الكتاب: فتح الباري
المؤلف: ابن حجر
الجزء: ١٣
الوفاة: ٨٥٢
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع:
المطبعة: دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

فتح الباري
شرح
صحيح البخاري
للامام الحافظ
شهاب الدين ابن حجر العسقلاني
رحمه الله تعالى
الثالث عشر
دار المعرفة
للطباعة والنشر
بيروت - لبنان
1

بسم الله الرحمن الرحيم كتاب
* (كتاب الفتن) *
في رواية كريمة والأصيلي تأخير البسملة والفتن جمع فتنة قال الراغب أصل الفتن إدخال الذهب
في النار لتظهر جودته من رداءته ويستعمل في إدخال الانسان النار ويطلق على العذاب كقوله
ذوقوا فتنتكم وعلى ما يحصل عند العذاب كقوله تعالى الا في الفتنة سقطوا وعلى الاختبار كقوله
وفتناك فتونا وفيما يدفع إليه الانسان من شدة ورخاء وفي الشدة أظهر معنى وأكثر استعمالا قال
تعالى ونبلوكم بالشر والخير فتنة ومنه قوله وان كادوا ليفتنونك أي يوقعونك في بلية وشدة في
صرفك عن العمل بما أوحى إليك وقال أيضا الفتنة تكون من الافعال الصادرة من الله ومن
العبد كالبلية والمصيبة والقتل والعذاب والمعصية وغيرها من المكروهات فإن كانت من الله فهي
على وجه الحكمة وإن كانت من الانسان بغير أمر الله فهي مذمومة فقد ذم الله الانسان بايقاع
الفتنة كقوله والفتنة أشد من القتل وقوله إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات وقوله ما أنتم
عليه بفاتنين وقوله بأيكم المفتون وكقوله واحذرهم ان يفتنوك وقال غيره أصل الفتنة
الاختبار ثم استعملت فيما أخرجته المحنة والاختبار إلى المكروه ثم أطلقت على كل مكروه
أو آيل إليه كالكفر والاثم والتحريق والفضيحة والفجور وغير ذلك * (قوله باب
ما جاء في قول الله تعالى واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) قلت ورد فيه ما أخرجه
أحمد والبزار من طريق مطرف بن عبد الله بن الشخير قال قلنا للزبير يعني في قصة الجمل
2

يا أبا عبد الله ما جاء بكم ضيعتم الخليفة الذي قتل يعني عثمان بالمدينة ثم جئتم تطلبون بدمه يعني
بالبصرة فقال الزبير أنا قرأنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم واتقوا فتنة لا تصيبن الذين
ظلموا منكم خاصة لم نكن نحسب انا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت وأخرج الطبري من
طريق الحسن البصري قال قال الزبير لقد خوفنا بهذه الآية ونحن مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم وما ظننا أنا خصصنا بها وأخرجه النسائي من هذا الوجه نحوه وله طرق أخرى عن
الزبير عند الطبري وغيره وأخرج الطبري من طريق السدى قال نزلت في أهل بدر خاصة
فأصابتهم يوم الجمل وعند ابن أبي شيبة نحوه وعند الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس قال أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب ولهذا الأثر شاهد
من حديث عدي بن عميرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله عز وجل لا يعذب
العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فإذا فعلوا ذلك
عذب الله الخاصة والعامة أخرجه أحمد بسند حسن وهو عند أبي داود من حديث العرس بن
عميرة وهو أخو عدي وله شواهد من حديث حذيفة وجرير وغيرهما عند أحمد وغيره (قوله
وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر) بالتشديد (من الفتن) يشير إلى ما تضمنه حديث الباب
من الوعيد على التبديل والاحداث فان الفتن غالبا انما تنشأ عن ذلك ثم ذكر حديث أسماء
بنت أبي بكر مرفوعا أنا على حوضي انتظر من يرد علي فيؤخذ بناس ذات الشمال الحديث
وحديث عبد الله بن مسعود رفعه أنا فرطكم على الحوض فليرفعن إلى أقوام الحديث
وحديث سهل بن سعد بمعناه ومعه حديث أبي سعيد وفي جميعها أنك لا تدري ما أحدثوا بعدك
لفظ ابن مسعود والآخرين بمعناه وقد تقدمت في ذكر الحوض آخر كتاب الرقاق وتقدم شرحها
في باب الحشر قبل ذلك في كتاب الرقاق أيضا وقوله في حديث أسماء حدثنا بشر بن السري
هو بكسر الموحدة وسكون المعجمة وأبوه بفتح المهملة وكسر الراء بعدها ياء ثقيلة وبشر بصرى
سكن مكة وكان صاحب مواعظ فلقب الأفوه وهو ثقة عند الجميع الا انه كان تكلم في شئ
يتعلق برؤية الله في الآخرة فقام عليه الحميدي فاعتذر وتنصل فتكلم فيه بعضهم حتى قال ابن
معين رأيته بمكة يدعو على من ينسبه لرأي جهم وقال ابن عدي له أفراد وغرائب (قلت) وليس له
في البخاري سوى هذا الموضع وقد وضح انه متابعة وقوله في حديث سهل من ورده شرب وقع في
رواية الكشميهني يشرب وقوله لم يظمأ قيل هو كناية عن أنه يدخل الجنة لأنه صفة من يدخلها
وفي حديث أبي سعيد أنك لا تدري ما بدلوا وقع في رواية الكشميهني ما أحدثوا وحاصل ما حمل عليه
حال المذكورين انهم ان كانوا ممن ارتد عن الاسلام فلا اشكال في تبري النبي صلى الله عليه وسلم
منهم وابعادهم وان كانوا ممن لم يرتد لكن أحدث معصية كبيرة من أعمال البدن أو بدعة من
اعتقاد القلب فقد أجاب بعضهم بأنه يحتمل أن يكون أعرض عنهم ولم يشفع لهم اتباعا لأمر الله
فيهم حتى يعاقبهم على جنايتهم ولا مانع من دخولهم في عموم شفاعته لأهل الكبائر من أمته
فيخرجون عند إخراج الموحدين من النار والله أعلم * (قوله باب قول النبي صلى الله
3

عليه وسلم سترون بعدي أمورا تنكرونها) هذا اللفظ بعض المتن المذكور في ثاني أحاديث
الباب وهي ستة أحاديث * الأول (قوله وقال عبد الله بن زيد الخ) هو طرف من حديث
وصله المصنف في غزوة حنين من كتاب المغازي وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال للأنصار أنكم
ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض وتقدم شرحه هناك * الحديث الثاني
(قوله حدثنا زيد بن وهب) للأعمش فيه شيخ آخر أخرجه الطبراني في الأوسط من رواية يحيى بن
عيسى الرملي عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة مثل رواية زيد بن وهب (قوله عبد الله)
هو ابن مسعود وصرح به في رواية الثوري عن الأعمش في علامات النبوة (قوله أنكم سترون
بعدي أثرة) في رواية الثوري أثرة وتقدم ضبط الأثرة وشرحها في شرح الحديث الذي قبله
وحاصلها الاختصاص بحظ دنيوي (قوله وأمورا تنكرونها) يعني من أمور الدين وسقطت الواو
من بعض الروايات فهذا بدل من أثرة وفي حديث أبي هريرة الماضي في ذكر بني إسرائيل عن
منصور هنا زيادة في أوله قال كان بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما مات نبي قام بعده نبي وانه
لا نبي بعدي وستكون خلفاء فيكثرون الحديث وفيه معنى ما في حديث ابن مسعود (قوله قالوا
فما تأمرنا) أي أن نفعل إذا وقع ذلك (قوله أدوا إليهم) أي إلى الامراء (حقهم) أي الذي وجب
لهم المطالبة به وقبضه سواء كان يختص بهم أو يعم ووقع في رواية الثوري تؤدون الحق الذي
عليكم أي بذل المال الواجب في الزكاة والنفس في الخروج إلى الجهاد عند التعيين ونحو ذلك
(قوله وسلوا الله حقكم) في رواية الثوري وتسألون الله الذي لكم أي بأن يلهمهم انصافكم
أو يبدلكم خيرا منهم وهذا ظاهره العموم في المخاطبين ونقل ابن التين عن الداودي انه خاص
بالأنصار وكأنه أخذه من حديث عبد الله بن زيد الذي قبله ولا يلزم من مخاطبة الأنصار بذلك
أن يختص بهم فإنه يختص بهم بالنسبة إلى المهاجرين ويختص ببعض المهاجرين دون بعض
فالمستأثر من يلي الامر ومن عداه هو الذي يستأثر عليه ولما كان الامر يختص بقريش ولاحظ
للأنصار فيه خوطب الأنصار بأنكم ستلقون أثرة وخوطب الجميع بالنسبة لمن يلي الامر فقد
ورد ما يدل على التعميم ففي حديث يزيد بن سلمة الجعفي عند الطبراني أنه قال يا رسول الله إن كان
علينا أمراء يأخذون بالحق الذي علينا ويمنعونا الحق الذي لنا أنقاتلهم قال لا عليهم ما حملوا
وعليكم ما حملتم وأخرج مسلم من حديث أم سلمة مرفوعا سيكون أمراء فيعرفون وينكرون
فمن كره برئ ومن أنكر سلم ولكن من رضى وتابع قالوا أفلا نقاتلهم قال لا ما صلوا ومن حديث
عوف بن مالك رفعه في حديث في هذا المعنى قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك قال لا
ما أقاموا الصلاة وفي رواية له بالسيف وزاد وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله
ولا تنزعوا يدا من طاعة وفي حديث عمر في مسنده للإسماعيلي من طريق أبي مسلم الخولاني عن
أبي عبيدة بن الجراح عن عمر رفعه قال أتاني جبريل فقال إن أمتك مفتتنة من بعدك فقلت من أين
قال من قبل أمرائهم وقرائهم يمنع الامراء الناس الحقوق فيطلبون حقوقهم فيفتنون ويتبع
القراء هؤلاء الامراء فيفتنون قلت فكيف يسلم من سلم منهم قال بالكف والصبر أن أعطوا الذي
لهم أخذوه وان منعوه تركوه * الحديث الثالث والرابع حديث ابن عباس من وجهين في الثاني
التصريح بالتحديث والسماع في موضعي العنعنة في الأول (قوله عبد الوارث هو ابن سعيد
4

والجعد هو أبو عثمان المذكور في السند الثاني وأبو رجاء العطاردي واسمه عمران (قوله
من كره أميره شيئا فليصبر) زاد في الرواية الثانية (قوله فإنه من خرج من السلطان) أي من
طاعة السلطان ووقع عند مسلم فإنه ليس أحد من الناس يخرج من السلطان وفى الرواية
الثانية من فارق الجماعة وقوله شبرا " بكسر المعجمة وسكون الموحدة وهى كناية عن معصية السلطان
محاربته قال ابن أبي جمرة المراد بالمفارقة السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير
ولو بأدنى شئ فكنى عنها بمقدار الشبر لان الاخذ في ذلك يؤل إلى سفك الدماء بغير حق (قوله مات
ميتة جاهلية في الرواية الأخرى فمات الا مات ميتة جاهلية وفي رواية لمسلم فميتته ميتة جاهلية
وعنده في حديث ابن عمر رفعه من خلع يدا من طاعة لقي الله ولا حجة له ومن مات وليس في عنقه
بيعة مات ميتة جاهلية قال الكرماني الاستثناء هنا بمعنى الاستفهام الانكاري أي ما فارق
الجماعة أحد الا جرى له كذا أو حذفت ما فهي مقدرة أو الا زائدة أو عاطفة على رأي الكوفيين
والمراد بالميتة الجاهلية وهي بكسر الميم حالة الموت كموت أهل الجاهلية على ضلال وليس له امام
مطاع لانهم كانوا لا يعرفون ذلك وليس المراد أنه يموت كافرا بل يموت عاصيا ويحتمل أن يكون
التشبيه على ظاهره ومعناه أنه يموت مثل موت الجاهلي وان لم يكن هو جاهليا أو أن ذلك ورد
مورد الزجر والتنفير وظاهره غير مراد ويؤيد أن المراد بالجاهلية التشبيه قوله في الحديث الآخر
من فارق الجماعة شبرا فكأنما خلع ربقة الاسلام من عنقه أخرجه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان
ومصححا من حديث الحرث بن الحرث الأشعري في أثناء حديث طويل وأخرجه البزار والطبراني
في الأوسط من حديث ابن عباس وفي سنده خليد بن دعلج وفيه مقال وقال من رأسه بدل عنقه
قال ابن بطال في الحديث حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار وقد أجمع الفقهاء على
وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من
حقن الدماء وتسكين الدهماء وحجتهم هذا الخبر وغيره مما يساعده ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا
وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها كما في
الحديث الذي بعده * الحديث الخامس (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس (قوله عن عمرو)
هو ابن الحرث وعند مسلم حدثنا عمرو بن الحرث (قوله عن بكير) هو ابن عبد الله بن الأشج وعند
مسلم حدثني بكير (قوله عن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة ووقع في بعض النسخ بكسر
أوله وسكون المعجمة وهو تصحيف وجنادة بضم الجيم وتخفيف النون ووقع عند الإسماعيلي من
طريق عثمان بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو أن بكيرا حدثه أن بسر بن سعيد حدثه أن
جنادة حدثه (قوله دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض فقلنا أصلحك الله حدث بحديث)
في رواية مسلم حدثنا وقولهم أصلحك الله يحتمل أنه أراد الدعاء له بالصلاح في جسمه ليعافي من
مرضه أو أعم من ذلك وهي كلمة اعتادوها عند افتتاح الطلب (قوله دعانا النبي صلى الله عليه
وسلم فبايعناه) ليلة العقبة كما تقدم إيضاحه في أوائل كتاب الايمان أول الصحيح (قوله فقال فيما
أخذ علينا) أي اشترط علينا (قوله أن بايعنا) بفتح العين (على السمع والطاعة) أي له (في منشطنا)
بفتح الميم والمعجمة وسكون النون بينهما (ومكرهنا) أي في حالة نشاطنا وفي الحالة التي
نكون فيها عاجزين عن العمل بما نؤمر به ونقل ابن التين عن الداودي أن المراد الأشياء التي
5

يكرهونها قال ابن التين والظاهر أنه أراد في وقت الكسل والمشقة في الخروج ليطابق قوله (منشطنا (قلت) ويؤيده ما وقع في رواية إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن عبادة عند أحمد في النشاط
والكسل (قوله وعسرنا ويسرنا) في رواية إسماعيل بن عبيد وعلى النفقة في العسر واليسر وزاد
وعلى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر (قوله وأثرة علينا) بفتح الهمزة والمثلثة وقد تقدم
موضع ضبطها في أول الباب والمراد أن طواعيتهم لمن يتولى عليهم لا يتوقف على إيصالهم حقوقهم
بل عليهم الطاعة ولو منعهم حقهم (قوله وأن لا ننازع الامر أهله) أي الملك والامارة زاد أحمد من
طريق عمير بن هانئ عن جنادة وأن رأيت أن لك أي وان اعتقدت أن لك في الامر حقا فلا تعمل
بذلك الظن بل اسمع وأطع إلى أن يصل إليك بغير خروج عن الطاعة زاد في رواية حبان أبي
النضر عن جنادة عند ابن حبان وأحمد وان أكلوا مالك وضربوا ظهرك وزاد في رواية الوليد بن
عبادة عن أبيه وأن نقوم بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم وسيأتي في كتاب الأحكام
(قوله إلا أن تروا كفرا بواحا) بموحدة ومهملة قال الخطابي معنى قوله بواحا يريد ظاهرا باديا
من قولهم باح بالشئ يبوح به بوحا وبواحا إذا أذاعه وأظهره وأنكر ثابت في الدلائل بواحا وقال
انما يجوز بوحا بسكون الواو وبؤاحا بضم أوله ثم همزة ممدودة وقال الخطابي من رواه بالراء فهو
قريب من هذا المعنى وأصل البراح الأرض القفراء التي لا أنيس فيها ولا بناء وقيل البراح البيان
يقال برح الخفاء إذا ظهر وقال النووي هو في معظم النسخ من مسلم بالواو وفي بعضها بالراء (قلت)
ووقع عند الطبراني من رواية أحمد بن صالح عن ابن وهب في هذا الحديث كفرا صراحا بصاد
مهملة مضمومة ثم راء ووقع في رواية حبان أبي النضر المذكورة الا أن يكون معصية لله بواحا
وعند أحمد من طريق عمير بن هانئ عن جنادة ما لم يأمروك بإثم بواحا وفي رواية إسماعيل بن عبيد
عند أحمد والطبراني والحاكم من روايته عن أبيه عن عبادة سيلي أموركم من بعدي رجال
يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون فلا طاعة لمن عصى الله وعند أبي بكر بن
أبي شيبة من طريق أزهر بن عبد الله عن عبادة رفعه سيكون عليكم أمراء يأمرونكم بما
لا تعرفون ويفعلون ما تنكرون فليس لأولئك عليكم طاعة (قوله عندكم من الله فيه برهان)
أي نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل
التأويل قال النووي المراد بالكفر هنا المعصية ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم
ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الاسلام فإذا رأيتم ذلك
فأنكروا عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم انتهى وقال غيره المراد بالاثم هنا المعصية والكفر
فلا يعترض على السلطان إلا إذا وقع في الكفر الظاهر والذي يظهر حمل رواية الكفر على ما إذا
كانت المنازعة في الولاية فلا ينازعه بما يقدح في الولاية الا إذا ارتكب الكفر وحمل رواية
المعصية على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية فإذا لم يقدح في الولاية نازعه في المعصية بأن
ينكر عليه برفق ويتوصل إلى تثبيت الحق له بغير عنف ومحل ذلك إذا كان قادرا والله أعلم
ونقل ابن التين عن الداودي قال الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة
ولا ظلم وجب والا فالواجب الصبر وعن بعضهم لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداء فان أحدث
جورا بعد أن كان عدلا فاختلفوا في جواز الخروج عليه والصحيح المنع إلا أن يكفر فيجب الخروج
6

عليه * الحديث السادس حديث أنس عن أسيد بن حضير ذكره مختصرا وقد تقدم بتمامه مشروحا
في مناقب الأنصار والسر في جوابه عن طلب الولاية بقوله سترون بعدي أثرة إرادة نفى ظنه أنه
آثر الذي ولاه عليه فبين له ان ذلك لا يقع في زمانه وانه لم يخصه بذلك لذاته بل لعموم مصلحة المسلمين
وأن الاستئثار للحظ الدنيوي انما يقع بعده وأمرهم عند وقوع ذلك بالصبر (قوله باب
قول النبي صلى الله عليه وسلم هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء) زاد في بعض النسخ لأبي ذر من
قريش ولم يقع لأكثرهم وقد ذكره في الباب من حديث أبي هريرة من بدون قوله سفهاء وذكر ابن
بطال أن علي بن معبد أخرجه يعني في كتاب الطاعة والمعصية من رواية سماك عن أبي هريرة
بلفظ على رؤس علمه سفهاء من قريش (قلت) وهو عند أحمد والنسائي من رواية سماك عن أبي
ظالم عن أبي هريرة أن فساد أمتي على يدي غلمة سفهاء من قريش هذا لفظ أحمد عن عبد
الرحمن بن مهدي عن سفيان عن سماك عن عبد الله بن ظالم وتابعه أبو عوانة عن سماك عند
النسائي ورواه أحمد أيضا عن زيد بن الحباب عن سفيان لكن قال مالك بدل عبد الله ولفظه
سمعت أبا هريرة يقول لمروان أخبرني حبى أبو القاسم صلى الله عليه وسلم قال فساد أمتي على
يدي غلمة سفهاء من قريش وكذا أخرجه من طريق شعبة عن سماك ولم يقف عليه الكرماني
فقال لم يقع في الحديث الذي أورده بلفظ سفهاء فلعله بوب به ليستدركه ولم يتفق له أو أشار إلى أنه
ثبت في الجملة لكنه ليس على شرطه (قلت) الثاني هو المعتمد وقد أكثر البخاري من هذا (قوله في
الترجمة أغيلمة) تصغير غلمة جمع غلام وواحد الجمع المصغر غليم بالتشديد يقال للصبي حين يولد إلى
أن يحتلم غلام وتصغيره غليم وجمعه غلمان وغلمة وأغيلمة ولم يقولوا أغلمة مع كونه القياس كأنهم
استغنوا عنه بغلمة وأغرب الداودي فيما نقله عنه ابن التين فضبط أغيلمة بفتح الهمزة وكسر الغين
المعجمة وقد يطلق على الرجل المستحكم القوة غلام تشبيها له بالغلام في قوته وقال ابن الأثير المراد
بالأغيلمة هنا الصبيان ولذلك صغرهم (قلت) وقد يطلق الصبي والغليم بالتصغير على الضعيف العقل
والتدبير والدين ولو كان محتلما وهو المراد هنا فان الخلفاء من بني أمية لم يكن فيهم من استخلف
وهو دون البلوغ وكذلك من أمروه على الأعمال إلا أن يكون المراد بالأغيلمة أولاد بعض من
استخلف فوقع الفساد بسببهم فنسب إليهم والأولى الحمل على أعم من ذلك (قوله حدثنا عمرو بن
يحيى بن سعيد بن عمرو) زاد في علامات النبوة عن أحمد بن محمد المكي حدثنا عمرو بن يحيى الأموي
(قوله أخبرني جدي) هو سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص (3) بن أمية وقد نسب
يحيى في رواية عبد الصمد بن عبد الوارث عن عمرو بن يحيى إلى جد جده الاعلى فوقع في روايته
حدثنا عمرو بن يحيى بن العاص سمعت جدي سعيد بن العاص فنسب سعيدا أيضا إلى والد جد
جده وأبوه عمرو بن سعيد هو المعروف بالأشدق قتله عبد الملك بن مروان لما خرج عليه بدمشق بعد
السبعين (قوله كنت جالسا مع أبي هريرة) كان ذلك زمن معاوية (قوله ومعنا مروان) هو ابن
الحكم بن أبي العاص بن أمية الذي ولى الخلافة بعد ذلك وكان يلي لمعاوية امرة المدينة تارة
وسعيد بن العاص والد عمرو يليها لمعاوية تارة (قوله سمعت الصادق المصدوق) تقدم بيانه في
كتاب القدر والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم وقد وقع في رواية عبد الصمد المذكور أن أبا
هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية له أخرى سمعت رسول الله صلى الله عليه
7

وسلم (قوله هلكة أمتي) في رواية المكي هلاك أمتي وهو المطابق لما في الترجمة وفي رواية عبد
الصمد هلاك هذه الأمة والمراد بالأمة هنا أهل ذلك العصر ومن قاربهم لا جميع الأمة إلى يوم
القيامة (قوله على يدي غلمة) كذا للأكثر بالتثنية وللسرخسي والكشميهني أيدي بصيغة الجمع
قال ابن بطال جاء المراد بالهلاك مبينا في حديث آخر لأبي هريرة أخرجه علي بن معبد وابن أبي
شيبة من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه أعوذ بالله من إمارة الصبيان قالوا وما إمارة الصبيان قال إن
أطعتموهم هلكتم أي في دينكم وان عصيتموهم أهلكوكم أي في دنياكم بازهاق النفس أو باذهاب
المال أو بهما وفي رواية ابن أبي شيبة أن أبا هريرة كان يمشي في السوق ويقول اللهم لا تدركني
سنة ستين ولا إمارة الصبيان وفي هذا إشارة إلى أن أول الأغيلمة كان في سنة ستين وهو كذلك فان
يزيد بن معاوية استخلف فيها وبقي إلى سنة أربع وستين فمات ثم ولى ولده معاوية ومات بعد
أشهر وهذه الرواية تخصص رواية أبي زرعة عن أبي هريرة الماضية في علامات النبوة بلفظ
يهلك الناس هذا الحي من قريش وان المراد بعض قريش وهم الاحداث منهم لا كلهم والمراد
أنهم يهلكون الناس بسبب طلبهم الملك والقتال لأجله فتفسد أحوال الناس ويكثر الخبط
بتوالي الفتن وقد وقع الامر كما أخبر صلى الله عليه وسلم وأما قوله لو أن الناس اعتزلوهم محذوف
الجواب وتقديره لكان أولى بهم والمراد باعتزالهم أن لا يداخلوهم ولا يقاتلوا معهم ويفروا
بدينهم من الفتن ويحتمل أن يكون أو للتمني فلا يحتاج إلى تقدير جواب ويؤخذ من هذا الحديث
استحباب هجران البلدة التي يقع فيها إظهار المعصية فإنها سبب وقوع الفتن التي ينشأ عنها عموم
الهلاك قال ابن وهب عن مالك تهجر الأرض التي يصنع فيها المنكر جهارا وقد صنع ذلك جماعة
من السلف (قوله فقال مروان لعنة الله عليهم غلمة) في رواية عبد الصمد لعنة الله عليهم من أعيلمة
وهذه الرواية تفسر المراد بقوله في رواية المكي فقال مروان علمة كذا اقتصر على هذه الكلمة
فدلت رواية الباب أنها مختصرة من قوله لعنة الله عليهم علمة فكان التقدير علمة عليهم لعنة الله
أو ملعونون أو نحو ذلك ولم يرد التعجب ولا الاستثبات (قوله فقال أبو هريرة لو شئت أن أقول
بني فلان وبني فلان لفعلت) في رواية الإسماعيلي من بني فلان وبني فلان لقلت وكأن أبا هريرة
كان يعرف أسمائهم وكان ذلك من الجراب الذي لم يحدث به وتقدمت الإشارة إليه في كتاب
العلم وتقدم هناك قوله لو حدثت به لقطعتم هذا البلعوم (قوله فكنت أخرج مع جدي)
قائل ذلك عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو وجده سعيد بن عمرو وكان مع أبيه لما غلب على الشام
ثم لما قتل تحول سعيد بن عمرو إلى الكوفة فسكنها إلى أن مات (قوله حين ملكوا الشام) أي
وغيرها لما ولوا الخلافة وانما خصت الشام بالذكر لأنها كانت مساكنهم من عهد معاوية (قوله
فإذا رآهم علمانا أحداثا) هذا يقوي الاحتمال الماضي وأن المراد أولاد من استخلف منهم وأما
تردده في أيهم المراد بحديث أبي هريرة فمن جهة كون أبي هريرة لم يفصح بأسمائهم والذي يظهر
أن المذكورين من جملتهم وأن أولهم يزيد كما دل عليه قول أبي هريرة رأس الستين وإمارة
الصبيان فان يزيد كان غالبا ينتزع الشيوخ من امارة البلدان الكبار ويوليها الأصاغر من أقاربه
وقوله قلنا أنت أعلم القائل له ذلك أولاده وأتباعه ممن سمع منه ذلك وهذا مشعر بأن هذا القول
صدر منه في أواخر دولة بني مروان بحيث يمكن عمرو بن يحيى أن يسمع منه ذلك وقد ذكر ابن
8

عساكر أن سعيد بن عمرو هذا بقي إلى أن وفد على الوليد بن يزيد بن عبد الملك وذلك قبيل الثلاثين
ومائة ووقع في رواية الإسماعيلي أن بين تحديث عمرو بن يحيى بذلك وسماعه له من جده سبعين
سنة قال ابن بطال وفي هذا الحديث أيضا حجة لما تقدم من ترك القيام على السلطان ولو جار لأنه
صلى الله عليه وسلم أعلم أبا هريرة بأسماء هؤلاء وأسماء أبائهم ولم يأمرهم بالخروج عليهم مع اخباره
ان هلاك الأمة على أيديهم لكون الخروج أشد في الهلاك وأقرب إلى الاستئصال من طاعتهم
فاختار أخف المفسدتين وأيسر الامرين * (تنبيه) * يتعجب من لعن مروان الغلمة المذكورين
مع أن الظاهر أنهم من ولده فكأن الله تعالى أجرى ذلك على لسانه ليكون أشد في الحجة عليهم لعلهم
يتعظون وقد وردت أحاديث في لعن الحكم والد مروان وما ولد أخرجها الطبراني وغيره غالبها
فيه مقال وبعضها جيد ولعل المراد تخصيص الغلمة المذكورين بذلك (قوله باب
قول النبي صلى الله عليه وسلم ويل للعرب من شر قد اقترب) انما خص العرب بالذكر لانهم أول
من دخل في الاسلام وللانذار بأن الفتن إذا وقعت كان الهلاك أسرع إليهم وذكر فيه حديثين
* أحدهما حديث زينب بنت جحش وهو مطابق للترجمة ومالك بن إسماعيل شيخه فيه وهو أبو غسان
النهدي وكأنه اختار تخريج هذا الحديث عنه لتصريحه في روايته بسماع سفيان بن عيينة له
من الزهري (قوله عن عروة) هو ابن الزبير (قوله عن زينب بنت أم سلمة) في رواية شعيب عن
الزهري حدثني عروة ان زينب بنت أبي سلمة حدثته (قوله عن أم حبيبة) في رواية شعيب ان أم
حبيبة بنت أبي سفيان حدثتها هكذا قال بعض أصحاب سفيان بن عيينة منهم مالك بن إسماعيل
هذا ومنهم عمرو بن محمد الناقد عند مسلم ومنهم سعيد بن منصور في السنن له ومنهم قتيبة وهارون بن
عبد الله عند الإسماعيلي والقعنبي عند أبي نعيم وكذا قال مسدد في مسنده قلت وهكذا تقدم في
أحاديث الأنبياء من رواية عقيل وفي علامات النبوة من رواية شعيب ويأتي في أواخر كتاب الفتن
من رواية محمد بن أبي عتيق كلهم عن الزهري ليس في السند حبيبة زاد جماعة من أصحاب ابن
عيينة عنه ذكر حبيبة فقالوا عن زينب بنت أم سلمة عن حبيبة بنت أم حبيبة عن أمها أم حبيبة
هكذا أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وسعيد بن عمرو الأشعثي وزهير بن حرب ومحمد بن
يحيى بن أبي عمر أربعتهم عن سفيان عن الزهري قال مسلم زادوا فيه حبيبة وهكذا أخرجه
الترمذي عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي وغير واحد كلهم عن سفيان قال الترمذي جود
سفيان هذا الحديث هكذا رواه الحميدي وعلي بن المديني وغير واحد من الحفاظ عن سفيان بن
عيينة قال الحميدي قال سفيان حفظت عن الزهري في هذا الحديث أربع نسوة زينب بنت أم
سلمة عن حبيبة وهما ربيبتا النبي صلى الله عليه وسلم عن أم حبيبة عن زينب بنت جحش وهما
زوجا النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق الحميدي فقال في روايته
عن حبيبة بنت أم حبيبة عن أمها أم حبيبة وقال في آخره قال الحميدي قال سفيان أحفظ في هذا
الحديث عن الزهري أربع نسوة قد رأين النبي صلى الله عليه وسلم ثنتين من أزواجه أم حبيبة
وزينب بنت جحش وثنتين ربيبتاه زينب بنت أم سلمة وحبيبة بنت أم حبيبة أبوها عبيد الله بن
جحش مات بأرض الحبشة انتهى كلامه وأخرجه أبو نعيم أيضا من رواية إبراهيم بن بشار
الرمادي ونصر بن علي الجهضمي وأخرجه النسائي عن عبيد الله بن سعيد وابن ماجة عن أبي بكر
9

ابن أبي شيبة والإسماعيلي من رواية الأسود بن عامر كلهم عن ابن عيينة بزيادة حبيبة في السند
وساق الإسماعيلي عن هارون بن عبد الله قال قال لي الأسود بن عامر كيف يحفظ هذا عن ابن
عيينة فذكره له بنقص حبيبة فقال لكنه حدثنا عن الزهري عن عروة عن أربع نسوة كلهن قد
أدركن النبي صلى الله عليه وسلم بعضهن عن بعض قال الدارقطني أظن سفيان كان تارة يذكرها
وتارة يسقطها قلت ورواه شريح بن يونس عن سفيان فأسقط حبيبة وزينب بنت جحش أخرجه
ابن حبان ومثله لأبي عوانة عن الليث عن الزهري ومن رواية سليمان بن كثير عن الزهري
وصرح فيه بالاخبار وسأذكر شرح المتن في آخر كتاب الفتن إن شاء الله تعالى وحبيبة بنت عبيد الله
بالتصغير ابن جحش هذه ذكرها موسى بن عقبة فيمن هاجر إلى الحبشة فتنصر عبيد الله بن جحش
ومات هناك وثبتت أم حبيبة على الاسلام فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وجهزها إليه
النجاشي وحكى ابن سعد ان حبيبة انما ولدت بأرض الحبشة فعلى هذا تكون في زمن النبي صلى
الله عليه وسلم صغيرة فهي نظير التي روت عنها في أن كلا منهما ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم وفي
ان كلا منهما من صغار الصحابة وزينب بنت جحش هي عمة حبيبة المذكورة فروت حبيبة عن
أمها عن عمتها وكانت وفاة زينب قبل وفاة أم حبيبة وزعم بعض الشراح ان رواية مسلم بذكر
حبيبة تؤذن بانقطاع طريق البخاري قلت وهو كلام من لم يطلع على طريق شعيب التي نبهت عليها
وقد جمع الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي جزأ في الأحاديث المسلسلة بأربعة من الصحابة وجملة
ما فيه أربعة أحاديث وجمع ذلك بعده الحافظ عبد القادر الرهاوي ثم الحافظ يوسف بن خليل فزاد
عليه قدرها وزاد واحدا خماسيا فصارت تسعة أحاديث وأصحها حديث الباب ثم حديث عمر في
العمالة وسيأتي في كتاب الأحكام * الحديث الثاني حديث أسامة بن زيد (قوله عن الزهري) في
رواية الحميدي في مسنده عن سفيان بن عيينة حدثنا الزهري وأخرجه أبو نعيم في مستخرجه على
مسلم من طريقه (قوله عن عروة عن أسامة بن زيد) في رواية الحميدي وابن أبي عمر في مسنده
عن ابن عيينة عن الزهري أخبرني عروة انه سمع أسامة بن زيد وقوله حدثنا محمود هو ابن غيلان
(قوله أشرف النبي صلى الله عليه وسلم) عند الإسماعيلي في رواية معمر أوفى وهو بمعنى
أشرف أي أطلع من علو (قوله على أطم) بضمتين هو الحصن وقد تقدم بيانه في آخر الحج (قوله
من آطام المدينة) تقدم في علامات النبوة عن أبي نعيم بهذا السند بلفظ على أطم من الآطام
فاقتضى ذلك أن اللفظ الذي ساقه هنا لفظ معمر (قوله هل ترون ما أرى قالوا لا) وهذه الزيادة
أيضا لمعمر ولم أرها في شئ من الطرق عن ابن عيينة (قوله فاني لارى الفتن تقع خلال بيوتكم)
في رواية أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان اني لارى مواقع الفتن والمراد بالمواقع مواضع السقوط
والخلال النواحي قال الطيبي تقع مفعول ثان ويحتمل أن يكون حالا وهو أقرب والرؤية بمعنى
النظر أي كشف لي فأبصرت ذلك عيانا (قوله كوقع القطر) في رواية المستملى والكشميهني المطر
وفي رواية علامات النبوة كمواقع القطر وقد تقدم الكلام على هذه الرواية في آخر الحج وانما
اختصت المدينة بذلك لان قتل عثمان رضي الله عنه كان بها ثم انتشرت الفتن في البلاد
بعد ذلك فالقتال بالجمل وبصفين كان بسبب قتل عثمان والقتال بالنهروان كان بسبب التحكيم
بصفين وكل قتال وقع في ذلك العصر انما تولد عن شئ من ذلك أو عن شئ تولد عنه ثم إن قتل عثمان
10

كان أشد أسبابه الطعن على أمرائه ثم عليه بتوليته لهم وأول ما نشأ ذلك من العراق وهي من
جهة المشرق فلا منافاة بين حديث الباب وبين الحديث الآتي ان الفتنة من قبل المشرق وحسن
التشبيه بالمطر لإرادة التعميم لأنه إذا وقع في أرض معينة عمها ولو وقع في بعض جهاتها قال ابن بطال
أنذر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زينب بقرب قيام الساعة كي يتوبوا قبل أن تهجم عليهم
وقد ثبت أن خروج يأجوج ومأجوج قرب قيام الساعة فإذا فتح من ردمهم ذاك القدر في زمنه
صلى الله عليه وسلم لم يزل الفتح يتسع على مر الأوقات وقد جاء في حديث أبي هريرة رفعه ويل للعرب
من شر قد اقترب موتوا ان استطعتم قال وهذا غاية في التحذير من الفتن والخوض فيها حيث جعل
الموت خيرا من مباشرتها وأخبر في حديث أسامة بوقوع الفتن خلال البيوت ليتأهبوا لها
فلا يخوضوا فيها ويسألوا الله الصبر والنجاة من شرها (قوله باب ظهور الفتن) ذكر
فيه ثلاثة أحاديث * الحديث الأول حديث أبي هريرة (قوله حدثنا عياش) بتحتانية ثقيلة
ومعجمة وشيخه عبد الاعلى هو ابن عبد الاعلى السامي بالمهملة البصري وسعيد هو ابن المسيب
ونسبه أبو بكر بن أبي شيبة في روايته له عن عبد الاعلى المذكور أخرجه ابن ماجة وكذا عند
الإسماعيلي من رواية عبد الاعلى وعبد الواحد وعبد المجيد بن أبي رواد كلهم عن معمر وهو عند
مسلم عن أبي بكر لكن لم يسق لفظه (قوله يتقارب الزمان) كذا للأكثر وفي رواية السرخسي
الزمن وهي لغة فيه (قوله وينقص العلم) كذا للأكثر وفي رواية المستملي والسرخسي العمل
ومثله في رواية شعيب عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عند مسلم وعنده من
رواية يونس عن الزهري في هذه الطريق ويقبض العلم ووقع مثله في رواية الأعرج عن أبي
هريرة كما سيأتي في أواخر كتاب الفتن وهي تؤيد رواية من رواه بلفظ وينقص العمل ويؤيده
أيضا الحديث الذي بعده بلفظ ينزل الجهل ويرفع العلم (قوله ويكثر الهرج قالوا يا رسول الله
أيما هو) بفتح الهمزة وتشديد الياء الأخيرة بعدها ميم خفيفة وأصله أي شئ هو ووقعت للأكثر
بغير ألف بعد الميم وضبطه بعضهم بتخفيف الياء كما قالوا أيش في موضع أي شئ وفي رواية
الإسماعيلي وما هو وفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة قالوا يا رسول الله وما الهرج وهذه رواية
أكثر أصحاب الزهري وفي رواية عنبسة بن خالد عن يونس عند أبي داود قيل يا رسول الله أيش
هو قال القتل القتل وفي رواية للطبراني عن ابن مسعود القتل والكذب (قوله قال القتل
القتل) صريح في أن تفسير الهرج مرفوع ولا يعارض ذلك مجيئه في غير هذه الرواية موقوفا
ولا كونه بلسان الحبشة وقد تقدم في كتاب العلم من طريق سالم بن عبد الله بن عمر سمعت أبا هريرة
فذكر نحو حديث الباب دون قوله يتقارب الزمان ودون قوله ويلقى الشح وزاد فيه ويظهر الجهل
وقال في آخره قيل يا رسول وما الهرج فقال هكذا بيده فحرفها كأنه يريد القتل فيجمع بأنه جمع
بين الإشارة والنطق فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ بعض كما وقع لهم في الأمور المذكورة وجاء تفسير
أيام الهرج فيما أخرجه أحمد والطبراني بسند حسن من حديث خالد بن الوليد ان رجلا قال
له يا أبا سليمان اتق الله فان الفتن ظهرت فقال اما وابن الخطاب حي فلا انما تكون بعده فينظر
الرجل فيفكر هل يجد مكانا لم ينزل به مثل ما نزل بمكانه الذي هو به من الفتنة والشر فلا يجب فتلك
الأيام التي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يدي الساعة أيام الهرج (قوله وقال يونس)
11

يعني ابن يزيد (وشعيب) يعني ابن أبي حمزة (والليث وابن أخي الزهري عن الزهري عن حميد) يعني
ابن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) يعني ان هؤلاء الأربعة خالفوا معمرا في قوله عن الزهري
عن سعيد فجعلوا شيخ الزهري حميدا لا سعيدا وصنيع البخاري يقتضي ان الطريقين صحيحان
فإنه وصل طريق معمر هنا ووصل طريق شعيب في كتاب الأدب وكأنه رأى أن ذلك لا يقدح لان
الزهري صاحب حديث فيكون الحديث عنده عن شيخين ولا يلزم من ذلك اطراده في كل من
اختلف عليه في شيخه الا ان يكون مثل الزهري في كثرة الحديث والشيوخ ولولا ذلك لكانت
رواية يونس ومن تابعه أرجح وليست رواية معمر مدفوعة عن الصحة لما ذكرته فاما رواية
يونس فوصلها مسلم كما ذكرت من طريق ابن وهب عنه ولفظه ويقبض العلم وقدم وتظهر الفتن
على ويلقى الشح وقال قالوا وما الهرج قال القتل ولم يكرر لفظ القتل ومثله له من رواية سهيل
ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رفعه لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج فذكره مقتصرا عليه
وأخرجه أبو داود من رواية عنبسة بن خالد عن يونس بن يزيد بلفظ وينقص العلم وأما رواية
شعيب فوصلها المصنف في كتاب الأدب عن أبي اليمان عنه وقال في روايته يتقارب الزمان
وينقص العمل وفي رواية الكشميهني العلم والباقي مثل لفظ معمر وقال في روايتي يونس وشعيب
عن الزهري حدثني حميد بن عبد الرحمن وأما رواية الليث فوصلها الطبراني في الأوسط من
رواية عبد الله بن صالح عنه به مثل رواية ابن وهب واما رواية ابن أخي الزهري فوصلها الطبراني
أيضا في الأوسط من طريق صدقة بن خالد عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن ابن أخي الزهري
واسمه محمد بن عبد الله بن مسلم وقال في روايته سمعت أبا هريرة ولفظه مثل لفظ ابن وهب
الا أنه قال قلنا وما الهرج يا رسول الله وأخرجه مسلم من رواية عبد الرحمن بن يعقوب وهمام بن
منبه وأبي يونس مولى أبي هريرة ثلاثتهم عن أبي هريرة قال بمثل حديث حميد بن عبد الرحمن غير أنهم
لم يذكروا ويلقى الشح (قلت) وساق أحمد لفظ همام وأوله يقبض العلم ويقترب الزمن وقد جاء
عن أبي هريرة من طريق أخرى زيادة في الأمور المذكورة فأخرج الطبراني في الأوسط
من طريق سعيد بن جبير عنه رفعه لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والبخل ويخون الأمين
ويؤتمن الخائن وتهلك الوعول وتظهر التحوت قالوا يا رسول الله وما التحوت والوعول قال
الوعول وجوه الناس وأشرافهم والتحوت الذين كانوا تحت أقدام الناس ليس يعلم بهم وله من
طريق أبي علقمة سمعت أبا هريرة يقول إن من أشراط الساعة نحوه وزاد كذلك أنبأنا عبد الله
ابن مسعود سمعته من حبي قال نعم قلنا وما التحوت قال فسول الرجال وأهل البيوت الغامضة
قلنا وما الوعول قال أهل البيوت الصالحة قال ابن بطال ليس في هذا الحديث ما يحتاج إلى
تفسير غير قوله يتقارب الزمان ومعناه والله أعلم تقارب أحوال أهله في قلة الدين حتى لا يكون
فيهم من يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر لغلبة الفسق وظهور أهله وقد جاء في الحديث لا يزال
الناس بخير ما تفاضلوا فإذا تساووا هلكوا يعني لا يزالون بخير ما كان فيهم أهل فضل وصلاح
وخوف من الله يلجأ إليهم عند الشدائد ويستشفي بآرائهم ويتبرك بدعائهم ويؤخذ بتقويمهم
وآثارهم وقال الطحاوي قد يكون معناه في ترك طلب العلم خاصة والرضى بالجهل وذلك لان
الناس لا يتساوون في العلم لان درج العلم تتفاوت قال تعالى وفوق كل ذي علم عليم وانما
12

يتساوون إذا كانوا جهالا وكأنه يريد غلبة الجهل وكثرته بحيث يفقد العلم بفقد العلماء قال ابن
بطال وجميع ما تضمنه هذا الحديث من الاشراط قد رأيناها عيانا فقد نقص العلم وظهر الجهل
وألقى الشح في القلوب وعمت الفتن وكثر القتل قلت الذي يظهر ان الذي شاهده كان منه الكثير مع
وجود مقابله والمراد من الحديث استحكام ذلك حتى لا يبقى مما يقابله الا النادر واليه الإشارة
بالتعبير بقبض العلم فلا يبقى الا الجهل الصرف ولا يمنع من ذلك وجود طائفة من أهل العلم لانهم
يكونون حينئذ مغمورين في أولئك ويؤيد ذلك ما أخرجه ابن ماجة بسند قوي عن حذيفة قال
يدرس الاسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدري ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة ويسرى
على الكتاب في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية الحديث وسأذكر مزيدا لذلك في أواخر كتاب الفتن
وعند الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال ولينزعن القرآن من بين أظهركم يسرى عليه ليلا
فيذهب من أجواف الرجال فلا يبقى في الأرض منه شئ وسنده صحيح لكنه موقوف وسيأتي
بيان معارضه ظاهرا في كتاب الأحكام والجمع بينهما وكذا القول في باقي الصفات والواقع ان
الصفات المذكورة وجدت مباديها من عهد الصحابة ثم صارت تكثر في بعض الأماكن دون
بعض والذي يعقبه قيام الساعة استحكام ذلك كما قررته وقد مضى من الوقت الذي قال فيه ابن
بطال ما قال نحو ثلاثمائة وخمسين سنة والصفات المذكورة في ازدياد في جميع البلاد لكن يقل
بعضها في بعض ويكثر بعضها في بعض وكلما مضت طبقة ظهر النقص الكثير في التي تليها والى
ذلك الإشارة بقوله في حديث الباب الذي بعده لا يأتي زمان الا والذي بعده شر منه ثم نقل ابن
بطال عن الخطابي في معنى تقارب الزمان المذكور في الحديث الآخر يعني الذي أخرجه الترمذي
من حديث أنس وأحمد من حديث أبي هريرة مرفوعا لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان
فتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة وتكون
الساعة كاحتراق السعفة قال الخطابي هو من استلذاذ العيش يريد والله أعلم انه يقع عند خروج
المهدي ووقوع الامنة في الأرض وغلبة العدل فيها فيستلذ العيش عند ذلك وتستقصر مدته
وما زال الناس يستقصرون مدة أيام الرخاء وان طالت ويستطيلون مدة المكروه وان قصرت
وتعقبه الكرماني بأنه لا يناسب أخواته من ظهور الفتن وكثرة الهرج وغيرهما (وأقول) انما
احتاج الخطابي إلى تأويله بما ذكر لأنه لم يقع النقص في زمانه والا فالذي تضمنه الحديث قد وجد في
زماننا هذا فانا نجد من سرعة مر الأيام ما لم نكن نجده في العصر الذي قبل عصرنا هذا وان لم يكن
هناك عيش مستلذ والحق ان المراد نزع البركة من كل شئ حتى من الزمان وذلك من علامات
قرب الساعة وقال بعضهم معنى تقارب الزمان استواء الليل والنهار قلت وهذا مما قالوه في قوله
إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب كما تقدم بيانه فيما مضى ونقل ابن التين عن
الداودي ان معنى حديث الباب ان ساعات النهار تقصر قرب قيام الساعة ويقرب النهار من الليل
انتهى وتخصيصه ذلك بالنهار لا معنى له بل المراد نزع البركة من الزمان ليله ونهاره كما تقدم قال
النووي تبعا لعياض وغيره المراد بقصره عدم البركة فيه وان اليوم مثلا يصير الانتفاع به بقدر
الانتفاع بالساعة الواحدة قالوا وهذا أظهر وأكثر فائدة وأوفق لبقية الأحاديث وقد قيل في
تفسير قوله يتقارب الزمان قصر الأعمار بالنسبة إلى كل طبقة فالطبقة الأخيرة أقصر أعمارا من
13

الطبقة التي قبلها وقيل تقارب أحوالهم في الشر والفساد والجهل وهذا اختيار الطحاوي
واحتج بان الناس لا يتساوون في العلم والفهم فالذي جنح إليه لا يناسب ما ذكر معه الا ان نقول إن
الواو لا ترتب فيكون ظهور الفتن أولا ينشأ عنها الهرج ثم يخرج المهدي فيحصل الامن قال
ابن أبي جمرة يحتمل ان يكون المراد بتقارب الزمان قصره على ما وقع في حديث لا تقوم الساعة
حتى تكون السنة كالشهر وعلى هذا فالقصر يحتمل ان يكون حسيا ويحتمل ان يكون معنويا
اما الحسي فلم يظهر بعد ولعله من الأمور التي تكون قرب قيام الساعة واما المعنوي فله مدة
منذ ظهر يعرف ذلك أهل العلم الديني ومن له فطنة من أهل السبب الدنيوي فإنهم يجدون أنفسهم
لا يقدر أحدهم ان يبلغ من العمل قدر ما كانوا يعملونه قبل ذلك ويشكون ذلك ولا يدرون العلة
فيه ولعل ذلك بسبب ما وقع من ضعف الايمان لظهور الأمور المخالفة للشرع من عدة أوجه
وأشد ذلك الأقوات ففيها من الحرام المحض ومن الشبه ما لا يخفى حتى أن كثيرا من الناس
لا يتوقف في شئ ومهما قدر على تحصيل شئ هجم عليه ولا يبالي والواقع ان البركة في الزمان وفي
الرزق وفي النبت انما يكون من طريق قوة الايمان واتباع الامر واجتناب النهي والشاهد
لذلك قوله تعالى ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض انتهى
ملخصا وقال البيضاوي يحتمل ان يكون المراد بتقارب الزمان تسارع الدول إلى الانقضاء
والقرون إلى الانقراض فيتقارب زمانهم وتتدانى أيامهم واما قول ابن بطال ان بقية الحديث
لا تحتاج إلى تفسير فليس كما قال فقد اختلف أيضا فيه المراد بقوله ينقص العلم فقيل المراد نقص علم
كل عالم بأن يطرأ عليه النسيان مثلا وقيل نقص العلم بموت أهله فكلما مات عالم في بلد ولم يخلفه
غيره نقص العلم من تلك البلد واما نقص العمل فيحتمل ان يكون بالنسبة لكل فرد فرد فان
العامل إذا دهمته الخطوب ألهته عن أورداه وعبادته ويحتمل ان يراد به ظهور الخيانة في
الأمانات والصناعات قال ابن أبي جمرة نقص العمل الحسي ينشأ عن نقص الدين ضرورة واما
المعنوي فبحسب ما يدخل من الخلل بسبب سوء المطعم وقلة المساعد على العمل والنفس ميالة إلى
الراحة وتحن إلى جنسها ولكثرة شياطين الانس الذين هم أضر من شياطين الجن واما قبض العلم
فسيأتي بسط القول فيه في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى وأما قوله ويلقى الشح فالمراد القاؤه
في قلوب الناس على اختلاف أحوالهم حتى يبخل العالم بعلمه فيترك التعليم والفتوى ويبخل
الصانع بصناعته حتى يترك تعليم غيره ويبخل الغني بماله حتى يهلك الفقير وليس المراد وجود
أصل الشح لأنه لم يزل موجودا والمحفوظ في الروايات يلقى بضم أوله من الرباعي وقال الحميدي لم
تضبط الرواة هذا الحرف ويحتمل ان يكون بفتح اللام وتشديد القاف أي يتلقى ويتعلم ويتواصى
به كما في قوله ولا يلقاها الا الصابرون قال والرواية بسكون اللام مخففا تفسد المعنى لان الالقاء
بمعنى الترك ولو ترك لم يكن موجودا وكان مدحا والحديث ينبئ بالذم (قلت) وليس المراد بالالقاء
هنا أن الناس يلقونه وانما أنه يلقى إليهم أي يوقع في قلوبهم ومنه اني ألقى إلي كتاب كريم قال
الحميدي ولو قيل بالفاء مع التخفيف لم يستقم لأنه لم يزل موجودا (قلت) لو ثبتت الرواية بالفاء
لكان مستقيما والمعنى أنه يوجد كثيرا مستفيضا عند كل أحد كما تقدمت الإشارة إليه وقال
القرطبي في التذكرة يجوز أن يكون يلقي بتخفيف اللام والفاء أي يترك لأجل كثرة المال
14

وافاضته حتى يهم ذو المال من يقبل صدقته فلا يجد ولا يجوز أن يكون بمعنى يوجد لأنه ما زال
موجودا كذا جرم به وقد تقدم ما يرد عليه وأما قوله وتظهر الفتن فالمراد كثرتها واشتهارها وعدم
التكاتم بها والله المستعان قال ابن أبي جمرة يحتمل ان يكون القاء الشح عاما في الاشخاص والمحذور
من ذلك ما يترتب عليه مفسدة والشحيح شرعا هو من يمنع ما وجب عليه وامساك ذلك ممحق للمال
مذهب لبركته ويؤيده ما نقص مال من صدقة فان أهل المعرفة فهموا منه ان المال الذي يخرج
منه الحق الشرعي لا يلحقه آفة ولا عاهة بل يحصل له النماء ومن ثم سميت الزكاة لان المال ينمو
بها ويحصل فيه البركة انتهى ملخصا قال واما ظهور الفتن فالمراد بها ما يؤثر في أمر الدين وأما
كثرة القتل فالمراد بها ما لا يكون على وجه الحق كإقامة الحد والقصاص * الحديث الثاني
والثالث (قوله حدثنا مسدد حدثنا عبيد الله بن موسى) كذا وقع عند أبي ذر عن شيوخه في
نسخة معتمدة وسقط في غيرها وقال عياض ثبت للقابسي عن أبي زيد المروزي وسقط مسدد
للباقين وهو الصواب (قلت) وعليه اقتصر أصحاب الأطراف (قوله شقيق) هو أبو وائل
(قوله كنت مع عبد الله) هو ابن مسعود وأبو موسى هو الأشعري (قوله فقالا) يظهر من
الروايتين اللتين بعدها أن الذي تلفظ بذلك هو أبو موسى لقوله في روايته فقال أبو موسى فذكره
ولا يعارض ذلك الرواية الثالثة من طريق واصل عن أبي وائل عن عبد الله وأحسبه رفعه قال
بين يدي الساعة فذكره لاحتمال ان يكون أبو وائل سمعه من عبد الله أيضا لدخوله في قوله في
رواية الأعمش قالا وقد اتفق أكثر الرواة عن الأعمش على أنه عن عبد الله وأبي موسى معا
ورواه أبو معاوية عن الأعمش فقال عن أبي موسى ولم يذكر عبد الله أخرجه مسلم وأشار ابن أبي
خيثمة إلى ترجيح قول الجماعة واما رواية عاصم المعلقة التي ختم بها الباب فلولا أنه دون الأعمش
وواصل في الحفظ لكانت روايته هي المعتمدة لأنه جعل لكل من أبي موسى و عبد الله لفظ متن
غير الآخر لكن يحتمل ان يكون المتن الآخر كان عند عبد الله بن مسعود مع المتن الأول (قوله
ينزل فيها الجهل ويرفع فيها العلم) معناه ان العلم يرتفع بموت العلماء فكلما مات عالم ينقص العلم
بالنسبة إلى فقد حامله وينشأ عن ذلك الجهل بما كان ذلك العالم ينفرد به عن بقية العلماء (قوله إن
بين يدي الساعة لأياما) في رواية الكشميهني بحذف اللام (قوله ويكثر فيها الهرج والهرج
القتل) كذا في هاتين الروايتين وزاد في الرواية الثالثة وهي رواية جرير بن عبد الحميد عن
الأعمش والهرج بلسان الحبشة القتل ونسب التفسير في رواية واصل لأبي موسى وأصل
الهرج في اللغة العربية الاختلاط يقال هرج الناس اختلطوا واختلفوا وهرج القوم في
الحديث إذا كثروا وخلطوا وأخطأ من قال نسبة تفسير الهرج بالقتل للسان الحبشة وهم
من بعض الرواة والا فهي عربية صحيحة ووجه الخطأ انها لا تستعمل في اللغة العربية بمعنى
القتل الاعلى طريق المجاز لكون الاختلاط مع الاختلاف يفضي كثيرا إلى القتل وكثيرا
ما يسمى الشئ باسم ما يؤول إليه واستعمالها في القتل بطريق الحقيقة هو بلسان الحبش وكيف
يدعى على مثل أبي موسى الأشعري الوهم في تفسير لفظة لغوية بل الصواب معه واستعمال العرب
الهرج بمعنى القتل لا يمنع كونها لغة الحبشة وان ورد استعمالها في الاختلاط والاختلاف
كحديث معقل بن يسار رفعه العبادة في الهرج كهجرة إلى أخرجه مسلم وذكر صاحب المحكم
15

للهرج معاني أخرى ومجموعها تسعة شدة القتل وكثرة القتل والاختلاط والفتنة في آخر الزمان
وكثرة النكاح وكثرة الكذب وكثرة النوم وما يرى في النوم غير منضبط وعدم الاتقان للشئ
وقال الجوهري أصل الهرج الكثرة في الشئ يعني حتى لا يتميز (قوله في رواية واصل وأحسبه
رفعه) زاد في رواية القواريري عن غندر إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه الإسماعيلي وكذا
أخرجه أحمد عن غندر ومحمد شيخ البخاري فيه لم ينسب عند الأكثر ونسبه أبو ذر في روايته محمد
ابن بشار (قوله وقال أبو عوانة عن عاصم) هو ابن أبي النجود القارى المشهور ووجدت لأبي
عوانة عن عاصم في المعنى سندا آخر أخرجه ابن أبي خيثمة عن عفان وأبي الوليد جميعا عن أبي
عوانة عن عاصم عن شقيق عن عروة بن قيس عن خالد بن الوليد فذكر قصة فيها فأولئك الأيام
التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي الساعة أيام الهرج وذكر فيه ان الفتنة تدهش حتى
ينظر الشخص هل يجد مكانا لم ينزل به فلا يجد وقد وافقه على حديث ابن مسعود الأخير زائدة
أخرجه الطبراني من طريقه عن عاصم عن شقيق عن عبد الله سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء الحديث (قوله أنه قال لعبد الله)
يعني ابن مسعود تعلم الأيام التي ذكر إلى قوله نحوه) يريد نحو الحديث المذكور بين يدي الساعة
أيام الهرج وقد رواه الطبراني من طريق زائدة عن عاصم مقتصرا على حديث ابن مسعود
المرفوع دون القصة ووقع عند أحمد وابن ماجة من رواية الحسن البصري عن أسيد بن المتشمس
عن أبي موسى في المرفوع زيادة قال رجل يا رسول الله انا نقتل في العام الواحد من المشركين
كذا وكذا فقال ليس بقتلكم المشركين ولكن بقتل بعضكم بعضا الحديث (قوله وقال ابن
مسعود) هو بالسند المذكور (قوله من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء) قال ابن
بطال هذا وإن كان لفظه العموم فالمراد به الخصوص ومعناه ان الساعة تقوم في الأكثر
والأغلب على شرار الناس بدليل قوله لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى تقوم الساعة فدل
هذا الخبر ان الساعة تقوم أيضا على قوم فضلاء (قلت) ولا يتعين ما قال فقد جاء ما يؤيد العموم
المذكور كقوله في حديث ابن مسعود أيضا رفعه لا تقوم الساعة الا على شرار الناس أخرجه مسلم
ولمسلم أيضا من حديث أبي هريرة رفعه ان الله يبعث ريحا من اليمن ألين من الحرير فلا تدع أحدا
في قلبه مثقال ذرة من ايمان الا قبضته وله في آخر حديث النواس من سمعان الطويل في قصة الدجال
وعيسى ويأجوج ومأجوج إذ بعث الله ريحا طيبة فتقبض روح كل مؤمن ومسلم ويبقى شرار
الناس يتهارجون تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة وقد اختلفوا في المراد بقوله يتهارجون فقيل
يتسافدون وقيل يتثاورون والذي يظهر انه هنا بمعنى يتقاتلون أو لأعم من ذلك ويؤيد حمله على
التقاتل حديث الباب ولمسلم أيضا لا تقوم الساعة على أحد يقول الله الله وهو عند أحمد بلفظ
على أحد يقول لا إله إلا الله والجمع بينه وبين حديث لا تزال طائفة حمل الغاية في حديث لا تزال
طائفة على وقت هبوب الريح الطيبة التي تقبض روح كل مؤمن ومسلم فلا يبقى الا الشرار
فتهجم الساعة عليهم بغتة كما سيأتي بيانه بعد قليل (قوله باب لا يأتي زمان الا الذي
بعده شر منه) كذا ترجم بالحديث الأول وأورد فيه حديثين الأول (قوله سفيان) هو الثوري
(والزبير بن عدي) بفتح العين بعدها دال وهو كوفي همداني بسكون الميم ولى قضاء الري ويكنى
16

أبا عدى وهو من صغار التابعين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وقد يلتبس به راو قريب
من طبقته وهو الزبير بن عربي بفتح العين والراء بعدها موحدة مكسورة وهو اسم بلفظ النسب
بصري يكنى أبا سلمة وليس له في البخاري سوى حديث واحد تقدم في الحج من روايته عن ابن
عمر وتقدمت الإشارة إلى شئ من ذلك هناك من كلام الترمذي (قوله أتينا أنس بن مالك
فشكونا إليه ما يلقون) فيه التفات ووقع في رواية الكشميهني فشكوا وهو على الجادة ووقع
في رواية ابن أبي مريم عن الفريابي شيخ البخاري فيه عند أبي نعيم نشكو بنون بدل الفاء وفي
رواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عند الإسماعيلي شكونا إلى أنس ما نلقى من الحجاج
(قوله من الحجاج) أي ابن يوسف الثقفي الأمير المشهور والمراد شكواهم ما يلقون من ظلمه لهم
وتعديه وقد ذكر الزبير في الموفقيات من طريق مجالد عن الشعبي قال كان عمر فمن بعده إذا أخذوا
العاصي أقاموه للناس ونزعوا عمامته فلما كان زياد ضرب في الجنايات بالسياط ثم زاد مصعب بن
الزبير حلق اللحية فلما كان بشر بن مروان سمر كف الجاني بمسمار فلما قدم الحجاج قال هذا كله
لعب فقتل بالسيف (قوله فقال اصبروا) زاد عبد الرحمن بن مهدي في روايته اصبروا عليه
(قوله فإنه لا يأتي عليكم زمان) في رواية عبد الرحمن بن مهدي لا يأتيكم عام وبهذا اللفظ أخرج
الطبراني بسند جيد عن ابن مسعود نحو هذا الحديث موقوفا عليه قال ليس عام الا والذي بعده
شر منه وله عنه بسند صحيح قال أمس خير من اليوم واليوم خير من غد وكذلك حتى تقوم الساعة
(قوله الا والذي بعده) كذا لأبي ذر وسقطت الواو للباقين وثبتت لابن مهدي (قوله أشر منه)
كذا لأبي ذر والنسفي وللباقين بحذف الألف وعلى الأول شرح ابن التين فقال كذا وقع أشر
بوزن أفعل وقد قال في الصحاح فلان شر من فلان ولا يقال أشر الا في لغة رديئة ووقع في رواية
محمد بن القاسم الأسدي عن الثوري ومالك بن مغول ومسعر وأبى سنان الشيباني أربعتهم عن
الزبير بن عدي بلفظ لا يأتي على الناس زمان الا شر من الزمان الذي كان قبله سمعت ذلك من
رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه الإسماعيلي وكذا أخرجه ابن منده من طريق مالك بن
مغول بلفظ الا وهو شر من الذي قبله وأخرجه الطبراني في المعجم الصغير من رواية مسلم بن إبراهيم
عن شعبة عن الزبير بن عدي وقال تفرد به مسلم عن شعبة (قوله حتى تلقوا ربكم) أي حتى
تموتوا وقد ثبت في صحيح وسلم في حديث آخر واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا (قوله سمعته
من نبيكم صلى الله عليه وسلم) في رواية أبي نعيم سمعت ذلك قال ابن بطال هذا الخبر من أعلام
النبوة لاخباره صلى الله عليه وسلم بفساد الأحوال وذلك من الغيب الذي لا يعلم بالرأي وانما
يعلم بالوحي انتهى وقد استشكل هذا الاطلاق مع أن بعض الأزمنة تكون في الشر دون التي
قبلها ولو لم يكن في ذلك الا زمن عمر بن عبد العزيز وهو بعد زمن الحجاج بيسير وقد اشتهر الخبر
الذي كان في زمن عمر بن عبد العزيز بل لو قيل إن الشر اضمحل في زمانه لما كان بعيدا فضلا عن أن
يكون شرا من الزمن الذي قبله وقد حمله الحسن البصري على الأكثر الأغلب فسئل عن
وجود عمر بن عبد العزيز بعد الحجاج فقال لا بد للناس من تنفيس وأجاب بعضهم أن المراد
بالتفضيل تفضيل مجموع العصر على مجموع العصر فان عصر الحجاج كان فيه كثير من الصحابة
في الاحياء وفي عصر عمر بن عبد العزيز انقرضوا والزمان الذي فيه الصحابة خير من الزمان الذي
17

بعده لقوله صلى الله عليه وسلم خير القرون قرني وهو في الصحيحين وقوله أصحابي أمنة لامتي فإذا
ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون أخرجه مسلم ثم وجدت عن عبد الله بن مسعود التصريح
بالمراد وهو أولى بالاتباع فأخرج يعقوب بن شيبة من طريق الحارث بن حصيرة عن زيد بن وهب
قال سمعت عبد الله بن مسعود يقول لا يأتي عليكم يوم الا وهو شر من اليوم الذي كان قبله حتى
تقوم الساعة لست أعني رخاء من العيش يصيبه ولا مالا يفيده ولكن لا يأتي عليكم يوم الا وهو
أقل علما من اليوم الذي مضى قبله فإذا ذهب العلماء استوى الناس فلا يأمرون بالمعروف
ولا ينهون عن المنكر فعند ذلك يهلكون ومن طريق أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن
مسعود إلى قوله شر منه قال فأصابتنا سنة خصب فقال ليس ذلك أعني انما أعني ذهاب العلماء
ومن طريق الشعبي عن مسروق عنه قال لا يأتي عليكم زمان الا وهو أشر مما كان قبله اما أني
لا أعني أميرا خيرا من أمير ولا عاما خيرا من عام ولكن علماؤكم وفقهاؤكم يذهبون ثم لا تجدون
منهم خلفا ويجئ قوم يفتون برأيهم وفي لفظ عنه من هذا الوجه وما ذاك بكثرة الأمطار وقلتها
ولكن بذهاب العلماء ثم يحدث قوم يفتون في الأمور برأيهم فيثلمون الاسلام ويهدمونه وأخرج
الدارمي الأول من طريق الشعبي بلفظ لست أعني عاما أخصب من عام والباقي مثله وزاد وخياركم
قبل قوله وفقهاؤكم واستشكلوا أيضا زمان عيسى بن مريم بعد زمان الدجال وأجاب الكرماني
بأن المراد الزمان الذي يكون بعد عيسى أو المراد جنس الزمان الذي فيه الامراء والا فمعلوم من
الدين بالضرورة ان زمان النبي المعصوم لا شر فيه (قلت) ويحتمل ان يكون المراد بالأزمنة ما قبل
وجود العلامات العظام كالدجال وما بعده ويكون المراد بالأزمنة المتفاضلة في الشر من زمن
الحجاج فما بعده إلى زمن الدجال واما زمن عيسى عليه السلام فله حكم مستأنف والله أعلم ويحتمل
ان يكون المراد بالأزمنة المذكورة أزمنة الصحابة بناء على أنهم هم المخاطبون بذلك فيختص بهم
فأما من بعدهم فلم يقصد في الخبر المذكور لكن الصحابي فهم التعميم فلذلك أجاب من شكا إليه
الحجاج بذلك وأمرهم بالصبر وهم أو جلهم من التابعين واستدل ابن حبان في صحيحه بأن حديث
أنس ليس على عمومه بالأحاديث الواردة في المهدي وانه يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا
ثم وجدت عن ابن مسعود ما يصلح أن يفسر به الحديث وهو ما أخرجه الدارمي بسند حسن عن
عبد الله قال لا يأتي عليكم عام الا وهو شر من الذي قبله أما أني لست أعني عاما * الحديث الثاني
(قوله وحدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس وأخوه هو أبو بكر عبد الحميد ومحمد بن أبي عتيق هو
محمد بن عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الله بن أبي بكر نسب لجده هكذا عطف هذا الاسناد
النازل على الذي قبله وهو أعلى منه بدرجتين لأنه أورد الأول مجردا في آخر كتاب الأدب بتمامه
فلما أورده هنا عنه أردفه بالسند الآخر وساقه على لفظ السند الثاني وابن شهاب شيخ ابن أبي عتيق
هو الزهري شيخ شعيب (قوله هند بنت الحارث الفراسية) بكسر الفاء بعدها راء وسين
مهملة نسبة إلى بني فراس بطن من كنانة وهم أخوة قريش وكانت هند زوج معبد بن
المقداد وقد قيل إن لها صحبة وتقدم شئ من ذلك في كتاب العلم (قوله استيقظ رسول الله صلى الله
عليه وسلم ليلة فزعا) بنصب ليلة وفزعا بكسر الزاي على الحال ووقع في رواية سفيان بن عيينة
عن معمر كما مضى في العلم استيقظ ذات ليلة وتقدم هناك الكلام على لفظ ذات ورواية هذا
18

الباب تؤيد أنها زائدة وفي رواية هشام بن يوسف عن معمر في قيام الليل مثل الباب لكن بحذف
فزعا وفي رواية شعيب يحذفهما (قوله يقول سبحان الله) في رواية سفيان فقال سبحان الله وفي
رواية ابن المبارك عن معمر في اللباس استيقظ من الليل وهو يقول لا إله إلا الله (قوله ماذا أنزل
الله من الخزائن وماذا انزل الليلة من الفتن) في رواية غير الكشميهني وماذا أنزل بضم الهمزة وفي
رواية سفيان ماذا أنزل الليلة من الفتن وماذا فتح من الخزائن وفي رواية شعيب ماذا أنزل من
الخزائن وماذا انزل من الفتن وفي رواية ابن المبارك مثله لكن بتقديم وتأخير وقال من الفتنة
بالافراد وقد تقدم الكلام على المراد بالخزائن وما ذكر معها في كتاب العلم وما استفهامية فيها
معنى التعجب (قوله من يوقظ صواحب الحجرات) كذا للأكثر وفي رواية سفيان أيقظوا بصيغة
الامر مفتوح الأول مكسور الثالث وصواحب بالنصب على المفعولية وجوز الكرماني أيقظوا
بكسر أوله وفتح ثالثه وصواحب منادى ودلت رواية أيقظوا على أن المراد بقوله من يوقظ
التحريض على ايقاظهن (قوله يريد أزواجه لكي يصلين) في رواية شعيب حتى يصلين وخلت
سائر الروايات من هذه الزيادة (قوله رب كاسية في الدنيا) في رواية سفيان فرب بزيادة فاء في أوله
وفي رواية ابن المبارك يا رب كاسية بزيادة حرف النداء في أوله وفي رواية هشام كم من كاسية في
الدنيا عارية يوم القيامة وهو يؤيد ما ذهب إليه ابن مالك من أن رب أكثر ما ترد للتكثير فإنه قال
أكثر النحويين انها للتقليل وان معنى ما يصدر بها المضي والصحيح ان معناها في الغالب
التكثير وهو مقتضى كلام سيبويه فإنه قال في باب كم واعلم أن كم في الخبر لا تعمل إلا فيما تعمل فيه
رب لان المعنى واحد الا ان كم اسم ورب غير اسم انتهى ولا خلاف ان معنى كم الخبرية التكثير
ولم يقع في كتابه ما يعارض ذلك فصح ان مذهبه ما ذكرت وحديث الباب شاهد لذلك فليس مراده
ان ذلك قليل بل المتصف بذلك من النساء كثير ولذلك لو جعلت كم موضع رب لحسن انتهى
وقد وقعت كذلك في نفس هذا الحديث كما بينته ومما وردت فيه للكثير قول حسان
رب حلم أضاعه عدم ألما ل * وجهل غطى عليه النعيم
وقول عدي
رب مأمول وراج أملا * قد ثناه الدهر عن ذاك الأمل
قال والصحيح أيضا ان الذي يصدر برب لا يلزم كونه ماضي المعنى بل يجوز مضيه وحضوره
واستقباله وقد اجتمع في الحديث الحضور والاستقبال وشواهد الماضي كثيرة انتهى ملخصا واما
تصدير رب بحرف النداء في رواية ابن المبارك فقيل المنادى فيه محذوف والتقدير يا سامعين
(قوله عارية في الآخرة) قال عياض الأكثر بالخفض على الوصف للمجرور برب وقال غيره
الأولى الرفع على إضمار مبتدأ والجملة في موضع النعت أي هي عارية والفعل الذي يتعلق به رب
محذوف وقال السهيلي الأحسن الخفض على النعت لان رب حرف جر يلزم صدر الكلام
وهذا رأي سيبويه وعند الكسائي هو اسم مبتدأ والمرفوع خبره واليه كان يذهب بعض
شيوخنا انتهى واختلف في المراد بقوله كاسية وعارية على أوجه أحدها كاسية في الدنيا بالثياب
لوجود الغنى عارية في الآخرة من الثواب لعدم العمل في الدنيا ثانيها كاسية بالثياب لكنها
شفافة لا تستر عورتها فتعاقب في الآخرة بالعري جزاء على ذلك ثالثها كاسية من نعم الله عارية
19

من الشكر الذي تظهر ثمرته في الآخرة بالثواب رابعها كاسية جسدها لكنها تشد خمارها من
ورائها فيبدو صدرها فتصير عارية فتعاقب في الآخرة خامسها كاسية من خلعة التزوج
بالرجل الصالح عارية في الآخرة من العمل فلا ينفعها صلاح زوجها كما قال تعالى فلا أنساب
بينهم ذكر هذا الأخير الطيبي ورجحه لمناسبة المقام واللفظة وان وردت في أزواج النبي صلى
الله عليه وسلم لكن العبرة بعموم اللفظ وقد سبق لنحوه الداودي فقال كاسية للشرف في الدنيا
لكونها أهل التشريف وعارية يوم القيامة قال ويحتمل ان يراد عارية في النار قال ابن بطال في
هذا الحديث ان الفتوح في الخزائن تنشأ عنه فتنة المال بأن يتنافس فيه فيقع القتال بسببه وان
يبخل به فيمنع الحق أو يبطر صاحبه فيسرف فأراد صلى الله عليه وسلم تحذير أزواجه من ذلك كله
وكذا غيرهن ممن بلغه ذلك وأراد بقوله من يوقظ بعض خدمه كما قال يوم الخندق من يأتيني بخبر
القوم وأراد أصحابه لكن هناك عرف الذي انتدب كما تقدم وهنا لم يذكر وفي الحديث الندب إلى
الدعاء والتضرع عند نزول الفتنة ولا سيما في الليل لرجاء وقت الإجابة لتكشف أو يسلم الداعي
ومن دعى له وبالله التوفيق * (قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من حمل علينا
السلاح فليس) منا ذكره من حديث ابن عمر ومن حديث أبي موسى وأورد معهما في الباب
ثلاثة أحاديث أخرى الأول والثاني (قوله من حمل علينا السلاح) في حديث سلمة بن الأكوع
عند مسلم من سل علينا السيف ومعنى الحديث حمل السلاح على المسلمين لقتالهم به بغير حق لما في
ذلك من تخويفهم وإدخال الرعب عليهم وكأنه كنى بالحمل عن المقاتلة أو القتل للملازمة الغالبة
قال ابن دقيق العيد يحتمل ان يراد بالحمل ما يضاد الوضع ويكون كناية عن القتال به ويحتمل ان يراد
بالحمل حمله لإرادة القتال به لقرينه قوله علينا ويحتمل ان يكون المراد حمله للضرب به وعلى كل
حال ففيه دلالة على تحريم قتال المسلمين والتشديد فيه (قلت) جاء الحديث بلفظ من شهر علينا
السلاح أخرجه البزار من حديث أبي بكرة ومن حديث سمرة ومن حديث عمرو بن عوف وفي
سند كل منها لين لكنها يعضد بعضها بعضا وعند أحمد من حديث أبي هريرة بلفظ من رمانا
بالنبل فليس منا وهو عند الطبراني في الأوسط بلفظ الليل بدل النبل وعند البزار من حديث
بريدة مثله (قوله فليس منا) أي ليس على طريقتنا أوليس متبعا لطريقتنا لان من حق المسلم
على المسلم ان ينصره ويقاتل دونه لا ان يرعبه بحمل السلاح عليه لإرادة قتاله أو قتله ونظيره من
غشنا فليس منا وليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب وهذا في حق من لا يستحل ذلك فاما
من يستحله فإنه يكفر باستحلال المحرم بشرطه لا مجرد حمل السلاح والأولى عند كثير من السلف
إطلاق لفظ الخبر من غير تعرض لتأويله ليكون أبلغ في الزجر وكان سفيان بن عيينة ينكر على من
يصرفه عن ظاهره فيقول معناه ليس على طريقتنا ويرى ان الامساك عن تأويله أولى لما ذكرناه
والوعيد المذكور لا يتناول من قاتل البغاة من أهل الحق فيحمل على البغاة وعلى من بدأ بالقتال
ظالما * الحديث الثالث (قوله حدثنا محمد أخبرنا عبد الرزاق) كذا في الأصول التي وقفت
عليها وكذا ذكر أبو علي الجياني أنه وقع هنا وفي العتق حدثنا محمد غير منسوب عن عبد الرزاق
وأن الحاكم جزم بأنه محمد بن يحيى الذهلي إلى آخر كلامه ويحتمل أن يكون محمد هنا هو ابن رافع
فان مسلما أخرج هذا الحديث عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج
20

من مسند إسحاق بن راهويه ثم قال أخرجه البخاري عن إسحاق ولم أر ذلك لغير أبي نعيم ويدل على
وهمه ان في رواية إسحاق عن عبد الرزاق حدثنا معمر والذي في البخاري عن معمر (قوله لا يشير
أحدكم إلى أخيه بالسلاح) كذا فيه بإثبات الياء وهو نفي بمعنى النهي ووقع لبعضهم لا يشر بغير
ياء وهو بلفظ النهي وكلاهما جائز (قوله فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزغ في يده) بالغين المعجمة
قال الخليل في العين نزغ الشيطان بين القوم نزغا حمل بعضهم على بعض بالفساد ومنه من بعد
أن نزغ الشيطان بيني وبين أخوتي وفي رواية الكشميهني بالعين المهملة ومعناه قلع ونزع بالسهم
رمى به والمراد انه يغري بينهم حتى يضرب أحدهما الآخر بسلاحه فيحقق الشيطان ضربته له
وقال ابن التين معنى ينزعه يقلعه من يده فيصيب به الآخر أو يشد يده فيصيبه وقال النووي
ضبطناه ونقله عياض عن جميع روايات مسلم بالعين المهملة ومعناه يرمي به في يده ويحقق ضربته
ومن رواه بالمعجمة فهو من الاغراء أي يزين له تحقيق الضربة (قوله فيقع في حفرة من النار)
هو كناية عن وقوعه في المعصية التي تفضي به إلى دخول النار قال ابن بطال معناه ان أنفذ عليه
الوعيد وفي الحديث النهي عما يفضي إلى المحذور وان لم يكن المحذور محققا سواء كان ذلك
في جد أو هزل وقد وقع في حديث أبي هريرة عند ابن أبي شيبة وغيره مرفوعا من رواية ضمرة بن
ربيعة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه الملائكة تلعن أحدكم إذا أشار إلى الآخر بحديدة وإن كان
أخاه لأبيه وأمه وأخرجه الترمذي من وجه آخر عن أبي هريرة موقوفا من رواية أيوب عن
ابن سيرين عنه وأخرج الترمذي أصله موقوفا من رواية خالد الحذاء عن ابن سيرين بلفظ من أشار
إلى أخيه بحديدة لعنته الملائكة وقال حسن صحيح غريب وكذا صححه أبو حاتم من هذا الوجه
وقال في طريق ضمرة منكر وأخرج الترمذي بسند صحيح عن جابر نهى رسول الله صلى الله عليه
وسلم ان يتعاطى السيف مسلولا ولأحمد والبزار من وجه آخر عن جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم
مر بقوم في مجلس يسلون سيفا يتعاطونه بينهم غير مغمود فقال ألم أزجر عن هذا إذا سل أحدكم
السيف فليغمده ثم ليعطيه أخاه ولأحمد والطبراني بسند جيد عن أبي بكرة نحوه وزاد لعن الله
من فعل هذا إذا سل أحدكم سيفه فأراد ان يناوله أخاه فليغمده ثم يناوله إياه قال ابن العربي إذا
استحق الذي يشير بالحديدة اللعن فكيف الذي يصيب بها وانما يستحق اللعن إذا كانت إشارته
تهديدا سواء كان جادا أم لاعبا كما تقدم وانما أوخذ اللاعب لما أدخله على أخيه من الروع
ولا يخفى ان اثم الهازل دون اثم الجاد وانما نهى عن تعاطي السيف مسلولا لما يخاف من الغفلة
عند التناول فيسقط فيؤذي * الحديث الرابع حديث جابر (قوله قلت لعمرو) يعني ابن دينار
وقد صرح به في رواية مسلم وعمرو بن دينار هو القائل نعم جوابا لقول سفيان له أسمعت جابرا وقد
تقدم البحث في ذلك في أوائل المساجد من كتاب الصلاة (قوله في الطريق الثالثة بأسهم) هو جمع
قلة يدل على أن المراد بقوله في الطريق الأولى بسهام انها سهام قليلة وقد وقع في رواية لمسلم أن
المار المذكور كان يتصدق بها (قوله قد بدا) في رواية غير الكشميهني ابدي والنصول بضمتين
جمع نصل بفتح النون وسكون المهملة ويجمع على نصال بكسر أوله كما في الرواية الأولى
والنصل حديدة السهم (قوله فأمره ان يأخذ بنصولها) يفسر قوله في الرواية الأخرى أمسك
بنصالها (قوله لا يخدش مسلما) بمعجمتين هو تعليل للامر بالامساك على النصال والخدش أول
21

الجراح * الحديث الخامس حديث أبي موسى وهو بإسناد من حمل علينا السلاح (قوله إذا
مر أحدكم الخ) فيه ان الحكم عام في جميع المكلفين بخلاف حديث جابر فإنه واقعة حال
لا تستلزم التعميم وقوله فليقبض بكفه أي على النصال وليس المراد خصوص ذلك بل
يحرص على أن لا يصيب مسلما بوجه من الوجوه كما دل عليه التعليل بقوله ان يصيب أحدا
من المسلمين منها بشئ وقوله إن يصيب بها بفتح ان والتقدير كراهية ووقع في رواية مسلم
لئلا يصيب بها وهو يؤيد مذهب الكوفيين في تقدير المحذوف في مثله وزاد مسلم في آخر الحديث
سددنا بعضنا إلى وجوه بعض وهي بالسين المهملة أي قومناها إلى وجوههم وهي كناية عما
وقع من قتال بعضهم بعضا في تلك الحروب الواقعة في الجمل وصفين وفي هذين الحديثين تحريم
قتال المسلم وقتله وتغليظ الامر فيه وتحريم تعاطي الأسباب المفضية إلى أذيته بكل وجه وفيه
حجة للقول بسد الذرائع * (قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا ترجعوا
بعدي كفارا الخ) ترجم بلفظ ثالث أحاديث الباب وفيه خمسة أحاديث الحديث الأول
(قوله حدثنا عمر بن حفص) هو ابن غياث وشقيق هو أبو وائل والسند كله كوفيون (قوله
سباب) بكسر المهملة وموحدتين وتخفيف مصدر يقال سبه يسبه سبا وسبابا وهذا المتن قد
تقدم في كتاب الايمان أول الكتاب من وجه آخر عن أبي وائل وفيه بيان الاختلاف في رفعه
ووقفه وتقدم توجيه إطلاق الكفر على قتال المؤمن وان أقوى ما قيل في ذلك أنه اطلق عليه
مبالغة في التحذير من ذلك لينزجر السامع عن الاقدام عليه أو انه على سبيل التشبيه لان ذلك فعل
الكافر كما ذكروا نظيره في الحديث الذي بعده وورد لهذا الحديث سبب أخرجه البغوي
والطبراني من طريق أبي خالد الوالبي عن عمرو بن النعمان بن مقرن المزني قال انتهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى مجلس من مجالس الأنصار ورجل من الأنصار كان عرف بالبذاء ومشاتمة
الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سباب المسلم فسوق وقتاله كفر زاد البغوي في روايته
فقال ذلك الرجل والله لا أساب رجلا * الحديث الثاني (قوله واقد بن محمد) أي ابن زيد بن عبد
الله بن عمر (قوله لا ترجعون بعدي) كذا لأبي ذر بصيغة الخبر وللباقين لا ترجعوا بصيغة النهي
وهو المعروف (قوله كفارا) تقدم بيان المراد به في أوائل كتاب الديات وجملة الأقوال فيه ثمانية
ثم وقفت على تاسع وهو ان المراد ستر الحق والكفر لغة الستر لان حق المسلم على المسلم ان ينصره
ويعينه فلما قاتله كأنه غطى على حقه الثابت له عليه وعاشر وهو ان الفعل المذكور يفضي إلى
الكفر لان من اعتاد الهجوم على كبار المعاصي جره شؤم ذلك إلى أشد منها فيخشى ان لا يختم له
بخاتمة الاسلام ومنهم من جعله من لبس السلاح يقول كفر فوق درعه إذا لبس فوقها ثوبا وقال
الداودي معناه لا تفعلوا بالمؤمنين ما تفعلون بالكفار ولا تفعلوا بهم ما لا يحل وأنتم ترونه حراما
(قلت) وهو داخل في المعاني المتقدمة واستشكل بعض الشراح غالب هذه الأجوبة بأن راوي
الخبر وهو أبو بكرة فهم خلاف ذلك والجواب ان فهمه ذلك انما يعرف من توقفه عن القتال
واحتجاجه بهذا الحديث فيحتمل ان يكون توقفه بطريق الاحتياط لما يحتمله ظاهر اللفظ
ولا يلزم ان يكون يعتقد حقيقة كفر من باشر ذلك ويؤيده أنه لم يمتنع من الصلاة خلفهم ولا امتثال
أوامرهم ولا غير ذلك مما يدل على أنه يعتقد فيهم حقيقته والله المستعان (قوله يضرب بعضكم
22

رقاب بعض بجزم يضرب على أنه جواب النهي وبرفعه على الاستئناف أو يجعل حالا فعلى
الأول يقوى الحمل على الكفر الحقيقي ويحتاج إلى التأويل بالمستحل مثلا وعلى الثاني لا يكون
متعلقا بما قبله ويحتمل ان يكون متعلقا وجوابه ما تقدم الحديث الثالث (6667) قوله يحيى هو بن
سعيد الفطان والسند كله بصريون قوله بن سيرين هو محمد قوله وعن رجل آخر هو حميد
بن عبد الرحمن الحميري كما وقع مصرحا به في باب الخطبة أيام منى من كتاب الحج وقد تقدم شرح
الخطبة المذكورة في كتاب الحج وقوله أبشاركم بموحدة ومعجمة جمع بشرة وهو ظاهر جلد
الانسان واما البشر الذي هو الانسان فلا يثنى ولا يجمع واجازه بعضهم لقوله تعالى فقالوا أنؤمن
لبشرين مثلنا وقوله فإنه الهاء ضمير الشأن وقوله رب مبلغ بفتح اللام الثقيلة ويبلغه بكسرها
وقوله من هو في رواية الكشميهني لمن هو قوله أوعى له زاد في رواية الحج منه قوله فكان
كذلك هذه جملة موقوفة من كلام محمد بن سيرين تخللت بين الجمل المرفوعة كما وقع التنبيه
عليه واضحا في باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب من كتاب العلم قوله قال لا ترجعوا هو بالسند
المذكور من رواية محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة وقد قال البزار بعد
تخريجه بطوله لا نعلم من رواه بهذا اللفظ الا قرة عن محمد بن سيرين قوله فلما كان يوم حرق بن
الحضرمي في رواية محمد بن أبي بكر المقدمي عن يحيى القطان عند الإسماعيلي قال فلما كان
وفاعل قال هو عبد الرحمن بن أبي بكرة وحرق بضم أوله على البناء للمجهول ووقع في خط
الدمياطي الصواب أحرق وتبعه بعض الشراح وليس الآخر بخطأ بل جزم أهل اللغة باللغتين
أحرقه وحرقه والتشديد للتكثير والتقدير هنا يوم حرق بن الحضرمي ومن معه وابن الحضرمي
فيما ذكره العسكري اسمه عبد الله بن عمرو بن الحضرمي وأبوه عمرو هو أول من قتل من المشركين
يوم بدر وعلى هذا فلعبد الله رؤية وقد ذكره بعضهم في الصحابة ففي الاستيعاب قال الواقدي ولد
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عن عمر وعند المدائني انه عبد الله بن عامر
الحضرمي وهو بن عمرو المذكور والعلاء بن الحضرمي الصحابي المشهور عمه واسم الحضرمي
عبد الله بن عماد وكان حالف بني أمية في الجاهلية وأم بن الحضرمي المذكور أرنب بنت كريز بن
ربيعة وهي عمة عبد الله بن عامر بن كريز الذي كان أمير البصرة في زمن عثمان قوله حين حرقه
جارية بجيم وتحتانية بن قدامة أي بن مالك بن زهير بن الحصين التميمي السعدي وكان السبب
في ذلك ما ذكره العسكري في الصحابة كان جارية يلقب محرقا لأنه أحرق بن الحضرمي بالبصرة
وكان معاوية وجه بن الحضرمي إلى البصرة ليستنفرهم على قتال علي فوجه علي جارية بن
قدامة وحصره فتحصن منه بن الحضرمي في دار فأحرقها جارية عليه وذكر الطبري في حوادث
سنة ثمان وثلاثين من طريق أبي الحسن المدائني وكذا أخرجه عمر بن شبة في أخبار البصرة ان
عبد الله بن عباس خرج من البصرة وكان عاملها لعلي واستخلف زياد بن سمية على البصرة فأرسل
معاوية عبد الله بن عمرو بن الحضرمي ليأخذ له البصرة فنزل في بني تميم وانضمت إليه العثمانية
فكتب زياد إلى علي يستنجده فأرسل إليه أعين بن ضبيعة المجاشعي فقتل غلية فبعث علي بعده
جارية بن قدامة فحاصر بن الحضرمي في الدار التي نزل فيها ثم أحرق الدار عليه وعلى من معه وكانوا
سبعين رجلا أو أربعين وأنشد في ذلك أشعارا فهذا هو المعتمد واما ما حكاه بن بطال عن المهلب
23

ان بن الحضرمي رجل امتنع من الطاعة فأخرج إليه جارية بن قدامة فصلبه على جذع ثم ألقى
النار في الجذع الذي صلب عليه فما أدري ما مستنده فيه وكأنه قاله بالظن والذي ذكره الطبري
هو الذي ذكره أهل العلم بالاخبار وكان الأحنف يدعو جارية عما اعظاما له قاله الطبري ومات
جارية في خلافة يزيد بن معاوية قاله بن حبان ويقال انه جويرية بن قدامة الذي روى قصة
قتل عمر كما تقدم قوله قال أشرفوا على أبي بكرة أي اطلعوا من مكان مرتفع فرأوه زاد
البزار عن يحيى بن حكيم عن القطان وهو في حائط له قوله فقالوا هذا أبو بكرة يراك قال المهلب
لما فعل جارية بابن الحضرمي ما فعل أمر جارية بعضهم ان يشرفوا على أبي بكرة ليختبر إن كان
محاربا أو في الطاعة وكان قد قال له خيثمة هذا أبو بكرة يراك وما صنعت بابن الحضرمي فربما
أنكر عليك بسلاح أو بكلام فلما سمع أبو بكرة ذلك وهو في علية له قال لو دخلوا علي داري ما
رفعت عليهم قصبة لأني لا أرى قتال المسلمين فكيف ان أقاتلهم بسلاح قلت ومقتضى
ما ذكره أهل العلم بالاخبار كالمدائني ان بن عباس كان استنفر أهل البصرة بأمر علي ليعاودوا
محاربة معاوية بعد الفراغ من أمر التحكيم ثم وقع أمر الخوارج فسار بن عباس إلى علي فشهد
معه النهروان فأرسل بعض عبد القيس في غيبته إلى معاوية يخبره ان بالبصرة جماعة من
العثمانية ويسأله توجيه رجل يطلب بدم عثمان فوجه بن الحضرمي فكان من أمره ما كان
فالذي يظهر أن جارية بن قدامة بعد أن غلب وحرق بن الحضرمي ومن معه استنفر الناس بأمر
علي فكان من رأي أبي بكرة ترك القتال في الفتنة كرأي جماعة من الصحابة فدل بعض الناس
على أبي بكرة ليلزموه الخروج إلى القتال فأجابهم بما قال قوله قال عبد الرحمن هو بن أبي
بكرة الراوي وهو موصول بالسند المذكور قوله فحدثتني أمي هي هالة بنت غليظ العجلية
ذكر ذلك خليفة بن خياط في تاريخه وتبعه أبو أحمد الحاكم وجماعة وسمى بن سعد أمه هولة
والله أعلم وذكر البخاري في تاريخه وابن سعد أن عبد الرحمن كان أول مولود ولد بالبصرة بعد أن
بنيت وأرخها بن زيد سنة أربع عشرة وذلك في أوائل خلافة عمر رضي الله عنه قوله لو دخلوا
علي بتشديد الياء قوله ما بهشت بكسر الهاء وسكون المعجمة وللكشميهني بفتح الهاء وهما لغتان
والمعنى ما دافعتهم يقال بهش بعض القوم إلى بعض إذا تراموا للقتال فكأنه قال ما مددت يدي
إلى قصبة ولا تناولتها لأدافع بها عني وقال بن التين ما قمت إليهم بقصبة يقال بهش له إذا ارتاح
له وخف إليه وقيل معناه ما رميت وقيل معناه ما تحركت وقال صاحب النهاية المراد ما أقبلت
إليهم مسرعا أدفعهم عني ولا بقصبة ويقال لمن نظر إلى شئ وأعجبه واشتهاه أو أسرع إلى تناوله
بهش إلى كذا ويستعمل أيضا في الخير والشر يقال بهش إلى معروف فلان في الخير وبهش
إلى فلان تعرض له بالشر ويقال بهش القوم بعضهم إلى بعض إذا ابتدروا بالقتال وهذا الذي
قاله أبو بكرة يوافق ما وقع عند أحمد من حديث بن مسعود في ذكر الفتنة قلت يا رسول الله فما
تأمرني ان أدركت ذلك قال كف يدك ولسانك وادخل دارك قلت يا رسول الله أرأيت ان دخل
رجل علي داري قال فادخل بيتك قال قلت أفرأيت ان دخل علي بيتي قال فادخل مسجدك
وقبض بيمينه على الكوع وقل ربي الله حتى تموت على ذلك وعند الطبراني من حديث جندب
ادخلوا بيوتكم وأخملوا ذكركم قال أرأيت ان دخل على أحدنا بيته قال ليمسك بيده وليكن
24

عبد الله المقتول لا القاتل ولأحمد وأبي يعلى من حديث خرشة بن الحر فمن أتت عليه فليمش
بسيفه إلى صفاة فليضربه بها حتى ينكسر ثم ليضطجع لها حتى تنجلي وفي حديث أبي بكرة عند
مسلم قال رجل يا رسول الله أرأيت ان أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين فجاء سهم أو
ضربني رجل بسيف قال يبوء بإثمه وإثمك الحديث والأحاديث في هذا المعنى كثيرة * الحديث
الرابع (قوله محمد بن فضيل عن أبيه) هو ابن غزوان بفتح المعجمة وسكون الزاي (قوله
لا ترتدوا) تقدم في الحج من وجه آخر عن فضيل بلفظ لا ترجعوا وساقه هناك أتم * الحديث
الخامس حديث جرير وهو بن عبد الله البجلي (قوله لا ترجعوا) كذا للأكثر وفي رواية
الكشميهني لا ترجعن بعد العين المهملة المضمومة نون ثقيلة وأصله لا ترجعون وقد تقدم في العلم
وفي أواخر المغازي وفي الديات بلفظ لا ترجعوا وليس لأبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جده في
البخاري الا هذا الحديث وعلي بن مدرك الراوي عنه نخعي كوفي متفق على توثيقه ولا أعرف له
في البخاري سوى هذا الحديث الواحد في المواضع المذكورة * (قوله باب تكون
فتنة القاعد فيها خير من القائم) كذا ترجم ببعض الحديث وأورده من رواية سعد بن إبراهيم بن
عبد الرحمن بن عوف عن أبي سلمة وهو عمه ومن رواية ابن شهاب عن سعيد بن المسيب كلاهما
عن أبي هريرة ومن رواية شعيب عن ابن شهاب الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وكأنه صحح
ان لابن شهاب فيه شيخين ولفظ الحديثين سواء الا ما سأبينه وقد أخرجه في علامات النبوة عن
عبد العزيز الأويسي عن إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عنهما جميعا وكذا
أخرجه مسلم من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه ولم يسق البخاري لفظ سعد بن
إبراهيم عن أبي سلمة وساقه مسلم من طريق أبي داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد وفي أوله
تكون فتنة النائم فيها خير من اليقظان واليقظان فيها خير من القائم (قوله ستكون فتن)
في رواية المستملي فتنة بالافراد (قوله القاعد فيها خير من القائم) زاد الإسماعيلي من طريق
الحسن بن إسماعيل الكلبي عن إبراهيم بن سعد بسنده فيه في أوله النائم فيها خير من اليقظان
واليقظان فيها خير من القاعد والحسن بن إسماعيل المذكور وثقه النسائي وهو من شيوخه ثم
وجدت هذه الزيادة عند مسلم أيضا من رواية أبي داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد وكان
أخرجه أولا من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه كرواية محمد بن عبيد الله شيخ البخاري
فيه فكأن إبراهيم بن سعد كان يذكره تاما وناقصا ووقع في رواية خرشة بن الحر عند أحمد وأبي
يعلى مثل هذه الزيادة وقد وجدت لهذه الزيادة شاهدا من حديث ابن مسعود عند أحمد وأبي
داود بلفظ النائم فيها خير من المضطجع وهو المراد باليقظان في الرواية المذكورة لأنه قابله بالقاعد
(قوله والماشي فيها خير من الساعي) في حديث ابن مسعود والماشي فيها خير من الراكب والراكب
فيها خير من المجري قتلاها كلها في النار (قوله خير من الساعي) في حديث أبي بكرة
عند مسلم من الساعي إليها وزاد الا فإذا نزلت فمن كانت له ابل فليلحق بابله الحديث قال بعض
الشراح في قوله والقاعد فيها خير من القائم أي القاعد في زمانها عنها قال والمراد بالقائم الذي
لا يستشرفها وبالماشي من يمشي في أسبابه لأمر سواها فربما يقع بسبب مشيه في أمر يكرهه
وحكى ابن التين عن الداودي ان الظاهر أن المراد من يكون مباشرا لها في الأحوال كلها يعني ان
25

بعضهم في ذلك أشد من بعض فأعلاهم في ذلك الساعي فيها بحيث يكون سببا لإثارتها ثم من يكون
قائما بأسبابها وهو الماشي ثم من يكون مباشرا لها وهو القائم ثم من يكون مع النظارة ولا يقاتل
وهو القاعد ثم من يكون مجتنبا لها ولا يباشر ولا ينظر وهو المضطجع اليقظان ثم من لا يقع منه شئ
من ذلك ولكنه راض وهو النائم والمراد بالأفضلية في هذه الخيرية من يكون أقل شرا ممن فوقه
على التفصيل المذكور (قوله من تشرف لها) بفتح المثناة والمعجمة وتشديد الراء أي تطلع لها بان
يتصدى ويتعرض لها ولا يعرض عنها وضبط أيضا من الشرف ومن الاشراف (قوله تستشرفه)
أي تهلكه بأن يشرف منها على الهلاك يقال استشرفت الشئ علوته وأشرفت عليه يريد من
انتصب لها انتصبت له ومن أعرض عنها أعرضت عنه وحاصله ان من طلع فيها بشخصه قابلته
بشرها ويحتمل ان يكون المراد من خاطر فيها بنفسه أهلكته ونحوه قول القائل من غالبها غلبته
(قوله فمن وجد فيها) في رواية الكشميهني منها (قوله ملجأ) أي يلتجئ إليه من شرها (قوله
أو معاذا) بفتح الميم وبالعين المهملة وبالذال المعجمة هو بمعنى الملجأ قال ابن التين ورويناه بالضم
يعني معاذا (قوله فليعذ به) أي ليعتزل فيه ليسلم من شر الفتنة وفي رواية سعد بن إبراهيم
فليستعذو وقع تفسيره عند مسلم في حديث أبي بكرة ولفظه فإذا نزلت فمن كان له ابل فليلحق بابله
وذكر الغنم والأرض قال رجل يا رسول الله أرأيت من لم يكن له قال يعمد إلى سيفه فيدق
على حده بحجر ثم لينج ان استطاع وفيه التحذير من الفتنة والحث على اجتناب الدخول فيها وان
شرها يكون بحسب التعلق بها والمراد بالفتنة ما ينشأ عن الاختلاف في طلب الملك حيث لا يعلم
المحق من المبطل قال الطبري اختلف السلف فحمل ذلك بعضهم على العموم وهم من قعد عن
الدخول في القتال بين المسلمين مطلقا كسعد وابن عمر ومحمد بن مسلمة وأبي بكرة في آخرين
وتمسكوا بالظواهر المذكورة وغيرها ثم اختلف هؤلاء فقالت طائفة بلزوم البيوت وقالت
طائفة بل بالتحول عن بلد الفتن أصلا ثم اختلفوا فمنهم من قال إذا هجم عليه شئ من ذلك يكف
يده ولو قتل ومنهم من قال بل يدافع عن نفسه وعن ماله وعن أهله وهو معذور ان قتل أو قتل
وقال آخرون إذا بغت طائفة على الامام فامتنعت من الواجب عليها ونصبت الحرب وجب قتالها
وكذلك لو تحاربت طائفتان وجب على كل قادر الاخذ على يد المخطئ ونصر المصيب وهذا قول
الجمهور وفصل آخرون فقالوا كل قتال وقع بين طائفتين من المسلمين حيث لا امام للجماعة
فالقتال حينئذ ممنوع وتنزل الأحاديث التي في هذا الباب وغيرها على ذلك وهو قول الأوزاعي
قال الطبري والصواب ان يقال أن الفتنة أصلها الابتلاء وانكار المنكر واجب على كل من قدر
عليه فمن أعان المحق أصاب ومن أعان المخطئ أخطأ وان أشكل الامر فهي الحالة التي ورد النهي
عن القتال فيها وذهب آخرون إلى أن الأحاديث وردت في حق ناس مخصوصين وان النهي
مخصوص بمن خوطب بذلك وقيل إن أحاديث النهي مخصوصة بآخر الزمان حيث يحصل التحقق
ان المقاتلة انما هي في طلب الملك وقد وقع في حديث ابن مسعود الذي أشرت إليه قلت يا رسول
الله ومتى ذلك قال أيام الهرج قلت ومتى قال حين لا يأمن الرجل جليسه * (قوله باب
إذا التقى المسلمان بسيفيهما حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب) وهو الحجبي بفتح المهملة والجيم (قوله
حماد) هو ابن زيد وقد نسبه في أثناء الحديث (قوله عن رجل لم يسمه) هو عمرو بن عبيد شيخ
26

المعتزلة وكان سئ الضبط هكذا جزم المزي في التهذيب بأنه المبهم في هذا الموضع وجوز غيره كمغلطاي
أن يكون هو هشام بن حسان وفيه بعد (قوله عن الحسن) هو البصري (قال خرجت بسلاحي
ليالي الفتنة) كذا وقع في هذه الرواية وسقط الأحنف بين الحسن وأبي بكر كما سيأتي والمراد
بالفتنة الحرب التي وقعت بين علي ومن معه وعائشة ومن معها وقوله خرجت بسلاحي في رواية
عمر بن شبة عن خالد بن خداش عن حماد بن زيد عن أيوب ويونس عن الحسن عن الأحنف قال
التحفت علي بسيفي لآتي عليا فأنصره وقوله فاستقبلني أبو بكرة في رواية مسلم الآتي التنبيه
عليها فلقيني أبو بكرة (قوله أين تريد) زاد مسلم في روايته يا أحنف (قوله نصرة ابن عم رسول الله
صلى الله عليه) وسلم في رواية مسلم أريد نصر ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني عليا قال
فقال لي يا أحنف ارجع (قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية مسلم فاني سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم (قوله فكلاهما من أهل النار) في رواية الكشميهني في النار وفي رواية
مسلم فالقاتل والمقتول في النار (قوله قيل فهذا القاتل) القائل هو أبو بكرة وقع مبينا
في رواية مسلم لكن شك فقال فقلت أو قيل ووقع في رواية أيوب عند عبد الرزاق قالوا
يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول وقوله هذا القاتل مبتدأ وخبره محذوف أي هذا القاتل
يستحق النار وقوله فما بال المقتول أي فما ذنبه (قوله إنه أراد قتل صاحبه) تقدم في الايمان
بلفظ انه كان حريصا على قتل صاحبه (قوله قال حماد بن زيد) هو موصول بالسند المذكور (قوله
فقالا انما روى هذا الحديث الحسن عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة) يعني ان عمرو بن عبيد
أخطأ في حذف الأحنف بين الحسن وأبي بكرة لكن وافقه قتادة أخرجه النسائي من وجهين
عنه عن الحسن عن أبي بكرة الا انه اقتصر على الحديث دون القصة فكأن الحسن كان يرسله
عن أبي بكرة فإذا ذكر القصة أسنده وقد رواه سليمان التيمي عن الحسن عن أبي موسى أخرجه
النسائي أيضا وتعقب بعض الشراح قول البزار لا يعرف الحديث بهذا اللفظ الا عن أبي بكرة
وهو ظاهر ولكن لعل البزار يرى أن رواية التيمي شاذة لان المحفوظ عن الحسن رواية من
قال عنه عن الأحنف عن أبي بكرة (قوله حدثنا سليمان حدثنا حماد بهذا) سليمان هو
ابن حرب والظاهر أن قوله بهذا إشارة إلى موافقة الرواية التي ذكرها حماد بن زيد عن أيوب
ويونس بن عبيد وقد أخرجه مسلم والنسائي جميعا عن أحمد بن عبدة الضبي عن حماد بن زيد عن
أيوب ويونس بن عبيد والمعلى بن زياد ثلاثتهم عن الحسن البصري عن الأحنف بن قيس فساق
الحديث دون القصة وأخرجه أبو داود عن أبي كامل الجحدري حدثنا حماد فذكر القصة
باختصار يسير (قوله وقال مؤمل) بواو مهموزة وزن محمد وهو ابن إسماعيل أبو عبد الرحمن
البصري نزيل مكة أدركه البخاري ولم يلقه لأنه مات سنة ست ومائتين وذلك قبل أن يرحل البخاري
ولم يخرج عنه الا تعليقا وهو صدوق كثير الخطأ قاله أبو حاتم الرازي وقد وصل هذا الطريق
الإسماعيلي من طريق أبي موسى محمد بن المثنى حدثنا مؤمل بن إسماعيل حدثنا أحمد بن زيد عن
أيوب ويونس هو ابن عبيد وهشام عن الحسن عن الأحنف عن أبي بكرة فذكر الحديث دون
القصة ووصله أيضا من طريق يزيد بن سنان حدثنا مؤمل حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب ويونس
والمعلى بن زياد قالوا حدثنا الحسن فذكره وأخرجه أحمد عن مؤمل عن حماد عن الأربعة
27

فكأن البخاري أشار إلى هذه الطريق (قوله ورواه معمر عن أيوب) (قلت) وصله مسلم وأبو
داود والنسائي والإسماعيلي من طريق عبد الرزاق عنه فلم يسق مسلم لفظه ولا أبو داود وساقه
النسائي والإسماعيلي فقال عن أيوب عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث دون القصة وفي هذا السند لطيفة وهو ان رجاله كلهم
بصريون وفيهم ثلاثة من التابعين في نسق أولهم أيوب قال الدارقطني بعد أن ذكر الاختلاف
في سنده والصحيح حديث أيوب من حديث حماد بن زيد ومعمر عنه (قوله ورواه بكار بن عبد
العزيز عن أبيه عن أبي بكرة) (قلت) عبد العزيز هو ابن عبد الله بن أبي بكرة وقد وقع منسوبا
عند ابن ماجة ومنهم من نسبه إلى جده فقال عبد العزيز بن أبي بكرة وليس له ولا لولده بكار في
البخاري الا هذا الحديث وهذه الطريق وصلها الطبراني من طريق خالد بن خداش بكسر المعجمة
والدال المهملة وآخره شين معجمة قال حدثنا بكار بن عبد العزيز بالسند المذكور ولفظه سمعت
النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن فتنة كائنة القاتل والمقتول في النار ان المقتول قد أراد قتل
القاتل (قوله وقال غندر حدثنا شعبة عن منصور) هو ابن المعتمر (عن ربعي) بكسر الراء وسكون
الموحدة وهو اسم بلفظ النسب واسم أبيه حراش بكسر المهملة وآخره شين معجمة تابعي مشهور
وقد وصله الإمام أحمد قال حدثنا محمد بن جعفر وهو غندر بهذا السند مرفوعا ولفظه إذا التقي
المسلمان حمل أحدهما على صاحبه السلاح فهما على جرف جهنم فإذا قتله وقعا فيها جميعا وهكذا
أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة ومن طريقه أبو عوانة في صحيحه (قوله ولم يرفعه
سفيان) يعني الثوري (عن منصور) يعني بالسند المذكور وقد وصله النسائي من رواية يعلى
ابن عبيد عن سفيان الثوري بالسند المذكور إلى أبي بكرة قال إذا حمل الرجلان المسلمان
السلاح أحدهما على الآخر فهما على جرف جهنم فإذا قتل أحدهما الآخر فهما في النار وقد
تقدم الكلام على هذا الحديث في كتاب الايمان أوائل الصحيح قال العلماء معنى كونهما في النار
انهما يستحقان ذلك ولكن أمرهما إلى الله تعالى ان شاء عاقبهما ثم أخرجهما من النار كسائر
الموحدين وان شاء عفى عنهما فلم يعاقبهما أصلا وقيل هو محمول على من استحل ذلك ولا حجة فيه
للخوارج ومن قال من المعتزلة بأن أهل المعاصي مخلدون في النار لأنه لا يلزم من قوله فهما في النار
استمرار بقائهما فيها واحتج به من لم ير القتال في الفتنة وهم كل من ترك القتال مع علي في حروبه
كسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وأبي بكرة وغيرهم وقالوا يجب الكف حتى
لو أراد أحد قتله لم يدفعه عن نفسه ومنهم من قال لا يدخل في الفتنة فان أراد أحد قتله دفع
عن نفسه وذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى وجوب نصر الحق وقتال الباغين وحمل هؤلاء
الأحاديث الواردة في ذلك على من ضعف عن القتال أو قصر نظره عن معرفة صاحب الحق واتفق
أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك ولو عرف المحق
منهم لانهم لم يقاتلوا في تلك الحروب الا عن اجتهاد وقد عفا الله تعالى عن المخطئ في الاجتهاد بل
ثبت أنه يؤجر أجرا واحدا وان المصيب يؤجر أجرين كما سيأتي بيانه في كتاب الأحكام وحمل هؤلاء
الوعيد المذكور في الحديث على من قاتل بغير تأويل سائغ بل بمجرد طلب الملك ولا يرد على ذلك
منع أبي بكرة الأحنف من القتال مع علي لان ذلك وقع عن اجتهاد من أبي بكرة أداه إلى الامتناع
28

والمنع احتياطا لنفسه ولمن نصحه وسيأتي في الباب الذي بعده مزيد بيان لذلك إن شاء الله تعالى
قال الطبري لو كان الواجب في كل اختلاف يقع بين المسلمين الهرب منه بلزوم المنازل وكسر
السيوف لما أقيم حد ولا أبطل باطل ولوجد أهل الفسوق سبيلا إلى ارتكاب المحرمات من أخذ
الأموال وسفك الدماء وسبي الحريم بأن يحاربوهم ويكف المسلمون أيديهم عنهم بأن يقولوا هذه
فتنة وقد نهينا عن القتال فيها وهذا مخالف للامر بالأخذ على أيدي السفهاء انتهى وقد أخرج
البزار في حديث القاتل والمقتول في النار زيادة تبين المراد وهي إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل
والمقتول في النار ويؤيده ما أخرجه مسلم بلفظ لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس زمان لا يدري
القاتل فيما قتل ولا المقتول فيما قتل فقيل كيف يكون ذلك قال الهرج القاتل والمقتول في النار
قال القرطبي فبين هذا الحديث ان القتال إذا كان على جهل من طلب الدنيا أو اتباع هوى فهو
الذي أريد بقوله القاتل والمقتول في النار (قلت) ومن ثم كان الذين توقفوا عن القتال في الجمل
وصفين أقل عددا من الذين قاتلوا وكلهم متأول مأجور إن شاء الله بخلاف ما جاء بعدهم ممن
قاتل على طلب الدنيا كما سيأتي عن أبي برزة الأسلمي والله أعلم ومما يؤيد ما تقدم ما أخرجه مسلم
عن أبي هريرة رفعه من قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة
فقتل فقتلته جاهلية واستدل بقوله انه كان حريصا على قتل صاحبه من ذهب إلى المؤاخذة بالعزم
وان لم يقع الفعل وأجاب من لم يقل بذلك أن في هذا فعلا وهو المواجهة بالسلاح ووقوع
القتال ولا يلزم من كون القاتل والمقتول في النار ان يكونا في مرتبة واحدة فالقاتل يعذب على
القتال والقتل والمقتول يعذب على القتال فقط فلم يقع التعذيب على العزم المجرد وقد تقدم
البحث في هذه المسألة في كتاب الرقاق عند الكلام على قوله من هم بحسنة ومن هم بسيئة وقالوا في
قوله تعالى لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت اختيار باب الافتعال في الشر لأنه يشعر بأنه لا بد فيه
من المعالجة بخلاف الخير فإنه يثاب عليه بالنية المجردة ويؤيده حديث ان الله تجاوز لامتي
ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا به أو يعملوا والحاصل ان المراتب ثلاث الهم المجرد وهو يثاب
عليه ولا يؤاخذ به واقتران الفعل بالهم أو بالعزم ولا نزاع في المؤاخذة به والعزم وهو أقوى من
الهم وفيه النزاع * (تنبيه) * ورد في اعتزال الأحنف القتال في وقعة الجمل سبب آخر فأخرج
الطبري بسند صحيح عن حصين بن عبد الرحمن عن عمرو بن جاوان قال قلت له أرأيت اعتزال
الأحنف ما كان قال سمعت الأحنف قال حججنا فإذا الناس مجتمعون في وسط المسجد يعني النبوي
وفيهم علي والزبير وطلحة وسعد إذ جاء عثمان فذكر قصة مناشدته لهم في ذكر مناقبه قال الأحنف
فلقيت طلحة والزبير فقلت اني لا أرى هذا الرجل يعني عثمان الا مقتولا فمن تأمراني به قالا علي
فقدمنا مكة فلقيت عائشة وقد بلغنا قتل عثمان فقلت لها من تأمريني به قالت علي قال فرجعنا
إلى المدينة فبايعت عليا ورجعت إلى البصرة فبينما نحن كذلك إذ أتاني آت فقال هذه عائشة
وطلحة والزبير نزلوا بجانب الخريبة يستنصرون بك فأتيت عائشة فذكرتها بما قالت لي ثم أتيت
طلحة والزبير فذكرتهما فذكر القصة وفيها قال فقلت والله لا أقاتلكم ومعكم أم المؤمنين
وحواري رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقاتل رجلا أمرتموني ببيعته فاعتزل القتال مع
الفريقين ويمكن الجمع بأنه هم بالترك ثم بدا له في القتال مع علي ثم ثبطه عن ذلك أبو بكرة أو هم
29

بالقتال مع علي فثبطه أبو بكرة وصادف مراسلة عائشة له فرجح عنده الترك وأخرج الطبري
أيضا من طريق قتادة قال نزل علي بالزاوية فأرسل إليه الأحنف ان شئت أتيتك وان شئت
كففت عنك أربعة آلاف سيف فأرسل إليه كف من قدرت على كفه * (قوله باب
كيف الامر إذا لم تكن جماعة) كان تامة والمعنى ما الذي يفعل المسلم في حال الاختلاف من
قبل ان يقع الاجماع على خليفة (قوله حدثنا ابن جابر) هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر كما صرح
به مسلم في روايته عن محمد بن المثنى شيخ البخاري فيه (قوله حدثني بسر) بضم الموحدة وسكون
المهملة (ابن عبيد الله) بالتصغير تابعي صغير والسند كله شاميون الا شيخ البخاري والصحابي (قوله
مخافة ان يدركني) في رواية نصر بن عاصم عن حذيفة عند ابن أبي شيبة وعرفت ان الخير لن
يسبقني (قوله في جاهلية وشر) يشير إلى ما كان قبل الاسلام من الكفر وقتل بعضهم بعضا ونهب
بعضهم بعضا واتيان الفواحش (قوله فجاءنا الله بهذا الخير) يعني الايمان والامن وصلاح الحال
واجتناب الفواحش زاد مسلم في رواية أبي الأسود عن حذيفة فنحن فيه (قوله فهل بعد
هذا الخير من شر قال نعم) في رواية نصر بن عاصم فتنة وفي رواية سبيع بن خالد عن حذيفة عند
ابن أبي شيبة فما العصمة منه قال السيف قال فهل بعد السيف من تقية قال نعم هدنة والمراد بالشر
ما يقع من الفتن من بعد قتل عثمان وهلم جرا أو ما يترتب على ذلك من عقوبات الآخرة (قوله قال
نعم وفيه دخن) بالمهملة ثم المعجمة المفتوحتين بعدها نون وهو الحقد وقيل الدغل وقيل فساد في
القلب ومعنى الثلاثة متقارب يشير إلى أن الخير الذي يجئ بعد الشر لا يكون خيرا خالصا بل فيه
كدر وقيل المراد بالدخن الدخان ويشير بذلك إلى كدر الحال وقيل الدخن كل أمر مكروه وقال
أبو عبيدة يفسر المراد بهذا الحديث الحديث الآخر لا ترجع قلوب قوم على ما كانت عليه وأصله
أن يكون في لون الدابة كدورة فكأن المعنى أن قلوبهم لا يصفو بعضها لبعض (قوله قوم يهدون)
بفتح أوله (بغير هديي) بياء الإضافة بعد الياء للأكثر وبياء واحدة مع التنوين للكشميهني وفي رواية
أبي الأسود يكون بعدي أئمة يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي (قوله تعرف منهم وتنكر)
يعني من أعمالهم وفي حديث أم سلمة عند مسلم فمن أنكر برئ ومن كره سلم (قوله دعاة) بضم الدال
المهملة جمع داع أي إلى غير الحق (قوله على أبواب جهنم) أطلق عليهم ذلك باعتبار ما يؤول إليه
حالهم كما يقال لمن أمر بفعل محرم وقف على شفير جهنم (قوله هم من جلدتنا) أي من قومنا ومن
أهل لساننا وملتنا وفيه إشارة إلى انهم من العرب وقال الداودي أي من بني آدم وقال القابسي
معناه انهم في الظاهر على ملتنا وفي الباطن مخالفون وجلدة الشئ ظاهره وهي في الأصل غشاء
البدن قيل ويؤيد إرادة العرب ان السمرة غالبة عليهم واللون انما يظهر في الجلد ووقع في رواية
أبي الأسود فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان أنس وقوله جثمان بضم الجيم وسكون
المثلثة هو الجسد ويطلق على الشخص قال عياض المراد بالشر الأول الفتن التي وقعت بعد عثمان
والمراد بالخير الذي بعده ما وقع في خلافة عمر بن عبد العزيز والمراد بالذين تعرف منهم وتنكر
الامراء بعده فكان فيهم من يتمسك بالسنة والعدل وفيهم من يدعو إلى البدعة ويعمل بالجور
(قلت) والذي يظهر ان المراد بالشر الأول ما أشار إليه من الفتن الأولى وبالخير ما وقع من
الاجتماع مع علي ومعاوية وبالدخن ما كان في زمنهما من بعض الامراء كزياد بالعراق وخلاف
30

من خالف عليه من الخوارج وبالدعاة على أبواب جهنم من قام في طلب الملك من الخوارج
وغيرهم والى ذلك الإشارة بقوله الزم جماعة المسلمين وامامهم يعني ولو جار ويوضح ذلك رواية
أبي الأسود ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك وكان مثل ذلك كثيرا في امارة الحجاج ونحوه (قوله
تلزم جماعة المسلمين وامامهم) بكسر الهمزة أي أميرهم زاد في رواية أبي الأسود تسمع وتطيع
وان ضرب ظهرك وأخذ مالك وكذا في رواية خالد بن سبيع عند الطبراني فان رأيت خليفة
فالزمه وان ضرب ظهرك فإن لم يكن خليفة فالهرب (قوله ولو أن تعض) بفتح العين المهملة
وتشديد الضاد المعجمة أي ولو كان الاعتزال بالعض فلا تعدل عنه وتعض بالنصب للجميع وضبطه
الأشيري بالرفع وتعقب بأن جوازه متوقف على أن يكون ان التي تقدمته مخففة من الثقيلة
وهنا لا يجوز ذلك لأنها لا تلي لو نبه عليه صاحب المغني وفي رواية عبد الرحمن بن قرط عن حذيفة
عند ابن ماجة فلان تموت وأنت عاض على جذل خير لك من أن تتبع أحدا منهم والجذل بكسر
الجيم وسكون المعجمة بعدها لام عود ينصب لتحتك به الإبل وقوله وأنت على ذلك أي العض وهو
كناية عن لزوم جماعة المسلمين وطاعة سلاطينهم ولو عصوا قال البيضاوي المعنى إذا لم يكن في
الأرض خليفة فعليك بالعزلة والصبر على تحمل شدة الزمان وعض أصل الشجرة كناية عن
مكابدة المشقة كقولهم فلان يعض الحجارة من شدة الألم أو المراد اللزوم كقوله في الحديث الآخر
وعضوا عليها بالنواجذ ويؤيد الأول قوله في الحديث الآخر فان مت وأنت عاض على جذل خير
لك من أن تتبع أحد منهم وقال ابن بطال فيه حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين
وترك الخروج على أئمة الجور لأنه وصف الطائفة الأخيرة بأنهم دعاة على أبواب جهنم ولم يقل
فيهم تعرف وتنكر كما قال في الأولين وهم لا يكونون كذلك الا وهم على غير حق وأمر مع ذلك
بلزوم الجماعة قال الطبري اختلف في هذا الامر وفي الجماعة فقال قوم هو للوجوب والجماعة
السواد الأعظم ثم ساق عن محمد بن سيرين عن أبي مسعود انه وصى من سأله لما قتل عثمان
عليك بالجماعة فان الله لم يكن ليجمع أمة محمد على ضلالة وقال قوم المراد بالجماعة الصحابة دون
من بعدهم وقال قوم المراد بهم أهل العلم لان الله جعلهم حجة على الخلق والناس تبع لهم في أمر
الدين قال الطبري والصواب أن المراد في الخبر لزوم الجماعة الذين في طاعة من اجتمعوا على
تأميره فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة قال وفي الحديث انه متى لم يكن للناس امام فافترق
الناس أحزابا فلا يتبع أحدا في الفرقة ويعتزل الجميع ان استطاع ذلك خشية من الوقوع في
الشر وعلى ذلك يتنزل ما جاء في سائر الأحاديث وبه يجمع بين ما ظاهره الاختلاف منها ويؤيده
رواية عبد الرحمن بن قرط المتقدم ذكرها قال ابن أبي جمرة في الحديث حكمة الله في عباده كيف
أقام كلا منهم فيما شاء فحبب إلى أكثر الصحابة السؤال عن وجوه الخير ليعملوا بها ويبلغوها
غيرهم وحبب لحذيفة السؤال عن الشر ليجتنبه ويكون سببا في دفعه عمن أراد الله له النجاة
وفيه سعة صدر النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفته بوجوه الحكم كلها حتى كان يجيب كل من سأله
بما يناسبه ويؤخذ منه أن كل من حبب إليه شئ فإنه يفوق فيه غيره ومن ثم كان حذيفة صاحب
السر الذي لا يعلمه غيره حتى خص بمعرفة أسماء المنافقين وبكثير من الأمور الآتية ويؤخذ منه
أن من أدب التعليم ان يعلم التلميذ من أنواع العلوم ما يراه مائلا إليه من العلوم المباحة فأنه أجدر
31

ان يسرع إلى تفهمه والقيام به وان كل شئ يهدي إلى طريق الخير يسمى خيرا وكذا بالعكس
ويؤخذ منه ذم من جعل للدين أصلا خلاف الكتاب والسنة وجعلهما فرعا لذلك الأصل الذي
ابتدعوه وفيه وجوب رد الباطل وكل ما خالف الهدي النبوي ولو قاله من قاله من رفيع
أو وضيع * (قوله باب من كره ان يكثر) بالتشديد (سواد الفتن والظلم) أي أهلهما
والمراد بالسواد هو بفتح المهملة وتخفيف الواو الاشخاص وقد جاء عن ابن مسعود مرفوعا من
كثر سواد قوم فهو منهم ومن رضي عمل قوم كان شريك من عمل به أخرجه أبو يعلى وفيه قصة
لابن مسعود وله شاهد عن أبي ذر في الزهد لابن المبارك غير مرفوع (قوله حدثنا حياة) بفتح
المهملة والواو بينهما ياء آخر الحروف ساكنة (قوله وغيره) كأنه يريد ابن لهيعة فإنه رواه
عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن أيضا وقد رواه عنه أيضا الليث لكن أخرج البخاري هذا
الحديث في تفسير سورة النساء عن عبد الله بن يزيد شيخه فيه هنا بسنده هذا وقال بعده رواه
الليث عن أبي الأسود وقد رويناه موصولا في معجم الطبراني الأوسط من طريق أبي صالح
عبد الله بن صالح كاتب الليث حدثني الليث عن أبي الأسود عن عكرمة فذكر الحديث دون
القصة قال الطبراني لم يروه عن أبي الأسود الا الليث وابن لهيعة (قلت) ووهم في هذا الحصر
لوجود رواية حياة المذكورة وقد أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن المقبري عن حياة
وحده به وقد ذكرت من وصل رواية ابن لهيعة في تفسير سورة النساء مع شرح الحديث وقوله
فيأتي السهم فيرمي به قيل هو من القلب والتقدير فيرمي بالسهم فيأتي (قلت) ويحتمل أن تكون
الفاء الثانية زائدة وثبت كذلك لأبي ذر في سورة النساء فيأتي السهم يرمى به وقوله أو يضربه
معطوف على فيأتي لا على فيصيب أي يقتل اما بالسهم واما بالسيف وفي تخطئة من يقيم بين
أهل المعصية باختياره لا لقصد صحيح من إنكار عليهم مثلا أو رجاء انقاذ مسلم من هلكة وان
القادر على التحول عنهم لا يعذر كما وقع للذين كانوا أسلموا ومنعهم المشركون من أهلهم من
الهجرة ثم كانوا يخرجون مع المشركين لا لقصد قتال المسلمين بل لايهام كثرتهم في عيون المسلمين
فحصلت لهم المؤاخذة بذلك فرأى عكرمة ان من خرج في جيش يقاتلون المسلمين يأثم وان لم
يقاتل ولا نوى ذلك ويتأيد ذلك في عكسه بحديث هم القوم لا يشقى بهم جليسهم كما مضى ذكره
في كتاب الرقاق * (قوله باب إذا بقي) أي المسلم (في حثالة من الناس) أي ماذا يصنع
والحثالة بضم المهملة وتخفيف المثلثة وتقدم تفسيرها في أوائل كتاب الرقاق وهذه الترجمة
لفظ حديث أخرجه الطبري وصححه ابن حبان من طريق العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن
أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف بك يا عبد الله بن عمرو إذا بقيت
في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا فصاروا هكذا وشبك بين أصابعه
قال فما تأمرني قال عليك بخاصتك ودع عنك عوامهم قال ابن بطال أشار البخاري إلى هذا
الحديث ولم يخرجه لان العلاء ليس من شرطه فأدخل معناه في حديث حذيفة (قلت) يجتمع
معه في قلة الأمانة وعدم الوفاء بالعهد وشدة الاختلاف وفي كل منهما زيادة ليست في الاخر
وقد ورد عن ابن عمر مثل حديث أبي هريرة أخرجه حنبل بن إسحاق في كتاب الفتن من طريق
عاصم بن محمد عن أخيه واقد وتقدم في أبواب المساجد من كتاب الصلاة من طريق واقد وهو
32

محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر سمعت أبي يقول قال عبد الله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم يا عبد الله بن عمرو كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس إلى هنا انتهى ما في البخاري وبقيته
عند حنبل مثل حديث أبي هريرة سواء وزاد قال فكيف تأمرني يا رسول الله قال تأخذ بما
تعرف وتدع ما تنكر وتقبل على خاصتك وتدع عوامهم وأخرجه أبو يعلى من هذا الوجه
وأخرج الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو نفسه من طرق بعضها صحيح الاسناد وفيه قالوا
كيف بنا يا رسول الله قال تأخذون ما تعرفون فذكر مثله بصيغة الجمع في جميع ذلك وأخرجه
الطبراني وابن عدي من طريق عبد الحميد بن جعفر بن الحكم عن أبيه عن علباء بكسر المهملة
وسكون اللام بعدها موحدة ومد رفعه لا تقوم الساعة الا على حثالة الناس الحديث وللطبراني
من حديث سهل بن سعد قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس فيه عمرو
ابن العاص وابناه فقال فذكر مثله وزاد وإياكم والتلون في دين الله (قوله حدثنا محمد بن كثير)
تقدم بهذا السند في كتاب الرقاق في باب رفع الأمانة وان الجذر الأصل وتفتح جيمه وتكسر
(قوله ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة) كذا في هذه الرواية بإعادة ثم وفيه إشارة إلى
انهم كانوا يتعلمون القرآن قبل ان يتعلموا السنن والمراد بالسنن ما يتلقونه عن النبي صلى الله عليه
وسلم واجبا كان أو مندوبا (قوله وحدثنا عن رفعها) هذا هو الحديث الثاني الذي ذكر حذيفة
انه ينتظره وهو رفع الأمانة أصلا حتى لا يبقى من يوصف بالأمانة الا النادر ولا يعكر على ذلك
ما ذكره في آخر الحديث مما يدل على قلة من ينسب للأمانة فان ذلك بالنسبة إلى حال الأولين
فالذين أشار إليهم بقوله ما كنت أبايع الا فلانا وفلانا هم من أهل العصر الأخير الذي أدركه
والأمانة فيهم بالنسبة إلى العصر الأول أقل وأما الذي ينتظره فإنه حيث تفقد الأمانة من الجميع
الا النادر (قوله فيظل أثرها) أي يصير وأصل ظل ما عمل بالنهار ثم أطلق على كل وقت وهي هنا
على بابها لأنه ذكر الحالة التي تكون بعد النوم وهي غالبا تقع عند الصبح والمعنى ان الأمانة تذهب
حتى لا يبقى منها الا الأثر الموصوف في الحديث (قوله مثل أثر الوكت) بفتح الواو وسكون الكاف
بعدها مثناة تقدم تفسيره في الرقاق وانه سواد في اللون وكذا المجل وهو بفتح الميم وسكون الجيم أثر
العمل في اليد (قوله فنفط) بكسر الفاء بعد النون المفتوحة أي صار منتفطا وهو المنتبر بنون
ثم مثناة ثم موحدة يقال انتبر الجرح وانتفط إذا ورم وامتلأ ماء وحاصل الخبر أنه أنذر برفع
الأمانة وان الموصوف بالأمانة يسلبها حتى يصير خائنا بعد أن كان أمينا وهذا انما يقع على ما هو
شاهد لمن خالط أهل الخيانة فإنه يصير خائنا لان القرين يقتدي بقرينه (قوله ولقد اتى على
زمان الخ) يشير إلى أن حال الأمانة أخذ في النقص من ذلك الزمان وكانت وفاة حذيفة في أول
سنة ست وثلاثين بعد قتل عثمان بقليل فأدرك بعض الزمن الذي وقع فيه التغير فأشار إليه
قال ابن التين الأمانة كل ما يخفى ولا يعلمه الا الله من المكلف وعن ابن عباس هي الفرائض التي
أمروا بها ونهوا عنها وقيل هي الطاعة وقيل التكاليف وقيل العهد الذي أخذه الله على العباد
وهذا الاختلاف وقع في تفسير الأمانة المذكورة في الآية إنا عرضنا الأمانة وقال صاحب التحرير
الأمانة المذكورة في الحديث هي الأمانة المذكورة في الآية وهي عين الايمان فإذا استمكنت
في القلب قام بأداء ما أمر به واجتنب ما نهي عنه وقال ابن العربي المراد بالأمانة في حديث
33

حذيفة الايمان وتحقيق ذلك فيما دكر من رفعها ان الأعمال السيئة لا تزال تضعف الايمان
حتى إذا تناهى الضعف لم يبق الا أثر الايمان وهو التلفظ باللسان والاعتقاد الضعيف في ظاهر
القلب فشبهه بالأثر في ظاهر البدن وكنى عن ضعف الايمان بالنوم وضرب مثلا لزهوق
الايمان عن القلب حالا بزهوق الحجر عن الرجل حتى يقع بالأرض (قوله ولا أبالي أيكم بايعت)
تقدم في الرقاق ان مراده المبايعة في السلع ونحوها لا المبايعة بالخلافة ولا الامارة وقد اشتد إنكار
أبي عبيد وغيره على من حمل المبايعة هنا على الخلافة وهو واضح ووقع في عبارته ان حذيفة
كان لا يرضى بأحد بعد عمر يعني في الخلافة وهي مبالغة والا فقد كان عثمان ولاه على المدائن
وقد قتل عثمان وهو عليها وبايع لعلي وحرض على المبايعة له والقيام في نصره ومات في أوائل
خلافته كما مضى في باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما والمراد انه لوثوقه بوجود الأمانة في الناس
أولا كان يقدم على مبايعة من اتفق من غير بحث عن حاله فلما بدأ التغير في الناس وظهرت الخيانة
صار لا يبايع الا من يعرف حاله ثم أجاب عن إيراد مقدر كأن قائلا قال له لم تزل الخيانة موجودة
لان الوقت الذي أشرت إليه كان أهل الكفر فيه موجودين وهم أهل الخيانة فأجاب بأنه وإن كان
الامر كذلك لكنه كان يثق بالمؤمن لذاته وبالكافر لوجود ساعيه وهو الحاكم الذي يحكم عليه
وكانوا لا يستعملون في كل عمل قل أو جل الا المسلم فكان واثقا بانصافه وتخليص حقه من الكافر
ان خانه بخلاف الوقت الأخير الذي أشار إليه فإنه صار لا يبايع الا أفرادا من الناس يثق بهم
وقال ابن العربي قال حذيفة هذا القول لما تغيرت الأحوال التي كان يعرفها على عهد النبوة
والخليفتين فأشار إلى ذلك بالمبايعة وكنى عن الايمان بالأمانة وعما يخالف احكامه بالخيانة والله أعلم
* (قوله باب التعرب في الفتنة) بالعين المهملة والراء الثقيلة أي السكنى مع
الاعراب بفتح الألف وهو أن ينتقل المهاجر من البلد التي هاجر إليها فيسكن البدو فيرجع بعد
هجرته أعرابيا وكان إذ ذاك محرما الا ان أذن له الشارع في ذلك وقيده بالفتنة إشارة إلى ما ورد
من الاذن في ذلك عند حلول الفتن كما في ثاني حديثي الباب وقيل بمنعه في زمن الفتنة لما يترتب
عليه من خذلان أهل الحق ولكن نظر السلف اختلف في ذلك فمنهم من آثر السلامة واعتزل
الفتن كسعد ومحمد بن مسلمة وابن عمر في طائفة ومنهم من باشر القتال وهم الجمهور ووقع في
رواية كريمة التعزب بالزاي وبينهما عموم وخصوص وقال صاحب المطالع وجدته بخطي في
البخاري بالزاي وأخشى أن يكون وهما فان صح فمعناه البعد والاعتزال (قوله حدثنا حاتم)
بمهملة ثم مثناة هو ابن إسماعيل الكوفي نزيل المدينة ويزيد بن أبي عبيد في رواية القعنبي عن حاتم
أنبأنا يزيد بن أبي عبيد أخرجها أبو نعيم (قوله عن سلمة بن الأكوع انه دخل على الحجاج) هو ابن
يوسف الثقفي الأمير المشهور وكان ذلك لما ولي الحجاج امرة الحجاز بعد قتل ابن الزبير فسار من
مكة إلى المدينة وذلك في سنة أربع وسبعين (قوله ارتددت على عقبيك) كأنه أشار إلى ما جاء من
الحديث في ذلك كما تقدم عند عد الكبائر في كتاب الحدود فان من جملة ما ذكر في ذلك من رجع
بعد هجرته أعرابيا وأخرج النسائي من حديث ابن مسعود رفعه لعن الله آكل الربا وموكله
الحديث وفيه والمرتد بعد هجرته أعرابيا قال ابن الأثير في النهاية كان من رجع بعد هجرته إلى
موضعه من غير عذر يعدونه كالمرتد وقال غيره كان ذلك من جفاء الحجاج حيث خاطب هذا
34

الصحابي الجليل بهذا الخطاب القبيح من قبل ان يستكشف من عذره ويقال انه أراد قتله فبين
الجهة التي يريد ان يجعله مستحقا للقتل بها وقد أخرج الطبراني من حديث جابر بن سمرة رفعه لعن
الله من بدا بعد هجرته الا في الفتنة فإن البدو خير من المقام في الفتنة (قوله قال لا) أي لم أسكن
البادية رجوعا عن هجرتي (ولكن) بالتشديد والتخفيف (قوله أذن لي في البدو) وفي رواية حماد بن
مسعدة عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة انه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في البداوة فأذن
له أخرجه الإسماعيلي وفي لفظ له استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم وقد وقع لسلمة في ذلك قصة
أخرى مع غير الحجاج فأخرج أحمد من طريق سعيد بن إياس بن سلمة أن أباه حدثه قال قدم سلمة
المدينة فلقيه بريدة بن الخصيب فقال ارتددت عن هجرتك فقال معاذ الله اني في اذن من رسول
الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول أبدوا يا أسلم أي القبيلة المشهورة التي منها سلمة وأبو برزة
وبريدة المذكور قالوا انا نخاف ان يقدح ذلك في هجرتنا قال أنتم مهاجرون حيث كنتم وله
شاهد من رواية عمرو بن عبد الرحمن بن جرهد قال سمعت رجلا يقول لجابر من بقى من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنس بن مالك وسلمة بن الأكوع فقال رجل أما سلمة فقد ارتد
عن هجرته فقال لا تقل ذلك فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لاسلم أبدوا قالوا انا
نخاف ان نرتد بعد هجرتنا قال أنتم مهاجرون حيث كنتم وسند كل منهما حسن (قوله وعن يزيد بن
أبي عبيد) هو موصول بالسند المذكور (قوله لما قتل عثمان بن عفان خرج سلمة إلى الربذة) بفتح
الراء والموحدة بعدها معجمة موضع بالبادية بين مكة والمدينة ويستفاد من هذه الرواية مدة سكنى
سلمة البادية وهي نحو الأربعين سنة لان قتل عثمان كان في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وموت
سلمة سنة أربع وسبعين على الصحيح (قوله فلم يزل بها) في رواية الكشميهني هناك حتى قبل ان يموت
بليال) كذا فيه بحذف كان بعد قوله حتى وقبل قوله قبل وهي مقدرة وهو استعمال صحيح (قوله
نزل المدينة) في رواية المستملي والسرخسي فنزل بزيادة فاء وهذا يشعر بان سلمة لم يمت بالبادية كما
جزم به يحيى بن عبد الوهاب بن منده في الجزء الذي جمعه في آخر من مات من الصحابة بل مات بالمدينة
كما تقتضيه رواية يزيد بن أبي عبيد هذه وبذلك جزم أبو عبد الله بن منده في معرفة الصحابة وفي
الحديث أيضا رد على من أرخ وفاة سلمة سنة أربع وستين فان ذلك كان في آخر خلافة يزيد
بن معاوية ولم يكن الحجاج يومئذ أميرا ولا ذا أمر ولا نهي وكذا فيه رد على الهيثم بن عدي حيث
زعم أنه مات في آخر خلافة معاوية وهو أشد غلطا من الأول ان أراد معاوية بن أبي سفيان وان
أراد معاوية بن يزيد بن معاوية فهو عين القول الذي قبله وقد مشى الكرماني على ظاهره فقال
مات سنة ستين وهي السنة التي مات فيها معاوية بن أبي سفيان كذا جزم به والصواب خلافه وقد
اعترض الذهبي على من زعم أنه عاش ثمانين سنة ومات سنة أربع وسبعين لأنه يلزم منه ان يكون
له في الحديبية اثنتا عشرة سنة وهو باطل لأنه ثبت انه قاتل يومئذ وبايع (قلت) وهو اعتراض
متجه لكن ينبغي ان ينصرف إلى سنة وفاته لا إلى مبلغ عمره فلا يلزم منه رجحان قول من قال مات
سنة أربع وستين فان حديث جابر يدل على أنه تأخر عنها لقوله لم يبق من الصحابة الا أنس وسلمة
وذلك لائق بسنة أربع وسبعين فقد عاش جابر بن عبد الله بعد ذلك إلى سنة سبع وسبعين على
الصحيح وقيل مات في التي بعدها وقيل قبل ذلك ثم ذكر حديث أبي سعيد يوشك ان يكون خير مال
35

المسلم غنم الحديث وفي آخره يفر بدينه من الفتن وقد تقدم بعض شرحه في باب العزلة من كتاب
الرقاق وأشار إلى حمل صنيع سلمة على ذلك لكونه لما قتل عثمان ووقعت الفتن اعتزل عنها
وسكن الربذة وتأهل بها ولم يلابس شيئا من تلك الحروب والحق حمل عمل كل أحد من الصحابة
المذكورين على السداد فمن لابس القتال اتضح له الدليل لثبوت الامر بقتال الفئة الباغية
وكانت له قدرة على ذلك ومن قعد لم يتضح له أي الفئتين هي الباغية وإذا لم يكن له قدرة على القتال
وقد وقع لخزيمة بن ثابت انه كان مع علي وكان مع ذلك لا يقاتل فلما قتل عمار قاتل حينئذ وحدث
بحديث يقتل عمارا الفئة الباغية أخرجه أحمد وغيره وقوله يوشك هو بكسر الشين المعجمة أي
يسرع وزنه ومعناه ويجوز يوشك بفتح الشين وقال الجوهري هي لغة رديئة وقوله أن يكون
خير مال المسلم يجوز في خير الرفع والنصب فإن كان غنم بالرفع فالنصب والا فالرفع وتقدم بيان ذلك
في كتاب الايمان أول الكتاب والأشهر في الرواية غنم بالرفع وقد جوز بعضهم رفع خير مع ذلك
على أن يقدر في يكون ضمير الشأن وغنم وخير مبتدأ وخبر ولا يخفى تكلفه وقوله شعف الجبال
بفتح الشين المعجمة والعين المهملة بعدها فاء جمع شعفة كأكم واكمة رؤس الجبال والمرعى فيها
والماء ولا سيما في بلاد الحجاز أيسر من غيرها ووقع عند بعض رواة الموطأ بضم أوله وفتح ثانيه
وبالموحدة بدل الفاء جمع شعبة وهي ما انفرج بين جبلين ولم يختلفوا في أن الشين معجمة ووقع
لغير مالك كالأول لكن السين مهملة وسبق بيان ذلك في أواخر علامات النبوة وقد وقع في
حديث أبي هريرة عند مسلم نحو هذا الحديث ولفظه ورجل في رأس شعبة من هذه الشعاب
(قوله يفر بدينه من الفتن) قال الكرماني هذه الجملة حالية وذو الحال الضمير المستتر في يتبع
أو المسلم إذا جوزنا الحال من المضاف إليه فقد وجد شرطه وهو شدة الملابسة وكأنه جزء منه
واتحاد الخير بالمال واضح ويجوز أن تكون استئنافية وهو واضح انتهى والخبر دال على فضيلة
العزلة لمن خاف على دينه وقد اختلف السلف في أصل العزلة فقال الجمهور الاختلاط أولى
لما فيه من اكتساب الفوائد الدينية للقيام بشعائر الاسلام وتكثير سواد المسلمين وايصال أنواع
الخير إليهم من إعانة واغاثة وعيادة وغير ذلك وقال قوم العزلة أولى لتحقق السلامة بشرط
معرفة ما يتعين وقد مضى طرف من ذلك في باب العزلة من كتاب الرقاق قال النووي المختار
تفضيل المخالطة لمن لا يغلب على ظنه أنه يقع في معصية فان أشكل الامر فالعزلة أولى وقال
غيره يختلف باختلاف الاشخاص فمنهم من يتحتم عليه أحد الامرين ومنهم من يترجح وليس
الكلام فيه بل إذا تساويا فيختلف باختلاف الأحوال فان تعارضا اختلف باختلاف الأوقات
فمن يتحتم عليه المخالطة من كانت له قدرة على إزالة المنكر فيجب عليه اما عينا واما كفاية بحسب
الحال والامكان وممن يترجح من يغلب على ظنه انه يسلم في نفسه إذا قام في الامر بالمعروف
والنهي عن المنكر وممن يستوي من يأمن على نفسه ولكنه يتحقق انه لا يطاع وهذا حيث لا يكون
هناك فتنة عامة فان وقعت الفتنة ترجحت العزلة لما ينشأ فيها غالبا من الوقوع في المحذور وقد تقع
العقوبة بأصحاب الفتنة فتعم من ليس من أهلها كما قال تعالى واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا
منكم خاصة ويؤيد التفصيل المذكور حديث أبي سعيد أيضا خير الناس رجل جاهد بنفسه
وماله ورجل في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره وقد تقدم في باب العزلة من كتاب
36

الرقاق حديث أبي هريرة الذي أشرت إليه آنفا فان أوله عند مسلم خير معاشر الناس رجل ممسك
بعنان فرسه في سبيل الله الحديث وفيه ورجل في غنيمة الحديث وكأنه ورد في أي الكسب أطيب
فان أخذ على عمومه دل على فضيلة العزلة لمن لا يتأتي له الجهاد في سبيل الله الا ان يكون قيد بزمان
وقوع الفتن والله أعلم * (قوله باب التعوذ من الفتن) قال ابن بطال في مشروعية ذلك
الرد على من قال اسألوا الله الفتنة فان فيها حصاد المنافقين وزعم أنه ورد في حديث وهو لا يثبت
رفعه بل الصحيح خلافه (قلت) أخرجه أبو نعيم من حديث علي بلفظ لا تكرهوا الفتنة في آخر
الزمان فإنها تبير المنافقين وفي سنده ضعيف ومجهول وقد تقدم في الدعوات عدة تراجم للتعوذ
من عدة أشياء منها الاستعاذة من فتنة الغنى والاستعاذة من فتنة الفقر والاستعاذة من أرذل
العمر ومن فتنة الدنيا ومن فتنة النار وغير ذلك قال العلماء أراد صلى الله عليه وسلم مشروعية
ذلك لأمته (قوله هشام) هو الدستوائي (قوله عن أنس) في رواية سليمان التيمي عن قتادة ان
أنسا حدثهم (قوله أحفوه) أي ألحوا عليه في السؤال وعند الإسماعيلي في رواية من هذا الوجه
ألحفوه أو أحفوه بالمسألة (قوله ذات يوم المنبر) في رواية الكشميهني ذات يوم على المنبر (قوله
فإذا كل رجل رأسه) في ثوبه في رواية الكشميهني لاف رأسه في ثوبه وتقدم في تفسير المائدة من
وجه آخر لهم خنين وهو بالمعجمة أي من البكاء (قوله فأنشأ رجل) أي بدأ الكلام وفي رواية
الإسماعيلي فقام رجل وفي لفظا له فاتى رجل (قوله كان إذا لاحى) بفتح المهملة من الملاحاة وهي
المماراة والمجادلة (قوله أبوك حذافة) في رواية معتمر سمعت أبي عن قتادة عند الإسماعيلي
واسم الرجل خارجة (قلت) والمعروف ان السائل عبد الله أخو خارجة وتقدم في تفسير المائدة
من قال إنه قيس بن حذافة وعند أحمد من رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رفعه
لا تسألوني عن شئ الا أخبرتكم به فقال عبد الله بن حذافة من أبي يا رسول الله قال حذافة بن قيس
فرجع إلى أمه فقالت له ما حملك على الذي صنعت فقد كنا في جاهلية فقال اني كنت لأحب أن أعلم
من هو أبي من كان من الناس (قوله ثم أنشأ عمر) كذا وقع في هذه الرواية وتقدم في تفسير
سورة المائدة من طريق أخرى أتم من هذا وعند الإسماعيلي من طريق معتمر المذكور من
الزيادة فأرم براء مفتوحة ثم ميم ثقيلة وخشوا ان يكونوا بين يدي أمر عظيم قال أنس فجعلت
التفت يمينا وشمالا فلا أرى كل رجل الا قد دس رأسه في ثوبه يبكي وجعل رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول سلوني فذكر الحديث وعند أحمد عن أبي عامر العقدي عن هشام بعد قوله
أبوك حذافة فقال رجل يا رسول الله في الجنة أنا أو في النار قال في النار وسيأتي ذلك في كتاب
الاعتصام من رواية الزهري عن أنس (قوله من سوء الفتن) بضم السين المهملة بعدها واو ثم
همزة وللكشميهني شر بفتح المعجمة وتشديد الراء (قوله صورت الجنة والنار) وفي رواية الكشميهني
صورت لي (قوله دون الحائط) أي بينه وبين الحائط وزاد في رواية الزهري عن أنس فلم أر كاليوم
في الخير والشر وسيأتي بيانه في كتاب الاعتصام (قوله قال قتادة يذكر هذا الحديث عند هذه
الآية يا أيها الذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم) هو بضم أول يذكر وفتح الكاف
ووقع في رواية الكشميهني فكان قتادة يذكر بفتح أوله وضم الكاف وهي أوجه وكذا وقع في
رواية الإسماعيلي (قوله وقال عباس) هو بموحدة ومهملة وهو ابن الوليد النرسي بفتح النون
37

ثم سين مهملة ومضى في علامات النبوة له حديث وفي أواخر المغازي في باب بعث معاذ
وأبي موسى إلى اليمن آخر ومن جاء بهذه الصورة فيما عدا هذه المواضع الثلاثة في البخاري فهو عياش
ابن الوليد الرقام بمثناة تحتانية وآخره معجمة ويزيد شيخه هو ابن زريع وسعيد هو ابن أبي عروبة
وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من رواية محمد بن عبد الله بن رسته بضم الراء وسكون المهملة
بعدها مثناة مفتوحة قال حدثنا العباس بن الوليد به وذلك يؤيد كونه بالمهملة لان الذي بالشين
المعجمة ليس فيه الألف واللام (قوله بهذا) أي بهذا الحديث الماضي ثم بين ان فيه زيادة قوله
لافا فدل على أن زيادتها في الأول وهم من الكشميهني (قوله وقال عائذا الخ) بين ان في رواية
سعيد بالشك في سوء وسوأى (قوله عائذا بالله) هكذا وقع بالنصب وهو على الحال أي أقول ذلك
عائذا أو على المصدر أي عياذا وجاء في رواية أخرى بالرفع أي أنا عائذ (قوله وقال لي خليفة) هو
ابن خياط العصفري وأكثر ما يخرج عنه البخاري يقع بهذه الصيغة لا يقول حدثنا ولا أخبرنا
وكأنه أخذ ذلك عنه في المذاكرة وقوله سعيد هو ابن أبي عروبة ومعتمر هو ابن سليمان التيمي
(قوله عن أبيه) يعني عن أبي معتمر وذكر هذه الطريق الأخرى لقوله في آخره من شر الفتن بالشين
المعجمة والراء وقد تقدم التنبيه على المواضع التي ذكر فيها هذا الحديث في تفسير المائدة وان بقية
شرحه يأتي في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى * (قوله باب قول النبي صلى الله
عليه وسلم الفتنة من قبل المشرق) أي من جهته ذكر فيه ثلاثة أحاديث * الأول ذكره من وجهين
وقد ذكرت في شرح حديث أسامة في أوائل كتاب الفتن وجه الجمع بينه وبين قوله صلى الله عليه
وسلم اني لارى الفتن خلال بيوتكم وكان خطابه ذلك لأهل المدينة (قوله عن النبي صلى الله
عليه وسلم انه قام إلى جنب المنبر) في رواية عبد الرزاق عن معمر عند الترمذي ان النبي صلى
الله عليه وسلم قام على المنبر في رواية شعيب عن الزهري كما تقدم في مناقب قريش بسنده سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر وفي رواية يونس بن يزيد عن الزهري عند مسلم
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو مستقبل المشرق (قوله الفتنة ههنا الفتنة ههنا)
كذا فيه مرتين وفي رواية يونس ها ان الفتنة ههنا أعادها ثلاث مرات (قوله من حيث يطلع
قرن الشيطان أو قال قرن الشمس) كذا هنا بالشك وفي رواية عبد الرزاق ههنا أرض الفتن
وأشار إلى المشرق يعني حيث يطلع قرن الشيطان وفي رواية شعيب الا ان الفتنة ههنا يشير إلى
المشرق حيث يطلع قرن الشيطان وفي رواية يونس مثل معمر لكن لم يقل أو قال قرن الشمس
بل قال يعني المشرق ولمسلم من رواية عكرمة بن عمار عن سالم سمعت ابن عمر يقول سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده نحو المشرق ويقول ها ان الفتنة ههنا ثلاثا حيث يطلع قرن
الشيطان وله من طريق حنظلة عن سالم مثله لكن قال إن الفتنة ههنا ثلاثا وله من طريق فضيل
ابن غزوان سمعت سالم بن عبد الله بن عمر يقول يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة وأركبكم
الكبيرة سمعت أبي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الفتنة تجئ من ههنا
وأومأ بيده نحو المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان كذا فيه بالتثنية وله في صفة إبليس من
طريق مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مثل سياق حنظلة سواء وله نحوه من رواية سفيان
الثوري عن عبد الله بن دينار أخرجه في الطلاق ثم ساق هنا من رواية الليث عن نافع عن ابن
38

عمر مثل رواية يونس الا أنه قال الا ان الفتنة ههنا ولم يكرر وكذا لمسلم وأورده الإسماعيلي
من رواية أحمد بن يونس عن الليث فكررها مرتين * الحديث الثاني (قوله عن ابن عون)
هو عبد الله (عن نافع عن ابن عمر قال ذكر النبي صلى الله عليه وسلم اللهم بارك لنا في شأمنا
الحديث) كذا أورده عن علي بن عبد الله عن أزهر السمان وأخرجه الترمذي عن بشر بن آدم بن
بنت أزهر حدثني جدي أزهر بهذا السند ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ومثله
للإسماعيلي من رواية أحمد بن إبراهيم الدورقي عن أزهر وأخرجه من طريق عبيد الله بن
عبد الله بن عون عن أبيه كذلك وقد تقدم من وجه آخر عن ابن عون في الاستسقاء موقوفا
وذكرت هناك الاختلاف فيه (قوله قالوا يا رسول الله وفي نجدنا فأظنه قال في الثالثة هناك
الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان) وقع في رواية الترمذي والدورقي بعد قوله وفي نجدنا
قال اللهم بارك لنا في شأمنا وبارك لنا في يمننا قال وفي نجدنا قال هناك فذكره لكن شك هل
قال بها أو منها وقال يخرج بدل يطلع وقد وقع في رواية الحسين بن الحسن في الاستسقاء مثله في
الإعادة مرتين وفي رواية ولد بن عون فلما كان الثالثة أو الرابعة قالوا يا رسول وفي نجدنا قال
بها الزلازل والفتن ومنها يطلع قرن الشيطان قال المهلب انما ترك صلى الله عليه وسلم الدعاء
لأهل المشرق ليضعفوا عن الشر الذي هو موضوع في جهتهم لاستيلاء الشيطان بالفتن وأما قوله
قرن الشمس فقال الداودي للشمس قرن حقيقة ويحتمل ان يريد بالقرن قوة الشيطان وما يستعين
به على الاضلال وهذا أوجه وقيل إن الشيطان يقرن رأسه بالشمس عند طلوعها ليقع سجود
عبدتها له قيل ويحتمل ان يكون للشمس شيطان تطلع الشمس بين قرنيه وقال الخطابي القرن
الأمة من الناس يحدثون بعد فناء آخرين وقرن الحية أن يضرب المثل فيما لا يحمد من الأمور
وقال غيره كان أهل المشرق يومئذ أهل كفر فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الفتنة تكون من تلك
الناحية فكان كما أخبر وأول الفتن كان من قبل المشرق فكان ذلك سببا للفرقة بين المسلمين
ذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة وقال الخطابي نجد من
جهة المشرق ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها وهي مشرق أهل المدينة وأصل
النجد ما ارتفع من الأرض وهو خلاف الغور فإنه ما انخفض منها وتهامة كلها من الغور ومكة
من تهامة انتهى وعرف بهذا وهاء ما قاله الداودي ان نجدا من ناحية العراق فإنه توهم ان نجدا
موضع مخصوص وليس كذلك بل كل شئ ارتفع بالنسبة إلى ما يليه يسمى المرتفع نجدا والمنخفض
غورا * الحديث الثالث (قوله حدثنا إسحاق الواسطي) هو ابن شاهين وخالد هو ابن عبد الله
وبيان بموحدة ثم تحتانية خفيفة هو ابن عمرو (2) ووبره بفتح الواو والموحدة عند الجميع وبه
جزم ابن عبد البر وقال عياض ضبطناه في مسلم بسكون الموحدة (قوله إن يحدثنا حديثا
حسنا) أي حسن اللفظ يشتمل على ذكر الترجمة والرخصة فشغله الرجل فصده عن اعادته حتى
عدل إلى التحدث عن الفتنة (قوله فقام إليه رجل) تقدم في الأنفال ان اسمه حكيم أخرجه
البيهقي من رواية زهير بن معاوية عن بيان ان وبرة حدثه فذكره وفيه فمررنا برجل يقال له حكيم
(قوله يا أبا عبد الرحمن) هي كنية عبد الله بن عمر (قوله حدثنا عن القتال في الفتنة والله يقول)
يريد ان يحتج بالآية على مشروعية القتال في الفتنة وان فيها الرد على من ترك ذلك كابن عمر
39

وقوله ثكلتك أمك ظاهره الدعاء وقد يرد مورد الزجر كما هنا وحاصل جواب ابن عمر له ان الضمير في
قوله تعالى وقاتلوهم للكفار فأمر المؤمنين بقتال الكافرين حتى لا يبقى أحد يفتن عن دين
الاسلام ويرتد إلى الكفر ووقع نحو هذا السؤال من نافع بن الأزرق وجماعة لعمران بن حصين
فأجابهم بنحو جواب ابن عمر أخرجه بن ماجة وقد تقدم في سورة الأنفال من رواية زهير بن
معاوية عن بيان بزيادة فقال بدل قوله وكان الدخول في دينهم فتنة فكان الرجل يفتن عن دينه
اما يقتلونه واما يوثقونه حتى كثر الاسلام فلم نكن فتنة أي لم يبق فتنة أي من أحد من الكفار
لاحد من المؤمنين ثم ذكر سؤاله عن علي وعثمان وجواب ابن عمر وقوله هنا وليس كقتالكم
على الملك أي في طلب الملك يشير إلى ما وقع بين مروان ثم عبد الملك ابنه وبين ابن الزبير وما أشبه
ذلك وكان رأي ابن عمر ترك القتال في الفتنة ولو ظهر ان إحدى الطائفتين محقة والاخرى
مبطلة وقيل الفتنة مختصة بما إذا وقع القتال بسبب التغالب في طلب الملك وأما إذا علمت الباغية
فلا تسمى فتنة وتجب مقاتلتها حتى ترجع إلى الطاعة وهذا قول الجمهور (قوله باب
الفتنة التي تموج كموج البحر) كأنه يشير إلى ما أخرجه بن أبي شيبة من طريق عاصم بن ضمرة عن
علي قال وضع الله في هذه الأمة خمس فتن فذكر الأربعة ثم فتنة تموج كموج البحر وهي التي يصبح
الناس فيها كالبهائم أي لا عقول لهم ويؤيده حديث أبي موسى تذهب عقول أكثر ذلك الزمان
وأخرج ابن أبي شيبة من وجه آخر عن حذيفة قال لا تضرك الفتنة ما عرفت دينك انما الفتنة
إذا اشتبه عليك الحق والباطل (قوله وقال ابن عيينة) هو سفيان وقد وصله البخاري في التاريخ
الصغير عن عبد الله بن محمد المسندي حدثنا سفيان بن عيينة (قوله عن خلف بن حوشب)
بمهملة ثم معجمة ثم موحدة بوزن جعفر وخلف كان من أهل الكوفة روى عن جماعة
من كبار التابعين وأدرك بعض الصحابة لكن لم أجد له رواية عن صحابي وكان عابدا وثقه العجلي
وقال النسائي لا بأس به وأثنى عليه ابن عيينة والربيع بن أبي راشد وروى عنه أيضا شعبة
وليس له في البخاري الا هذا الموضع (قوله كانوا يستحبون ان يتمثلوا بهذه الأبيات عند الفتن)
أي عند نزولها (قوله قال امرؤ القيس) كذا وقع عند أبي ذر في نسخة والمحفوظ ان الأبيات
المذكورة لعمرو بن معد يكرب الزبيدي كما جزم به أبو العباس المبرد في الكامل وكذا رويناه في
كتاب الغرر من الاخبار لأبي بكر خمد بن خلف القاضي المعروف بوكيع قال حدثنا معدان بن
علي حدثنا عمرو بن محمد الناقد حدثنا سفيان بن عيينة عن خلف بن حوشب قال قال عمرو بن
معد يكرب وبذلك جزم السهيلي في الروض ووقع لنا موصولا من وجه آخر وفيه زيادة رويناه
في فوائد الميمون بن حمزة المصري عن الطحاوي فيما زاده في السنن التي رواها عن المزني عن
الشافعي فقال حدثنا المزني حدثنا الحميدي عن سفيان عن خلف بن حوشب قال قال عيسى بن
مريم للحوار بين كما ترك لكم الملوك الحكمة فاتركوا لهم الدنيا وكان خلف يقول ينبغي للناس ان
يتعلموا هذه الأبيات في الفتنة (قوله الحرب أول ما تكون فتية) بفتح الفاء وكسر المثناة وتشديد
التحتانية أي شابة حكى ابن التين عن سيبويه الحرب مؤنثة وعن المبرد قد تذكر وأنشد له شاهدا
قال وبعضهم يرفع أول وفتية لأنه مثل ومن نصب أول قال إنه الخبر ومنهم من قدره الحرب أول
ما تكون أحوالها إذا كانت فتية ومنهم من أعرب أول حالا وقال غيره يجوز فيه أربعة أوجه
40

رفع أول ونصب فتية وعكسه ورفعهما جميعا ونصبهما فمن رفع أول ونصب فتية فتقديره الحرب
أول أحوالها إذا كانت فتية فالحرب مبتدأ وأول مبتدأ ثان وفتية حال سدت مسد الخبر والجملة
خبر الحرب ومن عكس فتقديره الحرب في أول أحوالها فتية فالحرب مبتدأ وفتية خبرها
وأول منصوب على الظرف ومن رفعهما فالتقدير الحرب أول أحوالها فأول مبتدأ ثان أو بدل
من الحرب وفتية خبر ومن نصبهما جعل أول ظرفا وفتية حالا والتقدير الحرب في أول أحوالها
إذا كانت فتية وتسعى خبر عنها أي الحرب في حال ما هي فتية أي في وقت وقوعها يفر من لم يجربها
حتى يدخل فيها فتهلكه (قوله بزينتها) كذا فيه من الزينة ورواه سيبويه ببزتها بموحدة وزاي
مشددة والبزة اللباس الجيد (قوله إذا اشتعلت) بشين معجمة وعين مهملة كناية عن هيجانها
ويجوز في إذا أن تكون ظرفية وأن تكون شرطية والجواب ولت وقوله وشب ضرابها هو
بضم الشين المعجمة ثم موحدة تقول شبت الحرب إذا اتقدت وضرامها بكسر الضاد المعجمة أي
اشتعالها (قوله ذات حليل) بحاء مهملة والمعنى انها صارت لا يرغب أحد في تزويجها ومنهم من
قال بالخاء المعجمة (قوله شمطاء) بالنصب هو وصف العجوز والشمط بالشين المعجمة اختلاط الشعر
الأبيض بالشعر الأسود وقال الداودي هو كناية عن كثرة الشيب وقوله ينكر لونها أي يبدل
حسنها بقبح ووقع في رواية الحميدي شمطاء جزت رأسها بدل قوله ينكر لونها وكذلك أنشده
السهيلي في الروض وقوله مكروهة للشم والتقبيل يصف فاها بالبخر مبالغة في التنفير منها والمراد
بالتمثل بهذه الأبيات استحضار ما شاهدوه وسمعوه من حال الفتنة فإنهم يتذكرون بانشادها ذلك
فيصدهم عن الدخول فيها حتى لا يغتروا بظاهر أمرها أولا ثم ذكر فيه ثلاثة أحاديث * أحدها
حديث حذيفة (قوله حدثنا شقيق) هو أبو وائل بن سلمة الأسدي وقد تقدم في الزكاة من طريق
جرير عن الأعمش عن أبي وائل (قوله سمعت حذيفة يقول بينا نحن جلوس عند عمر) تقدم شرحه
مستوفى في علامات النبوة وسياقه هناك أتم وخالف أبو حمزة السكري أصحاب الأعمش فقال عن
أبي وائل عن مسروق قال قال عمر وقوله هنا ليس عن هذا أسألك وقع في رواية ربعي بن حراش
عن حذيفة عند الطبراني لم أسأل عن فتنة الخاصة وقوله ولكن التي تموج كموج البحر فقال ليس
عليك منها بأس في رواية الكشميهني عليكم بصيغة الجمع ووقع في رواية ربعي فقال حذيفة
سمعته يقول يأتيكم بعدي فتن كموج البحر يدفع بعضها بعضا فيؤخذ منه جهة التشبيه بالموج
وانه ليس المراد به الكثرة فقط وزاد في رواية ربعي فرفع عمر يده فقال اللهم لا تدركني فقال حذيفة
لا تخف وقوله إذا لا يغلق أبدا قلت أجل في رواية ربعي قال حذيفة كسرا ثم لا يغلق إلى يوم
القيامة (قوله كما يعلم أن دون غد ليلة) أي علمه علما ضروريا مثل هذا قال ابن بطال انما عدل
حذيفة حين سأله عمر عن الاخبار بالفتنة الكبرى إلى الاخبار بالفتنة الخاصة لئلا يغم ويشتغل
باله ومن ثم قال له ان بينك وبينها بابا مغلقا ولم يقل له أنت الباب وهو يعلم أنه الباب فعرض له بما
فهمه ولم يصرح وذلك من حسن أدبه وقول عمر إذا كسر لم يغلق أخذه من جهة ان الكسر
لا يكون الا غلبة والغلبة لا تقع الا في الفتنة وعلم من الخبر النبوي ان بأس الأمة بينهم واقع وان
الهرج لا يزال إلى يوم القيامة كما وقع في حديث شداد رفعه إذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها
إلى يوم القيامة (قلت) أخرجه الطبري وصححه ابن حبان وأخرج الخطيب في الرواة عن مالك
41

ان عمر دخل على أم كلثوم بنت علي فوجدها تبكي فقال ما يبكيك قالت هذا اليهودي لكعب
الأحبار يقول انك باب من أبواب جهنم فقال عمر ما شاء الله ثم خرج فأرسل إلى كعب فجاءه فقال
يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده لا ينسلخ ذو الحجة حتى تدخل الجنة فقال ما هذا مرة في الجنة ومرة
في النار فقال انا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم تمنع الناس أن يقتحموا فيها فإذا مت
اقتحموا (قوله فأمرنا مسروقا) احتج به من قال إن الامر لا يشترط فيه العلو ولا الاستعلاء
* الحديث الثاني (قوله عن شريك بن عبد الله) هو بن أبي نمر ولم يخرج البخاري عن شريك بن
عبد الله النخعي القاضي شيئا (قوله خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حائط من حوائط المدينة
لحاجته) تقدم اسم الحائط المذكور مع شرح الحديث في مناقب أبي بكر وقوله هنا لأكونن
اليوم بواب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمرني قال الداودي في الرواية الأخرى أمرني بحفظ
الباب وهو اختلاف ليس المحفوظ الا أحدهما وتعقب بامكان الجمع بأنه فعل ذلك ابتداء من
قبل نفسه فلما استأذن أولا لأبي بكر وأمره النبي صلى الله عليه وسلم ان يأذن له ويبشره بالجنة
وافق ذلك اختيار النبي صلى الله عليه وسلم لحفظ الباب عليه لكونه كان في حال خلوة وقد كشف
عن ساقه ودلى رجليه فأمره بحفظ الباب فصادف أمره ما كان أبو موسى ألزم نفسه به قبل الامر
ويحتمل ان يكون اطلق الامر على التقرير وقد مضى شئ من هذا في مناقب أبي بكر وقوله هنا
وجلس على قف البئر في رواية غير الكشميهني في بدل على والقف ما ارتفع من متن البئر وقال
الداودي ما حول البئر (قلت) والمراد هنا مكان يبنى حول البئر للجلوس والقف أيضا الشئ
اليابس وفي أودية المدينة واد يقال له القف وليس مرادا هنا وقوله فدخل فجاء عن يمين النبي صلى
الله عليه وسلم في رواية الكشميهني فجلس بدل فجاء وقوله فامتلأ القف في رواية الكشميهني
وامتلا بالواو والمراد من تخريجه هنا الإشارة إلى أن قوله في حق عثمان بلاء يصيبه هو ما وقع له
من القتل الذي نشأت عنه الفتن الواقعة بين الصحابة في الجمل ثم في صفين وما بعد ذلك قال ابن
بطال انما خص عثمان بذكر البلاء مع أن عمر قتل أيضا لكون عمر لم يمتحن بمثل ما امتحن عثمان
من تسلط القوم الذي أرادوا منه ان ينخلع من الإمامة بسبب ما نسبوه إليه من الجور والظلم مع
تنصله من ذلك واعتذاره عن كل ما اوردوه عليه ثم هجومهم عليه داره وهتكهم ستر أهله وكل
ذلك زيادة على قتله (قلت) وحاصله ان المراد بالبلاء الذي خص به الأمور الزائدة على القتل وهو
كذلك (قوله قال فتأولت ذلك قبورهم) في رواية الكشميهني فأولت قال الداودي كان سعيد
ابن المسيب لجودته في عبارة الرؤيا يستعمل التعبير فيما يشبهها (قلت) ويؤخذ منه ان التمثيل
لا يستلزم التسوية فان المراد بقوله اجتمعوا مطلق الاجتماع لا خصوص كون أحدهما عن يمينه
والآخر عن شماله كما كانوا على البئر وكذا عثمان انفرد قبره عنهم ولم يستلزم ان يكون مقابلهم
* الحديث الثالث (قوله عن سليمان) هو الأعمش وفي رواية أحمد عن محمد بن جعفر عن شعبة عن
سليمان ومنصور وكذا للإسماعيلي عن القاسم بن زكريا عن بشر بن خالد شيخ البخاري فيه
لكنه ساقه على لفظ سليمان وقال في آخره قال شعبة وحدثني منصور عن أبي وائل عن أسامة
42

نحوا منه الا انه زاد فيه فتندلق أقتاب بطنه (قوله قيل لأسامة الا تكلم هذا) كدا هنا بإبهام القائل
وإبهام المشار إليه وتقدم في صفة النار من بدء الخلق من طريق سفيان بن عيينة عن الأعمش بلفظ
لو أتيت فلانا فكلمته وجزاء الشرط محذوف والتقدير لكان صوابا ويحتمل أن تكون لو للتمني
ووقع اسم المشار إليه عند مسلم من رواية أبي معاوية عن الأعمش عن شقيق عن أسامة قيل له
ألا تدخل على عثمان فتكلمه ولأحمد عن يعلى بن عبيد عن الأعمش الا تكلم عثمان (قوله
قد كلمته ما دون أن افتح بابا) أي كلمته فيما أشرتم إليه لكن على سبيل المصلحة والأدب في السر بغير
ان يكون في كلامي ما يثير فتنة أو نحوها وما موصوفة ويجوز أن تكون موصولة (قوله
أكون أول من يفتحه) في رواية الكشميهني فتحه بصيغة الفعل الماضي وكذا في رواية
الإسماعيلي وفي رواية سفيان قال إنكم لترون أي تظنون اني لا أكلمه الا أسمعتكم أي
الا بحضوركم وسقطت الألف من بعض النسخ فصار بلفظ المصدر أي الا وقت حضوركم حيث
تسمعون وهي رواية يعلي بن عبيد المذكورة وقوله في رواية سفيان اني أكلمه في السر دون ان
أفتح بابا لا أكون أول من فتحه عند مسلم مثله لكن قال بعد قوله الا أسمعتكم والله لقد كلمته فيما
بيني وبينه دون أن أفتح أمرا لا أحب ان أكون أول من فتحه يعني لا أكلمه الا مع مراعاة المصلحة
بكلام لا يهيج به فتنة (قوله وما انا بالذي أقول لرجل بعد أن يكون أميرا على رجلين أنت خير) في
رواية الكشميهني ايت خيرا بصيغة فعل الامر من الايتاء ونصب خيرا على المفعولية والأول
أولى فقد وقع في رواية سفيان ولا أقول لأمير إن كان علي أميرا هو بكسر همزة ان ويجوز فتحها
وقوله كان علي بالتشديد أميرا انه خير الناس وفي رواية أبي معاوية عند مسلم يكون علي أميرا وفي
رواية يعلى وإن كان علي أميرا (قوله بعد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
يجاء برجل) في رواية سفيان بعد شئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا وما سمعته
يقول قال سمعته يقول يجاء بالرجل وفي رواية عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عند أحمد يجاء بالرجل
الذي كان يطاع في معاصي الله فيقذف في النار (قوله فيطحن فيها كطحن الحمار) في رواية
الكشميهني كما يطحن الحمار كذا رأيت في نسخة معتمدة فيطحن بضم أوله على البناء للمجهول وفي
أخرى بفتح أوله وهو أوجه فقد تقدم في رواية سفيان وأبي معاوية فتندلق أقتابه فيدور كما يدور
الحمار وفي رواية عاصم يستدير فيها كما يستدير الحمار وكذا في رواية أبي معاوية والأقتاب جمع
قتب بكسر القاف وسكون المثناة بعدها موحدة هي الأمعاء واندلاقها خروجها بسرعة يقال
اندلق السيف من غمده إذا خرج من غير أن يسله أحد وهذا يشعر بان هذه الزيادة كانت أيضا
عند الأعمش فلم يسمعها شعبة منه وسمع معناها من منصور كما تقدم (قوله فيطيف به أهل النار)
أي يجتمعون حوله يقال أطاف به القوم إذا حلقوا حوله حلقة وان لم يدوروا وطافوا إذا داروا
حوله وبهذا التقرير يظهر خطأ من قال إنهما بمعنى واحد وفي رواية سفيان وأبي معاوية
فيجتمع عليه أهل النار وفي رواية عاصم فيأتي عليه أهل اطاعته من الناس (قوله فيقولون
أي فلان) في رواية سفيان وأبي معاوية فيقولون يا فلان وزاد ما شأنك وفي رواية عاصم أي قل
أين ما كنت تأمرنا به (قوله ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى) في رواية سفيان أليس كنت
تأمرنا بالمعروف وتنهانا (قوله اني كنت آمر بالمعروف ولا أفعله وأنهى عن المنكر وأفعله)
43

في رواية سفيان آمركم وأنهاكم وله ولأبي معاوية وآتيه ولا آتيه وفي رواية يعلى بل كنت آمر
وفي رواية عاصم واني كنت آمركم بأمر وأخالفكم إلى غيره قال المهلب أرادوا من أسامة ان يكلم
عثمان وكان من خاصته ومن يخف عليه في شأن الوليد بن عقبة لأنه كان ظهر عليه ريح نبيذ
وشهر أمره وكان أخا عثمان لأمه وكان يستعمله فقال أسامة قد كلمته سرا دون أن أفتح بابا أي باب
الانكار على الأئمة علانية خشية ان تفترق الكلمة ثم عرفهم انه لا يداهن أحدا ولو كان أميرا
بل ينصح له في السر جهده وذكر لهم قصة الرجل الذي يطرح بالنار لكونه كان يأمر بالمعروف
ولا يفعله ليتبرأ مما ظنوا به من سكوته عن عثمان في أخيه انتهى ملخصا وجزمه بأن مراد من سأل
اسمة الكلام مع عثمان ان يكلمه في شأن الوليد ما عرفت مستنده فيه وسياق مسلم من طريق
جرير عن الأعمش يدفعه ولفظه عن أبي وائل كنا عند أسامة بن زيد فقال له رجل ما يمنعك ان تدخل
على عثمان فتكلمه فيما يصنع قال وساق الحديث بمثله وجزم الكرماني بأن المراد ان يكلمه
فيما أنكره الناس على عثمان من تولية أقاربه وغير ذلك مما اشتهر وقوله إن السبب في تحديث
أسامة بذلك ليتبرأ مما ظنوه به ليس بواضح بل الذي يظهر ان أسامة كان يخشى على من ولي ولاية
ولو صغرت انه لا بد من أن يأمر الرعية بالمعروف وينهاهم عن المنكر ثم لا يأمن من أن يقع
منه تقصير فكان أسامة يرى أنه لا يتأمر على أحد وإلى ذلك أشار بقوله لا أقول للأمير أنه خير
الناس بل غايته ان ينجو كفافا وقال عياض مراد أسامة انه لا يفتح باب المجاهرة بالنكير على
الامام لما يخشى من عاقبة ذلك بل يتلطف به وينصحه سرا فذلك أجدر بالقبول وقوله لا أقول لاحد
يكون علي أميرا انه خير الناس فيه ذم مداهنة الامراء في الحق وإظهار ما يبطن خلافه كالمتملق
بالباطل فأشار أسامة إلى المداراة المحمودة والمداهنة المذمومة وضابط المداراة ان لا يكون
فيها قدح في الدين والمداهنة المذمومة ان يكون فيها تزيين القبيح وتصويب الباطل ونحو ذلك
وقال الطبري اختلف السلف في الامر بالمعروف فقالت طائفة يجب مطلقا واحتجوا بحديث
طارق بن شهاب رفعه أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر وبعموم قوله من رأى منكم
منكرا فليغيره بيده الحديث وقال بعضهم يجب إنكار المنكر لكن شرطه الا يلحق المنكر
بلاء لا قبل له به من قتل ونحوه وقال آخرون ينكر بقلبه لحديث أم سلمة مرفوعا يستعمل
عليكم أمراء بعدي فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع الحديث قال
والصواب اعتبار الشرط المذكور ويدل عليه حديث لا ينبغي لمؤمن ان يذل نفسه ثم فسره
بأن يتعرض من البلاء لما لا يطيق انتهى ملخصا وقال غيره يجب الامر بالمعروف لمن قدر عليه ولم
يخف على نفسه منه ضررا ولو كان الآمر متلبسا بالمعصية لأنه في الجملة يؤجر على الامر بالمعروف
ولا سيما إن كان مطاعا واما إثمه الخاص به فقد يغفره الله له وقد يؤاخذه به واما من قال لا يأمر
بالمعروف الا من ليست فيه وصمة فان أراد أنه الأولى فجيد والا فيستلزم سد باب الأمر إذا
لم يكن هناك غيره ثم قال الطبري فان قيل كيف صار المأمورون بالمعروف في حديث أسامة
المذكور في النار والجواب انهم لم يمتثلوا ما أمروا به فعذبوا بمعصيتهم وعذب أميرهم بكونه كان
يفعل ما ينهاهم عنه وفي الحديث تعظيم الامراء والأدب معهم وتبليغهم ما يقول الناس
فيهم ليكفوا ويأخذوا حذرهم بلطف وحسن تأدية بحيث يبلغ المقصود من غير أذية للغير
44

* (قوله باب) كذا للجميح بغير ترجمة وسقط لابن بطال وذكر فيه ثلاثة أحاديث تتعلق
بوقعة الجمل ثالثها من رواية ثلاثة وتعلقه بما قبله ظاهر فإنها كانت أول وقعة تقاتل فيها المسلمون
الحديث الأول (قوله عوف) هو الأعرابي والحسن هو البصري والسند كله بصريون
وقد تقدم القول في سماع الحسن من أبي بكرة في كتاب الصلح وقد تابع عوفا حميد الطويل
عن الحسن أخرجه البزار وقال رواه عن الحسن جماعة وأحسنها إسنادا رواية حميد (قوله
لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل) في رواية حميد عصمني الله بشئ سمعته من رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقد جمع عمر بن شبة في كتاب أخبار البصرة قصة الجمل مطولة وها أنا ألخصها واقتصر
على ما أورده بسند صحيح أو حسن وأبين ما عداه فأخرج من طريق عطية بن سفيان الثقفي
عن أبيه قال لما كان الغد من قتل عثمان أقبلت مع علي فدخل المسجد فإذا جماعة علي وطلحة
فخرج أبو جهم بن حذيفة فقال يا علي ألا ترى فلم يتكلم ودخل بيته فأتى بثريد فأكل ثم قال يقتل
ابن عمي ونغلب على ملكه فخرج إلى بيت المال ففتحه فلما تسامع الناس تركوا طلحة ومن طريق
مغيرة عن إبراهيم عن علقمة قال قال الأشتر رأيت طلحة والزبير بايعا عليا طائعين غير مكرهين
ومن طريق أبي نضرة قال كان طلحة يقول إنه بايع وهو مكره ومن طريق داود بن أبي هند عن
الشعبي قال لما قتل عثمان اتى الناس عليا وهو في سوق المدينة فقالوا له ابسط يدك نبايعك فقال
حتى يتشاور الناس فقال بعضهم لان رجع الناس إلى أمصارهم بقتل عثمان ولم يقم بعده قائم
لم يؤمن الاختلاف وفساد الأمة فأخذ الأشتر بيده فبايعوه ومن طريق ابن شهاب قال لما قتل
عثمان وكان علي خلا بينهم فلما خشى انهم يبايعون طلحة دعا الناس إلى بيعته فلم يعدلوا به طلحة
ولا غيره ثم أرسل إلى طلحة والزبير فبايعاه ومن طريق ابن شهاب ان طلحة والزبير استأذنا عليا في
العمرة ثم خرجا إلى مكة فلقيا عائشة فاتفقوا على الطلب بدم عثمان حتى يقتلوا قتلته ومن طريق
عوف الأعرابي قال استعمل عثمان يعلى بن أمية على صنعاء وكان عظيم الشأن عنده فلما قتل
عثمان وكان يعلى قدم حاجا فأعان طلحة والزبير بأربعمائة ألف وحمل سبعين رجلا من قريش
واشترى لعائشة جملا يقال له عسكر بثمانين دينارا ومن طريق عاصم بن كليب عن أبيه قال
قال علي أتدرون بمن بليت أطوع الناس في الناس عائشة وأشد الناس الزبير وأدهى الناس طلحة
وأيسر الناس يعلى بن أمية ومن طريق ابن أبي ليلى قال خرج علي في آخر شهر ربيع الآخر سنة
ست وثلاثين ومن طريق محمد بن علي بن أبي طالب قال سار علي من المدينة ومعه تسعمائة راكب
فنزل بذي قار ومن طريق قيس بن أبي حازم قال لما أقبلت عائشة فنزلت بعض مياه بني عامر نبحت
عليها الكلاب فقال أي ماء هذا قالوا الحوأب بفتح الحاء المهملة وسكون الواو بعدها همزة ثم
موحدة قالت ما أظنني الا راجعة فقال لها بعض من كان معها بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح
الله ذات بينهم فقالت إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنا ذات يوم كيف بإحداكن تنبح عليها
كلاب الحوأب وأخرج هذا أحمد وأبو يعلى والبزار وصححه ابن حبان والحاكم وسنده على شرط
الصحيح وعند أحمد فقال لها الزبير تقدمين فذكره ومن طريق عصام بن قدامة عن عكرمة عن
ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنسائه أيتكن صاحبة الجمل الأدبب بهمزة
مفتوحة ودال ساكنة ثم موحدتين الأولى مفتوحة تخرج حتى تنبحها كلاب الحوأب يقتل
45

عن يمينها وعن شمالها قتلى كثيرة وتنجو من بعد ما كادت وهذا رواه البزار ورجاله ثقات وأخرج
البزار من طريق زيد بن وهب قال بينا نحن حول حذيفة إذ قال كيف أنتم وقد خرج أهل بيت
نبيكم فرقتين يضرب بعضكم وجوه بعض بالسيف قلنا يا أبا عبد الله فكيف نصنع إذا أدركنا ذلك
قال انظروا إلى الفرقة التي تدعو إلى أمر علي بن أبي طالب فإنها على الهدى وأخرج الطبراني
من حديث ابن عباس قال بلغ أصحاب علي حين ساروا معه ان أهل البصرة اجتمعوا بطلحة والزبير
فشق عليهم ووقع في قلوبهم فقال علي والذي لا اله غيره لنظهرن على أهل البصرة ولتقتلن طلحة
والزبير الحديث وفي سنده إسماعيل بن عمرو البجلي وفيه ضعف وأخرج الطبراني من طريق محمد
ابن قيس قال ذكر لعائشة يوم الجمل قالت والناس يقولون يوم الجمل قالوا نعم قالت وددت اني
جلست كما جلس غيري فكان أحب إلي من أن أكون ولدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم
عشرة كلهم مثل عبد الرحمن بن الحرث بن هشام وفي سنده أبو معشر نجيح المدني وفيه ضعف
وأخرج إسحاق بن راهويه من طريق سالم المرادي سمعت الحسن يقول لما قدم على البصرة في
أمر طلحة وأصحابه قام قيس بن عباد وعبد الله بن الكواء فقالا له أخبرنا عن مسيرك هذا فذكر
حديثا طويلا في مبايعته أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم ذكر طلحة والزبير فقال بايعاني بالمدينة وخالفاني
بالبصرة ولو أن رجلا ممن بايع أبا بكر خالفه لقاتلناه وكذلك عمر وأخرج أحمد والبزار بسند
حسن من حديث أبي رافع ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب انه سيكون
بينك وبين عائشة أمر قال فانا أشقاهم يا رسول الله قال لا ولكن إذا كان ذلك فارددها إلى
مأمنها وأخرج إسحاق من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن عبد السلام رجل من حيه قال خلا علي
بالزبير يوم الجمل فقال أنشدك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وأنت لاوي
يدي لتقاتلنه وأنت ظالم له ثم لينصرن عليك قال قد سمعت لا جرم لا أقاتلك وأخرج أبو بكر بن
أبي شيبة من طريق عمر بن الهجنع بفتح الهاء والجيم وتشديد النون بعدها مهملة عن أبي بكرة
وقيل له ما منعك ان تقاتل مع أهل البصرة يوم الجمل فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول يخرج قوم هلكى لا يفلحون قائدهم امرأة في الجنة فكأن أبا بكرة أشار إلى هذا الحديث
فامتنع من القتال معهم ثم استصوب رأيه في ذلك الترك لما رأى غلبة علي وقد أخرج الترمذي
والنسائي الحديث المذكور من طريق حميد الطويل عن الحسن البصري عن أبي بكرة بلفظ
عصمني الله بشئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث قال فلما قدمت
عائشة ذكرت ذلك فعصمني الله وأخرج عمر بن شبة من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن
أن عائشة أرسلت إلى أبي بكرة فقال إنك لام وان حقك لعظيم ولكن سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول لن يفلح قوم تملكهم امرأة (قوله لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن فارسا) قال
ابن مالك كذا وقع مصروفا والصواب عدم صرفه وقال الكرماني هو يطلق على الفرس وعلى
بلادهم فعلى الأول يصرف الا ان يراد القبيلة وعلى الثاني يجوز الأمران كسائر البلاد انتهى
وقد جوز بعض أهل اللغة صرف الأسماء كلها (قوله ملكوا ابنة كسرى) في رواية حميد لما
هلك كسرى قال النبي صلى الله عليه وسلم من استخلفوا قالوا ابنته (قوله لن يفلح قوم ولوا
أمرهم امرأة) بالنصب على المفعولية وفي رواية حميد ولي أمرهم امرأة بالرفع على انها الفاعل
46

وكسرى المذكور هو شيرويه بن أبرويز بن هرمز واسم ابنته المذكورة بوران وقد تقدم
في آخر المغازي في باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى شرح ذلك وقوله ولوا أمرهم امرأة
زاد الإسماعيلي من طريق النضر بن شميل عن عوف في آخره قال أبو بكرة فعرفت ان أصحاب
الجمل لن يفلحوا ونقل ابن بطال عن المهلب أن ظاهر حديث أبي بكرة يوهم توهين رأي عائشة فيما
فعلت وليس كذلك لان المعروف من مذهب أبي بكرة أنه كان على رأي عائشة في طلب الاصلاح
بين الناس ولم يكن قصدهم القتال لكن لما انتشبت الحرب لم يكن لمن معها بد من المقاتلة ولم يرجع
أبو بكرة عن رأي عائشة وانما تفرس بأنهم يغلبون لما رأى الذين مع عائشة تحت أمرها لما سمع في
أمر فارس قال ويدل لذلك ان أحدا لم ينقل ان عائشة ومن معها نازعوا عليا في الخلافة ولا دعوا
إلى أحد منهم ليولوه الخلافة وانما أنكرت هي ومن معها على علي منعه من قتل قتلة عثمان وترك
الاقتصاص منهم وكان علي ينتظر من أولياء عثمان أن يتحاكموا إليه فإذا ثبت على أحد بعينه
أنه ممن قتل عثمان اقتص منه فاختلفوا بحسب ذلك وخشي من نسب إليهم القتل أن يصطلحوا
على قتلهم فأنشبوا الحرب بينهم إلى أن كان ما كان فلما انتصر علي عليهم حمد أبو بكرة رأيه في ترك
القتال معهم وإن كان رأيه كان موافقا لرأي عائشة في الطلب بدم عثمان انتهى كلامه وفي بعضه
نظر يظهر مما ذكرته ومما سأذكره وتقدم قريبا في باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما من حديث
الأحنف انه كان خرج لينصر عليا فلقيه أبو بكرة فنهاه عن القتال وتقدم قبله بباب من قول أبي
بكرة لما حرق ابن الحضرمي ما يدل على أنه كان لا يرى القتال في مثل ذلك أصلا فليس هو على
رأي عائشة ولا على رأي علي في جواز القتال بين المسلمين أصلا وانما كان رأيه الكف وفاقا
لسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وعبد الله بن عمر وغيرهم ولهذا لم يشهد صفين مع معاوية
ولا علي قال ابن التين احتج بحديث أبي بكرة من قال لا يجوز أن تولى المرأة القضاء وهو قول
الجمهور وخالف ابن جرير الطبري فقال يجوز ان تقضي فيما تقبل شهادتها فيه وأطلق بعض
المالكية الجواز وقال ابن التين أيضا كلام أبي بكرة يدل على أنه لولا عائشة لكان مع طلحة
والزبير لأنه لو تبين له خطؤهما لكان مع علي كذا قال وأغفل قسما ثالثا وهو انه كان يرى الكف
عن القتال في الفتنة كما تقدم تقريره وهذا هو المعتمد ولا يلزم من كونه ترك القتال مع أهل بلده
للحديث المذكور ان لا يكون مانعه من القتال سبب آخر وهو ما تقدم من نهيه الأحنف عن
القتال واحتجاجه بحديث إذا التقى المسلمان بسيفيهما كما تقدم قريبا * الحديث الثاني حديث
عمار في حق عائشة أخرجه من وجهين مطولا ومختصرا (قوله حدثنا عبد الله بن محمد) هو الجعفي
المسندي وأبو حصين بفتح أوله هو عثمان بن عاصم وأبو مريم المذكور أسدي كوفي هو
وجميع رواة الاسناد الا شيخه وشيخ البخاري وقد وثق أبا مريم المذكور العجلي والدار قطني وما له
في البخاري الا هذا الحديث (قوله لما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة) ذكر عمر بن شبة
بسند جيد انهم توجهوا من مكة بعد أن أهلت السنة وذكر بسند له آخر ان الوقعة بينهم كانت في
النصف من جمادى الآخر سنة ست وثلاثين وذكر من رواية المدائني عن العلاء أبي محمد عن
أبيه قال جاء رجل إلى علي وهو بالزاوية فقال علام تقاتل هؤلاء قال على الحق قال فإنهم يقولون
انهم على الحق قال أقاتلهم على الخروج من الجماعة ونكث البيعة وأخرج الطبري من طريق
47

عاصم بن كليب الجرمي عن أبيه قال رأيت في زمن عثمان أن رجلا أميرا مرض وعند رأسه
امرأة والناس يريدونه فلو نهتهم المرأة لانتهوا ولكنها لم تفعل فقتلوه ثم غزوت تلك السنة فبلغنا
قتل عثمان فلما رجعنا من غزاتنا وانتهينا إلى البصرة قيل لنا هذا طلحة والزبير وعائشة فتعجب
الناس وسألوهم عن سبب مسيرهم فذكروا انهم خرجوا غضبا لعثمان وتوبة مما صنعوا من
خذلانه وقالت عائشة غضبنا لكم على عثمان في ثلاث امارة الفتى وضرب السوط والعصا فما
أنصفناه ان لم نغضب له في ثلاث حرمة الدم والشهر والبلد قال فسرت انا ورجلان من قومي إلى
علي فسلمنا عليه وسألناه فقال عدا الناس على هذا الرجل فقتلوه وانا معتزل عنهم ثم ولوني ولولا
الخشية على الدين لم أجبهم ثم استأذنني الزبير وطلحة في العمرة فأخذت عليهما العهود وأذنت لهما
فعرضا أم المؤمنين لما لا يصلح لها فبلغني أمرهم فخشيت ان ينفتق في الاسلام فتق فأتبعتهم
فقال أصحابه والله ما نريد قتالهم الا ان يقاتلوا وما خرجنا الا للاصلاح فذكر القصة وفيها ان
أول ما وقعت الحرب أن صبيان العسكرين تسابوا ثم تراموا ثم تبعهم العبيد ثم السفهاء فنشبت
الحرب وكانوا خندقوا على البصرة فقتل قوم وجرح آخرون وغلب أصحاب علي ونادى مناديه
لا تتبعوا مدبرا ولا تجهزوا جريحا ولا تدخلوا دار أحد ثم جمع الناس وبايعهم واستعمل ابن
عباس على البصرة ورجع إلى الكوفة وأخرج ابن أبي شيبة بسند جيد عن عبد الرحمن بن أبزى
قال انتهى عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي إلى عائشة يوم الجمل وهي في الهودج فقال يا أم
المؤمنين أتعلمين اني أتيتك عندما قتل عثمان فقلت ما تأمريني فقلت الزم عليا فسكتت فقال
اعقروا الجمل فعقروه فنزلت أنا وأخوها محمد فاحتملنا هودجها فوضعناه بين يدي علي فأمر بها
فأدخلت بيتا وأخرج أيضا بسند صحيح عن زيد بن وهب قال فكف علي يده حتى بدؤه بالقتال
فقاتلهم بعد الظهر فما غربت الشمس وحول الجمل أحد فقال علي لا تتمموا جريحا ولا تقتلوا مدبرا
ومن أغلق بابه وألقى سلاحه فهو آمن وأخرج الشافعي من رواية علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب قال دخلت على مروان بن الحكم فقال ما رأيت أحدا أكرم غلبة من أبيك يعني عليا ما هو
الا ان ولينا يوم الجمل فنادى مناديه لا يقتل مدبر ولا يذفف على جريح واخرج الطبري وابن أبي
شيبة وإسحاق من طريق عمرو بن جاوان عن الأحنف قال حججت سنة قتل عثمان فدخلت المدينة
فذكر كلام عثمان في تذكيرهم بمناقبه وقد تقدم في باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما ثم ذكر اعتزاله
الطائفتين قال ثم التقوا فكان أول قتيل طلحة ورجع الزبير فقتل وأخرج الطبري بسند صحيح
عن علقمة قال قلت للأشتر قد كنت كارها لقتل عثمان فكيف قاتلت يوم الجمل قال إن هؤلاء
بايعوا عليا ثم نكثوا عهده وكان الزبير هو الذي حرك عائشة على الخروج فدعوت الله ان
يكفينيه فلقيني كفه بكفه فما رضيت لشدة ساعدي ان قمت في الركاب فضربته على رأسه ضربة
فصرعته فذكر القصة في أنهما سلما (قوله بعث علي عمار بن ياسر وحسن بن علي فقدما علينا
الكوفة) ذكر عمر بن شبة والطبري سبب ذلك بسندهما إلى ابن أبي ليلى قال كان علي أقر أبا موسى
على امرة الكوفة فلما خرج من المدينة أرسل هاشم بن عتبة بن أبي وقاص إليه ان انهض من
قبلك من المسلمين وكن من أعواني على الحق فاستشار أبو موسى السائب بن مالك الأشعري فقال
اتبع ما أمرك به قال إني لا أرى ذلك وأخذ في تخذيل الناس عن النهوض فكتب هاشم إلى علي
48

بذلك وبعث بكتابه مع محل بن خليفة الطائي فبعث على عمار بن ياسر والحسن بن علي يستنفران
الناس وامر قرظة بن كعب علي الكوفة فلما قرأ كتابه على أبي موسى اعتزل ودخل الحسن
وعمار المسجد وأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن زيد بن وهب قال اقبل طلحة والزبير حتى
نزلا البصرة فقبضا على عامل علي عليها ابن حنيف وأقبل علي حتى نزل بذي قار فأرسل عبد الله بن
عباس إلى الكوفة فأبطؤا عليه فأرسل إليهم عمارا فخرجوا إليه (قوله فصعد المنبر فكان الحسن
ابن علي فوق المنبر في أعلاه وقام عمار أسفل من الحسن فاجتمعنا إليه فسمعت عمارا يقول) زاد
الإسماعيلي من وجه آخر عن أبي بكر بن عياش صعد عمار المنبر فحض الناس في الخروج إلى
قتال عائشة وفي رواية إسحاق بن راهويه عن يحيى بن آدم بالسند المذكور فقال عمار ان أمير
المؤمنين بعثنا إليكم لنستنفركم فان أمنا قد سارت إلى البصرة وعند عمر بن شبة عن حبان بن بشر
عن يحيى بن آدم في حديث الباب فكان عمار يخطب والحسن ساكت ووقع في رواية ابن أبي
ليلى في القصة المذكورة فقال الحسن ان عليا يقول اني أذكر الله رجلا رعى لله حقا الا نفر فان
كنت مظلوما أعانني وان كنت ظالما أخذلني والله ان طلحة والزبير لأول من بايعني ثم نكثا ولم
استأثر بمال ولا بدلت حكما قال فخرج إليه اثنا عشر ألف رجل (قوله إن عائشة قد سارت إلى
البصرة ووالله انها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي)
في رواية إسحق ليعلم أنطيعه أم إياها وفي رواية الإسماعيلي من طريق أحمد بن يونس عن أبي
بكر بن عياش بعد قوله قد سارت إلى البصرة والله اني لاقول لكم هذا ووالله انها لزوجة نبيكم
زاد عمر بن شبة في روايته وان أمير المؤمنين بعثنا إليكم وهو بذي قار ووقع عند ابن أبي شيبة
من طريق شمر بن عطية عن عبد الله بن زياد قال قال عمار ان أمنا سارت مسيرها هذا وانها والله
زوج محمد صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتلانا بها ليعلم إياه نطيع أو إياها
ومراد عمار بذلك ان الصواب في تلك القصة كان مع علي وان عائشة مع ذلك لم تخرج بذلك عن
الاسلام ولا أن تكون زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة فكان ذلك يعد من انصاف
عمار وشدة ورعه وتحريه قول الحق وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن أبي يزيد المديني قال
قال عمار بن ياسر لعائشة لما فرغوا من الجمل ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عهد إليكم يشير إلى
قوله تعالى وقرن في بيوتكن فقالت أبو اليقظان قال نعم قالت والله انك ما علمت لقوال بالحق قال
الحمد لله الذي قضى لي على لسانك وقوله ليعلم إياه تطيعون أم هي قال بعض الشراح الضمير في
إياه لعلي والمناسب ان يقال أم إياها لا هي وأجاب الكرماني بأن الضمائر يقوم بعضها مقام بعض
انتهى وهو على بعض الآراء وقد وقع في رواية إسحق بن راهويه في مسنده عن يحيى بن آدم
بسند حديث الباب ولكن الله ابتلانا بها ليعلم أنطيعه أم إياها فظهر ان ذلك من تصرف الرواة
وأما قوله إن الضمير في إياه لعلي فالظاهر خلافه وانه لله تعالى والمراد إظهار المعلوم كما في نظائره
(قوله عن بن أبي غنية) بفتح الغين المعجمة وكسر النون وتشديد التحتانية هو عبد الملك بن حميد
ماله في البخاري الا هذا الحديث وصرح بذلك أبو زرعة الدمشقي في روايته عن أبي نعيم شيخ
البخاري فيه أخرجه أبو نعيم الأصبهاني في مستخرجه والحكم هو ابن عيينة والسند كله كوفيون
(قوله قام عمار على منبر الكوفة) هذا طرف من الحديث الذي قبله وأراد البخاري بإيراده
49

تقوية حديث أبي مريم لكونه مما انفرد به عنه أبو حصين وقد رواه أيضا عن الحكم شعبة
أخرجه الإسماعيلي وزاد في أوله قال لما بعث علي عمارا والحسن إلى الكوفة يستنفرهم خطب
عمار فذكره قال ابن هبيرة في هذا الحديث ان عمارا كان صادق اللهجة وكان لا تستخفه الخصومة
إلى أن ينتقص خصمه فإنه شهد لعائشة بالفضل التام مع ما بينهما من الحرب انتهى وفيه
جواز ارتفاع ذي الامر فوق من هو أسن منه وأعظم سابقة في الاسلام وفضلا لان الحسن ولد
أمير المؤمنين فكان حينئذ هو الأمير على من أرسلهم علي وعمار من جملتهم فصعد الحسن أعلى
المنبر فكان فوق عمار وإن كان في عمار من الفضل ما يقتضي رجحانه فضلا عن مساواته ويحتمل
ان يكون عمار فعل ذلك تواضعا مع الحسن واكراما له من أجل جده صلى الله عليه وسلم وفعله
الحسن مطاوعة له لا تكبرا عليه * الحديث الثالث حديث أبي موسى وأبي مسعود وعمار بن ياسر
فيما يتعلق بوقعة الجمل أخرجه من طريقين (قوله أخبرني عمرو) هو ابن مرة وصرح به في رواية
أحمد بن حنبل عن محمد بن جعفر وكذا الإسماعيلي في روايته من طريق عبد الله بن المبارك
كلاهما عن شعبة (قوله حيث بعثه علي إلى أهل الكوفة يستنفرهم) في رواية الكشميهني حين
بذل حيث وفي رواية الإسماعيلي يستنفر أهل الكوفة إلى أهل البصرة (قوله ما رأيناك أتيت
أمرا أكره عندنا من اسراعك في هذا الامر منذ أسلمت) زاد في الرواية الثانية ان الذي تولى
خطاب عمار ذلك هو أبو مسعود وهو عقبة بن عمرو الأنصاري وكان يومئذ يلي لعلي بالكوفة كما
كان أبو موسى يلي لعثمان (قوله وكساهما حلة) في رواية الإسماعيلي فكساهما حلة حلة
وبين في الرواية التي تلي هذه ان فاعل كسى هو أبو مسعود وهو في هذه الرواية محتمل فيحمل على
ذلك (قوله ثم راحوا إلى المسجد) في رواية الإسماعيلي ثم خرجوا إلى الصلاة يوم الجمعة وفي
رواية محمد بن جعفر فقام أبو مسعود فبعث إلى كل واحد منهما حلة قال ابن بطال فيما دار بينهم
دلالة على أن كلا من الطائفتين كان مجتهدا ويرى ان الصواب معه قال وكان أبو مسعود موسرا
جوادا وكان اجتماعهم عند أبي مسعود في يوم الجمعة فكسى عمارا حلة ليشهد بها الجمعة لأنه كان
في ثياب السفر وهيئة الحرب فكره ان يشهد الجمعة في تلك الثياب وكره ان يكسوه بحضرة أبي
موسى ولا يكسو أبا موسى فكسا أبا موسى أيضا وقوله أعيب بالعين المهملة والموحدة أفعل
تفضيل من العيب وجعل كل منهم الابطاء والاسراع عيبا بالنسبة لما يعتقده فعمار لما في الابطاء
من مخالفة الامام وترك امتثال فقاتلوا التي تبغي والآخران لما ظهر لهما من ترك مباشرة القتال
في الفتنة وكان أبو مسعود على رأي أبي موسى في الكف عن القتال تمسكا بالأحاديث الواردة
في ذلك وما في حمل السلاح على المسلم من الوعيد وكان عمار على رأي علي في قتال الباغين
والناكثين والتمسك بقوله تعالى فقاتلوا التي تبغي وحمل الوعيد الوارد في القتال على من كان
متعديا على صاحبه * (تنبيه) * وقع في رواية النسفي وكذا الإسماعيلي قبل سياق سند ابن أبي
غنية باب بغير ترجمة وسقط للباقين وهو الصواب لان فيه الحديث الذي قبله وإن كان فيه زيادة
في القصة (قوله باب إذا انزل الله بقوم عذابا) حذف الجواب اكتفاء بما وقع
في الحديث (قوله عبد الله بن عثمان) هو عبدان وعبد الله شيخه هو ابن المبارك ويونس هو ابن
يزيد (قوله إذا انزل الله بقوم عذابا) أي عقوبة لهم على سئ أعمالهم (قوله أصاب العذاب
50

من كان فيهم) في رواية أبي النعمان عن ابن المبارك أصاب به من بين أظهرهم أخرجه
الإسماعيلي والمراد من كان فيهم ممن ليس هو على رأيهم (قوله ثم بعثوا على أعمالهم) أي بعث
كل واحد منهم على حسب عمله إن كان صالحا فعقباه صالحة والا فسيئة فيكون ذلك العذاب
طهرة للصالحين ونقمة على الفاسقين وفي صحيح ابن حبان عن عائشة مرفوعا ان الله إذا انزل
سطوته بأهل نقمته وفيهم الصالحون قبضوا معهم ثم بعثوا على نياتهم واعمالهم وأخرجه البيهقي
في الشعب وله من طريق الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب عنها مرفوعا إذا ظهر السوء في
الأرض أنزل الله بأسه فيهم قيل يا رسول الله وفيهم أهل طاعته قال نعم ثم يبعثون إلى رحمة الله
تعالى قال ابن بطال هذا الحديث يبين حديث زينب بنت جحش حيث قالت أنهلك وفينا
الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث فيكون اهلاك الجميع عند ظهور المنكر والاعلان بالمعاصي
(قلت) الذي يناسب كلامه الأخير حديث أبي بكر الصديق سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك ان يعمهم الله بعقاب أخرجه الأربعة وصححه
ابن حبان وأما حديث ابن عمر في الباب وحديث زينب بنت جحش فتناسبان وقد أخرجه مسلم
عقبه ويجمعهما ان الهلاك يعم الطائع مع العاصي وزاد حديث ابن عمر ان الطائع عند البعث
يجازى بعمله ومثله حديث عائشة مرفوعا العجب ان ناسا من أمتي يؤمون هذا البيت حتى إذا
كانوا بالبيداء خسف بهم فقلنا يا رسول الله ان الطريق قد تجمع الناس قال نعم فيهم المستبصر
والمجبور وابن السبيل يهلكون مهلكا واحدا ويصدرون مصادر شتى يبعثهم الله على نياتهم
أخرجه مسلم وله من حديث أم سلمة نحوه ولفظه فقلت يا رسول الله فكيف بمن كان كارها قال
يخسف به معهم ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته وله من حديث جابر رفعه يبعث كل عبد
على ما مات عليه وقال الداودي معنى حديث ابن عمر ان الأمم التي تعذب على الكفر يكون
بينهم أهل أسواقهم ومن ليس منهم فيصاب جميعهم بآجالهم ثم يبعثون على أعمالهم ويقال إذا
أراد الله عذاب أمة أعقم نساؤهم خمس عشرة سنة قبل ان يصابوا لئلا يصاب الولدان الذين لم
يجر عليهم القلم انتهى وهذا ليس له أصل وعموم حديث عائشة يرده وقد شوهدت السفينة ملآى
من الرجال والنساء والأطفال تغرق فيهلكون جميعا ومثله الدار الكبيرة تحرق والرفقة الكثيرة
تخرج عليها قطاع الطريق فيهلكون جميعا أو أكثرهم والبلد من بلاد المسلمين يهجمها الكفار
فيبذلون السيف في أهلها وقد وقع ذلك من الخوارج قديما ثم من القرامطة ثم من الططر أخيرا
والله المستعان قال القاضي عياض أورد مسلم حديث جابر يبعث كل عبد على ما مات عليه عقب
حديث جابر أيضا رفعه لا يموتن أحدكم الا وهو يحسن الظن بالله يشير إلى أنه مفسر له ثم أعقبه
بحديث ثم بعثوا على أعمالهم مشيرا إلى أنه وإن كان مفسرا لما قبله لكنه ليس مقصورا عليه
بل هو عام فيه وفي غيره ويؤيده الحديث الذي ذكره بعده ثم يبعثهم الله على نياتهم انتهى ملخصا
والحاصل انه لا يلزم من الاشتراك في الموت الاشتراك في الثواب أو العقاب بل يجازى كل أحد
بعمله على حسب نيته وجنح ابن أبي جمرة إلى أن الذين يقع لهم ذلك انما يقع بسبب سكوتهم عن
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واما من أمر ونهى فهم المؤمنون حقا لا يرسل الله عليهم
العذاب بل يدفع بهم العذاب ويؤيده قوله تعالى وما كنا مهلكي القرى الا وأهلها ظالمون وقوله
51

تعالى وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ويدل على تعميم
العذاب لمن لم ينه عن المنكر وان لم يتعاطاه قوله تعالى فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في
حديث غيره انكم إذا مثلهم ويستفاد من هذا مشروعية الهرب من الكفار ومن الظلمة لان
الإقامة معهم من القاء النفس إلى التهلكة هذا إذا لم يعنهم ولم يرض بأفعالهم فان أعان أو رضى
فهو منهم ويؤيده أمره صلى الله عليه وسلم بالاسراع في الخروج من ديار ثمود وأما بعثهم على
أعمالهم فحكم عدل لان أعمالهم الصالحة انما يجازون بها في الآخرة واما في الدنيا فمهما
أصابهم من بلاء كان تكفيرا لما قدموه من عمل سئ فكان العذاب المرسل في الدنيا على الذين
ظلموا يتناول من كان معهم ولم ينكر عليهم فكان ذلك جزاء لهم على مداهنتهم ثم يوم القيامة
يبعث كل منهم فيجازى بعمله وفي الحديث تحذير وتخويف عظيم لمن سكت عن النهي فكيف
بمن داهن فكيف بمن رضى فكيف بمن عاون نسأل الله السلامة (قلت) ومقتضى كلامه ان
أهل الطاعة لا يصيبهم العذاب في الدنيا بجريرة العصاة والى ذلك جنح القرطبي في التذكرة وما
قدمناه قريبا أشبه بظاهر الحديث والى نحوه مال القاضي ابن العربي وسيأتي ذلك في الكلام على
حديث زينب بنت جحش أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث في آخر كتاب الفتن
* (قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي ان ابني هذا لسيد) في رواية
المروزي والكشميهني سيد بغير لام وكذا لهم في مثل هذه الترجمة في كتاب الصلح وبحذف ان وساق
المتن هناك بلفظ ان ابني هذا سيد وساقه هنا بحذفها فأشار في كل من الموضعين إلى ما وقع في
الآخر وقد أخرجه هناك عن عبد الله بن محمد عن سفيان بتمامه ثم نقل عن علي بن عبد الله
ما يتعلق بسماع الحسن من أبي بكرة وساقه هنا عن علي بن عبد الله فلم يذكر ذلك ولم أر في شئ من
طرق المتن لسيد باللام كما وقع في هذه الترجمة وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية سبعة أنفس عن
سفيان بن عيينة وبين اختلاف ألفاظهم وذكر في الباب الحديث المذكور وحديثا لأسامة بن
زيد (قوله حدثنا إسرائيل أبو موسى) هي كنية إسرائيل واسم أبيه موسى فهو ممن وافقت كنيته
اسم أبيه فيؤمن فيه من التصحيف وهو بصري كان يسافر في التجارة إلى الهند وأقام بها مدة
(قوله ولقيته بالكوفة) قائل ذلك هو سفيان بن عيينة والجملة حالية (قوله وجاء إلى ابن شبرمة)
هو عبد الله قاضي الكوفة في خلافة أبي جعفر المنصور ومات في خلافته سنة أربع وأربعين ومائة
وكان صارما عفيفا ثقة فقيها (قوله فقال أدخلني على عيسى فأعظه) بفتح الهمزة وكسر العين
المهملة وفتح الظاء المشالة من الوعظ وعيسى هو ابن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس
بن أخي المنصور وكان أميرا على الكوفة إذ ذاك (قوله فكأن) بالتشديد (ابن شبرمة خاف
عليه) أي على إسرائيل (فلم يفعل) أي فلم يدخله على عيسى بن موسى ولعل سبب خوفه عليه
انه كان صادعا بالحق فخشى انه لا يتلطف بعيسى فيبطش به لما عنده من غرة الشباب وغرة الملك
قال ابن بطال دل ذلك من صنيع ابن شبرمة على أن من خاف على نفسه سقط عنه الامر بالمعروف
والنهي عن المنكر وكانت وفاة عيسى المذكور في خلافة المهدي سنة ثمان وستين ومائة (قوله
قال حدثنا الحسن) يعني البصري والقائل حدثنا هو إسرائيل المذكور قال البزار في مسنده
بعد أن أخرج هذا الحديث عن خلف بن خليفة عن سفيان بن عيينة لا نعلم رواه عن إسرائيل
52

غير سفيان وتعقبه مغلطاي بأن البخاري أخرجه في علامات النبوة من طريق حسين بن علي
الجعفي عن أبي موسى وهو إسرائيل هذا وهو تعقب جيد ولكن لم أر فيه القصة وانما اخرج
فيه الحديث المرفوع فقط (قوله لما سار الحسن بن علي إلى معاوية بالكتائب) في رواية عبد الله
ابن محمد عن سفيان في كتاب الصلح استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال
والكتائب بمثناة وآخره موحدة جمع كتيبة بوزن عظيمة وهي طائفة من الجيش تجتمع وهي فعيلة
بمعنى مفعولة لان أمير الجيش إذا رتبهم وجعل كل طائفة على حدة كتبهم في ديوانه كذلك
ذكر ذلك ابن التين عن الداودي ومنه قيل مكتب بني فلان قال وقوله أمثال الجبال أي لا يرى لها
طرف لكثرتها كما لا يرى من قابل الجبل طرفه ويحتمل ان يريد شدة البأس وأشار الحسن
البصري بهذه القصة إلى ما اتفق بعد قتل علي رضي الله عنه وكان علي لما انقضى أمر التحكيم
ورجع إلى الكوفة تجهز لقتال أهل الشام مرة بعد أخرى فشغله أمر الخوارج بالنهروان كما
تقدم وذلك في سنة ثمان وثلاثين ثم تجهز في سنة تسع وثلاثين فلم يتهيأ ذلك لافتراق آراء
أهل العراق عليه ثم وقع الجد منه في ذلك في سنة أربعين فأخرج إسحاق من طريق عبد العزيز بن
سياه بكسر المهملة وتخفيف الياء آخر الحروف قال لما خرج الخوارج قام علي فقال أتسيرون
إلى الشام أو ترجعون إلى هؤلاء الذين خلفوكم في دياركم قالوا بل نرجع إليهم فذكر قصة الخوارج
قال فرجع علي إلى الكوفة فلما قتل واستخلف الحسن وصالح معاوية كتب إلى قيس بن سعد
بذلك فرجع عن قتال معاوية وأخرج الطبري بسند صحيح عن يونس بن يزيد عن الزهري قال
جعل علي على مقدمة أهل العراق قيس بن سعد بن عبادة وكانوا أربعين ألفا بايعوه على الموت
فقتل علي فبايعوا الحسن بن علي بالخلافة وكان لا يحب القتال ولكن كان يريد أن يشترط على
معاوية لنفسه فعرف ان قيس بن سعد لا يطاوعه على الصلح فنزعه وأمر عبد الله بن عباس
فاشترط لنفسه كما اشترط الحسن وأخرج الطبري والطبراني من طريق إسماعيل بن راشد قال
بعث الحسن قيس بن سعد على مقدمته في اثني عشر ألفا يعني من الأربعين فسار قيس إلى جهة
الشام وكان معاوية لما بلغه قتل علي خرج في عساكر من الشام وخرج الحسن بن علي حتى نزل
المدائن فوصل معاوية إلى مسكن وقال ابن بطال ذكر أهل العلم بالاخبار ان عليا لما قتل سار
معاوية يريد العراق وسار الحسن يريد الشام فالتقيا بمنزل من ارض الكوفة فنظر الحسن إلى
كثرة من معه فنادى يا معاوية اني اخترت ما عند الله فان يكن هذا الامر لك فلا ينبغي لي ان
أنازعك فيه وان يكن لي فقد تركته لك فكبر أصحاب معاوية وقال المغيرة عند ذلك أشهد اني
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن ابني هذا سيد الحديث وقال في آخره فجزاك الله عن
المسلمين خيرا انتهى وفي صحة هذا نظر من أوجه الأول ان المحفوظ ان معاوية هو الذي بدأ بطلب
الصلح كما في حديث الباب الثاني ان الحسن ومعاوية لم يتلاقيا بالعسكرين حتى يمكن ان يتخاطبا
وانما تراسلا فيحمل قوله فنادى يا معاوية على المراسلة ويجمع بأن الحسن راسل معاوية بذلك
سرا فراسله معاوية جهرا والمحفوظ ان كلام الحسن الأخير انما وقع بعد الصلح والاجتماع
كما أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي في الدلائل من طريقه ومن طريق غيره بسندهما إلى الشعبي
قال لما صالح الحسن بن علي معاوية قال له معاوية قم فتكلم فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
53

اما بعد فان أكيس الكيس التقى وان أعجز العجز الفجور الا وان هذا الامر الذي اختلفت فيه
انا ومعاوية حق لامرئ كان أحق به مني أو حق لي تركته لإرادة إصلاح المسلمين وحقن دمائهم
وان أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ثم استغفر ونزل وأخرج يعقوب بن سفيان ومن طريقه
أيضا البيهقي في الدلائل من طريق الزهري فذكر القصة وفيها فخطب معاوية ثم قال قم يا حسن
فكلم الناس فتشهد ثم قال أيها الناس ان الله هداكم بأولنا وحقن دمائكم بآخرنا وان لهذا
الامر مدة والدنيا دول وذكر بقية الحديث الثالث ان الحديث لأبي بكرة لا للمغيرة لكن الجمع
ممكن بأن يكون المغيرة حدث به عندما سمع مراسلة الحسن بالصلح وحدث به أبو بكرة بعد ذلك
وقد روى أصل الحديث جابر أورده الطبراني والبيهقي في الدلائل من فوائد يحيى بن معين
بسند صحيح إلى جابر وأورده الضياء في الأحاديث المختارة مما ليس في الصحيحين وعجبت للحاكم في
عدم استدراكه مع شدة حرصه على مثله قال ابن بطال سلم الحسن لمعاوية الامر وبايعه على إقامة
كتاب الله وسنة نيبه ودخل معاوية الكوفة وبايعه الناس فسميت سنة الجماعة لاجتماع
الناس وانقطاع الحرب وبايع معاوية كل من كان معتزلا للقتال كابن عمر وسعد بن أبي وقاص
ومحمد بن مسلمة وأجاز معاوية الحسن بثلاثمائة ألف وألف ثوب وثلاثين عبدا ومائة جمل وانصرف
إلى المدينة وولى معاوية الكوفة المغيرة بن شعبة والبصرة عبد الله بن عامر ورجع إلى دمشق
(قوله قال عمرو بن العاص لمعاوية أرى كتيبة لا تولى) بالتشديد أي لا تدبر (قوله حتى تدبر
أخراها) أي التي تقابلها ونسبها إليها لتشاركهما في المحاربة وهذا على أن يدبر من أدبر رباعيا
ويحتمل ان يكون من دبر يدبر بفتح أوله وضم الموحدة أي يقوم مقامها يقال دبرته إذا بقيت
بعده وتقدم في رواية عبد الله بن محمد في الصلح اني لارى كتائب لا تولى حتى تقتل أقرانها وهي أبين
قال عياض هي الصواب ومقتضاه ان الأخرى خطأ وليس كذلك بل توجيهها ما تقدم وقال
الكرماني يحتمل أيضا ان تراد الكتيبة الأخيرة التي هي من جملة تلك الكتائب أي لا ينهزمون بأن
ترجع الأخرى أولى (قوله قال معاوية من لذراري المسلمين) أي من يكفلهم إذا قتل آباؤهم زاد في
الصلح فقال له معاوية وكان والله خير الرجلين يعني معاوية أي عمرو ان قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء
هؤلاء من لي بأمور الناس من لي بنسائهم من لي بضيعتهم يشير إلى أن رجال العسكرين معظم من
في الإقليمين فإذا قتلوا ضاع أمر الناس وفسد حال أهلهم بعدهم وذراريهم والمراد بقوله ضيعتهم
الأطفال والضعفاء سموا باسم ما يؤول إليه أمرهم لانهم إذا تركوا ضاعوا لعدم استقلالهم
بأمر المعاش وفي رواية الحميدي عن سفيان في هذه القصة من لي بأمورهم من لي بدمائهم من لي
بنسائهم واما قوله هنا في جواب قول معاوية من لذراري المسلمين فقال انا فظاهره يوهم ان
المجيب بذلك هو عمرو بن العاص ولم أر في طرق الخبر ما يدل على ذلك فإن كانت محفوظة فلعلها
كانت فقال اني بتشديد النون المفتوحة قالها عمرو على سبيل الاستبعاد وأخرج عبد الرزاق
في مصنفه عن معمر عن الزهري قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في بعث
ذات السلاسل فذكر أخبارا كثيرة من التاريخ إلى أن قال وكان قيس بن سعد بن عبادة على
مقدمة الحسن بن علي فأرسل إليه معاوية سجلا قد ختم في أسفله فقال أكتب فيه ما تريد فهو
لك فقال له عمرو بن العاص بل نقاتله فقال معاوية وكان خير الرجلين على رسلك يا أبا عبد الله
54

لا تخلص إلى قتل هؤلاء حتى يقتل عددهم من أهل الشام فما خير الحياة بعد ذلك واني والله
لا أقاتل حتى لا أجد من القتال بدا (قوله فقال عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة نلقاه فنقول
له الصلح) أي نشير عليه بالصلح وهذا ظاهره انهما بدآ بذلك والذي تقدم في كتاب الصلح ان معاوية
هو الذي بعثهما فيمكن الجمع بأنهما عرضا أنفسهما فوافقهما ولفظه هناك (فبعث إليه رجلين
من قريش من بني عبد شمس) أي ابن عبد مناف بن قصي (عبد الرحمن بن سمرة) زاد الحميدي في
مسنده عن سفيان بن حبيب بن عبد شمس قال سفيان وكانت له صحبة (قلت) وهو راوي حديث
لا تسأل الامارة وسيأتي شئ من خبره في كتاب الأحكام (وعبد الله بن عامر بن كريز) بكاف وراء
ثم زاي مصغر زاد الحميدي ابن حبيب بن عبد شمس وقد مضى له ذكر في كتاب الحج وغيره وهو الذي
ولاه معاوية البصرة بعد الصلح وبنو حبيب بن عبد شمس بنو عم بني أمية بن عبد شمس ومعاوية
هو ابن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية (فقال معاوية اذهبا إلى هذا الرجل فأعرضا عليه) أي
ما شاء من المال (وقولا له) أي في حقن دماء المسلمين بالصلح (واطلبا إليه) أي اطلبا منه خلعه نفسه
من الخلافة وتسليم الامر لمعاوية وابذلا له في مقابله ذلك ما شاء (قال فقال لهما الحسن بن علي انا
بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال وان هذه الأمة قد عاثت في دمائها قالا فإنه يعرض عليك
كذا وكذا ويطلب إليك ويسألك قال فمن لي بهذا قالا نحن لك به فما سألهما شيئا الا قالا نحن لك به
فصالحه) قال ابن بطال هذا يدل على أن معاوية كان هو الراغب في الصلح وأنه عرض على
الحسن المال ورغبه فيه وحثه على رفع السيف وذكره ما وعده به جده صلى الله عليه وسلم من
سيادته في الاصلاح به فقال له الحسن انا بنو عبد المطلب أصبنا من هذا المال أي انا جبلنا على
الكرم والتوسعة على اتباعنا من الأهل والموالي وكنا نتمكن من ذلك بالخلافة حتى صار ذلك لنا
عادة وقوله أن هذه الأمة أي العسكرين الشامي والعراقي قد عاثت بالمثلثة أي قتل بعضها بعضا
فلا يكفون عن ذلك الا بالصفح عما مضى منهم والتألف بالمال وأراد الحسن بذلك كله تسكين
الفتنة وتفرقة المال على من لا يرضيه الا المال فوافقاه على ما شرط من جميع ذلك والتزما له
من المال في كل عام والثياب والأقوات ما يحتاج إليه لكل من ذكر وقوله من لي بهذا أي من
يضمن لي الوفاء من معاوية فقالا نحن نضمن لان معاوية كان فوض لهما ذلك ويحتمل ان يكون
قوله أصبنا من هذا المال أي فرقنا منه في حياة علي وبعده ما رأينا في ذلك صلاحا فنبه على ذلك
خشية ان يرجع عليه بما تصرف فيه وفي رواية إسماعيل بن راشد عند الطبري فبعث إليه معاوية
عبد الله بن عامر وعبد الله بن سمرة بن حبيب كذا قال عبد الله وكذا وقع عند الطبراني والذي
في الصحيح أصح ولعل عبد الله كان مع أخيه عبد الرحمن قال فقدما على الحسن بالمدائن فأعطياه
ما أراد وصالحاه على أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف في أشياء أشترطها ومن
طريق عوانة بن الحكم نحوه وزاد وكان الحسن صالح معاوية على أن يجعل له ما في بيت مال
الكوفة وأن يكون له خراج دار أبجرد وذكر محمد بن قدامة في كتاب الخوارج بسند قوي إلى
أبي بصرة انه سمع الحسن بن علي يقول في خطبته عند معاوية اني اشترطت على معاوية لنفسي
الخلافة بعده وأخرج يعقوب بن سفيان بسند صحيح إلى الزهري قال كاتب الحسن بن علي
معاوية واشترط لنفسه فوصلت الصحيفة لمعاوية وقد أرسل إلى الحسن يسأله الصلح ومع
55

الرسول صحيفة بيضاء مختوم على أسفلها وكتب إليه ان اشترط ما شئت فهو لك فاشترط الحسن
أضعاف ما كان سأل أولا فلما التقيا وبايعه الحسن سأله ان يعطيه ما اشترط في السجل الذي ختم
معاوية في أسفله فتمسك معاوية الا ما كان الحسن سأله أولا واحتج بأنه أجاب سؤاله أول ما وقف
عليه فاختلفا في ذلك فلم ينفذ للحسن من الشرطين شئ واخرج ابن أبي خيثمة من طريق عبد الله
ابن شوذب قال لما قتل علي سار الحسن بن علي في أهل العراق ومعاوية في أهل الشام فالتقوا
فكره الحسن القتال وبايع معاوية على أن يجعل العهد للحسن من بعده فكان أصحاب الحسن
يقولون له يا عار المؤمنين فيقول العار خير من النار (قوله قال الحسن) هو البصري وهو
موصول بالسند المتقدم ووقع في رجال البخاري لأبي الوليد الباجي في ترجمة الحسن بن علي بن أبي
طالب ما نصه اخرج البخاري قول الحسن سمعت أبا بكرة فتأوله الدارقطني وغيره على أنه الحسن
ابن علي لان الحسن البصري عندهم لم يسمع من أبي بكرة وحمله ابن المديني والبخاري على أنه
الحسن البصري قال الباجي وعندي ان الحسن الذي قال سمعت هذا من أبي بكرة انما هو
الحسن بن علي انتهى وهو عجيب منه فان البخاري قد أخرج متن هذا الحديث في علامات النبوة
مجردا عن القصة من طريق حسين بن علي الجعفي عن أبي موسى وهو إسرائيل بن موسى عن
الحسن عن أبي بكرة وأخرجه البيهقي في الدلائل من رواية مبارك بن فضالة ومن رواية علي بن
زيد كلاهما عن الحسن عن أبي بكرة وزاد في آخره قال الحسن فلما ولى ما أهريق في سببه محجمة
دم فالحسن القائل هو البصري والذي ولي هو الحسن بن علي وليس للحسن بن علي في هذا رواية
وهؤلاء الثلاثة إسرائيل بن موسى ومبارك بن فضالة وعلي بن زيد لم يدرك واحد منهم الحسن بن
علي وقد صرح إسرائيل بقوله سمعت الحسن وذلك فيما أخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن
سفيان عن الصلت بن مسعود عن سفيان بن عيينة عن أبي موسى وهو إسرائيل سمعت الحسن
سمعت أبا بكرة وهؤلاء كلهم من رجال الصحيح والصلت من شيوخ مسلم وقد استشعر ابن
التين خطأ الباجي فقال قال الداودي الحسن مع قربه من النبي صلى الله عليه وسلم بحيث توفي
النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع سنين لا يشك في سماعه منه وله مع ذلك صحبة قال ابن
التين الذي في البخاري انما أراد سماع الحسن بن أبي الحسن البصري من أبي بكرة (قلت) ولعل
الداودي انما أراد رد توهم من يتوهم انه الحسن بن علي فدفعه بما ذكر وهو ظاهر وانما قال
ابن المديني ذلك لان الحسن كان يرسل كثيرا عمن لم يلقهم بصيغة عن فخشى أن تكون روايته
عن أبي بكرة مرسلة فلما جاءت هذه الرواية مصرحة بسماعه من أبي بكرة ثبت عنده انه
سمعه منه ولم أر ما نقله الباجي عن الدارقطني من أن الحسن هنا هو ابن علي في شئ من تصانيفه
وانما قال في التتبع لما في الصحيحين أخرج البخاري أحاديث عن الحسن عن أبي بكرة والحسن
انما روى عن الأحنف عن أبي بكرة وهذا يقتضي انه عنده لم يسمع من أبي بكرة لكن لم أر من
صرح بذلك ممن تكلم في مراسيل الحسن كابن المديني وأبي حاتم وأحمد والبزار وغيرهم نعم كلام
ابن المديني يشعر بأنهم كانوا يحملونه على الارسال حتى وقع هذا التصريح (قوله بينما النبي صلى
الله عليه وسلم يخطب جاء الحسن فقال) وقع في رواية علي بن زيد عن الحسن في الدلائل للبيهقي
يخطب أصحابه يوما إذ جاء الحسن بن علي فصعد إليه المنبر وفي رواية عبد الله بن محمد المذكورة
56

رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس
مرة وعليه أخرى ويقول ومثله في رواية ابن أبي عمر عن سفيان لكن قال وهو يلتفت إلى الناس
مرة واليه أخرى (قوله ابني هذا سيد) في رواية عبد الله بن محمد ان ابني هذا سيد وفي رواية
مبارك بن فضالة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضم الحسن بن علي إليه وقال إن ابني هذا
سيد وفي رواية علي بن زيد فضمه إليه وقال الا ان ابني هذا سيد (قوله ولعل الله ان يصلح به) كذا
استعمل لعل استعمال عسى لاشتراكهما في الرجاء والأشهر في خبر لعل بغير ان كقوله تعالى لعل
الله يحدث (قوله بين فئتين من المسلمين) زاد عبد الله بن محمد في روايته عظيمتين وكذا في رواية
مبارك بن فضالة وفي رواية علي بن زيد كلاهما عن الحسن عند البيهقي واخرج من طريق أشعث
ابن عبد الملك عن الحسن كالأول لكنه قال واني لأرجو ان يصلح الله به وجزم في حديث جابر
ولفظه عند الطبراني والبيهقي قال للحسن ان ابني هذا سيد يصلح الله به بين فئتين من المسلمين قال
البزار روى هذا الحديث عن أبي بكرة وعن جابر وحديث أبي بكرة أشهر وأحسن إسنادا
وحديث جابر غريب وقال الدارقطني اختلف على الحسن فقيل عنه عن أم سلمة وقيل عن
ابن عيينة عن أيوب عن الحسن وكل منهما وهم ورواه داود بن أبي هند وعوف الأعرابي عن
الحسن مرسلا وفي هذه القصة من الفوائد علم من أعلام النبوة ومنقبة للحسن بن علي فإنه ترك
الملك لا لقلة ولا لذلة ولا لعلة بل لرغبته فيما عند الله لما رآه من حقن دماء المسلمين فراعى أمر الدين
ومصلحة الأمة وفيها رد على الخوارج الذين كانوا يكفرون عليا ومن معه ومعاوية ومن معه
بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم للطائفتين بأنهم من المسلمين ومن ثم كان سفيان بن عيينة
يقول عقب هذا الحديث قوله من المسلمين يعجبنا جدا أخرجه يعقوب بن سفيان في تاريخه عن
الحميدي وسعيد بن منصور عنه وفيه فضيلة الاصلاح بين الناس ولا سيما في حقن دماء المسلمين
ودلالة على رأفة معاوية بالرعية وشفقته على المسلمين وقوة نظره في تدبير الملك ونظره في العواقب
وفيه ولاية المفضول الخلافة مع وجود الأفضل لان الحسن ومعاوية ولي كل منهما الخلافة
وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد في الحياة وهما بدريان قاله ابن التين وفيه جواز خلع الخليفة
نفسه إذا رأى في ذلك صلاحا للمسلمين والنزول عن الوظائف الدينية والدنيوية بالمال وجواز
أخذ المال على ذلك واعطائه بعد استيفاء شرائطه بأن يكون المنزول له أولى من النازل وأن
يكون المبذول من مال الباذل فإن كان في ولاية عامة وكان المبذول من بيت المال اشترط أن تكون
المصلحة في ذلك عامة أشار إلى ذلك ابن بطال قال يشترط ان يكون لكل من الباذل
والمبذول له سبب في الولاية يستند إليه وعقد من الأمور يعول عليه وفيه ان السيادة لا تختص
بالأفضل بل هو الرئيس على القوم والجمع سادة وهو مشتق من السودد وقيل من السواد لكونه
يرأس على السواد العظيم من الناس أي الاشخاص الكثيرة وقال المهلب الحديث دال على أن
السيادة انما يستحقها من ينتفع به الناس لكونه علق السيادة بالاصلاح وفيه إطلاق الابن
على ابن البنت وقد انعقد الاجماع على أن امرأة الجد والد الام محرمة علي ابن بنته وان امرأة ابن
البنت محرمة على جده وان اختلفوا في التوارث واستدل به على تصويب رأي من قعد عن
القتال مع معاوية وعلي وإن كان علي أحق بالخلافة وأقرب إلى الحق وهو قول سعد بن أبي
57

وقاص وابن عمر ومحمد بن مسلمة وسائر من اعتزل تلك الحروب وذهب جمهور أهل السنة إلى
تصويب من قاتل مع علي لامتثال قوله تعالى وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا الآية ففيها الامر
بقتال الفئة الباغية وقد ثبت ان من قاتل عليا كانوا بغاة وهؤلاء مع هذا التصويب متفقون على أنه
لا يذم واحد من هؤلاء بل يقولون اجتهدوا فأخطأوا وذهب طائفة قليلة من أهل السنة وهو
قول كثير من المعتزلة إلى أن كلا من الطائفتين مصيب وطائفة إلى أن المصيب طائفة لا بعينها
* الحديث الثاني (قوله سفيان) هو ابن عيينة (قوله قال قال عمرو) هو ابن دينار (قوله أخبرني
محمد بن علي) أي ابن الحسن بن علي وهو أبو جعفر الباقر وفي رواية محمد بن عباد عند الإسماعيلي
عن سفيان عن عمرو عن أبي جعفر (قوله إن حرملة قال) في رواية محمد بن عباد ان حرملة مولى
أسامة أخبره وحرملة هذا في الأصل مولى أسامة بن زيد وكان يلازم زيد بن ثابت حتى صار يقال له
مولى زيد بن ثابت وقيل هما اثنان وفي هذا السند ثلاثة من التابعين في نسق عمرو وأبو جعفر
وحرملة (قوله إن عمرو) بن دينار (قال قد رأيت حرملة) فيه إشارة إلى أن عمرا كان يمكنه الاخذ
عن حرملة لكنه لم يسمع منه هذا (قوله أرسلني أسامة) أي من المدينة (إلى علي) أي بالكوفة لم
يذكر مضمون الرسالة ولكن دل مضمون قوله فلم يعطني شيئا على أنه كان أرسله يسأل عليا شيئا من
المال (قوله وقال إنه سيسألك الآن فيقول ما خلف صاحبك الخ) هذا هيأه أسامة اعتذارا عن
تخلفه عن علي لعلمه ان عليا كان ينكر على من تخلف عنه ولا سيما مثل أسامة الذي هو من أهل
البيت فاعتذر بأنه لم يتخلف ضنا منه بنفسه عن علي ولا كراهة له وانه لو كان في أشد الأماكن هو لا
لأحب ان يكون معه فيه ويواسيه بنفسه ولكنه انما تخلف لأجل كراهيته في قتال المسلمين وهذا
معنى قوله ولكن هذا أمر لم أره (قوله لو كنت في شدق الأسد) بكسر المعجمة ويجوز فتحها وسكون
الدال المهملة بعدها قاف أي جانب فمه من داخل ولكل فم شدقان إليهما ينتهي شق الفم وعند
مؤخرهما ينتهى الحنك الاعلى والأسفل ورجل أشدق واسع الشدقين ويتشدق في كلامه إذا
فتح فمه وأكثر القول فيه واتسع فيه وهو كناية عن الموافقة حتى في حالة الموت لان الذي يفترسه
الأسد بحيث يجعله في شدقه في عداد من هلك ومع ذلك فقال لو وصلت إلى هذا المقام لأحببت
ان أكون معك فيه مواسيا لك بنفسي ومن المناسبات اللطيفة تمثيل أسامة بشئ يتعلق بالأسد
ووقع في تنقيح الزركشي ان القاضي يعني عياضا ضبط الشدق بالذال المعجمة قال وكلام الجوهري
يقتضي أنه بالدال المهملة وقال لي بعض من لقيته من الأئمة انه غلط على القاضي (قلت) وليس
كذلك فإنه ذكره في المشارق في الكلام على حديث سمرة الطويل في الذي يشرشر شذقه فإنه
صبط الشذق بالذال المعجمة وتبعه ابن قرقول في المطالع نعم هو غلط فقد ضبط في جميع كتب اللغة
بالدال المهملة والله أعلم قال ابن بطال أرسل أسامة إلى علي يعتذر عن تخلفه عنه في حروبه ويعلمه
انه من أحب الناس إليه وانه يحب مشاركته في السراء والضراء الا انه لا يرى قتال المسلم قال
والسبب في ذلك أنه لما قتل ذلك الرجل يعني الماضي ذكره في باب ومن أحياها في أوائل الديات
ولامه النبي صلى الله عليه وسلم بسبب ذلك آلى على نفسه ان لا يقاتل مسلما فذلك سبب تخلفه
عن علي في الجمل وصفين انتهى ملخصا وقال ابن التين انما منع عليا ان يعطي رسول أسامة شيئا
لأنه لعله سأله شيئا من مال الله فلم ير ان يعطيه لتخلفه عن القتال معه وأعطاه الحسن والحسين
58

وعبد الله بن جعفر لانهم كانوا يرونه واحدا منهم لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلسه على
فخذه ويجلس الحسن على الفخذ الآخر ويقول اللهم إني أحبهما كما تقدم في مناقبه (قوله فلم
يعطني شيئا) هذه الفاء هي الفصيحة والتقدير فذهبت إلى علي فبلغته ذلك فلم يعطني شيئا ووقع في
رواية بن أبي عمر عن سفيان عند الإسماعيلي فجئت بها أي المقالة فأخبرته فلم يعطني شيئا (قوله
فذهبت إلى حسن وحسين وابن جعفر فأوقروا لي راحلتي) أي حملوا لي على راحلتي ما أطاقت حمله
ولم يعين في هذه الرواية جنس ما اعطوه ولا نوعه والراحلة التي صلحت للركوب من الإبل ذكرا
كان أو أنثى وأكثر ما يطلق الوقر وهو بالكسر على ما يحمل البغل والحمار واما حمل البعير
فيقال له الوسق وابن جعفر هو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وصرح بذلك في رواية محمد بن
عباد وابن أبي عمر المذكورة وكأنهم لما علموا ان عليا لم يعطه شيئا عوضوه من أموالهم من ثياب
ونحوها قدر ما تحمله راحلته التي هو راكبها * (قوله باب إذا قال عند قوم شيئا ثم
خرج فقال بخلافه) ذكر فيه حديث ابن عمر ينصب لكل غادر لواء وفيه قصة لابن عمر في بيعة يزيد
ابن معاوية وحديث أبي برزة في إنكاره على الذين يقاتلون على الملك من أجل الدنيا وحديث
حذيفة في المنافقين ومطابقة الأخير للترجمة ظاهرة ومطابقة الأول لها من جهة ان في القول في
الغيبة بخلاف ما في الحضور نوع غدر وسيأتي في كتاب الأحكام ترجمة ما يكره من ثناء السلطان
فإذا خرج قال غير ذلك وذكر فيه قول ابن عمر لمن سأله عن القول عند الامراء بخلاف ما يقال بعد
الخروج عنهم كنا نعده نفاقا وقد وقع في بعض طرقه ان الأمير المسؤول عنه يزيد بن معاوية كما سيأتي
في الاحكام ومطابقة الثاني من جهة أن الذين عابهم أبو برزة كانوا يظهرون انهم يقاتلون
لأجل القيام بأمر الدين ونصر الحق وكانوا في الباطن انما يقاتلون لأجل الدنيا ووقع لابن بطال
هنا شئ فيه نظر فقال وأما قول أبي برزة فوجه موافقته للترجمة ان هذا القول لم يقله أبو برزة عند
مروان حين بايعه بل بايع مروان واتبعه ثم سخط ذلك لما بعد عنه ولعله أراد منه ان يترك ما نوزع
فيه طلبا لما عند الله في الآخرة ولا يقاتل عليه كما فعل عثمان يعني من عدم المقاتلة لا من ترك
الخلافة فلم يقاتل من نازعه بل ترك ذلك وكما فعل الحسن بن علي حين ترك قتال معاوية حين نازعه
الخلافة فسخط أبو برزة على مروان تمسكه بالخلافة والقتال عليها فقال لأبي المنهال وابنه بخلاف
ما قال لمروان حين بايع له (قلت) ودعواه أن أبا برزة بايع مروان ليس بصحيح فان أبا برزة كان
مقيما بالبصرة ومروان انما طلب الخلافة بالشام وذلك أن يزيد بن معاوية لما مات دعى ابن الزبير
إلى نفسه وبايعوه بالخلافة فأطاعه أهل الحرمين ومصر والعراق وما وراءها وبايع له الضحاك
ابن قيس الفهري بالشام كلها الا الأردن ومن بها من بني أمية ومن كان على هواهم حتى هم
مروان أن يرحل إلى ابن الزبير ويبايعه فمنعوه وبايعوا له بالخلافة وحارب الضحاك بن قيس
فهزمه وغلب على الشام ثم توجه إلى مصر فغلب عليها ثم مات في سنته فبايعوا بعده ابنه عبد الملك
وقد أخرج ذلك الطبري واضحا وأخرج الطبراني بعضه من رواية عروة بن الزبير وفيه ان
معاوية بن يزيد بن معاوية لما مات دعا مروان لنفسه فأجابه أهل فلسطين وأهل حمص فقاتله
الضحاك بن قيس بمرج راهط فقتل الضحاك ثم مات مروان وقام عبد الملك فذكر قصة الحجاج في
قتاله عبد الله بن الزبير وقتله ثم قال ابن بطال واما يمينه يعني أبا برزة على الذي بمكة يعني ابن الزبير
59

فإنه لما وثب بمكة بعد أن دخل فيما دخل فيه المسلمون جعل أبو برزة ذلك نكثا منه وحرصا على
الدنيا وهو أي أبو برزة في هذه أي قصة ابن الزبير أقوى رأيا منه في الأولى أي قصة مروان قال
وكذلك القراء بالبصرة لان أبا برزة كان لا يرى قتال المسلمين أصلا فكان يرى لصاحب الحق ان
يترك حقه لمن نازعه فيه ليؤجر على ذلك ويمدح بالايثار على نفسه لئلا يكون سببا لسفك
الدماء انتهى ملخصا ومقتضى كلامه ان مروان لما ولي الخلافة بايعه الناس أجمعون ثم نكث
ابن الزبير بيعته ودعا إلى نفسه وأنكر عليه أبو برزة قتاله على الخلافة بعد أن دخل في طاعته
وبايعه وليس كذلك والذي ذكرته هو الذي توارد عليه أهل الأخبار بالأسانيد الجيدة وابن الزبير
لم يبايع لمروان قط بل مروان هم ان يبايع لابن الزبير ثم ترك ذلك ودعا إلى نفسه * الحديث
الأول (قوله لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية) في رواية أبي العباس السراج في تاريخه
عن أحمد بن منيع وزياد بن أيوب عن عفان عن صخر بن جويرية عن نافع لما انتزى أهل
المدينة مع عبد الله بن الزبير وخلعوا يزيد بن معاوية جمع عبد الله بن عمر بنيه ووقع عند
الإسماعيلي من طريق مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن زيد في أوله من الزيادة عن نافع ان معاوية
أراد ابن عمر على أن يبايع ليزيد فأبى وقال لا أبايع لأميرين فأرسل إليه معاوية بمائة ألف درهم
فأخذها فدس إليه رجلا فقال له ما يمنعك ان تبايع فقال إن ذاك لذاك يعني عطاء ذلك المال
لأجل وقوع المبايعة ان ديني عندي إذا لرخيص فلما مات معاوية كتب ابن عمر إلى يزيد ببيعته
فلما خلع أهل المدينة فذكره (قلت) وكان السبب فيه ما ذكره الطبري مسندا ان يزيد بن معاوية
كان أمر على المدينة ابن عمه عثمان بن محمد بن أبي سفيان فأوفد إلى يزيد جماعة من أهل المدينة
منهم عبد الله بن غسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر وعبد الله بن أبي عمرو بن حفص المخزومي في
آخرين فأكرمهم وأجازهم فرجعوا فأظهروا عيبه ونسبوه إلى شرب الخمر وغير ذلك ثم وثبوا على
عثمان فأخرجوه وخلعوا يزيد بن معاوية فبلغ ذلك يزيد فجهز إليهم جيشا مع مسلم بن عقبة المري
وأمره ان يدعوهم ثلاثا فان رجعوا والا فقاتلهم فإذا ظهرت فأبحها للجيش ثلاثا ثم أكفف
عنهم فتوجه إليهم فوصل في ذي الحجة سنة ثلاثين فحاربوه وكان الأمير على الأنصار عبد الله بن
حنظلة وعلى قريش عبد الله بن مطيع وعلى غيرهم من القبائل معقل بن يسار الأشجعي وكانوا
اتخذوا خندقا فلما وقعت الوقعة انهزم أهل المدينة فقتل ابن حنظلة وفر ابن مطيع وأباح مسلم
ابن عقبة المدينة ثلاثا فقتل جماعة صبرا منهم معقل بن سنان ومحمد بن أبي الجهم بن حذيفة ويزيد
ابن عبد الله بن زمعة وبايع الباقين على أنهم خول ليزيد وأخرج أبو بكر بن أبي خيثمة بسند صحيح
إلى جويرية بن أسماء سمعت أشياخ أهل المدينة يتحدثون ان معاوية لما احتضر دعا يزيد فقال له
أن لك من أهل المدينة يوما فان فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة فاني عرفت نصيحته فلما ولي يزيد وفد
عليه عبد الله بن حنظلة وجماعة فأكرمهم وأجازهم فرجع فحرض الناس على يزيد وعابه ودعاهم
إلى خلع يزيد فأجابوه فبلغ يزيد فجهز إليهم مسلم بن عقبة فاستقبلهم أهل المدينة بجموع كثيرة
فهابهم أهل الشام وكرهوا قتالهم فلما نشب القتال سمعوا في جوف المدينة التكبير وذلك أن بني
حارثة أدخلوا قوما من الشاميين من جانب الخندق فترك أهل المدينة القتال ودخلوا المدينة خوفا
على أهلهم فكانت الهزيمة وقتل من قتل وبايع مسلم الناس على أنهم خول ليزيد يحكم في دمائهم
60

وأموالهم وأهلهم بما شاء وأخرج الطبراني من طريق محمد بن سعيد بن رمانة ان معاوية
لما حضره الموت قال ليزيد قد وطأت لك البلاد ومهدت لك الناس ولست أخاف عليك الا أهل
الحجاز فان رابك منهم ريب فوجه إليهم مسلم بن عقبة فاني قد جربته وعرفت نصيحته قال فلما كان
من خلافهم عليه ما كان دعاه فوجهه فأباحها ثلاثا ثم دعاهم إلى بيعة يزيد وانهم أعبد له قن
في طاعة الله ومعصيته ومن رواية عروة بن الزبير قال لما مات معاوية أظهر عبد الله بن الزبير
الخلاف على يزيد بن معاوية فوجه يزيد مسلم بن عقبة في جيش أهل الشام وأمره ان يبدأ بقتال
أهل المدينة ثم يسير إلى ابن الزبير بمكة قال فدخل مسلم بن عقبة المدينة وبها بقايا من الصحابة
فأسرف في القتل ثم سار إلى مكة فمات في بعض الطريق وأخرج يعقوب بن سفيان في تاريخه
بسند صحيح عن ابن عباس قال جاء تأويل هذه الآية على رأس ستين سنة ولو دخلت عليهم من
أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها يعني إدخال بني حارثة أهل الشام على أهل المدينة في وقعة الحرة
قال يعقوب وكانت وقعة الحرة في ذي القعدة سنة ثلاث وستين (قوله حشمه) بفتح المهملة
ثم المعجمة قال ابن التين الحشمة (3) العصبة والمراد هنا خدمه ومن يغضب له وفي رواية صخر بن
جويرية عن نافع عن أحمد لما خلع الناس يزيد بن معاوية جمع ابن عمر بنيه وأهله ثم تشهد ثم
قال اما بعد (قوله ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة) زاد في رواية مؤمل بقدر غدرته وزاد في
رواية صخر يقال هذه غدرة فلان أي علامة غدرته والمراد بذلك شهرته وان يفتضح بذلك على
رؤوس الاشهاد وفيه تعظيم الغدر سواء كان من قبل الآمر أو المأمور وهذا القدر هو المرفوع
من هذه القصة وقد تقدم معناه في باب اثم الغادر للبر والفاجر في أواخر كتاب الجزية والموادعة
قبيل بدء الخلق (قوله على بيع الله ورسوله) أي على شرط ما أمر الله ورسوله به من بيعة الامام
وذلك أن من بايع أميرا فقد أعطاه الطاعة وأخذ منه العطية فكان شبيه من باع سلعة وأخذ
ثمنها وقيل إن أصله ان العرب كانت إذا تبايعت تصافقت بالأكف عند العقد وكذا كانوا
يفعلون إذا تحالفوا فسموا معاهدة الولاة والتماسك فيه بالأيدي بيعة ووقع في رواية مؤمل وصخر
على بيعة الله وقد أخرج مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رفعه من بايع إماما فأعطاه صفقة يده
وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع فان جاء أحد ينازعه فاضربوا عنق الآخر (قوله ولا غدر أعظم)
في رواية صخر بن جويرية عن نافع المذكور وان من أعظم الغدر بعد الاشراك بالله ان يبايع
رجل رجلا على بيع الله ثم ينكث بيعته (قوله ثم ينصب له القتال) بفتح أوله وفي رواية مؤمل
نصب له يقاتله (قوله خلعه) في رواية مؤمل خلع يزيد وزاد أو خف في هذا الامر وفي رواية
صخر بن جويرية فلا يخلعن أحد منكم يزيد ولا يسعى في هذا الامر (قوله ولا تابع في هذا الامر)
كذا للأكثر بمثناة فوقانية ثم موحدة وللكشميهني بموحدة ثم تحتانية (قوله الا كانت الفيصل
بيني وبينه) أي القاطعة وهي فيعل من فصل الشئ إذا قطعه وفي رواية مؤمل فيكون الفيصل
فيما بيني وبينه وفي رواية صخر بن جويرية فيكون صيلما بيني وبينه والصيلم بمهملة مفتوحة
وياء آخر الحروف ثم لام مفتوحة القطيعة وفي هذا الحديث وجوب طاعة الامام الذي انعقدت
له البيعة والمنع من الخروج عليه ولو جار في حكمه وانه لا ينخلع بالفسق وقد وقع في نسخة شعيب
بان أبي حمزة عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه في قصة الرجل الذي سأله عن قول
61

الله تعالى وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا الآية ان ابن عمر قال ما وجدت في نفسي في شئ من
أمر هذه الأمة ما وجدت في نفسي اني لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمر الله زاد يعقوب
بن سفيان في تاريخه من وجه آخر عن الزهري قال حمزة فقلنا له ومن ترى الفئة الباغية قال ابن
الزبير بغى على هؤلاء القوم يعني بني أمية فأخرجهم من ديارهم ونكث عهدهم * الحديث الثاني
(قوله أبو شهاب) هو عبد ربه بن نافع وعوف هو الأعرابي والسند كله بصريون الا ابن يونس
وأبو المنهال هو سيار بن سلامة (قوله لما كان ابن زياد ومروان بالشام وثب ابن الزبير بمكة ووثب
القراء بالبصرة) ظاهره ان وثوب ابن الزبير وقع بعد قيام ابن زياد ومروان بالشام وليس كذلك
وانما وقع في الكلام حذف وتحريره ما وقع عند الإسماعيلي من طريق يزيد بن زريع عن عوف
قال حدثنا أبو المنهال قال لما كان زمن اخرج ابن زياد يعني من البصرة وثب مروان
بالشام ووثب ابن الزبير بمكة ووثب الذين يدعون القراء بالبصرة غم أبي غما شديدا وكذا أخرجه
يعقوب بن سفيان في تاريخه من طريق عبد الله بن المبارك عن عوف ولفظه وثب مروان بالشام
حيث وثب والباقي مثله ويصحح ما وقع في رواية أبي شهاب بأن تزاد واو قبل قوله وثب ابن الزبير فان
ابن زياد لما أخرج من البصرة توجه إلى الشام فقام مع مروان وقد ذكر الطبري بأسانيده ما ملخصه
ان عبيد الله بن زياد كان أميرا بالبصرة ليزيد بن معاوية وانه لما بلغته وفاته خطب لأهل البصرة
وذكر ما وقع من الاختلاف بالشام فرضى أهل البصرة ان يستمر أميرا عليهم حتى يجتمع الناس
على خليفة فمكث على ذلك قليلا ثم قام سلمة بن ذؤيب بن عبد الله اليربوعي يدعو إلى ابن الزبير
فبايعه جماعة فبلغ ذلك ابن زياد وأراد منهم كف سلمة عن ذلك فلم يجيبوه فلما خشى على نفسه
القتل استجار بالحرث بن قيس بن سفيان فأردفه ليلا إلى أن أتى به مسعود بن عمرو بن عدي الأزدي
فأجاره ثم وقع بين أهل البصرة اختلاف فأمروا عليهم عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحرث بن
عبد المطلب الملقب ببه بموحدتين الثانية ثقيلة وأمه هند بنت أبي سفيان ووقعت الحرب وقام
مسعود بأمر عبيد الله بن زياد فقتل مسعود وهو على المنبر في شوال سنة أربع وستين فبلغ ذلك
عبيد الله بن زياد فهرب فتبعوه وانتهبوا ما وجدوا له وكان مسعود رتب معه مائة نفس يحرسونه
فقدموا به الشام قبل أن يبرموا أمرهم فوجدوا مروان قد هم ان يرحل إلى ابن الزبير ليبايعه
ويستأمن لبني أمية فثنى رأيه عن ذلك وجمع من كان يهوى بني أمية وتوجهوا إلى دمشق وقد
بايع الضحاك بن قيس بها لابن الزبير وكذا النعمان بن بشير بحمص وكذا ناتل بنون ومثناة ابن
قيس بفلسطين ولم يبق على رأي الأمويين الا حسان بن بحدل بموحدة ومهملة وزن جعفر وهو
خال يزيد بن معاوية وهو بالأردن فيمن أطاعه فكانت الوقعة بين مروان ومن معه وبين الضحاك
ابن قيس بمرج راهط فقتل الضحاك وتفرق جمعه وبايعوا حينئذ مروان بالخلافة في ذي القعدة
منها وقال أبو زرعة الدمشقي في تاريخه حدثنا أبو مسهر عبد الاعلى بن مسهر قال بويع
لمروان بن الحكم بايع له أهل الأردن وطائفة من أهل دمشق وسائر الناس زبيريون ثم اقتتل
مروان وشعبة بن الزبير بمرج راهط فغلب مروان وصارت له الشام ومصر وكانت مدته تسعة
أشهر فهلك بدمشق وعهد لعبد الملك وقال خليفة بن خياط في تاريخه حدثنا الوليد بن هشام
عن أبيه عن جده وأبو اليقظان وغيرهما قالوا قدم ابن زياد الشام وقد بايعوا ابن الزبير ما خلا
62

أهل الجابية ثم ساروا إلى مرج راهط فذكر نحوه وهذا يدفع ما تقدم عن ابن بطال ان ابن الزبير
بايع مروان ثم نكث (قوله ووثب القراء بالبصرة) يريد الخوارج وكانوا قد ثاروا بالبصرة بعد
خروج ابن زياد ورئيسهم نافع بن الأزرق ثم خرجوا إلى الأهواز وقد استوفى خبرهم الطبري وغيره
ويقال انه أراد الذين بايعوا على قتال من قتل الحسين وساروا مع سليمان بن صرد وغيره من
البصرة إلى جهة الشام فلقيهم عبيد الله بن زياد في جيش الشام من قبل مروان فقتلوا بعين الوردة
وقد قص قصتهم الطبري وغيره (قوله فانطلقت مع أبي إلى أبي برزة الأسلمي) في رواية يزيد
ابن زريع فقال لي أبي وكان يثني عليه خيرا انطلق بنا إلى هذا الرجل من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى أبي برزة الأسلمي فانطلقت معه حتى دخلنا عليه وفي رواية عبد الله بن المبارك
عن عوف فقال أبي انطلق بنا لا أبالك إلى هذا الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى أبي برزة وعند يعقوب بن سفيان عن سكين بن عبد العزيز عن أبيه عن أبي المنهال قال
دخلت مع أبي على أبي برزة الأسلمي وان في اذني يومئذ لقرطين واني لغلام (قوله في ظل علية له
من قصب) زاد في رواية يزيد بن زريع في يوم حار شديد الحر والعلية بضم المهملة وبكسرها
وكسر اللام وتشديد التحتانية هي الغرفة وجمعها علالي والأصل عليوة فأبدلت الواو ياء وأدغمت
وفي رواية ابن المبارك في ظل علولة (قوله يستطعمه الحديث) في رواية الكشميهني
بالحديث أي يستفتح الحديث ويطلب منه التحديث (قوله انى احتسبت عند الله) في رواية
الكشميهني احتسب وكذا في رواية يزيد بن زريع ومعناه انه يطلب بسخطه على الطوائف
المذكورين من الله الاجر على ذلك لان الحب في الله والبغض في الله من الايمان (قوله ساخطا)
في رواية سكين لائما (قوله انكم يا معشر العرب) في رواية ابن المبارك العريب (قوله كنتم على
الحال الذي علمتم) في رواية يزيد بن زريع على الحال التي كنتم عليها في جاهليتكم (قوله وان
الله قد أنقذكم بالاسلام وبمحمد عليه الصلاة والسلام) في رواية يزيد بن زريع وان الله نعشكم
بفتح النون والمهملة ثم معجمة وسيأتي في أوائل الاعتصام من رواية معتمر بن سليمان عن عوف ان
أبا المنهال حدثه انه سمع أبا برزة قال إن الله يغنيكم قال أبو عبد الله هو البخاري وقع هنا يغنيكم
يعني بضم أوله وسكون المعجمة بعدها نون مكسورة ثم تحتانية ساكنة قال وانما هو نعشكم ينظر
في أصل الاعتصام كذا وقع عند المستملي ووقع عند ابن السكن نعشكم على الصواب ومعنى
نعشكم رفعكم وزنه ومعناه وقيل عضدكم وقواكم (قوله إن ذاك الذي بالشام) زاد يزيد بن
زريع يعني مروان وفي رواية سكين عبد الملك بن مروان والأول أولى (قوله وان هؤلاء الذين
بين أظهركم) في رواية يزيد بن زريع وابن المبارك نحوه ان الذين حولكم الذين تزعمون أنهم
قراؤكم وفي رواية سكين وذكر نافع بن الأزرق وزاد في آخره فقال أبي فما تأمرني إذا فاني لا أراك
تركت أحدا قال لا أرى خير الناس اليوم الا عصابة خماص البطون من أموال الناس خفاف
الظهور من دمائهم وفي رواية سكين ان أحب الناس إلي لهذه العصابة الخمصة بطونهم من أموال
الناس الخفيفة ظهورهم من دمائهم وهذا يدل على أن أبا برزة كان يرى الانعزال في الفتنة وترك
الدخول في كل شئ من قتال المسلمين ولا سيما إذا كان ذلك في طلب الملك وفيه استشارة أهل العلم
والدين عند نزول الفتن وبذل العالم النصيحة لمن يستشيره وفيه الاكتفاء في إنكار المنكر بالقول
63

ولو في غيبة من ينكر عليه ليتعظ من يسمعه فيحذر من الوقوع فيه (قوله وان ذاك الذي
بمكة) زاد يزيد بن زريع يعني ابن الزبير * الحديث الثالث (قوله عن واصل الأحدب) هو ابن
حيان بمهملة ثم تحتانية ثقيلة أسدى كوفي يقال له بياع السابري بمهملة وموحدة من طبقة
الأعمش ولكنه قديم الموت (قوله إن المنافقين اليوم شر منهم) في رواية إبراهيم بن الحسين عن
آدم شيخ البخاري فيه ان المنافقين اليوم هم شر منهم أخرجه أبو نعيم (قوله على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم) قال الكرماني هو متعلق بمقدر نحو ناس إذ لا يجوز ان يقال إنه متعلق بالضمير
القائم مقام المنافقين لان الضمير لا يعمل قال ابن بطال انما كانوا شرا ممن قبلهم لان الماضين
كانوا يسرون قولهم فلا يتعدى شرهم إلى غيرهم واما الآخرون فصاروا يجهرون بالخروج
على الأئمة ويوقعون الشر بين الفرق فيتعدى ضررهم لغيرهم قال ومطابقته للترجمة من جهة
ان جهرهم بالنفاق وشهر السلاح على الناس هو القول بخلاف ما بذلوه من الطاعة حين بايعوا
أولا من خرجوا عليه آخرا انتهى وقال ابن التين أراد انهم أظهروا من الشر ما لم يظهر أولئك
غير أنهم لم يصرحوا بالكفر وانما هو النفث يلقونه بأفواههم فكانوا يعرفون به كذا قال ويشهد
لما قال ابن بطال ما أخرجه البزار من طريق عاصم عن أبي وائل قلت لحذيفة النفاق اليوم شر
أم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فضرب بيده على جبهته وقال أوه هو اليوم ظاهر
انهم كانوا يستخفون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث * الرابع (قوله عن أبي
الشعثاء) هو بفتح المعجمة وسكون المهملة بعدها مثلثة واسمه سليم بن اسود المحاربي (قوله عن
حذيفة) لم أر لأبي الشعثاء عن حذيفة في الكتب الستة الا هذا الحديث ولم أره الا معنعنا وكأنه
تسمح فيه لأنه بمعنى حديث زيد بن وهب عن حذيفة وهو المذكور قبله أو ثبت عنده لقيه حذيفة
في غير هذا (قوله انما كان النفاق) أي موجودا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية
يحيى بن آدم عن مسعر عند الإسماعيلي كان المنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
(قوله فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الايمان) كذا للأكثر وفي رواية فإنما هو الكفر
أو الايمان وكذا حكى الحميدي في جمعه انهما روايتان وأخرجه الإسماعيلي من طريق عن مسعر
فإنما هو اليوم الكفر بعد الايمان قال وزاد محمد بن بشر في روايته عن مسعر فضحك عبد الله
قال حبيب فقلت لأبي الشعثاء مم ضحك عبد الله قال لا أدري (قلت) لعله عرف مراده فتبسم
تعجبا من حفظه أو فهمه قال ابن التين كان المنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم واما من جاء بعدهم فإنه ولد في الاسلام وعلى فطرته فمن كفر منهم
فهو مرتد ولذلك اختلفت أحكام المنافقين والمرتدين انتهى والذي يظهر ان حذيفة لم يرد نفي
الوقوع وانما أراد نفي اتفاق الحكم لان النفاق إظهار الايمان واخفاء الكفر ووجود ذلك ممكن
في كل عصر وانما اختلف الحكم لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يتألفهم ويقبل ما أظهروه
من الاسلام ولو ظهر منهم احتمال خلافه واما بعده فمن أظهر شيئا فإنه يؤاخذ به ولا يترك لمصلحة
التألف لعدم الاحتياج إلى ذلك وقيل غرضه ان الخروج عن طاعة الامام جاهلية ولا جاهلية في
الاسلام أو تفريق للجماعة فهو بخلاف قول الله تعالى ولا تفرقوا وكل ذلك غير مستور فهو
كالكفر بعد الايمان (قوله باب لا تقوم الساعة حتى يغبط أهل القبور) بضم أوله
64

وفتح ثالثه على البناء للمجهول بغين معجمة ثم موحدة ثم مهملة قال ابن التين غبطه بالفتح يغبطه
بالكسر غبطا وغبطة بالسكون والغبطة تمنى مثل حال المغبوط مع بقاء حاله (قوله حدثنا
إسماعيل) هو ابن أويس (قوله عن أبي الزناد) وافق مالكا شعيب بن أبي حمزة عنه كما سيأتي بعد
بابين في أثناء حديث (قوله حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه) أي كنت ميتا
قال ابن بطال تغبط أهل القبور وتمنى الموت عند ظهور الفتن انما هو خوف ذهاب الدين بغلبة
الباطل وأهله وظهور المعاصي والمنكر انتهى وليس هذا عاما في حق كل أحد وانما هو خاص
بأهل الخير واما غيرهم فقد يكون لما يقع لأحدهم من المصيبة في نفسه أو أهله أو دنياه وان لم
يكن في ذلك شئ يتعلق بدينه ويؤيده ما أخرجه في رواية أبي حازم عن أبي هريرة عند مسلم
لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه ويقول يا ليتني مكان صاحب هذا القبر
وليس به الدين الا البلاء وذكر الرجل فيه للغالب والا فالمرأة يتصور فيها ذلك والسبب في ذلك
ما ذكر في رواية أبي حازم انه يقع البلاء والشدة حتى يكون الموت الذي هو أعظم المصائب
أهون على المرء فيتمنى أهون المصيبتين في اعتقاده وبهذا جزم القرطبي وذكره عياض احتمالا
وأغرب بعض شراح المصابيح فقال المراد بالدين هنا العبادة والمعنى أنه يتمرغ على القبر ويتمنى
الموت في حالة ليس المتمرغ فيها من عادته وانما الحامل عليه البلاء وتعقبه الطيبي بان حمل الدين
على حقيقته أولى أي ليس التمني والتمرغ لأمر اصابه من جهة الدين بل من جهة الدنيا وقال ابن
عبد البر ظن بعضهم ان هذا الحديث معارض للنهي عن تمني الموت وليس كذلك وانما في هذا ان
هذا القدر سيكون لشدة تنزل بالناس من فساد الحال في الدين أو ضعفه أو خوف ذهابه لا لضرر
ينزل في الجسم كذا قال وكأنه يريد ان النهي عن تمني الموت هو حيث يتعلق بضرر الجسم وأما
إذا كان لضرر يتعلق بالدين فلا وقد ذكره عياض احتمالا أيضا وقال غيره ليس بين هذا الخبر
وحديث النهي عن تمني الموت معارضة لان النهي صريح وهذا انما فيه أخبار عن شدة ستحصل
ينشأ عنها هذا التمني وليس فيه تعرض لحكمه وانما سيق للاخبار عما سيقع (قلت) ويمكن
أخذ الحكم من الإشارة في قوله وليس به الدين انما هو البلاء فإنه سيق مساق الذم والانكار وفيه
إيماء إلى أنه لو فعل ذلك بسبب الدين لكان محمودا ويؤيده ثبوت تمني الموت عند فساد أمر الدين
عن جماعة من السلف قال النووي لا كراهة في ذلك بل فعله خلائق من السلف منهم عمر بن
الخطاب وعيسى الغفاري وعمر بن عبد العزيز وغيرهم ثم قال القرطبي كان في الحديث إشارة
إلى أن الفتن والمشقة البالغة ستقع حتى يخف أمر الدين ويقل الاعتناء بأمره ولا يبقى لاحد
اعتناء الا بأمر دنياه ومعاشه نفسه وما يتعلق به ومن ثم عظم قدر العبادة أيام الفتنة كما أخرج
مسلم من حديث معقل بن يسار رفعه العبادة في الهرج كهجرة إلي ويؤخذ من قوله حتى يمر
الرجل بقبر الرجل ان التمني المذكور انما يحصل عند رؤية القبر وليس ذلك مرادا بل فيه إشارة
إلى قوة هذا التمني لان الذي يتمنى الموت بسبب الشدة التي تحصل عنده قد يذهب ذلك التمني
أو يخف عند مشاهدة القبر والمقبور فيتذكر هول المقام فيضعف تمنيه فإذا تمادى على ذلك دل
على تأكد أمر تلك الشدة عنده حيث لم يصرفه ما شاهده من وحشة القبر وتذكر ما فيه من
الأهوال عن استمراره على تمني الموت وقد أخرج الحاكم من طريق أبي سلمة قال عدت أبا هريرة
65

فقلت اللهم اشف أبا هريرة فقال اللهم لا ترجعها ان استطعت يا أبا سلمة فمت والذي نفسي بيده
ليأتين على العلماء زمان الموت أحب إلى أحدهم من الذهب الأحمر وليأتين أحدهم قبر أخيه
فيقول ليتني مكانه وفي كتاب الفتن من رواية عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال يوشك ان تمر
الجنازة في السوق على الجماعة فيراها الرجل فيهز رأسه فيقول يا ليتني مكان هذا قلت يا أبا ذر ان
ذلك لمن أمر عظيم قال أجل (قوله باب تغير الزمان حتى تعبد الأوثان) ذكر فيه
حديثين * أحدهما حديث أبي هريرة (قوله عن الزهري) في إحدى روايتي الإسماعيلي حدثني
الزهري (قوله حتى تضطرب) أي يضرب بعضها بعضا (قوله أليات) بفتح الهمزة واللام جمع ألية
بالفتح أيضا مثل جفنة وجفنات والالية العجيزة وجمعها اعجاز (قوله على ذي الخلصة) في رواية
معمر عن الزهري عند مسلم حول ذي الخلصة (قوله وذو الخلصة طاغية دوس) أي صنمهم وقوله
التي كانوا يعبدون كذا فيه بحذف المفعول ووقع في رواية معمر وكان صنما تعبدها دوس (قوله
في الجاهلية) زاد معمر بتبالة وتبالة بفتح المثناة وتخفيف الموحدة وبعد الألف لام ثم هاء تأنيث
قرية بين الطائف واليمن بينهما ستة أيام وهي التي يضرب بها المثل فيقال أهون من تبالة على الحجاج
وذلك انها أول شئ وليه فلما قرب منها سأل من معه عنها فقال هي وراء تلك الأكمة فرجع فقال
لا خير في بلد يسترها اكمة وكلام صاحب المطالع يقتضي انهما موضعان وان المراد في الحديث
غير تبالة الحجاج وكلام ياقوت يقتضي انها هي ولذلك لم يذكرها في المشترك وعند ابن حبان من هذا
الوجه قال معمر ان عليه الآن بيتا مبنيا مغلقا وقد تقدم ضبط ذي الخلصة في أواخر المغازي
وبيان الاختلاف في أنه واحد أو اثنان قال ابن التين فيه الاخبار بأن نساء دوس يركبن الدواب
من البلدان إلى الصنم المذكور فهو المراد باضطراب ألياتهن (قلت) ويحتمل ان يكون المراد
انهن يتزاحمن بحيث تضرب عجيزة بعضهن الأخرى عند الطواف حول الصنم المذكور وفي معنى
هذا الحديث ما أخرجه الحاكم عن عبد الله بن عمر قال لا تقوم الساعة حتى تدافع مناكب نساء
بني عامر على ذي الخلصة وابن عدي من رواية أبي معشر عن سعيد عن أبي هريرة رفعه لا تقوم
الساعة حتى تعبد اللات والعزى قال ابن بطال هذا الحديث وما أشبهه ليس المراد به ان الدين
ينقطع كله في جميع أقطار الأرض حتى لا يبقى منه شئ لأنه ثبت ان الاسلام يبقى إلى قيام الساعة
الا انه يضعف ويعود غريبا كما بدأ ثم ذكر حديث لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق
الحديث قال فتبين في هذا الحديث تخصيص الاخبار الأخرى وان الطائفة التي تبقى على الحق
تكون ببيت المقدس إلى أن تقوم الساعة قال فبهذا تأتلف الاخبار (قلت) ليس فيما احتج به
تصريح إلى بقاء أولئك إلى قيام الساعة وانما فيه حتى يأتي أمر الله فيحتمل ان يكون المراد بأمر
الله ما ذكر من قبض من بقى من المؤمنين وظواهر الاخبار تقتضي ان الموصوفين بكونهم ببيت
المقدس ان آخرهم من كان مع عيسى عليه السلام ثم إذا بعث الله الريح الطيبة فقبضت روح كل
مؤمن لم يبق الا شرار الناس وقد أخرج مسلم من حديث ابن مسعود رفعه لا تقوم الساعة الا على
شرار الناس وذلك انما يقع بعد طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة وسائر الآيات العظام
وقد ثبت ان الآيات العظام مثل السلك إذا انقطع تناثر الخرز بسرعة وهو عند أحمد وفي
مرسل أبي العالية الآيات كلها في ستة أشهر وعن أبي هريرة في ثمانية أشهر وقد أورد مسلم عقب
66

حديث أبي هريرة من حديث عائشة ما يشير إلى بيان الزمان الذي يقع فيه ذلك ولفظه لا يذهب
الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى وفيه يبعث الله ريحا طيبة فتوفي كل من في قلبه مثقال
حبة من خردل من ايمان فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين أبائهم وعنده في حديث
عبد الله بن عمرو رفعه يخرج الدجال في أمتي الحديث وفيه فيبعث الله عيسى بن مريم فيطلبه
فيهلكه ثم يمكث الناس سبع سنين ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه
الأرض أحد في قلبه مثقال حبة من خير أو ايمان الا قبضته وفيه فيبقى شرار الناس في خفة
الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا فيتمثل لهم الشيطان فيأمرهم
بعبادة الأوثان ثم ينفخ في الصور فظهر بذلك ان المراد بأمر الله في حديث لا تزال طائفة وقوع
الآيات العظام التي يعقبها قيام الساعة ولا يتخلف عنها الا شيئا يسيرا ويؤيده حديث عمران بن
حصين رفعه لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناواهم حتى يقاتل آخرهم
الدجال أخرجه أبو داود والحاكم ويؤخذ منه صحة ما تأولته فان الذين يقاتلون الدجال يكونون
بعد قتله مع عيسى ثم يرسل عليهم الريح الطيبة فلا يبقى بعدهم الا الشرار كما تقدم ووجدت
في هذا مناظرة لعقبة بن عامر ومحمد بن مسلمة فأخرج الحاكم من رواية عبد الرحمن بن شماسة ان
عبد الله بن عمرو قال لا تقوم الساعة الا على شرار الخلق هم شر من أهل الجاهلية فقال عقبة بن
عامر عبد الله أعلم ما تقول واما انا فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تزال
عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على
ذلك فقال عبد الله أجل ويبعث الله ريحا ريحها ريح المسك ومسها مس الحرير فلا تترك أحدا في
قلبه مثقال حبة من ايمان الا قبضته ثم يبقى شرار الناس فعليهم تقوم الساعة فعلى هذا فالمراد
بقوله في حديث عقبة حتى تأتيهم الساعة ساعتهم هم وهي وقت موتهم بهبوب الريح والله أعلم
وقد تقدم بيان شئ من هذا في أواخر الرقاق عند الكلام على حديث طلوع الشمس من المغرب
* الحديث الثاني (قوله حدثنا عبد العزيز بن عبد الله) هو الأويسي وسليمان هو ابن بلال وثور
هو ابن زيد وأبو الغيث هو سالم والسند كله مدنيون (قوله حتى يخرج رجل من قحطان) تقدم
شرحه في أوائل مناقب قريش قال القرطبي في التذكرة قوله يسوق الناس بعصاه كناية عن غلبته
عليهم وانقيادهم له ولم يرد نفس العصا لكن في ذكرها إشارة إلى خشونته عليهم وعسفه بهم
قال وقد قيل إنه يسوقهم بعصاه حقيقة كما تساق الإبل والماشية لشدة عنفه وعدوانه قال ولعله
جهجاه المذكور في الحديث الآخر وأصل الجهجاه الصياح وهي صفة تناسب ذكر العصا (قلت)
ويرد هذا الاحتمال إطلاق كونه من قحطان فظاهره انه من الأحرار وتقييده في جهجاه بأنه من
الموالي ما تقدم أنه يكون بعد المهدي وعلى سيرته وانه ليس دونه ثم وجدت في كتاب التيجان
لابن هشام ما يعرف منه ان ثبت اسم القحطاني وسيرته وزمانه فذكر ان عمران بن عامر كان ملكا
متوجا وكان كاهنا معمرا وانه قال لأخيه عمرو بن عامر المعروف بمزيقيا لما حضرته الوفاة ان
بلادكم ستخرب وان لله في أهل اليمن سخطتين ورحمتين فالسخطة الأولى هدم سد مأرب وتخرب
البلاد بسببه والثانية غلبة الحبشة على أرض اليمن والرحمة الأولى بعثة نبي من تهامة اسمه محمد
يرسل بالرحمة ويغلب أهل الشرك والثانية إذا خرب بيت الله يبعث الله رجلا يقال له شعيب بن
67

صالح فيهلك من خربه ويخرجهم حتى لا يكون بالدنيا ايمان إلى بأرض اليمن انتهى وقد تقدم
في الحج ان البيت يحج بعد خروج يأجوج ومأجوج وتقدم الجمع بينه وبين حديث لا تقوم
الساعة حتى لا يحج البيت وان الكعبة يخربها ذو السويقتين من الحبشة فينتظم من ذلك أن
الحبشة إذا خربت البيت خرج عليهم القحطاني فأهلكهم وان المؤمنين قبل ذلك يحجون في زمن
عيسى بعد خروج يأجوج ومأجوج وهلاكهم وان الريح التي تقبض أرواح المؤمنين تبدأ
بمن بقي بعد عيسى ويتأخر أهل اليمن بعدها ويمكن ان يكون هذا مما يفسر به قوله الايمان يمان
أي يتأخر الايمان بها بعد فقده من جميع الأرض وقد أخرج مسلم حديث القحطاني عقب حديث
تخريب الكعبة ذو السويقتين فلعله رمز إلى هذا وسيأتي في أواخر الاحكام في الكلام على
حديث جابر بن سمرة في الخلفاء الاثني عشر شئ يتعلق بالقحطاني وقال الإسماعيلي هنا ليس هذا
الحديث من ترجمة الباب في شئ وذكر ابن بطال ان المهلب أجاب بأن وجهه أن القحطاني إذا قام
وليس من بيت النبوة ولا من قريش الذين جعل الله فيهم الخلافة فهو من أكبر تغير الزمان
وتبديل الاحكام بأن يطاع في الدين من ليس أهلا لذلك انتهى وحاصله انه مطابق لصدر الترجمة
وهو تغير الزمان وتغيره أعم من أن يكون فيما يرجع إلى الفسق أو الكفر وغايته ان ينتهى إلى
الكفر فقصة القحطاني مطابقة للتغير بالفسق مثلا وقصة ذي الخلصة للتغير بالكفر واستدل
بقصة القحطاني عن أن الخلافة يجوز أن تكون في غير قريش وأجاب ابن العربي بأنه انذار بما
يكون من الشر في آخر الزمان من تسور العامة على منازل الاستقامة فليس فيه حجة لأنه لا يدل
على المدعى ولا يعارض ما ثبت من أن الأئمة من قريش انتهى وسيأتي بسط القول في ذلك في باب
الامراء من قريش أول كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى (قوله باب خروج النار)
أي من أرض الحجاز ذكر فيه ثلاثة أحاديث * الأول (قوله وقال أنس قال النبي صلى الله
عليه وسلم أول أشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب) وتقدم في أواخر باب
الهجرة في قصة إسلام عبد الله بن سلام موصولا من طريق حميد عن أنس ولفظه وأما أول أشراط
الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب ووصله في أحاديث الأنبياء من وجه آخر عن حميد
بلفظ نار تحشر الناس والمراد بالأشراط العلامات التي يعقبها قيام الساعة وتقدم في باب الحشر
من كتاب الرقاق صفة حشر النار لهم * الحديث الثاني (قوله عن الزهري قال سعيد بن المسيب
في رواية أبي نعيم في المستخرج عن سعيد بن المسيب (قوله حتى تخرج نار من أرض الحجاز)
قال القرطبي في التذكرة قد خرجت نار بالحجاز بالمدينة وكان بدؤها زلزلة عظيمة في ليلة الأربعاء بعد
العتمة الثالث من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة واستمرت إلى ضحى النهار يوم الجمعة
فسكنت وظهرت النار بقريظة بطرف الحرة ترى في صورة البلد العظيم عليها سور محيط عليه
شراريف وأبراج ومآذن وترى رجال يقودونها لا تمر على جبل الا دكته وأذابته ويخرج من
مجموع ذلك مثل النهر أحمر وأزرق له دوي كدوي الرعد يأخذ الصخور بين يديه وينتهى إلى محط
الركب العراقي واجتمع من ذلك ردم صار كالجبل العظيم فانتهت النار إلى قرب المدينة ومع ذلك
فكان يأتي المدينة نسيم بارد وشوهد لهذه النار غليان كغليان البحر وقال لي بعض أصحابنا رأيتها
صاعدة في الهواء من نحو خمسة أيام وسمعت انها رؤيت من مكة ومن جبال بصرى وقال
68

النووي تواتر العلم بخروج هذه النار عند جميع أهل الشام وقال أبو شامة في ذيل الروضتين
وردت في أوائل شعبان سنة أربع وخمسين كتب من المدينة الشريفة فيها شرح أمر عظيم حدث
بها فيه تصديق لما في الصحيحين فذكر هذا الحديث قال فأخبرني بعض من أثق به ممن شاهدها انه
بلغه انه كتب بتيماء على ضوئها الكتب فمن الكتب فذكر نحو ما تقدم ومن ذلك أن في بعض
الكتب ظهر في أول جمعة من جمادى الآخرة في شرقي المدينة نار عظيمة بينها وبين المدينة نصف
يوم انفجرت من الأرض وسال منها واد من نار حتى حاذى جبل أحد وفي كتاب آخر انبجست
الأرض من الحرة بنار عظيمة يكون قدرها مثل مسجد المدينة وهي برأي العين من المدينة وسال
منها واد يكون مقداره أربع فراسخ وعرضه أربع أميال يجري على وجه الأرض ويخرج منه
مهاد وجبال صغار وفي كتاب آخر ظهر ضوؤها إلى أن رأوها من مكة قال ولا أقدر أصف عظمها
ولها دوي قال أبو شامة ونظم الناس في هذا أشعارا ودام أمرها أشهرا ثم خمدت والذي ظهر لي ان
النار المذكورة في حديث الباب هي التي ظهرت بنواحي المدينة كما فهمه القرطبي وغيره واما
النار التي تحشر الناس فنار أخرى وقد وقع في بعض بلاد الحجاز في الجاهلية نحو هذه النار التي
ظهرت بنواحي المدينة في زمن خالد بن سنان العبسي فقام في أمرها حتى أخمدها ومات بعد ذلك
في قصة له ذكرها أبو عبيدة معمر بن المثني في كتاب الجماجم وأوردها الحاكم في المستدرك من
طريق يعلى بن مهدي عن أبي عوانة عن أبي يونس عن عكرمة عن ابن عباس ان رجلا من بني
عبس يقال له خالد بن سنان قال لقومه اني أطفي عنكم نار الحدثان فذكر القصة وفيها فانطلق
وهي تخرج من شق جبل من حرة يقال لها حرة أشجع فذكر القصة في دخوله الشق والنار كأنها
جبل سقر فضربها بعصاه حتى أدخلها وخرج وقد أوردت لهذه القصة طرفا من ترجمته في كتابي
في الصحابة (قوله تضئ أعناق الإبل ببصرى) قال ابن التين يعني من آخرها يبلغ ضوؤها إلى الإبل
التي تكون ببصرى وهي من ارض الشام وأضاء يجئ لازما ومتعديا يقال أضاءت النار وأضاءت
النار غيرها وبصرى بضم الموحدة وسكون المهملة مقصور بلد بالشام وهي حوران وقال
أبو البقاء أعناق بالنصب على أن تضئ متعد والفاعل النار أي تجعل على أعناق الإبل ضوا قال
ولو روى بالرفع لكان متجها أي تضئ أعناق الإبل به كما جاء في حديث آخر أضاءت له قصور الشام
وقد وردت في هذا الحديث زيادة من وجه آخر أخرجه ابن عدي في الكامل من طريق عمر بن
سعيد التنوخي عن ابن شهاب عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمر بن الخطاب
يرفعه لا تقوم الساعة حتى يسيل واد من أودية الحجاز بالنار تضئ له أعناق الإبل ببصرى وعمر
ذكره ابن حبان في الثقات ولينه ابن عدي والدارقطني وهذا ينطبق على النار المذكورة التي
ظهرت في المائة السابعة وأخرج أيضا الطبراني في آخر حديث حذيفة بن أسيد الذي مضى
التنبيه عليه وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من
رومان أو ركوبة تضئ منها أعناق الإبل ببصرى (قلت) وركوبه ثنية صعبة المرتقى في طريق
المدينة إلى الشام مر بها النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ذكره البكري ورومان لم يذكره
البكري ولعل المراد رومة البئر المعروفة بالمدينة فجمع في هذا الحديث بين النارين وان إحداهما
تقع قبل قيام الساعة مع جملة الأمور التي أخبر بها الصادق صلى الله عليه وسلم والاخرى هي التي
69

يعقبها قيام الساعة بغير تخلل شئ آخر وتقدم الثانية على الأولى في الذكر لا يضر والله أعلم
* الحديث الثالث (قوله حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي) هو أبو سعيد الأشج مشهور بكنيته
وصفته وهو من الطبقة الوسطى الثالثة من شيوخ البخاري وعاش بعد البخاري سنة واحدة
وعبيد الله هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري (قوله عن خبيب بن عبد
الرحمن) بمعجمة وموحدتين مصغر وهو ابن عبد الرحمن بن خبيب بن يساف الأنصاري (قوله عن
جده حفص بن عاصم) أي ابن عمر بن الخطاب والضمير لعبيد الله بن عمر لا لشيخه (قوله يوشك)
بكسر المعجمة أي يقرب (قوله إن يحسر) بفتح أوله وسكون ثانيه وكسر ثالثة والحاء والسين
مهملتان أي ينكشف (قوله الفرات) أي النهر المشهور وهو بالتاء المجرورة على المشهور ويقال
يجوز انه يكتب بالهاء كالتابوت والتابوه والعنكبوت والعنكبوه أفاده الكمال بن العديم في تاريخه
نقلا عن إبراهيم بن أحمد بن الليث (قوله فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا) هذا يشعر بان الاخذ منه
ممكن وعلى هذا فيجوز ان يكون دنانير ويجوز ان يكون قطعا ويجوز ان يكون تبرا (قوله قال
عقبة) هو ابن خالد وهو موصول بالسند المذكور وقد أخرجه هو والذي قبله الإسماعيلي عن
الحسن بن سفيان وأبي القاسم البغوي والفضل بن عبد الله المخلدي ثلاثتهم عن أبي سعيد الأشج
عن الشيخين (قوله وحدثنا عبيد الله) هو ابن عمر المذكور (قوله قال حدثنا أبو الزناد) يعني ان
لعبيد الله في هذا الحديث اسنادين (قوله يحسر جبل من ذهب) يعني ان الروايتين اتفقتا
الا في قوله كنز فقال الأعرج جبل وقد ساق أبو نعيم في المستخرج الحديثين بسند واحد من رواية
بكر بن أحمد بن مقبل عن أبي سعيد الأشج وفرقهما ولفظهما واحد الا لفظ كنز وجبل وتسميته
كنزا باعتبار حاله قبل ان ينكشف وتسميته جبلا للإشارة إلى كثرته ويؤيده ما أخرجه مسلم من
وجه آخر عن أبي هريرة رفعه تقئ الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة
فيجئ القاتل فيقول في هذا قتلت ويجئ السارق فيقول في هذا قطعت يدي ثم يدعونه فلا
يأخذون منه شيئا قال ابن التين انما نهي عن الاخذ منه لأنه للمسلمين فلا يؤخذ الا بحقه قال
ومن أخذه وكثر المال ندم لاخذه مالا ينفعه وإذا ظهر جبل من ذهب كسد الذهب ولم يرد (قلت)
وليس الذي قاله ببين والذي يظهر ان النهي عن اخذه لما ينشأ عن اخذه من الفتنة والقتال عليه
وقوله وإذا ظهر جبل من ذهب الخ في مقام المنع وانما يتم ما زعم من الكساد ان لو اقتسمه الناس
بينهم بالسوية ووسعهم كلهم فاستغنوا أجمعين فحينئذ تبطل الرغبة فيه وأما إذا حواه قوم دون
قوم فحرص من لم يحصل له منه شئ باق على حاله ويحتمل أن تكون الحكمة في النهي عن الاخذ
منه لكونه يقع في آخر الزمان عند الحشر الواقع في الدنيا وعند عدم الظهور أو قلته فلا ينتفع بما
أخذ منه ولعل هذا هو السر في إدخال البخاري له في ترجمة خروج النار ثم ظهر لي رجحان الاحتمال
الأول لان مسلما أخرج هذا الحديث أيضا من طريق أخرى عن أبي هريرة بلفظ يحسر الفرات
عن جبل من ذهب فيقتل عليه الناس فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون ويقول كل رجل منهم
لعلي أكون انا الذي أنجو وأخرج مسلم أيضا عن أبي بن كعب قال لا يزال الناس مختلفة أعناقهم
في طلب الدنيا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوشك ان يحسر الفرات عن جبل من
ذهب فإذا سمع به الناس ساروا إليه فيقول من عنده لئن تركنا الناس يأخذون منه ليذهبن به كله
70

قال فيقتتلون عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون فبطل ما تخيله ابن التين وتوجه التعقب
عليه ووضح ان السبب في النهي عن الاخذ منه ما يترتب على طلب الاخذ منه من الاقتتال فضلا
عن الاخذ ولا مانع ان يكون ذلك عند خروج النار للمحشر لكن ليس ذلك السبب في النهي
عن الاخذ منه وقد أخرج ابن ماجة عن ثوبان رفعه قال يقتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة
فذكر الحديث في المهدي فهذا إن كان المراد بالكنز فيه الكنز الذي في حديث الباب دل على أنه
انما يقع عند ظهور المهدي وذلك قبل نزول عيسى وقبل خروج النار جزما والله أعلم * (تنبيه) *
وقع عند أحمد وابن ماجة من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مثل حديث الباب إلى
قوله من ذهب فيقتتل عليه الناس فيقتل من كل عشرة تسعة وهي رواية شاذة والمحفوظ ما تقدم
من عند مسلم وشاهده من حديث أبي بن كعب من كل مائة تسعة وتسعون ويمكن الجمع
باختلاف تقسيم الناس إلى قسمين (قوله باب) كذا للجميع بغير ترجمة لكن سقط
من شرح ابن بطال وذكر أحاديثه في الباب الذي قبله وعلى الأول فهو كالفصل من الذي قبله
وتعلقه به من جهة الاحتمال الذي تقدم وهو ان ذلك يقع في الزمان الذي يستغني فيه الناس عن
المال اما لاشتغال كل منهم بنفسه عند طروق الفتنة فلا يلوي على الأهل فضلا عن المال وذلك في
زمن الدجال واما بحصول الامن المفرط والعدل البالغ بحيث يستغني كل أحد بما عنده عما في
يد غيره وذلك في زمن المهدي وعيسى بن مريم واما عند خروج النار التي تسوقهم إلى المحشر
فيعز حينئذ الظهر وتباع الحديقة بالبعير الواحد ولا يلتفت أحد حينئذ إلى ما يثقله من المال بل
يقصد نجاة نفسه من يقدر عليه من ولده وأهله وهذا أظهر الاحتمالات وهو المناسب لصنيع
البخاري والعلم عند الله تعالى وذكر ابن بطال من طريق عبيد الله بن عمر العمري عن نافع عن
ابن عمر عن كعب الأحبار قال تخرج نار تحشر الناس فإذا سمعتم بها فأخرجوا إلى الشام قال
وفي حديث أبي سريحة بمهملات وزن عظيمة واسمه حذيفة بن أسد بفتح أوله ان آخر الآيات
المؤذنة بقيام الساعة خروج النار (قلت) ولفظه عند مسلم في بعض طرقه اطلع النبي صلى الله
عليه وسلم ونحن نتذاكر فقال ما تذاكرون قالوا نذكر الساعة قال إنها لن تقوم حتى تروا قبلها
عشر آيات فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى بن
مريم ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف
بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن فتطرد الناس إلى محشرهم (قلت) وهذا في
الظاهر يعارض حديث أنس المشار إليه في أول الباب فان فيه ان أول أشراط الساعة نار
تحشرهم من المشرق إلى المغرب وفي هذا انها آخر الاشراط ويجمع بينهما بأن آخريتها باعتبار
ما ذكر معها من الآيات وأوليتها باعتبار أنها أول الآيات التي لا شئ بعدها من أمور الدنيا أصلا
بل يقع بانتهائها النفخ في الصور بخلاف ما ذكر معها فإنه يبقى بعد كل آية منها أشياء من أمور
الدنيا (قوله حدثنا مسدد حدثنا يحيى) هو ابن سعيد القطان عن شعبة ولمسدد فيه شيخ آخر
أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق يوسف بن يعقوب القاضي عن مسدد حدثنا بشر بن
المفضل حدثنا شعبة (قوله حدثنا معبد) يعني ابن خالد تقدم في الزكاة عن آدم حدثنا شعبة حدثنا
معبد بن خالد (قوله حارثة بن وهب) أي الخزاعي (قوله تصدقوا فسيأتي على الناس زمان) تقدم
71

الكلام على ألفاظه في أوائل الزكاة وقوله قال مسدد هو شيخه في هذا الحديث (قوله يمشي
الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها) يحتمل ان يكون ذلك وقع كما ذكر في خلافة عمر بن عبد العزيز
فلا يكون من أشراط الساعة وهو نظير ما وقع في حديث عدي بن حاتم الذي تقدم في علامات
النبوة وفيه ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج بملء كفه ذهبا يلتمس من يقبله فلا يجد
وأخرج يعقوب بن سفيان في تاريخه من طريق عمر بن أسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب
بسند جيد قال لا والله ما مات عمر بن عبد العزيز حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول
اجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء فما يبرح حتى يرجع بماله يتذكر من يضعه فيهم فلا يجد فيرجع
به قد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس (قلت) وهذا بخلاف حديث أبي هريرة الذي بعده كما سيأتي
البحث فيه وقد تقدم في ترجمة عيسى عليه السلام من أحاديث الأنبياء حديث ليوشكن ان
ينزل فيكم ابن مريم وفيه ويفيض المال وفي رواية أخرى حتى لا يقبله أحد فيحتمل ان يكون
المراد والأول أرجح لان الذي رواه عدي ثلاثة أشياء أمن الطرق والاستيلاء على كنوز كسرى
وفقد من يقبل الصدقة من الفقراء فذكر عدي ان الأولين وقعا وشاهدهما وان الثالث سيقع
فكان كذلك لكن بعد موت عدي في زمن عمر بن عبد العزيز وسببه بسط عمر العدل وايصال
الحقوق لأهلها حتى استغنوا واما فيض المال الذي يقع في زمن عيسى عليه السلام فسببه كثرة
المال وقلة الناس واستشعارهم بقيام الساعة وبيان ذلك في حديث أبي هريرة الذي بعده (قوله
حارثة) يعني ابن وهب صحابي هذا الحديث (قوله أخو عبيد الله بن عمر) بالتصغير (قوله
لامه) هي أم كلثوم بنت جرول بن مالك بن المسيب بن ربيعة بن أصرم الخزاعية ذكرها ابن سعد
قال وكان الاسلام فرق بينها وبين عمر (قلت) وقد تقدم ذكر ذلك في كتاب الشروط في آخر باب
الشروط في الجهاد وقد أخرج الطبراني من طريق زهير بن معاوية عن أبي إسحاق حدثنا حارثة بن
وهب الخزاعي وكانت أمه تحت عمر فولدت له عبيد الله بن عمر قال صليت خلف رسول الله صلى الله
عليه وسلم يعني في حجة الوداع الحديث وأصله عند مسلم وأبي داود من رواية زهير وتقدم للبخاري
من طريق شعبة عن أبي إسحاق بدون الزيادة (قوله عن عبد الرحمن) هو الأعرج ووقع في رواية
الطبراني لهذه النسخة عن الأعرج وكذا تقدم في الاستسقاء بعض هذا الحديث بهذا الاسناد
وفيه عن عبد الرحمن الأعرج (قوله لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان) الحديث وحتى يبعث
دجالون الحديث وحتى يقبض العلم الخ هكذا ساق هذه الاشراط السبعة مساق الحديث
الواحد هنا وأورده البيهقي في البعث من طريق شعيب بن أبي حمزة عن أبيه فقال في كل واحد
منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال أخرج البخاري هذه الأحاديث السبعة عن أبي
اليمان عن شعيب (قلت) فسماها سبعة مع أن في بعضها أكثر من واحد كقوله حتى يقبض العلم
وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج فإذا فصلت زادت على العشرة وقد
أفرد البخاري من هذه النسخة حديث قبض العلم فساقه كالذي هنا في كتاب الاستسقاء ثم قال
وحتى يكثر فيكم المال فيفيض اقتصر على هذا القدر منه ثم ساقه في كتاب الزكاة بتمامه وذكر في
علامات النبوة بهذا السند حديث لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر الحديث
وفيه أشياء غير ذلك من هذا النمط وهذه المذكورات وأمثالها مما أخبر صلى الله عليه وسلم
72

بأنه سيقع بعد قبل أن تقوم الساعة لكنه على أقسام أحدها ما وقع على وفق ما قال والثاني
ما وقعت مباديه ولم يستحكم والثالث ما لم يقع منه شئ ولكنه سيقع فالنمط الأول تقدم معظمه
في علامات النبوة وقد استوفى البيهقي في الدلائل ما ورد من ذلك بالأسانيد المقبولة والمذكور منه
هنا اقتتال الفئتين العظيمتين وظهور الفتن وكثرة الهرج وتتطاول الناس في البنيان وتمني بعض
الناس الموت وقتال الترك وتمني رؤيته صلى الله عليه وسلم وما ورد منه حديث المقبري عن
أبي هريرة أيضا لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها الحديث وسيأتي في
الاعتصام وله شواهد ومن النمط الثاني تقارب الزمن وكثرة الزلازل وخروج الدجالين الكذابين
وقد تقدمت الإشارة في شرح حديث أبي موسى في أوائل كتاب الفتن إلى ما ورد في معنى تقارب
الزمان ووقع في حديث أبي موسى عند الطبراني يتقارب الزمان وتنقص السنون والثمرات
وتقدم في باب ظهور الفتن ويلقى الشح ومنها حديث ابن مسعود لا تقوم الساعة حتى لا يقسم
ميراث ولا يفرح بغنيمة أخرجه مسلم وحديث حذيفة بن أسيد الذي نبهت عليه آنفا لا ينافي ان
قبل الساعة يقع عشر آيات فذكر منها وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف
بجزيرة العرب أخرجه مسلم وذكر منها الدخان وقد أختلف فيه وتقدم ذلك في حديث ابن
مسعود في سورة الدخان وقد أخرج أحمد وأبو يعلى والطبراني من حديث صحارى بضم الصاد
وتخفيف الحاء المهملتين حديث لا تقوم الساعة حتى يخسف بقبائل من العرب الحديث وقد
وجد الخسف في مواضع ولكن يحتمل ان يكون المراد بالخسوف الثلاثة قدرا زائدا على ما وجد
كأن يكون أعظم منه مكانا أو قدرا وحديث ابن مسعود لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة
منافقوها أخرجه الطبراني وفي لفظ رذالها وأخرج البزار عن أبي بكرة نحوه وعن الترمذي من
حديث أبي هريرة وكان زعيم القوم أرذلهم وساد القبيلة فاسقهم وقد تقدم في كتاب العلم حديث
أبي هريرة إذا وسد الامر إلى غير أهله فانتظر الساعة وحديث ابن مسعود لا تقوم الساعة حتى
يكون الولد غيظا والمطر قيظا وتفيض الأيام فيضا أخرجه الطبراني وعن أم الضراب مثله وزاد
ويجترئ الصغير على الكبير واللئيم على الكريم ويخرب عمران الدنيا ويعمر خرابها ومن النمط
الثالث طلوع الشمس من مغربها وقد تقدم من طرق أخرى عن أبي هريرة وفي بدء الخلق من
حديث أبي ذر وحديث لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ
اليهودي وراء الحجر الحديث أخرجه مسلم من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة وقد تقدم
في علامات النبوة من رواية أبي زرعة عن أبي هريرة واتفقا عليه من حديث الزهري عن سالم
عن ابن عمر ومضى شرحه في علامات النبوة وان ذلك يقع قبل الدجال كما ورد في حديث سمرة عند
الطبراني وحديث أنس ان أمام الدجال سنون خداعات يكذب فيها الصادق ويصدق فيها
الكاذب ويخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن ويتكلم فيها الرويبضة الحديث أخرجه أحمد
وأبو يعلى والبزار وسنده جيد ومثله لابن ماجة في حديث أبي هريرة وفيه قيل وما الرويبضة
قال الرجل التافه يتكلم في أمر العامة وحديث سمرة لا تقوم الساعة حتى تروا أمورا عظاما لم
تحدثوا بها أنفسكم وفي لفظ يتفاقم شأنها في أنفسكم وتسألون هل كان نبيكم ذكر لكم منها ما ذكرا
الحديث وفيه وحتى تروا الجبال تزول عن أماكنها أخرجه أحمد والطبراني في حديث طويل
73

وأصله عند الترمذي دون المقصود منه هنا وحديث عبد الله بن عمرو لا تقوم الساعة حتى يتسافد
في الطريق تسافد الحمر أخرجه البزار والطبراني وصححه ابن حبان والحاكم ولأبي يعلى عن أبي
هريرة لا تفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة فيفترشها في الطريق فيكون خيارهم يومئذ
من يقول لو واريناها وراء هذا الحائط وللطبراني في الأوسط من حديث أبي ذر نحوه وفيه يقول
أمثلهم لو اعتزلتم الطريق وفي حديث أبي أمامة عند الطبراني قوله وحتى تمر المرأة بالقوم فيقوم
إليها أحدهم فيرفع بذيلها كما يرفع ذنب النعجة فيقول بعضهم الا واريتها وراء الحائط فهو يومئذ
فيهم مثل أبي بكر وعمر فيكم وحديث حذيفة بن اليمان عند ابن ماجة يدرس الاسلام كما يدرس
وشي الثوب حتى لا يدري ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة ويبقى طوائف من الناس الشيخ
الكبير والعجوز الكبيرة ويقولون أدركنا آبائنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها وحديث
أنس لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض لا إله إلا الله أخرجه أحمد بسند قوي وهو عند مسلم
بلفظ الله الله وله من حديث ابن مسعود لا تقوم الساعة الا على شرار الناس ولأحمد مثله من
حديث علباء السلمي بكسر العين المهملة وسكون اللام بعدها موحدة خفيفة ومد بلفظ حثالة
بدل شرار وقد تقدمت شواهده في باب إذا بقي حثالة من الناس وللطبراني من وجه آخر عنه
لا تقوم الساعة على مؤمن ولأحمد بسند جيد عن عبد الله بن عمر لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله
شريطته من أهل الأرض فيبقى عجاج لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا وللطيالسي عن
أبي هريرة لا تقوم الساعة حتى يرجع ناس من أمتي إلى الأوثان يعبدونها من دون الله وقد تقدم
حديثه في ذكر ذي الخلصة قريبا ولابن ماجة من حديث حذيفة ويبقى طوائف من الناس الشيخ
الكبير والعجوز يقولون أدركنا آبائنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها ولمسلم وأحمد من
حديث ثوبان ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين وحتى تعبد قبائل من أمتي
الأوثان ولمسلم أيضا عن عائشة لا تذهب الأيام والليالي حتى تعبد اللات والعزى من دون الله
الحديث وفيه ثم يبعث الله ريحا طيبة فيتوفى بها كل مؤمن في قلبه مثقال حبة من ايمان فيبقى
من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم وفي حديث حذيفة بن أسيد شاهده وفيه ان ذلك بعد موت
عيسى بن مريم قال البيهقي وغيره الاشراط منها صغار وقد مضى أكثرها ومنها كبار ستأتي (قلت)
وهي التي تضمنها حديث حذيفة بن أسيد عند مسلم وهي الدجال والدابة وطلوع الشمس من
مغربها كالحامل المتم ونزول عيسى بن مريم وخروج يأجوج ومأجوج والريح التي تهب بعد
موت عيسى فتقبض أرواح المؤمنين وقد استشكلوا على ذلك حديث لا تزال طائفة من أمتي
ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله فان ظاهر الأول أنه لا يبقى أحد من المؤمنين فضلا عن القائم
بالحق وظاهر الثاني البقاء ويمكن ان يكون المراد بقوله أمر الله هبوب تلك الريح فيكون الظهور
قبل هبوبها فبهذا الجمع يزول الاشكال بتوفيق الله تعالى فأما بعد هبوبها فلا يبقى الا الشرار
وليس فيهم مؤمن فعليهم تقوم الساعة وعلى هذا فآخر الآيات المؤذنة بقيام الساعة هبوب تلك
الريح وسأذكر في آخر الباب قول عيسى عليه السلام ان الساعة حينئذ تكون كالحامل المتم
لا يدري أهلها متى تضع * (فصل) * واما قوله حتى تقتتل فئتان الحديث تقدم في كتاب الرقاق ان
المراد بالفئتين علي ومن معه ومعاوية ومن معه ويؤخذ من تسميتهم مسلمين ومن قوله دعوتهما
74

واحدة الرد على الخوارج ومن تبعهم في تكفيرهم كلا من الطائفتين ودل حديث تقتل عمارا الفئة
الباغية على أن عليا كان المصيب في تلك الحرب لان أصحاب معاوية قتلوه وقد أخرج البزار بسند
جيد عن زيد بن وهب قال كنا عند حذيفة فقال كيف أنتم وقد خرج أهل دينكم يضرب بعضهم
وجوه بعض بالسيف قالوا فما تأمرنا قال انظروا الفرقة التي تدعوا إلى أمر على فالزموها فإنها
على الحق وأخرج يعقوب بن سفيان بسند جيد عن الزهري قال لما بلغ معاوية غلبة علي على أهل
الجمل دعا إلى الطلب بدم عثمان فأجابه أهل الشام فسار إليه علي فالتقيا بصفين وقد ذكر يحيى
ابن سليمان الجعفي أحد شيوخ البخاري في كتاب صفين في تأليفه بسند جيد عن أبي مسلم الخولاني
أنه قال لمعاوية أنت تنازع عليا في الخلافة أو أنت مثله قال لا وأني لاعلم أنه أفضل مني وأحق
بالامر ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما وأنا ابن عمه ووليه أطلب بدمه فأتوا عليا
فقولوا له يدفع لنا قتلة عثمان فأتوه فكلموه فقال يدخل في البيعة ويحاكمهم إلي فامتنع معاوية
فسار علي في الجيوش من العراق حتى نزل بصفين وسار معاوية حتى نزل هناك وذلك في ذي الحجة
سنة ست وثلاثين فتراسلوا فلم يتم لهم أمر فوقع القتال إلى أن قتل من الفريقين فيما ذكر ابن
أبي خيثمة في تاريخه نحو سبعين ألفا وقيل كانوا أكثر من ذلك ويقال كان بينهم أكثر من سبعين
زحفا وقد تقدم في تفسير سورة الفتح ما زادها أحمد وغيره في حديث سهل بن حنيف المذكور هناك
من قصة التحكيم بصفين وتشبيه سهل بن حنيف ما وقع لهم بها وقع يوم الحديبية وأخرج
ابن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي الرضا سمعت عمارا يوم صفين يقول من سره أن يكتنفه
الحور العين فليتقدم بين الصفين محتسبا ومن طريق زياد بن الحرث كنت إلى جنب عمار فقال
رجل كفر أهل الشام فقال عمار لا تقولوا ذلك نبينا واحد ولكنهم قوم حادوا عن الحق
فحق علينا أن نقاتلهم حتى يرجعوا وذكر ابن سعد ان عثمان لما قتل وبويع علي أشار ابن عباس
عليه أن يقر معاوية على الشام حتى يأخذ له البيعة ثم يفعل فيه ما شاء فامتنع فبلغ ذلك معاوية
فقال والله لا ألي له شيئا أبدا فلما فرغ علي من أهل الجمل أرسل جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية
يدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه الناس فامتنع وأرسل أبا مسلم كما تقدم فلم ينتظم الامر وسار
علي في الجنود إلى جهة معاوية فالتقيا بصفين في العشر الأول من المحرم وأول ما اقتتلوا في غرة
صفر فلما كاد أهل الشام ان يغلبوا رفعوا المصاحف بمشورة عمرو بن العاص ودعوا إلى ما فيها
فآل الامر إلى الحكمين فجرى ما جرى من اختلافهما واستبداد معاوية بملك الشام واشتغال
علي بالخوارج وعند أحمد من طريق حبيب بن أبي ثابت أتيت أبا وائل فقال كنا بصفين فلما
استحر القتل بأهل الشام قال عمرو لمعاوية أرسل إلى علي المصحف فادعه إلى كتاب الله فإنه لا يأبى
عليك فجاء به رجل فقال بيننا وبينكم كتاب الله ألم تر إلى الذين أوتو نصيبا من الكتاب
يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهو معرضون فقال علي نعم أنا أولى بذلك
فقال القراء الذين صاروا بعد ذلك خوارج يا أمير المؤمنين ما ننظر بهؤلاء القوم ألا نمشي عليهم
بسيوفنا حتى يحكم الله بيننا فقال سهل بن حنيف يا أيها الناس اتهموا أنفسكم فقد رأيتنا
يوم الحديبية فذكر قصة الصلح مع المشركين وقد تقدم بيان ذلك من هذا الوجه عن سهل
ابن حنيف وقد أشرت إلى قصة التحكيم في باب قتل الخوارج والملحدين من كتاب استتابة
75

المرتدين وقد اخرج ابن عساكر في ترجمة معاوية من طريق ابن مندة ثم من طريق
أبي القاسم ابن أخي أبي زرعة الرازي قال جاء رجل إلى عمي فقال له اني أبغض معاوية
قال له لم قال لأنه قاتل عليا بغير حق فقال له أبو زرعة رب معاوية رب رحيم وخصم معاوية خصم
كريم فما دخولك بينهما (قوله وحتى يبعث دجالون) جمع دجال وسيأتي تفسيره في الباب الذي
بعده والمراد ببعثهم اظهارهم لا البعث بمعنى الرسالة ويستفاد منه ان أفعال العباد مخلوقة لله
تعالى وان جميع الأمور بتقديره (قوله قريب من ثلاثين) وقع في بعض الأحاديث بالجزم وفي
بعضها بزيادة على ذلك وفي بعضها بتحرير ذلك فاما الجزم ففي حديث ثوبان وانه سيكون في أمتي
كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي وانا خاتم النبيين لا نبي بعدي أخرجه أبو داود والترمذي وصححه
ابن حبان وهو طرف من حديث أخرجه مسلم ولم يسق جميعه ولأحمد وأبو يعلي من حديث
عبد الله بن عمرو بين يدي الساعة ثلاثون دجالا كذابا وفي حديث علي عند أحمد ونحوه وفي حديث
ابن مسعود عند الطبراني نحوه وفي حديث سمرة المصدر أوله بالكسوف وفيه ولا تقوم الساعة
حتى يخرج ثلاثون كذابا آخرهم الأعور الدجال أخرجه أحمد والطبراني وأصله عند الترمذي
وصححه وفي حديث ابن الزبير ان بين يدي الساعة ثلاثين كذابا منهم الأسود العنسي صاحب
صنعاء وصاحب اليمامة يعني مسيلمة (قلت) وخرج في زمن أبي بكر طليحة بالتصغير ابن خويلد
وادعى النبوة ثم تاب ورجع إلى الاسلام وتنبأت أيضا سجاح ثم تزوجها مسيلمة ثم رجعت بعده
واما الزيادة ففي لفظ لأحمد وأبي يعلى في حديث عبد الله بن عمرو ثلاثون كذابون أو أكثر قلت
ما آيتهم قال يأتونكم بسنة لم تكونوا عليها يغيرون بها سنتكم فإذا رأيتموهم فاجتنبوهم وفي
رواية عبد الله بن عمرو عند الطبراني لا تقوم الساعة حتى يخرج سبعون كذابا وسندها ضعيف
وعند أبي يعلى من حديث أنس نحوه وسنده ضعيف أيضا وهو محمول ان ثبت على المبالغة في
الكثرة لا على التحديد وأما التحرير ففيما أخرجه أحمد عن حذيفة بسند جيد سيكون في أمتي
كذابون دجالون سبعة وعشرون منهم أربع نسوة واني خاتم النبيين لا نبي بعدي وهذا يدل على أن
رواية الثلاثين بالجزم على طريق جبر الكسر ويؤيده قوله في حديث الباب قريب من
ثلاثين (قوله كلهم يزعم أنه رسول الله) ظاهر في أن كلا منهم يدعي النبوة وهذا هو السر في قوله
في آخر الحديث الماضي واني خاتم النبيين ويحتمل ان يكون الذين يدعون النبوة منهم ما ذكر من
الثلاثين أو نحوها وان من زاد على العدد المذكور يكون كذابا فقط لكن يدعو إلى الضلالة
كغلاة الرافضة والباطنية وأهل الوحدة والحلولية وسائر الفرق الدعاة إلى ما يعلم بالضرورة انه
خلاف ما جاء به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤيده ان في حديث علي عند أحمد فقال
علي لعبد الله بن الكواء وانك لمنهم وابن الكواء لم يدع النبوة وانما كان يغلو في الرفض (قوله
وحتى يقبض العلم) تقدم في كتاب العلم ويأتي أيضا في كتاب الأحكام (قوله وتكثر الزلازل)
قد وقع في كثير من البلاد الشمالية والشرقية والغربية كثير من الزلازل ولكن الذي يظهر ان
المراد بكثرتها شمولها ودوامها وقد وقع في حديث سلمة بن نفيل عند أحمد وبين يدي الساعة
سنوات الزلازل وله عن أبي سعيد تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة (قوله ويتقارب الزمان
وتظهر الفتن ويكثر الهرج) تقدم البحث في ذلك قريبا (قوله وحتى يكثر فيكم المال فيفيض)
76

تقدم شرحه في كتاب الزكاة والتقييد بقوله فيكم يشعر بأنه محمول على زمن الصحابة فيكون
إشارة إلى ما وقع من الفتوح واقتسامهم أموال الفرس والروم ويكون قوله فيفيض حتى يهم
رب المال إشارة إلى ما وقع في زمن عمر بن عبد العزيز فقد تقدم انه وقع في زمنه ان الرجل كان
يعرض ماله للصدقة فلا يجد من يقبل صدقته ويكون قوله وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه
عليه لا أرب لي به إشارة إلى ما سيقع في زمن عيسى بن مريم فيكون في هذا الحديث إشارة إلى ثلاثة
أحوال الأولى إلى كثرة المال فقط وقد كان ذلك في زمن الصحابة ومن ثم قيل فيه يكثر فيكم وقد
وقع في حديث عوف بن مالك الذي مضى في كتاب الجزية ذكر علامة أخرى مباينة لعلامة الحالة
الثانية في حديث عوف بن مالك رفعه أعدد ستا بين يدي الساعة موتى ثم فتح بيت المقدس
وموتان ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل منه مائة دينار فيظل ساخطا الحديث وقد أشرت
إلى شئ من هذا عند شرحه الحالة الثانية الإشارة إلى فيضه من الكثرة بحيث ان يحصل
استغناء كل أحد عن أخذ مال غيره وكان ذلك في آخر عصر الصحابة وأول عصر من بعدهم ومن
ثم قيل يهم رب المال وذلك ينطبق على ما وقع في زمن عمر بن عبد العزيز الحالة الثالثة فيه
الإشارة إلى فيضه وحصول الاستغناء لكل أحد حتى يهتم صاحب المال بكونه لا يجد من يقبل
صدقته ويزداد بأنه يعرضه على غيره ولو كان ممن لا يستحق الصدقة فيأبى أخذه فيقول لا حاجة لي
فيه وهذا في زمن عيسى عليه السلام ويحتمل ان يكون هذا الأخير خروج النار واشتغال
الناس بأمر الحشر فلا يلتفت أحد حينئذ إلى المال بل يقصد ان يتخفف ما استطاع (قوله
وحتى يتطاول الناس في البنيان) تقدم في كتاب الايمان من وجه آخر عن أبي هريرة في سؤال
جبريل عن الايمان قوله في أشراط الساعة ويتطاول الناس في البنيان وهي من العلامات التي
وقعت عن قرب في زمن النبوة ومعنى التطاول في البنيان ان كلا ممن كان يبني بيتا يريد ان
يكون ارتفاعه أعلى من ارتفاع الآخر ويحتمل ان يكون المراد المباهاة به في الزينة والزخرفة
أو أعم من ذلك وقد وجد الكثير من ذلك وهو في ازدياد (قوله وحتى يمر الرجل بقبر الرجل) تقدم
شرحه قبل ببابين (قوله وحتى تطلع الشمس من مغربها) تقدم شرحه في آخر كتاب الرقاق وذكرت
هناك ما أبداه البيهقي ثم القرطبي احتمالا ان الزمن الذي لا ينفع نفسا ايمانها يحتمل ان يكون
وقت طلوع الشمس من المغرب ثم إذا تمادت الأيام وبعد العهد بتلك الآية عاد نفع الايمان
والتوبة وذكرت من جزم بهذا الاحتمال وبينت أوجه الرد عليه ثم وقفت على حديث لعبد الله
ابن عمرو ذكر فيه طلوع الشمس من المغرب وفيه فمن يومئذ إلى يوم القيامة لا ينفع نفسا ايمانها
لم تكن آمنت من قبل الآية أخرجه الطبراني والحاكم وهو نص في موضع النزاع وبالله التوفيق
(قوله ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه) وقع عند
مسلم من رواية سفيان عن أبي الزناد ويتبايعان الثوب فلا يتبايعانه حتى تقوم وللبيهقي في البعث
من طريق محمد بن زياد عن أبي هريرة ولتقومن الساعة على رجلين قد نشرا بينهما ثوبا يتبايعانه فلا
يتبايعانه ولا يطويانه ونسبة الثوب إليهما في الرواية الأولى باعتبار الحقيقة في أحدهما والمجاز في
الآخر لأن أحدهما مالك والآخر مستام وقوله في الرواية الأخرى يتبايعانه أي يتساومان فيه
مالكه والذي يريد شراءه فلا يتم بينهما ذلك من بغتة قيام الساعة فلا يتبايعانه ولا يطويانه وعند
77

عبد الرزاق عن معمر عن محمد بز زياد عن أبي هريرة رفعه ان الساعة تقوم على الرجلين وهما
ينشران الثوب فما يطويانه ووقع في حديث عقبة بن عامر عند الحاكم لهذه القصة وما بعدها
مقدمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تطلع عليكم قبل الساعة سحابة سوداء من
قبل المغرب مثل الترس فما تزال ترتفع حتى تملأ السماء ثم ينادي مناديا أيها الناس ثلاثا يقول في
الثالثة أتى أمر الله قال والذي نفسي بيده ان الرجلين لينشران الثوب بينهما فما يطويانه الحديث
(قوله ولتقومن الساعة وهو) أي الرجل (قوله يليط حوضه) بفتح أوله من الثلاثي وبضمه
من الرباعي والمعنى يصلحه بالطين والمدر فيسد شقوقه ليملأه ويسقي منه دوابه يقال لاط الحوض
يليطه إذ أصلحه بالمدر ونحوه ومنه قيل اللائط لمن يفعل الفاحشة وجاء في مضارعه يلوط
تفرقة بينه وبين الحوض وحكى القزاز في الحوض أيضا يلوط والأصل في اللوط اللصوق ومنه
كان عمر يليط أهل الجاهلية بمن ادعاهم في الاسلام كذا قال والذي يتبادر ان فاعل الفاحشة
نسب إلى قوم لوط والله أعلم ووقع في حديث عقبة بن عامر المذكور وان الرجل ليمدر حوضه فما
يسقي منه شيئا وفي حديث عبد الله بن عمرو عند الحاكم وأصله في مسلم ثم ينفخ في الصور فيكون
أول من يسمعه رجل يلوط حوضه فيصعق ففي هذا بيان السبب في كونه لا يسقي من حوضه شيئا
ووقع عند مسلم والرجل يليط في حوضه فما يصدر أي يفرغ أو ينفصل عنه حتى تقوم (قوله
فلا يسقي فيه) أي تقوم القيامة من قبل أن يستقي منه (قوله ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته)
بالضم أي لقمته إلى فيه فلا يطعمها أي تقوم الساعة من قبل أن يضع لقمته في فيه أو من قبل
ان يمضغها أو من قبل أن يبتلعها وقد أخرجه البيهقي في البعث من طريق محمد بن زياد عن أبي
هريرة رفعه تقوم الساعة على رجل أكلته في فيه يلوكها فلا يسيغها ولا يلفظها وهذا يؤيد
الاحتمال الأخير وتقدم في أواخر كتاب الرقاق في باب طلوع الشمس من مغربها بسند حديث
الباب طرف منه وهو من قوله لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها وذكر بعده ولتقومن
الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما وبعده ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا
يطمعه وبعده ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه وبعده ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته فزاد
واحدة وهي الحلب وما أدري لم حذفها هنا مع أنه أورد الحديث هنا بتمامه الا هذه الجملة وقد
أوردها الطبراني في جملة الحديث على التفصيل الذي ذكرته في أول الكلام على هذا الحديث ثم
وجدتها ثابتة في الأصل في رواية كريمة والأصيلي وسقطت لأبي ذر والقابسي وقد أخرجه
البيهقي من رواية بشر بن شعيب عن أبيه بلفظ بلبن لقحته من تحتها لا يطعمه وأخرج معه الثلاثة
الأخرى واللقحة بكسر اللام وسكون القاف بعدها مهملة الناقة ذات الدر وهي إذا نتجت لقوح
شهرين أو ثلاثة ثم لبون وهذا كله إشارة إلى أن القيامة تقوم بغتة وأسرعها رفع اللقمة إلى الفم
وقد أخرج مسلم منه في آخر كتاب الفتن هذه الأمور الأربعة الا رفع اللقمة من طريق سفيان بن
عيينة عن أبي الزناد بسنده هذا ولفظه تقوم الساعة والرجل يحلب اللقحة فما يصل الاناء إلى فيه
حتى تقوم والرجلان يتبايعان الثوب والرجل يليط في حوضه وقد ذكرت لفظه فيهما وقد جاء في
حديث عبد الله بن عمرو ما يعرف منه المراد من التمثيل بصاحب الحوض ولفظه ثم ينفخ في
الصور فلا يسمعه أحد الا أصغى وأول من يسمعه رجل يلوط حوض ابله فيصعق أخرجه مسلم
78

وأخرج ابن ماجة وأحمد وصححه الحاكم عن ابن مسعود قال لما كان ليلة أسري برسول الله صلى
الله عليه وسلم لقي إبراهيم وموسى وعيسى فتذاكروا الساعة فبدأوا بإبراهيم فسألوه عنها فلم يكن
عنده منها علم ثم سألوا موسى فلم يكن عنده منها علم فرد الحديث إلى عيسى فقال قد عهد إلي فيما
دون وجبتها فأما وجبتها فلا يعلمها الا الله فذكر خروج الدجال قال فأنزل إليه فاقتله ثم ذكر
خروج يأجوج ومأجوج ثم دعاءه بموتهم ثم بإرسال المطر فيلقي جيفهم في البحر ثم تنسف الجبال
وتمد الأرض مد الأديم فعهد إلى إذا كان ذلك كانت الساعة من الناس كالحامل المتم لا يدري
أهلها متى تفجؤهم بولادتها ليلا كان أو نهارا (قوله باب ذكر الدجال) هو فعال بفتح
أوله والتشديد من الدجل وهو التغطية وسمي الكذاب دجالا لأنه يغطي الحق بباطله ويقال
دجل البعير بالقطران إذا غطاه والاناء بالذهب إذا طلاه وقال ثعلب الدجال المموه سيف مدجل
إذا طلي وقال ابن دريد سمي دجالا لأنه يغطي الحق بالكذب وقيل لضربه نواحي الأرض يقال دجل
مخففا ومشددا إذا فعل ذلك وقيل بل قيل ذلك لأنه يغطي الأرض فرجع إلى الأول وقال القرطبي
في التذكرة اختلف في تسميته دجالا على عشرة أقوال ومما يحتاج إليه في أمر الدجال أصله وهل
هو ابن صياد أو غيره وعلى الثاني فهل كان موجودا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى ومتى
يخرج وما سبب خروجه ومن أين يخرج وما صفته وما الذي يدعيه وما الذي يظهر عند خروجه
من الخوارق حتى تكثر أتباعه ومتى يهلك ومن يقتله فاما الأول فيأتي بيانه في كتاب الاعتصام
في شرح حديث جابر انه كان يحلف ان ابن صياد هو الدجال واما الثاني فمقتضى حديث فاطمة
بنت قيس في قصة تميم الداري الذي أخرجه مسلم انه كان موجودا في العهد النبوي وانه محبوس
في بعض الجزائر وسيأتي بيان ذلك عند شرح حديث جابر أيضا وأما الثالث ففي حديث النواس
عند مسلم انه يخرج عند فتح المسلمين القسطنطينية واما سبب خروجه فأخرج مسلم في حديث
ابن عمر عن حفصة انه يخرج من غضبة يغضبها واما من أين يخرج فمن قبل المشرق جزما ثم جاء في
رواية انه يخرج من خراسان اخرج ذلك أحمد والحاكم من حديث أبي بكر وفي أخرى انه
يخرج من أصبهان أخرجها مسلم وأما صفته فمذكورة في أحاديث الباب واما الذي يدعيه فإنه
يخرج أولا فيدعي الايمان والصلاح ثم يدعي النبوة ثم يدعى الإلهية كما أخرج الطبراني من
طريق سليمان بن شهاب قال نزل على عبد الله بن المعتمر وكان صحابيا فحدثني عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال الدجال ليس به خفاء يجئ من قبل المشرق فيدعو إلى الدين فيتبع ويظهر فلا
يزال حتى يقدم الكوفة فيظهر الدين ويعمل به فيتبع ويحث على ذلك ثم يدعي انه نبي فيفزع
من ذلك كل ذي لب ويفارقه فيمكث بعد ذلك فيقول انا الله فتغشى عينه وتقطع اذنه
ويكتب بين عينيه كافر فلا يخفى على كل مسلم فيفارقه كل أحد من الخلق في قلبه مثقال حبة
من خردل من ايمان وسنده ضعيف * (تنبيه) * اشتهر السؤال عن الحكمة في عدم التصريح
بذكر الدجال في القرآن مع ما ذكر عنه من الشر وعظم الفتنة به وتحذير الأنبياء منه والامر
بالاستعاذة منه حتى في الصلاة وأجيب بأجوبة أحدها انه ذكر في قوله يوم يأتي بعض آيات
ربك لا ينفع نفسا ايمانها فقد أخرج الترمذي وصححه عن أبي هريرة رفعه ثلاثة إذا خرجن
لم ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل الدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها الثاني
79

قد وقعت الإشارة في القرآن إلى نزول عيسى بن مريم في قوله تعالى وان من أهل الكتاب
الا ليؤمنن به قبل موته وفي قوله تعالى وانه لعلم للساعة وصح انه الذي يقتل الدجال فاكتفى بذكر
أحد الضدين عن الآخر ولكونه يلقب المسيح كعيسى لكن الدجال مسيح الضلالة وعيسى مسيح
الهدى الثالث انه ترك ذكره احتقارا وتعقب بذكر يأجوج ومأجوج وليست الفتنة بهم
بدون الفتنة بالدجال والذي قبله وتعقب بأن السؤال باق وهو ما الحكمة في ترك التنصيص عليه
وأجاب شيخنا الامام البلقيني بأنه اعتبر كل من ذكر في القرآن من المفسدين فوجد كل من
ذكر انما هم ممن مضى وانقضى أمره واما من لم يجئ بعد فلم يذكر منهم أحدا انتهى وهذا
ينتقض بيأجوج ومأجوج وقد وقع في تفسير البغوي ان الدجال مذكور في القرآن في قوله
تعالى لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس وان المراد بالناس هنا الدجال من إطلاق
الكل على البعض وهذا ان ثبت أحسن الأجوبة فيكون من جملة ما تكفل النبي صلى الله عليه
وسلم ببيانه والعلم عند الله تعالى واما ما يظهر على يده من الخوارق فسيذكر هنا واما متى يهلك
ومن يقتله فإنه يهلك بعد ظهوره على الأرض كلها الا مكة والمدينة ثم يقصد بيت المقدس
فينزل عيسى فيقتله أخرجه مسلم أيضا وسأذكر لفظه وفي حديث هشام بن عامر سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة فتنة أعظم من الدجال
أخرجه الحاكم وعند الحاكم من طريق قتادة عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد رفعه انه
يخرج يعني الدجال في نقص من الدنيا وخفة من الدين وسوء ذات بين فيرد كل منهل وتطوى له
الأرض الحديث وأخرج نعيم بن حماد في كتاب الفتن من طريق كعب الأحبار قال يتوجه
الدجال فينزل عند باب دمشق الشرقي ثم يلتمس فلا يقدر عليه ثم يرى عند المياه التي عند نهر
الكسوة ثم يطلب فلا يدري أين توجه ثم يظهر بالمشرق فيعطى الخلافة ثم يظهر السحر ثم يدعي
النبوة فتتفرق الناس عنه فيأتي النهر فيأمره ان يسيل إليه فيسيل ثم يأمره أن يرجع فيرجع
ثم يأمره ان ييبس فييبس ويأمر جبل طور وجبل زيتا ان ينتطحا فينتطحا ويأمر الريح أن
تثير سحابا من البحر فتمطر الأرض ويخوض البحر في يوم ثلاث خوضات فلا يبلغ حقويه وإحدى
يديه أطول من الأخرى فيمد الطويلة في البحر فتبلغ قعره فيخرج من الحيتان ما يريد وأخرج
أبو نعيم في ترجمة حسان بن عطية أحد ثقات التابعين من الحلية بسند حسن صحيح إليه قال
لا ينجو من فتنة الدجال الا اثنا عشر ألف رجل وسبعة آلاف امرأة وهذا لا يقال من قبل
الرأي فيحتمل ان يكون مرفوعا أرسله ويحتمل ان يكون أخذه عن بعض أهل الكتاب وذكر
المصنف في الباب أحد عشر حديثا * الحديث الأول (قوله يحيى) هو القطان وإسماعيل هو ابن
أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم (قوله قال لي المغيرة بن شعبة) عند مسلم من رواية إبراهيم بن
حميد عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن المغيرة بن شعبة (قوله ما سأل أحد النبي
صلى الله عليه وسلم عن الدجال ما سألته) في رواية مسلم أكثر مما سألته (قوله وانه قال لي
ما يضرك منه) في رواية مسلم قال وما ينصبك منه بنون وصاد مهملة ثم موحدة من النصب
بمعنى التعب ومثله عنده من رواية يزيد بن هارون عن إسماعيل وزاد فقال لي أي بني وما ينصبك
منه وعنده من طريق هشيم عن إسماعيل وما سؤالك عنه أي وما سبب سؤالك عنه وقال أبو نعيم
80

في المستخرج معنى قوله ما ينصبك أي ما الذي يغمك منه من الغم حتى يهولك أمره (قلت) وهو
تفسير باللازم والا فالنصب التعب وزنه ومعناه ويطلق على المرض لان فيه تعبا قال ابن دريد
يقال نصبه المرض وأنصبه وهو تغير الحال من تعب أو وجع (قوله قلت لانهم يقولون) هو
متعلق بمحذوف تقديره الخشية منه مثلا في رواية المستملي انهم يقولون وهي رواية مسلم
والضمير في أنهم للناس أو لأهل الكتاب (قوله جبل خبز) بضم الخاء المعجمة وسكون الموحدة بعدها
زاي والمراد ان معه من الخبز قدر الجبل وأطلق الخبز وأراد به أصله وهو القمح مثلا زاد في
رواية هشيم عند مسلم معه جبال من خبز ولحم ونهر من ماء وفي رواية إبراهيم بن حميد ان معه
الطعام والأنهار وفي رواية يزيد بن هارون ان معه الطعام والشراب (قوله ونهر ماء) بسكون
الهاء وبفتحها (قوله قال بل هو أهون على الله من ذلك) سقط لفظ بل من رواية مسلم وقال
عياض معناه هو أهون من أن يجعل ما يخلقه على يديه مضلا للمؤمنين ومشككا لقلوب الموقنين
بل ليزداد الذين آمنوا ايمانا ويرتاب الذين في قلوبهم مرض فهو مثل قول الذي يقتله ما كنت أشد
بصيرة مني فيك لا ان قوله هو أهون على الله من ذلك أنه ليس شئ من ذلك معه بل المراد أهون
من أن يجعل شيئا من ذلك آية على صدقه ولا سيما وقد جعل فيه آية ظاهرة في كذبه وكفره يقرأها
من قرأ ومن لا يقرأ زائدة على شواهد كذبه من حدثه ونقصه (قلت) الحامل على هذا التأويل انه
ورد في حديث آخر مرفوع ومعه جبل من خبز ونهر من ماء أخرجه أحمد والبيهقي في البعث من
طريق جنادة بن أبي أمية عن مجاهد قال انطلقنا إلى رجل من الأنصار فقلنا حدثنا بما سمعت
من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدجال ولا تحدثنا عن غيره فذكر حديثا فيه تمطر الأرض
ولا ينبت الشجر ومعه جنة ونار فناره جنة وجنته نار ومعه جبل خبز الحديث بطوله ورجاله
ثقات ولأحمد من وجه آخر عن جنادة عن رجل من الأنصار معه جبال الخبز وأنهار الماء ولأحمد
من حديث جابر معه جبال من خبز والناس في جهد الا من تبعه ومعه نهران الحديث فدل
ما ثبت من ذلك على أن قوله هو أهون على الله من ذلك ليس المراد به ظاهره وانه لا يجعل على يديه
شيئا من ذلك بل هو على التأويل المذكور وسيأتي في الحديث الثامن ان معه جنة ونار
وغفل القاضي ابن العربي فقال في الكلام على حديث المغيرة عند مسلم لما قال له لن يضرك
قال إن معه ماء ونارا (قلت) ولم أر ذلك في حديث المغيرة قال ابن العربي أخذ بظاهر قوله هو أهون
على الله من ذلك من رد من المبتدعة الأحاديث الثابتة ان معه جنة ونارا وغير ذلك قال وكيف يرد
بحديث محتمل ما ثبت في غيره من الأحاديث الصحيحة فلعل الذي جاء في حديث المغيرة جاء قبل أن
يبين النبي صلى الله عليه وسلم أمره ويحتمل ان يكون قوله هو أهون أي لا يجعل له ذلك حقيقة
وانما هو تخييل وتشبيه على الابصار فيثبت المؤمن ويزل الكافر ومال ابن حبان في صحيحه إلى
الآخر فقال هذا لا يضاد خبر أبي مسعود بل معناه انه أهون على الله من أن يكون نهر ماء يجري
فان الذي معه يرى أنه ماء وليس بماء * الحديث الثاني (قوله حدثنا سعد بن حفص) بسكون
العين وفي بعض النسخ بكسرها وزيادة ياء وهو تحريف (قوله شيبان) هو ابن عبد الرحمن نسبه
عباس الدوري عن سعد بن حفص شيخ البخاري فيه أخرجه الإسماعيلي ويحيى هو ابن أبي كثير
(قوله يجئ الدجال حتى ينزل في ناحية المدينة) في حديث أبي سعيد الآتي بعد باب ينزل بعض
81

السباخ التي في المدينة وفي رواية حماد بن سلمة عن إسحاق عن أنس فيأتي سبخة الجرف فيضرب
رواقه فيخرج إليه كل منافق ومنافقة والجرف بضم الجيم والراء بعدها فاء مكان بطريق المدينة
من جهة الشام على ميل وقيل على ثلاثة أميال والمراد بالرواق الفسطاط ولابن ماجة من حديث
أبي أمامة نزل عند الطريق الأحمر عند منقطع السبخة (قوله (1) ترجف ثلاثة رجفات) في رواية
الدوري فترجف وهي أوجه وقد تقدم في آخر كتاب الحج من طريق الأوزاعي عن إسحاق أتم من
هذا وفيه ليس من بلد الا سيطؤه الدجال الا مكة والمدينة وتقدم شرحه هناك والجمع بين قوله
ترجف ثلاث رجفات وبين قوله في الحديث الذي يلي هذا لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال
وفي حديث محجن بن الأدرع عند أحمد والحاكم رفعه يجئ الدجال فيصعد أحدا فيتطلع فينظر
إلى المدينة فيقول لأصحابه الا ترون إلى هذا القصر الأبيض هذا مسجد أحمد ثم يأتي المدينة
فيجد بكل نقب من نقابها ملكا مصلتا سيفه فيأتي سبخة الجرف فيضرب رواقه ثم ترجف المدينة
ثلاث رجفات فلا يبقى منافق ولا منافقة ولا فاسق ولا فاسقة الا خرج إليه فتخلص المدينة فذلك
يوم الخلاص وفي حديث أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الذي تقدمت الإشارة إليه أول
الباب وتطوى له الأرض طي فروة الكبش حتى يأتي المدينة فيغلب على خارجها ويمنع داخلها ثم
يأتي إيليا فيحاصر عصابة من المسلمين وحاصل ما وقع به الجمع ان الرعب المنفي هو الخوف والفزع
حتى لا يحصل لاحد فيها بسبب نزوله قربها شئ منه أو هو عبارة عن غايته وهو غلبته عليها والمراد
بالرجفة الارفاق وهو إشاعة مجيئه وانه لا طاقة لاحد به فيسارع حينئذ إليه من كان يتصف
بالنفاق أو الفسق فيظهر حينئذ تمام انها تنفي خبثها * الحديث الثالث (قوله حدثنا عبد العزيز
ابن عبد الله الخ) ثبت هذا للمستملي وحده هنا وسقط لسائرهم وقد مضى في آخر كتاب الحج
سندا ومتنا وإبراهيم بن سعد أي ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وسعد هو الذي روى عنه محمد
ابن بشر في السند الثاني (قوله لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال) تقدم ضبط المسيح في باب الدعاء
قبل السلام من كتاب الصلاة وهو قبيل كتاب الجمعة وتقدم فيه أيضا ان من قاله بالخاء المعجمة
صحف والقول في سبب تسميته المسيح بما يغني عن اعادته هنا (2) وحكى شيخنا مجد الدين الشيرازي
صاحب القاموس في اللغة انه اجتمع له من الأقوال في سبب تسمية الدجال المسيح خمسون قولا
وبالغ القاضي ابن العربي فقال ضل قوم فرووه المسيخ بالخاء المعجمة وشدد بعضهم السين ليفرقوا
بينه وبين المسيح عيسى بن مريم بزعمهم وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما بقوله في الدجال
مسيح الضلالة فدل على أن عيسى مسيح الهدى فأراد هؤلاء تعظيم عيسى فحرفوا الحديث
(قوله لها يومئذ سبعة أبواب) قال عياض هذا يؤيد أن المراد بالانقاب في حديث أبي هريرة يعني
ثاني أحاديث الباب الذي يليه الأبواب وفوهات الطريق (قوله على كل باب ملكان) كذا في رواية
إبراهيم بن سعد وفي رواية محمد بن بشر لكل باب ملكان وأخرجه الحاكم من رواية الزهري عن
طلحة بن عبد الله بن عوف عن عياض بن مسافع عن أبي بكرة قال أكثر الناس في شأن
مسيلمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم انه كذاب من ثلاثين كذابا قبل الدجال وانه ليس بلد الا ويدخله
رعب الدجال الا المدينة على كل نقب من أنقابها ملكان يذبان عنها رعب المسيح * الحديث الرابع
(قوله حدثنا وهيب) بالتصغير وأيوب هو السختياني (قوله عن ابن عمر أراه عن النبي
82

صلى الله عليه وسلم) القائل أراه عن النبي صلى الله عليه وسلم هو البخاري وقد سقط قوله أراه الخ
للمستملي ولأبي زيد المروزي وأبي أحمد الجرجاني فصارت صورته موقوفا وبذلك جزم الإسماعيلي
فقال بعد أن أورده من رواية أحمد بن منصور الرمادي عن موسى بن إسماعيل شيخ البخاري بسنده
إلى ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رواه البخاري عن موسى فلم يذكر فيه النبي صلى
الله عليه وسلم ورواه أبو نعيم في المستخرج عن الطبراني عن أحمد بن داود المكي عن موسى وصرح
برفعه أيضا واقتصر المزي على ما وقع في رواية السرخسي وغيره بلفظ أراه والحديث في الأصل
مرفوع فقد أخرجه مسلم من رواية حماد بن زيد عن أيوب فقال فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم
وقد تقدم في أحاديث الأنبياء في ترجمة عيسى بن مريم من طريق موسى بن عقبة عن نافع قال
قال عبد الله هو ابن عمر ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بين ظهراني الناس المسيح الدجال فذكر هذا
الحديث وسياقه هناك أتم (قوله أعور العين اليمنى) في رواية غير أبي ذر أعور عين اليمنى بغير ألف
ولام ومثله في رواية الطبراني وقد تقدم في ترجمة عيسى بلفظ أعور عينه اليمنى وتقدم توجيهه
والبحث في اعرابه (قوله كأنها عنبة طافية) يأتي الكلام عليه في الحديث السادس هكذا وقع في
هذا الموضع عند الجميع لم يذكر الموصوف بذلك ومثله في رواية الإسماعيلي لكن قال في آخره
يعني الدجال ووقع في رواية الطبراني في أوله الدجال أعور عين اليمنى (قوله وقال ابن إسحاق) هو
محمد صاحب المغازي (قوله عن صالح بن إبراهيم) أي ابن عبد الرحمن بن عوف وهو أخو سعد بن
إبراهيم (قوله عن أبيه قال قدمت البصرة) أراد بهذا التعليق ثبوت لقاء إبراهيم بن عبد الرحمن
ابن عوف لأبي بكرة لان إبراهيم مدني وقد تستنكر روايته عن أبي بكرة لأنه نزل البصرة من عهد
عمر إلى أن مات (قوله فقال لي أبو بكرة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بهذا) هذا التعليق وصله
الطبراني في الأوسط من رواية محمد بن مسلمة الحراني عن محمد بن إسحاق بهذا السند وبقيته بعد
قوله فلقيت أبا بكرة فقال أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل قرية يدخلها فزع
الدجال الا المدينة يأتيها ليدخلها فيجد على بابها ملكا مصلتا بالسيف فيرده عنها قال الطبراني
لم يروه عن صالح الا ابن إسحاق (قلت) وصالح المذكور ثقة مقل أخرجا له في الصحيحين حديثا واحدا
غير هذا وقوله بهذا يريد أصل الحديث والا فبين لفظ صالح بن إبراهيم ولفظ سعد بن إبراهيم
مغايرات تظهر من سياقهما * الحديث الخامس (قوله حدثنا عبد العزيز بن عبد الله) هو
الأويسي وإبراهيم هو ابن سعد وصالح هو ابن كيسان وابن شهاب هو الزهري (قوله قام
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال) هكذا أورده هنا
وطوله في كتاب الجهاد من طريق معمر عن الزهري بهذا السند وأوله ان عمر انطلق مع النبي
صلى الله عليه وسلم في رهط قبل ابن صياد القصة بطولها وفيه خبأت لك خبيا وفيه فقال عمر دعني
يا رسول الله أضرب عنقه ثم ذكر بعده قال ابن عمر انطلق بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبي بن كعب إلى النخل التي فيها ابن صياد فذكر القصة الأخرى وفيها وهو مضطجع في قطيفة
وفيها لو تركته بين ثم ذكر بعده قال ابن عمر ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم في الناس الحديث فجمع
هذه الأحاديث الثلاثة في أواخر كتاب الجهاد في باب كيف يعرض الاسلام على الصبي وكذا صنع
في كتاب الأدب أورده فيه من طريق شعيب بن أبي حمزة عن الزهري واقتصر في أواخر كتاب
83

الجنائز على الأولين ولم يذكر الثالث أورده فيه من طريق يونس بن يزيد عن الزهري وكذا صنع
في الشهادات أورده فيه من طريق شعيب وقد شرحتهما هناك وأورده مسلم من رواية يعقوب بن
إبراهيم بن سعد عن أبيه بسنده في هذا الباب بتمامه مشتملا على الأحاديث الثلاثة (قوله وما من
نبي الا وقد أنذره قومه) زاد في رواية معمر لقد أنذره نوح قومه وفي حديث أبي عبيدة بن الجراح
عند أبي داود والترمذي وحسنه لم يكن نبي بعد نوح الا وقد أنذر قومه الدجال وعند أحمد لقد أنذره
نوح أمته والنبيون من بعده أخرجه من وجه آخر عن ابن عمر وقد استشكل انذار نوح قومه
بالدجال مع أن الأحاديث قد ثبتت أنه يخرج بعد أمور ذكرت وأن عيسى يقتله بعد أن ينزل من
السماء فيحكم بالشريعة المحمدية والجواب أنه كان وقت خروجه أخفى على نوح ومن بعده
فكأنهم أنذروا به ولم يذكر لهم وقت خروجه فحذروا قومهم من فتنته ويؤيده قوله صلى
الله عليه وسلم في بعض طرقه ان يخرج وانا فيكم فانا حجيجه فإنه محمول على أن ذلك كان قبل ان
يتبين له وقت خروجه وعلاماته فكان يجوز ان يخرج في حياته صلى الله عليه وسلم ثم بين له بعد
ذلك حاله ووقت خروجه فأخبر به فبذلك تجتمع الاخبار وقال ابن العربي انذار الأنبياء قومهم
بأمر الدجال تحذير من الفتن وطمأنينة لها حتى لا يزعزعها عن حسن الاعتقاد وكذلك تقريب
النبي صلى الله عليه وسلم له زيادة في التحذير وأشار مع ذلك إلى انهم إذا كانوا على الايمان ثابتين
دفعوا الشبه باليقين (قوله ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه) قيل إن السر في
اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بالتنبيه المذكور مع أنه أوضح الأدلة في تكذيب الدجال
ان الدجال انما يخرج في أمته دون غيرها ممن تقدم من الأمم ودل الخبر على أن علم كونه يختص
خروجه بهذه الأمة كان طوى عن غير هذه الأمة كما طوي عن الجميع علم وقت قيام الساعة
(قوله إنه أعور وان الله ليس بأعور) انما اقتصر على ذلك مع أن أدلة الحدوث في الدجال ظاهرة
لكون العور أثر محسوس يدركه العالم والعامي ومن لا يهتدي إلى الأدلة العقلية فإذا ادعى
الربوبية وهو ناقص الخلقة والاله يتعالى عن النقص علم أنه كاذب وزاد مسلم في رواية يونس
والترمذي في رواية معمر قال الزهري فأخبرني عمرو بن ثابت الأنصاري أنه أخبره بعض أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يومئذ للناس وهو يحذرهم تعلمون انه
لن ير أحد منكم ربه حتى يموت وعند ابن ماجة نحو هذه الزيادة من حديث أبي أمامة وعند
البزار من حديث عبادة بن الصامت وفيه تنبيه على أن دعواه الربوبية كذب لان رؤية الله تعالى
مقيدة بالموت والدجال يدعي انه الله ويراه الناس مع ذلك وفي هذا الحديث رد على من يزعم أنه يرى
الله تعالى في اليقظة تعالى الله عن ذلك ولا يرد على ذلك رؤية النبي صلى الله عليه وسلم له ليلة
الاسراء لان ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم فأعطاه الله تعالى في الدنيا القوة التي ينعم بها
على المؤمنين في الآخرة * الحديث السادس (قوله عن عقيل) بالضم هو ابن خالد (قوله بينا أنا
نائم أطوف بالكعبة) زاد في ذكر عيسى من أحاديث الأنبياء عن أحمد بن محمد المكي عن إبراهيم
ابن سعد بهذا السند إلى ابن عمر قال لا والله ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعيسى أحمر ولكن
قال بينما الحديث وزاد في رواية شعيب عن ابن شهاب رأيتني قبل قوله أطوف وهو بضم
المثناة وتقدم في التعبير من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر أراني الليلة عند الكعبة وهو
84

بفتح الهمزة وكل ذلك يقتضي انها رؤيا منام والذي نفاه ابن عمر في هذه الرواية جاء عنه إثباته في
رواية مجاهد عنه قال رأيت عيسى وموسى وإبراهيم فاما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر
أما موسى فذكر الحديث وتقدم القول في ذلك في ترجمته مستوفي وان الصواب ان مجاهدا انما
روى هذا عن بن عباس (قوله فإذا رجل آدم) بالمد في رواية مالك رأيت رجلا آدم كأحسن
ما أنت راء من أدم الرجال بضم الهمزة وسكون الدال (قوله سبط الشعر) بفتح المهملة وكسر
الموحدة وسكونها أيضا (قوله ينطف) بكسر الطاء المهملة (أو يهراق) كذا بالشك ولم يشك
في رواية شعيب وزاد في رواية مالك له لمة بكسر اللام وتشديد الميم كأحسن ما أنت راء من اللمم
وفي رواية موسى بن عقبة عن نافع تضرب به لمته بين منكبيه رجل الشعر يقطر رأسه ماء (قوله
قد رجلها) (1) بتشديد الجيم (يقطر ماء) ووقع في رواية شعيب بين رجلين وفي رواية مالك
متكئا على عواتق رجلين يطوف بالبيت وفي حديث ابن عباس ورأيت عيسى بن مريم مربوع
الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس زاد في حديث أبي هريرة بنحوه كأنما خرج من ديماس يعني
الحمام وفي رواية حنظلة عن سالم عن ابن عمر يسكب رأسه أو يقطر وفي حديث جابر عند مسلم
فإذا أقرب من رأيت به شبها عروة بن مسعود (قوله قلت من هذا قالوا ابن مريم) في رواية مالك
فسألت من هذا فقيل المسيح بن مريم وفي رواية حنظلة فقالوا عيسى بن مريم (قوله ثم ذهبت
التفت فإذا رجل جسيم أحمر جعد الرأس أعور العين) زاد في رواية مالك جعد قطط أعور وزاد
شعيب أعور العين اليمنى وقد تقدم القول فيه أول الباب وفي رواية حنظلة ورأيت وراءه رجلا
أحمر جعد الرأس أعور العين اليمنى ففي هذه الطرق انه أحمر ووقع في حديث عبد الله بن مغفل عند
الطبراني انه آدم جعد فيمكن أن تكون أدمته صافية ولا ينافي ان يوصف مع ذلك بالحمرة لان كثيرا
من الأدم قد تحمر وجنته ووقع في حديث سمرة عند الطبراني وصححه ابن حبان والحاكم ممسوح
العين اليسرى كأنها عين أبي يحيى شيخ من الأنصار انتهى وهو بكسر المثناة الفوقانية ضبطه ابن
مأكولا عن جعفر المستغفري ولا يعرف الا من هذا الحديث (قوله كأن عينه عنبة طافية)
بياء غير مهموزة أي بارزة ولبعضهم بالهمز أي ذهب ضوؤها قال القاضي عياض رويناه عن
الأكثر بغير همز وهو الذي صححه الجمهور وجزم به الأخفش ومعناه انها ناتئة نتوء حبة العنب من
بين أخواتها قال وضبطه بعض الشيوخ بالهمز وأنكره بعضهم ولا وجه لانكاره فقد جاء في آخر
انه ممسوح العين مطموسة وليست جحراء ولا ناتئة وهذه صفة حبة العنب إذا سأل ماؤها وهو
يصحح رواية الهمز (قلت) الحديث المذكور عند أبي داود يوافقه حديث عبادة بن الصامت
ولفظه رجل قصير أفحج بفاء ساكنة ثم مهملة مفتوحة ثم جيم من الفحج وهو تباعد ما بين الساقين
أو الفخذين وقيل تداني صدور القدمين مع تباعد العقبين وقيل هو الذي في رجله اعوجاج وفي
الحديث المذكور جعد أعور مطموس العين ليست بناتئة بنون ومثناة ولا جحراء بفتح الجيم
وسكون المهملة ممدود أي عميقة وبتقديم الحاء أي ليست متصلبة وفي حديث عبد الله بن
مغفل ممسوح العين وفي حديث سمرة مثله وكلاهما عند الطبراني ولكن في حديثهما أعور
العين اليسرى ومثله لمسلم من حديث حذيفة وهذا بخلاف قوله في حديث الباب أعور العين
اليمنى وقد اتفقا عليه من حديث ابن عمر فيكون أرجح والى ذلك أشار ابن عبد البر لكن جمع بينهما
85

القاضي عياض فقال تصحح الروايتان معا بأن تكون المطموسة والممسوحة هي العوراء الطافئة
بالهمز أي التي ذهب ضوؤها وهي العين اليمنى كما في حديث ابن عمر وتكون الجاحظة التي كأنها
كوكب وكأنها نخاعة في حائط هي الطافية بلا همز وهي العين اليسرى كما جاء في الرواية الأخرى
وعلى هذا فهو أعور العين اليمنى واليسرى معا فكل واحدة منهما عوراء أي معيبة فإن الأعور
من كل شئ المعيب وكلا عيني الدجال معيبة فاحداهما معيبة بذهاب ضوئها حتى ذهب ادراكها
والاخرى بنتوئها انتهى قال النووي هو في نهاية الحسن وقال القرطبي في المفهم حاصل كلام
القاضي ان كل واحدة من عيني الدجال عوراء إحداهما بما أصابها حتى ذهب إدراكها والاخرى
بأصل خلقها معيبة لكن يبعد هذا التأويل أن كل واحدة من عينيه قد جاء وصفها في الرواية
بمثل ما وصفت به الأخرى من العور فتأمله وأجاب صاحبه القرطبي في التذكرة بأن الذي تأوله
القاضي صحيح فان المطموسة وهي التي ليست ناتئة ولا جحراء هي التي فقدت الادراك والاخرى
وصفت بأن عليها ظفرة غليظة وهي جلدة تغشى العين وإذا لم تقطع عميت العين وعلى هذا فالعور
فيهما لان الظفرة مع غلظها تمنع الادراك أيضا فيكون الدجال أعمى أو قريبا منه الا انه جاء ذكر
الظفرة في العين اليمنى في حديث سفينة وجاء في العين الشمال في حديث سمرة فالله أعلم (قلت)
وهذا هو الذي أشار إليه شيخه بقوله ان كل واحدة منهما جاء وصفها بمثل ما وصفت الأخرى ثم قال
في التذكرة يحتمل أن تكون كل واحدة منهما عليها ظفرة فان في حديث حذيفة انه ممسوح العين
عليها ظفرة غليظة قال وإذا كانت الممسوحة عليها ظفرة فالتي ليست كذلك أولى قال وقد
فسرت الظفرة بأنها لحمة كالعلقة (قلت) وقع في حديث أبي سعيد عند أحمد وعينه اليمنى عوراء
جاحظة لا تخفى كأنها نخاعة في حائط مجصص وعينه اليسرى كأنها كوكب دري فوصف عينيه
معا ووقع عند أبي يعلى من هذا الوجه أعور ذو حدقة جاحظة لا تخفى كأنها كوكب دري
ولعلها أبين لان المراد بوصفها بالكوكب شدة اتقادها وهذا بخلاف وصفها بالطمس ووقع في
حديث أبي بن كعب عند أحمد والطبراني إحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء وهو يوافق وصفها
بالكوكب ووقع في حديث سفينة عند أحمد والطبراني أعور عينه اليسرى بعينه اليمنى ظفرة
غليظة والذي يتحصل من مجموع الاخبار ان الصواب في طافية انه بغير همز فإنها قيدت في رواية
الباب بأنها اليمنى وصرح في حديث عبد الله بن مغفل وسمرة وأبي بكرة بأن عينه اليسرى ممسوحة
والطافية هي البارزة وهي غير الممسوحة والعجب ممن يجوز رواية الهمز في طافية وعدمه مع تضاد
المعنى في حديث واحد فلو كان ذلك في حديثين لسهل الامر وأما الظفرة فجائز أن تكون في كلا
عينيه لأنه لا يضاد الطمس ولا النتوء وتكون التي ذهب ضوؤها هي المطموسة والمعيبة مع بقاء
ضوئها هي البارزة وتشبيهها بالنخاعة في الحائط المجصص في غاية البلاغة واما تشبيهها بالزجاجة
الخضراء وبالكوكب الدري فلا ينافي ذلك فان كثيرا ممن يحدث له في عينه النتوء يبقى معه الادراك
فيكون الدجال من هذا القبيل والله أعلم قال ابن العربي في اختلاف صفات الدجال بما ذكر من
النقص بيان أنه لا يدفع النقص عن نفسه كيف كان وانه محكوم عليه في نفسه وقال البيضاوي
الظفرة لحمة تنبت عند الماق وقيل جلدة تخرج في العين من الجانب الذي يلي الانف ولا يمنع أن تكون
في العين السالمة بحيث لا تواري الحدقة بأسرها بل تكون على حدتها (قوله هذا الدجال)
86

في رواية شعيب قلت من هذا قالوا وكذا في رواية حنظلة وفي رواية مالك فقيل المسيح الدجال
ولم أقف على اسم القائل معينا (قوله أقرب الناس به شبها ابن قطن) زاد في رواية شعيب وابن
قطن رجل من بني المصطلق من خزاعة وفي رواية حنظلة أشبه من رأيت به ابن قطن وزاد أحمد
ابن محمد المكي في روايته قال الزهري هلك في الجاهلية وقدمت هناك سياق نسبه إلى خزاعة
من فوائد الدمياطي وسأذكر اسمه في آخر الباب مع بقية صفته إن شاء الله تعالى واستشكل كون
الدجال يطوف بالبيت وكونه يتلو عيسى بن مريم وقد ثبت انه إذا رآه يذوب وأجابوا عن ذلك بأن
الرؤيا المذكورة كانت في المنام ورؤيا الأنبياء وإن كانت وحيا لكن فيها ما يقبل التعبير وقال
عياض لا اشكال في طواف عيسى بالبيت واما الدجال فلم يقع في رواية مالك انه طاف وهي أثبت
ممن روى طوافه وتعقب بأن الترجيح مع إمكان الجمع مردود لان سكوت مالك عن نافع عن ذكر
الطواف لا يرد رواية الزهري عن سالم وسواء ثبت انه طاف أم لم يطف فرؤيته إياه بمكة مشكلة
مع ثبوت انه لا يدخل مكة ولا المدينة وقد انفصل عنه القاضي عياض بان منعه من دخولها انما هو
عند خروجه في آخر الزمان (قلت) ويؤيده ما دار بين أبي سعيد وبين ابن صياد فيما أخرجه
مسلم وان ابن صياد قال له ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم انه لا يدخل مكة ولا المدينة وقد خرجت
من المدينة أريد مكة فتأوله من جزم بان ابن صياد هو الدجال على أن المنع انما هو حيث يخرج
وكذا الجواب عن مشيه وراء عيسى عليه السلام * الحديث السابع حديث عائشة سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ في صلاته من فتنة الدجال وهو مختصر من حديث تقدم
بتمامه في باب الدعاء قبل السلام وهو قبيل كتاب الجمعة أورده من طريق شعيب عن الزهري بهذا
السند مطولا ثم قال وعن الزهري فذكر هذا الحديث هنا * الحديث الثامن (قوله أخبرني
أبي) هو عثمان بن جبلة بفتح الجيم والموحدة ابن أبي رواد بفتح الراء وتشديد الواو (قوله عن
عبد الملك) هو ابن عمير ونسب عند مسلم في رواية محمد بن جعفر عن شعبة فقال عن عبد الملك
ابن عمير (قوله ربعي) بكسر الراء وسكون الموحدة وكسر العين المهملة اسم بلفظ النسب وهو
ابن حراش بمهملة وآخره معجمة وحذيفة هو ابن اليمان (قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في
الدجال ان معه) كذا ذكره شعبة مختصرا وتقدم في أول ذكر بني إسرائيل من طريق أبي عوانة
عن عبد الملك عن ربعي قال قال عقبة بن عمرو لحذيفة الا تحدثنا ما سمعت من رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال سمعته يقول إن مع الدجال إذا خرج وكذا لمسلم من طريق شعيب بن صفوان
عن عبد الملك (قوله إن معه ماء ونارا) عند مسلم من طريق نعيم بن أبي نعيم بن أبي هند عن ربعي
اجتمع حذيفة وأبو مسعود فقال حذيفة لأنا بما مع الدجال أعلم منه وفي رواية أبي مالك الأشجعي
عن ربعي عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنا اعلم بما مع الدجال منه معه
نهران يجريان أحدهما رأي العين ماء أبيض والآخر رأي العين نار تأجج وفي رواية شعيب
ابن صفوان فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق واما الذي يراه الناس نارا فماء بارد الحديث وفي
حديث سفينة عند أحمد والطبراني معه واديان أحدهما جنة والآخر نار فناره جنة وجنته نار
وفي حديث أبي أمامة عند ابن ماجة وان من فتنته ان معه جنة ونارا فناره جنة وجنته نار فمن
ابتلي بناره فليستغث بالله وليقرأ فواتح الكهف فتكون عليه بردا وسلاما (قوله فناره ماء
87

بارد وماؤه نار) زاد محمد بن جعفر في روايته فلا تهلكوا وفي رواية أبي مالك فان أدركه أحد
فليأت النهر الذي يراه نارا وليغمض ثم ليطأطئ رأسه فيشرب وفي رواية شعيب بن صفوان
فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يراه نارا فإنه ماء عذب طيب وكذا في رواية أبي عوانة وفي
حديث أبي سلمة عن أبي هريرة وانه يجئ معه مثل الجنة والنار فالتي يقول إنها الجنة هي النار
أخرجه أحمد وهذا كله يرجع إلى اختلاف المرئي بالنسبة إلى الرائي فاما ان يكون الدجال ساحرا
فيخيل الشئ بصورة عكسه واما ان يجعل الله باطن الجنة التي يسخرها الدجال نارا وباطن النار
جنة وهذا الراجح واما ان يكون ذلك كناية عن النعمة والرحمة بالجنة وعن المحنة والنقمة بالنار
فمن أطاعه فانعم عليه بجنته يؤل أمره إلى دخول نار الآخرة وبالعكس ويحتمل ان يكون ذلك
من جملة المحنة والفتنة فيرى الناظر إلى ذلك من دهشته النار فيظنها جنة وبالعكس * الحديث
التاسع (قوله عن قتادة عن أنس) يأتي في التوحيد عن حفص بن عمر عن شعبة أنبأنا قتادة
سمعت أنسا (قوله ما بعث نبي الا أنذر أمته الأعور الكذاب) في رواية حفص ما بعث الله من نبي
وقد تقدم بيانه في الحديث الخامس (قوله الا انه أعور) بتخفيف اللام وهي حرف تنبيه (قوله
وان ربكم ليس بأعور) تقدم بيان الحكمة فيه في الحديث الخامس بما فيه مقنع (قوله وان
بين عينيه مكتوب كافر) كذا للأكثر وللجمهور مكتوبا ولا اشكال فيه لأنه أما اسم أن واما حال
وتوجيه الأول أنه حذف اسم ان والجملة بعده مبتدأ وخبر في موضع خبر ان والاسم المحذوف
اما ضمير الشأن أو يعود على الدجال ويجوز ان يكون كافر مبتدأ والخبر بين عينيه وعند
مسلم من رواية محمد بن جعفر عن شعبة مكتوب بين عينيه ك ف ر ومن طريق هشام عن
قتادة حدثني أنس بلفظ الدجال مكتوب بين عينيه ك ف ر أي كافر ومن طريق شعيب بن
الحبحاب عن أنس مكتوب بين عينيه كافر ثم تهجاها ك ف ر يقرؤه كل مسلم وفي رواية عمر
ابن ثابت عن بعض الصحابة يقرؤه كل من كره عمله أخرجه الترمذي وهذا أخص من الذي
قبله وفي حديث أبي بكرة عند أحمد يقرؤه الأمي والكاتب ونحوه في حديث معاذ عند البزار
وفي حديث أبي أمامة عند ابن ماجة يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب ولأحمد عن جابر
مكتوب بين عينيه كافر مهجاة ومثله عند الطبراني من حديث أسماء بنت عميس قال ابن العربي
في قوله ك ف ر إشارة إلى أن فعل وفاعل من الكفر انما يكتب بغير ألف وكذا هو في رسم
المصحف وإن كان أهل الخط أثبتوا في فاعل ألفا فذاك لزيادة البيان وقوله يقرؤه كل مؤمن
كاتب وغير كاتب أخبار بالحقيقة وذلك أن الادراك في البصر يخلقه الله للعبد كيف شاء ومتى
شاء فهذا يراه المؤمن بغير بصره وإن كان لا يعرف الكتابة ولا يراه الكافر ولو كان يعرف الكتابة
كما يرى المؤمن الأدلة بعين بصيرته ولا يراها الكافر فيخلق الله للمؤمن الادراك دون تعلم لان
ذلك الزمان تنخرق فيه العادات في ذلك ويحتمل قوله يقرؤه من كره عمله ان يراد به المؤمنون
عموما ويحتمل ان يختص ببعضهم ممن قوى ايمانه وقال النووي الصحيح الذي عليه المحققون أن
الكتابة المذكورة حقيقة جعلها الله علامة قاطعة بكذب الدجال فيظهر الله المؤمن عليها
ويخفيها على من أراد شقاوته وحكى عياض خلافا وأن بعضهم قال هي مجاز عن سمة الحدوث
عليه وهو مذهب ضعيف ولا يلزم من قوله يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب أن لا تكون
88

الكتابة حقيقة بل يقدر الله على غير الكاتب علم الادراك فيقرأ ذلك وأن لم يكن سبق له معرفة
الكتابة وكأن السر اللطيف في أن الكاتب وغير الكاتب يقرأ ذلك لمناسبة أن كونه أعور
يدركه كل من رآه فالله أعلم * الحديث العاشر والحادي عشر (قوله فيه أبو هريرة وابن عباس)
أي يدخل في الباب حديث أبي هريرة وحديث ابن عباس فيحتمل أن يريد أصل الباب فيتناول
كلامه كل شئ ورد مما يتعلق بالدجال من حديث المذكورين ويحتمل أن يريد خصوص
الحديث الذي قبله وهو أن كل نبي أنذر قومه الدجال وهو أقرب فمما ورد عن أبي هريرة في ذلك
ما تقدم في ترجمة نوح من أحاديث الأنبياء من رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة
قال النبي صلى الله عليه وسلم ألا أحدثكم حديثا عن الدجال ما حدث به نبي قومه أنه أعور وانه
يجئ معه تمثال الجنة والنار فالتي يقول إنها الجنة هي النار واني أنذركم كما أنذر به نوح قومه
وأخرج البزار بسند جيد عن أبي هريرة سمعت أبا القاسم الصادق المصدوق يقول يخرج مسيح
الضلالة فيبلغ ما شاء الله أن يبلغ من الأرض في أربعين يوما فيلقى المؤمنون منه شدة شديدة
الحديث ومما ورد في ذلك من حديث ابن عباس ما تقدم أيضا في الملائكة من طريق أبي
العالية عن ابن عباس في ذكر صفة موسى عليه السلام وفيه وذكر أنه رأى الدجال ووقع عند
أحمد والطبراني من طريق أخرى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الدجال
أعور هجان بكسر أوله وتخفيف الجيم أي أبيض أزهر كأن رأسه أصلة أشبه الناس بعبد العزى
ابن قطن فأما هلك الهلك فان ربكم ليس بأعور وفي لفظ للطبراني ضخم فيلماني بفتح الفاء وسكون
التحتانية وفتح اللام وبعد الألف نون أي عظيم الجثة كأن رأسه أغصان شجرة يريد أن شعر
رأسه كثير متفرق قائم أشبه الناس بعبد العزى بن قطن رجل من خزاعة وفي حديث النواس بن
سمعان عند مسلم والترمذي وابن ماجة شاب قطط عينه قائمة ولابن ماجة كأني أشبهه بعبد العزي
ابن قطن وعند البزار من حديث الغلتان بن عاصم أجلى الجبهة عريض النحر ممسوح العين
اليسرى كأنه عبد العزى بن قطن وقد تقدم في ترجمة عيسى سياق نسب عبد العزى بن قطن
ووقع في حديث أبي هريرة عند أحمد نحوه لكن قال كأنه قطن بن عبد العزي وزاد فقال
يا رسول الله هل يضرني شبهه قال لا أنت مؤمن وهو كافر وهذه الزيادة ضعيفة فان في سنده
المسعودي وقد اختلط والمحفوظ انه عبد العزى بن قطن وانه هلك في الجاهلية كما قال الزهري
والذي قال هل يضرني شبهه هو أكتم بن أبي الجون وان ما قاله في حق عمرو بن لحي كما أخرجه أحمد
والحاكم من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رفعه عرضت على النار فرأيت فيها عمرو
ابن لحي الحديث وفيه وأشبه من رأيت به أكتم بن أبي الجون فقال أكتم يا رسول الله أيضرني
شبهه قال لا انك مسلم وهو كافر فاما الدجال فشبهه بعبد العزى بن قطن وشبه عينه الممسوحة
بعين أبي يحيى الأنصاري كما تقدم والله أعلم وفي حديث حذيفة عند مسلم جفال الشعر وهو بضم
الجيم وتخفيف الفاء أي كثيره (قوله باب لا يدخل الدجال المدينة) أي المدينة
النبوية ذكر فيه ثلاثة أحاديث * الأول قوله حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم يوما حديثا طويلا
عن الدجال كذا ورد من هذا الوجه مبهما وقد ورد من غير هذا الوجه عن أبي سعيد ما لعله يؤخذ
منه ما لم يذكر كما في رواية أبي نضرة عن أبي سعيد انه يهودي وانه لا يولد له وانه لا يدخل المدينة
89

ولا مكة أخرجه مسلم وفي رواية عطية عن ابن أبي سعيد رفعه في صفة عين الدجال كما تقدم وفيه
ومعه مثل الجنة والنار وبين يديه رجلان ينذران أهل القرى كلما خرجا من قرية دخل أوائله
أخرجه أبو يعلى والبزار وهو عند أحمد بن منيع مطول وسنده ضعيف وفي رواية أبي الوداك
عن أبي سعيد رفعه في صفة عين الدجال أيضا وفيه معه من كل لسان ومعه صورة الجنة خضراء
يجري فيها الماء وصورة النار سوداء تدخن (قوله يأتي الدجال) أي إلى ظاهر المدينة (قوله فينزل
بعض السباخ) بكسر المهملة وتخفيف الموحدة جمع سبخة بفتحتين وهي الأرض الرملة التي
لا تنبت لملوحتها وهذه الصفة خارج المدينة من غير جهة الحرة (قوله التي تلي المدينة) أي من
قبل الشام (قوله فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خيار الناس) في رواية صالح
عن ابن شهاب عند مسلم أو من خير الناس وفي رواية أبي الوداك عن أبي سعيد عند مسلم فيتوجه
قبله رجل من المؤمنين فيلقاه مسالح الدجال فيقولون أو ما تؤمن بربنا فيقول ما بربنا خفاء
فينطلقون به إلى الدجال بعد أن يريدوا قتله فإذا رآه قال يا أيها الناس هذا الدجال الذي ذكره
رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية عطية فيدخل القرى كلها غير مكة والمدينة حرمتا عليه
والمؤمنون متفرقون في الأرض فيجمعهم الله فيقول رجل منهم والله لانطلقن فلأنظرن هذا
الذي أنذرناه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمنعه أصحابه خشية أن يفتتن به فيأتي حتى إذا أتى أدنى
مسلحة من مسالحه أخذوه فسألوه ما شأنه فيقول أريد الدجال الكذاب فيكتبون إليه بذلك
فيقول أرسلوا به إلي فلما رآه عرفه (قوله فيقول أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم حديثه) في رواية عطية أنت الدجال الكذاب الذي أنذرناه رسول الله صلى الله عليه وسلم
وزاد فيقول له الدجال لتطيعني فيما آمرك به أو لاشقنك شقتين فينادي يا أيها الناس هذا المسيح
الكذاب (قوله فيقول الدجال أرأيتم ان قلت هذا ثم أحييته هل تشكون في الامر فيقولون
لا) في رواية عطية ثم يقول الدجال لأوليائه وهذا يوضح ان الذي يجيبه بذلك اتباعه ويرد قول
من قال إن المؤمنين يقولون له ذلك تقية أو مرادهم لا نشك أي في كفرك وبطلان قولك (قوله
فيقتله ثم يحييه) في رواية أبي الوداك فيأمر به الدجال فيشبح فيشبع ظهره وبطنه ضربا فيقول
اما تؤمن بي فيقول أنت المسيح الكذاب فيؤمر به فيوشر بالميشار من مفرقه حتى يفرق بين
رجليه ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول قم فيستوي قائما وفي حديث النواس بن سمعان
عند مسلم فيدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين ثم يدعوه فيقبل ويتهلل
وجهه يضحك وفي رواية عطية فيأمر به فيمد برجليه ثم يأمر بحديدة فتوضع على عجب ذنبه ثم
يشقه شقتين ثم قال الدجال لأوليائه أرأيتم ان أحييت لكم هذا ألستم تعلمون اني ربكم فيقولون
نعم فيأخذ عصا فضرب أحد شقيه فاستوى قائما فلما رأى ذلك أولياؤه صدقوه وأحبوه
وأيقنوا بذلك أنه ربهم وعطية ضعيف قال ابن العربي هذا اختلاف عظيم يعني في قتله بالسيف
وبالميشار قال فيجمع بأنهما رجلان يقتل كلا منهما قتله غير قتله الآخر كذا قال والأصل عدم
التعدد ورواية الميشار تفسير رواية الضرب بالسيف فلعل السيف كان فيه فلول فصار كالميشار
وأراد المبالغة في تعذيبه بالقتلة المذكورة ويكون قوله فضربه بالسيف مفسرا لقوله أنه نشره
وقوله فيقطعه جزلتين إشارة إلى آخر أمره لما ينتهي نشره قال ابن العربي وقد وقع في قصة الذي
90

قتله الخضر انه وضع يده في رأسه فاقتلعه وفي أخرى فأضجعه بالسكين فذبحه فلم يكن بد من ترجيح
إحدى الروايتين على الأخرى لكون القصة واحدة (قلت) وقد تقدم في تفسير الكهف بيان
التوفيق بين الروايتين أيضا بحمد الله تعالى قال الخطابي فان قيل كيف يجوز ان يجري الله
الآية على يد الكافر فان احياء الموتى آية عظيمة من آيات الأنبياء فكيف ينالها الدجال وهو
كذاب مفتر يدعي الربوبية فالجواب انه على سبيل الفتنة للعباد إذ كان عندهم ما يدل على أنه
مبطل غير محق في دعواه وهو أنه أعور مكتوب على جبهته كافر يقرؤه كل مسلم فدعواه داحضة مع
وسم الكفر ونقص الذات والقدر إذ لو كان الها لا زال ذلك عن وجهه وآيات الأنبياء سالمة من
المعارضة فلا يشتبهان وقال الطبري لا يجوز ان تعطى أعلام الرسل لأهل الكذب والإفك في
الحالة التي لا سبيل لمن عاين ما أتى به فيها الا الفصل بين المحق منهم والمبطل فاما إذا كان لمن عاين
ذلك السبيل إلى علم الصادق من الكاذب فمن ظهر ذلك على يده فلا ينكر إعطاء الله ذلك للكذابين
فهذا بيان الذي أعطيه الدجال من ذلك فتنة لمن شاهده ومحنة لمن عاينه انتهى وفي الدجال مع
ذلك دلالة بينة لمن عقل على كذبه لأنه ذو أجزاء مؤلفة وتأثير الصنعة فيه ظاهر مع ظهور الآفة
به من عور عينيه فإذا دعا الناس إلى أنه ربهم فأسوأ حال من يراه من ذوي العقول أن يعلم أنه
لم يكن ليسوي خلق غيره ويعدله ويحسنه ولا يدفع النقص عن نفسه فأقل ما يجب أن يقول
يا من يزعم أنه خالق السماء والأرض صور نفسك وعدلها وأزل عنها العاهة فان زعمت أن الرب
لا يحدث في نفسه شيئا فأزل ما هو مكتوب بين عينيك وقال المهلب ليس في اقتدار الدجال على
احياء المقتول المذكور ما يخالف ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم هو أهون على الله من ذلك
أي من أن يمكن من المعجزات تمكينا صحيحا فان اقتداره على قتل الرجل ثم احيائه لم يستمر له فيه
ولا في غيره ولا استضر به المقتول الا ساعة تألمه بالقتل مع حصول ثواب ذلك له وقد لا يكون
وجد للقتل ألما لقدرة الله تعالى على دفع ذلك عنه وقال ابن العربي الذي يظهر على يد الدجال
من الآيات من إنزال المطر والخصب على من يصدقه والجدب على من يكذبه واتباع كنوز
الأرض له وما معه من جنة ونار ومياه تجري كل ذلك محنة من الله واختبار ليهلك المرتاب
وينجو المتيقن وذلك كله أمر مخوف ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لا فتنة أعظم من فتنة الدجال
وكان يستعيذ منها في صلاته تشريعا لامته وأما قوله في الحديث الآخر عند مسلم غير الدجال
أخوف لي عليكم فإنما قال ذلك للصحابة لان الذي خافه عليهم أقرب إليهم من الدجال فالقريب
المتيقن وقوعه لمن يخاف عليه يشتد الخوف منه على البعيد المظنون وقوعه به ولو كان أشد
(قوله فيقول والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم) في رواية أبي الوداك ما ازددت فيك
الا بصيرة ثم يقول يا أيها الناس انه لا يفعل بعدي بأحد من الناس وفي رواية عطية فيقول له
الدجال اما تؤمن بي فيقول انا الآن أشد بصيرة فيك مني ثم نادى في الناس يا أيها الناس هذا
المسيح الكذاب من اطاعه فهو في النار ومن عصاه فهو في الجنة ونقل ابن التين عن الداودي
ان الرجل إذا قال ذلك للدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء كذا قال والمعروف ان ذلك انما يحصل
للدجال إذا رأى عيسى بن مريم (قوله فيريد الدجال ان يقتله فلا يسلط عليه) في رواية أبي
الوداك فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاس فلا يستطيع إليه سبيلا
91

وفي رواية عطية فقال له الدجال لتطيعني أو لأذبحنك فقال والله لا أطيعك أبدا فأمر به فأضجع فلا
يقدر عليه ولا يتسلط عليه مرة واحدة زاد في رواية عطية فأخذ يديه ورجليه فألقي في النار وهي
غبراء ذات دخان وفي رواية أبي الوداك فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس انه
قذفه إلى النار وانما ألقي في الجنة زاد في رواية عطية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك
الرجل أقرب أمتي مني وأرفعهم درجة وفي رواية أبي الوداك هذا أعظم شهادة عند رب العالمين
ووقع عند أبي يعلى وعبد بن حميد من رواية حجاج بن أرطاة عن عطية انه يذبح ثلاث مرات ثم
يعود ليذبحه الرابعة فيضرب الله على حلقه بصفيحة نحاس فلا يستطيع ذبحه والأول هو
الصواب ووقع في حديث عبد الله بن عمرو رفعه في ذكر الدجال يدعو برجل لا يسلطه الله الا عليه
فذكر نحو رواية أبي الوداك وفي آخره فيهوي إليه بسفيه فلا يستطيعه فيقول أخروه عني وقد
وقع في حديث عبد الله بن معتمر ثم يدعو برجل فيما يرون فيؤمر به فيقتل ثم يقطع أعضاؤه كل عضو
على حدة فيفرق بينها حتى يراه الناس ثم يجمعها ثم يضرب بعصاه فإذا هو قائم فيقول انا الله الذي
أميت وأحيى قال وذلك كله سحر سحر أعين الناس ليس يعمل من ذلك شيئا وهو سند ضعيف جدا
وفي رواية أبي يعلى من الزيادة قال أبو سعيد كنا نرى ذلك الرجل عمر بن الخطاب لما نعلم من قوته
وجلده ووقع في صحيح مسلم عقب رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال أبو إسحاق يقال إن هذا
الرجل هو الخضر كذا أطلق فظن القرطبي ان أبا إسحاق المذكور هو السبيعي أحد الثقات من
التابعين ولم يصب في ظنه فان السند المذكور لم يجر لأبي إسحاق فيه ذكر وانما أبو إسحاق الذي قال
ذلك هو إبراهيم بن محمد بن سفيان الزاهد راوي صحيح مسلم عنه كما جزم به عياض والنووي وغيرهما
وقد ذكر ذلك القرطبي في تذكرته أيضا قبل فكأن قوله في الموضع الثاني السبيعي سبق قلم ولعل
مستنده في ذلك ما قاله معمر في جامعه بعد ذكر هذا الحديث قال معمر بلغني ان الذي يقتل
الدجال الخضر وكذا أخرجه ابن حبان من طريق عبد الرزاق عن معمر قال كانوا يرون انه الخضر
وقال ابن العربي سمعت من يقول إن الذي يقتله الدجال هو الخضر وهذه دعوى لا برهان لها
(قلت) وقد تمسك من قاله بما أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي عبيدة بن الجراح رفعه
في ذكر الدجال لعله ان يدركه بعض من رآني أو سمع كلامي الحديث ويعكر عليه قوله في رواية لمسلم
تقدم التنبيه عليها شاب ممتلئ شبابا ويمكن ان يجاب بأن من جملة خصائص الخضر ان لا يزال شابا
ويحتاج إلى دليل * الحديث الثاني حديث نعيم عن أبي هريرة على أنقاب المدينة ملائكة تقدم
شرحه في فضائل المدينة أواخر كتاب الحج وتقدم هناك من حديث أنس ليس من بلد الا سيطؤه
الدجال الا مكة والمدينة وكذا وقع في حديث جابر يسيح في الأرض أربعين يوما يرد كل بلدة غير
هاتين البلدتين مكة والمدينة حرمهما الله تعالى عليه يوم من أيامه كالسنة ويوم كالشهر ويوم
كالجمعة وبقية أيامه كأيامكم هذه أخرجه الطبراني وهو عند أحمد بنحوه بسند جيد ولفظه
تطوى له الأرض في أربعين يوما الا ما كان من طيبة الحديث واصله عند مسلم من حديث
النواس بن سمعان بلفظ قلنا يا رسول الله فما لبثه في الأرض قال أربعون يوما فذكره وزاد قلنا
يا رسول الله فذلك اليوم الذي كالسنة يكفينا فيه صلاة يوم قال لا أقدر له قدره قلنا يا رسول الله
وما اسراعه في الأرض قال كالغيث استدبرته الريح وله عن عبد الله بن عمرو يخرج الدجال في
92

أمتي فيمكث أربعين لا أدري أربعين يوما أو أربعين شهرا أو أربعين عاما الحديث والجزم بأنها
أربعون يوما مقدم على هذا الترديد فقد أخرجه الطبراني من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو بلفظ
يخرج يعني الدجال فيمكث في الأرض أربعين صباحا يرد فيها كل منهل الا الكعبة والمدينة وبيت
المقدس الحديث ووقع في حديث سمرة المشار إليه قبل يظهر على الأرض كلها الا الحرمين وبيت
المقدس فيحصر المؤمنين فيه ثم يهلكه الله وفي حديث جنادة بن أبي أمية أتينا رجلا من الأنصار
من الصحابة قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أنذركم المسيح الحديث وفيه يمكث
في الأرض أربعين صباحا يبلغ سلطانه كل منهل لا يأتي أربعة مساجد الكعبة ومسجد الرسول
ومسجد الأقصى والطور أخرجه أحمد ورجاله ثقات * الحديث الثالث حديث أنس (قوله
يأتيها الدجال) أي المدينة (فيجد الملائكة يحرسونها) في حديث محجن بن الأدرع عند أحمد
والحاكم في ذكر المدينة ولا يدخلها الدجال إن شاء الله كلما أراد دخولها تلقاه بكل نقب من نقابها
ملك مصلت سيفه يمنعه عنها وعند الحاكم من طريق أبي عبد الله القراظ سمعت سعد بن مالك
وأبا هريرة يقولان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم بارك لأهل المدينة الحديث وفيه
الا ان الملائكة مشتبكة بالملائكة على كل نقب من أنقابها ملكان يحرسانها لا يدخلها الطاعون
ولا الدجال قال ابن العربي يجمع بين هذا وبين قوله على كل نقب ملكان ان سيف أحدهما
مسلول والآخر بخلافه (قوله فلا يقربها الدجال ولا الطاعون إن شاء الله) قيل هذا الاستثناء
محتمل للتعليق ومحتمل للتبرك وهو أولى وقيل إنه يتعلق بالطاعون فقط وفيه نظر وحديث محجن
ابن الأدرع المذكور آنفا يؤيد أنه لكل منهما وقال القاضي عياض في هذه الأحاديث حجة لأهل
السنة في صحة وجود الدجال وانه شخص معين يبتلي الله به العباد ويقدره على أشياء كاحياء الميت
الذي يقتله وظهور الخصب والنهار والجنة والنار واتباع كنوز الأرض له وأمره السماء فتمطر
والأرض فتنبت وكل ذلك بمشيئة الله ثم يعجزه الله فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره ثم يبطل
أمره ويقتله عيسى بن مريم وقد خالف في ذلك بعض الخوارج والمعتزلة والجهمية فأنكروا
وجوده وردوا الأحاديث الصحيحة وذهب طوائف منهم كالجبائي إلى أنه صحيح الوجود لكن كل
الذي معه مخاريق وخيالات لا حقيقة لها وألجأهم إلى ذلك أنه لو كان ما معه بطريق الحقيقة
لم يوثق بمعجزات الأنبياء وهو غلط منهم لأنه لم يدع النبوة فتكون الخوارق تدل على صدقه وانما
ادعى الإلهية وصورة حاله تكذبه لعجزه ونقصه فلا يغتر به الا رعاع الناس اما لشدة الحاجة والفاقة
واما تقية وخوفا من أذاه وشره مع سرعة مروره في الأرض فلا يمكث حتى يتأمل الضعفاء حاله فمن
صدقه في تلك الحال لم يلزم منه بطلان معجزات الأنبياء ولهذا يقول له الذي يحيه بعد أن يقتله
ما ازددت فيك الا بصيرة (قلت) ولا يعكر على ذلك ما ورد في حديث أبي أمامة عند ابن ماجة انه يبدأ
فيقول انا نبي ثم يثني فيقول انا ربكم فإنه يحمل على أنه انما يظهر الخوارق بعد قوله الثاني
ووقع في حديث أبي أمامة المذكور وان من فتنته أن يقول للاعرابي أرأيت ان بعثت لك أباك
وأمك أتشهد أني ربك فيقول نعم فيمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه يقولان له يا بني اتبعه فإنه
ربك وان من فتنته ان يمر بالحي فيكذبونه فلا تبقى لهم سائمة الا هلكت ويمر بالحي فيصدقونه
فيأمر السماء ان تمطر والأرض ان تنبت فتمطر وتنبت حتى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن
93

ما كانت وأعظم وامدة خواصر وأدرة ضروعا * (قوله باب يأجوج ومأجوج)
تقدم شئ من خبرهم في ترجمة ذي القرنين من أحاديث الأنبياء وانهم من بني آدم ثم بني يافث بن
نوح وبه جزم وهب وغيره وقيل إنهم من الترك قاله الضحاك وقيل يأجوج من الترك ومأجوج
من الديلم وعن كعب هم من ولد آدم من غير حواء وذلك أن آدم نام فاحتلم فامتزجت نطفته
بالتراب فخلق منها يأجوج ومأجوج ورد بان النبي لا يحتلم وأجيب عنه بأن المنفى أن يرى في المنام
انه يجامع فيحتمل ان يكون دفق الماء فقط وهو جائز كما يجوز ان يبول والأول المعتمد والا فأين
كانوا حين الطوفان ويأجوج ومأجوج بغير همزة لأكثر القراء وقرأ عاصم بالهمزة الساكنة
فيهما وهي لغة بني أسد وقرأ العجاج وولده رؤية أأجوج بهمزة بدل الياء وهما اسمان
أعجميان عند الأكثر منعا من الصرف للعلمية والعجمة وقيل بل عربيان واختلف في
اشتقاقهما فقيل من أجيج النار وهو التهابها وقيل من الاجة بالتشديد وهي الاختلاط أو شدة
الحر وقيل من الاج وهو سرعة العدو وقيل من الأجاج هو الماء الشديد الملوحة ووزنهما
يفعول ومفعول وهو ظاهر قراءة عاصم وكذا الباقين إن كانت الألف مسهلة من الهمزة فقيل
فاعول من يج مج وقيل ماجوج من ماج إذا اضطرب ووزنه أيضا مفعول قاله أبو حاتم قال
والأصل موجوج وجميع ما ذكر من الاشتقاق مناسب لحالهم ويؤيد الاشتقاق وقول من
جعله من ماج إذا اضطرب قوله تعالى وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض وذلك حين يخرجون من
السد وجاء في صفتهم ما أخرجه ابن عدي وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وابن مردويه من
حديث حذيفة رفعه قال يأجوج أمة ومأجوج أمة كل أمة أربعمائة ألف لا يموت الرجل
منهم حتى ينظر إلى الف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح وهو من رواية يحيى بن سعيد العطار
عن محمد بن إسحاق عن الأعمش والعطار ضعيف جدا ومحمد بن إسحاق قال ابن عدي ليس هو
صاحب المغازي بل هو العكاشي قال والحديث موضوع وقال ابن أبي حاتم منكر (قلت) لكن
لبعضه شاهد صحيح أخرجه ابن حبان من حديث ابن مسعود رفعه ان يأجوج ومأجوج أقل
ما يترك أحدهم لصلبه ألفا من الذرية وللنسائي من رواية عمرو بن أوس عن أبيه رفعه ان يأجوج
ومأجوج يجامعون ما شاءوا ولا يموت رجل منهم الا ترك من ذريته ألفا فصاعدا وأخرج
الحاكم وابن مردويه من طريق عبد الله بن عمرو ان يأجوج ومأجوج من ذرية آدم ووراءهم
ثلاث أمم ولن يموت منهم رجل الا ترك من ذريته ألفا فصاعدا وأخرج عبد بن حميد بسند صحيح
عن عبد الله بن سلام مثله وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عمرو قال الجن والإنس
عشرة أجزاء فتسعة أجزاء يأجوج ومأجوج وجزء سائر الناس ومن طريق شريح بن عبيد عن
كعب قال هم ثلاثة أصناف صنف أجسادهم كالأرز بفتح الهمزة وسكون الراء ثم زاي هو شجر
كبار جدا وصنف أربعة أذرع في أربعة أدرع وصنف يفترشون آذانهم ويلتحفون بالأخرى
ووقع نحو هذا في حديث حذيفة وأخرج أيضا هو والحاكم من طريق أبي الجوزاء عن ابن عباس
يأجوج ومأجوج شبرا شبرا وشبرين شبرين وأطولهم ثلاثة أشبار وهم من ولد آدم ومن طريق
أبي هريرة رفعه ولد لنوح سام وحام ويافث فولد لسام العرب وفارس والروم وولد لحام القبط
والبربر والسودان وولد ليافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة وفي سنده ضعف ومن
94

رواية سعيد بن بشير عن قتادة قال يأجوج ومأجوج ثنتان وعشرون قبيلة بنى ذو القرنين السد
على إحدى وعشرين وكانت منهم قبيلة غائبة في الغزو وهم الأتراك فبقوا دون السد وأخرج
ابن مردويه من طريق السدي قال الترك سرية من سرايا يأجوج ومأجوج خرجت تغير فجاء
ذو القرنين فبنى السد فبقوا خارجا ووقع في فتاوي الشيخ محيي الدين يأجوج ومأجوج من أولاد
آدم لا من حواء عند جماهير العلماء فيكون إخواننا لأب كذا قال ولم نر هذا عن أحد من السلف
الا عن كعب الأحبار ويرده الحديث المرفوع انهم من ذرية نوح ونوح من ذرية حواء قطعا
(قوله وحدثنا إسماعيل) هو ابن أويس عبد الله الأصبحي وأخوه هو أبو بكر عبد الحميد وسليمان
هو ابن بلال ومحمد بن أبي عتيق نسب لجده وهو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن
أبي بكرة وهذا السند كله مدنيون وهو أنزل من الذي قبله بدرجتين ويقال انه أطول سندا في
البخاري فإنه تساعي وغفل الزركشي فقال فيه أربع نسوة صحابيات وليس كما قال بل فيه ثلاثة
كما قدمت إيضاحه في أوائل الفتن في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ويل للعرب وذكرت هناك
الاختلاف على سفيان بن عيينة في زيادة حبيبة بنت أم حبيبة في الاسناد (قوله إن النبي صلى
الله عليه وسلم دخل عليها يوما فزعا) بفتح الفاء وكسر الزاي في رواية ابن عيينة استيقظ النبي
صلى الله عليه وسلم من النوم محمرا وجهه يقول فيجمع على أنه دخل عليها بعد أن استيقظ النبي
صلى الله عليه وسلم فزعا وكانت حمرة وجهه من ذلك الفزع وجمع بينهما في رواية سليمان بن كثير
عن الزهري عند أبي عوانة فقال فزعا محمرا وجهه (قوله ويل للعرب من شر قد اقترب) خص
العرب بذلك لانهم كانوا حينئذ معظم من أسلم والمراد بالشر ما وقع بعده من قتل عثمان ثم توالت
الفتن حتى صارت العرب بين الأمم كالقصعة بين الأكلة كما وقع في الحديث الآخر يوشك أن تداعى
عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها وان المخاطب بذلك العرب قال القرطبي ويحتمل ان
يكون المراد بالشر ما أشار إليه في حديث أم سلمة ماذا أنزل الليلة من الفتن وماذا أنزل من
الخزائن فأشار بذلك إلى الفتوح التي فتحت بعده فكثرت الأموال في أيديهم فوقع التنافس الذي
جر الفتن وكذلك التنافس على الامرة فان معظم ما أنكروه على عثمان تولية أقاربه من بني أمية
وغيرهم حتى أفضى ذلك أن قتله وترتب على قتله من القتال بين المسلمين ما اشتهر واستمر (قوله
فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج) المراد بالردم السد الذي بناه ذو القرنين وقد قدمت صفته
في ترجمته من أحاديث الأنبياء (قوله مثل هذا وحلق بأصبعيه الابهام والتي تليها) أي جعلهما
مثل الحلقة وقد تقدم في رواية سفيان بن عيينة وعقد سفيان تسعين أو مائة وفي رواية سليمان
ابن كثير عن الزهري عند أبي عوانة وابن مردويه مثل هذه وعقد تسعين ولم يعين الذي عقد أيضا
وفي رواية مسلم عن عمرو الناقد عن ابن عيينة وعقد سفيان عشرة ولابن حبان من طريق
شريح بن يونس عن سفيان وحلق بيده عشرة ولم يعين ان الذي حلق هو سفيان وأخرجه من
طريق يونس عن الزهري بدون ذكر العقد وكذا تقدم في علامات النبوة من رواية شعيب وفي
ترجمة ذي القرنين من طريق عقيل وسيأتي في الحديث الذي بعده وعقد وهيب تسعين وهو عند
مسلم أيضا قال عياض وغيره هذه الروايات متفقة الا قوله عشرة (قلت) وكذا الشك في المائة
لان صفاتها عند أهل المعرفة بعقد الحساب مختلفة وان اتفقت في أنها تشبه الحلقة فعقد العشرة
95

أن يجعل طرف السبابة اليمنى في باطن طي عقدة الابهام العليا وعقد التسعين ان يجعل طرف
السبابة اليمنى في أصلها ويضمها ضما محكما بحيث تنطوي عقدتاها حتى تصير مثل الحية المطوقة
ونقل ابن التين عن الداودي ان صورته ان يجعل السبابة في وسط الابهام ورده ابن التين بما تقدم
فإنه المعروف وعقد المائة مثل عقد التسعين لكن بالخنصر اليسرى فعلى هذا فالتسعون والمائة
متقاربان ولذلك وقع فيهما الشك واما العشرة فمغايرة لهما قال القاضي عياض لعل حديث
أبي هريرة متقدم فزاد الفتح بعده القدر المذكور في حديث زينب (قلت) وفيه نظر لأنه لو كان
الوصف المذكور من أصل الرواية لاتجه ولكن الاختلاف فيه من الرواة عن سفيان بن عيينة
ورواية من روى عنه تسعين أو مائة أتقن وأكثر من رواية من روى عشرة وإذا اتحد مخرج
الحديث ولا سيما في أواخر الاسناد بعد الحمل على التعدد جدا قال ابن العربي في الإشارة
المذكورة دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم عقد الحساب حتى أشار بذلك لمن يعرفه وليس
في ذلك ما يعارض قوله في الحديث الآخر انا أمة لا نحسب ولا نكتب فان هذا انما جاء لبيان
صورة معينة خاصة (قلت) والأولى ان يقال المراد بنفي الحساب ما يتعاناه أهل صناعته من الجمع
والفذلكة والضرب ونحو ذلك ومن ثم قال ولا نكتب واما عقد الحساب فإنه اصطلاح للعرب
تواضعوه بينهم ليستغنوا به عن التلفظ وكان أكثر استعمالهم له عند المساومة في البيع فيضع
أحدهما يده في يد الآخر فيفهمان المراد من غير تلفظ لقصد ستر ذلك عن غيرهما مما يحضرهما
فشبه صلى الله عليه وسلم قدر ما فتح من السد بصفة معروفة عندهم وقد أكثر الشعراء التشبيه بهذه
العقود ومن ظريف ما وقفت عليه من النظم في ذلك قول بعض الأدباء
رب برغوث ليلة بت منه * وفؤادي في قبضة التسعين
أسرته يد الثلاثين حتى * ذاق طعم الحمام في السبعين
وعقد الثلاثين ان يضم طرف الابهام إلى طرف السبابة مثل من يمسك شيا لطيفا كالإبرة
وكذلك البرغوث وعقد السبعين ان يجعل طرف ظفر الابهام بين عقدتي السبابة من باطنها
ويلوي طرف السبابة عليها مثل ناقد الدينار عند النقد وقد جاء في خبر مرفوع ان يأجوج
ومأجوج يحفرون السد كل يوم وهو فيما أخرجه الترمذي وحسنه وابن حبان والحاكم وصححاه
من طريق قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة رفعه في السد يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا
يخرقونه قال الذي عليهم ارجعوا فستخرقونه غدا فيعيده الله كأشد ما كان حتى إذا بلغ مدتهم
وأراد الله ان يبعثهم قال الذي عليهم ارجعوا فستخرقونه غدا إن شاء الله واستثنى قال فيرجعون
فيجدونه كهيئته حين تركوه فيخرقونه فيخرجون على الناس الحديث (قلت) أخرجه الترمذي
والحاكم من رواية أبي عوانة وعبد بن حميد من رواية حماد بن سلمة وابن حبان من رواية سليمان
التيمي كلهم عن قتادة ورجاله رجال الصحيح الا ان قتادة مدلس وقد رواه بعضهم عنه فادخل
بينهما واسطة أخرجه ابن مردويه لكن وقع التصريح في رواية سليمان التيمي عن قتادة بان
أبا رافع حدثه وهو في صحيح ابن حبان وأخرجه ابن ماجة من طريق سعيد بن أبي عروبة عن
قتادة قال حدث أبو رافع وله طريق آخر عن أبي هريرة أخرجه عبد بن حميد من طريق عاصم
عن أبي صالح عنه لكنه موقوف قال ابن العربي في هذا الحديث ثلاث آيات الأولى ان الله
96

منعهم ان يوالوا الحفر ليلا ونهارا الثانية منعهم ان يحاولوا الرقي على السد بسلم أو آلة فلم يلهمهم
ذلك ولا علمهم إياه ويحتمل أن تكون أرضهم لا خشب فيها ولا آلات تصلح لذلك (قلت) وهو
مردود فان في خبرهم عند وهب في المبتدأ ان لهم أشجارا وزروعا وغير ذلك من الآلات فالأول
أولى وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق ابن عمرو بن أوس عن جده رفعه ان يأجوج
ومأجوج لهم نساء يجامعون ما شاءوا وشجر يلقحون ما شاءوا الحديث الثالثة انه صدهم عن
أن يقولوا إن شاء الله حتى يجئ الوقت المحدود (قلت) وفيه ان فيهم أهل صناعة وأهل ولاية
وسلاطة ورعية تطيع من فوقها وان فيهم من يعرف الله ويقر بقدرته ومشيئته ويحتمل أن تكون
تلك الكلمة تجري على لسان ذلك الوالي من غير أن يعرف معناها فيحصل المقصود ببركتها
وقد أخرج عبد بن حميد من طريق كعب الأحبار نحو حديث أبي هريرة وقال فيه فإذا بلغ
الامر ألقى على بعض ألسنتهم نأتي إن شاء الله غدا فنفرغ منه وأخرج بن مردويه من حديث
حذيفة نحو حديث أبي هريرة وفيه فيصبحون وهو أقوى منه بالأمس حتى يسلم رجل منهم
حين يريد الله أن يبلغ أمره فيقول المؤمن غدا نفتحه إن شاء الله فيصبحون ثم يغدون عليه فيفتح
الحديث وسنده ضعيف جدا (قوله قالت زينب بنت جحش) هذا يخصص رواية سليمان بن كثير
بلفظ قالوا أنهلك ويعين أن اللافظ بهذا السؤال هي زينب بنت جحش في راوية الحديث (قوله
أنهلك) بكسر اللام في رواية يزيد بن الأصم عن ميمونة عن زينب بنت جحش في نحو هذا الحديث
فرج الليلة من ردم يأجوج ومأجوج فرجة قلت يا رسول الله أيعذبنا الله وفينا الصالحون
(قوله وفينا الصالحون) كأنها أخذت ذلك من قوله تعالى وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم
(قوله قال نعم إذا كثر الخبث) بفتح المعجمة والموحدة ثم مثلثة فسروه بالزنا وبأولاد الزنا وبالفسوق
والفجور وهو أولى لأنه قابله بالصلاح قال ابن العربي فيه البيان بأن الخير يهلك بهلاك الشرير
إذا لم يغير عليه خبثه وكذلك إذا غير عليه لكن حيث لا يجدي ذلك ويصر الشرير على عمله السئ
ويفشو ذلك ويكثر حتى يعم الفساد فيهلك حينئذ القليل والكثير ثم يحشر كل أحد على نيته
وكأنها فهمت من فتح القدر المذكور من الردم ان الامر ان تمادى على ذلك اتسع الخرق بحيث
يخرجون وكان عندها علم أن في خروجهم على الناس اهلاكا عاما لهم وقد ورد في حالهم عند
خروجهم ما أخرجه مسلم من حديث النواس بن سمعان بعد ذكر الدجال وقتله على يد عيسى قال
ثم يأتيه قوم قد عصمهم الله من الدجال فيمسح وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة فبينما هم
كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى أني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لاحد بقتالهم فحرز عبادي إلى
الطور ويبعث الله يأجوج ومأجوج فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم
فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء ويحصر عيسى نبي الله وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم
خيرا من مائة دينار فيرغب عيسى نبي الله وأصحابه إلى الله فيرسل عليهم النغف بفتح النون والغين
المعجمة ثم فاء في رقابهم فيصبحون فرسى بفتح الفاء وسكون الراء بعدها مهملة مقصور كموت نفس
واحدة ثم يهبط عيسى نبي الله وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر الا ملأه
زهمهم ونتنهم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل طيرا كأعناق البخت فتحملهم
فتطرحهم حيث شاء الله ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها
97

كالزلفة ثم يقال للأرض أنبتي ثمرتك وردي بركتك فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون
تحتها فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن
ومسلم فيبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة (قلت) والزلفة بفتح الزاي
واللام وقيل بتسكينها وقيل بالقاف هي المرآة بكسر الميم وقيل المصنع الذي يتخذ لجمع الماء
والمراد ان الماء يعم جميع الأرض فينظفها حتى تصير بحيث يرى الرائي وجهه فيها وفي رواية
لمسلم أيضا فيقولون لقد قتلنا من في الأرض هلم فلنقتل من في السماء فيرمون بنشابهم إلى السماء
فيردها الله عليهم مخضوبة دما وأخرج الحاكم من طريق أبي حازم عن أبي هريرة نحوه في قصة
يأجوج ومأجوج وسنده صحيح وعند عبد بن حميد من حديث عبد الله بن عمرو فلا يمرون بشئ
الا أهلكوه ومن حديث أبي سعيد رفعة يفتح يأجوج ومأجوج فيعمون الأرض وتنحاز منهم
المسلمون فيظهرون على أهل الأرض فيقول قائلهم هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم فيهز آخر
حربته إلى السماء فترجع مخضبة بالدم فيقولون قد قتلنا أهل السماء فبينما هم كذلك إذ بعث الله
عليهم دواب كنغف الجراد فتأخذ بأعناقهم فيموتون موت الجراد يركب بعضهم بعضا * الحديث
الثاني (قوله وهيب) هو ابن خالد وابن طاوس هو عبد الله (قوله يفتح الردم) كذا هنا وتقدم في
ترجمة ذي القرنين عن مسلم بن إبراهيم عن وهيب فتح بضم الفاء وكسر المثناة وهي رواية أحمد عن
عفان عن وهيب (قوله مثل هذه وعقد وهيب تسعين) أخرجه أبو عوانة من طريق أحمد بن إسحاق
الحضرمي عن وهيب فقال فيه وعقد تسعين ولم يعين الذي عقد فاوهم انه مرفوع وقد
تبين من رواية عفان ومن وافقه ان الذي عقد تسعين هو وهيب وهو موافق لما تقدم في حديث
أم حبيبة من رواية شريح بن يونس عند ابن حبان وسبق الكلام على ذلك مفصلا وقد جاء عن
أبي هريرة مثل أول حديث أم حبيبة لكن فيه زيادة رواها الأعمش عن سهيل بن أبي صالح عن
أبيه عن أبي هريرة قال الأعمش لا أراه الا قد رفعه ويل للعرب من شر قد اقترب أفلح من كف
يده قال أحمد حدثنا محمد بن عبيد حدثنا الأعمش بهذا قال ووقفه أبو معاوية يعني عن الأعمش
بهذا السند عن أبي هريرة * (خاتمة) اشتمل كتاب الفتن من الأحاديث المرفوعة على مائة حديث
وحديث الموصول منها سبعة وثمانون والباقية معلقات ومتابعات المكرر منها فيه وفيما مضى
ثمانون والخالص إحدى وعشرون وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث ابن مسعود شر
الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء وحديث أنس لا يأتي زمان الا والذي بعده شر منه
وحديث عمار وابن مسعود في قصة الجمل وحديث أبي برزة في الانكار على من يقاتل للدنيا
وحديث حذيفة في المنافقين وحديثه في النفاق وحديث أنس في المدينة لا يدخلها الدجال ولا
الطاعون إن شاء الله تعالى وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم خمسة عشر أثرا والله أعلم
* (قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الأحكام) *
كذا للجميع وسقط لفظ باب بعده لغير أبي ذر والاحكام جمع حكم والمراد بيان آدابه وشروطه
وكذا الحاكم ويتناول لفظ الحاكم الخليفة والقاضي فذكر ما يتعلق بكل منهما والحكم الشرعي
عند الأصوليين خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير ومادة الحكم من
98

الاحكام وهو الاتقان للشئ ومنعه من العيب * (قوله باب قول الله تعالى أطيعوا
الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) في هذا إشارة من المصنف إلى ترجيح القول الصائر إلى
أن الآية نزلت في طاعة الامراء خلافا لمن قال نزلت في العلماء وقد رجح ذلك أيضا الطبري وتقدم
في تفسيرها في سورة النساء بسط القول في ذلك وقال ابن عيينة سألت زيد بن أسلم عنها ولم يكن
بالمدينة أحد يفسر القرآن بعد محمد بن كعب مثله فقال اقرأ ما قبلها تعرف فقرأت ان الله يأمركم
ان تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل الآية فقال هذه في
الولاة والنكتة في إعادة العامل في الرسول دون أولي الأمر مع أن المطاع في الحقيقة هو الله
تعالى كون الذي يعرف به ما يقع به التكليف هما القرآن والسنة فكأن التقدير أطيعوا الله فيما
نص عليكم في القرآن وأطيعوا الرسول فيما بين لكم من القرآن وما ينصه عليكم من السنة
أو المعنى أطيعوا الله فيما يأمركم به من الوحي المتعبد بتلاوته وأطيعوا الرسول فيما يأمركم به من
الوحي الذي ليس بقرآن ومن بديع الجواب قول بعض التابيعن لبعض الامراء من بني أمية لما
قال له أليس الله أمركم أن تطيعونا في قوله وأولي الأمر منكم فقال له أليس قد نزعت عنكم يعني
الطاعة إذا خالفتم الحق بقوله فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله
قال الطيبي أعاد الفعل في قوله وأطيعوا الرسول إشارة إلى استقلال الرسول بالطاعة ولم يعده
في أولي الأمر إشارة إلى أنه يوجد فيهم من لا تجب طاعته ثم بين ذلك بقوله فان تنازعتم في شئ كأنه
قيل فإن لم يعملوا بالحق فلا تطيعوهم وردوا ما تخالفتم فيه إلى حكم الله ورسوله وذكر فيه حديثين
* أحدهما حديث أبي هريرة (قوله عبد الله) هو ابن المبارك ويونس هو ابن يزيد (قوله من
أطاعني فقد أطاع الله) هذه الجملة منتزعة من قوله تعالى من يطع الرسول فقد أطاع الله أي لأني
لا آمر الا بما أمر الله به فمن فعل ما آمره به فإنما أطاع من أمرني أن آمره ويحتمل ان يكون المعنى
لان الله أمر بطاعتي فمن أطاعني فقد أطاع أمر الله له بطاعتي وفي المعصية كذلك والطاعة هي
الاتيان بالمأمور به والانتهاء عن المنهي عنه والعصيان بخلافه (قوله ومن أطاع أميري فقد
أطاعني) في رواية همام والأعرج وغيرهما عند مسلم ومن أطاع الأمير ويمكن رد اللفظين لمعنى
واحد فان كل من يأمر بحق وكان عادلا فهو أمير الشارع لأنه تولى بأمره وبشريعته ويؤيده
توحيد الجواب في الامرين وهو قوله فقد أطاعني أي عمل بما شرعته وكان الحكمة في تخصيص
أميره بالذكر انه المراد وقت الخطاب ولأنه سبب ورود الحديث واما الحكم فالعبرة بعموم اللفظ
لا بخصوص السبب ووقع في رواية همام أيضا ومن يطع الأمير فقد أطاعني بصيغة المضارعة وكذا
ومن يعص الأمير فقد عصاني وهو أدخل في إرادة تعميم من خوطب ومن جاء من بعد ذلك قال
ابن التين قيل كانت قريش ومن يليها من العرب لا يعرفون الامارة فكانوا يمتنعون على الامراء
فقال هذا القول يحثهم على طاعة من يأمرهم عليهم والانقياد لهم إذا بعثهم في السرايا وإذا ولاهم
البلاد فلا يخرجوا عليهم لئلا تفترق الكلمة (قلت) هي عبارة الشافعي في الام ذكره في سبب
نزولها وعجبت لبعض شيوخنا الشراح من الشافعية كيف قنع بنسبة هذا الكلام إلى ابن التين
معبرا عنه بصيغة قيل وابن التين انما أخذه من كلام الخطابي ووقع عند أحمد وأبي يعلى والطبراني
من حديث ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فقال ألستم تعلمون أن
99

من أطاعني فقد أطاع الله وان من طاعة الله طاعتي قالوا بلى نشهد قال فان من طاعتي أن تطيعوا
أمراءكم وفي لفظ أئمتكم وفي الحديث وجوب طاعة ولاة الأمور وهي مقيدة بغير الامر بالمعصية
كما تقدم في أوائل الفتن والحكمة في الامر بطاعتهم المحافظة على اتفاق الكلمة لما في الافتراق
من الفساد * الحديث الثاني (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس (قوله أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم) كذا وقع هنا وكذا في العتق من طريق يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع
عن ابن عمر كذلك ووقع عند الطبراني من طريق محمد بن إبراهيم بن دينار عن عبيد الله بن عمر بهذا
فقال عن ابن عمر ان أبا لبابة بن عبد المنذر أخبره فذكر حديث النهي عن قتل الجنان التي في
البيوت وقال كلكم راع الحديث هكذا أورده في مسند أبي لبابة ولكن تقدم في العتق أيضا
من رواية سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديث الباب
فدل على أن قوله وقال معطوف علي ابن عمر لا على أبي لبابة وثبت انه من مسند ابن عمر لا من
مرسله (قوله ألا كلكم راع) كذا فيه والا بتخفيف اللام حرف افتتاح وسقطت من رواية نافع
وسالم عن ابن عمر والراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما اؤتمن على حفظه فهو مطلوب بالعدل
فيه والقيام بمصالحه (قوله فالامام الذي على الناس) أي الامام الأعظم ووقع في رواية عبيد الله
ابن عمر الماضية في العتق فالأمير بدل الامام وكذا في رواية موسى بن عقبة في النكاح ولم يقل الذي
على الناس (قوله راع وهو مسؤول عن رعيته) في رواية سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه الماضية
في الجمعة الامام راع ومسؤول عن رعيته وكذا في الجميع بحذف وهو وهي مقدرة وثبتت في
الاستقراض (قوله والرجل راع على أهل بيته) (1) في رواية سالم في أهل بيته (قوله والمرأة راعية
على أهل بيت زوجها وولده) في رواية عبيد الله بن عمر على بيت بعلها وفي رواية سالم في بيت زوجها
ومثله لموسى لكن قال على (قوله وعبد الرجل راع على مال سيده) في رواية سالم والخادم راع في
مال سيده وفي رواية عبيد الله والعبد بدل الخادم وزاد سالم في روايته وحسبت أنه قال وفي
رواية الاستقراض سمعت هؤلاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحسب النبي صلى الله عليه
وسلم قال والرجل راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته قال الخطابي اشتركوا أي الامام والرجل
ومن ذكر في التسمية أي في الوصف بالراعي ومعانيهم مختلفه فرعاية الامام الأعظم حياطة
الشريعة بإقامة الحدود والعدل في الحكم ورعاية الرجل أهله سياسته لأمرهم وايصالهم
حقوقهم ورعاية المرأة تدبير أمر البيت والأولاد والخدم والنصيحة للزوج في كل ذلك ورعاية
الخادم حفظ ما تحت يده والقيام بما يجب عليه من خدمته (قوله ألا فكلكم راع وكلكم
مسؤول عن رعيته) في رواية أيوب في النكاح مثله وفي رواية سالم في الجمعة وكلكم وفي
الاستقراض فكلكم ومثله في رواية نافع قال الطيبي في هذا الحديث ان الراعي ليس مطلوبا
لذاته وانما أقيم لحفظ ما استرعاه المالك فينبغي أن لا يتصرف الا بما أذن الشارع فيه وهو تمثيل
ليس في الباب ألطف ولا أجمع ولا أبلغ منه فإنه أجمل أولا ثم فصل وأتى بحرف التنبيه مكررا قال
والفاء في قوله ألا فكلكم جواب شرط محذوف وختم بما يشبه الفذلكة إشارة إلى استيفاء
التفصيل وقال غيره دخل في هذا العموم المنفرد الذي لا زوج له ولا خادم ولا ولد فإنه يصدق
عليه انه راع على جوارحه حتى يعمل المأمورات ويجتنب المنهيات فعلا ونطقا واعتقادا
100

فجوارحه وقواه وحواسه رعيته ولا يلزم من الاتصاف بكونه راعيا ان لا يكون مرعيا باعتبار
آخر وجاء في حديث أنس مثل حديث ابن عمر فزاد في آخره فأعدوا للمسئلة جوابا قالوا وما جوابها
قال أعمال البر أخرجه ابن عدي والطبراني في الأوسط وسنده حسن وله من حديث أبي هريرة
ما من راع الا يسئل يوم القيامة أقام أمر الله أم أضاعه ولابن عدي بسند صحيح عن أنس ان الله
سائل كل راع عما استرعاه حفظ ذلك أم ضيعه واستدل به على أن المكلف يؤاخذ بالتقصير في أمر
من هو في حكمه وترجم له في النكاح باب قوا أنفسكم وأهليكم نارا وعلى ان للعبد أن يتصرف في
مال سيده بإذنه وكذا المرأة والولد وترجم لكراهة التطاول على الرقيق وتقدم توجيهه هناك وفي
هذا الحديث بيان كذب الخبر الذي افتراه بعض المتعصبين لبني أمية قرأت في كتاب القضاء لأبي
علي الكرابيسي أنبأنا الشافعي عن عمه هو محمد بن علي قال دخل ابن شهاب على الوليد بن عبد الملك
فمسأله عن حديث ان الله إذا استرعى عبدا الخلافة كتب له الحسنات ولم يكتب له السيئات فقال له
هذا كذب ثم تلا يا داود انا جعلناك خليفة في الأرض إلى قوله بما نسوا يوم الحساب فقال الوليد
ان الناس ليغروننا عن ديننا * (قوله باب) بالتنوين (الامراء من قريش) كذا لأكثر
وفي رواية نقلها عياض عن أبي صفرة الامر بسكون الميم أمر قريش قال وهو تصحيف
(قلت) ووقع في نسخة لأبي ذر عن الكشميهني مثل ما نقل عن ابن أبي صفرة والأول هو المعروف
ولفظ الترجمة لفظ حديث أخرجه يعقوب بن سفيان وأبو يعلى والطبراني من طريق سكين بن عبد
العزيز حدثنا سيار بن سلامة أبو المنهال قال دخلت مع أبي على أبي برزة الأسلمي فذكر الحديث
الذي أوله اني أصبحت ساخطا على احياء قريش وفيه أن ذاك الذي بالشام ان يقاتل الا على الدنيا
وفي آخره سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الامراء من قريش الحديث وقد تقدم التنبيه
عليه في الفتن في باب إذا قال عند قوم شيئا ثم خرج فقال بخلافه وفي لفظ للطبراني الأئمة بدل
الامراء وله شاهد من حديث علي رفعه الا ان الامراء من قريش ما أقاموا ثلاثا الحديث أخرجه
الطبراني وأخرجه الطيالسي والبزار والمصنف في التاريخ من طريق سعد بن إبراهيم عن أنس
بلفظ الأئمة من قريش ما إذا حكموا فعدلوا الحديث وأخرجه النسائي والبخاري أيضا في التاريخ
وأبو يعلى من طريق بكير الجزري عن أنس وله طرق متعددة عن أنس منها للطبراني من رواية
قتادة عن أنس بلفظ ان الملك في قريش الحديث وأخرج أحمد هذا اللفظ مقتصرا عليه من
حديث أبي هريرة ومن حديث أبي بكر الصديق بلفظ الأئمة من قريش ورجاله رجال الصحيح لكن
في سنده انقطاع وأخرجه الطبراني والحاكم من حديث علي بهذا اللفظ الأخير ولما لم يكن شئ
منها على شرط المصنف في الصحيح اقتصر على الترجمة وأورد الذي صح على شرطه مما يؤدي معناه في
الجملة وذكر فيه حديثين * الأول (قوله كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث) قال صالح جزرة الحافظ
لم يقل أحد في روايته عن الزهري عن محمد بن جبير الا ما وقع في رواية نعيم بن حماد عن عبد الله
ابن المبارك يعني التي ذكرها البخاري عقب هذا قال صالح ولا أصل له من حديث ابن المبارك
وكانت عادة الزهري إذا لم يسمع الحديث يقول كان فلان يحدث وتعقبه البيهقي بما أخرجه من
طريق يعقوب بن سفيان عن حجاج بن أبي منيع الرصافي عن جده عن الزهري عن محمد بن
جبير بن مطعم وأخرجه الحسن بن رشيق في فوائده من طريق عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة
101

عن عقيل عن الزهري عن محمد بن جبير (قوله إنه بلغ معاوية) لم أقف على اسم الذي بلغه ذلك
(قوله وهم عنده) أي محمد بن جبير ومن كان وفد معه على معاوية بالشام حينئذ وكان ذلك
كان لما بويع بالخلافة عندما سلم له الحسن بن علي فأرسل أهل المدينة جماعة منهم إليه ليبايعوه
(قوله في وفد من قريش) لم أقف على أسمائهم قال ابن التين وفد فلان على الأمير أي ورد رسولا
والوفد بالسكون جمع وافد كصحب وصاحب (قلت) ورويناه في فوائد (1) أبي يعلى الموصلي
قال حدثنا يحيى بن معين حدثنا أبو اليمان عن شعيب فقال فيه عن محمد بن جبير أيضا وكذا هو في
مسند الشاميين للطبراني من رواية بشر بن شعيب عن أبيه (قوله إن عبد الله بن عمرو) أي ابن
العاص (قوله إنه يكون ملك من قحطان) لم أقف على لفظ حديث عبد الله بن عمرو بن العاص
في ذلك وهل هو مرفوع أو موقوف وقد مضى في الفتن قريبا من حديث أبي هريرة مرفوعا
لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه أورده في باب تغيير الزمان حتى
تعبد الأوثان وفي ذلك إشارة إلى أن ملك القحطاني يقع في آخر الزمان عند قبض أهل الايمان
ورجوع كثير ممن يبقى بعدهم إلى عبادة الأوثان وهم المعبر عنهم بشرار الناس الذين تقوم عليهم
الساعة كما تقدم تقريره هناك وذكرت له هناك شاهدا من حديث ابن عمر فإن كان حديث
عبد الله بن عمرو مرفوعا موافقا لحديث أبي هريرة فلا معنى لانكاره أصلا وإن كان لم يرفعه وكان
فيه قدر زائد يشعر بأن خروج القحطاني يكون في أوائل الاسلام فمعاوية معذور في إنكار ذلك
عليه وقد ذكرت نبذة من أخبار القحطاني في شرح حديث أبي هريرة في الفتن وقال ابن بطال سبب
إنكار معاوية انه حمل حديث عبد الله بن عمرو على ظاهره وقد يكون معناه ان قحطانيا يخرج في
ناحية من النواحي فلا يعارض حديث معاوية والمراد بالامر في حديث معاوية الخلافة كذا
قال ونقل عن المهلب انه يجوز ان يكون ملك يغلب على الناس من غير أن يكون خليفة وانما
أنكر معاوية خشية أن يظن أحد ان الخلافة تجوز في غير قريش فلما خطب بذلك دل على أن
الحكم عندهم كذلك إذ لم ينقل ان أحدا منهم أنكر عليه (قلت) ولا يلزم من عدم انكارهم
صحة إنكار معاوية ما ذكره عبد الله بن عمرو فقد قال ابن التين الذي أنكره معاوية في حديثه
ما يقويه لقوله ما أقاموا الدين فربما كان فيهم من لا يقيمه فيتسلط القحطاني عليه وهو كلام
مستقيم (قوله فإنه بلغني ان رجالا منكم يحدثون أحاديث ليست في كتاب الله ولا تؤثر) أي تنقل
(عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) في هذا الكلام ان معاوية كان يراعي خاطر عمرو بن العاص فما
آثر أن ينص على تسمية ولده بل نسب ذلك إلى رجال بطريق الابهام ومراده بذلك عبد الله بن
عمرو ومن وقع منه التحديث بما يضاهي ذلك وقوله ليست في كتاب الله أي القرآن وهو كذلك
فليس فيه تنصيص على أن شخصا بعينه أو بوصفه يتولى الملك في هذه الأمة المحمدية وقوله لا يؤثر
فيه تقوية لان عبد الله بن عمرو لم يرفع الحديث المذكور إذ لو رفعه لم يتم نفي معاوية ان ذلك لا يؤثر
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعل أبا هريرة لم يحدث بالحديث المذكور حينئذ فإنه كان يتوقى
مثل ذلك كثيرا وانما يقع منه التحديث به في حالة دون حالة وحيث يأمن الانكار عليه ويحتمل
ان يكون مراد معاوية غير عبد الله بن عمرو فلا يكون ذلك نصا على أن عبد الله بن عمرو لم يرفعه
(قوله وأولئك جهالكم) أي الذين يتحدثون بأمور من أمور الغيب لا يستندون فيها إلى الكتاب
102

ولا السنة (قوله فإياكم والأماني) بالتشديد ويجوز التخفيف (قوله التي تضل أهلها) بضم أول
تضل من الرباعي وأهلها بالنصب على المفعولية وروى بفتح أول تضل ورفع أهلها والأماني جمع
أمنية راجع إلى التمني وسيأتي تفسيره في آخر كتاب الأحكام ومناسبة ذكر ذلك تحذير من يسمع من
القحطانيين من التمسك بالخبر المذكور فتحدثه نفسه ان يكون هو القحطاني وقد تكون له قوة
وعشيرة فيطمع في الملك ويستند إلى هذا الحديث فيضل لمخالفته الحكم الشرعي في أن الأئمة من
قريش (قوله فاني سمعت) لما أنكر وحذر أراد ان يبين مستنده في ذلك (قوله إن هذا الامر في
قريش) قد ذكرت شواهد هذا المتن في الباب الذي قبله (قوله لا يعاديهم أحد الا كبه الله في النار
على وجهه) أي لا ينازعهم أحد في الامر الا كان مقهورا في الدنيا معذبا في الآخرة (قوله
ما أقاموا الدين) أي مدة إقامتهم أمور الدين قيل يحتمل ان يكون مفهومه فإذا لم يقيموه لا يسمع
لهم وقيل يحتمل ان لا يقام عليهم وإن كان لا يجوز ابقاؤهم على ذلك ذكرهما ابن التين ثم قال وقد
أجمعوا انه أي الخليفة إذا دعا إلى كفر أو بدعة أنه يقام عليه واختلفوا إذا غصب الأموال
وسفك الدماء وانتهك هل يقام عليه أو لا انتهى وما ادعاه من الاجماع على القيام فيما إذا دعا
الخليفة إلى البدعة مردود الا ان حمل على بدعة تؤدي إلى صريح الكفر والا فقد دعا المأمون
والمعتصم والواثق إلى بدعة القول بخلق القرآن وعاقبوا العلماء من أجلها بالقتل والضرب
والحبس وأنواع الإهانة ولم يقل أحد بوجوب الخروج عليهم بسبب ذلك ودام الامر بضع عشرة
سنة حتى ولى المتوكل الخلافة فأبطل المحنة وأمر بإظهار السنة وما نقله من الاحتمال في قوله
ما أقاموا الدين خلاف ما تدل عليه الأخبار الواردة في ذلك الدالة على العمل بمفهومه أو انهم إذا لم
يقيموا الدين يخرج الامر عنهم وقد ورد في حديث أبي بكر الصديق نظير ما وقع في حديث معاوية
ذكره محمد بن إسحاق في الكتاب الكبير فذكر قصة سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر وفيها فقال أبو
بكر وان هذا الامر في قريش ما أطاعوا الله واستقاموا على أمره وقد جاءت الأحاديث التي أشرت
إليها على ثلاثة أنحاء الأول وعيدهم باللعن إذا لم يحافظوا على المأمور به كما في الأحاديث التي
ذكرتها في الباب الذي قبله حيث قال الامراء من قريش ما فعلوا ثلاثا ما حكموا فعدلوا الحديث
وفيه فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله وليس في هذا ما يقتضي خروج الامر عنهم الثاني
وعيدهم بأن يسلط عليهم من يبالغ في أذيتهم فعند أحمد وأبي يعلى من حديث ابن مسعود رفعه
يا معشر قريش انكم أهل هذا الامر ما لم تحدثوا فإذا غيرتم بعث الله عليكم من يلحاكم كما يلحى
القضيب ورجاله ثقات الا انه من رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عم أبيه عبد الله
ابن مسعود ولم يدركه هذه رواية صالح بن كيسان عن عبيد الله وخالفه حبيب بن أبي ثابت فرواه
عن القاسم بن محمد بن عبد الرحمن عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي مسعود الأنصاري
ولفظه لا يزال هذا الامر فيكم وأنتم ولاته الحديث أخرجه أحمد وفي سماع عبيد الله من أبي
مسعود نظر مبني على الخلاف في سنة وفاته وله شاهد من مرسل عطاء بن يسار أخرجه الشافعي
والبيهقي من طريقه بسند صحيح إلى عطاء ولفظه قال لقريش أنتم أولى الناس بهذا الامر ما كنتم
على الحق الا ان تعدلوا عنه فتلحون كما تلحى هذه الجريدة وليس في هذا أيضا تصريح بخروج الامر
عنه وإن كان فيه اشعار به الثالث الاذن في القيام عليهم وقتالهم والايذان بخروج الامر عنهم كما
103

أخرجه الطيالسي والطبراني من حديث ثوبان رفعه استقيموا لقريش ما استقاموا لكم فإن لم
يستقيموا فضعوا سيوفكم على عواتقكم فأبيدوا خضراءهم فإن لم تفعلوا فكونوا زراعين
أشقياء ورجاله ثقات الا ان فيه انقطاعا لان راويه سالم بن أبي الجعد لم يسمع من ثوبان وله شاهد
في الطبراني من حديث النعمان بن بشير بمعناه وأخرج أحمد من حديث ذي مخبر بكسر الميم
وسكون المعجمة وفتح الموحدة بعدهما راء وهو ابن أخي النجاشي عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال كان هذا الامر في حمير فنزعه الله منهم وصيره في قريش وسيعود إليهم وسنده جيد وهو شاهد
قوى لحديث القحطاني فان حمير يرجع نسبها إلى قحطان وبه يقوى أن مفهوم حديث معاوية
ما أقاموا الدين انهم إذا لم يقوموا الدين خرج الامر عنهم ويؤخذ من بقية الأحاديث ان خروجه
عنهم انما يقع بعد إيقاع ما هددوا به من اللعن أولا وهو الموجب للخذلان وفساد التدبير وقد وقع
ذلك في صدر الدولة العباسية ثم التهديد بتسليط من يؤذيهم عليهم ووجد ذلك في غلبة مواليهم
بحيث صاروا معهم كالصبي المحجور عليه يقتنع بلذاته ويباشر الأمور غيره ثم اشتد الخطب فغلب
عليهم الديلم فضايقوهم في كل شئ حتى لم يبق للخليفة الا الخطبة واقتسم المتغلبون الممالك في جميع
الأقاليم ثم طرأ عليهم طائفة بعد طائفة حتى انتزع الامر منهم في جميع الأقطار ولم يبق للخليفة
الا مجرد الاسم في بعض الأمصار (قوله تابعه نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن معمر عن الزهري
عن محمد بن جبير) يعني عن معاوية به وقد رويناه موصولا في معجم الطبراني الكبير والأوسط قال
حدثنا بكر بن سهل حدثنا نعيم بن حماد فذكره مثل رواية شعيب الا أنه قال بعد قوله فغضب فقال
سمعت ولم يذكر ما قبل قوله سمعت وقال في روايته كب على وجهه بضم الكاف مبنيا لما لم يسم
فاعله قال الطبراني في الأوسط لم يروه عن معمر الا ابن المبارك تفرد به نعيم وكذا أخرجه الذهلي في
الزهريات عن نعيم وقال * كبه الله الحديث الثاني (قوله عاصم بن محمد) أي ابن زيد بن عبد الله بن
عمر (قوله قال ابن عمر) هو جد الرواي عنه (قوله لا يزال هذا الامر في قريش) أي الخلافة يعني
لا يزال الذي يليها قرشيا (قوله ما بقى منهم اثنان) قال ابن هبيرة يحتمل ان يكون على ظاهره وانهم
لا يبقى منهم في آخر الزمان الا اثنان أمير ومؤمر عليه والناس لهم تبع (قلت) في رواية مسلم عن
شيخ البخاري في هذا الحديث ما بقي من الناس اثنان وفي رواية الإسماعيلي ما بقى في الناس اثنان
وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى وليس المراد حقيقة العدد وانما المراد به انتفاء ان يكون الامر في
غير قريش ويحتمل ان يحمل المطلق على المقيد في الحديث الأول ويكون التقدير لا يزال هذا
الامر أي لا يسمى بالخليفة الا من يكون من قريش الا ان يسمى به أحد من غيرهم غلبة وقهرا واما
ان يكون المراد بلفظه الامر وإن كان لفظه لفظ الخبر ويحتمل ان يكون بقاء الامر في قريش في
بعض الأقطار دون بعض فان بالبلاد اليمنية وهى النجود منها طائفة من ذرية الحسن بن علي لم تزل
مملكة تلك البلاد معهم من أواخر المائة الثالثة واما من بالحجاز من ذرية الحسن بن علي وهم
امراء مكة وأمراء ينبع ومن ذرية الحسين بن علي وهم أمراء المدينة فإنهم وان كانوا من صميم
قريش لكنهم تحت حكم غيرهم من ملوك الديار المصرية فبقى الامر في قريش بقطر من الأقطار
في الجملة وكبير أولئك أي أهل اليمن يقال له الامام ولا يتولى الإمامة فيهم الا من يكون عالما متحريا
للعدل وقال الكرماني لم يخل الزمان عن وجود خليفة من قريش إذ في المغرب خليفة منهم
104

على ما قيل وكذا في مصر (قلت) الذي في مصر لا شك في كونه قرشيا لأنه من ذرية العباس والذي
في صعدة وغيرها من اليمن لا شك في كونه قرشيا لأنه من ذرية الحسين بن علي واما الذي في المغرب
فهو حفصي من ذرية أبي حفص صاحب ابن تومرت وقد انتسبوا إلى عمر بن الخطاب وهو قرشي
ولحديث ابن عمر شاهد من حديث ابن عباس أخرجه البزار بلفظ لا يزال هذا الدين واصبا ما بقي
من قريش عشرون رجلا وقال النووي حكم حديث ابن عمر مستمر إلى يوم القيامة ما بقى
من الناس اثنان وقد ظهر ما قاله صلى الله عليه وسلم فمن زمنه إلى الآن لم تزل الخلافة في قريش
من غير مزاحمة لهم على ذلك ومن تغلب على الملك بطريق الشركة لا ينكر ان الخلافة في قريش
وانما يدعي ان ذلك بطريق النيابة عنهم انتهى وقد أورد عليه ان الخوارج في زمن بني أمية تسموا
بالخلافة واحدا بعد واحد ولم يكونوا من قريش وكذلك ادعى الخلافة بنو عبيد وخطب لهم
مصر والشام والحجاز ولبعضهم بالعراق أيضا وأزيل الخلافة ببغداد قدر سنة وكانت مدة بني عبيد
بمصر سوى ما تقدم لهم بالمغرب تزيد على مائتي سنة وادعى الخلافة عبد المؤمن صاحب
ابن تومرت وليس بقرشي وكذلك كل من جاء بعده بالمغرب إلى اليوم والجواب عنه أما عن بني
عبيد فإنهم كانوا يقولون انهم من ذرية الحسين بن علي ولم يبايعوه الا على هذا الوصف والذين
أثبتوا نسبتهم ليسوا بدون من نفاه وأما سائر من ذكر ومن لم يذكر فهم من المتغلبين وحكمهم
حكم البغاة فلا عبرة بهم وقال القرطبي هذا الحديث خبر عن المشروعية أي لا تنعقد الإمامة
الكبرى الا لقرشي مهما وجد منهم أحد وكانه جنح إلى أنه خبر بمعنى الامر وقد ورد الامر بذلك
في حديث جبير بن مطعم رفعه قدموا قريشا ولا تقدموها أخرجه البيهقي وعند الطبراني من
حديث عبد الله بن حنطب ومن حديث عبد الله بن السائب مثله وفي نسخة أبي اليمان عن
شعيب عن أبي هريرة عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة مرسلا انه بلغه مثله وأخرجه الشافعي
من وجه آخر عن ابن شهاب أنه بلغه مثله وفي الباب حديث أبي هريرة رفعه الناس تبع لقريش
في هذا الشأن أخرجاه في الصحيحين من رواية المغيرة بن عبد الرحمن ومسلم أيضا من رواية سفيان بن
عيينة كلاهما عن الأعرج عن أبي هريرة وتقدم في مناقب قريش وأخرجه مسلم أيضا من رواية
همام عن أبي هريرة ولأحمد من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة مثله لكن قال في هذا الامر
وشاهده عند مسلم عن جابر كالأول وعند الطبراني من حديث سهل بن سعد وعند أحمد وابن أبي
شيبة من حديث معاوية وعند البزار من حديث علي وأخرج أحمد من طريق عبد الله بن أبي
الهزيل قال لما قدم معاوية الكوفة قال رجل من بكر بن وائل لئن لم تنته قريش لنجعلن هذا
الامر في جمهور من جماهير العرب غيرهم فقال عمرو بن العاص كذبت سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول قريش قادة الناس قال ابن المنير وجه الدلالة من الحديث ليس من جهة تخصيص
قريش بالذكر فإنه يكون مفهوم لقب ولا حجة فيه عند المحققين وانما الحجة وقوع المبتدأ معرفا
باللام الجنسية لان المبتدأ بالحقيقة ههنا هو الامر الواقع صفة لهذا وهذا لا يوصف الا بالجنس
فمقتضاه حصر جنس الامر في قريش فيصير كأنه قال لا أمر الا في قريش وهو كقوله الشفعة
فيما لم يقسم والحديث وإن كان بلفظ الخبر فهو بمعنى الامر كأنه قال ائتموا بقريش خاصة
وبقية طرق الحديث تؤيد ذلك ويؤخذ منه ان الصحابة اتفقوا على إفادة المفهوم للحصر خلافا
105

لمن أنكر ذلك والى هذا ذهب جمهور أهل العلم ان شرط الامام ان يكون قرشيا وقيد ذلك طوائف
ببعض قريش فقالت طائفة لا يجوز الا من ولد علي وهذا قول الشيعة ثم اختلفوا اختلافا
شديدا في تعيين بعض ذرية علي وقالت طائفة يختص بولد العباس وهو قول أبي مسلم الخرساني
واتباعه ونقل ابن حزم ان طائفة قالت لا يجوز الا في ولد جعفر بن أبي طالب وقالت أخرى في ولد
عبد المطلب وعن بعضهم لا يجوز الا في بني أمية وعن بعضهم لا يجوز الا في ولد عمر قال ابن حزم
ولا حجة لاحد من هؤلاء الفرق وقالت الخوارج وطائفة من المعتزلة يجوز ان يكون الامام غير
قرشي وانما يستحق الإمامة من قام بالكتاب والسنة سواء كان عربيا أم عجميا وبالغ ضرار بن عمرو
فقال تولية غير القرشي أولى لأنه يكون أقل عشيرة فإذا عصي كان أمكن لخلعه وقال أبو بكر بن
الطيب لم يعرج المسلمون على هذا القول بعد ثبوت حديث الأئمة من قريش وعمل المسلمون به
قرنا بعد قرن وانعقد الاجماع على اعتبار ذلك قبل ان يقع الاختلاف (قلت) قد عمل بقول ضرار
من قبل ان يوجد من قام بالخلافة من الخوارج على بني أمية كقطري بفتح القاف والطاء المهملة
ودامت فتنتهم حتى أبادهم المهلب بن أبي صفرة أكثر من عشرين سنة وكذا تسمى بأمير المؤمنين
من غير الخوارج ممن قام على الحجاج كابن الأشعث ثم تسمى بالخلافة من قام في قطر من الأقطار
في وقت ما فتسمى بالخلافة وليس من قريش كبني عباد وغيرهم بالأندلس كعبد المؤمن وذريته
ببلاد المغرب كلها وهؤلاء ضاهوا الخوارج في هذا ولم يقولوا بأقوالهم ولا تمذهبوا بآرائهم بل
كانوا من أهل السنة داعين إليها وقال عياض اشتراط كون الامام قرشيا مذهب العلماء كافة
وقد عدوها في مسائل الاجماع ولم ينقل عن أحد من السلف فيها خلاف وكذلك من بعدهم في
جميع الأمصار قال ولا اعتداد بقول الخوارج ومن وافقهم من المعتزلة لما فيه من مخالفة
المسلمين (قلت) ويحتاج من نقل الاجماع إلى تأويل ما جاء عن عمر من ذلك فقد أخرج أحمد عن
عمر بسند رجاله ثقات أنه قال إن ادركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته فذكر الحديث وفيه فان
أدركني أجلي وقد ومات أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل الحديث ومعاذ بن جبل أنصاري
لا نسب له في قريش فيحتمل ان يقال لعل الاجماع انعقد بعد عمر على اشتراط ان يكون الخليفة
قرشيا أو تغير اجتهاد عمر في ذلك والله أعلم واما ما احتج به من لم يعين الخلافة في قريش من تأمير
عبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة وأسامة وغيرهم في الحروب فليس من الإمامة العظمى في شئ
بل فيه انه يجوز للخليفة استنابة غير القرشي في حياته والله أعلم واستدل بحديث ابن عمر على عدم
وقوع ما فرضه الفقهاء من الشافعية وغيرهم انه إذا لم يوجد قرشي يستخلف كناني فإن لم يوجد فمن
بني إسماعيل فإن لم يوجد منهم أحد مستجمع الشرائط فعجمي وفي وجه جرهمي والا فمن ولد إسحاق
قالو انما فرض الفقهاء ذلك على عادتهم في ذكر ما يمكن ان يقع عقلا وإن كان لا يقع عادة
أو شرعا (قلت) والذي حمل قائل هذا القول عليه انه فهم منه الخبر المحض وخبر الصادق
لا يتخلف واما من حمله على الامر فلا يحتاج إلى هذا التأويل واستدل بقوله قدموا قريشا
ولا تقدموها وبغيره من أحاديث الباب على رجحان مذهب الشافعي لورود الامر بتقديم القرشي
على من ليس قرشيا قال عياض ولا حجة فيها لان المراد بالأئمة في هذه الأحاديث الخلفاء والا فقد
قدم النبي صلى الله عليه وسلم سالما مولى أبي حذيفة في امامة الصلاة ووراءه جماعة من قريش وقدم
106

زيد بن حارثة وابنه أسامة بن زيد ومعاذ بن جبل وعمرو بن العاص في التأمير في كثير من البعوث
والسرايا ومعهم جماعة من قريش وتعقبه النووي وغيره بان في الأحاديث ما يدل على أن للقرشي
مزية على غيره فيصح الاستدلال به لترجيح الشافعي على غيره وليس مراد المستدل به ان الفضل
لا يكون الا للقرشي بل المراد ان كونه قرشيا من أسباب الفضل والتقدم من كما أن أسباب الفضل
والتقدم الورع والفقه والقراءة والسن وغيرها فالمستويان في جميع الخصال إذا اختص أحدهما
بخصلة منها دون صاحبه ترجح عليه فيصح الاستدلال على تقديم الشافعي على من ساواه في
العلم والدين من غير قريش لان الشافعي قرشي وعجب قول القرطبي في المفهم بعد أن ذكر ما ذكره
عياض ان المستدل بهذه الأحاديث على ترجيح الشافعي صحبته غفلة قارنها من صميم التقليد
طيشه كذا قال ولعل الذي أصابته الغفلة من لم يفهم مراد المستدل والعلم عند الله تعالى * (قوله
باب أجر من قضى بالحكمة) سقط لفظ أجر من رواية أبي زيد المروزي وعلى تقدير
ثبوتها فليس في الباب ما يدل عليه فيمكن ان يؤخذ من لازم الاذن في تغبيط من قضى بالحكمة
فإنه يقتضي ثبوت الفضل فيه وما ثبت فيه الفضل ترتب عليه الاجر والعلم عند الله (قوله لقوله
تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) وجه الاستدلال بالآية لما ترجم به ان
منطوق الحديث دل على أن من قضى بالحكمة كان محمودا حتى أنه لا حرج على من تمنى ان
يكون له مثل الذي له من ذلك ليحصل له مثل ما يحصل له من الاجر وحسن الذكر ومفهومه يدل
على أن من لم يفعل ذلك فهو على العكس من فاعله وقد صرحت الآية بأنه فاسق واستدلال
المصنف بها يدل على أنه يرجح قول من قال إنها عامة في أهل الكتاب وفي المسلمين وحكى ابن التين
عن الداودي ان البخاري اقتصر على هذه الآية دون ما قبلها عملا بقول من قال إن الآيتين قبلها
نزلتا في اليهود والنصارى وتعقبه ابن التين بأنه لا قائل بذلك قال ونسق الآية لا يقتضي ما قال
(قلت) وما نفاه ثابت عن بعض التابعين في تفسير الطبري وغيره ويظهر ان يقال إن الآيات وإن كان
سببها أهل الكتاب لكن عمومها يتناول غيرهم لكن لما تقرر من قواعد الشريعة ان
مرتكب المعصية لا يسمى كافرا ولا يسمى أيضا ظالما لان الظلم قد فسر بالشرك بقيت الصفة
الثالثة فمن ثم اقتصر عليها وقال إسماعيل القاضي في احكام القرآن بعد أن حكى الخلاف في
ذلك ظاهر الآيات يدل على أن من فعل مثل ما فعلوا واخترع حكما يخالف به حكم الله وجعله دينا
يعمل به فقد لزمه مثل ما لزمهم من الوعيد المذكور حاكما كان أو غيره وقال ابن بطال مفهوم
الآية ان من حكم بما أنزل الله استحق جزيل الاجر ودل الحديث على جواز منافسته فاقتضى
ان ذلك من أشرف الأعمال وأجل ما يتقرب به إلى الله ويؤيده حديث عبد الله بن أبي أوفى رفعه
الله مع القاضي ما لم يجر الحديث أخرجه ابن المنذر (قلت) وأخرجه أيضا ابن ماجة والترمذي
واستغربه وصححه ابن حبان والحاكم (قوله حدثنا شهاب بن عباد) هو ابن عمر العبدي وإبراهيم بن
حميد هو الرؤاسي بضم الراء وتخفيف الهمزة ثم مهملة وإسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس هو ابن
أبي حازم وعبد الله هو ابن مسعود والسند كله كوفيون (قوله لا حسد الا في اثنتين) رجل بالجر
ويجوز الرفع على الاستئناف والنصب بإضمار أعني (قوله على هلكته) بفتحات أي على اهلاكه
أي انفاقه في الحق (قوله وآخر آتاه الله حكمة) في رواية ابن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد
107

الماضية في كتاب العلم ورجل آتاه الله الحكمة وقد مضى شرحه مستوفى هناك وان المراد
بالحكمة القرآن كما في حديث ابن عمر أو أعم من ذلك وضابطها ما منع الجهل وزجر عن القبح
قال ابن المنير المراد بالحسد هنا الغبطة وليس المراد بالنفي حقيقته والا لزم الخلف لان الناس
حسدوا في غير هاتين الخصلتين وغبطوا من فيه سواهما فليس هو خبرا وانما المراد به الحكم
ومعناه حصر المرتبة لعليا من الغبطة في هاتين الخصلتين فكأنه قال هما آكد القربات التي
يغبط بها وليس المراد نفي أصل الغبطة مما سواهما فيكون من مجاز التخصيص أي لا غبطة كاملة
التأكيد لتأكيد أجر متعلقها إلى الغبطة بهاتين الخصلتين وقال الكرماني الخصلتان
المذكورتان هنا غبطة لا حسد لكن قد يطلق أحدهما على الاخر أو المعنى لا حسد الا فيهما
وما فيهما ليس بحسد فلا حسد فهو كما قيل في قوله تعالى لا يذوقون فيها الموت الا الموتة الأولى
وفي الحديث الترغيب في ولاية القضاء لمن استجمع شروطه وقوي على أعمال الحق ووجد له أعوانا
لما فيه من الامر بالمعروف ونصر المظلوم وأداء الحق لمستحقه وكف يد الظالم والاصلاح بين
الناس وكل ذلك من القربات ولذلك تولاه الأنبياء ومن بعدهم من الخلفاء الراشدين ومن ثم
اتفقوا على أنه من فروض الكفاية لان أمر الناس لا يستقيم بدونه فقد أخرج البيهقي بسند
قوي أن أبا بكر لما ولى الخلافة ولى عمر القضاء وبسند آخر قوى ان عمر استعمل عبد الله بن مسعود
على القضاء وكتب عمر إلى عماله استعملوا صالحيكم على القضاء وأكفوهم وبسند آخر لين ان
معاوية سأل أبا الدرداء وكان يقضي بدمشق من لهذا الامر بعدك قال فضالة بن عبيد وهؤلاء
من أكابر الصحابة وفضلائهم وانما فر منه من فر خشية العجز عنه وعند عدم المعين عليه وقد
يتعارض الامر حيث يقع تولية من يشتد به الفساد إذا امتنع المصلح والله المستعان وهذا حيث
يكون هناك غيره ومن ثم كان السلف يمتنعون منه ويفرون إذا طلبوا له واختلفوا هل يستحب
لمن استجمع شرائطه وقوي عليه أولا والثاني قول الأكثر لما فيه من الخطر والغرر ولما ورد فيه
من التشديد وقال بعضهم إن كان من أهل العلم وكان خاملا بحيث لا يحمل عنه العلم أو كان
محتاجا وللقاضي رزق من جهة ليس بحرام استحب له ليرجع إليه في الحكم بالحق وينتفع بعلمه
وإن كان مشهورا فالأولى له الاقبال على العلم والفتوى واما ان لم يكن في البلد من يقوم مقامه
فإنه يتعين عليه لكونه من فروض الكفاية لا يقدر على القيام به غيره فيتعين عليه وعن أحمد
لا يأثم لأنه لا يجب عليه إذا أضر به نفع غيره ولا سيما من لا يمكنه عمل الحق لانتشار الظلم
* (قوله باب السمع والطاعة للامام ما لم تكن معصية) انما قيده بالامام وإن كان في
أحاديث الباب الامر بالطاعة لكل أمير ولو لم يكن إماما لان محل الامر بطاعة الأمير ان يكون
مؤمرا من قبل الامام وذكر فيه أربعة أحاديث * الأول (قوله عن أبي التياح) بمثناة مفتوحة
وتحتانية مشددة وآخره مهملة وهو يزيد بن حميد الضبعي وتقدم في الصلاة من وجه آخر التصريح
بقول شعبة حدثني أبو التياح (قوله اسمعوا وأطيعوا وان استعمل) بضم المثناة على البناء
للمجهول أي جعل عاملا بأن أمر امارة عامة على البلد مثلا أو ولي فيها ولاية خاصة كالإمامة في
الصلاة أو جباية الخراج أو مباشرة الحرب فقد كان في زمن الخلفاء الراشدين من يجتمع له الأمور
الثلاثة ومن يختص ببعضها (قوله حبشي) بفتح المهملة والموحدة بعدها معجمة منسوب إلى
108

الحبشة ومضى في الصلاة في باب امامة العبد عن محمد بن بشار عن يحيى القطان بلفظ اسمعوا
وأطيعوا وان استعمل حبشي وفيه بعد باب من رواية غندر عن شعبة بلفظ قال النبي صلى الله
عليه وسلم لأبي ذر اسمع وأطع ولو لحبشي وقد أخرج مسلم من طريق غندر عن شعبة بإسناد آخر
إلى أبي ذر انه انتهى إلى الربذة فإذا عبد يؤمهم فذهب يتأخر لأجل أبي ذر فقال أبو ذر أوصاني
خليلي فذكر نحوه وظهرت بهذه الرواية الحكمة في تخصيص أبي ذر بالامر في هذه الرواية وقد
جاء في حديث آخر الامر بذلك عموما ولمسلم أيضا من حديث أم الحصين اسمعوا وأطيعوا
ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله (قوله كأن رأسه زبيبة) واحدة الزبيب المأكول
المعروف الكائن من العنب إذا جف انما شبه رأس الحبشي بالزبيبة لتجمعها ولكون شعره
أسود وهو تمثيل في الحقارة وبشاعة الصورة وعدم الاعتداد بها وقد تقدم شرح هذا الحديث
مستوفي في كتاب الصلاة ونقل ابن بطال عن المهلب قال قوله اسمعوا وأطيعوا لا يوجب أن
يكون المستعمل للعبد الا امام قرشي لما تقدم ان الإمامة لا تكون الا في قريش وأجمعت الأمة
على انها لا تكون في العبيد (قلت) ويحتمل ان يسمى عبدا باعتبار ما كان قبل العتق وهذا كله
انما هو فيما يكون بطريق الاختيار واما لو تغلب عبد حقيقة بطريق الشوكة فان طاعته تجب
اخمادا للفتنة ما لم يأمر بمعصية كما تقدم تقريره وقيل المراد ان الامام الأعظم إذا استعمل
العبد الحبشي على امارة بلد مثلا وجبت طاعته وليس فيه ان العبد الحبشي يكون هو الامام
الأعظم وقال الخطابي قد يضرب المثل بما لا يقع في الوجود يعني وهذا من ذاك اطلق العبد
الحبشي مبالغة في الامر بالطاعة وإن كان لا يتصور شرعا ان يلي ذلك * الحديث الثاني (قوله حماد)
هو ابن زيد والجعد هو أبو عثمان وأبو رجاء هو العطاردي وتقدم الكلام على هذا السند في أوائل
الفتن (قوله يرويه) هو في معنى قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم كذلك في أوائل
الفتن من طريق عبد الوارث عن الجعد وتقدمت مباحثه هناك * الحديث الثالث (قوله عن
عبيد الله) هو ابن عمر العمري وعبد الله صحابيه هو ابن عمر (قوله فيما أحب وكره) في رواية أبي
ذر فيما أحب أو كره (قوله ما لم يؤمر بمعصية) هذا يقيد ما أطلق في الحديثين الماضيين من الامر
بالسمع والطاعة ولو لحبشي ومن الصبر على ما يقع من الأمير مما يكره والوعيد على مفارقة الجماعة
(قوله فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) أي لا يجب ذلك بل يحرم على من كان قادرا على
الامتناع وفي حديث معاذ عند أحمد لا طاعة لمن لم يطع الله وعنده وعند البزار في حديث عمران
ابن حصين والحكم بن عمرو الغفاري لا طاعة في معصية الله وسنده قوي وفي حديث عبادة
ابن الصامت عند أحمد والطبراني لا طاعة لمن عصى الله تعالى وقد تقدم البحث في هذا الكلام
على حديث عبادة في الامر بالسمع والطاعة الا أن تروا كفرا بواحا بما يغني عن اعادته وهو في كتاب
الفتن وملخصه انه ينعزل بالكفر إجماعا فيجب على كل مسلم القيام في ذلك فمن قوي على ذلك فله
الثواب ومن داهن فعليه الاثم ومن عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض * الحديث الرابع
(قوله عن أبي عبد الرحمن) هو السلمي وعلي هو ابن أبي طالب (قوله وأمر عليهم رجلا من
الأنصار) تقدم البحث فيه والجواب عمن غلط راويه في كتاب المغازي (قوله فأوقدوا نارا) كذا
وقع وتقدم بيانه في المغازي والاحكام ان أميرهم غضب منهم فقال أوقدوا نارا وقوله قد عزمت
109

عليكم لما بالتخفيف وجاء بالتشديد فقيل إنها بمعنى الا وقوله خمدت بالمعجمة وفتح الميم وضبط في بعض
الروايات بكسر الميم ولا يعرف في اللغة قاله ابن التين قال ومعنى خمدت سكن لهبها وان لم يطفأ
جمرها فان طفئ قيل همدت وقوله لو دخلوها ما خرجوا منها قال الداودي يريد تلك النار لانهم
يموتون بتحريقها فلا يخرجون منها أحياء قال وليس المراد بالنار نار جهنم ولا انهم مخلدون فيها
لأنه قد ثبت في حديث الشفاعة يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من ايمان قال وهذا
من المعاريض التي فيها مندوحة يريد انه سيق مساق الزجر والتخويف ليفهم السامع ان من فعل
ذلك خلد في النار وليس ذلك مرادا وانما أريد به الزجر والتخويف وقد تقدم له توجيهات في كتاب
المغازي وكذا قوله انما الطاعة في المعروف وتقدم شرحه مستوفى في باب سرية عبد الله بن
حذافة من كتاب المغازي وتقدم شئ منه أيضا في تفسير سورة النساء في قوله أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول وأولي الأمر منكم وقد قيل أنه لم يقصد دخولهم النار حقيقة وانما أشار لهم بذلك إلى أن
طاعة الأمير واجبة ومن ترك الواجب دخل النار فإذا شق عليكم دخول هذه النار فكيف
بالنار الكبرى وكأن قصده أنه لو رأى منهم الجد في ولوجها لمنعهم * (قوله باب من لم
يسأل الامارة أعانه الله عليها) ذكر فيه حديث عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الامارة ثم قال بعده باب
من سأل الامارة وكل إليها وذكر الحديث المذكور وقد تقدم الكلام على سنده في كتاب كفارة
الايمان وعلى قوله وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منا فكفر وأما قوله لا تسأل الامارة
فهو الذي في أكثر طرق الحديث ووقع في رواية يونس بن عبيد عن الحسن بلفظ لا يتمنين بصيغة
النهي عن التمني مؤكدا بالنون الثقيلة والنهي عن التمني أبلغ من النهي عن الطلب (قوله عن
مسئلة) أي سؤال (قوله وكلت إليها) بضم الواو وكسر الكاف مخففا ومشددا وسكون اللام
ومعنى المخفف أي صرف إليها ومن وكل إلى نفسه هلك ومنه في الدعاء ولا تكلني إلى نفسي ووكل
أمره إلى فلان صرفه إليه ووكله بالتشديد استحفظه ومعنى الحديث ان من طلب الامارة
فاعطيها تركت اعانته عليها من أجل حرصه ويستفاد منه ان طلب ما يتعلق بالحكم مكروه
فيدخل في الامارة القضاء والحسبة ونحو ذلك وان من حرص على ذلك لا يعان ويعارضه في
الظاهر ما أخرجه أبو داود عن أبي هريرة رفعه من طلب قضاء المسلمين حتى يناله ثم غلب عدله
جوره فله الجنة ومن غلب جوره عدله فله النار والجمع بينهما انه لا يلزم من كونه لا يعان بسبب
طلبه ان لا يحصل منه العدل إذا ولى أو يحمل الطلب هنا على القصد وهناك على التولية وقد
تقدم من حديث أبي موسى انا لا نولي من حرص ولذلك عبر في مقابله بالإعانة فان من لم يكن له من
الله عون على عمله لا يكون فيه كفاية لذلك العمل فلا ينبغي أن يجاب سؤاله ومن المعلوم ان كل
ولاية لا تخلو من المشقة فمن لم يكن له من الله إعانة تورط فيما دخل فيه وخسر دنياه وعقباه فمن
كان ذا عقل لم يتعرض للطلب أصلا بل إذا كان كافيا وأعطيها من غير مسئلة فقد وعده الصادق
بالإعانة ولا يخفى ما في ذلك من الفضل قال المهلب جاء تفسير الإعانة عليها في حديث بلال بن
مرداس عن خيثمة عن أنس رفعه من طلب القضاء واستعان عليه بالشفعاء وكل إلى نفسه ومن
أكره عليه أنزل الله عليه ملكا يسدده أخرجه ابن المنذر (قلت) وكذا أخرجه الترمذي من
طريق أبي عوانة عن عبد الاعلى الثعلبي وأخرجه هو وأبو داود وابن ماجة من طريق أبي عوانة
110

ومن طريق إسرائيل عن عبد الاعلى فأسقط خيثمة من السند قال الترمذي ورواية أبي عوانة
أصح وقال في رواية أبي عوانة حديث حسن غريب وأخرجه الحاكم من طريق إسرائيل وصححه
وتعقب بان ابن معين لين خيثمة وضعف عبد الاعلى وكذا قال الجمهور في عبد الاعلى ليس بقوي
قال المهلب وفي معنى الاكراه عليه ان يدعى إليه فلا يرى نفسه أهلا لذلك هيبة له وخوفا من
الوقوع في المحذور فإنه يعان عليه إذا دخل فيه ويسدد والأصل فيه ان من تواضع لله رفعه الله
وقال ابن التين هو محمول على الغالب والا فقد قال يوسف اجعلني على خزائن الأرض وقال سليمان
وهب لي ملكا قال ويحتمل ان يكون في غير الأنبياء * (قوله باب ما يكره من الحرص
على الامارة) أي على تحصيلها ووجه الكراهة مأخوذ مما سبق في الباب الذي قبله (قوله عن
سعيد المقبري عن أبي هريرة) هكذا رواه ابن أبي ذئب مرفوعا وأدخل عبد الحميد بن جعفر بين
سعيد وأبي هريرة رجلا ولم يرفعه وابن أبي ذئب أتقن من عبد الحميد وأعرف بحديث المقبري
منه فرواياته هي المعتمدة وعقبه البخاري بطريق عبد الحميد إشارة منه إلى إمكان تصحيح القولين
فلعله كان عند سعيد عن عمر بن الحكم عن أبي هريرة موقوفا على ما رواه عنه عبد الحميد وكان
عنده عن أبي هريرة بغير واسطة مرفوعا إذا وجدت عند كل من الراويين عن سعيد زيادة
ورواية الوقف لا تعارض رواية الرفع لان الراوي قد ينشط فيسند وقد لا ينشط فيقف (قوله
انكم ستحرصون) بكسر الراء ويجوز فتحها ووقع في رواية شبابة عن ابن أبي ذئب ستعرضون
بالعين وأشار إلى انها خطأ (قوله على الامارة) يدخل فيه الامارة العظمى وهي الخلافة والصغرى
وهي الولاية على بعض البلاد وهذا أخبار منه صلى الله عليه وسلم بالشئ قبل وقوعه فوقع كما أخبر
(قوله وستكون ندامة يوم القيامة) أي لمن لم يعمل فيها بما ينبغي وزاد في رواية شبابة وحسره
ويوضح ذلك ما أخرجه البزار والطبراني بسند صحيح عن عوف بن مالك بلفظ أولها ملامة وثانيها
ندامة وثالثها عذاب يوم القيامة الا من عدل وفي الطبراني الأوسط من رواية شريك عن عبد الله
ابن عيسى عن أبي صالح عن أبي هريرة قال شريك لا أدري رفعه أم لا قال الامارة أولها ندامة
وأوسطها غرامة وآخرها عذاب يوم القيامة وله شاهد من حديث شداد بن أوس رفعه بلفظ
أولها ملامة وثانيها ندامة أخرجه الطبراني وعند الطبراني من حديث زيد بن ثابت رفعه نعم الشئ
الامارة لمن اخذها بحقها وحلها وبئس الشئ الامارة لمن أخذها بغير حقها تكون عليه حسرة ى
يوم القيامة وهذا يقيد ما أطلق في الذي قبله ويقيده أيضا ما اخرج مسلم عن أبي ذر قال قلت
يا رسول الله ألا تستعملني قال إنك ضعيف وانها أمانة وانها يوم القيامة خزي وندامة الا من
أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها قال النووي هذا أصل عظيم في اجتناب الولاية ولا سيما لمن
كان فيه ضعف وهو في حق من دخل فيها بغير أهلية ولم يعدل فإنه يندم على ما فرط منه إذا جوزي
بالخزي يوم القيامة واما من كان أهلا وعدل فيها فاجره عظيم كما تظاهرت به الاخبار ولكن في
الدخول فيها خطر عظيم ولذلك امتنع الأكابر منها والله أعلم (قوله فنعم المرضعة وبئست
الفاطمة) قال الداودي نعم المرضعة أي في الدنيا وبئست الفاطمة أي بعد الموت لأنه يصير إلى
المحاسبة على ذلك فهو كالذي يفطم قبل ان يستغني فيكون في ذلك هلاكه وقال غيره نعم المرضعة
لما فيها من حصول الجاه والمال ونفاذ الكلمة وتحصيل اللذات الحسية والوهمية حال حصولها
111

وبئست الفاطمة عند الانفصال عنها بموت أو غيره وما يترتب عليها من التبعات في الآخرة
* (تنبيه) ألحقت التاء في بئست دون نعم والحكم فيهما إذا كان فاعلهما مؤنثا جواز الالحاق
وتركه فوقع التفنن في هذا الحديث بحسب ذلك وقال الطيبي انما لم يلحقها بنعم لان المرضعة
مستعارة للامارة وتأنيثها غير حقيقي فترك الحاق التاء بها والحاقها بئس نظرا إلى كون الامارة
حينئذ داهية دهياء قال وانما اتي بالتاء في الفاطمة والمرضعة إشارة إلى تصوير تينك الحالتين
المتجددتين في الارضاع والفطام (قوله وقال محمد بن بشار) هو بندار ووقع في مستخرج أبى نعيم
ان البخاري قال حدثنا محمد بن بشار وعبد الله بن حمران هو بصري صدوق وقد قال ابن حبان في
الثقات يخطئ وماله في الصحيح الا هذا الموضع وعبد الحميد بن جعفر هو المدني لم يخرج له البخاري
الا تعليقا وعمر بن الحكم أي ابن ثوبان مدني ثقة أخرج له البخاري في غير هذا الموضع تعليقا كما
تقدم في الصيام (قوله عن أبي هريرة) أي موقوفا عليه (قوله في حديث أبي موسى ولا من
حرص عليه) بفتح المهملة والراء وقد تقدم مطولا من وجه آخر عن أبي بردة عن أبي موسى في
استتابة المرتدين وذكرت شرحه هناك وفي الحديث ان الذي يناله المتولي من النعماء والسراء
دون ما يناله من البأساء والضراء اما بالعزل في الدنيا فيصير خاملا واما بالمؤاخذة في الآخرة
وذلك أشد نسأل الله العفو قال القاضي البيضاوي فلا ينبغي لعاقل أن يفرح بلذة يعقبها
حسرات قال المهلب الحرص على الولاية هو السبب في اقتتال الناس عليها حتى سفكت الدماء
واستبيحت الأموال والفروج وعظم الفساد في الأرض بذلك ووجه الندم انه قد يقتل أو يعزل
أو يموت فيندم على الدخول فيها لأنه يطالب بالتبعات التي ارتكبها وقد فاته ما حرص عليه
بمفارقته قال ويستثنى من ذلك من تعين عليه كان يموت الوالي ولا يوجد بعده من يقوم بالامر غيره
وإذا لم يدخل في ذلك يحصل الفساد بضياع الأحوال (قلت) وهذا لا يخالف ما فرض في الحديث
الذي قبله من الحصول بالطلب أو بغير طلب بل في التعبير بالحرص إشارة إلى أن من قام بالامر
عند خشية الضياع يكون كمن أعطى بغير سؤال لفقد الحرص غالبا عمن هذا شأنه وقد يغتفر
الحرص في حق من تعين عليه لكونه يصير واجبا عليه وتولية القضاء على الامام فرض عين وعلى
القاضي فرض كفاية إذا كان هناك غيره * (قوله باب من استرعى) بضم المثناة على
البناء للمجهول (قوله رعية فلم ينصح) أي لها (قوله أبو الأشهب) هو جعفر بن حبان بمهملة
وتحتانية ثقيلة (قوله عن الحسن) هو البصري وفي رواية الإسماعيلي من طريق شيبان عن أبي
الأشهب حدثنا الحسن (قوله إن عبيد الله بن زياد) يعني أمير البصرة في زمن معاوية وولده يزيد
ووقع في رواية هشام المذكورة بعد هذه ما يدل على أن الحسن حضر ذلك من عبيد الله بن زياد
عند معقل (قوله عاد معقل بن يسار) بتحتانية ثم مهملة خفيفة هو المزني الصحابي المشهور (قوله
في مرضه الذي مات فيه) كانت وفاة معقل بالبصرة فيما ذكره البخاري في الأوسط ما بين الستين
إلى السبعين وذلك في خلافة يزيد بن معاوية (قوله فقال له معقل اني محدثك حديثا سمعته من
رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد مسلم عن شيبان بن فروخ عن أبي الأشهب لو علمت أن لي حياة
ما حدثتك (قوله يسترعيه الله) في نسخة الصغاني استرعاه (قوله فلم يحطها) بفتح أوله وضم
الحاء وسكون الطاء المهملتين أي يكلؤها أو يصنها وزنه ومعناه والاسم الحياطة يقال حاطه
112

إذا استولى عليه وأحاط به مثله (قوله بنصحه) كذا للأكثر بهاء الضمير وفي رواية المستملي
بالنصيحة ووقع لمسلم في رواية شيبان يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته (قوله لم يجد) في نسخة
الصغاني الا لم يجد بزيادة الا رائحة الجنة) زاد في رواية الطبراني من حديث عبد الله بن مغفل
وعرفها يوجد يوم القيامة من مسيرة سبعين عاما ووقع في رواية مسلم الا حرم الله عليه الجنة
وله مثله من طريق يونس بن عبيد عن الحسن قال الكرماني مفهوم الحديث انه يجدها وهو
عكس المقصود والجواب ان الا مقدرة أي الا لم يجد والخبر محذوف والتقدير ما من عبد فعل
كذا الا حرم الله عليه الجنة ولم يجد رائحة الجنة استئناف كالمفسر له أو ليست ما للنفي وجازت
زيادة من للتأكيد في الاثبات عند بعض النحاة وقد ثبت الا في بعض النسخ (قلت) لم يقع الجمع
بين اللفظين المتوعد بهما في طريق واحدة فقوله لم يجد رائحة الجنة وقع في رواية أبي الأشهب
وقوله حرم الله عليه الجنة وقع في رواية هشام فكأنه أراد أن الأصل في الحديث الجمع بين
اللفظين فحفظ بعض ما لم يحفظ بعض وهو محتمل لكن الظاهر أنه لفظ واحد تصرفت فيه الرواة
وزاد مسلم في آخره قال الا كنت حدثتني هذا قبل اليوم قال لم أكن لأحدثك قيل سبب ذلك هو
ما وصفه به الحسن البصري من سفك الدماء ووقع في رواية الإسماعيلي من الوجه الذي
أخرجه مسلم لولا أني ميت ما حدثتك فكأنه كان يخشى بطشه فلما نزل به الموت أراد ان يكف
بذلك بعض شره عن المسلمين والى ذلك وقعت الإشارة في رواية لمسلم من طريق أبي المليح ان
عبيد الله بن زياد عاد معقل بن يسار فقال له معقل لولا أني في الموت ما حدثتك وقد أخرج
الطبراني في الكبير من وجه آخر عن الحسن قال لما قدم علينا عبيد الله بن زياد أميرا أمره علينا
معاوية غلاما سفيها يسفك الدماء سفكا شديدا وفينا عبد الله بن مغفل المزني فدخل عليه
ذات يوم فقال له انته عما أراك تصنع فقال له وما أنت وذاك قال ثم خرج إلى المسجد فقلنا له
ما كنت تصنع بكلام هذا السفيه على رؤس الناس فقال إنه كان عندي علم فأحببت أن لا أموت
حتى أقول به على رؤس الناس ثم قام فما لبث ان مرض مرضه الذي توفي فيه فأتاه عبيد الله بن
زياد يعوده فذكر نحو حديث الباب فيحتمل أن تكون القصة وقعت للصحابيين (قوله قال زائدة
ذكره هشام) هو بحذف قال الثانية والتقدير قال الحسين الجعفي قال زائدة ذكره أي الحديث
الذي سيأتي هشام وهو ابن حسان ووقع في رواية مسلم عن القاسم بن زكريا عن الحسين الجعفي
بالعنعنة في جميع السند وحاصل الروايتين انه أثبت الغش في إحداهما ونفى النصيحة في الأخرى
فكأنه لا واسطة بينهما ويحصل ذلك بظلمه لهم بأخذ أموالهم أو سفك دمائهم أو انتهاك
أعراضهم وحبس حقوقهم وترك تعريفهم ما يجب عليهم في أمر دينهم ودنياهم وباهمال إقامة
الحدود فيهم وردع المفسدين منهم وترك حمايتهم ونحو ذلك (قوله فقال له معقل أحدثك حديثا)
قد ذكرت زيادة أبي المليح عند مسلم (قوله ما من وال يلي رعية من المسلمين الخ) وقع في رواية أبي
المليح ما من أمير بدل وال وقال فيه ثم لا يجد له بجيم ودال مشددة من الجد بالكسر ضد الهزل
وقال فيه الا لم يدخل معهم الجنة وللطبراني في الأوسط فلم يعدل فيهم الا كبه الله على وجهه في
النار قال ابن التين يلي جاء على غير القياس لان ماضيه ولى بالكسر ومستقبله يولي بالفتح وهو مثل
ورث يرث وقال ابن بطال هذا وعيد شديد على أئمة الجور فمن ضيع من استرعاه الله أو خانهم
113

أو ظلمهم فقد توجه إليه الطلب بمظالم العباد يوم القيامة فكيف يقدر على التحلل من ظلم أمة عظيمة
ومعنى حرم الله عليه الجنة أي انفذ الله عليه الوعيد ولم يرض عنه المظلومين ونقل ابن التين عن
الداودي نحوه قال ويحتمل ان يكون هذا في حق الكافر لان المؤمن لا بد له من نصيحة (قلت) وهو
احتمال بعيد جدا والتعليل مردود فالكافر أيضا قد يكون ناصحا فيما تولاه ولا يمنعه ذلك الكفر
وقال غيره يحمل على المستحل والأولى انه محمول على غير المستحل وانما أريد به الزجر والتغليظ
وقد وقع في رواية لمسلم بلفظ لم يدخل معهم الجنة وهو يؤيد أن المراد انه لا يدخل الجنة في وقت دون
وقت وقال الطيبي الفاء في قوله فلم يحطها وفي قوله فيموت مثل اللام في قوله فالتقطه آل فرعون
ليكون لهم عدوا وحزنا وقوله وهو غاش قيد للفعل مقصود بالذكر يريد ان الله انما ولاه على عباده
ليديم لهم النصيحة لا ليغشهم حتى يموت على ذلك فلما قلب القضية استحق ان يعاقب * (قوله
باب من شاق شق الله عليه) في رواية النسفي من شق بغير ألف والمعنى من أدخل على
الناس المشقة أدخل الله عليه المشقة فهو من الجزاء بجنس العمل (قوله خالد) هو ابن عبد الله
الطحان (قوله عن الجريري) بضم الجيم هو سعيد بن إياس ولم يخرج البخاري للعباس الجرير
شيئا وهو من هذه الطبقة وخالد الطحان معدود فيمن سمع من سعيد الجريري قبل الاختلاط وكانت
وفاة الجريري سنة أربع وأربعين ومائة واختلط قبل موته بثلاث سنين وقال أبو عبيد الآجري
عن أبي داود من أدرك أيوب فسماعه من الجريري جيد (قلت) وخالد قد أدرك أيوب فان أيوب
لما مات كان خالد المذكور ابن إحدى وعشرين سنة (قوله عن طريف) بالطاء المهملة وزن
عظيم (قوله أبي تميمة) بالمثناة وزن عظيمة هو ابن مجالد بضم الميم وتخفيف الجيم الهجيمي بالجيم
مصغر نسبة إلى بني الهجيم بطن من تميم وكان مولاهم وهو بصري ماله في البخاري عن أحد من
الصحابة الا هذا الحديث وله حديث آخر تقدم في الأدب من روايته عن أبي عثمان النهدي (قوله
شهدت صفوان) هو ابن محرز بن زياد التابعي الثقة المشهور من أهل البصرة (قوله وجندبا)
هو ابن عبد الله البجلي الصحابي المشهور وكان من أهل الكوفة ثم تحول إلى البصرة قاله
الكلاباذي (قوله وأصحابه) أي أصحاب صفوان (قوله وهو) أي جندب (يوصيهم) ذكره المزي
في الأطراف بلفظ شهدت صفوان وأصحابه وجندبا يوصيهم ووقع في صحيح مسلم من طريق خالد
ابن عبد الله بن محرز عن عمه صفوان بن محرز ان جندب بن عبد الله بعث إلى عسعس بن سلامة
زمن فتنة ابن الزبير فقال أجمع لي نفرا من إخواني حتى أحدثهم فذكر القصة في تحديثه لهم بقصة
الذي حمل على رجل فقال لا إله إلا الله فقتله وأظن أن القصتين واحدة ويجمعهما انه حذرهم من
التعرض لقتل مسلم وزمن فتنة ابن الزبير كانت عقب موت يزيد بن معاوية ووقع عند الطبراني
من طريق ليث بن أبي سليم عن صفوان بن محرز عن جندب بن عبد الله انه مر بقوم فقال ائتني
بنفر من قراء القرآن وليكونوا شيوخا قال فأتيته بنافع بن الأزرق وأبي بلال مرداس ونفر معهما
ستة أو ثمانية فقال اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الحديث (قلت) وأخرجه
أيضا من طريق الأعمش عن أبي تميمة انه انطلق مع جندب إلى البصرة فقال هل كنت تدارس
أحد القرآن قلت نعم قال فائتني بهم قال فأتيته بنافع وأبي بلال مرداس ونجدة وصالح بن
مشرح فأنشأ يحدث (قلت) وهؤلاء الأربعة من رؤس الخوارج الذين خرجوا إلى مكة لنصر ابن
114

الزبير لما جهز إليه يزيد بن معاوية الجيوش فشهدوا معه الحصار الأول فلما جاءهم الخبر بموت
يزيد بن معاوية سألوا ابن الزبير عن قوله في عثمان فأثنى عليه فغضبوا وفارقوه فحجوا وخرج نجدة
باليمامة فغلب عليها وعلى بعض بلاد الحجاز وخرج نافع بن الأزرق بالعراق فدامت فتنته مدة واما
أبو بلال مرداس فكان خرج على عبيد الله بن زياد قبل ذلك فقتله (قوله من سمع سمع الله به يوم
القيامة) قلت تقدم هذا المتن من حديث جندب من وجه آخر مع شرحه في باب الرياء والسمعة من
كتاب الرقاق وفيه ومن رأيا ولم يقع فيه مقصود هذا الباب (قوله ومن شاق شق الله عليه) كذا
للكشميهني وللسرخسي والمستملي ومن يشاقق يشاقق الله عليه بصيغة المضارع وبفك القاف
في الموضعين وفي رواية الطبراني عن أحمد بن زهير التستري عن إسحاق بن شاهين شيخ البخاري
فيه ومن يشاقق يشقق الله عليه (قوله فقالوا أوصنا فقال إن أول ما ينتن من الانسان بطنه)
يعني بعد الموت وصرح به في رواية صفوان بن محرز عن جندب ولفظه واعلموا ان أول ما ينتن
من أحدكم إذا مات بطنه (قوله فمن استطاع ان لا يأكل الا طيبا فليفعل) في رواية صفوان فلا
يدخل بطنه الا طيبا هكذا وقع هذا الحديث من هذا الوجه موقوفا وكذا أخرجه الطبراني من
طريق قتادة عن الحسن هو البصري عن جندب موقوفا وأخرجه من طريق صفوان بن محرز
وسياقه يحتمل الرفع والوقف فإنه صدر بقوله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سمع
الحديث واعلموا ان أول ما ينتن وينتن بنون ومثناة وضم أوله من الرباعي وماضيه أنتن ونتن والنتن
الرائحة الكريهة (قوله ومن استطاع الا يحال بينه وبين الجنة بملء كف) في رواية الكشميهني
يحول وبلفظ ملء بغير موحدة ووقع في رواية كريمة والأصيلي كفه (قوله من دم هراقه) أي صبه
(فليفعل) قال ابن التين وقع في روايتنا أهراقة وهو بفتح الهمزة وكسرها (قلت) هي لمن عدا أبا
ذر كذا وقع هذا المتن أيضا موقوفا وكذا أخرجه الطبراني من طريق صفوان بن محرز ومن طريق
قتادة عن الحسن عن جندب موقوفا وزاد الحسن بعد قوله يهريقه كأنما يذبح دجاجة كلما تقدم
لباب من أبواب الجنة حال بينه وبينه ووقع مرفوعا عند الطبراني أيضا من طريق إسماعيل بن مسلم
عن الحسن عن جندب ولفظه تعلمون اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحولن
بين أحدكم وبين الجنة وهو يراها ملء كف دم من مسلم أهراقه بغير حله وهذا لو لم يرد مصرحا برفعه
لكان في حكم المرفوع لأنه لا يقال بالرأي وهو وعيد شديد لقتل المسلم بغير حق قال الكرماني في
معنى قوله ملء كف من دم هو عبارة عن مقدار دم انسان واحد كذا قال ومن أين هذا الحصر
والمتبادر ان ذكر ماء الكف كالمثال والا فلو كان دون ذلك لكان الحكم كذلك وعن الطبراني
من حديث الأعمش عن أبي تميمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحولن بين أحدكم وبين الجنة
فذكر نحو رواية الجريري وزاد في آخره قال فبكى القوم فقال جندب لم أر كاليوم قط قوما أحق
بالنجاة من هؤلاء ان كانوا صادقين (قلت) ولعل هذا هو السر في تصديره كلامه بحديث من
سمع وكأنه تفرس فيهم ذلك ولهذا قال إن كانوا صادقين ولقد صدقت فراسته فإنهم لما خرجوا بذلوا
السيف في المسلمين وقتلوا الرجال والأطفال وعظم البلاء بهم كما تقدمت إليه الإشارة في كتاب
المحاربين قال ابن بطال المشاقة في اللغة مشتقة من الشقاق وهو الخلاف ومنه قوله تعالى ومن
يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى والمراد بالحديث النهى عن القول القبيح في المؤمنين
115

وكشف مساويهم وعيوبهم وترك مخالفة سبيل المؤمنين ولزوم جماعتهم والنهي عن إدخال
المشقة عليهم والاضرار بهم قال صاحب العين شق الامر عليك مشقة أضر بك انتهى
وظاهره انه جعل المشقة والمشاقة بمعنى واحد وليس كذلك فقد جوز الخطابي في هذا أن تكون
المشقة من الاضرار فيحمل الناس على ما يشق عليهم وأن تكون من الشقاق وهو الخلاف
ومفارقة الجماعة وهو ان يكون في شق أي ناحية عن الجماعة ورجح الداودي الثاني ومن الأول
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة اللهم من ولى من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه
أخرجه مسلم ووقع لغير أبي ذر في آخر هذا الحديث قلت لأبي عبد الله من يقول سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم جندب قال نعم جندب انتهى وأبو عبد الله المذكور هو المصنف والسائل له
الفربري وقد خلت رواية النسفي عن ذلك وقد سيق من الطرق التي أوردتها ما يصرح بأن
جندبا هو القائل وليس فيمن سمي في هذه القصة أحد من الصحابة غيره * (قوله باب
القضاء والفتيا في الطريق) كذا سوى بينهما والأثران المذكوران في الترجمة صريحان فيما
يتعلق بالقضاء والحديث المرفوع يؤخذ منه جواز الفتيا فيلحق به الحكم (قوله وقضى يحيى بن
يعمر) بفتح الميم هو التابعي الجليل المشهور وكان من أهل البصرة فانتقل إلى مرو بأمر الحجاج
فولي قضاء مرو لقتيبة بن مسلم وكان من أهل الفصاحة والورع قال الحاكم قضى في أكثر مدن
خراسان وكان إذا تحول إلى بلد استخلف في التي انتقل منها (قوله في الطريق) وصله محمد بن سعد
في الطبقات عن شبابه عن موسى بن يسار قال رأيت يحيى بن يعمر على القضاء بمرو فربما رأيته
يقضي في السوق وفي الطريق وربما جاءه الخصمان وهو على حمار فيقضي بينهما وأخرج البخاري
في التاريخ من طريق حميد بن أبي حكيم انه رأى يحيى بن يعمر يقضي في الطريق (قوله وقضى
الشعبي على باب داره) قال ابن سعد في الطبقات أخبرنا أبو نعيم حدثنا أبو إسرائيل رأيت
الشعبي يقضي عند باب الفيل بالكوفة وأخرج الكرابيسي في القضاء من وجه آخر عن
العشبي ان عليا قضى في السوق وأخرج من طريق القاسم بن عبد الرحمن انه مر على قوم وهو
على راحلته فتظلموا من كرى لهم فنزل فقضى بينهم ثم ركب فمضى إلى منزله ثم ذكر حديث سالم بن أبي
الجعد عن أنس في الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم متى الساعة وقد تقدم من وجه آخر عن سالم
في كتاب الأدب مشروحا وقوله هنا فلقينا رجل عند سدة المسجد السدة بضم السين وتشديد
الدال المهملتين هي باب الدار وقيل لإسماعيل بن عبد الرحمن السدي لأنه كان يبيع المقانع
عند سدة مسجد الكوفة وهي ما يبقى من الطاق المسدود وقيل هي المظلة على الباب لوقاية
المطر والشمس وقيل هي الباب نفسه وقيل عتبته وقيل الساحة امام الباب وقوله ما أعددت
لها كذا لأبي ذر ولغيره عددت وهو بالتشديد مثل جمع مالا وعدده أي هيأه وقوله استكان
أي خضع وهو استفعل (1) من السكون الدال على الخضوع قال ابن التين لعل سبب سؤال
الرجل عن الساعة اشفاقا مما يكون فيها ولو سأل استعجالا لدخل في قوله تعالى يستعجل بها الذين
لا يؤمنون بها وقوله كبير عمل بالموحدة للأكثر وبالمثلثة لبعضهم قال ابن بطال في حديث
أنس جواز سكوت العالم عن جواب السائل والمستفتي إذا كانت المسألة لا تعرف أو كانت مما
لا حاجة بالناس إليها أو كانت مما يخشى منها الفتنة أو سوء التأويل ونقل عن المهلب الفتيا
116

في الطريق وعلى الدابة ونحو ذلك من التواضع فإن كانت لضعيف فهو محمود وإن كانت لرجل من
أهل الدنيا أو لمن يخشى لسانه فهو مكروه (قلت) والمثال الثاني ليس بجيد فقد يترتب على المسؤول
من ذلك ضرر فيجيب ليأمن شره فيكون في هذه الحالة محمودا قال واختلف في القضاء سائرا
أو ماشيا فقال أشهب لا بأس به إذا لم يشغله عن الفهم وقال سحنون لا ينبغي وقال ابن حبيب
لا بأس بما كان يسيرا واما الابتداء بالنظر ونحوه فلا قال ابن بطال وهو حسن وقول أشهب
أشبه بالدليل وقال ابن التين لا يجوز الحكم في الطريق فيما يكون غامضا كذا أطلق والأشبه
التفصيل وقال ابن المنير لا تصح حجة من منع الكلام في العلم في الطريق واما الحكاية التي
تحكى عن مالك في تعزيره الحاكم الذي سأله في الطريق ثم حدثه فكان يقول وردت لو زادني
سياطا وزادني تحديثا فلا يصح ثم قال ويحتمل ان يفرق بين حالة النبي صلى الله عليه وسلم وحالة
غيره فان غيره في مظنة ان يتشاغل بلغو الطرقات وقد تقدم في كتاب العلم ترجمة الفتيا على
الدابة ووقع في حديث جابر الطويل في حجة الوداع عند مسلم وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم
على راحلته ليراه الناس وليشرف لهم ليسألوه والأحاديث في سؤال الصحابة وهو سائر ماشيا
وراكبا كثيرة * (قوله باب ما ذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له بواب) ذكر فيه
حديث أنس في قصة المرأة التي جاءت تعتذر عن قولها إليك عني لما أمرها النبي صلى الله عليه وسلم
ووجدها تبكي عند قبر بالصبر ففي الحديث فجاءت إلى بابه فلم تجد عليه بوابا (قوله إن الصبر عند
أول صدمة) في رواية الكشميهني هنا ان الصبر عند الصدمة الأولى وقد تقدم شرحه مستوفى في
باب زيارة القبور من كتاب الجنائز وان المرأة لم تسم وان المقبور كان ولدها ولم يسم أيضا وان الذي
ذكر لها ان الذي خاطبها هو النبي صلى الله عليه وسلم هو الفضل بن العباس ووقع هنا ان أنس بن
مالك قال لامرأة من أهله هل تعرفين فلانة يعني صاحبة هذه القصة ولم أعرف اسم المرأة التي
من أهل أنس أيضا وقولها إليك عني أي كف نفسك ودعني وقولها فإنك خلو بكسر المعجمة
وسكون اللام أي خال من همي قال المهلب لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم بواب راتب يعني فلا
يرد ما تقدم في المناقب من حديث أبي موسى انه كان بوابا للنبي صلى الله عليه وسلم لما جلس على
القف قال فالجمع بينهما انه إذا لم يكن في شغل من أهله ولا انفراد لشئ من أمره انه كان يرفع
حجابه بينه وبين الناس ويبرز لطالب الحاجة إليه وقال الطبري دل حديث عمر حين استأذن له
الأسود يعني في قصة حلفه صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل على نسائه شهرا كما تقدم في النكاح أنه
صلى الله عليه وسلم كان في وقت خلوته بنفسه يتخذ بوابا ولولا ذلك لاستأذن عمر لنفسه ولم يحتج إلى
قوله يا رباح استأذن لي (قلت) ويحتمل ان يكون سبب استئذان عمر أنه خشى ان يكون وجد
عليه بسبب ابنته فأراد أن يختبر ذلك باستئذانه عليه فلما أذن له اطمأن وتبسط في القول كما تقدم
بيانه وقال الكرماني ملخصا لما تقدم معنى قوله لم يجد عليه بوابا انه لم يكن له بواب راتب أو في
حجرته التي كانت مسكنا له أو لم يكن البواب بتعيينه بل باشرا ذلك بأنفسهما يعني أبا موسى ورباحا
(قلت) الأول كاف وفي الثاني نظر لأنه إذا انتفى في الحجرة مع كونها مظنة الخلوة فانتفاؤه في غيرها
أولى وان أراد اثبات البواب في الحجرة دون غيرها كان بخلاف حديث الباب فان المرأة انما جاءت
إليه وهو في منزل سكنه فلم تجد عليه بوابا وفي الثالث أيضا نظر لأنه على تقدير أنهما فعلا ذلك من
117

قبل أنفسهما بغير أمره لكن تقريره لهما على ذلك يفيد مشروعيته فيمكن ان يؤخذ منه الجواز
مطلقا ويمكن ان يقيد بالحاجة وهو الأولى وقد اختلف في مشروعية الحجاب للحاكم فقال
الشافعي وجماعة ينبغي للحاكم ان لا يتخذ حاجبا وذهب آخرون إلى جوازه وحمل الأول على زمن
سكون الناس واجتماعهم على الخير وطواعيتهم للحاكم وقال آخرون بل يستحب ذلك حينئذ
ليرتب الخصوم ويمنع المستطيل ويدفع الشرير ونقل ابن التين عن الداودي قال الذي أحدثه
بعض القضاة من شدة الحجاب وإدخال بطائق الخصوم لم يكن من فعل السلف انتهى فأما اتخاذ
الحاجب فقد ثبت في قصة عمر في منازعة العباس وعلي انه كان له حاجب يقال له يرفا ومضى ذلك
في فرض الخمس واضحا ومنهم من قيد جوازه بغير وقت جلوسه للناس لفصل الاحكام ومنهم من
عمم الجواز كما مضى واما البطائق فقال ابن التين إن كان مراده البطائق التي فيها الاخبار بما
جرى فصحيح يعني انه حادث قال واما البطائق التي تكتب للسبق ليبدأ بالنظر في خصومة من
سبق فهو من العدل في الحكم وقال غيره وظيفة البواب أو الحاجب ان يطالع الحاكم
بحال من حضر ولا سيما من الأعيان لاحتمال ان يجئ مخاصما والحاكم يظن أنه جاء زائرا
فيعطيه حقه من الاكرام الذي لا يجوز لمن يجئ مخاصما وايصال الخبر للحاكم بذلك اما بالمشافهة
واما بالمكاتبة ويكره دوام الاحتجاب وقد يحرم فقد أخرج أبو داود والترمذي بسند جيد عن
أبي مريم الأسدي أنه قال لمعاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من ولاه الله
من أمر الناس شيئا فاحتجب عن حاجتهم احتجب الله عن حاجته يوم القيامة وفي هذا الحديث
وعيد شديد لمن كان حاكما بين الناس فاحتجب عنهم لغير عذر لما في ذلك من تأخير إيصال الحقوق
أو تضييعها واتفق العلماء على أنه يستحب تقديم الأسبق فالأسبق والمسافر على المقيم ولا سيما ان
خشى فوات الرفقة وان من اتخذ بوابا أو حاجبا أن يتخذه ثقة عفيفا أمينا عارفا حسن الأخلاق
عارفا بمقادير الناس * (قوله باب الحاكم يحكم بالقتل على من وجب عليه دون
الامام الذي فوقه) أي الذي ولاه من غير احتياج إلى استئذانه في خصوص ذلك ذكر فيه ثلاثة
أحاديث * الحديث الأول (قوله حدثنا محمد بن خالد) قال الحاكم والكلاباذي أخرج البخاري عن
محمد بن يحيى الذهلي فلم يصرح به وانما يقول حدثنا محمد وتارة محمد بن عبد الله فينسبه لجده وتارة
حدثنا محمد بن خالد فكأنه نسبه إلى جد أبيه لأنه محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس (قلت)
ويؤيده انه وقع منسوبا في حديث آخر أخرجه عند الأكثر في الطب عن محمد بن خالد حدثنا محمد
ابن وهب بن عطية فوقع في رواية الأصيلي حدثنا محمد بن خالد الذهلي وكذا هو في نسخة الصغاني
وأخرج ابن الجارود الحديث المذكور عن محمد بن يحيى الذهلي عن محمد بن وهب المذكور وقال
خلف في الأطراف هو محمد بن خالد بن جبلة الرافقي وتعقبه ابن عساكر فقال عندي أنه الذهلي
وقال المزي في التهذيب قول خلف انه الرافقي ليس بشئ (قلت) قد ذكر أبو أحمد بن عدي في شيوخ
البخاري محمد بن خالد بن جبلة لكن عرفه بروايته عنه عن عبيد الله بن موسى والحديث الذي
أشار إليه وقع في التوحيد لكن قال فيه حدثنا محمد بن خالد فقط ولم ينسبه لجده جبلة وهو بفتح
الجيم والموحدة ولا لبلده الرافقة وهي بفاء ثم قاف وقد ذكر الدارقطني أيضا في شيوخ البخاري
محمد بن خالد الرافقي وأخرج النسائي عنه فنسبه لجده فقال أخبرنا محمد بن جبلة فقال المزي في
118

ترجمته هو محمد بن خالد بن جبلة الرافقي وقد أخرج البخاري عن محمد بن خالد عن محمد بن موسى بن
أعين حديثا فقال المزي في التهذيب قيل هو الرافقي وقيل هو الذهلي وهو أشبه وسقط محمد بن خالد
من هذا السند من أطراف أبي مسعود فقال (خ) في الاحكام عن محمد بن عبد الله الأنصاري
نفسه عن أبيه قال المزي في الأطراف كذا قال أبو مسعود يعني والصواب ما وقع في جميع النسخ
ان بين البخاري وبين الأنصاري في هذا الحديث واسطة وهو محمد بن خالد المذكور وبه جزم خلف
في الأطراف أيضا كما تقدم والله أعلم (قلت) ويؤيد كونه عن الذهلي أن الترمذي أخرجه في
المناقب عن محمد بن يحيى وهو الذهلي به (قوله حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري) هكذا للأكثر
وفي رواية أبي زيد المروزي حدثنا الأنصاري محمد فقدم النسبة على الاسم ولم يسم أباه (قوله حدثني
أبي) في رواية أبي زيد حدثنا وهو عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس وثمامة شيخه هو عم أبيه وقد
أخرج البخاري عن الأنصاري بلا واسطة عدة أحاديث في الزكاة والقصاص وغيرهما وروى
عنه بواسطة في عدة في الاستسقاء وفي بدء الخلق وفي شهود الملائكة بدرا وغيرها (قوله إن قيس بن
سعد) زاد في رواية المروزي ابن عبادة وهو الأنصاري الخزرجي الذي كان والده رئيس الخزرج
وصنيع الترمذي يوهم انه قيس بن سعد بن معاذ فإنه أخرج حديث الباب في مناقب سعد بن معاذ
فلا يغتر بذلك (قوله كان يكون بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم) قال الكرماني فائدة
تكرار لفظ الكون أراده بيان الدوام والاستمرار انتهى وقد وقع في رواية الترمذي وابن حبان
والإسماعيلي وأبي نعيم وغيرهم من طرق عن الأنصاري بلفظ كان قيس بن سعد بين يدي النبي صلى
الله عليه وسلم فظهر ان ذلك من تصرف الرواة (قوله بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير) زاد
الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن محمد بن مرزوق عن الأنصاري لما ينفذ من أموره وهذه
الزيادة مدرجة من كلام الأنصاري بين ذلك الترمذي فإنه أخرج الحديث عن محمد بن مرزوق إلى
قوله الأمير ثم قال قال الأنصاري لما يلي من أموره وقد خلت سائر الروايات عنها وقد ترجم ابن
حبان لهذا الحديث احتراز المصطفى من المشركين في مجلسه إذا دخلوا عليه وهذا يدل على أنه فهم
من الحديث ان ذلك وقع لقيس بن سعد على سبيل الوظيفة الراتبة وهو الذي فهمه الأنصاري
راوي الحديث لكن يعكر عليه ما زاده الإسماعيلي فقال حدثنا الهيثم بن خلف عن محمد بن المثنى
عن الأنصاري حدثني أبي عن ثمامة قال الأنصاري ولا أعلمه الا عن أنس قال لما قدم النبي صلى الله
عليه وسلم كان قيس بن سعد في مقدمته بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير فكلم سعد النبي صلى الله
عليه وسلم في قيس ان يصرفه من الموضع الذي وضعه فيه مخافة ان يقدم على شئ فصرفه عن ذلك
ثم أخرجه الإسماعيلي عن أبي يعلى ومحمد بن أبي سويد جميعا عن محمد بن المثنى عن الأنصاري بمثل
لفظ محمد بن مرزوق بدون الزيادة التي في آخره قال ولم يشك في كونه عن أنس (قلت) وكذا أخرجه
ابن حبان في صحيحه من طريق بشر بن آدم ابن بنت السمان عن الأنصاري لكن لم ينفرد الهيثم ولا
شيخه محمد بن المثنى بالزيادة المذكورة فقد أخرجه بن منده في المعرفة عن محمد بن عيسى قال حدثنا
أبو حاتم الرازي عن الأنصاري بطوله فكأن القدر المحقق وصله من الحديث هو الذي اقتصر عليه
البخاري وأكثر من أخرج الحديث واما الزيادة فكان الأنصاري يتردد في وصلها وعلى تقدير
ثبوتها فلم يقع ذلك لقيس بن سعد الا في تلك المرة ولم يستمر مع ذلك فيها والشرطة بضم المعجمة والراء
119

والنسبة إليها شرطي بضمتين وقد تفتح الراء فيهما هم أعوان الأمير والمراد بصاحب الشرطة
كبيرهم فقيل سموا بذلك لانهم رذالة الجند ومنه في حديث الزكاة ولا الشرطة اللئيمة أي ردئ
المال وقيل لانهم الأشداء الأقوياء من الجند ومنه في حديث الملاحم وتشترط شرطة للموت أي
متعاقدون على أن لا يفروا ولو ماتوا قال الأزهري شرط كل شئ خياره ومنه الشرطة لانهم نخبة
الجند وقيل هو أول طائفة تتقدم الجيش وتشهد الوقعة وقيل سموا شرطا لان لهم علامات
يعرفون بها من هيئة وملبس وهو اختيار الأصمعي وقيل لانهم أعدوا أنفسهم لذلك يقال أشرط
فلان نفسه لأمر كذا إذا أعدها قاله أبو عبيد وقيل مأخوذ من الشريط وهو الحبل المبرم لما فيه
من الشدة وقد استشكلت مطابقة الحديث للترجمة فأشار الكرماني إلى انها تؤخذ من قوله دون
الحاكم لان معناه عند وهذا جيد ان ساعدته اللغة وعلى هذا فكأن قيسا كان من وظيفته ان
يفعل ذلك بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم بأمره سواء كان خاصا أم عاما قال الكرماني ويحتمل
أن تكون دون بمعنى غير قال وهو الذي يحتمله الحديث الثاني لا غير (قلت) فيلزم ان يكون استعمل
في الترجمة دون في معنيين وفي الحديث تشبيه ما مضى بما حدث بعده لان صاحب الشرطة
لم يكن موجودا في العهد النبوي عند أحد من العمال وانما حدث في دولة بني أمية فأراد أنس
تقريب حال قيس بن سعد عند السامعين فشبهه بما يعهدونه * الحديث الثاني (قوله عن أبي
موسى ان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه وأتبعه بمعاذ) هذه قطعة من حديث طويل تقدم في
استتابة المرتدين بهذا السند وأوله أقبلت ومعي رجلان من الأشعريين الحديث وفيه بعد قوله
لا نستعمل على عملنا من أراده ولكن اذهب أنت يا أبا موسى ثم اتبعه معاذ بن جبل وفيه قصة
اليهودي الذي أسلم ثم ارتد وهي التي اقتصر عليها هنا بعد هذا * الحديث الثالث (قوله محبوب)
بمهملة وموحدتين ابن الحسن بن هلال بصري واسمه محمد ومحبوب لقب له وهو به أشهر وهو
مختلف في الاحتجاج به وليس له في البخاري سوى هذا الموضع وهو في حكم المتابعة لأنه تقدم في
استتابة المرتدين من وجه آخر عن حميد بن هلال (قوله حدثنا خالد) هو الحذاء (قوله إن رجلا
أسلم ثم تهود) قد تقدم شرحه هناك مستوفى (قوله لا أجلس حتى أقتله قضاء الله ورسوله) قد تقدم
هناك فأمر به فقتل وبذلك يتم مراد الترجمة والرد على من زعم أن الحدود لا يقيمها عمال البلاد
الا بعد مشاورة الامام الذي ولاهم قال ابن بطال اختلف العلماء في هذا الباب فذهب الكوفيون
إلى أن القاضي حكمه حكم الوكيل لا يطلق يده الا فيما اذن له فيه وحكمه عند غيرهم حكم الوصي
له التصرف في كل شئ ويطلق يده على النظر في جميع الأشياء الا ما استثنى ونقل الطحاوي عنهم
ان الحدود لا يقيمها الا أمراء الأمصار ولا يقيمها عامل السواد ولا نحوه ونقل ابن القاسم لا تقام
الحدود في المياه بل تجلب إلى الأمصار ولا يقام القصاص في القتل في مصر كلها الا بالفسطاط يعني
لكونها منزل متولي مصر قال أو يكتب إلي والى الفسطاط بذلك أي يستأذنه وقال أشهب بل من
فوض له الوالي ذلك من عمال المياه جاز له ان يفعله وعن الشافعي نحوه قال ابن بطال والحجة في
الجواز حديث معاذ فإنه قتل المرتد دون ان يرفع أمره إلى النبي صلى الله عليه وسلم * (قوله
باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان) في رواية الكشميهني الحاكم ذكر فيه
ثلاثة أحاديث * أحدهما (قوله كتب أبو بكرة) يعني والد عبد الرحمن الراوي المذكور (قوله
120

إلى ابنه) كذا وقع هنا غير مسمى ووقع في أطراف المزي إلى ابنه عبيد الله وقد سمى في رواية مسلم
ولكن بغير هذا اللفظ أخرجه من طريق أبي عوانة عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن قال
كتب أبي وكتبت له إلى عبيد الله بن أبي بكرة ووقع في العمدة كتب أبي وكتبت له إلى ابنه
عبيد الله وقد سمى الخ وهو موافق لسياق مسلم الا انه زاد لفظ ابنه قيل معناه كتب أبو بكرة
بنفسه مرة وأمر ولده عبد الرحمن ان يكتب لأخيه فكتب له مرة أخرى (قلت) ولا يتعين ذلك
بل الذي يظهر ان قوله كتب أبي أي أمر بالكتابة وقوله وكتبت له أي باشرت الكتابة التي أمر بها
والأصل عدم التعدد ويؤيده قوله في المتن المكتوب اني سمعت فان هذه العبارة لأبي بكرة
لا لابنه عبد الرحمن فإنه لا صحبة له وهو أول مولود ولد بالبصرة كما تقدم في الكلام على قول أبي
بكرة لو دخلوا على ما بهشت لهم بقصبة (قوله وكان بسجستان) في رواية مسلم وهو قاض
بسجستان وهي جملة حالية وسجستان بكسر المهملة والجيم على الصحيح بعدهما مثناة ساكنة
وهي إلى جهة الهند بينها وبين كرمان مائة فرسخ منها أربعون فرسخا مفازة ليس فيها ماء وينسب
إليها سجستاني وسجزتي بزاي بدل السين الثانية والتاء وهو على غير قياس وسجستان لا تصرف
للعلمية والعجمة أو زيادة الألف والنون قال ابن سعد في الطبقات كان زياد في ولايته على العراق
قرب أولاد أخيه لامه أبي بكرة وشرفهم وأقطعهم وولى عبيد الله بن أبي بكرة سجستان قال
ومات أبو بكرة في ولاية زياد (قوله أن لا تقضي بين اثنين وأنت غضبان) في رواية مسلم ان لا تحكم
(قوله لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان) وفي رواية مسلم لا يحكم أحد والباقي سواء وفي
رواية الشافعي عن سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير بسنده لا يقضي القاضي أو لا يحكم
الحاكم بين اثنين وهو غضبان ولم يذكر القصة والحكم بفتحتين هو الحاكم وقد يطلق على القيم بما
يسند إليه قال المهلب سبب هذا النهي ان الحكم حالة الغضب قد يتجاوز بالحاكم إلى غير الحق
فمنع وبذلك قال فقهاء الأمصار وقال ابن دقيق العيد فيه النهي عن الحكم حالة الغضب لما
يحصل بسببه من التغير الذي يختل به النظر فلا يحصل استيفاء الحكم على الوجه قال وعداه
الفقهاء بهذا المعنى إلى كل ما يحصل به تغير الفكر كالجوع والعطش المفرطين وغلبة النعاس
وسائر ما يتعلق به القلب تعلقا يشغله عن استيفاء النظر وهو قياس مظنة على مظنة وكأن
الحكمة في الاقتصار على ذكر الغضب لاستيلائه على النفس وصعوبة مقاومته بخلاف غيره
وقد أخرج البيهقي بسند ضعيف عن أبي سعيد رفعه لا يقض القاضي الا وهو شبعان ريان
وقول الشيخ وهو قياس مظنة على مظنة صحيح وهو استنباط معنى دل عليه النص فإنه لما نهى عن
الحكم حالة الغضب فهم منه ان الحكم لا يكون الا في حالة استقامة الفكر فكانت علة
النهي المعنى المشترك وهو تغير الفكر والوصف بالغضب يسمى علة بمعنى انه مشتمل عليه فألحق
به ما في معناه كالجائع قال الشافعي في الام أكره للحاكم ان يحكم وهو جائع أو تعب أو مشغول
القلب فان ذلك يغير القلب * (فرع) * لو خالف فحكم في حال الغضب صح ان صادف الحق مع
الكراهة هذا قول الجمهور وقد تقدم انه صلى الله عليه وسلم قضى للزبير بشراح الحرة بعد أن
أغضبه خصم الزبير لكن لا حجة فيه لرفع الكراهة عن غيره لعصمته صلى الله عليه وسلم فلا يقول
في الغضب الا كما يقول في الرضا قال النووي في حديث اللقطة فيه جواز الفتوى في حال
121

الغضب وكذلك الحكم وينفذ ولكنه مع الكراهة في حقنا ولا يكره في حقه صلى الله عليه
وسلم لأنه لا يخاف عليه في الغضب ما يخاف على غيره وأبعد من قال يحمل على أنه تكلم في الحكم
قبل وصوله في الغضب إلى تغير الفكر ويؤخذ من الاطلاق انه لا فرق بين مراتب الغضب
ولا أسبابه وكذا أطلقه الجمهور وفصل امام الحرمين والبغوي فقيدا الكراهية بما إذا كان
الغضب لغير الله واستغرب الروياني هذا التفصيل واستبعده غيره لمخالفته لظواهر الحديث
وللمعنى الذي لأجله نهى عن الحكم حال الغضب وقال بعض الحنابلة لا ينفذ الحكم في حال
الغضب لثبوت النهي عنه والنهي يقتضي الفساد وفصل بعضهم بين ان يكون الغضب طرأ
عليه بعد أن استبان له الحكم فلا يؤثر والا فهو محل الخلاف وهو تفصيل معتبر وقال ابن المنير
ادخل البخاري حديث أبي بكرة الدال على المنع ثم حديث أبي مسعود الدال على الجواز تنبيها منه
على طريق الجمع بأن يجعل الجواز خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم لوجود العصمة في حقه والامن من
التعدي أو ان غضبه انما كان للحق فمن كان في مثل حاله جاز والا منع وهو كما قيل في شهادة
العدو إن كانت دنيوية ردت وإن كانت دينية لم ترد قاله ابن دقيق العيد وغيره وفي الحديث
ان الكتابة بالحديث كالسماع من الشيخ في وجوب العمل واما في الرواية فمنع منها قوم إذا
تجردت عن الإجازة والمشهور الجواز نعم الصحيح عند الأداء الا يطلق الاخبار بل يقول كتب
إلى أو كاتبني أو أخبرني في كتابه وفيه ذكر الحكم مع دليله في التعليم ويجئ مثله في الفتوى
وفيه شفقة الأب على ولده واعلامه بما ينفعه وتحذيره من الوقوع فيما ينكر وفيه نشر العلم
للعمل به والاقتداء وان لم يسأل العالم عنه * الحديث الثاني (قوله عبد الله) هو ابن المبارك
(قوله جاء رجل) تقدم في باب تخفيف الامام من أبواب الإمامة انه لم يسم ووهم من قال إنه حزم
ابن كعب وان المراد هنا بفلان هو معاذ بن جبل وتقدم شرح الحديث هناك مستوفى وتقدم
القول في الغضب في باب الغضب في الموعظة من كتاب العلم * الحديث الثالث حديث ابن عمر
في طلاق امرأته وهي حائض (قوله يونس) هو ابن يزيد الأيلي (قوله فتغيظ فيه) وفي رواية
الكشميهني عليه والضمير في قوله فيه يعود للفعل المذكور وهو الطلاق الموصوف وفي عليه
للفاعل وهو ابن عمر وقد تقدم الحديث مشروحا في كتاب الطلاق * (قوله باب من
رأى للقاضي ان يحكم بعلمه في أمر الناس إذا لم يخف الظنون والتهمة) أشار إلى قول أبي حنيفة
ومن وافقه ان للقاضي ان يحكم بعلمه في حقوق الناس وليس له ان يقضي بعلمه في حقوق الله
كالحدود لأنها مبنية على المسامحة وله في حقوق الناس تفصيل قال إن كان ما علمه قبل ولايته
لم يحكم لأنه بمنزلة ما سمعه من الشهود وهو غير حاكم بخلاف ما علمه في ولايته وأما قوله إذا لم يخف
الظنون والتهمة فقيد به قول من أجاز للقاضي ان يقضي بعلمه لان الذين منعوا ذلك مطلقا اعتلوا
بأنه غير معصوم فيجوز ان تلحقه التهمة إذا قضى بعلمه ان يكون حكم لصديقه على عدوه فحسمت
المادة فجعل المصنف محل الجواز ما إذا لم يخف الحاكم الظنون والتهمة وأشار إلى أنه يلزم من
المنع من أجل حسم المادة ان يسمع مثلا رجلا طلق امرأته طلاقا بائنا ثم رفعته إليه فأنكر
فإذا حلفه فحلف لزم ان يديمه على فرج حرام فيفسق به فلم يكن له بد من أن لا يقبل قوله ويحكم
عليه بعلمه فان خشي التهمة فله أن يدفعه ويقيم شهادته عليه عند حاكم آخر وسيأتي مزيد لذلك
122

في باب الشهادة تكون عند الحاكم وقال الكرابيسي الذي عندي ان شرط جواز الحكم بالعلم
ان يكون الحاكم مشهورا بالصلاح والعفاف والصدق ولم يعرف بكبير زلة ولم يؤخذ عليه خربة
بحيث تكون أسباب التقى فيه موجودة وأسباب التهم فيه مفقودة فهذا الذي يجوز له ان يحكم
بعلمه مطلقا (قلت) وكان البخاري أخذ ذلك عنه فإنه من مشايخه (قوله كما قال النبي صلى الله
عليه وسلم لهند خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) هذا اللفظ وصله المؤلف في النفقات من
طريق هشام بن عروة عن أبيه وقد ساق القصة في هذا الباب بغير هذا اللفظ من طريق الزهري
عن عروة وقوله وذلك إذا كان أمرا مشهورا هذا تفسير قول من قال يقضي بعلمه مطلقا ويحتمل
ان يكون المراد المشهور الشئ المأمور بأخذه ثم ذكر قصة هند بنت عتبة (قوله ما كان على ظهر
الأرض أهل خباء أحب الخ) تقدم في السيرة النبوية في المناقب والكلام عليه وتقدم شرح
ما تضمنه الحديث المذكور في كتاب النفقات وفيه بيان استدلال من استدل به على جواز حكم
الحاكم بعلمه ورد قول المستدل به على الحكم على الغائب قال ابن بطال احتج من أجاز للقاضي ان
يحكم بعلمه بحديث الباب فإنه صلى الله عليه وسلم قضى لها بوجوب النفقة لها ولولدها لعلمه بأنها
زوجة أبي سفيان ولم يلتمس على ذلك بينة ومن حيث النظر ان علمه أقوى من الشهادة لأنه يتيقن
ما علمه والشهادة قد تكون كذبا وحجة من منع قوله في حديث أم سلمة انما أقضي له بما أسمع ولم
يقل بما أعلم وقال للحضرمي شاهداك أو يمينه وفيه وليس لك الا ذلك ولما يخشى من قضاة
السوء ان يحكم أحدهم بما شاء ويحيل على علمه احتج من منع مطلقا بالتهمة واحتج من فصل
بان الذي علمه الحاكم قبل القضاء كان على طريق الشهادة فلو حكم به لحكم بشهادة نفسه فصار
بمنزلة من قضى بدعواه على غيره وأيضا فيكون كالحاكم بشاهد واحد وقد تقدم له تعليل آخر
واما في حال القضاء ففي حديث أم سلمة فإنما أقضي له على نحو ما أسمع ولم يفرق بين سماعه من
شاهد أو مدع وسيأتي تفصيل المذاهب في الحكم بالعلم في باب الشهادة تكون عند الحاكم في
ولاية القضاء وقال ابن المنير لم يتعرض ابن بطال لمقصود الباب وذلك أن البخاري احتج لجواز
الحكم بالعلم بقصة هند فكان ينبغي للشارح ان يتعقب ذلك بأن لا دليل فيه لأنه خرج مخرج
الفتيا وكلام المفتي يتنزل على تقدير صحة انهاء المستفتى فكأنه قال إن ثبت انه يمنعك حقك جاز
لك استيفاؤه مع الامكان قال وقد أجاب بعضهم بأن الأغلب من أحوال النبي صلى الله عليه
وسلم الحكم والالزام فيجب تنزيل لفظه عليه لكن يرد عليه انه صلى الله عليه وسلم ما ذكر في قصة
هند انه يعلم صدقها بل ظاهر الامر انه لم يسمع هذه القصة الا منها فكيف يصح الاستدلال به على
حكم الحاكم بعلمه (قلت) وما ادعى نفيه بعيد فإنه لو لم يعلم صدقها لم يأمرها بالأخذ واطلاعه على
صدقها ممكن بالوحي دون من سواه فلا بد من سبق علم 1 ويؤيد اطلاعه على حالها من قبل ان تذكر
ما ذكرت من المصاهرة ولأنه قبل قولها انها زوجة أبي سفيان بغير بينة واكتفى فيه بالعلم ولأنه
لو كانت فتيا لقال مثلا تأخذ فلما اتى بصيغة الامر بقوله خذي دل على الحكم وسيأتي لهذا مزيد
في باب القضاء على الغائب ثم قال ابن المنير أيضا لو كان حكما لاستدعى معرفة المحكوم به والواقع
ان المحكوم به غير معين كذا قال والله أعلم * (قوله باب الشهادة على الخط المختوم)
كذا للأكثر بمعجمة ثم مثناة وفي رواية الكشميهني المحكوم بمهملة ثم كاف أي المحكوم به
123

وسقطت هذه اللفظة لابن بطال ومراده هل تصح الشهادة على الخط أي بأنه خط فلان وقيد
بالمختوم لأنه أقرب إلى عدم التزوير على الخط (قوله وما يجوز من ذلك وما يضيق عليه) يريد ان
القول بذلك لا يكون على التعميم اثباتا ونفيا بل لا يمنع ذلك مطلقا فتضيع الحقوق ولا يعمل بذلك
مطلقا فلا يؤمن فيه التزوير فيكون جائزا بشروط (قوله وكتاب الحاكم إلى عامله والقاضي إلى
القاضي) يشير إلى الرد على من أجاز الشهادة على الخط ولم يجزها في كتاب القاضي وكتاب الحاكم
وسيأتي بيان من قاله والبحث معه فيه (قوله وقال بعض الناس كتاب الحاكم جائز الا في الحدود
ثم قال إن كان القتل خطأ فهو جائز لان هذا مال بزعمه وانما صار مالا بعد أن ثبت القتل) قال ابن
بطال حجة البخاري على من قال ذلك من الحنفية واضحة لأنه إذا لم يجز الكتاب بالقتل فلا فرق بين
الخطأ والعمد في أول الأمر وانما يصير مالا بعد الثبوت عند الحاكم والعمد أيضا ربما آل إلى
المال فاقتضى النظر التسوية (قوله وقد كتب عمر إلى عامله في الحدود) في رواية أبي ذر عن
المستملي والكشميهني في الجارود بجيم خفيفة وبعد الألف راء مضمومة وهو ابن المعلى ويقال ابن
عمرو بن المعلى العبدي ويقال كان اسمه بشرا والجارود لقبه وكان الجارود المذكور قد أسلم
وصحب ثم رجع إلى البحرين فكان بها وله قصة مع قدامة بن مظعون عامل عمر على البحرين أخرجها
عبد الرازق من طريق عبد الله بن عامر بن ربيعة قال استعمل عمر قدامة بن مظعون فقدم
الجارود سيد عبد القيس على عمر فقال إن قدامة شرب فسكر فكتب عمر إلى قدامة في ذلك فذكر
القصة بطولها في قدوم قدامة وشهادة الجارود وأبي هريرة عليه وفي احتجاج قدامة بآية المائدة
وفي رد عمر عليه وجلده الحد وسندها صحيح وقد تقدم في آخر الحدود ونزول الجارود البصرة بعد
ذلك واستشهد في خلافة عمر سنة عشرين (قوله وكتب عمر بن عبد العزيز في سن كسرت) وصله
أبو بكر الخلال في كتاب القصاص والديات من طريق عبد الله بن المبارك عن حكيم بن زريق
عن أبيه قال كتب إلى عمر بن عبد العزيز كتابا أجاز فيه شهادة رجل على سن كسرت (قوله وقال
إبراهيم كتاب القاضي إلى القاضي جائز إذا عرف الكتاب والخاتم) وصله ابن أبي شيبة عن عيسى
ابن يونس عن عبيدة عن إبراهيم (قوله وكان الشعبي يجيز الكتاب المختوم بما فيه من القاضي)
وصله أبو بكر بن أبي شيبة من طريق عيسى بن أبي عزة قال كان عامر يعني الشعبي يجيز الكتاب
المختوم يجيئه من القاضي وأخرج عبد الرزاق من وجه آخر عن الشعبي قال لا يشهد ولو عرف
الكتاب والخاتم حتى يذكر ويجمع بينهما بان الأول إذا كان من القاضي إلى القاضي والثاني
في حق الشاهد (قوله ويروى عن ابن عمر نحوه) قلت لم يقع لي هذا الأثر عن ابن عمر إلى الآن
(قوله وقال معاوية بن عبد الكريم الثقفي) هو المعروف بالضال بضاد معجمة ولام ثقيلة سمى
بذلك لأنه ضل في طريق مكة قاله عبد الغني بن سعيد المصري ووثقه أحمد وابن معين وأبو داود
والنسائي ومات سنة ثمانين ومائة وكان معمرا أدرك أبا رجاء العطاردي وقد وصل أثره هذا
وكيع في مصنفة عنه (قوله شهدت) أي حضرت (عبد الملك بن يعلى قاضي البصرة) وهو الليثي
تابعي ثقة وكان يزيد بن هبيرة ولاه قضاء البصرة لما ولي امارتها من قبل يزيد بن عبد الملك بن مروان
ذكر ذلك عمر بن شبة في أخبار البصرة وقال إنه مات وهو على القضاء وأرخه ابن حبان في الثقات
سنة مائة فوهم وذكر ابن سعد انه كان قاضيا قبل الحسن ومات في خلافة عمر بن عبد العزيز
124

والصواب بعد الحسن وقول عمر بن شبة هو المعتمد وان ابن هبيرة هو الذي ولاه ومات على
القضاء بعد ذلك بعد المائة بسنتين أو ثلاثة ويقال بل عاش إلى خلافة هشام بن عبد الملك فعزله
خالد بن عبد الله القسري وولى ثمامة بن عبد الله بن أنس (قوله وإياس بن معاوية) بكسر الهمزة
وتخفيف التحتانية هو المزني المعروف بالذكاء وكان قد ولي قضاء البصرة في خلافة عمر بن عبد
العزيز ولاه عدي بن أرطاة عامل عمر عليها بعد امتناعه منه وله في ذلك أخبار منها ما ذكره
الكرابيسي في أدب القضاء قال حدثنا عبيد الله بن عائشة حدثنا عبد الله بن عمر القيسي قال
قالوا لاياس لما امتنع من الولاية يا أبا واثلة اختر لنا قال لا أتقلد ذلك قيل له لو وجدت رجلا ترضاه
أكنت تشير به قال نعم قيل وترضى له ان يلي إذا كان رضا قال نعم قيل له فإنك خيار رضا فلم
يزالوا به حتى ولى (قلت) ثم وقع بينهما فركب اياس إلى عمر بن عبد العزيز فبادر عدي فولى الحسن
البصري القضاء فكتب عمر ينكر على عدي ما ذكره عنه اياس ويوفق صنعه في تولية الحسن القضاء
ذكر ذلك عمر بن شبة ومات اياس سنة اثنتين وعشرين ومائة وهو ثقة عند الجميع (قوله والحسن)
هو ابن أبي الحسن البصري الامام المشهور وكان ولى قضاء البصرة مدة لطيفة ولاه عدي أميرها
لما ذكرنا ومات الحسن سنة عشر ومائة (قوله وثمامة بن عبد الله بن أنس) هو الراوي المشهور
وكان تابعيا ثقة ناب في القضاء بالبصرة عن أبي بردة ثم ولي قضاء البصرة أيضا في أوائل خلافة
هشام بن عبد الملك ولاه خالد القسري سنة ست ومائة وعزله سنة عشر وقيل سنة تسع وولى بلال
ابن أبي بردة ومات ثمامة بعد ذلك (قوله وبلال بن أبي بردة) أي ابن أبي موسى الأشعري وكان
صديق خالد بن عبد الله القسري فولاه قضاء البصرة لما ولى إمرتها من قبل هشام بن عبد الملك
وضم إليه الشرطة فكان أميرا قاضيا ولم يزل قاضيا إلى أن قتله يوسف بن عمر الثقفي لما ولى الامرة
بعد خالد وعذب خالدا وعماله ومنهم بلال وذلك في سنة عشرين ومائة ويقال انه مات في حبس
يوسف وقد أخرج له الترمذي حديثا واحدا ولم يكن محمودا في أحكامه ويقال انه كان يقول إن
الرجلين ليختصمان إلى فأجد أحدهما أخف على قلبي فأقضي له ذكر ذلك أبو العباس المبرد في
الكامل (قوله وعبد الله بن بريدة الأسلمي) هو التابعي المشهور وكان ولى قضاء مرو بعد أخيه
سليمان سنة خمس عشرة ومائة إلى أن مات وهو على قضائها سنة خمس عشرة ومائة وذلك في ولاية
أسد بن عبد الله القسري على خراسان وهو أخو خالد القسري وحديث عبد الله بن بريدة بن
الخصيب هذا في الكتب الستة (قوله وعامر بن عبدة) هو بفتح الموحدة وقيل بسكونها ذكره ابن
ماكولا بالوجهين وقيل فيه أيضا عبيدة بكسر الموحدة وزيادة ياء وجميع من في البخاري
بالسكون الا بحالة ابن عبدة المقدم ذكره في كتاب الجزية فإنه بالتحريك وعامر هو البجلي أبو إياس
الكوفي ووثقه ابن معين وغيره وهو من قدماء التابعين له رواية عن ابن مسعود وروى عنه
المسيب بن رافع وأبو إسحاق وحديثه عند النسائي وكان ولى القضاء بالكوفة مرة وعمر (قوله
وعباد بن منصور) أي الناجي بالنون والجيم يكنى أبا سلمة بصري قال أبو داود ولى قضاء البصرة
خمس مرات وذكر عمر بن شبة انه أول ما ولي سنة سبع وعشرين ولاه يزيد بن عمر بن هبيرة فلما عزل
وولى مسلم بن قتيبة عزله وولى معاوية بن عمرو ثم استعفى فأعفاه مسلم وأعاد عباد بن منصور وكان
عباد يرمي بالقدر ويدلس فضعفوه بسب ذلك ويقال انه تغير وحديثه في السنن الأربعة وعلق له
125

البخاري شيئا ومات سنة اثنتين وخمسين ومائة (قوله يجيزون كتب القضاة بغير محضر من الشهود
الخ) يعني قوله فالتمس المخرج وهو بفتح الميم وسكون المعجمة وآخره جيم اطلب الخروج من
عهدة ذلك اما بالقدح في البينة بما يقبل فتبطل الشهادة واما بما يدل على البراءة من المشهود به
(قوله وأول من سأل على كتاب القاضي البينة ابن أبي ليلى) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى
قاضي الكوفة وامامها وليها في زمن يوسف بن عمر الثقفي في خلافة الوليد بن يزيد ومات سنة
ثمان وأربعين ومائة وهو صدوق اتفقوا على ضعف حديثه من قبل سوء حفظه وقال الساجي
كان يمدح في قضائه فاما في الحديث فليس بحجة وقال أحمد فقه ابن أبي ليلى أحب إلي من
حديثه وحديثه في السنن الأربعة وأغفل المزي ان يعلم له في التهذيب علامة تعليق البخاري
كما أغفل أن يترجم لسوار بن عبد الله المذكور بعده أصلا مع أنه اعلم لكل من ذكره معاوية
ابن عبد الكريم هنا ممن لم يخرج له شيئا موصولا (قوله وسوار بن عبد الله) بفتح المهملة وتشديد
الواو وهو العنبري نسبة إلى بني العنبر من بني تميم قال ابن حبان في الثقات كان فقيها ولاه المنصور
قضاء البصرة سنة ثمان وثلاثين ومائة فبقي على قضائها إلى أن مات في ذي القعدة سنة ست
وخمسين وحفيده سوار بن عبد الله بن سوار بن عبد الله ولي قضاء الرصافة ببغداد والجانب
الشرقي وحديثه في السنن الثلاثة ومات سنة خمس وأربعين ومائتين (قوله وقال لنا أبو نعيم)
هو الفضل بن دكين (قوله حدثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن محرز) بضم الميم وسكون المهملة وكسر
الراء بعدها زاي هو كوفي ما رأيت له راويا غير أبي نعيم وما له في البخاري سوى هذا الأثر ولم يزد
المزي في ترجمته على ما تضمنه هذا الأثر (قوله جئت بكتاب من موسى بن أنس قاضي البصرة) أي
ابن مالك التابعي المشهور وكان ولي قضاء البصرة في ولاية الحكم بن أيوب الثقفي وهو ثقة حديثه
في الكتب الستة وقال ابن حبان في الثقات مات بعد أخيه النضر بالبصرة وكانت وفاة النضر
قبل وفاة الحسن البصري سنة ثمان أو تسع ومائة (قوله فجئت به القاسم بن عبد الرحمن) أي ابن
عبد الله بن مسعود المسعودي يكنى أبا عبد الرحمن وقال العجلي ثقة وكان على قضاء الكوفة
زمن عمر بن عبد العزيز وكان لا يأخذ على القضاء أجرا وكان ثقة صالحا وهو تابعي قال ابن
المديني لم يلق من الصحابة الا جابر بن سمرة ويقال انه مات سنة ست عشرة ومائة (قوله فأجازه)
بجيم وزاي أي أمضاه وعمل به * تنبيه * وقع في المغني لابن قدامة يشترط في قول أئمة الفتوى
أن يشهد بكتاب القاضي إلى القاضي شاهدان عدلان ولا تكفي معرفة خط القاضي وختمه
وحكى عن الحسن وسوار والحسن العنبري انهم قالوا إذا كان يعرف خطه وختمه قبله وهو قول
أبي ثور (قلت) وهو خلاف ما نقله البخاري عن سوار انه أول من سأل البينة وينضم إلى من
ذكرهم ابن قدامة سائر من ذكرهم البخاري من قضاة الأمصار من التابعين فمن بعدهم (قوله
وكره الحسن) هو البصري وأبو قلابة هو الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء (قوله إن يشهد) بفتح
أوله والفاعل محذوف أي الشاهد (قوله على وصية حتى يعلم ما فيها) اما أثر الحسن فوصله
الدارمي من رواية هشام بن حسان عنه قال لا تشهد على وصية حتى تقرأ عليك ولا تشهد على
من لا تعرف وأخرجه سعيد بن منصور من طريق يونس بن عبيد عن الحسن نحوه واما أثر أبي
قلابة فوصله ابن أبي شيبة ويعقوب بن سفيان جميعا من طريق حماد بن زيد عن أيوب قال قال
126

أبو قلابة في الرجل يقول اشهدوا على ما في هذه الصحيفة قال لا حتى يعلم ما فيها زاد يعقوب وقال
لعل فيها جورا وفي هذه الزيادة بيان السبب في المنع المذكور وقد وافق الداودي من المالكية
هذا القول فقال هذا هو الصواب انه لا يشهد على وصية حتى يعرف ما فيها وتعقبه ابن التين بأنها
إذا كان فيها جور لم يمنع التحمل لان الحاكم قادر على رده إذا أوجب حكم الشرع رده وما عداه
يعمل به فليس خشية الجور فيها مانعا من التحمل وانما المانع الجهل بما يشهد به قال ووجه الجور
ان كثيرا من الناس يرغب في اخفاء أمره لاحتمال ان لا يموت فيحتاط بالاشهاد ويكون حاله مستمرا
على الاخفاء (قوله وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل خيبر الخ) هذا طرف من حديث
سهل بن أبي حثمة في قصة حويصة ومحيصة وقتل عبد الله بن سهل بخيبر وقد تقدم شرحه مستوفى
في الديات في باب القسامة ويأتي بهذا اللفظ في باب كتابة الحاكم إلى عماله بعد أحد وعشرين بابا
(قوله وقال الزهري في الشهادة على المرأة من الستر) أي من ورائه (قوله إن عرفتها فاشهد)
وصله أبو بكر بن أبي شيبة من طريق جعفر بن برقان عن الزهري بنحوه ومقتضاه انه لا يشترط
ان يراها حالة الاشهاد بل يكفي ان يعرفها بأي طريق فرض وفي ذلك خلاف أشير إليه في كتاب
الشهادات (قوله لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم ان يكتب إلى الروم) كان ذلك في سنة ست
كما تقدم بيانه في شرح حديث أبي سفيان الطويل المذكور في بدء الوحي (قوله قالوا إنهم
لا يقرءون كتابا الا مختوما) لم أعرف اسم القائل بعينه (قوله فاتخذ خاتما الخ) تقدم شرحه
مستوفي في أواخر اللباس وجملة ما تضمنته هذه الترجمة بآثارها ثلاثة أحكام الشهادة على الخط
وكتاب القاضي إلى القاضي والشهادة على الاقرار بما في الكتاب وظاهر صنيع البخاري جواز
جميع ذلك فاما الحكم الأول فقال ابن بطال اتفق العلماء على أن الشهادة لا تجوز للشاهد إذا رأى
خطه الا إذا تذكر تلك الشهادة فإن كان لا يحفظها فلا يشهد فإنه من شاء انتقش خاتما ومن
شاء كتب كتابا وقد فعل مثله في أيام عثمان في قصة مذكورة في سبب قتله وقد قال الله تعالى
الا من شهد بالحق وهم يعلمون وأجاز مالك الشهادة على الخط ونقل ابن شعبان عن ابن وهب أنه
قال لا آخذ بقول مالك في ذلك وقال الطحاوي خالف مالكا جميع الفقهاء في ذلك وعدوا قوله
في ذلك شذوذا لان الخط قد يشبه الخط وليست شهادة على قول منه ولا معاينة وقال محمد بن
الحرث الشهادة على الخط خطأ فقد قال مالك في رجل قال سمعت فلانا يقول رأيت فلانا قتل
فلانا أو طلق امرأته أو قذف لا يشهد على شهادته الا ان أشهده قال فالخط أبعد من هذا
وأضعف قال والشهادة على الخط في الحقيقة استشهاد الموتى وقال محمد بن عبد الله بن عبد
الحكم لا يقضي في دهرنا بالشهادة على الخط لان الناس قد أحدثوا ضروبا من الفجور وقد قال
مالك يحدث للناس أقضية على نحو ما أحدثوا من الفجور وقد كان الناس فيما مضى يجيزون
الشهادة على خاتم القاضي ثم رأى مالك ان ذلك لا يجوز فهذه أقوال جماعة من أئمة المالكية توافق
الجمهور وقال أبو علي الكرابيسي في كتاب أدب القضاء له أجاز الشهادة على الخط قوم لا نظر
لهم فان الكتاب يشبهون الخط بالخط حتى يشكل ذلك على أعلمهم انتهى وإذا كان هذا في ذلك
العصر فكيف بمن جاء بعدهم وهم أكثر مسارعة إلى الشر ممن مضى وادق نظرا فيه وأكثر هجوما
عليه وأما الحكم الثاني فقال ابن بطال اختلفوا في كتب القضاة فذهب الجمهور إلى الجواز
127

واستثنى الحنفية الحدود وهو قول الشافعي والذي احتج به البخاري على الحنفية قوى لأنه
لم يصر مالا الا بعد ثبوت القتل قال وما ذكره عن القضاة من التابعين من إجازة ذلك حجتهم فيه
ظاهرة من الحديث لان النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى الملوك ولم ينقل أنه أشهد أحدا على
كتابه قال ثم أجمع فقهاء الأمصار على ما ذهب إليه سوار وابن أبي ليلى من اشتراط الشهود لما
دخل الناس من الفساد فاحتيط للدماء والأموال وقد روى عبد الله بن نافع عن مالك قال كان
من أمر الناس القديم إجازة الخواتيم حتى أن القاضي ليكتب للرجل الكتاب فما يزيد على ختمه
فيعمل به حتى اتهموا فصار لا يقبل الا بشاهدين واما الحكم الثالث فقال ابن بطال اختلفوا إذا
أشهد القاضي شاهدين على ما كتبه ولم يقرأه عليهما ولا عرفهما بما فيه فقال مالك يجوز ذلك
وقال أبو حنيفة والشافعي لا يجوز لقوله تعالى وما شهدنا الا بما علمنا قال وحجة مالك أن الحاكم
إذا أقر أنه كتابه فالغرض من الشهادة عليه أن يعلم القاضي المكتوب إليه ان هذا كتاب القاضي
إليه وقد يثبت عند القاضي من أمور الناس ما لا يحب ان يعلمه كل أحد كالوصية إذا ذكر الموصي
ما فرط فيه مثلا قال وقد أجاز مالك أيضا أن يشهدا على الوصية المختومة وعلى الكتاب
المطوي ويقولان للحاكم نشهد على اقراره بما في هذا الكتاب والحجة في ذلك كتب النبي صلى الله
عليه وسلم إلى عماله من غير أن يقرأها على من حملها وهي مشتملة على الاحكام والسنن وقال
الطحاوي يستفاد من حديث أنس ان الكتاب إذا لم يكن مختوما فالحجة بما فيه قائمة لكونه صلى
الله عليه وسلم أراد ان يكتب إليهم وانما اتخذ الخاتم لقولهم انهم لا يقبلون الكتاب الا إذا كان
مختوما فدل على أن كتاب القاضي حجة مختوما كان أو غير مختوم واختلف في الحكم بالخط المجرد
كأن يرى القاضي خطه بالحكم فيطلب منه المحكوم له العمل به فالأكثر ليس له ان يحكم حتى
يتذكر الواقعة كما في الشاهد وهو قول الشافعي وقيل إن كان المكتوب في حرز الحاكم أو الشاهد
منذ حكم فيه أو تحمل إلى أن طلب منه الحكم أو الشهادة جاز ولو لم يتذكر والا فلا وقيل إذا
تيقن انه خطه ساغ له الحكم والشهادة وان لم يتذكر والأوسط اعدل المذاهب وهو قول أبي
يوسف ومحمد ورواية عن أحمد رجحها كثير من اتباعه والأول قول مالك ورواية عن أحمد قال
ابن المنير لم يتعرض الشارح لمقصود الباب لان البخاري استدل على الخط بكتاب النبي صلى الله
عليه وسلم إلى الروم ولقائل أن يقول إن مضمون الكتاب دعاؤهم إلى الاسلام وذلك أمر قد اشتهر
لثبوت المعجزة والقطع بصدقه فيما دعى إليه فلم يلزمهم بمجرد الخط فإنه عند القائل به انما يفيد ظنا
والاسلام لا يكتفى فيه بالظن إجماعا فدل على أن العلم حصل بمضمون الخط مقرونا بالتواتر السابق
على الكتاب فكان الكتاب كالتذكرة والتوكيد في الانذار مع أن حامل الكتاب قد يحتمل أن يكون
اطلع على ما فيه وأمر بتبليغه والحق ان العمدة على أمره المعلوم مع قرائن الحال المصاحبة لحامل
الكتاب ومسألة الشهادة على الخط مفروضة في الاكتفاء بمجرد الخط قال والفرق بين الشهادة على
الخط وبين كتاب القاضي إلى القاضي في أن القائل بالأول أقل من القائل بالثاني تطرق الاحتمال
في الأول وندوره في الثاني لبعد احتمال التزوير على القاضي ولا سيما حيث تمكن المراجعة ولذلك
شاع العمل به فيما بين القضاة ونوابهم والله أعلم * (قوله باب متى يستوجب الرجل
القضاء) أي متى يستحق ان يكون قاضيا قال أبو علي الكرابيسي صاحب الشافعي في كتاب
128

آداب القضاء له لا أعلم بين العلماء ممن سلف خلافا ان أحق الناس ان يقضى بين المسلمين من بان
فضله وصدقه وعلمه وورعه قارئا لكتاب الله عالما بأكثر أحكامه عالما بسنن رسول الله حافظا
لأكثرها وكذا أقوال الصحابة عالما بالوفاق والخلاف وأقوال فقهاء التابعين يعرف الصحيح من
السقيم يتبع في النوازل الكتاب فإن لم يجد فالسنن فإن لم يجد عمل بما اتفق عليه الصحابة فان
اختلفوا فما وجده أشبه بالقرآن ثم بالسنة ثم بفتوى أكابر الصحابة عمل به ويكون كثير المذاكرة
مع أهل العلم والمشاورة لهم مع فضل وورع ويكون حافظا للسانه وبطنه وفرجه فهما بكلام
الخصوم ثم لا بد ان يكون عاقلا مائلا عن الهوى ثم قال وهذا وان كنا نعلم أنه ليس على وجه الأرض
أحد يجمع هذه الصفات ولكن يجب ان يطلب من أهل كل زمان أكملهم وأفضلهم وقال
المهلب لا يكفي في استحباب القضاء ان يرى نفسه أهلا لذلك بل إن يراه الناس أهلا لذلك وقال
ابن حبيب عن مالك لا بد ان يكون القاضي عالما عاقلا قال ابن حبيب فإن لم يكن علم فعقل
وورع لأنه بالورع يقف وبالعقل يسأل وهو إذا طلب العلم وجده وإذا طلب العقل لم يجده قال
ابن العربي واتفقوا على أنه لا يشترط ان يكون غنيا والأصل قوله تعالى ولم يؤت سعة من المال
قال إن الله اصطفاه عليكم الآية قال والقاضي لا يكون في حكم الشرع الا غنيا لان غناه في
بيت المال فإذا منع من بيت المال واحتاج كان تولية من يكون غنيا أولى من تولية من يكون
فقيرا لأنه يصير في مظنة من يتعرض بتناول ما لا يجوز تناوله (قلت) وهذا قاله بالنسبة إلى الزمان
الذي كان فيه ولم يدرك زمانه هذا الذي صار من يطلب القضاء فيه يصرح بأن سبب طلبه
الاحتياج إلى ما يقوم بأوده مع العلم بأنه لا يحصل له شئ من بيت المال واتفقوا على اشتراط
الذكورية في القاضي الا عن الحنفية واستثنوا الحدود وأطلق ابن جرير وحجة الجمهور الحديث
الصحيح ما أفلح قوم ولوا أمورهم امرأة وقد تقدم ولان القاضي يحتاج إلى كمال الرأي ورأي المرأة
ناقص ولا سيما في محافل الرجال (قوله وقال الحسن) هو البصري (قوله أخذ الله على الحكام
ان لا يتبعوا الهوى ولا يخشوا الناس ولا يشتروا بآيات الله ثمنا قليلا ثم قرأ يا داود انا جعلناك
خليفة في الأرض إلى يوم الحساب وقرأ انا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور إلى قوله ومن لم يحكم بما
انزل الله فأولئك هم الكافرون) قلت فأراد من آية يا داود قوله ولا تتبع الهوى فيضلك عن
سبيل الله وأراد من آية المائدة بقية ما ذكر وأطلق على هذه المناهي أمرا إشارة إلى أن النهي
عن الشئ أمر بضده ففي النهي عن الهوى أمر بالحكم بالحق وفي النهي عن خشية الناس أمر
بخشية الله ومن لازم خشية الله الحكم بالحق وفي النهي عن بيع آياته الامر باتباع ما دلت عليه
وانما وصف الثمن بالقلة إشارة إلى أنه وصف لازم له بالنسبة للعوض فإنه أغلى من جميع ما حوته
الدنيا (قوله بما استحفظوا استودعوا من كتاب الله الآية) ثبت هذا للمستملي وهو تفسير أبي
عبيدة قال في قوله تعالى بما استحفظوا من كتاب الله أي بما استودعوا استحفظته كذا استودعته
إياه (قوله وقرأ) أي الحسن البصري المذكور (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إلى آخرها)
رويناه موصولا في حلية الأولياء لأبي نعيم من رواية محمد بن إبراهيم الحافظ المعروف بمربع بموحدة
ومهملة وزن محمد قال حدثنا سعيد هو ابن سليمان الواسطي حدثنا أبو العوام هو عمران القطان
عن قتادة عن الحسن وهو بن أبي الحسن البصري فذكره ومعنى أخذ الله على الحكام عهد إليهم
129

(قوله فحمد سليمان ولم يلم داود ولولا ما ذكر الله من أمر هذين) يعني داود وسليمان وقوله لرأيت
في رواية الكشميهني لرويت ان القضاة هلكوا يعني لما تضمنته الآيتان الماضيتان ان من
لم يحكم بما أنزل الله كافر فدخل في عمومه العامد والمخطئ وكذا قوله تعالى ان الذين يضلون عن
سبيل الله يشمل العامد والمخطئ فاستدل بالآية الأخرى في قصة الحرث ان الوعيد خاص بالعامد
فأشار إلى ذلك بقوله فإنه أثنى على هذا بعلمه أي بسبب علمه أي معرفته وفهمه وجه الحكم والحكم
به وعذر بفتح الذال المعجمة هذا باجتهاده وروينا بعضه في تفسير ابن أبي حاتم وفي المجالسة لأبي بكر
الدينوري وفي أمالي الصولي جميعا يزيد بعضهم على بعض من طريق حماد بن سلمة عن حميد
الطويل قال دخلنا مع الحسن على إياس بن معاوية حين استقضى قال فبكى إياس وقال يا أبا سعيد
يعني الحسن البصري المذكور يقولون القضاة ثلاثة رجل اجتهد فأخطأ فهو في النار ورجل
مال مع الهوى فهو في النار ورجل اجتهد فأصاب فهو في الجنة فقال الحسن ان فيما قص الله
عليك من نبأ سليمان ما يرد على من قال هذا وقرأ وداود وسليمان إذا يحكمان في الحرث إلى قوله
شاهدين قال فحمد سليمان لصوابه ولم يذم داود لخطئه ثم قال إن الله اخذ على الحكام عهدا
بأن لا يشتروا به ثمنا ولا يتبعوا فيه الهوى ولا يخشوا فيه أحدا ثم تلا يا داود انا جعلناك خليفة
إلى آخر الآية قلت والحديث الذي أشار إليه إياس أخرجه أصحاب السنن من حديث بريدة
ولكن عندهم الثالث قضى بغير علم وقد جمعت طرقه في جزء مفرد وليس في شئ منها انه اجتهد
فأخطأ وسيأتي حكم من اجتهد فأخطأ بعد أبواب واستدل بهذه القصة على أن للنبي ان يجتهد في
الاحكام ولا ينتظر نزول الوحي لان داود عليه السلام على ما ورد اجتهد في المسئلة المذكورة
قطعا لأنه لو كان قضى فيها بالوحي ما خص الله سليمان بفهمها دونه وقد اختلف من أجاز للنبي
ان يجتهد هل يجوز عليه الخطأ في اجتهاده فاستدل من أجاز ذلك بهذه القصة وقد اتفق الفريقان
على أنه لو أخطأ في اجتهاده لم يقر على الخطأ وأجاب من منع الاجتهاد انه ليس في الآية دليل على
أن داود اجتهد ولا أخطأ وانما ظاهرها ان الواقعة اتفقت فعرضت على داود وسليمان فقضى فيها
سليمان لان الله فهمه حكمها ولم يقضي فيها داود بشئ ويرد على من تمسك بذلك بما ذكره أهل
النقل في سورة هذه الواقعة وقد تضمن أثر الحسن المذكور انهما جميعا حكما وقد تعقب ابن المنير
قول الحسن البصري ولم يذم داود بان فيه نقصا لحق داود وذلك أن الله تعالى قد قال وكلا آتينا
حكما وعلما فجمعهما في الحكم والعلم وميز سليمان بالفهم وهو علم خاص زاد على العام بفصل
الخصومة قال والأصح في الواقعة ان داود أصاب الحكم وسليمان أرشد إلى الصلح ولا يخلو قوله
تعالى وكلا آتينا حكما وعلما ان يكون عاما أو في واقعة الحرث فقط وعلى التقديرين يكون اثنى على
داود فيها بالحكم والعلم فلا يكون من قبيل عذر المجتهد إذا أخطأ لان الخطأ ليس حكما ولا علما وانما
هو ظن غير مصيب وإن كان في غير الواقعة فلا يكون تعالى أخبر في هذه الواقعة بخصوصها عن
داود بإصابة ولا خطأ وغايته انه أخبر بتفهيم سليمان ومفهومه لقب والاحتجاج به ضعيف فلا
يقال فهمها سليمان دون داود وانما خص سليمان بالتفهيم لصغر سنه فيستغرب ما يأتي به (قلت)
ومن تأمل ما نقل في القصة ظهر له ان الاختلاف بين الحكمين كان في الأولوية لا في العمد
والخطأ ويكون معنى قول الحسن حمد سليمان أي لموافقته الطريق الأرجح ولم يذم داود
130

لاقتصاره على الطريق الراجح وقد وقع لعمر رضي الله عنه قريب مما وقع لسليمان وذلك أن بعض
الصحابة مات وخلف مالا له نماء وديونا فأراد أصحاب الديون بيع المال في وفاء الدين لهم فاسترضاهم
عمر بأن يؤخروا التقاضي حتى يقبضوا ديونهم من النماء ويتوفر لأيتام المتوفى أصل المال
فاستحسن ذلك من نظره ولو أن الخصوم امتنعوا لما منعهم من البيع وعلى هذا التفصيل يمكن
تنزيل قصة أصحاب الحرث والغنم والله أعلم وتقدم في أحاديث الأنبياء شرح القصة التي وقعت
لداود وسليمان في المرأتين اللتين اخذ الذئب ابن إحداهما واختلاف حكم داود وسليمان في ذلك
وتوجيه حكم داود بما يقرب مما ذكر هنا في هذه القصة ووقعت لهما قصة ثالثة في التفرقة بين
الشهود في قصة المرأة التي اتهمت بأنها تحمل على نفسها فشهد عليها أربعة بذلك فأمر داود
برجمها فعمد سليمان وهو غلام فصور مثل قصتها بين الغلمان ثم فرق بين الشهود وامتحنهم
فتخالفوا فدرأ عنها ووقعت لهما رابعة في قصة المرأة التي صب في دبرها ماء البيض وهي نائمة وقيل إنها
زنت فأمر داود برجمها فقال سليمان يشوى ذلك الماء فان اجتمع فهو بيض والا فهو مني
فشوى فاجتمع وأخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن مسروق قال كان حرثهم عنبا نفشت فيه
الغنم أي رعت ليلا فقضى داود بالغنم لهم فمروا على سليمان فأخبروه الخبر فقال سليمان لا ولكن
أقضي بينهم ان يأخذوا الغنم فيكون لهم لبنها وصوفها ومنفعتها ويقوم هؤلاء على حرثهم حتى
إذا عاد كما كان ردوا عليهم غنمهم وأخرجه الطبري من وجه آخر لين فقال فيه عن مسروق عن
ابن مسعود وأخرجه ابن مردويه والبيهقي من وجه آخر عن ابن مسعود وسنده حسن وعن معمر
عن قتادة قضى داود ان يأخذوا الغنم ففهمها الله سليمان فقال خذوا الغنم فلكم ما خرج من
رسلها وأولادها وصوفها إلى الحول وأخرج عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد قال
أعطاهم داود رقاب الغنم بالحرث فحكم سليمان بجزة الغنم وألبانها لأهل الحرث وعليهم رعايتها
ويحرث لهم أهل الغنم حتى يكون كهيئة يوم أكل ثم يدفع لأهله ويأخذون غنمهم وأخرج
الطبري القصة من طريق علي بن زيد عن خليفة عن ابن عباس نحوه ومن طريق قتادة قال ذكر
لنا فذكر نحوه ومن طريق العوفي عن عطية عن ابن عباس ولكن قال فيها قال سليمان ان
الحرث لا يخفى على صاحبه ما يخرج منه كل عام فله من صاحب الغنم ان يبيع من أولادها
وصوفها حتى يستوفي ثمن حرثه فقال داود قد أصبت وأخرج ابن مردويه من طريق الحسن عن
الأحنف بن قيس نحو الأول قال ابن التين قيل علم سليمان ان قيمة ما أفسدت الغنم مثل ما يصير
إليهم من لبنها وصوفها وقال أيضا ورد في قصة ناقة البراء التي أفسدت في حائط ان النبي صلى الله
عليه وسلم قضى أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وان الذي أفسدت المواشي بالليل ضمانة على
أهلها أي ضمان قيمته هذا خلاف شرع سليمان قال فلو تراضيا بالدفع عن قيمة ما أفسدت فالمشهور
انه لا يجوز حتى يعرفا القيمة (قلت) ورواية العوفي إن كانت محفوظة ترفع الاشكال والا فالجواب
ما نقل ابن التين أولا ولا يكون بين الشرعين مخالفة (قوله وقال مزاحم) بضم الميم وتخفيف
الزاي وبعد الألف حاء مهملة (ابن زفر) بزاي وفاء وزن عمر هو الكوفي ويقال مزاحم ابن أبي
مزاحم ثقة أخرج له مسلم (قوله قال لنا عمر بن عبد العزيز) أي الخليفة المشهور العادل (قوله
خمس إذا أخطأ لقاضي منهن خطة) بضم الخاء المعجمة وتشديد الطاء كذا لأبي ذر عن غير الكشميهني
131

وله عنه خصلة بفتح أوله وسكون الصاد المهملة وكذا في رواية الباقين وهما بمعنى (قوله وصمة) بفتح
الواو وسكون الصاد المهملة أي عيبا (قوله إن يكون) تفسير لحال القاضي المذكور (قوله فهما)
بفتح الفاء وكسر الهاء وهو من صيغ المبالغة ويجوز تسكين الهاء أيضا ووقع في رواية المستملي
فقيها والأول أولى لان خصلة الفقه داخلة في خصلة العلم وهي مذكورة بعد (قوله حليما) أي
يغضى على من يؤذيه ولا يبادر إلى الانتقام ولا ينافي ذلك قوله بعد ذلك صليبا لان الأول في حق
نفسه والثاني في حق غيره (قوله عفيفا) أي يعف عن الحرام فإنه إذا كان عالما ولم يكن عفيفا
كان ضرره أشد من ضرر الجاهل (قوله صليبا) بصاد مهملة وباء موحدة من الصلابة بوزن عظيم
أي قويا شديدا يقف عند الحق ولا يميل مع الهوى ويستخلص حق المحق من المبطل ولا يحابيه
قوله عالما سئولا عن العلم هي خصلة واحدة أي يكون مع ما يستحضره من العلم مذاكرا له غيره
لاحتمال ان يظهر له ما هو أقوى مما عنده وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور في السنن عن عباد بن
عباد ومحمد بن سعد في الطبقات عن عفان كلاهما قال حدثنا مزاحم بن زفر قال قدمنا على عمر بن
عبد العزيز في خلافته وفد من أهل الكوفة فسألنا عن بلادنا وقاضينا وأمره وقال خمس إذا
أخطأ ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمر بن عبد العزيز بلفظ آخر أخرجه أيضا محمد بن سعد
في الطبقات عن محمد بن عبد الله الأسدي هو أحمد الزبيري عن سفيان هو الثوري عن يحيى بن
سعيد عن عمر بن عبد العزيز قال لا ينبغي للقاضي ان يكون قاضيا حتى يكون فيه خمس خصال
عفيف حليم عالم بما كان قبله يستشير ذوي الرأي لا يبالي بملامة الناس وجاء في استحباب الاستشارة
آثار جياد وأخرج يعقوب بن سفيان بسند جيد عن الشعبي قال من سره أن يأخذ بالوثيقة من
القضاء فليأخذ بقضاء عمر فإنه كان يستشير (0) قوله باب رزق الحاكم والعاملين عليها هو
من إضافة المصدر إلى المفعول والرزق ما يرتبه الامام من بيت المال لمن يقوم بمصالح المسلمين وقال
المطرزي الرزق ما يخرجه الامام كل شهر للمرتزقة من بيت المال والعطاء ما يخرجه كل عام ويحتمل
ان يكون قوله والعاملين عليها عطفا على الحاكم أي ورزق العاملين عليها أي على الحكومات
ويحتمل ان يكون أورد الجملة على الحكاية يريد الاستدلال على جواز أخذ الرزق بآية الصدقات
وهم من جملة المستحقين لها لعطفهم على الفقراء والمساكين بعد قوله انما الصدقات قال
الطبري ذهب الجمهور إلى جواز أخذ القاضي الأجرة على الحكم لكونه يشغله الحكم عن القيام
بمصالحه غير أن طائفة من السلف كرهت ذلك ولم يحرموه مع ذلك وقال أبو علي الكرابيسي
لا بأس للقاضي ان يأخذ الرزق على القضاء عند أهل العلم قاطبة من الصحابة ومن بعدهم وهو قول
فقهاء الأمصار لا أعلم بينهما اختلافا وقد كره ذلك قوم منهم مسروق ولا أعلم أحدا منهم حرمه
وقال المهلب وجه الكراهة انه في الأصل محمول على الاحتساب لقوله تعالى لنبيه قل لا أسألكم
عليه أجرا فأرادوا ان يجري الامر فيه على الأصل الذي وضعه الله لنبيه ولئلا يدخل فيه من
لا يستحقه فيتحيل على أموال الناس وقال غيره أخذ الرزق على القضاء إذا كانت جهة الاخذ
من الحلال جائزا إجماعا ومن تركه انما تركه تورعا وأما إذا كانت هناك شبهة فالأولى الترك جزما
ويحرم إذا كان المال يؤخذ لبيت المال من غير وجهه واختلف إذا كان الغالب حراما وأما
من غير بيت المال ففي جواز الاخذ من المتحاكمين خلاف ومن أجازه شرط فيه شروطا لا بد منها
132

وقد جر القول بالجواز إلى الغاء الشروط وفشا ذلك في هذه الاعصار بحيث تعذر إزالة ذلك والله
المستعان قوله وكان شريح القاضي يأخذ على القضاء أجرا هو شريح بن الحارث بن قيس النخعي
الكوفي قاضي الكوفة ولاه عمر ثم قضى لمن بعده بالكوفة دهرا طويلا وله مع علي أخبار في ذلك
وهو ثقة مخضرم أدرك الجاهلية والاسلام ويقال ان له صحبة مات قبل الثمانين وقد جاوز المائة
وهذا الأثر وصله عبد الرزاق وسعيد بن منصور من طريق مجالد عن الشعبي بلفظ كان مسروق
لا يأخذ على القضاء أجرا وكان شريح يأخذ قوله وقالت عائشة يأكل الوصي بقدر عمالته
قلت وصله بن أبي شيبة من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قوله تعالى ومن كان فقيرا
فليأكل بالمعروف قالت أنزل الله ذلك في والي مال اليتيم يقوم عليه بما يصلحه إن كان محتاجا ان
يأكل منه قوله وأكل أبو بكر وعمر أما أثر أبي بكر فوصله أبو بكر بن أبي شيبة من طريق بن
شهاب عن عروة عن عائشة قالت لما استخلف أبو بكر قال قد علم قومي ان حرفتي لم تكن تعجز عن
مؤنة أهلي وقد شغلت بأمر المسلمين الحديث وفيه قصة عمر وقد أسنده البخاري في البيوع من
هذا الوجه وبقيته فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال ويحترف للمسلمين فيه وفيه ان عمر لما ولي
أكل هو وأهله من المال واحترف في مال نفسه واما أثر عمر فوصله بن أبي شيبة وابن سعد من
طريق حارثة بن مضرب بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء بعدها موحدة قال قال عمر اني
أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة قيم اليتيم ان استغنيت عنه تركت وان افتقرت إليه أكلت
بالمعروف وسنده صحيح وأخرج الكرابيسي بسند صحيح عن الأحنف قال كنا بباب عمر فذكر
قصة وفيها فقال عمر انا أخبركم بما استحل ما أحج عليه واعتمر وحلتي الشتاء والقيظ وقوتي وقوت
عيالي كرجل من قريش ليس بأعلاهم ولا أسفلهم ورخص الشافعي وأكثر أهل العلم وعن أحمد
لا يعجبني وإن كان فبقدر عمله مثل ولي اليتيم واتفقوا على أنه لا يجوز الاستئجار عليه (قوله ابن
أخت نمر) بفتح النون وكسر الميم بعدها راء هو الصحابي المشهور تقدم ذكره مرارا من أقربها في
الحدود وأدرك من زمان النبي صلى الله عليه وسلم ست سنين وحفظ عنه وهو من أواخر الصحابة
موتا وآخر من مات منهم بالمدينة وقيل محمود بن الربيع وقيل محمود بن لبيد (قوله إن
حويطب بن عبد العزى) أي ابن أبي قيس بن عبد شمس القرشي العامري كان من أعيان قريش
وأسلم في الفتح وكان حميد الاسلام وكانت وفاته بالمدينة سنة أربع وخمسين من الهجرة وهو ابن
مائة وعشرين سنة وهو ممن اطلق عليه انه عاش ستين في الجاهلية وستين في الاسلام تجوزا ولا يتم
ذلك تحقيقا لأنه ان أريد بزمان الاسلام أول البعثة فيكون عاش فيها سبعا وستين أو الهجرة فيكون
عاش فيه أربعا وخمسين أو زمن إسلامه هو فيكون ستا وأربعين والأول أقرب إلى الاطلاق
على طريقة جبر الكسر تارة والغائه أخرى (قوله إن عبد الله بن السعدي) هو عبد الله بن
وقدان بن عبد شمس ويقال اسم أبيه عمر ووقدان جده ويقال قدامة بدل وقدان وعبد شمس
هو ابن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر وهو أيضا من بني عامر بن لؤي من قريش وانما
قيل له ابن السعدي لان أباه كان مسترضعا في بني سعد ومات عبد الله بالمدينة سنة سبع وخمسين
بعد حويطب الراوي عنه بثلاث سنين ويقال بل مات في خلافة عمر والأول أقوى وليس له في
البخاري الا هذا الحديث الواحد ووقع عند مسلم في رواية الليث عن بكير بن الأشج عن بسر بن
133

سعيد عن ابن الساعدي وخالفه عمرو بن الحرث عن بكير فقال عن ابن السعدي وهو المحفوظ
* تنبيه * أخرج مسلم أيضا هذا الحديث من طريق عمرو بن الحارث عن الزهري عن السائب
ابن يزيد عن عبد الله بن السعدي عن عمر فلم يسق لفظه بل أحال على سياق رواية سالم بن عبد الله
ابن عمر عن أبيه وسقط من السند حويطب بن عبد العزى بين السائب وابن السعدي ووهم المزي
في الأطراف تبعا لخلف فأثبت حويطب بن عبد العزى في السند في رواية مسلم وزعم أنه وقع في
روايته ابن الساعدي بزيادة الف وليس ذلك في شئ من نسخ صحيح مسلم لا اثبات حويطب ولا
الألف في الساعدي وقد نبه على سقوط حويطب من سند مسلم أبو علي الجياني والمازري
وعياض وغيرهم ولكنه ثابت في رواية عمرو بن الحرث في غير كتاب مسلم كما أخرجه أبو نعيم في
المستخرج ووقع عند ابن خزيمة من طريق سلامة عن عقيل عن ابن شهاب حدثني السائب ان
حويطبا أخبره ان عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخبره فذكره وهو وهم من سلامة قاله الرهاوي
(قوله إنه قدم على عمر في خلافته فقال له عمر ألم أحدث) بضم أوله وفتح المهملة وتشديد الدال
(قوله انك تلي من أعمال الناس) أي الولايات من إمرة أو قضاء ووقع في رواية بسر بن سعيد
عند مسلم استعملني عمر على الصدقة فعين الولاية (قوله العمالة) بضم المهملة وتخفيف الميم أي
اجرة العمل واما العمالة بفتح العين فهي نفس العمل (قوله ما تريد إلى ذلك) أي ما غاية قصدك
بهذا الرد وقد فسره بقوله وأريد أن تكون عمالتي صدقة على المسلمين (قوله فقلت ان لي أفراسا)
بفاء ومهملة جمع فرس (قوله وأعبدا) للأكثر بضم الموحدة وللكشميهني بمثناة بدل الموحدة جمع
عتيد وهو المال المدخر وقد تقدم تفسيره في كتاب الزكاة ووقع عند ابن حبان في صحيحه من
طريق قبيصة بن ذؤيب ان عمر أعطى ابن السعدي ألف دينار فذكر بقية الحديث نحو الذي هنا
ورويناه في الجزء الثالث من فوائد أبي بكر النيسابوري الزيادات من طريق عطاء الخراساني عن
عبد الله بن السعدي قال قدمت على عمر فأرسل إلي ألف دينار فرددتها وقلت انا عنها غني فذكره
أيضا بنحوه واستفيد منه قدر العمالة المذكورة (قوله فاني كنت أردت الذي أردت) بالفتح على
الخطاب (قوله يعطيني العطاء) أي المال الذي يقسمه الامام في المصالح ووقع في رواية بسر بن
سعيد عند مسلم فاني عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملني بتشديد الميم أي أعطاني
أجرة عملي فقلت مثل قولك (قوله فأقول أعطه أفقر إليه مني) في رواية سالم فأقول يا رسول الله
والباقي سواء قال الكرماني جاز الفصل بين أفعل التفضيل وبين كلمة من لان الفاصل ليس
أجنبيا بل هو ألصق به من الصلة لأنه يحتاج إليه بحسب جوهر اللفظ والصلة محتاج إليها بحسب
الصيغة (قوله فقال النبي صلى الله عليه وسلم خذه فتموله وتصدق به) في رواية سالم بن عبد الله
أو تصدق به بلفظ أو بدل الواو وهو أمر إرشاد على الصحيح قال ابن بطال أشار صلى الله عليه وسلم
على عمر بالأفضل لأنه وإن كان مأجورا بايثاره لعطائه عن نفسه من هو أفقر إليه منه فان اخذه
للعطاء ومباشرته للصدقة بنفسه أعظم لاجره وهذا يدل على عظيم فضل الصدقة بعد التمول لما في
النفوس من الشح على المال (قوله غير مشرف) بضم أوله وسكون المعجمة كسر الراء بعدها فاء
أي متطلع إليه يقال أشرف الشئ علاه وقد تقدم بيانه في كتاب الزكاة في باب من أعطاه الله شيئا
من غير مسئلة (قوله ولا سائل) أي طالب قال النووي فيه النهي عن السؤال وقد اتفق
134

العلماء على النهي عنه لغير الضرورة واختلف في مسئلة القادر على الكسب والأصح التحريم
وقيل يباح بثلاث شروط ان لا يذل نفسه ولا يلح في السؤال ولا يؤذي المسؤول فان فقد شرط من
هذه الشروط فهي حرام بالاتفاق (قوله فخذه والا فلا تتبعه نفسك) أي ان لم يجئ إليك فلا تطلبه
بل اتركه وليس المراد منعه من الايثار بل لان أخذه ثم مباشرته الصدقة بنفسه أعظم لاجره كما
تقدم قال النووي في هذا الحديث منقبة لعمر وبيان فضله وزهده وايثاره (قلت) وكذا لابن
السعدي فقد طابق فعله فعل عمر سواء وفي سند الزهري عن السائب أربعة من الصحابة في نسق
السائب وحويطب وابن السعدي وعمر وقد أشرت إلى ذلك في الباب المذكور من كتاب الزكاة
وذكرت ان مسلما أخرجه من طريق عمرو بن الحارث عن الزهري وأوهم كلام المزي في
الأطراف ان رواية شعيب وعمرو بن الحارث متفقتان وليس كذلك فان حويطب بن عبد العزى
سقط من رواية عمرو بن الحرث عند مسلم وقد وقعت المقارضة لمسلم والبخاري في هذين الحديثين
الرباعيين فأورد مسلم الرباعي الذي في سنده أربع نسوة بتمام الأربع وأورده البخاري بنقصان
واحدة كما تقدم في أوائل كتاب الفتن وأورد البخاري الرباعي الذي في سنده أربعة رجال بتمام
الأربعة وأورده مسلم بنقصان رجل وهذا من لطائف ما اتفق وقد وافق شعيبا على زيادة حويطب
في السند الزبيدي عن النسائي وسفيان بن عيينة عنده ومعمر عند الحميدي في مسنده ثلاثتهم عن
الزهري وقد جزم النسائي وأبو علي بن السكن بأن السائب لم يسمعه من ابن السعدي قال
النووي روينا عن الحافظ عبد القادر الرهاوي في كتابه الرباعيات ان الزبيدي وشعيب بن حمزة
وعقيل بن خالد ويونس بن يزيد وعمر بن الحارث رووه عن الزهري بذكر حويطب ثم ذكر طرقهم
بأسانيد مطولة قال ورواه النعمان بن راشد عن الزهري فأسقط ذكر حويطب واختلف على
معمر فرواه ابن المبارك عنه كالنعمان ورواه سفيان بن عيينة وموسى بن أعين عنه كالجماعة
ورواه عبد الرزاق عن معمر فأسقط اثنين جعله عن السائب عن عمر قال والصحيح الأول (قلت)
ومقتضاه ان يكون سقوط حويطب من رواية مسلم وهما منه أو من شيخه والا فذكره ثابت من
رواية غيره كما تقدم والله أعلم وقد نظم بعضهم السند المذكور في بيتين فقال
وفي العمالة إسناد بأربعة * من الصحابة فيه عنهم ظهرا
السائب بن يزيد عن حويطب * عبد الله حدثه بذاك عن عمرا
(قوله وعن الزهري قال حدثني سالم) هو موصول بالسند المذكور أولا إلى الزهري وقد أخرج
النسائي عن عمرو بن منصور عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه الحديثين المذكورين بالسندين
المذكورين إلى عمر واما مسلم فإنه لما أخرجه من طريق يونس عن ابن شهب ساقه على رواية
سالم عن أبيه ثم عقبه برواية ابن شهاب عن السائب بن يزيد فقال مثل ذلك وليس بين السياقين
تفاوت الا في قصة ابن السعدي عن عمر فلم يسقها مسلم والا ما بينته وزاد سالم فمن أجل ذلك كان ابن
عمر لا يسأل أحدا شيئا ولا يرد شيئا اعطيه (قلت) وهذا بعمومه ظاهر في أنه كان لا يرد ما فيه شبهة
وقد ثبت انه كان يقبل هدايا المختار بن أبي عبيد الثقفي وهو أخو صفية زوج ابن عمر بنت أبي
عبيد وكان المختار غلب على الكوفة وطرد عمال عبد الله بن الزبير وأقام أميرا عليها مدة في غير
طاعة خليفة وتصرف فيما يتحصل منها من المال على ما يراه ومع ذلك فكان ابن عمر يقبل هداياه
135

وكان مستنده ان له حقا في بيت المال فلا يضره على أي كيفية وصل إليه أو كان يرى أن التبعة
في ذلك على الآخذ الأول أو ان للمعطي المذكور مالا آخر في الجملة وحقا ما في المال المذكور فلما
لم يتميز وأعطاه له عن طيب نفس دخل في عموم قوله ما أتاك من هذا المال من غير سؤال ولا
استشراف فخذه فرأى أنه لا يستثنى من ذلك الا ما علمه حراما محضا قال الطبري في حديث عمر
الدليل الواضح على أن لمن شغل بشئ من أعمال المسلمين أخذ الرزق على عمله ذلك كالولاة والقضاة
وجباة الفئ وعمال الصدقة وشبههم لاعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر العمالة على عمله
وذكر ابن المنذر ان زيد بن ثابت كان يأخذ الاجر على القضاء واحتج أبو عبيد في جواز ذلك بما
فرض الله للعاملين على الصدقة وجعل لهم منها حقا لقيامهم وسعيهم فيها وحكى الطبري عن العلماء
هل الامر في قوله في هذا الحديث خذه وتموله للوجوب أو للندب ثالثها إن كانت العطية من
السلطان فهي حرام أو مكروهة أو مباحة وإن كانت من غيره فمستحبة قال النووي والصحيح انه
ان غلب الحرام حرمت وكذا إن كان مع عدم الاستحقاق وان لم يغلب الحرام وكان الآخذ
مستحقا فيباح وقيل يندب في عطية السلطان دون غيره والله أعلم وقال ابن المنذر وحديث ابن
السعدي حجة في جواز أرزاق القضاة من وجوهها وقال ابن بطال في الحديث ان أخذ ما جاء
من المال عن غير سؤال أفضل من تركه لأنه يقع في إضاعة المال وقد ثبت النهي عن ذلك وتعقبه
ابن المنير بأنه ليس من الإضاعة في شئ لان الإضاعة التبذير بغير وجه صحيح واما الترك توفيرا على
المعطي تنزيها عن الدنيا وتحرجا ان لا يكون قائما بالوظيفة على وجهها فليس من الإضاعة ثم قال
والوجه في تعليل الأفضلية ان الآخذ أعون في العمل وألزم للنصيحة من التارك لأنه ان لم يأخذ
كان عند نفسه متطوعا بالعمل فقد لا يجد جد من اخذ ركونا إلى أنه غير ملتزم بخلاف الذي
يأخذ فإنه يكون مستشعرا بأن العمل واجب عليه فيجد جده فيها وقال ابن التين وفي هذا
الحديث كراهة أخذ الرزق على القضاء مع الاستغناء وان المال طيبا كذا قال قال وفيه جواز
الصدقة بما لم يقبض إذا كان للمتصدق واجبا ولكن قوله خذه فتموله وتصدق به يدل على أن
التصدق به انما يكون بعد القبض لان المال إذا ملكه الانسان وتصدق به طيبة به نفسه كان
أفضل من تصدقه به قبل قبضه لان الذي يحصل بيده هو أحرص عليه مما لم يدخل في يده فان استوت
عند أحد الحالان فمرتبته أعلى ولذلك امره بأخذه وبين له جواز تموله ان أحب أو التصدق به قال
وذهب بعض الصوفية إلى أن المال إذا جاء بغير سؤال فلم يقبله فان الراد له يعاقب بحرمان العطاء
وقال القرطبي في المفهم فيه ذم التطلع إلى ما في أيدي الأغنياء والتشوف إلى فضوله واخذه منهم
وهي حالة مذمومة تدل على شدة الرغبة في الدنيا والركون إلى التوسع فيها فنهى الشارع عن
الاخذ على هذه الصورة المذمومة قمعا للنفس ومخالفة لها في هواها انتهى وتقدمت سائر
مباحثه وفوائده في الباب المذكور من كتاب الزكاة ولله الحمد * (قوله باب من قضى
ولاعن في المسجد) الظرف يتعلق بالامرين فهو من تنازع الفعلين ويحتمل ان يتعلق بقضى
لدخول لاعن فيه فإنه من عطف الخاص على العام ومعنى قوله ولاعن حكم بايقاع التلاعن بين
الزوجين فهو مجاز ولا يشترط ان يباشر تلقينهما ذلك بنفسه (قوله ولاعن عمر عند منبر النبي صلى
الله عليه وسلم) هذا أبلغ في التمسك به على جواز اللعان في المسجد وانما خص عمر المنبر لأنه كان
136

يرى التحليف عند المنبر أبلغ في التغليظ وورد في التحليف عنده حديث جابر لا يحلف عند منبري
الحديث ويؤخذ منه التغليظ في الايمان بالمكان وقاسوا عليه الزمان وانما كان كذلك مع أن
المحلوف به عظيم لان للمعظم الذي يشاهده الحالف تأثيرا في التوقي عن الكذب (قوله وقضى
مروان على زيد بن ثابت باليمين عند المنبر) في رواية الكشميهني على المنبر وهذا طرف من
أثر مضى في كتاب الشهادات وذكرت هناك من وصله وهو في الموطأ ولفظه على المنبر كما في رواية
الكشميهني (قوله وقضى شريح والشعبي ويحيى بن يعمر في المسجد) أما أثر شريح فوصله ابن
أبي شيبة ومحمد بن سعد من طريق إسماعيل بن أبي خالد قال رأيت شريحا يقضي في المسجد وعليه
برنس خز وقال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الحكم بن عتيبة انه رأى شريحا يقضي في المسجد
واما أثر الشعبي فوصله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي في جامع سفيان من طريق عبد الله بن
شبرمة رأيت الشعبي جلد يهوديا في قرية في المسجد وكذا أخرجه عبد الرزاق عن سفيان واما
أثر يحيى بن يعمر فوصله ابن أبي شيبة من رواية عبد الرحمن بن قيس قال رأيت يحيى بن يعمر
يقضي في المسجد وأخرج الكرابيسي في أدب القضاء من طريق أبي الزناد قال كان سعد بن
إبراهيم وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وابنه ومحمد بن صفوان ومحمد بن مصعب بن شرحبيل
يقضون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر ذلك جماعة آخرون (قوله وكان الحسن
وزرارة بن أوفى يقضيان في الرحبة خارجا من المسجد الرحبة) بفتح الراء والحاء المهلة بعدها
موحدة هي بناء يكون امام باب المسجد غير منفصل عنه هذه رحبة المسجد ووقع فيها الاختلاف
والراجح ان لها حكم المسجد فيصح فيها الاعتكاف وكل ما يشترط له المسجد فإن كانت الرحبة
منفصلة فليس لها حكم المسجد واما الرحبة بسكون الحاء فهي مدينة مشهورة والذي يظهر من
مجموع هذه الآثار ان المراد بالرحبة هنا الرحبة المنسوبة للمسجد فقد أخرج ابن أبي شيبة من
طريق المثنى بن سعيد قال رأيت الحسن وزرارة بن أوفى يقضيان في المسجد وأخرج
الكرابيسي في أدب القضاة من وجه آخر ان الحسن وزرارة وإياس بن معاوية كانوا إذا دخلوا
المسجد للقضاء صلوا ركعتين قبل ان يجلسوا ثم ذكر حديث سهل بن سعد في قصة المتلاعنين
مختصرا من طريقين إحداهما من رواية سفيان وهو ابن عيينة قال قال الزهري عن سهل ابن
سعد فذكره مختصرا ولفظه شهدت المتلاعنين وانا ابن خمس عشرة سنة فرق بينهما وقد
أخرجه في كتاب اللعان مطولا وتقدمت فوائده هناك ثانيهما من رواية ابن جريج أخبرني ابن
شهاب وهو الزهري فذكره مختصرا أيضا ولفظه ان رجلا من الأنصار جاء فذكره إلى قوله أيقتله
فتلاعنا في المسجد وقد تقدم مطولا وشرحه هناك أيضا قال ابن بطال استحب القضاء في المسجد
طائفة وقال مالك هو الامر القديم لأنه يصل إلى القاضي فيه المرأة والضعيف وإذا كان في منزله
لم يصل إليه الناس لامكان الاحتجاب قال وبه قال أحمد وإسحاق وكرهت ذلك طائفة وكتب عمر
ابن عبد العزيز إلى القاسم بن عبد الرحمن ان لا تقضي في المسجد فإنه يأتيك الحائض والمشرك
وقال الشافعي أحب إلي ان يقضى في غير المسجد لذلك وقال الكرابيسي كره بعضهم الحكم
في المسجد من أجل انه قد يكون الحكم بين مسلم ومشرك فيدخل المشرك المسجد قال ودخول
المشرك المسجد مكروه ولكن الحكم بينهم لم يزل من صنيع السلف في مسجد رسول الله صلى الله
137

عليه وسلم وغيره ثم ساق في ذلك آثارا كثيرة قال ابن بطال وحديث سهل بن سعد حجة للجواز
وإن كان الأولى صيانة المسجد وقد قال مالك كان من مضى يجلسون في رحاب المسجد اما في
موضع الجنائز واما في رحبة دار مروان قال واني لأستحب ذلك في الأمصار ليصل إليه اليهودي
والنصراني والحائض والضعيف وهو أقرب إلى التواضع وقال h بن المنير لرحبة المسجد حكم
المسجد الا إن كانت منفصلة عنه والذي يظهر انها كانت منفصلة عنه ويمكن ان يكون جلوس
القاضي في الرحبة المتصلة وقيام الخصوم خارجا عنها أو في الرحبة المتصلة وكأن التابعي المذكور
يرى أن الرحبة لا تعطى حكم المسجد ولو اتصلت بالمسجد وهو خلاف مشهور فقد وقع للشافعية
في حكم رحبة المسجد اختلاف في التعريف مع اتفاقهم على صحة صلاة من في الرحبة المتصلة
بالمسجد بصلاة من في المسجد قال والفرق بين الحريم والرحبة ان لكل مسجد حريما وليس لكل
مسجد رحبة فالمسجد الذي يكون امامه قطعه من البقعة هي الرحبة وهي التي لها حكم المسجد
والحريم هو الذي يحيط بهذه الرحبة وبالمسجد وإن كان سور المسجد محيطا بجميع البقعة فهو
مسجد بلا رحبة ولكن له حريم كالدور انتهى ملخصا وسكت عما إذا بنى صاحب المسجد قطعة
منفصلة عن المسجد هل هي رحبة تعطى حكم المسجد وعما إذا كان في الحائط القبلي من المسجد
رحاب بحيث لا تصح صلاة من صلى فيها خلف امام المسجد هل تعطى حكم المسجد والذي يظهر
ان كلا منهما يعطى حكم المسجد فتصح الصلاة في الأولى ويصح الاعتكاف في الثانية وقد
يفرق حكم الرحبة من المسجد في جواز اللغظ ونحوه فيها بخلاف المسجد مع اعطائها حكم
المسجد في الصلاة فيها فقد أخرج مالك في الموطأ من طريق سالم بن عبد الله بن عمر قال بنى عمر إلى
جانب المسجد رحبة فسماها البطحاء فكان يقول من أراد ان يلغط أو ن ينشد شعرا أو يرفع صوتا
فليخرج إلى هذه الرحبة (قوله باب من حكم في المسجد حتى إذا اتى على حد
أمر ان يخرج من المسجد فيقام) كأنه يشير بهذه الترجمة إلى من خص جواز الحكم في المسجد
بما إذا لم يكن هناك شئ يتأذى به من في المسجد أو يقع به للمسجد نقص كالتلويث (قوله وقال
عمر أخرجاه من المسجد وضربه ويذكر عن علي نحوه) اما أثر عمر فوصله ابن أبي شيبة وعبد
الرزاق كلاهما من طريق طارق بن شهاب قال أتى عمر بن الخطاب برجل في حد فقال أخرجاه من
المسجد ثم اضرباه وسنده على شرط الشيخين واما أثر على فوصله ابن أبي شيبة من طريق ابن
معقل وهو بمهملة ساكنة وقاف مكسورة ان رجلا جاء إلى عمر فساره فقال يا قنبر أخرجه من
المسجد فأقم عليه الحد وفي سنده من فيه مقال ثم ذكر حديث أبي هريرة في قصة الذي أقر انه زنى
فأعرض عنه وفيه أبك جنون قال لا قال اذهبوا به فارجموه وهذا القدر هو المراد في
الترجمة ولكنه لا يسلم من خدش لان الرجم يحتاج إلى قدر زائد من حفر وغيره مما لا يلائم
المسجد فلا يلزم من تركه فيه ترك إقامة غيره من الحدود وقد تقدم شرحه في باب رجم
المحصن من كتاب الحدود (قوله رواه يونس ومعمر وابن جريج عن الزهري عن أبي سلمة عن
جابر) يريد انهم خالفوا عقيلا في الصحابي فإنه جعل أصل الحديث من رواية أبي سلمة عن
أبي هريرة وقول ابن شهاب أخبرني من سمع جابر بن عبد الله كنت فيمن رجمه بالمصلى وهؤلاء
جعلوا الحديث كله عن جابر ورواية معمر وصلها المؤلف في الحدود وكذلك رواية يونس واما
138

رواية ابن جريج فوصلها وتقدمت الإشارة إليها هناك أيضا حيث قال عقب رواية معمر لم يقل
يونس وابن جريج فصلى عليه وتقدم شرحه مستوفى هناك ولله الحمد قال ابن بطال ذهب إلى
المنع من إقامة الحدود في المسجد الكوفيون والشافعي وأحمد وإسحاق واجازه الشعبي وابن
أبي ليلى وقال مالك لا بأس بالضرب بالسياط اليسيرة فإذا كثرت الحدود فليكن ذلك خارج
المسجد قال ابن بطال وقول من نزه المسجد عن ذلك أولى وفي الباب حديثان ضعيفان في النهي
عن إقامة الحدود في المساجد انتهى والمشهور فيه حديث مكحول عن أبي الدرداء وواثلة وأبي
امامة مرفوعا جنبوا مساجدكم صبيانكم الحديث وفيه وإقامة حدودكم أخرجه البيهقي في
الخلافيات وأصله في ابن ماجة من حديث واثلة فقط وليس فيه ذكر الحدود وسنده ضعيف ولابن
ماجة من حديث ابن عمر رفعه خصال لا تنبغي في المسجد لا يتخذ طريقا الحديث وفيه ولا يضرب
فيه حد وسنده ضعيف أيضا وقال ابن المنير من كره إدخال الميت المسجد للصلاة عليه خشية
أن يخرج منه شئ أولى بأن يقول لا يقام الحد في المسجد إذ لا يؤمن خروج الدم من المجلود وينبغي
ان يكون في القتل أولى بالمنع (قوله باب موعظة الامام الخصوم) ذكر فيه حديث
أم سلمة ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وسيأتي شرحه بعد سبعة أبواب ومناسبته
للترجمة ظاهره وبالله التوفيق (قوله باب الشهادة تكون عند الحاكم في ولاية
القضاء أو قبل ذلك للخصم) أي هل يقضي له على خصمه بعلمه ذلك أو يشهد له عند حاكم آخر هكذا
أورد الترجمة مستفهما بغير جزم لقوة الخلاف في المسئلة وإن كان آخر كلامه يقتضي اختيار ان
لا يحكم بعلمه فيها (قوله وقال شريح القاضي) هو ابن الحرث الماضي ذكره قريبا (قوله وسأله
انسان الشهادة فقال ائت الأمير حتى أشهد لك) وصله سفيان الثوري في جامعه عن عبد الله بن
شبرمة عن الشعبي قال أشهد رجل شريحا ثم جاء فخاصم إليه فقال ائت الأمير وانا أشهد لك
وأخرجه عبد الرزاق عن ابن عيينة عن ابن شبرمة قال قلت للشعبي يا أبا عمرو أرأيت رجلين
استشهدا على شهادة فمات أحدهما واستقضى الآخر فقال اتى شريح فيها وانا جالس فقال ائت
الأمير وانا أشهد لك (قوله وقال عكرمة قال عمر لعبد الرحمن بن عوف لو رأيت رجلا على حد الخ)
وصله الثوري أيضا عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة به ووقع في الأصل لو رأيت بالفتح وأنت
أمير وفي الجواب فقال شهادتك ووقع في الجامع بلفظ أرأيت بالفتح لو رأيت بالضم رجلا سرق
أو زنا قال أرى شهادتك وقال أصبت بدل قوله صدقت وأخرجه ابن أبي شيبة عن شريك عن
عبد الكريم بلفظ أرأيت لو كنت القاضي أو الوالي وأبصرت انسانا على حد أكنت تقيمه عليه
قال لا حتى يشهد معي غيري قال أصبت لو قلت غير ذلك لم تجد وهو بضم المثناة وكسر الجيم
وسكون الدال من الإجادة (قلت) وقد جاء عن أبي بكر الصديق نحو هذا وسأذكره بعد وهذا
السند منقطع بين عكرمة ومن ذكره عنه لأنه لم يدرك عبد الرحمن فضلا عن عمر وهذا من المواضع
التي ينبه عليها من يغتر بتعميم قولهم إن التعليق الجازم صحيح فيجب تقييد ذلك بأن يزاد إلى من
علق عنه ويبقى النظر فيما فوق ذلك (قوله وقال عمر لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله
لكتبت آية الرجم بيدي) هذا طرف من حديث أخرجه مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن
سعيد بن المسيب عن عمر كما تقدم التنبيه عليه في باب الاعتراف بالزنا في شرح حديثه الطويل
139

في قصة الرجم الذي هو طرف من قصة بيعة أبي بكر في سقيفة بني ساعدة قال المهلب استشهد
البخاري لقول عبد الرحمن بن عوف المذكور قبله بقول عمر هذا انه كانت عنده شهادة في آية
الرجم انها من القرآن فلم يلحقها بنص المصحف بشهادته وحده وأفصح في العلة في ذلك بقوله لولا أن
يقال زاد عمر في كتاب الله فأشار إلى أن ذلك من قطع الذرائع لئلا تجد حكام السوء سبيلا إلى أن
يدعوا العلم لمن أحبوا له الحكم بشئ (قوله وأقر ماعز عند النبي صلى الله عليه وسلم بالزنا أربعا
فأمر برجمه ولم يذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم أشهد من حضره) هذا طرف من الحديث الذي
ذكر قبل بباب وقد تقدم موصولا من حديث أبي هريرة وحكاية الخلاف على أبي سلمة في اسم
صحابيه (قوله وقال حماد) هو ابن أبي سليمان فقيه الكوفة (قوله إذا أقر مرة عند الحاكم رجم
وقال الحكم) هو ابن عتيبة بمثناة ثم موحدة مصغر وهو فقيه الكوفة أيضا (قوله أربعا) أي
لا يرجم حتى يقر أربع مرات كما في حديث ماعز وقد وصله ابن أبي شيبة من طريق شعبة قال
سألت حمادا عن الرجل يقر بالزنا كم يرد قال مرة قال وسألت الحكم فقال أربع مرات وقد تقدم
البحث في ذلك في شرح قصة ماعز في أبواب الرجم ثم ذكر حديث أبي قتادة في قصة سلب القتيل
الذي قتله في غزوة حنين وقد تقدم شرحه مستوفى هناك وقوله هنا قال فأرضه منه هي رواية
الأكثر وعند الكشميهني مني وقوله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأداه إلى في رواية أبي ذر
عن غير الكشميهني فعلم بفتح المهملة وكسر اللام بدل فقام وكذا لأكثر رواة الفربري وكذا
أخرجه أبو نعيم من رواية الحسن بن سفيان عن قتيبة وهو المحفوظ في رواية قتيبة هذه ومن ثم
عقبها البخاري بقوله وقال لي عبيد الله عن الليث فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأداه إلى
ووقع في رواية كريمة فأمر بفتح الهمزة والميم بعدها راء وعبد الله المذكور هو ابن صالح أبو صالح
وهو كاتب الليث والبخاري يعتمده في الشواهد ولو كانت رواية قتيبة بلفظ فقام لم يكن لذكر
رواية عبد الله بن صالح معنى قال المهلب قوله في رواية قتيبة فعلم النبي صلى الله عليه وسلم يعني
علم أن أبا قتادة هو قاتل القتيل المذكور قال وهي وهم قال والصحيح فيه رواية عبد الله بن صالح
بلفظ فقام قال وقد رد بعض الناس الحجة المذكورة فقال ليس في اقرار ماعز عند النبي صلى الله
عليه وسلم ولا حكمه بالرجم دون أن يشهد من حضره ولا في اعطائه السلب لأبي قتادة حجة للقضاء
بالعلم لان ما عزا انما كان اقراره عند النبي صلى الله عليه وسلم بحضرة الصحابة إذ معلوم انه كان
صلى الله عليه وسلم لا يقعد وحده فلم يحتج النبي صلى الله عليه وسلم ان يشهدهم على اقراره لسماعهم
منه ذلك وكذلك قصة أبي قتادة انتهى وقال ابن المنير لا حجة في قصة أبي قتادة لان معنى قوله فعلم
النبي صلى الله عليه وسلم علم بإقرار الخصم فحكم عليه فهي حجة للمذهب يعني الصائر إلى جواز
القضاء بالعلم فيما يقع في مجلس الحكم وقال غيره ظاهر أول القصة يخالف آخرها لأنه شرط
البينة بالقتل على استحقاق السلب ثم دفع السلب لأبي قتادة بغير بينة وأجاب الكرماني بأن
الخصم اعترف يعني فقام مقام البينة وبأن المال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي منه من شاء
ويمنع من شاء (قلت) والأول أولى والبينة لا تنحصر في الشهادة بل كلما كشف الحق يسمى بينة
(قوله وقال أهل الحجاز الحاكم لا يقضي بعلمه شهد بذلك في ولايته أو قبلها) هو قول مالك قال أبو
علي الكرابيسي لا يقضي القاضي بما علم لوجود التهمة إذ لا يؤمن على التقي ان يتطرق إليه التهمة
140

قال وأظنه ذهب إلى ما رواه ابن شهاب عن زبيد بن الصلت ان أبا بكر الصديق قال لو وجدت
رجلا على حد ما أقمته عليه حتى يكون معي غيري ثم ساقه بسند صحيح عن ابن شهاب قال ولا
أحسب مالكا ذهب عليه هذا الحديث فإن كان كذلك فقد قلد أكثر هذه الأمة فضلا وعلما
(قلت) ويحتمل ان يكون ذهب إلى الأثر المقدم ذكره عن عمر وعبد الرحمن بن عوف قال ويلزم
من أجاز للقاضي أن يقضي بعلمه مطلقا أنه لو عمد إلى رجل مستور لم يعهد منه فجور قط ان يرجمه
ويدعي انه رآه يزني أو يفرق بينه وبين زوجته ويزعم أنه سمعه يطلقها أو بينه وبين أمته ويزعم
أنه سمعه يعتقها فان هذا الباب لو فتح لوجد كل قاض السبيل إلى قتل عدوه وتفسيقه والتفريق
بينه وبين من يحب ومن ثم قال الشافعي لولا قضاة السوء لقلت ان للحاكم ان يحكم بعلمه انتهى
وإذا كان هذا في الزمان الأول فما الظن بالمتأخر فيتعين حسم مادة تجويز القضاء بالعلم في هذه
الأزمان المتأخرة لكثرة من يتولى الحكم ممن لا يؤمن على ذلك والله أعلم (قوله ولو أقر خصم عنده
لآخر بحق في مجلس القضاء فإنه لا يقضي عليه في قول بعضهم حتى يدعو بشاهدين فيحضرهما
اقراره) قال ابن التين ما ذكر عن عمر وعبد الرحمن هو قول مالك وأكثر أصحابه وقال بعض
أصحابه يحكم بما علمه فيما أقر به أحد الخصمين عنده في فجلس الحكم وقال ابن القاسم وأشهب
لا يقضي بما يقع عنده في مجلس الحكم الا إذا شهد به عنده وقال ابن المنير مذهب مالك أن من
حكم بعلمه يقضي على المشهور الا إن كان علمه حادثا بعد الشروع في المحاكمة فقولان واما ما أقر
به عنده في مجلس الحكم فيحكم ما لم ينكر الخصم بعد اقراره وقبل الحكم عليه فان ابن القاسم
قال لا يحكم عليه حينئذ ويكون شاهدا وقال ابن الماجشون يحكم بعلمه وفي المذهب تفاريع
طويلة في ذلك ثم قال ابن المنير وقول من قال لا بد أن يشهد عليه في المجلس شاهدان يؤل إلى
الحكم بالاقرار لأنه لا يخلو أن يؤديا أولا ان أديا فلا بد من الاعذار فان أعذر احتيج إلى الاثبات
وتسلسلت القضية وان لم يحتج رجع إلى الحكم بالاقرار وان لم يؤديا فهي كالعدم وأجاب غيره ان
فائدة ذلك ردع الخصم عن الانكار لأنه إذا عرف ان هناك من يشهد امتنع من الانكار خشية
التعزير بخلاف ما إذا أمن ذلك (قوله وقال بعض أهل العراق ما سمع أو رآه في مجلس القضاء
قضى به وما كان في غيره لم يقض الا بشاهدين يحضرهما اقراره) بضم أوله من الرباعي (قلت) وهذا
قول أبي حنيفة ومن تبعه ويوافقهم مطرف وابن الماجشون وأصبغ وسحنون من المالكية
قال ابن التين وجرى به العمل ويوافقه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن ابن سيرين قال
اعترف رجل عند شريح بأمر ثم أنكره فقضى عليه باعترافه فقال أتقضي علي بغير بينة فقال
شهد عليك ابن أخت خالتك يعني نفسه (قوله وقال آخرون منهم بل يقضي به لأنه مؤتمن) بفتح
الميم اسم مفعول وانما يراد بالشهادة معرفة الحق فعلمه أكبر من الشهادة وهو قول أبي يوسف و
من تبعه ووافقهم الشافعي قال أبو علي الكرابيسي قال الشافعي بمصر فيما بلغني عنه إن كان
القاضي عدلا لا يحكم بعلمه في حد ولا قصاص الا ما أقر به بين يديه ويحكم بعلمه في كل الحقوق مما
علمه قبل أن يلي القضاء أو بعدما ولى فقيد ذلك بكون القاضي عدلا إشارة إلى أنه ربما ولي القضاء
من ليس بعدل بطريق التغلب (قوله وقال بعضهم) يعني أهل العراق (يقضي بعلمه في الأموال
ولا يقضي في غيرها) هو قول أبي حنيفة وأبي يوسف فيما نقله الكرابيسي عنه إذا رأى الحاكم رجلا
141

يزني مثلا لم يقض بعلمه حتى تكون بينة تشهد بذلك عنده وهي رواية عن أحمد قال أبو حنيفة
القياس انه يحكم في ذلك كله بعلمه ولكن أدع القياس واستحسن ان لا يقضي في ذلك بعلمه
* (تنبيه) * اتفقوا على أنه يقضي في قبول الشاهد ورده بما يعلمه منه من تجريح أو تزكية ومحصل
الآراء في هذه المسألة سبعة ثالثها في زمن قضائه خاصة رابعها في مجلس حكمه خامسها في
الأموال دون غيرها سادسها مثله وفي القذف أيضا وهو عن بعض المالكية سابعها في كل
شئ الا في الحدود وهذا هو الراجح عند الشافعية وقال ابن العربي لا يقضي الحاكم بعلمه والأصل
فيه عندنا الاجماع على أنه لا يحكم بعلمه في الحدود ثم أحدث بعض الشافعية قولا مخرجا انه يجوز
فيها أيضا حين رأوا انها لازمة لهم كذا قال فجرى على عادته في التهويل والاقدام على نقل الاجماع
مع شهرة الاختلاف (قوله وقال القاسم لا ينبغي للحاكم ان يقضي قضاء بعلمه) في رواية
الكشميهني يمضي (قوله دون علم غيره) أي إذا كان وحده عالما به لا غيره (قوله ولكن) بالتشديد وفي
نسخة بالتخفيف وتعرض بالرفع (قوله وايقاعا) عطف على تعرضا (1) أو نصب على أنه مفعول
معه والعامل فيه متعلق الظرف والقاسم المذكور كنت أظن أنه ابن محمد بن أبي بكر الصديق أحد
الفقهاء السبعة من أهل المدينة لأنه إذا أطلق في الفروع الفقهية انصرف الذهن إليه لكن
رأيت في رواية عن أبي ذر انه القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود وهو الذي تقدم
ذكره قريبا في باب الشهادة على الخط فإن كان كذلك فقد خالف أصحابه الكوفيين ووافق أهل
المدينة في هذا الحكم والله أعلم (قوله وقد كره النبي صلى الله عليه وسلم الظن فقال انما هذه
صفية) هو طرف من الحديث الذي وصله بعد وقوله في الطريق الموصولة عن علي بن الحسين
أي ابن علي بن أبي طالب وهو الملقب زين العابدين (قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم أتته صفية
بنت حيي) هذا صورته مرسل ومن ثم عقبه البخاري بقوله رواه شعيب وابن مسافر وابن أبي
عتيق وإسحق بن يحيى عن الزهري عن علي أي ابن الحسين عن صفية يعني فوصلوه فتحمل رواية
إبراهيم بن سعد على أن علي بن حسين تلقاه عن صفية وقد تقدم مثل ذلك في رواية سفيان عن
الزهري مع شرح حديث صفية مستوفي في كتاب الاعتكاف فإنه ساقه هناك تاما وأورده هنا
مختصرا ورواية شعيب وهو ابن أبي حمزة وصلها المصنف في الاعتكاف أيضا وفي كتاب الأدب
ورواية ابن مسافر وهو عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي وصلها أيضا في الصوم وفي فرض
الخمس ورواية ابن أبي عتيق وهو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وصلها
المصنف في الاعتكاف وأوردها في الأدب أيضا مقرونة برواية شعيب ورواية إسحاق بن يحيى
وصلها الذهلي في الزهريات ورواه عن الزهري أيضا معمر فاختلف عليه في وصله وارساله تقدم
موصولا في صفة إبليس من رواية عبد الرزاق عنه ومرسلا في فرض الخمس من رواية هشام بن
يوسف عن معمر وأوردها النسائي موصولة من رواية موسى بن أعين عن معمر ومرسلة من
رواية ابن المبارك عنه ووصله أيضا عن الزهري عثمان بن عمر بن موسى التيمي عند ابن ماجة
وأبي عوانة في صحيحه وعبد الرحمن بن إسحاق عند أبي عوانة أيضا وهشيم عند سعيد بن منصور
وآخرون ووجه الاستدلال بحديث صفية لمن منع الحكم بالعلم انه صلى الله عليه وسلم كره أن يقع
في قلب الأنصاريين من وسوسة الشيطان شئ فمراعاة نفي التهمة عنه مع عصمته تقتضي مراعاة
142

نفي التهمة عمن هو دونه وقد تقدم في باب من رأى للقاضي ان يحكم بعلمه بيان حجة من أجاز ومن
منع بما يغني عن اعادته هنا * (قوله باب أمر الوالي إذا وجه أميرين إلى موضع أن
يتطاوعا ولا يتعاصيا) بمهملتين وياء تحتانية ولبعضهم بمعجمتين وموحدة ذكر فيه حديث أبي بردة
بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبي يعنى أبا موسى ومعاذ بن جبل وقد تقدم الكلام عليه في كتاب
الديات وقبل ذلك في أواخر المغازي (قوله بشرا) تقدم شرحه في المغازي (قوله وتطاوعا) أي
توافقا في الحكم ولا تختلفا لان ذلك يؤدي إلى اختلاف اتباعكما فيفضى إلى العداوة ثم المحاربة
والمرجع في الاختلاف إلى ما جاء في الكتاب والسنة كما قال تعالى فان تنازعتم في شئ فردوه
إلى الله والرسول وسيأتي مزيد بيان لذلك قي كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى (قوله وقال
النضر وأبو داود ويزيد بن هارون ووكيع عن شعبة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده) يعني
موصولا ورواية النضر وأبي داود ووكيع تقدم الكلام عليها في أواخر المغازي في باب بعث أبي
موسى ومعاذ إلى اليمن ورواية يزيد بن هارون وصلها أبو عوانة في صحيحه والبيهقي قال ابن بطال
وغيره في الحديث الحض على الاتفاق لما فيه من ثبات المحبة والألفة والتعاون على الحق وفيه
جواز نصب قاضيين في بلد واحد فيقعد كل منهما في ناحية وقال ابن العربي كان النبي صلى الله
عليه وسلم أشركهما فيما ولاهما فكان ذلك أصلا في تولية اثنين قاضيين مشتركين في الولاية
كذا جزم به قال وفيه نظر لان محل ذلك فيما إذا نفذ حكم كل منهما فيه لكن قال ابن المنير يحتمل
ان يكون ولاهما ليشتركا في الحكم في كل واقعة ويحتمل ان يستقل كل منهما بما يحكم به
ويحتمل ان يكون لكل منهما عمل يخصه والله أعلم كيف كان وقال ابن التين الظاهر اشتراكهما
لكن جاء في غير هذه الرواية انه أقر كلا منهما على مخلاف والمخلاف الكورة وكان اليمن مخلافين
(قلت) وهذا هو المعتمد والرواية التي أشار إليها تقدمت في غزوة حنين باللفظ المذكور وتقدم في
المغازي ان كلا منهما كان إذا سار في عمله زار رفيقه وكان عمل معاذ النجود وما تعالى من بلاد
اليمن وعمل أبي موسى التهائم وما انخفض منها فعلى هذا فأمره صلى الله عليه وسلم لهما بأن يتطاوعا
ولا يتخالفا محمول على ما إذا اتفقت قضية يحتاج الامر فيها إلى اجتماعهما والى ذلك أشار في
الترجمة ولا يلزم من قوله تطاوعا ولا تختلفا ان يكونا شريكين كما استدل به ابن العربي وقال
أيضا فإذا اجتمعا فان اتفقا في الحكم والا تباحثا حتى يتفقا على الصواب والا رفعا الامر لمن
فوقهما وفي الحديث الامر بالتيسير في الأمور والرفق بالرعية وتحبيب الايمان إليهم وترك
الشدة لئلا تنفر قلوبهم ولا سيما فيمن كان قريب العهد بالاسلام أو قارب حد التكليف من
الأطفال ليتمكن الايمان من قلبه ويتمرن عليه وكذلك الانسان في تدريب نفسه على العمل
إذا صدقت ارادته لا يشدد عليها بل يأخذها بالتدريج والتيسير حتى إذا أنست بحالة دولت
عليها نقلها لحال آخر وزاد عليها أكثر من الأولى حتى يصل إلى قدر احتمالها ولا يكلفها بما لعلها
تعجز عنه وفيه مشروعية الزيادة واكرام الزائر وأفضلية معاذ في الفقه على أبي موسى وقد جاء
أعلمكم بالحلال والحرام معاذا بن جبل أخرجه الترمذي وغيره من حديث أنس (قوله
باب إجابة الحاكم الدعوة) الأصل فيه عموم الخبر ورود الوعيد في الترك من قوله
ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله وقد تقدم شرحه في أواخر النكاح وقال العلماء
143

لا يجيب الحاكم دعوة شخص بعينه دون غيره من الرعية لما في ذلك من كسر قلب من لم يجبه
الا إن كان له عذر في ترك الإجابة كرؤية المنكر الذي لا يجاب إلى إزالته فلو كثرت بحيث تشغله عن
الحكم الذي تعين عليه ساغ له ان لا يجيب (قوله وقد أجاب عثمان بن عفان عبدا للمغيرة بن شعبة)
لم أقف على اسم العبد المذكور والأثر رويناه موصولا في فوائد أبي محمد بن صاعد وفي زوائد البر
والصلة لابن المبارك بسند صحيح إلى أبي عثمان النهدي ان عثمان بن عفان أجاب عبدا للمغيرة بن
شعبة دعاه وهو صائم فقال أردت ان أجيب الداعي وأدعو بالبركة ثم ذكر حديث أبي موسى (فكوا
العاني) بمهملة ثم نون هو الأسير (وأجيبوا الداعي) وهو طرف من حديث تقدم في الوليمة وغيرها
بأتم من هذا قال ابن بطال عن مالك لا ينبغي للقاضي ان يجيب الدعوة الا في الوليمة خاصة ثم إن
شاء أكل وان شاء ترك والترك أحب إلينا لأنه أنزه الا ان يكون لأخ في الله أو خالص قرابة أو مودة
وكره مالك لأهل الفضل أن يجيبوا كل من دعاهم انتهى وقد تقدم تفصيل أحكام إجابة الدعوة
في الوليمة وغيرها بما يغني عن اعادته * (قوله باب هدايا العمال) هذه الترجمة لفظ
حديث أخرجه أحمد وأبو عوانة من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن عروة عن أبي حميد رفعه
هدايا العمال غلول وهو من رواية إسماعيل بن عياش عن يحيى وهو من رواية إسماعيل عن
الحجازيين وهي ضعيفة ويقال انه اختصره من حديث الباب كما تقدم بيان ذلك في الهبة وأورد فيه
قصة ابن اللتبية وقد تقدم بعض شرحها في الهبة وفي الزكاة وفي ترك الحيل وفي الجمعة وتقدم شئ
مما يتعلق بالغلول في كتاب الجهاد (قوله سفيان) هو ابن عيينة (قوله عن الزهري) قد ذكر في آخره
ما يدل على أن سفيان سمعه من الزهري وهو قوله قال سفيان قصه علينا الزهري ووقع في رواية
الحميدي في مسنده عن سفيان حدثنا الزهري وأخرجه أبو نعيم من طريقه وعند الإسماعيلي
من طريق محمد بن منصور عن سفيان قال قصه علينا الزهري وحفظناه (قوله إنه سمع عروة) في
رواية شعيب عن الزهري في الايمان والنذور أخبرني عروة (قوله استعمل النبي صلى الله عليه
وسلم رجلا من بني أسد) بفتح الهمزة وسكون السين المهملة كذا وقع هنا وهو يوهم انه بفتح السين
نسبة إلى بني أسد بن خزيمة القبيلة المشهورة أو إلى بني أسد بن عبد العزى بطن من قريش وليس
كذلك وانما قلت إنه يوهمه لان الأزد تلازمه آلاف واللام في الاستعمال أسماء وأنسابا بخلاف
بني أسد فبغير ألف ولام في الاسم ووقع في رواية الأصيلي هنا من بني الأسد بزيادة الألف
واللام ولا اشكال فيها مع سكون السين وقد وقع في الهبة عن عبد الله بن محمد الجعفي عن سفيان
استعمل رجلا من الأزد وكذا قال أحمد والحميدي في مسنديهما عن سفيان ومثله لمسلم عن أبي
بكر بن أبي شيبة وغيره عن سفيان وفي نسخة بالسين المهملة بدل الزاي ثم وجدت ما يزيل
الاشكال ان ثبت وذلك أن أصحاب الأنساب ذكروا أن في الأزد بطنا يقال لهم بنو أسد بالتحريك
ينسبون إلى أسد بن شريك بالمعجمة مصغرا بن مالك بن عمرو بن مالك بن فهم وبنو فهم بطن شهير
من الأزد فيحتمل ان ابن الاتبية كان منهم فيصح ان يقال فيه الأزدي بسكون الزاي والأسدي
بسكون السين وبفتحها من بني أسد بفتح السين ومن بني الأزد أو الأسد بالسكون فيهما لا غير
وذكروا ممن ينسب كذلك مسددا شيخ البخاري (قوله يقال له ابن الأتبية) كذا في رواية أبي ذر
بفتح الهمزة والمثناة وكسر الموحدة وفي الهامش باللام بدل الهمزة كذلك ووقع كالأول لسائرهم
144

وكذا تقدم في الهبة وفي رواية مسلم باللام المفتوحة ثم المثناة الساكنة وبعضهم يفتحها وقد
اختلف على هشام بن عروة عن أبيه أيضا انه باللام أو بالهمزة كما سيأتي قريبا في باب محاسبة الامام
عماله بالهمزة ووقع لمسلم باللام وقال عياض ضبطه الأصيلي بخطه في هذا الباب بضم اللام
وسكون المثناة وكذا قيده ابن السكن قال وهو الصواب وكذا قال ابن السمعاني ابن اللتبية بضم
اللام وفتح المثناة ويقال بالهمز بدل اللام وقد تقدم ان اسمه عبد الله واللتبية أمه لم نقف على
تسميتها (قوله على صدقة) وقع في الهبة على الصدقة وكذا لمسلم تقدم في الزكاة تعيين من
استعمل عليهم (قوله فلما قدم قال هذا لكم وهذا أهدي لي) في رواية معمر عن الزهري عند مسلم
فجاء بالمال فدفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هذا مالكم وهذه هدية أهديت لي وفي
رواية هشام الآتية قريبا فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحاسبه قال هذا الذي لكم وهذه
هدية أهديت لي وفي رواية أبي الزناد عن عروة عند مسلم فجاء بسواد كثير وهو بفتح المهملة
وتخفيف الواو فجعل يقول هذا لكم وهذا أهدى لي وأوله عند أبي عوانة بعث مصدقا إلى اليمن
فذكره والمراد بالسواد الأشياء الكثيرة والاشخاص البارزة من حيوان وغيره ولفظ السواد
يطلق على كل شخص ولأبي نعيم في المستخرج من هذا الوجه فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم
من يتوفى منه وهذا يدل على أن قوله في الرواية المذكورة فلما جاء حاسبه أي أمر من يحاسبه
ويقبض منه وفي رواية أبي نعيم أيضا فجعل يقول هذا لكم وهذا لي حتى ميزه قال يقولون من
أين هذا لك قال أهدى لي فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بما أعطاهم (قوله فقام النبي صلى
الله عليه وسلم على المنبر) زاد في رواية هشام قبل ذلك فقال ألا جلست في بيت أبيك وبيت أمك
حتى تأتيك هديتك ان كنت صادقا ثم قام فخطب (قوله قال سفيان أيضا فصعد المنبر) يريد أن
سفيان كان تارة يقول قام وتارة صعد ووقع في رواية شعيب ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم
عشية بعد الصلاة وفي رواية معمر عن مسلم ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا وفي رواية أبي
الزناد عند أبي نعيم فصعد المنبر وهو مغضب (قوله ما بال العامل نبعثه فيأتي فيقول) في رواية
الكشميهني يقول بحذف الفاء وفي رواية شعيب فما بال العامل نستعمله فيأتينا فيقول ووقع
في رواية هشام بن عروة فاني استعمل الرجل منكم على أمور مما ولاني الله (قوله هذا لك وهذا لي)
في رواية عبد الله بن محمد هذا لكم وهذا أهدى لي وفي رواية هشام فيقول هذا الذي لكم وهذه
هدية أهديت لي وقد تقدم ما في رواية أبي الزناد من الزيادة (قوله فهلا جلس في بيت أبيه
وأمه فينظر أيهدى له أم لا) في رواية هشام حتى تأتيه هديته إن كان صادقا (قوله والذي نفسي
بيده) تقدم شرحه في أوائل كتاب الايمان والنذور (قوله لا يأتي بشئ الا جابه يوم القيامة)
يعني لا يأتي بشئ يحوزه لنفسه ووقع في رواية عبد الله بن محمد لا يأخذ أحد منها شيئا وفي رواية
أبي بكر بن أبي شيبة لا ينال أحد منكم منها شيئا وفي رواية أبي الزناد عند أبي عوانة لا يغل منه
شيئا الا جاء به وكذا وقع في رواية شعيب عند المصنف وفي رواية معمر عند الإسماعيلي كلاهما
بلفظ لا يغل بضم الغين المعجمة من الغلول وأصله الخيانة في الغنيمة ثم استعمل في كل خيانة
(قوله يحمله على رقبته) في رواية أبي بكر على عنقه وفي رواية هشام لا يأخذ أحدكم منها شيئا
قال هشام بغير حقه ولم يقع قوله قال هشام عند مسلم في رواية أبي أسامة المذكورة وأورده من
145

رواية ابن نمير عن هشام بدون قوله بغير حقه وهذا مشعر بادراجها (قوله إن كان) أي الذي غله
(بعيرا له رغاء) بضم الراء وتخفيف المعجمة مع المد هو صوت البعير (قوله خوار) يأتي ضبطه (قوله
أو شاة تيعر) بفتح المثناة الفوقانية وسكون التحتانية بعدها مهملة مفتوحة ويجوز كسرها
ووقع عند ابن التين أو شاة لها يعار ويقال يعار قال وقال القزاز هو يعار بغير شك يعني بفتح
التحتانية وتخفيف المهملة وهو صوت الشاة الشديد قال واليعار ليس بشئ كذا فيه وكذا لم أره
هنا في شئ من نسخ الصحيح وقال غيره اليعار بضم أوله صوت المعز يعرت العنز تيعر بالكسر وبالفتح
يعارا إذا صاحت (قوله ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه) وفي رواية عبد الله بن محمد عفرة إبطه
بالافراد ولأبي ذر عفر بفتح أوله ولبعضهم بفتح الفاء أيضا بلا هاء وكالأول في رواية شعيب بلفظ
حتى انا لننظر إلى والعفرة بضم المهملة وسكون الفاء تقدم شرحها في كتاب الصلاة وحاصله ان
العفر بياض ليس بالناصع (قوله ألا) بالتخفيف (هل بلغت) بالتشديد (ثلاثا) أي أعادها ثلاث
مرات وفي رواية عبد الله بن محمد في الهبة اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت ثلاثا وفي رواية مسلم
قال اللهم هل بلغت مرتين ومثله لأبي داود ولم يقل مرتين وصرح في رواية الحميدي بالثالثة
اللهم بلغت والمراد بلغت حكم الله إليكم امتثالا لقوله تعالى له بلغ وإشارة إلى ما يقع في القيامة من
سؤال الأمم هل بلغهم أنبياؤهم ما أرسلوا به إليهم (قوله وزاد هشام) هو من مقول سفيان وليس
تعليقا من البخاري وقد وقع في رواية الحميدي عن سفيان حدثنا الزهري وهشام بن عروة قالا
حدثنا عروة بن الزبير وساقه عنهما مساقا واحدا وقال في آخره قال سفيان زاد فيه هشام (قوله
سمع اذني) بفتح السين وكسر الميم وأذنى بالافراد بقرينة قوله وأبصرته عيني قال عياض
بسكون الصاد المهملة والميم وفتح الراء والعين للأكثر وحكى عن سيبويه قال العرب تقول سمع
اذنى زيدا بضم العين قال عياض والذي في ترك الحيل وجهه النصب على المصدر لأنه لم يذكر
المفعول وقد تقدم القول في ذلك في ترك الحيل ووقع عند مسلم في رواية أبي أسامة بصر وسمع
بالسكون فيها والتثنية في أذني وعيني وعنده في رواية ابن نمير بصر عيناي وسمع أذناي وفي
رواية ابن جريج عن هشام عند أبي عوانة بصر عينا أبي حميد وسمع أذناه (قلت) وهذا يتعين أن
يكون بضم الصاد وكسر الميم وفي رواية مسلم من طريق أبي الزناد عن عروة قلت لأبي حميد
أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من فيه إلى أذني قال النووي معناه أنني أعلمه علما
يقينا لا أشك في علمي به (قوله وسلوا زيد بن ثابت فإنه سمعه معي) في رواية الحميدي فإنه كان حاضرا
معي وفي رواية الإسماعيلي من طريق معمر عن هشام يشهد على ما أقول زيد بن ثابت يحك منكبه
منكبي رأى من رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الذي رأيت وشهد مثل الذي شهدت وقد
ذكرت في الايمان والنذور أني لم أجده من حديث زيد بن ثابت (قوله ولم يقل الزهري سمع اذني)
هو مقول سفيان أيضا (قوله خوار صوت والجؤار من تجأرون كصوت البقرة) هكذا وقع هنا وفي
رواية أبي ذر عن الكشميهني والأول بضم الخاء المعجمة يفسر قوله في حديث أبي حميد بقرة لها
خوار وهو في الرواية بالخاء المعجمة ولبعضهم بالجيم وأشار إلى ما في سورة طه عجلا جسدا له خوار
وهو صوت العجل ويستعمل في غير البقر من الحيوان وأما قوله والجؤار فهو بضم الجيم واو
مهموزة ويجوز تسهيلها وأشار بقوله يجأرون إلى ما في سورة قد أفلح بالعذاب إذا هم يجأرون قال
146

أبو عبيدة أي يرفعون أصواتهم كما يجأر الثور والحاصل انه بالجيم وبالخاء
المعجمة بمعنى الا انه بالخاء
للبقر وغيرها من الحيوان وبالجيم للبقر والناس قال الله تعالى فإليه تجأرون و في قصة موسى له
جؤار إلى الله بالتلبية أي صوت عال وهو عند مسلم من طريق داود بن أبي هند عن أبي العالية عن
ابن عباس وقيل أصله في البقر واستعمل في الناس ولعل المصنف أشار أيضا إلى قراءة الأعمش عجلا
جسدا له جؤار بالجيم وفي الحديث من الفوائد ان الامام يخطب في الأمور المهمة واستعمال اما
بعد في الخطبة كما تقدم في الجمعة ومشروعية محاسبة المؤتمن وقد تقدم البحث فيه في الزكاة
ومنع العمال من قبول الهدية ممن له عليه حكم وتقدم تفصيل ذلك في ترك الحيل ومحل ذلك إذا لم
يأذن له الامام في ذلك لما أخرجه الترمذي من رواية قيس بن أبي حازم عن معاذ بن جبل قال بعثني
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال لا تصيبن شيئا بغير اذني فإنه غلول وقال المهلب فيه
انها إذا أخذت تجعل في بيت المال ولا يختص العامل منها الا بما أذن له فيه الامام وهو مبني على أن
ابن اللتبية أخذ منه ما ذكر انه أهدى له وهو ظاهر السياق ولا سيما في رواية معمر قبل ولكن
لم أر ذلك صريحا ونحوه قول ابن قدامة في المعني لما ذكر الرشوة وعليه ردها لصاحبها ويحتمل ان
تجعل في بيت المال لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بن اللتبية برد الهدية التي أهديت له لمن
أهداها وقال ابن بطال يلحق بهدية العامل الهدية لمن له دين ممن عليه الدين ولكن له أن
يحاسب بذلك من دينه وفيه ابطال كل طريق يتوصل بها من يأخذ المال إلى محاباة المأخوذ منه
والانفراد بالمأخوذ وقال ابن المنير يؤخذ من قوله هلا جلس في بيت أبيه وأمه جواز قبول
الهدية ممن كان يهاديه قبل ذلك كذا قال ولا يخفى ان محل ذلك إذا لم يزد على العادة وفيه ان من
رأى متأولا أخطأ في تأويل يضر من اخذ به ان يشهر القول للناس ويبين خطأه ليحذر من
الاغترار به وفيه جواز توبيخ المخطئ واستعمال المفضول في الامارة والإمامة والأمانة مع وجود
من هو أفضل منه وفيه استشهاد الراوي والناقل بقول من يوافقه ليكون أوقع في نفس السامع
وأبلغ في طمأنينته والله أعلم * (قوله باب استقضاء الموالي) أي توليتهم القضاء
(واستعمالهم) أي على امرة البلاد حربا أو خراجا أو صلاة (قوله كان سالم مولى أبي حذيفة) تقدم
التعريف به في الرضاع (قوله يأم المهاجرين الأولين) أي الذين سبقوا بالهجرة إلى المدينة
(قوله فيهم أبو بكر وعمر وأبو سلمة) أي ابن عبد الأسد المخزومي زوج أم سلمة أم المؤمنين قبل النبي
صلى الله عليه وسلم وزيد أي ابن حارثة وعامر بن ربيعة أي العنزي بفتح المهملة والنون بعدها زاي
وهو مولى عمر وقد تقدم في كتاب الصلاة في أبواب الإمامة من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع
عن ابن عمر لما قدم المهاجرون الأولون العصبة موضع بقباء قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم كان
يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآنا فأفاد سبب تقديمه للامامة وقد تقدم شرحه
مستوفى هناك في باب امامة المولى والجواب عن استشكال عد أبي بكر الصديق فيهم لأنه انما هاجر
صحبة النبي صلى الله عليه وسلم وقد وقع في حديث ابن عمر ان ذلك كان قبل مقدم النبي صلى الله
عليه وسلم وذكرت جواب البيهقي بأنه يحتمل ان يكون سالم استمر يؤمهم بعد أن تحول النبي صلى الله
عليه وسلم إلى المدينة ونزل بدار أبي أيوب قبل بناء مسجده بها فيحتمل ان يقال فكان أبو بكر
يصلي خلفه إذا جاء إلى قباء وقد تقدم في باب الهجرة إلى المدينة من حديث البراء بن عازب أول من
147

قدم علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم وكانا يقرئان الناس ثم قدم بلال وسعد وعمار ثم قدم عمر
ابن الخطاب في عشرين وذكرت هناك ان ابن إسحاق سمى منهم ثلاثة عشر نفسا وان البقية يحتمل
ان يكونوا من الذين ذكرهم ابن جريج وذكرت هناك الاختلاف فيمن قدم مهاجرا من المسلمين
وان الراجح انه أبو سلمة بن عبد الأسد فعلى هذا لا يدخل أبو بكر ولا أبو سلمة في العشرين
المذكورين وقد تقدم أيضا في أول الهجرة ان ابن إسحاق ذكر ان عامر بن ربيعة أول من هاجر
ولا ينافي ذلك حديث الباب لأنه كان يأتم بسالم بعد أن هاجر سالم ومناسبة الحديث للترجمة من
جهة تقديم سالم وهو مولى علي من ذكر من الأحرار في امامة الصلاة ومن كان رضا في أمر الدين
فهو رضا في أمور الدنيا فيجوز أن يولى القضاء والامرة على الحرب وعلى جباية الخراج واما
الإمامة العظمى فمن شروط صحتها ان يكون الامام قرشيا وقد مضى البحث في ذلك في أول كتاب
الأحكام ويدخل في هذا ما أخرجه مسلم من طريق أبي الطفيل ان نافع بن عبد الحرث لقى عمر
بعسفان وكان عمر استعمله على مكة فقال من استعملت عليهم فقال ابن أبزى يعني ابن عبد الرحمن
قال استعملت عليهم مولى قال إنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض فقال عمران نبيكم قد قال إن
الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين * (قوله باب العرفاء للناس) بالمهملة
والفاء جمع عريف بوزن عظيم وهو القائم بأمر طائفة من الناس من عرفت بالضم وبالفتح على
القوم أعرف بالضم فأنا عارف وعريف أي وليت أمر سياستهم وحفظ أمورهم وسمى بذلك لكونه
يتعرف أمورهم حتى يعرف بها من فوقه عند الاحتياج وقيل العريف دون المنكب وهو دون
الأمير (قوله إسماعيل بن إبراهيم) هو ابن عقبة والسند كله مدنيون (قوله قال ابن شهاب) في
رواية محمد بن فليح عن موسى بن عقبة قال لي ابن شهاب أخرجها أبو نعيم (قوله حين أذن لهم
المسلمون في عتق سبي هوازن) في رواية النسائي من طريق محمد بن فليح حتى أذن له بالافراد
وكذا للإسماعيلي وأبي نعيم ووجه الأول أن الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعه أو من أقامه
في ذلك وهذه القطعة مقتطعة من قصة السبي الذي غنمه المسلمون في وقعة حنين ونسبوا إلى هوازن
لانهم كانوا رأس تلك الوقعة وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك وتفصيل الامر فيه في وقعة حنين
وأخرجها هناك مطولة من رواية عقيل عن ابن شهاب وفيه وأني رأيت اني أرد إليهم سبيهم فمن
أحب ان يطيب بذلك فليفعل وفيه فقال الناس قد طيبنا ذلك يا رسول الله فقال انا لا ندري
آخره (قوله من أذن فيكم) في رواية الكشميهني منكم وكذا للنسائي والإسماعيلي (قوله
فأخبروه ان الناس قد طيبوا وأذنوا) تقدم في غزوة حنين ما يؤخذ منه أن نسبة الاذن وغيره إليهم
حقيقة ولكن سبب ذلك مختلف فالأغلب الأكثر طابت أنفسهم ان يردوا السبي لأهله بغير عوض
وبعضهم رده بشرط التعويض ومعنى طيبوا وهو بالتشديد حملوا أنفسهم على ترك السبايا
حتى طابت بذلك يقال طيبت نفسي بكذا إذا حملتها على السماح به من غير اكراه فطابت بذلك
ويقال طيبت بنفس فلان إذا كلمته بكلام يوافقه وقيل هو من قولهم طاب الشئ إذا صار حلالا
وانما عداه بالتضعيف ويؤيده قوله فمن أحب ان يطيب ذلك أي يجعله حلالا وقولهم طيبنا
فيحمل عليه قول العرفاء انهم طيبوا قال ابن بطال في الحديث مشروعية إقامة العرفاء لان
الامام لا يمكنه أن يباشر جميع الأمور بنفسه فيحتاج إلى إقامة من يعاونه ليكفيه ما يقيمه فيه قال
148

والامر والنهي إذا توجه إلى الجميع يقع التوكل فيه من بعضهم فربما وقع التفريط فإذا أقام
على كل قوم عريفا لم يسع كل أحد الا القيام بما أمر به وقال ابن المنير في الحاشية يستفاد منه جواز
الحكم بالاقرار بغير اشهاد فان العرفاء ما أشهدوا على كل فرد فرد شاهدين بالرضا وانما أقر الناس
عندهم وهم نواب للامام فاعتبر ذلك وفيه ان الحاكم يرفع حكمه إلى حاكم آخر مشافهة فينفذه إذا
كان كل منهما في محل ولايته (قلت) وقع في سير الواقدي ان أبا رهم الغفاري كان يطوف على
القبائل حتى جمع العرفاء واجتمع الامناء على قول واحد وفيه ان الخبر الوارد في ذم العرفاء لا يمنح
إقامة العرفاء لأنه محمول ان ثبت على أن الغالب على العرفاء الاستطالة ومجاوزة الحد وترك
الانصاف المفضي إلى الوقوع في المعصية والحديث المذكور أخرجه أبو داود من طريق المقدام
ابن معد يكرب رفعه العرافة حق ولا بد للناس من عريف والعرفاء في النار ولأحمد وصححه ابن
خزيمة من طريق عباد بن أبي علي عن أبي حازم عن أبي هريرة رفعه ويل للأمراء ويل للعرفاء
قال الطيبي قوله والعرفاء في النار ظاهر أقيم مقام الضمير يشعر بأن العرافة على خطر ومن باشرها
غير آمن من الوقوع في المحذور المفضي إلى العذاب فهو كقوله تعالى ان الذين يأكلون أموال
اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا فينبغي للعاقل ان يكون على حذر منها لئلا يتورط فيما
يؤديه إلى النار (قلت) ويؤيد هذا التأويل الحديث الآخر حيث توعد الامراء بما توعد به
العرفاء فدل على أن المراد بذلك الإشارة إلى أن كل من يدخل في ذلك لا يسلم وأن الكل على خطر
والاستثناء مقدر في الجميع واما قوله العرافة حق فالمراد به أصل نصبهم فان المصلحة تقتضيه لما
يحتاج إليه الأمير من المعاونة على ما يتعاطاه بنفسه ويكفي في الاستدلال لذلك وجودهم في العهد
النبوي كما دل عليه حديث الباب * (قوله ما يكره من ثناء السلطان) الإضافة فيه
للمفعول أي من الثناء على السلطان بحضرته بقرينة قوله وإذا خرج أي من عنده قال غير ذلك
ووقع عند ابن بطال من الثناء على السلطان وكذا عند أبي نعيم عن أبي أحمد الجرجاني عن
الفربري وقد تقدم معنى هذه الترجمة في أواخر كتاب الفتن إذا قال عند قوم شيئا ثم خرج فقال
بخلافه وهذه أخص من تلك (قوله قال أناس لابن عمر) قلت سمى منهم عروة بن الزبير ومجاهد
وأبو إسحق الشيباني ووقع عند الحسن بن سفيان من طريق معاذ عن عاصم عن أبيه دخل رجل
علي ابن عمر أخرجه أبو نعيم من طريقه (قوله انا ندخل على سلطاننا) في رواية الطيالسي عن
عاصم سلاطيننا بصيغة الجمع (قوله فنقول لهم) أي نثني عليهم في رواية الطيالسي فنتكلم بين
أيديهم بشئ ووقع عند ابن أبي شيبة من طريق أبي الشعثاء قال دخل قوم علي ابن عمر فوقعوا
في يزيد بن معاوية فقال أتقولون هذا في وجوههم قالوا بل نمدحهم ونثني عليهم وفي رواية
عروة بن الزبير عند الحارث بن أبي أسامة والبيهقي قال أتيت ابن عمر فقلت انا نجلس إلى أئمتنا هؤلاء
فيتكلمون في شئ نعلم أن الحق غيره فنصدقهم فقال كنا نعد هذا نفاقا فلا أدري كيف هو عندكم
لفظ البيهقي في رواية الحرث يا أبا عبد الرحمن انا ندخل على الامام يقضي بالقضاء نراه جورا فنقول
تقبل الله فقال انا نحن معاشر محمد فذكر نحوه وفي كتاب الايمان لعبد الرحمن بن عمر الأصبهاني
بسنده عن عريب الهمداني قلت لابن عمر فذكر نحوه وعريب بمهملة وموحدة وزن عظيم
وللخرائطي في المساوى من طريق الشعبي قلت لأبي عمر انا ندخل على أمرائنا فنمدحهم فإذا
خرجنا قلنا لهم خلاف ذلك فقال كنا نعد هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفاقا وفي
149

مسند مسدد من رواية يزيد بن أبي زياد عن مجاهد ان رجلا قدم علي ابن عمر فقال له كيف أنتم
وأبو أنيس الضحاك بن قيس قال إذا لقيناه قلنا له ما يحب وإذا ولينا عنه قلنا له غير ذلك قال ذاك
ما كنا نعده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من النفاق وفي الأوسط للطبراني من طريق الشيباني
يعنى أبا إسحاق وسليمان بن فيروز الكوفي (1) (قوله كنا نعدها) بضم العين من العد هكذا اختصره
أبو ذر وله عن الكشميهني نعد هذا وعند غير أبي ذر مثله وزادوا نفاقا وعند ابن بطال ذلك بدل هذا
ومثله للإسماعيلي من طريق يزيد بن هارون عن عاصم بن محمد وعنده من النفاق وزاد قال عاصم
فسمعني أخي يعني عمر أحدث بهذا الحديث فقال قال أبي قال ابن عمر على عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم وكذا أخرجه الطيالسي في مسنده عن عاصم بن محمد إلى قوله نفاقا قال عاصم فحدثني
أخي عن أبي ان ابن عمر قال كنا نعده نفاقا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع في
الأطراف للمزي ما نصه خ في الاحكام عن أبي نعيم عن عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه به قال ورواه
معاذ بن معاذ عن عاصم وقال في آخره فحدثت به أخي عمر فقال إن أباك كان يزيد فيه في عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم ومن قوله وقال معاذ إلى آخره لم يذكره أبو مسعود فيحتمل أن يكون نقله من
كتاب خلف ولم أره في شئ من الروايات التي وقعت لنا على الفربري ولا غيره عن البخاري وقد قال
الإسماعيلي عقب الزيادة المذكورة ليس في حديث البخاري على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم (قوله عن يزيد بن أبي حبيب) هو المصري من صغار التابعين (قوله عن عراك) بكسر العين
المهملة وتخفيف الراء وآخره كاف هو ابن مالك الغفاري المدني فالسند دائر بين مصري ومدني
(قوله إن شر الناس ذو الوجهين) تقدم في باب ما قيل في ذي الوجهين من كتاب الأدب من وجه
آخر عن أبي هريرة بلفظ من شر الناس وتقدم شرحه وسائر فوائده هناك وتعرض ابن بطال هنا
لذكر ما يعارض ظاهره من قوله صلى الله عليه وسلم للذي استأذن عليه بئس أخو العشيرة فلما
دخل ألان له القول وتكلم على الجمع بينهما وحاصله انه حيث ذمه كان لقصد التعريف بحاله
وحيث تلقاه بالبشر كان لتأليفه أو لاتقاء شره فما قصد بالحالتين الا نفع المسلمين ويؤيده أنه لم يصفه
في حال لقائه بأنه فاضل ولا صالح وقد تقدم الكلام عليه أيضا في باب لم يكن النبي صلى الله عليه
وسلم فاحشا من كتاب الأدب وتقدم أيضا فيه بيان ما يجوز من الاغتياب في باب آخر بعد ذلك
* (قوله القضاء على الغائب) أي في حقوق الآدميين دون حقوق الله بالاتفاق
حتى لو قامت البينة على غائب بسرقة مثلا حكم بالمال دون القطع قال ابن بطال أجاز مالك
والليث والشافعي وأبو عبيد وجماعة الحكم على الغائب واستثنى ابن القاسم عن مالك ما يكون
للغائب فيه حجج كالأرض والعقار الا ان طالت غيبته أو انقطع خبره وأنكر ابن الماجشون صحة
ذلك عن مالك وقال العمل بالمدينة على الحكم على الغائب مطلقا حتى لو غاب بعد أن توجه عليه
الحكم قضى عليه وقال ابن أبي ليلى وأبو حنيفة لا يقضى على الغائب مطلقا واما من هرب أو
استتر بعد إقامة البينة فينادي القاضي عليه ثلاثا فان جاء والا انفذ الحكم عليه وقال ابن قدامة
أجازه أيضا ابن شبرمة والأوزاعي وإسحق وهو أحد الروايتين عن أحمد ومنعه أيضا الشعبي
والثوري وهي الرواية الأخرى عن أحمد قال واستثنى أبو حنيفة من له وكيل مثلا فيجوز الحكم
عليه بعد الدعوى على وكيله واحتج من منع بحديث على رفعه لا تقضى لاحد الخصمين حتى تسمع
من الآخر وهو حديث حسن أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما وبحديث الامر بالمساواة بين
150

الخصمين وبأنه لو حضر لم تسمع بينة المدعي حتى يسأل المدعى عليه فإذا غاب فلا تسمع وبأنه لو جاز
الحكم مع غيبته لم يكن الحضور واجبا عليه وأجاب من أجاز بأن ذلك كله لا يمنع الحكم على
الغائب لان حجته إذا حضر قائمة فتسمع ويعمل بمقتضاها ولو أدى إلى نقض الحكم السابق
وحديث علي محمول على الحاضرين وقال ابن العربي حديث علي انما هو مع إمكان السماع
فأما مع تعذره بمغيب فلا يمنع الحكم كما لو تعذر باغماء أو جنون أو حجر أو صغر وقد عمل الحنفية
بذلك في الشفعة والحكم على من عنده للغائب مال ان يدفع منه نفقة زوج الغائب ثم ذكر
المصنف حديث عائشة في قصة هند وقد احتج بها الشافعي وجماعة لجواز القضاء على الغائب
وتعقب بأن أبا سفيان كان حاضرا في البلد وتقدم بيان ذلك مستوفي في كتاب النفقات مع شرح
الحديث المذكور ولله الحمد وذكر ابن التين فيه من الفوائد غير ما تقدم خروج المراة في حوائجها
وان صوتها ليس بعورة (قلت) وفي كل منهما نظر أما الأول فلانه جاء ان هندا كانت جاءت
للبيعة فوقع ذكر النفقة تبعا وأما الثاني فحال الضرورة مستثنى وانما النزاع حيث لا ضرورة
* (قوله باب) بالتنوين (من قضي له) بضم أوله (بحق أخيه) أي خصمه فهي أخوة
بالمعنى الأعم وهو الجنس لان المسلم والذمي والمعاهد والمرتد في هذا الحكم سواء فهو مطرد في الأخ
من النسب ومن الرضاع وفي الدين وغير ذلك ويحتمل ان يكون تخصيص الاخوة بالذكر من باب
التهييج وانما عبر بقوله بحق أخيه مراعاة للفظ الخبر ولذلك قال فلا يأخذه لأنه بقية الخبر
وهذا اللفظ وقع في رواية هشام بن عروة عن أبيه وقد تقدم في ترك الحيل من طريق الثوري
عنه (قوله فإن قضاء الحاكم لا يحل حراما ولا يحرم حلالا) هذا الكلام أخذه من قول الشافعي
فإنه لما ذكر هذا الحديث قال فيه دلالة على أن الأمة انما كلفوا القضاء على الظاهر وفيه ان
قضاء القاضي لا يحرم حلالا ولا يحل حراما (قوله عن صالح) هو ابن كيسان وصرح به في رواية
الإسماعيلي (قوله سمع خصومة) في رواية شعيب عن الزهري سمع جلبة خصام والجلبة بفتح الجيم
واللام اختلاط الأصوات ووقع في رواية يونس عند مسلم جلبة خصم بفتح الخاء
وسكون الصاد وهو اسم مصدر يستوي فيه الواحد والجمع والمثنى مذكرا ومؤنثا ويجوز جمعه وتثنيته
كما في رواية الباب خصوم وكما في قوله تعالى هذان خصمان ولمسلم من طريق معمر عن هشام
لجبة بتقديم اللام على الجيم وهي لغة فيها فأما الخصوم فلم أقف على تعيينهم ووقع التصريح
بأنهما كانا اثنين في رواية عبد الله بن رافع عن أم سلمة عند أبي داود ولفظه اتى رسول الله صلى الله
عليه وسلم رجلان يختصمان واما الخصومة فبين في رواية عبد الله بن رافع انها كانت في
مواريث لهما وفي لفظ عنده في مواريث وأشياء قد درست (قوله باب حجرته) في رواية شعيب
ويونس عند مسلم عن بابه والحجرة المذكورة هي منزل أم سلمة ووقع عند مسلم في رواية معمر بباب
أم سلمة (قوله انما أنا بشر) البشر الخلق يطلق على الجماعة والواحد بمعنى انه منهم والمراد أنه
مشارك للبشر في أصل الخلقة ولو زاد عليهم بالمزايا التي أختص بها في ذاته وصفاته والحصر هنا
مجازي لأنه يختص بالعلم الباطن ويسمى قصر قلب لان أتى به ردا على من زعم أن من كان رسولا فإنه
يعلم كل غيب حتى لا يخفى عليه المظلوم (قوله وانه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من
بعض) في رواية سفيان الثوري في ترك الحيل وانكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ان يكون
151

ألحن بحجته من بعض ومثله لمسلم من طريق أبي معاوية وتقدم البحث في المراد بقوله ألحن في ترك
الحيل (قوله فأحسب أنه صادق) هذا يؤذن أن في الكلام حذفا تقديره وهو في الباطن كاذب
وفي رواية معمر فأظنه صادقا (قوله فأقضي له بذلك) في رواية أبي داود من طريق الثوري
فأقضي له عليه على نحو مما أسمع ومثله في رواية أبي معاوية وفي رواية عبد الله بن رافع اني انما
أقضي بينكم برأيي فيما لم ينزل علي فيه (قوله فمن قضيت له بحق مسلم) في رواية مالك ومعمر فمن
قضيت له بشئ من حق أخيه وفي رواية الثوري فمن قضيت له من أخيه شيئا وكأنه ضمن قضيت
معنى أعطيت ووقع عند أبي داود عن محمد بن كثير شيخ البخاري فيه فمن قضيت له من حق أخيه
بشئ فلا يأخذه وفي رواية عبد الله بن رافع عند الطحاوي والدارقطني فمن قضيت له بقضية أراها
يقطع بها قطعة ظلما فإنما يقطع له بها قطعة من نار أسطاما يأتي بها في عنقه يوم القيامة والإسطام
بكسر الهمزة وسكون المهملة والطاء المهملة قطعة فكأنها للتأكيد (قوله فإنما هي) الضمير
للحالة أو القصة (قوله قطعة من النار) أي الذي قضيت له به بحسب الظاهر إذا كان في الباطن
لا يستحقه فهو عليه حرام يؤل به إلى النار وقوله قطعة من النار تمثيل يفهم منه شدة التعذيب على
من يتعاطاه فهو من مجاز التشبيه كقوله تعالى انما يأكلون في بطونهم نارا (قوله فليأخذها أو
ليتركها) في رواية يونس فليحملها أو ليذرها وفي رواية مالك عن هشام فلا يأخذه فإنما أقطع له
قطعة من النار قال الدارقطني هشام وإن كان ثقة لكن الزهري أحفظ منه وحكاه الدارقطني عن
شيخه أبي بكر النيسابوري (قلت) ورواية الزهري ترجع إلى رواية هشام فان الامر فيه للتهديد
لا لحقيقة التخيير بل هو كقوله فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر قال ابن التين هو خطاب للمقضى
له ومعناه أنه أعلم من نفسه هل هو محق أو مبطل فإن كان محقا فليأخذ وإن كان مبطلا فليترك
فان الحكم لا ينقل الأصل عما كان عليه * (تنبيه) * زاد عبد الله بن رافع في آخر الحديث فبكى
الرجلان وقال كل منهما حقي لك فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم أما إذا فعلتما فاقتسما وتوخيا
الحق ثم استهما ثم تحاللا وفي هذا الحديث من الفوائد اثم من خاصم في باطل حتى استحق به في
الظاهر شيئا هو في الباطل حرام عليه وفيه ان من ادعى مالا ولم يكن له بينة فحلف المدعى عليه
وحكم الحاكم ببراءة الحالف أنه لا يبرأ في الباطن وان المدعي لو أقام بينة بعد ذلك تنافي دعواه سمعت
وبطل الحكم وفيه أن من احتال لأمر باطل بوجه من وجوه الحيل حتى يصير حقا في الظاهر
ويحكم له به أنه لا يحل له تناوله في الباطن ولا يرتفع عنه الاثم بالحكم وفيه ان المجتهد قد يخطئ
فيرد به على من زعم أن كل مجتهد مصيب وفيه ان المجتهد إذا أخطأ لا يلحقه اثم بل يؤجر كما سيأتي
وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يقضي بالاجتهاد فيما لم ينزل عليه فيه شئ وخالف في ذلك قوم وهذا
الحديث من أصرح ما يحتج به عليهم وفيه انه ربما أداه اجتهاده إلى أمر فيحكم به ويكون في
الباطن بخلاف ذلك لكن مثل ذلك لو وقع لم يقر عليه صلى الله عليه وسلم لثبوت عصمته واحتج
من منع مطلقا بأنه لو جاز وقوع الخطأ في حكمه للزم أمر المكلفين بالخطأ لثبوت الامر باتباعه في
جميع أحكامه حتى قال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم الآية وبأن
الاجماع معصوم من الخطأ فالرسول أولى بذلك لعلو رتبته والجواب عن الأول ان الامر إذا استلزم
إيقاع الخطأ لا محذور فيه لأنه موجود في حق المقلدين فإنهم مأمورون باتباع المفتي والحاكم
152

ولو جاز عليه الخطأ والجواب عن الثاني أن الملازمة مردودة فان الاجماع إذا فرض وجوده دل
على أن مستندهم ما جاء عن الرسول فرجع الاتباع إلى الرسول لا إلى نفس الاجماع والحديث
حجة لمن أثبت انه قد يحكم بالشئ في الظاهر ويكون الامر في الباطن بخلافه ولا مانع من ذلك إذ
لا يلزم منه محال عقلا ولا نقلا وأجاب من منع بأن الحديث يتعلق بالحكومات الواقعة في فصل
الخصومات المبنية على الاقرار أو البينة ولا مانع من وقوع ذلك فيها ومع ذلك فلا يقر على الخطأ
وانما الممتنع أن يقع فيه الخطأ أن يخبر عن أمر بأن الحكم الشرعي فيه كذا ويكون ذلك ناشئا
عن اجتهاده فإنه لا يكون إلا حقا لقوله تعالى وما ينطق عن الهوى الآية وأجيب بأن ذلك يستلزم
الحكم الشرعي فيعود الاشكال كما كان ومن حجج من أجاز ذلك قوله صلى الله عليه وسلم أمرت
أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم فيحكم بإسلام من تلفظ
بالشهادتين ولو كان في نفس الامر يعتقد خلاف ذلك والحكمة في ذلك مع أنه كان يمكن
اطلاعه بالوحي على كل حكومة أنه لما كان مشرعا كان يحكم بما شرع للمكلفين ويعتمده الحكام
بعده ومن ثم قال انما أنا بشر أي في الحكم بمثل ما كلفوا به والى هذه النكتة أشار المصنف
بإيراده حديث عائشة في قصة ابن وليدة زمعة حيث حكم صلى الله عليه وسلم بالولد لعبد بن زمعة
وألحقه بزمعة ثم لما رأى شبهه بعتبة أمر سودة ان تحتجب منه احتياطا ومثله قوله في قصة
المتلاعنين لما وضعت التي لوعنت ولدا يشبه الذي رميت به لولا الايمان لكان لي ولها شأن فأشار
البخاري إلى أنه صلى الله عليه وسلم حكم في ابن وليدة زمعة بالظاهر ولو كان في نفس الامر ليس من
زمعة ولا يسمى ذلك خطأ في الاجتهاد ولا هو من موارد الاختلاف في ذلك وسبقه إلى ذلك
الشافعي فإنه لما تكلم على حديث الباب قال وفيه ان الحكم بين الناس يقع على ما يسمع من
الخصمين بما لفظوا به وإن كان يمكن أن يكون في قلوبهم غير ذلك وانه لا يقضى على أحد بغير
ما لفظ به فمن فعل ذلك فقد خالف كتاب الله وسنة نبيه قال ومثل هذا قضاؤه لعبد بن زمعة بابن
الوليدة فلما رأى الشبه بينا بعتبة قال احتجبي منه يا سودة انتهى ولعل السر في قوله انما أنا
بشر امتثال قول الله تعالى قل انما انا بشر مثلكم أي في اجراء الاحكام على الظاهر الذي يستوي
فيه جميع المكلفين فأمر ان يحكم بمثل ما أمروا أن يحكموا به ليتم الاقتداء به وتطيب نفوس
العباد للانقياد إلى الاحكام الظاهرة من غير نظر إلى الباطن والحاصل ان هنا مقامين أحدهما
طريق الحكم وهو الذي كلف المجتهد بالتبصر فيه وبه يتعلق الخطأ والصواب وفيه البحث والآخر
ما يبطنه الخصم ولا يطلع عليه الا الله ومن شاء من رسله فلم يقع التكليف به قال الطحاوي ذهب
قوم إلى أن الحكم بتمليك مال أو إزالة ملك أو اثبات نكاح أو فرقة أو نحو ذلك أن كان في الباطن
كما هو في الظاهر نفذ على ما حكم به وإن كان في الباطن على خلاف ما استند إليه الحاكم من
الشهادة أو غيرها لم يكن الحكم موجبا للتمليك ولا الإزالة ولا النكاح ولا الطلاق ولا غيرها وهو
قول الجمهور ومعهم أبو يوسف وذهب آخرون إلى أن الحكم إن كان في مال وكان الامر في
الباطن بخلاف ما استند إليه الحاكم من الظاهر لم يكن ذلك موجبا لحله للمحكوم له وإن كان في
نكاح أو طلاق فإنه ينفذ باطنا وظاهرا وحملوا حديث الباب على ما ورد فيه وهو المال واحتجوا
لما عداه بقصة المتلاعنين فإنه صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين مع احتمال أن يكون الرجل
153

قد صدق فيما رماها به قال فيؤخذ من هذا أن كل قضاء ليس في تمليك مال انه على الظاهر ولو
كان الباطن بخلافه وان حكم الحاكم يحدث في ذلك التحريم والتحليل بخلاف الأموال وتعقب
بأن الفرقة في اللعان انما وقعت عقوبة للعلم بأن أحدهما كاذب وهو أصل برأسه فلا يقاس عليه
وأجاب غيره من الحنفية بأن ظاهر الحديث يدل على أن ذلك مخصوص بما يتعلق بسماع كلام
الخصم حيث لا بينة هناك ولا يمين وليس النزاع فيه وانما النزاع في الحكم المرتب على الشهادة
وبأن من في قوله فمن قضيت له شرطية وهي لا تسلتزم الوقوع فيكون من فرض ما لم يقع وهو جائز
فيما تعلق به غرض وهو هنا محتمل لان يكون للتهديد والزجر عن الاقدام على أخذ أموال الناس
باللسن والابلاغ في الخصومة وهو وان جاز أن يستلزم عدم نفوذ الحكم باطنا في العقود
والفسوخ لكنه لم يسق لذلك فلا يكون فيه حجة لمن منع وبان الاحتجاج به يستلزم أنه صلى الله
عليه وسلم يقر على الخطأ لأنه لا يكون ما قضى به قطعة من النار الا إذا استمر الخطأ والا فمتى فرض
انه يطلع عليه فإنه يجب ان يبطل ذلك الحكم ويرد الحق لمستحقه وظاهر الحديث يخالف ذلك
فاما ان يسقط الاحتجاج به ويؤول على ما تقدم واما ان يستلزم استمرار التقرير على الخطأ وهو
باطل والجواب عن الأول أنه خلاف الظاهر وكذا الثاني والجواب عن الثالث ان الخطأ الذي
لا يقر عليه هو الحكم الذي صدر عن اجتهاد فيما لم يوح إليه فيه وليس النزاع فيه وانما النزاع
في الحكم الصدار منه بناء على شهادة زور أو يمين فاجرة فلا يسمى خطأ للاتفاق على وجوب العمل
بالشهادة وبالايمان والا لكان الكثير من الاحكام يسمى خطأ وليس كذلك كما تقدمت الإشارة
إليه في حديث أمرت ان أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وحديث أني لم أومر بالتنقيب عن
قلوب الناس وعلى هذا فالحجة من الحديث ظاهرة في شمول الخبر الأموال والعقود والفسوخ والله
أعلم ومن ثم قال الشافعي أنه لا فرق في دعوى حل الزوجة لمن أقام بتزويجها بشاهدي زور وهو
يعلم بكذبهما وبين من ادعى على حر أنه في ملكه وأقام بذلك شاهدي زور وهو يعلم حريته فإذا
حكم له الحاكم بأنه ملكه لم يحل له أن يسترقه بالاجماع قال النووي والقول بأن حكم الحاكم يحل
ظاهرا وباطنا مخالف لهذا الحديث الصحيح وللاجماع السابق على قائله ولقاعدة أجمع العلماء
عليها ووافقهم القائل المذكور وهو ان الابضاع أولى بالاحتياط من الأموال وقال ابن العربي
إن كان حاكما نفذ على المحكوم له أو عليه وإن كان مفتيا لم يحل فإن كان المفتي له مجتهدا يرى
بخلاف ما أفتاه به لم يجز والا جاز والله أعلم قال ويستفاد من قوله وتوخيا الحق جواز الابراء
من المجهول لان التوخي لا يكون في المعلوم وقال القرطبي شنعوا على من قال ذلك قديما
وحديثا لمخالفة الحديث الصحيح ولان فيه صيانة المال وابتذال الفروج وهي أحق أن يحتاط لها
وتصان واحتج بعض الحنفية بما جاء عن علي ان رجلا خطب امرأة فأبت فادعى انه تزوجها
وأقام شاهدين فقالت المرأة أنهما شهدا بالزور فزوجني أنت منه فقد رضيت فقال شاهداك
زوجاك وأمضى عليها النكاح وتعقب بأنه لم يثبت عن علي واحتج المذكور من حيث النظر
بأن الحاكم قضى بحجة شرعية فيما له ولاية الانشاء فيه فجعل انشاء تحرزا عن الحرام والحديث
صريح في المال وليس النزاع فيه فان القاضي لا يملك دفع مال زيد إلى عمرو ويملك إنشاء العقود
والفسوخ فإنه يملك بيع أمة زيد مثلا من عمرو حال خوف الهلاك للحفظ وحال الغيبة ويملك
154

إنشاء النكاح على الصغيرة والفرقة على العنين فيجعل الحكم إنشاء احترازا عن الحرام ولأنه
لو لم ينفذ باطنا فلو حكم بالطلاق لبقي حلالا للزوج الأول باطنا وللثاني ظاهرا فلو ابتلى الثاني
مثل ما ابتلى الأول حلت للثالث وهكذا فتحل لجمع متعدد في زمن واحد ولا يخفى فحشه بخلاف
ما إذا قلنا بنفاذه باطنا فإنها لا تحل الا لواحد انتهى وتعقب بأن الجمهور انما قالوا في هذا تحرم
على الثاني مثلا إذا علم أن الحكم ترتب على شهادة الزور فإذا اعتمد الحكم وتعمد الدخول بها فقد
ارتكب محرما كما لو كان الحكم بالمال فأكله ولو ابتلى الثاني كان حكم الثالث كذلك والفحش
انما لزم من الاقدام على تعاطي المحرم فكان كما لو زنوا ظاهرا واحد بعد واحد وقال ابن السمعاني
شرط صحة الحكم وجود الحجة وإصابة المحل وإذا كانت البينة في نفس الامر شهود زور لم تحصل
الحجة لان حجة الحكم هي البينة العادلة فان حقيقة الشهادة إظهار الحق وحقيقة الحكم انفاذ
ذلك وإذا كان الشهود كذبة لم تكن شهادتهم حقا قال فان احتجوا بأن القاضي حكم بحجة
شرعية أمر الله بها وهي البينة العادلة في علمه ولم يكلف بالاطلاع على صدقهم في باطن الامر فإذا
حكم بشهادتهم فقد امتثل ما أمر به فلو قلنا لا ينفذ في باطن الامر للزم ابطال ما وجب بالشرع لان
صيانة الحكم عن الابطال مطلوبة فهو بمنزلة القاضي في مسألة اجتهادية على مجتهد لا يعتقد ذلك
فإنه يجب عليه قبول ذلك وإن كان لا يعتقده صيانة للحكم وأجاب ابن السمعاني بأن هذه الحجة
للنفوذ ولهذا لا يأثم القاضي وليس من ضرورة وجوب القضاء نفوذ القضاء حقيقة في باطن الامر
وانما يجب صيانة القضاء عن الابطال إذا صادف حجة صحيحة والله أعلم * (فرع) * لو كان المحكوم
له يعتقد خلاف ما حكم له به الحاكم هل يحل له أخذ ما حكم له به أو لا كمن مات بن ابنه وترك أخا
شقيقا فرفعه لقاض يرى في الجد رأي أبا بكر الصديق فحكم له بجميع الإرث دون الشقيق
وكان الجد المذكور يرى رأي الجمهور نقل ابن المنذر عن الأكثر انه يجب على الجد ان يشارك
الأخ الشقيق عملا بمعتقده والخلاف في المسئلة مشهور واستدل بالحديث لمن قال إن الحاكم
لا يحكم بعلمه بدليل الحصر في قوله انما أقضي له بما أسمع وقد تقدم البحث فيه قبل وفيه ان التعمق
في البلاغة بحيث يحصل اقتدار صاحبها على تزيين الباطن في صورة الحق وعكسه مذموم فان
المراد بقوله أبلغ أي أكثر بلاغة ولو كان ذلك في التوصل إلى الحق لم يذم وانما يذم من ذلك
ما يتوصل به إلى الباطل في صورة الحق فالبلاغة اذن لا تذم لذاتها وانما تذم بحسب التعلق الذي
يمدح بسببه وهي في حد ذاتها ممدوحة وهذا كما يذم صاحبها إذا طرأ عليه بسببها الاعجاب وتحقير
غيره ممن لم يصل إلى درجته ولا سيما إن كان الغير من أهل الصلاح فان البلاغة انما تذم من هذه
الحيثية بحسب ما ينشأ عنها من الأمور الخارجية عنها ولا فرق في ذلك بين البلاغة وغيرها بل كل
فتنة توصل إلى المطلوب محمودة في حد ذاتها وقد تذم أو تمدح بحسب متعلقها واختلف في تعريف
البلاغة فقيل إن يبلغ بعبارة لسانه كنه ما في قلبه وقيل إيصال المعنى إلى الغير بأحسن لفظ وقيل
الايجاز مع الافهام والتصرف من غير إضمار وقيل قليل لا يبهم وكثير لا يسأم وقيل اجمال
اللفظ واتساع المعنى وقيل تقليل اللفظ وتكثير المعنى وقيل حسن الايجاز مع إصابة المعنى
وقيل سهولة اللفظ مع البديهة وقيل لمحة دالة أو كلمة تكشف عن البغية وقيل الايجاز من غير عجز
والاطناب من غير خطأ وقيل النطق في موضعه والسكوت في موضعه وقيل معرفة الفصل
155

والوصل وقيل الكلام الدال أوله على آخر وعكسه وهذا كله عن المتقدمين وعرف أهل
المعاني والبيان البلاغة بأنها مطابقة الكلام لمقتضى الحال والفصاحة وهي خلوه عن التعقيد
وقالوا المراد بالمطابقة ما يحتاج إليه المتكلم بحسب تفاوت المقامات كالتأكيد وحذفه والحذف
وعدمه والايجاز والاسهاب ونحو ذلك والله أعلم وفيه الرد على من حكم بما يقع في خاطره من غير
استناد إلى أمر خارجي من بينة ونحوها واحتج بأن الشاهد المتصل به أقوى من المنفصل عنه
ووجه الرد عليه كونه صلى الله عليه وسلم أعلى في ذلك من غيره مطلقا ومع ذلك فقد دل حديثه
هذا على أنه انما يحكم بالظاهر في الأمور العامة فلو كان المدعي صحيحا لكان الرسول أحق بذلك
فإنه اعلم أنه تجري الاحكام على ظاهرها ولو كان يمكن ان الله يطلعه على غيب كل قضية وسبب
ذلك أن تشريع الاحكام واقع على يده فكأنه أراد تعليم غيره من الحكام أن يعتمدوا ذلك نعم لو
شهدت البينة مثلا بخلاف ما يعلمه علما حسيا بمشاهدة أو سماع يقينيا أو ظنيا راجحا لم يجز له أن
يحكم بما قامت به البينة ونقل بعضهم الاتفاق وان وقع الاختلاف في القضاء بالعلم كما تقدم في
باب الشهادة تكون عند الحاكم في ولايته القضاء وفي الحديث أيضا موعظة الامام الخصوم
ليعتمدوا الحق والعمل بالنظر الراجح وبناء الحكم عليه وهو أمر اجماعي للحاكم والمفتي والله
سبحانه وتعالى اعلم * (قوله باب الحكم في البئر ونحوها) ذكر فيه حديث عبد الله
وهو ابن مسعود في نزول قوله تعالى ان الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا وفيه قول
الأشعث في نزلت وفي رجل خاصمته في بئر وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الايمان والنذور
قال ابن بطال هذا الحديث حجة في أن حكم الحاكم في الظاهر لا يحل الحرام ولا يبيح المحظور لأنه
صلى الله عليه وسلم حذر أمته عقوبة من اقتطع من حق أخيه شيا بيمين فاجرة والآية المذكورة
من أشد وعيد جاء في القرآن فيؤخذ من ذلك أن من تحيل على أخيه وتوصل إلى شئ من حقه
بالباطل فإنه لا يحل له لشدة الاثم فيه قال ابن المنير وجه دخول هذه الترجمة في القصة مع أنه
لا فرق بين البئر والدار والعبد حتى ترجم على البئر وحدها انه أراد الرد على من زعم أن الماء
لا يملك فحقق بالترجمة أنه يملك لوقوع الحكم بين المتخاصمين فيها انتهى وفيه نظر من وجهين
أحدهما انه لم يقتصر في الترجمة على البئر بل قال ونحوها والثاني لو اقتصر لم يكن في حجة على
من منع بيع الماء لأنه يجوز بيع البئر ولا يدخل الماء وليس في الخبر تصريح بالماء فكيف يصبح
الرد * (قوله باب) بالتنوين (القضاء في قليل المال وكثيره سواء) قال ابن المنير
كأنه خشى غائلة التخصيص في الترجمة التي قبل هذه فترجم بأن القضاء عام في كل شئ قل أو جل
ثم ذكر فيه حديث أم سلمة المذكور قبل بباب لقوله فيه فمن قضيت له بحق مسلم وهو يتناول القليل
والكثير وكأنه أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من قال إن للقاضي أن يستنيب بعض
من يريد في بعض الأمور دون بعض بحسب قوة معرفته ونفاذ كلمته في ذلك وهو منقول عن بعض
المالكية أو على من قال لا يجب اليمين الا في قدر معين من المال ولا تجب في الشئ التافه أو على
من كان من القضاة لا يتعاطى الحكم في الشئ التافه بل إذا رفع إليه رده إلى نائبه مثلا قاله ابن
المنير قال وهو نوع من الكبر والأول أليق بمراد البخاري (قوله وقال ابن عيينة) هو سفيان
الهلالي (عن ابن شبرمة) هو عبد الله الضبي (القضاء في قليل المال وكثيره سواء) ولم يقع لي
156

هذا الأثر موصولا * (قوله باب بيع الامام على الناس أموالهم وضياعهم)
قال ابن المنير أضاف البيع إلى الامام ليشير إلى أن ذلك يقع في مال السفيه أو في وفاء دين الغائب
أو من يمتنع أو غير ذلك ليتحقق ان للامام التصرف في عقود الأموال في الجملة (قوله وقد باع النبي
صلى الله عليه وسلم مدبرا من نعيم بن النحام) قال ابن المنير ذكر في الترجمة الضياع ولم يذكر الا بيع
العبد فكأنه أشار إلى قياس العقار على الحيوان ثم أسند حديث جابر قال بلغ النبي صلى الله
عليه وسلم أن رجلا من أصحابه أعتق غلاما له عن دبر لم يكن له مال غيره فباعه بثمانمائة درهم ثم
أرسل بثمنه إليه وقد مضى شرحه في كتاب العتق ووقع هنا للكشميهني عن دين بفتح الدال
وسكون التحتانية بعدها نون بدل قوله عن برد بضم الدال والموحدة بعدها راء والثاني هو
المعروف والمشهور في الروايات كلها والأول تصحيف قال المهلب انما يبيع الامام على الناس
أموالهم إذا رأى منهم سفها في أموالهم واما من ليس بسفيه فلا يباع عليه شئ من ماله الا في حق
يكون عليه يعني إذا امتنع من أداء الحق وهو كما قال لكن قصة بيع المدبر ترد على هذا الحصر وقد
أجاب عنها بأن صاحب المدبر لم يكن له مال غيره فلما رآه أنفق جميع ماله وانه تعرض بذلك للتهلكة
نقض عليه فعله ولو كان لم ينفق جميع ماله لم ينقض فعله كما قال للذي كان يخدع في البيوع قل
لا خلابة لأنه لم يفوت على نفسه جميع ماله انتهى فكأنه كان في حكم السفيه فلذلك باع عليه ماله
والله أعلم * (قوله باب من لم يكترث بطعن من لا يعلم في الامراء حديثا) أي لم يلتفت
وزنه ومعناه وهو افتعال من الكرث بفتح أوله وسكون ثانيه وآخره مثلثة وهو المشقة ويستعمل
نفيه في موضع عدم المبالاة قال المهلب معنى هذه الترجمة ان الطاعن إذا لم يعلم حال المطعون عليه
فرماه بما ليس فيه لا يعبأ بذلك الطعن ولا يعمل به وقيده في الترجمة بمن لا يعلم إشارة إلى أن من
طعن بعلم انه يعمل به فلو طعن بأمر محتمل كان ذلك راجعا إلى رأي الامام وعلى هذا يتنزل فعل
عمر مع سعد حتى عزله مع براءته مما رماه به أهل الكوفة وأجاب المهلب بأن عمر لم يعلم من مغيب
سعد ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم من زيد وأسامة يعني فكان سبب عزله قيام الاحتمال وقال
غيره كان رأي عمر احتمال أخف المفسدتين فرأى أن عزل سعد أسهل من فتنة يثيرها من قام
عليه من أهل تلك البلد وقد قال عمر في وصيته لم اعزله لضعف ولا لخيانة وقال ابن المنير قطع
النبي صلى الله عليه وسلم بسلامة العاقبة في امرة أسامة فلم يلتفت لطعن من طعن واما عمر فسلك
سبيل الاحتياط لعدم قطعه بمثل ذلك وذكر حديث ابن عمر في بعث أسامة وقد تقدم شرحه
مستوفي في أواخر الوفاة النبوية من كتاب المغازي (قوله فطعن في امارته) بضم الطاء على البناء
للمجهول وقوله إن تطعنوا في امارته فقد كنتم تطعنون في امارة أبيه أي ان طعنتم فيه فأخبركم
بأنكم طعنتم من قبل في أبيه والتقدير ان تطعنوا في امارته فقد أثمتم بذلك لان طعنكم بذلك ليس
حقا كما كنتم تطعنون في امارة أبيه وظهرت كفايته وصلاحيته للامارة وانه كان مستحقا لها فلم
يكن لطعنكم مستند فلذلك لا اعتبار بطعنكم في امارة ولده ولا التفات إليه وقد قيل انما طعنوا
فيه لكونه مولى وقيل انما كان الطاعن فيه من ينسب إلى النفاق وفيه نظر لان من جملة من سمى
ممن طعن فيه عياش بتحتانية وشين معجمة ابن أبي ربيعة المخزومي وكان من مسلمة الفتح لكنه كان من
فضلاء الصحابة فعلى هذا فالخطاب بقوله ان تطعنوا لعموم الطاعنين سواء اتحد الطاعن فيهما
157

أم اختلف وقوله إن كان لخليقا أي مستحقا وقوله للامرة بكسر الهمزة وفي رواية الكشميهني
للامارة وهما بمعنى * (قوله باب الألد الخصم) بفتح المعجمة وكسر الصاد المهملة
وقد تقدم بيان المراد به في كتاب المظالم وفي تفسير سورة البقرة وقوله وهو الدائم في الخصومة من
تفسير المصنف ويحتمل ان يكون المراد الشديد الخصومة فان الخصم من صيغ المبالغة فيحتمل
الشدة ويحتمل الكثرة وقوله لدا عوجا وقع في رواية الكشميهني ألد أعوج وهو يرد على أبن المنير
حيث صحف هذه اللفظة فقال قوله أدا عوجا لا أعلم لهذا في هذه الترجمة وجها الا إن كان أراد
أن الألد مشتق من اللدد وهو الاعوجاج والانحراف عن الحق وأصله من اللديد وهو جانب الوادي
ويطلق على جانب الفم ومنه اللدود وهو صب الدواء منحرفا عن وسط الفم إلى جانبه فأراد ان
يبين ان العوج يستعمل في المعاني كما يستعمل في الأعيان فمن استعماله في المعاني اللدود والاد
وهو قوله تعالى لقد جئتم شيئا إدا أي شيئا منحرفا عن الصواب ومعوجا عن سمة الاعتدال (قلت) ولم
أرها في شئ من نسخ البخاري هنا الا باللام وقد تقدم في تفسير سورة مريم نقله عن ابن عباس أنه قال
إدا عظيما وعن مجاهد أنه قال لدا عوجا وذكرت هناك من وصلهما ووجدت في تفسير عبد
ابن حميد من طريق معمر عن قتادة في قوله تعالى قوما لدا قال جدلا بالباطل ومن طريق سليمان
التيمي عن قتادة قال الجدل الخصم ومن طريق مجاهد قال لا يستقيمون وهذا نحو قوله عوجا
وأسند ابن أبي حاتم من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله وتنذر به قوما لدا قال
عوجا عن الحق وهو بضم العين وسكون الواو وفيه تقوية لما وقع في نسخ الصحيح واللد بضم
اللام وتشديد الدال جمع ألد وقد أسند ابن أبي حاتم عن الحسن أنه قال اللد الخصم وكأنه تفسير
باللازم لأنه من أعوج عن الحق كان كأنه لم يسمع وعن محمد بن كعب قال الألد الكذاب وكأنه
أراد ان من يكثر المخاصمة يقع في الكذب كثيرا وتفسير الألد بالأعوج على ما وقع عند الكشميهني
يحمل على انحرافه عن الحق وتفسير الألد بالشديد الخصومة لأنه كلما اخذ عليه جانب من الحجة
اخذ في آخر أو لاعماله لديديه وهما جانبا فمه في المخاصمة وقال أبو عبيدة في كتاب المجاز في قوله
قوما لدا واحدهم ألد وهو الذي يدعي الباطل ولا يقبل الحق وذكر حديث عائشة في الألد وقد سبق
شرحه وقوله أبغض الرجال الخ قال الكرماني الأبغض هو الكافر فمعنى الحديث أبغض
الرجال الكفار الكافر المعاند أو بعض الرجال المخاصمين (قلت) والثاني هو المعتمد وهو أعم من
أن يكون كافرا أو مسلما فإن كان كافرا فأفعل التفضيل في حقه على حقيقتها في العموم وإن كان
مسلما فسبب البغض أن كثرة المخاصمة تفضي غالبا إلى ما يذم صاحبه أو يخص في حق المسلمين
بمن خاصم في باطل ويشهد للأول حديث كفى بك اثما ان لا تزال مخاصما أخرجه الطبراني عن أبي أمامة
بسند ضعيف وورد الترغيب في ترك المخاصمة فعند أبي داود من طريق سليمان بن حبيب
عن أبي أمامة رفعه أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وله شاهد عند
الطبراني من حديث معاذ بن جبل والربض بفتح الراء والموحدة بعدها ضاد معجمة الأسفل (قوله
باب إذا قضى الحاكم بجور أو خلاف أهل العلم فهو رد) أي مردود (قوله حدثنا محمود)
هو ابن غيلان وقوله وحدثني أبو عبد الله نعيم بن حماد كذا لأبي ذر عن ابن عمر ولغيره قال أبو
عبد الله وهو المصنف حدثني نعيم وساق غير أبي ذر أيضا السند إلى قوله عن ابن عمر بعث النبي صلى
158

الله عليه وسلم خالدا ووقع في رواية عبد الرزاق بسنده إلى سالم وهو ابن عبد الله بن عمر عن أبيه
وقد تقدم شرح هذا الحديث في المغازي في باب بعث خالد إلى بني جذيمة والغرض منه قوله صلى
الله عليه وسلم اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد يعني من قتله الذين قالوا صبأنا قبل أن يستفسرهم
عن مرادهم بذلك القول فان فيه إشارة إلى تصويب فعل ابن عمر ومن تبعه في تركهم متابعة خالد
على قتل من أمرهم بقتلهم من المذكورين وقال الخطابي الحكمة في تبرئة صلى الله عليه وسلم
من فعل خالد مع كونه لم يعاقبه على ذلك لكونه مجتهدا ان يعرف أنه لم يأذن له في ذلك خشية ان
يعتقد أحد انه كان بإذنه ولينزجر غير خالد بعد ذلك عن مثل فعله اه ملخصا وقال ابن بطال الاثم
وإن كان ساقطا عن المجتهد في الحكم إذا تبين انه بخلاف جماعة أهل العلم لكن الضمان لازم
للمخطئ عند الأكثر مع الاختلاف هل يلزم ذلك عاقلة الحاكم أو بيت المال وقد تقدمت الإشارة
إلى شئ من ذلك في كتاب الديات والذي يظهر ان التبرأ من الفعل لا يستلزم اثم فاعله ولا الزامه
الغرامة فان اثم المخطئ مرفوع وإن كان فعله ليس بمحمود * (قوله باب الامام يأتي
قوما فيصلح بينهم) في رواية الكشميهني ليصلح باللام بدل الفاء (قوله كان قتال بين بني عمرو في
رواية مالك عن أبي حازم الماضية في أبواب الإمامة ان النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني
عمرو بن عوف ليصلح بينهم وقد تقدم شرحه مستوفى هناك وذكره هناك بلفظ فليصفق والتصفيق
ووقع هنا بلفظ فليصفح والتصفيح وهما بمعنى وقوله في هذه الطريق فلما حضرت صلاة العصر
فأذن وأقام قال الكرماني جواب الفاء في قوله فلما محذوف سواء كانت لما شرطية أو ظرفية
والتقدير جاء المؤذن (قلت) انما اختصره البخاري وقد أخرجه أبو داود عن عمرو بن عوف عن حماد
فقال فيه بعد قوله ثم أتاهم ليصلح بينهم فقال لبلال أن حضرت صلاة العصر ولم آتك فمر أبا بكر
فليصل بالناس فلما حضرت العصر أذن بلال ثم أقام فذكره وقوله إن امضه فعل أمر بالمضي
والهاء للسكت وقوله هكذا أي أشار إليه بالمكث في مكانه وقوله يحمد الله في رواية الكشميهني
فحمد الله بالفاء بدل التحتانية وفي قوله لم يكن لابن أبي قحافة هضم لنفسه وتواضع حيث لم يقل لي
ولا لأبي بكر وعادة العرب إذا عظمت الرجل ذكرته باسمه وكنيته أو لقبه وفي غير ذلك تنسبه إلى
أبيه ولا تسميه قال ابن المنير فقه الترجمة التنبيه على جواز مباشرة الحاكم الصلح بين الخصوم ولا
يعد ذلك تصحيفا في الحكم وعلى جواز ذهاب الحاكم إلى موضع الخصوم للفصل بينهم اما عند عظم
الخطب واما ليكشف مالا يحاط به الا بالمعاينة ولا يعد ذلك تخصيصا ولا تمييزا ولا وهنا * (تنبيه) *
وقع في نسخة الصغاني في اخر هذا الحديث قال أبو عبد الله لم يقل هذا الحرف يا بلال فمر أبا بكر غير
حماد * (قوله باب يستحب للكاتب ان يكون أمينا عاقلا) أي كاتب الحكم وغيره ذكر
159

فيه حديث زيد بن ثابت في قصته مع أبي بكر وعمر في جمع القرآن وقد تقدم شرحه مستوفى في
فضائل القرآن والغرض منه قول أبي بكر لزيد انك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقوله في آخره قال
محمد بن عبيد الله بالتصغير وهو شيخ البخاري الذي روى عنه هذا الحديث فسر اللخاف التي ذكرت
في هذا الحديث وهي بكسر اللام وتخفيف الخاء المعجمة بالخزف وهي بفتح الخاء المعجمة والزاي
بعدها فاء وقد تقدم بيان الاختلاف في تفسيرها هناك وحكى ابن بطال عن المهلب في هذا
الحديث ان العقل أصل الخلال المحمودة لأنه لم يصف زيدا بأكثر من العقل وجعله سببا لائتمانه
ورفع التهمة عنه (قلت) وليس كما قال فان أبا بكر ذكر عقب الوصف المذكور وقد كنت تكتب
الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ثم اكتفى بوصفه بالعقل لأنه لو لم تثبت أمانته وكفايته
وعقله لما استكتبه النبي صلى الله عليه وسلم الوحي وانما وصفه بالعقل وعدم الاتهام دون ما عداهما
إشارة إلى استمرار ذلك له والا فمجرد قوله لا نتهمك مع قوله عاقل لا يكفي في ثبوت الكفاية والأمانة
فكم من بارع في العقل والمعرفة وجدت منه الخيانة قال وفيه اتخاذ الكاتب للسلطان والقاضي
وان من سبق له علم بأمر يكون أولى به من غيره إذا وقع وعند البيهقي بسند حسن عن عبد الله بن
الزبير ان النبي صلى الله عليه وسلم استكتب عبد الله بن الأرقم فكان يكتب له إلى الملوك فبلغ من
أمانته عنده انه كان يأمره ان يكتب ويختم ولا يقرؤه ثم استكتب زيد بن ثابت فكان يكتب
الوحي ويكتب إلى الملوك وكان إذا غابا كتب جعفر بن أبي طالب وكتب له أيضا أحيانا جماعة من
الصحابة ومن طريق عياض الأشعري عن أبي موسى انه استكتب نصرانيا فانتهره عمر وقرأ يا أيها
الذي آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء الآية فقال أبو موسى والله ما توليته وانما كان
يكتب فقال اما وجدت في أهل الاسلام من يكتب لا تدنهم إذ أقصاهم الله ولا تأتمنهم إذ خونهم
الله ولا تعزهم بعد أن ذلهم الله * (قوله باب كتاب الحاكم إلى عماله) بضم العين
وتشديد الميم جمع عامل وهو الوالي على بلد مثلا لجمع خراجها أو زكواتها أو الصلاة بأهلها أو التأمير
على جهاد عدوها (قوله والقاضي إلى أمنائه) أي الذين يقيمهم في ضبط أمور الناس ذكر فيه
حديث سهل بن أبي حثمة في قصة عبد الله بن سهل وقتله بخيبر وقيام حويصة ومن معه في ذلك
والغرض منه قوله فيه فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم أي إلى أهل خيبر به أي بالخبر
الذي نقل إليه وقد تقدم بيانه مع شرح الحديث في باب القسامة وقوله هنا فكتب ما قتلناه في
رواية الكشميهني فكتبوا بصيغة الجمع وهو أولى ووجه الكرماني الأول بأن المراد به الحي المسمى
باليهود قال وفيه تكلف (قلت) وأقرب منه ان يراد الكاتب عنهم لان الذي يباشر الكتابة انما
هو واحد فالتقدير فكتب كاتبهم قال ابن المنير ليس في الحديث انه صلى الله عليه وسلم كتب
إلى نائبه ولا إلى أمينه وانما كتب إلى الخصوم أنفسهم لكن يؤخذ من مشروعية مكاتبة
الخصوم والبناء على ذلك جواز مكاتبة النواب والكتاب في حق غيرهم بطريق الأولى
160

* (قوله باب هل يجوز للحاكم أن يبعث رجلا وحده للنظر في الأمور) كذا للأكثر
وفي رواية المستملي والكشميهني ينظر وكذا عند أبي نعيم ذكر فيه حديث أبي هريرة وزيد بن خالد
في قصة العسيف وقد مضى شرحه مستوفى والغرض منه قوله عليه الصلاة والسلام واغد
يا أنيس على امرأة هذا وقد تقدم الاختلاف في أن أنيسا كان حاكما أو مستخبرا والحكمة في
إيراده الترجمة بصيغة الاستفهام الإشارة إلى خلاف محمد بن الحسن فإنه قال لا يجوز للقاضي أن
يقول أقر عندي فلان بكذا لشئ يقضي به عليه من قتل أو مال أو عتق أو طلاق حتى يشهد معه
على ذلك غيره وادعى أن مثل هذا الحكم الذي في حديث الباب خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم
قال وينبغي أن يكون في مجلس القاضي أبدا عدلان يسمعان من يقر ويشهدان على ذلك فينفذ
الحكم بشهادتهما نقله ابن بطال وقال المهلب فيه حجة لمالك في جواز انفاذ الحاكم رجلا
واحدا في الاعذار وفي أن يتخذ واحدا يثق به يكشف عن حال الشهود في السر كما يجوز قبول
الفرد فيما طريقه الخبر لا الشهادة قال وقد استدل به قوم في جواز تنفيذ الحكم دون اعذار إلى
المحكوم عليه قال وهذا ليس بشئ لان الاعذار يشترط فيما كان الحكم فيه بالبينة لا ما كان
بالاقرار كما في هذه القصة لقوله فان اعترفت (قلت) وقد تقدم شئ من مسئلة الاعذار عند شرح
هذا الحديث * (قوله باب ترجمة الحكام) في رواية الكشميهني الحاكم بالافراد (قوله
وهل يجوز ترجمان واحد) يشير إلى الاختلاف في ذلك فالاكتفاء بالواحد قول الحنفية ورواية
عن أحمد واختارها البخاري وابن المنذر وطائفة وقال الشافعي وهي الرواية الراجحة عند
الحنابلة إذا لم يعرف الحاكم لسان الخصم لم يقبل فيه الا عدلين لأنه نقل ما خفي على الحاكم إليه
فيما يتعلق بالحكومة فيشترط فيه العدل كالشهادة ولأنه أخبر الحاكم بما لم يفهمه فكان كنقل
الاقرار إليه من غير مجلسه (قوله وقال خارجة بن زيد بن ثابت عن زيد بن ثابت) هو أبوه (قوله إن
النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب اليهود) في رواية الكشميهني اليهودية بزيادة
النسبة والمراد بالكتاب الخط (قوله حتى كتبت للنبي صلى الله عليه وسلم كتبه) يعني إليهم (وأقرأته
كتبهم) أي التي يكتبونها إليه وهذا التعليق من الأحاديث التي لم يخرجها البخاري الا معلقة وقد
وصله مطولا في كتاب التاريخ عن إسماعيل بن أبي أويس حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن
أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن زيد قال اتى بي النبي صلى الله عليه وسلم مقدمة المدينة
فأعجب بي فقيل له هذا غلام من بني النجار قد قرأ فيما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة فاستقرأني
فقرأت ق فقال لي تعلم كتاب يهود فاني ما آمن يهود على كتابي فتعلمته في نصف شهر حتى
كتبت له إلى يهود وأقرأ له إذا كتبوا إليه ووقع لنا بعلو في فوائد الفاكهي عن ابن أبي ميسرة
حدثنا يحيى بن قزعة حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه
فذكره وفيه فما مر بي سوى خمس عشرة ليلة حتى تعلمته وأخرجه أبو داود والترمذي من رواية
عبد الرحمن بن أبي الزناد قال الترمذي حسن صحيح وقد رواه الأعمش عن ثابت بن عبيد عن
زيد بن ثابت ان النبي صلى الله عليه وسلم أمره ان يتعلم السريانية (قلت) وهذه الطريق وقعت لي
بعلو في فوائد هلال الحفار قال حدثنا الحسين بن عياش حدثنا يحيى بن أيوب بن السرى حدثنا
جرير عن الأعمش فذكره وزاد فتعلمتها في سبعة عشر يوما وأخرجه أحمد وإسحاق في مسنديهما
161

وأبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف من طريق الأعمش وأخرجه أبو يعلى من طريقه
وعنده أني أكتب إلى قوم فأخاف أن يزيدوا علي وينقصوا فتعلم السريانية فذكره وله طريق
آخري أخرجها ابن سعد وفي كل ذلك رد على من زعم أن عبد الرحمن بن أبي الزناد تفرد به نعم
لم يروه عن أبيه عن خارجة الا عبد الرحمن فهو تفرد نسبي وقصة ثابت يمكن أن تتحد مع قصة
خارجة بأن من لازم تعلم كتابة اليهودية تعلم لسانهم ولسانهم السريانية لكن المعروف أن لسانهم
العبرانية فيحتمل ان زيدا تعلم اللسانين لاحتياجه إلى ذلك وقد اعترض بعضهم علي ابن الصلاح
ومن تبعه في أن الذي يجزم به البخاري يكون على شرط الصحيح وقد جزم بهذا مع أن عبد الرحمن
ابن أبي الزناد قد قال فيه ابن معين ليس ممن يحتج به أصحاب الحديث ليس بشئ وفي رواية عنه
ضعيف وعنه هو دون الدراوردي وقال يعقوب بن شبة صدوق وفي حديثه ضعف سمعت
علي بن المديني يقول حديثه بالمدينة مقارب وبالعراق مضطرب وقال صالح بن أحمد عن أبيه
مضطرب الحديث وقال عمرو بن علي نحو قول علي وقالا كان عبد الرحمن بن مهدي يحط على
حديثه وقال أبو حاتم والنسائي لا يحتج بحديثه ووثقه جماعة غيرهم كالعجلي والترمذي فيكون
غاية أمره أنه مختلف فيه فلا يتجه الحكم بصحة ما ينفرد به بل غايته أن يكون حسنا وكنت سألت
شيخي الامامين العراقي والبلقيني عن هذا الموضع فكتب لي كل منهما بأنهما لا يعرفان له متابعا
وعولا جميعا على أنه عند البخاري ثقة فاعتمده وزاد شيخنا العراقي أن صحة ما يجزم به البخاري
لا يتوقف ان يكون على شرطه وهو تنقيب جيد ثم ظفرت بعد ذلك بالمتابع الذي ذكرته فانتفى
الاعتراض من أصله ولله الحمد (قوله وقال عمر) أي ابن الخطاب (وعنده علي) أي بن أبي طالب
(وعبد الرحمن) أي ابن عوف (وعثمان) أي ابن عفان (ماذا تقول هذه) أي المرأة التي وجدت
حبلى (قال عبد الرحمن بن حاطب فقلت تخبرك بصاحبها الذي صنع بها) وصله عبد الرزاق وسعيد
ابن منصور من طرق عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه نحوه (قوله وقال أبو جمرة كنت
أترجم بين ابن عباس وبين الناس) هذا طرف من حديث أخرجه المؤلف في العلم من رواية شعبة
عن أبي جمرة فذكره وبعده فقال إن وفد عبد القيس اتوا النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث
في قصتهم وهو عند النسائي بزيادة بعد قوله وبين الناس فأتته امرأة فسألته عن نبيذ الجر فنهى
عنه وقال إن وفد عبد القيس الحديث (قوله وقال بعض الناس لا بد للحاكم من مترجمين) نقل
صاحب المطالع انها رويت بصيغة الجمع وبصيغة التثنية ووجه الأول بأن الألسنة قد تكثر
فيحتاج إلى تكثير المترجمين (قلت) والثاني هو المعتمد والمراد ببعض الناس محمد بن الحسن فإنه
الذي اشترط أن لا بد في الترجمة من اثنين ونزلها منزلة الشهادة وخالف أصحابه الكوفيين ووافقه
الشافعي فتعلق بذلك مغلطاي فقال فيه رد لقول من قال إن البخاري إذا قال قال بعض الناس
يريد الحنفية وتعقبه الكرماني فقال يحمل على الأغلب أو أراد هنا بعض الحنفية لان محمدا
قائل بذلك ولا يمنع ذلك أن يوافقه الشافعي كما لا يمنع أن يوافق الحنفية في غير هذه المسئلة بعض
الأئمة ثم ذكر طرفا من حديث أبي سفيان في قصة هرقل وقد أخرجه في بدء الوحي بهذا السند
مطولا والغرض منه قوله ثم قال لترجمانه قل له الخ قال ابن بطال لم يدخل البخاري حديث هرقل
حجة على جواز الترجمان المشترك لان ترجمان هرقل كان على دين قومه وانما أدخله ليدل على أن
162

الترجمان كان يجري عند الأمم مجرى الخبر لا مجرى الشهادة وقال ابن المنير وجه الدليل من قصة
هرقل مع أن فعله لا يحتج به أن مثل هذا صواب من رأيه لان كثيرا مما أورده في هذه القصة صواب
موافق للحق فموضع الدليل تصويب حملة الشريعة لهذا وأمثاله من رأيه وحسن تفطنه ومناسبة
استدلاله وإن كان غلبت عليه الشقاوة انتهى وتكملة هذا ان يقال يؤخذ من صحة استدلاله
فيما يتعلق بالنبوة والرسالة أنه كان مطلعا على شرائع الأنبياء فتحمل تصرفاته على وفق الشريعة
التي كان متمسكا بها كما سأذكره من عند الكرماني والذي يظهر لي ان مستند البخاري تقرير ابن
عباس وهو من الأئمة الذين يقتدى بهم على ذلك ومن ثم احتج باكتفائه بترجمة أبي جمرة له فالأثران
راجعان لابن عباس أحدهما من تصرفه والآخر من تقريره وإذا انضم إلى ذلك فعل عمر ومن
معه من الصحابة ولم ينقل عن غيرهم خلافه قويت الحجة ولما نقل الكرماني كلام ابن بطال
تعقبه بأن قال أقول وجه الاحتجاج انه كان يعني هرقل نصرانيا وشرع من قبلنا حجة لنا ما لم ينسخ
قال وعلى قول من قال أنه أسلم فالامر ظاهر (قلت) بل هو أشد اشكالا لأنه لا حجة في فعله عند
أحد إذ ليس صحابيا ولا ثبت أنه أسلم فالمعتمد ما تقدم والله أعلم قال ابن بطال أجاز الأكثر ترجمة
واحد وقال محمد بن الحسن لا بد من رجلين أو رجل وامرأتين وقال الشافعي هو كالبينة وعن
مالك روايتان قال وحجة الأول ترجمة زيد بن ثابت وحده للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي جمرة لابن
عباس وان الترجمان لا يحتاج إلى أن يقول أشهد بل يكفيه مجرد الاخبار وهو تفسير ما يسمعه من
الذي يترجم عنه ونقل الكرابيسي عن مالك والشافعي الاكتفاء بترجمان واحد وعن أبي
حنيفة الاكتفاء بواحد وعن أبي يوسف اثنين وعن زفر لا يجوز أقل من اثنين وقال الكرماني
الحق ان البخاري لم يحرر هذه المسئلة إذ لا نزاع لاحد انه يكفي ترجمان واحد عند الاخبار وانه
لا بد من اثنين عند الشهادة فيرجع الخلاف إلى انها أخبار أو شهادة فلو سلم الشافعي انها أخبار
لم يشترط العدد ولو سلم الحنفي انها شهادة لقال بالعدد والصور المذكورة في الباب كلها اخبارات أما
المكتوبات فظاهر واما قصة المرأة وقول أبي جمرة فأظهر فلا محل لان يقال على سبيل الاعتراض
وقال بعض الناس بل الاعتراض عليه أوجه فإنه نصب الأدلة في غير ما ترجم عليه وهو ترجمة
الحاكم إذ لا حكم فيما استدل به انتهى وهو أولى بأن يقال في حقه أنه ما حرر فان أصل ما احتج به
اكتفاء النبي صلى الله عليه وسلم بترجمة زيد بن ثابت واكتفائه به وحده وإذا اعتمد عليه في قراءة
الكتب التي ترد وفي كتابه ما يرسله إلى من يكاتبه التحق به اعتماده عليه فيما يترجم له عمن حضر
من أهل ذلك اللسان فإذا اكتفى بقوله في ذلك وأكثر تلك الأمور يشتمل على تلك الأحكام وقد
يقع فيما طريقه منها الاخبار ما يترتب عليه الحكم فكيف لا تتجه الحجة به للبخاري وكيف يقال أنه
ما حرر المسئلة وقد ترجم المحب الطبري في الاحكام ذكر اتخاذ مترجم والاكتفاء بواحد وأورد
فيه حديث زيد بن ثابت وما علقه البخاري عن عمر وعن ابن عباس ثم قال احتج بظاهر هذه
الأحاديث من ذهب إلى جواز الاقتصار على مترجم واحد ولم يتعقبه وأما قصة المرأة مع عمر
فظاهر السياق أنها كانت فيما يتعلق بالحكم لأنه درأ الحد عن المراة لجهلها بتحريم الزنا بعد أن
ادعى عليها وكاد يقيم عليها الحد واكتفى في ذلك بأخبار واحد يترجم له عن لسانها وأما قصة
أبي جمرة مع ابن عباس وقصة هرقل فإنهما وان كانا في مقام الاخبار المحض فلعله انما ذكرهما
163

استظهارا وتأكيدا وأما دعواه ان الشافعي لو سلم انها أخبار لما اشترط العدد الخ فصحيح ولكن
ليس فيه ما يمنع من نصب الخلاف مع من يشترط العدد وأقل ما فيه انه إطلاق في موضع التقييد
فيحتاج إلى التنبيه عليه والى ذلك يشير البخاري بتقييده بالحاكم فيؤخذ منه ان غير الحاكم يكتفي
بالواحد لأنه أخبار محض وليس النزاع فيه وانما النزاع فيما يقع عند الحاكم فان غالبه يؤل إلى
الحكم ولا سيما عند من يقول إن تصرف الحاكم بمجرده حكم وقد قال ابن المنذر القياس
يقتضي اشتراط العدد في الاحكام لان كل شئ غاب عن الحاكم لا يقبل فيه الا البينة الكاملة
والواحد ليس بينة كاملة حتى يضم إليه كمال النصاب غير أن الحديث إذا صح سقط النظر وفي
الاكتفاء بزيد بن ثابت وحده حجة ظاهرة لا يجوز خلافها انتهى ويمكن ان يجاب ان ليس غير النبي
صلى الله عليه وسلم من الحكام في ذلك مثله لامكان اطلاعه على ما غاب عنه بالوحي بخلاف غيره
بل لا بد له من أكثر من واحد فمهما كان طريقة الاخبار يكتفى فيه بالواحد ومهما كان طريقة
الشهادة لا بد فيه من استيفاء النصاب وقد نقل الكرابيسي ان الخلفاء الراشدين والملوك بعدهم
لم يكن لهم الا ترجمان واحد وقد نقل ابن التين من رواية ابن عبد الحكم لا يترجم إلا حر عدل
وإذا أقر المترجم بشئ فأحب إلى أن يسمع ذلك منه شاهدان ويرفعان ذلك إلى الحاكم * (قوله
باب محاسبة الامام عماله) ذكر فيه حديث أبي حميد في قصة ابن اللتبية وقد مضى
شرحه مستوفى في باب هدايا العمال وقوله حدثنا محمد حدثنا عبدة محمد هو ابن سلام وعبدة
هو ابن سليمان وقوله فهلا في رواية غير الكشميهني في الموضوعين الا بفتح الهمزة وهما بمعنى
والمقصود هنا قوله فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحاسبه أي على ما قبض وصرف * (قوله
باب بطانة الامام وأهل مشورته) بضم المعجمة وسكون الواو وفتح الراء من يستشيره في
أموره (قوله البطانة الدخلاء) هو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى لا تتخذوا بطانة من دونكم
لا يألونكم خبالا البطانة الدخلاء والخبال الشر انتهى والدخلاء بضم ثم فتح جمع دخيل وهو الذي
يدخل على الرئيس في مكان خلوته ويفضي إليه بسره ويصدقه فيما يخبره به مما يخفى عليه من
أمر رعيته ويعمل بمقتضاه وعطف أهل مشورته على البطانة من عطف الخاص على العام وقد
ذكرت حكم المشورة في باب متى يستوجب الرجل القضاء وأخرج أبو داود في المراسيل من
رواية عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين أن رجلا قال يا رسول الله ما الحزم قال إن تشاور ذا لب
ثم تطيعه ومن رواية خالد بن معدان مثله غير أنه قال ذا رأي قال الكرماني فسر البخاري
البطانة بالدخلاء فجعله جمعا انتهى ولا محذور في ذلك (قوله ما بعث الله من نبي ولا استخلف من
خليفة) في رواية صفوان بن سليم ما بعث الله من نبي ولا بعده من خليفة والرواية التي في الباب
تفسر المراد بهذا وان المراد ببعث الخليفة استخلافه ووقع في رواية الأوزاعي ومعاوية بن سلام
ما من وال وهي أعم (قوله بطانة تأمره بالمعروف) في رواية سليمان بالخير وفي رواية معاوية بن
سلام بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وهي تفسر المراد بالخير (قوله وتحضه عليه) بالحاء
المهملة وضاد معجمة ثقيلة أي ترغبه فيه وتؤكده عليه (قوله وبطانة تأمره بالشر) في رواية
الأوزاعي وبطانة لا تألوه خبالا وقد استشكل هذا التقسيم بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه وان جاز عقلا أن
يكون فيمن يداخله من يكون من أهل الشر لكنه لا يتصور منه ان يصغى إليه ولا يعمل بقوله لوجود
164

العصمة وأجيب بأن في بقية الحديث الإشارة إلى سلامة النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله
فالمعصوم من عصم الله تعالى فلا يلزم من وجود من يشير على النبي صلى الله عليه وسلم بالشر أن
يقبل منه وقيل المراد بالبطانتين في حق النبي الملك والشيطان واليه الإشارة بقوله صلى الله عليه
وسلم ولكن الله أعانني عليه فأسلم وقوله لا تألوه خبالا أي لا تقصر في افساد أمره لعمل مصلحتهم
وهو اقتباس من قوله تعالى لا يألونكم خبالا ونقل ابن التين عن أشهب انه ينبغي للحاكم أن يتخذ
من يستكشف له أحوال الناس في السر وليكن ثقة مأمونا فطنا عاقلا لان المصيبة انما تدخل على
الحاكم المأمون من قبوله قول من لا يوثق به إذا كان هو حسن الظن به فيجب عليه ان يتثبت في
مثل ذلك (قوله فالمعصوم من عصم الله) في رواية بعضهم من عصمه الله بزيادة الضمير وهو مقدر
في الرواية الأخرى ووقع في رواية الأوزاعي ومعاوية بن سلام ومن وقى شرها فقد وقى وهو
من الذي غلب عليه منهما وفي رواية صفوان بن سليم فمن وقى بطانة السوء فقد وقى وهو بمعنى
الأول والمراد به اثبات الأمور كلها لله تعالى فهو الذي يعصم من شاء منهم فالمعصوم من عصمه الله
لا من عصمته نفسه إذ لا يوجد من تعصمه نفسه حقيقة الا إن كان الله عصمه وفيه إشارة إلى أن
ثم قسما ثالثا وهو أن من يلي أمور الناس قد يقبل من بطانة الخير دون بطانة الشر دائما وهذا
اللائق بالنبي ومن ثم عبر في آخر الحديث بلفظه العصمة وقد يقبل من بطانة الشر دون بطانة
الخير وهذا قد يوجد ولا سيما ممن يكون كافرا وقد يقبل من هؤلاء تارة ومن هؤلاء تارة فإن كان
على حد سواء فلم يتعرض له في الحديث لوضوح الحال فيه وإن كان الأغلب عليه القبول
من أحدهما فهو ملق به ان خيرا فخير وان شرا فشر وفي معنى حديث الباب حديث عائشة
مرفوعا من ولى منكم عملا فأراد الله به خيرا جعل له وزيرا صالحا ان نسى ذكره وان ذكر أعانه
قال ابن التين يحتمل ان يكون المراد بالبطانتين الوزيرين ويحتمل ان يكون الملك والشيطان
وقال الكرماني يحتمل ان يكون المراد بالبطانتين النفس الامارة بالسوء والنفس اللوامة
المحرضة على الخير إذ لكل منهما قوة ملكية وقوة حيوانية انتهى والحمل على الجميع أولى الا انه
جائز أن لا يكون لبعضهم الا البعض وقال المحب الطبري البطانة الأولياء والأصفياء وهو
مصدر وضع موضع الاسم يصدق على الواحد والاثنين والجمع مذكرا ومؤنثا (قوله وقال سليمان)
هو ابن بلال (عن يحيى) هو ابن سعيد الأنصاري (أخبرني ابن شهاب بهذا) وصله الإسماعيلي من
طريق أيوب بن سليمان بن بلال عن أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال قال قال يحيى بن
سعيد أخبرني ابن شهاب قال فذكر مثله (قوله وعن ابن أبي عتيق وموسى عن ابن شهاب مثله) هو
معطوف على يحيى بن سعيد وابن أبي عتيق هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن
أبي بكر الصديق وموسى هو ابن عقبة قال الكرماني روى سليمان عن الثلاثة لكن الفرق
بينهما ان المروي في الطريق الأول هو المذكور بعينه وفي الثاني هو مثله (قلت) ولا يظهر بين
هذين فرق والذي يظهر ان سر الافراد ان سليمان ساق لفظ يحيى ثم عطف عليه رواية الآخرين
وأحال بلفظهما عليه فأورده البخاري على وفقه وقد وصله البيهقي من طريق أبي بكر بن أبي
أويس عن سليمان بن بلال عن محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة به وأخرجه الإسماعيلي
من طريق محمد بن الحسن المخزومي عن سليمان بن بلال عنهما به ومحمد بن الحسن المخزومي ضعيف
165

جدا كدبه مالك وهو أحد المواضع التي يستدل بها على أن المستخرج لا يطرد كون رجاله من رجال
الصحيح (قوله وقال شعيب) هو ابن أبي حمزة عن الزهري الخ وقوله قوله يعني أنه لم يرفعه بل
جعله من كلام أبي سعيد وهو بالنصب على نزع الخافض أي من قوله ورواية شعيب هذه
الموقوفة وصلها الذهلي في جمعه حديث الزهري وقال الإسماعيلي لم تقع بيدي (قلت) وقد
رويناها في فوائد علي بن محمد الجكاني بكسر الجيم وتشديد الكاف ثم نون عن أبي اليمان مرفوعة
(قوله وقال الأوزاعي ومعاوية بن سلام حدثني الزهري حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة) يريدانهما
خالفا من تقدم فجعلاه عن أبي هريرة بدل أبي سعيد وخالفا شعيبا أيضا في وقفه فرفعاه فاما رواية
الأوزاعي فوصلها أحمد وابن حبان والحاكم والإسماعيلي من رواية الوليد بن مسلم عنه وأخرجه
الإسماعيلي أيضا من رواية عبد الحميد بن حبيب عن الأوزاعي فقال عن الزهري ويحيى بن أبي
كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة (قلت) فعلى هذا فلعل الوليد حمل رواية الزهري على رواية يحيى
فكأنه عند يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة وعند الزهري عن يحيى عن أبي سعيد فلعل الأوزاعي
حدث به مجموعا فظن الراوي عنه انه عنده عن كل منهما بالطريقين فلما أفرد أحد الطريقين
انقلبت عليه لكن رواية معمر التي بعدها قد تدفع هذا الاحتمال ويقرب انه عند الزهري عن
أبي سلمة عنهما جميعا وقد قيل عن الأوزاعي عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بدل أبي سلمة
أخرجه إسحاق في مسنده من طريق الفضل بن يونس عن الأوزاعي والفضل صدوق وقال ابن
حبان لما ذكره في الثقات ربما أخطأ فكان هذا من ذاك وأما رواية معاوية بن سلام وهو بتشديد
اللام فوصلها النسائي والإسماعيلي من رواية معمر بالتشديد أيضا ابن يعمر بفتح أوله وسكون
المهملة حدثنا معاوية بن سلام حدثنا الزهري حدثني أبو سلمة ان أبا هريرة قال فذكره (قوله
وقال ابن أبي حسين وسعيد بن زياد عن أبي سلمة عن أبي سعيد قوله) أي وقفاه أيضا وابن أبي
حسين هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين النوفلي المكي وسعيد بن زياد هو الأنصاري
المدني من صغار التابعين روى عن جابر وحديثه عنه عند أبي داود والنسائي وما له راو الا سعيد
ابن أبي هلال وقد قال فيه أبو حاتم الرازي مجهول وما له في البخاري ذكر الا في هذا الموضع (قوله
وقال عبيد الله بن أبي جعفر حدثني صفوان عن أبي سلمة عن أبي أيوب) أما عبيد الله فهو المصري
واسم أبي جعفر يسار بتحتانية ومهملة خفيفة وعبيد الله تابعي صغير وقد وصل هذه الطريق
النسائي والإسماعيلي من طريق الليث عن عبيد الله بن أبي جعفر حدثنا صفوان بن سليم هو
المدني عن أبي سلمة عن أبي أيوب الأنصاري فذكره قال الكرماني محصل ما ذكره البخاري
ان الحديث مرفوع من رواية ثلاثة أنفس من الصحابة انتهى وهذا الذي ذكره انما هو بحسب
صورة الواقعة واما على طريقة المحدثين فهو حديث واحد واختلف على التابعي في صحابيه
فاما صفوان فجزم بأنه عن أبي أيوب واما الزهري فاختلف عليه هل هو أبو سعيد أو أبو هريرة
واما الاختلاف في وقفه ورفعه فلا تأثير له لان مثله لا يقال من قبل الاجتهاد فالرواية الموقوفة
لفظا مرفوعة حكما ويرجح كونه عن أبي سعيد موافقة بن أبي حسين وسعيد بن زياد لمن قال
عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي سعيد وإذا لم يبق الا الزهري وصفوان فالزهري أحفظ من
صفوان بدرجات فمن ثم يظهر قوة نظر البخاري في إشارته إلى ترجيح طريق أبي سعيد فلذلك ساقها
166

موصولة وأورد البقية بصيغ التعليق إشارة إلى أن الخلاف المذكور لا يقدح في صحة الحديث
اما على الطريقة التي بينتها من الترجيح واما على تجويز ان يكون الحديث عند أبي سلمة على
الأوجه الثلاثة ومع ذلك فطريق أبي سعيد أرجح والله أعلم ووجدت في الأدب المفرد للبخاري
ما يترجح به رواية أبي سلمة عن أبي هريرة فإنه أخرجه من طريق عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة
كذلك في آخر حديث طويل * (قوله باب كيف يبايع الامام الناس) المراد بالكيفية
الصيغ القولية لا الفعلية بدليل ما ذكره فيه من الأحاديث الستة وهي البيعة على السمع
والطاعة وعلى الهجرة وعلى الجهاد وعلى الصبر وعلى عدم الفرار ولو وقع الموت وعلى بيعة النساء
وعلى الاسلام وكل ذلك وقع عند البيعة بينهم فيه بالقول * الحديث الأول حديث عبادة بن
الصامت بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة الحديث وقد تقدم شرحه في
أوائل كتاب الفتن مستوفى * الحديث الثاني حديث أنس والمراد منه قوله نحن الذين بايعوا
محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا وقد تقدم بأتم مما هنا مشروحا في غزوة الخندق من كتاب المغازي
* الحديث الثالث حديث ابن عمر في البيعة على السمع والطاعة وفيه يقول لنا فيما استطعتم ووقع
في رواية المستملي والسرخسي فيما استطعت بالافراد والأول هو الذي في الموطأ وهو يقيد
ما أطلق في الحديثين قبله وكذلك حديث جرير وهو الرابع وسيار في السند بفتح المهملة وتشديد
التحتانية هو ابن وردان واما حديث ابن عمر فذكر له طريقا قبل حديث جرير وآخر بعده وفيهما
معا أقر بالسمع والطاعة على سنة الله وسنة رسوله ما استطعت وهو منتزع من حديثه الأول
فالثلاثة في حكم حديث واحد وقوله في رواية مسدد عن يحيى هو القطان ان ابن عمر قال إني
أقر الخ بين في رواية عمرو بن علي انه كتب بذلك إلى عبد الملك ومن ثم قال في آخره وان بني قد
أقروا بمثل ذلك فهو أخبار من ابن عمر عن بنيه بأنه سبق منهم الاقرار المذكور بحضرته كتب به ابن
عمر إلى عبد الملك وقوله قد أقروا بمثل ذلك زاد الإسماعيلي من طريق بندار عن يحيى بن سعيد
وعبد الرحمن بن مهدي كلاهما عن سفيان في آخره والسلام وقوله في الرواية الثانية كتب
إليه عبد الله بن عمر إلى عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين اني أقر بالسمع والطاعة الخ ووقع في
رواية الإسماعيلي من وجه آخر عن سفيان بلفظ رأيت ابن عمر يكتب وكان إذا كتب يكتب
بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد فاني أقر بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك وقال في آخره أيضا
والسلام قال الكرماني قال أولا إليه وثانيا إلى عبد الملك ثم بالعكس وليس تكرارا والثاني
هو المكتوب لا المكتوب إليه أي كتب هذا وهو إلى عبد الملك وتقديره من ابن عمر إلى عبد الملك
وقوله حيث اجتمع الناس على عبد الملك يريد ابن مروان بن الحكم والمراد بالاجتماع اجتماع
الكلمة وكانت قبل ذلك مفرقة وكان في الأرض قبل ذلك اثنان كل منهما يدعى له بالخلافة وهما
عبد الملك بن مروان وعبد الله بن الزبير فاما ابن الزبير فكان أقام بمكة وعاذ بالبيت بعد موت
167

معاوية وامتنع من المبايعة ليزيد بن معاوية فجهز إليه يزيد الجيوش مرة بعد أخرى فمات يزيد
وجيوشه محاصرون ابن الزبير ولم يكن ابن الزبير ادعى الخلافة حتى مات يزيد في ربيع الأول سنة
أربع وستين فبايعه الناس بالخلافة بالحجاز وبايع أهل الآفاق لمعاوية بن يزيد بن معاوية فلم
يعش الا نحو أربعين يوما ومات فبايع معظم الآفاق لعبد الله بن الزبير وانتظم له ملك الحجاز
واليمن ومصر والعراق والمشرق كله وجميع بلاد الشام حتى دمشق ولم يتخلف عن بيعته الا جميع
بني أمية ومن يهوى هواهم وكانوا بفلسطين فاجتمعوا على مروان بن الحكم فبايعوه بالخلافة
وخرج بمن أطاعه إلى جهة دمشق والضحاك بن قيس قد بايع فيها لابن الزبير فاقتتلوا بمرج راهط
فقتل الضحاك وذلك في ذي الحجة منها وغلب مروان على الشام ثم لما انتظم له ملك الشام كله توجه
إلى مصر فحاصر بها عبد الرحمن بن جحدر عامل ابن الزبير حتى غلب عليها في ربيع الآخر سنة
خمس وستين ثم مات في سنته فكانت مدة ملكه ستة أشهر وعهد إلى ابنه عبد الملك بن مروان
فقام مقامه وكمل له ملك الشام ومصر والمغرب ولابن الزبير ملك الحجاز والعراق والمشرق الا ان
المختار بن أبي عبيد غلب على الكوفة وكان يدعو إلى المهدي من أهل البيت فأقام على ذلك
نحو السنتين ثم سار إليه مصعب بن الزبير أمير البصرة لأخيه فحاصره حتى قتل في شهر رمضان
سنة سبع وستين وانتظم أمر العراق كله لابن الزبير فدام ذلك إلى سنة إحدى وسبعين فسار
عبد الملك إلى مصعب فقاتله حتى قتله في جمادى الآخرة منها وملك العراق كله ولم يبق مع ابن
الزبير الا الحجاز واليمن فقط فجهز إليه عبد الملك الحجاج فحاصره في سنة اثنتين وسبعين إلى أن
قتل عبد الله بن الزبير في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين وكان عبد الله بن عمر في تلك المدة امتنع
ان يبايع لابن الزبير أو لعبد الملك كما كان امتنع ان يبايع لعلي أو معاوية ثم بايع لمعاوية لما اصطلح
مع الحسن بن علي واجتمع عليه الناس وبايع لابنه يزيد بعد موت معاوية لاجتماع الناس عليه ثم
امتنع من المبايعة لاحد حال الاختلاف إلى أن قتل ابن الزبير وانتظم الملك كله لعبد الملك فبايع
له حينئذ فهذا معنى قوله لما اجتمع الناس على عبد الملك وأخرج يعقوب بن سفيان في تاريخه من
طريق سعيد بن حرب العبدي قال بعثوا إلى ابن عمر لما بويع ابن الزبير فمد يده وهي ترعد فقال والله
ما كنت لأعطي بيعتي في فرقة ولا أمنعها من جماعة ثم لم يلبث ابن عمر ان توفي في تلك السنة بمكة
وكان عبد الملك وصى الحجاج ان يقتدي به في مناسك الحج كما تقدم في كتاب الحج فدس الحجاج عليه
الحربة المسمومة كما تقدم بيان ذلك في كتاب العيدين فكان ذلك سبب موته رضي الله عنه
* الحديث الخامس حديث سلمة في المبايعة على الموت ذكره مختصرا وقد تقدم بتمامه في كتاب
الجهاد في باب البيعة على الحرب ان لا يفروا * الحديث السادس (قوله حدثنا جويرية) بالجيم
مصغر جارية هو ابن أسماء الضبعي وهو عم عبد الله بن محمد بن أسماء الراوي عنه (قوله إن الرهط
الذين ولاهم عمر) أي عينهم فجعل الخلافة شورى بينهم أي ولاهم التشاور فيمن يعقد له الخلافة
منهم وقد تقدم بيان ذلك مفصلا في مناقب عثمان في الحديث الطويل الذي أورده من طريق
عمرو بن ميمون الأودي أحد كبار التابعين في ذكر قتل عمر وقولهم لعمر لما طعنه أبو لؤلؤة استخلف
فقال ما أحد أحق بهذا الامر من هؤلاء الرهط فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعدا
وعبد الرحمن وفيه فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط وأورده الدارقطني في غرائب مالك من
168

طريق سعيد بن عامر عن جويرية مطولا وأوله عنده لما طعن عمر قيل له استخلف قال وقد رأيت
من حرصهم ما رأيت إلى أن قال هذا الامر بين ستة رهط من قريش فذكرهم وبدأ بعثمان
ثم قال وعلي عبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص وانتظروا أخاكم طلحة ثلاثا فان
قدم فيهن فهو شريكهم في الامر وقال إن الناس لن يعدوكم أيها الثلاثة فان كنت يا عثمان
في شئ من أمر الناس فاتق الله ولا تحملن بني أمية وبني أبي معيط على رقاب الناس وان كنت
يا علي فاتق الله ولا تحملن بني هاشم على رقاب الناس وان كنت يا عبد الرحمن فاتق الله ولا تحملن
أقاربك على رقاب الناس قال ويتبع الأقل الأكثر ومن تأمر من غير أن يؤمر فاقتلوه قال
الدارقطني أغرب سعيد بن عامر عن جويرية بهذه الألفاظ وقد رواه عبد الله بن محمد بن أسماء عن
عمه فلم يذكرها يشير إلى رواية البخاري قال وتابع عبد الله بن محمد إبراهيم بن طهمان وسعيد
الزبير وحبيب ثلاثتهم عن مالك (قلت) وساق الثلاثة لكن رواية حبيب مختصرة والآخرين
موافقتان لرواية عبد الله بن محمد بن أسماء وقد أخرج ابن سعد بسند صحيح من طريق الزهري عن
سالم عن ابن عمر قال دخل الرهط على عمر قبل أن ينزل به فسمى الستة فذكر قصة إلى أن قال فإنما
الامر إلى ستة إلى عبد الرحمن وعثمان وعلي والزبير وطلحة وسعد وكان طلحة غائبا في أمواله
بالسراة وهو بفتح المهملة وراء خفيفة بلاد معروفة بين الحجاز والشام فبدأ في هذا بعبد الرحمن
قبل الجميع وبعثمان قبل على فدل على أنه في السياق الأول لم يقصد الترتيب (قوله فقال لهم
عبد الرحمن الخ) تقدم بيان ذلك في مناقب عثمان بأتم من سياقه وفيه ما يدل على حضور طلحة وان
سعدا جعل أمره إلى عبد الرحمن والزبير إلى علي وطلحة إلى عثمان وفيه قول عبد الرحمن أيكم
يبرأ من هذا الامر ويكون له الاختيار فيمن بقي فاتفقوا عليه فتروى بعد ذلك في عثمان أو علي
وقوله أنافسكم بالنون والفاء المهملة أي أنازعكم فيه إذا ليس في الاستقلال في الخلافة رغبة
وقوله عن هذا الامر أي من جهته ولاجله وفي رواية الكشميهني على بدل عن وهي أوجه (قوله
فلما ولوا عبد الرحمن أمرهم) يعني أمر الاختيار منهم (قوله فمال الناس) في رواية سعيد بن عامر
فانثال الناس وهي بنون ومثلثة أي قصدوه كلهم شيئا بعد شئ وأصل النثل الصب يقال نثل كنانته
أي صب ما فيها من السهام (قوله ولا يطأ عقبه) بفتح العين وكسر القاف بعدها موحدة أي يمشي
خلفه وهي كناية عن الاعراض (قوله ومال الناس على عبد الرحمن) أعادها لبيان سبب الميل
وهو قوله يشاورونه تلك الليالي زاد الزبيدي في روايته عن الزهري يشاورونه ويناجونه تلك
الليالي لا يخلو به رجل ذو رأي فيعدل بعثمان أحدا (قوله بعد هجع) بفتح الهاء وسكون الجيم
بعدها عين مهملة أي بعد طائفة من الليل يقال لقيته بعد هجع من الليل كما تقول بعد هجعة
والهجع والهجعة والهجيع والهجوع بمعنى وقد أخرجه البخاري في التاريخ الصغير من
طريق يونس عن الزهري بلفظ بعد هجيع بوزن عظيم (قوله فوالله ما اكتحلت هذه الثلاث) كذا
للأكثر وللمستملي الليلة ويؤيد الأول قوله في رواية سعيد بن عامر والله ما حملت فيها غمضا منذ
ثلاث وفي رواية إبراهيم بن طهمان عند الإسماعيلي في هذه الليالي وقوله بكثير نوم بالمثلثة
وبالموحدة أيضا وهو مشعر بأنه لم يستوعب الليل سهرا بل نام لكن يسيرا منه والاكتحال كناية
عن دخول النوم جفن العين كما يدخلها الكحل ووقع في رواية يونس ما ذاقت عيناي كثير نوم
169

(قوله فادع الزبير وسعدا فدعوتهما له فشاورهما) في رواية المستملي فسارهما بمهملة وتشديد
الراء ولم أر في هذه الرواية لطلحة ذكر فلعله كان شاوره قبلهما (قوله حتى أبهار الليل) بالموحدة
ساكنة وتشديد الراء ومعناه انتصف وبهرة كل شئ وسطه وقيل معظمه وقد تقدم القول فيه
في كتاب الصلاة زاد سعيد بن عامر في روايته فجعل يناجيه ترتفع أصواتهما أحيانا فلا يخفى علي
شئ مما يقولان ويخفيان أحيانا (قوله ثم قام علي من عنده وهو على طمع) أي ان يوليه وقوله
وقد كان عبد الرحمن يخشى من علي شيئا قال ابن هبيرة أظنه أشار الا الدعابة التي كانت في علي
أو نحوها ولا يجوز أن يحمل على أن عبد الرحمن خاف من علي على نفسه (قلت) والذي يظهر لي
انه خاف ان بايع لغيره ان لا يطاوعه والى ذلك الإشارة بقوله فيما بعد فلا تجعل على نفسك سبيلا
ووقع في رواية سعيد بن عامر فأصبحنا وما أراه يبايع الا لعلي يعني مما ظهر له من قرائن تقديمه (قوله
ثم قال ادع لي عثمان) ظاهر في أنه تكلم مع علي في تلك الليلة قبل عثمان ووقع في رواية سعيد بن
عامر عكس ذلك وانه قال له أولا اذهب فادع عثمان وفيه فخلا به وفيه لا أفهم من قولهما شيئا فاما
أن تكون إحدى الروايتين وهما واما ان يكون ذلك تكرر منه في تلك الليلة فمرة بدأ بهذا ومرة بدأ
بهذا (قوله وأرسل إلى أمراء الأجناد وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر) أي قدموا إلى مكة فحجوا مع
عمر ورافقوه إلى المدينة وهم معاوية أمير الشام وعمير بن سعد أمير حمص والمغيرة بن شعبة أمير
الكوفة وأبو موسى الأشعري أمير البصرة وعمرو بن العاص أمير مصر (قوله فلما اجتمعوا تشهد
عبد الرحمن) وفي رواية إبراهيم بن طهمان جلس عبد الرحمن على المنبر وفي رواية سعيد بن عامر
فلما صلى صهيب بالناس صلاة الصبح جاء عبد الرحمن يتخطى حتى صعد المنبر فجاءه رسول سعد
يقول لعبد الرحمن ارفع رأسك وانظر لامة محمد وبايع لنفسك (قوله أما بعد) زاد سعيد بن عامر
فأعلن عبد الرحمن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد يا علي اني نظرت في أمر الناس فلم أرهم
يعدلون بعثمان أي لا يجعلون له مساويا بل يرجحونه (قوله فلا تجعلن على نفسك سبيلا) أي من
الملامة إذا لم توافق الجماعة وهذا ظاهر في أن عبد الرحمن لم يتردد عند البيعة في عثمان لكن قد
تقدم في رواية عمرو بن ميمون التصريح بأنه بدأ بعلي فأخذ بيده فقال لك قرابة من رسول الله صلى
الله عليه وسلم والقدم في الاسلام ما قد علمت والله عليك لئن أمرتك لتعدلن ولئن أمرت عثمان
لتسمعن ولتطيعن ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك فلما أخذ الميثاق قال ارفع يدك يا عثمان فبايعه
وبايع له علي وطريق الجمع بينهما ان عمرو بن ميمون حفظ ما لم يحفظه الآخر ويحتمل ان يكون
الآخر حفظه لكن طوى بعض الرواة ذكره ويحتمل ان يكون ذلك وقع في الليل لما تكلم معهما
واحد بعد واحد فأخذ على كل منهما العهد والميثاق فلما أصبح عرض على علي فلم يوافقه على
بعض الشروط وعرض على عثمان فقبل ويؤيده رواية عاصم بن بهدلة عن أبي وائل قال قلت
لعبد الرحمن بن عوف كيف بايعتم عثمان وتركتم عليا فقال ما ذنبي بدأت بعلي فقلت له أبايعك على
كتاب الله وسنة رسوله وسيرة أبي بكر وعمر فقال فيما استطعت وعرضتها على عثمان فقبل أخرجه
عبد الله بن أحمد في زيادات المسند عن سفيان بن وكيع عن أبي بكر بن عياش عنه وسفيان بن
وكيع ضعيف وقد أخرج أحمد من طريق زائدة عن عاصم عن أبي وائل قال الوليد بن عقبة
لعبد الرحمن بن عوف مالك جفوت أمير المؤمنين يعني عثمان فذكر قصة وفيها قول عثمان واما
170

قوله سيرة عمر فاني لا أطيقها ولا هو وفي هذا إشارة إلى أنه بايعه على أن يسير سيرة عمر فعاتبه على
تركها ويمكن ان يأخذ من هذا ضعف رواية سفيان بن وكيع إذ لو كان استخلف بشرط ان يسير
بسيرة عمر لم يكن ما أجاب به عذرا في الترك قال ابن التين وانما قال لعلي ذلك دون من سواه لان
غيره لم يكن يطمع في الخلافة مع وجوده ووجود عثمان وسكوت من حضر من أهل الشورى
والمهاجرين والأنصار وأمراء الأجناد دليل على تصديقهم عبد الرحمن فيما قال وعلى الرضا
بعثمان (قلت) وقد أخرج ابن أبي شيبة من طريق حارثة بن مضرب قال حججت في خلافة عمر فلم
أرهم يشكون أن الخليفة بعده عثمان وأخرج يعقوب بن شبة في مسنده من طريق صحيح إلى
حذيفة قال قال لي عمر من ترى قومك يؤمرون بعدي قال قلت قد نظر الناس إلى عثمان
وشهروه لها وأخرج البغوي في معجمه وخيثمة في فضائل الصحابة بسند صحيح عن حارثة بن مضرب
حججت مع عمر فكان الحادي يحدو أن الأمير بعده عثمان بن عفان (قوله فقال) أي عبد الرحمن
مخاطبا لعثمان (أبايعك على سنة الله وسنة رسوله والخليفتين من بعده فبايعه عبد الرحمن) في
الكلام حذف تقديره فقال نعم فبايعه عبد الرحمن وأخرج الذهلي في الزهريات وابن عساكر في
ترجمة عثمان من طريقه ثم من رواية عمران بن عبد العزيز عن محمد بن عبد العزيز بن عمر الزهري
عن الزهري عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة عن أبيه قال كنت اعلم الناس بأمر الشورى
لأني كنت رسول عبد الرحمن بن عوف فذكر القصة وفي آخره فقال هل أنت يا علي مبايعي ان
وليتك هذا الامر على سنة الله وسنة رسوله وسنة الماضين قبل قال لا ولكن على طاقتي فأعادها
ثلاثا فقال عثمان أنا يا أبا محمد أبايعك على ذلك قالها ثلاثا فقام عبد الرحمن وأعتم ولبس السيف
فدخل المسجد ثم رقى المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم أشار إلى عثمان فبايعه فعرفت أن خالي أشكل
عليه أمرهما فأعطاه أحدهما وثيقة ومنعه الآخر إياها واستدل بهذه القصة الأخيرة على جواز
تقليد المجتهد وان عثمان وعبد الرحمن كانا يريان ذلك بخلاف علي وأجاب من منعه وهم الجمهور
بأن المراد بالسيرة ما يتعلق بالعدل ونحوه لا التقليد في الأحكام الشرعية وإذا فرعنا على جواز
تجزئ الاجتهاد احتمل ان يراد بالاقتداء بهما فيما لم يظهر للتابع فيه الاجتهاد فيعمل بقولهما
للضرورة قال الطبري لم يكن في أهل الاسلام أحد له من المنزلة في الدين والهجرة والسابقة
والعقل والعلم والمعرفة بالسياسة ما للستة الذين جعل عمر الامر شورى بينهم فان قيل كان بعض
هؤلاء الستة أفضل من بعض وكان رأي عمر أن الأحق بالخلافة أرضاهم دينا وانه لا تصح ولاية
المفضول مع وجود الفاضل فالجواب أنه لو صرح بالأفضل منهم لكان قد نص على استخلافه وهو
قصد ان لا يتقلد العهدة في ذلك فجعلها في ستة متقاربين في الفضل لأنه يتحقق أنهم لا يجتمعون
على تولية المفضول ولا يألون المسلمين نصحا في النظر والشورى وان المفضول منهم لا يتقدم على
الفاضل ولا يتكلم في منزلة وغيره أحق بها منه وعلم رضى الأمة بمن رضي به الستة ويؤخذ منه
بطلان قول الرافضة وغيرهم ان النبي صلى الله عليه وسلم نص على أن الإمامة في اشخاص
بأعيانهم إذ لو كان كذلك لما أطاعوا عمر في جعلها شورى ولقال قائل منهم ما وجه التشاور في أمر
كفيناه ببيان الله لنا على لسان رسوله ففي رضا الجميع بما أمرهم به دليل على أن الذي كان عندهم
من العهد في الإمامة أوصاف من وجدت فيه استحقها وادراكها يقع بالاجتهاد وفيه ان الجماعة
171

الموثوق بديانتهم إذا عقدوا عقد الخلافة لشخص بعد التشاور والاجتهاد لم يكن لغيرهم ان يحل
ذلك العقد إذ لو كان العقد لا يصح الا باجتماع الجميع قال قائل لا معنى لتخصيص هؤلاء الستة
فلما لم يعترض منهم معترض بل رضوا وبايعوا دل ذلك على صحة ما قلناه انتهى ملخصا من كتاب ابن
بطال ويتحصل منه جواب من ظن أنه يلزم منه ان عمر كان يرى جواز ولاية المفضول مع وجود
الفاضل والذي يظهر من سيرة عمر في أمرائه الذين كان يؤمرهم في البلاد انه كان لا يراعي الأفضل
في الدين فقط بل يضم إليه مزيد المعرفة بالسياسة مع اجتناب ما يخالف الشرع منها فلأجل هذا
استخلف معاوية والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص مع وجود من هو أفضل من كل منهم في أمر
الدين والعلم كأبي الدرداء في الشام وابن مسعود في الكوفة وفيه ان الشركاء في الشئ إذا وقع بينهم
التنازع في أمر من الأمور يسندون أمرهم إلى واحد ليختار لهم بعد أن يخرج نفسه من ذلك
الامر وفيه ان من أسند إليه ذلك يبذل وسعه في الاختيار ويهجر أهله وليله اهتماما بما هو فيه حتى
يكمله وقال ابن المنير في الحديث دليل على أن الوكيل المفوض له أن يوكل وان لم ينص على ذلك
لان الخمسة أسندوا الامر لعبد الرحمن وأفردوه به فاستقل مع أن عمر لم ينص لهم على الانفراد قال
وفيه تقوية لقول الشافعي في المسئلة الفلانية قولان أي انحصر الحق عندي فيهما وانا في مهلة
النظر في التعيين وفيه ان احداث قول زائد على ما أجمع عليه لا يجوز وهو كاحداث سابع في أهل
الشورى قال وفي تأخير عبد الرحمن مؤامرة عثمان عن مؤامرة على سياسة حسنة منتزعة من
تأخير يوسف تفتيش رحل أخيه في قصة الصاع ابعادا للتهمة وتغطية للحدس لأنه رأى أن
لا ينكشف اختياره لعثمان قبل وقوع البيعة (قوله باب من بايع مرتين) أي
في حالة واحدة (قوله عن سلمة) تقدم في باب البيعة في الحرب من كتاب الجهاد من رواية المكي بن
إبراهيم حدثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بأتم من هذا السياق وفيه بايعت النبي صلى الله عليه وسلم
ثم عدلت إلى ظل شجرة فلما خف الناس قال يا ابن الأكوع ألا تبايع (قوله قد بايعت في الأول
قال وفي الثاني) والمراد بذلك الوقت وفي رواية الكشميهني في الأولى بالتأنيث قال وفي الثانية
والمراد الساعة أو الطائفة ووقع في رواية مكي فقلت قد بايعت يا رسول الله قال وأيضا فبايعته
الثانية وزاد فقلت له يا أبا مسلم على أي شئ كنتم تبايعون يومئذ قال على الموت وقد تقدم البحث
في ذلك هناك وقال المهلب فيما ذكره ابن بطال أراد أن يؤكد بيعة سلمة لعلمه بشجاعته وعنائه في
الاسلام وشهرته بالثبات فلذلك امره بتكرير المبايعة ليكون له في ذلك فضيلة (قلت) ويحتمل ان
يكون سلمة لما بادر إلى المبايعة ثم قعد قريبا واستمر الناس يبايعون إلى أن خفوا أراد صلى الله عليه
وسلم منه ان يبايع لتتوالى المبايعة معه ولا يقع فيها تخلل لان العادة في مبدأ كل أمر أن يكثر من
يباشره فيتوالى فإذا تناهى قد يقع بين من يجئ آخرا تخلل ولا يلزم من ذلك اختصاص سلمة بما ذكر
والواقع ان الذي أشار إليه ابن بطال من حال سلمة في الشجاعة وغيرها لم يكن ظهر بعد لأنه انما وقع
منه بعد ذلك في غزوة ذي قرد حيث استعاد السرح الذي كان المشركون أغاروا عليه فاستلب
ثيابهم وكان آخر أمره أن أسهم له النبي صلى الله عليه وسلم سهم الفارس والراجل فالأولى أن يقال
تفرس فيه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فبايعه مرتين وأشار بذلك إلى أنه سيقوم في الحرب مقام
رجلين فكان كذلك وقال ابن المنير يستفاد من هذا الحديث ان إعادة لفظ العقد في النكاح وغيره
172

ليس فسخا للعقد الأول خلافا لمن زعم ذلك من الشافعية (قلت) الصحيح عندهم انه لا يكون
فسخا كما قال الجمهور (قوله باب بيعة الاعراب) أي مبايعتهم على الاسلام والجهاد
(قوله أن أعرابيا) تقدم التنبيه على اسمه في فضل المدينة أواخر الحج (قوله على الاسلام) ظاهر
في أن طلبه الإقالة كان فيما يتعلق بنفس الاسلام ويحتمل ان يكون في شئ من عوارضه كالهجرة
وكانت في ذلك الوقت واجبه ووقع الوعيد على من رجع أعرابيا بعد هجرته كما تقدم التنبيه عليه
قريبا والوعك بفتح الواو وسكون المهملة وقد تفتح بعدها كاف الحمى وقيل ألمها وقيل ارعادها
وقال الأصمعي أصله شدة الحر فأطلق على حر الحمى وشدتها (قوله أقلني بيعتي فأبى) تقدم في فضل
المدينة من رواية الثوري عن ابن المنكدر أنه أعاد ذلك ثلاثا وكذا سيأتي بعد باب (قوله فخرج)
أي من المدينة راجعا إلى البدو (قوله المدينة كالكير الخ) ذكر عبد الغني بن سعيد في كتاب
الأسباب له عند ذكر حديث المدينة تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الحديد أن النبي صلى الله عليه
وسلم قاله في هذه القصة وفيه نظر والأشبه انه قاله في قصة الذين رجعوا عن القتال معه يوم أحد
كما تقدم بيان ذلك في غزوة أحد من كتاب المغازي (قوله تنفى) بفتح أوله (خبثها) بمعجمة وموحدة
مفتوحتين (قوله وتنصع) تقدم ضبطه في فضل المدينة وبيان الاختلاف فيه قال ابن التين انما
امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من اقالته لأنه لا يعين على معصية لان البيعة في أول الأمر كانت
على أن لا يخرج من المدينة الا بإذن فخروجه عصيان قال وكانت الهجرة إلى المدينة فرضا قبل
فتح مكة على كل من أسلم ومن لم يهاجر لم يكن بينه وبين المؤمنين موالاة لقوله تعالى والذين آمنوا
ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا فلما فتحت مكة قال صلى الله عليه وسلم لا هجرة
بعد الفتح ففي هذا اشعار بان مبايعة الأعرابي المذكور كانت قبل الفتح وقال ابن المنير ظاهر
الحديث ذم من خرج من المدينة وهو مشكل فقد خرج منها جمع كثير من الصحابة وسكنوا غيرها
من البلاد وكذا من بعدهم من الفضلاء والجواب ان المذموم من خرج عنها كراهة فيها ورغبة
عنها كما فعل الأعرابي المذكور وأما المشار إليهم فإنما خرجوا لمقاصد صحيحه كنشر العلم وفتح بلاد
الشرك والمرابطة في الثغور وجهاد الأعداء وهم مع ذلك على اعتقاد فضل المدينة وفضل سكناها
وسيأتي شئ من هذا في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى (قوله باب بيعة الصغير) أي
هل تشرع أو لا قال ابن المنير الترجمة موهمة والحديث يزيل ايهامها فهو دال على عدم انعقاد
بيعة الصغير ذكر فيه حديث عبد الله بن هشام التيمي وهو طرف من حديث تقدم بكماله في كتاب
الشركة من رواية عبد الله بن وهب عن سعيد بن أبي أيوب وفيه فقالت يا رسول الله بايعه فقال هو
صغير فمسح رأسه ودعا له (قوله وكان يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله) هو عبد الله بن هشام
المذكور وهذا الأثر الموقوف صحيح بالسند المذكور إلى عبد الله وقد تقدم الحكم المذكور في
باب الأضحية عن المسافر والنساء والنقل عمن قال لا تجزئ أضحية الرجل عن نفسه وعن أهل
بيته وانما ذكره البخاري مع أن من عادته انه يحذف الموقوفات غالبا لان المتن قصير وفيه إشارة
إلى أن عبد الله بن هشام عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم زمانا ببركة دعائه له وقد تقدم ما يتعلق به
من ذلك في كتاب الدعوات (قوله باب من بايع ثم استقال البيعة) ذكر فيه حديث
جابر في قصة الأعرابي وقد تقدم شرحه قبل بباب (قوله باب من بايع رجلا
173

لا يبايعه الا للدنيا) أي ولا يقصد طاعة الله في مبايعة من يستحق الإمامة (قوله عن أبي حمزة)
بالمهملة والزاي هو محمد بن ميمون السكري (قوله عن أبي صالح) في رواية عبد الواحد بن زياد عن
الأعمش سمعت أبا صالح يقول سمعت أبا هريرة كما تقدم في كتاب الشرب (قوله ثلاثة لا يكلمهم
الله يوم القيامة) زاد جرير عن الأعمش ولا ينظر إليهم وسقط من روايته يوم القيامة وقد مر في
الشهادات وفي رواية عبد الواحد لا ينظر الله إليهم يوم القيامة وسقط من روايته ولا يكلمهم
وثبت الجميع لأبي معاوية عن الأعمش عند مسلم على وفق الآية التي في آل عمران وقال في آخر
الحديث ثم قرأ هذه الآية ان الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمنا قليلا يعني إلى آخر الآية
(قوله رجل على فضل ماء بالطريق يمنع منه ابن السبيل) في رواية عبد الواحد رجل كان له فضل
ماء منعه من ابن السبيل والمقصود واحد وان تغاير المفهومان لتلازمهما لأنه إذا منعه من الماء
فقد منع الماء منه وقد تقدم الكلام عليه في كتاب الشرب ووقع في رواية أبي معاوية بالفلاة
وهي المراد بالطريق في هذه الرواية وفي رواية عمرو بن دينار عن أبي صالح في الشرب أيضا ورجل
منع فضل ماء فيقول الله تعالى له اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك وقد تقدم
الكلام عليه في الشرب أيضا وتقدم شئ من فوائده في كتاب ترك الحيل (قوله ورجل بايع إماما)
في رواية عبد الواحد امامه (قوله إن أعطاه ما يريد وفي له) في رواية عبد الواحد رضى (قوله والا
لم يف له) في رواية عبد الواحد سخط (قوله ورجل بايع رجلا) في رواية المستملي والسرخسي
يبايع بصيغة المضارعة وفي رواية عبد الواحد أقام سلعة بعد العصر وفي رواية جرير ورجل
ساوم رجلا سلعة بعد العصر (قوله فحلف بالله) في رواية عبد الواحد فقال والله الذي لا اله غيره
(قوله لقد أعطي بها كذا وكذا) وقع مضبوطا بضم الهمزة وكسر الطاء على البناء للمجهول
وكذا قوله في آخر الحديث ولم يعط بضم أوله وفتح الطاء وفي بعضها بفتح الهمزة والطاء على البناء
للفاعل والضمير للحالف وهي أرجح ووقع في رواية عبد الواحد بلفظ لقد أعطيت بها وفي رواية
أبي معاوية فحلف له بالله لاخذها بكذا أي لقد أخذها وفي رواية عمرو بن دينار عن أبي صالح لقد
أعطي بها أكثر مما أعطي وضبط بفتح الهمزة والطاء وفي بعضها بضم أوله وكسر الطاء والأول
أرجح (قوله فصدقه وأخذها) أي المشتري (ولم يعط بها) أي القدر الذي حلف انه أعطى
عوضها وفي رواية أبي معاوية فصدقه وهو على غير ذلك * (تنبيهان) * أحدهما خالف الأعمش
في سياق هذا المتن عمرو بن دينار عن أبي صالح فمضى في الشرب ويأتي في التوحيد من طريق
سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة نحو صدر حديث الباب وقال فيه
ورجل على سلعة الحديث ورجل منع فضل ماء الحديث ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر
ليقتطع بها مال رجل مسلم قال الكرماني ذكر عوض الرجل الثاني وهو المبايع للامام آخر
وهو الحالف ليقتطع مال المسلم وليس ذلك باختلاف لان التخصيص بعدد لا ينفى ما زاد عليه
انتهى ويحتمل ان يكون كل من الراويين حفظ ما لم يحفظ الاخر لان المجتمع من الحديثين أربع
خصال وكل من الحديثين مصدر بثلاثة فكأنه كان في الأصل أربعة فاقتصر كل من الراويين على
واحد ضمه مع الاثنين الذين توافقا عليهما فصار في رواية كل منهما ثلاثة ويؤيده ما سيأتي في
التنبيه الثاني * ثانيهما أخرج مسلم هذا الحديث من رواية الأعمش أيضا لكن عن شيخ له آخر
174

بسياق آخر فذكر من طريق أبي معاوية ووكيع جميعا عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة
كصدر حديث الباب لكن قال شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر والظاهر أن هذا حديث
آخر أخرجه من هذا الوجه عن الأعمش فقال عن سليمان بن مسهر عن خرشة بن الحر عن أبي ذر عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة المنان الذي لا يعطي شيئا الا منه
والمنفق سلعته بالحلف الفاجر والمسبل إزاره وليس هذا الاختلاف على الأعمش فيه بقادح لأنها
ثلاثة أحاديث عنده بثلاثة طرق ويجتمع من مجموع هذه الأحاديث تسع خصال ويحتمل أن تبلغ
عشرا لان المنفق سلعته بالحلف الكاذب مغاير للذي حلف لقد أعطي بها كذا لان هذا خاص بمن
يكذب في أخبار الشراء والذي قبله أعم منه فتكون خصلة أخرى قال النووي قيل معنى لا يكلمهم
الله تكليم من رضى عنه بإظهار الرضا بل بكلام يدل على السخط وقيل المراد أنه يعرض عنهم وقيل
لا يكلمهم كلاما يسرهم وقيل لا يرسل إليهم الملائكة بالتحية ومعنى لا ينظر إليهم يعرض عنهم
ومعنى نظره لعباده رحمته لهم ولطفه بهم ومعنى لا يزكيهم لا يطهرهم من الذنوب وقيل لا يثني
عليهم والمراد بابن السبيل المسافر المحتاج إلى الماء لكن يستثنى منه الحربي والمرتد إذا أصرا
على الكفر فلا يجب بذل الماء لهما وخص بعد العصر بالحلف لشرفه بسبب اجتماع ملائكة
الليل والنهار وغير ذلك واما الذي بايع الامام بالصفة المذكورة فاستحقاقه هذا الوعيد لكونه
غش امام المسلمين ومن لازم غش الامام غش الرعية لما فيه من التسبب إلى إثارة الفتنة ولا سيما
إن كان ممن يتبع على ذلك انتهى ملخصا وقال الخطابي خص وقت العصر بتعظيم الاثم فيه وإن كانت
اليمين الفاجرة محرمة في كل وقت لان الله عظم شأن هذا الوقت بأن جعل الملائكة تجتمع
فيه وهو وقت ختام الأعمال والأمور بخواتيمها فغلظت العقوبة فيه لئلا يقدم عليها تجرؤا فان
من تجرأ عليها فيه اعتادها في غيره وكان السلف يحلفون بعد العصر وجاء ذلك في الحديث أيضا
وفي الحديث وعيد شديد في نكث البيعة والخروج على الامام لما في ذلك من تفرق الكلمة ولما
في الوفاء من تحصين الفروج والأموال وحقن الدماء والأصل في مبايعة الامام ان يبايعه على أن
يعمل بالحق ويقيم الحدود ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فمن جعل مبايعته لمال يعطاه
دون ملاحظة المقصود في الأصل فقد خسر خسرانا مبينا ودخل في الوعيد المذكور وحاق به ان
لم يتجاوز الله عنه وفيه ان كل عمل لا يقصد به وجه الله وأريد به عرض الدنيا فهو فاسد وصاحبه
آثم والله الموفق (قوله باب بيعة النساء) ذكر فيه أربعة أحاديث * الأول قوله رواه
ابن عباس) كأنه يريد ما تقدم في العيدين من طريق الحسن بن مسلم عن طاوس عن ابن عباس
شهدت الفطر فذكر الحديث وفيه خرج النبي صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إليه حين يجلس بيده
ثم اقبل يشقهم حتى جاء النساء معه بلال فقال يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك الآية ثم
قال حين فرغ منها أنتن على ذلك وقد تقدم فوائده هناك في تفسير الممتحنة * الحديث الثاني
حديث عبادة بن الصامت في مبايعتهم النبي صلى الله عليه وسلم على مثل ما في هذه الآية وقد تقدم
الكلام عليه في كتاب الايمان أوائل الكتاب ووقع في بعض طرقه عن عبادة قال أخذ علينا
رسول الله صلى الله عليه وسلم كما اخذ على النساء ان لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني الحديث
175

أخرجه مسلم من طريق الأشعث الصنعاني عن عبادة والى هذه الطريق أشار في هذه الترجمة قال
ابن المنير أدخل حديث عبادة في ترجمة بيعة النساء لأنها وردت في القرآن في حق النساء فتعرفت
بهن ثم استعملت في الرجال * الحديث الثالث حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يبايع النساء بالكلام بهذه الآية لا يشركن بالله شيئا كذا أورده مختصرا وقد أخرجه البزار من
طريق عبد الرزاق بسند حديث الباب إلى عائشة قالت جاءت فاطمة بنت عتبة أي ابن ربيعة بن
عبد شمس أخت هند بنت عتبة تبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ عليها أن لا تزني
فوضعت يدها على رأسها حياء فقالت لها عائشة بايعي أيتها المرأة فوالله ما بايعناه الا على هذا قالت
فنعم إذا وقد تقدمت فوائد هذا الحديث في تفسير سورة الممتحنة وفي أول هذا الحديث هناك
زيادة غير الزيادة التي ذكرتها هنا من عند البزار (قوله قالت وما مست يد رسول الله صلى الله عليه
وسلم يد امرأة الا امرأة يملكها) هذا القدر أفرده النسائي فأخرجه عن محمد بن يحيى عن عبد
الرزاق بسند حديث الباب بلفظ لكن ما مس وقال يد امرأة قط وكذا أفرده مالك عن الزهري
بلفظ ما مس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة قط الا أن يأخذ عليها فإذا اخذ عليها
فأعطته قال اذهبي فقد بايعتك أخرجه مسلم قال النووي هذا الاستثناء منقطع وتقدير الكلام
ما مس يد امرأة قط ولكن يأخذ عليها البيعة ثم يقول لها اذهبي الخ قال وهذا التقدير مصرح به
في الرواية الأخرى فلا بد منه انتهى وقد ذكرت في تفسير الممتحنة من خالف ظاهر ما قالت
عائشة من اقتصاره في مبايعته صلى الله عليه وسلم النساء على الكلام وما ورد أنه بايعهن بحائل
أو بواسطة بما يغنى عن اعادته ويعكر على ما جزم به من التقدير وقد يؤخذ من قول أم عطية في
الحديث الذي بعده فقبضت امرأة يدها ان بيعة النساء كانت أيضا بالأيدي فتخالف ما نقل عن
عائشة من هذا الحصر وأجيب بما ذكر من الحائل ويحتمل انهن كن يشرن بأيديهن عن المبايعة
بلا مماسة وقد أخرج إسحاق بن راهويه بسند حسن عن أسماء بنت يزيد مرفوعا أني لا أصافح
النساء وفي الحديث ان كلام الأجنبية مباح سماعه وان صوتها ليس بعورة ومنع لمس بشرة
الأجنبية من غير ضرورة لذلك * الحديث الرابع (قوله عن أيوب) هو السختياني وحفصة هي
بنت سيرين أخت محمد والسند كله بصريون وتقدم شرح حديث أم عطية هذا في كتاب الجنائز
مستوفى وفيه تسمية النسوة المذكورات في هذا الحديث وتقدم ما يتعلق بالكلام على قولها
أسعدتني في تفسير سورة الممتحنة (قوله باب من نكث بيعة) في رواية الكشميهني
بيعته بزيادة الضمير (قوله وقال الله تعالى) في رواية غير أبي ذر وقوله تعالى (قوله إن الذين
يبايعونك انما يبايعون الله الآية) ساق في رواية أبي ذر إلى قوله فإنما ينكث على نفسه ثم قال
إلى قوله فسيؤتيه أجرا عظيما وساق في رواية كريمة الآية كلها ذكر فيه حديث جابر في قصة
الأعرابي وقد تقدمت الإشارة إليه قريبا في باب بيعة الاعراب وورد في الوعيد على نكث
البيعة حديث ابن عمر لا أعلم غدرا أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله ثم ينصب له
القتال وقد تقدم في أواخر كتاب الفتن وجاء نحوه عنه مرفوعا بلفظ من أعطى بيعة ثم نكثها لقي
الله وليست معه يمينه أخرجه الطبراني بسند جيد وفيه حديث أبي هريرة رفعه الصلاة كفارة
الا من ثلاث الشرك بالله ونكث الصفقة الحديث وفيه تفسير نكث الصفقة أن تعطي رجلا
176

بيعتك ثم تقاتله أخرجه أحمد (قوله باب الاستخلاف) أي تعيين الخليفة عند موته
خليفة بعده أو يعين جماعة ليتخيروا منهم واحدا ذكر فيه خمسة أحاديث * الحديث الأول
(قوله عن يحيى بن سعيد) هو الأنصاري والسند كله مدنيون وقد تقدم ما يتعلق بالسند في كتاب
كفارة المرض وتقدم الكثير من فوائد المتن هناك (قوله فأعهد) أي أعين القائم بالامر بعدي
هذا هو الذي فهمه البخاري فترجم به وإن كان العهد أعم من ذلك لكن وقع في رواية عروة عن
عائشة بلفظ ادعى لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا وقال في آخره ويأبى الله والمؤمنون الا أبا بكر
وفي رواية لمسلم ادعى لي أبا بكر أكتب كتابا فاني أخاف أن يتمنى متمن ويأبى الله والمؤمنون الا أبا
بكر وفي رواية للبزار معاذ الله ان تختلف الناس على أبي بكر فهذا يرشد إلى أن المراد الخلافة
وأفرط المهلب فقال فيه دليل قاطع في خلافة أبي بكر والعجب أنه قرر بعد ذلك أنه ثبت أن النبي
صلى الله عليه وسلم لم يستخلف * الحديث الثاني (قوله سفيان) هو الثوري ومحمد بن يوسف
الراوي عنه هو الفريابي (قوله قيل لعمر ألا تستخلف) في رواية مسلم من طريق أبي أسامة عن
هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر حضرت أبي حين أصيب قالوا استخلف وأورد من وجه آخر
أن قائل ذلك هو ابن عمر راوي الحديث أخرجه من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن
حفصة قالت له أعلمت أن أباك غير مستخلف قال فحلفت أن أكلمه في ذلك فذكر القصة وأنه قال له
لو كان لك راعي غنم ثم جاءك وتركها لرأيت أن قد ضيع فرعاية الناس أشد وفيه قول عمر في
جواب ذلك أن الله يحفظ دينه (قوله إن استخلف الخ) في رواية سالم أن لا أستخلف فان
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف وأن استخلف فان أبا بكر قد استخلف قال عبد الله فوالله
ما هو الا ان ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر فعلمت أنه لم يعدل برسول الله صلى الله عليه
وسلم أحدا وأنه غير مستخلف وأخرج ابن سعد من طريق عبد الله بن عبيد الله وأظنه ابن عمير
قال قال أناس لعمر ألا تعهد قال أي ذلك آخذ فقد تبين لي أي الفعل والترك وهو مشكل ويزيله
ان دليل الترك من فعله صلى الله عليه وسلم واضح ودليل الفعل يؤخذ من عزمه الذي حكته
عائشة في الحديث الذي قبله وهو لا يعزم الا على جائز فكأن عمر قال إن استخلف فقد عزم صلى
الله عليه وسلم على الاستخلاف فدل على جوازه وان أترك فقد ترك فدل على جوازه وفهم أبو بكر
من عزمه الجواز فاستعمله واتفق الناس على قبوله قاله ابن المنير (قلت) والذي يظهر ان عمر رجح
عنده الترك لأنه الذي وقع منه صلى الله عليه وسلم بخلاف العزم وهو يشبه عزمه صلى الله عليه
وسلم على التمتع في الحج وفعله الافراد فرجح الافراد (قوله فأثنوا عليه فقال راغب وراهب) قال
ابن بطال يحتمل أمرين أحدهما ان الذين أثنوا عليه اما راغب في حسن رأيي فيه وتقريبي له
واما راهب من إظهار ما يضمره من كراهته أو المعنى راغب فيما عندي وراهب مني أو المراد الناس
راغب في الخلافة وراهب منها فان وليت الراغب فيها خشيت أن لا يعان عليها وان وليت
الراهب منها خشيت أن لا يقوم بها وذكر القاضي عياض توجيها آخر انهما وصفان لعمر أي
راغب فيما عند الله راهب من عقابه فلا أعول على ثنائكم وذلك يشغلني عن العناية بالاستخلاف
عليكم (قوله وددت أني نجوت منها) أي من الخلافة (كفافا) بفتح الكاف وتخفيف الفاء أي
مكفوفا عني شرها وخيرها وقد فسره في الحديث بقوله لا لي ولا علي وقد تقدم نحو هذا من قول
177

عمر في مناقبه في مراجعته لأبي موسى فيما عملوه بعد النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية أبي أسامة
لوددت لو أن حظي منها الكفاف (قوله لا أتحملها حيا وميتا) في رواية أبي أسامة أتحمل أمركم
حيا وميتا وهو استفهام إنكار حذفت منه أداته وقد بين عذره في ذلك لكنه لما أثر فيه قول عبد
الله بن عمر حيث مثل له أمر الناس بالغنم مع الراعي خص الامر بالستة وأمرهم أن يختاروا منهم
واحدا وانما خص الستة لأنه اجتمع في كل واحد منهم أمران كونه معدودا في أهل بدر ومات
النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض وقد صرح بالثاني الحديث الماضي في مناقب عثمان وأما
الأول فأخرجه ابن سعد من طريق عبد الرحمن بن أبزي عن عمر قال هذا الامر في أهل بدر ما بقي
منهم أحد ثم في أهل أحد ثم في كذا وليس فيها لطليق ولا لمسلمة الفتح شئ وهذا مصير منه إلى اعتبار
تقديم الأفضل في الخلافة قال ابن بطال ما حاصله ان عمر سلك في هذا الامر مسلكا متوسطا خشية
الفتنة فرأى أن الاستخلاف أضبط لأمر المسلمين فجعل الامر معقودا موقوفا على الستة لئلا يترك
الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فأخذ من فعل النبي صلى الله عليه وسلم طرفا وهو ترك
التعيين ومن فعل أبي بكر طرفا وهو العقد لاحد الستة وان لم ينص عليه انتهى ملخصا قال وفي
هذه القصة دليل على جواز عقد الخلافة من الامام المتولي لغيره بعده وان امره في ذلك جائز على
عامة المسلمين لاطباق الصحابة ومن معهم على العمل بما عهده أبو بكر لعمر وكذا لم يختلفوا في قبول
عهد عمر إلى الستة قال وهو شبيه بايصاء الرجل على ولده لكون نظره فيما يصلح تم من غيره فكذلك
الامام انتهى وفيه رد على من جزم كالطبري وقبله بكر بن أخت عبد الواحد وبعده ابن حزم بأن
النبي صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر قال ووجهه جزم عمر بأنه لم يستخلف لكن تمسك من
خالفه باطباق الناس على تسمية أبي بكر خليفة رسول الله واحتج الطبري أيضا بما أخرجه
بسند صحيح من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم رأيت عمر يجلس الناس ويقول
اسمعوا لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم (قلت) ونظيره ما في الحديث الخامس من
قول أبي بكر حتى يرى الله خليفة نبيه ورد بأن الصيغة يحتمل أن تكون من مفعول ومن فاعل
فلا حجة فيها ويترجح كونها من فاعل جزم عمر بأنه لم يستخلف وموافقة ابن عمر له على ذلك فعلى هذا
فمعنى خليفة رسول الله الذي خلفه فقام بالامر بعده فسمى خليفة رسول الله لذلك وان عمر
أطلق على أبي بكر خليفة رسول الله بمعنى انه أشار إلى ذلك بما تضمنه حديث الباب وغيره من
الأدلة وان لم يكن في شئ منها تصريح لكن مجموعها يؤخذ منه ذلك فليس في ذلك خلاف لما
روى ابن عمر عن عمر وكذا فيه رد على من زعم من الراوندية ان النبي صلى الله عليه وسلم نص على
العباس وعلى قول الروافض كلها انه نص على علي ووجه الرد عليهم اطباق الصحابة على متابعة
أبي بكر ثم على طاعته في مبايعة عمر ثم على العمل بعهد عمر في الشورى ولم يدع العباس ولا علي انه صلى
الله عليه وسلم عهد له بالخلافة وقال النووي وغيره اجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف وعلى
انعقادها بعقد أهل الحل والعقد لانسان حيث لا يكون هناك استخلاف غيره وعلى جواز جعل
الخليفة الامر شورى بين عدد محصور أو غيره وأجمعوا على أنه يجب نصب خليفة وعلى ان
وجوبه بالشرع لا بالعقل وخالف بعضهم كالأصم وبعض الخوارج فقالوا لا يجب نصب الخليفة
وخالف بعض المعتزلة فقالوا يجب بالعقل لا بالشرع وهما باطلان اما الأصم فاحتج ببقاء الصحابة
178

بلا خليفة مدة التشاور أيام السقيفة وأيام الشورى بعد موت عمر ولا حجة له في ذلك لانهم لم يطبقوا
على الترك بل كانوا ساعين في نصب الخليفة آخذين في النظر فيمن يستحق عقدها له ويكفي في الرد
على الأصم انه محجوج بإجماع من قبله وأما القول الآخر ففساده ظاهر لان العقل لا مدخل له
في الايجاب والتحريم ولا التحسين والتقبيح وانما يقع ذلك بحسب العادة انتهى وفي قول
المذكور مدة التشاور أيام السقيفة خدش يظهر من الحديث الذي بعده وانهم بايعوا أبا بكر في
أول يوم لتصريحه فيه بان عمر خطب الغد من يوم توفي النبي صلى الله عليه وسلم وذكر أبا بكر فقال
فقوموا فبايعوه وكانت طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة فلم يكن بين الوفاة
النبوية وعقد الخلافة لأبي بكر الا دون اليوم والليلة وقد تقدم إيضاح ذلك في مناقب أبي بكر
رضي الله عنه * الحديث الثالث (قوله هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (قوله إنه سمع خطبة عمر
الآخر حين جلس على المنبر وذلك الغد من يوم توفي النبي صلى الله عليه وسلم) هذا الذي حكاه
أنس انه شاهده وسمعه كان بعد عقد البيعة لأبي بكر في سقيفة بني ساعدة كما سبق بسطه وبيانه
في باب رجم الحبلى من الزنا وذكر هناك انه بايعه المهاجرون ثم الأنصار فكأنهم لما أنهوا الامر
هناك وحصلت المبايعة لأبي بكر جاءوا إلى المسجد النبوي فتشاغلوا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم
ثم ذكر عمر لمن لم يحضر عقد البيعة في سقيفة بني ساعدة ما وقع هناك ثم دعاهم إلى مبايعة أبي بكر
فبايعه حينئذ من لم يكن حاضرا وكل ذلك في يوم واحد ولا يقدح فيه ما وقع في رواية عقيل عن
ابن شهاب عند الإسماعيلي ان عمر قال أما بعد فاني قلت لكم أمس مقالة لأنه يحمل على أن
خطبته المذكورة كانت في اليوم الذي مات فيه النبي صلى الله عليه وسلم وهو كذلك وزاد في هذه
الرواية قلت لكم أمس مقالة وانها لم تكن كما قلت والله ما وجدت الذي قلت لكم في كتاب الله
ولا في عهد عهده رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن رجوت ان يعيش الخ (قوله قال) يعني
عمر (كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبرنا) ضبطه ابن بطال وغيره بفتح
أوله وسكون الدال وضم الموحدة أي يكون آخرنا قال الخليل دبرت الشئ دبرا اتبعته ودبرني
فلان جاء خلفي وقد فسره في الخبر بقوله يريد بذلك ان يكون آخرهم ووقع في رواية عقيل ولكن
رجوت ان يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبر أمرنا وهو بتشديد الموحدة وعلى هذا
فيقرأ الذي في الأصل كذلك والمراد بقوله يدبرنا يدبر أمرنا لكن وقع في رواية عقيل أيضا حتى
يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم آخرنا وهذا كله قاله عمر معتذرا عما سبق منه حيث خطب قبل
أبي بكر حين مات النبي صلى الله عليه وسلم فقال أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت وقد سبق ذلك
واضحا (قوله فان يك محمد صلى الله عليه وسلم قد مات) هو بقية كلام عمر وزاد في رواية عقيل
فاختار الله لرسوله الذي يبقى على الذي عندكم (قوله فان الله قد جعل بين أظهركم نورا تهتدون به
بما هدى الله محمدا) يعني القرآن ووقع بيانه في رواية معمر عن الزهري في أوائل الاعتصام بلفظ
وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسولكم فخذوا به تهتدوا كما هدى الله به رسوله صلى الله عليه وسلم
ووقع في رواية عبد الرزاق عن معمر عند أبي نعيم في المستخرج وهدى الله به محمدا فاعتصموا به
تهتدوا فإنما هدى الله محمدا به وفي رواية عقيل قد جعل بين أظهركم كتابه الذي هدى به محمدا صلى
الله عليه وسلم فخذوا به تهتدوا (قوله وان أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) قال
179

ابن التين قدم الصحبة لشرفها ولما كان غيره قد يشاركه فيها عطف عليها ما انفرد به أبو بكر وهو كونه
ثاني اثنين وهي أعظم فضائله التي استحق بها ان يكون الخليفة من بعد النبي صلى الله عليه وسلم
ولذلك قال وانه أولى الناس بأموركم (قوله فقوموا فبايعوه وكان طائفة الخ) فيه إشارة إلى بيان
السبب في هذه المبايعة وأنه لأجل من لم يحضر في سقيفة بني ساعدة (قوله وكانت بيعة العامة على
المنبر) أي في اليوم المذكور وهو صبيحة اليوم الذي بويع فيه في سقيفة بني ساعدة (قوله قال
الزهري عن أنس) هو موصول بالاسناد المذكور وقد أخرجه الإسماعيلي مختصرا من طريق
عبد الرزاق عن معمر (قوله سمعت عمر يقول لأبي بكر يومئذ اصعد المنبر) في رواية عبد الرزاق
عن معمر عند الإسماعيلي لقد رأيت عمر يزعج أبا بكر إلى المنبر ازعاجا (قوله حتى صعد المنبر) في
رواية الكشميهني حتى أصعده المنبر قال ابن التين سبب الحاح عمر في ذلك ليشاهد أبا بكر من
عرفه ومن لم يعرفه انتهى وكان توقف أبي بكر في ذلك من تواضعه وخشيته (قوله فبايعه الناس
عامة) أي كانت البيعة الثانية أعم وأشهر وأكثر من المبايعة التي وقعت في سقيفة بني ساعدة
وقد تقدمت الإشارة إلى بيان ذلك عند شرح أصل بيعة أبي بكر من كتاب الحدود * الحديث
الرابع حديث جبير بن مطعم الذي فيه ان لم تجديني فأتى أبا بكر وقد تقدم شرحه في أول مناقب
أبي بكر الصديق وسيأتي شئ مما يتعلق به في كتاب الاعتصام * الحديث الخامس (قوله يحيى)
هو القطان وسفيان هو الثوري (قوله عن أبي بكر قال لوفد بزاخة) أي أنه قال ولفظه انه
يحذفونها كثيرا من الخط وقد وقع عند الإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان
عن قيس بن مسلم عن طارق قال جاء وفد بزاخة فذكر القصة وبزاخة بضم الموحدة وتخفيف
الزاي وبعد الألف خاء معجمة وقع في رواية ابن مهدي المذكورة من أسد وغطفان ووقع في
رواية أخرى ذكرها ابن بطال وهم من طئ وأسد قبيلة كبيرة ينسبون إلى أسد بن خزيمة بن
مدركة وهم اخوة كنانة بن خزيمة أصل قريش وغطفان قبيلة كبيرة ينسبون إلى غطفان بفتح
المعجمة ثم المهملة بعدها فاء بن سعد بن قيس عيلان بن مضر وطئ بفتح الطاء المهملة وتشديد الياء
آخر الحروف بعدها أخرى مهموزة وكان هؤلاء القبائل ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم
واتبعوا طليحة بن خويلد الأسدي وكان قد ادعى النبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم فأطاعوه
لكونه منهم فقاتلهم خالد بن الوليد بعد أن فرغ من مسيلمة باليمامة فلما غلب عليهم بعثوا وفدهم
إلى أبي بكر وقد ذكر قصتهم الطبري وغيره في أخبار الردة وما وقع من مقاتلة الصحابة لهم في خلافة
أبي بكر الصديق وذكر أبو عبيد البكري في معجم الأماكن ان بزاخة ماء لطئ عن الأصمعي ولبنى
أسد عن أبي عمرو يعني الشيباني وقال أبو عبيدة هي رملة من وراء النباج انتهى والنباج بنون
وموحدة خفيفة ثم جيم موضع في طريق الحاج من البصرة (قوله تتبعون أذناب الإبل الخ)
كذا ذكر البخاري هذه القطعة من الخبر مختصرة وليس غرضه منها الا قول أبي بكر خليفة نبيه
وقد تقدم التنبيه على ذلك في الحديث الثالث وقد أوردها أبو بكر البرقاني في مستخرجه وساقها
الحميدي في الجمع بين الصحيحين ولفظه الحديث الحادي عشر من إفراد البخاري عن طارق بن
شهاب قال جاء وفد بزاخة من أسد وغطفان إلى أبي بكر يسألونه الصلح فخيرهم بين الحرب المجلية
والسلم المخزية فقالوا هذه المجلية قد عرفناها فما المخزية قال ننزع منكم الحلقة والكراع ونغنم
180

ما أصبنا منكم وتردون علينا ما أصبتم منا وتدون لنا قتلانا ويكون قتلاكم في النار وتتركون
أقواما يتبعون أذناب الإبل حتى يرى الله خليفة رسوله والمهاجرين أمرا يعذرونكم به فعرض
أبو بكر ما قال على القوم فقام عمر فقال قد رأيت رأيا وسنشير عليك اما ما ذكرت فذكر الحكمين
الأولين فنعم ما ذكرت واما تدون قتلانا ويكون قتلاكم في النار فان قتلانا قاتلت على أمر الله
وأجورها على الله ليست لها ديات قال فتتابع القوم على ما قال عمر قال الحميدي اختصره
البخاري فذكر طرفا منه وهو قوله لهم يتبعون أذناب الإبل إلى قوله يعذرونكم به وأخرجه بطوله
البرقاني بالاسناد الذي أخرج البخاري ذلك القدر منه انتهى ملخصا وذكره ابن بطال من وجه آخر
عن سفيان الثوري بهذا السند مطولا أيضا لكن قال فيه وفد بزاخة وهم من طيئ وقال فيه
فخطب أبو بكر الناس فذكر ما قالوا وقال والباقي سواء والمجلية بضم الميم وسكون الجيم بعدها لام
مكسورة ثم تحتانية من الجلاء بفتح الجيم وتخفيف اللام مع المد ومعناها الخروج عن جميع المال
والمخزية بخاء معجمة وزاي بوزن التي قبلها مأخوذة من الخزي ومعناها القرار على الذل والصغار
والحلقة بفتح المهملة وسكون اللام بعدها قاف السلاح والكراع بضم الكاف على الصحيح
وبتخفيف الراء جميع الخيل وفائدة نزع ذلك منهم ان لا يبقى لهم شوكة ليأمن الناس من جهتهم
وقوله ونغنم ما أصبنا منكم أي يستمر ذلك لنا غنيمة نقسمها على الفريضة الشرعية ولا نرد عليكم
من ذلك شيئا وقوله وتردون علينا ما أصبتم منا أي ما انتهبتموه من عسكر المسلمين في حالة المحاربة
وقوله تدون بفتح المثناة وتخفيف الدال المضمومة أي تحملون إلينا دياتهم وقوله قتلاكم في النار
أي لا ديات لهم في الدنيا لانهم ماتوا على شركهم فقتلوا بحق فلا دية لهم وقوله وتتركون
بضم أوله ويتبعون اذناب الإبل أي في رعايتها لانهم إذا نزعت منهم آلة الحرب رجعوا أعرابا في
البوادي لا عيش لهم الا ما يعود عليهم من منافع ابلهم قال ابن بطال كانوا ارتدوا ثم تابوا
فأوفدوا رسلهم إلى أبي بكر يعتذرون إليه فأحب أبو بكر ان لا يقضي بينهم الا بعد المشاورة في
أمرهم فقال لهم ارجعوا واتبعوا أذناب الإبل في الصحاري انتهى والذي يظهر ان المراد بالغاية
التي أنظرهم إليها أن تظهر توبتهم وصلاحهم بحسن اسلامهم (قوله باب) كذا
للجميع بغير ترجمة وسقط لفظ باب من رواية أبي ذر عن الكشميهني والسرخسي وهو كالفصل
من الذي قبله وتعلقه به ظاهر (قوله حدثنا) في رواية كريمة حدثني بالافراد (قوله عن عبد
الملك) في رواية سفيان بن عيينة عند مسلم عن عبد الملك بن عمير (قوله يكون اثنا عشر أميرا) في
رواية سفيان بن عيينة المذكورة لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا (قوله فقال
كلمة لم أسمعها) في رواية سفيان ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت علي (قوله فقال أبي
أنه قال كلهم من قريش) في رواية سفيان فسألت أبي ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
كلهم من قريش ووقع عند أبي داود من طريق الشعبي عن جابر بن سمرة سبب خفاء الكلمة
المذكورة على جابر ولفظه لا يزال هذا الدين عزيزا إلى اثني عشر خليفة قال فكبر الناس وضجوا
فقال كلمة خفية فقلت لأبي يا أبة ما قال فذكر وأصله عند مسلم دون قوله فكبر الناس وضجوا
ووقع عند الطبراني من وجه آخر في آخره فالتفت فإذا أنا بعمر بن الخطاب وأبي في أناس فأثبتوا
إلي الحديث وأخرجه مسلم من طريق حصين بن عبد الرحمن عن جابر بن سمرة قال دخلت مع
181

أبي على النبي صلى الله عليه وسلم فذكره بلفظ أن هذا الامر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشرة
خليفة وأخرجه من طريق سماك بن حرب عن جابر بن سمرة بلفظ يزال الاسلام عزيزا إلى اثنى
عشر خليفة ومثله عنده من طريق الشعبي عن جابر بن سمرة وزاد في رواية عنه منيعا وعرف
بهذه الرواية معنى قوله في رواية سفيان ماضيا أي ماضيا أمر الخليفة فيه ومعنى قوله عزيزا قويا
ومنيعا بمعناه ووقع في حديث أبي جحيفة عند البزار والطبراني نحو حديث جابر بن سمرة بلفظ
لا يزال أمر أمتي صالحا وأخرجه أبو داود من طريق الأسود بن سعيد عن جابر بن سمرة نحوه قال
وزاد فلما رجع إلى منزله اتته قريش فقالوا ثم يكون ماذا قال الهرج وأخرج البزار هذه الزيادة
من وجه آخر فقال فيها ثم رجع إلى منزله فأتيته فقلت ثم يكون ماذا قال الهرج قال ابن بطال عن
المهلب لم ألق أحدا يقطع في هذا الحديث يعني بشئ معين فقوم قالوا يكونون بتوالي امارتهم
وقوم قالوا يكونون في زمن واحد كلهم يدعي الامارة قال والذي يغلب على الظن انه عليه الصلاة
والسلام أخبر بأعاجيب تكون بعده من الفتن حتى يفترق الناس في وقت واحد على اثنى عشر
أميرا قال ولو أراد غير هذا لقال يكون اثنا عشر أميرا يفعلون كذا فلما أعراهم من الخبر عرفنا انه
أراد انهم يكونون في زمن واحد انتهى وهو كلام من لم يقف على شئ من طرق الحديث غير
الرواية التي وقعت في البخاري هكذا مختصرة وقد عرفت من الروايات التي ذكرتها
من عند مسلم وغيره أنه ذكر الصفة التي تختص بولايتهم وهو كون الاسلام عزيزا منيعا وفي
الرواية الأخرى صفة أخرى وهو ان كلهم يجتمع عليه الناس كما وقع عند أبي داود فإنه
أخرج هذا الحديث من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه عن جابر بن سمرة بلفظ لا يزال هذا
الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة وأخرجه الطبراني
من وجه آخر عن الأسود بن سعيد عن جابر بن سمرة بلفظ لا تضرهم عداوة من عاداهم وقد
لخص القاضي عياض ذلك فقال توجه على هذا العدد سؤالان أحدهما انه يعارضه ظاهر قوله
في حديث سفينة يعني الذي أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره الخلافة بعدي
ثلاثون سنة ثم تكون ملكا لان الثلاثين سنة لم يكن فيها الا الخلفاء الأربعة وأيام الحسن بن علي
والثاني انه ولى الخلافة أكثر من هذا العدد قال والجواب عن الأول أنه أراد في حديث سفينة
خلافه النبوة ولم يقيده في حديث جابر بن سمرة بذلك وعن الثاني انه لم يقل لا يلي الا اثنا عشر وانما
قال يكون اثنا عشر وقد ولي هذا العدد ولا يمنع ذلك الزيادة عليهم قال وهذا ان جعل اللفظ
واقعا على كل من ولى والا فيحتمل ان يكون المراد من يستحق الخلافة من أئمة العدل وقد
مضى منهم الخلفاء الأربعة ولا بد من تمام العدة قبل قيام الساعة وقد قيل إنهم يكونون في زمن
واحد يفترق الناس عليهم وقد وقع في المائة الخامسة في الأندلس وحدها ستة أنفس كلهم
يتسمى بالخلافة ومعهم صاحب مصر والعباسية ببغداد إلى من كان يدعى الخلافة في أقطار
الأرض من العلوية والخوارج قال ويعضد هذا التأويل قوله في حديث آخر في مسلم
ستكون خلفاء فيكثرون قال ويحتمل ان يكون المراد ان يكون الاثنا عشر في مدة عزة الخلافة
وقوة الاسلام واستقامة أموره والاجتماع على من يقوم بالخلافة ويؤيده قوله في بعض
الطرق كلهم تجتمع عليه الأمة وهذا قد وجد فيمن اجتمع عليه الناس إلى أن اضطرب أمر بني
182

أمية ووقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد فاتصلت بينهم إلى أن قامت الدولة العباسية
فاستأصلوا أمرهم وهذا العدد موجود صحيح إذا اعتبر قال وقد يحتمل وجوها أخر والله أعلم
بمراد نبيه انتهى والاحتمال الذي قبل هذا وهو اجتماع اثنى عشر في عصر واحد كلهم يطلب
الخلافة هو الذي اختاره المهلب كما تقدم وقد ذكرت وجه الرد عليه ولو لم يرد الا قوله كلهم يجتمع
عليه الناس فان في وجودهم في عصر واحد يوجد عين الافتراق فلا يصح ان يكون المراد ويؤيد
ما وقع عند أبي داود ما أخرجه أحمد والبزار من حديث ابن مسعود بسند حسن انه سئل كم يملك
هذه الأمة من خليفة فقال سألنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اثنا عشر كعدة نقباء بني
إسرائيل وقال ابن الجوزي في كشف المشكل قد أطلت البحث عن معنى هذا الحديث
وتطلبت مظانه وسألت عنه فلم أقع على المقصود به لان ألفاظه مختلفة ولا أشك ان التخليط فيها من
الرواة ثم وقع لي فيه شئ وجدت الخطابي بعد ذلك قد أشار إليه ثم وجدت كلاما لأبي الحسين
ابن المنادي وكلاما لغيره فاما الوجه الأول فإنه أشار إلى ما يكون بعده وبعد أصحابه وان حكم
أصحابه مرتبط بحكمه فأخبر عن الولايات الواقعة بعدهم فكأنه أشار بذلك إلى عدد الخلفاء من
بني أمية وكأن قوله لا يزال الدين أي الولاية إلى أن يلي اثنا عشر خليفة ثم ينتقل إلى صفة أخرى
أشد من الأولى وأول بني أمية يزيد بن معاوية وآخرهم مروان الحمار وعدتهم ثلاثة عشر ولا
يعد عثمان ومعاوية ولا ابن الزبير لكونهم صحابة فإذا أسقطنا منهم مروان بن الحكم
للاختلاف في صحبته أو لأنه كان متغلبا بعد أن اجتمع الناس على عبد الله بن الزبير صحت العدة
وعند خروج الخلافة من بني أمية وقعت الفتن العظيمة والملاحم الكثيرة حتى استقرت دولة بني
العباس فتغيرت الأحوال عما كانت عليه تغيرا بينا قال ويؤيد هذا ما أخرجه أبو داود من
حديث ابن مسعود رفعه تدور رحى الاسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين فان
هلكوا فسبيل من هلك وان يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما زاد الطبراني والخطابي فقالوا
سوى ما مضى قال نعم قال الخطابي رحى الاسلام كناية عن الحرب شبهها بالرحى التي تطحن الحب
لما يكون فيها من تلف الأرواح والمراد بالدين في قوله يقم لهم دينهم الملك قال فيشبه أن يكون
إشارة إلى مدة بني أمية في الملك وانتقاله عنهم إلى بني العباس فكان ما بين استقرار الملك لبني
أمية وظهور الوهن فيه نحو من سبعين سنة (قلت) لكن يعكر عليه ان من استقرار الملك لبني
أمية عند اجتماع الناس على معاوية سنة إحدى وأربعين إلى أن زالت دولة بني أمية فقتل
مروان بن محمد في أوائل سنة اثنتين وثلاثين ومائة أزيد من تسعين سنة ثم نقل عن الخطيب
أبي بكر البغدادي قوله تدور رحى الاسلام مثل يريد ان هذه المدة إذا انتهت حدث في الاسلام
أمر عظيم يخاف بسببه على أهله الهلاك يقال للامر إذا تغير واستحال دارت رحاه قال وفي هذا
إشارة إلى انتقاض مدة الخلافة وقوله يقم لهم دينهم أي ملكهم وكان من وقت اجتماع الناس
على معاوية إلى انتقاض ملك بني أمية نحوا من سبعين قال ابن الجوزي ويؤيد هذا التأويل
ما أخرجه الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رفعه إذا ملك اثنا عشر من بني كعب بن
لؤي كان النقف والنقاف إلى يوم القيامة انتهى والنقف ظهر لي انه بفتح النون وسكون القاف
وهو كسر الهامة عن الدماغ والنقاف بوزن فعال منه وكنى بذلك عن القتل والقتال ويؤيده
183

قوله في بعض طرق جابر بن سمرة ثم يكون الهرج وأما صاحب النهاية فضبطه بالثاء المثلثة بدل
النون وفسره بالجد الشديد في الخصام ولم أر في اللغة تفسيره بذلك بل معناه الفطنة والحذق ونحو
ذلك وفي قوله من بني كعب بن لؤي إشارة إلى كونهم من قريش لان لؤيا هو ابن غالب بن فهر وفيهم
جماع قريش وقد يؤخذ منه ان غيرهم يكون من غير قريش فتكون فيه إشارة إلى القحطاني
المقدم ذكره في كتاب الفتن قال واما الوجه الثاني فقال أبو الحسين بن المنادى في الجزء الذي جمعه
في المهدي يحتمل في معنى حديث يكون اثنا عشر خليفة ان يكون هذا بعد المهدي الذي يخرج
في آخر الزمان فقد وجدت في كتاب دانيال إذا مات المهدي ملك بعده خمسة رجال من ولد السبط
الأكبر ثم خمسة من ولد السبط الأصغر ثم يوصي آخرهم بالخلافة لرجل من ولد السبط الأكبر ثم
يملك بعده ولده فيتم بذلك اثنا عشر ملكا كل واحد منهم امام مهدي قال ابن المنادى وفي رواية
أبي صالح عن ابن عباس المهدي اسمه محمد بن عبد الله وهو رجل ربعة مشرب بحمرة يفرج الله به
عن هذه الأمة كل كرب ويصرف بعدله كل جور ثم يلي الامر بعده اثنا عشر رجلا ستة من ولد
الحسن وخمسة من ولد الحسين وآخر من غيرهم ثم يموت فيفسد الزمان وعن كعب الأحبار
يكون اثنا عشر مهديا ثم ينزل روح الله فيقتل الدجال قال والوجه الثالث ان المراد وجود اثنى
عشر خليفة في جميع مدة الاسلام إلى يوم القيامة يعملون بالحق وان لم تتوالى أيامهم ويؤيده
ما أخرجه مسدد في مسنده الكبير من طريق أبي بحر ان أبا الجلد حدثه انه لا تهلك هذه الأمة حتى
يكون منها اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق منهم رجلان من أهل بيت محمد يعيش
أحدهما أربعين سنة والاخر ثلاثين سنة وعلى هذا فالمراد بقوله ثم يكون الهرج أي الفتن
المؤذنة بقيام الساعة من خروج الدجال ثم يأجوج ومأجوج إلى أن تنقضي الدنيا انتهى كلام
ابن الجوزي ملخصا بزيادات يسيرة والوجهان الأول والآخر قد اشتمل عليهما كلام القاضي
عياض فكأنه ما وقف عليه بدليل ان في كلامه زيادة لم يشتمل عليها كلامه وينتظم من مجموع
ما ذكراه أوجه أرجحها الثالث من أوجه القاضي لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة
كلهم يجتمع عليه الناس وإيضاح ذلك أن المراد بالاجتماع انقيادهم لبيعته والذي وقع ان الناس
اجتمعوا على أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي إلى أن وقع أمر الحكمين في صفين فسمى معاوية يومئذ
بالخلافة ثم اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن ثم اجتمعوا على ولده يزيد ولم ينتظم للحسين
أمر بل قتل قبل ذلك ثم لما مات يزيد وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان
بعد قتل ابن الزبير ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام وتخلل بين سليمان
ويزيد عمر بن عبد العزيز فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين والثاني عشر هو الوليد بن يزيد
ابن عبد الملك اجتمع الناس عليه لما مات عمه هشام فولي نحو أربع سنين ثم قاموا عليه فقتلوه
وانتشرت الفتن وتغيرت الأحوال من يومئذ ولم يتفق ان يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك لان
يزيد بن الوليد الذي قام على ابن عمه الوليد بن يزيد لم تطل مدته بل ثار عليه قبل ان يموت ابن عم أبيه
مروان بن محمد بن مروان ولما مات يزيد ولى أخوه إبراهيم فغلبه مروان ثم ثار على مروان بنو
العباس إلى أن قتل ثم كان أول خلفاء بني العباس أبو العباس السفاح ولم تطل مدته مع كثرة
من ثار عليه ثم ولى أخوه المنصور فطالت مدته لكن خرج عنهم المغرب الأقصى باستيلاء
184

المروانيين على الأندلس واستمرت في أيديهم متغلبين عليها إلى أن تسموا بالخلافة بعد ذلك وانفرط
الامر في جميع أقطار الأرض إلى أن لم يبق من الخلافة الا الاسم في بعض البلاد بعد أن كانوا في
أيام بني عبد الملك بن مروان يخطب للخليفة في جميع أقطار الأرض شرقا وغربا وشمالا ويمينا مما
غلب عليه المسلمون ولا يتولى أحد في بلد من البلاد كلها الامارة على شئ منها الا بأمر الخليفة
ومن نظر في أخبارهم عرف صحة ذلك فعلى هذا يكون المراد بقوله ثم يكون الهرج يعني القتل
الناشئ عن الفتن وقوعا فاشيا يفشو ويستمر ويزداد على مدى الأيام وكذا كان والله المستعان
والوجه الذي ذكره ابن المنادى ليس بواضح ويعكر عليه ما أخرجه الطبراني من طريق قيس بن
جابر الصدفي عن أبيه عن جده رفعه سيكون من بعدي خلفاء ثم من بعد الخلفاء امراء ومن بعد
الامراء ملوك ومن بعد الملوك جبابرة ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت
جورا ثم يؤمر القحطاني فوالذي بعثني بالحق ما هو دونه فهذا يرد على ما نقله ابن المنادى من كتاب
دانيال وأما ما ذكره عن أبي صالح فواه جدا وكذا عن كعب وأما محاولة ابن الجوزي الجمع بين
حديث تدور رحى الاسلام وحديث الباب ظاهر التكلف والتفسير الذي فسره به الخطابي ثم
الخطيب بعيد والذي يظهر ان المراد بقوله تدور رحى الاسلام ان تدوم على الاستقامة وان ابتداء
ذلك من أول البعثة النبوية فيكون انتهاء المدة بقتل عمر في ذي الحجة سنة أربع وعشرين من
الهجرة فإذا انضم إلى ذلك اثنتا عشرة سنة وستة أشهر من المبعث في رمضان كانت المدة خمسا
وثلاثين سنة وستة أشهر فيكون ذلك جميع المدة النبوية ومدة الخليفتين بعده خاصة ويؤيد
حديث حذيفة الماضي قريبا الذي يشير إلى أن باب الامن من الفتنة يكسر بقتل عمر فيفتح باب
الفتن وكان الامر على ما ذكر وأما قوله في بقية الحديث فان يهلكوا فسبيل من هلك وان لم يقم
لهم دينهم يقم سبعين سنة فيكون المراد بذلك انقضاء أعمارهم وتكون المدة سبعين سنة إذا جعل
ابتداؤها من أول سنة ثلاثين عند انقضاء ست سنين من خلافة عثمان فان ابتداء الطعن فيه إلى أن
آل الامر إلى قتله كان بعد ست سنين مضت من خلافته وعند انقضاء السبعين لم يبق من
الصحابة أحد فهذا الذي يظهر لي في معنى هذا الحديث ولا تعرض فيه لما يتعلق باثني عشر خليفة
وعلى تقدير ذلك فالأولى ان يحمل قوله يكون بعدي اثنا عشر خليفة على حقيقة البعدية فان
جميع من ولى الخلافة من الصديق إلى عمر بن عبد العزيز أربعة عشر نفسا منهم اثنان لم تصح
ولايتهما ولم تطل مدتهما وهما معاوية ابن يزيد ومروان بن الحكم والباقون اثنا عشر نفسا على
الولاء كما أخبر صلى الله عليه وسلم وكانت وفاة عمر بن عبد العزيز سنة إحدى ومائة وتغيرت
الأحوال بعده وانقضى القرن الأول الذي هو خير القرون ولا يقدح في ذلك قوله يجتمع عليهم
الناس لأنه يحمل على الأكثر الأغلب لأن هذه الصفة لم تفقد منهم الا في الحسن بن علي وعبد الله
ابن الزبير مع صحة ولايتهما والحكم بأن من خالفهما لم يثبت استحقاقه الا بعد تسليم الحسن وبعد
قتل ابن الزبير والله أعلم وكانت الأمور في غالب أزمنة هؤلاء الاثني عشر منتظمة وان وجد في
بعض مدتهم خلاف ذلك فهو بالنسبة إلى الاستقامة نادر والله أعلم وقد تكلم ابن حبان على
معنى حديث تدور رحى الاسلام فقال المراد بقوله تدور رحى الاسلام لخمس وثلاثين أو ست
وثلاثين انتقال أمر الخلافة إلى بني أمية وذلك أن قيام معاوية على علي بصفين حتى وقع التحكيم
185

هو مبدأ مشاركة بني أمية ثم استمر الامر في بني أمية من يومئذ سبعين سنة فكان أول ما ظهرت
دعاة بني العباس بخراسان سنة ست ومائة وساق ذلك بعبارة طويلة عليه فيها مؤاخذات كثيرة
أولها دعواه ان قصة الحكمين كانت في أواخر سنة ست وثلاثين وهو خلاف ما اتفق عليه أصحاب
الاخبار فإنها كانت بعد وقعة صفين بعد أشهر وكانت سنة سبع وثلاثين والذي قدمته أولى بأن
يحمل الحديث عليه والله أعلم (قوله باب إخراج الخصوم وأهل الريب من
البيوت بعد المعرفة وقد أخرج عمر أخت أبي بكر حين ناحت) تقدمت هذا الترجمة والأثر المعلق
فيها والحديث في كتاب الاشخاص وقال فيه المعاصي بدل أهل الريب وساق الحديث من وجه
آخر عن أبي هريرة وتقدم شرحه مستوفى في أوائل باب صلاة الجماعة وقوله في آخر الباب قال
محمد بن يوسف قال يونس قال محمد بن سليمان قال أبو عبد الله مرماة ما بين ظلف الشاة من اللحم
مثل منساة وميضاة الميم مخفوضة وقد تقدم شرح المرماتين هناك ومحمد بن يوسف هذا هو
الفربري راوي الصحيح عن البخاري ويونس هو ابن (2) ومحمد بن سليمان هو أبو أحمد
الفارسي راوي التاريخ الكبير عن البخاري وقد نزل الفربري في هذا التفسير درجتين فإنه ادخل
بينه وبين شيخه البخاري رجلين أحدهما عن الآخر وثبت هذا التفسير في رواية أبي ذر عن
المستملي وحده وقوله مثل منساة وميضاة أما منساة بالوزن الذي ذكره بغير همز فهي قراءة أبي عمرو
ونافع في قوله تعالى تأكله منسأته وقال الشاعر
إذا دببت على المنساة من هرم * فقد تباعد عنك اللهو والغزل
أنشده أبو عبيدة ثم قال وبعضهم يهمزها فيقول منسأته قلت وهي قراءة الباقين بهمزة مفتوحة
الا ابن ذكوان فسكن الهمزة وفيها قرا آت أخر في الشواذ والمنساة العصا اسم آلة من أنسا الشئ
إذا أخره وقوله الميم مخفوضة أي في كل من المنساة والميضاة وفي الميضاة اللغات المذكورة (قوله
باب هل للامام ان يمنع المجرمين وأهل المعصية من الكلام معه والزيارة ونحوه)
في رواية أبي أحمد الجرجاني المحبوس بدل المجرمين وكذا ذكر ابن التين والإسماعيلي وهو أوجه
لان المحبوس قد لا يتحقق عصيانه والأول يكون من عطف العام على الخاص وهو المطابق
لحديث الباب ظاهرا وذكر فيه طرفا من حديث كعب بن مالك في قصة تخلفه عن تبوك وتوبته
وقد تقدم شرحها مستوفى في أواخر كتاب المغازي بحمد الله تعالى
(قوله بسم الله الرحمن الرحيم)
* (كتاب التمني) *
(باب ما جاء في التمني ومن تمنى الشهادة) كذا لأبي ذر عن المستملي وكذا لابن بطال
لكن بغير بسملة وأثبتها ابن التين لكن حذف لفظ باب وللنسفي بعد البسملة ما جاء في التمني
وللقابسي بحذف الواو والبسملة وكتاب ومثله لابن نعيم عن الجرجاني ولكن أثبت الواو وزاد
بعد قوله كتاب التمني والأماني واقتصر الإسماعيلي على باب ما جاء في تمني الشهادة والتمني تفعل من
الأمنية والجمع أماني والتمني إرادة تتعلق بالمستقبل فإن كانت في خير من غير أن تتعلق بحسد
فهي مطلوبة والا فهي مذمومة وقد قيل إن بين التمني والترجي عموما وخصوصا فالترجي في
الممكن والتمني في أعم من ذلك وقيل التمني يتعلق بما فات وعبر عنه بعضهم بطلب مالا يمكن حصوله
186

وقال الراغب قد يتضمن التمني معنى الود لأنه يتمنى حصول ما يود وقوله عبد الرحمن بن خالد هو
ابن مسافر الفهمي المصري ونصف السند مصريون ونصفه الاعلى مدنيون والمقصود منه هنا
قوله لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ووقع في الطريق الثانية وددت أني أقاتل في سبيل
الله فاقتل وهي أبين ووقع في رواية الكشميهني لاقاتل بزيادة لام التأكيد وددت من الودادة
وهي إرادة وقوع الشئ على وجه مخصوص يراد وقال الراغب الود محبة الشئ وتمني حصوله
فمن الأول قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربى الآية ومن الثاني ودت طائفة من أهل
الكتاب الآية وقد تقدم شرح حديث الباب وتوجيه تنمي الشهادة مع ما يشكل على ذلك في
باب تمني الشهادة من كتاب الجهاد والله أعلم (قوله باب تمني الخير) هذه الترجمة أعم
من التي قبلها لان تمني الشهادة في سبيل الله تعالى من جملة الخير وأشار بذلك إلى أن التمني المطلوب
لا ينحصر في طلب الشهادة وقوله وقول النبي صلى الله عليه وسلم لو كان لي أحد ذهبا أسنده في
الباب بلفظ لو كان عندي واللفظ المعلق وصله في الرقاق بلفظ لو كان لي مثل أحد ذهبا وقوله في
الموصول وعندي منه دينار ليس شئ أرصده في دين على أجد من يقبله كذا وقع وذكر الصغاني
ان الصواب ليس شيئا بالنصب وقال عياض في هذا السياق نظر والصواب تقديم أجد من يقبله
وتأخير ليس وما بعدها وقد اعترض الإسماعيلي فقال هذا لا يشبه التمني وغفل عن قوله في
سياق رواية همام عن أبي هريرة لأحببت فإنها بمعنى وددت وقد جرت عادة البخاري ان يترجم
ببعض ما ورد من طرق بعض الحديث المذكور وتقدم شرح الحديث مستوفى في كتاب
الرقاق وتقدم كلام ابن مالك في ذلك هناك (قوله باب قول النبي صلى الله عليه
وسلم لو استقبلت من أمري ما استدبرت) ذكر فيه حديث عائشة بلفظه وبعده ما سقت الهدى
وقد مضى من وجه آخر أتم من هذا في كتاب الحج ثم ذكر بعده حديث جابر وفيه اني لو استقبلت
من أمري ما استدبرت ما أهديت وحبيب في السند هو ابن أبي قريبة واسمه زيد وقيل غير ذلك
وهو المعروف بالعلم وتقدم شرح الحديث مستوفى في كتاب الحج وقد وقع فيه لو مجردة عن
النفي ومعقبة بالنفي حيث جاء فيه لو أني استقبلت وقال بعده ولولا أن معي الهدي لأحللت وسيأتي
187

ما قيل فيهما بعد أربعة أبواب (قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ليت كذا
وكذا) ليت حرف من حروف التمني يتعلق بالمستحيل غالبا وبالممكن قليلا ومنه حديث الباب
فان كلا من الحراسة والمبيت بالمكان الذي تمناه قد وجد (قوله أرق) بفتح أوله وكسر الراء أي
سهر وزنه ومعناه وقد تقدم بيانه في باب الحراسة في الغزو مع شرحه وقوله من هذا قيل سعد
في رواية الكشميهني قال سعد وهو أولى فقد تقدم في الجهاد بلفظ فقال انا سعد بن أبي وقاص
ويستفاد منه تعيينه * (تنبيه) * ذكرت في باب الحراسة من كتاب الجهاد ما أخرجه الترمذي من
طريق عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت والله
يعصمك من الناس وهو يقتضي انه لم يحرس بعد ذلك بناء على سبق نزول الآية لكن ورد في
عدة أخبار انه حرس في بدر وفي أحد وفي الخندق وفي رجوعه من خيبر وفي وادي القرى وفي عمرة
القضية وفي حنين فكان الآية نزلت متراخية عن وقعة حنين ويؤيده ما أخرجه الطبراني
في الصغير من حديث أبي سعيد كان العباس فيمن يحرس النبي صلى الله عليه وسلم فلما نزلت هذه
الآية ترك والعباس انما لازمه بعد فتح مكة فيحمل على انها نزلت بعد حنين وحديث حراسته
ليلة حنين أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم من حديث سهل بن الحنظلية ان أنس بن أبي
مرثد حرس النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة وتتبع بعضهم أسماء من حرس النبي صلى الله
عليه وسلم فجمع منهم سعد بن معاذ ومحمد بن مسلمة والزبير وأبو أيوب وذكوان بن عبد القيس
والأدرع السلمي وابن الأدرع واسمه محجن ويقال سلمة وعباد بن بشر والعباس وأبو ريحانة وليس
كل واحد من هؤلاء في الوقائع التي تقدم ذكرها حرسه النبي صلى الله عليه وسلم وحده بل ذكر في
مطلق الحرس فأمكن ان يكون خاصا به كأبي أيوب حين بنائه بصفية بعد الرجوع من خيبر
وأمكن ان يكون حرس أهل تلك الغزوة كأنس بن أبي مرثد والعلم عند الله تعالى (قوله وقالت
عائشة قال بلال * ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة * الخ) هذا حديث آخر تقدم موصولا
بتمامه في مقدم النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب الهجرة وموضع الدلالة منه قولها فأخبرت النبي
صلى الله عليه وسلم ولذلك اقتصر من الحديث عليها والذي في الرواية الموصولة قالت عائشة
فجئت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته (قوله باب تمني القرآن والعلم) ذكر
فيه حديث أبي هريرة لا تحاسد الا في اثنتين وهو ظاهر في تمنى القرآن وأضاف العلم إليه بطريق
الالحاق به في الحكم وقد تقدم في العلم من وجه آخر عن الأعمش وتقدم شرحه مستوفى في كتاب
العلم وقوله هنا فهو يتلوه آناء الليل وقع في رواية الكشميهني من آناء الليل بزيادة من (قوله يقول
لو أوتيت) كذا فيه بحذف القائل وظاهره أنه الذي أوتي القرآن وليس كذلك بل هو السامع
وأفصح به في الرواية التي في فضائل القرآن ولفظه فسمعه جار له فقال ليتني أوتيت الخ ولفظ هذه
الرواية أدخل في التمني لكنه جرى على عادته في الإشارة (قوله باب ما يكره
من التمني) قال ابن عطية يجوز تمني ما لا يتعلق بالغير أي مما يباح وعلى هذا فالنهي عن التمني
مخصوص بما يكون داعية إلى الحسد والتباغض وعلى هذا يحمل قول الشافعي لولا أنا نأثم بالتمني
لتمنينا ان يكون كذا ولم يرد ان كل التمني يحصل به الاثم (قوله ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم
على بعض إلى قوله إن الله كان بكل شئ عليما) كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة الآية كلها
188

ذكر فيه ثلاثة أحاديث كلها في الزجر عن تمني الموت وفي مناسبتها للآية غموض الا إن كان
أراد ان المكروه من التمني هو جنس ما دلت عليه الآية وما دل عليه الحديث وحاصل ما في الآية
الزجر عن الحسد وحاصل ما في الحديث الحث على الصبر لان تمني الموت غالبا ينشأ عن وقوع أمر
يختار الذي يقع به الموت على الحياة فإذا نهى عن تمني الموت كأن أمر بالصبر على ما نزل به ويجمع
الحديث والآية الحث على الرضا بالقضاء والتسليم لأمر الله تعالى ووقع في حديث أنس من
طريق ثابت عنه في باب تمني المريض الموت من كتاب المرضى بعد النهي عن تمني الموت فإن كان
لا بد فاعلا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي الحديث ولا يرد على ذلك مشروعية
الدعاء بالعافية مثلا لان الدعاء بتحصيل الأمور الأخروية يتضمن الايمان بالغيب مع ما فيه من
إظهار الافتقار إلى الله تعالى والتذلل له والاحتياج والمسكنة بين يديه والدعاء بتحصيل الأمور
الدنيوية لاحتياج الداعي إليها فقد تكون قدرت له ان دعا بها فكل من الأسباب والمسببات مقدر
وهذا كله بخلاف الدعاء بالموت فليست فيه مصلحة ظاهرة بل فيه مفسدة وهي طلب إزالة نعمة
الحياة وما يترتب عليها من الفوائد لا سيما لمن يكون مؤمنا فان استمرار الايمان من أفضل الأعمال
والله أعلم وقوله في الحديث الأول عاصم هو ابن سليمان المعروف بالأحول وقد سمع من أنس
وربما أدخل بينهما واسطة كهذا ووقع عند مسلم في هذا الحديث من رواية عبد الواحد بن زياد
عن عاصم عن النضر بن أنس قال قال أنس وأنس يومئذ حي فذكره وقوله لا تمنوا بفتح أوله وثانيه
وثالثه مشددا وهي على حذف إحدى التاءين وثبتت في رواية الكشميهني لا تتمنوا وزاد
في رواية ثابت المذكورة عن أنس لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به * الحديث وقد مضى
الكلام عليه في كتاب المرضى وأورد نحوه من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس في كتاب
الدعوات ومحمد في الحديث الثاني هو ابن سلام وعبدة هو ابن سليمان وابن أبي خالد هو إسماعيل
وقيس هو ابن أبي حازم والسند كله كوفيون الا شيخ البخاري وقد مضى الكلام عليه في كتاب
المرضى وقوله في الرواية الثالثة عن الزهري كذا لهشام بن يوسف عن معمر وقال عبد الرزاق
عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة أخرجه مسلم والطريقان محفوظان لمعمر وقد أخرجه
أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وتابعه فيه عن الزهري شعيب وابن أبي حفصة ويونس
ابن يزيد وقوله عن أبي عبيد هو سعد بن عبيد مولى بن أزهر وقد أخرجه النسائي والإسماعيلي من
طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري فقال عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة لكن قال
النسائي أن الأول هو الصواب (قوله لا يتمنى) كذا للأكثر بلفظ النفي والمراد به النهي أو هو للنهي
وأشبعت الفتحة ووقع في رواية الكشميهني لا يتمنين بزيادة نون التأكيد ووقع في رواية همام
المشار إليها لا يتمن أحدكم الموت ولا يدعو به قبل ان يأتيه فجمع في النهي عن ذلك بين القصد والنطق
وفي قوله قبل أن يأتيه إشارة إلى الزجر عن كراهيته إذا حضر لئلا يدخل فيمن كره لقاء الله تعالى
والى ذلك الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم عند حضور أجله اللهم ألحقني بالرفيق الاعلى وكلامه
صلى الله عليه وسلم بعدما خير بين البقاء في الدنيا والموت فاختار ما عند الله وقد خطب بذلك وفهمه
عنه أبو بكر الصديق كما تقدم بيانه في المناقب وحكمة النهي عن ذلك أن في طلب الموت قبل حلوله
نوع اعتراض ومراغمة للقدر وإن كانت الآجال لا تزيد ولا تنقص فان تمني الموت لا يؤثر في زيادتها
189

ولا نقصها ولكنه أمر قد غيب عنه وقد تقدم في كتاب الفتن ما يدل على ذم ذلك في حديث أبي
هريرة لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل يقول يا ليتني مكانه وليس به الدين الا البلاء وقد
تقدم شرح ذلك مستوفى في باب تمني المريض الموت من كتاب المرضى قال النووي في الحديث
التصريح بكراهة تمني الموت لضر نزل به من فاقة أو محنة بعدو ونحوه من مشاق الدنيا فاما إذا
خاف ضررا أو فتنة في دينه فلا كراهة فيه لمفهوم هذا الحديث وقد فعله خلائق من السلف
لذلك وفيه ان من خالف فلم يصبر على الضر وتمنى الموت لضر نزل به فليقل الدعاء المذكور (قلت)
ظاهر الحديث المنع مطلقا والاقتصار على الدعاء مطلقا لكن الذي قاله الشيخ لا بأس به لمن وقع منه
التمني ليكون عونا له على ترك التمني (قوله اما محسنا فلعله يزداد واما مسيئا فلعله يستعتب) كذا
لهم بالنصب فيهما وهو على تقدير عامل نصب نحو يكون ووقع في رواية أحمد عن عبد الرزاق
بالرفع فيهما وكذا في رواية إبراهيم بن سعد المذكورة وهي واضحة وقوله يستعتب أي يسترضي
الله بالاقلاع والاستغفار والاستعتاب طلب الأعتاب والهمزة للإزالة أي يطلب إزالة العتاب
عاتبه لامه واعتبه أزال عتابه قال الكرماني وهو مما جاء على غير القياس إذ الاستفعال انما ينبني
من الثلاثي لا من المزيد فيه انتهى وظاهر الحديث انحصار حال المكلف في هاتين الحالتين وبقي
قسم ثالث وهو أن يكون مخلطا فيستمر على ذلك أو يزيد احسانا أو يزيد إساءة أو يكون محسنا
فينقلب مسيئا أو يكون مسيئا فيزداد إساءة والجواب ان ذلك خرج مخرج الغالب لان غالب
حال المؤمنين ذلك ولا سيما والمخاطب بذلك شفاها الصحابة وقد تقدم بيان ذلك مبسوطا مع شرحه
هناك وقد خطر لي في معنى الحديث ان فيه إشارة إلى تغبيط المحسن بإحسانه وتحذير المسئ من
إساءته فكأنه يقول من كان محسنا فليترك تمني الموت وليستمر على إحسانه والازدياد منه ومن
كان مسيئا فليترك تمني الموت وليقلع عن الإساءة لئلا يموت على إساءته فيكون على خطر واما من
عدا ذلك ممن تضمنه التقسيم فيؤخذ حكمه من هاتين الحالتين إذ لا انفكاك عن أحدهما والله
أعلم * (تنبيه) * اورد البخاري في كتاب الأدب في هذه الترجمة حديث أبي هريرة رفعه إذا تمنى
أحدكم فلينظر ما يتمنى فإنه لا يدرى ما يعطى وهو عنده من رواية عمر بن أبي سلمة عن أبي سلمة عن أبي
هريرة وليس على شرطه فلم يعرج عليه في الصحيح (قوله باب قول الرجل) كذا
للأكثر وللمستملي والسرخسي قول النبي صلى الله عليه وسلم (قوله لولا أنت ما اهتدينا) إشارة إلى
رواية مختصرة أوردها في باب حفر الخندق في أوائل الجهاد من وجه آخر عن شعبة بلفظ كان
النبي صلى الله عليه وسلم ينقل ويقول لولا أنت ما اهتدينا وأورده في غزوة الخندق من وجه
آخر عن شعبة أتم سياقا وقوله هنا لولا أنت ما اهتدينا وفي بعضها لولا الله هكذا وقع بحذف
بعض الجزء الأول ويسمى الخرم بالخاء المعجمة والراء الساكنة وتقدم في غزوة الخندق من وجه آخر
عن شعبة بلفظ والله لولا الله ما اهتدينا وهو موافق للفظ الترجمة ومن وجه آخر عن أبي إسحاق
اللهم لولا أنت ما اهتدينا وفي أول هذا الجزء زيادة سبب خفيف وهو الخزم بالزاي وتقدمت
الإشارة إلى هذا في كتاب الأدب والرواية الوسطى سالمة من الخرم والخزم معا وقوله هنا أن
الأولى وربما قال إن الملا قد بغوا علينا تقدم في غزوة الخندق ان الأولى قد بغوا علينا ولم يتردد
والأولى بهمزة مضموما غير ممدودة واللام بعدها مفتوحة وهي بمعنى الذين وانما يتزن بلفظ الذين
190

فكان أحد الرواة ذكرها بالمعنى ومضى في الجهاد من وجه آخر عن أبي إسحاق بلفظ ان العدا
وهو غير موزون أيضا ولو كان الأعادي لا تزن وعند النسائي من وجه آخر عن سلمة بن الأكوع
والمشركون قد بغوا علينا وهذا موزون ذكره في رجز عامر بن الأكوع وتقدم شرحه مستوفى
في غزوة خيبر (قوله قبل ذلك ولقد رأيته وارى التراب) بسكون الألف وفتح الراء بلفظ الفعل
الماضي من المواراة أي غطى وزنه معناه كذا للجميع الا الكشميهني فوقع في روايته وان
التراب لموار (قوله بياض بطنه) كذا للجميع الا الكشميهني فقال بياض إبطيه تثنية الإبط
ووقع في الرواية التي في المغازي حتى اغبر بطنه وفي الرواية الأخرى رأيته ينقل من تراب
الخندق حتى وارى عن التراب جلدة بطنه فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة يعني عبد الله
الشاعر الأنصاري الصحابي المشهور وقد تقدم في غزوة خيبر انه من شعر عامر بن الأكوع
وذكرت وجه الجمع بينهما هناك وما في الأبيات المذكورة من زحاف وتوجيهه وتقدم ما يتعلق
بحكم الشعر انشادا وانشاء في حق النبي صلى الله عليه وسلم وفي حق من دونه في أواخر كتاب الأدب
بحمد الله تعالى قال ابن بطال لولا عند العرب يمتنع بها الشئ لوجود غيره تقول لولا زيد ما صرت
إليك أي كان مصيري إليك من أجل زيد وكذلك لولا الله ما اهتدينا أي كانت هدايتنا من قبل الله
تعالى وقال الراغب لوقوع غيره ويلزم خبره الحذف ويستغنى بجوابه عن الخبر قال وتجئ بمعنى
هلا نحو لولا أرسلت إلينا رسولا ومثله لوما بالميم بدل اللام وقال ابن هشام لولا تجئ على ثلاثة
أوجه أحدها ان تدخل على جملة لتربط امتناع الثانية بوجود الأولى نحو لولا زيد لأكرمتك
أي لولا وجوده واما حديث لولا أن أشق فالتقدير لولا مخافة أن أشق لأمرت أمر إيجاب والا
لانعكس معناها إذ الممتنع المشقة والموجود الامر والوجه الثاني أنها تجئ للحض وهو طلب
بحث وازعاج وللعرض وهو طلب بلين وأدب فتختص بالمضارع نحو لولا تستغفرون الله والوجه
الثالث انها تجئ للتوبيخ والتندم فتختص بالماضي نحو لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء أي هلا
انتهى وذكر أبو عبيد الهروي في الغريبين انها تجئ بمعنى لم لا وجعل منه قوله تعالى فلولا كانت
قرية آمنت والجمهور أنها من القسم الثالث وموقع الحديث من الترجمة ان هذه الصيغة إذا علق
بها القول الحق لا يمنع بخلاف ما لو علق بها ما ليس بحق كمن يفعل شيئا فيقع في محذور فيقول لولا
فعلت كذا ما كان كذا فلو حقق لعلم ان الذي قدره الله لا بد من وقوعه سواء فعل أم ترك فقولها
واعتقاد معناها يفضي إلى التكذيب بالقدر (قوله باب كراهية تمني لقاء العدو)
تقدم في أواخر الجهاد باب لا تتمنوا لقاء العدو وتقدم هناك توجيهه مع جواز تمني الشهادة وطريق
الجمع بينهما لان ظاهرهما التعارض لان تمني الشهادة محبوب فكيف ينهى عن تمني لقاء العدو
وهو يفضي إلى المحبوب وحاصل الجواب ان حصول الشهادة أخص من اللقاء لامكان تحصيل
الشهادة مع نصرة الاسلام ودوام عزه بكسرة الكفار واللقاء قد يفضي إلى عكس ذلك فنهى
عن تمنيه ولا ينافي ذلك تمني الشهادة أو لعل الكراهية مختصة بمن يثق بقوته ويعجب بنفسه
ونحو ذلك (قوله ورواه الأعرج عن أبي هريرة) علقه في الجهاد لأبي عامر وهو العقدي
عن مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج وقد ذكرت هناك من وصله ثم ذكرت
حديث عبد الله بن أبي أوفى موصولا مختصرا وتقدم هناك موصولا تاما في كتاب الجهاد
191

(قوله باب ما يجوز من اللو) قال القاضي عياض يريد ما يجوز من قول الراضي بقضاء
الله لو كان كذا لكان كذا فأدخل على لو الألف واللام التي للعهد وذلك غير جائز عند أهل العربية
لان لو حرف وهما لا يدخلان على الحروف وكذا وقع عند بعض رواة مسلم إياك واللوفان اللو من
الشيطان والمحفوظ إياك ولو فان لو بغير ألف ولام فيهما قال ووقع لبعض الشعراء تشديد واو لو
وذلك لضرورة الشعر انتهى وقال صاحب المطالع لما أقامها مقام الاسم صرفها فصارت عنده
كالندم والتمني وقال صاحب النهاية الأصل لو ساكنة الواو وهي حرف من حروف المعاني يمتنع
بها الشئ لامتناع غيره غالبا فلما سمى بها زيد فيها فلما أراد اعرابها اتى فيها بالتعريف ليكون علامة
لذلك ومن ثم شدد الواو وقد سمع بالتشديد منونا قال الشاعر
ألام على لو ولو كنت عالما * بادبار لو لم تفتني أوائله
* (وقال آخر) *
ليت شعري وأين مني ليت * ان ليتا وان لوا عناء
* (وقال آخر) *
حاولت لوا فقلت لها * ان لوا ذاك أعيانا
وقال ابن مالك إذا نسب إلى حرف أو غيره حكم هو للفظه دون معناه جاز أن يحكى وجاز ان يعرب
بما يقتضيه العامل وإن كانت على حرفين ثانيهما حرف لين وجعلت اسما ضعف ثانيهما فمن ثم قيل
في لو لو وفي في في وقال ابن مالك أيضا الأداة التي حكم لها بالإسمية في هذا الاستعمال ان أولت
بكلمة منع صرفها الا إن كانت ثلاثية ساكنة الوسط فيجوز صرفها وان أولت بلفظ صرفت
قولا واحدا (قلت) ووقع في بعض النسخ المعتمدة من رواية أبي ذر عن مشايخه ما يجوز من أن لو
فجعل أصلها ان لو بهمزة مفتوحة بعدها نون ساكنة ثم حرف لو فأدغمت النون في اللام وسهلت
همزة أن فصارت تشبه أداة التعريف وذكر الكرماني ان في بعض النسخ ما يجوز من لو بغير
ألف ولام ولا تشديد على الأصل والتقدير ما يجوز من قول لو ثم رأيته في شرح ابن التين كذلك
فلعله من اصلاح بعض الرواة لكونه لم يعرف وجهه والا فالنسخ المعتمدة من الصحيح وشروحه
متواردة على الأول وقال السبكي الكبير لو انما لا تدخلها الألف ولا اللام إذا بقيت على الحرفية
أما إذا سمي بها فهي من جملة الحروف التي سمعت التسمية بها من حروف الهجاء وحروف المعاني
ومن شواهده قوله
وقدما أهلكته لو كثيرا * وقبل اليوم عالجها قدار
فأضاف إليها واوا أخرى وأدغمها وجعلها فاعلا وحكى سيبويه ان بعض العرب يهمزلوا أي سواء
كانت باقية على حرفيتها أو سمى بها وأما حديث إياك ولو فان لو تفتح عمل الشيطان فلا يلزم من
جعلها اسم ان أن تكون خرجت عن الحرفية بل هو أخبار لفظي يقع في الاسم والفعل والحرف
كقولهم حرف عن ثنائي وحرف إلى ثلاثي هو أخبار عن اللفظ على سبيل الحكاية وأما إذا أضيف
إليها الألف واللام فإنها تصير اسما أو تكون اخبارا على المعنى المسمى بذلك اللفظ قال ابن بطال
لو تدل عند العرب على امتناع الشئ لامتناع غيره تقول لو جاءني زيد لأكرمتك معناه اني امتنعت
من اكرامك لامتناع مجئ زيد وعلى هذا جرى أكثر المتقدمين وقال سيبويه لو حرف لما كان
192

سيقع لوقوع غيره أي يقتضي فعلا ماضيا كان يتوقع ثبوته لثبوت غيره فلم يقع وانما عبر بقوله لما
كان سيقع دون قوله لما لم يقع مع أنه أخصر لان كان للماضي ولو للامتناع ولما للوجوب والسين
للتوقع وقال بعضهم هي لمجرد الربط في الماضي مثل ان في المستقبل وقد تجئ بمعنى ان الشرطية
نحو ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم أي وان أعجبتكم وترد للتقليل نحو التمس ولو
خاتما من حديد قاله صاحب المطالع وتبعه ابن هشام الخضراوي ومثل فاتقوا النار ولو بشق
تمرة وتبعه ابن السمعاني في القواطع ومثل بقوله ولو بظلف محرق وهو أبلغ في التقليل وترد
للعرض نحو لو تنزل عندنا فتصيب خيرا وللحض نحو لو فعلت كذا بمعنى أفعل والأول طلب بأدب
ولين والثاني طلب بقوة وشدة وذكر ابن التين عن الداودي انها تأتي بمعنى هلا ومثل بقوله لو شئت
لاتخذت عليه أجرا وتعقب بأنه تفسير معنى لان اللفظ لا يساعده وتأتي بمعنى التمني نحو فلو أن لنا
كرة أي فليت لنا ولهذا نصب فتكون في جوابها كما انتصب فأفوز في جواب ليت واختلفوا هل
هي الامتناعية وأشربت معنى التمني أو المصدرية أو قسم برأسه رجح الأخير ابن مالك ولا يعكر عليه
ورودها مع فعل التمني لان محل مجيئها للتمني ان لا يصحبها فعل التمني قال القاضي شهاب الدين
الخوبي لو الشرطية لتعليق الثاني بالأول في الماضي فتدل على انتفاء الأول إذ لو كان ثابتا للزم
ثبوت الثاني لأنها لثبوت الثاني على تقدير الأول فمتى كان الأول لازما للثاني دل على امتناع الثاني
لامتناع الأول ضرورة انتقاء الملزوم وان لم يكن الأول لازما للثاني لم يدل الا على مجرد الشرط وقال
التفتازاني قد تستعمل للدلالة على أن الجزاء لازم الوجود دائما في قصد المتكلم وذلك إذا كان
الشرط مما يستبعد استلزامه لذلك الجزاء ويكون نقيض ذلك الشرط المثبت أولى باستلزامه ذلك
الجزاء فيلزم وجود استمرار الجزاء على تقدير وجود الشرط وعدمه نحو لو لم تكن تكرمني لاثني عليك
فإذا ادعى لزوم وجود الجزاء لهذا الشرط مع استبعاد لزومه له فوجوده عند عدم هذا الشرط
بالطريق الأولى انتهى ومن أمثلة ذلك الشعرية قول المعري * لو اختصرتم من الاحسان زرتكم *
البيت فان الاحسان يستدعى استدامة الزيارة لا تركها لكنه أراد المبالغة في وصف الممدوح
بالكرم ووصف نفسه بالعجز عن شكره (قوله وقوله تعالى لو أن لي بكم قوة) قال ابن بطال جواب
لو محذوف كأنه قال لحلت بينكم وبين ما جئتم له من الفساد قال وحذفه أبلغ لأنه يحصر
بالنفي ضروب المنع وانما أراد لوط عليه السلام العدة من الرجال والا فهو يعلم أن له من الله
ركنا شديدا ولكنه جرى على الحكم الظاهر قال وتضمنت الآية البيان عما يوجبه حال المؤمن
إذا رأى منكرا لا يقدر على إزالته انه يتحسر على فقد المعين على دفعه ويتمنى وجوده حرصا
على طاعة ربه وجزعا من استمرار معصيته ومن ثم وجب ان ينكر بلسانه ثم بقلبه إذا لم يطق
الدفع انتهى والحديث الذي ذكره السبكي هو الذي رمز إليه البخاري بقوله ما يجوز من اللو فان
فيه إشارة إلى انها في الأصل لا يجوز الا ما استثنى وهو مخرج عند النسائي وابن ماجة والطحاوي
من طريق محمد بن عجلان عن الأعرج عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤمن
القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك ولا تعجز فان
غلبك أمر فقل قدر الله وما شاء الله وإياك واللوفان اللو تفتح عمل الشيطان لفظ ابن ماجة ولفظ
النسائي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والباقي سواء الا أنه قال وما شاء وإياك واللو
193

وأخرجه الطبري من هذا الوجه بلفظ احرص الخ ولم يذكر ما قبله وقال فان أصابك شئ فلا تقل
لو أني فعلت كذا وكذا ولكن قدر الله وما شاء فعل فان لو مفتاح الشيطان وأخرجه النسائي
والطبري من طريق فضيل بن سليمان عن ابن عجلان فادخل بينه وبين الأعرج أبا الزناد ولفظه
مؤمن قوي خير وأحب وفيه فقل قدر الله وما شاء صنع قال النسائي فضيل لن سليمان ليس
بقوى وأخرجه النسائي والطبري والطحاوي من طريق عبد الله بن المبارك عن ابن عجلان
فأدخل بينه وبين الأعرج ربيعة بن عثمان ولفظ النسائي كالأول لكن قال وأفضل وقال وما شاء
صنع وأخرجه من وجه آخر عن ابن المبارك عن ربيعة قال سمعته من ربيعة وحفظي له عن ابن
عجلان عن ربيعة وكذا أخرجه الطحاوي وقال دلسه ابن عجلان عن الأعرج وانما سمعه من
ربيعة ثم رواه الثلاثة أيضا من طريق عبد الله بن إدريس عن ربيعة بن عثمان فقال عن محمد بن
يحيى بن حبان عن الأعرج بدل محمد بن عجلان ولفظ النسائي وفي كل خير وفيه أحرص على
ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإذا أصابك شئ فلا تقل لو اني فعلت كذا وكذا ولكن قل قدر الله
وما شاء فعل وهذه الطريق أصح طرق هذا الحديث وقد أخرجها مسلم من طريق عبد الله بن
إدريس أيضا واقتصر عليها ولم يخرج بقية الطرق من أجل الاختلاف علي ابن عجلان في سنده
ويحتمل ان يكون ربيعة سمعه من ابن حبان ومن ابن عجلان فان ابن المبارك حافظ كابن إدريس
وليس في هذه الرواية لفظ اللو بالتشديد قال الطبري طريق الجمع بين هذا النهي وبين ما ورد
من الأحاديث الدالة على الجواز ان النهي مخصوص بالجزم بالفعل الذي لم يقع فالمعنى لا تقل
لشئ لم يقع لو أني فعلت كذا لوقع قاضيا بتحتم ذلك غير مضمر في نفسك شرط مشيئة الله تعالى
وما ورد من قول لو محمول على ما إذا كان قائله موقنا بالشرط المذكور وهو انه لا يقع شئ
الا بمشيئة الله وارادته وهو كقول أبي بكر في الغار لو أن أحدهم رفع قدمه لأبصرنا فجزم بذلك
مع تيقنه ان الله قادر على أن يصرف أبصارهم عنهما بعمى أو غيره لكن جرى على حكم
العادة الظاهرة وهو موقن بأنهم لو رفعوا أقدامهم لم يبصروهما الا بمشيئة الله تعالى انتهى
ملخصا وقال عياض الذي يفهم من ترجمة البخاري ومما ذكره في الباب من الأحاديث انه يجوز
استعمال لو ولولا فيما يكون للاستقبال مما فعله لوجود غيره وهو من باب لو لكونه لم يدخل في
الباب الا ما هو للاستقبال وما هو حق صحيح متيقن بخلاف الماضي والمنقضي أو ما فيه
اعتراض على الغيب والقدر السابق قال والنهي انما هو حيث قاله معتقدا ذلك حتما وانه لو فعل
ذلك لم يصبه ما أصابه قطعا فاما من رد ذلك إلى مشيئة الله تعالى وانه لولا أن الله أراد ذلك ما وقع
فليس من هذا قال والذي عندي في معنى الحديث ان النهي على ظاهره وعمومه لكنه نهي
تنزيه ويدل عليه قوله فان لو تفتح عمل الشيطان أي يلقى في القلب معارضة القدر فيوسوس به
الشيطان وتعقبه النووي بأنه جاء من استعمال لو في الماضي مثل قوله لو استقبلت من أمرى
ما استدبرت ما أهديت فالظاهر أن النهي عن إطلاق ذلك فيما لا فائدة فيه واما من قاله تأسفا
على ما فات من طاعة الله أو ما هو متعذر عليه منه ونحو هذا فلا بأس به وعليه يحمل أكثر
الاستعمال الموجود في الأحاديث وقال القرطبي في المفهم المراد من الحديث الذي أخرجه
مسلم ان الذي يتعين بعد وقوع المقدور التسليم لأمر الله والرضا بما قدر والاعراض عن
194

الالتفات لما فات فإنه إذا فكر فيما فاته من ذلك فقال لو أني فعلت كذا لكان كذا جاءته وساوس
الشيطان فلا تزال به حتى يفضي إلى الخسران فيعارض بتوهم التدبير سابق المقادير وهذا هو
عمل الشيطان المنهى عن تعاطي أسبابه بقوله فلا تقل لو فان لو تفتح عمل الشيطان وليس المراد
ترك النطق بلو مطلقا إذ قد نطق النبي صلى الله عليه وسلم بها في عدة أحاديث ولكن محل النهى
عن اطلاقها انما هو فيما إذا أطلقت معارضة للقدر مع اعتقاد ان ذلك المانع لو ارتفع لوقع
خلاف المقدور لا ما إذا أخبر بالمانع على جهة أن يتعلق به فائدة في المستقبل فان مثل هذا
لا يختلف في جواز إطلاقه وليس فيه فتح لعمل الشيطان ولا ما يفضي إلى تحريم وذكر المصنف في
هذا الباب تسعة أحاديث في بعضها النطق بلو وفي بعضها بلولا فمن الأول الحديث الأول والثاني
والثالث والسادس والثامن والتاسع ومن الثاني الرابع والخامس والسابع * الحديث الأول
حديث القاسم بن محمد قال ذكر ابن عباس المتلاعنين الحديث وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب
اللعان والمراد منه قوله صلى الله عليه وسلم لو كنت راجما أحدا بغير بينة الحديث * الحديث
الثاني (قوله حدثنا على) هو ابن عبد الله بن المديني وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار
وعطاء هو ابن أبي رباح (قوله اعتم النبي صلى الله عليه وسلم) تقدم شرح المتن في كتاب الصلاة
مستوفى وهو من رواية عمرو عن عطاء مرسل ومن رواية ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس
مسند كما بينه سفيان وهو القائل قال ابن جريج عن عطاء الخ وهو موصول بالسند المذكور
وليس بمعلق وسياق الحمدي له في مسنده أوضح من سياق علي بن المديني فإنه أخرجه عن سفيان
قال حدثنا عمرو عن عطاء قال سفيان وحدثناه ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس فساق
الحديث ثم قال الحميدي كان سفيان ربما حدث بهذا الحديث عن عمرو وابن جريج فأدرجه عن
ابن عباس فإذا ذكر فيه الخبر فقال حدثنا أو سمعت أخبر بهذا يعني عن عمرو عن عطاء مرسلا
وعن ابن جريج عن عطاء عن بن عباس موصولا (قلت) وقد رواه علي هنا بالعنعنة ومع
ذلك فصله فلم يدرجه وزاد فيه تفصيل سياق المتن عنهما أيضا حيث قال اما عمرو فقال رأسه
يقطر وقال ابن جريج يمسح الماء عن شقه الخ وقوله وقال إبراهيم بن المنذر الخ يريد ان محمد بن
مسلم وهو الطائفي رواه عن عمرو وهو ابن دينار عن عطاء موصولا بذكر ابن عباس فيه وهو
مخالف لتصريح سفيان بن عيينة عن عمرو بان حديثه عن عطاء ليس فيه ابن عباس فهذا يعد من
أوهام الطائفي وهو موصوف بسوء الحفظ وقد وصل حديثه الإسماعيلي من وجهين عنه هكذا
وذكر ان من جملة من حدث به عن سفيان مدرجا كما قال الحميدي عبد الاعلى بن حماد وأحمد بن
عبدة الضبي وأبو خيثمة وان عبدة بن عبد الرحيم وعمار بن الحسن روياه عن سفيان فاقتصرا على
طريق عمرو وذكرا فيه ابن عباس فوهما في ذلك أشد من وهم عبد الاعلى وان ابن أبي عمر رواه
في موضعين عن ابن عيينة مفصلا على الصواب (قلت) وكذلك أخرجه النسائي عن محمد بن
منصور عن سفيان مفصلا * الحديث الثالث حديث أبي هريرة لولا أن أشق على أمتي لامرتهم
بالسواك هكذا ذكره مختصرا من رواية جعفر بن ربيعة وهو المصري عن عبد الرحمن وهو
الأعرج ونسبه الإسماعيلي في رواية شعيب بن الليث عن أبيه ولم يزد على ما هناك فدل على أن
هذا القدر هو الذي وقع في هذه الطريق وقد أورده المزي في الأطراف فزاد فيه عند كل صلاة ولم
195

أر هذه الزيادة في هذه الطريق عند أحد ممن أخرجها وانما ثبتت عند البخاري في رواية مالك عن
أبي الزناد عن الأعرج أورده في كتاب الجمعة ونسبه المزي إلى الصلاة بغير قيد الجمعة وهو مما
يتعقب عليه أيضا وعنده فيه مع بدل عند وثبت عند مسلم بلفظ عند من رواية سفيان بن عيينة
عن أبي الزناد وقد تقدم الكلام على هذا المتن مستوفى هناك ولله الحمد * (تنبيه) * وقع هنا
في نسخة الصغاني تابعه سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس وهو خطأ والصواب ما وقع عند غيره
ذكر هذا عقب حديث أنس المذكور عقبه * الحديث الرابع حديث أنس في النهي عن
الوصال ذكر من طريق حميد وهو الطويل عن ثابت عن أنس وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب
الصيام وقوله تابعه سليمان بن المغيرة عن ثابت آخره وصله مسلم من طريق أبي النضر عن
سليمان بن المغيرة ووقع لنا بعلو في مسند عبد بن حميد ووقع هذا التعليق في رواية كريمة سابقا على
حديث حميد عن أنس فصار كأنه طريق أخرى معلقة لحديث لولا أن أشق وهو غلط فاحش
والصواب ثبوته هنا كما وقع في رواية الباقين * الحديث الخامس حديث أبي هريرة في المعنى
وفيه فلما أبوا ان ينتهوا واصل بهم الحديث وقد تقدم شرحه مستوفى في الصيام أيضا وقوله
في السند وقال الليث حدثني عبد الرحمن بن خالد يعني ابن مسافر الفهمي أمير مصر وطريقه
المذكورة وصلها الدارقطني في بعض فوائده من طريق أبي صالح عنه * الحديث السادس
حديث عائشة في الجدر بفتح الجيم وسكون الدال والمراد الحجر بكسر المهملة وسكون الجيم وقد
تقدم شرحه في كتاب الحج مستوفى والمراد منه هنا ولولا أن قومك حديث عهد بالجاهلية وأخاف
ان تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت كذا وقع محذوف الجواب وتقديره لفعلت * الحديث
السابع حديث أبي هريرة لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار الحديث وفيه ولو سلك الناس
واديا أو شعبا وقد تقدم شرحه في غزوة حنين عند شرح حديث عبد الله بن زيد المذكور هنا
بعده وهو الحديث الثامن * الحديث التاسع حديث أنس في بعض ذلك أورده مختصرا معلقا
قائلا تابعه أبو التياح عن أنس في الشعب يعني في قوله لو سلك الناس واديا أو شعبا لسلكت وادي
الأنصار أو شعبهم وقد تقدم موصولا في غزوة حنين أيضا بعد حديث عبد الله بن زيد المشار إليه مع
الكلام عليه وتقدم شئ من ذلك في مناقب الأنصار ولله الحمد قال السبكي الكبير مقصود البخاري
بالترجمة وأحاديثها ان النطق بلو لا يكره على الاطلاق وانما يكره في شئ مخصوص يؤخذ ذلك من
قوله من اللو فأشار إلى التبعيض وورودها في الأحاديث الصحيحة ولذا قال الطحاوي بعد ذكر
حديث وإياك واللو دل قول الله تعالى لنبيه أن يقول ولو كنت أعلم الغيب وقوله صلى الله عليه
وسلم لو استقبلت من أمري ما استبدرت وقوله في الحديث الآخر ورجل يقول لو أن الله آتاني
196

مثل ما آتي فلانا لعملت مثل ما عمل على أن لو ليست مكروهة في كل الأشياء ودل قوله تعالى عن
المنافقين لو كان لنا من الامر شئ ورده عليهم بقوله لو كنتم في بيوتكم على ما يباح من ذلك قال
ووجدنا العرب تذم اللو وتحذر منه فتقول احذر اللو وإياك ولو يريدون قوله لو علمت أن هذا
خير لعملته وفي حديث سلمان الايمان بالقدر ان تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك
لم يكن ليصيبك ولا تقولن لشئ أصابك لو فعلت كذا أي لكان كذا قال السبكي وقد تأملت
اقتران قوله احرص على ما ينفعك بقوله وإياك واللو فوجدت الإشارة إلى محل لو المذمومة وهي
نوعان أحدهما في الحال ما دام فعل الخير ممكنا فلا يترك لأجل فقد شئ آخر فلا تقول لو أن كذا كان
موجودا لفعلت كذا مع قدرته على فعله ولو لم يوجد ذاك بل يفعل الخير ويحرص على عدم فواته
والثاني من فاته أمر من أمور الدنيا فلا يشغل نفسه بالتلهف عليه لما في ذلك من الاعتراض
على المقادير وتعجيل تحسر لا يغني شيئا ويشتغل به عن استدراك ما لعله يجدي فالذم راجع فيما يؤل
في الحال إلى التفريط وفيما يؤل في الماضي إلى الاعتراض على القدر وهو أقبح من الأول فان
انضم إليه الكذب فهو أقبح مثل قول المنافقين لو استطعنا لخرجنا معكم وقولهم لو نعلم قتالا
لاتبعناكم وكذا قولهم لو أطاعونا ما قتلوا ثم قال وكل ما في القرآن من لو التي من كلام الله تعالى
كقوله تعالى قل لو كنتم في بيوتكم ولو كنتم في بروج مشيدة ونحوهما فهو صحيح لأنه تعالى عالم به
واما التي للربط فليس الكلام فيها ولا المصدرية الا إن كان متعلقها مذموما كقوله تعالى ود كثير
من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفارا لان الذي ودوه وقع خلافه انتهى ملخصا
* (قوله باب ما جاء في إجازة خبر الواحد) هكذا عند الجميع بلفظ باب الا في نسخة
الصغاني فوقع فيها كتاب أخبار الآحاد ثم قال باب ما جاء إلى آخرها فاقتضى أنه من جملة كتاب الأحكام
وهو واضح وبه يظهر ان الأولى في التمني ان يقال باب لا كتاب أو يؤخر عن هذا الباب وقد
سقطت البسملة لأبي ذر والقابسي والجرجاني وثبتت هنا قبل الباب في رواية كريمة والأصيلي
ويحتمل ان يكون هذا من جملة أبواب الاعتصام فإنه من جملة متعلقاته فلعل بعض من بيض
الكتاب قدمه عليه ووقع في بعض النسخ قبل البسملة كتاب خبر الواحد وليس بعمدة والمراد
بالإجازة جواز العمل به والقول بأنه حجة وبالواحد هنا حقيقة الوحدة واما في اصطلاح الأصوليين
فالمراد به ما لم يتواتر وقصد الترجمة الرد به على من يقول أن الخبر لا يحتج به الا إذا رواه أكثر من
شخص واحد حتى يصير كالشهادة ويلزم منه الرد على من شرط أربعة أو أكثر فقد نقل الأستاذ
أبو منصور البغدادي أن بعضهم اشترط في قبول خبر الواحد ان يرويه ثلاثة عن ثلاثة إلى منتهاه
واشترط بعضهم أربعة عن أربعة وبعضهم خمسة عن خمسة وبعضهم سبعة عن سبعة انتهى
وكأن كل قائل منهم يرى أن العدد المذكور يفيد التواتر أو يرى تقسيم الخبر إلى متواتر وآحاد
ومتوسط بينهم وفات الأستاذ ذكر من اشترط اثنين عن اثنين كالشهادة على الشهادة وهو منقول
عن بعض المعتزلة ونقله المازري وغيره عن أبي علي الجبائي ونسب إلى الحاكم أبي عبد الله
وانه ادعى انه شرط الشيخين ولكنه غلط على الحاكم كما أوضحته في الكلام على علوم الحديث
وقوله الصدوق قيد لا بد منه والا فمقابله وهو الكذوب لا يحتج به اتفاقا واما من لم يعرف حاله
فثالثها يجوز ان اعتضد وقوله والفرائض بعد قوله في الاذان والصلاة والصوم من عطف العام
197

على الخاص وأفرد الثلاثة بالذكر للاهتمام بها قال الكرماني ليعلم أنما هو في العمليات لا في
الاعتقاديات والمراد بقبول خبره في الاذان انه إذا كان مؤتمنا فأذن تضمن دخول الوقت فجازت
صلاة ذلك الوقت وفي الصلاة الاعلام بجهة القبلة وفي الصوم الاعلام بطلوع الفجر أو غروب
الشمس وقوله والاحكام بعد قوله والفرائض من عطف العام على عام أخص منه لان الفرائض
فرد من الاحكام (قوله وقول الله تعالى فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة الآية) وقع في رواية
كريمة سياق الآية إلى قوله يحذرون وهو المراد بقوله في رواية غيرها الآية وهذا مصير منه إلى
أن لفظ طائفة يتناول الواحد فما فوقه ولا يختص بعدد معين وهو منقول عن ابن عباس وغيره
كالنخعي ومجاهد نقله الثعلبي وغيره وعن عطاء وعكرمة وابن زيد أربعة وعن ابن عباس
أيضا من أربعة إلى أربعين وعن الزهري ثلاثة وعن الحسن عشرة وعن مالك أقل الطائفة
أربعة كذا أطلق ابن التين ومالك انما قاله فيمن يحضر رجم الزاني وعن ربيعة خمسة وقال
الراغب لفظ طائفة يراد بها الجمع والواحد طائف ويراد بها الواحد فيصح ان يكون كرواية
وعلامة ويصح ان يراد به الجمع وأطلق على الواحد وقال عطاء الطائفة اثنان فصاعدا وقواه
أبو إسحاق الزجاج بأن لفظ طائفة يشعر بالجماعة وأقلها اثنان وتعقب بأن الطائفة في اللغة
القطعة من الشئ فلا يتعين فيه العدد وقرر بعضهم الاستدلال بالآية الأولى على وجه آخر فقال
لما قال فلولا نفر من كل فرقة وكان أقل الفرقة ثلاثة وقد علق النفر بطائفة منهم فأقل من ينفر
واحد ويبقى اثنان وبالعكس (قوله ويسمى الرجل طائفة لقوله تعالى وان طائفتان من
المؤمنين اقتتلوا فلو اقتتل رجلان) في رواية الكشميهني (الرجلان دخلا في معنى الآية) وهذا
الاستدلال سبقه إلى الحجة به الشافعي وقبله مجاهد ولا يمنع ذلك قوله وليشهد عذابهما طائفة من
المؤمنين لكون سياقه يشعر بان المراد أكثر من واحد لأنا لم نقل ان الطائفة لا تكون الا واحدا
(قوله وقوله إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) وجه الدلالة منها يؤخذ من مفهومي الشرط والصفة
فإنهما يقتضيان قبول خبر الواحد وهذا الدليل يورد للتقوى لا للاستقلال لان المخالف قد
لا يقول بالمفاهيم واحتج الأئمة أيضا بآيات أخرى وبالأحاديث المذكورة في الباب واحتج من
منع بأن ذلك لا يفيد الا الظن وأجيب بأن مجموعها يفيد القطع كالتواتر المعنوي وقد شاع فاشيا
عمل الصحابة والتابعين بخبر الواحد من غير نكير فاقتضى الاتفاق منهم على القبول ولا يقال لعلهم
عملوا بغيرها أو عملوا بها لكنها أخبار مخصوصة بشئ مخصوص لأنا نقول العلم حاصل من سياقها
بأنهم انما عملوا بها لظهورها لا لخصوصها (قوله وكيف بعث النبي صلى الله عليه وسلم أمراءه واحدا
بعد واحد فان سهى أحد منهم رد إلى السنة) سيأتي في أواخر الكلام على خبر الواحد باب ما كان
النبي صلى الله عليه وسلم يبعث من الامراء والرسل واحدا بعد واحد فزاد فيه بعث الرسل والمراد
بقوله واحدا بعد واحد تعدد الجهات المبعوث إليها بتعدد المبعوثين وحمله الكرماني على ظاهره
فقال فائدة بعث الآخر بعد الأول ليرده إلى الحق عند سهوه ولا يخرج بذلك عن كونه خبر واحد
وهو استدلال قوي لثبوت خبر الواحد من فعله صلى الله عليه وسلم لان خبر الواحد لو لم يكف
قبوله ما كان في إرساله معنى وقد نبه عليه الشافعي أيضا كما سأذكره وأيده بحديث ليبلغ الشاهد
الغائب وهو في الصحيحين وبحديث نضر الله امرأ سمع مني حديثا فأداه وهو في السنن واعترض
198

بعض المخالفين بأن ارسالهم انما كان لقبض الزكاة والفتيا ونحو ذلك وهي مكابرة فان العلم حاصل
بإرسال الامراء لأعم من قبض الزكاة وابلاغ الاحكام وغير ذلك ولو لم يشتهر من ذلك الا تأمير
معاذ بن جبل وأمره له وقوله له انك تقدم على قوم أهل كتاب فأعلمهم ان الله فرض عليهم الخ
والاخبار طافحة بان أهل كل بلد منهم كانوا يتحاكمون إلى الذي أمر عليهم فيقبلون خبره
ويعتمدون عليه من غير التفات إلى قرينة وفي أحاديث هذا الباب كثير من ذلك واحتج بعض
الأئمة بقوله تعالى يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك مع أنه كان رسولا إلى الناس كافة ويجب
عليه تبليغهم فلو كان خبر الواحد غير مقبول لتعذر ابلاغ الشريعة إلى الكل ضرورة لتعذر
خطاب جميع الناس شفاها وكذا تعذر إرسال عدد التواتر إليهم وهو مسلك جيد ينضم إلى
ما احتج به الشافعي ثم البخاري واحتج من رد خبر الواحد بتوقفه صلى الله عليه وسلم في قبول خبر
ذي اليدين ولا حجة فيه لأنه عارض علمه وكل خبر واحد إذا عارض العلم لم يقبل وبتوقف أبي بكر
وعمر في حديثي المغيرة في الجدة وفي ميراث الجنين حتى شهد بهما محمد بن مسلمة وبتوقف عمر في خبر
أبي موسى في الاستئذان حتى شهد له أبو سعيد وبتوقف عائشة في خبر ابن عمر في تعذيب الميت
ببكاء الحي وأجيب بأن ذلك انما وقع منهم اما عند الارتياب كما في قصة أبي موسى فإنه أورد الخبر عند
إنكار عمر عليه رجوعه بعد الثلاث وتوعده فأراد عمر الاستثبات خشية ان يكون دفع بذلك عن
نفسه وقد أوضحت ذلك بدلائله في كتاب الاستئذان واما عند معارضة الدليل القطعي كما في إنكار
عائشة حيث استدلت بقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى وهذا كله انما يصح ان يتمسك به من
يقول لا بد من اثنين عن اثنين والا فمن يشترط أكثر من ذلك فجميع ما ذكر قبل عائشة حجة عليه
لانهم قبلوا الخبر من اثنين فقط ولا يصل ذلك إلى التواتر والأصل عدم وجود القرينة إذ لو كانت
موجودة ما احتيج إلى الثاني وقد قبل أبو بكر خبر عائشة في أن النبي صلى الله عليه وسلم مات يوم
الاثنين وقبل عمر خبر عمرو بن حزم في أن دية الأصابع سواء وقبل خبر الضحاك بن سفيان في
توريث المرأة من دية زوجها وقبل خبر عبد الرحمن بن عوف في أمر الطاعون وفي أخذ الجزية
من المجوس وقبل خبر سعد بن أبي وقاص في المسح على الخفين وقبل عثمان خبر الفريعة بنت
سنان أخت أبي سعيد في إقامة المعتمدة عن الوفاة في بيتها إلى غير ذلك ومن حيث النظر ان الرسول
عليه الصلاة والسلام بعث لتبليغ الاحكام وصدق خبر الواحد ممكن فيجب العمل به احتياطا
وان إصابة الظن بخبر الصدوق غالبة ووقوع الخطأ فيه نادر فلا تترك المصلحة الغالبة خشية
المفسدة النادرة وان مبنى الاحكام على العمل بالشهادة وهي لا تفيد القطع بمجردها وقد رد بعض
من قبل خبر الواحد ما كان منه زائدا على القرآن فتعقب بأنهم قبلوه في وجوب غسل المرفق في
الوضوء وهو زائد وحصول عمومه بخبر الواحد كنصاب السرقة ورده بعضهم بما تعم به البلوى
وفسروا ذلك بما يتكرر وتعقب بأنهم عملوا به في مثل ذلك كايجاب الوضوء بالقهقهة في الصلاة
وبالقئ والرعاف وكل هذا مبسوط في أصول الفقه اكتفيت هنا بالإشارة إليه وجملة ما ذكره
المصنف هنا اثنان وعشرون حديثا * الحديث الأول حديث مالك بن الحويرث بمهملة ومثلثة
مصغر ابن حشيش بمهملة ومعجمتين وزن عظيم ويقال ابن أشيم بمعجمة وزن أحمر من بني سعد بن ليث
ابن بكر بن عبد مناة بن كنانة حجازي سكن البصرة ومات بها سنة أربع وسبعين بتقديم السين
199

على الصواب (قوله عبد الوهاب) هو ابن عبد المجيد الثقفي وأيوب هو السختياني والسند كله
بصريون (قوله أتينا النبي صلى الله عليه وسلم) أي وافدين عليه سنة الوفود وقد ذكر ابن سعد
ما يدل على أن وفادة بني ليث رهط مالك بن الحويرث المذكور كانت قبل غزوة تبوك وكانت تبوك
في شهر رجب سنة تسع (قوله ونحن شببة) بمعجمة وموحدتين وفتحات جمع شاب وهو من كان
دون الكهولة وتقدم بيان أول الكهولة في كتاب الأحكام وفي رواية وهيب في الصلاة أتيت
النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومي والنفر عدد لا واحد له من لفظه وهو من ثلاثة إلى عشرة
ووقع في رواية في الصلاة أنا وصاحب لي وجمع القرطبي باحتمال تعدد الوفادة وهو ضعيف لان
مخرج الحديثين واحد والأصل عدم التعدد والأولى في الجمع انهم حين اذن لهم في السفر كانوا
جميعا فلعل مالكا ورفيقه عادا إلى توديعه فأعاد عليها ما بعض ما أوصاهم به تأكيدا وأفاد ذلك
زيادة بيان أقل ما تنعقد به الجماعة (قوله متقاربون) أي في السن بل في أعم منه فقد وقع عند أبي
داود من طريق مسلمة بن محمد عن خالد الحذاء وكنا يومئذ متقاربين في العلم ولمسلم كنا متقاربين في
القراءة ومن هذه الزيادة يؤخذ الجواب عن كونه قدم الاسن فليس المراد تقديمه على الاقرا بل
في حال الاستواء في القراءة ولم يستحضر الكرماني هذه الزيادة فقال يؤخذ استواؤهم في القراءة
من القصة لانهم أسلموا وهاجروا معا وصحبوا ولازموا عشرين ليلة فاستووا في الاخذ وتعقب
بأن ذلك لا يستلزم الاستواء في العلم للتفاوت في الفهم إذ لا تنصيص على الاستواء (قوله رقيقا)
بقافين وبفاء ثم قاف ثبت ذلك عند رواة البخاري على الوجهين وعند رواة مسلم بقافين فقط
وهما متقاربان في المعنى المقصود هنا (قوله اشتهينا أهلنا) في رواية الكشميهني أهلينا بكسر
اللام وزيادة ياء وهو جمع أهل ويجمع مكسرا على أهال بفتح الهمزة مخففا ووقع في رواية في
الصلاة اشتقنا إلى أهلنا بدل اشتهينا أهلنا وفي رواية وهيب فلما رأى شوقنا إلى أهلنا والمراد
بأهل كل منهم زوجته أو أعم من ذلك (قوله سألنا) بفتح اللام أي النبي صلى الله عليه وسلم سأل
المذكورين (قوله ارجعوا إلى أهليكم) انما أذن لهم في الرجوع لان الهجرة كانت قد انقطعت
بفتح مكة فكانت الإقامة بالمدينة باختيار الوافد فكان منهم من يسكنها ومنهم من يرجع بعد أن
يتعلم ما يحتاج إليه (قوله وعلموهم ومروهم) بصيغة الامر ضد النهي والمراد به أعم من ذلك لان
النهي عن الشئ أمر بفعل خلاف ما نهى عنه اتفاقا وعطف الامر على التعليم لكونه أخص
منه أو هو استئناف كأن سائلا قال ماذا نعلمهم فقال مروهم بالطاعات وكذا وكذا ووقع في
رواية حماد بن زيد عن أيوب كما تقدم في أبواب الإمامة مروهم فليصلوا صلاة كذا في حين كذا
وصلاة كذا في حين كذا فعرف بذلك المأمور المبهم في رواية الباب ولم أر في شئ من الطرق بيان
الأوقات في حديث مالك بن الحويرث فكأنه ترك ذلك لشهرتها عندهم (قوله وذكر أشياء
أحفظها ولا أحفظها) قائل هذا هو أبو قلابة راوي الخبر ووقع في رواية أخرى أو لا أحفظها
وهو للتنويع لا للشك (قوله وصلوا كما رأيتموني أصلي) أي ومن جملة الأشياء التي يحفظها أبو
قلابة عن مالك صلى الله عليه وسلم هذا وقد تقدم في رواية وهيب وصلوا فقط ونسب إلى
الاختصار وتمام الكلام هو الذي وقع هنا وقد تقدم أيضا تاما في رواية إسماعيل بن علية في كتاب
الأدب قال ابن دقيق العيد استدل كثير من الفقهاء في مواضع كثيرة على الوجوب بالفعل مع
200

هذا القول وهو صلوا كما رأيتموني أصلي قال وهذا إذا أخذ مفردا عن ذكر سببه وسياقه أشعر بأنه
خطاب للأمة بأن يصلوا كما كان يصلي فيقوى الاستلال به على كل فعل ثبت لأنه فعله في الصلاة
ولكن هذا الخطاب انما وقع لمالك بن الحويرث وأصحابه بأن يوقعوا الصلاة على الوجه الذي رأوه
صلى الله عليه وسلم يصليه نعم يشاركهم في الحكم جميع الأمة بشرط ان يثبت استمراره صلى الله
عليه وسلم على فعل ذلك الشئ المستدل به دائما حتى يدخل تحت الامر ويكون واجبا وبعض
ذلك مقطوع باستمراره عليه واما ما لم يدل دليل على وجوده في تلك الصلوات التي تعلق الامر
بايقاع الصلاة على صفتها فلا نحكم بتناول الامر له والله أعلم (قوله فإذا حضرت الصلاة) أي
دخل وقتها (قوله فليؤذن لكم أحدكم) هو موضع الترجمة وقد تقدم سائر شرحه في أبواب
الاذان وفي أبواب الإمامة بعون الله تعالى * الحديث الثاني (قوله عن يحيى) هو ابن سعيد القطان
والتيمي هو سليمان بن طرخان وأبو عثمان هو النهدي والسند كله إلى ابن مسعود بصريون وقوله
وليس الفجر أن يقول هكذا وجمع يحيى كفيه يحيى هو القطان راويه وقد تقدم في باب الاذان قبل
الفجر من أبواب الاذان من طريق زهير بن معاوية على سليمان وفيه وليس الفجر ان تقول هكذا
وقال بأصبعيه إلى فوق وبينت هناك ان أصل الرواية بالإشارة المقرونة بالقول وان الرواة عن
سليمان تصرفوا في حكاية الإشارة واستوفيت هناك الكلام على شرحه بحمد الله تعالى وقوله
فيه من سحوره وقع في بعض النسخ من سجوده بجيم ودال وهو تحريف * الحديث الثالث
حديث ابن عمر في نداء بلال بليل وقد تقدم شرحه مستوفى في الباب المذكور أيضا * الحديث
الرابع حديث عبد الله وهو ابن مسعود في صلاته صلى الله عليه وسلم بهم خمسا والحكم في السند
هو ابن عتيبة بمثناة ثم موحدة مصغر وإبراهيم هو النخعي وعلقمة هو ابن قيس وقوله فقيل له
أزيد في الصلاة تقدم ان قائل ذلك جماعتهم وانه بعد أن سلم تسارروا فقال ما شأنكم قالوا يا رسول
الله هل زيد في الصلاة ولم أقف على تعيين المخاطب له بذلك وقد تقدمت سائر مباحثه هناك بحمد
الله تعالى قال ابن التين بوب لخبر الواحد وهذا الخبر ليس بظاهر فيما ترجم له لان المخبرين له بذلك
جماعة انتهى وسيأتي جوابه في الكلام على الحديث الذي بعده * الحديث الخامس حديث
أبي هريرة في قصة ذي اليدين في سجود السهو ومحمد في السند هو ابن سيرين وفيه فقال له ذو اليدين
أقصرت الصلاة وفيه فقال أصدق ذو اليدين فقال الناس نعم وقد تقدم شرحه في أبواب سجود
السهو أيضا ووجه إيراد هذا الحديث والذي قبله في إجازة خبر الواحد التنبيه على أنه صلى الله
عليه وسلم انما لم يقنع في الاخبار بسهوه بخبر واحد لأنه عارض فعل نفسه فلذلك استفهم في قصة
ذي اليدين فلما أخبره الجم الغفير بصدقه رجع إليهم وفي القصة التي قبلها أخبروه كلهم وهذا
على طريقة من يرى رجوع الامام في السهو إلى أخبار من يفيد خبره العلم عنده وهو رأى البخاري
ولذلك أورد الخبرين هنا بخلاف من يحمل الامر على أنه تذكر فلا يتجه إيراده في هذا المحل
والعلم عند الله وقال الكرماني لم يخرج عن كونه خبر الواحد وإن كان قد صار يفيد العلم بسبب
ما حفه من القرائن وقال غيره انما استثبت النبي صلى الله عليه وسلم في خبر ذي اليدين لأنه انفرد
201

دون من صلى معه بما ذكر مع كثرتهم فاستبعد حفظه دونهم وجوز عليه الخطأ ولا يلزم من ذلك
رد خبر الواحد مطلقا * الحديث السادس حديث ابن عمر في تحويل القبلة وقد تقدم شرحه في
أبواب استقبال القبلة في أوائل كتاب الصلاة والحجة منه بالعمل بخبر الواحد ظاهرة لان الصحابة
الذين كانوا يصلون إلى جهة بيت المقدس تحولوا عنه بخبر الذي قال لهم ان النبي صلى الله عليه
وسلم أمر ان يستقبل الكعبة فصدقوا خبره وعملوا به في تحولهم عن جهة بيت المقدس وهي
شامية إلى جهة الكعبة وهي يمانية على العكس من التي قبلها واعترض بعضهم بأن خبر
المذكور أفادهم العلم بصدقه لما عندهم من قرينة ارتقاب النبي صلى الله عليه وسلم وقوع ذلك
لتكرر دعائه به والبحث انما هو في خبر الواحد إذا تجرد عن القرينة والجواب انه إذا سلم انهم
اعتمدوا على خبر الواحد كفى في صحة الاحتجاج به والأصل عدم القرينة وأيضا فليس العمل بالخبر
المحفوف بالقرينة متفقا عليه فيصح الاحتجاج به على من اشترط العدد وأطلق وكذا من اشترط
القطع وقال إن خبر الواحد لا يفيد الا الظن ما لم يتواتر * الحديث السابع حديث البراء بن عازب
في تحويل القبلة أيضا وقد تقدم شرحه في كتاب العلم وفي أبواب استقبال القبلة أيضا وبينت
هناك ان الراجح ان الذي أخبر في حديث البراء بالتحويل لم يعرف اسمه ويحيى شيخ البخاري فيه
هو ابن موسى البلخي وإسرائيل هو ابن يونس وأبو إسحاق هو السبيعي وهو جد إسرائيل المذكور
* الحديث الثامن حديث أنس كنت أسقي أبا طلحة وأبا عبيدة بن الجراح الحديث وفيه فجاءهم
آت فقال إن الخمر قد حرمت وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الأشربة وان الآتي المذكور
لم يسم وان من جملة ما ورد في بعض طرقه فوالله ما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل وهو
حجة قوية في قبول خبر الواحد لانهم أثبتوا به نسخ الشئ الذي كان مباحا حتى أقدموا من أجله
على تحريمه والعمل بمقتضى ذلك * الحديث التاسع حديث حذيفة وأبو إسحاق في السند هو
السبيعي وشيخه صلة بكسر المهملة وتخفيف اللام هو ابن زفر يكنى أبا العلاء كوفي عبسي
بالموحدة من رهط حذيفة (قوله قال لأهل نجران) تقدم بيانه في أواخر المغازي مع شرحه
وقوله استشرف بمعجمة بعد مهملة أي تطلعوا إليها ورغبوا فيها بسبب الوصف المذكور
* الحديث العاشر حديث أنس لكل أمة أمين تقدم أيضا مع الذي قبله * الحديث الحادي عشر
حديث عمر كان رجل من الأنصار تقدم بيان اسمه في كتاب العلم والقدر المذكور هنا طرف من
حديث ساقه بتمامه في تفسير سورة التحريم ويستفاد منه ان عمر كان يقبل خبر الشخص الواحد
وقوله وإذا غبت وشهد في رواية الكشميهني والمستملي وشهده أي حضر ما يكون عند النبي
صلى الله عليه وسلم وقد نقل بعض العلماء لقبول خبر الواحد ان كل صاحب وتابع سئل عن نازلة
في الدين فأخبر السائل بما عنده فيها من الحكم انه لم يشترط عليه أحد منهم ان لا يعمل بما أخبره به
202

من ذلك حتى يسأل غيره فضلا عن أن يسأل الكواف بل كان كل منهم يخبره بما عنده فيعمل
بمقتضاه ولا ينكر عليه ذلك فدل على اتفاقهم على وجوب العمل بخبر الواحد * الحديث الثاني
عشر حديث علي (قوله وأمر عليهم رجلا) هو عبد الله بن حذافة وقد تقدم شرحه مستوفى في
أواخر المغازي وتقدم القول في وجوب طاعة الأمير فيما فيه طاعة لا فيما فيه معصية في أوائل
الاحكام وقوله فيه لا طاعة في المعصية في رواية الكشميهني في معصية وخفيت مطابقة هذا
الحديث للترجمة علي ابن التين فقال ليس فيه ما بوب له لانهم لم يطيعوه في دخول النار (قلت)
لكنهم كانوا مطيعين له في غير ذلك وبه يتم المراد * الحديث الثالث عشر حديث أبي هريرة وزيد
ابن خالد في قصة العسيف أورده من رواية صالح وهو ابن كيسان ومن رواية شعبة وهو ابن أبي
حمزة كلاهما عن الزهري ويعقوب بن إبراهيم في السند الأول هو ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم
ابن عبد الرحمن بن عوف وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب المحاربين وبينت فيه الذي قال
والعسيف الأجير وانه مدرج في هذه الطريق قال ابن القيم في الرد على من رد خبر الواحد إذا
كان زائدا على القرآن ما ملخصه السنة مع القرآن على ثلاثة أوجه أحدها ان توافقه من كل
وجه فيكون من توارد الأدلة ثانيها أن تكون بيانا لما أريد بالقرآن ثالثها أن تكون دالة على
حكم سكت عنه القرآن وهذا الثالث يكون حكما مبتدأ من النبي صلى الله عليه وسلم فتجب
طاعته فيه ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يطاع الا فيما وافق القرآن لم تكن له طاعة خاصة
وقد قال تعالى من يطع الرسول فقد أطاع الله وقد تناقض من قال أنه لا يقبل الحكم الزائد
على القرآن الا إن كان متواترا أو مشهورا فقد قالوا بتحريم المرأة على عمتها وخالتها وتحريم
ما يحرم من النسب بالرضاعة وخيار الشرط والشفعة والرهن في الحضر وميراث الجدة
وتخيير الأمة إذا عتقت ومنع الحائض من الصوم والصلاة ووجوب الكفارة على من جامع
وهو صائم في رمضان ووجوب احداد المعتدة عن الوفاة وتجويز الوضوء بنبيذ التمر وايجاب
الوتر وأن أقل الصداق عشرة دراهم وتوريث بنت الابن السدس مع البنت واستبراء المسببة
بحيضة وأن أعيان بني الام يتوارثون ولا يقاد الوالد بالولد وأخذ الجزية من المجوس وقطع
رجل السارق في الثانية وترك الاقتصاص من الجرح قبل الاندمال والنهي عن بيع الكالئ
بالكالئ وغيرها مما يطول شرحه وهذه الأحاديث كلها آحاد وبعضها ثابت وبعضها غير ثابت
ولكنهم قسموها إلى ثلاثة أقسام ولهم في ذلك تفاصيل يطول شرحها ومحل بسطها أصول
الفقه وبالله التوفيق * (قوله باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم الزبير طليعة وحده)
ذكر فيه حديث جابر وهو الحديث الرابع عشر من أجاز خبر الواحد وقد تقدم شرحه في
كتاب الجهاد وقوله حفظته من ابن المنكدر يعني محمدا وقال له أيوب يعني السختياني يا أبا بكر
203

هي كنية محمد بن المنكدر ويكنى أيضا أبا عبد الله وله أخ آخر يقال له أبو بكر بن المنكدر اسمه
كنيته وقوله ندب أي دعا وطلب وقوله انتدب أي أجاب فأسرع وقوله فتتابع كذا لهم بمثناتين
وللكشميهني فتابع بتاء واحدة وقوله بين أحاديث في رواية الكشميهني أربعة أحاديث (قوله
قلت لسفيان) يعني ابن عيينة والقائل هو علي بن المديني شيخ البخاري فيه (قوله فإن الثوري
يقول يوم قريظة) قلت لم أره عند أحد ممن أخرجه من رواية سفيان الثوري عن محمد بن
المنكدر بلفظ يوم قريظة الا عند ابن ماجة فإنه أخرجه عن علي بن محمد عن وكيع كذلك فلعل
ابن المديني حمله عن وكيع فقال وقد أخرجه البخاري في الجهاد عن أبي نعيم وفي المغازي عن محمد
ابن كثير وأخرجه مسلم في المناقب وابن ماجة من طريق وكيع والترمذي من رواية أبي داود
الحفري ومسلم أيضا والنسائي من رواية أبي أسامة كلهم عن سفيان الثوري بهذه القصة فاما
مسلم فلم يسق لفظه بل أحال به على رواية سفيان بن عيينة واما البخاري فقال في كل منهما يوم
الأحزاب وكذا الباقون ووقع في رواية هشام بن عروة عن ابن المنكدر عن جابر ان النبي صلى
الله عليه وسلم قال يوم الخندق من يأتيني بخبر بني قريظة فلعل هذا سبب الوهم ثم وجدت
الإسماعيلي نبه على ذلك فقال انما طلب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق خبر بني قريظة
ثم ساق من طريق فليح بن سليمان عن محمد بن المنكدر عن جابر قال ندب رسول الله صلى الله عليه
وسلم يوم الخندق من يأتيه بخبر بني قريظة قال فالحديث صحيح يعني تحمل رواية من قال يوم
قريظة أي اليوم الذي أراد ان يعلم فيه خبرهم لا اليوم الذي غزاهم فيه وذلك مراد سفيان
بقوله انه يوم واحد (قوله قال سفيان) هو ابن عيينة (هو يوم واحد) يعني يوم الخندق ويوم
قريظة وهذا انما يصح على إطلاق اليوم على الزمان الذي يقع فيه الامر الكبير سواء قلت أيامه
أو كثرت كما يقال يوم الفتح ويراد به الأيام اللتي أقام فيها النبي صلى الله عليه وسلم بمكة لما فتحها
وكذا وقعة الخندق دامت أياما آخرها لما انصرفت الأحزاب ورجع النبي صلى الله عليه
وسلم وأصحابه إلى منازلهم جاءه جبريل عليه السلام بين الظهر والعصر فأمره بالخروج إلى بني
قريظة فخرجوا وقال لا يصلين أحد العصر الا في بني قريظة ثم حاصرهم أياما حتى نزلوا على حكم
سعد بن معاذ وقد تقدم جميع ذلك مبينا في كتاب المغازي * (قوله باب قول الله
لا تدخلوا بيوت النبي الا أن يؤذن لكم) كذا للجميع (قوله فإذا أذن له واحد جاز) وجه
الاستدلال به انه لم يقيده بعدد فصار الواحد من جملة ما يصدق عليه وجود الاذن وهو متفق على
العمل به عند الجمهور حتى اكتفوا فيه بخبر من لم تثبت عدالته لقيام القرينة فيه بالصدق ثم ذكر فيه
حديثين أحدهما حديث أبي موسى في استئذانه على النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في الحائط
لأبي بكر ثم لعمر ثم لعثمان وفي كل منهما قال أئذن له وهو الحديث الخامس عشر والثاني حديث
عمر في قصة المشربة وفيه فقلت أي للغلام الأسود قل هذا عمر بن الخطاب فأذن لي وهو طرف من
حديث طويل تقدم في تفسير سورة التحريم وهو السادس عشر وأراد البخاري ان صيغة
يؤذن لكم على البناء للمجهول تصح للواحد فما فوقه وان الحديث الصحيح بين الاكتفاء بالواحد
على مقتضى ما تناوله لفظ الآية فيكون فيه حجة لقبول خبر الواحد وقد تقدم شرح حديث يا أبي
موسى في المناقب وتقدم شرح ما يتعلق بآية الاستئذان مستوعبا في تفسير سورة الأحزاب
204

وقال ابن التين قوله هنا في حديث أبي موسى وأمرني بحفظ الباب مغاير لقوله في الرواية الماضية
ولم يأمرني بحفظه فأحدهما وهم (قلت) بل هما جميعا محفوظان فالنفي كان في أول ما جاء فدخل
النبي صلى الله عليه وسلم الحائط فجلس أبو موسى في الباب وقال لأكونن اليوم بواب النبي صلى
الله عليه وسلم فقوله ولم يأمرني بحفظه كان في تلك الحالة ثم لما جاء أبو بكر واستأذن له فأمره ان
يأذن له أمره حينئذ بحفظ الباب تقريرا له على ما فعله ورضا به اما تصريحا فيكون الامر له بذلك
حقيقة واما لمجرد التقرير فيكون الامر مجازا وعلى الاحتمالين لا وهم وقد تقدم له توجيه آخر في
مناقب أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه * (قوله باب ما كان يبعث النبي صلى الله
عليه وسلم من الامراء والرسل واحدا بعد واحد) تقدم بيانه في أول هذه الأبواب مجملا وقد سبق
إلى ذلك أيضا الشافعي فقال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سراياه وعلى كل سرية واحد
وبعث رسله إلى الملوك إلى كل ملك واحد ولم تزل كتبه تنفذ إلى ولاته بالامر والنهي فلم يكن
أحد من ولاته يترك انفاذ أمره وكذا كان الخلفاء بعده انتهى فاما أمراء السرايا فقد استوعبهم
محمد بن سعد في الترجمة النبوية وعقد لهم بابا سماهم فيه على الترتيب واما أمراء البلاد التي فتحت
فإنه صلى الله عليه وسلم أمر على مكة عتاب بن أسيد وعلى الطائف عثمان بن أبي العاص وعلى
البحرين العلاء بن الحضرمي وعلى عمان عمرو بن العاص وعلى نجران أبا سفيان بن حرب وأمر
على صنعاء وسائر جبال اليمن باذان ثم ابنه شهر وفيروز والمهاجر بن أبي أمية وأبان بن سعيد بن
العاص وأمر على السواحل أبا موسى وعلى الجند وما معها معاذ بن جبل وكان كل منهما
يقضي في عمله ويسير فيه وكانا ربما التقيا كما تقدم وأمر أيضا عمرو بن سعيد بن العاص على
وادي القرى ويزيد بن أبي سفيان على تيماء وثمامة بن أثال على اليمامة فأما أمراء السرايا
والبعوث فكانت أمرتهم تنتهي بانتهاء تلك الغزوة وأما أمراء القرى فإنهم استمروا فيها ومن
أمرائه أبو بكر على الحج سنة تسع وعلي لقسمة الغنيمة وافراد الخمس باليمن وقراءة سورة براءة
على المشركين في حجة أبي بكر وأبو عبيدة لقبض الجزية من البحرين و عبد الله بن رواحة
لخرص خيبر إلى أن استشهد في غزوة مؤتة ومنهم عماله لقبض الزكوات كما تقدم قريبا في قصة
ابن اللتبية واما رسله إلى الملوك فسمى منهم دحية وعبد الله بن حذافة وهما في هذه الترجمة
وأخرج مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث رسله إلى الملوك يعني الذين كانوا في عصره (قلت)
وقد استوعبهم محمد بن سعد أيضا وأفردهم بعض المتأخرين في جزء تتبعهم من أسد الغابة لابن
الأثير ثم ذكر فيه ثلاثة أحاديث * الأول (قوله وقال ابن عباس بعث النبي صلى الله عليه وسلم
دحية الكلبي بكتابه إلى عظيم بصرى أن يدفعه إلى قيصر) هو طرف من الحديث الطويل
المذكور في بدء الوحي وتقدم شرحه هناك وتسميته عظيم بصرى وكيفية إرساله الكتاب المذكور
إلى هرقل وهذا التعليق ثبت في رواية الكشميهني وحده هنا * الحديث الثاني (قوله يونس) هو ابن
يزيد الأيلي (قوله بعث بكتابه إلى كسرى فأمره ان يدفعه إلى عظيم البحرين) كذا هنا والضمير
في قوله فأمره للمبعوث الذي دل عليه قوله بعث وقد تقدم في أواخر المغازي وان الرسول عبد
الله بن حذافة السهمي الذي تقدمت قصته قريبا في السرية وقوله فحسبت ان ابن المسيب
القائل هو ابن شهاب كما تقدم بيانه هناك (قوله إن يمزقوا كل ممزق) فيه تلميح بما أخبر الله تعالى انه
205

فعل بأهل سبأ وأجاب الله تعالى هذه الدعوة فسلط شيرويه على والده كسرى أبرويز الذي مزق
الكتاب فقتله وملك بعده فلم يبقى الا يسيرا حتى مات والقصة مشهورة * (تنبيه) * وقع للزركشي
هنا خبط فإنه قال عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى كذا وقع
في الأمهات ولم يذكر فيه دحية بعد قوله بعث والصواب إثباته وقد ذكره في رواية الكشميهني
تعليقا فقال قال ابن عباس بعث النبي صلى الله عليه وسلم دحية بكتابه إلى عظيم بصرى وان يدفعه
إلى قيصر وهو الصواب انتهى وكأنه توهم ان القصتين واحدة وحمله على ذلك كونهما من
رواية ابن عباس والحق ان المبعوث لعظيم بصرى هو دحية والمبعوث لعظيم البحرين وان لم يسم
في هذه الرواية فقد سمي في غيرها وهو عبد الله بن حذافة ولم يكن في الدليل على المغايرة بينهما الا
ما بعد ما بين بصرى والبحرين فان بينهما نحو شهر وبصرى كانت في مملكة هرقل ملك الروم والبحرين
كانت في مملكة كسرى ملك الفرس وانما نبهت على ذلك مع وضوحه خشية أن يغتر به من
ليس له اطلاع على ذلك * الحديث الثالث حديث سلمة بن الأكوع في صيام يوم عاشوراء وقد
تقدم شرحه في كتاب الصيام ويحيى المذكور في السند هو ابن سعيد القطان والرجل من أسلم هو
هند بن أسماء بن حارثة كما تقدم والله أعلم * (قوله باب وصاة النبي صلى الله عليه وسلم
وفود العرب ان يبلغوا من وراءهم) الوصاة بالقصر بمعنى الوصية والواو مفتوحة ويجوز كسرها
وقد تقدم بيان ذلك في أوائل كتاب الوصايا وذكر فيه حديثين * أحدهما (قوله قاله مالك بن
الحويرث) يشير إلى حديثه المذكور قريبا أول هذه الأبواب * الثاني (قوله وحدثني إسحاق) هو
ابن راهويه كذا ثبت في رواية أبي ذر فاغنى عن تردد الكرماني هل هو إسحاق بن منصور أو ابن
إبراهيم والنضر هو ابن شميل وأبو جمرة بالجيم (قوله كان ابن عباس يقعدني على سريره) قد تقدم
السبب في ذلك في باب ترجمان الحاكم وانه كان يترجم بينه وبين الناس لما يستفتونه ووقع في
رواية إسحاق بن راهويه في مسنده ان النضر بن شميل وعبد الله بن إدريس قالا حدثنا شعبة
فذكره وفيه يجلسني معه على السرير فأترجم بينه وبين الناس (قوله إن وفد عبد القيس) تقدم
شرح قصتهم في كتاب الايمان ثم في كتاب الأشربة والغرض منه قوله في آخره احفظوهن
وأبلغوهن من وراءكم فان الامر بذلك يتناول كل فرد فلولا ان الحجة تقوم بتبليغ الواحد ما حضهم
عليه * (قوله باب خبر المرأة الواحدة) ذكر فيه حديث ابن عمرو به وبما في البابين قبله
تكمل الأحاديث اثنين وعشرين حديثا (قوله عن توبة) بمثناة مفتوحة وسكون الواو بعدها
موحدة هو ابن كيسان يسمى أبا المورع بتشديد الراء والاهمال والعنبري بفتح المهملة والموحدة
بينهما نون ساكنة نسبة إلى بني العنبر بطن شهير من بني تميم (قوله أرأيت حديث الحسن) أي
البصري والرؤيا هنا بصرية والاستفهام للانكار كان الشعبي ينكر على من يرسل الأحاديث عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم إشارة إلى أن الحامل لفاعل ذلك طلب الاكثار من التحديث عنه
والا لكان يكتفي بما سمعه موصولا وقال الكرماني مراد الشعبي ان الحسن مع كونه تابعيا كان
يكثر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن عمر مع كونه صحابيا يحتاط ويقل من ذلك مهما
أمكن (قلت) وكأن ابن عمر اتبع رأي أبيه في ذلك فإنه كان يحض على قلة التحديث عن النبي
صلى الله عليه وسلم لوجهين أحدهما خشية الاشتغال عن تعلم القرآن وتفهم معانيه والثاني
206

خشية ان يحدث عنه بما لم يقله لانهم لم يكونوا يكتبون فإذا طال العهد لم يؤمن النسيان وقد
أخرج سعيد بن منصور بسند آخر صحيح عن الشعبي عن قرظة بن كعب عن عمر قال أقلوا الحديث
عن النبي صلى الله عليه وسلم وانا شريككم وتقدم شئ مما يتعلق بهذا في كتاب العلم وقوله
وقاعدت ابن عمر الجملة حالية والمراد انه جلس معه المدة المذكورة وقوله قريبا من سنتين أو سنة
ونصف ووقع عند ابن ماجة من طريق عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي قال جالست ابن عمر
سنة فيجمع بأن مدة مجالسته كانت سنة وكسرا فألغى الكسر تارة وجبره أخرى وكان الشعبي جاور
بالمدينة أو بمكة والا فهو كوفي وابن عمر لم تكن له إقامة بالكوفة (قوله فلم أسمعه يحدث عن النبي
صلى الله عليه وسلم غير هذا) أشار إلى الحديث الذي يريد ان يذكره وكأنه استحضره بذهنه إذ ذاك
(قوله كان ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم سعد فذهبوا يأكلون من لحم) هكذا
أورد القصة مختصرة وأوردها في الذبائح مبينة وتقدم لفظه هناك وعند الإسماعيلي من طريق
معاذ عن شعبة فأتوا لحم ضب (قوله فنادتهم امرأة من بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم)
هي ميمونة وقد تقدم بيانه في كتاب الأطعمة (قوله فإنه حلال أو قال لا بأس به شك فيه) هو قول
شعبة والذي شك في أي اللفظين قال هو توبة الراوي عن ابن عمر بين ذلك محمد بن جعفر في روايته
عن شعبة أخرجه أحمد في مسنده عنه وقد تقدم الكلام على لحم الضب في كتاب الصيد والذبائح
مستوفى في رواية عبد الله بن دينار عن ابن عمر في الضب لا أحله ولا أحرمه وانها لا تخالف قوله هنا
فإنه حلال ولكنه ليس من طعامي أي ليس من المألوف له فلذلك ترك أكله لا لكونه حراما
* (خاتمة) * اشتمل كتاب الأحكام وما بعده من التمني وإجازة خبر الواحد من الأحاديث المرفوعة
على مائة حديث وثلاثة وستين حديثا المعلق منها وما في حكمه سبعة وثلاثون طريقا وسائرها
موصول المكرر منه فيه وفيما مضى مائة حديث وتسعة وأربعون حديثا والخالص أربعة عشر
حديثا شاركه مسلم في تخريجها سوى حديث أبي هريرة أنكم ستحرصون وحديث أبي أيوب في
البطانة وحديث أبي هريرة فيها وحديث ابن عمر في بيعة عبد الملك وحديث عمر في بيعة أبي بكر
الثانية وحديث أبي بكر في قصة وفد بزاخة وفي التمني سبعة وعشرون حديثا كلها مكررة منها
ستة طرق معلقة وفي خبر الواحد اثنان وعشرون حديثا كلها مكررة منها طريق واحد معلق
وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم ثمانية وخمسون أثرا والله سبحانه وتعالى أعلم
(قوله بسم الله الرحمن الرحيم)
* (كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة) *
الاعتصام افتعال من المعصمة والمراد امتثال قوله تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا الآية قال
الكرماني هذه الترجمة منتزعة من قوله تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا لان المراد بالحبل الكتاب
والسنة على سبيل الاستعارة والجامع كونهما سببا للمقصود وهو الثواب والنجاة من العذاب
كما أن الحبل سبب لحصول المقصود به من السقي وغيره والمراد بالكتاب القرآن المتعبد بتلاوته
وبالسنة ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله وتقريره وما هم بفعله والسنة في
أصل اللغة الطريقة وفي اصطلاح الأصوليين والمحدثين ما تقدم وفي اصطلاح بعض الفقهاء
207

ما يرادف المستحب قال ابن بطال لا عصمة لاحد الا في كتاب الله أو في سنة رسوله أو في إجماع
العلماء على معنى في أحدهما ثم تكلم على السنة باعتبار ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي
بيانه بعد باب ثم ذكر فيه خمسة أحاديث * الحديث الأول (قوله سفيان عن مسعر وغيره) أما
سفيان فهو ابن عيينة ومسعر هو ابن كدام بكسر الكاف وتخفيف الدال والغير الذي أبهم معه
لم أر من صرح به الا انه يحتمل ان يكون سفيان الثوري فان أحمد أخرجه من روايته عن قيس بن
مسلم وهو الجدلي بفتح الجيم والمهملة كوفي يكنى أبا عمرو كان عابدا ثقة ثبتا وقد نسب إلى الارجاء
وفي الرواة قيس بن مسلم آخر لكنه شامي غير مشهور روى عن عبادة بن الصامت وحديثه عنه في
كتاب خلق الافعال للبخاري وطارق بن شهاب هو الأحمسي معدود في الصحابة لأنه رأى النبي صلى
الله عليه وسلم وهو كبير لكن لم يثبت له منه سماع (قوله قال رجل من اليهود) تقدم الكلام عليه
في كتاب الايمان وفي تفسير سورة المائدة مع شرح سائر الحديث وحاصل جواب عمر أنا اتخذنا
ذلك اليوم عيدا على وفق ما ذكرت (قوله سمع سفيان مسعرا ومسعر قيسا وقيس طارقا) هو كلام
البخاري يشير إلى أن العنعنة المذكورة في هذا السند محمولة عنده على السماع لاطلاعه على
سماع كل منهم من شيخه وقوله سبحانه اليوم أكملت لكم دينكم ظاهره يدل على أن أمور الدين
كملت عند هذه المقالة وهي قبل موته صلى الله عليه وسلم بنحو ثمانين يوما فعلى هذا لم ينزل بعد ذلك
من الاحكام شئ وفيه نظر وقد ذهب جماعة إلى أن المراد بالاكمال ما يتعلق بأصول الأركان
لا ما يتفرع عنها ومن ثم لم يكن فيها متمسك لمنكري القياس ويمكن دفع حجتهم على تقدير تسليم
الأول بأن استعمال القياس في الحوادث متلقى من أمر الكتاب ولو لم يكن الا عموم قوله تعالى
وما آتاكم الرسول فخذوه وقد ورد أمره بالقياس وتقريره عليه فاندرج في عموم ما وصف بالكمال
ونقل ابن التين عن الداودي أنه قال في قوله تعالى وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم قال
انزل سبحانه وتعالى كثيرا من الأمور مجملا ففسر نبيه ما احتيج إليه في وقته وما لم يقع في وقته وكل
تفسيره إلى العلماء بقوله تعالى ولو ردوه إلى الرسول والى أولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه
منهم * الحديث الثاني (قوله إنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الغد حين بايع المسلمون
أبا بكر رضي الله عنه) حين يتعلق بسمع والذي يتعلق بالغد محذوف وتقديره من وفاة النبي صلى
الله عليه وسلم كما تقدم بيانه في باب الاستخلاف في أواخر كتاب الأحكام وسياقه هناك أتم وزاد
في هذه الرواية فاختار الله لرسوله الذي عنده على الذي عندكم أي الذي عنده من الثواب
والكرامة على الذي عندكم من النصب * الحديث الثالث حديث ابن عباس تقدم شرحه في كتاب
العلم وبيان من رواه بلفظ التأويل ويأتي معنى التأويل في باب قوله تعالى بل هو قرآن مجيد من
كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى * الحديث الرابع حديث أبي برزة وهو مختصر من الحديث
الطويل المذكور في أوائل كتاب الفتن في باب إذا قال عند قوم شيئا ثم خرج فقال بخلافه
وقد تقدم شرحه مستوفى هناك وقوله هنا ان الله يغنيكم بالاسلام كذا وقع بضم أوله ثم غين
معجمة ساكنة ثم نون ونبه أبو عبد الله وهو المصنف على أن الصواب بنون ثم عين مهملة مفتوحتين
ثم شين معجمة (قوله ينظر في أصل كتاب الاعتصام) فيه إشارة إلى أنه صنف كتاب الاعتصام مفردا
وكتب منه هنا ما يليق بشرطه في هذا الكتاب كما صنع في كتاب الأدب المفرد فلما رأى هذه
208

اللفظة مغايرة لما عنده انه الصواب أحال على مراجعة ذلك الأصل وكأنه كان في هذه الحالة غائبا
عنه فأمر بمراجعته وان يصلح منه وقد وقع له نحو هذا في تفسير انقض ظهرك ونبهت عليه في
تفسير سورة ألم نشرح ونقل ابن التين عن الداودي ان ذكر حديث أبي برزة هذا هنا انما يستفاد
منه تثبيت خبر الواحد وهو غفلة منه فان حكم تثبيت خبر الواحد انقضى وعقب بالاعتصام
بالكتاب والسنة ومناسبة حديث أبي برزة للاعتصام بالكتاب من قوله إن الله نعشكم بالكتاب
ظاهرة جدا والله أعلم * الحديث الخامس حديث ابن عمر في مكاتبته لعبد الملك بالبيعة له وقد
تقدم بأتم من هذا السياق مع شرحه في باب كيف يبايع الامام من أواخر كتاب الأحكام ومن ثم
يظهر المعطوف عليه بقوله هنا وأقر لك وبينت هناك أن ذلك كان بعد قتل عبد الله بن الزبير
والغرض منه هنا استعمال سنة الله ورسوله في جميع الأمور (قوله باب قول
النبي صلى الله عليه وسلم بعثت بجوامع الكلم) وذكر فيه حديثين لأبي هريرة أحدهما بلفظ
الترجمة وزاد ونصرت بالرعب وبينا انا نائم رأيتني أتيت بمفاتيح خزائن الأرض وتقدم تفسير
جوامع الكلم في باب المفاتيح في اليد من كتاب التعبير وفيه تفسيرها عن الزهري وحاصله انه
صلى الله عليه وسلم كان يتكلم بالقول الموجز القليل اللفظ الكثير المعاني وجزم غير الزهري
بأن المراد بجوامع الكلم القرآن بقرينة قوله بعثت والقرآن هو الغاية في ايجاز اللفظ واتساع
المعاني وتقدم شرح نصرت بالرعب في كتاب التيمم (قوله فوضعت في يدي) أي المفاتيح وتقدم
تفسير المراد بها في باب النفخ في المنام من كتب التعبير (قوله قال أبو هريرة) هو موصول بالسند
المذكور أولا وقوله فذهب أي مات وقوله وأنتم تلغثونها أو ترغثونها أو كلمة تشبهها فالأولى
بلام ساكنة ثم غين معجمة مفتوحة ثم مثلثة والثانية مثلها لكن بدل اللام راء وهي من الرغث
كناية عن سعة العيش وأصله من رغث الجدي أمه إذا ارتضع منها وأرغثته هي أرضعته ومن ثم
قيل رغوث وأما باللام فقيل إنها لغة فيها وقيل تصحيف وقيل مأخوذة من اللغيث بوزن عظيم وهو
الطعام المخلوط بالشعير ذكره صاحب المحكم عن ثعلب والمراد يأكلونها كيفما اتفق وفيه بعد
وقال ابن بطال واما اللغث باللام فلم أجده فيما تصفحت من اللغة انتهى ووجدت في حاشية من
كتابه هما لغتان صحيحتان فصيحتان معناهما الاكل بالنهم وأفاد الشيخ مغلطاي عن كتاب المنتهى
لأبي المعالي اللغوي لغث طعامه ولغث بالغين والعين أي المعجمة والمهملة إذا فرقه قال واللغيث
ما يبقى في الكيل من الحب فعلى هذا فالمعنى وأنتم تأخذون المال فتفرقونه بعد أن تحوزوه
واستعار للمال ما للطعام لان الطعام أهم ما يقتنى لأجله المال وزعم أن في بعض نسخ الصحيح
وأنتم تلعقونها بمهملة ثم قاف (قلت) وهو تصحيف ولو كان له بعض اتجاه والثالثة جاءت من
رواية عقيل في كتاب الجهاد بلفظ تنتثلونها بمثناة ثم نون ساكنة ثم مثناة ولبعضهم بحذف المثناة
الثانية من النثل بفتح النون وسكون المثلثة وهو الاستخراج نثل كنانته استخرج ما فيها من
السهام وجرابه نقض ما فيه والبئر أخرج ترابها فمعنى تنتثلونها تستخرجون ما فيها وتتمتعون به
قال ابن التين عن الداودي هذا المحفوظ في هذا الحديث قال النووي يعني ما فتح على المسلمين
من الدنيا وهو يشمل الغنائم والكنوز وعلى الأول اقتصر الأكثر ووقع عند بعض رواة مسلم بالميم
بدل النون الأولى وهو تحريف * الحديث الثاني (قوله عن سعيد) هو ابن أبي سعيد المقبري واسم
209

أبي سعيد كيسان (قوله ما مثله أو من امن عليه البشر) أو شك من الرواي فالأولى بضم الهمزة
وسكون الواو وكسر الميم من الامن والثانية بالمد وفتح الميم من الايمان وحكى ابن قرقول ان في
رواية القابسي بفتح الهمزة وكسر الميم بغير مد من الأمان وصوبها ابن التين فلم يصب وقوله وانما
كان الذي أوتيته في رواية المستملي أوتيت بحذف الهاء وقد تقدم شرح هذا الحديث مستوفى
في أوائل فضائل القرآن بحمد الله تعالى ومعنى الحصر في قوله انما كان الذي أوتيته ان القرآن
أعظم المعجزات وأفيدها وأدومها لاشتماله على الدعوة والحجة ودوام الانتفاع به إلى آخر الدهر
فلما كان لا شئ يقاربه فضلا عن أن يساويه كان ما عداه بالنسبة إليه كأن لم يقع قيل يؤخذ من
إيراد البخاري هذا الحديث عقب الذي قبله ان الراجح عنده ان المراد بجوامع الكلم القرآن وليس
ذلك بلازم فان دخول القرآن في قوله بعثت بجوامع الكلم لا شك فيه وانما النزاع هل يدخل غيره
من كلامه من غير القرآن وقد ذكروا من أمثلة جوامع الكلام في القرآن قوله تعالى ولكم في
القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون وقوله ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه
فأولئك هم الفائزون إلى غير ذلك ومن أمثلة جوامع الكلم من الأحاديث النبوية حديث
عائشة كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد وحديث كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل متفق
عليهما وحديث أبي هريرة وإذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم وسيأتي شرحه قريبا
وحديث المقدام ما ملا ابن آدم وعاء شرا من بطنه * الحديث أخرجه الأربعة وصححه ابن حبان
والحاكم إلى غير ذلك مما يكثر بالتتبع وانما يسلم ذلك فيما لم تتصرف الرواة في ألفاظه والطريق
إلى معرفة ذلك أن تقل مخارج الحديث وتتفق ألفاظه والا فان مخارج الحديث إذا كثرت قل
أن تتفق ألفاظه لتوارد أكثر الرواة على الاقتصار على الرواية بالمعنى بحسب ما يظهر لأحدهم انه
واف به والحامل لأكثرهم على ذلك انهم كانوا لا يكتبون ويطول الزمان فيتعلق المعنى بالذهن
فيرتسم فيه ولا يستحضر اللفظ فيحدث بالمعنى لمصلحة التبليغ ثم يظهر من سياق ما هو احفظ منه
انه لم يوف بالمعنى (قوله باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي
قبولها والعمل بما دلت عليه فأما أقواله صلى الله عليه وسلم فتشتمل على أمر ونهي وأخبار
وسيأتي حكم الأمر والنهي في باب مفرد وأما أفعاله فتأتي أيضا في باب مفرد قريبا (قوله وقول الله
تعالى واجعلنا للمتقين إماما قال أئمة نقتدي بمن قبلنا ويقتدي بنا من بعدنا) كذا للجميع
بإبهام القائل وقد ثبت ذلك من قول مجاهد أخرجه الفريابي والطبري وغيرهما من طريقه بهذا
اللفظ بسند صحيح وأخرجه ابن أبي حاتم من طريقه بسند صحيح أيضا قال يقول اجعلنا أئمة في
التقوى حتى نأتم بمن كان قبلنا ويأتم بنا من بعدنا وللطبري وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي
طلحة عن ابن عباس ان المعنى اجعلنا أئمة التقوى لأهله يقتدون بنا لفظ الطبري وفي رواية ابن أبي
حاتم اجعلنا أئمة هدى ليهتدي بنا ولا تجعلنا أئمة ضلالة لأنه قال تعالى لأهل السعادة وجعلناهم
أئمة يهدون بأمرنا وقال لأهل الشقاوة وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ورجح الطبري أنهم سألوا
ان يكونوا للمتقين أئمة ولم يسألوا ان يجعل المتقين لهم أئمة ثم تكلم الطبري على افراد إماما مع أن
المراد جماعة بما حاصله ان الامام اسم جنس فيتناول الواحد فما فوقه وأخرج عبد بن حميد
بسند صحيح عن قتادة في قوله واجعلنا للمتقين إماما أي قادة في الخير ودعاة هدى يؤتم بنا في الخير
210

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي ليس المراد أن نؤم الناس وانما أرادوا اجعلنا أئمة لهم في
الحلال والحرام يقتدون بنا فيه ومن طريق جعفر بن محمد معناه اجعلني رضا فإذا قلت صدقوني
وقبلوا مني * (تنبيه) * اقتصر شيخنا ابن الملقن في شرحه تبعا لمن تقدمه على عزو التفسير المذكور
أولا للحسن البصري ولم أر له عنه سندا والثاني للضحاك وقد صح عن ابن عباس ورواه ابن
أبي حاتم عن عكرمة وسعيد بن جبير ونقله ابن أبي حاتم أيضا عن أبي صالح وعبد الله بن شوذب
(قوله وقال ابن عون) هو عبد الله البصري من صغار التابيعن (ثلاث أحبهن لنفسي الخ)
وصله محمد بن نصر المروزي في كتاب السنة والجوزقي من طريقه قال محمد بن نصر حدثنا يحيى بن يحيى
حدثنا سليم بن أخضر سمعت ابن عون يقول غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث ثلاث أحبهن لنفسي
الحديث ووصله ابن القاسم اللالكائي في كتاب السنة من طريق القعنبي سمعت حماد بن زيد
يقول قال ابن عون (قوله ولإخواني) في رواية حماد ولأصحابي (قوله هذه السنة) أشار إلى
طريقة النبي صلى الله عليه وسلم إشارة نوعية لا شخصية وقوله إن يتعلموها ويسألوا عنها في رواية
يحيى بن يحيى هذا الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتبعه ويعمل بما فيه (قوله والقرآن ان
يتفهموه ويسألوا الناس عنه) في رواية يحيى فيتدبروه بدل فيتفهموه وهو المراد (قوله ويدعوا
الناس الا من خير) كذا للأكثر بفتح الدال من يدعوا وهو من الودع بمعنى الترك ووقع في رواية
الكشميهني بسكون الدال من الدعاء وكذا هو في نسخة الصغاني ويؤيد الأول ان في رواية
يحيى بن يحيى ورجل أقبل على نفسه ولها عن الناس الا من خير لان في ترك الشر خيرا كثيرا
قال الكرماني قال في القرآن يتفهموه وفي السنة يتعلموها لان الغالب ان المسلم يتعلم القرآن
في أول أمره فلا يحتاج إلى الوصية بتعلمه فلهذا أوصى بتفهم معناه وادراك منطوقه انتهى
ويحتمل ان يكون السبب ان القرآن قد جمع بين دفتي المصحف ولم تكن السنة يومئذ جمعت
فأراد بتعلمها جمعها ليتمكن من تفهمها بخلاف القرآن فإنه مجموع فليبادر لتفهمه ثم ذكر فيه
ثلاثة عشر حديثا * الحديث الأول (قوله عمرو بن عباس) بموحدة ثم مهملة هو الباهلي بصري
يكنى أبا عثمان من طبقة علي بن المديني وعبد الرحمن هو ابن مهدي وسفيان هو الثوري وواصل
هو ابن حبان وتقدم تصريح الثوري عنه بالتحديث في كتاب الحج وأبو وائل هو شقيق بن سلمة
(قوله جلست إلى شيبة) هو ابن عثمان بن طلحة العبدري حاجب الكعبة وقد تقدم نسبه عند
شرح حديثه في باب كسوة الكعبة من كتاب الحج وليس له في الصحيحين الا هذا الحديث عند
البخاري وحده (قوله أن لا أدع فيها) الضمير للكعبة وأن لم يجر لها ذكر لان المراد بالمسجد في قول
أبي وائل جلست إلى شيبة في هذا المسجد نفس الكعبة فكأنه أشار إليها فقد تقدم في رواية الحج
في هذا الحديث على كرسي في الكعبة أي عند بابها كما جرت به عادة الحجبة قال ابن بطال أراد
عمر قسمة المال في مصالح المسلمين فلما ذكره شيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر بعده لم
يتعرضا له لم يسعه خلافهما ورأى أن الاقتداء بهما واجب (قلت) وتمامه ان تقرير النبي صلى
الله عليه وسلم منزل منزلة حكمه باستمرار ما ترك تغييره فيجب الاقتداء به في ذلك لعموم قوله تعالى
واتبعوه وأما أبو بكر فدل عدم تعرضه على أنه لم يظهر له من قوله صلى الله عليه وسلم ولا من فعله
ما يعارض التقرير المذكور ولو ظهر له لفعله لا سيما مع احتياجه للمال لقلته في مدته فيكون عمر
211

مع وجود كثرة المال في أيامه أولى بعدم التعرض * الحديث الثاني حديث حذيفة في الأمانة
تقدم شرحه في كتاب الفتن * الحديث الثالث (قوله حدثنا عمرو بن مرة) هو الجملي بفتح الجيم
وتخفيف الميم ومرة شيخه هو ابن شراحيل ويقال له مرة الطيب بالتشديد وهو الهمداني
بسكون الميم وليس هو والد عمرو الراوي عنه (قوله وأحسن الهدى هدى محمد) بفتح الهاء
وسكون الدال للأكثر وللكشميهني بضم الهاء مقصور ومعنى الأول الهيئة والطريقة والثاني
ضد الضلال (قوله وشر الأمور محدثاتها الخ) تقدم هذا الحديث بدون هذه الزيادة في كتاب الأدب
وذكرت ما يدل على أن البخاري اختصره هناك ومما أنبه عليه هنا قبل شرح هذه الزيادة ان
ظاهر سياق هذا الحديث انه موقوف لكن القدر الذي له حكم الرفع منه قوله وأحسن الهدى
هدى محمد صلى الله عليه وسلم فان فيه اخبارا عن صفة من صفاته صلى الله عليه وسلم وهو أحد
أقسام المرفوع وقل من نبه على ذلك وهو كالمتفق عليه لتخريج المصنفين المقتصرين على الأحاديث
المرفوعة الأحاديث الواردة في شمائله صلى الله عليه وسلم فان أكثرها يتعلق بصفة خلقه وذاته
كوجهه وشعره وكذا بصفة خلقه كحلمه وصفحة وهذا مندرج في ذلك مع أن الحديث المذكور
جاء عن ابن مسعود مصرحا فيه بالرفع من وجه آخر أخرجه أصحاب السنن لكن ليس هو على
شرط البخاري وأخرجه مسلم من حديث جابر مرفوعا أيضا بزيادة فيه وليس هو على شرطه أيضا
وقد بينت ذلك في كتاب الأدب في باب الهدى الصالح والمحدثات بفتح الدال جمع محدثة والمراد بها
ما أحدث وليس له أصل في الشرع ويسمى في عرف الشرع بدعة وما كان له أصل يدل عليه
الشرع فليس ببدعة فالبدعة في عرف الشرع مذمومة بخلاف اللغة فان كل شئ أحدث على
غير مثال يسمى بدعة سواء كان محمودا أو مذموما وكذا القول في المحدثة وفي الامر المحدث الذي
ورد في حديث عائشة من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد كما تقدم شرحه ومضى بيان
ذلك قريبا في كتاب الأحكام وقد وقع في حديث جابر المشار إليه وكل بدعة ضلالة وفي حديث
العرباض بن سارية وإياكم ومحدثات الأمور فان كل بدعة ضلالة وهو حديث أوله وعظنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة فذكره وفيه هذا أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي
وصححه ابن ماجة وابن حبان والحاكم وهذا الحديث في المعنى قريب من حديث عائشة المشار إليه
وهو من جوامع الكلم قال الشافعي البدعة بدعتان محمودة ومذمومة فما وافق السنة فهو محمود
وما خالفها فهو مذموم أخرجه أبو نعيم بمعناه من طريق إبراهيم بن الجنيد عن الشافعي وجاء عن
الشافعي أيضا ما أخرجه البيهقي في مناقبه قال المحدثات ضربان ما أحدث يخالف كتابا أو سنة
أو أثرا أو إجماعا فهذه بدعة الضلال وما أحدث من الخير لا يخالف شيئا من ذلك فهذه محدثة غير
مذمومة انتهى وقسم بعض العلماء البدعة إلى الأحكام الخمسة وهو واضح وثبت عن ابن مسعود
أنه قال قد أصبحتم على الفطرة وانكم ستحدثون ويحدث لكم فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالهدى
الأول فمما حدث تدوين الحديث ثم تفسير القرآن ثم تدوين المسائل الفقهية المولدة عن الرأي
المحض ثم تدوين ما يتعلق بأعمال القلوب فاما الأول فأنكره عمر وأبو موسى وطائفة ورخص فيه
الأكثرون وأما الثاني فأنكره جماعة من التابعين كالشعبي واما الثالث فأنكره الإمام أحمد
وطائفة يسيرة وكذا اشتد إنكار أحمد للذي بعده ومما حدث أيضا تدوين القول في أصول
212

الديانات فتصدى لها المثبتة والنفاة فبالغ الأول حتى شبه وبالغ الثاني حتى عطل واشتد إنكار
السلف لذلك كأبي حنيفة وأبي يوسف والشافعي وكلامهم في ذم أهل الكلام مشهور وسببه
انهم تكلموا فيما سكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وثبت عن مالك انه لم يكن في عهد
النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر شئ من الأهواء يعني بدع الخوارج والروافض والقدرية
وقد توسع من تأخر عن القرون الثلاثة الفاضلة في غالب الأمور التي أنكرها أئمة التابعين
وأتباعهم ولم يقتنعوا بذلك حتى مزجوا مسائل الديانة بكلام اليونان وجعلوا كلام الفلاسفة
أصلا يردون إليه ما خالفه من الآثار بالتأويل ولو كان مستكرها ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعموا ان
الذي رتبوه هو أشرف العلوم وأولاها بالتحصيل وان من لم يستعمل ما اصطلحوا عليه فهو عامي
جاهل فالسعيد من تمسك بما كان عليه السلف واجتنب ما أحدثه الخلف وان لم يكن له منه بد
فليكتف منه بقدر الحاجة ويجعل الأول المقصود بالأصالة والله الموفق وقد أخرج أحمد بسند
جيد عن غضيف بن الحرث قال بعث إليه عبد الملك بن مروان فقال انا قد جمعنا الناس على رفع
الأيدي على المنبر يوم الجمعة وعلى القصص بعد الصبح والعصر فقال أما انهما أمثل بدعكم عندي
ولست بمجيبكم إلى شئ منهما لان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أحدث قوم بدعة الا رفع من
السنة مثلها فتمسك بسنة خير من احداث بدعة انتهى وإذا كان هذا جواب هذا الصحابي في أمر
له أصل في السنة فما ظنك بما لا أصل له فيها فكيف بما يشتمل على ما يخالفها وقد مضى في كتاب
العلم ان ابن مسعود كان يذكر الصحابة كل خميس لئلا يملوا ومضى في كتاب الرقاق ان ابن عباس
قال حدث الناس كل جمعة فان أبيت فمرتين ونحوه وصية عائشة لعبيد بن عمير والمراد بالقصص
التذكير والموعظة وقد كان ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لكن لم يكن يجعله راتبا كخطبة
الجمعة بل بحسب الحاجة واما قوله في حديث العرباض فان كل بدعة ضلالة بعد قوله وإياكم
ومحدثات الأمور فإنه يدل على أن المحدث يسمى بدعة وقوله كل بدعة ضلالة قاعدة شرعية كلية
بمنطوقها ومفهومها أما منطقوها فكأن يقال حكم كذا بدعة وكل بدعة ضلالة فلا تكون من
الشرع لان الشرع كله هدى فان ثبت ان الحكم المذكور بدعة صحت المقدمتان وأنتجتا
المطلوب والمراد بقوله كل بدعة ضلالة ما أحدث ولا دليل له من الشرع بطريق خاص ولا عام
وقوله في آخر حديث ابن مسعود وان ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين أراد ختم موعظته بشئ من
القرآن يناسب الحال وقال ابن عبد السلام في أواخر القواعد البدعة خمسة أقسام فالواجبة
كالاشتغال بالنحو الذي يفهم به كلام الله ورسوله لان حفظ الشريعة واجب ولا يتأتى الا بذلك
فيكون من مقدمة الواجب وكذا شرح الغريب وتدوين أصول الفقه والتوصل إلى تمييز الصحيح
والسقيم والمحرمة ما رتبه من خالف السنة من القدرية والمرجئة والمشبهة والمندوبة كل إحسان
لم يعهد عينه في العهد النبوي كالاجتماع عن التراويح وبناء المدارس والربط والكلام في
التصوف المحمود وعقد مجالس المناظرة ان أريد بذلك وجه الله والمباحة كالمصافحة عقب صلاة
الصبح والعصر والتوسع في المستلذات من أكل وشرب وملبس ومسكن وقد يكون بعض ذلك
مكروها أو خلاف الأولى والله أعلم * الحديث الرابع والخامس حديث أبي هريرة وزيد بن
خالد الجهني في قصة العسيف قالا كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأقضين بينكما بكتاب
213

الله وهذا يوهم ان الخطاب لهما وليس كذلك وانما هو لوالد العسيف والذي استأجره لما تحاكما
بسبب زنا العسيف بامرأة الذي استأجره والقدر المذكور هنا طرف من القصة المذكورة
واقتصر البخاري هنا عليه لدخوله في غرضه من أن السنة يطلق عليها كتاب الله لأنها بوحيه
وتقديره لقوله تعالى وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى وقد تقدم تقرير ذلك مع شرح
الحديث في كتاب المحاربين المتعلق ببيان الحدود * الحديث السادس (قوله فليح) بالفاء والمهملة
مصغر هو ابن سليمان المدني وشيخه هلال بن علي هو الذي يقال له ابن أبي ميمونة (قوله كل أمتي
يدخل الجنة الا من أبى) بفتح الموحدة أي امتنع وظاهره ان العموم مستمر لان كلا منهم لا يمتنع
ن دخول الجنة ولذلك قالوا ومن يأبى فبين لهم أن إسناد الامتناع إليهم عن الدخول مجاز عن
الامتناع عن سنته وهو عصيان الرسول صلى الله عليه وسلم وقد تقدم في أول الاحكام حديث أبي
هريرة أيضا مرفوعا من أطاعني فقد أطاع الله وتقدم شرحه مستوفى وأخرج أحمد والحاكم
من طريق صالح بن كيسان عن الأعرج عن أبي هريرة رفعه لتدخلن الجنة الا من أبى وشرد على
الله شراد البعير وسنده على شرط الشيخين وله شاهد عن أبي أمامة عند الطبراني وسنده جيد
والموصوف بالإباء وهو الامتناع إن كان كافرا فهو لا يدخل الجنة أصلا وإن كان مسلما فالمراد منعه
من دخولها مع أول داخل الا من شاء الله تعالى * الحديث السابع (قوله محمد بن عبادة) بفتح
المهملة وتخفيف الموحدة واسم جده البختري بفتح الموحدة وسكون المعجمة وفتح المثناة من فوق
ثقة واسطي يكنى أبا جعفر ماله في البخاري الا هذا الحديث وآخر تقدم في كتاب الأدب وهو من
الطبقة الرابعة من شيوخ البخاري ويزيد شيخه هو ابن هارون (قوله حدثنا سليم بن حيان وأثنى
عليه) أما سليم فبفتح المهملة وزن عظيم وأبوه بمهملة ثم تحتانية ثقيلة والقائل وأثنى عليه هو محمد
وفاعل أثنى هو يزيد (قوله قال حدثنا أو سمعت) القائل ذلك سعيد بن ميناء والشاك هو سليم بن
حيان شك في أي الصيغتين قالها شيخه سعيد ويجوز في جابر ان يقرأ بالنصب وبالرفع والنصب أولى
(قوله جاءت ملائكة) لم أقف على أسمائهم ولا أسماء بعضهم ولكن في رواية سعيد ابن أبي هلال
المعلقة عقب هذا عند الترمذي أن الذي حضر في هذه القصة جبريل وميكائيل ولفظه خرج
علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال اني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل
عند رجلي فيحتمل انه كان مع كل منهما غيره واقتصر في هذه الرواية على من باشر الكلام منهم
ابتداء وجوابا ووقع في حديث ابن مسعود عند الترمذي وحسنه وصححه ابن خزيمة ان النبي صلى
الله عليه وسلم توسد فخذه فرقد وكان إذا نام نفخ قال فبينا أنا قاعد إذ أنا برجال عليهم ثياب بيض
الله أعلم بما بهم من الجمال فجلست طائفة منهم عند رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائفة منهم
عند رجليه (قوله إن لصاحبكم هذا مثلا قال فاضربوا له مثلا) كذا للأكثر وسقط لفظ قال
من رواية أبي ذر (قوله فقال بعضهم انه نائم إلى قوله يقظان) قال الرامهرمزي هذا تمثيل يراد به
حياة القلب وصحة خواطره يقال رجل يقظ إذا كان ذكي القلب وفي حديث ابن مسعود فقالوا
بينهم ما رأينا عبدا قط أوتي مثل ما أوتي هذا النبي ان عينيه تنامان وقلبه يقظان أضربوا له مثلا
وفي رواية سعيد بن أبي هلال فقال أحدهما لصاحبه اضرب له مثلا فقال اسمع سمع اذنك
واعقل عقل قلبك انما مثلك ونحوه في حديث ربيعة الجرشي عند الطبراني زاد أحمد في حديث
214

ابن مسعود فقالوا اضربوا له مثلا ونؤول أو نضرب وأولوا وفيه ليعقل قلبك (قوله مثله كمثل
رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة) في حديث ابن مسعود مثل سيد بنى قصرا وفي رواية أحمد بنيانا
حصينا ثم جعل مأدبة فدعا الناس إلى طعامه وشرابه فمن اجابه أكل من طعامه وشرب من شرابه
ومن لم يجبه عاقبه أو قال عذبه وفي رواية أحمد عذب عذابا شديدا والمأدبة بسكون الهمزة
وضم الدال بعدها موحدة وحكى الفتح وقال ابن التين عن أبي عبد الملك الضم والفتح لغتان
فصيحتان وقال الرامهرمزي نحوه في حديث القرآن مأدبة الله قال وقال لي أبو موسى الحامض
من قاله بالضم أراد الوليمة ومن قاله بالفتح أراد أدب الله الذي أدب به عباده (قلت) فعلى هذا يتعين
الضم (قوله وبعث داعيا) في رواية سعيد ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه فمنهم من أجاب
الرسول ومنهم من تركه (قوله فقال بعضهم أولوها له يفقهها) قيل يأخذ منه حجة لأهل التعبير
ان التعبير إذا وقع في المنام أعتمد عليه قال ابن بطال قوله أولوها له يدل على أن الرؤيا على ما عبرت
في النوم انتهى وفيه نظر لاحتمال الاختصاص بهذه القصة لكون الرائي النبي صلى الله عليه
وسلم والمرئي الملائكة فلا يطرد ذلك في حق غيرهم (قوله فقال بعضهم انه نائم) هكذا وقع ثالث
مرة (قوله فقالوا الدار الجنة) أي الممثل بها زاد في رواية سعيد بن أبي هلال فالله هو الملك والدار
الاسلام والبيت الجنة وأنت يا محمد رسول الله وفي حديث ابن مسعود عند أحمد أما السيد
فهو رب العالمين واما البنيان فهو الاسلام والطعام الجنة ومحمد الداعي فمن اتبعه كان في الجنة
(قوله فمن أطاع محمدا فقد أطاع الله) أي لأنه رسول صاحب المأدبة فمن اجابه ودخل في دعوته
أكل من المأدبة وهو كناية عن دخول الجنة ووقع بيان ذلك في رواية سعيد ولفظه وأنت يا محمد
رسول الله فمن أجابك دخل الاسلام ومن دخل الاسلام دخل الجنة ومن دخل الجنة أكل ما فيها
(قوله ومحمد فرق بين الناس) كذا لأبي ذر بتشديد الراء فعلا ماضيا ولغيره بسكون الراء
والتنوين وكلاهما متجه قال الكرماني ليس المقصود من هذا التمثيل تشبيه المفرد بالمفرد بل
تشبيه المركب بالمركب مع قطع النظر عن مطابقة المفردات من الطرفين انتهى وقد وقع في غير
هذه الطريق ما يدل على المطابقة المذكورة زاد في حديث ابن مسعود فلما استيقظ قال سمعت
ما قال هؤلاء هل تدري من هم قلت الله ورسوله اعلم قال هم الملائكة والمثل الذي ضربوا الرحمن
بنى الجنة ودعا إليها عباده الحديث * (تنبيه) * تقدم في كتاب الأدب من وجه آخر عن سليم
ابن حيان بهذا الاسناد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثلي ومثل الأنبياء كرجل بنى دارا فأكملها
وأحسنها الا موضع لبنة الحديث وهو حديث آخر وتمثيل آخر فالحديث الذي في الأدب
يتعلق بالنبوة وكونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وهذا يتعلق بالدعاء إلى الاسلام وبأحوال من
أجاب أو امتنع وقد وهم من خلطهما كأبي نعيم في المستخرج فإنه لما ضاق عليه مخرج حديث
الباب ولم يجده مرويا عنده أورد حديث اللبنة ظنا منه انهما حديث واحد وليس كذلك
لما بينته وسلم الإسماعيلي من ذلك فإنه لما لم يجده في مروياته أورده من روايته عن الفربري
بالإجازة عن البخاري بسنده وقد روى يزيد بن هارون بهذا السند حديث اللبنة أخرجه أبو
الشيخ في كتاب الأمثال من طريق أحمد بن سنان الواسطي عنه وساق بهذا السند حديث مثلي
ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا الحديث لكنه عن أبي هريرة لا عن جابر وقد ذكر الرامهرمزي
215

حديث الباب في كتاب الأمثال معلقا فقال وروى يزيد بن هارون فساق السند ولم يوصل سنده
بيزيد وأورد معناه من مرسل الضحاك بن مزاحم (قوله تابعه قتيبة عن ليث) يعني ابن سعد (عن
خالد) يعني ابن يزيد وهو أبو عبد الرحيم المصري أحد الثقات (قوله عن سعيد بن أبي هلال عن
جابر قال خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم) هكذا اقتصر على هذا القدر من الحديث وظاهره
ان بقية الحديث مثله وقد بينت ما بينهما من الاختلاف وقد وصله الترمذي عن قتيبة بهذا السند
ووصله أيضا الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان وأبو نعيم من طريق أبي العباس السراج كلاهما
عن قتيبة ونسب السراج في روايته الليث وشيخه كما ذكرته قال الترمذي بعد تخريجه هذا
حديث مرسل سعيد بن أبي هلال لم يدرك جابر بن عبد الله (قلت) وفائدة إيراد البخاري له رفع
التوهم عمن يظن أن طريق سعيد بن ميناء موقوفة لأنه لم يصرح برفع ذلك إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فأتى بهذه الطريق لتصريحها ثم قال الترمذي وجاء من غير وجه عن النبي صلى الله
عليه وسلم بإسناد أصح من هذا قال وفي الباب عن ابن مسعود ثم ساقه بسنده إلى ابن مسعود
وصححه وقد بينت ما فيه أيضا بحمد الله تعالى ووصف الترمذي له بأنه مرسل يريد أنه منقطع بين
سعيد وجابر وقد اعتضد هذا المنقطع بحديث ربيعة الجرشي عند الطبراني فإنه ينحو سياقه وسنده
جيد وسعيد بن أبي هلال غير سعيد بن ميناء الذي في السند الأول وكل منهما مدني لكن ابن
ميناء تابعي بخلاف ابن أبي هلال والجمع بينهما اما بتعدد المرئي وهو واضح أو بأنه منام واحد
حفظ فيه بعض الرواة ما لم يحفظ غيره وتقدم طريق الجمع بين اقتصاره على جبريل وميكائيل في
حديث وذكره الملائكة بصيغة الجمع في الجانبين الدال على الكثرة في آخر وظاهر رواية سعيد بن
أبي هلال ان الرؤيا كانت في بيت النبي صلى الله عليه وسلم لقوله خرج علينا فقال اني رأيت في
المنام وفي حديث ابن مسعود ان ذلك كان بعد أن خرج إلى الجن فقرأ عليهم ثم أغفى عند الصبح
فجاؤوا إليه حينئذ ويجمع بان الرؤيا كانت على ما وصف ابن مسعود فلما رجع إلى منزله خرج على
أصحابه فقصها وما عدا ذلك فليس بينهما منافاة إذ وصف الملائكة برجال حسان يشير إلى انهم
تشكلوا بصورة الرجال وقد أخرج أحمد والبزار والطبراني من طريق علي بن زيد عن يوسف بن
مهران عن ابن عباس نحو أول حديث سعيد بن أبي هلال لكن لم يسم الملكين وساق المثل على
غير سياق من تقدم قال إن مثل هذا ومثل أمته كمثل قوم سفر انتهوا إلى رأس مفازة فلم يكن معهم
من الزاد ما يقطعون به المفازة ولا ما يرجعون به فبينما هم كذلك إذا أتاهم رجل فقال أرأيتم ان
وردت بكم رياضا معشبة وحياضا رواء أتتبعوني قالوا نعم فانطلق بهم فأوردهم فأكلوا وشربوا
وسمنوا فقال لهم ان بين أيديكم رياضا هي أعشب من هذه وحياضا أروى من هذه فاتبعوني
فقالت طائفة صدق والله لنتبعنه وقالت طائفة قد رضينا بهذا نقيم عليه وهذا إن كان محفوظا
قوى الحمل على التعدد اما للمنام واما لضرب المثل ولكن علي بن زيد ضعيف من قبل حفظه
قال ابن العربي في حديث ابن مسعود ان المقصود المأدبة وهو ما يؤكل ويشرب ففيه رد على
الصوفية الذين يقولون لا مطلوب في الجنة الا الوصال والحق ان لا وصال لنا الا بانقضاء الشهوات
الجثمانية والنفسانية والمحسوسة والمعقولة وجماع ذلك كله في الجنة انتهى وليس ما ادعاه من الرد
بواضح قال وفيه ان من أجاب الدعوة أكرم ومن لم يجبها أهين وهو خلاف قولهم من دعوناه فلم
216

يجبنا فله الفضل علينا فان أجابنا فلنا الفضل عليه فإنه مقبول في النظر واما حكم العبد مع المولى
فهو كما تضمنه هذا الحديث * الحديث الثامن (قوله سفيان) هو الثوري وإبراهيم هو النخعي
وهمام هو ابن الحرث ورجال السند كلهم كوفيون (قوله يا معشر القراء) بضم القاف وتشديد
الراء مهموز جمع قارئ والمراد بهم العلماء بالقرآن والسنة العباد وسيأتي إيضاحه في الحديث
الحادي عشر (قوله استقيموا) أي اسلكوا طريق الاستقامة وهي كناية عن التمسك بأمر الله
تعالى فعلا وتركا وقوله فيه سبقتم هو بفتح أوله كما جزم به ابن التين وحكى غيره ضمه والأول المعتمد
زاد محمد بن يحيى الذهلي عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه فان استقمتم فقد سبقتم أخرجه أبو نعيم في
المستخرج وقوله سبقا بعيدا أي ظاهرا ووصفه بالبعد لأنه غاية شأو السابقين والمراد انه خاطب
بذلك من أدرك أوائل الاسلام فإذا تمسك بالكتاب والسنة سبق إلى كل خير لان من جاء بعده ان
عمل بعمله لم يصل إلى ما وصل إليه من سبقه إلى الاسلام والا فهو أبعد منه حسا وحكما (قوله فان
أخذتم يمينا وشمالا) أي خالفتم الامر المذكور وكلام حذيفة منتزع من قوله تعالى وان هذا
صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله والذي له حكم الرفع من حديث
حذيفة هذا الإشارة إلى فضل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين مضوا على
الاستقامة فاستشهدوا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم أو عاشوا بعده على طريقته فاستشهدوا
أو ماتوا على فرشهم * الحديث التاسع حديث أبي موسى في النذير العريان وقد تقدم شرحه
مستوفى في باب الانتهاء عن المعاصي من كتاب الرقاق وبريد بموحدة وراء مصغر هو ابن عبد الله
ابن أبي بردة وأبو بردة شيخه هو جده وهو ابن أبي موسى الأشعري * الحديث العاشر حديث أبي
هريرة في قصة أبي بكر في قتال أهل الردة وقد تقدمت الإشارة إليه قريبا (قوله في آخره قال
ابن بكير) يعني يحيى بن عبد الله بن بكير المصري (وعبد الله) يعني كاتب الليث وهو أبو صالح
الخ ومراده ان قتيبة حدثه عن الليث بالسند المذكور فيه بلفظ لو منعوني كذا (1) ووقع
هنا في رواية الكشميهني كذا وكذا وحدثه به يحيى وعبد الله عن الليث بالسند المذكور بلفظ
عناقا وقوله وهو أصبح أي من رواية من روى عقالا كما تقدمت الإشارة إليه في كتاب الزكاة أو
أبهمه كالذي وقع هنا * الحديث الحادي عشر (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس كما
جزم به المزي واسم أبي أويس عبد الله المدني الأصبحي وابن وهب هو عبد الله المصري ويونس هو
ابن يزيد الأيلي (قوله قدم عيينة) بتحتانية ونون مصغرا (ابن حصن) بكسر الحاء وسكون الصاد
المهملتين ثم نون (ابن حذيفة بن بدر) يعني الفزاري معدود في الصحابة وكان في الجاهلية موصوفا
بالشجاعة والجهل والجفاء وله ذكر في المغازي ثم أسلم في الفتح وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم
217

حنينا فأعطاه مع المؤلفة وإياه عنى العباس بن مرداس السلمي بقوله
أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع
وله ذكر مع الأقرع بن حابس سيأتي قريبا في باب ما يكره من التعمق وله قصة مع أبي بكر وعمر حين
سأل أبا بكر ان يعطيه أرضا يقطعه إياها فمنعه عمر وقد ذكره البخاري في التاريخ الصغير وسماه
النبي صلى الله عليه وسلم الأحمق المطاع وكان عيينة ممن وافق طليحة الأسدي لما ادعى النبوة فلما
غلبهم المسلمون في قتال أهل الردة فر طليحة وأسر عيينة فأتى به أبو بكر فاستتابه فتاب وكان قدومه
إلى المدينة على عمر بعد أن استقام أمره وشهد الفتوح وفيه من جفاء الاعراب شئ (قوله علي ابن
أخيه الحر) بلفظ ضد العبد وقيس والد الحر لم أر له ذكرا في الصحابة وكأنه مات في الجاهلية
والحر ذكره في الصحابة أبو علي بن السكن وابن شاهين وفي العتبية عن مالك قدم عيينة بن حصن
المدينة فنزل على ابن أخ له أعمى فبات يصلي فلما أصبح غدا إلى المسجد فقال عيينة كان ابن
أخي عندي أربعين سنة لا يطيعني فما أسرع ما أطاع قريشا وفي هذا اشعار بأن أباه مات في
الجاهلية (قوله وكان من النفر الذين يدنيهم عمر) بين بعد ذلك السبب بقوله (وكان القراء) أي
العلماء العباد (أصحاب مجلس عمر) فدل على أن الحر كان متصفا بذلك وتقدم في آخر سورة
الأعراف ضبط قوله أو شبانا وانه بالوجهين وقوله ومشاورته بالشين المعجمة وبفتح الواو ويجوز
كسرها (قوله هل لك وجه عند هذا الأمير) هذا من جملة جفاء عيينة إذ كان من حقه ان ينعته
بأمير المؤمنين ولكنه لا يعرف منازل الأكابر (قوله فتستأذن لي عليه) أي في خلوة والا فعمر
كان لا يحتجب الا وقت خلوته وراحته ومن ثم قال له سأستأذن لك عليه أي حتى تجتمع به وحدك
(قوله قال ابن عباس فاستأذن لعيينة) أي الحر وهو موصول بالاسناد المذكور (قوله فلما
دخل قال يا ابن الخطاب) في رواية شعيب عن الزهري الماضية في آخر تفسير الأعراف
فقال هي بكسر ثم سكون وفي بعضها هيه بكسر الهاءين بينهما تحتانية ساكنة قال النووي
بعد أن ضبطها هكذا هي كلمة تقال في الاستزادة ويقال بالهمزة بدل الهاء الأولى وسبق إلى
ذلك قاسم بن ثابت في الدلائل كما نقله صاحب المشارق فقال في قول ابن الزبير أيها قوله إيه بهمز
مكسور مع التنوين كلمة استزادة من حديث لا يعرف وتقول أيها عنا بالنصب أي كف قال وقال
يعقوب يعني ابن السكيت تقول لمن استزدته من عمل أو حديث ايه فان وصلت نونت فقلت ايه
حدثنا وحكاه كذا في النهاية وزاد فإذا قلت إيها بالنصب فهو أمر بالسكوت وقال الليث قد
تكون كلمة استزادة وقد تكون كلمة زجر كما يقال ايه عنا أي كف وقال الكرماني هيه هنا بكسر
الهاء الأولى وفي بعض النسخ بهمزة بدلها وهو من أسماء الافعال تقال لمن تستزيده كذا قال ولم
يضبط الهاء الثانية ثم قال وفي بعض النسخ هي بحذف الهاء الثانية والمعنى واحد أو هو ضمير
لمحذوف أي هي داهية أو القصة هذه انتهى واقتصر شيخنا ابن الملقن في شرحه على قوله هي يا ابن
الخطاب بمعنى التهديد له ووقع في تنقيح الزركشي فقال هئ يا ابن الخطاب بكسر الهاء وآخره همزة
مفتوحة تقول للرجل إذا استزدته هيه وايه انتهى وقوله وآخره همزة مفتوحة لا وجه له ولعله
من الناسخ أو سقط من كلامه شئ والذي يقتضيه السياق انه أراد بهذه الكلمة الزجر وطلب
الكف لا الازدياد وقد تقدم شئ من الكلام على هذه الكلمة في مناقب عمر وقوله يا ابن الخطاب
218

هذا أيضا من جفائه حيث خاطبه بهذه المخاطبة وقوله والله ما تعطينا الجزل بفتح الجيم وسكون
الزاي بعدها لام أي الكثير وأصل الجزل ما عظم من الحطب (قوله ولا تحكم) في رواية غير
الكشميهني وما بالميم بدل اللام (قوله حتى هم بان يقع به) أي يضربه وفي رواية شعيب عن الزهري
في التفسير حتى هم به وفي رواية فيه حتى هم أن يوقع به (قوله فقال الحر يا أمير المؤمنين) في رواية
شعيب المذكورة فقال له الحر وفي رواية الإسماعيلي من طريق بشر بن شعيب عن أبيه عن
الزهري فقال الحر بن قيس قلت يا أمير المؤمنين وهذا يقتضي ان يكون من رواية ابن عباس
عن الحر وأنه ما حضر القصة بل حملها عن صاحبها وهو الحر وعلى هذا فينبغي ان يترجم للحر في
رجال البخاري ولم أر من فعله (قوله إن الله قال لنبيه) فذكر الآية ثم قال وان هذا من الجاهلين
أي فأعرض عنه (قوله فوالله ما جاوزها) هو كلام ابن عباس فيما أظن وجزم شيخنا ابن الملقن
بأنه كلام الحر وهو محتمل ويؤيده رواية الإسماعيلي المشار إليها ومعنى ما جاوزها ما عمل بغير ما دلت
عليه بل عمل بمقتضاها ولذلك قال وكان وقافا عند كتاب الله أي يعمل بما فيه ولا يتجاوزه وفي
هذا تقوية لما ذهب إليه الأكثر ان هذه الآية محكمة قال الطبري بعد أن أورد أقوال
السلف في ذلك وان منهم من ذهب إلى انها منسوخة بآية القتال والأولى بالصواب انها غير
منسوخة لان الله اتبع ذلك تعليمه نبيه محاجة المشركين ولا دلالة على النسخ فكأنها نزلت
لتعريف النبي صلى الله عليه وسلم عشرة من لم يؤمر بقتاله من المشركين أو أريد به
تعليم المسلمين وأمرهم بأخذ العفو من أخلاقهم فيكون تعليما من الله لخلقه صفة عشرة
بعضهم بعضا فيما ليس بواجب فاما الواجب فلا بد من عمله فعلا أو تركا انتهى ملخصا وقال
الراغب خذ العفو معناه خذ ما سهل تناوله وقيل تعاط العفو مع الناس والمعنى خذ ما عفى لك
من أفعال الناس وأخلاقهم وسهل من غير كلفة ولا تطلب منهم الجهد وما يشق عليهم حتى
ينفروا وهو كحديث يسروا ولا تعسروا ومنه قول الشاعر
خذي العفو مني تستديمي مودتي * ولا تنطقي في سوأتي حين أغضب
وأخرج ابن مردويه من حديث جابر وأحمد بن حديث عقبة ابن عامر لما نزلت هذه الآية سأل
النبي صلى الله عليه وسلم جبريل فقال يا محمد ان ربك يأمرك أن تصل من قطعك وتعطي من
حرمك وتعفو عمن ظلمك فقال النبي صلى الله عليه وسلم الا أدلكم على أشرف أخلاق الدنيا
والآخرة قالوا وما ذاك فذكره قال الطيبي ما ملخصه أمر الله نبيه في هذه الآية بمكارم الأخلاق
فأمر أمته بنحو ما أمره الله به ومحصلهما الامر بحسن المعاشرة مع الناس وبذل الجهد في
الاحسان إليهم والمداراة معهم والاغضاء عنهم وبالله التوفيق وقد تقدم الكلام على معنى
العرف المأمور به في الآية مستوفى في التفسير * الحديث الثاني عشر (قوله حين خسفت
الشمس) في رواية المستملى كسفت وقوله فأجبناه في رواية الكشميهني فأجبنا وآمنا أي فأجبنا
محمدا وآمنا بما جاء به وقد تقدم شرح حديث أسماء بنت أبي بكر هذا مستوفى في صلاة الكسوف
* الحديث الثالث عشر (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس كما جزم به الحافظ أبو إسماعيل
الهروي وذكر في كتابه ذم الكلام انه تفرد به عن مالك وتابعه على روايته عن مالك عبد الله بن
وهب كذا قال وقد ذكر الدارقطني معهما إسحاق بن محمد الفروي وعبد العزيز الأويسي وهما من
219

شيوخ البخاري وأخرجه في غرائب مالك التي ليست في الموطأ من طرق هؤلاء الأربعة ومن
طريق أبي قرة موسى بن طارق ومن طريق الوليد بن مسلم ومن طريق محمد بن الحسن الشيباني
صاحب أبي حنيفة ثلاثتهم عن مالك أيضا فكملوا سبعة ولم يخرج البخاري هذا الحديث الا في
هذا الموضع من رواية مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وأخرجه مسلم من رواية
المغيرة بن عبد الرحمن وسفيان وأبو عوانة من رواية ورقاء ثلاثتهم عن أبي الزناد ومسلم من رواية
الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن ومن رواية همام بن منبه ومن رواية أبي
صالح ومن رواية محمد بن زياد وأخرجه الترمذي من رواية أبي صالح كلهم عن أبي هريرة
وسأذكر ما في روايتهم من فائدة زائدة (قوله دعوني) في رواية مسلم ذروني وهي بمعنى دعوني وذكر
مسلم سبب هذا الحديث من رواية محمد بن زياد فقال عن أبي هريرة خطبنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال رجل أكل عام يا رسول الله
فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ثم قال ذروني
ما تركتكم الحديث وأخرجه الدارقطني مختصرا وزاد فيه فنزلت يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن
أشياء ان تبد لكم تسؤكم وله شاهد عن ابن عباس عند الطبري في التفسير وفيه لو قلت نعم لوجبت
ولو وجبت لما استطعتم فاتركوني ما تركتكم الحديث وفيه فأنزل الله يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا
عن أشياء ان تبد لكم الآية وسيأتي بسط القول فيما يتعلق بالسؤال في الباب الذي يليه إن شاء الله
تعالى (قوله ما تركتكم) أي مدة تركي إياكم بغير أمر بشئ ولا نهي عن شئ وانما غاير بين اللفظين
لانهم أماتوا الفعل الماضي واسم الفاعل منهما واسم مفعولهما وأثبتوا الفعل المضارع وهو يذر
وفعل الامر وهو ذر ومثله دع ويدع ولكن سمع ودع كما قرئ به في الشاذ في قوله تعالى ما ودعك
ربك وما قلى قرأ بذلك إبراهيم بن أبي عبلة وطائفة وقال الشاعر
ونحن ودعنا آل عمرو بن عامر * فرائس أطراف المثقفة السمر
ويحتمل ان يكون ذكر ذلك على سبيل التفنن في العبارة والا لقال اتركوني والمراد بهذا الامر ترك
السؤال عن شئ لم يقع خشية أن ينزل به وجوبه أو تحريمه وعن كثرة السؤال لما فيه غالبا من
التعنت وخشية أن تقع الإجابة بأمر يستثقل فقد يؤدي لترك الامتثال فتقع المخالفة قال ابن
فرج معنى قوله ذروني ما تركتكم لا تكثروا من الاستفصال عن المواضع التي تكون مفيدة
لوجه ما ظهر ولو كانت صالحة لغيره كما أن قوله حجوا وإن كان صالحا للتكرار فينبغي ان يكتفى بما
يصدق عليه اللفظ وهو المرة فان الأصل عدم الزيادة ولا تكثروا التنقيب عن ذلك لأنه قد
يفضي إلى مثل ما وقع لبني إسرائيل إذا أمروا ان يذبحوا البقرة فلو ذبحوا أي بقرة كانت
لامتثلوا ولكنهم شددوا فشدد عليهم وبهذا تظهر مناسبة قوله فإنما هلك من كان قبلكم إلى
آخره بقوله ذروني ما تركتكم وقد أخرج البزار وابن أبي حاتم في تفسيره من طريق أبي رافع
عن أبي هريرة مرفوعا لو اعترض بنو إسرائيل أدنى بقرة فذبحوها لكفتهم ولكن شددوا فشدد
الله عليهم وفي السند عباد بن منصور وحديثه من قبيل الحسن وأورده الطبري عن ابن عباس
موقوفا عن أبي العالية مقطوعا واستدل به على أن لا حكم قبل ورود الشرع وان الأصل في
الأشياء عدم الوجوب (قوله فإنما أهلك) بفتحات وقال بعد ذلك سؤالهم بالرفع على أنه فاعل
220

أهلك وفي رواية غير الكشميهني أهلك بضم أوله وكسر اللام وقال بعد ذلك بسؤالهم أي بسبب
سؤالهم وقوله واختلافهم بالرفع وبالجر على الوجهين ووقع في رواية همام عند أحمد بلفظ فإنما
هلك وفيه بسؤالهم ويتعين الجر في واختلافهم (1) وفي رواية الزهري فإنما هلك وفيه سؤالهم
ويتعين الرفع في واختلافهم وأما قول النووي في أربعينه واختلافهم برفع الفاء لا بكسرها
فإنه باعتبار الرواية التي ذكرها وهي التي من طريق الزهري (قوله فإذا نهيتكم عن شئ
فاجتنبوه) في رواية محمد بن زياد فانتهوا عنه هكذا رأيت هذا الامر على تلك المقدمة والمناسبة
فيه ظاهرة ووقع في أول رواية الزهري المشار إليها ما نهيتكم عنه فاجتنبوه فاقتصر عليها
النووي في الأربعين وعزا الحديث للبخاري ومسلم فتشاغل بعض شراح الأربعين بمناسبة
تقديم النهي على ما عداه ولم يعلم أن ذلك من تصرف الرواة وان اللفظ الذي أورده البخاري هنا
أرجح من حيث الصناعة الحديثية لأنهما اتفقا على إخراج طريق أبي الزناد دون طريق الزهري
وإن كان سند الزهري مما عد في أصح الأسانيد فان سند أبي الزناد أيضا مما عد فيها فاستويا وزادت
رواية أبي الزناد اتفاق الشيخين وظن القاضي تاج الدين في شرح المختصر ان الشيخين اتفقا
على هذا اللفظ فقال بعد قول ابن الحاجب الندب أي احتج من قال إن الامر للندب بقوله إذا
أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم فقال الشارح رواه البخاري ومسلم ولفظهما وما
أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم وهذا انما هو لفظ مسلم وحده ولكنه اغتر بما ساقه النووي
في الأربعين ثم إن هذا النهي عام في جميع المناهي ويستثنى من ذلك ما يكره المكلف على فعله
كشرب الخمر وهذا على رأي الجمهور وخالف قوم فتمسكوا بالعموم فقالوا الاكراه على ارتكاب
المعصية لا يبيحها والصحيح عدم المؤاخذة إذا وجدت صورة الاكراه المعتبرة واستثنى بعض
الشافعية من ذلك الزنا فقال لا يتصور الاكراه عليه وكأنه أراد التمادي فيه والا فلا مانع ان ينعظ
الرجل بغير سبب فيكره على الايلاج حينئذ فيولج في الأجنبية فان مثل ذلك ليس بمحال ولو فعله
مختارا لكان زانيا فتصور الاكراه على الزنا واستدل به من قال لا يجوز التداوي بشئ محرم كالخمر
ولا دفع العطش به ولا إساغة لقمة من غص به والصحيح عند الشافعية جواز الثالث حفظا للنفس
فصار كأكل الميتة لمن اضطر بخلاف التداوي فإنه ثبت النهي عنه نصا ففي مسلم عن وائل رفعه
انه ليس بدواء ولكنه داء ولأبي داود عن أبي الدرداء رفعه ولا تداووا بحرام وله عن أم سلمة مرفوعا
ان الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها وأما العطش فإنه لا ينقطع بشربها ولأنه في معنى
التداوي والله أعلم والتحقيق أن الامر باجتناب المنهي على عمومه ما لم يعارضه اذن في ارتكاب
منهي كأكل الميتة للمضطر وقال الفاكهاني لا يتصور امتثال اجتناب المنهي حتى يترك جميعه
فلو اجتنب بعضه لم يعد ممتثلا بخلاف الامر يعني المطلق فان من أتى بأقل ما يصدق عليه
الاسم كان ممتثلا انتهى ملخصا وقد أجاب هنا ابن فرج بأن النهي يقتضي الامر فلا يكن ممتثلا
لمقتضى النهي حتى لا يفعل واحدا من آحاد ما يتناوله النهي بخلاف الامر فإنه على عكسه ومن
ثم نشأ الخلاف هل الامر بالشئ نهي عن ضده وبان النهي عن الشئ أمر بضده (قوله وإذا
أمرتكم بشئ) في رواية مسلم بأمر (فأتوا منه ما استطعتم) أي افعلوا قدر استطاعتكم ووقع
في رواية الزهري وما أمرتكم به وفي رواية همام المشار إليها وإذا أمرتكم بالامر فأتمروا
221

ما استطعتم وفي رواية محمد بن زياد فافعلوا قال النووي هذا من جوامع الكلم وقواعد الاسلام
ويدخل فيه كثير من الاحكام كالصلاة لمن عجز عن ركن منها أو شرط فيأتي بالمقدور وكذا الوضوء
وستر العورة وحفظ بعض الفاتحة واخراج بعض زكاة الفطر لمن لم يقدر على الكل والامساك في
رمضان لمن أفطر بالعذر ثم قدر في أثناء النهار إلى غير ذلك من المسائل التي يطول شرحها وقال
غيره فيه ان من عجز عن بعض الأمور لا يسقط عنه المقدور وعبر عنه بعض الفقهاء بأن الميسور
لا يسقط بالمعسور كما لا يسقط ما قدر عليه من أركان الصلاة بالعجز عن غيره وتصح توبة
الأعمى عن النظر المحرم والمجبوب عن الزنا لان الأعمى والمجبوب قادران على الندم فلا يسقط
عنهما بعجزهما عن العزم على عدم العود إذ لا يتصور منهما العود عادة فلا معنى للعزم على
عدمه واستدل به على أن من أمر بشئ فعجز عن بعضه ففعل المقدور انه يسقط عنه ما عجز عنه
وبذلك استدل المزني على أن ما وجب أداؤه لا يجب قضاؤه ومن ثم كان الصحيح ان القضاء
بأمر جديد واستدل بهذا الحديث على أن اعتناء الشرع بالمنهيات فوق اعتنائه بالمأمورات
لأنه اطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في الترك وقيد في المأمورات بقدر الطاقة وهذا
منقول عن الإمام أحمد فان قيل إن الاستطاعة معتبرة في النهي أيضا إذ لا يكلف الله نفسا
الا وسعها فجوابه ان الاستطاعة تطلق باعتبارين كذا قيل والذي يظهر ان التقييد في الامر
بالاستطاعة لا يدل على المدعي من الاعتناء به بل هو من جهة الكف إذ كل أحد قادر على الكف
لولا داعية الشهوة مثلا فلا يتصور عدم الاستطاعة عن الكف بل كل مكلف قادر على الترك
بخلاف الفعل فان العجز عن تعاطيه محسوس فمن ثم قيد في الامر بحسب الاستطاعة دون النهي
وعبر الطوفي في هذا الموضع بان ترك المنهي عنه عبارة عن استصحاب حال عدمه أو الاستمرار على
عدمه وفعل المأمور به عبارة عن إخراجه من العدم إلى الوجود وقد نوزع بأن القدرة على
استصحاب عدم المنهي عنه قد تتخلف واستدل له بجواز أكل المضطر الميتة وأجيب بان النهي في
هذا عارضه الاذن بالتناول في تلك الحالة وقال ابن فرج في شرح الأربعين قوله فاجتنبوه هو على
إطلاقه حتى يوجد ما يبيحه كأكل الميتة عند الضرورة وشرب الخمر عند الاكراه والأصل في ذلك
جواز التلفظ بكلمة الكفر إذا كان القلب مطمئنا بالايمان كما نطق به القرآن انتهى والتحقيق
ان المكلف في ذلك كله ليس منهيا في تلك الحال وأجاب الماوردي بان الكف عن المعاصي ترك
وهو سهل وعمل الطاعة فعل وهو يشق فلذلك لم يبح ارتكاب المعصية ولو مع العذر لأنه ترك والترك
لا يعجز المعذور عنه وأباح ترك العمل بالعذر لان العمل قد يعجز المعذور عنه وادعى بعضهم
ان قوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم يتناول امتثال المأمور واجتناب المنهي وقد قيد بالاستطاعة
واستويا فحينئذ يكون الحكمة في تقييد الحديث بالاستطاعة في جانب الامر دون النهي ان
العجز يكثر تصوره في الامر بخلاف النهي فان تصور العجز فيه محصور في الاضطرار وزعم بعضهم
ان قوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم نسخ بقوله تعالى فاتقوا الله حق تقاته والصحيح ان لا نسخ بل
المراد بحق تقاته امتثال أمره واجتناب نهيه مع القدرة لا مع العجز واستدل به على أن المكروه
يجب اجتنابه لعموم الامر باجتناب المنهي عنه فشمل الواجب والمندوب وأجيب بأن قوله
فاجتنبوه يعمل به في الايجاب والندب بالاعتبارين ويجئ مثل هذا السؤال وجوابه في الجانب
222

الآخر وهو الامر وقال الفاكهاني النهي يكون تارة مع المانع من النقيض وهو المحرم وتارة
لا معه وهو المكروه وظاهر الحديث يتناولهما واستدل به على أن المباح ليس مأمورا به لان
التأكيد في الفعل انما يناسب الواجب والمندوب وكذا عكسه وأجيب بان من قال المباح مأمور
به لم يرد الامر بمعنى الطلب وانما أراد بالمعنى الأعم وهو الاذن واستدل به على أن الامر لا يقتضي
التكرار ولا عدمه وقيل يقتضيه وقيل يتوقف فيما زاد على مرة وحديث الباب قد يتمسك به لذلك
لما في سببه ان السائل قال في الحج أكل عام فلو كان مطلقه يقتضي التكرار أو عدمه لم يحسن
السؤال ولا العناية بالجواب وقد يقال انما سأل استظهارا واحتياطا وقال المازري يحتمل ان
يقال إن التكرار انما احتمل من جهة ان الحج في اللغة قصد فيه تكرار فاحتمل عند السائل
التكرار من جهة اللغة لا من صيغة الامر وقد تمسك به من قال بايجاب العمرة لان الامر بالحج
إذا كان معناه تكرار قصد البيت بحكم اللغة والاشتقاق وقد ثبت في الاجماع ان الحج لا يجب
الا مرة فيكون العود إليه مرة أخرى دالا على وجوب العمرة واستدل به على أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان يجتهد في الاحكام لقوله ولو قلت نعم لوجبت وأجاب من منع باحتمال ان يكون
أوحى إليه ذلك في الحال واستدل به على أن جميع الأشياء على الإباحة حتى يثبت المنع من قبل
الشارع واستدل به على النهي عن كثرة المسائل والتعمق في ذلك قال البغوي في شرح السنة
المسائل على وجهين أحدهما ما كان على وجه التعليم لما يحتاج إليه من أمر الدين فهو جائز بل
مأمور به لقوله تعالى فاسألوا أهل الذكر الآية وعلى ذلك تتنزل أسئلة الصحابة عن الأنفال
والكلالة وغيرهما ثانيهما ما كان على وجه التعنت والتكلف وهو المراد في هذا الحديث
والله أعلم ويؤيده ورود الزجر في الحديث عن ذلك وذم السلف فعند أحمد من حديث معاوية
ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأغلوطات قال الأوزاعي هي شداد المسائل وقال
الأوزاعي أيضا ان الله إذا أراد ان يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليط فلقد رأيتهم أقل
الناس علما وقال ابن وهب سمعت مالكا يقول المراء في العلم يذهب بنور العلم من قلب الرجل
وقال ابن العربي كان النهي عن السؤال في العهد النبوي خشية ان ينزل ما يشق عليهم فاما بعد
فقد أمن ذلك لكن أكثر النقل عن السلف بكراهة الكلام في المسائل التي لم تقع قال وانه
لمكروه إن لم يكن حراما الا للعلماء فإنهم فرعوا ومهدوا فنفع الله من بعدهم بذلك ولا سيما مع
ذهاب العلماء ودروس العلم انتهى ملخصا وينبغي ان يكون محل الكراهة للعالم إذا شغله ذلك
عما هو أهم منه وكان ينبغي تلخيص ما يكثر وقوعه مجردا عما يندر ولا سيما في المختصرات
ليسهل تناوله والله المستعان وفي الحديث إشارة إلى الاشتغال بالأهم المحتاج إليه عاجلا عما
لا يحتاج إليه في الحال فكأنه قال عليكم بفعل الأوامر واجتناب النواهي فاجعلوا اشتغالكم
بها عوضا عن الاشتغال بالسؤال عما لم يقع فينبغي للمسلم ان يبحث عما جاء عن الله ورسوله ثم
يجتهد في تفهم ذلك والوقوف على المراد به ثم يتشاغل بالعمل به فإن كان من العلميات يتشاغل
بتصديقه واعتقاد حقيته وإن كان من العمليات بذل وسعه في القيام به فعلا وتركا فان وجد
وقتا زائدا على ذلك فلا بأس بأن يصرفه في الاشتغال بتعرف حكم ما سيقع على قصد العمل به ان
لو وقع فاما إن كانت الهمة مصروفة عند سماع الأمر والنهي إلى فرض أمور قد تقع وقد لا تقع
223

مع الاعراض عن القيام بمقتضى ما سمع فان هذا مما يدخل في النهي فالتفقه في الدين انما يحمد
إذا كان للعمل لا للمراء والجدال وسيأتي بسط ذلك قريبا إن شاء الله تعالى (قوله باب
ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه وقوله تعالى لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم)
كأنه يريد ان يستدل بالآية على المدعي من الكراهة وهو مصير منه إلى ترجيح بعض ما جاء في
تفسيرها وقد ذكرت الاختلاف في سبب نزولها في تفسير سورة المائدة وترجيح ابن المنير انه في
كثرة المسائل عما كان وعما لم يكن وصنيع البخاري يقتضيه والأحاديث التي ساقها في الباب
تؤيده وقد اشتد إنكار جماعة من الفقهاء ذلك منهم القاضي أبو بكر بن العربي فقال اعتقد قوم
من الغافلين منع السؤال عن النوازل إلى أن تقع تعلقا بهذه الآية وليس كذلك لأنها مصرحة
بأن المنهي عنه ما تقع المسئلة في جوابه ومسائل النوازل ليست كذلك انتهى وهو كما قال لان
ظاهرها اختصاص ذلك بزمان نزول الوحي ويؤيده حديث سعد الذي صدر به المصنف الباب
من سأل عن شئ لم يحرم فحرم من أجل مسئلته فان مثل ذلك قد أمن وقوعه ويدخل في معنى
حديث سعد ما أخرجه البزار وقال سنده صالح وصححه الحاكم من حديث أبي الدرداء رفعه
ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته
فان الله لم يكن ينسى شيئا ثم تلا هذه الآية وما كان ربك نسيا وأخرج الدارقطني من حديث
أبي ثعلبة رفعه ان الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وسكت عن أشياء
رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها وله شاهد من حديث سلمان أخرجه الترمذي وآخر من
حديث ابن عباس أخرجه أبو داود وقد أخرج مسلم وأصله في البخاري كما تقدم في كتاب العلم من
طريق ثابت عن أنس قال كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شئ وكان يعجبنا
ان يجئ الرجل الغافل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع فذكر الحديث ومضى في قصة اللعان
من حديث ابن عمر فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها ولمسلم عن النواس بن
سمعان قال أقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة بالمدينة ما يمنعني من الهجرة الا المسألة
كان أحدنا إذا هاجر لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ومراده انه قدم وافدا فاستمر بتلك الصورة
ليحصل المسائل خشية أن يخرج من صفة الوفد إلى استمرار الإقامة فيصير مهاجرا فيمتنع عليه
السؤال وفيه إشارة إلى أن المخاطب بالنهي عن السؤال غير الاعراب وفودا كانوا أو غيرهم
وأخرج أحمد عن أبي أمامة قال لما نزلت يا أيها الذي آمنوا لا تسألوا عن أشياء الآية كنا قد اتقينا
أن نسأله صلى الله عليه وسلم فأتينا أعرابيا فرشوناه بردا وقلنا سل النبي صلى الله عليه وسلم ولأبي
يعلى عن البراء إن كان ليأتي علي السنة أريد أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشئ
فأتهيب وان كنا لنتمنى الاعراب أي قدومهم ليسألوا فيسمعوهم أجوبة سؤالات الاعراب
فيستفيدوها وأما ما ثبت في الأحاديث من أسئلة الصحابة فيحتمل ان يكون قبل نزول الآية
ويحتمل ان النهي في الآية لا يتناول ما يحتاج إليه مما تقرر حكمه أو ما لهم بمعرفته حاجة راهنة
كالسؤال عن الذبح بالقصب والسؤال عن وجوب طاعة الامراء إذا أمروا بغير الطاعة
والسؤال عن أحوال يوم القيامة وما قبلها من الملاحم والفتن والأسئلة التي في القرآن كسؤالهم
عن الكلالة والخمر والميسر والقتال في الشهر الحرام واليتامى والمحيض والنساء والصيد وغير ذلك
224

لكن الذين تعلقوا بالآية في كراهية كثرة المسائل عما لم يقع أخذوه بطريق الالحاق من جهة
ان كثرة السؤال لما كانت سببا للتكليف بما يشق فحقها ان تجتنب وقد عقد الامام الدارمي في
أوائل مسنده لذلك بابا وأورد فيه عن جماعة من الصحابة والتابعين آثارا كثيرة في ذلك منها عن
ابن عمر لا تسألوا عما لم يكن فاني سمعت عمر يلعن السائل عما لم يكن وعن عمر أحرج عليكم ان
تسألوا عما لم يكن فان لنا فيما كان شغلا وعن زيد بن ثابت انه كان إذا سئل عن الشئ يقول
كان هذا فان قيل لا قال دعوه حتى يكون وعن أبي بن كعب وعن عمار نحو ذلك وأخرج أبو
داود في المراسيل من رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة مرفوعا ومن طريق طاوس عن معاذ
رفعه لا تعجلوا بالبلية قبل نزولها فإنكم ان تفعلوا لم يزل في المسلمين من إذا قال سدد أو وفق وان
عجلتم تشتت بكم السبل وهما مرسلان يقوي بعض بعضا ومن وجه ثالث عن أشياخ الزبير بن
سعيد مرفوعا لا يزال في أمتي من إذا سئل سدد وأرشد حتى يتساءلوا عما لم ينزل الحديث نحوه قال
بعض الأئمة والتحقيق في ذلك أن البحث عما لا يوجد فيه نص على قسمين أحدهما ان يبحث عن
دخوله في دلالة النص على اختلاف وجوهها فهذا مطلوب لا مكروه بل ربما كان فرضا على من
تعين عليه من المجتهدين ثانيهما ان يدقق النظر في وجوه الفروق فيفرق بين متماثلين بفرق ليس
له أثر في الشرع مع وجود وصف الجمع أو بالعكس بان يجمع بين متفرقين بوصف طردي مثلا فهذا
الذي ذمه السلف وعليه ينطبق حديث ابن مسعود رفعه هلك المتنطعون أخرجه مسلم فرأوا ان
فيه تضييع الزمان بما لا طائل تحته ومثله الاكثار من التفريع على مسئلة لا أصل لها في الكتاب
ولا السنة ولا الاجماع وهي نادرة الوقوع جدا فيصرف فيها زمانا كان صرفه في غيرها أولى ولا سيما
ان لزم من ذلك اغفال التوسع في بيان ما يكثر وقوعه وأشد من ذلك في كثرة السؤال البحث عن
أمور مغيبة ورد الشرع بالايمان بها مع ترك كيفيتها ومنها ما لا يكون له شاهد في عالم الحس
كالسؤال عن وقت الساعة وعن الروح وعن مدة هذه الأمة إلى أمثال ذلك مما لا يعرف الا
بالنقل الصرف والكثير منه لم يثبت فيه شئ فيجب الايمان به من غير بحث وأشد من ذلك مما يوقع
كثرة البحث عنه في الشك والحيرة وسيأتي مثال ذلك في حديث أبي هريرة رفعه لا يزال الناس
يتساءلون حتى يقال هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله وهو ثامن أحاديث هذا الباب وقال بعض
الشراح مثال التنطع في السؤال حتى يفضي بالمسؤول إلى الجواب بالمنع بعد أن يفتى بالاذن ان
يسأل عن السلع التي توجد في الأسواق هل يكره شراؤها ممن هي في يده من قبل البحث عن مصيرها
إليه أو لا فيجيبه بالجواز فان عاد فقال أخشى أن يكون من نهب أو غصب ويكون ذلك الوقت قد
وقع شئ من ذلك في الجملة فيحتاج ان يجيبه بالمنع ويقيد ذلك أن ثبت شئ من ذلك حرم وان تردد
كره أو كان خلاف الأولى ولو سكت السائل عن هذا التنطع لم يزد المفتي على جوابه بالجواز وإذا
تقرر ذلك فمن يسد باب المسائل حتى فاته معرفة كثير من الاحكام التي يكثر وقوعها فإنه يقل
فهمه وعلمه ومن توسع في تفريع المسائل وتوليدها ولا سيما فيما يقل وقوعه أو يندر ولا سيما إن كان
الحامل على ذلك المباهاة والمغالبة فإنه يذم فعله وهو عين الذي كرهه السلف ومن أمعن في
البحث عن معاني كتاب الله محافظا على ما جاء في تفسيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن
أصحابه الذين شاهدوا التنزيل وحصل من الاحكام ما يستفاد من منطوقه ومفهومه وعن معاني
225

السنة وما دلت عليه كذلك مقتصرا على ما يصلح للحجة منها فإنه الذي يحمد وينتفع به وعلى ذلك
يحمل عمل فقهاء الأمصار من التابعين فمن بعدهم حتى حدثت الطائفة الثانية فعارضتها الطائفة
الأولى فكثر بينهم المراء والجدال وتولدت البغضاء وتسموا خصوما وهم من أهل دين واحد
والواسط هو المعتدل من كل شئ والى ذلك يشير قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الماضي
فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم فان الاختلاف يجر إلى عدم
الانقياد وهذا كله من حيث تقسيم المشتغلين بالعلم واما العمل بما ورد في الكتاب والسنة
والتشاغل به فقد وقع الكلام في أيهما أولى والانصاف ان يقال كلما زاد على ما هو في حق
المكلف فرض عين فالناس فيه على قسمين من وجد في نفسه قوة على الفهم والتحرير فتشاغله
بذلك أولى من اعراضه عنه وتشاغله بالعبادة لما فيه من النفع المتعدي ومن وجد في نفسه قصورا
فاقباله على العبادة أولى لعسر اجتماع الامرين فان الأول لو ترك العلم لأوشك أن يضيع بعض الأحكام
باعراضه والثاني لو أقبل على العلم وترك العبادة فاته الأمر ان لعدم حصول الأول له
واعراضه به عن الثاني والله الموفق ثم المذكور في الباب تسعة أحاديث بعضها يتعلق بكثرة
المسائل وبعضها يتعلق بتكليف ما لا يعني السائل وبعضها بسبب نزول الآية * الحديث الأول
وهو يتعلق بالقسم الثاني وكذا الحديث الثاني والخامس (قوله حدثنا سعيد) هو ابن أبي أيوب
كذا وقع من وجهين آخرين عند الإسماعيلي وأبي نعيم وهو الخزاعي المصري يكنى أبا يحيى واسم
أبي أيوب مقلاص بكسر الميم وسكون القاف وآخره مهملة كان سعيد ثقة ثبتا وقال ابن يونس
كان فقيها ونقل عن ابن وهب أنه قال فيه كان فهما (قلت) وروايته عن عقيل وهو ابن خالد
تدخل في رواية الاقران فإنه من طبقته وقد أخرج مسلم هذا الحديث من رواية معمر ويونس
وابن عيينة وإبراهيم بن سعد كلهم عن ابن شهاب وساقه على لفظ إبراهيم بن سعد ثم ابن عيينة
(قوله عن أبيه) في رواية يونس انه سمع سعدا (قوله إن أعظم المسلمين جرما) زاد في رواية مسلم
ان أعظم المسلمين في المسلمين جرما قال الطيبي فيه من المبالغة انه جعله عظيما ثم فسره بقوله جرما
ليدل على أنه نفسه جرم قال وقوله في المسلمين أي في حقهم (قوله عن شئ) في رواية سفيان أمر
(قوله لم يحرم) زاد مسلم على الناس وله في رواية إبراهيم بن سعد لم يحرم على المسلمين وله في رواية
معمر رجل سأل عن شئ ونقر عنه وهو بفتح النون وتشديد القاف بعدها راء أي بالغ في البحث
عنه والاستقصاء (قوله فحرم) بضم أوله وتشديد الراء وزاد مسلم عليهم وله من رواية سفيان على
الناس وأخرج البزار من وجه آخر عن سعد بن أبي وقاص قال كان الناس يتساءلون عن الشئ
من الامر فيسألون النبي صلى الله عليه وسلم وهو حلال فلا يزالون يسألونه عنه حتى يحرم عليهم
قال ابن بطال عن المهلب ظاهر الحديث يتمسك به القدرية في أن الله يفعل شيئا من أجل شئ
وليس كذلك بل هو على كل شئ قدير فهو فاعل السبب والمسبب كل ذلك بتقديره ولكن الحديث
محمول على التحذير مما ذكر فعظم جرم من فعل ذلك لكثرة الكارهين لفعله وقال غيره أهل السنة
لا ينكرون إمكان التعليل وانما ينكرون وجوبه فلا يمتنع ان يكون المقدر الشئ الفلاني تتعلق
به الحرمة ان سئل عنه فقد سبق القضاء بذلك لا ان السؤال علة التحريم وقال ابن التين قيل الجرم
اللاحق به الحاق المسلمين المضرة لسؤاله وهي منعهم التصرف فيما كان حلالا قبل مسئلته
226

وقال عياض المراد بالجرم هنا الحدث على المسلمين لا الذي هو بمعنى الاثم المعاقب عليه لان السؤال
كان مباحا ولهذا قال سلوني وتعقبه النووي فقال هذا الجواب ضعيف بل باطل والصواب الذي
قاله الخطابي والتيمي وغيرهما أن المراد بالجرم الاثم والذنب وحملوه على من سأل تكلفا وتعنتا فيما
لا حاجة له به إليه وسبب تخصيصه ثبوت الامر بالسؤال عما يحتاج إليه لقوله تعالى فاسألوا أهل
الذكر فمن سأل عن نازلة وقعت له لضرورته إليها فهو معذور فلا اثم عليه ولا عتب فكل من الامر
بالسؤال والزجر عنه مخصوص بجهة غير الأخرى قال ويؤخذ منه ان من عمل شيئا أضر به غيره
كان آثما وسبك منه الكرماني سؤالا وجوابا فقال السؤال ليس بجريمة ولئن كانت فليس بكبيرة
ولئن كانت فليس بأكبر الكبائر وجوابه ان السؤال عن الشئ بحيث يصير سببا لتحريم شئ مباح
هو أعظم الجرم لأنه صار سببا لتضييق الامر على جميع المكلفين فالقتل مثلا كبيرة ولكن
مضرته راجعة إلى المقتول وحده أو إلى من هو منه بسبيل بخلاف صورة المسألة فضررها عام
للجميع وتلقى هذا الأخير من الطيبي استدلالا وتمثيلا وينبغي ان يضاف إليه ان السؤال
المذكور انما صار كذلك بعد ثبوت النهي عنه فالاقدام عليه حرام فيترتب عليه الاثم ويتعدى
ضرره بعظم الاثم والله أعلم ويؤيد ما ذهب إليه الجماعة من تأويل الحديث المذكور
ما أخرجه الطبري من طريق محمد بن زياد عن أبي هريرة انه صلى الله عليه وسلم قال لمن سأله عن
الحج أفي كل عام لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ثم تركتم لضللتم وله من طريق أبي عياض عن أبي
هريرة ولو تركتموه لكفرتم وبسند حسن عن أبي أمامة مثله وأصله في مسلم عن أبي هريرة بدون
الزيادة وإطلاق الكفر اما على من جحد الوجوب فهو على ظاهره واما على من ترك مع الاقرار
فهو على سبيل الزجر والتغليظ ويستفاد منه عظم الذنب بحيث يجوز وصف من كان السبب
في وقوعه بأنه وقع في أعظم الذنوب كما تقدم تقريره والله أعلم وفي الحديث ان الأصل في الأشياء
الإباحة حتى يرد الشرع بخلاف ذلك * الحديث الثاني (قوله حدثنا إسحاق) هو ابن منصور
لقوله حدثنا عفان وإسحاق بن راهويه انما يقول انا ولان أبا نعيم أخرجه من طريق أبي خيثمة
عن عفان ولو كان في مسند إسحاق لما عدل عنه (قوله اتخذ حجرة) بالراء للأكثر وللمستملي
بالزاي وهما بمعنى (قوله من صنيعكم) في رواية السرخسي صنعكم بضم أوله وسكون النون
وهما بمعنى وقد تقدم بعض من شرح هذا الحديث في الباب الذي قبل باب إيجاب التكبير فذكر
أبواب صفة الصلاة وساقه هناك عن عبد الاعلى عن وهيب وتقدمت سائر فوائده في شرح
حديث عائشة في معناه في باب ترك قيام الليل من أبواب التهجد ولله الحمد والذي يتعلق بهذه
الترجمة من هذا الحديث ما يفهم من إنكاره صلى الله عليه وسلم ما صنعوا من تكلف ما لم يأذن
لهم فيه من التجميع في المسجد في صلاة الليل * الحديث الثالث وهو يتعلق بالقسم الأول
وكذا الرابع والثامن والتاسع حديث أبي موسى قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
أشياء كرهها فلما أكثروا عليه المسئلة غضب عرف من هذه الأسئلة ما تقدم في تفسير المائدة
في بيان المسائل المرادة بقوله تعالى لا تسألوا عن أشياء ومنها سؤال من سأل أين ناقتي وسؤال
من سأل عن البحيرة والسائبة وسؤال من سأل عن وقت الساعة وسؤال من سأل عن الحج
أيجب كل عام وسؤال من سأل ان يحول الصفا ذهبا وقد وقع في حديث أنس من رواية هشام
227

وغيره عن قتادة عنه في الدعوات وفي الفتن سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه
بالمسألة ومعنى أحفوه وهو بالمهملة والفاء أكثروا عليه حتى جعلوه كالحافي يقال أحفاه في
السؤال إذا ألح عليه (قوله وقال سلوني) في حديث أنس المذكور فصعد المنبر فقال لا تسألوني
عن شئ الا بينته لكم وفي رواية سعيد بن بشير عند قتادة عن أبي حاتم فخرج ذات يوم حتى
صعد المنبر وبين في رواية الزهري المذكورة في هذا الباب وقت وقوع ذلك وانه بعد أن صلى
الظهر ولفظه خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر فلما سلم قام على المنبر فذكر الساعة ثم قال
من أحب ان يسأل عن شئ فليسأل عنه فذكر نحوه (قوله فقام رجل فقال يا رسول الله من أبي)
بين في حديث أنس من رواية الزهري أسمه وفي رواية قتادة سبب سؤاله قال فقام رجل كان
إذا لاحى أي خاصم دعى إلى غير أبيه وذكرت اسم السائل الثاني وانه سعد واني نقلته من ترجمة
سهيل بن أبي صالح من تمهيد ابن عبد البر وزاد في رواية الزهري الآتية بعد حديثين فقام إليه
رجل فقال أين مدخلي يا رسول الله قال النار ولم أقف على اسم هذا الرجل في شئ من الطرق
كأنهم أبهموه عمدا للستر عليه وللطبراني من حديث أبي فراس الأسلمي نحوه وزاد وسأله رجل
في الجنة أنا قال في الجنة ولم أقف على اسم هذا الآخر ونقل ابن عبد البر عن رواية مسلم ان النبي
صلى الله عليه وسلم قال في خطبته لا يسألني أحد عن شئ الا أخبرته ولو سألني عن أبيه فقام
عبد الله بن حذافة وذكر فيه عتاب أمه له وجوابه وذكر فيه فقام رجل فسأل عن الحج فذكره
وفيه فقام سعد مولى شيبة فقال من أنا يا رسول الله قال أنت سعد بن سالم مولى شيبة وفيه فقام
رجل من بني أسد فقال أين أنا قال في النار فذكر قصة عمر قال فنزلت يا أيها الذي آمنوا لا تسألوا
عن أشياء الآية ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قيل وقال وكثرة السؤال وبهذه الزيادة يتضح
ان هذه القصة سبب نزول لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم فان المساءة في حق هذا جاءت
صريحة بخلافها في حق عبد الله بن حذافة فإنها بطريق الجواز أي لو قدر انه في نفس الامر لم
يكن لأبيه فبين أباه الحقيقي لافتضحت أمه كما صرحت بذلك أمه حين عاتبته على هذا السؤال
كما تقدم في كتاب الفتن (قوله فلما رأى عمر ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغضب
بين في حديث أنس ان الصحابة كلهم فهموا ذلك ففي رواية هشام فإذا كل رجل لافا رأسه في
ثوبه يبكي وزاد في رواية سعيد بن بشير وظنوا ان ذلك بين يدي أمر قد حضر وفي رواية موسى
ابن أنس عن أنس الماضية في تفسير المائدة فغطوا رؤسهم لهم حنين زاد مسلم من هذا الوجه
فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كان أشد منه (قوله فقال انا نتوب إلى الله
عز وجل) زاد في رواية الزهري فبرك عمر على ركبته فقال رضينا بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد
رسولا وفي رواية قتادة من الزيادة نعوذ بالله من شر الفتن وفي مرسل السدى عند الطبري في نحو
هذه القصة فقام إليه عمر فقبل رجله وقال رضينا بالله ربا فذكر مثله وزاد وبالقرآن إماما فاعف
عفا الله عنك فلم يزل به حتى رضى وفي هذا الحديث غير ما يتعلق بالترجمة مراقبة الصحابة أحوال
النبي صلى الله عليه وسلم وشدة اشفاقهم إذا غضب خشية أن يكون لأمر يعم فيعمهم وادلال عمر
عليه وجواز تقبيل رجل الرجل وجواز الغضب في الموعظة وبروك الطالب بين يدي من
يستفيد منه وكذا التابع بين يدي المتبوع إذا سأله في حاجة ومشروعية التعوذ من الفتن عند
228

وجود شئ قد يظهر منه قرينة وقوعها واستعمال المزاوجة في الدعاء في قوله أعف عفا الله عنك
والا فالنبي صلى الله عليه وسلم معفو عنه قبل ذلك قال ابن عبد البر سئل مالك عن معنى النهي عن
كثرة السؤال فقال ما أدري أنهى عن الذي أنتم فيه من السؤال عن النوازل أو عن مسئلة
الناس المال قال ابن عبد البر الظاهر الأول واما الثاني فلا معنى للتفرقة بين كثرته وقلته لا حيث
يجوز ولا حيث لا يجوز قال وقيل كانوا يسألون عن الشئ ويلحون فيه إلى أن يحرم قال وأكثر
العلماء على أن المراد كثرة السؤال عن النوازل والأغلوطات والتوليدات كذا قال وقد تقدم
الالمام بشئ من ذلك في كتاب * العلم الحديث الرابع (قوله حدثنا موسى) هو ابن إسماعيل وعبد
الملك هو ابن عمير (قوله وكتب إليه) هو معطوف على قوله فكتب إليه وهو موصول بالسند
المذكور وقد أفرد كثير من الرواة أحد الحديثين عن الآخر والغرض من إيراده هنا انه كان
ينهى عن قيل وقال وكثرة السؤال وقد تقدم البحث في المراد بكثرة السؤال في كتاب الرقاق
هل هو خاص بالمال أو بالأحكام أو لأعم من ذلك والأولى حمله على العموم لكن فيما ليس
للسائل به احتياج كما تقدم ذكره وتقدم شرح الحديث الأول في الدعوات والثاني في الرقاق
* الحديث الخامس (قوله عن أنس كنا عند عمر فقال نهينا عن التكلف) هكذا أورده مختصرا
وذكر الحميدي انه جاء في رواية أخرى عن ثابت عن أنس ان عمر قرأ فاكهة وأبا فقال ما الأب
ثم قال ما كلفنا أو قال ما أمرنا بهذا (قلت) هو عند الإسماعيلي من رواية هشام عن ثابت
وأخرجه من طريق يونس بن عبيد عن ثابت بلفظ ان رجلا سأل عمر بن الخطاب عن قوله
وفاكهة وأبا ما الأب فقال عمر نهينا عن التعمق والتكلف وهذا أولى أن يكمل به الحديث
الذي أخرجه البخاري وأولى منه ما أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي مسلم الكجي عن
سليمان بن حرب شيخ البخاري فيه ولفظه عن أنس كنا عند عمر وعليه قميص في ظهره أربع رقاع
فقرأ وفاكهة وأبا فقال هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب ثم قال مه نهينا عن التكلف وقد
أخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن سليمان بن حرب بهذا السند مثله سواء وأخرجه أيضا عن
سليمان بن حرب عن حماد بن سلمة بدل حماد بن زيد وقال بعد قوله فما الأب ثم قال يا ابن أم عمران
هذا له التكلف وما عليك أن لا تدري ما الأب وسليمان ابن حرب سمع من الحمادين لكنه اختص
بحماد بن زيد فإذا أطلق قوله حدثنا حماد فهو ابن زيد وإذا روى عن حماد بن سلمة نسبه وأخرج
عبد بن حميد أيضا من طريق صالح بن كيسان عن الزهري عن أنس أنه أخبره انه سمع عمر يقول
فأنبتنا فيه حبا وعنبا الآية إلى قوله وأبا قال كل هذا قد عرفناه فما الأب ثم رمى عصا كانت في يده
ثم قال هذا لعمر الله التكلف اتبعوا ما بين لكم من هذا الكتاب وأخرجه الطبري من وجهين
آخرين عن الزهري وقال في آخره اتبعوا ما بين لكم في الكتاب وفي لفظ ما بين لكم فعليكم به
وما لا فدعوه وأخرج عبد بن حميد أيضا من طريق إبراهيم النخعي عن عبد الرحمن بن يزيد ان
رجلا سأل عمر عن فاكهة وأبا فلما رآهم عمر يقولون أقبل عليهم بالدرة ومن وجه آخر عن إبراهيم
النخعي قال قرأ أبو بكر الصديق وفاكهة وأبا فقيل ما الأب فقيل كذا وكذا فقال أبو بكر ان
هذا له التكلف أي أرض تقلني أو أي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله بما لا أعلم وهذا منقطع
بين النخعي والصديق وأخرج أيضا من طريق إبراهيم التيمي ان أبا بكر سئل عن الأب ما هو فقال
229

أي سماء تظلني فذكر مثله وهو منقطع أيضا لكن أحدهما يقوي الآخر وأخرج الحاكم في
تفسير آل عمران من المستدرك من طريق حميد عن أنس قال قرأ عمر وفاكهة وأبا فقال بعضهم
كذا وقال بعضهم كذا فقال عمر دعونا من هذا آمنا به كل من عند ربنا وأخرج الطبري من
طريق موسى بن أنس نحوه ومن طريق معاوية بن قرة ومن طريق قتادة كلاهما عن أنس
كذلك وقد جاء ان ابن عباس فسر الأب عند عمر فأخرج عبد بن حميد أيضا من طريق سعيد بن
جبير قال كان عمر يدنى ابن عباس فذكر نحو القصة الماضية في تفسير إذا جاء نصر الله وفي آخرها
وقال تعالى انا صببنا الماء صبا إلى قوله وأبا قال فالسبعة رزق لبني آدم والأب ما تأكل الانعام
ولم يذكر ان عمر أنكر عليه ذلك وأخرج الطبري بسند صحيح عن عاصم بن كليب عن أبيه عن
ابن عباس قال الأب ما تنبته الأرض مما تأكله الدواب ولا يأكله الناس وأخرج عن عدة من
التابعين نحوه ثم أخرج من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بسند صحيح قال الأب الثمار
الرطبة وهذا أخرجه ابن أبي حاتم بلفظ وفاكهة وأبا قال الثمار الرطبة وكأنه سقط منه واليابسة
فقد أخرج أيضا من طريق عكرمة عن ابن عباس بسند حسن الأب الحشيش للبهائم وفيه قول
آخر أخرجاه من طريق عطاء قال كل شئ ينبت على وجه الأرض فهو أب فعلى هذا فهو من العام
بعد الخاص ومن طريق الضحاك قال الأب كل شئ أنبتت الأرض سوى الفاكهة وهذا أعم من
الأول وذكر بعض أهل اللغة أن الأب مطلق المرعى واستشهد بقول الشاعر
له دعوة ميمونة ريحها الصبا * بها ينبت الله الحصيدة والأبا
وقيل الأب يابس الفاكهة وقيل إنه ليس بعربي ويؤيده خفاؤه على مثل أبي بكر وعمر * (تنبيه) *
في اخراج البخاري هذا الحديث في آخر الباب مصير منه إلى أن قول الصحابي أمرنا ونهينا في حكم
المرفوع ولو لم يضفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومن ثم اقتصر على قوله نهينا عن التكلف
وحذف القصة * الحديث السادس وهو يتعلق بالقسم الثالث وكذا الرابع حديث أنس وهو في
معنى الحديث الرابع وقد مضى شرحه أورده من وجهين عن الزهري وساقه هنا على لفظ معمر
وفي باب وقت الظهر من كتاب الصلاة بلفظ شعيب وهما متقاربان ووقع هنا فأكثر الأنصار
البكاء في رواية الكشميهني وفي رواية غيره فأكثر الناس وهي الصواب وكذا وقع في رواية
معمر وغيره ووقع هنا فذكر الساعة وذكر ان بين يديها أمور عظاما وفي رواية شعيب وذكر أن
فيها أمورا عظاما وزاد هنا فقام رجل فقال أين مدخلي إلى آخره ووقع هنا وبمحمد رسولا وفي
رواية شعيب ومحمد نبيا ووقع هنا فسكت حين قال ذلك عمر ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم
أولى وسقط هذا كله من رواية شعيب قال المبرد يقال للرجل إذا أفلت من معضلة أولى لك أي
كدت تهلك وقال غيره هي بمعنى التهديد والوعيد * الحديث السابع حديث أنس أيضا من
رواية ابنه موسى عنه وأورده مختصرا وقد تقدم ما فيه * الحديث الثامن (قوله ورقاء)
بقاف ممدود وهو ابن عمر اليشكري وشيخه عبد الله بن عبد الرحمن هو ابن معمر بن حزم الأنصاري
أبو طوالة بضم الطاء المهملة مشهور بكنيته (قوله لن يبرح الناس يتساءلون) في رواية
230

المستملى يسألون وعند مسلم في رواية عروة عن أبي هريرة لا يزال الناس يتساءلون (قوله هذا
الله خالق كل شئ) في رواية عروة هذا خلق الله الخلق ولمسلم أيضا وهو في رواية البخاري في بدء
الخلق من رواية عروة أيضا يأتي الشيطان العبد أو أحدكم فيقول من خلق كذا وكذا حتى
يقول من خلق ربك وفي لفظ لمسلم من خلق السماء من خلق الأرض فيقول الله ولأحمد والطبراني
من حديث خزيمة بن ثابت مثله ولمسلم من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة حتى يقولوا هذا
الله خلقنا وله في رواية يزيد بن الأصم عنه حتى يقولوا الله خلق كل شئ وفي رواية المختار بن فلفل
عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل ان أمتك لا تزال تقول ما كذا
وكذا حتى يقولوا هذا الله خلق الخلق وللبزار من وجه آخر عن أبي هريرة لا يزال الناس يقولون
كان الله قبل كل شئ فمن كان قبله قال التوربشتي قوله هذا خلق الله الخلق يحتمل ان يكون
هذا مفعولا والمعنى حتى يقال هذا القول وأن يكون مبتدأ حذف خبره أي هذا الامر قد علم
وعلى اللفظ الأول يعني رواية أنس عند مسلم هذا الله مبتدأ وخبر أو هذا مبتدأ والله عطف
بيان وخلق الخلق خبره قال الطيبي والأول أولى ولكن تقديره هذا مقرر معلوم وهو ان الله
خلق الخلق وهو شئ وكل شئ مخلوق فمن خلقه فيظهر ترتيب ما بعد الفاء على ما قبلها (قوله
فمن خلق الله) في رواية بدء الخلق من خلق ربك وزاد فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته وفي لفظ
لمسلم فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله وزاد في أخرى ورسله ولأبي داود والنسائي من
الزيادة فقولوا الله أحد الله الصمد السورة ثم ليتفل عن يساره ثم ليستعذ ولأحمد من حديث
عائشة فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل آمنت بالله ورسوله فان ذلك يذهب عنه ولمسلم في رواية
أبي سلمة عن أبي هريرة نحو الأول وزاد فبينما انا في المسجد إذا جاءني ناس من الاعراب فذكر
سؤالهم عن ذلك وانه رماهم بالحصا وقال صدق خليلي وله في رواية محمد بن سيرين عن أبي هريرة
صدق الله ورسوله قال ابن بطال في حديث أنس الإشارة إلى ذم كثرة السؤال لأنها تفضي إلى
المحذور كالسؤال المذكور فإنه لا ينشأ الا عن جهل مفرط وقد ورد بزيادة من حديث أبي هريرة
بلفظ لا يزال الشيطان يأتي أحدكم فيقول من خلق كذا من خلق كذا حتى يقول من خلق الله
فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل آمنت بالله وفي رواية ذاك صريح الايمان ولعل هذا هو الذي أراد
الصحابي فيما أخرجه أبو داود من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال جاء ناس
إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه فقالوا يا رسول الله انا نجد في أنفسنا الشئ يعظم ان نتكلم
به ما نحب ان لنا الدنيا وانا تكلمنا به فقال أوقد وجدتموه ذاك صريح الايمان ولابن أبي شيبة
من حديث ابن عباس جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اني أحدث نفسي بالامر لان
أكون حممة أحب إلى من أن أتكلم به قال الحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة ثم نقل الخطابي
المراد بصريح الايمان هو الذي يعظم في نفوسهم ان تكلموا به ويمنعهم من قبول ما يلقي
الشيطان فلولا ذلك لم يتعاظم في أنفسهم حتى أنكروه وليس المراد ان الوسوسة نفسها صريح
الايمان بل هي من قبل الشيطان وكيده وقال الطيبي قوله نجد في أنفسنا الشئ أي القبيح نحو
ما تقدم في حديث أنس وأبي هريرة وقوله يعظم ان نتكلم به أي للعلم بأنه لا يليق ان نعتقده
وقوله ذاك صريح الايمان أي علمكم بقبيح تلك الوساوس وامتناع قبولكم ووجودكم النفرة
عنها دليل على خلوص ايمانكم فان الكافر يصر على ما في قلبه من المحال ولا ينفر عنه وقوله في
231

الحديث الآخر فليستعذ بالله ولينته أي يترك التفكر في ذلك الخاطر ويستعيذ بالله إذا لم يزل
عنه التفكر والحكمة في ذلك أن العلم باستغناء الله تعالى عن كل ما يوسوسه الشيطان أمر
ضروري لا يحتاج للاحتجاج والمناظرة فان وقع شئ من ذلك فهو من وسوسة الشيطان وهي
غير متناهية فمهما عورض بحجة يجد مسلكا آخر من المغالطة والاسترسال فيضيع الوقت ان سلم
من فتنته فلا تدبير في دفعه أقوى من الالجاء إلى الله تعالى بالاستعاذة به كما قال تعالى واما ينزغنك
من الشيطان نزغ فاستعذ بالله الآية وقال في شرح الحديث الذي فيه فليقل الله الاحد
الصفات الثلاث منبهة على أن الله تعالى لا يجوز ان يكون مخلوقا أما أحد فمعناه الذي لا ثاني له
ولا مثل فلو فرض مخلوقا لم يكن أحدا على الاطلاق وسيأتي مزيد لهذا في شرح حديث عائشة
في أول كتاب التوحيد وقال المهلب قوله صريح الايمان يعني الانقطاع في إخراج الامر إلى
ما لا نهاية له فلا بد عند ذلك من إيجاب خالق لا خالق له لان المتفكر العاقل يجد للمخلوقات كلها
خالقا لاثر الصنعة فيها والحدث الجاري عليها والخالق بخلاف هذه الصفة فوجب ان يكون لكل
منها خالق لا خالق له فهذا هو صريح الايمان لا البحث الذي هو من كيد الشيطان المؤدي إلى
الحيرة وقال ابن بطال فان قال الموسوس فما المانع ان يخلق الخالق نفسه قيل له هذا ينقض
بعضه بعضا لأنك أثبت خالقا وأوجبت وجوده ثم قلت يخلق نفسه فأوجبت عدمه والجمع بين
كونه موجودا معدوما فاسد لتناقضه لان الفاعل يتقدم وجوده على وجود فعله فيستحيل كون
نفسه فعلا له قال وهذا واضح في حل هذه الشبهة وهو يفضي إلى صريح الايمان انتهى ملخصا
موضحا وحديث أبي هريرة أخرجه مسلم فعزوه إليه أولى ولفظه انا نجد في أنفسنا ما يتعاظم
أحدنا ان يتكلم به قال وقد وجدتموه قالوا نعم قال ذاك صريح الايمان وأخرج بعده من حديث
ابن مسعود سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة فقال تلك محض الايمان وحديث ابن
عباس أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان وقال ابن التين لو جاز لمخترع الشئ ان يكون له
مخترع لتسلسل فلا بد من الانتهاء إلى موجد قديم والقديم من لا يتقدمه شئ ولا يصح عدمه وهو
فاعل لا مفعول وهو الله تبارك وتعالى وقال الكرماني ثبت ان معرفة الله بالدليل فرض عين
أو كفاية والطريق إليها بالسؤال عنها متعين لأنها مقدمتها لكن لما عرف بالضرورة ان الخالق
غير مخلوق أو بالكسب الذي يقارب الصدق كان السؤال عن ذلك تعنتا فيكون الذم يتعلق
بالسؤال الذي يكون على سبيل التعنت والا فالتوصل إلى معرفة ذلك وإزالة الشبهة عنه صريح
الايمان إذ لا بد من الانقطاع إلى من يكون له خالق دفعا للتسلسل وقد تقدم نحو هذا في صفة
إبليس من بدء الخلق وما ذكره من ثبوت الوجوب يأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى في أول كتاب
التوحيد ويقال ان نحو هذه المسئلة وقعت في زمن الرشيد في قصة له مع صاحب الهند وانه
كتب إليه هل يقدر الخالق ان يخلق مثله فسأل أهل العلم فبدر شاب فقال هذا السؤال محال لان
المخلوق محدث والمحدث لا يكون مثل القديم فاستحال ان يقال يقدر ان يخلق مثله أو لا يقدر
كما يستحيل ان يقال في القادر العالم يقدر ان يصير عاجزا جاهلا * الحديث التاسع حديث ابن
مسعود في سؤال اليهود عن الروح وقد تقدم شرحه مستوفى في تفسير سورة سبحان وقوله في
هذه الرواية فقام ساعة فنظر فعرفت انه يوحى إليه فتأخرت حتى صعد الوحي ظاهر في أنه أجابهم
في ذلك الوقت وهو يرد على ما وقع في مغازي موسى بن عقبة وسير سليمان التيمي ان جوابه تأخر
232

ثلاثة أيام وفي سيرة ابن إسحاق انه تأخر خمسة عشر يوما وسيأتي البحث في شئ منه بعد أربعة أبواب
إن شاء الله تعالى (قوله باب الاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم) الأصل
فيه قوله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وقد ذهب جمع إلى وجوبه لدخوله في عموم
الامر بقوله تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه وبقوله فاتبعوني يحببكم الله وبقوله تعالى فاتبعوه
فيجب اتباعه في فعله كما يجب في قوله حتى يقوم دليل على الندب أو الخصوصية وقال آخرون
يحتمل الوجوب والندب والإباحة فيحتاج إلى القرينة والجمهور للندب إذا ظهر وجه القربة وقيل
ولو لم يظهر ومنهم من فصل بين التكرار وعدمه وقال آخرون ما يفعله صلى الله عليه وسلم
إن كان بيانا لمجمل فحكمه حكم ذلك المجمل وجوبا أو ندبا أو إباحة فان ظهر وجه القربة فللندب
وما لم يظهر فيه وجه التقرب فللإباحة واما تقريره على ما يفعل بحضرته فيدل على الجواز والمسئلة
مبسوطة في أصول الفقه ويتعلق بها تعارض قوله وفعله ويتفرع من ذلك حكم الخصائص
وقد أفردت بالتصنيف ولشيخ شيوخنا الحافظ صلاح الدين العلائي فيه مصنف جليل وحاصل
ما ذكر فيه ثلاثة أقوال أحدها يقدم القول لان له صيغة تتضمن المعاني بخلاف الفعل ثانيها
الفعل لأنه لا يطرقه من الاحتمال ما يطرق القول ثالثها يفزع إلى الترجيح وكل ذلك محله ما لم
تقم قرينة تدل على الخصوصية وذهب الجمهور إلى الأول والحجة له ان القول يعبر به عن المحسوس
والمعقول بخلاف الفعل فيختص بالمحسوس فكان القول أتم وبأن القول متفق على أنه دليل
بخلاف الفعل ولان القول يدل بنفسه بخلاف الفعل فيحتاج إلى واسطة وبأن تقديم الفعل
يفضي إلى ترك العمل بالقول والعمل بالقول يمكن معه العمل بما دل عليه الفعل فكان القول
أرجح بهذه الاعتبارات (قوله حدثنا سفيان) هو الثوري كما جزم به المزي (قوله عن ابن عمر)
في رواية الإسماعيلي من وجه آخر عن أبي نعيم بسنده سمعت ابن عمر (قوله فاتخذ الناس
خواتيم من ذهب) وفيه فنبذه وقال اني لم ألبسه ابدا فنبذ الناس خواتيمهم اقتصر على هذا
المثال لاشتماله على تأسيهم به في الفعل والترك وقد تقدم شرح ما يتعلق بخاتم الذهب في كتاب
اللباس قال ابن بطال بعد أن حكى الاختلاف في أفعاله عليه الصلاة والسلام محتجا لمن قال
بالوجوب بحديث الباب لأنه خلع خاتمه فخلعوا خواتمهم ونزع نعله في الصلاة فنزعوا ولما أمرهم
عام الحديبية بالتحلل وتأخروا عن المبادرة رجاء ان يأذن لهم في القتال وان ينصروا فيكملوا عمرتهم
قالت له أم سلمة أخرج إليهم واحلق واذبح ففعل فتابعوه مسرعين فدل ذلك على أن الفعل
أبلغ من القول ولما نهاهم عن الوصال قالوا انك تواصل فقال اني أطعم واسقي فلولا ان لهم
الاقتداء به لقال وما في مواصلتي ما يبيح لكم الوصال لكنه عدل عن ذلك وبين لهم وجه
اختصاصه بالمواصلة انتهى وليس في جميع ما ذكره ما يدل على المدعى من الوجوب بل على مطلق
التأسي به والعلم عند الله تعالى (قوله باب ما يكره من التعمق والتنازع) زاد غير
أبي ذر في العلم وهو يتعلق بالتنازع والتعمق معا كما أن قوله والغلو في الدين والبدع يتناولهما
وقوله لقول الله تعالى يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله الا الحق صدر الآية
يتعلق بفروع الدين وهي المعبر عنه في الترجمة بالعلم وما بعده يتعلق بأصوله فاما التعمق فهو بالمهملة
وبتشديد الميم ثم قاف ومعناه التشديد في الامر حتى يتجاوز الحد فيه وقد وقع شرحه في الكلام
233

على الوصال في الصيام حيث قال حتى يدع المتعمقون تعمقهم وأما التنازع فمن المنازعة وهي في
الأصل المجاذبة ويعبر بها عن المجادلة والمراد بها المجادلة عند الاختلاف في الحكم إذا لم يتضح
الدليل والمذموم منه اللجاج بعد قيام الدليل وأما الغلو فهو المبالغة في الشئ والتشديد فيه
بتجاوز الحد وفيه معنى التعمق يقال غلا في الشئ يغلو غلوا وغلا السعر يغلو غلاء إذا جاوز
العادة والسهم يغلو غلوا بفتح ثم سكون إذا بلغ غاية ما يرمي وورد النهي عنه صريحا فيما أخرجه
النسائي وابن ماجة وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم من طريق أبي العالية عن ابن عباس
قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا في حصى الرمي وفيه وإياكم والغلو في الدين
فإنما أهلك من قبلكم الغلو في الدين وأما البدع فهو جمع بدعة وهي كل شئ ليس له مثال تقدم
فيشمل لغة ما يحمد ويذم ويختص في عرف أهل الشرع بما يذم وأن وردت في المحمود فعلى
معناها اللغوي واستدلاله بالآية ينبني على أن لفظ أهل الكتاب للتعميم ليتناول غير اليهود
والنصارى أو يحمل على أن تناولها من عدا اليهود والنصارى بالالحاق وذكر فيه سبعة أحاديث
* الحديث الأول حديث أبي هريرة في النهي عن الوصال وقد تقدم شرحه في كتاب الصيام وقوله
هنا لو تأخر الهلال لزدتكم وقع في حديث أنس الماضي في كتاب التمني ولو مد لي في الشهر لواصلت
وصالا يدع المتعمقون تعمقهم والى هذه الرواية أشار في الترجمة لكنه جرى على عادته في إيراد
ما لا يناسب الترجمة ظاهرا إذا ورد في بعض طرقه ما يعطى ذلك وقد تقدم نحو هذا في كتاب الصيام
بزيادة فيه وقوله كالمنكي بضم الميم وسكون النون وبعد الكاف ياء ساكنة من النكاية كذا لأبي
ذر عن السرخسي وعن المستملي براء بدل الياء من الانكار وعلى هذا فاللام في لهم بمعنى على وعن
الكشميهني بفتح النون وتشديد الكاف المكسورة بعدها لام من النكال وهي رواية الباقين
وقد مضى في كتاب الصيام من طريق شعيب عن الزهري بلفظ كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا
* الحديث الثاني (قوله حدثني أبي) هو يزيد بن شريك التيمي (قوله خطبنا علي بن أبي طالب
على منبر من آجر) بالمد وضم الجيم هو الطوب المشوي ويقال بمد وزيادة واو وهو فارسي معرب
(قوله فنشرها) أي فتحها (قوله فإذا فيها) يحتمل أن يكون علي دفعها لمن قرأها ويحتمل أن يكون
قرأها بنفسه (قوله المدينة حرم) تقدم شرح ما يتعلق بذلك في أواخر الحج مستوعبا (قوله ذمة
المسلمين واحدة) تقدم ما يتعلق بذلك أيضا في الجزية والموادعة وقوله فمن أخفر بالخاء المعجمة وألف
أي غدر به والهمزة للتعدية أي أزال عنه الخفر وهو الستر (قوله من والى قوما بغير اذن
مواليه) تقدم ما يتعلق به من الفرائض وتقدم في أواخر كتاب الفرائض أن الصحيفة المذكورة
تشتمل على أشياء غير هذه من القصاص والعفو وغير ذلك والغرض بإيراد الحديث هنا لعن من
أحدث حدثا فإنه وان قيد في الخبر بالمدينة فالحكم عام فيها وفي غيرها إذا كان من متعلقات الدين
وقد تقدم شرح ذلك في باب حرم المدينة في أواخر كتاب الحج وقال الكرماني مناسبة حديث على
للترجمة لعله من جهة انه يستفاد من قول على ما عندنا من كتاب يقرأ الخ تبكيت من تنطع في
الكلام وجاء بغير ما في الكتاب والسنة كذا قال * الحديث الثالث (قوله عن الأعمش حدثنا
مسلم) هو ابن صبيح بمهملة وموحدة مصغر وآخره مهملة وهو أبو الضحى مشهور بكنيته أكثر من
اسمه وقد وقع عند مسلم مصرحا به في رواية جرير عن الأعمش فقال عن أبي الضحى به وهذا يغني
234

عن قول الكرماني يحتمل ان يكون ابن صبيح ويحتمل ان يكون ابن أبي عمران البطين فإنهما يرويان
عن مسروق ويروي عنهما الأعمش والسند المذكور إلى مسروق كلهم كوفيون (قوله قال
قالت عائشة) في رواية مسلم من عدة طرق عن الأعمش بسنده عن عائشة (قوله ترخص فيه
وتنزه عنه قوم) قد تقدم في باب من لم يواجه الناس من كتاب الأدب هذا الحديث بسنده ومتنه
وشرحته هناك والمراد منه هنا ان الخير في الاتباع سواء كان ذلك في العزيمة أو الرخصة وان
استعمال الرخصة بقصد الاتباع في المحل الذي وردت أولى من استعمال العزيمة بل ربما كان
استعمال العزيمة حينئذ مرجوحا كما في إتمام الصلاة في السفر وربما كان مذموما إذا كان
رغبته عن السنة كترك المسح على الخفين وأومأ ابن بطال إلى أن الذي تنزهوا عنه القبلة للصائم
وقال غيره لعله الفطر في السفر ونقل ابن التين عن الداودي ان التنزه عما ترخص فيه النبي صلى الله
عليه وسلم من أعظم الذنوب لأنه يرى نفسه اتقى لله من رسوله وهذا الحاد (قلت) لاشك في الحاد
من اعتقد ذلك ولكن الذي اعتل به من أشير إليهم في الحديث انه غفر له ما تقدم وما تأخر أي
فإذا ترخص في شئ لم يكن مثل غيره ممن لم يغفر له ذلك فيحتاج الذي لم يغفر له إلى الاخذ بالعزيمة
والشدة لينجو فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه وإن كان غفر الله له لكنه مع ذلك أخشى الناس
لله وأتقاهم فمهما فعله صلى الله عليه وسلم من عزيمة ورخصة فهو فيه في غاية التقوى والخشية لم
يحمله التفضل بالمغفرة على ترك الجد في العمل قياما بالشكر ومهما ترخص فيه فإنما هو للإعانة على
العزيمة ليعملها بنشاط وأشار بقوله أعلمهم إلى القوة العلمية وبقوله أشدهم له خشية إلى القوة
العملية أي انا أعلمهم بالفضل وأولاهم بالعمل به * الحديث الرابع حديث ابن أبي مليكة في قصة
أبي بكر وعمر في تأمير الأقرع بن حابس أو القعقاع بن معبد على بني تميم وفيه نزلت يا أيها الذين آمنوا
لا ترفعوا أصواتكم وقد تقدم شرحه مستوفى في تفسير سورة الحجرات وان المقصود منه قوله
تعالى في أول السورة لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ومن هنا تظهر مناسبته للترجمة وقال ابن التين
عن الداودي ان هذا الحديث مرسل لم يتصل منه سوى شئ يسير ومن نظر إلى ما تقدم في الحجرات
استغنى بما فيه عن تعقب كلامه وقوله وقال ابن أبي مليكة قال ابن الزبير هو موصول بالسند
المذكور قبله وقد وقعت هذه الزيادة في رواية المستملي وقد تقدم في تفسير الحجرات بعد قوله
فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم الآية فقال ابن الزبير فذكره (قوله فكان
عمر بعد ولم يذكر ذلك عن أبيه يعني أبا بكر إذا حدث النبي صلى الله عليه وسلم الخ) هكذا فصل بين
قوله فكان عمر في هذه الرواية وبين قوله إذا حدث بهذه الجملة وهي ولم يذكر ذلك عن أبيه
وأخرها في الرواية الماضية في الحجرات ولفظه فما كان يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
يستفهمه ولم يذكر ذلك عن أبيه (قوله حدثه كأخي السرار) اما السرار فبكسر السين المهملة
235

وتخفيف الراء أي الكلام السر ومنه المساررة واما قوله كأخي فقال ابن الأثير معنى قوله كأخي
السرار كصاحب السرار قاله الخطابي ونقل عن ثعلب ان المعنى كالسرار ولفظ أخي صلة قال
والمعنى كالمناجي سرا انتهى وقال صاحب الفائق لو قيل إن معنى قوله كأخي السرار كالمسارر
لكان وجها والكاف في محل نصب على الحال وعلى ما ماضي تكون صفة لمصدر محذوف وقوله
لا يسمعه حتى يستفهمه تأكيد لمعنى قوله كأخي السرار أي يخفض صوته ويبالغ حتى يحتاج إلى
استفهامه عن بعض كلامه وقال في الفائق الضمير في يسمعه للكاف ان جعلت صفة للمصدر
وهو منصوب المحل على الوصفية فان أعربت حالا فالضمير لها أيضا ان قدر مضاف وليس قوله
لا يسمعه حالا من النبي صلى الله عليه وسلم لركاكة المعنى حينئذ والله أعلم * الحديث الخامس
حديث عائشة في أمر أبي بكر بالصلاة بالناس وفيه مراجعة عائشة وحفصة وقد تقدم شرحه
مستوفى في أبواب الإمامة من كتاب الصلاة والمقصود منه بيان ذم المخالفة وقال ابن التين وفيه ان
أوامره على الوجوب وان في مراجعته فيما يأمر به بعض المكروه (قلت) وليس ما ادعاه من دليل
الوجوب ظاهرا * الحديث السادس حديث سهل بن سعد في قصة المتلاعنين وقد مضى شرحه
مستوفى في كتاب اللعان والمقصود منه هنا فكره النبي صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها ووقع
في رواية الكشميهني وعاب بحذف المفعول * الحديث السابع حديث مالك بن أوس في قصة
العباس وعلي ومنازعتهما عند عمر في صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم شرحه
مستوفى في فرض الخمس والمقصود منه هنا بيان كراهية التنازع ويدل عليه قول عثمان ومن معه
يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر فان الظن بهما انهما لم يتنازعا الا ولكل
منهما مستند في أن الحق بيده دون الآخر فأفضى ذلك بهما إلى المخاصمة ثم المحاكمة التي لولا
التنازع لكان اللائق بهما خلاف ذلك وقوله في هذه الطريق اتئدوا بتشديد المثناة بعدها
همزة مكسورة أي استمهلوا وقوله أنشدكم بالله في رواية الكشميهني أنشدكم الله بحذف الباء
وهو جائز وقوله ما احتازها بالمهملة ثم الزاي وللكشميهني بالمعجمة ثم الراء والأول أولى وقوله
وكان ينفق وللكشميهني فكان بالفاء وهو أولى وقوله فأقبل على علي في رواية الكشميهني ثم
أقبل وقوله تزعمان ان أبا بكر فيها كذا هكذا هنا وقع بالابهام وقد بينت في شرح الرواية الماضية
في فرض الخمس ان تفسير ذلك وقع في رواية مسلم وخلت الرواية المذكورة عن ذلك ابهاما
وتفسيرا ويؤخذ مما سأذكره عن المازري وغيره من تأويل كلام العباس ما يجاب به عن ذلك
وبالله التوفيق قال ابن بطال في أحاديث الباب ما ترجم له من كراهية التنطع والتنازع لإشارته
إلى ذم من استمر على الوصال بعد النهي ولإشارة علي إلى ذم من غلا فيه فادعى ان النبي صلى الله
عليه وسلم خصه بأمور من علم الديانة دون غيره واشارته صلى الله عليه وسلم إلى ذم من شدد فيما
ترخص فيه وفي قصة بني تميم ذم التنازع المؤدي إلى التشاجر ونسبة أحدهما الآخر إلى قصد
مخالفته فان فيه إشارة إلى ذم كل حالة تؤل بصاحبها إلى افتراق الكلمة أو المعاداة وفي حديث
عائشة إشارة إلى ذم التعسف في المعاني التي خشيتها من قيام أبي بكر مقام رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال ابن التين معنى قوله في هذه الرواية استبا أي نسب كل واحد منها الآخر إلى
أنه ظلمه وقد صرح بذلك في هذه الرواية بقوله اقض بيني وبين هذا الظالم قال ولم يرد انه يظلم الناس
236

وانما أراد ما تأوله في خصوص هذه القصة ولم يرد ان عليا سب العباس بغير ذلك لأنه صنو أبيه ولا
ان العباس سب عليا بغير ذلك لأنه يعرف فضله وسابقته وقال المازري هذا اللفظ لا يليق
بالعباس وحاشا عليا من ذلك فهو سهو من الرواة وإن كان لا بد من صحته فليؤول بأن العباس
تكلم بما لا يعتقد ظاهره مبالغة في الزجر وردعا لما يعتقد انه مخطئ فيه ولهذا لم ينكره عليه أحد
من الصحابة لا الخليفة ولا غيره مع تشددهم في إنكار المنكر وما ذاك الا انهم فهموا بقرينة الحال
انه لا يريد به الحقيقة انتهى وقد مضى بعض هذا في شرح الحديث في فرض الخمس وفيه انني
لم أقف في شئ من طرق هذه القصة على كلام لعلي في ذلك وإن كان المفهوم من قوله استبا بالتثنية
ان يكون وقع منه في حق العباس كلام وقال غيره حاشا عليا ان يكون ظالما والعباس ان يكون
ظالما بنسبة الظلم إلى علي وليس بظالم وقيل في الكلام حذف تقديره أي هذا الظالم ان لم ينصف أو
التقدير هذا كالظالم وقيل هي كلمة تقال في الغضب لا يراد بها حقيقتها وقيل لما كان الظلم يفسر
بأنه وضع الشئ في غير موضعه تناول الذنب الكبير والصغير وتناول الخصلة المباحة التي لا تليق
عرفا فيحمل الاطلاق على الأخيرة والله أعلم (قوله باب اثم من آوى محدثا) بضم
أوله وسكون الحاء المهملة وبعد الدال مثلثة أي أحدث المعصية (قوله رواه علي عن النبي صلى
الله عليه وسلم تقدم موصولا في الباب الذي قبله وعبد الواحد في حديث أنس هو ابن زياد وعاصم
237

هو ابن سليمان المعروف بالأحول وقوله قال عاصم فأخبرني هو موصول بالسند المذكور (قوله
موسى بن أنس) ذكر الدارقطني ان الصواب عن عاصم عن النضر بن أنس لا عن موسى قال والوهم
فيه من البخاري أو شيخه قال عياض وقد أخرجه مسلم على الصواب (قلت) إن أراد أنه قال عن
النضر فليس كذلك فإنه انما قال لما أخرجه عن حامد بن عمير عن عبد الواحد عن عاصم عن ابن أنس
فإن كان عياض أراد ان الابهام صواب فلا يخفى ما فيه والذي سماه النضر هو مسدد عن
عبد الواحد كذا أخرجه في مسنده وأبو نعيم في المستخرج من طريقه وقد رواه عمرو بن أبي قيس
عن عاصم فبين ان بعضه عنده عن أنس نفسه وبعضه عن النضر بن أنس عن أبيه أخرجه أبو
عوانة في مستخرجه وأبو الشيخ في كتاب الترهيب جميعا من طريقه عن عاصم عن أنس قال عاصم
ولم أسمع من أنس أو آوى محدثا فقلت للنضر ما سمعت هذا يعني القدر الزائد من أنس قال
لكني سمعته منه أكثر من مائة مرة وقد تقدم شرح حديثي علي وأنس في أواخر الحج في أول
فضائل المدينة في باب حرم المدينة وذكرت هناك رواية من روى الزيادة عن عاصم عن أنس
بدون الواسطة وانه مدرج وبالله التوفيق قال ابن بطال دل الحديث على أن من أحدث حدثا
أو آوى محدثا في غير المدينة انه غير متوعد بمثل ما توعد به من فعل ذلك بالمدينة وإن كان قد علم أن
من آوى أهل المعاصي انه يشاركهم في الاثم فان من رضي فعل قوم وعملهم التحق بهم ولكن
خصت المدينة بالذكر لشرفها لكونها مهبط الوحي وموطن الرسول عليه الصلاة والسلام ومنها
انتشر الدين في أقطار الأرض فكان لها بذلك مزيد فضل على غيرها وقال غيره السر في تخصيص
المدينة بالذكر انها كانت إذ ذاك موطن النبي صلى الله عليه وسلم ثم صارت موضع الخلفاء
الراشدين (قوله باب ما يذكر من ذم الرأي) أي الفتوى بما يؤدي إليه النظر
وهو يصدق على ما يوافق النص وعلى ما يخالفه والمذموم منه ما يوجد النص بخلافه وأشار بقوله
من إلى أن بعض الفتوى بالرأي لا تذم وهو إذا لم يوجد النص من كتاب أو سنة أو إجماع وقوله
وتكلف القياس أي إذا لم يجد الأمور الثلاثة واحتاج إلى القياس فلا يتكلفه بل يستعمله على
أوضاعه ولا يتعسف في اثبات العلة الجامعة التي هي من أركان القياس بل إذا لم تكن العلة
الجامعة واضحة فليتمسك بالبراءة الأصلية ويدخل في تكلف القياس ما إذا استعمله على أوضاعه
مع وجود النص وما إذا وجد النص فخالفه وتأول لمخالفته شيئا بعيدا ويشتد الذم فيه لمن ينتصر
لمن يقلده مع احتمال ان لا يكون الأول اطلع على النص (قوله ولا تقف لا تقل ما ليس لك به علم)
احتج لما ذكره من ذم التكلف بالآية وتفسير القفو بالقول من كلام ابن عباس فيما أخرجه
الطبري وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه وكذا قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة
لا تقف ما ليس لك به علم لا تقل رأيت ولم تر وسمعت ولم تسمع والمعروف انه الاتباع وقد تقدم في
حديث موسى والخضر فانطلق يقفو أثره أي يتبعه وفي حديث الصيد يقتفي أثره أي يتبع وقال
أبو عبيدة معناه لا تتبع ما لا تعلم ومالا يعنيك وقال الراغب الاقتفاء اتباع القفا كما أن
الارتداف اتباع الردف ويكنى بذلك عن الاغتياب وتتبع المعايب ومعنى ولا تقف ما لا ليس لك به
علم لا تحكم بالقيافة والظن والقيافة مقلوب عن الاقتفاء نحو جذب وجبذ وسبقه إلى نحو هذا
الأخير الفراء وقال الطبري بعد أن نقل عن السلف ان المراد شهادة الزور أو القول بغير علم
238

أو الرمي بالباطل هذه المعاني متقاربة وذكر قول أبي عبيدة ثم قال أصل القفو العيب ومنه
حديث الأشعث بن قيس رفعه لا نقفوا منا ولا ننتفي من أبينا ومنه قول الشاعر
* ولا أقفو الحواضن ان قفينا * ثم نقل عن بعض الكوفيين ان أصله القيافة وهي اتباع
الأثر وتعقب بأنه لو كان كذلك لكانت القراءة بضم القاف وسكون الفاء لكن زعم أنه على
القلب قال والأولى بالصواب الأول انتهى والقراءة التي أشار إليها نقلت في الشواذ عن معاذ
القارئ واستدل الشافعي للرد على ما يقدم قياس على الخبر بقوله تعالى فان تنازعتم في شئ
فردوه إلى الله والرسول قال معناه والله أعلم اتبعوا في ذلك ما قال الله ورسوله وأورد البيهقي
هنا حديث ابن مسعود ليس عام الا الذي بعده شر منه لا أقول عام أخصب من عام ولا أمير خير من
أمير ولكن ذهاب العلماء ثم يحدث قوم يقيسون الأمور بآرائهم فيهدم الاسلام (قوله حدثنا
سعيد بن تليد) بمثناة ثم لام وزن عظيم وهو سعيد بن عيسى بن تليد نسب إلى جده يكنى أبا عيسى
ابن عني بمهملة ثم نون مصغر وهو من المصريين الثقات الفقهاء وكان يكتب للحاكم (قوله عبد
الرحمن بن شريح) هو أبو شريح الإسكندراني بمعجمة أوله ومهملة آخره وهو ممن وافقت كنيته
اسم أبيه (قوله وغيره) هو ابن لهيعة أبهمه البخاري لضعفه وجعل الاعتماد على رواية عبد
الرحمن لكن ذكر الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر في الجزء الذي جمعه في الكلام على حديث
معاذ بن جبل في القياس ان عبد الله بن وهب حدث بهذا الحديث عن أبي شريح وابن لهيعة جميعا
لكنه قدم لفظ ابن لهيعة وهو مثل اللفظ الذي هنا ثم عطف عليه رواية أبي شريح فقال بذلك
(قلت) وكذلك أخرجه ابن عبد البر في باب العلم من رواية سحنون عن ابن وهب عن أبن لهيعة
فساقه ثم قال ابن وهب وأخبرني عبد الرحمن بن شريح عن أبي الأسود عن عروة عن عبد الله بن
عمرو بذلك قال ابن طاهر ما كنا ندري هل أراد بقوله بذلك اللفظ والمعنى أو المعنى فقط حتى
وجدنا مسلما أخرجه عن حرملة بن يحيى عن ابن وهب عن عبد الرحمن بن شريح وحده فساقه بلفظ
مغاير للفظ الذي أخرجه البخاري قال فعرف ان اللفظ الذي حذفه البخاري هو لفظ عبد الرحمن
ابن شريح الذي أبرزه هنا والذي أورده هو لفظ الغير الذي أبهمه انتهى وسأذكر تفاوتهما
وليس بينهما في المعنى كبير أمر وكنت أظن أن مسلما حذف ذكر ابن لهيعة عمدا لضعفه واقتصر
على عبد الرحمن بن شريح حتى وجدت الإسماعيلي أخرجه من طريق حرملة بغير ذكر ابن لهيعة
فعرفت ان ابن وهب هو الذي كان يجمعهما تارة ويفرد ابن شريح تارة وعند ابن وهب فيه شيخان
آخران بسند آخر أخرجه ابن عبد البر في بيان العلم من طريق سحنون حدثنا ابن وهب حدثنا
مالك وسعيد بن عبد الرحمن كلاهما عن هشام بن عروة باللفظ المشهور وقد ذكرت في باب العلم
ان هذا الحديث مشهور عن هشام بن عروة عن أبيه رواه عن هشام أكثر من سبعين نفسا وأقول
هنا ان أبا القاسم عبد الرحمن بن الحافظ أبي عبد الله بن مندة ذكر في كتاب التذكرة ان الذين
رووه عن الحافظ هشام أكثر من ذلك وسرد أسماءهم فزادوا على أربعمائة نفس وسبعين
نفسا منهم من الكبار شعبة ومالك وسفيان الثوري والأوزاعي وابن جريج ومسعر وأبو حنيفة
وسعيد بن أبي عروبة والحمادان ومعمر بل أكبر منهم مثل يحيى بن سعيد الأنصاري وموسى
ابن عقبة والأعمش ومحمد بن عجلان وأيوب وبكير بن عبد الله بن الأشج وصفوان بن سليم وأبو
239

معشر ويحيى بن أبي كثير وعمارة بن غزية وهؤلاء العشرة كلهم من صغار التابعين وهم من أقرانه
ووافق هشاما على روايته عن عروة أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن النوفلي المعروف بيتيم
عروة وهو الذي رواه عنه ابن لهيعة وأبو شريح ورواه عن عروة أيضا ولداه يحيى وعثمان وأبو
سلمة بن عبد الرحمن وهو من أقرانه والزهري ووافق عروة على روايته عن عبد الله بن عمرو بن
العاص عمر بن الحكم بن ثوبان أخرجه مسلم من طريقه ولم يسق لفظه لكن قال بمثل حديث
هشام بن عروة وكأنه ساقه من رواية جرير بن عبد الحميد عن هشام وسأذكر ما في رواية
بعض من ذكر من فائدة زائدة (قوله عن أبي الأسود) في رواية مسلم بسنده إلى ابن شريح ان
أبا الأسود حدثه (قوله عن عروة) زاد حرملة في روايته ابن الزبير (قوله حج علينا) أي
مر علينا حاجا (عبد الله بن عمرو فسمعته يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية مسلم
قالت لي عائشة يا ابن أختي بلغني ان عبد الله بن عمرو مار بنا إلى الحج فالقه فأسائله فإنه قد حمل عن
النبي صلى الله عليه وسلم علما كثيرا قال فلقيته فسألته عن أشياء يذكرها عن النبي صلى الله عليه
وسلم فكان فيما ذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (قوله إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه)
في رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني أعطاهموه بالهاء ضمير الغيبة بدل الكاف ووقع في
رواية حرملة لا ينتزع العلم من الناس انتزاعا وفي رواية هشام الماضية في كتاب العلم من طريق
مالك عنه ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد وفي رواية سفيان بن عيينة عن هشام
من قلوب العباد أخرجه الحميدي في مسنده عنه وفي رواية جرير عن هشام عند مسلم مثله
لكن قال من الناس وهو الوارد في أكثر الروايات وفي رواية محمد بن عجلان عن هشام عند
الطبراني ان الله لا ينزع العلم انتزاعا ينتزعه منهم بعد أن أعطاهم ولم يذكر على من يعود الضمير
وفي رواية معمر عن هشام عند الطبراني ان الله لا ينزع العلم من صدور الناس بعد أن يعطيهم
إياه وأظن عبد الله بن عمرو انما حدث بهذا جوابا عن سؤال من سأله عن الحديث الذي رواه أبو
امامة قال لما كان في حجة الوداع قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على جمل آدم فقال يا أيها
الناس خذوا من العلم قبل ان يقبض وقبل ان يرفع من الأرض الحديث وفي آخره الا ان ذهاب
العلم ذهاب حملته ثلاث مرات أخرجه أحمد والطبراني والدارمي فبين عبد الله بن عمرو ان الذي
ورد في قبض العلم ورفع العلم انما هو على الكيفية التي ذكرها وكذلك أخرج قاسم بن اصبغ
ومن طريقه ابن عبد البر ان عمر سمع أبا هريرة يحدث بحديث يقبض العلم فقال إن قبض العلم ليس
شيئا ينزع من صدور الرجال ولكنه فناء العلماء وهو عند أحمد والبزار من هذا الوجه (قوله ولكن
ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم) كذا فيه والتقدير ينتزعه بقبض العلماء مع علمهم ففيه بعض
قلب ووقع في رواية حرملة ولكن يقبض العلماء فيرفع العلم معهم وفي رواية هشام ولكن
يقبض العلم بقبض العلماء وفي رواية معمر ولكن ذهابهم قبض العلم ومعانيها متقاربة (قوله
فيبقى ناس جهال) هو بفتح أول يبقى وفي رواية حرملة ويبقى في الناس رؤسا جهالا وهو بضم أول
يبقى وتقدم في كتاب العلم ضبط رؤسا هل هو بصيغة جمع رأس وهي رواية الأكثر أو رئيس وفي
رواية هشام حتى إذا لم يبق عالم هذه رواية أبي ذر من طريق مالك ولغيره ولم يبق عالما اتخذ الناس
رؤسا جهالا وفي رواية جرير عند مسلم حتى إذا لم يترك عالما وكذا في رواية صفوان بن سليم
240

عند الطبراني وهي تؤيد الرواية الثانية وفي رواية محمد بن عجلان حتى إذا لم يبق عالم وكذا في
رواية شعبة عن هشام وفي رواية محمد بن هشام بن عروة عن أبيه عند الطبراني فيصير للناس
رؤوس جهال وفي رواية معمر عن الزهري عن عروة عنده بعد أن يعطيهم إياه ولكن يذهب العلماء
كلما ذهب عالم ذهب بما معه من العلم حتى يبقى من لا يعلم (قوله يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون)
بفتح أوله (ويضلون) بضمه وفي رواية حرملة يفتونهم بغير علم فيضلون ويضلون وفي رواية
محمد بن عجلان يستفتونهم فيفتونهم والباقي مثله وفي رواية هشام بن عروة فسئلوا فافتوا بغير
علم فضلوا وأضلوا وهي رواية الأكثر وخالف الجميع قيس بن الربيع وهو صدوق ضعف من قبل
حفظه فرواه عن هشام بلفظ لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلا حتى نشأ فيهم أبناء سبايا الأمم فافتوا
بالرأي فضلوا وأضلوا أخرجه البزار وقال تفرد به قيس قال والمحفوظ بهذا اللفظ ما رواه غيره عن
هشام فأرسله (قلت) والمرسل المذكور أخرجه الحميدي في النوادر والبيهقي في المدخل من
طريقه عن ابن عيينة قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه فذكره كرواية قيس سواء (قوله
فحدثت به عائشة) زاد حرملة في روايته فلما حدثت عائشة بذلك أعظمت ذلك وأنكرته وقالت
أحدثك انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا (قوله ثم إن عبد الله بن عمرو حج بعد فقالت
يا ابن أختي انطلق إلى عبد الله فاستثبت لي منه الذي حدثتني عنه) في رواية حرملة انه حج من السنة
المقبلة ولفظه قال عروة حتى إذا كان قابل قالت له ان ابن عمرو قد قدم فالقه ثم فاتحه حتى تسأله
عن الحديث الذي ذكره لك في العلم (قوله فجئته فسألته) في رواية حرملة فلقيته (قوله فحدثني
به) في رواية حرملة فذكره لي (قوله كنحو ما حدثني) في رواية حرملة بنحو ما حدثني به في مرته
الأولى ووقع في رواية سفيان بن عيينة الموصولة قال عروة ثم لبثت سنة ثم لقيت عبد الله بن
عمرو في الطواف فسألته فأخبرني به فأفاد ان لقاءه إياه في المرة الثانية كان بمكة وكأن عروة كان حج
في تلك السنة من المدينة وحج عبد الله من مصر فبلغ عائشة ويكون قولها قد قدم أي من مصر
طالبا لمكة لا أنه قدم المدينة إذ لو دخلها للقيه عروة بها ويحتمل أن تكون عائشة حجت تلك السنة
وحج معها عروة فقدم عبد الله بعد فلقيه عروة بأمر عائشة (قوله فعجبت فقالت والله لقد حفظ
عبد الله بن عمرو) في رواية حرملة فلما أخبرتها بذلك قالت ما أحسبه الا صدق أراه لم يزد فيه شيئا
ولم ينقص (قلت) ورواية الأصل تحتمل ان عائشة كان عندها علم من الحديث وظنت
انه زاد فيه أو نقص فلما حدث به ثانيا كما حدث به أولا تذكرت انه على وفق ما كانت سمعت
ولكن رواية حرملة التي ذكر فيها انها أنكرت ذلك وأعظمته ظاهرة في أنه لم يكن عندها من
الحديث علم ويؤيد ذلك انها لم تسدل على أنه حفظه الا لكونه حدث به بعد سنة كما حدث
به أولا لم يزد ولم ينقص قال عياض لم تتهم عائشة عبد الله ولكن لعلها نسبت إليه انه مما
قرأه من الكتب القديمة لأنه كان قد طالع كثيرا منها ومن ثم قالت أحدثك انه سمع النبي صلى
الله عليه وسلم يقول هذا انتهى وعلى هذا فرواية معمر له عن الزهري عن عروة عن عبد الله
ابن عمرو هي المعتمدة وهي في مصنف عبد الرزاق وعند أحمد والنسائي والطبراني من طريقه
ولكن الترمذي لما أخرجه من رواية عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة قال روى الزهري
هذا الحديث عن عروة عن عبد الله بن عمرو وعن عروة عن عائشة وهذه الرواية التي أشار
241

إليها رواية يونس بن يزيد عن الزهري عن عروة عن عائشة أخرجه أبو عوانة في صحيحه والبزار
من طريق شبيب بن سعيد عن يونس وشبيب في حفظه شئ وقد شذ بذلك ولما أخرجه عبد الرزاق
من رواية الزهري أردفه برواية معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عروة عن عبد الله بن عمرو قال
اشهد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يرفع الله العلم بقبضه ولكن يقبض العلماء الحديث
وقال ابن عبد البر في بيان العلم رواه عبد الرزاق أيضا عن معمر عن هشام بن عروة بمعنى حديث
مالك (قلت) ورواية يحيى أخرجها الطيالسي عن هشام الدستوائي عنه ووجدت عن الزهري
فيه سندا آخر أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق العلاء بن سليمان الرقي عن الزهري عن أبي
سلمة عن أبي هريرة فذكر مثل رواية هشام سواء لكن زاد بعد قوله وأضلوا عن سواء السبيل
والعلاء بن سليمان ضعفه ابن عدي وأورده من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ رواية حرملة
التي مضت وسنده ضعيف ومن حديث أبي سعيد الخدري بلفظ يقبض الله العلماء ويقبض
العلم معهم فتنشأ احداث ينزوا بعضهم على بعضم نزو العير على العير ويكون الشيخ فيهم مستضعفا
وسنده ضعيف وأخرج الدارمي من حديث أبي الدرداء قوله رفع العلم ذهاب العلماء وعن
حذيفة قبض العلم قبض العلماء وعند أحمد عن ابن مسعود قال هل تدرون ما ذهاب العلم ذهاب
العلماء وأفاد حديث أبي أمامة الذي أشرت إليه أولا وقت تحديث النبي صلى الله عليه وسلم بهذا
الحديث وفي حديث أبي أمامة من الفائدة الزائدة ان بقاء الكتب بعد رفع العلم بموت العلماء
لا يغني من ليس بعالم شيئا فان في بقيته فسأله أعرابي فقال يا نبي الله كيف يرفع العلم منا وبين
أظهرنا المصاحف وقد تعلمنا ما فيها وعلمناها أبناءنا ونساءنا وخدمنا فرفع إليه رأسه وهو مغضب
فقال وهذه اليهود والنصارى بين أظهرهم المصاحف لم يتعلقوا منها بحرف فيما جاءهم به أنبياؤهم
ولهذه الزيادة شواهد من حديث عوف بن مالك وابن عمرو وصفوان بن عسال وغيرهم وهي عند
الترمذي والطبراني والدارمي والبزار بألفاظ مختلفة وفي جميعها هذا المعنى وقد فسر عمر قبض العلم
بما وقع تفسيره به في حديث عبد الله بن عمرو وذلك فيما أخرجه أحمد من طريق يزيد بن الأصم عن
أبي هريرة فذكر الحديث وفيه ويرفع العلم فسمعه عمر فقال اما انه ليس ينزع من صدور
العلماء ولكن بذهاب العلماء وهذا يحتمل ان يكون عند عمر مرفوعا فيكون شاهدا قويا لحديث
عبد الله بن عمرو واستدل بهذا الحديث على جواز خلو الزمان عن مجتهد وهو قول الجمهور
خلافا لأكثر الحنابلة وبعض من غيرهم لأنه صريح في رفع العلم بقبض العلماء وفي ترئيس أهل
الجهل ومن لازمه الحكم بالجهل وإذا انتفى العلم ومن يحكم به استلزم انتفاء الاجتهاد والمجتهد
وعورض هذا بحديث لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وفي لفظ حتى
تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله ومضى في العلم كالأول بغير شك وفي رواية مسلم ظاهرين على
الحق حتى يأتي أمر الله ولم يشك وهو المعتمد وأجيب أولا بأنه ظاهر في عدم الخلو لا في نفي الجواز
وثانيا بأن الدليل للأول أظهر للتصريح بقبض العلم تارة وبرفعه أخرى بخلاف الثاني وعلى تقدير
التعارض فيبقى ان الأصل عدم المانع قالوا الاجتهاد فرض كفاية فيستلزم انتفاؤه الاتفاق على
الباطل وأجيب بان بقاء فرض الكفاية مشروط ببقاء العلماء فاما إذا قام الدليل على انقراض
العلماء فلا لان بفقدهم تنتفي القدرة والتمكن من الاجتهاد وإذا انتفى ان يكون مقدورا لم يقع
242

التكليف به هكذا اقتصر عليه جماعة وقد تقدم في باب تغير الزمان حتى تعبد الأوثان في
أواخر كتاب الفتن ما يشير إلى أن محل وجود ذلك عند فقد المسلمين بهبوب الريح التي تهب بعد نزول
عيسى عليه السلام فلا يبقى أحد في قلبه مثقال ذرة من الايمان الا قبضته ويبقى شرار الناس
فعليهم تقوم الساعة وهو بمعناه عند مسلم كما بينته هناك فلا يرد اتفاق المسلمين على ترك فرض
الكفاية والعمل بالجهل لعدم وجودهم وهو المعبر عنه بقوله حتى يأتي أمر الله وأما الرواية بلفظ
حتى تقوم الساعة فهي محمولة على اشرافها بوجود آخر أشراطها وقد تقدم هذا بأدلته في الباب
المذكور ويؤيده ما أخرجه أحمد وصححه الحاكم عن حذيفة رفعه يدرس الاسلام كما يدرس
وشي الثوب إلى غير ذلك من الأحاديث وجوز الطبري ان يضمر في كل من الحديثين المحل الذي
يكون فيه تلك الطائفة فالموصوفون بشرار الناس الذين يبقون بعد أن تقبض الريح من تقبضه
يكونون مثلا ببعض البلاد كالمشرق الذي هو أصل الفتن والموصوفون بأنهم على الحق يكونون
مثلا ببعض البلاد كبيت المقدس لقوله في حديث معاذ انهم بالشام وفي لفظ ببيت المقدس
وما قاله وإن كان محتملا يرده قوله في حديث أنس في صحيح مسلم لا تقوم الساعة حتى لا يقال
في الأرض الله الله إلى غير ذلك من الأحاديث التي تقدم ذكرها في معنى ذلك والله أعلم ويمكن ان
تنزل هذه الأحاديث على الترتيب في الواقع فيكون أولا رفع العلم بقبض العلماء المجتهدين الاجتهاد
المطلق ثم المقيد ثانيا فإذا لم يبق مجتهد استووا في التقليد لكن ربما كان بعض المقلدين أقرب
إلى بلوغ درجة الاجتهاد المقيد من بعض ولا سيما أن فرعنا على جواز تجزئ الاجتهاد ولكن
لغلبة الجهل يقدم أهل الجهل أمثالهم واليه الإشارة بقوله اتخذ الناس رؤسا جهالا وهذا
لا ينفي ترئيس بعض من لم يتصف بالجهل التام كما لا يمتنع ترئيس من ينسب إلى الجهل في الجملة
في زمن أهل الاجتهاد وقد أخرج ابن عبد البر في كتاب العلم من طريق عبد الله بن وهب سمعت
خلاد بن سلمان الحضرمي يقول حدثنا دراج أبو السمح يقول يأتي على الناس زمان يسمن
الرجل راحلته حتى يسير عليها في الأمصار يلتمس من يفتيه بسنة قد عمل بها فلا يجد الا من يفتيه
بالظن فيحمل على أن المراد الأغلب الأكثر في الحالين وقد وجد هذا مشاهدا ثم يجوز ان يقبض
أهل تلك الصفة ولا يبقى الا المقلد الصرف وحينئذ يتصور خلو الزمان عن مجتهد حتى في بعض
الأبواب بل في بعض المسائل ولكن يبقى من له نسبة إلى العلم في الجملة ثم يزداد حينئذ غلبة الجهل
وترئيس أهله ثم يجوز ان يقبض أولئك حتى لا يبقى منهم أحد وذلك جدير بأن يكون عند خروج
الدجال أو بعد موت عيسى عليه السلام وحينئذ يتصور خلو الزمان عمن ينسب إلى العلم أصلا
ثم تهب الريح فتقبض كل مؤمن وهناك يتحقق خلو الأرض عن مسلم فضلا عن عالم فضلا عن
مجتهد ويبقى شرار الناس فعليهم تقوم الساعة والعلم عند الله تعالى وقد تقدم في أوائل كتاب
الفتن كثير من المباحث والنقول المتعلقة بقبض العلم والله المستعان وفي الحديث الزجر عن
ترئيس الجاهل لما يترتب عليه من المفسدة وقد يتمسك به من لا يجيز تولية الجاهل بالحكم ولو كان
عاقلا عفيفا لكن إذا دار الامر بين العالم الفاسق والجاهل العفيف فالجاهل العفيف أولى لان
ورعه يمنعه عن الحكم بغير علم فيحمله على البحث والسؤال وفي الحديث أيضا حض أهل العلم
وطلبته على أخذ بعضهم عن بعض وفيه شهادة بعضهم لبعض بالحفظ والفضل وفيه حض العالم
243

طالبه على الاخذ عن غيره ليستفيد ما ليس عنده وفيه التثبت فيما يحدث به المحدث إذا قامت
قرينة الذهول ومراعاة الفاضل من جهة قول عائشة اذهب إليه ففاتحه حتى تسأله عن
الحديث ولم تقل له سله عنه ابتداء خشية من استيحاشه وقال ابن بطال التوفيق بين الآية
والحديث في ذم العمل بالرأي وبين ما فعله السلف من استنباط الاحكام ان نص الآية ذم القول
بغير علم فخص به من تكلم برأي مجرد عن استناد إلى أصل ومعنى الحديث ذم من أفتى مع الجهل
ولذلك وصفهم بالضلال والاضلال والا فقد مدح من استنبط من الأصل لقوله لعلمه الذين
يستنبطونه منهم فالرأي إذا كان مستندا إلى أصل من الكتاب أو السنة أو الاجماع فهو المحمود
وإذا كان لا يستند إلى شئ منها فهو المذموم قال وحديث سهل بن حنيف وعمر بن الخطاب وإن كان
يدل على ذم الرأي لكنه مخصوص بما إذا كان معارضا للنص فكأنه قال اتهموا الرأي
إذا خالف السنة كما وقع لنا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتحلل فأحببنا الاستمرار
على الاحرام وأردنا القتال لنكمل نسكنا ونقهر عدونا وخفي عنا حينئذ ما ظهر للنبي صلى الله
عليه وسلم مما حمدت عقباه وعمر هو الذي كتب إلى شريح انظر ما تبين لك من كتاب الله فلا تسأل
عنه أحدا فإن لم يتبين لك من كتاب الله فاتبع فيه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لم يتبين
لك من السنة فأجتهد فيه رأيك هذه رواية سيار عن الشعبي وفي رواية الشيباني عن الشعبي عن
شريح ان عمر كتب إليه نحوه وقال في آخره اقض بما في كتاب الله فإن لم يكن فبما في سنة رسول الله
فإن لم يكن فبما قضى به الصالحون فإن لم يكن فان شئت فتقدم وان شئت فتأخر ولا أرى التأخر
الا خيرا لك فهذا عمر أمر بالاجتهاد فدل على أن الرأي الذي ذمه ما خالف الكتاب أو السنة وأخرج
ابن أبي شيبة بسند صحيح عن ابن مسعود نحو حديث عمر من رواية الشيباني وقال في آخره فان
جاءه ما ليس في ذلك فليجتهد رأيه فان الحلال بين والحرام بين فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك (قوله
حدثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان وعبدان لقب وأبو حمزة بالمهملة ثم الزاي هو السكري
وساق المتن على لفظ أبي عوانة لأنه ساق لفظ عبدان في كتاب الجزية ووقعت رواية أبي عوانة
مقدمة على رواية أبي حمزة وساق المتن ثم عطف عليه رواية أبي حمزة وفي آخره فسمعت سهل بن
حنيف يقول ذلك (قوله قال سهل بن حنيف يا أيها الناس) قد تقدم بيان سبب خطبته بذلك
في تفسير سورة الفتح وبيان المراد بقول سهل يوم أبي جندل وقوله يفظعنا بالظاء المعجمة المكسورة
بعد الفاء الساكنة أي يوقعنا في أمر فظيع وهو الشديد في القبح ونحوه وقوله الا أسهلن بسكون
اللام بعد الهاء والنون المفتوحتين والمعنى أنزلتنا في السهل من الأرض أي أفضين بنا وهو كناية عن
التحول من الشدة إلى الفرج وقوله بنا في رواية الكشميهني بها ومراد سهل انهم كانوا إذا وقعوا
في شدة يحتاجون فيها إلى القتال في المغازي والثبوت والفتوح العمرية عمدوا إلى سيوفهم
فوضعوها على عواتقهم وهو كناية عن الجد في الحرب فإذا فعلوا ذلك انتصروا وهو المراد بالنزول
في السهل ثم استثنى الحرب التي وقعت بصفين لما وقع فيها من ابطاء النصر وشدة المعارضة من
حجج الفريقين إذ حجة على ومن معه ما شرع لهم من قتال أهل البغي حتى يرجعوا إلى الحق وحجة
معاوية ومن معه ما وقع من قتل عثمان مظلوا ووجود قتلته بأعيانهم في العسكر العراقي فعظمت
الشبهة حتى اشتد القتال وكثر القتل في الجانبين إلى أن وقع التحكيم فكان ما كان (قوله
244

وقال أبو وائل شهدت صفين وبئست صفين) كذا لأبي ذر ولغيره وبئست صفون وفي رواية النسفي
مثله ولكن قال وبئست الصفون بزيادة ألف ولام والمشهور في صفين كسر الصاد المهملة
وبعضهم فتحها وجزم بالكسر جماعة من الأئمة والفاء مكسورة مثقلة اتفاقا والأشهر فيها بالياء
قبل النون كماردين وفلسطين وقنسرين وغيرها ومنهم من أبدل الياء واوا في الأحوال وعلى هاتين
اللغتين فأعرابها اعراب غسلين وعربون ومنهم من أعربها اعراب جمع المذكر السالم فتنصرف
بحسب العوامل مثل لفي عليين وما إدراك ما عليون ومنهم من فتح النون مع الواو لزوما نقل كل
ذلك ابن مالك ولم يذكر فتح النون مع الياء لزوما وقوله اتهموا رأيكم على دينكم أي لا تعملوا
في أمر الدين بالرأي المجرد الذي لا يستند إلى أصل من الدين وهو كنحو قول علي فيما أخرجه
ه أبو داود بسند حسن لو كان الدين بالرأي لكان مسح أسفل الخف أولى من أعلاه والسبب في
قول سهل ذلك ما تقدم بيانه في استتابة المرتدين ان أهل الشام لما استشعروا ان أهل العراق
شارفوا ان يغلبوهم وكان أكثر أهل العراق من القراء الذين يبالغون في التدين ومن ثم صار منهم
الخوارج الذين مضى ذكرهم فأنكروا على علي ومن أطاعه الإجابة إلى التحكيم فاستند على إلى
قصة الحديبية وان النبي صلى الله عليه وسلم أجاب قريشا إلى المصالحة مع ظهور غلبته لهم وتوقف
بعض الصحابة أولا حتى ظهر لهم ان الصواب ما أمرهم به كما مضى بيانه مفصلا في الشروط وأول
الكرماني كلام سهل بن حنيف بحسب ما احتمله اللفظ فقال كأنهم اتهموا سهلا بالتقصير في
القتال حينئذ فقال لهم بل اتهموا أنتم رأيكم فاني لا أقصر كما لم أكن مقصرا يوم الحديبية وقت
الحاجة فكما توقفت يوم الحديبية من أجل اني لا أخالف حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم
كذلك أتوقف اليوم لأجل مصلحة المسلمين وقد جاء عن عمر نحو قول سهل ولفظه اتقوا الرأي في
دينكم أخرجه البيهقي في المدخل هكذا مختصرا وأخرجه هو والطبري والطبراني مطولا بلفظ
اتهموا الرأي على الدين فلقد رأيتني أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيي اجتهادا فوالله
ما آلوا عن الحق وذلك يوم أبى جندل حتى قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم تراني أرضى وتأبى
والحاصل ان المصير إلى الرأي انما يكون عند فقد النص والى هذا يومئ قول الشافعي فيما
أخرجه البيهقي بسند صحيح إلى أحمد بن حنبل سمعت الشافعي يقول القياس عند الضرورة ومع
ذلك فليس العامل برأيه على ثقة من أنه وقع على المراد من الحكم في نفس الامر وانما عليه بذل
الوسع في الاجتهاد ليؤجر ولو أخطأ وبالله التوفيق وأخرج البيهقي في المدخل وابن عبد البر
في بيان العلم عن جماعة من التابعين كالحسن وابن سيرين وشريح والشعبي والنخعي بأسانيد
جياد ذم القول بالرأي المجرد ويجمع ذلك كله حديث أبي هريرة لا يؤمن أحدكم حتى يكون
هواه تبعا لما جئت به أخرجه الحسن بن سفيان وغيره ورجاله ثقات وقد صححه النووي في آخر
الأربعين واما ما أخرجه البيهقي من طريق الشعبي عن عمرو بن حريث عن عمر قال إياكم
وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن أعيتهم الأحاديث ان يحفظوها فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا
فظاهر في أنه أراد ذم من قال بالرأي مع وجود النص من الحديث لاغفاله التنقيب عليه
فهلا يلام وأولى منه باللوم من عرف النص وعمل بما عارضه من الرأي وتكلف لرده بالتأويل والى
ذلك الإشارة بقوله في الترجمة وتكلف القياس والله أعلم وقال ابن عبد البر في بيان العلم
245

بعد أن ساق آثارا كثيرة في ذم الرأي ما ملخصه اختلف العلماء في الرأي المقصود إليه
بالذم في هذه الآثار مرفوعها وموقوفها ومقطوعها فقالت طائفة هو القول في الاعتقاد
بمخالفة السنن لانهم استعملوا آراءهم وأقيستهم في رد الأحاديث حتى طعنوا في المشهور منها الذي
بلغ التواتر كأحاديث الشفاعة وأنكروا ان يخرج أحد من النار بعد أن يدخلها وأنكروا
الحوض والميزان وعذاب القبر إلى غير ذلك من كلامهم في الصفات والعلم والنظر وقال أكثر
أهل العلم الرأي المذموم الذي لا يجوز النظر فيه ولا الاشتغال به هو ما كان في نحو ذلك من ضروب
البدع ثم أسند عن أحمد بن حنبل قال لا تكاد ترى أحدا نظر في الرأي الا وفي قلبه دغل قال وقال
جمهور أهل العلم الرأي المذموم في الآثار المذكورة هو القول في الاحكام بالاستحسان والتشاغل
بالأغلوطات ورد الفروع بعضها إلى بعض دون ردها إلى أصول السنن وأضاف كثير منهم إلى ذلك
من يتشاغل بالاكثار منها قبل وقوعها لما يلزم من الاستغراق في ذلك من تعطيل السنن وقوى
ابن عبد البر هذا القول الثاني واحتج له ثم قال ليس أحد من علماء الأمة يثبت عنده حديث عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ ثم يرده الا بادعاء نسخ أو معارضة أثر غيره أو إجماع أو عمل يجب
على أصله الانقياد إليه أو طعن في سنده ولو فعل ذلك بغير ذلك لسقطت عدالته فضلا عن أن يتخذ
إماما وقد أعاذهم الله تعالى من ذلك ثم ختم الباب بما بلغه عن سهل بن عبد الله التستري الزاهد
المشهور قال ما أحدث أحد في العلم شيئا الا سئل عنه يوم القيامة فان وافق السنة سلم والا فلا
(قوله باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسئل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول
لا أدري أو لم يجب حتى ينزل عليه الوحي) أي كان له إذا سئل عن الشئ الذي لم يوحى إليه فيه
حالان اما أن يقول لا أدري واما ان يسكت حتى يأتيه بيان ذلك بالوحي والمراد بالوحي أعم من
المتعبد بتلاوته ومن غيره ولم يذكر لقوله لا أدري دليلا فان كلا من الحديثين المعلق والموصول
من أمثلة الشق الثاني وأجاب بعض المتأخرين بأنه استغنى بعدم جوابه به وقال الكرماني في
قوله في الترجمة لا أدري حزازة إذ ليس في الحديث ما يدل عليه ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم ذلك
كذا قال وهو تساهل شديد منه في الاقدام على نفي الثبوت كما سأبينه والذي يظهر انه أشار في
الترجمة إلى ما ورد في ذلك ولكنه لم يثبت عنده منه شئ على شرطه وإن كان يصلح للحجة كعادته في
أمثال ذلك وأقرب ما ورد عنده في ذلك حديث ابن مسعود الماضي في تفسير سورة ص من علم
شيئا فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم الحديث لكنه موقوف والمراد منه انما هو ما جاء عن النبي
صلى الله عليه وسلم انه أجاب بلا أعلم أو لا أدري وقد وردت فيه عدة أحاديث منها حديث ابن عمر
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أي البقاع خير قال لا أدري فأتاه جبريل فسأله فقال
لا أدري فقال سل ربك فانتفض جبريل انتفاضة الحديث أخرجه ابن حبان وللحاكم نحوه من
حديث جبير بن مطعم وفي الباب عن أنس عند ابن مردويه واما حديث أبي هريرة ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال ما أدري الحدود كفارة لأهلها أم لا وهو عند الدارقطني والحاكم فقد تقدم
في شرح حديث عبادة من كتاب العلم الكلام عليه وطريق الجمع بينه وبين حديث عبادة ووقع
الالمام بشئ من ذلك في كتاب الحدود أيضا وقال ابن الحاجب في أوائل مختصرة لثبوت لا أدري
وقد أوردت من ذلك ما تيسر في الأمالي في تخريج أحاديث المختصر (قوله ولم يقل برأي
246

ولا قياس) قال الكرماني هما مترادفان وقيل الرأي التفكر والقياس الالحاق وقيل الرأي أعم
ليدخل فيه الاستحسان ونحوه انتهى والذي يظهر أن الأخير مراد البخاري وهو ما دل عليه اللفظ
الذي أورده في الباب الذي قبله من حديث عبد الله بن عمرو وقال الأوزاعي العلم ما جاء عن أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لم يجئ عنهم فليس بعلم واخرج أبو عبيد ويعقوب بن شيبة عن
ابن مسعود قال لا يزال الناس مشتملين بخير ما أتاهم العلم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
وأكابرهم فإذا أتاهم العلم من قبل أصاغرهم وتفرقت أهواؤهم هلكوا وقال أبو عبيدة معناه
ان كل ما جاء عن الصحابة وكبار التابعين لهم بإحسان هو العلم الموروث وما أحدثه من جاء بعدهم
هو المذموم وكان السلف يفرقون بين العلم والرأي فيقولون للسنة علم ولما عداها رأي وعن
أحمد يؤخذ العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم عن الصحابة فإن لم يكن فهو في التابعين مخير وعنه
ما جاء عن الخلفاء الراشدين فهو من السنة وما جاء عن غيرهم من الصحابة ممن قال إنه سنة لم أدفعه
وعن ابن المبارك ليكن المعتمد عليه الأثر وخذوا من الرأي ما يفسر لكم الخبر والحاصل ان
الرأي إن كان مستندا للنقل من الكتاب أو السنة فهو محمود وان تجرد عن علم فهو مذموم وعليه
يدل حديث عبد الله بن عمرو المذكور فإنه ذكر بعد فقد العلم أن الجهال يفتون برأيهم (قوله
لقوله) في رواية المستملي لقول الله تعالى بما أراك الله وقد نقل ابن بطال عن المهلب ما معناه انما
سكت النبي صلى الله عليه وسلم في أشياء معضلة ليست لها أصول في الشريعة فلا بد فيها من اطلاع
الوحي والا فقد شرع صلى الله عليه وسلم لامته القياس وأعلمهم كيفية الاستنباط فيما لا نص فيه
حيث قال للتي سألته هل تحج عن أمها فالله أحق بالقضاء وهذا هو القياس في لغة العرب وأما عند
العلماء فهو تشبيه مالا حكم فيه بما فيه حكم في المعنى وقد شبه الحمر بالخيل فأجاب من سأله عن الحمر
بالآية الجامعة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره إلى آخرها كذا قال ونقل ابن التين عن الداودي
ما حاصله ان الذي احتج به البخاري لما ادعاه من النفي حجة في الاثبات لان المراد بقوله بما أراك الله
ليس محصورا في المنصوص بل فيه اذن في القول بالرأي ثم ذكر قصة الذي قال إن امرأتي ولدت
غلاما اسود هل لك من ابل إلى أن قال فلعله نزعه عرق وقال لما رأى شبها بزمعة احتجي منه
يا سودة ثم ذكر آثارا تدل على الاذن في القياس وتعقبها ابن التين بأن البخاري لم يرد النفي المطلق
وانما أراد انه صلى الله عليه وسلم ترك الكلام في أشياء وأجاب بالرأي في أشياء وقد بوب لكل ذلك
بما ورد فيه وأشار إلى قوله بعد بابين باب من شبه أصلا معلوما بأصل مبين وذكر فيه حديث لعله
نزعه عرق وحديث فدين الله أحق أن يقضي وبهذا يندفع ما فهمه المهلب والداودي ثم نقل ابن
بطال الخلاف هل يجوز للنبي ان يجتهد فيما لم ينزل عليه ثالثها فيما يجري مجرى الوحي من منام
وشبهه ونقل أن لا نص لمالك فيه قال والأشبه جوازه وقد ذكر الشافعي المسئلة في الام وذكر
أن حجة من قال أنه لم يسن شيئا الا بأمر وهو على وجهين اما بوحي يتلى على الناس وأما برسالة عن
الله ان أفعل كذا قول الله تعالى وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة الآية فالكتاب ما يتلى
والحكمة السنة وهو ما جاء به عن الله بغير تلاوة ويؤيد ذلك قوله في قصة العسيف لأقضين بينكما
بكتاب الله أي بوحيه ومثله حديث يعلى بن أمية في قصة الذي سأل عن العمرة وهو لابس الجبة
فسكت حتى جاءه الوحي فلما سرى عنه أجابه وأخرج الشافعي من طريق طاوس ان عنده
247

كتابا في العقول نزل به الوحي وأخرج البيهقي بسند صحيح عن حسان بن عطية أحد التابعين
من ثقات الشاميين كان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن
ويجمع ذلك كله وما ينطق عن الهوى الآية ثم ذكر الشافعي أن من وجوه الوحي ما يراه في المنام وما
يلقيه روح القدس في روعه ثم قال ولا تعدوا السنن كلها واحدا من هذه المعاني التي وصفت
انتهى واحتج من ذهب إلى أنه كان يجتهد بقول الله تعالى فاعتبروا يا أولي الابصار والأنبياء أفضل
أولي الابصار ولما ثبت من أجر المجتهد ومضاعفته والأنبياء أحق بما فيه جزيل الثواب ثم ذكر ابن
بطال أمثلة مما عمل فيه صلى الله عليه وسلم بالرأي من أمر الحرب وتنفيذ الجيوش واعطاء
المؤلفة وأخذ الفداء من أسارى بدر واستدل بقوله تعالى وشاورهم في الامر قال ولا تكون
المشورة الا فيما لا نص فيه واحتج الداودي بقول عمر ان الرأي كان من رسول الله صلى الله عليه
وسلم مصيبا وانما هو منا الظن والتكلف وقال الكرماني قال المجوزون كأن التوقف فيما لم يجد
له أصلا يقيس عليه والا فهو مأمور به لعموم قوله تعالى فاعتبروا يا أولي الابصار انتهى وهو
ملخص مما تقدم واحتج ابن عبد البر لعدم القول بالرأي بما أخرجه من طريق ابن شهاب ان عمر
خطب فقال يا أيها الناس ان الرأي انما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبا لان الله
عز وجل يريه وانما هو منا الظن والتكلف وبهذا يمكن التمسك به لمن يقول كان يجتهد لكن لا يقع
فيما يجتهد فيه خطأ أصلا وهذا في حقه صلى الله عليه وسلم فاما من بعده فان الوقائع كثرت
والأقاويل انتشرت فكان السلف يتحرزون من المحدثات ثم انقسموا ثلاث فرق الأولى
تمسكت بالامر وعملوا بقوله صلى الله عليه وسلم عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين فلم يخرجوا
في فتاويهم عن ذلك وإذا سئلوا عن شئ لا نقل عندهم فيه أمسكوا عن الجواب وتوقفوا والثانية
قاسوا ما لم يقع على ما وقع وتوسعوا في ذلك حتى أنكرت عليهم الفرقة الأولى كما تقدم ويجئ
والثالثة توسطت فقدمت الأثر ما دام موجودا فإذا فقد قاسوا (قوله وقال ابن مسعود سئل
النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح فسكت حتى نزلت الآية) هو طرف من الحديث الذي مضى
قريبا في آخر باب ما يكره من كثرة السؤال موصولا إلى بن مسعود لكنه ذكره فيه بلفظ فقام
ساعة ينظر وأورده بلفظ فسكت في كتاب العلم وأورده في تفسير سبحان بلفظ فأمسك وفي رواية
مسلم فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه شيئا ثم ذكر حديث جابر في مرضه وسؤاله
كيف أصنع في مالي قال فما أجابني بشئ حتى نزلت آية الميراث وهو ظاهر فيما ترجم له وقد مضى
شرحه مستوفى في تفسير سورة النساء (قوله باب تعليم النبي صلى الله عليه وسلم
أمته من الرجال والنساء مما علمه الله ليس برأي ولا تمثيل) قال المهلب مراده ان العالم إذا
كان يمكنه ان يحدث بالنصوص لا يحدث بنظره ولا قياسه انتهى والمراد بالتمثيل القياس
وهو اثبات مثل حكم معلوم في آخر لاشتراكهما في علة الحكم والرأي أعم وذكر فيه حديث
أبي سعيد في سؤال المرأة قد ذهب الرجال بحديثك وفيه فأتاهن فعلمهن مما علمه الله وفيه
ثم قال ما منكن امرأة تقدم بين يديها من ولدها ثلاثة وقد مضى شرحه مستوفى
في أول كتاب الجنائز وفي العلم وقوله جاءت امرأة لم أقف على اسمها ويحتمل أن تكون هي
أسماء بنت يزيد بن السكن وقوله هنا فأتاهن فعلمهن مما علمه الله تقدم هناك بلفظ فوعدهن
248

يوما لقيهن فيه فوعظهن فأمرهن فكان فيما قال لهن فذكر نحو ما هنا ولم أر في شئ من طرقه
بيان ما علمهن لكن يمكن ان يؤخذ من حديث أبي سعيد الآخر الماضي في كتاب الزكاة وفيه
فمر على النساء فقال يا معشر النساء تصدقن فاني رأيتكن أكثر أهل النار الحديث وفيه فقامت
امرأة فقالت لم وفيه أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل وأليس إذا حاضت لم تصل ولم
تصم وقد مضى شرحه مستوفى هناك وان المراة المذكورة هي أسماء قال الكرماني موضع
الترجمة من الحديث قوله كن لها حجابا من النار فإنه أمر توقيفي لا يعلم الا من قبل الله تعالى لا دخل
للقياس والرأي فيه (قوله باب لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق) هذه
الترجمة لفظ حديث أخرجه مسلم عن ثوبان وبعده لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله
وهم كذلك وله من حديث جابر مثله لكن قال يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة وله
من حديث معاوية المذكور في الباب نحوه (قوله وهم أهل العلم) هو من كلام المصنف وأخرج
الترمذي حديث الباب ثم قال سمعت محمد بن إسماعيل هو البخاري يقول سمعت علي بن المديني
يقول هم أصحاب الحديث وذكر في كتاب خلق أفعال العباد عقب حديث أبي سعيد في قوله
تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا هم الطائفة المذكورة في حديث لا تزال طائفة من أمتي ثم
ساقه وقال وجاء نحوه عن أبي هريرة ومعاوية وجابر وسلمة بن نفيل وقرة بن إياس انتهى وأخرج
الحاكم في علوم الحديث بسند صحيح عن أحمد ان لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم ومن
طريق يزيد بن هارون مثله وزعم بعض الشراح أنه استفاد ذلك من حديث معاوية لان فيه من
يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وهو في غاية البعد وقال الكرماني يؤخذ من الاستقامة
المذكورة في الحديث الثاني أن من جملة الاستقامة ان يكون التفقه لأنه الأصل قال وبهذا
ترتبط الأخبار المذكورة في حديث معاوية لان الاتفاق لا بد منه أي المشار إليه بقوله وانما انا
قاسم ويعطي الله عز وجل (قوله حدثنا عبيد الله بن موسى) هو العبسي بالموحدة ثم المهملة
الكوفي من كبار شيوخ البخاري وهو من أتباع التابعين وشيخه في هذا الحديث إسماعيل هو ابن
أبي خالد تابعي مشهور وشيخ إسماعيل قيس هو ابن أبي حازم من كبار التابعين وهو مخضرم أدرك
النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره ولهذا الاسناد حكم الثلاثيات وإن كان رباعيا وقد تقدم بعد
علامات النبوة ببابين من رواية يحيى القطان عن إسماعيل انزل من هذا بدرجة ورجال سند
الباب كلهم كوفيون لان المغيرة ولى امرة الكوفة غير مرة وكانت وفاته بها وقد اتفق الرواة عن
إسماعيل على أنه عن قيس عن المغيرة وخالفهم أبو معاوية فقال عن سعيد بدل المغيرة فأورده أبو
إسماعيل الهروي في ذم الكلام وقال الصواب قول الجماعة عن المغيرة وحديث سعد عند مسلم لكن
من طريق ابن عثمان عن سعد (قوله لا تزال) بالمثناة (1) أوله وفي رواية مسلم من طريق مروان
الفزاري عن إسماعيل لن يزال قوم وهذه بالتحتانية والباقي مثله لكن زاد ظاهرين على الناس
(قوله حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون) أي على من خالفهم أي غالبون أو المراد بالظهور أنهم
غير مستترين بل مشهورون والأول أولى وقد وقع عند مسلم من حديث جابر بن سمرة لن يبرح
هذا الدين قائما تقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة وله في حديث عقبة بن عامر
لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم
249

الساعة وقد ذكرت الجمع بينه وبين حديث لا تقوم الساعة الا على شرار الناس في أواخر كتاب
الفتن والقصة التي أخرجها مسلم أيضا من حديث عبد الله بن عمرو لا تقوم الساعة الا على شرار
الخلق هم شر من أهل الجاهلية لا يدعون الله بشئ الا رده عليهم ومعارضة عقبة بن عامر بهذا
الحديث فقال عبد الله أجل ثم يبعث الله ريحا كريح المسك فلا تترك نفسا في قلبه مثقال حبة
من ايمان الا قبضته ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة وقد أشرت إلى هذا قريبا في الكلام
على حديث قبض العلم وان هذا أولى ما يتمسك به في الجمع بين الحديثين المذكورين وذكرت ما نقله
ابن بطال عن الطبري في الجمع بينهما ان شرار الناس الذين تقوم عليهم الساعة يكونون بموضع
مخصوص وأن موضعا آخر يكون به طائفة يقاتلون على الحق لا يضرهم من خالفهم ثم أورد من
حديث أبي أمامة نحو حديث الباب وزاد فيه قيل يا رسول الله وأين هم قال ببيت المقدس وأطال
في تقرير ذلك وذكرت أن المراد بأمر الله هبوب تلك الريح وأن المراد بقيام الساعة ساعتهم وان
المراد بالذين يكونون ببيت المقدس الذين يحصرهم الدجال إذا خرج فينزل عيسى إليهم فيقتل
الدجال ويظهر الدين في زمن عيسى ثم بعد موت عيسى تهب الريح المذكورة فهذا هو المعتمد في
الجمع والعلم عند الله تعالى (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس وابن وهب هو عبد الله ويونس
هو ابن يزيد وحميد هو ابن عبد الرحمن بن عوف (قوله سمعت معاوية بن أبي سفيان يخطب) في
رواية عمير بن هاني سمعت معاوية على المنبر يقول وقد مضى في علامات النبوة ويأتي في التوحيد
وفي رواية يزيد بن الأصم سمعت معاوية وذكر حديثا ولم أسمعه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم
على منبره حديثا غيره أخرجه مسلم (قوله من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) تقدم شرح هذا
في كتاب العلم وقوله وانما أنا قاسم ويعطي الله تقدم في العلم بلفظ والله المعطي وفي فرض الخمس
من وجه آخر والله المعطي وأنا القاسم وتقدم شرحه هناك أيضا (قوله ولن يزال أمر هذه الأمة
مستقيما حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله) في رواية عمير بن هانئ لا تزال طائفة من أمتي قائمة
بأمر الله وتقدم بعد بابين من باب علامات النبوة من هذا الوجه بلفظ لا يزال من أمتي أمة قائمة
بأمر الله لا يضرهم من خذلهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك وزاد قال عمير فقال مالك بن
يخامر قال معاذ وهم بالشام وفي رواية يزيد بن الأصم ولا تزال عصابة من المسلمين ظاهرين على
من ناواهم إلى يوم القيامة قال صاحب المشارق في قوله لا يزال أهل الغرب يعني الرواية التي في
بعض طرق مسلم وهي بفتح الغين المعجمة وسكون الراء ذكر يعقوب بن شيبة عن علي بن المديني
قال المراد بالغرب الدلو أي العرب بفتح المهملتين لانهم أصحابها لا يستقى بها أحد غيرهم لكن في
حديث معاذ وهم أهل الشام فالظاهر أن المراد بالغرب البلد لان الشام غربي الحجاز كذا قال
وليس بواضح ووقع في بعض طرق الحديث المغرب بفتح الميم وسكون المعجمة وهذا يرد تأويل الغرب
بالعرب لكن يحتمل أن يكون بعض رواته نقله بالمعنى الذي فهمه أن المراد الإقليم لا صفة بعض
أهله وقيل المراد بالغرب أهل القوة والاجتهاد في الجهاد يقال في لسانه غرب بفتح ثم سكون أي
حدة ووقع في حديث أبي أمامة عند أحمد أنهم ببيت المقدس وأضاف بيت إلى المقدس وللطبراني
من حديث النهدي نحوه وفي حديث أبي هريرة في الأوسط للطبراني يقاتلون على أبواب دمشق
وما حولها وعلى أبواب ببيت المقدس وما حوله لا يضرهم من خذلهم ظاهرين إلى يوم القيامة
250

(قلت) ويمكن الجمع بين الاخبار بأن المراد قوم يكونون ببيت المقدس وهي شامية ويسقون بالدلو
وتكون لهم قوة في جهاد العدو وحدة وجد * (تنبيه) * اتفق الشراح على أن معنى قوله على
من خالفهم أن المراد علوهم عليهم بالغلبة وأبعد من أبدع فرد على من جعل ذلك منقبة لأهل
الغرب أنه مذمة لان المراد بقوله ظاهرين على الحق أنهم غالبون له وأن الحق بين أيديهم كالميت
وأن المراد بالحديث ذم الغرب وأهله لا مدحهم قال النووي فيه ان الاجماع حجة ثم قال يجوز
أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين ما بين شجاع وبصير بالحرب وفقيه ومحدث
ومفسر وقائم بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر وزاهد وعابد ولا يلزم ان يكونوا مجتمعين في بلد
واحد بل يجوز اجتماعهم في قطر واحد وافتراقهم في أقطار الأرض ويجوز أن يجتمعوا في البلد
الواحد وان يكونوا في بعض منه دون بعض ويجوز اخلاء الأرض كلها من بعضهم أولا فأولا إلى أن
لا يبقى الا فرقة واحدة ببلد واحد فإذا انقرضوا جاء أمر الله انتهى ملخصا مع زيادة فيه ونظير
ما نبه عليه ما حمل عليه بعض الأئمة حديث أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من
يجدد لها دينها أنه لا يلزم ان يكون في رأس كل مائة سنة واحد فقط بل يكون الامر فيه كما ذكر في
الطائفة وهو متجه فان اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوع من أنواع الخير ولا
يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد الا ان يدعى ذلك في عمر بن عبد العزيز فأنه كان
القائم بالامر على رأس المائة الأولى باتصافه بجميع صفات الخير وتقدمه فيها ومن ثم أطلق أحمد
أنهم كانوا يحملون الحديث عليه واما من جاء بعده فالشافعي وإن كان متصفا بالصفات الجميلة
الا انه لم يكن القائم بأمر الجهاد والحكم بالعدل فعلى هذا كل من كان متصفا بشئ من ذلك عند
رأس المائة هو المراد سواء تعدد أم لا (قوله باب في قول الله تعالى أو يلبسكم
شيعا) ذكر فيه حديث جابر في نزول قوله تعالى قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا وقد تقدم
شرحه مستوفى في تفسير سورة الأنعام ووجه مناسبته لما قبله ان ظهور بعض الأمة على عدوهم
دون بعض يقتضي ان بينهم اختلافا حتى انفردت طائفة منهم بالوصف لان غلبة الطائفة
المذكورة إن كانت على الكفار ثبت المدعى وإن كانت على طائفة من هذه الأمة أيضا فهو أظهر
في ثبوت الاختلاف فذكر بعده أصل وقوع الاختلاف وانه صلى الله عليه وسلم كان يريد ان لا يقع
فأعلمه الله تعالى انه قضى بوقوعه وان كل ما قدره لا سبيل إلى رفعه قال ابن بطال أجاب الله تعالى
دعاء نبيه في عدم استئصال أمته بالعذاب ولم يجبه في أن لا يلبسهم شيعا أي فرقا مختلفين وان
لا يذيق بعضهم بأس بعض أي بالحرب والقتل بسبب ذلك وإن كان ذلك من عذاب الله لكن
أخف من الاستئصال وفيه للمؤمنين كفارة (قوله باب من شبه أصلا معلوما
بأصل مبين وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حكمهما ليفهم السائل) في رواية الكشميهني
والإسماعيلي والجرجاني قد بين الله بحذف الواو وبحذف النبي والأول أولى وحذف الواو
يوافق ترجمة المصنف الماضية قال مما علمه الله ليس برأي ولا تمثيل أي أن الذي ورد عنه من التمثيل
انما هو تشبيه أصل بأصل والمشبه أخفى عند السائل من المشبه به وفائدة التشبيه التقريب
لفهم السائل وأورده النسائي بلفظ من شبه أصلا معلوما بأصل مبهم قد بين الله حكمهما ليفهم
السائل وهذا أوضح في المراد ذكر فيه حديث أبي هريرة في قصة الذي قال إن امرأتي ولدت غلاما
251

اسود وقد تقدمت الإشارة إليه قريبا وتقدم شرحه مستوفى في كتاب اللعان وحديث ابن عباس
في قصة المراة التي ذكرت ان أمها نذرت ان تحج فماتت أفأحج عنها وقد تقدمت الإشارة إليه قريبا
أيضا وتقدم شرحه مستوفى في الحج قال ابن بطال التشبيه والتمثيل هو القياس عند العرب وقد
احتج المزني بهذين الحديثين على من أنكر القياس قال وأول من أنكر القياس إبراهيم النظام
وتبعه بعض المعتزلة وممن ينسب إلى الفقه داود بن علي وما اتفق عليه الجماعة هو الحجة فقد
قاس الصحابة فمن بعدهم من التابعين وفقهاء الأمصار وبالله التوفيق وتعقب بعضهم الأولية
التي أدعاها ابن بطال بأن إنكار القياس ثبت عن ابن مسعود من الصحابة ومن التابعين عن عامر
الشعبي من فقهاء الكوفة وعن محمد بن سيرين من فقهاء البصرة وقال الكرماني عقب هذا الباب
وما فيه يدل على صحة القياس وأنه ليس مذموما لكن لو قال من شبه أمرا معلوما لوافق اصطلاح
أهل القياس قال وأما الباب الماضي المشعر بذم القياس وكراهته فطريق الجمع بينهما ان القياس
على نوعين صحيح وهو المشتمل على جميع شرائط وفاسد وهو بخلاف ذلك فالمذموم هو الفاسد
واما الصحيح فلا مذمة فيه بل هو مأمور به انتهى وقد ذكر الشافعي شرط من له ان يقيس فقال
يشترط ان يكون عالما بالأحكام من كتاب الله تعالى وبناسخه ومنسوخه وعامه وخاصه ويستدل
على ما احتمل التأويل بالسنة وبالاجماع فإن لم يكن فبالقياس على ما في الكتاب فإن لم يكن
فبالقياس على ما في السنة فإن لم يكن فبالقياس على ما اتفق عليه السلف وإجماع الناس ولم
يعرف له مخالف قال ولا يجوز القول في شئ من العلم الا من هذه الأوجه ولا يكون لاحد ان يقيس
حتى يكون عالما بما مضى قبله من السنن وأقاويل السلف وإجماع الناس واختلاف العلماء
ولسان العرب ويكون صحيح العقل ليفرق بين المشتبهات ولا يعجل ويستمع ممن خالف ليتنبه بذلك
على غفلة إن كانت وان يبلغ غاية جهده وينصف من نفسه حتى يعرف من أين قال ما قال
والاختلاف على وجهين فما كان منصوصا لم يحل فيه الاختلاف عليه وما كان يحتمل التأويل
أو يدرك قياسا فذهب المتأول أو القائس إلى معنى يحتمل وخالفه غيره لم أقل انه يضيق عليه ضيق
المخالف للنص وإذا قاس من له القياس فاختلفوا وسع كلا أن يقول بمبلغ اجتهاده ولم يسعه اتباع
غيره فيما أداه إليه اجتهاده وقال ابن عبد البر في بيان العلم بعد أن ساق هذا الفصل قد اتى الشافعي
رحمه الله في هذا الباب بما فيه كفاية وشفاء والله الموفق وقال ابن العربي وغيره القرآن هو
الأصل فإن كانت دلالته خفية نظر في السنة فان بينته والا فالجلي من السنة وإن كانت الدلالة
منها خفية نظر فيما اتفق عليه الصحابة فإن اختلفوا رجح فإن لم يوجد عمل بما يشبه نص الكتاب
ثم السنة ثم الاتفاق ثم الراجح كما سقته عنه في شرح حديث أنس لا يأتي عام الا والذي بعده شر منه
في أوائل كتاب الفتن وأنشد ابن عبد البر لأبي محمد اليزيدي النحوي المقرئ المشهور برواية أبي
عمرو بن العلاء من أبيات طويلة في اثبات القياس
لا تكن كالحمار يحمل أسفا * را كما قد قرأت في القرآن
ان هذا القياس في كل أمر * عند أهل العقول كالميزان
لا يجوز القياس في الدين الا * لفقيه لدينه صوان
ليس يغني عن جاهل قول راو * عن فلان وقوله عن فلان
252

ان أتاه مسترشدا أفتاه * بحديثين فيهما معنيان
ان من يحمل الحديث ولا * يعرف فيه المراد كالصيدلاني
حكم الله في الجزاء ذوي عد * ل لذي الصيد بالذي يريان
لم يوقت ولم يسم ولكن * قال فيه فليحكم العدلان
ولنا في النبي صلى عليه * الله والصالحون كل أوان
أسوة في مقاله لمعاذ * اقض بالرأي ان اتى الخصمان
وكتاب الفاروق يرحمه الله * إلى الأشعري في تبيان
قس إذا أشكلت عليك أمور * ثم قل بالصواب والعرفان
وتعقب بعضهم الأولية التي ادعاها ابن بطال إنكار القياس ثبت عن ابن مسعود من الصحابة
ومن التابعين عن عامر الشعبي من فقهاء الكوفة وعن محمد بن سيرين من فقهاء البصرة وذلك
مشهور عنهم نقله ابن عبد البر ومن قبله الدارمي وغيره عنهم وعن غيرهم والمذهب المعتدل ما قاله
الشافعي ان القياس مشروع عند الضرورة لا أنه أصل برأسه (قوله باب ما جاء في
اجتهاد القضاء) كذا لأبي ذر والنسفي وابن بطال وطائفة القضاء بفتح أوله والمد وإضافة الاجتهاد
إليه بمعنى الاجتهاد فيه والمعنى الاجتهاد في الحكم بما انزل الله تعالى أو فيه حذف تقديره
اجتهاد متولى القضاء ووقع في رواية غيرهم القضاة بصيغة الجمع وهو واضح لكن سيأتي بعد قليل
الترجمة لاجتهاد الحاكم فيلزم التكرار والاجتهاد بذل الجهد في الطلب واصطلاحا بذل الوسع
للتوصل إلى معرفة الحكم الشرعي (قوله بما أنزل الله لقوله ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم
الظالمون) كذا للأكثر وللنسفي بما انزل الله الآية وترجم في أوائل الاحكام للحديث الأول من
الباب أجر من قضى بالحكمة لقول الله تعالى ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الفاسقون
وفيه إشارة إلى أن الوصف بالصفتين ليس واحدا خلافا لمن قال إحداهما في النصارى والاخرى
في المسلمين والأولى لليهود والأظهر العموم واقتصر المصنف على تلاوة الآيتين لامكان تناولهما
المسلمين بخلاف الأولى فإنها في حق من استحل الحكم بخلاف ما أنزل الله تعالى واما الآخرتان
فهما لأعم من ذلك (قوله ومدح النبي صلى الله عليه وسلم صاحب الحكمة حين يقضي
بها ويعلمها ولا يتكلف من قبله) يجوز في مدح فتح الدال على أنه فعل ماض ويجوز تسكينها
على أنه اسم والحاء مجرورة وهو مضاف للفاعل واختلف في ضبط قبله فللأكثر بفتح الموحدة بعد
القاف المكسورة أي من جهته وللكشميهني بتحتانية ساكنة بدل الموحدة أي من كلامه وعند
النسفي من قبل نفسه (قوله ومشاورة الخلفاء وسؤالهم أهل العلم) ذكر فيه حديثين الأول
للشق الأول والثاني للثاني * الأول حديث ابن مسعود لا حسد الا في اثنتين وقد تقدم سندا ومتنا
في أول كتاب الأحكام وترجم له أجر من قضى بالحكمة وتقدم الكلام عليه ثمة ثانيهما حديث
المغيرة قال سأل عمر عن املاص المرأة وقد تقدم شرحه مستوفى في أواخر الديات أخرجه عاليا
عن عبيد الله بن موسى عن هشام بن عروة ومن وجهين آخرين عن هشام وقوله هنا حدثنا محمد
هو ابن سلام كما جزم به ابن السكن وقد أخرج البخاري في النكاح حديثا عن محمد بن سلام
منسوبا لأبيه عند الجميع عن أبي معاوية فهذه قرينة تؤيد قول ابن السكن واحتمال كونه محمد
253

ابن المثني بعيد وإن كان اخرج في الطهارة عن محمد بن خازم بمعجمتين حديثا وهو أبو معاوية لكن
المهمل انما يحمل على من يكون لمن اهمله به اختصاص واختصاص البخاري بمحمد بن سلام
مشهور وقوله في آخره تابعه ابن أبي الزناد يعني عبد الرحمن (عن أبيه) وهو عبد الله بن ذكوان
وهو بكنيته أشهر وسقط هذا للنسفي (قوله عن عروة عن المغيرة) كذا للأكثر وهو الصواب ووقع
في رواية الكشميهني عن الأعرج عن أبي هريرة وهو غلط فقد رويناه موصولا عن البخاري
نفسه وهو في الجزء الثالث عشر من فوائد الأصبهانيين عن المحاملي قال حدثنا محمد بن إسماعيل
البخاري حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي حدثني ابن أبي الزناد عن أبيه عروة عن
المغيرة وكذلك أخرجه الطبراني من وجه آخر عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ولم ينبه الحميدي في الجمع
ولا المزي في الأطراف ولا أحد من الشراح على هذا الموضع قال ابن بطال لا يجوز للقاضي الحكم
الا بعد طلب حكم الحادثة من الكتاب أو السنة فان عدمه رجع إلى الاجماع فإن لم يجده نظر هل
يصح الحمل على بعض الأحكام المقررة لعلة تجمع بينهما فان وجد ذلك لزمه القياس عليها الا ان
عارضتها علة أخرى فيلزمه الترجيح فإن لم يجد علة استدل بشواهد الأصول وغلبة الاشتباه فإن لم
يتوجه له شئ من ذلك رجع إلى حكم العقل قال هذا قول ابن الطيب يعني أبا بكر الباقلاني ثم
أشار إلى إنكار كلامه الأخير بقوله تعالى ما فرطنا في الكتاب من شئ وقد علم الجميع بأن
النصوص لم تحط بجميع الحوادث فعرفنا ان الله قد أبان حكمها بغير طريق النص وهو
القياس ويؤيد ذلك قوله تعالى لعلمه الذين يستنبطونه منهم لان الاستنباط هو الاستخراج
وهو بالقياس لان النص ظاهر ثم ذكر في الرد على منكري القياس وألزمهم التناقض لان من
أصلهم إذا لم يوجد النص الرجوع إلى الاجماع قال فيلزمهم ان يأتوا بالاجماع على ترك القول
بالقياس ولا سبيل لهم إلى ذلك فوضح ان القياس انما ينكر إذا استعمل مع وجود النص أو
الاجماع لا عند فقد النص والاجماع وبالله التوفيق (قوله باب قول النبي
صلى الله عليه وسلم لتتبعن) بمثناتين مفتوحتين ثم موحدة مكسورة وعين مهملة مضمومة
ونون ثقيلة وأصله تتبعون (سنن) بالمهملة والنون بعدها نون أخرى (من كان قبلكم) بفتح
اللام ولفظ الترجمة مطابق للفظ الحديث الثاني (قوله عن المقبري) هو سعيد وسماه الإسماعيلي
في روايته عن إبراهيم بن شريك عن أحمد بن يونس شيخ البخاري فيه (قوله لا تقوم الساعة
حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها) كذا هنا بموحدة مكسورة والف مهموزة وخاء معجمة ثم معجمة
والاخذ بفتح الألف وسكون الخاء على الأشهر هو السيرة يقال اخذ فلان بأخذ فلان أي سار
بسيرته وما اخذ أخذه أي ما فعل فعله ولا قصد قصده وقيل الألف مثلثة وقرأه بعضهم اخذ بفتح
الخاء جمع اخذة بكسر أوله مثل كسرة وكسر ووقع في رواية الأصيلي على ما حكاه ابن بطال بما
اخذ القرون بموحدة وما الموصولة وأخذ بلفظ الفعل الماضي وهي رواية الإسماعيلي وفي
رواية النسفي مأخذ بميم مفتوحة وهمزة ساكنة والقرون جمع قرن بفتح القاف وسكون الراء
الأمة من الناس ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق عبد الله بن نافع عن ابن أبي ذئب الأمم
والقرون (قوله شبرا بشبر وذراعا بذراع) في رواية الكشميهني شبرا شبرا وذراعا ذراعا (قوله
فقيل يا رسول الله) في قوله الإسماعيلي من طريق عبد الصمد بن النعمان عن أبن أبي ذئب فقال
254

رجل ولم أقف عليه مسمى (قوله كفارس والروم) يعني الأمتين المشهورتين في ذلك الوقت وهم
الفرس في ملكهم كسرى والروم في ملكهم قيصر وفي رواية الإسماعيلي المذكورة كما فعلت
فارس والروم (قوله ومن الناس الا أولئك) أي فارس والروم لكونهم كانوا إذ ذاك أكبر ملوك
الأرض وأكثرهم رعية وأوسعهم بلادا (قوله حدثنا محمد بن عبد العزيز) هو الرملي وأبو عمر
الصنعاني بمهملة ثم نون هو حفص بن ميسرة وقوله من اليمن أي هو رجل من اليمن أي هو
من صنعاء اليمن لا من صنعاء الشام وقيل المراد أصله من اليمن وهو من صنعاء الشام ونزل
عسقلان (قوله لتتبعن سنن) بفتح السين للأكثر وقال ابن التين قرأناه بضمها وقال المهلب
بالفتح أولى لأنه الذي يستعمل فيه الذراع والشبر وهو الطريق (قلت) وليس اللفظ الأخير ببعيد
من ذلك (قوله شبرا شبرا وذراعا ذراعا) في رواية الكشميهني شبرا بشبر وذراعا بذراع عكس الذي
قبله قال عياض الشبر والذراع والطريق ودخول الجحر تمثيل للاقتداء بهم في كل شئ مما نهى
الشرع عنه وذمه (قوله جحر) بضم الجيم وسكون المهملة والضب الحيوان المعروف تقدم
الكلام عليه في ذكر بني إسرائيل (قوله قلنا) لم أقف على تعيين القائل (قوله قال فمن) هو
استفهام إنكار والتقدير فمن هم غير أولئك وقد اخرج الطبراني من حديث المستورد بن شداد
رفعه لا تترك هذه الأمة شيئا من سننن الأولين حتى تأتيه ووقع في حديث عبد الله بن عمرو عند
الشافعي بسند صحيح لتركبن سنة من كان قبلكم حلوها ومرها قال ابن بطال اعلم صلى الله عليه
وسلم ان أمته ستتبع المحدثات من الأمور والبدع والأهواء كما وقع للأمم قبلهم وقد أنذر في
أحاديث كثيرة بأن الآخر شر والساعة لا تقوم الا على شرار الناس وان الدين انما يبقى قائما عند
خاصة من الناس (قلت) وقد وقع معظم ما أنذر به صلى الله عليه وسلم وسيقع بقية ذلك وقال
الكرماني حديث أبي هريرة مغاير لحديث أبي سعيد لان الأول فسر بفارس والروم والثاني
باليهود والنصارى ولكن الروم نصارى وقد كان في الفرس يهود أو ذكر ذلك على سبيل المثال لأنه
قال في السؤال كفارس انتهى ويعكر عليه جوابه صلى الله عليه وسلم بقوله ومن الناس الا
أولئك لان ظاهره الحصر فيهم وقد أجاب عنه الكرماني بأن المراد حصر الناس المعهود من
المتبوعين (قلت) ووجهه انه صلى الله عليه وسلم لما بعث كان ملك البلاد منحصرا في الفرس
والروم وجميع من عداهم من الأمم من تحت أيديهم أو كلا شئ بالنسبة إليهم فصح الحصر بهذا
الاعتبار ويحتمل ان يكون الجواب اختلف بحسب المقام فحيث قال فارس والروم كان هناك
قرينة تتعلق بالحكم بين الناس وسياسة الرعية وحيث قيل اليهود والنصارى كان هناك قرينة
تتعلق بأمور الديانات أصولها وفروعها ومن ثم كان في الجواب عن الأول ومن الناس الا أولئك
واما الجواب في الثاني بالابهام فيؤيد الحمل المذكور وأنه كان هناك قرينة تتعلق بما ذكرت
واستدل ابن عبد البر في باب ذم القول بالرأي إذا كان على غير أصل بما أخرجه من جامع ابن وهب
أخبرني يحيى بن أيوب عن هشام بن عروة انه سمع أباه يقول لم يزل أمر بني إسرائيل مستقيما حتى
حدث فيهم المولدون أبناء سبايا الأمم فأحدثوا فيهم القول بالرأي وأضلوا بني إسرائيل قال وكان
أبي يقول السنن السنن فان السنن قوام الدين وعن ابن وهب أخبرني بكر بن مضر عمن سمع
ابن شهاب الزهري وهو يذكر ما وقع الناس فيه من الرأي وتركهم السنن فقال إن اليهود والنصارى
255

انما انسلخوا من العلم الذي كان بأيديهم حين استقلوا الرأي وأخذوا فيه وأخرج ابن أبي خيثمة
من طريق مكحول عن أنس قيل يا رسول الله متى يترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر قال
إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني إسرائيل إذا ظهر الادهان في خياركم والفحش في شراركم والملك في
صغاركم والفقه في رذالكم وفي مصنف قاسم بن أصبغ بسند صحيح عن عمر فساد الدين إذا جاء
العلم من قبل الصغير استعصى عليه الكبير وصلاح الناس إذا جاء العلم من قبل الكبير تابعه عليه
الصغير وذكر أبو عبيد ان المراد بالصغر في هذا صغر القدر لا السن والله أعلم (قوله
باب اثم من دعا إلى ضلالة أو سن سنة سيئة لقوله تعالى ومن أوزار الذين يضلونهم بغير
علم) ورد فيما ترجم به حديثان بلفظ وليسا على شرطه واكتفى بما يؤدي معناهما وهما ما ذكرهما
من الآية والحديث فاما حديث من دعا إلى ضلالة فأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي من
طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من
دعا إلى هدى كان له من الاجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى
ضلالة كان عليه من الاثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا وأما حديث من سن
سنة سيئة فأخرجه مسلم من رواية عبد الرحمن بن هلال عن جرير بن عبد الله البجلي في حديث
طويل قال فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سن في الاسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر
من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن سن في الاسلام سنة سيئة كان عليه
وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا وأخرجه من طريق المنذر بن
جرير عن أبيه مثله لكن قال شئ في الموضعين بالرفع وأخرجه الترمذي من وجه آخر عن جرير
بلفظ من سن سنة خير ومن سن سنة شر واما الآية فقال مجاهد في قوله تعالى ليحملوا أوزارهم
كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم قال حملهم ذنوب أنفسهم وذنوب من أطاعهم
ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم شيئا وأخرج عن الربيع بن أنس أنه فسر الآية المذكورة بحديث
أبي هريرة المذكور ذكره مرسلا بغير سند وأما حديث الباب عن عبد الله بن مسعود فقد مضى
شرحه في أول كتاب القصاص وتقدم البحث في المراد بالمفارق للجماعة المذكور فيه قال المهلب
هذا الباب والذي قبله في معنى التحذير من الضلال واجتناب البدع ومحدثات الأمور في الدين
والنهي عن مخالفة سبيل المؤمنين انتهى ووجه التحذير أن الذي يحدث البدعة قد يتهاون بها
لخفة أمرها في أول الأمر ولا يشعر بما يترتب عليها من المفسدة وهو أن يلحقه اثم من عمل بها من
بعده ولو لم يكن هو عمل بها بل لكونه كان الأصل في أحداثها (قوله باب ما ذكر
النبي صلى الله عليه وسلم وحض) بمهملة وضاد معجمة ثقيلة أي حرض بالمهملة وتشديد
الراء وقوله على اتفاق أهل العلم قال الكرماني في بعض الروايات وما حض عليه من اتفاق وهو
من باب تنازع العاملين وهما ذكر وحض (قوله وما اجتمع عليه الحرمان مكة والمدينة وما كان
بهما من مشاهد النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار) في رواية الكشميهني وما أجمع
بهمزة قطع بغير تاء وعنده وما كان بها بالافراد والأول أولى قال الكرماني الاجماع هو اتفاق أهل
الحل والعقد أي المجتهدين من أمة محمد على أمر من الأمور الدينية واتفاق مجتهدي الحرمين
دون غيرهم ليس بإجماع عند الجمهور وقال مالك إجماع أهل المدينة حجة قال وعبارة البخاري
256

مشعرة بأن اتفاق أهل الحرمين كليهما إجماع (قلت) لعله أراد الترجيح به لا دعوى الاجماع
وإذا قال بحجية إجماع أهل المدنية وحدها مالك ومن تبعه فهم قائلون به إذا وافقهم أهل مكة
بطريق الأولى وقد نقل ابن التين عن سحنون اعتبار إجماع أهل مكة مع أهل المدينة قال حتى
لو اتفقوا كلهم وخالفهم ابن عباس في شئ لم يعد إجماعا وهو مبني على أن ندرة المخالف تؤثر في ثبوت
الاجماع (قوله ومصلى النبي صلى الله عليه وسلم والمنبر والقبر) هذه الثلاثة مجرورة عطفا على
قوله مشاهد ثم ذكر فيه أربعة وعشرين حديثا * الحديث الأول حديث جابر (قوله إسماعيل)
هو ابن أبي أويس (قوله السلمي) بفتح المهملة واللام (قوله إن أعرابيا) تقدم القول في اسمه وفي
أي شئ استقال منه وضبط ينصع في أواخر الحج في فضل المدينة وكذا قوله كالكير مع سائر شرحه
ولله الحمد قال ابن بطال عن المهلب فيه تفضيل المدينة على غيرها بما خصها الله به من أنها تنفي
الخبث ورتب على ذلك القول بحجية إجماع أهل المدينة وتعقب بقول ابن عبد البر أن الحديث
دال على فضل المدينة ولكن ليس الوصف المذكور عاما لها في جميع الأزمنة بل هو خاص بزمن
النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن يخرج منها رغبة عن الإقامة معه الا من لا خير فيه وقال
عياض نحوه وأيده بحديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها
كما ينفي الكير خبث الفضة قال والنار انما تخرج الخبث والردئ وقد خرج من المدينة بعد النبي
صلى الله عليه وسلم جماعة من خيار الصحابة وقطنوا غيرها وماتوا خارجا عنها كابن مسعود
وأبي موسى وعلي أو أبي ذر وعمار وحذيفة وعبادة بن الصامت وأبي عبيدة ومعاذ وأبي الدرداء
وغيرهم فدل على أن ذلك خاص بزمنه صلى الله عليه وسلم بالقيد المذكور ثم يقع تمام إخراج
الردئ منها في زمن محاصرة الدجال كما تقدم بيان ذلك واضحا في آخر كتاب الفتن وفيه فلا يبقى
منافق ولا منافقة الا خرج إليه فذلك يوم الخلاص * الحديث الثاني حديث ابن عباس كنت
أقرئ عبد الرحمن بن عوف الحديث في خطبة عمر الذي تقدم بطوله مشروحا في باب رجم الحبلى
من الحدود وذكر هنا منه طرفا والغرض منه هنا ما يتعلق بوصف المدينة بدار الهجرة ودار السنة
ومأوى المهاجرين والأنصار وقوله فيه فلما كان آخر حجة حجها عمر فقال عبد الرحمن جواب لما
محذوف وقد تقدم بيانه وهو فلما رجع عبد الرحمن من عند عمر لقيني فقال وقوله فيه قال ابن
عباس هو موصول بالسند المذكور وقوله فقدمنا المدينة فقال إن الله بعث محمدا بالحق حذف
منه قطعة كبيرة بين قوله فقدمنا المدينة وبين قوله قال إلى آخره تقدم بيانها هناك وفيها قصة مع
سعيد بن زيد وخروج عمر يوم الجمعة وخطبته بطولها وقد أدخل كثير ممن يقول بحجية إجماع أهل
المدينة هذه المسئلة في مسئلة إجماع الصحابة وذلك حيث يقول لانهم شاهدوا التنزيل وحضروا
الوحي وما أشبه ذلك وهما مسئلتان مختلفتان والقول بأن إجماع الصحابة حجة أقوى من القول
بان إجماع أهل المدينة حجة والراجح ان أهل المدينة ممن بعد الصحابة إذا اتفقوا على شئ كان
القول به أقوى من القول بغيره الا ان يخالف نصا مرفوعا كما أنه يرجح بروايتهم لشهرتهم بالتثبت
في النقل وترك التدليس والذي يختص بهذا الباب القول بحجية قول أهل المدينة إذا اتفقوا
257

واما ثبوت فضل المدينة وأهلها وغالب ما ذكر في الباب فليس يقوى في الاستدلال على هذا
المطلوب * الحديث الثالث (قوله عن محمد) هو ابن سيرين ووقع منسوبا في رواية الترمذي عن
قتيبة عن حماد بن زيد (قوله ثوبان ممشقان) بفتح الشين المعجمة الثقيلة بعدها قاف أي مصبوغان
بالمشق بكسر الميم وسكون المعجمة وهو الطين الأحمر وقوله بخ بخ بموحدة ثم معجمة مكرر كلمة
تعجب ومدح وفيها لغات وقد تقدم شرحه في باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم من
كتاب الرقاق والغرض منه قوله واني لاخر ما بين المنبر والحجرة هو مكان القبر الشريف وقال ابن
بطال عن المهلب وجه دخوله في الترجمة الإشارة إلى أنه لما صبر على الشدة التي أشار إليها من أجل
ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم في طلب العلم جوزي بما انفرد به من كثرة محفوظه ومنقوله من
الاحكام وغيرها وذلك ببركة صبره على المدينة * الحديث الرابع حديث ابن عباس في شهوده
العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم تقدم شرحه مستوفى في صلاة العيد وسياقه هناك أتم والغرض
منه هنا ذكر المصلى حيث قال فأتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت والدار المذكورة بنيت بعد
العهد النبوي وانما عرف بها لشهرتها وقال ابن بطال عن المهلب شاهد الترجمة قول ابن عباس
ولولا مكاني من الصغر ما شهدته (2) لان معناه ان صغير أهل المدينة وكبيرهم ونساءهم وخدمهم
ضبطوا العلم معاينة منهم في مواطن العمل من شارعها المبين عن الله تعالى وليس لغيرهم هذه
المنزلة وتعقب بان قول ابن عباس من الصغر ما شهدته إشارة منه إلى أن الصغر مظنة عدم الوصول
إلى المقام الذي شاهد فيه النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمع كلامه وسائر ما قصه في هذه القصة
لكن لما كان ابن عمه وخالته أم المؤمنين وصل بذلك إلى المنزلة المذكورة ولولا ذلك لم يصل ويؤخذ
منها نفي التعميم الذي ادعاه المهلب وعلى تقدير تسلميه فهو خاص بمن شاهد ذلك وهم الصحابة فلا
يشاركهم فيهم من بعدهم بمجرد كونه من أهل المدينة * الحديث الخامس حديث ابن عمر في اتيان
قباء وقد تقدم شرحه في أواخر الصلاة وفيه زيادة عن ابن عمر قال ابن بطال عن المهلب المراد من
هذا الحديث معاينة النبي صلى الله عليه وسلم ماشيا وراكبا في قصده مسجد قباء وهو مشهد من
مشاهده صلى الله عليه وسلم وليس ذلك بغير المدينة * الحديث السادس (قوله عن هشام) هو ابن
عروة بن الزبير ووقع منسوبا في رواية جويرية بن محمد عن أبي أسامة عند أبي نعيم (قوله
عن عائشة قالت لعبد الله بن الزبير) أي انها قالت (قوله مع صواحبي) جمع صاحبة تريد أزواج
النبي صلى الله عليه وسلم زاد الإسماعيلي من طريق عبدة بن سليمان عن هشام بالبقيع (قوله
ولا تدفني مع النبي صلى الله عليه وسلم في البيت) يعارضه في الظاهر قولها في قصة دفن عمر (قوله
فإني أكره ان أزكى) بفتح الكاف الثقيلة على البناء للمجهول أي ان يثني علي أحد بما ليس في
بل بمجرد كوني مدفونة عنده دون سائر نساءه فيظن اني خصصت بذلك من دونهن لمعنى في ليس
فيهن وهذا منها في غاية التواضع * الحديث السابع (قوله وعن هشام عن أبيه) هو موصول
بالسند الذي قبله وقد أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن أبي أسامة موصولا ان عمر أرسل إلى
عائشة هذا صورته الارسال لان عروة لم يدرك زمن إرسال عمر إلى عائشة لكنه محمول على أنه حمله
عن عائشة فيكون موصولا (قوله مع صاحبي) بالتثنية (قوله فقالت أي والله قال وكان الرجل
إذا أرسل إليها من الصحابة) هو متعلق بقوله الرجل ولفظ الرسالة محذوف وتقديره يسألها
258

ان يدفن معهم وجواب الشرط قالت الخ (قوله قالت لا والله لا أوثرهم بأحد أبدا) بالمثلثة من
الايثار قال ابن التين كذا وقع والصواب لا أوثر أحدا بهم أبدا قال شيخنا ابن الملقن ولم يظهر لي وجه
صوابه انتهى وكأنه يقول إنه مقلوب وهو كذلك وبذلك صرح صاحب المطالع ثم الكرماني قال
ويحتمل ان يكون المراد لا أثيرهم بأحد أي لا أنبشهم لدفن أحد أحد والباء بمعنى اللام واستشكله ابن
التين بقولها في قصة عمر لأوثرنه على نفسي وأجاب باحتمال ان يكون الذي آثرته به المكان الذي
دفن فيه من وراء قبر أبيها بقرب النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لا ينفي وجود مكان آخر في الحجرة
(قلت) وذكر ابن سعد من طرق ان الحسن بن علي أوصى أخاه ان يدفنه عندهم ان لم يقع بذلك فتنة
فصده عن ذلك بنو أمية فدفن بالبقيع وأخرج الترمذي من حديث عبد الله بن سلام قال
مكتوب في التوراة صفة محمد وعيسى بن مريم عليهما السلام يدفن معه قال أبو داود أحد رواته
وقد بقي في البيت موضع قبر وفي رواية الطبراني يدفن عيسى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبي بكر وعمر فيكون قبرا رابعا قال ابن بطال عن المهلب انما كرهت عائشة ان تدفن معهم
خشية ان يظن أحد انها أفضل الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فقد سأل الرشيد
مالكا عن منزلة أبي بكر وعمر من النبي صلى الله عليه وسلم في حياته فقال كمنزلتهما منه بعد مماته
فزكاهما بالقرب معه في البقعة المباركة والتربة التي خلق منها فاستدل على أنهما أفضل الصحابة
باختصاصهما بذلك وقد احتج أبو بكر الأبهري المالكي بأن المدينة أفضل من مكة بأن النبي صلى
الله عليه وسلم مخلوق من تربة المدينة وهو أفضل البشر فكانت تربته أفضل الترب انتهى وكون
تربته أفضل الترب لا نزاع فيه وانما النزاع هل يلزم من ذلك أن تكون المدينة أفضل من مكة لان
المجاور للشئ لو ثبت له جميع مزاياه لكان لما جاور ذلك المجاور نحو ذلك فيلزم ان يكون ما جاور
المدينة أفضل من مكة وليس كذلك اتفاقا كذا أجاب به بعض المتقدمين وفيه نظر * الحديث
الثامن (قوله حدثنا أيوب بن سليمان) أي ابن بلال المدني والسند كله مدنيون ولم يسمع أيوب من
أبيه بل حدث عنه بواسطة وهو مقل ووثقه أبو داود وغيره وزعم ابن عبد البر انه ضعيف فوهم
وانما الضعيف آخر وافق اسمه واسم أبيه (قوله فيأتي العوالي) تقدم بيانه في كتاب المواقيت مع
شرحه (قوله زاد الليث عن يونس) يعني عن ابن شهاب عن أنس ويونس هو ابن يزيد الأيلي وهذه
الطريق وصلها البيهقي من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث حدثني الليث عن يونس أخبرني
ابن شهاب عن أنس فذكر الحديث بتمامه وزاد في آخره وبعد العوالي من المدينة على أربعة
أميال (قوله وبعد العوالي أربعة أميال أو ثلاثة) كأنه شك منه فإنه عنده عن أبي صالح وهو على
عادته يورد له في الشواهد والتتمات ولا يحتج به في الأصول قال ابن بطال عن المهلب معنى
الحديث ان بين العوالي ومسجد المدينة للماشي شيئا معلما من معالم ما بين الصلاتين يستغنى
الماشي فيها يوم الغيم عن معرفة الشمس وذلك معدوم في سائر الأرض قال فإذا كانت مقادير
الزمان معينة بالمدينة بمكان باد للعيان ينقله العلماء إلى أهل الآفاق ليتمثلوه في أقاصي البلدان
فكيف يساويهم أهل بلد غيرها وهذا الذي قاله يغنى إيراده عنه عن تكلف البحث معه فيه وبالله
التوفيق * الحديث التاسع حديث السائب بن يزيد في ذكر الصاع وقد تقدم شرحه في كتاب
كفارة الايمان وقوله في هذه الرواية مدا وثلثا بمدكم اليوم وقع لبعضهم مد وثلث وهو على طريق
259

من يكتب المنصوب بغير ألف وقال الكرماني أو يكون في كان ضمير الشأن فيرتفع على الخبر
ومناسبة هذا الحديث للترجمة أن قدر الصاع مما اجتمع عليه أهل الحرمين بعد العهد النبوي
واستمر فلما زاد بنو أمية في الصاع لم يتركوا اعتبار الصاع النبوي فيما ورد فيه التقدير بالصاع
من زكاة الفطر وغيرها بل استمروا على اعتباره في ذلك وان استعملوا الصاع الزائد في شئ غير
ما وقع فيه التقدير بالصاع كما نبه عليه مالك ورجع إليه أبو يوسف في القصة المشهورة وقوله وقد
زيد فيه زاد في رواية الإسماعيلي في زمن عمر بن عبد العزيز (قوله سمع القاسم بن مالك الجعيد)
يشير إلى ما تقدم في كفارة الايمان عن عثمان بن أبي شيبة عن القاسم حدثنا الجعيد ووقع في
رواية زياد بن أيوب عن القاسم بن مالك قال أنبأنا الجعيد أخرجه الإسماعيلي * الحديث العاشر
حديث أنس في الدعاء لأهل المدينة بالبركة في صاعهم ومدهم تقدم شرحه في البيوع وفي كفارة
الايمان وقوله في آخره يعني أهل المدينة قال ابن بطال عن المهلب دعاؤه صلى الله عليه وسلم لأهل
المدينة في صاعهم ومدهم خصهم من البركة ما اضطر أهل الآفاق إلى قصدهم في ذلك المعيار
المدعو له بالبركة ليجعلوه طريقة متبعة في معاشهم وأداء ما فرض الله عليهم * الحديث الحادي
عشر حديث ابن عمر في قصة اليهوديين اللذين زنيا تقدم شرحه في المحاربين وسياقه هناك أتم
وقوله حيث توضع الجنائز كذا للأكثر بلفظ الفعل المضارع ووقع في رواية المستملي موضع
الجنائز * الحديث الثاني عشر حديث أنس في أحد هذا جبل يحبنا ونحبه وفيه أن إبراهيم حرم
مكة وقد تقدم من هذا الوجه من طريق مالك في غزوة أحد هكذا مختصرا وقد تقدم بأتم من
هذا السياق في الجهاد من وجه آخر عن عمرو وتقدم ما يتعلق بشرح ما ذكر هنا في آخر الحج
* الحديث الثالث عشر (قوله تابعه سهل عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحد) يشير إلى ما ذكره
في كتاب الزكاة من حديث سهل بن سعد قال أحد جبل يحبنا ونحبه أورده معلقا لسليمان بن
بلال بسنده إلى سهل عقب حديث ابن حميد الساعدي ومضى شرح المتن في آخر غزوة أحد
* الحديث الرابع عشر حديث سهل بن سعد أنه كان بين جدار المسجد مما يلي القبلة وبين المنبر
ممر الشاة أي قدر ما تمر فيه الشاة وقد تقدم شرحه في أوائل الصلاة * الحديث الخامس عشر
حديث أبي هريرة ما بين بيتي ومنبري روضة تقدم شرحه مستوفي في فضل المدينة وقوله عن
حفص بن عاصم في رواية روح بن عبادة عن مالك عن حبيب أن حفص بن عاصم حدثه أخرجه
النسائي وفي حديث مالك والدارقطني من طريقه وقد أخرج البخاري هذا الحديث من رواية مالك
بنزوله درجة وعمرو بن علي شيخه فيه هو الفلاس وابن مهدي هو عبد الرحمن أحد الأئمة الحفاظ
وليس هذا الحديث في الموطأ عند أحد من الرواة الا معن بن عيسى فيما قيل فقط ورواه عن مالك
خارج الموطأ فمنهم من قال فيه عن أبي هريرة فقط وهذه رواية عبد الرحمن بن مهدي وحده التي
اقتصر عليها البخاري صرح الدارقطني بأنه رواها عن مالك هكذا وحده ومنهم من قال عن أبي
هريرة وأبي سعيد وهذه رواية معن بن عيسى ومطرف والوليد بن مسلم ومنهم من قال عن أبي
هريرة أو أبي سعيد بالشك وهذه رواية القعنبي والتنيسي والشافعي والزعفراني واختلف فيه على
روح بن عبادة ومعن بن عيسى فقيل بالشك وقيل بالجمع انتهى ملخصا من كلام الإسماعيلي
والدارقطني * الحديث السادس عشر حديث ابن عمر في المسابقة بين الخيل تقدم شرحه في كتاب
260

الجهاد والحفياء بفتح المهملة وسكون الفاء بعدها تحتانية مكان معروف بالمدينة يمد ويقصر وربما
قدمت الياء على الفاء وبنو زريق من الأنصاري بتقديم الزاي على الراء مصغر وقوله هنا فأرسلت
بضم الهمزة بلفظ البناء للمجهول وفي رواية الكشميهني فأرسل بفتح الهمزة والفاعل النبي
صلى الله عليه وسلم أي بأمره قال ابن بطال عن المهلب في حديث سهل في مقدار ما بين الجدار
والمنبر سنة متبعة في موضع المنبر ليدخل إليه من ذلك الموضع ومسافة ما بين الحفياء والثنية
لمسابقة الخيل سنة متبعة يكون ذلك القدر ميدانا للخيل المضمرة عند السباق * (تنبيه) * أورد أبو
ذر هذا الحديث من هذا الوجه مختصرا من المتن من قوله وأمدها الخ وساقه غيره ووقع في
رواية كريمة وغيرها عقبة حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر ثم قال حدثني إسحاق انا
عيسى وابن إدريس فذكر حديث عمر في الأشربة وقد أشكل أمره على بعض الشارحين فظن
أنه ساق هذا السند للمتن الذي بعده وهي رواية ابن عمر عن عمر في الأشربة وهو غلط فاحش فان
حديث عمر من أفراد الشعبي عن ابن عمر عن عمر وأما رواية الليث عن نافع فتتعلق بالمسابقة
فهي متابعة لرواية جويرية بن أسماء عن نافع وقد أورده المصنف في الجهاد من طريق الليث
أيضا وسبق لفظه هناك وأخرجه مسلم أيضا عن قتيبة وقد أغفل المزي في الأطراف ذكر
البخاري في تخريج هذه الطريق عن قتيبة واقتصر على ذكر رواية أحمد بن يونس عن الليث
وذكر أن مسلما والنسائي أخرجاها عن قتيبة وسبب هذا الغلط الاجحاف في الاختصار فلو كان
قال بعد قوله عن ابن عمر مثلا فذكره أو بهذا أو به لارتفع الاشكال * الحديث السابع عشر
(قوله حدثنا إسحاق) هو ابن إبراهيم المعروف بابن راهويه كما جزم به أبو نعيم والكلاباذي
وغيرهما وابن إدريس اسمه عبد الله وابن أبي غنية بمعجمة ونون بوزن عطية وهو يحيى بن
عبد الملك ابن أبي غنية الخزاعي وأبو حيان هو يحيى بن سعيد بن حبان والسند كله كوفيون
الا إسحاق وابن عمر (قوله سمعت عمر على منبر النبي صلى الله عليه وسلم) كذا اقتصر من
الحديث على هذا القدر لكونه الذي يحتاج إليه هنا وهو ذكر المنبر وتقدم في الأشربة من
طريق يحيى القطان عن أبي حيان فزاد فيه أنه قد نزل تحريم الخمر وهي من خمسة أشياء الحديث
ومضى هناك مشروحا * الحديث الثامن عشر (قوله أخبرني السائب بن يزيد) هو الصحابي
المعروف وتقدم له الحديث التاسع (قوله أنه سمع عثمان بن عفان خطيبا على منبر النبي صلى الله
عليه وسلم) هكذا اقتصر من الحديث على هذا القدر وبيض له أبو نعيم في مستخرجه فذكر
ما عند البخاري فقط ولم يوصله من طريقه ولا من غيرها وقوله خطيبا هو حال من عثمان وفي
بعض الروايات خطبنا بنون بلفظ الفعل الماضي وبقية الحديث أوهم صنيع الإسماعيلي أنه
فيما يتعلق بالاذان الذي زاده عثمان فإنه أخرجه هنا وليس فيه شئ يتعلق بخطبة عثمان على المنبر
والحق أنه حديث آخر وقد أخرجه أبو عبيد في كتاب الأموال من وجه آخر عن الزهري فزاد
فيه يقول هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤده الحديث وهو في أواخر الربع الرابع
منه ونقل فيه عن إبراهيم بن سعد أنه أراد شهر رمضان قال أبو عبيد وجاء من وجه آخر أنه شهر
الله المحرم (قلت) وقع قريب من ذلك في حديث أنس من وجه ضعيف وقع لنا بعلو في جزء الفلكي
بلفظ كان المسلمون إذا دخل شعبان أكبوا على المصاحف وأخرجوا الزكاة ودعا الولاة أهل
السجون الحديث موقوف قال ابن بطال عن المهلب في هذين الحديثين سنه متبعة بأن الخليفة
261

يخطب على المنبر في الأمور المهمة لا يخافتها لتصل الموعظة إلى اسماع الناس إذا أشرف عليهم
انتهى وفيه إشارة إلى أن المنبر النبوي بقي إلى ذلك العهد ولم يتغير بزيادة ولا نقص وقد جاء في
غيره أنه بقي بعد ذلك زمانا آخر * الحديث التاسع عشر حديث عائشة (قوله عبد الاعلى) هو ابن
عبد الاعلى السامي بالمهملة البصري (قوله هذا المركن) بكسر الميم وسكون الراء وفتح الكاف
بعدها نون قال الخليل شبه تور من أدم وقال غيره شبه حوض من نحاس وأبعد من فسره بالإجانة
بكسر الهمزة وتشديد الجيم ثم نون لأنه فسر الغريب بمثله والإجانة هي التي يقال لها القصرية
وهي بكسر القاف وقولها فنشرع فيه جميعا أي نتناول منه بغير اناء وأصله الورود للشرب ثم
استعمل في كل حالة يتناول فيها الماء وقد تقدم بيان ذلك مع شرح الحديث في كتاب الطهارة
قال ابن بطال فيه سنة متبعة لبيان مقدار ما يكفي الزوج والمرأة إذا اغتسلا * الحديث
العشرون حديث أنس من رواية عاصم الأحول عنه في المخالفة بين قريش والأنصار وفي القنوت
شهرا يدعوا على أحياء من بني سليم وقد اختصره من حديثين كل منهما أتم مما ذكره هنا وقد
مضى شرح الأول في كتاب الأدب وبيان الفرق بين الاخاء والحلف ومضى شرح الثاني في كتاب
الوتر وفيه بيان الوقت والسبب الذي قنت فيه ومضى في المغازي في غزوة بئر معونة بيان أسماء
الاحياء المذكورين من بني سليم * الحديث الحادي والعشرون (قوله بريد) بموحدة وراء
مهملة ابن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري (قوله قدمت المدينة فلقيني عبد الله بن
سلام) وقع عند عبد الرزاق بيان سبب قدوم أبي بردة إلى المدينة وبيان زمان قدومه فأخرج من
طريق سعيد بن أبي بردة عن أبي بردة قال أرسلني أبي إلى عبد الله بن سلام لا تعلم منه فسألني من
أنت فأخبرته فرحب بي (قوله انطلق إلى المنزل) زاد في رواية الإسماعيلي معي والألف واللام
بدل من الإضافة أي تعال معي إلى منزلي وقد مضى في مناقب عبد الله بن سلام من وجه آخر عن
أبي بردة أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام فقال الا تجئ فأطعمك وتدخل في بيتي (قوله
فانطلقت معه فأسقاني سويقا واطعمني تمرا) قد مضى في مناقب عبد الله بن سلام من طريق
سعيد بن أبي بردة عن أبيه بلفظ ألا تجئ فأطعمك سويقا وتمرا فكأنه استعمل الاطعام بالمعنى
الأعم وليس هذا من قبيل علفتها تبنا وماء لأنه اما من الاكتفاء واما من التضمين ولا يحتاج لذلك
هنا لان الطعام يستعمل في الأكل والشرب وقد بين في الرواية الأخرى انه أسقاه السويق (قوله
وصليت في مسجده) زاد في مناقب عبد الله بن سلام ذكر الربا وان من اقترض قرضا فتقاضاه إذا
حل فأهدى له المديون هدية كانت من جملة الربا وتقدم البحث فيه هناك ووقعت هذه الزيادة في
رواية أبي أسامة أيضا كما أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن أبي كريب شيخ البخاري فيه
لكن باختصار عن الذي تقدم ووهم من زعم أنه من رواية أبي أحمد محمد بن يوسف السكندري
عن سفيان بن عيينة وقد جزم المزي في الأطراف بما قلته فكأن البخاري حذفها وثبت في رواية
سعيد التي أشرت إليها نحو ذلك * الحديث الثاني والعشرون حديث عمر صل في هذا الوادي
المبارك وقد تقدم شرحه في أواخر كتاب الحج (قوله وقال هارون بن إسماعيل حدثنا على عمرة في حجة)
يريد ان هارون خالف سعيد بن الربيع في قوله في آخره وقل عمرة وحجة بواو العطف فقال عمرة في
حجة وقد تقدم هناك من رواية الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير شيخ علي بن المبارك فيه بلفظ عمرة
262

في حجة ورواية هارون هذه وقعت لنا موصولة في مسند عبد بن حميد وفي أخبار المدينة النبوية
لعمر بن شبة كلاهما عن هارون بن إسماعيل الخزاز بمعجمات ويجوز في قوله عمرة وحجة الرفع
والنصب * الحديث الثالث والعشرون حديث ابن عمر في المواقيت تقدم مشروحا وبيان من بلغ
ابن عمر ميقات يلملم ومحمد بن يوسف شيخه فيه هو الفريابي وشيخه سفيان هو الثوري وقوله (في آخره
وذكر العراق فقال لم يكن عراق يومئذ ذكر بضم أوله مبني للمجهول ولم يسم والمجيب هو ابن
عمر ووقع عند الإسماعيلي فقيل له العراق قال لم يكن يومئذ عراق وقوله لم يكن عراق
يومئذ أي بأيدي المسلمين فان بلاد العراق كلها في ذلك الوقت كانت بأيدي كسرى وعماله من
الفرس والعرب فكأنه قال لم يكن أهل العراق مسلمين حينئذ حتى يوقت لهم ويعكر على هذا
الجواب ذكر أهل الشام فلعل مراد بن عمر نفي العراقين وهما المصران المشهوران الكوفة
والبصرة وكل منهما انما صار مصرا جامعا بعد فتح المسلمين بلاد الفرس * الحديث الرابع
والعشرون حديث سالم بن عبد الله عن أبيه أي ابن عمر (قوله أرى وهو في معرسه بذي الحليفة)
تقدم شرحه في كتاب الحج وبقيته توافق حديث عمر المذكور قبله بحديث قال ابن بطال عن
المهلب غرض البخاري بهذا الباب وأحاديثه تفضيل المدينة بما خصها الله به من معالم الدين وانها
دار الوحي ومهبط الملائكة بالهدى والرحمة وشرف الله بقعتها بسكنى رسوله وجعل فيها قبره
ومنبره وبينهما روضة من رياض الجنة ثم تكلم على أحاديث الباب بما تقدم نقله عنه والبحث فيه
بما يغني عن اعادته وحذفت ما بعد الحديث العاشر من كلامه لقلة جدواه وقد ظهر عنوانه فيما
ذكرته عنه في الأحاديث العشرة الأول وبالله التوفيق وفضل المدينة ثابت لا يحتاج إلى إقامة
دليل خاص وقد تقدم من الأحاديث في فضلها في آخر الحج ما فيه شفاء وانما المراد هنا تقدم أهلها
في العلم على غيرهم فإن كان المراد بذلك تقديمهم في بعض الاعصار وهو العصر الذي كان فيه النبي
صلى الله عليه وسلم مقيما بها فيه والعصر الذي بعده من قبل أن يتفرق الصحابة في الأمصار فلا شك
في تقديم العصرين المذكورين على غيرهم وهو الذي يستفاد من أحاديث الباب وغيرها وإن كان
المراد استمرار ذلك لجميع من سكنها في كل عصر فهو محل النزاع ولا سبيل إلى تعميم القول بذلك
لان الأعصار المتأخرة من بعد زمن الأئمة المجتهدين لم يكن فيها بالمدينة من فاق واحدا من غيرها
في العلم والفضل فضلا عن جميعهم بل سكنها من أهل البدعة الشنعاء من لا يشك في سوء نيته
وخبث طويته كما تقدم والله أعلم * (قوله باب قول الله تعالى ليس لك من الامر شئ)
ذكر فيه حديث ابن عمر في سبب نزولها وقد تقدم بيانه في تفسير آل عمران وتقدم شئ من شرحه
وتسميته المدعو عليهم في غزوة أحد قال ابن بطال دخول هذه الترجمة في كتاب الاعتصام من
جهة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على المذكورين لكونهم لم يذعنوا للايمان ليعتصموا به من
اللعنة وأن معنى قوله ليس لك من الامر شئ هو معنى قوله ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي
من يشاء انتهى ويحتمل ان يكون مراده الإشارة إلى الخلافية المشهورة في أصول الفقه وهي
هل كان له صلى الله عليه وسلم أن يجتهد في الاحكام أو لا وقد تقدم بسط ذلك قبل ثمانية أبواب
(قوله عبد الله) هو ابن المبارك وسالم هو ابن عبد الله بن عمر ووقع في رواية حبان بن موسى عن ابن
المبارك في تفسير آل عمران حدثني سالم عن ابن عمر (قوله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
263

يقول في صلاة الفجر ورفع رأسه) الجملة حاليه أي قال ذلك حال رفع رأسه من الركوع (قوله قال
اللهم ربنا ولك الحمد) قال الكرماني جعل ذلك القول كالفعل اللازم أي يفعل القول المذكور أو
هناك شئ محذوف (قلت) لم يذكر تقديره ويحتمل ان يكون بمعنى قائلا أو لفظ قال المذكور زائدا
ويؤيده انه وقع في رواية حبان بن موسى بلفظ انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه
من الركوع في الركعة الأخيرة من صلاة الفجر يقول اللهم ويؤخذ منه أن محل القنوت عند رفع
الرأس من الركوع لا قبل الركوع وقوله قال اللهم ربنا ولك الحمد معين لكون الرفع من الركوع
لأنه ذكر الاعتدال وقوله في الأخيرة أي الركعة الآخرة وهي الثانية من صلاة الصبح كما صرح
بذلك في رواية حبان بن موسى وظن الكرماني أن قوله في الآخرة متعلق بالحمد وأنه بقية الذكر
الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم في الاعتدال فقال فان قلت ما وجه التخصيص بالآخرة مع أن
له الحمد في الدنيا ثم أجاب بأن نعيم الآخرة أشرف فالحمد عليه هو الحمد حقيقة أو المراد بالآخرة
العاقبة أي مآل كل الحمود إليه انتهى وليس لفظ في الآخرة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم
بل هو من كلام ابن عمر ثم ينظر في جمعه الحمد على حمود (قوله فلانا وفلانا) قال الكرماني يعني
رعلا وذكوان ووهم في ذلك وانما سمى ناسا بأعيانهم لا القبائل كما بينته في تفسير آل عمران
* (قوله باب وكان الانسان أكثر شئ جدلا وقوله تعالى ولا تجادلوا أهل الكتاب
الا بالتي هي أحسن) ذكر فيه حديثين حديث علي في قول النبي صلى الله عليه وسلم الا تصلون
وجوابه بقوله انما أنفسنا بيد الله وتلاوة النبي صلى الله عليه وسلم الآية وهو متعلق بالركن الأول
من الترجمة وحديث أبي هريرة في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم اليهود في بيت مدراسهم وهو
متعلق بالركن الثاني منها كما سأذكره قال الكرماني الجدال هو الخصام ومنه قبيح وحسن
وأحسن فما كان للفرائض فهو أحسن وما كان للمستحبات فهو حسن وما كان لغير ذلك فهو
قبيح قال أو هو تابع للطريق فباعتباره يتنوع أنواعا وهذا هو الظاهر انتهى ويلزم على الأول ان
يكون في المباح قبيحا وفاته تنويع القبيح إلى أقبح وهو ما كان في الحرام وقد تقدم شرح حديث
علي في الدعوات ويؤخذ منه ان عليا ترك فعل الأولى وإن كان ما احتج به متجها ومن ثم تلى النبي
صلى الله عليه وسلم الآية ولم يلزمه مع ذلك بالقيام إلى الصلاة ولو كان امتثل وقام لكان أولى
ويأخذ منه الإشارة إلى مراتب الجدال فإذا كان فيما لا بد له منه تعين نصر الحق بالحق فان جاوز
الذي ينكر عليه المأمور نسب إلى التقصير وإن كان في مباح اكتفى فيه بمجرد الامر والإشارة إلى
ترك الأولى وفيه ان الانسان طبع على الدفاع عن نفسه بالقول والفعل وانه ينبغي له ان يجاهد
نفسه ان يقبل النصيحة ولو كانت في غير واجب وان لا يدفع الا بطريق معتدلة من غير افراط ولا
تفريط ونقل ابن بطال عن المهلب ما ملخصه ان عليا لم يكن له أن يدفع ما دعاه النبي صلى الله عليه
وسلم إليه من الصلاة بقوله ذلك بل كان عليه الاعتصام بقوله فلا حجة لاحد في ترك المأمور انتهى
ومن أين له ان عليا لم يمتثل ما دعاه إليه فليس في القصة تصريح بذلك وانما أجاب علي بما ذكر
اعتذارا عن تركه القيام بغلبة النوم ولا يمتنع انه صلى عقب هذه المراجعة إذ ليس في الخبر ما ينفيه
وقال الكرماني حرضهم النبي صلى الله عليه وسلم باعتبار الكسب والقدرة الكاسبة وأجاب
علي باعتبار القضاء والقدر قال وضرب النبي صلى الله عليه وسلم فخذه تعجبا من سرعة جواب علي
264

ويحتمل ان يكون تسليما لما قال وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة في هذا الحديث من الفوائد
مشروعية التذكير للغافل خصوصا القريب والصاحب لان الغفلة من طبع البشر فينبغي للمرء
ان يتفقد نفسه ومن يحبه بتذكير الخير والعون عليه وفيه ان الاعتراض بأثر الحكمة لا يناسبه
الجواب بأثر القدرة وأن للعالم إذا تكلم بمقتضى الحكمة في أمر غير واجب ان يكتفي من الذي
كلمه في احتجاجه بالقدرة يؤخذ الأول من ضربه صلى الله عليه وسلم على فخذه والثاني من عدم
إنكاره بالقول صريحا قال وانما لم يشافهه بقوله وكان الانسان أكثر شئ جدلا لعلمه ان عليا
لا يجهل ان الجواب بالقدرة ليس من الحكمة بل يحتمل ان لهما عذرا يمنعهما من الصلاة فاستحيا
علي من ذكره فأراد دفع الخجل عن نفسه وعن أهله فاحتج بالقدرة ويؤيده رجوعه صلى الله عليه
وسلم عنهم مسرعا قال ويحتمل أن يكون علي أراد بما قال استدعاء جواب يزداد به فائدة وفيه جواز
محادثة الشخص نفسه فيما يتعلق بغيره وجواز ضربه بعض أعضائه عند التعجب وكذا الأسف
ويستفاد من القصة أن من شأن العبودية أن لا يطلب لها مع مقتضى الشرع معذرة الا
الاعتراف بالتقصير والاخذ في الاستغفار وفيه فضيلة ظاهرة لعلي من جهة عظم تواضعه لكونه
روى هذا الحديث مع ما يشعر به عند من لا يعرف مقداره انه يوجب غاية العتاب فلم يلتفت لذلك
بل حدث به لما فيه من الفوائد الدينية انتهى ملخصا وقوله في السند الثاني حدثني محمد وقع
عند النسفي غير منسوب ووقع عند أبي ذر وغيره منسوبا محمد بن سلام وعتاب بالمهملة وتشديد
المثناة وآخره موحدة وأبوه بشير بموحدة ومعجمة وزن عظيم وإسحق عند النسفي وأبي ذر غير منسوب
ونسب عند الباقين ابن راشد وساق المتن على لفظه ومضى في التهجد على لفظ شعيب بن أبي حمزة
ويأتي في التوحيد من طريق شعيب وابن أبي عتيق مجموعا وساقه على لفظ ابن أبي عتيق (قوله
طرقه وفاطمة) زاد شعيب ليلة (قوله الا تصلون) في رواية شعيب الا تصليان بالتثنية والأول
محمول على ضم من يتبعهما إليهما أو للتعظيم أو لان أقل الجمع اثنان وقوله حين قال له ذلك فيه
التفات ومضى في رواية شعيب بلفظ حين قلت له وكذا قوله سمعه في رواية شعيب سمعته وقوله
وهو مدبر بضم أوله وكسر الموحدة أي مول بتشديد اللام كما في رواية شعيب ووقع هنا عند
الكشميهني وهو منصرف (قوله قال أبو عبد الله) هو المصنف (يقال ما اتاك ليلا فهو طارق)
كذا لأبي ذر وسقط للنسفي وثبت للباقين لكن بدون يقال وقد تقدم الكلام عليه في سورة
الطارق * الحديث الثاني (قوله عن سعيد) هو ابن أبي سعيد المقبري (قوله بيت المدراس)
تقدم الكلام عليه في كتاب الاكراه قريبا وقوله في آخره ذلك أريد بضم أوله بصيغة المضارعة
من الإرادة أي أريد ان تقروا باني بلغت لان التبليغ هو الذي أمر به ووقع في رواية أبي زيد
المروزي فيما ذكره القابسي بفتح أوله وبزاي معجمة وأطبقوا على أنه تصحيف لكن وجهه بعضهم
بان معناه أكرر مقالتي مبالغة في التبليغ قال المهلب بعد أن قرر انه يتعلق بالركن الثاني من
الترجمة وجه ذلك أنه بلغ اليهود ودعاهم إلى الاسلام والاعتصام به فقالوا بلغت ولم يذعنوا لطاعته
فبالغ في تبليغهم وكرره وهذه مجادلة بالتي هي أحسن وهو في ذلك موافق لقول مجاهد انها نزلت
في من لم يؤمن منهم وله عهد أخرجه الطبري وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال المراد ممن ظلم منهم
من استمر على امره وعن قتادة هي منسوخة بآية السيف انتهى والذي أخرجه الطبري بسند
265

صحيح عن مجاهد ان قالوا شرا فقولوا خيرا الا الذين ظلموا منهم فانتصروا منهم وبسند فيه ضعف
قال الا من ظلم من قاتل ولم يعط الجزية واخرج بسند حسن عن سعيد بن جبير قال هم أهل
الحرب من لا عهد له جادله بالسيف ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم المراد من آمن من أهل
الكتاب نهى عن مجادلتهم فيما يحدثون به من الكتاب لعله يكون حقا لا تعلمه أنت ولا ينبغي ان
تجادل الا المقيم منهم على دينه وبسند صحيح عن قتادة هي منسوخة بآية براءة ان يقاتلوا حتى
يشهدوا ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أو يؤدوا الجزية ورجح الطبري قول من قال المراد
من امتنع من أداء الجزية قال ومن أداها وإن كان ظالما لنفسه باستمراره على كفره لكن المراد في
هذه الآية من ظلم أهل الاسلام فحاربهم وامتنع من الاسلام أو بذل الجزية ورد على من ادعى
النسخ لكونه لا يثبت الا بدليل والله أعلم وحاصل ما رجحه انه أمر بمجادلة أهل الكتاب بالبيان
والحجة بطريق الانصاف ممن عاند منهم فمفهوم الآية جواز مجادلته بغير التي هي أحسن وهي
المجادلة بالسيف والله أعلم (قوله باب وكذلك جعلناكم أمة وسطا وما أمر النبي
صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة وهم أهل العلم) اما الآية فلم يقع التصريح بما وقع التشبيه به
والراجح انه الهدى المدلول عليه بقوله يهدي من يشاء أي مثل الجعل القريب الذي اختصصناكم
فيه بالهداية كما يقتضيه سياق الآية ووقع التصريح به في حديث البراء الماضي في تفسير سورة
البقرة والوسط العدل كما تقدم في تفسير سورة البقرة وحاصل ما في الآية الامتنان بالهداية
والعدالة وأما قوله وما أمر إلى آخره فمطابقته لحديث الباب خفية وكأنه من جهة الصفة
المذكورة وهي العدالة لما كانت تعم الجميع لظاهر الخطاب أشار إلى انها من العام الذي أريد به
الخاص أو من العام المخصوص لان أهل الجهل ليسوا عدولا وكذلك أهل البدع فعرف أن المراد
بالوصف المذكور أهل السنة والجماعة وهو أهل العلم الشرعي ومن سواهم ولو نسب إلى العلم فهي
نسبة صورية لا حقيقية وورد الامر بلزوم الجماعة في عدة أحاديث منها ما أخرجه الترمذي مصححا
من حديث الحرث بن الحرث الأشعري فذكر حديثا طويلا وفيه وانا آمركم بخمس أمرني الله
بهن السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة فان من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة
الاسلام من عنقه وفي خطبة عمر المشهورة التي خطبها بالجابية عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة
فان الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد وفيه ومن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة وقال
ابن بطال مراد الباب الحض على الاعتصام بالجماعة لقوله لتكونوا شهداء على الناس وشرط
قبول الشهادة العدالة وقد ثبتت لهم هذه الصفة بقوله وسطا والوسط العدل والمراد بالجماعة أهل
الحل والعقد من كل عصر وقال الكرماني مقتضى الامر بلزوم الجماعة انه يلزم المكلف متابعة
ما أجمع عليه المجتهدون وهم المراد بقوله وهم أهل العلم والآية التي ترجم بها احتج بها أهل الأصول
لكون الاجماع حجة لانهم عدلوا بقوله تعالى جعلناكم أمة وسطا أي عدولا ومقتضى ذلك أنهم
عصموا من الخطأ فيما اجمعوا عليه قولا وفعلا (قوله حدثنا أبو أسامة) قال الأعمش هو بحذف
قال الثانية وقوله في آخره وعن جعفر بن عون هو معطوف على قوله أبو أسامة والقائل هو
إسحاق بن منصور فروى هذا الحديث عن أبي أسامة بصيغة التحديث وعن جعفر بن عون
بالعنعنة وهذا مقتضى صنيع صاحب الأطراف وأما أبو نعيم فجزم بأن رواية جعفر بن عون
266

معلقة فقال بعد أن أخرجه من طريق أبي مسعود الراوي عن أبي أسامة وحده ومن طريق بندار
عن جعفر بن عون وحده أخرجه البخاري عن إسحاق بن منصور عن أبي أسامة وذكره عن جعفر
ابن عون بلا واسطة انتهى وأخرجه الإسماعيلي من رواية بندار وقال إنه مختصر وأخرجه
من رواية أبي معاوية عن الأعمش مطولا وقد تقدمت رواية أبي أسامة مقرونة برواية جرير بن
عبد الحميد في تفسير سورة البقرة وساقه هناك على لفظ جرير وتقدم شرحه هناك وفيه بيان ان
الشهادة لا تخص قوم نوح بل تعم الأمم * (قوله باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم)
في رواية الكشميهني العالم بدل العامل أو للتنويع وقد تقدم في كتاب الأحكام ترجمة إذا قضى
الحاكم بجور أو خلاف أهل العلم فهو مردود وهي معقودة لمخالفة الاجماع وهذه معقودة لمخالفة
الرسول عليه الصلاة والسلام (قوله فأخطأ خلاف الرسول من غير علم) أي لم يتعمد المخالفة
وانما خالف خطأ (قوله فحكمه مردود لقول النبي صلى الله عليه وسلم من عمل عملا ليس عليه
أمرنا فهو رد) أي مردود وقد تقدم هذا الحديث موصولا في كتاب الصلح عن عائشة بلفظ آخر
وأنه بهذا اللفظ موصول في صحيح مسلم وتقدم شرحه هناك قال ابن بطال مراده ان من حكم بغير
السنة جهلا أو غلطا يجب عليه الرجوع إلى حكم السنة وترك ما خالفها امتثالا لأمر الله تعالى
بايجاب طاعة رسوله وهذا هو نفس الاعتصام بالسنة وقال الكرماني المراد بالعامل عامل
الزكاة وبالحاكم القاضي وقوله فأخطأ أي في أخذ واجب الزكاة أو في قضائه (قلت) وعلى
تقدير ثبوت رواية الكشميهني فالمراد بالعالم المفتي أي أخطأ في فتواه قال والمراد بقوله فأخطأ
خلاف الرسول أي يكون مخالفا للسنة قال وفي الترجمة نوع تعجرف (قلت) ليس فيها قلق الا
في اللفظ الذي بعد قوله فأخطأ فصار ظاهر التركيب ينافي المقصود لان من أخطأ خلاف الرسول
لا يذم بخلاف من أخطأ وفاقه وليس ذلك المراد وانما ثم الكلام عند قوله فأخطأ وهو متعلق بقوله
اجتهد وقوله خلاف الرسول أي فقال خلاف الرسول وحذف قال يقع في الكلام كثيرا فأي
عجرفة في هذا والشارح من شأنه ان يوجه كلام الأصل مهما أمكن ويغتفر القدر اليسير من الخلل
تارة ويحمله على الناسخ تارة وكل ذلك في مقابلة الاحسان الكثير الباهر ولا سيما مثل هذا
الكتاب ووقع في حاشية نسخة الدمياطي بخطه الصواب في الترجمة فأخطأ بخلاف الرسول
انتهى وليس دعوى حذف الباء برافع للاشكال بل إن سلك طريق التغيير فلعل اللام متأخرة
ويكون في الأصل خالف بدل خلاف (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس كما جزم به المزي
(قوله عن أخيه) هو أبو بكر واسمه عبد الحميد ولإسماعيل في هذا الحديث شيخ آخر كما تقدم في
آخر غزوة خيبر عن إسماعيل عن مالك ونزل إسماعيل في هذا السند درجة وسليمان هو ابن بلال
وعبد المجيد بتقديم الميم على الجيم وذكر أبو علي الجياني أن سليمان سقط من أصل الفربري
فيما ذكر أبو زيد المروزي قال والصواب إثباته فإنه لا يتصل السند الا به وقد ثبت كذلك في رواية
إبراهيم بن معقل النسفي قال وكذا لم يكن في كتاب ابن السكن ولا عند أبي أحمد الجرجاني (قلت)
وهو ثابت عندنا في النسخة المعتمدة من رواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة عن الفربري وكذا في
سائر النسخ التي اتصلت لنا عن الفربري فكأنها سقطت من نسخة أبي زيد فظن سقوطها من
أصل شيخه وقد جزم أبو نعيم في المستخرج بأن البخاري أخرجه عن إسماعيل عن أخيه عن سليمان
267

وهو يرويه عن أبي أحمد الجرجاني عن الفربري واما رواية ابن السكن فلم أقف عليها (قوله بعث
أخا بني عدى) أي ابن النجار بطن من الأوس واسم هذا المبعوث سواد بفتح المهملة وتخفيف
الواو ابن غزية بفتح المعجمة وكسر الزاي مشددا وتقدم ذلك في أواخر البيوع وتقدم شرح المتن
في المغازي وفي هذا السياق هنا زيادة قوله ولكن مثلا بمثل أو بيعوا هذا إلى آخره والمذكور
هناك قوله ولكن بع إلى آخره ومطابقة الحديث للترجمة من جهة ان الصحابي اجتهد فيما فعل
فرده النبي صلى الله عليه وسلم ونهاه عما فعل وعذره لاجتهاده ووقع في رواية عقبة بن عبد الغافر
عن أبي سعيد في غير هذه القصة لكن في نظير الحكم فقال صلى الله عليه وسلم أوه عين الربا لا تفعل
* (قوله باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ) يشير إلى أنه لا يلزم من رد حكمه
أو فتواه إذا اجتهد فأخطأ ان يأثم بذلك بل إذا بذل وسعه أجر فان أصاب ضوعف أجره لكن لو
أقدم فحكم أو أفتى بغير علم لحقه الاثم كما تقدمت الإشارة إليه قال ابن المنذر وانما يؤجر الحاكم
إذا أخطأ إذا كان عالما بالاجتهاد فأجتهد وأما إذا لم يكن عالما فلا واستدل بحديث القضاة ثلاثة
وفيه وقاض قضى بغير حق فهو في النار وقاض قضى وهو لا يعلم فهو في النار وهو حديث
أخرجه أصحاب السنن عن بريدة بألفاظ مختلفة وقد جمعت طرقه في جزء مفرد ويؤيد حديث
الباب ما وقع في قصة سليمان في حكم داود عليه السلام في أصحاب الحرث وقد تقدمت الإشارة
إليها فيما مضى قريبا وقال الخطابي في معالم السنن انما يؤجر المجتهد إذا كان جامعا لآلة الاجتهاد
فهو الذي نعذره بالخطأ بخلاف المتكلف فيخاف عليه ثم انما يؤجر العالم لان اجتهاده في طلب
الحق عبادة هذا إذا أصاب وأما إذا أخطأ فلا يؤجر على الخطأ بل يوضع عنه الاثم فقط كذا قال
وكأنه يرى أن قوله وله أجر واحد مجاز عن وضع الاثم (قوله عن محمد بن إبراهيم بن الحارث) هو
التيمي تابعي مدني ثقة مشهور ولأبيه صحبة وبسر بضم الموحدة وسكون المهملة وأبو قيس مولى
عمرو بن العاص لا يعرف اسمه كذا قاله البخاري وتبعه الحاكم أبو أحمد وجزم ابن يونس في تاريخ
مصر بأنه عبد الرحمن بن ثابت وهو أعرف بالمصريين من غيره ونقل عن محمد بن سحنون انه سما أباه
الحكم وخطأه في ذلك وحكى الدمياطي أن اسمه سعد وعزاه لمسلم في الكنى وقد راجعت نسخا
من الكنى لمسلم فلم أر ذلك فيها منها نسخة بخط الدارقطني الحافظ وقرأت بخط المنذري وقع عند
السبتي يعني ابن حبان في صحيحه عن أبي قابوس بدل أبي قيس كذا جزم به وقد راجعت عدة نسخ
من صحيح ابن حبان فوجدت فيها عن أبي قيس إحداها صححها ابن عساكر وفي السند أربعة من
التابعين في نسق أولهم يزيد بن عبد الله وهو المعروف بابن الهاد وما لأبي قيس في البخاري الا هذا
الحديث (قوله إذا حكم الحاكم فأجتهد ثم أصاب) في رواية أحمد فأصاب قال القرطبي هكذا
وقع في الحديث بدأ بالحكم قبل الاجتهاد والامر بالعكس فان الاجتهاد يتقدم الحكم إذ لا يجوز
الحكم قبل الاجتهاد اتفاقا لكن التقدير في قوله إذا حكم إذا أراد ان يحكم فعند ذلك يجتهد قال
ويؤيده ان أهل الأصول قالوا يجب على المجتهد ان يجدد النظر عند وقوع النازلة ولا يعتمد على
ما تقدم له لامكان ان يظهر له خلاف غيره انتهى ويحتمل أن تكون الفاء تفسيرية لا تعقيبية
وقوله فأصاب أي صادف ما في نفس الامر من حكم الله تعالى (قوله ثم أخطأ) أي ظن أن الحق في
جهة فصادف ان الذي في نفس الامر بخلاف ذلك فالأول له أجران أجر الاجتهاد واجر الإصابة
268

والآخر له أجر الاجتهاد فقط وقد تقدمت الإشارة إلى وقوع الخطا في الاجتهاد في حديث أم
سلمة انكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ان يكون ألحن بحجته من بعض وأخرج لحديث الباب
سببا من وجه آخر عن عمرو بن العاص من طريق ولده عبد الله بن عمرو عنه قال جاء رجلان إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم يختصمان فقال لعمرو اقض بينهما يا عمرو قال أنت أولى بذلك مني
يا رسول الله قال وإن كان قال فإذا قضيت بينهما فمالي فذكر نحوه لكن قال في الإصابة فلك عشر
حسنات وأخرج من حديث عقبة بن عامر نحوه بغير قصة بلفظ فلك عشرة أجور وفي سند كل
منهما ضعف ولم أقف على اسم من أبهم في هذين الحديثين (قوله قال فحدثت بهذا الحديث أبا
بكر بن عمرو بن حزم) القائل فحدثت هو يزيد بن عبد الله أحد رواته وأبو بكر بن عمرو نسب في
هذه الرواية لجده وهو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وثبت ذكره في رواية مسلم من رواية
الداودي عن يزيد ونسبه فقال يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد (قوله عن أبي هريرة) يريد
بمثل حديث عمرو بن العاص (قوله وقال عبد العزيز بن المطلب) أي بن عبد الله بن حنطب
المخزومي قاضي المدينة وكنيته أبو طالب وهو من أقران مالك ومات قبله وليس له في البخاري سوى
هذا الموضع الواحد المعلق وعبد الله بن أبي بكر هو والد الراوي المذكور في السند الذي قبله أبو بكر
ابن محمد بن عمرو بن حزم وكان قاضي المدينة أيضا (قوله عن أبي سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم)
يريد أن عبد الله بن أبي بكر خالف أباه في روايته عن أبي سلمة وأرسل الحديث الذي وصله وقد
وجدت ليزيد بن الهاد فيه متابعا أخرجه عبد الرزاق وأبو عوانة من طريقه عن معمر عن يحيى
ابن سعيد هو الأنصاري عن أبي بكر بن محمد عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكر الحديث مثله بغير
قصة وفيه فله أجران اثنان قال أبو بكر بن العربي تعلق بهذا الحديث من قال إن الحق في جهة
واحدة للتصريح بتخطئة واحد لا بعينه قال وهي نازلة في الخلاف عظيمة وقال المازري تمسك
به كل من الطائفتين من قال إن الحق في طرفين ومن قال إن كل مجتهد مصيب اما الأولى فلانه
لو كان كل مصيبا لم يطلق على أحدهما الخطأ لاستحالة النقيضين في حالة واحدة واما المصوبة
فاحتجوا بأنه صلى الله عليه وسلم جعل له اجرا فلو كان لم يصب لم يؤجر وأجابوا عن إطلاق الخطأ
في الخبر على من ذهل عن النص أو اجتهد فيما لا يسوغ الاجتهاد فيه من القطعيات فيما خالف
الاجماع فإن مثل هذا ان اتفق له الخطأ فيه نسخ حكمه وفتواه ولو اجتهد بالاجماع وهو الذي يصح
عليه إطلاق الخطأ واما من اجتهد في قضية ليس فيها نص ولا إجماع فلا يطلق عليه الخطأ وأطال
المازري في تقرير ذلك والانتصار له وختم كلامه بأن قال إن من قال إن الحق في طرفين هو قول
أكثر أهل التحقيق من الفقهاء والمتكلمين وهو مروي عن الأئمة الأربعة وان حكى عن كل منهم
اختلاف فيه (قلت) والمعروف عن الشافعي الأول قال القرطبي في المفهم الحكم المذكور
ينبغي ان يختص بالحاكم بين الخصمين لان هناك حقا معينا في نفس الامر يتنازعه الخصمان
فإذا قضى به لأحدهما بطل حق الآخر قطعا وأحدهما فيه مبطل لا محالة والحاكم لا يطلع على
ذلك فهذه الصورة لا يختلف فيها ان المصيب واحد لكون الحق في طرف واحد وينبغي ان يختص
الخلاف بأن المصيب واحد إذ كل مجتهد مصيب بالمسائل التي يستخرج الحق منها بطريق
الدلالة وقال ابن العربي عندي في هذا الحديث فائدة زائدة حاموا عليها فلم يسقوا وهي ان
269

الاجر على العمل القاصر على العامل واحد والاجر على العمل المتعدي يضاعف فإنه يؤجر
في نفسه وينجر له كل ما يتعلق بغيره من جنسه فإذا قضى بالحق وأعطاه لمستحقه ثبت له أجر
اجتهاده وجرى له مثل أجر مستحق الحق فلو كان أحد الخصمين ألحن بحجته من الآخر فقضى له
والحق في نفس الامر لغيره كان له أجر الاجتهاد فقط (قلت) وتمامه ان يقال ولا يؤاخذ بإعطاء
الحق لغير مستحقه لأنه لم يتعمد ذلك بل وزر المحكوم له قاصر عليه ولا يخفى ان محل ذلك أن يبذل
وسعه في الاجتهاد وهو من أهله والا فقد يلحق به الوزر ان أخل بذلك والله أعلم * (قوله
باب الحجة على من قال إن أحكام النبي صلى الله عليه وسلم كانت ظاهرة) أي للناس
لا تخفى الا على النادر وقوله وما كان يغيب بعضهم عن مشاهد النبي صلى الله عليه وسلم وأمور
الاسلام كذا للأكثر وفي رواية النسفي وعليها شرح ابن بطال مشاهده ولبعضهم مشهد بالافراد
ووقع في مستخرج أبي نعيم وما كان يفيد بعضهم بعضا بالفاء والدال من الإفادة ولم أره لغيره وما
في قوله ما كان موصوله وجوز بعضهم أن تكون نافية وأنها من بقية القول المذكور وظاهر
السياق يأباه وهذه الترجمة معقودة لبيان أن كثيرا من الأكابر من الصحابة كان يغيب عن بعض
ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم أو يفعله من الأعمال التكليفية فيستمر على ما كان أطلع عليه
هو اما على المنسوخ لعدم اطلاعه على ناسخه واما على البراءة الأصلية وإذا تقرر ذلك قامت الحجة
على من قدم عمل الصحابي الكبير ولا سيما إذا كان قد ولى الحكم على رواية غيره متمسكا بأن ذلك
الكبير لولا أن عنده ما هو أقوى من تلك الرواية لما خالفها ويرده أن في اعتماد ذلك ترك المحقق
للمظنون وقال ابن بطال أراد الرد على الرافضة والخوارج الذين يزعمون أن أحكام النبي صلى
الله عليه وسلم وسننه منقولة عنه نقل تواتر وأنه لا يجوز العمل بما لم ينقل متواترا قال وقولهم
مردود بما صح أن الصحابة كان يأخذ بعضهم عن بعض ورجع بعضهم إلى ما رواه غيره وانعقد
الاجماع على القول بالعمل بأخبار الآحاد (قلت) وقد عقد البيهقي في المدخل باب الدليل على أنه
قد يعزب على المتقدم الصحبة الواسع العلم الذي يعلمه غيره ثم ذكر حديث أبي بكر في الجدة
وهو في الموطأ وحديث عمر في الاستئذان وهو المذكور في هذا الباب وحديث ابن مسعود في
الرجل الذي عقد على امرأة ثم طلقها فأراد أن يتزوج أمها فقال لا بأس واجازته بيع الفضة
المكسرة بالصحيحة متفاضلا ثم رجوعه عن الامرين معن لما سمع من غيره من الصحابة النهي عنهما
وأشياء غير ذلك وذكر فيه حديث البراء ليس كلنا كان يسمع الحديث من النبي صلى الله عليه
وسلم كانت لنا صنعة وأشغال ولكن كان الناس لا يكذبون فيحدث الشاهد الغائب وسنده
ضعيف (2) وكذا حديث أنس ما كل ما نحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعناه ولكن
لم يكذب بعضنا بعضا ثم سرد ما رواه صحابي عن صحابي مما وقع في الصحيحين وقال في هذا دلالة
على اتقانهم في الرواية وفيه أبين الحجة وأوضح الدلالة على تثبيت خبر الواحد وان بعض السنن
كان يخفى عن بعضهم وان الشاهد منهم يبلغ الغائب ما شهد وان الغائب كان يقبله ممن
حدثه ويعتمده ويعمل به (قلت) خبر الواحد في الاصطلاح خلاف المتواتر سواء كان من
رواية شخص واحد أو أكثر وهو المراد بما وقع فيه الاختلاف ويدخل فيه خبر الشخص
الواحد دخولا أوليا ولا يرد على من عمل به ما وقع في حديث الباب من طلب عمر من أبي موسى
270

البينة على حديث الاستئذان فإنه لم يخرج مع شهادة أبي سعيد له وغيره عن كونه خبر واحد
وانما طلب عمر من أبي موسى البينة للاحتياط كما تقدم شرحه واضحا في كتاب الاستئذان والا
فقد قبل عمر حديث عبد الرحمن بن عوف في أخذ الجزية من المجوس وحديثه في الطاعون
وحديث عمرو بن حزم في التسوية بين الأصابع في الدية وحديث الضحاك بن سفيان في توريث
المرأة من دية زوجها وحديث سعد بن أبي وقاص في المسح على الخفين إلى غير ذلك وتقدم في
العلم من حديث عمر انه كان يتناوب النبي صلى الله عليه وسلم هو ورجل من الأنصار فينزل هذا يوما
وهذا يوما ويخبر كل منهما الآخر بما غاب عنه وكان غرضه بذلك تحصيل ما يقوم بحاله وحال
عياله ليغني عن الاحتياج لغيره وليتقوى على ما وهو بصدده من الجهاد وفيه انه لا يشترط على من
أمكنته المشافهة أن يعتمدها ولا يكتفي بالواسطة لثبوت ذلك من فعل الصحابة في عهد النبي
صلى الله عليه وسلم بغير نكير وأما حديث أبي هريرة ثاني حديثي الباب فان فيه بيان السبب
في خفاء بعض السنن على بعض كبار الصحابة وقوله وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق
وهو موافق لقول عمر في الذي قبله ألهاني الصفق بالأسواق يشير إلى انهم كانوا أصحاب تجارة
وقد تقدم ذلك في أوائل البيوع وتوجيه قول عمر ألهاني واختلف على الزهري في الواسطة
بينه وبين أبي هريرة فيه كما بينته في العلم وتقدم عنه من رواية مالك مثله لكن عند مالك زيادة
ليست في رواية سفيان هذه وهي قوله ولولا آيتان من كتاب الله وفي رواية سفيان مما ليس في
رواية مالك قوله والله الموعد وكذلك ما في آخره كما سأبينه واما إبراهيم بن سعد فذكر الحديث
بتمامه فهو أتم الجميع سياقا وثبت ذلك في رواية شعيب في البيوع بزيادة سأبينها لكن لم يقع
عنده ذكر الآيتين وقد تقدم هذا الحديث في العلم من طريق مالك وفي المزارعة من طريق
إبراهيم بن سعد كلاهما عن الزهري عن الأعرج وتقدم في أول البيوع من رواية شعيب وأخرجه
مسلم من رواية يونس كلاهما عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة (قوله انكم تزعمون أن
أبا هريرة يكثر الحديث) في رواية مالك ان الناس يقولون أكثر أبو هريرة على رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان ابن شهاب يذكر قبل هذا حديثه عن عروة انه حدثه عن عائشة قالت الا يعجبك
أبو هريرة جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث يسمعني ذلك ولو أدركته لرددت عليه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم فذكر الحديث ثم يقول قال سعيد بن المسيب
قال يقولون إن أبا هريرة قد أكثر هكذا أخرجه مسلم من طريق ابن وهب عن يونس عن ابن
شهاب وحديث عائشة تقدم في الترجمة النبوية من طريق الليث عن يونس بن يزيد معلقا
وتقدم شرحه هناك وتقدم أيضا في الجنائز من طريق جرير بن حازم عن نافع قال حدث ابن
عمر ان أبا هريرة يقول فذكر الحديث في فضل اتباع الجنائز فقال ابن عمر أكثر علينا أبو هريرة
فصدقت عائشة أبا هريرة أي في الحديث المذكور وقوله على يتعلق بقوله يكثر ولو تعلق بقوله
الحديث لقال عن (قوله والله الموعد) تقدم شرحها في كتاب المزارعة زاد شعيب بن أبي حمزة
في روايته ويقولون ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل
حديث أبي هريرة في رواية يونس عند مسلم مثل أحاديثه وزاد سأخبركم عن ذلك وتقدم في
المزارعة نحو هذا ونبهت على ذلك في كتاب العلم (قوله اني كنت أمرأ مسكينا) في رواية مسلم
271

رجلا (قوله ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية مسلم أخدم (قوله على ملء بطني)
بكسر الميم وبهمزة آخره أي بسبب شبعي أي ان السبب الأصلي الذي اقتضى له كثرة الحديث عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ملازمته له ليجد ما يأكله لأنه لم يكن له شئ يتجر فيه ولا أرض
يزرعها ولا يعمل فيها فكان لا ينقطع عنه خشية ان يفوته القوت فيحصل في هذه الملازمة من
سماع الأقوال ورواية الافعال ما لا يحصل لغيره ممن لم يلازمه ملازمته واعانه على استمرار حفظه
لذلك ما أشار إليه من الدعوة النبوية له بذلك (قوله وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق)
في رواية يونس وان إخواني من المهاجرين (قوله وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم)
في رواية يونس وأن إخواني عن الأنصار كان يشغلهم عمل أرضهم وفي رواية شعيب عمل أموالهم
وقد تقدم بيان ذلك قريبا وزاد في رواية يونس فيشهد إذا غابوا ويحفظ إذا نسوا وفي رواية شعيب
وكنت امرأ مسكينا من مساكين الصفة أعي حيث ينسون (قوله فشهدت من رسول الله صلى
الله عليه وسلم ذات يوم) في رواية شعيب وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يحدثه
(قوله من يبسط رداءه) وفي رواية الكشميهني من بسط بلفظ الفعل الماضي (قوله فلم ينس)
في رواية الكشميهني فلن ينسى ونقل ابن التين انه وقع في رواية فلن ينس بالنون وبالجزم وذكر
ان القزاز نقل عن بعض البصريين ان من العرب من يجزم بلن قال وما وجدت له شاهدا وأقره
ابن التين ومن تبعه وقد ذكر غيره لذلك شاهدا وهو قول الشاعر
لن يحب اليوم من رجائك من * حرك من دون بابك الحلقه
وفيه نظر لأنه يصح أن يكون في الأصل لم الجازمة فتغيرت بلن لكن إن كان محفوظا فلعل الشاعر
قصد لن لكونها أبلغ هنا في المدح من لم والله أعلم وتقدم في باب الامن من كتاب التعبير توجيه ابن
مالك لنظير هذا في قول لن ترع وحكايته عن الكسائي ان الجزم بلن لغة لبعض العرب (قوله
فبسطت بردة) في رواية شعيب نمرة وتقدم تفسيرها في أول البيوع وذكر في العلم بيان
الاختلاف في المراد بقوله ما نسيت شيئا سمعته منه (قوله باب من رأى ترك
النكير من النبي صلى الله عليه وسلم حجة) النكير بفتح النون وزن عظيم المبالغة في الانكار
وقد اتفقوا على أن تقرير النبي صلى الله عليه وسلم لما يفعل بحضرته أو يقال ويطلع عليه بغير
إنكار دال على الجواز لان العصمة تنفي عنه ما يحتمل في حق غيره مما يترتب على الانكار فلا يقر
على باطل فمن ثم قال لا من غير الرسول فان سكوته لا يدل على الجواز ووقع في تنقيح الزركشي
في الترجمة بدل قوله لا من غير الرسول لأمر يحضره الرسول ولم أره لغيره وأشار ابن التين إلى أن
الترجمة تتعلق بالاجماع السكوتي وان الناس اختلفوا فقالت طائفة لا ينسب لساكت قول لأنه
في مهلة النظر وقالت طائفة ان قال المجتهد قولا وانتشر لم يخالفه غيره بعد الاطلاع عليه فهو
حجة وقيل لا يكون حجة حتى يتعدد القيل به ومحل هذا الخلاف ان لا يخالف ذلك القول نص
كتاب أو سنة فان خالفه فالجمهور على تقديم النص واحتج من منع مطلقا ان الصحابة اختلفوا
في كثير من المسائل الاجتهادية فمنهم من كان ينكر على غيره إذا كان القول عنده ضعيفا وكان
عنده ما هو أقوى منه من نص كتاب أو سنة ومنهم من كان يسكت فلا يكون سكوته دليلا على
الجواز لتجويز ان يكون لم يتضح له الحكم فسكت لتجويز ان يكون ذلك القول صوابا وان لم يظهر
272

له وجهه (قوله حدثنا حماد بن حميد هو خراساني فيما ذكر أبو عبد الله بن مندة في رجال
البخاري وذكر ابن رشيد في فوائد رحلته والمزي في التهذيب ان في بعض النسخ القديمة من
البخاري حدثنا حماد بن حميد صاحب لنا حدثنا بهذا الحديث وعبيد الله بن معاذ في الاحياء
وذكر ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل حماد بن حميد نزيل عسقلان روى عن بشر بن بكر
وأبي ضمرة وغيرهما وسمع منه أبو حاتم وقال شيخي فزعم أبو اليد الباجي في رجال البخاري انه هو
الذي روى عنه البخاري هنا وهو بعيد وقد بينت ذلك في تهذيب التهذيب وقد أخرج مسلم
حديث الباب عن عبيد الله بن معاذ بلا واسطة وهو أحد الأحاديث التي نزل فيها البخاري عن
مسلم أخرجها مسلم عن شيخ وأخرجها البخاري بواسطة بينه وبين ذلك الشيخ وهي أربعة أحاديث
ليس في الصحيح غيرها بطريق التصريح وفيه عدة أحاديث نحو الأربعين مما يتنزل منزلة ذلك وقد
أفردتها في جزء جمعت ما وقع للبخاري من ذلك فكان اضعاف أضعاف ما وقع لمسلم وذلك أن مسلما
في هذه الأربعة باق على الرواية عن الطبقة الأولى أو الثانية من شيوخه واما البخاري فإنه نزل فيها
عن طبقته العالية بدرجتين مثال ذلك من هذا الحديث ان البخاري إذا روى حديث شعبة عاليا
كان بينه وبينه راو واحد وقد ادخل بينه وبين شعبة فيه ثلاثة وأما مسلم فلا يروي حديث
شعبة بأقل من واسطتين والحديث الثاني من الأربعة مضى في تفسير سورة الأنفال أخرجه عن
أحمد وعن محمد بن النضر النيسابوريين عن عبيد الله بن معاذ أيضا عن أبيه عن شعبة بسند
آخر وأخرجه مسلم عن عبيد الله بن معاذ نفسه والحديث الثالث أخرجه في آخر المغازي عن أحمد
ابن الحسن الترمذي عن أحمد بن حنبل عن معتمر بن سليمان عن كهمس بن الحسن عن عبد الله
ابن بريدة عن أبيه في عدد الغزوات وأخرجه مسلم عن أحمد بن حنبل بهذا السند بلا واسطة
والحديث الرابع وقع في كتاب كفارة الايمان عن محمد بن عبد الرحيم وهو الحافظ المعروف
بصاعقة عن داود بن رشيد عن الوليد بن مسلم عن أبي غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم
عن علي بن الحسين بن علي بن سعيد بن مرجانة عن أبي هريرة في فضل العتق وأخرجه مسلم عن
داود بن رشيد نفسه وهذا مما نزل فيه البخاري عن طبقته درجتين لأنه يروي حديث بن غسان
بواسطة واحدة كسعيد بن أبي مريم وهنا بينهما ثلاث وسائط وقد أشرت لكل حديث من هذه
الأربعة في موضعه وجمعتها هنا تتميما للفائدة وعبيد الله بن معاذ أي ابن معاذ بن نصر بن حسان
العنبري وسعد بن إبراهيم أي ابن عبد الرحمن بن عوف وروايته عن محمد بن المنكدر من الاقران
لأنه من طبقته (قوله رأيت جابر بن عبد الله يحلف) أي شاهدته حين حلف (قوله إن ابن
الصياد) كذا لأبي ذر بصيغة المبالغة ووقع عند ابن بطال مثله لكن بغير ألف ولام وكذا في
رواية مسلم وللباقين ابن الصائد بوزن الظالم (قوله تحلف بالله قال انى سمعت عمر إلى آخره كان)
جابرا لما سمع عمر يحلف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه فهم منه المطابقة ولكن
بقي ان شرط العمل بالتقرير ان لا يعارضه التصريح بخلافه فمن قال أو فعل بحضرة النبي صلى الله
عليه وسلم شيئا فأقره دل ذلك على الجواز فان قال النبي صلى الله عليه وسلم افعل خلاف ذلك
دل على نسخ ذلك التقرير الا ان ثبت دليل الخصوصية قال ابن بطال بعد أن قرر دليل جابر فان قيل
تقدم يعني كما في الجنائز ان عمر قال للنبي صلى الله عليه وسلم في قصة ابن صياد دعني أضرب عنقه
273

فقال إن يكن هو فلن تسلط عليه فهذا صريح في أنه تردد في أمره يعني فلا يدل سكوته عن
إنكاره عند حلف عمر على أنه هو قال وعن ذلك جوابان أحدهما ان الترديد كان قبل ان يعلمه
الله تعالى بأنه هو الدجال فلما أعلمه لم ينكر على عمر حلفه والثاني ان العرب قد تخرج الكلام مخرج
الشك وان لم يكن في الخبر شك فيكون ذلك من تلطف النبي صلى الله عليه وسلم بعمر في صرفه عن
قتله انتهى ملخصا ثم ذكر ما ورد عن غير جابر مما يدل على أن ابن صياد هو الدجال كالحديث الذي
أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن ابن عمر قال لقيت ابن صياد يوما ومعه رجل من اليهود فإذا
عينه قد طفئت وهي خارجه مثل عين الجمل فلما رأيتها قلت أنشدك الله يا ابن صياد متى طفئت
عينك قال لا أدري والرحمن قلت كذبت لا تدري وهي في رأسك قال فمسحها ونخر ثلاثا فزعم
اليهودي اني ضربت بيدي صدره وقلت له اخسأ فلن تعدو قدرك فذكرت ذلك لحفصة فقالت
حفصة اجتنب هذا الرجل فإنما يتحدث ان الدجال يخرج عند غضبه يغضبها انتهى وقد أخرج
مسلم هذا الحديث بمعناه من وجه آخر عن ابن عمر ولفظه لقيته مرتين فذكر الأولى ثم قال لقيته
لقية أخرى وقد نفرت عينه فقلت متى فعلت عينك ما أرى قال ما أدري قلت لا تدري وهي في
رأسك قال إن شاء الله جعلها في عصاك هذه ونخر كأشد نخير حمار سمعت فزعم أصحابي اني ضربته
بعصا كان معي حتى تكسرت وانا والله ما شعرت قال وجاء حتى دخل على أم المؤمنين حفصة
فحدثها فقالت ما تريد إليه ألم تسمع انه قد قال إن أول ما يبعثه على الناس غضب يغضبه ثم قال
ابن بطال فان قيل هذا أيضا يدل على التردد في امره فالجواب انه ان وقع الشك في أنه الدجال الذي
يقتله عيسى بن مريم فلم يقع الشك في أنه أحد الدجالين الكذابين الذين أنذر بهم النبي صلى الله
عليه وسلم في قوله إن بين يدي الساعة دجالين كذابين يعني الحديث الذي مضى مع شرحه في كتاب
الفتن انتهى ومحصله عدم تسليم الجزم بأنه الدجال فيعود السؤال الأول عن جواب حلف عمر
ثم جابر على أنه الدجال المعهود لكن في قصة حفصة وابن عمر دليل على أنهما أرادا الدجال الأكبر
واللام في القصة الواردة عنهما للعهد لا للجنس وقد أخرج أبو داود بسند صحيح عن موسى بن
عقبة عن نافع قال كان ابن عمر يقول والله ما أشك ان المسيح الدجال هو ابن صياد ووقع لابن
صياد مع أبي سعيد الخدري قصة أخرى تتعلق بأمر الدجال فأخرج مسلم من طريق داود بن أبي
هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال صحبني ابن صياد إلى مكة فقال لي ماذا لقيت من الناس
يزعمون أني الدجال الست سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنه لا يولد له قلت بلى قال
فإنه قد ولد لي قال أو لست سمعته يقول لا يدخل المدينة ولا مكة قلت بلى قال فقد ولدت بالمدينة
وها انا أريد مكة ومن طريق سليمان التيمي عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال أخذتني من ابن صياد
دمامة فقال هذا عذرت الناس مالي وأنتم يا أصحاب محمد ألم يقل نبي الله صلى الله عليه وسلم انه يعني
الدجال يهودي وقد أسلمت فذكر نحوه ومن طريق الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد خرجنا
حجاجا ومعنا ابن صياد فنزلنا منزلا وتفرق الناس وبقيت انا وهو فاستوحشت منه وحشة شديدة
مما يقال فيه فقلت الحر شديد فلو وضعت ثيابك تحت تلك الشجرة ففعل فرفعت لنا غنم فانطلق
فجاء بعس فقال اشرب يا أبا سعيد فقلت ان الحر شديد وما بي الا ان أكره أني أشرب من يده فقال
لقد هممت ان آخذ حبلا فأعلقه بشجرة ثم أختنق به مما يقول لي الناس يا أبا سعيد من خفي عليه
274

حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خفي عليكم معشر الأنصار ثم ذكر نحو ما تقدم وزاد قال
أبو سعيد حتى كدت أعذره وفي آخر كل من الطرق الثلاثة أنه قال إني لأعرفه وأعرف مولده
وأين هو الآن قال أبو سعيد فقلت له تبا لك سائر اليوم لفظ الجريري وأجاب البيهقي عن قصة
ابن صياد بعد أن ذكر ما أخرجه أبو داود من حديث أبي بكرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
يمكث أبو الدجال ثلاثين عاما لا يولد لهما ثم يولد لهما غلام أعور أضر شئ وأقله نفعا ونعت أباه
وأمه قال فسمعنا بمولود ولد في اليهود فذهبت انا والزبير بن العوام فدخلنا على أبويه فإذا النعت
فقلنا هل لكما من ولد قالا مكثنا ثلاثين عاما لا يولد لنا ثم ولد لنا غلام أضر شئ وأقله نفعا الحديث قال
البيهقي تفرد به علي بن زيد بن جدعان وليس بالقوى (قلت) ويوهي حديثه ان أبا بكرة انما أسلم لما
نزل من الطائف حين حوصرت سنة ثمان من الهجرة وفي حديث ابن عمر الذي في الصحيحين انه
صلى الله عليه وسلم لما توجه إلى النخل التي فيها بن صياد كان ابن صياد يومئذ كالمحتلم فمتى يدرك
أبو بكرة زمان مولده بالمدينة وهو لم يسكن المدينة الا قبل الوفاة النبوية بسنتين فكيف يتأتى
ان يكون في الزمن النبوي كالمحتلم فالذي في الصحيحين هو المعتمد ولعل الوهم وقع فيما يقتضي تراخي
مولد ابن صياد أولا وهم فيه بل يحتمل قوله بلغنا انه ولد لليهود مولود على تأخر البلاغ وإن كان مولده
كان سابقا على ذلك بمدة بحيث يأتلف مع حديث ابن عمر الصحيح ثم قال البيهقي ليس في حديث
جابر أكثر من سكوت النبي صلى الله عليه وسلم على حلف عمر فيحتمل ان يكون النبي صلى الله
عليه وسلم كان متوقفا في أمره ثم جاءه الثبت من الله تعالى بأنه غيره على ما تقتضيه قصة تميم الداري
وبه تمسك من جزم بان الدجال غير ابن صياد وطريقه أصح وتكون الصفة التي في ابن صياد وافقت
ما في الدجال (قلت) قصة تميم أخرجها مسلم من حديث فاطمة بنت قيس ان النبي صلى الله عليه
وسلم خطب فذكر ان تميما الداري ركب في سفينة مع ثلاثين رجلا من قومه فلعب بهم الموج شهرا
ثم نزلوا إلى جزيرة فلقيتهم دابة كثيرة الشعر فقالت لهم انا الجساسة ودلتهم على رجل في الدير قال
فانطلقنا سراعا فدخلنا الدير فإذا فيه أعظم انسان رأيناه قط خلقا وأشده وثاقا مجموعة يداه إلى
عنقه بالحديد فقلنا ويلك ما أنت فذكر الحديث وفيه انه سألهم عن نبي الأميين هل بعث وانه قال إن
يطيعوه فهو خير لهم وانه سألهم عن بحيرة طبرية وعن عين زغر وعن نخل بيسان وفيه أنه قال
إني مخبركم عني انا المسيح واني أوشك ان يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا ادع قرية
الا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة وفي بعض طرقه عند البيهقي انه شيخ وسندها صحيح قال
البيهقي فيه ان الدجال الأكبر الذي يخرج في آخر الزمان غير ابن صياد وكان ابن صياد أحد الدجالين
الكذابين الذين أخبر صلى الله عليه وسلم بخروجهم وقد خرج أكثرهم وكان الذين يجزمون بابن
صياد هو الدجال لم يسمعوا بقصة تميم والا فالجمع بينهما بعيد جدا إذ كيف يلتئم ان يكون من كان
في أثناء الحياة النبوية شبه المحتلم ويجتمع به النبي صلى الله عليه وسلم ويسأله ان يكون في آخرها شيخا
كبيرا مسجونا في جزيرة من جزائر البحر موثقا بالحديد يستفهم عن خبر النبي صلى الله عليه وسلم
هل خرج أو لا فالأولى ان يحمل على عدم الاطلاع اما عمر فيحتمل ان يكون ذلك منه قبل أن يسمع
قصة تميم ثم لما سمعها لم يعد إلى الحلف المذكور واما جابر فشهد حلفه عند النبي صلى الله عليه وسلم
فاستصحب ما كان اطلع عليه من عمر بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم لكن اخرج أبو داود من
275

رواية الوليد بن عبد الله بن جميع عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر فذكر قصة الجساسة والدجال
بنحو قصة تميم قال قال أي الوليد فقال لي ابن أبي سلمة ان في هذا شئ ما حفظته قال شهد جابر انه
ابن صياد قلت فإنه قد مات قال وان مات قلت فإنه أسلم قال وان أسلم قلت فإنه دخل المدينة قال
وان دخل المدينة انتهى وابن أبي مسلمة اسمه عمر فيه مقال ولكن حديثه حسن ويتعقب به
على من زعم أن جابرا لم يطلع على قصة تميم وقد تكلم ابن دقيق العيد على مسألة التقرير في أوائل
شرح الالمام فقال ما ملخصه إذا أخبر بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر ليس فيه حكم
شرعي فهل يكون سكوته صلى الله عليه وسلم دليلا على مطابقة ما في الواقع كما وقع لعمر في حلفه
علي ابن صياد هو الدجال فلم ينكر عليه فهل يدل عدم إنكاره على أن ابن صياد هو الدجال كما فهمه
جابر حتى صار يحلف عليه ويستند إلى حلف عمر أو لا يدل فيه نظر قال والأقرب عندي انه لا يدل
لان مأخذ المسئلة ومناطها هو العصمة من التقرير على باطل وذلك يتوقف على تحقق البطلان
ولا يكفي فيه عدم تحقق الصحة الا ان يدعي مدع انه يكفي في وجوب البيان عدم تحقق الصحة
فيحتاج إلى دليل وهو عاجز عنه نعم التقرير يسوغ الحلف على ذلك على غلبة الظن لعدم توقف
ذلك على العلم انتهى ملخصا ولا يلزم من عدم تحقق البطلان ان يكون السكوت مستوفى الطرفين
بل يجوز ان يكون المحلوف عليه من قسم خلاف الأولى قال الخطابي اختلف السلف في أمر ابن
صياد بعد كبره فروى أنه تاب من ذلك القول ومات بالمدينة وانهم لما أرادوا الصلاة عليه
كشفوا وجهه حتى يراه الناس وقيل لهم اشهدوا وقال النووي قال العلماء قصة ابن صياد
مشكلة وأمره مشتبه لكن لا شك انه دجال من الدجاجلة والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم
لم يوح إليه في أمره بشئ وانما أوحى إليه بصفات الدجال وكان في ابن صياد قرائن محتملة فلذلك
كان صلى الله عليه وسلم لا يقطع في أمره بشئ بل قال لعمر لا خير لك في قتله الحديث واما
احتجاجاته هو بأنه مسلم إلى سائر ما ذكر فلا دلة فيه على دعواه لان النبي صلى الله عليه وسلم انما
أخبر عن صفاته وقت خروجه آخر الزمان قال ومن جملة ما في قصته قوله للنبي صلى الله عليه وسلم
أتشهد أني رسول الله وقوله إنه يأتيه صادق وكاذب وقوله إنه تنام عينه ولا ينام قلبه وقوله إنه
يرى عرشا على الماء وانه لا يكره ان يكون الدجال وانه يعرفه ويعرف مولده وموضعه وأين هو
الآن قال واما إسلامه وحجه وجهاده فليس فيه تصريح بأنه غير الدجال لاحتمال ان يختم له
بالشر فقد أخرج أبو نعيم الأصبهاني في تاريخ أصبهان ما يؤيد كون ابن صياد هو الدجال فساق
من طريق شبيل بمعجمة وموحدة مصغرا آخره لام ابن عرزة بمهملة ثم زاي بوزن ضربة عن حسان
ابن عبد الرحمن عن أبيه قال لما افتتحنا أصبهان كان بين عسكرنا وبين اليهودية فرسخ فكنا نأتيها
فنمتار منها فأتيتها يوما فإذا اليهود يزفنون ويضربون فسألت صديقا لي منهم فقال ملكنا الذي
نستفتح به على العرب يدخل فبت عنده على سطح فصليت الغداة فلما طلعت الشمس إذ الرهج من
قبل العسكر فنظرت فإذا رجل عليه قبة من ريحان واليهود يزفنون ويضربون فنظرت فإذا هو
ابن صياد فدخل المدينة فلم يعد حتى الساعة (قلت) وعبد الرحمن بن حسان ما عرفته والباقون
ثقات وقد اخرج أبو داود بسند صحيح عن جابر قال فقدنا ابن صياد يوم الحرة وبسند حسن مضى
التنبيه عليه فقيل إنه مات (قلت) وهذا يضعف ما تقدم انه مات بالمدينة وانهم صلوا عليه
276

وكشفوا عن وجهه ولا يلتئم خبر جابر هذا مع خبر حسان بن عبد الرحمن لان فتح أصبهان كان في
خلافة عمر كما أخرجه أبو نعيم في تاريخها وبين قتل عمر ووقعة الحرة نحو أربعين سنة ويمكن الحمل
على أن القصة انما شاهدها والد حسان بعد فتح أصبهان بهذه المدة ويكون جواب لما في قوله لما
افتتحنا أصبهان محذوفا تقديره صرت أتعاهدها وأتردد إليها فجرت قصة ابن صياد فلا يتحد زمان
فتحها وزمان دخولها ابن صياد وقد أخرج الطبراني في الأوسط من حديث فاطمة بنت قيس
مرفوعا ان الدجال يخرج من أصبهان ومن حديث عمران بن حصين حين أخرجه أحمد بسند صحيح
عن أنس لكن عنده من يهودية أصبهان قال أبو نعيم في تاريخ أصبهان كانت اليهودية من جملة
قرى أصبهان وانما سميت اليهودية لأنها كانت تختص بسكنى اليهود قال ولم تزل على ذلك إلى أن
مصرها أيوب بن زياد أمير مصر في زمن المهدي بن المنصور فسكنها المسلمون وبقيت لليهود منها
قطعة منفردة واما ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة مرفوعا قال يتبع الدجال سبعون ألفا من يهود
أصبهان فلعلها كانت يهودية أصبهان يريد البلد المذكور لا ان المراد جميع أهل أصبهان يهود
وان القدر الذي يتبع الدجال منهم سبعون ألفا وذكر نعيم بن حماد شيخ البخاري في كتاب الفتن
أحاديث تتعلق بالدجال وخروجه إذا ضمت إلى ما سبق ذكره في أواخر كتاب الفتن انتظمت منها له
ترجمة تامة منها ما أخرجه من طريق جبير بن نفير وشريح بن عبيد وعمرو بن الأسود وكثير بن
مرة قالوا جميعا الدجال ليس هو انسان وانما هو شيطان موثق بسبعين حلقة في بعض جزائر اليمن
لا يعلم من أوثقه سليمان النبي أو غيره فإذا آن ظهوره فك الله عنه كل عام حلقة فإذا برز اتته أتان
عرض ما بين اذنيها أربعون ذراعا فيضع على ظهرها منبرا من نحاس ويقعد عليه ويتبعه قبائل
الجن يخرجون له خزائن الأرض (قلت) وهذا لا يمكن معه كون ابن صياد هو الدجال ولعل هؤلاء
مع كونهم ثقات تلقوا ذلك من بعض كتب أهل الكتاب وأخرج أبو نعيم أيضا من طريق كعب
الأحبار ان الدجال تلده أمه بقوص من أرض مصر قال وبين مولده ومخرجه ثلاثون سنة قال
ولم ينزل خبره في التوراة والإنجيل وانما هو في بعض كتب الأنبياء انتهى وأخلق بهذا الخبر ان
يكون باطلا فان الحديث الصحيح ان كل نبي قبل نبينا أنذر قومه الدجال وكونه يولد قبل مخرجه
بالمدة المذكورة مخالف لكونه ابن صياد ولكونه موثوقا في جزيرة من جزائر البحر وذكر ابن
وصيف المؤرخ ان الدجال من ولد شق الكاهن المشهور قال وقال بل هو شق نفسه أنظره الله
وكانت أمه جنية عشقت أباه فأولدها وكان الشيطان يعمل له العجائب فأخذه سليمان فحبسه في
جزيرة من جزائر البحر وهذا أيضا في غاية الوهي وأقرب ما يجمع به بين ما تضمنه حديث تميم وكون
ابن صياد هو الدجال أن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثوقا وأن ابن صياد شيطان تبدى في
صورة الدجال في تلك المدة إلى أن توجه إلى أصبهان فاستتر مع قرينه إلى أن تجئ المدة التي قدر الله
تعالى خروجه فيها ولشدة التباس الامر في ذلك سلك البخاري مسلك الترجيح فاقتصر على
حديث جابر عن عمر في ابن صياد ولم يخرج حديث فاطمة بنت قيس في قصة تميم وقد توهم بعضهم
انه غريب فرد وليس كذلك فقد رواه مع فاطمة بنت قيس أبو هريرة وعائشة وجابر اما أبو
هريرة فأخرجه أحمد من رواية عامر الشعبي عن المحرز بن أبي هريرة عن أبيه بطوله وأخرجه
أبو داود مختصرا وابن ماجة عقب رواية الشعبي عن فاطمة قال الشعبي فلقيت المحرز فذكره
277

وأخرجه أبو يعلى من وجه آخر عن أبي هريرة قال استوى النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال
حدثني تميم فرأى تميما في ناحية المسجد فقال يا تميم حدث الناس بما حدثتني فذكر الحديث وفيه
فإذا أحد منخريه ممدود وإحدى عينيه مطموسة الحديث وفيه لأطأن الأرض بقدمي هاتين
إلى مكة وطابا واما حديث عائشة فهو في الرواية المذكورة عن الشعبي قال ثم لقيت القاسم بن
محمد فقال أشهد على عائشة حدثتني كما حدثتك فاطمة بنت قيس واما حديث جابر فأخرجه
أبو داود بسند حسن من رواية أبي سلمة عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم
على المنبر انه بينما أناس يسيرون في البحر فنفد طعامهم فرفعت لهم جزيرة فخرجوا يريدون الخبر
فلقيتهم الجساسة فذكر الحديث وفيه سؤالهم عن نخل بيسان وفيه ان جابرا شهد انه ابن صياد
فقلت انه قد مات قال وان مات قلت فإنه أسلم قال وان أسلم قلت فأنه دخل
المدينة وفي كلام جابر إشارة إلى أن امره ملبس وانه يجوز أن يكون ما ظهر من امره إذ ذاك
لا ينافي ما توقع منه بعد خروجه في آخر الزمان وقد أخرج أحمد من حديث أبي ذر لان أحلف
عشر مرار ان ابن صياد هو الدجال أحب إلي من أن أحلف واحدة انه ليس هو وسنده صحيح
ومن حديث ابن مسعود نحوه لكن قال سبعا بدل عشر مرات أخرجه الطبراني والله أعلم وفي
الحديث جواز الحلف بما يغلب على الظن ومن صوره المتفق عليها عند الشافعية ومن تبعهم ان من
وجد بخط أبيه الذي يعرفه ان له عند شخص مالا وغلب على ظنه صدقه ان له إذا طالبه وتوجهت
عليه اليمين ان يحلف على البت انه يستحق قبض ذلك منه (قوله باب الاحكام التي
تعرف بالدلائل) كذا للأكثر وفي رواية الكشميهني بالدليل بالافراد والدليل ما يرشد إلى المطلوب
ويلزم من العلم به العلم بوجود المدلول وأصله في اللغة من أرشد قاصد مكان ما إلى الطريق الموصل
إليه (قوله وكيف معنى الدلالة وتفسيرها) يجوز في الدلالة فتح الدال وكسرها وحكى الضم والفتح
أعلى والمراد بها في عرف الشرع الارشاد إلى أن حكم الشئ الخاص الذي لم يرد فيه نص خاص
داخل تحت حكم دليل آخر بطريق العموم فهذا معنى الدلالة واما تفسيرها فالمراد به تبينها
وهو تعليم المأمور كيفية ما أمر به والى ذلك الإشارة في ثاني أحاديث الباب ويستفاد من الترجمة
بيان الرأي المحمود وهو ما يؤخذ مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله بطريق
التنصيص وبطريق الإشارة فيندرج في ذلك الاستنباط ويخرج الجمود على الظاهر المحض (قوله
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر الخيل الخ (1) يشير إلى أول أحاديث الباب ومراده ان
قوله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره إلى آخر السورة عام في العامل وفي عمله وانه صلى الله عليه
وسلم لما بين حكم اقتناء الخيل وأحوال مقتنيها وسئل عن الحمر أشار إلى أن حكمها وحكم الخيل
وحكم غيرها مندرج في العموم الذي يستفاد من الآية (قوله وسئل عن الضب الخ) يشير إلى ثالث
أحاديث الباب ومراده بيان حكم تقريره صلى الله عليه وسلم وانه يفيد الجواز إلى أن توجد قرينة
تصرفه إلى غير ذلك ثم ذكر فيه خمسة أحاديث * الحديث الأول حديث أبي هريرة الخيل لثلاثة
وقد مضى شرحه في كتاب الجهاد (قوله وسئل) أي النبي صلى الله عليه وسلم واسم السائل عن
ذلك يمكن ان يفسر بصعصعة بن معاوية عم الأحنف التميمي وحديثه في ذلك عند النسائي في
التفسير وصححه الحاكم ولفظه قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول من يعمل
278

مثقال ذرة خيرا يره إلى آخر السورة قال ما أبالي ان لا أسمع غيرها حسبي حسبي وحكى ابن بطال عن
المهلب ان هذا الحديث حجة في اثبات القياس وفيه نظر تقدم التنبيه عليه عند شرحه في كتاب
الجهاد وأشرت إليه في باب تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أمته * الحديث الثاني (قوله حدثنا
يحيى) كذا لأبي ذر غير منسوب وصنيع ابن السكن يقتضي أنه ابن موسى البلخي وتقدمت إليه
الإشارة في كتاب الطهارة وجزم الكلاباذي ومن تبعه كالبيهقي بأنه ابن جعفر البيكندي (قوله
عن منصور بن عبد الرحمن) في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان حدثنا منصور وهو عند أبي
نعيم في المستخرج من طريق الحميدي وعبد الرحمن والد منصور المذكور هو ابن طلحة بن الحرث بن
طلحة بن أبي طلحة بن عبد الدار العبدري الحجبي كما تقدم في كتاب الحيض ووقع هنا منصور بن
عبد الرحمن ابن شيبة وشيبة انما هو جد منصور لامه لان اسم أمه صفية بنت شيبة بن عثمان بن أبي
طلحة الحجبي وعلى هذا فيكتب ابن شيبة بالألف ويعرب اعراب منصور لا اعراب عبد الرحمن وقد
تفطن لذلك الكرماني هنا ولصفية ولأبيها صحبة (قوله إن امرأة سألت النبي صلى الله عليه
وسلم) كذا ذكر من المتن أوله ثم تحول إلى السند الثاني ومحمد بن عقبة شيخه هو الشيباني يكنى
أبا عبد الله فيما جزم به الكلاباذي وحكى المزي انه يكنى أبا جعفر وهو كوفي قال أبو حاتم ليس
بالمشهور وتعقب بأنه روى عنه مع البخاري يعقوب ابن سفيان وأبو كريب وآخرون ووثقه مطين
وابن عدي وغيرهما قال ابن حبان مات سنة خمس عشرة (قلت) فهو من قدماء شيوخ البخاري
ما له عنده سوى هذا الموضع فيما ذكر الكلاباذي لكنه متعقب بان له موضعا آخر تقدم في الجمعة
وآخر في غزوة المريسيع وله في الأحاديث الثلاثة عنده متابع فما اخرج له شيئا استقلالا ولكنه
ساق المتن هنا على لفظه واما لفظ ابن عيينة فيه فتقدم في الطهارة وتقدم هناك ان اسم المرأة
السائلة أسماء بنت شكل بمعجمة وكاف مفتوحتين ثم لام وقيل اسم أبيها غير ذلك كما تقدم مع سائر
شرحه قال ابن بطال لم تفهم السائلة غرض النبي صلى الله عليه وسلم لأنها لم تكن تعرف ان
تتبع الدم بالفرصة يسمى توضأ إذا اقترن بذكر الدم والأذى وانما قيل له ذلك لكونه مما يستحيي من
ذكره ففهمت عائشة غرضه فبينت للمرأة ما خفي عليها من ذلك وحاصله أن المجمل يوقف على بيانه
من القرائن وتختلف الافهام في ادراكه وقد عرف أئمة الأصول المجمل بما لم تتضح دلالته ويقع في
اللفظ المفرد كالقرء لاحتماله الطهر والحيض وفي المركب مثل أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح
لاحتماله الزوج والولي ومن المفرد الأسماء الشرعية مثل كتب عليكم الصيام فقيل هو مجمل
لصلاحيته لكل صوم ولكنه بين بقوله تعالى شهر رمضان ونحوه حديث الباب في قوله توضئ فإنه
وقع بيانه للسائلة بما فهمته عائشة رضي الله عنها وأقرت على ذلك والله أعلم * الحديث الثالث
حديث ابن عباس (قوله أم حفيد) بمهملة وفاء مصغر اسمها هزيلة بزاي مصغر بنت الحارثة
الهلالية أخت ميمونة أم المؤمنين وهي خالة ابن عباس وخالة خالد بن الوليد واسم أم كل منهما لبابة
بضم اللام وتخفيف الموحدة وبعد الألف أخرى (قوله واضبا) بضم الضاد المعجمة وتشديد
الموحدة جمع ضب ووقع في رواية الكشميهني بالافراد (قوله كالمتقذر لهن) بقاف ومعجمة في
رواية الكشميهني له وكذا في قوله ما أكلن وتقدم شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب الأطعمة
* الحديث الرابع حديث جابر في أكل الثوم والبصل (قوله وليقعد) في رواية الكشميهني أو ليقعد
279

بزيادة الألف في أوله (قوله أتى ببدر قال ابن وهب يعني طبقا) هو موصول بسند الحديث
المذكور (قوله فقربوها إلى بعض أصحابه كان معه) هو منقول بالمعنى لان لفظه صلى الله عليه
وسلم قربوها لأبي أيوب فكان الراوي لم يحفظه فكنى عنه بذلك وعلى تقدير أن لا يكون النبي صلى
الله عليه وسلم عينه ففيه التفات لان نسق العبارة أن يقول إلى بعض أصحابي ويؤيد أنه من كلام
الراوي قوله بعده كان معه (قوله فلما رآه كره أكلها) فاعل كره هو أبو أيوب وفيه حذف تقديره
فلما رآه امتنع من أكلها وأمر بتقريبها إليه كره أكلها ويحتمل ان يكون التقدير فلما رآه لم يأكل
منها كره اكلها وكان أبو أيوب استدل بعموم قوله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة
على مشروعية متابعته في جميع أفعاله فلما امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من أكل تلك البقول
تأسى به فبين له النبي صلى الله عليه وسلم وجه تخصيصه فقال اني أناجي من لا تناجي ووقع عند مسلم
في رواية له من حديث أبي أيوب كما تقدم في شرح هذا الحديث في أواخر كتاب الصلاة قبل كتاب
الجمعة اني أخاف ان اوذي صاحبي وعند ابن خزيمة انى استحيي من ملائكة الله وليس بمحرم قال
ابن بطال قوله قربوها نص على جواز الأكل وكذا قوله فانى أناجي إلى آخره (قلت) وتكملته
ما ذكرته واستدل به على تفضيل الملك على البشر وفيه نظر لان المراد بمن كان صلى الله عليه وسلم
يناجيه من ينزل عليه بالوحي وهو في الأغلب الأكثر جبريل ولا يلزم من وجود دليل يدل على
أفضلية جبريل على مثل أبي أيوب ان يكون أفضل ممن هو أفضل من أبي أيوب ولا سيما إن كان
نبيا ولا يلزم من تفضيل بعض الافراد على بعض تفضيل جميع الجنس على جميع الجنس (قوله
وقال ابن عفير) هو سعيد ابن كثير بن عفير بمهملة وفاء مصغر نسب لجده وهو من شيوخ البخاري
وقد صرح بتحديثه له في المكان الذي أشرت إليه وساقه على لفظه وساق عن أحمد بن صالح الذي
ساقه هنا قطعة منه وزاد هناك عن الليث وأبي صفوان طرفا منه معلقا وذكرت هناك من
وصلهما * الحديث الخامس (قوله حدثنا أبي وعمي) اسم عمه يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال الدمياطي مات يعقوب سنة ثمان ومائتين وكان أصغر من
أخيه سعد انفرد به البخاري واتفقا على أخيه انتهى وظن بعض من نقل كلامه ان الضمير
في قوله أخيه ليعقوب ومقتضاه ان يكون اتفقا على التخريج لسعد ثم اعترض بأن الواقع
خلافه وليس كما ظن والاعتراض ساقط والضمير انما هو لسعد والمتفق عليه يعقوب والضمير
في قوله لأقرب مذكور وهو سعيد لا ليعقوب المحدث عنه أولا (قوله قالا حدثنا أبي)
أي قال كل منهما ذلك (قوله إن امرأة) تقدم في مناقب الصديق شرح الحديث وأنها
لم تسم (قوله زاد لنا الحميدي عن إبراهيم بن سعد الخ) يريد بالسند الذي قبله والمتن كله
والمزيد هو قوله كأنها تعني الموت وقد مضى في مناقب الصديق بلفظ حدثنا الحميدي ومحمد بن
عبد الله قالا حدثنا إبراهيم بن سعد وساقه بتمامه وفيه الزيادة ويستفاد منه انه إذا قال
زادنا وزاد لنا وكذا زادني وزاد لي ويلتحق به قال لنا وقال لي وما أشبهها فهو كقوله حدثنا
بالنسبة إلى أنه حمل ذلك عنه سماعا لأنه لا يستجيزها في الإجازة ومحل الرد ما يشعر به كلام
القائل من التعميم وقد وجد له في موضع زادنا حدثنا وذلك لا يدفع احتمال انه كان يستجيز
في الإجازة أن يقول قال لنا ولا يستجيز حدثنا قال ابن بطال استدل النبي صلى الله عليه وسلم
280

بظاهر قولها فإن لم أجدك انها أرادت الموت فأمرها بإتيان أبي بكر قال وكأنه اقترن
بسؤالها حالة أفهمت ذلك وان لم تنطق بها (قلت) والى ذلك وقعت الإشارة في الطريق المذكورة
هنا التي فيها كأنها تعني الموت لكن قولها فإن لم أجدك أعم في النفي من حال الحياة وحال الموت
ودلالته لها على أبي بكر مطابق لذلك العموم وقول بعضهم هذا يدل على أن أبا بكر هو الخليفة بعد
النبي صلى الله عليه وسلم صحيح لكن بطريق الإشارة لا التصريح ولا يعارض جزم عمر بأن النبي
صلى الله عليه وسلم لم يستخلف لان مراده نفى النص على ذلك صريحا والله أعلم قال الكرماني
مناسبة هذا الحديث للترجمة انه يستدل به على خلافة أبي بكر ومناسبة الحديث الذي قبله لأنه
يستدل به على أن الملك يتأذى بالرائحة الكريهة (قلت) في هذا الثاني نظر لأنه قال في بعض
طرق الحديث فان الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم فهذا حكم يعرف بالنص والترجمة
حكم يعرف بالاستدلال فالذي قاله في خلافة أبي بكر مستقيم بخلاف هذا والذي أشرت إليه من
استدلال أبي أيوب على كراهية أكل الثوم بامتناع النبي صلى الله عليه وسلم من جهة عموم التأسي
أقرب مما قاله (قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تسألوا أهل الكتاب
عن شئ) هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه أحمد وابن أبي شيبة والبزار من حديث جابر ان عمر اتى
النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب اصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه عليه فغضب وقال لقد جئتكم
بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شئ فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به والذي نفسه
بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه الا ان يتبعني ورجاله موثوقون الا ان في مجالد ضعفا وأخرج
البزار أيضا من طريق عبد الله بن ثابت الأنصاري ان عمر نسخ صحيفة من التوراة فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لا تسألوا أهل الكتاب عن شئ وفي سنده جابر الجعفي وهو ضعيف واستعمله في
الترجمة لورود ما يشهد بصحته من الحديث الصحيح واخرج عبد الرزاق من طريق حريث بن
ظهير قال قال عبد الله لا تسألوا أهل الكتاب فإنهم لن يهدوكم وقد أضلوا أنفسم فتكذبوا
بحق أو تصدقوا بباطل وأخرجه سفيان الثوري من هذا الوجه بلفظ لا تسألوا أهل الكتاب عن
شئ فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا ان تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل وسنده حسن قال ابن بطال عن
المهلب هذا النهي انما هو في سؤالهم عما لا نص فيه لان شرعنا مكتف بنفسه فإذا لم يوجد فيه
نص ففي النظر والاستدلال غنى عن سؤالهم ولا يدخل في النهى سؤالهم عن الاخبار المصدقة
لشرعنا والاخبار عن الأمم السالفة واما قوله تعالى فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك فالمراد
به من آمن منهم والنهى انما هو عن سؤال من لم يؤمن منهم ويحتمل ان يكون الامر يختص بما
يتعلق بالتوحيد والرسالة المحمدية وما أشبه ذلك والنهي عما سوى ذلك (قوله وقال أبو اليمان)
كذا عند الجميع ولم أره بصيغة حدثنا وأبو اليمان من شيوخه فاما ان يكون اخذه عنه مذاكرة
واما ان يكون ترك التصريح بقوله حدثنا لكونه اثرا موقوفا ويحتمل ان يكون مما فاته سماعه ثم
وجدت الإسماعيلي أخرجه عن عبد الله بن العباس الطيالسي عن البخاري قال حدثنا أبو اليمان
ومن هذا الوجه أخرجه أبو نعيم فذكره فظهر انه مسموع له وترجح الاحتمال الثاني ثم وجدته
في التاريخ الصغير للبخاري قال حدثنا أبو اليمان (قوله حميد بن عبد الرحمن) أي ابن عوف وقوله
سمع معاوية أي انه سمع معاوية وحذف انه يقع كثيرا (قوله رهطا من قريش) لم اقف على تعيينهم
281

وقوله بالمدينة يعنى لما حج في خلافته (قوله إن كان من أصدق) ان مخففة من الثقيلة ووقع في
رواية أخرى لمن أصدق بزيادة اللام المؤكدة (قوله يحدثون عن أهل الكتاب) أي القديم فيشمل
التوراة والصحف وفي رواية الذهلي في الزهريات عن أبي اليمان بهذا السند يتحدثون بزيادة
مثناة (قوله لنبلو) بنون ثم موحدة أي نختبر وقوله عليه الكذب أي يقع بعض ما يخبرنا عنه
بخلاف ما يخبرنا به قال ابن التين وهذا نحو قول ابن عباس في حق كعب المذكور بدل من قبله
فوقع في الكذب قال والمراد بالمحدثين أنداد كعب ممن كان من أهل الكتاب واسلم فكان يحدث
عنهم وكذا من نظر في كتبهم فحدث عما فيها قال ولعلهم كانوا مثل كعب الا ان كعبا كان أشد منهم
بصيرة واعرف بما يتوقاه وقال ابن حبان في كتاب الثقات أراد معاوية أنه يخطئ أحيانا فيما
يخبر به ولم يرد أنه كان كذابا وقال غيره الضمير في قوله لنبلو عليه للكتاب لا لكعب وانما يقع في
كتابهم الكذب لكونهم بدلوه وحرفوه وقال عياض يصح عوده على الكتاب ويصح عوده على
كعب وعلى حديثه وان لم يقصد الكذب ويتعمده إذا لا يشترط في مسمى الكذب التعمد بل
هو الاخبار عن الشئ بخلاف ما هو عليه وليس فيه تجريح لكعب بالكذب وقال ابن الجوزي
المعنى ان بعض الذي يخبر به كعب عن أهل الكتاب يكون كذبا لا انه يتعمد الكذب والا فقد كان
كعب من أخيار الأحبار وهو كعب بن ماتع بكسر المثناة بعدها مهملة ابن عمرو بن قيس من آل
ذي رعين وقيل ذي الكلاع الحميري وقيل غير ذلك في اسم جده ونسبه يكنى أبا إسحاق كان في
حياة النبي صلى الله عليه وسلم رجلا وكان يهوديا عالما بكتبهم حتى كان يقال له كعب الحبر وكعب
الأحبار وكان إسلامه في عهد عمر وقيل في خلافة أبي بكر وقيل إنه أسلم في عهد النبي صلى الله
عليه وسلم وتأخرت هجرته والأول أشهر والثاني قاله أبو مسهر عن سعيد بن عبد العزيز وأسنده ابن
منده من طريق أبي إدريس الخولاني وسكن المدينة وغزا الروم في خلافة عمر ثم تحول في خلافة
عثمان إلى الشام فسكنها إلى أن مات بحمص في خلافة عثمان سنة اثنتين أو ثلاث أو أربع
وثلاثين والأول أكثر قال ابن سعد ذكروه لأبي الدرداء فقال إن عند ابن الحميرية لعلما كثيرا
وأخرج ابن سعد من طريق عبد الرحمن بن جبير بن نفير قال قال معاوية الا ان كعب الأحبار أحد
العلماء إن كان عنده لعلم كالبحار وان كنا فيه لمفرطين وفي تاريخ محمد بن عثمان بن أبي شيبة من
طريق ابن أبي ذئب أن عبد الله بن الزبير قال ما أصبت في سلطاني شيئا الا قد أخبرني به كعب قبل
ان يقع ثم ذكر فيه حديثين الحديث الأول حديث أبي هريرة (قوله كان أهل الكتاب يقرؤن
التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية) تقدم بهذا السند والمتن في تفسير سورة البقرة وعلى هذا
فالمراد باهل الكتاب اليهود لكن الحكم عام فيتناول النصارى (قوله لا تصدقوا أهل الكتاب
ولا تكذبوهم) هذا لا يعارض حديث الترجمة فإنه نهى عن السؤال وهذا نهي عن التصديق
والتكذيب فيحمل الثاني على ما إذا بدأهم أهل الكتاب بالخبر وقد تقدم توجيه النهي عن
التصديق والتكذيب في تفسير سورة البقرة * الحديث الثاني (قوله حدثنا إبراهيم) هو ابن
سعد بن إبراهيم المذكور قريبا (قوله كيف تسألون أهل الكتاب عن شئ) تقدم شرحه في كتاب
الشهادات ووقع في رواية عكرمة عن ابن عباس عند ابن أبي شيبة عن كتبهم (قوله وكتابكم
الذي أنزل على رسوله أحدث) كذا وقع مختصرا هنا وتقدم بلفظ أحدث الكتب ووقع في رواية
282

عكرمة وعندكم كتاب الله أحدث الكتب عهدا بالله وتقدم توجيه أحدث ويأتي وقوله
لا ينهاكم ها استفهام محذوف الأداة بدليل ما تقدم في الشهادات أو لا ينهاكم وقوله عن مسئلتهم في
رواية الكشمهيني عن مساءلتهم بضم أوله بوزن المفاعلة (قوله باب قول الله تعالى
وأمرهم شورى بينهم وشاورهم في الامر) هكذا وقعت هذه الترجمة مقدمة على اللتين بعدها عند
أبي ذر ولغيره مؤخرة عنهما وآخرها النسفي أيضا لكن سقطت عنده ترجمة النهي على التحريم
وما معها فاما الآية الأولى فأخرج البخاري في الأدب المفرد وابن أبي حاتم بسند قوي عن الحسن
قال ما تشاور قوم قط بينهم الا هداهم الله لافضل ما يحضرهم وفي لفظ الا عزم الله لهم بالرشد أو
بالذي ينفع واما الآية الثانية فأخرج ابن أبي حاتم بسند حسن عن الحسن أيضا قال قد علم أنه ما به
إليهم حاجة ولكن أراد ان يستن به من بعده وفي حديث أبي هريرة ما رأيت أحدا أكثر مشورة
لأصحابه من النبي صلى الله عليه وسلم ورجاله ثقات الا انه منقطع وقد أشار إليه الترمذي في الجهاد
فقال ويروى عن أبي هريرة فذكره وتقدم في الشروط من حديث المسور بن مخرمة قوله صلى الله
عليه وسلم أشيروا علي في هؤلاء القوم وفيه جواب أبي بكر وعمر وعمله صلى الله عليه وسلم بما أشارا
به وهو في الحديث الطويل في صلح الحديبية (قوله وان المشاورة قبل العزم والتبين لقوله تعالى
فإذا عزمت فتوكل على الله) وجه الدلالة ما ورد عن قراءة عكرمة وجعفر الصادق بضم التاء من
عزمت أي إذا أرشدتك إليه فلا تعدل عنه فكأن المشاورة انما تشرع عند عدم العزم وهو واضح
وقد اختلف في متعلق المشاورة فقيل في كل شئ ليس فيه نص وقيل في الامر الدنيوي فقط وقال
الداودي انما كان يشاورهم في أمر الحرب مما ليس فيه حكم لان معرفة الحكم انما تلتمس منه
قال ومن زعم أنه كان يشاورهم في الاحكام فقد غفل غفلة عظيمة واما في غير الاحكام فربما
رأى غيره أو سمع ما لم يسمعه أو يره كما كان يستصحب الدليل في الطريق وقال غيره اللفظ وإن كان
عاما لكن المراد به الخصوص للاتفاق على أنه لم يكن يشاورهم في فرائض الاحكام (قلت) وفي
هذا الاطلاق نظر فقد اخرج الترمذي وحسنه وصححه ابن حبان من حديث على قال لما نزلت
يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول الآية قال لي النبي صلى الله عليه وسلم ما ترى دينار قلت
لا يطيقونه قال فنصف دينار قلت لا يطيقونه قلت فكم قال شعيرة قال إنك لزهيد فنزلت
أأشفقتم الآية قال فبي خفف الله عن هذه الأمة ففي هذا الحديث المشاورة في بعض الأحكام
ونقل السهيلي عن ابن عباس ان المشاورة مختصة بأبي بكر وعمر ولعله من تفسير الكلبي ثم وجدت
له مستندا في فضائل الصحابة لأسد بن موسى والمعرفة ليعقوب بن سفيان بسند لا بأس به عن
عبد الرحمن بن غنم بفتح المعجمة وسكون النون وهو مختلف في صحبته ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال لأبي بكر وعمر لو أنكما تتفقان على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبدا وقد وقع في حديث
أبي قتادة في نومهم في الوادي ان تطيعوا أبا بكر وعمر ترشدوا لكن لا حجة فيه للتخصيص ووقع في
الأدب من رواية طاوس عن ابن عباس في قوله تعالى وشاورهم في الامر قال في بعض الامر قيل
وهذا تفسير لا تلاوة ونقله بعضهم قراءة عن ابن مسعود وعد كثير من الشافعية المشاورة في
الخصائص واختلوا في وجوبها فنقل البيهقي في المعرفة الاستحباب عن النص وبه جزم أبو نصر
القشيري في تفسيره وهو المرجح (قوله فإذا عزم الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن لبشر التقدم
283

على الله ورسوله) يريد انه صلى الله عليه وسلم بعد المشورة إذا عزم على فعل أمر مما وقعت عليه
المشورة وشرع فيه لم يكن لاحد بعد ذلك أن يشير عليه بخلافه لورود النهي عن التقدم بين يدي
الله ورسوله في آية الحجرات وظهر من الجمع بين آية المشورة وبينها تخصيص عمومها بالمشورة
فيجوز التقدم لكن بأذن منه حيث يستشير وفي غير صورة المشورة لا يجوز لهم التقدم فأباح لهم
القول جواب الاستشارة وزجرهم عن الابتداء بالمشورة وغيرها ويدخل في ذلك الاعتراض على
ما يراه بطريق الأولى ويستفاد من ذلك أن امره صلى الله عليه وسلم إذا ثبت لم يكن لاحد أن
يخالفه ولا يتحيل في مخالفته بل يجعله الأصل الذي يرد إليه ما خالفه لا بالعكس كما يفعل بعض
المقلدين ويغفل عن قوله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن امره الآية والمشورة بفتح الميم وضم
المعجمة وسكون الواو وبسكون المعجمة وفتح الواو لغتان والأولى أرجح (قوله وشاور النبي صلى الله
عليه وسلم أصحابه يوم أحد في المقام والخروج الخ) هذا مثال لما ترجم به انه شاور فإذا عزم لم يرجع
والقدر الذي ذكره هنا مختصر من قصة طويلة لم تقع موصولة في موضع آخر من الجامع الصحيح
وقد وصلها الطبراني وصححها الحاكم من رواية عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن
أبيه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم
سيفه ذا الفقار يوم بدر وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما جاءه المشركون يوم أحد كان رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يقيم بالمدينة فيقاتلهم
فيها فقال له ناس لم يكونوا شهدوا بدرا أخرج بنا يا رسول الله إليهم نقاتلهم بأحد
ونرجو أن نصيب من الفضيلة ما أصاب أهل بدر فما زالوا برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لبس
لامته فلما لبسها ندموا وقالوا يا رسول الله أقم فالرأي رأيك فقال ما ينبغي لنبي ان يضع أداته بعد أن
لبسها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه وكان ذكر لهم قبل ان يلبس الأداة اني رأيت أني في درع
حصينة فأولتها المدينة وهذا سند حسن وأخرج أحمد والدارمي والنسائي من طريق حماد بن
سلمة عن أبي الزبير عن جابر نحوه وتقدمت الإشارة إليه في كتاب التعبير وسنده صحيح ولفظ
أحمد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت كأني في درع حصينة ورأيت بقرا تنحر فأولت
الدرع الحصينة المدينة الحديث وقد ساق محمد بن إسحاق هذه القصة في المغازي مطولة وفيها ان
عبد الله بن أبي رأس الخزرج كان رأيه الإقامة فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب
وقال أطاعهم وعصاني فرجع بمن أطاعه وكانوا ثلث الناس (قوله فلما لبس لامته) بسكون
الهمزة هي الدرع وقيل الأداة بفتح الهمزة وتخفيف الدال وهي الآلة من درع وبيضة وغيرهما
من السلاح والجمع لام بسكون الهمزة مثل تمرة وتمر وقد تسهل وتجمع أيضا على لؤم بضم ثم فتح
على غير قياس واستلأم للقتال إذا لبس سلاحه كاملا (قوله وشاور عليا وأسامة فيما رمى به أهل
الإفك عائشة فسمع منها حتى نزل القرآن فجلد الرامين) قال ابن بطال عن القابسي الضمير
في قوله منهما لعلي وأسامة واما جلده الرامين فلم يأت فيه بإسناد (قلت) اما أصل مشاورتهما
فذكره موصولا في الباب باختصار وتقدم في قصة الإفك مطولا في تفسير سورة النور مشروحا
وقوله فسمع منهما أي فسمع كلامهما ولم يعمل بجميعه حتى نزل الوحي اما على فأومأ إلى الفراق
بقوله والنساء سواها كثير وتقدم بيان عذره في ذلك واما أسامة فنفى ان يعلم عليها الا الخير
284

فلم يعمل بما أومأ إليه على من المفارقة وعمل بقوله وسل الجارية فسألها وعمل بقول أسامة في
عدم المفارقة ولكنه اذن لها في التوجه إلى بيت أبيها واما قوله فجلد الرامين فلم يقع في شئ من طرق
حديث الإفك في الصحيحين ولا أحدهما وهو عند أحمد وأصحاب السنن من رواية محمد بن إسحاق
عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة قالت لما نزلت براءتي قام
رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فدعا بهم وحدهم وفي لفظ فأمر برجلين وامرأة فضربوا
حدهم وسموا في رواية أبي داود مسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش قال الترمذي
حسن لا نعرفه الا من حديث ابن إسحاق من هذا الوجه (قلت) ووقع التصريح بتحديثه في
بعض طرقه وقد تقدم بسط القول في ذلك في شرح حديث الإفك في التفسير (قوله ولم يلتفت
إلى تنازعهم ولكن حكم بما أمره الله) قال ابن بطال عن القابسي كأنه أراد تنازعهما فسقطت
الألف لان المراد أسامة وعلي وقال الكرماني القياس ان يقال تنازعهما الا ان يقال إن أقل الجمع
اثنان أو أراد بالجمع هما ومن معهما أو من وافقهما على ذلك انتهى وأخرج الطبراني عن ابن عمر في
قصة الإفك وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد وبريرة فكأنه
أشار بصيغة الجمع إلى ضم بريرة إلى علي وأسامة لكن استشكله بعضهم بأن ظاهر سياق الحديث
الصحيح انها لم تكن حاضرة لتصريحه بأنه أرسل إليها وجوابه ان المراد بالتنازع اختلاف قول
المذكورين عند مساءلتهم واستشارتهم وهو أعم من أن يكونوا مجتمعين أو متفرقين ويجوز ان
يكون مراده بقوله فلم يلتفت إلى تنازعهم كلا من الفريقين في قصتي أحد والإفك (قوله وكانت
الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون الامناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا
بأسهلها) أي إذا لم يكن فيها نص بحكم معين وكانت على أصل الإباحة فمراده ما احتمل الفعل والترك
احتمالا واحدا واما ما عرف وجه الحكم فيه فلا واما تقييده بالامناء فهي صفة موضحه لان
غير المؤتمن لا يستشار ولا يلتفت لقوله واما قوله بأسهلها فلعموم الامر بالأخذ بالتيسير
والتسهيل والنهي عن التشديد الذي يدخل المشقة على المسلم قال الشافعي انما يؤمر الحاكم
بالمشورة لكون المشير ينبهه على ما يغفل عنه ويدله على ما لا يستحضره من الدليل لا ليقلد المشير فيما
يقوله فان الله لم يجعل هذا لاحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ورد من استشارة الأئمة
بعد النبي صلى الله عليه وسلم أخبار كثيرة منها مشاورة أبي بكر رضي الله عنه في قتال أهل الردة
وقد أشار إليها المصنف وأخرج البيهقي بسند صحيح عن ميمون بن مهران قال كان أبو بكر الصديق
إذا ورد عليه أمر نظر في كتاب الله فان وجد فيه ما يقضى به قضى بينهم وان علمه من سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم قضى به وان لم يعلم خرج فسأل المسلمين عن السنة فان أعياه ذلك دعى رؤس
المسلمين وعلمائهم واستشارهم وان عمر بن الخطاب كان يفعل ذلك وتقدم قريبا ان القراء كانوا
أصحاب مجلس عمر ومشاورته ومشاورة عمر الصحابة في حد الخمر تقدمت في كتاب الحدود
ومشاورة عمر الصحابة في املاص المرأة تقدمت في الديات ومشاورة عمر في قتال الفرس
تقدمت في الجهاد ومشاورة عمر المهاجرين والأنصار ثم قريشا لما أرادوا دخول الشام وبلغه ان
الطاعون وقع بها وقد مضى مطولا مع شرحه في كتاب الطب وروينا في القطعيات من رواية
إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال جاء رجل إلى معاوية فسأله عن مسئلة فقال سل عنها
285

عليا قال ولقد شهدت عمر أشكل عليه شئ فقال ههنا علي وفي كتاب النوادر للحميدي والطبقات
لمحمد بن سعد من رواية سعيد بن المسيب قال كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن
يعني علي بن أبي طالب ومشاورة عثمان الصحابة أول ما استخلف فيما يفعل بعبيد الله بن عمر لما قتل
الهرمزان وغيره ظنا منه ان لهم في قتل أبيه مدخلا وهي عند ابن سعد وغيره بسند حسن
ومشاورته الصحابة في جمع الناس على مصحف واحد أخرجها ابن أبي داود في كتاب المصاحف من
طرق عن علي منها قوله ما فعل عثمان الذي فعل في المصاحف الا عن ملا منا وسنده حسن (قوله
ورأى أبو بكر قتال من منع الزكاة الخ) يشير إلى حديث أبي هريرة الذي تقدم قريبا في باب
الاقتداء بالسلف (قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه) تقدم موصولا من
حديث ابن عباس في كتاب المحاربين (قوله وكان القراء أصحاب مشورة عمر كهولا كانوا أو شبانا)
هذا طرف من حديث ابن عباس في قصة الحر بن قيس وعمه عيينة بن حصن وتقدم قريبا في باب
الاقتداء بالسلف أيضا بلفظ ومشاورته ووقع بلفظ ومشورته موصولا في التفسير وقوله في آخره
هنا وكان وقافا بقاف ثقيلة أي كثير الوقوف وهذه الزيادة لم تقع في الطريق الموصولة في باب
الاقتداء وانما وقعت في التفسير ثم ذكر طرفا من حديث الإفك من طريق صالح بن كيسان عن
الزهري وقد تقدم بطوله في كتاب المغازي واقتصر منه على موضع حاجته وهي مشاورة علي
وأسامة وقال في آخره فذكر براءة عائشة وأشار بذلك إلى أنه هو الذي اختصره وذكر طرفا منه
من طريق هشام بن عروة عن أبيه وقد اورد طريق أبي أسامة عن هشام التي علقها هنا مطولة في
كتاب التفسير وقد ذكرت هناك من وصلها عن أبي أسامة وشيخه هنا في الطريق الموصولة هو
محمد بن حرب النشائي بنون ومعجمة خفيفة ويحيى بن أبي زكريا هو يحيى بن يحيى الشامي نزيل
واسط وهو أكبر من يحيى بن يحيى النيسابوري شيخ الشيخين والغساني بفتح المعجمة وتشديد
المهملة نسبته مشهورة ووقع في بعض النسخ بضم العين المهملة وتخفيف الشين المعجمة وهو
تصحيف شنيع وقوله فيه ان النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه تقدم
في رواية أبي أسامة ان ذلك كان عقب سماعه كلام بريرة وفيه قام في خطيبا أي من أجلي فتشهد
وحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد (قوله ما تشيرون علي) هكذا هنا بلفظ الاستفهام
وتقدم في طريق أبي أسامة بصيغة الامر أشيروا علي والحاصل انه استشارهم فيما يفعل بمن
قذف عائشة فأشار عليه سعد بن معاذ وأسيد بن حضير بأنهم واقفون عند امره موافقون له
فيما يقول ويفعل ووقع النزاع في ذلك بين السعدين فلما نزل عليه الوحي ببراءتها أقام حد القذف
على من وقع منه وقوله يسبون أهلي كذا هنا بالمهملة ثم الموحدة الثقيلة من السب وتقدم في
التفسير بلفظ ابنوا بموحدة ثم نون وتقدم تفسيره هناك وان منهم من فسر ذلك بالسب (قوله
ما علمت عليهم في سوء قط) يعني أهله وجمع باعتبار لفظ الأهل والقصة انما كانت لعائشة وحدها
286

لكن لما كان يلزم من سبها سب أبويها ومن هو بسبيل منها وكلهم كانوا بسبب عائشة معدودين
في أهله صح الجمع وقد تقدم في حديث الهجرة الطويل قول أبي بكر انما هم أهلك يا رسول الله
يعني عائشة وأمها وأسماء بنت أبي بكر (قوله وعن عروة) هو موصول بالسند المذكور وقوله
أخبرت بضم أوله على البناء للمجهول وقد تقدمت تسمية من اخبرها بذلك (قوله أتأذن لي ان
أنطلق إلى أهلي) في رواية أبي أسامة أرسلني إلى بيت أبي (قوله وقال رجل من الأنصار الخ) وقع
عند ابن إسحاق انه أبو أيوب الأنصاري وأخرجه الحاكم من طريقه وأخرجه الطبراني في مسند
الشاميين وأبو بكر الآجري في طرق حديث الإفك من طريق عطاء الخراساني عن الزهري عن
عروة عن عائشة وتقدم في شرحه في التفسير ان أسامة بن زيد قال ذلك أيضا لكن ليس هو أنصاريا
وفي روايتنا في فوائد محمد بن عبد الله المعروف بابن أخي ميمي من مرسل سعيد بن المسيب وغيره
وكان رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمعا شيئا من ذلك قالا سبحانك هذا بهتان
عظيم زيد بن حارثة وأبو أيوب وزيد أيضا ليس أنصاريا وفي تفسير سنيد من مرسل سعيد بن جبير
ان سعد بن معاذ لما سمع ما قيل في أمر عائشة قال سبحانك هذا بهتان عظيم وفي الإكليل للحاكم
من طريق الواقدي ان أبي بن كعب قال ذلك وحكى عن المبهمات لابن بشكوال ولم أره انا فيها أن
قتادة بن النعمان قال ذلك فان ثبت فقد اجتمع ممن قال ذلك ستة أربعة من الأنصار ومهاجريان
* (قوله باب نهى النبي صلى الله عليه وسلم على التحريم) أي النهى الصادر منه محمول
على التحريم وهو حقيقة فيه (قوله الا ما تعرف اباحته) أي بدلالة السياق أو قرينة الحال أو قيام
الدليل على ذلك (قوله وكذلك امره) أي يحرم مخالفته لوجوب امتثاله ما لم يقم لا دليل على إرادة
الندب أو غيره (قوله نحو قوله حين أحلوا) أي في حجة الوداع لما أمرهم ففسخوا الحج إلى العمرة
وتحللوا من العمرة والمراد بالامر صيغة افعل والنهى لا تفعل واختلفوا في قول الصحابي أمرنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا أو نهانا عنه فالراجح عند أكثر السلف ان لا فرق وقد انهى
بعض الأصوليين صيغة الامر إلى سبعة عشر وجها والنهى إلى ثمانية أوجه ونقل القاضي أبو
بكر بن الطيب عن مالك والشافعي ان الامر عندهما على الايجاب والنهى على التحريم حتى
يقوم الدليل على خلاف ذلك وقال ابن بطال هذا قول الجمهور وقال كثير من الشافعية وغيرهم
الامر على الندب والنهى على الكراهة حتى يقوم دليل الوجوب في الامر ودليل التحريم في النهى
وتوقف كثير منهم وسبب توقفهم ورود صيغة الامر للايجاب والندب والإباحة والارشاد
وغير ذلك وحجة الجمهور ان من فعل ما أمر به استحق الحمد وان من تركه استحق الذم وكذا بالعكس
في النهى وقول الله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب
اليم يشمل الأمر والنهي ودل الوعيد فيه على تحريمه فعلا وتركا (قوله أصيبوا من النساء)
هو اذن لهم في جماع نسائهم إشارة إلى المبالغة في الاحلال إذا الجماع يفسد النسك دون غيره من
محرمات الاحرام ووقع في رواية حماد بن زيد عن ابن جريج في كتاب الشركة فأمرنا فجعلناها عمرة
وان نحل إلى نسائنا ثم ذكر في الباب أحاديث الأول (قوله وقالت أم عطية نهينا عن اتباع الجنائز
ولم يعزم علينا) تقدم موصولا في كتاب الجنائز وبينه وبين حديث جابر فرق من جهة اختلاف
السببين فالقصة التي في رواية جابر كانت إباحة بعد خطر فلا تدل على الوجوب للقرينة المذكورة
287

لكن أراد جابر التأكيد في ذلك والقصة التي في حديث أم عطية نهى بعد إباحة فكان ظاهرا في
التحريم فأرادت ان تبين لهم انه لم يصرح لهم بالتحريم والصحابي اعرف بالمراد من غيره وقد تقدم
شرح ذلك مستوفى في كتاب الجنائز * الحديث الثاني (قوله حدثنا المكي بن إبراهيم عن ابن
جريج قال عطاء وقال جابر قال أبو عبد الله وقال محمد بن بكر عن ابن جريج اخبرني عطاء سمعت
جابر بن عبد الله) اما قوله وقال جابر فهو معطوف على شئ محذوف يظهر مما تقدم في باب من أهل
في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كاهلال النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب الحج وفى باب بعث على
إلى اليمن من أواخر المغازي بهذين السندين معلقا وموصولا ولفظه أمر النبي صلى الله عليه وسلم
عليا ان يقيم على احرامه فذكر هذه القصة ثم قال وقال جابر أهللنا بالحج خالصا واما التعليق
فوصله الإسماعيلي من الطريق المذكورة عن محمد بن بكر وخرجه أيضا من طريق يحيى القطان
عن ابن جريج وأفادت رواية محمد بن بكر التصريح بسماع عطاء من جابر وقوله في أناس معه فيه
التفات ونسق الكلام أن يقول معي ووقع كذلك في رواية يحيى القطان وقوله أهللنا بالحج خالصا
ليس معه عمرة هو محمول على ما كانوا ابتدؤا به ثم وقع الاذن بادخال العمرة على الحج وبفسخ الحج
إلى العمرة فصاروا على ثلاثة انحاء مثل ما قالت عائشة منا من أهل بحج ومنا من أهل بعمرة ومنا
من جمع وقد تقدم ذلك مشروحا في كتاب الحج وقوله وقال عطاء عن جابر هو موصول بالسندين
المذكورين (قوله صبح رابعة) تقدم بيانه في حديث انس في الباب المشار إليه (قوله قال عطاء
قال جابر) هو موصول بالسند المذكور وقوله وقال محمد بن بكر عن ابن جريج هو موصول عند
الإسماعيلي كما تقدم (قوله ولم يعزم عليهم) أي في جماع نسائهم أي لان الامر المذكور
انما كان للإباحة ولذلك قال جابر ولكن أحلهن لهم وقد تقدم في الباب المذكور قالوا أي
الحل قال الحل كله (قوله فبلغه انا نقول لما لم يكن بيننا وبين عرفة الا خمس ليال) أي أولها
ليلة الأحد وآخرها ليلة الخميس لان توجههم من مكة كان عشية الأربعاء فباتوا ليلة الخميس
بمعنى ودخلوا عرفة يوم الخميس (قوله فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المذي) في رواية المستملى المنى
وكذا عند الإسماعيلي ويؤيده ما وقع في رواية حماد بن زيد بلفظ فيروح أحدنا إلى منى وذكره يقطر
منيا وانما ذكر منى لانهم يتوجهون إليها قبل توجههم إلى عرفة (قوله ويقول جابر بيده هكذا
وحركها) أي امالها وفى رواية حماد بن زيد بلفظ فقال جابر بكفه أي أشار بكفه قال الكرماني
هذه الإشارة لكيفية التقطر ويحتمل أن تكون إلى محل التقطر ووقع في رواية الإسماعيلي قال
يقول جابر كأني انظر إلى يده يحركها وهذا يحتمل ان يكون مرفوعا (قوله فقام رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال) زاد في رواية حماد خطيبا فقال بلغني ان أقواما يقولون كذا وكذا (قوله
قد علمتم انى أتقاكم لله وأصدقكم) في رواية حماد والله لأنا أبر وأتقى لله منهم (قوله ولولا هديي
لحللت كما تحلون) في رواية الإسماعيلي لأحللت وكذا مضى في باب عمرة التنعيم من طريق حبيب
المعلم عن عطاء عن جابر وهما لغتان حل وأحل وتقدم شرح الحديث هناك الا انه لم يذكر فيه
كلام جابر بتمامه ولا الخطبة (قوله فحلوا) كذا فيه بصيغة الامر من حل وقوله فحللنا
وسمعنا وأطعنا في رواية الإسماعيلي فأحللنا * الحديث الثالث (قوله عبد الوارث) هو ابن
سعيد وحسين هو ابن ذكوان المعلم ووقع منسوبا في رواية الإسماعيلي وابن بريدة هو عبد الله
288

وعبد الله المزني هو ابن مغفل بالمعجمة والفاء الثقيلة ووقع بيانه في كتاب الصلاة وبين الإسماعيلي
سبب الاقتصار على قوله عن عبد الله دون ذكر أبيه فأخرجه من طريق محمد بن عبيد بن حسان
عن عبد الوارث فقال فيه عن عبد الله المزني كالذي هنا وقال كتبته فنسيته لا أدرى ابن مغفل
أو ابن معقل أي بالمعجمة والفاء أو المهملة والقاف وقد تقدم شرح الحديث في باب كم بين الأذان والإقامة
من كتاب الصلاة وموضع الترجمة منه قوله في آخره لمن شاء فان فيه إشارة إلى أن الامر
حقيقة في الوجوب فلذلك أردفه بما يدل على التخيير بين الفعل والترك فكان ذلك صار فالحمل
على الوجوب (قوله خشية ان يتخذها الناس سنة) أي طريقة لازمة لا يجوز تركها أو سنة راتبة
يكره تركها وليس المراد ما يقابل الوجوب لما تقدم * (قوله باب كراهية
الاختلاف) ولبعضهم الخلاف أي في الأحكام الشرعية أو أعم من ذلك وسقطت هذه الترجمة
لابن بطال فصار حديثها من جملة باب النهى للتحريم ووجهه بان الامر بالقيام عند الاختلاف في
القرآن للندب لا لتحريم القراءة عند الاختلاف والأولى ما وقع عند الجمهور وبه جزم الكرماني
فقال في آخر حديث عبد الله بن مغفل هذا آخر ما أريد ايراده في الجامع من مسائل أصول الفقه
(قوله حدثنا إسحاق) هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في المستخرج وقوله في آخره قال أبو عبد الله
سمع عبد الرحمن يعنى ابن مهدي المذكور في السند سلاما يعنى بتشديد اللام وهو ابن أبي مطيع
وأشار بذلك إلى ما أخرجه في فضائل القرآن عن عمرو بن علي عبد الرحمن قال حدثنا سلام
ابن أبي مطيع ووقع هذا الكلام للمستملي وحده (قوله وقال يزيد بن هارون الخ) وصله الدارمي عن يزيد بن هارون لكن قال عن همام ثم أخرجه عن أبي النعمان عن هارون الأعور وتقدم في آخر
فضائل القرآن بيان الاختلاف على أبى عمران في سند هذا الحديث مع شرح الحديث وقال
الكرماني مات يزيد بن هارون سنة ست ومائتين فالظاهر أن رواية البخاري عنه تعليق انتهى
وهذا لا يتوقف فيه من اطلع على ترجمة البخاري فإنه لم يرحل من بخارى الا بعد موت يزيد بن
هارون بمدة (قوله في حديث ابن عباس واختلف أهل البيت اختصموا) كذا لأبي ذر وهو تفسير
لاختلفوا ولغيره واختصموا بالواو العاطفة وكذا تقدم في آخر المغازي (قوله قال عبيد الله) هو ابن عبد الله بن عتبة هو موصول بالسند المذكور وقد تقدم بيان ذلك في كتاب العلم وفى
أواخر المغازي في باب الوفاة النبوية * (تنبيه) * وقع في بعض النسخ في هذه الأبواب الثلاثة
الأخيرة تقديم وتأخير والخطب فيها سهل * (خاتمة) * اشتمل كتاب الاعتصام من الأحاديث
المرفوعة وما في حكمها على مائة وسبعة وعشرين حديثا المعلق منها وما في معناه من المتابعة ستة
وعشرون حديثا وسائرها موصول المكرر منها فيه وفيما مضى مائة حديث وعشرة أحاديث
والباقي خالص وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي هريرة كل أمتي يدخلون الجنة الا من
أبى وحديث عمر نهينا عن التكلف وحديث أبي هريرة في مأخذ القرون وحديث عائشة في
الرفق وحديثها لا أزكى به وحديث عثمان في الخطبة وحديث أبي سلمة المرسل في الاجتهاد
وحديث المشاورة في الخروج إلى أحد وفيه من الآثار عن الصحابة ومن بعدهم ستة عشر
289

أثرا والله سبحانه وتعالى الهادي إلى الصواب
قوله (بسم الله الرحمن الرحيم)
* (كتاب التوحيد) *
كذا للنسفي وحماد بن شاكر وعليه اقتصر الأكثر عن الفربري وزاد المستملي الرد على الجهمية
وغيرهم وسقطت البسملة لغير أبي ذر ووقع لابن بطال وابن التين كتاب رد الجهمية وغيرهم
التوحيد وضبطوا التوحيد بالنصب على المفعولية وظاهره معترض لان الجهمية وغيرهم من
المبتدعة لم يردوا التوحيد وانما اختلفوا في تفسيره وحجج الباب ظاهرة في ذلك والمراد بقوله في
رواية المستملي وغيرهم القدرية واما الخوارج فتقدم ما يتعلق بهم في كتاب الفتن وكذا الرافضة
تقدم ما يتعلق بهم في كتاب الأحكام وهؤلاء الفرق الأربع هم رؤس البدعة وقد سمى المعتزلة
أنفسهم أهل العدل والتوحيد وعنوا بالتوحيد ما اعتقدوه من نفي الصفات الإلهية لاعتقادهم
ان إثباتها يستلزم التشبيه ومن شبه الله بخلقه أشرك وهم في النفي موافقون للجهمية واما أهل
السنة ففسروا التوحيد بنفي التشبيه والتعطيل ومن ثم قال الجنيد فيما حكاه أبو القاسم
القشيري التوحيد افراد القديم من المحدث وقال أبو القاسم التميمي في كتاب الحجة التوحيد
مصدر وحد يوحد ومعنى وحدت الله اعتقدته منفردا بذاته وصفاته لا نظير له ولا شبيه وقيل معنى
وحدته علمته واحدا وقيل سلبت عنه الكيفية والكمية فهو واحد في ذاته لا انقسام له وفي
صفاته لا شبيه له في إلهيته وملكه وتدبيره لا شريك له ولا رب سواه ولا خالق غيره وقال ابن بطال
تضمنت ترجمة الباب أن الله ليس بجسم لان الجسم مركب من أشياء مؤلفة وذلك يرد على
الجهمية في زعمهم انه جسم كذا وجدت فيه ولعله أراد أن يقول المشبهة واما الجهمية فلم يختلف
أحد ممن صنف في المقالات انهم ينفون الصفات حتى نسبوا إلى التعطيل وثبت عن أبي حنيفة
أنه قال بالغ جهم في نفي التشبيه حتى قال إن الله ليس بشئ وقال الكرماني الجهمية فرقة من
المبتدعة ينتسبون إلى جهم بن صفوان مقدم الطائفة القائلة ان لا قدرة للعبد أصلا وهم الجبرية
بفتح الجيم وسكون الموحدة ومات مقتولا في زمن هشام بن عبد الملك انتهى وليس الذي أنكروه
على الجهمية مذهب الجبر خاصة وانما الذي أطبق السلف على ذمهم بسبه إنكار الصفات
حتى قالوا إن القرآن ليس كلام الله وانه مخلوق وقد ذكر الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر
التميمي البغدادي في كتابه الفرق بين الفرق ان رؤس المبتدعة أربعة إلى أن قال والجهمية اتباع
جهم بن صفوان الذي قال بالاجبار والاضطرار إلى الأعمال وقال لا فعل لاحد غير الله تعالى
وانما ينسب الفعل إلى العبد مجازا من غير أن يكون فاعلا أو مستطيعا لشئ وزعم أن علم الله
حادث وامتنع من وصف الله تعالى بأنه شئ أو حي أو عالم أو مريد حتى قال لا أصفه بوصف يجوز
إطلاقه على غيره قال واصفه بأنه خالق ومحي ومميت وموحد بفتح المهملة الثقيلة لأن هذه
الأوصاف خاصة به وزعم أن كلام الله حادث ولم يسم الله متكلما به قال وكان جهم يحمل السلاح
ويقاتل وخرج مع الحرث بن سريج وهو بمهملة وجيم مصغر لما قام على نصر بن سيار عامل بني
أمية بخراسان فآل أمره إلى أن قتله سلم بن أحوز وهو بفتح السين المهملة وسكون اللام وأبوه
بمهملة وآخره زاي وزن أعور وكان صاحب شرطة نصر وقال البخاري في كتاب خلق أفعال
290

العباد بلغني أن جهما كان يأخذ عن الجعد بن درهم وكان خالد القسري وهو أمير العراق خطب
فقال اني مضح بالجعد بن درهم لأنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما (قلت)
وكان ذلك في خلافة هشام بن عبد الملك فكأن الكرماني انتقل ذهنه من الجعد إلى الجهم فان
قتل جهم كان بعد ذلك بمدة ونقل البخاري عن محمد بن مقاتل قال قال عبد الله بن المبارك
ولا أقول بقول الجهم ان له * قولا يضارع قول الشرك أحيانا
وعن ابن المبارك انا لنحكي كلام اليهود والنصارى نستعظم ان نحكي قول جهم وعن عبد الله بن
شوذب قال ترك جهم الصلاة أربعين يوما على وجه الشك وأخرج ابن أبي حاتم في كتب الرد على
الجهمية من طريق خلف بن سليمان البلخي قال كان جهم من أهل الكوفة وكان فصيحا ولم يكن
له نفاذ في العلم فلقيه قوم من الزنادقة فقالوا له صف لنا ربك الذي تعبده فدخل البيت لا يخرج مدة
ثم خرج فقال هو هذا الهواء مع كل شئ وأخرج بن خزيمة في التوحيد ومن طريقه البيهقي في
الأسماء قال سمعت أبا قدامة يقول سمعت أبا معاذ البلخي يقول كان جهم على معبر ترمذ وكان
كوفي الأصل فصيحا ولم يكن له علم ولا مجالسة أهل العلم فقيل له صف لنا ربك فدخل البيت
لا يخرج كذا ثم خرج بعد أيام فقال هو هذا الهواء مع كل شئ وفي كل شئ ولا يخلو منه شئ وأخرج
البخاري من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة قال كلام جهم صفة بلا معنى وبناء بلا أساس ولم يعد قط
في أهل العلم وقد سئل عن رجل طلق قبل الدخول فقال تعتد امرأته وأورد آثارا كثيرة عن
السلف في تكفير جهم وذكر الطبري في تاريخه في حوادث سنة سبع وعشرين أن الحرث بن
سريج خرج على نصر بن سيار عامل خراسان لبني أمية وحاربه والحارث حينئذ يدعو إلى العمل
بالكتاب والسنة وكان جهم حينئذ كاتبه ثم تراسلا في الصلح وتراضيا بحكم مقاتل بن حيان
والجهم فاتفقا على أن الامر يكون شورى حتى يتراضى أهل خراسان على أمير يحكم بينهم بالعدل
فلم يقبل نصر ذلك واستمر على محاربة الحرث إلى أن قتل الحارث في سنة ثمان وعشرين في خلافة
مروان الحمار فيقال ان الجهم قتل في المعركة ويقال بل أسر فأمر نصر ابن سيار سلم بن أحوز
بقتله فادعى جهم الأمان فقال له سلم لو كنت في بطني لشققته حتى أقتلك فقتله وأخرج ابن أبي
حاتم من طريق محمد بن صالح مولى بني هاشم قال قال سلم حين أخذه يا جهم اني لست أقتلك لأنك
قاتلتني أنت عندي أحقر من ذلك ولكني سمعتك تتكلم بكلام أعطيت الله عهدا ان لا أملكك
الا قتلتك فقتله ومن طريق معتمر بن سليمان عن خلاد الطفاوي بلغ سلم بن أحوز وكان على
شرطة خراسان ان جهم بن صفوان ينكر ان الله كلم موسى تكليما فقتله ومن طريق
بكير بن معروف قال رأيت سلم بن أحوز حين ضرب عنق جهم فاسود وجه جهم وأسند أبو
القاسم اللالكائي في كتاب السنة له ان قتل جهم كان في سنة اثنتين وثلاثين ومائة والمعتمد
ما ذكره الطبري انه كان في سنة ثمان وعشرين وذكر ابن أبي حاتم من طريق سعيد ابن رحمة
صاحب أبي إسحاق الفزاري ان قصة جهم كانت سنة ثلاثين ومائة وهذا يمكن حمله على جبر
الكسر أو على أن قتل جهم تراخى عن قتل الحرث بن سريج واما قول الكرماني ان قتل جهم
كان في خلافة هشام بن عبد الملك فوهم لان خروج الحارث بن سريج الذي كان جهم كاتبه كان
بعد ذلك لعل مستند الكرماني ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق صالح بن أحمد بن حنبل قال
قرأت في دواوين هشام بن عبد الملك إلى نصر بن سيار عامل خراسان اما بعد فقد نجم قبلك رجل
291

يقال له جهم من الدهرية فان ظفرت به فاقتله ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون قتله وقع في زمن
هشام وإن كان ظهور مقالته وقع قبل ذلك حتى كاتب فيه هشام والله أعلم وقال ابن حزم في كتاب
الملل والنحل فرق المقرين بملة الاسلام خمس أهل السنة ثم المعتزلة ومنهم القدرية ثم المرجئة
ومنهم الجهمية والكرامية ثم الرافضة ومنهم الشيعة ثم الخوارج ومنهم الأزارقة والأباضية
ثم افترقوا فرقا كثيرا فأكثر افتراق أهل السنة في الفروع واما في الاعتقاد ففي نبذ يسيرة واما
الباقون ففي مقالاتهم ما يخالف أهل السنة الخلاف البعيد والقريب فاقرب فرق المرجئة من قال
الايمان التصديق بالقلب واللسان فقط وليست العبادة من الايمان وأبعدهم الجهمية القائلون
بان الايمان عقد بالقلب فقط وان أظهر الكفر والتثليث بلسانه وعبد الوثن من غير تقية
والكرامية القائلون بأن الايمان قول باللسان فقط وان اعتقد الكفر بقلبه وساق الكلام على
بقية الفرق ثم قال فاما المرجئة فعمدتهم الكلام في الايمان والكفر فمن قال إن العبادة من الايمان
وانه يزيد وينقص ولا يكفر مؤمنا بذنب ولا يقول إنه يخلد في النار فليس مرجئا ولو وافقهم
في بقية مقالاتهم واما المعتزلة فعمدتهم الكلام في الوعد والوعيد والقدر فمن قال القرآن ليس
بمخلوق وأثبت القدر ورؤية الله تعالى في القيامة وأثبت صفاته الواردة في الكتاب والسنة وان
صاحب الكبائر لا يخرج بذلك عن الايمان فليس بمعتزلي وان وافقهم في سائر مقالاتهم وساق بقية
ذلك إلى أن قال واما الكلام فيما يوصف الله به فمشترك بين الفرق الخمسة من مثبت لها وناف فرأس
النفاة المعتزلة والجهمية فقد بالغوا في ذلك حتى كادوا يعطلون ورأس المثبتة مقاتل بن سليمان ومن
تبعه من الرافضة والكرامية فإنهم بالغوا في ذلك حتى شبهوا الله تعالى بخلقه تعالى الله سبحانه عن
أقوالهم علوا كبيرا ونظير هذا التباين قول الجهمية ان العبد لا قدرة له أصلا وقول القدرية انه
يخلق فعل نفسه (قلت) وقد أفرد البخاري خلق أفعال العباد في تصنيف وذكر منه هنا أشياء
بعد فراغه مما يتعلق بالجهمية * (قوله باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته
إلى توحيد الله تعالى) المراد بتوحيد الله تعالى الشهادة بأنه اله واحد وهذا الذي يسميه بعض غلاة
الصوفية توحيد العامة وقد ادعى طائفتان في تفسير التوحيد أمرين اخترعوهما أحدهما
تفسير المعتزلة كما تقدم ثانيهما غلاة الصوفية فان أكابرهم لما تكلموا في مسئلة المحو والفناء وكان
مرادهم بذلك المبالغة في الرضا والتسليم وتفويض الامر بالغ بعضهم حتى ضاهى المرجئة في نفي
نسبة الفعل إلى العبد وجر ذلك بعضهم إلى معذرة العصاة ثم غلا بعضهم فعذر الكفار ثم غلا بعضهم
فزعم أن المراد بالتوحيد اعتقاد وحدة الوجود وعظم الخطب حتى ساء ظن كثير من أهل العلم
بمتقدميهم وحاشاهم من ذلك وقد قدمت كلام شيخ الطائفة الجنيد وهو في غاية الحسن والايجاز
وقد رد عليه بعض من قال بالوحدة المطلقة فقال وهل من غير ولهم في ذلك كلام طويل ينبو عنه
سمع كل من كان على فطرة الاسلام والله المستعان وذكر في الباب أربعة أحاديث * الحديث الأول
حديث معاذ بن جبل في بعثه إلى اليمن أورده من طريقين الأولى أعلى من الثانية وقد أورد الطريق
العالية في كتاب الزكاة وساقها هناك على لفظ أبي عاصم راويها وذكره هناك من وجه آخر
بنزول وعبد الله بن أبي الأسود شيخه في هذا الباب هو ابن محمد بن أبي الأسود ينسب إلى جده
واسمه حميد بن الأسود والفضل بن العلاء يكنى أبا العلاء ويقال أبو العباس وهو كوفي نزل البصرة
292

وثقه علي بن المديني وقال أبو حاتم الرازي شيخ يكتب حديثه وقال النسائي ليس به بأس وقال
الدارقطني كثير الوهم (قلت) وماله في البخاري سوى هذا الموضوع وقد قرنه بغيره ولكنه ساق المتن
هنا على لفظه (قوله عن أبي معبد) كذا للجميع بفتح الميم وسكون المهملة ثم موحدة وفي
بعض النسخ عن أبي سعيد وهو تصحيف وكأن الميم انفتحت فصارت تشبه السين (قوله
سمعت ابن عباس لما بعث) كذا فيه بحذف قال أو يقول وقد جرت العادة بحذفه خطأ ويقال
يشترط النطق به (قوله لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى نحو أهل اليمن) أي
إلى جهة أهل اليمن وهذه الرواية تقيد الرواية المطلقة بلفظ حين بعثه إلى اليمن فبينت هذه
الرواية ان لفظ اليمن من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه أو من إطلاق العام
وإرادة الخاص أو لكون اسم الجنس يطلق على بعضه كما يطلق على كله والراجح انه من حمل المطلق
على المقيد كما صرحت به هذه الرواية وقد تقدم في باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن في أواخر
المغازي من رواية أبي بردة بن أبي موسى وبعث كل واحد منها على مخلاف قال واليمن مخلافان
وتقدم ضبط المخلاف وشرحه هناك ثم قوله إلى أهل اليمن من إطلاق الكل وإرادة البعض لأنه
انما بعثه إلى بعضهم لا إلى جميعهم ويحتمل ان يكون الخبر على عمومه في الدعوى إلى الأمور
المذكورة وإن كانت امرة معاذ انما كانت على جهة من اليمن مخصوصة (قوله انك تقدم على
قوم من أهل الكتاب) هم اليهود وكان ابتداء دخول اليهودية اليمن في زمن أسعد ذي كرب وهو
تبع الأصغر كما ذكره ابن إسحاق مطولا في السيرة فقام الاسلام وبعض أهل اليمن على اليهودية
ودخل دين النصرانية إلى اليمن بعد ذلك لما غلبت الحبشة على اليمن وكان منهم أبرهة صاحب
الفيل الذي غزا مكة وأراد هدم الكعبة حتى أجلاهم عنها سيف بن ذي يزن كما ذكره ابن إسحاق
مبسوطا أيضا ولم يبق بعد ذلك باليمن أحد من النصارى أصلا الا بنجران وهي بين مكة واليمن وبقى
ببعض بلادها قليل من اليهود (قوله فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله فإذا عرفوا ذلك)
مضى في وسط الزكاة من طريق إسماعيل بن أمية عن يحيى بن عبد الله بلفظ فليكن أول
ما تدعوهم إليه عبادة الله فإذا عرفوا الله وكذا أخرجه مسلم عن الشيخ الذي أخرجه عنه البخاري
وقد تمسك به من قال أول واجب المعرفة كامام الحرمين واستدل بأنه لا يتأتى الاتيان بشئ من
المأمورات على قصد الامتثال ولا الانكفاف عن شئ من المنهيات على قصد الانزجار الا بعد معرفة
الآمر والناهي واعترض عليه بان المعرفة لا تتأتى الا بالنظر والاستدلال وهو مقدمة الواجب
فيجب فيكون أول واجب النظر وذهب إلى هذا طائفة كابن فورك وتعقب بان النظر ذو أجزاء
يترتب بعضها على بعض فيكون أول واجب جزأ من النظر وهو محكى عن القاضي أبي بكر بن
الطيب وعن الأستاذ أبي إسحاق الأسفرايني أول واجب القصد إلى النظر وجمع بعضهم بين هذه
الأقوال بان من قال أول واجب المعرفة أراد طلبا وتكليفا ومن قال النظر أو القصد أراد
امتثالا لأنه يسلم انه وسيلة إلى تحصيل المعرفة فيدل ذلك على سبق وجوب المعرفة وقد ذكرت في
كتاب الايمان من اعرض عن هذا من أصله وتمسك بقوله تعالى فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة
الله التي فطر الناس عليها وحديث كل مولود يولد على الفطرة فأن ظاهر الآية والحديث ان المعرفة
حاصلة بأصل الفطرة وان الخروج عن ذلك يطرأ على الشخص لقوله عليه الصلاة والسلام
293

فأبواه يهودانه وينصرانه وقد وافق أبو جعفر السمناني وهو من رؤس الأشاعرة على هذا وقال إن
هذه المسئلة بقيت في مقالة الأشعري من مسائل المعتزلة وتفرع عليها ان الواجب على كل
أحد معرفة الله بالأدلة الدالة عليه وانه لا يكفي التقليد في ذلك انتهى وقرأت في جزء من كلام
شيخ شيخنا الحافظ صلاح الدين العلائي ما ملخصه ان هذه المسئلة مما تناقضت فيها المذاهب
وتباينت بين مفرط ومفرط ومتوسط فالطرف الأول قول من قال يكفي التقليد المحض في اثبات
وجود الله تعالى ونفي الشريك عنه وممن نسب إليه إطلاق ذلك عبيد الله بن الحسن العنبري
وجماعة من الحنابلة والظاهرية ومنهم من بالغ فحرم النظر في الأدلة واستند إلى ما ثبت عن الأئمة
الكبار من ذم الكلام كما سيأتي بيانه والطرف الثاني قول من وقف صحة ايمان كل أحد على
معرفة الأدلة من علم الكلام ونسب ذلك لأبي إسحاق الأسفرايني وقال الغزالي أسرفت طائفة
فكفروا عوام المسلمين وزعموا أن من لم يعرف العقائد الشرعية بالأدلة التي حرروها فهو كافر
فضيقوا رحمة الله الواسعة وجعلوا الجنة مختصة بشرذمة يسيرة من المتكلمين وذكر نحوه أبو
المظفر بن السمعاني وأطال في الرد على قائله ونقل عن أكثر أئمة الفتوى انهم قالوا لا يجوز ان
تكلف العوام اعتقاد الأصول بدلائلها لان في ذلك من المشقة أشد من المشقة في تعلم الفروع
الفقهية واما المذهب المتوسط فذكره وسأذكره ملخصا بعد هذا وقال القرطبي في المفهم في
شرح حديث أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم الذي تقدم شرحه في أثناء كتاب الأحكام وهو في
أوائل كتاب العلم من صحيح مسلم هذا الشخص الذي يبغضه الله هو الذي يقصد بخصومته مدافعة
الحق ورده بالأوجه الفاسدة والشبه الموهمة وأشد ذلك الخصومة في أصول الدين كما يقع لأكثر
المتكلمين المعرضين عن الطرق التي أرشد إليها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسلف
أمته إلى طرق مبتدعة واصطلاحات مخترعة وقوانين جدلية وأمور صناعية مدار أكثرها على
آراء سوفسطائية أو مناقضات لفظية ينشأ بسببها على الآخذ فيها شبه ربما يعجز عنها وشكوك
يذهب الايمان معها وأحسنهم انفصالا عنها أجدلهم لا أعلمهم فكم من عالم بفساد الشبهة
لا يقوى على حلها وكم من منفصل عنها لا يدرك حقيقة علمها ثم إن هؤلاء قد ارتكبوا أنواعا من
المحال لا يرتضيها البله ولا الأطفال لما بحثوا عن تحيز الجواهر والألوان والأحوال فأخذوا فيما
أمسك عنه السلف الصالح من كيفيات تعلقات صفات الله تعالى وتعديدها واتحادها في نفسها
وهل هي الذات أو غيرها وفي الكلام هل هو متحد أو منقسم وعلى الثاني هل ينقسم بالنوع
أو الوصف وكيف تعلق في الأزل بالمأمور مع كونه حادثا ثم إذا انعدم المأمور هل يبقى التعلق وهل
الامر لزيد بالصلاة مثلا هو نفس الامر لعمرو بالزكاة إلى غير ذلك مما ابتدعوه مما لم يأمر به
الشارع وسكت عنه الصحابة ومن سلك سبيلهم بل نهوا عن الخوض فيها لعلهم بأنه بحث عن
كيفية ما لا تعلم كيفيته بالعقل لكون العقول لها حد تقف عنده ولا فرق بين البحث عن كيفية
الذات وكيفية الصفات ومن توقف في هذا فليعلم أنه إذا كان حجب عن كيفية نفسه مع وجودها
وعن كيفية إدراك ما يدرك به فهو عن إدراك غيره أعجز وغاية علم العالم أن يقطع بوجود فاعل
لهذه المصنوعات منزه عن الشبيه مقدس عن النظير متصف بصفات الكمال ثم متى ثبت النقل عنه
بشئ من أوصافه وأسمائه قبلناه واعتقدناه وسكتنا عما عداه كما هو طريق السلف وما عداه
294

لا يأمن صاحبه من الزلل ويكفي في الردع عن الخوض في طرق المتكلمين ما ثبت عن الأئمة
المتقدمين كعمر بن عبد العزيز ومالك بن أنس والشافعي وقد قطع بعض الأئمة بأن الصحابة لم
يخوضوا في الجوهر والعرض وما يتعلق بذلك من مباحث المتكلمين فمن رغب عن طريقهم
فكفاه ضلالا قال وأفضى الكلام بكثير من أهله إلى الشك وببعضهم إلى الالحاد وببعضهم إلى
التهاون بوظائف العبادات وسبب ذلك اعراضهم عن نصوص الشارع وتطلبهم حقائق الأمور
من غيره وليس في قوة العقل ما يدرك ما في نصوص الشارع من الحكم التي استأثر بها وقد رجع
كثير من أئمتهم عن طريقهم حتى جاء عن امام الحرمين أنه قال ركبت البحر الأعظم وغصت في كل
شئ نهى عنه أهل العلم في طلب الحق فرارا من التقليد والآن فقد رجعت واعتقدت مذهب
السلف هذا كلامه أو معناه وعنه أنه قال عند موته يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام فلو عرفت انه
يبلغ بي ما بلغت ما تشاغلت به إلى أن قال القرطبي ولو لم يكن في الكلام الا مسئلتان هما من مباديه
لكان حقيقا بالذم إحداهما قول بعضهم ان أول واجب الشك إذ هو اللازم عن وجوب
النظر أو القصد إلى النظر واليه أشار الامام بقوله ركبت البحر ثانيتهما قول جماعة منهم ان من لم
يعرف الله بالطرق التي رتبوها والابحاث التي حرروها لم يصح ايمانه حتى لقد أورد على بعضهم ان
هذا يلزم منه تكفير أبيك وأسلافك وجيرانك فقال لا تشنع علي بكثرة أهل النار قال وقد رد
بعض من لم يقل بهما على من قال بهما بطريق من الرد النظري وهو خطأ منه فان القائل بالمسئلتين
كافر شرعا لجعله الشك في الله واجبا ومعظم المسلمين كفارا حتى يدخل في عموم كلامه السلف
الصالح من الصحابة والتابعين وهذا معلوم الفساد من الدين بالضرورة والا فلا يوجد في الشرعيات
ضروري وختم القرطبي كلامه بالاعتذار عن إطالة النفس في هذا الموضوع لما شاع بين الناس
من هذه البدعة حتى اغتر بها كثير من الأغمار فوجب بذل النصيحة والله يهدي من يشاء انتهى
وقال الآمدي في ابكار الأفكار ذهب أبو هاشم من المعتزلة إلى أن من لا يعرف الله بالدليل فهو
كافر لان ضد المعرفة النكرة والنكرة كفر قال وأصحابنا مجمعون على خلافه وانما اختلفوا فيما
إذا كان الاعتقاد موافقا لكن عن غير دليل فمنهم من قال إن صاحبه مؤمن عاص بترك النظر
الواجب ومنهم من اكتفى بمجرد الاعتقاد الموافق وان لم يكن عن دليل وسماه علما وعلى هذا
فلا يلزم من حصول المعرفة بهذا الطريق وجوب النظر وقال غيره من منع التقليد وأوجب
الاستدلال لم يرد التعمق في طرق المتكلمين بل اكتفى بما لا يخلو عنه من نشأ بين المسلمين من
الاستدلال بالمصنوع على الصانع وغايته انه يحصل في الذهن مقدمات ضرورية تتألف تألفا
صحيحا وتنتج العلم لكنه لو سئل كيف حصل له ذلك ما اهتدى للتعبير به وقيل الأصل في هذا كله
المنع من التقليد في أصول الدين وقد انفصل بعض الأئمة عن ذلك بأن المراد بالتقليد اخذ قول الغير
بغير حجة ومن قامت عليه حجة بثبوت النبوة حتى حصل له القطع بها فمهما سمعه من النبي صلى الله
عليه وسلم كان مقطوعا عنده بصدقه فإذا اعتقده لم يكن مقلدا لأنه لم يأخذ بقول غيره بغير حجة
وهذا مستند السلف قاطبة في الاخذ بما ثبت عندهم من آيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله
عليه وسلم فيما يتعلق بهذا الباب فآمنوا بالمحكم من ذلك وفوضوا أمر المتشابه منهم إلى ربهم وانما
قال من قال إن مذهب الخلف احكم بالنسبة إلى الرد على من لم يثبت النبوة فيحتاج من يريد
295

رجوعه إلى الحق ان يقيم عليه الأدلة إلى أن يذعن فيسلم أو يعاند فيهلك بخلاف المؤمن فإنه
لا يحتاج في أصل ايمانه إلى ذلك وليس سبب الأول الا جعل الأصل عدم الايمان فلزم إيجاب النظر
المؤدي إلى المعرفة والا فطريق السلف أسهل من هذا كما تقدم إيضاحه من الرجوع إلى ما دلت
عليه النصوص حتى يحتاج إلى ما ذكر من إقامة الحجة على من ليس بمؤمن فاختلط الامر على من
اشترط ذلك والله المستعان واحتج بعض من أوجب الاستدلال باتفاقهم على ذم التقليد وذكروا
الآيات والأحاديث الواردة في ذم التقليد وبأن كل أحد قبل الاستدلال لا يدري أي الامرين هو
الهدى وبأن كل ما لا يصح الا بالدليل فهو دعوى لا يعمل بها وبأن العلم اعتقاد الشئ على ما هو عليه
من ضرورة أو استدلال وكل ما لم يكن علما فهو جهل ومن لم يكن عالما فهو ضال والجواب عن
الأول ان المذموم من التقليد اخذ قول الغير بغير حجة وهذا ليس منه حكم رسول الله صلى الله
عليه وسلم فان الله أوجب اتباعه في كل ما يقول وليس العمل فيما أمر به أو نهى عنه داخلا تحت
التقليد المذموم اتفاقا واما من دونه ممن اتبعه في قول قاله وأعتقد انه لو لم يقله لم يقل هو به فهو
المقلد المذموم بخلاف ما لو اعتقد ذلك في خبر الله ورسوله فإنه يكون ممدوحا وأما احتجاجهم بأن
أحدا لا يدري قبل الاستدلال أي الامرين هو الهدى فليس بمسلم بل من الناس من تطمئن نفسه
وينشرح صدره للاسلام من أول وهلة ومنهم من يتوقف على الاستدلال فالذي ذكروه هم أهل
الشق الثاني فيجب عليه النظر ليقي نفسه النار لقوله تعالى قوا أنفسكم وأهليكم نارا ويجب على
كل من استرشده ان يرشده ويبرهن له الحق وعلى هذا مضى السلف الصالح من عهد النبي صلى
الله عليه وسلم وبعده واما من استقرت نفسه إلى تصديق الرسول ولم تنازعه نفسه إلى طلب
دليل توفيقا من الله وتيسيرا فهم الذين قال الله في حقهم ولكن الله حبب إليكم الايمان وزينه في
قلوبكم الآية وقال فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام الآية وليس هؤلاء مقلدين
لآبائهم ولا لرؤسائهم لانهم لو كفر آباؤهم أو رؤساؤهم لم يتابعوهم بل يجدون النفرة عن
كل من سمعوا عنه ما يخالف الشريعة واما الآيات والأحاديث فإنما وردت في حق الكفار
الذين اتبعوا من نهوا عن اتباعه وتركوا اتباع من أمروا باتباعه وانما كلفهم الله الاتيان
ببرهان على دعواهم بخلاف المؤمنين فلم يرد قط انه أسقط اتباعهم حتى يأتوا بالبرهان وكل من
خالف الله ورسوله فلا برهان له أصلا وانما كلف الاتيان بالبرهان تبكيتا وتعجيزا واما من اتبع
الرسول فيما جاء به فقد اتبع الحق الذي أمر به وقامت البراهين على صحته سواء علم هو بتوجيه
ذلك البرهان أم لا وقول من قال منهم ان الله ذكر الاستدلال وامر به مسلم لكن هو فعل حسن
مندوب لكل من أطاقه وواجب على كل من لم تكن نفسه إلى التصديق كما تقدم تقريره وبالله
التوفيق وقال غيره قول من قال طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أحكم ليس بمستقيم لأنه
ظن أن طريقة السلف مجرد الايمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه في ذلك وان طريقه
الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات فجمع هذا القائل بين
الجهل بطريقة السلف والدعوى في طريقة الخلف وليس الامر كما ظن بل السلف في غاية المعرفة
بما يليق بالله تعالى وفي غاية التعظيم له والخضوع لامره والتسليم لمراده وليس من سلك طريق
الخلف واثقا بان الذي يتأوله هو المراد ولا يمكنه القطع بصحة تأويله واما قولهم في العلم فزادوا في
296

التعريف عن ضرورة أو استدلال وتعريف العلم انتهى عند قوله عليه فان أبوا الا الزيادة فليزدادوا
عن تيسير الله له ذلك وخلقه ذلك المعتقد في قلبه والا فالذي زادوه وهو محل النزاع فلا دلالة فيه
وبالله التوفيق وقال أبو المظفر بن السمعاني تعقب بعض أهل الكلام قول من قال إن السلف
من الصحابة والتابعين لم يعتنوا بإيراد دلائل العقل في التوحيد بأنهم لم يشتغلوا بالتعريفات في
احكام الحوادث وقد قبل الفقهاء ذلك واستحسنوه فدونوه في كتبهم فكذلك علم الكلام ويمتاز
علم الكلام بأنه يتضمن الرد على الملحدين وأهل الأهواء وبه تزول الشبهة عن أهل الزيغ ويثبت
اليقين لأهل الحق وقد علم الكل ان الكتاب لم تعلم حقيته والنبي لم يثبت صدقه الا بأدلة العقل
وأجاب اما أولا فان الشارع والسلف الصالح نهوا عن الابتداع وأمروا بالاتباع وصح عن
السلف انهم نهوا عن علم الكلام وعدوه ذريعة للشك والارتياب واما الفروع فلم يثبت عن
أحد منهم النهي عنها الا من ترك النص الصحيح وقدم عليه القياس وأما من اتبع النص وقاس
عليه فلا يحفظ عن أحد من أئمة السلف إنكار ذلك لان الحوادث في المعاملات لا تنقضى
وبالناس حاجة إلى معرفة الحكم فمن ثم تواردوا على استحباب الاشتغال بذلك بخلاف علم
الكلام واما ثانيا فان الدين كمل لقوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم فإذا كان اكمله وأتمه
وتلقاه الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأعتقده من تلقى عنهم واطمأنت به نفوسهم فأي
حاجة بهم إلى تحكيم العقول والرجوع إلى قضاياها وجعلها أصلا والنصوص الصحيحة الصريحة
تعرض عليها فتارة يعمل بمضمونها وتارة تحرف عن مواضعها لتوافق العقول وإذا كان الدين
قد كمل فلا تكون الزيادة فيه الا نقصانا في المعنى مثل زيادة أصبع في اليد فأنها تنقص قيمة
العبد الذي يقع به ذلك وقد توسط بعض المتكلمين فقال لا يكفي التقليد بل لا بد من دليل
ينشرح به الصدر وتحصل به الطمأنينة العلمية ولا يشترط ان يكون بطريق الصناعة الكلامية
بل يكفي في حق كل أحد بحسب ما يقتضيه فهمه انتهى والذي تقدم ذكره من تقليد
النصوص كاف في هذا القدر وقال بعضهم المطلوب من كل أحد التصديق الجزمي الذي لا ريب
معه بوجود الله تعالى والايمان برسله وبما جاؤوا به كيفما حصل وبأي طريق إليه يوصل ولو كان
عن تقليد محض إذا سلم من التزلزل قال القرطبي هذا الذي عليه أئمة الفتوى ومن قبلهم من أئمة
السلف واحتج بعضهم بما تقدم من القول في أصل الفطرة وبما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم
ثم الصحابة انهم حكموا بإسلام من أسلم من جفاة العرب ممن كان يعبد الأوثان فقبلوا منهم الاقرار
بالشهادتين والتزام أحكام الاسلام من غير الزام بتعلم الأدلة وإن كان كثير منهم انما أسلم لوجود
دليل ما فأسلم بسبب وضوحه له فالكثير منهم قد أسلموا طوعا من غير تقدم استدلال بل بمجرد ما كان
عندهم من أخبار أهل الكتاب بأن نبيا سيبعث وينتصر على من خالفه فلما ظهرت لهم العلامات
في محمد صلى الله عليه وسلم بادروا إلى الاسلام وصدقوه في كل شئ قاله ودعاهم إليه من الصلاة
والزكاة وغيرهما وكثير منهم كان يؤذن له في الرجوع إلى معاشه من رعاية الغنم وغيرها وكانت
أنوار النبوة وبركاتها تشملهم فلا يزالون يزدادون ايمانا ويقينا وقال أبو المظفر بن السمعاني
أيضا ما ملخصه ان العقل لا يوجب شيئا ولا يحرم شيئا ولاحظ له في شئ من ذلك ولو لم يرد الشرع بحكم
ما وجب على أحد شئ لقوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقوله لئلا يكون للناس
297

على الله حجة بعد الرسل وغير ذلك من الآيات فمن زعم أن دعوة رسل الله عليهم الصلاة والسلام
انما كانت لبيان الفروع لزمه ان يجعل العقل هو الداعي إلى الله دون الرسول ويلزمه ان وجود
الرسول وعدمه بالنسبة إلى الدعاء إلى الله سواء وكفى بهذا ضلالا ونحن لا ننكر ان العقل يرشد
إلى التوحيد وانما ننكر انه يستقل بايجاب ذلك حتى لا يصح إسلام الا بطريقه مع قطع النظر
عن السمعيات لكون ذلك خلاف ما دلت عليه آيات الكتاب والأحاديث الصحيحة التي تواترت ولو
بالطريق المعنوي ولو كان كما يقول أولئك لبطلت السمعيات التي لا مجال للعقل فيها أو أكثرها بل
يجب الايمان بما ثبت من السمعيات فان عقلناه فبتوفيق الله والا اكتفينا باعتقاد حقيته على
وفق مراد الله سبحانه وتعالى انتهى ويؤيد كلامه ما أخرجه أبو داود عن ابن عباس ان رجلا
قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنشدك الله آلله أرسلك ان نشهد ان لا إله إلا الله وان ندع
اللات والعزى قال نعم فأسلم واصله في الصحيحين في قصة ضمام بن ثعلبة وفي حديث عمرو بن
عبسة عند مسلم انه اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما أنت قال نبي الله قلت آلله أرسلك قال نعم
قلت بأي شئ قال أوحد الله لا أشرك به شيئا الحديث وفي حديث أسامة بن زيد في قصة قتله
الذي قال لا إله إلا الله فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وحديث المقداد في معناه وقد تقدما
في كتاب الديات وفي كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل وكسرى وغيرهما من الملوك يدعوهم
إلى التوحيد إلى غير ذلك من الأخبار المتواترة التواتر المعنوي الدال على أنه صلى الله عليه وسلم لم
يزد في دعائه المشركين على أن يؤمنوا بالله وحده ويصدقوه فيما جاء به عنه فمن فعل ذلك قبل منه
سواء كان اذعانه عن تقدم نظر أم لا ومن توقف منهم نبهه حينئذ على النظر أو أقام عليه الحجة إلى
أن يذعن أو يستمر على عناده وقال البيهقي في كتاب الاعتقاد سلك بعض أئمتنا في اثبات الصانع
وحدوث العالم طريق الاستدلال بمعجزات الرسالة فإنها أصل في وجوب قبول ما دعا إليه النبي صلى
الله عليه وسلم وعلى هذا الوجه وقع ايمان الذين استجابوا للرسل ثم ذكر قصة النجاشي وقول جعفر بن
أبي طالب له بعث الله إلينا رسولا نعرف صدقه فدعانا إلى الله وتلا علينا تنزيلا من الله لا يشبهه
شئ فصدقناه وعرفنا ان الذي جاء به الحق الحديث بطوله وقد أخرجه ابن خزيمة في كتاب الزكاة
من صحيحه من رواية ابن إسحاق وحاله معروفة وحديثه في درجة الحسن قال البيهقي فاستدلوا
باعجاز القرآن على صدق النبي فآمنوا بما جاء به من اثبات الصانع ووحدانيته وحدوث العالم وغير
ذلك مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن وغيره واكتفاء غالب من أسلم بمثل ذلك
مشهور في الاخبار فوجب تصديقه في كل شئ ثبت عنه بطريق السمع ولا يكون ذلك تقليدا بل
هو اتباع والله أعلم وقد استدل من اشترط النظر بالآيات والأحاديث الواردة في ذلك ولا حجة فيها
لان من لم يشترط النظر لم ينكر أصل النظر وانما أنكر توقف الايمان على وجود النظر بالطرق
الكلامية إذ لا يلزم من الترغيب في النظر جعله شرطا واستدل بعضهم بأن التقليد لا يفيد العلم إذ
لو افاده لكان العلم حاصلا لمن قلد في قدم العالم ولمن قلد في حدوثه وهو محال لافضائه إلى الجمع بين
النقيضين وهذا انما يتأتى في تقليد غير النبي صلى الله عليه وسلم واما تقليده صلى الله عليه وسلم فيما
أخبر به عن ربه فلا يتناقض أصلا واعتذر بعضهم عن اكتفاء النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة
بإسلام من أسلم من الاعراب من غير نظر بأن ذلك كان لضرورة المبادئ واما بعد تقرر الاسلام
298

وشهرته فيجب العمل بالأدلة ولا يخفى ضعف هذا الاعتذار والعجب أن من اشترط ذلك من أهل
الكلام ينكرون التقليد وهم أول داع إليه حتى استقر في الأذهان ان من أنكر قاعدة من
القواعد التي أصلوها فهو مبتدع ولو لم يفهمها ولم يعرف مأخذها وهذا هو محض التقليد فآل
أمرهم إلى تكفير من قلد الرسول عليه الصلاة والسلام في معرفة الله تعالى والقول بايمان من
قلدهم وكفى بهذا ضلالا وما مثلهم الا كما قال بعض السلف انهم كمثل قوم كانوا سفرا فوقعوا في
فلاة ليس فيها ما يقوم به البدن من المأكول والمشروب ورأوا فيها طرقا شتى فانقسموا قسمين
فقسم وجدوا من قال لهم انا عارف بهذه الطرق وطريق النجاة منها واحدة فاتبعوني فيها تنجوا
فتبعوه فنجوا وتخلفت عنه طائفة فأقاموا إلى أن وقفوا على إمارة ظهر لهم ان في العمل بها النجاة
فعملوا بها فنجوا وقسم هجموا بغير مرشد ولا امارة فهلكوا فليس نجاة من اتبع المرشد بدون
نجاة من اخذ بالامارة ان لم تكن أولى منها ونقلت من جزء الحافظ صلاح الدين العلائي يمكن ان
يفصل فيقال من لا له أهلية لفهم شئ من الأدلة أصلا وحصل له اليقين التام بالمطلوب اما بنشأته
على ذلك أو لنور يقذفه الله في قلبه فإنه يكتفى منه بذلك ومن فيه أهلية لفهم الأدلة لم يكتف منه
الا بالايمان عن دليل ومع ذلك فدليل كل أحد بحسبه وتكفى الأدلة المجملة التي تحصل بأدنى نظر
ومن حصلت عنده شبهة وجب عليه التعلم إلى أن تزول عنه قال فبهذا يحصل الجمع بين كلام
الطائفة المتوسطة واما من غلا فقال لا يكفي ايمان المقلد فلا يلتفت إليه لما يلزم منه من القول
بعدم ايمان أكثر المسلمين وكذا من غلا أيضا فقال لا يجوز النظر في الأدلة لما يلزم منه من أن
أكابر السلف لم يكونوا من أهل النظر انتهى ملخصا واستدل بقوله فإذا عرفوا الله بأن معرفة الله
بحقيقة كنهه ممكنة للبشر فإن كان ذلك مقيدا بما عرف به نفسه من وجوده وصفاته اللائقة من
العلم والقدرة والإرادة مثلا وتنزيهه عن كل نقيصة كالحدوث فلا بأس به فأما ما عدا ذلك فإنه غير
معلوم للبشر واليه الإشارة بقوله تعالى ولا يحيطون به علما فإذا حمل قوله فإذا عرفوا الله على ذلك
كان واضحا مع أن الاحتجاج به يتوقف على الجزم بأنه صلى الله عليه وسلم نطق بهذه اللفظة وفيه
نظر لان القصة واحدة ورواة هذا الحديث اختلفوا هل ورد الحديث بهذا اللفظ أو بغيره فلم يقل
صلى الله عليه وسلم الا بلفظ منها ومع احتمال ان يكون هذا اللفظ من تصرف الرواة لا يتم
الاستدلال وقد بينت في أواخر كتاب الزكاة ان الأكثر رووه بلفظ فادعهم إلى شهادة ان لا إله
إلا الله وأن محمدا رسول الله فان هم أطاعوا لك بذلك ومنهم من رواه بلفظ فادعهم إلى أن يوحدوا
الله فإذا عرفوا ذلك ومنهم من رواه بلفظ فادعهم إلى عبادة الله فإذا عرفوا الله ووجه الجمع بينها
ان المراد بالعبادة التوحيد والمراد بالتوحيد الاقرار بالشهادتين والإشارة بقوله ذلك إلى التوحيد
وقوله فإذا عرفوا الله أي عرفوا توحيد الله والمراد بالمعرفة الاقرار والطواعية فبذلك يجمع بين
هذه الألفاظ المختلفة في القصة الواحدة وبالله التوفيق وفي حديث ابن عباس من الفوائد غير
ما تقدم الاقتصار في الحكم بإسلام الكافر إذا أقر بالشهادتين فان من لازم الايمان بالله ورسوله
التصديق بكل ما ثبت عنهما والتزام ذلك فيحصل ذلك لمن صدق بالشهادتين واما ما وقع من بعض
المبتدعة من إنكار شئ من ذلك فلا يقدح في صحة الحكم الظاهر لأنه إن كان مع تأويل فظاهر
وإن كان عنادا قدح في صحة الاسلام فيعامل بما يترتب عليه من ذلك كاجراء أحكام المرتد وغير
299

ذلك وفيه قبول خبر الواحد ووجوب العمل به وتعقب بأن مثل خبر معاذ حفته قرينة أنه في
زمن نزول الوحي فلا يستوي مع سائر أخبار الآحاد وقد مضى في باب إجازة خبر الواحد ما يغني
عن اعادته وفيه ان الكافر إذا صدق بشئ من أركان الاسلام كالصلاة مثلا يصير بذلك مسلما
وبالغ من قال كل شئ يكفر به المسلم إذا جحده يصير الكافر به مسلما إذا اعتقده والأول أرجح كما
جزم به الجمهور وهذا في الاعتقاد اما الفعل كما لو صلى فلا يحكم بإسلامه وهو أولى بالمنع لان
الفعل لا عموم له فيدخله احتمال العبث والاستهزاء وفيه وجوب أخذ الزكاة ممن وجبت عليه
وقهر الممتنع على بذلها ولو لم يكن جاحدا فإن كان مع امتناعه ذا شوكة قوتل والا فان أمكن
تعزيره على الامتناع عزر بما يليق به وقد ورد في تعزيره بالمال حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن
جده مرفوعا ولفظه ومن منعها يعني الزكاة فانا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا
الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة والحاكم واما ابن حبان فقال في ترجمة
بهز بن حكيم لولا هذا الحديث لأدخلته في كتاب الثقات وأجاب من صححه ولم يعمل به بأن
الحكم الذي دل عليه منسوخ وان الامر كان أولا كذلك ثم نسخ وضعف النووي هذا الجواب
من جهة ان العقوبة بالمال لا تعرف أولا حتى يتم دعوى النسخ ولان النسخ لا يثبت الا بشرطه
كمعرفة التاريخ ولا يعرف ذلك واعتمد النووي ما أشار إليه ابن حبان من تضعيف بهز وليس
بجيد لأنه موثق عند الجمهور حتى قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين بهز بن حكيم عن أبيه
عن جده صحيح إذا كان دون بهز ثقة وقال الترمذي تكلم فيه شعبة وهو ثقة عند أهل الحديث
وقد حسن له الترمذي عدة أحاديث واحتج به أحمد وإسحاق والبخاري خارج الصحيح وعلق له في
الصحيح وقال أبو عبيد الآجري عن أبي داود وهو عندي حجة لا عند الشافعي فان اعتمد من قلد
الشافعي على هذا كفاه ويؤيده أطباق فقهاء الأمصار على ترك العمل به فدل على أن له معارضا
راجحا وقول من قال بمقتضاه يعد في ندرة المخالف وقد دل خبر الباب أيضا على أن الذي يقبض
الزكاة الامام أو من أقامه لذلك وقد أطبق الفقهاء بعد ذلك على أن لأرباب الأموال الباطنة
مباشرة الاخراج وشذ من قال بوجوب الدفع إلى الامام وهو رواية عن مالك وفي القديم
للشافعي نحوه على تفصيل عنهما فيه * الحديث الثاني حديث معاذ أيضا (قوله عن أبي
حصين) بفتح أوله واسمه عثمان بن عاصم الأسدي والأشعث بن سليم هو أشعث بن أبي
الشعثاء المحاربي وأبوه مشهور بكنيته أكثر من اسمه (قوله أتدري ما حق الله على
العباد) تقدم شرحه مستوفى في كتاب الرقاق ودخوله في هذا الباب من قوله لا تشركوا به
شيئا فإنه المراد بالتوحيد قال ابن التين يريد بقوله حق العباد على الله حقا علم من جهة الشرع
لا بايجاب العقل فهو كالواجب في تحقق وقوعه أو هو على جهة المقابلة والمشاكلة كقوله تعالى
فيسخرون منهم سخر الله منهم * الحديث الثالث (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس
وتقدم المتن في فضل قل هو الله أحد في كتاب فضائل القرآن ومن وجه آخر عن مالك مشروحا
وأورده هنا لما صرح به من وصف الله تعالى بالأحدية كما في الذي بعده وقوله هنا زاد إسماعيل
ابن جعفر تقدم هناك بزيادة راو في أوله فقال وزاد أبو معمر حدثنا إسماعيل بن جعفر وكذا وقع
هنا في بعض النسخ وفي بعضها وقال أبو معمر وتقدم هناك الاختلاف في المراد بأبي معمر هذا
300

وتسمية من وصله * الحديث الرابع حديث عمرة عن عائشة فيما يتعلق بسورة الاخلاص أيضا
وقد تقدم معلقا في فضائل القرآن (قوله حدثنا أحمد بن صالح) كذا للأكثر وبه جزم أبو نعيم في
المستخرج وأبو مسعود في الأطراف ووقع في الأطراف للمزي ان في بعض النسخ حدثنا محمد
حدثنا أحمد بن صالح (قلت) وبذلك جزم البيهقي تبعا لخلف في الاطراق قال خلف ومحمد هذا
أحسبه محمد بن يحيى الذهلي ووقع عند الإسماعيلي بعد أن ساق الحديث من رواية حرملة عن ابن
وهب ذكره البخاري عن محمد بلا خبر عن أحمد بن صالح فكأنه وقع عند الإسماعيلي بلفظ قال محمد
وعلى رواية الأكثر فمحمد هو البخاري المصنف والقائل قال محمد هو محمد الفربري وذكر الكرماني
هذا احتمالا (قلت) ويحتاج حينئذ إلى ابداء النكتة في إفصاح الفربري به في هذا الحديث دون
غيره من الأحاديث الماضية والآتية (قوله حدثنا عمرو) هو ابن الحرث المصري وابن أبي هلال
هو سعيد وسماه مسلم في روايته (قوله بعث رجلا على سرية) تقدم في باب الجمع بين السورتين في
ركعة من كتاب الصلاة بيان الاختلاف في تسميته وهل بينه وبين الذي كان يؤم قومه في مسجد
قباء مغايرة أو هما واحد وبيان ما يترجح من ذلك (قوله فيختم بقل هو الله أحد) قال ابن دقيق
العيد هذا يدل على أنه كان يقرأ بغيرها ثم يقرؤها في كل ركعة وهذا هو الظاهر ويحتمل ان يكون
المراد انه يختم بها آخر قراءته فيختص بالركعة الأخيرة وعلى الأول فيؤخذ منه جواز الجمع بين
سورتين في ركعة انتهى وقد تقدم البحث في ذلك في الباب المذكور من كتاب الصلاة بما يغني عن
اعادته (قوله لأنها صفة الرحمن) قال ابن التين انما قال إنها صفة الرحمن لان فيها أسماءه وصفاته
وأسماؤه مشتقة من صفاته وقال غيره يحتمل ان يكون الصحابي المذكور قال ذلك مستندا لشئ
سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم اما بطريق النصوصية واما بطريق الاستنباط وقد اخرج
البيهقي في كتاب الأسماء والصفات بسند حسن عن ابن عباس ان اليهود اتوا النبي صلى الله
عليه وسلم فقالوا صف لنا ربك الذي تعبده فأنزل الله عز وجل قل هو الله أحد إلى آخرها فقال هذه
صفة ربي عز وجل وعن أبي بن كعب قال قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم انسب لنا
ربك فنزلت سورة الاخلاص الحديث وهو عند ابن خزيمة في كتاب التوحيد وصححه الحاكم
وفيه انه ليس شئ يولد الا يموت وليس شئ يموت الا يورث والله لا يموت ولا يورث ولم يكن له شبه
ولا عدل وليس كمثله شئ قال البيهقي معنى قوله ليس كمثله شئ ليس كهو شئ قاله أهل اللغة
قال ونظيره قوله تعالى فان آمنوا بمثل ما آمنتم به يريد بالذي آمنتم به وهي قراءة ابن عباس قال
والكاف في قوله كمثله للتأكيد فنفى الله عنه المثلية بآكد ما يكون من النفي وأنشد لورقة بن نوفل
في زيد بن عمرو بن نفيل من أبيات * ودينك دين ليس دين كمثله * ثم أسند عن ابن عباس في
قوله تعالى وله المثل الاعلى يقول ليس كمثله شئ وفي قوله هل تعلم له سميا هل تعلم له شبها أو مثلا وفي
حديث الباب حجة لمن أثبت ان لله صفة وهو قول الجمهور وشذا بن حزم فقال هذه لفظة اصطلح
عليها أهل الكلام من المعتزلة ومن تبعهم ولم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من
أصحابه فان اعترضوا بحديث الباب فهو من افراد سعيد بن أبي هلال وفيه ضعف قال وعلى تقدير
صحته فقل هو الله أحد صفة الرحمن كما جاء في هذا الحديث ولا يزاد عليه بخلاف الصفة التي
يطلقونها فإنها في لغة العرب لا تطلق الاعلى جوهر أو عرض كذا قال وسعيد متفق على
301

الاحتجاج به فلا يلتفت إليه في تضعيفه وكلامه الأخير مردود باتفاق الجميع على اثبات
الأسماء الحسنى قال الله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وقال بعد أن ذكر منها عدة أسماء
في آخر سورة الحشر له الأسماء الحسنى والأسماء المذكورة فيها بلغة العرب صفات ففي اثبات
أسمائه اثبات صفاته لأنه إذا ثبت انه حي مثلا فقد وصف بصفة زائدة على الذات وهى صفة
الحياة ولولا ذلك لوجب الاقتصار على ما ينبئ عن وجود الذات فقط وقد قال سبحانه وتعالى
سبحان ربك رب العزة عما يصفون فنزه نفسه عما يصفونه به من صفة النقص ومفهومه ان وصفه
بصفة الكمال مشروع وقد قسم البيهقي وجماعة من أئمة السنة جميع الأسماء المذكورة في القرآن
وفي الأحاديث الصحيحة على قسمين أحدهما صفات ذاته وهي ما استحقه فيما لم يزل ولا يزال
والثاني صفات فعله وهي ما استحقه فيما لا يزال دون الأزل قال ولا يجوز وصفه الا بما دل عليه
الكتاب والسنة الصحيحة الثابتة أو أجمع عليه ثم منه ما اقترنت به دلالة العقل كالحياة والقدرة
والعلم والإرادة والسمع والبصر والكلام من صفات ذاته وكالخلق والرزق والاحياء والإماتة
والعفو والعقوبة من صفات فعله ومنه ما ثبت بنص الكتاب والسنة كالوجه واليد والعين من
صفات ذاته وكا لاستواء والنزول والمجئ من صفات فعله فيجوز اثبات هذه الصفات له
لثبوت الخبر بها على وجه ينفي عنه التشبيه فصفة ذاته لم تزل موجودة بذاته ولا تزال وصفة فعله
ثابتة عنه ولا يحتاج في الفعل إلى مباشرة انما امره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون وقال
القرطبي في المفهم اشتملت قل هو الله أحد على اسمين يتضمنان جميع أوصاف الكمال وهما الاحد
والصمد فإنهما يدلان على أحدية الذات المقدسة الموصوفة بجميع أوصاف الكمال فان الواحد
والاحد وان رجعا إلى أصل واحد فقد افترقا استعمالا وعرفا فالوحدة راجعة إلى نفي التعدد
والكثرة والواحد أصل العدد من غير تعرض لنفي ما عداه والاحد يثبت مدلوله ويتعرض
لنفي ما سواه ولهذا يستعملونه في النفي ويستعملون الواحد في الاثبات يقال ما رأيت أحدا ورأيت
واحدا فالأحد في أسماء الله تعالى مشعر بوجوده الخاص به الذي لا يشاركه فيه غيره واما الصمد
فإنه يتضمن جميع أوصاف الكمال لان معناه الذي انتهى سؤدده بحيث يصمد إليه في الحوائج
كلها وهو لا يتم حقيقة الا لله قال ابن دقيق العيد قوله لأنها صفة الرحمن يحتمل ان يكون
مراده ان فيها ذكر صفة الرحمن كما لو ذكر وصف فعبر عن الذكر بأنه الوصف وان لم يكن نفس
الوصف ويحتمل غير ذلك الا انه لا يختص ذلك بهذه السورة لكن لعل تخصيصها بذلك لأنه ليس
فيها الا صفات الله سبحانه وتعالى فاختصت بذلك دون غيرها (قوله أخبروه أن الله يحبه) قال
ابن دقيق العيد يحتمل ان يكون سبب محبه الله له محبة لهذه الصورة ويحتمل ان يكون لما دل
عليه كلامه لان محبته لذكر صفات الرب دالة على صحة اعتقاده قال المازري ومن تبعه محبة الله
لعباده ارادته ثوابهم وتنعيمهم وقيل هي نفس الإثابة والتنعيم ومحبتهم له لا يبعد فيها الميل منهم
إليه وهو مقدس عن الميل وقيل محبتهم له استقامتهم على طاعته والتحقيق ان الاستقامة ثمرة
المحبة وحقيقة المحبة له ميلهم إليه لاستحقاقه سبحانه المحبة من جميع وجوهها انتهى وفيه نظر لما
فيه من الاطلاق في موضع التقييد وقال ابن التين معنى محبة المخلوقين لله ارادتهم ان ينفعهم
وقال القرطبي في المفهم محبة الله لعبده تقريبه له واكرامه وليست بميل ولا غرض كما هي من العبد
302

وليست محبة العبد لربه نفس الإرادة بل هي شئ زائد عليها فان المرء يجد من نفسه انه يحب ما لا
يقدر على اكتسابه ولا على تحصيله والإرادة هي التي تخصص الفعل ببعض وجوهه الجائزة ويحس
من نفسه انه يحب الموصوفين بالصفات الجميلة والافعال الحسنة كالعلماء والفضلاء والكرماء
وان لم يتعلق له بهم إرادة مخصصة وإذا صح الفرق فالله سبحانه وتعالى محبوب لمحبيه على حقيقة
المحبة كما هو معروف عند من رزقه الله شيئا من ذلك فنسأل الله تعالى ان يجعلنا من محبيه المخلصين
وقال البيهقي المحبة والبغض عند بعض أصحابنا من صفات الفعل فمعنى محبته اكرام من أحبه
ومعنى بغضه اهانته واما ما كان من المدح والذم فهو من قوله وقوله من كلامه وكلامه من صفات
ذاته فيرجع إلى الإرادة فمحبته الخصال المحمودة وفاعلها يرجع إلى ارادته اكرامه وبغضه الخصال
المذمومة وفاعلها يرجع إلى ارادته اهانته * (قوله باب قول الله تبارك وتعالى قل ادعوا
الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى) ذكر فيه حديث جرير لا يرحم الله من لا يرحم
الناس وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الأدب وحديث أسامة بن زيد في قصة ولد بنت رسول الله
صلى الله عليه وسلم ورضى عنها وفيه ففاضت عيناه وفيه هذه رحمة جعلها الله تعالى في قلوب عباده
وانما يرحم الله من عباده الرحماء وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الجنائز قال ابن بطال غرضه
في هذا الباب اثبات الرحمة وهي من صفات الذات فالرحمن وصف وصف الله تعالى به نفسه وهو
متضمن لمعنى الرحمة كما تضمن وصفه بأنه عالم معنى العلم إلى غير ذلك قال والمراد برحمته ارادته نفع
من سبق في علمه انه ينفعه قال وأسماؤه كلها ترجع إلى ذات واحدة وان دل كل واحد منها على صفة
من صفاته يختص الاسم بالدلالة عليها واما الرحمة التي جعلها في قلوب عباده فهي من صفات
الفعل وصفها بأنه خلقها في قلوب عباده وهي رقة على المرحوم وهو سبحانه وتعالى منزه عن الوصف
بذلك فتتأول بما يليق به وقال ابن التين الرحمن والرحيم مشتقان من الرحمة وقيل هما اسمان
من غير اشتقاق وقيل يرجعان إلى معنى الإرادة فرحمته ارادته تنعيم من يرحمه وقيل راجعان
إلى تركه عقاب من يستحق العقوبة وقال الحليمي معنى الرحمن انه مزيح العلل لأنه لما أمر
بعبادته بين حدودها وشروطها فبشر وانذر وكلف ما تحمله بنيتهم فصارت العلل عنهم مزاحة
والحجج منهم منقطعة قال ومعنى الرحيم انه المثيب على العمل فلا يضيع لعامل أحسن عملا بل
يثيب العامل بفضل رحمته أضعاف عمله وقال الخطابي ذهب الجمهور إلى أن الرحمن مأخوذ
من الرحمة مبني على المبالغة ومعناه ذو الرحمة لا نظير له فيها ولذلك لا يثنى ولا يجمع واحتج له البيهقي
بحديث عبد الرحمن بن عوف وفيه خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي (قلت) وكذا حديث
الرحمة الذي اشتهر بالمسلسل بالأولية أخرجه البخاري في التاريخ وأبو داود والترمذي والحاكم من
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ الراحمون يرحمهم الرحمن الحديث ثم قال الخطابي
فالرحمن ذو الرحمة الشاملة للخلق والرحيم فعيل بمعنى فاعل وهو خاص بالمؤمنين قال تعالى وكان
بالمؤمنين رحيما وأورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال الرحمن والرحيم اسمان رقيقان
أحدهما أرق من الآخر وعن مقاتل انه نقل عن جماعة من التابعين مثله وزاد فالرحمن بمعنى
المترحم والرحيم بمعنى المتعطف ثم قال الخطابي لا معنى لدخول الرقة في شئ من صفات الله تعالى
وكأن المراد بها اللطف ومعناه الغموض لا الصغر الذي هو من صفات الأجسام (قلت) والحديث
303

المذكور عن ابن عباس لا يثبت لأنه من رواية الكلبي عن أبي صالح عنه والكلبي متروك
الحديث وكذلك مقاتل ونقل البيهقي عن الحسين بن المفضل البجلي انه نسب راوي حديث ابن
عباس إلى التصحيف وقال انما هو الرفيق بالفاء وقواه البيهقي بالحديث الذي أخرجه مسلم عن
عائشة مرفوعا ان الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه مالا يعطي على العنف وأورد له شاهدا من
حديث عبد الله بن مغفل ومن طريق عبد الرحمن بن يحيى ثم قال والرحمن خاص في التسمية عام
في الفعل والرحيم عام في التسمية خاص في الفعل واستدل بهذه الآية على أن من حلف باسم من
أسماء الله تعالى كالرحمن والرحيم انعقدت يمينه وقد تقدم في موضعه وعلى ان الكافر إذا أقر
بالوحدانية للرحمن مثلا حكم بإسلامه وقد خص الحليمي من ذلك ما يقع به الاشتراك كما لو قال
الطبائعي لا اله الا المحيي المميت فإنه لا يكون مؤمنا حتى يصرح باسم لا تأويل فيه ولو قال من
ينسب إلى التجسيم من اليهود لا اله الا الذي في السماء لم يكن مؤمنا كذلك الا إن كان عاميا لا يفقه
معنى التجسيم فيكتفى منه بذلك كما في قصة الجارية التي سألها النبي صلى الله عليه وسلم أنت
مؤمنة قالت نعم قال فأين الله قالت في السماء فقال أعتقها فإنها مؤمنة وهو حديث صحيح
أخرجه مسلم وان من قال لا اله الا الرحمن حكم بإسلامه الا ان عرف أنه قال ذلك عنادا وسمى غير
الله رحمانا كما وقع لأصحاب مسيلمة الكذاب قال الحليمي ولو قال اليهودي لا إله إلا الله لم يكن
مسلما حتى يقر بأنه ليس كمثله شئ ولو قال الوثني لا إله إلا الله وكان يزعم أن الصنم يقربه إلى الله
لم يكن مؤمنا حتى يتبرأ من عبادة الصنم * (تنبيهان) * أحدهما الذي يظهر من تصرف البخاري
في كتاب التوحيد انه يسوق الأحاديث التي وردت في الصفات المقدسة فيدخل في كل حديث منها
في باب ويؤيده بآية من القرآن للإشارة إلى خروجها عن أخبار الآحاد على طريق التنزل في ترك
الاحتجاج بها في الاعتقاديات وانه من أنكرها خالف الكتاب والسنة جميعا وقد اخرج ابن أبي
حاتم في كتاب الرد على الجهمية بسند صحيح عن سلام بن أبي مطيع وهو شيخ شيوخ البخاري انه
ذكر المبتدعة فقال ويلهم ماذا ينكرون من هذه الأحاديث والله ما في الحديث شئ الا وفي
القرآن مثله يقول الله تعالى ان الله سميع بصير ويحذركم الله نفسه والأرض جميعا قبضته يوم
القيامة والسماوات مطويات بيمينه ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي وكلم الله موسى تكليما
الرحمن على العرش استوى ونحو ذلك فلم يزل أي سلام بن مطيع يذكر الآيات من العصر إلى
غروب الشمس وكأنه لمح في هذه الترجمة بهذه الآية إلى ما ورد في سبب نزولها وهو ما أخرجه ابن
مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس ان المشركين سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو
يا الله يا رحمن فقالوا كان محمد يأمرنا بالدعاء اله واحد وهو يدعو الهين فنزلت وأخرج عن عائشة
بسند آخر نحوه الثاني قوله في السند الأول حدثنا محمد كذا للأكثر قال الكرماني تبعا لأبي
علي الجياني هو اما ابن سلام واما ابن المثنى انتهى وقد وقع التصريح بأنه ابن سلام في رواية أبي ذر
عن شيوخه فتعين الجزم به كما صنع المزي في الأطراف فإنه قال ح عن محمد وهو ابن سلام (قلت)
ويؤيده انه عبر بقوله أنبأنا أبو معاوية ولو كان ابن المثنى لقال حدثنا لما عرف من عادة كل منهما
والله أعلم * (قوله باب قول الله تعالى ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين) كذا لأبي ذر
والأصيلي والحفصوي على وفق القراءة المشهورة وكذا هو عند النسفي وعليه جرى الإسماعيلي
304

ووقع في رواية القابسي اني انا الرزاق آخره وعليه جرى ابن بطال وتبعه ابن المنير والكرماني
وجزم به الصغاني وزعم أن الذي وقع عند أبي ذر وغيره من تغييرهم لظنهم انه خلاف القراءة
قال وقد ثبت ذلك قراءة عن ابن مسعود (قلت) وذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه كذلك كما
أخرجه أحمد وأصحاب السنن وصححه الحاكم من طريق عبد الرحمن بن يزيد النخعي عن ابن
مسعود قال أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال أهل التفسير المعنى في وصفه بالقوة
انه القادر بليغ الاقتدار على كل شئ (قوله عن أبي حمزة) بالمهملة والزاي هو السكري وفي
السند ثلاثة من التابعين في نسق كلهم كوفيون (قوله ما أحد اصبر على أذى سمعه من الله)
الحديث تقدم شرحه في كتاب الأدب والغرض منه قوله هنا ويرزقهم وقوله يدعون بسكون الدال
وجاء تشديدها قال ابن بطال تضمن هذا الباب صفتين لله تعالى صفة ذات وصفة فعل فالرزق
فعل من أفعاله تعالى فهو من صفات فعله لان رازقا يقتضي مرزوقا والله سبحانه وتعالى كان
ولا مرزوق وكل ما لم يكن ثم كان فهو محدث والله سبحانه موصوف بأنه الرزاق ووصف نفسه بذلك
قبل خلق الخلق بمعنى أنه سيرزق إذا خلق المرزوقين والقوة من صفات الذات وهي بمعنى القدرة
ولم يزل سبحانه وتعالى ذا قوة وقدرة ولم تزل قدرته موجودة قائمة به موجبة له حكم القادرين والمتين
بمعنى القوي وهو في اللغة الثابت الصحيح وقال البيهقي القوي التام القدرة لا ينسب إليه عجز في
حالة من الأحوال ويرجع معناه إلى القدرة والقادر هو الذي له القدرة الشاملة والقدرة صفة له
قائمة بذاته والمقتدر هو التام القدرة الذي لا يمتنع عليه شئ وفي الحديث رد على من قال إنه قادر
بنفسه لا بقدرة لان القوة بمعنى القدرة وقد قال تعالى ذو القوة وزعم المعتزلي ان المراد بقوله
ذو القوة الشديد القوة والمعنى في وصفه بالقوة والمتانة انه القادر البليغ الاقتدار فجرى على
طريقتهم في أن القدرة صفة نفسية خلافا لقول أهل السنة انها صفة قائمة به متعلقة بكل مقدور
وقال غيره كون القدرة قديمة وافاضة الرزق حادثة لا يتنافيان لان الحادث هو التعلق وكونه
رزق المخلوق بعد وجوده لا يستلزم التغير فيه لان التغير في التعلق فان قدرته لم تكن متعلقة
بإعطاء الرزق بل بكونه سيقع ثم لما وقع تعلقت به من غير أن تتغير الصفة في نفس الامر ومن ثم نشأ
الاختلاف هل القدرة من صفات الذات أو من صفات الافعال فمن نظر في القدرة إلى الاقتدار
على ايجاد الرزق قال هي صفة ذات قديمة ومن نظر إلى تعلق القدرة قال هي صفة فعل حادثة ولا
استحالة في ذلك في الصفات الفعلية والإضافية بخلاف الذاتية وقوله في الحديث اصبر افعل
تفضيل من الصبر ومن أسمائه الحسنى سبحانه وتعالى الصبور ومعناه الذي لا يعاجل العصاة
بالعقوبة وهو قريب من معنى الحليم والحليم أبلغ في السلامة من العقوبة والمراد بالأذى أذى
رسله وصالحي عباده لاستحالة تعلق أذى المخلوقين به لكونه صفة نقص وهو منزه عن كل نقص
ولا يؤخر النقمة قهرا بل تفضلا وتكذيب الرسل في نفي الصاحبة والولد عن الله أذى لهم فأضيف
الأذى لله تعالى للمبالغة في الانكار عليهم والاستعظام لمقالتهم ومنه قوله تعالى ان الذين يؤذون
الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة فان معناه يؤذون أولياء الله وأولياء رسوله فأقيم المضاف
مقام المضاف إليه قال ابن المنير وجه مطابقة الآية للحديث اشتماله على صفتي الرزق والقوة
الدالة على القدرة اما الرزق فواضح من قوله ويرزقهم واما القوة فمن قوله اصبر فان فيه إشارة إلى
305

القدرة على الاحسان إليهم مع إساءتهم بخلاف طبع البشر فإنه لا يقدر على الاحسان إلى المسئ
الا من جهة تكلفه ذلك شرعا وسبب ذلك أن خوف الفوت يحمله على المسارعة إلى المكافأة
بالعقوبة والله سبحانه وتعالى قادر على ذلك حالا ومآلا لا يعجزه شئ ولا يفوته * (قوله باب
قول الله تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا وان الله عنده علم الساعة وانزله بعلمه وما
تحمل من أنثى ولا تضع الا بعلمه إليه رد علم الساعة) اما الآية الأولى فسيأتي شئ من الكلام
عليها في آخر شرحه واما الآية الثانية فمضى الكلام عليها في تفسير سورة لقمان عند شرح حديث
ابن عمر المذكور هنا واما الآية الثالثة فمن الحجج البينة في اثبات العلم لله وحرفه المعتزلي نصرة
لمذهبه فقال أنزله ملتبسا بعلمه الخاص وهو تأليفه على نظم وأسلوب يعجز عنه كل بليغ وتعقب
بأن نظم العبارات ليس هو نفس العلم القديم بل دال عليه ولا ضرورة تحوج إلى الحمل على غير
الحقيقة التي هي الاخبار عن علم الله الحقيقي وهو من صفات ذاته وقال المعتزلي أيضا أنزله بعلمه
وهو عالم فأول علمه بعالم فرارا من اثبات ا لعلم له مع تصريح الآية به وقد قال تعالى ولا يحيطون
بشئ من علمه الا بما شاء وتقدم في قصة موسى والخضر ما علمي وعلمك في علم الله ووقع في حديث
الاستخارة الماضي في الدعوات اللهم إني استخيرك بعلمك واما الآية الرابعة فهي كالأولى في اثبات
العلم وأصرح وقال المعتزلي قوله بعلمه في موضع الحال أي لا معلومة بعلمه فتعسف فيما أول وعدل
عن الظاهر بغير موجب وأما الآية الخامسة فقال الطبري معناها لا يعلم متى وقت قيامها غيره
فعلى هذا فالتقدير إليه يرد علم وقت الساعة قال ابن بطال في هذه الآيات اثبات علم الله تعالى وهو
من صفات ذاته خلافا لمن قال إنه عالم بلا علم ثم إذا ثبت ان علمه قديم وجب تعلقه بكل معلوم على
حقيقته بدلالة هذه الآيات وبهذا التقرير يرد عليهم في القدرة والقوة والحياة وغيرها وقال غيره
ثبت ان الله مريد بدليل تخصيص الممكنات بوجود ما وجد منها بدلا من عدمه وعدم المعدوم
منها بدلا من وجوده ثم اما ان يكون فعله لها بصفة يصح منه بها التخصيص والتقديم والتأخير أولا
والثاني لو كان فاعلا لها لا بالصفة المذكورة لزم صدور الممكنات عنه صدروا واحدا بغير تقديم
وتأخير ولا تطوير ولكان يلزم قدمها ضرورة استحالة تخلف المقتضي على مقتضاه الذاتي فيلزم
كون الممكن واجبا والحادث قديما وهو محال فثبت انه فاعل بصفة يصح منه بها التقديم
والتأخير فهذا برهان المعقول واما برهان المنقول فآي من القرآن كثيرة كقوله تعالى ان ربك
فعال لما يريد ثم الفاعل للمصنوعات بخلقه بالاختيار يكون متصفا بالعلم والقدرة لان الإرادة
وهي الاختيار مشروطة بالعلم بالمراد ووجود المشروط بدون شرطه محال ولان المختار للشئ إن كان
غيره قادرا عليه تعذر عليه صدور مختاره ومراده ولما شوهدت المصنوعات صدرت عن
فاعلها المختار من غير تعذر علم قطعنا انه قادر على ايجادها وسيأتي مزيد الكلام في الإرادة في باب
المشيئة والإرادة بعد نيف وعشرين بابا وقال البيهقي بعد أن ذكر الآيات المذكورة في الباب
وغيرها مما هو في معناها كان أبو إسحاق الأسفرايني يقول معنى العليم يعلم المعلومات ومعنى
الخبير يعلم ما كان قبل ان يكون ومعنى الشهيد يعلم الغائب كما يعلم الحاضر ومعنى المحصي لا تشغله
الكثرة عن العلم وساق عن ابن عباس في قوله تعالى يعلم السر وأخفى قال يعلم ما أسر العبد في نفسه
وما اخفى عنه مما سيفعله قبل ان يفعله ومن وجه آخر عن ابن عباس قال يعلم السر الذي في
306

نفسك ويعلم ما ستعمل غدا (قوله قال يحيى الظاهر على كل شئ علما والباطن على كل شئ علما)
يحيى هذا هو ابن زياد الفراء النحوي المشهور ذكر ذلك في كتاب معاني القرآن له وقال غيره
معنى الظاهر الباطن العالم بظواهر الأشياء وبواطنها وقيل الظاهر بالأدلة الباطن بذاته وقيل
الظاهر بالعقل الباطن بالحس وقيل معنى الظاهر العالي على كل شئ لان من غلب على شئ ظهر
عليه وعلاه والباطن الذي بطن في كل شئ أي علم باطنه وشمل قوله أي كل شئ علم ما كان وما
سيكون على سبيل الاجمال والتفصيل لان خالق المخلوقات كلها بالاختيار متصف بالعلم بهم
والاقتدار عليهم اما أولا فلان الاختيار مشروط بالعلم ولا يوجد المشروط دون شرطه واما ثانيا
فلان المختار للشئ لو كان غير قادر عليه لتعذر مراده وقد وجدت بغير تعذر فدل على أنه قادر على
ايجادها وإذا تقرر ذلك لم يتخصص علمه في تعلقه بمعلوم دون معلوم لوجوب قدمه المنافي لقبول
التخصيص فثبت انه يعلم الكليات لأنها معلومات والجزئيات لأنها معلومات أيضا ولأنه مريد
لإيجاد الجزئيات والإرادة للشئ المعين اثباتا ونفيا مشروطة بالعلم بذلك المراد الجزئي فيعلم
المرئيات للرائين ورؤيتهم لها على الوجه الخاص وكذا المسموعات وسائر المدركات لما علم ضرورة
من وجوب الكمال له وأضداد هذه الصفات نقص والنقص ممتنع عليه سبحانه وتعالى وهذا القدر
كاف من الأدلة العقلية وضل من زعم من الفلاسفة انه سبحانه وتعالى يعلم الجزئيات على الوجه
الكلي لا الجزئي واحتجوا بأمور فاسدة منها ان ذلك يؤدي إلى محال وهو تغير العلم فان الجزئيات
زمانية تتغير بتغير الزمان والأحوال والعلم تابع للمعلومات في الثبات والتغير فيلزم تغير علمه والعلم
قائم بذاته فتكون محلا للحوادث وهو محال والجواب ان التغير انما وقع في الحوال الإضافية
وهذا مثل رجل قام عن يمين الأسطوانة ثم عن يسارها ثم امامها ثم خلفها فالرجل هو الذي
يتغير والأسطوانة بحالها فالله سبحانه وتعالى عالم بما كنا عليه أمس وبما نحن عليه الآن وبما
نكون عليه غدا وليس هذا خبرا عن تغير علمه بل التغير جار على أحوالنا وهو عالم في جميع
الأحوال على حد واحد واما السمعية فالقرآن العظيم طافح بما ذكرنا مثل قوله تعالى أحاط
بكل شئ علما وقال لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر
وقال تعالى إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع
الا بعلمه وقوله تعالى وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من
ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين ولهذه النكتة
اورد المصنف حديث ابن عمر في مفاتيح الغيب وقد تقدم شرحه في كتاب التفسير ثم ذكر حديث
عائشة مختصرا وقوله فيه ومن حدثك انه يعلم الغيب فقد كذب وهو يقول لا يعلم الغيب الا الله
كذا وقع في هذه الرواية عن ومحمد بن يوسف وهو الفريابي عن سفيان وهو الثوري عن إسماعيل
وهو ابن أبي خالد وقد تقدم في تفسير سورة النجم من طريق وكيع عن إسماعيل بلفظ ومن
حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وذكر هذه الآية
أنسب في الباب لموافقته حديث ابن عمر الذي قبله لكنه جرى على عادته التي أكثر منها
من اختيار الإشارة على صريح العبارة وتقدم شرح ما يتعلق بالرؤية في تفسير سورة النجم وما
يتعلق بعلم الغيب في تفسير سورة لقمان وتقدم في تفسير سورة المائدة بهذا السند من حدثك
307

ان محمدا كتم شيئا وأحلت بشرحه على كتاب التوحيد وسأذكره إن شاء الله تعالى في باب يا أيها
الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك ونقل ابن التين عن الداودي قال قوله في هذا الطريق من
حدثك ان محمدا يعلم الغيب ما أظنه محفوظا وما أحد يدعي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يعلم من الغيب الا ما علم انتهى وليس في الطريق المذكورة هنا التصريح بذكر محمد صلى الله عليه
وسلم وانما وقع فيه بلفظ من حدثك انه يعلم وأظنه بنى على أن الضمير في قول عائشة من حدثك
انه لمحمد صلى الله عليه وسلم لتقدم ذكره في الذي قبله حيث قالت من حدثك ان محمدا رأى ربه ثم
قالت من حدثك انه يعلم ما في غد ويعكر عليه انه وقع في رواية إبراهيم النخعي عن مسروق
عن عائشة قالت ثلاث من قال واحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية من زعم أنه يعلم ما في غد
الحديث أخرجه النسائي وظاهر هذا السياق ان الضمير للزاعم ولكن ورد التصريح بأنه لمحمد
صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه ابن خزيمة وابن حبان من طريق عبد ربه بن سعيد عن داود بن أبي
هند عن الشعبي بلفظ أعظم الفرية على الله من قال إن محمدا رأى ربه وأن محمدا كتم شيئا من
الوحي وأن محمدا يعلم ما في غد وهو عند مسلم من طريق إسماعيل بن إبراهيم عن داود وسياقه أتم
ولكن قال فيه ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد هكذا بالضمير كما في رواية إسماعيل معطوفا على
من زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئا وما ادعاه من النفي متعقب فان بعض من لم يرسخ
في الايمان كان يظن ذلك حتى كان يرى أن صحة النبوة تستلزم اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم
على جميع المغيبات كما وقع في المغازي لابن إسحاق ان ناقة النبي صلى الله عليه وسلم ضلت فقال
زيد بن اللصيت بصاد مهملة وآخره مثناة وزن عظيم يزعم محمد أنه نبي ويخبركم عن خبر السماء
وهو لا يدري أين ناقته فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان رجلا يقول كذا وكذا واني والله لا أعلم
الا ما علمني الله وقد دلني الله عليها وهي في شعب كذا قد حبستها شجرة فذهبوا فجاءوه بها فاعلم النبي
صلى الله عليه وسلم انه لا يعلم من الغيب الا ما علمه الله وهو مطابق لقوله تعالى فلا يظهر على غيبه
أحدا الا من ارتضى من رسول الآية وقد اختلف في المراد بالغيب فيها فقيل هو على عمومه وقيل
ما يتعلق بالوحي خاصة وقيل ما يتعلق بعلم الساعة وهو ضعيف لما تقدم في تفسير لقمان ان علم
الساعة مما استأثر بعلمه الا ان ذهب قائل ذلك إلى أن الاستثناء منقطع وقد تقدم ما يتعلق
بالغيب هناك قال الزمخشري في هذه الآية ابطال الكرامات لان الذين يضاف إليهم وان كانوا
أولياء مرتضين فليسوا برسل وقد خص الله الرسل من بين المرتضعين بالاطلاع على الغيب وتعقب
بما تقدم وقال الامام فخر الدين قوله على غيبه لفظ مفرد وليس فيه صيغة عموم فيصح ان يقال إن
الله لا يظهر على غيب واحد من غيوبه أحدا الا الرسل فيحمل على وقت وقوع القيامة ويقويه
ذكرها عقب قوله أقريب ما توعدون وتعقب بأن الرسل لم يظهروا على ذلك وقال أيضا يجوز ان
يكون الاستثناء منقطعا أي لا يظهر على غيبه المخصوص أحدا لكن من ارتضى من رسول
فإنه يجعل له حفظه وقال القاضي البيضاوي يخصص الرسول بالملك في اطلاعه على الغيب
والأولياء يقع لهم ذلك بالالهام وقال ابن المنير دعوى الزمخشري عامة ودليله خاص فالدعوة
امتناع الكرامات كلها والدليل يحتمل ان يقال ليس فيه الا نفي الاطلاع على الغيب بخلاف
سائر الكرمات انتهى وتمامه ان يقال المراد بالاطلاع على الغيب علم ما سيقع قبل ان يقع على
308

تفصيله فلا يدخل في هذا ما يكشف لهم عن الأمور المغيبة عنهم وما لا يخرق لهم من العادة
كالمشي على الماء وقطع المسافة البعيدة في مدة لطيفة ونحو ذلك وقال الطيبي الأقرب تخصيص
الاطلاع بالظهور والخفاء فاطلاع الله الأنبياء على المغيب أمكن ويدل عليه حرف الاستعلاء
في علي غيبه فيضمن يظهر معنى يطلع فلا يظهر على غيبه إظهارا تاما وكشفا جليا الا لرسول
يوحى إليه مع ملك وحفظة ولذلك قال فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا وتعليله بقوله
ليعلم ان قد أبلغوا رسالات ربهم واما الكرامات فهي من قبيل التلويح واللمحات وليسوا
في ذلك كالأنبياء وقد جزم الأستاذ أبو إسحاق بان كرامات الأولياء لا تضاهي ما هو معجزة للأنبياء
وقال أبو بكر بن فورك الأنبياء مأمورون باظهارها والولي يجب عيه اخفاؤها والنبي يدعى
ذلك بما يقطع به بخلاف الولي فإنه لا يأمن الاستدراج وفي الآية رد على المنجمين وعلى كل من
يدعي انه يطلع على ما سيكون من حياة أو موت أو غير ذلك لأنه مكذب للقرآن وهم أبعد شئ
من الارتضاء مع سلب صفة الرسلية عنهم وقوله في أول حديث ابن عمر مفاتيح الغيب إلى أن قال
لا يعلم ما تغيض الأرحام الا الله فوقع في معظم الروايات لا يعلم ما في الأرحام الا الله واختلف
في معنى الزيادة والنقصان على أقوال فقيل ما ينقص من الخلقة وما يزداد فيها وقيل ما ينقص
من التسعة الأشهر في الحمل وما يزداد في النفاس إلى الستين وقيل ما ينقص بظهور الحيض في
الحبل بنقص الولد وما يزداد على التسعة الأشهر بقدر ما حاضت وقيل ما ينقص في الحمل بانقطاع
الحيض وما يزداد بدم النفاس من بعد الوضع وقيل ما ينقص من الأولاد قبل وما يزداد من
الأولاد بعد وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به استعار للغيب مفاتيح اقتداء بما نطق به
الكتاب العزيز وعنده مفاتح الغيب وليقرب الامر على السامع لان أمور الغيب لا يحصيها
الا عالمها وأقرب الأشياء إلى الاطلاع على ما غاب الأبواب والمفاتيح أيسر الأشياء لفتح الباب فإذا
كان أيسر الأشياء لا يعرف موضعها فما فوقها أحرى ان لا يعرف قال والمراد بنفي العلم عن
الغيب الحقيقي فان لبعض الغيوب أسبابا قد يستدل بها عليها لكن ليس ذلك حقيقيا قال فلما
كان جميع ما في الوجود محصورا في علمه شبهه المصطفى بالمخازن واستعار لبابها المفتاح وهو كما قال
تعالى وان من شئ الا عندنا خزائنه قال والحكمة في جعلها خمسا الإشارة إلى حصر العوالم فيها
ففي قوله وما تغيض الأرحام إشارة إلى ما يزيد في النفس وينقص وخص الرحم بالذكر لكون
الأكثر يعرفونها بالعادة ومع ذلك فنفى ان يعرف أحد حقيقتها فغيرها بطريق الأولى وفي قوله
ولا يعلم متى يأتي المطر إشارة إلى أمور العالم العلوي وخص المطر مع أن له أسبابا قد تدل بجري
العادة على وقوعه لكنه من غير تحقيق وفي قوله ولا تدري نفس بأي أرض تموت إشارة إلى أمور
العالم السفلي مع أن عادة أكثر الناس ان يموت ببلده ولكن ليس ذلك حقيقة بل لو مات في بلده
لا يعلم في أي بقعة يدفن منها ولو كان هناك مقبرة لاسلافه بل قبر أعده هو له وفي قوله ولا يعلم
ما في غد الا الله إشارة إلى أنواع الزمان وما فيها من الحوادث وعبر بلفظ غد لتكون حقيقته
أقرب الأزمنة وإذا كان مع قربه لا يعلم حقيقة ما يقع فيه مع إمكان الامارة والعلامة فما بعد
عنه أولى وفي قوله ولا يعلم متى تقوم الساعة الا الله إشارة إلى علوم الآخرة فان يوم القيامة أولها
وإذا نفى علم الأقرب انتفى علم ما بعده فجمعت الآية أنواع الغيوب وأزالت جميع الدعاوى الفاسدة
309

وقد بين بقوله تعالى في الآية الأخرى وهي قوله تعالى فلا يظهر على غيبه أحدا الا من ارتضى
من رسول ان الاطلاع على شئ من هذه الأمور لا يكون الا بتوفيق (1) انتهى ملخصا (قوله
باب قول الله تعالى السلام المؤمن) كذا للجميع وزاد ابن بطال المهيمن وقال غرضه
بهذا الباب اثبات أسماء من أسماء الله تعالى ثم ذكر بعض ما ورد في معانيها وفيما ذكره نظر سلمنا
لكن وظيفة الشارح بيان وجه تخصيص هذه الأسماء الثلاثة بالذكر دون غيرها وافرادها بترجمة
ويمكن ان يكون أراد بهذا القدر جميع الآيات الثلاث المذكورة في آخر سورة الحشر بأنها
ختمت بقوله تعالى له الأسماء الحسنى وقد قال في سورة الأعراف ولله الأسماء الحسنى فادعوه
بها فكأنه بعد اثبات حقيقة القدرة والقوة والعلم أشار إلى أن الصفات السمعية ليست محصورة
في عدد معين بدليل الآية المذكورة أو أراد الإشارة إلى ذكر الأسماء التي تسمى الله تعالى بها
وأطلقت مع ذلك على المخلوقين فالسلام ثبت في القرآن وفي الحديث الصحيح انه من أسماء الله
تعالى وقد اطلق على التحية والواقعة بين المؤمنين والمؤمن يطلق على من اتصف بالايمان
وقد وقعا معا من غير تخلل بينهما في الآية المشار إليها فناسب ان يذكرهما في ترجمة واحدة
وقال أهل العلم معنى السلام في حقة سبحانه وتعالى الذي سلم المؤمنون من عقوبته وكذا في
تفسير المؤمن الذي امن المؤمنون من عقوبته وقيل السلام من سلم من كل نقص وبرئ من
كل آفة وعيب فهي صفة سلبية وقيل المسلم على عباده لقوله سلام قولا من رب رحيم فهي
صفة كلامية وقيل الذي سلم الخلق من ظلمه وقيل منه السلامة لعباده فهي صفة فعلية
وقيل المؤمن الذي صدق نفسه وصدق أولياءه وتصديقه علمه بأنه صادق وأنهم صادقون وقيل
الموحد لنفسه وقيل خالق الامن وقيل واهب الامن وقيل خالق الطمأنينة في القلوب
واما المهيمن فان ثبت في الرواية فقد تقدم ما فيه في التفسير ومما يستفاد ان ابن قتيبة ومن تبعه
كالخطابي زعموا انه مفيعل من الامن قلبت الهمز هاء وقد تعقب ذلك امام الحرمين ونقل إجماع
العلماء على أن أسماء الله لا تصغر ونقل البيهقي عن الحليمي ان المهيمن معناه الذي لا ينقص
الطائع من ثوابه شيئا ولو كثر ولا يزيد العاصي عقابا على ما يستحقه لأنه لا يجوز عليه الكذب وقد
سمي الثواب والعقاب جزاء وله ان يتفضل بزيادة الثواب ويعفو عن كثير من العقاب قال
البيهقي هذا شرح قول أهل التفسير في المهيمن انه الأمين ثم ساق من طريق التيمي عن ابن عباس في
قوله مهيمنا عليه قال مؤتمنا ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس المهيمن الأمين ومن
طريق مجاهد قال المهيمن الشاهد وقيل المهيمن الرقيب على الشئ والحافظ له وقيل الهيمنة
القيام على الشئ قال الشاعر
الا ان خير الناس بعد نبيه * مهيمنه التالية في العرف والنكر
يريد القائم على الناس بعده بالرعاية لهم انتهى ويصح ان يريد الأمين عليهم فيوافق ما تقدم ثم
ذكر حديث ابن مسعود في التشهد وسنده كله كوفيون وأحمد بن يونس هو ابن عبد الله بن يونس
اليربوعي نسب لجده وزهير هو ابن معاوية الجعفي ومغيرة هو ابن مقسم الضبي وشقيق ابن سلمة هو
أبو وائل مشهور بكنيته وباسمه معا وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق أحمد بن يحيى
الحلواني عن أحمد بن يونس فقال حدثنا زهير بن معاوية حدثنا مغيرة الضبي وساق المتن مثله
310

سواء وضاق على الإسماعيلي مخرجه فاكتفى برواية عثمان بن أبي شيبة عن جرير بن عبد الحميد
عن مغيرة وساقه نحوه من رواية زهير وقد أخرجه النسائي من طريق شعبة عن مغيرة بسند
وقوله في المتن فنقول السلام على الله هكذا اختصره مغيرة وزاد في رواية الأعمش من عباده
وفي لفظ مضى في الاستئذان قبل عباده السلام على جبريل إلى آخره وقد تقدم بيان ذلك
مفصلا في كتاب الصلاة في أواخر صفة الصلاة من قبل كتاب الجمعة ولله الحمد (قوله
باب قول الله تعالى ملك الناس) قال البيهقي الملك والمالك هو الخاص الملك ومعناه في
حق الله تعالى القادر على الايجاد وهي صفة يستحقها لذاته وقال الراغب الملك المتصف بالامر
والنهي وذلك يختص بالناطقين ولهذا قال ملك الناس ولم يقل ملك الأشياء قال واما قوله ملك يوم
الدين فتقديره الملك في يوم الدين لقوله لمن الملك اليوم انتهى ويحتمل ان يكون خص الناس
بالذكر في قوله تعالى ملك الناس لان المخلوقات جماد ونام والنامي صامت وناطق والناطق متكلم
وغير متكلم فأشرف الجميع المتكلم وهم ثلاثة الإنس والجن والملائكة وكل من عداهم جائز
دخوله تحت قبضتهم وتصرفهم وإذا كان المراد بالناس في الآية المتكلم فمن ملكوه في ملك من
ملكهم فكان في حكم ما لو قال ملك كل شئ مع التنويه بذكر الأشرف وهو المتكلم (قوله فيه ابن
عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) أي يدخل في هذا الباب حديث ابن عمر ومراده حديثه الآتي
بعد اثني عشر بابا في ترجمة قوله تعالى لما خلقت بيدي وسيأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى ثم
ذكر حديث أبي هريرة يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول انا الملك
أين ملوك الأرض أخرجه من رواية يونس وهو ابن يزيد عن ابن شهاب بسنده ثم قال وقال
شعيب والزبيدي وابن مسافر وإسحاق بن يحيى عن الزهري وعن أبي سلمة مثله كذا وقع لأبي ذر
وسقط لغيره لفظ مثله وليس المراد ان أبا سلمة أرسله بل مراده أنه اختلف على ابن شهاب وهو
الزهري في شيخه فقال يونس هو سعيد بن المسيب وقال الباقون أبو سلمة وكل منهما يرويه عن
أبي هريرة فاما رواية شعيب وهو ابن أبي حمزة الحمصي فستأتي في الباب المشار إليه في الحديث
المعلق آنفا فإنه قال هناك وقال أبو اليمان أنا شعيب فذكر طرفا من المتن وقد وصله الدارمي قال
حدثنا الحكم بن نافع وهو أبو اليمان فذكره وفيه سمعت أبا سلمة يقول قال أبو هريرة وكذا
أخرجه ابن خزيمة في كتاب التوحيد من صحيحه عن محمد بن يحيى الذهلي عن أبي اليمان واما
رواية الزبيدي بضم الزاي بعدها موحدة وهو محمد بن الوليد الحمصي فوصلها ابن خزيمة أيضا من
طريق عبد الله بن سالم عنه عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وأما طريق ابن مسافر وهو
عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي أمير مصر نسب لجده فتقدمت موصولة في تفسير سورة
الزمر من طريق الليث بن سعد عنه كذلك وأما رواية إسحاق بن يحيى وهو الكلبي فوصلها
الذهلي في الزهريات قال الإسماعيلي وافق الجماعة عبيد الله بن زياد الرصافي في أبي سلمة (قلت)
وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق الصدفي عن الزهري كذلك ونقل ابن خزيمة عن محمد بن يحيى
الذهلي ان الطريقين محفوظان انتهى وصنيع البخاري يقتضي ذلك وإن كان الذي تقتضيه
القواعد ترجيح رواية شعيب لكثرة من تابعه لكن يونس كان من خواص الزهري الملازمين له
قال ابن بطال قوله تعالى ملك الناس داخل في معنى التحيات لله أي الملك لله وكأنه صلى الله عليه
311

وسلم أمرهم بان يقولوا التحيات لله امتثالا لأمر ربه قل أعوذ برب الناس ملك الناس ووصفه
بأنه ملك الناس يحتمل وجهين أحدهما ان يكون بمعنى القدرة فيكون صفة ذات وأن يكون
بمعنى القهر والصرف عما يريدون فيكون صفة فعل قال وفي الحديث اثبات اليمين صفة لله
تعالى من صفات ذاته وليست خارجة خلافا للمجسمة انتهى ملخصا والكلام على اليمين يأتي في
الباب المشار إليه ولم يعرج على التوفيق بين الحديث والترجمة والذي يظهر لي انه أشار إلى ما قاله
شيخه نعيم بن حماد الخزاعي قال ابن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية وجدت في كتاب أبي عمر
نعيم بن حماد قال يقال للجهمية أخبرونا عن قول الله تعالى بعد فناء خلقه لمن الملك اليوم فلا يجيبه
أحد فيرد على نفسه لله الواحد القهار وذلك بعد انقطاع ألفاظ خلقه بموتهم أفهذا مخلوق انتهى
وأشار بذلك إلى الرد على من زعم أن الله يخلق كلاما فيسمعه من شاء بان الوقت الذي يقول فيه لمن
الملك اليوم لا يبقى حينئذ مخلوق حيا فيجيب نفسه فيقول لله الواحد القهار فثبت انه يتكلم بذلك
وكلامه صفة من صفات ذاته فهو غير مخلوق وعن أحمد بن سلمة عن إسحاق بن راهويه قال صح
ان الله يقول بعد فناء خلقه لمن الملك اليوم فلا يجيبه أحد فيقول لنفسه لله الواحد القهار قال
ووجدت في كتاب عند أبي عن هشام بن عبيد الله الرازي قال إذا مات الخلق ولم يبق الا الله وقال
لمن الملك اليوم فلا يجيبه أحد فيرد على نفسه فيقول لله الواحد القهار قال فلا يشك أحدا ان هذا
كلام الله وليس بوحي إلى أحد لأنه لم تبقى نفس فيها روح الا وقد ذاقت الموت والله هو القائل
وهو المجيب لنفسه (قلت) وفي حديث الصور الطويل الذي تقدمت الإشارة إليه في أواخر
كتاب الرقاق في صفة الحشر فإذا لم يبق الا الله كان آخرا كما كان أولا طوى السماء والأرض
ثم دحاها ثم تلقفهما ثم قال أنا الجبار ثلاثا ثم قال لمن الملك اليوم ثلاثا ثم قال لنفسه لله الواحد
القهار قال الطبري في قوله تعالى يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شئ لمن الملك اليوم يعني
يقول الله لمن الملك فترك ذكر ذلك استغناء لدلالة الكلام عليه قال وقوله لله الواحد القهار
ذكر ان الرب جل جلاله هو القائل ذلك مجيبا لنفسه ثم ذكر الرواية بذلك من حديث أبي هريرة
الذي أشرت إليه وبالله التوفيق (قوله باب قول الله تعالى وهو العزيز الحكيم
سبحان ربك رب العزة عما يصفون ولله العزة ولرسوله) اما الآية الأولى فوقعت في عدة سور
وتكررت في بعضها وأول موضع وقع فيه وهو العزيز الحكيم في سورة إبراهيم واما مطلق العزيز
الحكيم فأول ما وقع في البقرة في دعاء إبراهيم عليه السلام لأهل مكة ربنا وابعث فيهم رسولا
منهم الآية وآخرها انك أنت العزيز الحكيم وتكرر العزيز الحكيم وعزيز حكيم بغير لام فيهما
في عدة من السور واما الآية الثانية ففي إضافة العزة إلى الربوبية إشارة إلى أن المراد بها هنا
القهر والغلبة ويحتمل أن تكون الإضافة للاختصاص كأنه قيل ذو العزة وانها من صفات
الذات ويحتمل ان يكون المراد بالعزة هنا العزة الكائنة بين الخلق وهي مخلوقة فيكون من صفات
الفعل فالرب على هذا بمعنى الخالق والتعريف في العزة للجنس فإذا كانت العزة كلها لله فلا يصح
ان يكون أحد معتزا الا به ولا عزة لاحد الا وهو مالكها واما الآية الثالثة فيعرف حكمها
من الثانية وهي بمعنى الغلبة لأنها جاءت جوابا لمن ادعى انه الأعز وان ضده الأذل فيرد عليه بأن
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين فهو كقوله كتب الله لأغلبن انا ورسلي ان الله قوي عزيز
312

(قوله ومن حلف بعزة الله وصفاته) كذا للأكثر وفي رواية المستملي وسلطانه بدل وصفاته
والأول أولى وقد تقدم في الايمان والنذور باب الحلف بعزة الله وصفاته وكلامه وتقدم توجيهه
هناك قال ابن بطال العزيز يتضمن العزة والعزة يحتمل أن تكون صفة ذات بمعنى القدرة والعظمة
وأن تكون صفة فعل بمعنى القهر لمخلوقاته والغلبة لهم ولذلك صحت إضافة اسمه إليها قال ويظهر
الفرق بين الحالف بعزة الله التي هي صفة ذاته والحالف بعزة الله التي صفة فعله بأنه يحنث في
الأولى دون الثانية بل هو منهي عن الحلف بها كما نهى عن الحلف بحق السماء وحق زيد (قلت)
وإذا اطلق الحالف انصرف إلى صفة الذات وانعقدت اليمين الا ان قصد خلاف ذلك بدليل
أحاديث الباب وقال الراغب العزيز الذي يقهر ولا يقهر فال العزة التي لله هي الدائمة الباقية وهي
العزة الحقيقية الممدوحة وقد تستعار العزة للحمية والأنفة فيوصف بها الكافر والفاسق وهي
صفة مذمومة ومنه قوله تعالى أخذته العزة بالاثم وأما قوله تعالى من كان يريد العزة فلله العزة
جميعا فمعناه من كان يريد أن يعز فليكتسب العزة من الله فإنها له ولا تنال الا بطاعته ومن ثم
أثبتها لرسوله وللمؤمنين فقال في الآية الأخرى ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين وقد ترد العزة بمعنى
الصعوبة كقوله تعالى عزيز عليه ما عنتم وبمعنى الغلبة ومنه وعزني في الخطاب وبمعنى القلة
كقولهم شاة عزوز إذا قل لبنها وبمعنى الامتناع ومنه قولهم أرض عزاز بفتح أوله مخففا أي صلبه
وقال البيهقي العزة تكون بمعنى القوة فترجع إلى معنى القدرة ثم ذكر نحوا مما ذكره ابن بطال
والذي يظهر ان مراد البخاري بالترجمة اثبات العزة لله ردا على من قال إنه العزيز بلا عزة كما
قالوا العليم بلا علم ثم ذكر في الباب خمسة أحاديث * الحديث الأول (قوله وقال أنس قال النبي
صلى الله عليه وسلم تقول جهنم قط قط وعزتك) هذا طرف من حديث تقدم موصولا في تفسير
سورة ق مع شرحه ويأتي مزيد كلام فيه في باب قوله إن رحمت الله قريب من المحسنين وقد
ذكره موصولا هنا في آخر الباب والمراد منه أن النبي صلى الله عليه وسلم نقل عن جهنم انها تحلف
بعزة الله وأقرها على ذلك فيحصل المراد سواء كانت هي الناطقة حقيقة أم الناطق غيرها كالموكلين
بها * الحديث الثاني (قوله وقال أبو هريرة الخ) هو طرف من حديث طويل تقدم مع شرحه في
آخر كتاب الرقاق والمراد منه قوله لا وعزتك وتوجيهه كما في الذي قبله * الحديث الثالث (قوله قال
أبو سعيد الخ) هو طرف من حديث مذكور في آخر حديث أبي هريرة الذي قبله ويستفاد منه
ان أبا سعيد وافق أبا هريرة على رواية الحديث المذكور الا ما ذكره من الزيادة في قوله عشرة أمثاله
* الحديث الرابع (قوله وقال أيوب عليه السلام وعزتك لا غنى بي عن بركتك) كذا في رواية
الأكثر وللمستملي لا غناء وهو بفتح الغين المعجمة ممدودا وكذا لأبي ذر عن السرخسي وتقدم
بيانه في كتاب الايمان والنذور وهو طرف من حديث لأبي هريرة وقد تقدم موصولا في كتاب
الطهارة وأوله بينا أيوب يغتسل وتقدم أيضا في أحاديث الأنبياء مع شرحه وتقدم توجيه الدلالة
منه في الايمان والنذور ووقع في رواية الحاكم لما عافى الله أيوب أمطر عليه جرادا من ذهب
الحديث * الحديث الخامس حديث ابن عباس (قوله أبو معمر) هو عبد الله بن عمرو المنقري
بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف وعبد الوارث هو ابن سعيد وحسين المعلم هو ابن ذكوان
ويحيى بن يعمر بفتح أوله والميم وسكون المهملة بينهما ويجوز ضم ميمه (قوله كان يقول أعوذ
313

بعزتك الذي لا إله إلا أنت) قال الكرماني العائد للموصل محذوف لان المخاطب نفس المرجوع
إليه فيحصل الارتباط ومثله * أنا الذي سمتني أمي حيدره * لان نسق الكلام سمته أمه
(قوله الذي لا يموت) بلفظ الغائب للأكثر وفي بعضها بلفظ الخطاب (قوله والجن والانس
يموتون) استدل به على أن الملائكة لا تموت ولا حجة فيه لأنه مفهوم لقب ولا اعتبار له وعلى تقديره
فيعارضه ما هو أقوى منه وهو عموم قوله تعالى كل شئ هالك الا وجهه مع أنه لا مانع من دخولهم
في مسمى الجن لجامع ما بينهم من الاستتار عن عيون الانس وقد تقدمت بقية الكلام عليه في
الدعوات وفي الايمان والنذور في الباب المشار إليه منه ثم ذكر حديث أنس من ثلاث أوجه عن
قتادة وقد تقدم لفظ شعبة في تفسير ق وساقه هنا على لفظ خليفة وهو ابن خياط البصري ولقبه
شباب بفتح المعجمة وتخفيف الموحدة وآخره موحدة ووقع في رواية شعبة عنه لا يزال يلقى في
النار وفي رواية سعيد وهو ابن أبي عروبة وسليمان هو التيمي والد معتمر كلاهما عن قتادة
لا يزال يلقى فيها والضمير في هذه الرواية لغير مذكور قبله وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من
طريق العباس بن الوليد عن يزيد بن زريع ومن طريق أبي الأشعث عن المعتمر بهذين السندين
وفي أوله لا تزال جهنم يلقى فيها (قوله حتى يضع فيها رب العالمين قدمه) في رواية أبي الأشعث حتى
يضع الله فيها قدمه وفي رواية عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد عند مسلم حتى يضع فيها رب العزة ولم
يقع في رواية شعبة بيان من يضع وتقدم في تفسير سورة ق من حديث أبي هريرة فيضع الرب
قدمه عليها وذكر فيه شرحه وذكر من رواه بلفظ الرجل وشرحه أيضا (قوله وتقول (1) قدقد)
بفتح القاف وسكون الدال وبكسرها أيضا بغير اشباع وذكر ابن التين انها رواية أبي ذر وتقدم في
تفسير سورة ق ذكر من رواه بلفظ قدني ومن رواه بلفظ قط قط وبيان الاختلاف فيها أيضا
وشرح معانيها مع بقية الحديث (قوله بعزتك وكرمك) كذا ثبت عند الإسماعيلي في رواية يزيد
ابن زريع عن يزيد بن أبي عروبة ووقع في رواية عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد عند مسلم بدون قوله
وكرمك ويؤخذ منه مشروعية الحلف بكرم الله كما شرع الحلف بعزة الله (قوله ولا تزال الجنة
تفضل) كذا لهم بصيغة الفعل المضارع ووقع في رواية المستملي بموحدة مكسورة وفاء مفتوحة
وضاد معجمة ساكنة وكأن الباء للمصاحبة قال الكرماني روى البخاري هذا الحديث من ثلاث
طرق الأولى عن شيخة يعني ابن أبي الأسود واسمه عبد الله بن محمد بالتحديث والثانية بالقول يعني
قوله وقال لي خليفة وكان ينبغي ان يزيد فيه بالقول المصاحب لحرف الجر للفرق بينه وبين القول
المجرد قال والثالث بالتعليق يعني قوله وعن معتمر لان هذا الثالث ليس تعليقا بل هو موصول
معطوف على قوله حدثنا يزيد بن زريع فالتقدير وقال لي خليفة عن معتمر وبهذا جزم أصحاب
الأطراف قال المزي حديث لا تزال يلقى الحديث خ في التوحيد قال لي خليفة عن معتمر عن
أبيه وقال أبو نعيم في المستخرج بعد تخريجه رواه البخاري عن خليفة عن يزيد بن زريع عن سعيد
وعن المعتمر عن أبيه قال وحديث سليمان التيمي غير مرفوع (قلت) وكذا لم يصرح الإسماعيلي
برفعه لما أخرجه من طريق أبي الأشعث عن المعتمر (قوله باب قول الله تعالى وهو
الذي خلق السماوات والأرض بالحق) كأنه أشار بهذه الترجمة إلى ما ورد في تفسير هذه الآية ان
معنى قوله بالحق أي بكلمة الحق وهو قوله كن ووقع في أول حديث الباب قولك الحق فكأنه
314

أشار إلى أن المراد بالقول الكلمة وهي كن والله أعلم ونقل ابن التين عن الداودي ان الباء هنا
بمعنى اللام أي لأجل الحق وقال ابن بطال المراد بالحق هنا ضد الهزل والمراد بالحق في الأسماء
الحسنى الموجود الثابت الذي لا يزول ولا يتغير وقال الراغب الحق في الأسماء الحسنى الموجد
بحسب ما تقتضيه الحكمة قال ويقال لكل موجود من فعله بمقتضى الحكمة حق ويطلق على
الاعتقاد في الشئ المطابق لما دل ذلك الشئ عليه في نفس الامر وعلى الفعل الواقع بحسب
ما يجب قدرا وزمانا وكذا القول ويطلق على الواجب واللازم والثابت والجائز ونقل البيهقي في
كتاب الأسماء والصفات عن الحليمي قال الحق ما لا يسيغ إنكاره ويلزم إثباته والاعتراف به
ووجود الباري أولى ما يجب الاعتراف به ولا يسيغ جحوده إذ لا مثبت تظاهرت عليه البينة
الباهرة ما تظاهرت على وجوده سبحانه وتعالى وذكر البخاري فيه حديث ابن عباس في
الدعاء عند قيام الليل وفيه اللهم لك الحمد أنت رب السماوات والأرض وقد تقدم شرحه
وبيان اختلاف ألفاظه في كتاب التهجد قبيل كتاب الجنائز وذكر في كتاب الدعوات أيضا
قال ابن بطال قوله رب السماوات والأرض يعني خالق السماوات والأرض وقوله بالحق أي
أنشأهما بحق وهو كقوله تعالى ربنا ما خلقت هذا باطلا أي عبثا وقوله في السند سفيان هو
الثوري وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز المكي وقوله عن سليمان هو ابن أبي مسلم
الأحول المكي وفي رواية عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني سليمان وسيأتي وقوله في آخره
حدثنا ثابت بن محمد حدثنا سفيان بهذا يعني بالسند المذكور والمتن وقوله وقال أنت الحق وقولك
الحق يشير إلى أن رواية قبيصة سقط منها قوله أنت الحق فان أولها قولك الحق وثبت قوله في أوله
أنت الحق في رواية ثابت بن محمد كما سيأتي سياقه بتمامه في باب قول الله تعالى وجوه يومئذ
ناضرة وكذا في رواية عبد الرزاق المشار إليها وكذا وقع في رواية يحيى بن آدم عن سفيان الثوري
عند النسائي والله أعلم (قوله باب وكان الله سميعا بصيرا) قال ابن بطال غرض
البخاري في هذا الباب الرد على من قال إن معنى سميع بصير عليم قال ويلزم من قال ذلك أن يسويه
بالأعمى الذي يعلم أن السماء خضراء ولا يراها والأصم الذي يعلم أن في الناس أصواتا ولا يسمعها
ولا شك ان من سمع وأبصر ادخل في صفة الكمال ممن انفرد بأحدهما دون الآخر فصح ان
كونه سميعا بصيرا يفيد قدرا زائدا على كونه عليما وكونه سمعيا بصيرا يتضمن انه يسمع بسمع
ويبصر ببصر كما تضمن كونه عليما انه يعلم بعلم ولا فرق بين اثبات كونه سميعا بصيرا وبين كونه
ذا سمع وبصر قال وهذا قول أهل السنة قاطبة انتهى واحتج المعتزلي بأن السمع ينشأ عن وصول
الهواء المسموع إلى العصب المفروش في أصل الصماخ والله منزه عن الجوارح وأجيب بأنها
عادة اجراها الله تعالى فيمن يكون حيا فيخلقه الله عند وصول الهواء إلى المحل المذكور والله
سبحانه وتعالى يسمع المسموعات بدون الوسائط وكذا يرى المرئيات بدون المقابلة وخروج الشعاع
فذات الباري مع كونه حيا موجودا لا تشبه الذوات فكذلك صفات ذاته لا تشبه الصفات
وسيأتي مزيد لهذا في باب وكان عرشه على الماء وقال البيهقي في الأسماء والصفات السميع
من له سمع يدرك به المسموعات والبصير من له بصر يدرك به المرئيات وكل منهما في حق
الباري صفة قائمة بذاته وقد أفادت الآية وأحاديث الباب الرد على من زعم أنه سميع
315

بصير بمعنى عليم ثم ساق حديث أبي هريرة الذي أخرجه أبو داود بسند قوي على شرط مسلم من
رواية أبي يونس عن أبي هريرة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها يعني قوله تعالى ان الله
يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها إلى قوله تعالى ان الله كان سميعا بصيرا ويضع أصبعيه قال
أبو يونس وضع أبو هريرة إبهامه على اذنه والتي تليها على عينه قال البيهقي وأراد بهذه الإشارة
تحقيق اثبات السمع والبصر لله ببيان محلهما من الانسان يريد ان له سمعا وبصرا لا ان المراد به
العلم فلو كان كذلك لأشار إلى القلب لأنه محل العلم ولم يرد بذلك الجارحة فان الله تعالى منزه عن
مشابهة المخلوقين ثم ذكر لحديث أبي هريرة شاهدا من حديث عقبة بن عامر سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر ان ربنا سميع بصير وأشار إلى عينيه وسنده حسن وسيأتي في
باب ولتصنع على عيني حديث ان الله ليس بأعور وأشار بيده إلى عينه وسيأتي شرح ذاك هناك
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رفعه ان الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم
وفي حديث أبي جري الهجيمي رفعه ان رجلا ممن كان قبلكم لبس بردتين يتبختر فيهما فنظر الله
إليه فمقته * الحديث وقد مضى في اللباس حديث ابن عمر رفعه لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء
وفي الكتاب العزيز ولا ينظر إليهم وورد في السمع قول المصلي سمع الله لمن حمده وسنده صحيح
متفق عليه بل مقطوع بمشروعيته في الصلاة ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث * أحدها
(قوله قال الأعمش عن تميم) هو ابن سلمة الكوفي تابعي صغير وثقه يحيى بن معين ووصل حديثه
المذكور أحمد والنسائي وابن ماجة باللفظ المذكور هنا وأخرجه ابن ماجة أيضا من رواية أبي
عبيدة بن معن عن الأعمش بلفظ تبارك وسياقه أتم وليس لتميم المذكور عن عروة في الصحيحين
سوى هذا الحديث وآخر عند مسلم قال ابن التين قول البخاري قال الأعمش مرسل لأنه لم
يلقه قال الشيخ أبو الحسن ولهذا لم يذكره في تفسير سورة المجادلة انتهى وتسمية هذا مرسلا
مخالف للاصطلاح والتعليل ليس بمستقيم فان في الصحيح عدة أحاديث معلقة لم تذكر في تفسير
الآية التي تتعلق بها (قوله وسع سمعه الأصوات) في رواية أبي عبيدة بن معن كل شئ يدل
الأصوات قال ابن بطال معنى قولها وسع أدرك لان الذي يوصف بالاتساع يصح وصفه بالضيق
وذلك من صفات الأجسام فيجب صرف قولها عن ظاهره والحديث ما يقتضي التصريح بأن له
سمعا وكذا جاء ذكر البصر في الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي موسى مرفوعا حجابه النور لو
كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره (قوله فأنزل الله تعالى على نبيه (1) قد سمع الله قول
التي تجادلك في زوجها) هكذا أخرجه وتمامه عند أحمد وغيره ممن ذكرت بعد قوله الأصوات لقد
جاءت المجادلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلمه في جانب البيت ما أسمع ما تقول فأنزل الله
الآية ومرادها بهذا النفي مجموع القول لان في رواية أبي عبيدة بن معن اني لا أسمع كلام خولة
بنت ثعلبة ويخفي علي بعضه وهي تشتكي زوجها وهي تقول أكل شبابي ونثرت له بطني حتى إذا
كبرت سني وانقطع ولدي ظاهر مني الحديث فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآيات قد سمع
الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله وهذا أصح ما ورد في قصة المجادلة وتسميتها وقد
أخرج أبو داود وصححه ابن حبان من طريق يوسف بن عبد الله بن سلام عن خويلة بنت مالك بن
ثعلبة قالت ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت الحديث وهذا يحمل على أن اسمها كان ربما صغر
316

وإن كان محفوظا فتكون نسبت في الرواية الأخرى لجدها وقد تظاهرت الروايات بالأول ففي
مرسل محمد بن كعب القرظي عند الطبراني كانت خولة بنت ثعلبة تحت أوس بن الصامت فقال
لها أنت علي كظهر أمي وعند ابن مردويه من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس ان أوس
ابن الصامت تظاهر من امرأته خولة بنت ثعلبة وعنده أيضا من مرسل أبي العالية كانت خولة
بنت دليح تحت رجل من الأنصار سيئ الخلق فنازعته في شئ فقال أنت علي كظهر أمي ودليح
بمهملتين مصغر لعله من أجدادها وأخرج أبو داود من رواية حماد بن سلمة عن هشام بن عروة
عن أبيه ان جميلة كانت تحت أوس بن الصامت ووصله من وجه آخر عن عائشة والرواية
المرسلة أقوى وأخرجه ابن مردويه من رواية إسماعيل بن عياش عن هشام عن أبيه عن أوس
ابن الصامت وهو الذي ظاهر من امرأته ورواية إسماعيل عن الحجازيين ضعيفة وهذا منها فإن كان
حفظه فالمراد بقوله عن أوس بن الصامت أي عن قصة أوس لا أن عروة حمله عن أوس
فيكون مرسلا كالرواية المحفوظة وإن كان الراوي حفظها انها جميلة فلعله كان لقبها واما
ما أخرجه النقاش في تفسيره بسند ضعيف إلى الشعبي قال المرأة التي جادلت في زوجها هي خولة
بنت الصامت وأمها معاذة أمة عبد الله بن أبي التي نزل فيها ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء وقوله
بنت الصامت خطأ فان الصامت والد زوجها كما تقدم فلعله سقط منه شئ وتسمية أمها غريب
وقد مضى ما يتعلق بالظهار في النكاح * الحديث الثاني (قوله عن أبي عثمان هو عبد الرحمن
ابن مل النهدي والسند كله بصريون وقد مضى شرح المتن في كتاب الدعوات وقوله أربعوا
بفتح الموحدة أي أرفقوا بضم الفاء وحكى ابن التين انه وقع في روايته بكسر الموحدة وانه في
كتب أهل اللغة وبعض كتب الحديث بفتحها وقوله فإنكم لا تدعون أصم الخ قال
الكرماني لو جاءت الرواية لا تدعون أصم ولا أعمى لكان أظهر في المناسبة لكنه لما كان
الغائب كالأعمى في عدم الرؤية نفى لازمه ليكون أبلغ وأشمل وزاد قريبا لان البعيد وإن كان ممن
يسمع ويبصر لكنه لبعده قد لا يسمع ولا يبصر وليس المراد قرب المسافة لأنه منزه عن الحلول كما
لا يخفى ومناسبة الغائب ظاهرة من أجل النهي عن رفع الصوت قال ابن بطال في هذا الحديث
نفى الآفة المانعة من السمع والآفة المانعة من النظر واثبات كونه سميعا بصيرا قريبا يستلزم
ان لا تصح أضداد هذه الصفات عليه وقوله في آخره أو قال الا أدلك شك من الراوي هل قال
يا عبد الله بن قيس قل لا حول ولا قوة الا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة أو قال يا عبد الله بن قيس
ألا أدلك وقوله بعد قوله ألا أدلك به أي ببقية الخبر وقد ذكره في الدعوات في باب الدعاء إذا علا
عقبة فساق الحديث بهذا الاسناد بعينه وقال بعد قوله الا أدلك على كلمة هي كنز من كنوز الجنة
لا حول ولا قوة الا بالله * الحديث الثالث حديث عبد الله بن عمرو ان أبا بكر يعني الصديق (1) قال
يا رسول الله علمني دعاء الحديث وقد تقدم في أواخر صفة الصلاة وفي الدعوات مع شرحه وبيان
من جعله من رواية عبد الله بن عمرو عن أبي بكر الصديق فجعله من مسند أبي بكر وأشار ابن بطال
إلى أن مناسبته للترجمة ان دعاء أبي بكر لما علمه النبي صلى الله عليه وسلم يقتضي ان الله سميع لدعائه
ومجازيه عليه وقال غيره حديث أبي بكر ليس مطابقا للترجمة إذ ليس فيه ذكر صفتي السمع والبصر
لكنه ذكر لازمهما من جهة ان فائدة الدعاء إجابة الداعي لمطلوبه فلولا أن سمعه سبحانه يتعلق
317

بالسر كما يتعلق بالجهر لما حصلت فائدة الدعاء أو كان يقيده بمن يجهر بدعائه انتهى من كلام ابن المنير
ملخصا وقال الكرماني لما كان بعض الذنوب مما يسمع وبعضها مما يبصر لم تقع مغفرته الا بعد
الاسماع والابصار * (تنبيه) * المشهور في الروايات ظلما كثيرا بالمثلثة ووقع هنا للقابسي
بالموحدة * الحديث الرابع حديث عائشة (قوله إن جبريل عليه السلام أتاني فقال إن الله قد سمع
قول قومك وما ردوا عليك) هكذا ذكر هذا القدر منه مقتصرا عليه وساقه بتمامه في بدء الخلق وتقدم
شرحه هناك والمراد منه هنا قوله إن الله قد سمع وقوله ما ردوا عليك أي أجابوك ويحتمل ان يكون
أراد ردهم ما دعاهم إليه من التوحيد بعدم قبولهم وقال الكرماني المقصود من هؤلاء الأحاديث
اثبات صفتي السمع والبصر وهما صفتان قديمتان من الصفات الذاتية وعند حدوث المسموع
والمبصر يقع التعلق واما المعتزلة فقالوا انه سميع يسمع كل مسموع وبصير يبصر كل مبصر
فادعوا انهما صفتان حادثتان وظواهر الآيات والأحاديث ترد عليهم وبالله التوفيق (قوله
باب قول الله تعالى قل هو القادر) قال ابن بطال القدرة من صفات الذات وقد تقدم
في باب قوله تعالى اني انا الرزاق ان القوة والقدرة بمعنى واحد وتقدم نقل الأقوال في ذلك والبحث
فيها (قوله سمعت محمد بن المنكدر يحدث عبد الله بن الحسن) أي ابن الحسن بن علي بن أبي طالب
وكان عبد الله كبير بني هاشم في وقته قال ابن سعد كان من العباد وله عارضة وهيئة وقال مصعب
الزبيدي ما كان علماء المدينة يكرمون أحدا ما يكرمونه ووثقه ابن معين والنسائي وغيرهما وهو
من صغار التابعين روى عن عم جده عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وله رواية عن أمه فاطمة
بنت الحسين وعن غيرها ومات في حبس المنصور سنة ثلاث وأربعين ومائة وله خمس وسبعون سنة
وليس له ذكر في البخاري الا في هذا الموضع وقد أفصح عبد الرحمن بن أبي الموالي بالواقع في حال
تحمله ولم يتصرف فيه بأن يقول حدثني ولا أخبرني لكن أخرجه أبو داود من وجه آخر عنه فقال
حدثني محمد بن المنكدر وعليه في ذلك اعتراض لاحتمال ان يكون محمد بن المنكدر لم يقصده
بالتحديث وقد سلك في ذلك النسائي والبرقاني مسلك التحري فكان النسائي فيما سمعه في الحالة
التي لم يقصده المحدث فيها بالتحديث لا يقول حدثنا ولا أخبرنا ولا سمعت بل يقول فلان قرأه
عليه وانا اسمع وكان البرقاني يقول سمعت فلانا يقول وجوز الأكثر إطلاق التحديث والاخبار
لكون المقصود بالتحديث من جنس من سمع ولو لم يكن مقصودا فيجوز ذلك عندهم لكن بصيغة
الجمع فيقول حدثنا أي حدث قوما انا فيهم فسمعت ذلك منه حين حدث ولو لم يقصد بالتحديث
وعلى هذا فيمتنع بالافراد بان يقول مثلا حدثني بل ويمتنع في الاصطلاح أيضا لأنه مخصوص بمن
سمع وحده من لفظ الشيخ ومن ثم كان التعبير بالسماع أصرح الصيغ لكونه أدل على الواقع
وقد تقدم حديث الباب في صلاة الليل وفي الدعوات من وجهين آخرين عن عبد الرحمن بن أبي
الموالي ذكره في كل منهما بالعنعنة قال عن محمد بن المنكدر ولم يقل سمعت ولا حدثنا وكذا أخرجه
الترمذي والنسائي وهو جائز لأنها صيغة محتملة فافادت هذه الرواية تعين أحد الاحتمالين وهو
التصريح بسماعه ولهذا نزل فيه البخاري درجة لأنه عنده في الموضعين المذكورين بواسطة
واحد عن عبد الرحمن وهنا وقع بينه وبين عبد الرحمن اثنان لكن سهل عليه النزول تحصيل فائدة
الاطلاع على الواقع وفيها تصريح عبد الرحمن بالسماع في موضع العنعنة فاما من يخشى من
318

الانقطاع الذي تحتمله العنعنة وقد وقع لي من رواية خالد بن مخلد عن عبد الرحمن قال سمعت
محمد بن المنكدر يحدث عن جابر أخرجه ابن ماجة وخالد من شيوخ البخاري فيحتمل
ان لا يكون سمع منه هذا الحديث مع أنه لم يصرح بما صرحت به الرواية النازلة من تسمية
المقصود بالتحديث وهو عبد الله بن الحسن وقوله في الخبر وأستقدرك بقدرتك الباء
للاستعانة أو للقسم أو للاستعطاف ومعناه اطلب منك ان تجعل لي قدرة على المطلوب
وقوله فاقدره بضم الدال ويجوز كسرها أي نجزه لي ورضني بتشديد المعجمة أي اجعلني بذلك
راضيا فلا أندم على طلبه ولا على وقوعه لأني لا اعلم عاقبته وان كنت حال طلبه راضيا به
وقوله ويسميه بعينه في رواية خالد بن مخلد فيسميه ما كان من شئ يعني أي شئ كان وقوله
ثم ليقل ظاهر في أن الدعاء المذكور يكون بعد الفراغ من الصلاة ويحتمل أن يكون الترتيب
فيه بالنسبة لأذكار الصلاة ودعائها فيقوله بعد الفراغ وقبل السلام وقد تقدم سائر فوائده
في كتاب الدعوات (قوله باب مقلب القلوب وقول الله تعالى ونقلب
أفئدتهم وأبصارهم) قال الراغب تقليب الشئ تغييره من حال إلى حال والتقليب التصرف
وتقليب الله القلوب والبصائر صرفها من رأي إلى رأي وقال الكرماني ما معناه كان يحتمل
أن يكون المعنى بقوله مقلب أنه يجعل القلب قلبا لكن مظان استعماله تنشأ عنه ويستفاد
منه أن اعراض القلب كالإرادة وغيرها بخلق الله تعالى وهي من الصفات الفعلية ومرجعها إلى
القدرة (قوله حدثنا سعيد بن سليمان) هو الواسطي نزيل بغداد يكنى أبا عثمان ويلقب سعدويه
وكان أحد الحفاظ وابن المبارك هو عبد الله الامام المشهور وقد تقدم شرح حديث ابن عمر
المذكور في هذا الباب في كتاب الايمان والنذور وكذا الآية ويستفاد منهما أن أعراض القلوب
من إرادة وغيرها تقع بخلق الله تعالى وفيه حجة لمن أجاز تسمية الله تعالى بما ثبت في الخبر ولو لم
يتواتر وجواز اشتقاق الاسم له تعالى من الفعل الثابت وقد تقدم البحث في ذلك عند ذكر الأسماء
الحسنى من كتاب الدعوات ومعنى قوله ونقلب أفئدتهم نصرفها بما شئنا كما تقدم تقريره وقال
المعتزلي معناه نطبع عليها فلا يؤمنون والطبع عندهم الترك فالمعنى على هذا نتركهم وما اختاروا
لأنفسهم وليس هذا معنى التقليب في لغة العرب ولان الله تمدح بالانفراد بذلك ولا مشاركة له فيه
فلا يصح تفسير الطبع بالترك فالطبع عند أهل السنة خلق الكفر في قلب الكافر واستمراره
عليه إلى أن يموت فمعنى الحديث أن الله يتصرف في قلوب عباده بما شاء لا يمتنع عليه شئ منها
ولا تفوته إرادة وقال البيضاوي في نسبة تقلب القلوب إلى الله اشعار بأنه يتولى قلوب عباده
ولا يكلها إلى أحد من خلقه وفي دعائه صلى الله عليه وسلم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
إشارة إلى شمول ذلك للعباد حتى الأنبياء ورفع توهم من يتوهم أنهم يستثنون من ذلك وخص
نفسه بالذكر اعلاما بأن نفسه الزكية إذا كانت مفتقرة إلى أن تلجأ إلى الله سبحانه فافتقار غيرها
ممن هو دونه أحق بذلك (قوله باب ان لله مائة اسم الا واحدة) ذكر فيه حديث
أبي هريرة أن لله تسعة وتسعين اسما وقد تقدم شرحه في كتاب الدعوات وبيان من رواه باللفظ
المذكور في هذه الترجمة ووقع هنا في رواية الكشميهني مائة الا واحدا بالتذكير ومائة في الحديث
بدل من قوله تسعة وتسعين فعدل في الترجمة من البدل إلى المبدل وهو فصيح ويستفاد منه زيادة
319

توضيح ولان ذكر العقد أعلى من ذكر الكسور وأول العقود العشرات وثانيها المائة فلما قاربت
العدة أعطيت حكمها وجبر الكسر بقوله مائة ثم أريد التحقق في العدد فاستثنى ولو لم يستثن
لكان استعمالا غريبا سائغا (قوله قال ابن عباس ذو الجلال العظمة) في رواية الكشميهني العظيم
وعلى الأول ففيه تفسير الجلال بالعظمة وعلى الثاني هو تفسير ذو الجلال (قوله البر اللطيف)
هو تفسير ابن عباس أيضا وقد تقدم الكلام عليه وبيان من وصله عنه في تفسير سورة الطور
(قوله اسما) قيل معناه تسمية وحينئذ لا مفهوم لهذا العدد بل له أسماء كثيرة غير هذه (قوله
أحصيناه حفظناه) تقدم الكلام عليه وعلى معنى الاحصاء وبيان الاختلاف فيه في كتاب
الدعوات قال الأصيلي الاحصاء للأسماء العمل بها لا عدها وحفظها لان ذلك قد يقع للكافر
المنافق كما في حديث الخوارج يقرؤن القرآن لا يجاوز حناجرهم وقال ابن بطال الاحصاء يقع
بالقول ويقع بالعمل فالذي بالعمل أن لله أسماء يختص بها كالأحد والمتعال والقدير ونحوها
فيجب الاقرار بها والخضوع عندها وله أسماء يستحب الاقتداء بها في معانيها كالرحيم والكريم
والعفو ونحوها فيستحب للعبد ان يتجلى بمعانيها ليؤدي حق العمل بها فبهذا يحصل الاحصاء
العملي وأما الاحصاء القولي فيحصل بجمعها وحفظها والسؤال بها ولو شارك المؤمن غيره في
العد والحفظ فان المؤمن يمتاز عنه بالايمان والعمل بها وقال ابن أبي حاتم في كتاب الرد على
الجهمية ذكر نعيم بن حماد ان الجهمية قالوا إن أسماء الله مخلوقة لان الاسم غير المسمى وادعوا
أن الله كان ولا وجود لهذه الأسماء ثم خلقها ثم تسمى بها قال فقلنا لهم ان الله قال سبح اسم ربك
الاعلى وقال ذلكم الله ربكم فاعبدوه فأخبر انه المعبود ودل كلامه على اسمه بما دل به على
نفسه فمن زعم أن اسم الله مخلوق فقد زعم أن الله أمر نبيه ان يسبح مخلوقا ونقل عن إسحاق بن
راهويه عن الجهمية ان جهما قال لو قلت إن لله تسعة وتسعين اسما لعبدت تسعة وتسعين الها
قال فقلنا لهم ان الله أمر عباده ان يدعوه بأسمائه فقال ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها
والأسماء جمع أقله ثلاثة ولا فرق في الزيادة على الواحد بين الثلاثة وبين التسعة والتسعين
(قوله باب السؤال بأسماء الله والاستعاذة بها) قال ابن بطال مقصوده بهذه
الترجمة تصحيح القول بان الاسم هو المسمى فلذلك صحت الاستعاذة بالاسم كما تصح بالذات واما شبهة
القدرية التي أوردوها على تعدد الأسماء فالجواب عنها ان الاسم يطلق ويراد به المسمى كما قررناه
ويطلق ويراد به التسمية وهو المراد بحديث الأسماء وذكر في الباب تسعة أحاديث كلها في التبرك
باسم الله والسؤال به والاستعاذة * الحديث الأول حديث أبي هريرة في القول عند النوم وقد تقدم
شرحه في الدعوات وفيه باسمك ربي وضعت جني وبك أرفعه قال ابن بطال أضاف الوضع إلى
الاسم والرفع إلى الذات فدل على أن المراد بالاسم الذات وبالذات يستعان في الرفع والوضع لا باللفظ
(قوله عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة) قال الدارقطني في غرائب مالك بعد أن
أخرجه من طرق إلى عبد العزيز بن عبد الله وهو الأويسي شيخ البخاري فيه لا اعلم أحدا أسنده
عن مالك الا الأويسي ورواه إبراهيم بن طهمان عن مالك عن سعيد عن النبي صلى الله
عليه وسلم مرسلا (قوله فلينفضه بصنفة ثوبه) الصنفة بفتح المهملة وكسر النون
بعدها فاء طرته وقيل طرفه وقيل جانبه وقيل حاشيته التي فيها هدبه وقال في النهاية طرفه الذي
320

يلي طرته (قلت) وتقدم في الدعوات بلفظ داخلة إزاره وتقدم هناك معناها فالأولى هنا أن
يقال المراد طرفه الذي من الداخل جمعا بين الروايتين (قوله ثلاث مرات) هكذا زادها مالك
في الروايتين الموصولة والمرسلة وتابعه عبد الله بن عمر بسكون الموحدة وقد فرق بينهما
الدارقطني في روايته المذكورة عن الأويسي عنهما وحذف البخاري عبد الله بن عمر العمري
لضعفه واقتصر على مالك وقد تقدم البحث في جواز حذف الضعيف والاقتصار على الثقة إذا
اشتركا في الرواية في كتاب الاعتصام وصنيع البخاري يقتضي الجواز لكن لم يطرد له في ذلك عمل
فإنه حذفه تارة كما هنا وأثبته أخرى لكن كنى عنه ابن فلان كما مضى التنبيه عليه هناك ويمكن الجمع
بأنه حيث حذفه كان اللفظ الذي ساقه للذي اقتصر عليه بخلاف الآخر (قوله فاغفر لها) تقدم
في الدعوات بلفظ فارحمها وجمع بينهما إسماعيل بن أمية عن سعيد المقبري أخرجه المخلص في أواخر
الأول من فوائده (قوله عقبة تابعه يحيى) يريد ابن سعيد القطان وعبيد الله هو ابن عمر
العمري وسعيد هو المقبري وزهير هو ابن معاوية وأبو ضمرة هو أنس بن عياض والمراد بإيراد
هذه التعاليق بيان الاختلاف على سعيد المقبري هل روى الحديث عن أبي هريرة بلا واسطة أو
بواسطة أبيه وقد تقدم بيان من وصلها كلها في كتاب الدعوات الحديث الثاني والثالث حديث
حذيفة وأبي ذر في القول عند النوم أيضا وفيه اللهم باسمك أحيا وأموت وقد تقدم شرحهما
في الدعوات * الحديث الرابع حديث ابن عباس في القول عند الجماع وقد تقدم شرحه في كتاب
النكاح وقوله فإنه ان يقدر بينهما ولد المراد إن كان قدر لان التقدير أزلي لكن عبر بصيغة
المضارعة بالنسبة للتعلق * الحديث الخامس حديث عدي في الصيد وقد تقدم شرحه في الذبائح
* الحديث السادس حديث عائشة في الامر بالتسمية عند الاكل وقد تقدم في الذبائح أيضا وقوله
فيه تابعه محمد بن عبد الرحمن هو الطفاوي وعبد العزيز بن محمد هو الدراوردي وأسامة بن حفص
هو المدني وتقدم في الذبائح بيان من وصلها وطريق الدراوردي وصلها محمد بن أبي عمر العدني في
مسنده عنه وتقدم القول في هذا السند بأشبع من هذا هناك * (تنبيهان) * أحدهما وقع
قوله تابعه إلى آخره هنا عقب حديث أبي هريرة المبدأ بذكره في هذا الباب عند كريمة والأصيلي
وغيرهما والصواب ما وقع عند أبي ذر وغيره ان محل ذلك عقب حديث عائشة وهو سادس
أحاديث الباب * ثانيهما وقع في هذه الرواية أن هنا أقواما حديثا عهدهم بالشرك يأتونا كذا
فيه بنون واحدة وهي لغة من يحذف النون مع الرفع وجوز الكرماني أن يكون بتشديد النون
321

مراعاة للغة المشهورة لكن التجديد في مثل هذا قليل * الحديث السابع حديث أنس
في الأضحية بكبشين وفيه فسمي وكبر وقد تقدم شرحه في الأضاحي * الحديث الثامن حديث
جندب في منع الذبح في العيد قبل الصلاة وفيه قوله فليذبح بسم الله وقد تقدم شرحه في الضحايا
أيضا * الحديث التاسع حديث ابن عمر لا تحلفوا بآبائكم تقدم شرحه في الايمان والنذور قال
نعيم بن حماد في الرد على الجهمية دلت هذه الأحاديث يعني الواردة في الاستعاذة بأسماء الله
وكلماته والسؤال بها مثل أحاديث الباب وحديث عائشة وأبي سعيد بسم الله أرقيك وكلاهما
عند مسلم وفي الباب عند عبادة وميمونة وأبي هريرة وغيرهم عند النسائي وغيره بأسانيد جياد على
أن القرآن غير مخلوق إذ لو كان مخلوقا لم يستعذ بها إذ لا يستعاذ بمخلوق قال الله تعالى فاستعذ بالله
وقال النبي صلى الله عليه وسلم وإذا استعذت فاستعذ بالله وقال الإمام أحمد في كتاب السنة
قالت الجهمية لمن قال إن الله لم يزل بأسمائه وصفاته قلتم بقول النصارى حيث جعلوا معه غيره
فأجابوا بأنا نقول إنه واحد بأسمائه وصفاته فلا نصف الا واحدا بصفاته كما قال تعالى ذرني ومن
خلقت وحيدا وصفه بالوحدة مع أنه كان له لسان وعينان وأذنان وسمع وبصر ولم يخرج بهذه
الصفات عن كونه واحدا ولله المثل الاعلى (قوله باب ما يذكر في الذات والنعوت
وأسامي الله عز وجل) أي ما يذكر في ذات الله ونعوته من تجويز إطلاق ذلك كأسمائه أو منعه
لعدم ورود النص به فأما الذات فقال الراغب هي تأنيث ذو وهي كلمة يتوصل بها إلى الوصف
بأسماء الأجناس والأنواع وتضاف إلى الظاهر دون المضمر وتثنى وتجمع ولا يستعمل شئ منها
الا مضافا وقد استعاروا لفظ الذات لعين الشئ واستعملوها مفردة ومضافة وأدخلوا عليها الألف
واللام وأجروها مجزى النفس والخاصة وليس ذلك من كلام العرب انتهى وقال عياض ذات
الشئ نفسه وحقيقته وقد استعمل أهل الكلام الذات بالألف واللام وغلطهم أكثر النحاة
وجوزه بعضهم لأنها ترد بمعنى النفس وحقيقة الشئ وجاء في الشعر لكنه شاذ واستعمال البخاري
لها دال على ما تقدم من أن المراد بها نفس الشئ على طريقة المتكلمين في حق الله تعالى ففرق بين
النعوت والذات وقال ابن برهان إطلاق المتكلمين الذات في حق الله تعالى من جهلهم لان الذات
تأنيث ذو وهو جلت عظمته لا يصح له الحاق تاء التأنيث ولهذا امتنع ان يقال علامة وإن كان
اعلم العالمين قال وقولهم الصفات الذاتية جهل منهم أيضا لان النسب إلى ذات ذوي وقال التاج
الكندي في الرد على الخطيب ابن نباتة في قوله كنه ذاته ذات بمعنى صاحبة تأنيث ذو وليس لها
في اللغة مدلول غير ذلك وإطلاق المتكلمين وغيرهم الذات بمعنى النفس خطأ عند المحققين
وتعقب بأن الممتنع استعماله بمعنى صاحبه أما إذا قطعت عن هذا المعنى واستعملت بمعنى
الاسمية فلا محذور لقوله تعالى انه عليم بذات الصدور أي بنفس الصدور وقد حكى المطرزي كل
ذات شئ وليس كل شئ ذات وأنشد أبو الحسين بن فارس
فنعم ابن عم القوم في ذات ماله * إذا كان بعض القوم في ماله وفر
ويحتمل أن تكون ذات هنا مقحمة كما في قولهم ذات ليلة وقد ذكرت ما فيه في كتاب العلم في باب
العظة بالليل وقال النووي في تهذيبه واما قولهم أي الفقهاء في باب الايمان فان حلف بصفة من
صفات الذات وقول المهذب اللون كالسواد والبياض اعراض تحل الذات فمرادهم بالذات
322

الحقيقة وهو اصطلاح المتكلمين وقد أنكره بعض الأدباء وقال لا يعرف في لغة العرب ذات
بمعنى حقيقة قال وهذا الانكار منكر فقد قال الواحدي في قوله تعالى فاتقوا الله واصلحوا ذات
بينكم قال ثعلب أي الحالة التي بينكم فالتأنيث عنده للحالة وقال الزجاج معنى ذات حقيقة
والمراد بالبين الوصل فالتقدير فأصلحوا حقيقة وصلكم قال فذات عنده بمعنى النفس وقال غيره
ذات هنا كناية عن المنازعة فأمروا بالموافقة وتقدم في أواخر النفقات شئ آخر في معنى ذات يده
واما النعوت فإنها جمع نعت وهو الوصف يقال نعت فلانا نعتا مثل وصفه وصفا وزنه ومعناه وقد
تقدم البحث في إطلاق الصفة في أوائل كتاب التوحيد واما الأسامي فهي جمع اسم وتجمع أيضا
على أسماء قال ابن بطال أسماء الله تعالى على ثلاثة أضرب أحدها يرجع إلى ذاته وهو الله والثاني
يرجع إلى صفة قائمة به كالحي والثالث يرجع إلى فعله كالخالق وطريق إثباتها السمع والفرق بين
صفات الذات وصفات الفعل ان صفات الذات قائمة به وصفات الفعل ثابتة له بالقدرة ووجود
المفعول بإرادته جل وعلا (قوله وقال خبيب) بالمعجمة والموحدة مصغر هو ابن عدي الأنصاري
(قوله وذلك في ذات الاله) يشير إلى البيت المذكور في الحديث المساق في الباب وقد تقدم شرحه
مستوفى في المغازي وتقدم في كتاب الجهاد في باب هل يستأسر الرجل (قوله فذكر الذات باسمه
تعالى) أي ذكر الذات متلبسا باسم الله أو ذكر حقيقة الله بلفظ الذات قاله الكرماني (قلت) وظاهر
لفظه ان مراده أضاف لفظ الذات إلى اسم الله تعالى وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره
فكان جائزا وقال الكرماني قيل ليس فيه يعني قوله ذات الاله دلالة على الترجمة لأنه لم يرد بالذات
الحقيقة التي هي مراد البخاري وانما مراده وذلك في طاعة الله أو في سبيل الله وقد يجاب بأن
غرضه جواز إطلاق الذات في الجملة انتهى والاعتراض أقوى من الجواب وأصل الاعتراض
للشيخ تقي الدين السبكي فيما أخبرني به عنه شيخنا أبو الفضل الحافظ وقد ترجم البيهقي في الأسماء
والصفات ما جاء في الذات وأورد حديث أبي هريرة المتفق عليه في ذكر إبراهيم عليه السلام
الا ثلاث كذبات ثنتين في ذات الله وتقدم شرحه في ترجمة إبراهيم من أحاديث الأنبياء وحديث
أبي هريرة المذكور في الباب وحديث ابن عباس تفكروا في كل شئ ولا تفكروا في ذات الله
موقوف وسنده جيد وحديث أبي الدرداء لا تفقه كل الفقه حتى تمقت الناس في ذات الله ورجاله
ثقات الا انه منقطع ولفظ ذات في الأحاديث المذكورة بمعنى من أجل أو بمعنى حق ومثله
قول حسان
وان أخا الأحقاف إذا قام فيهم * يجاهد في ذات الاله ويعدل
وهي كقوله تعالى حكاية عن قول القائل يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله فالذي يظهر ان
المراد جواز إطلاق لفظ ذات لا بالمعنى الذي أحدثه المتكلمون ولكنه غير مردود إذا عرف ان
المراد به النفس لثبوت لفظ النفس في الكتاب العزيز ولهذه النكتة عقب المصنف بترجمة النفس
وسيأتي في باب الوجه انه ورد بمعنى الرضا وقال ابن دقيق العيد في العقيدة تقول في الصفات
المشكلة انها حق وصدق على المعنى الذي اراده الله ومن تأولها نظرنا فإن كان تأويله قريبا على
مقتضى لسان العرب لم ننكر عليه وإن كان بعيدا توقفنا عنه ورجعنا إلى التصديق مع التنزيه
وما كان منها معناه ظاهرا مفهوما من تخاطب العرب حملناه عليه لقوله على ما فرطت في جنب الله
323

فان المراد به في استعمالهم الشائع حق الله فلا يتوقف في حمله عليه وكذا قوله إن قلب ابن آدم بين
إصبعين من أصابع الرحمن فأن المراد به إرادة قلب ابن آدم مصرفة بقدرة الله وما يوقعه فيه وكذا
قوله تعالى فأتى الله بنيانهم من القواعد معناه خرب الله بنيانهم وقوله انما نطعمكم لوجه الله معناه
لأجل الله وقس على ذلك وهو تفصيل بالغ قل من تيقظ له وقال غيره اتفق المحققون على أن حقيقة
الله مخالفة لسائر الحقائق وذهب بعض أهل الكلام إلى انها من حيث إنها ذات مساوية لسائر
الذوات وانما تمتاز عنها بالصفات التي تختص بها كوجوب الوجود والقدرة التامة والعلم التام
وتعقب بأن الأشياء المتساوية في تمام الحقيقة يجب ان يصح على كل واحد منها ما يصح على الاخر
فيلزم من دعوى التساوي المحال وبان أصل ما ذكروه قياس الغائب على الشاهد وهو أصل
كل خبط والصواب الامساك عن أمثال هذه المباحث والتفويض إلى الله في جميعها والاكتفاء
بالايمان بكل ما أوجب الله في كتابه أو على لسان نبيه إثباته له أو تنزيهه عنه على طريق الاجمال
وبالله التوفيق (1) ولو لم يمكن في ترجيح التفويض على التأويل الا ان صاحب التأويل ليس جازما
بتأويله بخلاف صاحب التفويض (قوله باب قول الله تعالى ويحذركم الله نفسه
وقول الله تعالى تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك) قال الراغب نفسه ذاته وهذا وإن كان
يقتضي المغايرة من حيث أنه مضاف ومضاف إليه فلا شئ من حيث المعنى سوى واحد سبحانه
وتعالى عن الاثنينية من كل وجه وقيل إن إضافة النفس هنا إضافة ملك والمراد بالنفس نفوس
عباده انتهى ملخصا ولا يخفى بعد الأخير وتكلفه وترجم البيهقي في الأسماء والصفات النفس
وذكر هاتين الآيتين وقوله تعالى كتب ربكم على نفسه الرحمة وقوله تعالى واصطنعتك لنفسي
ومن الأحاديث الحديث الذي فيه أنت كما أثنيت على نفسك والحديث الذي فيه اني حرمت الظلم
على نفسي وهما في صحيح مسلم (قلت) وفيه أيضا الحديث الذي فيه سبحان الله رضا نفسه ثم قال
والنفس في كلام العرب على أوجه منها الحقيقة كما يقولون في نفس الامر وليس للامر نفس
منفوسه ومنها الذات قال وقد قيل في قوله تعالى تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك أن معناه تعلم
ما أكنه وما أسره ولا أعلم ما تسره عني وقيل ذكر النفس هنا للمقابلة والمشاكلة وتعقب بالآية
التي في أول الباب فليس فيها مقابلة وقال أبو إسحاق الزجاج في قوله تعالى ويحذركم الله نفسه أي
إياه وحكى صاحب المطالع في قوله تعالى ولا أعلم ما في نفسك ثلاثة أقوال أحدها لا أعلم ذاتك
ثانيها لا أعلم ما في غيبك ثالثها لا أعلم ما عندك وهو بمعنى قول غيره لا أعلم معلومك أو ارادتك
أو سرك أو ما يكون منك ثم ذكر البخاري في الباب ثلاثة أحاديث * أحدها حديث عبد الله وهو
ابن مسعود ما من أحد أغير من الله وفيه وما أحد أحب إليه المدح من الله كذا وقع هنا مختصرا
وتقدم في تفسير سورة الأنعام من طريق أبي وائل وهو شقيق بن سلمة المذكور هنا أتم منه وهذا
الحديث مداره في الصحيحين على أبي وائل وأخرجه مسلم في رواية عبد الرحمن بن يزيد النخعي عن
ابن مسعود نحوه وزاد فيه ولا أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أنزل الكتب وأرسل
الرسل وهذه الزيادة عند المصنف في حديث المغيرة الآتي في باب لا شخص أغير من الله قال ابن
بطال في هذه الآيات والأحاديث اثبات النفس لله وللنفس معان والمراد بنفس الله ذاته وليس
بأمر مزيد عليه فوجب ان يكون هو واما قوله أغير من الله فسبق الكلام عليه في كتاب
324

الكسوف وقيل غيره الله كراهة اتيان الفواحش أي عدم رضاه بها لا التقدير وقيل الغضب
لازم الغيرة ولازم الغضب إرادة إيصال العقوبة وقال الكرماني ليس في حديث ابن مسعود هذا
ذكر النفس ولعله أقام استعمال أحد مقام النفس لتلازمهما في صحة استعمال كل واحد منهما
مقام الآخر ثم قال والظاهر أن هذا الحديث كان قبل هذا الباب فنقله الناسخ إلى هذا الباب
انتهى وكل هذا غفلة عن مراد البخاري فان ذكر النفس ثابت في هذا الحديث الذي أورده وإن كان
لم يقع في هذه الطريق لكنه أشار إلى ذلك كعادته فقد أورده في تفسير سورة الأنعام بلفظ
لا شئ وفي تفسير سورة الأعراف بلفظ ولا أحد ثم اتفقا على أحب إليه المدح من الله ولذلك مدح
نفسه وهذا القدر هو المطابق للترجمة وقد كثر منه ان يترجم ببعض ما ورد في طرق الحديث الذي
يورده ولو لم يكن ذلك القدر موجودا في تلك الترجمة وقد سبق الكرماني إلى نحو ذلك ابن المنير فقال
ترجم على ذكر النفس في حق الباري وليس في الحديث الأول للنفس ذكر فوجه مطابقته انه
صدر الكلام بأحد واحد الواقع في النفي عبارة عن النفس على وجه مخصوص بخلاف أحد
الواقع في قوله تعالى قل هو الله أحد انتهى وخفى عليه ما خفى على الكرماني مع أنه تفطن لمثل
ذلك في بعض المواضع ثم قال ابن المنير قول القائل ما في الدار أحد لا يفهم منه الا نفي الاناسي
ولهذا كان قولهم ما في الدار أحد الا زيدا استثناء من الجنس ومقتضى الحديث إطلاقه على الله
لأنه لولا صحة الاطلاق ما انتظم الكلام كما ينتظم ما أحد اعلم من زيد فان زيدا من الأحدين
بخلاف ما أحد أحسن من ثوبي فإنه ليس منتظما لان الثوب ليس من الأحدين * الحديث
الثاني (قوله كتب في كتابه وهو يكتب على نفسه) كذا لأبي ذر وسقطت الواو لغيره
وعلى الأول فالجملة حالية وعلى الثاني فيكتب على نفسه بيان لقوله كتب والمكتوب هو قوله إن
رحمتي إلى آخره وقوله وهو أي المكتوب وضع بفتح فسكون أي موضوع ووقع كذلك في الجمع
للحميدي بلفظ موضوع وهي رواية الإسماعيلي فيما أخرجه من وجه آخر عن أبي حمزة
المذكور في السند وهو بالمهملة والزاي واسمه محمد بن ميمون السكري وحكى عياض عن
رواية أبي ذر وضع بالفتح على أنه فعل ماض مبني للفاعل ورأيته في نسخة معتمدة بكسر الضاد
مع التنوين وقد مضى شرح هذا الحديث في أوائل بدء الخلق ويأتي شئ من الكلام عليه
في باب وكان عرشه على الماء وفي باب بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ أواخر الكتاب إن شاء الله
تعالى واما قوله عنده فقال ابن بطال عند في اللغة للمكان والله منزه عن الحلول في المواضع لان
الحلول عرض يفنى وهو حادث والحادث لا يليق بالله فعلى هذا قيل معناه انه سبق علمه بإثابة
من يعمل بطاعته وعقوبة من يعمل بمعصيته ويؤيده قوله في الحديث الذي بعده انا عند
ظن عبدي بي ولا مكان هناك قطعا وقال الراغب عند لفظ موضوع للقرب ويستعمل في
المكان وهو الأصل ويستعمل في الاعتقاد تقول عندي في كذا كذا أي اعتقده ويستعمل
في المرتبة ومنه أحياء عند ربهم واما قوله إن كان هذا هو الحق من عندك فمعناه من حكمك
وقال ابن التين معنى العندية في هذا الحديث العلم بأنه موضوع على العرش وأما كتبه فليس
للاستعانة لئلا ينساه فإنه منزه عن ذلك لا يخفى عنه شئ وانما كتبه من أجل الملائكة الموكلين
بالمكلفين * الحديث الثالث (قوله يقول الله تعالى انا عند ظن عبدي بي) أي قادر على أن اعمل
325

به ما ظن أني عامل به وقال الكرماني وفي السياق إشارة إلى ترجيح جانب الرجاء على الخوف
وكأنه اخذه من جهة التسوية فان العاقل إذا سمع ذلك لا يعدل إلى ظن إيقاع الوعيد وهو جانب
الخوف لأنه لا يختاره لنفسه بل يعدل إلى ظن وقوع الوعد وهو جانب الرجاء وهو كما قال أهل
التحقيق مقيد بالمحتضر ويؤيد ذلك حديث لا يموتن أحدكم الا وهو يحسن الظن بالله وهو عند
مسلم من حديث جابر وأما قبل ذلك ففي الأول أقوال ثالثها الاعتدال وقال ابن أبي جمرة المراد
بالظن هنا العلم وهو كقوله وظنوا ان لا ملجأ من الله الا إليه وقال القرطبي في المفهم قيل معنى
ظن عبدي بي ظن الإجابة عند الدعاء وظن القبول عند التوبة وظن المغفرة عند الاستغفار
وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها تمسكا بصادق وعده قال ويؤيده قوله في الحديث الآخر
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة قال ولذلك ينبغي للمرء ان يجتهد في القيام بما عليه موقنا بان
الله يقبله ويغفر له لأنه وعد بذلك وهو لا يخلف الميعاد فان اعتقد أو ظن أن الله لا يقبلها
وانها لا تنفعه فهذا هو اليأس من رحمة الله وهو من الكبائر ومن مات على ذلك وكل إلى ما ظن
كما في بعض طرق الحديث المذكور فليظن بي عبدي ما شاء قال واما ظن المغفرة مع الاصرار فذلك
محض الجهل والغرة وهو يجر إلى مذهب المرجئة (قوله وأنا معه إذا ذكرني) أي بعلمي وهو
كقوله انني معكما أسمع وأرى والمعية المذكورة أخص من المعية التي في قوله تعالى ما يكون من
نجوى ثلاثة الا هو رابعهم إلى قوله الا هو معهم أينما كانوا وقال ابن أبي جمرة معناه فانا
معه حسب ما قصد من ذكره لي قال ثم يحتمل ان يكون الذكر باللسان فقط أو بالقلب فقط
أو بهما أو بامتثال الامر واجتناب النهي قال والذي يدل عليه الاخبار ان الذكر على نوعين
أحدهما مقطوع لصاحبه بما تضمنه هذا الخبر والثاني على خطر قال والأول يستفاد من قوله
تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره والثاني من الحديث الذي فيه من لم تنهه صلاته عن الفحشاء
والمنكر لم يزدد من الله الا بعدا لكن إن كان في حال المعصية يذكر الله بخوف ووجل مما هو فيه
فإنه يرجى له (قوله فان ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي) أي ان ذكرني بالتنزيه والتقديس سرا
ذكرته بالثواب والرحمة سرا وقال ابن أبي جمرة يحتمل ان يكون مثل قوله تعالى اذكروني أذكركم
ومعناه اذكروني بالتعظيم أذكركم بالانعام وقال تعالى ولذكر الله أكبر أي أكبر العبادات فمن
ذكره وهو خائف آمنه أو مستوحش آنسه قال تعالى ألا بذكر الله تطمئن القلوب (قوله وان ذكرني
في ملا) بفتح الميم واللام مهموز أي جماعة (ذكرته في ملا خير منهم) قال بعض أهل العلم يستفاد
منه ان الذكر الخفي أفضل من الذكر الجهري والتقدير ان ذكرني في نفسه ذكرته بثواب لا أطلع
عليه أحدا وان ذكرني جهرا ذكرته بثواب أطلع عليه الملا الاعلى وقال ابن بطال هذا نص في أن
الملائكة أفضل من بني آدم وهو مذهب جمهور أهل العلم وعلى ذلك شواهد من القرآن مثل
الا ان تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين والخالد أفضل من الفاني فالملائكة أفضل من بني
آدم وتعقب بأن المعروف عن جمهور أهل السنة ان صالحي بني آدم أفضل من سائر الأجناس
والذين ذهبوا إلى تفضيل الملائكة الفلاسفة ثم المعتزلة وقليل من أهل السنة من أهل التصوف
وبعض أهل الظاهر فمنهم من فاضل بين الجنسين فقالوا حقيقة الملك أفضل من حقيقة الانسان
لأنها نورانية وخيرة ولطيفة مع سعة العلم والقوة وصفاء الجوهر وهذا لا يستلزم تفضيل كل فرد
326

على كل فرد لجواز أن يكون في بعض الاناسي ما في ذلك وزيادة ومنهم من خص الخلاف
بصالحي البشر والملائكة ومنهم من خصه بالأنبياء ثم منهم من فضل الملائكة على غير الأنبياء
ومنهم من فضلهم على الأنبياء أيضا الا على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومن أدلة تفضيل النبي
على الملك أن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم على سبيل التكريم له حتى قال إبليس أرأيتك هذا
الذي كرمت علي ومنها قوله تعالى لما خلقت بيدي لما فيه من الإشارة إلى العناية به ولم يثبت ذلك
للملائكة ومنها قوله تعالى ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ومنها
قوله تعالى وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض فدخل في عمومه الملائكة والمسخر له أفضل
من المسخر ولان طاعة الملائكة بأصل الخلقة وطاعة البشر غالبا مع المجاهدة للنفس لما طبعت
عليه من الشهوة والحرص والهوى والغضب فكانت عبادتهم أشق وأيضا فطاعة الملائكة
بالامر الوارد عليهم وطاعة البشر بالنص تارة وبالاجتهاد تارة والاستنباط تارة فكانت أشق ولان
الملائكة سلمت من وسوسة الشياطين والقاء الشبه والاغواء الجائزة على البشر ولان الملائكة
تشاهد حقائق الملكوت والبشر لا يعرفون ذلك الا بالأعلام فلا يسلم منهم من إدخال الشبهة من
جهة تدبير الكواكب وحركة الأفلاك الا الثابت على دينه ولا يتم ذلك الا بمشقة شديدة
ومجاهدات كثيرة واما أدلة الآخرين فقد قيل إن حديث الباب أقوى ما استدل به لذلك
للتصريح بقوله فيه في ملا خير منهم والمراد بهم الملائكة حتى قال بعض الغلاة في ذلك وكم من
ذاكر لله في ملا فيهم محمد صلى الله عليه وسلم ذكرهم الله في ملا خير منهم وأجاب بعض أهل السنة
بأن الخبر المذكور ليس نصا ولا صريحا يحافى المراد بل يطرقه احتمال ان يكون المراد بالملا الذين هم
خير من الملا الذاكر الأنبياء والشهداء فإنهم أحياء عند ربهم فلم ينحصر ذلك في الملائكة وأجاب
آخر وهو أقوى من الأول بأن الخيرية انما حصلت بالذاكر والملا معا فالجانب الذي فيه رب العزة
خير من الجانب الذي ليس هو فيه بلا ارتياب فالخيرية حصلت بالنسبة للمجموع على المجموع
وهذا الجواب ظهر لي وظننت انه مبتكر ثم رأيته في كلام القاضي كمال الدين بن الزملكاني
في الجزء الذي جمعه في الرفيق الاعلى فقال إن الله قابل ذكر العبد في نفسه بذكره له في نفسه
وقابل ذكر العبد في الملا بذكره في الملا فإنما صار الذكر في الملا الثاني خيرا من الذكر الأول
لان الله هو الذاكر فيهم والملاء الذين يذكرون والله فيهم أفضل من الملا الذين يذكرون وليس
الله فيهم ومن أدلة المعتزلة تقديم الملائكة في الذكر في قوله تعالى من كان عدوا لله وملائكته
ورسله شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس
وتعقب بأن مجرد التقديم في الذكر لا يستلزم التفضيل لأنه لم ينحصر فيه بل له أسباب أخرى
كالتقديم بالزمان في مثل قوله ومنك ومن نوح وإبراهيم فقدم نوحا على إبراهيم لتقدم زمان نوح
مع أن إبراهيم أفضل ومنها قوله تعالى لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة
المقربون وبالغ الزمخشري فادعى ان دلالتها لهذا المطلوب قطعية بالنسبة لعلم المعاني فقال
في قوله تعالى ولا الملائكة المقربون أي ولا من هو أعلى قدرا من المسيح وهم الملائكة الكروبيون
الذين حول العرش كجبريل وميكائيل وإسرافيل قال ولا يقتضي علم المعاني غير هذا من حيث
أن الكلام انما سيق للرد على النصارى لغلوهم في المسيح فقيل لهم لن يترفع المسيح عن العبودية
327

ولا من هو أرفع درجة منه انتهى ملخصا وأجيب بأن الترقي لا يستلزم التفضيل المتنازع فيه
وانما هو بحسب المقام وذلك أن كلا من الملائكة والمسيح عبد من دون الله فرد عليهم بأن المسيح
الذي تشاهدونه لم يتكبر عن عبادة الله وكذلك من غاب عنكم من الملائكة لا يتكبر والنفوس
لما غاب عنها أهيب ممن تشاهده ولان الصفات التي عبدوا المسيح لأجلها من الزهد في الدنيا
والاطلاع على المغيبات واحياء الموتى بإذن الله موجودة في الملائكة فإن كانت توجب عبادته
فهي موجبة لعبادتهم بطريق الأولى وهم مع ذلك لا يستنكفون عن عبادة الله تعالى ولا يلزم من
هذا الترقي ثبوت الأفضلية المتنازع فيها وقال البيضاوي احتج بهذا العطف من زعم أن
الملائكة أفضل من الأنبياء وقال هي مساقة للرد على النصارى في رفع المسيح عن مقام العبودية
وذلك يقتضي ان يكون المعطوف عليه أعلى درجة منه حتى يكون عدم استنكافهم كالدليل على
عدم استنكافه وجوابه أن الآية سيقت للرد على عبدة المسيح والملائكة فأريد بالعطف المبالغة
باعتبار الكثرة دون التفضيل كقول القائل أصبح الأمير لا يخالفه رئيس ولا مرؤوس وعلى تقدير
إرادة التفضيل فغايته تفضيل المقربين ممن حول العرش بل من هو أعلى رتبة منهم على المسيح
وذلك لا يستلزم فضل أحد الجنسين على الآخر مطلقا وقال الطيبي لا تتم لهم الدلالة الا ان سلم أن
الآية سيقت للرد على النصارى فقط فيصح لن يترفع المسيح عن العبودية ولا من هو أرفع منه
والذي يدعي ذلك يحتاج إلى اثبات ان النصارى تعتقد تفضيل الملائكة على المسيح وهم
لا يعتقدون ذلك بل يعتقدون فيه الإلهية فلا يتم استدلال من استدل به قال وسياقه الآية
من أسلوب التتميم والمبالغة لا للترقي وذلك أنه قدم قوله انما الله اله واحد إلى قوله وكيلا فقرر
الوحدانية والمالكية والقدرة التامة ثم اتبعه بعدم الاستنكاف فالتقدير لا يستحق من اتصف
بذلك ان يستكبر عليه الذي تتخذونه أيها النصارى الها لاعتقادكم فيه الكمال ولا الملائكة
الذين اتخذها غيركم آلهة لاعتقادهم فيهم الكمال (قلت) وقد ذكر ذلك البغوي ملخصا ولفظه لم يقل
ذلك رفعا لمقامهم على مقام عيسى بل ردا على الذين يدعون ان الملائكة آلهة فرد عليهم كما رد على
النصارى الذين يدعون التثليث ومنها قوله تعالى قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب
ولا أقول لكم اني ملك فنفى ان يكون ملكا فدل على أنهم أفضل وتعقب بأنه انما نفى ذلك لكونهم
طلبوا منه الخزائن وعلم الغيب وأن يكون بصفة الملك من ترك الأكل والشرك والجماع وهو من
نمط انكارهم ان يرسل الله بشرا مثلهم فنفى عنه أنه ملك ولا يستلزم ذلك التفضيل ومنها انه
سبحانه لما وصف جبريل ومحمدا قال في جبريل انه لقول رسول كريم وقال في حق النبي صلى الله
عليه وسلم وما صاحبكم بمجنون بون الوصفين بون بعيد وتعقب بأن ذلك انما سيق للرد على من
زعم أن الذي يأتيه شيطان فكان وصف جبريل بذلك تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم فقد وصف
النبي صلى الله عليه وسلم في غير هذا الموضع بمثل ما وصف به جبريل هنا وأعظم منه وقد أفرط
الزمخشري في سوء الأدب هنا وقال كلاما يستلزم تنقيص المقام المحمدي وبالغ الأئمة في الرد عليه
في ذلك وهو من زلاته الشنيعة (قوله وان تقرب إلي شبرا) في رواية المستملي والسرخسي
بشبر بزيادة موحدة في أوله وسيأتي شرحه في أواخر كتاب التوحيد في باب ذكر النبي صلى الله عليه
وسلم وروايته عن ربه (قوله باب قول الله عز وجل كل شئ هالك الا وجهه)
328

ذكر فيه حديث جابر في نزول قوله تعالى قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا الآية وقد
تقدم شرحه في تفسير سورة الأنعام وقوله في آخره هذا أيسر في رواية ابن السكن هذه وسقط
لفظ الإشارة من رواية الأصيلي والمراد منه قوله فيه أعوذ بوجهك قال ابن بطال في هذه الآية
والحديث دلالة على أن لله وجها وهو من صفة ذاته وليس بجارحة ولا كالوجوه التي نشاهدها
من المخلوقين كما نقول إنه عالم ولا نقول إنه كالعلماء الذين نشاهدهم وقال غيره دلت الآية على
أن المراد بالترجمة الذات المقدسة ولو كانت صفة من صفات الفعل لشملها الهلاك كما شمل غيرها
من الصفات وهو محال وقال الراغب أصل الوجه الجارحة المعروفة ولما كان الوجه أول
ما يستقبل وهو أشرف ما في ظاهر البدن استعمل في مستقبل كل شئ وفي مبدئه وفي اشراقه فقيل
وجه النهار وقيل وجه كذا أي ظاهره وربما اطلق الوجه على الذات كقولهم كرم الله وجهه وكذا
قوله تعالى ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام وقوله كل شئ هالك الا وجهه وقيل إن لفظ الوجه
صلة والمعنى كل شئ هالك الا هو وكذا ويبقى وجه ربك وقيل المراد بالوجه القصد أي يبقى ما أريد به
وجهه (قلت) وهذا الأخير نقل عن سفيان وغيره وقد تقدم ما ورد فيه في أول تفسير سورة
القصص وقال الكرماني قيل المراد بالوجه في الآية والحديث الذات أو الوجود أو لفظه زائد
أو الوجه الذي لا كالوجوه لاستحالة حمله على العضو المعروف فتعين التأويل أو التفويض وقال
البيهقي تكرر ذكر الوجه في القرآن والسنة الصحيحة وهو في بعضها صفة ذات كقوله الا رداء
الكبرياء على وجهه وهو ما في صحيح البخاري عن أبي موسى وفي بعضها بمعنى من أجل كقوله انما
نطعمكم لوجه الله وفي بعضها بمعنى الرضا كقوله يريدون وجهه الا ابتغاء وجه ربه الاعلى وليس
المراد الجارحة جزما والله أعلم (قوله باب قول الله تعالى ولتصنع على عيني تغذي) كذا
وقع في رواية المستملي والأصيلي بضم التاء وفتح الغين المعجمة بعدها معجمة ثقيلة من التغذية ووقع
في نسخة الصغاني بالدال المهملة وليس بفتح أوله على حذف إحدى التاءين فإنه تفسير تصنع وقد
تقدم في تفسير سورة طه قال ابن التين هذا التفسير لقتادة ويقال صنعت الفرس إذا أحسنت
القيام عليه (قوله وقوله تعالى تجري بأعيننا) أي بعلمنا وذكر فيه حديثي ابن عمر ثم أنس في
ذكر الدجال وقد تقدما مشروحين في كتاب الفتن وفيهما ان الله ليس بأعور وقوله هنا وأشار بيده
إلى عينه كذا للأكثر عن موسى بن إسماعيل عن جويرية وذكره أبو مسعود في الأطراف عن مسدد
بدل موسى والأول هو الصواب وقد أخرجه عثمان الدارمي في كتاب الرد على بشر المريسي عن
موسى بن إسماعيل مثله ورواه عبد الله بن محمد بن أسماء عن عمه جويرية بدون الزيادة التي في آخره
أخرجه أبو يعلى والحسن بن سفيان في مسنديهما عنه وأخرجه الإسماعيلي عنهما قال الراغب
العين الجارحة ويقال للحافظ للشئ المراعي له عين ومنه فلان بعيني أي أحفظه ومنه قوله تعالى
واصنع الفلك بأعيننا أي نحن نراك ونحفظك ومثله تجري بأعيننا وقوله ولتصنع على عيني أي
بحفظي قال وتستعار العين لمعان أخرى كثيرة وقال ابن بطال احتجت المجسمة بهذا الحديث
وقالوا في قوله وأشار بيده إلى عينه دلالة على أن عينه كسائر الأعين وتعقب باستحالة الجسمية
عليه لان الجسم حادث وهو قديم فدل على أن المراد نفي النقص عنه انتهى وقد تقدم شئ من هذا
في باب قوله تعالى وكان الله سميعا بصيرا وقال البيهقي منهم من قال العين صفة ذات كما تقدم في
329

الوجه ومنهم من قال المراد بالعين الرؤية فعلى هذا فقوله ولتصنع على عيني أي لتكون بمرأى
مني وكذا قوله واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا أي بمرأى منا والنون للتعظيم ومال إلى ترجيح الأول
لأنه مذهب السلف ويتأيد بما وقع في الحديث وأشار بيده فان فيه إيماء إلى الرد على من يقول
معناها القدرة صرح بذلك قول من قال إنها صفة ذات وقال ابن المنير وجه الاستدلال على
اثبات العين لله من حديث الدجال من قوله إن الله ليس بأعور من جهة أن العور عرفا عدم العين
وضد العور ثبوت العين فلما نزعت هذه النقيصة لزم ثبوت الكمال بضدها وهو وجود العين وهو على
سبيل التمثيل والتقريب للفهم لا على معنى اثبات الجارحة قال ولأهل الكلام في هذه الصفات
كالعين والوجه واليد ثلاثة أقوال أحدها انها صفات ذات أثبتها السمع ولا يهتدي إليها العقل
والثاني ان العين كناية عن صفة البصر واليد كناية عن صفة القدرة والوجه كناية عن صفة
الوجود والثالث امرارها على ما جاءت مفوضا معناها إلى الله تعالى وقال الشيخ شهاب الدين
السهروردي في كتاب العقيدة له أخبر الله في كتابه وثبت عن رسوله الاستواء والنزول والنفس
واليد والعين فلا يتصرف فيها بتشبيه ولا تعطيل إذ لولا أخبار الله ورسوله ما تجاسر عقل ان يحوم
حول ذلك الحمى قال الطيبي هذا هو المذهب المعتمد وبه يقول السلف الصالح وقال غيره لم ينقل
عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه من طريق صحيح التصريح بوجوب تأويل شئ
من ذلك ولا المنع من ذكره ومن المحال ان يأمر الله نبيه بتبليغ ما أنزل إليه من ربه وينزل عليه اليوم
أكملت لكم دينكم ثم يترك هذا الباب فلا يميز ما يجوز نسبته إليه مما لا يجوز مع حضه على
التبليغ عنه بقوله ليبلغ الشاهد الغائب حتى نقلوا أقواله وأفعاله وأحواله وصفاته وما فعل
بحضرته فدل على أنهم اتفقوا على الايمان بها على الوجه الذي أراده الله منها ووجب تنزيهه عن
مشابهة المخلوقات وقوله تعالى ليس كمثله شئ فمن أوجب خلاف ذلك بعدهم فقد خالف سبيلهم
وبالله التوفيق وقد سئلت هل يجوز لقارئ هذا الحديث ان يصنع كما صنع رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأجبت وبالله التوفيق انه ان حضر عنده من يوافقه على معتقده وكان يعتقد تنزيه
الله تعالى عن صفات الحدوث وأراد التأسي محضا جاز والأولى به الترك خشية ان يدخل على من
يراه شبهة التشبيه تعالى الله عن ذلك ولم أر في كلام أحد من الشراح في حمل هذا الحديث على
معنى خطر لي فيه اثبات التنزيه وحسم مادة التشبيه عنه وهو ان الإشارة إلى عينه صلى الله عليه
وسلم انما هي بالنسبة إلي عين الدجال فإنها كانت صحيحة مثل هذه ثم طرأ عليها العور لزيادة كذبه في
دعوى الإلهية وهو انه كان صحيح العين مثل هذه فطرأ عليها النقص ولم يستطع دفع ذلك عن نفسه
(قوله باب قول الله تعالى هو الخالق البارئ المصور) كذا للأكثر والتلاوة هو الله
الخالق الخ وثبت كذلك في بعض النسخ من رواية كريمة قال الطيبي قيل إن الألفاظ الثلاثة
مترادفة وهو وهم فان الخالق من الخلق واصله التقدير المستقيم ويطلق على الابداع وهو ايجاد
الشئ على غير مثال كقوله تعالى خلق السماوات والأرض على التكوين كقوله تعالى خلق الانسان
من نطفة والبارئ من البرء وأصله خلوص الشئ عن غيره اما على سبيل التقصي منه وعليه
قولهم برأ فلان من مرضه والمديون من دينه ومنه استبرأت الجارية واما على سبيل الانشاء
ومنه برأ الله النسمة وقيل البارئ الخالق البرئ من التفاوت والتنافر المخلين بالنظام والمصور
330

مبدع صور المخترعات ومرتبها بحسب مقتضى الحكمة فالله خالق كل شئ بمعنى انه موجده من
أصل ومن غير أصل وبارئه بحسب ما اقتضته الحكمة من غير تفاوت ولا اختلال ومصوره في
صورة يترتب عليها خواصه ويتم بها كماله والثلاثة من صفات الفعل الا إذا أريد بالخالق المقدر
فيكون من صفات الذات لان مرجع التقدير إلى الإرادة وعلى هذا فالتقدير يقع أولا ثم الاحداث
على الوجه المقدر يقع ثانيا ثم التصوير بالتسوية يقع ثالثا انتهى وقال الحليمي الخالق معناه
الذي جعل المبدعات أصنافا وجعل لكل صنف منها قدرا والبارئ معناه الموجد لما كان في
معلومه واليه الإشارة بقوله من قبل أن نبرأها قال ويحتمل ان المراد به قالب الأعيان لأنه أبدع
الماء والتراب والنار والهواء لا من شئ ثم خلق منها الأجسام المختلفة والمصور معناه المهئ للأشياء
على ما أراده من تشابه وتخالف وقال الراغب ليس الخلق بمعنى الابداع الا لله والى ذلك أشار إلى بقوله
تعالى أفمن يخلق كمن لا يخلق واما الذي يوجد بالاستحالة فقد وقع لغيره بتقديره سبحانه وتعالى
مثل قوله لعيسى وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بأذني والخلق في حق غير الله يقع بمعنى التقدير
وبمعنى الكذب والبارئ أخص بوصف الله تعالى والبرية الخلق قيل أصله الهمز فهو من برأ
وقيل أصله البري من بريت العود وقيل البرية من البري بالقصر وهو التراب فيحتمل ان يكون
معناه موجد الخلق من البري وهو التراب والمصور معناه المهئ قال تعالى يصوركم في الأرحام كيف
يشاء والصورة في الأصل ما يتميز به الشئ عن غيره ومنه محسوس كصورة الانسان والفرس
ومنه معقول كالذي اختص به الانسان من العقل والروية والى كل منهما الإشارة بقوله
تعالى خلقناكم ثم صورناكم وصوركم فأحسن صوركم هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء
(قوله حدثنا إسحاق) قال أبو علي الجياني هو ابن منصور (قلت) ويؤيد ذلك وإن كان قد يظن أنه
ابن راهويه لكونه أيضا روى عن عفان ان ابن راهويه لا يقول الا أخبرنا هنا ثبت في النسخ
حدثنا فتأيد انه ابن منصور وقد تقدم شرح حديث أبي سعيد المذكور هنا في العزل في كتاب
النكاح مستوفي (قوله وقال مجاهد عن قزعة هو ابن يحيى وهو من رواية الاقران لان مجاهدا
وهو ابن جبر المفسر المشهور المكي في طبقة قزعة (قوله سألت أبا سعيد فقال قال النبي صلى الله
عليه وسلم) كذا وقع هنا بحذف المسؤول عنه ووقع لغير أبي ذر سمعت بدل سألت وقد وصله مسلم
وأصحاب السنن الثلاثة من رواية سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ ذكر
العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ولم يفعل ذلك أحدكم ولم يقل فلا يفعل ذلك ثم ذكر
بقية الحديث وهو القدر المذكور منه هنا قال ابن بطال الخالق في هذا الباب يراد به المبدع
المنشئ لأعيان المخلوقين وهو معنى لا يشارك الله فيه أحد قال ولم يزل الله مسميا نفسه خالقا على
معنى انه سيخلق لاستحالة قدم الخلق وقال الكرماني معنى قوله في الحديث الا وهي مخلوقة أي
مقدرة الخلق أو معلومة الخلق عند الله لا بد من ابرازها إلى الوجود والله سبحانه وتعالى اعلم
بالصواب (قوله باب قول الله تعالى لما خلقت بيدي) قال ابن بطال في هذه الآية
اثبات يدين لله وهما صفتان من صفات ذاته وليستا بجارحتين خلافا للمشبهة من المثبتة
وللجهمية من المعطلة ويكفي في الرد على من زعم انهما بمعنى القدرة انهم اجمعوا على أن له قدرة
واحدة في قول المثبتة ولا قدرة له في قول النفاة لانهم يقولون إنه قادر لذاته ويدل على أن اليدين
331

ليستا بمعنى القدرة ان في قوله تعالى لإبليس ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي إشارة إلى المعنى
الذي أوجب السجود فلو كانت اليد بمعنى القدرة لم يكن بين آدم وإبليس فرق لتشاركهما فيما
خلق كل منهما به وهي قدرته ولقال إبليس وأي فضيلة له علي وانا خلقتني بقدرتك كما خلقته
بقدرتك فلما قال خلقتني من نار وخلقته من طين دل على اختصاص آدم بان الله خلقه بيديه
قال ولا جائز ان يراد باليدين النعمتان لاستحالة خلق المخلوق بمخلوق لان النعم مخلوقة ولا يلزم من
كونهما صفتي ذات ان يكونا جارحتين وقال ابن التين قوله وبيده الأخرى الميزان يدفع تأويل
اليد هنا بالقدرة وكذا قوله في حديث ابن عباس رفعه أول ما خلق الله القلم فأخذه بيمينه وكلتا
يديه يمين الحديث وقال ابن فورك قيل اليد بمعنى الذات وهذا يستقيم في مثل قوله تعالى مما عملت
أيدينا بخلاف قوله لما خلقت بيدي فإنه سيق للرد على إبليس فلو حمل على الذات لما اتجه الرد وقال
غيره هذا يساق مساق التمثيل للتقريب لأنه عهد ان من اعتنى بشئ واهتم به باشره بيديه فيستفاد
من ذلك أن العناية بخلق آدم كانت أتم من العناية بخلق غيره واليد في اللغة تطلق لمعان كثيرة
اجتمع لنا منها خمسة وعشرون معنى ما بين حقيقة ومجاز الأول الجارحة الثاني القوة نحو داود
ذا الأيد الثالث الملك أن الفضل بيد الله الرابع العهد يد الله فوق أيديهم ومنه قوله هذي
يدي لك بالوفاء الخامس الاستسلام والانقياد قال الشاعر * أطاع يدا بالقول فهو ذلول
* السادس النعمة قال * وكم لظلام الليل عندي من يد * (2) السابع الملك قل ان الفضل
بيد الله الثامن الذل حتى يعطوا الجزية عن يد التاسع أو يعفوا الذي بيده عقدة
النكاح العاشر السلطان الحادي عشر الطاعة الثاني عشر الجماعة الثالث عشر الطريق
يقال أخذتهم يد الساحل الرابع عشر التفرق تفرقوا أيدي سبأ الخامس عشر الحفظ
السادس عشر يد القوس أعلاها السابع عشر يد السيف مقبضه الثامن عشر يد الرحى عود
القابض التاسع عشر جناح الطائر العشرون المدة يقال لا ألقاه يد الدهر الحادي والعشرون
الابتداء يقال لقيته أول ذات يدي وأعطاه عن ظهر يد الثاني والعشرون يد الثوب ما فضل منه
الثالث والعشرون يد الشئ أمامه الرابع والعشرون الطاقة الخامس والعشرون النقد نحو
بعته يدا بيد ثم ذكر في الباب أربعة أحاديث للثالث منها أربعة طرق وللرابع طريقان * الحديث
الأول حديث أنس في الشفاعة وقد تقدم شرحه مستوفى في أواخر كتاب الرقاق والغرض
منه هنا قول أهل الموقف لآدم خلقك الله بيده (قوله حدثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء
والضاد المعجمة وحكى بعضهم ضم الفاء وهشام شيخه هو الدستوائي وقوله عن أنس تقدمت
الإشارة في الرقاق إلى ما وقع في بعض طرقه بلفظ حدثنا أنس (قوله يجمع المؤمنون يوم
القيامة كذلك) هكذا للجميع وأظن أول هذه الكلمة لام والإشارة ليوم القيامة أو لما يذكر
بعد وقد وقع عند مسلم من رواية معاذ بن هشام عن أبيه يجمع الله المؤمنين يوم القيامة
فيهتمون لذلك وفي رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة يهتمون أو يلهمون لذلك بالشك وسيأتي في
باب وجوه يومئذ ناضرة من رواية همام عن قتادة حتى يهموا بذلك وقوله هنا اشفع لنا إلى ربك
كذا للأكثر وهو المذكور في غير هذه الطريق ووقع لأبي ذر عن غير الكشميهني شفع بكسر
الفاء الثقيلة قال الكرماني هو من التشفيع ومعناه قبول الشفاعة وليس هو المراد هنا فيحتمل
أن يكون التثقيل للتكثير أو للمبالغة وقوله لست هناك كذا للأكثر في الموضعين ولأبي ذر عن
332

السرخسي هنا كم وقوله فيؤذن لي في رواية أبي ذر عن الكشميهني ويؤذن لي بالواو وقوله قل
يسمع كذا للأكثر بالتحتانية ولأبي ذر عن السرخسي والكشميهني بالفوقانية في الموضعين
وقوله سل تعطه لأبي ذر عن المستملي تعط في الموضعين بلا هاء * الحديث الثاني حديث أبي
هريرة من طريق أبي الزناد عن الأعرج (قوله يد الله) تقدم في تفسير سورة هود في أول هذا
الحديث من الزيادة أنفق أنفق عليك ووقعت هذه الزيادة أيضا في رواية همام لكن ساقها فيه
مسلم وأفردها البخاري كما سيأتي في باب يريدون ان يبدلوا كلام الله ووقع فيها بدل يد الله يمين
الله ويتعقب بها على من فسر اليد هنا بالنعمة وأبعد منه من فسرها بالخزائن وقال أطلق اليد
على الخزائن لتصرفها فيها (قوله ملأي) بفتح الميم وسكون اللام وهمزة مع القصر تأنيث ملآن
ووقع بلفظ ملآن في رواية لمسلم وقيل هي غلط ووجهها بعضهم بإرادة اليمين فإنها تذكر
وتؤنث وكذلك الكف والمراد من قوله ملأي أو ملآن لازمه وهو انه في غاية الغنى وعنده من
الرزق مالا نهاية له في علم الخلائق (قوله لا يغيضها) بالمعجمتين بفتح أوله أي لا ينقصها يقال
غاض الماء يغيض إذا نقص (قوله سحاء) بفتح المهملتين مثقل ممدود أي دائمة الصب يقال
سح بفتح أوله مثقل يسح بكسر السين في المضارع ويجوز ضمها وضبط في مسلم سحا بلفظ المصدر
(قوله الليل والنهار) بالنصب على الظرف أي فيهما ويجوز الرفع ووقع في رواية لمسلم سح
الليل والنهار بالإضافة وفتح الحاء ويجوز ضمها (قوله أرأيتم ما أنفق) تنبيه على وضوح ذلك
لمن له بصيرة (قوله منذ خلق الله السماوات والأرض) سقط لفظ الجلالة لغير أبي ذر وهو رواية
همام (قوله فإنه لم يغض) أي ينقص ووقع في رواية همام لم ينقص ما في يمينه قال الطيبي
يجوز أن تكون ملأى ولا يغيضها وسحاء وأرأيت أخبارا مترادفة ليد الله ويجوز أن تكون
الثلاثة أوصافا لملأى ويجوز ان يكون أرأيتم استئنافا فيه معنى الترقي كأنه لما قيل ملأى أو هم
جواز النقصان فأزيل بقوله لا يغيضها شئ وقد يمتلئ الشئ ولا يغيض فقيل سحاء إشارة إلى الغيض
وقرنه بما يدل على الاستمرار من ذكر الليل والنهار ثم اتبعه بما يدل على أن ذلك ظاهر غير خاف على
ذي بصر وبصيرة بعد أن اشتمل من ذكر الليل والنهار بقوله أرأيتم على تطاول المدة لأنه خطاب
عام والهمزة فيه للتقرير قال وهذا الكلام إذا أخذته بجملته من غير نظر إلى مفرداته أبان
زيادة الغنى وكمال السعة والنهاية في الجود والبسط في العطاء (قوله وقال عرشه على الماء) سقط لفظ
قال من رواية همام ومناسبة ذكر العرش هنا ان السامع يتطلع من قوله خلق السماوات والأرض
ما كان قبل ذلك فذكر ما يدل على أن عرشه قبل خلق السماوات والأرض كان على الماء كما وقع في
حديث عمران بن حصين الماضي في بدء الخلق بلفظ كان الله ولم يكن شئ قبله وكان عرشه على
الماء ثم خلق السماوات والأرض (قوله وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع) أي يخفض
الميزان ويرفعها قال الخطابي الميزان مثل والمراد القسمة بين الخلق واليه الإشارة بقوله يخفض
ويرفع وقال الداودي معنى الميزان انه قدر الأشياء ووقتها وحددها فلا يملك أحد نفعا ولا ضرا الا
منه وبه ووقع في رواية همام وبيده الأخرى الفيض أو القبض الأولى بفاء وتحتانية والثانية
بقاف وموحدة كذا للبخاري بالشك ولمسلم بالقاف والموحدة بلا شك وعن بعض رواته فيما
333

حكاه عياض بالفاء والتحتانية والأول أشهر قال عياض المراد بالقبض قبض الأرواح بالموت
وبالفيض الاحسان بالعطاء وقد يكون بمعنى الموت يقال فاضت نفسه إذا مات ويقال بالضاد
وبالظاء اه والأولى أن يفسر بمعنى الميزان ليوافق رواية الأعرج التي في هذا الباب فان الذي
يوزن بالميزان يخف ويرجح فكذلك ما يقبض ويحتمل ان يكون المراد بالقبض المنع لان الاعطاء
قد ذكر في قوله قبل ذلك سحاء الليل والنهار فيكون مثل قوله تعالى والله يقبض ويبسط ووقع
في حديث النواس بن سمعان عند مسلم وسيأتي التنبيه عليه في أواخر الباب الميزان بيد الرحمن
يرفع أقواما ويضع آخرين وفي حديث أبي موسى عند مسلم وابن حبان ان الله لا ينام ولا ينبغي
أن ينام يخفض القسط ويرفعه وظاهره ان المراد بالقسط الميزان وهو مما يؤيد ان الضمير المستتر
في قوله يخفض ويرفع للميزان كما بدأت الكلام به قال المازري ذكر القبض والبسط وإن كانت
القدرة واحدة لتفهم العباد انه يفعل بها المختلفات وأشار بقوله بيده الأخرى إلى أن عادة
المخاطبين تعاطي الأشياء باليدين معا فعبر عن قدرته على التصرف بذكر اليدين لتفهيم المعنى
المراد بما اعتادوه وتعقب بان لفظ البسط لم يقع في الحديث وأجيب بأنه فهمه من مقابله كما
تقدم والله أعلم * الحديث الثالث حديث ابن عمر (قوله مقدم بن محمد) تقدم ذكره وذكر عمه في
تفسير سورة النور (قوله إن الله يقبض يوم القيامة الأرض) في حديث أبي هريرة الماضي في
باب قوله ملك الناس يقبض الله الأرض ويطوي السماوات بيمينه وفي رواية عمر بن حمزة التي
يأتي التنبيه على من وصلها يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ويطوي
الأرض ثم يأخذهن بشماله وعند أبي داود بدل قوله بشماله بيده الأخرى وزاد في رواية ابن
وهب عن أسامة بن زيد عن نافع وأبي حازم عن ابن عمر فيجعلهما في كفه ثم يرمي بهما كما يرمي
الغلام بالكرة (قوله ويقول انا الملك) زاد في رواية عمر بن حمزة أين الجبارون أين المتكبرون
(قوله رواه سعيد عن مالك) يعني عن نافع وصله الدارقطني في غرائب مالك وأبو القاسم
اللالكائي في السنة من طريق أبي بكر الشافعي عن محمد بن خالد الآجري عن سعيد وهو ابن داود
ابن أبي زنبر بفتح الزاي وسكون النون بعدها موحدة مفتوحة ثم راء وهو مدني سكن بغداد
وحدث بالري وكنيته أبو عثمان وما له في البخاري الا هذا الموضع وقد حدث عنه في كتاب الأدب
المفرد وتكلم فيه جماعة وقال في روايته ان نافعا حدثه ان عبد الله بن عمر أخبره وقد روى عن
مالك ممن اسمه سعيد أيضا سعيد بن كثير بن عفير وهو من شيوخ البخاري ولكن لم نجد هذا
الحديث من روايته وصرح المزي وجماعة بأن الذي علق له البخاري هنا هو الزبيري (قوله
وقال عمر بن حمزة) يعني ابن عبد الله بن عمر الذي تقدم ذكره في الاستسقاء وشيخه سالم هو ابن عبد
الله بن عمر عم عمر المذكور وحديثه هذا وصله مسلم وأبو داود وغيرهما من رواية أبي أسامة عنه
قال البيهقي تفرد بذكر الشمال فيه عمر بن حمزة وقد رواه عن ابن عمر أيضا نافع وعبيد الله بن مقسم
بدونها ورواه أبو هريرة وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك وثبت عند مسلم من حديث
عبد الله بن عمرو رفعه المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين وكذا
في حديث أبي هريرة قال آدم اخترت يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين وساق من طريق أبي يحيى
القتات بقاف ومثناة ثقيلة وبعد الألف مثناة أيضا عن مجاهد في تفسير قوله تعالى والسماوات
334

مطويات بيمينه قال وكلتا يديه يمين وفي حديث ابن عباس رفعه أول ما خلق الله القلم فأخذه
بيمينه وكلتا يديه يمين وقال القرطبي في المفهم كذا جاءت هذه الرواية بإطلاق لفظ الشمال على
يد الله تعالى على المقابلة المتعارفة في حقنا وفي أكثر الروايات وقع التحرز عن اطلاقها على الله
حتى قال وكلتا يديه يمين لئلا يتوهم نقص في صفته سبحانه وتعالى لان الشمال في حقنا أضعف من
اليمين قال البيهقي ذهب بعض أهل النظر إلى أن اليد صفة ليست جارحة وكل موضع جاء ذكرها
في الكتاب أو السنة الصحيحة فالمراد تعلقها بالكائن المذكور معها كالطي والاخذ والقبض
والبسط والقبول والشح والانفاق وغير ذلك تعلق الصفة بمقتضاها من غير مماسة وليس في ذلك
تشبيه بحال وذهب آخرون إلى تأويل ذلك بما يليق به انتهى وسيأتي كلام الخطابي في ذلك في
باب قوله تعالى تعرج الملائكة والروح إليه (قوله وقال أبو اليمان أخبرنا شعيب الخ) تقدم
الكلام عليه في باب قوله تعالى ملك الناس * الحديث الرابع (قوله سفيان) هو الثوري ومنصور
هو ابن المعتمر وسليمان هو الأعمش وإبراهيم هو النخعي وعبيدة بفتح أوله هو ابن عمرو وقد تابع
سفيان الثوري عن منصور على قوله عبيدة شيبان بن عبد الرحمن عن منصور كما مضى في تفسير
سورة الزمر وفضيل بن عياض المذكور بعده وجرير بن عبد الحميد عند مسلم وخالفه عن
الأعمش في قوله عبيدة حفص بن غياث المذكور في الباب وجرير وأبو معاوية وعيسى بن يونس
عند مسلم ومحمد بن فضيل عند الإسماعيلي فقالوا كلهم عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة بدل
عبيدة وتصرف الشيخين يقتضي انه عند الأعمش على الوجهين واما ابن خزيمة فقال هو في رواية
الأعمش عن إبراهيم عن علقمة وفي رواية منصور عن إبراهيم عن عبيدة وهما صحيحان (قوله
قال يحيى) هو ابن سعيد القطان راويه عن الثوري (قوله وزاد فيه فضيل بن عياض) هو
موصول ووهم من زعم أنه معلق وقد وصله مسلم عن أحمد بن يونس عن فضيل (قوله أن يهوديا
جاء) في رواية علقمة جاء رجل من أهل الكتاب وفي رواية فضيل بن عياض عند مسلم جاء حبر
بمهملة وموحدة زاد شيبان في روايته من الأحبار (قوله فقال يا محمد) في رواية علقمة يا أبا
القاسم وجمع بينهما في رواية فضيل (قوله إن الله يمسك السماوات) في رواية شيبان يجعل بدل
يمسك وزاد فضيل يوم القيامة وفي رواية أبي معاوية عند الإسماعيلي أبلغك يا أبا القاسم
ان الله يحمل الخلائق (قوله والشجر على أصبع) زاد في رواية علقمة والثرى وفي رواية شيبان
الماء والثرى وفي رواية فضيل بن عياض الجبال والشجر على أصبع والماء والثرى على أصبع
(قوله والخلائق) أي من لم يتقدم له ذكر ووقع في رواية فضيل وشيبان وسائر الخلق وزاد ابن
خزيمة عن محمد بن خلاد عن يحيى بن سعيد القطان عن الأعمش فذكر الحديث قال محمد عدها
علينا يحيى بأصبعه وكذا أخرجه أحمد بن حنبل في كتاب السنة عن يحيى بن سعيد وقال وجعل
يحيى يشير بأصبعه يضع إصبعا على أصبع حتى اتى على آخرها ورواه أبو بكر الخلال في كتاب
السنة عن أبي بكر المروزي عن أحمد وقال رأيت أبا عبد الله يشير بأصبع أصبع ووقع في حديث
ابن عباس عند الترمذي مر يهودي بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال يا يهودي حدثنا فقال كيف
تقول يا أبا القاسم إذا وضع الله السماوات على ذه والأرضين على ذه والماء على ذه والجبال على ذه
وسائر الخلق على ذه وأشار أبو جعفر يعني أحد رواته بخنصر أولا ثم تابع حتى بلغ الابهام قال
335

الترمذي حديث حسن غريب صحيح ووقع في مرسل مسروق عند الهروي مرفوعا نحو هذه
الزيادة (قوله ثم يقول انا الملك) كررها علقمة في روايته وزاد فضيل في روايته قبلها ثم يهزهن
(قوله فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية علقمة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم ضحك
ومثله في رواية جرير ولفظه ولقد رأيت (قوله حتى بدت نواجذه) جمع ناجذ بنون وجيم مكسورة
ثم ذال معجمة وهو ما يظهر عند الضحك من الأسنان وقيل هي الأنياب وقيل الأضراس وقيل
الدواخل من الأضراس التي في أقصى الحلق زاد شيبان بن عبد الرحمن تصديقا لقول الحبر وفي
رواية فضيل المذكورة هنا تعجبا وتصديقا له وعند مسلم تعجبا مما قال الحبر تصديقا له وفي رواية
جرير عنده وتصديقا له بزيادة واو وأخرجه ابن خزيمة من رواية إسرائيل عن منصور حتى بدت
نواجذه تصديقا لقوله وقال ابن بطال لا يحمل ذكر الإصبع على الجارحة بل يحمل على أنه صفة
من صفات الذات لا تكيف ولا تحدد وهذا ينسب للأشعري وعن ابن فورك يجوز ان يكون
الإصبع خلقا يخلقه الله فيحمله الله ما يحمل الإصبع ويحتمل ان يراد به القدرة والسلطان كقول
القائل ما فلان الا بين إصبعي إذا أراد الاخبار عن قدرته عليه وأيد ابن التين الأول بأنه قال على
أصبع ولم يقل على أصبعيه قال ابن بطال وحاصل الخبر انه ذكر المخلوقات وأخبر عن قدرة الله
على جميعها فضحك النبي صلى الله عليه وسلم تصديقا له وتعجبا من كونه يستعظم ذلك في قدرة الله
تعالى وان ذلك ليس في جنب ما يقدر عليه بعظيم ولذلك قرأ قوله تعالى وما قدروا الله حق قدره
الآية أي ليس قدره في القدرة على ما يخلق على الحد الذي ينتهي إليه الوهم ويحيط به الحصر لأنه
تعالى يقدر على امساك مخلوقاته على غير شئ كما هي اليوم قال تعالى ان الله يمسك السماوات
والأرض ان تزولا وقال رفع السماوات بغير عمد ترونها وقال الخطابي لم يقع ذكر الإصبع في
القرآن ولا في حديث مقطوع به وقد تقرر ان اليد ليست بجارحة حتى يتوهم من ثبوتها ثبوت
الأصابع بل هو توقيف أطلقه الشارع فلا يكيف ولا يشبه ولعل ذكر الأصابع من تخليط
اليهودي فان اليهود مشبهة وفيما يدعونه من التوراة ألفاظ تدخل في باب التشبيه ولا تدخل في
مذاهب المسلمين واما ضحكه صلى الله عليه وسلم من قول الحبر فيحتمل الرضا والانكار واما
قول الراوي تصديقا له فظن منه وحسبان وقد جاء الحديث من عدة طرق ليس فيها هذه الزيادة
وعلى تقدير صحتها فقد يستدل بحمرة الوجه على الخجل وبصفرته على الوجل ويكون الامر
بخلاف ذلك فقد تكون الحمرة لأمر حدث في البدن كثوران الدم والصفرة لثوران خلط
من مرار وغيره وعلى تقدير ان يكون ذلك محفوظا فهو محمول على تأويل قوله تعالى والسماوات
مطويات بيمينه أي قدرته على طيها وسهولة الامر عليه في جمعها بمنزلة من جمع شيئا في كفه
واستقل بحمله من غير أن يجمع كفه عليه بل يقله ببعض أصابعه وقد جرى في أمثالهم فلان
يقل كذا بأصبعه ويعمله بخنصره انتهى ملخصا وقد تعقب بعضهم إنكار ورود الأصابع لوروده
في عدة أحاديث كالحديث الذي أخرجه مسلم ان قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن
ولا يرد عليه لأنه انما نفى القطع وقال القرطبي في المفهم قوله إن الله يمسك إلى آخر الحديث هذا
كله قول اليهودي وهم يعتقدون التجسيم وان الله شخص ذو جوارح كما يعتقده غلاة المشبهة
من هذه الأمة وضحك النبي صلى الله عليه وسلم انما هو للتعجب من جهل اليهودي ولهذا قرأ عند
336

ذلك وما قدروا الله حق قدره أي ما عرفوه حق معرفته ولا عظموه حق تعظيمه فهذه الرواية هي
الصحيحة المحققة واما من زاد وتصديقا له فليست بشئ فإنها من قول الراوي وهي باطلة لان النبي
صلى الله عليه وسلم لا يصدق المحال وهذه الأوصاف في حق الله محال إذ لو كان ذا يد وأصابع
وجوارح كان كواحد منا فكان يجب له من الافتقار والحدوث والنقص والعجز ما يجب لنا ولو
كان كذلك لاستحال أن يكون الها إذ لو جازت الإلهية لمن هذه صفته لصحت للدجال وهو محال
فالمفضي إليه كذب فقول اليهودي كذب ومحال ولذلك أنزل الله في الرد عليه وما قدروا الله حق
قدره وانما تعجب النبي صلى الله عليه وسلم من جهله فظن الراوي ان ذلك التعجب تصديق وليس
كذلك فان قيل قد صح حديث ان قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن فالجواب انه إذا
جاءنا مثل هذا في الكلام الصادق تأولناه أو توقفنا فيه إلى أن يتبين وجهه مع القطع باستحالة
ظاهره لضرورة صدق من دلت المعجزة على صدقه وأما إذا جاء على لسان من يجوز عليه الكذب
بل على لسان من أخبر الصادق عن نوعه بالكذب والتحريف كذبناه وقبحناه ثم لو سلمنا أن النبي
صلى الله عليه وسلم صرح بتصديقه لم يكن ذلك تصديقا له في المعنى بل في اللفظ الذي نقله من كتابه
عن نبيه ونقطع بان ظاهره غير مراد انتهى ملخصا وهذا الذي نحا إليه أخيرا أولى مما ابتدأ به لما
فيه من الطعن على ثقات الرواة ورد الاخبار الثابتة ولو كان الامر على خلاف ما فهمه الراوي
بالظن للزم منه تقرير النبي صلى الله عليه وسلم على الباطل وسكوته عن الانكار وحاشا لله من ذلك
وقد اشتد إنكار ابن خزيمة على من ادعى ان الضحك المذكور كان على سبيل الانكار فقال بعد أن
اورد هذا الحديث في كتاب التوحيد من صحيحه بطريقه قد أجل الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم
عن أن يوصف ربه بحضرته بما ليس هو من صفاته فيجعل بدل الانكار والغضب على الواصف
ضحكا بل لا يوصف النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف من يؤمن بنبوته وقد وقع في الحديث
الماضي في الرقاق عن أبي سعيد رفعه تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار
بيده كما يتكفؤ أحدكم خبزته الحديث وفيه ان يهوديا دخل فأخبر بمثل ذلك فنظر النبي
صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه ثم ضحك (قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم
لا شخص أغير من الله) كذا لهم ووقع عند ابن بطال بلفظ أحد بدل شخص وكأنه من تغييره
(قوله عبد الملك) هو ابن عمير والمغيرة هو ابن شعيبة كما تقدم التنبيه عليه في أواخر الحدود
والمحاربين فإنه ساق من الحديث هناك بهذا السند إلى قوله والله أغير مني وتقدم شرح القول
المذكور هناك وتقدم الكلام على غيرة الله في شرح حديث ابن مسعود وان الكلام عليه
تقدم في شرح حديث أسماء بنت أبي بكر في كتاب الكسوف قال ابن دقيق العيد المنزهون لله
اما ساكت عن التأويل واما مؤول والثاني يقول المراد بالغيرة المنع من الشئ والحماية وهما من
لوازم الغيرة فأطلقت على سبيل المجاز كالملازمة وغيرها من الأوجه الشائعة في لسان العرب
(قوله ولا أحد أحب إليه العذر من الله ومن أجل ذلك بعث المنذرين والمبشرين) يعني الرسل
وقد وقع في رواية مسلم بعث المرسلين مبشرين ومنذرين وهي أوضح وله من حديث ابن مسعود
ولذلك انزل الكتب والرسل أي وأرسل الرسل قال ابن بطال هو من قوله تعالى وهو الذي يقبل
التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات فالعذر في هذا الحديث التوبة والإنابة كذا قال وقال
337

عياض المعنى بعث المرسلين للاعذار والانذار لخلقه قبل أخذهم بالعقوبة وهو كقوله تعالى
لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وحكى القرطبي في المفهم عن بعض أهل المعاني انما
قال النبي صلى الله عليه وسلم لا أحد أحب إليه العذر من الله عقب قوله لا أحد أغير من الله منبها
لسعد بن عبادة على أن الصواب خلاف ما ذهب إليه ورادعا له عن الاقدام على قتل من يجده
مع امرأته فكأنه قال إذا كان الله مع كونه أشد غيرة منك يحب الاعذار ولا يؤاخذ الا بعد الحجة
فكيف تقدم أنت على القتل في تلك الحالة (قوله ولا أحد أحب إليه) يجوز في أحب الرفع
والنصب كما تقدم في الحدود (قوله المدحة من الله) بكسر الميم مع هاء التأنيث وبفتحها مع حذف
الهاء والمدح الثناء بذكر أوصاف الكمال والافضال قاله القرطبي (قوله ومن أجل ذلك وعد الله
الجنة) كذا فيه بحذف أحد المفعولين للعلم به والمراد به من أطاعه وفي رواية مسلم وعد الجنة
بإضمار الفاعل وهو الله قال ابن بطال أراد به المدح من عباده بطاعته وتنزيهه عما لا يليق به
والثناء عليه بنعمه ليجازيهم على ذلك وقال القرطبي ذكر المدح مقرونا بالغيرة والعذر تنبيها
لسعد على أن لا يعمل بمقتضى غيرته ولا يعجل بل يتأنى ويترفق ويتثبت حتى يحصل على وجه
الصواب فينال كمال الثناء والمدح والثواب لايثاره الحق وقمع نفسه وغلبتها عند هيجانها وهو
نحو قوله الشديد من يملك نفسه عند الغضب وهو حديث صحيح متفق عليه وقال عياض معنى
قوله وعد الجنة انه لما وعد بها ورغب فيها كثر السؤال له والطلب إليه والثناء عليه قال ولا يحتج
بهذا على جواز استجلاب الانسان الثناء على نفسه فإنه مذموم ومنهي عنه بخلاف حبه له في
قلبه إذا لم يجد من ذلك بدا فإنه لا يذم بذلك فالله سبحانه وتعالى مستحق للمدح بكماله والنقص للعبد
لازم ولو استحق المدح من جهة ما لكن المدح يفسد قلبه ويعظمه في نفسه حتى يحتقر غيره
ولهذا جاء احثوا في وجوه المداحين التراب وهو حديث صحيح أخرجه مسلم (قوله وقال عبيد الله
ابن عمرو) هو الرقي الأسدي (عن عبد الملك) هو ابن عمير (قوله لا شخص أغير من الله) يعني ان
عبيد الله بن عمرو روى الحديث المذكور عن عبد الملك بالسند المذكور أولا فقال لا شخص بدل
قوله لا أحد وقد وصله الدارمي عن زكريا بن عدي عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بن عمير عن
وراد مولى المغيرة عن المغيرة قال بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن سعد بن عبادة يقول فذكره
بطوله وساقه أبو عوانة يعقوب الأسفرايني في صحيحه عن محمد بن عيسى العطار عن زكريا بتمامه
وقال في المواضع الثلاثة لا شخص قال الإسماعيلي بعد أن أخرجه من طريق عبيد الله بن عمر
القواريري وأبي كامل فضيل بن حسين الجحدري ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ثلاثتهم
عن أبي عوانة الوضاح البصري بالسند الذي أخرجه البخاري لكن قال في المواضع الثلاثة
لا شخص بدل لا أحد ثم ساقه من طريق زائدة بن قدامة عن عبد الملك كذلك فكأن هذه اللفظة
لم تقع في رواية البخاري في حديث أبي عوانة عن عبد الملك فلذلك علقها عن عبيد الله بن عمرو
(قلت) وقد أخرجه مسلم عن القواريري وأبي كامل كذلك ومن طريق زائدة أيضا قال ابن
بطال أجمعت الأمة على أن الله تعالى لا يجوز ان يوصف بأنه شخص لان التوقيف لم يرد به وقد
منعت منه المجسمة مع قولهم بأنه جسم لا كالأجسام كذا قال والمنقول عنهم خلاف ما قال
وقال الإسماعيلي ليس في قوله لا شخص أغير من الله اثبات ان الله شخص بل هو كما جاء ما خلق
338

الله أعظم من آية الكرسي فإنه ليس فيه اثبات ان آية الكرسي مخلوقة بل المراد انها أعظم من
المخلوقات وهو كما يقول من يصف امرأة كاملة الفضل حسنة الخلق ما في الناس رجل يشبهها
يريد تفضيلها على الرجال لا انها رجل وقال ابن بطال اختلفت ألفاظ هذا الحديث فلم يختلف
في حديث ابن مسعود انه بلفظ لا أحد فظهر ان لفظ شخص جاء موضع أحد فكأنه من تصرف
الراوي ثم قال على أنه من باب المستثنى من غير جنسه قوله تعالى وما لهم به من علم أن يتبعون
الا الظن وليس الظن من نوع العلم (قلت) وهذا هو المعتمد وقد قرره ابن فورك ومنه ‌اخذه ابن
بطال فقال بعدما تقدم من التمثيل بقوله ان يتبعون الا الظن فالتقدير ان الاشخاص الموصوفة
بالغيرة لا تبلغ غيرتها وان تناهت غيرة الله تعالى وان لم يكن شخصا بوجه واما الخطابي فبنى على أن
هذا التركيب يقتضى اثبات هذا الوصف لله تعالى فبالغ في الانكار وتخطئة الراوي فقال
إطلاق الشخص في صفات الله تعالى غير جائز لان الشخص لا يكون الا جسما مؤلفا فخليق ان
لا تكون هذه اللفظة صحيحة وأن تكون تصحيفا من الراوي ودليل ذلك أن أبا عوانة روى هذا
الخبر عن عبد الملك فلم يذكرها ووقع في حديث أبي هريرة وأسماء بنت أبي بكر بلفظ شئ والشئ
والشخص في الوزن سواء فمن لم يمعن في الاستماع لم يأمن الوهم وليس كل من الرواة يراعى لفظ
الحديث حتى لا يتعداه بل كثير منهم يحدث بالمعنى وليس كلهم فهما بل في كلام بعضهم جفاء
وتعجرف فلعل لفظ شخص جرى على هذا السبيل ان لم يكن غلطا من قبيل التصحيف يعنى السمعي
قال ثم إن عبيد الله بن عمرو انفرد عن عبد الملك فلم يتابع عليه واعتوره الفساد من هذه الأوجه
وقد تلقى هذا عن الخطابي أبو بكر بن فورك فقال لفظ الشخص غير ثابت من طريق السند فان
صح فبيانه في الحديث الآخر وهو قوله لا أحد فاستعمل الراوي لفظ شخص موضع أحد ثم ذكر
نحو ما تقدم عن ابن بطال ومنه اخذ ابن بطال ثم قال ابن فورك وانما منعنا من إطلاق لفظ
الشخص أمور أحدها ان اللفظ لم يثبت من طريق السمع والثاني الاجماع على المنع منه
والثالث ان معناه الجسم المؤلف المركب ثم قال ومعنى الغيرة الزجر والتحريم فالمعنى ان سعدا
الزجور عن المحارم وانا أشد زجرا منه والله ازجر من الجميع انتهى وطعن الخطابي ومن تبعه في
السند مبني على تفرد عبيد الله بن عمرو به وليس كذلك كما تقدم وكلامه ظاهر في أنه لم يراجع صحيح
مسلم ولا غيره من الكتب التي وقع فيها هذا اللفظ من غير رواية عبيد الله بن عمرو ورد الروايات
الصحيحة والطعن في أئمة الحديث الضابطين مع إمكان توجيه ما رووا من الأمور التي أقدم عليها
كثير من غير أهل الحديث وقد يقتضى قصور فهم من فعل ذلك منهم ومن ثم قال الكرماني
لا حاجة لتخطئة الرواة الثقات بل حكم هذا حكم سائر المتشابهات إما التفويض وإما التأويل
وقال عياض بعد أن ذكر معنى قوله ولا أحد أحب إليه العذر من الله انه قدم الاعذار والانذار قبل
اخذهم بالعقوبة وعلى هذا لا يكون في ذكر الشخص ما يشكل كذا قال ولم يتجه اخذ نفي
الاشكال مما ذكر ثم قال ويجوز ان يكون لفظ الشخص وقع تجوزا من شئ أو أحد كما يجوز إطلاق
الشخص على غير الله تعالى وقد يكون المراد بالشخص المرتفع لان الشخص هو ما ظهر وشخص
وارتفع فيكون المعنى لا مرتفع ارفع من الله كقوله لا متعالي أعلى من الله قال ويحتمل ان يكون
المعنى لا ينبغي لشخص ان يكون أغير من الله تعالى وهو مع ذلك لم يعجل ولا بادر بعقوبة عبده
339

لارتكابه ما نهاه عنه بل حذره وأنذره واعذر إليه وأمهله فينبغي ان يتأدب بأدبه ويقف عند
امره ونهيه وبهذا تظهر مناسبة تعقيبه بقوله ولا أحد أحب إليه العذر من الله وقال القرطبي
أصل وضع الشخص يعنى في اللغة لجرم الانسان وجسمه يقال شخص فلان وجثمانه واستعمل
في كل شئ ظاهر يقال شخص الشئ إذا ظهر وهذا المعنى محال على الله تعالى فوجب تأويله فقيل
معناه لا مرتفع وقيل لا شئ وهو أشبه من الأول وأوضح منه لا موجود أو لا أحد وهو أحسنها
وقد ثبت في الرواية الأخرى وكأن لفظ الشخص اطلق مبالغة في اثبات ايمان من يتعذر على فهمه
موجود لا يشبه شيئا من الموجودات لئلا يفضى به ذلك إلى النفي والتعطيل وهو نحو قوله صلى الله
عليه وسلم للجارية أين الله قالت في السماء فحكم بإيمانها مخافة ان تقع في التعطيل لقصور
فهمها عما ينبغي له من تنزيهه مما يقتضى التشبيه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا * (تنبيه) *
لم يفصح المصنف باطلاق الشخص على الله بل اورد ذلك على طريق الاحتمال وقد جزم في الذي
بعده بتسميته شيئا لظهور ذلك فيما ذكره من الآيتين * (قوله باب) بالتنوين (قل أي
شئ أكبر شهادة قل الله وسمى الله تعالى نفسه شيئا) كذا لأبي ذر والقابسي وسقط لفظ باب لغيرهما
من رواية الفربري وسقطت الترجمة من رواية النسفي وذكر قوله قل أي شئ أكبر شهادة وحديث
سهل بن سعد بعد اثرى أبي العالية ومجاهد في تفسير استوى على العرش ووقع عند الأصيلي
وكريمه قل أي شئ أكبر شهادة سمى الله نفسه شيئا قل الله والأول أولى وتوجيه الترجمة ان لفظ أي
إذا جاءت استفهامية اقتضى الظاهر أن يكون سمى باسم ما أضيف إليه فعلى هذا يصح ان يسمى
الله شيئا وتكون الجلالة خبر مبتدأ محذوف أي ذلك الشئ هو الله ويجوز ان يكون مبتدأ
محذوف الخبر والتقدير الله أكبر شهادة والله أعلم (قوله وسمى النبي صلى الله عليه وسلم القرآن
شيئا وهو صفة من صفات الله) يشير إلى الحديث الذي أورده من حديث سهل بن سعد وفيه
أمعك من القرآن شئ وهو مختصر من حديث طويل في قصة الواهبة تقدم بطوله مشروحا في
كتاب النكاح وتوجيهه ان بعض القرآن قرآن وقد سماه الله شيئا (قوله وقال كل شئ هالك
الا وجهه) الاستدلال بهذه الآية للمطلوب ينبني على أن الاستثناء فيها متصل فإنه يقتضى
اندراج المستثنى في المستثنى منه وهو الراجح على أن لفظ شئ يطلق على الله تعالى وهو الراجح
أيضا والمراد بالوجه الذات وتوجيهه انه عبر عن الجملة بأشهر ما فيها ويحتمل ان يراد بالوجه ما يعمل
لأجل الله أو الجاه وقيل إن الاستثناء منقطع والتقدير لكن هو سبحانه لا يهلك والشئ يساوى
الموجود لغة وعرفا واما قولهم فلان ليس بشئ فهو على طريق المبالغة في الذم فلذلك وصفه بصفة
المعدوم وأشار ابن بطال إلى أن البخاري انتزع هذه الترجمة من كلام عبد العزيز بن يحيى المكي
فإنه قال في كتاب الحيدة سمى الله تعالى نفسه شيئا اثباتا لوجوده ونفيا للعدم عنه وكذا أجرى على
كلامه ما أجراه على نفسه ولم يجعل لفظ شئ من أسمائه بل دل على نفسه أنه شئ تكذيبا للدهرية
ومنكري الإلهية من الأمم وسبق في علمه أنه سيكون من يلحد في أسمائه ويلبس على خلقه
ويدخل كلامه من الأشياء المخلوقة فقال ليس كمثله شئ فأخرج نفسه وكلامه من الأشياء
المخلوقة ثم وصف كلامه بما وصف به نفسه فقال وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما انزل الله على
بشر من شئ وقال تعالى أو قال أوحى إلي ولم يوح إليه شئ فدل على كلامه بما دل على نفسه ليعلم
340

ان كلامه صفة من صفات ذاته فكل صفة تسمى شيئا بمعنى انها موجودة وحكى ابن بطال أيضا
أن في هذه الآيات والآثار ردا على من زعم أنه لا يجوز ان يطلق على الله شئ كما صرح به عبد الله
الناشئ المتكلم وغيره وردا على من زعم أن المعدوم شئ وقد أطبق العقلاء على أن لفظ شئ
يقتضي اثبات موجود وعلى ان لفظ لا شئ يقتضي نفي موجود الا ما تقدم من اطلاقهم ليس
بشئ في الذم فإنه بطريق المجاز * (قوله باب وكان عرشه على الماء وهو رب العرش
العظيم) كذا ذكر قطعتين من آيتين وتلطف في ذكر الثانية عقب الأولى لرد من توهم من قوله في
الحديث كان الله ولم يكن شئ قبله وكان عرشه على الماء ان العرش لم يزل مع الله تعالى وهو مذهب
باطل وكذا من زعم من الفلاسفة ان العرش هو الخالق الصانع وربما تمسك بعضهم وهو أبو إسحاق
الهروي بما أخرجه من طريق سفيان الثوري حدثنا أبو هشام هو الرماني بالراء والتشديد عن
مجاهد عن ابن عباس قال إن الله كان على عرشه قبل ان يخلق شيئا فأول ما خلق الله القلم وهذه
الأولية محمولة على خلق السماوات والأرض وما فيهما فقد أخرج عبد الرزاق في تفسيره عن
معمر عن قتادة في قوله تعالى وكان عرشه على الماء قال هذا بدء خلقه قبل ان يخلق السماء وعرشه
من ياقوتة حمراء فأردف المصنف بقوله رب العرش العظيم إشارة إلى أن العرش مربوب وكل
مربوب مخلوق وختم الباب بالحديث الذي فيه فإذا انا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فان
في اثبات القوائم للعرش دلالة على أنه جسم مركب له أبعاض وأجزاء والجسم المؤلف محدث
مخلوق وقال البيهقي في الأسماء والصفات أنفقت أقاويل هذا التفسير على أن العرش هو السرير
وانه جسم خلقه الله وأمر ملائكته بحمله وتعبدهم بتعظيمه والطواف به كما خلق في الأرض بيتا
وأمر بني آدم بالطواف به واستقباله في الصلاة وفي الآيات أي التي ذكرها والأحاديث والآثار
دلالة على على صحة ما ذهبوا إليه (قوله قال أبو العالية استوى إلى السماء ارتفع فسوى خلق) في رواية
الكشميهني فسواهن خلقهن وهو الموافق للمنقول عن أبي العالية لكن بلفظ فقضاهن كما
أخرجه الطبري من طريق أبي جعفر الرازي عنه في قوله تعالى ثم استوى إلى السماء قال ارتفع
وفي قوله فقضاهن خلقهن وهذا هو المعتمد والذي وقع فسواهن تغيير ووقع لفظ سوى أيضا في
سورة النازعات في قوله تعالى رفع سمكها فسواها وليس المراد هنا وقد تقدم في تفسير سورة فصلت
في حديث ابن عباس الذي أجاب به عن الأسئلة التي قال السائل أنها اختلفت عليه في القرآن
فان فيها انه خلق الأرض قبل السماء ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات ثم دحا
الأرض ثم إن في تفسير سوى بخلق نظرا لان في التسوية قدرا زائدا على الخلق كما في قوله تعالى
الذي خلق فسوى (قوله وقال مجاهدا استوى علا على العرش) وصله الفريابي عن ورقاء عن ابن
أبي نجيح عنه قال ابن بطال اختلف الناس في الاستواء المذكور هنا فقالت المعتزلة معناه
الاستيلاء بالقهر والغلبة واحتجوا بقول الشاعر
قد استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق
وقالت الجسمية معناه الاستقرار وقال بعض أهل السنة معناه ارتفع وبعضهم معناه علا
وبعضهم معناه الملك والقدرة ومنه استوت له الممالك يقال لمن أطاعه أهل البلاد وقيل معنى
الاستواء التمام والفراغ من فعل الشئ ومنه قوله تعالى ولما بلغ أشده واستوى فعلى هذا فمعنى
341

استوى على العرش أتم الخلق وخص لفظ العرش لكونه أعظم الأشياء وقيل إن على في قوله على
العرش بمعنى إلى فالمراد على هذا انتهى إلى العرش أي فيما يتعلق بالعرش لأنه خلق الخلق شيئا بعد
شئ ثم قال ابن بطال فأما قول المعتزلة فإنه فاسد لأنه لم يزل قاهرا غالبا مستوليا وقوله ثم استوى
يقتضي افتتاح هذا الوصف بعد أن لم يكن ولازم تأويلهم انه كان مغالبا فيه فاستولى عليه بقهر
من غالبه وهذا منتف عن الله سبحانه واما قول المجسمة ففاسد أيضا لان الاستقرار من صفات
الأجسام ويلزم منه الحلول والتناهي وهو محال في حق الله تعالى ولائق بالمخلوقات لقوله تعالى فإذا
استويت أنت ومن معك على الفلك وقوله لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم
عليه قال واما تفسير استوى علا فهو صحيح وهو المذهب الحق وقول أهل السنة لان الله سبحانه
وصف نفسه بالعلي وقال سبحانه وتعالى عما يشركون وهي صفة من صفات الذات واما من فسره
أرتفع ففيه نظر لأنه لم يصف به نفسه قال واختلف أهل السنة على الاستواء صفة ذات أو صفة فعل
فمن قال معناه علا قال هي صفة ذات ومن قال غير ذلك قال وهي صفة فعل وان الله فعل فعلا سماه
استوى على عرشه لا ان ذلك قائم بذاته لاستحالة قيام الحوادث به انتهى ملخصا وقد ألزمه من
فسره بالاستيلاء بمثل ما ألزم هو به من أنه صار قاهرا بعد أن لم يكن فيلزم انه صار غالبا بعد أن لم يكن
والانفصال عن ذلك للفريقين بالتمسك بقوله تعالى وكان الله عليما حكيما فان أهل العلم بالتفسير
قالوا معناه لم يزل كذلك كما تقدم بيانه عن ابن عباس في تفسير فصلت وبقى من معاني استوى
ما نقل عن ثعلب استوى الوجه اتصل واستوى القمر امتلا واستوى فلان وفلان تماثلا
واستوى إلى المكان أقبل واستوى القاعد قائما والنائم قاعدا ويمكن رد بعض هذه المعاني إلى
بعض وكذا ما تقدم عن ابن بطال وقد نقل أبو إسماعيل الهروي في كتاب الفاروق بسنده إلى داود
ابن علي بن خلف قال كنا عند أبي عبد الله بن الأعرابي يعني محمد بن زياد اللغوي فقال له رجل
الرحمن على العرش استوى فقال هو على العرش كما أخبر قال يا أبا عبد الله انما معناه استولى فقال
اسكت لا يقال استولى على الشئ الا ان يكون له مضاد ومن طريق محمد بن أحمد بن النضر الأزدي
سمعت ابن الأعرابي يقول أرادني أحمد بن أبي داود ان أجد له في لغة العرب الرحمن على العرش
استوى بمعنى استولى فقلت والله ما أصبت هذا وقال غيره لو كان بمعنى استولى لم يختص بالعرش
لأنه غالب على جميع المخلوقات ونقل محيى السنة البغوي في تفسيره عن ابن عباس وأكثر
المفسرين ان معناه ارتفع وقال أبو عبيد والفراء وغيرهما بنحوه واخرج أبو القاسم اللالكائي في
كتاب السنة من طريق الحسن البصري عن أمه عن أم سلمة انها قالت الاستواء غير مجهول
والكيف غير معقول والاقرار به إيمان والجحود به كفر ومن طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن انه
سئل كيف استوى على العرش فقال الاستواء غير مجهول الكيف غير معقول وعلى الله الرسالة
وعلى رسوله البلاغ وعلينا التسليم وأخرج البيهقي بسند جيد عن الأوزاعي قال كنا والتابعون
متوافرون نقول إن الله على عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته وأخرج الثعلبي من وجه
آخر عن الأوزاعي انه سئل عن قوله تعالى ثم استوى على العرش فقال هو كما وصف نفسه وأخرج
البيهقي بسند جيد عن عبد الله بن وهب قال كنا عند مالك فدخل رجل فقال يا أبا عبد الله الرحمن
على العرش استوى كيف استوى فأطرق مالك فأخذته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال الرحمن على
342

العرش استوى كما وصف به نفسه ولا يقال كيف وكيف عنه مرفوع وما أراك الا صاحب بدعة
أخرجوه ومن طريق يحيى بن يحيى عن مالك نحو المنقول عن أم سلمة لكن قال فيه والاقرار به
واجب والسؤال عنه بدعة وأخرج البيهقي من طريق أبي داود الطيالسي قال كان سفيان
الثوري وشعبة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وشريك وأبو عوانة لا يحددون ولا يشبهون ويروون
هذه الأحاديث ولا يقولون كيف قال أبو داود وهو قولنا قال البيهقي وعلى هذا مضى أكابرنا
وأسند اللالكائي عن محمد بن الحسن الشيباني قال اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب
على الايمان بالقرآن وبالأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة
الرب من غير تشبيه ولا تفسير فمن فسر شيئا منها وقال بقول جهم فقد خرج عما كان عليه النبي
صلى الله عليه وسلم وأصحابه وفارق الجماعة لأنه وصف الرب بصفة لا شئ ومن طريق الوليد بن مسلم
سألت الأوزاعي ومالكا والثوري والليث بن سعد عن الأحاديث التي فيها الصفة فقالوا أمروها
كما جاءت بلا كيف وأخرج بن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن يونس بن عبد الاعلى سمعت
الشافعي يقول لله أسماء وصفات لا يسع أحدا ردها ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر
واما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل لأنه علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالرؤية والفكر فنثبت هذه
الصفات وننفي عنه التشبيه كما نفى عن نفسه فقال ليس كمثله شئ وأسند البيهقي بسند صحيح عن
أحمد بن أبي الحواري عن سفيان بن عيينة قال كل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته
والسكوت عنه ومن طريق أبي بكر الضبعي قال مذهب أهل السنة في قوله الرحمن على العرش
استوى قال بلا كيف والآثار فيه عن السلف كثيرة وهذه طريقة الشافعي وأحمد بن حنبل
وقال الترمذي في الجامع عقب حديث أبي هريرة في النزول وهو على العرش كما وصف به نفسه في
كتابه كذا قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبهه من الصفات وقال في باب فضل
الصدقة قد ثبتت هذه الروايات فنؤمن بها ولا نتوهم ولا يقال كيف كذا جاء عن مالك وابن عيينة
وابن المبارك انهم أمروها بلا كيف وهذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة وأما الجهمية
فانكروها وقالوا هذا تشبيه وقال إسحاق بن راهويه انما يكون التشبيه لو قيل يد كيد وسمع كسمع
وقال في تفسير المائدة قال الأئمة نؤمن بهذه الأحاديث من غير تفسير منهم الثوري ومالك وابن
عيينة وابن المبارك وقال ابن عبد البر أهل السنة مجمعون على الاقرار بهذه الصفات الواردة في
الكتاب والسنة ولم يكيفوا شيئا منها واما الجهمية والمعتزلة والخوارج فقالوا من أقر بها فهو مشبه
فسماهم من أقر بها معطلة وقال امام الحرمين في الرسالة النظامية اختلفت مسالك العلماء في
هذه الظواهر فرأى بعضهم تأويلها والتزم ذلك في آي الكتاب وما يصح من السنن وذهب أئمة
السلف إلى الانكفاف عن التأويل واجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها إلى الله تعالى
الذي نرتضيه رأيا وندين الله به عقيدة اتباع سلف الأمة للدليل القاطع على أن إجماع الأمة حجة
فلو كان تأويل هذه الظواهر احتمالا وشك ان يكون اهتمامهم به فوق اهتمامهم بفروع الشريعة
وإذ انصرم عصر الصحابة والتابعين على الاضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المتبع انتهى
وقد تقدم النقل عن أهل العصر الثالث وهم فقهاء الأمصار كالثوري والأوزاعي ومالك والليث
ومن عاصرهم وكذا من أخذ عنهم من الأئمة فكيف لا يوثق بما اتفق عليه أهل القرون الثلاثة
343

وهم خير القرون بشهادة صاحب الشريعة وقسم بعضهم أقوال الناس في هذا الباب إلى ستة
أقوال قولان لمن يجريها على ظاهرها أحدهما من يعتقد انها من جنس صفات المخلوقين وهم
المشبهة ويتفرع من قولهم عدة آراء والثاني من ينفي عنها شبه صفة المخلوقين لان ذات الله
لا تشبه الذوات فصفاته لا تشبه الصفات فان صفات كل موصوف تناسب ذاته وتلائم حقيقته
وقولان لمن يثبت كونها صفة ولكن لا يجريها على ظاهرها أحدهما يقول لا نؤول شيئا منها بل
نقول الله أعلم بمراده والآخر يؤول فيقول مثلا معنى الاستواء الاستيلاء واليد القدرة ونحو ذلك
وقولان لمن لا يجزم بأنها صفة أحدهما يقول يجوز أن تكون صفة وظاهرها غير مراد ويجوز
أن لا تكون صفة والآخر يقول لا يخاض في شئ من هذا بل يجب الايمان به لأنه من المتشابه
الذي لا يدرك معناه (قوله وقال ابن عباس المجيد الكريم والودود الحبيب) وصله بن أبي حاتم من
طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى ذو العرش المجيد قال المجيد الكريم وبه عن
ابن عباس في قوله تعالى وهو الغفور الودود قال الودود الحبيب وانما وقع تقديم المجيد قبل الودود
هنا لان المراد تفسير لفظ المجيد الواقع في قوله ذو العرش المجيد فلما فسره استطرد لتفسير الاسم
الذي قبله إشارة إلى أنه قرئ مرفوعا بالاتفاق وذو العرش بالرفع صفة له واختلفت القراء في المجيد
بالرفع فيكون من صفات الله وبالكسر فيكون صفة العرش قال ابن المنير جميع ما ذكره
البخاري في هذا الباب يشتمل على ذكر العرش الا أثر ابن عباس لكنه نبه به على لطيفة وهي ان
المجيد في الآية على قراءة الكسر ليس صفة للعرش حتى لا يتخيل أنه قديم بل هي صفة الله بدليل
قراءة الرفع وبدليل اقترانه بالودود فيكون الكسر على المجاورة لتجتمع القراءتان على معنى واحد
انتهى ويؤيد انها عند البخاري صفة الله تعالى ما أردفه به وهو يقال حميد مجيد آخره
ويؤيده حديث أبي هريرة الذي أخرجه الدارقطني بلفظ إذا قال العبد بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى مجدني عبدي ذكره ابن التين قال ويقال المجد في كلام العرب الشرف الواسع
فالماجد من له آباء متقدمون في الشرف واما الحسب والكرم فيكونان في الرجل وان لم يكن له
آباء شرفاء فالمجيد صيغة مبالغة من المجد وهو الشرف القديم وقال الراغب المجد السعة في الكرم
والجلالة وأصله قولهم مجدت الإبل أي وقعت في مرعى كثير واسع وأمجدها الراعي ووصف
القرآن بالمجيد لما يتضمن من المكارم الدنيوية والأخروية انتهى ومع ذلك كله فلا يمتنع وصف
العرش بذلك لجلالته وعظيم قدره كما أشار إليه الراغب ولذلك وصف بالكريم في سورة قد أفلح
وأما تفسير الودود بالحبيب فإنه يأتي بمعنى المحب والمحبوب لان أصل الود محبة الشئ قال
الراغب الودود يتضمن ما دخل في قوله تعالى فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه وقد تقدم
معنى محبة الله تعالى لعباده ومحبتهم له (قوله يقال حميد مجيد كأنه فعيل من ماجد محمود من
حمد) كذا لهم بغير ياء فعلا ماضيا ولغير أبي ذر عن الكشميهني محمود من حميد وأصل هذا قول أبي
عبيدة في كتاب المجاز في قوله عليكم أهل البيت انه حميد مجيد أي محمود ماجد وقال الكرماني
غرضه منه ان مجيدا بمعنى فاعل كقدير بمعنى قادر وحميدا بمعنى مفعول فلذلك قال مجيد من
ماجد وحميد من محمود قال وفي بعض النسخ محمود من حميد وفي أخرى من حمد مبنى للفاعل
والمفعول أيضا وذلك لاحتمال أن يكون حميد بمعنى حامد ومجيد بمعنى ممجد ثم قال وفي عبارة
344

البخاري تعقيد (قلت) وهو في قوله محمود من حمد وقد اختلف الرواة فيه والأولى فيه ما وجد
في أصله وهو كلام أبي عبيدة ثم ذكر في الباب تسعة أحاديث لبعضها طريق أخرى الأول
حديث عمران بن حصين وقوله في السند أنبأنا أبو حمزة هو السكري وقد تقدم قريبا في باب
ويحذركم الله نفسه ووقع في رواية الكشميهني عن أبي حمزة وقوله عن جامع بن شداد
تقدم في بدء الخلق في رواية حفص بن غياث عن الأعمش حدثنا جامع وجامع هذا يكنى أبا
صخرة (قوله اني عند النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية حفص دخلت على النبي صلى الله عليه
وسلم وعقلت ناقتي بالباب فأتاه ناس من بني تميم وهذا ظاهر في أن هذه القصة كانت بالمدينة ففيه
تعقب على من وحد بين هذه القصة وبين القصة التي تقدمت في المغازي من حديث أبي بردة
ابن أبي موسى عن أبيه قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة بين مكة والمدينة
ومعه بلال فأتاه أعرابي فقال الا تنجز لي ما وعدتني فقال له أبشر فقال قد أكثرت علي من أبشر
فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان فقال رد البشرى فاقبلا أنتما قالا قبلنا الحديث
ففسر القائل من بني تميم بشرتنا فاعطنا بهذا الأعرابي وفسر أهل اليمن بأبي موسى ووجه
التعقب التصريح في قصة أبي موسى بأن القصة كانت الجعرانة وظاهر قصة عمران انها كانت
بالمدينة فافترقا وزعم ابن الجوزي ان القائل أعطنا هو الأقرع بن حابس التميمي (قوله إذ
جاءه قوم من بني تميم) في رواية أبي عاصم عن الثوري في المغازي جاءت بنو تميم إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو محمول على إرادة بعضهم وفي رواية محمد بن كثير عنه في بدء الخلق جاء نفر من بني
تميم والمراد وفد تميم كما جاء صريحا عند ابن حبان من طريق مؤمل بن إسماعيل عن سفيان جاء وفد
بني تميم (قوله إقبلوا البشرى يا بني تميم) في رواية أبي عاصم أبشروا يا بني تميم والمراد بهذه البشارة
أن من أسلم نجا من الخلود في النار ثم بعد ذلك يترتب جزاؤه على وفق عملة الا ان يعفوا الله وقال
الكرماني بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يقتضي دخول الجنة حيث عرفهم أصول
العقائد التي هي المبدأ والمعاد وما بينهما كذا قال وانما وقع التعريف هنا لأهل اليمن وذلك ظاهر
من سياق الحديث ونقل ابن التين عن الداودي قال في قول بني تميم جئناك لنتفقه في الدين دليل
على إجماع الصحابة لا ينعقد بأهل المدينة وحدها وتعقبه بان الصواب انه قول أهل اليمن
لا بني تميم وهو كما قال ابن التين لكن وقع عند ابن حبان من طريق أبي عبيدة بن معن عن
الأعمش بهذا السند ما نصه دخل عليه نفر من بني تميم فقالوا يا رسول الله جئناك لنتفقه في الدين
ونسألك عن أول هذا الامر ولم يذكر أهل اليمن وهو خطأ من هذا الراوي كأنه اختصر الحديث
فوقع في هذا الوهم (قوله قالوا بشرتنا فاعطنا) زاد في رواية حفص مرتين وزاد في رواية
الثوري عن جامع في المغازي فقالوا أما إذا بشرتنا فاعطنا وفيها فتغير وجهه وفي رواية أبي عوانة
عن الأعمش عند أبي نعيم في المستخرج فكأن النبي صلى الله عليه وسلم كره ذلك وفي أخرى في
المغازي من طريق سفيان أيضا فرؤى ذلك في وجهه وفيها فقالوا يا رسول الله بشرتنا وهو دال
على اسلامهم وانما راموا العاجل وسبب غضبه صلى الله عليه وسلم استشعاره بقلة علمهم
لكونهم علقوا آمالهم بعاجل الدنيا الفانية وقدموا ذلك على التفقه في الدين الذي يحصل لهم
ثواب الآخرة الباقية قال الكرماني دل قولهم بشرتنا على أنهم قبلوا في الجملة لكن طلبوا مع
345

ذلك شيئا من الدنيا وانما نفى عنهم القبول المطلوب لا مطلق القبول وغضب حيث لم يهتموا بالسؤال
عن حقائق كلمة التوحيد والمبدأ والمعاد ولم يعتنوا بضبطها ولم يسألوا عن موجباتها والموصلات
إليها قال الطيبي لما لم يكن جل اهتمامهم الا بشأن الدنيا قالوا بشرتنا فاعطنا فمن ثم قال إذ لم
يقبلها بنو تميم (قوله فدخل ناس من أهل اليمن) في رواية حفص ثم دخل عليه وفي رواية أبي
عاصم فجاءه ناس من أهل اليمن (قوله قالوا قبلنا) زاد أبو عاصم وأبو نعيم يا رسول الله وكذا عند ابن
حبان من رواية شيبان بن عبد الرحمن عن جامع (قوله جئناك لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول
هذا الامر ما كان) هذه الرواية أتم الروايات الواقعة عند المصنف وحذف ذلك كله في بعضها
أو بعضه ووقع في رواية أبي معاوية عن الأعمش عند الإسماعيلي قالوا قد بشرتنا فأخبرنا عن
أول هذا الامر كيف كان ولم أعرف اسم قائل ذلك من أهل اليمن والمراد بالامر في قولهم هذا
الامر تقدم بيانه في بدء الخلق (قوله كان الله ولم يكن شئ قبله) تقدم في بدء الخلق بلفظ ولم يكن شئ
غيره وفي رواية أبي معاوية كان الله قبل كل شئ وهو بمعنى كان الله ولا شئ معه وهي أصرح في
الرد على من أثبت حوادث لا أول لها من رواية الباب وهي من مستشنع المسائل المنسوبة لابن تيمية
ووقفت في كلام له على هذا الحديث يرجح الرواية التي في هذا الباب على غيرها مع أن قضية الجمع
بين الروايتين تقتضي حمل هذه على التي في بدء الخلق لا العكس والجمع يقدم على الترجيح بالاتفاق
قال الطيبي قوله ولم يكن شئ قبله حال وفي المذهب الكوفي خبر والمعنى يساعده إذ التقدير كان الله
منفردا وقد جوز الأخفش دخول الواو في خبر كان وأخواتها نحو كان زيد وأبوه قائم على جعل
الجملة خبرا مع الواو تشبيها للخبر بالحال ومال التوربشتي إلى أنهما جملتان مستقلتان وقد تقدم
تقريره في بدء الخلق وقال الطيبي لفظة كان في الموضعين بحسب حال مدخولها فالمراد بالأول
الأزلية والقدم وبالثاني الحدوث بعد العدم ثم قال فالحاصل ان عطف قوله وكان عرشه على الماء
على قوله كان الله من باب الاخبار عن حصول الجملتين في الوجود وتفويض الترتيب إلى الذهن
قالوا وفيه بمنزلة ثم وقال الكرماني قوله وكان عرشه على الماء معطوف على قوله كان الله ولا يلزم
منه المعية إذ اللازم من الواو العاطفة الاجتماع في أصل الثبوت وإن كان هناك تقديم وتأخير قال
غيره ومن ثم جاء قوله ولم يكن شئ غيره لنفي توهم المعية قال الراغب كان عبارة عما مضى من الزمان
لكنها في كثير من وصف الله تعالى تنبئ عن معنى الأزلية كقوله تعالى وكان الله بكل شئ عليما قال
وما استعمل منه في وصف شئ متعلقا بوصف له هو موجود فيه فللتنبيه على أن ذلك الوصف لازم
له أو قليل الانفكاك عنه كقوله تعالى وكان الشيطان لربه كفورا وقوله وكان الانسان كفورا وإذا
استعمل في الزمن الماضي جاز ان يكون المستعمل على حاله وجاز ان يكون قد تغير نحو كان فلان
كذا ثم صار كذا واستدل به على أن العالم حادث لان قوله ولم يكن شئ غيره ظاهر في ذلك فان كل
شئ سوى الله وجد بعد أن لم يكن موجودا (قوله أدرك ناقتك فقد ذهبت) في رواية أبي معاوية
انحلت ناقتك من عقالها وزاد في آخر الحديث فلا أدري ما كان بعد ذلك أي مما قاله رسول الله
صلى الله عليه وسلم تكملة لذلك الحديث (قلت) ولم أقف في شئ من المسانيد عن أحد من الصحابة
على نظير هذه القصة التي ذكرها عمران ولو وجد ذلك لأمكن ان يعرف منه ما أشار إليه عمران
ويحتمل ان يكون اتفق ان الحديث انتهى عند قيامه (قوله وأيم الله) تقدم شرحها في كتاب
346

الايمان والنذور (قوله لوددت أنها قد ذهبت ولم أقم) الود المذكور تسلط على مجموع ذهابها وعدم
قيامه لا على أحدهما فقط لان ذهابها كان قد تحقق بانفلاتها والمراد بالذهاب الفقد الكلي
* الحديث الثاني حديث أبي هريرة ان يمين الله ملأى وقد تقدم شرحه قبل بابين وقوله هنا
وعرشه على الماء وقع في رواية إسحاق بن راهويه والعرش على الماء وظاهره انه كذلك حين
التحديث بذلك وظاهر الحديث الذي قبله أن العرش كان على الماء قبل خلق السماوات والأرض
ويجمع بأنه لم يزل على الماء وليس المراد بالماء ماء البحر بل هو ماء تحت العرش كما شاء الله تعالى وقد
جاء بيان ذلك في حديث ذكرته في أوائل الباب ويحتمل ان يكون على البحر بمعنى ان أرجل حملته
في البحر كما ورد في بعض الآثار مما أخرجه الطبري والبيهقي من طريق السدى عن أبي مالك في قوله
تعالى وسع كرسيه السماوات والأرض قال إن الصخرة التي الأرض السابعة عليها وهي منتهى
الخلق على أرجائها أربعة من الملائكة لكل أحد منهم أربعة أوجه وجه انسان وأسد وثور
ونسرفهم قيام عليها قد أحاطوا بالأرضين والسماوات رؤسهم تحت الكرسي والكرسي تحت
العرش وفي حديث أبي ذر الطويل الذي صححه ابن حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
يا أبا ذر ما السماوات السبع مع الكرسي الا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي
كفضل الفلاة على الحلقة وله شاهد عن مجاهد أخرجه سعيد بن منصور في التفسير بسند صحيح
عنه * الحديث الثالث (قوله حدثنا أحمد) كذا للجميع غير منسوب وذكر أبو نصر الكلاباذي
انه أحمد بن سيار المروزي وقال الحاكم هو أحمد بن نصر النيسابوري يعني المذكور في سورة
الأنفال وشيخه فيه محمد بن أبي بكر المقدمي قد أخرج عنه البخاري في كتاب الصلاة بغير واسطة
وجزم أبو نعيم في المستخرج بأن البخاري اخرج هذا الحديث عن محمد بن أبي بكر المقدمي ولم يذكر
واسطة والأول هو المعتمد وقد اخرج البخاري طرفا منه في تفسير سورة الأحزاب من وجه آخر عن
حماد بن زيد وتقدم الكلام على قصة زينب بنت جحش وزيد بن حارثة هناك مبسوطا (قوله قال
أنس لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا لكتم هذه) ظاهره انه موصول بالسند المذكور
لكن أخرجه الترمذي والنسائي وابن خزيمة والإسماعيلي عنه نزلت وتخفي في نفسك ما الله مبديه
في شأن زينب بنت جحش وكان زيد يشكو وهم بطلاقها يستأمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له
أمسك عليك زوجك واتق الله وهذا القدر هو المذكور في آخر الحديث هنا بلفظ وعن ثابت
وتخفي في نفسك إلى آخره ويستفاد منه انه موصول بالسند المذكور وليس بمعلق وأما قوله لو كان
كاتما إلى آخره فلم أره في غير هذا الموضع موصولا عن أنس وذكر ابن التين عن الداودي انه نسب
قوله لو كان كاتما لكتم قصة زينب إلى عائشة قال وعن غيرها لكتم عبس وتولى (قلت) قد ذكرت
في تفسير سورة الأحزاب حديث عائشة قالت لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من
الوحي الحديث وانه أخرجه مسلم والترمذي ثم وجدته في مسند الفردوس من وجه آخر عن
عائشة من لفظه صلى الله عليه وسلم لو كنت كاتما شيئا من الوحي الحديث واقتصر عياض في
الشفاء على نسبتها إلى عائشة والحسن البصري وأغفل حديث أنس هذا وهو عند البخاري وقد
قال الترمذي بعد تخريج حديث عائشة وفي الباب عن ابن عباس وأشار إلى ما أخرجه
واما الرواية الأخرى في عبس وتولى فلم أرها الا عند عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أحد الضعفاء
347

أخرجه الطبري وابن أبي حاتم عنه قال كان يقال لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من
الوحي لكتم هذا عن نفسه وذكر قصة ابن أم مكتوم ونزول عبس وتولى انتهى وقد اخرج القصة
الترمذي وأبو يعلى والطبري والحاكم موصولة عن عائشة وليس فيها هذه الزيادة وأخرجها مالك
في الموطأ عن هشام بن عروة عن أبيه مرسلة وهو المحفوظ عن هشام وتفرد يحيى بن سعيد الأموي
بوصله عن هشام وأخرجها ابن مردويه من وجه آخر عن عائشة كذلك بدونها وكذا من حديث
أبي أمامة وأوردها عبد بن حميد والطبراني وابن أبي حاتم من مرسل قتادة ومجاهد وعكرمة وأبي
مالك الغفاري والضحاك والحكم وغيرهم وليس في رواية أحد منهم هذه الزيادة والله تعالى أعلم
(قوله قال فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى قولها وزوجني الله عز وجل
من فوق سبع سماوات) أخرجه الإسماعيلي من طريق عارم بن الفضل عن حماد بهذا السند بلفظ
نزلت في زينب بنت جحش فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها الآية وكانت تفخر الخ ثم ذكر رواية
عيسى بن طهمان عن أنس في ذلك وهو آخر ما وقع في الصحيح من ثلاثيات البخاري وقد تقدم
لعيسى حديث آخر في اللباس لكنه ليس ثلاثيا ولفظه هنا وكانت تفخر على نساء النبي صلى الله
عليه وسلم وكانت تقول ان الله أنكحني في السماء وزاد الإسماعيلي من طريق الفريابي وأبي
قتيبة عن عيسى أنتن أنكحكن آباؤكن وهذا الاطلاق محمول على البعض والا فالمحقق ان التي
زوجها أبوها منهن عائشة وحفصة فقط وفي سودة وزينب بنت خزيمة وجويرية احتمال واما أم
سلمة وأم حبيبة وصفية وميمونة فلم يزوج واحدة منهن أبوها ووقع عند ابن سعد من وجه آخر عن
أنس بلفظ قالت زينب يا رسول الله اني لست كأحد من نسائك ليست منهن امرأة الا زوجها
أبوها أو اخوها أو أهلها غيري وسنده ضعيف ومن وجه آخر موصول عن أم سلمة قالت زينب
ما انا كأحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم انهن زوجن بالمهور زوجهن الأولياء وانا زوجني
الله رسوله صلى الله عليه وسلم وانزل الله في الكتاب وفي مرسل الشعبي قالت زينب يا رسول الله
انا أعظم نسائك عليك حقا انا خيرهن منكحا وأكرمهن سفيرا وأقربهن رحما فزوجنيك الرحمن
من فوق عرشه وكان جبريل هو السفير بذلك وانا ابنة عمتك وليس لك من نسائك قريبة غيري
أخرجه الطبري وأبو القاسم الطحاوي في كتاب الحجة والتبيان له (قوله من فوق سبع سماوات) في
رواية عيسى بن طهمان عن أنس المذكورة عقب هذا وكانت تقول ان الله عز وجل انكحني في
السماء وسنده هذه آخر الثلاثيات التي ذكرت في البخاري وتقدم لعيسى بن طهمان حديث آخر
غير ثلاثي تكلم فيه ابن حبان بكلام لم يقبلوه منه وقوله في هذه الرواية وأطعم عليها يومئذ خبزا ولحما
يعني في وليمتها وقد تقدم بيانه واضحا في تفسير سورة الأحزاب (قوله في رواية حماد بن زيد بعد
قوله سبع سماوات وعن ثابت وتخفي في نفسك إلى آخره) كذا وقع مرسلا ليس فيه أنس وقد
تقدم من رواية يعلي بن منصور عن حماد بن زيد موصولا بذكر أنس فيه وكذلك وقع في رواية أحمد
ابن عبدة موصولا وأخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن سليمان لوين عن حماد موصولا أيضا وقد
بين سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس كيفية تزويج زينب قال لما انقضت عدة زينب قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد اذكرها علي فذكر الحديث وقد أورده في تفسير سورة
الأحزاب قال الكرماني قوله في السماء ظاهره غير مراد إذ الله منزه عن الحلول في المكان لكن
348

لما كانت جهة العلو أشرف من غيرها أضافها إليه إشارة إلى علو الذات والصفات وبنحو هذا
أجاب غيره عن الألفاظ الواردة من الفوقية ونحوها قال الراغب فوق يستعمل في المكان
والزمان والجسم والعدد والمنزلة والقهر فالأول باعتبار العلو ويقابله تحت نحو قل هو القادر على
أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم والثاني باعتبار الصعود والانحدار نحو
إذا جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم والثالث في العدد نحو فان كن نساء فوق اثنتين والرابع
في الكبر والصغر كقوله بعوضة فما فوقها والخامس يقع تارة باعتبار الفضيلة الدنيوية نحو ورفعنا
بعضهم فوق بعض درجات أو الأخروية نحو والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والسادس نحو
قوله وهو القاهر فوق عباده يخافون ربهم من فوقهم انتهى ملخصا * الحديث الرابع حديث أبي
هريرة ان الله تعالى لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه ان رحمتي غلبت غضبي وقد تقدم في باب
ويحذركم الله نفسه ويأتي بعض الكلام عليه في باب قوله تعالى في لوح محفوظ قال الخطابي
المراد بالكتاب أحد شيئين اما القضاء الذي قضاه كقوله تعالى كتب الله لأغلبن انا ورسلي أي قضى
ذلك قال ويكون معنى قوله فوق العرش أي عنده علم ذلك فهو لا ينساه ولا يبدله كقوله تعالى في
كتاب لا يضل ربي ولا ينسى واما اللوح المحفوظ الذي فيه ذكر أصناف الخلق وبيان أمورهم
وآجالهم وأرزاقهم وأحوالهم ويكون معنى فهو عنده فوق العرش أي ذكره وعلمه وكل ذلك جائز
في التخريج على أن العرش خلق مخلوق تحمله الملائكة فلا يستحيل ان يماسوا العرش إذا حملوه
وإن كان حامل العرش وحامل حملته هو الله وليس قولنا ان الله على العرش أي مماس له أو متمكن
فيه أو متحيز في جهة من جهاته بل هو خبر جاء به التوقيف فقلنا له به ونفينا عنه التكييف إذ ليس
كمثله شئ وبالله التوفيق وقوله فوق عرشه صفة الكتاب وقيل إن فوق هنا بمعنى دون كما جاء في
قوله تعالى بعوضة فما فوقها وهو بعيد وقال ابن أبي جمرة يؤخذ من كون الكتاب المذكور فوق
العرش ان الحكمة اقتضت ان يكون العرش حاملا لما شاء الله من أثر حكمة الله وقدرته وغامض
غيبه ليستأثر هو بذلك من طريق العلم والإحاطة فيكون من أكبر الأدلة على انفراده بعلم الغيب
قال وقد يكون ذلك تفسيرا لقوله الرحمن على العرش استوى أي ما شاءه من قدرته وهو كتابه الذي
وضعه فوق العرش * الحديث الخامس حديث أبي هريرة الذي فيه ان في الجنة مائة درجة أعدها
الله للمجاهدين وقد تقدم شرحه في الجهاد مع الكلام على قوله كان حقا على الله وان معناه معنى
قوله تعالى كتب ربكم على نفسه الرحمة وليس معناه ان ذلك لازم له لأنه لا آمر له ولا ناهي يوجب
عليه ما يلزمه المطالبة به وانما معناه انجاز ما وعد به من الثواب وهو لا يخلف الميعاد واما قوله مائة
درجة فليس في سياقه التصريح بان العدد المذكور هو جميع درج الجنة من غير زيادة إذ ليس فيه
ما ينفيها ويؤيد ذلك أن في حديث أبي سعيد المرفوع الذي أخرجه أبو داود وصححه الترمذي وابن
حبان ويقال لصاحب القرآن اقرأ وأرق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فان منزلك عند آخر آية
تقرؤها وعدد أي القرآن أكثر من ستة آلاف ومائتين والخلف فيما زاد على ذلك من الكسور
وقوله فيه كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض اختلف الخبر الوارد في قدر مسافة ما بين
السماء والأرض وذكرت هناك ما ورد في الترمذي انها مائة عام وفي الطبراني خمسمائة ويزاد هنا
ما أخرجه ابن خزيمة في التوحيد من صحيحه وابن أبي عاصم في كتاب السنة عن ابن مسعود قال بين
349

السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام وبين كل سماء خمسمائة عام وفي رواية وغلظ كل سماء مسيرة
خمسمائة عام وبين السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام وبين الكرسي وبين الماء خمسمائة عام
والعرش فوق الماء والله فوق العرش ولا يخفى عليه شئ من أعمالكم وأخرجه البيهقي من حديث
أبي ذر مرفوعا نحوه دون قوله وبين السابعة والكرسي إلى آخره وزاد فيه وما بين السماء السابعة
إلى العرش مثل جميع ذلك وفي حديث العباس بن عبد المطلب عند أبي داود وصححه ابن خزيمة
والحاكم مرفوعا هل تدرون بعد ما بين السماء والأرض قلنا لا قال إحدى أو اثنتان أو ثلاث
وسبعون قال وما فوقها مثل ذلك حتى عد سبع سماوات ثم فوق السماء السابعة البحر أسفله من
أعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ثم فوقه ثمانية أوعال ما بين أظلافهن وركبهن مثل ما بين سماء إلى
سماء ثم العرش فوق ذلك بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ثم الله فوق ذلك والجمع بين
اختلاف هذا العدد في هاتين الروايتين ان تحمل الخمسمائة على السير البطئ كسير الماشي
على هينته وتحمل السبعين على السير السريع كسير السعاة ولولا التحديد بالزيادة على السبعين
لحملنا السبعين على المبالغة فلا تنافي الخمسمائة وقد تقدم الجواب عن الفوقية في الذي قبله
وقوله فيه وفوقه عرش الرحمن كذا للأكثر بنصب فوق على الظرفية ويؤيده الأحاديث التي
قبل هذا وحكى في المشارق ان الأصيلي ضبطه بالرفع بمعنى أعلاه وأنكر ذلك في المطالع
وقال انما قيده الأصيلي بالنصب كغيره والضمير في قوله فوقه للفردوس وقال ابن التين
بل هو راجع إلى الجنة كلها وتعقب بما في آخر الحديث هنا ومنه تفجر انهار الجنة فان الضمير
للفردوس جزما ولا يستقيم أن يكون للجنان كلها وإن كان وقع في رواية الكشميهني ومنها تفجر
لأنها خطأ فقد أخرج الإسماعيلي عن الحسن وسفيان عن إبراهيم بن المنذر شيخ البخاري فيه
بلفظ ومنه بالضمير المذكر * الحديث السادس حديث أبي ذر وقد تقدم شرحه في بدء الخلق
وفي تفسير سورة يس والمراد منه هنا اثبات ان العرش مخلوق لأنه ثبت ان له فوقا وتحتا وهما من
صفات المخلوقات وقد تقدم صفة طلوع الشمس من المغرب في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم
بعثت انا والساعة كهاتين من كتاب الرقاق قال ابن بطال استئذان الشمس معناه أن الله يخلق
فيها حياة يوجد القول عندها لان الله قادر على احياء الجماد والموات وقال غيره يحتمل ان
يكون الاستئذان أسند إليها مجازا والمراد من هو موكل بها من الملائكة * الحديث السابع
حديث زيد بن ثابت في جمع القرآن وقد تقدم شرحه في فضائل القرآن والمراد منه آخر سورة
براءة المشار إليه بقوله تعالى لقد جاءكم رسول من أنفسكم إلى قوله وهو رب العرش العظيم لأنه
أثبت ان للعرش ربا فهو مربوب وكل مربوب مخلوق وموسى شيخه فيه هو ابن إسماعيل وإبراهيم
شيخ شيخه في السند الأول هو ابن سعد ورواية الليث المعلقة تقدم ذكر من وصلها في تفسير
سورة براءة وروايته المسندة تقدم سياقها في فضائل القرآن مع شرح الحديث * الحديث الثامن
حديث ابن عباس في دعاء الكرب وقد تقدم شرحه في كتاب الدعوات وسعيد في سنده هو ابن
أبي عروبة وأبو العالية هو الرياحي بكسر ثم تحتانية خفيفة واسمه رفيع بفاء مصغر واما أبو
العالية البراء بفتح الموحدة وتشديد الراء فاسمه زياد بن فيروز وروايته عن ابن عباس في أبواب
تقصير الصلاة * الحديث التاسع حديث أبي سعيد ذكره مختصرا وتقدم بهذا السند الذي
350

هنا تاما في كتاب الاشخاص وقوله وقال الماجشون بكسر الجيم وضم المعجمة هو عبد العزيز بن
أبي سلمة وعبد الله بن الفضل أي ابن العباس بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب الهاشمي (قوله
عن أبي سلمة) هو ابن عبد الرحمن بن عوف قال أبو مسعود الدمشقي في الأطراف وتبعه جماعة
من المحدثين انما روى الماجشون هذا عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج لا عن أبي سلمة وحكموا
على البخاري بالوهم في قوله عن أبي سلمة وحديث الأعرج الذي أشير إليه تقدم في أحاديث
الأنبياء من رواية عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون كما قالوا وكذا أخرجه مسلم في الفضائل
والنسائي في التفسير من طريقه ولكن تحرر لي ان لعبد الله بن الفضل في هذا الحديث شيخين
فقد أخرج أبو داود الطيالسي في مسنده عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الله بن الفضل عن
أبي سلمة طرفا من هذا الحديث وظهر لي ان قول من قال عن الماجشون عن عبد الله بن الفضل عن
الأعرج أرجح ومن ثم وصلها البخاري وعلق الأخرى فان سلكنا سبيل الجمع استغني عن
الترجيح والا فلا استدراك على البخاري في الحالين وكذا لا تعقب علي ابن الصلاح في تفرقته بين
ما يقول فيه البخاري قال فلان جازما فيكون محكوما بصحته بخلاف ما لا يجزم به فإنه لا يكون
جازما بصحته وقد تمسك بعض من اعترض عليه بهذا المثال فقال جزم بهذه الرواية وهي وهم
وقد عرف مما حررته الجواب عن هذا الاعتراض وتقدم شرح المتن في أحاديث الأنبياء في قصة
موسى وقد ساقه هناك بتمامه بسند الحديث هنا * (تكملة) * وقع في مرسل قتادة ان العرش من
ياقوتة حمراء أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه في قوله وكان عرشه على الماء قال هذا بدء خلقه قبل
أن يخلق السماء وعرشه من ياقوتة حمراء وله شاهد عن سهل بن سعد مرفوع لكن سنده ضعيف
* (قوله باب قول الله تعالى تعرج الملائكة والروح إليه وقوله تعالى إليه يصعد
الكلم الطيب وقال أبو جمرة) بالجيم والراء (عن ابن عباس بلغ أبا ذر مبعث النبي صلى الله عليه
وسلم) الحديث (وقال مجاهد العمل الصالح يرفع الكلم الطيب يقال ذي المعارج الملائكة تعرج
إلى الله) أما الآية الأولى فأشار إلى ما جاء في تفسيرها في الكلام الأخير وهو قول الفراء والمعارج
من نعت الله وصف بذلك نفسه لان الملائكة تعرج إليه وحكى غيره ان معنى قوله ذي
المعارج أي فواضل العالية وأما الآية الثانية فأشار إلى تفسير مجاهد لها في الأثر الذي قبله
وقد وصله الفريابي من رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد وأخرج البيهقي من طريق علي بن أبي طلحة
عن ابن عباس في تفسيرها الكلم الطيب ذكر الله والعمل الصالح أداء فرائض الله فمن ذكر الله
ولم يؤد فرائضه رد كلامه وقال الفراء معناه أن العمل الصالح يرفع الكلام الطيب أي يتقبل
الكلام الطيب إذا كان معه عمل صالح وأما التعليق عن أبي جمرة فمضى موصولا في باب إسلام
أبي ذر وساقه هناك بطوله والغرض منه قول أبي ذر لأخيه اعلم لي علم هذا الذي يأتيه الخبر من
السماء وتقدم شرحه ثمة قال الراغب العروج ذهاب في صعود وقال أبو علي القالي في كتابه
البارع المعارج جمع معرج بفتحتين كالمصاعد جمع مصعد والعروج الارتقاء يقال عرج بفتح الراء
يعرج بضمها عروجا ومعرجا والمعرج المصعد والطريق التي تعرج فيها الملائكة إلى السماء
والمعراج شبيه السلم أو درج تعرج فيه الأرواح إذا قبضت وحيث تصعد أعمال بني آدم وقال
ابن دريد هو الذي يعاينه المريض عند الموت فيشخص فيما زعم أهل التفسير ويقال أنه بالغ في
351

الحسن بحيث أن النفس إذا رأته لا تتمالك ان تخرج قال البيهقي صعود الكلام الطيب والصدقة
الطيبة عبارة عن القبول وعروج الملائكة هو إلى منازلهم في السماء وأما ما وقع من التعبير في
ذلك بقوله إلى الله فهو على ما تقدم عن السلف في التفويض وعن الأئمة بعدهم في التأويل
وقال ابن بطال غرض البخاري في هذا الباب الرد على الجهمية المجسمة في تعلقها بهذه الظواهر
وقد تقرر ان الله ليس بجسم فلا يحتاج إلى مكان يستقر فيه فقد كان ولا مكان وانما أضاف
المعارج إليه إضافة تشريف ومعنى الارتفاع إليه اعتلاؤه مع تنزيهه عن المكان انتهى وخلطه
المجسمة بالجهمية من أعجب ما يسمع ثم ذكر فيه أربعة أحاديث لبعضها زيادة على الطريق الواحدة
* الحديث الأول عن أبي هريرة يتعاقبون فيكم ملائكة وقد تقدم شرحه في أوائل كتاب
الصلاة وإسماعيل شيخه هو بن أبي أويس والمراد منه (قوله فيه ثم يعرج الذين باتوا فيكم وقد تمسك
بظواهر أحاديث الباب من زعم أن الحق سبحانه وتعالى في جهة العلو وقد ذكرت معنى العلو في
حقه جل وعلا في الباب الذي قبله * الحديث الثاني (قوله وقال خالد بن مخلد) كذا للجميع ووقع
عند الخطابي في شرحه قال أبو عبد الله البخاري حدثنا خالد بن مخلد (قوله حدثنا سليمان) هو ابن
بلال المندي المشهور وقد وصله أبو بكر الجوزقي في الجمع بين الصحيحين قال حدثنا أبو العباس
الدغولي حدثنا محمد بن معاذ السلمي قال حدثنا خالد بن مخلد فذكره مثل رواية البخاري سواء وكذا
أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن محمد بن معاذ وبيض له أبو نعيم في المستخرج ثم قال رواه فقال
وقال خالد بن مخلد وأخرجه مسلم عن أحمد بن عثمان عن خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال لكن
خالف في شيخ سليمان فقال عند سهيل بن أبي صالح عن أبيه كما أوضحت ذلك في أوائل الزكاة وقد
ضاق مخرجه عن الإسماعيلي وأبي نعيم في مستخرجيهما فأخرجاه من طريق عبد الرحمن بن
عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح وهذه الرواية هي التي تقدمت للبخاري في كتاب الزكاة
ودلت الرواية المعلقة وموافقة الجوزقي لها على أن لخالد فيه شيخين كما أن لعبد الله بن دينار فيه
شيخين على ما دل عليه التعليق الذي بعده (قوله (1) وقال ورقاء) يعني ابن عمر (عن عبد الله عن
دينار عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصعد إلى الله الا الطيب)
يريد ان رواية ورقاء موافقة لرواية سليمان الا في شيخ شيخهما فعند سليمان أنه عن أبي صالح
وعند ورقاء انه عن سعيد بن يسار هذا في السند واما في المتن فظاهره انهما سواء الا في قوله
الطيب فإنه في رواية ورقاء الطيب بغير ألف ولام وقد وصلها البيهقي من طريق أبي النضر هاشم بن
القاسم عن ورقاء فوقع عنده الطيب وقال في آخره مثل أحد عوض قوله في الرواية المعلقة مثل
الجبل وقوله في الرواية المعلقة يتقبلها وقع في رواية الكشميهني يقبلها مخففا من غير مثناة وهي
رواية البيهقي وقوله يربيها لصاحبه وقع في رواية المستملي يربيها لصاحبها وهي رواية البيهقي
والباقي سواء وقد ذكرت في الزكاة اني لم أقف على رواية ورقاء هذه المعلقة ثم وجدتها بعد ذلك
عند كتابتي هنا وقد تقدم شرح المتن في كتاب الزكاة ولله الحمد قال الخطابي ذكر اليمين في هذا
الحديث معناه حسن القبول فان العادة قد جرت من ذوي الأدب بأن تصان اليمين عن مس
الأشياء الدنيئة وانما تباشر بها الأشياء التي لها قدر ومزية وليس فيما يضاف إلى الله تعالى من
صفة اليدين شمال لان الشمال لمحل النقص في الضعف وقد روى كلتا يديه يمين وليس اليد عندنا
352

الجارحة انما هي صفة جاء بها التوقيف فنحن نطلقها على ما جاءت ولا نكيفها وهذا مذهب
أهل السنة والجماعة انتهى وقد مضى بعض ما يتعقب به كلامه في باب قوله لما خلقت بيدي
* الحديث الثالث حديث ابن عباس في دعاء الكرب وقد تقدمت الإشارة إليه في الباب الذي قبله
* الحديث الرابع حديث أبي سعيد ذكره من وجهين عن سفيان وهو الثوري وأبوه هو سعيد بن
مسروق وابن أبي نعم هو بضم النون وسكون المهملة اسمه عبد الرحمن والذي وقع عند قبيصة شيخ
البخاري فيه من الشك هل هو أبو نعم أو ابن أبي نعم لم يتابع عليه قبيصة وانما أورد طريق عبد الرزاق
عقب رواية قبيصة مع نزولها وعلو رواية قبيصة لخلو رواية عبد الرزاق من الشك وقد مضى
في أحاديث الأنبياء عن محمد بن كثير عن سفيان بالجزم ومضى شرح الحديث مستوفى في كتاب
الفتن وقوله بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة كذا فيه بعث على البناء للمجهول وبينه
في رواية عبد الرزاق بقوله بعث علي وهو بن أبي طالب (وهو في اليمن) وفي رواية الكشميهني
باليمن وقوله فقسمها بين الأقرع بن حابس الحنظلي ثم أحد بني مجاشع بجيم خفيفة وشين معجمة
مكسورة (وبين عيينة) بمهملة ونون مصغر (ابن بدر الفزاري وبين علقمة بن علاثة) بضم
المهملة وتخفيف اللام بعدها مثلثة (العامري ثم أحد بني كلاب وبين زيد الخيل الطائي ثم
أحد بني نبهان) وهؤلاء الأربعة كانوا من المؤلفة وكل منهم رئيس قومه فاما الأقرع فهو ابن حابس
بمهملتين وبموحدة ابن عقال بكسر المهملة وقاف خفيفة وقد تقدم نسبه في تفسير سورة الحجرات
وله ذكر في قسم الغنيمة يوم حنين قال المبرد كان في صدر الاسلام رئيس خندق وكان محله فيها محل
عيينة بن حصن في قيس وقال المرزباني هو أول من حرم القمار وقيل كان سنوطا أعرج مع
قرعه وعوره وكان يحكم في المواسم وهو آخر الحكام من بني تميم ويقال انه كان ممن دخل من
العرب في المجوسية ثم أسلم وشهد الفتوح واستشهد باليرموك وقيل بل عاش إلى خلافة عثمان
فأصيب بالجوزجان واما عيينة بن بدر فنسب إلى جد أبيه وهو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر
ابن عمرو بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة وكان رئيس قيس في أول الاسلام وكنيته أبو مالك
وقد مضى له ذكر في أوائل الاعتصام وسماه النبي صلى الله عليه وسلم الأحمق المطاع وارتد مع طليحة
ثم عاد إلى الاسلام وأما علقمة فهو ابن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب بن ربيعة
ابن عامر بن صعصعة وكان رئيس بني كلاب مع عامر بن الطفيل وكانا يتنازعان الشرف فيهم
ويتفاخران ولهما في ذلك أخبار شهيرة وقد مضى في باب بعث علي رضي الله عنه على اليمن من
كتاب المغازي بلفظ والرابع اما قال علقمة بن علاثة واما قال عامر بن الطفيل وكان علقمة حليما
عاقلا لكن كان عامر أكثر منه عطاء وارتد علقمة مع من ارتد ثم عاد ومات في خلافة عمر بحوران
ومات عامر بن الطفيل على شركه في الحياة النبوية واما زيد الخيل فهو ابن مهلهل بن زيد بن
منهب بن عبد بن رضى بضم الراء وتخفيف المعجمة وقيل له زيد الخيل لعنايته بها ويقال لم يكن في
العرب أكثر خيلا منه وكان شاعرا خطيبا شجاعا جوادا وسماه النبي صلى الله عليه وسلم زيد الخير
بالراء بدل اللام لما كان فيه من الخير وقد ظهر أثر ذلك فإنه مات على الاسلام في حياة النبي صلى الله
عليه وسلم ويقال بل توفي في خلافة عمر قال ابن دريد كان من الخطاطين يعني من طوله وكان على
صدقات بني أسد فلم يرتد مع من ارتد (قوله فتغيظت قريش) كذا للأكثر من الغيظ وفي رواية
353

أبي ذر عن الحموي فتغضبت بضاد معجمة بغير ألف بعدها موحدة من الغضب وكذا للنسفي وقد
مضى في قصة عاد من وجه آخر عن سفيان بلفظ فغضبت قريش والأنصار (قوله إنما أتألفهم)
في الرواية التي في المغازي الا تأمنوني وأنا امين من في السماء وبهذا تظهر مناسبة هذا الحديث
للترجمة لكنه جرى على عادته في إدخال الحديث في الباب للفظة تكون في بعض طرقه هي المناسبة
لذلك الباب يشير إليها ويريد بذلك شحذ الأذهان والبعث على كثرة الاستحضار وقد حكى البيهقي عن
أبي بكر الضبعي قال العرب تضع في موضع على كقوله فسيحوا في الأرض وقوله ولأصلبنكم
في جذوع النخل فكذلك قوله من في السماء أي على العرش فوق السماء كما صحت الاخبار بذلك
* الحديث الخامس حديث أبي ذر في قوله تعالى والشمس تجري لمستقر لها أورده مختصرا
وقد تقدمت الإشارة إليه في الباب الذي قبله قال ابن المنير جميع الأحاديث في هذه الترجمة
مطابقة لها الا حديث ابن عباس فليس فيه الا قوله رب العرش ومطابقته والله أعلم من جهة انه
نبه على بطلان قول من أثبت الجهة آخذا من قوله ذي المعارج ففهم ان العلو الفوقي مضاف إلى
الله تعالى فبين المصنف ان الجهة التي يصدق عليها انها سماء والجهة التي يصدق عليها انها عرش
كل منهما مخلوق مربوب محدث وقد كان الله قبل ذلك وغيره فحدثت هذه الأمكنة وقدمه يحيل
وصفه بالتحيز فيها والله أعلم * (قوله باب قول الله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى
ربها ناظرة) كأنه يشير إلى ما أخرجه عبد بن حميد والترمذي والطبري وغيرهم وصححه الحاكم من
طريق ثوير بن أبي فاختة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن
ينظر في ملكه ألف سنة وان أفضلهم منزلة لمن ينظر في وجه ربه عز وجل في كل يوم مرتين قال ثم
تلي وجوه يومئذ ناضرة قال بالبياض والصفاء إلى ربها ناظرة قال تنظر كل يوم في وجه الله لفظه
الطبري من طريق مصعب بن المقدام عن إسرائيل عن ثوير وأخرجه عبد عن شبابة عن
إسرائيل ولفظه لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه وخدمه ونعيمه وسروره مسيرة ألف سنة وأكرمهم
على الله تعالى من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية وكذا أخرجه الترمذي عن عبد وقال غريب
رواه غير واحد عن إسرائيل مرفوعا ورواه عبد الملك بن أبجر عن ثوير عن ابن عمر موقوفا
ورواه الثوري عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر موقوفا أيضا قال ولا نعلم أحدا ذكر فيه مجاهدا غير
الثوري بالعنعنة (قلت) أخرجه ابن مردويه من أربعة طرق عن إسرائيل عن ثوير قال سمعت
ابن عمر ومن طريق عبد الملك بن أبجر عن ثوير مرفوعا وقال الحاكم بعد تخريجه ثوير لم ينقم
عليه الا التشيع (قلت) لا أعلم أحدا صرح بتوثيقه بل أطبقوا على تضعيفه وقال ابن عدي
الضعف على أحاديثه بين وأقوى ما رأيت فيه قول أحمد بن حنبل فيه وفي ليث بن أبي سليم
ويزيد بن أبي زياد ما أقرب بعضهم من بعض وأخرج الطبري من طريق أبي الصهباء موقوفا نحو
حديث ابن عمر وأخرج بسند صحيح إلى يزيد النحوي عن عكرمة في هذه الآية قال تنظر إلى ربها
نظرا وأخرج عن البخاري عن آدم عن مبارك عن الحسن قال تنظر إلى الخالق وحق لها ان تنظر
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن عكرمة انظروا ماذا أعطى الله
عبده من النور في عينه من النظر إلى وجه ربه الكريم عيانا يعني في الجنة ثم قال لو جعل نور
جميع الخلق في عيني عبد ثم كشف عن الشمس ستر واحد ودونها سبعون سترا ما قدر على أن
354

ينظر إليها ونور الشمس جزء من سبعين جزأ من نور الكرسي ونور الكرسي جزء من سبعين جزأ من
نور العرش ونور العرش جزء من سبعين جزأ من نور الستر وإبراهيم فيه ضعف وقد أخرج عبد بن
حميد عن عكرمة من وجه آخر إنكار الرؤية ويمكن الجمع بالحمل على غير أهل الجنة وأخرج بسند
صحيح عن مجاهد ناظرة تنظر الثواب وعن أبي صالح نحوه وأورد الطبري الاختلاف فقال الأولى
عندي بالصواب ما ذكرناه عن الحسن البصري وعكرمة وهو ثبوت الرؤية لموافقته الأحاديث
الصحيحة وبالغ ابن عبد البر في رد الذي نقل عن مجاهد وقال هو شذوذ وقد تمسك به بعض المعتزلة
وتمسكوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث سؤال جبريل عن الاسلام والايمان
والاحسان وفيه أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال بعضهم فيه إشارة إلى
انتفاء الرؤية وتعقب بأن المنفي فيه رؤيته في الدنيا لان العبادة خاصة بها فلو قال قائل ان فيه
إشارة إلى جواز الرؤية في الآخرة لما أبعد وزعمت طائفة من المتكلمين كالسالمية من أهل
البصرة ان في الخبر دليلا على أن الكفار يرون الله في القيامة من عموم اللقاء والخطاب وقال
بعضهم يراه بعض دون بعض واحتجوا بحديث أبي سعيد حيث جاء فيه أن الكفار يتساقطون في
النار إذا قيل لهم الا تردون ويبقى المؤمنون وفيهم المنافقون فيرونه لما ينصب الجسر ويتبعونه
ويعطي كل انسان منهم نوره ثم يطفأ نور المنافقين وأجابوا عن قوله إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون
انه بعد دخول الجنة وهو احتجاج مردود فان بعد هذه الآية ثم أنهم لصالوا الجحيم فدل على أن
الحجب وقع قبل ذلك وأجاب بعضهم بأن الحجب يقع عند اطفاء النور ولا يلزم من كونه يتجلى
للمؤمنين ومن معهم ممن أدخل نفسه فيهم ان تعمهم الرؤية لأنه أعلم بهم فينعم على المؤمنين
برؤيته دون المنافقين كما يمنعهم من السجود والعلم عند الله تعالى قال البيهقي وجه الدليل من
الآية أن لفظ ناضرة الأول بالضاد المعجمة الساقطة من النضرة بمعنى السرور ولفظ ناظرة بالظاء
المعجمة المشالة يحتمل في كلام العرب أربعة أشياء نظر التفكر والاعتبار كقوله تعالى أفلا ينظرون
إلى الإبل كيف خلقت ونظر الانتظار كقوله تعالى ما ينظرون الا صيحة واحدة ونظر التعطف
والرحمة كقوله تعالى لا ينظر الله إليهم ونظر الرؤية كقوله تعالى ينظرون إليك نظر المغشي عليه
من الموت والثلاثة الأول غير مرادة اما الأول فلان الآخرة ليست بدار استدلال وأما الثاني
فلان في الانتظار تنغيصا وتكديرا والآية خرجت مخرج الامتنان والبشارة وأهل الجنة
لا ينظرون شيئا لأنه مهما خطر لهم أتوا به وأما الثالث فلا يجوز لان المخلوق لا يتعطف على خالقه
فلم يبق الا نظر الرؤية وانضم إلى ذلك أن النظر إذا ذكر مع الوجه انصرف إلى نظر العينين اللتين في
الوجه ولأنه هو الذي يتعدى بالى قوله تعالى ينظرون إليك وإذا ثبت ان ناظرة هنا بمعنى رائية
اندفع قول من زعم أن المعنى ناظرة إلى ثواب ربها لان الأصل عدم التقدير وأيد منطوق الآية في
حق المؤمنين بمفهوم الآية الأخرى في حق الكافرين انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون وقيدها
بالقيامة في الآيتين إشارة إلى أن الرؤية تحصل للمؤمنين في الآخرة دون الدنيا انتهى ملخصا
موضحا وقد أخرج أبو العباس السراج في تاريخه عن الحسن بن عبد العزيز الجروي وهو من
شيوخ البخاري سمعت عمرو بن أبي سلمة سمعت يقول مالك بن أنس وقيل له يا أبا عبد الله قول الله
تعالى إلى ربها ناظرة يقول قوم إلى ثوابه فقال كذبوا فأين هم عن قوله تعالى كلا انهم عن ربهم
355

يومئذ لمحجوبون ومن حيث النظر ان كل موجود يصح ان يرى وهذا على سبيل التنزل والا
فصفات الخالق لا تقاس على صفات المخلوقين وأدلة السمع طافحة بوقوع ذلك في الآخرة لأهل
الايمان دون غيرهم ومنع ذلك في الدنيا الا انه اختلف في نبينا صلى الله عليه وسلم وما ذكروه من
الفرق بين الدنيا والآخرة ان أبصار أهل الدنيا فانية وأبصارهم في الآخرة باقية جيد ولكن لم يمنع
تخصيص ذلك بمن ثبت وقوعه له ومنع جمهور المعتزلة من الرؤية متمسكين بان من شرط المرئي ان
يكون في جهة والله منزه عن الجهة واتفقوا على أنه يرى عباده فهو راء لا من جهة واختلف من
أثبت الرؤية في معناها فقال قوم يحصل للرائي العلم بالله تعالى برؤية العين كما في غيره من المرئيات
وهو على وفق قوله في حديث الباب كما ترون القمر الا أنه منزه عن الجهة والكيفية وذلك أمر زائد
على العلم وقال بعضهم ان المراد بالرؤية العلم وعبر عنها بعضهم بأنها حصول حالة في الانسان
نسبتها إلى ذاته المخصوصة نسبة الابصار إلى المرئيات وقال بعضهم رؤية المؤمن لله نوع كشف
وعلم الا انه أتم وأوضح من العلم وهذا أقرب إلى الصواب من الأول وتعقب الأول بأنه حينئذ
لا اختصاص لبعض دون بعض لان العلم لا يتفاوت وتعقبه ابن التين بأن الرؤية بمعنى العلم
تتعدى لمفعولين تقول رأيت زيدا فقيها أي علمته فان قلت رأيت زيدا منطلقا لم يفهم منه الا
رؤية البصر ويزيده تحقيقا قوله في الخبر أنكم سترون ربكم عيانا لان اقتران الرؤية بالعيان
لا يحتمل أن يكون بمعنى العلم وقال ابن بطال ذهب أهل السنة وجمهور الأمة إلى جواز رؤية الله
في الآخرة ومنع الخوارج والمعتزلة وبعض المرجئة وتمسكوا بأن الرؤية توجب كون المرئي
محدثا وحالا في مكان وأولوا قوله ناظرة بمنتظرة وهو خطأ لأنه لا يتعدى بالى ثم ذكر نحو ما تقدم ثم
قال وما تمسكوا به فاسد لقيام الأدلة على أن الله تعالى موجود والرؤية في تعلقها بالمرئي بمنزلة العلم
في تعلقه بالمعلوم فإذا كان تعلق العلم بالمعلوم لا يوجب حدوثه فكذلك المرئي قال وتعلقوا بقوله
تعالى لا تدركه الابصار وبقوله تعالى لموسى لن تراني والجواب عن الأول أنه لا تدركه الابصار في
الدنيا جمعا بين دليلي الآيتين وبأن نفي الادراك لا يستلزم نفي الرؤية لامكان رؤية الشئ من غير
إحاطة بحقيقته وعن الثاني المراد لن تراني في الدنيا جمعا أيضا ولان نفي الشئ لا يقتضي احالته مع
ما جاء من الأحاديث الثابتة على وفق الآية وقد تلقاها المسلمون بالقبول من لدن الصحابة والتابعين
حتى حدث من أنكر الرؤية وخالف السلف وقال القرطبي اشترط النفاة في الرؤية شروطا عقلية
كالبنية المخصوصة والمقابلة واتصال الأشعة وزوال الموانع كالبعد والحجب في خبط لهم وتحكم
وأهل السنة لا يشترطون شيئا من ذلك سوى وجود المرئي وان الرؤية إدراك يخلقه الله تعالى
للرائي فيرى المرئي وتقترن بها أحوال يجوز تبدلها والعلم عند الله تعالى ثم ذكر المؤلف في باب
أحد عشر حديثا * الحديث الأول حديث جرير ذكره مطولا ومختصرا من ثلاثة أوجه (قوله
خالد أو هشيم) كذا في نسخة من رواية أبي ذر عن المستملي بالشك وفي أخرى بالواو وكذا للباقين
(قوله عن إسماعيل) وهو ابن أبي خالد (قوله عن قيس) هو ابن أبي حازم ونسب في رواية مروان بن
معاوية عن إسماعيل المشار إليها (قوله عن جرير) في رواية مروان المذكورة سمعت جرير بن
عبد الله وفي رواية بيان في الباب عن قيس حدثنا جرير (قوله كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه
وسلم) في رواية جرير عن إسماعيل في تفسير سورة ق كنا جلوسا ليلا مع رسول الله صلى الله عليه
356

وسلم (قوله ليلة البدر) في رواية إسحاق ليلة أربع عشرة ووقع في رواية بيان المذكورة خرج
علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة البدر فقال ويجمع بينهما بان القول لهم صدر منه بعد أن
جلسوا عنده (قوله إنكم سترون ربكم) في رواية عبد الله بن نمير وأبي أسامة ووكيع عن
إسماعيل عند مسلم أنكم ستعرضون على ربكم فترونه وفي رواية أبي شهاب أنكم سترون ربكم
عيانا هكذا اقتصر أبو شهاب على هذا القدر من الحديث للأكثر ووقع في رواية المستملي في أوله
خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة البدر فقال وأخرجه الإسماعيلي من طريق خلف
ابن هشام عن أبي شهاب كالأكثر ومن طريق محمد بن زياد البلدي عن أبي شهاب مطولا واسم
أبي شهاب هذا عبد ربه بن نافع الحناط بالحاء المهملة والنون واسم الراوي عنه عاصم بن يوسف
كان خياطا بالخاء المعجمة والتحتانية قال الطبري تفرد أبو شهاب عن إسماعيل بن أبي خالد بقوله عيانا
وهو حافظ متقن من ثقات المسلمين انتهى وذكر شيخ الاسلام الهروي في كتابه الفاروق ان زيد
ابن أبي أنيسة رواه أيضا عن إسماعيل بهذا اللفظ وساقه من رواية أكثر من ستين نفسا عن
إسماعيل بلفظ واحد كالأول (قوله لا تضامون) بضم أوله وتخفيف الميم للأكثر وفيه روايات
أخرى تقدم بيانها في باب الصراط جسر جهنم من كتاب الرقاق وقال البيهقي سمعت الشيخ الامام
أبا الطيب سهل بن محمد الصعلوكي يقول في املائه في قوله لا تضامون في رؤيته بالضم والتشديد
معناه لا تجتمعون لرؤيته في جهة ولا يضم بعضكم إلى بعض ومعناه بفتح التاء كذلك والأصل
لا تتضامون في رؤيته باجتماع في جهة وبالتخفيف من الضيم ومعناه لا تظلمون فيه برؤية بعضكم
دون بعض فإنكم ترونه في جهاتكم كلها وهو متعال عن الجهة والتشبيه برؤية القمر للرؤية دون
تشبيه المرئي تعالى الله عن ذلك * الحديث الثاني حديث أبي هريرة ان الناس قالوا يا رسول الله هل
نرى ربنا يوم القيامة فقال هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب الحديث بطوله وقد مضى
شرحه مستوفى في كتاب الرقاق ووقع هنا في قوله فإذا جاء ربنا عرفناه في رواية أبي ذر عن
الكشميهني فإذا جاءنا ويحتاج إلى تأمل وفي قوله أول من يجيز في رواية المستملي يجئ من المجئ
وفي قوله ويعطي ربه في رواية الكشميهني ويعطي الله وفي قوله أي رب لا أكون في رواية المستملي
لا أكونن وقد تقدمت الإشارة لذلك وغيره في شرح الحديث * الحديث الثالث حديث أبي
سعيد في معنى حديث أبي هريرة بطوله وتقدم شرحه أيضا هناك وقوله في سنده عن زيد هو ابن
أسلم وعطاء هو ابن يسار وقوله فيه وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم في رواية الكشميهني إلههم
بالافراد وقوله ما يجلسكم بالجيم واللام من الجلوس أي يقعدكم عن الذهاب وفي رواية
الكشميهني ما يحبسكم بالحاء والموحدة من الحبس أي يمنعكم وهو بمعناه وقوله فيه فيأتيهم الله
في صورة استدل ابن قتيبة بذكر الصورة على أن لله صورة لا كالصور كما ثبت أنه شئ لا كالأشياء
وتعقبوه وقال ابن بطال تمسك به المجسمة فاثبتوا لله صورة ولا حجة لهم فيه لاحتمال ان يكون
بمعنى العلامة وضعها الله لهم دليلا على معرفته كما يسمى الدليل والعلامة صورة وكما تقول صورة
حديثك كذا وصورة الامر كذا والحديث والامر لا صورة لهما حقيقة وأجاز غيره ان المراد
357

بالصورة الصفة واليه ميل البيهقي ونقل ابن التين ان معناه صورة الاعتقاد وأجاز الخطابي أن
يكون الكلام خرج على وجه المشاكلة لما تقدم من ذكر الشمس والقمر والطواغيت وقد
تقدم بسط هذا هناك وكذا قوله نعوذ بك وقال غيره في قوله في الصورة التي يعرفونها يحتمل ان
يشير بذلك إلى ما عرفوه حين أخرج ذرية آدم من صلبه ثم أنساهم ذلك في الدنيا ثم يذكرهم بها في
الآخرة وقوله فإذا رأينا ربنا عرفناه قال ابن بطال عن المهلب ان الله يبعث لهم ملكا
ليختبرهم في اعتقاد صفات ربهم الذي ليس كمثله شئ فإذا قال لهم أنا ربكم ردوا عليه لما رأوا عليه
من صفة المخلوق فقوله فإذا جاء ربنا عرفناه أي إذا ظهر لنا في ملك لا ينبغي لغيره وعظمة لا تشبه
شيئا من مخلوقاته فحينئذ يقولون أنت ربنا قال واما قوله هل بينكم وبينه علامة تعرفونها
358

فيقولون الساق فهذا يحتمل ان الله عرفهم على ألسنة الرسل من الملائكة أو الأنبياء ان الله جعل
لهم علامة تجليه الساق وذلك أنه يمتحنهم بإرسال من يقول لهم انا ربكم والى ذلك الإشارة بقوله
تعالى يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت وهي وان ورد انها في عذاب القبر فلا يبعد ان تتناول
يوم الموقف أيضا قال واما الساق فجاء عن ابن عباس في قوله تعالى يوم يكشف عن ساق قال عن
شدة من الامر والعرب تقول قامت الحرب على ساق إذا اشتدت ومنه
قد سن أصحابك ضرب الأعناق * وقامت الحرب بنا على ساق
وجاء عن أبي موسى الأشعري في تفسيرها عن نور عظيم قال ابن فورك معناه ما يتجدد للمؤمنين
من الفوائد والالطاف وقال المهلب كشف الساق للمؤمنين رحمة ولغيرهم نقمة وقال
الخطابي تهيب كثير من الشيوخ الخوض في معنى الساق ومعنى قول ابن عباس ان الله يكشف
عن قدرته التي تظهر بها الشدة وأسند البيهقي الأثر المذكور عن ابن عباس بسندين كل منهما
حسن وزاد إذا خفي عليكم شئ من القرآن فاتبعوه من الشعر وذكر الرجز المشار إليه وأنشد
الخطابي في إطلاق الساق على الامر الشديد * في سنة قد كشفت عن ساقها * وأسند
البيهقي من وجه آخر صحيح عن ابن عباس قال يريد يوم القيامة قال الخطابي وقد يطلق ويراد
النفس وقوله فيه ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعه فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقا واحدا
ذكر العلامة جمال الدين بن هشام في المغني أنه وقع في البخاري في هذا الموضع كيما مجردة وليس
بعدها لفظ يسجد فقال بعد أن حكى عن الكوفيين ان كي ناصبة دائما قال ويرده قولهم كيمه كما
يقولون لمه وأجابوا بأن التقدير كي تفعل ماذا ويلزمهم كثرة الحذف واخراج ما الاستفهامية عن
الصدر وحذف ألفها في غير الجر وحذف الفعل المنصوب مع بقاء عامل النصب وكل ذلك لم يثبت
نعم وقع في صحيح البخاري في تفسير وجوه يومئذ ناضرة فيذهب كيما فيعود ظهره طبقا واحدا أي
كيما يسجد وهو غريب جدا لا يحتمل القياس عليه انتهى كلامه وكأنه وقعت له نسخة
سقطت منها هذه اللفظة لكنها ثابتة في جميع النسخ التي وقفت عليها حتى أن ابن بطال ذكرها
بلفظ كي يسجد بحذف ما وكلام ابن هشام يوهم أن البخاري أورده في التفسير وليس كذلك بل
ذكرها هنا فقط وقوله فيه فيعود ظهره طبقا واحدا قال ابن بطال تمسك به من أجاز تكليف
ما لا يطاق من الأشاعرة واحتجوا أيضا بقصة أبي لهب وان الله كلفه الايمان به مع اعلامه بأنه
يموت على الكفر ويصلى نارا ذات لهب قال ومنع الفقهاء من ذلك وتمسكوا بقوله تعالى لا يكلف
الله نفسا الا وسعها وأجابوا عن السجود بأنهم يدعون إليه تبكيتا إذ ادخلوا أنفسهم في المؤمنين
الساجدين في الدنيا فدعوا مع المؤمنين إلى السجود فتعذر عليهم فاظهر الله بذلك نفاقهم وأخزاهم
قال ومثله من التبكيت ما يقال لهم بعد ذلك ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا وليس في هذا تكليف
ما لا يطاق بل إظهار خزيهم ومثله كلف أن يعقد شعيرة فإنها للزيادة في التوبيخ والعقوبة انتهى
ولم يجب عن قصة أبي لهب وقد ادعى بعضهم ان مسئلة تكليف ما لا يطاق لم تقع الا بالايمان فقط
وهي مسألة طويلة الذيل ليس هذا موضع ذكرها وقوله قال مدحضة مزلة بفتح الميم وكسر
الزاي ويجوز فتحها وتشديد اللام قال أي موضع الزلل ويقال بالكسر في المكان وبالفتح في
المقال ووقع في رواية أبي ذر عن الكشميهني هنا الدحض الزلق ليدحضوا ليزلقوا زلقا لا يثبت فيه
359

قدم وهذا قد تقدم لهم في تفسير سورة الكهف وتقدم هناك الكلام عليه وقوله عليه خطا طيف
وكلاليب تقدم بيانه وقوله وحسكة بفتح الحاء والسين المهملتين قال صاحب التهذيب وغيره
الحسك نبات له ثمر خشن يتعلق بأصواف الغنم وربما اتخذ مثله من حديد وهو من آلات الحرب
وقوله مفلطحة بضم الميم وفتح الفاء وسكون اللام بعدها طاء ثم حاء مهملتان كذا وقع عند الأكثر
وفي رواية الكشميهني مطلفحة بتقديم الطاء وتأخير الفاء واللام قبلها ولبعضهم كالأول لكن
بتقديم الحاء على الطاء والأول هو المعروف في اللغة وهو الذي فيه اتساع وهو عريض يقال فلطح
القرص بسطه وعرضه وقوله شوكة عقيفة بالقاف ثم الفاء وزن عظيمة ولبعضهم عقيفاء بصيغة
التصغير ممدود * (تنبيه) * قرأت في تنقيح الزركشي وقع هنا في حديث أبي سعيد بعد شفاعة
الأنبياء فيقول الله بقيت شفاعتي فيخرج من النار من لم يعمل خيرا وتمسك به بعضهم في تجويز
إخراج غير المؤمنين من النار ورد بوجهين أحدهما أن هذه الزيادة ضعيفة لأنها غير متصلة كما قال
عبد الحق في الجمع والثاني ان المراد بالخير المنفي ما زاد على أصل الاقرار بالشهادتين كما تدل عليه
بقية الأحاديث هكذا قال والوجه الأول غلط منه فان الرواية متصلة هنا وأما نسبة ذلك لعبد
الحق فغلط على غلط لأنه لم يقله الا في طريق أخرى وقع فيها أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة
خردل من خير قال هذه الرواية غير متصلة ولما ساق حديث أبي سعيد الذي في هذا الباب ساقه
بلفظ البخاري ولم يتعقبه بأنه غير متصل ولو قال ذلك لتعقبناه عليه فإنه لا انقطاع في السند أصلا
ثم إن لفظ حديث أبي سعيد هنا ليس كما ساقه الزركشي وانما فيه فيقول الجبار بقيت شفاعتي
فيخرج أقواما قد امتحشوا ثم قال في آخره فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الرحمن ادخلهم الجنة
بغير عمل عملوه ولا خير قدموه فيجوز ان يكون الزركشي ذكره بالمعنى * الحديث الرابع حديث
أنس في الشفاعة وقد مضى شرحه مستوفى في باب صفة الجنة والنار من كتاب الرقاق وقوله هنا
وقال حجاج بن منهال حدثنا همام كذا عند الجميع الا في رواية أبي زيد المروزي عن الفربري
فقال فيها حدثنا حجاج وقد وصله الإسماعيلي من طريق إسحاق بن إبراهيم وأبو نعيم من طريق محمد
ابن أسلم الطوسي قالا حدثنا حجاج بن منهال فذكره بطوله وساقوا الحديث كله الا النسفي فساق
منه إلى قوله خلقك الله بيده ثم قال فذكر الحديث ووقع لأبي ذر عن الحموي نحوه لكن قال
360

وذكر الحديث بطوله بعد قوله حتى يهموا بذلك ونحوه للكشميهني وقوله فيه ثلاث كذبات في
رواية المستملي ثلاث كلمات وقوله فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه قال الخطابي هذا يوهم
المكان والله منزه عن ذلك وانما معناه في داره الذي اتخذها لأوليائه وهي الجنة وهي دار السلام
وأضيفت إليه إضافة تشريف مثل بيت الله وحرم الله وقوله فيه قال قتادة سمعته يقول
فأخرجهم هو موصول بالسند المذكور ووقع للكشميهني وسمعته أيضا يقول وللمستملي وسمعته
يقول فأخرج فأخرجهم الأول بفتح الهمزة وضم الراء والثاني بضم الهمزة وكسر الراء * الحديث
الخامس حديث أنس اصبروا حتى تلقوا الله ورسوله فاني على الحوض (قوله في السند حدثني
عمي) هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد وأبوه هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف
وليعقوب فيه شيخ آخر أخرجه مسلم من طريقه أيضا عن ابن أخي ابن شهاب عن عمه وهي أعلى من
روايته إياه عن أبيه عن صالح وهو ابن كيسان عن ابن شهاب الزهري (قوله أرسل إلى الأنصار
فجمعهم في قبة) كذا أورده مختصرا وقد أخرجه مسلم من هذا الوجه وقال في أوله لما أفاء الله على
رسوله ما أفاء من أموال هوازن ثم أحال ببقيته على الرواية التي قبلها من طريق يونس عن الزهري
فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي رجالا من قريش فذكر الحديث في معاتبتهم وفي آخره
فقالوا بلى يا رسول الله رضينا قال فإنكم ستجدون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله
فاني على الحوض وقد تقدم من وجه آخر في غزوة حنين وساقه من حديث عبد الله بن زيد بن
عاصم أتم منه وتقدم شرحه مستوفى هناك بحمد الله تعالى والغرض منه هنا قوله حتى تلقوا الله
ورسوله فإنها زيادة لم تقع في بقية الطرق وقد تقدم في أوائل الفتن من رواية أنس عن أسيد بن
الحضير في قصة فيها فسترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني وترجم له في مناقب الأنصار باب
قول النبي صلى الله عليه وسلم يعني للأنصار اصبروا حتى تلقوني على الحوض قال الراغب اللقاء
مقابلة الشئ ومصادفته لقيه يلقاه ويقال أيضا في الادراك بالحس وبالبصيرة ومنه ولقد كنتم
تمنون الموت من قبل أن تلقوه وملاقاة الله يعبر بها عن الموت وعن يوم القيامة وقيل ليوم القيامة
يوم التلاق لالتقاء الأولين والآخرين فيه * الحديث السادس عن ابن عباس في الدعاء عند قيام
الليل وقد تقدم شرحه في أوائل كتاب التهجد مستوفى والغرض منه (قوله ولقاؤك حق وقد
ذكرت ما يتعلق باللقاء في الذي قبله وسفيان في سنده هو الثوري وسليمان هو ابن أبي مسلم وقوله فيه
وقال قيس بن سعد وأبو الزبير عن طاوس قيام يريد أن قيس بن سعد روى هذا الحديث عن طاوس
361

عن ابن عباس فوقع عنده بدل قوله أنت قيم السماوات والأرض أنت قيام السماوات والأرض
وكذلك أبو الزبير عن طاوس وطريق قيس وصلها مسلم وأبو داود من طريق عمران بن مسلم عن
قيس ولم يسوقا لفظه وساقها النسائي كذلك وأبو نعيم في المستخرج ورواية أبي الزبير وصلها مالك
في الموطأ عنه وأخرجها مسلم من طريقه ولفظه قيام السماوات والأرض (قوله وقال مجاهد
القيوم القائم على كل شئ) وصله الفريابي في تفسيره عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا
قال الحليمي القيوم القائم على كل شئ من خلقه يدبره بما يريد وقال أبو عبيدة بن المثنى القيوم
فيعول وهو القائم الذي لا يزول وقال الخطابي القيوم نعت للمبالغة في القيام على كل شئ فهو
القيم على كل شئ بالرعاية له (قوله وقرأ عمر القيام) قلت تقدم ذكر من وصله عن عمر في تفسير سورة
نوح (قوله وكلاهما مدح) أي القيوم والقيام لأنهما من صيغ المبالغة * الحديث السابع
حديث عدي بن حاتم ما منكم من أحد الا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان وقوله في سنده
عن خيثمة في رواية حفص بن غياث عن الأعمش حدثني خيثمة بن عبد الرحمن كما تقدم في كتاب
الرقاق وسياقه هناك أتم وسيأتي أيضا من وجه آخر عن الأعمش وقوله ولا حجاب يحجبه في رواية
الكشميهني ولا حاجب قال ابن بطال معنى رفع الحجاب إزالة الآفة من أبصار المؤمنين المانعة لهم
من الرؤية فيرونه لارتفاعها عنهم بخلق ضدها فيهم ويشير إليه قوله تعالى في حق الكفار كلا انهم
عن ربهم يومئذ لمحجوبون وقال الحافظ صلاح الدين العلائي في شرح قوله في قصة معاذ واتق
دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب المراد بالحاجب والحجاب نفي المانع من الرؤية كما نفى
عدم إجابة دعاء المظلوم ثم استعار الحجاب للرد فكان نفيه دليلا على ثبوت الإجابة والتعبير
بنفي الحجاب أبلغ من التعبير بالقبول لان الحجاب من شأنه المنع من الوصول إلى المقصود فاستعير
نفيه لعدم المنع ويتخرج كثير من أحاديث الصفات على الاستعارة التخييلية وهي ان يشترك
شيئان في وصف ثم يعتمد لوازم أحدهما حيث تكون جهة الاشتراك وصفا فيثبت كماله في المستعار
بواسطة شئ آخر فيثبت ذلك للمستعار مبالغة في اثبات المشترك قال وبالحمل على هذه الاستعارة
التخييلية يحصل التخلص من مهاوي التجسم قال ويحتمل ان يراد بالحجاب استعارة محسوس
لمعقول لان الحجاب حسي والمنع عقلي قال وقد ورد ذكر الحجاب في عدة أحاديث صحيحة والله
سبحانه وتعالى منزه عما يحجبه إذ الحجاب انما يحيط بمقدر محسوس ولكن المراد بحجابه منعه أبصار
خلقه وبصائرهم بما شاء متى شاء كيف شاء وإذا شاء كشف ذلك عنهم ويؤيده قوله في الحديث الذي
بعده وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم الا رداء الكبرياء على وجهه فان ظاهره ليس مرادا
قطعا فهي استعارة جزما وقد يكون المراد بالحجاب في بعض الأحاديث الحجاب الحسي لكنه بالنسبة
للمخلوقين والعلم عند الله تعالى ونقل الطيبي في شرح حديث أبي موسى عند مسلم حجابه النور
لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره أن فيه إشارة إلى أن حجابه خلاف الحجب المعهودة
فهو محتجب عن الخلق بأنوار عزه وجلاله وأشعة عظمته وكبريائه وذلك هو الحجاب الذي تدهش
دونه العقول وتبهت الابصار وتتحير البصائر فلو كشفه فتجلى لما وراءه بحقائق الصفات
وعظمة الذات لم يبق مخلوق الا احترق ولا منظور الا اضمحل وأصل الحجاب الستر الحائل بين
الرائي والمرئي والمراد به هنا منع الابصار من الرؤية له بما ذكر فقام ذلك المنع مقام الستر الحائل
362

فعبر به عنه وقد ظهر من نصوص الكتاب والسنة ان الحالة المشار إليها في هذا الحديث هي في دار
الدنيا المعدة للفناء دون دار الآخرة المعدة للبقاء والحجاب في هذا الحديث وغيره يرجع إلى الخلق
لانهم هم المحجوبون عنه وقال النووي أصل الحجاب المنع من الرؤية والحجاب في حقيقة
اللغة الستر وانما يكون في الأجسام والله سبحانه منزه عن ذلك فعرف أن المراد المنع من رؤيته
وذكر النور لأنه يمنع من الادراك في العادة لشعاعه والمراد بالوجه الذات وبما انتهى إليه بصره
جميع المخلوقات لأنه سبحانه محيط بجميع الكائنات * الحديث الثامن حديث أبي موسى وعبد
العزيز بن عبد الصمد هو ابن عبد الصمد العمي بفتح المهملة وتشديد الميم وأبو عمران هو عبد
الملك بن حبيب الجوني وأبو بكر هو ابن أبي موسى الأشعري وقد تقدم ذلك في تفسير سورة الرحمن
(قوله جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما) في رواية حماد بن
سلمة عن ثابت البناني عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه قال حماد لا أعلمه الا قد رفعه قال
جنتان من ذهب للمقربين ومن دونهما جنتان من ورق لأصحاب اليمين أخرجه الطبري وابن أبي
حاتم ورجاله ثقات وفيه رد على ما حكيته عن الترمذي الحكيم ان المراد بقوله تعالى ومن دونهما
جنتان الدنو بمعنى القرب لا انهما دون الجنتين المذكورتين قبلهما وصرح جماعة بأن الأوليين
أفضل من الأخريين وعكس بعض المفسرين والحديث حجة للأولين قال الطبري اختلف في
قوله ومن دونهما جنتان فقال بعضهم معناه في الدرجة وقال آخرون معناه في الفضل وقوله جنتان
إشارة إلى قوله تعالى ومن دونهما جنتان وتفسير له وهو خبر مبتدأ محذوف أي هما جنتان
وآنيتهما مبتدأ ومن فضة خبره قاله الكرماني قال ويحتمل ان يكون فاعل فضة كما قال ابن مالك
مررت بواد ابل كله ان كله فاعل أي جنتان مفضض آنيتهما انتهى ويحتمل ان يكون بدل اشتمال
وظاهر الأول أن الجنتين من ذهب لا فضة فيهما وبالعكس ويعارضه حديث أبي هريرة قلنا
يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها قال لبنة من ذهب ولبنة من فضة الحديث أخرجه أحمد
والترمذي وصححه ابن حبان وله شاهد عن ابن عمر أخرجه الطبراني وسنده حسن وآخر عن أبي
سعيد أخرجه البزار ولفظه خلق الله الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة الحديث ويجمع بأن
الأول صفة ما في كل جنة من آنية وغيرها والثاني صفة حوائط الجنان كلها ويؤيده انه وقع عند
البيهقي في البعث في حديث أبي سعيد أن الله أحاط حائط الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وعلى
هذا فقوله آنيتهما وما فيهما بدل من قوله من ذهب ويترجح الاحتمال الثاني (قوله وما بين القوم
وبين أن ينظروا إلى ربهم الا رداء الكبرياء على وجهه) قال المازري كان النبي صلى الله عليه وسلم
يخاطب العرب بما تفهم ويخرج لهم الأشياء المعنوية إلى الحس ليقرب تناولهم لها فعبر عن زوال
الموانع ورفعه عن الابصار بذلك وقال عياض كانت العرب تستعمل الاستعارة كثيرا وهو
أرفع أدوات بديع فصاحتها وايجازها ومنه قوله تعالى جناح الذل فمخاطبة النبي صلى الله عليه
وسلم لهم برداء الكبرياء على وجهه ونحو ذلك من هذا المعنى ومن لم يفهم ذلك تاه فمن أجرى الكلام
على ظاهره أفضى به الامر إلى التجسيم ومن لم يتضح له وعلم أن الله منزه عن الذي يقتضيه ظاهرها
اما ان يكذب نقلتها واما ان يؤولها كأن يقول استعار لعظيم سلطان الله وكبريائه وعظمته
وهيبته وجلاله المانع إدراك أبصار البشر مع ضعفها لذلك رداء الكبرياء فإذا شاء تقوية أبصارهم
363

وقلوبهم كشف عنهم حجاب هيبته وموانع عظمته انتهى ملخصا وقال الطيبي قوله على وجهه حال
من رداء الكبرياء وقال الكرماني هذا الحديث من المتشابهات فاما مفوض واما متأول بأن المراد
بالوجه الذات والرداء صفة من صفة الذات اللازمة المنزهة عما يشبه المخلوقات ثم استشكل
ظاهره بأنه يقتضي ان رؤية الله غير واقعة وأجاب بأن مفهومه بيان قرب النظر إذ رداء
الكبرياء لا يكون مانعا من الرؤية فعبر عن زوال المانع عن الابصار بإزالة المراد انتهى وحاصله
ان رداء الكبرياء مانع عن الرؤية فكأن في الكلام حذفا تقديره بعد قوله الا رداء الكبرياء فإنه
يمن عليهم برفعه فيحصل لهم الفوز بالنظر إليه فكأن المراد ان المؤمنين إذا تبوؤا مقاعدهم من
الجنة لولا ما عندهم من هيبة ذي الجلال لما حال بينهم وبين الرؤية حائل فإذا أراد اكرامهم
حفهم برأفته وتفضل عليهم بتقويتهم على النظر إليه سبحانه ثم وجدت في حديث صهيب في
تفسير قوله تعالى للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ما يدل على أن المراد برداء الكبرياء في حديث
أبي موسى الحجاب المذكور في حديث صهيب وانه سبحانه يكشف لأهل الجنة اكراما لهم
والحديث عند مسلم والترمذي والنسائي وابن خزيمة وابن حبان ولفظ مسلم أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله عز وجل تريدون شيئا أزيدكم فيقولون ألم
تبيض وجوهنا وتدخلنا الجنة قال فيكشف لهم الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم منه ثم تلا
هذه الآية للذين أحسنوا الحسنى وزيادة أخرجه مسلم عقب حديث أبي موسى ولعله أشار إلى
تأويله به وقال القرطبي في المفهم الرداء استعارة كنى بها عن العظمة كما في الحديث الآخر
الكبرياء ردائي والعظمة إزاري وليس المراد الثياب المحسوسة لكن المناسبة ان الرداء والإزار
لما كانا متلازمين للمخاطب من العرب عبر عن العظمة والكبرياء بهما ومعنى حديث الباب
ان مقتضى عزة الله واستغنائه أن لا يراه أحد لكن رحمته للمؤمنين اقتضت أن يريهم وجهه
كمالا للنعمة فإذا زال المانع فعل معهم خلاف مقتضى الكبرياء فكأنه رفع عنهم حجابا كان
يمنعهم ونقل الطبري عن علي وغيره في قوله تعالى ولدينا مزيد قال هو النظر إلى وجه الله
(قوله في جنة عدن) قال ابن بطال لا تعلق للمجسمة في اثبات المكان لما ثبت من استحالة أن
يكون سبحانه جسما أو حالا في مكان فيكون تأويل الرداء الآفة الموجودة لأبصارهم المانعة
لهم من رؤيته وإزالتها فعل من أفعاله يفعله في محل رؤيتهم فلا يرونه ما دام ذلك المانع
موجودا فإذا فعل الرؤية زال ذلك المانع وسماه رداء لتنزله في المنع منزلة الرداء الذي يحجب الوجه
عن رؤيته فأطلق عليه الرداء مجازا وقوله في جنة عدن راجع إلى القوم وقال عياض معناه
راجع إلى النظرين أي وهم في جنة عدن لا إلى الله فإنه لا تحويه الأمكنة سبحانه وقال القرطبي
يتعلق بمحذوف في موضع الحال من القوم مثل كائنين في جنة عدن وقال الطيبي قوله في جنة
عدن متعلق بمعنى الاستقرار في الظرف فيفيد بالمفهوم انتفاء هذا الحصر في غير الجنة واليه
أشار التوربشتي بقوله يشير إلى أن المؤمن إذا تبوأ مقعده والحجب مرتفعة والموانع التي تحجب
عن النظر إلى ربه مضمحلة الا ما يصدهم من الهيبة كما قيل أشتاقه فإذا بدا * أطرقت من اجلاله
فإذا حفهم برأفته ورحمته رفع ذلك عنهم تفضلا منه عليهم * الحديث التاسع عن عبد الله وهو ابن
364

مسعود (قوله قال عبد الله) وهو ابن مسعود راويه وهو موصول بالسند المذكور (قوله
مصداقه) أي الحديث ومصداق بكسر أوله مفعال من الصدق بمعنى الموافقة (قوله إن الذين
يشترون إلى أن قال ولا يكلمهم الله الآية) كذا لأبي ذر وغيره والمراد هنا من هذه الآية قوله
بعده ولا ينظر إليهم ويؤخذ منه تفسير قوله لقي الله وهو عليه غضبان ومقتضاه أن الغضب سبب
لمنع الكلام والرؤية والرضا سبب لوجودهما وقد تقدم شرح هذا الحديث في كتاب الايمان
والنذور * الحديث العاشر حديث أبي هريرة (قوله عن عمرو) هو ابن دينار المكي وقد تقدم هذا
الحديث سندا ومتنا في كتاب الشرب وتقدم شرحه مستوفى في أواخر الاحكام * الحديث
الحادي عشر حديث أبي بكرة و عبد الوهاب في سنده هو ابن عبد المجيد الثقفي وأيوب هو
السختياني ومحمد هو ابن سيرين وابن أبي بكرة هو عبد الرحمن كما وقع التصريح به في كتاب
الحج والسند كله بصريون وقد تقدم بعينه في بدء الخلق وفي المغازي وأغفل المزي ذكر هذا السند
في التوحيد وفي المغازي وهو ثابت فيهما وزعم أنه أخرجه في التفسير عن أبي موسى ولم أره في
التفسير مع أنه لم يذكر منه في بدء الخلق الا قطعة يسيرة إلى قوله وشعبان وساقه بتمامه في المغازي
وهنا الا أنه سقط من وسطه هنا عند أبي ذر عن السرخسي قوله قال فأي يوم هذا إلى قوله قال
فان دماءكم وقد تقدم شرحه مفرقا اما ما يتعلق بأوله وهو ان الزمان قد استدار كهيئته ففي
تفسير سورة براءة وأما ما يتعلق بالشهر الحرام والبلد الحرام ففي باب الخطبة أيام منى من كتاب الحج
واما ما يتعلق بالنهي عن ضرب بعضهم رقاب بعض ففي كتاب الفتن واما ما يتعلق بالحث على
التبليغ ففي كتاب العلم والمراد منه هنا قوله وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وقد ذكرت
ما فسر به اللقاء في الحديث الخامس وبالله التوفيق * (تكملة) * جمع الدارقطني طرق الأحاديث
الواردة في رؤية الله تعالى في الآخرة فزادت على العشرين وتتبعها ابن القيم في حادي الأرواح
فبلغت الثلاثين وأكثرها جياد وأسند الدارقطني عن يحيى بن معين قال عندي سبعة عشر
حديثا في الرؤية صحاح (قوله باب ما جاء في قول الله تعالى ان رحمة الله قريب
من المحسنين) قال ابن بطال الرحمة تنقسم إلى صفة ذات والى صفة فعل وهنا يحتمل أن تكون
صفة ذات فيكون معناها إرادة إثابة الطائعين ويحتمل أن تكون صفة فعل فيكون
معناها أن فضل الله بسوق السحاب وانزال المطر قريب من المحسنين فكان ذلك رحمة لهم لكونه
بقدرته وارادته ونحو تسمية الجنة رحمة لكونها فعلا من أفعاله حادثة بقدرته وقال البيهقي
في كتاب الأسماء والصفات باب الأسماء التي تتبع اثبات التدبير لله دون من سواه فمن ذلك الرحمن
الرحيم قال الخطابي معنى الرحمن ذو الرحمة الشاملة التي وسعت الخلق في أرزاقهم وأسباب
معايشهم ومصالحهم قال والرحيم خاص بالمؤمنين كما قال سبحانه وكان بالمؤمنين رحيما وقال
365

غيره الرحمن خاص في التسمية عام في الفعل والرحيم عام في التسمية خاص في الفعل انتهى وقد
تقدم شئ من هذا في أوائل التوحيد في باب قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله
الأسماء الحسنى وتكلم أهل العربية على الحكمة في تذكير قريب مع أنه وصف الرحمة فقال
الفراء قريبة وبعيدة ان أريد بها النسب ثبوتا ونفيا فتؤنث جزما فتقول فلانة قريبة أو ليست
قريبة لي فان أريد المكان جاز الوجهان لان صفة المكان فتقول فلانة قريبة وقريب إذا كانت
في مكان غير بعيد ومنه قوله
عشية لا عفراء منك قريبة * فتدنو ولا عفراء منك بعيد
ومنه قول امرؤ القيس * له الويل ان أمسى ولا أم سالم * قريب البيت وأما قول بعضهم
سبيل المذكر والمؤنث أن يجريا على أفعالهما فمردود لأنه رد الجائز بالمشهور وقال تعالى وما
يدريك لعل الساعة تكون قريبا وقال أبو عبيدة قريب من قوله تعالى قريب من المحسنين ليس
وصفا للرحمة انما هو ظرف لها فجاز في التأنيث والتذكير ويصلح للجمع والمثنى والمفرد ولو أريد بها
الصفة لوجبت المطابقة وتعقبه الأخفش بأنها لو كانت ظرفا لنصبت وأجيب بأنه يتسع في
الظرف ووراء ذلك أجوبة أخرى متقاربة ويقال ان أقواها قول أبي عبيدة فقيل هي صفة
لموصوف محذوف أي شئ قريب وقيل لما كانت بمعنى الغفران أو العفو أو المطر أو الاحسان
حملت عليه وقيل الرحم بالضمة والرحمة بمعنى واحد فذكر باعتبار الرحم وقيل المعنى انها ذات
قرب كقولهم حائض لأنها ذات حيض وقيل هو مصدر جاء على فعيل كنقيق لصوت الضفدع
وقيل لما كان وزنه وزن المصدر نحو زفير وشهيق أعطى حكمة في استواء التذكير والتأنيث
وقيل أن الرحمة بمعنى مفعلة فتكون بمعنى مفعول وفعيل بمعنى مفعول كثير وقيل أعطى فعيل
بمعنى فاعل حكم فعيل بمعنى مفعول وقيل هو من التأنيث المجازي كطلع الشمس وبهذا جزم ابن
التين وتعقبوه بأن شرطه تقدم الفعل وهنا جاء الفعل متأخرا فلا يجوز الا في ضرورة الشعر
وأجيب بأن بعضهم حكى الجواز مطلقا والله أعلم ثم ذكر في الباب ثلاثة أحاديث * أحدها حديث
أسامة بن زيد وقد تقدم التنبيه عليه في أوائل كتاب التوحيد وقوله انما يرحم الله فيه اثبات
صفة الرحمة له وهو مقصود الترجمة * ثانيها حديث أبي هريرة اختصمت الجنة والنار ويعقوب
في سنده هو ابن إبراهيم بن سعد الذي تقدم في الحديث الخامس من الباب قبله والأعرج هو
عبد الرحمن بن هرمز وليس لصالح بن كيسان عنه في الصحيحين الا هذا الحديث (قوله اختصمت)
في رواية همام عن أبي هريرة المتقدمة في سورة ق تحاجت ولمسلم من طريق أبي الزناد عن
الأعرج احتجت وكذا له من طريق ابن سيرين عن أبي هريرة وكذا في حديث أبي سعيد عنده
قال الطيبي تحاجت أصله تحاججت وهو مفاعلة من الحجاج وهو الخصام وزنه ومعناه يقال
حاججته محاججة ومحاجة وحجاجا أي غالبته بالحجة ومنه فحج آدم موسى لكن حديث الباب لم يظهر
فيه غلبة واحد منهما (قلت) انما وزان فحج آدم موسى لو جاء تحاجت الجنة والنار فحاجت الجنة
النار والا فلا يلزم من وقوع الخصام الغلبة قال ابن بطال عن المهلب يجوز ان يكون هذا الخصام
حقيقة بأن يخلق الله فيهما حياة وفهما وكلاما والله قادر على كل شئ ويجوز ان يكون هذا مجازا
كقولهم * امتلا الحوض وقال قطني * والحوض لا يتكلم وانما ذلك عبارة عن امتلائه وانه
366

لو كان ممن ينطق لقال ذلك وكذا في قول النار هل من مزيد قال وحاصل اختصاصهما افتخار
أحدهما على الأخرى بمن يسكنها فتظن النار انها بمن ألقي فيها من عظماء الدنيا أبر عند الله من
الجنة وتظن الجنة أنها بمن أسكنها من أولياء الله تعالى أبر عند الله فأجيبتا بأنه لا فضل لاحداهما
على الأخرى من طريق من يسكنهما وفي كلاهما شائبة شكاية إلى ربهما إذ لم تذكر كل واحدة
منهما الا ما اختصت به وقد رد الله الامر في ذلك إلى مشيئته وقد تقدم كلام النووي في هذا في
تفسير ق وقال صاحب المفهم يجوز ان يخلق الله ذلك القول فيما شاء من أجزاء الجنة والنار لأنه
لا يشترط عقلا في الأصوات ان يكون محلها حيا على الراجح ولو سلمنا الشرط لجاز ان يخلق الله في
بعض أجزائهما الجمادية حياة لا سيما وقد قال بعض المفسرين في قوله تعالى وان الدار الآخرة
لهي الحيوان ان كل ما في الجنة حي ويحتمل ان يكون ذلك بلسان الحال والأول أولى (قوله فقالت
الجنة يا رب مالها) فيه التفات لان نسق الكلام ان تقول ما لي وقد وقع كذلك في رواية همام
ما لي وكذا المسلم عن أبي الزناد (قوله إلا ضعفاء الناس وسقطهم) زاد مسلم وعجزهم وفي رواية له
وغرثهم وقد تقدم بيان المراد بالضعفاء في تفسير ق وسقطهم بفتحتين جمع ساقط وهو النازل
القدر الذي لا يؤبه له وسقط المتاع رديئه وعجزهم بفتحتين أيضا جمع عاجز ضبطه عياض وتعقبه
القرطبي بأنه يلزم ان يكون بتاء التأنيث ككاتب وكتبه وسقوط التاء في هذا الجمع نادر قال
والصواب بضم أوله وتشديد الجيم مثل شاهد وشهد وأما غرثهم فهو بمعجمة ومثلثة جمع غرثان
أي جيعان ووقع في رواية الطبري بكسر أوله وتشديد الراء ثم مثناة أي غفلتهم والمراد به أهل
الايمان الذين لم يتفطنوا للشبه ولم توسوس لهم الشياطين بشئ من ذلك فهم أهل عقائد صحيحة
وايمان ثابت وهم الجمهور وأما أهل العلم والمعرفة فهم بالنسبة إليهم قليل (قوله وقالت النار (1)
فقال للجنة) كذا وقع هنا مختصرا قال ابن بطال سقط قول النار هنا من جميع النسخ وهو
محفوظ في الحديث رواه ابن وهب عن مالك بلفظ أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين (قلت) هو
في غرائب مالك للدارقطني وكذا هو عند مسلم من رواية ورقاء عن أبي الزناد وله من رواية سفيان
عن أبي الزناد يدخلني الجبارون والمتكبرون وفي رواية محمد بن سيرين عن أبي هريرة ما لي
لا يدخلني الا أخرجه النسائي وفي حديث أبي سعيد فقالت النار في أخرجه أبو يعلى وساق مسلم
سنده (قوله فقال الله تعالى للجنة أنت رحمتي) زاد أبو الزناد في روايته ارحم بك من أشاء من عبادي
وكذا لهمام (قوله وقال للنار أنت عذابي أصيب بك من أشاء) زاد أبو الزناد من عبادي (قوله
ملؤها) بكسر أوله وسكون اللام بعدها همزة (قوله فأما الجنة فان الله لا يظلم من خلقه أحدا
وانه ينشئ للنار من يشاء) قال أبو الحسن القابسي المعروف في هذا الموضع ان الله ينشئ للجنة
خلقا واما النار فيضع فيها قدمه قال ولا اعلم في شئ من الأحاديث أنه ينشئ للنار خلقا الا هذا
انتهى وقد مضى في تفسير سورة ق من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة يقال لجهنم هل
امتلأت وتقول هل من مزيد فيضع الرب عليها قدمه فتقول قط قط ومن طريق همام بلفظ
فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول قط قط فهناك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض ولا يظلم
الله من خلقه أحدا وتقدم هناك بيان اختلافهم في المراد بالقدم مستوفى وأجاب عياض
بأن أحد ما قيل في تأويل القدم انهم قوم تقدم في علم الله انه يخلقهم قال فهذا مطابق للانشاء
367

وذكر القدم بعد الانشاء يرجح أن يكونا متغايرين وعن المهلب قال في هذه الزيادة حجة لأهل
السنة في قولهم إن لله ان يعذب من لم يكلفه لعبادته في الدنيا لان كل شئ ملكه فلو عذبهم لكان
غير ظالم انتهى وأهل السنة انما تمسكوا في ذلك بقوله تعالى لا يسئل عما يفعل ويفعل ما يشاء
وغير ذلك وهو عندهم من جهة الجواز واما الوقوع ففيه نظر وليس في الحديث حجة للاختلاف
في لفظه ولقبوله التأويل وقد قال جماعة من الأئمة ان هذا الموضع مقلوب وجزم ابن القيم بأنه
غلط واحتج بأن الله تعالى أخبر بان جهنم تمتلئ من إبليس واتباعه وكذا أنكر الرواية شيخنا
البلقيني واحتج بقوله ولا يظلم ربك أحدا ثم قال وحمله على أحجار تلقى في النار أقرب من حمله على
ذي روح يعذب بغير ذنب انتهى ويمكن التزام ان يكونوا من ذوي الأرواح ولكن لا يعذبون كما
في الخزنة ويحتمل ان يراد بالانشاء ابتداء إدخال الكفار النار وعبر عن ابتداء الادخال بالانشاء
فهو إنشاء الادخال لا الانشاء بمعنى ابتداء الخلق بدليل قوله فيلقون فيها وتقول هل من مزيد
وأعادها ثلاث مرات ثم قال حتى يضع فيها قدمه فحينئذ تمتلئ فالذي يملؤها حتى تقول حسبي
هو القدم كما هو صريح الخبر وتأويل القدم قد تقدم والله أعلم وقد أيد ابن أبي جمرة حمله على غير
ظاهره بقوله تعالى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون إذ لو كان على ظاهره لكان أهل النار في
نعيم المشاهدة كما يتنعم أهل الجنة برؤية ربهم لان مشاهدة الحق لا يكون معها عذاب وقال
عياض يحتمل ان يكون معنى قوله عند ذكر الجنة فإن الله لا يظلم من خلقه أحدا انه يعذب من
يشاء غير ظالم له كما قال أعذب بك من أشاء ويحتمل ان يكون راجعا إلى تخاصم أهل الجنة والنار
فان الذي جعل لكل منهما عدل وحكمة وباستحقاق كل منهم من غير أن يظلم أحدا وقال غيره
يحتمل أن يكون ذلك على سبيل التلميح بقوله تعالى ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات انا لا نضيع
أجر من أحسن عملا فعبر عن ترك تضييع الاجر بترك الظلم والمراد أنه يدخل من أحسن الجنة التي
وعد المتقين برحمته وقد قال للجنة أنت رحمتي وقال إن رحمة الله قريب من المحسنين وبهذا
تظهر مناسبة الحديث للترجمة والعلم عند الله تعالى وفي الحديث دلالة على اتساع الجنة والنار
بحيث تسع كل من كان ومن يكون إلى يوم القيامة وتحتاج إلى زيادة وقد تقدم في آخر الرقاق
ان آخر من يدخل الجنة يعطى مثل الدنيا عشرة أمثالها وقال الداودي يؤخذ من الحديث أن
الأشياء توصف بغالبها لان الجنة قد يدخلها غير الضعفاء والنار قد يدخلها غير المتكبرين وفيه
رد على من حمل قول النار هل من مزيد على أنه استفهام إنكار وانها لا تحتاج إلى زيادة * الحديث
الثالث حديث أنس (قوله سفع) بفتح المهملة وسكون الفاء ثم مهملة هو أثر تغير البشرة فيبقى
فيها بعض سواد (قوله وقال همام حدثنا قتادة حدثنا أنس) تقدم موصولا في كتاب الرقاق مع
شرحه وأراد به هنا ان العنعنة التي في طريق هشام محمولة على السماع بدليل رواية همام والله أعلم
(قوله باب قول الله تعالى ان الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا) وقع لبعضهم
يمسك السماوات على أصبع وهو خطأ ذكر فيه حديث ابن مسعود قال المهلب الآية تقتضي
انهما ممسكتان بغير آلة والحديث يقتضي انهما ممسكتان بالإصبع والجواب ان الامساك بالإصبع
محال لأنه يفتقر إلى ممسك وأجاب غيره بأن الامساك في الآية يتعلق بالدنيا وفي الحديث بيوم
القيامة وقد مضى توجيه الإصبع من كلام أهل السنة مع شرحه في باب قوله لما خلقت بيدي
368

قال الراغب امساك الشئ التعلق به وحفظه ومن الثاني قوله تعالى ويمسك السماء أن تقع على
الأرض الآية ويقال أمسكت عن كذا امتنعت عنه ومنه هل هن ممسكات رحمته (قوله إن الله
يضع السماوات (2) على أصبع الحديث) ومضى هناك بلفظ ان الله يمسك وهو المطابق للترجمة لكن
جرى على عادته في الإشارة وذكر فيه من وجه آخر عن الأعمش وفيه تصريحه بسماعه له من
إبراهيم وهو النخعي وموسى شيخ البخاري فيه هو ابن إسماعيل كما جزم به أبو نعيم في المستخرج وقوله
جاء حبر بفتح المهملة ويجوز كسرها بعدها موحدة ساكنة ثم راء واحد الأحبار وذكر صاحب
المشارق انه وقع في بعض الروايات جاء جبريل قال وهو تصحيف فاحش وهو كما قال فقد مضى في
الباب المشار إليه جاء رجل وفي الرواية التي قبلها أن يهوديا جاء ولمسلم جاء حبر من اليهود فعرف
ان من قال جبريل فقد صحف (قوله باب ما جاء في تخليق السماوات والأرض وغيرها
من الخلائق) كذا للأكثر تخليق وفي رواية الكشمهيني خلق السماوات وعليها شرح ابن بطال
وهو المطابق للآية وأما التخليق فإنه من خلق بالتشديد وقد استعمل في مثل قوله تعالى مخلقة
وغير مخلقة وتقدمت الإشارة إلى تفسيره في كتاب الحيض (قوله وهو فعل الرب وأمره) المراد
بالامر هنا قوله كن والامر يطلق بإزاء معان منها صيغة افعل ومنها الصفة والشأن والأول المراد
هنا (قوله فالرب بصفاته وفعله وأمره) كذا ثبت للجميع وزاد أبو ذر في روايته وكلامه (قوله هو
الخالق المكون غير مخلوق المكون بتشديد الواو المكسورة لم يرد في الأسماء الحسنى ولكن
ورد معناه وهو المصور وقوله وكلامه بعد قوله وأمره من عطف الخاص على العام لان المراد
بالامر هنا قوله كن وهو من جملة كلامه وسقط قوله من هذا الموضع وفعله في بعض النسخ قال
الكرماني وهو أولى ليصح لفظ غير مخلوق كذا قال وسياق المصنف يقتضي التفرقة بين الفعل
وما ينشأ عن الفعل فالأول من صفة الفاعل والباري غير مخلوق فصفاته غير مخلوقة وأما مفعوله
وهو ما ينشأ عن فعله فهو مخلوق ومن ثم عقبه بقوله وما كان بفعله وأمره وتخليقه وتكوينه
فهو مفعول مخلوق مكون بفتح الواو والمراد بالامر هنا المأمور به وهو المراد بقوله تعالى وكان أمر
الله مفعولا وبقوله تعالى والله غالب على امره ان قلنا الضمير لله وبقوله تعالى لعل الله يحدث
بعد ذلك أمرا وبقوله تعالى قل الروح من أمر ربي وفي الحديث الصحيح أن الله يحدث من أمره
ما شاء وفيه سبوح قدوس رب الملائكة والروح وأما قوله تعالى الا له الخلق والامر فسيأتي
في أواخر كتاب التوحيد احتجاج ابن عيينة وغيره به على أن القرآن غير مخلوق لان المراد بالامر
قوله تعالى كن وقد عطف على الخلق والعطف يقتضي المغايرة وكن من كلامه فصح الاستدلال
ووهم من ظن أن المراد بالامر هنا هو المراد بقوله تعالى وكان أمر الله مفعولا لان المراد به في هذه
الآية المأمور فهو الذي يوجد بكن وكن صيغة الامر وهي من كلام الله وهو غير مخلوق والذي
يوجد بها هو المخلوق وأطلق عليه الامر لأنه نشأ عنه ثم وجدت بيان مراده في كتابه الذي أفرده
في خلق أفعال العباد فقال اختلف الناس في الفاعل والفعل والمفعول فقالت القدرية
الأفاعيل كلها من البشر وقالت الجبرية الأفاعيل كلها من الله وقالت الجهمية الفعل
والمفعول واحد ولذلك قالوا كن مخلوق وقال السلف التخليق فعل الله وأفاعيلنا مخلوقة
ففعل الله صفة الله والمفعول من سواه من المخلوقات انتهى ومسألة التكوين مشهورة بين
369

المتكلمين وأصلها أنهم اختلفوا هل صفة الفعل قديمة أو حادثة فقال جمع من السلف منهم أبو
حنيفة هي قديمة وقال آخرون منهم ابن كلاب والأشعري هي حادثة لئلا يلزم ان يكون المخلوق
قديما وأجاب الأول بأنه يوجد في الأزل صفة الخلق ولا مخلوق وأجاب الأشعري بأنه لا يكون
خلق ولا مخلوق كما لا يكون ضارب ولا مضروب فألزموه بحدوث صفات فيلزم حلول الحوادث
بالله فأجاب بأن هذه الصفات لا تحدث في الذات شيئا جديدا فتعقبوه بأنه يلزم ان لا يسمى في
الأزل خالقا ولا رازقا وكلام الله قديم وقد ثبت انه فيه الخالق الرازق فانفصل بعض الأشعرية بأن
إطلاق ذلك انما هو بطريق المجاز وليس المراد بعدم التسمية عدمها بطريق الحقيقة ولم يرتض
هذا بعضهم بل قال وهو المنقول عن الأشعري نفسه ان الأسامي جارية مجرى الاعلام والعلم ليس
بحقيقة ولا مجاز في اللغة واما في الشرع فلفظ الخالق الرازق صادق عليه تعالى بالحقيقة
الشرعية والبحث انما هو فيها لا في الحقيقة اللغوية فالزموه بتجويز إطلاق اسم الفاعل على
من لم يقم به الفعل فأجاب ان الاطلاق هنا شرعي لا لغوي انتهى وتصرف البخاري في هذا
الموضع يقتضي موافقة القول الأول والصائر إليه يسلم من الوقوع في مسألة حوادث لا أول
لها وبالله التوفيق واما ابن بطال فقال عرضه بيان أن جميع السماوات والأرض وما بينهما مخلوق
لقيام دلائل الحدث عليها ولقيام البرهان على أنه لا خالق غير الله وبطلان قول من يقول إن
الطبائع خالقة أو الأفلاك أو النور أو الظلمة أو العرش فلما فسدت جميع هذه المقالات لقيام
الدليل على حدوث ذلك كله وافتقاره إلى محدث لاستحالة وجود محدث لا محدث له وكتاب الله
شاهد بذلك كآية الباب استدل بآيات السماوات والأرض على وحدانيته وقدرته وأنه الخلاق
العظيم وأنه خلاق سائر المخلوقات لانتفاء الحوادث عنه الدالة على حدوث من يقوم به وان ذاته
وصفاته غير مخلوقة والقرآن صفة له فهو غير مخلوق ولزم من ذلك أن كلما سواه كان عن أمره وفعله
وتكوينه وكل ذلك مخلوق له انتهى ولم يعرج على ما أشار إليه البخاري فلله الحمد على ما أنعم (قوله
في الحديث فلما كان ثلث الليل الأخير أو بعضه) في رواية الكشميهني أو نصفه بنون ومهملة وفاء
وقد تقدم في تفسير آل عمران بهذا السند والمتن لكن لم يذكر فيه هذه اللفظة (قوله
باب قوله تعالى ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين) ذكر فيه ستة أحاديث * أولها حديث
أبي هريرة ان رحمتي سبقت غضبي وقد تقدم شرحه في باب قوله تعالى ويحذركم الله نفسه وأشار به
إلى ترجيح القول بأن الرحمة من صفات الذات لكون الكلمة من صفات الذات فمهما استشكل
في إطلاق السبق في صفة الرحمة جاء مثله في صفة الكلمة ومهما أجيب به عن قوله سبقت كلمتنا
حصل به الجواب عن قوله سبقت رحمتي وقد غفل عن مراده من قال دل وصف الرحمة بالسبق
على انها من صفات الفعل وقد سبق في شرح الحديث قول من قال المراد بالرحمة إرادة إيصال
الثواب وبالغضب إرادة إيصال العقوبة فالسبق حينئذ بين متعلقي الإرادة فلا اشكال وقوله
في أول الحديث لما قضى الله الخلق أي خلقهم وكل صنعة محكمة متقنة فهي قضاء ومنه قوله تعالى
إذا قضى أمرا * الحديث الثاني حديث ابن مسعود حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
370

الصادق المصدوق وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب القدر والمراد منه هنا قوله فيسبق عليه
الكتاب وفيه من البحث ما تقدم في الذي قبله ونقل ابن التين عن الداودي أنه قال في هذا
الحديث رد على من قال إن الله لم يزل متكلما بجميع كلامه لقوله فيؤمر بأربع كلمات لان
الامر بالكلمات انما يقع عند التخليق وكذا قوله ثم ينفخ فيه الروح وهو انما يقع بقوله كن
وهو من كلامه سبحانه وقال ويرد قول من قال إنه لو شاء لعذب أهل الطاعة ووجه الرد انه ليس من
صفة الحكيم ان يتبدل علمه وقد علم في الأزل من يرحم ومن يعذب وتعقبه ابن التين بأنهما كلام
أهل السنة ولن يحتج لهم ووجه الرد على ما ادعاه الداودي أما الأول فالآمر انما هو الملك ويحمل
على أنه يتلقاه من اللوح المحفوظ واما الثاني فالمراد لو قدر ذلك في الأزل لوقع فلا يلزم ما قال
* الحديث الثالث حديث ابن عباس في نزول قوله تعالى وما نتنزل الا بأمر ربك وقد تقدم شرحه
في تفسير سورة مريم وزاد هنا قال كان هذا الجواب لمحمد وللكشميهني هذا كان الجواب لمحمد
والامر في قوله هنا بأمر ربك بمعنى الاذن أي ما نتنزل إلى الأرض الا بإذنه ويحتمل ان يكون
المراد بالامر الوحي والباء للمصاحبة ويجئ في قول جبريل عليه السلام بأمر ربك البحث الذي
تقدم قبله عن الداودي وجوابه * الحديث الرابع حديث ابن مسعود في نزول قوله تعالى
ويسألونك عن الروح ويحيي شيخه فيه هو ابن جعفر وقد تقدم شرحه في التفسير ويأتي شئ
منه في الباب الذي بعده وقوله فظننت أنه يوحي إليه يأتي في الذي بعده بلفظ فعلمت فقيل أطلق
العلم وأراد الظن وقيل بالعكس وقيل ظن أولا ثم تحقق آخرا فاطلاق الظن باعتبار أول ما رآه
وإطلاق العلم باعتبار آخر الحال * الحديث الخامس حديث أبي هريرة تكفل الله لمن جاهد في
سبيله والمراد منه هنا قوله وتصديق كلماته أي الواردة القرآن بالحث على الجهاد وما وعد فيه من
الثواب وشيخه إسماعيل فيه هو ابن أبي أويس وتقدم بهذا السند في فرض الخمس وتقدم شرحه
في كتاب الجهاد وستأتى الإشارة إليه أيضا بعد باب * الحديث السادس حديث أبي موسى من
قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله وقد تقدم شرحه في الجهاد والمراد هنا بقوله كلمة
الله هي العليا كلمة التوحيد أي كلمة توحيد الله وهي المراد بقوله تعالى قل تعالوا إلى كلمة سواء بيننا
وبينكم الآية ويحتمل ان يكون المراد بالكلمة القضية قال الراغب كل قضية تسمى كلمة سواء
كانت قولا أو فعلا والمراد هنا حكمه وشرعه (قوله باب قول الله تعالى انما أمرنا
لشئ إذا أردناه) زاد غير أبي ذر ان نقول له كن فيكون ونقص إذا أردناه من رواية أبي زيد المروزي
قال عياض كذا وقع لجميع الرواة عن الفربري من طريق أبي ذر والأصيلي والقابسي وغيرهم
وكذا وقع في رواية النسفي وصواب التلاوة انما قولنا وكأنه أراد ان يترجم بالآية الأخرى وما
أمرنا الا واحدة كلمح بالبصر وسبق القلم إلى هذه (قلت) وقع في نسخة معتمدة من رواية أبي ذر
انما قولنا على وفق التلاوة وعليها شرح ابن التين فإن لم يكن من إصلاح من تأخر عنه والا فالقول
ما قاله القاضي عياض قال ابن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية حدثنا أبي قال قال أحمد بن
حنبل دل على أن القرآن غير مخلوق حديث عبادة أول ما خلق الله القلم فقال اكتب الحديث قال
371

وانما نطق القلم بكلامه لقوله انما قولنا لشئ إذا أردناه ان نقول له كن فيكون قال فكلام الله
سابق على أول خلقه فهو غير مخلوق وعن الربيع بن سليمان سمعت البويطي يقول خلق الله
الخلق كله بقوله كن فلو كان كن مخلوقا لكان قد خلق الخلق بمخلوق وليس كذلك ثم ذكر فيه
خمسة أحاديث * الأول حديث المغيرة وقوله فيه عن إسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس هو ابن أبي
حازم والغرض منه ومن الذي بعده قوله حتى يأتيهم أمر الله وقد تقدم بيان المراد به عند شرحه
في كتاب الاعتصام وقال ابن بطال المراد بأمر الله في هذا الحديث الساعة والصواب أمر الله
بقيام الساعة فيرجع إلى حكمه وقضائه * الثاني والثالث حديث معاوية في ذلك وفيه رواية
مالك بن يخامر بضم التحتانية وتخفيف الخاء المعجمة وكسر الميم عن معاذ وهم بالشام وذكر معاوية
عنه ذلك وقوله فيه ولا من خذلهم وقع في رواية الأصيلي حذاهم بكسر المهملة ثم دال معجمة
بعدها الف لينة قال ولها وجه يعنى من جاورهم ممن لا يوافقهم قال ولكن الصواب بفتح الخاء
المعجمة وباللام من الخذلان وابن جابر المذكور فيه هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر نسب لجده
* الحديث الرابع حديث ابن عباس في شأن مسيلمة ذكر منه طرفا وقد تقدم بتمامه في أواخر
المغازي مع شرحه والغرض منه قوله ولن يعدوا أمر الله فيك أي ما قدره عليك من الشقاء
أو السعادة * الحديث الخامس حديث ابن مسعود في سؤال اليهود عن الروح وقوله قل
الروح من أمر ربي تمسك به من زعم أن الروح قديمة زعما ان المراد بالامر هنا الامر الذي في قوله
تعالى الا له الخلق والامر وهو فاسد فان الامر ورد في القرآن لمعان يتبين المراد بكل منها من سياق
الكلام وسيأتى في باب والله خلقكم وما تعملون ما يتعلق بالامر الذي في قوله تعالى الا له الخلق
والامر وانه بمعنى الطلب الذي هو أحد أنواع الكلام واما الامر في حديث ابن مسعود هذا فان
المراد به المأمور كما يقال الخلق ويراد به المخلوق وقد وقع التصريح في بعض طرق الحديث ففي
تفسير السدي عن أبي مالك عن ابن عباس وعن غيره في قوله تعالى قل الروح من أمر ربي يقول
هو خلق من خلق الله ليس هو شئ من أمر الله وقد اختلف في المراد بالروح المسؤول عنها
هل هي الروح التي تقوم بها الحياة أو الروح المذكور في قوله تعالى يوم يقوم الروح والملائكة
صفا وفي قوله تعالى تنزل الملائكة والروح فيها وتمسك من قال بالثاني بأن السؤال انما يقع
في العادة عما لا يعرف الا بالوحي والروح التي بها الحياة قد تكلم الناس فيه قديما وحديثا بخلاف
الروح المذكور فان أكثر الناس لا علم لهم به بل هي من علم الغيب بخلاف الأولى وقد اطلق
الله لفظ الروح على الوحي في قوله تعالى وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا وفي قوله يلقي
الروح من امره على من يشاء وعلى القوة والثبات والنصر في قوله تعالى وأيدهم بروح منه
وعلى جبريل في عدة آيات وعلى عيسى بن مريم ولم يقع في القرآن تسمية روح بني آدم روحا بل
سماها نفسا في قوله النفس المطمئنة والنفس الامارة بالسوء والنفس اللوامة وأخرجوا
أنفسكم ونفس وما سواها كل نفس ذائقة الموت وتمسك من زعم بأنها قديمه بإضافتها إلى الله
تعالى في قوله تعالى ونفخت فيه من روحي ولا حجة فيه لان الإضافة تقع على صفه تقوم بالموصوف
372

كالعلم والقدرة وعلى ما ينفصل عنه كبيت الله وناقة الله فقوله روح الله من هذا القبيل الثاني
وهي إضافة تخصيص وتشريف وهي فوق الإضافة العامة التي بمعنى الايجاد فالإضافة على
ثلاث مراتب إضافة ايجاد وإضافة تشريف وإضافة صفة والذي يدل على أن الروح مخلوقة
عموم قوله تعالى الله خالق كل شئ وهو رب كل شئ ربكم ورب آبائكم الأولين والأرواح مربوبة
وكل مربوب مخلوق رب العالمين وقوله تعالى لزكريا وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا وهذا الخطاب
لجسده وروحه معا ومنه قوله هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا وقوله
تعالى ولقد خلقناكم ثم صورناكم سواء قلنا إن قوله خلقنا يتناول الأرواح والاجساد معا
أو الأرواح فقط ومن الأحاديث الصحيحة حديث عمران بن حصين كان الله ولم يكن شئ غيره
وقد تقدم التنبيه عليه في كتاب بدء الخلق وقد وقع الاتفاق على أن الملائكة مخلوقون وهم
أرواح وحديث الأرواح جنود مجندة والجنود المجندة لا تكون الا مخلوقة وقد تقدم هذا
الحديث وشرحه في كتاب الأدب وحديثه أبي قتادة ان بلالا قال لما ناموا في الوادي يا رسول الله
اخذ بنفسي الذي اخذ بنفسك والمراد بالنفس الروح قطعا لقوله صلى الله عليه وسلم في هذا
الحديث ان الله قبض أرواحكم حين شاء الحديث كما في قوله تعالى الله يتوفى الأنفس حين موتها
الآية وقد تقدم الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في سورة سبحان وقوله في آخره وما أوتوا
من العلم الا قليلا كذا للأكثر ووقع في رواية الكشميهني وما أوتيتم على وفق القراءة المشهورة
ويؤيد الأول قوله في بقيته قال الأعمش هكذا في قراءتنا قال ابن بطال غرضه الرد على المعتزلة
في زعمهم ان أمر الله مخلوق فتبين ان الامر هو قوله تعالى للشئ كن فيكون بأمره له وان امره
وقوله بمعنى واحد وأنه يقول كن حقيقة وان الامر غير الخلق لعطفه عليه بالواو انتهى وسيأتي
مزيد لهذا في باب والله خلقكم وما تعملون (قوله باب قول الله تعالى قل لو كان
البحر مدادا لكلمات ربي إلى قوله جئنا بمثله مددا) في رواية أبي زيد المروزي إلى آخر الآية
وساق في رواية كريمة الآية كلها (قوله وقوله ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده
من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله) جاء في سبب نزولها ما أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح
عن ابن عباس في قصة سؤال اليهود عن الروح ونزول قوله تعالى قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم
من العلم الا قليلا قالوا كيف وقد أوتينا التوراة فنزلت قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي الآية
فأخرج عبد الرزاق في تفسيره من طريق أبي الجوزاء قال لو كان كل شجرة في الأرض أقلاما
والبحر مدادا لنفد الماء وتكسرت الأقلام قبل أن تنفد كلمات الله وعن معمر عن قتادة ان
المشركين قالوا في هذا القرآن يوشك ان ينفد فنزلت وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن أبي
عروبة عن قتادة نحوه وفيه فأنزل الله لو كان شجر الأرض أقلاما ومع البحر سبعة أبحر مدادا
لتكسرت الأقلام ونفد ماء البحار قبل أن تنفد قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي سمعت بعض أهل
العلم يقول قول الله عز وجل انا كل شئ خلقناه بقدر وقوله قل لو كان البحر مدادا لكلمات
ربي لنفد البحر الآية يدل على أن القرآن غير مخلوق لأنه لو كان مخلوقا لكان له قدر وكانت له عناية
ولنفد كنفاد المخلوقين وتلا قوله تعالى قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي إلى آخر الآية (قوله إن
ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار
373

سخر ذلل) كذا لأبي ذر عن المستملي وحده وفي رواية أبي زيد المروزي وقوله إن ربكم الله وساق
إلى أن قال بعد قوله على العرش إلى قوله تبارك الله رب العالمين وساق في رواية كريمة الآية
كلها وذكر فيه حديث أبي هريرة المشار إليه قريبا تكفل الله لمن جاهد في سبيله والمراد منه
قوله وتصديق كلمته ووقع في نسخة من طريق أبي ذر وكلمات بصيغة الجمع قال ابن التين يحتمل
ان يكون المراد بكلماته الأوامر الواردة بالجهاد وما وعد عليه من الثواب ويحتمل ان يراد بها
ألفاظ الشهادتين وأن تصديقه بها يثبت في نفسه عداوة من كذبهما والحرص على قتله وقوله
خلق السماوات والأرض في ستة أيام تقدم بيان السنة في الكلام على حديث ابن عباس في
تفسير حم فصلت وقوله يغشي الليل النهار أي ويغشي النهار الليل فحذف لدلالة السياق
عليه وهو قوله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل والغرض من الآية قوله الا له الخلق
والامر وسيأتي بسط القول فيه في أواخر هذا الكتاب في باب والله خلقكم وما تعملون إن شاء الله
تعالى وحذف ابن بطال هذ الباب وما فيه (قوله باب في المشيئة والإرادة) قال
الراغب المشيئة عند الأكثر كالإرادة سواء وعند بعضهم ان المشيئة في الأصل ايجاد الشئ
واصابته فمن الله الايجاد ومن الناس الإصابة وفي العرف تستعمل موضع الإرادة (قوله وقول
الله تعالى تؤتي الملك من تشاء وقوله وما تشاؤن الا ان يشاء الله وقوله ولا تقولن لشئ اني فاعل
ذلك غدا الا ان يشاء الله وقوله انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) قال
البيهقي بعد أن ساق بسنده إلى الربيع بن سليمان قال الشافعي المشيئة إرادة الله وقد اعلم الله
خلقه ان المشيئة له دونهم فقال وما تشاؤن الا ان يشاء الله فليست للخلق مشيئة الا ان يشاء الله
وبه إلى الربيع قال سئل الشافعي عن القدر فقال
ما شئت كان وان لم أشأ * وما شئت ان لم تشأ لم يكن
الأبيات ثم ساق مما تكرر من ذكر المشيئة في الكتاب العزيز أكثر من أربعين موضعا منها غير
ما ذكر في الترجمة قوله تعالى في البقرة ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم وقوله يختص برحمته
من يشاء وقوله ولو شاء الله لأعنتكم وقوله وعلمه مما يشاء وقوله في آل عمران قل ان الفضل
بيد الله يؤتيه من يشاء وقوله يجتبي من رسله من يشاء وقوله في النساء ان الله لا يغفر ان يشرك
به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء واما قوله في الانعام سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا
آباؤنا الآية فقد تمسك بها المعتزلة وقالوا ان فيها ردا على أهل السنة والجواب ان أهل السنة
تمسكوا بأصل قامت عليه البراهين وهو ان الله خالق كل مخلوق ويستحيل ان يخلق المخلوق شيئا
والإرادة شرط في الخلق ويستحيل ثبوت المشروط بدون شرطه فلما عاند المشركون المعقول
وكذبوا المنقول الذي جاءتهم به الرسل وألزموا الحجة بذلك تمسكوا بالمشيئة والقدر السابق وهي حجة
مردودة لان القدر لا تبطل به الشريعة وجريان الاحكام على العباد بأكسابهم فمن قدر عليه
بالمعصية كان ذلك علامة على أنه قدر عليه العقاب الا ان يشاء أن يغفر له من غير المشركين ومن
قدر عليه بالطاعة كان ذلك علامة على أنه قدر عليه بالثواب وحرف المسئلة ان المعتزلة قاسوا
الخالق على المخلوق وهو باطل لان المخلوق لو عاقب من يطيعه من اتباعه عد ظالما لكونه ليس مالكا له
بالحقيقة والخالق لو عذب من يطيعه لم يعد ظالما لان الجميع ملكه فله الامر كله يفعل ما يشاء
374

ولا يسئل عما يفعل وقال الراغب يدل على أن الأمور كلها موقوفة على مشيئة الله وان أفعال
العباد متعلقة بها وموقوفة عليها ما اجتمع الناس على تعليق الاستثناء به في جميع الأفعال
وأخرج أبو نعيم في الحلية في ترجمة الزهري من طريق ابن أخي الزهري عن عمه قال كان عمر بن
الخطاب يأمر برواية قصيدة لبيد التي يقول فيها
ان تقوى ربنا خير نفل * وباذن الله ريثى وعجل
احمد الله فلا ند له * بيديه الخير ما شاء فعل
من هداه سبل الخير اهتدى * ناعم البال ومن شاء أضل
وحرف النزاع بين المعتزلة وأهل السنة ان الإرادة عند أهل السنة تابعة للعلم وعندهم تابعة
للامر ويدل لأهل السنة قوله تعالى يريد الله أن لا يجعل لهم حظا في الآخرة وقال ابن بطال
غرض البخاري اثبات المشيئة والإرادة وهما بمعنى واحد وارادته صفة من صفات ذاته وزعم
المعتزلة أنها صفة من صفات فعله وهو فاسد لان ارادته لو كانت محدثة لم يخل ان يحدثها في نفسه
أو في غيره أو في كل منهما أو لا في شئ منهما والثاني والثالث محال لأنه ليس محلا للحوادث والثاني
فاسد أيضا لأنه يلزم ان يكون الغير مريدا لها وبطل ان يكون الباري مريدا إذ المريد من صدرت
منه الإرادة وهو الغير كما بطل ان يكون عالما إذا أحدث العلم في غيره وحقيقة المريد أن تكون
الإرادة منه دون غيره والرابع باطل لأنه يستلزم قيامها بنفسها وإذا فسدت هذه الأقسام صح
انه مريد بإرادة قديمة هي صفة قائمة بذاته ويكون تعلقها بما يصح كونه مرادا فما وقع بإرادته قال
وهذه المسئلة مبنية على القول بأنه سبحانه خالق أفعال العباد وانهم لا يفعلون الا ما يشاء وقد دل
على ذلك قوله وما تشاءون الا ان يشاء الله وغيرها من الآيات وقال ولو شاء الله ما اقتتلوا ثم اكد
ذلك بقوله تعالى ولكن الله يفعل ما يريد فدل على أنه فعل اقتتالهم الواقع منهم لكونه مريدا له
وإذا كان هو الفاعل لاقتتالهم فهو المريد لمشيئتهم والفاعل فثبت بهذه الآية ان كسب العباد
انما هو بمشيئة الله وارادته ولو لم يرد وقوعه ما وقع وقال بعضهم الإرادة على قسمين إرادة أمر
وتشريع وإرادة قضاء وتقدير فالأولى تتعلق بالطاعة والمعصية سواء وقعت أم لا والثانية شاملة
لجميع الكائنات محيطة بجميع الحادثات طاعة ومعصية والى الأول الإشارة بقوله تعالى يريد
الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر والى الثاني الإشارة بقوله تعالى فمن يرد الله ان يهديه يشرح
صدره للاسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا وفرق بعضهم بين الإرادة والرضا فقالوا
يريد وقوع المعصية ولا يرضاها لقوله تعالى ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها الآية وقوله ولا
يرضى لعباده الكفر وتمسكوا أيضا بقوله ولا يرضى لعباده الكفر وأجاب أهل السنة بما أخرجه
الطبري وغيره بسند رجاله ثقات عن ابن عباس في قوله تعالى ان تكفروا فان الله غني عنكم
ولا يرضى لعباده الكفر يعني بعباده الكفار الذين أراد الله ان يطهر قلوبهم بقولهم لا إله إلا الله
فأراد عباده المخلصين الذين قال فيهم ان عبادي ليس لك عليهم سلطان فحبب إليهم الايمان
وألزمهم كلمة التقوى شهادة ان لا إله إلا الله وقالت المعتزلة في قوله تعالى وما تشاؤون الا أن
يشاء الله معناه وما تشاؤن الطاعة الا ان يشاء الله قسركم عليها وتعقب بأنه لو كان كذلك لما
قال الا ان يشاء في موضع ما شاء لان حرف الشرط للاستقبال وصرف المشيئة إلى القسر تحريف
375

لا اشعار للآية بشئ منه وانما المذكور في الآية مشيئة الاستقامة كسبا وهو المطلوب من
العباد وقالوا في قوله تعالى تؤتي الملك من تشاء أي يعطي من اقتضته الحكمة الملك يريدون ان
الحكمة تقتضي رعاية المصلحة ويدعون وجوب ذلك على الله تعالى الله عن قولهم وظاهر الآية
ان يعطي الملك من يشاء سواء كان متصفا بصفات من يصلح للملك أم لا من غير رعاية استحقاق
ولا وجوب ولا أصلح بل يؤتي الملك من يكفر به ويكفر نعمته حتى يهلكه ككثير من الكفار مثل
نمرود والفراعنة ويؤته إذا شاء من يؤمن به ويدعو إلى دينه ويرحم به الخلق مثل يوسف وداود
وسليمان وحكمته في كلا الامرين علمه واحكامه بإرادته تخصيص مقدوراته (قوله إنك لا تهدي
من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء قال سعيد بن المسيب عن أبيه نزلت في أبي طالب) تقدم
موصولا بتمامه في تفسير سورة القصص وتقدم هناك شرحه مستوفى وبعضه في الجنائز وقالت
المعتزلة في هذه الآية معنى لا تهدي من أحببت لأنك لا تعلم المطبوع على قلبه فيقرن به اللطف
حتى يدعوه إلى القبول والله أعلم بالمهتدين القابلين لذلك وتعقب بان اللطف الذي يستندون
إليه لا دليل عليه ومرادهم بمن يقبل ممن لا يقبل من يقع ذلك منه لذاته لا بحكم الله وانما المراد
بقوله تعالى وهو أعلم بالمهتدين أي الذين خصصهم بذلك في الأزل (قوله يريد الله بكم اليسر
ولا يريد بكم العسر) هذه الآية مما تمسك بها المعتزلة لقولهم فقالوا هذا يدل على أنه لا يريد المعصية
وتعقب بأن معنى إرادة اليسر التخيير بين الصوم في السفر ومع المرض والافطار بشرطه وإرادة
العسر المنفية الالزام بالصوم في السفر في جميع الحالات فالالزام هو الذي لا يقع لأنه لا يريده
وبهذا تظهر الحكمة في تأخيرها عن الحديث المذكور والفصل بين آيات المشيئة وآيات الإرادة
وقد تكرر ذكر الإرادة في القرآن في مواضع كثيرة أيضا وقد اتفق أهل السنة على أنه لا يقع الا
ما يريده الله تعالى وانه مريد لجميع الكائنات وان لم يكن آمرا بها وقالت المعتزلة لا يريد الشر لأنه
لو أراده لطلبه وزعموا أن الامر نفس الإرادة وشنعوا على أهل السنة أنه يلزمهم ان يقولوا ان
الفحشاء مرادة لله وينبغي ان ينزه عنها وانفصل أهل السنة عن ذلك بأن الله تعالى قد يريد الشئ
ليعاقب عليه ولثبوت انه خلق النار وخلق لها أهلا وخلق الجنة وخلق لها أهلا وألزموا المعتزلة
بأنهم جعلوا انه يقع في ملكه ما لا يريد ويقال ان بعض أئمة السنة أحضر للمناظرة مع بعض أئمة
المعتزلة فلما جلس المعتزلي قال سبحان من تنزه عن الفحشاء فقال السني سبحان من لا يقع في
ملكه الا ما يشاء فقال المعتزلي أيشاء ربنا أن يعصي فقال السني أفيعصى ربنا قهرا فقال المعتزلي
أرأيت أن منعني الهدى وقضى علي بالردى أحسن إلى أو أساء فقال السني إن كان منعك ما هو
لك فقد أساء وإن كان منعك ما هو له فإنه يختص برحمته من يشاء فانقطع ثم ذكر البخاري بعد
الحديث المعلق فيه سبعة عشر حديثا فيها كلها ذكر المشيئة وتقدمت كلها في أبواب متفرقة
كما سأبينه * الحديث الأول حديث أنس إذا دعوتم الله فاعزموا في الدعاء أي اجزموا ولا ترددوا
من عزمت على شئ إذا صممت على فعله وقيل عزم المسئلة الجزم بها من غير ضعف في الطلب
وقيل هو حسن الظن بالله في الإجابة والحكمة فيه أن في التعليق صورة الاستغناء عن المطلوب
منه وعن المطلوب وقوله لا مستكره له أي لان التعليق يوهم إمكان اعطائه على غير المشيئة
وليس بعد المشيئة الا الاكراه والله لا مكره له وقد تقدم شرحه في كتاب الدعوات * الحديث الثاني
حديث على وقد تقدم شرحه في كتاب التهجد وموضع الدلالة منه قول علي انما أنفسنا بيد الله
376

فإذا شاء ان يبعثنا بعثنا وأقره صلى الله عليه وسلم على ذلك وقوله فقال لهم وكذا قول علي يبعثنا
إشارة إلى نفسه والى من عنده وقوله فيه حدثنا إسماعيل هو ابن أبي أويس وأخوه عبد الحميد هو
أبو بكر مشهور بكنيته أكثر من اسمه وسليمان هو ابن بلال وقد سمع إسماعيل بن سليمان بلا
واسطة كما تقدم في عدة مواضع * الحديث الثالث حديث أبي هريرة مثل المؤمن كمثل خامة
الزرع وقد تقدم شرحه في الرقاق والمراد منه قوله في آخره يقصمها الله إذا شاء أي في الوقت الذي
سبقت ارادته أن يقصمه فيه * الحديث الرابع حديث ابن عمر انما بقاؤكم فيما سلف من قبلكم
من الأمم بطوله وقد تقدم شرحه في الصلاة وذكره لقوله في آخره ذلك فضلي أوتيه من أشاء
وللإشارة بقوله ذلك إلى جميع الثواب لا إلى القدر الذي يقابل العمل كما يزعم أهل الاعتزال
* الحديث الخامس حديث عبادة بن الصامت في المبايعة وقد تقدم شرحه في كتاب الايمان أوائل
الكتاب والمراد منه هنا قوله ومن ستره الله فذلك إلى الله ان شاء عذبه وان شاء غفر له * الحديث
السادس حديث أبي هريرة في قول سليمان عليه السلام لأطوفن الليلة على نسائي وقد تقدم
شرحه في أحاديث الأنبياء وبيان الاختلاف في عدد نسائه وذكره هنا بلفظ لو كان سليمان
استثنى لحملت كل امرأة منهن أي لو قال إن شاء الله كما في الرواية الأخرى وإطلاق الاستثناء على
قول إن شاء الله بحسب اللغة * الحديث السابع حديث ابن عباس في الأعرابي الذي قال بل هي
حمى تفور وقد تقدم شرحه في الطب وذكره لقوله طهور إن شاء الله * الحديث الثامن حديث
أبي قتادة حين ناموا عن الصلاة ان الله قبض أرواحكم حين شاء وردها حين شاء ذكره هنا
مختصرا وتقدم بأتم منه في باب الاذان بعد ذهاب الوقت من كتاب الصلاة * الحديث التاسع
حديث أبي هريرة في قصة المسلم الذي لطم اليهودي أورده من وجهين وذكره لقوله فيه أو كان
377

ممن استثنى الله وأشار بذلك إلى قوله تعالى فصعق من في السماوات ومن في الأرض الا من شاء الله
وقد تقدم * الحديث العاشر حديث أنس في المدينة وفيه ولا الطاعون إن شاء الله وقد تقدم
شرحه في كتاب الفتن وشيخه إسحاق بن أبي عيسى ليس له الا هذه الرواية * الحديث الحادي عشر
حديث أبي هريرة لكل نبي دعوة وقد تقدم شرحه في أوائل كتاب الدعوات * الحديث الثاني
عشر حديثه بينا أنا نائم رأيتني على قليب فنزعت ما شاء الله الحديث وقد تقدم شرحه في
مناقب عمر وفي الفتن ويسرة شيخه بفتح التحتانية والمهملة بوزن بشرة بموحدة ومعجمة وقوله في
السند حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري خالفه يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه فقال عن
صالح بن كيسان عن الزهري زاد بين إبراهيم والزهري صالحا أخرجه مسلم نبه على ذلك أبو
مسعود وقد تعقبه قبله الإسماعيلي فقال انما يعرف عن إبراهيم عن صالح عن الزهري ثم ساقه
من رواية جماعة عن إبراهيم بن سعد كذلك وقال يبعد تواطؤهم على الغلط وقال البرقاني في
كل من رواه عن إبراهيم ادخل بينه وبين الزهري صالحا الحديث * الثالث عشر حديث أبي
موسى اشفعوا فلتؤجروا وقد تقدم بهذا السند والمتن في كتاب الأدب وشرح هناك والغرض
منه قوله ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء أي يظهر الله على لسان رسوله بالوحي أو الالهام
ما قدره في علمه بأنه سيقع * الحديث الرابع عشر حديث أبي هريرة لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي
ان شئت وقد تقدم شرحه في كتاب الدعوات مع حديث أنس المبدأ بذكره في هذا الباب
* الحديث الخامس عشر حديث ابن عباس عن أبي بن كعب في صاحب موسى والخضر وقد
تقدم شرحه مستوفى في التفسير وتقدم شئ منه في كتاب العلم وشيخه عبد الله بن محمد هو المسندي
378

وشيخ المسندي أبو حفص عمرو بفتح العين هو ابن أبي سلمة التنيسي بمثناة ونون ثقيلة مكسورة
وأبو سلمة أبوه لم أقف على اسمه والمراد منه قوله فيه حكاية عن موسى ستجدني إن شاء الله صابرا
وفيه إشارة إلى أن قول ذلك يرجى فيه النجح ووقوع المطلوب غالبا وقد يتخلف ذلك إذا لم يقدر الله
وقوعه كما سيأتي مثاله في الحديث الآخر * الحديث السادس عشر حديث أبي هريرة ننزل
غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة وقد تقدم بأتم من هذا في كتاب الحج وتقدم شرحه أيضا * الحديث
السابع عشر حديث عبد الله بن عمر حاصر النبي صلى الله عليه وسلم الطائف الحديث وقد تقدم
شرحه في الغزوات وبيان الاختلاف على أبي العباس تابعيه هل هو عن عبد الله بن عمر بضم
العين أو بفتحها وبيان الصواب من ذلك وذكر هنا لقوله انا قافلون غدا إن شاء الله مرتين فما
قفلوا في الأولى وقفلوا في الثانية (قوله باب قول الله تعالى ولا تنفع الشفاعة
عنده الا لمن أذن له) وساق إلى آخر الآية ثم قال ولم يقل ماذا خلق ربكم قال ابن بطال استدل
البخاري بهذا على أن قول الله قديم لذاته قائم بصفاته لم يزل موجودا به ولا يزال كلامه لا يشبه
المخلوقين خلافا للمعتزلة التي نفت كلام الله وللكلابية في قولهم هو كناية عن الفعل والتكوين
وتمسكوا بقول العرب قلت بيدي هذا أي حركتها واحتجوا بأن الكلام لا يعقل الا بأعضاء ولسان
والباري منزه عن ذلك فرد عليهم البخاري بحديث الباب والآية وفيه انهم إذا ذهب عنهم
الفزع قالوا لمن فوقهم ماذا قال ربكم فدل ذلك على أنهم سمعوا قولا لم يفهموا معناه من أجل
فزعهم فقالوا ماذا قال ولم يقولوا ماذا خلق وكذا أجابهم من فوقهم من الملائكة بقولهم قالوا
الحق والحق أحد صفتي الذات التي لا يجوز عليها غيره لأنه لا يجوز على كلامه الباطل فلو كان
خلقا أو فعلا لقالوا خلق خلقا انسانا أو غيره فلما وصفوه بما يوصف به الكلام لم يجز ان يكون
القول بمعنى التكوين انتهى وهذا الذي نسبه للكلابية بعيد من كلامهم وانما هو كلام بعض
المعتزلة فقد ذكر البخاري في خلق أفعال العباد عن أبي عبيد القاسم بن سلام ان المريسي قال في
قوله تعالى انما قولنا لشئ إذا أردناه ان نقول له كن فيكون هو كقول العرب قالت السماء
فأمطرت وقال الجدار هكذا إذا مال فمعناه قوله إذا أردناه إذا كوناه وتعقبه أبو عبيد بأنه أغلوطة
لان القائل إذا قال قالت السماء لم يكن كلاما صحيحا حتى يقول فأمطرت بخلاف من يقول قال
الانسان فإنه يفهم منه أنه قال كلاما فلولا قوله فأمطرت لكان الكلام باطلا لان السماء لا قول
لها فإلى هذا أشار البخاري وهذا أول باب تكلم فيه البخاري على مسئلة الكلام وهي طويلة
الذيل قد أكثر أئمة الفرق فيها القول وملخص ذلك قال البيهقي في كتاب الاعتقاد القرآن كلام
الله وكلام الله صفة من صفات ذاته وليس شئ من صفات ذاته مخلوقا ولا محدثا ولا حادثا قال
تعالى انما قولنا لشئ إذا أردنا ان نقول له كن فيكون فلو كان القرآن مخلوقا لكان مخلوقا بكن
ويستحيل ان يكون قول الله لشئ بقول لأنه يوجب قولا ثانيا وثالثا فيتسلسل وهو فاسد وقال
الله تعالى الرحمن علم القرآن خلق الانسان فخص القرآن بالتعليم لأنه كلامه وصفته وخص
الانسان بالتخليق لأنه خلقه ومصنوعه ولولا ذلك لقال خلق القرآن والانسان وقال الله تعالى
وكلم الله موسى تكليما ولا يجوز ان يكون كلام المتكلم قائما بغيره وقال تعالى وما كان لبشر
ان يكلمه الله الا وحيا الآية فلو كان لا يوجد الا مخلوقا في شئ مخلوق لم يكن لاشتراط الوجوه
379

المذكورة في الآية معنى لاستواء جميع الخلق في سماعه من غير الله فبطل قول الجهمية انه مخلوق
في غير الله ويلزمهم في قولهم إن الله خلق كلاما في شجرة كلم به موسى ان يكون من سمع كلام الله
من ملك أو نبي أفضل في سماع الكلام من موسى ويلزمهم أن تكون الشجرة هي المتكلمة بما ذكر
الله انه كلم به موسى وهو قوله انني انا الله لا اله الا انا فاعبدني وقد أنكر الله تعالى قول المشركين
ان هذا الا قول البشر ولا يعترض بقوله تعالى انه لقول رسول كريم لان معناه قول تلقاه عن رسول
كريم كقوله تعالى فأجره حتى يسمع كلام الله ولا بقوله انا جعلناه قرآنا عربيا لان معناه سميناه
قرآنا وهو كقوله وتجعلون رزقكم انكم تكذبون وقوله ويجعلون لله ما يكرهون وقوله
ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث فالمراد أن تنزيله إلينا هو المحدث لا الذكر نفسه وبهذا احتج
الإمام أحمد ثم ساق البيهقي حديث نيار بكسر النون وتخفيف التحتانية ابن مكرم ان أبا بكر قرأ
عليهم سورة الروم فقالوا هذا كلامك أو كلام صاحبك قال ليس كلامي ولا كلام صاحبي ولكنه
كلام الله وأصل هذا الحديث أخرجه الترمذي مصححا وعن علي بن أبي طالب ما حكمت مخلوقا
ما حكمت الا القرآن ومن طريق سفيان بن عيينة سمعت عمرو بن دينار وغيره من مشيختنا
يقولون القرآن كلام الله ليس بمخلوق وقال ابن حزم في الملل والنحل أجمع أهل الاسلام على أن
الله تعالى كلم موسى وعلى ان القرآن كلام الله وكذا غيره من الكتب المنزلة والصحف ثم اختلفوا
فقالت المعتزلة ان كلام الله صفة فعل مخلوقة وانه كلم موسى بكلام أحدثه في الشجرة وقال
أحمد ومن تبعه كلام الله هو علمه لم يزل وليس بمخلوق وقالت الأشعرية كلام الله صفة ذات لم
يزل وليس بمخلوق وهو غير علم الله وليس لله الا كلام واحد واحتج لأحمد بأن الدلائل القاطعة
قامت على أن الله لا يشبهه شئ من خلقه بوجه من الوجوه فلما كان كلامنا غيرنا وكان مخلوقا
وجب ان يكون كلامه سبحانه وتعالى ليس غيره وليس مخلوقا وأطال في الرد على المخالفين لذلك
وقال غيره اختلفوا فقالت الجهمية والمعتزلة وبعض الزيدية والامامية وبعض الخوارج كلام
الله مخلوق خلقه بمشيئته وقدرته في بعض الأجسام كالشجرة حين كلم موسى وحقيقته قولهم إن
الله لا يتكلم وان نسب إليه ذلك فبطريق المجاز وقالت المعتزلة يتكلم حقيقة لكن يخلق ذلك
الكلام في غيره وقالت الكلابية الكلام صفة واحدة قديمة العين لازمة لذات الله كالحياة وانه
لا يتكلم بمشيئته وقدرته وتكليمه لمن كلمه انما هو خلق إدراك له يسمع به الكلام ونداءه لموسى لم يزل
لكنه أسمعه ذلك النداء حين ناجاه ويحكى عن أبي منصور الماتريدي من الحنفية نحوه لكن
قال خلق صوتا حين ناداه فأسمعه كلامه وزعم بعضهم ان هذا هو مراد السلف الذين قالوا إن
القرآن ليس بمخلوق وأخذ بقول ابن كلاب القابسي والأشعري وأتباعهما وقالوا إذا كان الكلام
قديما لعينه لازما لذات الرب وثبت أنه ليس بمخلوق فالحروف ليست قديمة لأنها متعاقبة وما كان
مسبوقا بغيره لم يكن قديما والكلام القديم معنى قائم بالذات لا يتعدد ولا يتجزأ بل هو معنى واحد
ان عبر عنه بالعربية فهو قرآن أو بالعبرانية فهو توراة مثلا وذهب بعض الحنابلة وغيرهم إلى أن
القرآن العربي كلام الله وكذا التوراة وان الله لم يزل متكلما إذا شاء وانه تكلم بحروف القرآن
وأسمع من شاء من الملائكة والأنبياء صوته وقالوا ان هذه الحروف والأصوات قديمة العين لازمة
الذات ليس متعاقبا بل لم تزل قائمة بذاته مقترنة لا تسبق والتعاقب انما يكون في حق المخلوق
380

بخلاف الخالق وذهب أكثر هؤلاء إلى أن الأصوات والحروف هي المسموعة من القارئين وأبي
ذلك كثير منهم فقالوا ليست هي المسموعة من القارئين وذهب بعضهم إلى أنه متكلم بالقرآن
العربي بمشيئته وقدرته بالحروف والأصوات القائمة بذاته وهو غير مخلوق لكنه في الأزل لم يتكلم
لامتناع وجود الحادث في الأزل فكلامه حادث في ذاته لا محدث وذهب الكرامية إلى أنه
حادث في ذاته ومحدث وذكر الفخر الرازي في المطالب العالية أن قول من قال إنه تعالى متكلم
بكلام يقوم بذاته وبمشيئته واختياره هو أصح الأقوال نقلا وعقلا وأطال في تقرير ذلك والمحفوظ
عن جمهور السلف ترك الخوض في ذلك والتعمق فيه والاقتصار على القول بأن القرآن كلام الله
وانه غير مخلوق ثم السكوت عما وراء ذلك وسيأتي الكلام على مسئلة اللفظ حيث ذكره المصنف بعد
إن شاء الله تعالى (قوله وقال جل ذكره من ذا الذي يشفع عنده الا بإذنه) زعم ابن بطال إلى أنه أشار بذلك
إلى سبب النزول لأنه جاء انهم لما قالوا شفعاؤنا عند الله الأصنام نزلت فأعلم الله ان الذين يشفعون
عنده من الملائكة والأنبياء انما يشفعون فيمن يشفعون فيه بعد اذنه لهم في ذلك انتهى ولم أقف
على نقل في هذه الآية بخصوصها وأظن البخاري أشار بهذا إلى ترجيح قول من قال إن الضمير في
قوله عن قلوبهم للملائكة وان فاعل الشفاعة في قوله ولا تنفع الشفاعة هم الملائكة بدليل قوله
بعد وصف الملائكة ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون بخلاف قول من زعم أن
الضمير للكفار المذكورين في قوله تعالى ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه كما نقله بعض
المفسرين وزعم أن المراد بالتفزيع حالة مفارقة الحياة ويكون اتباعهم إياه مستصحبا إلى يوم
القيامة على طريق المجاز والجملة من قوله قل ادعوا إلى آخره معترضة وحمل هذا القائل على هذا
الزعم ان قوله حتى إذا فزع عن قلوبهم غاية لا بد لها من مغيا فادعى انه ما ذكره وقال بعض
المفسرين في المعتزلة المراد بالزعم الكفر في قوله تعالى زعمتم أي تماديتم في الكفر إلى غاية
التفزيع ثم تركتم زعمكم وقلتم قال الحق وفيه التفات من الخطاب إلى الغيبة ويفهم من سياق
الكلام ان هناك فزعا ممن يرجو الشفاعة هل يؤذن له في الشفاعة أولا فكأنه قال يتربصون
زمانا فزعين حتى إذا كشف الفزع عن الجميع بكلام يقول الله في إطلاق الاذن تباشروا بذلك
وسأل بعضهم بعضا ماذا قال ربكم قالوا الحق أي القول الحق وهو الاذن في الشفاعة لمن ارتضى
(قلت) وجميع ذلك مخالف لهذا الحديث الصحيح والأحاديث كثيرة تؤيده قد ذكرت بعضها في
تفسير سورة سبأ وسأشير إليها هنا بعد والصحيح في اعرابها ما قاله ابن عطية وهو ان المغيا محذوف
كأنه قيل ولا هم شفعاء كما تزعمون بل هم عنده ممتثلون لامره إلى أن يزول الفزع عن قلوبهم
والمراد بهم الملائكة وهو المطابق للأحاديث الواردة في ذلك فهو المعتمد واما اعتراض من تعقبه
بأنهم لم يزالوا منقادين فلا يلزم منه دفع ما تأوله لكن حق العبارة أن يقول بل هم خاضعون لامره
مرتقبون لما يأتيهم من قبله خائفون ان يكون ذلك من أمر الساعة إلى أن يكشف عنهم ذلك
بأخبار جبريل بما أمر به من ابلاغ الوحي للرسل وبالله التوفيق ثم ذكر فيه ستة أحاديث
* الحديث الأول (قوله وقال مسروق عن ابن مسعود إذا تكلم الله تبارك وتعالى بالوحي سمع أهل
السماوات فإذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت عرفوا انه الحق ونادوا ماذا قال ربكم قالوا الحق)
ووقع في رواية الكشميهني وثبت بمثلثة وموحدة مفتوحتين بدل وسكن هكذا ذكر هذا التعليق
381

مختصرا وقد وصله البيهقي في الأسماء والصفات من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن مسلم بن
صبيح وهو أبو الضحى عن مسروق وهكذا أخرجه أحمد عن أبي معاوية ولفظه ان الله عز وجل
إذا تكلم بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفاء فيصعقون فلا يزالون
كذلك حتى يأتيهم جبريل فإذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم قال ويقولون يا جبريل ماذا قال
ربكم قال فيقول الحق قال فينادون الحق الحق قال البيهقي ورواه أحمد بن أبي شريح الرازي
وعلي بن أشكاب وعلي بن مسلم ثلاثتهم عن أبي معاوية مرفوعا أخرجه أبو داود في السنن عنهم
ولفظه مثله الا أنه قال فيقولون ماذا قال ربك قال ورواه شعبة عن الأعمش موقوفا وجاء عنه
مرفوعا أيضا (قلت) وهكذا رواه الحسن بن محمد الزعفراني عن أبي معاوية مرفوعا وأخرجه
البخاري في كتاب خلق أفعال العباد من رواية أبي حمزة السكري عن الأعمش بهذا السند إلى
مسروق قال من كان يحدثنا بتفسير هذه الآية لولا ابن مسعود سألناه عنه فذكره موقوفا باللفظ
المذكور في الصحيح ثم ساقه من طريق حفص بن غياث عن الأعمش قال بهذا وأخرجه ابن أبي
حاتم في كتاب الرد على الجهمية عن علي بن أشكاب مرفوعا وقال هكذا حدث به أبو معاوية
مسندا ووجدته بالكوفة موقوفا ثم أخرجه من رواية عبد الله بن نمير وشعبة كلاهما عن
الأعمش موقوفا ومن رواية شعبة عن منصور والأعمش معا ومن رواية الثوري عن منصور
كذلك وهكذا رواه عبد الرحمن بن محمد المحاربي وجرير عن الأعمش موقوفا ورواه فضيل بن
عياض عن منصور عن أبي الضحى ورواه الحسن بن عبيد الله النخعي عن أبي الضحى مرفوعا
وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك عن مسروق كذلك واغفل أبو الحسن بن
الفضل في الجزء الذي جمعه في الكلام على أحاديث الصوت هذه الطرق كلها وأقتصر على طريق
البخاري فنقل كلام من تكلم فيه وأسند إلى أن الجرح مقدم على التعديل وفيه نظر لأنه ثقة
مخرج حديثه في الصحيحين ولم ينفرد به وقد نقل ابن دقيق العيد عن ابن المفضل وكان شيخ والده انه
كان يقول فيمن خرج له في الصحيحين هذا جاز القنطرة وقرر ابن دقيق العيد ذلك بأن من اتفق
الشيخان على التخريج لهم ثبتت عدالتهم بالاتفاق بطريق الاستلزام لاتفاق العلماء على تصحيح
ما أخرجاه ومن لازمه عدالة رواته إلى أن تتبين العلة القادحة بان تكون مفسرة ولا تقبل
التأويل (قوله سمع أهل السماوات) في رواية أبي داود وغيره سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر
السلسلة على الصفا ولبعضهم الصفوان بدل الصفا وفي رواية الثوري الحديد بدل السلسلة
وفي رواية شيبان بن عبد الرحمن عن منصور عند ابن أبي حاتم مثل صوت السلسلة وعنده من
رواية عامر الشعبي عن ابن مسعود سمع من دونه صوتا كجر السلسلة ووقع في حديث النواس
ابن سمعان عند ابن أبي حاتم إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماوات منه رجفة أو قال رعدة شديدة
من خوف الله فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعقوا وخروا لله سجدا وكذا وقع قوله ويخرون سجدا
في رواية أبي مالك وكذا في رواية سفيان وابن نمير المشار إليها ووقع في رواية شعبة فيرون انه من
أمر الساعة فيفزعون * الحديث الثاني (قوله ويذكر عن جابر بن عبد الله عن عبد الله بن أنيس)
بنون ومهملة مصغر هو الجهني كما تقدم في كتاب العلم وان الحديث الموقوف هناك طرف من هذا
الحديث المرفوع وتقدم بيان الحكمة في إيراده هناك بصيغة الجزم وهنا بصيغة التمريض
382

وساق هنا من الحديث بعضه وأخرجه بتمامه في الأدب المفرد وكذا أخرجه أحمد وأبو يعلى
والطبراني كلهم من طريق همام بن يحيى عن القاسم بن عبد الواحد المكي عن عبد الله بن محمد بن
عقيل انه سمع جابر بن عبد الله يقول فذكر القصة وأول المتن المرفوع يحشر الله الناس يوم
القيامة أو قال العباد عراة غرلا بهما قال قلنا وما بهما قال ليس معهم شئ ثم يناديهم فذكره وزاد
بعد قوله الديان لا ينبغي لاحد من أهل النار ان يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى
أقصه منه ولا ينبغي لاحد من أهل الجنة ان يدخل الجنة ولاحد من أهل النار عنده حق حتى أقصه
منه حتى اللطمة قال قلنا كيف وانا انما نأتي عراة بهما قال الحسنات والسيئات لفظ أحمد عن يزيد
ابن هارون عن همام وعبيد الله بن محمد بن عقيل مختلف في الاحتجاج به وقد أشرت إلى ذكر من
تابعه في كتاب العلم وقوله غرلا بضم المعجمة وسكون الراء وقد تقدم بيانه في الرقاق في شرح
حديث ابن عباس وفيه حفاة بدل قوله بهما وهو بضم الموحدة وسكون الهاء قيل معناه الذين
لا شئ معهم وقيل المجهولون وقيل المتشابهو الألوان والأول الموافق لما هنا (قوله فيناديهم
بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب) حمله بعض الأئمة على مجاز الحذف أي يأمر من ينادي
واستبعده بعض من أثبت الصوت بأن في قوله يسمعه من بعد إشارة إلى أنه ليس من المخلوقات لأنه
لم يعهد مثل هذا فيهم وبأن الملائكة إذا سمعوه صعقوا كما سيأتي في الكلام على الحديث الذي
بعده وإذا سمع بعضهم بعضا لم يصعقوا قال فعلى هذا فصوته صفة من صفات ذاته لا تشبه صوت
غيره إذ ليس يوجد شئ من صفاته من صفات المخلوقين هكذا قرره المصنف في كتاب خلق أفعال
العباد وقال غيره معنى يناديهم يقول وقوله بصوت أي مخلوق غير قائم بذاته والحكمة في كونه
خارقا لعادة الأصوات المخلوقة المعتادة التي يظهر التفاوت في سماعها بين البعيد والقريب هي أن
يعلم أن المسموع كلام الله كما أن موسى لما كلمه الله كان يسمعه من جميع الجهات وقال البيهقي
الكلام ما ينطق به المتكلم وهو مستقر في نفسه كما جاء في حديث عمر يعني في قصة السقيفة وقد
تقدم سياقه في كتاب الحدود وفيه وكنت زورت في نفسي مقالة وفي رواية هيأت في نفسي كلاما
قال فسماه كلاما قبل التكلم به قال فإن كان المتكلم ذا مخارج سمع كلامه ذا حروف وأصوات
وإن كان غير ذي مخارج فهو بخلاف ذلك والباري عز وجل ليس بذي مخارج فلا يكون كلامه
بحروف وأصوات فإذا فهمه السامع تلاه بحروف وأصوات ثم ذكر حديث جابر عن عبد الله بن
أنيس وقال اختلف الحفاظ في الاحتجاج بروايات ابن عقيل لسوء حفظه ولم يثبت لفظ الصوت
في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم غير حديثه فإن كان ثابتا فإنه يرجع إلى غيره كما في
حديث ابن مسعود يعني الذي قبله وفي حديث أبي هريرة يعني الذي بعده ان الملائكة يسمعون
عند حصول الوحي صوتا فيحتمل ان يكون الصوت للسماء أو للملك الآتي بالوحي أو لأجنحة
الملائكة وإذا احتمل ذلك لم يكن نصا في المسئلة وأشار في موضع آخر ان الراوي أراد فينادي نداء
فعبر عنه بقوله بصوت انتهى وهذا حاصل كلام من ينفي الصوت من الأئمة ويلزم منه ان الله لم
يسمع أحدا من ملائكته ورسله كلامه بل ألهمهم إياه وحاصل الاحتجاج للنفي الرجوع إلى
القياس على أصوات المخلوقين لأنها التي عهد أنها ذات مخارج ولا يخفى ما فيه إذ الصوت قد يكون
من غير مخارج كما أن الرؤية قد تكون من غير اتصال أشعة كما سبق سلمنا لكن نمنع القياس
383

المذكور وصفات الخالق لا تقاس على صفة المخلوق وإذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث
الصحيحة وجب الايمان به ثم اما التفويض واما التأويل وبالله التوفيق (قوله الديان) قال
الحليمي هو مأخوذ من قوله ملك يوم الدين وهو المحاسب المجازي لا يضيع عمل عامل انتهى
ووقع في مرسل أبي قلابة البر لا يبلى والاثم لا ينسى والديان لا يموت وكن كما شئت كما تدين تدان
ورجاله ثقات أخرجه البيهقي في الزهد وقد تقدمت الإشارة إليه في تفسير سورة الفاتحة وقال
الكرماني المعنى لا ملك الا انا ولا مجازي الا انا وهو من حصر المبتدأ في الخبر وفي هذا اللفظ
إشارة إلى صفة الحياة والعلم والإرادة والقدرة وغيرها من الصفات المتفق عليها عند أهل السنة
وقوله في آخر الحديث قال الحسنات والسيئات يعني ان القصاص بين المتظالمين انما يقع
بالحسنات والسيئات وقد تقدم بيان ذلك في الرقاق وتقدم أيضا من حديث أبي هريرة مرفوعا
قبل أخيه مظلمة * الحديث الثالث (قوله حدثنا علي بن عبد الله) هو المديني وسفيان هو ابن
عيينة وقد تقدم بهذا السند والمتن في تفسير سورة الحجر وسياقه هناك أتم وتقدم معظم شرحه
هناك (قوله يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية الحميدي عن سفيان كما تقدم في تفسير سورة
سبأ ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (قوله إذا قضى الله الامر في السماء) وقع في حديث ابن
مسعود المذكور أولا إذا تكلم الله بالوحي وكذا في حديث النواس بن سمعان عند الطبراني (قوله
ضربت الملائكة بأجنحتها) في حديث ابن مسعود سمع أهل السماء الصلصلة (قوله خضعانا)
مصدر كقوله غفرانا قاله الخطابي وقال غيره هو جمع خاضع (قوله قال على) هو ابن المديني (وقال
غيره صفوان ينفذهم) قال عياض ضبطوه بفتح الفاء من صفوان وليس له معنى وانما أراد لغير
المبهم قوله ينفذهم وهو بفتح أوله وضم الفاء أي يعمهم (قلت) وكذا أخرجه ابن أبي حاتم عن محمد
ابن عبد الله بن يزيد عن سفيان بن عيينة بهذه الزيادة ولكن لا يفسر به الغير المذكور لان المراد
به غير سفيان وذكره الكرماني بلفظ صفوان ينفذ فيهم ذلك بزيادة لفظ الانفاذ أي ينفذ الله
ذلك القول إلى الملائكة أو من النفوذ أي ينفذ ذلك إليهم أو عليهم ثم قال ويحتمل ان يراد غير
سفيان قال إن صفوان بفتح الفاء فالاختلاف في الفتح والسكون وينفذهم غير مختص بالغير
بل مشترك بين سفيان وغيره انتهى وسياق على في هذا الرواية يخالف هذا الاحتمال لكن قد
وقعت زيادة ينفذهم في الرواية التي ذكرتها وهي عن سفيان فيقوي ما قال (قوله قال على
وحدثنا سفيان إلى قوله قال نعم) على هو ابن المديني المذكور ومراده ان ابن عيينة كان يسوق
السند مرة بالعنعنة ومرة بالتحديث والسماع فاستثبته على من ذلك فقال نعم وقد تقدم عن علي
ابن عبد الله المذكور في تفسير سورة الحجر بصيغة التصريح في جميع السند وكذا عن الحميدي
عن سفيان في تفسير سبأ (قوله قال على) هو ابن المديني أيضا (قوله إن انسانا روى عن عمرو
ابن دينار إلى أن قال إنه فرغ) هو بالراء المهملة والغين المعجمة بوزن القراءة المشهورة وقد ذكرت
في تفسير سورة سبأ من قرأها كذلك ووقع للأكثر هنا كالقراءة المشهورة والسياق يؤيد الأول
وقوله قال سفيان هكذا قرأ عمرو يعني ابن دينار (قوله فلا أدري سمعه هكذا أم لا) أي سمعه من
عكرمة أو قرأها كذلك من قبل نفسه بناء على انها قراءته وقول سفيان وهي قراءتنا يريد نفسه
ومن تابعه * (تنبيه) * وقع في تفسير سورة الحجر بالسند المذكور هنا بعد قوله وهو العلي الكبير
384

فسمعها مسترقوا السمع هكذا إلى آخر ما ذكر من ذلك وهذا مما يبين ان التفزيع المذكور يقع
للملائكة وان الضمير في قلوبهم للملائكة لا للكفار بخلاف ما جزم به من قدمت ذكره من
المفسرين وقد وقع في حديث النواس بن سمعان الذي أشرت إليه ما نصه أخذت أهل السماوات
منه رعدة خوفا من الله وخروا سجدا فيكون أول من يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله بما أراد
فيمضي به على الملائكة من سماء إلى سماء وفي حديث ابن عباس عند ابن خزيمة وابن مردويه
كمر السلسلة على الصفوان فلا ينزل على أهل السماء الا صعقوا فإذا فزع عن قلوبهم إلى آخر الآية
ثم يقول يكون العام كذا فيسمعه الجن وعند ابن مردويه من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن
جده لما نزل جبريل بالوحي فزع أهه السماء لانحطاطه وسمعوا صوت الوحي كأشد ما يكون من
صوت الحديد على الصفا فيقولون يا جبريل بم أمرت الحديث وعنده وعند ابن أبي حاتم من طريق
عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس لم تكن قبيلة من الجن الا ولهم مقاعد للسمع
فكان إذا نزل الوحي سمع الملائكة صوتا كصوت الحديدة ألقيتها على الصفا فإذا سمعت
الملائكة ذلك خروا سجدا فلم يرفعوا حتى ينزل فإذا نزل قالوا ماذا قال ربكم فإن كان مما يكون في
السماء قالوا الحق وإن كان مما يكون في الأرض من غيث أو موت تكلموا فيه فسمعت
الشياطين فينزلون على أوليائهم من الانس وفي لفظ فيقولون يكون العام
كذا فيسمعه الجن فتحدثه الكهنة وفي لفظ ينزل الامر إلى السماء الدنيا له وقعة كوقع السلسلة
على الصخرة فيفزع له جميع أهل السماوات الحديث فهذه الأحاديث ظاهرة جدا في أن ذلك
وقع في الدنيا بخلاف قول من ذكرنا من المفسرين الذين أقدموا على الجزم بان الضمير للكفار
وان ذلك يقع يوم القيامة مخالفين لما صح من الحديث النبوي من أجل خفاء معنى الغاية في
قوله حتى إذا فزع عن قلوبهم وفي الحديث اثبات الشفاعة وأنكرها الخوارج والمعتزلة وهي
أنواع أثبتها أهل السنة منها الخلاص من هول الموقف وهي خاصة بمحمد رسول الله المصطفى صلى
الله عليه وسلم كما تقدم بيان ذلك واضحا في الرقاق وهذه لا ينكرها أحد من فرق الأمة ومنها
الشفاعة في قوم يدخلون الجنة بغير حساب وخص هذه المعتزلة بمن لا تبعة عليه ومنها الشفاعة
في رفع الدرجات ولا خلاف في وقوعها ومنها الشفاعة في إخراج قوم من النار عصاة أدخلوها
بذنوبهم وهذه التي أنكروها وقد ثبتت بها الأخبار الكثيرة وأطبق أهل السنة على قبولها وبالله
التوفيق * الحديث الرابع حديث أبي هريرة في التغني بالقرآن وقد مضى شرحه في فضائل
القرآن وقوله في آخره وقال صاحب له يجهر به في رواية الكشميهني يجهر بالقرآن وقد تقدم بيانه
هناك وسيأتي بعد أبواب من وجه آخر مدرجا وأشار بإيراده هنا إلى حديث فضالة بن عبيد الذي
أخرجه ابن ماجة من رواية ميسرة مولى فضالة عن فضالة بن عبيد قال قال النبي صلى الله عليه
وسلم لله عز وجل أشد اذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته وذكره
البخاري في خلق أفعال العباد عن ميسرة وقوله اذنا بفتح الهمزة والمعجمة أي استماعا * الحديث
الخامس حديث أبي سعيد في بعث النار ذكره مختصرا وقد مضى شرحه مستوفى في أواخر الرقاق
وقوله يقول الله يا آدم في رواية التفسير يقول الله يوم القيامة يا آدم (قوله فينادي بصوت ان
الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار) هذا آخر ما أورد منه من هذه الطريق وقد
385

أخرجه بتمامه في تفسير سورة الحج بالسند المذكور هنا ووقع فينادي مضبوطا للأكثر بكسر
الدال وفي رواية أبي ذر بفتحها على البناء للمجهول ولا محذور في رواية الجمهور فان قرينة
قوله إن الله يأمرك تدل ظاهرا على أن المنادي ملك يأمره الله بان ينادي بذلك وقد طعن أبو
الحسن بن الفضل في صحة هذه الطريق وذكر كلامهم في حفص بن غياث وانه انفرد بهذا اللفظ
عن الأعمش وليس كما قال فقد وافقه عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الأعمش أخرجه عبد الله
ابن أحمد في كتاب السنة له عن أبيه عن المحاربي واستدل البخاري في كتاب خلق أفعال العباد
على أن الله يتكلم كيف شاء وان أصوات العباد مؤلفة حرفا حرفا فيها التطريب بالهمز والترجيع
بحديث أم سلمة ثم ساقه من طريق يعلي بن مملك بفتح الميم واللام بينهما ميم ساكنة ثم كاف انه
سأل أم سلمة عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وصلاته فذكرت الحديث وفيه ونعتت قراءته فإذا
قراءته حرفا حرفا وهذا أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما واختلف أهل الكلام في أن كلام الله
هل هو بحرف وصوت أو لا فقالت المعتزلة لا يكون الكلام الا بحرف وصوت والكلام المنسوب
إلى الله قائم بالشجرة وقالت الأشاعرة كلام الله ليس بحرف ولا صوت وأثبتت الكلام النفسي
وحقيقته معنى قائم بالنفس وان اختلفت عنه العبارة كالعربية والعجمية واختلافها لا يدل على
اختلاف المعبر عنه والكلام النفسي هو ذلك المعبر عنه وأثبتت الحنابلة ان الله متكلم بحرف
وصوت اما الحروف فللتصريح بها في ظاهر القرآن واما الصوت فمن منع قال إن الصوت هو
الهواء المنقطع المسموع من الحنجرة وأجاب من أثبته بأن الصوت الموصوف بذلك هو المعهود
من الآدميين كالسمع والبصر وصفات الرب بخلاف ذلك فلا يلزم المحذور المذكور مع اعتقاد
التنزيه وعدم التشبيه وانه يجوز ان يكون من غير الحنجرة فلا يلزم التشبيه وقد قال عبد الله بن
أحمد بن حنبل في كتاب السنة سألت أبي عن قوم يقولون لما كلم الله موسى لم يتكلم بصوت فقال لي
أبي بل تكلم بصوت هذه الأحاديث تروى كما جاءت وذكر حديث ابن مسعود وغيره * الحديث
السادس حديث عائشة في فضل خديجة وفيه ولقد أمره الله في رواية المستملي والسرخسي
ولقد امره ربه (قوله ببيت من الجنة) في رواية الكشميهني ببيت في الجنة وقد مضى شرحه
مستوفى في المناقب (قوله باب كلام الرب تعالى مع جبريل ونداء الله الملائكة)
ذكر فيه أثرا وثلاثة أحاديث في الحديث الأول نداء الله جبريل وفي الثاني سؤال الله الملائكة
على عكس ما وقع في الترجمة وكأنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه ووقع عند مسلم من طريق سهيل
ابن أبي صالح عن أبيه في هذا الحديث أن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال اني أحب فلانا
فأحبه وذكرت في الأدب ان أحمد أخرجه من حديث ثوبان بلفظ حتى يقول يا جبريل ان عبدي
فلانا يلتمس ان يرضيني الحديث (قوله وقال معمر (2) انك لتلقى القرآن أي يلقى عليك وتلقاه أنت
أي تأخذه عنهم ومثله فتلقى آدم من ربه كلمات) معمر هذا قد يتبادر انه ابن راشد شيخ عبد الرزاق
وليس كذلك بل هو أبو عبيدة معمر بن المثني اللغوي قال أبو ذر الهروي ووجدت ذلك في كتاب
المجاز له فقال في تفسير سورة النمل في قوله عز وجل وانك لتلقى القرآن أي تأخذه عنهم ويلقى عليك
وقال في تفسير سورة البقرة في قوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات أي قبلها واخذها عنه قال
أبو عبيدة وتلا علينا أبو مهدي آية فقال تلقيتها من عمي تلقاها عن أبي هريرة تلقاها عن النبي
386

صلى الله عليه وسلم وقال في قوله تعالى ولا يلقاها الا الصابرون أي لا يوفق لها ولا يلقنها ولا يرزقها
وحاصله انها تأتي بالمعاني الثلاثة وانها هنا صالحة لكل منها وأصله اللقاء وهو استقبال الشئ
ومصادفته * الحديث الأول (قوله حدثنا إسحاق) هو ابن منصور وتردد أبو علي الجياني بينه وبين
إسحاق بن راهويه وانما جزمت به لقوله حدثنا عبد الصمد فان إسحاق لا يقول الا أخبرنا وقد تقدم
في الحديث الثاني من باب ما يكره من كثرة السؤال في كتاب الاعتصام نحو هذا وعبد الصمد هو
ابن عبد الوارث وقد تقدم في هذا السند في كتاب الطهارة حديث آخر وقد جزم أبو نعيم في المستخرج
بان إسحاق المذكور فيه هو ابن منصور وتكلمت على سنده هناك وهو في باب الماء الذي يغسل
به شعر الانسان (قوله إن الله قد أحب فلانا) كذا هنا بصيغة الفعل الماضي وفي رواية نافع
عن أبي هريرة الماضية في الأدب ان الله يحب فلانا بصيغة المضارعة وفي الأول إشارة إلى سبق
المحبة على النداء وفي الثاني إشارة إلى استمرار ذلك وقد تقدمت مباحثه في كتاب الأدب قال الشيخ
أبو محمد بن أبي جمرة في تعبيره عن كثرة الاحسان بالحب تأنيس العباد وإدخال المسرة عليهم لان
العبد إذا سمع عن مولاه انه يحبه حصل على أعلى السرور عنده وتحقق بكل خير ثم قال وهذا انما
يتأتى لمن في طبعه فتوة ومروءة وحسن إنابة كما قال تعالى وما يتذكر الا من ينيب وأما من في
نفسه رعونة وله شهوة غالبة فلا يرده الا الزجر بالتعنيف والضرب قال وفي تقديم الامر بذلك
لجبريل قبل غيره من الملائكة إظهار لرفيع منزلته عند الله تعالى على غيره منهم قال ويؤخذ من
هذا الحديث الحث على توفية أعمال البر على اختلاف أنواعها فرضها وسنتها ويؤخذ منه أيضا
كثرة التحذير عن المعاصي والبدع لأنها مظنة السخط وبالله التوفيق * الحديث الثاني حديث
أبي هريرة يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل الحديث وقد تقدم شرحه في أوائل كتاب الصلاة
والمراد منه قوله فيه فيسألهم وهو أعلم بهم أي من الملائكة وليس في رواية مالك المذكورة هنا
التصريح بتسمية الذي يسأل ووقع التصريح به في بعض طرقه في الصلاة بلفظ فيسألهم ربهم
وهي من رواية مالك أيضا والمشهور عند جمهور رواة مالك حذفها ووقع عند ابن خزيمة من
طريق أبي صالح عن أبي هريرة فيسألهم ربهم وقد ذكرت لفظه هناك وتقدم القول في العروج في
باب تعرج الملائكة والروح إليه قريبا * الحديث الثالث حديث أبي ذر (قوله عن واصل) هو
المعروف بالأحدب والمعرور بمهملات (قوله أتاني جبريل فبشرني) هو طرف من حديث تقدم
بتمامه مشروحا في كتاب الرقاق (قوله وان سرق وان زنى) في رواية الكشميهني وان سرق وزنا
في الموضعين وفي مناسبته للترجمة غموض وكأنه من جهة ان جبريل انما يبشر النبي صلى الله عليه
وسلم بأمر يتلقاه عن ربه عز وجل فكأن الله سبحانه قال له بشر محمدا بان من مات من أمته لا يشرك
بالله شيئا دخل الجنة فبشره بذلك (قوله باب قوله أنزله بعلمه والملائكة يشهدون)
كذا للجميع ونقل في تفسير الطبري أنزله إليك بعلم منه انك خيرته من خلقه قال ابن بطال المراد
بالانزال افهام العباد معاني الفروض التي في القرآن وليس انزاله له كإنزال الأجسام المخلوقة
لان القرآن ليس بجسم ولا مخلوق انتهى والكلام الثاني متفق عليه بين أهل السنة سلفا وخلفا
وأما الأول فهو على طريقة أهل التأويل والمنقول عن السلف اتفاقهم على أن القرآن كلام الله
غير مخلوق تلقاه جبريل عن الله وبلغه جبريل إلى محمد عليه الصلاة والسلام وبلغه صلى الله
387

عليه وسلم إلى أمته (قوله قال مجاهد يتنزل الامر بينهن بين السماء السابعة والأرض السابعة)
في رواية أبي ذر عن السرخسي من بدل بين وقد وصله الفريابي والطبري من طريق ابن أبي نجيح
عن مجاهد بلفظ من السماء السابعة إلى الأرض السابعة وأخرج الطبري من وجه آخر عن مجاهد
قال الكعبة بين أربعة عشر بيتا من السماوات السبع والأرضين السبع وعن قتادة نحو ذلك
ثم ذكر فيه ثلاثة أحاديث * الحديث الأول حديث البراء في القول عند النوم وقد تقدم شرحه
مستوفى في كتاب الأدعية والمراد منه قوله فيه آمنت بكتابك الذي أنزلت * الحديث الثاني
حديث عبد الله بن أبي أوفى وقد تقدم شرحه في كتاب الجهاد والغرض منه هنا اللهم منزل الكتاب
وقوله في آخره وزلزلهم في رواية السرخسي وزلزل بهم (قوله زاد الحميدي حدثنا سفيان إلى آخر
السند) مراده بالزيادة التصريح الواقع في رواية الحميدي لسفيان وإسماعيل وعبد الله بخلاف
رواية قتيبة فإنها بالعنعنة في الثلاثة وقد أخرجه الحميدي في مسنده هكذا وأبو نعيم في المستخرج
من طريقه وقال أخرجه البخاري عن قتيبة والحميدي وظاهره ان البخاري جمع بينهما في سياقه
وليس كذلك * الحديث الثالث حديث ابن عباس في قوله تعالى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها
أنزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوار بمكة الحديث وقد تقدم شرحه في آخر تفسير سورة
سبحان والمراد منه هنا قوله أنزلت والآيات المصرحة بلفظ الانزال والتنزيل في القرآن كثيرة قال
الراغب الفرق بين الانزال والتنزيل في وصف القرآن والملائكة ان التنزيل يختص بالموضع الذي
يشير إلى انزاله متفرقا ومرة بعد أخرى والانزال أعم من ذلك ومنه قوله تعالى انا أنزلناه في ليلة
القدر قال الراغب عبر بالانزال دون التنزيل لان القرآن نزل دفعة واحدة إلى سماء الدنيا ثم نزل بعد
ذلك شيئا فشيئا ومنه قوله تعالى حم والكتاب المبين انا أنزلناه في ليلة مباركة ومن الثاني قوله تعالى
وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ويؤيد التفصيل قوله تعالى يا أيها الذين
آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل فان المراد
بالكتاب الأول القرآن وبالثاني ما عداه والقرآن نزل نجوما إلى الأرض بحسب الوقائع بخلاف
غيره من الكتب ويرد على التفصيل المذكور قوله تعالى وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن
جملة واحدة وأجيب بأنه أطلق نزل موضع أنزل قال ولولا هذا التأويل لكان متدافعا لقوله
جملة واحدة وهذا بناه هذا القائل على أن نزل بالتشديد يقتضي التفريق فاحتاج إلى ادعاء ما ذكر
والا فقد قال غيره ان التضعيف لا يستلزم حقيقة التكثير بل يرد للتعظيم وهو في حكم التكثير
معنى فبهذا يدفع الاشكال (قوله باب قول الله تعالى يريدون ان يبدلوا كلام الله)
كذا للجميع زاد أبو ذر الآية قال ابن بطال أراد بهذه الترجمة وأحاديثها ما أراد في الأبواب قبلها
ان كلام الله تعالى صفة قائمة به وانه لم يزل متكلما ولا يزال ثم أخذ في ذكر سبب نزول الآية والذي
يظهر ان غرضه ان كلام الله لا يختص بالقرآن فإنه ليس نوعا واحدا كما تقدم نقله عمن قاله
وانه وإن كان غير مخلوق وهو صفة قائمة به فإنه يلقيه على من يشاء من عباده بحسب حاجتهم في
الأحكام الشرعية وغيرها من مصالحهم وأحاديث الباب كالمصرحة بهذا المراد (قوله إنه لقول
388

فصل الحق وما هو بالهزل باللعب) كذا لأبي ذر وسقط من أوله لفظ انه من رواية غيره وثبت لكل
من عدا أبا ذر حق بغير الف ولام وسقطت من رواية أبي زيد المروزي والتفسير المذكور مأخوذ
من كلام أبي عبيدة فإنه قال في كتاب المجاز قوله وما هو بالهزل أي ما هو باللعب والمراد بالحق
الشئ الثابت الذي لا يزول وبهذا تظهر مناسبة هذه الآية للآية التي في الترجمة ثم ذكر فيه سبعة
عشر حديثا معظمها من حديث أبي هريرة وأكثرها قد تكرر * أولها حديث أبي هريرة (قوله
قال الله يؤذيني ابن آدم بسب الدهر) الحديث والغرض منه هنا اثبات إسناد القول إليه سبحانه
وتعالى وقوله يؤذيني أي ينسب إلى ما لا يليق بي وتقدم له توجيه آخر في تفسير سورة الجاثية مع
سائر مباحثه وهو من الأحاديث القدسية وكذا ما بعده إلى آخر الخامس * الثاني حديث أبي
هريرة أيضا (قوله يقول الله تعالى الصوم لي وأنا أجزي به) وفيه والصوم جنة وللصائم فرحتان
وفيه ولخلوف فم الصائم وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الصيام وقوله في السند حدثنا أبو نعيم
يريد الفضل بن دكين الكوفي الحافظ المشهور القديم وليس هو الحافظ المتأخر صاحب الحلية
والمستخرج وقوله حدثنا الأعمش كذا للجميع الا لأبي علي بن السكن فوقع عنده حدثنا أبو نعيم
حدثنا سفيان وهو الثوري حدثنا الأعمش زاد فيه الثوري قال أبو علي الجياني والصواب قول
من خالفه من سائر الرواة ورأيت في رواية القابسي عن أبي زيد المروزي حدثنا أبو نعيم أراه
حدثنا سفيان الثوري حدثنا محمد فحذف لفظ قال بين قوله أراه وحدثنا وأراه بضم الهمزة أي
أظنه وأبو نعيم سمع من الأعمش ومن السفيانين عن الأعمش لكن سفيان المذكور هنا هو الثوري
جزما وعلى تقدير ثبوت ذلك فقائل أراه يحتمل ان يكون البخاري ويحتمل ان يكون من دونه
وهو الراجح وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من رواية الحرث بن أبي أسامة عن أبي نعيم عن
الأعمش بدون الواسطة وهذا من أعلى ما وقع لأبي نعيم من العوالي في هذا الجامع الصحيح
* الحديث الثالث حديث أبي هريرة أيضا في اغتسال أيوب عليه السلام عريانا وقد تقدم في
كتاب الطهارة والغرض منه هنا قوله فناداه ربه إلى آخره * الحديث الرابع حديث أبي هريرة
أيضا (قوله يتنزل ربنا) كذا للأكثر بمثناة وتشديد ولأبي ذر عن المستملي والسرخسي ينزل
بحذف التاء والتخفيف وقد تقدم شرحه في كتاب التهجد في باب الدعاء في الصلاة في آخر الليل
وترجم له في الدعوات الدعاء نصف الليل وتقدم هناك مناسبة الترجمة لحديث الباب مع أن لفظه
حين يبقى ثلث الليل ومضى بيان الاختلاف فيما يتعلق بأحاديث الصفات في أوائل كتاب
التوحيد في باب وكان عرشه على الماء والغرض منه هنا قوله فيقول من يدعوني إلى آخره وهو
ظاهر في المراد سواء كان المنادى به ملكا بأمره أو لا لان المراد اثبات نسبة القول إليه وهي حاصلة
على كل من الحالتين وقد نبهت على من أخرج الزيادة المصرحة بأن الله يأمر ملكا فينادي في
كتاب التهجد وتأول ابن حزم النزول بأنه فعل يفعله الله في سماء الدنيا كالفتح لقبول الدعاء وان
تلك الساعة من مظان الإجابة وهو معهود في اللغة تقول فلان نزل لي عن حقه بمعنى وهبه قال
والدليل على انها صفة فعل تعليقه بوقت محدود ومن لم يزل لا يتعلق بالزمان فصح انه فعل حادث
وقد عقد شيخ الاسلام أبو إسماعيل الهروي وهو من المبالغين في الاثبات حتى طعن فيه بعضهم
بسبب ذلك في كتابه الفاروق بابا لهذا الحديث وأورده من طرق كثيرة ثم ذكره من طرق زعم أنها
389

لا تقبل التأويل مثل حديث عطاء مولى أم ضبية عن أبي هريرة بلفظ إذا ذهب ثلث الليل وذكر
الحديث وزاد فلا يزال بها حتى يطلع الفجر فيقول هل من داع يستجاب له أخرجه النسائي وابن
خزيمة في صحيحه وهو من رواية محمد بن إسحاق وفيه اختلاف وحديث ابن مسعود وفيه فإذا طلع
الفجر صعد إلى العرش أخرجه ابن خزيمة وهو من رواية إبراهيم الهجري وفيه مقال وأخرجه
أبو إسماعيل من طريق أخرى عن ابن مسعود قال جاء رجل من بني سليم إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال علمني فذكر الحديث وفيه فإذا انفجر الفجر صعد وهو من رواية عون بن عبد الله
ابن عتبة بن مسعود عن عم أبيه ولم يسمع منه ومن حديث عبادة بن الصامت وفي آخره ثم يعلو
ربنا على كرسيه وهو من رواية إسحاق بن يحيى عن عبادة ولم يسمع منه ومن حديث جابر
وفيه ثم يعلو ربنا إلى السماء العليا إلى كرسيه وهو من رواية محمد بن إسماعيل الجعفري عن
عبد الله بن سلمة بن أسلم وفيهما مقال ومن حديث أبي الخطاب انه سأل النبي صلى الله عليه وسلم
عن الوتر فذكر الوتر وفي آخره حتى إذا طلع الفجر ارتفع وهو من رواية ثوير بن أبي فاخته وهو
ضعيف فهذه الطرق كلها ضعيفة وعلى تقدير ثبوتها لا يقبل قوله إنها لا تقبل التأويل فان
محصلها ذكر الصعود بعد النزول فكما قبل النزول التأويل لا يمنع قبول الصعود التأويل
والتسليم أسلم كما تقدم والله أعلم وقد أجاد هو في قوله في آخر كتابه فأشار إلى ما ورد من الصفات
وكلها من التقريب لا من التمثيل وفي مذاهب العرب سعة يقولون أمر بين كالشمس وجواد
كالريح وحق كالنهار ولا تريد تحقيق الاشتباه وانما تريد تحقيق الاثبات والتقريب على الافهام
فقد علم من عقل أن الماء أبعد الأشياء شبها بالصخر والله يقول في موج كالجبال فأراد العظم
والعلو لا الشبه في الحقيقة والعرب تشبه الصورة بالشمس والقمر واللفظ بالسحر والمواعيد
الكاذبة بالرياح ولا تعد شيئا من ذلك كذبا ولا توجب حقيقة وبالله التوفيق * الحديث الخامس
حديث أبي هريرة أيضا (قوله إنه سمع أبا هريرة انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
نحن الآخرون السابقون يوم القيامة وبهذا الاسناد قال الله أنفق أنفق عليك) تقدم القول
في الحكمة في تصديره هذا الحديث بقوله نحن الآخرون السابقون في كتاب الديات في باب من
أخذ حقه أو اقتص وحاصله انه أول حديث في النسخة فكان البخاري أحيانا إذا ساق منها
حديثا ذكر طرفا من أول حديث فيها ثم ذكر الحديث الذي يريد إيراده وأحيانا لا يصنع
ذلك وقد وقع له في هذا الحديث بعينه كل من الامرين فان هذا القدر وهو قوله أنفق أنفق
عليك طرف من حديث طويل أورده بتمامه في تفسير سورة هود وفيه وقال يد الله ملأى
لا يغيضها نفقة الحديث بتمامه واقتطع هذا القدر فساقه في باب قوله تعالى لما خلقت
بيدي فذكر أوله يد الله ملأى ولم يذكر أوله نحن الآخرون السابقون ولا أنفق أنفق عليك
واقتصر منه هنا على هذا القدر ووقع في الأطراف للمزي في ترجمة شعيب بن أبي حمزة عن أبي
الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة للبخاري في التفسير وفي التوحيد بجميعه عن أبي اليمان عن
شعيب انتهى والمفهوم من إطلاقه أنه في التوحيد نظير ما في التفسير وليس كذلك والغرض
من هذا الحديث نسبة هذا القول إلى الله سبحانه وهو قوله أنفق أنفق عليك وهو من
الأحاديث القدسية * الحديث السادس حديث أبي هريرة (قوله ابن فضيل) هو محمد
390

(قوله عمارة) هو ابن القعقاع بن شبرمة (قوله عن أبي هريرة فقال هذه خديجة) كذا
أورده هنا مختصرا والقائل جبريل كما تقدم في باب تزويج خديجة أو أواخر المناقب عن قتيبة
ابن سعيد عن محمد بن فضيل بهذا السند عن أبي هريرة قال أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم
فقال يا رسول الله هذه خديجة إلى آخره وبهذا يظهر ان جزم الكرماني بان هذا الحديث موقوف
غير مرفوع مردود (قوله أتتك) في رواية المستملى هنا تأتيك بصيغة الفعل المضارع وتقدم
هناك بلفظ أتت بغير ضمير (قوله بإناء فيه طعام أو اناء أو شراب) كذا للأصيلي وأبي ذر وفي
رواية لأبي ذر أو اناء فيه شراب وكذا للباقين وتقدم هناك بلفظ إدام أو طعام أو شراب وقال
الكرماني قوله بإناء فيه طعام أو اناء شك من الراوي هل قال فيه طعام أو قال اناء فقط لم يذكر
ما فيه ويجوز في قوله أو شراب الرفع والجر (قوله فأقرأها) زاد في رواية قتيبة فإذا هي أتتك فاقرأ
عليها وقد تقدمت مباحثه في الباب المذكور والغرض منه قوله فأقرأها من ربها السلام
وتقدم هناك حديث عائشة وفيه وأمره الله أن يبشرها ببيت من قصب وتقدم شرح المراد
بالقصب ومطابقته للترجمة من جهة اقرأ السلام فإنه بمعنى التسليم عليها * الحديث السابع
حديث أبي هريرة قال الله أعددت لعبادي وهو من الأحاديث القدسية والإضافة في قوله تعالى
لعبادي للتشريف وتقدم شرحه في تفسير سورة السجدة وسياقه هناك أتم * الحديث الثامن
حديث ابن عباس في الدعاء في التهجد في الليل وقد تقدم قريبا في باب قوله تعالى خلق السماوات
والأرض بالحق أورده من وجه آخر عن ابن جريج والغرض منه هنا قوله وقولك الحق وقد تقدم
أن المراد بالحق اللازم الثابت * الحديث التاسع حديث عائشة في قصة الإفك ذكر منه طرفا
وقد ذكر منه بهذا الاسناد قطعا يسيرة في ستة مواضع منها في الجهاد والشهادات والتفسير وساقه
بتمامه في الشهادات وفي تفسير سورة النور وتقدم شرحه فيها والغرض منه هنا قولها والله
ما كنت أظن أن الله عز وجل كان ينزل في براءتي وحيا يتلى ومناسبته للترجمة ظاهره من قولها
يتكلم الله * الحديث العاشر حديث أبي هريرة أيضا (قوله يقول الله تعالى إذا أراد عبدي ان
يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها) تقدم شرحه في الرقاق في باب من هم بحسنة أو سيئة وهو
من الأحاديث القدسية أيضا وكذا الأربعة بعده ومناسبته للباب ظاهرة أيضا وقوله فإذا عملها في
رواية الكشميهني فان وقوله في آخره إلى سبعمائة زاد في رواية أبي ذر عن السرخسي ضعف وهي
ثابتة للجميع في آخر حديث ابن عباس في الرقاق واستدل بمفهوم الغاية في قوله لا تكتبوها
391

حتى يعملها وبمفهوم الشرط في قوله فإذا عملها فاكتبوها له بمثلها من قال إن العزم على فعل
المعصية لا يكتب سيئة حتى يقع العمل ولو بالشروع وقد تقدم بسط البحث فيه هناك * الحديث
الحادي عشر حديث أبي هريرة أيضا فيما يتعلق بالرحم وفيه قال الا ترضين ان أصل من وصلك
وفيه قالت بلى يا رب وقد تقدم شرحه في أوائل كتاب الأدب وإسماعيل بن عبد الله شيخه هو ابن أبي
أويس وسليمان هو ابن بلال وصرح إسماعيل بتحديثه له وقد تقدم له حديث في باب المشيئة
والإرادة أدخل فيه أخاه بينه وبين سليمان المذكور قال النووي الرحم التي توصل وتقطع انما
هي معنى من المعاني لا يتأتى منها الكلام إذ هي قرابة تجمعها رحم واحدة فيتصل بعضها ببعض
فالمراد تعظيم شأنها وبيان فضيلة من وصلها واثم من قطعها فورد الكلام على عادة العرب في
استعمال الاستعارات وقال غيره يجوز حمله على ظاهره وتجسد المعاني غير ممتنع في القدرة
* الحديث الثاني عشر حديث زيد بن خالد وهو الجهني ذكر فيه طرفا من حديث مضى بتمامه في
آخر الاستسقاء مع شرحه وسفيان فيه هو ابن عيينة وصالح هو ابن كيسان وعبيد الله هو ابن عبد
الله بن عتبة وقد أخرجه النسائي عن قتيبة والإسماعيلي من رواية محمد بن عباد وأبو نعيم من
رواية إسحاق بن إبراهيم ثلاثتهم عن سفيان وذكرت ما في سياقه من فائدة هناك وقوله هنا مطر
النبي صلى الله عليه وسلم بضم الميم أي وقع المطر بدعائه أو نسب ذلك إليه لان من عداه كان تبعا له
يقال مطرت السماء وأمطرت بمعنى واحد وقيل مطرت في الرحمة وأمطرت في العذاب وقيل مطرت
في اللازم وأمطرت في المتعدي * الحديث الثالث عشر حديث أبي هريرة أيضا (قوله إذا أحب
عبدي لقائي) تقدم الكلام عليه مستوفى في باب من أحب لقاء الله من كتاب الرقاق بعون الله
تعالى قال ابن عبد البر بعد أن اورد الأحاديث الواردة في تخصيص ذلك بوقت الوفاة النبوية دلت
هذه الآثار ان ذلك عند حضور الموت ومعاينة ما هنالك وذلك حين لا تقبل توبة التائب ان لم يتب
قبل ذلك * الحديث الرابع عشر حديث أبي هريرة أيضا (قوله قال الله انا عند ظن عبدي بي)
تقدم في أوائل التوحيد في باب ويحذركم الله نفسه من رواية أبي صالح عن أبي هريرة وأوله يقول
الله وزاد وانا معه إذا ذكرني الحديث وتقدم شرحه هناك مستوفى * الحديث الخامس عشر
حديث أبي هريرة أيضا في قصة الذي أمر بأن يحرقوه إذا مات وقد تقدم شرحه في الرقاق ومن قبل
ذلك في ذكر بني إسرائيل ويأتي شئ منه في آخر هذا الباب وقوله في هذه الطريق قال رجل لم يعمل
خيرا قط إذا مات فحرقوه فيه التفات ونسق الكلام أن يقول إذا مت فحرقوني وقوله فأمر الله
البحر ليجمع في رواية المستملي والكشميهني فجمع * الحديث السادس عشر (قوله حدثنا أحمد بن
إسحاق هو السرماري بفتح المهملة وبكسرها وبسكون الراء تقدم بيانه في ذكر بني إسرائيل
وعمرو بن عاصم هو الكلابي البصري يكنى أبا عثمان وقد حدث عنه البخاري بلا واسطة في كتاب
الصلاة وغيرها فنزل البخاري في هذا السند بالنسبة لهمام درجة وقد وقع هذا الحديث لمسلم عاليا
فإنه أخرجه من طريق حماد بن سلمة عن إسحاق نعم وأخرجه من طريق همام نازلا كالبخاري
وإسحاق بن عبد الله هو ابن أبي طلحة الأنصاري التابعي المشهور وعبد الرحمن بن أبي عمرة تابعي
392

جليل من أهل المدينة له في البخاري عن أبي هريرة عشرة أحاديث غير هذا الحديث واسم أبيه
كنيته وهو أنصاري صحابي ويقال ان لعبد الرحمن رؤية وقال ابن أبي حاتم ليست له صحبة ولهم
عبد الرحمن بن أبي عمرة آخر أدركه مالك وقال ابن عبد البر هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمرة
نسب لجده (قلت) فعلى هذا هو ابن أخي الراوي عنه (قوله إن عبدا أصاب ذنبا وربما قال أذنب
ذنبا) كذا تكرر هذا الشك في هذا الحديث من هذ الوجه ولم يقع في رواية حماد بن سلمة ولفظه عن
النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال أذنب عبد ذنبا وكذا في بقية المواضع
(قوله فقال ربه اعلم) بهمزة استفهام والفعل الماضي (قوله ويأخذ به) أي يعاقب فاعله وفي
رواية حماد ويأخذ بالذنب (قوله ثم مكث ما شاء الله) أي من الزمان وسقط هذا من رواية حماد
(قوله ثم أصاب ذنبا) في رواية حماد ثم عاد فأذنب (قوله في آخره غفرت لعبدي) في رواية حماد
اعمل ما شئت فقد غفرت لك قال ابن بطال في هذا الحديث ان المصر على المعصية في مشيئة الله
تعالى ان شاء عذبه وان شاء غفر له مغلبا الحسنة التي جاء بها وهي اعتقاده ان له ربا خالقا يعذبه
ويغفر له واستغفاره إياه على ذلك يدل عليه قوله من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ولا حسنة
أعظم من التوحيد فان قيل إن استغفاره ربه توبة منه قلنا ليس الاستغفار أكثر من طلب المغفرة
وقد يطلبها المصر والتائب ولا دليل في الحديث على أنه تائب مما سأل الغفران عنه لان حد التوبة
الرجوع عن الذنب والعزم ان لا يعود إليه والاقلاع عنه والاستغفار بمجرده لا يفهم منه ذلك
انتهى وقال غيره شروط التوبة ثلاثة الاقلاع والندم والعزم على أن لا يعود والتعبير بالرجوع
عن الذنب لا يفيد معنى الندم بل هو إلى معنى الاقلاع أقرب وقال بعضهم يكفي في التوبة
تحقق الندم على وقوعه منه فإنه يستلزم الاقلاع عنه والعزم على عدم العود فهما ناشئان عن
الندم لا أصلان معه ومن ثم جاء الحديث الندم توبة وهو حديث حسن من حديث ابن مسعود
أخرجه ابن ماجة وصححه الحاكم وأخرجه ابن حبان من حديث أنس وصححه وقد تقدم البحث
في ذلك في باب التوبة من أوائل كتاب الدعوات مستوفى وقال القرطبي في المفهم يدل هذا
الحديث على عظيم فائدة الاستغفار وعلى عظيم فضل الله وسعة رحمته وحلمه وكرمه لكن هذا
الاستغفار هو الذي ثبت معناه في القلب مقارنا للسان لينحل به عقد الاصرار ويحصل معه الندم
فهو ترجمة للتوبة ويشهد له حديث خياركم كل مفتن تواب ومعناه الذي يتكرر منه الذنب والتوبة
فكلما وقع في الذنب عاد إلى التوبة لا من قال استغفر الله بلسانه وقلبه مصر على تلك المعصية فهذا
الذي استغفاره يحتاج إلى الاستغفار (قلت) ويشهد له ما أخرجه ابن أبي الدنيا من حديث ابن
عباس مرفوعا التائب من الذنب كمن لا ذنب له والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ
بربه والراجح ان قوله والمستغفر إلى آخره موقوف وأوله عند ابن ماجة والطبراني من حديث ابن
مسعود وسنده حسن وحديث خياركم كل مفتن تواب ذكره في مسند الفردوس عن علي قال
القرطبي وفائدة هذ الحديث ان العود إلى الذنب وإن كان أقبح من ابتدائه لأنه انضاف إلى
ملابسة الذنب نقض التوبة لكن العود إلى التوبة أحسن من ابتدائها لأنه انضاف إليها
ملازمة الطلب من الكريم والالحاح في سؤاله والاعتراف بأنه لا غافر للذنب سواه قال النووي
في الحديث ان الذنوب ولو تكررت مائة مرة بل ألفا وأكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته أو تاب
393

عن الجميع توبة واحدة صحت توبته وقوله اعمل ما شئت معناه ما دمت تذنب فتتوب غفرت لك
وذكر في كتاب الاذكار عن الربيع بن خيثم أنه قال لا تقل استغفر الله وأتوب إليه فيكون ذنبا وكذبا
ان لم تفعل بل قل اللهم اغفر لي وتب علي قال النووي هذا حسن واما كراهية أستغفر الله
وتسميته كذبا فلا يوافق عليه لان معنى استغفر الله أطلب مغفرته وليس هذا كذبا قال ويكفي في
رده حديث ابن مسعود بلفظ من قال استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفرت
ذنوبه وإن كان قد فر من الزحف أخرجه أبو داود والترمذي وصححه الحاكم (قلت) هذا في لفظ
أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأما أتوب إليه فهو الذي عنى الربيع رحمه الله انه كذب
وهو كذلك إذا قاله ولم يفعل التوبة كما قال وفي الاستدلال للرد عليه بحديث ابن مسعود نظر
لجواز ان يكون المراد منه ما إذا قالها وفعل شروط التوبة ويحتمل ان يكون الربيع قصد مجموع
اللفظين لا خصوص استغفر الله فيصح كلامه كله والله أعلم ورأيت في الحلبيات للسبكي الكبير
الاستغفار طلب المغفرة اما باللسان أو بالقلب أو بهما فالأول فيه نفع لأنه خير من السكوت ولأنه
يعتاد قول الخير والثاني نافع جدا والثالث أبلغ منهما لكنهما لا يمحصان الذنب حتى توجد التوبة
فان العاصي المصر يطلب المغفرة ولا يستلزم ذلك وجود التوبة منه إلى أن قال والذي ذكرته من
أن معنى الاستغفار هو غير معنى التوبة هو بحسب وضع اللفظ لكنه غلب عند كثير من الناس
أن لفظ استغفر الله معناه التوبة فمن كان ذلك معتقده فهو يريد التوبة لا محاله ثم قال وذكر بعض
العلماء ان التوبة لا تتم الا بالاستغفار لقوله تعالى وان استغفروا ربكم ثم توبوا إليه والمشهور انه
لا يشترط * الحديث السابع عشر حديث أبي سعيد في قصة الذي أمر ان يحرقوه وتقدم التنبيه
عليه في الخامس عشر (قوله معتمر سمعت أبي) هو سليمان بن طرخان التيمي والسند كله بصريون
وفيه ثلاثة من التابعين في نسق (قوله عن عقبة بن عبد الغافر) في رواية شعبة عن قتادة سمعت
عقبة وقد تقدمت في الرقاق مع سائر شرحه وقوله إنه ذكر رجلا فيمن سلف أو فيمن كان قبلكم
شك من الراوي ووقع عند الأصيلي قبلهم وقد مضى في الرقاق عن موسى بن إسماعيل عن معتمر
بلفظ ذكر رجلا فيمن كان سلف قبلكم ولم يشك وقوله قال كلمة يعني أعطاه الله مالا في رواية
موسى آتاه الله مالا وولدا وقوله أي أب كنت لكم قال أبو البقاء هو بنصب أي على أنه خبر كنت
وجاز تقديمه لكونه استفهاما ويجوز الرفع وجوابهم بقولهم خير أب الأجود النصب على تقدير
كنت خير أب فيوافق ما هو جواب عنه ويجوز الرفع بتقدير أنت خير أب وقوله فإنه لم يبتئر أو لم
يبتئز تقدم عزو هذا الشك انها بالراء أو بالزاي لرواية أبي زيد المروزي تبعا للقاضي عياض وقد
وجدتها هنا فيما عندنا من رواية أبي ذر عن شيوخه وقوله فاسحقوني أو قال فاسحكوني في
رواية موسى مثله لكن قال أو قال فاسهكوني بالهاء بدل الحاء المهملة والشك هل قالها بالقاف
أو الكاف قال الخطابي في رواية أخرى فاسحلوني يعني باللام ثم قال معناه أبردوني بالسحل وهو
المبرد ويقال للبرادة سحالة واما اسحكوني بالكاف فأصله السحق فأبدلت القاف كافا ومثله
السهك بالهاء والكاف وقوله في آخره قال فحدثت به أبا عثمان القائل هو سليمان التيمي وذهل
الكرماني فجزم بأنه قتادة وأبو عثمان هو النهدي وقوله سمعت هذا من سلمان إلى آخره سلمان هو
الفارسي وأبو عثمان معروف بالرواية عنه وقد أغفل المزي ذكر هذا الحديث من مسند سلمان في
394

الأطراف وقد تقدم أيضا في الرقاق ونبهت على صفة تخريج الإسماعيلي له وقوله حدثنا موسى
حدثنا معتمر وقال لم يبتئر أي بالراء لم يشك وقد ساقه بتمامه في الرقاق عن موسى المذكور وهو ابن
إسماعيل التبوذكي وساق في آخر روايته حديث سلمان أيضا كذلك وقوله بعده وقال لي خليفة
هو ابن خياط وسقط للأكثر لفظ لي حدثنا معتمر لم يبتئر يعني بالحديث بكماله ولكنه قال لم يبتئز
بالزاي وقوله فسره قتادة لم يدخر وقعت هذه الزيادة في رواية خليفة دون رواية موسى بن إسماعيل
وعبد الله بن أبي الأسود وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية عبيد الله بن معاذ العنبري عن معتمر
وذكر فيه تفسير قتادة هذا وكذا أخرجه أبو نعيم في المستخرج من رواية إسحاق بن إبراهيم
الشهيدي عن معتمر وقد استوعبت اختلاف ألفاظ الناقلين لهذا الخبر في هذه اللفظة في كتاب
الرقاق بما يغني عن اعادته وبالله التوفيق (قوله باب كلام الرب تعالى يوم القيامة
مع الأنبياء وغيرهم) ذكر فيه خمسة أحاديث * الحديث الأول حديث أنس في الشفاعة أورده
مختصرا جدا ثم مطولا وقد مضى شرحه مستوفى في كتاب الرقاق (قوله حدثنا يوسف بن راشد)
هو يوسف بن موسى بن راشد القطان الكوفي نزيل بغداد نسبه لجده وهو بالنسبة لأبيه أشهر
ولهم شيخ آخر يقال له يوسف بن موسى التستري نزيل الري أصغر من القطان وشيخه أحمد بن
عبد الله هو أحمد بن عبد الله بن يونس ينسب لجده كثيرا وأبو بكر بن عياش هو المقرئ
وقد أخرج البخاري عن أحمد بن عبد الله بن يونس عن أبي بكر بن عياش حديثا غير هذا بغير
واسطة بينه وبين أحمد وتقدم في باب الغنى غنى النفس في كتاب الرقاق (قوله إذا كان يوم
القيامة شفعت) كذا للأكثر بضم أوله مشددا وللكشميهني بفتحه مخففا (قوله فقلت يا رب
أدخل الجنة من كان في قلبه خردلة) هكذا في هذه الرواية وفي التي بعدها أن الله سبحانه هو الذي
يقول ذلك وهو المعروف في سائر الأخبار قال ابن التين هذا فيه كلام الأنبياء مع الرب ليس
كلام الرب مع الأنبياء (قوله ثم أقول) ذكر ابن التين أنه وقع عنده بلفظ ثم نقول بالنون
قال ولا أعلم من رواه بالياء فإن كان روي بالياء طابق التبويب أي ثم يقول الله ويكون جوابا
عن اعتراض الداودي حيث قال قوله ثم أقول خلاف لسائر الروايات فان فيها ان الله امره أن
يخرج (قلت) وفيه نظر والموجود عند أكثر الرواة ثم أقول بالهمزة كما لأبي ذر والذي أظن أن
البخاري أشار إلى ما ورد في بعض طرقه كعادته فقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من
طريق أبي عاصم أحمد بن جواس بفتح الجيم والتشديد عن أبي بكر عن عياش ولفظه أشفع
يوم القيامة فيقال لي لك من في قلبه شعيرة ولك من في قلبه خردلة ولك من في قلبه شئ فهذا من
كلام الرب مع النبي صلى الله عليه وسلم ويمكن التوفيق بينهما بأنه صلى الله عليه وسلم يسأل عن
ذلك أولا فيجاب إلى ذلك ثانيا فوقع في إحدى الروايتين ذكر السؤال وفي البقية ذكر الإجابة
وقوله في الأولى من كان في قلبه أدنى شئ قال الداودي هذا زائد على سائر الروايات وتعقب بأنه
مفسر في الرواية الثانية حيث جاء فيها أدنى أدنى مثقال حبة من خردل من ايمان قال الكرماني
قوله أدنى أدنى التكرير للتأكيد ويحتمل أن يراد التوزيع على الحبة والخردل أي أقل حبة
من أقل خردلة من الايمان ويستفاد منه صحة القول بتجزئ الايمان وزيادته ونقصانه
وقوله قال أنس كأني أنظر إلى أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني قوله أدنى شئ وكأنه
395

يضم أصابعه ويشير بها وقوله فأخرجه من النار من النار من النار التكرير للتأكيد أيضا
للمبالغة أو للنظر إلى الأمور الثلاثة من الحبة والخردلة والايمان أو جعل أيضا للنار مراتب
(قلت) سقط تكرير قوله من النار عند مسلم ومن ذكرت معه في رواية حماد بن زيد هذه والله تعالى
أعلم وقد تقدم شرح هذا الحديث مستوفى في أواخر كتاب الرقاق وقوله فيه فذهبنا معنا بثابت
البناني إليه يسأله في رواية الكشميهني فسأله بفاء وصيغة الفعل الماضي قال ابن التين فيه
تقديم الرجل الذي هو من خاصة العالم ليسأله وفي قوله فإذا هو في قصره قال ابن التين فيه اتخاذ
القصر لمن كثرت ذريته وقوله فوافقنا كذا لهم بحذف المفعول وللكشميهني فوافقناه وقوله
ماج الناس أي اختلطوا يقال ماج البحر أي اضطربت أمواجه وقوله فإنه كليم الله كذا للأكثر
وللكشميهني فإنه كلم الله بلفظ الفعل الماضي وقوله فيقال يا محمد في رواية الكشميهني فيقول
في المواضع الثلاثة (قوله وهو متوار في منزل أبي خليفة) هو حجاج بن عتاب العبدي البصري والد
عمر بن أبي خليفة سماه البخاري في تاريخه وتبعه الحاكم أبو أحمد في الكنى (قوله وهو جميع)
أي وهو مجتمع العقل وهو إشارة إلى أنه كان حينئذ لم يدخل في الكبر الذي هو مظنة تفرق الذهن
وحدوث اختلاط الحفظ وقوله فحدثناه بسكون المثلثة وحذف ووقع للكشميهني بفتح المثلثة وحذف
الضمير وقوله قلنا يا أبا سعيد في رواية الكشميهني فقلنا قال ابن التين قال هنا لست لها وفي غيره
لست هنا كم قال وأسقط هنا ذكر نوح وزاد فأقول أنا لها وزاد فأقول أمتي
أمتي قال الداودي
لا أراه محفوظا لان الخلائق اجتمعوا واستشفعوا ولو كان المراد هذه الأمة خاصة لم تذهب إلى غير
نبيها فدل على أن المراد الجميع وإذا كانت الشفاعة لهم في فصل القضاء فكيف يخصها بقوله أمتي
أمتي ثم قال وأول هذه الحديث ليس متصلا بآخره بل بقي بين طلبهم الشفاعة وبين قوله فاشفع
أمور كثيرة من أمور القيامة (قلت) وقد بينت الجواب عن هذا الاشكال عند شرح الحديث بما
يغني عن اعادته هنا وقد أجاب عنه القاضي عياض بأن معنى الكلام فيؤذن له في الشفاعة
396

الموعود بها في فصل القضاء وقوله ويلهمني ابتداء كلام آخر وبيان للشفاعة الأخرى الخاصة
بأمته وفي السياق اختصار وادعى المهلب ان قوله فأقول يا رب أمتي مما زاد سليمان بن حرب
على سائر الرواة كذا قال وهو اجتراء على القول بالظن الذي لا يستند إلى دليل فان سليمان بن حرب
لم ينفرد بهذه الزيادة بل رواها معه سعيد بن منصور عند مسلم وكذا أبو الربيع الزهراني عند مسلم
والإسماعيلي ولم يسق مسلم لفظه ويحيى بن حبيب بن عربي عند النسائي في التفسير ومحمد بن عبيد
ابن حساب ومحمد بن سليمان لوين كلاهما عند الإسماعيلي كلهم عن حماد بن زيد شيخ سليمان بن
حرب فيه بهذه الزيادة وكذا وقعت هذه الزيادة في هذا الموضع من حديث الشفاعة في رواية أبي
هريرة الماضية في كتاب الرقاق وبالله التوفيق * الحديث الثاني (قوله حدثنا محمد بن خالد) في
رواية الكشميهني محمد بن مخلد والأول هو الصواب ولم يذكر أحد ممن صنف في رجال البخاري ولا
في رجال الكتب الستة أحدا اسمه محمد بن مخلد والمعروف محمد بن خالد وقد اختلف فيه فقيل هو
الذهلي وهو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس نسب لجد أبيه وبذلك جزم الحاكم
والكلاباذي وأبو مسعود وقيل محمد بن خالد بن جبلة الرافعي وبذلك جزم أبو أحمد بن عدي
وخلف الواسطي في الأطراف وقد روى هنا عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بالواسطة
وروى عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بلا واسطة عدة أحاديث منها في المغازي والتفسير
والفرائض ومنصور في السند هو ابن المعتمر وإبراهيم هو النخعي وعبيدة بفتح أوله هو ابن عمرو
السلماني وعبد الله هو ابن مسعود ورجال سند هذا إلى عبيد الله بن موسى كوفيون (قوله إن آخر
أهل الجنة دخولا الجنة) الحديث ذكره مختصرا جدا وقد مضى بتمامه مشروحا في الرقاق
وقوله كل ذلك يعيد عليه الجنة في رواية الكشميهني فكل ذلك وقوله في آخره عشر مرار في رواية
الكشميهني عشر مرات * الحديث الثالث حديث عدي بن حاتم ما منكم من أحد الا سيكلمه
ربه وقد تقدم شرحه في كتاب الرقاق وقوله قال الأعمش وحدثني عمرو بن مرة هو موصول
بالسند الذي قبله إليه * الحديث الرابع حديث عبد الله وهو ابن مسعود قال جاء حبر من اليهود
فذكر الحديث وقد تقدم شرحه مستوفى في باب قول الله تعالى لما خلقت بيدي وتقدم كلام
الخطابي في إنكاره تارة وفي تأويله أخرى وقال أيضا الاستدلال بالتبسم والضحك في مثل هذا
الامر العظيم غير سائغ مع تكافئ وجهي الدلالة المتعارضين فيه ولو صح الخبر لكان ظاهر اللفظ
منه متأولا على نوع من المجاز وضرب من التمثيل مما جرت عادة الكلام بين الناس في عرف
تخاطبهم فيكون المعنى ان قدرته على طيها وسهولة الامر في جمعها بمنزلة من جمع شيئا في كفه
فاستخف حمله فلم يشتمل عليه بجميع كفه لكنه أقله ببعض أصابعه وقد يقول الانسان في الامر
الشاق إذا أضيف إلى القوي أنه يأتي عليه بأصبع أو أنه يقله بخنصره ثم قال والظاهر أن هذا من
تخليط اليهود وتحريفهم وان ضحكه عليه الصلاة والسلام انما كان على معنى التعجب والنكير له
والعلم عند الله تعالى * الحديث الخامس حديث ابن عمر في النجوى (قوله يدنو أحدكم من ربه) قال
397

ابن التين يعني يقرب من رحمته وهو سائغ في اللغة يقال فلان قريب من فلان ويراد الرتبة ومثله ان
رحمت الله قريب من المحسنين وقوله فيضع كنفه (2) بفتح الكاف والنون بعدها فاء المراد بالكنف
الستر وقد جاء مفسرا بذلك في رواية عبد الله بن المبارك عن محمد بن سواء عن قتادة فقال في آخر
الحديث قال عبد الله بن المبارك كنفه ستره أخرجه المصنف في كتاب خلق أفعال العباد والمعنى أنه
تحيط به عنايته التامة ومن رواه بالمثناة المكسورة فقد صحف على ما جزم به جمع من العلماء (قوله
وقال آدم حدثنا شيبان) وهو ابن عبد الرحمن إلى آخره ذكر هذه الرواية لتصريح قتادة فيها بقوله
حدثنا صفوان وهكذا ذكره عن آدم في كتاب خلق أفعال العباد * (تنبيهان) * أحدهما ليس
في أحاديث الباب كلام الرب مع الأنبياء الا في حديث أنس وسائر أحاديث الباب في كلام الرب
مع غير الأنبياء وإذا ثبت كلامه مع غير الأنبياء فوقوعه للأنبياء بطريق الأولى * الثاني تقدم في
الحديث الأول ما يتعلق بالترجمة وأما الثاني فيختص بالركن الثاني من الترجمة وهو قوله وغيرهم
وأما سائرها فهو شامل للأنبياء ولغير الأنبياء على وفق الترجمة (قوله باب ما جاء
في قوله عز وجل وكلم الله موسى تكليما) كذا لأبي زيد المروزي ومثله لأبي ذر لكن بحذف
لفظ قوله عز وجل ولغيرهما باب قوله تعالى وكلم الله موسى تكليما قال الأئمة هذه الآية أقوى
ما ورد في الرد على المعتزلة قال النحاس أجمع النحويون على أن الفعل إذا أكد بالمصدر لم يكن
مجازا فإذا قال تكليما وجب ان يكون كلاما على الحقيقة التي تعقل وأجاب بعضهم بأنه كلام
على الحقيقة لكن محل الخلاف هل سمعه موسى من الله تعالى حقيقة أو من الشجرة فالتأكيد
رفع المجاز عن كونه غير كلام اما المتكلم به فمسكوت عنه ورد بأنه لا بد من مراعاة المحدث عنه فهو
لرفع المجاز عن النسبة لأنه قد نسب الكلام فيها إلى الله فهو المتكلم حقيقة ويؤكده قوله في سورة
الأعراف اني اصطفيتك عن الناس برسالاتي وبكلامي وأجمع السلف والخلف من أهل السنة
وغيرهم على أن كلم هنا من الكلام ونقل الكشاف عن بدع بعض التفاسير انه من الكلم
بمعنى الجرح وهو مردود بالاجماع المذكور قال ابن التين اختلف المتكلمون في سماع كلام
الله فقال الأشعري كلام الله القائم بذاته يسمع عند تلاوة كل تال وقراءة كل قارئ وقال
الباقلاني انما تسمع التلاوة دون المتلو والقراءة دون المقروء وتقدم في باب يريدون ان يبدلوا
كلام الله شئ من هذا وأورد البخاري في كتاب خلق أفعال العباد ان خالد بن عبد الله القسري
قال إني مضحى بالجعد بن درهم فإنه يزعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما وتقدم
في أول التوحيد أن سلم بن أحوز قتل جهم بن صفوان لأنه أنكر ان الله كلم موسى تكليما ثم ذكر
فيه ثلاثة أحاديث * أحدها حديث أبي هريرة احتج آدم وموسى وقد مضى شرحه في كتاب القدر
والمراد منه قوله أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وكلامه وللكشميهني وبكلامه * ثانيها
حديث أنس في الشفاعة أورد منه طرفا من أوله إلى قوله في ذكر آدم ويذكر لهم خطيئته التي أصاب
وقد مضى شرحه مستوفى في كتاب الرقاق قال الإسماعيلي أراد ذكر موسى قالوا له وكلمك الله فلم
يذكره (قلت) جرى على عادته في الإشارة وقد مضى في تفسير البقرة عن مسلم بن إبراهيم شيخه هنا
وساقه فيه بطوله وفيه ائتوا موسى عبدا كلمه الله وأعطاه التوراة الحديث ومضى أيضا في كتاب
التوحيد هذا في باب قول الله تعالى لما خلقت بيدي عن معاذ بن فضالة عن هشام بهذا السند
398

وساق الحديث بطوله أيضا وفيه ائتوا موسى عبدا آتاه الله التوراة وكلمه تكليما وكذا وقع في
حديث أبي بكر الصديق في الشفاعة الذي أخرجه أحمد وغيره وصححه أبو عوانة وغيره فيأتون
إبراهيم فيقول انطلقوا إلى موسى فان الله كلمه تكليما وذكر البخاري في كتاب خلق أفعال العباد
منه هذا القدر تعليقا * ثالثها حديث أنس في المعراج أورده من رواية شريك بن عبد الله أي ابن
أبي نمر بفتح النون وكسر الميم وهو مدني تابعي يكنى أبا عبد الله وهو أكبر من شريك بن عبد الله
النخعي القاضي وقد أورد بعض هذا الحديث في الترجمة النبوية وأورد حديث الاسراء من
رواية الزهري عن أنس عن أبي ذر في أوائل كتاب الصلاة وأورده من رواية قتادة عن أنس عن
مالك بن صعصعة في بدء الخلق وفي أوائل البعثة قبل الهجرة وشرحته هناك وأخرت ما يتعلق
برواية شريك هذه هنا لما اختصت به من المخالفات (قوله ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه
وسلم من مسجد الكعبة أنه جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه) في رواية الكشميهني إذ جاء بدل انه
جاءه والأول أولى والنفر الثلاثة لم أقف على تسميتهم صريحا لكنهم من الملائكة وأخلق بهم أن
يكونوا من ذكر في حديث جابر الماضي في أوائل الاعتصام بلفظ جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله
عليه وسلم وهو نائم فقال بعضهم انه نائم وقال بعضهم ان العين نائمة والقلب يقظان وبينت هناك
أن منهم جبريل وميكائيل ثم وجدت التصريح بتسميتهما في رواية ميمون بن سياه عن أنس
عند الطبراني ولفظه فأتاه جبريل وميكائيل فقالا أيهم وكانت قريش تنام حول الكعبة فقالا
أمرنا بسيدهم ثم ذهبا ثم جاءا وهم ثلاثة فألقوه فقلبوه لظهره وقوله وقبل قبل أن يوحى إليه أنكرها
الخطابي وابن حزم وعبد الحق والقاضي عياض والنووي وعبارة النووي وقع في رواية شريك
يعني هذه أوهام أنكرها العلماء أحدها قوله قبل أن يوحى إليه وهو غلط لم يوافق عليه وأجمع
العلماء على أن فرض الصلاة كان ليلة الاسراء فكيف يكون قبل الوحي انتهى وصرح
المذكورون بأن شريكا تفرد بذلك وفي دعوى التفرد نظر فقد وافقه كثير بن خنيس بمعجمة ونون
مصغر عن أنس كما أخرجه سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي في كتاب المغازي من طريقه (قوله
وهو نائم في المسجد الحرام) قد أكد هذا بقوله في آخر الحديث فاستيقظ وهو في المسجد الحرام
ونحوه ما وقع في حديث مالك بن صعصعة بين النائم واليقظان وقد قدمت وجه الجمع بين مختلف
الروايات في شرح الحديث (قوله فقال أولهم أيهم هو) فيه اشعار بأنه كان نائما بين جماعة
أقلهم اثنان وقد جاء أنه كان نائما معه حينئذ حمزة بن عبد المطلب عمه وجعفر بن أبي طالب بن عمه
(قوله فقال أحدهم خذوا خيرهم فكانت تلك الليلة) الضمير المستتر في كانت لمحذوف وكذا خبر
كان والتقدير فكانت القصة الواقعة تلك الليلة ما ذكر هنا (قوله فلم يرهم) أي بعد ذلك (حتى
اتوه ليلة أخرى) ولم يعين المدة التي بين المجيئين فيحمل على أن المجئ الثاني كان بعد أن أوحى إليه
وحينئذ وقع الاسراء والمعراج وقد سبق بيان الاختلاف في ذلك عند شرحه وإذا كان
بين المجيئين مدة فلا فرق في ذلك بين أن تكون تلك المدة ليلة واحدة أو ليالي كثيرة أو عدة سنين
وبهذا يرتفع الاشكال عن رواية شريك ويحصل به الوفاق أن الاسراء كان في اليقظة بعد البعثة
وقبل الهجرة ويسقط تشنيع الخطابي وابن حزم وغيرهما بأن شريكا خالف الاجماع في دعواه
ان المعراج كان قبل البعثة وبالله التوفيق وأما ما ذكره بعض الشراح انه كان بين الليلتين اللتين
399

أتاه فيهما الملائكة سبع وقيل ثمان وقيل تسع وقيل عشر وقيل ثلاثة عشر فيحمل على إرادة
السنين لا كما فهمه الشارح المذكور أنها ليال وبذلك جزم ابن القيم في هذا الحديث نفسه
وأقوى ما يستدل به ان المعراج بعد البعثة قوله في هذا الحديث نفسه ان جبريل قال لبواب
السماء إذ قال له ابعث قال نعم فإنه ظاهر في أن المعراج كان بعد البعثة فيتعين ما ذكرته من
التأويل وأما قوله في آخره فاستيقظ وهو عند المسجد الحرام فان حمل على ظاهره جاز ان يكون
نام بعد أن هبط من السماء فاستيقظ وهو عند المسجد الحرام وجاز أن يؤول قوله استيقظ أي
أفاق مما كان فيه فإنه كان إذا أوحي إليه يستغرق فيه فإذا انتهى رجع إلى حالته الأولى فكني
عنه بالاستيقاظ (قوله فيما يرى قلبه وتنام عينه ولا ينام قلبه وكذلك الأنبياء) تقدم الكلام
عليه في الترجمة النبوية (قوله فلم يكلموه حتى احتملوه) تقدم وجه الجمع بين هذا وبين قوله
في حديث أبي ذر فرج سقف بيتي وقوله في حديث مالك بن صعصعة بأنه كان في الحطيم عند شرحه
بناء على اتحاد قصة الاسراء أما ان قلنا إن الاسراء كان متعددا فلا اشكال أصلا (قوله فشق
جبريل ما بين نحره إلى لبته) بفتح اللام وتشديد الموحدة وهي موضع القلادة من الصدر ومن
هناك تنحر الإبل وقد تقدم عند شرحه الرد على من أنكر شق الصدر عند الاسراء وزعم أن ذلك
انما وقع وهو صغير وبينت انه ثبت كذلك في غير رواية شريك في الصحيحين من حديث أبي ذر
وان شق الصدر وقع أيضا عند البعثة كما أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده وأبو نعيم والبيهقي
في دلائل النبوة وذكر أبو بشر الدولابي بسنده انه صلى الله عليه وسلم رأى في المنام ان بطنه
أخرج ثم أعيد فذكر ذلك لخديجة الحديث وتقدم بيان الحكمة في تعدد ذلك ووقع شق الصدر
الكريم أيضا في حديث أبي هريرة حين كان ابن عشر سنين وهو عند عبد الله بن أحمد في زيادات
المسند وتقدم الالمام بشئ من ذلك في الترجمة النبوية ووقع في الشفاء ان جبريل قال لما غسل
قلبه قلب سديد فيه عينان تبصران وأذنان تسمعان (قوله ثم اتى بطست محشوا) كذا وقع
بالنصب وأعرب بأنه حال من الضمير الجار والمجرور والتقدير بطست كائن من ذهب فنقل
الضمير من اسم الفاعل إلى الجار والمجرور وتقدم في كتاب الصلاة بلفظ محشو بالجر على الصفة
لا اشكال فيه واما قوله ايمانا فمنصوب على التمييز وقوله وحكمة معطوف عليه (قوله بطست
من ذهب فيه نور من ذهب) التور بمثناة تقدم بيانه في كتاب الوضوء وهذا يقتضي انه غير
الطست وانه كان داخل الطست فقد تقدم في أوائل الصلاة في شرح حديث أبي ذر في الاسراء
انهم غسلوه بماء زمزم فإن كانت هذه الزيادة محفوظة احتمل ان يكون أحدهما فيه ماء زمزم
والآخر هو المحشو بالايمان واحتمل ان يكون التور ظرف الماء وغيره والطست لما يصب فيه
عند الغسل صيانة له عن التبدد في الأرض وجريا له على العادة في الطست وما يوضع فيه الماء
(قوله فحشى به صدره) في رواية الكشميهني فحشا بفتح الحاء والشين وصدره بالنصب ولغيره
بضم الحاء وكسر الشين وصدره بالرفع (قوله ولغاديده) بغين معجمة فسره في هذه الرواية بأنها
عروق حلقه وقال أهل اللغة هي اللحمات التي بين الحنك وصفحة العنق واحدها لغدود ولغديد
ويقال له أيضا لغد وجمعه ألغاد (قوله ثم أطبقه ثم عرج به إلى السماء الدنيا) إن كانت القصة
متعددة فلا اشكال وإن كانت متحدة ففي هذا السياق حذف تقديره ثم أركبه البراق إلى بيت
400

المقدس ثم أتى بالمعراج كما في حديث مالك بن صعصعة فغسل به قلبي ثم حشي ثم أعيد ثم أتيت بدابة
فحملت عليه فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا وفي سياقه أيضا حذف تقديره حتى اتى
بي بيت المقدس ثم أتى بالمعراج كما في رواية ثابت عن أنس رفعه أتيت بالبراق فركبته حتى أتى بي
بيت المقدس فربطته ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم عرج بي إلى السماء (قوله
فاستبشر (2) به أهل السماء) كأنهم كانوا أعلموا أنه سيعرج به فكانوا مترقبين ذلك (قوله لا يعلم
أهل السماء بما يريد) في رواية الكشميهني ما يريد (الله به في الأرض حتى يعلمهم) أي على لسان
من شاء كجبريل (قوله فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان) أي يجريان وظاهر هذا يخالف
حديث مالك بن صعصعة فان فيه بعد ذكر سدرة المنتهى فإذا في أصلها أربعة أنهار ويجمع بأن
أصل نبعهما من تحت سدرة المنتهى ومقرهما في السماء الدنيا ومنها ينزلان إلى الأرض فوقع
هنا النيل والفرات عنصرها والعنصر بضم العين والصاد المهملتين بينهما نون ساكنة هو الأصل
(قوله ثم مضى به في السماء الدنيا فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب يده) أي في
النهر (فإذا هو) أي طينه (مسك أذفر قال ما هذا يا جبريل قال هذا الكوثر الذي خبأ) بفتح المعجمة
والموحدة مهموز أي ادخر (لك ربك) وهذا مما يستشكل من رواية شريك فان الكوثر في الجنة
والجنة في السماء السابعة وقد أخرج أحمد من حديث حميد الطويل عن أنس رفعه دخلت
الجنة فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ فضربت بيدي في مجرى مائه فإذا مسك أذفر فقال جبريل
هذا الكوثر الذي أعطاك الله تعالى وأصل هذا الحديث عند البخاري بنحوه وقد مضى في التفسير
من طريق قتادة عن أنس لكن ليس فيه ذكر الجنة وأخرجه أبو داود والطبري من طريق سليمان
التيمي عن قتادة ولفظه لما عرج بنبي الله صلى الله عليه وسلم عرض له في الجنة نهر الحديث ويمكن
ان يكون في هذا الموضع شئ محذوف تقديره ثم مضى به في السماء الدنيا إلى السابعة فإذا هو بنهر
(قوله كل سماء فيها أنبياء قد سماهم فوعيت منهم إدريس في الثانية وهارون في الرابعة وآخر في
الخامسة ولم أحفظ اسمه وإبراهيم في السادسة وموسى في السابعة) كذا في رواية شريك وفي
حديث الزهري عن أنس عن أبي ذر قال أنس فذكر انه وجد في السماوات آدم وإدريس وموسى
وعيسى وإبراهيم ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه ذكر انه وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في
السماء السادسة انتهى وهذا موافق لرواية شريك في إبراهيم وهما مخالفان لرواية قتادة عن
أنس عن مالك بن صعصعة وقد قدمت في شرحه ان الأكثر وافقوا قتادة وسياقه يدل على رجحان
روايته فإنه ضبط اسم كل نبي والسماء التي هو فيها ووافقه ثابت عن أنس وجماعة ذكرتهم هناك
فهو المعتمد لكن ان قلنا إن القصة تعددت فلا ترجيح ولا اشكال (قوله وموسى في السابعة
بفضل كلامه لله) في رواية أبي ذر عن الكشميهني بتفضيل كلام الله وهي رواية الأكثر
وهي مراد الترجمة والمطابق لقوله تعالى اني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي وهذا
التعليق يدل على أن شريكا ضبط كون موسى في السماء السابعة وقد قدمنا أن حديث أبي ذر
يوافقه لكن المشهور في الروايات ان الذي في السابعة هو إبراهيم واكد ذلك في حديث مالك بن
صعصعة بأنه كان مسندا ظهره إلى البيت المعمور فمع التعدد لا اشكال ومع الاتحاد فقد جمع بأن
موسى كان في حالة العروج في السادسة وإبراهيم في السابعة على ظاهر حديث مالك بن صعصعة
401

وعند الهبوط كان موسى في السابعة لأنه لم يذكر في القصة أن إبراهيم كلمه في شئ مما يتعلق بما
فرض الله على أمته من الصلاة كما كلمه موسى والسماء السابعة هي أول شئ انتهى إليه حالة الهبوط
فناسب ان يكون موسى بها لأنه هو الذي خاطبه في ذلك كما ثبت في جميع الروايات ويحتمل ان
يكون لقي موسى في السادسة فأصعد معه إلى السابعة تفضيلا له على غيره من أجل كلام الله تعالى
وظهرت فائدة ذلك في كلامه مع المصطفى فيما يتعلق بأمر أمته في الصلاة وقد أشار النووي إلى
شئ من ذلك والعلم عند الله تعالى (قوله فقال موسى رب لم أظن أن ترفع علي أحدا) كذا للأكثر
بفتح المثناة ثم ترفع واحدا بالنصب وفي رواية الكشميهني أن يرفع بضم التحتانية أوله واحد
بالرفع قال ابن بطال فهم موسى من اختصاصه بكلام الله تعالى له في الدنيا دون غيره من البشر
لقوله اني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي ان المراد بالناس هنا البشر كلهم وأنه استحق
بذلك ان لا يرفع أحد عليه فلما فضل الله محمدا عليه عليهما الصلاة والسلام بما أعطاه من المقام
المحمود وغيره ارتفع على موسى وغيره بذلك ثم ذكر الاختلاف في أن الله سبحانه وتعالى في ليلة
الاسراء كلم محمدا صلى الله عليه وسلم بغير واسطة أو بواسطة والخلاف في وقوع الرؤية للنبي
صلى الله عليه وسلم بعين رأسه أو بعين قلبه في اليقظة أو في المنام وقد مضى بيان الاختلاف في
ذلك في تفسير سورة النجم بما يغني عن اعادته (قوله ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه الا الله حتى جاء
سدرة المنتهى) كذا وقع في رواية شريك وهو مما خالف فيه غيره فان الجمهور على أن سدرة
المنتهى في السابعة وعند بعضهم في السادسة وقد قدمت وجه الجمع بينهما عند شرحه ولعل في
السياق تقديما وتأخيرا وكان ذكر سدرة المنتهى قبل ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه الا الله وقد
وقع في حديث أبي ذر ثم عرج بي حتى ظهرت بمستوى أسمع فيه صريف الأقلام وقد تقدم تفسير
المستوى والصريف عند شرحه في أول كتاب الصلاة ووقع في رواية ميمون بن سياه عن أنس عند
الطبري بعد ذكر إبراهيم في السابعة فإذا هو بنهر فذكر أمر الكوثر قال ثم خرج إلى سدرة المنتهى
وهذا موافق للجمهور ويحتمل ان يكون المراد بما تضمنته هذه الرواية من العلو البالغ لسدرة
المنتهى صفة أعلاها وما تقدم صفة أصلها (قوله ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه
قاب قوسين أو أدنى) في رواية ميمون المذكورة فدنا ربك عز وجل فكان قاب قوسين أو أدنى
قال الخطابي ليس في هذا الكتاب يعني صحيح البخاري حديث أشنع ظاهرا ولا أشنع مذاقا من هذا
الفصل فأنه يقتضي تحديد المسافة بين أحد المذكورين وبين الآخر وتمييز مكان كل واحد منهما
هذا إلى ما في التدلي من التشبيه والتمثيل له بالشئ الذي تعلق من فوق إلى أسفل قال فمن لم يبلغه
من هذا الحديث الا هذا القدر مقطوعا عن غيره ولم يعتبره بأول القصة وآخرها اشتبه عليه وجهه
ومعناه وكان قصاراه ما رد الحديث من أصله واما الوقوع في التشبيه وهما خطتان مرغوب عنهما
واما من اعتبر أول الحديث بآخره فإنه يزول عنه الاشكال فأنه مصرح فيهما بأنه كان رؤيا لقوله
في أوله وهو نائم وفي آخره استيقظ وبعض الرؤيا مثل يضرب ليتأول على الوجه الذي يجب أن
يصرف إليه معنى التعبير في مثله وبعض الرؤيا لا يحتاج إلى ذلك بل يأتي كالمشاهدة (قلت) وهو
كما قال ولا التفات إلى من تعقب كلامه بقوله في الحديث الصحيح ان رؤيا الأنبياء وحي فلا يحتاج
إلى تعبير لأنه كلام من لم يمعن النظر في هذا المحل فقد تقدم في كتاب التعبير أن بعض مرأى
402

الأنبياء يقبل التعبير وتقدم من أمثلة ذلك قول الصحابة له صلى الله عليه وسلم في رؤية القميص فما
أولته يا رسول الله قال الدين وفي رؤية اللبن قال العلم إلى غير ذلك لكن جزم الخطابي بأنه كان في
المنام متعقب بما تقدم تقريره قبل ثم قال الخطابي مشيرا إلى رفع الحديث من أصله بأن القصة
بطولها انما هي حكاية يحكيها أنس من تلقاء نفسه لم يعزها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا نقلها
عنه ولا أضافها إلى قوله فحاصل الامر في النقل انها من جهة الراوي اما من أنس واما من شريك
فإنه كثير التفرد بمناكير الألفاظ التي لا يتابعه عليها سائر الرواة انتهى وما نفاه من أن أنسا لم
يسند هذه القصة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا تأثير له فأدنى أمره فيها ان يكون مرسل صحابي
فاما ان يكون تلقاها عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي تلقاها عنه ومثل ما اشتملت عليه
لا يقال بالرأي فيكون لها حكم الرفع ولو كان لما ذكره تأثير لم يحمل حديث أحد روى مثل ذلك
على الرفع أصلا وهو خلاف عمل المحدثين قاطبة فالتعليل بذلك مردود ثم قال الخطابي ان الذي
وقع في هذه الرواية من نسبة التدلي للجبار عز وجل مخالف لعامة السلف والعلماء وأهل التفسير
من تقدم منهم ومن تأخر قال والذي قيل فيه ثلاثة أقوال أحدها انه دنا جبريل من محمد صلى الله
عليه وسلم فتدلى أي تقرب منه وقيل هو على التقديم والتأخير أي تدلى فدنا لان التدلي بسبب
الدنو الثاني تدلى له جبريل بعد الانتصاب والارتفاع حتى رآه متدليا كما رآه مرتفعا وذلك من
آيات الله حيث أقدره على أن يتدلى في الهواء من غير اعتماد على شئ ولا تمسك بشئ الثالث دنا
جبريل فتدلى محمد صلى الله عليه وسلم ساجدا لربه تعالى شكرا على ما أعطاه قال وقد روى هذا
الحديث عن أنس من غير طريق شريك فلم يذكر فيه هذه الألفاظ الشنيعة وذلك مما يقوي الظن
أنها صادرة من جهة شريك انتهى وقد أخرج الأموي في مغازيه ومن طريقه البيهقي عن محمد
ابن عمرو عن أبي سلمة عن ابن عباس في قوله تعالى ولقد رآه نزلة أخرى قال دنا منه ربه وهذا سند
حسن وهو شاهد قوي لرواية شريك ثم قال الخطابي وفي هذا الحديث لفظة أخرى تفرد بها
شريك أيضا لم يذكرها غيره وهي قوله فعلا به يعني جبريل إلى الجبار تعالى فقال وهو مكانه يا رب
خفف عنا قال والمكان لا يضاف إلى الله تعالى انما هو مكان النبي صلى الله عليه وسلم في مقامه
الأول الذي قام فيه قبل هبوطه انتهى وهذا الأخير متعين وليس في السياق تصريح بإضافة
المكان إلى الله تعالى وأما ما جزم به من مخالفة السلف والخلف لرواية شريك عن أنس في التدلي
ففيه نظر فقد ذكرت من وافقه وقد نقل القرطبي عن ابن عباس أنه قال دنا الله سبحانه وتعالى
قال والمعنى دنا أمره وحكمه وأصل التدلي النزول إلى الشئ حتى يقرب منه قال وقيل
تدلى الرفرف لمحمد صلى الله عليه وسلم حتى جلس عليه ثم دنا محمد من ربه انتهى وقد تقدم في
تفسير سورة النجم ما ورد من الأحاديث في أن المراد بقوله رآه ان النبي صلى الله عليه وسلم رأى
جبريل له ستمائة جناح ومضى بسط القول في ذلك هناك ونقل البيهقي نحو ذلك عن أبي هريرة
قال فاتفقت روايات هؤلاء على ذلك ويعكر عليه قوله بعد ذلك فأوحى إلى عبده ما أوحى ثم نقل
عن الحسن أن الضمير في عبده لجبريل والتقدير فأوحى الله إلى جبريل وعن الفراء التقدير
فأوحى جبريل إلى عبد الله محمد ما اوحى وقد أزال العلماء اشكاله فقال القاضي عياض في الشفاء
إضافة الدنو والقرب إلى الله تعالى أو من الله ليس دنو مكان ولا قرب زمان وانما هو بالنسبة إلى
403

النبي صلى الله عليه وسلم إبانة لعظيم منزلته وشريف رتبته وبالنسبة إلى الله عز وجل تأنيس لنبيه
واكرام له ويتأول فيه ما قالوه في حديث ينزل ربنا إلى السماء وكذا في حديث من تقرب مني شبرا
تقربت منه ذراعا وقال غيره الدنو مجاز عن القرب المعنوي لاظهار عظيم منزلته عند ربه تعالى
والتدلي طلب زيادة القرب وقاب قوسين بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم عبارة عن لطف
المحل وإيضاح المعرفة وبالنسبة إلى الله إجابة سؤاله ورفع درجته وقال عبد الحق في الجمع بين
الصحيحين زاد فيه يعني شريكا زيادة مجهولة واتى فيه بألفاظ غير معروفة وقد روى الاسراء
جماعة من الحفاظ فلم يأت أحد منهم بما اتى به شريك وشريك ليس بالحافظ وسبق إلى ذلك أبو محمد
ابن حزم فيما حكاه الحافظ أبو الفضل بن طاهر في جزء جمعه سماه الانتصار لأيامي الأمصار فنقل
فيه عن الحميدي عن ابن حزم قال لم نجد للبخاري ومسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا الا حديثين
ثم غلبه في تخريجه الوهم مع اتقانهما وصحة معرفتهما فذكر هذا الحديث وقال فيه ألفاظ معجمة
والآفة من شريك من ذلك قوله قبل ان يوحى إليه وانه حينئذ فرض عليه الصلاة قال وهذا
لا خلاف بين أحد من أهل العلم انما كان قبل الهجرة بسنة وبعد ان أوحي إليه بنحو اثني عشرة
سنة ثم قوله إن الجبار دنا فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى وعائشة رضي الله عنها تقول
ان الذي دنى فتدلى جبريل انتهى وقد تقدم الجواب عن ذلك وقال أبو الفضل بن طاهر تعليل
الحديث بتفرد شريك ودعوى ابن حزم ان الآفة منه شئ لم يسبق إليه فان شريكا قبله أئمة
الجرح والتعديل ووثقوه ورووا عنه وادخلوا حديثه في تصانيفهم واحتجوا به وروى عبد الله
ابن أحمد الدورقي وعثمان الدارمي وعباس الدوري عن يحيى بن معين لا بأس به وقال ابن عدي
مشهور من أهل المدينة حدث عنه مالك وغيره من الثقات وحديثه إذا روى عنه ثقة لا بأس به
الا ان يروي عنه ضعيف قال ابن طاهر وحديثه هذا رواه عنه ثقة وهو سليمان بن بلال قال
وعلى تقدير تسليم تفرده بقوله قبل أن يوحى إليه لا يقتضي طرح حديثه فوهم الثقة في موضع
من الحديث لا يسقط جميع الحديث ولا سيما إذا كان الوهم لا يستلزم ارتكاب محذور ولو وهم
حديث من وهم في تاريخ لترك حديث جماعة من أئمة المسلمين ولعله أراد أن يقول بعد أن أوحي
إليه فقال قبل أن يوحى إليه انتهى وقد سبق إلى التنبيه على ما في رواية شريك من المخالفة
مسلم في صحيحه فإنه قال بعد أن ساق سنده وبعض المتن ثم قال فقدم وأخر وزاد ونقص وسبق
ابن حزم أيضا إلى الكلام في شريك أبو سليمان الخطابي كما قدمته وقال فيه النسائي وأبو محمد
ابن الجارود ليس بالقوي وكان يحيى بن سعيد القطان لا يحدث عنه نعم قال محمد بن سعد وأبو
داود ثقة فهو مختلف فيه فإذا تفرد عد ما ينفرد به شاذا وكذا منكرا على رأي من يقول المنكر
والشباذ شئ واحد والأولى التزام ورود المواضع التي خالف فيها غيره والجواب عنها اما بدفع تفرده
واما بتأويله على وفاق الجماعة ومجموع ما خالفت فيه رواية شريك غيره من المشهورين عشرة
أشياء بل تزيد على ذلك الأول أمكنة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في السماوات وقد أفصح بأنه
لم يضبط منازلهم وقد وافقه الزهري في بعض ما ذكر كما سبق في أول كتاب الصلاة الثاني كون
المعراج قبل البعثة وقد سبق الجواب عن ذلك وأجاب بعضهم عن قوله قبل أن يوحى بأن القبلية
هنا في أمر مخصوص وليست مطلقة واحتمل ان يكون المعنى قبل ان يوحى إليه في شأن
404

الاسراء والمعراج مثلا أي أن ذلك وقع بغتة قبل ان ينذر به ويؤيده قوله في حديث الزهري فرج
سقف بيتي الثالث كونه مناما وقد سبق الجواب عنه أيضا بما فيه غنية الرابع مخالفته في
محل سدرة المنتهى وانها فوق السماء السابعة بما لا يعلمه الا الله والمشهور انها في السابعة أو
السادسة كما تقدم الخامس مخالفته في النهرين وهما النيل والفرات وان عنصرهما في السماء
الدنيا والمشهور في غير روايته أنهما في السماء السابعة وانهما من تحت سدرة المنتهى السادس
شق الصدر عند الاسراء وقد وافقته رواية غيره كما بينت ذلك في شرح رواية قتادة عن أنس عن
مالك بن صعصعة وقد أشرت إليه أيضا هنا السابع ذكر نهر الكوثر في السماء الدنيا والمشهور في
الحديث انه في الجنة كما تقدم التنبيه عليه الثامن نسبة الدنو والتدلي إلى الله عز وجل والمشهور
في الحديث انه جبريل كما تقدم التنبيه عليه التاسع تصريحه بأن امتناعه صلى الله عليه وسلم
من الرجوع إلى سؤال ربه التخفيف كان عند الخامسة ومقتضى رواية ثابت عن أنس انه كان
بعد التاسعة العاشر قوله فعلا به إلى الجبار فقال وهو مكانه وقد تقدم ما فيه الحادي عشر
رجوعه بعد الخمس والمشهور في الأحاديث أن موسى عليه الصلاة والسلام امره بالرجوع
بعد أن انتهى التخفيف إلى الخمس فامتنع كما سأبينه الثاني عشر زيادة ذكر التور في الطست وقد
تقدم ما فيه فهذه أكثر من عشرة مواضع في هذا الحديث لم أرها مجموعة في كلام أحد ممن تقدم
وقد بينت في كل واحد اشكال من استشكله والجواب عنه ان أمكن وبالله التوفيق وقد
جزم ابن القيم في الهدى بأن في رواية شريك عشرة أوهام لكن عد مخالفته لمحال الأنبياء أربعة
منها وانا جعلتها واحدة فعلى طريقته تزيد العدة ثلاثة وبالله التوفيق (قوله ماذا عهد إليك
ربك) أي أمرك أو أوصاك (قال عهد إلى خمسين صلاة) فيه حذف تقديره عهد إلى أن أصلي
وآمر أمتي أن يصلوا خمسين صلاة وقد تقدم بيان اختلاف الألفاظ في هذا الموضع في أول
كتاب الصلاة (قوله فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك فأشار
إليه جبريل أي نعم) في رواية أن نعم وان بالفتح والتخفيف مفسرة فهي في المعنى هنا مثل أي وهي
بالتخفيف (قوله إن شئت) يقوي ما ذكرته في كتاب الصلاة انه صلى الله عليه وسلم فهم ان
الامر بالخمسين لم يكن على سبيل الحتم (قوله فعلا به إلى الجبار) تقدم ما فيه عند شرح قوله
فتدلى وقوله فقال وهو مكانه تقدم أيضا بحث الخطابي فيه وجوابه (قوله والله لقد راودت بني
إسرائيل قومي على أدنى من هذه) أي الخمس وفي رواية الكشميهني من هذا أي القدر (فضعفوا
فتركوه اما قوله راودت فهو من الرود من راد يرود إذا طلب المرعى وهو الرائد ثم اشتهر فيما يريد
الرجال من النساء واستعمل في كل مطلوب وأما قوله أدنى فالمراد به أقل وقد وقع في رواية يزيد
ابن أبي مالك عن أنس في تفسير ابن مردويه تعيين ذلك ولفظه فرض على بني إسرائيل صلاتان
فما قاموا بهما (قوله فأمتك) في رواية الكشميهني وأمتك (أضعف أجسادا) أي من بني إسرائيل
(قوله أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا) الأجسام والاجساد سواء والجسم والجسد جميع الشخص
والأجسام أعم من الأبدان لان البدن من الجسد ما سوى الرأس والأطراف وقيل البدن أعالي
الجسد دون أسافله (قوله كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل) في رواية
الكشميهني يتلفت بتقديم المثناة وتشديد الفاء (قوله فرفعه) في رواية المستملي يرفعه والأول أولى
405

(قوله عند الخامسة) هذا التنصيص على الخامسة على انها الأخيرة يخالف من رواية ثابت عن أنس
أنه وضع عنه في كل مرة خمسا وأن المراجعة كانت تسع مرات وقد تقدم بيان الحكمة في ذلك
ورجوع النبي صلى الله عليه وسلم بعد تقرير الخمس لطلب التخفيف مما وقع من تفردات شريك في
هذه القصة والمحفوظ ما تقدم انه صلى الله عليه وسلم قال لموسى في الأخيرة استحييت من ربي وهذا
أصرح بأنه راجع في الأخيرة وان الجبار سبحانه وتعالى قال له يا محمد قال لبيك وسعديك قال إنه
لا يبدل القول لدي وقد أنكر ذلك الداودي فيما نقله ابن التين فقال الرجوع الأخير ليس بثابت
والذي في الروايات أنه قال استحييت من ربي فنودي أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي
وقوله هنا فقال موسى ارجع إلى ربك قال الداودي كذا وقع في هذه الرواية ان موسى قال له
ارجع إلى ربك بعد أن قال لا يبدل القول لدي ولا يثبت لتواطئ الروايات على خلافه وما كان
موسى ليأمره بالرجوع بعد أن يقول الله تعالى له ذلك انتهى وأغفل الكرماني رواية ثابت
فقال إذا خففت في كل مرة عشرة كانت الأخيرة سادسة فيمكن ان يقال ليس فيه حصر لجواز ان
يخفف بمرة واحدة خمس عشرة أو أقل أو أكثر (قوله لا يبدل القول لدي) تمسك به من أنكر النسخ
ورد بأن النسخ بيان انتهاء الحكم فلا يلزم منه تبديل القول (قوله في الأخيرة قد والله راودت
الخ) راودت يتعلق بقد والقسم مقحم بينهما لإرادة التأكيد فقد تقدم بلفظ والله لقد راودت
بني إسرائيل (قوله قال فاهبط باسم الله) ظاهر السياق ان موسى هو الذي قال له ذلك لأنه ذكره
عقب قوله صلى الله عليه وسلم قد والله استحييت من ربي مما اختلف إليه قال فاهبط وليس كذلك بل
الذي قال له فاهبط باسم الله هو جبريل وبذلك جزم الداودي (قوله فاستيقظ (2) وهو في المسجد
الحرام) قال القرطبي يحتمل أن يكون استيقاظا من نومة نامها بعد الاسراء لان اسراءه لم يكن
طول ليلته وانما كان في بعضها ويحتمل ان يكون المعنى أفقت مما كنت فيه مما خامر باطنه من
مشاهدة الملا الاعلى لقوله تعالى لقد رأى من آيات ربه الكبرى فلم يرجع إلى حال بشريته صلى
الله عليه وسلم الا وهو بالمسجد الحرام وأما قوله في أوله بينا انا نائم فمراده في أول القصة وذلك أنه
كان قد ابتدأ نومه فأتاه الملك فأيقظه وفي قوله في الرواية الأخرى بينا انا بين النائم واليقظان
أتاني الملك إشارة إلى أنه لم يكن استحكم في نومه انتهى وهذا كله ينبني على توحد القصة والا
فمتى حملت على التعدد بأن كان المعراج مرة في المنام وأخرى في اليقظة فلا يحتاج لذلك * (تنبيه) *
قيل اختص موسى عليه السلام بهذا دون غيره ممن لقيه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الاسراء من
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأنه أول من تلقاه عند الهبوط ولان أمته أكثر من أمة غيره ولان
كتابه أكبر الكتب المنزلة قبل القرآن تشريعا وأحكاما أو لان أمة موسى كانوا كلفوا من
الصلوات ما ثقل عليهم فخاف موسى على أمة محمد مثل ذلك واليه الإشارة بقوله فاني بلوت بني
إسرائيل قاله القرطبي وأما قول من قال إنه أول من لاقاه بعد الهبوط فليس بصحيح لان حديث
مالك بن صعصعة أقوى من هذا وفيه أنه لقيه في السماء السادسة انتهى وإذا جمعنا بينهما
بأنه لقيه في الصعود في السادسة وصعد موسى إلى السابعة فلقيه فيها بعد الهبوط ارتفع الاشكال
وبطل الرد المذكور والله أعلم (قوله باب كلام الرب مع أهل الجنة) أي بعد
دخولهم الجنة ذكر فيه حديثين ظاهرين فيما ترجم له * أحدهما حديث أبي سعيد ان الله يقول
406

لأهل الجنة يا أهل الجنة الحديث وفيه فيقول أحل عليكم رضواني وقد تقدم شرحه في أواخر
كتاب الرقاق في باب صفة الجنة والنار قال ابن بطال استشكل بعضهم هذا لأنه يوهم أن له ان
يسخط على أهل الجنة وهو خلاف ظواهر القرآن كقوله خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا
عنه أولئك لهم الامن وهم مهتدون وأجاب بان إخراج العباد من العدم إلى الوجود من تفضله
واحسانه وكذلك تنجيز ما وعدهم به من الجنة والنعيم من تفضله واحسانه وأما دوام ذلك فزيادة
من فضله على المجازاة لو كانت لازمة ومعاذ الله أن يجب عليه شئ فلما كانت المجازاة لا تزيد في
العادة على المدة ومدة الدنيا متناهية جاز ان تتناهى مدة المجازاة فتفضل عليهم بالدوام فارتفع
الاشكال جملة انتهى ملخصا وقال غيره ظاهر الحديث ان الرضا أفضل من اللقاء وهو مشكل
وأجيب بأنه ليس في الخبر أن الرضا أفضل من كل شئ وانما فيه ان الرضا أفضل من العطاء وعلى
تقدير التسليم فاللقاء مستلزم للرضا فهو من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم كذا نقل الكرماني
ويحتمل أن يقال المراد حصول أنواع الرضوان ومن جملتها اللقاء فلا اشكال قال الشيخ أبو محمد
ابن أبي جمرة في هذا الحديث جواز إضافة المنزل لساكنه وان لم يكن في الأصل له فان الجنة ملك
الله عز وجل وقد أضافها لساكنها بقوله يا أهل الجنة قال والحكمة في ذكر دوام رضاه بعد
الاستقرار انه لو أخبر به قبل الاستقرار لكان خبرا من باب علم اليقين فأخبر به بعد الاستقرار
ليكون من باب عين اليقين واليه الإشارة بقوله تعالى فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين قال
ويستفاد من هذا انه لا ينبغي ان يخاطب أحد بشئ حتى يكون عنده ما يستدل به عليه ولو على
بعضه وكذا ينبغي للمرء أن لا يأخذ من الأمور الا قدر ما يحمله وفيه الأدب في السؤال لقولهم
وأي شئ أفضل من ذلك لانهم لم يعلموا شيئا أفضل مما هم فيه فاستفهموا عما لا علم لهم به فيه وان
الخير كله والفضل والاغتباط انما هو في رضا الله سبحانه وتعالى وكل شئ ما عداه وان اختلفت
أنواعه فهو من أثره وفيه دليل على رضا كل من أهل الجنة بحاله مع اختلاف منازلهم وتنويع
درجاتهم لان الكل أجابوا بلفظ واحد وهو أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك وبالله التوفيق
* ثانيهما حديث أبي هريرة ان رجلا من أهل الجنة استأذن ربه في رواية السرخسي يستأذن ربه
في الزرع (قوله فأحب ان أزرع فأسرع) فيه حذف تقديره فأذن له فزرع فأسرع (قوله فإنه
لا يشبعك شئ) كذا للأكثر بالمعجمة والموحدة من الشبع وللمستملي لا يسعك شئ بالمهملة بغير
موحدة من الوسع (قوله فقال الأعرابي يا رسول الله لا تجد هذا الا قرشيا أو أنصاريا فإنهم
أصحاب زرع) قال الداودي قوله قرشيا وهم لأنه لم يكن لأكثرهم زرع (قلت) وتعليله يرد على
نفيه المطلق فإذا ثبت ان لبعضهم زرعا صدق قوله إن الزارع المذكور منهم واستشكل قوله
لا يشبعك شئ بقوله تعالى في صفة الجنة ان لك ان لا تجوع فيها ولا تعرى وأجيب بان نفي
الشبع لا يوجب الجوع لان بينهما واسطة وهي الكفاية واكل أهل الجنة للتنعم والاستلذاذ
لا عن الجوع واختلف في الشبع فيها والصواب ان لا شبع فيها إذ لو كان لمنع دوام أكل المستلد
والمراد بقوله لا يشبعك شئ جنس الآدمي وما طبع عليه فهو في طلب الازدياد الا من شاء الله
تعالى وقد تقدم شرح الحديث في أواخر كتاب المزارعة بعون الله تعالى (قوله باب
ذكر الله بالامر وذكر العباد بالدعاء والتضرع والرسالة والبلاغ) في رواية الكشميهني والابلاغ
407

وعليها اقتصر ابن التين (قوله لقوله تعالى فاذكروني أذكركم) قال البخاري في كتاب خلق أفعال
العباد بين بهذه الآية ان ذكر العبد غير ذكر الله عبده لان ذكر العبد الدعاء والتضرع والثناء
وذكر الله الإجابة ثم ذكر حديث عمر رفعه يقول الله تعالى من شغله ذكري عن مسئلتي أعطيته
أفضل ما أعطي السائلين قال ابن بطال معنى قوله باب ذكر الله بالامر ذكر الله عباده بأن أمرهم
بطاعته ويكون من رحمته لهم وانعامه عليهم إذا أطاعوه أو بعذابه إذا عصوه وذكر العباد
لربهم ان يدعوه ويتضرعوا إليه ويبلغوا رسالاته إلى الخلق قال ابن عباس في قوله تعالى
اذكروني أذكركم إذا ذكر العبد ربه وهو على طاعته ذكره برحمته وإذا ذكره وهو على معصيته ذكره
بلعنته قال ومعنى قوله اذكروني أذكركم اذكروني بالطاعة أذكركم بالمعونة وعن سعيد بن جبير
اذكروني بالطاعة أذكركم بالمغفرة وذكر الثعلبي في تفسير هذه الآية نحو أربعين عبارة أكثرها
عن أهل الزهد ومرجعها إلى معنى التوحيد والثواب أو المحبة والوصل أو الدعاء والاجابة واما
قوله وذكر العباد بالدعاء إلى آخرة فجميع ما ذكره واضح في حق الأنبياء ويشركهم في الدعاء
والتضرع سائر العباد وحكى ابن التين ان ذكر العبد باللسان وعندما يهم بالسيئة فيذكر مقام
ربه فيكف ونقل عن الداودي قال قوم ان هذا الذكر أفضل قال وليس كذلك بل قوله بلسانه
لا إله إلا الله مخلصا من قلبه أعظم من ذكره بقلبه ووقوفه عن عمل السيئة (قلت) انما كان أعظم
لأنه جمع بين ذكر القلب واللسان وانما يظهر التفاضل بصحة التقابل بذكر الله باللسان دون القلب
فإنه لا يكون أفضل من ذكره بالقلب في تلك الصورة وأما وقوفه بسبب الذكر عن عمل السيئة
فقدر زائد يزداد بسببه فضل الذكر فظهر صحة ما نقله عن القوم دون ما تخيله (قوله واتل عليهم
نبأ نوح الخ) قال ابن بطال أشار إلى أن الله ذكر نوحا بما بلغ به من أمره وذكر بآيات ربه وكذلك
فرض على كل نبي تبليغ كتابه وشريعته وقال الكرماني المقصود من ذكر هذه الآية أن النبي
صلى الله عليه وسلم مذكور بأنه أمر بالتلاوة على الأمة والتبليغ إليهم ان نوحا كان يذكرهم بآيات
الله وأحكامه (قوله غمة هم وضيق) هو تفسير قوله تعالى حكاية عن نوح ثم لا يكن أمركم عليكم
غمة وهو بقية الآية المذكورة أولا وهي قوله تعالى واتل عليهم نبأ نوح وحكى ابن التين
أن معنى غمة شئ ليس ظاهرا يقال القوم في غمة إذا غطي عليهم أمرهم والتبس ومنه غم الهلال
إذا غشيه شئ فغطاه والغم ما يغشى القلب من الكرب (قوله قال مجاهد اقضوا إلى ما في أنفسكم
أفرق اقض) وصله الفريابي في تفسيره عن ورقاء بن عمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله
تعالى ثم اقضوا إلي ولا تنظرون قال اقضوا إلى ما في أنفسكم وحكى بن التين اقضوا إلي افعلوا
ما بدا لكم وقال غيره أظهروا الامر وميزوه بحيث لا تبقى شبهة ثم اقضوا بما شئتم من قتل أو غيره
من غير امهال واما قوله أفرق اقض فمعناه أظهر الامر وأفصله بحيث لا تبقى شبهة وفي بعض
النسخ يقال أفرق اقض فلا يكون من كلام مجاهد ويؤيده إعادة قوله بعده وقال مجاهد (قوله
وقال مجاهد وان أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله انسان يأتيه) أي يأتي
النبي صلى الله عليه وسلم (فيستمع ما يقول وما انزل عليه فهو آمن حتى يأتيه) في رواية الكشميهني
حين يأتيه (فيسمع كلام الله حتى يبلغ مأمنه حيث جاء) وصله الفريابي بالسند المذكور إلى مجاهد
في هذه الآية وان أحد من المشركين استجارك انسان يأتيه فيسمع ما يقول وما ينزل عليه فهو آمن
408

حتى يأتيه فيسمع كلام الله وحتى يبلغه مأمنه قال ابن بطال ذكر هذه الآية من أجل أمر الله
تعالى نبيه بإجارة الذي يسمع الذكر حتى يسمعه فان امن فذاك والا فيبلغ مأمنه حتى يقضي الله
فيه ما شاء (قوله والنبأ العظيم القرآن) هو تفسير مجاهد وصله الفريابي بالسند المذكور إليه قال
ابن بطال سمي نبأ لأنه ينبأ به والمعنى به إذا سألوا عن النبأ العظيم فأجبهم وبلغ القرآن إليهم قال
الراغب النبأ الخبر ذو الفائدة الجليلة يحصل به علم أو ظن غالب وحق الخبر الذي يسمى نبأ ان يتعرى
عن الكذب (قوله صوابا حقا في الدنيا وعمل به) قال ابن بطال يريد قوله تعالى الامن أذن له الرحمن
وقال صوابا أي حقا في الدنيا وعمل به فهو الذي يؤذن له في الكلام بين يدي الله بالشفاعة لمن
أذن له (قلت) وهذا وصله الفريابي أيضا عن مجاهد بالسند المذكور قال الكرماني عادة البخاري
أنه إذا ذكر آية مناسبة للترجمة يذكر معها بعض ما يتعلق بتلك السورة التي فيها تلك الآية مما ثبت
عنده في تفسيره ونحوه على سبيل التبعية انتهى وكأنه لم يظهر له وجع مناسبة هذه الآية الأخيرة
بالترجمة والذي يظهر في مناسبتها ان تفسير قوله صوابا بقول الحق والعمل به في الدنيا يشمل ذكر
الله باللسان والقلب مجتمعين ومنفردين فناسب قوله ذكر العباد بالدعاء والتضرع * (تنبيه) *
لم يذكر في هذا الباب حديثا مرفوعا ولعله بيض له فأدمجه النساخ كغيره واللائق به الحديث
القدسي من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وقد تقدم قريبا فإنه يصح في قوله من ذكرني في ملا
أي من الناس بالدعاء والتضرع ذكرته في ملا أي من الملائكة بالرحمة والمغفرة ثم وجدته
في كتاب خلق أفعال العباد قد أورد حديث أبي هريرة الذي فيه اقرؤا ان شئتم يقول العبد
الحمد الله رب العالمين فيقول الله حمدني عبدي إلى أن قال يقول العبد إياك نعبد وإياك نستعين
يقول الله هذه الآية بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل الحديث قال البخاري فيه بيان ان سؤال
العبد غير ما يعطيه الله وان قول العبد غير كلام الله وهذا من العبد الدعاء والتضرع ومن الله
الامر والاجابة انتهى وحديث أبي هريرة أخرجه مالك ومسلم وأصحاب السنن وليس هو على
شرط البخاري في صحيحه فاكتفى فيه بالإشارة إليه وفي كتابه من ذلك نظائر (قوله باب
قول الله تعالى فلا تجعلوا لله أندادا وقوله وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين) ثم ذكر آيات وآثارا
إلى ذكر حديث ابن مسعود سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم قال إن تجعل لله
ندا وهو خلقك الند بكسر النون وتشديد الدال يقال له النديد أيضا وهو نظير الشئ الذي يعارضه
في أموره وقيل ند الشئ من يشاركه في جوهره وهو ضرب من المثل لكن المثل يقال في أي مشاركة
كانت فكل ند مثل من غير عكس قاله الراغب قال والضد أحد المتقابلين وهما الشيئان
المختلفان اللذان لا يجتمعان في شئ واحد ففارق الند في المشاركة ووافقه في المعارضة قال ابن
بطال غرض البخاري في هذا الباب اثبات نسبة الافعال كلها لله تعالى سواء كانت من المخلوقين
خيرا أو شرا فهي لله تعالى خلق وللعباد كسب ولا ينسب شئ من الخلق لغير الله تعالى فيكون
شريكا وندا ومساويا له في نسبة الفعل إليه وقد نبه الله تعالى عباده على ذلك بالآيات المذكورة
وغيرها المصرحة بنفي الأنداد والآلهة المدعوة معه فتضمنت الرد على من يزعم أنه يخلق أفعاله
ومنها ما حذر به المؤمنين أو أثنى عليهم ومنها ما وبخ به الكافرين وحديث الباب ظاهر في ذلك
وقال الكرماني الترجمة مشعرة بان المقصود اثبات نفي الشريك عن الله سبحانه وتعالى فكان
409

المناسب ذكره في أوائل كتاب التوحيد لكن ليس المقصود هنا ذلك بل المراد بيان كون أفعال
العباد بخلق الله تعالى إذ لو كانت أفعالهم بخلقهم لكانوا أندادا لله وشركاء له في الخلق ولهذا
عطف ما ذكر عليه وتضمن الرد على الجهمية في قولهم لا قدرة للعبد أصلا وعلى المعتزلة حيث قالوا
لا دخل لقدرة الله تعالى فيها والمذهب الحق ان لا جبر ولا قدر بل أمر بين أمرين فان قيل لا يخلو
ان يكون فعل العبد بقدره منه أولا إذ لا واسطة بين النفي والاثبات فعلى الأول يثبت القدر الذي
تدعيه المعتزلة والا ثبت الجبر الذي هو قول الجهمية فالجواب أن يقال بل للعبد قدرة يفرق
بها بين النازل من المنارة والساقط منها ولكن لا تأثير لها بل فعله ذلك واقع بقدرة الله تعالى
فتأثير قدرته بعد قدرة العبد عليه وهذا هو المسمى بالكسب وحاصل ما تعرف به قدرة العبد
انها صفة يترتب عليها الفعل والترك عادة وتقع على وفق الإرادة انتهى وقد أطنب البخاري في
كتاب خلق أفعال العباد في تقرير هذه المسئلة واستظهر بالآيات والأحاديث والآثار الواردة
عن السلف في ذلك وغرضه هنا الرد على من لم يفرق بين التلاوة والمتلو ولذلك أتبع هذا الباب
بالتراجم المتعلقة بذلك مثل باب لا تحرك به لسانك لتعجل به وباب وأسروا قولكم أو اجهروا به
وغيرهما وهذه المسئلة هي المشهورة بمسئلة اللفظ ويقال لأصحابها اللفظية واشتد إنكار الإمام
أحمد ومن تبعه على من قال لفظي بالقرآن مخلوق ويقال ان أول من قاله الحسين بن علي
الكرابيسي أحد أصحاب الشافعي الناقلين لكتابه القديم فلما بلغ ذلك أحمد بدعه وهجره ثم قال بذلك
داود بن علي الأصبهاني رأس الظاهرية وهو يومئذ بنيسابور فأنكر عليه إسحاق وبلغ ذلك أحمد
فلما قدم بغداد لم يأذن له في الدخول عليه وجمع ابن أبي حاتم أسماء من أطلق على اللفظية أنهم
جهمية فبلغوا عددا كثيرا من الأئمة وأفرد لذلك بابا في كتابه الرد على الجهمية والذي يتحصل
من كلام المحققين منهم أنهم أرادوا حسم المادة صونا للقرآن ان يوصف بكونه مخلوقا وإذا حقق
الامر عليهم لم يفصح أحد منهم بأن حركة لسانه إذا قرأ قديمة وقال البيهقي في كتاب الأسماء
والصفات مذهب السلف والخلف من أهل الحديث والسنة ان القرآن كلام الله وهو صفة من
صفات ذاته وأما التلاوة فهم على طريقتين منهم من فرق بين التلاوة والمتلو ومنهم من أحب ترك
القول فيه وأما ما نقل عن أحمد بن حنبل انه سوى بينهما فإنما أراد حسم المادة لئلا يتدرع
أحد إلى القول بخلق القرآن ثم أسند من طريقين إلى أحمد انه أنكر على من نقل عنه أنه قال
لفظي بالقرآن غير مخلوق وأنكر على من قال لفظي بالقرآن مخلوق وقال القرآن كيف تصرف
غير مخلوق فأخذ بظاهر هذا الثاني من لم يفهم مراده وهو مبين في الأول وكذا نقل عن محمد بن
أسلم الطوسي أنه قال الصوت من المصوت كلام الله وهي عبارة رديئة لم يرد ظاهرها وانما أراد نفي
كون المتلو مخلوقا ووقع نحو ذلك لامام الأئمة محمد بن خزيمة ثم رجع وله في ذلك مع تلامذته قصة
مشهورة وقد أملى أبو بكر الضبعي الفقيه أحد الأئمة من تلامذته ابن خزيمة اعتقاده وفيه لم يزل
الله متكلما ولا مثل لكلامه لأنه نفى المثل عن صفاته كما نفى المثل عن ذاته ونفى النفاد عن كلامه
كما نفى الهلاك عن نفسه فقال لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي وقال كل شئ هالك الا وجهه
فاستصوب ذلك ابن خزيمة ورضي به وقال غيره ظن بعضهم ان البخاري خالف أحمد وليس كذلك
بل من تدبر كلامه لم يجد فيه خلافا معنويا لكن العالم من شأنه إذا ابتلي في رد بدعة يكون أكثر
410

كلامه في ردها دون ما يقابلها فلما ابتلي أحمد بمن يقول القرآن مخلوق كان أكثر كلامه في الرد
عليهم حتى بالغ فأنكر على من يقف ولا يقول مخلوق ولا غير مخلوق وعلى من قال لفظي بالقرآن
مخلوق لئلا يتدرع بذلك من يقول القرآن بلفظي مخلوق مع أن الفرق بينهما لا يخفى عليه لكنه
قد يخفى على البعض وأما البخاري فابتلي بمن يقول أصوات العباد غير مخلوقة حتى بالغ بعضهم
فقال والمداد والورق بعد الكتابة فكان أكثر كلامه في الرد عليهم وبالغ في الاستدلال بان
أفعال العباد مخلوقة بالآيات والأحاديث وأطنب في ذلك حتى نسب إلى أنه من اللفظية مع أن
قول من قال إن الذي يسمع من القارئ هو الصوت القديم لا يعرف عن السلف ولا قاله أحمد
ولا أئمة أصحابه وانما سبب نسبة ذلك لأحمد قوله من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي
فظنوا أنه سوى بين اللفظ والصوت ولم ينقل عن أحمد في الصوت ما نقل عنه في اللفظ بل صرح
في مواضع بأن الصوت المسموع من القارئ هو صوت القارئ ويؤيده حديث زينوا القرآن
بأصواتكم وسيأتي قريبا والفرق بينهما ان اللفظ يضاف إلى المتكلم به ابتداء فيقال عمن روى
الحديث بلفظه هذا لفظه ولمن رواه بغير لفظه هذا معناه ولفظه كذا ولا يقال في شئ من ذلك هذا
صوته فالقرآن كلام الله لفظه ومعناه ليس هو كلام غيره واما قوله تعالى انه لقول رسول كريم
واختلف هل المراد جبريل أو الرسول عليهما الصلاة والسلام فالمراد به التبليغ لان جبريل
مبلغ عن الله تعالى إلى رسوله والرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ للناس ولم ينقل عن أحمد قط ان
فعل العبد قديم ولا صوته وانما أنكر إطلاق اللفظ وصرح البخاري بأن أصوات العباد مخلوقة
وان أحمد لا يخالف ذلك فقال في كتاب خلق أفعال العباد ما يدعونه عن أحمد ليس الكثير منه
بالبين ولكنهم لم يفهموا مراده ومذهبه والمعروف عن أحمد وأهل العلم أن كلام الله تعالى غير
مخلوق وما سواه مخلوق لكنهم كرهوا التنقيب عن الأشياء الغامضة وتجنبوا الخوض فيها
والتنازع الا ما بينه الرسول عليه الصلاة والسلام ثم نقل عن بعض أهل عصره أنه قال
القرآن بألفاظنا وألفاظنا بالقرآن شئ واحد فالتلاوة هي المتلو والقراءة هي المقروء قال فقيل
له ان التلاوة فعل التالي فقال ظننتها مصدرين قال فقيل له أرسل إلي من كتب عنك ما قلت
فاستدره فقال كيف وقد مضى انتهى ومحصل ما نقل عن أهل الكلام في هذا المسئلة خمسة
أقوال الأول قول المعتزلة انه مخلوق والثاني قول الكلابية انه قديم قائم بذات الرب ليس بحروف
ولا أصوات والموجود بين الناس عبارة عنه لا عينه والثالث قول السالمية انه حروف وأصوات
قديمة الأعين وهو عين هذه الحروف المكتوبة والأصوات المسموعة والرابع قول الكرامية انه
محدث لا مخلوق وسيأتي بسط القول فيه في الباب الذي بعده والخامس انه كلام الله غير مخلوق
انه لم يزل يتكلم إذا شاء نص على ذلك أحمد في كتاب الرد على الجهمية وافترق أصحابه فرقتين
منهم من قال هو لازم لذاته والحروف والأصوات مقترنة لا متعاقبة ويسمع كلامه من شاء
وأكثرهم قال إنه متكلم بما شاء متى شاء وانه نادى موسى عليه السلام حين كلمه ولم يكن ناداه من
قبل والذي استقر عليه قول الأشعرية ان القرآن كلام الله غير مخلوق مكتوب في المصاحف
محفوظ في الصدور مقروء بالألسنة قال الله تعالى فأجره حتى يسمع كلام الله وقال تعالى بل هو
آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وفي الحديث المتفق عليه عن ابن عمر كما تقدم في الجهاد
411

لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو كراهية ان يناله العدو وليس المراد ما في الصدور بل ما في
الصحف وأجمع السلف على أن الذي بين الدفتين كلام الله وقال بعضهم القرآن يطلق ويراد به
المقروء وهو الصفة القديمة ويطلق ويراد به القراءة وهي الألفاظ الدالة على ذلك وبسبب ذلك
وقع الاختلاف واما قولهم إنه منزه عن الحروف والأصوات فمرادهم الكلام النفسي القائم
بالذات المقدسة فهو من الصفات الموجودة القديمة واما الحروف فإن كانت حركات أدوات
كاللسان والشفتين فهي أعراض وإن كانت كتابة فهي أجسام وقيام الأجسام والاعراض بذات
الله تعالى محال ويلزم من أثبت ذلك أن يقول بخلق القرآن وهو يأبى ذلك ويفر منه فألجأ
ذلك بعضهم إلى ادعاء قدم الحروف كما التزمته السالمية ومنهم من التزم قيام ذلك بذاته ومن
شدة اللبس في هذه المسئلة كثر نهي السلف عن الخوض فيها واكتفوا باعتقاد أن القرآن
كلام الله غير مخلوق ولم يزيدوا على ذلك شيئا وهو أسلم الأقوال والله المستعان (قوله وتجعلون له
أندادا ذلك رب العالمين) ووقع في بعض النسخ فلا تجعلوا له أندادا ذلك رب العالمين وهو غلط
(قوله ولقد أوحي إليك والى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك إلى قوله بل الله فاعبد
وكن من الشاكرين) ساق في رواية كريمة الآيتين بكمالهما قال الطبري هذا من الكلام الموجز
الذي يراد به التقديم والمعنى ولقد أوحى إليك لئن أشركت إلى قوله من الخاسرين وأوحي إلى
الذين من قبلك مثل ما أوحي إليك من ذلك ومعنى ليحبطن ليبطلن ثواب عملك انتهى والغرض
هنا تشديد الوعيد على من أشرك بالله وان الشرك محذر منه في الشرائع كلها وان للانسان عمل
يثاب عليه إذا سلم من الشرك ويبطل ثوابه إذا أشرك (قوله والذين لا يدعون مع الله الها آخر)
أشار بايرادها إلى ما وقع في بعض طرق الحديث المرفوع في الباب كما تقدم في تفسير سورة الفرقان
ففيه بعد قوله أن تزاني بحليلة جارك ونزلت هذه الآية تصديقا لقول رسول الله صلى الله
عليه وسلم والذين لا يدعون مع الله الها آخر الآية وكأن المصنف أشار بها إلى تفسير الجعل
المذكور في الآيتين قبلها وان المراد الدعاء اما بمعنى النداء واما بمعنى العبادة واما بمعنى الاعتقاد
وقد رد أحمد على من تمسك من القائلين بخلق القرآن بقوله تعالى انا جعلناه قرآنا عربيا وقال هي
حجة في أن القرآن مخلوق لان المجعول مخلوق فناقضه بنحو قوله تعالى فلا تجعلوا لله أندادا وذكر
ابن أبي حاتم في الرد على الجهمية ان أحمد رد عليه بقوله تعالى فجعلهم كعصف مأكول فليس
المعنى فخلقهم ومثله احتجاج محمد بن أسلم الطوسي بقوله تعالى وقوم نوح لما كذبوا الرسل
أغرقناهم وجعلناهم للناس آية قال أفخلقهم بعد أن أغرقهم وعن إسحاق بن راهويه انه احتج
عليه بقوله تعالى وجعلوا لله شركاء الجن وعن نعيم بن حماد أنه احتج عليه بقوله تعالى جعلوا
القرآن عضين وعن عبد العزيز بن يحيى المكي في مناظرته لبشر المريسي حين قال له ان قوله تعالى
انا جعلناه قرآنا عربيا نص في أنه مخلوق فناقضه بقوله تعالى وقد جعلتم الله عليكم كفيلا وبقوله
تعالى لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا وحاصل ذلك أن الجعل جاء في القرآن
وفي لغة العرب لمعان متعددة قال الراغب جعل لفظ عام في الافعال كلها ويتصرف على خمسة
أوجه الأول صار نحو جعل زيد يقول والثاني أوجد كقوله تعالى وجعل الظلمات والنور
والثالث إخراج شئ من شئ كقوله تعالى وجعل لكم من أزواجكم بنين والرابع تصيير شئ على
412

حالة مخصوصة كقوله تعالى جعل لكم الأرض فراشا والخامس الحكم بالشئ على الشئ فمثال
ما كان منه حقا قوله تعالى انا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ومثال ما كان باطلا قوله تعالى
وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا انتهى وأثبت بعضهم سادسا وهو الوصف ومثل بقوله
تعالى وقد جعلتم الله عليكم كفيلا وتقدم أنها تأتي بمعنى الدعاء والنداء والاعتقاد والعلم عند الله
تعالى (قوله وقال عكرمة الخ) وصله الطبري عن هناد بن السرى عن أبي الأحوص عن سماك بن
حرب عن عكرمة في قوله تعالى وما يؤمن أكثرهم بالله الا وهم مشركون قال يسألهم من خلقهم
ومن خلق السماوات والأرض فيقولون الله فذلك ايمانهم وهم يعبدون غيره ومن طريق يزيد بن
الفضل الثماني عن عكرمة في هذه الآية وما يؤمن أكثرهم بالله الا وهم مشركون قال هو
قول الله ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله فإذا سئلوا عن الله وعن صفته
وصفوه بغير صفته وجعلوا له ولدا وأشركوا به وبأسانيد صحيحه عن عطاء وعن مجاهد نحوه وبسند
حسن من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال من ايمانهم إذا قيل لهم من خلق السماوات
ومن خلق الأرض ومن خلق الجبال قالوا الله وهم به مشركون (قوله وما ذكر في خلق أفعال
العباد) في رواية الكشميهني أعمال والأول أكثر (قوله واكسابهم) بالجر عطفا على أفعال
وفي رواية واكتسابهم بزيادة مثناة وقد تقدم القول في الكسب ويأتي الالمام به في شرح قوله
تعالى والله خلقكم وما تعملون (قوله لقوله وخلق كل شئ فقدره تقديرا) وجه الدلالة عموم
قوله خلق كل شئ والكسب شئ فيكون مخلوقا لله تعالى (قوله وقال مجاهد ما تنزل الملائكة
الا بالحق يعني بالرسالة والعذاب) وصله الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (قوله
ليسأل الصادقين عن صدقهم المبلغين المؤدين من الرسل) هو في تفسير الفريابي أيضا بالسند
المذكور قال الطبري معناه أخذت الميثاق من الأنبياء المذكورين كيما أسأل من أرسلتهم عما
أجابتهم به أممهم (قوله وإنا له لحافظون عندنا) هو أيضا من قول مجاهد أخرجه الفريابي بالسند
المذكور (قوله والذي جاء بالصدق القرآن وصدق به المؤمن يقول يوم القيامة هذا الذي أعطيتني
عملت بما فيه) وصله الطبري من طريق منصور بن المعتمر عن مجاهد قال الذي جاء بالصدق وصدق
به هم أهل القرآن يجيئون به يوم القيامة يقولون هذا الذي أعطيتمونا عملنا بما فيه ومن طريق
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس الذي جاء بالصدق وصدق به رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا
إله إلا الله ومن طريق لين إلى علي بن أبي طالب الذي جاء بالصدق محمد صلى الله عليه وسلم والذي
صدق به أبو بكر ومن طريق قتادة بسند صحيح الذي جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء
بالقرآن والذي صدق به المؤمنون ومن طريق السدي الذي جاء بالصدق وصدق به هو محمد صلى
الله عليه وسلم قال الطبري الأولى أن المراد بالذي جاء بالصدق كل من دعا إلى توحيد الله والايمان
برسوله وما جاء به والمصدق به المؤمنون ويؤيده أن ذلك ورد عقب قوله فمن أظلم ممن كذب على
الله وكذب بالصدق إذ جاءه الآية وأما حديث ابن مسعود فتقدم شرحه في باب اثم الزناة من
كتاب الحدود وذكرت ما في سنده من الاختلاف على أبي وائل والمراد هنا الإشارة إلى أن من
زعم أنه يخلق فعل نفسه يكون كمن جعل لله ندا وقد ورد فيه الوعيد الشديد فيكون اعتقاده حراما
(قوله باب قوله تعالى وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم الآية)
413

ساق في رواية كريمة الآية كلها ذكر فيه حديث عبد الله وهو ابن مسعود اجتمع عند البيت
وفيه يسمع ان جهرنا ولا يسمع أن أخفينا فأنزل الله تعالى وما كنتم تستترون وقد تقدم شرحه في
تفسير فصلت قال ابن بطال غرض البخاري في هذا الباب اثبات السمع لله وأطال في تقرير ذلك
وقد تقدم في أوائل التوحيد في قوله وكان الله سميعا بصيرا والذي أقول إن غرضه في هذا الباب
اثبات ما ذهب إليه أن الله يتكلم متى شاء وهذا الحديث من أمثلة إنزال الآية بعد الآية على
السبب الذي يقع في الأرض وهذا ينفصل عنه من ذهب إلى أن الكلام صفة قائمة بذاته أن الانزال
بحسب الوقائع من اللوح المحفوظ أو من السماء الدنيا كما ورد في حديث ابن عباس رفعه نزل
القرآن دفعة واحدة إلى السماء الدنيا فوضع في بيت العزة ثم أنزل إلى الأرض نجوما رواه أحمد في
مسنده وسيأتي مزيد لهذا في الباب الذي يليه قال ابن بطال وفي هذا الحديث اثبات القياس
الصحيح وابطال القياس الفاسد لان الذي قال يسمع ان جهرنا ولا يسمع ان أخفينا قاس قياسا
فاسدا لأنه شبه سمع الله تعالى بأسماع خلقه الذين يسمعون الجهر ولا يسمعون السر والذي قال
إن كان يسمع ان جهرنا فإنه يسمع ان أخفينا أصاب في قياسه حيث لم يشبه الله بخلقه ونزهه عن
مماثلتهم وانما وصف الجميع بقلة الفقه لان هذا الذي أصاب لم يعتقد حقيقة ما قال بل شك بقوله
إن كان وقوله في وصفهم كثيرة شحم بطونهم قليلة فقه قلوبهم وقع بالرفع على الصفة ويجوز
النصب وأنث الشحم والفقه لاضافتهما إلى البطون والقلوب والتأنيث يسري من المضاف إليه
إلى المضاف أو أنث بتأويل شحم بشحوم وفقه بفهوم (قوله باب قول الله تعالى
كل يوم هو في شأن) تقدم ما جاء في تفسيرها في سورة الرحمن في التفسير (قوله وما يأتيهم من
ذكر من ربهم محدث وقوله لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا وان حدثه لا يشبه حدث المخلوقين
لقوله ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) قال ابن بطال غرض البخاري الفرق بين وصف كلام
الله تعالى بأنه مخلوق وبين وصفه بأنه محدث فأحال وصفه بالخلق وأجاز وصفه بالحدث اعتمادا
على الآية وهذا قول بعض المعتزلة وأهل الظاهر وهو خطأ لان الذكر الموصوف في الآية
بالاحداث ليس هو نفس كلامه تعالى لقيام الدليل على أن محدثا ومنشأ ومخترعا ومخلوقا
ألفاظ مترادفه على معنى واحد فإذا لم يجز وصف كلامه القائم بذاته تعالى بأنه مخلوق لم يجز
وصفه بأنه محدث وإذا كان كذلك فالذكر الموصوف في الآية بأنه محدث هو الرسول لان الله تعالى
قد سماه في قوله تعالى قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا فيكون المعنى ما يأتيهم من رسول محدث
ويحتمل أن يكون المراد بالذكر هنا وعظ الرسول إياهم وتحذيره من المعاصي فسماه ذكرا وأضافه
إليه إذ هو فاعله ومقدر رسوله على اكتسابه وقال بعضهم في هذه الآية ان مرجع الاحداث إلى
الاتيان لا إلى الذكر القديم لان نزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شيئا بعد شئ
فكان نزوله يحدث حينا بعد حين كما أن العالم يعلم ما لا يعلمه الجاهل فإذا علمه الجاهل حدث عنده
العلم ولم يكن احداثه عند التعلم احداث عين المعلم (قلت) والاحتمال الأخير أقرب إلى مراد البخاري
لما قدمت قبل أن مبنى هذه التراجم عنده على اثبات أن أفعال العباد مخلوقة ومراده هنا الحدث
بالنسبة للانزال وبذلك جزم ابن المنير ومن تبعه وقال الكرماني صفات الله تعالى سلبية ووجودية
وإضافية فالأولى هي التنزيهات والثانية هي القديمة والثالثة الخلق والرزق وهي حادثة
414

ولا يلزم من حدوثها تغير في ذات الله ولا في صفاته الوجودية كما أن تعلق العلم وتعلق القدرة
بالمعلومات والمقدورات حادث وكذا جميع الصفات الفعلية فإذا تقرر ذلك فالانزال حادث والمنزل
قديم وتعلق القدرة حادث ونفس القدرة قديمة فالمذكور وهو القرآن قديم والذكر حادث وأما
ما نقله ابن بطال عن المهلب ففيه نظر لان البخاري لا يقصد ذلك ولا يرضى بما نسب إليه إذ لا فرق
بين مخلوق وحادث لا عقلا ولا نقلا ولا عرفا وقال ابن المنير قيل ويحتمل أن يكون مراده حمل لفظ
محدث على الحديث فمعنى ذكر محدث أي متحدث به وأخرج ابن أبي حاتم من طريق هشام بن
عبيد الله الرازي أن رجلا من الجهمية احتج لزعمه أن القرآن مخلوق بهذه الآية فقال له هشام
محدث إلينا محدث إلى العباد وعن أحمد بن إبراهيم الدورقي نحوه ومن طريق نعيم بن حماد قال
محدث عند الخلق لا عند الله قال وانما المراد انه محدث عند النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه بعد أن
كان لا يعلمه واما الله سبحانه فلم يزل عالما وقال في موضع آخر كلام الله ليس بمحدث لأنه لم يزل
متكلما لا انه كان لا يتكلم حتى أحدث كلاما لنفسه فمن زعم ذلك فقد شبه الله بخلقه لان الخلق
كانوا لا يتكلمون حتى أحدث لهم كلاما فتكلموا به وقال الراغب المحدث ما أوجد بعد أن لم
يكن وذلك اما في ذاته أو احداثه عند من حصل عنده ويقال لكل ما قرب عهده حدث فعالا كان
أو مقالا وقال غيره في قوله تعالى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا وفي قوله لعلهم يتقون أو يحدث
لهم ذكرا المعنى يحدث عندهم ما لم يكن يعلمونه فهو نظير الآية الأولى وقد نقل الهروي في
الفاروق بسنده إلى حرب الكرماني سألت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يعني ابن راهويه عن قوله
تعالى ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث قال قديم من رب العزة محدث إلى الأرض فهذا هو سلف
البخاري في ذلك وقال ابن التين احتج من قال بخلق القرآن بهذه الآية قالوا والمحدث هو المخلوق
والجواب ان لفظ الذكر في القرآن يتصرف على وجوه الذكر بمعنى العلم ومنه فاسألوا أهل الذكر
والذكر بمعنى العظة ومنه ص والقرآن ذي الذكر والذكر بمعنى الصلاة ومنه فاسعوا إلى
ذكر الله والذكر بمعنى الشرف ومنه وانه لذكر لك ولقومك ورفعنا لك ذكرك قال فإذا كان
الذكر يتصرف إلى هذه الأوجه وهي كلها محدثة كان حمله على إحداها أولى ولأنه لم يقل ما يأتيهم
من ذكر من ربهم الا كان محدثا ونحن لا ننكر ان يكون من الذكر ما هو محدث كما قلنا وقيل
محدث عندهم ومن زائدة للتوكيد وقال الداودي الذكر في هذه الآية هو القرآن وهو محدث
عندنا وهو من صفاته تعالى ولم يزل سبحانه وتعالى بجميع صفاته قال ابن التين وهذا منه أي من
الداودي عظيم واستدلاله يرد عليه فإنه إذا كان لم يزل بجميع صفاته وهو قديم فكيف تكون
صفته محدثه وهو لم يزل الا ان يريد أن المحدث غير المخلوق كما يقول البلخي ومن تبعه وهو
ظاهر كلام البخاري حيث قال وان حدثه لا يشبه حدث المخلوقين فأثبت انه محدث انتهى
وما استعظمه من كلام الداودي هو بحسب ما تخيله والا فالذي يظهر ان مراد الداودي أن القرآن
هو الكلام القديم الذي هو من صفات الله تعالى وهو غير محدث وانما يطلق الحدث بالنسبة
إلى انزاله إلى المكلفين وبالنسبة إلى قراءتهم له واقرائهم غيرهم ونحو ذلك وقد أعاد الداودي
نحو هذا في شرح قول عائشة ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى قال
الداودي فيه أن الله تكلم ببراءة عائشة حين أنزل براءتها بخلاف قول بعض الناس انه لم يتكلم
415

فقال ابن التين أيضا هذا من الداودي عظيم لأنه يلزم منه أن يكون الله تعالى متكلما بكلام
حادث فتحل فيه الحوادث تعالى الله عن ذلك وانما المراد بأنزل ان الانزال هو المحدث ليس
أن الكلام القديم نزل الآن انتهى وهذا مراد البخاري وقد قال في كتاب خلق أفعال العباد
قال أبو عبيد يعني القاسم بن سلام احتج هؤلاء الجهمية بآيات وليس فيما احتجوا به أشد بأسا
من ثلاث آيات قوله وخلق كل شئ فقدره تقديرا وانما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته
وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث قالوا إن قلتم ان القرآن لا شئ كفرتم وان قلتم أن المسيح
كلمة الله فقد أقررتم أنه خلق وان قلتم ليس بمحدث رددتم القرآن قال أبو عبيد اما قوله وخلق كل
شئ فقد قال في آية أخرى انما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون فأخبر ان خلقه
بقوله وأول خلقه هو من أول الشئ الذي قال وخلق كل شئ وقد أخبر انه خلقه بقوله فدل على أن
كلامه قبل خلقه وأما المسيح فالمراد أن الله خلقه بكلمته لا انه هو الكلمة لقوله ألقاها إلى مريم
ولم يقل ألقاه ويدل عليه قوله تعالى ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له
كن واما الآية الثالثة فإنما حدث القرآن عند النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما علمه ما لم يعلم
قال البخاري والقرآن كلام الله غير مخلوق ثم ساق الكلام على ذلك إلى أن قال سمعت عبيد الله
ابن سعيد يقول سمعت يحيى بن سعيد يعني القطان يقول ما زلت أسمع أصحابنا يقولون إن أفعال
العباد مخلوقة قال البخاري حركاتهم وأصواتهم وأكسابهم وكتابتهم مخلوقة فاما
القرآن المتلو المبين المثبت في المصاحف المسطور المكتوب الموعى في القلوب فهو كلام الله ليس
بخلق قال وقال إسحاق بن إبراهيم يعني ابن راهويه فاما الأوعية فمن يشك في خلقها قال
البخاري فالمداد والورق ونحوه خلق وأنت تكتب الله فالله في ذاته هو الخالق وخطك من فعلك
وهو خلق لان كل شئ دون الله هو بصنعه ثم ساق حديث حذيفة رفعه ان الله يصنع كل صانع
وصنعته وهو حديث صحيح (قوله وقال ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يحدث من
أمره ما يشاء وان مما أحدث ان لا تكلموا في الصلاة) هذا طرف من حديث أخرجه أبو داود
واللفظ له وأحمد والنسائي وصححه ابن حبان من طريق عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن عبد
الله قال كنا نسلم في الصلاة ونأمر بحاجتنا فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي
فسلمت عليه فلم يرد على السلام فأخذني ما قدم وما حدث فلما قضى صلاته قال إن الله يحدث من
أمره ما يشاء وان الله قد أحدث ان لا تكلموا في الصلاة وفي رواية النسائي وان مما أحدث
وأصل هذه القصة في الصحيحين من رواية علقمة عن ابن مسعود لكن قال فيها ان في الصلاة
لشغلا وقد مضى في أواخر الصلاة وفي هجرة الحبشة وتقدم شرحه في الصلاة وليس فيه مقصود
الباب ثم ذكر حديث ابن عباس موقوفا من وجهين (قوله كيف تسألون أهل الكتاب عن كتبهم)
هذه رواية عكرمة عنه ورواية عبيد الله بن عبد الله وهو ابن عتبة عنه يا معشر المسلمين كيف
تسألون أهل الكتاب عن شئ (قوله وعندكم كتاب الله أقرب الكتب عهدا بالله) هذه رواية
عكرمة ورواية عبيد الله وكتابكم الذي أنزل الله عليكم أحدث الاخبار بالله أي أقربها نزولا
إليكم وأخبارا من الله سبحانه وتعالى وقد جرى البخاري على عادته في الإشارة إلى اللفظ الذي
يريده وايراده لفظا آخر غيره فإنه أورد أثر ابن عباس بلفظ أقرب وهو عنده في الموضع الآخر بلفظ
416

أحدث وهو أليق بمراده هنا وقد جاء نظير هذا الوصف من كلام كعب الأحبار منسوبا إلى الله
سبحانه وتعالى فأخرج ابن أبي حاتم بسند حسن عن عاصم بن بهدلة عن مغيث بن سمي قال قال
كعب عليكم بالقرآن فأنه أحدث الكتب عهدا بالرحمن زاد في رواية أخرى عن كعب وان الله
تعالى قال في التوراة يا موسى اني منزل عليك توراة حديثة افتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا
غلفا (قوله تقرؤنه محضا لم يشب) هذا آخر حديث عكرمة وقوله لم يشب بضم أوله وفتح الشين
المعجمة وسكون الموحدة أي لم يخالطه غيره وزاد عبيد الله في روايته وقد حدثكم الله أن أهل
الكتاب قد بدلوا من كتب الله وغيروا الخ يشير إلى قوله فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم
إلى يكسبون وقوله ليشتروا بذلك في رواية المستملي ليشتروا به وقوله عن الذي أنزل عليكم في
رواية المستملي إليكم وقوله جاءكم من العلم إسناد المجئ إلى العلم كإسناد النهي إليه (قوله فلا
والله ما رأينا رجلا منهم يسألكم) فيه تأكيد الخبر بالقسم وكأنه يقول لا يسألونكم عن شئ مع
علمهم بان كتابكم لا تحريف فيه فكيف تسألونهم وقد علمتم أن كتابهم محرف (قوله
باب قول الله تعالى لا تحرك به لسانك) يعني إلى آخر الآية (قوله وفعل النبي صلى الله عليه
وسلم حين ينزل عليه الوحي) قد بينه في حديث الباب بأنه كان يعالج شدة من أجل تحفظه فلما نزلت
صار يستمع فإذا ذهب الملك قرأه كما سمعه (قوله وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الله
عز وجل انا مع عبدي إذا ذكرني) في رواية الكشميهني ما ذكرني (وتحركت بي شفتاه) هذا طرف
من حديث أخرجه أحمد والبخاري في خلق أفعال العباد والطبراني من رواية عبد الرحمن بن يزيد
ابن جابر عن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر عن كريمة بنت الحسحاس بمهملات عن أبي هريرة
فذكره بلفظ إذا ذكرني وفي رواية لأحمد حدثنا أبو هريرة ونحن في بيت هذه يعني أم الدرداء أنه سمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجه البيهقي في الدلائل من طريق ربيعة بن يزيد الدمشقي عن
إسماعيل بن عبيد الله قال دخلت على أم الدرداء فلما سلمت جلست فسمعت كريمة بنت الحسحاس
وكانت من صواحب أبي الدرداء قالت سمعت أبا هريرة رضي الله عنه وهو في بيت هذه تشير إلى أم
الدرداء سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول فذكره بلفظ ما ذكرني وأخرجه أحمد أيضا وابن
ماجة والحاكم من رواية الأوزاعي عن إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء عن أبي هريرة ورواه
ابن حبان في صحيحه من رواية الأوزاعي عن إسماعيل عن كريمة عن أبي هريرة ورجح الحفاظ طريق
عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وربيعة بن يزيد ويحتمل ان يكون عند إسماعيل عن كريمة وعن أم الدرداء
معا وهذا من الأحاديث التي علقها البخاري ولم يصلها في موضع آخر من كتابه وبالله التوفيق قال
ابن بطال معنى الحديث أنا مع عبدي زمان ذكره لي أي أنا معه بالحفظ والكلاءة لا أنه معه بذاته
حيث حل العبد ومعنى قوله تحركت بي شفتاه أي تحركت باسمي لا أن شفتيه ولسانه تتحرك بذاته
تعالى لاستحالة ذلك انتهى ملخصا وقال الكرماني المعية هنا معية الرحمة واما في قوله تعالى وهو
معكم أينما كنتم فهي معية العلم يعني فهذه أخص من المعية التي في الآية ثم ذكر حديث ابن
عباس في قوله تعالى لا تحرك به لسانك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة
417

الحديث وهو من أوضح الأدلة على أن القرآن يطلق ويراد به القراءة فان المراد بقوله قرآنا في
الآيتين القراءة لا نفس القرآن وقد تقدم شرحه في بدء الوحي قال ابن بطال غرضه في هذا الباب
أن تحريك اللسان والشفتين بقراءة القرآن عمل له يؤجر عليه وقوله فإذا قرأناه فاتبع قرآنه فيه
إضافة الفعل إلى الله تعالى والفاعل له من يأمره بفعله فان القارئ لكلامه تعالى على النبي صلى
الله عليه وسلم هو جبريل ففيه بيان لكل ما أشكل من كل فعل ينسب إلى الله تعالى مما لا يليق به
فعله من المجئ والنزول ونحو ذلك انتهى والذي يظهر ان مراد البخاري بهذين الحديثين الموصول
والمعلق الرد على من زعم أن قراءة القارئ قديمة فأبان أن حركة لسان القارئ بالقرآن من فعل
القارئ بخلاف المقروء فإنه كلام الله القديم كما أن حركة لسان ذاكر الله حادثة من فعله والمذكور
وهو الله سبحانه تعالى قديم والى ذلك أشار بالتراجم التي تأتي بعد هذا (قوله باب
قول الله تعالى وأسروا قولكم أو اجهروا به انه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف
الخبير) أشار بهذه الآية إلى أن القول أعم من أن يكون بالقرآن أو بغيره فإن كان بالقرآن
فالقرآن كلام الله وهو من صفات ذاته فليس بمخلوق لقيام الدليل القاطع بذلك وإن كان بغيره فهو
مخلوق بدليل قوله تعالى الا يعلم من خلق بعد قوله إنه عليم بذات الصدور قال ابن بطال مراده بهذا
الباب اثبات العلم لله صفة ذاتية لاستواء علمه بالجهر من القول والسر وقد بينه بقوله في آية أخرى
سواء منكم من أسر القول ومن جهر به وان اكتساب العبد من القول والفعل لله تعالى لقوله انه
عليم بذات الصدور ثم قال عقب ذلك ألا يعلم من خلق فدل على أنه عالم بما أسروه وما جهروا به
وانه خالق لذلك فيهم فان قيل قوله من خلق راجع إلى القائلين قيل له ان هذا الكلام خرج مخرج
التمدح منه بعلمه بما أسر العبد وجهر وانه خلقه فإنه جعل خلقه دليلا على كونه عالما بقولهم
فيتعين رجوع قوله خلق إلى قولهم ليتم تمدحه بالامرين المذكورين وليكون أحدهما دليلا على
الآخر ولم يفرق أحد بين القول والفعل وقد دلت الآية على أن الأقوال خلق الله تعالى فوجب
أن تكون الافعال خلقا له سبحانه وتعالى وقال ابن المنير ظن الشارح انه قصد بالترجمة اثبات العلم
وليس كما ظن والا لتقاطعت المقاصد مما اشتملت عليه الترجمة لأنه لا مناسبة بين العلم وبين حديث
ليس منا من لم يتغن بالقرآن وانما قصد البخاري الإشارة إلى النكتة التي كانت سبب محنته
بمسئلة اللفظ فأشار بالترجمة إلى أن تلاوة الخلق تتصف بالسر والجهر ويستلزم أن تكون مخلوقة
وساق الكلام على ذلك وقد قال البخاري في كتاب خلق أفعال العباد بعد أن ذكر عدة أحاديث
دالة على ذلك فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن أصوات الخلق وقراءتهم ودراستهم وتعليمهم
وألسنتهم مختلفة بعضها أحسن وأزين وأحلى وأصوت وأرتل وألحن وأعلى وأخفض وأغض
وأخشع وأجهر وأخفى وأقصر وأمد وألين من بعض (قوله يتخافتون يتسارون) بتشديد
الراء والسين مهملة وفي بعضها بشين معجمة وزيادة واو بغير تثقيل أي يتراجعون فيما بينهم
سرا ثم ذكر حديث ابن عباس في نزول قوله تعالى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وفي آخره فقال
الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ولا تجهر بصلاتك أي بقراءتك وحديث عائشة انها نزلت في الدعاء
وقد تقدم شرحهما في تفسير سبحان وحديث أبي هريرة ليس منا من لم يتغن بالقرآن وزاد غيره
يجهر به أورده من طريق ابن جريج حدثنا ابن شهاب وقد مضى في فضائل القرآن وفي باب
418

قول الله تعالى ولا تنفع الشفاعة عنده الا لمن أذن له من طريق عقيل عن ابن شهاب بلفظ ما أذن
الله لشئ ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن وقال صاحب له يجهر به وسيأتي قريبا من طريق محمد بن
إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بلفظ ما أذن الله لشئ ما أذن لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر به
فيستفاد منه ان الغير المبهم في حديث الباب وهو الصاحب المبهم في رواية عقيل هو محمد بن إبراهيم
التيمي والحديث واحد الا ان بعضهم رواه بلفظ ما أذن الله وبعضهم رواه بلفظ ليس منا وإسحاق
شيخه فيه هو ابن منصور وقال الحاكم ابن نصر ورجح الأول أبو علي الجياني وأبو عاصم هو النبيل
وهو من شيوخ البخاري قد أكثر عنه بلا واسطة وأقرب ذلك في أول حديث من كتاب التوحيد
(قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل
وآناء النهار) في رواية الكشميهني والنهار بحذف واناء الثانية (قوله ورجل يقول لو أوتيت
مثل ما أوتي هذا فعلت كما يفعل) قال الكرماني كذا أورد الترجمة مخرومة إذ ذكر من صاحب
القرآن حال المحسود فقط ومن صاحب المال حال الحاسد فقط ولكن لا لبس في ذلك لأنه اقتصر
على ذكر حالي حامل القرآن حاسدا ومحسودا وترك حال ذي المال (قوله فبين ان قيامه بالكتاب
هو فعله) في رواية الكشميهني ان قراءته الكتاب هو فعله (قوله ومن آياته خلق السماوات
والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم وقال وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) أما الآية الأولى
فالمراد منها اختلاف ألسنتكم لأنها تشمل الكلام كله فتدخل القراءة وأما الآية الثانية فعموم
فعل الخير يتناول قراءة القرآن والذكر والدعاء وغير ذلك فدل على أن القراءة فعل القارئ ثم ذكر
حديث أبي هريرة لا تحاسد الا في اثنتين رجل أتاه الله القرآن فهو يتلوه وحديث سالم عن أبيه
وهو عبد الله بن عمر لا حسد الا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به وقد مضى شرح المتن في
فضائل القرآن وقوله سمعت من سفيان مرارا هو كلام علي بن عبد الله وهو ابن المديني شيخ البخاري
وقوله لم أسمعه يذكر الخبر أي ما سمعه منه الا بالعنعنة (قوله وهو من صحيح حديثه) قلت قد أخرجه
الإسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي خيثمة قال حدثنا سفيان هو ابن عيينة قال حدثنا الزهري عن سالم
به قال ابن المنير دلت أحاديث الباب الذي قبله على أن القراءة فعل القارئ وأنها تسمى تغنيا وهذا
هو الحق اعتقادا لا اطلاقا حذرا من الايهام وفرارا من الابتداع بمخالفة السلف في الاطلاق
وقد ثبت عن البخاري أنه قال من نقل عني أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فقد كذب وانما قلت إن
أفعال العباد مخلوقة قال وقد قارب الافصاح في هذه الترجمة بما رمز إليه في التي قبلها (قوله
باب قول الله عز وجل يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت
رسالاته) كذا للجميع وظاهره اتحاد الشرط والجزاء لان معنى ان لم تفعل لم تبلغ لكن المراد من
الجزاء لازمه فهو كحديث ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها فهجرته إلى ما هاجر إليه واختلف في
المراد بهذا الامر فقيل المراد بلغ كما أنزل وهو على ما فهمت عائشة وغيرها وقيل المراد بلغه ظاهرا
ولا تخش من أحد فان الله يعصمك من الناس والثاني أخص من الأول وعلى هذا لا يتحد الشرط
والجزاء لكن الأولى قول الأكثر لظهور العموم في قوله تعالى ما أنزل والامر للوجوب فيجب عليه
تبليغ كل ما أنزل إليه والله أعلم ورجح الأخير ابن التين ونسبه لأكثر أهل اللغة وقد احتج أحمد بن
حنبل بهذه الآية على أن القرآن غير مخلوق لأنه لم يرد في شئ من القرآن ولا من الأحاديث أنه مخلوق
419

ولا ما يدل على أنه مخلوق ثم ذكر عن الحسن البصري أنه قال لو كان ما يقول الجعد حقا لبلغه النبي
صلى الله عليه وسلم (قوله وقال الزهري من الله الرسالة وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغ
وعلينا التسليم) هذا وقع في قصة أخرجها الحميدي في النوادر ومن طريقه الخطيب قال الحميدي
حدثنا سفيان قال قال رجل للزهري يا أبا بكر قول النبي صلى الله عليه وسلم ليس منا من شق
الجيوب ما معناه فقال الزهري من الله العلم وعلى رسوله البلاغ وعلينا التسليم وهذا الرجل هو
الأوزاعي أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب الأدب وذكر ابن أبي الدنيا عن دحيم عن الوليد بن مسلم عن
الأوزاعي قال قلت للزهري فذكره (قوله وقال الله تعالى ليعلم ان قد أبلغوا رسالات ربهم وقال
أبلغكم رسالات ربي) قال البخاري في كتاب خلق أفعال العباد بعد أن ساق قوله تعالى يا أيها
الرسول بلغ الآية قال فذكر تبليغ ما أنزل إليه ثم وصف فعل تبليغ الرسالة فقال وان لم تفعل
فما بلغت قال فسمى تبليغه الرسالة وتركه فعلا ولا يمكن أحدا أن يقول إن الرسول لم يفعل ما أمر به
من تبليغ الرسالة يعني فإذا بلغ فقد فعل ما أمر به وتلاوته ما أنزل إليه هو التبليغ وهو فعله وذكر
حديث أبي الأحوص عوف بن مالك الجشمي عن أبيه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكر
القصة وفيها قال أتتني رسالة من ربي فضقت بها ذرعا ورأيت أن الناس سيكذبونني فقيل لي
لتفعلن أو ليفعلن بك وأصله في السنن وصححه ابن حبان والحاكم وحديث سمرة بن جندب في قصة
الكسوف وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته انما انا بشر رسول فأذكركم بالله ان كنتم
تعلمون اني قصرت عن تبليغ شئ من رسالات ربي يعني فقولوا فقالوا نشهد انك بلغت رسالات
ربك وقضيت الذي عليك وأصله في السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال في الكتاب
المذكور أيضا قوله تعالى بلغ ما أنزل إليك من ربك هو مما أمر به وكذلك أقيموا الصلاة والصلاة
بجملتها طاعة الله وقراءة القرآن من جملة الصلاة فالصلاة طاعة والامر بها قرآن وهو مكتوب في
المصاحف محفوظ في الصدور مقروء على الألسنة فالقراءة والحفظ والكتابة مخلوقة والمقروء
والمحفوظ والمكتوب ليس بمخلوق ومن الدليل عليه انك تكتب الله وتحفظه وتدعوه فدعاؤك
وحفظك وكتابتك وفعلك مخلوق والله هو الخالق (قوله وقال كعب بن مالك حين تخلف عن النبي
صلى الله عليه وسلم فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) قد تقدم هذا مسندا في تفسير براءة في
حديثه الطويل وفي آخره قال الله تعالى يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن
لكم قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله الآية قال الكرماني ومناسبته للترجمة
من جهة التفويض والانقياد والتسليم ولا ينبغي لاحد ان يزكي عمله بل يفوض إلى الله سبحانه
وتعالى (قلت) ومراد البخاري تسمية ذلك عملا كما تقدم من كلامه في الذي قبله (قوله وقالت
عائشة إذا أعجبك حسن عمل امرئ فقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ولا
يستخفنك أحد) قلت زعم مغلطاي ان عبد الله بن المبارك أخرج هذا الأثر في كتاب البر والصلة
عن سفيان عن معاوية بن إسحاق عن عروة عن عائشة وقد وهم في ذلك وانما وقع هذا في قصة ذكرها
البخاري في كتاب خلق أفعال العباد من رواية عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت
وذكرت الذي كان من شأن عثمان وددت أني كنت نسيا منسيا فوالله ما أحببت أن ينتهك من
عثمان أمر قط الا انتهك مني مثله حتى والله لو أحببت قتله لقتلت يا عبيد الله بن عدي لا يغرنك
420

أحد بعد الذين تعلم فوالله ما احتقرت من أعمال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نجم
النفر الذين طعنوا في عثمان فقالوا قولا لا يحسن مثله وقرأوا قراءة لا يحسن مثلها وصلوا صلاة لا يصلى
مثلها فلما تدبرت الصنيع إذا هم والله ما يقاربون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أعجبك
حسن قول امرئ فقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ولا يستخفنك أحد وأخرجه
ابن أبي حاتم من رواية يونس بن يزيد عن الزهري أخبرني عروة ان عائشة كانت تقول احتقرت
أعمال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نجم القراء الذين طعنوا على عثمان فذكر نحوه
وفيه فوالله ما يقاربون عمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أعجبك حسن عمل امرئ
منهم فقل اعملوا الخ والمراد بالقراء المذكورين الذين قاموا على عثمان وانكروا عليه أشياء
اعتذر عن فعلها ثم كانوا مع علي ثم خرجوا بعد ذلك على علي وقد تقدمت أخبارهم مفصلة في
كتاب الفتن ودل سياق القصة على أن المراد بالعمل ما أشارت إليه من القراءة والصلاة وغيرهما
فسمت كل ذلك عملا وقولها في آخره ولا يستخفنك أحد بالخاء المعجمة المكسورة والفاء المفتوحة
والنون الثقيلة للتأكيد قال ابن التين عن الداودي معناه لا تغتر بمدح أحد وحاسب نفسك
والصواب ما قاله غيره أن المعنى لا يغرنك أحد بعمله فتظن به الخير الا ان رأيته واقفا عند حدود
الشريعة (قوله قال معمر ذلك الكتاب هذا القرآن هدى للمتقين بيان ودلالة كقوله ذلكم حكم
الله هذا حكم الله لا ريب فيه لا شك تلك آيات الله يعني هذه أعلام القرآن ومثله حتى إذا كنتم في
الفلك وجرين بهم يعني بكم) معمر هذا هو ابن المثنى اللغوي أبو عبيدة وهذا المنقول عنه ذكره في
كتاب مجاز القرآن ووهم من قال إنه معمر بن راشد شيخ عبد الرزاق وقد اغتر مغلطاي بذلك فزعم
أن عبد الرزاق أخرج ذلك في تفسيره عن معمر وليس ذلك في شئ من نسخ تفسير عبد الرزاق
ولفظ أبي عبيدة ذلك الكتاب معناه هذا القرآن قال وقد تخاطب العرب الشاهد بمخاطبة الغائب
وقد أنكر ثعلب هذه المقالة وقال استعمال أحد اللفظين موضع الآخر يقلب المعنى وانما المراد
هذا القرآن هو ذلك الذي كانوا يستفتحون به عليكم وقال الكسائي لما كان القول والرسالة من
السماء والكتاب والرسول في الأرض قيل ذلك يا محمد وقال الفراء هو كقولك للرجل وهو يحدثك
وذلك والله الحق فهو في اللفظ بمنزلة الغائب وليس بغائب وانما المعنى ذلك الذي سمعت به
واستشهد أبو عبيدة بقوله تعالى حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة فلما جاز أن يخبر
بضميرين مختلفين ضمير المخاطب للحاضر وضمير الغيبة عن الغائب في قصة واحدة فكذلك يجوز
ان يخبر عن ضمير القريب بضمير البعيد وهو صنيع مشهور في كلام العرب يسميه أصحاب المعاني
الالتفات وقيل الحكمة في هذا هنا ان كل من خوطب يجوز ان يركب الفلك لكن لما كان في
العادة ان لا يركبها الا الأقل وقع الخطاب أولا للجميع ثم عدل إلى الاخبار عن البعض الذين من
شأنهم الركوب وقال أيضا لا ريب فيه لا شك فيه هدى للمتقين أي بيان للمتقين ومناسبة هذه
الآية لما تقدم من جهة ان الهداية نوع من التبليغ وقال في تفسير سورة أخرى تلك آيات هذه
آيات وقال في تفسير سورة أخرى الآيات الاعلام وهذا قد تقدم في تفسير سورة يونس التنبيه
عليه وأما قوله ومثله حتى إذا كنتم فمراده انه نظير استعمال ذلك موضع هذا فلما ساغ استعمال
ما هو للبعيد للقريب جاز استعمال ما هو للغائب للحاضر ولفظ مثله بكسر الميم وسكون المثلثة
421

وضبطه بعضهم بضم الميم والمثلثة واللام وهو بعيد والأول هو الموجود في كتاب أبي عبيدة قاله في
مقدمة كتابه المذكور فإنه قال ومن مجاز ما جاءت مخاطبته مخاطبة الشاهد ثم حول إلى مخاطبة
الغائب قوله تعالى حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم أي بكم ثم ذكر فيه أربعة أحاديث * الحديث
الأول (قوله وقال أنس بعث النبي صلى الله عليه وسلم خاله حراما إلى قوم وقال أتؤمنوني حتى أبلغ
رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يحدثهم) هذا طرف من حديث وصله المؤلف في الجهاد
من طريق همام عن إسحاق بن عبيد الله بن أبي طلحة عن أنس قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم
أقواما من بني سليم إلى بني عامر في سبعين راكبا فلما قدموا قال لهم خالي أتقدمكم فإن أمنوني
حتى أبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والا كنتم قريبا مني فتقدم فأمنوه فبينما هو يحدثهم
عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر القصة ولفظه في المغازي عن أنس فانطلق حرام أخو أم سليم
فذكره وفيه وان قتلوني أتيتم أصحابكم فقال أتؤمنوني أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فجعل يحدثهم وأومأوا إلى رجل منهم فأتاه فطعنه من خلفه الحديث وسياقه في المغازي أقرب
إلى اللفظ المعلق هنا وفي السياق حذف تقديره بعد قوله أتيتم أصحابكم فأتى المشركين فقال
أتؤمنوني * الحديث الثاني (قوله حدثنا سعيد بن عبيد الله الثقفي) كذا للأكثر ووقع في رواية
القابسي عن أبي زيد سعيد بن عبد الله بفتح العين وسكون الموحدة قال أبو علي الجياني وكذا كان
في نسخة أبي محمد الأصيلي الا انه أصلحه عبيد الله بالتصغير وقال هو سعيد بن عبيد الله بن جبير
ابن حية (قوله عن جبير بن حية) بمهملة وتحتانية ثقيلة وجبير هو والد زياد بن جبير الراوي عنه
(قوله قال المغيرة) هو ابن شعبة (قوله أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن رسالة ربنا انه من قتل منا
صار إلى الجنة) هذا القدر هو المرفوع من الحديث وقد مضى بطوله وشواهده في كتاب الجزية
وبيان الاختلاف في ضبط المعتمر بن سليمان المذكور في سنده بما أغنى عن اعادته * الحديث
الثالث (قوله حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن إسماعيل عن الشعبي عن مسروق عن عائشة
قالت من حدثك ان محمد صلى الله عليه وسلم كتم شيئا وقال محمد حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا
عن شعبة إسماعيل بن أبي خالد) اما محمد بن يوسف فهو الفريابي كما جزم به أبو نعيم في المستخرج وأما
سفيان فهو الثوري واما إسماعيل فهو ابن أبي خالد المذكور في الرواية الثانية واما محمد المذكور
أول الرواية الثانية فيحتمل أن يكون هو محمد بن يوسف الفريابي المذكور في الرواية الأولى فيكون
موصولا ويحتمل ان يكون غيره فيكون معلقا وهو مقتضى صنيع المزي واما أبو نعيم فقال في
المستخرج رواه عن محمد عن أبي عامر ومقتضاه ان يكون وقع عنده حدثنا محمد أو قال لي محمد
لان عادته إذا وقع بصيغة قال مجردة أن يقول أخرجه بلا رواية يعني صيغة صريحة وأبو عامر
العقدي هو عبد الملك بن عمرو وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق أحمد بن ثابت عن أبي عامر
العقدي مثل ما ساقه البخاري وزاد من حدثك ان الله رآه أحد من خلقه فلا تصدقه ان الله
يقول لا تدركه الابصار وقد تقدم هذا القدر مفردا في باب قول الله تعالى عالم الغيب فلا يظهر
على غيبه أحدا في كتاب التوحيد هذا عن محمد بن يوسف بهذا السند وزاد من حدثك انه
يعلم الغيب الحديث وأخرجه أحمد عن غندر عن شعبة كذلك وقد تقدم الكلام على قصة
الرؤية والغيب هناك وكل ما أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم فله بالنسبة إليه طرفان طرف
422

الاخذ من جبريل عليه السلام وقد مضى في الباب السابق وطرف الأداء للأمة وهو المسمى
بالتبليغ وهو المقصود هنا * الحديث الرابع حديث عبد الله هو ابن مسعود أي الذنب أكبر
تقدم قريبا في باب قوله تعالى فلا تجعلوا لله أندادا وزاد في آخره هنا فأنزل الله تصديقها والذين
لا يدعون مع الله الها آخر إلى آخر الآية ومناسبته للترجمة أن التبليغ على نوعين أحدهما وهو
الأصل ان يبلغه بعينه وهو خاص بما يتعبد بتلاوته وهو القرآن وثانيهما أن يبلغ ما يستنبط
من أصول ما تقدم انزاله فينزل عليه موافقته فيما استنبطه اما بنصه واما بما يدل على موافقته
بطريق الأولى كهذه الآية فإنها اشتملت على الوعيد الشديد في حق من أشرك وهي مطابقة
للنص وفي حق من قتل النفس بغير حق وهي مطابقة للحديث بطريق الأولى لان القتل بغير حق
وإن كان عظيما لكن قتل الولد أشد قبحا من قتل من ليس بولد وكذا القول في الزناة فان الزنا بحليلة
الجار أعظم قبحا من مطلق الزنا ويحتمل ان يكون إنزال هذه الآية سابقا على اخباره صلى الله
عليه وسلم بما أخبر به لكن لم يسمعها الصحابي الا بعد ذلك ويحتمل أن يكون كل من الأمور
الثلاثة نزل تعظيم الاثم فيه سابقا ولكن اختصت هذه الآية بمجموع الثلاثة في سياق واحد مع
الاقتصار عليها فيكون المراد بالتصديق الموافقة في الاقتصار عليها فعلى هذا فمطابقة الحديث
للترجمة ظاهرة جدا والله أعلم واستدل أبو المظفر بن السمعاني بآيات الباب وأحاديثه على فساد
طريقة المتكلمين في تقسيم الأشياء إلى جسم وجوهر وعرض قالوا فالجسم ما اجتمع من
الافتراق والجوهر ما حمل العرض والعرض مالا يقوم بنفسه وجعلوا الروح من الاعراض
وردوا الاخبار في خلق الروح قبل الجسد والعقل قبل الخلق واعتمدوا على حدسهم وما
يؤدي إليه نظرهم ثم يعرضون عليه النصوص فما وافقه قبلوه وما خالفه ردوه ثم ساق هذه الآيات
ونظائرها من الامر بالتبليغ قال وكان مما أمر بتبليغه التوحيد بل هو أصل ما أمر به فلم يترك
شيئا من أمور الدين أصوله وقواعده وشرائعه الا بلغه ثم لم يدع الا الاستدلال بما تمسكوا به من
الجوهر والعرض ولا يوجد عنه ولا عن أحد من أصحابه من ذلك حرف واحد فما فوقه فعرف
بذلك انهم ذهبوا خلاف مذهبهم وسلكوا غير سبيلهم بطريق محدث مخترع لم يكن عليه رسول
الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه رضي الله عنهم ويلزم من سلوكه العود على السلف بالطعن
والقدح ونسبتهم إلى قلة المعرفة واشتباه الطرق فالحذر من الاشتغال بكلامهم والاكتراث
بمقالاتهم فإنها سريعة التهافت كثيرة التناقض وما من كلام تسمعه لفرقة منهم الا وتجد
لخصومهم عليه كلاما يوازنه أو يقاربه فكل بكل مقابل وبعض ببعض معارض وحسبك من قبيح
ما يلزم من طريقتهم انا إذا جرينا على ما قالوه وألزمنا الناس بما ذكروه لزم من ذلك تكفير العوام
جميعا لانهم لا يعرفون الا الاتباع المجرد ولو عرض عليهم هذا الطريق ما فهمه أكثرهم فضلا
عن أن يصير منهم صاحب نظر وانما غاية توحيدهم التزام ما وجدوا عليه أئمتهم في عقائد الدين
والعض عليها بالنواجذ والمواظبة على وظائف العبادات وملازمة الاذكار بقلوب سليمة طاهرة
عن الشبه والشكوك فتراهم لا يحيدون عما اعتقدوه ولو قطعوا إربا إربا فهنيئا لهم هذا اليقين
وطوبى لهم هذه السلامة فإذا كفر هؤلاء وهم السواد الأعظم وجمهور الأمة فما هذا الا طي بساط
الاسلام وهدم منار الدين والله المستعان (قوله باب قول الله تعالى قل فأتوا بالتوراة
423

فاتلوها) مراده بهذه الترجمة أن يبين أن المراد بالتلاوة القراءة وقد فسرت التلاوة بالعمل والعمل
من فعل العامل وقال في كتاب خلق أفعال العباد ذكر صلى الله عليه وسلم أن بعضهم يزيد على
بعض في القراءة وبعضهم ينقص فهم يتفاضلون في التلاوة بالكثرة والقلة وأما المتلو وهو القرآن
فإنه ليس فيه زيادة ولا نقصان ويقال فلان حسن القراءة وردئ القراءة ولا يقال حسن القرآن
ولا ردئ القرآن وانما يسند إلى العباد القراءة لا القرآن لان القرآن كلام الرب سبحانه وتعالى
والقراءة فعل العبد ولا يخفى هذا الا على من لم يوفق ثم قال تقول قرأت بقراءة عاصم وقراءتك
على قراءة عاصم ولو أن عاصما حلف أن لا يقرأ اليوم ثم قرأت أنت على قراءته لم يحنث هو قال
وقال أحمد لا تعجبني قراءة حمزة قال البخاري ولا يقال لا يعجبني القرآن فظهر افتراقهما (قوله
وقول النبي صلى الله عليه وسلم أعطي أهل التوراة التوراة الخ) وصله في آخر هذا الباب بلفظ
أوتي في الموضعين وأوتيتم وقد مضى في اللفظ المعلق أعطي وأعطيتم في باب المشيئة والإرادة في
أول كتاب التوحيد (قوله وقال أبو رزين) براء ثم زاي بوزن عظيم هو مسعود بن مالك الأسدي
الكوفي من كبار التابعين (قوله يتلونه حق تلاوته يعملون به حق عمله) كذا لأبي ذر ولغيره يتلونه
يتبعونه ويعملون به حق عمله وهذا وصله سفيان الثوري في تفسيره من رواية أبي حذيفة موسى
ابن مسعود عنه عن منصور بن المعتمر عن أبي رزين في قوله تعالى يتلونه حق تلاوته قال يتبعونه
حق اتباعه ويعملون به حق عمله قال ابن التين وافق أبا رزين عكرمة واستشهد بقوله تعالى
والقمر إذا تلاها أي تبعها وقال الشاعر * قد جعلت دلوي تستتليني * وقال قتادة هم أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم آمنوا بكتاب الله وعملوا بما فيه (قوله يقال يتلى يقرأ) هو كلام أبي عبيدة
في كتاب المجاز في قوله تعالى انا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم يقرأ عليهم وفي قوله تعالى وما كنت
تتلو من قبله من كتاب ما كنت تقرأ كتابا قبل القرآن (قوله حسن التلاوة حسن القراءة للقرآن
قال الراغب التلاوة الاتباع وهي تقع بالجسم تارة وتارة بالاقتداء في الحكم وتارة بالقراءة وتدبر
المعنى والتلاوة في عرف الشرع تختص باتباع كتب الله تعالى المنزلة تارة بالقراءة وتارة بامتثال
ما فيه من أمر ونهي وهي أعم من القراءة فكل قراءة تلاوة من غير عكس (قوله لا يمسه لا يجد
طعمه ونفعه الا من آمن بالقرآن ولا يحمله بحقه الا الموقن) وفي رواية المستملي المؤمن (لقوله
تعالى مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا) وحاصل هذا التفسير ان
معنى لا يمس القرآن لا يجد طعمه ونفعه الا من آمن به وأيقن بأنه من عند الله فهو المطهر من
الكفر ولا يحمله بحقه الا المطهر من الجهل والشك لا الغافل عنه الذي لا يعمل فيكون كالحمار الذي
يحمل ما لا يدريه (قوله وسمى النبي صلى الله عليه وسلم الاسلام والايمان والصلاة عملا) اما
تسميته صلى الله عليه وسلم الاسلام عملا فاستنبطه المصنف من حديث سؤال جبريل عن الايمان
والاسلام فقال قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل حين سأله عن الايمان تؤمن بالله وملائكته
وكتبه ورسله ثم قال ما الاسلام قال تشهد ان لا إله إلا الله وأني رسول الله ثم ساقه من حديث ابن
عمر عن عمر بلفظ فقال يا رسول الله ما الاسلام قال أن تسلم وجهك لله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة
وتصوم رمضان وتحج البيت الحديث وساقه من حديث أنس بنحوه قال فسمى الايمان والاسلام
والاحسان والصلاة بقراءتها وما فيها من حركات الركوع والسجود فعلا انتهى والحديث الأول
424

أسنده في كتاب الايمان عن أبي هريرة والثاني أخرجه مسلم وأما تسمية الايمان عملا فهو في
الحديث المعلق في الباب أي العمل أفضل قال ايمان بالله الحديث وقد أعاده في باب والله خلقكم
وما تعملون وأما تسمية الصلاة عملا فهو في الباب الذي يليه كما سيأتي بيانه (قوله وقال أبو هريرة
قال النبي صلى الله عليه وسلم لبلال إلى آخره) تقدم موصولا مشروحا في مناقب بلال من مناقب
الصحابة رضي الله عنهم ودخوله فيه ظاهر من حيث إن الصلاة لا بد فيها من القراءة (قوله وسئل
أي العمل أفضل قال ايمان بالله ورسوله ثم الجهاد ثم حج مبرور) وهو حديث وصله في كتاب
الايمان وفي الحج من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة
وأورده في كتاب خلق أفعال العباد من وجهين آخرين عن الزهري ومن وجهين آخرين عن
إبراهيم بن سعد وأورده فيه من طريق أبي جعفر عن أبي هريرة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
يقول أفضل الأعمال عند الله ايمان لا شك فيه الحديث وهو أصرح في مراده لكن ليس سنده
على شرطه في الصحيح وقد أخرجه أحمد والدارمي وصححه ابن حبان وأخرج البخاري فيه أيضا من
حديث عبد الله بن حبشي بضم المهملة وسكون الموحدة بعدها معجمة وياء كياء النسب مثل حديث
أبي جعفر عن أبي هريرة وهو عند أحمد والدارمي وأورد فيه حديث أبي ذر انه سأل النبي صلى الله
عليه وسلم أي الأعمال خير قال ايمان بالله وجهاد في سبيله وقد تقدم في العتق وحديث عائشة
نحو حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وهو عند أحمد بمعناه وحديث عبادة بن الصامت
ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل فقال ايمان بالله وتصديق بكتابه قال فجعل النبي
صلى الله عليه وسلم الايمان والتصديق والجهاد والحج عملا ثم أورد حديث معاذ قلت يا رسول الله
أي الأعمال أحب إلى الله قال إن تموت ولسانك رطب من ذكر الله قال فبين ان ذكر الله وتعالى هو
العمل ثم ذكر حديث انما بقاؤكم فيمن سلف من الأمم أي زمن بقاؤكم بالنسبة إلى زمن الأمم
السالفة وقد تقدم في مواقيت الصلاة مشروحا واحد طرفي التشبيه محذوف والمراد باقي النهار
وعبدان شيخه هو عبد الله بن عثمان وعبد الله هو ابن المبارك ويونس هو ابن يزيد وسالم هو ابن
عبد الله بن عمر وقوله فيه حتى غربت الشمس في رواية الكشميهني حتى غروب الشمس وقوله هل
ظلمتكم من حقكم من شئ في رواية الكشميهني شيئا قال ابن بطال معنى هذا الباب كالذي قبله
ان كلما ينشئه الانسان مما يؤمر به من صلاة أو حج أو جهاد وسائر الشرائع عمل يجازى على فعله
ويعاقب على تركه أن انفذ الوعيد انتهى وليس غرض البخاري هنا بيان ما يتعلق بالوعيد بل
ما أشرت إليه قبل وتشاغل ابن التين ببعض ما يتعلق بلفظ حديث ابن عمر فنقل عن الداودي انه
أنكر قوله في الحديث انهم أعطوا قيراطا وتمسك بما في حديث أبي موسى انهم قالوا لا حاجة لنا في
أجرك ثم قال لعل هذا في طائفة أخرى وهم من آمن بنبيه قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وهذا
الأخير هو المعتمد وقد أوضحته بشواهده في كتاب المواقيت وفي تشاغل من شرح هذا الكتاب
بمثل هذا هنا اعراض عن مقصود المصنف هنا وحق الشارح بيان مقاصد المصنف تقريرا
وانكارا وبالله المستعان (قوله باب) كذا لهم بغير ترجمة وهو كالفصل
من الباب الذي قبله وهو ظاهر (قوله وسمى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عملا وقال
لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) اما التعليق الأول فمذكور في حديث ابن مسعود في الباب
425

واما الثاني فمضى في كتاب الصلاة من حديث عبادة بن الصامت (قوله حدثني سليمان) هو ابن
حرب (قوله عن الوليد وحدثني عباد) اما الوليد فهو ابن العيزار المذكور في السند الثاني
والقائل حدثني عباد هو البخاري وعباد شيخه هذا مذكور بالرفض ولكنه موصوف بالصدق
وليس له عند البخاري الا هذا الحديث الواحد وساقه على لفظه وقد تقدم لفظ شعبة في باب فضل
الصلاة لوقتها في أبواب المواقيت من كتاب الصلاة وفيه ثم أي ثم أي في الموضعين وأوله سألت
النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله وعرف منه تسمية المبهم في هذه الرواية حيث
قال فيها ان رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل فيحتمل ان يكون الراوي
حدث به بالمعنى فأبهم السائل ذهولا عن انه الراوي كما حذف من صورة السؤال الترتيب
في قوله قلت ثم أي ويحتمل ان يكون ابن مسعود حدث به على الوجهين والأول أقرب وأبو عمرو
الشيباني شيخ الوليد بن العيزار هو سعد بن إياس أحد كبار التابعين والشيباني الراوي عن العيزار
هو أبو إسحاق الكوفي واسمه سليمان وهو تابعي صغير وفي السند ثلاثة من التابعين في نسق
ورجال سنده كلهم كوفيون وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية أحمد بن إبراهيم الموصلي عن
عباد بن العوام فقال في روايته عن أبي إسحاق يعني الشيباني وقال فيه سأل رجل النبي صلى الله
عليه وسلم أو قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الأعمال أيها أفضل فهذا مما يؤيد الاحتمال
الأول وان الراوي لم يضبط اللفظ وشعبه أتقن من الشيباني وأضبط لألفاظ الحديث فروايته
هي المعتمدة والله أعلم (قوله باب قول الله تعالى ان الانسان خلق هلوعا إذا مسه
الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا) سقط لأبي ذر لفظ قول الله تعالى وزاد في روايته هلوعا ضجورا
وهو تفسير أبي عبيدة قال خلق هلوعا أي ضجورا والهلاع مصدر وهو أشد الجزع ((قوله عن
الحسن) هو البصري والسند كله بصريون وعمرو بن تغلب بالمثناة المفتوحة والمعجمة الساكنة
واللام المكسورة بعدها موحدة هو النمري بفتح الميم والنون والتخفيف وقد تقدم شرح
حديثه هذا في فرض الخمس والغرض منه قوله فيه لما في قلوبهم من الجزع والهلع قال ابن بطال
مراده في هذا الباب اثبات خلق الله تعالى للانسان بأخلاقه من الهلع والصبر والمنع والاعطاء
وقد استثنى الله المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون لا يضجرون بتكررها عليهم ولا يمنعون
حق الله في أموالهم لانهم يحتسبون بها الثواب ويكسبون بها التجارة الرابحة في الآخرة
وهذا يفهم منه أن من ادعى لنفسه قدرة وحولا بالامساك والشح والضجر من الفقر وقلة الصبر
لقدر الله تعالى ليس بعالم ولا عابد لان من ادعى أن له قدرة على نفع نفسه أو دفع الضر عنها فقد
افترى انتهى ملخصا وأوله كاف في المراد فان قصد البخاري أن الصفات المذكورة بخلق الله تعالى
في الانسان لا أن الانسان يخلقها بفعله وفيه أن الرزق في الدنيا ليس على درجة المرزوق
في الآخرة واما في الدنيا فإنما تقع العطية والمنع بحسب السياسة الدنيوية فكان صلى الله عليه
وسلم يعطي من يخشى عليه الجزع والهلع لو منع ويمنع من يثق بصبره واحتماله وقناعته بثواب
الآخرة وفيه ان البشر جبلوا على حب العطاء وبغض المنع والاسراع إلى إنكار ذلك قبل الفكرة
في عاقبته الا من شاء الله وفيه أن المنع قد يكون خيرا للممنوع كما قال تعالى وعسى ان تكرهوا
شيئا وهو خير لكم ومن ثم قال الصحابي ما أحب ان لي بتلك الكلمة حمر النعم والباء في قوله بتلك
426

للبدلية أي ما أحب ان لي بدل كلمته النعم الحمر لان الصفة المذكورة تدل على قوة ايمانه المفضي به
لدخول الجنة وثواب الآخرة خير وأبقى وفيه استئلاف من يخشى جزعه أو يرجى بسبب اعطائه
طاعة من يتبعه والاعتذار إلى من ظن ظنا والامر بخلافه (قوله باب ذكر النبي
صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه) يحتمل أن تكون الجملة الأولى محذوفة المفعول والتقدير
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل ويحتمل أن يكون ضمن الذكر معنى التحديث فعداه
بعن فيكون قوله عن ربه متعلق بالذكر والرواية معا وقد ترجم هذا في كتاب خلق أفعال العباد
بلفظ ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر ويروي عن ربه وهو أوضح وقد قال ابن بطال معنى
هذا الباب ان النبي صلى الله عليه وسلم روى عن ربه السنة كما روى عنه القرآن انتهى والذي
يظهر ان مراده تصحيح ما ذهب إليه كما تقدم التنبيه عليه في تفسير المراد بكلام الله سبحانه وتعالى
وذكر فيه خمسة أحاديث * الحديث الأول (قوله حدثني محمد بن عبد الرحيم) هو أبو يحيى
البغدادي الملقب صاعقة وأبو زيد من شيوخ البخاري قد حدث عنه بلا واسطة في باب إذا رأى
المحرمون صيدا في أواخر كتاب الحج وكذا في غزوة الحديبية (قوله عن أنس عن النبي صلى الله
عليه وسلم) هذه رواية قتادة وخالفه سليمان التيمي كما في الحديث الثاني فقال عن أنس عن أبي
هريرة فالأول مرسل صحابي (قوله يرويه عن ربه عز وجل) في رواية الإسماعيلي من طريق محمد
ابن جعفر ومن طريق حجاج بن محمد كلاهما عن شعبة سمعت قتادة يحدث عن أنس أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال قال ربكم وفي رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة ومن طريقه
أخرجه أبو نعيم يقول الله قال الإسماعيلي قوله قال ربكم وقوله يرويه عن ربكم سواء أي في المعنى
(قوله إذا تقرب العبد إلي شبرا) في رواية الإسماعيلي مني وفي رواية الطيالسي ان تقرب مني
عبدي والأصل هنا الاتيان بمن لكن يفيد استعمال إلى بمعنى الانتهاء فهو أبلغ (قوله تقربت
إليه ذراعا وإذا تقرب إلي) في رواية الكشميهني مني وكذا للإسماعيلي والطيالسي (قوله
ذراعا تقربت منه باعا وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة) لم يقع وإذا أتاني الخ في رواية الطيالسي قال
ابن بطال وصف سبحانه نفسه بأنه يتقرب إلى عبده ووصف العبد بالتقرب إليه ووصفه بالاتيان
والهرولة كل ذلك يحتمل الحقيقة والمجاز فحملها على الحقيقة يقتضي قطع المسافات وتداني
الأجسام وذلك في حقه تعالى محال فلما استحالت الحقيقة تعين المجاز لشهرته في كلام العرب
فيكون وصف العبد بالتقرب إليه شبرا وذراعا واتيانه ومشيه معناه التقرب إليه بطاعته وأداء
مفترضاته ونوافله ويكون تقربه سبحانه من عبده واتيانه والمشي عبارة عن إثابته على طاعته
وتقربه من رحمته ويكون قوله أتيته هرولة أي أتاه ثوابي مسرعا ونقل عن الطبري انه انما مثل
القليل من الطاعة بالشبر منه والضعف من الكرامة والثواب بالذراع فجعل ذلك دليلا على
مبلغ كرامته لمن أدمن على طاعته ان ثواب عمله له على عمله الضعف وان الكرامة مجاوزة حده
إلى ما يثيبه الله تعالى وقال ابن التين القرب هنا نظير ما تقدم في قوله تعالى فكان قاب قوسين
أو أدنى فان المراد به قرب الرتبة وتوفير الكرامة والهرولة كناية عن سرعة الرحمة إليه ورضى الله
عن العبد وتضعيف الاجر قال والهرولة ضرب من المشي السريع وهي دون العدو وقال
صاحب المشارق المراد بما جاء في هذا الحديث سرعة قبول توبة الله للعبد أو تيسير طاعته وتقويته
427

عليها وتمام هدايته وتوفيقه والله أعلم بمراده وقال الراغب قرب العبد من الله التخصيص بكثير من
الصفات التي يصح ان يوصف الله بها وان لم تكن على الحد الذي يوصف به الله تعالى نحو الحكمة
والعلم والحلم والرحمة وغيرها وذلك يحصل بإزالة القاذورات المعنوية من الجهل والطيش والغضب
وغيرها بقدر طاقة البشر وهو قرب روحاني لا بدني وهو المراد بقوله إذا تقرب العبد مني شبرا
تقربت منه ذراعا * الحديث الثاني (قوله يحيى) هو ابن سعيد القطان والتيمي هو سليمان بن
طرخان (قوله ربما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا تقرب العبد مني) كذا للجميع ليس فيه
الرواية عن الله تعالى وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن خلاد عن يحيى القطان
وأخرجه من رواية محمد بن أبي بكر المقدمي عن يحيى فقال فيه عن أبي هريرة ذكر النبي صلى الله
عليه وسلم قال قال الله عز وجل وقال مسلم حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى هو ابن سعيد وابن أبي
عدي كلاهما عن سليمان فذكره بلفظ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله
عز وجل (قوله وإذا تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا أو بوعا) كذا فيه بالشك وكذا في رواية
مسلم والإسماعيلي وقد تقدم في باب قول الله تعالى ويحذركم الله نفسه بغير شك من رواية أبي صالح
عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي فذكر
الحديث وفيه وان تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وان تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ووقع
ذكر الهرولة في حديث أبي ذر الذي أوله رفعه يقول الله تعالى من عمل حسنة فجزاؤه عشر أمثالها
وفيه ومن تقرب إليه شبرا الحديث وفي آخره ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ومن أتاني بقراب
الأرض خطيئة لم يشرك بي شيئا جعلتها له مغفرة أخرجه مسلم قال الخطابي الباع معروف وهو قدر
مد اليدين واما البوع بفتح الموحدة فهو مصدر باع يبوع بوعا قال ويحتمل ان يكون بضم الباء جمع
باع مثل دار ودور وأغرب النووي فقال الباع والبوع والبوع بالضم والفتح كله بمعنى فان أراد
ما قال الخطابي والا لم يصرح أحد بأن البوع بالضم والباع بمعنى واحد وقال الباجي الباع طول
ذراعي الانسان وعضديه وعرض صدره وذلك قدر أربعة أذرع وهو من الدواب قدر خطوها في
المشي وهو ما بين قوائمها وزاد مسلم في روايته المذكورة وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة وفي رواية
ابن أبي عدي عن سليمان التيمي عند الإسماعيلي وإذا تقرب مني بوعا أتيته هرولة (قوله وقال
معتمر) هو ابن سليمان التيمي المذكور وأراد بهذا التعليق بيان التصريح بالرواية فيه عن الله
عز وجل وقد وصله مسلم وغيره من رواية المعتمر كما سأنبه عليه (قوله عن أبي هريرة عن ربه (1)
عز وجل) كذا سقط من رواية أبي ذر عن السرخسي والكشميهني لفظه عن النبي صلى الله عليه
وسلم وثبتت للمستملي والباقين وقال عياض عن الأصيلي لم يكن عن النبي صلى الله عليه وسلم في
كتاب الفربري وقد ألحقها عبدوس (قلت) وثبتت عند مسلم عن محمد بن عبد الاعلى عن المعتمر
ولم يسق لفظه لكنه أحال به على رواية محمد بن بشار وأخرجه الإسماعيلي عن القاسم بن زكريا
عن محمد بن عبد الاعلى فقال في سياقه عن أبيه حدثني أنس أن أبا هريرة حدثه عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه حدثه عن ربه تعالى ووصلها الإسماعيلي أيضا من رواية عبيد الله بن معاذ حدثنا
المعتمر قال حدث أبي عن أنس ان أبا هريرة حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه حدثه عن ربه
تبارك وتعالى ووصله أبو نعيم من طريق إسحاق بن إبراهيم الشهيد حدثنا المعتمر عن أبيه عن أنس
428

عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل ووقع عند ابن حبان
في صحيحه من طريق الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني حدثنا معتمر بن سليمان
حدثني أبي أخبرني أنس بن مالك عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز
وجل إذا تقرب العبد مني شبرا فذكره وقال فيه باعا ولم يشك وفي آخره أتيته هرولة وزاد وان هرول
سعيت إليه والله أسرع بالمغفرة قال البرقاني بعد أن أخرجه في مستخرجه من طريق الحسن بن
سفيان لم أجد هذه الزيادة في حديث غيره يعني محمد بن المتوكل انتهى وهو صدوق عارف بالحديث
عنده غرائب وأفراد وهو من شيوخ أبي داود في السنن والقول في معناه كما تقدم قال الخطابي في
مثل مضاعفة الثواب يقبل من أقبل نحو آخر قدر شبر فاستقبله بقدر ذراع قال ويحتمل ان يكون
معناه التوفيق له بالعمل الذي يقربه منه وقال الكرماني لما قامت البراهين على استحالة هذه الأشياء
في حق الله تعالى وجب أن يكون المعنى من تقرب إلي بطاعة قليلة جازيته بثواب كثير وكلما زاد
في الطاعة أزيد في الثواب وإن كانت كيفية اتيانه بالطاعة بطريق التأني يكون كيفية إتياني
بالثواب بطريق الاسراع والحاصل ان الثواب راجح على العمل بطريق الكيف والكم ولفظ
القرب والهرولة مجاز على سبيل المشاكلة أو الاستعارة أو إرادة لوازمها * الحديث الثالث
حديث محمد بن زياد وهو الجمحي سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربكم
قال لكل عمل كفارة والصوم لي وانا أجزي به في رواية محمد بن جعفر وهو غندر عن شعبة يرويه
عن ربه عز وجل لكل عمل كفارة الا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به أخرجه أحمد عنه وأورده
الإسماعيلي من طريق غندر وأورده من طريق علي بن أبي الجعد ومن طريق عبد الرحمن بن
مهدي عن شعبة بلفظ لكل عمل كفارة وقد تقدم شرحه في كتاب الصيام * الحديث الرابع حديث
أبي العالية وهو رفيع بفاء مصغر الرياحي بكسر الراء بعدها تحتانية ثم حاء مهملة عن ابن عباس عن
النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه وأورده من طريق شعبة ومن طريق سعيد وهو ابن أبي
عروبة كلاهما عن قتادة عنه وساقه على لفظ سعيد وقد تقدم في ترجمة يونس عليه السلام من
أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن حفص بن عمر بالسند المذكور هنا ولفظه عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال ما ينبغي لعبد فذكره وأخرجه في تفسير سورة الأنعام من طريق عبد الرحمن
ابن مهدي عن شعبة كذلك وصرح فيه بالتحديث عن ابن عباس ولفظه عن أبي العالية حدثني
ابن عم نبيكم صلى الله عليه وسلم يعني ابن عباس قال أبو داود بعد أن أخرجه عن حفص بن عمر عن
شعبة لم يسمع قتادة من أبي العالية الا ثلاثة أحاديث وفي موضع آخر أربعة أحاديث هذا أحدها
(قلت) قد أخرجه مسلم من طريق محمد بن جعفر غندر عن شعبة عن قتادة سمعت أبا العالية وكذا
أخرجه الإسماعيلي من رواية عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة ولم أر في شئ من الطرق عن شعبة فيه
عن ربه ولا عن الله عز وجل وكذا تقدم في آخر تفسير النساء من حديث ابن مسعود ومن حديث
أبي هريرة رضي الله عنهما ليس فيه عن ربه وحكى ابن التين عن الداودي قال أكثر الروايات ليس
فيها فيما يروي عن ربه فإن كان هذا محفوظا فهو ممن سوى النبي صلى الله عليه وسلم وساق الكلام
على ذلك كما مضى في أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهو وارد سواء كان في الرواية عن
ربه أو لم يكن بخلاف ما يوهمه كلامه * الحديث الخامس (قوله حدثنا أحمد بن أبي سريج)
429

وهو بمهملة ثم جيم وهو أحمد بن عمر فقيل هو اسم أبي سريج وقيل أبو سريج جد أحمد وأحمد يكنى
أبا جعفر (قوله عبد الله بن المغفل) بالغين المعجمة وتشديد الفاء وفي رواية حجاج بن منهال عن شعبة
أخبرني أبو إياس وهو معاوية بن قرة سمعت عبد الله بن المغفل تقدم في فضائل القرآن (قوله
سورة الفتح أو من سورة الفتح) في رواية حجاج سورة الفتح ولم يشك (قوله فرجع فيها) بتشديد الجيم
أي ردد الصوت في الحلق والجهر بالقول مكررا بعد خفائه ووقع في رواية آدم عن شعبة وهو
يقرأ سورة الفتح أو من سورة الفتح قراءة لينة يرجع فيها أخرجه في فضائل القرآن أيضا (قوله ثم
قرأ معاوية) بن قرة (يحكى قراءة ابن مغفل) هو كلام شعبة وظاهره ان معاوية قرأ ورجع ووقع في
رواية مسلم بن إبراهيم في تفسير سورة الفتح عن شعبة قال معاوية لو شئت ان أحكي لكم قراءته
لفعلت وفي غزوة الفتح عن أبي الوليد عن شعبة لولا أن يجتمع الناس حولي لرجعت كما رجع وهذا
ظاهره انه لم يرجع وهو المعتمد ويحمل الأول على أنه حكى القراءة دون الترجيع بدليل قوله في آخره
كيف كان ترجيعه وقد أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن شعبة فقال فيه قال معاوية
لولا أن أخشى ان يجتمع عليكم الناس لحكيت لكم عن عبد الله بن مغفل ما حكى عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم (قوله فقلت لمعاوية) أبي ابن قرة والقائل شعبة (قوله كيف كان ترجيعه
قال آ آ آ ثلاث مرات) قال ابن بطال في هذا الحديث إجازة القراءة بالترجيع والألحان الملذذة
للقلوب بحسن الصوت وقول معاوية لولا أن يجتمع الناس يشير إلى أن القراءة بالترجيع تجمع
نفوس الناس إلى الاصغاء وتستميلها بذلك حتى لا تكاد تصبر عن استماع الترجيع المشوب بلذة
الحكمة المهيمة وفي قوله آ بمد الهمزة والسكوت دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم كان يراعي
في قراءته المد والوقف انتهى وقد تقدم شرح هذا كله في أواخر فضائل القرآن في باب الترجيع
وقال القرطبي يحتمل ان يكون حكاية صوته عند هز الراحلة كما يعتري رافع صوته إذا كان
راكبا من انضغاط صوته وتقطيعه لأجل هز المركوب وبالله التوفيق قال ابن بطال وجه دخول
حديث عبد الله بن مغفل في هذا الباب انه صلى الله عليه وسلم كان أيضا يروي القرآن عن ربه
كذا قال فقال الكرماني الرواية عن الرب أعم من أن تكون قرآنا أو غيره بدون الواسطة
وبالواسطة وإن كان المتبادر هو ما كان بغير الواسطة والله أعلم (قوله باب ما يجوز
من تفسير التوراة وكتب الله) كذا لأبي ذر ولغيره من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله تعالى
وكل منهما من عطف العام على الخاص لان التوراة من كتب الله (قوله بالعربية وغيرها) أي من
اللغات في رواية الكشميهني بالعبرانية وغيرها ولكل وجه والحاصل ان الذي بالعربية مثلا يجوز
التعبير عنه بالعبرانية وبالعكس وهل يتقيد الجواز بمن لا يفقه ذلك اللسان أو لا الأول قول الأكثر
(قوله لقول الله تعالى قل فاتوا بالتوراة فاتلوها ان كنتم صادقين) وجه الدلالة أن التوراة بالعبرانية
وقد أمر الله تعالى أن تتلى على العرب وهم لا يعرفون العبرانية فقضية ذلك الاذن في التعبير عنها
بالعربية ثم ذكر فيه ثلاثة أحاديث * الحديث الأول (قوله وقال ابن عباس أخبرني أبو سفيان بن
حرب أن هرقل دعا ترجمانه) في رواية الكشميهني بترجمانه (ثم دعا بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم
فقرأه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة
سواء بيننا وبينكم) هذا طرف من الحديث الطويل الذي تقدم موصولا في بدء الوحي وفي عدة
430

مواضع وتقدم شرحه في أول الكتاب وفي تفسير سورة آل عمران ووجه الدلالة منه ان النبي صلى
الله عليه وسلم كتب إلى هرقل باللسان العربي ولسان هرقل رومي ففيه اشعار بأنه اعتمد في إبلاغه
ما في الكتاب على من يترجم عنه بلسان المبعوث إليه ليفهمه والمترجم المذكور هو الترجمان وكذا
وقع واستدل البخاري في كتاب خلق أفعال العباد بقصة هرقل لمطلوبه ان القراءة فعل القارئ
فقال قد كتب النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه إلى قيصر بسم الله الرحمن الرحيم وقرأه ترجمان
قيصر على قيصر وأصحابه ولا يشك في قراءة الكفار انها أعمالهم واما المقروء فهو كلام الله
تعالى ليس بمخلوق ومن حلف بأصوات الكفار ونداء المشركين لم يكن عليه يمين بخلاف ما لو حلف
بالقرآن * الحديث الثاني حديث أبي هريرة حدثنا محمد بن بشار ذكره بهذا الاسناد في تفسير البقرة
وفي باب لا تسألوا أهل الكتاب عن شئ من كتاب الاعتصام وهنا وهو من نوادر ما وقع له فإنه لا يكاد
يخرج الحديث في مكانين فضلا عن ثلاثة بسياق واحد بل يتصرف في المتن بالاختصار والاقتصار
وبالتمام وفي السند بالوصل والتعليق من جميع أوجهه وفي الرواة بسياقه عن راو غير الآخر فبحسب
ذلك لا يكون مكررا على الاطلاق ويندر له ما وقع هنا وانما وقع ذلك غالبا حيث يكون المتن قصيرا
والسند فردا وقد سبق الكلام على بعضه في تفسير سورة البقرة قال ابن بطال استدل بهذا
الحديث من قال تجوز قراءة القرآن بالفارسية وأيد ذلك بأن الله تعالى حكى قول الأنبياء عليهم
السلام كنوح عليه السلام وغيره ممن ليس عربيا بلسان القرآن وهو عربي مبين وبقوله تعالى
لأنذركم به ومن بلغ والانذار انما يكون بما يفهمونه من لسانهم فقراءة أهل كل لغة بلسانهم حتى
يقع لهم الانذار به قال وأجاب من منع بأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ما نطقوا الا بما حكى
الله عنهم في القرآن سلمنا ولكن يجوز أن يحكي الله قولهم بلسان العرب ثم يتعبدنا بتلاوته على
من أنزله ثم نقل الاختلاف في أجزاء صلاة من قرأ فيها بالفارسي ومن أجاز ذلك عند العجز دون
الامكان وعمم وأطال في ذلك والذي يظهر التفصيل فإن كان القارئ قادرا على التلاوة باللسان
العربي فلا يجوز له العدول عنه ولا تجزئ صلاته وإن كان عاجزا وإن كان خارج الصلاة فلا يمتنع
عليه القراءة بلسانه لأنه معذور وبه حاجة إلى حفظ ما يجب عليه فعلا وتركا وإن كان داخل
الصلاة فقد جعل الشارع له بدلا وهو الذكر وكل كلمة من الذكر لا يعجز عن النطق بها من ليس بعربي
فيقولها ويكررها فتجزئ عن الذي يجب عليه قراءته في الصلاة حتى يتعلم وعلى هذا فمن دخل في
الاسلام أو أراد الدخول فيه فقرئ عليه القرآن فلم يفهمه فلا بأس أن يعرب له لتعريف أحكامه
أو لتقوم عليه الحجة فيدخل فيه واما الاستدلال لهذه المسئلة بهذا الحديث وهو قوله إذا
حدثكم أهل الكتاب فهو وإن كان ظاهره أن ذلك بلسانهم فيحتمل ان يكون بلسان العرب
فلا يكون نصا في الدلالة ثم المراد بإيراد هذا الحديث في هذا الباب ليس ما تشاغل به ابن بطال وانما
المراد منه كما قال البيهقي فيه دليل على أن أهل الكتاب ان صدقوا فيما فسروا من كتابهم بالعربية
كان ذلك مما أنزل إليهم على طريق التعبير عما أنزل وكلام الله واحد لا يختلف باختلاف اللغات
فبأي لسان قرئ فهو كلام الله ثم أسند عن مجاهد في قوله تعالى لأنذركم به ومن بلغ يعني ومن
أسلم من العجم وغيرهم قال البيهقي وقد يكون لا يعرف العربية فإذا بلغه معناه بلسانه فهو له نذير
وقد تقدم الكلام على هذه الآية في أول الباب الذي قبل هذا بثلاثة أبواب * الحديث الثالث
431

حديث ابن عمر في رجم اليهوديين وقد تقدم شرحه في كتاب الحدود وإسماعيل في السند هو ابن
إبراهيم بن مقسم المعروف بابن علية وأيوب هو السختياني وقوله فيه فقالوا لرجل ممن يرضون
أعور اقرأ كذا للكشميهني وهو مجرور بالفتحة صفة رجل وفي رواية غيره يا أعور وهو بالرفع وقوله
فوضع يده عليها أي على آية الرجم وعند الكشميهني عليه أي على الموضع (قوله قال ارفع يدك)
كذا أبهم القائل وتقدم انه عبد الله بن سلام والواضع هو عبد الله بن صوريا وقوله نتكاتمه أي
الرجم وعند الكشميهني نتكاتمها أي الآية (قوله باب قول النبي صلى الله عليه
وسلم الماهر) أي الحاذق والمراد به هنا جودة التلاوة مع حسن الحفظ (قوله مع سفرة الكرام
البررة) كذا لأبي ذر إلا عن الكشميهني فقال مع السفرة وهو كذلك للأكثر والأول من إضافة
الموصوف إلى صفته والمراد بالسفرة الكتبة جمع سافر مثل كاتب وزنه ومعناه وهم هنا الذين
ينقلون من اللوح المحفوظ فوصفوا بالكرام أي المكرمين عند الله تعالى والبررة أي المطيعين
المطهرين من الذنوب وأصل الحديث تقدم مسندا في التفسير لكن بلفظ مثل الذي يقرأ
القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة وأخرجه مسلم بلفظه من طريق زرارة بن أبي أوفى
عن سعد بن هشام عن عائشة مرفوعا الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة قال القرطبي
الماهر الحاذق وأصله الحذق بالسباحة قاله الهروي والمراد بالمهارة بالقرآن جودة الحفظ وجودة
التلاوة من غير تردد فيه لكونه يسره الله تعالى عليه كما يسره على الملائكة فكان مثلها في الحفظ
والدرجة (قوله وزينوا القرآن بأصواتكم) هذا الحديث من الأحاديث التي علقها البخاري
ولم يصلها في موضع آخر من كتابه وقد أخرجه في كتاب خلق أفعال العباد من رواية عبد الرحمن
ابن عوسجة عن البراء بهذا وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والدارمي وابن خزيمة
وابن حبان في صحيحيهما من هذا الوجه وفي الباب عن أبي هريرة أخرجه ابن حبان في صحيحه وعن
ابن عباس أخرجه الدارقطني في الافراد بسند حسن وعن عبد الرحمن بن عوف أخرجه البزار
بسند ضعيف وعن ابن مسعود وقع لنا في الأول من فوائد عثمان بن السماك ولكنه موقوف
قال ابن بطال المراد بقوله زينوا القرآن بأصواتكم المد والترتيل والمهارة في القرآن جودة التلاوة
بجودة الحفظ فلا يتلعثم ولا يتشكك وتكون قراءته سهلة بتيسير الله تعالى كما يسره على الكرام
البررة قال ولعل البخاري أشار بأحاديث هذا الباب إلى أن الماهر بالقرآن هو الحافظ له مع حسن
الصوت به والجهر به بصوت مطرب بحيث يلتذ سامعه انتهى والذي قصده البخاري اثبات
كون التلاوة فعل العبد فإنها يدخلها التزيين والتحسين والتطريب وقد يقع بأضداد ذلك وكل
ذلك دال على المراد وقد أشار إلى ذلك ابن المنير فقال ظن الشارح أن غرض البخاري جواز قراءة
القرآن بتحسين الصوت وليس كذلك وانما غرضه الإشارة إلى ما تقدم من وصف التلاوة بالتحسين
والترجيع والخفض والرفع ومقارنة الأحوال البشرية كقول عائشة يقرأ القرآن في حجري وأنا
حائض فكل ذلك يحقق ان التلاوة فعل القارئ وتتصف بما تتصف به الافعال ويتعلق بالظروف
الزمانية والمكانية انتهى ويؤيده ما قال في كتاب خلق أفعال العباد بعد أن أخرج حديث زينوا
القرآن بأصواتكم من حديث البراء وعلقه من حديث أبي هريرة رضي الله عنهما وذكر حديث
أبي موسى رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا أبا موسى لقد أوتيت من مزامير آل
432

داود وأخرجه من حديث البراء بلفظ سمع أبا موسى يقرأ فقال كان هذا من أصوات آل داود ثم
قال ولا ريب في تخليق مزامير آل داود وندائهم لقوله تعالى وخلق كل شئ ثم ذكر حديث عائشة
الماهر بالقرآن مع السفرة الحديث وحديث أنس أنه سئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال
كان يمد مدا وحديث قطبة بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة الفجر والنخل باسقات
لها طلع نضيد يمد بها صوته ثم قال فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن أصوات الخلق وقراءتهم مختلفة
بعضها أحسن من بعض وأزين وأحلى وأرتل وأمهر وأمد وغير ذلك ثم ذكر فيه ستة أحاديث
* الحديث الأول حديث أبي هريرة (قوله ابن أبي حازم) هو عبد العزيز بن سلمة بن دينار ويزيد
شيخه هو ابن الهاد ومحمد بن إبراهيم هو التيمي وقد تقدمت الإشارة إليه في باب وأسروا قولكم
أو اجهروا به من كتاب التوحيد * الحديث الثاني حديث عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك
ذكر منه طرفا من رواية يحيى بن بكير عن الليث عن يونس هو ابن يزيد عن ابن شهاب عن مشايخه
وفيه ولكن والله وفي رواية الكشميهني ولكني والله ما كنت أظن أن الله ينزل في شأني وحيا
يتلى فأنزل الله ان الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم العشر الآيات كلها هكذا اقتصر على هذا القدر
منه وتقدم بطوله في تفسير سورة النور مع شرحه وقد أورد هذا القدر من هذا الحديث في باب
قوله يريدون أن يبدلوا كلام الله من وجه آخر عن يونس وذكره في خلق أفعال العباد من طرق
أخرى عن ابن شهاب ثم قال فبينت رضي الله عنها ان الانذار من الله وان الناس يتلونه ثم ذكر عدة
آيات فيها ذكر التلاوة ثم قال فبين سبحانه وتعالى ان التلاوة من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
رضي الله عنهم وأن الوحي من الله سبحانه وتعالى * الحديث الثالث حديث البراء (قوله يقرأ في
العشاء والتين) في رواية الكشميهني بالتين فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه وقد تقدم
شرحه في كتاب الصلاة ومراده منه هنا بيان اختلاف الأصوات بالقراءة من جهة النغم * الحديث
الرابع حديث ابن عباس في نزول قوله تعالى ولا تجهر بصلاتك وقد تقدم في تفسير سبحان
وتقدم قريبا في باب قوله تعالى وأسروا قولكم أو اجهروا به ومراده منه هنا بيان اختلاف
الأصوات بالجهر والاسرار * الحديث الخامس حديث أبي سعيد لا يسمع مدى صوت المؤذن
جن ولا أنس ولا شئ الا شهد له الحديث وقد تقدم شرحه في كتاب الاذان ومراده منه هنا بيان
اختلاف الأصوات بالرفع والخفض وقال الكرماني وجه مناسبته أن رفع الأصوات بالقرآن
أحق بالشهادة له وأولى * الحديث السادس حديث عائشة (قوله سفيان) هو الثوري ومنصور
هو ابن عبد الرحمن الشيبي وأمه هي صفية بنت شيبة من صغار الصحابة (قوله يقرأ القرآن ورأسه
في حجري وأنا حائض) تقدم شرحه في كتاب الحيض وتقدم بيان المراد به من كلام ابن المنير
433

ومنه يظهر وجه مناسبة ذكره في هذا الباب (قوله باب قول الله تعالى فاقرؤا
ما تيسر منه) كذا للكشميهني وللباقين من القرآن وكل من اللفظين في السورة والمراد بالقراءة
الصلاة لان القراءة بعض أركانها ذكر فيه حديث عمر في قصته مع هشام بن حكيم في قراءة سورة
الفرقان وقد تقدم شرحه مستوفى في فضائل القرآن وقوله في آخره ان هذا القرآن أنزل على
سبعة أحرف فاقرؤا ما تيسر منه الضمير للقرآن والمراد بالمتيسر منه في الحديث غير المراد به في الآية
لان المراد بالمتيسر في الآية بالنسبة للقلة والكثرة والمراد به في الحديث بالنسبة إلى ما يستحضره
القارئ من القرآن فالأول من الكمية والثاني من الكيفية ومناسبة هذه الترجمة وحديثها
للأبواب التي قبلها من جهة التفاوت في الكيفية ومن جهة جواز نسبة القراءة للقارئ (قوله
باب قول الله تعالى ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) قيل المراد بالذكر الاذكار
والاتعاظ وقيل الحفظ وهو مقتضى قول مجاهد (قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم كل ميسر
لما خلق له) فذكره موصولا في الباب من حديث على (قوله وقال مجاهد يسرنا القرآن بلسانك
هوناه عليك) في رواية غير أبي ذر هونا قراءته عليك وهو بفتح الهاء والواو وتشديد النون من
التهوين وقد وصله الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى ولقد يسرنا القرآن
للذكر قال هوناه قال ابن بطال تيسير القرآن تسهيله على لسان القارئ حتى يسارع إلى قراءته
فربما سبق لسانه في القراءة فيجاوز الحرف إلى ما بعده ويحذف الكلمة حرصا على ما بعدها انتهى
وفي دخول هذا في المراد نظر كبير (قوله وقال مطر الوراق ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر
قال هل من طالب علم فيعان عليه) وقع هذا التعليق عند أبي ذر عن الكشميهني وحده وثبت أيضا
للجرجاني عن الفربري ووصله الفرياني عن ضمرة بن زمعة عن عبد الله بن شوذب عن مطر وأخرجه
أبو بكر بن أبي عاصم في كتاب العلم من طريق ضمرة ثم ذكر حديث عمران بن حصين قلت يا رسول الله
فيما يعمل العاملون قال كل ميسر لما خلق له وهو مختصر من حديث سبق في كتاب القدر فيه عن
عمران قال قال رجل يا رسول الله أيعرف أهل الجنة من أهل النار قال نعم قال فلم يعمل العاملون
وقد تقدم شرحه هناك ويزيد شيخ عبد الوارث فيه هو المعروف بالرشك وتقدم هناك من رواية
شعبة قال حدثنا يزيد الرشك فذكره وحديث علي رضي الله عنه وفيه وما منكم من أحد الا كتب
مقعده من النار أو من الجنة وتقدم شرحه هناك أيضا وفيه وفي حديث عمران الذي قبله كل ميسر
قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة في شرح حديث أبي سعيد المذكور في باب كلام الله مع أهل الجنة
فيه نداء الله تعالى لأهل الجنة بقرينة جوابهم بلبيك وسعديك والمراجعة بقوله هل رضيتم وقولهم
وما لنا لا نرضى وقوله ألا أعطيكم أفضل وقولهم يا ربنا وأي شئ أفضل وقوله أحل عليكم
434

رضواني فان ذلك كله يدل على أنه سبحانه وتعالى هو الذي كلمهم وكلامه قديم أزلي ميسر بلغة
العرب والنظر في كيفيته ممنوع ولا نقول بالحلول في المحدث وهي الحروف ولا انه دل عليه وليس
بموجود بل الايمان بأنه منزل حق ميسر باللغة العربية صدق وبالله التوفيق قال الكرماني
حاصل الكلام انهم قالوا إذا كان الامر مقدرا فلنترك المشقة في العمل الذي من أجلها سمي
بالتكليف وحاصل الجواب ان كل من خلق لشئ يسر لعمله فلا مشقة مع التيسير وقال الخطابي
أرادوا ان يتخذوا ما سبق حجة في ترك العمل فأخبرهم ان هنا أمرين لا يبطل أحدهما الآخر
باطن وهو ما اقتضا حكم الربوبية وظاهر وهو السمة اللازمة بحق العبودية وهو امارة للعاقبة
فبين لهم ان العمل في العاجل يظهر أثره في الآجل وان الظاهر لا يترك للباطن (قلت) وكان
مناسبة هذا الباب لما قبله من جهة الاشتراك في لفظ التيسير والله أعلم (قوله باب
قول الله تعالى بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ) قال البخاري في خلق أفعال العباد بعد أن ذكر
هذه الآية والذي بعدها قد ذكر الله ان القرآن يحفظ ويسطر والقرآن الموعى في القلوب المسطور
في المصاحف المتلو بالألسنة كلام الله ليس بمخلوق واما المداد والورق والجلد فإنه مخلوق
(قوله والطور وكتاب مسطور قال قتادة مكتوب) وصله البخاري في خلق أفعال العباد من
طريق يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله والطور وكتاب مسطور قال
المسطور المكتوب في رق منشور هو الكتاب وصله عبيد بن حميد من رواية شيبان بن عبد الرحمن
وعبد الرزاق عن معمر كلاهما عن قتادة نحوه وأخرج عبد بن حميد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد
في قوله وكتاب مسطور قال صحف مكتوبة في رق منشور قال في صحف (قوله يسطرون يخطون)
أي يكتبون أورده عبد بن حميد من طريق شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة في قوله والقلم وما
يسطرون قال وما يكتبون (قوله في أم الكتاب جملة الكتاب وأصله) وصله أبو داود في كتاب الناسخ
والمنسوخ من طريق معمر عن قتادة في قوله يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب قال
جملة الكتاب وأصله وكذا أخرجه عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة وعند ابن أبي حاتم
من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى وعنده أم الكتاب يقول جملة ذلك عنده
في أم الكتاب الناسخ والمنسوخ وما يكتب وما يبدل (قوله ما يلفظ من قول ما يتكلم من شئ
الا كتب عليه) وصله ابن أبي حاتم من طريق شعيب بن إسحاق عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة
والحسن في قوله ما يلفظ من قول قال ما يتكلم به من شئ الا كتب عليه ومن طريق زائدة بن قدامة
عن الأعمش عن مجمع قال الملك مداده ريقه وقلمه لسانه (قوله وقال ابن عباس يكتب الخير
والشر) وصله الطبري وابن أبي حاتم من طريق هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس في
قوله تعالى ما يلفظ من قول قال انما يكتب الخير والشر وأخرج أيضا من طريق علي بن أبي طلحة
عن ابن عباس في قوله تعالى ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد قال يكتب كلما تكلم به من
خير أو شر حتى أنه ليكتب قوله أكلت شربت ذهبت جئت رأيت حتى إذا كان يوم الخميس
عرض قوله وعمله فأقر ما كان من خير أو شر وألقى سائره فذلك قوله يمحوا الله ما يشاء ويثبت
وعنده أم الكتاب وأخرج الطبري هذا من طريق الكلبي عن أبي صالح عن جابر بن عبد الله بن
رئاب بكسر الراء ثم ياء مهموزة وآخره موحدة والكلبي متروك وأبو صالح لم يدرك جابرا هذا
435

وأخرج الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة والحسن ما يلفظ من قول ما يتكلم به
من شئ الا كتب عليه وكان عكرمة يقول انما ذلك في الخير والشر (قلت) ويجمع بينهما برواية
علي بن أبي طلحة المذكورة (قوله يحرفون يزيلون) لم أر هذا موصولا من كلام ابن عباس من
وجه ثابت مع أن الذي قبله من كلامه وكذا الذي بعده وهو قوله دراستهم تلاوتهم وما بعده
وأخرج جميع ذلك ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وقد تقدم في باب قوله
كل يوم هو في شأن عن ابن عباس ما يخالف ما ذكر هنا وهو تفسير يحرفون بقوله يزيلون نعم
أخرجه ابن أبي حاتم من طريق وهب بن منبه وقال أبو عبيدة في كتاب المجاز في قوله يحرفون
الكلم عن مواضعه قال يقلبون ويغيرون وقال الراغب التحريف الإمالة وتحريف الكلام
أن يجعله على حرف من الاحتمال بحيث يمكن حمله على وجهين فأكثر (قوله وليس أحد يزيل
لفظ كتاب الله من كتب الله عز وجل ولكنهم يحرفونه يتأولونه عن غير تأويله) في رواية الكشميهني
يتأولونه على غير تأويله قال شيخنا ابن الملقن في شرحه هذا الذي قاله أحد القولين في تفسير هذه
الآية وهو مختاره أي البخاري وقد صرح كثير من أصحابنا بأن اليهود والنصارى بدلوا التوراة
والإنجيل وفرعوا على ذلك جواز امتهان أوراقهما وهو يخالف ما قاله البخاري هنا انتهى
وهو كالصريح في أن قوله وليس أحد إلى آخره من كلام البخاري ذيل به تفسير ابن عباس وهو
يحتمل ان يكون بقية كلام ابن عباس في تفسير الآية وقال بعض الشراح المتأخرين اختلف
في هذه المسئلة على أقوال أحدها انها بدلت كلها وهو مقتضى القول المحكي بجواز الامتهان
وهو افراط وينبغي حمل إطلاق من اطلقه على الأكثر والا فهي مكابرة والآيات والاخبار
كثيرة في أنه بقي منها أشياء كثيرة لم تبدل من ذلك قوله تعالى الذين يتبعون الرسول النبي الأمي
الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل الآية ومن ذلك قصة رجم اليهوديين وفيه
وجود آية الرجم ويؤيده قوله تعالى قل فأتوا بالتوراة فاتلوها ان كنتم صادقين ثانيها ان التبديل
وقع ولكن في معظمها وأدلته كثيرة وينبغي حمل الأول عليه ثالثها وقع في اليسير منها
ومعظمها باق على حاله ونصره الشيخ تقي الدين بن تيمية في كتابه الرد الصحيح على من بدل دين المسيح
رابعها انما وقع التبديل والتغيير في المعاني لا في الألفاظ وهو المذكور هنا وقد سئل بن تيمية عن
هذه المسئلة مجردا فأجاب في فتاويه ان للعلماء في ذلك قولين واحتج للثاني من أوجه كثيرة منها
قوله تعالى لا مبدل لكلماته وهو معارض بقوله تعالى فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين
يبدلونه ولا يتعين الجمع بما ذكر من الحمل على اللفظ في النفي وعلى المعنى في الاثبات لجواز الحمل
في النفي على الحكم وفي الاثبات على ما هو أعم من اللفظ والمعنى ومنها ان نسخ التوراة في الشرق
والغرب والجنوب والشمال لا يختلف ومن المحال ان يقع التبديل فيتوارد النسخ بذلك على
منهاج واحد وهذا استدلال عجيب لأنه إذا جاز وقوع التبديل جاز اعدام المبدل والنسخ
الموجودة الآن هي التي استقر عليها الامر عندهم عند التبديل والاخبار بذلك طافحة أما
فيما يتعلق بالتوراة فلان بختنصر لما غزا بيت المقدس وأهلك بني إسرائيل ومزقهم بين قتيل
وأسير وأعدم كتبهم حتى جاء عزيرا فأملاها عليهم وأما فيما يتعلق بالإنجيل فان الروم لما دخلوا
في النصرانية جمع ملكهم أكابرهم على ما في الإنجيل الذي بأيديهم وتحريفهم المعاني لا ينكر
436

بل هو موجود عندهم بكثرة وانما النزاع هل حرفت الألفاظ أو لا وقد وجد في الكتابين ما لا يجوز
ان يكون بهذه الألفاظ من عند الله عز وجل أصلا وقد سرد أبو محمد بن حزم في كتابه الفصل في الملل
والنحل أشياء كثيرة من هذا الجنس من ذلك أنه ذكر أن في أول فصل في أول ورقة من توراة اليهود
التي عند رهبانهم وقرائهم وعاناتهم وعيسويهم حيث كانوا في المشارق والمغارب لا يختلفون فيها
على صفة واحدة لو رام أحد ان يزيد فيها لفظة أو ينقص منها لفظة لافتضح عندهم متفقا عليها
عندهم إلى الأحبار الهارونية الذين كانوا قبل الخراب الثاني يذكرون انها مبلغة من أولئك إلى
عزرا الهاروني وان الله تعالى قال لما أكل آدم من الشجرة هذا آدم قد صار كواحد منا في
معرفة الخير والشر وأن السحرة عملوا لفرعون نظير ما أرسل عليهم من الدم والضفادع وأنهم
عجزوا عن البعوض وان ابنتي لوط بعد هلاك قومه ضاجعت كل منهما أباها بعد أن سقته الخمر
فوطئ كلا منهما فحملتا منه إلى غير ذلك من الأمور المنكرة المستبشعة وذكر في مواضع أخرى
أن التبديل وقع فيها إلى أن أعدمت فأملاها عزرا المذكور على ما هي عليه الآن ثم ساق
أشياء من نص التوراة التي بأيديهم الآن الكذب فيها ظاهر جدا ثم قال وبلغنا عن قوم من
المسلمين ينكرون ان التوراة والإنجيل اللتين بأيدي اليهود والنصارى محرفان والحامل لهم على
ذلك قلة مبالاتهم بنصوص القرآن والسنة وقد اشتملا على أنهم يحرفون الكلم عن مواضعه
ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويلبسون
الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون ويقال لهؤلاء المنكرين قد قال الله تعالى في صفة
الصحابة ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه إلى آخر السورة وليس
بأيدي اليهود والنصارى شئ من هذا ويقال لمن ادعى ان نقلهم نقل متواتر قد اتفقوا على
أن لا ذكر لمحمد صلى الله عليه وسلم في الكتابين فان صدقتموهم فيما بأيديهم لكونه نقل نقل المتواتر
فصدقوهم فيما زعموه ان لا ذكر لمحمد صلى الله عليه وسلم ولا لأصحابه والا فلا يجوز تصديق بعض
وتكذيب بعض مع مجيئهما مجيئا واحدا انتهى كلامه وفيه فوائد وقال الشيخ بدر الدين
الزركشي اغتر بعض المتأخرين بهذا يعني بما قال البخاري فقال إن في تحريف التوراة خلافا
هل هو في اللفظ والمعنى أو في المعنى فقط ومال إلى الثاني ورأى جواز مطالعتها وهو قول باطل
ولا خلاف أنهم حرفوا وبدلوا والاشتغال بنظرها وكتابتها لا يجوز بالاجماع وقد غضب صلى الله
عليه وسلم حين رأى مع عمر صحيفة فيها شئ من التوراة وقال لو كان موسى حيا ما وسعه الا اتباعي
ولولا أنه معصية ما غضب فيه (قلت) إن ثبت الاجماع فلا كلام فيه وقد قيده بالاشتغال بكتابتها
ونظرها فان أراد من يتشاغل بذلك دون غيره فلا يحصل المطلوب لأنه يفهم أنه لو تشاغل بذلك مع
تشاغله بغيره جاز وان أراد مطلق التشاغل فهو محل النظر وفي وصفه القول المذكور بالبطلان
مع ما تقدم نظر أيضا فقد نسب لوهب بن منبه وهو من أعلم الناس بالتوراة ونسب أيضا لابن
عباس ترجمان القرآن وكان ينبغي له ترك الدفع بالصدر والتشاغل برد أدلة المخالف التي حكيتها
وفي استدلاله على عدم الجواز الذي ادعى الاجماع فيه بقصة عمر نظر أيضا سأذكره بعد تخريج
الحديث المذكور وقد أخرجه أحمد والبزار واللفظ له من حديث جابر قال نسخ عمر كتابا من
التوراة بالعربية فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقرأ ووجه رسول الله صلى الله عليه
437

وسلم يتغير فقال له رجل من الأنصار ويحك يا ابن الخطاب ألا ترى وجه رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسألوا أهل الكتاب عن شئ فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا
وانكم اما ان تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل والله لو كان موسى بين أظهركم ما حل له الا ان يتبعني
وفي سنده جابر الجعفي وهو ضعيف ولأحمد أيضا وأبي يعلى من وجه آخر عن جابر ان عمر أتى بكتاب
أصابه من بعض كتب أهل الكتاب فقرأ على النبي صلى الله عليه وسلم فغضب فذكر نحوه دون
قول الأنصاري وفيه والذي نفسي بيده لو أن موسى حيا ما وسعه الا أن يتبعني وفي سنده مجالد بن
سعيد وهو لين وأخرجه الطبراني بسند فيه مجهول ومختلف فيه عن أبي الدرداء جاء عمر بجوامع
من التوراة فذكر بنحوه وسمى الأنصاري الذي خاطب عمر عبد الله بن زيد الذي رأى الاذان
وفيه لو كان موسى بين أظهركم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ضلالا بعيدا وأخرجه أحمد
والطبراني من حديث عبد الله بن ثابت قال جاء عمر فقال يا رسول الله اني مررت بأخ لي من بني
قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك قال فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه
وسلم الحديث وفيه والذي نفس محمد بيده لو أصبح موسى فيكم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم
وأخرج أبو يعلى من طريق خالد بن عرفطة قال كنت عند عمر فجاءه رجل من عبد القيس
فضربه بعصا معه فقال ما لي يا أمير المؤمنين قال أنت الذي نسخت كتاب دانيال قال مرني
بأمرك قال انطلق فامحه فلئن بلغني أنك قرأته أو أقرأته لأنهكنك عقوبة ثم قال انطلقت
فانتسخت كتابا من أهل الكتاب ثم جئت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا قلت كتاب
انتسخته لنزداد به علما إلى علمنا فغضب حتى احمرت وجنتاه فذكر قصة فيها يا أيها الناس اني قد
أوتيت جوامع الكلم وخواتمه واختصر لي الكلام اختصارا ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية فلا
تتهوكوا وفي سنده عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو ضعيف وهذه جميع طرق هذا الحديث
وهي وان لم يكن فيها ما يحتج به لكن مجموعها يقتضي أن لها أصلا والذي يظهر ان كراهية ذلك
للتنزيه لا للتحريم والأولى في هذه المسئلة التفرقة بين من لم يتمكن ويصر من الراسخين في الايمان
فلا يجوز له النظر في شئ من ذلك بخلاف الراسخ فيجوز له ولا سيما عند الاحتياج إلى الرد على
المخالف ويدل على ذلك نقل الأئمة قديما وحديثا من التوراة وإلزامهم اليهود بالتصديق بمحمد
صلى الله عليه وسلم بما يستخرجونه من كتابهم ولولا اعتقادهم جواز النظر فيه لما فعلوه وتواردوا
عليه واما استدلاله للتحريم بما ورد من الغضب ودعواه أنه لو لم يكن معصية ما غضب منه فهو
معترض بأنه قد يغضب من فعل المكروه ومن فعل ما هو خلاف الأولى إذا صدر ممن لا يليق منه
ذلك كغضبه من تطويل معاذ صلاة الصبح بالقراءة وقد يغضب ممن يقع منه تقصير في فهم الامر
الواضح مثل الذي سأل عن لقطة الإبل وقد تقدم في كتاب العلم الغضب في الموعظة ومضى في كتاب
الأدب ما يجوز من الغضب (قوله يتأولونه) قال أبو عبيدة وطائفة في قوله تعالى وما يعلم تأويله
الا الله تعالى التأويل التفسير وفرق بينهما آخرون فقال أبو عبيد الهروي التأويل رد أحد
المحتملين إلى ما يطابق الظاهر والتفسير كشف المراد عن اللفظ المشكل وحكى صاحب النهاية أن
التأويل نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلى مالا يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ وقيل
التأويل ابداء احتمال لفظ معتضد بدليل خارج عنه ومثل بعضهم بقوله تعالى لا ريب فيه قال
438

من قال لا شك فيه فهو التفسير ومن قال لأنه حق في نفسه لا يقبل الشك فهو التأويل ومراد
البخاري بقوله يتأولونه أنهم يحرفون المراد بضرب من التأويل كما لو كانت الكلمة بالعبرانية
تحتمل معنيين قريب وبعيد وكان المراد القريب فإنهم يحملونها على البعيد ونحو ذلك (قوله
دراستهم تلاوتهم) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وكذا قوله تعالى
وتعيها أذن واعية قال حافظة قيل النكتة في افراد الاذن الإشارة بقلة من يعي من الناس وورد
في خبر ضعيف أن المراد بالاذن في هذه الآية خاص وهي أذن علي أخرجه الثعلبي من مرسل
عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي وفي سنده أبو حمزة الثمالي بضم المثلثة وتخفيف الميم وأخرج
سعيد بن منصور والطبري من مرسل مكحول نحوه (قوله وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به يعني
أهل مكة ومن بلغ هذا القرآن فهو له نذير) وصله ابن أبي حاتم بالسند المذكور إلى ابن عباس
وقال ابن التين قوله ومن بلغ أي بلغه فحذف الهاء وقيل المعنى ومن بلغ الحلم والأول هو المشهور
وأخرج ابن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية عن عبد الله بن داود الخريبي بخاء معجمة ثم راء ثم
موحدة مصغر قال ما في القرآن آية أشد على أصحاب جهم من هذه الآية لأنذركم به ومن بلغ فمن
بلغه القرآن فكأنما سمعه من الله تعالى (قوله سمعت أبي) هو سليمان بن طرخان التيمي
(قوله عن قتادة عن أبي رافع) كذا وقع بالعنعنة وفي السند الذي بعده التصريح بالتحديث
من قتادة وأبي رافع عند مسلم وكذا بالسماع لأبي رافع وأبي هريرة (قوله لما قضى الله الخلق) في
رواية الكشميهني لما خلق (قوله غلبت أو قال سبقت) كذا بالشك وفي التي بعدها بالجزم سبقت
(قوله فهو عنده فوق العرش) تقدم الكلام على قوله عنده في باب ويحذركم الله نفسه وعلى قوله
فوق العرش في باب وكان عرشه على الماء وتقدم شرح الحديث أيضا والغرض منه الإشارة إلى أن
اللوح المحفوظ فوق العرش (قوله حدثني محمد بن أبي غالب) في رواية أبي ذر حدثنا وهو قومسي
نزل بغداد ويقال له الطيالسي وكان حافظا من أقران البخاري كما تقدم ذكره في باب الاخذ باليد
من كتاب الاستئذان وقد نزل البخاري في هذا الاسناد درجة بالنسبة لحديث معتمر فإنه أخرج
عنه الكثير بواسطة واحد فعنده في العلم والجهاد والدعوات والأشربة والصلح واللباس عدة
أحاديث أخرجها مسدد عن متعمر ودرجتين بالنسبة لحديث قتادة فإنه عنده الكثير من رواية
شعبة عنه بواسطة واحد عن شعبة وقد سمع من محمد بن عبد الله الأنصاري والأنصاري سمع من
سليمان التيمي ولكن لم يخرج البخاري هذه الترجمة في الجامع ومحمد بن إسماعيل شيخ محمد بن أبي
غالب بصري يقال له ابن أبي سمينة بمهملة ونون وزن عظيمة من الطبقة الثالثة من شيوخ البخاري
وقد أخرج عنه في التاريخ بلا واسطة ولم أر عنه في الجامع شيئا الا هذا الموضع وقد سمع منه من
حدث عن البخاري مثل صالح بن محمد الحافظ الملقب جزرة بفتح الجيم والزاي وموسى بن هارون
وغيرهما (قوله باب قول الله تعالى والله خلقكم وما تعملون) ذكر ابن بطال عن
المهلب ان غرض البخاري بهذه الترجمة اثبات أن أفعال العباد وأقوالهم مخلوقة لله تعالى وفرق
بين الامر بقوله كن وبين الخلق بقوله والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره فجعل الامر
غير الخلق وتسخيرها الذي يدل على خلقها انما هو عن أمره ثم بين ان نطق الانسان بالايمان عمل
من أعماله كما ذكر في قصة عبد القيس حيث سألوا عن عمل يدخلهم الجنة فأمرهم بالايمان
439

وفسره بالشهادة وما ذكر معها وفي حديث أبي موسى المذكور وانما الله الذي حملكم الرد على
القدرية الذين يزعمون أنهم يخلقون أعمالهم (قوله إنا كل شئ خلقناه بقدر) كذا لهم ولعله
سقط منه وقوله تعالى وقد تقدم الكلام على هذه الآية في باب قوله تعالى قل لو كان البحر مدادا
لكلمات ربي قال الكرماني التقدير خلقنا كل شئ بقدر فيستفاد منه ان يكون الله خالق كل
شئ كما صرح به في الآية الأخرى وأما قوله خلقكم وما تعملون فهو ظاهر في اثبات نسبة العمل
إلى العباد فقد يشكل على الأول والجواب ان العمل هنا غير الخلق وهو الكسب الذي يكون
مسندا إلى العبد حيث أثبت له فيه صنعا ويسند إلى الله تعالى من حيث إن وجوده انما هو بتأثير
قدرته وله جهتان جهة تنفي القدر وجهة تنفي الجبر فهو مسند إلى الله حقيقة والى العبد عادة
وهي صفة يترتب عليها الأمر والنهي والفعل والترك فكل ما أسند من أفعال العباد إلى الله تعالى
فهو بالنظر إلى تأثير القدرة ويقال له الخلق وما أسند إلى العبد انما يحصل بتقدير الله تعالى
ويقال له الكسب وعليه يقع المدح والذم كما يذم المشوه الوجه ويمدح الجميل الصورة وأما الثواب
والعقاب فهو علامة والعبد انما هو ملك الله تعالى يفعل فيه ما يشاء وقد تقدم تقرير هذا بأتم منه
في باب قوله تعالى فلا تجعلوا لله أندادا وهذه طريقة سلكها في تأويل الآية ولم يتعرض لاعراب
ما هل هي مصدرية أو موصولة وقد قال الطبري فيها وجهان فمن قال مصدرية قال المعنى والله
خلقكم وخلق عملكم ومن قال موصولة قال خلقكم وخلق الذي تعملون أي تعملون منه
الأصنام وهو الخشب والنحاس وغيرهما ثم أسند عن قتادة ما يرجح القول الثاني وهو قوله تعالى
والله خلقكم وما تعملون أي بأيديكم وأخرج ابن أبي حاتم من طريق قتادة أيضا قال تعبدون
ما تنحتون أي من الأصنام والله خلقكم وما تعملون أي بأيديكم وتمسك المعتزلة بهذا التأويل
قال السهيلي في نتائج الفكر له اتفق العقلاء على أن أفعال العباد لا تتعلق بالجواهر والأجسام
فلا تقول عملت حبلا ولا صنعت جملا ولا شجرا فإذا كان كذلك فمن قال أعجبني ما عملت فمعناه
الحدث فعلى هذا لا يصح في تأويل والله خلقكم وما تعملون الا أنها مصدرية وهو قول أهل
السنة ولا يصح قول المعتزلة أنها موصولة فإنهم زعموا انها واقعة على الأصنام التي كانوا ينحتونها
فقالوا التقدير خلقكم وخلق الأصنام وزعموا أن نظم الكلام يقتضي ما قالوه لتقدم قوله
ما تنحتون لأنها واقعة على الحجارة المنحوتة فكذلك ما الثانية والتقدير عندهم أتعبدون حجارة
تنحتونها والله خلقكم وخلق تلك الحجارة التي تعملونها هذه شبهتهم ولا يصح ذلك من جهة النحو
إذا ما لا تكون مع الفعل الخاص الا مصدرية فعلى هذا فالآية ترد مذهبهم وتفسد قولهم والنظم
على قول أهل السنة أبدع فان قيل قد تقول عملت الصحفة وصنعت الجفنة وكذا يصح عملت
الصنم قلنا لا يتعلق ذلك الا بالصورة التي هي التأليف والتركيب وهي الفعل الذي هو الاحداث
دون الجواهر بالاتفاق ولان الآية وردت في بيان استحقاق الخالق العبادة لانفراده بالخلق
وإقامة الحجة على من يعبد ما لا يخلق وهم يخلقون فقال أتعبدون من لا يخلق وتدعون عبادة من
خلقكم وخلق أعمالكم التي تعملون ولو كانوا كما زعموا لما قامت الحجة من نفس هذا الكلام
لأنه لو جعلهم خالقين لاعمالهم وهو خالق للأجناس لشركهم معهم في الخلق تعالى الله عن
إفكهم قال البيهقي في كتاب الاعتقاد قال الله تعالى ذلكم الله ربكم خالق كل شئ فدخل فيه
440

الأعيان والافعال من الخير والشر وقال تعالى أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه
الخلق عليهم قل الله خالق كل شئ فنفى ان يكون خالق غيره ونفى أن يكون شئ سواه غير مخلوق فلو
كانت الافعال غير مخلوقة له لكان خالق بعض الأشياء لا خالق كل شئ وهو بخلاف الآية ومن
المعلوم ان الافعال أكثر من الأعيان فلو كان الله خالق الأعيان والناس خالق الافعال لكان
مخلوقات الناس أكثر من مخلوقات الله تعالى الله عن ذلك وقال الله تعالى والله خلقكم وما
تعملون وقال مكي بن أبي طالب في اعراب القرآن له قالت المعتزلة ما في قوله تعالى وما تعملون
موصولة فرارا من أن يقروا بعموم الخلق لله تعالى ويريدون انه خلق الأشياء التي تنحت منها
الأصنام وأما الأعمال والحركات فإنها غير داخلة في خلق الله وزعموا انهم أرادوا بذلك تنزيه الله
تعالى عن خلق الشر ورد عليهم أهل السنة بأن الله تعالى خلق إبليس وهو الشر كله وقال تعالى
قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق فأثبت أنه خلق الشر وأطبق القراء حتى أهل الشذوذ على
إضافة شر إلى ما الا عمرو بن عبيد رأس الاعتزال فقرأها بتنوين شر ليصحح مذهبه وهو محجوج
بإجماع من قبله على قراءتها بالإضافة قال وإذا تقرر ان الله خالق كل شئ من خير وشر وجب أن تكون
ما مصدرية والمعنى خلقكم وخلق عملكم انتهى وقوى صاحب الكشاف مذهبه بأن
قوله وما تعملون ترجمة عن قوله قبلها ما تنحتون وما في قوله ما تنحتون موصولة اتفاقا فلا يعدل بما
التي بعده عن أختها وأطال في تقرير ذلك ومن جملته فان قلت ما أنكرت أن تكون ما مصدرية
والمعنى خلقكم وخلق عملكم كما تقول المجبرة يعنى أهل السنة (قلت) أقرب ما يبطل به ان معنى
الآية يأباه اباء جليا لان الله احتج عليهم بأن العابد والمعبود جميعا خلق الله فكيف يعبد المخلوق مع أن
العابد هو الذي عمل صورة المعبود ولولاه لما قدر أن يشكل نفسه فلو كان التقدير خلقكم وخلق
عملكم لم يكن فيه حجة عليهم ثم قال فان قلت هي موصولة لكن التقدير والله خلقكم وما تعملونه
من أعمالكم قلت ولو كان كذلك لم يكن فيها حجة على المشركين وتعقبه ابن خليل السكوني فقال
في كلامه صرف للآية عن دلالتها الحقيقة إلى ضرب من التأويل لغير ضرورة بل لنصرة مذهبه
أن العباد يخلقون أكسابهم فإذا حملها على الأصنام لم تتناول الحركات وأما أهل السنة فيقولون
القرآن نزل بلسان العرب وأئمة العربية على أن الفعل الوارد بعد ما يتأول بالمصدر نحو أعجبني
ما صنعت أي صنعك وعلى هذا فمعنى الآية خلقكم وخلق أعمالكم والأعمال ليست هي جواهر
الأصنام اتفاقا فمعنى الآية عندهم إذا كان الله خالق أعمالكم التي تتوهم القدرية أنهم خالقون
لها فأولى أن يكون خالقا لما لم يدع فيه أحد الخلقية وهي الأصنام قال ومدار هذه المسئلة على أن
الحقيقة مقدمة على المجاز ولا أثر للمرجوح مع الراجح وذلك أن الخشب التي منها الأصنام والصور
التي للأصنام ليست بعمل لنا وانما عملنا ما أقدرنا الله عليه من المعاني المكسوبة التي عليها ثواب
العباد وعقابهم فإذا قلت عمل النجار السرير فالمعنى عمل حركات في محل أظهر الله لنا عندها
التشكل في السرير فلما قال تعالى والله خلقكم وما تعملون وجب حمله على الحقيقة وهي
معمولكم وأما ما يطالب به المعتزلي من الرد على المشركين من الآية فهو من أبين شئ لأنه تعالى
إذا أخبر انه خلقنا وخلق أعمالنا التي يظهر بها التأثير بين أشكال الأصنام وغيرها فأولى أن يكون
خالقا للمتأثر الذي لم يدع فيه أحد لا سني ولا معتزلي ودلالة الموافقة أقوى في لسان العرب وأبلغ
441

من غيرها وقد وافق الزمخشري على ذلك في قوله تعالى فلا تقل لهما أف فإنه أدل على نفي الضرب
من أن لو قال ولا تضربهما وقال إنها من نكت علم البيان ثم غفل عنها اتباعا لهواه وأما ادعاؤه
فك النظم فلا يلزم منه بطلان الحجة لان فكه لما هو أبلغ سائغ بل أكمل لمراعاة البلاغة ثم قال ولم
لا تكون الآية مخبرة عن أن كل عمل للعبد فهو خلق للرب فيندرج فيه الرد على المشركين مع
مراعاة النظم ومن قيد الآية بعمل العبد دون عمل فعليه الدليل والأصل عدمه وبالله التوفيق
وأجاب البيضاوي بأن دعوى أنها مصدرية أبلغ لان فعلهم إذا كان بخلق الله تعالى فالمتوقف على
فعلهم أولى بذلك ويترجح أيضا بأن غيره لا يخلو من حذف أو مجاز وهو سالم من ذلك والأصل عدمه
وقال الطيبي وتكملة ذلك أن يقال تقرر عند علماء البيان أن الكناية أولى من التصريح فإذا نفى
الحكم العام لينتفي الخاص كان أقوى في الحجة وقد سلك صاحب الكشاف هذا بعينه في تفسير
قوله تعالى كيف تكفرون بالله الآية وقال ابن المنير يتعين حمل ما على المصدرية لانهم لم يعبدوا
الأصنام من حيث هي حجارة أو خشب عارية عن الصورة بل عبدوها لاشكالها وهي أثر عملهم
ولو عملوا نفس الجواهر لما طابق توبيخهم بأن المعبود من صنعة العابد قال والمخالفون موافقون أن
جواهر الأصنام ليست عملا لهم فلو كان كما ادعوه لاحتاج إلى حذف أي والله خلقكم وما تعملون
شكله وصورته والأصل عدم التقدير وقد جاء التصريح في الحديث الصحيح بمعنى الذي تقدمت
الإشارة إليه في باب قوله كل يوم هو في شأن عن حذيفة رفعه أن الله خلق كل صانع وصنعته وقال
غيره قول من ادعى أن المراد بقوله وما تعملون نفس العيدان والمعادن التي تعمل منها الأوثان
باطل لان أهل اللغة لا يقولون إن الانسان يعمل العود أو الحجر بل يقيدون ذلك بالصنعة فيقولون
عمل العود صنما والحجر وثنا فمعنى الآية أن الله خلق الانسان وخلق شكل الصنم وأما الذي نحت
أو صاغ فإنما هو عمل النحت والصياغة وقد صرحت الآية بذلك والذي عمله هو الذي وقع
التصريح بأن الله تعالى هو الذي خلقه وقال التونسي في مختصر تفسير الفخر الرازي احتج
الأصحاب بهذه الآية على أن عمل العبد مخلوق لله على اعراب ما مصدرية وأجاب المعتزلة بأن
إضافة العبادة والنحت لهم إضافة الفعل للفاعل ولأنه وبخهم ولو لم تكن الافعال لخلقهم لما
وبخهم قالوا ولا نسلم انها مصدرية لان الأخفش يمنع أعجبني ما قمت أي قيامك وقال إنه خاص
بالمتعدي سلمنا جوازه لكن لا يمنع ذلك من تقدير ما مفعولا للنحاتين ولموافقة ما ينحتون ولان
العرب تسمي محل العمل عملا فتقول في الباب هو عمل فلان ولان القصد هو تزييف عبادتهم
لا بيان أنهم لا يوجدون أعمال أنفسهم قال وهذه شبهة قوية فالأولى ان لا يستدل بهذه الآية
لهذا المراد كذا قال وجرى على عادته في إيراد شبه المخالفين وترك بذل الوسع في أجوبتها وقد
أجاب الشمس الأصبهاني في تفسيره وهو ملخص من تفسير الفخر فقال وما تعملون أي عملكم
وفيها دليل على أن أفعال العباد مخلوقة لله وعلى أنها مكتسبة للعباد حيث أثبت لهم عملا فأبطلت
مذهب القدرية والجبرية معا وقد رجح بعض العلماء كونها مصدرية لانهم لم يعبدوا الأصنام
الا لعملهم لا لجرم الصنم والا لكانوا يعبدونها قبل العمل فكأنهم عبدوا العمل فأنكر
عليهم عبادة المنحوت الذي لم ينفك عن العمل المخلوق وقال الشيخ تقي الدين بن تيمية في الرد على
الرافضي لا نسلم أنها موصولة ولكن لا حجة فيها للمعتزلة لان قوله تعالى والله خلقكم يدخل فيه
442

ذاتهم وصفاتهم وعلى هذا إذا كان التقدير والله خلقكم وخلق الذي تعملونه إن كان المراد خلقه
لها قبل النحت لزم أن يكون المعمول غير مخلوق وهو باطل فثبت أن المراد خلقه لها قبل النحت
وبعده وان الله خلقها بما فيها من التصوير والنحت فثبت انه خلق ما تولد عن فعلهم ففي الآية
دلالة على أنه تعالى خلق أفعالهم القائمة بهم وخلق ما تولد عنها ووافق على ترجيح انها موصولة من
جهة ان السياق يقتضي انه أنكر عليهم عبادة المنحوت فناسب ان ينكر ما يتعلق بالمنحوت وأنه
مخلوق له فيكون التقدير الله خالق العابد والمعبود وتقدير خلقكم وخلق أعمالكم يعني إذا
أعربت مصدرية ليس فيه ما يقتضي ذمهم على ترك عبادته والعلم عند الله تعالى وقد ارتضى
الشيخ سعد الدين التفتازاني هذه الطريق وأوضحها ونقحها فقال في شرح العقائد له بعد أن ذكر
أصل المسئلة وأدلة الفريقين ومنها استدلال أهل السنة بالآية المذكورة والله خلقكم وما
تعملون قالوا معناه وخلق عملكم على اعراب ما مصدرية ورجحوا ذلك لعدم احتياجه إلى حذف
الضمير قال فيجوز أن يكون المعنى وخلق معمولكم على اعرابها موصولة ويشمل أعمال العباد لأنا
إذا قلنا إنها مخلوقة لله أو للعبد لم يرد بالفعل المعنى المصدري الذي هو الايجاد بل الحاصل بالمصدر الذي
هو متعلق الايجاد وهو ما يشاهده من الحركات والسكنات قال وللذهول عن هذه النكتة توهم من
توهم أن الاستدلال بالآية موقوف على كون ما مصدرية وليس الامر كذلك (تكملة) جوز من
صنف في اعراب القرآن في اعراب ما تعملون زيادة على ما تقدم قالوا واللفظ للمنتخب في ما أوجه
أحدها أن تكون مصدرية منصوبة المحل عطف على الكاف والميم في خلقكم الثاني أن تكون
موصولة في موضع نصب أيضا عطفا على المذكور آنفا والتقدير خلقكم والذي تعملون أي
تعملون منه الأصنام يعني الخشب والحجارة وغيرها الثالث أن تكون استفهامية منصوبة المحل
بقوله تعملون توبيخا لهم وتحقيرا لعملهم الرابع أن تكون نكرة موصولة وحكمها حكم
الموصولة الخامس أن تكون نافية على معنى وما تعملون ذلك لكن الله هو خلقه ثم قال البيهقي
وقد قال الله تعالى خلق كل شئ وهو بكل شئ عليم فامتدح بأنه خلق كل شئ وبأنه يعلم كل شئ فكما
لا يخرج عن علمه شئ فكذا لا يخرج عن خلقه شئ وقال تعالى وأسروا قولكم أو اجهروا به انه
عليم بذات الصدور الا يعلم من خلق فأخبر ان قولهم سرا وجهرا خلقه لأنه بجميع ذلك عليم وقال
تعالى خلق الموت والحياة وقال وانه هو أمات وأحيا فأخبر أنه المحيي المميت وأنه خلق الموت
والحياة فثبت ان الافعال كلها خيرها وشرها صادرة عن خلقه واحداثه إياها وقال تعالى وما
رميت إذ رميت ولكن الله رمى وقال تعالى أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون فسلب عنهم هذه
الأفعال وأثبتها لنفسه ليدل بذلك على أن المؤثر فيها حتى صارت موجودة بعد العدم هو خلقه
وان الذي يقع من الناس انما هو مباشرة تلك الأفعال بقدرة حادثة أحدثها على ما أراد فهي من
الله تعالى خلق بمعنى الاختراع بقدرته القديمة ومن العباد كسب على معنى تعلق قدرة حادثة
بمباشرتهم التي هي كسبهم ووقوع هذه الأفعال على وجوده بخلاف فعل مكتسبها أحيانا من
أعظم الدلالة على موقع أوقعها على ما أراد ثم ساق حديث حذيفة المشار إليه ثم قال وأما ما ورد
في حديث دعاء الافتتاح في أول الصلاة والشر ليس إليك فمعناه كما قال النضر بن شميل والشر
لا يتقرب به إليك وقال غيره أرشد إلى استعمال الأدب في الثناء على الله تعالى بأن يضاف إليه محاسن
443

الأمور دون مساويها وقد وقع في نفس هذا الحديث والمهدي من هديت فأخبر انه يهدي من
شاء كما وقع التصريح به في القرآن وقال في حديث أبي سعيد الماضي في الاحكام الذي في
أوله ان كل وال له بطانتان والمعصوم من عصم الله فدل على أنه يعصم قوما دون قوم وقال غيره
يستحيل ان يصلح قدرة العباد للابراز من العدم إلى الوجود وهو المعبر عنه بالاختراع وثبوته
لله سبحانه وتعالى قطعي لان قدرة الابراز من العدم إلى الوجود تتوجه إلى تحصيل ما ليس بحاصل
فحال توجيهها لا بد من وجودها لاستحالة أن يحصل العدم شيئا فقدرته ثابتة وقدرة المخلوقين
عرض لا بقاء له فيستحيل تقدمها وقد تواردت النقول السمعية والقرآن والأحاديث الصحيحة
بانفراد الرب سبحانه وتعالى بالاختراع كقوله تعالى هل من خالق غير الله فأروني ماذا خلق
الذين من دونه ومن الدليل على أن الله تعالى يحكم في خلقه بما يشاء ولا تتوقف أحكامه في ثوابهم
وعقابهم على أن يكونوا خالقين لأفعالهم أنه نصب الثواب والعقاب على ما يقع مباينا لمحال
قدرتهم واما اكتساب العباد فلا يقع الا في محل الكسب ومثال ذلك السهم الذي يرميه
العبد لا تصرف له فيه بالرفع وكذلك لا تصرف له فيه بالوضع وأيضا فان إرادة الله سبحانه وتعالى
تتعلق بما لا نهاية له على وجه النفوذ وعدم التعذر وإرادة العبد لا تتعلق بذلك مع تسميتها إرادة
وكذلك علمه تعالى لا نهاية له على سبيل التفصيل وعلم العبد لا يتعلق بذلك مع تسميته علما
(فصل) احتج بعض المبتدعة بقوله تعالى الله خالق كل شئ على أن القرآن مخلوق لأنه شئ وتعقب
ذلك نعيم بن حماد وغيره من أهل الحديث بأن القرآن كلام الله وهو صفته فكما ان الله لم يدخل في
عموم قوله كل شئ اتفاقا فكذلك صفاته ونظير ذلك قوله تعالى ويحذركم الله نفسه مع قوله تعالى
كل نفس ذائقة الموت فكما لم تدخل نفس الله في هذا العموم اتفاقا فكذا لا يدخل القرآن (قوله
ويقال للمصورين أحيوا ما خلقتم) كذا للأكثر وهو المحفوظ ووقع في رواية الكشميهني ويقول
أي الله سبحانه أو الملك بأمره وقال الكرماني لفظ الحديث الموصول في الباب ويقال لهم فأظهر
البخاري مرجع الضمير انتهى وسيأتي الكلام على نسبة الخلق إليهم في آخر الباب (قوله إن
ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض إلى تبارك الله رب العالمين) ساق في رواية كريمة الآية
كلها والمناسب منها لما تقدم قوله تعالى الا له الخلق والامر فيصح به قوله الله خالق كل شئ ولذلك
عقبه بقوله قال ابن عيينة بين الله الخلق من الامر بقوله تعالى الا له الخلق والامر وهذا الأثر وصله
ابن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية من طريق بشار بن موسى قال كنا عند سفيان بن عيينة
فقال الا له الخلق والامر فالخلق هو المخلوقات والامر هو الكلام ومن طريق حماد بن نعيم سمعت
سفيان بن عيينة وسئل عن القرآن أمخلوق هو فقال يقول الله تعالى الا له الخلق والامر ألا ترى
كيف فرق بين الخلق والامر فالامر كلامه فلو كان كلامه مخلوقا لم يفرق (قلت) وسبق ابن عيينة
إلى ذلك محمد بن كعب القرظي وتبعه الإمام أحمد بن حنبل وعبد السلام بن عاصم وطائفة أخرج
كل ذلك ابن أبي حاتم عنهم وقال البخاري في كتاب خلق أفعال العباد خلق الله الخلق بأمره لقوله
تعالى لله الامر من قبل ومن بعد ولقوله انما قولنا لشئ إذا أردناه ان نقول له كن فيكون ولقوله
ومن آياته ان تقوم السماوات والأرض بأمره قال وتواترت الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ان القرآن كلام الله وان أمر الله قبل مخلوقاته قال ولم يذكر عن أحد من المهاجرين
444

والأنصار والتابعين لهم بإحسان خلاف ذلك وهم الذين أدوا إلينا الكتاب والسنة قرنا بعد قرن
ولم يكن بين أحد من أهل العلم في ذلك خلاف إلى زمان مالك والثوري وحماد وفقهاء الأمصار
ومضى على ذلك من أدركنا من علماء الحرمين والعراقين والشام ومصر وخراسان وقال عبد العزيز
ابن يحيى المكي في مناظرته لبشر المريسي بعد أن تلا الآية المذكورة أخبر الله تعالى عن الخلق
أنه مسخر بأمره فالامر هو الذي كان الخلق مسخرا به فكيف يكون الامر مخلوقا وقال تعالى
انما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون فأخبر ان الامر متقدم على الشئ المكون وقال
لله الامر من قبل ومن بعد أي من قبل خلق الخلق ومن بعد خلقهم وموتهم بدأهم بأمره
ويعيدهم بأمره وقال غيره لفظ الامر يرد لمعان منها الطلب ومنها الحكم ومنها ا لحال والشأن ومنها
المأمور كقوله تعالى فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شئ لما جاء أمر ربك أي
مأموره وهو اهلاكهم واستعمال المأمور بلفظ الامر كاستعمال المخلوق بمعنى الخلق وقال
الراغب الامر لفظ عام للأفعال والأقوال كلها ومنه قوله تعالى واليه يرجع الامر كله ويقال
للابداع أمر نحو قوله تعالى ألا له الخلق والامر وعلى ذلك حمل بعضهم قوله تعالى قل الروح من
أمر ربي أي هو من ابداعه ويختص ذلك بالله تعالى دون الخلائق وقوله انما أمرنا لشئ إذا أردناه
إشارة إلى ابداعه وعبر عنه بأقصر لفظ وأبلغ ما نتقدم به فيما بيننا بفعل الشئ ومنه وما أمرنا
الا واحدة فعبر عن سرعة ايجاده بأسرع ما يدركه وهمنا والامر التقدم بالشئ سواء كان ذلك بقول
أفعل أو لتفعل أو بلفظ خبر نحو والمطلقات يتربصن أو بإشارة أو غير ذلك كتسميته ما رأى إبراهيم
أمرا حيث قال ابنه يا أبت افعل ما تؤمر واما قوله وما أمر فرعون برشيد فعام في أقواله وأفعاله
وقوله اتى أمر الله إشارة إلى يوم القيامة فذكره بأعم الألفاظ وقوله بل سولت لكم أنفسكم
أمرا أي ما تأمر به النفس الامارة انتهى وفي بعض ما ذكره نظر لا سيما في تفسير الامر في آية
الباب بالابداع والمعروف فيه ما نقل عن ابن عيينة وعلى ما قال الراغب يكون الامر في الآية
من عطف الخاص على العام وقد قال بعض المفسرين المراد بالامر بعد الخلق تصريف الأمور
وقال بعضهم المراد بالخلق في الآية الدنيا وما فيها وبالأمر الآخرة وما فيها فهو كقوله أتى أمر الله
(قوله وسمى النبي صلى الله عليه وسلم الايمان عملا) تقدم بيان هذا في باب من قال الايمان هو
العمل من كتاب الايمان أول الجامع (قوله وقال أبو ذر وأبو هريرة سئل النبي صلى الله عليه وسلم
أي الأعمال أفضل قال ايمان بالله وجهاد في سبيله) تقدم الكلام عليهما وبيان من وصلهما
وشواهدهما في باب قل فاتوا بالتوراة فاتلوها قبل أبواب (قوله وقال جزاء بما كانوا يعملون) أي
من الايمان والصلاة وسائر الطاعات فسمى الايمان عملا حيث أدخله في جملة الأعمال (قوله وقال
وفد عبد القيس إلى أن قال فجعل ذلك كله عملا) سيأتي ذلك موصولا بعد حديث ثم ذكر في الباب
خمسة أحاديث مسندة * الأول حديث أبي موسى الأشعري في قصة الذين طلبوا الحملان فقال صلى
الله عليه وسلم لست أنا أحملكم ولكن الله حملكم وقد تقدم شرحه في كتاب الايمان وعبد الوهاب
في السند هو ابن عبد المجيد الثقفي وليس هو والد عبد الله بن عبد الوهاب العبدري الحجبي الراوي
عنه هنا والقاسم التميمي هو ابن عاصم وزهدم هو ابن مضرب بتشديد الراء وقوله يأكل فقذرته
زاد الكشميهني يأكل شيئا وقوله فحلفت لا آكله في رواية الكشميهني ان لا آكله وقوله
445

فلأحدثك وقع لغير الكشميهني فلأحدثنك بالنون المؤكدة والمراد منه نسبة الحمل إلى الله تعالى
وإن كان الذي باشر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فهو كقوله تعالى وما رميت إذ رميت ولكن الله
رمى وقد تقدم توجيهه قريبا * الحديث الثاني حديث وفد عبد القيس (قوله أبو عاصم) هو
الضحاك بن مخلد البصري المعروف بالنبيل بنون وموحدة وزن عظيم وهو من شيوخ البخاري
أخرج عنه بغير واسطة في كتاب الزكاة وغيره وهنا بواسطة وكذلك في عدة مواضع (قوله حدثنا
قرة بن خالد) قال عياض سقط من رواية أبي زيد المروزي وثبت لغيره والحقه عبدوس في روايته
يعني عن المروزي ونقل أبو علي الجياني ان أبا زيد قال لما حدث به أظن بينهما قرة بن خالد قال أبو
علي وما هو بالظن ولكنه يقين وبه يتصل الاسناد (قوله قلت لابن عباس فقال قدم وفد عبد القيس)
كذا في هذه الرواية لم يذكر مقول قلت وبينه الإسماعيلي من طريق أبي عامر عبد الملك بن عمرو
العقدي بفتح المهملة والقاف عن قرة بن خالد فقال في روايته حدثنا أبو حمزة قال قلت لابن عباس
ان لي جرة انتبذ فيها فأشربه حلوا لو أكثرت منه فجالست القوم لخشيت ان افتضح فقال قدم وفد
عبد القيس وقد أخرج مسلم طريق أبي عامر لكن لم يسق لفظه ولم يقف الكرماني على هذا فقال
التقدير قلت لابن عباس حدثنا اما مطلقا واما عن قصة وفد عبد القيس فجعل مقول قلت طلب
التحديث وقد تقدم شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب الايمان وما يتعلق منه بالأشربة في كتاب
الأشربة وتقدم جواب الاشكال عن تفسير الايمان بالاعمال البدنية مع أنه فعل القلب وعن
الحكمة في قوله وان تعطوا الخمس ولم يقل واعطاء الخمس على نسق ما تقدم وعن سقوط ذكر الصوم
في هذه الرواية مع كونه ثابتا في غيرها والتنبيه على أنه وقع ذكر الحج في بعض طرق هذا الحديث
من هذا الوجه من رواية قرة بن خالد * الحديث الثالث والرابع والخامس عن عائشة وابن عمر وأبي
هريرة في ذكر المصورين والأول من رواية الليث عن نافع عن عائشة والثاني من رواية أيوب عن
نافع عن ابن عمر ولفظهما واحد الا انه وقع في حديث عائشة ويقال لهم وفي حديث ابن عمر يقال
لهم بدون واو ومحمد بن العلاء في أول سند حديث أبي هريرة هو أبو كريب وهو بكنيته أشهر وابن
فضيل هو محمد وعمارة هو ابن القعقاع بن شبرمة وقد مضى في كتاب اللباس من وجه آخر عن
عمارة وفيه قصة لأبي هريرة ومضى شرحه هناك وقوله ومن ذهب أي قصد وقوله يخلق كخلقي
نسب الخلق إليهم على سبيل الاستهزاء أو التشبيه في الصورة فقط وقوله فليخلقوا ذرة أو شعيرة أمر
بمعنى التعجيز وهو على سبيل الترقي في الحقارة أو التنزل في الالزام والمراد بالذرة إن كان النملة فهو
من تعذيبهم وتعجيزهم بخلق الحيوان تارة وبخلق الجماد أخرى وإن كان بمعنى الهباء فهو بخلق
ما ليس له جرم محسوس تارة وبماله جرم أخرى ويحتمل ان يكون أو شكا من الراوي قال ابن
بطال قوله في حديث عائشة وغيره يقال لهم أحيوا ما خلقتم انما نسب خلقها إليهم تقريعا لهم
بمضاهاتهم الله تعالى في خلقه فبكتهم بان قال إذا شابهتم بما صورتم مخلوقات الله تعالى فأحيوها كما
446

أحيا هو من خلق وقال الكرماني أسند الخلق إليهم صريحا وهو خلاف الترجمة لكن المراد
كسبهم فأطلق لفظ الخلق عليهم استهزاء أو ضمن خلقتم معنى صورتم تشبيها بالخلق أو أطلق بناء
على زعمهم فيه (قلت) والذي يظهر ان مناسبة ذكر حديث المصورين لترجمة هذا الباب من جهة
ان من زعم أنه يخلق فعل نفسه لو صحت دعواه لما وقع الانكار على هؤلاء المصورين فلما كان
أمرهم بنفخ الروح فيما صوروه أمر تعجيز ونسبة الخلق إليهم انما هي على سبيل التهكم والاستهزاء
دل على فساد قول من نسب خلق فعله إليه استقلالا والعلم عند الله تعالى ثم قال الكرماني هذه
الأحاديث تدل على أن العمل منسوب إلى العبد لان معنى الكسب اعتبار الجهتين فيستفاد
المطلوب منها ولعل غرض البخاري في تكثير هذا النوع في الباب وغيره بيان جواز ما نقل عنه أنه قال
لفظي بالقرآن مخلوق ان صح عنه (قلت) قد صح عنه انه تبرأ من هذا الاطلاق فقال كل من
نقل عني اني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فقد كذب علي وانما قلت أفعال العباد مخلوقة أخرج ذلك
غنجار في ترجمة البخاري من تاريخ بخارا بسند صحيح إلى محمد بن نصر المروزي الامام المشهور انه
سمع البخاري يقول ذلك ومن طريق أبي عمر وأحمد بن نصر النيسابوري الخفاف انه سمع البخاري
يقول ذلك (قوله باب قراءة الفاجر والمنافق وتلاوتهم لا تجاوز حناجرهم) قال
الكرماني المراد بالفاجر المنافق بقرينة جعله قسيما للمؤمن في الحديث يعني الأول ومقابلا له
فعطف المنافق عليه في الترجمة من باب العطف التفسيري قال وقوله وتلاوتهم مبتدأ وخبره
لا يجاوز حناجرهم وانما جمع الضمير لأنه حكاية عن لفظ الحديث قال وزيد في بعضها وأصواتهم (1)
(قلت) هي ثابتة في جميع ما وقفنا عليه من نسخ البخاري ووقع في رواية أبي ذر قراءة الفاجر
أو المنافق بالشك وهو يؤيد تأويل الكرماني ويحتمل ان يكون للتنويع والفاجر أعم من المنافق
فيكون من عطف الخاص على العام وذكر فيه ثلاثة أحاديث * الحديث الأول حديث أبي موسى
وهو الأشعري مثل المؤمن وقد تقدم شرحه في فضائل القرآن والسند كله بصريون ومطابقته
للترجمة ظاهرة ومناسبتها لما قبلها من الأبواب ان التلاوة متفاوتة بتفاوت التالي فيدل على انها
من عمله وقال ابن بطال معنى هذا الباب ان قراءة الفاجر والمنافق لا ترتفع إلى الله ولا تزكو عنده
وانما يزكو عنده ما أريد به وجهه وكان عن نية التقرب إليه وشبهه بالريحانة حين لم ينتفع ببركة
القرآن ولم يفز بحلاوة أجره فلم يجاوز الطيب موضع الصوت وهو الحلق ولا اتصل بالقلب وهؤلاء
هم الذين يمرقون من الدين * الحديث الثاني (قوله علي) هو ابن عبد الله بن المديني وهشام هو
ابن يوسف الصنعاني ويونس في السند الثاني هو ابن يزيد وابن شهاب فيه هو الزهري المذكور في
الأول وقد تقدمت طريق علي بن عبد الله المديني في أواخر كتاب الطب في باب الكهانة ونسبه فيها
ونسب شيخه كما ذكرت وساق المتن على لفظه هناك ووقع عنده أخبرني يحيى بن عروة بن الزبير انه
سمع عروة بن الزبير (قوله سأل أناس) في رواية معمر ناس وهما بمعنى وقوله هنا يحدثون بالشئ
يكون حقا في رواية معمر انهم يحدثوننا أحيانا بشئ فيكون حقا (قوله يخطفها) في رواية
الكشميهني يحفظها بحاء مهملة وظاء مشالة والفاء قبلها من الحفظ (قوله فيقرقرها) في رواية
معمر فيقرها بتشديد الراء (قوله كقرقرة الدجاجة) في رواية المستملي الزجاجة بضم الزاي وتقدم
شرحه مستوفى في الباب المذكور ومناسبته للترجمة تعرض له ابن بطال ولخصه الكرماني فقال
447

لمشابهة الكاهن بالمنافق من جهة انه لا ينتفع بالكلمة الصادقة لغلبة الكذب عليه ولفساد حاله
كما أن المنافق لا ينتفع بقراءته لفساد عقيدته والذي يظهر لي من مراد البخاري ان تلفظ المنافق
بالقرآن كما يتلفظ به المؤمن فتختلف تلاوتهما والمتلو واحد فلو كان المتلو عين التلاوة لم يقع فيه
تخالف وكذلك الكاهن في تلفظه بالكلمة من الوحي التي يخبره بها الجني مما يختطفه من الملك
تلفظه بها وتلفظ الجني مغاير لتلفظ الملك فتفاوتا * الحديث الثالث (قوله عن معبد بن سيرين)
هو أخو محمد وهو أكبر منه والسند كله بصريون الا الصحابي وقد دخل البصرة (قوله يخرج ناس
من قبل المشرق) تقدم في كتاب الفتن انهم الخوارج وبيان مبدأ أمرهم وما ورد فيهم وكان ابتداء
خروجهم في العراق وهي من جهة المشرق بالنسبة إلى مكة المشرفة (قوله لا يجاوز تراقيهم) جمع
ترقوة بفتح أوله وسكون الراء وضم القاف وفتح الواو وهي العظم الذي بين نقرة النحر والعاتق
وذكره في الترجمة بلفظ حناجرهم جمع حنجرة وهي الحلقوم وتقدم بيان الحلقوم في أواخر كتاب
العلم وقد رواه عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد بلفظ حناجرهم وتقدم في باب قوله تعالى تعرج
الملائكة والروح إليه من كتاب التوحيد (قوله قيل ما سيماهم) بكسر المهملة وسكون التحتانية
أي علامتهم والسائل عن ذلك لم أقف على تعيينه (قوله التحليق أو قال التسبيد) شك من الراوي
وهو بالمهملة والموحدة بمعنى التحليق وقيل أبلغ منه وهو بمعنى الاستئصال وقيل إن نبت بعد
أيام وقيل هو ترك دهن الشعر وغسله قال الكرماني فيه اشكال وهو انه يلزم من وجود
العلامة وجود ذي العلامة فيستلزم ان كل من كان محلوق الرأس فهو من الخوارج والامر
بخلاف ذلك اتفاقا ثم أجاب بان السلف كانوا لا يحلقون رؤوسهم الا للنسك أو في الحاجة والخوارج
اتخذوه ديدنا فصار شعارا لهم وعرفوا به قال ويحتمل ان يراد به حلق الرأس واللحية وجميع
شعورهم وان يراد به الافراط في القتل والمبالغة في المخالفة في أمر الديانة (قلت) الأول باطل لأنه
لم يقع من الخوارج والثاني محتمل لكن طرق الحديث المتكاثرة كالصريحة في إرادة حلق الرأس
والثالث كالثاني والله أعلم * (تنبيه) * وقع لابن بطال في وصف الخوارج خبط أردت التنبيه عليه
لئلا يغتر به وذلك أنه قال يمكن ان يكون هذا الحديث في قوم عرفهم النبي صلى الله عليه وسلم
بالوحي أنهم خرجوا ببدعتهم عن الاسلام إلى الكفر وهم الذين قتلهم علي بالنهروان حين قالوا انك
ربنا فاغتاظ عليهم وأمر بهم فحرقوا بالنار فزادهم ذلك فتنة وقالوا الآن تيقنا انك ربنا إذ لا يعذب
بالنار الا الله انتهى وقد تقدمت هذه القصة لعلي في الفتن وليست للخوارج وانما هي للزنادقة
كما وقع مصرحا به في بعض طرقه ووقع في شرح الوجيز للرافعي عند ذكر الخوارج قال هم فرقة
من المبتدعة خرجوا على علي حيث اعتقدوا انه يعرف قتلة عثمان ويقدر عليهم ولا يقتص منهم
لرضاه بقتله ومواطأته إياهم ويعتقدون ان من اتى كبيرة فقد كفر واستحق الخلود في النار
ويطعنون لذلك في الأئمة انتهى وليس الوصف الأول في كلامه وصف الخوارج المبتدعة وانما
هو وصف النواصب اتباع معاوية بصفين واما الخوارج فمن معتقدهم تكفير عثمان وانه قتل
بحق ولم يزالوا مع علي حتى وقع التحكيم بصفين فأنكروا التحكيم وخرجوا على علي وكفروه
وقد تقدم القول فيهم مبسوطا في كتاب الفتن (قوله باب قول الله تعالى ونضع
الموازين القسط ليوم القيامة) كذا لأبي ذر وسقط لأكثرهم ليوم القيامة والموازين جمع ميزان
448

وأصله موزان فقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها واختلف في ذكره هنا بلفظ الجمع هل المراد ان لكل
شخص ميزانا أو لكل عمل ميزان فيكون الجمع حقيقة أوليس هناك الا ميزان واحد والجمع باعتبار
تعدد الأعمال أو الاشخاص ويدل على تعدد الأعمال قوله تعالى ومن خفت موازينه ويحتمل
أن يكون الجمع للتفخيم كما في قوله تعالى كذبت قوم نوح المرسلين مع أنه لم يرسل إليهم الا واحد
والذي يترجح انه ميزان واحد ولا يشكل بكثرة من يوزن عمله لان أحوال القيامة لا تكيف
بأحوال الدنيا والقسط العدل وهو نعت الموازين وإن كان مفردا وهي جمع لأنه مصدر قال الطبري
القسط العدل وجعل وهو مفرد من نعت الموازين وهي جمع لأنه كقولك عدل ورضا وقال أبو
إسحاق الزجاج المعنى ونضع الموازين ذوات القسط والقسط العدل وهو مصدر يوصف به يقال
ميزان قسط وميزانان قسط وموازين قسط وقيل هو مفعول من أجله أي لأجل القسط واللام في
قوله ليوم القيامة للتعليل مع حذف مضاف أي لحساب يوم القيامة وقيل هي بمعنى في كذا جزم
به ابن قتيبة واختاره ابن مالك وقيل للتوقيت كقول النابغة
توهمت آيات لها فعرفتها * لستة أعوام وذا العام سابع
وحكى حنبل بن إسحاق في كتاب السنة عن أحمد بن حنبل أنه قال ردا على من أنكر الميزان ما معناه
قال الله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة وذكر النبي صلى الله عليه وسلم الميزان يوم
القيامة فمن رد على النبي صلى الله عليه وسلم فقد رد على الله عز وجل (قوله وان أعمال بني آدم
وقولهم يوزن) كذا للأكثر وللقابسي وطائفة وأقوالهم بصيغة الجمع وهو المناسب للأعمال
وظاهره التعميم لكن خص منه طائفتان فمن الكفار من لا ذنب له الا الكفر ولم يعمل حسنة فإنه
يقع في النار من غير حساب ولا ميزان ومن المؤمنين من لا سيئة له وله حسنات كثيرة زائدة على
محض الايمان فهذا يدخل الجنة بغير حساب كما في قصة السبعين ألفا ومن شاء الله ان يلحقه بهم
وهم الذين يمرون على الصراط كالبرق الخاطف وكالريح وكأجاويد الخيل ومن عدا هذين
من الكفار والمؤمنين يحاسبون وتعرض أعمالهم على الموازين ويدل على محاسبة الكفار ووزن
أعمالهم قوله تعالى في سورة المؤمنين فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت
موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم إلى قوله ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون
ونقل القرطبي عن بعض العلماء أنه قال الكافر لا ثواب له وعمله مقابل بالعذاب فلا حسنة له توزن
في موازين القيامة ومن لا حسنة له فهو في النار واستدل بقوله تعالى فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا
وبحديث أبي هريرة وهو في الصحيح في الكافر لا يزن عند الله جناح بعوضة وتعقب انه مجاز عن
حقارة قدره ولا يلزم منه عدم الوزن وحكى القرطبي في صفة وزن عمل الكافر وجهين أحدهما
ان كفره يوضع في الكفة ولا يجد له حسنة يضعها في الأخرى فتطيش التي لا شئ فيها قال وهذا
ظاهر الآية لأنه وصف الميزان بالخفة لا الموزون ثانيهما قد يقع منه العتق والبر والصلة وسائر
أنواع الخير المالية مما لو فعلها المسلم لكانت له حسنات فمن كانت له حسنات جمعت ووضعت غير
أن الكفر إذا قابلها رجح بها (قلت) ويحتمل ان يجازى بها عما يقع منه من ظلم العباد مثلا فان
استوت عذب بكفره مثلا فقط والا زيد عذابه بكفره أو خفف عنه كما في قصة أبي طالب قال أبو
إسحاق الزجاج أجمع أهل السنة على الايمان بالميزان وان أعمال العباد توزن يوم القيامة وان الميزان
449

له لسان وكفتان ويميل بالاعمال وأنكرت المعتزلة الميزان وقالوا هو عبارة عن العدل فخالفوا
الكتاب والسنة لان الله أخبر انه يضع الموازين لوزن الأعمال ليرى العباد أعمالهم ممثلة ليكونوا على
أنفسهم شاهدين وقال ابن فورك أنكرت المعتزلة الميزان بناء منهم على أن الاعراض يستحيل
وزنها إذا لا تقوم بأنفسها قال وقد روى بعض المتكلمين عن ابن عباس ان الله تعالى يقلب
الاعراض أجساما فيزنها انتهى وقد ذهب بعض السلف إلى أن الميزان بمعنى العدل والقضاء
فأسند الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم
القيامة قال انما هو مثل كما يجوز وزن الأعمال كذلك يجوز الحط ومن طريق ليث بن أبي سليم
عن مجاهد قال الموازين العدل والراجح ما ذهب إليه الجمهور وأخرج أبو القاسم اللالكائي في
السنة عن سلمان قال يوضع الميزان وله كفتان لو وضع في إحداهما السماوات والأرض ومن فيهن
لوسعته ومن طريق عبد الملك بن أبي سليمان ذكر الميزان عند الحسن فقال له لسان وكفتان وقال
الطيبي قيل انما توزن الصحف واما الأعمال فإنها أعراض فلا توصف بثقل ولا خفة والحق عند
أهل السنة ان الأعمال حينئذ تجسد أو تجعل في أجسام فتصير أعمال الطائعين في صورة حسنة
وأعمال المسيئين في صورة قبيحة ثم توزن ورجح القرطبي ان الذي يوزن الصحائف التي تكتب
فيها الأعمال ونقل عن ابن عمر قال توزن صحائف الأعمال قال فإذا ثبت هذا فالصحف أجسام
فيرتفع الاشكال ويقويه حديث البطاقة الذي أخرجه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه وفيه
فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة انتهى والصحيح ان الأعمال هي التي توزن وقد أخرج
أبو داود والترمذي وصححه ابن حبان عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما يوضع في
الميزان يوم القيامة أثقل من خلق حسن وفي حديث جابر رفعه توضع الموازين يوم القيامة فتوزن
الحسنات والسيئات فمن رجحت حسناته على سيآته مثقال حبة دخل الجنة ومن رجحت سيآته
على حسناته مثقال حبة دخل النار قيل فمن استوت حسناته وسيئاته قال أولئك أصحاب
الأعراف أخرجه خيثمة في فوائده وعند ابن المبارك في الزهد عن ابن مسعود نحوه موقوفا وأخرج
أبو القاسم اللالكائي في كتاب السنة عن حذيفة موقوفا ان صاحب الميزان يوم القيامة جبريل
عليه السلام (قوله وقال مجاهد القسطاس العدل بالرومية) وصله الفريابي في تفسيره عن سفيان
الثوري عن رجل عن مجاهد وعن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى وزنوا بالقسطاس
المستقيم قال هو العدل بالرومية وقال الطبري معنى قوله وزنوا بالقسطاس بالميزان وقال ابن
دريد مثله وزاد وهو رومي عرب ويقال قسطار بالراء آخره بدل السين وقال صاحب المشارق
القسطاس أعدل الموازين وهو بكسر القاف وبضمها وقرئ بهما في المشهور (قوله ويقال
القسط مصدر المقسط وهو العادل واما القاسط فهو الجائر) قال الفراء القاسطون الجائرون
والمقسطون العادلون وقال الراغب القسط النصيب بالعدل كالنصف والنصفة والقسط بفتح
القاف ان يأخذ قسط غيره وذلك جور والاقساط ان يعطي غيره قسطه وذلك انصاف ولذلك قيل
قسط إذا جار وأقسط إذا عدل وقال صاحب المحكم القسط النصيب إذا تقاسموه بالسوية
وقال الإسماعيلي متعقبا على قول البخاري القسط مصدر المقسط ما نصه القسط العدل ومصدر
المقسط الأقساط يقال أقسط إذا عدل وقسط إذا جار ويرجعان إلى معنى متقارب لأنه يقال
450

عدل عن كذا إذا مال عنه وكذلك قسط إذ عدل عن الحق وأقسط كأنه لزم القسط وهو العدل
قال الله تعالى وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا وقال النبي صلى الله عليه وسلم المقسطون
على منابر من نور انتهى وكان من حقه ان يستشهد للمعنى الثاني بالآية الأخرى وهي قوله تعالى
ان الله يحب المقسطين وهي في المائدة وفي الحجرات والحديث الذي ذكره صحيح أخرجه مسلم وفي
الصحيح عن أبي هريرة رفعه في ذكر عيسى بن مريم ينزل حكما مقسطا وفي الأسماء الحسنى المقسط
قال الحليمي هو المعطي عباده القسط وهو العدل من نفسه وقد يكون معناه المعطي (2) لكل
منهم قسطا من خيره وقوله كأنه لزم القسط يشير إلى أن الهمزة فيه للسلب وبذلك جزم صاحب
النهاية وذكر ابن القطاع ان قسط من الأضداد وقد أجاب ابن بطال عن اعتراض من اعترض
على قول البخاري مصدر المقسط فقال أراد بالمصدر ما حذفت زوائده كقول الشاعر
* وان أهلك فذلك حين قدري * أي تقديري فرده إلى أصله وانما تحذف العرب الزوائد لترد
الكلمة إلى أصلها واما المصدر المقسط الجاري على فعله فهو الأقساط وقال الكرماني المراد
بالمصدر المحذوف الزوائد نظرا إلى أصله فهو مصدر مصدره إذ لا خفاء ان المصدر الجاري على فعله
هو الأقساط فان قيل المزيد لا بد أن يكون من جنس المزيد عليه (قلت) اما ان يكون من القسط
بالكسر واما ان يكون من القسط بالفتح الذي هو بمعنى الجور والهمزة للسلب والإزالة (قوله
حدثنا أحمد بن أشكاب) بكسر الهمزة وسكون المعجمة وآخره موحدة غير منصرف لأنه أعجمي
وقيل بل عربي فينصرف وهو لقب واسمه مجمع وقيل معمر وقيل عبيد الله وكنية أحمد أبو عبد الله
وهو الصفار الحضرمي نزيل مصر قال البخاري آخر ما لقيته بمصر سنة سبع عشرة وأرخ ابن
حبان وفاته فيها وقال ابن يونس مات سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة (قلت) وليس بينه وبين
علي بن أشكاب ولا محمد بن أشكاب قرابة (قوله حدثنا محمد بن فضيل) أي ابن غزوان بفتح المعجمة
وسكون الزاي ولم أر هذا الحديث الا من طريقه بهذا الاسناد وقد تقدم في الدعوات وفي الايمان
والنذور وأخرجه أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان كلهم من طريقه
قال الترمذي حسن صحيح غريب (قلت) وجه الغرابة فيه ما ذكرته من تفرد محمد بن فضيل وشيخه
وشيخ شيخه وصحابيه (قوله عن عمارة) في رواية قتيبة عن ابن فضيل حدثنا عمارة وقد تقدمت
في الايمان والنذور (قوله كلمتان حبيبتان إلى الرحمن) كذا في هذه الرواية بتقديم حبيبتان
وتأخير ثقيلتان وقد تقدم في الدعوات وفي الايمان والنذور بتقديم خفيفتان وتأخير حبيبتان
وهي رواية مسلم عن زهير بن حرب ومحمد بن عبد الله بن نمير وأبي كريب ومحمد بن طريف وكذا
عند الباقين ممن تقدم ذكره ومن سيأتي عن شيوخهم وفي قوله كلمتان إطلاق كلمة على الكلام وهو
مثل كلمة الاخلاص وكلمة الشهادة وقوله كلمتان هو الخبر وحبيبتان وما بعدها صفة والمبتدأ
سبحان الله إلى آخره والنكتة في تقديم الخبر تشويق السامع إلى المبتدأ وكلما طال الكلام في
وصف الخبر حسن تقديمه لان كثرة الأوصاف الجميلة تزيد السامع شوقا وقوله حبيبتان أي
محبوبتان والمعنى محبوب قائلهما ومحبة الله للعبد تقدم معناها في كتاب الرقاق وقوله ثقيلتان
في الميزان هو موضع الترجمة لأنه مطابق لقوله وان أعمال بني آدم توزن قال الكرماني فان قيل
فعيل بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث ولا سيما إذا كان موصوفه معه فلم عدل عن
451

التذكير إلى التأنيث فالجواب ان ذلك جائز لا واجب وأيضا فهو في المفرد لا المثنى سلمنا لكن
أنث لمناسبة الثقيلتين والخفيفتين أو لأنها بمعنى الفاعل لا المفعول والتاء لنقل اللفظة من
الوصفية إلى الاسمية وقد يطلق على ما لم يقع لكنه متوقع كمن يقول خذ ذبيحتك للشاة التي لم تذبح
فإذا وقع عليها الفعل فهي ذبيح حقيقة وخص لفظ الرحمن بالذكر لان المقصود من الحديث بيان
سعة رحمة الله تعالى على عباده حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الكثير (قوله خفيفتان
على اللسان ثقيلتان في الميزان) وصفهما بالخفة والثقل لبيان قلة العمل وكثرة الثواب وفي هذه
الألفاظ الثلاثة سجع مستعذب وقد تقدم في الدعوات بيان الجائز منه والمنهي عنه وكذا في
الحدود في حديث سجع كسجع الكهان والحاصل ان المنهي عنه ما كان متكلفا أو متضمنا
لباطل لا ما جاء عفوا عن غيره قصد إليه وقوله خفيفتان فيه إشارة إلى قلة كلامهما وأحرفهما
ورشاقتهما قال الطيبي الخفة مستعارة للسهولة وشبه سهولة جريانهما على اللسان بما خف على
الحامل من بعض الأمتعة فلا تتعبه كالشئ الثقيل وفيه إشارة إلى أن سائر التكاليف صعبة شاقة
على النفس ثقيلة وهذه سهلة عليها مع أنها تثقل الميزان كثقل الشاق من التكاليف وقد سئل
بعض السلف عن سبب ثقل الحسنة وخفة السيئة فقال لان الحسنة حضرت مرارتها وغابت
حلاوتها فثقلت فلا يحملنك ثقلها على تركها والسيئة حضرت حلاوتها وغابت مرارتها فلذلك
خفت فلا يحملنك خفتها على ارتكابها (قوله سبحان الله) تقدم معناه في باب فضل التسبيح من
كتاب الدعوات (قوله وبحمده) قيل الواو للحال والتقدير أسبح الله متلبسا بحمدي له من أجل
توفيقه وقيل عاطفة والتقدير أسبح الله وألتبس بحمده ويحتمل أن يكون الحمد مضافا للفاعل
والمراد من الحمد لازمه أو ما يوجب الحمد من التوفيق ونحوه ويحتمل أن تكون الباء متعلقة بمحذوف
متقدم والتقدير وأثنى عليه بحمده فيكون سبحان الله جملة مستقلة وبحمده جملة أخرى وقال
الخطابي في حديث سبحانك اللهم ربنا وبحمدك أي بقوتك التي هي نعمة توجب علي حمدك
سبحتك لا بحولي وبقوتي كأنه يريد أن ذلك مما أقيم فيه السبب مقام المسبب واتفقت الروايات
عن محمد بن فضيل على ثبوت وبحمده الا أن الإسماعيلي قال بعد أن أخرجه من رواية زهير بن
حرب وأحمد بن عبدة وأبي بكر بن أبي شيبة والحسين بن علي بن الأسود عنه لم يقل أكثرهم وبحمده
(قلت) وقد ثبت من رواية زهير بن حرب عند الشيخين وعند مسلم عن بقية من سميت من شيوخه
والترمذي عن يوسف بن عيسى والنسائي عن محمد بن آدم وأحمد بن حرب وابن ماجة عن علي بن
محمد وعلي بن المنذر وأبو عوانة عن محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي وابن حبان أيضا من رواية
محمد بن عبد الله بن نمير كلهم عن محمد بن فضيل كأنها سقطت من رواية أبي بكر وأحمد بن عبدة
والحسين (قوله سبحان الله العظيم) هكذا عند الأكثر بتقديم سبحان الله وبحمده على سبحان الله
العظيم وتقدم في الدعوات عن زهير بن حرب بتقديم سبحان الله العظيم على سبحان الله وبحمده
وكذا هو عند أحمد بن حنبل عن محمد بن فضيل وكذا عند جميع من سميته قبل وقد وقع لي بعلو
في كتاب الدعاء لمحمد بن فضيل من رواية علي بن المنذر عنه بثبوت وبحمده وتقديم سبحان الله
وبحمده قال ابن بطال هذه الفضائل الواردة في فضل الذكر انما هي لأهل الشرف في الدين
والكمال كالطهارة من الحرام والمعاصي العظام فلا تظن ان من أدمن الذكر وأصر على ما شاءه من
452

شهواته وانتهك دين الله وحرماته انه يلتحق بالمطهرين المقدسين ويبلغ منازلهم بكلام أجراه على
لسانه ليس معه تقوى ولا عمل صالح قال الكرماني صفات الله وجودية كالعلم والقدرة وهي
صفات الاكرام وعدمية كلا شريك له ولا مثل له وهي صفات الجلال فالتسبيح إشارة إلى صفات
الجلال والتحميد إشارة إلى صفات الاكرام وترك التقييد مشعر بالتعميم والمعنى أنزهه عن
جميع النقائص واحمده بجميع الكمالات قال والنظم الطبيعي يقتضي تقديم التخلية على
التخلية فقدم التسبيح الدال على التخلي على التحميد الدال على التحلي وقدم لفظ الله لأنه اسم
الذات المقدسة الجامع لجميع الصفات والأسماء الحسنى ووصفه بالعظيم لأنه الشامل لسلب
ما لا يليق به واثبات ما يليق به إذ العظمة الكاملة مستلزمة لعدم النظير والمثيل ونحو ذلك وكذا
العلم بجميع المعلومات والقدرة على جميع المقدورات ونحو ذلك وذكر التسبيح متلبسا بالحمد
ليعلم ثبوت الكمال له نفيا واثباتا وكرره تأكيدا ولان الاعتناء بشأن التنزيه أكثر من جهة كثرة
المخالفين ولهذا جاء في القرآن بعبارات مختلفة نحو سبحان وسبح بلفظ الامر وسبح بلفظ الماضي
ويسبح بلفظ المضارع ولان التنزيهات تدرك بالعقل بخلاف الكمالات فإنها تقصر عن إدراك
حقائقها كما قال بعض المحققين الحقائق الإلهية لا تعرف الا بطريق السلب كما في العلم لا يدرك
منه الا انه ليس بجاهل واما معرفة حقيقة علمه فلا سبيل إليه وقال شيخنا شيخ الاسلام سراج
الدين البلقيني في كلامه على مناسبة أبواب صحيح البخاري الذي نقلته عنه في أواخر المقدمة لما
كان أصل العصمة أولا وآخرا هو توحيد الله فختم بكتاب التوحيد وكان آخر الأمور التي يظهر
بها المفلح من الخاسر ثقل الموازين وخفتها فجعله آخر تراجم الكتاب فبدأ بحديث الأعمال بالنيات
وذلك في الدنيا وختم بأن الأعمال توزن يوم القيامة وأشار إلى أنه انما يثقل منها ما كان بالنية
الخالصة لله تعالى وفي الحديث الذي ذكره ترغيب وتخفيف وحث على الذكر المذكور لمحبة الرحمن
له والخفة بالنسبة لما يتعلق بالعمل والثقل بالنسبة لاظهار الثواب وجاء ترتيب هذا الحديث على
أسلوب عظيم وهو ان حب الرب سابق وذكر العبد وخفة الذكر على لسانه تال ثم بين ما فيهما من
الثواب العظيم النافع يوم القيامة انتهى ملخصا وقال الكرماني تقدم في أول كتاب التوحيد
بيان ترتيب أبواب الكتاب وان الختم بمباحث كلام الله لأنه مدار الوحي وبه تثبت الشرائع ولهذا
افتتح ببدء الوحي والانتهاء إلى ما منه الابتداء ونعم الختم بها ولكن ذكر هذا الباب ليس مقصودا
بالذات بل هو لإرادة ان يكون آخر الكلام التسبيح والتحميد كما أنه ذكر حديث الأعمال بالنيات
في أول الكتاب لإرادة بيان اخلاصه فيه كذا قال والذي يظهر انه قصد ختم كتابه بما دل على
وزن الأعمال لأنه آخر آثار التكليف فإنه ليس بعد الوزن الا الاستقرار في أحد الدارين إلى أن
يريد الله إخراج من قضى بتعذيبه من الموحدين فيخرجون من النار بالشفاعة كما تقدم بيانه قال
الكرماني وأشار أيضا إلى أنه وضع كتابه قسطاسا وميزانا يرجع إليه وانه سهل على من يسره الله
تعالى عليه وفيه اشعار بما كان عليه المؤلف في حالتيه أولا وآخرا تقبل الله تعالى منه وجزاه أفضل
الجزاء (قلت) وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم الحث على إدامة هذا الذكر وقد تقدم في باب
فضل التسبيح من وجه آخر عن أبي هريرة حديث آخر لفظه من قال سبحان الله وبحمده في يومه
مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر وإذا ثبت هذا في قول سبحان الله وبحمده وحدها
453

فإذا انضمت إليها الكلمة الأخرى فالذي يظهر انها تفيد تحصيل الثواب الجزيل المناسب لها كما
أن من قال الكلمة الأولى وليست له خطايا مثلا فإنه يحصل له من الثواب ما يوازن ذلك وفيه إيراد
الحكم المرغب في فعله بلفظ الخبر لان المقصود من سياق هذا الحديث الامر بملازمة الذكر
المذكور وفيه تقديم المبتدأ على الخبر كما مضى في قوله كلمتان وفيه من البديع المقابلة والمناسبة
والموازنة في السجع لأنه قال حبيبتان إلى الرحمن ولم يقل للرحمن لموازنة قوله على اللسان وعدى
كلا من الثلاثة بما يليق به وفيه إشارة امتثال قوله تعالى وسبح بحمد ربك وقد أخبر الله تعالى عن
الملائكة في عدة آيات انهم يسبحون بحمد ربهم وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قلت يا رسول الله بأبي
أنت وأمي أي الكلام أحب إلى الله قال ما اصطفى الله لملائكته سبحان ربي وبحمده سبحان ربي
وبحمده وفي لفظ له ان أحب الكلام إلى الله سبحانه سبحان الله وبحمده * (خاتمة) * اشتمل كتاب
التوحيد من الأحاديث المرفوعة على مائتي حديث وخمسة وأربعين حديثا المعلق منها وما في
معناه من المتابعة خمسة وخمسون طريقا والباقي موصول المكرر منها فيه وفيما مضى معظمها
والخالص منها أحد عشر حديثا انفرد عن مسلم بأكثرها وأخرج مسلم منها حديث عائشة
في أمر السرية في ذكر قل هو الله أحد وحديث أبي هريرة أذنب عبد من عبادي ذنبا وحديثه إذا
تقرب العبد مني شبرا وحديثه يقول الله عز وجل انا عند ظن عبدي بي وفيه من الآثار عن
الصحابة فمن بعدهم ستة وثلاثون أثرا فجميع ما في الجامع من الأحاديث بالمكرر موصولا ومعلقا
وما في معناه من المتابعة تسعة آلاف واثنان وثمانون حديثا وجميع ما فيه موصولا ومعلقا بغير
تكرار ألفا حديث وخمسمائة حديث وثلاثة عشر حديثا فمن ذلك المعلق وما في معناه من المتابعة
مائة وستون حديثا والباقي موصول وافقه مسلم على تخريجها سوى ثمانمئة وعشرين حديثا
وقد بينت ذلك مفصلا في آخر كل كتاب من كتب هذا الجامع وجمعت ذلك هنا تنبيها على وهم من
زعم أن عدده بالمكرر سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا وان عدده بغير المكرر
أربعة آلاف أو نحو أربعة آلاف وقد أوضحت ذلك مفصلا في أواخر المقدمة وذلك كله خارج
عما أودعه في تراجم الأبواب من ألفاظ الحديث من غير تصريح بما يدل على أنه حديث مرفوع
كما نبهت على كل موضع من ذلك في بابه كقوله باب اثنان فما فوقهما جماعة فإنه لفظ حديث
أخرجه ابن ماجة وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة فمن بعدهم ألف وستمائة وثمانية آثار وقد
ذكرت تفاصيلها أيضا عقب كل كتاب ولله الحمد وفي الكتاب آثار كثيرة لم يصرح بنسبتها لقائل
مسمى ولا مبهم خصوصا في التفسير وفي التراجم فلم يدخل في هذه العدة وقد نبهت عليها أيضا في
أماكنها ومما اتفق له من المناسبات التي لم أر من نبه عليها انه يعتني غالبا بأن يكون في الحديث
الأخير من كل كتاب من كتب هذا الجامع مناسبة لختمه ولو كانت الكلمة في أثناء الحديث الأخير
أو من الكلام عليه كقوله في آخر حديث بدء الوحي فكان ذلك آخر شأن هرقل وقوله في آخر كتاب
الايمان ثم استغفر ونزل وفي آخر كتاب العلم وليقطعهما حتى يكونا تحت الكعبين وفي آخر
كتاب الوضوء واجعلهن آخر ما تكلم به وفي آخر كتاب الغسل وذلك الأخير انما بيناه لاختلافهم
وفي آخر كتاب التيمم عليك بالصعيد فإنه يكفيك وفي آخر كتاب الصلاة استئذان المرأة زوجها في
الخروج وفي آخر كتاب الجمعة ثم تكون القائلة وفي آخر كتاب العيدين لم يصل قبلها ولا بعدها
454

وفي آخر الاستسقاء بأي أرض تموت وفي آخر تقصير الصلاة وان كنت نائمة اضطجعي وفي آخر
التهجد والتطوع وبعد العصر حتى تغرب وفي آخر العمل في الصلاة فأشار إليهم ان اجلسوا
فلما انصرف وفي آخر كتاب الجنائز فنزلت تبت يدا أبي لهب وتب وهو من التباب ومعناه الهلاك
وفي آخر الزكاة صدقة الفطر ولها دخول في الآخرية من جهة كونها تقع في آخر رمضان مكفرة
لما مضى وفي آخر الحج واجعل موتي في بلد رسولك وفي آخر الصيام ومن لم يكن أكل فليصم
وفي آخر الاعتكاف ما انا بمعتكف فرجع وفي آخر البيع والإجارة حتى أجلاهم عمر وفي
آخر الحوالة فصلى عليه وفي آخر الكفالة من ترك مالا فلورثته وفي آخر المزارعة ما نسيت من
مقالتي تلك إلى يومي هذا شيئا وفي آخر الملازمة حتى أموت ثم ابعث وفي آخر الشرب فشرب
حتى رضيت وفي آخر المظالم فكسروا صومعته وأنزلوه وفي آخر الشركة أفنذبح بالقصب وفي
آخر الرهن أولئك لا خلاق لهم في الآخرة وفي آخر العتق الولاء لمن أعتق وفي آخر الهبة ولا تعد
في صدقتك وفي آخر الشهادات لأتوهما ولو حبوا وفي آخر الصلح قم فاقضه وفي آخر الشروط
لا تباع ولا توهب ولا تورث وفي آخر الجهاد قدمت فقال صل ركعتين وفي آخر فرض الخمس
حرمها البتة وفي آخر الجزية والموادعة فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة وفي آخر بدء الخلق
وأحاديث الأنبياء قدم معاوية المدينة آخر قدمة قدمها وفي آخر المناقب توفيت خديجة رضي
الله عنها قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم وفي آخر الهجرة فترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة
والسلام وفي آخر المغازي الوفاة النبوية وما يتعلق بها وفي آخر التفسير تفسير المعوذتين وفي
آخر فضائل القرآن اختلفوا فأهلكوا وفي آخر النكاح فلا يمنعني من التحرك وفي آخر الطلاق
وتعفو أثرة وفي آخر اللعان أبعد لك منها وفي آخر النفقات أعتقها أبو لهب وفي آخر الأطعمة
وانزل الحجاب وفي آخر الذبائح والأضاحي حتى تنفر من منى وفي آخر الأشربة وتابعه سعيد
ابن المسيب عن جابر وفي آخر المرضى وانقل حماها وفي آخر الطب ثم ليطرحه وفي آخر اللباس
إحدى رجليه على الأخرى وفي آخر الأدب فليرده ما استطاع وفي آخر الاستئذان منذ قبض
النبي صلى الله عليه وسلم وفي آخر الدعوات كراهية السآمة علينا وفي آخر الرقاق أن نرجع على
أعقابنا وفي آخر القدر إذا أرادوا فتنة أبينا وفي آخر الايمان والنذور إذا سهم غابر فقتله وفي
آخر الكفارة وكفر عن يمينك وفي آخر الحدود ان شاء عذبه وان شاء غفر له وفي آخر المحاربين
اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة وفي آخر الاكراه يحجزه عن الظلم وفي آخر تعبير الرؤيا تجاوز
الله عنهم وفي آخر الفتن أنهلك وفينا الصالحون وفي آخر الاحكام فاعتمرت بعد أيام الحج وفي
آخر الاعتصام سبحانك هذا بهتان عظيم والتسبيح مشروع في الختام فلذلك ختم به كتاب التوحيد
والحمد لله بعد التسبيح آخر دعوى أهل الجنة قال الله تعالى دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم
فيها سلام وآخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين وقد ورد في حديث أبي هريرة في ختم المجلس
ما أخرجه الترمذي في الجامع والنسائي في اليوم والليلة وابن حبان في صحيحه والطبراني في الدعاء
والحاكم في المستدرك كلهم من رواية حجاج بن محمد عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل
ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلس في مجلس
وكثر فيه لغطه فقال قبل ان يقوم من مجلسه ذلك سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا إله إلا أنت
455

أستغفرك وأتوب إليك الا غفر له ما كان في مجلسه ذلك هذا لفظ الترمذي وقال حسن صحيح
غريب لا نعرفه من حديث سهيل الا من هذا الوجه وفي الباب عن أبي برزة وعائشة وقال
الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم الا ان البخاري أعله برواية وهيب عن موسى بن عقبة
عن سهيل عن أبيه عن كعب الأحبار كذا قال في المستدرك ووهم في ذلك فليس في هذا السند
ذكر لوالد سهيل ولا كعب والصواب عن سهيل عن عون وكذا ذكره على الصواب في علوم
الحديث فإنه ساقه فيه من طريق البخاري عن محمد بن سلام عن مخلد بن يزيد عن ابن جريج
بسنده ثم قال قال البخاري هذا حديث مليح ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث الا انه
معلول حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا موسى بن عقبة عن عون بن عبد الله قوله
قال البخاري هذا أولى فانا لا نذكر لموسى بن عقبة سماعا من سهيل انتهى وأخرجه البيهقي في
المدخل عن الحاكم بسنده المذكور في علوم الحديث عن البخاري فقال عن أحمد بن حنبل
ويحيى بن معين كلاهما عن حجاج بن محمد وساق كلام البخاري لكن قال لا أعلم بهذا الاسناد في
الدنيا غير هذا الحديث الا انه معلول وقوله لا أعلم بهذا الاسناد في الدنيا هو المنقول عن البخاري
لا قوله لا أعلم في الدنيا في هذا الباب فان في الباب عدة أحاديث لا تخفى على البخاري وقد ساق
الخليل في الارشاد هذه القصة عن غير الحاكم وذكر فيها ان مسلما قال للبخاري أتعرف بهذا
الاسناد في الدنيا حديثا غير هذا فقال لا الا انه معلول ثم ذكره عن موسى بن إسماعيل عن وهيب
عن موسى بن عقبة عن عون بن عبد الله قوله وهو موافق لما في علوم الحديث في سند التعليل لا في
قوله في هذا الباب فهو موافق لرواية البيهقي في قوله بهذا الاسناد وكأن الحاكم وهم في هذه اللفظة
وهي قوله في هذا الباب وانما هي بهذا الاسناد وهو كما قال لان هذا الاسناد وهو ابن جريج عن
موسى بن عقبة عن سهيل لا يوجد الا في هذا المتن ولهذا قال البخاري لا أعلم لموسى سماعا من سهيل
يعني انه إذا لم يكن معروفا بالأخذ عنه وجاءت عنه رواية خالف راويها وهو ابن جريج من هو
أكثر ملازمة لموسى بن عقبة منه رجحت رواية الملازم فهذا يوجبه تعليل البخاري واما من صححه
فإنه لا يرى هذا الاختلاف علة قادحه بل يجوز انه عند موسى بن عقبة على الوجهين وقد سبق
البخاري إلى تعليل هذه الرواية أحمد بن حنبل فذكر الدارقطني في العلل عنه أنه قال حديث ابن
جريج وهم والصحيح قول وهيب عن سهيل عن عون بن عبد الله قال الدارقطني والقول قول
أحمد وعلى ذلك جرى أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان قال ابن أبي حاتم في العلل سألت أبي وأبا زرعة عن
هذا الحديث فقالا هذا خطأ رواه وهيب عن سهيل عن عون بن عبد الله موقوفا وهذا أصح قال
أبو حاتم يحتمل ان يكون الوهم من ابن جريج ويحتمل ان يكون من سهيل انتهى وقد وجدناه من
رواية أربعة عن سهيل غير موسى بن عقبة ففي الافراد للدارقطني من طريق عاصم بن عمرو وسليمان
ابن بلال وفي الذكر لجعفر الفريابي من طريق إسماعيل بن عياش وفي الدعاء للطبراني من طريق
محمد بن أبي حميد أربعتهم عن سهيل والراوي عن عاصم وسليمان هو الواقدي وهو ضعيف وكذا
محمد بن أبي حميد واما إسماعيل فان روايته عن غير الشاميين ضعيفة وهذا منها وقد قال أبو حاتم
هذه الرواية ما أدري ما هي ولا أعلم روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في شئ من طريق أبي هريرة
الا من رواية موسى عن سهيل انتهى وقد أخرجه أبو داود في السنن وابن حبان في صحيحه
456

والطبراني في الدعاء من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحرث عن عبد الرحمن بن أبي عمرو عن
سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعا وعن عمرو بن الحرث عن سعيد بن أبي هلال عن سعيد
المقبري عن عبد الله بن عمرو موقوفا وذكر شيخنا شيخ الاسلام أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين
العراقي الحافظ في النكت التي جمعها على علوم الحديث لابن الصلاح ان هذا الحديث ورد من
رواية جماعة من الصحابة عدتهم سبعة زائدة على من ذكر الترمذي وأحال ببيان ذلك على تخريجه
لأحاديث الاحياء وقد تتبعت طرقه فوجدته من رواية خمسة آخرين فكملوا خمسة عشر نفسا
ومعهم صحابي لم يسم فلم أضفه إلى العدد لاحتمال ان يكون أحدهم وقد خرجت طرقه فيما كتبته
على علوم الحديث وأذكره هنا ملخصا وهم عبد الله بن عمرو بن العاص وحديثه عند الطبراني في
المعجم الكبير أخرجه موقوفا وعند أبي داود أخرجه موقوفا كما تقدم التنبيه عليه وأبو برزة
الأسلمي وحديثه عند أبي داود والنسائي والدارمي وسنده قوي وجبير بن مطعم وحديثه عند
النسائي وابن أبي عاصم ورجاله ثقات والزبير بن العوام وحديثه عند الطبراني في المعجم الصغير
وسنده ضعيف وعبد الله بن مسعود وحديثه عند ابن عدي في الكامل وسنده ضعيف
والسائب بن يزيد وحديثه عند الطحاوي في مشكل الآثار والطبراني في الكبير وسنده صحيح
وأنس بن مالك وحديثه عند الطحاوي والطبراني وسنده ضعيف وعائشة وحديثها عند النسائي
وسنده قوي وأبو سعيد الخدري وحديثه في كتاب الذكر لجعفر الفريابي وسنده صحيح الا انه لم يصرح
برفعه وأبو امامة وحديثه عند أبي يعلى وابن السني وسنده ضعيف ورافع بن خديج وحديثه
عند الحاكم والطبراني في الصغير ورجاله موثوقون الا انه اختلف على راوية في سنده وأبي بن
كعب ذكره أبو موسى المديني ولم أقف على سنده ومعاوية ذكره أبو موسى أيضا وأشار إلى أنه
وقع في بعض رواته تصحيف وأبو أيوب الأنصاري وحديثه في الذكر للفريابي أيضا وفي
سنده ضعف يسير وعلي بن أبي طالب وحديثه عند أبي علي بن الأشعث في السنن المروية عن
أهل البيت وسنده واه وعبد الله بن عمر وحديثه في الدعوات من مستدرك الحاكم وحديث رجل
من الصحابة لم يسم أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق أبي معشر زياد بن كليب قال حدثنا
رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ورجاله ثقات ووقع لي مع ذلك من مراسيل
جماعة من التابعين منهم الشعبي وروايته عند جعفر الفريابي في الذكر ويزيد الفقير وروايته في
الكنى لأبي بشر الدولابي وجعفر أبو سلمة وروايته في الكنى للنسائي ومجاهد وعطاء ويحيى بن
جعدة ورواياتهم في زيادات البر والصلة للحسين بن الحسن المروزي وحسان بن عطية وحديثه
في ترجمته في الحلية لأبي نعيم وأسانيد هذه المراسيل جياد وفي بعض هذا ما يدل على أن للحديث
أصلا وقد استوعبت طرقها وبينت اختلاف أسانيدها وألفاظ متونها فيما علقته على علوم
الحديث لابن الصلاح في الكلام على الحديث المعلول ورأيت ختم هذا الفتح بطريق من طرق
هذا الحديث مناسبة للختم أسوقها بالسند المتصل العالي بالسماع والإجازة إلى منتهاه قرأت على
الشيخ الإمام العدل المسند المكثر الفقيه شهاب الدين أبي العباس أحمد بن الحسن بن محمد بن محمد
ابن زكريا القدسي الزينبي بمنزله ظاهر القاهرة أخبرنا محمد بن إسماعيل بن عبد العزيز بن عيسى بن أبي
بكر الأيوبي أنبأنا إسماعيل بن عبد المنعم بن الخيمي أنبأنا أبو بكر بن عبد العزيز بن أحمد بن باقا أنبأنا
457

أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر أنبأنا عبد الرحمن بن (1) حمد ح وقرأته عاليا على الشيخ الامام
المقرئ المفتي العلامة أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المؤمن بن كامل عن
أيوب بن نعمة النابلسي سماعا عليه أنبأنا إسماعيل بن أحمد العراقي عن عبد الرزاق بن إسماعيل
القومسي أنبأنا عبد الرحمن بن حمد الدوني أنبأنا أبو نصر أحمد بن الحسين الكسار أنبأنا أبو
بكر أحمد بن محمد بن إسحاق الحافظ المعروف بابن السني أنبأنا أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب
النسائي أنبأنا محمد بن إسحاق هو الصغاني حدثنا أبو مسلم منصور بن سلمة الخزاعي حدثنا خلاد
ابن سليمان هو الحضرمي عن خالد بن أبي عمران عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا جلس مجلسا أو صلى تكلم بكلمات فسألته عن ذلك فقال إن تكلم بكلام خير كان
طابعا عليه يعني خاتما عليه إلى يوم القيامة وان تكلم بغير ذلك كانت كفارة له سبحانك اللهم
وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك والله أعلم والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا
محمد وآله وأصحابه وأزواجه وذريته والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا
* (قال) * مؤلفه حافظ العصر امام السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام
فرغ منه جامعه أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن حجر الكناني النسب
العسقلاني الأصل المصري المولد والمنشأ نزيل القاهرة في أول يوم
من رجب سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة سوى ما الحقه في
هذا الكراس في ثاني عشر رجب منها وكان جمعه
للمقدمة في سنة ثلاث عشرة وشروعه في
الشرح في أوائل سنة سبع عشرة
ولله الحمد باطنا
وظاهرا أولا
وآخرا
* (يقول مصححه وجدنا في بعض النسخ الصحيحة ما لفظه) *
458