت تعلم في خيرا فأرني رؤيا، فبينما أنا كذالك إذ جاءني ملكان في يد كل واحد منهما مقمعة من حديد، يقبلان بي إلى جهنم، وأنا بينهما أدعو الله اللهم، أعوذ بك من جهنم، ثم أراني لقيني ملك في يده مقمعة من حديد، فقال: لن تراع نعم الرجل أنت لو تكثر الصلاة، فانطلقوا بي حتى وقفوا بي على شفير جهنم، فإذا هي مطوية كطي البئر له قرون كقرن البئر، بين كل قرنين ملك بيده مقمعة من حديد، وأرى فيها رجالا معلقين بالسلاسل رؤوسهم أسفلهم، عرفت فيها رجالا من قريش، فانصرفوا بي عن ذات اليمين.
فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله فقال رسول الله إن عبد الله رجل صالح فقال نافع: لم يزل بعد ذالك يكثر الصلاة.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: لن تراع
وعبيد الله بن سعيد أبو قدامة اليشكري، وعفان بن مسلم الصفار البصري روى عنه البخاري في الجنائز بلا واسطة، وصخر مر عن قريب.
والحديث ذكره المزي في سند حفصة أخرجه البخاري في الصلاة عن عبد الله بن محمد وفي مناقب ابن عمر عن إسحاق بن نصر وفي صلاة الليل عن يحيى بن سليمان، ومضى الكلام فيه.
قوله: فيقول فيها أي: يعبرها. قوله: حديث السن أي: صغير السن، وفي رواية الكشميهني: حدث السن. قوله: وبيتي المسجد أي: كنت أسكن في المسجد قبل أن أتزوج. قوله: فلما اضطجعت ليلة وفي رواية الكشميهني: ذات ليلة. قوله: فأرني رؤيا غير منصرف. قوله: مقمعة بكسر الميم وسكون القاف والجمع مقامع قال الكرماني: هي العمود أو شيء كالمحجن يضرب به رأس الفيل، وقال غيره: هي كالسوط من حديد رأسها معوج، وأغرب الداودي وقال: المقمعة والمقرعة واحد. قوله: يقبلان بي من الإقبال ضد الإدبار أو من أقبلته الشيء إذا جعلته يلي قبالته. قوله: لن تراع هكذا في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: لم ترع، أي: لم تفزع، ووقع عند كثير من الرواة: لن ترع، بحرف: لن، مع الجزم والجزم: بلن، لغة قليلة حكاها الكسائي. قوله: له قرون جمع قرن، وفي رواية الكشميهني: لها قرون، وهي جوانبها التي تبنى من حجارة توضع عليها الخشبة التي تعلق فيها البكرة، والعادة أن لكل بئر قرنان. قوله: رؤوسهم أسفلهم يعني: منكسين. قوله: ذات اليمين أي: جهة اليمين.
36
((باب الأخذ على اليمين في النوم))
أي: هذا باب فيمن أخذ في نومه وسير به على يمينه يعبر له بأنه من أهل اليمين، ويروى: باب الأخذ باليمين.
7030 حدثني عبد الله بن محمد، حدثنا هشام بن يوسف، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال: كنت غلاما شابا عزبا في عهد النبي وكنت أبيت في المسجد، وكان من رأى مناما قصه على النبي فقلت اللهم إن كان لي عندك خير فأرني مناما يعبره لي رسول الله فنمت فرأيت ملكين أتياني فانطلقا بي، فلقيهما ملك آخر فقال لي: لن تراع إنك رجل صالح، فانطلقا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا فيها ناس قد عرفت بعضهم، فأخذا بي ذات اليمين، فلما أصبحت ذكرت ذلك لحفصة. فزعمت حفصة أنها قصتها على النبي فقال: إن عبد الله رجل صالح لو
161

كان يكثر الصلاة من الليل
قال الزهري: وكان عبد الله بعد ذلك يكثر الصلاة من الليل.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: فأخذا بي ذات اليمين
وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي، والحديث مضى الآن في الباب السابق.
قوله: عزبا بفتح العين المهملة وفتح الزاي وبالباء الموحدة، ويقال له: الأعزب بقلة في الاستعمال، وهو من لا أهل له، ويقال: من لا زوجة له. قوله: فأخذا بي بالباء الموحدة بعد. قوله: أخذا أي: الملكان ويروى: أخذاني، بالنون.
وفيه: جواز المبيت في المسجد للعزب، كما ترجم عليه في أحكام المساجد، وجواز النيابة في الرؤيا، وقبول خبر الواحد العدل.
37
((باب القدح في النوم))
أي: هذا باب في ذكر من أعطي قدحا في نومه، قال أهل التعبير: القدح في النوم امرأة، أو مال من جهة امرأة، وقدح الزجاج يدل على ظهور الأشياء الخفية، وقدح الذهب والفضة ثناء حسن.
7032 حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن حمزة بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله يقول صلى الله عليه وسلم بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن، فشربت منه، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم
مطابقته للترجمة ظاهرة، والحديث مضى عن قريب في: باب إذا أعطى فضله غيره في المنام، ومضى الكلام فيه.
38
((باب إذا طار الشيء في المنام))
أي: هذا باب يذكر فيه إذا طار الشيء من الرائي في منامه الذي ليس من شأنه أن يطير، وجواب: إذا، محذوف تقديره: يعبر بحسب ما يليق له، والترجمة ليست فيما إذا رأى أنه يطير. قال المعبرون: من رأى أنه يطير فإنه كان إلى جهة السماء من غير تعريج ناله ضرر، فإن غاب في السماء ولم يرجع مات، وإن رجع أفاق من مرضه، وإن كان يطير عرضا سافر ونال رفعة بقدر طيرانه، فإن كان بجناح فهو مال أو سلطان يسافر في كنفه، وإن كان بغير جناح فهو يدل عل التعزير فيما يدخل فيه.
7033 حدثني سعيد بن محمد، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن صالح، عن أبي عبيدة بن نشيط قال: قال عبيد الله بن عبد الله: سألت عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، عن رؤيا رسول الله التي ذكر؟.
فقال ابن عباس: ذكر لي أن رسول الله قال: بينما أنا نائم رأيت أنه وضع في يدي سواران من ذهب، ففظعتهما وكرهتهما، فأذن لي فنفختهما فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان فقال عبيد الله: أحدهما العنسي الذي قتله فيروز باليمن والآخر مسيلمة.
مطابقته للترجمة في قوله: فنفختهما فطارا وسعيد بن محمد الجرمي بفتح الجيم وإسكان الراء الكوفي، ويعقوب بن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمان بن عوف، كان على قضاء بغداد، وصالح هو ابن كيسان، وابن عبيدة بضم العين اسمه عبد الله بن عبيدة بن نشيط بفتح النون وكسر الشين المعجمة على وزن عظيم، ووقع في رواية الكشميهني: عن أبي عبيدة، بالكنية والصواب ابن عبيدة عبد الله أخو موسى بن عبيدة، يقال: بينهما في الولادة ثمانون سنة، وعبد الله الأكبر قتله الحرورية بقديد سنة ثلاثين ومائة، ويقال: فيهما الربذي بفتح الراء والباء الموحدة وبالذال المعجمة
162

القرشي العامري مولاهم، وينسبون أيضا إلى اليمن وليس لعبد الله هذا في البخاري غير هذا الحديث، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة.
ومضى الحديث بهذا السند في أواخر المغازي في قصة العنسي، ومضى الكلام فيه.
قوله: ذكر لي على صيغة المجهول، قال الكرماني: فإن قلت: فما حكم هذا الحديث حيث لم يصرح باسم الذاكر؟ قلت: غايته الرواية عن صحابي مجهول الاسم، ولا بأس به، لأن الصحابة كلهم عدول.
قوله: سواران تثنية سوار وقال الكرماني: ويروى إسوران، وفي التوضيح وقع هنا إسوران بالألف وفيما مضى ويأتي بدون الألف وهو الأكثر عند أهل اللغة، وقال ابن التين في باب النفخ. قوله: فوضع في يده سوارين، كذا عند الشيخ أبي الحسن، وعند غيره: إسوران، وهو الصواب قال صاحب التوضيح والذي في الأصول: سواران، بحذف الألف وإن كان ابن بطال ذكره بإثباتها، وقال أبو عبيدة: السوار بالضم والكسر. قوله: ففظعتهما بكسر الظاء المعجمة أي: استعظمت أمرهما. قوله: كذابين قال المهلب: أولهما بالكذابين لأن الكذب إخبار عن الشيء بخلاف ما هو به ووضعه في غير موضعه، والسوار في يده ليس في موضعه لأنه ليس من حلي الرجال، وكونه من ذهب مشعر بأنه شيء يذهب عنه ولا بقاء له، والطيران عبارة عن عدم ثبات أمرهما والنفخ إشارة إلى زوالها بغير كلفة شديدة لسهولة النفخ على النافخ. قوله: فقال عبيد الله هو المذكور في السند. قوله: العنسي بفتح العين المهملة وسكون النون اسمه الأسود الصنعاني وكان يقال له ذو الحمار لأنه علم حمارا إذا قال له اسجد؟ يخفض رأسه، قتله فيروز الديلمي، ومسيلمة بن حبيب الحنفي اليماني وكان صاحب نيرنجات، وهو أول من أدخل البيضة في القارورة: قتله وحشي قاتل حمزة، رضي الله تعالى عنه، ومضى الكلام فيه في علامات النبوة مستوفى.
39
((باب إذا رأى بقرا تنحر))
أي: هذا باب يذكر فيه إذا رأى في المنام بقرا تنحر، وجواب: إذا، محذوف تقديره إذا رأى أحد بقرا تنحر يعبر بحسب ما يليق به، والنبي لما رأى بقرا تنحر كان تأويل رؤياه قتل الصحابة الذين قتلوا بأحد، وقال المهلب: وفي رؤياه بقرا ضرب المثل لأنه رأى بقرا تنحر فكانت البقر أصحابه فعبر عن حال الحرب بالبقر من أجل ما لها من السلاح والقرون شبهت بالرماح، ولما كان طبع البقر المناطحة والدفاع عن أنفسها بقرونها كما يفعل رجال الحرب وشبه النحر بالقتل.
7035 حدثني محمد بن العلاء، حدثنا أبو أسامة، عن بريد عن جده أبي بردة عن أبي موسى أراه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب، ورأيت فيها بقرا والله خير فإذا هم المؤمنون يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير وثواب الصدق الذي آتانا الله به بعد يوم بدر
مطابقته للترجمة في قوله: ورأيت فيها بقرا فإن قلت: ترجم بقيد النحر ولم يقع ذلك في حديث الباب؟. قلت: كأنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرق الحديث، وهو ما رواه أحمد من حديث جابر: أن النبي قال: رأيت كأني في درع حصينة ورأيت بقرا تنحر... الحديث، وقال الثوري: بهذه الزيادة على ما في الصحيحين يتم تأويل الرؤيا، فنحر البقر هو قتل الصحابة الذين قتلوا بأحد.
وشيخ البخاري هو أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني الكوفي وهو شيخ مسلم، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وبريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الياء ابن عبد الله يروي عن جده أبي بردة اسمه: الحارث، وقيل: عامر يروي عن أبيه أبي موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس.
والحديث مضى بهذا السند بتمامه في علامات النبوة وفرق منه
163

في المغازي بهذا السند أيضا، وعلق فيها منه قطعة في الهجرة، فقال: وقال أبو موسى... وذكر بعضه هنا وبعضه بعد أربعة أبواب، ولم يذكر بعضه.
قوله: أراه بضم الهمزة أي: أظنه، قيل: إن القائل بهذه اللفظة هو البخاري، وقال الكرماني: هو قول الراوي عن أبي موسى ورواه مسلم وغيره عن أبي كريب محمد بن العلاء شيخ البخاري بالسند المذكور بدون هذه اللفظة، بل جزموا برفعه. قوله: فذهب وهلي يعني: وهمي، وقال ابن التين: رويناه بفتح الهاء والذي ذكره أهل اللغة بسكونها، تقول: وهلت بالفتح أهل وهلا إذا ذهب وهمك إليه وأنت تريد غيره، ووهل يوهل وهلا بالتحريك إذا فزع، وقال النووي: يقال: وهل، بفتح الهاء يهل بكسرها وهلا بسكونها، مثل ضرب يضرب ضربا إذا غلط وذهب وهمه إلى خلاف الصواب، وأما: وهلت، بكسرها أو هل وهلا بالتحريك فمعناه: فزعت. والوهل بالفتح الفزع، وضبطه النووي هنا بالتحريك، وقال: معناه الوهم، وصاحب النهاية جزم أنه بالسكون. قوله: اليمامة بفتح الياء آخر الحروف وتخفيف الميم الأولى وهي بلاد الجو بين مكة واليمن. قوله: أو هجر كذا وقع بدون الألف واللام في رواية كريمة ووقع في رواية أبي ذر والأصيلي: أو الهجر، بالألف واللام، وهجر بفتحتين قاعدة أرض البحرين، وقيل: بلد باليمن. قوله: يثرب كان اسم مدينة النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، في الجاهلية. قوله: ورأيت فيها أي: في الرؤيا. قوله: والله خير مبتدأ أو خبر أي: ثواب الله للمقبولين خير لهم من بقائهم في الدنيا، أو: صنع الله خير لكم، قيل: والأولى أن يقال: إنه من جملة الرؤيا وأنها كلمة سمعها عند رؤياه البقر بدليل تأويله لها بقوله فإذا الخير ما جاء الله به قوله: بعد بدر هو فتح خيبر ثم فتح مكة، ووقع في رواية بعد بالضم أي: بعد أحد، قال الكرماني: ويحتمل أن يراد بالخير الغنيمة، وبعد أي: بعد الخير، والثواب والخير حصلا في يوم بدر.
40
((باب النفخ في المنام))
أي: هذا باب يذكر فيه النفخ في المنام، قال المعبرون: النفخ يعبر بالكلام، وقال ابن بطال: يعبر بإزالة الشيء المنفوخ بغير تكلف شديد لسهولة النفخ على النافخ.
7036 حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن رسول الله قال: نحن الآخرون السابقون وقال رسول الله بينما أنا نائم إذ أوتيت خزائن الأرض، فوضع في يدي سوارن من ذهب، فكبر علي وأهماني، فأوحي إلي أن انفخهما، فنفختهما فطارا، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما: صاحب صنعاء وصاحب اليمامة
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسحاق بن إبراهيم هو المعروف بابن راهويه. قوله: حدثني في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر: حدثنا.
ومعمر بفتح الميمين ابن راشد، وهمام بالتشديد ابن منبه اسم فاعل من التنبيه.
قوله: (هذا ما حدثنا به أبو هريرة أشار بهذا إلى أن هماما ما روى هذا عن أبي هريرة على ما هو المعهود في الروايات، واحترز بهذا عن روايته عن أبي هريرة صحيفة كانت تعرف بصحيفة همام. والحديث كان عند إسحاق من رواية همام بهذا السند، وأول الحديث: نحن الآخرون السابقون مضى في الجمعة، وبقية الحديث معطوفة عليه بلفظ: وقال رسول الله وكان إسحاق إذا أراد التحديث بشيء منها بدأ بطرف من الحديث الأول وعطف عليه ما يريد، وتقدم هذا الحديث في باب وفد بني حنيفة في أواخر المغازي عن إسحاق بن نصر عن عبد الرزاق بهذا الإسناد لكن قال في روايته: عن همام أنه سمع أبا هريرة ولم يبدأ إسحاق بن نصر فيه بقوله: نحن الآخرون السابقون قوله: إذا أتيت خزائن الأرض من الإتيان يعني المجيء في رواية أبي ذر وعند غيره: إذ أوتيت، بزيادة الواو من الإيتاء بمعنى: الإعطاء، وفي رواية أحمد وإسحاق بن
164

نصر عن عبد الرزاق: أوتيت بخزائن الأرض، بإثبات الباء. قوله: في يدي وفي رواية إسحاق بن نصر: في كفي. قوله: فكبرا علي بضم الباء الموحدة أي: عظم أمرهما وشق علي، وقال القرطبي: إنما عظما عليه لكون الذهب من حلية النساء ومما حرم على الرجال. قوله: وأهماني أي: أحزناني وأقلقاني. قوله: فأوحي إلي على بناء المجهول، وفي رواية الكشميهني في رواية إسحاق بن نصر، فأوحى الله... إلى قوله: فطارا في رواية المقبري زاد، فوقع واحد باليمامة والآخر باليمن. قوله: اللذين أنا بينهم الأنهما كانا حين قص الرؤيا موجودين. فإن قلت: وقع في رواية ابن عباس: يخرجان بعدي؟. قلت: قال النووي: إن المراد بخروجهما بعده ظهور شوكتهما ومحاربتهما ودعواهما النبوة، وقال بعضهم: فيه نظر لأن ذلك كله ظهر للأسود بصنعاء في حياة النبي فادعي النبوة وعظمت شوكته وحارب المسلمين
وفتك فيهم وغلب على البلد وآل أمره إلى أن قتل في حياة النبي وأما مسيلمة: فكان ادعى النبوة في حياة النبي لكن لم تعظم شوكته ولم تقع محاربته إلا في عهد أبي بكر، رضي الله تعالى عنه. انتهى. قلت: في نظره نظر لأن كلام ابن عباس يصدق على أن خروج مسيلمة بعد النبي وأما كلامه في حق الأسود فمن حيث أن أتباعه ومن لاذ به تبعوا مسيلمة وقووا شوكته فأطلق عليه الخروج من بعد النبي بهذا الاعتبار.
41
((باب إذا رأى أنه أخرج الشيء من كورة فأسكنه موضعا آخر))
أي: هذا باب فيه إذا رأى في نومه أنه أخرج الشيء من كورة بضم الكاف وسكون الواو وهي الناحية، ووقع في رواية أبي ذر: من كوة، بضم الكاف وتشديد الواو المفتوحة، وقال الجوهري: الكوة، بالفتح ثقب البيت وقد تضم الكاف. قوله: فأسكنه أي: أسكن ذلك الشيء في موضع آخر.
7038 حدثنا إسماعيل بن عبد الله، حدثني أخي عبد الحميد، عن سليمان بن بلال، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت كأن امرأة سوداء ثائرة الرأس أخرجت من المدينة حتى قامت بمهيعة، وهي الجحفة، فأولتها أن وباء المدينة نقل إليها
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: أخرجت موضع خرجت لأن في رواية ابن أبي الزناد: أخرجت، على صيغة المجهول وهو يقتضي المخرج اسم الفاعل، ويصدق عليه أنه أخرج الشيء من ناحية وأسكنه في موضع آخر.
وإسماعيل بن عبد الله هو إسماعيل بن أبي أويس يروي عن أخيه.
والحديث أخرجه الترمذي في التعبير عن محمد بن بشار. وأخرجه النسائي فيه عن يوسف بن سعيد. وأخرجه ابن ماجة فيه عن محمد بن بشار به.
قوله: ثائرة الرأس أي: شعر الرأس، وفي رواية أحمد وأبي نعيم: ثائرة الشعر، من ثار الشيء إذا انتشر. قوله: بمهيعة بفتح الميم وسكون الهاء وفتح الياء آخر الحروف وبالعين المهملة وفسرها بقوله: وهي الجحفة بضم الجيم وسكون الحاء المهملة وبالفاء وهي ميقات المصريين قيل: هذا التفسر مدرج من قول موسى بن عقبة. قوله: فأولتها أن وباء المدينة وفي رواية ابن جريج: فأولتها وباء بالمدينة فنقل إلى الجحفة، والوباء مقصور وممدود، وقال المهلب: هذه الرؤيا المعبرة وهي مما ضرب به المثل.
42
((باب المرأة السوداء))
أي: هذا باب في ذكر رؤيا المرأة السوداء في المنام.
7039 حدثنا أبو بكر المقدمي، حدثنا فضيل بن سليمان حدثنا موسى حدثني سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، في رؤيا النبي في المدينة: رأيت امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى نزلت بمهيعة، فتأولتها أن وباء المدينة
165

نقل إلى مهيعة وهي الجحفة
انظر الحديث 7038 وطرفه
مطابقته لترجمة ظاهرة، وهو الحديث المذكور قبل هذا الباب أخرجه عن محمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم المعروف بالمقدمي البصري، وقال الكرماني. فإن قلت: ما حكم هذا الحديث حيث لم يقل قال رسول الله قلت: لزم من التركيب إذ معناه قال: رأيت، فهو مقدر في حكم الملفوظ.
43
((باب المرأة الثائرة الرأس))
أي: هذا باب فيه ذكر رؤية المرأة الثائرة الرأس.
7040 حدثني إبراهيم بن المنذر، حدثني أبو بكر بن أبي أويس، حدثني سليمان عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى قامت بمهيعة، فأولت أن وباء المدينة ينقل إلى مهيعة، وهي الجحفة
انظر الحديث 7038 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة. وهذا الحديث هو الحديث الماضي غير أنه أخرجه عن ثلاث شيوخ فوضع لكل واحد ترجمة.
وأبو بكر بن أبي أويس هو عبد الحميد المذكور آنفا، وسليمان هو ابن بلال المذكور في باب: إذا رأى أنه أخرج الشيء، وسالم هو ابن عبد الله يروي عن أبيه عبد الله بن عمر... إلى آخره.
44
((باب إذا هز سيفا في المنام))
أي: هذا باب فيه إذا هز سيفا في منامه، وجواب: إذا، محذوف يقدر فيه بما يليق للذي يهزه، لأن للسيف وجوها في التعبير.
7041 حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا أبو أسامة عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن جده أبي بردة، عن أبي موسى، أراه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت
في رؤيا أني هززت سيفا، فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين
مطابقته للترجمة ظاهرة. ومحمد بن العلاء أبو كريب مر عن قريب، وأبو أسامة حماد بن أسامة، ويريد بضم الباء الموحدة ابن عبد الله يروي عن جده أبي بردة عامر أو الحارث عن أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس.
والحديث مضى في غزوة أحد، وهو طرف من حديث مضى في علامات النبوة بكماله، وقال المهلب: هذه الرؤيا من ضرب المثل، ولما كان النبي يصول بأصحابه عبر عن السيف بهم، وبهزه عن أمره لهم بالحرب، وعن القطع فيه بالقتل فيهم، وفي الهزة الأخرى لما عاد إلى حالته من الاستواء عبر به عن اجتماعهم والفتح عليهم.
45
((باب من كذب في حلمه))
أي: هذا باب في بيان إثم من كذب في حلمه، بضم الحاء وسكون اللام، وهو ما يراه النائم.
7042 حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، عن أيوب، عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه صب في أذنه الآنك يوم القيامة،
166

ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها وليس بنافخ
قال سفيان: وصله لنا أيوب.
انظر الحديث 2225 وطرفه
مطابقته للترجمة في قوله: من تحلم بحلم وإنما قال في الترجمة: من كذب في حلمه، ولفظ الحديث: من تحلم، إشارة إلى ما ورد في بعض طرقه، وهو ما أخرجه الترمذي من حديث علي، رضي الله تعالى عنه، رفعه: من كذب في حلمه كلف يوم القيامة عقد شعيرة، وصححه الحاكم.
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وأيوب هو السختياني.
والحديث أخرجه أبو داود في الأدب عن مسدد. وأخرجه الترمذي في اللباس عن قتيبة بالقصة الأولى والقصة الثالثة وفي الرؤيا عن محمد بن بشار بالقصة الثانية. وأخرجه النسائي في الزينة عن قتيبة بالقصة الأولى. وأخرجه ابن ماجة في الرؤيا عن بشر بن هلال بالقصة الثانية.
قوله: من تحلم أي: من تكلف الحلم، لأن باب التفعل للتكلف. قوله: لم يره جملة وقعت صفة لقوله: تحلم. قوله: كلف على صيغة المجهول أي: كلف يوم القيامة أي: يعذب بذلك، وذلك التكليف نوع من العذاب والاستدلال به ضعيف في جواز تكليف ما لا يطاق، كيف وأنه ليس بدار التكليف؟ قوله: ولن يفعل أي: ولن يقدر على ذلك قوله: وهم له أي: لمن استمع كارهون لا يريدون استماعه قوله: أو يفرون منه شك من الراوي قوله: الآنك بالمد وضم النون وبالكاف وهو الرصاص المذاب. قوله: وكلف يحتمل أن يكون عطفا تفسيريا لقوله: عذب وأن يكون نوعا آخر. قوله: أن ينفخ فيها أي: أن ينفخ الروح في تلك الصورة. قوله: وليس بنافخ أي: ليس بقادر على النفخ.
قوله: قال سفيان هو ابن عيينة. وصله لنا أي: وصل الحديث المذكور في الرواة، إنما قال ذلك لأن الحديث في الطرق الآخر التي بعده موقوف غير مرفوع إلى النبي
وقال قتيبة: حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن عكرمة عن أبي هريرة قوله: من كذب في رؤياه.
وقال شعبة عن أبي هاشم الرماني: سمعت عكرمة قال أبو هريرة، رضي الله عنه: قوله من صور ومن تحلم ومن استمع.
هذه ثلاث طرق معلقة موقوفة: الأول: قوله: وقال قتيبة، هو ابن سعيد أحد مشايخه: حدثنا أبو عوانة بفتح العين المهملة الوضاح اليشكري عن قتادة عن عكرمة عن أبي هريرة، ورواية قتيبة هذه وصلها في نسخته عن أبي عوانة رواية النسائي عنه من طريق علي بن محمد الفارسي عن محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيوية عن النسائي، ولفظه: عن أبي هريرة قال: من كذب في رؤياه كلف أن يعقد بين طرفي شعيرة، ومن استمع.. الحديث، ومن صور.. الحديث.
الثاني: قوله: وقال شعبة، عن أبي هاشم اسمه يحيى بن دينار، ووقع في رواية المستملي والسرخسي: عن أبي هشام قيل: إنه غلط، والرماني بضم الراء وتشديد الميم نسبة إلى قصر الرمان بواسط كان ينزل قصر الرمان بوسط. الثالث: قوله: قال أبو هريرة... إلى آخره، كذا وقع في الأصل مختصرا على أطراف الأحاديث الثلاثة، وجزاء هذه الشروط المذكورة هو كلف وصب وعذب كما تقدم، وكذا وصله الإسماعيلي في مستخرجه من طريق عبيد الله بن معاذ العنبري عن أبيه عن شعبة بن أبي هاشم بهذا السند مقتصرا على قوله: عن أبي هريرة.
حدثنا إسحاق حدثنا خالد عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس قال: من استمع ومن تحلم ومن صور نحوه.
إسحاق هو ابن شاهين، وخالد شيخه هو ابن عبد الله الطحان، وخالد شيخه هو الحذاء، كذا أخرجه مختصرا. وأخرجه الإسماعيلي من طريق وهب بن منبه عن خالد بن عبد الله فذكره بهذا السند إلى ابن عباس عن النبي فرفعه، ولفظه: من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنه الآنك، ومن تحلم كلف أن يعقد شعيرة يعذب بها
167

وليس بفاعل، ومن صور صورة عذب حتى يعقد بين شعيرتين وليس عاقدا.
تابعه هشام عن عكرمة عن ابن عباس. قوله.
أي: تابع خالدا الحذاء هشام بن حسان في روايته عن عكرمة عن ابن عباس. قوله: قوله يعني: قول ابن عباس، يعني: موقوفا عليه.
7043 حدثنا علي بن مسلم، حدثنا عبد الصمد حدثنا عبد الرحمان بن عبد الله بن دينار مولى ابن عمر عن أبيه، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أفرى الفرى أن يري عينيه ما لم تر
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعلي بن مسلم الطوسي نزيل بغداد مات قبل البخاري بثلاث سنين، وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث بن سعيد وقد أدركه البخاري بالسن، وعبد الرحمن بن دينار مختلف فيه قال ابن المديني: صدوق، وقال يحيى بن معين: في حديثه عندي ضعف، ومع ذلك عمدة البخاري فيه على شيخه علي، على أنه لم يخرج له البخاري شيئا إلا وله فيه متابع أو شاهد والحديث من أفراده.
قوله: من أفرى الفرى بفتح الهمزة وسكون الفاء أفعل التفضيل أي: أكذب الكذبات والفرى بكسر الفاء والقصر جمع فرية وهي الكذبة العظيمة التي يتعجب منها ويروى أن من أفرى الفرى. قوله: أن يري بضم الياء وكسر الراء من الإراءة وهو فعل وفاعل. وقوله: عينيه بالنصب مفعوله الأول وقوله: ما لم تر مفعول ثان أي: الذي لم تره، ويروى: ما لم يريا، بالتثنية باعتبار رؤية عينيه مثنى. وقال الكرماني: فإن قلت: هو لا يرى عينيه بل ينسب إليهما الرؤية. قلت: المقصود نسبته إليهما وإخباره عنهما بالرؤية. فإن قلت: الكذب في اليقظة أكثر ضررا لتعديه إلى غيره ولتضمنه المفاسد، فما وجه تعظيم الكاذب في رؤياه بذلك؟. قلت: هو لأن الرؤيا جزء من النبوة والكاذب فيها كاذب على الله وهو أعظم الفرى وأولى بعظيم العقوبة.
46
((باب إذا رأى ما يكره فلا يخبر بها ولا يذكرها))
أي: هذا باب يذكر فيه إذا رأى أحد في منامه ما يكرهه فلا يخبر بها أحدا ولا يذكرها، وجمع في الترجمة بين لفظي الحديثين لكن في الترجمة: فلا يخبر بها، ولفظ الحديث: فلا يحدث، وهم متقاربان.
7044 حدثنا سعيد بن الربيع، حدثنا شعبة، عن عبد ربه بن سعيد قال: سمعت أبا سلمة يقول: لقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني، حتى سمعت أبا قتادة يقول: وأنا كنت لأرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت النبي يقول الرؤيا الحسنة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها، ومن شر الشيطان ولينقل ثلاثا ولا يحدث بها أحدا فإنها لن تضره
مطابقته للترجمة في قوله: لا يحدث بها أحدا وقد ذكرنا الآن أن لفظي الإخبار والتحديث متقاربان.
وسعيد بن الربيع أبو زيد الهروي كان يبيع الثياب الهروية من أهل البصرة، وعبد ربه بن سعيد الأنصاري أخو يحيى بن سعيد الأنصاري، وأبو سلمة بن عبد الرحمان بن عوف. وحديث أبي سلمة عن أبي قتادة مر في: باب من رأى النبي وفي: باب الحلم من الشيطان. وأبو قتادة الأنصاري في اسمه أقوال: فقيل الحارث، وقيل النعمان، وقيل عمر. قوله: فتمرضني بضم التاء من الأمراض قوله: كنت لأرى الرؤيا كذا باللام في رواية المستملي، وفي رواية غيره بدون اللام، قال بعضهم: بدون اللام أولى. قلت: ليت شعري ما وجه الأولوية قوله: فلا يحدث به إلا من يحب أي: من يحبه لأنه إذا حدث بها من لا يحب فقد يفسرها له بما لا يحب
168

إما بغضا وإما حسدا، فقد يقع على تلك الصفة، والمحب لا يعبرها إلا بخير والعبارة لأول عابر. وقال الرؤيا لأول عابر، وكان أبو هريرة يقول: لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح. قوله: وليتفل أي: ليبصق، وذاك لطرد الشيطان واستقذاره، من تفل بالتاء المثناة من فوق وبالفاء يتفل بضم الفاء وكسرها. قوله: ثلاثا أي: ثلاث مرات. قوله: فإنها لن تضره قال الداودي: يريد ما كان من الشيطان، وأما ما كان من الله من خير أو شر فهو واقع لا محالة.
7045 حدثنا إبراهيم بن حمزة، حدثني ابن أبي حازم والدراوردي عن يزيد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنها من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لن تضره
انظر الحديث 6985
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإبراهيم بن حمزة أبو إسحاق الزبير الأسدي المدني، يروي عن عبد العزيز بن أبي حازم بالحاء المهملة والزاي، واسمه سلمة بن دينار، والدراوردي عبد العزيز بن محمد، وقد تقدم في: باب الرؤيا من الله وكذلك الحديث مضى فيه.
47
((باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب))
أي: هذا باب فيه من لم ير إلى آخره، وقال الكرماني: المعتبر في أقوال العابرين قول العابر الأول، فيقبل إذا كان مصيبا في وجه العبارة، أما إذا لم يصب فلا يقبل إذ ليس المدار إلا على إصابة الصواب، فمعنى الترجمة: من لم يعتقد أن تفسير الرؤيا هو للعابر الأول إذا كان مخطئا، ولهذا قال للصديق: أخطأت بعضا، كأنه يشير إلى حديث أنس، قال: قال رسول الله فذكر حديثا فيه: والرؤيا لأول عابر، وهو حديث ضعيف فيه يزيد الرقاشي ولكن له شاهد، أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة بسند حسن، وصححه الحاكم عن أبي رزين العقيلي، رفعه: الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت. لفظ أبي داود في رواية الترمذي: سقطت.
انتهى. قلت: هذا الذي قاله غير مناسب لمعنى الترجمة يفهمه من له أدنى إدراك وذوق.
6407 حدثنا يحياى بن بكير، حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس، رضي الله عنهما، كان يحدث: أن رجلا أتى رسول الله فقال: إني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل، فأراى الناس يتكففون منها، فالمستكثر والمستقل، وإذا سبب واصل من السماء، إلى الأرض فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع، ثم وصل. فقال أبو بكر: يا رسول الله بأبي أنت، والله لتدعني فأعبرها. فقال النبي اعبرها قال: أما الظلة فالإسلام، وأما الذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن حلاوته تنطف، فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به، فيعليك الله، ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به، ثم يأخذ رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذه رجل آخر فينقطع به، ثم يوصل له فيعلو به، فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت. أصبت
169

أم أخطأت؟ قال النبي أصبت بعضا وأخطأت بعضا قال: فوالله يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت.
قال: لا تقسم 0 انظر الحديث 7000
مطابقته للترجمة تؤخذ من آخر الحديث. وأخرجه مسلم في التعبير عن حرملة وعن آخرين. وأخرجه أبو داود في الأيمان والنذور عن محمد بن يحيى وغيره. وأخرجه النسائي في الرؤيا عن محمد بن منصور. وأخرجه ابن ماجة فيه عن يعقوب بن حميد. قوله: ظلة بضم الظاء المعجمة أي: سحابة لها ظلة وكل ما أظل من سقيفة ونحوها يسمى ظلة، قاله الخطابي، وقال ابن فارس: الظلة أول شيء يظل، وفي رواية ابن ماجة: ظلة بين السماء والأرض. قوله: تنطف أي: تقطر، من نطف الماء إذا سال ويجوز الضم والكسر في الطاء. قوله: يتكففون أي: يأخذون بأكفهم، وفي رواية ابن وهب: بأيديهم، وفي رواية الترمذي: يستقون، أي: يأخذون بالأسقية. قوله: فالمستكثر مرفوع على الابتداء وخبره محذوف أي: فيهم المستكثر في الأخذ أي: يأخذ كثيرا. قوله: والمستقل أي: ومنهم المستقل في الأخذ، أي: يأخذ قليلا. قوله: سبب أي: حبل. قوله: واصل من الوصول، وقيل: هو بمعنى الموصول كقوله: * (فهو فى عيشة راضية) * أي: مرضية. قوله: فعلوت من العلو، وفي رواية سليمان بن كثير: فأعلاك الله. قوله: ثم أخذ به كذا في رواية الأكثرين، ويروى: ثم أخذه. قوله: وصل على بناء المجهول، وفي رواية شيبان بن حصين: ثم وصل له قوله: بأبي أنت وأمي أي: مفدى بهما، هكذا في رواية معمر، وفي رواية غيره: بأبي، فقط. قوله: لتدعني بفتح اللام للتأكيد أي: لتتركني وفي رواية سليمان: ائذن لي. قوله: فأعبرها في رواية ابن وهب: فلأعبرنها، بزيادة لام التأكيد والنون، ومثله في رواية الترمذي. قوله: اعبر أمر من عبر يعبر. قوله: ثم يأخذ به رجل من بعدك أي: ثم يأخذ بالحبل رجل، وهو أبو بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، ويقوم بالحق في أمته بعده. قوله: ثم يأخذ رجل آخر فيعلو به وهو عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه. قوله: ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به وهو عثمان بن عفان، رضي الله تعالى عنه. قوله: ثم يوصل له قال المهلب: الخطأ فيه حيث زاد له والوصل لغيره وكان ينبغي له أن يقف حيث وقفت الرؤيا، ويقول: ثم يوصل، على نص الرؤيا ولا يذكر الموصول له، ومعنى كتمانه موضع الخطأ لئلا يحزن الناس بالعارض لعثمان فهو الرابع الذي انقطع له ثم وصل أي الخلافة لغيره. وقال القاضي عياض: قيل: خطؤه في قوله: ويوصل له وليس في الرؤيا إلا أنه: يوصل، وليس فيها: له ولذلك لم توصل لعثمان وإنما وصلت الخلافة لعلي، رضي الله تعالى عنه. وقال بعضهم: لفظة: له، ثابتة في رواية ابن وهب وغيره، كلهم عن يونس عند مسلم وغيره ثم لفق الكلام. وقال: المعنى أن عثمان كاد أن ينقطع به الحبل عن اللحوق بصاحبيه بسبب ما وقع له من تلك القضايا التي أنكروها، فعبر عنها بانقطاع الحبل، ثم وقعت له الشهادة فاتصل بهم فعبر عنه بأن الحبل وصل له فاتصل فالتحق بهم انتهى. قلت: هذا خلاف ما يقتضيه معنى قوله: ثم يوصل له فيعلو به. قوله: فأخبرني يا رسول الله بأبي يعني: أنت مفدى بأبي. قوله: أصبت بعضا وأخطأت بعضا أما الذي أصاب فهو تعبير أن تكون الظلة نعمة الإسلام إلى قوله: ثم يوصل له. فيعلو به، وأما الذي أخطأ فاختلفوا فيه، فقال المهلب: موضع الخطأ في قوله: ثم يوصل له، وقد ذكرناه الآن، وقال الإسماعيلي: الخطأ هو أن الرجل لما قص على النبي رؤياه كان النبي أحق بتعبيرها من غيره، فلما طلب أبو بكر تعبيرها كان ذلك خطأ، وهذا نقله الإسماعيلي عن ابن قتيبة ووافقه على ذلك جماعة، وتعقبه النووي تبعا لغيره، فقال: هذا فاسد لأنه قد أذن له في ذلك. فقال له: اعبر، قيل: فيه نظر لأنه لم يأذن له ابتداء بل بادر هو فسأل أن يأذن له في تعبيرها، فأذن له. فقال: أخطأت في مبادرتك للسؤال بأن تتولى تعبيرها، لا أنه أخطأت في تعبيرك. وقيل: أخطأ في تفسيره لها بحضرة النبي ولو كان الخطأ في التعبير لم يقره عليه. وقال الطحاوي: الخطأ لكونه المذكور في الرؤيا شيئين: العسل والسمن، ففسرهما بشيء واحد وكان ينبغي أن يفسرهما بالقرآن والسنة، وقيل: المراد بقوله: أخطأت وأصبت، أن تعبير الرؤيا مرجعه الظن والظان يخطئ ويصيب. وقال الكرماني: فإن قلت: لم يبين رسول الله موضع الخطأ. فلم تبينون أنتم؟. قلت: هذه احتمالات لا جزم فيها. أو: لأنه كان يلزم في بيانه مفاسد للناس واليوم زال ذلك. قوله: لا تقسم قال الداودي: أي
170

لا تكرر يمينك فإني لا أخبرك. وقيل: معناه أنك إذ تفكرت فيما أخطأت به علمته. وقال الكرماني. فإن قلت: قد أمر النبي بإبرار القسم؟. قلت: ذلك مخصوص بما لم تكن فيه مفسدة وهاهنا لو أبره لزم مفاسد مثل: بيان قتل عثمان ونحوه، أو مما يجوز الاطلاع عليه بأن لا يكون من أمر الغيب ونحوه، أو بما لا يستلزم توبيخا على أحد بين الناس بالإنكار مثلا، على مبادرته، أو على ترك تعيين الرجال الذين يأخذون بالسبب، وكان في بيانه أعيانهم مفاسد. وفي التوضيح وكذا إذا أقسم على ما لا يجوز أن يقسم عليه كشرب الخمر والمعاصي ففرض عليه ألا يبره.
وفيه: جواز فتوى المفضول بحضرة الفاضل إذا كان مشارا إليه بالعلم والإمامة. وفيه: أن العالم قد يخطئ وقد يصيب.
48
((باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح))
أي: هذا باب في بيان تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح، قيل: فيه إشارة إلى ضعف ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن سعيد بن عبد الرحمان عن بعض علمائهم قال: لا تقصص رؤياك على امرأة ولا تخبر بها حتى تطلع الشمس، وفيه إشارة إلى الرد على من قال من أهل التعبير: إن المستحب أن يكون التعبير من بعد طلوع الشمس إلى الرابعة، ومن العصر إلى قبل الغروب. فإن الحديث يدل على استحباب تعبيرها قبل طلوع الشمس، وقال المهلب ما ملخصه: إن تعبير الرؤيا عند صلاة الصبح أولى من غيره من الأوقات لحفظ صاحبها لها لقرب عهده بها ولحضور ذهن العابر فيما يقوله.
7047 حدثنا مؤمل بن هشام أبو هشام، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا عوف، حدثنا أبو رجاء، حدثنا سمرة بن جندب، رضي الله عنه، قال: كان رسول الله مما يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحد منكم من رؤيا؟ قال: فيقص عليه من شاء الله أن يقص، وإنه قال لنا ذات غداة: إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي: انطلق. وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتهدهده الحجر هاهنا، فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى. قال: قلت لهما: سبحان الله ما هاذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق قال: فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقة إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه قال: وربما قال أبو رجاء فيشق قال: ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذالك الجانب كما كان ثم يعود عليه، فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى، قال: قلت: سبحان الله ما هاذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على مثل التنور قال: فأحسب أنه كان يقول: فإذا فيه لغط وأصوات قال: فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذالك اللهب ضوضؤوا. قال: قلت لهما: ما هاؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق قال: فانطلقنا فأتينا على نهر حسبت أنه كان يقول أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذالك السابح يسبح ما يسبح ثم يأتي ذالك الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجرا، فينطلق يسبح
171

ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغر له فاه، فألقمه حجرا. قال: قلت لهما: ما هاذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق قال: فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء رجلا مرآة، وإذا عنده نار يحشها ويسعاى حولها، قال: قلت لهما: ما هاذا؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كل نور الربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أراى رأسه طولا في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط. قال: قلت لهما: ما هاذا؟ ما هاؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق قال: فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قط أعظم منها ولا أحسن. قال: قالا لي: ارقه فيها. قال: فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا، فدخلناها فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء، قال: قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، قال: وإذا نهر معترض يجري كأن ماءه المحض في البياض، فذهبوا فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة، قال: قالا لي: هذه جنة عدن، هاذاك منزلك. قال: فسما بصري صعدا فإذا قصر مثل الربابة البيضاء، قال: قالا لي: هاذاك منزلك، قال: قلت لهما: بارك الله فيكما ذراني فأدخله، قالا: أما الآن فلا، وأنت داخله. قال: قلت لهما: فإني قد رأيت منذ الليلة عجبا، فما هاذا الذي رأيت؟ قال: قالا لي: أما إنا سنخبرك: أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة، وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق، وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني، وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجر فإنه آكل الربا، وأما الرجل الكرية المرأة الذي عند النار، يحشها ويسعى حولها، فإنه مالك خازن جهنم، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله وأولاد المشركين وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسنا وشطر منهم قبيحا فإنهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا تجاوز الله عنهم
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: ذات غداة لأن الغداة ما قبل طلوع الشمس. قال الجوهري: الغدوة ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس، ولفظ: ذات، مقحم أو هو من إضافة المسمى إلى اسمه.
ومؤمل على وزن محمد ابن هشام أبو هاشم، كذا لأبي ذر عن بعض مشايخه، وقال: الصواب أبو هشام، وكذا هو عند غير أبي ذر، وهو ممن وافق كنيته اسم أبيه وهو ختن إسماعيل بن إبراهيم المشهور بابن علية اسم أمه وهو الذي يروي عنه مؤمل المذكور، وعوف هو المشهور بالأعرابي،
172

وأبو رجاء بفتح الراء والجيم المخففة اسمه عمران العطاردي، والرجال كلهم بصريون.
والحديث أخرجه البخاري مقطعا في الصلاة وفي الجنازة وفي البيوع وفي الجهاد وفي بدء الخلق وفي صلاة الليل في الأدب عن موسى بن إسماعيل وفي الصلاة وفي أحاديث الأنبياء وفي التفسير وهنا عن مؤمل، ولم يخرجه تاما إلا هنا وفي أواخر كتاب الجنائز. وأخرجه مسلم في الرؤيا عن محمد بن بشار مختصرا. وأخرجه الترمذي فيه عن بندار به مختصرا. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن عبد الأعلى وفي التفسير عن بندار بأكثره، وقد مضى الكلام في أكثره في كتاب الجنائز، ولنذكر هنا شرح الألفاظ التي لم تذكر هناك.
قوله حدثنا مؤمل بن هشام وفي رواية غير أبي ذر. حدثني. قوله: كان رسول الله مما يكثر أن يقول لأصحابه وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني: كان رسول الله يعني مما يكثر، وله عن غيره بإسقاط: يعني، كذا وقع عند الباقين. وفي رواية النسفي: مما يقول لأصحابه، وقال الطيبي: قوله: مما يكثر خبر: كان وما موصولة،
ويكثر صلته، وأن يقول فاعل يكثر. قوله: هل رأى أحد منكم هو المقول. قوله: فيقص بفتح الياء وضم القاف، يقال: قصصت الرؤيا على فلان إذا أخبرته بها أقصها قصا، والقص البيان. قوله: من شاء الله هكذا في رواية النسفي، وفي رواية غيره: ما شاء الله، وكلمة: من، للقاص، وكلمة: ما، للمقصوص. قوله: الليلة بالنصب على الظرفية. قوله: آتيان تثنية: آت، من الإتيان ويروى: اثنان من التثنية، وعند ابن أبي شيبة: اثنان أو آتيان، بالشك وفي رواية جرير: رأيت رجلين، وفي رواية علي: رأيت ملكين، وسيأتي في آخر الحديث أنهما: جبريل وميكائيل، عليهما السلام. قوله: ابتعثاني بسكون الباء الموحدة وفتح التاء المثناة من فوق وبعد العين المهملة ثاء مثلثة أي: أرسلاني. قال الجوهري: يقال: بعثته وابتعثته أرسلته، وفي رواية الكشميهني: انبعثا بي، بنون ساكنة وياء موحدة. قوله: مضطجع وفي رواية جرير: مستلق على قفاه. قوله: وإذا آخر أي: وإذا رجل آخر، وكلمة: إذ، للمفاجأة. قوله: بصخرة وفي رواية جرير: بفهر أو صخرة. قوله: يهوي بفتح الياء وسكون الهاء وكسر الواو من هوى بالفتح يهوي هويا أي: سقط إلى أسفل، وضبطه ابن التين بضم الياء من الإهواء، يقال: أهوى من بعد وهوى بفتح الواو من قرب. قوله: فيثلغ بفتح الياء وسكون الثاء المثلثة وفتح اللام، وبالغين المعجمة أي: يشدخ والشدخ كسر الشيء الأجوف، وقال ابن الأثير: الثلغ ضربك الشيء الرطب بالشيء اليابس حتى يتشدخ. قوله: فيتدهده الحجر أي: ينحط من علو إلى أسفل، يقال: تدهده يتدهده، وفي رواية الكشميهني: فيتدأدأ، بهمزتين بدل الهاءين، وفي رواية النسفي: فيتدهدأ، بهمزة في آخره بدل الهاء، والكل بمعنى. قوله: هاهنا أي: إلى جهة الضارب. قوله: حتى يصح رأسه وفي رواية جرير: حتى يلتئم، وعند أحمد: عاد رأسه كما كان، وفي حديث علي، رضي الله عنه: فيقع دماغه جانبا وتقع الصخرة جانبا، قوله: ثم يعود عليه وفي رواية جرير: يعود إليه. قوله: انطلق انطلق كذا في المواضع كلها بالتكرير، وسقط في بعض الروايات التكرار، وأما في رواية جرير، فليس فيها: سبحان الله، فيها: انطلق، مرة واحدة. قوله: بكلوب بفتح الكاف وضم اللام المشددة، وجاء الضم في الكاف، ويقال: الكلاب والجمع كلاليب وهو المنشال من حديد ينشل بها اللحم من القدر، وقال الداودي: هو كالسكين ونحوها. قوله: فيشرشر شدقه إلى قفاه أي: يقطعه، والشدق جانب الفم، وقال صاحب العين شرشره قطع شرشره وشق أيضا. قوله: أبو رجاء هو راوي الحديث، أراد: أن أبا رجاء قال: يشق شدقه. قوله: مثل التنور وفي رواية محمد بن جعفر: مثل بناء التنور، وزاد جرير: أعلاه ضيق وأسفله واسع. قوله: لغط أي: جلبة وصيحة لا يفهم معناها. قوله: لهب هو لسان النار، وقال الداودي: هو شدة الوقيد والاشتعال. قوله: حسبت أنه كان يقول: أحمر مثل الدم وفي رواية جرير بن حازم: على نهر من دم، ولم يقل: حسبت. قوله: يسبح أي: يعوم. قوله: ضوضؤوا أي: ضجوا وصاحوا. قال الكرماني: ضوضؤوا بفتح المعجمتين وسكون الواوين بلفظ الماضي، وقال الجوهري: هو غير مهموز أصله: ضوضوا استثقلت الضمة على الواو فحذفت فاجتمع ساكنان فحذفت الواو الأولى لاجتماع الساكنين، وقال ابن الأثير: ضوضوا، وضبط بالهمزة أي: ضجوا واستغلوا، والضوضأة: أصوات
173

الناس وغلبتهم وهو مصدر. قوله: يفغر له فاه أي: يفتحه، يقال: فغر فاه وفغر فوه يتعدى ولا يتعدى، ومادته: فاء وغين معجمة وراء. قوله: فيلقمه بضم الياء من الإلقام. قوله: كلما رجع إليه وفي رواية المستملي: كما رجع إليه فغر له فاه، أي: فتح. قوله: كريه المرآة بفتح الميم وسكون الراء وهمزة ممدودة بعدها هاء تأنيث أي: كريه المنظر، وأصلها المراية تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، ووزنها: مفعلة بفتح الميم، والمرآة بكسر الميم الآلة التي ينظر فيها. قوله: يحشها بفتح الياء وضم الحاء المهملة وتشديد الشين المعجمة. أي: يحركها لتتقد، يقال: حشيت النار أحشها حشا، إذا أوقدتها وجمعت الحطب إليها، وحكى في المطالع بضم أوله من الإحشاش، وفي رواية جرير بن حازم: يحششها، بسكون الحاء وضم الشين المعجمة المكررة، ويسعى حولها أي: حول النار. قوله: معتمة بضم الميم وسكون العين المهملة وكسر التاء المثناة من فوق وتخفيف الميم بعدها هاء تأنيث، ويروى بفتح التاء وتشديد الميم: من أعتم النبت إذا كثر، وقال الداودي: أعتمت الروضة غطاها الخصب، وأورد ابن بطال: مغنة، فقط بالغين المعجمة والنون، ثم قال ابن دريد: وأدغن ومغن إذا كثر شجره، ولا يعرف الأصمعي الأغن وحده، وقال صاحب العين روضة غناء كثيرة العشب والذباب: وقرية غناء كثيرة الأهل. قوله: من كل نور الربيع بفتح النون وهو نور الشجر أي: زهره، ونورت الشجرة أخرجت نورها. وقوله: نور الربيع رواية الكشميهني: وفي رواية غيره: من كل لون الربيع، بالواو والنون. قوله: بين ظهري الروضة تثنية ظهر، وفي رواية يحيى بن سعيد: بين ظهراني الروضة، معناهما وسطها. قوله: طولا نصب على التمييز. قوله: وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط قال الطيبي شيخ شيخي: أصل هذا الكلام، وإذا حول الرجل ولدان ما رأيت ولدانا قط أكثر منهم، ونظيره قوله بعد ذلك: لم أر روضة قط أعظم منها، ولما كان هذا التركيب متضمنا معنى النفي جازت زيادة: من وقط، التي تختص بالماضي المنفي. وقال ابن مالك: جاء استعمال قط في المثبت في هذه الرواية وهو جائز، وغفل أكثرهم عن ذلك فخصوه بالماضي المنفي. وقال الكرماني: يحتمل أنه اكتفي بالمنفي الذي لزم من التركيب إذ معناه: ما رأيته أكثر من ذلك، أو يقال: إن النفي مقدر. قوله: إلى روضة وفي رواية أحمد والنسائي وأبي عوانة والإسماعيلي: إلى درجة، وهي الشجرة الكبيرة. قوله: ارقه أمر من رقى يرقى، والهاء فيه للسكت. قوله: إلى مدينة من مدن بالمكان إذا أقام به على وزن فعيلة ويجمع على مدائن بالهمزة، وقيل: هي مفعلة من دنت أي: ملكت، فعلى هذا لا يهمز جمعها فإذا نسبت إلى مدينة الرسول قلت: مدني وإلى مدينة منصور قلت: مديني، وإلى مدينة كسرى قلت: مدايني. قوله: بلبن ذهب بفتح اللام وكسر الباء جمع لبنة وهي من الطين النيء. قوله: شطر أي: نصف من خلقهم بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام بعدها قاف أي: هيئتهم. قوله: شطر مبتدأ وقوله: كأحسن خبره، والكاف زائدة والجملة صفة رجال. قوله: فقعوا بفتح القاف وضم العين أمر للجماعة بالوقوع أصله: أوقعوا، لأنه من وقع يقع حذفت الواو تبعا لحذفها في المضارع، واستغني عن الهمزة فبقي: قعوا، على وزن: علوا، فافهم. قوله: معترض أي: يجري عرضا. قوله: المحض بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وبالضاد المعجمة هو اللبن الخالص من الماء حلوا كان أو حامضا، وقد بين جهة التشبيه بقوله: في البياض هكذا رواية النسفي، والإسماعيلي: في البياض، وفي رواية غيرهما: من البياض، قوله: فذهب ذلك السوء عنهم أي: صار
الشطر القبيح كالشطر الحسن، فلذلك قال: فصاروا في أحسن صورة. قوله: جنة عدن أي: إقامة وأشار بقوله هذه إلى المدينة. قوله: فسما بصري بفتح السين المهملة وتخفيف الميم أي: نظر إلى فوق. قوله: صعدا بضم المهملتين أي: ارتفع كثيرا، قال الكرماني صعدا بمعنى صاعدا، وقيل: صعدا، بضم الصاد وفتح العين المهملتين وبالمد، ومنه: تنفس الصعداء، أي: تنفس تنفسا ممدودا، وكذا ضبطه ابن التين. قوله: فإذا قصر كلمة: إذ، للمفاجاة. قوله: مثل الربابة بفتح الراء وتخفيف الباءين الموحدتين وهي السحابة البيضاء، وقال الخطابي: السحابة التي ركب بعضها بعضا. وقال صاحب العين الرباب السحاب واحدها ربابة، ويقال: إنه السحاب الذي تراه كأنه دون السحاب قد يكون أبيض وقد يكون أسود: وقال الداودي: الربابة السحابة البعيدة في السماء. قوله: ذراني أي: دعاني واتركاني، وهو بفتح الذال المعجمة
174

وتخفيف الراء أمر للاثنين من: يذر، أصله يوذر حذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة والأمر منه: ذر، وأصله أوذر، حدفت الواو منه تبعا لحذفها في المضارع واستغني عن الهمزة فقيل: ذر، على وزن: فل وأميت ماضي هذا الفعل فلا يقال: وذر. قوله: فأدخله جواب الأمر، ويجوز في اللام النصب والرفع والجزم: أما النصب فعلى تقدير: أن أدخله، وأما الرافع فعلى تقدير أنا أدخله، وأما الجزم فلأنه جواب الأمر. وفي غالب النسخ أدخله بدون الفاء. قوله: وأنت داخله يعني في المستقبل، وفي رواية جرير بن حازم: قلت دعاني أدخل منزلي. قالا: إنه بقي لك عمر لم تستكمله، فلو استكملت أتيت منزلك. قوله: أما إنا سنخبرك كلمة: أما، بفتح الهمزة وتخفيف الميم و: إنا، بكسر الهمزة وتشديد النون. قوله: فيرفضه بكسر الفاء وقيل بضمها أي: يتركه ولما رفض أشرف الأشياء وهو القرآن عوقب في أشرف أعضائه. قوله: يغدو أي: يخرج من بيته مبكرا فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق وفي رواية جرير بن حازم: مكذوب يحدث بالكذبة تحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به إلى يوم القيامة. قوله: العراة جمع عار قوله: والزناة جمع زان، ومناسبة العري لهم لاستحقاقهم أن يفضحوا لأن عادتهم أن يستتروا بالخلوة فعوقبوا بالهتك، والحكمة في العذاب لهم من تحتهم كون جنايتهم ومن أعضائهم السفلى. قوله: الذي عنده النار هكذا في رواية الكشميهني عنده، وفي رواية غيره: الذي عند النار. قوله: وأما الرجل وفي رواية جرير ابن حازم: والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم، عليه السلام، وإنما اختص إبراهيم، عليه السلام، بذلك لأنه أبو المسلمين. قال تعالى * (وجاهدوا فى الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم فى الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفى هاذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهدآء على الناس فأقيموا الصلواة وءاتوا الزكواة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير) * قوله: مولود مات على الفطرة وفي رواية النضر بن شميل: ولد على الفطرة، وهو أشبه بقوله في الرواية الأخرى: وأولاد المشركين، وقد مضى الكلام في هذا الفصل في كتاب الجنائز. قوله: الذين كانوا شطر منهم حسنا يرفع شطر ونصب حسنا كذا في رواية غير أبي ذر، ووجهه أن: كان، تامة والجملة حال، وإن كان بدون الواو كقوله تعالى: * (فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين) * وفي رواية أبي ذر: الذين كانوا شطرا منهم حسن، ووجهه ظاهر، وفي رواية النسفي والإسماعيلي بالرفع في الجميع، وعليه اقتصر الحميدي في جمعه. وزاد جرير بن حازم في روايته: والدار الأولى التي دخلت دار عامة المؤمنين، وهذه الدار دار الشهداء، وأنا جبريل وهذا ميكائيل.
* (بسم الله الرحمان الرحين) *
92
((كتاب الفتن))
أي: هذا كتاب في بيان الفتن بكسر الفاء جمع فتنة وهي المحنة والفضيحة والعذاب، ويقال: أصل الفتنة الاختبار ثم استعملت فيما أخرجته المحنة، والاختبار إلى المكروه ثم أطلقت على كل مكروه وآيل إليه كالكفر والإثم والفضيحة والفجور وغير ذلك، وفي بعض النسخ: البسملة ذكرت بعد قوله: كتاب الفتن وهي رواية كريمة والأصيلي.
1
((باب ما جاء في قول الله تعالى: * (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خآصة واعلمو
1764; ا أن الله شديد العقاب) *))
أي: هذا باب في ذكر ما جاء... إلى آخره، ذكر أحمد في تفسيره وهو ما عزاه إليه ابن الجوزي في حدائقه حدثنا أسود حدثنا جرير سمعت الحسن قال: قال الزبير بن العوام، رضي الله تعالى عنه: نزلت هذه الآية ونحن متوافرون مع رسول الله فجعلنا نقول: ما هذه الفتنة؟ وما نشعر أنها تقع حيث وقعت. وعنه أنه قال يوم الجمل لما لقي ما لقي: ما توهمت أن هذه الآية نزلت فينا أصحاب محمد اليوم، وقال الضحاك: هي في أصحاب محمد خاصة. وقال ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما: أمر الله المؤمنين أن لا يقروا منكرا بين ظهورهم، وأنذرهم بالعذاب، وقيل: إنه تعم الظالم وغيره، وقال المبرد: إنها نهي بعد نهي لأمر الفتنة، والمعنى في النهي للظالمين أن لا يقربوا الظلم، وروى الطبري من طريق الحسن البصري قال: قال الزبير: لقد خوفنا بهذه الآية ونحن مع رسول الله وما ظننا أن خصصنا بها. وأخرجه
175

النسائي من هذا الوجه. وأخرجه الطبري من طريق السدي قال: نزلت في أهل بدر خاصة فأصابتهم يوم الجمل.
وما كان النبي يحذر من الفتن
عطف على ما قبله أي: وفي بيان ما كان النبي يحذر أصحابه من الفتن، ويحذر من التحذير، وأشار بهذا إلى ما تضمنته أحاديث الباب من الوعيد على التبديل والإحداث
.
7048 حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا بشر بن السري، حدثنا نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة قال: قالت أسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا على حوضي أنتظر من يرد علي فيؤخذ بناس من دوني فأقول: أمتي فيقول: لا تدري مشوا على القهقرى.
قال ابن أبي مليكة: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن.
انظر الحديث 6593
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث.
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني. وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن السري بفتح السين المهملة وكسر الراء وتشديد الياء آخر الحروف البصري سكن مكة وكان يلقب بالأفوه ثقة كان صاحب مواعظ وليس له في البخاري سوى هذا الموضع، ونافع بن عمر بن عبد الله القرشي من أهل مكة، وقال أبو داود: مات سنة تسع وستين ومائة، وابن أبي مليكة اسمه عبد الله واسم أبي مليكة زهير، وكان عبد الله قاضي مكة أيام عبد الله بن الزبير، وأسماء بنت أبي بكر، رضي الله تعالى عنهما.
والحديث مضى في ذكر الحوض عن سعيد بن أبي مريم، ومضى الكلام فيه.
قوله: أنا على حوضي يعني: يوم القيامة. قوله: انتظر من يرد علي بتشديد الياء أي: من يحضرني ليشرب. قوله: من دوني أي: من عندي. قوله: فيقول أي: فيقول الله عز وجل، ويروى: فيقال. قوله: لا تدري خطاب للنبي قوله: مشوا على القهقرى والقهقرى مقصور وهو الرجوع إلى خلف، فإذا قلت: رجعت القهقرى، كأنك قلت: رجعت الرجوع الذي يعرف بهذا الاسم. لأن القهقرى ضرب من الرجوع. وقال الأزهري: معنى الحديث الارتداد عما كانوا عليه. قوله: أو نفتن على صيغة المجهول.
7049 حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن أبي وائل قال: قال عبد الله: قال النبي صلى الله عليه وسلم أنا فرطكم على الحوض، ليرفعن إلي رجال منكم، حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني: فأقول: أي رب أصحابي فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك
انظر الحديث 6575 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو عوانة بفتح العين المهملة الوضاح اليشكري، ومغير بضم الميم وكسرها ابن المقسم بكسر الميم الضبي الكوفي، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وعبد الله هو ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه.
والحديث مضى في ذكر الحوض عن عمرو بن علي.
قوله: فرطكم بفتح الفاء والراء وبالطاء المهملة أي: أنا أتقدمكم، والفرط من يتقدم الواردين فيهيىء لهم الإرشاء والدلاء وعدد الحياض ويسقي لهم، وهو على وزن فعل بمعنى فاعل كبيع بمعنى بائع. قوله: ليرفعن على صيغة المجهول المؤكد بالنون الثقيلة. قوله: إذا أهويت أي: ملت وامتددت. قوله: اختلجوا على صيغة المجهول أي: سلبوا من عندي. يقال: خلجه واختلجه إذا جذبه وانتزعه. قوله: ما أحدثوا أي: من الأمور التي لا يرى الله بها، وجميع أهل البدع والظلم والجور داخلون في معنى هذا الحديث.
7049 حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن أبي وائل قال: قال عبد الله: قال النبي صلى الله عليه وسلم أنا فرطكم على الحوض، ليرفعن إلي رجال منكم، حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني: فأقول: أي رب أصحابي فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك
انظر الحديث 6575 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو عوانة بفتح العين المهملة الوضاح اليشكري، ومغير بضم الميم وكسرها ابن المقسم بكسر الميم الضبي الكوفي، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وعبد الله هو ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه.
والحديث مضى في ذكر الحوض عن عمرو بن علي.
قوله: فرطكم بفتح الفاء والراء وبالطاء المهملة أي: أنا أتقدمكم، والفرط من يتقدم الواردين فيهيىء لهم الإرشاء والدلاء وعدد الحياض ويسقي لهم، وهو على وزن فعل بمعنى فاعل كبيع بمعنى بائع. قوله: ليرفعن على صيغة المجهول المؤكد بالنون الثقيلة. قوله: إذا أهويت أي: ملت وامتددت. قوله: اختلجوا على صيغة المجهول أي: سلبوا من عندي. يقال: خلجه واختلجه إذا جذبه وانتزعه. قوله: ما أحدثوا أي: من الأمور التي لا يرى الله بها، وجميع أهل البدع والظلم والجور داخلون في معنى هذا الحديث.
7050 حدثنا يحياى بن بكير، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمان، عن أبي حازم قال: سمعت سهل بن سعد يقول: سمعت النبي يقول أنا فرطكم على الحوض، من ورده شرب
176

منه ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا، ليرد علي أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هاذا، فقال: هاكذا سمعت سهلا؟ فقلت: نعم. قال: وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته، يزيد فيه قال: إنهم مني فيقال: إنك لا تدري ما بدلوا بعدك. فأقول: سحقا سحقا
لمن بدل بعدي
انظر الحديث 6584
مطابقته للترجمة ظاهرة. و يحيى بن بكير هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي المصري، ويعقوب بن عبد الرحمان بن محمد بن عبد الله القاري من قارة حي من العرب أصله مدني سكن الإسكندرية، وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار، والنعمان بن أبي عياش بتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة واسم أبي عياش زيد بن الصامت الزرقي الأنصاري المدني، وسهل بن سعد الأنصاري الساعدي.
والحديث أخرجه مسلم في فضل النبي عن قتيبة.
قوله من ورده شرب وفي رواية الكشميهني: من ورده يشرب قوله: لم يظمأ قيل: هو كناية عن أنه يدخل الجنة لأنه صفة من يدخلها. وقال الكرماني: فإن قلت: قال أولا: من ورده شرب، وآخرا: ليردن علي أقوام. ثم يحال؟ قلت: الورود في الأول إنما هو على الحوض، وفي الثاني عليه قلت: فيه نظر لا يخفى. قوله: ما بدلوا وفي رواية الكشميهني: ما أحدثوا. واعلم أن حال هؤلاء المذكورين إن كانوا من ارتدوا عن الإسلام فلا إشكال في تبري النبي منهم وإبعادهم، وإن كانوا ممن لم يرتدوا ولكن أحدثوا معصية كبيرة من أعمال البدن أو بدعة من أعمال القلب فقد أجابوا بأنه يحتمل أنه أعرض عنهم ولم يسمع لهم اتباعا لأمر الله فيهم حتى يعاقبهم على جنايتهم، ثم، لا مانع من دخولهم في عموم شفاعته لأهل الكبائر من أمته فيخرجون عند إخراج الموحدين من النار. قوله: سحقا أي: بعدا، وكرر لفظ سحقا من سحق الشيء بالضم فهو سحيق أي: بعيد، وأسحقه الله أي أبعده.
2
((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سترون بعدي أمورا تنكرونها)))
.
أي: هذا باب في ذكر قول النبي إلى آخره، وهذه الترجمة بعض متن الحديث الذي يأتي في أحاديث الباب.
وقال عبد الله بن زيد: قال النبي اصبروا حتى تلقوني على الحوض
عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري العاصمي. وحديثه هذا طرف من حديث وصله البخاري في غزوة حنين من كتاب المغازي.
7052 حدثنا مسدد، حدثنا يحياى بن سعيد القطان، حدثنا الأعمش، حدثنا زيد بن وهب سمعت عبد الله قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: أدوا إليهم حقهم وسلوا حقكم
انظر الحديث 3603
مطابقته للترجمة ظاهرة. و يحيى بن سعيد القطان، والأعمش سليمان، و زيد بن وهب أبو سليمان الهمداني الجهني الكوفي من قضاعة خرج إلى النبي فقبض النبي وهو في الطريق، و عبد الله هو ابن مسعود.
والحديث مضى في علامات النبوة عن محمد بن كثير، ومضى الكلام فيه.
قوله: أثرة بفتح الهمزة والثاء المثلثة: الاستئثار في الحظوظ الدنيوية والاختيار لنفسه والاختصاص بها. قوله: وأمورا تنكرونها يعني: من أمور الدين وسقطت الواو في: وأمورا في بضع الروايات فعلى هذا يكون أمورا تنكرونها بدلا من: أثرة. قوله: أدوا إليهم حقهم أي: أدوا الأمراء حقهم أي: الذي لهم المطالبة به، ووقع في رواية الثوري: تؤدون الحقوق التي عليكم، أي: بذل المال الواجب في الزكاة، والنفس الواجب في الخروج إلى الجهاد عند التعيين ونحوه. قوله: وسلوا الله حقكم قال الداودي: سلوا الله أن يأخذ لكم حقكم ويقيض
177

لكم من يؤديه إليكم. وقال زيد: يسألون الله سرا لأنهم إذ سالوه جهرا كان سبا للولاة ويؤدي إلى الفتنة.
7053 حدثنا مسدد عن عبد الوارث، عن الجعد، عن أبي رجاء، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كره من أميره شيئا فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث.
وعبد الوارث هو ابن سعيد والجعد بفتح الجيم وسكون العين المهملة هو أبو عثمان الصيرفي، وأبو رجاء بالجيم عمران العطاردي.
والحديث أخرجه البخاري في الأحكام أيضا عن سليمان بن حرب. وأخرجه مسلم في المغازي عن حسن بن الربيع وغيره.
قوله: من خرج من السلطان أي: من طاعته. قوله: فليصبر يعني فليصبر على ذلك المكروه، ولا يخرج عن طاعته لأن في ذلك حقن الدماء وتسكين الفتنة إلا أن يكفر الإمام ويظهر خلاف دعوة الإسلام فلا طاعة لمخلوق عليه. وفيه: دليل على أن السلطان لا ينعزل بالفسق والظلم ولا تجوز منازعته في السلطنة بذلك. قوله: شبرا أي: قدر شبر وهو كناية عن خروجه، ولو كان بأدنى شيء. قال بعضهم: شبرا كناية عن معصية السلطان ومحاربته، وقال صاحب التوضيح شبرا يعني في الفتنة التي يكون فيها بعض المكروه. قلت: في كل من التفسيرين بعد والأوجه ما ذكرناه. قوله: مات ميتة بكسر الميم كالجلسة لأن باب فعلة بالكسر للحالة وبالفتح للمرة. قوله: جاهلية أي: كموت أهل الجاهلية حيث لم يعرفوا إماما مطاعا، وليس المراد أنه يموت كافرا بل أنه يموت عاصيا.
7054 حدثنا أبو النعمان، حدثنا حماد بن زيد، عن الجعد أبي عثمان، حدثني أبو رجاء العطاردي قال: سمعت ابن عباس، رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات إلا مات ميتة جاهلية
انظر الحديث 7053 وطرفه
هذا طريق آخر في حديث ابن عباس المذكور أخرجه عن أبي النعمان محمد بن الفضل بن النعمان السدوسي البصري إلى آخره.
قوله: فإنه فإن الشان من فارق الجماعة إلى آخره، قيل: المراد بالمفارقة السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شيء، فكنى عنها بمقدار الشبر، لأن الأخذ في ذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير حق. قوله: فمات إلا مات ميتة جاهلية وقال الكرماني ما ملخصه: إن إلا زائدة قال الأصمعي: إلا تقع زائدة أو تكون حرف عطف وما بعدها يكون معطوفا على ما قبلها.
7055 حدثنا إسماعيل، حدثني ابن وهب عن عمر و، عن بكير، عن بسر بن سعيد عن جنادة بن أبي أمية قال: دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض، فقلنا: أصلحك الله حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي قال: دعانا النبي فبايعنا. فقال: فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان.
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث. وإسماعيل هو ابن أبي أويس، وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري، وعمرو هو ابن الحارث، وبكير مصغر بكر هو ابن عبد الله بن الأشج، وبسر بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة ابن سعيد مولى الحضرمي من أهل المدينة، وجنادة بضم الجيم وتخفيف النون ابن أبي أمية الدوسي، وقيل: السدوسي، وهو الصواب واسم أبي أمية كثير، مات جنادة سنة سبع وستين.
والحديث أخرجه مسلم في المغازي عن أحمد بن عبد الرحمان.
قوله: وهو
178

مريض الواو فيه للحال. قوله: فقلنا: أصلحك الله يحتمل أنه أراد الدعاء بالصلاح في جسمه ليعافى من مرضه أو أعم من ذلك، وهي كلمة اعتادوها عند افتتاح الطلب. قوله: فبايعنا بفتح العين أي: فبايعنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، ولفظ: بايع، ماض وفاعله الضمير الذي فيه: ونا، مفعوله ويروى: فبايعنا، بإسكان العين أي: فبايعنا نحن رسول الله
قوله: فقال: فيما أخذ علينا أي: فيما اشترط علينا. قوله: أن بايعنا بفتح العين وكلمة: أن، بفتح الهمزة مفسرة. قوله: على السمع والطاعة أي: لله ولرسوله قوله: في منشطنا بفتح الميم وسكون النون وفتح الشين المعجمة أي: في حالة نشاطنا، وقال ابن الأثير: المنشط، مفعل من النشاط وهو الأمر الذي ينشط له ويخف إليه ويؤثر فعله، وهو مصدر بمعنى النشاط. قوله: ومكرهنا أي: ومكروهنا. وقال الداودي: أي في الأشياء التي تكرهونها. قلت: المكره أيضا مصدر وهو ما يكره الإنسان ويشق عليه. قوله: وعسرنا ويسرنا أي: في حالة العسر وحالة اليسر. قوله: وأثرة علينا بفتح الهمزة والثاء المثلثة أي: على استئثار الأمراء بحظوظهم واختصاصهم إياها بأنفسهم. وحاصل الكلام: أن طواعيتهم لمن يتولى عليهم لا يتوقف على إيصالهم حقوقهم، بل عليهم الطاعة ولو منعهم حقهم. قوله: وأن لا ننازع الأمر أهله عطف على قوله: أن بايعنا والمراد بالأمر الملك والإمارة، وزاد أحمد من طريق عمير بن هانىء عن جنادة: وإن رأيت أن لك في الأمر حقا فلا تعمل بذلك الرأي، بل اسمع وأطع إلى أن يصل إليك بغير خروج عن الطاعة. قوله: إلا أن تروا كفرا أي: بايعنا قائلا: إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام، إذ عند ذلك تجوز المنازعة بالإنكار عليهم. وقال النووي: المراد بالكفر هنا المعاصي، وقال الكرماني: الظاهر أن الكفر على ظاهره، والمراد من النزاع القتال. قوله: بواحا بفتح الباء الموحدة وتخفيف الواو وبالحاء المهملة أي: ظاهرا باديا من قولهم: باح بالشيء يبوح به بوحا وبواحا إذا أذاعه وأظهره، وأنكر ثابت في الدلائل بواحا وقال: إنما يجوز بوحا، بسكون الواو، وبؤاحا، بضم الباء والهمزة الممدودة، وقال النووي: هو في معظم النسخ من مسلم بالواو وفي بعضها بالراء، وقال الخطابي: من رواه بالراء فهو قريب من هذا المعنى، وأصل البراح الأرض القفراء التي لا أنيس فيها ولا بناء. وقيل: البراح البيان، يقال: برح الخفاء إذا ظهر، ووقع في رواية حبان أبي النضر: إلا أن يكون معصية لله بوحا، ووقع عند الطبراني من رواية أحمد بن صالح عن ابن وهب في هذا الحديث: كفرا صراحا، بضم الصاد المهملة ثم بالراء. قوله: برهان أي: نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل، وقال الداودي: الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب، وإلا فالواجب الصبر، وعن بعضهم: لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداء، فإن أحدث جورا بعد أن كان عدلا اختلفوا في جواز الخروج عليه، والصحيح المنع إلا أن يكفر فيجب الخروج عليه.
7057 حدثنا محمد بن عرعرة، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن أسيد بن حضير أن رجلا أتى النبي فقال: يا رسول الله استعملت فلانا ولم تستعملني؟ قال: إنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني.
انظر الحديث 3792
مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه.
ومحمد بن عرعرة القرشي البصري، وأسيد مصغر أسد وحضير بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة ابن سماك بن عتيك أبي عبيد الأنصاري الأشهلي.
والحديث مضى في فضائل الأنصار عن بندار، ومضى الكلام فيه.
قوله: استعملت فلانا أي: قلدته عملا. قوله: إنكم سترون إلى آخره. قال الداودي: هو كلام ينفي بعضه وهو كلام ليس من الأول إلا أنه أخبر عن هذا الرجل ممن يرى الأثرة وأوصاهم بالصبر، وقال صاحب التوضيح إنه كلام وإنه جواب لما ذكر. انتهى. قلت: هذا ليس بشيء، وكيف هو جواب يطابق كلام الرجل بل الذي يقال: إن غرضه أن استعمال فلان ليس لمصلحته خاصة، بل لك ولجميع المسلمين، نعم نصير بعدي الاستعمالات خاصة فيصدق
179

أنه لفلان وليس لي فظهرت المطابقة، هذا كلام الكرماني، وتحرير الكلام أن جوابه، للرجل عن طلب الولاية بقوله: قوله: سترون بعدي أثرة إرادة نفي ظنه أنه أثر الذي ولاه عليه، فبين له أن ذلك لا يقع في زمانه، وأنه لم يخص الرجل بذلك لذاته بل لعموم مصلحة المسلمين، وأن الاستئثار للحظ الدنيوي إنما يقع بعده وأمرهم عند وقوع ذلك بالصبر.
3
((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء)))
أي: هذا باب يذكر فيه قول النبي إلى آخره، وفي بعض النسخ من قريش، وهو في رواية أبي ذر، ولم يقع لغيره، وروى أحمد والنسائي من رواية سماك عن أبي ظالم عن أبي هريرة بلفظ: إن فساد أمتي على يدي غلمة سفهاء من قريش. قوله: أغيلمة تصغير غلمة جمع غلام، وواحد الجمع المصغر: غليم، بالتشديد يقال للصبي من حين يولد إلى أن يحتلم غلام، وجمعه غلمان وغلمة وأغيلمة، وقد يطلق لفظ غلام على الرجال المستحكم القوة تشبيها له بالغلام في قوته. وقال ابن الأثير: المراد بالأغيلمة هنا الصبيان، ولذلك صغرهم.
7058 حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد قال أخبرني جدي قال: كنت جالسا مع أبي هريرة في مسجد النبي بالمدينة ومعنا مروان، قال أبو هريرة: سمعت الصادق المصدوق يقول: هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش فقال مروان: لعنة الله عليهم غلمة، فقال أبو هريرة: لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت، فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشأم، فإذا رآهم غلمانا أحداثا قال لنا عسى هاؤلاء أن يكونوا منهم، قلنا: أنت أعلم.
انظر الحديث 3604 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة في قوله: هلكة أمتي على يدي غلمة ولكن ليس في الحديث لفظ: سفهاء، قال الكرماني: لعله بوب ليستذكره فلم يتفق له، أو أشار إلى أنه ثبت في الجملة لكنه ليس بشرطه. قلت: قد ذكرنا الآن لفظ: سفهاء، عند أحمد والنسائي.
والحديث مضى في علامات النبوة عن أحمد بن محمد المكي. أخرجه مسلم.
قوله: أخبرني جدي هو سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية. وعمر بن سعيد هو المعروف بالأشدق قتله عبد الملك بن مروان لما خرج عليه بدمشق بعد السبعين. قوله: كنت جالسا مع أبي هريرة كان ذلك زمن معاوية. قوله: ومعنا مروان هو ابن الحكم بن العاص بن أمية الذي ولي الخلافة، وكان يلي لمعاوية إمرة المدينة تارة، وسعيد بن العاص والد عمر، ويليها لمعاوية تارة. قوله: الصادق المصدوق أي: الصادق في نفسه والمصدوق من عند الله، أو بمعنى المصدق من عند الناس. قوله: هلكة أمتي الهلكة بفتحتين بمعنى الهلاك، وفي رواية: إكمال هلاك أمتي، قال بعضهم: هو المطابق للترجمة. قلت: إذا كان الهلكة بمعنى الهلاك يحصل المطابقة والمراد بالأمة هنا أهل ذلك العصر ومن قاربهم لا جميع الأمة إلى يوم القيامة. قوله: على يدي غلمة كذا في رواية الأكثرين بالتثنية، وفي رواية السرخسي والكشميهني: على أيدي، بالجمع. قوله: لعنة الله عليهم غلمة بنصب: غلمة، على الاختصاص، وفي رواية عبد الصمد: لعنة الله عليهم من أغيلمة، والعجب من لعن مروان الغلمة المذكورين مع أن الظاهر أنهم من ولده، فكأن الله تعالى أجرى ذلك على لسانه ليكون أشد في الحجة عليهم لعلهم يتعظون، وقد وردت أحاديث في لعن الحكم والد مروان وما ولد، أخرجها الطبراني وغيره. قوله: فكنت أخرج مع جدي قائل ذلك عمرو بن يحيى. قوله: حين ملكوا بالشام إنما خص الشام مع أنهم لما ولوا الخلافة ملكوا غير الشام أيضا لأنها كانت مساكنهم من عهد معاوية. قوله: أحداثا جمع حديث أي: شبانا، وأولهم يزيد عليه ما يستحق وكان غالبا ينزع الشيوخ من إمارة البلدان الكبار ويوليها
180

الأصاغر من أقاربه. قوله: قال لنا القائل هو جد عمرو بن يحيى. قوله: قلنا: أنت أعلم القائل ذلك له أولاده وأتباعه ممن سمع منه ذلك.
4
((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ويل للعرب من شر قد اقترب)))
أي: هذا باب في ذكر قول النبي ويل الخ وإنما خص العرب بالذكر لأنهم أول من دخل في الإسلام، والإنذار بأن الفتن إذا وقعت كان الهلاك إليهم أسرع.
7059 حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا ابن عيينة، أنه سمع الزهري، عن عروة، عن زينب بنت أم سلمة، عن أم حبيبة، عن زينب ابنة جحش، رضي الله عنهن، أنها قالت: استيقظ النبي من النوم محمرا وجهه يقول لا إلاه إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هاذه وعقد سفيان تسعين أو مائة، قيل: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث
مطابقته للترجمة ظاهرة فإن الترجمة قطعة منه.
وابن عيينة سفيان. وفيه: ثلاث من الصحابيات: زينب بنت أم سلمة ربيبة النبي وأمها أم سلمة زوج النبي، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وأم حبيبة زوج النبي اسمها رملة بنت أبي سفيان، وزينب بنت جحش أم المؤمنين تزوجها النبي سنة ثلاث، وقال الكرماني: قالوا: هذا الإسناد منقطع وصوابه كما في صحيح مسلم زينب
عن حبيبة عن أم حبيبة عن زينب، بزيادة حبيبة، وهذا من الغرائب اجتمع فيه أربع صحابيات: زوجتان لرسول الله وربيبتان لرسول الله ثم قال الكرماني: يحتمل أن زينب سمعت من حبيبة ومن أمها، وكلاهما صواب.
والحديث مضى في أحاديث الأنبياء، عليهم السلام، وفي علامات النبوة عن أبي اليمان. وأخرجه بقية الجماعة ما خلا أبا داود، وقد مضى الكلام فيه مستقصى.
قوله ويل للعرب لفظ: ويل، مثل: ويح إلا أن ويلا يقال لمن وقع في هلكة يستحقها، وويحا يقال لمن لا يستحقها، وأراد بالعرب أهل دين الإسلام، وإنما خص بذكرهم لأن معظم شرهم راجع إليهم. قوله: قد اقترب أي: قرب. قوله: فتح على صيغة المجهول اليوم نصب على الظرفية. قوله: من ردم يأجوج ومأجوج الردم السد الذي بيننا وبينهم، وقال الكرماني: يقال: إن يأجوج هم الترك وجرى ما جرى ببغداد منهم. قلت: هذا القول غير صحيح لأن الترك ما لهم ردم والردم بيننا وبين يأجوج ومأجوج وهما من بني آدم من أولاد يافث بن نوح، عليه السلام، والذي جرى ببغداد كان من هلاكو من أولاد جنكيز خان فإنه هو الذي قتل الخليفة المستعصم بالله العباسي وأخرب بغداد في سنة ست وخمسين وستمائة. قوله: وعقد سفيان تسعين ومائة كذا هنا، وفي رواية: حلق بإصبعه الإبهام والتي تليها، وفي لفظ: عقد سفيان بيده عشرة، وفي حديث أبي هريرة: وعقد وهيب بيده تسعين، وقيل: المراد التقريب بالتمثيل لا حقيقة التحديد، وقال الداودي في رواية سفيان يعني: جعل طرف السبابة في وسط الإبهام، وليس كما ذكره، وقد علم من مقالة أهل العلم بالحساب أن صفة عقد التسعين أن يثني السبابة حتى يعود طرفها عند أصلها من الكف ويعلق عليه الإبهام. قوله: وفينا الصالحون؟ الواو فيه للحال. قوله: إذا كثر الخبث بفتح الخاء والباء الموحدة فسروه بالفسوق كلها أو بالزنى خاصة.
7060 حدثنا أبو نعيم، حدثنا ابن عيينة عن الزهري، عن عروة. وحدثني محمود أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري، عن عروة، عن أسامة بن زيد، رضي الله عنهما، قال: أشرف
181

النبي على أطم من آطام المدينة، فقال: هل ترون ما أرى؟ قالوا: لا، قال: فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع المطر
مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه.
وأخرجه من طريقين: الأول عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن سفيان بن عيينة عن محمد بن مسلم الزهري عن عروة عن أسامة: والثاني عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق... إلى آخره. والحديث أخرجه البخاري في الحج عن علي وفي المظالم عن عبد الله بن محمد وفي علامات النبوة عن أبي نعيم. وأخرجه مسلم في الفتن عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره.
قوله: أشرف من الإشراف وهو الاطلاع من علو، وفي رواية عند الإسماعيلي: أو في. قوله: على أطم بضمتين وهو الحصن والقصر. قوله: خلال بيوتكم أي: أوساطها. وقيل: الخلال النواحي. قوله: كوقع المطر هكذا في رواية المستملي والكشميهني، وفي رواية غيرهما: كوقع القطر، وهو المطر أيضا والتشبيه في الكثرة والعموم لا خصوصية لها بطائفة. وفيه: إشارة إلى الحروب الجارية بينهم كقتل عثمان، رضي الله عنه، ويوم الحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء. وفيه: معجزة ظاهرة للنبي
5
((باب ظهور الفتن))
أي: هذا باب في بيان ظهور الفتن، وهو جمع فتنة.
7061 حدثنا عياش بن الوليد، أخبرنا عبد الأعلى، حدثنا معمر، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يتقارب الزمان وينقص العمل ويلقى الشح، وتظهر الفتن ويكثر الهرج قالوا: يا رسول الله أيم هو؟ قال: القتل القتل
مطابقته للترجمة في قوله: وتظهر الفتن
وعياش بفتح العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة ابن الوليد الرقام البصري، وعبد الأعلى بن الأعلى السامي بالسين المهملة البصري، ومعمر بن راشد، والزهري محمد بن مسلم، وسعيد بن المسيب.
والحديث أخرجه مسلم في القدر وابن ماجة في الفتن كلاهما عن أبي بكر بن أبي شيبة.
قوله: يتقارب الزمان كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية السرخسي: الزمن، وهي لغة، وكذا في رواية مسلم. وقال الخطابي: يتقارب الزمان حتى تكون السنة كالشهر وهو كالجمعة وهي كاليوم وهو كالساعة وهو من استلذاذ العيش كأنه والله أعلم يريد خروج المهدي وبسط العدل في الأرض، وكذلك أيام السرور قصار. وقال الكرماني: هذا لا يناسب أخواته من ظهور الفتن وكثرة الهرج، وقيل: تقارب الزمان اعتدال الليل والنهار، وقيل: إذا دنا قيام الساعة، وقيل: الساعات الأيام والليالي تقصر، وقال الطحاوي: قد يكون معناه تقلب أحوال أهله في ترك طلب العلم خاصة والرضا بالجهل وذلك لأن الناس لا يتساوون في العلم لتفاوت درجاته، قال تعالى: * (فبدأ بأوعيتهم قبل وعآء أخيه ثم استخرجها من وعآء أخيه كذالك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك إلا أن يشآء الله نرفع درجات من نشآء وفوق كل ذى علم عليم) * وإنما يتساوون إذا كانوا جهالا. وقال البيضاوي: يحتمل أن يكون المراد بتقارب الزمان تسارع الدول في الانقضاء والقرون، إلى الانقراض، فيتقارب زمانهم وتتدانى أيامهم. وقال ابن بطال: معناه. والله أعلم تفاوت أحواله في أهله في قلة الدين حتى لا يكون فيهم من يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر لغلبة الفسق وظهور أهله، وقد جاء في الحديث: لا يزال الناس بخير ما كان فيهم أهل فضل وصلاح وخوف الله يلجأ إليهم عند الشدائد ويستشفى بآرائهم ويتبرك بدعائهم ويؤخذ
بقولهم وآثارهم. قوله: وينقص العمل قيل: نقص العمل الحسي ينشأ عن نقص الدين ضرورة، وأما المعنوي فسببه ما يدخل من الخلل بسبب سوء المطعم وقلة المساعد على العمل، والنفس ميالة إلى الراحة. قوله: ويلقى الشح أي: البخل والحرص، ويلقى بضم الياء من الإلقاء والمراد إلقاؤه في قلوب الناس على اختلاف أحوالهم وليس المراد وجود أصل الشح لأنه لم يزل موجودا. وقال الحميدي: المحفوظ في الروايات: يلقى، بضم أوله ويحتمل أن يكون بفتح اللام وتشديد القاف أي: يتلقى ويتعلم ويتواصى به، ويقال: يحتمل أن يكون إلقاء الشح عاما في الأشخاص، والمحذور من ذلك ما يترتب
182

عليه مفسدة، والشحيح شرعا هو من منع ما وجب عليه وهو مثلث الشين. قال الكرماني: وذلك ثابت في جميع الأزمنة ثم قال: المراد غلبته وكثرته بحيث يراه جميع الناس. فإن قلت: تقدم في نزول عيسى في كتاب الأنبياء، عليهم السلام، أنه يفيض المال حتى لا يقبله أحد، وفي كتاب الزكاة: لا تقوم الساعة حتى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها. قلت: كلاهما من أشراط الساعة، لكن كل منهما، في زمان غير زمان الآخر. قوله: وتظهر الفتن المراد كثرتها وانتشارها وعدم التكاتم بها والله المستعان. قوله: أيم هو؟ أي: الهرج: وأيم، بفتح الهمزة وتشديد الياء آخر الحروف وضم الميم، وأصله: أيما، أي: أي شيء الهرج؟ قال القتل القتل مكررا وضبطه بعضهم بتخفيف الياء، كما قالوا: أيش، في موضع أي شيء، وفي رواية الإسماعيلي: وما هو؟ وفي رواية أبي داود: أيش هو؟ قال: القتل القتل.
7062 7063 حدثنا عبيد الله بن موسى، عن الأعمش، عن شقيق قال: كنت مع عبده الله وأبي موسى فقالا: قال النبي إن بين يدي الساعة لأياما ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم ويكثر فيها الهرج، والهرج القتل
مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه. والأعمش سليمان، وشقيق بن سلمة، وعبد الله بن مسعود، وأبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري، رضي الله تعالى عنهما. ووقع هنا عن أبي ذر عن شيوخه في نسخة معتمدة: حدثنا مسدد حدثنا عبيد الله بن موسى، وسقط في بعض النسخ الغير المعتمدة. وقال عياض: ثبت للقابسي: عن أبي زيد المروزي، وسقط للباقين، وهو الصواب.
قوله: لأياما وفي رواية الكشميهني بحذف اللام. قوله: ينزل فيها الجهل نزول الجهل تمكنه في الناس برفع العلم، ورفع العمل بموت العلماء. وهو معنى قوله: ويرفع فيها العلم
7064 حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا شقيق قال: جلس عبد الله وأبو موسى فتحدثا، فقال أبو موسى: قال النبي إن بين يدي الساعة أياما يرفع فيها العلم، وينزل فيها الجهل، ويكثر فيها الهرج، والهرج القتل.
انظر الحديث 7063 وطرفه
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن عمر بن حفص عن أبيه حفص بن غياث إلى آخره.
قوله: أياما ويروى لأياما. وقد فسر الهرج في هذه الروايات الثلاث بالقتل، فتدل صريحا على أن تفسير الهرج مرفوع، ولا يعارض ذلك مجيئه في غير هذه الروايات موقوفا، ولا كونه بلسان الحبشة.
7065 حدثنا قتيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي وائل قال: إني لجالس مع عبد الله وأبي موسى، رضي الله عنهما، فقال أبو موسى: سمعت النبي مثله والهرج بلسان الحبشة القتل
انظر الحديث 7063 وطرفه
هذا طريق آخر أخرجه عن قتيبة بن سعيد عن جرير بن عبد الحميد عن سليمان الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة.
قوله: فقال أبو موسى: سمعت النبي قيل: قوله: فقال أبو موسى يدل على أن القائل هو أبو موسى وحده في الروايات الماضية التي قال فيها: وقالا، لاحتمال أن أبا وائل سمعه من عبد الله أيضا لدخوله في قوله في رواية الأعمش: فقال: قالا. قلت: أكثر الرواة اتفقوا عن الأعمش على أنه عن عبد الله وأبي موسى معا. فإن قلت: رواه أبو معاوية عن الأعمش فقال: إنه عن أبي موسى ولم يذكر عبد الله: أخرجه مسلم. قلت: أشار ابن أبي خيثمة إلى ترجيح قول الجماعة. قوله: والهرج بلسان الحبشة القتل قال الكرماني: هو إدراج من أبي موسى، وقال صاحب التوضيح قد عرفت أن تفسير الهرج ذكر غير مرة ما ظاهره الرفع، ومرة من كلام أبي موسى، رضي الله تعالى عنه، وأنه بلغة الحبشة، وكذا ساقه الجرمي في غريبه من كلام أبي موسى
183

قال: الحبش يدعون القتل الهرج، وقيل، في ذلك: إن، أصل الهرج في اللغة العربية الاختلاط، يقال: هرج الناس إذا خلطوا واختلفوا، وهرج القوم في حديثهم إذا أكثروا وخلطوا، وأخطأ من قال: فنسبة تفسير الهرج بالقتل للسان الحبشة وهم من بعض الرواة وإلا فهي عربية صحيحة، ووجه الخطأ أنها لا تستعمل في اللغة العربية بمعنى القتل، إلا على طريق المجاز، لكون الاختلاط مع الاختلاف يفضي كثيرا إلى القتل، وكثيرا ما يسمون الشيء باسم ما يؤول إليه، وكيف يدعى على مثل أبي موسى الأشعري الوهم في تفسير لفظة لغوية، بل الصواب معه واستعمال العرب الهرج بمعنى القتل لا يمنع كونها لغة الحبشة وإن ورد استعمالها في الاختلاط والاختلاف لحديث معقل بن يسار رفعه: العبادة في الهرج لهجرة إلي، أخرجه مسلم.
7066 حدثنا محمد، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن واصل، عن أبي وائل، عن عبد الله، وأحسبه رفعه قال: بين يدي الساعة أيام الهرج يزول فيها العلم ويظهر فيها الجهل، قال أبو موسى: والهرج القتل بلسان الحبشة.
انظر الحديث 7062
هذا طريق آخر في حديث أبي موسى أخرجه عن محمد ولم ينسبه أكثر الرواة ونسبه أبو ذر في روايته، وقال محمد بن بشار: وقال الكلاباذي: محمد بن بشار ومحمد بن المثنى ومحمد بن الوليد رووا عن غندر في الجامع قلت: يشير بذلك إلى أن محمدا الذي ذكر هنا غير منسوب يحتمل أن يكون أحد الثلاثة المذكورين، ولكن أبو ذر نسبه فقال: محمد بن بشار، وهو الظاهر لأنه كثيرا ما يروي عن غندر وهو محمد بن جعفر، وواصل هو ابن حبان بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف يروي عن أبي وائل شقيق عن عبد الله بن مسعود.
قوله: وأحسبه رفعه أي: قال أبو وائل: أحسب عبد الله رفع الحديث إلى النبي
7067 وقال أبو عوانة، عن عاصم، عن أبي وائل، عن الأشعري أنه قال لعبد الله: تعلم الأيام التي ذكر النبي أيام الهرج نحوه
أبو عوانة بفتح العين المهملة وتخفيف الواو وبعد الألف نون اسمه الوضاح بن عبد الله اليشكري، وعاصم هو ابن أبي النجود القارئ المشهور يروي عن أبي وائل شقيق عن أبي موسى الأشعري.
قوله: نحوه أي: نحو الحديث المذكور: بين يدي الساعة أيام الهرج.
قال ابن مسعود: سمعت النبي يقول من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء
في بعض النسخ: فقال ابن مسعود، يعني بالسند المذكور، وقال ابن التين: هذا إخبار عن أن الكفار والمنافقين شرار الخلق وهم حينئذ أحياء إذ ذاك، وقال ابن بطال: وهو، وإن كان لفظه العموم فالمراد به الخصوص، ومعناه: أن الساعة تقوم في الأغلب والأكثر على شرار الناس بدليل قوله لا تزال طائفة، من أمتي على الحق منصورة لا يضرها من ناوأها حتى تقوم الساعة، فدل هذا الخبر على أن الساعة أيضا تقوم على قوم فضلاء وأنهم في صبرهم على دينهم كالقابض على الجمر.
6
((باب لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه))
أي: هذا باب يذكر فيه: لا يأتي زمان... إلى آخره.
7068 حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن الزبير بن عدي قال: أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج، فقال: اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه، حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم
184

الترجمة المذكورة هي عين الحديث المذكور في الباب.
ومحمد بن يوسف أبو أحمد البخاري البيكندي، وسفيان هو ابن عيينة، والزبير بن عدي الكوفي الهمداني بسكون الميم من صغار التابعين ولي قضاء الري وليس له في البخاري سوى هذا الحديث.
والحديث أخرجه الترمذي في الفتن عن ابن بشار به.
قوله: ما نلقى من الحجاج هو ابن يوسف الثقفي الأمير المشهور، ويروى: شكونا إليه ما يلقون، فيه الثقات، ووقع في رواية الكشميهني: فشكوا، ووقع عند أبي نعيم: نشكوا، بنون ومعناه: شكوا ما يلقون من ظلمه لهم وتعديه، وذكر الزبير في الموفقيات من طريق مجالد عن الشعبي قال: كان عمر، رضي الله تعالى عنه، فمن بعده إذا أخذوا العاصي أقاموه للناس ونزعوا عمامته، فلما كان زياد ضرب في الجنايات بالسياط، ثم زاد مصعب بن الزبير حلق اللحية، فلما كان بشر بن مروان سمر كف الجاني بمسمار، فلما قدم الحجاج قال: هذا كله لعب فقتل بالسيف. قوله: اصبروا أي: عليه، وكذا وقع في رواية عبد الرحمان بن مهدي. قوله: فإنه أي: فإن الشان والحال. قوله: زمان وفي رواية عبد الرحمان: عام. قوله: إلا والذي بعده كذا لأبي ذر بالواو وسقطت في رواية الباقين. قوله: شر منه كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر والنسفي، أشر، وعليه شرح ابن التين يقال: كذا وقع أشر، بوزن أفعل، وقد قال الجوهري: فلان شر من فلان، ولا يقال: أشر إلا في لغة رديئة. قلت: إن صحت الرواية بأفعل التفضيل لا يلتفت إلى ما قاله الجوهري وغيره. فإن قلت: هذا الإطلاق مشكل لأن بعض الأزمنة يكون في الشر دون الذي قبله، وهذا عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه، بعد الحجاج بيسير وقد اشتهر خيرية زمانه بل قيل: إن الشر اضمحل في زمانه. قلت: حمله الحسن البصري على الأكثر الأغلب فسئل عن وجود عمر بن عبد العزيز بعد الحجاج، فقال: لا بد للناس من تنفيس، وقيل: إن المراد بالتفضيل تفضيل مجموع العصر، فإن عصر الحجاج كان فيه كثير من الصحابة أحياء، وفي عصر عمر بن عبد العزيز انقرضوا، والزمان الذي فيه الصحابة خير من الزمان الذي بعده لقوله خير القرون قرني، وهو في الصحيحين وقوله: أصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون، أخرجه مسلم. فإن قلت: ما تقول في زمن عيسى، عليه السلام، فإنه بعد زمان الدجال. قلت: قال الكرماني: إن المراد بالزمان الزمان الذي يكون بعد عيسى، عليه السلام، أو المراد جنس الزمان الذي فيه الأمراء وإلا فمعلوم من الدين بالضرورة أن زمان النبي المعصوم لا شر فيه. قوله: حتى تلقوا ربكم أي: حتى تموتوا. قوله: سمعته من نبيكم وفي رواية أبي نعيم: سمعت ذلك.
7069 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري. ح وحدثنا إسماعيل، حدثني أخي عن سليمان عن محمد بن أبي عتيق، عن ابن شهاب عن هند بنت الحارث الفراسية أن أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت استيقظ رسول الله ليلة فزعا يقول سبحان الله ماذا أنزل الله من الخزائن؟ وماذا أنزل من الفتن؟ من يوقظ صواحب الحجرات يريد أزواجه لكي يصلين؟ رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: وماذا أنزل من الفتن أي: الشرور فتكون تلك الليلة التي استيقظ فيها النبي أشر من الليلة التي قبلها.
وأخرجه من طريقين: أحدهما عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن هند. والآخر: عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه عبد الحميد عن سليمان بن بلال عن ابن شهاب عن هند بنت الحارث الفراسية بكسر الفاء وتخفيف الراء وبالسين المهملة نسبة إلى بطن من كنانة وهم إخوة قريش، وكانت هند زوج معبد بن المقداد، وقد قيل: إن لها صحبة.
والحديث مضى في كتاب العلم والعظة في الليل.
لة نصب على الظرفية. قوله: فزعا بفتح الفاء وكسر الزاي وبالعين المهملة أي: خائفا وهو نصب على الحال. قوله: يقول في موضع الحال، وفي رواية
185

سفيان: فقال: سبحان الله. قوله: ماذا أنزل الله هكذا في راية الكشميهني، وفي رواية غيره: ماذا أنزل، بضم الهمزة من الخزائن أي: الخيرات، وهو جمع خزانة وهو الموضع أو الوعاء الذي يحفظ فيه الشيء. قوله: وماذا أنزل من الفتن أي: الشرور. وقوله: من يوقظ صواحب الحجرات كذا هو في رواية الأكثرين، وفي رواية سفيان: أيقظوا، بصيغة الأمر، ندب بعض خدمه لذلك، والصواحب جمع صاحبة، والحجرات جمع حجرة، وهو الموضع المنفرد في الدار. قوله: يريد أزواجه لكي يصلين وفي رواية شعيب: حتى يصلين، وخلت سائر الروايات من هذه الزيادة. قوله: رب كاسية وفي رواية سفيان: فرب كاسية، بفاء في أوله، وفي رواية ابن المبارك: يا رب كاسية، وفي رواية هشام: كم من كاسية: وهذا يؤيد ما قال ابن مالك: رب، أكثر ما يرد للتكثير وهذا بخلاف ما قال أكثر النحويين: إن، رب، للتقليل وأن معنى ما يصدر بها المضي، والصحيح أن معناها في الغالب التكثير وهو مقتضى كلام سيبويه فإنه قال في باب كم: واعلم أن كم في الخبر لا تعمل إلا ما تعمل فيه: رب، لأن المعنى واحد إلا أن كم اسم، ورب غير اسم، ومعنى: كاسية في الدنيا عارية في الآخرة كاسية في الدنيا بالثياب لوجود الغنى عارية في الآخرة من الثواب لعدم العمل في الدنيا. وقيل: كاسية في الدنيا لكنها شفافة لا تستر عورتها فتعاقب في الآخرة بالعري جزاء على ذلك، وقيل: كاسية من النعم عارية من الشكر، فهي عارية في الآخرة من الثواب.
7
((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حمل علينا السلاح فليس منا)))
أي: هذا باب فيه قول النبي من حمل... الخ.
7070 حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حمل علينا السلاح فليس منا
انظر الحديث 6874
الترجمة عين الحديث. والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن يحيى بن يحيى. وأخرجه النسائي في المحاربة عن أبي الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح، ومعنى الحديث: من حمل السلاح على المسلمين لقتالهم به بغير حق. قوله: فليس منا أي: ليس على طريقتنا أوليس متبعا طريقتنا لأن حق المسلم على المسلم أن ينصره ويقاتل دونه لا أن يرعبه بحمل السلاح عليه لإرادة قتاله أو قتله. وقال الكرماني: أي ليس ممن اتبع سنتنا وسلك طريقتنا إلا أنه يريد ليس من ديننا. قال: فما قولك في الطائفتين إحداهما باغية؟ ثم أجاب بقوله: الباغية ليست متبعة سنة النبي
7071 حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا أبو أسامة، عن بريد، عن أبي بردة، عن أبي موساى عن النبي قال: من حمل علينا السلاح فليس منا
هذا أيضا مثل ما قبله أخرجه عن أبي كريب محمد بن العلاء عن أبي أسامة حماد بن أسامة عن بريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء ابن عبد الله عن جده أبي بردة عامر أو حارث عن أبيه أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس.
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن أبي كريب وأبي عامر. وأخرجه الترمذي في الحدود عن أبي كريب وأبي السائب. وأخرجه ابن ماجة فيه عن محمود بن غيلان وغيره.
7072 حدثنا محمد، أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن همام: سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزغ في يده فيقع في حفرة من النار
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح فإن فيه معنى الحمل عليه.
أخرجه عن محمد قال
186

الكرماني: هو الذهلي، وكذا جزم به أبو علي الجياني بأنه محمد بن يحيى الذهلي، وقال بعضهم: يحتمل أن يكون محمد بن رافع فإن مسلما أخرج هذا الحديث عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق. قلت: الاحتمال بعيد فإن إخراج مسلم هذا الحديث عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق لا يستلزم إخراج البخاري كذلك، ومعمر بفتح الميمين ابن راشد وهمام بالتشديد ابن منبه.
والحديث أخرجه مسلم في الأدب عن محمد بن رافع.
قوله: لا يشير نفي ويجوز: لا يشر، بصورة النهي. قوله: فإنه أي: فإن الذي يشير لا يدري لعل الشيطان ينزغ بالغين المعجمة، قال الخليل في الغين: نزغ الشيطان بين القوم نزغا حمل بعضهم على بعض بالفساد، ومنه * (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال ياأبت هاذا تأويل رؤياى
1764; من قبل قد جعلها ربى حقا وقد أحسن بى
1764; إذ أخرجنى من السجن وجآء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بينى وبين إخوتى
1764; إن ربى لطيف لما يشآء إنه هو العليم الحكيم) * وفي رواية الكشميهني بالعين المهملة، ونقل عياض عن جميع رواة مسلم بالعين المهملة ومعناه: يرمي بيده ويحقق الضربة، ومن رواه بالمعجمة قال: هو من الإغراء، أي: يزين له تحقق الضربة. قوله: فيقع في حفرة من النار كناية عن وقوعه في المعصية التي تفضي به إلى دخول النار.
وفي الحديث: النهي عما يفضي إلى المحذور وإن لم يكن المحذور محققا، سواء كان ذلك في جد أو هزل، وروى الترمذي من رواية خالد الحذاء عن ابن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا: من أشار إلى أخيه بحديدة لعنته الملائكة، وقال: حديث حسن صحيح غريب.
7073 حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، قال: قلت ل عمرو: يا أبا محمد سمعت جابر بن عبد الله يقول: مر رجل بسهام في المسجد، فقال له رسول الله أمسك بنصالها قال: نعم.
انظر الحديث 451 وطرفه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: أمسك بنصالها فإن في تركه ربما يحصل خدش وهو في معنى حمل السلاح على المسلمين.
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار.
والحديث مضى في الصلاة عن قتيبة في أول المساجد.
قوله: قال: نعم القائل هو عمرو جوابا لقول سفيان، وأبو محمد كنية عمرو.
7074 حدثنا أبو النعمان، حدثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر أن رجلا مر في المسجد بأسهم قد أبدى نصولها، فأمر أن يأخذ بنصولها لا يخدش مسلما.
انظر الحديث 451 وطرفه
هذا طريق آخر في حديث جابر أخرجه عن أبي النعمان بن محمد بن الفضل السدوسي.
قوله: بأسهم جمع سهم. قوله: قد أبدى أي: أظهر، والنصول جمع نصل وهو حديدة السهم. قوله: فأمر على صيغة المجهول والآمر هو الشارع. قوله: لا يخدش بالخاء والشين المعجمتين من خدش يخدش من باب ضرب يضرب خدشا بالفتح وخدش الجلد قشره بعود أو نحوه، وهو أول الجراح.
7075 حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا أبو أسامة، عن بريد عن أبي بردة، عن أبي موساى عن النبي قال: إذا مر أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل فليمسك على نصالها، أو قال: فليقبض بكفه أن يصيب أحدا من المسلمين منها شيء
انظر الحديث 452
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: فليمسك على نصالها كما ذكرناه عن قريب.
وأبو أسامة حماد بن أسامة، وبريد بضم الباء ابن عبد الله يروي عن جده أبي بردة عامر أو حارث عن أبي موسى الأشعري عن النبي
والحديث مضى في الصلاة عن موسى بن إسماعيل، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: فليقبض بكفه أي: على النصال. قوله: ومعه نبل جملة حالية، والنبل بفتح النون السهام. قوله: أن يصيب كلمة: أن، مصدرية أي: كراهة الإصابة أو كلمة: لا، فيه مقدرة نحو: * (يستفتونك قل الله يفتيكم فى الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثهآ إن لم يكن لهآ ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانو
1764; ا إخوة رجالا ونسآء فللذكر مثل حظ الانثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شىء عليم) *
8
((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)))
أي: هذا باب في ذكر قول النبي لا ترجعوا الخ وهذه الترجمة بلفظ ثاني أحاديث الباب.
187

7076 حدثنا عمر بن حفص، حدثني أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا شقيق قال: قال عبد الله: قال النبي صلى الله عليه وسلم سباب المسلم فسوق وقتاله كفر
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث بالتعسف.
وأخرجه عن عمر بن حفص عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود. والحديث قد مضى في الإيمان.
قوله: سباب المسلم بكسر السين مصدر من سبه يسبه سبا وسبابا. قوله: كفر يعني: إذا كان مستحلا له أو هو للتغليظ.
7077 حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا شعبة، أخبرني واقد، بن محمد عن أبيه عن ابن عمر أنه سمع النبي يقول لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض
الترجمة عين الحديث. وأخرجه في أول الديات ومضى الكلام فيه مستوفى.
قوله: لا ترجعوا بصيغة النهي وهو المعروف. وفي رواية أبي ذر: لا ترجعون، بصيغة الخبر. قوله: كفارا في معناه أقوال كثيرة قد ذكرنا أكثرها هناك منها: المراد منه الستر يعني: لا ترجعوا بعدي ساترين الحق، لأن معنى الكفر في اللغة الستر، ومنها: أن الفعل المذكور يفضي إلى الكفر. وقال الداودي: معناه لا تفعلوا بالمؤمنين ما تفعلون بالكفار ولا تفعلوا بهم ما لا يحل وأنتم ترونه حراما. قوله: يضرب بالجزم جوابا للأمر، وبالرفع استئنافا أو حالا. وقال صاحب التلويح من جزم أوله على الكفر ومن رفع لا يجعله متعلقا بما قبله بل حالا أو مستأنفا.
7078 حدثنا مسدد، حدثنا يحياى، حدثنا قرة بن خالد، حدثنا ابن سيرين، عن عبد الرحمان بن أبي بكرة، عن أبي بكرة، وعن رجل آخر هو أفضل في نفسي من عبد الرحمان بن أبي بكرة، عن أبي بكرة أن رسول الله خطب الناس فقال: ألا تدرون أي يوم هاذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس بيوم النحر قلنا: بلاى يا رسول الله، قال: أي بلد هاذا أليست بالبلدة؟ قلنا: بلاى يا رسول الله قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام، كحرمة يومكم هاذا في شهركم هاذا في بلدكم هاذا، ألا هل بلغت قلنا: نعم. قال: اللهم اشهد فليبلغ الشاهد الغائب فإنه رب مبلغ يبلغه من هو أوعاى له فكان كذالك.
قال: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض فلما كان يوم حرق ابن الحضرمي حين حرقه جارية بن قدامة، قال: أشرفوا على أبي بكرة، فقالوا: هاذا أبو بكرة يراك. قال عبد الرحمان: فحدثتني أمي عن أبي بكرة أنه قال: لو دخلوا علي ما بهشت بقصبة.
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنها قطعة منه. و يحيى هو ابن سعيد القطان، و ابن سيرين محمد بن سيرين، والسند كله بصريون.
ومضى الحديث في كتاب الحج في: باب الخطبة أيام منى.
قوله: عن أبي بكرة هو نفيع مصغر نفع ابن الحارث الثقفي نزل البصرة وتحول إلى الكوفة. قوله: وعن رجل آخر هو حميد بن عبد الرحمان بن عوف صرح به في كتاب الحج. قوله: خطب الناس يعني يوم النحر صرح به في الحج. قوله: وأعراضكم جمع عرض وهو الحسب وموضع المدح والذم من الإنسان. قوله: وأبشاركم جمع البشر وهو ظاهر الجلد. قوله: في شهركم قال الكرماني: لم يذكر أي شهر في هذه
188

الرواية مع أنه قال بعد: في شهركم هذا فكيف شبهه به فيما قال في شهركم؟ ثم أجاب بقوله: كان السؤال لتقرير ذلك في أذهانهم وحرمة أشهر كانت متقررة عندهم. فإن قلت: فكذا حرمة البلدة؟. قلت: هذه الخطبة كانت بمنى، وربما قصد دفع وهم من يتوهم أنها خارجة عن الحرم، أو دفع من يتوهم أن البلدة لم تبق حراما لقتاله فيها يوم الفتح، أو اقتصره الراوي اعتمادا على سائر الروايات مع أنه لا يلزم ذكره في صحة التشبيه. قوله: رب مبلغ قال الكرماني: بكسر اللام، وكذا يبلغه والضمير الراجع إلى الحديث المذكور مفعول أول له ومن هو أوعى مفعول ثان له واللفظان من التبليغ أو من الإبلاغ، وقال بعضهم: رب مبلغ، بفتح اللام الثقيلة، ويبلغه بكسرها. قلت: الصواب ما قاله الكرماني. قوله: من هو وفي رواية الكشميهني: لمن هو. قوله: أوعى له أي: أحفظ، وزاد في الحج، منه. قوله: فكان كذلك جملة موقوفة من كلام محمد بن سيرين تخللت بين الجمل المرفوعة أي: وقع التبليغ كثيرا من الحافظ إلا الأحفظ.
قوله: قال: لا ترجعوا بالسند المذكور من رواية محمد بن سيرين عن عبد الرحمان بن أبي بكرة. قوله: فلما كان يوم حرق على صيغة المجهول من التحريق، وضبط الحافظ الدمياطي: أحرق من الإحراق، وقال: هو الصواب وقال بعضهم: وليس الآخر بخطأ بل جزم أهل اللغة باللغتين أحرقه وحرقه، والتشديد للتكثير انتهى. قلت: هذا كلام من لا يذوق من معاني التراكيب شيئا، وتصويب الدمياطي باب الأفعال لكون المقصود حصول الإحراق وليس المراد المبالغة فيه حتى يذكر باب التفعيل. قوله: ابن الحضرمي هو عبد الله بن عمرو بن الحضرمي وأبوه عمر وهو أول من قتل من المشركين يوم بدر، ولعبد الله رؤية على هذا، وذكره بعضهم في الصحابة، واسم الحضرمي عبد الله بن عمار وكان حالف بني أمية في الجاهلية، والعلاء بن الحضرمي الصحابي المشهور عم عبد الله. قوله: حين حرقه جارية بجيم وياء آخر الحروف. ابن قدامة بضم القاف وتخفيف الدال ابن مالك بن زهير بن الحصين التميمي السعدي، وكان السبب في ذلك ما ذكره العسكري في الصحابة قال: كان جارية يلقب محرقا لأنه أحرق أبي الحضرمي بالبصرة، وكان معاوية وجه ابن الحضرمي إلى البصرة يستنفرهم على قتال علي، رضي الله تعالى عنه، فوجه على جارية بن قدامة فحصره فتحصن منه ابن الحضرمي في دار فأحرقها جارية عليه، وذكر الطبري في حوادث سنة ثمان وثلاثين هذه القضية، وفيها: بعث علي، رضي الله تعالى عنه، جارية بن قدامة فحصر ابن الحضرمي في الدار التي نزل فيها ثم أحرق الدار عليه وعلى من معه، وكانوا سبعين رجلا أو أربعين، ونقل الكرماني عن المهلب قال: ابن الحضرمي رجل امتنع عن الطاعة فأخرج إليه جارية بن قدامة جيشا فظفر به في ناحية من العراق، كان أبو بكرة الثقفي الصحابي يسكنها، فأمر جارية بصلبه فصلب ثم ألقي في النار في الجذع الذي صلب فيه. قلت: العمدة على ما ذكره العسكري والطبري وما ذكره المهلب ليس له أصل. قوله: قال: أشرفوا على أبي بكرة... إلى آخره جواب قوله: فلما كان إلى آخره، وذلك أن جارية لما أحرق ابن الحضرمي أمر جيشه أن يشرفوا على أبي بكرة هل هو على الاستسلام والانقياد أم لا، فقال له جيشه: هذا أبو بكرة يراك وما صنعت بابن الحضرمي وما أنكر عليك بكلام ولا بسلاح، فلما سمع أبو بكرة ذلك وهو في غرفة له قال: لو دخلوا علي ما بهشت بقصبة بكسر الهاء وسكون الشين المعجمة وفي رواية الكشميهني بفتح الهاء، وهما لغتان والمعنى: ما دفعتهم بقصبة ونحوها فكيف أن أقاتلهم لأني ما أرى الفتنة في الإسلام ولا التحريك إليها مع إحدى الطائفتين. قوله: قال عبد الرحمان هو ابن أبي بكرة الراوي وهو موصول بالسند المذكور. قوله: حدثتني أمي هي: هالة بنت غليظ العجيلة، ذكر كذلك خليفة بن خياط في تاريخه وجماعة. وقال ابن سعد: هي هولة، والله أعلم. قوله: علي بتشديد الياء.
7079 حدثنا أحمد بن إشكاب، حدثنا محمد بن فضيل، عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لا ترتدوا بعدي كفارا يضرب بعضكم
189

رقاب بعض
انظر الحديث 1739
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنها قطعة منه. وأحمد بن إشكاب بكسر الهمزة وسكون الشين المعجمة وبالباء الموحدة بعد الألف الصفار الكوفي، ومحمد بن فضيل مصغر الفضل بالضاد المعجمة يروي عن أبيه فضيل بن غزوان بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي.
قوله: لا ترتدوا تقدم في الحج من وجه آخر عن فضيل بلفظ: لا ترجعوا وسياقه هناك أتم.
7080 حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة، عن علي بن مدرك سمعت أبا زرعة بن عمرو بن جرير، عن جده جرير قال: قال لي رسول الله في حجة الوداع: استنصت الناس ثم قال: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعلي بن مدرك على صيغة اسم الفاعل من الإدراك الكوفي، وأبو زرعة بضم الزاي اسمه هرم بفتح الهاء ابن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي، وليس لأبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جده في البخاري إلا هذا الحديث. ومضى الحديث في كتاب العلم.
قوله: لا ترجعوا كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني: لا ترجعن، بضم العين والنون المثقلة. وكفارا جمع كافر نصب على الحال.
((
((تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم))
أي: هذا باب يذكر فيه: تكون... إلى آخره، وهذه الترجمة بعض الحديث.
7080 حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة، عن علي بن مدرك سمعت أبا زرعة بن عمرو بن جرير، عن جده جرير قال: قال لي رسول الله في حجة الوداع: استنصت الناس ثم قال: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعلي بن مدرك على صيغة اسم الفاعل من الإدراك الكوفي، وأبو زرعة بضم الزاي اسمه هرم بفتح الهاء ابن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي، وليس لأبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جده في البخاري إلا هذا الحديث. ومضى الحديث في كتاب العلم.
قوله: لا ترجعوا كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني: لا ترجعن، بضم العين والنون المثقلة. وكفارا جمع كافر نصب على الحال.
((
((تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم))
أي: هذا باب يذكر فيه: تكون... إلى آخره، وهذه الترجمة بعض الحديث.
7080 حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة، عن علي بن مدرك سمعت أبا زرعة بن عمرو بن جرير، عن جده جرير قال: قال لي رسول الله في حجة الوداع: استنصت الناس ثم قال: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعلي بن مدرك على صيغة اسم الفاعل من الإدراك الكوفي، وأبو زرعة بضم الزاي اسمه هرم بفتح الهاء ابن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي، وليس لأبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جده في البخاري إلا هذا الحديث. ومضى الحديث في كتاب العلم.
قوله: لا ترجعوا كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني: لا ترجعن، بضم العين والنون المثقلة. وكفارا جمع كافر نصب على الحال.
((
((تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم))
أي: هذا باب يذكر فيه: تكون... إلى آخره، وهذه الترجمة بعض الحديث.
7081 حدثنا محمد بن عبيد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه عن أبي سلمة بن عبد الرحمان، عن أبي هريرة.
قال إبراهيم: وحدثني صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، فمن وجد فيها ملجأ أو معاذا فليعذبه
انظر الحديث 3601 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة. ومحمد بن عبيد الله مصغرا ابن محمد مولى عثمان بن عفان الأموي، وإبراهيم بن سعد يروي عن أبيه سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمان بن عوف عن عمه أبي سلمة بن عبد الرحمان بن عوف عن أبي هريرة.
والحديث أخرجه مسلم في الفتن أيضا عن إسحاق بن منصور.
قوله: ستكون فتن وفي رواية المستملي: فتنة، والمراد جميع الفتن، وقيل: هي الاختلاف الذي يكون بين أهل الإسلام بسبب افتراقهم على الإمام ولا يكون المحق فيها معلوما، بخلاف علي ومعاوية. قوله: القاعد فيها أي: في الفتن خير من القائم إشارة إلى أن شرها يكون بحسب التعلق بها، وزاد الإسماعيلي: والنائم فيها خير من اليقظان، واليقظان فيها خير من القاعد ولمسلم: اليقظان فيها خير من النائم وللبزار: ستكون فتن ثم تكون فتن بزيادة: والمضطجع خير من القاعد فيها ولأبي داود:
المضطجع فيها خير من الجالس، والجالس خير من القائم ومعنى القاعد خير من القائم الذي لا يستشرفها. وقال الداودي: الظاهر أنه إنما أراد أن يكون فيها قاعدا. وحكى ابن التين عنه أن الظاهر أن المراد من يكون مباشرا لها في الأحوال كلها، يعني: أن بعضهم في ذلك أشد من بعض فأعلاهم في ذلك الساعي فيها بحيث يكون سببا لإثارتها، ثم من يكون قائما بأسبابها وهو الماشي، ثم من يكون مباشرا لها وهو القائم، ثم من يكون مع النظارة ولا يقاتل وهو القاعد، ثم من يكون محسنا لها ولا يباشر ولا ينظر وهو المضطجع اليقظان، ثم من لا يقع منه شيء من ذلك ولكنه راض وهو النائم، والمراد بالأفضلية في هذه الخيرية من يكون أقل شرا ممن فوقه على التفصيل المذكور. قوله: من تشرف بفتح التاء المثناة من فوق والشين المعجمة وتشديد الراء على وزن تفعل، أي: تطلع لها بأن يتصدر ويتعرض
190

لها ولا يعرض عنها. وقال الكرماني: ويروى: من يشرف، من الإشراف. قوله: تستشرفه أي: تهلكه بأن يشرف منها على الهلاك يقال: استشرفت الشيء علوته، وأشرفت عليه. قوله: ملجأ أي موضعا يلتجأ إليه من شرها. قوله: أو معاذا بفتح الميم وبالعين المهملة وبالذال المعجمة أي: موضع العوذ، وهو بمعنى الالتجاء أيضا. وقال ابن التين: رويناه بالضم، يعني بضم الميم. قوله: فليعذبه جواب قوله: فمن وجد
7082 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمان أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، فمن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به
انظر الحديث 3601 وطرفه
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن مسلم الزهري إلى آخره.
قد ذكرنا أن المراد من قوله: فتن جميع الفتن. فإن قلت: إذا كان المراد جميع الفتن فما تقول في الفتن الماضية وقد علمت أنه نهض فيها من خيار التابعين خلق كثير؟ وإن كان المراد بعض الفتن فما معناه وما الدليل على ذلك؟. قلت: أجاب الطبري: بأنه قد اختلف السلف في ذلك، فقيل: المراد به جميع الفتن، وهي التي قال الشارع فيها: القاعد فيها خير من القائم وممن قعد فيها من الصحابة: حذيفة ومحمد بن سلمة وأبو ذر وعمران بن حصين وأبو موسى الأشعري وأسامة بن زيد وأهبان بن صيفي وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبو بكرة، ومن التابعين: شريح والنخعي. وقالت طائفة بلزوم البيت، وقالت طائفة بلزوم التحول عن بلد الفتن أصلا، ومنهم من قال: إذا هجم عليه شيء من ذلك يكف يده ولو قتل، ومنهم من قال: يدافع عن نفسه وعن ماله وعن أهله وهو معذور إن قتل أو قتل، وقيل: إذا بغت طائفة على الإمام فامتنعت عن الواجب عليها ونصبت الحرب وجب قتالها، وكذلك لو تحاربت طائفتان وجب على كل قادر الأخذ على المخطىء ونصر المظلوم، وهذا قول الجمهور، وقال الطبري: والصواب أن يقال: إن الفتنة أصلها الابتلاء، وإنكار المنكر واجب على كل من قدر عليه، فمن أعان المحق أصاب ومن أعان المخطىء أخطأ، وأن أشكل الأمر فهي الحالة التي ورد النهي عن القتال فيها، وذهب آخرون إلى أن الأحاديث وردت في حق ناس مخصوصين وأن النهي مخصوص بمن خوطب بذلك، وقيل: إن أحاديث النهي مخصوصة بآخر الزمان حيث يحصل التحقق أن المقاتلة إنما هي في طلب الملك. قلت: يدخل فيها الترك أصحاب مصر حيث لم يكن بينهم قتال إلا لطلب الملك.
10
((باب إذا التقاى المسلمان بسيفيهما))
أي: هذا باب يذكر فيه إذا التقى المسلمان بسيفيهما، وجواب: إذا، محذوف لم يذكره اكتفاء بما ذكر في الحديث، وهو قوله: فكلاهما من أهل النار، وقوله في الحديث: إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، في معنى: إذا التقيا.
7083 حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا حماد عن رجل لم يسمه، عن الحسن قال: خرجت بسلاحي ليالي الفتنة فاستقبلني أبو بكرة، فقال: أين تريد؟ قلت: أريد نصرة ابن عم رسول الله قال: قال رسول الله إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار قيل فهاذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه أراد قتل صاحبه.
قال حماد بن زيد: فذكرت هاذا الحديث لأيوب ويونس بن عبيد وأنا أريد أن يحدثاني به، فقالا:
191

إنما رواى هاذا الحديث الحسن عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: إذا تواجه المسلمان بسيفيهما وقد ذكرنا أن معناه: إذا التقيا.
وعبد الله بن عبد الوهاب أبو محمد الحجبي البصري من أفراد البخاري، وحماد هو ابن زيد وقد نسبه في أثناء الحديث.
قوله: عن رجل قال بعضهم: هو عمرو بن عبيد شيخ المعتزلة، وكان سيىء الضبط، قاله الحافظ المزي في التهذيب وقال صاحب التلويح هو هشام بن حسان أبو عبد الله القردوسي، وتبعه على ذلك صاحب التوضيح وكذا قاله الكرماني ناقلا عن قوم، وقال بعضهم فيه بعد قلت: ليت شعري ما وجه البعد، ووجه البعد فيما قاله، ويؤيد ما قاله هؤلاء ما قاله الإسماعيلي في صحيحه حدثنا الحسن حدثنا: محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد حدثنا هشام عن الحسن... فذكره، وتوضحه رواية النسائي عن علي بن محمد عن خلف بن تميم عن زائدة عن هشام عن الحسن.. الحديث، والحسن هو البصري. قوله: ليالي الفتنة أراد بها الحرب التي وقعت بين علي ومن معه وعائشة ومن معها، كذا قال بعضهم. قلت: ما معنى إبهامه ذلك والمراد به وقعة الجمل ووقعة صفين؟ قوله: فاستقبلني أبو بكرة هو نفيع بن الحارث الثقفي. قوله: قلت: أريد نصرة ابن عمر رسول الله وهو علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، وفي رواية مسلم: أريد نصر ابن عم رسول الله يعني: عليا، رضي الله تعالى عنه. قال: فقال لي: يا أحنف ارجع. قوله: قال: قال رسول الله وفي رواية مسلم قال: سمعت رسول الله قوله: إذا تواجه المسلمان ويروى: توجه. وقال
الكرماني: تواجه أي ضرب كل واحد منهما وجه الآخر، أي: ذاته. قوله: فكلاهما من أهل النار وفي رواية الكشميهني: في النار، وفي رواية مسلم: فالقاتل والمقتول في النار قوله: أهل النار أي مستحق لها، وقد يعفو الله عنه. وقال الكرماني: علي، رضي الله تعالى عنه، ومعاوية كلاهما كانا مجتهدين، غاية ما في الباب أن معاوية كان مخطئا في اجتهاده ونحوه. انتهى. قلت: كيف يقال: كان معاوية مخطئا في اجتهاده، فما كان الدليل في اجتهاده؟ وقد بلغه الحديث الذي قال ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية، وابن سمية هو عمار بن ياسر، وقد قتله فئة معاوية، أفلا يرضى معاوية سواء بسواء حتى يكون له أجر واحد؟ وروى الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمرو عن أبيه قال: ما وجدت في نفسي من شيء ما وجدت أني لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله. فإن قلت: كان عبد الله بن عمرو ممن روى الحديث المذكور وأخبر معاوية بهذا، فكيف كان مع فئة معاوية؟. قلت: روي عنه أنه قال: لم أضرب بسيف ولم أطعن برمح ولكن رسول الله قال: أطع أباك فأطعته، وقيل لإبراهيم النخعي: من كان أفضل علقمة أو الأسود؟ فقال: علقمة، لأنه شهد صفين وخضب سيفه بها، وقيل: كان أويس القرني، رضي الله تعالى عنه، مع علي، رضي الله تعالى عنه، في الرجالة؛ قاله إبراهيم بن سعد، وقال الكرماني: مساعدة الإمام الحق ودفع البغاة واجبة فلم منع أبو بكرة الحسن عن حضوره مع فئة علي، رضي الله تعالى عنه؟ وأجاب بقوله: لعل الأمر لم يكن بعد ظاهرا عليه. قوله: قيل فهذا القاتل القائل هو أبو بكرة. فقوله: القاتل مبتدأ وخبره محذوف أي: هذا القاتل يستحق النار، فما بال المقتول؟ أي: فما ذنبه؟ قال: إنه أي: إن المقتول أراد قتل صاحبه، وتقدم في الإيمان أنه كان حريصا على قتل صاحبه فإن قلت: مريد المعصية إذا لم يعملها كيف يكون من أهل النار؟. قلت: إذا جزم بعملها وأصر عليه يصير به عاصيا، ومن يعص الله ورسوله يدخله نارا.
قوله: قال حماد بن زيد هو موصول بالسند المذكور. قوله: قلت لأيوب هو السختياني، ويونس بن عبيد بن دينار القيسي البصري. قوله: فقالا أي: أيوب ويونس، إنما روى هذا الحديث الحسن عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة يعني: أن عمرو بن عبيد أخطأ في حذف الأحنف بين الحسن وأبي بكرة والأحنف بن قيس السعدي التميمي البصري واسمه الضحاك والأحنف لقبه وعرف به، ودعا له النبي مات سنة سبع وستين بالكوفة. وقال أبو عمر: الأحنف بن قيس أدرك النبي ولم يره ودعا له، وإنما ذكرناه في الصحابة لأنه أسلم على عهد النبي
حدثنا سليمان حدثنا حماد بهاذا، وقال مؤمل: حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب
192

ويونس وهشام ومعلى بن زياد عن الحسن عن الأحنف عن أبي بكرة عن النبي سليمان هذا هو ابن حرب، وحما هو ابن زيد، وأشار بقوله: بهذا إلى الحديث المذكور الذي رواه آنفا، وليس فيه ذكر الأحنف، ثم قال: وقال مؤمل، يعني ابن هشام أحد مشايخ البخاري عن علقمة عن حماد بن زيد وأيوب السختياني ويونس بن عبيد وهشام بن حسان ومعلى بن زياد... إلى آخره.
وأخرجه الإسماعيلي حدثنا موسى حدثنا يزيد بن سنان حدثنا أيوب ويونس... إلى آخره. وقال الدارقطني: رواه أيوب ويونس هشام ومعلى عن الحسن عن الأحنف عن أبي بكرة، وقال: أبو خلف عبد الله بن عيسى، ومحبوب بن الحسن عن موسى عن الحسن عن أبي بكرة، ورواه قتادة وجسر بن فرقد ومعروف الأعور عن الحسن عن أبي بكرة ولم يذكروا فيه الأحنف، والصحيح حديث أيوب حدث به عنه حماد بن زيد.
ورواه معمر عن أيوب.
أي: روى الحديث المذكور معمر عن أيوب، وأخرجه الإسماعيلي عن ابن ياسين: حدثنا زهير بن محمد والرمادي قالا: حدثنا عبد الرزاق نا معمر عن أيوب عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة: سمعت رسول الله فذكر الحديث دون القصة.
ورواه بكار بن عبد العزيز عن أبيه عن أبي بكرة.
بكار بن عبد العزيز رواه عن أبيه عبد العزيز بن عبد الله بن أبي بكرة، وليس له ولا لولده بكار في البخاري إلا هذا الحديث، ووصله الطبري من طريق خالد بن خداش بكسر الخاء المعجمة وبالدال المهملة وبالشين المعجمة قال: حدثنا بكار بن عبد العزيز بالسند المذكور ولفظه: سمعت النبي أن فتنة كائنة، القاتل والمقتول في النار، إذ المقتول قد أراد قتل القاتل.
وقال غندر: حدثنا شعبة عن منصور عن ربعي بن حراش عن أبي بكرة عن النبي ولم يرفعه سفيان عن منصور
غندر بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح الدال وبالراء ابن حراش لقب محمد بن جعفر، ومنصور هو ابن المعتمر، وربعي بكسر الراء وإسكان الباء الموحدة وكسر العين المهملة وتشديد الياء ابن حراش بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء وبالشين المعجمة الأعور الغطفاني التابعي المشهور، وهذا التعليق وصله الإمام أحمد قال: حدثنا محمد بن جعفر وهو غندر بهذا السند مرفوعا ولفظه: إذا التقى المسلمان حملا أحدهما على صاحبه السلاح فهما على حرف جهنم فإذا قتل أحدهما الآخر فهما في النار. قوله: ولم يرفعه سفيان، أي: لم يرفع الحديث المذكور سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر بالسند المذكور، ووصله النسائي من رواية يعلى بن عبيد عن سفيان الثوري بالسند المذكور عن أبي بكرة، قال: إذا حمل الرجلان المسلمان السلاح أحدهما على الآخر فهما في النار قال العلماء: معنى كونهما في النار أنهم يستحقان ذلك ولكن أمرهما إلى الله عز وجل إن شاء عاقبهما في النار كسائر الموحدين، وإن شاء عفا عنهما فلم يعاقبهما أصلا، وقيل: هو محمول على من استحل ذلك.
11
((باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة))
أي: هذا باب يذكر فيه كيف أمر المسلم؟ يعني ماذا يفعل في حال الاختلاف والفتنة إذا لم تكن أي إذا لم توجد، وكان تامة، وجماعة أي مجتمعون على خليفة؟ وحاصل معنى الترجمة أنه إذا وقع اختلاف ولم يكن خليفة فكيف يفعل المسلم من قبل أن يقع الاجتماع على خليفة؟ وفي حديث الباب بين ذلك وهو أنه يعتزل الناس كلهم ولو بأن يعض بأصل شجرة حتى يدركه الموت وذلك خير له من دخوله بين طائفة لا إمام لهم خشية ما يؤول من عاقبة ذلك من فساد الأحوال باختلاف الأهواء وبسبب الآراء.
193

7084 حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن جابر، حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي أنه سمع أبا إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول: كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم قلت وهل بعد ذلك الشر من خير قال: نعم وفيه دخن قلت وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر قلت فهل بعد ذلك الخير من شر قال: نعم دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت يا رسول الله صفهم لنا. قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك
انظر الحديث 3606 وطرفه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام إلى آخره.
وابن جابر بالجيم وكسر الباء الموحدة هو عبد الرحمان بن زيد بن جابر، كما صرح به مسلم في روايته عن محمد بن المثنى شيخ البخاري فيه، وبسر بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة ابن عبد الله الحضرمي بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة، وأبو إدريس عائذ الله بالذال المعجمة الخولاني بفتح الخاء المعجمة.
والحديث مضى في علامات النبوة عن يحيى بن موسى: وأخرجه مسلم في الفتن عن محمد بن المثنى به. وأخرجه ابن ماجة فيه عن علي بن محمد ببعضه.
قوله مخافة أي: لأجل مخافة أن يدركني أي الشر، وكلمة: أن، مصدرية. قوله: في جاهلية وشر يشير به إلى ما كان قبل الإسلام من الكفر وقتل بعضهم بعضا ونهب بعضهم بعضا وارتكاب الفواحش. قوله: بهذا الخير يعني: الإيمان والأمن وصلاح الحال واجتناب الفواحش. قوله: دخن بفتح الدال المهملة وفتح الخاء المعجمة وهو الدخان، وأراد به ليس خيرا خالصا بل فيه كدورة بمنزلة الدخان من النار، وقيل: أراد بالدخن الحقد، وقيل: الدغل، وقيل: فساد في القلب، وقيل: الدخن كل أمر مكروه. وقال النووي: المراد من الدخن أن لا تصفو القلوب بعضها لبعض كما كانت عليه من الصفاء. قوله: يهدون بفتح أوله قوله: بغير هديي بياء الإضافة عند الأكثرين وبياء واحدة بالتنوين في رواية الكشميهني، وفي رواية الأسود: تكون بعدي أئمة يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي. قوله: تعرف منهم أي: من القوم المذكورين وتنكر يعني من أعمالهم. وقال القاضي: الخير بعد الشر أيام عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه، والذي تعرف منهم وتنكرهم الأمراء بعده ومنهم من يدعو إلى بدعة وضلالة كالخوارج، وقال الكرماني: يحتمل أن يراد بالشر زمان قتل عثمان، رضي الله تعالى عنه، وبالخير بعده زمان خلافة علي، رضي الله تعالى عنه، والدخن الخوارج ونحوهم، والشر بعده زمان الذين يلعنونه على المنابر. قوله: دعاة بضم الدال جمع داع على أبواب جهنم قال ذلك باعتبار ما يؤول إليه حالهم. قوله: من جلدتنا أي: من قومنا ومن أهل لسانا وملتنا. وفيه: إشارة إلى أنهم من العرب، وقال الداودي: أي من بني آدم، وقال القاضي: معناه أنهم في الظاهر على ملتنا وفي الباطن مخالفون، وجلدة الشيء ظاهره وهي في الأصل غشاء البدن. قوله: وإمامهم بكسر الهمزة أي: أميرهم، وفي رواية الأسود: تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك. قوله: وأن تعض بفتح العين المهملة وتشديد الضاد المعجمة من عضض يعضض من باب علم يعلم أي: ولو كان الاعتزال من تلك الفرق بالعض فلا تعدل عنه، ولفظ: تعض، منصوب عند الرواة كلهم، وجوز بعضهم
194

الرفع ولا يجوز ذلك إلا إذا جعل أن مخففة من المثقلة. وقال البيضاوي: المعنى إذا لم يكن في الأرض خليفة فعليك بالعزلة والصبر على تحمل شدة الزمان، وعض أصل الشجرة كناية عن مكايدة المشقة، كقولهم: فلان يعض الحجارة من شدة الألم، أو المراد اللزوم كقوله في الحديث الآخر: عضوا عليها بالنواجذ. قوله: وأنت على ذلك أي: على العض الذي هو كناية عن لزوم جماعة المسلمين وإطاعة سلاطينهم ولو جاروا.
وفيه: حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين وترك القيام على أئمة الحق لأنه أمر بذلك ولم يأمر بتفريق كلمتهم وشق عصاهم.
واختلفوا في صفة الأمر بذلك، فقال بعضهم: هو أمر إيجاب بلزوم الجماعة وهي السواد الأعظم، واحتجوا برواية ابن ماجة من حديث أنس مرفوعا: إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة، وقال آخرون: الجماعة التي أمر الشارع بلزومها هي جماعة العلماء، لأن الله عز وجل جعلهم حجة على خلقه وإليهم تفزع العامة في دينها وهم تبع لها وهم المعنيون بقوله: إن الله لن يجمع أمتي على ضلالة. وقال آخرون: هم جماعة الصحابة الذين قاموا بالدين، وقال آخرون: إنها جماعة أهل الإسلام ما داموا مجتمعين على أمر واجب على أهل الملل، فإذا كان فيهم مخالف منهم فليسوا مجتمعين. وقال الإمام أبو محمد الحسن بن أحمد بن إسحاق التستري في كتابه افتراق الأمة أهل السنة والجماعة فرقة، والخوارج خمس عشرة فرقة، والشيعة ثلاث وثلاثون، والمعتزلة ستة، والمرجئة اثنا عشر، والمشبهة ثلاثة، والجهمية فرقة واحدة، والضرارية واحدة، والكلابية واحدة، وأصول الفرق عشرة أهل السنة والخوارج والشيعة والجهمية والضرارية والمرجئة والنجارية والكلابية والمعتزلة والمشبهة، وذكر أبو القاسم الفوراني في كتابه فرق الفرق إن غير الإسلاميين: الدهرية والهيولي أصحاب العناصر الثنوية والديصانية والمانوية والطبائعية والفلكية والقرامطة.
12
((باب من كره أن يكثر سواد الفتن والظلم))
أي: هذا باب في بيان من كره أن يكثر من الإكثار أو من التكثير. قوله: سواد الفتن والظلم أي: أهلهما، والسواد بفتح السين المهملة وتخفيف الواو الأشخاص.
7085 حدثنا عبد الله بن يزيد، حدثنا حيوة وغيره قالا: حدثنا أبو الأسود. وقال الليث: عن أبي الأسود قال: قطع على أهل المدينة بعث فاكتتبت فيه، فلقيت عكرمة فأخبرته، فنهاني أشد النهي ثم قال: أخبرني ابن عباس أن أناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله فيأتي السهم فيرمى فيصيب أحدهم فيقتله أو يضربه فيقتله فأنزل الله تعالى: * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى
1764; أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالو
1764; ا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا) *
انظر الحديث 4596
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الله بن يزيد من الزيادة المقري، وحيوة بن شريح التجيبي.
والحديث مضى في التفسير عن عبد الله بن يزيد أيضا. وأخرجه النسائي في التفسير عن زكريا بن يحيى.
وأبو الأسود محمد بن عبد الرحمان الأسدي يتيم عروة بن الزبير. قوله: وغيره قال صاحب التوضيح قيل: المراد به ابن لهيعة، وقيل: كأنه يريد ابن لهيعة فإنه رواه عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمان وقد رواه عنه الليث أيضا وقال الكرماني ويروى: وعبدة ضد الحرة والأول أصح. قوله: قطع على أهل المدينة بعث أي أفرد عليهم بعث بفتح الباء الموحدة وهو الجيش، ومنه كان إذا أراد أن يقطع بعثا. قال ابن الأثير: أي يفرد قوما يبعثهم في الغزو ويعينهم من غيرهم. قوله: فاكتتبت فيه على صيغة المجهول. قال الكرماني: وبالمعروف يقال: اكتتبت أي: كتبت نفسي في ديوان السلطان. قوله: يكثرون من الإكثار أو التكثير. قوله: فيرمى أي: فيرمى به، ويروى كذلك، قيل: هو من القلب والتقدير
195

فيرمى بالسهم فيأتي. وقال الكرماني: وفي بعض الروايات لفظ: فيرمى، مفقود وهو ظاهر، وقيل: يحتمل أن تكون الفاء الثانية زائدة وثبت كذلك لأبي ذر في سورة النساء فيأتي السهم يرمى به. قوله: أو يضربه معطوف على فيأتي لا على فيصيب أي: يقتل إما بالسهم وإما بالسيف. قوله فأنزل الله تعالى: * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) *
13
((باب إذا بقي في حثالة من الناس))
أي: هذا باب فيه، إذا بقي مسلم في حثالة من الناس، بضم الحاء المهملة وتخفيف الثاء المثلثة وهي رديء كل شيء وما لا خير فيه. وجواب: إذا، مقدر وهو: ماذا يصنع؟ قيل: هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه الطبري وصححه ابن حبان من طريق العلاء بن عبد الرحمان بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: كيف بك يا عبد الله بن عمرو إذا بقيت في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا فصاروا هكذا؟ وشبك بين أصابعه. قال: فما تأمرني؟ قال: عليك بخاصتك ودع عنك عوامهم وقال ابن بطال: أشار البخاري إلى هذا الحديث ولم يخرجه لأن العلاء ليس من شرطه فأدخل معناه في حديث حذيفة، رضي الله تعالى عنه.
7086 حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا، سفيان، حدثنا الأعمش، عن زيد بن وهب، حدثنا حذيفة قال: حدثنا رسول الله حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا: أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السنة. وحدثنا عن رفعها. قال: ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام النومة فتقبض فيبقى فيها أثرها مثل أثر المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا وليس فيه شيء، ويصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة، فيقال: إن في بني فلان رجلا أمينا، ويقال للرجل: ما أعقله وما أظرفه وما أجلده؟ وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، ولقد أتى علي زمان ولا أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلما رده علي الإسلام، وإن كان نصرانيا رده علي ساعيه، وأما اليوم فما كنت أبايع إلا فلانا وفلانا
انظر الحديث 6497 وطرفه
مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه. وقد ذكرنا أن ابن بطال قال: أدخل البخاري معنى حديث أبي هريرة الذي ذكرناه الآن في حديث حذيفة. وهذا الحديث بعينه سندا ومتنا مضى في كتاب الرقاق في باب رفع الأمانة، فراجعه لأن الكلام فيه قد بسطناه.
قوله: وحدثنا عن رفعها هو الحديث الثاني، وفيه علم من أعلام نبوته لأن فيه الإخبار عن فساد أديان الناس وقلة أمانتهم في آخر الزمان، والجذر بفتح الجيم وكسرها وسكون الذال المعجمة: الأصل أي: كانت لهم بحسب الفطرة وحصلت لهم بالكسب من الشريعة. والوكت، بفتح الواو وسكون الكاف وبالتاء المثناة من فوق: الأثر اليسير، وقيل: السواد، وقيل: اللون المخالف للون الذي قبله والمجل بفتح الميم وسكون الجيم وفتحها: هو التنفط الذي يحصل في اليد من العمل، ونفط بكسر الفاء ولم يؤنث الضمير باعتبار العضو. ومنتبرا مفتعلا من الانتبار وهو الارتفاع، ومنه: المنبر والأمانة ضد الخيانة، وقيل: هي التكاليف الإلاهية. ومعنى المبايعة هنا البيع والشراء أي: كنت أعلم أن الأمانة في الناس فكيف أقدم على معاملة من اتفق غير مبال بحاله وثوقا بأمانته أو أمانة الحاكم عليه، فإنه إن كان مسلما فدينه يمنعه من الخيانة ويحمله
196

على أدائها، وإن كان كافرا وذكر النصراني على سبيل التمثيل فساعيه أي المولى عليه يقوم بالأمانة في ولايته فينصفني ويستخرج حقي منه، وأما اليوم فقد ذهبت الأمانة فلست أثق اليوم بأحد أئتمنه على بيع أو شراء إلا فلانا وفلانا يعني أفرادا من الناس قلائل.
14
((باب التعرب في الفتنة))
أي: هذا باب في بيان التعرب بفتح العين المهملة وضم الراء المشددة وبالباء الموحدة وهو الإقامة بالبادية والتكلف في صيرورته أعرابيا، وقيل: التعرب السكنى مع الأعراب، وهو أن ينتقل المهاجر من البلد الذي هاجر إليه فيسكن البادية فيرجع بعد هجرته أعرابيا، وكان ذلك محرما إلا أن يأذن له الشارع في ذلك، وقيده بالفتنة إشارة إلى ما ورد من الإذن في ذلك عند حلول الفتن، ووقع في رواية كريمة: التعزب، بالزاي وبينهما عموم وخصوص. وقال صاحب المطالع وجدته بخط البخاري بالزاي، وأخشى أن يكون وهما، فإن صح فمعناه: البعد والاعتزال.
7087 حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حاتم عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع أنه دخل على الحجاج، فقال: يا ابن الأكوع ارتددت على عقبيك؟ تعربت؟ قال: لا، ولكن رسول الله أذن لي في البدو.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وحاتم بالحاء المهملة هو ابن إسماعيل الكوفي، ويزيد من الزيادة ابن أبي عبيد بضم العين مولى سلمة بن الأكوع.
والحديث أخرجه مسلم في المغازي. والنسائي في البيعة كلاهما عن قتيبة كالبخاري. قوله: على الحجاج هو ابن يوسف الثقفي، وذلك لما ولي الحجاج إمرة الحجاز بعد قتل ابن الزبير فسار من مكة إلى المدينة، وذلك في سنة أربع وسبعين، وقيل: إن سلمة مات في آخر خلافة معاوية سنة ستين، ولم يدرك زمن إمارة الحجاج. قوله: ارتددت على عقبيك كأنه أشار بهذا إلى ما جاء من حديث ابن مسعود أخرجه النسائي مرفوعا: لعن الله آكل الربا وموكله... الحديث وفيه: والمرتد بعد هجرته إلى موضعه من غير عذر يعدونه كالمرتد. قوله: قال لا، أي: لم أسكن البادية رجوعا عن هجرتي. ولكن بالتشديد والتخفيف. قوله: في البدو أي: في الإقامة فيه، والبدو البادية.
وعن يزيد بن أبي عبيد قال: لما قتل عثمان بن عفان خرج سلمة بن الأكوع إلى الربذة وتزوج هناك امرأة وولدت له أولادا، فلم يزل بها حتى أقبل قبل أن يموت بليال فنزل المدينة.
هو موصول بالسند المذكور. قوله: إلى الربذة، بفتح الراء والباء الموحدة والذال المعجمة موضع بالبادية بين مكة والمدينة، قاله بعضهم. قلت: الربذة هي التي جعلها عمر، رضي الله تعالى عنه، حمى لإبل الصدقة، وهي بالقرب من المدينة على ثلاث مراحل منها قريب من ذات عرق. قوله: فلم يزل بها وفي رواية الكشميهني هناك. قوله: فنزل المدينة هكذا: فنزل بالفاء في رواية المستملي والسرخسي، وفي رواية غيرهما، نزل بلا فاء، وهذا يشعر بأن سلمة لم يمت بالبادية كما جزم به يحيى بن عبد الوهاب بن مندة في معرفة الصحابة، وقال يحيى بن بكير وغيره: مات بالمدينة سنة أربع وسبعين وهو ابن ثمانين سنة.
7088 حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن عبد الرحمان بن عبد الله بن أبي صعصعة، عن أبيه عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها سعف الجبال، ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن
مطابقته للترجمة تؤخذ من آخر الحديث، وتقدم في الإيمان في: باب من الدين الفرار من الفتن، فإنه أخرجه هناك عن
197

عبد الله بن سلمة عن مالك إلى آخر، وتقدم أيضا في: باب العزلة من كتاب الرقاق.
قوله: سعف الجبال بالسين والعين المهملتين وبالفاء: رأس الجبل وأعلاه. قوله: ومواقع القطر أي: المطر والمواقع جملة حالية من الضمير المستتر في: يتبع.
15
((باب التعوذ من الفتن))
أي: هذا باب في بيان التعوذ من الفتن، قال ابن بطال: في مشروعية ذلك الرد على من قال: اسألوا الله الفتنة فإن فيها حصاد المنافقين، وزعم أنه ورد في حديث لا يثبت رفعه بل الصحيح خلافه، وقد أخرج أبو نعيم من حديث علي، رضي الله تعالى عنه، بلفظ: لا تكرهوا الفتنة في آخر الزمان فإنها تعبير المنافقين، وفي سنده ضعيف ومجهول.
7089 حدثنا معاذ بن فضالة، حدثنا هشام، عن قتادة، عن أنس، رضي الله عنه، قال: سألوا النبي حتى أحفوه بالمسألة، فصعد النبي ذات يوم المنبر فقال: لا تسألوني عن شيء إلا بينت لكم فجعلت أنظر يمينا وشمالا فإذا كل رجل لاث رأسه في ثوبه يبكي، فأنشأ رجل كان إذا لاحى يدعى إلى غير أبيه، فقال: يا نبي الله من أبي؟ فقال: أبوك حذافة، ثم أنشأ عمر فقال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا، نعوذ بالله من سوء الفتن فقال النبي ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط، إنه صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط.
قال قتادة يذكر هاذا الحديث عند هاذه الآية: * (ياأيها الذين ءامنوا لا تسألوا عن أشيآء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرءان تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم) *
مطابقته للترجمة في قوله: نعوذ بالله من شر الفتن ومعاذ بضم الميم ابن فضالة بفتح الفاء وتخفيف الضاد المعجمة، وهشام هو الدستوائي. والحديث مضى في الدعوات
عن حفص بن عمر.
قوله: حتى أحفوه بالحاء المهملة أي: ألحوا عليه في السؤال وبالغوا. قوله: ذات يوم المنبروفي رواية الكشميهني: على المنبر. قوله: لاث رأسه هكذا في رواية الكشميهني؛ وفي رواية غيره: فإذا كل رجل رأسه في ثوبه، ولاث بالثاء المثلثة من اللوث وهو الطي والجمع، ومنه: لثت العمامة ألوثها لوثا. قوله: فأنشأ رجل أي: بدأ بالكلام. قوله: كان إذا لاحى بالحاء المهملة أي: إذا جادل وخاصم يدعى إلى غير أبيه يعني: يقولون له يا ابن فلان، وهو خلاف أبيه. قوله: فقال: أبوك حذافة في رواية معتمر: سمعت أبي عن قتادة عند الإسماعيلي، واسم الرجل خارجة، وقيل: قيس بن حذافة، وقيل: المعروف أن القائل عبد الله بن حذافة أخو خارجة. قوله: من سوء الفتن بضم السين وبالهمزة، وفي رواية الكشميهني: من شر الفتن، بفتح الشين المعجمة وتشديد الراء. قوله: صورت على صيغة المجهول، وفي رواية الكشميهني: صورت لي قوله: دون الحائط أي: عنده.
قوله: قال قتادة: يذكر بضم الياء وسكون الذال وفتح الكاف، ووقع في رواية الكشميهني: يذكر على صيغة المعلوم، وهذا أوجه.
7090 وقال عباس النرسي: حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا سعيد، حدثنا قتادة أن أنسا حدثهم أن نبي الله بهذا، وقال: كل رجل لافا رأسه في ثوبه يبكي، وقال: عائذا بالله من سوء الفتن، أو قال: أعوذ بالله من سوء الفتن.
عباس بالباء الموحدة والسين المهملة ابن الوليد بن نصر الباهلي البصري النرسي بفتح النون وسكون الراء وبالسين المهملة، وقال الكلاباذي: نرس لقب جدهم كان اسمه نصرا فقال له بعض النبط: نرس، بدل نصر فبقي لقبا عليه فنسب ولده إليه، وقيل: نهر من أنهار الفرات بالعراق يقال له نهر النرس تضاف إليه الثياب النرسية، وهو يروي عن يزيد بن زريع مصغر زرع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة... إلى آخره.
بهذا أي: بهذا الحديث الماضي، وصله أبو نعيم في
198

المستخرج من رواية محمد بن عبد الله بن رسته بضم الراء وسكون السين المهملة وبالتاء المثناة المفتوحة، قال: حدثنا العباس بن الوليد به. قوله: وقال: كل رجل أي: قال أنس: كل رجل كان هناك حال كونه لافا بتشديد الفاء رأسه في ثوبه يبكي، ويروى: لاف، وهو الأوجه. وقوله: يبكي خبر: قوله: كل رجل لأنه مبتدأ، ولما ألحوا على رسول الله في المسألة كره مسائلهم وعز على المسلمين الإلحاح والتعنت عليه وتوقعوا نزول عقوبة الله عليهم، فبكوا خوفا منها، فمثل الله تعالى الجنة والنار له وأراه كل ما يسأله عنه. قوله: وقال أي: كل رجل قال: عائذا بالله أي: حال كونه مستعيذا بالله من سوء الفتن. قوله: أو قال: أعوذ بالله شك من الراوي، ويحتمل أن يكون الشك بين قوله: عائذا بالله وقوله: أعوذ بالله ويحتمل أن يكون بين قوله: من سوء الفتن وقوله: من شر الفتن
7091 وقال لي خليفة، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا سعيد ومعتمر عن أبيه، عن قتادة: أن أنسا حدثهم عن النبي بهاذا، وقال: عائذا بالله من شر الفتن.
أي: قال البخاري: قال لي خليفة هو ابن خياط بطريق المذاكرة عن يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة ومعتمر بن سليمان بن طرخان عن قتادة... إلى آخره. قوله: بهذا أي بالحديث المذكور، قال عائذ بالله من شر الفتن بالشين المعجمة والراء المشددة.
16
((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الفتنة من قبل المشرق)))
أي: هذا باب في ذكر قول النبي الفتنة من قبل المشرق، بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي: من جهته.
7092 حدثني عبد الله بن محمد، حدثنا هشام بن يوسف، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه عن النبي أنه قام إلى جنب المنبر فقال: الفتنة هاهنا الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان أو قال قرن الشمس.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي، ومعمر بفتح الميمين ابن راشد، وسالم هو ابن عبد الله يروي عن أبيه عبد الله بن عمر عن النبي
والحديث أخرجه الترمذي في الفتن عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق.
قوله: حدثني عبد الله ويروى: حدثنا. قوله: قرن الشيطان ذهب الداودي إلى أن للشيطان قرنين على الحقيقة، وذكر الهروي أن قرنيه ناحيتي رأسه، وقيل: هذا مثل أي: حينئذ يتحرك الشيطان ويتسلط، وقيل: القرن القوة أي: تطلع حين قوة الشيطان، وإنما أشار إلى المشرق لأن أهله يومئذ كانوا أهل كفر فأخبر أن الفتنة تكون من تلك الناحية وكذلك كانت وهي وقعة الجمل ووقعة صفين، ثم ظهور الخوارج في أرض نجد والعراق وما وراءها من المشرق، وكانت الفتنة الكبرى التي كانت مفتاح فساد ذات البين قتل عثمان، رضي الله تعالى عنه، وكان يحذر من ذلك ويعلم به قبل وقوعه، وذلك من دلالات نبوته قوله: أو قرن الشمس شك من الراوي، وقال الجوهري: قرن الشمس أعلاها.
7093 حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ل يث، عن نافع، عن ابن عمر، رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستقبل المشرق يقول ألا إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان.
هذا عن عبد الله بن عمر أيضا أخرجه عن قتيبة عن ليث بن سعيد إلى آخره.
199

7094 حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا أزهر بن سعد، عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر قال: ذكر النبي اللهم بارك لنا في شأمنا، اللهم بارك لنا في يمننا قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟ قال: اللهم بارك لنا في شأمنا اللهم بارك لنا في يمننا قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟ فأظنه قال: في الثالثة: هناك الزلازل والفتن وبها يطلع
قرن الشيطان.
انظر الحديث 1037
مطابقته للترجمة في قوله: وهناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان وأشار بقوله: هناك إلى نجد، ونجد من المشرق قال الخطابي: نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها، وهي مشرق أهل المدينة، وأصل النجد ما ارتفع من الأرض وهو خلاف الغور فإنه ما انخفض منها، وتهامة كلها من الغور، ومكة من تهامة اليمن.
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وأزهر بن سعد السمان البصري يروي عن عبد الله بن عون بالنون ابن أرطبان البصري.
والحديث مضى في الاستسقاء عن محمد بن المثنى. وأخرجه الترمذي في المناقب عن بشر بن آدم ابن بنت أزهر السمان عن جده أزهر به، وقال: حسن صحيح غريب، والفتن تبدو من المشرق ومن ناحيتها يخرج يأجوج ومأجوج والدجال، وقال كعب: بها الداء العضال وهو الهلاك في الدين، وقال المهلب: إنما ترك الدعاء لأهل المشرق ليضعفوا عن الشر الذي هو موضوع في جهتهم لاستيلاء الشيطان بالفتن.
7095 حدثنا إسحاق الواسطي، حدثنا خالد، عن بيان، عن وبرة بن عبد الرحمان، عن سعيد بن جبير قال: خرج علينا عبد الله بن عمر فرجونا أن يحدثنا حديثا حسنا، قال: فبادر إليه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمان حدثنا عن القتال في الفتنة، والله يقول: * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين) * * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير) * فقال: هل تدري ما الفتنة ثكلتك أمك؟ إنما كان محمد يقاتل المشركين وكان الدخول في دينهم فتنة وليس كقتالكم على الملك.
مطابقته للترجمة من حيث إن فيها الفتنة من قبل المشرق، سألوا هنا عن ابن عمر أن يحدثهم بحديث حسن فيه ذكر الرحمة فحدثهم بحديث الفتنة.
وإسحاق هو ابن شاهين الواسطي يروي عن خالد بن عبد الله الطحان، ووقع في بعض النسخ: خلف، بدل: خالد، وما أظن صحته، وبيان بفتح الباء الموحدة وتخفيف الياء وبعد الألف نون بن بشر بالشين المعجمة الأحمسي بالمهملتين، ووبرة بفتح الواو والباء الموحدة والراء ابن عبد الرحمان الحارثي والباء مفتوحة عند الجميع وبه جزم ابن عبد البر، وقال عياض: ضبطناه في مسلم بسكون الباء.
والحديث مضى في التفسير عن أحمد بن يونس.
قوله: حديثا حسنا أي: حسن اللفظ يشمل على ذكر الرحمة والرخصة. قوله: فبادرنا بفتح الراء فعل ومفعول. وقوله: رجل فاعله واسمه حكيم. قوله: إليه أي: إلى ابن عمر. قوله: فقال: يا عبد الرحمان أصله: يا أبا، فحذفت الألف للتخفيف، وأبو عبد الرحمان كنية عبد الله بن عمر. قوله: والله يقول يريد الاحتجاج بالآية على مشروعية القتال في الفتنة وأن فيها الرد على من ترك ذلك كابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، فقال ابن عمر ثكلتك أمك، بكسر الكاف أي: عدمتك أمك، وهو وإن كان على صورة الدعاء عليه، لكنه ليس مقصودا وقد مرت قصته في سورة البقرة وهي أنه قيل له في فتنة ابن الزبير، رضي الله تعالى عنهما: ما يمنعك أن تخرج وقال تعالى: والفتنة هي الكفر، وكان قتالنا على الكفر وقتالكم على الملك، أي: في طلب الملك، وأشار به إلى ما وقع بين مروان ثم عبد الملك ابنه، وبين ابن الزبير وما أشبه ذلك، وكان رأي عبد الله بن عمر ترك القتال في الفتنة، ولو ظهر أن إحدى الطائفتين محقة والأخرى مبطلة.
200

17
((باب الفتنة التي تموج كموج البحر))
أي: هذا باب في بيان الفتنة التي تموج كموج البحر، قيل: أشار به إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عاصم بن ضمرة عن علي، رضي الله تعالى عنه: في هذه الأمة خمس فتن، فذكر الأربعة، ثم فتنة تموج كموج البحر وهي التي يصبح الناس فيها كالبهائم أي: لا عقول لهم.
وقال ابن عيينة عن خلف بن حوشب: كانوا يستحبون أن يتمثلوا بهاذه الأبيات عند الفتن، قال امرؤ القيس:
* الحرب أول ما تكون فتية
* تسعى بزينتها لكل جهول
*
* حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها
* ولت عجوزا غير ذات حليل
*
* شمطاء ينكر لونها، وتغيرت
* مكروهة للشم والتقبيل
*
أي: قال سفيان بن عيينة عن خلف بالخاء واللام المفتوحتين ابن حوشب بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وفتح الشين المعجمة وبالباء الموحدة كان من أهل الكوفة، روى
عن جماعة من كبار التابعين وأدرك بعض الصحابة لكن لا يعلم روايته عنهم، وكان عابدا من عباد أهل الكوفة وثقه العجلي، وقال النسائي: لا بأس به، وأثنى عليه ابن عيينة، وليس له في البخاري إلا هذا الموضع، قوله: كانوا أي: السلف. قوله: عند الفتن أي: عند نزولها. قوله: قال امرؤ القيس كذا وقع عند أبي ذر في نسخته، والمحفوظ أن هذه الأبيات لعمرو بن معد يكرب الزبيدي، وقد جزم به المبرد في الكامل وتعليق سفيان هذا وصله البخاري في التاريخ الصغير عن عبد الله بن محمد المسندي: حدثنا سفيان بن عيينة. قوله: فتية بفتح الفاء وكسر التاء المثناة من فوق وتشديد الياء آخر الحروف أي: شابة، ويجوز فيه ضم الفاء بالتصغير، ويجوز فيه الرفع والنصب. وأما الرفع فعلى أنه خبر وذلك أن الحرب مبتدأ وأول ما تكون بدل منه وما مصدرية وتكون تامة تقديره: أول كونها، وفتية خبر المبتدأ، وقال الكرماني: وجاز في: أول، وفتية، أربعة أوجه: نصبهما ورفعهما، ونصب الأول ورفع الثاني، والعكس. وكان، إما ناقصة وإما تامة، ثم سكت ولم يبين وجه ذلك. قلت: وجه نصبهما أن يكون الأول منصوبا على الظرف، وفتية مرفوعا على الخبرية، وتكون ناقصة، والتقدير: الحرب في أول حالها فتية، ووجه العكس أن يكون الأول مبتدأ ثانيا أو بدلا من الحرب. ويكون تامة، وقد خبط بعضهم في هذا المكان يعرفه من يقف عليه. قوله: بزينتها بكسر الزاي وسكون الياء آخر الحروف وبالنون، ورواه سيبويه، ببزتها، بالباء الموحدة والزاي المشددة، والبزة اللباس الجيد. قوله: حتى إذا اشتعلت بشين معجمة وعين مهملة، يقال: اشتعلت النار إذا ارتفع لهيبها وإذا، يجوز أن يكون ظرفية ويجوز أن يكون شرطية وجوابها قوله: ولت قوله: وشب بالشين المعجمة والباء الموحدة المشددة يقال: شبت الحرب إذا اتقدت. قوله: ضرامها بكسر الضاد المعجمة وهو ما اشتعل من الحطب. قوله: غير ذات حليل بفتح الحاء المهملة وكسر اللام وهو الزوج، ويروى بالخاء المعجمة وهو ظاهر. قوله: شمطاء من شمط بالشين المعجمة اختلاط الشعر الأبيض بالشعر الأسود، ويجوز في إعرابه النصب على أن يكون صفة لعجوز، ويجوز فيه الرفع على أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي: هي شمطاء. قوله: ينكر على صيغة المجهول. ولونها مرفوع به أي: بدل حسنها بقبح، ووقع في رواية الحميدي والسهيلي في الروض
شمطاء جزت رأسها
قوله: مكروهة نصب على الحال من الضمير الذي في: تغيرت، والمراد بالتمثيل بهذه الأبيات استحضار ما شاهدوه وسمعوه من حال الفتنة فإنهم يتذكرون بإنشادها ذلك فيصدهم عن الدخول فيها حتى لا يغتروا بظاهر أمرها أولا.
7096 حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا شقيق سمعت
201

حذيفة يقول: نحن جلوس عند عمر إذ قال: أيكم يحفظ قول النبي في الفتنة؟ قال: فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره، يكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر قال: ليس عن هاذا أسألك، ولاكن التي تموج كموج البحر؟ قال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها بابا مغلقا. قال عمر: أيكسر الباب أم يفتح؟ قال: بل يكسر. قال عمر: إذا لا يغلق أبدا. قلت: أجل. قلنا لحذيفة: أكان عمر يعلم الباب؟ قال: نعم، كما أعلم أن دون غد ليلة. وذالك أني حدثته حديثا ليس بالأغاليط، فهبنا أن نسأله من الباب؟ فأمرنا مسروقا فسأله، فقال: من الباب؟ قال: عمر.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن شقيق بن سلمة عن حذيفة بن اليمان.
والحديث مضى في الصلاة في: باب المواقيت مطولا، وفي الزكاة عن قتيبة عن جرير، وفي الصوم عن علي بن عبد الله، ومضى الكلام فيه.
قوله: ليس عليك وفي رواية الكشميهني: عليكم، بالجمع. قوله: بينك وبينها بابا مغلقا قيل: قال هذا ثم قال آخرا: هو الباب، وأجيب بأن المراد بين زمانك وحياتك وبينها أو الباب بدل عمر وهو بين الفتنة وبين نفسه. قوله: أيكسر الباب أم يفتح؟ قال ابن بطال: أشار بالكسر إلى قتل عمر وبالفتح إلى موته. وقال عمر: إذا كان بالقتل فلا تسكن الفتنة أبدا. قوله: كما أعلم أن دون غد ليلة أي: علما ضروريا. قوله: بالأغاليط جمع الأغلوطة وهي الكلام الذي يغالط به ويغالط فيه. قوله: فأمرنا أي: قلنا أو طلبنا.
وفيه: أن الأمر لا يشترط فيه العلو والاستعلاء.
7097 حدثنا سعيد بن أبي مريم، أخبرنا محمد بن جعفر، عن شريك بن عبد الله، عن سعيد بن المسيب، عن أبي موساى الأشعري قال: خرج النبي يوما إلى حائط من حوائط المدينة لحاجته، وخرجت في إثره، فلما دخل الحائط جلست على بابه، وقلت: لأكونن اليوم بواب النبي ولم يأمرني. فذهب النبي وقضاى حاجته وجلس على قف البئر فكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر، فجاء أبو بكر يستأذن عليه ليدخل فقلت: كما أنت حتى أستأذن لك، فوقف فجئت إلى النبي فقلت يا نبي الله أبو بكر يستأذن عليك. قال: ائذن له وبشره بالجنة فدخل فجاء عن يمين النبي فكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر. فجاء عمر فقلت: كما أنت حتى أستأذن لك، فقال النبي ائذن له وبشره بالجنة فجاء عن يسار النبي فكشف عن ساقيه فدلاهما في البئر فامتلأ القف فلم يكن فيه مجلس، ثم جاء عثمان فقلت: كما أنت حتى استأذن لك، فقال النبي ائذن له وبشره بالجنة معها بلاء يصيبه فدخل فلم يجد معهم مجلسا فتحول حتى جاء مقابلهم على شفة البئر، فكشف عن ساقيه ثم دلاهما في البئر، فجعلت أتمنى أخا لي وأدعو الله أن يأتي.
قال ابن المسيب: فتأولت ذالك قبورهم اجتمعت هاهنا وانفرد عثمان.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: وبشره بالجنة معها بلاء يصيبه وهذا من جملة الفتن التي تموج كموج البحر، ولهذا خصه
202

بالبلاء ولم يذكر ما جرى على عمر، رضي الله تعالى عنه، لأنه لم يمتحن مثل ما امتحن عثمان من التسلط عليه ومطالبة خلع الإمامة والدخول على حرمه ونسبة القبائح
إليه.
وشريك بن عبد الله هو ابن أبي نمر ولم يخرج البخاري عن شريك بن عبد الله النخعي القاضي شيئا.
والحديث مضى في فضل أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، عن محمد وكسر الراء وسكون الياء آخر الحروف، وبالسين المهملة. قوله: ولم يأمرني يعني: بأن أعمل بوابا، وقال الداودي في الرواية الأخرى أمرني بحفظ الباب وهو اختلاف وليس المحفوظ إلا أحدهما ورد عليه بإمكان الجمع بأنه فعل ذلك ابتداء من قبل نفسه، فلما استأذن أولا لأبي بكر وكان كشف عن ساقيه أمره بحفظ الباب. قوله: على قف البئر وفي رواية الكشميهني: وجلس في قف البئر، والقف ما ارتفع من متن الأرض، وقال الداودي ما حول البئر، وقال الكرماني: القف بضم القاف وهو البناء حول البئر وحجر في وسطها وشفيرها ومصبها. قوله: ودلاهما أي: أرسلهما فيها. قوله: كما أنت أي: قف وأثبت كما أنت عليه. قوله: معها بلاء هو البلية التي صار بها شهيد الدار. قوله: مقابلهم اسم مكان فتحا، واسم فاعل كسرا. قوله: فتأولت وفي رواية الكشميهني: فأولت، أي: فسرت ذلك بقبورهم، وذلك من جهة كونهما مصاحبين له مجتمعين عند الحضرة المباركة التي هي أشرف البقاع على وجه الأرض، لا من جهة أن أحدهما عن اليمين والآخر عن اليسار. قوله: وانفرد عثمان يعني: لم يدفن معهما ودفن في البقيع.
حدثني بشر بن خالد، أخبرنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن سليمان سمعت أبا وائل قال: قيل لأسامة: ألا تكلم هاذا؟ قال: قد كلمته ما دون أن أفتح بابا أكون أول من يفتحه، وما أنا بالذي أقول لرجل بعد أن يكون أميرا على رجلين: أنت خير، بعد ما سمعت من رسول الله يقول يجاء برجل فيطرح في النار فيطحن فيها كطحن الحمار برحاه، فيطيف به أهل النار فيقولون: أي فلان؟ ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهاى عن المنكر؟ فيقول: إني كنت آمر بالمعروف ولا أفعله، وأنهاى عن المنكر وأفعله.
انظر الحديث 3267
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ بالتعسف من كلام أسامة وهو أنه لم يرد فتح الباب بالمجاهرة بالتنكير على الإمام لما يخشى من عاقبة ذلك من كونه فتنة ربما تؤول إلى أن تموج كموج البحر.
وبشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة، ابن خالد اليشكري وسليمان هو الأعمش، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وأسامة هو ابن زيد حب رسول الله
والحديث مضى في صفة النار عن علي بن عبد الله. وأخرجه مسلم في آخر الكتاب عن يحيى بن يحيى وغيره.
قوله: قيل لأسامة: ألا تكلم هذا لم يبين هنا من هو القائل لأسامة: ألا تكلم هذا، ولا المشار إليه بقوله: هذا، من هو، وقد بين في رواية مسلم قيل له: ألا تدخل على عثمان، رضي الله تعالى عنه، وتكلمه في شأن الوليد بن عقبة وما ظهر منه من شرب الخمر؟ وقال الكرماني: ألا تكلم فيما يقع بين الناس من الغيبة والسعي في إطفاء إثارتها؟. قوله: قال: قد كلمته ما دون أن أفتح بابا أي: كلمته شيئا دون أن أفتح بابا من أبواب الفتن، أي: كلمته على سبيل المصلحة والأدب والسر دون أن يكون فيه تهييج للفتنة ونحوها، وكلمة: ما، موصوفة. قوله: أكون أول من يفتحه وفي رواية الكشميهني: أول من فتحه، بصيغة الماضي. قوله: وأنت خير في رواية الكشميهني: ائت خيرا، بكسر الهمزة والتاء بصيغة الأمر من الإيتاء، وخيرا بالنصب على المفعولية. قوله: يجاء برجل على صيغة المجهول. وكذلك فيطرح قوله: فيطحن على بناء المعلوم. قوله: كطحن الحمار وفي رواية الكشميهني: كما يطحن. قوله: فيطيف به أهل النار أي: يجتمعون حوله، يقال: أطاف به القوم إذا حلقوا حوله حلقة. قوله: أي فلان يعني:
203

يا فلان. فإن قلت: ما مناسبة ذكر أسامة هذا الحديث هنا؟. قلت: ذكره ليتبرأ مما ظنوا به من سكوته عن عثمان في أخيه، وقال: قد كلمته سرا دون أن أفتح باب الإنكار على الأئمة علانية خشية أن تفترق الكلمة، ثم عرفهم بأنه لا يداهن أحدا ولو كان أميرا بل ينصح له في السر جهده.
18
((باب))
كذا وقع لفظ باب من غير ترجمة وسقط لابن بطال، وقد ذكرنا غير مرة أن هذا كالفصل للكتاب ولا يعرب إلا إذا قلنا: هذا باب، لأن الإعراب لا يكون إلا في المركب.
7099 حدثنا عثمان بن الهيثم، حدثنا عوف عن الحسن عن أبي بكرة قال: لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل، لما بلغ النبي أن فارسا ملكوا ابنة كسرى، قال: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة.
انظر الحديث 4425
مطابقته للكتاب من حيث إن أيام الجمل كانت فتنة شديدة ووقعتها مشهورة كانت بين علي وعائشة، رضي الله تعالى عنهما. وسميت: وقعة الجمل، لأن عائشة كانت على جمل.
وعثمان بن الهيثم بفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة، وعوف هو الأعرابي، والحسن هو البصري. كلهم بصريون.
والحديث مضى في المغازي.
قوله: لقد نفعني الله أخرج الترمذي والنسائي عن أبي بكرة بلفظ: عصمني الله بشيء سمعته من رسول الله قوله: إن فارسا مصروف في النسخ، وقال ابن مالك:
الصواب عدم الصرف. وقال الكرماني: يطلق على الفرس وعلى بلادهم، فعلى الأولى يجب الصرف إلا أن يقال: المراد القبيلة، وعلى الثاني جاز الأمران. قوله: ابنه كسرى كسرى هذا شيرويه بن إبرويز بن هرمز، وقال الكرماني: كسرى بكسر الكاف وفتحها ابن قباذ بضم القاف وتخفيف الباء الموحدة، واسم ابنته بوران بضم الباء الموحدة وبالراء والنون، وكانت مدة ملكها سنة وستة أشهر. قوله: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة قوم مرفوع لأنه فاعل: لن يفلح، وامرأة نصب على المفعولية، وفي رواية حميد: ولي أمرهم امرأة، بالرفع لأنه فاعل: ولي، وأمرهم بالنصب على المفعولية. واحتج به من منع قضاء المرأة، وهو قول الجمهور، وخالف الطبري فقال: يجوز أن تقتضي فيما تقبل شهادتها فيه، وأطلق بعض المالكية الجواز.
7100 حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا يحياى بن آدم، حدثنا أبو بكر بن عياش، حدثنا أبو حصين، حدثنا أبو مريم عبد الله بن زياد الأسدي قال: لما صار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة بعث علي عمار بن ياسر وحسن بن علي فقدما علينا الكوفة، فصعد المنبر فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه، وقام عمار أسفل من الحسن فاجتمعنا إليه، فسمعت عمارا يقول: إن عائشة قد سارت إلى البصرة ووالله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، ولاكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي.
انظر الحديث 3772 وطرفه
هذا مطابق للحديث السابق من حيث المعنى، فالمطابق للمطابق للشيء مطابق لذلك الشيء.
وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي، و يحيى بن آدم بن سليمان الكوفي صاحب الثوري، و أبو بكر بن عياش بفتح العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة المقري، و أبو حصين بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين اسمه عثمان بن عاصم الأسدي، وأبو مريم عبد الله بن زياد بكسر الزاي وتخفيف الياء آخر الحروف الأسدي الكوفي، وثقه العجلي والدارقطني، وما له في البخاري إلا هذا الحديث.
204

قوله: لما سار طلحة هو ابن عبيد الله أحد العشرة والزبير هو ابن العوام أحد العشرة، وعائشة أم المؤمنين، رضي الله تعالى عنهم، وأصل ذلك أن عائشة كانت بمكة لما قتل عثمان ولما بلغها الخبر قامت في الناس تحضهم على القيام بطلب دم عثمان، وطاوعوها على ذلك واتفق رأيهم في التوجه إلى البصرة ثم خرجوا في سنة ست وثلاثين في ألف من الفرسان من أهل مكة والمدينة، وتلاحق بهم آخرون فصاروا إلى ثلاثين ألفا، وكانت عائشة على جمل اسمه عسكر اشتراه يعلى بن أمية رجل من عرينة بمائتي دينار فدفعه إلى عائشة، وكان علي، رضي الله تعالى عنه، بالمدينة ولما بلغه الخبر خرج في أربعة آلاف فيهم أربعمائة ممن بايعوا تحت الشجرة وثمانمائة من الأنصار، وهو الذي ذكره البخاري: بعث علي عمار بن ياسر وابنه الحسن فقدما الكوفة فصعدا المنبر يعني عمارا والحسن صعدا منبر جامع الكوفة، فكان الحسن بن علي فوق المنبر لأنه ابن الخليفة وابن بنت رسول الله صلى الله تعالى وآله وسلم. قوله: فسمعت عمارا القائل أبو مريم الراوي يقول: سمعت عمارا يقول: إن عائشة قد سارت إلى البصرة، والله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة أراد بذلك عمار، رضي الله تعالى عنه، أن الصواب مع علي، وإن صدرت هذه الحركة عن عائشة فإنها بذلك لم تخرج عن الإسلام ولا عن كونها زوجة النبي في الجنة، ولكن الله ابتلاكم ليعلم على صيغة المجهول أي: ليميز. قوله: إياه الضمير يرجع إلى علي. قوله: أم هي أي: أم تطيعون هي، يعني: عائشة ووقع في رواية ابن أبي شيبة من طريق بشر بن عطية عن عبد الله بن زياد قال: قال عمار: إن أمنا سارت مسيرها هذا وإنها والله زوج محمد في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلانا بها ليعلم إياه نطيع أو إياها. انتهى. إنما قال هي، وكان المناسب أن يقول إياها، لأن الضمائر يقوم بعضها مقام البعض، والذي يفهم من كلام الشراح أن قوله: ليعلم، على بناء المعلوم فلذلك قال الكرماني: فإن قلت: إن الله تعالى عالم أبدا وأزلا وما هو كائن وسيكون. قلت: المراد به العلم الوقوعي أو تعلق العلم أو إطلاقه على سبيل المجاز عن التمييز، لأن التمييز لازم للعلم. انتهى. ثم إن وقوع الحرب بين الطائفتين كان في النصف من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، ولما تواثب الفريقان بعد استقرارهم في البصرة، وقد كان مع علي نحو عشرين ألفا ومع عائشة نحو ثلاثين ألفا كانت الغلبة لعسكر علي. وقال الزهري: ما شوهدت وقعة مثلها فني فيها الكماة، من فرسان مضر، فهرب ابن الزبير فقتل بوادي السباع وجاء طلحة سهم غرب فحملوه إلى البصرة ومات، وحكى سيف عن محمد وطلحة قالا: كان قتلى الجمل عشرة آلاف نصفهم من أصحاب علي ونصفهم من أصحاب عائشة، وقيل: قتل من أصحاب عائشة ثمانية آلاف وقيل ثلاثة عشر ألفا ومن أصحاب علي ألف، وقيل: من أهل البصرة عشرة آلاف ومن أهل الكوفة خمسة آلاف، وقيل: سبعون شيخا من بني عدي كلهم قراء القرآن سوى الشباب.
((باب))
للإسماعيلي وسقط في رواية الباقين لأن فيه الحديث الذي قبله، وإن كان فيه زيادة في القصة.
7101 حدثنا أبو نعيم، حدثنا ابن أبي غنية، عن الحكم، عن أبي وائل: قام عمار على منبر الكوفة فذكر عائشة وذكر مسيرها وقال: إنها زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، ولاكنها مما ابتليتم.
انظر الحديث 3772 وطرفه
أبو نعيم الفضل بن دكين وابن أبي غنية بفتح الغين المعجمة وكسر النون وتشديد الياء آخر الحروف وهو عبد الملك بن حميد الكوفي أصله من أصفهان وليس له في البخاري إلا هذا الحديث، والحكم بفتحتين هو ابن عتيبة مصغر عتبة الدار وأبو وائل شقيق بن سلمة.
قوله: قام عمار على منبر الكوفة هذا طرف من الحديث الذي قبله، وأراد البخاري بإيراده
205

تقوية حديث أبي مريم لكونه مما انفرد به أبو حصين. ولكنها أي: ولكن عائشة. قوله: مما ابتليتم على صيغة المجهول أي: امتحنتم بها.
7102، 7103، 7104 حدثنا بدل بن المحبر، حدثنا شعبة، أخبرني عمر و، سمعت أبا وائل يقول: دخل أبو موسى وأبو مسعود على عمار حيث بعثه علي إلى أهل الكوفة يستنفرهم، فقالا: ما رأيناك أتيت أمرا أكره عندنا من إسراعك في هاذا الأمر منذ أسلمت. فقال عمار: ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمرا أكره عندي من إبطائكما عن هاذا الأمر، وكساهما حلة، حلة، ثم راحوا إلى المسجد.
الحديث 7102 طرفه في: 7106 0 الحديث 7103 طرفه في: 7105 0 الحديث 7104 طرفه في: 7107
بدل بفتح الباء الموحدة والدال المهملة ابن المحبر بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة وبالراء من التحبير اليربوعي البصري، وقيل: الواسطي، وهو من أفراده، وعمرو هو ابن مرة بضم الميم وتشديد الراء، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وأبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس، وأبو مسعود عقبة بضم العين المهملة وسكون القاف وبالباء الموحدة ابن عامر البدري الأنصاري.
قوله: حيث بعثه علي وفي رواية الكشميهني: حين بعثه. قوله: يستنفرهم أي: يطلب منهم الخروج لعلي على عائشة، وفي رواية الإسماعيلي: يستنفر أهل الكوفة على أهل البصرة. قوله: فقالا أي: أبو موسى وأبو مسعود. قوله: ما رأيناك الخطاب لعمار، وجعل كل منهم الإبطاء والإسراع عيبا بالنسبة لما يعتقده، والباقي ظاهر. قوله: وكساهما أي: كسى أبو مسعود، والدليل على أن الذي كسى أبو مسعود ما صرح به في الرواية الآتية، وإن كان الضمير المرفوع في: كساهما هاهنا محتملا. قوله: وكان أبو مسعود موسرا جوادا، وقال ابن بطال: كان اجتماعهم عند أبي مسعود في يوم الجمعة، فكسى عمارا حلة ليشهد بها الجمعة لأنه كان في ثياب السفر وهيئة الحرب، فكره أن يشهد الجمعة في تلك الثياب، وكره أن يكسوه بحضرة أبي موسى ولا يكسو أبا موسى، فكسى أبا موسى أيضا، والحلة اسم لثوبين من أي ثوب كان إزارا ورداء. قوله: ثم راحوا إلى المسجد أي: ثم راح عمار وأبو موسى وعقبة إلى مسجد الجامع بالكوفة.
7105، 7106، 7107 حدثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن شقيق بن سلمة قال: كنت جالسا مع أبي مسعود وأبي موسى وعمار، فقال أبو مسعود: ما من أصحابك أحد إلا لو شئت لقلت فيه غيرك، وما رأيت منك شيئا منذ صحبت النبي أعيب عندي من استسراعك في هاذا الأمر. قال عمار: يا أبا مسعود وما رأيت منك ولا من صاحبك هاذا شيئا منذ صحبتما النبي أعيب عندي من إبطائكما في هاذا الأمر، فقال أبو مسعود وكان موسرا يا غلام هات حلتين، فأعطاى إحداهما أبا موساى والأخراى عمارا، وقال: روحا فيه إلى الجمعة.
انظر الأحاديث: 7102 و 7103 و 7104
عبدان لقب عبد الله بن عثمان، وأبو حمزة بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون، والأعمش سليمان، وشقيق بن سلمة أبو وائل.
قوله: لقلت فيه أي: لقدحت فيه بوجه من الوجوه. قوله: أعيب أفعل التفضيل من العيب، وفيه رد على النحاة حيث قالوا: أفعل التفضيل من الألوان والعيوب لا يستعمل من لفظه، قال الكرماني: الإبطاء فيه كيف يكون عيبا؟. قلت: لأنه تأخر عن مقتضى * (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) *
19
((باب إذا أنزل الله بقوم عذابا))
أي: هذا باب يذكر فيه إذا أنزل الله بقوم عذابا، وجواب: إذا، محذوف اكتفى به بما ذكر في الحديث.
7108 حدثنا عبد الله بن عثمان، أخبرنا عبد الله، أخبرنا يونس، عن الزهري أخبرني حمزة
206

بن عبد الله بن عمر أنه سمع ابن عمر، رضي الله عنهما، يقول: قال رسول الله إذا أنزل الله بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على أعمالهم
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الله بن عثمان هو عبدان المذكور فيما قبل الباب، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، ويونس هو ابن يزيد، والزهري محمد بن مسلم، وحمزة بن عبد الله يروي عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب.
والحديث أخرجه مسلم في صفة النار عن حرملة.
قوله: من كان فيهم كلمة: من من صيغ العموم يعني: يصيب الصالحين منهم أيضا، لكن يبعثون يوم القيامة على حسب أعمالهم فيثاب الصالح بذلك لأنه كان تمحيصا له، ويعاقب غيره.
20
((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي: (إن ابني هذا لسيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)))
أي: هذا باب قول النبي الخ قوله: لسيد اللام فيه للتأكيد. وفي رواية المروزي والكشميهني: سيد، بغير لام.
7109 حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، حدثنا إسرائيل أبو موساى ولقيته بالكوفة وجاء إلى ابن شبرمة: فقال: أدخلني على عيساى فأعظه، فكأن ابن شبرمة خاف عليه فلم يفعل قال: حدثنا الحسن قال: لما سار الحسن بن علي، رضي الله عنهما، إلى معاوية بالكتائب قال عمرو بن العاص لمعاوية: أراى كتيبة لا تولي حتى تدبر أخراها، قال معاوية: من لذراري المسلمين؟ فقال: أنا. فقال عبد الله بن عامر وعبد الرحمان بن سمرة: نلقاه فنقول له الصلح.
قال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة قال: بينا النبي يخطب جاء الحسن فقال النبي إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعلي بن عبد الله بن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وإسرائيل هو ابن موسى وكنيته أبو موسى وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه، وهو بصري كان يسافر في التجارة إلى الهند وأقام بها مدة.
قيته بالكوفة قائل هذا سفيان والجملة حالية. قوله: وجاء ابن شبرمة هو عبد الله قاضي الكوفة في خلافة أبي جعفر المنصور، ومات في زمنه سنة أربع وأربعين ومائة، وكان صارما عفيفا ثقة فقيها. قوله: أدخلني على عيسى فأعظه عيسى هو ابن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ابن أخي المنصور، وكان أميرا على الكوفة إذ ذاك، و: أعظه بفتح الهمزة وكسر العين المهملة وفتح الظاء المعجمة من الوعظ. فكأن بالتشديد أي: فكان ابن شبرمة خاف عليه أي: على إسرائيل فلم يفعل أي: فلم يدخله على عيسى بن موسى، ولعل سبب خوفه عليه أنه كان ناطقا بالحق فخشي أن لا يتلطف بعيسى فيبطش به لما عنده من عزة الشباب وعزة الملك. وفيه: دلالة على أن من خاف على نفسه سقط عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قوله: بالكتائب جمع كتيبة على وزن عظيمة وهي طائفة من الجيش تجمع وهي فعيلة بمعنى مفعولة لأن أمير الجيش إذا رتبهم وجعل كل طائفة على حدة كتبهم في ديوانه. قوله: لا تولي بالتشديد أي: لا تدبر أخراها أي: الكتيبة التي لخصومهم. قوله: قال معاوية: من لذراري المسلمين؟ أي: من يتكفل لهم حينئذ؟ والذراري بالتشديد والتخفيف جمع ذرية. قوله: فقال عبد الله بن عامر بن كريز مصغر الكرز بالراء والزاي العبشمي، وعبد الرحمان بن سمرة نلقاه أي: نجتمع به ونقول له نحن نطلب الصلح، وهذا ظاهره أنهما بدأ بذلك والذي تقدم في كتاب الصلح أن معاوية هو الذي بعثهما فيمكن الجمع بأنهما عرضا أنفسهما فوافقهما، وآخر الأمر وقع
207

الصلح فقيل: في سنة أربعين، وقيل: في سنة إحدى وأربعين، والأصح أنه تم في هذه السنة ولهذا كان يقال له: عام الجماعة، لاجتماع الكلمة فيه على معاوية.
قوله: قال الحسن أي: البصري وهو موصول بالسند المتقدم. قوله: ولقد سمعت أبا بكرة هو نفيع بن الحارث الثقفي، وفيه تصريح بسماع الحسن عن أبي بكرة. قوله: ابني هذا أطلق الابن على ابن البنت. قوله: ولعل الله استعمل: لعل، استعمال عسى لاشتراكهما في الرجاء، والأشهر في خبر لعل بغير: أن، كقوله تعالى: * (ياأيها النبى إذا طلقتم النسآء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) * قوله: فئتين زاد عبد الله بن محمد في روايته: عظيمتين، وحديث الحسن هذا قد مضى في كتاب الصلح بأتم منه.
وفيه من الفوائد: علم من أعلام النبوة، ومنقبة للحسن بن علي لأنه ترك الخلافة لا لعلة ولا لذلة ولا لقلة بل لحقن دماء المسلمين. وفيه: ولاية المفضول الخلافة مع وجود الأفضل لأن الحسن ومعاوية ولي كل منهما الخلافة، وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد في الحياة، وهما بدريان، قاله ابن التين. وفيه: جواز خلع الخليفة نفسه إذا رأى في ذلك صلاحا للمسلمين. وجواز أخذ المال على ذلك وإعطائه بعد استيفاء شرائطه بأن يكون المنزول له أولى من النازل، وأن يكون المبذول من مال الباذل.
7110 حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان قال: قال عمر و: أخبرني محمد بن علي أن حرملة مولى أسامة أخبره قال عمر و: وقد رأيت حرملة قال: أرسلني أسامة إلى علي وقال: إنه سيسألك الآن فيقول ما خلف صاحبك؟ فقل له: يقول لك: لو كنت في شدق الأسد لأحببت أن أكون معك فيه، ولاكن هذا أمر لم أره فلم يعطني شيئا، فذهبت إلى حسن وحسين وابن جعفر فأوقروا إلي راحلتي.
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ من قوله: فذهبت إلى حسن وحسين إلى آخره. فإن فيه دلالة على غاية كرم الحسن وسيادته لأن الكريم يصلح أن يكون سيدا.
وأخرجه عن علي بن عبد الله بن المديني عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي بن الحسين بن علي أبي جعفر الباقر عن حرملة مولى أسامة بن زيد.
وفي هذا السند ثلاثة من التابعين في نسق عمرو وأبو جعفر وحرملة. وهذا الحديث من أفراده.
قوله: أرسلني أسامة إلى علي أي: من المدينة إلى علي وهو بالكوفة، ولم يذكر مضمون الرسالة، ولكن قوله: فلم يعطني شيئا دل على أنه كان أرسله يسأل عليا شيئا من المال. قوله: وقال: إنه أي: وقال أسامة لحرملة: إنه أي: عليا سيسألك الآن فيقول: ما خلف صاحبك؟ أي: ما السبب في تخلفه عن مساعدتي. قوله: فقل له أي لعلي: يقول لك أسامة: لو كنت في شدقه الأسد لأحببت أن أكون معك فيه أي: في شدق الأسد، وهو بكسر الشين المعجمة ويجوز فتحها وسكون الدال المهملة وبالقاف، وهو جانب الفم من داخل، ولكل فم شدقان إليهما ينتهي شدقه الفم، وهذا الكلام كناية عن الموافقة في حالة الموت لأن الذي يفترسه الأسد بحيث يجعله في شدقه في عداد من هلك. قوله: ولكن هذا أمر لم أره يعني: قتال المسلمين، وكان قد تخلف لأجل كراهته قتال المسلمين، وسببه أنه لما قتل مرداسا وعاتبه النبي على ذلك قرر على نفسه أن لا يقاتل مسلما. قوله: فلم يعطني شيئا هذه الفاء فاء الفصيحة، والتقدير: فذهبت إلى علي، رضي الله تعالى عنه، فبلغته ذلك فلم يعطني شيئا. قوله: فأوقروا إلي راحلتي أي: حملوا إلي على راحلتي ما أطاقت حمله، ولم يعين جنس ما أعطوه ولا نوعه، والراحلة الناقة التي صلحت للركوب من الإبل ذكرا كان أو أنثى، وأكثر ما يطلق الوقر بكسر الواو على ما يحمل البغل والحمار، وأما حمل البعير فيقال له: الوسق.
21
((باب إذا قال عند قوم شيئا ثم خرج فقال بخلافه))
أي: هذا باب يذكر فيه إذا قال أحد عند قوم شيئا ثم خرج من عندهم فقال بخلاف ما قاله. وفي التوضيح معنى الترجمة إنما هو في خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية
ورجوعهم عن بيعته، وما قالوا له، وقالوا بغير حضرته خلاف ما قالوا بحضرته.
7111 حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع قال: لما خلع أهل
208

المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده، إني سمعت النبي يقول ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة وإنا قد بايعنا هاذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني لا أعلم غدرا أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله، ثم ينصب له القتال، وإني لا أعلم أحدا منكم خلعه ولا بايع في هاذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه
مطابقته للترجمة من حيث إن في القول في الغيبة بخلاف ما في الحضور نوع غدر.
وأيوب هو السختياني. والحديث، مضى في الجزية. وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي الربيع.
قوله: حشمه أي: خاصته الذين يغضبون له. قوله: لكل غادر من الغدر وهو ترك الوفاء بالعهد. قوله: لواء أي: راية. قوله: وإنا قد بايعنا هذا الرجل أي: يزيد. قوله: على بيع الله ورسوله أي: على شرط ما أمر الله به من البيعة. قوله: من أن يبايع من المبايعة وأصله: من البيعة، وهي الصفقة من البيع وذلك أن من بايع سلطانه فقد أعطاه الطاعة وأخذ منه العطية، فأشبهت البيع الذي فيه المعاوضة من أخذ وعطاء. قوله: ثم ينصب له القتال بفتح أوله وفي رواية مؤمل: نصب له القتال. قوله: ولا أعلم أحدا منكم خلعه أي: يزيد عن الخلافة ولم يبايعه فيها. قوله: ولا تابع بالتاء المثناة من فوق، كذا قاله الكرماني. قلت: هذا قول الأكثرين، وفي رواية الكشميهني ولا بايع، بالباء الموحدة وبالياء آخر الحروف. قوله: إلا كانت الفيصل إنما أنث: كانت، باعتبار الخلعة والمتابعة، ويروى: إلا كان، بالتذكير وهو الأصل، والفيصل بفتح الصاد الحاجز والفارق والقطاع، وقيل: هو بمعنى القطع والياء فيه زائدة لأنه من الفصل، وهو القطع يقال: فصل الشيء قطعه.
7112 حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا أبو شهاب، عن عوف عن أبي المنهال قال: لما كان ابن زياد ومروان بالشأم ووثب ابن الزبير بمكة ووثب القراء بالبصرة فانطلقت مع أبي إلى أبي برزة الأسلمي حتى دخلنا عليه في داره وهو جالس في ظل علية له من قصب، فجلسنا إليه فأنشأ أبي يستطعمه الحديث، فقال: يا أبا برزة ألا ترى ما وقع فيه الناس؟ فأول شيء سمعته تكلم به: إني احتسبت عند الله أني أصبحت ساخطا على أحياء قريش، إنكم يا معشر العرب كنتم على الحال الذي علمتم من الذلة والقلة والضلالة، وإن الله أنقذكم بالإسلام وبمحمد حتى بلغ بكم ما ترون، وهاذه الدنيا التي أفسدت بينكم، إن ذاك الذي بالشأم والله إن يقاتل إلا على الدنيا، وإن هؤلاء الذين بين أظهركم والله إن يقاتلون إلا على الدنيا.
(الحديث 7112 طرفه في: 7271
مطابقته للترجمة من حيث إن الذي عليهم أبو برزة كانوا يظهرون أنهم يقاتلون لأجل القيام بأمر الدين ونصر الحق، وكانوا في الباطن إنما يقاتلون لأجل الدنيا.
وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس أبو عبد الله التميمي اليربوعي الكوفي وهو شيخ مسلم أيضا، وأبو شهاب هو عبد ربه بن نافع المدايني الحناط بالحاء المهملة والنون وهو أبو شهاب الأصغر، وعوف بالفاء المشهور بالأعرابي، وأبو المنهال بكسر الميم وسكون النون سيار بن سلامة.
قوله: لما كان ابن زياد بكسر الزاي وتخفيف الياء آخر الحروف ابن أبي سفيان الأموي بالاستلحاق، ومروان هو ابن الحكم بن أبي العاص ابن عم عثمان، رضي الله تعالى عنه، قوله: وثب ابن الزبير الواو فيه للحال أي: وثب على الخلافة عبد الله بن الزبير، ظاهر الكلام أن وثوب ابن الزبير وقع بعد قيام ابن زياد ومروان بالشام، وليس كذلك، وإنما وقع في الكلام حذف وتحريره ما وقع عند الإسماعيلي من طريق يزيد بن زريع عن عوف قال: حدثنا أبو المنهال قال: لما كان زمن خروج ابن زياد يعنى من البصرة وثب مروان بالشام ووثب ابن الزبير بمكة ووثب الذين يدعون القراء بالبصرة، غم أبي غما شديدا، وتصحيح ما وقع في رواية ابن شهاب بأن يزاد
209

واو قبل قوله: وثب ابن الزبير، بأن ابن زياد لما أخرج من البصرة توجه إلى الشام فقام مع مروان. قلت: فلذلك وقع الواو في بعض النسخ قبل قوله: وثب ابن الزبير، ووقع في بعض النسخ بدون زيادة الواو. فإن قلت: ما جواب: لما، في قوله: لما كان ابن زياد ومروان بالشام؟. قلت: على عدم زيادة الواو هو قوله: وثب وعلى تقدير الواو يكون الجواب قوله: فانطلقت مع أبي والفاء يدخل في جوابه كقوله تعالى: * (وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بئاياتنآ إلا كل ختار كفور) * قوله: ووثب القراء بالبصرة والقراء جمع قارىء وهم طائفة سموا أنفسهم توابين لتوبتهم وندامتهم على ترك مساعدة الحسين، رضي الله تعالى عنه، وكان أميرهم سليمان بن صرد بضم الصاد المهملة وفتح الراء الخزاعي كان فاضلا قارئا عابدا، وكان دعواهم: إنا، نطلب دم الحسين ولا نريد الإثارة، غلبوا على البصرة ونواحيها وهذا كله عند موت معاوية بن يزيد بن معاوية. قوله: فانطلقت مع أبي قائله أبو المنهال، وأبو سلامة الرياحي. قوله: إلى أبي برزة بفتح الباء الموحدة وإسكان الراء وبالزاي واسمه نضلة بفتح النون وسكون الضاد المعجمة الأسلمي الصحابي غزا خراسان فمات بها. قوله: هو جالس الواو فيه للحال. قوله: في ظل علية بضم العين المهملة وكسرها وتشديد اللام والياء آخر الحروف وهي الغرفة ويجمع على علالي وأصل علية عليوة فأبدلت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء. قوله: فأنشأ أبي أي: جعل أبي يستطعمه الحديث أي: يستفتحه ويطلب منه التحديث. قوله: فقال: يا با برزة فحذفت الألف للتخفيف. قوله: إني احتسبت عند الله أي: تقربت إليه، وفي رواية الكشميهني: احتسب، قيل معناه أنه يطلب بسخطه على الطوائف المذكورين من الله الأجر على ذلك لأن الحب في الله والبغض في الله من الإيمان. قوله: ساخطا حال، ويروى: لائما. قوله: على أحياء قريش أي: على قبائلهم. قوله: إنكم معشر العرب وفي رواية ابن المبارك: العريب. قوله: كنتم على الحال الذي علمتم وفي رواية يزيد بن زريع: على الحال التي كنتم عليها في جاهليتكم. قوله: حتى بلغ بكم ما ترون أي: من العزة والكثرة والهداية. قوله: إن ذاك الذي بالشام يعني: مروان بن الحكم والله إن يقاتل أي: ما يقاتل إلا على الدنيا
وإن ذاك الذي بمكة والله إن يقاتل إلا على الدنيا، وإن هاؤلاء الذين بين أظهركم والله إن يقاتلون إلا على الدنيا.
هذا أيضا من جملة كلام أبي برزة، ولا يوجد إلا في بعض النسخ. قوله: وإن ذاك الذي بمكة أراد به عبد الله بن الزبير. قوله: وإن هؤلاء الذين بين أظهركم أراد بهم القراء، توضحه رواية ابن المبارك: إن الذين حولكم الذين يزعمون أنهم قراؤهم. قوله: إن بكسر الهمزة وسكون النون بعد قوله: والله كلمة النفي.
7113 حدثنا آدم بن أبي إياس، حدثنا شعبة، عن واصل الأحدب، عن أبي وائل، عن حذيفة بن اليمان قال: إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون.
مطابقته للترجمة من حيث إن جهرهم بالنفاق وشهر السلاح على الناس بخلاف ما بذلوه من الطاعة حين بايعوا أولا.
وواصل هو ابن حيان بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف الأسدي الكوفي، يقال له: بياع السابري، بضم الباء الموحدة، وأبو وائل هو شقيق بن سلمة.
والحديث أخرجه النسائي في التفسير عن إسحاق بن إبراهيم.
قوله: على عهد النبي يتعلق بمقدر وهو نحو تاءين إذ لا يجوز أن يقال: هو متعلق بالضمير القائم مقام المنافقين، إذا الضمير لا يعمل. قيل: إنما كان شرا لأن سرهم لا يتعدى إلى غيرهم، وقال ابن التين: أراد أنهم أظهروا من السر ما لم يظهر أولئك فإنهم لم يصرحوا بالكفر، وإنما هو التفث يلقونه بأفواههم فكانوا يعرفون به.
7114 حدثنا خلاد، حدثنا مسعر، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الشعثاء، عن حذيفة قال: إنما كان النفاق على عهد النبي فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان.
210

مطابقته للترجمة من حيث إن المنافق في هذا اليوم قال بكلمة الإسلام بعد أن ولد فيه وعلى فطرته، ثم أظهر كفرا فصار مرتدا فدخل في الترجمة من جهة قوليه المختلفين.
وخلاد بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام وبالدال المهملة ابن يحيى بن صفوان أبو محمد السلمي الكوفي سكن مكة، ومسعر بكسر الميم وسكون السين المهملة ابن كدام الكوفي، وحبيب ضد العدو واسم أبي ثابت قيس بن دينار الكوفي، وأبو الشعثاء بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة وبالثاء المثلثة مؤنث الأشعث واسمه سليم مصغر سلم ابن أسود المحاربي. قيل: ليس في الكتب الستة لأبي الشعثاء عن حذيفة إلا هذا الحديث معنعنا.
قوله: إنما كان النفاق أي: موجودا على عهد النبي قوله: فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية: فإنما هو الكفر أو الإيمان وكذا حكى الحميدي في جمعه أنهما روايتان. قوله: إنما هو الكفر لأن المسلم إذا أبطن الكفر صار مرتدا، هذا ظاهره، لكن قيل: غرضه أن التخلف عن بيعة الإمام جاهلية، ولا جاهلية في الإسلام، أو هو تفرق وقال تعالى: * (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعدآء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذالك يبين الله لكم ءاياته لعلكم تهتدون) * وهو غير مستور اليوم فهو الكفر بعد الإيمان.
22
((باب لا تقوم الساعة حتى يغبط أهل القبور))
أي: هذا باب فيه لا تقوم الساعة حتى يغبط على صيغة المجهول، الغبطة تمني مثل حال المغبوط من غير إرادة زوالها عنه بخلاف الحسد فإن الحاسد يتمنى زوال نعمة المحسود. تقول: غبطته أغبطه غبطا وغبطة، وتغبيط أهل القبور تمني الموت عند ظهور الفتن إنما هو لخوف ذهاب الدين لغلبة الباطل وأهله وظهور المعاصي والمنكر.
7115 حدثنا إسماعيل، حدثني مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة عن النبي قال: لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسماعيل بن أبي أويس اسمه عبد الله، وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز.
والحديث أخرجه مسلم في الفتن عن قتيبة. قوله: يا ليتني مكانه يعني: يا ليتني كنت ميتا، وقد مر الوجه في ذلك الآن. وعن ابن مسعود قال: سيأتي عليكم زمان لو وجد أحدكم فيه الموت يباع لاشتراه.
23
((باب تغيير الزمان حتى يعبدوا الأوثان))
أي: هذا باب في بيان تغيير الزمان عن حاله الأول. قوله: حتى يعبدوا الأوثان، وسقوط النون فيه من غير جازم لغة، ويروى: حتى تعبد الأوثان، وهو جمع وثن، وهو كل ما له جثة معمولة من جواهر الأرض أو من الخشب أو الحجارة كصورة الآدمي يعمل وينصب فيعبد، والصنم الصورة بلا جثة، ومنهم من لم يفرق بينهما.
7116 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: قال سعيد بن المسيب: أخبرني أبو هريرة، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة وذو الخلصة طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية.
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن ذا الخلصة اسم صنم لدوس، وعبادتهم إياها من تغيير الزمان.
وأبو اليمان الحكم بن نافع، وشعيب بن أبي حمزة، والهري محمد بن مسلم. والحديث من أفراده.
قوله: أخبرني أبو هريرة ويروى: إن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، يقول: قوله: حتى تضطرب أي: يضرب بعضها بعضا، وقال ابن التين: فيه الإخبار بأن نساء دوس يركبن الدواب من البلدان إلى الصنم المذكور فهو المراد باضطراب ألياتهن، والألياة بفتح الهمزة واللام جمع ألية وهي العجيزة وجمعها أعجاز. وقال الكرماني: معناه: لا تقوم الساعة حتى تضطرب أي تتحرك أعجاز نسائهم من الطواف حول ذي الخلصة، أي: حتى يكفرن ويرجعن إلى عبادة
الأصنام. قوله: طاغية دوس بفتح الدال قبيلة أبي هريرة
211

وذو الخلصة بفتح الخاء المعجمة وفتح اللام، وقيل بسكونها، وقيل بضمها، وهو موضع ببلاد دوس كان فيه صنم يعبدونه اسمه الخلصة. والطاغية الصنم، ولفظ البخاري يشعر بأن ذا الخلصة هي الطاغية نفسها إلا أن يقال كلمة: فيها، أو كلمة: هي، محذوفة، لكن تقدم في كتاب الجهاد في: باب حرق الدور، بأنه بيت في خثعم تسمى: كعبة اليمانية.
7117 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثني سليمان عن ثور عن أبي الغيث، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه
انظر الحديث 3517
مطابقته للترجمة من حيث إن سوق رجل من قحطان الناس بعصاه إنما يكون في تغيير الزمان وتبديل أحوال الإسلام، لأن هذا الرجل ليس من رهط الشرف الذين جعل الله فيهم الخلافة، ولا من فخذ النبوة، وبهذا يرد على الإسماعيلي في قوله: هذا ليس من ترجمة الباب في شيء.
وسلميان هو ابن بلال، وثور بلفظ الحيوان المشهور ابن زيد الديلمي، وأبو الغيث بفتح الغين وسكون الياء آخر الحروف اسمه سالم والسند كلهم كوفيون.
والحديث قد مضى في مناقب قريش. وأخرجه مسلم في الفتن عن قتيبة به.
قوله: من قحطان هو قبيلة وهو أبو اليمن، وقال الرشاطي: قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح، وقال القرطبي: قوله: يسوق الناس بعصاه كناية عن غلبته عليهم وانقيادهم له، ولم يرد نفس العصا، وقيل: إنه يسوقهم بعصاه حقيقة كما يساق الإبل والماشية لشدة عنفه على الناس.
24
((باب خروج النار))
أي: هذا باب في خروج النار من أرض الحجاز.
وقال أنس: قال النبي أول أشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب
مطابقته للترجمة ظاهرة. هذا التعليق وصله في إسلام عبد الله بن سلام من طريق حميد عن أنس، ولفظه: وأول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب، ووصله في أحاديث الأنبياء، عليهم السلام، من وجه آخر عن حميد، والأشراط العلامات واحدها شرط بفتحتين، وقال ابن التين: يريد بقوله: أول أشراط الساعة أنها تخرج من اليمن حتى تؤديهم إلى بيت المقدس، فإن قلت: جاء في حديث حذيفة بن أسيد: لا تقوم الساعة حتى تكون عشر... فعدها وعد في الأولى خروج الدجال، وفي آخره، وأخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم، وفي التوضيح وقد جاء في حديث إن النار آخر أشراط الساعة. قلت: يجوز أن يقال: لكل واحد أول لتقارب بعضه من بعض، أو إن الأول أمر نسبي يطلق على ما بعده باعتبار الذي يليه.
7118 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري قال سعيد بن المسيب: أخبرني أبو هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله قال: لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى
مطابقته للترجمة ظاهرة. ورجاله عن قريب ذكروا. والحديث من أفراده.
قوله: قال سعيد بن المسيب وفي رواية أبي نعيم: عن سعيد بن المسيب. قوله: نار من أرض الحجاز قال القرطبي في التذكرة خرجت نار بالحجاز بالمدينة وكان بدؤها زلزلة عظيمة في ليلة الأربعاء بعد العتمة الثالث من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة، واستمرت إلى ضحى النهار يوم الجمعة، فسكنت وظهرت النار بقريظة عند قاع التنعيم بطرف الحرة ترى في صور البلد، العظيم عليها سور محيط بها عليه شراريف كشراريف الحصون وأبراج ومآذن، ويرى رجال يقودونها لا تمر على جبل إلا دكته وأذابته،
212

ويخرج من مجموع ذلك نهر أحمر ونهر أزرق له دوي كدوي الرعد يأخذ الصخور والجبال بين يديه وينتهي إلى محط الركب العراقي، فاجتمع من ذلك ردم صار كالجبل العظيم، وانتهت النار إلى قرب المدينة، ومع ذلك فكان يأتي ببركة النبي المدينة نسيم بارد، وشوهد لهذه النار غليان كغليان البحر وانتهت إلى قرية من قرى اليمن فأحرقتها، وقال بعض أصحابنا: لقد رأيتها صاعدة في الهواء من نحو خمسة أيام من المدينة، وسمعت أنها رئيت من مكة ومن جبال بصرى. وقال النووي: تواتر العلم بخروج هذه النار عند جميع أهل الشام، وقال أبو شامة في ذيل الروضتين وردت في أوائل شعبان سنة أربع وخمسين كتب من المدينة فيها شرح أمر عظيم حدث بها، فيه تصديق لما في الصحيحين فذكر هذا الحديث. وفي بعض الكتب: ظهر في أول جمعة من جمادى الآخرة في شرقي المدينة نار عظيمة، بينها وبين المدينة نصف يوم، انفجرت من الأرض وسال منها واد من نار حتى حاذى جبل أحد، وفي كتاب آخر: سال منها واد مقداره أربعة فراسخ وعرضه أربعة أميال يجري على وجه الأرض يخرج منها مهاد وجبال صغار، وفي كتاب آخر: ظهر ضوؤها إلى أن رأوها من مكة. قوله: تضيء أعناق الإبل تضيء فعل وفاعل. وأعناق الإبل مفعوله. وتضئ يأتي لازما ومتعديا. قوله: ببصرى بضم الباء الموحدة وإسكان الصاد المهملة وبالراء مقصورا مدينة معروفة، وهي مدينة حوران بينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل.
7119 حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي، حدثنا عقبة بن خالد، حدثنا عبيد الله عن خبيب بن عبد الرحمان، عن جده حفص بن عاصم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا
قال عقبة: وحدثنا عبيد الله حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي مثله إلا أنه قال: يحسر عن جبل من ذهب
مطابقته للترجمة من حيث إنه ذكر عقيب الحديث السابق، وبنيهما مناسبة في كون كل منهما من أشراط الساعة. والمناسب للشيء مناسب لذلك الشيء.
وشيخه عبد الله بن سعيد هو أبو سعيد الأشج مشهور بكنيته وصفته وهو من الطبقة الوسطى الثالثة من شيوخ البخاري وعاش بعد البخاري سنة واحدة ومات سنة سبع وخمسين ومائتين، وعقبة بالقاف ابن خالد الكوفي، وعبد الله هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنهم، المشهور بالعمري، وخبيب بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة ابن عبد الرحمان بن خبيب بن يساف الأنصاري.
والحديث أخرجه مسلم في الفتن عن سهل بن عثمان عن عقبة. وأخرجه أبو داود في الملاحم والترمذي في صفة الجنة جميعا عن أبي سعيد عن عبد الله بن سعيد بن الأشج به.
قوله: عن جده حفص بن عاصم أي: ابن عمر بن الخطاب، والضمير لعبيد الله بن عمر لا لشيخه. قوله: يوشك أي: يقرب وهو بكسر الشين المعجمة. قوله: الفرات نهر مشهور بالتاء المجرورة وقيل: يجوز أن يكتب بالهاء كالتابوت والتابوه والعنكبوت والعنكبوه. قوله: أن يحسر بفتح أوله وسكون الحاء المهملة وكسر السين المهملة وفتحها أي: ينكشف عن الكنز لذهاب مائه وهو لازم ومتعد. قوله: فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا هذا يشعر بأن الأخذ منه ممكن بأن يكون دنانير أو قطعا أو تبرا، ولكن وجه منع الأخذ لأنه مستعقب للبليات، وهو آية من الآيات. وقال ابن التين: إنما نهى عن الأخذ منه لأنه للمسلمين فلا يؤخذ إلا بحقه. واعترض عليه بأنه غير ظاهر، وإنما النهي لما ينشأ عن أخذه من الفتنة والقتال عليه. وأخرج مسلم من حديث أبي بن كعب: سمعت رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، يقول: يوشك أن يحسر الفرات عن جبل من ذهب، فإذا سمع الناس ساروا إليه فيقتلون عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون. فإن قلت: وقع عند ابن ماجة فيه: فيقتل من كل عشرة تسعة. قلت: هذه رواية شاذة، والمحفوظ رواية مسلم، ويمكن الجمع باختلاف تقسيم الناس إلى طائفتين.
قوله: قال عقبة هو ابن
213

خالد المذكور وهو موصول بالسند المذكور. حدثنا عبيد الله هو العمري المذكور، وأشار بهذا إلى أن لعبيد الله المذكور إسنادين. أحدهما فيه: عن كنز من ذهب والآخر: عن جبل من ذهب، رواه عبيد الله عن أبي الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمان بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة.
25
((باب))
أي: هذا باب وهو كالفصل لما قبله ووقع بلا ترجمة عند جميع الرواة وسقط من شرح ابن بطال، وذكر أحاديثه في الباب الذي قبله.
7120 حدثنا مسدد، حدثنا يحياى، عن شعبة، حدثنا معبد سمعت حارثة بن وهب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تصدقوا فسيأتي على الناس زمان يمشي الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها
قال مسدد: حارثة أخو عبيد الله بن عمر لأمه، قاله أبو عبد الله.
انظر الحديث 1411 وطرفه
لما كان هذا الباب المجرد كالفصل كانت أحاديثه ملحقة بالباب المترجم الذي قبله، والمطابقة بينهما ظاهرة.
و يحيى هو ابن سعيد القطان، و معبد بفتح الميم وسكون العين وفتح الباء الموحدة ابن خالد بن العاص، وحارثة بالحاء المهملة وبالثاء المثلثة ابن وهب الخزاعي يعد في الكوفيين.
والحديث مضى في الزكاة عن علي. وأخرجه مسلم فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة، وغيره.
قوله: فلا يجد من يقبلها لكثرة الأموال وقلة الرغبات للعلم بقرب قيام الساعة وقصر الآمال.
قوله: أخو عبيد الله لأمه هي أم كلثوم بنت جرول بن مالك بن المسيب بن ربيعة بن أصرم الخزاعية، ذكرها ابن سعد قال: وكان الإسلام فرق بينها وبين عمر، قوله: قاله أبو عبد الله ليس بمذكور في أكثر النسخ، وأبو عبد الله هو البخاري نفسه.
7121 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد عن عبد الرحمان، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعوتهما واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله وحتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل، وحتى يكثر فيكم المال، فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي به، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا اطلعت ورآها الناس يعني آمنوا أجمعون فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرا، ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها.
هذا الإسناد بهؤلاء الرجال قد تكرر جدا قربا وبعدا.
وأبو اليمان الحكم بن نافع، وشعيب بن أبي حمزة، وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان، وعبد الرحمان هو ابن هرمز الأعرج. والحديث من أفراده.
قوله: فئتان عظيمتان قال الكرماني: طائفتان: علي ومعاوية، وعن ابن منده أخرجه ابن عساكر في ترجمة معاوية من طريقه، ثم من طريق أبي القاسم ابن أخي
214

أبي زرعة الرازي قال: جاء رجل إلى عمي فقال له: إني أبغض معاوية، قال: لم؟ قال: لأنه قاتل عليا بغير حق، فقال له أبو زرعة: رب معاوية رب رحيم وخصم معاوية خصم كريم فما دخولك بينهما؟ وقيل: الفئتان الخوارج وعلي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه. قوله: دعوتهما واحدة أي: يدعيان الإسلام ويتأول كل منهما أنه محق. قوله: حتى يبعث أي: حتى يظهر دجالون جمع دجال أي خلاطون بين الحق والباطل مموهون، والفرق بينهم وبين الدجال الأكبر أنهم يدعون النبوة وهو يدعي الإلاهية لكنهم كلهم مشتركون في التمويه وادعاء الباطل العظيم، وقد وجد كثير منهم فضحهم الله وأهلكهم. قوله: قريب مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: عددهم قريب. قال الكرماني: أو منصوب مكتوب بلا ألف على اللغة الربيعية، وقد وقع في حديث ثوبان بالجزم: أنهم ثلاثون، وهو: سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي. أخرجه أبو داود والترمذي وصححه ابن حبان، وروى أبو يعلى من حديث عبد الله بن عمرو: بين يدي الساعة ثلاثون دجالا كذابا، وكذا رواه أحمد من حديث علي، رضي الله عنه، والطبراني من حديث ابن مسعود، وروى أحمد والطبراني من حديث سمرة المصدر بالكسوف، وفيه: ولا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا آخرهم الأعور الدجال، وروى الطبراني من حديث عبد الله بن عمر ولا تقوم الساعة حتى يخرج سبعون كذابا، وسنده ضعيف، وكذا عن أبي يعلى من حديث أنس، وهو أيضا ضعيف، وهو وإن ثبت فمحمول على المبالغة في الكثرة لا على التحديد. وروى أحمد بسند جيد عن حذيفة: يكون في أمتي دجالون كذابون سبعة وعشرون، منهم أربع نسوة وإني خاتم النبيين ولا نبي بعدي. قوله: وكلهم يزعم أنه رسول الله ظاهره يدل على أن كلا منهم يدعي النبوة، وهذا هو السر في قوله: ويقبض العلم يعني: يقبض العلماء، وقد تقدم في كتاب العلم: من أشراط الساعة أن يرفع العلم، وفي رواية: أن يقل العلم. قوله: وتكثر الزلازل وقد استمرت الزلزلة في بلدة من بلاد الروم التي هي للمسلمين ثلاثة عشر شهرا. قوله: ويتقارب الزمان أي: أهله بأن يكون كلهم جهالا، ويحتمل الحمل على الحقيقة بأن يعتدل الليل والنهار دائما، وذلك بأن تنطبق منطقة البروج على معدل النهار. قوله: حتى يكثر فيكم المال إشارة إلى ما وقع من الفتوح واقتسامهم أموال الفرس والروم في زمن الصحابة. قوله: فيفيض من الفيضان وهو أن يكثر حتى يسيل كالوادي، وهذا إشارة إلى ما وقع في زمن عمر بن عبد العزيز لأنه وقع في زمنه أن الرجل كان يعرض ماله للصدقة فلا يجد من يقبل صدقته. قوله: حتى يهم بضم الياء وكسر الهاء قال ابن بطال: رب هو مفعول، و: من يقبل، فاعله، ويهمه أي: يحزنه. وقال النووي بضم الياء وكسر الهاء وبفتح الياء وضم الهاء وحينئذ يكون: رب، فاعلا. أي: يقصده. قوله: من يقبل قال الكرماني: ظاهره أن يقال من لا يقبل. قلت: يريد به من شأنه أن يكون قابلا لها قوله: لا أرب بفتحتين أي: لا حاجة لي به، وهذا إشارة إلى ما سيقع في زمن عيسى عليه السلام. قوله: به للمبالغة. قوله: لقحته بكسر اللام القريبة العهد بالولادة والناقة الحلوب. قوله: فلا يطعمه أي: فلا يشربه. قوله: هو يليط يقال لاط ويليط إذ طينه وأصلحه وألصقه. يقال: لاط حبه بقلبي يليط ويلوط ليطا ولوطا ولياطة، وقال الجوهري: لطت الحوض بالطين ألواطه لوطا أي: طينته. وقال الهروي: كل شيء لصق بشيء فقد لاط به يلوط لوطا ويليط أيضا. قوله: أكلته بضم الهمزة وهي اللقمة، وبفتحها المرة الواحدة. إلى فيه أي: إلى فمه.
26
((باب ذكر الدجال))
أي: هذا باب في بيان ذكر الدجال، وقد مضى الكلام فيه عن قريب.
7122 حدثنا مسدد، حدثنا يحياى، حدثنا إسماعيل، حدثني قيس قال: قال لي المغيرة بن شعبة: ما سأل أحد النبي عن الدجال ما سألته، وإنه قال لي: ما يضرك منه؟ قلت لأنهم يقولون إن معه جبل خبز ونهر ماء، قال: هو أهون على الله من ذالك.
215

مطابقته للترجمة ظاهرة. و يحيى هو القطان و إسماعيل هو ابن أبي خالد.
والحديث أخرجه مسلم في الفتن عن شهاب بن عباد وآخرين: وأخرجه ابن ماجة فيه عن محمد بن عبد الله بن نمير.
قوله: الدجال قال الكرماني: هو شخص بعينه ابتلى الله عباده به وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعال من إحياء الميت واتباع كنوز الأرض وإمطار السماء وإنبات الأرض بأمره، ثم يعجزه الله عز وجل بعد ذلك فلا يقدر على شيء من ذلك، وهو يكون مدعيا للإلاهية وهو في نفس دعواه مكذب لها بصورة حاله من انتقاصه بالعور وعجزه عن إزالته عن نفسه وعن إزالة الشاهد بكفره المكتوب بين عينيه. فإن قلت: إظهار المعجزة على يد الكذاب ليس يمكن. قلت: إنه يدعي الإلاهية واستحالته ظاهرة فلا محذور فيه، بخلاف مدعي النبوة فإنها ممكنة، فلو أتى الكاذب فيها بمعجزة لالتبس النبي بالمتنبي. وفائدة تمكينه من هذه الخوارق امتحان العباد. قوله: وإنه أي وإن النبي، قال لي: ما يضرك منه أي: من الدجال. قوله: لأنهم أي: لأن الناس، ويروى: أنهم، وهو رواية المستملي. قال الكرماني: هو متعلق بمقدر يناسب المقام، وقدر بعضهم الخشية منه مثلا، وفيه تأمل. قوله: جبل وفي رواية مسلم: معه جبال من خبز ولحم قوله: ونهر بسكون الهاء وفتحها. قوله: هو أهون على الله من ذلك قال القاضي: هو أهون على الله من أن يجعل ذلك سببا لضلال المؤمنين، بل هو ليزداد الذين آمنوا إيمانا، وليس معناه أنه ليس معه شيء من ذلك.
7123 حدثنا موساى بن إسماعيل، حدثنا وهيب، حدثنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أراه عن النبي قال: أعور العين اليمناى كأنها عنبة طافية.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ووهيب مصغر وهب ابن خالد، وأيوب هو السختياني.
قوله: أراه بضم الهمزة القائل به هو البخاري، وقد سقط قوله: أراه إلى آخره في رواية المستملي وأبي زيد المروزي وأبي أحمد الجرجاني، فصارت صورته موقوفة
وبذلك جزم الإسماعيلي. والحديث في الأصل مرفوع فقد أخرجه مسلم من رواية حماد بن زيد عن أيوب فقال فيه: عن النبي، قوله: أعور العين اليمنى أي: أعور عين الجهة اليمنى، وفي رواية أبي ذر: أعور عين اليمنى، بلا ألف ولام. قوله: طافئة بالهمزة وهي التي ذهب نورها، وبلا همزة: الناتئة الشاخصة.
7124 حدثنا سعد بن حفص، حدثنا شيبان، عن يحياى، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك، قال النبي يجىء الدجال حتى ينزل في ناحية المدينة، ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل كافر ومنافق.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وسعد بن حفص أبو محمد الطلحي الكوفي، وشيبان هو أبو معاوية النحوي، و يحيى هو ابن أبي كثير بالثاء المثلثة. والحديث من أفراده.
قوله: حتى ينزل في ناحية المدينة ويأتي عن قريب بعد باب: ينزل بعض السباخ التي تلي المدينة، وفي رواية حماد بن سلمة عن إسحاق عن أنس: فيأتي سبخة الجرف، فيضرب رواقه فيخرج إليه كل منافق ومنافقة، والجرف بضم الجيم والراء وبالفاء مكان بطريق المدينة من جهة الشام على ميل، وقيل: ثلاثة أميال، والرواق الفسطاط، وفي رواية ابن ماجة من حديث أبي أمامة. ينزل عند الطريق الأحمر عند منقطع السبخة قوله: ثم ترجف المدينة ويروى: فترجف المدينة، وهو أوجه، ومعناه: تتحرك المدينة ويضطرب أهلها. قوله: فيخرج إليه أي: إلى الدجال كل كافر ومنافق قلت: الذي يظهر لي أن المراد بالكافر غلاة الروافض، لأنهم كفرة، وفي المدينة رفضة، وفي حديث محجن بن الأدرع عند أحمد والحاكم: فلا يبقى منافق ولا منافقة ولا فاسق ولا فاسقة إلا خرج إليه.
07125 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه عن جده، عن أبي بكرة عن النبي قال: لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال، ولها يومئذ
216

سبعة أبواب على كل باب ملكان
انظر الحديث 1879 وطرفه
7126 حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا مسعر، حدثنا سعد بن إبراهيم، عن أبيه عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل المدينة رعب المسيح، لها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان.
قال: وقال ابن إسحاق عن صالح بن إبراهيم عن أبيه قال: قدمت البصرة فقال لي أبو بكرة، سمعت النبي بهاذا.
انظر الحديث 1879 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، ومحمد بن بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة العبدي، ومسعر بكسر الميم ابن كدام الكوفي، وسعد بن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمان بن عوف عن أبي بكرة نفيع الثقفي.
والحديث مضى في الحج عن عبد العزيز بن عبد الله، وهذا ثبت للمستملي وحده، وسقط للكل غيره.
قوله: رعب بضم الراء والعين وبكسون الثاني وهو الفزع.
قوله: وقال ابن إسحاق أي: محمد بن إسحاق صاحب المغازي روى عنه مسلم واستشهد به البخاري، وصالح هو ابن كيسان، وإبراهيم هو ابن عبد الرحمان بن عوف وهو أخو سعد بن إبراهيم. وأراد بهذا التعليق ثبوت لقاء إبراهيم بن عبد الرحمان بن عوف لأبي بكرة لأن إبراهيم مدني وقد تستنكر روايته عن أبي بكرة. لأنه نزل البصرة على عهد عمر، رضي الله تعالى عنه، إلى أن مات، ووصل هذا التعليق الطبراني في الأوسط من رواية محمد بن سلمة الحراني عن محمد بن إسحاق بهذا السند. قوله: بهذا أي: بالحديث المذكور.
7127 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا إبراهيم، عن صالح، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال: إني لأنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذره قومه، ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه: إنه أعور وإن الله ليس بأعور
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإبراهيم هو ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمان، وصالح هو ابن كيسان، وابن شهاب محمد بن مسلم الزهري، وسالم هو ابن عبد الله يروي عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنهم.
قوله: وما من نبي إلا وقد أنذره قومه زاد في رواية معمر: لقد أنذره نوح قومه، وفي رواية أبي داود والترمذي: لم يكن نبي بعد نوح إلا وقد أنذر قومه الدجال. فإن قلت: هذا مشكل لأن الأحاديث قد ثبتت أنه يخرج بعد أمور ذكرت، وأن عيسى عليه السلام، يقتله بعد أن ينزل من السماء فيحكم بالشريعة المحمدية. قلت: كان وقت خروجه أخفي عن نوح ومن بعده فكأنهم أنذروا به ولم يذكر لهم وقت خروجه، فحذروا قومهم من فتنته. قوله: إنه أعور إنما اقتصر على هذا مع أن أدلة الحدوث في الدجال ظاهرة، لكن العور أثر محسوس يدركه العالم والعامي ومن لا يهتدي إلى الأدلة العقلية، فإذا ادعى الربوبية وهو ناقص الخلقة، والإلاه يتعالى عن النقص، علم أنه كذاب.
7128 حدثنا يحياى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سالم عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينما أنا نائم أطوف بالكعبة، فإذا رجل آدم سبط الشعر ينطف أو يهراق رأسه ماء قلت: من هذا؟ قالوا: ابن مريم، ثم ذهبت، ألتفت فإذا رجل جسيم أحمر جعد الرأس، أعور العين، كأن عينه عنبة طافية، قالوا: هذا الدجال، أقرب الناس به شبها، ابن قطن رجل من خزاعة
مطابقته للترجمة ظاهرة. وهذا قد مضى في كتاب التعبير في: باب الطواف بالكعبة في المنام، فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن سالم بن
عبد الله إلى آخره، ومضى الكلام فيه فليرجع إليه،
217

لأن المسافة قريبة.
7129 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب، عن عروة أن عائشة، رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله يستعيذ في صلاته من فتنة الدجال.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد العزيز وإبراهيم وصالح وابن شهاب قد مروا الآن. والحديث قد مضى في: باب الدعاء قبل السلام، قبيل كتاب الجمعة مطولا.
7130 حدثنا عبدان، أخبرني أبي، عن شعبة، عن عبد الملك، عن ربعي، عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الدجال: إن معه ماء ونارا فناره ماء بارد وماؤه نار قال أبو مسعود: أنا سمعته من رسول الله
انظر الحديث 3450
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبدان لقب عبد الله بن عثمان يروي عن أبيه عثمان بن جبلة بن أبي رواد بفتح الراء وتشديد الواو، وعبد الملك هو ابن عمير، وربعي بكسر الراء وسكون الباء الموحدة وكسر العين المهملة اسم بلفظ النسبة وهو ابن حراش بكسر الحاء المهملة وبالشين المعجمة، وحذيفة هو ابن اليمان، رضي الله تعالى عنه، كذا ذكره شعبة مختصرا، وقد تقدم في أول ذكر بني إسرائيل من طريق أبي عوانة عن عبد الملك عن ربعي إلى آخره.
قوله: قال في الدجال أي: في شأنه وحكايته. قوله: فناره ماء قيل: النار كيف تكون ماء وهما حقيقتان مختلفتان؟ وأجيب: بأن معناه ما صورته نعمة ورحمة فهو بالحقيقة لمن مال إليه نقمة ومحنة، وبالعكس. وأبو مسعود هو عقبة بن عمرو البدري الأنصاري.
7131 حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس، رضي الله عنه، قال: قال النبي ما بعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، وإن بين عينيه مكتوب: كافر
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث أخرجه أيضا في التوحيد عن حفص بن عمر. وأخرجه مسلم في الفتن عن أبي موسى وغيره. وأخرجه الترمذي فيه عن بندار به.
قوله: ألا أنه أعور بفتح الهمزة واللام المخففة لأنه حرف التنبيه. قوله: وإن بين عينيه مكتوب: كافر كذا في رواية الأكثرين، ويروى: مكتوبا كافرا. قال بعضهم: ولا إشكال فيه لأنه إما اسم: إن، وإما حال. قلت: نعم مكتوبا نصب على أنه اسم إن، وأما قوله: وإما حال، فغير صحيح بل قوله: كافرا عمل فيه مكتوبا وأما إعراب الأول فهو إن اسم إن محذوف: ومكتوب كافر، في موضع الخبر والتقدير: وإنه أي: وإن الدجال بين عينيه مكتوب كافر، وكافر أما حروف هجائه هي المكتوبة غير مقطعة وأما المكتوب وفي رواية مسلم من رواية محمد بن جعفر عن شعبة: مكتوب بين عينيه.
فيه أبو هريرة وابن عباس عن النبي أي: في هذا الباب يدخل أبو هريرة أي: حديث أبي هريرة، وابن عباس أما حديث أبي هريرة فقد تقدم في ترجمة نوح، عليه السلام، في أحاديث الأنبياء، عليهم السلام، من رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة. قال النبي ألا أحدثكم حديثا عن الدجال، ما حدث به نبي قومه؟ إنه أعور... الحديث، وأما حديث ابن عباس فهو ما تقدم في الملائكة من طريق أبي العالية عن ابن عباس في ذكر صفة موسى، عليه السلام. وذكر أنه رأى الدجال.
27
((باب لا يدخل الدجال المدينة))
218

أي: هذا باب فيه: لا يدخل الدجال المدينة النبوية.
7132 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن أبا سعيد قال: حدثنا رسول الله يوما حديثا طويلا عن الدجال فكان فيما يحدثنا به أنه قال: يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة، فينزل بعض السباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل وهو خير الناس أو: من خير الناس فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله حديثه فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هاذا ثم أحييته هل تشكون في الأمر؟ فيقولون: لا. فيقتله ثم يحييه، فيقول: والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم، فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه
انظر الحديث 1882
مطابقته للترجمة في قوله: وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة
وأبو اليمان الحكم بن نافع، وأبو سعيد هو الخدري واسمه سعد بن مالك. والحديث قد مضى في آخر الحج في باب من أبواب حرم المدينة، فقال: لا يدخل الدجال المدينة، وذكر فيه أحاديث منها هذا الحديث بعينه.
أخرجه عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله إلى آخره، ومضى الكلام فيه.
قوله: نقاب المدينة جمع نقب وهو الطريق بين الجبلين، وقيل: هو بقعة بعينها. قوله: فيخرج إليه رجل قيل هو الخضر، عليه السلام. قوله: ما كنت فيك أشد بصيرة لأن رسول الله، أخبر بأن ذلك من جملة علاماته. قوله: فلا يسلط عليه أي: لا يقدر على قتله، بأن لا يخلق القطع في السيف، ويجعل بدنه كالنحاس مثلا أو غير ذلك.
7133 حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن نعيم بن عبد الله المجمر، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال
انظر الحديث 1880 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة. ونعيم بضم النون وفتح العين المهملة مصغر نعم ابن عبد الله المجمر، على صيغة اسم الفاعل من الإجمار بالجيم والراء هو صفة نعيم لا صفة عبد الله.
والحديث قد مضى في الباب الذي ذكرناه في الحديث السابق.
قوله: على أنقاب المدينة الأنقاب جمع القلة، والنقاب جمع الكثرة. وقد مر الكلام في الباب المذكور.
7134 حدثنا يحياى بن موسى، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المدينة يأتيها الدجال فيجد الملائكة يحرسونها، فلا يقربها الدجال، قال: ولا الطاعون إن شاء الله
مطابقته للترجمة ظاهرة. و يحيى بن موسى بن عبد ربه أبو زكريا السختياني البلخي يقال له خت.
وحديث أنس مضى في الباب المذكور بأتم منه، وليس فيه فلا يقربها إلى آخره.
قوله: يحرسونها أي: يحفظونها، وروى أحمد والحاكم من حديث محجن بن الأذرع: لا يدخلها الدجال إن شاء الله، كلما أراد دخولها تلقاه بكل نقب من نقابها ملك مصلت سيفه يمنعه عنها، وقال ابن العربي: يجمع بين هذا وبين قوله: على كل نقب ملكان، بأن سيف أحدهما مسلول والآخر بغلافه فلا يقربها أي الدجال. قوله: إن شاء الله قيل: هذا الاستثناء محتمل للتعليق، ومحتمل للتبرك وهو أولى، وقيل: إنه يتعلق بالطاعون وفيه نظر، وحديث محجن المذكور الآن يؤيد أنه لكل منهما.
28
((باب يأجوج ومأجوج))
أي: هذا باب في ذكر يأجوج ومأجوج، ومضى الكلام فيهما في ترجمة ذي القرنين من أحاديث الأنبياء، عليهم السلام.
219

7135 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري. ح وحدثنا إسماعيل، حدثني أخي، عن سليمان، عن محمد بن أبي عتيق عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير، أن زينب ابنة أبي سلمة حدثته عن أم حبيبة بنت أبي سفيان، عن زينب ابنة جحش أن رسول الله دخل عليها يوما فزعا يقول: لا إلاه إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هاذه وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها، قالت زينب ابنة جحش: فقلت: يا رسول الله أفنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأخرجه من طريقين. أحدهما عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن مسلم الزهري عن عروة والآخر: عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه عبد الحميد عن سليمان بن بلال عن محمد بن عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمان بن أبي بكر.
وهذا الحديث قد مضى في أوائل الفتن في: باب ويل للعرب، ومضى الكلام فيه مبسوطا.
قوله: فزعا أي: خائفا مضطربا. قيل: قد تقدم في أول كتاب الفتن أنها قالت: استيقظ النبي من النوم يقول: لا إلاه إلا الله. وأجيب بأنه لا منافاة لجواز تكرار ذلك القول. وقال الكرماني: وخصص العرب بالذكر لأن شرهم بالنسبة إليها أكثر ما وقع ببغداد من قتلهم الخليفة. انتهى. قلت: لم تقتل الخليفة العرب وإنما قتله هولاكو من أولاد جنكيزخان، والخليفة هو المستعصم بالله، وكان قتله في سنة ست وخمسين وستمائة. قوله: من ردم هو السد الذي بناه ذو القرنين. قوله: أفنهلك؟ بكسر اللام. قوله: الخبث بفتح الخاء المعجمة وهو الفسق وقيل: هو الزنى خاصة.
حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب، حدثنا، ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة عن النبي قال: يفتح الردم ردم يأجوج ومأجوج مثل هاذه وعقد وهيب تسعين
انظر الحديث 3347
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأخرجه عن موسى بن إسماعيل عن وهيب بن خالد عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة.
والحديث مضى في أحاديث الأنبياء، عليهم السلام، وعن مسلم بن إبراهيم. وأخرجه مسلم في الفتن عن أبي بكر بن أبي شيبة.
قوله: وعقد وهيب تسعين قال الكرماني: فإن قلت: قال هاهنا: عقد وهيب تسعين، وفي أول الفتن: عقد سفيان، وفي الأنبياء في: باب ذي القرنين: وعقد، أي: رسول الله قلت: لا مانع للجمع بأن عقد كلهم، وأما عقده فهو تحليق الإبهام والمسبحة بوضع خاص يعرفه الحساب. انتهى. قلت: قد شرحنا ذلك فيما مضى في الفتن فليرجع إليه، والله أعلم.
93
((كتاب الأحكام))
أي: هذا كتاب في بيان الأحكام، وهو جمع حكم، وهو إسناد أمر إلى آخر إثباتا أو نفيا، وفي اصطلاح الأصوليين خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير. وأما خطاب السلطان للرعية وخطاب السيد لعبده فوجوب طاعته هو بحكم الله تعالى.
1
((باب قول الله تعالى: * (ي
1764; اأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الامر منكم فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذالك خير وأحسن تأويلا) *))
لم يثبت لفظ: باب، إلا لأبي ذر، ولا يوجد في كثير من النسخ، والطعة هي الإتيان بالمأمور به والانتهاء عن المنهي عنه،
220

والمعصية خلافه، والمراد من قوله: * (ي
1764; اأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الامر منكم فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذالك خير وأحسن تأويلا) * الأمراء. قاله أبو هريرة. وقال الحسن: العلماء، وقال مجاهد: الصحابة، وقال زيد بن أسلم: هم الولاة، وقرأ ما قبلها * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الاحمانات إلى
1764; أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا) * وقال بعضهم: في هذا إشارة من المصنف إلى ترجيح القول الصائر إلى أن الآية نزلت في طاعة الأمراء، خلافا لمن قال: نزلت في العلماء. قلت: ليت شعري ما دليله على ما قاله، لأن في هذا أقوالا كما ترى، فترجيح قول منها يحتاج إلى دليل.
7137 حدثنا عبدان، أخبرنا عبد الله، عن يونس، عن الزهري أخبرنا أبو سلمة بن عبد الرحمان أنه سمع أبا هريرة، رضي الله عنه، يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري، فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني
انظر الحديث 2957
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبدان لقب عبد الله بن عثمان، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، ويونس هو ابن يزيد، والزهري هو محمد بن مسلم.
والحديث أخرجه مسلم في المغازي عن أبي الطاهر وحرملة.
قوله: من أطاعني فقد أطاع الله مأخوذ من قوله تعالى: * (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فمآ أرسلناك عليهم حفيظا) * لأن الله أمر بطاعته، فإذا أطاعه فقد أطاع الله. قوله: ومن أطاع أميري إلى آخره، وفي رواية همام والأعرج وغيرهما: ومن أطاع الأمير، وقال ابن التين، قيل: كانت قريش ومن يليها من العرب لا يعرفون الإمارة، فكانوا يمتنعون على الأمراء فقال هذا القول يحثهم على طاعة من يؤمر عليه والانقياد لهم إذا بعثهم في السرايا، وإذا ولاهم البلاد فلا يخرجوا عليهم لئلا تفترق الكلمة.
7138 حدثنا إسماعيل، حدثني مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم، وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته
مطابقته للترجمة من حيث إن الترجمة تدل على وجوب طاعة الأئمة وإقامة حقوقهم، فكذلك هنا على وجوب أمر الرعية على الأئمة ففي هذا المقدار كفاية لوجه المطابقة.
وإسماعيل هو ابن أبي أويس عبد الله.
والحديث مضى في كتاب الجمعة في باب الجمعة في القرى والمدن، مطولا ومضى الكلام فيه.
قوله: إلا بفتحتين وتخفيف اللام كلمة تنبيه وافتتاح. قوله: عن رعيته الرعية كل من شمله حفظ الراعي ونظره، وأصل الرعاية حفظ الشيء وحسن التعهد فيه لكن تختلف، فرعاية الإمام هي ولاية أمور الرعية وإقامة حقوقهم، ورعاية المرأة حسن التعهد في أمر بيت زوجها، ورعاية الخادم هو حفظ ما في يده والقيام بالخدمة ونحوها، ومن لم يكن إماما ولا له أهل ولا سيد ولا أب وأمثال ذلك، فرعايته على أصدقائه وأصحاب معاشرته. وقال الطيبي شيخ شيخي في هذا الحديث: إن الراعي ليس مطلوبا لذاته، وإنما أقيم لحفظ ما استرعاه فينبغي أن لا يتصرف إلا بما أذن الشارع فيه، وهو تمثيل ليس في الباب ألطف ولا أجمع ولا أبلغ منه، فإنه أجمل أولا ثم فصل، وأتى بحرف التنبيه مكررا، قال: والفاء في قوله: ألا فكلكم جواب شرط محذوف، وختم بما يشبه الفذلكة إشارة إلى استيفاء التفصيل.
2
((باب الأمراء من قريش))
أي: هذا باب مترجم بقوله: الأمراء من قريش الأمراء مبتدأ، أو من قريش خبره، أي: الأمراء كائنون من قريش، وقال عياض، نقل عن ابن أبي صفرة: الأمر أمر قريش، قال: وهو تصحيف. قلت: وقع في نسخة لأبي ذر عن الكشميهني مثل ذلك، لكن الأول هو المعروف، قيل: لفظ الترجمة لفظ حديث أخرجه يعقوب بن سفيان، وأبو يعلى والطبراني من طريق مسكين
221

ابن عبد العزيز حدثنا سيار بن سلامة أبو المنهال قال: دخلت مع أبي علي أبي برزة الأسلمي فذكر الحديث، وفيه: الأمراء من قريش، وروي عن أنس بلفظ: الأئمة
من قريش ما إذا حكموا فعدلوا، رواه البزار، وروي عن أنس بطرق متعددة منها ما رواه الطبراني من رواية قتادة عنه بلفظ: إن الملك في قريش، وأخرجه أحمد بهذا اللفظ عن أبي هريرة.
7139 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية وهو عنده في وفد من قريش أن عبد الله بن عمر و يحدث أنه سيكون ملك من قحطان، فغضب فقام فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فإنه بلغني أن رجالا منكم يحدثون أحاديث ليست في كتاب الله، ولا توثر عن رسول الله وأولائك جهالكم فإياكم والأماني التي تضل أهلها، فإني سمعت رسول الله يقول إن هاذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله في النار على وجهه ما أقاموا الدين.
انظر الحديث 3500
مطابقته للترجمة في آخر الحديث. وشيخ البخاري واثنان بعده قد ذكروا عن قريب. ومحمد بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عدي بن عبد مناف القرشي المدني مات بالمدينة زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنهما، قاله الواقدي.
والحديث مضى في مناقب قريش عن أبي اليمان أيضا.
قوله: وهو عنده أي: والحال أن محمد بن جبير عند معاوية، ويروى: وهم عنده، أي: محمد بن جبير ومن كان معه من الوفد الذين كانوا معه، أرسلهم أهل المدينة إلى معاوية ليبايعوه، وذلك حين بويع له بالخلافة لما سلم له الحسن بن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنهما. قوله: إن عبد الله بن عمرو في محل الرفع لأنه فاعل، بلغ، ومعاوية بالنصب مفعوله، وعمرو بالواو وهو ابن العاص. قوله: يحدث جملة في محل الرفع لأنها خبر: إن. قوله: أنه أي: أن الشان سيكون ملك من قحطان قد مر أن قحطان أبو اليمن. قوله: فغضب أي: معاوية، قال ابن بطال: سبب إنكار معاوية أنه حمل حديث عبد الله بن عمرو على ظاهره، وقد يكون معناه أن قحطانيا يخرج في ناحية من النواحي فلا يعارض حديث معاوية. قوله: أحاديث جمع حديث على غير قياس، قال العزيزي: إن واحد الأحاديث أحدوثة ثم جعلوه جمعا للحديث، والحديث الخبر الذي يأتي على قليل وكثير. قوله: ولا تؤثر على صيغة المجهول أي: لا تنقل عن رسول الله، ولا تروي. قوله: وأولئك جهالكم بضم الجيم وتشديد الهاء جمع جاهل. قوله: فإياكم والأماني أي: احذروا الأماني بتشديد الياء وتخفيفها، وهي جمع أمنية، وأصله من منى يمنى إذا قدر، وقال الجوهري: فلان يتمنى الأحاديث أي: يفتعلها مقلوب من المين وهو الكذب قوله: التي تضل أهلها صفة للأماني، وتضل بضم التاء المثناة من فوق وكسر الضاد المعجمة من الإضلال، وروي بفتح أوله، ورفع أهلها. قوله: إن هذا الأمر أي: الخلافة. قوله: لا يعاديهم أحد أي: لا ينازعهم أحد في الأمر إلا كبه الله في النار على وجهه يعني: إلا كان مقهورا في الدنيا معذبا في الآخرة. قوله: كبه الله من الغرائب، إذ: أكب، لازم: و: كب، متعد عكس المشهور. قوله: ما أقاموا الدين أي: مدة إقامتهم أمور الدين.
قيل: يحتمل أن يكون مفهومه: فإذا لم يقيموه فلا يسمع لهم، وقيل: يحتمل أن لا يقام عليهم وإن كان لا يجوز إبقاؤهم على ذلك، ذكرهما ابن التين، وقال الكرماني: هذا يعني ما رواه معاوية لا ينافي كلام عبد الله، يعني ابن عمرو لامكان ظهوره عند عدم إقامتهم الدين. قلت: غرضه أن لا اعتبار له إذ ليس في كتاب ولا في سنة. فإن قلت: مر في تغيير الزمان عن أبي هريرة أن رسول الله، قال: لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه؟ قلت: هذا رواية أبي هريرة، وربما لم يبلغ معاوية، وأما عبد الله فلم يرفعه. انتهى. قلت: قد ذكرنا فيه ما فيه الكفاية في: باب تغيير الزمان، ثم قال الكرماني: فإن قلت: خلا زماننا عن خلافتهم. قلت: لم يخل إذ في الغرب خليفة منهم على ما قيل، وكذا في مصر. انتهى. قلت: لم يشتهر أصلا أن في الغرب خليفة من بني العباس، ولكن كان فيه من الحفصيين من ذرية أبي حفص صاحب ابن
222

تومرت، وقد انتسبوا إلى عمر بن الخطاب وهو قرشي، وفي مصر موجود من بني العباس ولكن ليس بحاكم بل تحت حكم.
تابعه نعيم عن ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن محمد بن جبير.
أي: تابع شعيبا في روايته عن الزهري عن محمد بن جبير نعيم بن حماد عن عبد الله بن المبارك عن معمر بن راشد عن الزهري عن محمد بن جبير، إنما ذكر البخاري هذا تقوية لصحة رواية الزهري عن محمد بن جبير، وقال صالح الحافظ الملقب بجزرة: لم يقل أحد في روايته: عن الزهري عن محمد بن جبير، إلا ما وقع في رواية نعيم بن حماد الذي ذكره البخاري، قال: ولا أصل له من حديث ابن المبارك، وكانت عادة الزهري إذا لم يسمع الحديث يقول: كان فلان يحدث، ورد عليه البيهقي بما أخرجه من طريق يعقوب بن سفيان عن حجاج بن أبي منيع الرصافي عن جده عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم، وأخرجه الحسن بن رشيق في فوائده من طريق عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة عن عقيل عن الزهري عن محمد بن جبير.
3
((باب أجر من قضى بالحكمة لقوله تعالى: * (وليحكم أهل الإنجيل بمآ أنزل الله فيه ومن لم يحكم بمآ أنزل الله فأولائك هم الفاسقون) *))
أي: هذا باب في بيان أجر من قضى بالحكمة، وفي رواية أبي زيد المروزي: باب من قضى بالحكمة، بدون لفظ أجر، أي من قضى بحكم الله تعالى، ولهذا لو قضى بغير حكم الله فسق لقوله تعالى: * (وليحكم أهل الإنجيل بمآ أنزل الله فيه ومن لم يحكم بمآ أنزل الله فأولائك هم الفاسقون) * واقتصر البخاري من الآية على ما ذكره ولم يذكر * (وكتبنا عليهم فيهآ أن النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بمآ
أنزل الله فأولائك هم الظالمون) * ولا * (وكتبنا عليهم فيهآ أن النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بمآ أنزل الله فأولائك هم الظالمون) * لأنه قيل: إنما أنزل ذلك في اليهود والنصارى، وقال النحاس: وأحسن ما قيل فيه أنها كلها في الكفار، ولا شك أن من رد حكما من أحكام الله تعالى فقد كفر، وقيل: الآية عامة في المسلمين والكفار.
7141 حدثنا شهاب بن عباد، حدثنا إبراهيم بن حميد، عن إسماعيل، عن قيس، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، وآخر آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها.
مطابقته للترجمة في قوله: أتاه الله حكمة فهو يقضي بها
وشهاب ابن عباد بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة العبدي الكوفي، وهو شيخ مسلم أيضا، وإبراهيم بن حميد الرواسي بضم الراء وتخفيف الهمزة وبالسين المهملة، وإسماعيل
223

بن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم، وعبد الله هو ابن مسعود.
والحديث مضى في العلم عن الحميدي عن سفيان بن عيينة وفي الزكاة عن محمد بن المثنى، وسيأتي في الاعتصام أيضا عن شهاب المذكور، ومضى الكلام فيه.
قوله: إلا في اثنتين أي: خصلتين. قوله: رجل قال بعضهم: رجل، بالجر وسكت عليه ولم يبين وجهه، وبينا وجهه في كتاب العلم ووجه الرفع والنصب أيضا. قوله: آتاه الله أي: أعطاه الله. قوله: على هلكته بالمفتوحات أي: على هلاكه. قوله: وآخر أي: ورجل آخر. قوله: حكمة أي: علما وافيا، والمراد به علم الدين، قاله الكرماني، وقيل: القرآن، وبسطنا الكلام فيه في العلم.
4
((باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية))
أي: هذا باب في بيان وجوب السمع والطاعة للإمام، وإنما قيده بالإمام، وإن كان في أحاديث الباب الأمر بالطاعة لكل أمير، ولو لم يكن إماما، لأن طاعة الأمراء الذين تأمروا من جهة الإمام طاعة للإمام، والطاعة للإمام بالأصالة، ولمن أمره الإمام بالتبعية. قوله: ما لم تكن أي: السمع والطاعة معصية لأنه لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق، والأخبار الواردة بالسمع والطاعة للأئمة ما لم يكن خلافا لأمر الله تعالى ورسوله، فإذا كان خلاف ذلك فغير جائز لأحد أن يطيع أحدا في معصية الله ومعصية رسوله، وبنحو ذلك قالت عامة السلف.
7142 حدثنا مسدد، حدثنا يحياى عن شعبة، عن أبي التياح، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة
انظر الحديث 693 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة. و يحيى هو ابن سعيد القطان، وأبو التياح بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد الياء آخر الحروف وبالحاء المهملة واسمه يزيد من الزيادة ابن حميد الضبعي بضم الضاد المعجمة وفتح الباء الموحدة وبالعين المهملة البصري.
والحديث مر في الصلاة عن بندار وعن محمد بن أبان.
قوله: وإن استعمل على صيغة المجهول، أي: جعل عاملا بأن أمر إمارة عامة على بلد مثلا أو ولي فيها ولاية خاصة كالإمامة في الصلاة أو جباية الخراج أو مباشرة الحرب، فقد كان في أيام الخلفاء الراشدين من تجمع له الأمور الثلاثة ومن يختص ببعضها. قوله: حبشي مرفوع بقوله: وإن استعمل المجهول، ويروى: حبشيا، بالنصب على أن يكون: استعمل على بناء المعلوم، والضمير فيه يرجع إلى الإمام بدلالة القرينة، والحبشي بياء النسبة منسوب إلى الحبشة، وهم جيل مشهور من السودان. قوله: زبيبة هي واحدة الزبيب المشهور، وجه التشبيه في تجمع رأسه وسواد شعره وهو تمثيل في الحقارة وبشاعة الصورة على سبيل المبالغة، وهذا في الأمراء والعمال دون الخلفاء، لأن الحبشي لا يتولى الخلافة، لأن الأئمة من قريش. وقال الخطابي: قد يضرب المثل بما لا يقع في الوجود وهذا من ذاك أطلق العبد الحبشي مبالغة في الأمر بالطاعة، وإن كان لا يتصور شرعا أن يلي ذلك، وقال الخطابي أيضا: العرب لا يعرفون الإمارة فحضهم رسول الله، على طاعتهم والانقياد لهم في المعروف إذا بعثهم في السرايا وإذا ولاهم البلدان لئلا تتفرق الكلمة.
7142 حدثنا مسدد، حدثنا يحياى عن شعبة، عن أبي التياح، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة
انظر الحديث 693 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة. و يحيى هو ابن سعيد القطان، وأبو التياح بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد الياء آخر الحروف وبالحاء المهملة واسمه يزيد من الزيادة ابن حميد الضبعي بضم الضاد المعجمة وفتح الباء الموحدة وبالعين المهملة البصري.
والحديث مر في الصلاة عن بندار وعن محمد بن أبان.
قوله: وإن استعمل على صيغة المجهول، أي: جعل عاملا بأن أمر إمارة عامة على بلد مثلا أو ولي فيها ولاية خاصة كالإمامة في الصلاة أو جباية الخراج أو مباشرة
الحرب، فقد كان في أيام الخلفاء الراشدين من تجمع له الأمور الثلاثة ومن يختص ببعضها. قوله: حبشي مرفوع بقوله: وإن استعمل المجهول، ويروى: حبشيا، بالنصب على أن يكون: استعمل على بناء المعلوم، والضمير فيه يرجع إلى الإمام بدلالة القرينة، والحبشي بياء النسبة منسوب إلى الحبشة، وهم جيل مشهور من السودان. قوله: زبيبة هي واحدة الزبيب المشهور، وجه التشبيه في تجمع رأسه وسواد شعره وهو تمثيل في الحقارة وبشاعة الصورة على سبيل المبالغة، وهذا في الأمراء والعمال دون الخلفاء، لأن الحبشي لا يتولى الخلافة، لأن الأئمة من قريش. وقال الخطابي: قد يضرب المثل بما لا يقع في الوجود وهذا من ذاك أطلق العبد الحبشي مبالغة في الأمر بالطاعة، وإن كان لا يتصور شرعا أن يلي ذلك، وقال الخطابي أيضا: العرب لا يعرفون الإمارة فحضهم رسول الله، على طاعتهم والانقياد لهم في المعروف إذا بعثهم في السرايا وإذا ولاهم البلدان لئلا تتفرق الكلمة.
7143 حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد، عن الجعد، عن أبي رجاء، عن ابن عباس يرويه قال: قال النبي من رأى من أميره شيئا فكرهه فليصبر، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية
انظر الحديث 7053 وطرفه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: فليصبر إلى آخره، لأنه يدل على وجوب السمع والطاعة للأئمة.
وحماد هو ابن زيد، والجعد بفتح الجيم وسكون العين المهملة وبالدال المهملة ابن دينار الصيرفي، وأبو رجاء ضد اليأس اسمه عمران العطاردي.
224

والحديث مضى في الفتن عن أبي النعمان. وأخرجه مسلم في المغازي عن حسن بن الربيع وغيره.
يرويويه فائدته الإشعار بأن الرفع إلى النبي أعم من أن يكون بالواسطة أو بدونها. قوله: شبرا أي: قدر شبر. قوله: فيموت بالنصب والرفع نحو: ما تأتينا فتحدثنا، قوله: ميتة بكسر الميم أي: كالميتة الجاهلية، حيث لا إمام لهم ولا يراد به أن يكون كافرا، وقد مر الكلام فيه عن قريب.
7144 حدثنا مسدد، حدثنا يحياى بن سعيد، عن عبيد الله حدثني نافع، عن عبد الله، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب أو كره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة
انظر الحديث 2955
مطابقته للترجمة ظاهرة و يحيى بن سعيد القطان، و عبيد الله هو ابن عمر العمري، و عبد الله هو ابن عمر.
والحديث مضى في الجهاد عن مسدد أيضا. وأخرجه مسلم في المغازي عن زهير بن حرب وغيره. وأخرجه أبو داود في الجهاد عن مسدد.
قوله: على المرء المسلم أي: ثابت عليه، أو واجب. قوله: فيما أحب أو كره هكذا في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره: فيما أحب وكره. قوله: فإذا أمر على صيغة المجهول. قوله: فلا سمع أي: حينئذ ولا طاعة لما مر فيما مضى.
7145 حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمان، عن علي، رضي الله عنه، قال: بعث النبي سرية وأمر عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه، فغضب عليهم وقال: أليس قد أمر النبي أن تطيعوني؟ قالوا: بلاى. قال: عزمت عليكم لما جمعتم حطبا وأوقدتم نارا ثم دخلتم فيها، فجمعوا حطبا فأوقدوا فلما هموا بالدخول فقام ينظر بعضهم إلى بعض، قال بعضهم: إنما تبعنا النبي فرارا من النار أفندخلها؟ فبينما هم كذالك إذ خمدت النار وسكن غضبه، فذكر للنبي فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا، إنما الطاعة في المعروف
انظر الحديث 4340 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة. والأعمش سليمان، وسعد بن عبيدة بضم العين وفتح الباء الموحدة أبو حمزة بالزاي ختن أبي عبد الرحمان الذي يروي عنه، وأبو عبد الرحمان اسمه عبد الله بن حبيب السلمي ولأبيه صحبة. وعلي هو ابن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه.
والحديث مر في المغازي في: باب بعث النبي خالد بن الوليد فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن عبد الواحد عن الأعمش عن سعد بن عبيدة... إلى آخره، ومر الكلام فيه هناك مستوفى.
قوله: سرية هي قطعة من الجيش نحو ثلاثمائة أو أربعمائة. قوله: رجلا هو عبد الله بن حذافة السهمي. قوله: لما جمعتم بالتخفيف وجاء بالتشديد أي: إلا جمعتم، وجاء: لما، بمعنى كلمة: إلا، للاستثناء، ومعناه: ما أطلب منكم إلا جمعكم، ذكره الزمخشري في المفصل قوله: أفندخلها؟ الهمزة فيه للاستفهام. قوله: خمدت بالخاء المعجمة وفتح الميم، وقال ابن التين في بعض الروايات بكسر الميم ولا يعرف في اللغة. قال: ومعنى خمدت سكن لهيبها وإن لم يطفأ جمرها. فإن طفى قيل: همدت. قوله: لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا قال الداودي: يريد تلك النار لأنهم يموتون بتحريقها فلا يخرجون منها أحياء، وليس المراد بالنار نار جهنم، ولا أنهم يخلدون فيها. وقال الكرماني: قوله: لما خرجوا فإن قلت: ما وجه الملازمة؟ قلت: الدخول فيها معصية فإذا استحلوها كفروا، وهذا جزاء من جنس العمل. قوله: إنما الطاعة في المعروف يعني: تجب الطاعة في المعروف لا في المعصية، وقد مر.
5
((باب من لم يسأل الإمارة أعانه الله))
225

أي: هذا باب في بيان حال من لم يسأل الإمارة. قوله: أعانه الله جواب: من ويروى في بعض النسخ: أعانه الله عليها.
7146 حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا جرير بن حازم، عن الحسن، عن عبد الرحمان بن سمرة قال: قال النبي يا عبد الرحمان لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر يمينك، وأت الذي هو خير
مطابقته للترجمة ظاهرة. ورجاله قد ذكروا غير مرة. والحسن هو البصري.
والحديث مضى في النذور عن أبي النعمان وفي الكفارات عن محمد بن عبد الله، ومضى الكلام فيه مستوفى.
قوله: وكلت على صيغة المجهول بالتخفيف ومعناه: صرف إليها ومن وكل إلى نفسه هلك، ومنه الدعاء: ولا تكلني إلى نفسي. ووكله بالتشديد استحفظه، ويستفاد منه أن طلب ما يتعلق بالحكم مكروه وإن من حرص على ذلك لا يعان. فإن قلت: يعارضه في ذلك ما رواه أبو داود عن أبي هريرة رفعه: من طلب قضاء المسلمين حتى يناله ثم غلب عدله جوره فله الجنة، ومن غلب جوره عدله فله النار. قلت: الجمع بينهما بأنه لا يلزم من كونه لا يعان بسبب طلبه أن لا يحصل منه العدل إذا ولي، أو يحمل الطلب هنا على القصد وهناك على التولية. قوله: وإذا حلفت إلى آخره، تقدم في كتاب... اليمين، وفيه الكفارة قبل الإتيان، وكذا في الحديث الذي يأتي بعده.
6
((باب من سأل الإمارة وكل إليها))
أي: هذا باب في بيان حال من سأل الإمارة. قوله: وكل على صيغة المجهول جواب: من، ومعناه: لم يعن على ما أعطى.
7147 حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا يونس، عن الحسن قال: حدثني عبد الرحمان بن سمرة قال: قال لي رسول الله يا عبد الرحمان بن سمرة لا تسأل الإمارة، فإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير، وكفر عن يمينك
هذا طريق آخر في الحديث المذكور في الباب الذي قبله، وهو حديث واحد غير أنه جعل له ترجمتين باعتبار اختلاف رواته وباعتبار قسمته على شطرين، فجعل لكل شطر ترجمة.
وأبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو المقعد البصري، وعبد الوارث بن سعيد، ويونس بن يزيد، والحسن البصري، وهنا صرح الحسن بالتحديث عن عبد الرحمن بن سمرة.
7
((باب ما يكره من الحرص على الإمارة))
أي: هذا باب في بيان كراهة الحرص على طلب الإمارة وتحصيلها لأن من حرص عليها وسولت له نفسه أنه قائم بها يخذل في أغلب الأحوال.
7148 حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة عن النبي قال: إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة.
226

مطابقته للترجمة ظاهرة. وابن أبي ذئب بكسر الذال المعجمة محمد بن عبد الرحمان بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب، واسمه هشام المدني.
والحديث أخرجه النسائي في الفضائل وفي البيعة وفي السير عن محمد بن آدم به.
قوله: إنكم ستحرصون بكسر الراء وفتحها، ووقع في رواية شبابة عن ابن أبي ذئب: ستعرضون، بالعين وأشار إلى أنها خطأ، وقال الجوهري الحرص الجشع ثم فسر الجشع بقوله: الجشع أشد الحرص، تقول منه جشع بالكسر. قوله: على الإمارة بكسر الهمزة ويدخل فيها الإمارة العظمى وهي الخلافة، والصغرى وهي الولاية على البلدة. قوله: وستكون أي: الإمارة ندامة يوم القيامة يعني: لمن لم يعمل فيها بما ينبغي. قوله: فنعم المرضعة وبئست الفاطمة قال الكرماني: نعم المرضعة أي: نعم أولها وبئست الفاطمة أي: بئس آخرها، وذلك لأن معها المال والجاه واللذات الحسية والوهمية أولا، لكن آخرها القتل والعزل ومطالبات التبعات في الآخرة. وقال الداودي: نعمت المرضعة في الدنيا وبئست الفاطمة أي: بعد الموت لأنه يصير إلى المحاسبة على ذلك، فيصير كالذي يفطم قبل أن يستغني فيكون ذلك هلاكه.
اعلم أن: نعم وبئس فعلان لا يتصرفان لأنهما أزيلا عن موضوعهما، فنعم منقول من قولك: نعم فلان إذا أصاب نعمة، وبئس منقول من بئس إذا أصاب بؤسا، فنقلا إلى المدح والذم. فشابها الحروف. وقيل: إنهما استعملا للحال بمعنى الماضي، وفي: نعم، أربع لغات: بفتح أوله وكسر ثانيه وكسرهما وسكون العين وكسر النون وفتحها وسكون العين، تقول: نعم المرأة هند، وإن شئت نعمت المرأة هند، وقال الطيبي: إنما لم تلحق التاء بنعم لأن المرضعة مستعارة للإمارة، وتأنيثها غير حقيقي فترك إلحاق التاء بها، وألحقت بئس نظرا إلى كون الإمارة حينئذ داهية دهياء، قال: وإنما أتى بالتاء في الفاطمة والمرضعة، إشارة إلى تصوير تينك الحالتين المتجددتين في الإرضاع والفطام.
وقال محمد بن بشار: حدثنا عبد الله بن حمران حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن سعيد المقبري عن عمر بن الحكم عن أبي هريرة قوله.
محمد بن بشار بفتح الباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة وهو الذي يقال له: بندار، وعبد الله بن حمران بضم الحاء المهملة وسكون الميم وبعد الألف نون البصري صدوق، وقال ابن حبان في الثقات مخطىء وماله في الصحيح إلا هذا الموضع، وعبد الحميد بن جعفر المدني لم يخرج له البخاري إلا تعليقا، وعمر بن الحكم بفتحتين
ابن ثوبان المدني الثقة أخرج له البخاري في غير هذا الموضع تعليقا، وهذا كما رأيت قد وقع بين سعيد المقبري وبين أبي هريرة، بخلاف الطريقة السابقة. قوله: عن أبي هريرة قوله أي: موقوفا عليه.
7149 حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا أبو أسامة، عن بريد، عن أبي بردة، عن أبي موساى، رضي الله عنه، دخلت على النبي أنا ورجلان من قومي، فقال أحد الرجلين، أمرنا يا رسول الله وقال الآخر مثله. فقال: إنا لا نولي هاذا من سأله ولا من حرص عليه
مطابقته للترجمة في آخر الحديث.
وأبو أسامة حماد بن أسامة، ويريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف ابن عبد الله بن أبي بردة بضم الباء الموحدة اسمه عامر اه. والحارث، وبريد يروي عن جده أبي بردة، وأبو بردة يروي عن أبيه أبي موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس.
والحديث أخرجه مسلم في المغازي عن أبي بكر وأبي كريب كلاهما عن أبي أسامة.
قوله: أمرنا بفتح الهمزة وتشديد الميم المكسورة، وهو صيغة أمر من التأمير، أرادوا لنا موضعا. قوله: حرص عليه بفتح الراء.
8
((باب من استرعي رعية فلم ينصح))
أي: هذا باب في بيان من استرعى على صيغة المجهول يعني جعل راعيا على رعية، قال الكرماني: استحفظ ولم ينصح
227

الرعية إما بتضييعه تعريفهم ما يلزمهم من دينهم، وإما بإهمال حدودهم وحقوقهم أو ترك حماية حوزتهم أو ترك العدل فيهم، وجواب من محذوف اكتفى عن ذكره بما في حديث الباب.
7150 حدثنا أبو نعيم، حدثنا أبو الأشهب، عن الحسن أن عبيد الله بن زياد عاد معقل ابن يسار في مرضه الذي مات فيه، فقال له معقل: إني محدثك حديثا سمعته من رسول الله سمعت النبي يقول ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصحية إلا لم يجد رائحة الجنة.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو نعيم الفضل بن دكين، وأبو الأشهب جعفر بن حيان بالحاء المهملة والياء آخر الحروف المشددة العطاردي، والحسن هو البصري، وعبيد الله بن زياد بن أبي سفيان الذي كان أمير البصرة في زمن معاوية وولده يزيد، ومعقل بفتح الميم وإسكان العين وكسر القاف ابن يسار ضد اليمين المزني بالزاي والنون سكن البصرة، وابتنى بها دارا وإليه ينسب نهر معقل الذي بالبصرة، شهد بيعة الحديبية وتوفي بالبصرة في آخر خلافة معاوية، وقيل: إنه توفي أيام يزيد بن معاوية.
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن القاسم بن زكريا وعن يحيى بن يحيى.
قوله: استرعاه أي: استحفظه. قوله: فلم يحطها بفتح الياء وضم الحاء وسكون الطاء المهملتين من الحياطة وهي الحفظ والتعهد أي: لم يحفظها ولم يتعهد أمرها. قوله: بنصيحة كذا في رواية المستملي وفي رواية غيره: بنصحه، بضم النون وضم الصاد وبالضمير في آخره. قوله: إلا لم يجد رائحة الجنة وفي رواية مسلم إلا حرم الله عليه الجنة. وفي رواية الطبراني من حديث عبد الله بن مغفل: وعرفها يوجد يوم القيامة من مسيرة سبعين عاما، ويروى بدون لفظ: إلا، وهو مشكل لأن مفهوم الحديث أنه يجدها وهو عكس المقصود. قال الكرماني: إن إلا مقدرة أي: إلا لم يجد، أو الخبر محذوف أي: ما من عبد كذا إلا حرم الله عليه الجنة. وقوله: لم يجد استئناف كالمفسر له أو: ما، ليس للنفي جاز زيادة: من، للتأكيد عند بعض النحاة، والكلام عند وجود إلا ظاهر.
7151 حدثنا إسحاق بن منصور، أخبرنا حسين الجعفي قال زائدة: ذكره عن هشام، عن الحسن، قال: أتينا معقل بن يسار نعوده، فدخل علينا عبيد الله فقال له معقل: أحدثك حديثا سمعته من رسول الله فقال: ما من وال يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم، إلا حرم الله عليه الجنة
هذا طريق آخر في الحديث السابق أخرجه عن إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج أبي يعقوب المروزي عن حسين بن علي الجعفي بضم الجيم وسكون العين المهملة وبالفاء نسبة إلى جعف، ابن سعد العشيرة من مذحج، وقال الجوهري: أبو قبيلة من اليمن، والنسبة إليه كذلك.
قوله: قال زائدة أي: ابن قدامة، وفيه: قال، الثانية محذوف تقديره قال: الحسين الجعفي: قال زائدة ذكره أي الحديث الذي سيأتي هشام بن حسان عن الحسن البصري، ووقع في رواية مسلم عن القاسم بن زكريا عن حسين الجعفي بالعنعنة في جميع السند. قوله: ما من وال وفي رواية أبي المليح: ما من أمير، بدل: وال، وقال فيه: ثم لا يجد له بجيم ودال مشددة من الجد بالكسر ضد الهزل، وقال فيه: إلا لم يدخل معهم الجنة. وقال ابن بطال: هذا وعيد شديد على أئمة الجور ممن ضيع من استرعاه الله أو خانهم أو ظلمهم، فقد توجه إليه الطلب بمظالم العباد يوم القيامة، فكيف يقدر على التحلل من ظلم أمة عظيمة؟، ومعنى حرم الله عليه الجنة أي: أنفذ الله عليه الوعيد ولم يرض عنه
228

المظلومين، ونقل ابن التين عن الداودي نحوه، قال: ويحتمل أن يكون هذا في حق الكافر لأن المؤمن لا بد له من نصيحة. قلت: هذا احتمال بعيد جدا، والتعليل بالكافر مردود لأن الكافر لا يدخل الجنة، ولو كان ناصحا. وقال الكرماني: معنى حرم الله أي: في أول الحال، أو هو للتغليظ أو عند الاستحلال.
9
((باب من شاق شق الله عليه))
أي: هذا باب في بيان من شاق على الناس شق الله عليه لأن الجزاء من جنس العمل، ومعنى: شق الله عليه، ثقل الله عليه، يقال: شققت عليه أي: أدخلت عليه
المشقة، وأصل شاق شاقق لأنه من باب المفاعلة فأدغمت القاف في القاف هكذا، رواية الأكثرين، وفي رواية النسفي: من شق.
7152 حدثنا إسحاق الواسطي، حدثنا خالد، عن الجريري، عن طريف أبي تميمة قال: شهدت صفوان وجندبا وأصحابه وهو يوصيهم، فقالوا: هل سمعت من رسول الله شيئا قال: سمعته يقول: من سمع سمع الله به يوم القيامة قال: ومن يشاقق يشقق الله عليه يوم القيامة فقالوا: أوصنا، فقال: إن أول ما ينتن من الإنسان بطنه، فمن استطاع أن لا يأكل إلا طيبا فليفعل، ومن استطاع أن لا يحال بينه وبين الجنة بملء كفه من دم أهراقه فليفعل.
قلت لأبي عبد الله: من يقول: سمعت رسول الله جندب قال: نعم جندب.
انظر الحديث 6499
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسحاق شيخ البخاري هو إسحاق بن شاهين أبو بشر الواسطي روى عنه في مواضع ولم يزد على قوله: حدثنا إسحاق الواسطي، يروي هنا عن خالد بن عبد الله الطحان، والجريري بضم الجيم وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف نسبة إلى جرير بن عباد أخي الحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن بكر بن وائل، ومن المنسوبين إليه هو سعيد بن إياس الجريري، وطريف بالطاء المهملة على وزن كريم ابن مجالد بضم الميم وتخفيف الجيم الجهيمي بالجيم مصغرا نسبة إلى بني جهيم بطن من تميم، وكان مولاهم وهو بصري وماله في البخاري عن أحد من الصحابة إلا هذا الحديث وحديث آخر مضى في الأدب من روايته عن أبي عثمان النهدي. قوله: أبي تميمة كنية طريف.
هو ابن محرز بن زياد التابعي الثقة المشهور من أهل البصرة. قوله: وجندبا هو ابن عبد الله البجلي الصحابي المشهور. قوله: وأصحابه أي أصحاب صفوان. قوله: وهو يوصيهم أي: صفوان بن محرز يوصيهم، كذا قاله بعضهم فجعل الضمير راجعا، إلى صفوان. وقال الكرماني: وهو ابن جندب كان يوصي أصحابه. فجعل الضمير راجعا إلى جندب، والصواب مع الكرماني يدل عليه أيضا ما ذكره المزي في الأطراف بلفظ: شهدت صفوان وأصحابه وجندبا يوصيهم. قوله: فقالوا أي: فقال صفوان وأصحابه لجندب: هل سمعت من رسول الله شيئا قال: أي جندب: سمعته، أي سمعت النبي يقول: من سمع بالتشديد أي: من عمل للسمعة يظهر الله للناس سريرته ويملأ أسماعهم بما ينطوي عليه من خبث السرائر جزاء لفعله، وقيل: أي يسمعه الله ويريه ثوابه من غير أن يعطيه، وقيل: من أراد بعلمه الناس أسمعه الله الناس وذلك ثوابه فقط. وفيه أن الجزاء من جنس الذنب، وقال الخطابي: من رأى بعمله وسمع الناس يعظموه بذلك: شهره الله يوم القيامة وفضحه حتى يرى الناس ويسمعون ما يحل به من الفضيحة عقوبة على ما كان منه في الدنيا من الشهرة، وقال الداودي: يعني من سمع بمؤمن شيئا بشهرته أقامه الله يوم القيامة مقاما يسمع به. وقال صاحب العين سمعت بالرجل إذا أذعت عنه عيبا، والسمعة ما يسمع به من طعام أو غيره ليرى ويسمع. وقال أبو عبيد في حديث الباب: من سمع الله بعمله سمع الله به خلقه وحقره وصغره. قوله: ومن يشاقق يشقق الله عليه كذا في رواية السرخسي والمستملي بصيغة المضارع وفك القاف في الموضعين، وفي رواية الكشميهني: ومن شاق شق الله عليه
229

بصيغة الماضي والإدغام في الموضعين، وفي رواية الطبراني عن أحمد بن زهير عن إسحاق بن شاهين شيخ البخاري: ومن شاقق يشق الله عليه بصيغة الماضي في الأول والمضارع في الثاني، والمعنى: أن يضل الناس ويحملهم على ما يشق من الأمر، وقيل: المعنى أن يكون ذلك من شقاق الخلاف وهو بأن يكون في شق منهم، وفي ناحية من جماعتهم، وقيل: المعنى النهي عن القول القبيح في المؤمنين وكشف مساويهم وعيوبهم. قوله: فقال أي: جندب: إن أول ما ينتن من الإنسان بطنه وهذا موقوف وكذا أخرجه الطبراني من طريق قتادة عن الحسن البصري عن جندب موقوفا قوله: ينتن بضم الياء وسكون النون من الإنتان وماضيه أنتن، والنتن الرائحة الكريهة، وقال الجوهري: نتن الشيء وأنتن بمعنى فهو منتن ومنتن بكسر الميم اتباعا لكسرة التاء. قوله: إلا طيبا أي: حلالا. قوله: أن لا يحال وفي رواية الكشميهني: أن لا يحول. قوله: بملء كفه وفي رواية الكشميهني: ملء كفه، بغير باء موحدة. قوله: كفه كذا في رواية الأصيلي وكريمة بالضمير، وفي رواية غيرهما. بملء كف، بدون الضمير. قوله: من دم كلمة: من، بيانية. قوله: أهراقه أي: صبه، وقال ابن التين: وقع في روايتنا: إهراقه، والأصل: أراقه، والهاء فيه زائدة. قوله: وأن لا يحال... إلى آخره، موقوف أيضا، وكذا أخرجه الطبراني من طريق قتادة عن الحسن عن جندب موقوفا، وزاد الحسن بعد قوله: قوله: أهراقه كأنما يذبح دجاجة، كلما يقدم لباب من أبواب الجنة حال بينه وبينه، ووقع مرفوعا عند الطبراني أيضا من طريق إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن جندب، ولفظه: تعلمون أني سمعت رسول الله يقول: يحول بين أحدكم وبين الجنة، وهو يراها بملء كف دم من مسلم أهراقه بغير حله وهذا لو لم يرد مصرحا برفعه فكأنه في حكم المرفوع لأنه لا يقال بالرأي، وهو وعيد شديد لقتل المسلم.
قوله: قلت لأبي عبد الله أبو عبد الله هو البخاري، والقائل له هو الفربري، وليس هذا في رواية النسفي.
10
((باب القضاء والفتيا في الطريق))
أي: هذا باب في بيان القضاء أي الحكم والفتيا بضم الفاء يقال: استفتيت الفتيا فأفتاني، والاسم الفتيا والفتوى. قوله: في الطريق، أي: حال كون القضاء والفتيا في الطريق. وقال المهلب: الفتوى في الطريق على الدابة وما يشاكلها من التواضع لله، فإن كانت لضعيف أو جاهل فمحمودة عند الله والناس، وإن تكلف ذلك لرجل من أهل الدنيا ولمن يخشى لسانه فمكروه أن ينزل مكانه. واختلف أصحاب مالك في القضاء سائرا أو ماشيا، فقال أشهب: لا بأس بذلك إذا لم يشغله السير أو المشي عن الفهم، وقال سحنون: لا ينبغي أن يقضي وهو يسير أو يمشي، وقال ابن حبيب: ما كان من ذلك يسيرا كالذي يأمر بسجن من وجب عليه، أو يأمر بشيء، أو يكف
عن شيء فلا بأس بذلك، وأما الابتداء بالنظر ونحوه فلا، وقال ابن بطال: وهو حسن، وقول أشهب أشبه بالدليل، وقال ابن التين: لا يجوز الحكم في الطريق فيما يكون غامضا.
وقضى يحياى بن يعمر في الطريق.
يعمر بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وفتح الميم وبالراء التابعي الجليل المشهور، وكان من أهل البصرة فانتقل إلى مرو بأمر الحجاج فولي قضاء مرو لقتيبة بن مسلم، وكان من أهل الفصاحة والورع، وقال الحكم: وقضى في أكثر مدن خراسان، وكان إذا تحول إلى بلدة استخلف في التي انتقل منها. وفي التوضيح يحيى بن يعمر قضى في الطريق لعله فيما كان فيه نص أو مسألة لا تحتاج إلى فكر دون ما غامض. قوله: في الطريق أي: حال كونه في الطريق، ووصل هذا محمد بن سعد في الطبقات عن شبابة عن موسى بن يسار، قال: رأيت يحيى بن يعمر على القضاء بمرو، فربما رأيته يقضي في السوق وفي الطريق، وربما جاءه الخصمان وهو على حمار فيقضي بينهما.
وقضى الشعبي على باب داره.
230

الشعبي هو عامر بن شراحيل بن عبد الله أبو عمر، ونسبته إلى شعب من همدان، مات في أول سنة ست ومائة وهو ابن سبع وسبعين سنة، وقال منصور بن عبد الرحمان الفداني عن الشعبي: أدركت خمسمائة من أصحاب رسول الله يقولون علي وطلحة والزبير في الجنة، وروى عنه جماعة كثيرون منهم الإمام أبو حنيفة، رضي الله تعالى عنه، قوله: على باب داره أي: حال كونه على باب داره، وقال ابن سعد في الطبقات أخبرنا أبو نعيم أخبرنا ابن أبي شيبة حدثنا أبو إسرائيل، رأيت الشعبي يقضي عند باب الفيل بالكوفة.
7153 حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير عن منصور عن سالم بن أبي الجعد، حدثنا أنس بن مالك، رضي الله عنه، بينما أنا والنبي خارجان من المسجد فلقينا رجل عند سدة المسجد، فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال النبي ما أعددت لها فكأن الرجل استكان ثم قال: يا رسول الله ما أعددت لها كثير صيام ولا صلاة ولا صدقة، ولاكني أحب الله ورسوله. قال: أنت مع من أحببت
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: عند سدة المسجد لأن السدة في قوله هي الساحة أمام البيت. وقيل: هي باب الدار، وقيل: هي المظلة على الباب لوقاية المطر والشمس، وقيل: عتبة الدار، وقيل لإسماعيل بن عبد الرحمان: السدي، لأنه كان يبيع المقانع عند سدة مسجد الكوفة، وهي بضم السين وتشديد الدال المهملتين.
وعثمان شيخ البخاري أخو أبي بكر بن أبي شيبة، وجرير هو ابن عبد الحميد، ومنصور هو ابن المعتمر، وسالم بن أبي الجعد بفتح الجيم وسكون العين المهملة، واسم أبي الجعد رافع الأشجعي مولاهم الكوفي، مات في سنة تسع أو ثمان وتسعين في ولاية سليمان بن عبد الملك.
والحديث مضى في الأدب عن عبدان عن أبيه، ومضى الكلام فيه.
قوله: ما أعددت لها؟ كذا في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره: ما عددت، بالتشديد مثل أي: ما هيأت للساعة واستعددت لها؟ قوله: استكان أي: خضع وهو من باب استفعل من السكون الدال على الخضوع، وقال الداودي: أي: سكن. وقال الكرماني: استكان افتعل من السكون، فالمد شاذ، وقيل: استفعل من السكون فالمد قياس. قوله: كثير صيام بالثاء المثلثة عند البعض وعند الأكثرين بالباء الموحدة.
11
((باب ما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له بواب))
أي: هذا باب في بيان ما ذكر أن النبي لم يكن له بواب ليمنع الناس. وقال المهلب: لم يكن للنبي، بواب راتب. فإن قلت: قد تقدم أن أبا موسى كان بوابا للنبي لما جلس على القف. قلت: الجمع بينهما أنه إذا لم يكن في شغل من أهله ولا انفرد لشيء من أمره أنه كان يرفع حجابه بينه وبين الناس ويبرز لطالب الحاجة إليه، وقد تقدم في النكاح أنه كان في وقت خلوته يتخذ بوابا.
7154 حدثنا إسحاق، أخبرنا عبد الصمد، حدثنا شعبة، حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك يقول لامرأة من أهله: تعرفين فلانة؟ قالت: نعم. قال: فإن النبي مر بها وهي تبكي عند قبر، فقال: اتقي الله واصبري فقالت إليك عني فإنك خلو من مصيبتي، قال: فجاوزها ومضى، فمر بها رجل فقال: ما قال لك رسول الله قالت ما عرفته. قال: إنه لرسول الله قال: فجاءت إلى بابه فلم تجد عليه بوابا، فقالت: يا رسول الله والله ما عرفتك فقال النبي الصبر عند أول صدمة
231

مطابقته للترجمة في قوله: فجاءت إلى بابه فلم تجد عليه بوابا
وإسحاق شيخ البخاري هو ابن منصور، وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث.
والحديث مضى في الجنائز عن آدم بن أبي إياس وعن بندار عن غندر، ومضى الكلام فيه.
قوله: عند قبر وكان قبر ابنها. قوله: وهي تبكي الواو فيه للحال. قوله: فلانة غير منصرف كناية عن أعلام إناث الأناسي. قوله: إليك عني أي: تنح عني وكف نفسك عني. قوله: خلو بكسر الخاء المعجمة وهو الخالي. قوله: فمر بها رجل هو الفضل بن عباس. قوله: الصبر ويروى: إن الصبر. قوله: عند أول صدمة وفي رواية الكشميهني: عند الصدمة الأولى. أي: عند فورة المصيبة وشدتها، والصدم ضرب الشيء الصلب بمثله، والصدمة المرة منه.
واختلف في مشروعية الحاجب للحاكم، فقال الشافعي وجماعة. ينبغي للحاكم أن لا يتخذ حاجبا، وذهب آخرون إلى جوازه، وقال آخرون: بل يستحب ذلك لترتيب
الخصوم ومنع المستطيل ودفع الشرير، ونقل ابن التين عن الداودي قال: الذي أحدثه بعض القضاة من شدة الحجاب وإدخال بطائق الخصوم لم يكن من فعل السلف، ولن يأتي آخر هذه الأمة بأفضل ما أتى به أولها، وهذا من التكبر، وكان عمر، رضي الله تعالى عنه، يرقد في الأفنية نهارا.
12
((باب الحاكم يحكم بالقتل على من وجب عليه دون الإمام الذي فوقه))
أي: هذا باب مترجم بقوله: الحاكم... إلى آخره، فقوله: الحاكم مرفوع على الابتداء، وقوله: يحكم بالقتل خبره وليس لفظ الباب مضافا إلى الحاكم، واختلف العلماء في هذا الباب، فقال ابن القاسم في المجموعة لا يقيم الحدود في القتل ولاة المياه ليجلب إلى الأمصار، ولا يقام القتل بمصر كلها إلا بالفسطاط، أو يكتب إلى والي الفسطاط بذلك. وقال أشهب: من ولاه الأمير وجعله واليا على بعض المياه وجعل ذلك إليه فليقم الحد في القتل والقطع وغير ذلك، وإن لم يجعله إليه فلا يقيمه. وذكر الطحاوي عن أصحابنا الكوفيين قال: لا يقيم الحدود إلا أمراء الأمصار وحكامها، ولا يقيمها عامل السواد ونحوه. وقال الشافعي: إذا كان الوالي عدلا يضع الصدقة مواضعها فله عقوبة من غل الصدقة، وإن لم يكن عدلا فله أن يعزره.
7155 حدثنا محمد بن خالد الذهلي، حدثنا الأنصاري محمد، حدثنا أبي عن ثمامة، عن أنس أن قيس بن سعد كان يكون بين يدي النبي بمنزلة صاحب الشرط من الأمير
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث لأن قيس بن سعد لما قدم رسول الله كان في تعديته وينفذ في أموره ويدخل في الترجمة وإن كان لا يخلي عن النظر.
ومحمد بن خالد هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس الذهلي وقد ذكرنا غير مرة عن الكلاباذي وغيره أخرج عن محمد هذا فلم يصرح به فتارة يقول: حدثنا محمد، وتارة: محمد بن عبد الله، فينسبه إلى جده، وتارة: محمد بن خالد، فينسبه إلى جد أبيه، وقد ذكر السبب فيه، والأنصاري هو محمد بن عبد الله الأنصاري، ووقع هكذا في رواية الأكثرين، ووقع في رواية أبي زيد المروزي: حدثنا الأنصاري محمد، فقدم النسبة على الاسم ولم يسم أباه، وأبوه عبد الله بن المثنى عن عبد الله بن أنس، وثمامة بضم الثاء المثلثة وتخفيف الميم هو عم أبيه وهو ابن عبد الله بن أنس بن مالك، وقد أخرج البخاري عن الأنصاري بلا واسطة عدة أحاديث في الزكاة والقصاص وغيرهما، وروى عنه بواسطة في عدة مواضع في الاستسقاء وفي بدء الخلق وفي شهود الملائكة بدرا وغيرها.
قوله: أن قيس بن سعد زاد في رواية المروزي: ابن عبادة وهو الأنصاري الخزرجي الذي كان والده رئيس الخزرج. قوله: كان يكون بين يدي النبي وقال الكرماني: فائدة تكرار الكون بيان الاستمرار والدوام، وقال بعضهم بعد أن نقل هذا الكلام عن الكرماني: قد وقع في رواية الترمذي وابن حبان والإسماعيلي وأبي نعيم وغيرهم من طرق عن الأنصاري بلفظ: كان قيس بن سعد بين يدي النبي قال: فظهر أن ذلك من تصرف الرواة. انتهى. قلت: غرضه الغمز على الكرماني لأن ما قاله الكرماني أولى وأحسن من نسبة هذا إلى تصرف الرواة، وليس للرواة إلا نقل ما حفظوه من الأحاديث، وليس لهم أن يتصرفوا فيها من عند أنفسهم، وفي رواية الترمذي ومن ذكر معه بلفظ: كان قيس بن سعد، لا يستلزم نفي رواية: كان يكون،
232

وكل منهم لا يروي إلا ما حفظه. قوله: صاحب الشرط بضم الشين المعجمة وفتح الراء جمع شرطة وهم أول الجيش سموا بذلك لأنهم أعلموا أنفسهم بعلامات والأشراط الأعلام، وصاحب الشرط معناه العلامات يعرف بها، الواحد شرطة والنسبة إليها شرطي بضمتين، وقد تفتح الراء. وقيل: المراد بصاحب الشرطة كبيرهم، وقال الأزهري: شرطة كل شيء خياره، ومنه الشرطة لأنهم نخبة الجند. وقيل: سموا بذلك لأنهم أعدوا أنفسهم لذلك، يقال: أشرط فلان نفسه لأمر كذا إذا أعدها، قاله أبو عبيدة، وقيل: مأخوذ من الشريط وهو الحبل المبرم لما فيهم من الشدة.
وفي الحديث: تشبيه ما مضى بما حدث بعده، لأن صاحب الشرطة لم يكن موجودا في العهد النبوي عند أحد من العمال، وإنما حدث في دولة بني أمية، فأراد أنس بن مالك تقريب حال قيس بن سعد عند السامعين فشبهه بما يعهدونه.
7156 حدثنا مسدد، حدثنا يحياى عن قرة، حدثني حميد بن هلال، حدثنا أبو بردة عن أبي موساى أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه وأتبعه بمعاذ
مطابقته للترجمة من حيث إن هذا الحديث قطعة من الحديث الذي أخرجه مطولا في كتاب استتبابة المرتدين بهذا الإسناد بعينه عن مسدد عن يحيى القطان عن قرة بن خالد السدوسي عن حميد بن هلال عن أبي بردة، بضم الباء الموحدة عامر أو الحارث عن أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس، وفيه: قتل معاذ المرتد دون أن يرفع أمره إلى رسول الله وبه احتج من رأى أن للحاكم والوالي إقامة الحدود دون الإمام الذي فوقه.
قوله: بعثه أي: أرسله إلى اليمن قاضيه ثم أتبعه بمعاذ بن جبل، رضي الله تعالى عنه.
7157 حدثني عبد الله بن الصباح، حدثنا محبوب بن الحسن، حدثنا خالد، عن حميد بن هلال، عن أبي بردة عن أبي موساى أن رجلا أسلم ثم تهود، فأتى معاذ بن جبل وهو عند أبي موسى، فقال: ما لهاذا؟ قال: أسلم ثم تهود، قال: لا أجلس حتى أقتله، قضاء الله ورسوله
مطابقته للترجمة مثل ما ذكرناه في الحديث السابق على أنه أيضا أخرجه من طريق آخر عن عبد الله بن الصباح بتشديد الباء الموحدة العطاردي البصري عن محبوب ضد المبغوض ابن الحسن القرشي البصري، ويقال: اسمه محمد ومحبوب لقب له وهو به أشهر، وهو مختلف في الاحتجاج به وليس له في البخاري سوى هذا الموضع، وهو في حكم المتابعة لأنه قد تقدم في استتابة المرتدين من وجه آخر: عن حميد بن هلال، وخالد الذي روى عنه محبوب هو الحذاء.
13
((باب هل يقضي الحاكم أو يفتي وهو غضبان؟))
أي: هذا باب في بيان هل يقضي الحاكم، هكذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: هل يقضي القاضي؟ وجواب الاستفهام محذوف يوضحه حديث الباب.
7158 حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا عبد الملك بن عمير، سمعت عبد الرحمان بن أبي بكرة قال: كتب أبو بكرة إلى ابنه وكان بسجستان بأن لا تقضي بين اثنين وأنت غضبان فإني سمعت النبي يقول لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان
مطابقته للترجمة ظاهرة، ورجاله قد ذكروا غير مرة. وأبو بكرة اسمه نفيع بن الحارث الثقفي.
والحديث أخرجه مسلم في الأحكام أيضا عن قتيبة وغيره. وأخرجه ابن ماجة في الأحكام عن هشام بن عمار وغيره.
قوله كتب أبو بكرة إلى ابنه وفي رواية الترمذي: عن عبد الرحمان بن أبي بكرة، قال: كتب أبي إلى عبيد الله بن أبي بكرة، وهذا يفسر رواية البخاري
233

المبهمة، وكذا وقع في أطراف المزي: إلى ابنه عبيد الله، ووقع في رواية مسلم عن عبد الرحمان قال: كتب أبي، وكتبت إلى عبيد الله بن أبي بكرة، قيل: معناه كتب أبو بكرة بنفسه مرة، وأمر ولده عبد الرحمان أن يكتب لأخيه فكتب له مرة أخرى. انتهى. وقال بعضهم: ولا يتعين ذلك بل الذي يظهر أن قوله: كتب أبي أي: أمر بالكتابة. وقوله: وكتبت له أي: باشرت الكتابة التي أمر بها، والأصل عدم التعدد. انتهى. قلت: الأصل عدم التعدد والأصل عدم ارتكاب المجاز والعدول عن ظاهر الكلام لا لعلة، وما المانع من التعدد؟. قوله: وكان بسجستان وفي رواية مسلم: وهو قاضي بسجستان، وهي جملة حالية وهي في الأصل اسم إقليم من الأقاليم العراقية وهو إقليم عظيم واسم قصبته زرنج، بفتح الزاي والراء وسكون النون وبالجيم، وهي مدينة كبيرة من سجستان. وقال ابن حوقل: وقد يطلق على زرنج نفسها سجستان. قلت: اسم سجستان أنسي هذا اليوم وأطلق اسم الإقليم على المدينة وهي بين خراسان ومكران والسند، وبين كرمان بينهما وبين كرمان مائة فرسخ منها أربعون فرسخا مفازة ليس فيها ماء، والنسبة إليها سجستاني وسجزي بزاي بدل السين الثانية والتاء وهو على غير قياس. قوله: غضبان الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام، وروى الترمذي من حديث أبي سعيد مرفوعا ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم، أما ترون إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه؟ قوله: حكم بفتحتين هو الحاكم. وقال المهلب: سبب هذا النهي أن الحكم حالة الغضب قد يتجاوز إلى غير الحق فمنع. وبذلك قال فقهاء الأمصار، وقال الغزالي: فهم من هذا الحديث أنه لا يقضي حاقنا أو جائعا أو متألما بمرض. وقال الرافعي: وكذلك لا يقضي بكل حال يسوء خلقه فيها ويتغير عقله فيها. بجوع وشبع مفرط ومرض مؤلم وخوف مزعج وحزن وفرح شديدين وكغلبة نعاس وملال، وكذا لو حضره طعام ونفسه تتوق إليه. قال: والمقصود أن يتمكن من استيفاء الفكر والنظر. فإن قلت: هل هذا النهي نهي تحريم أو كراهة؟. قلت: نهي تحريم عند أهل الظاهر، وحمله العلماء على الكراهة حتى لو حكم في حال غضبه بالحق نفذ حكمه، وهو مذهب الجمهور. فإن قلت: قد صح عنه، أنه قد حكم في حالة غضبه كحكمه للزبير في شراج الحرة حين قال له الأنصاري: إن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وقال: اسق يا زبير... الحديث، وفي الصحيح أيضا في قصة عبد الله بن عمر حين طلق امرأته وهي حائض، فذكره عمر، رضي الله تعالى عنه، لرسول الله، فتغيظ رسول الله، قلت: أجابوا عنه بأجوبة أحسنها أنه كان معصوما فلا يتطرق إليه احتمال ما يخشى من غيره في الحكم وغيره.
7159 حدثنا محمد بن مقاتل، أخبرنا عبد الله، أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي مسعود الأنصاري قال: جاء رجل إلى رسول الله فقال: يا رسول الله إني والله لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا فيها قال: فما رأيت النبي قط أشد غضبا في موعظة منه يومئذ، ثم قال: يا أيها الناس إن منكم منفرين، فأيكم ما صلى بالناس فليوجز، فإن فيهم الكبير والضعيف وذا الحاجة
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الله الذي روى عنه شيخ البخاري عبد الله بن المبارك، وأبو مسعود عقبة بن عمرو.
والحديث مضى في كتاب العلم في: باب الغضب في الموعظة، عن محمد بن كثير، ومضى أيضا في كتاب الصلاة في: باب تخفيف الإمام في القيام عن أحمد بن يونس، ومضى الكلام فيه.
قوله: فليوجز أي: فليختصر، ويروى: فليتجوز.
7160 حدثنا محمد بن أبي يعقوب الكرماني، حدثنا حسان بن إبراهيم، حدثنا يونس قال محمد: أخبرني سالم أن عبد الله بن عمر أخبره أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر عمر للنبي
234

فتغيظ فيه رسول الله ثم قال: ليراجعها ثم ليمسكها، حتى تطهر ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها
مطابقته للترجمة ظاهرة. واسم أبي يعقوب إسحاق الكرماني نسبته إلى كرمان، قال الكرماني: المشهور عند المحدثين فتح الكاف لكن أهلها يقولون بالكسر وأهل مكة أعرف بشعابها وهو بلد أهل السنة والجماعة، ولا يكاد يوجد فيها شيء من العقائد الفاسدة وهي مولدي وأول أرض مس جلدي ترابها، ويونس هو ابن يزيد الأيلي، ومحمد هو الزهري.
قوله: فتغيظ فيه وفي رواية الكشميهني: فتغيظ عليه، والضمير في: فيه، يرجع إلى الفعل المذكور وهو الطلاق الموصوف، وفي: عليه، للفاعل وهو ابن عمر.
والحديث مضى في الطلاق في مواضع في أوائله.
14
((باب من رأى للقاضي أن يحكم بعلمه في أمر الناس إذا لم يخف الظنون والتهمة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لهند: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) وذالك إذا كان أمر مشهور))
أي: هذا باب في بيان من رأى من الفقهاء أن للقاضي، ويروي: للحاكم أن يحكم بعلمه في أمر الناس، وأشار بهذا إلى قول الإمام أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه، فإن مذهبه أن للقاضي أن يحكم بعلمه في حقوق الناس، وقيد به لأنه ليس له أن يقضي بعلمه في حقوق الله كالحدود.
قوله: إذا لم يخف أي: القاضي الظنون والتهمة بفتح الهاء، وشرط شرطين في جواز ذلك: أحدهما: عدم التهمة. والآخر: وجود شهرة القضية، أشار إليه بقوله: إذا كان أمر مشهور قوله: كما قال النبي إلى آخره، ذكره في معرض الاحتجاج لمن رأى أن للقاضي أن يحكم بعلمه، فإن النبي قضى لهند بنفقتها ونفقة ولدها على أبي سفيان لعلمه بوجوب ذلك، وهند هي بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف أم معاوية زوجة أبي سفيان بن حرب أسلمت عام الفتح بعد إسلام زوجها. وهذا وصله البخاري في النفقات.
ثم هذه المسألة فيها أقوال للعلماء، فقال الشافعي: يجوز للقاضي ذلك في حقوق الناس سواء علم ذلك قبل القضاء أو بعده، وبه قال أبو ثور، وقال أبو حنيفة: ما علمه قبل القضاء من حقوق الناس لا يحكم فيه بعلمه ويحكم فيما إذا علمه بعد القضاء. وقال أبو يوسف ومحمد يحكم فيما علمه قبل القضاء، وقال شريح والشعبي ومالك في المشهور عنه، وأحمد وإسحاق وأبو عبيد: لا يقضي بعلمه أصلا. وقال الأوزاعي: ما أقر به الخصمان عنده أخذهما به وأنفذه عليهما إلا الحد. وقال عبد الملك: يحكم بعلمه فيما كان في مجلس حكمه، وقال الكرابيسي: الذي عندي أن شرط جواز الحكم بالعلم أن يكون الحاكم مشهورا بالصلاح والعفاف والصدق، ولم يعرف بكثير زلة ولم يوجد عليه جريمة بحيث تكون أسباب التقى فيه موجودة، وأسباب التهم فيه مفقودة، فهذا الذي يجوز له أن يحكم بعلمه مطلقا.
7161 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، حدثني عروة أن عائشة، رضي الله عنها، قالت: جاءت هند بنت عتبة بن ربيعة فقالت: يا رسول الله والله ما كان على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يذلوا من أهل خبائك، وما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يعزوا من أهل خبائك، ثم قالت: إن أبا سفيان رجل مسيك فهل علي من حرج أن أطعم الذي له عيالنا؟ قال لها: لا حرج عليك أن تطعميهم من معروف.
مطابقته للترجمة تؤخذ من آخر الحديث فإن فيه قضاء النبي بعلمه، كما ذكرناه عن قريب.
وأبو اليمان الحكم بن نافع، وقد مضت في كتاب النفقات قضية هند حيث قال البخاري: باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ... إلى آخره.
وأخرجه عن محمد بن المثنى عن يحيى عن هشام عن أبيه... إلى آخره، وهنا من طريق الزهري عن عروة عن عائشة، وفيه زيادة على ذلك قوله: خبائك بالمد هي الخيمة، قيل: أرادت بقولها أهل خبائك نفسه وكنت عنه بأهل الخباء إجلالا له، ويحتمل أنها
235

أرادت به أهل بيته أو صحابته، وقيل: الدار يسمى خباء والقبيل يسمى خباء، وهذا من الاستعارة والمجاز. قوله: أن يذلوا كلمة: أن، مصدرية أي: ذلتهم، وكذلك الكلام في: أن يعزوا قوله: مسيك بكسر الميم وتشديد السين المهملة صيغة مبالغة في مسك اليد يعني بخيل جدا، ويجوز فتح الميم وكسر السين المخففة. قوله: من حرج أي: من إثم. قوله: إن أطعم أي: بأن أطعم وعيالنا منصوب لأنه مفعول: أطعم. قوله: لا حرج عليك أي: لا إثم عليك ولا منع من أن تطعميهم من معروف يعني: لا يكون فيه إسراف ونحوه. فإن قلت: كيف يصح الاستدلال بهذا الحديث على جواز حكم القاضي بعلمه لأنه خرج مخرج الفتيا؟. قلت: الأغلب من أحوال النبي الحكم والإلزام.
15
((باب الشهادة على الخط المختوم وما يجوز من ذالك وما يضيق عليهموكتاب الحاكم إلى عامله، والقاضي إلى القاضي))
أي: هذا باب في بيان حكم الشهادة على الخط المختوم بالخاء المعجمة والتاء المثناة من فوق، هكذا في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني: المحكوم، بالحاء المهملة والكاف، وليست هذه اللفظة بموجودة عند ابن بطال، ومعناه: هل تصح الشهادة على خط بأنه خط فلان؟ وقيد: بالمختوم، لأنه أقرب إلى عدم التزوير على الخط. قوله: وما يجوز من ذلك أي: من الشهادة على الخط. قوله: وما يضيق أي: وما لا يجوز من ذلك، وحاصل المعنى أن القول بجواز الشهادة على الخط ليس على العموم نفيا وإثباتا لأنه لو منع مطلقا تضيع الحقوق ولا يعمل به مطلقا، لأنه لا يؤمن فيه التزوير، فحينئذ يجوز ذلك بشروط، قوله: وكتاب الحاكم إلى عماله عطف على قوله: باب الشهادة، أي: وفي بيان جواز كتاب الحاكم إلى عماله، بضم العين وتشديد الميم جمع عامل. قوله: وكتاب القاضي إلى القاضي أي: وفي بيان جواز كتاب القاضي إلى القاضي، وهذه الترجمة مشتملة على ثلاثة أحكام كما رأيتها ويجيء الآن بيان حكم كل منها مع بيان الخلاف فيها.
وقال بعض الناس: كتاب الحاكم جائز إلا في الحدود، ثم قال: إن كان القتل خطأ فهو جائز لأن هاذا مال بزعمه، وإنما صار مالا بعد أن ثبت القتل، فالخطأ والعمد واحد.
أراد ببعض الناس الحنفية، وليس غرضه من ذكر هذا ونحوه مما مضى إلا التشنيع على الحنفية لأمر جرى بينه وبينهم، وحاصل غرض البخاري من هذا الكلام إثبات المناقضة فيما قاله الحنفية، فإنهم قالوا: كتاب القاضي إلى القاضي جائز إلا في الحدود، ثم قالوا: إن كان القتل خطأ يجوز فيه كتاب القاضي إلى القاضي، لأن قتل الخطأ في نفس الأمر مال لعدم القصاص، فيلحق بسائر الأموال في هذا الحكم، وقوله: وإنما صار مالا إلى آخره بيان وجه المناقضة في كلام الحنفية حاصله إنما يصير قتل الخطأ مالا بعد ثبوته عند الحاكم، والخطأ والعمد واحد يعني في أول الأمر حكمهما واحد لا تفاوت في كونهما حدا، والجواب عن هذا أن يقال: لا نسلم أن الخطأ والعمد واحد، وكيف يكونا واحدا ومقتضى العمد القصاص، ومقتضى الخطأ عدم القصاص ووجوب المال لئلا يكون دم المقتول خطأ هدرا، وسواء كان هذا قبل الثبوت أو بعده.
وقد كتب عمر إلى عامله في الحدود.
أي: كتب عمر بن الخطاب إلى عامله في الحدود، وغرضه من إيراد هذا، الرد على الحنفية أيضا في عدم رؤيتهم جواز كتاب القاضي إلى القاضي في الحدود، ولا يرد على ما نذكره، وذكر هذا الأثر عن عمر للرد عليهم فيما قالوه. قوله: في الحدود، رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني: في الجارود، بالجيم وبالراء المضمومة وفي آخره دال مهملة وهو الجارود بن المعلى يكنى أبا غياث كان سيدا في عبد القيس رئيسا، قال ابن إسحاق: قدم على رسول الله في سنة عشر في وفد عبد القيس وكان نصرانيا فأسلم وحسن إسلامه، ويقال: إن اسمه بشر بن عمرو، وإنما قيل له: الجارود، لأنه أغار في الجاهلية على بكر بن وائل ومن معه فأصابهم وجردهم وسكن البصرة إلى أن مات وقيل: بأرض فارس،
236

وقيل: قتل بأرض نهاوند مع النعمان بن مقرن في سنة إحدى وعشرين، وله قصة مع قدامة بن مظعون عامل عمر، رضي الله تعالى عنه، على البحرين أخرجهما عبد الرزاق من طريق عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: استعمل عمر قدامة بن مظعون، فقدم الجارود سيد عبد القيس على عمر فقال: إن قدامة شرب فسكر، فكتب عمر إلى قدامة في ذلك، فذكر القصة بطولها في قدوم قدامة وشهادة الجارود وأبي هريرة عليه، وجلده الحد... والجواب عنه أن كتاب عمر، رضي الله تعالى عنه، إلى عامله لم يكن في إقامة الحد، وإنما كان لأجل كشف الحال. ألا يرى أن عمر هو الذي أقام الحد فيه بشهادة الجارود وأبي هريرة؟.
وكتب عمر بن عبد العزيز في سن كسرت.
أي: كتب إلى عامله زريق بن حكيم في شأن سن كسرت، وكان كتب إليه كتابا أجاز فيه شهادة رجل على سن كسرت، وهذا وصله أبو بكر الخلال في كتاب القصاص والديات من طريق عبد الله بن المبارك عن حكيم بن زريق عن أبيه، فذكر ما ذكرناه.
وقال إبراهيم كتاب القاضي إلى القاضي جائز إذا عرف الكتاب والخاتم.
إبراهيم هو النخعي، ووصله ابن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن عبيدة عنه.
وكان الشعبي يجيز الكتاب المختوم بما فيه من القاضي.
الشعبي هو عامر بن شراحيل التابعي الكبير، ووصله ابن أبي شيبة من طريق عيسى بن أبي عزة، قال: كان عمر يعني: الشعبي يجيز الكتاب المختوم يجيئه من القاضي.
ويرواى عن ابن عمر نحوه.
أي: يروى عن عبد الله بن عمر نحو ما روي عن الشعبي، ولم يصح هذا، فلذلك ذكره بصيغة التمريض.
وقال معاوية بن عبد الكريم الثقفي: شهدت عبد الملك بن يعلى قاضي البصرة وإياس بن معاوية والحسن وثمامة بن عبد الله بن أنس وبلال بن أبي بردة وعبد الله بن بريدة الأسلمي وعامر بن عبيدة وعباد بن منصور يجيزون كتب القضاة بغير محضر من الشهود، فإن قال الذي جيء عليه بالكتاب: إنه زور، قيل له: اذهب فالتمس المخرج من ذالك.
معاوية بن عبد الكريم الثقفي المعروف بالضال بالضاد المعجمة واللام المشددة، سمي بذلك لأنه ضل في طريق مكة، وثقه أحمد وأبو داود والنسائي، ومات سنة ثمانين ومائة، ووصل أثره وكيع في مصنفه عنه. قوله: شهدت أي: حضرت عبد الملك بن يعلى بوزن. يرضى، التابعي الثقة، ولاه يزيد بن هبيرة قضاء البصرة لما ولي إمارتها من قبل يزيد بن عبد الملك بن مروان، ومات على القضاء بعد المائة بسنتين أو ثلاث، ويقال: بل عاش إلى خلافة هشام بن عبد الملك، فعزله. قوله: وإياس بكسر الهمزة وتخفيف الياء آخر الحروف وبالسين المهملة ابن معاوية المزني المعروف بالذكاء، وكان قد ولي قضاء البصرة في خلافة عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه، ولاه عدي بن أرطأة عامل عمر عليها بعد امتناع منه، مات سنة ثنتين ومائة وهو ثقة عند الجميع. قوله: والحسن هو البصري الإمام المشهور، وكان ولي قضاء البصرة مدة لطيفة، ولاه عدي بن أرطاة عاملها وأبوه يسار رأى مائة وعشرين من أصحاب رسول الله، مات في شهر رجب سنة عشر ومائة وهو ابن تسع وثمانين سنة. قوله: وثمامة، بضم الثاء المثلثة وتخفيف الميمين ابن عبد الله بن أنس بن مالك، وكان تابعيا ثقة، ولي قضاء البصرة في أوائل خلافة ابن هشام بن عبد الملك، ولاه خالد القسري سنة ست ومائة، وعزله سنة عشر، وولى بلال بن
237

أبي بردة، ومات ثمامة بعد ذلك، روى عن جده أنس بن مالك والبراء بن عازب. قوله: وبلال بن أبي بردة بضم الباء الموحدة اسمه عامر أو الحارث بن أبي موسى الأشعري، وكان صديق خالد بن عبد الله القسري فولاه قضاء البصرة لما ولي إمرتها من قبل هشام بن عبد الملك، وضم إليه الشرطة وكان أميرا وقاضيا، إلى أن قتله يوسف بن عمر الثقفي لما ولي الإمرة بعد خالد، ولم يكن محمودا في أحكامه. قوله: وعبد الله بن بريدة بضم الباء الموحدة وفتح الراء الأسلمي التابعي المشهور، وكان ولي قضاء مرو بعد أخيه سليمان سنة خمس ومائة إلى أن مات وهو على قضائها سنة خمس عشرة ومائة، وذلك في ولاية أسد بن عبد الله القسري على خراسان، وهو أخو خالد القسري. وحديث عبد الله بن بريدة الحصيب هذا في الكتب الستة. قوله: وعامر بن عبيدة بضم العين وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف، وقيل: عبدة، بفتحتين، وقيل: عبدة، بفتح العين وسكون الباء وهو تابعي قديم ثقة، وحديثه عند النسائي وعامر كان ولي القضاء بالكوفة مرة. قوله: وعباد بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن منصور الناجي بالنون والجيم أبو سلمة البصري، قال أبو داود: ولي قضاء البصرة خمس مرات، وكان يرمى بالقدر فلذلك ضعفوه، وحديثه في السنن الأربعة وعلق له البخاري شيئا، مات سنة اثنتين وخمسين ومائة. قوله: يجيزون جملة حالية. قوله: فالتمس المخرج بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة أي:
اطلب الخروج من عهدة ذلك إما بالقدح في البينة بما يقبل فتبطل الشهادة، وإما بما يدل على البراءة من المشهود به.
وأول من سأل على كتاب القاضي البينة ابن أبي ليلى وسوار بن عبد الله.
ابن أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمان بن أبي ليلى، واسم أبي ليلى يسار قاضي الكوفة، وأول ما وليها في زمن يوسف بن عمر الثقفي في خلافة الوليد بن يزيد، ومات سنة أربعين ومائة وهو صدوق اتفقوا على ضعف حديثه من قبل سوء حفظه وحديثه في السنن الأربعة. وسوار بفتح السين المهملة وتشديد الواو ابن عبد الله العنبري نسبة إلى بني العنبر من بني تميم قال ابن حبان في الثقات: كان فقيها ولاه المنصور قضاء البصرة سنة ثمان وثلاثين ومائة فبقي على قضائها إلى أن مات في ذي القعدة سنة ست وخمسين ومائة.
* (وقال لنا أبو نعيم: حدثنا عبيد الله بن محرز جئت بكتاب من موساى بن أنس قاضي البصرة وأقمت عنده البينة أن لي عند فلان كذاا وكذاا وهو بالكوفة وجئت به القاسم بن عبد الرحمان فأجازه) *.
أبو نعيم الفضل بن دكين أحد مشايخ البخاري نقله عنه مذاكرة، وعبيد الله بن محرز بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الراء وفي آخره زاي هو كوفي، وماله في البخاري سوى هذا الأثر، وموسى بن أنس بن مالك قاضي البصرة التابعي المشهور ثقة، وحديثه في الكتب الستة، وكان ولي القضاء بالبصرة في ولاية الحكم بن أيوب الثقفي، والقاسم بن عبد الرحمان بن عبد الله بن مسعود وكان على قضاء البصرة من عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه، وكان لا يأخذ على القضاء أجرا، وكان ثقة صالحا من التابعين، لقي جابر بن سمرة، قيل: إنه مات سنة ست عشرة ومائة. قوله: فأجازه بالجيم أي: أمضاه وعمل به، وفي مغني الحنابلة يشترط في قول أئمة الفتوى أن يشهد بكتاب القاضي إلى القاضي شاهدان عدلان ولا يكفي معرفته خط القاضي وختمه، وحكى عن الحسن وسوار والحسن العنبري أنهم قالوا: إذا كان يعرف خطه وختمه قبله، وهو قول أبي ثور أيضا. وفي التوضيح واختلفوا إذا أشهد القاضي شاهدين على كتابه ولم يقرأه عليهما ولا عرفهما بما فيه، فقال مالك: يجوز ذلك ويلزم القاضي المكتوب إليه قبوله. بقول الشاهدين: هذا كتابه دفعه إلينا مختوما، وقال أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور: إذا لم يقرأه عليهما القاضي ولم يحرره لم يعمل القاضي المكتوب إليه بما فيه، وروي عن مالك مثله، واختلفوا إذا انكسر ختم الكتاب، فقال أبو حنيفة وزفر: لا يقبله الحاكم، وقال أبو يوسف: يقبله ويحكم به إذا شهدت به البينة، وبه قال الشافعي.
238

وكره الحسن وأبو قلابة أن يشهد على وصية حتى يعلم ما فيها لأنه لا يدري لعل فيها جورا.
الحسن هو البصري، وأبو قلابة بكسر القاف وتخفيف اللام هو عبد الله بن زيد الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء. قوله: أن يشهد بفتح الياء وفاعله محذوف تقدير: أن يشهد أحد على وصية... إلى آخره. قوله: جورا بفتح الجيم وهو في الأصل: الظلم، والمراد به هنا غير الحق، وقال الداودي: هذا هو الصواب الذي لا شك فيه أنه لا يشهد على وصية حتى يعلم ما فيها، وتعقبه ابن التين فقال: لا أدري لم صوبه وهي إن كان فيها جور يوجب الحكم أن لا يمضي لا يمض وإن كان يوجب الحكم إمضاءه يمض، ومذهب مالك: جواز الشهادة على الوصية وإن لم يعلم الشاهد ما فيها.
وقد كتب النبي إلى أهل خيبر: إما أن يدوا صاحبكم وإما أن تؤذنوا بحرب.
هذا قطعة من حديث سهل بن أبي حثمة في قصة حويصة ومحيصة وقتل عبد الله بن سهل بخيبر، وسيأتي هذا بعد عدة أبواب في: باب كتاب الحاكم إلى عماله. قوله: إما أن يدوا أي: إما أن يعطوا الدية، وهو من ودى يدي إذا أعطى الدية، وأصل: يدوا، يوديوا، فحذفت الواو التي هي فاء الفعل في المفرد لوقوعها بين الياء والكسرة، ثم حذفت في التثنية والجمع تبعا للمفرد، ثم نقلت ضمة الياء إلى الدال فالتقى ساكنان وهما الياء والواو فحذفت الياء ولم يحذف الواو لأنه علامة الجمع، فصار: يدوا، على وزن: يعلوا.
وقال الزهري في شهادة على المرأة من وراء الستر: إن عرفتها فاشهد، وإلا فلا تشهد.
أي: قال محمد بن مسلم بن شهاب الزهري في حكم الشهادة على المرأة: إن عرفها الشاهد يشهد لها وعليها، وإن لم يعرفها فلا يشهد. قوله: في شهادة ويروى: في الشهادة، بالألف واللام. قوله: من وراء الستر إما بالتنقب وإما بغير ذلك، وحاصله أنه إذا عرفها بأي طريق كان يجوز الشهادة عليها، ولا يشترط أن يراها حال الإشهاد.
وأثر الزهري هذا وصله ابن أبي شيبة من طريق جعفر بن يرقان عنه، ومذهب مالك: جواز شهادة الأعمى في الإقرار وفي كل ما طريقه الصوت سواء عنده تحملها أعمى أو بصيرا ثم عمي، وقال أبو حنيفة والشافعي: لا تقبل إذا تحملها أعمى، ودليل مالك أن الصحابة والتابعين رووا عن أمهات المؤمنين من وراء حجاب وميزوا أشخاصهن بالصوت، وكذا آذان ابن أم مكتوم، ولم يفرقوا بين ندائه ونداء بلال إلا بالصوت، ولأن الإقدام على الفروج أعلى من الشهادة بالحقوق، والأعمى له وطء زوجته وهو لا يعرفها إلا بالصوت، وهذا لم يمنع منه أحد.
7162 حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة عن أنس بن مالك قال: لما أراد النبي أن يكتب إلى الروم قالوا: إنهم لا يقرأون كتابا إلا مختوما، فاتخذ النبي خاتما من فضة كأني أنظر إلى وبيصه، ونقشه: محمد رسول الله.
مطابقته للترجمة من حيث إنها مشتملة على أحكام. منها الشهادة على الخط المختوم، وهذا الحديث فيه الخط والختم. وقال الطحاوي: حديث أنس، رضي الله تعالى عنه، يستفاد منه أن الكتاب إذا لم يكن مختوما فالحجة بما فيه قائمة لكونه أراد أن يكتب إليهم. قالوا: إنهم لا يقرؤون كتابا إلا مختوما فلذلك اتخذ خاتما من فضة.
والحديث تقدم بيانه شرح حديث أبي سفيان مطولا في بدء الوحي. وأخرجه هنا عن محمد بن بشار الذي يقال له بندار عن غندر بضم الغين المعجمة وسكون النون وهو لقب محمد بن جعفر.
قوله: وبيصه بفتح الواو وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وبالصاد المهملة أي: بريقه ولمعانه.
239

16
((باب متى يستوجب الرجل القضاء))
أي: هذا باب يذكر فيه: متى يستوجب الرجل. أي: متى يستحق أن يكون قاضيا؟ وقال الكرماني: أي متى يصير أهلا للقضاء، أو: متى يجب عليه القضاء؟.
وقال الحسن: أخذ الله على الحكام أن لا يتبعوا الهواى ولا يخشوا الناس ولا يشتروا بآياته ثمنا قليلا، ثم قرأ: * (بل هم اليوم مستسلمون) * وقرأ * (إنآ أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهدآء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بئاياتى ثمنا قليلا ومن لم يحكم بمآ أنزل الله فأولائك هم الكافرون) * وقرأ * (وداوود وسليمان إذ يحكمان فى الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين * ففهمناها سليمان وكلا ءاتينا حكما وعلما وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين) * فحمد سليمان ولم يلم داود ولولا ما ذكر الله من أمر هاذين لرأيت أن القضاة هلكوا، فإنه أثنى على هاذا بعلمه وعذر هاذا باجتهاده.
أي: قال الحسن البصري، رحمه الله: أخذ الله أي ألزم الله على الحكام بضم الحاء جمع حاكم أن لا يتبعوا الهوى أي: هوى النفس وهو ما تحبه وتشتهيه، من هوى يهوى من باب علم يعلم، هوى والنهي عن اتباع الهوى أمر بالحكم بالحق. قوله: ولا يخشوا الناس نهي عن خشيتهم، وفي النهي عن خشيتهم أمر بخشية الله ومن لازم خشية الله الحكم بالحق. قوله: ولا يشتروا بآياته أي: بآيات الله ثمنا قليلا وهكذا في بعض النسخ، وفي بعضها: ولا تشتروا بآياتي، وفي النهي عن بيع آياته الأمر باتباع ما دلت عليه، وإنما وصف الثمن بالقلة إشارة إلى أنه وصف لازم له بالنسبة للعوض، فإنه أعلى من جميع ما حوته الدنيا. قوله: ثم قرأ أي: قرأ الحسن البصري قوله تعالى: * (يا داوود إنا جعلناك خليفة) * أي صيرناك خلفا عمن كان قبلك * (في الأرض) * أي: على الملك من الأرض كمن يستخلفه بعض السلاطين على بعض البلاد ويملكه عليها. قوله: * (فاحكم بين الناس بالحق) * أي: بالعدل الذي هو حكم الله. قوله: * (ولا تتبع الهوى) * أي: لا تمل مع ما تشتهي إذا خالف أمر الله تعالى. قوله: * (فيضلك) * منصوب على الجواب، وقيل: مجزوم عطفا على النهي، وفتح اللام لالتقاء الساكنين. قوله: * (عن السبيل الله) * أي: عن دلائله التي نصبها في العقول أو عن شرائعه التي شرعها وأوحى بها. قوله: * (بما نسوا) * أي: بنسيانهم يوم الحساب، ويوم الحساب متعلق بنسوا أو بقوله: لهم أي: لهم عذاب شديد يوم القيامة بسبب نسيانهم، وهو ضلالهم عن سبيل الله. قوله: وقرأ أي: الحسن البصري قوله: * (فيها هدى) * أي: بيان ونور الفتيا الكاشف للشبهات، وذلك أن اليهود استفتوا النبي في أمر الزانيين، فأنزل الله تعالى هذه الآية. قوله: وصفهم بالإسلام لا على أن غيرهم من النبيين لم يكونوا مسلمين، وهو كقوله * (الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التى كانت عليهم فالذين ءامنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذى
1764; أنزل معه أولائك هم المفلحون * قل ياأيها الناس إنى رسول الله إليكم جميعا الذى له ملك السماوات والارض لا
1764; إلاه إلا هو يحى ويميت فئامنوا بالله ورسوله النبى الأمى الذى يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون) * الآية لا أن غيره لم يؤمن بالله، وقيل: أراد الذين انقادوا لحكم الله لا الإسلام الذي هو ضد الكفر، وقيل: أسلموا أنفسهم لله، وقيل: بما في التوراة. قوله * (إنآ أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهدآء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بئاياتى ثمنا قليلا ومن لم يحكم بمآ أنزل الله فأولائك هم الكافرون) * أي: تابوا من الكفر، قاله ابن عباس، وقال الحسن: هم اليهود، ويجوز أن يكون فيها تقديم وتأخير. أي: للذين هادوا يحكم بها النبيون. قوله: * (والربانيون) * العلماء الحكماء وهو جمع رباني، وأصله: رب العلم، والألف والنون فيه للمبالغة، وقال مجاهد: هم فرق الأحبار، والأحبار العلماء لأنهم يحبرون الشيء وهو في صدورهم محبر. قوله: * (بما استحفظوا من كتاب الله) * استودعوا هذا
240

تفسير أبي عبيدة، وقد ثبت هذا للمستملي يقال: استحفظته كذا استودعته إياه. قوله: أي: على الكتاب أو على ما في التوراة. قوله: * (فلا تخشوا الناس) * أي: في إظهار صفة النبي * (واخشون) * في كتمان صفته، والخطاب لعلماء اليهود، وقيل: ليهود المدينة بأن لا يخشوا يهود خيبر، وقيل: نهي للحكام عن خشيتهم غير الله تعالى في حكوماتهم. قوله: * (ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا) * أي: ولا تستبدلوا بأحكامي وفرائضي، وقيل: بصفة النبي قوله: * (ومن لم يحكم) * إلى آخره، هذه والآيتان بعدها نزلت في الكفار ومن غير حكم الله من اليهود وليس في أهل الإسلام منها شيء لأن المسلم وإن ارتكب كبيرة لا يقال له: كافر. قوله: وقرأ أي الحسن البصري * (وداود وسليمان إذ يحكمان) * يعني: يحكمان * (في الحرث) * وأخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن مسروق قال: كان حرثهم عنبا نفشت فيه الغنم أي: رعت ليلا يقال: نفشت الدابة تنفش نفوشا إذا رعت ليلا بلا راع، وأهملت إذا رعت نهارا بليل، فتحاكم أصحاب الحرث مع أصحاب الغنم عند داود، عليه السلام، فقضى بالغنم لأصحاب الحرث، فمروا بسليمان فأخبروه الخبر فقال سليمان: لا، ولكن أقضي بينهم أن يأخذوا الغنم فيكون لهم لبنها وصوفها وسمنها ومنفعتها، ويقوم هؤلاء على حرثهم حتى إذا عاد كما كان ردوا عليهم غنمهم، فدخل أصحاب الغنم على داود فأخبروه، فأرسل إلى سليمان فعزم عليه بحق النبوة والملك والولد: كيف رأيت فيما قضيت؟ فقال: عدل الملك وأحسن، وغيره كان أرفق بهما جميعا، قال: ما هو؟ فأخبره بما حكم به. فقال داود، عليه السلام: نعم ما
قضيت. قوله: * (ففهمناها) * يعني: القضية. قوله: * (وكلا) * أي: كل واحد من داود وسليمان، عليهما السلام. * (آتينا) * أي: أعطينا * (حكما وعلما) * وقال الداودي: أثنى الله عليهما بذلك، فحمد سليمان ولم يلم داود من اللوم، وفي بعض النسخ؛ ولم يذم، من الذم. قيل: قول الحسن البصري: ولم يذم داود بأن فيه نقصا لحق داود، عليه السلام، وذلك أن الله تعالى قال: * (وكلا إتينا حكما وعلما) * فجمعهما في الحكم والعلم وميز سليمان بالفهم وهو علم خاص زاد على العام بفصل الخصومة. قال: والأصح في الواقعة أن داود أصاب الحكم وسليمان أرشد إلى الصلح، وقيل: الاختلاف بين الحكمين في الأولوية لا في العمد والخطأ. ومعنى قول الحسن: فحمد سليمان، يعني لموافقته الطريق الأرجح، ولم يذم داود لاقتصاره على الطريق الراجح، واستبدل بهذه القصة على أن للنبي أن يجتهد في الأحكام ولا ينتظر نزول الوحي، لأن داود، عليه السلام، اجتهد في المسألة المذكورة قطعا لأنه لو كان قضى فيها بالوحي ما خص الله سليمان بفهمها دونه، وقد اختلف من أجاز للنبي أن يجتهد: هل يجوز عليه الخطأ في اجتهاده؟ فاستدل من أجاز ذلك بهذه القصة، ورد عليه بأن الله تعالى أثنى على داود فيها بالحكم والعلم، والخطأ ليس حكما ولا علما. وإنما هو ظن غير مصيب. قوله: ولولا ما ذكر الله من أمر هذين يعني: داود وسليمان، عليهم السلام. قوله: لرأيت جواب لو واللام فيه للتأكيد وهي مفتوحة وفي رواية الكشميهني لرئيت على صيغة المجهول قوله: إن القضاة أي قضاة هذا الزمان هلكوا لما تضمنه قوله عز وجل: * (إنآ أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهدآء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بئاياتى ثمنا قليلا ومن لم يحكم بمآ أنزل الله فأولائك هم الكافرون) * ودخل في عمومه العامد والمخطىء. فاستدل بقوله: 4 5 الآية على أن الوعيد خاص بالعامد، وأشار إلى ذلك بقوله فإنه أي: فإن الله أثنى على هذا أي: على سليمان بعلمه. قوله: وعذر بالذال المعجمة. قوله: هذا، يعني داود باجتهاده، فلذلك لم يلمه.
وقال مزاحم بن زفر: قال لنا عمر بن عبد العزيز: خمس إذا أخطأ القاضي منهن خطة كانت فيه وصمة: أن يكون فهما حليما عفيفا صليبا عالما سؤلا عن العلم.
مزاحم بضم الميم وبالزاي وكسر الحاء المهملة ابن زفر بضم الزاي وفتح الفاء وبالراء الكوفي، وهو ممن أخرج له مسلم، وعمر بن عبد العزيز الخليفة المشهور العادل. قوله: خمس أي: خمس خصال. قوله: إذا أخطأ أي: إذا تجاوز وفات منهن أي: من الخمس المذكورة، وقال الكرماني: ويروى: منهم، أي: من القضاة. قوله: خطة، بضم الخاء المعجمة وتشديد الطاء، كذا في رواية أبي ذر عن غير الكشميهني، وفي روايته عنه: خصلة، بفتح الخاء المعجمة وسكون الصاد المهملة وهما بمعنى. قوله: وصمة بفتح الواو وسكون الصاد المهملة أي: عيب وعار. قوله: أن يكون تفسير لحال القاضي المذكور وهو جملة في محل
241

الرفع على الخبرية تقديره: وهي أن يكون. قوله: فهما بفتح الفاء وكسر الهاء، قال بعضهم: هو من صيغ المبالغة. قلت: هو من الصفات المشبهة، ووقع في رواية المستملي: فقيها، قوله: حليما يعني على من يؤذيه ولا يبادر بالانتقام، وقيل: الحلم هو الطمأنينة يعني: يكون متحملا لسماع كلام المتحاكمين واسع الخلق غير ضجور ولا غضوب. قوله: عفيفا أي: يكف عن الحرام فإنه إذا كان عالما ولم يكن عفيفا كان ضرره أشد من ضرر الجاهل، ويقال: العفة النزاهة عن القبائح أي: لا يأخذ الرشوة بصورة الهدية ولا يميل إلى ذي جاه ونحوه، قوله: صليبا على وزن فعيل من الصلاة أي: قويا شديدا يقف عند الحق ولا يميل مع الهوى ويستخلص حق المحق من المبطل ولا يتهاون فيه ولا يحاميه. قوله: سؤولا على وزن فعول أي: كثير السؤال عن العلم مذاكرا مع أهل العلم لأنه ربما يظهر له من غيره ما هو أقوى مما عنده.
وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور في السنن عن عبادة بن عباد ومحمد بن سعد في الطبقات عن عفان كلاهما قال: حدثنا مزاحم بن زفر قال: قدمنا على عمر بن عبد العزيز في خلافته وقد أمر أهل الكوفة فسألنا عن بلادنا وقاضينا وأمره، وقال: خمس إذا أخطأ... إلى آخره. فإن قلت: هذه ستة لا خمسة. قلت: السادس من تتمة الخامس، لأن كمال العلم لا يحصل إلا بالسؤال.
17
((باب رزق الحكام والعاملين عليها))
أي: هذا باب فيه بيان رزق الحكام بضم الحاء وتشديد الكاف جمع حاكم والعاملين جمع عامل وهو الذي يتولى أمرا من أعمال المسلمين كالولاة وجباة الفيء وعمال الصدقات ونحوهم، وفي بعض النسخ: باب رزق الحاكم، وفي بعضها: باب رزق القاضي، والرزق ما يرتبه الإمام من بيت المال لمن يقوم بمصالح المسلمين. قوله: عليها، قال بعضهم: أي على الحكومات. قلت: الصواب أن يقال: على الصدقات، بقرينة ذكر الرزق والعاملين.
وكان شريح القاضي يأخذ على القضاء أجرا.
شريح هو ابن الحارث بن قيس النخعي الكوفي قاضي الكوفة، ولاه عمر، رضي الله تعالى عنه، ثم قضى من بعده بالكوفة دهرا طويلا، ثقة مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، ويقال: إن له صحبة، مات قبل الثمانين وقد جاوز المائة. قوله: أجرا أي: أجرة، وفي التلويح هذا التعليق ضعيف وهو يرد على من قال: التعليق المجزوم به عند البخاري صحيح. قلت: رواه عبد الرزاق وسعيد بن منصور من طريق مجالد عن الشعبي بلفظ: كان مسروق لا يأخذ على القضاء أجرا، وكان شريح يأخذ، وروى ابن أبي شيبة عن الفضل بن دكين عن الحسن بن صالح عن ابن أبي ليلى قال: بلغنا أو قال: بلغني أن عليا، رضي الله تعالى عنه، رزق شريحا خمسمائة. قلت: هذا يؤيد قول من قال: التعليق المذكور ضعيف، لأن القاضي إذا كان له شيء من بيت المال ليس له أن يأخذ شيئا من الأجرة. وقال الطبري: ذهب الجمهور إلى جواز أخذ القاضي الأجرة على الحكم لكونه يشغله الحكم عن القيام بمصالحه. غير أن طائفة من السلف كرهت ذلك ولم يحرموه مع ذلك، وقال أبو علي الكرابيسي: لا بأس للقاضي أن يأخذ الرزق على القضاء عند أهل العلم قاطبة من الصحابة ومن بعدهم، وهو قول فقهاء الأمصار، ولا أعلم بينهم اختلافا، وقد كره ذلك قوم منهم
مسروق، ولا أعلم أحدا منهم حرمه. وقال صاحب الهداية ثم إن القاضي إذا كان فقيرا فالأفضل بل الواجب أخذ كفايته، وإن كان غنيا فالأفضل الامتناع عن أخذ الرزق من بيت المال رفقا ببيت المال. وقيل: الأخذ هو الأصح صيانة للقضاء عن الهوان ونظرا لمن يولى بعده من المحتاجين ويأخذ بقدر الكفاية له ولعياله.
وقالت عائشة: يأكل الوصي بقدر عمالته.
العمالة بضم العين وتخفيف الميم، وقيل: هو من المثلثات وهي أجرة العمل، ووصل ابن أبي شيبة هذا التعليق من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قوله تعالى: * (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن ءانستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوهآ إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا) * قالت: أنزل ذلك في ولي مال اليتيم يقوم عليه بما يصلحه إن كان محتاجا يأكل منه.
242

وأكل أبو بكر وعمر، رضي الله عنهما.
أكلهما كان في أيام خلافتهما لاشتغالهما بأمور المسلمين، ولهما من ذلك حق، وأثر أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، وصله أبو بكر بن أبي شيبة من طريق ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت: لما استخلف أبو بكر قال: قد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤونة أهلي، وقد شغلت بأمر المسلمين، وفيه: فيأكل آل أبي بكر من هذا المال، وأثر عمر وصله ابن أبي شيبة أيضا وابن سعد من طريق حارثة بن مضرب بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء المكسورة بعدها موحدة. قال: قال عمر: إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة قيم اليتيم إن استغنيت عنه تركت، وإن افتقرت إليه أكلت بالمعروف.
حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري أخبرني السائب بن يزيد ابن أخت نمر أن حويطب بن عبد العزى أخبره أن عبد الله بن السعدي أخبره أنه قدم على عمر في خلافته فقال له عمر: ألم أحدث أنك تلي من أعمال الناس أعمالا؟ فإذا أعطيت العمالة كرهتها؟ فقلت: بلاى. فقال عمر: ما تريد إلى ذالك؟ قلت: إن لي أفراسا وأعبدا وأنا بخير، وأريد أن تكون عمالتي صدقة على المسلمين. قال عمر: لا تفعل فإني كنت أردت الذي أردت. فكان رسول الله يعطيني العطاء فأقول: أعطه أفقر إليه مني، حتى أعطاني مرة مالا فقلت: أعطه أفقر إليه مني، فقال النبي خذه فتموله وتصدق به فما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وإلا فلا تتبعه نفسك وعن الزهري قال: حدثني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال: سمعت عمر يقول: كان النبي يعطيني العطاء فأقول: أعطه أفقر إليه مني، حتى أعطاني مرة مالا فقلت: أعطه من هو أفقر إليه مني، فقال النبي خذه فتموله وتصدق به فما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك
انظر الحديث 1473 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة، والزهري محمد بن مسلم، والسائب بن يزيد من الزيادة ابن أخت نمر بفتح النون وكسر الميم بعدها راء هو الصحابي المشهور، وأدرك من زمن النبي ست سنين وحفظ عنه، وهو من أواخر الصحابة موتا، وآخر من مات منهم بالمدينة. وقال أبو عمر: قيل: إنه توفي سنة ثمانين، وقيل: ست وثمانين، وقيل: سنة إحدى وتسعين، وهو ابن أربع وتسعين، وقيل: ست وتسعين، وحويطب تصغير الحاطب بالمهملتين ابن عبد العزى، اسم الصنم المشهور، العامري من الطلقاء كان من مسلمة الفتح وهو أحد المؤلفة قلوبهم، أدرك الإسلام وهو ابن ستين سنة أو نحوها، وأعطي من غنائم بدر مائة بعير وكان ممن دفن عثمان بن عفان، رضي الله تعالى عنه، وباع من معاوية دارا بالمدينة بأربعين ألف دينار، مات بالمدينة في آخر خلافة معاوية. وهو ابن مائة وعشرين سنة، وعبد الله بن السعدي هو عبد الله بن وقدان بن عبد شمس بن عبد ود، وإنما قيل له: ابن السعدي، لأن أباه كان مسترضعا في بني سعد، مات بالمدينة سنة سبع وخمسين وليس له في البخاري إلا هذا الحديث الواحد.
وهذا الإسناد من الغرائب اجتمع فيه أربعة من الصحابة، رضي الله تعالى عنهم.
والحديث أخرجه مسلم في الزكاة عن أبي الطاهر بن السرح وغيره، وأخرجه أبو داود فيه وفي الجراح عن أبي الوليد الطيالسي عن ليث به. وأخرجه النسائي في الزكاة عن قتيبة به وغيره.
قوله: ألم أحدث بضم الهمزة وفتح الحاء وتشديد الدال. قوله: تلي من أعمال الناس أي: الولايات من إمرة أو قضاء أو نحوهما، ووقع في رواية بشر بن سعيد عند مسلم: استعملني عمر، رضي الله تعالى عنه، على الصدقة، فعين الولاية. قوله: فإذا
243

أعطيت على صيغة المجهول. قوله: العمالة بالضم أجرة العمل وبالفتح نفس العمل. قوله: ما تريد إلى ذلك؟ يعني: ما غاية قصدك بهذا الرد؟ قوله: أفراسا جمع فرس. قوله: وأعبدا جمع عبد، كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني: أعتدا، بضم التاء المثناة من فوق جمع عتيد وهو المال المدخر. قوله: الذي أردت بفتح التاء. قوله: يعطيني العطاء أي: المال الذي يقسمه الإمام في المصالح. قوله: أعطه أفقر إليه مني أي: أعط بهمزة القطع الذي هو أفقر إليه مني، وفصل بين أفعل التفضيل وبين كلمة: من، لأنه إنما لم يجز عند النحاة، إذا كان أجنبيا وهنا هو ألصق به من الصلة لأن ذلك محتاج إليه بحسب جوهر اللفظ والصلة محتاج إليها بحسب الصيغة. قوله: غير مشرف أي: غير طامع ولا ناظر، إليه قوله: وإلا أي: وإن لم يجيء إليك فلا تتبعه نفسك في طلبه واتركه، قيل: لم منعه رسول الله من الإيثار؟ أجيب بأنه أراد الأفضل والأعلى من الأجر، لأن عمر، وإن كان مأجورا بإيثاره الأحوج، لكن أخذه ومباشرته الصدقة بنفسه أعظم، وذلك لأن التصدق بعد التمول إنما هو دفع الشح الذي هو مستول على النفوس.
قوله: وعن الزهري حدثني سالم، هو موصول بالسند المذكور أولا إلى الزهري، وقد أخرج النسائي عن عمرو بن منصور عن أبي اليمان شيخ البخاري الحديثين المذكورين بالسند المذكور إلى عمر، رضي الله عنه، وفيه: أخذ الرزق لمن اشتغل بشيء من مصالح المسلمين، وذكر ابن المنذر أن زيد بن ثابت، رضي الله تعالى
عنه، كان يأخذ الأجر على القضاء، وروى ذلك عن ابن سيرين وشريح، وهو قول الليث وإسحاق وأبي عبيد. وقال الشافعي: إذا أخذ القاضي جعلا لم يجز عندي، وقال ابن المنذر: وحديث ابن السعدي حجة في جواز إرزاق القضاة من وجوهها.
وفيه: إن أخذ ما جاء من المال بغير مسألة أفضل من تركه لأنه يقع في إضاعة المال، وقد نهى الشرع عن ذلك، وذهب بعض الصوفية، إلى أن المال إذا جاء من غير إشراف نفس ولا سؤال لا يرد، فإن رد عوقب بالحرمان، ويحكى عن أحمد أيضا، وأهل الظاهر، وقال ابن التين: في هذا الحديث كراهة أخذ الرزق على القضاء مع الاستغناء وإن كان المال طيبا.
18
((باب من قضى ولاعن في المسجد))
أي: هذا باب في بيان من قضى ولاعن في المسجد. قوله: قضى ولاعن فعلان تنازعا في المسجد، ومعنى: لاعن، أمر باللعان على سبيل المجاز نحو: كسى الخليفة الكعبة.
ولاعن عمر عند منبر النبي
أي: أمر عمر، رضي الله عنه، باللعان عند منبر النبي وإنما خص عمر المنبر لأنه كان يرى التحليف عند المنبر أبلغ في التغليظ، ويؤخذ منه التغليظ في الأيمان بالمكان، وقاسوا عليه الزمان. وفي التوضيح يغلظ في اللعان بالزمان والمكان وهي سنة عندنا لا فرض على الأصح. وقال مالك بالتغليظ، وأبو حنيفة، رضي الله تعالى عنه، منعه وروى ابن كنانة عن مالك: يجزئ في المال العظيم والدماء، وزمن اللعان بعد العصر عندنا، وعند المالكية: أثر الصلاة، واختصاص العصر لاختصاصه بالملائكة، أعني: ملائكة الليل والنهار.
وقضى شريح والشعبي ويحياى بن يعمر في المسجد.
شريح هو القاضي المشهور، والشعبي هو عامر بن شراحيل، ويحيى بن يعمر بفتح الياء والميم بينهما عين مهملة البصري القاضي بمرو، وأثر شريح وصله ابن أبي شيبة من طريق إسماعيل بن أبي خالد قال: رأيت شريحا يقضي في المسجد وعليه برنس خز، وأثر الشعبي وصله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي في جامع سفيان عن طريق عبد الله بن شبرمة، قال: رأيت الشعبي جلد يهوديا في فرية في المسجد، وأثر يحيى بن يعمر وصله ابن أبي شيبة من رواية عبد الرحمان بن قيس، قال: رأيت يحيى بن يعمر يقضي في المسجد.
244

وقضى مروان على زيد بن ثابت باليمين عند المنبر.
مروان هو ابن الحكم. قوله: عند المنبر وفي رواية الكشميهني: على المنبر، وهذا طرف من أثر مضى في كتاب الشهادات.
وكان الحسن وزرارة بن أوفى يقضيان في الرحبة خارجا من المسجد.
الحسن هو البصري، وزرارة بضم الزاي وتخفيف الراء الأولى ابن أوفى بفتح الهمزة وسكون الواو وبالفاء مقصورا العامري قاضي البصرة. قوله: في الرحبة، بفتح الحاء وسكونها قاله الكرماني، والظاهر أن التي بالسكون هي المدينة المشهورة وهي الساحة والمكان المتسع أمام باب المسجد، غير منفصل عنه، وحكمها حكم المسجد فيصح فيها الاعتكاف في الأصح بخلاف ما إذا كانت منفصلة.
7165 حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان قال الزهري: عن سهل بن سعد قال: شهدت المتلاعنين وأنا ابن خمس عشرة فرق بينهما.
مطابقته للترجمة من حيث ذكر اللعان. وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وسهل بن سعد الساعدي الأنصاري المدني، وقد مضى هذا مطولا في اللعان. وقال مالك وابن القاسم: يقع الفراق بنفس اللعان ولا تحل له أبدا، وقال ابن أبي صفرة: اللعان لا يرفع العصمة حتى يوقع الزوج الطلاق.
7166 حدثنا يحياى، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج، أخبرني ابن شهاب، عن سهل أخي بني ساعدة: أن رجلا من الأنصار جاء إلى النبي فقال: أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله؟ فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد.
مطابقته للترجمة في آخر الحديث. و يحيى هذا يحتمل أن يكون يحيى بن جعفر بن أعين البخاري البيكندي، وأن يكون يحيى بن موسى بن عبد ربه السختياني البلخي الذي يقال له: خت، لأن كلا منهما روى عن عبد الرزاق بن همام، وروى البخاري عن كل منهما.
وهذا طريق آخر في حديث سهل أخرجه عن يحيى عن عبد الرزاق عن عبد الملك بن جريج عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن سهل بن سعد... إلى آخره.
قوله: أخبرني ابن شهاب وفي الطريق الأول: قال الزهري، إشارة إلى أن قوله: قال فلان، دون قوله: أخبرني فلان، أو: عن فلان. قوله: أخي بني ساعدة أي: واحد منهم كما يقال: هو أخو العرب أي، واحد منهم، وبنو ساعدة ينسب إلى ساعدة بن كعب بن الخزرج. قوله: إن رجلا هو عويمر العجلاني.
والحديث مر مطولا في اللعان، ومضى الكلام فيه.
19
((باب من حكم في المسجدحتى إذا أتى على حد أمر أن يخرج من المسجد فيقام))
أي: هذا باب فيه بيان من كان لا يكره الحكم في المسجد إذا حكم فيه ثم أتى إلى حكم فيه إقامة حد من الحدود ينبغي أن يأمر أن يخرج من وجب عليه الحد من المسجد
فيقام الحد عليه خارج المسجد، وقد فسر بعضهم هذه الترجمة بقوله: كأنه يشير بهذه الترجمة إلى من خصص جواز الحكم في المسجد بما إذا لم يكن هناك شيء يتأذى به من في المسجد، أو يقع به نقص للمسجد كالتلويث. انتهى. قلت: تفسير هذه الترجمة بما ذكرناه وليس ما ذكره تفسيرها أصلا يقف عليه من له أدنى ذوق من معاني التراكيب، نعم الذي ذكره ينبغي أن يحترز عنه ولكن لا مناسبة له في معنى الترجمة، واختلف العلماء في إقامة الحدود في المسجد. فروي عن عمر وعلي، رضي الله تعالى عنهما، منع ذلك كما
245

يجيء الآن، وهو قول مسروق والشعبي وعكرمة والكوفيين والشافعي وأحمد وإسحاق، وروي عن الشعبي أنه أقام على رجل من أهل الذمة حدا في المسجد، وهو قول ابن أبي ليلى، وروي عن مالك الرخصة في الضرب بالسياط اليسيرة في المسجد، فإذا كثرت الحدود فلا تقام فيه، وهو قول أبي ثور أيضا، وقال ابن المنذر: ولا ألزم من أقام الحد في المسجد مأثما لأني لا أجد دليلا عليه. وفي التوضيح وأما الأحاديث التي فيها النهي عن إقامة الحدود في المسجد فضعيفة.
وقال عمر: أخرجاه من المسجد.
أي: قال عمر بن الخطاب: أخرجاه، أي الذي وجب عليه الحد من المسجد، وفي بعض النسخ: وضربه بعد قوله: من المسجد، وهذا الأثر وصله ابن أبي شيبة وعبد الرزاق كلاهما من طريق طارق بن شهاب، قال: أتي عمر بن الخطاب برجل في حد. فقال: أخرجاه من المسجد، ثم اضرباه، وسنده على شرط الشيخين.
ويذكر عن علي نحوه.
أي: يذكر عن علي بن أبي طالب نحو ما ذكر عن عمر بن الخطاب ووصله ابن أبي شيبة من طريق ابن معقل بسكون العين المهملة والقاف المكسورة: أن رجلا جاء إلى علي فساره، فقال: يا قنبر أخرجه من المسجد فأقم عليه الحد، وفي سنده من فيه مقال فلذلك ذكره بصيغة التمريض حيث قال: ويذكر.
7167 حدثنا يحياى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: أتى رجل رسول الله وهو في المسجد، فناداه فقال: يا رسول الله إني زنيت، فأعرض عنه، فلما شهد على نفسه أربعا قال: أبك جنون قال: لا. قال: اذهبوا به فارجموه
20
((باب موعظة الإمام للخصوم))
أي: هذا باب فيه بيان موعظة الإمام للخصوم عند الدعوى.
7169 حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن هشام، عن أبيه عن زينب ابنة أبي سلمة عن أم
246

سلمة، رضي الله عنها. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وهشام يروي عن أبيه عروة بن الزبير، واسم أم سلمة هند المخزومية أم المؤمنين.
والحديث قد مضى في المظالم وفي أوائل كتاب الحيل ومضى الكلام فيه.
قوله: إنما أنا بشر على معنى الإقرار على نفسه بصفة البشرية من أنه لا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله منه. قوله: إنكم تختصمون إلي يريد والله أعلم وأنا لا أعرف المحق منكم من المبطل حتى يميز المحق منكم من المبطل فلا يأخذ المبطل ما أعطيه. قوله: ألحن بحجته يعني: أفطن لها وأجدل. وقال ابن حبيب: أنطق وأقوى مأخوذ من قوله تعالى: * (ولو نشآء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم فى لحن القول والله يعلم أعمالكم) * أي: في بطن القول. وقيل: معناه أن يكون أحدهما أعلم بمواقع الحجج وأهدى لإيرادها ولا يخلطها بغيرها. وقال أبو عبيد: اللحن بفتح الحاء النطق، وبالإسكان الخطأ في القول، وذكر ابن سيده: لحن الرجل لحنا تكلم بلغته، ولحن له يلحن لحنا، قال له قولا يفهمه عنه ويخفى على غيره، وألحنه القول أفهمه إياه، ولحنه لحنا فهمه، ورجل لحن عالم بعواقب الكلام ظريف، ولحن لحنا فطن لحجته وانتبه لها، ولاحن الناس فألحنهم. قوله: فأقضي نحو ما أسمع فيه أن الحاكم مأمور بأن يقضي بما يقر به الخصم عنده. قوله: فمن قضيت له خطاب للمقضي له، لأنه يعلم من نفسه هل هو محق أو مبطل.
21
((باب الشهادة تكون عند الحاكم في ولايته القضاء أو قبل ذالك للخصم))
أي: هذا باب في بيان حكم الشهادة التي تكون عند الحاكم يعني: إذا كان الحاكم شاهدا للخصم الذي هو أحد المتحاكمين عنده سواء تحملها قبل توليته للقضاء أو في زمان التولي هل له أن يحكم بها؟ اختلفوا في أن له ذلك أم لا، فلذلك لم يجزم بالجواب لقوة الخلاف في المسألة. وإن كان آخر كلامه يقتضي اختيار أن لا يحكم بعلمه فيها، وبيان الخلاف فيه يأتي عن قريب إن شاء الله تعالى. وفي التوضيح ترجمة البخاري فيها دليل على أن الحاكم إنما يشهد عند غيره بما تقدم عنده من شهادة في ولايته أو قبلها وهو قول مالك وأكثر أصحابه، وقال بعض أصحابنا يعني من الشافعية: يحكم بما علمه فيما أقر به أحد الخصمين عنده في مجلسه.
وقال شريح القاضي، وسأله إنسان الشهادة فقال: ائت الأمير حتى أشهد لك.
هذا وصله عبد الرزاق عن ابن عيينة عن ابن شبرمة، قال: قلت للشعبي: يا أبا عمرو: أرأيت رجلين استشهدا على شهادة فمات أحدهما واستقضي الآخر؟ فقال: أتي شريح فيها، وأنا جالس. فقال: ائت الأمير وأنا أشهد لك. قوله: ائت الأمير، أي السلطان أو من هو فوقه.
وقال عكرمة: قال عمر لعبد الرحمان بن عوف: لو رأيت رجلا على حد زنى أو سرقة وأنت أمير، فقال: شهادتك شهادة رجل من المسلمين. قال: صدقت. قال عمر: لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبت آية الرجم بيدي.
مولى ابن عباس. قال عمر أي: ابن الخطاب إلى آخره. وأخرجه ابن أبي شيبة عن شريك عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة بلفظ: أرأيت لو كنت القاضي والوالي وأبصرت إنسانا أكنت مقيمه عليه؟ قال: لا، حتى يشهد معي غيري. قال: أصبت، لو قلت غير ذلك لم تجد، بضم التاء المثناة من فوق وكسر الجيم وسكون الدال من الإجادة. وهذا السند منقطع لأن عكرمة لم يدرك عبد الرحمان فضلا عن عمر، رضي الله تعالى عنه. قوله: قال عمر: لولا أن يقول الناس... إلى آخره، قال
247

المهلب، رحمه الله: استشهد البخاري بقول عبد الرحمان بن عوف المذكور بقول عمر هذا أنه كانت عنده شهادة في آية الرجم أنها من القرآن فلم يلحقها بنص المصحف بشهادته فيه وحده، وأفصح بالعلة في ذلك بقوله: لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله، فأشار إلى أن ذلك من قطع الذرائع، لئلا يجد حكام السوء السبيل إلى أن يدعوا العلم لمن أحبوا له الحكم بشيء.
وأقر ماعز عند النبي بالزنى أربعا، فأمر برجمه، ولم يذكر أن النبي أشهد من حضره
أشار بهذا إلى أن حكم رسول الله على ماعز بالرجم كان بإقراره دون أن يشهد من حضره. وحديث ماعز قد تكرر ذكره.
وقال حماد: إذا أقر مرة عند الحاكم رجم، وقال الحكم: أربعا.
حماد هو ابن سليمان فقيه الكوفة، والحكم بفتحتين ابن عتيبة مصغر عتبة الباب فقيه الكوفة أيضا. قوله: أربعا، يعني لا يرجم حتى يقر، أربع مرات، ووصله ابن أبي شيبة من طريق شعبة قال: سألت حمادا عن الرجل يقر بالزنى كم يردد؟ قال: مرة. قال: وسألت الحكم فقال: أربع مرات، والله أعلم.
7170 حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن يحياى، عن عمر بن كثير، عن أبي محمد مولى أبي قتادة أن أبا قتادة قال: قال رسول الله يوم حنين من له بينة على قتيل قتله فله سلبه فقمت لألتمس بينة على قتيل فلم أر أحدا يشهد لي، فجلست، ثم بدا لي فذكرت أمره إلى رسول الله فقال رجل من جلسائه: سلاح هاذا القتيل الذي يذكر عندي. قال: فأرضه منه فقال أبو بكر: كلا لا يعطه أصيبغ من قريش ويدع أسدا من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله، قال: فأمر رسول الله فأداه إلي فاشتريت منه خرافا فكان أول مال تأثلته.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: فأمر رسول الله هكذا في رواية كريمة، فأمر بفتح الهمزة والميم بعدها راء، وفي رواية: فقام رسول الله فأداه إلي، وفي رواية أبي ذر عن غير الكشميهني: فحكم، وكذا الأكثر رواة الفربري.
و يحيى هو ابن سعيد الأنصاري، و عمر بن كثير ضد القليل مولى أبي أيوب الأنصاري، وأبو محمد هو نافع مولى أبي قتادة الحارث الأنصاري الخزرجي.
والحديث مضى في الخمس والبيوع عن القعنبي وفي المغازي في غزوة حنين عن عبد الله بن يوسف، وقد مر الكلام فيه.
قوله: سلبه بفتح اللام مال مع القتيل من الثياب والأسلحة ونحوهما. قوله: فأرضه منه هي رواية الأكثرين، وعند الكشميهني: مني. قوله: كلا كلمة ردع. قوله: أصيبغ بضم الهمزة وفتح الصاد المهملة وبالغين المعجمة تصغير أصبع صغره تحقيرا له بوصفه باللون الرديء، وقال الخطابي: الأصيبغ بالصاد المهملة نوع من الطير ونبات ضعيف كالثمام، ويروى بالضاد المعجمة والعين المهملة مصغر الضبع على غير قياس، كأنه لما عظم أبا قتادة بأنه أسد صغر هذا وشبهه بالضبع لضعف افتراسه بالنسبة إلى الأسد، وأصيبغ منصوب لأنه مفعول ثان لقوله: لا يعطه قوله: ويدع قال الكرماني: بالرفع والنصب والجزم، ولم يين وجه ذلك اعتمادا على أن القارئ الذي له يد في العربية لا يخفى عليه ذلك. قوله: أسدا بفتحتين، و: من أسد الله بضم الهمزة وسكون السين جمع: أسد. قوله: يقاتل في محل النصب لأنه صفة. قوله: أسدا قوله: فأداه إلي بتشديد الياء. قوله: خرافا بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الراء هو البستان. قوله: تأثلته أي: اتخذته أصل المال واقتنيته، ويقال: مال مؤثل ومجد مؤثل أي: مجموع ذو أصل. وقال الكرماني: فإن قلت: أول القصة وهو طلب البينة
248

تخالف آخرها حيث حكم بدونها، قلت: لا تخالف لأن الخصم اعترف بذلك مع أن المال لرسول الله له أن يعطي من شاء ويمنع من شاء.
قال لي عبد الله عن الليث: فقام النبي فأداه إلي
1764;
عبد الله هو ابن صالح كاتب الليث بن سعد، والبخاري يعتمده في الشواهد. قوله: فقام، يعني موضع فأمر.
وقال أهل الحجاز: الحاكم لا يقضي بعلمه شهد بذالك في ولايته أو قبلها، ولو أقر خصم عنده لآخر بحق في مجلس القضاء فإنه لا يقضي عليه في قول بعضهم حتى يدعو بشاهدين فيحضرهما إقراره.
وقال بعض أهل العراق: ما سمع أو رآه في مجلس القضاء قضاى به، وما كان في غيره لم يقض إلا بشاهدين وقال آخرون منهم: بل يقضي به لأنه مؤتمن، وإنما يراد من الشهادة معرفة الحق. فعلمه أكثر من الشهادة. وقال بعضهم: يقضي بعلمه في الأموال ولا يقضي في غيرها.
أراد بأهل الحجاز مالكا ومن وافقه في هذه المسألة. قوله: ولو أقر خصم إلى قوله: فيحضرهما إقراره، بضم الياء من الإحضار، وهو قول ابن القاسم وأشهب. قوله: وقال بعض أهل العراق أراد بهم أبا حنيفة ومن تبعه، وهو قول مطرف وابن الماجشون وأصبغ وسحنون من المالكية، وقال ابن التين: وجرى به العمل، ويوافقه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن ابن سيرين قال: اعترف رجل عند شريح بأمر ثم أنكره، فقضى عليه باعترافه، فقال: أتقضي علي بغير بينة؟ فقال: شهد عليك
ابن أخت خالتك يعني نفسه. قوله: وقال آخرون منهم أي: من أهل العراق، وأراد بهم أبا يوسف ومن تبعه، ووافقهم الشافعي، رحمه الله تعالى. قوله: وقال بعضهم يعني من أهل العراق وأراد بهم أبا حنيفة وأبا يوسف فيما نقله الكرابيسي عنه.
وقال القاسم: لا ينبغي للحاكم أن يمضي قضاء بعلمه دون علم غيره، مع أن علمه أكثر من شهادة غيره، ولاكن فيه تعرضا لتهمة نفسه عند المسلمين وإيقاعا لهم في الظنون، وقد كره النبي صلى الله عليه وسلم الظن فقال: إنما هاذه صفية
القاسم إذا أطلق يراد به ابن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، قاله الكرماني: وقال بعضهم: كنت أظن أنه ابن محمد بن أبي بكر الصديق أحد الفقهاء السبعة من أهل المدينة لأنه إذا أطلق في الفروع الفقهية انصرف الذهن إليه، لكن رأيت في رواية عن أبي ذر أنه: القاسم بن عبد الرحمان بن عبد الله بن مسعود، فإن كان كذلك فقد خالف أصحابه الكوفيين ووافق أهل المدينة. انتهى. قلت: الكلام في صحة رواية أبي ذر على أن هذه المسألة فقهية، وعند الفقهاء إذا أطلق القاسم يراد به القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، ولئن سلمنا صحة رواية أبي ذر فإطباق الفقهاء على أنه إذا أطلق يراد به ابن محمد بن أبي بكر أرجح من كلام غيرهم. قوله: أن يمضي بضم الياء آخر الحروف من الإمضاء، هكذا في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: أن يقضي. قوله: دون علم غيره أي: إذا كان وحده عالما به لا غيره. قوله: ولكن فيه تعرضا بتشديد النون، وتعرضا منصوب لأنه اسم لكن، وفي بعض النسخ بالتخفيف فعلى هذا قوله: تعرض، بالرفع وارتفاعه على أنه مبتدأ، وخبره. قوله: فيه، مقدما. قوله: وإيقاعا نصب عطفا على: تعرضا، وقال الكرماني منصوب بأنه مفعول معه والعامل هاهنا ما يلزم الظرف. قوله: وقد كره النبي الظن... ذكره في معرض الاستدلال في نفي قضاء الحاكم في أمر بعلمه دون علم غيره، لأن فيه إيقاع نفسه في الظن، والنبي كره الظن، إلا يرى أنه قال للرجلين اللذين مرا به وصفية بنت حيي زوجته معه: إنما هذه صفية على ما يأتي الآن عقيب هذا الأثر، إنما قال ذلك خوفا من وقوع الظن الفاسد لهما في قلبهما، لأن الشيطان
249

يوسوس، فقال ذلك دفعا لذلك.
7171 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن علي بن حسين أن النبي أتته صفية بنت حيي فلما رجعت انطلق معها فمر به رجلان من الأنصار فدعاهما فقال: إنما هي صفية قالا: سبحان الله. قال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجراى الدم
ذكر هذا الحديث بيانا لقوله في الأثر المذكور: إنما هذه صفية
أخرجه عن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب، وهو الملقب بزين العابدين، وهذا مرسل لأن علي بن حسين تابعي، ولأجل ذلك عقبه البخاري بقوله: رواه شعيب... إلى آخره.
قوله: أتته صفية كانت أتته وهو معتكف في المسجد وزارته، فلما رجعت انطلق النبي معها.
فيه: زيارة المرأة زوجها، وجواز حديث المعتكف مع امرأته وخروجه معها ليشيعها. قوله: فدعاهما أي: طلبهما فقال: إنما هي صفية إنما قال ذلك لئلا يظنا ظنا فاسدا. قوله: قالا سبحان الله تعجبا من قول رسول الله فقال: إن الشيطان يوسوس فخفت أن يوقع في قلبكما، شيئا من الظنون الفاسدة فتأثمان به، فقلته دفعا لذلك. وقال الخطابي: وقد بلغني عن الشافعي أنه قال في معنى هذا الحديث: أشفق عليهما من الكفر لو ظنا به ظن التهمة، فبادر لإعلامهما دفعا لوسواس الشيطان وقيل: قولهما: سبحان الله، يبعده.
رواه شعيب وابن مسافر وابن أبي عتيق وإسحاق بن يحياى عن الزهري عن علي، يعني: ابن حسين، عن صفية عن النبي
أي: روى الحديث المذكور شعيب بن أبي حمزة، وابن مسافر هو عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي مولى الليث بن سعد، وابن أبي عتيق هو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، وإسحاق بن يحيى بن علقمة الكلبي الحمصي، كلهم رووه عن ابن محمد بن مسلم الزهري عن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، ورواية شعيب وصلها البخاري في الاعتكاف، ورواية ابن مسافر وصلها أيضا في الصوم وفي فرض الخمس، ورواية ابن أبي عتيق وصلها البخاري في الاعتكاف، وأوردها في الأدب أيضا مقرونة برواية شعيب. ورواية إسحاق بن يحيى وصلها الذهلي في الزهريات
22
((باب أمر الوالي إذا وجه أميرين إلى موضع أن يتطاوعا ولا يتعاصيا.))
أي: هذا باب في بيان أمر الوالي إلى آخره، قوله: أن يتطاوعا، كلمة: أن، مصدرية أي: تطاوعهما يعني: كل منهما يطيع الآخر ولا يخالفه. قوله: ولا يتعاصيا أي: لا يظهر أحدهما العصيان للآخر لأنه متى وقع الخلاف بينهما يفسد الحال، ويروى: يتغاضبا، بالغين والضاد المعجمتين وبالباء الموحدة، قيل: قد ذكر هذين اللفظين من باب التفاعل، وكان الذي ينبغي أن يذكرهما من: باب المفاعلة، لأن باب التفاعل يكون بين القوم على ما عرف في موضعه. قلت: تبع لفظ الحديث فإنه ذكر فيه من باب التفاعل.
7172 حدثنا محمد بن بشار، حدثنا العقدي، حدثنا شعبة، عن سعيد بن أبي بردة قال: سمعت أبي قال: بعث النبي أبي ومعاذ بن جبل إلى اليمن، فقال: يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا فقال له أبو موساى: إنه يصنع بأرضنا البتع، فقال: كل مسكر حرام
250

مطابقته للترجمة في قوله: وتطاوعا العقدي هو عبد الملك بن عمرو بن قيس ونسبته إلى العقد بفتحتين وهم قوم من قيس وهم صنف من الأزد، وسعيد بن أبي بردة بضم الباء الموحدة عامر بن عبد الله أبي موسى الأشعري.
والحديث مرسل لأن أبا بردة من التابعين سمع أباه وجماعة آخرين من الصحابة، كان على قضاء الكوفة فعزله الحجاج وجعل أخاه مكانه، مات سنة أربع ومائة. والحديث مضى في أواخر المغازي في بعث أبي موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن قبل حجة الوداع فإنه أخرجه هناك من طرق ومضى الكلام فيه.
قوله: بعث النبي، أبي القائل هو أبو بردة، وأبوه أبو موسى الأشعري. قوله: يسرا ولا تعسرا أي: خذا بما فيه اليسر وأخذهما ذلك هو عين تركهما للعسر. قوله: وبشرا أي: بما فيه تطييب للنفوس ولا تنفرا بما لا يقصد إلى ما فيه الشدة. قوله: وتطاوعا أي: تحابا فإنه متى وقع الخلاف وقع التباغض. قوله: فقال له أي: فقال للنبي، إنه يصنع بأرضنا البتع والدليل على أن القائل للنبي أبو موسى ما تقدم في آخر المغازي الذي ذكرناه الآن عن أبي موسى: أن النبي بعثه إلى اليمن فسأله عن أشربة تصنع بها، فقال: وما هي؟ قال: البتع والمزر، والبتع بكسر الباء الموحدة وسكون التاء المثناة من فوق وبالعين المهملة، وقد فسره أبو بردة في الحديث الذي تقدم بأنه نبيذ العسل، والمزر بكسر الميم وسكون الزاي وبالراء نبيذ الشعير. قوله: فقال أي: رسول الله كل مسكر حرام وقال صاحب التوضيح فيه رد على أبي حنيفة ومن وافقه. قلت: هذا كلام ساقط سمج ففي أي موضع قال أبو حنيفة: إن المسكر ليس بحرام حتى يشنع هذا التشنيع الباطل؟.
وقال النضر وأبو داود ويزيد بن هارون ووكيع: عن شعبة عن سعيد عن أبيه عن جده عن النبي
أشار بهذا التعليق إلى أن الحديث السابق قد رفعه هؤلاء المذكورون، وهم النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل مصغر شمل بالشين المعجمة ابن حرشة أبو الحسن المازني، مات أول سنة أربع ومائتين، وأبو داود سليمان بن داود الطيالسي من رجال مسلم، ويزيد من الزيادة ابن هارون الواسطي، ووكيع بن الجراح الكوفي أربعتهم رووا عن شعبة بن الحجاج عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه أبي بردة عن جده أبي موسى الأشعري عن النبي والضمير في: جده، يرجع إلى سعيد، ورواية النضر وأبي داود ووكيع تقدمت في أواخر المغازي في: باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن، ورواية يزيد بن هارون وصلها أبو عوانة في صحيحه وفيه تقديم أفاضل الصحابة على العمل واختصاص العلماء منهم، وفي التوضيح وفي الحديث اشتراكهما في العمل في اليمن، والمذكور في غيره أنه قدم كل واحدة منهما على مخلاف، والمخلاف الكورة، واليمن مخلافان. قلت: كان عمل معاذ النجود وما تعالى من بلاد اليمن، وعمل أبي موسى التهايم وما انخفض منها.
23
((باب إجابة الحاكم الدعوة))
أي: هذا باب في بيان إجابة الحاكم الدعوة بفتح الدال وبالكسر في النسب، وادعى ابن بطال الاتفاق على وجوب إجابة دعوة الوليمة واختلافهم في غيرها من الدعوات، ونظروا فيه.
وقد أجاب عثمان عبدا للمغيرة بن شعبة.
هذا يوضح معنى الترجمة، فإنه لم يذكر فيها الحكم، وإجابة عثمان لعبد المغيرة دليل الوجوب، وظاهر الأمر أيضا في قوله، أجيبوا الداعي ولكن لإيجاب الإجابة شرائط مذكورة في الفروع الفقهية، والأثر المذكور وصله أبو محمد بن صاعد في فوائده بسند صحيح إلى أبي عثمان النهدي: أن عثمان بن عفان أجاب عبدا للمغيرة بن شعبة دعاه وهو صائم، فقال: أردت أن أجيب الداعي، وأدعو بالبركة.
7173 حدثنا مسدد حدثنا يحياى بن سعيد عن سفيان حدثني منصور عن أبي وائل
251

عن أبي موساى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فكوا العاني وأجيبوا الداعي
مطابقته للترجمة ظاهرة. ويحيى هو القطان وسفيان هو الثوري ومنصور هو ابن المعتمر وأبو وائل شقيق بن سلمة.
والحديث قد مضى في الوليمة وغيرها بأتم من هذا.
قوله: العاني أي: الأسير في أيدي الكفار. قوله: الداعي أي: إلى الطعام.
24
((باب هدايا العمال))
أي: هذا باب في بيان حكم الهدايا التي تهدى إلى العمال، بضم العين وتشديد الميم جمع عامل، وهو الذي يتولى أمرا من أمور المسلمين، وروى أحمد من حديث أبي حميد، رفعه: هدايا العمال غلول، ويروى: هدايا الأمراء غلول.
7174 حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، عن الزهري أنه سمع عروة أخبرنا أبو حميد الساعدي قال: استعمل النبي رجلا من بني أسد يقال له ابن الأتبية على صدقة، فلما قدم قال: هاذا لكم، وهاذا هدي لي. فقام النبي على المنبر، قال سفيان أيضا: فصعد المنبر فحمد الله وأثناى عليه ثم قال: ما بال العامل نبعثه فيأتي يقول: هاذا لك وهاذا لي؟ فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهداى له أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه: ألا هل بلغت ثلاثا
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وأبو حميد اسمه عبد الرحمان، وقيل: المنذر.
وقد مضى في الزكاة عن يوسف بن موسى، وفي الجمعة والنذور عن أبي اليمان، وفي الهبة عن عبد الله بن محمد وفي ترك الحيل عن عبيد بن إسماعيل. وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره. وأخرجه أبو داود في الخراج عن أبي الطاهر وغيره.
قوله: من بني أسد قيل: وقع هنا بفتح الهمزة وسكون السين المهملة، ووقع في الهبة من بني الأزد، والسين تقلب زايا، ووقع في رواية الأصيلي: من بني الأسد، بالألف واللام. قوله: ابن الأتبية بضم الهمزة وسكون التاء المثناة من فوق وكسر الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف ويقال: اللتبية، بضم اللام وسكون التاء المثناة فوق وبفتحها وكسر الباء الموحدة، ووقع لمسلم باللام وهي اسم أمه، وقال ابن دريد: بنو لتب بطن من العرب منهم ابن اللتبية رجل من الأزد ويقال فيه الأسد بالسين، واسمه: دراء، على وزن فعال. قوله: قال سفيان أيضا أي قال سفيان بن عيينة تارة، قام، وتارة: صعد. قوله: إن كان بعيرا له رغاء أي: إن كان الذي غله بعيرا، البعير يقع على الذكر والأنثى من الإبل ويجمع على أبعرة وبعران، والرغاء بضم الراء وتخفيف الغين المعجمة مع المد وهو صوت البعير، والخوار بضم الخاء المعجمة وتخفيف الواو صوت البقرة، ويروى: جؤار بالجيم والهمزة من يجأرون كصوت البقرة وسيأتي هذا. قوله: أو شاة تيعر بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف وبفتح العين المهملة ويجوز كسرها، ووقع عند ابن التين: أو شاة لها يعار، بفتح الياء آخر الحروف وتخفيف العين المهملة وهو صوت الشاة الشديد، قاله القزاز، وقال غيره: بضم أوله صوت المعز، يعرت العنز تيعر بالفتح والكسر تعار إذا صاحت. قوله: عفرة إبطيه بضم العين المهملة وسكون الفاء وبالراء: البياض المخالط للحمرة ونحوه، ويروى عفرتي إبطيه. وفي رواية أبي ذر عفر إبطيه بفتح العين وسكون الفاء، ويروى بفتح الفاء أيضا بلا هاء. قوله: ألا بالتخفيف وبلغت بالتشديد. قوله: ثلاثا أي: قالها ثلاث مرات، وفي الهبة: اللهم هل بلغت؟ ثلاثا. وفي رواية مسلم: هل بلغت، مرتين والمعنى: بلغت حكم الله إليكم امتثالا لقوله تعالى: * (ي
1764; اأيها الرسول بلغ مآ أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدى القوم الكافرين) *
252

قال سفيان: قصه علينا الزهري، وزاد هشام عن أبيه عن أبي حميد قال: سمع أذناي وأبصرته عيني، وسلوا زيد بن ثابت، فإنه سمعه معي ولم يقل الزهري.. سمع أذني.
سفيان هو ابن عيينة. قوله: وزاد هشام عن أبيه أي: عروة هو أيضا من مقول سفيان، وليس تعليقا من البخاري. قوله: سمع أذناي بالتثنية ويروى بالإفراد، وسمع بصيغة الماضي، وقال عياض: بسكون الصاد والميم وفتح الراء والعين للأكثر وفي رواية لمسلم: بصر وسمع بالسكون فيهما. والتثنية في أذني وعيني، وفي رواية له: بصر عيناي وسمع أذناي، وفي رواية أبي عوانة: بصر عينا أبي حميد وسمع أذناه. في رواية لمسلم عن عروة: قلت لأبي حميد: أسمعته من رسول الله؟ قال: من فيه إلى أذني. قال النووي: معناه أنني أعلمه علما يقينا لا أشك في علمي به. قوله: وسلوا أي: اسألوا. قوله: فإنه أي: فإن زيد بن ثابت سمعه معي وفي رواية الحميدي: فإنه كان حاضرا معي. قوله: ولم يقل الزهري: سمع أذني هو أيضا من مقول سفيان.
خوار صوت والجؤار من تجأرون كصوت البقرة.
هذا من كلام البخاري وقع هنا في رواية أبي ذر عن الكشميهني. قوله: خوار بضم الخاء المعجمة وفسره بقوله: صوت. قوله: والجؤار بضم الجيم وبالهمزة، وأشار بقوله: من تجأرون إلى ما في سورة قد أفلح * (حتى إذآ أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجئرون) * قال أبو عبيدة: أي: يرفعون أصواتهم كما يجأر الثور، والحاصل أنه بالجيم وبالخاء المعجمة بمعنى، إلا أنه بالخاء للبقر وغيرها من الحيوان، وبالجيم للبقر والناس. قال الله تعالى: * (وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجئرون) *
وفيه: أن ما أهدي إلى العمال وخدمة السلطان بسبب السلطة أنه لبيت المال، إلا أن الإمام إذا أباح له قبول الهدية لنفسه فهو يطيب له، كما قال، لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: قد علمت الذي دار عليك في مالك، وإني قد طيبت لك الهدية، فقبلها معاذ وأتى بما أهدي إليه رسول الله فوجده قد توفي، فأخبر بذلك الصديق، رضي الله تعالى عنه، فأجازه، ذكره ابن بطال. وقال ابن التين: هدايا العمال رشوة وليست بهدية إذ لولا العمل لم يهد له، كما نبه عليه الشارع، وهدية القاضي سحت ولا تملك.
25
((باب استقضاء الموالي واستعمالهم))
أي: هذا باب استقضاء الموالي أي: توليتهم القضاء واستعمالهم أي: على إمرة البلاد حربا أو خراجا أو صلاة، والمراد بالموالي العتقاء والأصل في هذا الباب ما ذكره الله عز وجل في كتابه الكريم * (ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبآئل لتعارفو
1764; ا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) * وقد قدم الشارع في العمل والصلاة والسعاية المفضول مع وجود الفاضل توسعة منه على الناس ورفقا بهم.
7175 حدثنا عثمان بن صالح، حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني ابن جريج أن نافعا أخبره أن ابن عمر، رضي الله عنهما، أخبره قال: كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الأولين وأصحاب النبي في مسجد قباء، فيهم أبو بكر وعمر وأبو سلمة وزيد وعامر بن ربيعة.
انظر الحديث 692
مطابقته للترجمة وهو أن سالما تقدم وهو مولى على من ذكر من الأحرار ظاهرة.
وعثمان بن صالح السهمي المصري. وابن جريج عبد الملك والحديث من أفراده، وسالم مولى أبي حذيفة قال أبو عمر: سالم بن معقل، بفتح الميم وكسر القاف مولى أبي حذيفة بن عتبة من أهل فارس من إصطخر، وقيل: إنه من العجم وكان من فضلاء الموالي ومن خيار الصحابة وكبارهم، ويعد في القراء. وكان عبدا لبثينة بنت يعار زوج أبي حذيفة فأعتقته سائبة فانقطع إلى أبي حذيفة فتبناه وزوجه من بنت أخته فاطمة بنت الوليد بن عتبة.
قوله: يؤم المهاجرين الأولين هم الذين صلوا إلى القبلتين، وفي الكشاف هم الذين شهدوا بدرا. قوله: قباء ممدودا وغير ممدود منصرفا وغير منصرف. قوله: وأبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي زوج
253

أم سلمة قبل النبي أم المؤمنين، وزيد بن حارثة، كذا قاله بعضهم، وقال الكرماني: زيد بن الخطاب العدوي من المهاجرين الأولين شهد المشاهد كلها، والظاهر أن الصواب معه، وعامر بن ربيعة العنزي بالنون والزاي أسلم قديما وشهد بدرا والمشاهد كلها ومات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين. فإن قلت: عد أبي بكر، رضي الله تعالى عنه في هؤلاء مشكل جدا لأنه إنما هاجر في صحبة النبي قلت: لا إشكال إلا على قول ابن عمر: إن ذلك كان قبل مقدم النبي وأجاب البيهقي بأنه يحتمل أن يكون سالم استمر يؤمهم بعد أن تحول النبي إلى المدينة ونزل بدار أبي أيوب قبل بناء مسجده بها فيحتمل أن يقال: وكان أبو بكر يصلي خلفه إذا جاءه إلى قباء.
26
((باب العرفاء للناس))
أي: هذا باب في أمر العرفاء وهو جمع عريف وهو القائم بأمر طائفة من الناس وفي التوضيح اتخاذ العرفاء النظار سنة لأن الإمام لا يمكنه أن يباشر بنفسه جميع الأمور فلا بد من قوم يختارهم لعونه وكفايته.
7176، 7177 حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني إسماعيل بن إبراهيم عن عمه موسى بن عقبة، قال ابن شهاب: حدثني عروة بن الزبير أن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أخبراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين أذن لهم المسلمون في عتق سبي هوازن، فقال: إني لا أدري من أذن منكم ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم فرجعوا إلى رسول الله فأخبروه أن الناس قد طيبوا وأذنوا.
ما
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة بن أبي عياش يروي عن عمه موسى بن عقبة. ورجال هذا الحديث كلهم مدنيون، والمسور بكسر الميم ابن مخرمة بفتح الميمين وبالخاء المعجمة.
والحديث مضى في غزوة حنين.
قوله: حين أذن لهم المسلمون أي: النبي ومن تبعه، أو من أقامه في ذلك، ويروى: حين أذن له بالإفراد، وكذا في رواية النسائي. قوله: هوازن قبيلة. قوله: من أذن منكم ممن لم يأذن كذا في رواية غير الكشميهني، وكذا للنسائي، وفي رواية الكشميهني: من أذن فيكم. قوله: قد طيبوا أي: تركوا السبايا بطيب أنفسهم وأذنوا في إعتاقهم وإطلاقهم.
27
((باب ما يكره من ثناء السلطان، وإذا خرج قال غير ذلك))
أي: هذا باب في بيان ما يكره من ثناء السلطان أي: من ثناء الناس على السلطان، والإضافة فيه إضافة إلى المفعول أي: الثناء بحضرته بقرينة قوله: وإذا خرج، يعني: من عنده، قال غير ذلك، أي: غير الثناء بالمدح وغيره الهجو والخوض فيه بذكر مساويه.
7178 حدثنا أبو نعيم، حدثنا عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال أناس لابن عمر: إنا ندخل على سلطاننا فنقول لهم خلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم. قال: كنا نعده نفاقا.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو نعيم الفضل بن دكين.
قوله: قال أناس سمى منهم عروة بن الزبير ومجاهد وأبو إسحاق الشيباني، ووقع عند الحسن بن سفيان من طريق معاذ عن عاصم عن أبيه: دخل رجل على ابن عمر. أخرجه أبو نعيم من طريقه قوله: على سلطاننا وفي رواية الطيالسي عن عاصم: سلاطيننا، بصيغة الجمع. قوله: فنقول لهم أي: نثني عليهم، وفي رواية الطيالسي:
254

فنتكلم بين أيديهم بشيء، وفي رواية عروة بن الزبير عند الحارث بن أبي أسامة قال: أتيت ابن عمر فقلت: إنا نجلس إلى أئمتنا هؤلاء فيتكلمون بشيء نعلم أن الحق غيره، فنصدقهم فقال: كنا نعد هذا نفاقا، فلا أدري كيف هو عندكم؟ قوله: كنا نعده من العد هكذا في رواية أبي ذر، وله عن الكشميهني، كنا نعد هذا، وعند ابن بطال: كنا نعد ذلك بدل هذا. قوله: نفاقا لأنه إبطان أمر وإظهار أمر آخر ولا يراد به أنه كفر بل إنه كالكفر، ولا ينبغي لمؤمن أن يثني على سلطان أو غيره في وجهه وهو عنده مستحق للذم، ولا يقول بحضرته خلاف ما يقوله إذا خرج من عنده لأن ذلك نفاق، كما قال ابن عمر وقال فيه، شر الناس ذو الوجهين... الحديث لأن يظهر لأهل الباطل الرضا عنهم ويظهر لأهل الحق مثل ذلك ليرضى كل فريق منهم ويريد أنه منهم، وهذه المذاهب محرمة على المؤمنين. فإن قلت: هذا الحديث وحديث أبي هريرة الذي يأتي الآن يعارضان قوله، للذي استأذن عليه: بئس ابن العشرة، ثم تلقاه بوجه طلق وترحيب؟ قلت: لا يعارضه لأنه لم يقل خلاف ما قاله عنه، بل أبقاه على التجريح عند السامع، ثم تفضل عليه بحسن اللقاء والترحيب لما كان يلزمه، من الاستئلاف، وكان يلزمه التعريف لخاصته بأهل التخليط والتهمة بالنفاق.
7179 حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عراك، عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن شر الناس ذو الوجهين، الذي يأتي هاؤلاء بوجه وهاؤلاء بوجه
انظر الحديث 3494 وطرفه
مطابقته للترجمة من حيث إن ذا الوجهين أيضا يثني على قوم ثم يأتي إلى قوم آخر فيتكلم بخلافه.
ويزيد من الزيادة ابن حبيب المصري من صغار التابعين، وعراك بكسر العين المهملة وتخفيف الراء وبالكاف ابن مالك الغفاري المدني.
والحديث أخرجه مسلم في الأدب عن قتيبة ومحمد بن رمح كلاهما عن الليث.
قوله: ذو الوجهين ليس المراد منه حقيقة الوجه بل هو مجاز عن الجهتين مثل المدحة والمذمة، قال الله تعالى: * (وإذا لقوا الذين ءامنوا قالو
1764; ا ءامنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالو
1764; ا إنا معكم إنما نحن مستهزءون) * أي: شر الناس المنافقون. قال الكرماني: فإن قلت: هذا عام لكل نفاق سواء كان كفرا أم لا، فكيف يكون سواء في القسم الثاني؟. قلت: هو للتغليظ وللمستحل أو المراد شر الناس عند الناس لأن من اشتهر بذلك لا يحبه أحد من الطائفتين.
28
((باب القضاء على الغائب))
أي: هذا باب في بيان القضاء أي: الحكم على الغائب أي: في حقوق الآدميين دون حقوق الله بالاتفاق حتى لو قامت البينة على غائب بسرقة مثلا حكم بالمال دون القطع، وقال ابن بطال: أجاز مالك والليث والشافعي وأبو عبيد والجماعة الحكم على الغائب، واستثنى ابن القاسم عن مالك ما يكون للغائب فيه حجج كالأرض والعقار إلا إن طالت غيبته أو انقطع خبره، وأنكر ابن الماجشون صحة ذلك عن مالك، وقال: العمل بالمدينة على الغائب، مطلقا حتى لو غاب بعد أن يتوجه عليه الحكم قضى عليه، وقال ابن أبي ليلى وأبو حنيفة: لا يقضي على الغائب مطلقا، وأما من هرب أو استتر بعد إقامة البينة فينادي القاضي عليه ثلاثا، فإن جاء وإلا أنفذ الحكم عليه. وقال ابن قدامة: أجازه أيضا ابن شبرمة والأوزاعي وإسحاق، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، ومنعه أيضا الشعبي والثوري، وهي الرواية الأخرى عن أحمد.
7180 حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، رضي الله عنها، أن هند قالت للنبي إن أبا سفيان رجل شحيح فأحتاج أن آخذ من ماله قال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف.
255

لا مطابقة بين الترجمة وحديث الباب لأنه لا حكم فيه على الغائب، لأن أبا سفيان كان حاضرا في البلد، وأيضا، فإن الحديث استفتاء وجواب وليس بحكم، لأن الحكم له شروط. واحتجاج الشافعي ومن تبعه بهذا الحديث على جواز القضاء على الغائب غير موجه أصلا على ما لا يخفى. وقال صاحب التوضيح وقد تناقض الكوفيون في ذلك فقالوا: لو ادعى رجل عند حاكم أن له على غائب حقا، وجاء رجل فقال: إنه كفيله واعتف له الرجل بأنه كفيله إلا أنه قال: لا شيء له عليه، وقال أبو حنيفة: يحكم على الغائب ويأخذ الحق من الكفيل، وكذلك إذا قامت وطلبت النفقة من مال زوجها فإنه يحكم لها عليه بها عندهم. انتهى. قلت: سبحان الله كيف يقول صاحب التوضيح قال أبو حنيفة يحكم على الغائب ويأخذ الحق من الكفيل، وأبو حنيفة لم يحكم على الغائب، وإنما حكم على الكفيل وهو حاضر، وفي ضمن هذا يقع على الغائب والضمنيات لا تعلل، وأيضا إنكار المدعى عليه شرط جواز القضاء بالبينة ليقع قاطعا للخصومة، ولم يوجد الإنكار فلا يجوز إلا أن يحضر من يقوم مقامه كالكفيل والوكيل والوصي، وكذلك في المسألة الثانية لا يحكم القاضي على الغائب بل يفرض في ماله المودع عند أحد أو الدين أو المضاربة، ولكن بشروط وهي: أن يعلم القاضي بذلك المال وبالنكاح أو باعتراف من كان المال في يده بالمال والنكاح، وبتحليفه إياها على عدم النفقة وأخذ الكفيل منها.
وشيخ البخاري محمد بن كثير ضد القليل وسفيان هو ابن عيينة، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة.
والحديث قد مضى عن قريب في: باب من رأى للقاضي أن يحكم بعلمه.
29
((باب من قضي له بحق أخيه فلا يأخذه، فإن قضاء الحاكم لا يحل حراما ولا يحرم حلالا))
أي: هذا باب يذكر فيه من قضى له على صيغة المجهول. قوله: بحق أخيه إنما ذكر بالأخوة باعتبار الجنسية لأن المراد خصمه وهو أعم من أن يكون مسلما أو ذميا أو معاهدا أو مرتدا، لأن الحكم في الكل سواء، وقيل: يحتمل أن يكون هذا من باب التهييج وعبر بقوله بحق أخيه، مراعاة للفظ الخبر الذي تقدم في ترك الحيل من طريق الثوري عن هشام بن عروة. قوله: فإن قضاء الحاكم إلى آخره، هذا الكلام من كلام الشافعي فإنه لما ذكر هذا الحديث قال: فيه دلالة على أن الأمة إنما كلفوا القضاء على الظاهر، وفيه أن قضاء القاضي لا يحرم حلالا ولا يحل حراما.
وتحرير هذا الكلام أن مذهب الشافعي وأحمد وأبي ثور وداود وسائر الظاهرية: أن كل قضاء قضى به الحاكم من تمليك مال أو إزالة ملك أو إثبات نكاح أو من حله بطلاق أو بما أشبه ذلك، أن ذلك كله على حكم الباطن، فإن كان ذلك في الباطن كهو في الظاهر، وجب ذلك على ما حكم به، وإن كان ذلك في الباطن على خلاف ما شهد به الشاهد أن على خلاف ما حكم به بشهادتهما على الحكم الظاهر لم يكن قضاء القاضي موجبا شيئا من تمليك ولا تحريم ولا تحليل، وهو قول الثوري والأوزاعي ومالك وأبي يوسف أيضا. وقال ابن حزم: لا يحل ما كان حراما قبل قضائه، ولا يحرم ما كان حلالا قبل قضائه، إنما القاضي منفذ على الممتنع فقط لا مزية له سوى هذا، وقال الشعبي وأبو حنيفة ومحمد: ما كان من تمليك مال فهو على حكم الباطن، وما كان من ذلك من قضاء بطلاق أو نكاح بشهود ظاهرهم العدالة وباطنهم الجراحة فحكم الحاكم بشهادتهم على ظاهرهم الذي تعبد الله أن يحكم بشهادة مثلهم معه، فذلك يجزيهم في الباطن لكفايته في الظاهر.
7181 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أن زينب ابنة أبي سلمة أخبرته أن أم سلمة زوج
النبي أخبرتها عن رسول الله أنه سمع خصومة بباب حجرته فخرج إليهم
256

فقال: إنما أنا بشر، وإنه يأتيني الخصم، فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنه صادق فأقضي له بذالك، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: فاقضي له بذلك إلى آخر الحديث.
وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمان بن عوف، وصالح هو ابن كيسان.
والحديث قد مضى في المظالم عن عبد العزيز بن عبد الله أيضا وفي الشهادات وفي الأحكام عن القعنبي وفي الأحكام أيضا عن أبي اليمان وفي ترك الحيل عن محمد بن كثير، ومضى الكلام فيه.
وفي رواية شعيب عن الزهري: جلبة، بفتح الجيم واللام وهو اختلاط الأصوات، وفي رواية الطحاوي: جلبة خصام عند بابه، والخصام جمع خصيم كالكرام جمع كريم، وفي رواية مسلم: جلبة خصم، وله في رواية من طريق معمر عن هشام: لجبة بتقديم اللام على الجيم، وهي لغة في جلبة ولم يعين أصحاب الجلبة، وفي رواية أبي داود: أتى رسول الله رجلان يختصمان، وأما الخصومة ففي رواية عبد الله بن رافع: أنها كانت في مواريث لهما، وروى الطحاوي بسنده إلى عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة قالت: جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى رسول الله فقال: إنما أنا بشر... الحديث. قوله: بباب حجرته وفي رواية مسلم: عند بابه، والحجرة هي منزل أم سلمة، وكانت الخصومة في مواريث وأشياء بينهما قد درست وليست لهما بينة، فقال رسول الله وفي رواية مسلم في رواية معمر: بباب أم سلمة. قوله: إنما أنا بشر البشر يطلق على الجماعة الواحد يعني: أنه منهم، والمراد أنه مشارك للبشر في أصل الخلقة ولو زاد عليهم بالمزايا التي اختص بها في ذاته وصفاته، وقد ذكرت في شرح معاني الآثار وفي قوله: إنما أنا بشر أي: من البشر ولا أدري باطن ما يتحاكمون فيه عندي ويختصمون فيه لدي، وإنما أقضي بينكم على ظاهر ما تقولون، فإذا كان الأنبياء، عليهم السلام، لا يعلمون ذلك فغير جائز أن تصح دعوة غيرهم من كاهن أو منجم العلم، وإنما يعلم الأنبياء من الغيب ما أعلموا به بوجه من الوحي. قوله: فلعل استعمل استعمال: عسى، وبينهما معاوضة. قوله: أبلغ من بعض أي: أفصح في كلامه وأقدر على إظهار حجته، وفي رواية سفيان الثوري في ترك الحيل: لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض قوله: فأحسب أنه صادق هذا يؤذن أن في الكلام حذفا تقديره: هو في الباطن كاذب، وفي رواية معمر: فأظنه صادقا. قوله: فأقضي له بذلك أي: أحكم له بما يذكره بظني أنه صادق، وفي رواية أبي داود من طريق الثوري: فأقضي له عليه على نحو ما أسمع وفي رواية عبد الله بن رافع: إني إنما أقضي بينكم برأيي فيما لم ينزل علي فيه. قوله: فمن قضيت له بحق مسلم وفي رواية مالك ومعمر: فمن قضيت له بشيء من حق أخيه، وفي رواية الثوري: فمن قضيت له من أخيه شيئا، وكأنه ضمن: قضيت معنى: أعطيت، وعند أبي داود عن محمد بن كثير شيخ البخاري فيه: فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه. قوله: فإنما هي الضمير للحكومة التي تقع بينكم على هذا الوجه يعني بحسب الظاهر. قوله: قطعة من النار تمثيل يفهم منه شدة التعذيب، وهو من مجاز التشبيه كقوله تعالى: * (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون فى بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) * قوله: قوله: فليأخذها أو ليتركها وفي رواية يونس: فليحملها أو ليذرها. وزاد عبد الله بن رافع في آخر الحديث في رواية الطحاوي بعد أن قال: فليأخذها أو ليدعها، فبكى الرجلان. وقال كل واحد منهما حقي لأخي الآخر. فقال رسول الله أما إذا فعلتما هذا فاذهبا فاقتسما وتوخيا الحق. ثم أستهما، ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه. قوله: توخيا الحق، أي: تحرياه. قوله: ثم استهما أي: ثم اقترعا. فإن قلت: ما معنى: أو، هنا. قلت: التخيير على سبيل التهديد إذ معلوم أن العاقل لا يختار أخذ النار التي تحرقه.
وفيه من الفوائد: أن البشر لا يعلمون ما غيب عنهم وستر عن الضمائر وأن بعض الناس أدرى بمواضع الحجة وتصرف القول من بعض، وأن القاضي إنما يقضي على الخصم بما يسمع منه من إقرار وإنكار أو بينات على حسب ما أحكمته السنة في ذلك. وأن التحري جائز في أداء المظالم، وأن الحاكم يجوز له الاجتهاد فيما لم يكن فيه نص. وأن الصلح على الإنكار جائز خلافا للشافعي، قاله أبو عمر. وأن الاقتراع والاستهام جائز، وقال أبو عمر: وقد احتج أصحابنا بهذا الحديث في رد حكم القاضي بعلمه.
257

7182 حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن ابن وليدة زمعة مني، فاقبضه إليك، فلما كان عام الفتح أخذه سعد، فقال: ابن أخي، قد كان عهد إلي فيه، فقام إليه عبد بن زمعة، فقال: أخي وابن وليدة أبي، ولد على فراشه. فتساوقا إلى رسول الله فقال سعد: يا رسول الله ابن أخي كان عهد إلي فيه، وقال عبد بن زمعة: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه، فقال رسول الله هو لك يا عبد بن زمعة ثم قال رسول الله الولد للفراش وللعاهر الحجر ثم قال لسودة بنت زمعة: احتجبي منه لما رأى من شبهه بعتبة، فما رآها حتى لقي الله تعالى.
وجه إيراد هذا الحديث السابق أن الحكم بحسب الظاهر ولو كان في نفس الأمر خلاف ذلك فإنه حكم في ابن وليدة زمعة بحسب الظاهر، وإن كان في نفس الأمر ليس من زمعة ولا يسمى ذلك خطأ في الاجتهاد فيدخل هذا في معنى الترجمة.
وإسماعيل هو ابن أبي أويس.
والحديث قد مضى في البيوع في: باب تفسير المشتبهات فإنه أخرجه هناك عن قزعة عن مالك، وفي الفرائض عن قتيبة وفي المحاربين عن أبي الوليد ومضى الكلام فيه.
قوله: كان عتبة بضم العين وسكون التاء المثناة من فوق. قوله: ابن وليدة زمعة الوليدة الجارية، وزمعة بسكون الميم وفتحها واسم الابن: عبد الرحمن. قوله: عهد إلي بتشديد الياء، وعهد أوصى. قوله: فتساوقا من التساوق وهو مجيء واحد بعد واحد، والمراد هنا: المسارعة. قوله: هو لك أي: إنه ابن أمته. قوله: وللعاهر أي: الزاني. قوله: الحجر أي: الخيبة كما يقال بفيه الحجر، وقيل: يراد به الحجر الذي يرجم به المحصن، وليس بظاهر. قوله: احتجبي منه أي: من الابن المتنازع فيه إنما قال ذلك تورعا واحتياطا.
30
((باب الحكم في البئر ونحوها))
أي: هذا باب في بيان الحكم في البئر ونحوها مثل الحوض والشرب، بكسر الشين المعجمة.
7183 حدثنا إسحاق بن نصر، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا سفيان، عن منصور والأعمش عن أبي وائل قال: قال عبد الله: قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يحلف على يمين صبر يقتطع مالا، وهو فيها فاجر إلا لقي الله وهو عليه غضبان فأنزل الله: * (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولائك لا خلاق لهم فى الاخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) * الآية. فجاء الأشعث وعبد الله يحدثهم فقال: في نزلت وفي رجل خاصمته في بئر، فقال النبي ألك بينة قلت لا. قال: فليحلف قلت إذا يحلف فنزلت * (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولائك لا خلاق لهم فى الاخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) * الآية
مطابقته للترجمة ظاهرة. وقيل: وجه دخول هذه الترجمة في القصة مع أنه لا فرق بين البئر والدار والعبد حتى ترجم على البئر وحدها، أنه أراد الرد على من زعم أن الماء لا يملك فحقق بالترجمة أنه يملك لوقوع الحكم بين المتخاصمين فيها. انتهى. قلت: في أول كلامه نظر لأنه لم يقتصر في الترجمة على البئر وحدها، بل قال: ونحوها، وفي آخر كلامه أيضا نظر لأنه ليس في الخبر تصريح بذكر الماء، فكيف يصح الرد؟.
وإسحاق بن نصر هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي البخاري روى عنه البخاري، فتارة يقول: حدثنا إسحاق بن نصر، وتارة يقول: إسحاق بن إبراهيم بن نصر، وعبد الرزاق بن همام بالتشديد، وسفيان هو الثوري، ومنصور هو ابن المعتمر، والأعمش هو سليمان، وأبو وائل هو شقيق بن سلمة
258

وعبد الله هو ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه.
والحديث مضى في الشرب. قوله: على يمين صبر أي: يمين على حبس الشخص عندها. قوله: يقتطع أي: يكتسب قطعة من المال لنفسه. قوله: وهو فيها فاجر أي: كاذب. والجملة حالية. قوله: غضبان المراد من الغضب لازمه وهو العذاب لأن الغضب لا يصح على الله لأنه غليان دم القلب لإرادة الانتقام.
قوله: الأشعث بالشين المعجمة وبالثاء المثلثة ابن قيس الكندي. قوله: وعبد الله يحدثهم الواو فيه للحال. قوله: في بتشديد الياء. قوله: وفي رجل اسمه الجفشيش الكندي، ويقال الحضرمي، قال أبو عمر: يقال فيه بالجيم وبالحاء وبالخاء، يكنى أبا الخير، ويقال: اسمه جرير بن معدان قدم على النبي في وفد كندة. قوله: يحلف بالنصب.
31
((باب القضاء في كثير المال وقليله))
أي: هذا باب في بيان القضاء أي الحكم في كثير المال وقليله، يعني: لا فرق في الحكم بين الكثير والقليل، لأن كل ذلك مال، ولكن الأقل من درهم لا يعد مالا في العرف حتى إنه لو قال: لفلان علي مال، فإنه لا يصدق في أقل من درهم، والكثير ما له حد، والمال الكثير نصاب الزكاة، وقيل: نصاب السرقة عشرة دراهم، ثم قوله: باب، مبتدأ محذوف الخبر، وقوله: القضاء، مبتدأ أو قوله: في كثير المال، خبره تقديره: القضاء واقع أو ثابت أو سواء في كثير المال وقليله، وفي بعض النسخ: باب القضاء في كثير المال وقليله، سواء بالخبر البارز، وقال بعضهم: باب، بالتنوين. قلت: لا يقال بالتنوين إلا إذا قدر مبتدأ قبله نحو: هذا باب، كما ذكرناه لأن الإعراب لا يكون إلا في المركب.
وقال ابن عيينة عن ابن شبرمة: القضاء في قليل المال وكثيره سواء.
أي: قال سفيان بن عيينة عن عبد الله بن شبرمة قاضي الكوفة، وهكذا ذكر سفيان في جامعه عن ابن شبرمة.
7185 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني عروة بن الزبير: أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته عن أمها أم سلمة قالت: سمع النبي جلبة خصام عند بابه فخرج عليهم فقال لهم: إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضا أن يكون أبلغ من بعض، أقضي له بذلك، وأحسب أنه صادق، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليدعها
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: بحق مسلم لأن الحق يتناول القليل والكثير. والحديث مضى قبل هذا الباب، ومضى الكلام فيه هناك.
32
((باب بيع الإمام على الناس أموالهم وضياعهم، وقد باع النبي صلى الله عليه وسلم مدبرا من نعيم بن النحام))
أي: هذا باب في بيان حكم بيع الإمام على الناس أموالهم وضياعهم، وهو جمع ضيعة وهي العقار، قاله الكرماني، وقال أيضا هو من عطف الخاص على العام. قلت
: وقد فسر الجوهري الضيعة بالعقار أيضا، وقال صاحب دستور اللغة الضيعة القرية. قلت: وفي اصطلاح الناس كذلك لا يطلقون الضيعة إلا على القرية وإليه أشار ابن الأثير أيضا: ما يكون منه معاش الرجل كالضيعة والتجارة والزراعة ونحو ذلك، وذكره في باب الضاد مع الياء. ثم قيل: إنما أضاف البيع إلى الإمام ليشير إلى أن ذلك يقع منه في مال السفيه، أو في وفاء دين الغائب، أو من يمتنع أو غير ذلك ليتحقق أن للإمام التصرف في الأموال في الجملة. وقال المهلب: إنما يبيع الإمام على الناس أموالهم إذا رأى منهم سفها في أحوالهم، فأما من ليس بسفيه فلا يباع عليه شيء من ماله إلا في حق يكون عليه. قوله: وقد باع النبي مدبرا من نعيم بن النحام: وإنما ذكره في معرض الاستدلال لما ذكره قبله، وإنما باع مدبره لأنه أنفد جميع ذات يده في المدبر لأنه تعرض للهلكة فنقض فعله، وإنما لم ينقض على الذي قال له:
259

لا خلابة، لأنه لم يفوت على نفسه جميع ماله ونعيم مصغرا هو النحام لأنه قال: سمعت نحمة نعيم أي: سلعته في الجنة ولفظ الابن زائد، وقال أبو عمر: نعيم بن عبد الله النحام القرشي العدوي، وإنما سمي النحام لأنه، قال: دخلت الجنة فسمعت نحمة من نعيم فيها، والنحمة السعلة، وقيل: النحنحة الممدود آخرها فسمي بذلك: النحام، كان قديم الإسلام، يقال إنه أسلم بعد عشرة أنفس قبل إسلام عمر، رضي الله عنه، وكان يكتم إسلامه، وكانت هجرته عام خيبر، وقيل: بل هاجر في أيام الحديبية، وقيل أقام بمكة حتى كان قبل الفتح قتل بأجنادين شهيدا سنة ثلاث عشرة في آخر خلافة أبي بكر، رضي الله عنه، وقيل: قتل يوم اليرموك في رجب سنة خمس عشرة.
7186 حدثنا ابن نمير، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا إسماعيل، حدثنا سلمة بن كهيل، عن عطاء، عن جابر قال: بلغ النبي أن رجلا من أصحابه أعتق غلاما عن دبر لم يكن له مال غيره، فباعه بثمانمائة درهم ثم أرسل بثمنه إليه.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وابن نمير هو محمد بن عبد الله بن نمير مصغر نمر الحيوان المشهور، ومحمد بن بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وسلمة بن كهيل مصغر كهل وعطاء هو ابن أبي رباح بفتح الراء وتخفيف الباء الموحدة، وجابر هو ابن عبد الله، وكذا وقع في بعض النسخ.
والحديث مضى في البيوع. وأخرجه أبو داود في العتق عن أحمد بن حنبل. وأخرجه النسائي فيه عن أبي داود الحراني وغيره. وأخرجه ابن ماجة عن شيخ البخاري وغيره.
قوله: عن دبر يعني: علق عتقه بعد موته ووقع هنا للكشميهني: عن دين، بفتح الدال وسكون الياء آخر الحروف وبالنون، قيل: هو تصحيف، والمشهور هو الأول. والرجل المذكور هو أبو مذكور، واسم الغلام: يعقوب، والمشتري: نعيم النحام.
33
((باب من لم يكثرت بطعن من لا يعلم في الأمراء حديثا))
أي: هذا باب في ذكر من لم يكترث أي: لم يبال ولم يلتفت، وأصله من الكرث بفتح الكاف وسكون الراء وبالثاء المثلثة يقال: ما اكترثت أي: ما أبالي، ولا يستعمل إلا في النفي، واستعماله في الإثبات شاذ. وقال المهلب: معنى هذه الترجمة أن الطاعن إذا لم يعلم حال المطعون عليه فرماه بما ليس فيه لا يعبأ بذلك الطعن ولا يعمل به. قوله: بطعن من لا يعلم إشارة إلى أن من طعن فعلم أنه يعمل به فلو طعن بأمر محتمل كان ذلك راجعا إلى رأي الإمام.
7187 حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد العزيز بن مسلم، حدثنا عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر، رضي الله عنهما، يقول: بعث رسول الله بعثا وأمر عليهم أسامة بن زيد فطعن في إمارته، وقال: إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبله، وايم الله إن كان لخليقا للإمرة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن هاذا لمن أحب الناس إلي بعده
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث مضى في آخر المغازي في: باب بعث النبي أسامة بن زيد في مرضه الذي توفي فيه ومضى الكلام فيه.
قوله: بعثا أي: جيشا قوله: وأمر بتشديد الميم أي: جعله أميرا على الجيش. قوله: فطعن على صيغة المجهول. قوله: في إمارته بكسر الهمزة. قوله: أن تطعنوا في إمارته أي: في إمارة أسامة قوله: فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه أي أبي أسامة وهو زيد. قوله: من قبله وذلك أنهم طعنوا في إمارة زيد من قبل طعن أسامة، وكان رسول الله بعث أسامة إلى الحرقات من جهينة وبعثه أميرا في غزوة مؤتة فاستشهد هناك، وقال الكرماني: قالت النحاة: الشرط سبب للجزاء متقدم عليه، وهاهنا ليس كذلك، ثم أجاب بأنه يؤول مثله بالإخبار عندهم، أي: إن طعنتم فيه فأخبركم بأنكم طعنتم من قبل في أبيه،
260

ويلازمه عند البيانيين أي: إن طعنتم فيه تأثمتم بذلك لأنه لم يكن حقا، والغرض أنه كان خليقا بالإمارة، أشار إليه بقوله: وأيم الله... إلى آخره، ولفظ: أيم الله، من ألفاظ القسم كقولك: والله، وفيها لغات كثيرة، وتفتح همزتها وتكسر وهمزتها همزة وصل، وقد تقطع، وأهل الكوفة من النحاة يزعمون أنها جمع يمين، وغيرهم يقول: هو اسم موضوع للقسم. قوله: إن كان لفظه: إن، مخففة من المثقلة أصله، إنه كان، أي: إن زيد بن أسامة كان لخليقا أي لائقا للإمرة ومستحقا لها، وفي رواية الكشميهني: للإمارة. قوله: وإن كان أي: وإنه كان لمن أحب الناس إلي بتشديد الياء. قوله: وإن هذا أي: وإن زيدا هذا وأشار إليه لمن أحب الناس إلي بعده أي: بعد أسامة. فإن قلت: قد طعن على أسامة وأبيه ما ليس فيهما ولم يعزل الشارع واحدا منهما، بل بين فضلهما، ولم يعتبر عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، بهذا القول في سعد وعزله حين قذفه أهل الكوفة بما هو بريء منه. قلت: عمر، رضي الله تعالى عنه، لم يعلم من مغيب أمر سعد ما علمه الشارع من أمر زيد وأسامة، وإنما قال عمر لسعد حين ذكر أن صلاته تشبه صلاة رسول الله ذلك الظن بك، ولم يقطع على ذلك كما قطع رسول الله في أمر زيد: إنه خليق للإمارة، وقيل: الطاعنون فيهما من استصغار سنهما على من قدما عليه من مشيخة الصحابة، وقيل: هم المنافقون الذي كانوا يطعنون على رسول الله ويقبحون آراءه.
34
((باب الألد الخصم، وهو الدائم في الخصومة))
أي: هذا باب في ذكر الألد بفتح الهمزة واللام وتشديد الدال الخصم بفتح الخاء المعجمة وكسر الصاد المهملة، وفسره البخاري بقوله وهو الدائم الخصومة، أراد أن خصومته لا تنقطع.
* (لدا عوجا) *
إلى قوله: * (فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا) * واللد بضم اللام جمع ألد، والعوج بضم العين جمع أعوج، وفسره به وفي رواية الكشميهني: ألد: أعوج، وفي تفسير عبد بن حميد من طريق معمر عن قتادة في قوله: قال: جدلا بالباطل.
7188 حدثنا مسدد، حدثنا يحياى بن سعيد، عن ابن جريج سمعت ابن أبي مليكة يحدث عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم
انظر الحديث 2457 وطرفه
الترجمة والحديث واحد. ويحيى هو القطان، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وابن أبي مليكة هو عبد الله، واسم أبي مليكة بضم الميم زهير.
والحديث مضى في المظالم عن أبي عاصم وفي التفسير عن قبيصة عن سفيان الثوري ومضى الكلام فيه.
قال الكرماني: الأبغض هو الكافر، ثم قال: معناه أبغض الكفار والكافر المعاند، وأبغض الرجال المخاصمين الألد الخصم، وقيل: المعنى الثاني هو الأصوب، وهو أعم من أن يكون كافرا أو مسلما.
35
((باب إذا قضى الحاكم بجور أو خلاف أهل العلم فهو رد))
أي: هذا باب فيه إذا قضى الحاكم بجور أي بظلم، أو قضى بحكم هو يخالف أهل العلم. قوله: قوله: فهو رد جواب: إذا، أي: مردود، يعني: ينقض، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم، فإن كان وجه الاجتهاد والتأويل كما صنع خالد بن الوليد، رضي الله عنه، على ما يأتي الآن، فإن الإثم فيه ساقط والضمان لازم في ذلك عند عامة أهل العلم، إلا أنهم اختلفوا فيه، فقالت طائفة: إذا أخطأ الحاكم في حكمه في قتل أو جراح فدية ذلك في بيت المال، وكذا عند الثوري وأبي حنيفة وأحمد وإسحاق، وعند الأوزاعي وأبي يوسف ومحمد والشافعي: على عاقلة الإمام.
261

7189 حدثنا محمود، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر بعث النبي خالدا ح وحدثني: نعيم أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سالم عن أبيه قال: بعث النبي خالد بن الوليد إلى بني جذيمة فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فقالوا: صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل ويأسر، ودفع إلى كل رجل منا أسيره، فأمر كل رجل منا أن يقتل أسيره، فقلت: والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره، فذكرنا ذلك للنبي فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد، مرتين
انظر الحديث 4339
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد يعني: من قتله الذين قالوا: صبأنا، قبل أن يستفسرهم عن مرادهم بذلك القول، فإن فيه إشارة إلى تصويب فعل ابن عمر ومن تبعه في تركهم متابعة خالد على قتل من أمرهم بقتلهم من المذكورين، وقال الخطابي: الحكمة في تبريه من فعل خالد مع كونه لم يعاتبه على ذلك لكونه مجتهدا أن يعرف أنه لم يأذن له في ذلك خشية أن يعتقد أحد أنه كان بإذنه، ولينزجر غير خالد بعد ذلك عن فعل مثله. وقال ابن بطال: الإثم، وإن كان ساقطا عن المجتهد في الحكم إذا تبين أنه بخلاف جماعة أهل العلم، لكن الضمان لازم للمخطىء عند الأكثر مع الاختلاف، وقد بيناه الآن.
ثم إنه أخرج هذا الحديث من طريقين. أحدهما: عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق بن همام عن معمر بن راشد عن محمد بن مسلم الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه. والآخر عن نعيم بضم النون وفتح العين المهملة ابن حماد الرفاء بتشديد الفاء المروزي الأعور ذو التصانيف، امتحن في القرآن وقيد فمات بسامرا سنة تسع وعشرين ومائتين، وفي رواية أبي ذر: وحدثني أبو عبد الله نعيم بن حماد، وفي رواية غيره: قال أبو عبد الله حدثني أبو نعيم، وأبو عبد الله هذا هو البخاري، ونعيم يروي عن عبد الله بن المبارك المروزي عن معمر إلى آخره.
والحديث مضى في المغازي في: باب بعث النبي خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، وهي قبيلة من عبد قيس.
قوله: صبأنا من صبأ الرجل إذا خرج من دين إلى دين. قوله: مما صنع خالد أي: من العجلة في قتلهم وترك التثبت في أمورهم.
36
((باب الإمام يأتي قوما فيصلح بينهم))
أي: هذا باب فيه: الإمام... إلى آخره، وارتفاع الإمام بالابتداء وخبره: يأتي قوما، قوله: فيصلح وفي رواية الكشميهني: ليصلح بينهم، باللام بدل الفاء ويجوز إضافة الباب إلى الإمام أي: هذا باب في أمر الإمام حال كونه يأتي قوما لأجل الإصلاح بينهم.
7190 حدثنا أبو النعمان، حدثنا حماد، أبو حازم المديني، عن سهل بن سعد الساعدي قال: كان قتال بين بني عمر و فبلغ ذلك النبي فصلى الظهر ثم أتاهم يصلح بينهم فلما حضرت صلاة العصر فأذن بلال وأقام وأمر أبا بكر، فتقدم وجاء النبي وأبو بكر في الصلاة، فشق الناس حتى قام خلف أبي بكر فتقدم في الصف الذي يليه، قال: وصفح القوم، وكان أبو بكر إذا دخل في الصلاة لم يلتفت حتى يفرغ، فلما رأى التصفيح لا يمسك عليه التفت فرأى النبي خلفه فأومأ إليه النبي أن امضه وأومأ بيده هاكذا، ولبث أبو بكر
262

هنية يحمد الله على قول النبي ثم مشى القهقراى، فلما رأى النبي ذالك تقدم فصلى النبي بالناس فلما قضى صلاته قال: يا أبا بكر ما منعك إذ أومأت إليك أن لا تكون مضيت؟ قال: لم يكن لابن أبي قحافة أن يؤم النبي وقال للقوم: إذا نابكم أمر فليسبح الرجال، وليصفح النساء
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو النعمان محمد بن الفضل وحماد بن زيد، وكذا في بعض النسخ وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار المدني.
والحديث مضى في الصلاة في: باب من دخل ليؤم الناس.
قوله: بين بني عمرو أي: ابن عوف بالفاء وهي قبيلة. قوله: فأذن بلال قيل: ليس هذا محل الفاء سواء كان: لما، للشرط أو للظرفية. وأجيب بأن جزاءه محذوف وهو: جاء المؤذن، والفاء للعطف عليه. قوله: فشق الناس فإن قلت: جاء عنه، أنه نهى عن التخطي...؟ الحديث. قلت: الإمام مستثنى من ذلك، فله أن يتخطى إلى موضعه. وقال المهلب: الشارع ليس كغيره في أمر الصلاة وغيرها، فإنه ليس لأحد أن يتقدم عليه فيها. قوله: وصفح القوم بتشديد الفاء من التصفيح وهو التصفيق وهو التصويت باليد، قوله: لا يمسك عليه بلفظ المجهول، ويروى: عنه. قوله: امضه من الإمضاء وهو الإنقاذ. قوله: هكذا أي: مشيرا بالمكث في مكانه. قوله: هنية مصغر الهنة أصلها: الهنوة. أي: زمانا يسيرا. قوله: يحمد الله حال: أي: يحمد الله على قول النبي المستفاد من الإشارة بالإمضاء والمكث في المكان، وفي رواية الكشميهني: فحمد الله بالفاء. قوله: القهقرى نوع من المشي وهو رجوع إلى خلف. قوله: يا أبا بكر أصله: يا أبا بكر، حذفت الألف للتخفيف. قوله: إذا أي: حين قوله: أومأت إليك قوله: مضيت أي: تقدمت. قوله: لم يكن لابن أبي قحافة بضم القاف وفتح الحاء المهملة وبالفاء وهو كنية والد أبي بكر واسمه عثمان التيمي، أسلم عام الفتح وعاش إلى خلافة عمر، رضي الله تعالى عنه، إنما قال هكذا ولم يقل: لي أو: لأبي بكر تحقيرا لنفسه واستصغارا لمرتبته عند رسول الله قوله: إذا نابكم بالنون أي: إذا أصابكم أمر ويروى: إذا رابكم، أي: سنح لكم حاجة فليسبح الرجال أي: ليقولوا: سبحان الله. قوله: وليصفح النساء من التصفيح، وقد مر تفسيره، وهو أن تضرب بيدها على ظهر يدها الأخرى.
37
((باب يستحب للكاتب أن يكون أمينا عاقلا))
أي: هذا باب في بيان ما يستحب لكاتب الحكم أن يكون أمينا في كتابته بعيدا من الطمع ولا يأخذ أكثر من أجرة المثل في موضع يجوز له الأخذ ولا يأخذ مثل ما يأخذ غالب شهود مصر. قوله: عاقلا يعني: لا يكون مغفلا مثل بعض قضاة مصر، لأن المغفل يخدع ويضيع حقوق الناس ولا سيما إذا كان لا يخرج من كلام بعض خواصه من أكالين أموال الناس المفسدين، وعن الشافعي، رضي الله تعالى عنه: ينبغي لكاتب القاضي أن يكون عاقلا لئلا يخدع ويحرص على أن يكون فقيها لئلا يؤتى من جهله، ويكون بعيدا.
7191 حدثنا محمد بن عبيد الله أبو ثابت، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن عبيد بن السباق، عن زيد بن ثابت قال: بعث إلي أبو بكر لمقتل أهل اليمامة، وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بقراء القرآن في المواطن كلها، فيذهب قرآن كثير، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن قلت: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله فقال عمر: هو والله خير، فلم
263

يزل عمر يراجعني في ذالك حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر عمر، ورأيت في ذالك الذي رأى عمر، قال زيد: قال أبو بكر: وإنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله فتتبع القرآن فاجمعه قال زيد: فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل علي مما كلفني من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله قال أبو بكر: هو والله خير، فلم يزل يحث مراجعتي حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، ورأيت في ذالك الذي رأيا، فتبعت القرآن أجمعه من العسب والرقاع واللخاف وصدور الرجال، فوجدت آخر سورة التوبة * (لقد جآءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم) * إلى آخرها مع خزيمة: أو أبي خزيمة فألحقتها في سورتها، وكانت الصحف عند أبي بكر حياته حتى توفاه الله عز وجل، ثم عند عمر حياته حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر.
قال محمد بن عبيد الله: اللخاف، يعني: الخزف.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: وإنك رجل شاب عاقل لا نتهمك
ومحمد بن عبيد الله بتصغير العبد أبو ثابت مولى عثمان، رضي الله تعالى عنه، وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري، وعبيد مصغر عبد بن السباق، بالسين المهملة وتشديد الباء الموحدة الثقفي.
والحديث مضى في تفسير سورة براءة وفي فضائل القرآن ومضى الكلام فيه.
قوله: اليمامة بفتح الياء آخر الحروف وتخفيف الميم الأولى: جارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام، وبلاد الجون منسوبة إليها وهي من اليمن وفيها
قتل مسيلمة الكذاب، وقتل من القراء سبعون أو سبعمائة. قوله: استحر أي: اشتد وكثر. قوله: خير يحتمل أن يكون أفعل التفضيل، وأن لا يكون. قيل: كيف يكون فعلهم خيرا مما كان في زمن رسول الله، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم؟ وأجيب: يعني هو خير في زمانهم، وكذا الترك كان خيرا في زمانه لعدم تمام النزول واحتمال النسخ، فلو جمعت بين الدفتين وسارت به الركبان إلى البلدان ثم نسخ لأدى ذلك إلى اختلاف عظيم. قوله: من العسب بضم العين وسكون السين المهملتين جمع عسيب، وهو جريد النخل إذا نزع منه الخوص. قوله: والرقاع جمع رقعة. قوله: واللخاف بالخاء المعجمة جمع اللخفة وهو الحجر الأبيض، وقيل: الخزف. قوله: مع خزيمة بن ثابت الأنصاري قوله: أو أبي خزيمة شك من الراوي، وأبو خزيمة بن أوس بن يزيد بن أصرم شهد بدرا وما بعدها من المشاهد وتوفي في خلافة عثمان، رضي الله تعالى عنه، قيل: قد مر في: باب جمع القرآن أن الآية التي مع خزيمة: * (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) * من سورة الأحزاب؟ أجيب: بأن آية التوبة كانت عند النقل من العسب إلى الصحف، وآية الأحزاب عند النقل من الصحيفة إلى المصحف قيل: كيف ألحقها بالقرآن وشرطه التواتر؟ قيل له: معناه لم أجدها مكتوبة عند غيره، قيل: لما كان متواترا فما هذا التتبع؟ أجيب: للاستظهار، لا سيما وقد كتب بين يدي رسول الله وليعلم هل فيها قراءة أخرى أم لا. قيل: ما وجه ما اشتهر أن عثمان هو جامع القرآن؟ أجيب: بأن الصحف كانت مشتملة على جميع أحرفه ووجوهه التي نزل بها، فجرد عثمان اللغة القرشية منها، أو كانت صحفا فجعلها مصحفا واحدا جمع الناس عليها، وأما الجامع الحقيقي سورا وآيات فهو رسول الله بالوحي.
قوله: قال محمد بن عبيد الله هو شيخ البخاري. فإنه فسر اللخاف بالخزف.
38
((باب كتاب الحاكم إلى عماله والقاضي إلى أمنائه))
أي: هذا باب في بيان كتاب الحاكم إلى عماله، بضم العين وتشديد الميم جمع عامل، وهو الذي يوليه الحاكم على بلد لجمع خراجها.
264

أو زكاتها أو الصلاة بأهلها أو التأميل على جهاد عدوها، وكتاب القاضي إلى أمنائه جمع أمين وهو الذي يوليه القاضي في ضبط أموال الناس نحو الجباة والشهود والذين يكتبون معهم.
7192 حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن أبي ليلى ا. ح وحدثنا إسماعيل، حدثني مالك، عن أبي ليلاى بن عبد الله بن عبد الرحمان بن سهل، عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره هو ورجال من كبراء قومه: أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم، فأخبر محيصة أن عبد الله قتل وطرح في فقير أو عين فأتى يهود فقال: أنتم والله قتلتموه؟ قالوا: ما قتلناه والله، ثم أقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم وأقبل هو وأخوه حويصة، وهو أكبر منه وعبد الرحمان بن سهل، فذهب ليتكلم وهو الذي كان بخيبر، فقال النبي لمحيصة كبر كبر يريد السن
1764; فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة فقال رسول الله إما أن يدوا صاحبكم، وإما أن يؤذنوا بحرب فكتب رسول الله إليهم به فكتب ما قتلناه، فقال رسول الله لحويصة ومحيصة وعبد الرحمان أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم قالوا: لا. قال: أفتحلف لكم يهود؟ قالوا: ليسوا بمسلمين، فوداه رسول الله من عنده مائة ناقة حتى أدخلت الدار، قال سهل: فركضتني منها ناقة.
مطابقته للترجمة في قوله: فكتب رسول الله أي: إلى أهل خيبر به أي: بالخبر الذي نقل إليه.
وأخرجه من طريقين أحدهما: عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن أبي ليلى بفتح اللامين مقصورا ابن عبد الله بن عبد الرحمان بن سهل بن أبي حثمة، وقيل: أبو ليلى هو عبد الله بن سهل بن عبد الرحمان بن سهل، قال الكرماني: وقيل: لم يرو عنه إلا مالك فقط. فهو نقض على قاعدة البخاري حيث قالوا: شرطه أن يكون لراويه راويان والطريق الآخر عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك إلى آخره والحديث مضى في القسامة.
قوله: من كبراء قومه أي: عظمائهم. قوله: أن عبد الله بن سهل أي: ابن زيد بن كعب الحارثي محيصة بضم الميم وفتح الحاء المهملة، وأما الياء آخر الحروف فمشددة مكسورة أو مخففة ساكنة وبإهمال الصاد ابن مسعود بن كعب الحارثي. قوله: من جهد بفتح الجيم الفقر والاشتداد ونكاية العيش. قوله: وطرح في فقير بالفاء المفتوحة والقاف المكسورة والياء آخر الحروف الساكنة والراء، وهو فم القناة والحفيرة التي يغرس فيها الفسيلة. قوله: وأخوه حويصة بالمهملتين على وزن محيصة في الوجهين. قوله: وهو حويصة. قوله: كبر أي: قدم الأسن في الكلام. قوله: إما أن يدوا أي: إما أن يعطي اليهود الدية ومن ودى إذا أعطى الدية ومضارعه: يدي أصله يودي حذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة فصار على وزن: يعل. قوله: فكتب: ما قتلناه في رواية الكشميهني: فكتبوا، وهذا أوجه. قال الكرماني: فكتب أي كتب الحي المسمى باليهود، وفيه تكلف، وقال بعضهم: وأقرب منه أن يراد الكاتب عنهم لأن الذي يباشر الكتابة إنما هو واحد. قلت: هذا أيضا فيه تكلف. والأقرب منه والأصوب: كتبوا، بصيغة الجمع، والأولى أن يكون: كتب، على صيغة المجهول، ولفظ: قوله: ما قتلناه مرفوع به محلا أي: كتب هذا اللفظ. قوله: أتحلفون؟ قال الكرماني: كيف عرضت اليمين على الثلاثة، وإنما هي للوارث خاصة وهو أخوه؟ قلت: كان معلوما عندهم أن اليمين يختص به فأطلق الخطاب لهم لأنه كان لا يعمل شيئا إلا بمشورتهما، إذ هو كان كالولد لهما. قوله: فواده أي: فأعطى ديته رسول الله إنما أعطاه من عنده قطعا للنزاع وجبرا لخاطرهم، وإلا فاستحقاقهم لم يثبت.
265

((باب هل يجوز للحاكم أن يبعث رجلا وحده للنظر في الأمور))
أي: هذا باب يذكر فيه: هل يجوز للحاكم أن يبعث رجلا حال كونه وحده للنظر في الأمور أي: في أمور المسلمين؟ وفي رواية المستملي والكشميهني: أن يبعث رجلا وحده ينظر في الأمور؟ وجواب الاستفهام محذوف لم يذكره اكتفاء بما يوضح ذلك في حديث الباب.
وفيه خلاف: فعند محمد بن الحسن: لا يجوز للقاضي أن يقول: أقر عندي فلان بكذا لا يقضي به عليه من قتل أو مال أو عتق أو طلاق حتى يشهد معه على ذلك غيره، وأجاب عن حديث الباب أنه خاص بالنبي، قال: وينبغي أن يكون في مجلس القاضي أبدا عدلان يسمعان من يقر ويشهدان على ذلك، فينفذ الحكم بشهادتهما. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إذا أقر رجل عند القاضي بأي شيء كان وسعه أن يحكم به. وقال ابن القاسم على مذهب مالك: إن كان القاضي عدلا وحكم به ينفذ، وبه قال الشافعي، وقال ابن القاسم: وإن لم يكن عدلا لم يقبل قوله. وقال المهلب: في هذا الحديث حجة لمالك في جواز إنفاذ الحاكم رجلا واحدا يثق به يكشف له عن حال الشهود في السر، كما يجوز قبول الفرد فيما طريقه الخبر لا الشهادة، وقال: وقد استدل به قوم في جواز تنفيذ الحكم دون إعذار إلى المحكوم عليه، قال: وهذا ليس بشيء لأن الإعذار يشترط فيما كان الحكم فيه بالبينة لا ما كان بالإقرار كما في هذه القصة، لقوله فإن اعترفت.
7193، 7194 حدثنا آدم، حدثنا ابن أبي ذئب، حدثنا الزهري، عن عبيد الله، بن عبد الله عن أبي هريرة، وزيد بن خالد الجهني قالا: جاء أعرابي فقال: يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله فقام خصمه فقال: صدق، فاقض بيننا بكتاب الله. فقال الأعرابي: إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته، فقالوا لي: على ابنك الرجم، ففديت ابني منه بمائة من الغنم ووليدة. ثم سألت أهل العلم فقالوا: إنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام، فقال النبي لأقضين بينكما بكتاب الله أما الوليدة والغنم فرد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، وأما أنت يا أنيس لرجل فاغد على امرأة هاذا فارجمها فغدا عليها أنيس فرجمها.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: فاغد يا أنيس على امرأة هذا
وشيخ البخاري آدم بن إياس واسمه عبد الرحمن أصله من خراسان سكن عسقلان وهو من أفراده، وابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب بكسر الذال المعجمة واسمه هشام، والزهري محمد بن مسلم، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة.
والحديث مضى مكررا في الشروط عن قتيبة، وفي الوكالة عن أبي الوليد وفي الصلح عن آدم وفي النذور عن إسماعيل وفي المحاربين عن عبد الله بن يوسف وعن عاصم بن علي وعن مالك بن إسماعيل وغير ذلك، ومضى الكلام فيه.
قوله: كان عسيفا أي: أجيرا قوله: لأقضين بينكما بكتاب الله أي: بحكم الله وليس هو في كتاب الله صريحا. قوله: ووليدة هي الجارية. قوله: فرد أي: مردود يجب الرد عليك. قوله: يا أنيس مصغر أنس ابن الضحاك الأسلمي على الأصح والمرأة كانت أسلمية. قوله: فارجمها يعني: إن اعترفت فارجمها، صرح به في سائر الروايات.
((باب ترجمة الحكام، وهل يجوز ترجمان واحد))
أي: هذا باب في بيان ترجمة الحكام، جمع حاكم، وفي رواية الكشميهني ترجمة الحاكم بالإفراد الترجمة تفسير الكلام بلسان غير لسانه، يقال: ترجم كلامه إذا فسره بلسان آخر، ومنه الترجمان، والجمع التراجم. قال الجوهري: ولك أن تضم التاء لضم الجيم فتقول: ترجمان. قوله: وهل يجوز ترجمان واحد؟ إنما ذكره بالاستفهام لأجل الخلاف الذي فيه. فعند أبي حنيفة وأحمد يكتفى بواحد، واختاره البخاري وابن المنذر وآخرون. وقال الشافعي وأحمد في الأصح: إذا لم يعرف الحاكم لسان الخصم
266

لا يقبل فيه إلا عدلان كالشهادة، وقال أشهب وابن نافع عن مالك وابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: إذا اختصم إلى القاضي من لا يتكلم بالعربية ولا يفقه كلامه فليترجم له عنهم ثقة مسلم مأمون، واثنان أحب إلي، والمرأة تجزىء، ولا يقبل ترجمة كافر، وشرط المرأة عند من يراه أن تكون عدلة، ولا يترجم من لا تجوز شهادته.
7195 وقال خارجة بن زيد بن ثابت: عن زيد بن ثابت، أن النبي أمره أن يتعلم كتاب اليهود حتى كتبت للنبي كتبه وأقرأته كتبهم إذا كتبوا إليه.
هذا التعليق من الأحاديث التي لم يخرجها البخاري إلا معلقة وقد وصله مطولا في كتاب التاريخ عن إسماعيل بن أبي أويس: حدثني عبد الرحمان بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت الحديث.
قوله: كتاب اليهود أي: كتابتهم يعني: خطهم، وفي رواية الكشميهني: كتاب اليهودي. بياء النسبة. قوله: حتى كتبت بلفظ المتكلم. قوله: كتبه يعني: إليهم. قوله: وأقرأته كتبهم يعني: التي يكتبونها إليه.
وقال عمر وعنده علي وعبد الرحمان وعثمان: ماذا تقول هذه؟ قال عبد الرحمان بن حاطب: فقلت: تخبرك بصاحبهما الذي صنع بهما.
أي: قال عمر بن الخطاب. والحال أن عنده علي بن أبي طالب وعبد الرحمان بن عوف وعثمان بن عفان، رضي الله تعالى عنهم، قوله: ماذا تقول هذه؟ مقول عمر، رضي الله تعالى عنه، وأشار بقوله: هذه، إلى امرأة كانت حاضرة عندهم، فترجم عبد الرحمان بن حاطب بن أبي بلتعة مترجما عنها لعمر، رضي الله تعالى عنه، بإخبارها عن فعل صاحبهما، وهي كانت نوبية بضم النون وسكون الواو وكسر الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف أعجمية من جملة عتقاء حاطب، وقد زنت وحملت فأقرت أن ذلك من عبد اسمه: برغوس، بالراء والغين المعجمة وبالسين المهملة بدرهمين، وهذا التعليق وصله عبد الرزاق وسعد بن منصور من طرق عن يحيى بن عبد الرحمان بن حاطب عن أبيه نحوه.
وقال أبو جمرة: كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس.
أبو جمرة بالجيم والراء واسمه نصر بن عمران الضبعي البصري. وأخرجه النسائي بزيادة بعد قوله: وبين الناس، وأتته امرأة فسألته عن نبيذ الجر فنهى عنه... الحديث.
وقال بعض الناس: لا بد للحاكم من مترجمين.
قال الكرماني: قال مغلطاي المصري: كأنه يريد ببعض الناس الشافعي، وهو رد لقول من قال: إن البخاري إذا قال: بعض الناس، أراد به أبا حنيفة، ثم قال الكرماني: أقول غرضهم بذلك غالب الأمر أو في موضع تشنيع عليه وقبح الحال، أو أراد به هاهنا أيضا بعض الحنفية، لأن محمد بن الحسن قال بأنه لا بد من اثنين، غاية ما في الباب أن الشافعية أيضا قائل به، لكن لم يكن مقصودا بالذات انتهى. وقال بعضهم: المراد ببعض الناس محمد بن الحسن فإنما الذي اشترط أنه لا بد في الترجمة من اثنين، ونزلها منزلة الشهادة. ووافقه الشافعي فتعلق بذلك مغلطاي، فقال: فيه رد لقول من قال: إن البخاري... الخ. قلت: سبحان الله ما هذا التعصب الباطل حتى يوقعوا به أنفسهم في المحذور فمآله لكرماني الذي طرح جلباب الحياء وبقول أو في موضع تشنيع عليه وقبح الحال وما التشنيع وقبح الحال، إلا على من يتكلم في الأئمة الكبار الذين سبقوهم بالإسلام وقوة الدين وكثرة العلم وشدة الورع والقرب من زمن النبي ومع هذا فالكرماني ما جزم بأن مراد البخاري ببعض الناس أبو حنيفة ومحمد بن الحسن لأنه ردد في كلامه، والعجب من بعضهم الذي جزم بأن المراد به محمد بن الحسن، فهروبهم عن المراد به الشافعي مثل ما ذكره الشيخ
267

علاء الدين مغلطاي، لماذا والحال أن المراد لو كان الشافعي لما يلزم به النقص للشافعي ولا ينقص من جلالة قدره شيء، على أن البخاري لا يراع الشافعي قط، والدليل عليه أنه ما روى عنه قط في جامعه الصحيح ولو كان يعترف به لروى عنه كما روى عن الإمام مالك جملة مستكثرة، وكذلك روى عن أحمد بن حنبل في آخر المغازي في مسند بريدة أنه: غزا مع النبي ست عشرة غزوة، وقال في كتاب الصدقات: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا أبي حدثنا ثمامة... الحديث، ثم قال عقيبه: وزادني أحمد بن حنبل عن محمد بن عبد الله الأنصاري، وقال في كتاب النكاح: قال لنا أحمد بن حنبل.
7196 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عباس أخبره أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش ثم، قال لترجمانه: قل لهم: إني سائل هاذا، فإن كذبني فكذبوه، فذكر الحديث، فقال للترجمان: قل له: إن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين.
قال الكرماني ذكر ترجمة الحاكم ولا حكم فيها، ونصب الأدلة في غير ما ترجم عليه. قلت: غرض البخاري ذكر لفظ الترجمة ليس إلا وليس مراده الحكم بالترجمة. ورجال الحديث قد تكرر ذكرهم، وأبو اليمان الحكم بن نافع. والحديث مضى في أول الكتاب مطولا. وأبو سفيان اسمه صخر بن حرب.
41
((باب محاسبة الإمام عماله))
أي: هذا باب في بيان محاسبة الإمام عماله، بضم العين جمع عامل.
7197 حدثنا محمد، أخبرنا عبدة، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه عن أبي حميد الساعدي أن النبي استعمل ابن الأتبية على صدقات بني سليم، فلما جاء إلى رسول الله وحاسبه قال: هذا الذي لكم وهاذه هدية أهديت لي، فقال رسول الله فهلا جلست في بيت أبيك وبيت أمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا ثم قام رسول الله فخطب الناس وحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإني استعمل رجالا منكم على أمور مما ولاني الله، فيأتي أحدكم فيقول: هاذا لكم وهاذه هدية أهديت لي، فهلا جلس في بيت أبيه وبيت أمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا؟ فوالله لا يأخذ أحدكم منها شيئا قال هشام: بغير حقه إلا جاء الله يحمله يوم القيامة، ألا فلا أعرفن ما جاء الله رجل ببعير له رغاء، أو ببقرة لها خوار، أو شاة تيعر ثم رفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه: ألا هل بلغت.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ومحمد هو ابن سلام، وعبدة هو ابن سليمان.
والحديث مضى عن قريب في: باب هدايا العمال، ومضى الكلام فيه مستوفى.
قوله: ابن الأتبية بضم الهمزة وسكون التاء المثناة من فوق ويقال: ابن اللتبية باللام بدل الهمزة واسمه عبد الله. قوله: فهلا جلس هكذا رواية الكشميهني في الموضعين، وفي رواية غيره: ألا، وهما بمعنى. قوله: فلا أعرفن بلفظ النهي ويروى: فلأعرفن، واللام جواب القسم. قوله: ما جاء الله أي: مجيئه ربه وكلمة: ما، مصدرية أو موصوفة أي: رجل جاء الله. قوله: رجل ببعير أي: يجيء رجل ببعير أو هو خبر مبتدأ أي: هو رجل. قوله: تيعر بكسر العين المهملة وفتحها من
268

اليعارة وهو صوت الغنم. قوله: ألا كلمة تنبيه وحث على ما يجيء بعدها.
42
((باب بطانة الإمام وأهل مشورته))
أي: هذا باب في بيان بطانة الإمام، ويجيء تفسير البطانة الآن. قوله: وأهل مشورته من عطف الخاص على العام، والمشورة بفتح الميم وضم الشين المعجمة وسكون الواو وفتح الراء وهو اسم من: شاورت فلانا في كذا، وتشاوروا واستشوروا، والشورى التشاور، وقال الجوهري: المشورة الشورى، وكذا المشورة بضم الشين، تقول منه: شاورته في الأمر واستشرته بمعنى. انتهى. قلت: قد ينكر سكون الشين فيه. وهذا كلام الجوهري يدل على صحته، وحاصل معنى شاورته: عرضت عليه أمري حتى يدلني على الصواب منه.
البطانة: الدخلاء.
البطانة بكسر الباء الموحدة الصاحب الوليجة والدخيل والمطلع على السريرة، وفسره البخاري بقوله: الدخلاء، وهو جمع دخيل وهو الذي يدخل على الرئيس في مكان خلوته ويفضي إليه بسره ويصدقه فيما يخبر به مما يخفى عليه من أمر رعيته ويعمل بمقتضاه.
7198 حدثنا أصبغ، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي قال: ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، فالمعصوم من عصم الله تعالى
انظر الحديث 6611
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأصبغ هو ابن الفرج المصري، وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري، ويونس هو ابن يزيد الأيلي، وابن شهاب محمد بن مسلم الزهري، وأبو سلمة بن عبد الرحمان بن عوف، رضي الله تعالى عنه، وأبو سعيد الخدري واسمه سعد بن مالك.
والحديث مضى في القدر عن عبدان. وأخرجه النسائي في البيعة وفي السير عن يونس بن عبد الأعلى عن عبد الله بن وهب به. قوله: ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة وفي رواية صفوان بن سليم: ما بعث الله من نبي ولا بعده من خليفة، ووقع في رواية الأوزاعي ومعاوية بن سلام: ما من وال، وهو أعم. قوله: بالمعروف في رواية سليمان بالخير. قوله: وتحضه بالحاء المهملة والضاد المعجمة المشددة أي: يرغبه فيه ويدله عليه. فإن قلت: هذا التقسيم مشكل في حق النبي قلت: في بقية الحديث الإشارة إلى سلامة النبي من بطانة الشر بقوله: والمعصوم من عصم الله وهو معصوم لا شك فيه. ولا يلزم من وجود من يشير على النبي بالشر أن يقبل منه. وقيل: المراد بالبطانتين في حق النبي الملك والشيطان، وشيطانه قد أسلم فلا يأمره إلا بخير. قوله: والمعصوم من عصم الله أي: من عصمه الله، وكذا في بعض الرواية وقال الكرماني: أي لكل نبي وخليفة جلساء صالحة وجلساء طالحة، والمعصوم من عصمه الله من الطالحة، أو لكل منهما نفس أمارة بالسوء ونفس لوامة، والمعصوم من أعطاه الله نفسا مطمئنة، أو لكل قوة ملكية وقوة حيوانية والمعصوم من رجح الله له جانب الملكية، قال المهلب: غرضه إثبات الأمور لله تعالى، فهو الذي يعصم من نزغات الشياطين والمعصوم من عصمه الله لا من عصم نفسه.
وقال سليمان عن يحياى: أخبرني ابن شهاب بهاذا.
سليمان هو ابن بلال، ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري. قوله: بهذا، أي: بالحديث المذكور، ووصله الإسماعيلي
269

من طريق أيوب بن سليمان بن بلال عن أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال، قال: قال يحيى بن سعيد: أخبرني ابن شهاب... فذكره.
وعن ابن أبي عتيق وموساى عن ابن شهاب، مثله.
هذا عطف على يحيى بن سعيد، وابن أبي عتيق هو محمد بن عبد الرحمان بن أبي بكر الصديق، وموسى هو ابن عقبة ووصله البيهقي من طريق أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة به. قوله: مثله، أي: مثل الحديث المذكور، وقال الكرماني: والفرق بينهما أي: بين قوله: بهذا، وبين قوله: مثله، أن المروي في الطريق الأول هو الحديث المذكور بعينه، وفي الثاني هو مثله. وقال بعضهم: ولا يظهر بين هذين فرق. قلت: كيف ينفي الفرق ومثل الشيء غير عينه.
وقال شعيب عن الزهري: حدثني أبو سلمة عن أبي سعيد قوله.
شعيب هو ابن أبي حمزة الحمصي يعني: روى شعيب عن محمد بن مسلم الزهري، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري. قوله: يعني لم يرفعه بل جعله من كلام أبي سعيد، وانتصاب: قوله، بنزع الخافض أي: من قوله. قيل: هذه الرواية الموقوفة وصلها الذهلي في الزهريات
وقال الأوزاعي ومعاوية بن سلام: حدثني الزهري حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة عن النبي
الأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو، ومعاوية بن سلام بتشديد اللام الدمشقي أشار بهذا إلى أن الأوزاعي ومعاوية خالفا من تقدم فجعلا الحديث عن أبي هريرة بدل أبي سعيد، وخالفا شعيبا أيضا فإن شعيبا وقفه وهما رفعاه، فرواية الأوزاعي وصلها أحمد من رواية الوليد بن مسلم عنه، ورواية معاوية بن سلام وصلها النسائي من رواية معمر بالتشديد بن يعمر بفتح الباء وسكون العين المهملة: حدثنا معاوية بن سلام حدثنا الزهري حدثني أبو سلمة أن أبا هريرة قال... فذكره.
وقال ابن أبي حسين وسعيد بن أبي زياد عن أبي سلمة عن أبي سعيد قوله.
ابن أبي حسين هو عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي حسين النوفلي المكي، وسعيد بن أبي زيادة الأنصاري المدني من صغار التابعين روى عن جابر وحديثه عنه عند أبي داود والنسائي وماله راو إلا سعيد بن أبي هلال، وقد قال فيه أبو حاتم الرازي: مجهول، وما له في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع.
وقال عبيد الله بن أبي جعفر: حدثني صفوان عن أبي سلمة عن أبي أيوب قال: سمعت النبي
عبيد الله بن أبي جعفر اسمه يسار ضد اليمين المصري من التابعين الصغار، وصفوان هو ابن سليم بالضم مولى آل عوف، وأبو أيوب الأنصاري اسمه خالد بن زيد، ووصل هذا الطريق النسائي من طريق الليث عن عبيد الله بن جعفر عن صفوان عن أبي سلمة عن أبي أيوب، قال الكرماني: والحديث مرفوع من ثلاثة أنفس من الصحابة. قلت: هم أبو سعيد وأبو هريرة وأبو أيوب.
43
((باب كيف يبايع الإمام الناس))
أي: هذا باب فيه كيف يبايع الإمام الناس، قيل: المراد بالكيفية الصيغ القولية لا الفعلية بدليل ما ذكره فيه ست أحاديث،
270

وهي البيعة على السمع والطاعة وعلى الهجرة وعلى الجهاد وعلى الصبر وعلى عدم الفرار ولو وقع الموت وعلى بيعة النساء وعلى الإسلام، وكل ذلك وقع عند البيعة بينهم بالقول.
حدثنا إسماعيل، حدثني مالك عن يحياى بن سعيد قال أخبرني عبادة بن الوليد أخبرني أبي عن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في المنشط والمكره. وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم.
ي: 7205، 7272
و يحيى هو القطان، و سفيان هو الثوري. والحديث من أفراده.
قوله: عبد الملك هو ابن مروان بن الحكم الأموي، والمراد باجتماع الناس عليه عقدهم له بالخلافة وكان بويع له في حياة أبيه، فلما مات أبوه في ثالث رمضان في سنة خمس وستين جددت لعبد الملك البيعة بدمشق ومصر وأعمالهما، واستقرت يده على ما كانت يد أبيه عليه. قوله: كتب أي: ابن عمر إني أقر بالسمع والطاعة إلى آخره. قوله: ما استطعت أي: قدر استطاعتي. قوله: إن بني قد أقروا بذلك أي: بالسمع والطاعة، وأبناؤه هم عبد الله وأبو بكر وأبو عبيدة وبلال وعمر أمهم صفية بنت أبي عبيد بن مسعود الثقفي وعبد الرحمان أمه أم علقمة بنت نافس
271

بن وهب وسالم وعبيد الله وحمزة أمهم أم ولد وزيد أمه أم ولده.
7204 حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا هشيم، أخبرنا سيار، عن الشعبي، عن جرير بن عبد الله قال: بايعت النبي على السمع والطاعة، فلقنني: فيما است
7205 حدثنا عمرو بن علي، حدثنا يحيى عن سفيان قال: حدثني عبد الله بن دينار قال: لما بايع الناس عبد الملك كتب إليه عبد الله بن عمر: إلى عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين، إني أقر بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين على سنة الله وسنة رسوله، فيما استطعت، وإن بني قد أقروا بذلك
انظر الحديث 7203 وطرفه
7206 حدثنا عبد الله بن مسلمة، حدثنا حاتم عن يزيد قال: قلت لسلمة: على أي شيء بايعتم النبي يوم الحديبية قال: على الموت.
انظر الحديث 2960 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة. وحاتم بالحاء المهملة ابن إسماعيل الكوفي سكن المدينة، ويزيد من الزيادة ابن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع يروي عن مولاه سلمة بن الأكوع وهو القائل له: على أي شيء بايعتم
قوله: على الموت يعني: لا نفر وإن قتلنا، وهذا الحديث مختصر، وتمامه في كتاب الجهاد في: باب البيعة على الحرب أن لا يفروا.
7207 حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء، حدثنا جويرية، عن مالك عن الزهري أن حميد بن عبد الرحمان، أخبره أن المسور بن مخرمة أخبره أن الرهط الذين ولاهم عمر اجتمعوا فتشاوروا فقال لهم عبد الرحمان: لست بالذي أنافسكم على هاذا الأمر، ولاكنكم إن شئتم اخترت لكم منكم، فجعلوا ذالك إلى عبد الرحمان، فلما ولوا عبد الرحمان أمرهم فمال الناس على عبد الرحمان حتى ما أراى أحدا من الناس يتبع أولائك الرهط ولا يطأ عقبه، ومال الناس على عبد الرحمان يشاورونه تلك الليالي، حتى إذا كانت الليلة التي أصبحنا منها فبايعنا عثمان، قال المسور: طرقني عبد الرحمان بعد هجع من الليل، فضرب الباب حتى استيقظت، فقال: أراك نائما فوالله ما اكتحلت هاذه الليلة بكثير نوم، انطلق فادع الزبير وسعدا، فدعوتهما له فشاورهما، ثم دعاني فقال: ادع لي عليا فدعوته فناجاه حتى ابهار الليل، ثم قام علي من عنده، وهو على طمع وقد كان عبد الرحمان يخشى من علي شيئا، ثم قال: ادع لي عثمان فدعوته فنجاه، حتى فرق بينهما المؤذن بالصبح، فلما صلى للناس الصبح، واجتمع أولائك الرهط عند المنبر، فأرسل إلى من كان حاضرا من المهاجرين والأنصار، وأرسل إلى أمراء الأجناد وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر، فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمان ثم قال: أما بعد يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلن على نفسك سبيلا، فقال: أبايعك على سنة الله وسنة رسوله والخليفتين من بعده، فبايعه عبد الرحمان وبايعه الناس المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وهذا آخر الأحاديث الستة التي أخرج كلا منها لكل من البيعة الستة.
وجويرية مصغر جارية ابن أسماء الضبعي وهو عم عبد الله بن محمد بن أسماء الراوي عنه، وحميد بن عبد الرحمان بن عوف، والمسور بكسر الميم ابن مخرمة بفتح الميم ابن نوفل ابن أخت عبد الرحمان بن عوف يكنى أبا عبد الرحمان، سمع النبي
قوله: إن الرهط الذين ولاهم عمر رضي الله تعالى عنهم عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمان بن عوف وسعد بن أبي وقاص، رضي الله تعالى عنهم وقال: إن عجل بي أمر فالشورى في هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله وهو عنهم راض. وقال الطبري: فلم يكن أحد من أهل الإسلام يومئذ له منزلتهم من الدين والهجرة السابقة والفضل والعلم بسياسة الأمر. قوله: فقال لهم عبد الرحمن هو ابن عوف. قوله: أنافسكم أي: أنازعكم فيه إذ ليس لي في الاستقلال بالخلافة رغبة. قوله: على هذا الأمر هكذا في
272

رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: عن هذا الأمر، أي: من جهته ولأجله. قوله: فلما ولوا عبد الرحمن أمرهم يعني: أمر الاختيار منهم. قوله: فمال الناس على
عبد الرحمان من الميل، وفي رواية سعيد بن عامر: فانثال الناس، بنون وبثاء مثلثة أي: قصدوه كلهم شيئا بعد شيء، وأصل المثل: الصب، يقال: نثل كنانته أي: صب ما فيها من السهام. قوله: ولا يطأ عقبه بفتح العين المهملة وبكسر القاف وبالباء الموحدة أي: ولا يمشي خلفه، وهي كناية عن الإعراض. قوله: فمال الناس على عبد الرحمان كرر هذه اللفظة لبيان سبب الميل وهو قوله: يشاورونه تلك الليالي قوله: بعد هجع بفتح الهاء وسكون الجيم وبالعين المهملة أي: بعد قطعة من الليل، يقال: لقيته بعد هجع من الليل، والهجع والهجعة والهجيع والهجوع بمعنى، وقال صاحب العين الهجوع النوم بالليل خاصة، يقال: هجع يهجع وقوم هجع وهجوع. قوله: هذه الليلة كذا في رواية المستملي، وفي رواية غيره: ما اكتحلت هذه الثلاث، ويؤيده رواية سعيد بن عامر: والله ما حملت فيها غمضا منذ ثلاث. قوله: بكثير نوم بالثاء المثلثة وبالباء الموحدة وهو مشعر بأنه لم يستوعب الليل سهرا بل نام لكن يسيرا منه، والاكتحال في هذا كناية عن دخول النوم جفن العين كما يدخلها الكحل، ووقع في رواية يونس: ما ذاقت عيناي كثير نوم. قوله: فشاورهما من المشاورة وفي رواية المستملي: فسارهما، بالسين المهملة وتشديد الراء. فإن قلت: ليس لطلحة ذكر هاهنا. قلت: لعله كان شاوره قبلهما. قوله: حتى ابهار الليل بالباء الموحدة الساكنة وتشديد الراء أي: حتى انتصف الليل، وبهرة كل شيء وسطه. وقيل: معظمه. قوله: على طمع أي: أن يوليه. قوله: وقد كان عبد الرحمان يخشى من علي شيئا أي: من المخالفة الموجبة للفتنة. قوله: وكانوا وافوا تلك الحجة أي: قدموا إلى مكة فحجوا مع عمر ورافقوه إلى المدينة، وأمراء الأجناد هم: معاوية أمير الشام، وعمير بن سعد أمير حمص، والمغيرة بن شعبة أمير الكوفة، وأبو موسى الأشعري أمير البصرة، وعمرو بن العاص أمير مصر. قوله: تشهد عبد الرحمن وفي رواية إبراهيم بن طهمان: جلس عبد الرحمان على المنبر، وفي رواية سعيد بن عامر: فلما صلى صهيب بالناس صلاة الصبح جاء عبد الرحمن يتخطى حتى صعد المنبر. قوله: فلا تجعلن على نفسك سبيلا أي: من الخلافة إذا لم يوافق الجماعة، وهذا ظاهر أن عبد الرحمان لم يتردد عند البيعة في عثمان. فإن قلت: في رواية عمرو بن ميمون التصريح بأنه بدأ بعلي فأخذ بيده فقال: لك قرابة رسول الله والقدم في الإسلام ما قد علمت، والله عليك لئن أمرتك لتعدلن، وأن أمرت عثمان لتسمعن ولتطيعن، ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان فبايعه وبايعه علي، رضي الله تعالى عنه. قلت: طريق الجمع بينهما أن عمرو بن ميمون حفظ ما لم يحفظه الآخر، ويحتمل أن يكون الآخر حفظه ولكن طوى ذكره بعض الرواة. قوله: فبايعه عبد الرحمن فيه حذف تقديره: قال: نعم، بعد أن قال له: أبايعك على سنة الله... إلى آخره. قوله: والمسلمون من عطف العام على الخاص.
وفيه: فائدة جليلة ذكرها ابن المنير، وهي أن الوكيل المفوض له أن يوكل وإن لم ينص له على ذلك، لأن الخمسة أسندوا الأمر لعبد الرحمان وأفردوه به فاستقل، مع أن عمر، رضي الله تعالى عنه، لم ينص لهم على الانفراد.
44
((باب من بايع مرتين))
أي: هذا باب في ذكر من بايع مرتين يعني: في حالة واحدة للتأكيد.
7208 حدثنا أبو عاصم، عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة قال: بايعنا النبي تحت الشجرة فقال لي: يا سلمة ألا تبايع؟ قلت يا رسول الله قد بايعت في الأول. قال: وفي الثاني.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو عاصم الضحاك بن مخلد المشهور بالنبيل، والبخاري يروي عنه كثيرا بالواسطة، ويزيد بن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع، رضي الله عنه.
والحديث أخرجه البخاري في الجهاد عن مكي بن إبراهيم، وهذا هو الحادي والعشرون من ثلاثيات البخاري.
قوله: تحت الشجرة وهي التي في الحديبية وهي التي نزل فيها * (لقد رضي الله عن المؤمنين
273

إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما فى قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا) * وهذه تسمى بيعة الرضوان. قوله: في الأول أي: في الزمان الأول، وفي رواية الكشميهني: في الأولى، بالتأنيث أي: الساعة الأولى، أو في: الطائفة الأولى. قوله: وفي الثاني أي: تبايع أيضا في الثاني، أي: في الوقت الثاني. وقال المهلب: أراد أن يؤكد بيعة سلمة لعلمه بشجاعته وعنائه في الإسلام وشهرته بالثبات، فلذلك أمره بتكرير المبايعة ليكون له في ذلك فضيلة.
45
((باب بيعة الأعراب))
أي: هذا باب في ذكر بيعة الأعراب على الإسلام والجهاد، والأعراب ساكنو البادية من العرب الذين لا يقيمون في الأمصار ولا يدخلونها إلا لحاجة. والعرب اسم لهذا الجيل المعروف من الناس ولا واحد له من لفظه، وسواء أقام بالبادية أو المدن والنسبة إليها أعرابي وعربي.
7209 حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، أن أعرابيا بايع رسول الله على الإسلام، فأصابه وعك فقال: أقلني بيعتي، فأبى. ثم جاءه فقال: أقلني بيعتي، فأبى، فخرج فقال رسول الله المدينة كالكير تنفي خبثها وتنصع طيبها
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مضى في أواخر الحج في: باب المدينة تنفي الخبث، وأيضا يأتي في الاعتصام عن إسماعيل.
وأخرجه مسلم في المناسك عن يحيى بن يحيى. وأخرجه الترمذي في المناقب عن قتيبة بن سعيد. وأخرجه النسائي في البيعة وفي السير عن قتيبة.
قوله: وعك بفتح الواو وسكون العين المهملة وقد تفتح بعدها كاف وهو الحمى، وقيل: ألمها، وقيل: إرعادها. قوله: أقلني بيعتي تقدم في فضل المدينة من رواية الثوري عن ابن المنكدر أنه أعاد ذلك ثلاث مرات. قوله: فأبى أي: فامتنع رسول الله عن إقالته لأن البيعة كانت فرضا على جميع المسلمين أعرابا كانوا أو غيرهم، وإباؤه بعد طلب الإقالة لأنه لا يعين على معصية. قوله: فخرج أي: الأعرابي من المدينة. قوله: كالكير بكسر الكاف وهو ما ينفخ الحداد فيه. قوله: تنفي خبثها بالفتحات وبالضم والسكون وهو الرديء والغش أي تنفي من لا خير فيه. قوله: وتنصع بضم التاء المثناة من فوق وسكون النون من أنصع إذا أظهر ما في نفسه وطيبها بكسر الطاء مفعوله أي: تظهر طيبها وتخلصه، ويروى: وينصع، بفتح الياء آخر الحروف وسكون النون أي: يظهر طيبها وهو مرفوع على أنه فاعل ينصع، ويروى: وتبضع، بضم التاء المثناة من فوق وسكون الباء الموحدة وكسر الضاد المعجمة، كذا ذكره الزمخشري، وقال: هو من أبضعته بضاعة وإذا دفعتها إليه يعني: أن المدينة تعطي طيبها ساكنها، وقد روي بالضاد والخاء المعجمتين، وبالحاء المهملة من النضخ والنضح وهو: رش الماء.
46
((باب بيعة الصغير))
أي: هذا باب فيه بيان حكم بيعة الصغير، ولم يذكر الحكم فيه على عادته غالبا، إما اكتفاء بما بين في حديث الباب، وإما لمحل الخلاف فيه، فقال جماعة من العلماء البيعة: لا تلم إلا من تلزمهم عقود الإسلام كلها من البالغين، وقال بعض العلماء: إنها تلزم الأصاغر بمبايعة آبائهم، وقد بايع عبد الله بن الزبير، رضي الله تعالى عنهما، ومات رسول الله وهو ابن ثمان سنين.
7210 حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا عبد الله بن يزيد، حدثنا سعيد هو ابن أبي أيوب قال: حدثني أبو عقيل زهرة بن معبد، عن جده عبد الله بن هشام، وكان قد أدرك النبي
274

وذهبت به أمه زينب ابنة حميد إلى رسول الله فقالت يا رسول الله بايعه. فقال النبي هو صغير فمسح رأسه ودعا له وكان يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله.
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث قد مضى قبل باب ومضى الكلام فيه.
48
((باب من بايع رجلا لا يبايعه إلا للدنيا))
أي: هذا باب في بيان من بايع رجلا لا يقصد من مبايعته طاعة الله بل يبايعه لأجل الدنيا.
7212 حدثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالطريق يمنع منه ابن السبيل، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنياه إن أعطاه ما يريد وفى له وإلا لم يف له، ورجل يبايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف بالله لقد أعطي بها كذا وكذا فصدقه فأخذها ولم يعط بها
275

مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبدان لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي، وأبو حمزة بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون اليشكري، والأعمش سليمان بن مهران، وأبو صالح ذكوان السمان الزيات.
والحديث مر في الشرب في: باب إثم من منع ابن السبيل من الماء فإنه أخرجه هناك عن موسى بن إسماعيل عن عبد الواحد بن زياد عن الأعمش إلى آخره، ومضى الكلام فيه.
قوله: ثلاثة أشخاص. قوله: لا يكلمهم الله عدم تكليم الله إياهم عبارة عن عدم الالتفات إليهم، وعدم تزكيته إياهم عبارة عن عدم قبول أعمالهم. قوله: رجل أي: أحد الثلاثة رجل كان على فضل ماء، قوله: ورجل أي: الثاني رجل بايع إماما. قوله: لدنياه ويروى: لدنيا بلا ضمير ولا تنوين. قوله: وإلا أي: وإن لم يعط له ما يريده لم يف له. قوله: ورجل أي: الثالث رجل يبايع رجلا بسلعة بعد العصر، قيد بقوله: بعد العصر تغليظا لأن أشرف الأوقات في النهار بعد العصر لرفع الملائكة الأعمال واجتماع ملائكة الليل والنهار فيه، ولهذا تغلظ الأيمان فيه. قوله: أعطي على بناء المجهول. قوله: بها أي: في مقابلتها والباء للمقابلة نحو: بعت هذا بذاك. قوله: فأخذها أي: المشتري بالقيمة التي ذكر البائع أنه أعطى فيها، كذا اعتمادا على كلامه. قوله: ولم يعط بها أي: والحال أنه لم يعط ذلك المقدار مقابل سلعته، ويجوز في: لم يعط، بناء المجهول وبناء المعلوم والضمير للحالف فيهما، ووقع في رواية عبد الواحد بلفظ: لقد أعطيت بها، وفي رواية أبي معاوية: فحلف له بالله لأخذها بكذا، أي: لقد أخذها، وقال الكرماني ما ملخصه: أن المذكور في الشرب مكان البائع للإمام الحالف لاقتطاع مال رجل مسلم فهم أربعة لا ثلاثة، ثم أجاب بأن التخصيص بعدد لا ينفي الزائد عليه. انتهى. وقيل: يحتمل أن يكون كل من الراويين حفظ ما لم يحفظ الآخر لأن المجتمع من الحديثين أربع خصال وكل واحد من الحديثين مصدر بثلاثة فكأنه كان في الأصل أربعة فاقتصر كل من الراويين على واحد منه مع الاثنتين اللتين توافقا عليهما، فصار في رواية كل منهما ثلاثة.
49
((باب بيعة النساء))
أي: هذا باب في بيان بيعة النساء.
رواه ابن عباس عن النبي
أي: روى ذكر بيعة النساء عبد الله بن عباس عن النبي، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وأشار بذلك إلى ما ذكر من حديث ابن عباس الذي تقدم في العيدين من رواية طاوس عنه. وفيه فقال أي النبي * (ياأيها النبى إذا جآءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك فى معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم) * الآية الحديث.
7213 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، وقال الليث: حدثني يونس عن ابن شهاب أخبرني أبو إدريس الخولاني أنه سمع عبادة بن الصامت يقول: قال لنا رسول الله ونحن في مجلس: تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذالك شيئا فستره الله فأمره إلى الله، إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه فبايعناه على ذالك.
وجه ذكره هذا الحديث في ترجمة بيعة النساء لأنها وردت في القرآن في حق النساء فعرفت بهن، ثم استعملت في الرجال. قلت: وقد وقع في بعض طرقه: عن عبادة قال: أخذ علينا رسول الله كم أخذ على النساء: أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني... الحديث.
وأبو اليمان الحكم بن نافع، وشعيب بن أبي حمزة، والزهري محمد بن مسلم. قوله: وقال الليث بن سعد الإمام المشهور، وأبو إدريس عائذ الله بن عبد الله بن عمرو الخولاني بفتح الخاء المعجمة الدمشقي قاضي دمشق، مات سنة ثمانين.
276

والحديث مضى بهذا الإسناد والمتن في الإيمان في: باب مجرد، ومضى الكلام فيه. وفي التوضيح وهذه البيعة في أحاديث الباب كانت بيعة العقبة الأولى بمكة قبل أن يفرض عليهم الحرب، ذكره ابن إسحاق وأهل السير وكانوا اثني عشر رجلا.
قوله: فهو كفارة له هذا صريح في الرد على من قال: إن الحدود زاجرات لا مكفرات.
7214 حدثنا محمود، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: كان النبي يبايع النساء بالكلام بهاذه الآية: * (ياأيها النبى إذا جآءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك فى معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم) * قالت وما مست يد رسول الله يد امرأة إلا امرأة يملكها.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ومحمود هو ابن غيلان. والحديث أخرجه الترمذي عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق نحوه.
قوله: بالكلام لأن المصافحة ليست شرطا في صحة البيعة. وقال الكرماني: فيه إشارة إلى أن بيعة الرجال كانت باليد أيضا. قوله: بهذه الآية وهي قوله عز وجل: 0 الممتحنة: 12 ف الآية قوله: يملكها إما بالنكاح وإما بملك اليمين.
7215 حدثنا مسدد، حدثنا عبد الوارث، عن أيوب، عن حفصة، عن أم عطية قالت: بايعنا النبي فقرأ علينا ونهانا عن النياحة، فقبضت امرأة منا يدها فقالت: فلانة أسعدتني وأنا أريد أن أجزيها، فلم يقل شيئا، فذهبت ثم رجعت فما وفت امرأة إلا أم سليم وأم العلاء وابنة أبي سبرة امرأة معاذ. أو ابنة أبي سبرة وامرأة معاذ.
(انظر الحديث 1306 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الوارث هو ابن سعيد، وأيوب هو السختياني، وحفصة هي بنت سيرين أخت محمد بن سيرين، وأم عطية اسمها نسيبة بضم النون وفتح السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة الأنصارية وقيل: بفتح النون أيضا، ومر في كتاب الزكاة ما يوهم أنها غير أم عطية حيث قالت: عن أم عطية، قالت: بعث إلى نسيبة الأنصارية بشاة، لكن الصحيح أنها هي إياها لا غيرها.
والحديث قد مضى في الجنائز في: باب ما ينهى من النوح والبكاء، ولكن هناك: عن أيوب عن محمد عن أم عطية.
قوله: بايعنا بصيغة المتكلم، وإن صحت الرواية بصيغة الغائب فالمعنى صحيح. قوله: فقبضت امرأة يدها قال الكرماني: فإن قلت: هذا مشعر بأن البيعة لهن كانت أيضا باليد. قلت: لعلهن كن يشرن باليد عند المبايعة بلا مماسة. قوله: فلانة غير منصرف أي: أسعدتني في النياحة وأنا أريد أن أجزيها أي: أكافئها بالنياحة. وذهبت لأن تساعدها أو لغيره، ورجعت وبايعها. فإن قلت: لم ما قال شيئا لها وسكت عنها ولم يزجرها؟. قلت: لعله عرف أنه ليس من جنس النياحات المحرمة أو ما التفت إلى كلامها حيث بين حكمها لهن، أو كان جوازها من خصائصها، والمفهوم من كلام مسلم أن فلانة كناية عن أم عطية الراوية للحديث. قوله: أم سليم بضم السين أم أنس، واسمها مليكة، أم العلاء بنت الحارث بن حارثة بن ثعلبة الأنصارية، وكان رسول الله يعودها في مرضها، وابنة أبي سبرة بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة وهي امرأة معاذ بن جبل. قوله: أو ابنة أبي سبرة وامرأة معاذ شك من الراوي، وقد مر في الجنائز: فما وفت منا امرأة غير خمس نسوة: أم سليم، وأم العلاء، وابنة أبي سبرة امرأة معاذ، وامرأتان، أو ابنة أبي سبرة وامرأة معاذ وامرأة أخرى. وهناك أيضا شك الراوي، وقد حققنا الكلام هناك.
50
((باب من نكث بيعة))
أي: هذا باب في بيان من نكث بيعة أي: نقضها وفي رواية الكشميهني بيعته بزيادة الضمير.
277

))
وقوله تعالى: * (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما) *
وقوله تعالى، بالجر عطف على: من نكث، أي: وفي بيان قوله تعالى؛ وهكذا هو في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره: وقال الله تعالى، وساق الآية كلها، وفي رواية كريمة وأبي زيد ساق إلى قوله: * (فإنما ينكث على نفسه) * ثم قال: إلى قوله: * (قيؤتيه أجرا عظيما) * قوله: الخطاب للنبي، يعني بالحديبية، وكانوا ألفا وأربعمائة. قوله: * (يد الله فوق أيديهم) * يعني: عند المبايعة. قوله: فمن نكث أي: فمن نقض البيعة فإنما ينقض على نفسه، وقال جابر: بايعنا رسول الله تحت الشجرة على الموت، وعلى أن لا نفر، فما نكث أحد منا البيعة إلا جد ابن قيس وكان منافقا، اختبأ تحت إبط بعيره ولم يسر مع القوم. قوله: ء يعني: الجنة.
7216 حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن محمد بن المنكدر قال: سمعت جابرا، قال: جاء أعرابي إلى النبي فقال: بايعني على الإسلام، فبايعه على الإسلام، ثم جاء من الغد محموما فقال: أقلني. فأباى، فلما ولى قال: المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين، وسفيان هو ابن عيينة.
والحديث مضى عن قريب في: باب بيعة الأعراب، ومضى الكلام فيه مستوفى.
51
((باب الاستخلاف))
أي: هذا باب في بيان الاستخلاف، أي: تعيين الخليفة عند موته خليفة بعده، أو تعيين جماعة ليختاروا واحدا منهم.
7217 حدثنا يحياى بن يحياى، أخبرنا سليمان بن بلال، عن يحياى بن سعيد سمعت القاسم بن محمد قال: قالت عائشة، رضي الله عنها: وارأساه. فقال رسول الله ذاك لو كان وأنا حي، فأستغفر لك وأدعو لك فقالت عائشة واثكلياه والله إني لأظنك تحب موتي، ولو كان ذاك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك. فقال النبي بل أنا وارأساه لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون ثم قلت يأبى الله ويدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون.
انظر الحديث 5666
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد إلى آخره. قال المهلب: فيه دليل قاطع على خلافة الصديق، وهذا مما وعد به لأبي بكر، رضي الله تعالى عنه، فكان كما وعد، وذلك من أعلام نبوته.
وشيخ البخاري يحيى بن يحيى بن أبي بكر وأبو زكريا التميمي الحنظلي، وهو شيخ مسلم أيضا. و يحيى بن سعيد هو الأنصاري، و القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه.
والحديث مضى في الطب.
قوله: وا رأساه هو قول المتفجع على الرأس من الصداع ونحوه. قوله: لو كان ذاك أي: موتك، والسياق يدل عليه. والواو في: وأنا حي للحال. قوله: واثكلياه أي: وافقدان المرأة ولدها، وهذا كلام كان يجري على لسانهم عند إصابة مصيبة أو خوف مكروه ونحو ذلك، ويروى، واثكلتاه، بزيادة التاء المثناة من فوق في آخره، ويروى أيضا بزيادة الياء آخر الحروف وكسر اللام، ويروى: واثكلاه بلفظ الصفة، قوله: لظللت بالكسر أي: دنوت وقربت في آخر يومك حال كونك معرسا ويقال: أظللت أمر واظلك شهر كذا، أي: دنا منك وأظلك فلان إذا دنا منك كأنه ألقى عليك ظله، ومعرسا: بكسر الراء من أعرس بأهله إذا بنى بها، ويقال أعرس الرجل فهو معرس إذا
278

دخل بامرأته عند بنائه بها. قوله: بل أنا وا رأساه هذا إضراب عن كلام عائشة أي: أضرب أنا عن حكاية وجع رأسك واشتغل بوجع رأسي إذ لا بأس بك وأنت تعيشين بعدي، عرفه بالوحي. قوله: أو أردت شك من الراوي. قوله: إلى أبي بكر وابنه قيل: ما فائدة ذكر الابن إذ لم يكن له دخل في الخلافة؟ وأجيب: بأن المقام مقام استمالة قلب عائشة، يعني: كما أن الأمر مفوض إلى والدك كذلك الائتمار في ذلك بحضور أخيك فأقاربك هم أهل أمري وأهل مشورتي أو لما أراد تفويض الأمر إليه بحضورها أراد إحضار بعض محارمه حتى لو احتاج إلى رسالة إلى أحد أو قضاء حاجة لتصدى لذلك، ويروى: أو آتيه، من الإتيان، قاله في المطالع قيل: إنه هو الصواب. قوله: فأعهد أي: أوصى بالخلافة. قوله: أن يقول أي: كراهة أن يقول القائلون الخلافة لي: أو لفلان. قوله: أو يتمنى المتنون أي: أو مخافة أن يتمنى أحد ذلك أي: أعينه قطعا للنزاع والأطماع. قوله: يأبى الله أي: يأبى الله الخلافة لغير أبي بكر ويدفع المؤمنون أيضا غيره. قوله: أو يدفع الله ويأبى المؤمنون شك من الراوي، وفي مسلم: يأبى الله ويدفع المؤمنون إلا أبا بكر، رضي الله تعالى عنه.
7218 حدثنا محمد بن يوسف، أخبرنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، قال: قيل لعمر: ألا تستخلف؟ قال: إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رسول الله فأثنوا عليه فقال راغب وراهب وددت أني نجوت منها كفافا لا لي ولا علي لا أتحملها حيا ولا ميتا.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ومحمد بن يوسف هو الفريابي، وسفيان هو الثوري، وهشام بن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما.
قوله: ألا تستخلف ألا، كلمة تنبيه وتحضيض أي: ألا تجعل خليفة بعدك؟ وفي مسلم عن ابن عمر: حضرت أبي حين أصيب، قالوا: استخلف. قوله: فقد ترك أي: التصريح بالشخص المعين، وعقد الأمر له. قوله: فأثنوا عليه أي: أثنت الصحابة الحاضرون على عمر، رضي الله تعالى عنه. قوله: فقال أي: عمر راغب وراهب أي: راغب في الثناء في حسن رأيي، راهب من إظهار ما بنفسه من الكراهة. وقيل: راغب في الخلافة راهب منها. فإن وليت الراغب خشيت أن لا يعان
عليها، وإن وليت الراهب خشيت أن لا يقوم بها، ولهذا توسط حاله بين الحالتين جعلها لأحد من الطائفة الستة ولم يجعلها لواحد معين منهم. وقال الكرماني: ويحتمل أن يراد أني راغب فيما عند الله راهب من عذابه، ولا أعول على نياتكم. وفيه: دليل على أن الخلافة تحصل بنص الإمام السابق. قوله: كفافا أي: يكف عني وأكف عنها، أي: رأسا برأس لا لي ولا علي. قوله: لا أتحملها أي: الخلافة حيا ولا ميتا أي: فلا أجمع في تحملها بينهما فلا أعين شخصا بعينه. وقال النووي: وغيره أجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف، وعلى انعقادها بعقد أهل الحل والعقد لإنسان حيث لا يكون هناك استخلاف غيره، وعلى جواز جعل الخليفة الأمر شورى بين عدد محصور أو غيره، وأجمعوا على أنه يجب نصب خليفة، وعلى أن وجوبه بالشرع لا بالعقل، وقال الأصم وبعض الخوارج: لا يجب نصب الخليفة، وقال بعض المعتزلة: يجب بالعقل لا بالشرع.
حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام، عن معمر، عن الزهري، أخبرني أنس بن مالك، رضي الله عنه، أنه سمع خطبة عمر الأخيرة حين جلس على المنبر، وذالك الغد من يوم توفي النبي فتشهد وأبو بكر صامت لا يتكلم، قال: كنت أرجو أن يعيش رسول الله حتى يدبرنا يريد بذلك أن يكون آخرهم فإن يك محمد قد مات فإن الله تعالى قد جعل بين أظهركم نورا تهتدون به، بما هداى الله محمدا
279

وإن أبا بكر صاحب رسول الله ثاني اثنين، فإنه أولى المسلمين بأموركم فقوموا فبايعوه، وكانت طائفة منهم قد بايعوه قبل ذالك في سقيفة بني ساعدة، وكانت بيعة العامة على المنبر.
قال الزهري عن أنس بن مالك: سمعت عمر يقول لأبي بكر يومئذ: اصعد المنبر فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه الناس عامة.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: فإنه أولى المسلمين بأموركم
وإبراهيم بن موسى بن يزيد الفراء أبو إسحاق الرازي يعرف بالصغير وهو شيخ مسلم أيضا، وهشام هو ابن يوسف ومعمر هو ابن راشد.
قوله: الأخيرة منصوب على أنه صفة الخطبة وأما الخطبة الأولى فهي التي خطب بها يوم الوفاة، وقال: إن محمدا لم يمت وإنه سيرجع، وهي كالاعتذار من الأولى. قوله: وذلك الغد منصوب على الظرفية أي: إتيانه بالخطبة في الغد من يوم توفي النبي قوله: وأبو بكر الواو فيه للحال. قوله: صامت أي: ساكت. قوله: كنت أرجو أي: قال عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه. قوله: حتى يدبرنا بضم الياء الموحدة أي: يموت بعدنا ويخلفنا يقال: دبرني فلان خلفني، وقد فسره في الحديث بقوله: يريد بذلك أن يكون آخرهم ووقع في رواية عقيل: ولكن رجوت أن يعيش رسول الله حتى يدبر أمرنا، بتشديد الباء الموحدة من التدبير. قوله: فإن يك محمد من كلام عمر، رضي الله تعالى عنه. قوله: نورا أي: قرآنا، ووقع بيانه في رواية معمر عن الزهري في أوائل الاعتصام بلفظ: وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسوله فخذوا به تهتدوا فإنما يهدي الله محمدا به. قوله: صاحب رسول الله قال ابن التين: قدم الصحبة لشرفها، ولما كان غيره قد شاركه فيها عطف عليه ما انفرد به أبو بكر وهو كونه ثاني اثنين وهو أعظم فضائله التي استحق بها أن يكون خليفة من بعد النبي ولذلك قال: فإنه أولى الناس بأموركم قوله: فقوموا من كلام عمر، رضي الله تعالى عنه، أيضا يخاطب به الحاضرين من الصحابة. قوله: في سقيفة بني ساعدة السقيفة الساباط والطاق كانت مكان اجتماعهم للحكومات، وبنو ساعدة بن كعب بن الخزرج. قال ابن دريد: ساعدة، اسم من أسماء الأسد. قوله: وكانت بيعة العامة على المنبر أي: في اليوم المذكور.
قوله: قال الزهري عن أنس موصول بالإسناد المذكور. قوله: صعد المنبر وفي رواية الكشميهني: حتى أصعده. قوله: فبايعه الناس عامة أراد أن البيعة الثانية كانت أعم وأشهر من البيعة التي وقعت في سقيفة بني ساعدة.
7220 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه، قال: أتت النبي امرأة فكلمته في شيء، فأمرها أن ترجع إليه، قالت: يا رسول الله أرأيت إن جئت ولم أجدك؟ كأنها تريد الموت. قال: إن لم تجديني فأتي أبا بكر.
انظر الحديث 3659 وطرفه
مطابقته للترجمة في آخر الحديث. فإنه مشعر بأن أبا بكر هو الخليفة بعده.
وإبراهيم بن سعد يروي عن أبيه سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمان بن عوف رضي الله تعالى عنه، ومحمد بن جبير بضم الجيم وفتح الباء الموحدة يروي عن أبيه جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل القرشي النوفلي.
والحديث مضى في فضل أبي بكر عن الحميدي، ويأتي في الاعتصام عن عبيد الله بن سعد، والحديث من أبين الدلائل على خلافة أبي بكر، رضي الله تعالى عنه.
7221 حدثنا مسدد، حدثنا يحياى عن سفيان، حدثني قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي بكر، رضي الله عنه، قال لوفد بزاخة: تتبعون أذناب الإبل حتى يري الله خليفة نبيه والمهاجرين أمرا يعذرونكم به.
مطابقته للترجمة في قوله: حتى يرى الله خليفة نبيه إلى آخره.
و يحيى هو القطان و سفيان هو الثوري.
والحديث من
280

أفراده ولكنه أخرجه مختصرا.
قوله: لوفد بزاخة الوفد بفتح الواو وسكون الفاء هم القوم يجتمعون ويردون البلاد واحدهم وافد، وكذلك الذين يقصدون الأمراء لزيارة واسترفاد وانتجاع وغير ذلك،
وبزاخة بضم الباء الموحدة وتخفيف الزاي وبالخاء المعجمة موضع بالبحرين أو ماء لبني أسد وغطفان كان فيها حرب للمسلمين في أيام الصديق، رضي الله تعالى عنه. ووفد بزاخة ارتدوا ثم تابوا وأرسلوا وفدهم إلى الصديق يعتذرون إليه، فأحب أبو بكر أن لا يقضي فيهم إلا بعد المشاورة في أمرهم، فقال لهم: ارجعوا واتبعوا أذناب الإبل في الصحارى حتى يري الله خليفة نبيه إلى آخره، وذكر يعقوب بن محمد الزهري قال: حدثني إبراهيم بن سعد عن سفيان الثوري عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: قدم وفد أهل بزاخة وهم من طيىء يسألونه الصلح، فقال أبو بكر: اختاروا إما الحرب المجلية وإما السلم المخزية، فقالوا: قد عرفنا الحرب فما السلم المخزية؟ قال: ينزع منكم الكراع والحلقة وتدون قتلانا، وقتلاكم في النار، ويغنم ما أصبنا منكم وتردون إلينا ما أصبتم منا وتتركون أقواما يتبعون أذناب الإبل حتى يرى الله خليفة نبيه والمهاجرين أمرا يعذرونكم به، فخطب أبو بكر الناس فذكر ما قال وقالوا، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: قد رأيت وسنشير عليك، أما ما ذكرت من أن ينزع منهم الكراع والحلقة فنعم ما رأيت، وأما ذكرت من أن تدون قتلانا ويكون قتلاكم في النار فإن قتلانا قاتلت على أمر الله وأجورها على الله فليس لها ديات، فتتابع الناس على قول عمر، رضي الله تعالى عنه. قلت: الكراع اسم لجميع الخيل، والحلقة بسكون اللام السلاح عاما. قيل: هي الدروع خاصة. قوله من أن تدوا بالدال المهملة أي: تعطوا الدية.
52
((باب))
أي هذا باب وليس له ترجمة، وقد ذكرنا غير مرة أنه كالفصل لما قبله وليس لفظ باب في رواية أبي ذر عن الكشميهني والسرخسي.
7222، 7223 حدثني محمد بن المثنى، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن عبد الملك سمعت جابر بن سمرة قال: سمعت النبي يقول يكون اثنا عشر أميرا فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: كلهم من قريش
مطابقته لما قبله ظاهرة. وغندر بضم الغين المعجمة وسكون النون هو محمد بن جعفر، وعبد الملك هو ابن عمير وصرح به في رواية مسلم، وفي رواية سفيان بن عيينة: لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا، وفي رواية أبي داود: لا يزال هذا الدين عزيزا إلى اثني عشر خليفة. وقال المهلب: لم ألق أحدا يقطع في هذا الحديث بمعنى، فقوم يقولون: يكون اثنا عشر أميرا بعد الخلافة المعلومة مرضيين، وقوم يقولون: يكونون متواليين إمارتهم، وقوم يقولون: يكونون في زمن واحد كلهم من قريش يدعي الإمارة، فالذي يغلب عليه الظن أنه إنما أراد أن يخبر بأعاجيب ما يكون بعده من الفتن حتى يفترق الناس في وقت واحد على اثني عشر أميرا وما زاد على الاثني عشر فهو زيادة في التعجب، كأنه أنذر بشرط من الشروط وبعضه يقع، ولو أراد، غير هذا لقال يكون اثنا عشر أميرا يفعلون كذا ويصنعون كذا، فلما أعراهم من الخبر علمنا أنه أراد أن يخبر بكونهم في زمن واحد.
قيل: هذا الحديث له طرق غير الرواية التي ذكرها البخاري مختصرة. وأخرج أبو داود هذا الحديث من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه عن جابر بن سمرة بلفظ: لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة. وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن الأسود بن سعيد عن جابر بن سمرة بلفظ: لا يضرهم عداوة من عاداهم.
وقيل: في هذا العدد سؤالان. أحدهما: أنه يعارضه ظاهر قوله في حديث سفينة الذي أخرجه أصحاب السنن الأربعة وصححه ابن حبان وغيره: الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا، لأن الثلاثين لم يكن فيها إلا الخلفاء الأربعة، وأيام الحسن بن علي، رضي الله تعالى عنهما. والثاني: أنه ولي الخلافة أكثر من هذا العدد.
وأجيب
281

عن الأول: أنه أراد في حديث سفينة خلافة النبوة ولم يقيده في حديث جابر بن سمرة بذلك. وعن الثاني: أنه لم يقل: لا، بلى إلا اثنا عشر، وإنما قال: يكون اثنا عشر فلا يمنع الزيادة عليه. وقيل: المراد من اثني عشر هم عدد الخلفاء من بني أمية ثم عند خروج الخلافة من بني أمية وقعت الفتن العظيمة والملاحم الكثيرة حتى استقرت دولة بني العباس فتغيرت الأحوال عما كانت عليه تغييرا بينا. وقيل: يحتمل أن يكون اثنا عشر بعد المهدي الذي يخرج في آخر الزمان، وقيل: وجد في كتاب دانيال: إذا مات المهدي ملك بعده خمسة رجال من ولد السبط الأكبر، ثم خمسة من ولد السبط الأصغر، ثم يوصي آخرهم بالخلافة لرجل من ولد السبط الأكبر، ثم يملك بعده ولده، فيتم بذلك اثنا عشر ملكا كل واحد منهم إمام مهدي. وعن كعب الأحبار: يكون اثنا عشر مهديا ثم ينزل روح الله فيقتل الدجال وقيل: المراد من وجود اثني عشر خليفة في جميع مدة الإسلام إلى يوم القيامة يعملون بالحق وأن تتوالى أيامهم، ويؤيد هذا ما أخرجه مسدد في مسنده الكبير من طريق أبي بحران أبا الجلد حدثه أنه لا يهلك هذه الأمة حتى يكون منها اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق، منهم رجلان من أهل بيت محمد، يعيش أحدهما أربعين سنة، والآخر ثلاثين سنة، وقيل: جميع من ولي الخلافة من الصديق إلى عمر بن عبد العزيز أربعة عشر نفسا منهم اثنان لم تصح ولايتهما ولم تطل مدتهما وهما: معاوية بن يزيد، ومروان بن الحكم، والباقون اثنا عشر نفسا على الولاء كما أخبر وكانت وفاة عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه، سنة إحدى ومائة، وتغيرت الأحوال بعده وانقضى القرن الأول الذي هو خير القرون.
قوله: فقال أبي يعني: سمرة، والوالد والولد كلاهما صحابيان. قوله: وإنه أي: وإن رسول الله.
53
((باب إخراج الخصوم وأهل الريب من البيوت بعد المعرفة))
أي: هذا باب في بيان إخراج الخصوم أي أهل المخاصمات والنزاع وأهل الريب بكسر الراء جمع ريبة وهي التهمة والمعصية. قوله: بعد المعرفة، أي: بعد شهرتهم بذاك، يعني لا يتجسس عليهم، وذلك الإخراج لأجل تأذي الجيران ولأجل مجاهرتهم بالمعاصي، وقد ذكر في الأشخاص: باب إخراج أهل المعاصي والخصوم من البيوت بعد المعرفة. وقد أخرج عمر أخت أبي بكر حين ناحت، ثم ذكر الحديث الذي ذكره هنا، ومضى الكلام فيه مستوفى. وقال المهلب: إخراج أهل الريب والمعاصي من دورهم بعد المعرفة بهم وجب على الإمام لأجل تأذي من جاورهم، ومن أجل مجاهرتهم بالعصيان، وإذا لم يعرفوا بأعيانهم فلا يلزم البحث عن أمرهم لأنه من التجسس الذي نهى الله عنه. وقيل: ليس بإخراج أهل المعاصي بواجب، فمن ثبت عليه ما يوجب الحد أقيم عليه.
وقد أخرج عمر: أخت أبي بكر حين ناحت.
أي: أخرج عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، أخت أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، حين ناحت من النياحة وإنما أخرجها من البيت لأنه نهاها فلم تنته، وقيل: إنه أبعدها عن نفسه ثم بعد ذلك رجعت إلى بيتها.
7224 حدثنا إسماعيل، حدثني مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب يحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدكم أنه يجد عرقا سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء
مطابقته للترجمة من حيث إنه أبلغ من معناها فإن فيها الإخراج من البيوت، وفيه إحراقها بالنار.
وإسماعيل هو ابن أبي أويس، وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمان بن هرمز، ومضى الحديث في الأشخاص وقبله في الصلاة في: باب الصلاة بالجماعة ومضى الكلام فيه.
قوله: يحتطب ويروى يحطب بالتشديد أي: يجمع الحطب.
282

قوله: ثم أخالف إلى رجال أي: آتيهم أي: أخالف المشتغلين بالصلاة قاصدا إلى بيوت الذين لم يخرجوا عنها إلى الصلاة وأحرقها عليهم. قوله: عرقا بفتح العين المهملة وسكون الراء هو العظم الذي أخذ عنه اللحم. قوله: أو مرماتين تثنية مرماة بكسر الميم وهي ما بين ظلفي الشاة من اللحم، وقيل: هي الظلف، وقيل: هي سهم يتعلم عليه الرمي وهو أرذل السهام أي: لو علم أنه لو حضر صلاة العشاء لوجد نفعا دنيويا وإن كان خسيسا حقيرا لحضرها لقصور همته ولا يحضرها لما لها من الأجور والمثوبات.
وقال محمد بن يوسف: قال يونس: قال محمد بن سليمان: قال أبو عبد الله: مرماة ما بين ظلف الشاة من اللحم مثل منساة وميضاة، الميم مخفوضة.
هذا لم يثبت إلا لأبي ذر عن المستملي وحده. ومحمد بن يوسف هو الفربري، ويونس ما وقفت عليه، ومحمد بن سليمان أبو أحمد الفارسي راوي التاريخ الأكبر عن البخاري. قوله: مثل منساة، بغير همزة في قراءة أبي عمرو ونافع في قوله تعالى: * (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الارض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين) * وقراءة الباقين بهمزة مفتوحة وهي العصا، وكذلك الوجهان في الميضاة. قوله: الميم مخفوضة أي: مكسورة في كل من: المنساة والميضاة، وروى أبو زيد عن ابن القاسم في رجل فاسد يأوي إليه أهل الفسق والشر، ما يصنع به؟ قال: يخرج من منزله ويحرق عليه الدار. قلت: لا يباع عليه؟ قال: لا، لعله يتوب فيرجع إلى منزله. وعن ابن القاسم: يتقدم إليه مرة أو مرتين أو ثلاثا، فإن لم ينته أخرج وأكريت عليه. وقال بعض أصحابنا الحنفية: إذا لم ينته بعد النهي مرارا يهد بيته، وحديث الباب من أقوى الحجج فيه.
54
((باب هل للإمام أن يمنع المجرمين وأهل المعصية من الكلام معه والزيارة ونحوه))
أي: هذا باب في: هل يجوز للإمام أن يمنع المجرمين من الإجرام وفي رواية أبي أحمد الجرجاني: المجنونين، والأول أولى، لأن المجنون لا يتحقق عصيانه. قوله: وأهل المعصية، من عطف العام على الخاص.
7225 حدثني يحياى بن بكيرر حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمان بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب بن مالك، وكان قائد كعب بن مالك من بنيه حين عمي، قال: سمعت كعب بن مالك قال: لما تخلف عن رسول الله في غزوة تبوك، فذكر حديثه: ونهى رسول الله المسلمين عن كلامنا، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، وآذن رسول الله بتوبة الله علينا.
مطابقته للجزء الأخير للترجمة ظاهرة. والحديث بطوله قد مر في المغازي في غزوة تبوك، ومضى الكلام فيه.
قوله: وآذن بالمد أي: أعلم بأن الله قد تاب علينا. قال الله تعالى: * (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) * الآية.
283