الكتاب: فتح الباري
المؤلف: ابن حجر
الجزء: ١١
الوفاة: ٨٥٢
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع:
المطبعة: دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

فتح الباري
شرح
صحيح البخاري
للامام الحافظ
شهاب الدين ابن حجر العسقلاني
رحمه الله تعالى
الحادي عشر
دار المعرفة
للطباعة والنشر
بيروت - لبنان
1

(بسم الله الرحمن الرحيم)
* (قوله كتاب الاستئذان) * (باب بدء السلام) الاستئذان طلب الاذن في الدخول لمحل لا يملكه المستأذن
وبدء بفتح أوله والهمز بمعنى الابتداء أي أول ما وقع السلام وانما ترجم للسلام مع الاستئذان
للإشارة إلى أنه لا يؤذن لمن لم يسلم وقد أخرج أبو داود وابن أبي شيبة بسند جيد عن ربعي بن
حراش حدثني رجل أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيته فقال أألج فقال لخادمه
اخرج لهذا فعلمه فقال قل السلام عليكم أأدخل الحديث وصححه الدارقطني وأخرج ابن
أبي شيبة من طريق زيد بن أسلم بعثني أبي إلى ابن عمر فقلت أألج فقال لا تقل كذا ولكن قل
السلام عليكم فإذا رد عليك فادخل ومن طريق ابن أبي بريدة استأذن رجل على رجل من
الصحابة ثلاث مرات يقول أأدخل وهو ينظر إليه لا يأذن له فقال السلام عليكم أأدخل قال نعم
ثم قال لو أقمت إلى الليل 3 وسيأتي مزيد لذلك في الباب الذي يليه (قوله حدثنا يحيى بن جعفر) هو
البيكندي (قوله خلق الله آدم على صورته) تقدم بيانه في بدء الخلق واختلف إلى ماذا يعود
الضمير فقيل إلى آدم أي خلقه على صورته التي استمر عليها إلى أن اهبط وإلى أن مات دفعا لتوهم
من يظن أنه لما كان في الجنة كان على صفة أخرى أو ابتدأ خلقه كما وجد لم ينتقل في النشأة كما
ينتقل ولده من حالة إلى حالة وقيل للرد على الدهرية انه لم يكن انسان الا من نطفة ولا تكون
نطفة انسان إلا من انسان ولا أول لذلك فبين أنه خلق من أول الأمر على هذه الصورة وقيل
2

للرد على الطبائعيين الزاعمين ان الانسان قد يكون من فعل الطبع وتأثيره وقيل للرد على
القدرية الزاعمين أن الانسان يخلق فعل نفسه وقيل إن لهذا الحديث سببا حذف من هذه
الرواية وان أوله قصة الذي ضرب عبده فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال له ان الله
خلق آدم على صورته وقد تقدم بيان ذلك في كتاب العتق وقيل الضمير لله وتمسك قائل ذلك بما
ورد في بعض طرقه على صورة الرحمن والمراد بالصورة الصفة والمعنى ان الله خلقه على صفته من
العلم والحياة والسمع والبصر وغير ذلك وإن كانت صفات الله تعالى لا يشبهها شئ (قوله اذهب
فسلم على أولئك) فيه إشعار بأنهم كانوا على بعد واستدل به على إيجاب ابتداء السلام لورود الامر
به وهو بعيد بل ضعيف لأنها واقعة حال لا عموم لها وقد نقل ابن عبد البر الاجماع على أن الابتداء
بالسلام سنة ولكن في كلام المازري ما يقتضي اثبات خلاف في ذلك كذا زعم بعض من أدركناه
وقد راجعت كلام المازري وليس فيه ذلك فإنه قال ابتداء السلام سنة ورده واجب هذا هو
المشهور عند أصحابنا وهو من عبادات الكفاية فأشار بقوله المشهور إلى الخلاف في وجوب الرد
هل هو فرض عين أو كفاية وقد صرح بعد ذلك بخلاف أبي يوسف كما سأذكره بعد نعم وقع في
كلام القاضي عبد الوهاب فيما نقله عنه عياض قال لا خلاف أن ابتداء السلام سنة أو فرض
على الكفاية فان سلم واحد من الجماعة أجزأ عنهم قال عياض معنى قوله فرض على الكفاية مع
نقل الاجماع على أنه سنة أن إقامة السنن وإحياءها فرض على الكفاية (قوله نفر من الملائكة)
بالخفض في الرواية ويجوز الرفع والنصب ولم أقف على تعيينهم (قوله فاستمع) في رواية
الكشميهني فاسمع (قوله ما يحيونك) كذا للأكثر بالمهملة من التحية وكذا تقدم في خلق آدم
عن عبد الله بن محمد عن عبد الرزاق وكذا عند أحمد ومسلم عن محمد بن رافع كلاهما عن
عبد الرزاق وفي رواية أبي ذر هنا بكسر الجيم وسكون التحتانية بعدها موحدة من الجواب وكذا
هو في الأدب المفرد للمصنف عن عبد الله بن محمد بالسند المذكور (قوله فإنها) أي الكلمات
التي يحيون بها أو يجيبون (قوله تحيتك وتحية ذريتك) أي من جهة الشرع أو المراد بالذرية
بعضهم وهم المسلمون وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد وابن ماجة وصححه ابن خزيمة من
طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن عائشة مرفوعا ما حسدتكم اليهود على شئ ما حسدوكم
على السلام والتأمين وهو يدل على أنه شرع لهذه الأمة دونهم وفي حديث أبي ذر الطويل في
قصة إسلامه قال وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه فكنت أول من حياه
بتحية الاسلام فقال وعليك ورحمة الله أخرجه مسلم وأخرج الطبراني والبيهقي في الشعب من
حديث أبي أمامة رفعه جعل الله السلام تحية لامتنا وأمانا لأهل ذمتنا وعند أبي داود من
حديث عمران بن حصين كنا نقول في الجاهلية أنعم بك عينا وأنعم صباحا فلما جاء الاسلام نهيننا عن
ذلك ورجاله ثقات لكنه منقطع وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال كانوا في الجاهلية
يقولون حييت مساء حييت صباحا فغير الله ذلك بالسلام (قوله فقال السلام عليكم) قال ابن
بطال يحتمل أن يكون الله علمه كيفية ذلك تنصيصا ويحتمل أن يكون فهم ذلك من قوله له فسلم
(قلت) ويحتمل أن يكون ألهمه ذلك ويؤيده ما تقدم في باب حمد العاطس في الحديث الذي
أخرجه ابن حبان من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه ان آدم لما خلقه الله عطس فألهمه الله أن
3

قال الحمد لله الحديث فلعله ألهمه أيضا صفة السلام واستدل به على أن هذه الصيغة هي
المشروعة لابتداء السلام لقوله فهي تحيتك وتحية ذريتك وهذا فيما لو سلم على جماعة فلو سلم
على واحد فسيأتي حكمه بعد أبواب ولو حذف اللام فقال سلام عليكم أجزأ قال الله تعالى
والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم وقال تعالى فقل سلام عليكم كتب ربكم على
نفسه الرحمة وقال تعالى سلام على نوح في العالمين إلى غير ذلك لكن باللام أولى لأنها للتفخيم
والتكثير وثبت في حديث التشهد السلام عليك أيها النبي قال عياض ويكره أن يقول في
الابتداء عليك السلام وقال النووي في الاذكار إذا قال المبتدئ وعليكم السلام لا يكون
سلاما ولا يستحق جوابا لأن هذه الصيغة لا تصلح للابتداء قاله المتولي فلو قاله بغير واو فهو سلام
قطع بذلك الواحدي وهو ظاهر قال النووي ويحتمل أن لا يجزئ كما قيل به في التحلل من الصلاة
ويحتمل أن لا يعد سلاما ولا يستحق جوابا لما رويناه في سنن أبي داود والترمذي وصححه وغيرهما
بالأسانيد الصحيحة عن أبي جرى بالجيم والراء مصغر الهجيمي بالجيم مصغرا قال أتيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقلت عليك السلام يا رسول الله قال لا تقل عليك السلام فان عليك السلام
تحية الموتى قال ويحتمل أن يكون ورد لبيان الأكمل وقد قال الغزالي في الاحياء يكره للمبتدئ
أن يقول عليكم السلام قال النووي والمختار لا يكره ويجب الجواب لأنه سلام (قلت) وقوله
بالأسانيد الصحيحة يوهم أن له طرقا إلى الصحابي المذكور وليس كذلك فإنه لم يروه عن النبي صلى
الله عليه وسلم غير أبي جرى ومع ذلك فمداره عند جميع من أخرجه على أبي تميمة الهجيمي راويه
عن أبي جرى وقد أخرجه أحمد أيضا والنسائي وصححه الحاكم وقد اعترض هو ما دل عليه
الحديث بما أخرجه مسلم من حديث عائشة في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى البقيع
الحديث وفيه قلت كيف أقول قال قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين (قلت) وكذا
أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما أتى البقيع السلام على
أهل الديار من المؤمنين الحديث قال الخطابي فيه أن السلام على الأموات والاحياء سواء
بخلاف ما كانت عليه الجاهلية من قولهم * عليك سلام الله قيس بن عاصم * (قلت) ليس هذا
من شعر أهل الجاهلية فان قيس بن عاصم صحابي مشهور عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم
والمرثية المذكورة لمسلم معروف قالها لما مات قيس ومثله ما أخرج ابن سعد وغيره أن الجن
رثوا عمر بن الخطاب بأبيات منها
عليك السلام من أمير وباركت * يد الله في ذاك الأديم الممزق
وقال ابن العربي في السلام على أهل البقيع لا يعارض النهي في حديث أبي جرى لاحتمال أن
يكون الله أحياهم لنبيه صلى الله عليه وسلم فسلم عليهم سلام الاحياء كذا قال ويرده حديث
عائشة المذكور قال ويحتمل أن يكون النهي مخصوصا بمن يرى أنها تحية الموتى وبمن يتطير بها
من الاحياء فإنها كانت عادة أهل الجاهلية وجاء الاسلام بخلاف ذلك قال عياض وتبعه
ابن القيم في الهدى فنقح كلامه فقال كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول في الابتداء
السلام عليكم ويكره أن يقول عليكم السلام فذكر حديث أبي جرى وصححه ثم قال أشكل
هذا على طائفة وظنوه معارضا لحديث عائشة وأبي هريرة وليس كذلك وإنما معنى قوله عليك
4

السلام تحية الموتى اخبار عن الواقع لا عن الشرع أي أن الشعراء ونحوهم يحيون الموتى به
واستشهد بالبيت المتقدم وفيه ما فيه قال فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يحيي بتحية الأموات
وقال عياض أيضا كانت عادة العرب في تحية الموتى تأخير الاسم كقولهم عليه لعنة الله وغضبه
عند الذم وكقوله تعالى وان عليك اللعنة إلى يوم الدين وتعقب بأن النص في الملاعنة ورد بتقديم
اللعنة والغضب على الاسم وقال القرطبي يحتمل أن يكون حديث عائشة لمن زار المقبرة فسلم
على جميع من بها وحديث أبي جرى اثباتا ونفيا في السلام على الشخص الواحد ونقل ابن دقيق
العيد عن بعض الشافعية أن المبتدئ لو قال عليكم السلام لم يجز لأنها صيغة جواب قال
والأولى الاجزاء لحصول مسمى السلام ولأنهم قالوا إن المصلي ينوي بأحد التسليمتين الرد على
من حضر وهي بصيغة الابتداء ثم حكى عن أبي الوليد بن رشد أنه يجوز الابتداء بلفظ الرد وعكسه
وسيأتي مزيد لذلك في باب من رد فقال عليك السلام إن شاء الله تعالى (قوله فقالوا السلام عليك
ورحمة الله) كذا للأكثر في البخاري هنا وكذا للجميع في بدء الخلق ولأحمد ومسلم من هذا الوجه
من رواية عبد الرزاق ووقع هنا للكشميهني فقالوا وعليك السلام ورحمة الله وعليها شرح
الخطابي واستدل برواية الأكثر لمن يقول يجزئ في الرد أن يقع باللفظ الذي يبتدأ به كما تقدم قيل
ويكفي أيضا الرد بلفظ الافراد وسيأتي البحث في ذلك في باب من رد فقال عليك السلام (قوله
فزادوه ورحمة الله) فيه مشروعية الزيادة في الرد على الابتداء وهو مستحب بالاتفاق لوقوع
التحية في ذلك في قوله تعالى فحيوا بأحسن منها أو ردوها فلو زاد المبتدئ ورحمة الله استحب
أن يزاد وبركاته فلو زاد وبركاته فهل تشرع الزيادة في الرد وكذا لو زاد المبتدئ على وبركاته
هل يشرع له ذلك أخرج مالك في الموطأ عن ابن عباس قال انتهى السلام إلى البركة وأخرج
البيهقي في الشعب من طريق عبد الله بن بأبيه 3 قال جاء رجل إلى ابن عمر فقال السلام عليكم
ورحمة الله وبركاته ومغفرته فقال حسبك إلى وبركاته انتهى إلى وبركاته ومن طريق زهرة
ابن معبد قال قال عمر انتهى السلام إلى وبركاته ورجاله ثقات وجاء عن ابن عمر الجواز فأخرج
مالك أيضا في الموطأ عنه أنه زاد في الجواب والغاديات والرائحات وأخرج البخاري في الأدب
المفرد من طريق عمرو بن شعيب عن سالم مولى ابن عمر قال كان ابن عمر يزيد إذا رد السلام فأتيته
مرة فقلت السلام عليكم فقال السلام عليكم ورحمة الله ثم أتيته فزدت وبركاته فرد وزادني
وطيب صلواته ومن طريق زيد بن ثابت انه كتب إلى معاوية السلام عليكم يا أمير المؤمنين ورحمة
الله وبركاته ومغفرته وطيب صلواته ونقل ابن دقيق العيد عن أبي الوليد بن رشد أنه يؤخذ من
قوله تعالى فحيوا بأحسن منها الجواز في الزيادة على البركة إذا انتهى إليها المبتدئ وأخرج
أبو داود والترمذي والنسائي بسند قوي عن عمران بن حصين قال جاء رجل إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فقال السلام عليكم فرد عليه وقال عشر ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله
فرد عليه وقال عشرون ثم جاء آخر فزاد وبركاته فرد وقال ثلاثون وأخرجه البخاري في الأدب
المفرد من حديث أبي هريرة وصححه ابن حبان وقال ثلاثون حسنة وكذا فيما قبلها صرح
بالمعدود وعند أبي نعيم في عمل يوم وليلة من حديث على أنه هو الذي وقع له مع النبي صلى الله
عليه وسلم ذلك وأخرج الطبراني من حديث سهل بن حنيف بسند ضعيف رفعه من قال
5

السلام عليكم كتب له عشر حسنات ومن زاد ورحمة الله كتبت له عشرون حسنة ومن زاد
وبركاته كتبت له ثلاثون حسنة وأخرج أبو داود من حديث سهل بن معاذ بن أنس الجهني
عن أبيه بسند ضعيف نحو حديث عمران وزاد في آخره ثم جاء آخر فزاد ومغفرته فقال أربعون
وقال هكذا تكون الفضائل وأخرج ابن السني في كتابه بسند واه من حديث أنس قال كان
رجل يمر فيقول السلام عليك يا رسول الله فيقول له وعليك السلام ورحمة الله وبركاته
ومغفرته ورضوانه وأخرج البيهقي في الشعب بسند ضعيف أيضا من حديث زيد بن أرقم
كنا إذا سلم علينا النبي صلى الله عليه وسلم قلنا وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته
وهذه الأحاديث الضعيفة إذا انضمت قوى ما اجتمعت عليه من مشروعية الزيادة على وبركاته
واتفق العلماء على أن الرد واجب على الكفاية وجاء عن أبي يوسف أنه قال يجب الرد على كل
فرد فرد واحتج له بحديث الباب لان فيه فقالوا السلام عليك وتعقب بجواز أن يكون نسب
إليهم والمتكلم به بعضهم واحتج له أيضا بالاتفاق على أن من سلم على جماعة فرد عليه واحد
من غيرهم لا يجزئ عنهم وتعقب بظهور الفرق واحتج للجمهور بحديث على رفعه يجزى
عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم ويجزى عن الجلوس أن يرد أحدهم أخرجه أبو داود
والبزار وفي سنده ضعف لكن له شاهد من حديث الحسن بن علي عند الطبراني وفي سنده مقال
وآخر مرسل في الموطأ عن زيد بن أسلم واحتج ابن بطال بالاتفاق على أن المبتدئ لا يشترط في
حقه تكرير السلام بعدد من يسلم عليهم كما في حديث الباب من سلام آدم وفي غيره من الأحاديث
قال فكذلك لا يجب الرد على كل فرد فرد إذا سلم الواحد عليهم واحتج الماوردي بصحة الصلاة
الواحدة على العدد من الجنائز وقال الحليمي انما كان الرد واجبا لان السلام معناه الأمان
فإذا ابتدأ به المسلم أخاه فلم يجبه فإنه يتوهم منه الشر فيجب عليه دفع ذلك التوهم عنه انتهى
كلامه وسيأتي بيان معاني لفظ السلام في باب السلام اسم من أسماء الله تعالى ويؤخذ من
كلامه موافقة القاضي حسين حيث قال لا يجب رد السلام على من سلم عند قيامه من المجلس
إذا كان سلم حين دخل ووافقه المتولي وخالفه المستظهري فقال السلام سنة عند الانصراف
فيكون الجواب واجبا قال النووي هذا هو الصواب كذا قال (قوله فكل من يدخل الجنة)
كذا للأكثر هنا وللجميع في بدء الخلق ووقع هنا لأبي ذر فكل من يدخل يعني الجنة وكأن لفظ
الجنة سقط من روايته فزاد فيه يعني (قوله على صورة آدم) تقدم شرح ذلك في بدء الخلق قال
المهلب في هذا الحديث أن الملائكة يتكلمون بالعربية ويتحيون بتحية الاسلام (قلت) وفي
الأول نظر لاحتمال أن يكون في الأزل بغير اللسان العربي ثم لما حكى للعرب ترجم بلسانهم ومن
المعلوم أن من ذكرت قصصهم في القرآن من غير العرب نقل كلامهم بالعربي فلم يتعين أنهم
تكلموا بما نقل عنهم بالعربي بل الظاهر أن كلامهم ترجم بالعربي وفيه الامر بتعلم العلم من
أهله والاخذ بنزول مع إمكان العلو والاكتفاء في الخير مع إمكان القطع بما دونه وفيه أن المدة
التي بين آدم والبعثة المحمدية فوق ما نقل عن الأخباريين من أهل الكتاب وغيرهم بكثير وقد
تقدم بيان ذلك ووجه الاحتجاج به في بدء الخلق (قوله باب قول الله تعالى) في رواية
أبي ذر قوله تعالى (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم إلى قوله تعالى وما تكتمون) وساق في رواية
6

كريمة والأصيلي الآيات الثلاث والمراد بالاستئناس في قوله تعالى حتى تستأنسوا الاستئذان
بتنحنح ونحوه عند الجمهور وأخرج الطبري من طريق مجاهد حتى تستأنسوا تنحنحوا أو
تتنخموا ومن طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود كان عبد الله إذا دخل الدار استأنس يتكلم
ويرفع صوته وأخرج ابن أبي حاتم بسند ضعيف من حديث أبي أيوب قال قلت يا رسول الله
هذا السلام فما الاستئناس قال يتكلم الرجل بتسبيحة أو تكبيرة ويتنحنح فيؤذن أهل البيت
وأخرج الطبري من طريق قتادة قال الاستئناس هو الاستئذان ثلاثا فالأولى ليسمع والثانية
ليتأهبوا له والثالثة ان شاؤوا أذنوا له وان شاؤوا ردوا والاستئناس في اللغة طلب الايناس وهو من
الانس بالضم ضد الوحشة وقد تقدم في أواخر النكاح في حديث عمر الطويل في قصة اعتزال
النبي صلى الله عليه وسلم نساءه وفيه فقلت أستأنس يا رسول الله قال نعم قال فجلس وقال البيهقي
معنى تستأنسوا تستبصروا ليكون الدخول على بصيرة فلا يصادف حالة يكره صاحب المنزل أن
يطلعوا عليها وأخرج من طريق الفراء قال الاستئناس في كلام العرب معناه انظروا من في
الدار وعن الحليمي معناه حتى تستأنسوا بأن تسلموا وحكى الطحاوي أن الاستئناس في لغة اليمن
الاستئذان وجاء عن ابن عباس إنكار ذلك فاخرج سعيد بن منصور والطبري والبيهقي في
الشعب بسند صحيح أن ابن عباس كان يقرأ حتى تستأذنوا ويقول أخطأ الكاتب وكان يقرأ
على قراءة أبي بن كعب ومن طريق مغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي قال في مصحف ابن مسعود
حتى تستأذنوا وأخرج سعيد بن منصور من طريق مغيرة عن إبراهيم في مصحف عبد الله حتى
تسلموا على أهلها وتستأذنوا وأخرجه إسماعيل بن إسحاق في أحكام القرآن عن ابن عباس
واستشكله وكذا طعن في صحته جماعة ممن بعده وأجيب بان ابن عباس بناها على قراءته التي
تلقاها عن أبي بن كعب وأما اتفاق الناس على قراءتها بالسين فلموافقة خط المصحف الذي وقع
الاتفاق على عدم الخروج عما يوافقه وكان قراءة أبي من الأحرف التي تركت القراءة بها كما تقدم
تقريره في فضائل القرآن وقال البيهقي يحتمل أن يكون ذلك كان في القراءة الأولى ثم نسخت
تلاوته يعني ولم يطلع ابن عباس على ذلك (قوله وقال سعيد بن أبي الحسن) هو البصري أخو
الحسن (قوله للحسن) أي لأخيه (قوله إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن قال اصرف
بصرك عنهن يقول الله عز وجل قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم قال قتادة
عما لا يحل لهم) كذا وقع في رواية الكشميهني ووقع في رواية غيره بعد قوله اصرف بصرك وقول الله
عز وجل قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم الخ فعلى رواية الكشميهني يكون الحسن استدل
بالآية وأورد المصنف أثر قتادة تفسير الها وعلى رواية الأكثر تكون ترجمة مستأنفة والنكتة في
ذكرها في هذا الباب على الحالين للإشارة إلى أن أصل مشروعية الاستئذان للاحتراز من وقوع
النظر إلى ما لا يريد صاحب المنزل النظر إليه لو دخل بغير إذن وأعظم ذلك النظر إلى النساء
الأجنبيات وأثر قتادة عند ابن أبي حاتم وصله من طريق يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة
عنه في قوله تعالى ويحفظوا فروجهم قال عما لا يحل لهم (قوله وقل للمؤمنات يغضضن من
أبصارهن ويحفظن فروجهن) كذا للأكثر تخلل أثر قتادة بين الآيتين وسقط جميع ذلك من
رواية النسفي فقال بعد قوله حتى تستأنسوا الآيتين وقول الله عز وجل قل للمؤمنين يغضوا من
7

أبصارهم الآية وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن (قوله خائنة الأعين من النظر إلى ما نهى
عنه) كذا للأكثر بضم نون نهى على البناء للمجهول وفي رواية كريمة إلى ما نهى الله عنه وسقط
لفظ من من رواية أبي ذر وعند ابن أبي حاتم من طريق ابن عباس في قوله تعالى يعلم خائنة الأعين
قال هو الرجل ينظر إلى المرأة الحسناء تمر به أو يدخل بيتا هي فيه فإذا فطن له غض بصره وقد علم
الله تعالى أنه يود لو اطلع على فرجها وان قدر عليها لو زنى بها ومن طريق مجاهد وقتادة نحوه
وكأنهم أرادوا أن هذا من جملة خائنة الأعين وقال الكرماني معنى يعلم خائنة الأعين ان الله يعلم
النظرة المسترقة إلى ما لا يحل وأما خائنة الأعين التي ذكرت في الخصائص النبوية فهي الإشارة
بالعين إلى أمر مباح لكن على خلاف ما يظهر منه بالقول (قلت) وكذا السكوت المشعر
بالتقرير فإنه يقوم مقام القول وبيان ذلك في حديث مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه
قال لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس الا أربعة نفر وامرأتين فذكر
منهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح إلى أن قال فأما عبد الله فاختبأ عند عثمان فجاء به حتى أوقفه
فقال يا رسول الله بايعه فأعرض عنه ثم بايعه بعد ثلاث مرات ثم أقبل على أصحابه فقال أما كان
فيكم رجل يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عنه فيقتله فقالوا هلا أومأت قال إنه لا ينبغي
لنبي أن تكون له خائنة الأعين أخرجه الحاكم من هذا الوجه وأخرجه ابن سعد في الطبقات
من مرسل سعيد بن المسيب أخصر منه وزاد فيه وكان رجل من الأنصار نذر ان رأى ابن أبي
سرح أن يقتله فذكر بقية الحديث نحو حديث ابن عباس وأخرجه الدارقطني من طريق
سعيد بن يربوع وله طرق أخرى يشد بعضها بعضا (قوله وقال الزهري في النظر إلى التي لم
تحض من النساء لا يصلح النظر إلى شئ منهن ممن يشتهى النظر إليه وإن كانت صغيرة) كذا
للأكثر وفي رواية الكشميهني في النظر إلى ما لا يحل من النساء لا يصلح الخ وقال النظر إليهن
وسقط هذا الأثر والذي بعده من رواية النسفي (قوله وكره عطاء النظر إلى الجواري التي يبعن
بمكة الا أن يريد أن يشتري) وصله ابن أبي شيبة من طريق الأوزاعي قال سئل عطاء بن أبي رباح
عن الجواري التي يبعن بمكة فكره النظر إليهن الا لمن يريد أن يشتري ووصله الفاكهي في كتاب
مكة من وجهين عن الأوزاعي وزاد اللاتي يطاف بهن حول البيت قال الفاكهي زعموا أنهم
كانوا يلبسون الجارية ويطوفون بها مسفرة حول البيت ليشهروا أمرها ويرغبوا الناس في
شرائها ثم ذكر فيه حديثين مرفوعين الأول حديث ابن عباس (قوله أردف النبي صلى الله عليه
وسلم الفضل) هو ابن عباس وقد تقدم شرحه في كتاب الحج قال ابن بطال في الحديث الامر بغض
البصر خشية الفتنة ومقتضاه أنه إذا أمنت الفتنة لم يمتنع قال ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم لم
يجول وجه الفضل حتى أدمن النظر إليها لإعجابه بها فخشي الفتنة عليه قال وفيه مغالبة طباع
البشر لابن آدم وضعفه عما ركب فيه من الميل إلى النساء والاعجاب وفيه دليل على أن نساء
المؤمنين ليس عليهن من الحجاب ما يلزم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إذ لو لزم ذلك جميع النساء
لأمر النبي صلى الله عليه وسلم الخثعمية بالاستتار ولما صرف وجه الفضل قال وفيه دلى على
أن ستر المرأة وجهها ليس فرضا لاجماعهم على أن للمرأة أن تبدي وجهها في الصلاة ولو رآه
الغرباء وان قوله قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم على الوجوب في غير الوجه (قلت) وفي
8

استدلاله بقصة الخثعمية لما ادعاه نظر لأنها كانت محرمة وقوله عجز راحلته بفتح العين المهملة
وضم الجيم بعدها زاي أي مؤخرها وقوله وضيئا الحسن وجهه ونظافة صورته وقوله فاخلف
يده أي أدارها من خلفه وقوله بذقن الفضل بفتح الذال المعجمة والقاف بعدها نون قال ابن التين
أخذ منه بعضهم أن الفضل كان حينئذ أمرد وليس بصحيح لان في الرواية الأخرى وكان الفضل
رجلا وضيئا فإن قيل سماه رجلا باعتبار ما آل إليه أمره قلنا بل الظاهر أنه وصف حالته حينئذ
ويقويه ان ذلك كان في حجة الوداع والفضل كان أكبر من أخيه عبد الله وقد كان عبد الله
حينئذ راهق الاحتلام (قلت) وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر محمية أن
يزوج الفضل لما سأله أن يستعمله على الصدقة ليصيب ما يتزوج به فهذا يدل على بلوغه قبل ذلك
الوقت ولكن لا يلزم منه أن يكون نبتت لحيته كما لا يلزم من كونه لا لحية له أن يكون صبيا
* الحديث الثاني حديث أبي سعيد (قوله حدثنا عبد الله بن محمد) هو الجعفي وأبو عامر هو
العقدي وزهير هو ابن محمد التميمي وزيد بن أسلم هو مولى ابن عمر وهكذا أخرجه إسحاق بن
راهويه في مسنده عن أبي عامر وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق أخرى عن أبي عامر كذلك
وأخرجه أحمد وعبد بن حميد جميعا عن أبي عامر العقدي عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم
فكأن لأبي عامر فيه شيخين وهو عند أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن زهير به وأخرجه
الإسماعيلي من وجه آخر عن زهير وقد مضى في المظالم من طريق حفص بن ميسرة عن زيد بن
أسلم (قوله إياكم) هو للتحذير (قوله والجلوس) بالنصب وقوله بالطرقات في رواية الكشميهني في
الطرقات وفي رواية حفص بن ميسرة على الطرقات وهي جمع الطرق بضمتين وطرق جمع طريق
وفي حديث أبي طلحة عند مسلم كنا قعودا بالأفنية جمع فناء بكسر الفاء ونون ومد وهو المكان
المتسع امام الدار فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما لكم ولمجالس الصعدات بضم الصاد
والعين المهملتين جمع صعيد وهو المكان الواسع وتقدم بيانه في كتاب المظالم ومثله لابن حبان من
حديث أبي هريرة زاد سعيد بن منصور من مرسل يحيى بن يعمر فإنها سبيل من سبيل الشيطان
أو النار (قوله فقالوا يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها) قال عياض فيه دليل على
أن أمره لهم لم يكن للوجوب وانما كان على طريق الترغيب والأولى إذ لو فهموا الوجوب لم
يراجعوه هذه المراجعة وقد يحتج به من لا يرى الأوامر على الوجوب (قلت) ويحتمل أن يكونوا
رجوا وقوع النسخ تخفيفا لما شكوا من الحاجة إلى ذلك ويؤيده أن في مرسل يحيى بن يعمر
فظن القوم أنها عزمة ووقع في حديث أبي طلحة فقالوا انما قعدنا لغير ما بأس قعدنا نتحدث
ونتذاكر (قوله فإذا أبيتم) في رواية الكشميهني إذا أبيتم بحذف الفاء (قوله الا المجلس) كذا
للجميع هنا بلفظ الا بالتشديد وتقدم في أواخر المظالم بلفظ فإذا أتيتم إلى المجالس بالمثناة بدل
الموحدة في أتيتم وبتخفيف اللام من إلى وذكر عياض أنه للجميع هناك هكذا وقد بينت هناك أنه
للكشميهني هناك كالذي هنا ووقع في حديث أبي طلحة اما لا بكسر الهمزة ولا نافية وهي ممالة
في الرواية ويجوز ترك الإمالة ومعناه إلا تتركوا ذلك فافعلوا كذا وقال ابن الأنباري افعل كذا
إن كنت لا تفعل كذا ودخلت ما صلة وفي حديث عائشة عند الطبراني في الأوسط فان أبيتم إلا
أن تفعلوا وفي مرسل يحيى بن يعمر فان كنتم لابد فاعلين (قوله فأعطوا الطريق حقه) في رواية
9

حفص بن ميسرة حقها والطريق يذكر ويؤنث وفي حديث أبي شريح عند أحمد فمن جلس
منكم على الصعيد فليعطه حقه (قوله قالوا وما حق الطريق) في حديث أبي شريح قلنا
يا رسول الله وما حقه (قوله غض البصر وكف الأذى ورد السلام والامر بالمعروف والنهي
عن المنكر) في حديث أبي طلحة الأولى والثانية وزاد وحسن الكلام وفي حديث أبي هريرة
الأولى والثالثة وزاد وإرشاد ابن السبيل وتشميت العاطس إذا حمد وفي حديث عمر عند أبي داود
وكذا في مرسل يحيى بن يعمر من الزيادة وتغيثوا الملهوف وتهدوا الضال وهو عند البزار بلفظ
وارشاد الضال وفي حديث البراء عند أحمد والترمذي أهدوا السبيل وأعينوا المظلوم وأفشوا
السلام وفي حديث ابن عباس عند البزار من الزيادة وأعينوا على الحمولة وفي حديث سهل
ابن حنيف عند الطبراني من الزيادة ذكر الله كثيرا وفي حديث وحشي بن حرب عند الطبراني
من الزيادة واهدوا الأغبياء وأعينوا المظلوم ومجموع ما في هذه الأحاديث أربعة عشر أدبا وقد
نظمتها في ثلاثة أبيات وهي
جمعت آداب من رام الجلوس على الطر يق من قول خير الخلق إنسانا
افش السلام وأحسن في الكلام وشمت عاطسا وسلاما رد إحسانا
في الحمل عاون ومظلوما أعن وأغث * لهفان أهد سبيلا واهد حيرانا
بالعرف مروانه عن نكر وكف أذى * وغض طرفا وأكثر ذكر مولانا
وقد اشتملت على معنى علة النهي عن الجلوس في الطرق من التعرض للفتن بحور النساء
الشواب وخوف ما يلحق من النظر إليهن من ذلك إذ لم يمنع النساء من المرور في الشوارع
لحوائجهن ومن التعرض لحقوق الله وللمسلمين مما لا يلزم الانسان إذا كان في بيته وحيث
لا ينفرد أو يشتغل بما يلزمه ومن رؤية المناكير وتعطيل المعارف فيجب على المسلم الأمر والنهي
عند ذلك فان ترك ذلك فقد تعرض للمعصية وكذا يتعرض لمن يمر عليه ويسلم عليه فإنه ربما كثر
ذلك فيعجز عن الرد على كل مار ورده فرض فيأثم والمرء مأمور بأن لا يتعرض للفتن والزام نفسه
ما لعله لا يقوى عليه فندبهم الشارع إلى ترك الجلوس حسما للمادة فلما ذكروا له ضرورتهم إلى
ذلك لما فيه من المصالح من تعاهد بعضهم بعضا ومذاكرتهم في أمور الدين ومصالح الدنيا وترويح
النفوس بالمحادثة في المباح دلهم على ما يزيل المفسدة من الأمور المذكورة ولكل من الآداب
المذكورة شواهد في أحاديث أخرى فأما افشاء السلام فسيأتي في باب مفرد وأما إحسان
الكلام فقال عياض فيه ندب إلى حسن معاملة المسلمين بعضهم لبعض فإن الجالس على
الطريق يمر به العدد الكثير من الناس فربما سألوه عن بعض شأنهم ووجه طرقهم فيجب أن
يتلقاهم بالجميل من الكلام ولا يتلقاهم بالضجر وخشونة اللفظ وهو من جملة كف الأذى (قلت)
وله شواهد من حديث أبي شريح هانئ رفعه من موجبات الجنة إطعام الطعام وإفشاء السلام
وحسن الكلام ومن حديث أبي مالك الأشعري رفعه في الجنة غرف لمن أطاب الكلام
الحديث وفي الصحيحين من حديث عدي بن حاتم رفعه اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة
طيبة وأما تشميت العاطس فمضى مبسوطا في أواخر كتاب الأدب وأما رد السلام فسيأتي أيضا
قريبا وأما المعاونة على الحمل فله شاهد في الصحيحين من حديث أبي هريرة رفعه كل سلامي من
10

الناس عليه صدقة الحديث وفيه ويعين الرجل على دابته فيحمله عليها ويرفع له عليها متاعه
صدقة وأما إعانة المظلوم فتقدم في حديث البراء قريبا وله شاهد آخر تقدم في كتاب المظالم وأما
إغاثة الملهوف فله شاهد في الصحيحين من حديث أبي موسى فيه ويعين ذا الحاجة الملهوف
وفي حديث أبي ذر عند ابن حبان وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث وأخرج المرهبي في
العلم من حديث أنس رفعه في حديث والله يحب إغاثة اللهفان وسنده ضعيف جدا لكن له
شاهد من حديث ابن عباس أصلح منه والله يحب إغاثة اللهفان وأما إرشاد السبيل فروى
الترمذي وصححه ابن حبان من حديث أبي ذر مرفوعا وإرشادك الرجل في أرض الضلال صدقة
والبخاري في الأدب المفرد والترمذي وصححه من حديث البراء رفعه من منح منيحة أو هدى زقاقا
كان له عدل عتق نسمة وهدى بفتح الهاء وتشديد المهملة والزقاق بضم الزاي وتخفيف القاف
وآخره قاف معروف والمراد من دل الذي لا يعرفه عليه إذا احتاج إلى دخوله وفي حديث أبي
ذر عند ابن حبان ويسمع الأصم ويهدي الأعمى ويدل المستدل على حاجته وأما هداية
الحيران فله شاهد في الذي قبله وأما الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ففيهما أحاديث كثيرة
منها في حديث أبي ذر المذكور قريبا وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر صدقة وأما كف الأذى
فالمراد به كف الأذى عن المارة بأن لا يجلس حيث يضيق عليهم الطريق أو على باب منزل من
يتأدى بجلوسه عليه أو حيث يكشف عياله أو ما يريد التستر به من حاله قاله عياض قال ويحتمل
أن يكون المراد كف أذى الناس بعضهم عن بعض انتهى وقد وقع في الصحيح من حديث أبي ذر
رفعه فكف عن الشر فإنها لك الصدقة وهو يؤيد الأول وأما غض البصر فهو المقصود من
حديث الباب وأما كثرة ذكر الله ففيه عدة أحاديث يأتي بعضها في الدعوات (قوله
باب السلام اسم من أسماء الله تعالى) هذه الترجمة لفظ بعض حديث مرفوع له
طرق ليس منها شئ على شرط المصنف في الصحيح فاستعمله في الترجمة وأورد ما يؤدي معناه على
شرطه وهو حديث التشهد لقوله فيه فإن الله هو السلام وكذا ثبت في القرآن في أسماء الله
السلام المؤمن المهيمن ومعنى السلام السالم من النقائص وقيل المسلم لعباده وقيل المسلم على
أوليائه وأما لفظ الترجمة فأخرجه في الأدب المفرد من حديث أنس بسند حسن وزاد وضعه الله
في الأرض فأفشوه بينكم وأخرجه البزار والطبراني من حديث ابن مسعود موقوفا ومرفوعا
وطريق الموقوف أقوى وأخرجه البيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة مرفوعا بسند
ضعيف وألفاظهم سواء وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس موقوفا السلام اسم الله
وهو تحية أهل الجنة وشاهده حديث المهاجرين فنفذ أنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد
عليه حتى توضأ وقال إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن
خزيمة وغيره ويحتمل أن يكون أراد ما في رد السلام من ذكر اسم الله صريحا في قوله ورحمة الله
وقد اختلف في معنى السلام فنقل عياض ان معناه اسم الله أي كلاءة الله عليك وحفظه كما يقال
الله معك ومصاحبك وقيل معناه أن الله مطلع عليك فيما تفعل وقيل معناه أن اسم الله يذكر
على الأعمال توقعا لاجتماع معاني الخيرات فيها وانتفاء عوارض الفساد عنها وقيل معناه السلامة
كما قال تعالى فسلام لك من أصحاب اليمين وكما قال الشاعر
11

تحيي بالسلامة أم عمرو * وهل لي بعد قومي من سلام
فكأن المسلم أعلم من سلم عليه أنه سالم منه وأن لا خوف عليه منه وقال ابن دقيق العيد في شرح
الالمام السلام يطلق بإزاء معان منها السلامة ومنها التحية ومنها أنه اسم من أسماء الله قال وقد
يأتي بمعنى التحية محضا وقد يأتي بمعنى السلامة محضا وقد يأتي مترددا بين المعنيين كقوله تعالى ولا
تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا فإنه يحتمل التحية والسلامة وقوله تعالى ولهم ما يدعون
سلام قولا من رب رحيم (قوله وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) لم يقع في رواية أبي
ذر أو ردوها ومناسبة ذكر هذه الآية في هذه الترجمة للإشارة إلى أن عموم الامر بالتحية مخصوص
بلفظ السلام كما دلت عليه الأحاديث المشار إليها في الباب الأول واتفق العلماء على ذلك إلا
ما حكاه ابن التين عن ابن خويز منداد عن مالك أن المراد بالتحية في الآية الهدية لكن حكى
القرطبي عن ابن خويز منداد أنه ذكره احتمالا وادعى أنه قول الحنفية فإنهم احتجوا بذلك بأن
السلام لا يمكن رده بعينه بخلاف الهدية فإن الذي يهدى له إن أمكنه أن يهدي أحسن منها فعل
وإلا ردها بعينها وتعقب بأن المراد بالرد رد المثل لا رد العين وذلك سائغ كثير ونقل القرطبي أيضا
عن ابن القاسم وابن وهب عن مالك أن المراد بالتحية في الآية تشميت العاطس والرد على المشمت
قال وليس في السياق دلالة على ذلك ولكن حكم التشميت والرد مأخوذ من حكم السلام
والرد عند الجمهور ولعل هذا هو الذي نحا إليه مالك ثم ذكر حديث ابن مسعود في التشهد وقد
تقدم شرحه مستوفى في كتاب الصلاة والغرض منه قوله فيه إن الله هو السلام وهو مطابق لما
ترجم له واتفقوا على أن من سلم لم يجزئ في جوابه إلا السلام ولا يجزئ في جوابه صبحت بالخير
أو بالسعادة ونحو ذلك واختلف فيمن أتى في التحية بغير لفظ السلام هل يجب جوابه أم لا وأقل
ما يحصل به وجوب الرد أن يسمع المبتدى وحينئذ يستحق الجواب ولا يكفي الرد بالإشارة بل ورد
الزجر عنه وذلك فيما أخرجه الترمذي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه
لا تشبهوا باليهود والنصارى فإن تسليم اليهود الإشارة بالإصبع وتسليم النصارى بالأكف قال
الترمذي غريب (قلت) وفي سنده ضعف لكن أخرج النسائي بسند جيد عن جابر رفعه لا تسلموا
تسليم اليهود فإن تسليمهم بالرؤوس والأكف والإشارة قال النووي لا يرد على هذا حديث أسماء
بنت يزيد مر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وعصبة من النساء قعود فألوى بيده بالتسليم فإنه
محمول على أنه جمع بين اللفظ والإشارة وقد أخرجه أبو داود من حديثها بلفظ فسلم علينا انتهى
والنهي عن السلام بالإشارة مخصوص بمن قدر على اللفظ حسا وشرعا وإلا فهي مشروعة لمن
يكون في شغل يمنعه من التلفظ بجواب السلام كالمصلي والبعيد والأخرس وكذا السلام على
الأصم ولو أتى بالسلام بغير اللفظ العربي هل يستحق الجواب فيه ثلاثة أقوال للعلماء ثالثها يجب
لمن يحسن بالعربية وقال ابن دقيق العيد الذي يظهر أن التحية بغير لفظ السلام من باب ترك
المستحب وليس بمكروه إلا إن قصد به العدول عن السلام إلى ما هو أظهر في التعظيم من أجل
أكابر أهل الدنيا ويجب الرد على الفور فلو أخر ثم استدرك فرد لم يعد جوابا قاله القاضي حسين
وجماعة وكأن محله إذا لم يكن عذر ويجب رد جواب السلام في الكتاب ومع الرسول ولو سلم الصبى
على بالغ وجب عليه الرد ولو سلم على جماعة فيهم صبي فأجاب أجزأ عنهم في وجه (قوله
12

باب تسليم القليل على الكثير) هو أمر نسبي يشمل الواحد بالنسبة للاثنين فصاعدا
والاثنين بالنسبة للثلاثة فصاعدا وما فوق ذلك (قوله عبد الله) هو ابن المبارك (قوله يسلم) كذا
للجميع بصيغة الخبر وهو بمعنى الامر وقد ورد صريحا في رواية عبد الرزاق عن معمر عن أحمد
بلفظ ليسلم ويأتي شرحه فيما بعده قال الماوردي لو دخل شخص مجلسا فإن كان الجمع قليلا
يعمهم سلام واحد فسلم كفاه فإن زاد فخصص بعضهم فلا بأس ويكفي أن يرد منهم واحد فإن
زاد فلا بأس وان كانوا كثيرا بحيث لا ينتشر فيهم فيبتدئ أول دخوله إذا شاهدهم وتتأدى سنة
السلام في حق جميع من يسمعه ويجب على من سمعه الرد على الكفاية وإذا جلس سقط عنه سنة
السلام فيمن لم يسمعه من الباقين وهل يستحب أن يسلم على من جلس عندهم ممن لم يسمعه
وجهان أحدهما إن عاد فلا بأس والا فقد سقطت عنه سنة السلام لانهم جمع واحد وعلى هذا
يسقط فرض الرد بفعل بعضهم والثاني أن سنة السلام باقية في حق من لم يبلغهم سلامه المتقدم
فلا يسقط فرض الرد من الأوائل عن الأواخر (قوله باب يسلم الراكب على
الماشي) في رواية الكشميهني تسليم على وفق الترجمة التي قبلها (قوله مخلد) هو ابن يزيد (قوله
زياد) هو ابن سعد الخراساني نزيل مكة وقد وقع في رواية الإسماعيلي هنا زياد بن سعد (قوله
أنه سمع ثابتا مولى ابن يزيد) في رواية غير أبي ذر عبد الرحمن بن زيد ووقع في رواية روح التي
بعدها ان ثابتا أخبره وهو مولى عبد الرحمن بن زيد وزيد المذكور هو ابن الخطاب أخو عمر بن
الخطاب ولذلك نسبوا ثابتا عدويا وحكى أبو علي الجياني أن في رواية الأصيلي عن الجرجاني
عبد الرحمن بن يزيد بزيادة ياء في أوله وهو وهم وثابت هو ابن الأحنف وقيل ابن عياض بن
الأحنف وقيل إن الأحنف لقب عياض وليس لثابت في البخاري سوى هذا الحديث وآخر
تقدم في المصراة من كتاب البيوع (قوله يسلم الراكب على الماشي) كذا ثبت في هذه
الرواية ولم يذكر ذلك في رواية همام كما ذكر في رواية همام الصغير على الكبير ولم يذكر في هذه
فكأن كلا منهما حفظ ما لم يحفظ الآخر وقد وافق هماما عطاء بن يسار كما سيأتي بعده واجتمع
من ذلك أربعة أشياء وقد اجتمعت في رواية الحسن عن أبي هريرة عند الترمذي وقال روى من
غير وجه عن أبي هريرة ثم حكى قول أيوب وغيره أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة (قوله
باب يسلم الماشي على القاعد) ذكر فيه الحديث الذي قبله من وجه آخر عن ابن جريج
وله شاهد من حديث عبد الرحمن بن شبل بكسر المعجمة وسكون الموحدة بعدها لام بزيادة
أخرجه عبد الرزاق وأحمد بسند صحيح بلفظ يسلم الراكب على الراجل والراجل
على الجالس والأقل على الأكثر فمن أجاب كان له ومن لم يجب فلا شئ له (قوله باب
يسلم الصغير على الكبير وقال إبراهيم) هو ابن طهمان وثبت كذلك في رواية أبي ذر وقد وصله
البخاري في الأدب المفرد قال حدثنا أحمد بن أبي عمرو حدثني أبي حدثني إبراهيم بن طهمان
به سواء وأبو عمرو هو حفص بن عبد الله بن راشد السلمي قاضي نيسابور ووصله أيضا
أبو نعيم من طريق عبد الله بن العباس والبيهقي من طريق أبي حامد بن الشرفي كلاهما عن أحمد
ابن حفص به وأما قول الكرماني عبر البخاري بقوله وقال إبراهيم لأنه سمع منه في مقام المذاكرة
فغلط عجيب فان البخاري لم يدرك إبراهيم بن طهمان فضلا عن أن يسمع منه فإنه مات قبل مولد
13

البخاري بستة وعشرين سنة وقد ظهر بروايته في الأدب أن بينهما في هذا الحديث رجلين
(قوله والمار على القاعد) هو كذا في رواية همام وهو أشمل من رواية ثابت التي قبلها بلفظ
الماشي لأنه أعم من أن يكون المار ماشيا أو راكبا وقد اجتمعا في حديث فضالة بن عبيد عند
البخاري في الأدب المفرد والترمذي وصححه والنسائي وصحيح ابن حبان بلفظ يسلم الفارس على
الماشي والماشي على القائم وإذا حمل القائم على المستقر كان أعم من أن يكون جالسا أو واقفا أو
متكئا أو مضطجعا وإذا أضيفت هذه الصورة إلى الراكب تعددت الصور وتبقى صورة لم تقع
منصوصة وهي ما إذا تلاقى ماران راكبان أو ماشيان وقد تكلم عليها المازري فقال
يبدأ الأدنى منهما الاعلى قدرا في الدين إجلالا لفضله لان فضيلة الدين مرغب فيها في الشرع
وعلى هذا لو التقى راكبان ومركوب أحدهما أعلى في الحس من مركوب الآخر كالجمل والفرس
فيبدأ راكب الفرس أو يكتفي بالنظر إلى أعلاهما قدرا في الدين فيبتدؤه الذي دونه هذا الثاني
أظهر كما لا نظر إلى من يكون أعلاهما قدرا من جهة الدنيا إلا أن يكون سلطانا يخشى منه وإذا
تساوى المتلاقيان من كل جهة فكل منهما مأمور بالابتداء وخيرهما الذي يبدأ بالسلام كما تقدم
في حديث المتهاجرين في أبواب الأدب وأخرج البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح من حديث
جابر قال الماشيان إذا اجتمعا فأيهما بدأ بالسلام فهو أفضل ذكره عقب رواية ابن جريج عن زياد
ابن سعد عن ثابت عن أبي هريرة بسنده المذكور عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر وصرح
فيه بالسماع وأخرج أبو عوانة وابن حبان في صحيحهما والبزار من وجه آخر عن ابن جريج
الحديث بتمامه مرفوعا بالزيادة وأخرج الطبراني بسند صحيح عن الأغر المزني قال لي أبو بكر
لا يسبقك أحد إلى السلام والترمذي من حديث أبي أمامة رفعه أن أولى الناس بالله من بدأ
بالسلام وقال حسن وأخرج الطبراني من حديث أبي الدرداء قلنا يا رسول الله إنا نلتقي فأينا
يبدأ بالسلام قال أطوعكم لله (قوله والقليل على الكثير) تقدم تقريره لكن لو عكس الامر
فمر جمع كثير على جمع قليل وكذا لو مر الصغير على الكبير لم أر فيهما نصا واعتبر النووي المرور
فقال الوارد يبدأ سواء كان صغيرا أم كبيرا قليلا أم كثيرا ويوافقه قول المهلب إن المار في حكم
الداخل وذكر الماوردي أن من مشى في الشوارع المطروقة كالسوق أنه لا يسلم إلا على
البعض لأنه لو سلم على كل من لقي لتشاغل به عن المهم الذي خرج لأجله ولخرج به عن العرف
(قلت) ولا يعكر على هذا ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد عن الطفيل بن أبي بن كعب قال
كنت أغدو مع ابن عمر إلى السوق فلا يمر على بياع ولا أحد إلا سلم عليه فقلت ما تصنع بالسوق
وأنت لا تقف على البيع ولا تسأل عن السلع قال إنما نغدو من أجل السلام على من لقينا لان
مراد الماوردي من خرج في حاجة له فتشاغل عنها بما ذكر والأثر المذكور ظاهر في أنه خرج
لقصد تحصيل ثواب السلام وقد تكلم العلماء على الحكمة فيمن شرع لهم الابتداء فقال ابن
بطال عن المهلب تسليم الصغير لأجل حق الكبير لأنه أمر بتوقيره والتواضع له وتسليم القليل
لأجل حق الكثير لان حقهم أعظم وتسليم المار لشبهه بالداخل على أهل المنزل وتسليم الراكب
لئلا يتكبر بركوبه فيرجع إلى التواضع وقال ابن العربي حاصل ما في هذا الحديث ان المفضول
بنوع ما يبدأ الفاضل وقال المازري أما أمر الراكب فلان له مزية على الماشي فعوض الماشي
14

بأن يبدأه الراكب بالسلام احتياطا عل الراكب من الزهو أن لو حاز الفضيلتين وأما الماشي
فلما يتوقع القاعد منه من الشر ولا سيما إذا كان راكبا فإذا ابتدأ بالسلام أمن منه ذلك وأنس
إليه أو لان في التصرف في الحاجات امتهانا فصار للقاعد مزية فأمر بالابتداء أو لان القاعد يشق
عليه مراعاة المارين مع كثرتهم فسقطت البداءة عنه للمشقة بخلاف المار فلا مشقة عليه
وأما القليل فلفضيلة الجماعة أو لان الجماعة لو ابتدؤا لخيف على الواحد الزهو فاحتيط له ولم يقع
تسليم الصغير على الكبير في صحيح مسلم وكأنه لمراعاة السن فإنه معتبر في أمور كثيرة في الشرع فلو
تعارض الصغر المعنوي والحسي كأن يكون الأصغر أعلم مثلا فيه نظر ولم أر فيه نقلا والذي
يظهر إعتبار السن لأنه الظاهر كما تقدم الحقيقة على المجاز ونقل ابن دقيق العيد عن ابن رشد أن
محل الامر في تسليم الصغير على الكبير إذا التقيا فإن كان أحدهما راكبا والاخر ماشيا بدأ
الراكب وان كانا راكبين أو ماشيين بدأ الصغير وقال المازري وغيره هذه المناسبات لا يعترض
عليها بجزيئات تخالفها لأنها لم تنصب نصب العلل الواجبة الاعتبار حتى لا يجوز أن يعدل عنها
حتى لو ابتدأ الماشي فسلم على الراكب لم يمتنع لأنه ممتثل للامر بإظهار السلام وإفشائه غير أن
مراعاة ما ثبت في الحديث أولى وهو خبر بمعنى الامر على سبيل الاستحباب ولا يلزم من ترك
المستحب الكراهة بل يكون خلاف الأولى فلو ترك المأمور بالابتداء فبدأه الآخر كان المأمور
تاركا للمستحب والآخر فاعلا للسنة إلا إن بادر فيكون تاركا للمستحب أيضا وقال المتولي
لو خالف الراكب أو الماشي ما دل عليه الخبر كره قال والوارد يبدأ بكل حال وقال الكرماني لو جاء أن
الكبير يبدأ الصغير والكثير يبدأ القليل لكان مناسبا لان الغالب أن الصغير يخاف من الكبير
والقليل من الكثير فإذا بدأ الكبير والكثير أمن منه الصغير والقليل لكن لما كان من شأن
المسلمين أن يؤمن بعضهم بعضا اعتبر جانب التواضع كما تقدم وحيث لا يظهر رجحان أحد الطرفين
باستحقاقه التواضع له اعتبر الاعلام بالسلامة والدعاء له رجوعا إلى ما هو الأصل فلو كان المشاة
كثيرا والقعود قليلا تعارضا ويكون الحكم حكم اثنين تلاقيا معا فأيهما بدأ فهو أفضل ويحتمل
ترجيح جانب الماشي كما تقدم والله أعلم (قوله باب إفشاء السلام) كذا للنسفي
وأبي الوقت وسقط لفظ باب للباقين والإفشاء الاظهار والمراد نشر السلام بين الناس ليحيوا
سنته وأخرج البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن ابن عمر إذا سلمت فاسمع فإنها تحية من عند
الله قال النووي أقله أن يرفع صوته بحيث يسمع المسلم عليه فإن لم يسمعه لم يكن آتيا بالسنة
ويستحب أن يرفع صوته بقدر ما يتحقق أنه سمعه فإن شك استظهر ويستثنى من رفع الصوت
بالسلام ما إذا دخل على مكان فيه إيقاظ ونيام فالسنة فيه ما ثبت في صحيح مسلم عن المقداد قال
كان النبي صلى الله عليه وسلم يجئ من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان ونقل
النووي عن المتولى أنه قال يكره إذا لقى جماعة أن يخص بعضهم بالسلام لان القصد بمشروعية
السلام تحصيل الألفة وفي التخصيص إيحاش لغير من خص بالسلام (قوله جرير) هو ابن
عبد الحميد والشيباني هو أبو إسحاق وأشعث هو ابن أبي الشعثاء بمعجمه ثم مهملة ثم مثلثة فيه وفي
أبيه واسم أبيه سليم بن أسود (قوله 3 عن معاوية بن قرة) كذا للأكثر وخالفهم جعفر بن عوف
فقال عن الشيباني عن أشعث عن سويد بن غفلة عن البراء وهي رواية شاذة أخرجها الإسماعيلي
15

(قوله أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع بعيادة المريض الحديث) تقدم في اللباس أنه ذكر
في عدة مواضع لم يسقه بتمامه في أكثرها وهذا الموضع مما ذكر فيه سبعا مأمورات وسبعا منهيات
والمراد منه هنا إفشاء السلام وتقدم شرح عيادة المريض في الطب واتباع الجنائز فيه وعون
المظلوم في كتاب المظالم وتشميت العاطس في أواخر الأدب وسيأتي إبرار القسم في كتاب الايمان
والنذور وسبق شرح المناهي في الأشربة وفي اللباس وأما نصر الضعيف المذكور هنا فسبق
حكمه في كتاب المظالم ولم يقع في أكثر الروايات في حديث البراء هذا وانما وقع بدله إجابة الداعي
وقد تقدم شرحه في كتاب الوليمة من كتاب النكاح قال الكرماني نصر الضعيف من جملة إجابة
الداعي لأنه قد يكون ضعيفا واجابته نصره أو أن لا مفهوم للعدد المذكور وهو السبع فتكون
المأمورات ثمانية كذا قال والذي يظهر لي أن إجابة الداعي سقطت من هذه الرواية وأن نصر
الضعيف المراد به عون المظلوم الذي ذكر في غير هذه الطريق ويؤيد هذا الاحتمال أن البخاري
حذف بعض المأمورات من غالب المواضع التي أورد الحديث فيها اختصارا (قوله وافشاء
السلام) تقدم في الجنائز بلفظ ورد السلام ولا مغايرة في المعنى لان ابتداء السلام ورده
متلازمان وافشاء السلام ابتداء يستلزم افشاءه جوابا وقد جاء افشاء السلام من حديث البراء
بلفظ آخر وهو عند المصنف في الأدب المفرد وصححه ابن حبان من طريق عبد الرحمن بن عوسجة
عنه رفعه أفشوا السلام تسلموا وله شاهد من حديث أبي الدرداء مثله عند الطبراني ولمسلم من
حديث أبي هريرة مرفوعا الا أدلكم على ما تحابون به أفشوا السلام بينكم قال ابن العربي فيه
أن من فوائد افشاء السلام حصول المحبة بين المتسالمين وكان ذلك لما فيه من ائتلاف الكلمة
لتعم المصلحة بوقوع المعاونة على إقامة شرائع الدين واخزاء الكافرين وهي كلمة إذا سمعت
أخلصت القلب الواعي لها عن النفور إلى الاقبال على قائلها وعن عبد الله بن سلام رفعه
أطعموا الطعام وأفشوا السلام الحديث وفيه تدخلوا الجنة بسلام أخرجه البخاري في الأدب
المفرد وصححه الترمذي والحاكم وللأولين وصححه ابن حبان من حديث عبد الله بن عمرو رفعه
اعبدوا الرحمن وأفشوا السلام الحديث وفيه تدخلوا الجنان والأحاديث في إفشاء السلام كثيرة
منها عند البزار من حديث الزبير وعند أحمد من حديث عبد الله بن الزبير وعند الطبراني من
حديث ابن مسعود وأبي موسى وغيرهم ومن الأحاديث في إفشاء السلام ما أخرجه النسائي عن
أبي هريرة رفعه إذا قعد أحدكم فليسلم وإذا قام فليسلم فليست الأولى أحق من الآخرة وأخرج
ابن أبي شيبة من طريق مجاهد عن ابن عمر قال إن كنت لأخرج إلى السوق ومالي حاجة إلا أن أسلم
ويسلم على وأخرج البخاري في الأدب المفرد من طريق الطفيل بن أبي بن كعب عن ابن عمر نحوه
لكن ليس فيها شئ على شرط البخاري فاكتفى بما ذكره من حديث البراء واستدل بالامر بافشاء
السلام على أنه لا يكفي السلام سرا بل يشترط الجهر وأقله أن يسمع في الابتداء وفي الجواب ولا
تكفي الإشارة باليد ونحوه وقد أخرج النسائي بسند جيد عن جابر رفعه لا تسلموا تسليم اليهود
فإن تسليمهم بالرؤوس والأكف ويستثنى من ذلك حالة الصلاة فقد وردت أحاديث جيدة أنه صلى
الله عليه وسلم رد السلام وهو يصلي إشارة منها حديث أبي سعيد أن رجلا سلم على النبي صلى الله
عليه وسلم وهو يصلي فرد عليه إشارة ومن حديث ابن مسعود نحوه وكذا من كان بعيدا بحيث
16

لا يسمع التسليم يجوز السلام عليه إشارة ويتلفظ مع ذلك بالسلام وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء
قال يكره السلام باليد ولا يكره بالرأس وقال ابن دقيق العيد استدل بالامر بافشاء السلام من قال
بوجوب الابتداء بالسلام وفيه نظر إذ لا سبيل إلى القول بأنه فرض عين على التعميم من الجانبين
وهو أن يجب على كل أحد أن يسلم على كل من لقيه لما في ذلك من الحرج والمشقة فإذا سقط من
جانبي العمومين سقط من جانبي الخصوصين إذ لا قائل يجب على واحد دون الباقين ولا يجب
السلام على واحد دون الباقين قال وإذا سقط على هذه الصورة لم يسقط الاستحباب لان العموم
بالنسبة إلى كلا الفريقين ممكن انتهى وهذا البحث ظاهر في حق من قال أن ابتداء السلام فرض
عين وأما من قال فرض كفاية فلا يرد عليه إذا قلنا أن فرض الكفاية ليس واجبا على واحد
بعينه قال ويستثنى من الاستحباب من ورد الامر بترك ابتدائه بالسلام كالكافر (قلت) ويدل
عليه قوله في الحديث المذكور قبل إذا فعلتموه تحاببتم والمسلم مأمور بمعاداة الكافر فلا يشرع
له فعل ما يستدعي محبته ومواددته وسيأتي البحث في ذلك في باب التسليم على مجلس فيه أخلاط
من المسلمين والمشركين وقد اختلف أيضا في مشروعية السلام على الفاسق وعلى الصبي وفي
سلام الرجل على المرأة وعكسه وإذا جمع المجلس كافرا ومسلما هل يشرع السلام مراعاة لحق
المسلم أو يسقط من أجل الكافر وقد ترجم المصنف لذلك كله وقال النووي يستثنى من العموم
بابتداء السلام من كان مشتغلا بأكل أو شرب أو جماع أو كان في الخلاء أو الحمام
أو نائما أو ناعسا
أو مصليا أو مؤذنا ما دام متلبسا بشئ مما ذكر فلو لم تكن اللقمة في فم الآكل مثلا شرع السلام
عليه ويشرع في حق المتبايعين وسائر المعاملات واحتج له ابن دقيق العيد بأن الناس غالبا
يكونون في أشغالهم فلو روعي ذلك لم يحصل امتثال الافشاء وقال ابن دقيق العيد احتج من منع السلام
على من في الحمام بأنه بيت الشيطان وليس موضع التحية لاشتغال من فيه بالتنظيف قال وليس
هذا المعنى بالقوي في الكراهة بل يدل على عدم الاستحباب (قلت) وقد تقدم في كتاب الطهارة
من البخاري إن كان عليهم إزار فيسلم وإلا فلا وتقدم البحث فيه هناك وقد ثبت في صحيح مسلم عن
أم هاني أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل وفاطمة تستره فسلمت عليه الحديث قال
النووي وأما السلام حال الخطبة في الجمعة فيكره للامر بالانصات فلو سلم لم يجب الرد عند من قال
الانصات واجب ويجب عند من قال أنه سنة وعلى الوجهين لا ينبغي أن يرد أكثر من واحد وأما
المشتغل بقراءة القرآن فقال الواحدي الأولى ترك السلام عليه فإن سلم عليه كفاه الرد بالإشارة
وإن رد لفظا استأنف الاستعاذة وقرأ قال النووي وفيه نظر والظاهر أنه يشرع السلام عليه
ويجب عليه الرد ثم قال وأما من كان مشتغلا بالدعاء مستغرقا فيه مستجمع القلب فيحتمل أن
يقال هو كالقارئ والأظهر عندي أنه يكره السلام عليه لأنه يتنكد به ويشق عليه أكثر من
مشقة الاكل وأما الملبي في الاحرام فيكره أن يسلم عليه لان قطعه التلبية مكروه ويجب عليه الرد
مع ذلك لفظا أن لو سلم عليه قال ولو تبرع واحد من هؤلاء برد السلام إن كان مشتغلا بالبول
ونحوه فيكره وإن كان آكلا ونحوه فيستحب في الموضع الذي لا يجب وإن كان مصليا لم يجز أن
يقول بلفظ المخاطبة كعليك السلام أو عليك فقط فلو فعل بطلت أن علم التحريم لا إن جهل
في الأصح فلو أتى بضمير الغيبة لم تبطل ويستحب أن يرد بالإشارة وإن رد بعد فراغ الصلاة لفظا
17

فهو أحب وإن كان مؤذنا أو ملبيا لم يكره له الرد لفظا لأنه قدر يسير لا يبطل الموالاة وقد تعقب
والدي رحمه الله في نكته على الاذكار ما قاله الشيخ في القارئ لكونه يأتي في حقه نظير ما أبداه
هو في الداعي لان القارئ قد يستغرق فكره في تدبر معاني ما يقرؤه ثم اعتذر عنه بأن الداعي يكون
مهتما بطلب حاجته فيغلب عليه التوجه طبعا والقارئ إنما يطلب منه التوجه شرعا فالوساوس
مسلطة عليه ولو فرض أنه يوفق للحالة العلية فهو على ندور انتهي ولا يخفى أن التعليل الذي ذكره
الشيخ من تنكد الداعي يأتي نظيره في القارئ وما ذكره الشيخ في بطلان الصلاة إذا رد السلام
بالخطاب ليس متفقا عليه فعن الشافعي نص في أنه لا تبطل لأنه لا يريد حقيقة الخطاب بل الدعاء
وإذا عذرنا الداعي والقارئ بعدم الرد فرد بعد الفراغ كان مستحبا وذكر بعض الحنفية أن من
جلس في المسجد للقراءة أو التسبيح أو لانتظاره الصلاة لا يشرع السلام عليهم وإن سلم عليهم لم
يجب الجواب قال وكذا الخصم إذا سلم على القاضي لا يجب عليه الرد وكذلك الأستاذ إذا سلم
عليه تلميذه لا يجب الرد عليه كذا قال وهذا الأخير لا يوافق عليه ويدخل في عموم إفشاء
السلام السلام على النفس لمن دخل مكانا ليس فيه أحد لقوله تعالى فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على
أنفسكم الآية وأخرج البخاري في الأدب المفرد وابن أبي شيبة بسند حسن عن ابن عمر فيستحب
إذا لم يكن أحد في البيت أن يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وأخرج الطبري
عن ابن عباس ومن طريق كل من علقمة وعطاء ومجاهد نحوه ويدخل فيه من مر على من ظن أنه
إذا سلم عليه لا يرد عليه فإنه يشرع له السلام ولا يتركه لهذا الظن لأنه قد يخطئ قال النووي وأما
قول من لا تحقيق عنده أن ذلك يكون سببا لتأثيم الآخر فهو غباوة لان المأمورات الشرعية
لا تترك بمثل هذا ولو أعملنا هذا لبطل إنكار كثير من المنكرات قال وينبغي لمن وقع له ذلك أن
يقول له بعبارة لطيفة رد السلام واجب فينبغي أن ترد ليسقط عنك الفرض وينبغي إذا تمادى على
الترك أن يحلله من ذلك لأنه حق آدمي ورجح ابن دقيق العيد في شرح الالمام المقالة التي زيفها
النووي بأن مفسدة توريط المسلم في المعصية أشد من ترك مصلحة السلام عليه ولا سيما وامتثال
الافشاء قد حصل مع غيره (قوله باب السلام للمعرفة وغير المعرفة) أي من يعرفه
المسلم ومن لا يعرفه أي لا يخص بالسلام من يعرفه دون من لا يعرفه وصدر الترجمة لفظ حديث
أخرجه البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن ابن مسعود أنه مر برجل فقال السلام عليك
يا أبا عبد الرحمن فرد عليه ثم قال إنه سيأتي على الناس زمان يكون السلام فيه للمعرفة وأخرجه
الطحاوي والطبراني والبيهقي في الشعب من وجه آخر عن ابن مسعود مرفوعا ولفظه أن من
أشراط الساعة أن يمر الرجل بالمسجد لا يصلي فيه وأن لا يسلم إلا على من يعرفه ولفظ الطحاوي
ان من أشراط الساعة السلام للمعرفة ثم ذكر فيه حديثين * أحدهما حديث عبد الله بن عمرو
(قوله حدثني يزيد) هو ابن أبي حبيب كما ذكر في رواية قتيبة عن الليث في كتاب الايمان (قوله عن
أبي الخير) هو مرثد بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة وآخره دال مهملة والاسناد كله بصريون
وقد تقدم شرح الحديث في أوائل كتاب الايمان قال النووي معنى قوله على من عرفت ومن لم
تعرف تسلم على من لقيته ولا تخص ذلك بمن تعرف وفي ذلك إخلاص العمل لله واستعمال
التواضع وافشاء السلام الذي هو شعار هذه الأمة (قلت) وفيه من الفوائد أنه لو ترك السلام على
18

من لم يعرف احتمل أن يظهر أنه من معارفه فقد يوقعه في الاستيحاش منه قال وهذا العموم
مخصوص بالمسلم فلا يبتدئ السلام على كافر (قلت) قد تمسك به من أجاز ابتداء الكافر بالسلام
ولا حجة فيه لان الأصل مشروعية السلام للمسلم فيحمل قوله من عرفت عليه وأما من لم تعرف
فلا دلالة فيه بل إن عرف أنه مسلم فذاك وإلا فلو سلم احتياطا لم يمتنع حتى يعرف أنه كافر وقال ابن
بطال في مشروعية السلام على غير المعرفة استفتاح للمخاطبة للتأنيس ليكون المؤمنون كلهم
اخوة فلا يستوحش أحد من أحد وفي التخصيص ما قد يوقع في الاستيحاش ويشبه صدود
المتهاجرين المنهى عنه وأورد الطحاوي في المشكل حديث أبي ذر في قصة إسلامه وفيه
فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد صلى هو وصاحبه فكنت أول من حياه بتحية الاسلام
قال الطحاوي وهذا لا ينافي حديث ابن مسعود في ذم السلام للمعرفة لاحتمال أن يكون أبو ذر
سلم على أبي بكر قبل ذلك أو لان حاجته كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم دون أبي بكر (قلت)
والاحتمال الثاني لا يكفي في تخصيص السلام وأقرب منه أن يكون ذلك قبل تقرير الشرع
بتعميم السلام وقد ساق مسلم قصة إسلام أبي ذر بطولها ولفظه وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى استلم الحجر وطاف بالبيت هو وصاحبه ثم صلى فلما قضى صلاته قال أبو ذر فكنت أول من
حياه بتحية السلام فقال وعليك ورحمة الله الحديث وفي لفظ قال وصلى ركعتين خلف المقام
فأتيته فاني لأول الناس حياه بتحية الاسلام فقال وعليك السلام من أنت وعلى هذا فيحتمل أن
يكون أبو بكر توجه بعد الطواف إلى منزله ودخل النبي صلى الله عليه وسلم منزله فدخل عليه أبو
ذر وهو وحده ويؤيده ما أخرجه مسلم وقد تقدم للبخاري أيضا في المبعث من وجه آخر عن أبي ذر
في قصة إسلامه أنه قام يلتمس النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرفه ويكره أن يسأل عنه فرآه علي
فعرفه أنه غريب فاستتبعه حتى دخل به على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم * الحديث الثاني
حديث أبي أيوب لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه الحديث تقدم شرحه في كتاب الأدب مستوفى وهو
متعلق بالركن الأول من الترجمة (قوله باب آية الحجاب) أي الآية التي نزلت في أمر
نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالاحتجاب من الرجال وقد ذكر فيه حديث أنس من وجهين عنه
وتقدم شرحه مستوفى في سورة الأحزاب وقوله في آخره فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا
لا تدخلوا بيوت النبي الآية كذا اتفق عليه الرواة عن معتمر بن سليمان وخالفهم عمرو بن علي
الفلاس عن معتمر فقال فأنزلت لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا أخرجه الإسماعيلي
وأشار إلى شذوذه فقال جاء بآية غير الآية التي ذكرها الجماعة (قوله في أول الطريق الأول عن
ابن شهاب أخبرني أنس بن مالك أنه قال كان) قال الكرماني فيه التفات أو تجريد وقوله خدمت
رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرا حياته أي بقية حياته إلى أن مات وقوله وكنت أعلم الناس
بشأن الحجاب أي بسبب نزوله وإطلاق مثل ذلك جائز للاعلام لا للاعجاب وقوله وقد كان أبي بن
كعب يسألني عنه فيه إشارة إلى اختصاصه بمعرفته لان أبي بن كعب أكبر منه علما وسنا وقدرا
وقوله في الطريق الأخرى معتمر هو ابن سليمان التيمي وقوله قال أبي بفتح الهمزة وكسر الموحدة
مخففا والقائل هو معتمر ووقع في الرواية المتقدمة في سورة الأحزاب سمعت أبي (قوله حدثنا أبو
مجلز عن أنس) قد تقدم في باب الحمد للعاطس لسليمان التيمي حديث عن أنس بلا واسطة وقد سمع
19

من أنس عدة أحاديث وروى عن أصحابه عنه عدة أحاديث وفيه دلالة على أنه لم يدلس (قوله قال
أبو عبد الله) هو البخاري (قوله فيه) أي في حديث أنس هذا (قوله من الفقه أنه لم يستأذنهم
حين قام وخرج وفيه أنه تهيا للقيام وهو يريد أن يقوموا) ثبت هذا كله للمستملي وحده هنا وسقط
للباقين وهو أولى فإنه أفرد لذلك ترجمة كما سيأتي بعد اثنين وعشرين بابا (قوله حدثني إسحاق) هو
ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في المستخرج (قوله أخبرنا يعقوب بن إبراهيم) أي ابن سعد الزهري
(قوله عن صالح) هو ابن كيسان وقد سمع إبراهيم بن سعد الكثير من ابن شهاب وربما أدخل
بينه وبينه واسطة كهذا (قوله كان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحجب
نساءك) تقدم شرحه مستوفى في كتاب الطهارة وقوله في آخره قد عرفناك يا سودة حرصا على أن
ينزل الحجاب فأنزل الله عز وجل الحجاب ويجمع بينه وبين حديث أنس في نزول الحجاب بسبب قصة
زينب أن عمر حرص على ذلك حتى قال لسودة ما قال فاتفقت القصة للذين قعدوا في البيت في
زواج زينب فنزلت الآية فكان كل من الامرين سبب لنزولها وقد تقدم تقرير ذلك بزيادة فيه
في تفسير سورة الأحزاب وقد سبق إلى الجمع بذلك القرطبي فقال يحمل على أن عمر تكرر منه هذا
القول قبل الحجاب وبعده ويحتمل أن بعض الرواة ضم قصة إلى أخرى قال والأول أولى فإن عمر
قامت عنده أنفة من أن يطلع أحد على حرم النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يحجبهن فلما نزل
الحجاب كان قصده أن لا يخرجن أصلا فكان في ذلك مشقة فاذن لهن أن يخرجن لحاجتهن التي
لا بد منها قال عياض خص أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بستر الوجه والكفين واختلف في ندبه
في حق غيرهن قالوا فلا يجوز لهن كشف ذلك لشهادة ولا غيرها قال ولا يجوز إبراز أشخاصهن
وإن كن مستترات إلا فيما دعت الضرورة إليه من الخروج إلى البراز وقد كن إذا حدثنا جلسن
للناس من وراء الحجاب وإذا خرجن لحاجة حجبن وسترن انتهى وفي دعوى وجوب حجب
أشخاصهن مطلقا إلا في حاجة البراز نظر فقد كن يسافرن للحج وغيره ومن ضرورة ذلك
الطواف والسعي وفيه بروز أشخاصهن بل وفي حالة الركوب والنزول لا بد من ذلك وكذا في
خروجهن إلى المسجد النبوي وغيره * (تنبيه) * حكى ابن التين عن الداودي أن قصة سودة هذه
لا تدخل في باب الحجاب وإنما هي في لباس الجلابيب وتعقب بأن إرخاء الجلابيب هو الستر عن
نظر الغير إليهن وهو من جملة الحجاب (قوله باب الاستئذان من أجل البصر) أي
شرع من أجله لأن المستأذن لو دخل بغير اذن لرأى بعض ما يكره من يدخل إليه أن يطلع عليه
وقد ورد التصريح بذلك فيما أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وحسنه من
حديث ثوبان رفعه لا يحل لامرئ مسلم أن ينظر إلى جوف بيت حتى يستأذن فان فعل فقد دخل
أي صار في حكم الداخل وللأولين من حديث أبي هريرة بسند حسن رفعه إذا دخل البصر فلا
اذن وأخرج البخاري أيضا عن عمر من قوله من ملاء عينه من قاع بيت قبل أن يؤذن له فقد
فسق (قوله سفيان) قال الزهري كانت عادة سفيان كثيرا حذف الصيغة فيقول فلان عن
فلان لا يقول حدثنا ولا أخبرنا ولا عن وقوله حفظته كما أنك ههنا هو قول سفيان وليس في ذلك
تصريح بأنه سمعه من الزهري لكن قد أخرج مسلم والترمذي الحديث المذكور من طرق عن
سفيان فقالوا عن الزهري ورواه الحميدي وابن أبي عمر في مسنديهما عن سفيان فقالا حدثنا
20

الزهري أخرجه أبو نعيم من طريق الحميدي والإسماعيلي من طريق ابن أبي عمر وقوله كما أنك
ههنا أي حفظته حفظا كالمحسوس لا شك فيه (قوله عن سهل) في رواية الحميدي سمعت سهل بن
سعد ويأتي في الديات من رواية الليث عن الزهري أن سهلا أخبره وقد تقدم بعض هذا في كتاب
اللباس ووعدت بشرحه في الديات وقوله في هذه الرواية من حجر في حجر الأول بضم الجيم وسكون
المهملة وهو كل ثقب مستدير في أرض أو حائط وأصلها مكامن الوحش والثاني بضم المهملة وفتح
الجيم جمع حجرة وهي ناحية البيت ووقع في رواية الكشميهني حجرة بالافراد وقوله مدري يحك به في
رواية الكشميهني بها والمدرى تذكر وتؤنث وقوله لو أعلم أنك تنتظر كذا للأكثر بوزن تفتعل
والكشميهني تنظر وقوله من أجل البصر وقع فيه عند أبي داود بسبب آخر من حديث سعد كذا
عنده مبهم وهو عند الطبراني عن سعد بن عبادة جاء رجل فقام على باب النبي صلى الله عليه وسلم
يستأذن مستقبل الباب فقال له هكذا عنك فإنما الاستئذان من أجل النظر وأخرج أبو داود
بسند قوي من حديث ابن عباس كان الناس ليس لبيوتهم ستور فأمرهم الله بالاستئذان ثم جاء
الله بالخير فلم أر أحدا يعمل بذلك قال ابن عبد البر أظنهم اكتفوا بقرع الباب وله من حديث
عبد الله بن بسر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء
وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر وذلك أن الدور لم يكن عليها ستور وقوله في حديث أنس
بمشقص أو مشاقص بشين معجمة وقاف وصاد مهملة وهو شك من الراوي هل قاله شيخه بالافراد
أو بالجمع والمشقص بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض
وقوله يختل بفتح أوله وسكون المعجمة وكسر المثناة أي يطعنه وهو غافل وسيأتي حكم من أصيبت
عينه أو غيرها بسبب ذلك في كتاب الديات وهو مخصوص بمن تعمد النظر وأما من وقع ذلك منه
عن غير قصد فلا حرج عليه ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن نظرة الفجأة فقال
اصرف بصرك وقال لعلي لا تتبع النظرة النظرة فان لك الأولى وليست لك الثانية واستدل
بقوله من أجل البصر على مشروعية القياس والعلل فإنه دل على أن التحريم والتحليل يتعلق
بأشياء متى وجدت في شئ وجب الحكم عليه فمن أوجب الاستئذان بهذا الحديث وأعرض عن
المعنى الذي لأجله شرع لم يعمل بمقتضى الحديث واستدل به على أن المرء لا يحتاج في دخول منزله
إلى الاستئذان لفقد العلة التي شرع لأجلها الاستئذان نعم لو احتمل أن يتجدد فيه ما يحتاج
معه إليه شرع له ويؤخذ منه أنه يشرع الاستئذان على كل أحد حتى المحارم لئلا تكون منكشفة
العورة وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد عن نافع كان ابن عمر إذا بلغ بعض ولده الحلم لم يدخل
عليه الا بإذن ومن طريق علقمة جاء رجل إلى ابن مسعود فقال أستأذن على أمي فقال ما على كل
أحيانها تريد أن تراها ومن طريق مسلم بن نذير بالنون مصغر سأل رجل حذيفة أستأذن على أمي
قال إن لم تستأذن عليها رأيت ما تكره ومن طريق موسى بن طلحة دخلت مع أبي على أمي فدخل
واتبعته فدفع في صدري وقال تدخل بغير إذن ومن طريق عطاء سألت ابن عباس أستأذن على
أختي قال نعم قلت إنها في حجري قال أتحب أن تراها عريانة وأسانيد هذه الآثار كلها صحيحة وذكر
الأصوليون هذا الحديث مثالا للتنصيص على العلة التي هي أحد أركان القياس (قوله
باب زنا الجوارح دون الفرج) أي أن الزنا لا يختص إطلاقه بالفرج بل يطلق على
21

ما دون الفرج من نظر وغيره وفيه إشارة إلى حكمة النهى عن رؤية ما في البيت بغير استئذان
لتظهر مناسبته للذي قبله (قوله عن ابن طاوس) هو عبد الله وفي مسند الحميدي عن سفيان
حدثنا عبد الله بن طاوس وأخرجه أبو نعيم من طريقه (قوله لم أر شيئا أشبه باللمم من قول أبي
هريرة) هكذا اقتصر البخاري على هذا القدر من طريق سفيان ثم عطف عليه رواية معمر عن ابن
طاوس فساقه مرفوعا بتمامه وكذا صنع الإسماعيلي فأخرجه من طريق ابن أبي عمر عن سفيان ثم
عطف عليه رواية معمر وهذا يوهم أن سياقهما سواء وليس كذلك فقد أخرجه أبو نعيم من رواية
بشر بن موسى عن الحميدي ولفظه سئل ابن عباس عن اللمم فقال لم أر شيئا أشبه به من قول أبي
هريرة كتب على ابن آدم حظه من الزنا وساق الحديث موقوفا فعرف من هذا أن رواية سفيان
موقوفة ورواية معمر مرفوعة ومحمود شيخه فيه هو ابن غيلان وقد أفرده عنه في كتاب القدر
وعلقه فيه لورقاء عن ابن طاوس فلم يذكر فيه ابن عباس بين طاوس وأبي هريرة فكأن طاوسا سمعه
من أبي هريرة بعد ذكر ابن عباس له ذلك وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب القدر إن شاء الله تعالى
قال ابن بطال سمى النظر والنطق زنا لأنه يدعو إلى الزنا الحقيقي ولذلك قال والفرج يصدق ذلك
ويكذبه قال ابن بطال استدل أشهب بقوله والفرج يصدق ذلك أو يكذبه على أن القاذف إذا قال
زنى يدك لا يحد وخالفه ابن القاسم فقال يحد وهو قول للشافعي وخالفه بعض أصحابه واحتج
للشافعي فيما ذكر الخطابي بأن الافعال تضاف للأيدي لقوله تعالى فبما كسبت أيديكم وقوله بما
قدمت يداك وليس المراد في الآيتين جناية الأيدي فقط بل جميع الجنايات اتفاقا فكأنه إذا قال
زنت يدك وصف ذاته بالزنا لان الزنا لا يتبعض انتهى وفي التعليل الأخير نظر والمشهور عند
الشافعية أنه ليس صريحا (قوله باب التسليم والاستئذان ثلاثا) أي سواء اجتمعا أو
انفردا وحديث أنس شاهد للأول وحديث أبي موسى شاهد للثاني وقد ورد في بعض طرقه الجمع
بينهما واختلف هل السلام شرط في الاستئذان أولا فقال المازري صورة الاستئذان أن يقول
السلام عليكم أأدخل ثم هو بالخيار أن يسمي نفسه أو يقتصر على التسليم كذا قال وسيأتي
ما يعكر عليه في باب إذا قال من ذا فقال أنا (قوله حدثنا إسحاق) هو ابن منصور وعبد الصمد هو
ابن عبد الوارث وعبد الله بن المثنى أي ابن عبد الله بن أنس تقدم القول فيه في باب من أعاد
الحديث ثلاثا في كتاب العلم وقدم هنا السلام على الكلام وهناك بالعكس وتقدم شرحه وقول
الإسماعيلي أن السلام انما يشرع تكراره إذا اقترن بالاستئذان والتعقب عليه وأن السلام
وحده قد يشرع تكراره إذا كان الجمع كثيرا ولم يسمع بعضهم وقصد الاستيعاب وبهذا جزم
النووي في معنى حديث أنس وكذا لو سلم وظن أنه لم يسمع فتسن الإعادة فيعيد مرة ثانية وثالثة
ولا يزيد على الثالثة وقال ابن بطال هذه الصيغة تقتضي العموم ولكن المراد الخصوص وهو
غالب أحواله كذا قال وقد تقدم من كلام الكرماني مثله وفيه نظر وكان بمجردها لا تقتضي
مداومة ولا تكثيرا لكن ذكر الفعل المضارع بعدها يشعر بالتكرار واختلف فيمن سلم ثلاثا
فظن أنه لم يسمع فعن مالك له أن يزيد حتى يتحقق وذهب الجمهور وبعض المالكية إلى أنه لا يزيد
اتباعا لظاهر الخبر وقال المازري اختلفوا فيما إذا ظن أنه لم يسمع هل يزيد على الثلاث فقيل لا
وقيل نعم وقيل إذا كان الاستئذان بلفظ السلام لم يزد وإن كان بغير لفظ السلام زاد * الحديث
22

الثاني (قوله حدثنا يزيد بن خصيفة) بخاء معجمة وصاد مهملة وفاء مصغر ووقع لمسلم عن عمرو
الناقد حدثنا سفيان حدثني والله يزيد بن خصيفة وشيخه بسر بضم الموحدة وسكون المهملة
وقد صرح بسماعه من أبي سعيد في الرواية الثانية المعلقة (قوله كنت في مجلس من مجالس
الأنصار) في رواية مسلم عن عمرو الناقد عن سفيان بسنده هذا إلى أبي سعيد قال كنت جالسا
بالمدينة وفي رواية الحميدي عن سفيان اني لفي حلقة فيها أبي بن كعب أخرجه الإسماعيلي
(قوله إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور) في رواية عمرو الناقد فأتانا أبو موسى فزعا أو مذعورا وزاد
قلنا ما شأنك فقال إن عمر أرسل إلي أن آتيه فأتيت بابه (قوله فقال استأذنت على عمر ثلاثا فلم
يؤذن لي فرجعت) في رواية مسلم فسلمت على بابه ثلاثا فلم يردوا علي فرجعت وتقدم في البيوع من
طريق عبيد بن عمير أن أبا موسى الأشعري استأذن على عمر بن الخطاب فلم يؤذن له وكأنه كان
مشغولا فرجع أبو موسى ففزع عمر فقال ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس ائذنوا له قيل إنه رجع
وفي رواية بكير بن الأشج عن بسر عند مسلم استأذنت على عمر أمس ثلاث مرات فلم يؤذن لي
فرجعت ثم جئت اليوم فدخلت عليه فأخبرته أني جئت أمس فسلمت ثلاثا ثم انصرفت قال قد
سمعناك ونحن حينئذ على شغل فلو ما استأذنت حتى يؤذن لك قال استأذنت كما سمعت وله من
طريق أبي نضرة عن أبي سعيد ان أبا موسى أتى باب عمر فاستأذن فقال عمر واحدة ثم استأذن
فقال عمر ثنتان ثم استأذن فقال عمر ثلاث ثم انصرف فاتبعه فرده وله من طريق طلحة بن يحيى
عن أبي بردة جاء أبو موسى إلى عمر فقال السلام عليكم هذا عبد الله بن قيس فلم يأذن له فقال
السلام عليكم هذا أبو موسى السلام عليكم هذا الأشعري ثم انصرف فقال ردوه علي وظاهر
هذين السياقين التغاير فان الأول يقتضي انه لم يرجع إلى عمر الا في اليوم الثاني وفي الثاني أنه أرسل
إليه في الحال وقد وقع في رواية لمالك في الموطأ فأرسل في اثره ويجمع بينهما بان عمر لما فرغ من
الشغل الذي كان فيه تذكره فسأل عنه فأخبر برجوعه فأرسل إليه فلم يجده الرسول في ذلك الوقت
وجاء هو إلى عمر في اليوم الثاني (قوله فقال ما منعك قلت استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي) في رواية
عبيد بن حنين عن أبي موسى عند البخاري في الأدب المفرد فقال يا عبد الله اشتد عليك أن تحتبس
على بابي اعلم أن الناس كذلك يشتد عليهم أن يحتبسوا على بابك فقلت بل استأذنت إلى آخره وفى
هذه الزيادة دلالة على أن عمر أراد تأديبه لما بلغه أنه قد يحتبس على الناس في حال امرته وقد كان
عمر استخلفه على الكوفة مع ما كان عمر فيه من الشغل (قوله إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له
فليرجع) وقع في رواية عبيد بن عمير كنا نؤمر بذلك وفي رواية عبيد بن حنين عن أبي موسى فقال
عمر ممن سمعت هذا قلت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية أبي نضرة ان هذا شئ
حفظته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله فقال والله لتقيمن عليه بينة) زاد مسلم والا
أوجعتك وفي رواية بكير بن الأشج فوالله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتيني بمن يشهد لك على هذا
وفي رواية عبيد بن عمير لتأتيني على ذلك بالبينة وفي رواية أبي نضرة والا جعلتك عظة (قوله
أمنكم أحد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية عبيد بن عمير فانطلق إلى مجلس
الأنصار فسألهم وفي رواية أبي نضرة فقال ألم تعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
الاستئذان ثلاث قال فجعلوا يضحكون فقلت أتاكم أخوكم وقد أفزع فتضحكون (قوله فقال
23

أبي) هو ابن كعب وهو في رواية مسلم كذلك (قوله لا يقوم معي إلا أصغر القوم) في رواية بكير
ابن الأشج فوالله لا يقوم معك الا أحدثنا سنا قم يا أبا سعيد (قوله فأخبرت عمر أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال ذلك) في رواية مسلم فقمت معه فذهبت إلى عمر فشهدت وفي رواية أبي نضرة فقال
أبو سعيد انطلق وأنا شريكك في هذه العقوبة وفي رواية بكير بن الأشج فقمت حتى أتيت عمر فقلت
قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا واتفق الرواة على أن الذي شهد لأبي موسى
عند عمر أبو سعيد الا ما عند البخاري في الأدب المفرد من طريق عبيد بن حنين فإن فيه فقام
معي أبو سعيد الخدري أو أبو مسعود إلى عمر هكذا بالشك وفي رواية لمسلم من طريق طلحة بن يحيى
عن أبي بردة في هذه القصة فقال عمر ان وجد بينة تجدوه عند المنبر عشية وان لم يجد بينة فلن
تجدوه فلما أن جاء بالعشي وجده قال يا أبا موسى ما تقول أقد وجدت قال نعم أبي بن كعب قال
عدل قال يا أبا الطفيل وفي لفظ له يا أبا المنذر ما يقول هذا قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول ذلك يا ابن الخطاب فلا تكون عذابا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سبحان
الله أنا سمعت شيئا فأحببت أن أثبت هكذا وقع في هذه الطريق وطلحة بن يحيى فيه ضعف
ورواية الأكثر أولى أن تكون محفوظة ويمكن الجمع بأن أبي بن كعب جاء بعد أن شهد أبو سعيد
وفي رواية عبيد بن حنين التي أشرت إليها في الأدب المفرد زيادة مفيدة وهي أن أبا سعيد أو أبا
مسعود قال لعمر خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو يريد سعد بن عبادة حتى أتاه فسلم
فلم يؤذن له ثم سلم الثانية فلم يؤذن له ثم سلم الثالثة فلم يؤذن له فقال قضينا ما علينا ثم رجع فأذن له
سعد الحديث فثبت ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم ومن فعله وقصة سعد بن عبادة هذه أخرجها
أبو داود من حديث قيس بن سعد بن عبادة مطولة بمعناه وأحمد من طريق ثابت عن أنس أو غيره
كذا فيه وأخرجه البزار عن أنس بغير تردد وأخرجه الطبراني من حديث أم طارق مولاة سعد
واتفق الرواة على أن أبا سعيد حدث بهذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وحكى قصة أبي
موسى عنه إلا ما أخرجه مالك في الموطأ عن الثقة عن بكير بن الأشج عن بسر عن أبي سعيد عن
أبي موسى بالحديث مختصرا دون القصة وقد أخرجه مسلم من طريق عمرو بن الحارث عن بكير
بطوله وصرح في روايته بسماع أبي سعيد له من النبي صلى الله عليه وسلم وكذا وقع في رواية
أخرى عنده فقال أبو موسى إن كان سمع ذلك منكم أحد فليقم معي فقالوا لأبي سعيد قم معه
وأغرب الداودي فقال روى أبو سعيد حديث الاستئذان عن أبي موسى وهو يشهد له عند عمر
فأدى إلى عمر ما قال أهل المجلس وكأنه نسي أسماءهم بعد ذلك فحدث به عن أبي موسى وحده
لكونه صاحب القصة وتعقبه ابن التين بأنه مخالف لما في رواية الصحيح لأنه قال فأخبرت عمر بأن
النبي صلى الله عليه وسلم قاله (قلت) وليس ذلك صريحا في رد ما قال الداودي وإنما المعتمد في
التصريح بذلك رواية عمرو بن الحارث وهي من الوجه الذي أخرجه منه مالك والتحقيق أن أبا
سعيد حكى قصة أبي موسى عنه بعد وقوعها بدهر طويل لان الذين رووها عنه لم يدركوها ومن
جملة قصة أبي موسى الحديث المذكور فكأن الراوي لما اختصرها واقتصر على المرفوع خرج
منها أن أبا سعيد ذكر الحديث المذكور عن أبي موسى وغفل عما في آخرها من رواية أبي سعيد
المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير واسطة وهذا من آفات الاختصار فينبغي لمن اقتصر على
24

بعض الحديث أن يتفقد مثل هذا والا وقع في الخطا وهو كحذف ما للممتن به تعلق وتختلف الدلالة
بحذفه وقد اشتد إنكار ابن عبد البر على من زعم أن هذا الحديث انما رواه أبو سعيد عن أبي
موسى وقال إن الذي وقع في الموطأ لهما هو من النقلة لاختلاط الحديث عليهم وقال في موضع
آخر ليس المراد أن أبا سعيد روى هذا الحديث عن أبي موسى وإنما المراد عن أبي سعيد عن قصة
أبي موسى والله أعلم وممن وافق أبا موسى على رواية الحديث المرفوع جندب بن عبد الله أخرجه
الطبراني عنه بلفظ إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع (قوله وقال ابن المبارك) هو
عبد الله وابن عيينة هو سفيان المذكور في الاسناد الأول وأراد بهذا التعليق بيان سماع بسر له
من أبي سعيد وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق الحسن بن سفيان حدثنا حبان بن موسى
حدثنا عبد الله بن المبارك وكذا وقع التصريح به عند مسلم عن عمرو الناقد وأخرجه الحميدي عن
سفيان حدثنا يزيد بن خصيفة سمعت بسر بن سعيد يقول حدثني أبو سعيد وقد استشكل ابن
العربي إنكار عمر على أبي موسى حديثه المذكور مع كونه وقع له مثل ذلك مع النبي صلى الله
عليه وسلم وذلك في حديث ابن عباس الطويل في هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في المشربة
فان فيه أن عمر استأذن مرة بعد مرة فلما لم يؤذن له في الثالثة رجع حتى جاءه الاذن وذلك بين في
سياق البخاري قال والجواب عن ذلك أنه لم يقض فيه بعلمه أو لعله نسي ما كان وقع له ويؤيده
قوله شغلني الصفق بالأسواق (قلت) والصورة التي وقعت لعمر ليست مطابقة لما رواه أبو موسى
بل استأذن في كل مرة فلم يؤذن له فرجع فلما رجع في الثالثة استدعى فأذن له ولفظ البخاري
الذي أحال عليه ظاهر فيما قلته وقد استوفيت طرقه عند شرح الحديث في أواخر النكاح وليس
فيه ما ادعاه وتعلق بقصة عمر من زعم أنه كان لا يقبل خبر الواحد ولا حجة فيه لأنه قبل خبر أبي
سعيد المطابق لحديث أبي موسى ولا يخرج بذلك عن كونه خبر واحد واستدل به من ادعى أن
خبر العدل بمفرده لا يقبل حتى ينضم إليه غيره كما في الشهادة قال ابن بطال وهو خطأ من قائله
وجهل بمذهب عمر فقد جاء في بعض طرقه أن عمر قال لأبي موسى أما إني لم أتهمك ولكني أردت
أن لا يتجرأ الناس على الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قلت) وهذه الزيادة في الموطأ
عن ربيعة عن غير واحد من علمائهم أن أبا موسى فذكر القصة وفي آخره فقال عمر لأبي موسى
أما إني لم أتهمك ولكني خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية
عبيد بن حنين التي أشرت إليها آنفا فقال عمر لأبي موسى والله ان كنت لأمينا على حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن أحببت أن أستثبت ونحوه في رواية أبي بردة حين قال أبي بن
كعب لعمر لا تكن عذابا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سبحان الله إنما سمعت
شيئا فأحببت أن أتثبت قال ابن بطال فيؤخذ منه التثبت في خبر الواحد لما يجوز عليه من السهو
وغيره وقد قبل عمر خبر العدل الواحد بمفرده في توريث المرأة من دية زوجها وأخذ الجزية من
المجوس إلى غير ذلك لكنه كان يستثبت إذا وقع له ما يقتضي ذلك وقال ابن عبد البر يحتمل أن
يكون حضر عنده من قرب عهده بالاسلام فخشي أن أحدهم يختلق الحديث عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم عند الرغبة والرهبة طلبا للمخرج مما يدخل فيه فأراد أن يعلمهم أن من فعل
شيئا من ذلك ينكر عليه حتى يأتي بالمخرج وادعى بعضهم أن عمر لم يعرف أبا موسى قال ابن عبد البر
25

وهو قول خرج بغير روية من قائله ولا تدبر فإن منزلة أبي موسى عند عمر مشهورة وقال ابن العربي
اختلف في طلب عمر من أبي موسى البينة على عشرة أقوال فذكرها وغالبها متداخل ولا تزيد
على ما قدمته واستدل بالخبر المرفوع على أنه لا تجوز الزيادة في الاستئذان على الثلاث قال ابن
عبد البر فذهب أكثر أهل العلم إلى ذلك وقال بعضهم إذا لم يسمع فلا بأس أن يزيد وروى سحنون
عن ابن وهب عن مالك لا أحب أن يزيد على الثلاث إلا من علم أنه لم يسمع (قلت) وهذا هو الأصح
عند الشافعية قال ابن عبد البر وقيل تجوز الزيادة مطلقا بناء على أن الامر بالرجوع بعد الثلاث
للإباحة والتخفيف عن المستأذن فمن استأذن أكثر فلا حرج عليه قال والاستئذان أن يقول
السلام عليكم أأدخل كذا قال ولا يتعين هذا اللفظ وحكى ابن العربي إن كان بلفظ الاستئذان
لا يعيد وإن كان بلفظ آخر أعاد قال والأصح لا يعيد وقد تقدم ما حكاه المازري في ذلك وأخرج
البخاري في الأدب المفرد عن أبي العلانية قال أتيت أبا سعيد فسلمت فلم يؤذن لي ثم سلمت فلم يؤذن
لي فتنحيت ناحية فخرج على غلام فقال أدخل فدخلت فقال لي أبو سعيد أما إنك لو زدت يعني
على الثلاث لم يؤذن لك واختلف في حكمة الثلاث فروى ابن أبي شيبة من قول علي بن أبي طالب
الأولى إعلام والثانية مؤامرة والثالثة عزمة إما أن يؤذن له وإما أن يرد (قلت) ويؤخذ من
صنيع أبي موسى حيث ذكر اسمه أولا وكنيته ثانيا ونسبته ثالثا أن الأولى هي الأصل والثانية
إذا جوز أن يكون التبس على من استأذن عليه والثالثة إذا غلب على ظنه أنه عرفه قال ابن
عبد البر وذهب بعضهم إلى أن أصل الثلاث في الاستئذان قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا
ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات قال وهذا غير
معروف في تفسيرها وإنما أطبق الجمهور على أن المراد بالمرات الثلاث الأوقات (قلت) وأخرج
ابن أبي حاتم من طريق مقاتل بن حبان قال بلغنا أن رجلا من الأنصار وامرأته أسماء بنت مرثد
صنعا طعاما فجعل الناس يدخلون بغير اذن فقالت أسماء يا رسول الله ما أقبح هذا إنه ليدخل على
المرأة وزوجها غلامهما وهما في ثوب واحد بغير اذن فنزلت وأخرج أبو داود وابن أبي حاتم بسند
قوي من حديث ابن عباس أنه سئل عن الاستئذان في العورات الثلاث فقال إن الله ستير يحب
الستر وكان الناس ليس لهم ستور على أبوابهم فربما فاجأ الرجل خادمه أو ولده وهو على أهله
فأمروا أن يستأذنوا في العورات الثلاث ثم بسط الله الرزق فاتخذوا الستور والحجال فرأى
الناس أن ذلك قد كفاهم الله مما أمروا به ومن وجه آخر صحيح عن ابن عباس لم يعمل بها أكثر
الناس وأني لآمر جاريتي أن تستأذن على وفي الحديث أيضا أن لصاحب المنزل إذا سمع
الاستئذان أن لا يأذن سواء سلم مرة أم مرتين أم ثلاثا إذا كان في شغل له ديني أو دنيوي يتعذر بترك
الاذن معه للمستأذن وفيه أن العالم المتبحر قد يخفى عليه من العلم ما يعلمه من هو دونه ولا يقدح
ذلك في وصفه بالعلم والتبحر فيه قال ابن بطال وإذا جاز ذلك على عمر فما ظنك بمن هو دونه وفيه أن
لمن تحقق براءة الشخص مما يخشى منه وأنه لا يناله بسبب ذلك مكروه أن يمازحه ولو كان قبل
اعلامه بما يطمئن به خاطره مما هو فيه لكن بشرط أن لا يطول الفصل لئلا يكون سببا في إدامة
تأذي المسلمين بالهم الذي وقع له كما وقع للأنصار مع أبي موسى وأما إنكار أبي سعيد عليهم فإنه
اختار الأولى وهو المبادرة إلى إزالة ما وقع فيه قبل التشاغل بالممازحة (قوله باب
26

إذا دعي الرجل فجاء هل يستأذن) يعني أو يكتفي بقرينة الطلب (قوله وقال سعيد عن قتادة عن
أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال هو إذنه) كذا للأكثر ووقع للكشميهني
وقال شعبة والأول هو المحفوظ وقد أخرجه المصنف في الأدب المفرد وأبو داود من طريق عبد
الاعلى ابن عبد الاعلى عن سعيد بن أبي عروبة وأخرجه البيهقي من طريق عبد الوهاب بن عطاء
عن ابن أبي عروبة ولفظ البخاري إذا دعي أحدكم فجاء مع الرسول فهو إذنه ولفظ أبي داود مثله
وزاد إلى طعام قال أبو داود لم يسمع قتادة من أبي رافع كذا في رواية اللؤلؤي عن أبي داود ولفظه
في رواية أبي الحسن بن العبد يقال لم يسمع قتادة من أبي رافع شيا كذا قال وقد ثبت سماعه منه في
الحديث الذي سيأتي في البخاري في كتاب التوحيد من رواية سليمان التيمي عن قتادة أن أبا رافع
حدثه وللحديث مع ذلك متابع أخرجه البخاري في الأدب المفرد من طريق محمد بن سيرين عن
أبي هريرة بلفظ رسول الرجل إلى الرجل إذنه وأخرج له شاهدا موقوفا على ابن مسعود قال إذا
دعي الرجل فهو إذنه وأخرجه ابن أبي شيبة مرفوعا واعتمد المنذري على كلام أبي داود فقال
أخرجه البخاري تعليقا لأجل الانقطاع كذا قال ولو كان عنده منقطعا لعلقه بصيغة التمريض
كما هو الأغلب من صنيعه وهو غالبا يجزم إذا صح السند إلى من علق عنه كما قال في الزكاة وقال
طاوس قال معاذ فذكر أثرا وطاوس لم يدرك معاذا وكذا إذا كان فوق من علق عنه من ليس على
شرطه كما قال في الطهارة وقال بهز بن حكيم عن أبيه عن جده وحيث وقع فيما طواه من ليس على
شرطه مرضه كما قال في النكاح ويذكر عن معاوية بن حيدة فذكر حديثا ومعاوية هو جد بهز
ابن حكيم وقد أوضحت ذلك في المقدمة ثم أورد المصنف طرفا من حديث مجاهد عن أبي هريرة
قال دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد لبنا في قدح فقال أبا هر الحق أهل الصفة
فادعهم إلي قال فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فدخلوا اقتصر منه على هذا
القدر لأنه الذي احتاج إليه هنا وساقه في الرقاق بتمامه كما سيأتي وظاهره يعارض الحديث
الأول ومن ثم لم يجزم بالحكم وجمع المهلب وغيره بتنزيل ذلك على اختلاف حالين إن طال
العهد بين الطلب والمجئ احتاج إلى استئناف الاستئذان وكذا ان لم يطل لكن كان
المستدعي في مكان يحتاج معه إلى الاذن في العادة والا لم يحتج إلى استئناف اذن وقال ابن التين
لعل الأول فيمن علم أنه ليس عنده من يستأذن لأجله والثاني بخلافه قال والاستئذان على كل
حال أحوط وقال غيره إن حضر صحبة الرسول أغناه استئذان الرسول ويكفيه سلام الملاقاة
وان تأخر عن الرسول احتاج إلى الاستئذان وبهذا جمع الطحاوي واحتج بقوله في الحديث
الثاني فأقبلوا فاستأذنوا فدل على أن أبا هريرة لم يكن معهم والا لقال فأقبلنا كذا قال (قوله
باب التسليم على الصبيان) سقط لفظ باب لأبي ذر وكأنه ترجم بذلك للرد على من قال
لا يشرع لان الرد فرض وليس الصبي من أهل الفرض وأخرج ابن أبي شيبة من طريق أشعث
قال كان الحسن لا يرى التسليم على الصبيان وعن ابن سيرين أنه كان يسلم على الصبيان ولا يسمعهم
(قوله عن سيار) بفتح المهملة وتشديد التحتانية هو أبو الحكم مشهور باسمه وكنيته معا فيجئ
غالبا هكذا عن سيار أبي الحكم وهو عنزي بفتح المهملة والنون بعدها زاي واسطى من طبقة
الأعمش وتقدمت وفاته على وفاة شيخه ثابت البناني بسنة وقيل أكثر وليس له في الصحيحين عن
ثابت الا هذا الحديث وقال البزار لم يسند سيار عن ثابت غيره (قلت) ورواية شعبة عنه من رواية
27

الاقران وقد حدث شعبة عن ثابت نفسه بعدة أحاديث وكأنه لم يسمع هذا منه فأدخل بينهما
واسطة وقد روى شعبة أيضا عن آخر اسمه سيار وهو ابن سلامة أبو المنهال وليس هو المراد هنا ولم
نقف له على رواية عن ثابت وأخرج النسائي حديث الباب من طريق جعفر بن سليمان عن
ثابت بأتم من سياقه ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار فيسلم على صبيانهم
ويمسح على رؤسهم ويدعو لهم وهو مشعر بوقوع ذلك منه غير مرة بخلاف سياق الباب حيث قال
مر على صبيان فسلم عليهم فإنها تدل على انها واقعة حال ولم أقف على أسماء الصبيان المذكورين
وأخرجه مسلم والنسائي وأبو داود من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت بلفظ غلمان بدل صبيان
ووقع لابن السني وأبي نعيم في عمل يوم وليلة من طريق عثمان بن مطر عن ثابت بلفظ فقال
السلام عليكم يا صبيان وعثمان واه ولأبي داود من طريق حميد عن أنس انتهى إلينا النبي صلى
الله عليه وسلم وأنا غلام في الغلمان فسلم علينا فأرسلني برسالة الحديث وسيأتي في باب حفظ
السر وللبخاري في الأدب المفرد نحوه من هذا الوجه ولفظه ونحن صبيان فسلم علينا وأرسلني
في حاجة وجلس في الطريق ينتظرني حتى رجعت قال ابن بطال في السلام على الصبيان تدريبهم
على آداب الشريعة وفيه طرح الأكابر رداء الكبر وسلوك التواضع ولين الجانب قال أبو سعيد
المتولي في التتمة من سلم على صبي لم يجب عليه الرد لان الصبي ليس من أهل الفرض وينبغي لوليه
أن يأمره بالرد ليتمرن على ذلك ولو سلم على جمع فيهم صبي فرد الصبي دونهم لم يسقط عنهم الفرض
وكذا قال شيخه القاضي حسين ورده المستظهري وقال النووي الأصح لا يجزئ ولو ابتدأ الصبي
بالسلام وجب على البالغ الرد على الصحيح (قلت) ويستثنى من السلام على الصبي ما لو كان
وضيئا وخشي من السلام عليه الافتتان فلا يشرع ولا سيما إن كان مراهقا منفردا (قوله
باب تسليم الرجال على النساء والنساء على الرجال) أشار بهذه الترجمة إلى رد ما أخرجه
عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير بلغني أنه يكره أن يسلم الرجال على النساء والنساء على
الرجال وهو مقطوع أو معضل والمراد بجوازه أن يكون عند أمن الفتنة وذكر في الباب حديثين
يؤخذ الجواز منهما وورد فيه حديث ليس على شرطه وهو حديث أسماء بنت يزيد مر علينا النبي
صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا حسنه الترمذي وليس على شرط البخاري فاكتفى بما هو على
شرطه وله شاهد من حديث جابر عند أحمد وقال الحليمي كان النبي صلى الله عليه وسلم للعصمة
مأمونا من الفتنة فمن وثق من نفسه بالسلامة فليسلم والا فالصمت أسلم وأخرج أبو نعيم في عمل
يوم وليلة من حديث واثلة مرفوعا يسلم الرجال على النساء ولا يسلم النساء على الرجال وسنده واه
ومن حديث عمرو بن حريث مثله موقوفا عليه وسنده جيد وثبت في مسلم حديث أم هانئ أتيت
النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل فسلمت عليه * الحديث الأول (قوله ابن أبي حازم) هو
عبد العزيز واسم أبي حازم سلمة بن دينار (قوله كنا نفرح يوم الجمعة) في رواية الكشميهني بيوم بزيادة
موحدة في أوله وتقدم في الجمعة من وجه آخر عن أبي حازم بلفظ كنا نتمنى يوم الجمعة وذكر سبب
الحديث ثم قال في آخره كنا نفرح بذلك (قوله قلت لسهل ولم) بكسر اللام للاستفهام والقائل
هو أبو حازم راوي الحديث والمجيب هو سهل (قوله كانت لنا عجوز) في الجمعة امرأة ولم أقف على
اسمها (قوله ترسل إلى بضاعة) بضم الموحدة على المشهور وحكى كسرها وبتخفيف المعجمة
28

وبالعين المهملة وذكره بعضهم بالصاد المهملة (قوله قال ابن مسلمة نخل بالمدينة) القائل هو
عبد الله بن مسلمة شيخ البخاري فيه وهو القعنبي وفسر بضاعة بأنها نخل بالمدينة والمراد بالنخل
البستان ولذلك كان يؤتى منها بالسلق وقد تقدم في كتاب الجمعة أنها كانت مزرعة للمرأة
المذكورة وفسرها غيره بأنها دور بني ساعدة وبها بئر مشهورة وبها مال من أموال المدينة كذا
قال عياض ومراده بالمال البستان وقال الإسماعيلي في هذا الحديث بيان أن بئر بضاعة بئر
بستان فيدل على أن قول أبي سعيد في حديثه يعني الذي أخرجه أصحاب السنن أنها كانت
تطرح فيها خرق الحيض وغيرها أنها كانت تطرح في البستان فيجريها المطر ونحوه إلى البئر
(قلت) وذكر أبو داود في السنن أنه رأى بئر بضاعة وزرعها ورأى ماءها وبسط ذلك في كتاب
الطهارة من سننه وادعى الطحاوي أنها كانت سيحا وروى ذلك عن الواقدي وليس هذا موضع
استيعاب ذلك (قوله في قدر) في رواية الكشميهني في القدر وتكركر أي تطحن كما تقدم في الجمعة
قال الخطابي الكركرة الطحن والجش وأصله الكر وضوعف لتكرار عود الرحى في الطحن
مرة أخرى وقد تكون الكركرة بمعنى الصوت كالجرجرة والكركرة أيضا شدة الصوت للضحك
حتى يفحش وهو فوق القرقرة (قوله حبات من شعير) بين في الرواية التي في الجمعة أنها قبضة
وقد تقدمت بقية شرحه هناك * الحديث الثاني (قوله ابن مقاتل) هو محمد وعبد الله هو ابن
المبارك (قوله يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام) تقدم شرحه في المناقب وحكى ابن التين
ان الداودي اعترض فقال لا يقال للملائكة رجال ولكن الله ذكرهم بالتذكير والجواب أن
جبريل كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم على صورة الرجل كما تقدم في بدء الوحي وقال ابن بطال
عن المهلب سلام الرجال على النساء والنساء على الرجال جائز إذا أمنت الفتنة وفرق المالكية
بين الشابة والعجوز سدا للذريعة ومنع منه ربيعة مطلقا وقال الكوفيون لا يشرع للنساء
ابتداء السلام على الرجال لأنهن منعن من الأذان والإقامة والجهر بالقراءة قالوا ويستثنى المحرم
فيجوز لها السلام على محرمها قال المهلب وحجة مالك حديث سهل في الباب فان الرجال الذين
كانوا يزورونها وتطعمهم لم يكونوا من محارمها انتهى وقال المتولي إن كان للرجل زوجة
أو محرم أو أمة فكالرجل مع الرجل وإن كانت أجنبية نظر إن كانت جميلة يخاف الافتتان بها لم
يشرع السلام لا ابتداء ولا جوابا فلو ابتدأ أحدهما كره للآخر الرد وإن كانت عجوزا لا يفتتن بها
جاز وحاصل الفرق بين هذا وبين المالكية التفصيل في الشابة بين الجمال وعدمه فان الجمال
مظنة الافتتان بخلاف مطلق الشابة فلو اجتمع في المجلس رجال ونساء جاز السلام من الجانبين
عند أمن الفتنة (قوله تابعه شعيب وقال يونس والنعمان عن الزهري وبركاته) أما متابعة
شعيب فوصلها المؤلف في الرقاق وأما زيادة يونس وهو ابن يزيد فتقدم في الحديث بتمامه
موصولا في كتاب المناقب وأما متابعة النعمان وهو ابن راشد فوصلها الطبراني في الكبير
ووقعت لنا بعلو في جزء هلال الحفار قال الإسماعيلي قد أخرجنا فيه من حديث ابن المبارك
وبركاته وكان ساقه من طريق أبي إبراهيم البناني ومن طريق حبان بن موسى كلاهما عن ابن
المبارك وكذا قال عقيل وعبيد الله بن أبي زياد عن الزهري (قوله باب إذا قال
من ذا فقال أنا) سقط لفظ باب من رواية أبي ذر وكأنه لم يجزم بالحكم لان الخبر ليس صريحا في
29

الكراهة قوله عن محمد بن المنكدر) في رواية الإسماعيلي عن أحمد بن محمد بن منصور وغيره
عن علي بن الجعد شيخ البخاري فيه عن شعبة أخبرني محمد بن المنكدر عن جابر (قوله أتيت النبي
صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي) تقدم بيانه في كتاب البيوع من وجه آخر مطولا (قوله
فدققت) بقافين للأكثر وللمستملي والسرخسي فدفعت بفاء وعين مهملة وفي رواية الإسماعيلي
فضربت الباب وهي تؤيد رواية فدققت بالقافين وله من وجه آخر وهي عند مسلم استأذنت على
النبي صلى الله عليه وسلم ولمسلم في أخرى دعوت النبي صلى الله عليه وسلم (قوله فقلت أنا فقال أنا
أنا كأنه كرهها) وفي رواية لمسلم فخرج وهو يقول انا أنا وفي أخرى كأنه كره ذلك ولأبي داود
الطيالسي في مسنده عن شعبة كره ذلك بالجزم قال المهلب إنما كره قول أنا لأنه ليس فيه بيان
إلا أن كان المستأذن ممن يعرف المستأذن عليه صوته ولا يلتبس بغيره والغالب الالتباس وقيل
إنما كره ذلك لان جابرا لم يستأذن بلفظ السلام وفيه نظر لأنه ليس في سياق حديث جابر أنه طلب
الدخول وإنما جاء في حاجته فدق الباب ليعلم النبي صلى الله عليه وسلم بمجيئه فلذلك خرج له وقال
الداودي إنما كرهه لأنه أجابه بغير ما سأله عنه لأنه لما ضرب الباب عرف أن ثم ضاربا فلما قال أنا كأنه
أعلمه أن ثم ضاربا فلم يزده على ما عرف من ضرب الباب قال وكان هذا قبل نزول آية الاستئذان
(قلت) وفيه نظر لأنه لا تنافي بين القصة وبين ما دلت عليه الآية ولعله رأى أن الاستئذان ينوب
عن ضرب الباب وفيه نظر لان الداخل قد يكون لا يسمع الصوت بمجرده فيحتاج إلى ضرب الباب
ليبلغه صوت الدق فيقرب أو يخرج فيستأذن عليه حينئذ وكلامه الأول سبقه إليه الخطابي
فقال قوله أنا لا يتضمن الجواب ولا يفيد العلم بما استعلمه وكان حق الجواب أن يقول أنا جابر ليقع
تعريف الاسم الذي وقعت المسئلة عنه وقد أخرج المصنف في الأدب المفرد وصححه الحاكم من
حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المسجد وأبو موسى يقرأ قال فجئت فقال من هذا
قلت أنا بريدة وتقدم حديث أم هانئ جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت أنا أم هانئ
الحديث في صلاة الضحى قال النووي إذا لم يقع التعريف إلا بأن يكنى المرء نفسه لم يكره ذلك
وكذا لا بأس أن يقول أنا الشيخ فلان أو القارئ فلان أو القاضي فلان إذا لم يحصل التمييز إلا
بذلك وذكر ابن الجوزي أن السبب في كراهة قول أنا أن فيها نوعا من الكبر كان قائلها يقول أنا
الذي لا أحتاج أذكر اسمي ولا نسبي وتعقبه مغلطاي بأن هذا لا يتأتى في حق جابر في مثل هذا
المقام وأجيب بأنه ولو كان كذلك فلا يمنع من تعليمه ذلك لئلا يستمر عليه ويعتاده والله أعلم قال
ابن العربي في حديث جابر مشروعية دق الباب ولم يقع في الحديث بيان هل كان بآلة أو بغير آلة
(قلت) وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد من حديث أنس أن أبواب رسول الله صلى الله عليه
وسلم كانت تقرع بالأظافير وأخرجه الحاكم في علوم الحديث من حديث المغيرة بن شعبة وهذا
محمول منهم على المبالغة في الأدب وهو حسن لمن قرب محله من بابه أما من بعد عن الباب بحيث
لا يبلغه صوت القرع بالظفر فيستحب أن يقرع بما فوق ذلك بحسبه وذكر السهيلي أن السبب في
قرعهم بابه بالأظافير أن بابه لم يكن فيه حلق فلأجل ذلك فعلوه والذي يظهر أنهم إنما كانوا يفعلون
ذلك توقيرا وإجلالا وأدبا (قوله باب من رد فقال عليك السلام) يحتمل أن يكون
أشار إلى من قال لا يقدم على لفظ السلام شئ بل يقول في الابتداء والرد السلام عليك أو من
30

قال لا يقتصر على الافراد بل يأتي بصيغة الجمع أو من قال لا يحذف الواو بل يجيب بواو العطف
فيقول وعليك أو من قال يكفي في الجواب أن يقتصر على عليك بغير لفظ السلام أو من قال
لا يقتصر على عليك السلام بل يزيد ورحمة الله وهذه خمسة مواضع جاءت فيها آثار تدل عليها
فأما الأول فيؤخذ من الحديث الماضي أن السلام اسم الله فينبغي أن لا يقدم على اسم الله شئ نبه
عليه ابن دقيق العيد ونقل عن بعض الشافعية أن المبتدئ لو قال عليك السلام لم يجزئ وذكر
النووي عن المتولى أن من قال في الابتداء وعليكم السلام لا يكون سلاما ولا يستحق جوابا
وتعقبه بالرد فإنه يشرع بتقديم لفظ عليكم قال النووي فلو أسقط الواو فقال عليكم السلام قال
الواحدي فهو سلام ويستحق الجواب وإن كان قلب اللفظ المعتاد هكذا جعل النووي الخلاف
في إسقاط الواو واثباتها والمتبادر أن الخلاف في تقديم عليكم على السلام كما يشعر به كلام
الواحدي قال النووي ويحتمل وجهين كالوجهين في التحلل بلفظ عليكم السلام والأصح الحصول
ثم ذكر حديث أبي جرى وقد تقدم الكلام عليه في الباب الأول وأما الثاني فأخرج البخاري في
الأدب المفرد من طريق معاوية بن قرة قال قال لي أبي قرة بن إياس المزني الصحابي إذا مر بك الرجل
فقال السلام عليكم فلا تقل وعليك السلام فتخصه وحده فإنه ليس وحده وسنده صحيح ومن
فروع هذه المسئلة لو وقع الابتداء بصيغة الجمع فإنه لا يكفي الرد بصيغة الافراد لان صيغة الجمع
تقتضي التعظيم فلا يكون امتثل الرد بالمثل فضلا عن الأحسن نبه عليه ابن دقيق العيد وأما
الثالث فقال النووي اتفق أصحابنا أن المجيب لو قال عليك بغير واو لم يجزئ وإن قال بالواو
فوجهان وأما الرابع فأخرج البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن ابن عباس أنه كان
إذا سلم عليه يقول وعليك ورحمة الله وقد ورد مثل ذلك في أحاديث مرفوعة سأذكرها في باب
كيف الرد على أهل الذمة وأما الخامس فتقدم الكلام عليه في الباب الأول (قوله وقالت عائشة
وعليه السلام ورحمة الله وبركاته) هذا طرف من حديث تقدم ذكره قريبا في باب تسليم الرجال
والنساء وفيه بيان من زاد فيه وبركاته (قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم رد الملائكة على آدم
السلام عليك ورحمة الله) هذا طرف من الحديث الآخر الذي تقدم في أول كتاب
الاستئذان وجزم المصنف بهذا اللفظ مما يقوي رواية الأكثر بخلاف رواية الكشميهني (قوله
عبيد الله) هو ابن عمر بن حفص العمري (قوله عن أبي هريرة) قد قال فيه بعض الرواة عن أبيه
عن أبي هريرة وهي رواية يحيى القطان المذكورة في آخر الباب وبينت في كتاب الصلاة أي
الروايتين أرجح (قوله إن رجلا دخل المسجد) الحديث في قصة المسئ صلاته والغرض منه قوله
فيه ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له وعليك السلام ارجع وتقدم في الصلاة بلفظ
فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية أخرى فقال وعليك وسقط ذلك أصلا من الرواية
الآتية في الايمان والنذور وقد تقدم ما فيه مع بقية شرحه مستوفى في باب أمر الذي لا يتم ركوعه
بالإعادة من كتاب الصلاة (قوله وقال أبو أسامة في الأخير حتى تستوي قائما) وصل المصنف رواية
أبي أسامة هذه في كتاب الايمان والنذور كما سيأتي وقد بينت في صفة الصلاة النكتة في اقتصار
البخاري على هذه اللفظة من هذا الحديث وحاصله أنه وقع هنا في الأخير ثم أرفع حتى تطمئن
جالسا فأراد البخاري أن يبين أن راويها خولف فذكر رواية أبي أسامة مشيرا إلى ترجيحها وأجاب
31

الداودي عن أصل الاشكال بأن الجالس قد يسمى قائما لقوله تعالى ما دمت عليه قائما وتعقبه
ابن التين بأن التعليم إنما وقع لبيان ركعة واحدة والذي يليها هو القيام يعني فيكون قوله حتى
تستوي قائما هو المعتمد وفيه نظر لان الداودي عرف ذلك وجعل القيام محمولا على الجلوس
واستدل بالآية والاشكال إنما وقع في قوله في الرواية الأخرى حتى تطمئن جالسا وجلسة
الاستراحة على تقدير أن تكون مرادة لا تشرع الطمأنينة فيها فلذلك احتاج الداودي إلى
تأويله لكن الشاهد الذي أتى به عكس المراد والمحتاج إليه هنا أن يأتي بشاهد يدل على أن القيام
قد يسمى جلوسا وفي الجملة المعتمد للترجيح كما أشار إليه البخاري وصرح به البيهقي وجوز بعضهم
أن يكون المراد به التشهد والله أعلم (قوله في الطريق الأخيرة قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم
ارفع حتى تطمئن جالسا) هكذا اقتصر على هذا القدر من الحديث وساقه في كتاب الصلاة بتمامه
(قوله باب إذا قال فلان يقرئك السلام) في رواية الكشميهني يقرأ عليك السلام
وهو لفظ حديث الباب وقد تقدم شرحه في مناقب عائشة وتقدم شرح هذه اللفظة وهي اقرأ
السلام في كتاب الايمان قال النووي في هذا الحديث مشروعية إرسال السلام ويجب على الرسول
تبليغه لأنه أمانة وتعقب بأنه بالوديعة أشبه والتحقيق أن الرسول إن التزمه أشبه الأمانة وإلا
فوديعة والودائع إذا لم تقبل لم يلزمه شئ قال وفيه إذا أتاه شخص بسلام من شخص أو في ورقة
وجب الرد على الفور ويستحب أن يرد على المبلغ كما أخرج النسائي عن رجل من بني تميم أنه بلغ
النبي صلى الله عليه وسلم سلام أبيه فقال له وعليك وعلى أبيك السلام وقد تقدم في المناقب أن
خديجة لما بلغها النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل سلام الله عليها قالت إن الله هو السلام ومنه
السلام وعليك وعلى جبريل السلام ولم أر في شئ من طرق حديث عائشة أنها ردت على النبي صلى
الله عليه وسلم فدل على أنه غير واجب وقد ورد بلفظ الترجمة حديث من قول النبي صلى الله
عليه وسلم أخرجه مسلم من حديث أنس أن فتى من أسلم قال يا رسول الله إني أريد الجهاد فقال
ائت فلانا فقل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام ويقول ادفع إلي ما تجهرت به
(قوله باب التسليم في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين) أورد فيه حديث
أسامة بن زيد في قصة عبد الله بن أبي قال ابن التين قوله ابن سلول هي قبيلة من هوازن وهو اسم
أمه يعني عبد الله فعلى هذا لا ينصرف (قلت) ومراده أن اسم أم عبد الله بن أبي وافق اسم
القبيلة المذكورة لا أنهما لمسمى واحد وفيه حتى مر في مجلس فيه أخلاط من المسلمين
والمشركين وفيه فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدمت الإشارة إليه قريبا في باب كنية
المشرك من كتاب الأدب قال النووي السنة إذا مر بمجلس فيه مسلم وكافر أن يسلم بلفظ التعميم
32

ويقصد به المسلم قال ابن العربي ومثله إذا مر بمجلس يجمع أهل السنة والبدعة وبمجلس فيه
عدول وظلمة وبمجلس فيه محب ومبغض واستدل النووي على ذلك بحديث الباب وهو مفرع
على منع ابتداء الكافر بالسلام وقد ورد النهي عنه صريحا فيما أخرجه مسلم والبخاري في الأدب
المفرد من طريق سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رفعه لا تبدؤا اليهود والنصارى بالسلام
واضطروهم إلى أضيق الطريق وللبخاري في الأدب المفرد والنسائي من حديث أبي بصرة وهو
بفتح الموحدة وسكون المهملة الغفاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إني راكب غدا إلى
اليهود فلا تبدؤهم بالسلام وقالت طائفة يجوز ابتداؤهم بالسلام فأخرج الطبري من طريق
ابن عيينة قال يجوز ابتداء الكافر بالسلام لقوله تعالى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين
وقول إبراهيم لأبيه سلام عليك وأخرج ابن أبي شيبة من طريق عون بن عبد الله عن محمد بن
كعب أنه سأل عمر بن عبد العزيز عن ابتداء أهل الذمة بالسلام فقال نرد عليهم ولا نبدؤهم قال
عون فقلت له فكيف تقول أنت قال ما أرى بأسا أن نبدأهم قلت لم قال لقوله تعالى فاصفح عنهم
وقل سلام وقال البيهقي بعد أن ساق حديث أبي أمامة أنه كان يسلم على كل من لقيه فسئل عن
ذلك فقال إن الله جعل السلام تحية لامتنا وأمانا لأهل ذمتنا هذا رأي أبي أمامة وحديث أبي
هريرة في النهي عن ابتدائهم أولى وأجاب عياض عن الآية وكذا عن قول إبراهيم عليه السلام
لأبيه بأن القصد بذلك المتاركة والمباعدة وليس القصد فيهما التحية وقد صرح بعض السلف بأن
قوله تعالى وقل سلام فسوف يعلمون نسخت بآية القتال وقال الطبري لا مخالفة بين حديث
أسامة في سلام النبي صلى الله عليه وسلم على الكفار حيث كانوا مع المسلمين وبين حديث أبي
هريرة في النهي عن السلام على الكفار لان حديث أبي هريرة عام وحديث أسامة خاص
فيخص من حديث أبي هريرة ما إذا كان الابتداء لغير سبب ولا حاجة من حق صحبة أو مجاورة أو
مكافأة أو نحو ذلك والمراد منع ابتدائهم بالسلام المشروع فأما لو سلم عليهم بلفظ يقتضي
خروجهم عنه كأن يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو جائز كما كتب النبي صلى الله
عليه وسلم إلى هرقل وغيره سلام على من اتبع الهدى وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة
قال السلام على أهل الكتاب إذا دخلت عليهم بيوتهم السلام على من اتبع الهدى وأخرج ابن
أبي شيبة عن محمد بن سيرين مثله ومن طريق أبي مالك إذا سلمت على المشركين فقل السلام علينا
وعلى عباد الله الصالحين فيحسبون أنك سلمت عليهم وقد صرفت السلام عنهم قال القرطبي في
قوله وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه معناه لا تتنحوا لهم عن الطريق الضيق
إكراما لهم واحتراما وعلى هذا فتكون هذه الجملة مناسبة للجملة الأولى في المعنى وليس المعنى
إذا لقيتموهم في طريق واسع فالجؤهم إلى حرفه حتى يضيق عليهم لان ذلك أذى لهم وقد نهينا
عن أذاهم بغير سبب (قوله باب من لم يسلم على من اقترف ذنبا ومن لم يرد سلامه حتى
تتبين توبته وإلى متى تتبين توبة العاصي) أما الحكم الأول فأشار إلى الخلاف فيه وقد ذهب
الجمهور إلى أنه لا يسلم على الفاسق ولا المبتدع قال النووي فان اضطر إلى السلام بأن خاف ترتب
مفسدة في دين أو دنيا إن لم يسلم سلم وكذا قال ابن العربي وزاد وينوى أن السلام اسم من أسماء
الله تعالى فكأنه قال الله رقيب عليكم وقال المهلب ترك السلام على أهل المعاصي سنة ماضية
33

وبه قال كثير من أهل العلم في أهل البدع وخالف في ذلك جماعة كما تقدم في الباب قبله وقال
ابن وهب يجوز ابتداء السلام على كل أحد ولو كان كافرا واحتج بقوله تعالى وقولوا للناس
حسنا وتعقب بأن الدليل أعم من الدعوى وألحق بعض الحنفية بأهل المعاصي من يتعاطى
خوارم المروءة ككثرة المزاح واللهو وفحش القول والجلوس في الأسواق لرؤية من يمر من
النساء ونحو ذلك وحكى ابن رشد قال قال مالك لا يسلم على أهل الأهواء قال ابن دقيق العيد
ويكون ذلك على سبيل التأديب لهم والتبري منهم وأما الحكم الثاني فاختلف فيه أيضا فقيل
يستبرأ حاله سنة وقيل ستة أشهر وقيل خمسين يوما كما في قصة كعب وقيل ليس لذلك حد محدود
بل المدار على وجود القرائن الدالة على صدق مدعاه في توبته ولكن لا يكفي ذلك في ساعة ولا يوم
ويختلف ذلك باختلاف الجناية والجاني وقد اعترض الداودي على من حده بخمسين ليلة أخذا
من قصة كعب فقال لم يحده النبي صلى الله عليه وسلم بخمسين وإنما أخر كلامهم إلى أن أذن الله
فيه يعني فتكون واقعة حال لا عموم فيها وقال النووي وأما المبتدع ومن اقترف ذنبا عظيما ولم
يتب منه فلا يسلم عليهم ولا يرد عليهم السلام كما قال جماعة من أهل العلم واحتج البخاري لذلك
بقصة كعب بن مالك انتهى والتقييد بمن لم يتب جيد لكن في الاستدلال لذلك بقصة كعب نظر
فإنه ندم على ما صدر منه وتاب ولكن أخر الكلام معه حتى قبل الله توبته وقضيته ان لا يكلم حتى
تقبل توبته ويمكن الجواب بأن الاطلاع على القبول في قصة كعب كان ممكنا وأما بعده فيكفي
ظهور علامة الندم والاقلاع وأمارة صدق ذلك (قوله اقترف) أي اكتسب وهو تفسير الأكثر
وقال أبو عبيدة الإقتراف التهمة (قوله وقال عبد الله بن عمرو لا تسلموا على شربة الخمر) بفتح
الشين المعجمة والراء بعدها موحدة جمع شارب قال ابن التين لم يجمعه اللغويون كذلك وانما قالوا
شارب وشرب مثل صاحب وصحب انتهى وقد قالوا فسقة وكذبة في جمع فاسق وكاذب وهذا الأثر
وصله البخاري في الأدب المفرد من طريق حبان بن أبي جبلة بفتح الجيم والموحدة عن عبد الله بن
عمرو بن العاص بلفظ لا تسلموا على شراب الخمر وبه إليه قال لا تعودوا شراب الخمر إذا مرضوا
وأخرج الطبري عن علي موقوفا نحوه وفي بعض النسخ من الصحيح وقال عبد الله بن عمر بضم
العين وكذا ذكره الإسماعيلي وأخرج سعيد بن منصور بسند ضعيف عن ابن عمر لا تسلموا على من
شرب الخمر ولا تعودوهم إذا مرضوا ولا تصلوا عليهم إذا ماتوا وأخرجه ابن عدي بسند أضعف
منه عن ابن عمر مرفوعا (قوله حدثنا ابن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير وذكر قطعا يسيرة من
حديث كعب بن مالك في قصة توبته في غزوة تبوك وقد ساقه في المغازي بطوله عن يحيى بن بكير
بهذا الاسناد وقوله وآتى هو بمد الهمزة فعل مضارع من الاتيان وبين قوله عن كلامنا وبين هذه
الجملة كلام كثير آخره فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف في الأسواق ولا يكلمني
أحد وفي الحديث أيضا قصته مع أبي قتادة وتسوره عليه الحائط وامتناع أبي قتادة من رد السلام
عليه ومن جوابه له عما سأله عنه واقتصر البخاري على القدر الذي ذكره لحاجته إليه هنا وفيه
ما ترجم به من ترك السلام تأديبا وترك الرد أيضا وهو مما يخص به عموم الامر بافشاء السلام عند
الجمهور وعكس ذلك أبو أمامة فأخرج الطبري بسند جيد عنه أنه كان لا يمر بمسلم ولا نصراني ولا
صغير ولا كبير إلا سلم عليه فقيل له فقال انا أمرنا بإفشاء السلام وكأنه لم يطلع على دليل
34

الخصوص واستثنى ابن مسعود ما إذا احتاج لذلك المسلم لضرورة دينية أو دنيوية كقضاء حق
المرافقة فأخرج الطبري بسندي صحيح عن علقمة قال كنت ردفا لابن مسعود فصحبنا دهقان
فلما انشعبت له الطريق أخذ فيها فاتبعه عبد الله بصره فقال السلام عليكم فقلت ألست تكره أن
يبدؤا بالسلام قال نعم ولكن حق الصحبة وبه قال الطبري وحمل عليه سلام النبي صلى الله عليه
وسلم على أهل مجلس فيه أخلاط من المسلمين والكفار وقد تقدم الجواب عنه في الباب الذي قبله
(قوله باب كيف الرد على أهل الذمة بالسلام) في هذه الترجمة إشارة إلى أنه لا منع من
رد السلام على أهل الذمة فلذلك ترجم بالكيفية ويؤيده قوله تعالى فحيوا بأحسن منها أو ردوها
فإنه يدل على أن الرد يكون وفق الابتداء ان لم يكن أحسن منه كما تقدم تقريره ودل الحديث على
التفرقة في الرد على المسلم والكافر قال ابن بطال قال قوم رد السلام على أهل الذمة فرض لعموم
الآية وثبت عن ابن عباس أنه قال من سلم عليك فرد عليه ولو كان مجوسيا وبه قال الشعبي وقتادة
ومنع من ذلك مالك والجمهور وقال عطاء الآية مخصوصة بالمسلمين فلا يرد السلام على الكافر
مطلقا فان أراد منع الرد بالسلام والا فأحاديث الباب ترد عليه * الحديث الأول (قوله إن
عائشة قالت) كذا قال صالح بن كيسان مثله كما تقدم في الأدب وقال سفيان عن الزهري عن عروة
عن عائشة قالت وسيأتي في استتابة المرتدين (قوله دخل رهط من اليهود) لم أعرف أسماءهم
لكن أخرج الطبراني بسند ضعيف عن زيد بن أرقم قال بينما أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم
إذ أقبل رجل من اليهود يقال له ثعلبة بن الحارث فقال السام عليك يا محمد فقال وعليكم فإن كان
محفوظا احتمل أن يكون أحد الرهط المذكورين وكان هو الذي باشر الكلام عنهم كما جرت
العادة من نسبة القول إلى جماعة والمباشر له واحد منهم لان اجتماعهم ورضاهم به في قوة من
شاركه في النطق (قوله فقالوا السام عليك) كذا في الأصول بألف ساكنة وسيأتي في الكلام على
الحديث الثاني أنه جاء بالهمز وقد تقدم تفسير السوم بالموت في كتاب الطب وقيل هو الموت
العاجل (قوله ففهمتها فقلت عليكم السام واللعنة) في رواية ابن أبي مليكة عن عائشة كما تقدم
في أوائل الأدب فقالت عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم ولمسلم من طريق أخرى عنها بل عليكم
السام والذام بالذال المعجمة وهو لغة في الذم ضد المدح يقال ذم بالتشديد وذام بالتخفيف وذيم
بتحتانية ساكنة وقال عياض لم يختلف الرواة أن الذام في هذا الحديث بالمعجمة ولو روي بالمهملة
من الدوام لكان له وجه ولكن كان يحتاج لحذف الواو ليصير صفة للسام وقد حكى ابن الأعرابي
الدام لغة في الدائم قال ابن بطال فسر أبو عبيد السام بالموت وذكر الخطابي أن قتادة تأوله على
خلاف ذلك ففي رواية عبد الوارث بن سعيد عن سعيد بن أبي عروبة قال كان قتادة يقول تفسير
السام عليكم تسامون دينكم وهو يعني السام مصدر سئمة سآمة وسآما مثل رضعه رضاعة
ورضاعا قال ابن بطال ووجدت هذا الذي فسره قتادة مرويا عن النبي صلى الله عليه وسلم
أخرجه بقي بن مخلد في تفسيره من طريق سعيد عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم
بينا هو جالس مع أصحابه إذ أتى يهودي فسلم عليه فردوا عليه فقال هل تدرون ما قال قالوا سلم
يا رسول الله قال قال سام عليكم أي تسامون دينكم (قلت) يحتمل أن يكون قوله أي تسامون
دينكم تفسير قتادة كما بينته رواية عبد الوارث التي ذكرها الخطابي وقد أخرج البزار وابن
35

حبان في صحيحه من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مر يهودي بالنبي صلى الله
عليه وسلم وأصحابه فسلم عليهم فرد عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال هل تدرون ما قال
قالوا نعم سلم علينا قال فإنه قال السام عليكم أي تسامون دينكم ردوه على فردوه فقال كيف
قلت قال قلت السام عليكم فقال إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا عليكم ما قلتم لفظ البزار وفي
رواية ابن حبان أن يهوديا سلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتدرون والباقي نحوه ولم يذكر قوله
ردوه الخ وقال في آخره فإذا سلم عليكم رجل من أهل الكتاب فقولوا وعليك (قوله واللعنة)
يحتمل أن تكون عائشة فهمت كلامهم بفطنتها فأنكرت عليهم وظنت أن النبي صلى الله عليه
وسلم ظن أنهم تلفظوا بلفظ السلام فبالغت في الانكار عليهم ويحتمل أن يكون سبق لها سماع
ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديثي ابن عمر وأنس في الباب وانما أطلقت عليهم اللعنة
إما لأنها كانت ترى جواز لعن الكافر المعين باعتبار الحالة الراهنة لا سيما إذا صدر منه ما يقتضي
التأديب واما لأنها تقدم لها علم بأن المذكورين يموتون على الكفر فأطلقت اللعن ولم تقيده
بالموت والذي يظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن لا يتعود لسانها بالفحش أو أنكر عليها
الافراط في السب وقد تقدم في أوائل الأدب في باب الرفق ما يتعلق بذلك وسيأتي الكلام على
جواز لعن المشرك المعين الحي في باب الدعاء على المشركين من كتاب الدعوات إن شاء الله
تعالى (قوله مهلا يا عائشة) تقدم بشرحه في باب الرفق من كتاب الأدب (قوله فقد قلت عليكم)
وكذا في رواية معمر وشعيب عن الزهري عند مسلم بحذف الواو وعنده في رواية سفيان وعند
النسائي من رواية أخرى عن الزهري باثبات الواو قال المهلب في هذا الحديث جواز انخداع
الكبير للمكايد ومعارضته من حيث لا يشعر إذا رجى رجوعه (قلت) في تقييده بذلك نظر لان
اليهود حينئذ كانوا أهل عهد فالذي يظهر أن ذلك كان لمصلحة التالف * الحديث الثاني (قوله
عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر) يأتي في استتابة المرتدين من وجه آخر بلفظ حدثني عبد الله بن
دينار سمعت ابن عمر (قوله إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السام عليك فقل وعليك)
هكذا هو في جميع نسخ البخاري وكذا أخرجه في الأدب المفرد عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك
والذي عند جميع رواة الموطأ بلفظ فقل عليك ليس فيه الواو وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من
طريق يحيى بن بكير ومن طريق عبد الله بن نافع كلاهما عن مالك باثبات الواو وفيه نظر فإنه في
الموطأ عن يحيى بن بكير بغير واو ومقتضى كلام ابن عبد البر أن رواية عبد الله بن نافع بغير واو لأنه
قال لم يدخل أحد من رواة الموطأ عن مالك الواو (قلت) لكن وقع عند الدارقطني في الموطآت
من طريق روح بن عبادة عن مالك بلفظ فقل وعليكم بالواو وبصيغة الجمع قال الدارقطني القول
الأول أصح يعنى عن مالك (قلت) أخرجه الإسماعيلي من طريق روح ومعن وقتيبة ثلاثتهم عن
مالك بغير واو وبالافراد كرواية الجماعة وأخرجه البخاري في استتابة المرتدين من طريق يحيى
القطان عن مالك والثوري جميعا عن عبد الله بن دينار بلفظ قل عليك بغير واو لكن وقع في
رواية السرخسي وحده فقل عليكم بصيغة الجمع بغير واو أيضا وأخرجه مسلم والنسائي من
طريق عبد الرحمن بن مهدي عن الثوري وحده بلفظ فقولوا وعليكم باثبات الواو بصيغة الجمع
وأخرجه مسلم والنسائي من طريق إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار بغير واو وفي نسخة
36

صحيحة من مسلم بإثبات الواو وأخرجه النسائي من طريق ابن عيينة عن ابن دينار بلفظ إذا سلم
عليكم اليهودي والنصراني فإنما يقول السام عليكم فقل عليكم بغير واو وبصيغة الجمع وأخرجه
أبو داود من رواية عبد العزيز بن مسلم عن عبد الله بن دينار مثل ابن مهدي عن الثوري وقال
بعده وكذا رواه مالك والثوري عن عبد الله بن دينار قال فيه وعليكم قال المنذري في الحاشية
حديث مالك أخرجه البخاري وحديث الثوري أخرجه البخاري ومسلم وهذا يدل على أن
رواية مالك عندهما بالواو فأما أبو داود فلعله حمل رواية مالك على رواية الثوري أو اعتمد رواية
روح بن عبادة عن مالك وأما المنذري فتجوز في عزوه للبخاري لأنه عنده بصيغة الافراد ولحديث
ابن عمر هذا سبب أذكره في الذي بعده * الحديث الثالث أورده من طريق عبيد الله بن أبي بكر بن
أنس حدثنا أنس بن مالك يعني جده بلفظ إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم كذا رواه
مختصرا ورواه قتادة عن أنس أتم منه أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق شعبة عنه
بلفظ أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا إن أهل الكتاب يسلمون علينا فكيف نرد عليهم
قال قولوا وعليكم وأخرجه البخاري في الأدب المفرد من طريق همام عن قتادة بلفظ مر
يهودي فقال السام عليكم فرد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام فقال قال السام
عليكم فأخذ اليهودي فاعترف فقال ردوا عليه وأخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق شيبان
نحو رواية همام وقال في آخره ردوه فردوه فقال أقلت السام عليكم قال نعم فقال عند ذلك إذا سلم
عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم وتقدم في الكلام على حديث عائشة من وجه آخر عن قتادة
بزيادة فيه وسيأتي في استتابة المرتدين من طريق هشام بن زيد بن أنس سمعت أنس بن مالك يقول
مر يهودي بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال السام عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليك
ثم قال أتدرون ماذا يقول قال السام عليك قالوا يا رسول الله ألا نقتله قال إذا سلم عليكم أهل
الكتاب فقولوا وعليكم وفي رواية الطيالسي أن القائل ألا نقتله عمر والجمع بين هذه الروايات أن
بعض الرواة حفظ مالم يحفظ الآخر وأتمها سياقا رواية هشام بن زيد هذه وكأن بعض الصحابة لما
أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن اليهود تقول ذلك سألوا حينئذ عن كيفية الرد عليهم كما رواه
شعبة عن قتادة ولم يقع هذا السؤال في رواية هشام بن زيد ولم تختلف الرواة عن أنس في لفظ
الجواب وهو وعليكم بالواو وبصيغة الجمع قال أبو داود في السنن وكذا رواية عائشة وأبي
عبد الرحمن الجهني وأبي بصرة قال المنذري أما حديث عائشة فمتفق عليه (قلت) هو أول
أحاديث الباب قال وأما حديث أبي عبد الرحمن فأخرجه ابن ماجة وأما حديث أبي بصرة
فأخرجه النسائي (قلت) هما حديث واحد اختلف فيه على يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير فقال
عبد الحميد بن جعفر عن أبي بصرة أخرجه النسائي والطحاوي وقال ابن إسحاق عن أبي عبد الرحمن
أخرجه أحمد وابن ماجة والطحاوي أيضا وقد قال بعض أصحاب ابن إسحاق عنه مثل ما قال
عبد الحميد أخرجه الطحاوي والمحفوظ قول الجماعة ولفظ النسائي فإن سلموا عليكم فقولوا
وعليكم وقد اختلف العلماء في اثبات الواو واسقاطها في الرد على أهل الكتاب لاختلافهم في أي
الروايتين أرجح فذكر ابن عبد البر عن ابن حبيب لا يقولها بالواو لان فيها تشريكا وبسط ذلك أن
الواو في مثل هذا التركيب يقتضي تقرير الجملة الأولى وزيادة الثانية عليها كمن قال زيد كاتب
37

فقلت وشاعر فإنه يقتضي ثبوت الوصفين لزيد قال وخالفه جمهور المالكية وقال بعض
شيوخهم يقول عليكم السلام بكسر السين يعني الحجارة ووهاه ابن عبد البر بأنه لم يشرع لنا سب
أهل الذمة ويؤيده إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة لما سبتهم وذكر ابن عبد البر عن ابن
طاوس قال يقول علاكم السلام بالألف أي ارتفع وتعقبه وذهب جماعة من السلف إلى أنه
يجوز أن يقال في الرد عليهم عليكم السلام كما يرد على المسلم واحتج بعضهم بقوله تعالى فاصفح
عنهم وقل سلام وحكاه الماوردي وجها عن بعض الشافعية لكن لا يقول ورحمة الله وقيل
يجوز مطلقا وعن ابن عباس وعلقمة يجوز ذلك عند الضرورة وعن الأوزاعي إن سلمت فقد سلم
الصالحون وإن تركت فقد تركوا وعن طائفة من العلماء لا يرد عليهم السلام أصلا وعن بعضهم
التفرقة بين أهل الذمة وأهل الحرب والراجح من هذه الأقوال كلها ما دل عليه الحديث ولكنه
مختص بأهل الكتاب وقد أخرج أحمد بسند جيد عن حميد بن زادويه وهو غير حميد الطويل في
الأصح عن أنس أمرنا أن لا نزيد على أهل الكتاب على وعليكم ونقل ابن بطال عن الخطابي نحو
ما قال ابن حبيب فقال رواية من روى عليكم بغير واو أحسن من الرواية بالواو لان معناه رددت
ما قلتموه عليكم وبالواو يصير المعنى على وعليكم لان الواو حرف التشريك انتهى وكأنه نقله من
معالم السنن للخطابي فإنه قال فيه هكذا يرويه عامة المحدثين وعليكم بالواو وكان ابن عيينة يرويه
بحذف الواو وهو الصواب وذلك أنه بحذفها يصير قولهم بعينه مردودا عليهم وبالواو يقع
الاشتراك والدخول فيما قالوه انتهى وقد رجع الخطابي عن ذلك فقال في الاعلام من شرح
البخاري لما تكلم على حديث عائشة المذكور في كتاب الأدب من طريق ابن أبي مليكة عنها نحو
حديث الباب وزاد في آخره أولم تسمعي ما قلت رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في
قال الخطابي ما ملخصه أن الداعي إذا دعا بشئ ظلما فإن الله لا يستجيب له ولا يجد دعاؤه محلا في
المدعو عليه انتهى وله شاهد من حديث جابر قال سلم ناس من اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم
فقالوا السام عليكم قال وعليكم قالت عائشة وغضبت ألم تسمع ما قالوا قال بلى قد رددت عليهم
فنجاب عليهم ولا يجابون فينا أخرجه مسلم والبخاري في الأدب المفرد من طريق ابن جريج
أخبرني أنه سمع جابرا وقد غفل عن هذه المراجعة من عائشة وجواب النبي صلى الله عليه وسلم
لها من أنكر الرواية بالواو وقد تجاسر بعض من أدركناه فقال في الكلام على حديث أنس في هذا
الباب الرواية الصحيحة عن مالك بغير واو وكذا رواه ابن عيينة وهى أصوب من التي بالواو لأنه
بحذفها يرجع الكلام عليهم وباثباتها يقع الاشتراك انتهى وما أفهمه من تضعيف الرواية بالواو
وتخطئتها من حيث المعنى مردود عليه بما تقدم وقال النووي الصواب أن حذف الواو
واثباتها ثابتان جائزان وباثباتها أجود ولا مفسدة فيه وعليه أكثر الروايات وفي معناها وجهان
أحدهما أنهم قالوا عليكم الموت فقال وعليكم أيضا أي نحن وأنتم فيه سواء كلنا نموت والثاني
أن الواو للاستئناف لا للعطف والتشريك والتقدير وعليكم ما تستحقونه من الذم وقال
البيضاوي في العطف شئ مقدر والتقدير وأقول عليكم ما تريدون بنا أو ما تستحقون وليس هو
عطفا على عليكم في كلامهم وقال القرطبي قيل الواو للاستئناف وقيل زائدة وأولى الأجوبة أنا
نجاب عليهم ولا يجابون علينا وحكى ابن دقيق العيد عن ابن رشد تفصيلا يجمع الروايتين اثبات
38

الواو وحذفها فقال من تحقق أنه قال السام أو السلام بكسر السين فليرد عليه بحذف الواو ومن
لم يتحقق منه فليرد باثبات الواو فيجتمع من مجموع كلام العلماء في ذلك ستة أقوال وقال النووي
تبعا لعياض من فسر السام بالموت فلا يبعد ثبوت الواو ومن فسرها بالسآمة فإسقاطها هو
الوجه (قلت) بل الرواية بإثبات الواو ثابتة وهي ترجح التفسير بالموت وهو أولى من تغليط الثقة
واستدل بقوله إذا سلم عليكم أهل الكتاب بأنه لا يشرع للمسلم ابتداء الكافر بالسلام حكاه الباجي
عن عبد الوهاب قال الباجي لأنه بين حكم الرد ولم يذكر حكم الابتداء كذا قال ونقل ابن العربي
عن مالك لو ابتدأ شخصا بالسلام وهو يظنه مسلما فبأن كافرا كان ابن عمر يسترد منه سلامه
وقال مالك لا قال ابن العربي لان الاسترداد حينئذ لا فائدة له لأنه لم يحصل له منه شئ لكونه قصد
السلام على المسلم وقال غيره له فائده وهو إعلام الكافر بأنه ليس أهلا للابتداء بالسلام (قلت)
ويتأكد إذا كان هناك من يخشى إنكاره لذلك أو اقتداؤه به إذا كان الذي سلم ممن يقتدى به
واستدل به على أن هذا الرد خاص بالكفار فلا يجزئ في الرد على المسلم وقيل إن أجاب بالواو أجزأ
وإلا فلا وقال ابن دقيق العيد التحقيق أنه كاف في حصول معنى السلام لا في امتثال الامر
في قوله فحيوا بأحسن منها أو ردوها وكأنه أراد الذي بغير واو وأما الذي بالواو فقد ورد في عدة
أحاديث منها في الطبراني عن ابن عباس جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال سلام عليكم
فقال وعليك ورحمة الله وله في الأوسط عن سلمان أتى رجل فقال السلام عليك يا رسول الله
فقال وعليك (قلت) لكن لما اشتهرت هذه الصيغة للرد على غير المسلم ينبغي ترك جواب المسلم بها
وإن كانت مجزئة في أصل الرد والله أعلم (قوله باب من نظر في كتاب من يحذر على
المسلمين ليستبين أمره) كأنه يشير إلى أن الأثر الوارد في النهي عن النظر في كتاب الغير يخص منه
ما يتعين طريقا إلى دفع مفسدة هي أكثر من مفسدة النظر والأثر المذكور أخرجه أبو داود من
حديث ابن عباس بلفظ من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فكأنما ينطر في النار وسنده ضعيف ثم
ذكر في الباب حديث علي في قصة حاطب بن أبي بلتعة وقد تقدم شرحه في تفسير سورة الممتحنة
ويوسف بن بهلول شيخه فيه بضم الموحدة وسكون الهاء شيخ كوفي أصله من الأنبار ولم يرو عنه
من الستة إلا البخاري وما له في الصحيح إلا هذا الحديث وقد أورده من طرق أخرى في المغازي
والتفسير منها في المغازي عن إسحاق بن إبراهيم عن عبد الله بن إدريس بالسند المذكور هنا
وبقية رجال الاسناد كلهم كوفيون أيضا قال ابن التين معنى بهلول الضحاك وسمى به ولا يفتح أوله
لأنه ليس في الكلام فعلول بالفتح وقال المهلب في حديث على هتك ستر الذنب وكشف المرأة
العاصية وما روي أنه لا يجوز النظر في كتاب أحد إلا بإذنه إنما هو في حق من لم يكن متهما على
المسلمين وأما من كان متهما فلا حرمة له وفيه أنه يجوز النظر إلى عورة المرأة للضرورة التي لا يجد
بدا من النظر إليها وقال ابن التين قول عمر دعني أضرب عنقه مع قول النبي صلى الله عليه وسلم
لا تقولوا له إلا خيرا يحمل على أنه لم يسمع ذلك أو كان قوله قبل قول النبي صلى الله عليه وسلم انتهى
39

ويحتمل أن يكون عمر لشدته في أمر الله حمل النهي على ظاهره من منع القول السئ له ولم ير ذلك
مانعا من إقامة ما وجب عليه من العقوبة للذنب الذي ارتكبه فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه
صادق في اعتذاره وان الله عفا عنه (قوله باب كيف يكتب إلى أهل الكتاب) ذكر
فيه طرفا من حديث أبي سفيان في قصة هرقل وهو واضح فيما ترجم له قال ابن بطال فيه جواز
كتابة بسم الله الرحمن الرحيم إلى أهل الكتاب وتقديم اسم الكاتب على المكتوب إليه قال
وفيه حجة لمن أجاز مكاتبة أهل الكتاب بالسلام عند الحاجة (قلت) في جواز السلام على الاطلاق
نظر والذي يدل عليه الحديث السلام المقيد مثل ما في الخبر السلام على من اتبع الهدى
أو السلام على من تمسك بالحق أو نحو ذلك وقد تقدم نقل الخلاف في ذلك في أوائل كتاب
الاستئذان (قوله باب بمن يبدأ في الكتاب) أي بنفسه أو بالمكتوب إليه ذكر فيه
طرفا من حديث الرجل من بني إسرائيل الذي اقترض ألف دينار وكأنه لما لم يجد فيه حديثا على
شرطه مرفوعا اقتصر على هذا وهو على قاعدته في الاحتجاج بشرع من قبلنا إذا وردت حكايته
في شرعنا ولم ينكر ولا سيما إذا سيق مساق المدح لفاعله والحجة فيه كون الذي عليه الدين كتب
في الصحيفة من فلان إلى فلان وكان يمكنه أن يحتج بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل
المشار إليه قريبا لكن قد يكون تركه لان بداءة الكبير بنفسه إلى الصغير والعظيم إلى الحقير هو
الأصل وإنما يقع التردد فيما هو بالعكس أو المساوى وقد أورد في الأدب المفرد من طريق خارجة
ابن زيد بن ثابت عن كبراء آل زيد بن ثابت هذه الرسالة لعبد الله معاوية أمير المؤمنين لزيد بن
ثابت سلام عليك وأورد عن ابن عمر نحو ذلك وعند أبي داود من طريق ابن سيرين عن أبي
العلاء بن الحضرمي عن العلاء أنه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبدأ بنفسه وأخرج
عبد الرزاق عن معمر عن أيوب قرأت كتابا من العلاء بن الحضرمي إلى محمد رسول الله وعن نافع
كان ابن عمر يأمر غلمانه إذا كتبوا إليه أن يبدؤا بأنفسهم وعن نافع كان عمال عمر إذا كتبوا
إليه بدوا بأنفسهم قال المهلب السنة أن يبدأ الكاتب بنفسه وعن معمر عن أيوب أنه كان
ربما بدأ باسم الرجل قبله إذا كتب إليه وسئل مالك عنه فقال لا بأس به وقال هو كما لو أوسع له
في المجلس فقيل له إن أهل العراق يقولون لا تبدأ بأحد قبلك ولو كان أباك أو أمك أو أكبر منك
فعاب ذلك عليهم (قلت) والمنقول عن ابن عمر كان في أغلب أحواله وإلا فقد أخرج البخاري
في الأدب المفرد بسند صحيح عن نافع كانت لابن عمر حاجة إلى معاوية فأراد أن يبدأ بنفسه فلم
يزالوا به حتى كتب بسم الله الرحمن الرحيم إلى معاوية وفي رواية زيادة أما بعد بعد البسملة
وأخرج فيه أيضا من رواية عبد الله بن دينار أن عبد الله بن عمر كتب إلى عبد الملك يبايعه
بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الملك أمير المؤمنين من عبد الله بن عمر سلام عليك الخ وقد ذكر
في كتاب الاعتصام طرفا منه ويأتي التنبيه عليه هناك إن شاء الله تعالى (قوله وقال الليث)
تقدم في الكفالة بيان من وصله (قوله أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل أخذ خشبة) كذا أورده
مختصرا وأورده في الكفالة وغيرها مطولا (قوله وقال عمر بن أبي سلمة) أي ابن عبد الرحمن بن
عوف وعمر هذا مدني قدم واسط وهو صدوق فيه ضعف وليس له عند البخاري سوى هذا
الموضع المعلق وقد وصله البخاري في الأدب المفرد قال حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة
40

حدثنا عمر فذكر مثل اللفظ المعلق هنا وقد رويناه في الجزء الثالث من حديث أبي طاهر المخلص
مطولا فقال حدثنا البغوي حدثنا أحمد بن منصور حدثنا موسى وقد ذكرت فوائده عند شرحه
من كتاب الكفالة (قوله عن أبي هريرة) في رواية الكشميهني سمع أبا هريرة وكذا للنسفي
والأصيلي وكريمة (قوله نجر) كذا للأكثر بالجيم وللكشميهني بالقاف قال ابن التين قيل في قصة
صاحب الخشبة اثبات كرامات الأولياء وجمهور الأشعرية على إثباتها وأنكرها الإمام أبو إسحاق
الشيرازي من الشافعية والشيخان أبو محمد بن أبي زيد وأبو الحسن القابسي من المالكية
(قلت) أما الشيرازي فلا يحفظ عنه ذلك وانما نقل ذلك عن أبي إسحاق الأسفرايني وأما الآخران
فإنما أنكرا ما وقع معجزة مستقلة لنبي من الأنبياء كإيجاد ولد عن غير والد والاسراء إلى السماوات
السبيع بالجسد في اليقظة وقد صرح إمام الصوفية أبو القاسم القشيري في رسالته بذلك وبسط
هذا يليق بموضع آخر وعسى أن يتيسر ذلك في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى (قوله
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم قوموا إلى سيدكم) هذه الترجمة معقودة لحكم قيام
القاعد للداخل ولم يجزم فيها بحكم للاختلاف بل اقتصر على لفظ الخبر كعادته (قوله عن سعد
ابن إبراهيم عن أبي أمامة بن سهل) تقدم بيان الاختلاف في ذلك في غزوة بني قريظة من كتاب
المغازي مع شرح الحديث ومما لم يذكر هناك أن الدارقطني حكى في العلل أن أبا معاوية رواه عن
عياض بن عبد الرحمن عن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن جده والمحفوظ عن سعد عن أبي أمامة
عن أبي سعيد (قوله على حكم سعد) هو ابن معاذ كما وقع التصريح به فيما تقدم (قوله في آخره
قال أبو عبد الله) هو البخاري (أفهمني بعض أصحابي عن أبي الوليد) يعني شيخه في هذا الحديث
بسنده هذا (من قول أبي سعيد إلى حكمك) يعني من أول الحديث إلى قوله فيه على حكمك
وصاحب البخاري في هذا الحديث يحتمل أن يكون محمد بن سعد كاتب الواقدي فإنه أخرجه في
الطبقات عن أبي الوليد بهذا السند أو ابن الضريس فقد أخرجه البيهقي في الشعب من طريق
محمد بن أيوب الرازي عن أبي الوليد وشرحه الكرماني على وجه آخر فقال قوله إلى حكمك أي
قال البخاري سمعت أنا من أبي الوليد بلفظ على حكمك وبعض أصحابي نقلوا لي عنه بلفظ إلى
بصيغة الانتهاء بدل حرف الاستعلاء كذا قال قال ابن بطال في هذا الحديث أمر الامام الأعظم
بإكرام الكبير من المسلمين ومشروعية إكرام أهل الفضل في مجلس الامام الأعظم والقيام فيه
لغيره من أصحابه وإلزام الناس كافة بالقيام إلى الكبير منهم وقد منع من ذلك قوم واحتجوا بحديث
أبي أمامة قال خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم متوكئا على عصا فقمنا له فقال لا تقوموا كما
تقوم الأعاجم بعضهم لبعض وأجاب عنه الطبري بأنه حديث ضعيف مضطرب السند فيه من
لا يعرف واحتجوا أيضا بحديث عبد الله بن بريدة أن أباه دخل على معاوية فأخبره أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال من أحب أن يتمثل له الرجال قياما وجبت له النار وأجاب عنه الطبري
بأن هذا الخبر إنما فيه نهي من يقام له عن السرور بذلك لا نهى من يقوم له إكراما له وأجاب
عنه ابن قتيبة بأن معناه من أراد أن يقوم الرجال على رأسه كما يقام بين يدي ملوك الأعاجم
وليس المراد به نهي الرجل عن القيام لأخيه إذا سلم عليه واحتج ابن بطال للجواز بما أخرجه
النسائي من طريق عائشة بنت طلحة عن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى فاطمة
41

بنته قد أقبلت رحب بها ثم قام فقبلها ثم أخذ بيدها حتى يجلسها في مكانه (قلت) وحديث
عائشة هذا أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وصححه ابن حبان والحاكم وأصله في الصحيح كما
مضى في المناقب وفي الوفاة النبوية لكن ليس فيه ذكر القيام وترجم له أبو داود باب القيام وأورد
معه فيه حديث أبي سعيد وكذا صنع البخاري في الأدب المفرد وزاد معهما حديث كعب بن مالك
في قصة توبته وفيه فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول وقد أشار إليه في الباب الذي يليه وحديث
أبي أمامة المبدأ به أخرجه أبو داود وابن ماجة وحديث ابن بريدة أخرجه الحاكم من رواية
حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن معاوية فذكره وفيه ما من رجل يكون على الناس فيقوم
على رأسه الرجال يحب أن يكثر عنده الخصوم فيدخل الجنة وله طريق أخرى عن معاوية
أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه والمصنف في الأدب المفرد من طريق أبي مجلز قال خرج
معاوية على ابن الزبير وابن عامر فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير فقال معاوية لابن عامر اجلس
فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده
من النار هذا لفظ أبي داود وأخرجه أحمد من رواية حماد بن سلمة عن حبيب بن الشهيد عن أبي مجلز
وأحمد عن إسماعيل بن علية عن حبيب مثله وقال العباد بدل الرجال ومن رواية شعبة عن حبيب
مثله وزاد فيه ولم يقم ابن الزبير وكان أرزنهما قال فقال مه فذكر الحديث وقال فيه من أحب
أن يتمثل له عباد الله قياما وأخرجه أيضا عن مروان بن معاوية عن حبيب بلفظ خرج معاوية
فقاموا له وباقيه كلفظ حماد وأما الترمذي فإنه أخرجه من رواية سفيان الثوري عن حبيب
ولفظه خرج معاوية فقام عبد الله بن الزبير وابن صفوان حين رأوه فقال اجلسا فذكر مثل لفظ
حماد وسفيان وإن كان من جبال الحفظ إلا أن العدد الكثير وفيهم مثل شعبة أولى بأن تكون
روايتهم محفوظة من الواحد وقد اتفقوا على أن ابن الزبير لم يقم وأما ابدال ابن عامر بابن صفوان
فسهل لاحتمال الجمع بأن يكونا معا وقع لهما ذلك ويؤيده الاتيان فيه بصيغة الجمع وفي رواية
مروان بن معاوية المذكورة وقد أشار البخاري في الأدب المفرد إلى الجمع المنقول عن ابن قتيبة
فترجم أولا باب قيام الرجل لأخيه وأورد الأحاديث الثلاثة التي أشرت إليها ثم ترجم باب قيام
الرجل للرجل القاعد وباب من كره أن يقعد ويقوم له الناس وأورد فيهما حديث جابر اشتكى
النبي صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد فالتفت إلينا فرآنا قياما فأشار إلينا فقعدنا فلما
سلم قال إن كدتم لتفعلوا فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا وهو
حديث صحيح أخرجه مسلم وترجم البخاري أيضا قيام الرجل للرجل تعظيما وأورد فيه حديث
معاوية من طريق أبي مجلز ومحصل المنقول عن مالك إنكار القيام ما دام الذي يقام لأجله لم
يجلس ولو كان في شغل نفسه فإنه سئل عن المرأة تبالغ في إكرام زوجها فتتلقاه وتنزع ثيابه
وتقف حتى يجلس فقال أما التلقي فلا بأس به وأما القيام حتى يجلس فلا فان هذا فعل الجبابرة
وقد أنكره عمر بن عبد العزيز وقال الخطابي في حديث الباب جواز إطلاق السيد على الخير
الفاضل وفيه أن قيام المرؤس للرئيس الفاضل والإمام العادل والمتعلم للعالم مستحب وانما يكره
لمن كان بغير هذه الصفات ومعنى حديث من أحب أن يقام له أي بأن يلزمهم بالقيام له
صفوفا على طريق الكبر والنخوة ورجح المنذري ما تقدم من الجمع عن ابن قتيبة والبخاري وأن
42

القيام المنهى عنه أن يقام عليه وهو جالس وقد رد ابن القيم في حاشية السنن على هذا القول
بأن سياق حديث معاوية يدل على خلاف ذلك وانما يدل على أنه كره القيام له لما خرج تعظيما
ولان هذا لا يقال له القيام للرجل وإنما هو القيام على رأس الرجل أو عند الرجل قال والقيام
ينقسم إلى ثلاث مراتب قيام على رأس الرجل وهو فعل الجبابرة وقيام إليه عند قدومه ولا
بأس به وقيام له عند رؤيته وهو المتنازع فيه (قلت) وورد في خصوص القيام على رأس الكبير
الجالس ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن أنس قال إنما هلك من كان قبلكم بأنهم عظموا
ملوكهم بأن قاموا وهم قعود ثم حكى المنذري قول الطبري وأنه قصر النهي على من سره القيام
له لما في ذلك من محبة التعاظم ورؤية منزلة نفسه وسيأتي ترجيح النووي لهذا القول ثم نقل
المنذري عن بعض من منع ذلك مطلقا أنه رد الحجة بقصة سعد بأنه صلى الله عليه وسلم إنما أمرهم
بالقيام لسعد لينزلوه عن الحمار لكونه كان مريضا قال وفي ذلك نظر (قلت) كأنه لم يقف على
مستند هذا القائل وقد وقع في مسند عائشة عند أحمد من طريق علقمة بن وقاص عنها في قصة
غزوة بني قريظة وقصة سعد بن معاذ ومجيئه مطولا وفيه قال أبو سعيد فلما طلع قال النبي صلى
الله عليه وسلم قوموا إلى سيدكم فأنزلوه وسنده حسن وهذه الزيادة تخدش في الاستدلال بقصة
سعد على مشروعية القيام المتنازع فيه وقد احتج به النووي في كتاب القيام ونقل عن البخاري
ومسلم وأبي داود أنهم احتجوا به ولفظ مسلم لا أعلم في قيام الرجل للرجل حديثا أصح من هذا وقد
اعترض عليه الشيخ أبو عبد الله بن الحاج فقال ما ملخصه لو كان القيام المأمور به لسعد هو المتنازع
فيه لما خص به الأنصار فإن الأصل في أفعال القرب التعميم ولو كان القيام لسعد على سبيل البر
والاكرام لكان هو صلى الله عليه وسلم أول من فعله وأمر به من حضر من أكابر الصحابة فلما لم
يأمر به ولا فعله ولا فعلوه دل ذلك على أن الامر بالقيام لغير ما وقع فيه النزاع وإنما هو لينزلوه عن
دابته لما كان فيه من المرض كما جاء في بعض الروايات ولان عادة العرب أن القبيلة تخدم كبيرها
فلذلك خص الأنصار بذلك دون المهاجرين مع أن المراد بعض الأنصار لا كلهم وهم الأوس
منهم لان سعد بن معاذ كان سيدهم دون الخزرج وعلى تقدير تسليم أن القيام المأمور به
حينئذ لم يكن للإعانة فليس هو المتنازع فيه بل لأنه غائب قدم والقيام للغائب إذا قدم مشروع
قال ويحتمل أن يكون القيام المذكور إنما هو لتهنئته بما حصل له من تلك المنزلة الرفيعة من
تحكيمه والرضا بما يحكم به والقيام لأجل التهنئة مشروع أيضا ثم نقل عن أبي الوليد بن رشد أن
القيام يقع على أربعة أوجه الأول محظور وهو أن يقع لمن يريد أن يقام إليه تكبرا وتعاظما
على القائمين إليه والثاني مكروه وهو أن يقع لمن لا يتكبر ولا يتعاظم على القائمين ولكن يخشى
أن يدخل نفسه بسبب ذلك ما يحذر ولما فيه من التشبه بالجبابرة والثالث جائز وهو أن يقع
على سبيل البر والاكرام لمن لا يريد ذلك ويؤمن معه التشبه بالجبابرة والرابع مندوب وهو أن
يقوم لمن قدم من سفر فرحا بقدومه ليسلم عليه أو إلى من تجددت له نعمة فيهنئه بحصولها أو
مصيبة فيعزيه بسببها وقال التوربشتي في شرح المصابيح معنى قوله قوموا إلى سيدكم أي إلى اعانته
وانزاله من دابته ولو كان المراد التعظيم لقال قوموا لسيدكم وتعقبه الطيبي بأنه لا يلزم من كونه
ليس للتعظيم أن لا يكون للاكرام وما اعتل به من الفرق بين إلى واللام ضعيف لان إلى في هذا
43

المقام أفخم من اللام كأنه قيل قوموا وامشوا إليه تلقيا وإكراما وهذا مأخوذ من ترتب الحكم
على الوصف المناسب المشعر بالعلية فإن قوله سيدكم علة للقيام له وذلك لكونه شريفا على القدر
وقال البيهقي القيام على وجه البر والاكرام جائز كقيام الأنصار لسعد وطلحة لكعب ولا ينبغي
لمن يقام له أن يعتقد استحقاقه لذلك حتى أن ترك القيام له حنق عليه أو عاتبه أو شكاه قال أبو
عبد الله وضابط ذلك أن كل أمر ندب الشرع المكلف بالمشي إليه فتأخر حتى قدم المأمور لأجله
فالقيام إليه يكون عوضا عن المشي الذي فات واحتج النووي أيضا بقيام طلحة لكعب بن مالك
وأجاب ابن الحاج بأن طلحة إنما قام لتهنئته ومصافحته ولذلك لم يحتج به البخاري للقيام وإنما أورده
في المصافحة ولو كان قيامه محل النزاع لما انفرد به فلم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم قام له ولا
أمر به ولا فعله أحد ممن حضر وإنما انفرد طلحة لقوة المودة بينهما على ما جرت به العادة ان التهنئة
والبشارة ونحو ذلك تكون على قدر المودة والخلطة بخلاف السلام فإنه مشروع على من عرفت
ومن لم تعرف والتفاوت في المودة يقع بسبب التفاوت في الحقوق وهو أمر معهود (قلت)
ويحتمل أن يكون من كان لكعب عنده من المودة مثل ما عند طلحة لم يطلع على وقوع الرضا عن
كعب واطلع عليه طلحة لان ذلك عقب منع الناس من كلامه مطلقا وفي قول كعب لم يقم إلي
من المهاجرين غيره إشارة إلى أنه قام إليه غيره من الأنصار ثم قال ابن الحاج وإذا حمل فعل
طلحة على محل النزاع لزم أن يكون من حضر من المهاجرين قد ترك المندوب ولا يظن بهم ذلك
واحتج النووي بحديث عائشة المتقدم في حق فاطمة وأجاب عنه ابن الحاج باحتمال أن
يكون القيام لها لأجل إجلاسها في مكانه إكراما لها لا على وجه القيام المنازع فيه ولا سيما
ما عرف من ضيق بيوتهم وقلة الفرش فيها فكانت إرادة إجلاسه لها في موضعه مستلزمة
لقيامه وأمعن في بسط ذلك واحتج النووي أيضا بما أخرجه أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان جالسا يوما فأقبل أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فجلس عليه ثم أقبلت أمه فوضع لها
شق ثوبه من الجانب الآخر ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام فأجلسه بين يديه واعترضه ابن
الحاج بأن هذا القيام لو كان محل النزاع لكان الوالدان أولى به من الأخ وإنما قام للأخ إما لان
يوسع له في الرداء أو في المجلس واحتج النووي أيضا بما أخرجه مالك في قصة عكرمة بن أبي جهل أنه
لما فر إلى اليمن يوم الفتح ورحلت امرأته إليه حتى أعادته إلى مكة مسلما فلما رآه النبي صلى الله
عليه وسلم وثب إليه فرحا وما عليه رداء وبقيام النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم جعفر من الحبشة
فقال ما أدري بأيهما أنا أسر بقدوم جعفر أو بفتح خيبر وبحديث عائشة قدم زيد بن حارثة
المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم في بيتي فقرع الباب فقام إليه فاعتنقه وقبله وأجاب
ابن الحاج بأنها ليست من محل النزاع كما تقدم واحتج أيضا بما أخرجه أبو داود عن أبي هريرة
قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدثنا فإذا قام قمنا قياما حتى نراه قد دخل وأجاب ابن الحاج
بأن قيامهم كان لضرورة الفراغ ليتوجهوا إلى أشغالهم ولان بيته كان بابه في المسجد والمسجد
لم يكن واسعا إذ ذاك فلا يتأتى أن يستووا قياما الا وهو قد دخل كذا قال والذي يظهر لي في
الجواب أن يقال لعل سبب تأخيرهم حتى يدخل لما يحتمل عندهم من أمر يحدث له حتى لا يحتاج
إذا تفرقوا أن يتكلف استدعائهم ثم راجعت سنن أبي داود فوجدت في آخر الحديث ما يؤيد
44

ما قلته وهو قصة الأعرابي الذي جبذ رداءه صلى الله عليه وسلم فدعا رجلا فأمره أن يحمل له على
بعيره تمرا وشعيرا وفي آخره ثم التفت إلينا فقال انصرفوا رحمكم الله تعالى ثم احتج النووي
بعمومات تنزيل الناس منازلهم واكرام ذي الشيبة وتوقير الكبير واعترضه ابن الحاج بما
حاصله أن القيام على سبيل الاكرام داخل في العمومات المذكورة لكن محل النزاع قد ثبت
النهي عنه فيخص من العمومات واستدل النووي أيضا بقيام المغيرة بن شعبة على رأس النبي
صلى الله عليه وسلم بالسيف واعترضه ابن الحاج بأنه كان بسبب الذب عنه في تلك الحالة من
أذى من يقرب منه من المشركين فليس هو من محل النزاع ثم ذكر النووي حديث معاوية
وحديث أبي أمامة المتقدمين وقدم قبل ذلك ما أخرجه الترمذي عن أنس قال لم يكن شخص
أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته
لذلك قال الترمذي حسن صحيح غريب وترجم له باب كراهية قيام الرجل للرجل وترجم لحديث
معاوية باب كراهية القيام للناس قال النووي وحديث أنس أقرب ما يحتج به والجواب عنه
من وجهين أحدهما أنه خاف عليهم الفتنة إذا أفرطوا في تعظيمه فكره قيامهم له لهذا المعنى
كما قال لا تطروني ولم يكره قيام بعضهم لبعض فإنه قد قام لبعضهم وقاموا لغيره بحضرته فلم ينكر
عليهم بل أقره وأمر به ثانيهما أنه كان بينه وبين أصحابه من الانس وكمال الود والصفاء ما لا يحتمل
زيادة بالاكرام بالقيام فلم يكن في القيام مقصود وان فرض للانسان صاحب بهذه الحالة لم يحتج
إلى القيام واعترض ابن الحاج بأنه لا يتم الجواب الأول إلا لو سلم أن الصحابة لم يكونوا يقومون
لاحد أصلا فإذا خصوه بالقيام له دخل في الاطراء لكنه قرر أنهم يفعلون ذلك لغيره فكيف
يسوغ لهم أن يفعلوا مع غيره ما لا يؤمن معه الاطراء ويتركوه في حقه فإن كان فعلهم ذلك
للاكرام فهو أولى بالاكرام لان المنصوص على الامر بتوقيره فوق غيره فالظاهر أن قيامهم لغيره
انما كان لضرورة قدوم أو تهنئة أو نحو ذلك من الأسباب المتقدمة لا على صورة محل النزاع وأن
كراهته لذلك انما هي في صورة محل النزاع أو للمعنى المذموم في حديث معاوية قال والجواب
عن الثاني أنه لو عكس فقال إن كان الصاحب لم تتأكد صحبته له ولا عرف قدره فهو معذور
بترك القيام بخلاف من تأكدت صحبته له وعظمت منزلته منه وعرف مقداره لكان متجها فإنه
يتأكد في حقه مزيد البر والاكرام والتوقير أكثر من غيره قال ويلزم على قوله إن من كان أحق
به وأقرب منه منزلة كان أقل توقيرا له ممن بعد لأجل الانس وكمال الود والواقع في صحيح الاخبار
خلاف ذلك كما وقع في قصة السهو وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه وقد كلمه ذو اليدين
مع بعد منزلته منه بالنسبة إلى أبي بكر وعمر قال ويلزم على هذا أن خواص العالم والكبير والرئيس
لا يعظمونه ولا يوقرونه لا بالقيام ولا بغيره بخلاف من بعد منه وهذا خلاف ما عليه عمل السلف
والخلف انتهى كلامه وقال النووي في الجواب عن حديث معاوية ان الأصح والأولى بل الذي
لا حاجة إلى ما سواه أن معناه زجر المكلف أن يحب قيام الناس له قال وليس فيه تعرض للقيام
بنهى ولا غيره وهذا متفق عليه قال والمنهي عنه محبة القيام فلو لم يخطر بباله فقاموا له أو لم
يقوموا فلا لوم عليه فإن أحب ارتكب التحريم سواء قاموا أولم يقوموا قال فلا يصح الاحتجاج
به لترك القيام فإن قيل فالقيام سبب للوقوع في المنهي عنه قلنا هذا فاسد لأنا قدمنا أن الوقوع
45

في المنهي عنه يتعلق بالمحبة خاصة انتهى ملخصا ولا يخفى ما فيه واعترضه ابن الحاج بان الصحابي
الذي تلقى ذلك من صاحب الشرع قد فهم منه النهى عن القيام الموقع للذي يقام له في المحذور
فصوب فعل من امتنع من القيام دون من قام وأقروه على ذلك وكذا قال ابن القيم في حواشي
السنن في سياق حديث معاوية رد على من زعم أن النهي انما هو في حق من يقوم الرجال
بحضرته لان معاوية إنما روى الحديث حين خرج فقاموا له ثم ذكر ابن الحاج من المفاسد التي
تترتب على استعمال القيام أن الشخص صار لا يتمكن فيه من التفصيل بين من يستحب اكرامه
وبره كأهل الدين والخير والعلم أو يجوز كالمستورين وبين من لا يجوز كالظالم المعلن بالظلم
أو يكره كمن لا يتصف بالعدالة وله جاه فلولا اعتياد القيام ما احتاج أحد أن يقوم لمن يحرم أكرامه
أو يكره بل جر ذلك إلى ارتكاب النهي لما صار يترتب على الترك من الشر وفي الجملة متى صار ترك
القيام يشعر بالاستهانة أو يترتب عليه مفسدة امتنع وإلى ذلك أشار ابن عبد السلام ونقل ابن
كثير في تفسيره عن بعض المحققين التفصيل فيه فقال المحذور أن يتخذ ديدنا كعادة الأعاجم كما
دل عليه حديث أنس وأما إن كان لقادم من سفر أو لحاكم في محل ولايته فلا بأس به (قلت)
ويلتحق بذلك ما تقدم في أجوبة ابن الحاج كالتهنئة لمن حدثت له نعمة أو لإعانة العاجز أو لتوسع
المجلس أو غير ذلك والله أعلم وقد قال الغزالي القيام على سبيل الاعظام مكروه وعلى سبيل
الاكرام لا يكره وهذا تفصيل حسن قال ابن التين قوله في هذه الرواية حكمت فيهم بحكم الملك
ضبطناه في رواية القابسي بفتح اللام أي جبريل فيما أخبر به عن الله وفي رواية الأصيلي بكسر
اللام أي بحكم الله أي صادفت حكم الله (قوله باب المصافحة) هي مفاعلة من
الصفحة والمراد بها الافضاء بصفحة اليد إلى صفحة اليد وقد أخرج الترمذي بسند ضعيف من
حديث أبي أمامة رفعه تمام تحيتكم بينكم المصافحة وأخرج المصنف في الأدب المفرد وأبو
داود بسند صحيح من طريق حميد عن أنس رفعه قد أقبل أهل اليمن وهم أول من حيانا بالمصافحة
وفي جامع ابن وهب من هذا الوجه وكانوا أول من أظهر المصافحة (قوله وقال ابن مسعود علمني
النبي صلى الله عليه وسلم التشهد وكفي بين كفيه) سقط هذا التعليق من رواية أبي ذر وحده وثبت
للباقين وسيأتي موصولا في الباب الذي بعده (قوله وقال كعب بن مالك دخلت المسجد فإذا
برسول الله صلى الله عليه وسلم فقام إلى طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهناني) هو طرف
من قصة كعب بن مالك الطويل في غزوة تبوك في قصة توبته وقد تقدمت الإشارة إليه في الباب
الذي قبله وجاء ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرجه أحمد وأبو داود من حديث أبي ذر
كما سيأتي في أثناء باب المعانقة (قوله عن قتادة قلت لأنس بن مالك (2) أكانت المصافحة
في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم) زاد الإسماعيلي في روايته عن همام قال قتادة وكان
الحسن يعني البصري يصافح وجاء من وجه آخر عن أنس قيل يا رسول الله الرجل يلقى أخاه أينحني
له قال لا قال فيأخذ بيده ويصافحه قال نعم أخرجه الترمذي وقال حسن قال ابن بطال المصافحة
حسنة عند عامة العلماء وقد استحبها مالك بعد كراهته وقال النووي المصافحة سنة مجمع عليها عند
التلاقي وقد أخرج أحمد وأبو داود والترمذي عن البراء رفعه ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان
إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا وزاد فيه ابن السنى وتكاشرا بود ونصيحة وفي رواية لأبي داود وحمدا
46

الله واستغفراه وأخرجه أبو بكر الروياني في مسنده من وجه آخر عن البراء لقيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم فصافحني فقلت يا رسول الله كنت أحسب أن هذا من زي العجم فقال نحن أحق
بالمصافحة فذكر نحو سياق الخبر الأول وفي مرسل عطاء الخراساني في الموطأ تصافحوا يذهب
الغل ولم نقف عليه موصولا واقتصر ابن عبد البر على شواهده من حديث البراء وغيره قال
النووي وأما تخصيص المصافحة بما بعد صلاتي الصبح والعصر فقد مثل ابن عبد السلام في
القواعد البدعة المباحة بها قال النووي وأصل المصافحة سنة وكونهم حافظوا عليها في بعض
الأحوال لا يخرج ذلك عن أصل السنة (قلت) وللنظر فيه مجال فإن أصل صلاة النافلة سنة
مرغب فيها ومع ذلك فقد كره المحققون تخصيص وقت بها دون وقت ومنهم من أطلق تحريم
مثل ذلك كصلاة الرغائب التي لا أصل لها ويستثنى من عموم الامر بالمصافحة المرأة الأجنبية
والأمرد الحسن (قوله أخبرني حياة) بفتح المهملة والواو بينهما تحتانية ساكنة وآخرها هاء
تأنيث هو ابن شريح المصري (قوله سمع جده عبد الله بن هشام) أي ابن زهرة بن عثمان من بني
تميم بن مرة (قوله كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب) كذا اختصره
وكذا أورده في مناقب عمر بن الخطاب وساقه بتمامه في الايمان والنذور وسيأتي البحث فيه
هناك وأغفل المزي ذكره هنا ولم يقع في رواية النسفي أيضا وذكره الإسماعيلي هنا من رواية
رشدين بن سعد وابن لهيعة جميعا عن زهرة بن معبد بتمامه وأسقطه من كتاب الايمان والنذور
وابن لهيعة ورشدين ليسا من شرط الصحيح ولم يقع لأبي نعيم أيضا من طريق ابن وهب عن
حياة فأخرجه في الايمان والنذور بتمامه من طريق البخاري وأخرج القدر المختصر هنا من
رواية أبي زرعة وهب الله بن راشد عن زهرة بن معبد ووهب الله هذا مختلف فيه وليس من رجال
الصحيح ووجه إدخال هذا الحديث في المصافحة أن الاخذ باليد يستلزم التقاء صفحة اليد بصفحة
اليد غالبا ومن ثم أفردها بترجمة تلي هذه لجواز وقوع الاخذ باليد من غير حصول المصافحة قال
ابن عبد البر روى ابن وهب عن مالك أنه كره المصافحة والمعانقة وذهب إلى هذا سحنون وجماعة
وقد جاء عن مالك جواز المصافحة وهو الذي يدل عليه صنيعه في الموطأ وعلى جوازه جماعة
العلماء سلفا وخلفا والله أعلم (قوله باب الاخذ باليد) كذا في رواية أبي ذر عن
الحموي والمستملي وللباقين باليدين وفي نسخة باليمين وهو غلط وسقطت هذه الترجمة وأثرها
وحديثها من رواية النسفي (قوله وصافح حماد بن زيد بن المبارك بيديه) وصله غنجار في تاريخ
بخارى من طريق إسحاق بن أحمد بن خلف قال سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول سمع أبي من
مالك ورأى حماد بن زيد يصافح ابن المبارك بكلتا يديه وذكر البخاري في التاريخ في ترجمة أبيه
نحوه وقال في ترجمة عبد الله بن سلمة المرادي حدثني أصحابنا يحيى وغيره عن أبي إسماعيل بن
إبراهيم قال رأيت حماد بن زيد وجاءه ابن المبارك بمكة فصافحه بكلتا يديه ويحيى المذكور هو ابن
جعفر البيكندي وقد أخرج الترمذي من حديث ابن مسعود رفعه من تمام التحية الاخذ باليد
وفي سنده ضعف وحكى الترمذي عن البخاري أنه رجح أنه موقوف على عبد الرحمن بن يزيد النخعي
أحد التابعين وأخرج ابن المبارك في كتاب البر والصلة من حديث أنس كان النبي صلى الله عليه
وسلم إذا لقي الرجل لا ينزع يده حتى يكون هو الذي ينزع يده ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى
47

يكون هو الذي يصرفه (قوله علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفي بين كفيه التشهد) كذا
عنده بتأخير المفعول عن الجملة الحالية وفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة الآتي التنبيه عليها بتقديم
المفعول وهو لفظ التشهد (قوله في آخره وهو بين ظهرانينا) بفتح النون وسكون التحتانية
ثم نون أصله ظهرنا والتثنية باعتبار المتقدم عنه والمتأخر أي كائن بيننا والألف والنون زيادة
للتأكيد ولا يجوز كسر النون الأولى قاله الجوهري وغيره (قوله فلما قبض قلنا السلام يعني
على النبي صلى الله عليه وسلم) هكذا جاء في هذه الرواية وقد تقدم الكلام على حديث التشهد
هذا في أواخر صفة الصلاة قبيل كتاب الجمعة من رواية شقيق بن سلمة عن ابن مسعود وليست
فيه هذه الزيادة وتقدم شرحه مستوفى وأما هذه الزيادة فظاهرها أنهم كانوا يقولون السلام
عليك أيها النبي بكاف الخطاب في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات النبي صلى الله عليه
وسلم تركوا الخطاب وذكروه بلفظ الغيبة فصاروا يقولون السلام على النبي وأما قوله في آخره
يعني على النبي فالقائل يعني هو البخاري وإلا فقد أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده ومصنفه
عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه فقال في آخره فلما قبض صلى الله عليه وسلم قلنا السلام على النبي
وهكذا أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم من طريق أبي بكر وقد أشبعت القول في هذا عند شرح
الحديث المذكور قال ابن بطال الاخذ باليد هو مبالغة المصافحة وذلك مستحب عند العلماء
وانما اختلفوا في تقبيل اليد فأنكره مالك وأنكر ما روى فيه وأجازه آخرون واحتجوا بما روي
عن عمر أنهم لما رجعوا من الغزو حيث فروا قالوا نحن الفرارون فقال بل أنتم العكارون أنا
فئة المؤمنين قال فقبلنا يده قال وقبل أبو لبابة وكعب بن مالك وصاحباه يد النبي صلى الله عليه
وسلم حين تاب الله عليهم ذكره الأبهري وقبل أبو عبيدة يد عمر حين قدم وقبل زيد بن ثابت يد ابن
عباس حين أخذ ابن عباس بركابه قال الأبهري وانما كرهها مالك إذا كانت على وجه التكبر
والتعظم وأما إذا كانت على وجه القربة إلى الله لدينه أو لعلمه أو لشرفه فإن ذلك جائز قال ابن
بطال وذكر الترمذي من حديث صفوان بن عسال أن يهوديين أتيا النبي صلى الله عليه وسلم
فسألاه عن تسع آيات الحديث وفي آخره فقبلا يده ورجله قال الترمذي حسن صحيح (قلت)
حديث ابن عمر أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود وحديث أبي لبابة أخرجه البيهقي في
الدلائل وابن المقري وحديث كعب وصاحبيه أخرجه ابن المقري وحديث أبي عبيدة أخرجه
سفيان في جامعه وحديث ابن عباس أخرجه الطبري وابن المقري وحديث صفوان أخرجه
أيضا النسائي وابن ماجة وصححه الحاكم وقد جمع الحافظ أبو بكر بن المقري جزأ في تقبيل اليد
سمعناه أورد فيه أحاديث كثيرة وآثارا فمن جيدها حديث الزارع العبدي وكان في وفد عبد
القيس قال فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم ورجله أخرجه أبو داود
ومن حديث مزيدة العصري مثله ومن حديث أسامة بن شريك قال قمنا إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فقبلنا يده وسنده قوي ومن حديث جابر أن عمر قام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبل يده
ومن حديث بريدة في قصة الأعرابي والشجرة فقال يا رسول الله ائذن لي أن أقبل رأسك ورجليك
فأذن له وأخرج البخاري في الأدب المفرد من رواية عبد الرحمن بن رزين قال أخرج لنا سلمة بن
الأكوع كفا له ضخمة كأنها كف بعير فقمنا إليها فقبلناها وعن ثابت أنه قبل يد أنس وأخرج
48

أيضا أن عليا قبل يد العباس ورجله وأخرجه ابن المقري وأخرج من طريق أبي مالك الأشجعي
قال قلت لابن أبي أوفى ناولني يدك التي بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فناولنيها فقبلتها
قال النووي تقبيل يد الرجل لزهده وصلاحه أو علمه أو شرفه أو صيانته أو نحو ذلك من الأمور
الدينية لا يكره بل يستحب فإن كان لغناه أو شوكته أو جاهه عند أهل الدنيا فمكروه شديد
الكراهة وقال أبو سعيد المتولي لا يجوز (قوله باب المعانقة وقول الرجل كيف
أصبحت) كذا للأكثر وسقط لفظ المعانقة وواو العطف من رواية النسفي ومن رواية أبي ذر عن
المستملي والسرخسي وضرب عليها الدمياطي في أصله (قوله حدثنا إسحاق) هو ابن راهويه كما
بينته في الوفاة النبوية وقال الكرماني لعله ابن منصور لأنه روى عن بشر بن شعيب في باب
مرض النبي صلى الله عليه وسلم (قلت) وهو استدلال على الشئ بنفسه لان الحديث المذكور
هناك وهنا واحد والصيغة في الموضعين واحدة فكان حقه إن قام الدليل عنده على أن المراد
بإسحاق هناك ابن منصور أن يقول هنا كما تقدم بيانه في الوفاة النبوية (قوله وحدثنا أحمد
ابن صالح) هو إسناد آخر إلى الزهري يرد على من ظن انفراد شعيب به وقد بينت هناك أن
الإسماعيلي أخرجه أيضا من رواية صالح بن كيسان ولم أستحضر حينئذ رواية يونس هذه فهم على
هذا ثلاثة من حفاظ أصحاب الزهري رووه عنه وسياق المصنف على لفظ أحمد بن صالح هذا
وسياقه هناك على لفظ شعيب والمعنى متقارب وقد ذكرت شرحه هناك قال ابن بطال عن المهلب
ترجم للمعانقة ولم يذكرها في الباب وانما أراد أن يدخل فيه معانقة النبي صلى الله عليه وسلم
للحسن الحديث الذي تقدم ذكره في باب ما ذكر من الأسواق في كتاب البيوع فلم يجد له سندا غير
السند الأول فمات قبل أن يكتب فيه شيئا فبقي الباب فارغا من ذكر المعانقة وكان بعده باب قول
الرجل كيف أصبحت وفيه حديث على فلما وجد ناسخ الكتاب الترجمتين متواليتين ظنهما
واحدة إذ لم يجد بينهما حديثا وفي الكتاب مواضع من الأبواب فارغة لم يدرك أن يتمها بالأحاديث
منها في كتاب الجهاد انتهى وفي جزمه بذلك نظر والذي يظهر أنه أراد ما أخرجه في الأدب المفرد
فإنه ترجم فيه باب المعانقة وأورد فيه حديث جابر أنه بلغه حديث عن رجل من الصحابة قال
فابتعت بعيرا فشددت إليه رحلي شهرا حتى قدمت الشام فإذا عبد الله بن أنيس فبعثت إليه
فخرج فاعتنقني واعتنقته الحديث فهذا أولى بمراده وقد ذكر طرفا منه في كتاب العلم معلقا فقال
ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر في حديث واحد وتقدم الكلام على سنده هناك وأما جزمه
بأنه لم يجد لحديث أبي هريرة سندا آخر ففيه نظر لأنه أورده في كتاب اللباس بسند آخر وعلقه
في مناقب الحسن فقال وقال نافع بن جبير عن أبي هريرة فذكر طرفا منه فلو كان أراد ذكره لعلق
منه موضع حاجته أيضا بحذف أكثر السند أو بعضه كأن يقول وقال أبو هريرة أو قال عبيد الله
ابن أبي يزيد عن نافع بن جبير عن أبي هريرة وأما قوله أنهما ترجمتان خلت الأولى عن الحديث
فضمهما الناسخ فإنه محتمل ولكن في الجزم به نظر وقد ذكرت في المقدمة عن أبي ذر راوي الكتاب
ما يؤيد ما ذكره من أن بعض من سمع الكتاب كان يضم بعض التراجم إلى بعض ويسد البياض
وهي قاعدة يفزع إليها عند العجز عن تطبيق الحديث على الترجمة ويؤيده إسقاط لفظ المعانقة
من رواية من ذكرنا وقد ترحم في الأدب باب كيف أصبحت وأورد فيه حديث ابن عباس
49

المذكور وأفرد باب المعانقة عن هذا الباب وأورد فيه حديث جابر كما ذكرت وقوى ابن التين
ما قال ابن بطال بأنه وقع عنده في رواية باب المعانقة قول الرجل كيف أصبحت بغير واو فدل على
أنهما ترجمتان وقد أخذ ابن جماعة كلام ابن بطال جازما به واختصره وزاد عليه فقال ترجم
بالمعانقة ولم يذكرها وإنما ذكرها في كتاب البيوع وكأنه ترجم ولم يتفق له حديث يوافقه في المعنى
ولا طريق آخر لسند معانقة الحسن ولم ير أن يرويه بذلك السند لأنه ليس من عادته إعادة السند
الواحد أو لعله أخذ المعانقة من عادتهم عند قولهم كيف أصبحت فاكتفى بكيف أصبحت لاقتران
المعانقة به عادة (قلت) وقد قدمت الجواب عن الاحتمالين الأولين وأما الاحتمال الأخير
فدعوى العادة تحتاج إلى دليل وقد أورد البخاري في الأدب المفرد في باب كيف أصبحت حديث
محمود بن لبيد أن سعد بن معاذ لما أصيب أكحله كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر به يقول
كيف أصبحت الحديث وليس فيه للمعانقة ذكر وكذلك أخرج النسائي من طريق عمر بن أبي
سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال دخل أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم فقال كيف أصبحت
فقال صالح من رجل لم يصبح صائما وأخرج ابن أبي شيبة من طريق سالم بن أبي الجعد عن ابن أبي
عمرة نحوه وأخرج البخاري أيضا في الأدب المفرد من حديث جابر قال قيل للنبي صلى الله عليه
وسلم كيف أصبحت قال بخير الحديث ومن حديث مهاجر الصائغ كنت اجلس إلى رجل من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا قيل له كيف أصبحت قال لا نشرك بالله ومن طريق
أبي الطفيل قال قال رجل لحذيفة كيف أصبحت أو كيف أمسيت يا أبا عبد الله قال احمد الله
ومن طريق أنس أنه سمع عمر سلم عليه رجل فرد ثم قال له كيف أنت قال احمد الله قال هذا الذي
أردت منك وأخرج الطبراني في الأوسط نحو هذا من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا فهذه
عدة أخبار لم تقترن فيها المعانقة بقول كيف أصبحت ونحوها بل ولم يقع في حديث الباب أن
اثنين تلاقيا فقال أحدهما للآخر كيف أصبحت حتى يستقيم الحمل على العادة في المعانقة حينئذ
وإنما فيه أن من حضر باب النبي صلى الله عليه وسلم لما رأوا خروج على من عند النبي صلى الله
عليه وسلم سألوه عن حاله في مرضه فأخبرهم فالراجح أن ترجمة المعانقة كانت خالية من الحديث كما
تقدم وقد ورد في المعانقة أيضا حديث أبي ذر أخرجه أحمد وأبو داود من طريق رجل من عنزة
لم يسم قال قلت لأبي ذر هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصافحكم إذا لقيتموه قال ما لقيته
قط إلا صافحني وبعث إلي ذات يوم فلم أكن في أهلي فلما جئت أخبرت أنه أرسل إلي فأتيته وهو
على سريره فالتزمني فكانت أجود وأجود ورجاله ثقات إلا هذا الرجل المبهم وأخرج الطبراني
في الأوسط من حديث أنس كانوا إذا تلاقوا تصافحوا وإذا قدموا من سفر تعانقوا وله في الكبير
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لقي أصحابه لم يصافحهم حتى يسلم عليهم قال ابن بطال اختلف
الناس في المعانقة فكرهها مالك وأجازها ابن عيينة ثم ساق قصتهما في ذلك من طريق سعيد بن
إسحاق وهو مجهول عن علي بن يونس الليثي المدني وهو كذلك وأخرجها ابن عساكر في ترجمة
جعفر من تاريخه من وجه آخر عن علي بن يونس قال استأذن سفيان بن عيينة على مالك فأذن له
فقال السلام عليكم فردوا عليه ثم قال السلام خاص وعام السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله
وبركاته فقال وعليك السلام يا أبا محمد ورحمة الله وبركاته ثم قال لولا أنها بدعة لعانقتك قال قد
50

عانق من هو خير منك قال جعفر قال نعم قال ذاك خاص قال ما عمه يعمنا ثم ساق سفيان الحديث
عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال لما قدم جعفر من الحبشة اعتنقه النبي صلى الله عليه
وسلم الحديث قال الذهبي في الميزان هذه الحكاية باطلة واسنادها مظلم (قلت) والمحفوظ عن ابن
عيينة بغير هذا الاسناد فأخرج سفيان بن عيينة في جامعه عن الأجلح عن الشعبي أن جعفرا لما
قدم تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل جعفرا بين عينيه وأخرج البغوي في معجم الصحابة
من حديث عائشة لما قدم جعفر استقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل ما بين عينيه وسنده
موصول لكن في سنده محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير وهو ضعيف وأخرج الترمذي عن عائشة
قالت قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فقرع الباب فقام إليه
النبي صلى الله عليه وسلم عريانا يجر ثوبه فاعتنقه وقبله قال الترمذي حديث حسن وأخرج قاسم
ابن أصبغ عن أبي الهيثم بن التيهان أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه فاعتنقه وقبله وسنده ضعيف
قال المهلب في أخذ العباس بيد على جواز المصافحة والسؤال عن حال العليل كيف أصبح وفيه
جواز اليمين على غلبة الظن وفيه أن الخلافة لم تذكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أصلا لان
العباس حلف أنه يصير مأمورا لا آمرا لما كان يعرف من توجيه النبي صلى الله عليه وسلم بها إلى
غيره وفي سكوت على دليل على علم علي بما قال العباس قال وأما قول علي لو صرح النبي صلى الله
عليه وسلم بصرفها عن بني عبد المطلب لم يمكنهم أحد بعده منها فليس كما ظن لأنه صلى الله عليه وسلم
قال مروا أبا بكر فليصل بالناس وقيل له لو أمرت عمر فامتنع ثم لم يمنع ذلك عمر من ولايتها بعد ذلك
(قلت) وهو كلام من لم يفهم مراد على وقد قدمت في شرح الحديث في الوفاة النبوية بيان
مراده وحاصله أنه إنما خشي أن يكون منع النبي صلى الله عليه وسلم لهم من الخلافة حجة قاطعة
يمنعهم منها على الاستمرار تمسكا بالمنع الأول لو رده بمنع الخلافة نصا وأما منع الصلاة فليس
فيه نص على منع الخلافة وإن كان في التنصيص على إمامة أبي بكر في مرضه إشارة
إلى أنه أحق بالخلافة فهو بطريق الاستنباط لا النص ولولا قرينة كونه في مرض الموت
ما قوي وإلا فقد استناب في الصلاة قبل ذلك غيره في أسفاره والله أعلم وأما ما استنبطه أولا
ففيه نظر لان مستند العباس في ذلك الفراسة وقرائن الأحوال ولم ينحصر ذلك في أن معه
من النبي صلى الله عليه وسلم النص على منع على من الخلافة وهذا بين من سياق القصة وقد
قدمت هناك أن في بعض طرق هذا الحديث أن العباس قال لعلي بعد أن مات النبي صلى الله
عليه وسلم أبسط يدك أبايعك فيبايعك الناس فلم يفعل فهذا دال على أن العباس لم يكن عنده في
ذلك نص والله أعلم وقول العباس في هذه الرواية لعلي ألا تراه أنت والله بعد ثلاث إلى آخره قال
ابن التين الضمير في تراه للنبي صلى الله عليه وسلم وتعقب بأن الاظهر أنه ضمير الشأن وليست
الرؤية هنا الرؤية البصرية وقد وقع في سائر الروايات ألا ترى بغير ضمير وقوله لو لم تكن الخلافة
فينا آمرناه قال ابن التين فهو بمد الهمزة أي شاورناه قال وقرأناه بالقصر من الامر (قلت) وهو
المشهور والمراد سألناه لان صيغة الطلب كصيغة الامر ولعله أراد أنه يؤكد عليه في السؤال
حتى يصير كأنه آمر له بذلك وقال الكرماني فيه دلالة على أن الامر لا يشترط فيه العلو ولا
الاستعلاء وحكى ابن التين عن الداودي أن أول ما استعمل الناس كيف أصبحت في زمن طاعون
51

عمواس وتعقبه بأن العرب كانت تقوله قبل الاسلام وبأن المسلمين قالوه في هذا الحديث (قلت)
والجواب حمل الأولية على ما وقع في الاسلام لان الاسلام جاء بمشروعية السلام للمتلاقيين
ثم حدث السؤال عن الحال وقل من صار يجمع بينهما والسنة البداءة بالسلام وكأن السبب فيه
ما وقع من الطاعون فكانت الداعية متوفرة على سؤال الشخص من صديقه عن حاله فيه ثم
كثر ذلك حتى اكتفوا به عن السلام ويمكن الفرق بين سؤال الشخص عمن عنده ممن عرف
أنه متوجع وبين سؤال من حاله يحتمل الحدوث (قوله باب من أجاب بلبيك
وسعديك) ذكر فيه حديث أنس عن معاذ قال أنا رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال
يا معاذ قلت لبيك وسعديك وقد تقدم شرح هاتين الكلمتين في كتاب الحج وتقدم شرح بعض
حديث معاذ في كتاب العلم وفي الجهاد ويأتي مستوفى في كتاب الرقاق وكذلك حديث أبي ذر
المذكور في الباب بعده وقوله فيه قلت لزيد أي ابن وهب والقائل هو الأعمش وهو موصول
بالاسناد المذكور وقد بين في الرواية التي تليها أن الأعمش رواه عن أبي صالح عن أبي الدرداء
وقوله وقال أبو شهاب عن الأعمش يعني عن زيد بن وهب عن أبي ذر كما تقدم موصولا في كتاب
الاستقراض والمراد أنه أتى بقوله يمكث عندي فوق ثلاث بدل قوله في رواية هذا الباب تأتي على
ليلة أو ثلاث عندي منه دينار وبقية سياق الحديث سواء إلا الكلام الأخير في سؤال الأعمش
زيد بن وهب إلى آخره وقوله أرصده بضم أوله وقوله فقمت أي أقمت في موضعي وهو كقوله تعالى
وإذا أظلم عليهم قاموا وقد ورد ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم فأخرج النسائي وصححه ابن
حبان من حديث محمد بن حاطب قال انطلقت بي أمي إلى رجل جالس فقالت له يا رسول الله قال
لبيك وسعديك (قلت) وأمه هي أم جميل بالجيم بنت المحلل بمهملة ولامين الأولى ثقيلة (قوله
باب لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه) هكذا ترجم بلفظ الخبر وهو خبر معناه النهي وقد
رواه ابن وهب بلفظ النهي لا يقم وكذا رواه ابن الحسن ورواه القاسم بن يزيد وطاهر بن مدرار
بلفظ لا يقيمن وكذا وقع في رواية الليث عند مسلم بلفظ النهي المؤكد وكذا عنده من رواية سالم
ابن عبد الله بن عمر عن أبيه (قوله حدثنا إسماعيل بن عبد الله) هو ابن أبي أويس وهذا الحديث
ليس في الموطأ إلا عند ابن وهب ومحمد بن الحسن وقد أخرجه الدارقطني من رواية إسماعيل وابن
وهب وابن الحسن والوليد بن مسلم والقاسم بن يزيد وطاهر بن مدرار كلهم عن مالك وأخرجه
الإسماعيلي من رواية القاسم بن يزيد الجرمي وعبد الله بن وهب جميعا عن مالك وضاق على أبي
نعيم فأخرجه من طريق البخاري نفسه وقد تقدم في كتاب الجمعة من رواية ابن جريج عن نافع
ويأتي في الباب الذي يليه من رواية عبد الله بن عمر العمري عن نافع وسياقه أتم ويأتي شرحه
52

فيه (قوله باب إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس فافسحوا) كذا لأبي ذر وزاد غيره
وإذا قيل انشزوا فانشزوا الآية اختلف في معنى الآية فقيل إن ذلك خاص بمجلس النبي صلى
الله عليه وسلم قال ابن بطال قال بعضهم هو مجلس النبي صلى الله عليه وسلم خاصة عن مجاهد
وقتادة (قلت) لفظ الطبري عن قتادة كانوا يتنافسون في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأوه
مقبلا ضيقوا مجلسهم فأمرهم الله تعالى أن يوسع بعضهم لبعض (قلت) ولا يلزم من كون
الآية نزلت في ذلك الاختصاص وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان بفتح المهملة
والتحتانية الثقيلة قال نزلت يوم الجمعة أقبل جماعة من المهاجرين والأنصار من أهل بدر فلم
يجدوا مكانا فأقام النبي صلى الله عليه وسلم ناسا ممن تأخر إسلامه فأجلسهم في أماكنهم فشق
ذلك عليهم وتكلم المنافقون في ذلك فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا
في المجلس فافسحوا وعن الحسن البصري المراد بذلك مجلس القتال قال ومعنى قوله انشزوا
انهضوا للقتال وذهب الجمهور إلى أنها عامة في كل مجلس من مجالس الخير وقوله افسحوا يفسح
الله أي وسعوا وسع الله عليكم في الدنيا والآخرة (قوله سفيان) هو الثوري (قوله أنه نهى
أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه آخر) كذا في رواية سفيان وأخرجه مسلم من وجه آخر
عن عبيد الله بن عمر بلفظ لا يقم الرجل الرجل من مقعده ثم يجلس فيه (قوله ولكن تفسحوا
وتوسعوا) هو عطف تفسيري ووقع في رواية قبيصة عن سفيان عند ابن مردويه ولكن ليقل
افسحوا وتوسعوا وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية قبيصة وليس عنده ليقل وهذه الزيادة
أشار مسلم إلى أن عبيد الله بن عمر تفرد بها عن نافع وأن مالكا والليث وأيوب وابن جريج رووه
عن نافع بدونها وأن ابن جريج زاد قلت لنافع في الجمعة قال وفي غيرها وقد تقدمت زيادة ابن
جريج هذه في كتاب الجمعة ووقع في حديث جابر عند مسلم لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالف
إلى مقعده فيقعد فيه ولكن يقول افسحوا فجمع بين الزيادتين ورفعهما وكان ذلك سبب
سؤال ابن جريج لنافع قال ابن أبي جمرة هذا اللفظ عام في المجالس ولكنه مخصوص بالمجالس
المباحة أما على العموم كالمساجد ومجالس الحكام والعلم وأما على الخصوص كمن يدعو
قوما بأعيانهم إلى منزله لوليمة ونحوها وأما المجالس التي ليس للشخص فيها ملك ولا اذن له فيها فإنه
يقام ويخرج منها ثم هو في المجالس العامة وليس عاما في الناس بل هو خاص بغير المجانين ومن
يحصل منه الأذى كآكل الثوم النئ إذا دخل المسجد والسفيه إذا دخل مجلس العلم
أو الحكم قال والحكمة في هذا النهي منع استنقاص حق المسلم المقتضى للضغائن والحث
على التواضع المقتضى للمواددة وأيضا فالناس في المباح كلهم سواء فمن سبق إلى شئ استحقه
ومن استحق شيئا فأخذ منه بغير حق فهو غصب والغصب حرام فعلى هذا قد يكون بعض ذلك على
سبيل الكراهة وبعضه على سبيل التحريم قال فأما قوله تفسحوا وتوسعوا فمعنى الأول أن
يتوسعوا فيما بينهم ومعنى الثاني أن ينضم بعضهم إلى بعض حتى يفضل من الجمع مجلس للداخل
انتهى ملخصا (قوله وكان ابن عمر) هو موصول بالسند المذكور (قوله يكره أن يقوم
الرجل من مجلسه ثم يجلس مكانه) أخرجه البخاري في الأدب المفرد عن قبيصة عن سفيان وهو
الثوري بلفظ وكان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه وكذا أخرجه مسلم من رواية
53

سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه وقوله يجلس في روايتنا بفتح أوله وضبطه أبو جعفر الغرناطي في
نسخته بضم أوله على وزن يقام وقد ورد ذلك عن ابن عمر مرفوعا أخرجه أبو داود من طريق
أبي الخصيب بفتح المعجمة وكسر المهملة آخره موحدة بوزن عظيم واسمه زياد بن عبد الرحمن
عن ابن عمر جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام له رجل من مجلسه فذهب ليجلس
فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وله أيضا من طريق سعيد بن أبي الحسن جاءنا أبو بكرة فقام
له رجل من مجلسه فأبى أن يجلس فيه وقال أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذا وأخرجه
الحاكم وصححه من هذا الوجه لكن لفظه مثل لفظ ابن عمر الذي في الصحيح فكأن أبا بكرة حمل
النهي على المعنى الأعم وقد قال البزار أنه لا يعرف له طريق إلا هذه وفي مسنده أبو عبد الله مولى
أبي بردة بن أبي موسى وقيل مولى قريش وهو بصري لا يعرف قال ابن بطال اختلف في النهي
فقيل للأدب وإلا فالذي يجب للعالم أن يليه أهل الفهم والنهي وقيل هو على ظاهره ولا يجوز لمن
سبق إلى مجلس مباح أن يقام منه واحتجوا بالحديث يعني الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة
رفعه إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به قالوا فلما كان أحق به بعد رجوعه ثبت
أنه حقه قبل أن يقوم ويتأيد ذلك بفعل ابن عمر المذكور فإنه راوي الحديث وهو أعلم بالمراد منه
وأجاب من حمله على الأدب أن الموضع في الأصل ليس ملكه قبل الجلوس ولا بعد المفارقة فدل
على أن المراد بالحقيقة في حالة الجلوس الأولوية فيكون من قام تاركا له قد سقط حقه جملة ومن
قام ليرجع يكون أولى وقد سئل مالك عن حديث أبي هريرة فقال ما سمعت به وإنه لحسن إذا
كانت أوبته قريبة وان بعد فلا أرى ذلك له ولكنه من محاسن الأخلاق وقال القرطبي
في المفهم هذا الحديث يدل على صحة القول بوجوب اختصاص الجالس بموضعه إلى أن يقوم
منه وما احتج به من حمله على الأدب لكونه ليس ملكا له لا قبل ولا بعد ليس بحجة لأنا نسلم أنه غير
ملك له لكن يختص به إلى أن يفرغ غرضه فصار كأنه ملك منفعته فلا يزاحمه غيره عليه قال
النووي قال أصحابنا هذا في حق من جلس في موضع من المسجد أو غيره لصلاة مثلا ثم فارقه
ليعود إليه كإرادة الوضوء مثلا أو لشغل يسير ثم يعود لا يبطل اختصاصه به وله أن يقيم من خالفه
وقعد فيه وعلى القاعد أن يطيعه واختلف هل يجب عليه على وجهين أصحهما الوجوب وقيل
يستحب وهو مذهب مالك قال أصحابنا وإنما يكون أحق به في تلك الصلاة دون غيرها قال
ولا فرق بين أن يقوم منه ويترك له فيه سجادة ونحوها أم لا والله أعلم وقال عياض اختلف العلماء
فيمن اعتاد بموضع من المسجد للتدريس والفتوى فحكى عن مالك أنه أحق به إذا عرف به قال
والذي عليه الجمهور أن هذا استحسان وليس بحق واجب ولعله مراد مالك وكذا قالوا
في مقاعد الباعة من الأفنية والطرق التي هي غير متملكة قالوا من اعتاد بالجلوس في شئ منها فهو
أحق به حتى يتم غرضه قال وحكاه الماوردي عن مالك قطعا للتنازع وقال القرطبي الذي عليه
الجمهور أنه ليس بواجب وقال النووي استثنى أصحابنا من عموم قوله لا يقيمن أحدكم الرجل من
مجلسه ثم يجلس فيه من ألف من المسجد موضعا يفتى فيه أو يقرئ فيه قرآنا أو علما فله أن
يقيم من سبقه إلى القعود فيه وفي معناه من سبق إلى موضع من الشوارع ومقاعد الأسواق
لمعاملة قال النووي وأما ما نسب إلى ابن عمر فهو ورع منه وليس قعوده فيه حراما إذا كان ذلك
54

برضا الذي قام ولكنه تورع منه لاحتمال أن يكون الذي قام لأجله استحيى منه فقام عن
غير طيب قلبه فسد الباب ليسلم من هذا أو رأى أن الايثار بالقرب مكروه أو خلاف الأولى
فكان يمتنع لأجل ذلك لئلا يرتكب ذلك أحد بسببه قال علماء أصحابنا وانما يحمد الايثار
بحظوظ النفس وأمور الدنيا (قوله باب من قام من مجلسه أو بيته ولم يستأذن
أصحابه أو تهيأ للقيام ليقوم الناس) ذكر فيه حديث أنس في قصة زواج زينب بنت جحش ونزول
آية الحجاب وفيه فأخذ كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا فلما رأى ذلك قام فلما قام قام من قام معه
من الناس وبقي ثلاثة الحديث وقد تقدم شرحه مستوفى في تفسير سورة الأحزاب قال ابن
بطال فيه أنه لا ينبغي لاحد أن يدخل بيت غيره إلا بإذنه وان المأذون له لا يطيل الجلوس بعد تمام
ما أذن له فيه لئلا يؤذي أصحاب المنزل ويمنعهم من التصرف في حوائجهم وفيه أن من فعل ذلك
حتى تضرر به صاحب المنزل أن لصاحب المنزل أن يظهر التثاقل به وأن يقوم بغير إذن حتى
يتفطن له وأن صاحب المنزل إذا خرج من منزله لم يكن للمأذون له في الدخول أن يقيم إلا بإذن
جديد والله أعلم (قوله باب الاحتباء باليد وهو) وقع في رواية الكشميهني وهي
(القرفصاء) بضم القاف والفاء بينهما راء ساكنة ثم صاد مهملة ومد وقال الفراء ان ضممت
القاف والفاء مددت وإن كسرت قصرت والذي فسر به البخاري الاحتباء أخذه من كلام أبي
عبيدة فإنه قال القرفصاء جلسة المحتبى ويدير ذراعيه ويديه على ساقيه وقال عياض قيل هي
الاحتباء وقيل جلسة الرجل المستوفز وقيل جلسة الرجل على أليتيه قال وحديث قيلة يدل
عليه لان فيه وبيده عسيب نخلة فدل على أنه لم يحتب بيديه (قلت) ولا دلالة فيه على نفي
الاحتباء فإنه تارة يكون باليدين وتارة بثوب فلعله في الوقت الذي رأته قيلة كان محتبيا بثوبه
وقد قال ابن فارس وغيره الاحتباء أن يجمع ثوبه ظهره وركبتيه (قلت) وحديث قيلة وهي بفتح
القاف وسكون التحتانية بعدها لام أخرجه أبو داود والترمذي في الشمائل والطبراني وطوله
بسند لا بأس به أنها قالت فذكر الحديث وفيه قالت فجاء رجل فقال السلام عليك يا رسول الله
فقال وعليك السلام ورحمة الله وعليه اسمال مليتين قد كانتا بزعفران فنفضتا وبيده عسيب
نخلة مقشرة قاعدا القرفصاء قالت فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخشع في الجلسة
أرعدت من الفرق فقال له جليسه يا رسول الله أرعدت المسكينة فقال ولم ينظر إلي يا مسكينة
عليك السكينة فذهب عني ما أجد من الرعب الحديث وقوله فيه وعليه اسمال بمهملة جمع سمل
بفتحتين وهو الثوب البالي ومليتين بالتصغير تثنية ملاءة وهي الرداء وقيل القرفصاء الاعتماد على
عقبيه ومس أليتيه بالأرض والذي يتحرر من هذا كله أن الاحتباء قد يكون بصورة القرفصاء
لا أن كل احتباء قرفصاء والله أعلم (قوله حدثني محمد بن أبي غالب) هو القومسي بضم القاف
وسكون الواو وبالسين المهملة نزل بغداد وهو من صغار شيوخ البخاري ومات قبله بست سنين
وليس له عنده سوى هذا الحديث وحديث آخر في كتاب التوحيد ولهم شيخ آخر يقال له محمد بن
أبي غالب الواسطي نزيل بغداد قال أبو نصر الكلاباذي سمع من هشيم ومات قبل القومسي
بست وعشرين سنة (قوله محمد بن فليح عن أبيه) هو فليح بن سليمان المدني وقد نزل البخاري
في حديثه هذا درجتين لأنه سمع الكثير من أصحاب فليح مثل يحيى بن صالح ونزل في حديث
55

إبراهيم بن المنذر درجة لأنه سمع منه الكثير وأخرج عنه بغير واسطة (قوله بفناء الكعبة) بكسر
الفاء ثم نون ثم مد أي جانبها من قبل الباب (قوله محتبيا بيده هكذا) كذا وقع عنده مختصرا
ورويناه في الجزء السادس من فوائد أبي محمد بن صاعد عن محمود بن خالد عن أبي غزية وهو
بفتح المعجمة وكسر الزاي وتشديد التحتانية وهو محمد بن موسى الأنصاري القاضي عن فليح نحوه
وزاد فأرانا فليح موضع يمينه على يساره موضع الرسغ وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية أبي
موسى محمد بن المثنى عن أبي غزية بسند آخر قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن عمر بن محمد بن زيد
عن نافع فذكر نحو حديث الباب دون كلام فليح وأخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن أبي غزية
عن فليح ولم يذكر كلام فليح أيضا والذي يظهر أن لأبي غزية فيه شيخين وأبو غزية ضعفه ابن معين
وغيره ووقع عند أبي داود من حديث أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس
أحتبي بيديه زاد البزار ونصب ركبتيه وأخرج البزار أيضا من حديث أبي هريرة بلفظ جلس عند
الكعبة فضم رجليه فأقامهما واحتبى بيديه ويستثنى من الاحتباء باليدين ما إذا كان في
المسجد ينتظر الصلاة فاحتبى بيديه فينبغي أن يمسك إحداهما بالأخرى كما وقعت الإشارة إليه في
هذا الحديث من وضع إحداهما على رسغ الأخرى ولا يشبك بين أصابعه في هذه الحالة فقد ورد
النهي عن ذلك عند أحمد من حديث أبي سعيد بسند لا بأس به والله أعلم وتقدمت مباحث
التشبيك في المسجد في أبواب المساجد من كتاب الصلاة وقال ابن بطال لا يجوز للمحتبي أن يصنع
بيديه شيا ويتجرك لصلاة أو غيرها لان عورته تبدو إلا إذا كان عليه توب يستر عورته فيجوز
وهذا بناه على أن الاحتباء قد يكون باليدين فقط وهو المعتمد وفرق الداودي فيما حكاه عنه ابن
التين بين الاحتباء والقرفصاء فقال الاحتباء أن يقيم رجليه ويفرج بين ركبتيه ويدير عليه ثوبا
ويعقده فإن كان عليه قميص أو غيره فلا ينهى عنه وإن لم يكن عليه شئ فهو القرفصاء كذا قال
والمعتمد ما تقدم (قوله باب من اتكأ بين يدي أصحابه) قيل الاتكاء الاضطجاع
وقد مضى في حديث عمر في كتاب الطلاق وهو متكئ على سرير أي مضطجع بدليل قوله قد أثر
السرير في جنبه كذا قال عياض وفيه نظر لأنه يصح مع عدم تمام الاضطجاع وقد قال الخطابي كل
معتمد على شئ متمكن منه فهو متكئ وايراد البخاري حديث خباب المعلق يشير به إلى أن
الاضطجاع اتكاء وزيادة وأخرج الدارمي والترمذي وصححه هو وأبو عوانة وابن حبان عن جابر
ابن سمرة رأيت النبي صلى الله عليه وسلم متكئا على وسادة ونقل ابن العربي عن بعض الأطباء أنه
كره الاتكاء وتعقبه بأن فيه راحة كالاستناد والاحتباء (قوله وقال خباب) بفتح المعجمة
وتشديد الموحدة وآخره موحدة أيضا هو ابن الأرت الصحابي وهذا القدر المعلق طرف من
حديث له تقدم موصولا في علامات النبوة ثم ذكر حديث أبي بكرة في أكبر الكبائر وأورده من
طريقين لقوله فيه وكان متكئا فجلس وقد تقدمت الإشارة إليه في أوائل كتاب الأدب وورد في
مثل ذلك حديث أنس في قصة ضمام بن ثعلبة لما قال أيكم ابن عبد المطلب فقالوا ذلك الأبيض
المتكئ قال المهلب يجوز للعالم والمفتي والامام الاتكاء في مجلسه بحضرة الناس لألم يجده في
بعض أعضائه أو لراحة يرتفق بذلك ولا يكون ذلك في عامة جلوسه (قوله باب من
أسرع في مشيه لحاجة) أي لسبب من الأسباب وقوله أو قصد أي لأجل قصد شئ معروف
56

والقصد هنا بمعنى المقصود أي أسرع لأمر المقصود ذكر فيه طرفا من حديث عقبة بن الحارث قال
ابن بطال فيه جواز اسراع الامام في حاجته وقد جاء أن إسراعه عليه الصلاة والسلام في دخوله
إنما كان لأجل صدقة أحب أن يفرقها في وقته (قلت) وهذا الذي أشار إليه متصل في حديث
عقبة بن الحارث المذكور كما تقدم واضحا في كتاب الزكاة فإنه أخرجه هناك بالاسناد الذي ذكره
هنا تاما وتقدم أيضا في صلاة الجماعة وقال في الترجمة لحاجة أو قصد لأن الظاهر من السياق أنه
كان لتلك الحاجة الخاصة فيشعر بأن مشيه لغير الحاجة كان على هينته ومن ثم تعجبوا من
إسراعه فدل على أنه وقع على غير عادته فحاصل الترجمة أن الاسراع في المشي إن كان لحاجة
لم يكن به بأس وإن كان عمدا لغير حاجة فلا وقد أخرج ابن المبارك في كتاب الاستئذان بسند مرسل
أن مشية النبي صلى الله عليه وسلم كانت مشية السوقي لا العاجز ولا الكسلان وأخرج أيضا كان
ابن عمر يسرع في المشي ويقول هو أبعد من الزهو وأسرع في الحاجة قال غيره وفيه اشتغال عن
النظر إلى ما لا ينبغي التشاغل به وقال ابن العربي المشي على قدر الحاجة هو السنة اسراعا وبطا
لا التصنع فيه ولا التهور (قوله باب السرير) بمهملات وزن عظيم معروف ذكر
الراغب أنه مأخوذ من السرور لأنه في الغالب لاولى النعمة قال وسرير الميت لشبهه به
في الصورة وللتفاؤل بالسرور وقد يعبر بالسرير عن الملك وجمعه أسرة وسرر بضمتين ومنهم
من يفتح الراء استثقالا للضمتين ذكر فيه حديث عائشة وهو ظاهر فيما ترجم له قال ابن بطال فيه
جواز اتخاذ السرير والنوم عليه ونوم المرأة بحضرة زوجها وقال ابن التين وقوله فيه وسط
السرير قرأناه بسكون السين والذي في اللغة المشهورة بفتحها وقال الراغب وسط الشئ يقال
بالفتح للكمية المتصلة كالجسم الواحد نحو وسطه صلب ويقال بالسكون للكمية المنفصلة
بين جسمين نحو وسط القوم (قلت) وهذا مما يرجح الرواية بالتحريك ولا يمنع السكون ووجه
إيراد هذه الترجمة وما قبلها وما بعدها في كتاب الاستئذان أن الاستئذان يستدعي دخول المنزل
فذكر متعلقات المنزل استطرادا (قوله باب من ألقى له وسادة) ألقى بضم أوله
على البناء للمجهول وذكره لان التأنيث ليس حقيقيا ويقال وسادة ووساد وهي بكسر الواو
وتقولها هذيل بالهمز بدل الواو ما يوضع عليه الرأس وقد يتكأ عليه وهو المراد هنا (قوله حدثنا
إسحاق) هو ابن شاهين الواسطي وخالد شيخه هو ابن عبد الله الطحان وقوله وحدثني عبد الله
ابن محمد هو الجعفي وعمرو بن عون من شيوخ البخاري وقد أخرج عنه في الصلاة وغيرها بغير
واسطة وشيخه هو الطحان المذكور وشيخه خالد هو ابن مهران الحذاء وقد نزل البخاري في هذا
الاسناد الثاني درجة وقد تقدم هذا الحديث عن إسحاق بن شاهين بهذا الاسناد في كتاب الصلاة
وتقدمت مباحث المتن في الصيام وساقه المصنف هنا على لفظ عمرو بن عون وهذا هو السر في
إيراده له من هذا الوجه النازل حتى لا تتمحض إعادته بسند واحد على صفة واحدة وقد اطرد
له هذا الصنيع إلا في مواضع يسيرة إما ذهولا واما لضيق المخرج (قوله أخبرني أبو المليح) بوزن
عظيم اسمه عامر وقيل زيد بن أسامة الهذلي (قوله دخلت مع أبيك زيد) هذا الخطاب لأبي قلابة
واسمه عبد الله بن زيد ولم أر لزيد ذكرا إلا في هذا الخبر وهو ابن عمرو وقيل ابن عامر بن ناتل بنون
ومثناة ابن مالك بن عبيد الجرمي (قوله فألقيت له وسادة) قال المهلب فيه اكرام الكبير وجواز
57

زيارة الكبير تلميذه وتعليمه في منزله ما يحتاج إليه في دينه وايثار التواضع وحمل النفس عليه
وجواز رد الكرامة حيث لا يتأذى بذلك من تردد عليه (قوله حدثنا يحيى بن جعفر) هو
البيكندي ويزيد هو ابن هارون ومغيرة هو ابن مقسم وإبراهيم هو النخعي وقد تقدم الحديث
في مناقب عمار مشروحا وقوله فيه ارزقني جليسا في رواية سليمان بن حرب عن شعبة في مناقب
عمار جليسا صالحا وكذا في معظم الروايات وقوله أوليس فيكم صاحب السواك والوساد في
رواية الكشميهني الوسادة يعني أن ابن مسعود كان يتولى أمر سواك رسول الله صلى الله عليه
وسلم ووساده ويتعاهد خدمته في ذلك بالاصلاح وغيره وقد تقدم في المناقب بزيادة والمطهرة
وتقدم الرد على الداودي في زعمه أن المراد أن ابن مسعود لم يكن في ملكه في عهد النبي صلى الله
عليه وسلم سوى هذه الأشياء الثلاثة وقد قال ابن التين هنا المراد أنه لم يكن له سواهما جهازا وأن
النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه إياهما وليس ذلك مراد أبي الدرداء بل السياق يرشد إلى أنه أراد
وصف كل واحد من الصحابة بما كان اختص به من الفضل دون غيره من الصحابة وقضية ما قاله
الداودي هناك وابن التين هنا أن يكون وصفه بالتقلل وتلك صفة كانت لغالب من كان في عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضلاء الصحابة والله أعلم وقوله فيه أليس فيكم أو كان فيكم هو
شك من شعبة وقد رواه إسرائيل عن مغيرة بلفظ وفيكم وهي في مناقب عمار ورواه أبو عوانة عن
مغيرة بلفظ أولم يكن فيكم وهي في مناقب ابن مسعود (قوله الذي أجاره الله على لسان رسوله
صلى الله عليه وسلم من الشيطان يعني عمارا) في رواية إسرائيل الذي أجاره الله من الشيطان يعني
على لسان رسوله وفي رواية أبي عوانة ألم يكن فيكم الذي أجير من الشيطان وقد تقدم بيان المراد
بذلك في المناقب ويحتمل أن يكون أشير بذلك إلى ما جاء عن عمار إن كان ثابتا فإن الطبراني
أخرج من طريق الحسن البصري قال كان عمار يقول قاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
الجن والإنس أرسلني إلى بئر بدر فلقيت الشيطان في صورة إنسي فصارعني فصرعته الحديث وفي
سنده الحكم بن عطية مختلف فيه والحسن لم يسمع من عمار (قوله باب القائلة بعد
الجمعة) أي بعد صلاة الجمعة وهي النوم في وسط النهار عند الزوال وما قاربه من قبل أو بعد قيل
لها قائلة لأنها يحصل فيها ذلك وهي فاعلة بمعنى مفعولة مثل عيشة راضية ويقال لها أيضا
القيلولة وأخرج ابن ماجة وابن خزيمة من حديث ابن عباس رفعه استعينوا على صيام النهار
بالسحور وعلى قيام الليل بالقيلولة وفي سنده زمعة بن صالح وفيه ضعف وقد تقدم شرح حديث
سهل المذكور في الباب في أواخر كتاب الجمعة وفيه إشارة إلى أنهم كانت عادتهم ذلك في كل يوم
وورود الامر بها في الحديث الذي أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أنس رفعه قال قيلوا
فإن الشياطين لا تقيل وفي سنده كثير بن مروان وهو متروك وأخرج سفيان بن عيينة في جامعه
من حديث خوات بن جبير رضي الله عنه موقوفا قال نوم أول النهار حرق وأوسطه خلق وآخره
حمق وسنده صحيح (قوله باب القائلة في المسجد) ذكر فيه حديث علي في سبب تكنيته
أبا تراب وقد تقدم في أواخر كتاب الأدب والغرض منه قول فاطمة عليها السلام فغاضبني
فخرج فلم يقل عندي وهو بفتح أوله وكسر القاف (قوله هو في المسجد راقد) قال المهلب فيه
58

جواز النوم في المسجد من غير ضرورة إلى ذلك وعكسه غيره وهو الذي يظهر من سياق القصة
(قوله باب من زار قوما فقال عندهم) أي رقد وقت القيلولة والفعل الماضي منه
ومن القول مشترك بخلاف المضارع فقال يقيل من القائلة وقال يقول من القول وقد تلطف
النضير المناوي حيث قال في لغز
قال قال النبي قولا صحيحا * قلت قال النبي قولا صحيحا
وفسره السراج الوراق في جوابه حيث قال
فابن منه مضارعا يظهر الخافي * ويبدو الذي كنيت صريحا
ثم ذكر فيه حديثين * أحدهما قصة أم سليم في العرق (قوله حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا
الأنصاري) هو محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك قاضي البصرة وقد أكثر
البخاري الرواية عنه بلا واسطة كالذي هنا وثمامة هو عم عبد الله بن المثنى الراوي عنه (قوله
أن أم سليم) هذا ظاهره أن الاسناد مرسل لان ثمامة لم يلحق جدة أبيه أم سليم والدة أنس لكن
دل قوله في أواخره فلما حضر أنس بن مالك الوفاة أوصى إلي على أن ثمامة حمله عن أنس فليس هو
مرسلا ولا من مسند أم سليم بل هو من مسند أنس وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن
المثنى عن محمد بن عبد الله الأنصاري فقال في روايته عن ثمامة عن أنس أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يدخل على أم سليم وذكر الحديث وقد أخرج مسلم معنى الحديث من رواية ثابت ومن
رواية إسحاق بن أبي طلحة ومن رواية أبي قلابة كلهم عن أنس ووقع عنده في رواية أبي قلابة عن
أنس عن أم سليم وهذا يشعر بأن أنسا إنما حمله عن أمه (قوله فيقيل) بفتح أوله وكسر القاف
(عندها) في رواية إسحاق بن أبي طلحة عن أنس عند مسلم كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل بيت
أم سليم فينام على فراشها وليست فيه فجاء ذات يوم فقيل لها فجاءت وقد عرق فاستنقع عرقه وفي
رواية أبي قلابة المذكورة كان يأتيها فيقيل عندها فتبسط له نطعا فيقيل عليه وكان كثير العرق
(قوله أخذت من عرقه وشعره 2 فجعلته في قارورة) في رواية مسلم في قوارير ولم يذكر الشعر وفي
ذكر الشعر غرابة في هذه القصة وقد حمله بعضهم على ما ينتثر من شعره عند الترجل ثم رأيت في رواية
محمد بن سعد ما يزيل اللبس فإنه أخرج بسند صحيح عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم
لما حلق شعره بمنى أخذ أبو طلحة شعره فأتى به أم سليم فجعلته في سكها قالت أم سليم وكان يجئ
فيقيل عندي على نطع فجعلت أسلت العرق الحديث فيستفاد من هذه الرواية أنها لما أخذت
العرق وقت قيلولته أضافته إلى الشعر الذي عندها لا أنها أخذت من شعره لما نام ويستفاد منها
أيضا أن القصة المذكورة كانت بعد حجة الوداع لأنه صلى الله عليه وسلم انما حلق رأسه بمنى فيها
(قوله في سك) بضم المهملة وتشديد الكاف هو طيب مركب وفي النهاية طيب معروف يضاف
إلى غيره من الطيب ويستعمل وفي رواية الحسن بن سفيان المذكورة ثم تجعله في سكها وفي
رواية ثابت المذكورة عند مسلم دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عندنا فعرق وجاءت
أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها فاستيقظ فقال يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين قالت هذا
عرقك نجعله في طيبنا وهو من أطيب الطيب وفي رواية إسحاق بن أبي طلحة المذكورة عرق
فاستنقع عرقه على قطعة أديم ففتحت عتيدتها فجعلت تنشف ذلك العرق فتعصره في قواريرها
59

فأفاق فقال ما تصنعين قالت نرجو بركته لصبياننا فقال أصبت والعتيدة بمهملة ثم مثناة وزن
عظيمة السلة أو الحق وهي مأخوذة من العتاد وهو الشئ المعد للامر المهم وفي رواية أبي قلابة
المذكورة فكانت تجمع عرقه فتجعله في الطيب والقوارير فقال ما هذا قالت عرقك أذوف
به طيبي وأذوف بمعجمة مضمومة ثم فاء أي أخلط ويستفاد من هذه الروايات اطلاع النبي صلى
الله عليه وسلم على فعل أم سليم وتصويبه ولا معارضة بين قولها أنها كانت تجمعه لأجل طيبه
وبين قولها للبركة بل يحمل على أنها كانت تفعل ذلك للامرين معا قال المهلب في هذا الحديث
مشروعية القائلة للكبير في بيوت معارفه لما في ذلك من ثبوت المودة وتأكد المحبة قال وفيه
طهارة شعر الآدمي وعرقه وقال غيره لا دلالة فيه لأنه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم
ودليل ذلك متمكن في القوة ولا سيما ان ثبت الدليل على عدم طهارة كل منهما * الحديث الثاني
قصة أم حرام بنت ملحان أخت أم سليم (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس (قوله إذا
ذهب إلى قباء) لم يذكر أحد من رواة الموطأ هذه الزيادة إلا ابن وهب قال الدارقطني قال وتابع
إسماعيل عليها عتيق بن يعقوب عن مالك (قوله أم حرام) بفتح المهملتين وهي خالة أنس وكان
يقال لها الرميصاء ولام سليم الغميصاء بالغين المعجمة والباقي مثله قال عياض وقيل بالعكس وقال
ابن عبد البر الغميصاء والرميصاء هي أم سليم ويرده ما أخرج أبو داود بسند صحيح عن عطاء بن
يسار عن الرميصاء أخت أم سليم فذكر نحو حديث الباب ولأبي عوانة من طريق الدراوردي عن
أبي طوالة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع رأسه في بيت بنت ملحان إحدى خالات أنس
ومعنى الرمص والغمص متقارب وهو اجتماع القذى في مؤخر العين وفي هدبها وقيل استرخاؤها
وانكسار الجفن وقد سبق حديث الباب في أول الجهاد في عدة مواضع منه واختلف فيه عن
أنس فمنهم من جعله من مسنده ومنهم من جعله من مسند أم حرام والتحقيق أن أوله من مسند
أنس وقصة المنام من مسند أم حرام فان أنسا إنما حمل قصة المنام عنها وقد وقع في أثناء هذه
الرواية قالت فقلت يا رسول الله ما يضحكك وتقدم بيان من قال فيه عن أنس عن أم حرام في باب
الدعاء بالجهاد لكنه حذف ما في أول الحديث وابتدأه بقوله استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم
من نومه إلى آخره وتقدم في باب ركوب البحر من طريق محمد بن يحيى بن حبان بفتح المهملة وتشديد
الموحدة عن أنس حدثتني أم حرام بنت ملحان أخت أم سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما
في بيتها فاستيقظ الحديث (قوله وكانت تحت عبادة بن الصامت) هذا ظاهره أنها كانت حينئذ
زوج عبادة وتقدم في باب غزو المرأة في البحر من رواية أبي طوالة عن أنس قال دخل النبي صلى
الله عليه وسلم على ابنة ملحان فذكر الحديث إلى أن قال فتزوجت عبادة بن الصامت وتقدم أيضا
في باب ركوب البحر من طريق محمد بن يحيى بن حبان عن أنس فتزوج بها عبادة فخرج بها إلى الغزو
وفي رواية مسلم من هذا الوجه فتزوج بها عبادة بعد وقد تقدم بيان الجمع في باب غزو المرأة في البحر
وأن المراد بقوله هنا وكانت تحت عبادة الاخبار عما آل إليه الحال بعد ذلك وهو الذي اعتمده
النووي وغيره تبعا لعياض لكن وقع في ترجمة أم حرام من طبقات ابن سعد أنها كانت تحت
عبادة فولدت له محمدا ثم خلف عليها عمرو بن قيس بن زيد الأنصاري البخاري فولدت له قيسا
وعبد الله وعمرو بن قيس هذا اتفق أهل المغازي أنه استشهد بأحد وكذا ذكر ابن إسحاق أن ابنه
60

قيس بن عمرو بن قيس استشهد بأحد فلو كان الامر كما وقع عند ابن سعد لكان محمد صحابيا لكونه
ولد لعبادة قبل أن يفارق أم حرام ثم اتصلت بمن ولدت له قيسا فاستشهد بأحد فيكون محمد أكبر
من قيس بن عمرو إلا أن يقال إن عبادة سمى ابنه محمدا في الجاهلية كما سمي بهذا الاسم غير واحد
ومات محمد قبل إسلام الأنصار فلهذا لم يذكروه في الصحابة ويعكر عليه أنهم لم يعدوا محمد بن عبادة
فيمن سمي بهذا الاسم قبل الاسلام ويمكن الجواب وعلى هذا فيكون عبادة تزوجها أولا ثم
فارقها فتزوجت عمرو بن قيس ثم استشهد فرجعت إلى عبادة والذي يظهر لي أن الامر بعكس
ما وقع في الطبقات وان عمرو بن قيس تزوجها أولا فولدت له ثم استشهد هو وولده قيس منها
وتزوجت بعده بعبادة وقد تقدم في باب ما قيل في قتال الروم بيان المكان الذي نزلت به أم حرام
مع عبادة في الغزو ولفظه من طريق عمير بن الأسود أنه أتى عبادة بن الصامت وهو نازل بساحل
حمص ومعه أم حرام قال عمير فحدثتنا أم حرام فذكر المنام (قوله فدخل يوما) زاد القعنبي
عن مالك عليها أخرجه أبو داود (قوله فأطعمته) لم أقف على تعيين ما أطعمته يومئذ زاد في باب
الدعاء إلى الجهاد وجعلت تفلي رأسه وتفلي بفتح المثناة وسكون الفاء وكسر اللام أي تفتش
ما فيه وتقدم بيانه في الأدب (قوله فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد في رواية الليث عن
يحيى بن سعيد في الجهاد فنام قريبا مني وفي رواية أبي طوالة في الجهاد فاتكأ ولم يقع في روايته
ولا في رواية مالك بيان وقت النوم المذكور وقد زاد غيره أنه كان وقت القائلة ففي رواية حماد بن
زيد عن يحيى بن سعيد في الجهاد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما في بيتها ولمسلم من هذا الوجه
أتانا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عندنا ولأحمد وابن سعد من طريق حماد بن سلمة عن يحيى
بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا في بيتي ولأحمد من رواية عبد الوارث بن سعيد عن يحيى
فنام عندها أو قال بالشك وقد أشار البخاري في الترجمة إلى رواية يحيى بن سعيد (قوله ثم
استيقظ يضحك تقدم في الجهاد من هذا الوجه بلفظ وهو يضحك وكذا هو في معظم الروايات
التي ذكرتها (قوله فقلت ما يضحكك) في رواية حماد بن زيد عند مسلم بأبي أنت وأمي وفي رواية
أبي طوالة لم تضحك ولأحمد من طريقه مم تضحك وفي رواية عطاء بن يسار عن الرميصاء ثم
استيقظ وهو يضحك وكانت تغسل رأسها فقالت يا رسول الله أتضحك من رأسي قال لا أخرجه
أبو داود ولم يسق المتن بل أحال به على رواية حماد بن زيد وقال يزيد وينقص وقد أخرجه عبد الرزاق
من الوجه الذي أخرجه منه أبو داود فقال عن عطاء بن يسار ان امرأة حدثته وساق المتن ولفظه
يدل على أنه في قصة أخرى غير قصة أم حرام فالله أعلم (قوله فقال ناس من أمتي عرضوا على
غزاة) في رواية حماد بن زيد فقال عجبت من قوم من أمتي ولمسلم من هذا الوجه أريت قوما من
أمتي وهذا يشعر بأن ضحكه كان إعجابا بهم وفرحا لما رأى لهم من المنزلة الرفيعة (قوله يركبون
ثبج هذا البحر) في رواية الليث يركبون هذا البحر الأخضر وفي رواية حماد بن زيد يركبون البحر
ولمسلم من طريقه يركبون ظهر البحر وفي رواية أبي طوالة يركبون البحر الأخضر في سبيل الله
والثبج بفتح المثلثة والموحدة ثم جيم ظهر الشئ هكذا فسره جماعة وقال الخطابي متن البحر وظهره
وقال الأصمعي ثبج كل شئ وسطه وقال أبو علي في أماليه قيل ظهره وقيل معظمه وقيل هو له
وقال أبو زيد في نوادره ضرب ثبج الرجل بالسيف أي وسطه وقيل ما بين كتفيه والراجح أن
61

المراد هنا ظهره كما وقع التصريح به في الطريق التي أشرت إليها والمراد أنهم يركبون السفن التي
تجري على ظهره ولما كان جري السفن غالبا انما يكون في وسطه قيل المراد وسطه والا فلا
اختصاص لوسطه بالركوب وأما قوله الأخضر فقال الكرماني هي صفة لازمة للبحر لا مخصصة
انتهى ويحتمل أن تكون مخصصة لان البحر يطلق على الملح والعذب فجاء لفظ الأخضر
لتخصيص الملح بالمراد قال والماء في الأصل لا لون له وانما تنعكس الخضرة من انعكاس الهواء وسائر
مقابلاته إليه وقال غيره ان الذي يقابله السماء وقد أطلقوا عليها الخضراء لحديث ما أظلت
الخضراء ولا أقلت الغبراء والعرب تطلق الأخضر على كل لون ليس بأبيض ولا أحمر قال الشاعر
وأنا الأخضر من يعرفني * أخضر الجلدة من نسل العرب
يعني أنه ليس بأحمر كالعجم والأحمر يطلقونه على كل من ليس بعربي ومنه بعثت إلى الأسود
والأحمر (قوله ملوكا على الأسرة) كذا للأكثر ولأبي ذر ملوك بالرفع (قوله أو قال مثل الملوك
على الأسرة يشك إسحاق) يعني راويه عن أنس ووقع في رواية الليث وحماد المشار إليهما قبل
كالملوك على الأسرة من غير شك وفي رواية أبي طوالة مثل الملوك على الأسرة بغير شك أيضا
ولأحمد من طريقه مثلهم كمثل الملوك على الأسرة وهذا الشك من إسحاق وهو ابن عبد الله بن أبي
طلحة يشعر بأنه كان يحافظ على تأدية الحديث بلفظه ولا يتوسع في تأديته بالمعنى كما توسع غيره كما
وقع لهم في هذا الحديث في عدة مواضع تظهر مما سقته وأسوقه قال ابن عبد البر أراد والله أعلم أنه
رأى الغزاة في البحر من أمته ملوكا على الأسرة في الجنة ورؤياه وحي وقد قال الله تعالى في صفة
أهل الجنة على سرر متقابلين وقال على الأرائك متكئون والأرائك السرر في الحجال وقال
عياض هذا محتمل ويحتمل أيضا أن يكون خبرا عن حالهم في الغزو من سعة أحوالهم وقوام
أمرهم وكثرة عددهم وجودة عددهم فكأنهم الملوك على الأسرة (قلت) وفي هذا الاحتمال
بعد والأول أظهر لكن الاتيان بالتمثيل في معظم طرقه يدل على أنه رأى ما يؤل إليه أمرهم
لا أنهم نالوا ذلك في تلك الحالة أو موقع التشبيه أنهم فيما هم من النعيم الذي أثيبوا به على
جهادهم مثل ملوك الدنيا على أسرتهم والتشبيه بالمحسوسات أبلغ في نفس السامع (قوله فقلت
ادع الله أن يجعلني منهم فدعا) تقدم في أوائل الجهاد بلفظ فدعا لها ومثله في رواية الليث وفي
رواية أبي طوالة فقال اللهم اجعلها منهم ووقع في رواية حماد بن زيد فقال أنت منهم ولمسلم
من هذا الوجه فإنك منهم وفي رواية عمير بن الأسود فقلت يا رسول الله أنا منهم فقال أنت منهم
ويجمع بأنه دعا لها فأجيب فأخبرها جازما بذلك (قوله ثم وضع رأسه فنام) في رواية الليث ثم قام
ثانية ففعل مثلها فقالت مثل قولها فأجابها مثلها وفي رواية حماد بن زيد فقال ذلك مرتين أو
ثلاثة وكذا في رواية أبي طوالة عند أبي عوانة من طريق الدراوردي عنه وله من طريق إسماعيل
بن جعفر عنه ففعل مثل ذلك مرتين أخريين وكل ذلك شاذ والمحفوظ من طريق أنس ما اتفقت
عليه روايات الجمهور أن ذلك كان مرتين مرة بعد مرة وأنه قال لها في الأولى أنت منهم وفي
الثانية لست منهم ويؤيده ما في رواية عمير بن الأسود حيث قال في الأولى يغزون هذا البحر وفي
الثانية يغزون مدينة قيصر (قوله أنت من الأولين) زاد في رواية الدراوردي عن أبي طوالة
ولست من الآخرين وفي رواية عمير بن الأسود في الثانية فقلت يا رسول الله أنا منهم قال لا
62

(قلت) وظاهر قوله فقال مثلها أن الفرقة الثانية يركبون البحر أيضا ولكن رواية عمير بن الأسود
تدل على أن الثانية انما غزت في البر لقوله يغزون مدينة قيصر وقد حكى ابن التين أن الثانية وردت
في غزاة البر وأقره وعلى هذا يحتاج إلى حمل المثلية في الخبر على معظم ما اشتركت فيه الطائفتان
لا خصوص ركوب البحر ويحتمل أن يكون بعض العسكر الذين غزوا مدينة قيصر ركبوا البحر
إليها وعلى تقدير أن يكون المراد ما حكى ابن التين فتكون الأولية مع كونها في البر مقيدة بقصد
مدينة قيصر والا فقد غزوا قبل ذلك في البر مرارا وقال القرطبي الأولى في أول من غزا البحر
من الصحابة والثانية في أول من غزا البحر من التابعين (قلت) بل كان في كل منهما من الفريقين
لكن معظم الأولى من الصحابة والثانية بالعكس وقال عياض والقرطبي في السياق دليل على
أن رؤياه الثانية غير رؤياه الأولى وان في كل نومة عرضت طائفة من الغزاة وأما قول أم حرام
ادع الله أن يجعلني منهم في الثانية فلظنها أن الثانية تساوي الأولى في المرتبة فسألت ثانيا
ليتضاعف لها الاجر لا أنها شكت في إجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لها في المرة الأولى وفي
جزمه بذلك (قلت) لا تنافي بين إجابة دعائه وجزمه بأنها من الأولين وبين سؤالها أن تكون من
الآخرين لأنه لم يقع التصريح لها أنها تموت قبل زمان الغزوة الثانية فجوزت أنها تدركها
فتغزو معهم ويحصل لها أجر الفريقين فأعلمها أنها لا تدرك زمان الغزوة الثانية فكان كما قال
صلى الله عليه وسلم (قوله فركبت البحر في زمان معاوية) في رواية الليث فخرجت مع زوجها عبادة
ابن الصامت غازيا أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية وفي رواية حماد فتزوج بها عبادة فخرج
بها إلى الغزو وفي رواية أبي طوالة فتزوجت عبادة فركبت البحر مع بنت قرظة وقد تقدم اسمها
في باب غزوة المرأة في البحر وتقدم في باب فضل من يسرع في سبيل الله بيان الوقت الذي ركب فيه
المسلمون البحر للغزو أولا وأنه كان في سنة ثمان وعشرين وكان ذلك في خلافة عثمان ومعاوية
يومئذ أمير الشام وظاهر سياق الخبر يوهم أن ذلك كان في خلافته وليس كذلك وقد اغتر
بظاهره بعض الناس فوهم فإن القصة انما وردت في حق أول من يغزو في البحر وكان عمر ينهى
عن ركوب البحر فلما ولي عثمان استأذنه معاوية في الغزو في البحر فأذن له ونقله أبو جعفر الطبري
عن عبد الرحمن بن يزيد بن أسلم ويكفي في الرد عليه التصريح في الصحيح بأن ذلك كان أول ما غزا
المسلمون في البحر ونقل أيضا من طريق خالد بن معدان قال أول من غزا البحر معاوية في زمن
عثمان وكان استأذن عمر فلم يأذن له فلم يزل بعثمان حتى أذن له وقال لا تنتخب أحدا بل من اختار
الغزو فيه طائعا فأعنه ففعل وقال خليفة بن خياط في تاريخه في حوادث سنة ثمان وعشرين
وفيها غزا معاوية البحر ومعه امرأته فاخته بنت قرظة ومع عبادة بن الصامت امرأته أم حرام
وأرخها في سنة ثمان وعشرين غير واحد وبه جزم ابن أبي حاتم وأرخها يعقوب بن سفيان في
المحرم سنة سبع وعشرين قال كانت فيه غزاة قبرس الأولى وأخرج الطبري من طريق
الواقدي أن معاوية غزا الروم في خلافة عثمان فصالح أهل قبرس وسمى امرأته كبرة بفتح
الكاف وسكون الموحدة وقيل فاخته بنت قرظة وهما أختان كان معاوية تزوجهما واحدة
بعد أخرى ومن طريق ابن وهب عن ابن لهيعة أن معاوية غزا بامرأته إلى قبرس في خلافة عثمان
فصالحهم ومن طريق أبي معشر المدني أن ذلك كان في سنة ثلاث وثلاثين فتحصلنا على ثلاثة
63

أقوال والأول أصح وكلها في خلافة عثمان أيضا لأنه قتل في آخر سنة خمس وثلاثين (قوله
فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت) في رواية الليث فلما انصرفوا من غزوهم
قافلين إلى الشام قربت إليها دابة لتركبها فصرعت فماتت وفي رواية حماد بن زيد عند أحمد
فوقصتها بغلة لها شهباء فوقعت فماتت وفي رواية عنه مضت في باب ركوب البحر فوقعت فاندقت
عنقها وقد جمع بينهما في باب فضل من يصرع في سبيل الله والحاصل أن البغلة الشهباء قربت
إليها لتركبها فشرعت لتركب فسقطت فاندقت عنقها فماتت وظاهر رواية الليث أن وقعتها
كانت بساحل الشام لما خرجت من البحر بعد رجوعهم من غزاة قبرس لكن أخرج ابن أبي
عاصم في كتاب الجهاد عن هشام بن عمار عن يحيى بن حمزة بالسند الماضي لقصة أم حرام في باب
ما قيل في قتال الروم وفيه وعبادة نازل بساحل حمص قال هشام بن عمار رأيت قبرها بساحل
حمص وجزم جماعة بأن قبرها بجزيرة قبرس فقال ابن حبان بعد أن أخرج الحديث من طريق
الليث بن سعد بسنده قبر أم حرام بجزيرة في بحر الروم يقال لها قبرس بين بلاد المسلمين وبينها
ثلاثة أيام وجزم ابن عبد البر بأنها حين خرجت من البحر إلى جزيرة قبرس قربت إليها دابتها
فصرعتها وأخرج الطبري من طريق الواقدي أن معاوية صالحهم بعد فتحها على سبعة آلاف
دينار في كل سنة فلما أرادوا الخروج منها قربت لام حرام دابة لتركبها فسقطت فماتت فقبرها
هناك يستسقون به ويقولون قبر المرأة الصالحة فعلى هذا فلعل مراد هشام بن عمار بقوله رأيت
قبرها بالساحل أي ساحل جزيرة قبرس فكأنه توجه إلى قبرس لما غزاها الرشيد في خلافته
ويجمع بأنهم لما وصلوا إلى الجزيرة بادرت المقاتلة وتأخرت الضعفاء كالنساء فلما غلب المسلمون
وصالحوهم طلعت أم حرام من السفينة قاصدة البلد لتراها وتعود راجعة للشام فوقعت حينئذ
ويحمل قول حماد بن زيد في روايته فلما رجعت وقول أبي طوالة فلما قفلت أي أرادت الرجوع
وكذا قول الليث في روايته فلما انصرفوا من غزوهم قافلين أي أرادوا الانصراف ثم
وقفت على شئ يزول به الاشكال من أصله وهو ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم
عن عطاء بن يسار أن امرأة حدثته قالت نام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو
يضحك فقلت تضحك مني يا رسول الله قال لا ولكن من قوم من أمتي يخرجون غزاة في البحر مثلهم
كمثل الملوك على الأسرة ثم نام ثم استيقظ فقال مثل ذلك سواء لكن قال فيرجعون قليلة
غنائمهم مغفورا لهم قالت فادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها قال عطاء فرأيتها في غزاة غزاها
المنذر بن الزبير إلى أرض الروم فماتت بأرض الروم وهذا اسناد على شرط الصحيح وقد أخرج
أبو داود من طريق هشام بن يوسف عن معمر فقال في روايته عن عطاء بن يسار عن الرميصاء
أخت أم سليم وأخرجه ابن وهب عن حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم فقال في روايته عن أم
حرام وكذا قال زهير بن عباد عن زيد بن أسلم والذي يظهر لي أن قول من قال في حديث عطاء بن
يسار هذا عن أم حرام وهم وانما هي الرميصاء وليست أم سليم وإن كانت يقال لها أيضا
الرميصاء كما تقدم في المناقب من حديث جابر لان أم سليم لم تمت بأرض الروم ولعلها أختها أم
عبد الله بن ملحان فقد ذكرها ابن سعد في الصحابيات وقال إنها أسلمت وبايعت ولم أقف على شئ من
خبرها الا ما ذكر ابن سعد فيحتمل أن تكون هي صاحبة القصة التي ذكرها ابن عطاء بن يسار
64

وتكون تأخرت حتى أدركها عطاء وقصتها مغايرة لقصة أم حرام من أوجه الأول أن في حديث
أم حرام أنه صلى الله عليه وسلم لما نام كانت تفلي رأسه وفي حديث الأخرى أنها كانت تغسل
رأسها كما قدمت ذكره من رواية أبي داود الثاني ظاهر رواية أم حرام أن الفرقة الثانية تغزو
في البر وظاهر رواية الأخرى أنها تغزو في البحر الثالث أن في رواية أم حرام أنها من أهل
الفرقة الأولى وفي رواية الأخرى أنها من أهل الفرقة الثانية الرابع أن في حديث أم حرام أن أمير
الغزوة كان معاوية وفي رواية الأخرى أن أميرها كان المنذر بن الزبير الخامس أن عطاء بن يسار
ذكر أنها حدثته وهو يصغر عن إدراك أم حرام وعن أن يغزو في سنة ثمان وعشرين بل وفي
سنة ثلاث وثلاثين لان مولده على ما جزم به عمرو بن علي وغيره كان في سنة تسع عشرة وعلى هذا
فقد تعددت القصة لام حرام ولأختها أم عبد الله فلعل إحداهما دفنت بساحل قبرس
والاخرى بساحل حمص ولم أر من حرر ذلك ولله الحمد على جزيل نعمه وفي الحديث من الفوائد
غير ما تقدم الترغيب في الجهاد والحض عليه وبيان فضيلة المجاهد وفيه جواز ركوب البحر الملح
للغزو وقد تقدم بيان الاختلاف فيه وأن عمر كان يمنع منه ثم أذن فيه عثمان قال أبو بكر بن العربي
ثم منع منه عمر بن عبد العزيز ثم أذن فيه من بعده واستقر الامر عليه ونقل عن عمر أنه انما منع
ركوبه لغير الحج والعمرة ونحو ذلك ونقل ابن عبد البر أنه يحرم ركوبه عند ارتجاجه اتفاقا
وكره مالك ركوب النساء مطلقا البحر لما يخشى من اطلاعهن على عورات الرجال فيه إذ يتعسر
الاحتراز من ذلك وخص أصحابه ذلك بالسفن الصغار وأما الكبار التي يمكنهن فيهن الاستتار
بأماكن تخصهن فلا حرج فيه وفي الحديث جواز تمني الشهادة وأن من يموت غازيا يلحق بمن
يقتل في الغزو كذا قال ابن عبد البر وهو ظاهر القصة لكن لا يلزم من الاستواء في أصل الفضل
الاستواء في الدرجات وقد ذكرت في باب الشهداء من كتاب الجهاد كثيرا ممن يطلق عليه شهيد
وان لم يقتل وفيه مشروعية القائلة لما فيه من الإعانة على قيام الليل وجواز إخراج ما يؤذي
البدن من قمل ونحوه عنه ومشروعية الجهاد مع كل امام لتضمنه الثناء على من غزا مدينة قيصر
وكان أمير تلك الغزوة يزيد بن معاوية ويزيد يزيد وثبوت فضل الغازي إذا صلحت نيته وقال بعض
الشراح فيه فضل المجاهدين إلى يوم القيامة لقوله فيه ولست من الآخرين ولا نهاية للآخرين
إلى يوم القيامة والذي يظهر أن المراد بالآخرين في الحديث الفرقة الثانية نعم يؤخذ منه فضل
المجاهدين في الجملة لا خصوص الفضل الوارد في حق المذكورين وفيه ضروب من أخبار النبي
صلى الله عليه وسلم بما سيقع فوقع كما قال وذلك معدود من علامات نبوته منها اعلامه ببقاء أمته
بعده وأن فيهم أصحاب قوة وشوكة ونكاية في العدو وأنهم يتمكنون من البلاد حتى يغزوا البحر
وأن أم حرام تعيش إلى ذلك الزمان وانها تكون مع من يغزو البحر وأنها لا تدرك زمان الغزوة
الثانية وفيه جواز الفرح بما يحدث من النعم والضحك عند حصول السرور لضحكه صلى الله
عليه وسلم اعجابا بما رأى من امتثال أمته أمره لهم بجهاد العدو وما أثابهم الله تعالى على ذلك
وما ورد في بعض طرقه بلفظ التعجب محمول على ذلك وفيه جواز قائلة الضيف في غير بيته بشرطه
كالاذن وأمن الفتنة وجواز خدمة المرأة الأجنبية الضيف بإطعامه والتمهيد له ونحو ذلك
وإباحة ما قدمته المرأة للضيف من مال زوجها لان الأغلب أن الذي في بيت المرأة هو من مال
65

الرجل كذا قال ابن بطال قال وفيه أن الوكيل والمؤتمن إذا علم أنه يسر صاحبه ما يفعله من ذلك
جاز له فعله ولا شك أن عبادة كان يسره أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قدمته له امرأته
ولو كان بغير اذن خاص منه وتعقبه القرطبي بأن عبادة حينئذ لم يكن زوجها كما تقدم (قلت)
لكن ليس في الحديث ما ينفي أنها كانت حينئذ ذات زوج الا أن في كلام ابن سعد ما يقتضي أنها
كانت حينئذ عزبا وفيه خدمة المرأة الضيف بتفلية رأسه وقد أشكل هذا على جماعة فقال ابن
عبد البر أظن أن أم حرام أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أختها أم سليم فصارت كل
منهما أمه أو خالته من الرضاعة فلذلك كان ينام عندها وتنال منه ما يجوز للمحرم أن يناله من
محارمه ثم ساق بسنده إلى يحيى بن إبراهيم بن مزين قال انما استجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن تفلي أم حرام رأسه لأنها كانت منه ذات محرم من قبل خالاته لان أم عبد المطلب جده كانت
من بني النجار ومن طريق يونس بن عبد الاعلى قال قال لنا ابن وهب أم حرام إحدى خالات
النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فلذلك كان يقيل عندها وينام في حجرها وتفلي رأسه قال ابن
عبد البر وأيهما كان فهي محرم له وجزم أبو القاسم بن الجوهري والداودي والمهلب فيما حكاه
ابن بطال عنه بما قال ابن وهب قال وقال غيره انما كانت خالة لأبيه أو جده عبد المطلب وقال ابن
الجوزي سمعت بعض الحفاظ يقول كانت أم سليم أخت آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله
عليه وسلم من الرضاعة وحكى ابن العربي ما قال ابن وهب ثم قال وقال غيره بل كان النبي صلى الله
عليه وسلم معصوما يملك اربه عن زوجته فكيف عن غيرها مما هو المنزه عنه وهو المبرأ عن كل
فعل قبيح وقول رفث فيكون ذلك من خصائصه ثم قال ويحتمل أن يكون ذلك قبل الحجاب ورد
بأن ذلك كان بعد الحجاب جزما وقد قدمت في أول الكلام على شرحه أن ذلك كان بعد حجة الوداع
ورد عياض الأول بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال وثبوت العصمة مسلم لكن الأصل عدم
الخصوصية وجواز الاقتداء به في أفعاله حتى يقوم على الخصوصية دليل وبالغ الدمياطي في
الرد على من ادعى المحرمية فقال ذهل كل من زعم أن أم حرام إحدى خالات النبي صلى الله عليه
وسلم من الرضاعة أو من النسب وكل من أثبت لها خؤلة تقتضي محرمية لان أمهاته من النسب
واللاتي أرضعنه معلومات ليس فيهن أحد من الأنصار البتة سوى أم عبد المطلب وهي سلمى
بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار وأم حرام هي بنت ملحان بن
خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر المذكور فلا تجتمع أم حرام وسلمى إلا في عامر بن غنم
جدهما الاعلى وهذه خؤلة لا تثبت بها محرمية لأنها خؤلة مجازية وهي كقوله صلى الله عليه وسلم
لسعد بن أبي وقاص هذا خالي لكونه من بني زهرة وهم أقارب أمه آمنة وليس سعد أخا لآمنة
لا من النسب ولا من الرضاعة ثم قال وإذا تقرر هذا فقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان
لا يدخل على أحد من النساء الا على أزواجه الا على أم سليم فقيل له فقال أرحمها قتل أخوها معي
يعني حرام بن ملحان وكان قد قتل يوم بئر معونة (قلت) وقد تقدمت قصته في الجهاد في باب فضل
من جهز غازيا وأوضحت هناك وجه الجمع بين ما أفهمه هذا الحصر وبين ما دل عليه حديث الباب
في أم حرام بما حاصله أنهما أختان كانتا في دار واحدة كل واحدة منهما في بيت من تلك الدار
وحرام بن ملحان أخوهما معا فالعلة مشتركة فيهما وان ثبت قصة أم عبد الله بنت ملحان التي
66

أشرت إليها قريبا فالقول فيها كالقول في أم حرام وقد انضاف إلى العلة المذكورة كون أنس
خادم النبي صلى الله عليه وسلم وقد جرت العادة بمخالطة المخدوم خادمه وأهل خادمه ورفع الحشمة
التي تقع بين الأجانب عنهم ثم قال الدمياطي على أنه ليس في الحديث ما يدل على الخلوة بأم حرام
ولعل ذلك كان مع ولد أو خادم أو زوج أو تابع (قلت) وهو احتمال قوي لكنه لا يدفع الاشكال
من أصله لبقاء الملامسة في تفلية الرأس وكذا النوم في الحجر وأحسن الأجوبة دعوى الخصوصية
ولا يردها كونها لا تثبت إلا بدليل لان الدليل على ذلك واضح والله أعلم (قوله باب
الجلوس كيفما تيسر) سقط لفظ باب من رواية أبي ذر فيه حديث أبي سعيد في النهي عن
لبستين وبيعتين وقد تقدم شرحه في ستر العورة من كتاب الصلاة وفي كتاب البيوع قال المهلب
هذه الترجمة قائمة من دليل الحديث وذلك أنه نهى عن حالتين ففهم منه إباحة غيرهما مما تيسر
من الهيأت والملابس إذا ستر العورة (قلت) والذي يظهر لي أن المناسبة تؤخذ من جهة العدول
عن النهي عن هيئة الجلوس إلى النهي عن لبستين يستلزم كل منهما انكشاف العورة فلو
كانت الجلسة مكروهة لذاتها لم يتعرض لذكر اللبس فدل على أن النهي عن جلسة تفضي إلى
كشف العورة وما لا يفضي إلى كشف العورة يباح في كل صورة ثم ادعى المهلب أن النهي عن
هاتين اللبستين خاص بحالة الصلاة لكونهما لا يستران العورة في الخفض والرفع وأما الجالس
في غير الصلاة فإنه لا يصنع شيئا ولا يتصرف بيديه فلا تنكشف عورته فلا حرج عليه قال وقد
سبق في باب الاحتباء أنه صلى الله عليه وسلم احتبى (قلت) وغفل رحمه الله عما وقع من التقييد
في نفس الخبر فإن فيه والاحتباء في ثوب واحد ليس على فرجه منه شئ وتقدم في باب اشتمال
الصماء من كتاب اللباس وفيه والصماء أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقيه وستر
العورة مطلوب في كل حالة وان تأكد في حالة الصلاة لكونها قد تبطل بتركه ونقل ابن بطال عن
ابن طاوس أنه كان يكره التربع ويقول هي جلسة مملكة وتعقب بما أخرجه مسلم والثلاثة
من حديث جابر بن سمرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى
تطلع الشمس ويمكن الجمع (قوله تابعه معمر ومحمد بن أبي حفص وعبد الله بن بديل عن الزهري)
أما متابعة معمر فوصلها المؤلف في البيوع وأما متابعة محمد بن أبي حفص فهي عند أبي أحمد
ابن عدي في نسخة أحمد بن حفص النيسابوري عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان عن محمد بن أبي
حفص وأما متابعة عبد الله بن بديل فأظنها في الزهريات جمع الذهلي والله أعلم (قوله
باب من ناجى بين يدي الناس ولم يخبر بسر صاحبه فإذا مات أخبر به) ذكر فيه حديث
عائشة في قصة فاطمة رضي الله عنهما إذ بكت لما سارها النبي صلى الله عليه وسلم ثم ضحكت لما
سارها ثانيا فسألتها عن ذلك فقالت ما كنت لأفشي وفيه أنها أخبرت بذلك بعد موته وقد تقدم
شرحه في المناقب وفي الوفاة النبوية قال ابن بطال مساررة الواحد مع الواحد بحضرة الجماعة
جائز لان المعنى الذي يخاف من ترك الواحد لا يخاف من ترك الجماعة (قلت) وسيأتي إيضاح
هذا بعد باب قال وفيه أنه لا ينبغي إفشاء السر إذا كانت فيه مضرة على المسر لان فاطمة لو
أخبرتهن لحزن لذلك حزنا شديدا وكذا لو أخبرتهن أنها سيدة نساء المؤمنين لعظم ذلك عليهن
واشتد حزنهن فلما أمنت من ذلك بعد موتهن أخبرت به (قلت) أما الشق الأول فحق العبارة أن
67

يقول فيه جواز إفشاء السر إذا زال ما يترتب على افشائه من المضرة لان الأصل في السر الكتمان
والا فما فائدته وأما الشق الثاني فالعلة التي ذكرها مردودة لان فاطمة رضي الله تعالى عنها
ماتت قبلهن كلهن وما أدري كيف خفي عليه هذا ثم جوزت أن يكون في النسخة سقم وأن
الصواب فلما أمنت من ذلك بعد موته وهو أيضا مردود لان الحزن الذي علل به لم ينزل بموت النبي
صلى الله عليه وسلم بل لو كان كما زعم لاستمر حزنهن على ما فاتهن من ذلك وقال ابن التين يستفاد
من قول عائشة عزمت عليك بمالي عليك من الحق جواز العزم بغير الله قال وفي المدونة عن
مالك إذا قال أعزم عليك بالله فلم يفعل لم يحنث وهو كقوله أسألك بالله وان قال أعزم بالله أن
تفعل فلم يفعل حنث لان هذا يمين انتهى والذي عند الشافعية أن ذلك في الصورتين يرجع إلى
قصد الحالف فان قصد يمين نفسه فيمين وان قصد يمين المخاطب أو الشفاعة أو أطلق فلا (قوله
باب الاستلقاء هو الاضطجاع على القفا سواء كان معه نوم أم لا وقد تقدمت هذه
الترجمة وحديثها في آخر كتاب اللباس قبيل كتاب الأدب وتقدم بيان الحكم في أبواب المساجد
من كتاب الصلاة وذكرت هناك قول من زعم أن النهي عن ذلك منسوخ وأن الجمع أولى وأن
محل النهي حيث تبدو العورة والجواز حيث لا تبدو وهو جواب الخطابي ومن تبعه ونقلت قول
من ضعف الحديث الوارد في ذلك وزعم أنه لم يخرج في الصحيح وأوردت عليه بأنه غفل عما في
كتاب اللباس من الصحيح والمراد بذلك صحيح مسلم وسبق القلم هناك فكتبت صحيح البخاري
وقد أصلحته في أصلي ولحديث عبد الله بن زيد في الباب شاهد من حديث أبي هريرة صححه ابن
حبان (قوله باب لا يتناجى اثنان دون الثالث) أي لا يتحدثان سرا وسقط لفظ
باب من رواية أبي ذر (قوله وقال عز وجل يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا إلى قوله
المؤمنون) كذا لأبي ذر وساق في رواية الأصيلي وكريمة الآيتين بتمامهما وأشار بإيراد هاتين
الآيتين إلى أن التناجي الجائز المأخوذ من مفهوم الحديث مقيد بأن لا يكون في الاثم والعدوان
(قوله وقوله يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة إلى قوله بما
تعملون) كذا لأبي ذر وساق في رواية الأصيلي وكريمة الآيتين أيضا وزعم ابن التين أنه وقع عنده
وإذا تناجيتم قال والتلاوة يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم (قلت) ولم أقف في شئ من نسخ الصحيح على
ما ذكره ابن التين وقوله تعالى فقدموا بين يدي نجواكم صدقة أخرج الترمذي عن علي أنها
منسوخة وأخرج سفيان بن عيينة في جامعه عن عاصم الأحول قال لما نزلت كان لا يناجي النبي
صلى الله عليه وسلم أحد إلا تصدق فكان أول من ناجاه علي بن أبي طالب فتصدق بدينار ونزلت
الرخصة فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم الآية وهذا مرسل رجاله ثقات وجاء مرفوعا على غير هذا
السياق عن علي أخرجه الترمذي وابن حبان وصححه وابن مردويه من طريق علي بن علقمة
عنه قال لما نزلت هذه الآية قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تقول دينار قلت لا يطيقونه
قال في نصف دينار قلت لا يطيقونه قال فكم قلت شعيرة قال إنك لزهيد قال فنزلت أأشفقتم
الآية قال علي فبي خفف عن هذه الأمة وأخرج ابن مردويه من حديث سعد بن أبي وقاص له
شاهدا (قوله عن نافع) كذا أورده هنا عن مالك عن دافع ولمالك فيه شيخ آخر عن ابن عمر
وفيه قصة سأذكرها بعد باب إن شاء الله تعالى (قوله إذا كانوا ثلاثة) كذا للأكثر بنصب
68

ثلاثة على أنه الخبر ووقع في رواية لمسلم إذا كان ثلاثة بالرفع على أن كان تامة (قوله فلا يتناجى
اثنان دون الثالث) كذا للأكثر بألف مقصورة ثابتة في الخط صورة ياء وتسقط في اللفظ لالتقاء
الساكنين وهو بلفظ الخبر ومعناه النهي وفي بعض النسخ بجيم فقط بلفظ النهي وبمعناه زاد
أيوب عن نافع كما سيأتي بعد باب فإن ذلك يحزنه وبهذه الزيادة تظهر مناسبة الحديث للآية
الأولى من قوله ليحزن الذين آمنوا وسيأتي بسطه بعد أبواب (قوله باب حفظ السر)
أي ترك افشائه (قوله معتمر بن سليمان) هو التيمي (قوله أسر إلى النبي صلى الله عليه وسلم سرا)
في رواية ثابت عن أنس عند مسلم في أثناء حديث فبعثني في حاجة فأبطأت على أمي فلما جئت
قالت ما حبسك ولأحمد وابن سعد من طريق حميد عن أنس فأرسلني في رسالة فقالت أم سليم
ما حبسك (قوله فما أخبرت به أحدا بعده ولقد سألتني أم سليم) في رواية ثابت فقالت ما حاجته
قلت إنها سر قالت لا تخبر بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا وفي رواية حميد عن أنس
فقالت احفظ سر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية ثابت والله لو حدثت به أحدا
لحدثتك يا ثابت * قال بعض العلماء كأن هذا السر كان يختص بنساء النبي صلى الله عليه وسلم
وإلا فلو كان من العلم ما وسع أنسا كتمانه وقال ابن بطال الذي عليه أهل العلم أن السر لا يباح به
إذا كان على صاحبه منه مضرة وأكثرهم يقول إنه إذا مات لا يلزم من كتمانه ما كان يلزم في
حياته إلا أن يكون عليه فيه غضاضة (قلت) الذي يظهر انقسام ذلك بعد الموت إلى ما يباح
وقد يستحب ذكره ولو كرهه صاحب السر كأن يكون فيه تزكية له من كرامة أو منقبة أو نحو
ذلك وإلى ما يكره مطلقا وقد يحرم وهو الذي أشار إليه ابن بطال وقد يجب كأن يكون فيه
ما يجب ذكره كحق عليه كان يعذر بترك القيام به فيرجى بعده إذا ذكر لمن يقوم به عنه أن يفعل ذلك
ومن الأحاديث الواردة في حفظ السر حديث أنس احفظ سري تكن مؤمنا أخرجه أبو يعلى
والخرائطي وفيه علي بن زيد وهو صدوق كثير الأوهام وقد أخرج أصله الترمذي وحسنه
ولكن لم يسق هذا المتن بل ذكر بعض الحديث ثم قال وفي الحديث طول وحديث انما يتجالس
المتجالسان بالأمانة فلا يحل لاحد أن يفشي على صاحبه ما يكره أخرجه عبد الرزاق من مرسل
أبي بكر بن حزم وأخرج القضاعي في مسند الشهاب من حديث علي مرفوعا المجالس بالأمانة
وسنده ضعيف ولأبي داود من حديث جابر مثله وزاد إلا ثلاثة مجالس ما سفك فيه دم حرام أو
فرج حرام أو اقتطع فيه مال بغير حق وحديث جابر رفعه إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت
فهي أمانة أخرجه ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وله شاهد من حديث أنس عند أبي يعلي
(قوله باب إذا كانوا أكثر من ثلاثة فلا بأس بالمسارة والمناجاة) أي مع بعض دون
بعض وسقط باب لأبي ذر وعطف المناجاة على المسارة من عطف الشئ على نفسه إذا كان بغير
لفظه لأنهما بمعنى واحد وقيل بينهما مغايرة وهي أن المسارة وان اقتضت المفاعلة لكنها باعتبار
من يلقى السر ومن يلقى إليه والمناجاة تقتضي وقوع الكلام سرا من الجانبين فالمناجاة أخص
من المسارة فتكون من عطف الخاص على العام (قوله عن عبد الله) هو ابن مسعود (قوله فلا
يتناجى في رواية الكشميهني بجيم ليس بعدها ياء وقد تقدم بيانه قبل باب (قوله حتى تختلطوا
بالناس) أي يختلط الثلاثة بغيرهم والغير أعم من أن يكون واحدا أو أكثر فطابقت الترجمة
69

ويؤخذ منه أنهم إذا كانوا أربعة لم يمتنع تناجي اثنين لامكان أن يتناجى الاثنان الآخران وقد
ورد ذلك صريحا فيما أخرجه المصنف في الأدب المفرد وأبو داود وصححه ابن حبان من طريق أبي
صالح عن ابن عمر رفعه قلت فان كانوا أربعة قال لا يضره وفي رواية مالك عن عبد الله بن دينار
كان ابن عمر إذا أراد أن يسارر رجلا وكانوا ثلاثة دعا رابعا ثم قال للاثنين استريحا شيا فإني سمعت
فذكر الحديث وفي رواية سفيان في جامعه عن عبد الله بن دينار نحوه ولفظه فكان ابن عمر إذا
أراد أن يناجي رجلا دعا آخر ثم ناجى الذي أراد وله من طريق نافع إذا أراد أن يناجي وهم ثلاثة
دعا رابعا ويؤخذ من (قوله حتى تختلطوا بالناس أن الزائد على الثلاثة يعني سواء جاء اتفاقا أم
عن طلب كما فعل ابن عمر (قوله أجل أن ذلك يحزنه) أي من أجل وكذا هو في الأدب المفرد
بالاسناد الذي في الصحيح بزيادة من قال الخطابي قد نطقوا بهذا اللفظ بإسقاط من وذكر لذلك
شاهدا ويجوز كسر همزة إن ذلك والمشهور فتحها قال وانما قال يحزنه لأنه قد يتوهم أن
نجواهما إنما هي لسوء رأيهما فيه أو لدسيسة غائلة له (قلت) ويؤخذ من التعليل استثناء صورة
مما تقدم عن ابن عمر من إطلاق الجواز إذا كانوا أربعة وهي مما لو كان بين الواحد الباقي وبين
الاثنين مقاطعة بسبب يغدران به أو أحدهما فإنه يصير في معنى المنفرد وأرشد هذا التعليل إلى
أن المناجى إذا كان ممن إذا خص أحدا بمناجاته أحزن الباقين امتناع ذلك إلا أن يكون في أمر
مهم لا يقدح في الدين وقد نقل ابن بطال عن أشهب عن مالك قال لا يتناجى ثلاثة دون واحد
ولا عشرة لأنه قد نهي أن يترك واحدا قال وهذا مستنبط من حديث الباب لان المعنى في ترك
الجماعة للواحد كترك الاثنين للواحد قال وهذا من حسن الأدب لئلا يتباغضوا ويتقاطعوا
قال المازري ومن تبعه لا فرق في المعنى بين الاثنين والجماعة لوجود المعنى في حق الواحد زاد
القرطبي بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأشد فليكن المنع أولى وانما خص الثلاثة بالذكر
لأنه أول عدد يتصور فيه ذلك المعنى فمهما وجد المعنى فيه ألحق به في الحكم قال ابن بطال وكلما
كثر الجماعة مع الذي لا يناجي كان أبعد لحصول الحزن ووجود التهمة فيكون أولى واختلف
فيما إذا انفرد جماعة بالتناجي دون جماعة قال ابن التين وحديث عائشة في قصة فاطمة دال على
الجواز ثم ذكر المصنف حديث ابن مسعود في قصة الذي قال هذه قسمة ما أريد بها وجه الله
والمراد منه قول ابن مسعود فأتيته وهو في ملا فساررته فان في ذلك دلالة على أن المنع يرتفع إذا
بقي جماعة لا يتأذون بالسرار ويستثنى من أصل الحكم ما إذا أذن من يبقى سواء كان واحدا
أم أكثر للاثنين في التناجي دونه أو دونهم فان المنع يرتفع لكونه حق من يبقى وأما إذا
انتجى اثنان ابتداء وثم ثالث كان بحيث لا يسمع كلامهما لو تكلما جهرا فأتى ليستمع عليهما فلا
يجوز كما لو لم يكن حاضرا معهما أصلا وقد أخرج المصنف في الأدب المفرد من رواية سعيد
المقبري قال مررت علي ابن عمر ومعه رجل يتحدث فقمت إليهما فلطم صدري وقال إذا وجدت
اثنين يتحدثان فلا تقم معهما حتى تستأذنهما زاد أحمد في روايته من وجه آخر عن سعيد
وقال أما سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا تناجى اثنان فلا يدخل معهما غيرهما حتى
يستأذنهما قال ابن عبد البر لا يجوز لاحد أن يدخل على المتناجين في حال تناجيهما (قلت) ولا
ينبغي لداخل القعود عندهما ولو تباعد عنهما الا بإذنهما لما افتتحا حديثهما سرا وليس عندهما
70

أحد دل على أن مرادهما ألا يطلع أحد على كلامهما ويتأكد ذلك إذا كان صوت أحدهما
جهوريا لا يتأتى له أخفاء كلامه ممن حضره وقد يكون لبعض الناس قوة فهم بحيث إذا سمع بعض
الكلام استدل به على باقيه فالمحافظة على ترك ما يؤذي المؤمن مطلوبة وان تفاوتت المراتب
وقد أخرج سفيان بن عيينة في جامعه عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال قال ابن عمر في
زمن الفتنة ألا ترون القتل شيا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكر حديث الباب
وزاد في آخره تعظيما لحرمة المسلم وأظن هذه الزيادة من كلام ابن عمر استنبطها من الحديث
فأدرجت في الخبر والله أعلم قال النووي النهي في الحديث للتحريم إذا كان بغير رضاه وقال في
موضع آخر الا بإذنه أي صريحا كان أو غير صريح والاذن أخص من الرضا لان الرضا قد يعلم
بالقرينة فيكتفى بها عن التصريح والرضا أخص من الاذن من وجه آخر لان الاذن قد يقع
مع الاكراه ونحوه والرضا لا يطلع على حقيقته لكن الحكم لا يناط الا بالاذن الدال على الرضا
وظاهر الاطلاق أنه لا فرق في ذلك بين الحضر والسفر وهو قول الجمهور وحكى الخطابي عن أبي
عبيد بن حربويه أنه قال هو مختص بالسفر في الموضع الذي لا يامن فيه الرجل على نفسه فأما في
الحضر وفي العمارة فلا بأس وحكى عياض نحوه ولفظه قيل أن المراد بهذا الحديث السفر
والمواضع التي لا يأمن فيها الرجل رفيقه أو لا يعرفه أو لا يثق به ويخشى منه قال وقد روى في
ذلك أثر وأشار بذلك إلى ما أخرجه أحمد من طريق أبي سالم الجيشاني عن عبد الله بن عمرو أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال ولا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة أن يتناجى اثنان دون
صاحبهما الحديث وفي سنده ابن لهيعة وعلى تقدير ثبوته فتقييده بأرض الفلاة يتعلق بأحد
علتي النهي قال الخطابي انما قال يحزنه لأنه اما أن يتوهم أن نجواهما إنما هي لسوء رأيهما فيه
أو أنهما يتفقان على غائلة تحصل له منهما (قلت) فحديث الباب يتعلق بالمعنى الأول وحديث
عبد الله بن عمرو يتعلق بالثاني وعلى هذا المعنى عول ابن حربويه وكأنه ما استحضر الحديث
الأول قال عياض قيل كان هذا في أول الاسلام فلما فشا الاسلام وأمن الناس سقط هذا
الحكم وتعقبه القرطبي بأن هذا تحكم وتخصيص لا دليل عليه وقال ابن العربي الخبر عام
اللفظ المعنى والعلة الحزن وهي موجودة في السفر والحضر فوجب أن يعمهما النهي جميعا
(قوله باب طول النجوى وإذ هم نجوى مصدر من ناجيت فوصفهم بها والمعنى
يتناجون) هذا التفسير في رواية المستملي وحده وقد تقدم بيانه في تفسير الآية في سورة سبحان
وتقدم منه أيضا في تفسير سورة يوسف في قوله تعالى خلصوا نجيا ثم ذكر حديث أنس أقيمت
الصلاة ورجل يناجي النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وعبد العزيز راويه عن أنس هو ابن
صهيب وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في باب الامام تعرض له الحاجة وهو قبيل صلاة
الجماعة (قوله حتى نام أصحابه) تقدم هناك بلفظ حتى نام بعض القوم فيحمل الاطلاق في
حديث الباب على ذلك (قوله باب لا تترك النار في البيت عند النوم) بضم أول
تترك ومثناة فوقانية على البناء للمجهول وبفتحه ومثناة تحتانية بصيغة النهي لمفرد ذكر فيه
ثلاثة أحاديث * الأول حديث ابن عمر في النهي عن ذلك * الثاني حديث أبي موسى وفيه بيان
حكمة النهي وهي خشية الاحتراق * الثالث حديث جابر وفيه بيان علة الخشية المذكورة فاما
71

حديث ابن عمر فقوله في السند ابن عيينة عن الزهري وقع في رواية الحميدي عن سفيان حدثنا
الزهري وقوله حين ينامون قيده بالنوم لحصول الغفلة به غالبا ويستنبط منه أنه متى وجدت
الغفلة حصل النهي وأما حديث أبي موسى فقوله احترق بيت بالمدينة على أهله لم أقف على
تسميتهم قال ابن دقيق العيد يؤخذ من حديث أبي موسى سبب الامر في حديث جابر باطفاء
المصابيح وهو فن حسن غريب ولو تتبع لحصل منه فوائد (قلت) قد أفرده أبو حفص العكبري
من شيوخ أبي يعلى بن الفراء بالتصنيف وهو في المائة الخامسة ووقفت على مختصر منه وكان
الشيخ ما وقف عليه فلذلك تمنى ان لو تتبع وقوله إن هذه النار انما هي عدو لكم هكذا أورده
بصيغة الحصر مبالغة في تأكيد ذلك قال ابن العربي معنى كون النار عدوا لنا أنها تنافي أبداننا
وأموالنا منافاة العدو وإن كانت لنا بها منفعة لكن لا يحصل لنا منها الا بواسطة فأطلق أنها
عدو لنا لوجود معنى العداوة فيها والله أعلم وأما حديث جابر فقوله في السند كثير كذا للأكثر غير
منسوب زاد أبو ذر في روايته هو ابن شنظير وهو كذلك وشنظير بكسر الشين والظاء المعجمتين
بينهما نون ساكنة تقدم ضبطه والكلام عليه في باب ذكر الجن من كتاب بدء الخلق وشرح
حديثه هذا وانه ليس له في الصحيح غير هذا الحديث ووقع في رجال الصحيح للكلاباذي أن
البخاري أخرج له أيضا في باب استعانة اليد في الصلاة فراجعت الباب المذكور من الصحيح وهو
قبيل كتاب الجنائز فما وجدت له هناك ذكرا ثم وجدت له بعد الباب المذكور بأحد عشر بابا
حديثا آخر بسنده هذا وقد نبهت عليه في باب ذكر الجن والشنظير في اللغة السئ الخلق وكثير
المذكور يكنى أبا قرة وهو بصرى وقال القرطبي الأمر والنهي في هذا الحديث للارشاد قال
وقد يكون للندب وجزم النووي بأنه للارشاد لكونه لمصلحة دنيوية وتعقب بأنه قد يفضي إلى
مصلحة دينية وهي حفظ النفس المحرم قتلها والمال المحرم تبذيره وقال القرطبي في هذه
الأحاديث أن الواحد إذا بات ببيت ليس فيه غيره وفيه نار فعليه أن يطفئها قبل نومه أو يفعل
بها ما يؤمن معه الاحتراق وكذا إن كان في البيت جماعة فإنه يتعين على بعضهم وأحقهم بذلك
آخرهم نوما فمن فرط في ذلك كان للسنة مخالفا ولأدائها تاركا ثم أخرج الحديث الذي أخرجه أبو
داود وصححه ابن حبان والحاكم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال جاءت فأرة فجرت الفتيلة
فألقتها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدا عليها فأحرقت منها مثل موضع
الدرهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا نمتم فاطفئوا سراجكم فان الشيطان يدل مثل هذه على
هذا فيحرقكم وفي هذا الحديث بيان سبب الامر أيضا وبيان الحامل للفويسقة وهي الفارة
على جر الفتيلة وهو الشيطان فيستعين وهو عدو الانسان عليه بعدو آخر وهي النار أعاذنا الله
بكرمه من كيد الأعداء انه رؤوف رحيم وقال ابن دقيق العيد إذا كانت العلة في اطفاء السراج
الحذر من جر الفويسقة الفتيلة فمقتضاه أن السراج إذا كان على هيئة لا تصل إليها الفأرة لا يمنع
ايقاده كما لو كان على منارة من نحاس أملس لا يمكن الفأرة الصعود إليه أو يكون مكانه بعيدا عن
موضع يمكنها أن تثب منه إلى السراج قال وأما ورود الامر باطفاء النار مطلقا كما في حديثي ابن
عمر وأبي موسى وهو أعم من نار السراج فقد يتطرق منه مفسدة أخرى غير جر الفتيلة كسقوط
شئ من السراج على بعض متاع البيت وكسقوط المنارة فينثر السراج إلى شئ من المتاع
72

فيحرقه فيحتاج إلى الاستيثاق من ذلك فإذا استوثق بحيث يؤمن معه الاحراق فيزول الحكم
بزوال علته (قلت) وقد صرح النووي بذلك في القنديل مثلا لأنه يؤمن معه الضرر الذي
لا يؤمن مثله في السراج وقال ابن دقيق العيد أيضا هذه الأوامر لم يحملها الأكثر على الوجوب
ويلزم أهل الظاهر حملها عليه قال وهذا لا يختص بالظاهري بل الحمل على الظاهر الا لمعارض ظاهر
يقول به أهل القياس وإن كان أهل الظاهر أولى بالالتزام به لكونهم لا يلتفتون إلى المفهومات
والمناسبات وهذه الأوامر تتنوع بحسب مقاصدها فمنها ما يحمل على الندب وهو التسمية على
كل حال ومنها ما يحمل على الندب والارشاد معا كاغلاق الأبواب من أجل التعليل بأن
الشيطان لا يفتح بابا مغلقا لان الاحتراز من مخالطة الشيطان مندوب إليه وإن كان تحته مصالح
دنيوية كالحراسة وكذا ايكاء السقاء وتخمير الاناء والله أعلم (قوله باب غلق
الأبواب بالليل) في رواية الأصيلي والجرجاني وكذا لكريمة عن الكشميهني اغلاق وهو الفصيح
وقال عياض هو الصواب (قلت) لكن الأول ثبت في لغة نادرة (قوله همام) هو ابن يحيى وعطاء
هو ابن أبي رباح (قوله أطفئوا المصابيح بالليل) تقدم شرحه في الذي قبله (قوله وأغلقوا الأبواب)
في رواية المستملي والسرخسي وغلقوا بتشديد اللام وتقدم في الباب الذي قبله بلفظ أجيفوا
بالجيم والفاء وهي بمعنى أغلقوا وتقدم شرحها في باب ذكر الجن وكذا بقية الحديث قال ابن
دقيق العيد في الامر بإغلاق الأبواب من المصالح الدينية والدنيوية حراسة الأنفس والأموال
من أهل العبث والفساد ولا سيما الشياطين وأما قوله فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا فإشارة إلى
أن الامر بالاغلاق لمصلحة ابعاد الشيطان عن الاختلاط بالانسان وخصه بالتعليل تنبيها على
ما يخفى مما لا يطلع عليه الا من جانب النبوة قال واللام في الشيطان للجنس إذ ليس المراد فردا
بعينه وقوله في هذه الرواية وخمروا الطعام والشراب قال همام وأحسبه قال ولو بعود يعرضه
وهو بضم الراء بعدها ضاد معجمة وقد تقدم الجزم بذلك عن عطاء في رواية ابن جريج في الباب
المذكور ولفظه وخمر إناءك ولو بعود تعرضه عليه وزاد في كل من الأوامر المذكورة واذكر
اسم الله تعالى وتقدم في باب شرب اللبن من كتاب الأشربة بيان الحكمة في ذلك وقد حمله ابن بطال
على عمومه وأشار إلى استشكاله فقال أخبر صلى الله عليه وسلم أن الشيطان لم يعط قوة على شئ
من ذلك وإن كان أعطى ما هو أعظم منه وهو ولوجه في الأماكن التي لا يقدر الآدمي أن يلج فيها
(قلت) والزيادة التي أشرت إليها قبل ترفع الاشكال وهو أن ذكر اسم الله يحول بينه وبين فعل
هذه الأشياء ومقتضاه أنه يتمكن من كذلك إذا لم يذكر اسم الله ويؤيده ما أخرجه مسلم
والأربعة عن جابر رفعه إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان
لا مبيت لكم ولا عشاء وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان أدركتم وقد تردد ابن
دقيق العيد في ذلك فقال في شرح الالمام يحتمل أن يؤخذ قوله فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا على
عمومه ويحتمل أن يخص بما ذكر اسم الله عليه ويحتمل أن يكون المنع لأمر يتعلق بجسمه ويحتمل
أن يكون لمانع من الله بأمر خارج عن جسمه قال والحديث يدل على منع دخول الشيطان
الخارج فأما الشيطان الذي كان داخلا فلا يدل الخبر على خروجه قال فيكون ذلك لتخفيف
المفسدة لا رفعها ويحتمل أن تكون التسمية عند الاغلاق تقتضي طرد من في البيت من
73

الشياطين وعلى هذا فينبغي أن تكون التسمية من ابتداء الاغلاق إلى تمامه واستنبط منه
بعضهم مشروعية غلق الفم عند التثاؤب لدخوله في عموم الأبواب مجازا (قوله باب
الختان بعد الكبر) بكسر الكاف وفتح الموحدة قال الكرماني وجه مناسبة هذه الترجمة بكتاب
الاستئذان أن الختان يستدعي الاجتماع في المنازل غالبا (قوله الفطرة خمس) تقدم شرحه
في أواخر كتاب اللباس وكذلك حكم الختان واستدل ابن بطال على عدم وجوبه بأن سلمان لما
أسلم لم يؤمر بالاختتان وتعقب باحتمال أن يكون ترك لعذر أو لان قصته كانت قبل إيجاب
الختان أو لأنه كان مختتنا ثم لا يلزم من عدم النقل عدم الوقوع وقد ثبت الامر لغيره بذلك (قوله
في الحديث الثاني اختتن إبراهيم عليه السلام بعد ثمانين سنة) تقدم بيان ذلك والاختلاف في
سنه حين اختتن وبيان قدر عمره في شرح الحديث المذكور في ترجمة إبراهيم عليه السلام وذكرت
هناك انه وقع في الموطأ من رواية أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة موقوفا على أبي هريرة ان
إبراهيم أول من اختتن وهو ابن عشرين ومائة واختتن بالقدوم وعاش بعد ذلك ثمانين سنة
ورويناه في فوائد ابن السماك من طريق أبي أويس عن أبي الزناد بهذا السند مرفوعا وأبو
أويس فيه لين وأكثر الروايات على ما وقع في حديث الباب أنه عليه السلام اختتن وهو ابن
ثمانين سنة وقد حاول الكمال بن طلحة في جزء له في الختان الجمع بين الروايتين فقال نقل في الحديث
الصحيح أنه اختتن لثمانين وفي رواية أخرى صحيحة أنه اختتن لمائة وعشرين والجمع بينهما أن
إبراهيم عاش مائتي سنة منها ثمانين سنة غير مختون ومنها مائة وعشرين وهو مختون فمعنى
الحديث الأول اختتن ثمانين مضت من عمره والثاني لمائة وعشرين بقيت من عمره وتعقبه
الكمال بن العديم في جزء سماه الملحة في الرد علي ابن طلحة بأن في كلامه وهما من أوجه أحدها
تصحيحه لرواية مائة وعشرين وليست بصحيحة ثم أوردها من رواية الوليد عن الأوزاعي عن يحيى
ابن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعة وتعقبه بتدليس الوليد ثم أورده من فوائد
ابن المقري من رواية جعفر بن عون عن يحيى بن سعيد به موقوفا ومن رواية علي بن مسهر
وعكرمة بن إبراهيم كلاهما عن يحيى بن سعيد كذلك ثانيها قوله في كل منهما لثمانين لمائة
وعشرين ولم يرد في طريق من الطرق باللام وانما ورد بلفظ اختتن وهو ابن ثمانين وفي الأخرى
وهو ابن مائة وعشرين وورد الأول أيضا بلفظ على رأس ثمانين ونحو ذلك ثالثها أنه صرح
في أكثر الروايات أنه عاش بعد ذلك ثمانين سنة فلا يوافق الجمع المذكور أن المائة وعشرين
هي التي بقيت من عمره ورابعها أن العرب لا تزال تقول خلون إلى النصف فإذا تجاوزت
النصف قالوا بقين والذي جمع به ابن طلحة يقع بالعكس ويلزم أن يقول فيما إذا مضى من الشهر
عشرة أيام لعشرين بقين وهذا لا يعرف في استعمالهم ثم ذكر الاختلاف في سن إبراهيم وجزم
بأنه لا يثبت منها شئ منها قول هشام بن الكلبي عن أبيه قال دعا إبراهيم الناس إلى الحج ثم رجع
إلى الشام فمات به وهو ابن مائتي سنة وذكر أبو حذيفة البخاري أحد الضعفاء في المبتدا بسند له
ضعيف ان إبراهيم عاش مائة وخمسا وسبعين سنة وأخرج ابن أبي الدنيا من مرسل عبيد بن عمير في
وفاة إبراهيم وقصته مع ملك الموت ودخوله عليه في صورة شيخ فأضافه فجعل يضع اللقمة في فيه
فتتناثر ولا تثبت في فيه فقال له كم أتى عليك قال مائة واحدى وستون سنة فقال إبراهيم في نفسه
74

وهو يومئذ ابن ستين ومائة ما بقي أن أصير هكذا الأسنة واحدة فكره الحياة فقبض ملك الموت
حينئذ روحه برضاه فهذه ثلاثة أقوال مختلفة يتعسر الجمع بينها لكن أرجحها الرواية الثالثة
وخطر لي بعد أنه يجوز الجمع بأن يكون المراد بقوله وهو ابن ثمانين انه من وقت فارق قومه
وهاجر من العراق إلى الشام وأن الرواية الأخرى وهو ابن مائة وعشرين أي من مولده أو أن
بعض الرواة رأى مائة وعشرين فظنها إلا عشرين أو بالعكس والله أعلم قال المهلب ليس
اختتان إبراهيم عليه السلام بعد ثمانين مما يوجب علينا مثل فعله إذ عامة من يموت من الناس
لا يبلغ الثمانين وانما اختتن وقت أوحى الله إليه بذلك وأمره به قال والنظر يقتضي أنه لا ينبغي
الاختتان الا قرب وقت الحاجة إليه لاستعمال العضو في الجماع كما وقع لابن عباس حيث قال
كانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك ثم قال والاختتان في الصغر لتسهيل الامر على الصغير
لضعف عضوه وقلة فهمه (قلت) يستدل بقصة إبراهيم عليه السلام لمشروعية الختان حتى لو
أخر لمانع حتى بلغ السن المذكور لم يسقط طلبه والى ذلك أشار البخاري بالترجمة وليس المراد
أن الختان يشرع تأخيره إلى الكبر حتى يحتاج إلى الاعتذار عنه وأما التعليل الذي ذكره من
طريق النظر ففيه نظر فإن حكمة الختان لم تنحصر في تكميل ما يتعلق بالجماع بل ولما يخشى من
انحباس بقية البول في الغرلة ولا سيما للمستجمر فلا يؤمن أن يسيل فينجس الثوب أو البدن
فكانت المبادرة لقطعها عند بلوغ السن الذي يؤمر به الصبي بالصلاة أليق الأوقات وقد بينت
الاختلاف في الوقت الذي يشرع فيه فيما مضى (قوله واختتن بالقدوم مخففة) ثم أشار إليه من
طريق أخرى مشددة وزاد وهو موضع وقد قدمت بيانه في شرح الحديث المذكور في ترجمة
إبراهيم عليه السلام من أحاديث الأنبياء وأشرت إليه أيضا في أثناء اللباس وقال المهلب القدوم
بالتخفيف الآلة كقول الشاعر * على خطوب مثل نحت القدوم * وبالتشديد الموضع قال وقد
يتفق لإبراهيم عليه السلام الأمران يعنى أنه اختتن بالآلة وفي الموضع (قلت) وقد قدمت الراجح
من ذلك هناك وفي المتفق للجوزقي بسند صحيح عن عبد الرزاق قال القدوم القرية وأخرج أبو
العباس السراج في تاريخه عن عبيد الله بن سعيد عن يحيى بن سعيد عن ابن عجلان عن أبيه عن
أبي هريرة رفعه اختتن إبراهيم بالقدوم فقلت ليحيى ما القدوم قال الفاس قال الكمال بن العديم
في الكتاب المذكور الأكثر على أن القدوم الذي اختتن به إبراهيم هو الآلة يقال بالشديد
والتخفيف والأفصح التخفيف ووقع في روايتي البخاري بالوجهين وجزم النضر بن شميل أنه
اختتن بالآلة المذكورة فقيل له يقولون قدوم قرية بالشام قلم يعرفه وثبت على الأول وفي صحاح
الجوهري القدوم الآلة والموضع بالتخفيف معا وأنكر ابن السكيت التشديد مطلقا ووقع
في متفق البلدان للحازمي قدوم قرية كانت عند حلب وكانت مجلس إبراهيم (قوله حدثنا محمد
ابن عبد الرحيم) هو البغدادي المعروف بصاعقة وشيخه عباد بن موسى هو الختلي بضم المعجمة
وتشديد المثناة الفوقانية وفتحها بعدها لام من الطبقة الوسطى من شيوخ البخاري وقد نزل
البخاري في هذا الاسناد درجة بالنسبة لإسماعيل بن جعفر فإنه أخرج الكثير عن إسماعيل بن جعفر
بواسطة واحدة كقتيبة وعلي بن حجر ونزل فيه درجتين بالنسبة لإسرائيل فإنه أخرج عنه
بواسطة واحدة كعبد الله بن موسى ومحمد بن سابق (قوله أنا يومئذ مختون) أي وقع له الختان
75

يقال صبي مختون ومختتن وختين بمعنى (قوله وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك) أي حتى يبلغ
الحلم قال الإسماعيلي لا أدري من القائل وكانوا لا يختنون أهو أبو إسحاق أو إسرائيل أو من
دونه وقد قال أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قبض النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن
عشر وقال الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بمنى
وأنا قد ناهزت الاحتلام قال والأحاديث عن ابن عباس في هذا مضطربة (قلت) وفي كلامه نظر
اما أولا فلان الأصل أن الذي يثبت في الحديث معطوفا على ما قبله فهو مضاف إلى من نقل عنه
الكلام السابق حتى يثبت أنه من كلام غيره ولا يثبت الادراج بالاحتمال وأما ثانيا فدعوى
الاضطراب مردودة مع إمكان الجمع أو الترجيح فإن المحفوظ الصحيح أنه ولد بالشعب وذلك قبل
الهجرة بثلاث سنين فيكون له عند الوفاة النبوية ثلاث عشرة سنة وبذلك قطع أهل السير
وصححه ابن عبد البر وأورد بسند صحيح عن ابن عباس أنه قال ولدت وبنو هاشم في الشعب وهذا
لا ينافي قوله ناهزت الاحتلام أي قاربته ولا قوله وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك لاحتمال أن
يكون أدرك فختن قبل الوفاة النبوية وبعد حجة الوداع وأما قوله وانا ابن عشر فمحمول على إلغاء
الكسر وروى أحمد من طريق أخرى عن ابن عباس انه كان حينئذ ابن خمس عشرة ويمكن
رده إلى رواية ثلاث عشرة بان يكون ابن ثلاث عشرة وشئ وولد في أثناء السنة فجبر الكسرين
بان يكون ولد مثلا في شوال فله من السنة الأولى ثلاثة أشهر فأطلق عليها سنة وقبض النبي صلى
الله عليه وسلم في ربيع فله من السنة الأخيرة ثلاثة أخرى وأكمل بينهما ثلاث عشرة فمن قال
ثلاث عشرة ألغي الكسرين ومن قال خمس عشرة جبرهما والله أعلم (قوله وقال ابن إدريس)
هو عبد الله وأبوه هو ابن يزيد الأودي وشيخه أبو إسحاق هو السبيعي (قوله قبض النبي صلى
الله عليه وسلم وأنا ختين) أي مختون كقتيل ومقتول وهذا الطريق وصله الإسماعيلي من طريق
عبد الله بن إدريس (قوله باب كل لهو باطل إذا شغله) أي شغل اللاهي به (عن طاعة
الله) أي كمن ألتهي بشئ من الأشياء مطلقا سواء كان مأذونا في فعله أو منهيا عنه كمن اشتغل بصلاة
نافلة أو بتلاوة أو ذكر أو تفكر في معاني القرآن مثلا حتى خرج وقت الصلاة المفروضة عمدا
فإنه يدخل تحت هذا الضابط وإذا كان هذا في الأشياء المرغب فيها المطلوب فعلها فكيف حال
ما دونها وأول هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه أحمد والأربعة وصححه ابن خزيمة والحاكم من
حديث عقبة بن عامر رفعه كل ما يلهو به المرء المسلم باطل الا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته
أهله الحديث وكأنه لما لم يكن على شرط المصنف استعمله لفظ ترجمة واستنبط من المعنى ما قيد
به الحكم المذكور وانما أطلق على الرمي أنه لهو لإمالة الرغبات إلى تعليمه لما فيه من صورة اللهو
لكن المقصود من تعلمه الإعانة على الجهاد وتأديب الفرس إشارة إلى المسابقة عليها وملاعبة
الأهل للتأنيس ونحوه وانما أطلق على ما عداها البطلان من طريق المقابلة لا أن جميعها من
الباطل المحرم (قوله ومن قال لصاحبه تعال أقامرك) أي ما يكون حكمه (قوله وقوله تعالى
ومن الناس من يشتري لهو الحديث الآية) كذا في رواية أبي ذر والأكثر وفي رواية الأصيلي
وكريمة ليضل عن سبيل الله الآية وذكر ابن بطال أن البخاري استنبط تقييد اللهو
في الترجمة من مفهوم قوله تعالى ليضل عن سبيل الله فان مفهومه أنه إذا اشتراه لا ليضل
76

لا يكون مذموما وكذا مفهوم الترجمة أنه إذا لم يشغله اللهو عن طاعة الله لا يكون باطلا لكن
عموم هذا المفهوم يخص بالمنطوق فكل شئ نص على تحريمه مما يلهي يكون باطلا سواء شغل
أو لم يشغل وكأنه رمز إلى ضعف ما ورد في تفسير اللهو في هذه الآية بالغناء وقد أخرج الترمذي
من حديث أبي أمامة رفعه لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن الحديث وفيه وفيهن أنزل الله
ومن الناس من يشتري لهو الحديث الآية وسنده ضعيف وأخرج الطبراني عن ابن مسعود
موقوفا أنه فسر اللهو في هذه الآية بالغناء وفي سنده ضعف أيضا ثم أورد حديث أبي هريرة وفيه
ومن قال لصاحبه تعال أقامرك الحديث وأشار بذلك إلى أن القمار من جملة اللهو ومن دعا
إليه دعا إلى المعصية فلذلك أمر بالتصدق ليكفر عنه تلك المعصية لان من دعا إلى معصية وقع
بدعائه إليها في معصية وقال الكرماني وجه تعلق هذا الحديث بالترجمة والترجمة بالاستئذان
أن الداعي إلى القمار لا ينبغي أن يؤذن له في دخول المنزل ثم لكونه يتضمن اجتماع الناس
ومناسبة بقية حديث الباب للترجمة ان الحلف باللات لهو يشغل عن الحق بالخلق فهو باطل
انتهى ويحتمل أن يكون لما قدم ترجمة ترك السلام على من اقترف ذنبا أشار إلى ترك الاذن لمن
يشتغل باللهو عن الطاعة وقد تقدم شرح حديث الباب في تفسير سورة والنجم قال مسلم في
صحيحه بعد أن أخرج هذا الحديث هذا الحرف تعال أقامرك لا يرويه أحد الا الزهري
وللزهري نحو تسعين حرفا لا يشاركه فيها غيره عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد جياد (قلت)
وانما قيد التفرد بقوله تعال أقامرك لان لبقية الحديث شاهدا من حديث سعد بن أبي وقاص
يستفاد منه سبب حديث أبي هريرة أخرجه النسائي بسند قوي قال كنا حديثي عهد بجاهلية
فحلفت باللات والعزى فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قل لا إله إلا الله وحده
لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير وانفث عن شمالك وتعوذ بالله ثم لا تعد فيكمن
أن يكون المراد بقوله في حديث أبي هريرة فليقل لا إله إلا الله إلى آخر الذكر المذكور إلى قوله قدير
ويحتمل الاكتفاء بلا إله إلا الله لأنها كلمة التوحيد والزيادة المذكورة في حديث سعد تأكيد
(قوله باب ما جاء في البناء) أي من منع وإباحة والبناء أعم من أن يكون بطين
أو مدر أو بخشب أو من قصب أو من شعر (قوله قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من
أشراط الساعة إذا تطاول رعاة البهم في البنيان) كذا للأكثر بضم الراء وبهاء تأنيث في آخره
وفي رواية الكشميهني رعاء بكسر الراء وبالهمز مع المد وقد تقدم هذا الحديث موصولا مطولا
مع شرحه في كتاب الايمان وأشار بإيراد هذه القطعة إلى ذم التطاول في البنيان وفي الاستدلال
بذلك نظر وقد ورد في ذم تطويل البناء صريحا ما أخرج ابن أبي الدنيا من رواية عمارة بن عامر إذا
رفع الرجل بناء فوق سبعة أذرع نودي يا فاسق إلى أين وفي سنده ضعف مع كونه موقوفا وفي ذم
البناء مطلقا حديث خباب رفعه قال يؤجر الرجل في نفقته كلها الا التراب أو قال البناء أخرجه
الترمذي وصححه وأخرج له شاهدا عن أنس بلفظ الا البناء فلا خير فيه وللطبراني من حديث
جابر رفعه إذا أراد الله بعبد شرا خضر له في اللبن والطين حتى يبنى ومعنى خضر بمعجمتين حسن وزنا
ومعنى وله شاهد في الأوسط من حديث أبي بشر الأنصاري بلفظ إذا أراد الله بعبد سوأ أنفق ماله
في البنيان وأخرج أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال مر بي النبي صلى الله
77

عليه وسلم وأنا أطين حائطا فقال الامر أعجل من ذلك وصححه الترمذي وابن حبان وهذا كله
محمول على ما تمس الحاجة إليه مما لا بد منه للتوطن وما يقي البرد والحر وقد أخرج أبو داود أيضا
من حديث أنس رفعه أما ان كل بناء وبال على صاحبه الا مالا الا مالا أي الا ما لابد منه ورواته
موثقون الا الراوي عن أنس وهو أبو طلحة الأسدي فليس بمعروف وله شاهد عن واثلة عند
الطبراني (قوله حدثنا إسحاق هو ابن سعيد) كذا في الأصل وسعيد المذكور هو ابن عمرو بن
سعيد بن العاص الأموي ونسب كذلك عند الإسماعيلي من وجه آخر عن أبي نعيم شيخ البخاري
فيه وعمرو بن سعيد هو المعروف بالأشدق وإسحاق بن سعيد يقال له السعيدي سكن مكة وقد
روى هذا الحديث عن والده وهو المراد بقوله عن سعيد (قوله رأيتني) بضم المثناة كأنه استحضر
الحالة المذكورة فصار لشدة علمه بها كأنه يرى نفسه يفعل ما ذكر (قوله مع النبي صلى الله عليه
وسلم) أي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم (قوله يكنني) بضم أوله وكسر الكاف وتشديد النون
من أكن إذا وقى وجاء بفتح أوله من كن وقال أبو زيد الأنصاري كننته و أكننته بمعنى أي سترته
وأسررته وقال الكسائي كننته صنته وأكننته أسررته (قوله ما أعانني عليه أحد من خلق الله)
هو تأكيد لقوله بنيت بيدي وإشارة إلى خفة مؤنته ووقع في رواية يحيى بن عبد الحميد الحماني
بكسر المهملة وتشديد الميم عن إسحاق بن سعيد السعيدي بهذا السند عند الإسماعيلي وأبي نعيم
في المستخرجين بيتا من شعر واعترض الإسماعيلي على البخاري بهذه الزيادة فقال أدخل هذا
الحديث في البناء بالطين والمدر والخبر انما هو في بيت الشعر وأجيب بأن راوي الزيادة ضعيف
عندهم وعلى تقدير ثبوتها فليس في الترجمة تقييد بالطين والمدر (قوله قال عمرو) هو ابن دينار
(قوله لبنة) بفتح اللام وكسر الموحدة مثل كلمة ويجوز كسر أوله وسكون الموحدة مثل كسرة
(قوله ولا غرست نخلة) قال الداودي ليس الغرس كالبناء لان من غرس ونيته طلب الكفاف أو
لفضل ما ينال منه ففي ذلك الفضل لا الاثم (قلت) لم يتقدم للإثم في الخبر ذكر حتى يعترض به وكلامه
يوهم أن في البناء كله الاثم وليس كذلك بل فيه التفصيل وليس كل ما زاد منه على الحاجة يستلزم
الاثم ولا شك أن في الغرس من الاجر من أجل ما يؤكل منه ما ليس في البناء وأن كان في بعض
البناء ما يحصل به الاجر مثل الذي يحصل به النفع لغير الباني فإنه يحصل للباني به الثواب والله
سبحانه وتعالى أعلم (قوله فذكرته لبعض أهله) لم أقف على تسميته والقائل هو سفيان (قوله
قال والله لقد بنى) زاد الكشميهني في روايته بيتا (قوله قال سفيان قلت فلعله قال قبل) أي قال
ما وضعت لبنة الخ قبل أن يبنى الذي ذكرت وهذا اعتذار حسن من سفيان راوي الحديث
ويحتمل أن يكون ابن عمر نفى أن يكون بنى بيده بعد النبي صلى الله عليه وسلم وكان في زمنه صلى الله
عليه وسلم فعل ذلك والذي أثبته بعض أهله كان بنى بأمره فنسبه إلى فعله مجازا ويحتمل أن يكون
بناؤه بيتا من قصب أو شعر ويحتمل أن يكون الذي نفاه ابن عمر ما زاد على حاجته والذي أثبته بعض
أهله بناء بيت لا بد له منه أو إصلاح ما وهي من بيته قال ابن بطال يؤخذ من جواب سفيان ان
العالم إذا جاء عنه قولان مختلفان انه ينبغي لسامعهما أن يتأولهما على وجه ينفى عنهما التناقض
تنزيها له عن الكذب انتهى ولعل سفيان فهم من قول بعض أهل ابن عمر الانكار على ما رواه
له عن عمرو بن دينار عن ابن عمر فبادر سفيان إلى الانتصار لشيخه ولنفسه وسلك الأدب مع الذي
78

خاطبه بالجمع الذي ذكره والله سبحانه وتعالى أعلم (خاتمة) اشتمل كتاب الاستئذان من
الأحاديث المرفوعة على خمسة وثمانين حديثا المعلق منها وما في معناه اثنا عشر حديثا والبقية
موصولة المكرر منه فيه وفيما مضى خمسة وستون حديثا والخالص عشرون وافقه مسلم على
تخريجها سوى حديث لأبي هريرة رسول الرجل اذنه وحديث أنس في المصافحة وحديث ابن
عمر في الاحتباء وحديثه في البناء وحديث ابن عباس في ختانه وفيه من الآثار عن الصحابة فمن
بعدهم سبعة آثار والله أعلم
(قوله بسم الله الرحمن الرحيم)
(كتاب الدعوات)
بفتح المهملتين جمع دعوة بفتح أوله وهي المسئلة الواحدة والدعاء الطلب والدعاء إلى الشئ الحث
على فعله ودعوت فلانا سألته ودعوته استغثته ويطلق أيضا على رفعة القدر كقوله تعالى ليس
له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة كذا قال الراغب ويمكن رده إلى الذي قبله ويطلق الدعاء أيضا
على العبادة والدعوى بالقصر الدعاء كقوله تعالى وآخر دعواهم والادعاء كقوله تعالى فما كان
دعواهم إذ جاءهم بأسنا وقال الراغب الدعاء على التسمية كقوله تعالى لا تجعلوا دعاء الرسول
بينكم كدعاء بعضكم بعضا وقال الراغب الدعاء والنداء واحد لكن قد يتجرد النداء عن الاسم
والدعاء لا يكاد يتجرد وقال الشيخ أبو القاسم القشيري في شرح الأسماء الحسنى ما ملخصه جاء
الدعاء في القرآن على وجوه منها العبادة ولا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك ومنها
الاستغاثة وادعوا شهداءكم ومنها السؤال ادعوني أستجب لكم ومنها القول دعواهم فيها
سبحانك اللهم والنداء يوم يدعوكم والثناء قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن (قوله وقول الله تعالى
ادعوني أستجب لكم الآية) كذا لأبي ذر وساق غيره الآية إلى قوله داخرين وهذه الآية ظاهرة
في ترجيح الدعاء على التفويض وقالت طائفة الأفضل ترك الدعاء والاستسلام للقضاء وأجابوا
عن الآية بأن آخرها دل على أن المراد بالدعاء العبادة لقوله ان الذين يستكبرون عن عبادتي
واستدلوا بحديث النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الدعاء هو العبادة ثم قرأ وقال
ربكم ادعوني أستجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي الآية أخرجه الأربعة وصححه
الترمذي والحاكم وشذت طائفة فقالوا المراد بالدعاء في الآية ترك الذنوب وأجاب الجمهور أن
الدعاء من أعظم العبادة فهو كالحديث الآخر الحج عرفة أي معظم الحج وركنه الأكبر ويؤيده
ما أخرجه الترمذي من حديث أنس رفعه الدعاء مخ العبادة وقد تواردت الآثار عن النبي صلى الله
عليه وسلم بالترغيب في الدعاء والحث عليه كحديث أبي هريرة رفعه ليس شئ أكرم على الله من الدعاء
أخرجه الترمذي وابن ماجة وصححه ابن حبان والحاكم وحديثه رفعه من لم يسأل الله يغضب
عليه أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد والترمذي وابن ماجة والبزار والحاكم كلهم من
رواية أبي صالح الخوزي بضم الخاء المعجمة وسكون الواو ثم زاي عنه وهذا الخوزي مختلف فيه
ضعفه ابن معين وقواه أبو زرعة وظن الحافظ ابن كثير انه أبو صالح السمان فجزم بأن أحمد تفرد
بتخريجه وليس كما قال فقد جزم شيخه المزي في الأطراف بما قلته ووقع في رواية البزار والحاكم
79

عن أبي صالح الخوزي سمعت أبا هريرة قال الطيبي معنى الحديث أن من لم يسأل الله يبغضه
والمبغوض مغضوب عليه والله يحب أن يسئل انتهى ويؤيده حديث ابن مسعود رفعه سلوا الله
من فضله فإن الله يحب ان يسئل أخرجه الترمذي وله من حديث ابن عمر رفعه ان الدعاء ينفع
مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء وفي سنده لين وقد صححه مع ذلك الحاكم وأخرج
الطبراني في الدعاء بسند رجاله ثقات الا أن فيه عنعنة بقية عن عائشة مرفوعا ان الله يحب الملحين
في الدعاء وقال الشيخ تقي الدين السبكي الأولى حمل الدعاء في الآية على ظاهره وأما قوله بعد
ذلك عن عبادتي فوجه الربط ان الدعاء أخص من العبادة فمن استكبر عن العبادة استكبر عن
الدعاء وعلى هذا فالوعيد انما هو في حق من ترك الدعاء استكبارا ومن فعل ذلك كفر وأما من تركه
لمقصد من المقاصد فلا يتوجه إليه الوعيد المذكور وان كنا نرى أن ملازمة الدعاء والاستكثار
منه أرجح من الترك لكثرة الأدلة الواردة في الحث عليه (قلت) وقد دلت الآية الآتية قريبا في
السورة المذكورة أن الإجابة مشترطة بالاخلاص وهو قوله تعالى فادعوه مخلصين له الدين وقال
الطيبي معنى حديث النعمان ان تحمل العبادة على المعنى اللغوي إذ الدعاء هو إظهار غاية
التذلل والافتقار إلى الله والاستكانة له وما شرعت العبادات الا للخضوع للباري وإظهار
الافتقار إليه ولهذا ختم الآية بقوله تعالى ان الذين يستكبرون عن عبادتي حيث عبر عن عدم
التذلل والخضوع بالاستكبار ووضع عبادتي موضع دعائي وجعل جزاء ذلك الاستكبار الصغار
والهوان وحكى القشيري في الرسالة الخلاف في المسئلة فقال اختلف أي الامرين أولى الدعاء
أو السكوت والرضا فقيل الدعاء وهو الذي ينبغي ترجيحه لكثرة الأدلة لما فيه من إظهار الخضوع
والافتقار وقيل السكوت والرضا أولى لما في التسليم من الفضل (قلت) وشبهتهم ان الداعي
لا يعرف ما قدر له فدعاؤه إن كان على وفق المقدور فهو تحصيل الحاصل وإن كان على خلافه
فهو معاندة والجواب عن الأول ان الدعاء من جملة العبادة لما فيه من الخضوع والافتقار وعن
الثاني أنه إذا اعتقد أنه لا يقع الا ما قدر الله تعالى كان اذعانا لا معاندة وفائدة الدعاء تحصيل
الثواب بامتثال الامر ولاحتمال أن يكون المدعو به موقوفا على الدعاء لان الله خالق الأسباب
ومسبباتها قال وقالت طائفة ينبغي أن يكون داعيا بلسانه راضيا بقلبه قال والأولى أن يقال إذا
وجد في قلبه إشارة الدعاء فالدعاء أفضل وبالعكس (قلت) القول الأول أعلى المقامات أن
يدعو بلسانه ويرضى بقلبه والثاني لا يتأتى من كل أحد بل ينبغي أن يختص به الكمل قال
القشيري ويصح أن يقال ما كان لله أو للمسلمين فيه نصيب فالدعاء أفضل وما كان للنفس فيه حظ
فالسكوت أفضل وعبر ابن بطال عن هذا القول لما حكاه بقوله يستحب أن يدعو لغيره ويترك
لنفسه وعمدة من أول الدعاء في الآية بالعبادة أو غيرها قوله تعالى فيكشف ما تدعون إليه ان شاء
وان كثيرا من الناس يدعو فلا يستجاب له فلو كانت على ظاهرها لم يتخلف والجواب عن ذلك
أن كل داع يستجاب له لكن تتنوع الإجابة فتارة تقع بعين ما دعا به وتارة بعوضه وقد ورد في
ذلك حديث صحيح أخرجه الترمذي والحاكم من حديث عبادة بن الصامت رفعه ما على الأرض
مسلم يدعو بدعوة الا آتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ولأحمد من حديث أبي هريرة
اما أن يعجلها له واما أن يدخرها له وله في حديث أبي سعيد رفعه ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها
80

اثم ولا قطعية رحم الا أعطاه الله بها إحدى ثلاث اما أن يعجل له دعوته واما أن يدخرها له في
الآخرة واما أن يصرف عنه من السوء مثلها وصححه الحاكم وهذا شرط ثان للإجابة ولها شروط
أخرى منها أن يكون طيب المطعم والملبس لحديث فانى يستجاب لذلك وسيأتي بعد عشرين بابا
من حديث أبي هريرة ومنها ألا يكون يستعجل لحديث يستجاب لا حكم مالم يقل دعوت فلم
يستجب لي أخرجه مالك (قوله باب لكل نبي دعوة مستجابة) كذا لأبي ذر وسقط لفظ
باب لغيره فصار من جملة الترجمة الأولى ومناسبتها للآية الإشارة إلى أن بعض الدعاء لا يستجاب
عينا (قوله إسماعيل) هو ابن أبي أويس (قوله مستجابة) كذا لأبي ذر ولم أرها عند الباقين ولا في
شئ من نسخ الموطأ (قوله يدعو بها) زاد في رواية الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة فيعجل
كل نبي دعوته وفي حديث أنس ثاني حديثي الباب فاستجيب له (قوله وأريد أن أختبئ دعوتي
شفاعة لامتي في الآخرة) وفي رواية أبي سلمة عن أبي هريرة الآتية في التوحيد فأريد إن شاء الله
أن أختبئ وزيادة إن شاء الله في هذا للتبرك ولمسلم من رواية أبي صالح عن أبي هريرة واني اختبأت
وفي حديث أنس فجعلت دعوتي وزاد يوم القيامة وزاد أبو صالح فهي نائلة إن شاء الله من مات
من أمتي لا يشرك بالله شيبا وقوله من مات في محل نصب على المفعولية ولا يشرك بالله في محل
نصب على الحال والتقدير شفاعتي نائلة من مات غير مشرك وكأنه صلى الله عليه وسلم أراد أن
يؤخرها ثم عزم ففعل ورجا وقوع ذلك فأعلمه الله به فجزم به وسيأتي تتمة الكلام على الشفاعة
وأنواعها في أول كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى وقد استشكل ظاهر الحديث بما وقع لكثير من
الأنبياء من الدعوات المجابة ولا سيما نبينا صلى الله عليه وسلم وظاهره ان لكل نبي دعوة مستجابة
فقط والجواب ان المراد بالإجابة في الدعوة المذكورة القطع بها وما عدا ذلك من دعواتهم فهو
على رجاء الإجابة وقيل معنى قوله لكل نبي دعوة أي أفضل دعواته ولهم دعوات أخرى وقيل
لكل منهم دعوة عامة مستجابة في أمته اما باهلاكهم واما بنجاتهم وأما الدعوات الخاصة فمنها
ما يستجاب ومنها مالا يستجاب وقيل لكل منهم دعوة تخصه لدنياه أو لنفسه كقول نوح لا تذر
على الأرض وقول زكريا فهب لي من لدنك وليا يرثني وقول سليمان وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد
من بعدي حكاه ابن التين وقال بعض شراح المصابيح ما لفظه اعلم أن جميع دعوات الأنبياء
مستجابة والمراد بهذا الحديث ان كل نبي دعا على أمته بالاهلاك الا أنا فلم أدع فأعطيت
الشفاعة عوضا عن ذلك للصبر على أذاهم والمراد بالأمة أمة الدعوة لا أمة الإجابة وتعقبه
الطيبي بأنه صلى الله عليه وسلم دعا على احياء من العرب ودعا على أناس من قريش بأسمائهم ودعا
على رعل وذكوان ودعا على مضر قال والأولى أن يقال إن الله جعل لكل نبي دعوة تستجاب في
حق أمته فنالها كل منهم في الدنيا وأما نبينا فإنه لما دعا على بعض أمته نزل عليه ليس لك من
الامر شئ أو يتوب عليهم فبقي تلك الدعوة المستجابة مدخرة للآخرة وغالب من دعا عليهم لم يرد
اهلاكهم وانما أراد ردعهم ليتوبوا وأما جزمه أولا بأن جميع أدعيتهم مستجابة ففيه غفلة
عن الحديث الصحيح سألت الله ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة الحديث قال ابن بطال في
هذا الحديث بيان فضل نبينا صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء حيث آثر أمته على نفسه وأهل
بيته بدعوته المجابة ولم يجعلها أيضا دعاء عليهم بالهلاك كما وقع لغيره ممن تقدم وقال ابن الجوزي
81

هذا من حسن تصرفه صلى الله عليه وسلم لأنه جعل الدعوة فيما ينبغي ومن كثرة كرمه لأنه آثر
أمته على نفسه ومن صحة نظره لأنه جعلها للمذنبين من أمته لكونهم أحوج إليها من الطائعين
وقال النووي فيه كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ورأفته بهم واعتناؤه بالنظر في مصالحهم
فجعل دعوته في أهم أوقات حاجتهم وأما قوله فهي نائلة ففيه دليل لأهل السنة ان من مات
غير مشرك لا يخلد في النار ولو مات مصرا على الكبائر (قوله وقال معتمر) هو ابن سليمان التيمي
كذا للأكثر وبه جزم الإسماعيلي والحميدي لكن عند الأصيلي وكريمة في أوله قال لي خليفة حدثنا
معتمر فعلى هذا هو متصل وقد وصله أيضا مسلم عن محمد بن عبد الاعلى عن معتمر (قوله لكل نبي
سال سؤلا أو قال لكل نبي دعوة) هكذا وقع بالشك ولم يسق مسلم لفظه بل أحال به على طريق
قتادة عن أنس وقد أخرجه ابن منده في كتاب الايمان من طريق محمد بن عبد الاعلى به ومن
طريق الحسن بن الربيع ومسدد وغيرهما عن معتمر بالشك ولفظه كل نبي قد سأل سؤلا أو قال
لكل نبي دعوة قد دعا بها الحديث ولفظ قتادة عند مسلم لكل نبي دعوة دعاها لامته فذكره ولم
يشك (قوله باب أفضل الاستغفار) سقط لفظ باب لأبي ذر ووقع في شرح ابن بطال
بلفظ فضل الاستغفار وكأنه لما رأى الآيتين في أول الترجمة وهما دالتان على الحث على
الاستغفار ظن أن الترجمة لبيان فضيلة الاستغفار ولكن حديث الباب يؤيد ما وقع عند
الأكثر وكأن المصنف أراد اثبات مشروعية الحث على الاستغفار بذكر الآيتين ثم بين بالحديث
أولى ما يستعمل من ألفاظه وترجم بالأفضلية ووقع الحديث بلفظ السيادة وكأنه أشار إلى أن
المراد بالسيادة الأفضلية ومعناها الأكثر نفعا لمستعمله ومن أوضح ما وقع في فضل الاستغفار
ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث يسار وغيره مرفوعا من قال أستغفر الله العظيم الذي لا إله
إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفرت ذنوبه وإن كان فر من الزحف قال أبو نعيم الأصبهاني هذا
يدل على أن بعض الكبائر تغفر ببعض العمل الصالح وضابطه الذنوب التي لا توجب على
مرتكبها حكما في نفس ولا مال ووجه الدلالة منه انه مثل بالفرار من الزحف وهو من الكبائر فدل
على أن ما كان مثله أو دونه يغفر إذا كان مثل الفرار من الزحف فإنه لا يوجب على مرتكبه حكما
في نفس ولا مال (قوله وقوله تعالى واستغفروا ربكم انه كان غفارا الآية) كذا رأيت في نسخة
معتمدة من رواية أبي ذر وسقطت الواو من رواية غيره وهو الصواب فان التلاوة فقلت استغفروا
ربكم وساق غير أبي ذر الآية إلى قوله تعالى أنهارا وكأن المصنف لمح بذكر هذه الآية إلى أثر
الحسن البصري ان رجلا شكى إليه الجدب فقال استغفر الله وشكى إليه آخر الفقر فقال
استغفر الله وشكى إليه آخر جفاف بستانه فقال استغفر الله وشكى إليه آخر عدم الولد فقال
استغفر الله ثم تلا عليهم هذه الآية وفي الآية حث على الاستغفار وإشارة إلى وقوع المغفرة لمن
استغفر والى ذلك أشار الشاعر بقوله
لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه * من جود كفيك ما علمتني الطلبا
(قوله والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم الآية) كذا لأبي ذر وساق غيره إلى قوله وهم
يعملون واختلف في معنى قوله ذكروا الله فقيل إن قوله فاستغفروا تفسير للمراد بالذكر وقيل
هو على حذف تقديره ذكروا عقاب الله والمعنى تفكروا في أنفسهم ان الله سائلهم فاستغفروا
82

لذنوبهم أي لأجل ذنوبهم وقد ورد في حديث حسن صفة الاستغفار المشار إليه في الآية أخرجه
أحمد والأربعة وصححه ابن حبان من حديث علي بن أبي طالب قال حدثني أبو بكر الصديق رضي الله عنهما
وصدق أبو بكر سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم
فيتطهر فيحسن الطهور ثم يستغفر الله عز وجل الا غفر له ثم تلا والذين إذا فعلوا فاحشة الآية
وقوله تعالى ولم يصروا على ما فعلوا فيه إشارة إلى أن من شرط قبول الاستغفار أن يقلع المستغفر
عن الذنب والا فالاستغفار باللسان مع التلبس بالذنب كالتلاعب وورد في فضل الاستغفار
والحث عليه آيات كثيرة وأحاديث كثيرة منها حديث أبي سعيد رفعه قال إبليس يا رب لا أزال
أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم فقال الله تعالى وعزتي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني
أخرجه أحمد وحديث أبي بكر الصديق رفعه ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرة
أخرجه أبو داود والترمذي وذكر السبعين للمبالغة والا ففي حديث أبي هريرة الآتي في
التوحيد مرفوعا ان عبدا أذنب ذنبا فقال رب اني أذنبت ذنبا فاغفر لي فغفر له الحديث وفي
آخره علم عبدي ان له ربا يغفر الذنب ويأخذ به اعمل ما شئت فقد غفرت لك (قوله حدثنا الحسين)
هو ابن ذكوان المعلم ووقع عند النسائي من رواية غندر حدثنا الحسين المعلم وكذا عند
الإسماعيلي من طريق يحيى القطان عن حسين المعلم (قوله حدثنا عبد الله بن بريدة) أي ابن
الحصيب الأسلمي (قوله حدثني بشير) بالموحدة ثم المعجمة مصغر وقد تابع حسينا على ذلك ثابت
البناني وأبو العوام عن بريدة ولكنهما لم يذكرا بشير بن كعب بل قالا عن ابن بريدة عن شداد
أخرجه النسائي وخالفهم الوليد بن ثعلبة فقال عن ابن بريدة عن أبيه أخرجه الأربعة الا
الترمذي وصححه ابن حبان والحاكم لكن لم يقع في رواية الوليد أول الحديث قال النسائي حسين
المعلم أثبت من الوليد بن ثعلبة وأعلم بعبد الله بن بريدة وحديثه أولى بالصواب (قلت) كأن الوليد
سلك الجادة لان جل رواية عبد الله بن بريدة عن أبيه وكأن من صححه جوز أن يكون عن عبد الله
ابن بريدة على الوجهين والله أعلم (قوله حدثني شداد بن أوس) أي ابن ثابت بن المنذر بن حرام
بمهملتين الأنصاري ابن أخي حسان بن ثابت الشاعر وشداد صحابي جليل نزل الشام وكنيته أبو
يعلى واختلف في صحبة أبيه وليس لشداد في البخاري الا هذا الحديث الواحد (قوله سيد
الاستغفار) قال الطيبي لما كان هذا الدعاء جامعا لمعاني التوبة كلها أستعير له اسم السيد وهو في
الأصل الرئيس الذي يقصد في الحوائج ويرجع إليه في الأمور (قوله أن يقول) أي العبد وثبت
في رواية أحمد والنسائي ان سيد الاستغفار أن يقول العبد وللترمذي من رواية عثمان بن ربيعة
عن شداد ألا أدلك على سيد الاستغفار وفي حديث جابر عند النسائي تعلموا سيد الاستغفار
(قوله لا إله إلا أنت أنت خلقتني) كذا في نسخة معتمدة بتكرير أنت وسقطت الثانية من
معظم الروايات ووقع عند الطبراني من حديث أبي أمامة من قال حين يصبح اللهم لك الحمد لا إله إلا أنت
والباقي نحو حديث شداد وزاد فيه آمنت لك مخلصا لك ديني (قوله وأنا عبدك) قال
الطيبي يجوز أن تكون مؤكدة ويجوز أن تكون مقدرة أي أنا عابد لك ويؤيده عطف قوله
وأنا على عهدك (قوله وأنا على عهدك) سقطت الواو في رواية النسائي قال الخطابي يريد أنا على
ما عاهدتك عليه وواعدتك من الايمان بك وإخلاص الطاعة لك ما استطعت من ذلك ويحتمل
83

أن يريد أنا مقيم على ما عهدت إلى من أمرك ومتمسك به ومنتجز وعدك في المثوبة والاجر
واشتراط الاستطاعة في ذلك معناه الاعتراف بالعجز والقصور عن كنه الواجب من حقه تعالى
وقال ابن بطال قوله وأنا على عهدك ووعدك يريد العهد الذي أخذه الله على عباده حيث
أخرجه أمثال الذر وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم فأقروا له بالربوبية وأذعنوا له
بالوحدانية وبالوعد ما قال على لسان نبيه ان من مات لا يشرك بالله شيئا وأدى ما افترض عليه أن
يدخله الجنة (قلت) وقوله وأدى ما افترض عليه زيادة ليست بشرط في هذا المقام لأنه جعل المراد
بالعهد الميثاق المأخوذ في عالم الذر وهو التوحيد خاصة فالوعد هو إدخال من مات على ذلك الجنة
قال وفي قوله ما استطعت اعلام لامته ان أحدا لا يقدر على الاتيان بجميع ما يجب عليه لله
ولا الوفاء بكمال الطاعات والشكر على النعم فرفق الله بعباده فلم يكلفهم من ذلك الا وسعهم وقال
الطيبي يحتمل أن يراد بالعهد والوعد ما في الآية المذكورة كذا قال والتفريق بين العهد والوعد
أوضح (قوله أبوء لك بنعمتك على) سقط لفظ لك من رواية النسائي وأبوء بالموحدة والهمز ممدود
معناه اعترف ووقع في رواية عثمان بن ربيعة عن شداد وأعترف بذنوبي وأصله البواء ومعناه
اللزوم ومنه بوأه الله منزلا إذا أسكنه فكأنه ألزمه به (قوله وأبوء لك بذنبي) أي أعترف أيضا وقيل
معناه أحمله برغمي لا أستطيع صرفه عني وقال الطيبي اعترف أولا بأنه أنعم عليه ولم يقيده لأنه يشمل
أنواع الانعام ثم اعترف بالتقصير وانه لم يقم بأداء شكرها ثم بالغ فعده ذنبا مبالغة في التقصير
وهضم النفس (قلت) ويحتمل أن يكون قوله أبوء لك بذنبي اعتراف بوقوع الذنب مطلقا ليصح
الاستغفار منه لا انه عد ما قصر فيه من أداء شكر النعم ذنبا (قوله فاغفر لي انه لا يغفر الذنوب الا
أنت) يؤخذ منه ان من اعترف بذنبه غفر له وقد وقع صريحا في حديث الإفك الطويل وفيه
العبد إذا اعترف بذنبه وتاب تاب الله عليه (قوله من قالها موقنا بها) أي مخلصا من قلبه
مصدقا بثوابها وقال الداودي يحتمل أن يكون هذا من قوله إن الحسنات يذهبن السيئات
ومثل قول النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء وغيره لأنه بشر بالثواب ثم بشر بأفضل منه فثبت
الأول وما زيد عليه وليس يبشر بالشئ ثم يبشر بأقل منه مع ارتفاع الأول ويحتمل أن يكون
ذلك ناسخا وأن يكون هذا فيمن قالها ومات قبل أن يفعل ما يفغر له به ذنوبه أو يكون ما فعله من
الوضوء وغيره لم ينتقل منه بوجه ما والله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء كذا حكاه ابن التين عنه
وبعضه يحتاج إلى تأمل (قوله ومن قالها من النهار) في رواية النسائي فإن قالها حين يصبح وفي
رواية عثمان بن ربيعة لا يقولها أحدكم حين يمسي فيأتي عليه قدر قبل أن يصبح أو حين يصبح
فيأتي عليه قدر قبل ان يمسي (قوله فهو من أهل الجنة) في رواية النسائي دخل الجنة وفي
رواية عثمان بن ربيعة الا وجبت له الجنة قال ابن أبي جمرة جمع صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث
من بديع المعاني وحسن الألفاظ ما يحق له أنه يسمى سيد الاستغفار ففيه الاقرار لله وحده
بالإلهية والعبودية والاعتراف بأنه الخالق والاقرار بالعهد الذي أخذه عليه والرجاء بما وعده
به والاستعاذة من شر ما جنى العبد على نفسه وإضافة النعماء إلى موجدها وإضافة الذنب إلى
نفسه ورغبته في المغفرة واعترافه بأنه لا يقدر أحد على ذلك الا هو وفي كل ذلك الإشارة إلى
الجمع بين الشريعة والحقيقة فإن تكاليف الشريعة لا تحصل الا إذا كان في ذلك عون من الله
84

تعالى وهذا القدر الذي يكنى عنه بالحقيقة فلو اتفق أن العبد خالف حتى يجرى عليه ما قدر
عليه وقامت الحجة عليه ببيان المخالفة لم يبق إلا أحد أمرين اما العقوبة بمقتضى العدل أو العفو
بمقتضى الفضل انتهى ملخصا وقال أيضا من شروط الاستغفار صحة النية والتوجه والأدب فلو
أن أحدا حصل الشروط واستغفر بغير هذا اللفظ الوارد واستغفر آخر بهذا اللفظ الوارد لكن
أخل بالشروط هل يستويان فالجواب أن الذي يظهر أن اللفظ المذكور انما يكون سيد
الاستغفار إذا جمع الشروط المذكورة والله أعلم (قوله باب استغفار النبي
صلى الله عليه وسلم) أي وقوع الاستغفار منه أو التقدير مقدار استغفاره في كل يوم ولا يحمل
على الكيفية لتقدم بيان الأفضل وهو لا يترك الأفضل (قوله قال قال أبو هريرة) في رواية
يونس بن يزيد عن الزهري أخبرني أبو سلمة أنه سمع أبا هريرة أخرجه النسائي (قوله والله اني
لأستغفر الله) فيه القسم على الشئ تأكيدا له وان لم يكن عند السامع فيه شك (قوله لأستغفر
الله وأتوب إليه) ظاهره أنه يطلب المغفرة ويعزم على التوبة ويحتمل أن يكون المراد يقول هذا
اللفظ بعينه ويرجح الثاني ما أخرجه النسائي بسند جيد من طريق مجاهد عن ابن عمر أنه سمع
النبي صلى الله عليه وسلم يقول استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه في المجلس
قبل أن يقوم مائة مرة وله من رواية محمد بن سوقة عن نافع عن ابن عمر بلفظ انا كنا لنعد
لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس رب اغفر لي وتب علي انك أنت التواب الغفور مائة مرة
(قوله أكثر من سبعين مرة) وقع في حديث أنس اني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة
فيحتمل أن يريد المبالغة ويحتمل أن يريد العدد بعينه وقوله أكثر مبهم فيحتمل أن يفسر
بحديث ابن عمر المذكور وانه يبلغ المائة وقد وقع في طريق أخرى عن أبي هريرة من رواية معمر
عن الزهري بلفظ اني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة لكن خالف أصحاب الزهري في ذلك نعم
أخرج النسائي أيضا من رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة بلفظ اني لأستغفر الله وأتوب إليه كل
يوم مائة مرة وأخرج النسائي أيضا من طريق عطاء عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم جمع الناس فقال يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة وله في حديث
الأغر المزني رفعه مثله وهو عنده وعند مسلم بلفظ انه ليغان على قلبي واني لأستغفر الله كل يوم
مائة مرة قال عياض المراد بالغين فترات عن الذكر الذي شأنه أن يدام عليه فإذا فتر عنه لأمر ما
عد ذلك ذنبا فاستغفر عنه وقيل هو شئ يعترى القلب مما يقع من حديث النفس وقيل هو
السكينة التي تغشى قلبه والاستغفار لاظهار العبودية لله والشكر لما أولاه وقيل هي حالة
خشية واعظام والاستغفار شكرها ومن ثم قال المحاسبي خوف المتقربين خوف اجلال
واعظام وقال الشيخ شهاب الدين السهروردي لا يعتقد أن الغين في حالة نقص بل هو كمال أو تتمة
كمال ثم مثل ذلك بجفن العين حين يسبل ليدفع القذى عن العين مثلا فإنه يمنع العين من الرؤية
فهو من هذه الحيثية نقص وفي الحقيقة هو كمال هذا محصل كلامه بعبارة طويلة قال فهكذا
بصيرة النبي صلى الله عليه وسلم متعرضة للأغيرة الثائرة من أنفاس الأغيار فدعت الحاجة إلى
الستر على حدقة بصيرته صيانة لها ووقاية عن ذلك انتهى وقد استشكل وقوع الاستغفار من
النبي صلى الله عليه وسلم وهو معصوم والاستغفار يستدعى وقوع معصية وأجيب بعدة أجوبة
85

منها ما تقدم في تفسير الغين ومنها قول ابن الجوزي هفوات الطباع البشرية لا يسلم منها أحد
والأنبياء وان عصموا من الكبائر فلم يعصموا من الصغائر كذا قال وهو مفرع على خلاف المختار
والراجح عصمتهم من الصغائر أيضا ومنها قول ابن بطال الأنبياء أشد الناس اجتهادا في العبادة لما
أعطاهم الله تعالى من المعرفة فهم دائبون في شكره معترفون له بالتقصير انتهى ومحصل جوابه
أن الاستغفار من التقصير في أداء الحق الذي يجب لله تعالى ويحتمل أن يكون لاشتغاله بالأمور
المباحة من أكل أو شرب أو جماع أو نوم أو راحة أو لمخاطبة الناس والنظر في مصالحهم ومحاربة
عدوهم تارة ومداراته أخرى وتأليف المؤلفة وغير ذلك مما يحجبه عن الاشتغال بذكر الله
والتضرع إليه ومشاهدته ومراقبته فيرى ذلك ذنبا بالنسبة إلى المقام العلي وهو الحضور في
حظيرة القدس ومنها ان استغفاره تشريع لامته أو من ذنوب الأمة فهو كالشفاعة لهم وقال
الغزالي في الاحياء كان صلى الله عليه وسلم دائم الترقي فإذا ارتقى إلى خال رأى ما قبلها دونها
فاستغفر من الحالة السابقة وهذا مفرع على أن العدد المذكور في استغفاره كان مفرقا بحسب
تعدد الأحوال وظاهر ألفاظ الحديث يخالف ذلك وقال الشيخ السهروردي لما كان روح النبي
صلى الله عليه وسلم لم يزل في الترقي إلى مقامات القرب يستتبع القلب والقلب يستطيع النفس
ولا ريب أن حركة الروح والقلب أسرع من نهضة النفس فكانت خطا النفس تقصر عن
مداهما في العروج فاقتضت الحكمة ابطاء حركة القلب لئلا تنقطع علاقة النفس عنه فيبقى
العباد محرومين فكان صلى الله عليه وسلم يفزع إلى الاستغفار لقصور النفس عن شيئا و ترقى القلب
والله أعلم (قوله باب التوبة) أشار المصنف بإيراد هذين البابين وهما الاستغفار ثم
التوبة في أوائل كتاب الدعاء إلى أن الإجابة تسرع إلى من لم يكن متلبسا بالمعصية فإذا قدم التوبة
والاستغفار قبل الدعاء كان أمكن لاجابته وما ألطف قول ابن الجوزي إذ سئل أأسبح أو أستغفر
فقال الثوب الوسخ أحوج إلى الصابون من البخور والاستغفار استفعال من الغفران وأصله
الغفر وهو الباس الشئ ما يصونه عما يدنسه وتدنيس كل شئ بحسبه والغفران من الله للعبد أن
يصونه عن العذاب والتوبة ترك الذنب على أحد الأوجه وفي الشرع ترك الذنب لقبحه والندم
على فعله والعزم على عدم العود ورد المظلمة إن كانت أو طلب البراءة من صاحبها وهي أبلغ
ضروب الاعتذار لان المعتذر اما أن يقول لا أفعل فلا يقع الموقع عند من اعتذر له لقيام احتمال
انه فعل لا سيما ان ثبت ذلك عنده عنه أو يقول فعلت لأجل كذا ويذكر شيا يقيم عذره وهو
فوق الأول أو يقول فعلت ولكن أسأت وقد أقلعت وهذا أعلاه انتهى من كلام الراغب ملخصا
وقال القرطبي في المفهم اختلفت عبارات المشايخ فيها فقائل يقول إنها الندم وآخر يقول إنها
العزم على أن لا يعود وآخر يقول الاقلاع عن الذنب ومنهم من يجمع بين الأمور الثلاثة وهو
أكملها غير أنه مع ما فيه غير مانع ولا جامع أما أولا فلانه قد يجمع الثلاثة ولا يكون تائبا شرعا
إذ قد يفعل ذلك شحا على ماله أو لئلا يعيره الناس به ولا تصح التوبة الشرعية الا بالاخلاص
ومن ترك الذنب لغير الله لا يكون تائبا اتفاقا وأما ثانيا فلانه يخرج منه من زنى مثلا ثم جب
ذكره فإنه لا يتأتى منه غير الندم على ما مضى وأما العزم على عدم العود فلا يتصور منه قال وبهذا
اغتر من قال إن الندم يكفي في حد التوبة وليس كما قال لأنه لو ندم ولم يقلع وعزم على العود لم يكن
86

تائبا اتفاقا قال وقال بعض المحققين هي اختيار ترك ذنب سبق حقيقة أو تقديرا لأجل الله قال
وهذا أسد العبارات وأجمعها لان التائب لا يكون تاركا للذنب الذي فرغ لأنه غير متمكن من
عينه لا تركا ولا فعلا وانما هو متمكن من مثله حقيقة وكذا من لم يقع منه ذنب انما يصح منه
اتقاء ما يمكن أن يقع لاترك مثل ما وقع فيكون متقيا لا تائبا قال والباعث على هذا تنبيه الهي
لمن أراد سعادته لقبح الذنب وضرره لأنه سم مهلك يفوت على الانسان سعادة الدنيا والآخرة
ويحجبه عن معرفة الله تعالى في الدنيا وعن تقريبه في الآخرة قال ومن تفقد نفسه وجدها
مشحونة بهذا السم فإذا وفق انبعث منه خوف هجوم الهلاك عليه فيبادر بطلب ما يدفع به
عن نفسه ضرر ذلك فحينئذ ينبعث منه الندم على ما سبق والعزم على ترك العود عليه قال
ثم اعلم أن التوبة اما من الكفر واما من الذنب فتوبة الكافر مقبولة قطعا وتوبة العاصي
مقبولة بالوعد الصادق ومعنى القبول الخلاص من ضرر الذنوب حتى يرجع كمن لم يعمل ثم توبة
العاصي اما من حق الله واما من حق غيره فحق الله تعالى يكفي في التوبة منه الترك على ما تقدم
غير أن منه ما لم يكتف الشرع فيه بالترك فقط بل أضاف إليه القضاء أو الكفارة و حق
غير الله يحتاج إلى ايصالها لمستحقها والا لم يحصل الخلاص من ضرر ذلك الذنب لك من لم
يقدر على الايصال بعد بذله الوسع في ذلك فعفو الله مأمول فإنه يضمن التبعات ويبدل السيئات
حسنات والله أعلم (قلت) حكى غيره عن عبد الله بن المبارك في شروط التوبة زيادة فقال الندم
والعزم على عدم العود ورد المظلمة وأداء ما ضيع من الفرائض وأن يعمد إلى البدن الذي رباه
بالسحت فيذيبه بالهم والحزن حتى ينشأ له لحم طيب وأن يذيق نفسه ألم الطاعة كما أذاقها لذة
المعصية (قلت) وبعض هذه الأشياء مكملات وقد تمسك من فسر التوبة بالندم بما أخرجه أحمد
وابن ماجة وغيرهما من حديث ابن مسعود رفعه الندم توبة ولا حجة فيه لان المعنى الحض عليه
وأنه الركن الأعظم في التوبة لا انه التوبة نفسها وما يؤيد اشتراط كونها لله تعالى وجود الندم
على الفعل ولا يستلزم الاقلاع عن أصل تلك المعصية كمن قتل ولده مثلا وندم لكونه ولده وكمن
بذل مالا في معصية ثم ندم على نقص ذلك المال مما عنده واحتج من شرط في صحة التوبة من
حقوق العباد أن يرد تلك المظلمة بأن من غصب أمة فزنى بها لا تصح توبته الا بردها لمالكها وان
من قتل نفسا عمدا لا تصح توبته الا بتمكين نفسه من ولى الدم ليقتص أو يعفو (قلت) وهذا من
جهة التوبة من الغصب ومن حق المقتول واضح ولكن يمكن ان تصح التوبة من العود إلى الزنا
وان استمرت الأمة في يده ومن العود إلى القتل وان لم يمكن من نفسه وزاد بعض من أدركناه في
شروط التوبة أمورا أخرى منها أن يفارق موضع المعصية وان لا يصل في آخر عمره إلى الغرغرة
وان لا تطلع الشمس من مغربها وان لا يعود إلى ذلك الذنب فان عاد إليه بان أن توبته باطلة (قلت)
والأول مستحب والثاني والثالث داخلان في حد التكليف والرابع الأخير عزى للقاضي أبو
بكر الباقلاني ويرده الحديث الآتي بعد عشرين بابا وقد أشرت إليه في باب فضل الاستغفار وقد
قال الحليمي في تفسير التواب في الأسماء الحسنى انه العائد على عبده بفضل رحمته كلما رجع لطاعته
وندم على معصيته فلا يحبط عنه ما قدمه من خير ولا يحرمه ما وعد به الطائع من الاحسان وقال
الخطابي التواب الذي يعود إلى القبول كلما عاد العبد إلى الذنب وتاب (قوله وقال قتادة توبة
87

نصوحا الصادقة الناصحة) وصله عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة مثله وقيل سميت ناصحة
لان العبد ينصح نفسه فيها فذكرت بلفظ المبالغة وقرأ عاصم نصوحا بضم النون أي ذات نصح
وقال الراغب النصح تحري قول أو فعل فيه صلاح تقول نصحت لك الود أي أخلصته ونصحت
الجلد أي خطته والناصح الخياط والنصاح الخيط فيحتمل أن يكون قوله توبة نصوحا مأخوذا
من الاخلاص أو من الاحكام وحكى القرطبي المفسر أنه اجتمع له من أقوال العلماء في
تفسير التوبة النصوح ثلاثة وعشرون قولا الأول قول عمر أن يذنب الذنب ثم لا يرجع وفي لفظ
ثم لا يعود فيه أخرجه الطبري بسند صحيح عن ابن مسعود مثله وأخرجه أحمد مرفوعا وأخرج
ابن أبي حاتم من طريق زر بن حبيش عن أبي بن كعب أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال أن
يندم إذا أذنب فيستغفر ثم لا يعود إليه وسنده ضعيف جدا الثاني أن يبغض الذنب ويستغفر
منه كلما ذكره أخرجه ابن أبي حاتم عن الحسن البصري الثالث قول قتادة المذكور قبل الرابع
أن يخلص فيها الخامس أن يصير من عدم قبولها على وجل السادس أن لا يحتاج معها إلى
توبة أخرى السابع أن يشتمل على خوف ورجاء ويدمن الطاعة الثامن مثله وزاد وأن يهاجر
من أعانه عليه التاسع أن يكون ذنبه بين عينيه العاشر أن يكون وجها بلا قفا كما كان في
المعصية قفا بلا وجه ثم سرد بقية الأقوال من كلام الصوفية بعبارات مختلفة ومعان مجتمعة
ترجع إلى ما تقدم وجميع ذلك من المكملات لا من شرائط الصحة والله أعلم (قوله حدثنا أحمد بن
يونس) هو ابن عبد الله بن يونس نسب إلى جده واشتهر بذلك وأبو شهاب شيخه اسمه عبد ربه
ابن نافع الحناط بالمهملة والنون وهو أبو شهاب الحناط الصغير وأما أبو شهاب الحناط الكبير
فهو في طبقة شيوخ هذا واسمه موسى بن نافع وليسا أخوين وهما كوفيان وكذا بقية رجال
هذا السند (قوله عن عمارة بن عمير) فذكر المصنف تصريح الأعمش بالتحديث وتصريح شيخه
عمارة وفي رواية أبي أسامة المعلقة بعد هذا وعمارة تيمي من بني تيم اللات ابن ثعلبة كوفي من
طبقة الأعمش وشيخه الحارث بن سويد تيمي أيضا وفي السند ثلاثة من التابعين في نسق أولهم
الأعمش وهو من صغار التابعين وعمارة من أوساطهم والحارث من كبارهم (قوله حديثين
أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم والاخر عن نفسه قال إن المؤمن) فذكره إلى قوله فوق
أنفه ثم قال لله أفرح بتوبة عبده هكذا وقع في هذه الرواية غير مصرح برفع أحد الحديثين إلى
النبي صلى الله عليه وسلم قال النووي قالوا المرفوع لله افرح إلى آخره والأول قول ابن مسعود
وكذا جزم ابن بطال بأن الأول هو الموقوف والثاني هو المرفوع وهو كذلك ولم يقف ابن التين
على تحقيق ذلك فقال أحد الحديثين عن ابن مسعود والاخر عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم
يزد في الشرح على الأصل شيئا وأغرب الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة في مختصره فأفرد أحد الحديثين
من الاخر وعبر في كل منهما بقوله عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس ذلك في
شئ من نسخ البخاري ولا التصريح برفع الحديث الأول إلى النبي صلى الله عليه وسلم في شئ من
نسخ كتب الحديث الا ما قرأت في شرح مغلطاي أنه روى مرفوعا من طريق وهاها أبو أحمد
الجرجاني يعني ابن عدي وقد وقع بيان ذلك في الرواية المعلقة وكذا وقع البيان في رواية مسلم مع
كونه لم يسق حديث ابن مسعود الموقوف ولفظه من طريق جرير عن الأعمش عن عمارة عن
88

الحارث قال دخلت علي ابن مسعود أعوده وهو مريض فحدثنا بحديثين حديثا عن نفسه
وحديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لله
أشد فرحا الحديث (قوله إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه) قال
ابن أبي جمرة السبب في ذلك أن قلب المؤمن منور فإذا رأى من نفسه ما يخالف ما ينور به قلبه
عظم الامر عليه والحكمة في التمثيل بالجبل أن غيره من المهلكات قد يحصل التسبب إلى النجاة
منه بخلاف الجبل إذا سقط على الشخص لا ينجو منه عادة وحاصله أن المؤمن يغلب عليه
الخوف لقوة ما عنده من الايمان فلا يأمن العقوبة بسببها وهذا شأن المؤمن أنه دائم الخوف
والمراقبة يستصغر عمله الصالح ويخشى من صغير عمله السئ (قوله وان الفاجر يرى ذنوبه
كذباب) في رواية أبي الربيع الزهراني عن أبي شهاب عند الإسماعيلي يرى ذنوبه كأنها ذباب
مر على أنفه أي ذنبه سهل عنده لا يعتقد أنه يحصل له بسببه كبير ضرر كما أن ضرر الذباب عنده
سهل وكذا دفعه عنه والذباب بضم المعجمة وموحدتين الأولى خفيفة بينهما ألف جمع ذبابة وهي
الطير المعروف (قوله فقال به هكذا) أي نحاه بيده أو دفعه هو من إطلاق القول على الفعل قالوا
وهو أبلغ (قوله قال أبو شهاب) هو موصول بالسند المذكور (قوله بيده 2 على أنفه) هو تفسير
منه لقوله فقال به قال المحب الطبري انما كانت هذه صفة المؤمن لشدة خوفه من الله ومن
عقوبته لأنه على يقين من الذنب وليس على يقين من المغفرة والفاجر قليل المعرفة بالله فلذلك قل
خوفه واستهان بالمعصية وقال ابن أبي جمرة السبب في ذلك أن قلب الفاجر مظلم فوقوع الذنب
خفيف عنده ولهذا تجد من يقع في المعصية إذا وعظ يقول هذا سهل قال ويستفاد من الحديث
أن قلة خوف المؤمن ذنوبه وخفتها عليه يدل على فجوره قال والحكمة في تشبيه ذنوب الفاجر
بالذباب كون الذباب أخف الطير وأحقره وهو مما يعاين ويدفع بأقل الأشياء قال وفي ذكر الانف
مبالغة في اعتقاده خفة الذنب عنده لان الذباب قلما ينزل على الانف وانما يقصد غالبا العين
قال وفي إشارته بيده تأكيد للخفة أيضا لأنه بهذا القدر اليسير يدفع ضرره قال وفي الحديث
ضرب المثل بما يمكن وارشاد إلى الحض على محاسبة النفس واعتبار العلامات الدالة على بقاء
نعمة الايمان وفيه أن الفجور أمر قلبي كالايمان وفيه دليل لأهل السنة لانهم لا يكفرون
بالذنوب ورد على الخوارج وغيرهم ممن يكفر بالذنوب وقال ابن بطال يؤخذ منه أنه ينبغي أن
يكون المؤمن عظيم الخوف من الله تعالى من كل ذنب صغيرا كان أو كبيرا لان الله تعالى قد
يعذب على القليل فإنه لا يسئل عما يفعل سبحانه وتعالى (قوله ثم قال لله أفرح بتوبة العبد من
رجل نزل منزلا) في رواية أبي الربيع المذكورة بتوبة عبده المؤمن وعند مسلم من رواية جرير
ومن رواية أبي أسامة لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن وكذا عنده من حديث أبي هريرة
واطلاق الفرح في حق الله مجاز عن رضاه قال الخطابي معنى الحديث أن الله أرضى بالتوبة
وأقبل لها والفرح الذي يتعارفه الناس بينهم غير جائز على الله وهو كقوله تعالى كل حزب بما لديهم
فرحون أي راضون وقال ابن فورك الفرح في اللغة السرور ويطلق على البطر ومنه ان الله
لا يحب الفرحين وعلى الرضا فان كل من يسر بشئ ويرضى به يقال في حقه فرح به قال ابن
العربي كل صفة تقتضي التغير لا يجوز أن يوصف الله بحقيقتها فان ورد شئ من ذلك حمل على
89

معنى يليق به وقد يعبر عن الشئ بسببه أو ثمرته الحاصلة عنه فان من فرح بشئ جاد لفاعله بما سأل
وبذل له ما طلب فعبر عن عطاء الباري وواسع كرمه بالفرح وقال ابن أبي جمرة كنى عن إحسان
الله للتائب وتجاوزه عنه بالفرح لان عادة الملك إذا فرح بفعل أحد أن يبالغ في الاحسان إليه
وقال القرطبي في المفهم هدا مثل قصد به بيان سرعة قبول الله توبة عبده التائب وأنه يقبل عليه
بمغفرته ويعامله معاملة من يفرح بعمله ووجه هذا المثل أن العاصي حصل بسبب معصية في
قبضة الشيطان وأسره وقد أشرف على الهلاك فإذا لطف الله به ووفقه للتوبة خرج من شؤم
تلك المعصية وتخلص من أسر الشيطان ومن المهلكة التي أشرف عليها فأقبل الله عليه بمغفرته
وبرحمته وإلا فالفرح الذي هو من صفات المخلوقين محال على الله تعالى لأنه اهتزاز وطرب يجده
الشخص من نفسه عند ظفره بغرض يستكمل به نقصانه ويسد به خلته أو يدفع به عن نفسه
ضررا أو نقصا وكل ذلك محال على الله تعالى فإنه الكامل بذاته الغني بوجوده الذي لا يلحقه نقص
ولا قصور لكن هذا الفرح له عندنا ثمرة وفائدة وهو الاقبال على الشئ المفروح به واحلاله المحل
الاعلى وهذا هو الذي يصح في حقه تعالى فعبر عن ثمرة الفرح بالفرح على طريقة العرب في تسمية
الشئ باسم ما جاوره أو كان منه بسبب وهذا القانون جار في جميع ما أطلقه الله تعالى على صفة
من الصفات التي لا تليق به وكذا ما ثبت بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله و به
مهلكة) كذا في الروايات التي وقفت عليها من صحيح البخاري بواو مفتوحة ثم موحدة خفيفة
مكسورة ثم هاء ضمير ووقع عند الإسماعيلي في رواية أبي الربيع عن أبي شهاب بسند البخاري
فيه بدوية بموحدة مكسورة ودال مفتوحة ثم واو ثقيلة مكسورة ثم تحتانية مفتوحة ثم هاء
تأنيث وكذا في جميع الروايات خارج البخاري عند مسلم وأصحاب السنن والمسانيد وغيرهم وفي
رواية لمسلم في أرض دوية مهلكة وحكى الكرماني انه وقع في نسخة من البخاري وبيئة وزن
فعيلة من الوباء ولم أقف أنا على ذلك في كلام غيره ويلزم عليه أن يكون وصف المذكر وهو المنزل
بصفة المؤنث في قوله وبيئة مهلكة وهو جائز على إرادة البقعة والدوية هي القفر والمفازة وهي
الداوية باشباع الدال ووقع كذلك في رواية لمسلم وجمعها داوي قال الشاعر * أروع خراج من
الداوي * (قوله مهلكة) فتح الميم واللام بينهما هاء ساكنة يهلك من حصل بها وفي بعض النسخ
بضم الميم وكسر اللام من الرباعي أي تهلكي هي من يحصل بها (قوله عليها طعامه وشرابه) زاد
أبو معاوية عن الأعمش وما يصلحه أخرجه الترمذي وغيره (قوله وقد ذهبت راحلته) في رواية
أبي معاوية فأضلها فخرج في طلبها وفي رواية جرير عن الأعمش عند مسلم فطلبها (قوله حتى إذا
اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله) شك من أبي شهاب واقتصر جرير على ذكر العطش ووقع
في رواية أبي معاوية حتى إذا أدركه الموت (قوله قال أرجع) بهمزة قطع بلفظ المتكلم (قوله إلى
مكاني فرجع فنام) في رواية جرير أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع
رأسه على ساعده ليموت وفي رواية أبي معاوية أرجع إلى مكاني الذي أضللتها فيه فأموت فيه فرجع
إلى مكانه فغلبته عينه (قوله فنام نومة ثم رفع رأسه فإذا راحلته عنده) في رواية جرير فاستيقظ
وعنده راحلته عليها زاده طعامه وشرابه وزاد أبو معاوية في روايته وما يصلحه (قوله تابعه أبو
عوانة) هو الوضاح وجرير هو ابن عبد الحميد (عن الأعمش) فأما متابعة أبي عوانة فوصلها
90

الإسماعيلي من طريق يحيى بن حماد عنه وأما متابعة جرير فوصلها مسلم وقد ذكرت اختلاف
لفظها (قوله وقال أبو أسامة) هو حماد بن أسامة (حدثنا الأعمش حدثنا عمارة 2 حدثنا الحارث)
يعني عن ابن مسعود بالحديثين ومراده أن هؤلاء الثلاثة وافقوا أبا شهاب في إسناد هذا الحديث
الا أن الأولين عنعناه وصرح فيه أبو أسامة ورواية أبي أسامة وصلها مسلم أيضا وقال مثل
حديث جرير (قوله وقال شعبة وأبو مسلم) زاد المستملي في روايته عن الفربري اسمه عبيد الله
أي بالتصغير كوفي قائد الأعمش (قلت) واسم أبيه سعيد بن مسلم كوفي ضعفه جماعة لكن لما
وافقه شعبة ترخص البخاري في ذكره وقد ذكره في تاريخه وقال في حديثه نظر وقال العقيلي
يكتب حديثه وينظر فيه ومراده أن شعبة وأبا مسلم خالفا أبا شهاب ومن تبعه في تسمية شيخ
الأعمش فقال الأولون عمارة وقال هدان إبراهيم التيمي وقد ذكر الإسماعيلي أن محمد بن فضيل
وشجاع بن الوليد وقطبة بن عبد العزيز وافقوا أبا شهاب على قوله عمارة عن الحارث ثم ساق
رواياتهم وطريق قطبة عند مسلم أيضا (قوله وقال أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عمارة عن
الأسود عن عبد الله وعن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله) يعني أن أبا معاوية
خالف الجميع فجعل الحديث عند الأعمش عن عمارة بن عمير وإبراهيم التيمي جميعا لكنه عند
عمارة عن الأسود وهو ابن يزيد النخعي وعند إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد وأبو شهاب ومن
تبعه جعلوه عند عمارة عن الحارث بن سويد ورواية أبي معاوية لم أقف عليها في شئ من السنن
والمسانيد على هذين الوجهين فقد أخرجه الترمذي عن هناد بن السري والنسائي عن محمد بن
عبيد والإسماعيلي من طريق أبي همام ومن طريق أبي كريب ومن طريق محمد بن طريف كلهم
عن أبي معاوية كما قال أبو شهاب ومن تبعه وأخرجه النسائي عن أحمد بن حرب الموصلي عن
أبي معاوية فجمع بين الأسود والحارث بن سويد وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي كريب
ولم أره من رواية أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي وانما وجدته عند النسائي من
رواية علي بن مسهر عن الأعمش كذلك وفي الجملة فقد اختلف فيه على عمارة في شيخه هل هو
الحارث بن سويد أو الأسود وتبين مما ذكرته أنه عنده عنهما جميعا واختلف على الأعمش في شيخه
هل هو عمارة أو إبراهيم التيمي وتبين أيضا أنه عنده عنهما جميعا والراجح من الاختلاف كله
ما قال أبو شهاب ومن تبعه ولذلك اقتصر عليه مسلم وصدر به البخاري كلامه فأخرجه موصولا
وذكر الاختلاف معلقا كعادته في الإشارة إلى أن مثل هذا الخلاف ليس بقادح والله أعلم
(تنبيه) ذكر مسلم حديث البراء لهذا الحديث المرفوع سببا وأوله كيف تقولون في رجل
انفلتت من راحلته بأرض قفر ليس بها طعام ولا شراب وعليها له طعام وشراب فطلبها حتى شق
عليه فذكر معناه وأخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة مختصرا ذكروا الفرح
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجل يجد ضالته فقال لله أشد فرحا الحديث (قوله حدثني
إسحاق) قال أبو علي الجياني يحتمل أن يكون ابن منصور فان مسلما أخرج عن إسحاق بن منصور
عن حبان بن هلال حديثا غير هذا (قلت) وتقدم في البيوع في باب البيعان بالخيار في رواية أبي
علي بن شبويه حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا حبان بن هلال فذكر حديثا غير هذا وهذا مما
يقوى ظن أبي علي والله أعلم وحبان بفتح المهملة ثم الموحدة الثقيلة وهمام هو ابن يحيى وقد نزل
91

البخاري في حديثه في السند الأول ثم علاه بدرجة في السند الثاني والسبب في ذلك أنه وقع في
السند النازل تصريح قتادة بتحديث أنس له ووقع في السند العالي بالعنعنة (قوله سقط على
بعيره) أي صادفه وعثر عليه من غير قصد فظفر به ومنه قولهم على الخبير سقطت وحكى الكرماني
ان في رواية سقط إلى بعيره أي انتهى إليه والأول أولى (قوله وقد أضله) أي ذهب منه بغير قصده
قال ابن السكيت أضللت بعيري أي ذهب مني وضللت بعيري أي لم أعرف موضعه (قوله بفلاة)
أي مفازة إلى هنا انتهت رواية قتادة وزاد إسحاق بن أبي طلحة عن أنس فيه عند مسلم فانفلتت منه
وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها فبينا هو كذلك إذا بها قائمة عنده
فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح قال
عياض فيه أن ما قاله الانسان من مثل هذا في حال دهشته وذهوله لا يؤاخذ به وكذا حكايته عنه
على طريق علمي وفائدة شرعية لا على الهزل والمحاكاة والعبث ويدل على ذلك حكاية النبي صلى
الله عليه وسلم ذلك ولو كان منكرا ما حكاه والله أعلم قال ابن أبي جمرة وفي حديث ابن مسعود من
الفوائد جواز سفر المرء وحده لأنه لا يضرب الشارع المثل الا بما يجوز ويحمل حديث النهي
على الكراهة جمعا ويظهر من هذا الحديث حكمة النهي (قلت) والحصر الأول مردود وهذه
القصة تؤكد النهي قال وفيه تسمية المفازة التي ليس فيها ما يؤكل ولا يشرب مهلكة وفيه أن
من ركن إلى ما سوى الله يقطع به أحوج ما يكون إليه لان الرجل ما نام في الفلاة وحده الا ركونا
إلى ما معه من الزاد فلما اعتمد على ذلك خانه لولا أن الله لطف به وأعاد عليه ضالته قال بعضهم
من سره أن لا يرى ما يسوءه * فلا يتخذ شيا يخاف له فقدا
قال وفيه أن فرح البشر وغمهم انما هو على ما جرى به أثر الحكمة من العوائد يؤخذ من ذلك أن
حزن المذكور انما كان على ذهاب راحلته لخوف الموت من أجل فقد زاده وفرحه بها انما كان
من أجل وجدانه ما فقد مما تنسب الحياة إليه في العادة وفيه بركة الاستسلام لأمر الله
لان المذكور لما أيس من وجدان راحلته استسلم للموت فمن الله عليه برد ضالته وفيه
ضرب المثل بما يصل إلى الافهام من الأمور المحسوسة والارشاد إلى الحض على محاسبة النفس
واعتبار العلامات الدالة على بقاء نعمة الايمان (قوله باب الضجع على الشق
الأيمن) الضجع بفتح أوله وسكون الجيم مصدر يقال ضجع الرجل يضجع ضجعا وضجوعا فهو
ضاجع والمعنى وضع جنبه بالأرض وفي رواية باب الضجعة وهو بكسر أوله لان المراد الهيئة
ويجوز الفتح أي المرة وذكر فيه حديث عائشة في اضطجاعه صلى الله عليه وسلم بعد ركعتي
الفجر وقد مضى شرحه في كتاب الصلاة وترجم له باب الضجع على الشق الأيمن بعد ركعتي الفجر
قال ابن التين أصل اضطجع اضطجع بمثناة فأبدلوها طاء ومنهم ما أبقاها ولم يدغموا الضاد فيها
وحكى المازني الضجع بلام ساكنة قبل الضاد كراهة للجمع بين الضاد والطاء في النطق لثقله فجعل
بدلها اللام وذكر المصنف هذا الباب والذي بعده توطئة لما يذكر بعدهما من القول عند
النوم (قوله باب إذا بات طاهرا) زاد أبو ذر في روايته وفضله وقد ورد في هذا
المعنى عدة أحاديث ليست على شرطه منها حديث معاذ رفعه ما من مسلم يبيت على ذكر وطهارة
فيتعار من الليل فيسأل الله خيرا من الدنيا والآخرة الا أعطاه إياه أخرجه أبو داود والنسائي
92

وابن ماجة وأخرجه الترمذي من حديث أبي أمامة نحوه وأخرج ابن حبان في صحيحه عن ابن
عمر رفعه من بات طاهرا بات في شعاره ملك فلا يستيقظ الا قال الملك اللهم اغفر لعبدك فلان
وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس نحوه بسند جيد (قوله معتمر) هو ابن
سليمان التيمي ومنصور هو ابن المعتمر (قوله عن سعد بن عبيدة) كذا قال الأكثر وخالفهم
إبراهيم بن طهمان فقال عن منصور عن الحكم عن سعد بن عبيدة زاد في الاسناد الحكم أخرجه
النسائي وقد سأل ابن أبي حاتم عنه أباه فقال هذا خطأ ليس فيه الحكم (قلت) فهو من المزيد
في متصل الأسانيد (قوله قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم) كذا لأبي ذر وأبي زيد المروزي
وسقط لفظ لي من رواية الباقين وفي رواية أبي إسحاق كما في الباب الذي يليه أمر رجلا وفي أخرى
له أوصى رجلا وفي رواية أبي الأحوص عن أبي إسحاق الآتية في كتاب التوحيد عن البراء
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا فلان إذا أويت إلى فراشك الحديث وأخرجه الترمذي
من طريق سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ألا أعلمك
كلمات تقول إذ أويت إلى فراشك (قوله إذا أتيت مضجعك) أي إذا أردت أن تضطجع ووقع
صريحا كذلك في رواية أبي إسحاق المذكورة ووقع في رواية فطر بن خليفة عن سعد بن عبيدة
عند أبي داود والنسائي إذا أويت إلى فراشك وأنت طاهر فتوسد يمينك الحديث نحو حديث
الباب وسنده جيد ولكن ثبت ذلك في أثناء حديث آخر سأشير إليه في شرح حديث حذيفة
الآتي في الباب بعده وللنسائي من طريق الربيع بن البراء بن عازب قال قال البراء فذكر
الحديث بلفظ من تكلم بهؤلاء الكلمات حين يأخذ جنبه من مضجعه بعد صلاة العشاء فذكر
نحو حديث الباب (قوله فتوضأ وضوءك للصلاة) الامر فيه للندب وله فوائد منها أن يبيت على
طهارة لئلا يبغته الموت فيكون على هيئة كاملة ويؤخذ منه الندب إلى الاستعداد للموت
بطهارة القلب لأنه أولى من طهارة البدن وقد أخرج عبد الرزاق من طريق مجاهد قال قال لي
ابن عباس لا تبيتن الا على وضوء فان الأرواح تبعث على ما قبضت عليه ورجاله ثقات الا أبا يحيى
القتات هو صدوق فيه كلام ومن طريق أبي مراية العجلي قال من أوى إلى فراشه طاهرا ونام
ذاكرا كان فراشه مسجدا وكان في صلاة وذكر حتى يستيقظ ومن طريق طاوس نحوه ويتأكد
ذلك في حق المحدث ولا سيما الجنب وهو أنشط للعود وقد يكون منشطا للغسل فيبيت على طهارة
كاملة ومنها أن يكون أصدق لرؤياه وأبعد من تلعب الشيطان به قال الترمذي ليس في
الأحاديث ذكر الوضوء عند النوم الا في هذا الحديث (قوله ثم اضطجع على شقك) بكسر المعجمة
وتشديد القاف أي الجانب وخص الأيمن لفوائد منها أنه أسرع إلى الانتباه ومنها أن القلب
متعلق إلى جهة اليمين فلا يثقل بالنوم ومنها قال ابن الجوزي هذه الهيئة نص الأطباء على أنها
أصلح للبدن قالوا يبدأ بالاضطجاع على الجانب الأيمن ساعة ثم ينقلب إلى الأيسر لان الأول سبب
لانحدار الطعام والنوم على اليسار يهضم لاشتمال الكبد على المعدة (تنبيه) هكذا وقع في
رواية سعد بن عبيدة وأبي إسحاق عن البراء ووقع في رواية العلاء بن المسيب عن أبيه عن البراء من
فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه كما سيأتي قريبا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى
فراشه نام على شقه الأيمن ثم قال الحديث فيستفاد مشروعية هذا الذكر من قوله صلى الله عليه
93

وسلم ومن فعله ووقع عند النسائي من رواية حصين بن عبد الرحمن عن سعد بن عبيدة عن البراء
وزاد في أوله ثم قال بسم الله اللهم أسلمت نفسي إليك ووقع عند الخرائطي في مكارم الأخلاق من
وجه آخر عن البراء بلفظ كان إذا أوى إلى فراشه قال اللهم أنت ربي ومليكي وإلهي لا إله إلا أنت
إليك وجهت وجهي الحديث (قوله وقل اللهم أسلمت وجهي إليك) كذا لأبي ذر وأبي
زيد ولغيرهما أسلمت نفسي قيل الوجه والنفس هنا بمعنى الذات والشخص أي أسلمت ذاتي
وشخصي لك وفيه نظر للجمع بينهما في رواية أبي إسحاق عن البراء الآتية بعد باب ولفظه أسلمت
نفسي إليك وفوضت أمري إليك ووجهت وجهي إليك وجمع بينهما أيضا في رواية العلاء بن
المسيب وزاد خصلة رابعة ولفظه أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري
وألجأت ظهري إليك فعلى هذا فالمراد بالنفس هنا الذات وبالوجه القصد وأبدى القرطبي هذا
احتمالا بعد جزمه بالأول (قوله أسلمت) أي استسلمت وانقدت والمعنى جعلت نفسي منقادة لك
تابعة لحكمك إذ لا قدرة لي على تدبيرها ولا على جلب ما ينفعها إليها ولا دفع ما يضرها عنها وقوله
وفوضت أمري إليك أي توكلت عليك في أمري كله وقوله وألجأت أي اعتمدت في أموري
عليك لتعينني على ما ينفعني لان من استند إلى شئ تقوى به واستعان به وخصه بالظهر لان العادة
جرت ان الانسان يعتمد بظهره إلى ما يستند إليه وقوله رغبة ورهبة إليك أي رغبة في رفدك
وثوابك ورهبة أي خوفا من غضبك ومن عقابك قال ابن الجوزي أسقط من مع ذكر الرهبة وأعمل
إلى مع ذكر الرغبة وهو على طريق الاكتفاء كقول الشاعر * وزججن الحواجب والعيونا
والعيون لا تزجج لكن لما جمعهما في نظم حمل أحدهما على الآخر في اللفظ وكذا قال الطيبي ومثل
بقوله * متقلدا سيفا ورمحا (قلت) ولكن ورد في بعض طرقه بإثبات من ولفظه رهبة منك ورغبة
إليك أخرجه النسائي وأحمد من طريق حصين بن عبد الرحمن عن سعد بن عبيدة (قوله لا ملجأ ولا
منجا منك الا إليك) أصل ملجأ بالهمز ومنجا بغير همز ولكن لما جمعا جاز أن يهمزا للازدواج وأن
يترك الهمز فيهما وأن يهمز المهموز ويترك الاخر فهذه ثلاثة أوجه ويجوز التنوين مع القصر
فتصير خمسة قال الكرماني هذان اللفظان ان كانا مصدرين يتنازعان في منك وان كانا ظرفين
فلا إذ اسم المكان لا يعمل وتقديره لا ملجأ منك إلى أحد الا إليك ولا منجا منك الا إليك وقال
الطيبي في نظم هذا الذكر عجائب لا يعرفها الا المتقن من أهل البيان فأشار بقوله أسلمت نفسي
إلى أن جوارحه منقادة لله تعالى في أوامره ونواهيه وبقوله وجهت وجهي إلى أن ذاته مخلصة
له بريئة من النفاق وبقوله فوضت أمري إلى أن أموره الخارجة والداخلة مفوضة إليه لا مدبر
لها غيره وبقوله ألجأت ظهري إلى أنه بعد التفويض يلتجئ إليه مما يضره ويؤذيه من الأسباب
كلها قال وقوله رغبة ورهبة منصوبان على المفعول له على طريف اللف والنشر أي فوضت
أموري إليك رغبة وألجأت ظهري إليك رهبة (قوله آمنت بكتابك الذي أنزلت) يحتمل أن يريد
به القرآن ويحتمل أن يريد اسم الجنس فيشمل كل كتاب أنزل (قوله ونبيك الذي أرسلت) وقع في
رواية أبي زيد المروزي أرسلته وأنزلته في الأول بزيادة الضمير فيهما (قوله فإن مت مت على
الفطرة) في رواية أبي الأحوص عن أبي إسحاق الآتية في التوحيد من ليلتك وفي رواية
المسيب بن رافع من قالهن ثم مات تحت ليلته قال الطيبي فيه إشارة إلى وقوع ذلك قبل أن
94

ينسلخ النهار من الليل وهو تحته أو المعنى بالتحت أي مت تحت نازل ينزل عليك في ليلتك وكذا
معنى من في الرواية الأخرى أي من أجل ما يحدث في ليلتك وقوله على الفطرة أي على الدين
القويم ملة إبراهيم فإنه عليه السلام أسلم واستسلم قال الله تعالى عنه جاء ربه بقلب سليم وقال
عنه أسلمت لرب العالمين وقال فلما أسلما وقال ابن بطال وجماعة المراد بالفطرة هنا دين الاسلام
وهو بمعنى الحديث الاخر من كان آخر كلامه إله إلا الله دخل الجنة قال القرطبي في المفهم
كذا قال الشيوخ وفيه نظر لأنه إذا كان قائل هذه الكلمات المقتضية للمعاني التي ذكرت من
التوحيد والتسليم والرضا إلى أن يموت كمن يقول لا إله إلا الله ممن لم يخطر له شئ من هذه الأمور
فأين فائدة هذه الكلمات العظيمة وتلك المقامات الشريفة ويمكن أن يكون الجواب أن كلا
منهما وان مات على الفطرة فبين الفطرتين ما بين الحالتين ففطرة الأول فطرة المقربين وفطرة
الثاني فطرة أصحاب اليمين (قلت) وقع في رواية حصين بن عبد الرحمن عن سعد بن عبيدة في آخره
عند أحمد بدل قوله مات على الفطرة بنى له بيت في الجنة وهو يؤيد ما ذكره القرطبي ووقع في آخر
الحديث في التوحيد من طريق أبي إسحاق عن البراء وان أصبحت أصبت خيرا وكذا لمسلم
والترمذي من طريق ابن عيينة عن أبي إسحاق فإن أصبحت أصبحت وقد أصبت خيرا وهو عند
مسلم من طريق حصين عن سعد بن عبيدة ولفظه وان أصبح أصاب خيرا أي صلاحا في المال
وزيادة في الأعمال (قوله فقلت) كذا لأبي ذر وأبي زيد المروزي ولغيرهما فجعلت أستذكرهن
أي أتحفظهن ووقع في رواية الثوري عن منصور الماضية في آخر كتاب الوضوء فرددتها أي رددت
تلك الكلمات لأحفظهن ولمسلم من رواية جرير رواية جرير عن منصور فرددتهن لأستذكرهن (قوله
وبرسولك الذي أرسلت قالا وبنبيك الذي أرسلت) في رواية جرير عن منصور فقال قل
وبنبيك قال القرطبي تبعا لغيره هذا حجة لمن لم يجز نقل الحديث بالمعنى وهو الصحيح من مذهب
مالك فإن لفظ النبوة والرسالة مختلفان في أصل الوضع فإن النبوة من النبأ وهو الخبر فالنبي في
العرف هو المنبأ من جهة الله بأمر يقتضي تكليفا وان أمر بتبليغه إلى غيره فهو رسول والا فهو
نبي غير رسول وعلى هذا فكل رسول نبي بلا عكس فإن النبي والرسول اشتركا في أمر عام وهو النبأ
وافترقا في الرسالة فإذا قلت فلان رسول تضمن أنه نبي رسول وإذا قلت فلان نبي لم يستلزم انه
رسول فأراد صلى الله عليه وسلم أن يجمع بينهما في اللفظ لاجتماعهما فيه حتى يفهم من كل واحد
منهما من حيث النطق ما وضع له وليخرج عما يكون شبه التكرار في اللفظ من غير فائدة فإنه إذا
قال ورسولك فقد فهم منه انه أرسله فإذا قال الذي أرسلت صار كالحشو الذي لا فائدة فيه
بخلاف قوله ونبيك الذي أرسلت فلا تكرار فيه لا متحققا ولا متوهما انتهى كلامه وقوله صار
كالحشو متعقب لثبوته في أفصح الكلام كقوله تعالى وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه انا
أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم هو الذي أرسل رسوله بالهدى ومن غير هذا اللفظ يوم ينادي
المنادي إلى غير ذلك فالأولى حذف هذا الكلام الأخير والاقتصار على قوله ونبيك الذي أرسلت
في هذا المقام أفيد من قوله ورسولك الذي أرسلت لما ذكر والذي ذكره في الفرق بين الرسول والنبي
مقيد بالرسول البشرى والا فإطلاق الرسول كما في اللفظ هنا يتناول الملك كجبريل مثلا فيظهر
لذلك فائدة أخرى وهي تعين البشرى دون الملك فيخلص الكلام من اللبس وأما الاستدلال به
95

على منع الرواية بالمعنى ففيه نظر لان شرط الرواية بالمعنى أن يتفق اللفظان في المعنى المذكور وقد
تقرر أن النبي والرسول متغايران لفظا ومعنى فلا يتم الاحتجاج بذلك قيل وفي الاستدلال بهذا
الحديث لمنع الرواية بالمعنى مطلقا نظر وخصوصا ابدال الرسول بالنبي وعكسه إذا وقع في الرواية
لان الذات المحدث عنها واحدة فالمراد يفهم بأي صفة وصف بها الموصوف إذا ثبتت الصفة له
وهذا بناء على أن السبب في منع الرواية بالمعنى أن الذي يستجيز ذلك قد يظن يوفى بمعنى اللفظ
الاخر ولا يكون كذلك في نفس الامر كما عهد في كثير من الأحاديث فالاحتياط الاتيان باللفظ
فعلى هذا إذا تحقق بالقطع أن المعنى فيهما متحد لم يضر بخلاف ما إذا اقتصر على الظن ولو كان
غالبا وأولى ما قيل في الحكمة في رده صلى الله عليه وسلم على من قال الرسول بدل النبي أن ألفاظ
الاذكار توقيفية ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس فتجب المحافظة على اللفظ الذي
وردت به وهذا اختيار المازري قال فيقتصر فيه على اللفظ الوارد بحروفه وقد يتعلق الجزاء بتلك
الحروف ولعله أوحى إليه بهذه الكلمات فيتعين أداؤها بحروفها وقال النووي في الحديث
ثلاث سنن مهمة إحداها الوضوء عند النوم وإن كان متوضئا كفاه لان المقصود النوم على
طهارة ثانيها النوم على اليمين ثالثها الختم بذكر الله وقال الكرماني هذا الحديث يشتمل على الايمان
بكل ما يجب الايمان به إجمالا من الكتب والرسل من الإلهيات والنبويات وعلى اسناد الكل
إلى الله من الذوات والصفات والافعال لذكر الوجه والنفس والامر وإسناد الظهر مع ما فيه من
التوكل على الله والرضا بقضائه وهذا كله بحسب المعاش وعلى الاعتراف بالثواب والعقاب
خيرا وشرا وهذا بحسب المعاد (تنبيه) وقع عند النسائي في رواية عمرو بن مرة عن سعد بن
عبيدة في أصل الحديث آمنت بكتابك الذي أنزلت وبرسولك الذي أرسلت وكأنه لم يسمع من سعد
ابن عبيدة الزيادة التي في آخره فروى بالمعنى وقد وقع في رواية أبي إسحاق عن البراء نظير ما في رواية
منصور عن سعد بن عبيدة أخرجه الترمذي من طريق سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق وفي آخره
قال البراء فقلت وبرسولك الذي أرسلت فطعن بيده في صدري ثم قال ونبيك الذي أرسلت وكذا
اخرج النسائي من طريق فطر بن خليفة عن أبي إسحاق ولفظه فوضع يده في صدري نعم اخرج
الترمذي من حديث رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا اضطجع أحدكم على
يمينه ثم قال فذكر نحو الحديث وفي آخره أومن بكتابك الذي أنزلت وبرسلك الذي أرسلت هكذا
فيه بصيغة الجمع وقال حسن غريب فإن كان محفوظا فالسر فيه حصول التعميم الذي دلت عليه
صيغة الجمع صريحا فدخل فيه جميع الرسل من الملائكة والبشر فأمن اللبس ومنه قوله تعالى
كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والله أعلم (قوله باب ما يقول إذا نام)
سقطت هذه الترجمة لبعضهم وثبتت للأكثر (قوله سفيان) هو الثوري وعبد الملك هو ابن عمير
وثبت في رواية أبي ذر وأبي زيد المروزي عن عبد الملك بن عمير (قوله إذا أوى إلى فراشه) أي
دخل فيه وفي الطريق الآتية قريبا إذا اخذ مضجعه وأوى بالقصر واما قوله الحمد لله الذي آوانا
فهو بالمد ويجوز فيه القصر والضابط في هذه اللفظة أنها مع اللزوم تمد في الأفصح ويجوز
القصر وفي التعدي بالعكس (قوله باسمك أموت وأحيى) أي بذكر اسمك أحيى ما حييت وعليه
أموت وقال القرطبي قوله باسمك أموت يدل على أن الاسم هو المسمى وهو كقوله تعالى سبح اسم
96

ربك الاعلى أي سبح ربك هكذا قال جل الشارحين قال واستفدت من بعض المشايخ معنى آخر
وهو أن الله تعالى سمى نفسه بالأسماء الحسنى ومعانيها ثابتة له فكل ما صدر في الوجود فهو صادر
عن تلك المقتضيات فكأنه قال باسمك المحيي أحيا وباسمك المميت أموت انتهى ملخصا والمعنى
الذي صدرت به أليق وعليه فلا يدل ذلك على أن الاسم غير المسمى ولا عينه ويحتمل أن يكون لفظ
الاسم هنا زائدا كما في قول الشاعر * إلى الحول ثم اسم السلام عليكما (قوله وإذا قام قال الحمد لله
الذي أحيانا بعد ما أماتنا) قال أبو إسحاق الزجاج النفس التي تفارق الانسان عند النوم هي التي
للتمييز والتي تفارقه عند الموت هي التي للحياة وهي التي يزول معها التنفس وسمى النوم موتا لأنه
يزول معه العقل والحركة تمثيلا وتشبيها قاله في النهاية ويحتمل أن يكون المراد بالموت هنا
السكون كما قالوا ماتت الريح أي سكنت فيحتمل أن يكون أطلق الموت على النائم بمعنى إرادة
سكون حركته لقوله تعالى وهو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه قاله الطيبي قال وقد يستعار
الموت للأحوال الشاقة كالفقر والذل والسؤال والهرم والمعصية والجهل وقال القرطبي في
المفهم النوم والموت يجمعهما انقطاع تعلق الروح بالبدن وذلك قد يكون ظاهرا وهو النوم
ولذا قيل النوم أخو الموت وباطنا وهو الموت فإطلاق الموت على النوم يكون مجازا لاشتراكهما
في انقطاع تعلق الروح بالبدن وقال الطيبي الحكمة في إطلاق الموت على النوم أن انتفاع
الانسان بالحياة انما هو لتحري رضا الله عنه وقصد طاعته واجتناب سخطه وعقابه فمن نام زال
عنه هذا الانتفاع فكان كالميت فحمد الله تعالى على هذه النعمة وزوال ذلك المانع قال وهذا
التأويل موافق للحديث الاخر الذي فيه وان أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين
وينتظم معه قوله واليه النشور أي واليه المرجع في نيل الثواب بما يكتسب في الحياة (قلت)
والحديث الذي أشار إليه سيأتي مع شرحه قريبا (قوله واليه النشور) أي البعث يوم القيامة
والاحياء بعد الإماتة يقال نشر الله الموتى فنشروا أي أحياهم فحيوا (قوله تنشرها تخرجها)
كذا ثبت هذا في رواية السرخسي وحده وقد أخرجه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس بذلك وذكرها بالزاي من أنشزه إذا رفعه بتدريج وهي قراءة الكوفيين وابن عامر
وأخرج من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ننشرها أي نحييها وذكرها بالراء من أنشرها أي
أحياها ومنه ثم إذا شاء أنشره وهي قراءة أهل الحجاز وأبي عمرو قال والقراءتان متقاربتان في
المعنى وقرئ في الشاذ بفتح أوله بالراء وبالزاي أيضا وبضم التحتانية معهما أيضا (قوله عن أبي
إسحاق) هو السبيعي (سمعت البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا ح وحدثنا آدم حدثنا
شعبة حدثنا أبو إسحاق الهمداني عن البراء بن عازب) كذا للأكثر وفي رواية السرخسي عن أبي
إسحاق سمعت البراء والأول أصوب والا لكان موافقا للرواية الأولى من كل جهة ولأحمد عن
عفان عن شعبة أمر رجلا من الأنصار وقد تقدم شرح هذا الحديث مستوفى في الباب قبله
(تنبيهان) الأول لشعبة في هذا الحديث شيخ آخر أخرجه النسائي من طريق غندر عنه عن
مهاجر أبي الحسن عن البراء وغندر من أثبت الناس في شعبة ولكن لا يقدح ذلك في رواية الجماعة
عن شعبة فكأن لشعبة فيه شيخين الثاني وقع في رواية شعبة عن أبي إسحاق في هذا الحديث
عن البراء لا ملجأ ولا منجا منك الا إليك وهذا القدر من الحديث مدرج لم يسمعه أبو إسحاق من
97

البراء وإن كان ثابتا في غير رواية أبي إسحاق عن البراء وقد بين ذلك إسرائيل عن جده أبي إسحاق
وهو من أثبت الناس فيه أخرجه النسائي من طريقه فساق الحديث بتمامه ثم قال كان أبو
إسحاق يقول لا ملجأ ولا منجا منك الا إليك لم أسمع هذا من البراء سمعتهم يذكرونه عنه وقد أخرجه
النسائي أيضا من وجه آخر عن أبي إسحاق عن هلال بن يساف عن البراء (قوله باب
وضع اليد تحت الخد اليمنى) كذا فيه بتأنيث الخد وهو لغة ذكر فيه حديث حذيفة المذكور في
الباب الذي قبله وفيه وضع يده تحت خده قال الإسماعيلي ليس فيه ذكر اليمنى وانما ذلك وقع في
رواية شريك ومحمد بن جابر عن عبد الملك بن عمير (قلت) جرى البخاري على عادته في الإشارة إلى
ما ورد في بعض طرق الحديث وطريق شريك هذه أخرجها أحمد من طريقه وفي الباب عن البراء
أخرجه النسائي من طريق أبي خيثمة والثوري عن أبي إسحاق عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان إذا أوى إلى فراشه وضع يده اليمنى تحت خده الأيمن وقال اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك
وسنده صحيح وأخرجه أيضا بسند صحيح عن حفصة وزاد يقول ذلك ثلاثا (قوله باب
النوم على الشق الأيمن) تقدمت فوائد هذه الترجمة قريبا وبين النوم والضجع عموم وخصوص
وجهي (قوله العلاء بن المسيب عن أبيه) هو ابن رافع الكاهلي ويقال الثعلبي بمثلثة ثم مهملة
يكنى أبا العلاء وكان من ثقات الكوفيين وما لولده العلاء في البخاري الا هذا الحديث وآخر
تقدم في غزوة الحديبية وهو ثقة قال الحاكم له أوهام (تنبيه) وقع في مستخرج أبي نعيم
في هذا الموضع ما نصه استرهبوهم من الرهبة ملكوت ملك مثل رهبوت ورحموت تقول ترهب
خير من أن ترحم انتهى ولم أره لغيره هنا وقد تقدم قوله استرهبوهم من الرهبة في تفسير سورة
الأعراف وباقيه تقدم في تفسير الانعام وتكلمت عليه هناك وبينت ما وقع في سياق أبي ذر فيه
من تغيير وان الصواب كالذي وقع هنا والله أعلم (قوله باب الدعاء إذا انتبه من الليل)
في رواية الكشميهني بالليل ووقع عندهم في أول التهجد في أواخر كتاب الصلاة بالعكس ذكر فيه
حديثين عن ابن عباس * الأول (قوله عن سفيان) هو الثوري وسلمة هو ابن كهيل (قوله
بت عند ميمونة) تقدم شرحه مضموما إلى ما في ثاني حديثي الباب في أول أبواب الوتر دون ما في
آخره من الدعاء فأحلت به على ما هنا وقوله فيه فغسل وجهه كذا لأبي ذر ولغيره غسل بغير فاء
وقوله شناقها بكسر المعجمة وتخفيف النون ثم قاف هو رباط القربة يشد عنقها فشبه بما يشنق
به وقيل هو ما تعلق به ورجح أبو عبيد الأول (قوله وضوءا بين وضوءين) قد فسره بقوله لم يكثر
وقد أبلغ وهو يحتمل أن يكون قلل من الماء مع التثليث أو اقتصر على دون الثلاث ووقع في
رواية شعبة عن سلمة عند مسلم وضوءا حسنا ووقع عند الطبراني من طريق منصور بن معتمر عن
علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه في هذه القصة والى جانبه مخضب من برام مطبق عليه سواك
فاستن به ثم توضأ (قوله أتقيه) بمثناة ثقيلة وقاف مكسورة كذا للنسفي وطائفة قال الخطابي أي
ارتقبه وفي رواية بتخفيف النون وتشديد القاف ثم موحدة من التنقيب وهو التفتيش وفى
رواية القابسي أبغيه بسكون الموحدة بعدها معجمة مكسورة ثم تحتانية أي أطلبه وللأكثر أرقبه
98

وهي أوجه (قوله فتتامت) بمثناتين أي تكاملت وهي رواية شعبة عن سلمة عند مسلم (قوله فنام
حتى نفخ وكان إذا قام نفخ) في رواية مسلم ثم نام حتى نفخ وكنا نعرفه إذا نام بنفخه (قوله وكان يقول
في دعائه) فيه إشارة إلى أن دعاءه حينئذ كان كثيرا وكان هذا من جملته وقد ذكر في ثاني حديثي
الباب قوله اللهم أنت نور السماوات والأرض الخ ووقع في رواية شعبة عن سلمة فكان يقول في
صلاته وسجوده وسأذكر أن في رواية الترمذي زيادة في هذا الدعاء طويلة ووقع عند مسلم أيضا في
رواية علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه أنه قال الذكر الآتي في الحديث الثاني أول ما قام
قبل أن يدخل في الصلاة وقال هذا الدعاء المذكور في الحديث الأول وهو ذاهب إلى صلاة الصبح
فأفاد أن الحديثين في قصة واحدة وان تفريقهما صنيع الرواة وفي رواية الترمذي التي سيأتي
التنبيه عليها أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك حين فرغ من صلاته ووقع عند البخاري في الأدب
المفرد من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل
يصلي فقضى صلاته يثنى على الله بما هو أهله ثم يكون آخر كلامه اللهم اجعل في قلبي نورا
الحديث ويجمع بأنه كان يقول ذلك عند القرب من فراغه (قوله اللهم اجعل في قلبي نور الخ)
قال الكرماني التنوين فيها للتعظيم أي نورا عظيما كذا قال وقد اقتصر في هذه الرواية
على ذكر القلب والسمع والبصر والجهات الست وقال في آخره واجعل لي نورا ولمسلم عن عبد الله
ابن هاشم عن عبد الرحمن بن مهدي بسند حديث الباب وعظم لي نورا بتشديد الظاء المعجمة ولأبي
يعلى عن أبي خيثمة عن عبد الرحمن وأعظم لي نورا أخرجه الإسماعيلي وأخرجه أيضا من رواية
بندار عن عبد الرحمن وكذا لأبي عوانة من رواية أبي حذيفة عن سفيان ولمسلم في رواية شعبة
عن سلمة واجعل لي نورا أو قال واجعلني نورا هذه رواية غندر عن شعبة وفي رواية النضر عن
شعبة واجعلني ولم يشك وللطبراني في الدعاء من طريق المنهال بن عمرو عن علي بن عبد الله بن
عباس عن أبيه في آخره واجعل لي يوم القيامة نورا (قوله قال كريب وسبع في التابوت) قلت
حاصل ما في هذه الرواية عشرة وقد أخرجه مسلم من طريق عقيل عن سلمة بن كهيل فدعا
رسول الله صلى الله عليه وسلم بتسع عشرة كلمة حدثنيها كريب فحفظت منها ثنتي عشرة ونسيت
ما بقي فذكر ما في رواية الثوري هذه وزاد وفي لساني نورا بعد قوله في قلبي وقال في آخره واجعل
لي في نفسي نورا وأعظم لي نورا وهاتان ثنتان من السبع التي ذكر كريب أنها في التابوت مما حدثه
بعض ولد العباس وقد اختلف في مراده بقوله التابوت فجزم الدمياطي في حاشيته بأن المراد به
الصدر الذي هو وعاء القلب وسبق ابن بطال والداودي إلى أن المراد بالتابوت الصدر وزاد ابن
بطال كما يقال لمن يحفظ العلم علمه في التابوت مستودع وقال النووي تبعا لغيره المراد بالتابوت
الأضلاع وما تحويه من القلب وغيره تشبيها بالتابوت الذي يحرز فيه المتاع يعني سبع كلمات في
قلبي ولكن نسيتها قال وقيل المراد سبعة أنوار كانت مكتوبة في التابوت الذي كان لبني إسرائيل
فيه السكينة وقال ابن الجوزي يريد بالتابوت الصندوق أي سبع مكتوبة في صندوق عنده لم
يحفظها في ذلك الوقت (قلت) ويؤيده ما وقع عند أبي عوانة من طريق أبي حذيفة عن الثوري
بسند حديث الباب قال كريب وستة عندي مكتوبات في التابوت وجزم القرطبي في المفهم وغير
واحد بان المراد بالتابوت الجسد أي ان السبع المذكورة تتعلق بجسد الانسان بخلاف أكثر
99

ما تقدم فإنه يتعلق بالمعاني كالجهات الست وإن كان السمع والبصر والقلب من الجسد وحكى
ابن التين عن الداودي ان معنى قوله في التابوت أي في صحيفة في تابوت عند بعض ولد العباس
قال والخصلتان العظم والمخ وقال الكرماني لعلهما الشحم والعظم كذا قالا وفيه نظر سأوضحه
(قوله فلقيت رجلا من ولد العباس) قال ابن بطال ليس كريب هو القائل فلقيت رجلا من ولد
العباس وانما قاله سلمة بن كهيل الراوي عن كريب (قلت) هو محتمل وظاهر رواية أبي حذيفة
أن القائل هو كريب قال ابن بطال وقد وجدت الحديث من رواية علي بن عبد الله بن عباس
عن أبيه قال فذكر الحديث مطولا وظهرت منه معرفة الخصلتين اللتين نسيهما فان فيه اللهم
اجعل في عظامي نورا وفي قبري نورا (قلت) بل الاظهر أن المراد بهما اللسان والنفس وهما اللتان
زادهما عقيل في روايته عند مسلم وهما من جملة الجسد وينطبق عليه التأويل الأخير للتابوت
وبذلك جزم القرطبي في المفهم ولا ينافيه ما عداه والحديث الذي أشار إليه أخرجه الترمذي
من طريق داود بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم
ليلة حين فرغ من صلاته يقول اللهم إني أسألك رحمة من عندك فساق الدعاء بطوله وفيه اللهم
اجعل لي نورا في قبري ثم ذكر القلب ثم الجهات الست والسمع والبصر ثم الشعر والبشر ثم اللحم
والدم والعظام ثم قال في آخره اللهم عظم لي نورا وأعطني نورا واجعلني نورا قال الترمذي غريب
وقد روى شعبة وسفيان عن سلمة عن كريب بعض هذا الحديث ولم يذكروه بطوله انتهى وأخرج
الطبري من وجه آخر عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه في آخره وزدني نورا قالها ثلاثا
وعند ابن أبي عاصم في كتاب الدعاء من طريق عبد الحميد بن عبد الرحمن عن كريب في آخر الحديث
وهب لي نورا على نور ويجتمع من اختلاف الروايات كما قال ابن العربي خمس وعشرون خصلة
(قوله فذكر عصبي) بفتح المهملتين وبعدهما موحدة قال ابن التين هي اطناب المفاصل وقوله
وبشرى بفتح الموحدة والمعجمة ظاهر الجسد (قوله وذكر خصلتين) أي تكملة السبعة قال
القرطبي هذه الأنوار التي دعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يمكن حملها على ظاهرها فيكون
سأل الله تعالى أن يجعل له في كل عضو من أعضائه نورا يستضئ به يوم القيامة في تلك الظلم هو
ومن تبعه أو من شاء الله منهم قال والأولى أن يقال هي مستعارة للعلم والهداية كما قال تعالى فهو
على نور من ربه وقوله تعالى وجعلنا له نورا يمشي به في الناس ثم قال والتحقيق في معناه ان النور
مظهر ما نسب إليه وهو يختلف بحسبه فنور السمع مظهر للمسموعات ونور البصر كاشف
للمبصرات ونور القلب كاشف عن المعلومات ونور الجوارح ما يبدو عليها من أعمال الطاعات
قال الطيبي معنى طلب النور للأعضاء عضوا عضوا أن يتحلى بأنوار المعرفة والطاعات ويتعرى عما
عداهما فإن الشياطين تحيط بالجهات الست بالوساوس فكان التخلص منها بالأنوار السادة
لتلك الجهات قال وكل هذه الأمور راجعة إلى الهداية والبيان وضياء الحق والى ذلك يرشد
قوله تعالى الله نور السماوات والأرض إلى قوله تعالى نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء انتهى
ملخصا وكان في بعض ألفاظه مالا يليق بالمقام فحذفته وقال الطيبي أيضا خص السمع والبصر
والقلب بلفظ لي لان القلب مقر الفكرة في آلاء الله والسمع والبصر مسارح آيات الله المصونة قال
وخص اليمين والشمال بعن ايذانا بتجاوز الأنوار عن قلبه وسمعه وبصره إلى من عن يمينه وشماله
100

من أتباعه وعبر عن بقية الجهات بمن ليشمل استنارته وانارته من الله والخلق وقوله في آخره
واجعل لي نورا هي فذلكة لذلك وتأكيد له (قوله سفيان) هو ابن عيينة (قوله كان إذا قام من
الليل يتهجد) تقدم شرحه مستوفى في أوائل التهجد وقوله في آخره لا إله إلا أنت أولا اله غيرك
شك من الراوي ووقع في رواية للطبراني في آخره ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم (قوله
باب التكبير والتسبيح عند المنام) أي والتحميد (قوله عن الحكم) هو ابن عتيبة بمثناة
وموحدة مصغر فقيه الكوفة وقوله عن ابن أبي ليلى هو عبد الرحمن وقوله عن علي قد وقع في
النفقات عن بدل بن المحبر عن شعبة أخبرني الحكم سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى أنبأنا علي
(قوله إن فاطمة شكت ما تلقى في يدها من الرحى) زاد بدل في روايته مما تطحن وفي رواية القاسم
مولى معاوية عن علي عند الطبراني وأرته اثرا في يدها من الرحى وفي زوائد عبد الله بن أحمد في
مسند أبيه وصححه ابن حبان من طريق محمد بن سيرين عن عبيدة بن عمرو عن علي اشتكت فاطمة
مجل يدها وهو بفتح الميم وسكون الجيم بعدها لام معناه التقطيع وقال الطبري المراد به غلظ
اليد وكل من عمل عملا بكفه فغلظ جلدها قيل مجلت كفه وعند أحمد من رواية هبيرة بن يريم عن
علي قلت لفاطمة لو أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته خادما فقد أجهدك الطحن والعمل
وعنده وعند ابن سعد من رواية عطاء بن السائب عن أبيه عن علي أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم لما زوجه فاطمة فذكر الحديث وفيه فقال علي لفاطمة ذات يوم والله لقد سنوت حتى
اشتكيت صدري فقالت وأنا والله لقد طحنت حتى مجلت يداي وقوله سنوت بفتح المهملة
والنون أي استقيت من البئر فكنت مكان السانية وهي الناقة وعند أبي داود من طريق أبي
الورد بن ثمامة عن علي بن أعبد عن علي قال كانت عندي فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم
فجرت بالرحى حتى أثرت بيدها واستقت بالقربة حتى أثرت في عنقها وقمت البيت حتى اغبرت
ثيابها وفي رواية له وخبزت حتى تغير وجهها (قوله فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما)
أي جارية تخدمها ويطلق أيضا على الذكر وفي رواية السائب وقد جاء الله أباك بسبي فاذهبي
إليه فاستخدميه أي اسأليه خادما وزاد في رواية يحيى القطان عن شعبة كما تقدم في النفقات
وبلغها انه جاءه رقيق وفي رواية بدل وبلغها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بسبي (قوله
فلم تجده) في رواية القطان فلم تصادفه وفي رواية بدل فلم توافقه وهي بمعنى تصادفه وفي رواية
أبي الورد فأتته فوجدت عنده حداثا بضم المهملة وتشديد الدال وبعد الألف مثلثة أي جماعة
يتحدثون فاستحيت فرجعت فيحمل على أن المراد انها لم تجده في المنزل بل في مكان آخر كالمسجد
وعنده من يتحدث معه (قوله فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته) في رواية القطان أخبرته
عائشة زاد غندر عن شعبة في المناقب بمجئ فاطمة وفي رواية بدل فذكرت ذلك عائشة له وفي
رواية مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عند جعفر الفريابي في الذكر والدارقطني في العلل وأصله
في مسلم حتى أتت منزل النبي صلى الله عليه وسلم فلم توافقه فذكرت ذلك له أم سلمة بعد أن رجعت
فاطمة ويجمع بان فاطمة التمسته في بيتي أمي المؤمنين وقد وردت القصة من حديث أم سلمة نفسها
أخرجها الطبري في تهذيبه من طريق شهر بن حوشب عنها قالت جاءت فاطمة إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم تشكو إليه الخدمة فذكرت الحديث مختصرا وفي رواية السائب فاتت النبي صلى
101

الله عليه وسلم فقال ما جاء بك يا بنية قالت جئت لاسلم عليك واستحيت أن تسأله ورجعت فقلت
ما فعلت قالت استحييت (قلت) وهذا مخالف لما في الصحيح ويمكن الجمع بأن تكون لم تذكر
حاجتها أولا على ما في هذه الراوية ثم ذكرتها ثانيا لعائشة لما لم تجده ثم جاءت هي وعلي على ما في
رواية السائب فذكر بعض الرواة ما لم يذكر بعض وقد اختصره بعضهم ففي رواية مجاهد
الماضية في النفقات أن فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما فقال الا أخبرك
ما هو خير لك منه وفي رواية هبيرة فقالت انطلق معي فانطلقت معها فسألناه فقال ألا أدلكما
الحديث ووقع عند مسلم من حديث أبي هريرة أن فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله
خادما وشكت العمل فقال ما ألفيته عندنا وهو بالفاء أي ما وجدته ويحمل على أن المراد
ما وجدته عندنا فاضلا عن حاجتنا إليه لما ذكر من أنفاق أثمان السبي على أهل الصفة (قوله
فجانا وقد أخذنا مضاجعنا) زاد في رواية السائب فاتيناه جميعا فقلت بأبي يا رسول الله والله لقد
سنوت حتى اشتكيت صدري وقالت فاطمة لقد طحنت حتى مجلت يداي وقد جاءك الله بسبي
وسعة فاخدمنا فقال والله لا أعطيكما وادع أهل الصفة تطوي بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم
ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم وقد أشار المصنف إلى هذه الزيادة في فرض الخمس وتكلمت
على شرحها هناك ووقع في رواية عبيدة بن عمرو عن علي عند ابن حبان من الزيادة فاتانا وعلينا
قطيفة إذا لبسناها طولا خرجت منها جنوبنا وإذا لبسناها عرضا خرجت منها رؤسنا وأقدامنا
وفي رواية السائب فرجعا فاتاهما النبي صلى الله عليه وسلم وقد دخلا في قطيفة لهما إذا غطيا
رؤسهما تكشفت اقدامهما وإذا غطيا أقدامهما تكشفت رؤسهما (قوله فذهب أقوم)
وافقه غندر وفي رواية القطان فذهبنا نقوم وفي رواية يدل لنقوم وفي رواية السائب فقاما
(قوله فقال مكانك) وفي رواية غندر مكانكما وهو بالنصب أي الزما مكانكما وفي رواية القطان
وبدل فقال على مكانكما أي استمرا على ما أنتما عليه (قوله فجلس بيننا) في رواية غندر فقعد بدل
جلس وفي رواية القطان فقعد بيني وبينها وفي رواية عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى عند النسائي
أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وضع قدمه بيني وبين فاطمة (قوله حتى وجدت برد
قدميه) هكذا هنا بالتثنية وكذا في رواية غندر وعند مسلم أيضا وفي رواية القطان بالافراد وفي
رواية بدل كذلك بالافراد للكشميهني وفي رواية للطبري فسخنتهما وفي رواية عطاء عن مجاهد
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عند جعفر في الذكر وأصله في مسلم من الزيادة فخرج حتى أتى منزل
فاطمة وقد دخلت هي وعلى في اللحاف فلما استأذن هما أن يلبسا فقال كما أنتما اني أخبرت انك
جئت تطلبين فما حاجتك قالت بلغني انه قدم عليك خدم فأحببت أن تعطيني خادما يكفيني
الخبز والعجن فإنه قد شق علي قال فما جئت تطلبين أحب إليك أو ما هو خير منه قال علي فغمزتها
فقلت قولي ما هو خير منه أحب إلي قال فإذا كنتما على مثل حالكما الذي أنتما عليه فذكر التسبيح
وفي رواية علي بن أعبد فجلس عند رأسها فأدخلت رأسها في اللفاع حياء من أبيها ويحمل على
أنه فعل ذلك أولا فلما تأنست به دخل معهما في الفراش مبالغة منه في التأنيس وزاد في رواية
علي بن أعبد فقال ما كان حاجتك أمس فسكتت مرتين فقلت أنا والله أحدثك يا رسول الله
فذكرته له ويجمع بين الروايتين بأنها أولا استحيت فتكلم على عنها فأنشطت للكلام فأكملت
102

القصة واتفق غالب الرواة على أنه صلى الله عليه وسلم جاء إليهما ووقع في رواية شبث وهو بفتح
المعجمة والموحدة بعدها مثلثة ابن ربعي عن علي عند أبي داود وجعفر في الذكر والسياق له قدم
على النبي صلى الله عليه وسلم سبي فانطلق علي وفاطمة حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال ما أتى بكما قال علي شق علينا العمل فقال ألا أدلكما وفي لفظ جعفر فقال علي لفاطمة ائت
أباك فاسأليه أن يخدمك فاتت أباها حين أمست فقال ما جاء بك يا بنية قالت جئت أسلم عليك
واستحيت حتى إذا كانت القابلة قال ائت أباك فذكر مثله حتى إذا كانت الليلة الثالثة قال لها
علي أمشي فخرجا معا الحديث وفيه ألا أدلكما على خير لكما من حمر النعم وفي مرسل علي بن الحسين
عند جعفر أيضا ان فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما وبيدها اثر الطحن من قطب
الرحى فقال إذا أويت إلى فراشك الحديث فيحتمل أن تكون قصة أخرى فقد أخرج أبو داود
من طريق أم الحكم أو ضباعة بنت الزبير أي ابن عبد المطلب قالت أصاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم سبيا فذهبت أنا وأختي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم نشكو إليه ما نحن فيه
وسألناه ان يأمر لنا بشئ من السبي فقال سبقكن يتامى بدر فذكر قصة التسبيح اثر كل صلاة ولم
يذكر قصة التسبيح عند النوم فلعله علم فاطمة في كل مرة أحد الذكرين وقد وقع في تهذيب
الطبري من طريق أبي أمامة عن علي في قصة فاطمة من الزيادة فقال اصبري يا فاطمة ان خير
النساء التي نفعت أهلها (قوله فقال ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم) في رواية بدل خير مما
سألتماه وفي رواية غندر مما سألتماني وللقطان نحوه وفي رواية السائب ألا أخبركما بخير مما
سألتماني فقالا بلى فقال كلمات علمنيهن جبريل (قوله إذا أو يتما إلى فراشكما أو أخذتما
مضاجعكما) هذا شك من سليمان بن حرب وكذا في رواية القطان وجزم بدل وغندر بقوله إذا
أخذتما مضاجعكما ولمسلم من رواية معاذ عن شعبة إذا أخذتما مضاجعكما من الليل وجزم في
رواية السائب بقوله إذا أو يتما إلى فراشكما وزاد في رواية تسبحان دبر كل صلاة عشرا
وتحمدان عشرا وتكبران عشرا وهذه الزيادة ثابتة في رواية عطاء بن السائب عن أبيه عن
عبد الله بن عمرو بن العاص عند أصحاب السنن الأربعة في حديث أوله خصلتان لا يحصيهما عبد
الا دخل الجنة وصححه الترمذي وابن حبان وفيه ذكر ما يقال عند النوم أيضا ويحتمل إن كان
حديث السائب عن علي محفوظا ان يكون على ذكر القصتين اللتين أشرت إليهما قريبا معا ثم
وجدت الحديث في تهذيب الآثار للطبري فساقه من رواية حماد بن سلمة عن عطاء كما ذكرت ثم
ساقه من طريق شعبة عن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا
وفاطمة إذا أخذا مضاجعهما بالتسبيح والتحميد والتكبير فساق الحديث فظهر ان الحديث في
قصة علي وفاطمة وان من لم يذكرهما من الرواة اختصر الحديث وان رواية السائب انما هي
عن عبد الله بن عمرو وان قول من قال فيه عن علي لم يرد الرواية عن علي وانما معناه عن قصة علي
وفاطمة كما في نظائره (قوله فكبرا أربعا وثلاثين وسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين) كذا
هنا بصيغة الامر والجزم بأربع في التكبير وفي رواية بدل مثله ولفظه فكبرا الله ومثله للقطان
لكن قدم التسبيح وأخر التكبير ولم يذكر الجلالة وفي رواية عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى وفي
رواية السائب كلاهما مثله وكذا في رواية هبيرة عن علي وزاد في آخره فتلك مائة باللسان وألف
103

في الميزان وهذه الزيادة ثبتت أيضا في رواية هبيرة وعمارة بن عبد معا عن علي عند الطبراني وفي
رواية السائب كما مضى وفي حديث أبي هريرة عند مسلم كالأول لكن قال تسبحين بصيغة المضارع
وفي رواية عبيدة بن عمرو فأمرنا عند منامنا بثلاث وثلاثين وثلاث وثلاثين وأربع وثلاثين من
تسبيح وتحميد وتكبير وفي رواية غندر للكشميهني مثل الأول وعن غير الكشميهني تكبران
بصيغة المضارع وثبوت النون وحذفت في نسخة وهي اما على أن إذا تعمل عمل الشرط واما
حذفت تخفيفا وفي رواية مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى في النفقات بلفظ تسبحين الله عند
منامك وقال في الجميع ثلاثا وثلاثين ثم قال في آخره قال سفيان رواية أحداهن أربع وفي
رواية النسائي عن قتيبة عن سفيان لا أدري أيها أربع وثلاثون وفي رواية الطبري من طريق
أبي أمامة الباهلي عن علي في الجميع ثلاثا وثلاثين واختماها بلا إله إلا الله وله من طريق محمد
ابن الحنفية عن علي وكبراه وهللاه أربعا وثلاثين وله من طريق أبي مريم عن علي أحمدا أربعا
وثلاثين وكذا له في حديث أم سلمة وله من طريق هبيرة أن التهليل أربع وثلاثون ولم يذكر
التحميد وقد أخرجه أحمد من طريق هبيرة كالجماعة وما عدا ذلك شاذ وفي رواية عطاء عن مجاهد
عند جعفر وأصله عند مسلم أشك أيها أربع وثلاثون غير أني أظنه التكبير وزاد في آخره قال علي
فما تركتها بعد فقالوا له ولا ليلة صفين فقال ولا ليلة صفين وفي رواية القاسم مولى معاوية عن
علي فقيل لي وفي رواية عمرو بن مرة فقال له رجل وكذا في رواية هبيرة ولمسلم في رواية من طريق
مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قلت ولا ليلة صفين وفي رواية جعفر الفريابي في الذكر من هذا
الوجه قال عبد الرحمن قلت ولا ليلة صفين قال ولا ليلة صفين وكذا أخرجه مطين في مسند على
من هذا الوجه وأخرجه أيضا من رواية زهير بن معاوية عن أبي إسحاق حدثني هبيرة وهانئ بن
هانئ وعمارة بن عبد أنهم سمعوا عليا يقول فذكر الحديث وفي آخره فقال له رجل قال زهير أراه
الأشعث بن قيس ولا ليلة صفين قال ولا ليلة صفين وفي رواية السائب فقال له ابن الكواء ولا ليلة
صفين فقال قاتلكم الله يا أهل العراق نعم ولا ليلة صفين وللبزار من طريق محمد بن فضيل عن عطاء
ابن السائب فقال له عبد الله بن الكواء والكواء بفتح الكاف وتشديد الواو مع المد وكان من أصحاب
علي لكنه كان كثير التعنت في السؤال وقد وقع في رواية زيد بن أبي أنيسة عن الحكم بسند
حديث الباب فقال ابن الكواء ولا ليلة صفين فقال ويحك ما أكثر ما تعنتني لقد أدركتها من السحر
وفي رواية علي بن أعبد ما تركتهن منذ سمعتهن الا ليله صفين فإني ذكرتها من آخر الليل فقلتها
وفي رواية له وهي عند جعفر أيضا في الذكر الا ليلة صفين فاني أنسيتها حتى ذكرتها من آخر الليل
وفي رواية شبث بن ربعي مثله وزاد فقلتها ولا اختلاف فإنه نفى أن يكون قالها أول الليل وأثبت انه
قالها في آخره وأما الاختلاف في تسمية السائل فلا يؤثر لأنه محمول على التعدد بدليل قوله في
الرواية الأخرى فقالوا وفي هذا تعقب على الكرماني حيث فهم من قول علي ولا ليلة صفين
انه قالها من الليل فقال مراده انه لم يشتغل مع ما كان فيه من الشغل بالحرب عن قول الذكر
المشار إليه فان في قول علي فأنسيتها التصريح بأنه نسيها أول الليل وقالها في آخره والمراد بليلة
صفين الحرب التي كانت بين علي ومعاوية بصفين وهي بلد معروف بين العراق والشام وأقام
الفريقان بها عدة أشهر وكانت بينهم وقعات كثيرة لكن لم يقاتلوا في الليل إلا مرة واحدة وهي
104

ليلة الهرير بوزن عظيم سميت بذلك لكثرة ما كان الفرسان يهرون فيها وقتل بين الفريقين تلك
الليلة عدة آلاف وأصبحوا وقد أشرف علي وأصحابه على النصر فرفع معاوية وأصحابه المصاحف
فكان ما كان من الاتفاق على التحكيم وانصراف كل منهم إلى بلاده واستفدنا من هذه الزيادة
ان تحديث على بذلك كان بعد وقعة صفين بمدة وكانت صفين سنة سبع وثلاثين وخرج
الخوارج على علي عقب التحكيم في أول سنة ثمان وثلاثين وقتلهم بالنهروان وكل ذلك مشهور
مبسوط في تاريخ الطبري وغيره (فائدة) زاد أبو هريرة في هذه القصة مع الذكر المأثور دعاء
آخر ولفظه عند الطبري في تهذيبه من طريق الأعمش عن أبي صالح عنه جاءت فاطمة إلى النبي
صلى الله عليه وسلم تسأله خادما فقال ألا أدلك على ما هو خير من خادم تسبحين فذكره وزاد وتقولين
اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شئ منزل التوراة والإنجيل
والزبور والفرقان أعوذ بك من شر كل ذي شر ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها أنت الأول
فليس قبلك شئ وأنت الاخر فليس بعدك شئ وأنت الظاهر فليس فوقك شئ وأنت الباطن
فليس دونك شئ اقض عني الدين واغنني من الفقر وقد أخرجه مسلم من طريق سهيل بن أبي
صالح عن أبيه لكن فرقه حديثين وأخرجه الترمذي من طريق الأعمش لكن اقتصر على
الذكر الثاني ولم يذكر التسبيح وما معه (قوله وعن شعبة عن خالد) هو الحذاء (عن ابن سيرين) هو
محمد (قال التسبيح أربع وثلاثون) هذا موقوف علي ابن سيرين وهو موصول بسند حديث الباب
وظن بعضهم أنه من رواية ابن سيرين بسنده إلى علي وأنه ليس من كلامه وذلك أن الترمذي
والنسائي وابن حبان أخرجوا الحديث المذكور من طريق ابن عون عن ابن سيرين عن عبيدة بن
عمرو عن علي لكن الذي ظهر لي أنه من قول ابن سيرين موقوف عليه إذ لم يتعرض المصنف
لطريق ابن سيرين عن عبيدة وأيضا فإنه ليس في روايته عن عبيدة تعيين عدد التسبيح وقد
أخرجه القاضي يوسف في كتاب الذكر عن سليمان بن حرب شيخ البخاري فيه بسنده هذا إلى ابن
سيرين من قوله فثبت ما قلته ولله الحمد ووقع في مرسل عروة عند جعفر أن التحميد أربع
واتفاق الرواة على أن الأربع للتكبير أرجح قال ابن بطال هذا نوع من الذكر عند النوم ويمكن
أن يكون صلى الله عليه وسلم كان يقول جميع ذلك عند النوم وأشار لامته بالاكتفاء ببعضها
اعلاما منه أن معناه الحض والندب لا الوجوب وقال عياض جاءت عن النبي صلى الله عليه
وسلم أذكار عند النوم مختلفة بحسب الأحوال والاشخاص والأوقات وفي كل فضل قال ابن
بطال وفي هذا الحديث حجة لمن فضل الفقر على الغنا لقوله ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم
فعلمهما الذكر فلو كان الغنا أفضل من الفقر لأعطاهما الخادم وعلمهما الذكر فلما منعهما الخادم
وقصرهما على الذكر علم أنه انما اختار لهما الأفضل عند الله (قلت) وهذا انما يتم أن لو كان عنده
صلى الله عليه وسلم من الخدام فضلة وقد صرح في الخبر أنه كان محتاجا إلى بيع ذلك الرقيق
لنفقته على أهل الصفة ومن ثم قال عياض لا وجه لمن استدل به على أن الفقير أفضل من الغني
وقد اختلف في معنى الخيرية في الخبر فقال عياض ظاهره أنه أراد أن يعلمهما أن عمل الآخرة
أفضل من أمور الدنيا على كل حال وانما اقتصر على ذلك لما لم يمكنه إعطاء الخادم ثم علمهما إذ
فاتهما ما طلباه ذكرا يحصل لهما أجرا أفضل مما سألاه وقال القرطبي انما أحالهما على الذكر
105

ليكون عوضا عن الدعاء عند الحاجة أو لكونه أحب لابنته ما أحب لنفسه من إيثار الفقر
وتحمل شدته بالصبر عليه تعظيما لأجرها وقال المهلب علم صلى الله عليه وسلم ابنته من الذكر ما هو
أكثر نفعا لها في الآخرة وآثر أهل الصفة لانهم كانوا وقفوا أنفسهم لسماع العلم وضبط السنة
على شبع بطونهم لا يرغبون في كسب مال ولا في عيال ولكنهم اشتروا أنفسهم من الله بالقوت
ويؤخذ منه تقديم طلبة العلم على غيرهم في الخمس وفيه ما كان عليه السلف الصالح من شطف
العيش وقلة الشئ وشدة الحال وان الله حماهم الدنيا مع إمكان ذلك صيانة لهم من تبعاتها وتلك
سنة أكثر الأنبياء والأولياء وقال إسماعيل القاضي في هذا الحديث ان للامام ان يقسم الخمس
حيث رأى لان السبي لا يكون الا من الخمس وأما الأربعة أخماس فهو حق الغانمين انتهى وهو
قول مالك وجماعة وذهب الشافعي وجماعة إلى أن لآل البيت سهما من الخمس وقد تقدم بسط
ذلك في فرض الخمس في أواخر الجهاد ثم وجدت في تهذيب الطبري من وجه آخر ما لعله يعكر
على ذلك فساق من طريق أبي أمامة الباهلي عن علي قال أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم
رقيق أهداهم له بعض ملوك الأعاجم فقلت لفاطمة ائت أباك فاستخدميه فلو صح هذا لازال
الاشكال من أصله لأنه حينئذ لا يكون للغانمين فيه شئ وانما هو من مال المصالح يصرفه الامام
حيث يراه وقال المهلب فيه حمل الانسان أهله على ما يحمل عليه نفسه من إيثار الآخرة على
الدنيا إذا كانت لهم قدرة على ذلك قال وفيه جواز دخول الرجل على ابنته وزوجها بغير
استئذان وجلوسه بينهما في فراشهما ومباشرة قدميه بعض جسدهما (قلت) وفي قوله بغير
استئذان نظر لأنه ثبت في بعض طرقه انه استأذن كما قدمته من رواية عطاء عن مجاهد في الذكر
لجعفر وأصله عند مسلم وهو في العلل للدارقطني أيضا بطوله وأخرج الطبري في تهذيبه من
طريق أبي مريم سمعت عليا يقول أن فاطمة كانت تدق الدرمك بين حجرين حتى مجلت يداها
فذكر الحديث وفيه فأتانا وقد دخلنا فراشنا فلما استأذن علينا تخششنا لنلبس علينا ثيابنا فلما
سمع ذلك قال كما أنتما في لحافكما ودفع بعضهم الاستدلال المذكور لعصمته صلى الله عليه وسلم
فلا يلحق به غيره ممن ليس بمعصوم وفي الحديث منقبة ظاهرة لعلي وفاطمة عليهما السلام وفيه
بيان إظهار غاية التعطف والشفقة عل البنت والصهر ونهاية الاتحاد برفع الحشمة والحجاب
حيث لم يزعجهما عن مكانهما فتركهما على حالة اضطجاعهما وبالغ حتى أدخل رجله بينهما
ومكث بينهما حتى علمها ما هو الأولى بحالهما من الذكر عوضا عما طلباه من الخادم فهو من
باب تلقي المخاطب بغير ما يطلب ايذانا بأن الأهم من المطلوب هو التزود للمعاد والصبر على مشاق
الدنيا والتجافي عن دار الغرور وقال الطيبي فيه دلالة على مكانة أم المؤمنين من النبي صلى الله
عليه وسلم حيث خصتها فاطمة بالسفارة بينها وبين أبيها دون سائر الأزواج (قلت) ويحتمل انها لم
ترد التخصيص بل الظاهر أنها قصدت أباها في يوم عائشة في بيتها فلما لم تجده ذكرت حاجتها لعائشة
ولو اتفق انه كان يوم غيرها من الأزواج لذكرت لها ذلك وقد تقدم أن في بعض طرقه ان أم سلمة
ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك أيضا فيحتمل ان فاطمة لما لم تجده في بيت عائشة مرت على
بيت أم سلمة فذكرت لها ذلك ويحتمل ان يكون تخصيص هاتين من الأزواج لكون باقيهن كن
حزبين كل حزب يتبع واحدة من هاتين كما تقدم صريحا في كتاب الهبة وفيه أن من واظب على
106

هذا الذكر عند النوم لم يصبه اعياء لان فاطمة شكت التعب من العمل فأحالها صلى الله عليه
وسلم على ذلك كذا افاده ابن تيمية وفيه نظر ولا يتعين رفع التعب بل يحتمل ان يكون من واظب
عليه لا يتضرر بكثرة العمل ولا يشق عليه ولو حصل له التعب والله أعلم (قوله باب
التعوذ والقراءة عند النوم) ذكر فيه حديث عائشة في قراءة المعوذات وقد تقدم شرحه في كتاب
الطب وبينت اختلاف الرواة في أنه كان يقول ذلك دائما أو بقيد الشكوى وانه ثبت عن عائشة
انه يفيد الأمران معالما في رواية عقيل عن الزهري بلفظ كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة وبينت
فيه أن المراد بالمعوذات الاخلاص والفلق والناس وان ذلك وقع صريحا في رواية عقيل
المذكورة وانها تعين أحد الاحتمالات الماضي ذكرها ثمة وفيها كيفية مسح جسده بيديه وقد
ورد في القراءة عند النوم عدة أحاديث صحيحه منها حديث أبي هريرة في قراءة آية الكرسي وقد
تقدم في الوكالة وغيرها وحديث ابن مسعود الآيتان من آخر سورة البقرة وقد تقدم في
فضائل القرآن وحديث فروة بن نوفل عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنوفل اقرأ قل
يا أيها الكافرون في كل ليلة ونم على خاتمتها فإنها براءة من الشرك أخرجه أصحاب السنن الثلاثة
وابن حبان والحاكم وحديث العرباض بن سارية كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ المسبحات
قبل ان يرقد ويقول فيهن آية خير من الف آية أخرجه الثلاثة وحديث جابر رفعه كان لا ينام حتى
يقرأ ألم تنزيل وتبارك أخرجه البخاري في الأدب المفرد وحديث شداد بن أوس رفعه ما من امرئ
مسلم يأخذ مضجعه فيقرأ سورة من كتاب الله الا بعث الله ملكا يحفظه من كل شئ يؤذيه حتى
يهب أخرجه أحمد والترمذي وورد في التعوذ أيضا عدة أحاديث منها حديث أبي صالح عن رجل
من أسلم رفعه لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق لم يضرك شئ وفيه
قصة ومنهم من قال عن أبي صالح عن أبي هريرة أخرجه أبو داود وصححه الحاكم وحديث أبي
هريرة كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا أخذ أحدنا مضجعه أن يقول اللهم رب السماوات
ورب الأرض الحديث وفي لفظ اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل
شئ ومليكه أشهد ان لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان الرجيم وشركه
أخرجه أبو داود والترمذي وحديث علي رفعه كان يقول عند مضجعه اللهم إني أعوذ بوجهك
الكريم وكلماتك التامات من شر كل شئ أنت آخذ بناصيته أخرجه أبو داود والنسائي قال ابن
بطال في حديث عائشة رد على من منع استعمال العوذ والرقي الا بعد وقوع المرض انتهى وقد
تقدم تقرير ذلك والبحث فيه في كتاب الطب (قوله باب كذا للأكثر بغير ترجمة وسقط
لبعضهم وعليه شرح ابن بطال ومن تبعه والراجح إثباته ومناسبته لما قبله عموم الذكر عند النوم
وعلى اسقاطه فهو كالفصل من الباب الذي قبله لان في الحديث معنى التعويذ وان لم يكن بلفظه
(قوله زهير) هو ابن معاوية أبو خيثمة الجعفي وعبيد الله بن عمر هو العمري وهو تابعي صغير وشيخه
تابعي وسط وأبوه تابعي كبير ففيه ثلاثة من التابعين في نسق مدنيون (قوله إذا أوى) بالقصر
وقد تقدم بيانه قريبا (قوله فلينفض فراشه بداخلة إزاره) كذا للأكثر وفي رواية أبي زيد
المروزي بداخل بلا هاء ووقع في رواية مالك الآتية في التوحيد بصنفه ثوبه وكذا للطبراني من
وجه آخر وهي بفتح الصاد المهملة وكسر النون بعدها فاء هي الحاشية التي تلي الجلد والمراد
107

بالداخلة طرف الازار الذي يلي الجسد قال مالك داخلة الازار ما يلي داخل الجسد منه ووقع
في رواية عبدة بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عند مسلم فليحل داخلة إزاره فلينفض بها فراشه
وفي رواية يحيى القطان كما سيأتي فلينزع وقال عياض داخلة الازار في هذا الحديث طرفه
وداخلة الازار في حديث الذي أصيب بالعين ما يليها من الجسد وقيل كنى بها عن الذكر وقيل عن
الورك وحكى بعضهم أنه على ظاهره وأنه أمر بغسل طرف ثوبه والأول هو الصواب وقال
القرطبي في المفهم حكمة هذا النفض قد ذكرت في الحديث وأما اختصاص النفض بداخلة
الازار فلم يظهر لنا ويقع لي أن في ذلك خاصية طبية تمنع من قرب بعض الحيوانات كما أمر بذلك
العائن ويؤيده ما وقع في بعض طرقه فلينفض بها ثلاثا فحذا بها حذو الرقي في التكرير انتهى
وقد أبدى غيره حكمة ذلك وأشار الداودي فيما نقله ابن التين إلى أن الحكمة في ذلك أن الازار يستر
بالثياب فيتوارى بما يناله من الوسخ فلو نال ذلك بكمه صار غير لدن الثوب والله يحب إذا عمل
العبد عملا أن يحسنه وقال صاحب النهاية انما أمر بداخلته دون خارجته لان المؤتزر يأخذ
طرفي إزاره بيمينه وشماله ويلصق ما بشماله وهو الطرف الداخل على جسده ويضع ما بيمينه
فوق الأخرى فمتى عاجلة أمر أو خشي سقوط إزاره أمسكه بشماله ودفع عن نفسه بيمينه فإذا
صار إلى فراشه فحل إزاره فإنه يحل بيمينه خارج الازار وتبقى الداخلة معلقة وبها يقع النفض
وقال البيضاوي انما أمر بالنفض بها لان الذي يريد النوم يحل بيمينه خارج الازار وتبقى
الداخلة معلقة فينفض بها وأشار الكرماني إلى أن الحكمة فيه أن تكون يده حين النفض
مستورة لئلا يكون هناك شئ فيحصل في يده ما يكره انتهى وهي حكمة النفض بطرف الثوب
دون اليد لا خصوص الداخلة (قوله فإنه لا يدري ما خلفه عليه) بتخفيف اللام أي حدث بعده
فيه وهي رواية ابن عجلان عند الترمذي وفي رواية عبدة فإنه لا يدري من خلفه في فراشه وزاد في
روايته ثم ليضطجع على شقه الأيمن وفي رواية يحيى القطان ثم ليتوسد بيمينه ووقع في رواية أبي
ضمرة في الأدب المفرد وليسم الله فإنه لا يعلم ما خلفه بعده على فراشه أي ما صار بعده خلفا وبدلا
عنه إذا غاب قال الطيبي معناه لا يدري ما وقع في فراشه بعد ما خرج منه من تراب أو قذاة أو هوام
(قوله ثم يقول باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه) في رواية عبدة ثم ليقل بصيغة الامر وفي
رواية يحيى القطان اللهم باسمك وفي رواية أبي ضمرة ثم يقول سبحانك ربي وضعت جنبي (قوله إن
أمسكت) في رواية يحيى القطان اللهم ان أمسكت وفي رواية ابن عجلان اللهم فان أمسكت
وفي رواية عبدة فان احتبست (قوله فارحمها) في رواية مالك فاغفر لها وكذا في رواية ابن
عجلان عند الترمذي قال الكرماني الامساك كناية عن الموت فالرحمة أو المغفرة تناسبه والارسال
كناية عن استمرار البقاء والحفظ يناسبه قال الطيبي هذا الحديث موافق لقوله تعالى الله يتوفى
الأنفس حين موتها الآية (قلت) ووقع التصريح بالموت والحياة في رواية عبد الله بن الحارث
عن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا إذا أخذ مضجعه أن يقول
اللهم أنت خلقت نفسي وأنت تتوفاها لك مماتها ومحياها ان أحييتها فاحفظها وان أمتها فاغفر
لها أخرجه النسائي وصححه ابن حبان (قوله بما تحفظ به عبادك الصالحين) قال الطيبي
هذه الباء هي مثل الباء في قولك كتبت بالقلم وما مبهمة وبيانها ما دلت عليه صلتها وزاد ابن عجلان
108

عند الترمذي في آخره شيئا لم أره عند غيره وهو قوله وإذا استيقظ فليقل الحمد لله الذي عافاني
في جسدي ورد إلي روحي وهو يشير إلى ما ذكره الكرماني وقد نقلت قول الزجاج في ذلك في
أواخر الكلام على حديث البراء فيما مضى قريبا وكذلك كلام الطيبي قال ابن بطال في هذا
الحديث أدب عظيم وقد ذكر حكمته في الخبر وهو خشية أن يأوي إلى فراشه بعض الهوام
الضارة فتؤذيه وقال القرطبي يؤخذ من هذا الحديث انه ينبغي لمن أراد المنام أن يمسح فراشه
لاحتمال أن يكون فيه شئ يخفى من رطوبة أو غيرها وقال ابن العربي هذا من الحذر ومن
النظر في أسباب دفع سوء القدر أو هو من الحديث الاخر اعقلها وتوكل (قلت) ومما ورد
ما يقال عند النوم حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال الحمد لله
الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي أخرجه مسلم والثلاثة ولأبي
داود من حديث ابن عمر نحوه وزاد والذي من علي فأفضل والذي أعطاني فأجزل ولأبي داود
والنسائي من حديث علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند مضجعه اللهم إني
أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامة من شر ما أنت آخذ بناصيته اللهم أنت تكشف المأثم
والمغرم اللهم لا يهزم جندك ولا يخلف وعدك ولا ينفع ذا الجد منك الجد سبحانك وبحمدك
ولأبي داود من حديث أبي الأزهر الأنماري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أخذ
مضجعه من الليل بسم الله وضعت جنبي اللهم اغفر لي ذنبي وأخسأ شيطاني وفك رهاني واجعلني
في النداء الاعلى وصححه الحاكم والترمذي وحسنه من حديث أبي سعيد رفعه من قال حين
يأوي إلى فراشه أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب ثلاث مرات غفرت له ذنوبه
وإن كانت مثل زيد البحر وإن كانت عدد رمل عالج وإن كانت عدد أيام الدنيا ولأبي داود
والنسائي من حديث حفصة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد ان يرقد وضع يده
اليمنى تحت خده ثم يقول اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك ثلاثا وأخرجه الترمذي من
حديث البراء وحسنه ومن حديث حذيفة وصححه (قوله تابعه أبو ضمرة وإسماعيل بن زكريا عن
عبيد الله) هو ابن عمر المذكور في الاسناد وأبو ضمرة هو أنس بن عياض ومراده انهما تابعا
زهير بن معاوية في إدخال الواسطة بين سعيد المقبري وأبي هريرة فأما متابعة أبي ضمرة فوصلها
مسلم والبخاري في الأدب المفرد وأما متابعة إسماعيل بن زكريا فوصلها الحارث بن أبي سلمة عن
يونس بن محمد عنه كذا رأيته في شرح مغلطاي وكنت وقفت عليها في الأوسط للطبراني وأوردتها
منبه في تعليق التعليق ثم خفي على مكانها الآن ووقع عند أبي نعيم في المستخرج هنا وعبدة
وهو ابن سليمان ولم أرها لغيره فإن كانت ثابتة فإنها عند مسلم موصولة وقد ذكر الإسماعيلي
ان الأكثر لم يقولوا في السند عن أبيه وان عبد الله بن رجاء رواه عن إسماعيل بن أمية وعبيد الله
ابن عمر عن سعيد عن أبيه أو عن أخيه عن أبي هريرة ثم ساقه بسنده إليه وهذا الشك لا تأثير له
لاتفاق الجماعة على أنه ليس لاخي سعيد فيه ذكر واسم أخي سعيد المذكور عباد وذكر الدارقطني
ان أبا بدر شجاع بن الوليد والحسن بن صالح وهريم وهو بالراء المهملة مصغر ابن سفيان وجعفر
ابن زياد وخالد بن حميد تابعوا زهير بن معاوية في قوله فيه عن أبيه (قوله وقال يحيى بن سعيد) هو
القطان (وبشر بن المفضل عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم)
109

أما رواية يحيى القطان فوصلها النسائي وأما رواية بشر بن المفضل فأخرجها مسدد في مسنده
الكبير عنه وذكر الدارقطني أن هشام بن حسان ومعتمر بن سليمان و عبد الله بن كثير رووه عن
عبيد الله بن عمر كذلك وكذا ذكر الإسماعيلي أن عبد الله بن نمير والطبراني ان معتمر بن سليمان
ويحيى بن سعيد الأموي وأبا أسامة رووه كلهم عن عبيد الله بن عمر كذلك وأشار البخاري
بقوله عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن بعضهم رواه عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة
موقوفا منهم هشام بن حسان والحمادان وابن المبارك وبشر بن المفضل ذكره الدارقطني (قلت)
فلعله اختلف على بشر في وقفه ورفعه وكذا على هشام بن حسان ورواية ابن المبارك وصلها
النسائي موقوفة (قوله ورواه مالك وابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم) أما رواية مالك فوصلها المصنف في كتاب التوحيد عن عبد العزيز بن
عبد الله الأوسي عنه وقصر مغلطاي فعزاها لتخريج الدارقطني في غرائب مالك مع وجودها
في الصحيح الذي شرحه وتبعه شيخنا ابن الملقن وقد ذكر المصنف في التوحيد أكثر هذه
التعاليق المذكورة هنا أيضا عقب رواية مالك ولما ذكر الدارقطني حديث مالك المذكور قال
هذا حديث غريب لا أعلم أسنده عن مالك الا الأويسي ورواه إبراهيم بن طهمان عن مالك عن
سعيد مرسلا وأما رواية محمد بن عجلان فوصلها أحمد عنه ووصلها أيضا الترمذي والنسائي
والطبراني في الدعاء من طرق عنه وقد ذكرت الزيادة التي عند الترمذي فيه قبل (تنبيه) قال
الكرماني عبر أولا بقوله تابعه ثم بقوله وقال لأنهما للتحمل وعبر بقوله رواه لأنها تستعمل عند
المذاكرة (قلت) وهذا ليس بمطرد لما بينت انه وصل رواية مالك في كتاب التوحيد بصيغة التحمل
وهي حدثنا لا بصيغة المذاكرة كقال وروى أن سلمنا أن ذلك للمذاكرة والله أعلم (قوله
باب الدعاء نصف الليل) أي بيان فضل الدعاء في ذلك الوقت على غيره إلى طلوع الفجر
قال ابن بطال هو وقت شريف خصه الله بالتنزيل فيه فيتفضل على عباده بإجابة دعائهم
واعطاء سؤلهم وغفران ذنوبهم وهو وقت غفلة وخلوة واستغراق في النوم واستلذاذ له
ومفارقة اللذة والدعة صعب لا سيما أهل الرفاهية وفي زمن البرد وكذا أهل التعب ولا سيما في
قصر الليل فمن آثر القيام لمناجاة ربه والتضرع إليه مع ذلك دل على خلوص نيته وصحة رغبته
فيما عند ربه فلذلك نبه الله عباده على الدعاء في هذا الوقت الذي تخلو فيه النفس من خواطر
الدنيا وعلقها ليستشعر العبد الجد والاخلاص لربه (قوله يتنزل ربنا) كذا للأكثر هنا بوزن
يتفعل مشددا وللنسفي والكشميهني ينزل بفتح أوله وسكون ثانيه وكسر الزاي (قوله حين يبقى
ثلث الليل) قال ابن بطال ترجم بنصف الليل وساق في الحديث ان التنزل يقع ثلث الليل لكن
المصنف عول على ما في الآية وهي قوله تعالى قم الليل الا قليلا نصفه أو انقص منه فأخذ
الترجمة من دليل القرآن وذكر النصف فيه يدل على تأكيد المحافظة على وقت التنزل قبل
دخوله ليأتي وقت الإجابة والعبد مرتقب له مستعد للقائه وقال الكرماني لفظ الخبر حين يبقى
ثلث الليل وذلك يقع في النصف الثاني انتهى والذي يظهر لي أن البخاري جرى على عادته فأشار
إلى الرواية التي وردت بلفظ النصف فقد أخرجه أحمد عن يزيد بن هارون عن محمد بن عمر وعن
أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ ينزل الله إلى السماء الدنيا نصف الليل الأخير أو ثلث الليل الاخر
110

وأخرجه الدارقطني في كتاب الرؤيا من رواية عبيد الله العمري عن سعيد المقبري عن أبي
هريرة نحوه ومن طريق حبيب بن أبي ثابت عن الأغر عن أبي هريرة بلفظ شطر الليل من غير تردد
وسأستوعب ألفاظه في التوحيد إن شاء الله تعالى وقال أيضا النزول محال على الله لان حقيقته
الحركة من جهة العلو إلى السفل وقد دلت البراهين القاطعة على تنزيهه على ذلك فليتأول ذلك
بأن المراد نزول ملك الرحمة ونحوه أو يفوض مع اعتقاد التنزيه وقد تقدم شرح الحديث في
الصلاة في باب الدعاء في الصلاة من آخر الليل من أبواب التهجد ويأتي ما بقي منه في كتاب
التوحيد إن شاء الله تعالى (قوله باب الدعاء عند الخلاء) أي عند إرادة الدخول ذكر
فيه حديث أنس وقد تقدم شرحه في كتاب الطهارة وفيه ذكر من رواه بلفظ إذا أراد أن يدخل
(قوله باب ما يقول إذا أصبح) ذكر فيه ثلاثة أحاديث * أحدها حديث شداد بن
أوس وقد تقدم شرحه قريبا في باب أفضل الاستغفار * ثانيها حديث حذيفة وقد تقدم شرحه
بعد ذلك في باب ما يقول إذا نام * ثالثها حديث أبي ذر وهو بلفظ حذيفة سواء من مخرجه فإنه
من طريق أبي حمزة وهو السكري عن منصور وهو ابن المعتمر عن ربعي بن حراش عن خرشة بفتح
المعجمة والراء ثم شين معجمة ثم هاء تأنيث ابن الحر بضم المهملة ضد العبد عن أبي ذر وحديث
حذيفة هو من طريق عبد الملك بن عمير عن ربعي عنه فكأنه وضح للبخاري ان لربعي فيه طريقين
وكان مسلما أعرض عن حديث أبي ذر من أجل هذا الاختلاف وقد وافق أبا حمزة على هذا
الاسناد شيبان النحوي أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في المستخرجين من طريقه وهذا الموضع
مما كان للدارقطني ذكره في التتبع وقد ورد فيما يقال عند الصباح عدة أحاديث منها حديث
أنس رفعه من قال حين يصبح اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك
وجميع خلقك انك أنت الله لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك أعتق الله ربعه من النار
ومن قالها مرتين أعتق الله نصفه من النار الحديث رواه الثلاثة وحسنه الترمذي وحديث أبي
سلام عمن خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم رفعه من قال إذا أصبح وإذا أمسى رضيت بالله
ربا وبالاسلام دينا وبمحمد رسولا الا كان حقا على الله أن يرضيه أخرجه أبو داود وسنده قوي
وهو عند الترمذي بنحوه من حديث ثوبان بسند ضعيف وحديث عبد الله بن غنام البياضي
رفعه من قال حين يصبح اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك
فلك الحمد ولك الشكر فقد أدى شكر يومه الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن
حبان وحديث أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة ما منعك أن تسمعي ما أوصيك به أن
تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى
نفسي طرفة عين أخرجه النسائي والبزار (قوله باب الدعاء في الصلاة) ذكر فيه ثلاثة
أحاديث * وهي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي بكر الصديق أنه قال للنبي صلى الله
111

عليه وسلم علمني دعاء أدعو به في صلاتي وقد تقدم الكلام عليه في باب الدعاء قبيل السلام في أواخر
صفة الصلاة قبيل كتاب الجمعة بما فيه كفاية (قوله وقال عمرو) هو ابن الحارث (عن يزيد) هو ابن أبي
حبيب وهو المذكور في السند الأول وأبو الخير هو مرثد بفتح الميم والمثلثة بينهما راء مهملة (قوله
قال أبو بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم) وصله في التوحيد من رواية عبد الله بن
وهب عن عمرو بن الحارث ولفظه ان أبا بكر قال يا رسول الله وقد بينت ذلك في شرحه قال الطبري
في حديث أبي بكر دلالة على رد قول من زعم أنه لا يستحق اسم الايمان الا من لا خطيئة له ولا
ذنب لان الصديق من أكبر أهل الايمان وقد علمه النبي صلى الله عليه وسلم يقول اني ظلمت نفسي
ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب الا أنت وقال الكرماني هذا الدعاء من الجوامع لان فيه الاعتراف
بغاية التقصير وطلب غاية الانعام فالمغفرة ستر الذنوب ومحوها والرحمة إيصال الخيرات ففي الأول
طلب الزحزحة عن النار وفي الثاني طلب إدخال الجنة وهذا هو الفوز العظيم وقال ابن أبي جمرة
ما ملخصه في الحديث مشروعية الدعاء في الصلاة وفضل الدعاء المذكور على غيره وطلب التعليم
من الأعلى وإن كان الطالب يعرف ذلك النوع وخص الدعاء بالصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم
أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وفيه أن المرء ينظر في عبادته إلى الا رفع فيتسبب في
تحصيله وفي تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر هذا الدعاء إشارة إلى إيثار أمر الآخرة على
أمر الدنيا ولعله فهم ذلك من حال أبي بكر وايثار أمر الآخرة قال وفي قوله ظلمت نفسي ظلما كثيرا
ولا يغفر الذنوب الا أنت أي ليس لي حيلة في دفعه فهي حالة افتقار فأشبه حال المضطر الموعود
بالإجابة وفيه هضم النفس والاعتراف بالتقصير وتقدمت بقية فوائده هناك * وحديث عائشة
في قوله تعالى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها قال أنزلت في الدعاء وقد تقدم شرحه في تفسير
سبحان وعلى شيخه هو ابن سلمة كما أشرت إليه في تفسير المائدة * وحديث عبد الله وهو ابن مسعود
في التشهد وقد تقدم شرحه في أواخر صفة الصلاة وأخذ الترجمة من هذه الأحاديث الا أن
الأول نص في المطلوب والثاني يستفاد منه صفة من صفات الداعي وهي عدم الجهر والخافتة
فيسمع نفسه ولا يسمع غيره وقيل للدعاء صلاة لأنها لا تكون الا بدعاء فهو من تسمية بعض الشئ
باسم كله * والثالث فيه الامر بالدعاء في التشهد وهو من جملة الصلاة والمراد بالثناء الدعاء فقد
تقدم في باب التشهد بلفظ فليتخير من الدعاء ما شاء وقد ورد الامر بالدعاء في السجود في حديث أبي
هريرة رفعه أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء وورد الامر أيضا بالدعاء
في التشهد في حديث أبي هريرة وفي حديث فضالة بن عبيد عند أبي داود والترمذي وصححه وفيه
أنه أمر رجلا بعد التشهد أن يثني على الله بما هو أهله ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع
بما شاء ومحصل ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من المواضع التي كان يدعو فيها داخل الصلاة
ستة مواطن الأول عقب تكبيرة الاحرام ففيه حديث أبي هريرة في الصحيحين اللهم باعد بيني
وبين خطاياي الحديث الثاني في الاعتدال ففيه حديث ابن أبي أوفى عند مسلم أنه كان يقول
بعد قوله من شئ بعد اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد الثالث في الركوع وفيه حديث
عائشة كان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي أخرجاه
الرابع في السجود وهو أكثر ما كان يدعو فيه وقد أمر به فيه الخامس بين السجدتين اللهم
112

اغفر لي السادس في التشهد وسيأتي وكان أيضا يدعو في القنوت وفي حال القراءة إذا مر بآية
رحمة سأل وإذا مر بآية عذاب استعاذ (قوله باب الدعاء بعد الصلاة) أي المكتوبة
وفي هذه الترجمة رد على من زعم أن الدعاء بعد الصلاة لا يشرع متمسكا بالحديث الذي أخرجه
مسلم من رواية عبد الله بن الحارث عن عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم لا يثبت الا قدر
ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والاكرام والجواب أن المراد بالنفي
المذكور نفي استمراره جالسا على هيئته قبل السلام الا بقدر أن يقول ما ذكر فقد ثبت انه كان
إذا صلى أقبل على أصحابه فيحمل ما ورد من الدعاء بعد الصلاة على أنه كان يقوله بعد أن يقبل
بوجهه على أصحابه قال ابن القيم في الهدي النبوي وأما الدعاء بعد السلام من الصلاة مستقبل
القبلة سواء الامام والمنفرد والمأموم فلم يكن ذلك من هدى النبي صلى الله عليه وسلم أصلا ولا
روى عنه بإسناد صحيح ولا حسن وخص بعضهم ذلك بصلاتي الفجر والعصر ولم يفعله النبي صلى
الله عليه وسلم ولا الخلفاء بعد ولا أرشد إليه أمته وانما هو استحسان رآه من رآه عوضا من
السنة بعدهما قال وعامة الأدعية المتعلقة بالصلاة انما فعلها فيها وأمر بها فيها قال وهذا اللائق
بحال المصلى فإنه مقبل على ربه مناجيه فإذا سلم منها انقطعت لمناجاة وانتهى موقفه وقربه
فكيف يترك سؤاله في حال مناجاته والقرب منه وهو مقبل عليه ثم يسأل إذا انصرف عنه ثم
قال لكن الاذكار الواردة بعد المكتوبة يستحب لمن أتى بها ان يصلى على النبي صلى الله عليه
وسلم بعد أن يفرغ منها ويدعو بما شاء ويكون دعاؤه عقب هذه العبادة الثانية وهي الذكر
لا لكونه دبر المكتوبة (قلت) وما ادعاه من النفي مطلقا مردود فقد ثبت عن معاذ بن جبل أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا معاذ اني والله لأحبك فلا تدع دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعني
على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم
وحديث أبي بكرة في قول اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر كان النبي صلى الله
عليه وسلم يدعو بهن دبر كل صلاة أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وصححه الحاكم وحديث
سعد الآتي في باب التعوذ من البخل قريبا فإن في بعض طرقه المطلوب وحديث زيد بن أرقم
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في دبر كل صلاة اللهم ربنا ورب كل شئ الحديث
أخرجه أبو داود والنسائي وحديث صهيب رفعه كان يقول إذا انصرف من الصلاة اللهم أصلح
لي ديني الحديث أخرجه النسائي وصححه ابن حبان وغير ذلك فان قيل المراد بدبر كل صلاة قرب
آخرها وهو التشهد قلنا قد ورد الامر بالذكر دبر كل صلاة والمراد به بعد السلام إجماعا فكذا
هذا حتى يثبت ما يخالفه وقد أخرج الترمذي من حديث أبي أمامة قيل يا رسول الله أي الدعاء
اسمع قال جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبات وقال حسن وأخرج الطبري من رواية
جعفر بن محمد الصادق قال الدعاء بعد المكتوبة أفضل من الدعاء بعد النافلة كفضل المكتوبة
على النافلة وفهم كثير ممن لقيناه من الحنابلة أن مراد ابن القيم نفي الدعاء بعد الصلاة مطلقا
وليس كذلك فان حاصل كلامه أنه نفاه بقيد استمرار استقبال المصلي القبلة وايراده بعد السلام
وأما إذا انتقل بوجهه أو قدم الاذكار المشروعة فلا يمتنع عنده الاتيان بالدعاء حينئذ ثم ذكر
المصنف حديث أبي هريرة في التسبيح بعد الصلاة وحديث المغيرة في قول لا إله إلا الله وحده
113

لا شريك له وقد ترجم في أواخر الصلاة باب الذكر بعد التشهد وأورد فيه هذين الحديثين
وتقدم شرحهما هناك مستوفى ومناسبة هذه الترجمة لهما أن الذاكر يحصل له ما يحصل للداعي
إذا شغله الذكر عن الطلب كما في حديث ابن عمر رفعه يقول الله تعالى من شغله ذكري عن مسئلتي
أعطيته أفضل ما أعطي السائلين أخرجه الطبراني بسند لين وحديث أبي سعيد بلفظ من شغله
القرآن وذكري عن مسئلتي الحديث أخرجه الترمذي وحسنه وقوله في الحديث الأول
حدثنا إسحاق هو ابن راهويه أو ابن منصور ويزيد هو ابن هارون وورقاء هو ابن عمر اليشكري
وسمى هو مولى أبي صالح (قوله تابعه عبيد الله بن عمر) هو العمري (عن سمي) يعني في إسناده وفي
أصل الحديث لا في العدد المذكور وقد بينت هناك عند شرحه أن ورقاء خالف غيره في قوله
عشرا وان الكل قالوا ثلاثا وثلاثين وان منهم من قال المجموع هذا القدر (قلت) قد ورد بذكر
العشر في حديث عبد الله بن عمرو وجماعة وحديث عبيد الله بن عمر تقدم موصولا هناك
وأغرب الكرماني فقال لما جاء هناك بلفظ الدرجات فقيدها بالعلا وقيد أيضا زيادة في الأعمال
من الصوم والحج والعمرة زاد في عدة الاذكار يعني ولما خلت هذه الرواية من ذلك نقص العدد ثم
قال على أن مفهوم العدد لا اعتبار به انتهى وكلا الجوابين متعقب أما الأول فمخرج الحديثين
واحد وهو من رواية سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة وانما اختلف الرواة عنه في العدد
المذكور وفي الزيادة والنقص فان أمكن الجمع والا فيؤخذ بالراجح فان استووا فالذي حفظ
الزيادة مقدم وأظن سبب الوهم انه وقع في رواية ابن عجلان يسبحون ويكبرون ويحمدون في دبر
كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة فحمله بعضهم على أن العدد المذكور مقسوم على الاذكار الثلاثة
فروى الحديث بلفظ إحدى عشر وألغى بعضهم الكسر فقال عشر والله أعلم وأما الثاني
فمرتب على الأول وهو لائق بما إذا اختلف مخارج الحديث أما إذا اتحد المخرج فهو من تصرف
الرواة فإن أمكن الجمع والا فالترجيح (قوله ورواه ابن عجلان عن سمى ورجاء بن حياة) وصله مسلم
قال حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن عجلان فذكره مقرونا برواية عبيد الله بن عمر كلاهما عن
سمي عن أبي صالح به وفي آخره قال ابن عجلان فحدثت به رجاء بن حياة فحدثني بمثله عن أبي صالح
عن أبي هريرة ووصله الطبراني من طريق حياة بن شريح عن محمد بن عجلان عن رجاء بن حياة
وسمي كلاهما عن أبي صالح به وفيه تسبحون الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمدونه ثلاثا
وثلاثين وتكبرونه أربعا وثلاثين وقال في الأوسط لم يروه عن رجاء الا ابن عجلان (قوله ورواه
جرير) يعني ابن عبد الحميد (عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي الدرداء) وصله أبو يعلى
في مسنده والإسماعيلي عنه عن أبي خيثمة عن جرير ووصله النسائي من حديث جرير بهذا وفيه
مثل ما في رواية ابن عجلان من تربيع التكبير وفي سماع أبي صالح من أبي الدرداء نظر وقد بين
النسائي الاختلاف فيه على عبد العزيز بن رفيع فأخرجه من رواية الثوري عنه عن أبي عمر
الضبي عن أبي الدرداء وكذا رواه شريك عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي عمر لكن زاد أم الدرداء
بين أبي الدرداء وبين أبي عمر أخرجه النسائي أيضا ولم يوافق شريك على هذه الزيادة فقد أخرجه
النسائي أيضا من رواية شعبة عن الحكم عن أبي عمر عن أبي الدرداء ومن رواية زيد بن أبي
أنيسة عن الحكم لكن قال عن عمر الضبي فإن كان اسم أبي عمر عمر اتفقت الروايتان لكن
114

جزم الدارقطني بأنه لا يعرف اسمه فكأنه تحرف على الراوي والله أعلم (قوله ورواه سهيل عن
أبيه عن أبي هريرة) وصله مسلم من رواية روح بن القاسم عن سهيل فساق الحديث بطوله لكن
قال فيه تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين قال سهيل إحدى
عشرة واحدى عشرة واحدى عشرة فذلك كله ثلاث وثلاثون وأخرجه النسائي من رواية
الليث عن ابن عجلان عن سهيل بهذا السند بغير قصة ولفظ آخر قال فيه من قال خلف كل
صلاة ثلاثا وثلاثين تكبيرة وثلاثا وثلاثين تسبيحة وثلاثا وثلاثين تحميدة ويقول لا إله إلا
الله وحده لا شريك له يعني تمام المائة غفرت له خطاياه أخرجه النسائي وأخرجه أيضا من وجه
آخر عن الليث عن ابن عجلان عن سهيل عن عطاء بن يزيد عن بعض الصحابة ومن طريق زيد بن
أبي أنيسة عن سهيل عن أبي عبيد عن عطاء بن يزيد عن أبي هريرة وهذا اختلاف شديد على
سهيل والمعتمد في ذلك رواية سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة والله أعلم ورواية أبي عبيد عن
عطاء بن يزيد عن أبي هريرة أخرجها مالك في الموطأ لكن لم يرفعه وأوردها مسلم من طريق خالد
ابن عبد الله وإسماعيل بن زكريا كلاهما عن سهيل عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك
(قوله في حديث المغيرة جرير) هو ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر (قوله في دبر كل صلاة)
في رواية الحموي والمستملي في دبر صلاته (قوله وقال شعبة عن منصور قال سمعت المسيب يعني
ابن رافع بالسند المذكور وصله أحمد عن محمد بن جعفر حدثنا شعبة به ولفظه ان رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان إذا سلم قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحديث قال ابن بطال في هذه الأحاديث
الحض على الذكر في ادبار الصلوات وان ذلك يوازي انفاق المال في طاعة الله لقوله تدركون به
من سبقكم وسئل الأوزاعي هل الذكر بعد الصلاة أفضل أم تلاوة القرآن فقال ليس شئ يعدل
القرآن ولكن كان هدي السلف الذكر وفيها أن الذكر المذكور يلي الصلاة المكتوبة ولا
يؤخر إلى أن يصلي الراتبة لما تقدم والله أعلم (قوله باب قول الله تبارك وتعالى
وصل عليهم) كذا للجمهور ووقع في بعض النسخ زيادة ان صلواتك سكن لهم واتفقوا على أن
المراد بالصلاة هنا الدعاء وثالث أحاديث الباب يفسر ذلك وتقدم في السورة قريبا من هذه الآية
(قوله تعالى ومن الاعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات
الرسول وفسرت الصلوات هنا أيضا بالدعوات لأنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو لمن يتصدق
(قوله ومن خص أخاه بالدعاء دون نفسه) في هذه الترجمة إشارة إلى رد ما جاء عن ابن عمر أخرج
ابن أبي شيبة والطبري من طريق سعيد بن يسار قال ذكرت رجلا عند ابن عمر فترحمت عليه فلهز
في صدري وقال لي ابدأ بنفسك وعن إبراهيم النخعي كان يقال إذا دعوت فابدأ بنفسك فإنك
لا تدري في أي دعاء يستجاب لك وأحاديث الباب ترد على ذلك ويؤيدها ما أخرجه مسلم وأبو داود
من طريق طلحة بن عبد الله بن كريز عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رفعه ما من مسلم يدعو لأخيه
بظهر الغيب الا قال الملك ولك مثل ذلك وأخرج الطبري من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس
رفعه خمس دعوات مستجابات وذكر فيها ودعوة الأخ لأخيه وأخرجه أيضا هكذا استدل بهما
ابن بطال وفيه نظر لان الدعاء بظهر الغيب ودعاء الأخ للأخ أعم من أن يكون الداعي خصه أو ذكر
نفسه معه وأعم من أن يكون بدأ به أو بدأ بنفسه وأما ما أخرجه الترمذي من حديث أبي بن
115

كعب رفعه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه وهو عند مسلم في أول
قصة موسى والخضر ولفظه وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه ويؤيد هذا القيد انه
صلى الله عليه وسلم دعا لغير نبي فلم يبدأ بنفسه كقوله في قصة هاجر الماضية في المناقب يرحم الله أم
إسماعيل لو تركت زمزم لكانت عينا معينا وقد تقدم حديث أبي هريرة اللهم أيده بروح
القدس يريد حسان بن ثابت وحديث ابن عباس اللهم فقهه في الدين وغير ذلك من الأمثلة مع
أن الذي جاء في حديث أبي لم يطرد فقد ثبت انه دعا لبعض الأنبياء فلم يبدأ بنفسه كما مر في المناقب
من حديث أبي هريرة يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد وقد أشار المصنف إلى الأول
بسادس أحاديث الباب والى الثاني بالذي بعده وذكر المصنف فيه سبعة أحاديث * الحديث
الأول (قوله وقال أبو موسى قال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر لعبيد أبي عامر اللهم اغفر
لعبد الله بن قيس ذنبه) هذا طرف من حديث لأبي موسى تقدم بطوله موصولا في غزوة أوطاس
من المفازي وفيه قصة قتل أبي عامر وهو عم أبي موسى الأشعري وفيه قول أبي موسى للنبي صلى
الله عليه وسلم أن أبا عامر قال له قل للنبي صلى الله عليه وسلم استغفر لي قال فدعا بماء فتوضأ ثم رفع
يديه فقال اللهم اغفر لعبيد أبي عامر وفيه فقلت ولي فاستغفر فقال اللهم اغفر لعبد الله بن قيس
ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما * الحديث الثاني (قوله يحيى) هو ابن سعيد القطان (قوله
خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فقال رجل من القوم) هو عمر بن الخطاب وعامر هو
ابن الأكوع عم سلمة راوي الحديث وقد تقدم بيان ذلك كله في غزوة خيبر من كتاب المغازي
وسبب قول عمر لولا متعتنا به وان ذلك ورد مصرحا به في صحيح مسلم وأما ابن عبد البر فأورده
مورد الاستقراء فقال كانوا عرفوا أنه ما استرحم لانسان قط في غزاة تخصه الا استشهد فلذا قال
عمر لولا أمتعتنا بعامر (قوله وذكر شعرا غير هذا ولكني لم أحفظه) تقدم بيانه في المكان
المذكور من طريق حاتم بن إسماعيل عن يزيد بن أبي عبيد ويعرف منه أن القائل وذكر شعرا
هو يحيى بن سعيد راويه وأن الذاكر هو يزيد بن أبي عبيد وقوله من هناتك بفتح الهاء والنون
جمع هنة ويروي هنيهاتك وهنياتك والمراد الأراجيز القصار وتقدم شرح الحديث مستوفى
هناك (قوله فلما أمسوا أو قدوا نارا كثيرة) الحديث قي قصة الحمر الأهلية في رواية حاتم بن
إسماعيل فلما أمسى الناس مساء اليوم الذي فتحت عليهم فيه يعني خيبر وذكر الحديث بطوله وقد
تقدم شرحه * الحديث الثالث (قوله حدثنا مسلم) هو ابن إبراهيم وعمرو شيخ شعبة فيه هو ابن
مرة وابن أبي أوفى هو عبد الله (قوله صل على آل أبي أوفى) أي عليه نفسه وقيل عليه وعلى أتباعه
وسيأتي الكلام في الصلاة على غير الأنبياء بعد ثلاثة عشر بابا * الحديث الرابع (قوله في حديث
جرير وهو ابن عبد الله البجلي وهو نصب) بضم النون وبصاد مهملة ثم موحدة هو الصنم وقد تقدم
بيان ذلك في تفسير سورة سأل وقوله يسمى الكعبة اليمانية في رواية الكشميهني كعبة اليمانية وهي
لغة وقوله فخرجت في خمسين من قومي في رواية الكشميهني فارسا والقائل (وربما قال سفيان)
116

هو علي بن عبد الله شيخ البخاري فيه وسفيان هو ابن عيينة وقد تقدم شرح هذا
الحديث في أواخر المغازي * الحديث الخامس في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأنس أن يكثر ماله
وولده وسيأتي شرحه قريبا بعد ثمانية وعشرين بابا وقد بين مسلم في رواية سليمان بن المغيرة عن
ثابت عن أنس أن ذلك كان في آخر دعائه لأنس ولفظه فقالت أمي يا رسول الله خويدمك ادع
الله له فدعا لي بكل خير وكان في دعائه أن قال فذكره قال الداودي هذا يدل على بطلان الحديث
الذي ورد اللهم من آمن بي وصدق ما جئت به فاقلل له من المال والولد الحديث قال وكيف
يصح ذلك وهو صلى الله عليه وسلم يحض على النكاح والتماس الولد (قلت) لا منافاة بينهما
لاحتمال أن يكون ورد في حصول الامرين معا لكن يعكر عليه حديث الباب فيقال كيف
دعا لأنس وهو خادمه بما كرهه لغيره ويحتمل أن يكون مع دعائه له بذلك قرنه بأن لا يناله من قبل
ذلك ضرر لان المعنى في كراهية اجتماع كثرة المال والولد انما هو لما يخشى من ذلك من الفتنة
بهما والفتنة لا يؤمن معها الهلكة * الحديث السادس (قوله عبدة) هو ابن سليمان (قوله
رجلا يقرأ في المسجد) هو عباد بن بشر كما تقدم في الشهادات وتقدم شرح المتن في فضائل القرآن
وقوله فيه لقد أذكرني كذا وكذا آية قال الجمهور يجوز على النبي صلى الله عليه وسلم ان ينسى
شيئا من القرآن بعد التبليغ لكنه لا يقر عليه وكذا يجوزان ينسى مالا يتعلق بالابلاغ ويدل
عليه قوله تعالى سنقرئك فلا تنسى الا ما شاء الله * الحديث السابع (قوله سليمان) هو ابن مهران
الأعمش (قوله عن أبي وائل) هو شقيق بن سلمة وقد تقدم في الأدب من طريق حفص بن غياث
عن الأعمش سمعت شقيقا (قوله فقال رجل) هو معتب بمهملة ثم مثناة ثقيلة ثم موحدة
أو حرقوص كما تقدم بيانه في غزوة حنين هناك والمراد منه هنا قوله يرحم الله موسى فخصه بالدعاء
فهو مطابق لاحد ركني الترجمة وقوله وجه الله أي الاخلاص له (قوله باب ما يكره
من السجع في الدعاء) السجع بفتح المهملة وسكون الجيم بعدها عين مهملة هو موالاة الكلام
على روى واحد ومنه سجعت الحمامة إذا رددت صوتها قاله ابن دريد وقال الأزهري هو الكلام
المقفى من غير مراعاة وزن (قوله هارون المقرئ) هو ابن موسى النحوي (قوله حدثنا الزبير بن
الخريت) بكسر المعجمة وتشديد الراء المكسورة بعدها تحتانية ساكنة ثم مثناة (قوله حدث
الناس كل جمعة مرة فان أبيت فمرتين) هذا إرشاد وقد بين حكمته (قوله ولا تمل الناس هذا
القرآن) هو بضم أول تمل من الرباعي والملل والسآمة بمعنى وهذا القرآن منصوب على المفعولية
وقد تقدم في كتاب العلم حديث ابن مسعود كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة كراهة
السآمة علينا (قوله فلا ألفينك) بضم الهمزة وبالفاء أي لا أجدنك والنون مثقلة للتأكيد
وهذا النهي بحسب الظاهر للمتكلم وهو في الحقيقة للمخاطب وهو كقولهم لا أرينك ههنا
وفيه كراهة التحديث عند من لا يقبل عليه والنهي عن قطع حديث غيره وانه لا ينبغي نشر العلم
عند من لا يحرص عليه ويحدث من يشتهى بسماعه لأنه أجدر ان ينتفع به (قوله فتملهم)
يجوز في محله الرفع والنصب (قوله وانظر السجع من الدعاء فأجتنبه) أي لا تقصد إليه ولا تشغل
فكرك به لما فيه من التكلف المانع للخشوع المطلوب في الدعاء وقال ابن التين المراد بالنهي
117

المستكره منه وقال الداودي الاستكثار منه (قوله لا يفعلون الا ذلك) أي ترك السجع ووقع
عند الإسماعيلي عن القاسم بن زكريا عن يحيى بن محمد شيخ البخاري بسنده فيه لا يفعلون ذلك
بإسقاط الا وهو واضح وكذا أخرجه البزار في مسنده عن يحيى والطبراني عن البزار ولا يرد على
ذلك ما وقع في الأحاديث الصحيحة لان ذلك كان يصدر من غير قصد إليه ولأجل هذا يجئ في غاية
الانسجام كقوله صلى الله عليه وسلم في الجهاد اللهم منزل الكتاب سريع الحساب هازم الأحزاب
وكقوله صلى الله عليه وسلم صدق وعده وأعز جنده الحديث وكقوله أعوذ بك من عين لا تدمع
ونفس لا تشبع وقلب لا يخشع وكلها صحيحة قال الغزالي المكروه من السجع هو المتكلف لأنه
لا يلائم الضراعة والذلة والا ففي الأدعية المأثورة كلمات متوازية لكنها غير متكلفة قال
الأزهري وانما كرهه صلى الله عليه وسلم لمشاكلته كلام الكهنة كما في قصة المرأة من هذيل وقال
أبو زيد وغيره أصل السجع القصد المستوي سواء كان في الكلام أم غيره (قوله
باب ليعزم المسئلة فإنه لا مكره له) المراد بالمسئلة الدعاء والضميران لله تعالى أو الأول
ضمير الشأن والثاني لله تعالى جزما ومكره بضم أوله وكسر ثالثه (قوله حدثنا إسماعيل) هو
المعروف بابن علية وعبد العزيز هو ابن صهيب ونسب في رواية أبي زيد المروزي وغيره
(قوله فليعزم المسئلة في رواية أحمد عن إسماعيل المذكور الدعاء ومعنى الامر بالعزم الجد فيه
وان يجزم بوقوع مطلوبه ولا يعلق ذلك بمشيئة الله تعالى وإن كان مأمورا في جميع ما يريد فعله
أن يعلقه بمشيئة الله تعالى وقيل معنى العزم أن يحسن الظن بالله في الإجابة (قوله ولا يقولن
اللهم ان شئت فاعطني) في حديث أبي هريرة المذكور بعده اللهم اغفر لي ان شئت اللهم ارحمني
ان شئت وزاد في رواية همام عن أبي هريرة الآتية في التوحيد اللهم ارزقني ان شئت وهذه
كلها أمثلة ورواية العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عند مسلم تتناول جميع ما يدعى به ولمسلم من
طريق عطاء بن ميناء عن أبي هريرة ليعزم في الدعاء وله من رواية العلاء ليعزم وليعظم الرغبة
ومعنى قوله ليعظم الرغبة أي يبالغ في ذلك بتكرار الدعاء والالحاح فيه ويحتمل أن يراد به الامر
بطلب الشئ العظيم الكثير ويؤيده ما في آخر هذه الرواية فإن الله لا يتعاظمه شئ (قوله فإنه
لا مستكره له) في حديث أبي هريرة فإنه لا مكره له وهما بمعنى والمراد ان الذي يحتاج إلى التعليق
بالمشيئة ما إذا كان المطلوب منه يتأتى اكراهه على الشئ فيخفف الامر عليه ويعلم بأنه لا يطلب
منه ذلك الشئ الا برضاه وأما الله سبحانه فهو منزه عن ذلك فليس للتعليق فائدة وقيل المعنى ان
فيه صورة الاستغناء عن المطلوب والمطلوب منه والأول أولى وقد وقع في رواية عطاء بن ميناء فان
الله صانع ما شاء وفي رواية العلاء فان الله لا يتعاظمه شئ أعطاه قال ابن عبد البر لا يجوز لاحد
أن يقول اللهم اعطني ان شئت وغير ذلك من أمور الدين والدنيا لأنه كلام مستحيل لا وجه له لأنه
لا يفعل الا ما شاءه وظاهره انه حمل النهي على التحريم وهو الظاهر وحمل النووي النهي في ذلك
على كراهة التنزيه وهو أولى ويؤيده ما سيأتي في حديث الاستخارة وقال ابن بطال في الحديث
انه ينبغي للداعي أن يجتهد في الدعاء ويكون على رجاء الإجابة ولا يقنط من الرحمة فإنه يدعو كريما
وقد قال ابن عيينة لا يمنعن أحدا الدعاء ما يعلم في نفسه يعني من التقصير فان الله قد أجاب دعاء شر
خلقه وهو إبليس حين قال رب انظرني إلى يوم يبعثون وقال الداودي معنى قوله ليعزم المسئلة
118

أن يجتهد ويلح ولا يقل ان شئت كالمستثنى ولكن دعاء البائس الفقير (قلت) وكأنه أشار بقوله
كالمستثنى إلى أنه إذا قالها على سبيل التبرك لا يكره وهو جيد (قوله باب يستجاب
للعبد) أي إذا دعا (ما لم يعجل) والتعبير بالعبد وقع في رواية أبي إدريس كما سأنبه عليه (قوله عن
أبي عبيد) هو سعد بن عبيد (قوله مولى ابن أزهر) اسمه عبد الرحمن (قوله يستجاب لأحدكم
ما لم يعجل) أي يجاب دعاؤه وقد تقدم بيان ذلك في التفسير في قوله تعالى الذين استجابوا لله (قوله
يقول دعوت فلم يستجب لي) في رواية غير أبي ذر فيقول بزيادة فاء واللام منصوبة قال ابن بطال
المعنى انه يسأم فيترك الدعاء فيكون كالمان بدعائه أو انه أتى من الدعاء ما يستحق به الإجابة
فيصير كالمبخل للرب الكريم الذي لا تعجزه الإجابة ولا ينقصه العطاء وقد وقع في رواية أبي
إدريس الخولاني عن أبي هريرة عند مسلم والترمذي لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة
رحم وما لم يستعجل قيل وما الاستعجال قال يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب لي
فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء ومعنى قوله يستحسر وهو بمهملات ينقطع وفي هذا الحديث أدب
من آداب الدعاء وهو انه يلازم الطلب ولا ييأس من الإجابة لما في ذلك من الانقياد والاستسلام
وإظهار الافتقار حتى قال بعض السلف لأنا أشد خشية ان أحرم الدعاء من أن أحرم الإجابة
وكأنه أشار إلى حديث ابن عمر رفعه من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة الحديث
أخرجه الترمذي بسند لين وصححه الحاكم فوهم قال الداودي يخشى على من خالف وقال قد
دعوت فلم يستجب لي أن يحرم الإجابة وما قام مقامها من الادخار والتكفير انتهى وقد قدمت
في أول كتاب الدعاء الأحاديث الدالة على أن دعوة المؤمن لا ترد وانها اما ان تعجل له الإجابة واما ان
تدفع عنه من السوء مثلها واما ان يدخر له في الآخرة خير مما سأل فأشار الداودي إلى ذلك والى
ذلك أشار ابن الجوزي بقوله اعلم أن دعاء المؤمن لا يرد غير أنه قد يكون الأولى له تأخير الإجابة أو
يعوض بما هو أولى له عاجلا أو آجلا فينبغي للمؤمن ان لا يترك الطلب من ربه فإنه متعبد بالدعاء
كما هو متعبد بالتسليم والتفويض ومن جملة آداب الدعاء تحري الأوقات الفاضلة كالسجود
وعند الاذان ومنها تقديم الوضوء والصلاة واستقبال القبلة ورفع اليدين وتقديم التوبة
والاعتراف بالذنب والاخلاص وافتتاحه بالحمد والثناء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
والسؤال بالأسماء الحسنى وأدلة ذلك ذكرت في هذا الكتاب وقال الكرماني ما ملخصه الذي
يتصور في الإجابة وعدمها أربع صور الأولى عدم العجلة وعدم القول المذكور الثانية وجودهما
الثالثة والرابعة عدم أحدهما ووجود الآخر فدل الخبر على أن الإجابة تختص بالصورة الأولى
دون الثلاث قال ودل الحديث على أن مطلق قوله تعالى أجيب دعوة الداع إذا دعان مقيد
بما دل عليه الحديث (قلت) وقد أول الحديث المشار إليه قبل على أن المراد بالإجابة ما هو أعم
من تحصيل المطلوب بعينه أو ما يقوم مقامه ويزيد عليه والله أعلم (قوله باب
رفع الأيدي في الدعاء) أي على صفة خاصة وسقط لفظ باب لأبي ذر (قوله وقال أبو موسى) هو
الأشعري دعا النبي صلى الله عليه وسلم ثم رفع يديه ورأيت بياض إبطيه هدا طرف من حديثه
الطويل في قصة قتل عمه أبي عامر الأشعري وقد تقدم موصولا في المغازي في غزوة حنين وأشرت
إليه قبل بثلاثة أبواب في باب قول الله تعالى وصل عليهم (قوله وقال ابن عمر رفع النبي صلى الله
119

عليه وسلم يديه وقال اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) وهذا طرف من قصة غزوة بني جذيمة بجيم
ومعجمة وزن عظيمة وقد تقدم موصولا مع شرحه في المغازي بعد غزوة الفتح وخالد المذكور هو
ابن الوليد (قوله وقال الأويسي) هو عبد العزيز بن عبد الله ومحمد بن جعفر أي ابن كثير ويحيى
ابن سعيد هو الأنصاري وهذا طرف أيضا من حديث أنس في الاستسقاء وقد تقدم هناك بهذا
السند معلقا ووصله أبو نعيم من رواية أبي زرعة الرازي قال حدثنا الأويسي به وأورد البخاري
قصة الاستسقاء مطولة من رواية شريك بن أبي نمر وحده عن أنس من طرق في بعضها ورفع يديه
وليس في شئ منها حتى رأيت بياض إبطيه الا هذا وفي الحديث الأول رد من قال لا يرفع كذا
الا في الاستسقاء بل فيه وفي الذي بعده رد على من قال لا يرفع اليدين في الدعاء غير الاستسقاء
أصلا وتمسك بحديث أنس لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في شئ من دعائه الا في
الاستسقاء وهو صحيح لكن جمع بينه وبين أحاديث الباب وما معناها بأن المنفى صفة خاصة لا أصل
الرفع وقد أشرت إلى ذلك في أبواب الاستسقاء وحاصله ان الرفع في الاستسقاء يخالف غيره اما
بالمبالغة إلى أن تصير اليدان في حذو الوجه مثلا وفي الدعاء إلى حذو المنكبين ولا يعكر على
ذلك أنه ثبت في كل منهما حتى يرى بياض إبطيه بل يجمع بأن تكون رؤية البياض في
الاستسقاء أبلغ منها في غيره واما ان الكفين في الاستسقاء يليان الأرض وفي الدعاء يليان السماء
قال المنذري وبتقدير تعذر الجمع فجانب الاثبات أرجح (قلت) ولا سيما مع كثرة الأحاديث الواردة
في ذلك فان فيه أحاديث كثيرة أفردها المنذري في جزء سرد منها النووي في الاذكار وفي شرح
المهذب جملة وعقد لها البخاري أيضا في الأدب المفرد بابا ذكر فيه حديث أبي هريرة قدم الطفيل
ابن عمرو على النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن دوسا عصت فادع الله عليها فاستقبل القبلة ورفع
يديه فقال اللهم اهد دوسا وهو في الصحيحين دون قوله ورفع يديه وحديث جابر ان للطفيل بن
عمرو هاجر فذكر قصة الرجل الذي هاجر معه وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم وليديه
فاغفر ورفع يديه وسنده صحيح وأخرجه مسلم وحديث عائشة انها رأت النبي صلى الله عليه وسلم
يدعو رافعا يديه يقول اللهم انما أنا بشر الحديث وهو صحيح الاسناد ومن الأحاديث الصحيحة
في ذلك ما أخرجه المصنف في جزء رفع اليدين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم رافعا يديه يدعو
لعثمان ولمسلم من حديث عبد الرحمن بن سمرة في قصة الكسوف فانتهيت إلى النبي صلى الله
عليه وسلم وهو رافع يديه يدعو وعنده في حديث عائشة في الكسوف أيضا ثم رفع يديه يدعو وفي
حديثها عنده في دعائه لأهل البقيع فرفع يديه ثلاث مرات الحديث ومن حديث أبي هريرة
الطويل في فتح مكة فرفع يديه وجعل يدعو وفي الصحيحين من حديث أبي حميد في قصة ابن اللتبية
ثم رفع يديه حتى رأيت عفرة إبطيه يقول اللهم هل بلغت ومن حديث عبد الله بن عمرو أن النبي
صلى الله عليه وسلم ذكر قول إبراهيم وعيسى فرفع يديه وقال اللهم أمتي وفي حديث عمر كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل فأنزل الله عليه
يوما ثم سرى عنه فاستقبل القبلة ورفع يديه ودعا الحديث أخرجه الترمذي واللفظ له والنسائي
والحاكم وفي حديث أسامة كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فرفع يديه يدعو فمالت
به ناقته فسقط خطامها فتناوله بيده وهو رافع اليد الأخرى أخرجه النسائي بسند جيد وفي
120

حديث قيس بن سعد عند أبي داود ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وهو يقول اللهم
صلواتك ورحمتك علي آل سعد بن عبادة الحديث وسنده جيد والأحاديث في ذلك كثيرة وأما
ما أخرجه مسلم من حديث عمارة بن رويبة براء وموحدة مصغر انه رأى بشر بن مروان يرفع يديه
فأنكر ذلك وقال لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يزيد على هذا يشير بالسبابة فقد
حكى الطبري عن بعض السلف انه أخذ بظاهره وقال السنة ان الداعي يشير بأصبع واحدة ورده
بأنه انما ورد في الخطيب حال الخطبة وهو ظاهر في سياق الحديث فلا معنى للتمسك به في منع رفع
اليدين في الدعاء مع ثبوت الاخبار بمشروعيتها وقد أخرج أبو داود والترمذي وحسنة وغيرهما
من حديث سلمان رفعه ان ربكم حي كريم يستحى من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا
بكسر المهملة وسكون الفاء أي خالية وسنده جيد قال الطبري وكره رفع اليدين في الدعاء ابن
عمر وجبير بن مطعم ورأى شريح رجلا يرفع يديه داعيا فقال من تتناول بهما لا أم لك وساق
الطبري ذلك بأسانيده عنهم وذكر ابن التين عن عبد الله بن عمر بن غانم انه نقل عن مالك ان رفع
اليدين في الدعاء ليس من أمر الفقهاء قال وقال في المدونة ويختص الرفع بالاستسقاء ويجعل
بطونهما إلى الأرض وأما ما نقله الطبري عن ابن عمر فإنما أنكر رفعهما إلى حذو المنكبين وقال
ليجعلهما حذو صدره كذلك أسنده الطبري عنه أيضا وعن ابن عباس ان هذه صفة الدعاء
وأخرج أبو داود والحاكم عنه من وجه آخر قال المسئلة ان ترفع يديك حذو منكبيك
والاستغفار ان تشير بأصبع واحدة والابتهال ان تمد يديك جميعا وأخرج الطبري من وجه آخر
عنه قال يرفع يديه حتى يجاوز بهما رأسه وقد صح عن ابن عمر خلاف ما تقدم أخرجه البخاري في
الأدب المفرد من طريق القاسم بن محمد رأيت ابن عمر يدعو عند القاص يرفع يديه حتى يحاذي
بهما منكبيه باطنهما مما يليه وظاهرهما مما يلي وجهه (قوله باب الدعاء غير مستقبل
القبلة) ذكر فيه حديث قتادة عن أنس بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقام رجل
فقال يا رسول الله ادع الله أن يسقينا الحديث وفيه فقام ذلك الرجل أو غيره فقال ادع الله ان
يصرف عنا فقد غرقنا فقال اللهم حوالينا ولا علينا الحديث وقد تقدم شرحه في الاستسقاء
وفي بعض طرقه في الأول فقال اللهم اسقنا ووجه أخذه من الترجمة من جهة ان الخطيب من
شأنه أن يستدبر القبلة وأنه لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم لما دعا في المرتين استدار وقد تقدم في
الاستسقاء من طريق إسحاق بن أبي طلحة عن أنس في هذه القصة في آخره ولم يذكر انه حول رداءه
ولا استقبل القبلة (قوله باب الدعاء مستقبل القبلة) ذكر فيه حديث عبد الله بن زيد
قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى يستسقى فدعا واستسقى ثم استقبل القبلة وقلب رداءه
قال الإسماعيلي هذا الحديث مطابق للترجمة التي قبل هذا يريد انه قدم الدعاء قبل الاستسقاء ثم
قال لكن لعل البخاري أراد انه لما تحول وقلب رداءه دعا حينئذ أيضا (قلت) وهو كذلك فأشار
كعادته إلى ما ورد في بعض طرق الحديث وقد مضى في الاستسقاء من هذا الوجه بلفظ وانه لما
أراد أن يدعو استقبل القبلة وحول رداءه وترجم له استقبال القبلة في الدعاء والجمع بينه وبين
حديث أنس أن القصة التي في حديث أنس كانت في خطبة الجمعة بالمسجد والقصة التي في
حديث عبد الله بن زيد كانت بالمصلى وقد سقطت هذه الترجمة من رواية أبي زيد المروزي فصار
121

حديثها من جملة الباب الذي قبله ويسقط بذلك اعتراض الإسماعيلي من أصله وقد ورد في
استقبال القبلة في الدعاء من فعل النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث منها حديث عمر عند
الترمذي وقد قدمته في باب رفع اليدين في الدعاء ولمسلم والترمذي من حديث ابن عباس عن عمر
لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين فاستقبل القبلة ثم مد يديه فجعل
يهتف بربه الحديث وفي حديث ابن مسعود استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة فدعا على
نفر من قريش الحديث متفق عليه وفي حديث عبد الرحمن بن طارق عن أبيه أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان إذا جاز مكانا من دار يعلى استقبل القبلة فدعا أخرجه أبو داود والنسائي
واللفظ له وفي حديث ابن مسعود رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبر عبد الله ذي النجادين
الحديث وفيه فلما فرغ من دفنه استقبل القبلة رافعا يديه أخرجه أبو عوانة في صحيحه (قوله
باب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه بطول العمر وبكثرة ماله) ذكر فيه حديث
أنس قالت أمي يا رسول الله خادمك ادع الله له قال اللهم أكثر ماله وولده الحديث وقد مضى قريبا
وذكره في عدة أبواب وليس في شئ منها ذكر العمر فقال بعض الشراح مطابقة الحديث للترجمة
ان الدعاء بكثرة الولد يستلزم حصول طول العمر وتعقب بأنه لا ملازمة بينهما الا بنوع من المجاز
بأن يراد أن كثرة الولد في العادة تستدعي بقاء ذكر الوالد ما بقي أولاده فكأنه حي والأولى في الجواب
انه أشار كعادته إلى ما ورد في بعض طرقه فاخرج في الأدب المفرد من وجه آخر عن أنس قال
قالت أم سليم وهي أم أنس خويدمك ألا تدعو له فقال اللهم أكثر ماله وولده واطل حياته واغفر
له فأما كثرة ولد أنس وماله فوقع عند مسلم في آخر هذا الحديث من طريق إسحاق بن عبد الله بن
أبي طلحة عن أنس قال أنس فوالله ان مالي لكثير وان ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو
المائة اليوم وتقدم في حديث الطاعون شهادة لكل مسلم في كتاب الطب قول أنس أخبرتني
ابنتي أمينة أنه دفن من صلبي إلى يوم مقدم الحجاج البصرة مائة وعشرون وقال النووي في
ترجمته كان أكثر الصحابة أولادا وقد قال ابن قتيبة في المعارف كان بالبصرة ثلاثة ما ماتوا حتى
رأى كل واحد منهم من ولده مائة ذكر لصلبه أبو بكرة وأنس وخليفة بن بدر وزاد غيره رابعا وهو
المهلب بن أبي صفرة وأخرج الترمذي عن أبي العالية في ذكر أنس وكان له بستان يأتي في كل
سنة الفاكهة مرتين وكان فيه ريحان يجئ منه ريح المسك ورجاله ثقات وأما طول عمر أنس
فقد ثبت في الصحيح أنه كان في الهجرة ابن تسع سنين وكانت وفاته سنة إحدى وتسعين فيما قيل
وقيل سنة ثلاث وله مائة وثلاث سنين قاله خليفة وهو المعتمد وأكثر ما قيل في سنه أنه بلغ مائة
وسبع سنين وأقل ما قيل فيه تسعا وتسعين سنة (قوله باب الدعاء عند الكرب)
بفتح الكاف وسكون الراء بعدها موحدة هو ما يدهم المرء مما يأخذ بنفسه فيغمه ويحزنه (قوله
هشام) وفي الطريق الثانية هشام بن أبي عبد الله وهو الدستوائي وأبى العالية هو الرياحي
بتحتانية ثم مهملة واسمه رفيع وقد رواه قتادة عنه بالعنعنة وهو مدلس وقد ذكر أبو داود في
السنن في كتاب الطهارة عقب حديث أبي خالد الدالاني عن قتادة عن أبي العالية قال شعبة انما
سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث حديث يونس بن متى وحديث ابن عمر في الصلاة
وحديث القضاة ثلاثة وحديث ابن عباس شهد عندي رجال مرضيون وروى ابن أبي حاتم
122

في المراسيل بسنده عن يحيى القطان عن شعبة قال لم يسمع قتادة من أبي العالية الا ثلاثة
أحاديث فذكرها بنحوه ولم يذكر حديث ابن عمر وكان البخاري لم يعتبر بهذا الحصر لان شعبة
ما كان يحدث عن أحد من المدلسين الا بما يكون ذلك المدلس قد سمعه من شيخه وقد حدث
شعبة بهذا الحديث عن قتادة وهذا هو السر في إيراده له معلقا في آخر الترجمة من رواية شعبة
وأخرج مسلم الحديث من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ان أبا العالية حدثه وهذا صريح
في سماعه له منه وأخرج البخاري أيضا من رواية قتادة عن أبي العالية غير هذا وهو حديث
رؤية موسى وغيره ليلة أسرى به وأخرج مسلم أيضا وقوله في هذا المعلق وقال وهب كذا للأكثر
وللمستملي وحده وهيب بالتصغير وقال أبو ذر الصواب الأول (قلت) ووقع في رواية أبي زيد
المروزي وهب بن جرير أي ابن حازم فأزال الاشكال ويؤيده ان البخاري أخرج الحديث المذكور
في التوحيد من طريق وهيب بالتصغير وهو ابن خالد فقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة فظهر
أنه عند وهيب بالتصغير عن سعيد بالمهملة والدال وعند وهب بسكون الهاء عن شعبة بالمعجمة
والموحدة (قوله كان يدعو عند الكرب) أي عند حلول الكرب وعند مسلم من رواية سعيد بن
أبي عروبة عن قتادة كان يدعو بهن ويقولهن عند الكرب وله من رواية يوسف ابن عبد الله بن
الحارث عن أبي الحارث عن أبي العالية كان إذا حزبه أمر وهو بفتح المهملة والزاي وبالموحدة أي
هجم عليه أو غلبه وفي حديث على عند النسائي وصححه الحاكم لقنني رسول الله صلى الله عليه
وسلم هؤلاء الكلمات وأمرني ان نزل بي كرب أو شدة أن أقولها (قوله لا إله إلا الله العظيم الحليم
لا إله إلا الله رب السماوات والأرض ورب العرش العظيم) ووقع في الرواية التي بعدها بلفظ ورب
الأرض ورب العرش الكريم وقال في أوله رب العرش الكريم بدل العظيم الحليم ووقع جميع
ما تضمنته هاتان الروايتان في رواية وهيب بن خالد التي أشرت إليها لكن قال العليم الحليم باللام
بدل الظاء المعجمة وكذا هو لمسلم من طريق معاذ بن هشام وقال العظيم بدل العليم (قوله رب العرش
العظيم) نقل ابن التين عن الداودي انه رواه برفع العظيم وكذا برفع الكريم في قوله رب العرش
الكريم على أنهما نعتان للرب والذي ثبت في رواية الجمهور بالجر على أنه نعت للعرش وكذا قرأ
الجمهور في قوله تعالى رب العرش العظيم ورب العرش الكريم بالرفع وقرأ ابن محيصن بالجر
فيهما وجاء ذلك أيضا عن ابن كثير وعن أبي جعفر المدني وأعرب بوجهين أحدهما ما تقدم
والثاني أن يكون مع الرفع نعتا للعرش على أنه خبر لمبتدأ محذوف قطع عما قبله للمدح ورجح
لحصول توافق القراءتين ورجح أبو بكر الأصم الأول لان وصف الرب بالعظيم أولى من وصف
العرش وفيه نظر لان وصف ما يضاف للعظيم بالعظيم أقوى في تعظيم العظيم فقد نعت الهدهد
عرش بلقيس بأنه عرش عظيم ولم ينكر عليه سليمان قال العلماء الحليم الذي يؤخر العقوبة مع
القدرة والعظيم الذي لا شئ يعظم عليه والكريم المعطي فضلا وسيأتي لذلك مزيد في شرح
الأسماء الحسنى قريبا وقال الطيبي صدر هذا الثناء بذكر الرب ليناسب كشف الكرب لأنه
مقتضى التربية وفيه التهليل المشتمل على التوحيد وهو أصل التنزيهات الجلالية والعظمة التي
تدل على تمام القدرة والحلم الذي يدل على العلم إذ الجاهل لا يتصور منه حلم ولا كرم وهما أصل
الأوصاف الاكرامية ووقع في حديث على الذي أشرت إليه لا إله إلا الله الكريم العظيم سبحان
123

الله تبارك الله رب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين وفي لفظ الحليم الكريم في الأول وفي
لفظ لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي العظيم لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحليم الكريم
وفي لفظ لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحانه تبارك وتعالى رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين
أخرجها كلها النسائي قال الطبري معنى قول ابن عباس يدعو وانما هو تهليل وتعظيم يحتمل
أمرين أحدهما أن المراد تقديم ذلك قبيل الدعاء كما ورد من طريق يوسف بن عبد الله بن الحارث
المذكورة وفي آخره ثم يدعو (قلت) وكذا هو عند أبي عوانة في مستخرجه من هذا الوجه وعند
عبد بن حميد من هذا الوجه كان إذا حزبه أمر قال فذكر الذكر المأثور وزاد ثم دعا وفي الأدب
المفرد من طريق عبد الله بن الحارث سمعت ابن عباس فذكره وزاد في آخره اللهم اصرف عني
شره قال الطبري ويؤيد هذا ما روى الأعمش عن إبراهيم قال كان يقال إذا بدأ الرجل بالثناء
قبل الدعاء استجيب وإذا بدأ بالدعاء قبل الثناء كان على الرجاء ثانيهما ما أجاب به ابن عيينة فيما
حدثنا حسين بن حسن المروزي قال سألت ابن عيينة عن الحديث الذي فيه أكثر ما كان يدعو
به النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحديث فقال سفيان هو ذكر
وليس فيه دعاء ولكن قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل من شغله ذكري عن مسئلتي
أعطيته أفضل ما أعطى السائلين قال وقال أمية بن أبي الصلت في مدح عبد الله بن جدعان
أأذكر حاجتي أم قد كفاني * حباؤك ان سيمتك الحباء
إذا أثنى عليك المرء يوما * كفاه من تعرضك الثناء
قال سفيان فهذا مخلوق حين نسب إلى الكرام اكتفى بالثناء عن السؤال فكيف بالخالق (قلت)
ويؤيد الاحتمال الثاني حديث سعد بن أبي وقاص رفعه دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن
الحوت لا إله إلا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شئ قط الا استجاب
الله تعالى له أخرجه الترمذي والنسائي والحاكم وفي لفظ للحاكم فقال رجل أكانت ليونس
خاصة أم للمؤمنين عامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا تسمع إلى قول الله تعالى وكذلك
ننجي المؤمنين وقال ابن بطال حدثني أبو بكر الرازي قال كنت بأصبهان عند أبي نعيم أكتب
الحديث وهناك شيخ يقال له أبو بكر بن علي عليه مدار الفتيا فسعى به عند السلطان فسجن فرأيت
النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وجبريل عن يمينه يحرك شفتيه بالتسبيح لا يفتر فقال لي النبي صلى
الله عليه وسلم قل لأبي بكر بن علي يدعو بدعاء الكرب الذي في صحيح البخاري حتى يفرج الله عنه
قال فأصبحت فأخبرته فدعا به فلم يكن الا قليلا حتى أخرج انتهى وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب
الفرج بعد الشدة له من طريق عبد الملك بن عمير قال كتب الوليد بن عبد الملك إلى عثمان بن
حيان انظر الحسن بن الحسن فاجلده مائة جلدة وأوقفه للناس قال فبعث إليه فجئ به فقام إليه
علي بن الحسين فقال يا ابن عم تكلم بكلمات الفرج يفرج الله عنك فذكر حديث علي باللفظ الثاني
فقالها فرفع إليه عثمان رأسه فقال أرى وجه رجل كذب عليه خلوا سبيله فسأكتب إلى أمير
المؤمنين بعذره فأطلق وأخرج النسائي والطبري من طريق الحسن بن الحسن بن علي قال لما
زوج عبد الله بن جعفر ابنته قال لها ان نزل بك أمر فاستقبليه بأن تقولي لا إله إلا الله الحليم
الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين قال الحسن فأرسل إلى الحجاج فقلتهن
124

فقال والله لقد أرسلت إليك وأنا أريد أن أقتلك فلانت اليوم أحب إلي من كذا وكذا وزاد في
لفظ فسل حاجتك ومما ورد من دعوات الكرب ما أخرجه أصحاب السنن الا الترمذي عن أسماء
بنت عميس قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أعلمك كلمات تقوليهن عند الكرب الله
الله ربي لا أشرك به شيئا وأخرجه الطبري من طريق أبي الجوزاء عن ابن عباس مثله ولأبي داود
وصححه ابن حبان عن أبي بكرة رفعه دعوات المكروب اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي
طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت (قوله باب التعوذ من جهد البلاء)
الجهد بفتح الجيم وبضمها المشقة وتقدم ما فيه في حديث بدء الوحي أول الكتاب والبلاء بالفتح
مع المد ويجوز الكسر مع القصر (قوله سمى) بالمهملة مصغر هو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن
المخزومي (قوله كان يتعوذ) كذا للأكثر ورواه مسدد عن سفيان بسنده هذا بلفظ الامر
تعوذوا وسيأتي في كتاب القدر وكذا وقع في رواية الحسن بن علي الواسطي عن سفيان عند
الإسماعيلي وأبي نعيم (قوله ودرك الشقاء) بفتح الدال والراء المهملتين ويجوز سكون الراء وهو
الادراك واللحاق والشقاء بمعجمة ثم قاف هو الهلاك ويطلق على السبب المؤدي إلى الهلاك
(قوله قال سفيان) هو ابن عيينة راوي الحديث المذكور وهو موصول بالسند المذكور
(قوله الحديث ثلاث زدت أنا واحدة لا أدري أيتهن) أي الحديث المرفوع المروي يشتمل على
ثلاث جمل من الجمل الأربع والرابعة زادها سفيان من قبل نفسه ثم خفي عليه تعيينها ووقع عند
الحميدي في مسنده عن سفيان الحديث ثلاث من هذه الأربع وأخرجه أبو عوانة والإسماعيلي
وأبو نعيم من طريق الحميدي ولم يفصل ذلك بعض الرواة عن سفيان وفي ذلك تعقب على الكرماني
حيث اعتذر عن سفيان في جواب من استشكل جواز زيادته الجملة المذكورة في الحديث مع
أنه لا يجوز الادراج في الحديث فقال يجاب عنه بأنه كان يميزها إذا حدث كذا قال وفيه نظر
فسيأتي في القدر عن مسدد وأخرجه مسلم عن أبي خيثمة وعمر والناقد والنسائي عن قتيبة
والإسماعيلي من رواية العباس بن الوليد وأبو عوانة من رواية عبد الجبار بن العلاء وأبو نعيم
من طريق سفيان بن وكيع كلهم عن سفيان بالخصال الأربعة بغير تمييز الا أن مسلما قال عن عمرو
الناقد قال سفيان أشك أني زدت واحدة منها وأخرجه الجوزقي من طريق عبد الله بن هاشم
عن سفيان فاقتصر على ثلاثة ثم قال قال سفيان وشماتة الأعداء وأخرجه الإسماعيلي من
طريق ابن أبي عمر عن سفيان وبين أن الخصلة المزيدة هي شماتة الأعداء وكذا أخرجه
الإسماعيلي من طريق شجاع بن مخلد عن سفيان مقتصرا على الثلاثة دونها وعرف من ذلك
تعيين الخصلة المزيدة ويجاب عن النظر بان سفيان كان إذا حدث ميزها ثم طال الامر فطرقه
السهو عن تعيينها فحفظ بعض من سمع تعيينها منه قبل أن يطرقه السهو ثم كان بعد أن خفي عليه
تعيينها يذكر كونها مزيدة مع إبهامها ثم بعد ذلك اما أن يحمل الحال حيث لم يقع تمييزها لا تعيينا
ولا إبهاما أن يكون ذهل عن ذلك أو عين أو ميز فذهل عنه بعض من سمع ويترجح كون الخصلة
المذكورة هي المزيدة بأنها تدخل في عموم كل واحدة من الثلاثة ثم كل واحدة من الثلاثة
مستقلة فان كل أمر يكره يلاحظ فيه جهة المبدأ وهو سوء القضاء وجهة المعاد وهو درك
الشقاء لان شقاء الآخرة هو الشقاء الحقيقي وجهة المعاش وهو جهد البلاء وأما شماتة الأعداء
125

فتقع لكل من وقع له كل من الخصال الثلاثة وقال ابن بطال وغيره جهد البلاء كل ما أصاب المرء
من شدة مشقة ومالا طاقة له بحمله ولا يقدر على دفعه وقيل المراد بجهد البلاء قلة المال وكثرة
العيال كذا جاء عن ابن عمر والحق ان ذلك فرد من أفراد جهد البلاء وقيل هو ما يختار الموت
عليه قال ودرك الشقاء يكون في أمور الدنيا وفي أمور الآخرة وكذلك سوء القضاء عام في النفس
والمال والاهل والولد والخاتمة والمعاد قال والمراد بالقضاء هنا المقضى لان حكم الله كله حسن
لا سوء فيه وقال غيره القضاء الحكم بالكليات على سبيل الاجمال في الأزل والقدر الحكم بوقوع
الجزئيات التي لتلك الكليات على سبيل التفصيل قال ابن بطال وشماتة الأعداء ما ينكأ القلب
ويبلغ من النفس أشد مبلغ وانما تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك تعليما لامته فان الله تعالى
كان آمنه من جميع ذلك وبذلك جزم عياض (قلت) ولا يتعين ذلك بل يحتمل أن يكون استعاذ بربه
من وقوع ذلك بأمته ويؤيده رواية مسدد المذكورة بصيغة الامر كما قدمته وقال النووي شماتة
الأعداء فرحهم ببلية تنزل بالمعادي قال وفي الحديث دلالة لاستحباب الاستعاذة من الأشياء
المذكورة وأجمع على ذلك العلماء في جميع الأعصار والامصار وشذت طائفة من الزهاد (قلت)
وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في أوائل كتاب الدعوات وفي الحديث أن الكلام المسجوع
لا يكره إذا صدر عن غير قصد إليه ولا تكلف قاله ابن الجوزي قال وفيه مشروعية الاستعاذة
ولا يعارض ذلك كون ما سبق في القدر لا يرد لاحتمال أن يكون مما قضى فقد يقضى على المرء مثلا
بالبلاء ويقضي انه ان دعا كشف فالقضاء محتمل للدافع والمدفوع وفائدة الاستعاذة والدعاء
إظهار العبد فاقته لربه وتضرعه إليه وقد تقدم ذلك مبسوطا في أوائل كتاب الدعوات
(قوله باب) كذا للأكثر بغير ترجمة ذكر فيه حديث عائشة في الوفاة النبوية وفيه
قوله عليه الصلاة والسلام الرفيق الاعلى وقد تقدم شرحه في أواخر المغازي وتعلقه بما قبله من
جهة ان فيه إشارة إلى حديث عائشة أنه كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات وقضية
سياقها هنا انه لم يتعوذ في مرض موته بذلك بل تقدم في الوفاة النبوية من طريق ابن أبي مليكة
عن عائشة فذهبت أعوذه فرفع رأسه إلى السماء وقال في الرفيق الاعلى (قوله أخبرني سعيد بن
المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل العلم ان عائشة رضي الله عنها قالت) لم أقف على تعيين
أحد منهم صريحا وقد روى أصل الحديث المذكور عن عائشة ابن أبي مليكة وذكوان مولى
عائشة وأبو سلمة بن عبد الرحمن والقاسم بن محمد فيمكن أن يكون الزهري عناهم أو بعضهم
(قوله باب الدعاء بالموت والحياة) في رواية أبي زيد المروزي وبالحياة وهو أوضح وفيه
حديثان * الأول حديث خباب ويحيى في سنده هو ابن سعيد القطان وإسماعيل هو ابن أبي خالد
وقيس هو ابن أبي حازم وانما أعاده عن محمد بن المثنى بعد أن أورده عن مسدد وكلاهما يرويه
عن يحيى القطان لما في رواية محمد بن المثنى من الزيادة وهي قوله في بطنه فسمعته يقول وباقي
سياقهما سواء ووقعت الزيادة المذكورة عند الكشميهني وحده في رواية مسدد وهي غلط وقد
تقدم شرح الحديث مستوفى في كتاب عيادة المرضى * الثاني حديث أنس لا يتمنين أحدكم
الموت في رواية الكشميهني أحد منكم وقد تقدم شرحه أيضا هناك (قوله باب
126

الدعاء للصبيان بالبركة ومسح رؤسهم) في رواية أبي زيد المروزي ومسح رأسه بالافراد وورد في
فضل مسح رأس اليتيم حديث أخرجه أحمد والطبراني عن أبي أمامة بلفظ من مسح رأس يتيم
لا يمسحه الا لله كان له بكل شعرة تمر يده عليها حسنة وسنده ضعيف ولأحمد من حديث أبي
هريرة أن رجلا شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال أطعم المسكين وامسح رأس
اليتيم وسنده حسن وذكر في الباب أحاديث * الحديث الأول (قوله وقال أبو موسى ولد لي
مولود) هذا طرف من حديث تقدم موصولا في كتاب العقيقة واسم الولد المذكور إبراهيم
* الثاني (قوله حاتم) هو ابن إسماعيل والجعد يقال فيه الجعيد بالتصغير والسائب بن يزيد يعرف
بابن أخت النمر وقد تقدم في باب خاتم النبوة في أوائل الترجمة النبوية قبل المبعث وتقدم شرح
الحديث هناك وفي باب استعمال فضل وضوء الناس من كتاب الطهارة * الثالث (قوله عن أبي
عقيل) بفتح أوله واسمه زهرة بن معبد وعبد الله بن هشام هو التيمي من بني تيم بن مرة تقدم شرح
حديثه في الشركة * الرابع (قوله محمود بن الربيع وهو الذي مج رسول الله صلى الله عليه وسلم
في وجهه وهو غلام من بئرهم) كذا أورده مختصرا وأورده من هذا الوجه في الطهارة كذلك ولم
يذكر الخبر الذي أخبر به محمود وهو حديثه عن عتبان بن مالك في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم
في بيته وقد أورده في باب إذا دخل بيتا صلى حيث شاء من كتاب الصلاة من هذا الوجه مختصرا
فقال حدثنا عبد الله بن مسلمة أنبأنا إبراهيم بن سعد فذكر بإسناده الذي أورده هنا إلى محمود بن
الربيع فزاد عن عتبان بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه إلى منزله فقال أين تحب ان
أصلي في بيتك الحديث وأورده عنه من طريق عقيل عن ابن شهاب أخبرني محمود بن الربيع
عن عتبان بن مالك فذكره مطولا ولم يذكر قول محمود في المجة وذكر في العلم من طريق الزبيدي
عن الزهري عن محمود مقتصرا على قصة المجة أتم مما هنا قال عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم
مجة وقد شرحته هناك وأورده قبل باب الذكر في الصلاة من طريق معمر عن الزهري مطولا بقصة
المجة وبحديث عتبان وأورده في الرقاق من هذا الوجه كذلك لكن باختصار وقد أورد مسلم
حديث عتبان من طرق عن الزهري منها للأوزاعي عنه قصة محمود في المجة ولم يتنبه لذلك الحميدي
في جمعه فترجم لمحمود بن الربيع في الصحابة الذين انفرد البخاري بتخريج حديثهم وساق له حديث
المجة المذكورة وكأنه لما رأى البخاري أفرده ولم يفرده مسلم ظن أنه حديث مستقل
* الخامس حديث عائشة في قصة الغلام الذي بال في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وقد مضى شرحه
مستوفى في كتاب الصلاة * السادس حديث عبد الله بن ثعلبة بن صعير بمهملتين مصفر وهو صحابي
صغير وأبوه ثعلبة صحابي أيضا ويقال فيه ابن أبي صغير أيضا (قوله وكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم مسح عينه) كذا هنا باختصار وتقدم معلقا في غزوة الفتح من طريق يونس عن الزهري
بلفظ مسح وجهه عام الفتح وتقدم شرحه هناك ووقع في الزهريات للذهلي عن أبي اليمان شيخ
البخاري فيه بلفظ مسح وجهه زمن الفتح وكذا أخرجه الطبراني في مسند الشاميين عن أبي
زرعة الدمشقي عن أبي اليمان (قوله إنه رأى سعد بن أبي وقاص يوتر بركعة) سبقت الإشارة إلى
127

هذا في كتاب الوتر ووقع في رواية الطبراني بعد قوله ركعة واحدة بعد صلاة العشاء لا يزيد عليها
حتى يقوم من جوف الليل وسبق بيان الاختلاف في الوتر بركعة فردة مستوفى (قوله
باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) هذا الاطلاق يحتمل حكمها وفضلها
وصفتها ومحلها والاقتصار على ما أورده في الباب يدل على إرادة الثالث وقد يؤخذ منه الثاني
أما حكمها فحاصل ما وقفت عليه من كلام العلماء فيه عشرة مذاهب أولها قول ابن جرير
الطبري انها من المستحبات وادعى الاجماع على ذلك ثانيها مقابله وهو نقل ابن القصار وغيره
الاجماع على انها تجب في الجملة بغير حصر لكن أقل ما يحصل به الاجزاء مرة ثالثها تجب في
العمر في صلاة أو في غيرها وهي مثل كلمة التوحيد قاله أبو بكر الرازي من الحنفية وابن حزم
وغيرهما وقال القرطبي المفسر لا خلاف في وجوبها في العمر مرة وانها واجبة في كل حين
وجوب السنن المؤكدة وسبقه ابن عطية رابعها تجب في القعود آخر الصلاة بين قول التشهد
وسلام التحلل قاله الشافعي ومن تبعه خامسها تجب في التشهد وهو قول الشعبي وإسحاق بن
راهويه سادسها تجب في الصلاة من غير تعيين المحل نقل ذلك عن أبي جعفر الباقر سابعها يجب
الاكثار منها من غير تقييد بعدد قاله أبو بكر بن بكير من المالكية ثامنها كلما ذكر قاله الطحاوي
وجماعة من الحنفية والحليمي وجماعة من الشافعية وقال ابن العربي من المالكية انه الأحوط
وكذا قال الزمخشري تاسعها في كل مجلس مرة ولو تكرر ذكره مرارا حكاه الزمخشري عاشرها
في كل دعاء حكاه أيضا وأما محلها فيؤخذ مما أوردته من بيان الآراء في حكمها وسأذكر ما ورد فيه
عند الكلام على فضلها وأما صفتها فهي أصل ما يعول عليه في حديثي الباب (قوله حدثنا
الحكم) لم اقف عليه في جميع الطرق عن شعبة الا هكذا غير منسوب وهو فقيه الكوفة في
عصره وهو ابن عتيبة بمثناة وموحدة مصغر ووقع عند الترمذي والطبراني وغيرهما من رواية
مالك بن مغول وغيره منسوبا قالوا عن الحكم بن عتيبة وعبد الرحمن بن أبي ليلى تابعي كبير وهو
والد ابن أبي ليلى فقيه الكوفة محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ينسب إلى جده (قوله لقيني
كعب بن عجرة) في رواية فطر بن خليفة عن ابن أبي ليلى لقيني كعب بن عجرة الأنصاري أخرجه
الطبراني ونقل ابن سعد عن الواقدي انه أنصاري من أنفسهم وتعقبه فقال لم أجده في نسب
الأنصار والمشهور انه بلوى والجمع بين القولين انه بلوى حالف الأنصار وعين المحاربي عن
مالك بن مغول عن الحكم المكان الذي التقيا به فأخرجه الطبري من طريقه بلفظ ان كعبا
قال له وهو يطوف بالبيت (قوله ألا أهدى لك هدية) زاد عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن
ابن أبي ليلى عن جده كما تقدم في أحاديث الأنبياء سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم (قوله إن
النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا) يجوز في أن الفتح والكسر وقال الفاكهاني في شرح
العمدة في هذا السياق اضمار تقديره فقال عبد الرحمن نعم فقال كعب ان النبي صلى الله
عليه وسلم (قلت) وقع ذلك صريحا في رواية شبابة وعفان عن شعبة بلفظ قلت بلى قال أخرجه
الخلعي في فوائده وفي رواية عبد الله بن عيسى المذكورة ولفظه فقلت بلى فاهدها لي فقال
(قوله فقلنا يا رسول الله) كذا في معظم الروايات عن كعب بن عجرة قلنا بصيغة الجمع وكذا وقع في
حديث أبي سعيد في الباب ومثله في حديث أبي بريدة عند أحمد وفي حديث طلحة عند النسائي
128

وفي حديث أبي هريرة عند الطبري ووقع عند أبي داود عن حفص بن عمر عن شعبة بسند
حديث الباب قلنا أو قالوا يا رسول الله بالشك والمراد الصحابة أو من حضر منهم ووقع عند
السراج والطبراني من رواية قيس بن سعد عن الحكم به ان أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم قالوا وقال الفاكهاني الظاهر أن السؤال صدر من بعضهم لا من جميعهم ففيه التعبير
عن البعض بالكل ثم قال ويبعد جدا أن يكون كعب هو الذي باشر السؤال منفردا فأتى بالنون
التي للتعظيم بل لا يجوز ذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم أجاب بقوله قولوا فلو كان السائل واحدا
لقال له قل ولم يقل قولوا انتهى ولم يظهر لي وجه نفى الجواز وما المانع أن يسأل الصحابي
الواحد عن الحكم فيجيب صلى الله عليه وسلم بصيغة الجمع إشارة إلى اشتراك الكل في الحكم
ويؤكده ان في نفس السؤال قد عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي كلها بصيغة الجمع فدل
على أنه سأل لنفسه ولغيره فحسن الجواب بصيغة الجمع لكن الاتيان بنون العظمة في خطاب
النبي صلى الله عليه وسلم لا يظن بالصحابي فان ثبت أن السائل كان متعددا فواضح وان ثبت انه
كان واحدا فالحكمة في الاتيان بصيغة الجمع الإشارة إلى أن السؤال لا يختص به بل يريد نفسه
ومن يوافقه على ذلك فحمله على ظاهره من الجمع هو المعتمد على أن الذي نفاه الفاكهاني قد ورد في
بعض الطرق فعند الطبري من طريق الأجلح عن الحكم بلفظ قمت إليه فقلت السلام عليك
قد عرفناه فكيف الصلاة عليك يا رسول الله قال قل اللهم صل على محمد الحديث وقد وقفت
من تعيين من باشر السؤال على جماعة وهم كعب بن عجرة وبشير بن سعد والد النعمان وزيد بن
خارجة الأنصاري وطلحة بن عبيد الله وأبو هريرة وعبد الرحمن بن بشير أما كعب فوقع عند
الطبراني من رواية محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم بهذا السند بلفظ قلت يا رسول الله
قد علمنا وأما بشير ففي حديث أبي مسعود عند مالك ومسلم وغيرهما انه رأى النبي صلى الله
عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد أمرنا الله أن نصلي عليك الحديث وأما
زيد بن خارجة فأخرج النسائي من حديثه قال أنا سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
صلوا على واجتهدوا في الدعاء وقولوا اللهم صل على محمد الحديث وأخرج الطبري من حديث
طلحة قال قلت يا رسول الله كيف الصلاة عليك ومخرج حديثهما واحد وأما حديث أبي هريرة
فأخرج الشافعي من حديثه أنه قال يا رسول الله كيف نصلي عليك وأما حديث عبد الرحمن
ابن بشير فأخرجه إسماعيل القاضي في كتاب فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قال قلت
أو قيل للنبي صلى الله عليه وسلم هكذا عنده على الشك وأبهم أبو عوانة في صحيحه من رواية
الأجلح وحمزة الزيات عن الحكم السائل ولفظه جاء رجل فقال يا رسول الله قد علمنا ووقع لهذا
السؤال سبب أخرجه البيهقي والخلعي من طريق الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني حدثنا
إسماعيل بن زكريا عن الأعمش ومسعر ومالك بن مغول عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن
كعب بن عجرة قال لما نزلت ان الله وملائكته يصلون على النبي الآية قلنا يا رسول الله قد علمنا
الحديث وقد أخرج مسلم هذا الحديث عن محمد بن بكار عن إسماعيل بن زكريا ولم يسق لفظه بل
أحال به على ما قبله فهو على شرطه وأخرجه السراج من طريق مالك بن مغول وحده كذلك
وأخرج أحمد والبيهقي وإسماعيل القاضي من طريق يزيد بن أبي زياد والطبراني من طريق محمد
129

ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى والطبري من طريق الأجلح والسراج من طريق سفيان وزائدة
فرقهما وأبو عوانة في صحيحه من طريق الأجلح وحمزة الزيات كلهم عن الحكم مثله وأخرج أبو
عوانة أيضا من طريق مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى مثله وفي حديث طلحة عند الطبري أتى
رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال سمعت الله يقول إن الله وملائكته الآية فكيف الصلاة
عليك (قوله قد علمنا) المشهور في الرواية بفتح أوله وكسر اللام مخففا وجوز بعضهم ضم أوله
والتشديد على البناء للمجهول ووقع في رواية ابن عيينة عن يزيد بن أبي زياد بالشك ولفظه قلنا
قد علمنا أو علمنا رويناه في الخلعيات وكذا أخرج السراج من طريق مالك بن مغول عن الحكم
بلفظ علمناه أو علمناه ووقع في رواية حفص بن عمر المذكورة أمرتنا أن نصلي عليك وأن نسلم
عليك فأما السلام فقد عرفناه وفي ضبط عرفناه ما تقدم في علمناه وأراد بقوله أمرتنا أي بلغتنا
عن الله تعالى أنه أمر بذلك ووقع في حديث أبي مسعود أمرنا الله وفي رواية عبد الله بن عيسى
المذكورة كيف الصلاة عليكم أهل البيت فان الله قد علمنا كيف نسلم أي علمنا الله كيفية
السلام عليك على لسانك وبواسطة بيانك وأما اتيانه بصيغة الجمع في قوله عليكم فقد بين مراده
بقوله أهل البيت لأنه لو اقتصر عليها لاحتمل أن يريد بها التعظيم وبها تحصل مطابقة الجواب
للسؤال حيث قال على محمد وعلى آل محمد وبهذا يستغنى عن قول من قال في الجواب زيادة على
السؤال لان السؤال وقع عن كيفية الصلاة عليه فوقع الجواب عن ذلك بزيادة كيفية الصلاة
على آله (قوله كيف نسلم عليك) قال البيهقي فيه إشارة إلى السلام الذي في التشهد وهو قول
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فيكون المراد بقولهم فكيف نصلي عليك أي بعد
التشهد انتهى وتفسير السلام بذلك هو الظاهر وحكى ابن عبد البر فيه احتمالا وهو أن المراد
به السلام الذي يتحلل به من الصلاة وقال إن الأول أظهر وكذا ذكر عياض وغيره ورد بعضهم
الاحتمال المذكور بأن سلام التحلل لا يتقيد به اتفاقا كذا قيل وفي نقل الاتفاق نظر فقد جزم
جماعة من المالكية بأنه يستحب للمصلي أن يقول عند سلام التحلل السلام عليك أيها النبي
ورحمة الله وبركاته السلام عليكم ذكره عياض وقبله ابن أبي زيد وغيره (قوله فكيف نصلي
عليك) زاد أبو مسعود في حديثه فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا انه لم يسأله
وانما تمنوا ذلك خشية أن يكون لم يعجبه السؤال المذكور لما تقرر عندهم من النهي عن ذلك فقد
تقدم في تفسير قوله تعالى لا تسألوا عن أشياء من سورة المائدة بيان ذلك ووقع عند الطبري من
وجه آخر في هذا الحديث فسكت حتى جاءه الوحي فقال تقولون واختلف في المراد بقولهم كيف
فقيل المراد السؤال عن معنى الصلاة المأمور بها بأي لفظ يؤدى وقيل عن صفتها قال عياض لما
كان لفظ الصلاة المأمور بها في قوله تعالى صلوا عليه يحتمل الرحمة والدعاء والتعظيم سألوا بأي لفظ
تؤدى هكذا قال بعض المشايخ ورجح الباجي أن السؤال انما وقع عن صفتها لا عن جنسها وهو
أظهر لان لفظ كيف ظاهر في الصفة وأما الجنس فيسئل عنه بلفظ ما وبه جزم القرطبي فقال
هذا سؤال من أشكلت عليه كيفية ما فهم أصله وذلك أنهم عرفوا المراد بالصلاة فسألوا عن
الصفة التي تليق بها ليستعملوها انتهى والحامل لهم على ذلك أن السلام لما تقدم بلفظ
مخصوص وهو السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فهموا منه أن الصلاة أيضا تقع بلفظ
130

مخصوص وعدلوا عن القياس لامكان الوقوف على النص ولا سيما في ألفاظ الاذكار فإنها تجئ
خارجة عن القياس غالبا فوقع الامر كما فهموا فإنه لم يقل لهم قولوا الصلاة عليك أيها النبي ورحمة
الله وبركاته ولا قولوا الصلاة والسلام عليك الخ بل علمهم صيغة أخرى (قوله قال قولوا اللهم)
هذه كلمة كثر استعمالها في الدعاء وهو بمعنى يا الله والميم عوض عن حرف النداء فلا يقال اللهم غفور
رحيم مثلا وانما يقال اللهم اغفر لي وارحمني ولا يدخلها حرف النداء الا في نادر كقول الراجز اني
إذا ما حادث ألما * أقول أيا للهما يا اللهما واختص هذا الاسم بقطع الهمزة عند النداء ووجوب
تفخيم لامه وبدخول حرف النداء عليه مع التعريف وذهب الفراء ومن تبعه من الكوفيين
إلى أن أصله يا الله وحذف حرف النداء تخفيفا والميم مأخوذة من جملة محذوفة مثل أمنا
بخير وقيل بل زائدة كما في زرقم للشديد الزرقة وزيدت في الاسم العظيم تفخيما وقيل بل هو كالواو
الدالة على الجمع كأن الداعي قال يا من اجتمعت له الأسماء الحسنى ولذلك شددت الميم لتكون
عوضا عن علامة الجمع وقد جاء عن الحسن البصري اللهم مجتمع الدعاء وعن النضر بن شميل من
قال اللهم فقد سأل الله بجميع أسمائه (قوله صل) تقدم في أواخر تفسير الأحزاب عن أبي
العالية أن معنى صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه عند ملائكته ومعنى صلاة الملائكة عليه الدعاء
له وعند ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حبان قال صلاة الله مغفرته وصلاة الملائكة الاستغفار وعن
ابن عباس أن معنى صلاة الرب الرحمة وصلاة الملائكة الاستغفار وقال الضحاك بن مزاحم
صلاة الله رحمته وفي رواية عنه مغفرته وصلاة الملائكة الدعاء أخرجهما إسماعيل القاضي عنه
وكأنه يريد الدعاء بالمغفرة ونحوها وقال المبرد الصلاة من الله الرحمة من الملائكة رقة تبعث على
استدعاء الرحمة وتعقب بأن الله غاير بين الصلاة والرحمة في قوله أولئك عليهم صلوات من ربهم
ورحمة وكذلك فهم الصحابة المغايرة من قوله تعالى صلوا عليه وسلموا حتى سألوا عن كيفية الصلاة
مع تقدم ذكر الرحمة في تعليم السلام حيث جاء بلفظ السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته
وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم فلو كانت الصلاة بمعنى الرحمة لقال لهم قد علمتم ذلك في السلام
وجوز الحليمي أن تكون الصلاة بمعنى السلام عليه وفيه نظر وحديث الباب يرد على ذلك
وأولى الأقوال ما تقدم عن أبي العالية أن معنى صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه وتعظيمه وصلاة
الملائكة وغيرهم عليه طلب ذلك له من الله تعالى والمراد طلب الزيادة لا طلب أصل الصلاة وقيل
صلاة الله على خلقه تكون خاصة وتكون عامة فصلاته على أنبيائه هي ما تقدم من الثناء
والتعظيم وصلاته على غيرهم الرحمة فهي التي وسعت كل شئ ونقل عياض عن بكر القشيري قال
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من الله تشريف وزيادة تكرمة وعلى من دون النبي رحمة
وبهذا التقرير يظهر الفرق بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين سائر المؤمنين حيث قال الله تعالى
ان الله وملائكته يصلون على النبي وقال قبل ذلك في السورة المذكورة هو الذي يصلي عليكم
وملائكته ومن المعلوم أن القدر اي يليق بالنبي صلى الله عليه وسلم من ذلك أرفع مما يليق
بغيره والاجماع منعقد على أن في هذه الآية من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم والتنويه به ما ليس
في غيرها وقال الحليمي في الشعب معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تعظيمه فمعنى قولنا
اللهم صل على محمد عظم محمدا والمراد تعظيمه في الدنيا باعلاء ذكره وإظهار دينه وابقاء شريعته
131

وفي الآخرة باجزال مثوبته وتشفيعه في أمته وابداء فضيلته بالمقام المحمود وعلى هذا فالمراد بقوله
تعالى صلوا عليه ادعوا ربكم بالصلاة عليه انتهى ولا يعكر عليه عطف آله وأزواجه وذريته
عليه فإنه لا يمتنع ان يدعى لهم بالتعظيم إذ تعظيم كل أحد بحسب ما يليق به وما تقدم عن أبي
العالية أظهر فإنه يحصل به استعمال لفظ الصلاة بالنسبة إلى الله والى ملائكته والى المؤمنين
المأمورين بذلك بمعنى واحد ويؤيده أنه لا خلاف في جواز الترحم على غير الأنبياء واختلف في
جواز الصلاة على غير الأنبياء ولو كان معنى قولنا اللهم صل على محمد اللهم ارحم محمدا أو ترحم
على محمد لجاز لغير الأنبياء وكذا لو كانت بمعنى البركة وكذا الرحمة لسقط الوجوب في التشهد عند
من يوجبه بقول المصلى في التشهد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ويمكن الانفصال
بان ذلك وقع بطريق التعبد فلا بد من الاتيان به ولو سبق الاتيان بما يدل عليه (قوله على محمد
وعلى آل محمد) كذا وقع في الموضعين في قوله صل وفي قوله وبارك 3 ولكن وقع في الثاني وبارك
على آل إبراهيم ووقع عند البيهقي من وجه آخر عن آدم شيخ البخاري فيه على إبراهيم ولم يقل على
آل إبراهيم وأخذ البيضاوي من هذا أن ذكر الآل في رواية الأصل مقحم كقوله على آل أبي أوفى
(قلت) والحق أن ذكر محمد وإبراهيم وذكر آل إبراهيم ثابت في أصل الخبر وإنما حفظ
بعض الرواة ما لم يحفظ الاخر وسأبين من ساقه تاما بعد قليل وشرح الطيبي على ما وقع في رواية
البخاري هنا فقال هذا اللفظ يساعد قول من قال إن معنى قول الصحابي علمنا كيف السلام
عليك أي في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما فكيف نصلي عليك أي على
أهل بيتك لان الصلاة عليه قد عرفت مع السلام من الآية قال فكان السؤال عن الصلاة على
الآل تشريفا لهم وقد ذكر محمد في الجواب لقوله تعالى لا تقدموا بين يدي الله ورسوله وفائدته
الدلالة على الاختصاص قال وانما ترك ذكر إبراهيم لينبه على هذه النكتة ولو ذكر لم يفهم ان ذكر
محمد على سبيل التمهيد انتهى ولا يخفى ضعف ما قال ووقع في حديث أبي مسعود عند أبي داود
والنسائي على محمد النبي الأمي وفي حديث أبي سعيد في الباب على محمد عبدك ورسولك كما
صليت على إبراهيم ولم يذكر آل محمد ولا آل إبراهيم وهذا ان لم يحمل على ما قلته ان بعض الرواة
حفظ مالم يحفظ الاخر والأظهر فساد ما بحثه الطيبي وفي حديث أبي حميد في الباب بعده على
محمد وأزواجه وذريته ولم يذكر الآل في الصحيح ووقعت في رواية ابن ماجة وعند أبي داود من
حديث أبي هريرة اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته
وأخرجه النسائي من الوجه الذي أخرجه منه أبو داود ولكن وقع في السند اختلاف بين موسى
ابن إسماعيل شيخ أبي داود فيه وبين عمرو بن عاصم شيخ شيخ النسائي فيه فروياه معا عن حبان بن
يسار وهو بكسر المهملة وتشديد الموحدة وأبوه بمثناة ومهملة خفيفة فوقع في رواية موسى
عنه عن عبيد الله بن طلحة عن محمد بن علي عن نعيم المجمر عن أبي هريرة وفي رواية عمرو بن عاصم
عنه عن عبد الرحمن بن طلحة عن محمد بن علي عن محمد ابن الحنفية عن أبيه علي بن أبي طالب
ورواية موسى أرجح ويحتمل أن يكون لحبان فيه سندان ووقع في حديث أبي مسعود وحده
في آخره في العالمين انك حميد مجيد ومثله في رواية داود بن قيس عن نعيم المجمر عن أبي هريرة عند
السراج قال النووي في شرح المهذب ينبغي أن يجمع ما في الأحاديث الصحيحة فيقول اللهم
132

صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم
وبارك مثله وزاد في آخره في العالمين وقال في الاذكار مثله وزاد عبدك ورسولك بعد قوله محمد
في صل ولم يزدها في بارك وقال في التحقيق والفتاوى مثله الا أنه أسقط النبي الأمي في وبارك وفاته
أشياء لعلها توازي قدر ما زاده أو تزيد عليه منها قوله أمهات المؤمنين بعد قوله أزواجه ومنها
وأهل بيته بعد قوله وذريته وقد وردت في حديث ابن مسعود عند الدارقطني ومنها عبدك
ورسولك في وبارك ومنها في العالمين في الأولى ومنها انك حميد مجيد قبل وبارك ومنها اللهم قبل
وبارك فإنهما ثبتا معا في رواية للنسائي ومنها وترحم على محمد إلى آخره وسيأتي البحث فيها بعد
ومنها في آخر التشهد وعلينا معهم وهي عند الترمذي من طريق أبي أسامة عن زائدة عن
الأعمش عن الحكم نحو حديث الباب قال في آخره قال عبد الرحمن ونحن نقول وعلينا معهم
وكذا أخرجها السراج من طريق زائدة وتعقب ابن العربي هذه الزيادة قال هذا شئ انفرد به
زائدة فلا يعول عليه فان الناس اختلفوا في معنى الآل اختلافا كثيرا ومن جملته أنهم أمته فلا
يبقى للتكرار فائدة واختلفوا أيضا في جواز الصلاة على غير الأنبياء فلا نرى أن نشرك في هذه
الخصوصية مع محمد وآله أحدا وتعقبه شيخنا في شرح الترمذي بأن زائدة من الاثبات فانفراده
لو انفرد لا يضر مع كونه لم ينفرد فقد أخرجها إسماعيل القاضي في كتاب فضل الصلاة من طريقين
عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ويزيد استشهد به مسلم وعند البيهقي في الشعب من
حديث جابر نحو حديث الباب وفي آخره وعلينا معهم وأما الايراد الأول فإنه يختص بمن يرى
أن معنى الآل كل الأمة ومع ذلك فلا يمتنع أن يعطف الخاص على العام ولا سيما في الدعاء وأما
الايراد الثاني فلا نعلم من منع ذلك تبعا وانما الخلاف في الصلاة على غير الأنبياء استقلالا وقد شرع
الدعاء للآحاد بما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه في حديث اللهم إني أسألك من خير ما سألك
منه محمد وهو حديث صحيح أخرجه مسلم انتهى ملخصا وحديث جابر ضعيف ورواية يزيد
أخرجها أحمد أيضا عن محمد بن فضيل عنه وزاد في آخره قال يزيد فلا أدرى أشئ زاده عبد الرحمن
من قبل نفسه أو رواه عن كعب وكذا أخرجه الطبري من رواية محمد بن فضيل ووردت هذه
الزيادة من وجهين آخرين مرفوعين أحدهما عند الطبراني من طريق فطر بن خليفة عن
الحكم بلفظ يقولون اللهم صل على محمد إلى قوله وآل إبراهيم وصل علينا معهم وبارك على محمد
مثله وفي آخره وبارك علينا معهم ورواته موثقون لكنه فيما أحسب مدرج لما بينه زائدة عن
الأعمش ثانيهما عند الدارقطني من وجه آخر عن ابن مسعود مثله لكن قال اللهم بدل الواو
في وصل وفي وبارك وفيه عبد الوهاب بن مجاهد وهو ضعيف وقد تعقب الأسنوي ما قال النووي
فقال لم يستوعب ما ثبت في الأحاديث مع اختلاف كلامه وقال الأذرعي لم يسبق إلى ما قال
والذي يظهر أن الأفضل لمن تشهد أن يأتي بأكمل الروايات ويقول كل ما ثبت هذا مرة وهذا
مرة وأما التلفيق فإنه يستلزم احداث صفة في التشهد لم ترد مجموعة في حديث واحد انتهى
وكأنه أخذه من كلام ابن القيم فإنه قال إن هذه الكيفية لم ترد مجموعة في طريق من الطرق والأولى
أن يستعمل كل لفظ ثبت على حدة فبذلك يحصل الاتيان بجميع ما ورد بخلاف ما إذا قال
الجميع دفعة واحدة فان الغالب على الظن أنه صلى الله عليه وسلم لم يقله كذلك وقال الأسنوي
133

أيضا كان يلزم الشيخ أن يجمع الألفاظ الواردة في التشهد وأجيب بأنه لا يلزم من كونه لم يصرح
بذلك أن لا يلتزمه وقال ابن القيم أيضا قد نص الشافعي على أن الاختلاف في ألفاظ التشهد
ونحوه كالاختلاف في القراءات ولم يقل أحد من الأئمة باستحباب التلاوة بجميع الألفاظ
المختلفة في الحرف الواحد من القرآن وإن كان بعضهم أجاز ذلك عند التعليم للتمرين انتهى
والذي يظهر أن اللفظ إن كان بمعنى اللفظ الاخر سواء كما في أزواجه وأمهات المؤمنين فالأولى
الاقتصار في كل مرة على أحدهما وإن كان اللفظ يستقل بزيادة معنى ليس في اللفظ الاخر
البتة فالأولى الاتيان به ويحمل على أن بعض الرواة حفظ مالم يحفظ الاخر كما تقدم وإن كان
يزيد على الاخر في المعنى شيئا ما فلا بأس بالاتيان به احتياطا وقالت طائفة منهم الطبري ان
ذلك من الاختلاف المباح فأي لفظ ذكره المرء أجزأ والأفضل أن يستعمل أكمله وأبلغه
واستدل على ذلك باختلاف النقل عن الصحابة فذكر ما نقل عن علي وهو حديث موقوف
طويل أخرجه سعيد بن منصور والطبري والطبراني وابن فارس وأوله اللهم داحي المدحوات
إلى أن قال اجعل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك ورأفة تحيتك على محمد عبدك ورسولك
الحديث وعن ابن مسعود بلفظ اللهم اجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك على سيد المرسلين
وامام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك الحديث أخرجه ابن ماجة والطبري
وادعى ابن القيم أن أكثر الأحاديث بل كلها مصرحة بذكر محمد وآل محمد وبذكر آل إبراهيم فقط
أو بذكر إبراهيم فقط قال ولم يجئ في حديث صحيح بلفظ إبراهيم وآل إبراهيم معا وانما أخرجه
البيهقي من طريق يحيى بن السباق عن رجل من بني الحارث عن ابن مسعود ويحيى مجهول وشيخه
مبهم فهو سند ضعيف وأخرجه ابن ماجة من وجه آخر قوى لكنه موقوف على ابن مسعود
وأخرجه النسائي والدارقطني من حديث طلحة (قلت) وغفل عما وقع في صحيح البخاري كما تقدم
في أحاديث الأنبياء في ترجمة إبراهيم عليه السلام من طريق عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن
ابن أبي ليلى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى بلفظ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد
مجيد وكذا في قوله كما باركت وكذا وقع في حديث أبي مسعود البدري من رواية محمد بن إسحاق
عن محمد بن إبراهيم عن محمد بن عبد الله بن زيد عنه أخرجه الطبري بل أخرجه الطبري أيضا
في رواية الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أخرجه من طريق عمرو بن قيس عن الحكم بن عتيبة
فذكره بلفظ على محمد وآل محمد انك حميد مجيد وبلفظ على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد
وأخرجه أيضا من طريق الأجلح عن الحكم مثله سواء وأخرج أيضا من طريق حنظلة بن علي
عن أبي هريرة ما سأذكره وأخرجه أبو العباس السراج من طريق داود بن قيس عن نعيم المجمر
عن أبي هريرة انهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد
وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد ومن
حديث بريدة رفعه اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد كما جعلتها على
إبراهيم وعلى آل إبراهيم وأصله عند أحمد ووقع في حديث ابن مسعود المشار إليه زيادة أخرى
وهي وارحم محمدا وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم الحديث وأخرجه الحاكم
في صحيحه من حديث ابن مسعود فاغتر بتصحيحه قوم فوهموا فإنه من رواية يحيى بن السباق
134

وهو مجهول عن رجل مبهم نعم أخرج ابن ماجة ذلك عن ابن مسعود من قوله قال قولوا اللهم
اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد عبدك ورسولك الحديث وبالغ ابن العربي في إنكار
ذلك فقال حذار مما ذكره ابن أبي زيد من زيادة وترحم فإنه قريب من البدعة لأنه صلى الله عليه
وسلم علمهم كيفية الصلاة عليه بالوحي ففي الزيادة على ذلك استدراك عليه انتهى وابن أبي زيد ذكر
ذلك في صفة التشهد في الرسالة لما ذكر ما يستحب في التشهد ومنه اللهم صل على محمد وآل محمد
فزاد وترحم على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد إلى آخره فإن كان إنكاره لكونه لم يصح
فمسلم والا فدعوى من ادعى انه لا يقال ارحم محمدا مردودة لثبوت ذلك في عدة أحاديث أصحها
في التشهد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ثم وجدت لابن أبي زيد مستندا فأخرج
الطبري في تهذيبه من طريق حنظلة بن علي عن أبي هريرة رفعه من قال اللهم صل على محمد وعلى
آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على
إبراهيم وعلى آل إبراهيم وترحم على محمد وعلى آل محمد كما ترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم
شهدت له يوم القيامة وشفعت له ورجال سنده رجال الصحيح الا سعيد بن سليمان مولى سعيد بن
العاص الراوي له عن حنظلة بن علي فإنه مجهول (تنبيه) هذا كله فيما يقال مضموما إلى
السلام أو الصلاة وقد وافق ابن العربي الصيدلاني من الشافعية على المنع وقال أبو القاسم
الأنصاري شارح الارشاد يجوز ذلك مضافا إلى الصلاة ولا يجوز مفردا ونقل عياض عن الجمهور
الجواز مطلقا وقال القرطبي في المفهم انه الصحيح لورود الأحاديث به وخالفه غيره ففي الذخيرة
من كتب الحنفية عن محمد يكره ذلك لايهامه النقص لان الرحمة غالبا انما تكون عن فعل
ما يلام عليه وجزم ابن عبد البر بمنعه فقال لا يجوز لاحد إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن
يقول رحمه الله لأنه قال من صلى على ولم يقل من ترحم على ولا من دعا لي وإن كان معنى
الصلاة الرحمة ولكنه خص هذا اللفظ تعظيما له فلا يعدل عنه إلى غيره ويؤيده قوله تعالى
لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا انتهى وهو بحث حسن لكن في التعليل
الأول نظر والمعتمد الثاني والله أعلم (قوله وعلى آل محمد) قيل أصل آل أهل قلبت الهاء همزة ثم
سهلت ولهذا إذا صغر رد إلى الأصل فقالوا أهيل وقيل بل أصله أول من آل إذا رجع سمى بذلك
من يؤل إلى الشخص ويضاف إليه ويقويه أنه لا يضاف الا إلى معظم فيقال آل القاضي ولا
يقال آل الحجام بخلاف أهل ولا يضاف آل أيضا غالبا إلى غير العاقل ولا إلى المضمر عند الأكثر
وجوزه بعضهم بقلة وقد ثبت في شعر عبد المطلب في قوله في قصة أصحاب الفيل من أبيات
وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك وقد يطلق آل فلان على نفسه وعليه وعلى من
يضاف إليه جميعا وضابطه أنه إذا قيل فعل آل فلان كذا دخل هو فيهم الا بقرينة ومن شواهده
قوله صلى الله عليه وسم للحسن بن علي انا آل محمد لا تحل لنا الصدقة وان ذكرا معا فلا وهو
كالفقير والمسكين وكذا الايمان والاسلام والفسوق والعصيان ولما اختلفت ألفاظ الحديث
في الاتيان بهما معا وفي افراد أحدهما كان أولى المحامل أن يحمل على أنه صلى الله عليه وسلم
قال ذلك كله ويكون بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الاخر وأما التعدد فبعيد لان غالب الطرق
تصرح بأنه وقع جوابا عن قولهم كيف نصلي عليك ويحتمل أن يكون بعض من اقتصر على آل
135

إبراهيم بدون ذكر إبراهيم رواه بالمعنى بناء على دخول إبراهيم في قوله آل إبراهيم كما تقدم
واختلف في المراد بآل محمد في هذا الحديث فالراجح أنهم من حرمت عليهم الصدقة وقد تقدم
بيان الاختلاف في ذلك واضحا في كتاب الزكاة وهذا نص عليه الشافعي واختاره الجمهور
ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي انا آل محمد لا تحل لنا الصدقة وقد تقدم في
البيوع من حديث أبي هريرة ولمسلم من حديث عبد المطلب بن ربيعة في أثناء حديث مرفوع
ان هذه الصدقة انما هي أوساخ الناس وانها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد وقال أحمد المراد بآل محمد
في حديث التشهد أهل بيته وعلى هذا فهل يجوز أن يقال أهل عوض آل روايتان عندهم وقيل
المراد بآل محمد أزواجه وذريته لان أكثر طرق هذا الحديث جاء بلفظ وآل محمد وجاء في حديث
أبي حميد موضعه وأزواجه وذريته فدل على أن المراد بالآل الأزواج والذرية وتعقب بأنه ثبت
الجمع بين الثلاثة كما في حديث أبي هريرة فيحمل على أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ غيره فالمراد
بالآل في التشهد الأزواج ومن حرمت عليهم الصدقة ويدخل فيهم الذرية فبذلك يجمع بين
الأحاديث وقد أطلق على أزواجه صلى الله عليه وسلم آل محمد في حديث عائشة ما شبع آل محمد
من خبز مأدوم ثلاثا وقد تقدم ويأتي في الرقاق وفيه أيضا من حديث أبي هريرة اللهم اجعل
رزق آل محمد قوتا وكأن الأزواج أفردوا بالذكر تنويها بهم وكذا الذرية وقيل المراد بالآل ذرية
فاطمة خاصة حكاه النووي في شرح المهذب وقيل هم جميع قريش حكاه ابن الرفعة في الكفاية
وقيل المراد بالآل جميع الأمة أمة الإجابة وقال ابن العربي مال إلى ذلك مالك واختاره الأزهري
وحكاه أبو الطيب الطبري عن بعض الشافعية ورجحه النووي في شرح مسلم وقيده القاضي
حسين والراغب بالأتقياء منهم وعليه يحمل كلام من أطلق ويؤيده قوله تعالى ان أولياؤه الا
المتقون وقوله صلى الله عليه وسلم ان أوليائي منكم المتقون وفي نوادر أبي العيناء انه غض من
بعض الهاشميين فقال له أتغض مني وأنت تصلي على في كل صلاة في قولك اللهم صل على محمد
وعلى آل محمد فقال اني أريد الطيبين الطاهرين ولست منهم ويمكن أن يحمل كلام من أطلق
على أن المراد بالصلاة الرحمة المطلقة فلا تحتاج إلى تقييد وقد استدل لهم بحديث أنس رفعه آل
محمد كل تقي أخرجه الطبراني ولكن سنده واه جدا وأخرج البيهقي عن جابر نحوه من قوله
بسند ضعيف (قوله كما صليت على آل إبراهيم) اشتهر السؤال عن موقع التشبيه مع أن المقرر
أن المشبه دون المشبه به والواقع هنا عكسه لان محمدا صلى الله عليه وسلم وحده أفضل من آل
إبراهيم ومن إبراهيم ولا سيما قد أضيف إليه آل محمد وقضية كونه أفضل أن تكون الصلاة
المطلوبة أفضل من كل صلاة حصلت أو تحصل لغيره وأجيب عن ذلك بأجوبة الأول أنه قال
ذلك قبل أن يعلم أنه أفضل من إبراهيم وقد أخرج مسلم من حديث أنس ان رجلا قال للنبي صلى
الله عليه وسلم يا خير البرية قال ذاك إبراهيم أشار إليه ابن العربي وأيده بأنه سأل لنفسه التسوية
مع إبراهيم وأمر أمته أن يسألوا له ذلك فزاده الله تعالى بغير سؤال أن فضله على إبراهيم وتعقب
بأنه لو كان كذلك لغير صفة الصلاة عليه بعد أن علم أنه أفضل الثاني أنه قال ذلك تواضعا وشرع
ذلك لامته ليكتسبوا بذلك الفضيلة الثالث أن التشبيه انما هو لأصل الصلاة بأصل الصلاة
لا للقدر بالقدر فهو كقوله تعالى انا أوحينا إليك كما أو حينا إلى نوح وقوله كتب عليكم الصيام
136

كما كتب على الذين من قبلكم وهو كقول القائل أحسن إلى ولدك كما أحسنت إلى فلان ويريد
بذلك أصل الاحسان لا قدره ومنه قوله تعالى وأحسن كما أحسن الله إليك ورجح هذا الجواب
القرطبي في المفهم الرابع ان الكاف للتعليل كما في قوله كما أرسلنا فيكم رسولا منكم وفي قوله تعالى
فاذكروه كما هداكم وقال بعضهم الكاف على بابها من التشبيه ثم عدل عنه للاعلام بخصوصية
المطلوب الخامس أن المراد أن يجعله خليلا كما جعل إبراهيم وأن يجعل له لسان صدق كما جعل
لإبراهيم مضافا إلى ما حصل له من المحبة ويرد عليه ما ورد على الأول وقربه بعضهم بأنه مثل رجلين
يملك أحدهما ألفا ويملك الاخر ألفين فسأل صاحب الألفين أن يعطى ألفا أخرى نظير الذي
اعطيها الأول فيصير المجموع للثاني أضعاف ما للأول السادس ان قوله اللهم صل على محمد
مقطوع عن التشبيه فيكون التشبيه متعلقا بقوله وعلى آل محمد وتعقب بأن غير الأنبياء لا يمكن
ان يساووا الأنبياء فكيف تطلب لهم صلاة مثل الصلاة التي وقعت لإبراهيم والأنبياء من آله
ويمكن الجواب عن ذلك بأن المطلوب الثواب الحاصل لهم لا جميع الصفات التي كانت سببا
للثواب وقد نقل العمراني في البيان عن الشيخ أبي حامد أنه نقل هذا الجواب عن نص الشافعي
واستبعد ابن القيم صحة ذلك عن الشافعي لأنه مع فصاحته ومعرفته بلسان العرب لا يقول هذا
الكلام الذي يستلزم هذا التركيب الركيك المعيب من كلام العرب كذا قال وليس التركيب
المذكور بركيك بل التقدير اللهم صل على محمد وصل على آل محمد كما صليت إلى آخره فلا يمتنع
تعلق التشبيه بالجملة الثانية * السابع أن التشبيه انما هو للمجموع بالمجموع فإن في الأنبياء من آل
إبراهيم كثرة فإذا قوبلت تلك الذوات الكثيرة من إبراهيم وآل إبراهيم بالصفات الكثيرة التي
لمحمد أمكن انتفاء التفاضل (قلت) ويعكر على هذا الجواب أنه وقع في حديث أبي سعيد ثاني
حديثي الباب مقابلة الاسم فقط بالاسم فقط ولفظه اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم
* الثامن أن التشبيه بالنظر إلى ما يحصل لمحمد وآل محمد من صلاة كل فرد فرد فيحصل من مجموع
صلاة المصلين من أول التعليم إلى آخر الزمان أضعاف ما كان لآل إبراهيم وعبر ابن العربي عن
هذا بقوله المراد دوام ذلك واستمراره * التاسع أن التشبيه راجع إلى المصلي فيما يحصل له من
الثواب لا بالنسبة إلى ما يحصل للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا ضعيف لأنه يصير كأنه قال اللهم
أعطني ثوابا على صلاتي على النبي صلى الله عليه وسلم كما صليت على آل إبراهيم ويمكن أن يجاب
بأن المراد مثل ثواب المصلى على آل إبراهيم * العاشر دفع المقدمة المذكورة أولا وهي أن المشبه
به يكون أرفع من المشبه وأن ذلك ليس مطردا بل قد يكون التشبيه بالمثل بل وبالدون كما في قوله
تعالى مثل نوره كمشكاة وأين يقع نور المشكاة من نوره تعالى ولكن لما كان المراد من المشبه به
أن يكون شيئا ظاهرا واضحا للسامع حسن تشبيه النور بالمشكاة وكذا هنا لما كان تعظيم إبراهيم
وآل إبراهيم بالصلاة عليهم مشهورا واضحا عند جميع الطوائف حسن أن يطلب لمحمد وآل محمد
بالصلاة عليهم مثل ما حصل لإبراهيم وآل إبراهيم ويؤيد ذلك ختم الطلب المذكور بقوله في
العالمين أي كما أظهرت الصلاة على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين ولهذا لم يقع قوله في العالمين
الا في ذكر آل إبراهيم دون ذكر آل محمد على ما وقع في الحديث الذي ورد فيه وهو حديث أبي
مسعود فيما أخرجه مالك ومسلم وغيرهما وعبر الطيبي عن ذلك بقوله ليس التشبيه المذكور من
137

باب الحاق الناقص بالكامل بل من باب الحاق ما لم يشتهر بما اشتهر وقال الحليمي سبب هذا
التشبيه أن الملائكة قالت في بيت إبراهيم رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت انه حميد مجيد وقد
علم أن محمدا وآل محمد من أهل بيت إبراهيم فكأنه قال أجب دعاء الملائكة الذين قالوا ذلك في
محمد وآل محمد كما أجبتها عندما قالوها في آل إبراهيم الموجودين حينئذ ولذلك ختم بما ختمت به
الآية وهو قوله انك حميد مجيد وقال النووي بعد أن ذكر بعض هذه الأجوبة أحسنها ما نسب
إلى الشافعي والتشبيه لأصل الصلاة بأصل الصلاة أو للمجموع بالمجموع وقال ابن القيم بعد أن
زيف أكثر الأجوبة الا تشبيه المجموع بالمجموع وأحسن منه أن يقال هو صلى الله عليه وسلم من
آل إبراهيم وقد ثبت ذلك عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل
إبراهيم وآل عمران على العالمين قال محمد من آل إبراهيم فكأنه أمرنا أن نصلي على محمد وعلى آل
محمد خصوصا بقدر ما صلينا عليه مع إبراهيم وآل إبراهيم عموما فيحصل لآله ما يليق بهم ويبقى
الباقي كله له وذلك القدر أزيد مما لغيره من آل إبراهيم قطعا ويظهر حينئذ فائدة التشبيه وأن
المطلوب له بهذا اللفظ أفضل من المطلوب بغيره من الألفاظ ووجدت في مصنف لشيخنا مجد الدين
الشيرازي اللغوي جوابا آخر نقله عن بعض أهل الكشف حاصله أن التشبيه لغير اللفظ المشبه
به لا لعينه وذلك أن المراد بقولنا اللهم صل على محمد اجعل من أتباعه من يبلغ النهاية في أمر
الدين كالعلماء بشرعه بتقريرهم أمر الشريعة كما صليت على إبراهيم بأن جعلت في اتباعه
أنبياء يقررون الشريعة والمراد بقوله وعلى آل محمد اجعل من أتباعه ناسا محدثين بالفتح
يخبرون بالمغيبات كما صليت على إبراهيم بأن جعلت فيهم أنبياء يخبرون بالمغيبات والمطلوب
حصول صفات الأنبياء لآل محمد وهم أتباعه في الدين كما كانت حاصلة بسؤال إبراهيم وهذا
محصل ما ذكره وهو جيد ان سلم أن المراد بالصلاة هنا ما ادعاه والله أعلم وفي نحو هذه الدعوى
جواب آخر المراد اللهم استجب دعاء محمد في أمته كما استجبت دعاء إبراهيم في بنيه ويعكر على هذا
عطف الآل في الموضعين (قوله على آل إبراهيم) هم ذريته من إسماعيل وإسحاق كما جزم به جماعة
من الشراح وان ثبت أن إبراهيم كان له أولاد من غير سارة وهاجر فهم داخلون لا محالة ثم إن
المراد المسلمون منهم بل المتقون فيدخل فيهم الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون دون
من عداهم وفيه ما تقدم في آل محمد (قوله وبارك) المراد بالبركة هنا الزيادة من الخير والكرامة
وقيل المراد التطهير من العيوب والتزكية وقيل المراد اثبات ذلك واستمراره من قولهم بركت
الإبل أي ثبتت على الأرض وبه سميت بركة الماء بكسر أوله وسكون ثانيه لإقامة الماء فيها
والحاصل أن المطلوب أن يعطوا من الخير أوفاه وأن يثبت ذلك ويستمر دائما والمراد بالعالمين
فيما رواه أبو مسعود في حديثه أصناف الخلق وفيه أقوال أخرى قيل ما حواه بطن الفلك وقيل
كل محدث وقيل ما فيه روح وقيل بقيد العقلاء وقيل الإنس والجن فقط (قوله انك حميد مجيد)
أما الحميد فهو فعيل من الحمد بمعنى محمود وأبلغ منه وهو من حصل له من صفات الحمد أكملها
وقيل هو بمعنى الحامد أي يحمد أفعال عباده وأما المجيد فهو من المجد وهو صفة من كمل في
الشرف وهو مستلزم للعظمة والجلال كما أن الحمد يدل على صفة الاكرام ومناسبة ختم هذا
الدعاء بهذين الاسمين العظيمين أن المطلوب تكريم الله لنبيه وثناؤه عليه والتنويه به وزيادة
138

تقريبه وذلك مما يستلزم طلب الحمد والمجد ففي ذلك إشارة إلى أنهما كالتعليل للمطلوب أو هو
كالتذييل له والمعنى انك فاعل ما تستوجب به الحمد من النعم المترادفة كريم بكثرة الاحسان إلى
جميع عبادك واستدل بهذا الحديث على إيجاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل
صلاة لما وقع في هذا الحديث من الزيادة في بعض الطرق عن أبي مسعود وهو ما أخرجه أصحاب
السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم كلهم من طريق محمد ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم
التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد عنه بلفظ فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا
وقد أشرت إلى شئ من ذلك في تفسير سورة الأحزاب وقال الدارقطني إسناده حسن متصل وقال
البيهقي إسناده حسن صحيح وتعقبه ابن التركماني بأنه قال في باب تحريم قتل ماله روح بعد ذكر حديث
فيه ابن إسحاق الحفاظ يتوقون ما ينفرد به (قلت) وهو اعتراض متجه لأن هذه الزيادة تفرد بها ابن
إسحاق لكن ما ينفرد به وان لم يبلغ درجة الصحيح فهو في درجة الحسن إذا صرح بالتحديث وهو
هنا كذلك وإنما يصحح له من لا يفرق بين الصحيح والحسن ويجعل كل ما يصلح للحجة صحيحا وهذه
طريقة ابن حبان ومن ذكر معه وقد احتج بهذه الزيادة جماعة من الشافعية كابن خزيمة
والبيهقي لايجاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد بعد التشهد وقبل السلام
وتعقب بأنه لا دلالة فيه على ذلك بل انما يفيد إيجاب الاتيان بهذه الألفاظ على من صلى على
النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد وعلى تقدير أن يدل على إيجاب أصل الصلاة فلا يدل على هذا
المحل المخصوص ولكن قرب البيهقي ذلك بما تقدم أن الآية لما نزلت وكان النبي صلى الله عليه
وسلم قد علمهم كيفية السلام عليه في التشهد والتشهد داخل الصلاة فسألوا عن كيفية الصلاة
فعلمهم فدل على أن المراد بذلك إيقاع الصلاة عليه في التشهد بعد الفراغ من التشهد الذي تقدم
تعليمه لهم وأما احتمال أن يكون ذلك خارج الصلاة فهو بعيد كما قال عياض وغيره وقال ابن دقيق
العيد ليس فيه تنصيص على أن الامر به مخصوص بالصلاة وقد كثر الاستدلال به على وجوب
الصلاة عليه في الصلاة وقرر بعضهم الاستدلال بأن الصلاة عليه واجبة بالاجماع وليست الصلاة
عليه خارج الصلاة واجبة بالاجماع فتعين أن تجب في الصلاة قال وهذا ضعيف لان قوله لا تجب
في غير الصلاة بالاجماع ان أراد به عينا فهو صحيح لكن لا يفيد المطلوب لأنه يفيد ان تجب في أحد
الموضعين لا بعينه وزعم القرافي في الذخيرة أن الشافعي هو المستدل بذلك ورده بنحو ما رد به ابن
دقيق العيد ولم يصب في نسبة ذلك للشافعي والذي قاله الشافعي في الام فرض الله الصلاة على
رسوله بقوله ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما فلم
يكن فرض الصلاة عليه في موضع أولى منه في الصلاة ووجدنا الدلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم
بذلك أخبرنا إبراهيم بن محمد حدثني صفوان بن سليم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أنه قال
يا رسول الله كيف نصلي عليك يعني في الصلاة قال تقولون اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما
صليت على إبراهيم الحديث أخبرنا إبراهيم بن محمد حدثني سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يقول في الصلاة
اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم الحديث قال الشافعي فلما روى أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم التشهد في الصلاة وروى عنه أنه علمهم كيف يصلون عليه في
139

الصلاة لم يجز أن نقول التشهد في الصلاة واجب والصلاة عليه فيه غير واجبة وقد تعقب بعض
المخالفين هذا الاستلال من أوجه أحدها ضعف إبراهيم بن أبي يحيى والكلام فيه مشهور الثاني
على تقدير صحته فقوله في الأول يعني في الصلاة لم يصرح بالقائل يعني الثالث قوله في الثاني انه كان
يقول في الصلاة وإن كان ظاهره ان الصلاة المكتوبة لكنه يحتمل أن يكون المراد بقوله في الصلاة
أي في صفة الصلاة عليه وهو احتمال قوي لان أكثر الطرق عن كعب بن عجرة كما تقدم تدل على أن
السؤال وقع عن صفة الصلاة لا عن محلها الرابع ليس في الحديث ما يدل على تعين ذلك في التشهد
خصوصا بينه وبين السلام من الصلاة وقد أطنب قوم في نسبة الشافعي في ذلك إلى الشذوذ منهم
أبو جعفر الطبري وأبو جعفر الطحاوي وأبو بكر بن المنذر والخطابي وأورد عياض في الشفاء
مقالاتهم وعاب عليه ذلك غير واحد لان موضوع كتابه يقتضي تصويب ما ذهب إليه الشافعي
لأنه من جملة تعظيم المصطفى وقد استحسن هو القول بطهارة فضلاته مع أن الأكثر على خلافه
لكنه استجاده لما فيه من الزيادة في تعظيمه وانتصر جماعة للشافعي فذكروا أدلة نقلية ونظرية
ودفعوا دعوى الشذوذ فنقلوا القول بالوجوب عن جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم
وأصح ما ورد في ذلك عن الصحابة والتابعين ما أخرجه الحاكم بسند قوي عن ابن مسعود قال
يتشهد الرجل ثم يصلي على النبي ثم يدعو لنفسه وهذا أقوى شئ يحتج به للشافعي فإن ابن مسعود
ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم التشهد في الصلاة وأنه قال ثم ليتخير من الدعاء ما شاء فلما
ثبت عن ابن مسعود الامر بالصلاة عليه قبل الدعاء دل على أنه اطلع على زيادة ذلك بين التشهد
والدعاء واندفعت حجة من تمسك بحديث ابن مسعود في دفع ما ذهب إليه الشافعي مثل ما ذكر
عياض قال وهذا تشهد ابن مسعود الذي علمه له النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه ذكر الصلاة
عليه وكذا قول الخطابي ان في آخر حديث ابن مسعود إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك لكن
رد عليه بأن هذه الزيادة مدرجة وعلى تقدير ثبوتها فتحمل على أن مشروعية الصلاة عليه
وردت بعد تعليم التشهد ويتقوى ذلك بما أخرجه الترمذي عن عمر موقوفا الدعاء موقوف بين
السماء والأرض لا يصعد منه شئ حتى يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن العربي ومثل
هذا لا يقال من قبل الرأي فيكون له حكم الرفع انتهى وورد له شاهد مرفوع في جزء الحسن
ابن عرفة وأخرج العمري في عمل يوم وليلة عن ابن عمر بسند جيد قال لا تكون صلاة الا بقراءة
وتشهد وصلاة على وأخرج البيهقي في الخلافيات بسند قوي عن الشعبي وهو من كبار التابعين
قال من لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد فليعد صلاته وأخرج الطبري بسند صحيح
عن مطرف بن عبد الله بن الشخير وهو من كبار التابعين قال كنا نعلم التشهد فإذا قال وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله يحمد ربه ويثني عليه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأل حاجته
وأما فقهاء الأمصار فلم يتفقوا على مخالفة الشافعي في ذلك بل جاء عن أحمد روايتان وعن إسحاق
الجزم به في العمد فقال إذا تركها يعيد والخلاف أيضا عند المالكية ذكرها ابن الحاجب في سنن
الصلاة ثم قال على الصحيح فقال شارحه ابن عبد السلام يريد أن في وجوبها قولين وهو ظاهر
كلام ابن المواز منهم وأما الحنفية فالزم بعض شيوخنا من قال منهم بوجوب الصلاة عليه
كلما ذكر كالطحاوي ونقله السروجي في شرح الهداية عن أصحاب المحيط والعقد والتحفة
140

والمغيث من كتبهم أن يقولوا بوجوبها في التشهد لتقدم ذكره في آخر التشهد لكن لهم أن
يلتزموا ذلك لكن لا يجعلونه شرطا في صحة الصلاة وروى الطحاوي أن حرملة انفرد عن الشافعي
بايجاب ذلك بعد التشهد وقبل سلام التحلل قال لكن أصحابه قبلوا ذلك وانتصروا له وناظروا
عليه انتهى واستدل له ابن خزيمة ومن تبعه بما أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه
وكذا ابن خزيمة وابن حبان والحاكم من حديث فضالة بن عبيد قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم
رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله ولم يصل على النبي فقال عجل هذا ثم دعاه فقال إذا صلى
أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه ثم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بما شاء وهذا
مما يدل على أن قول ابن مسعود المذكور قريبا مرفوع فإنه بلفظه وقد طعن ابن عبد البر في
الاستدلال بحديث فضالة للوجوب فقال لو كان كذلك لأمر المصلى بالإعادة كما أمر المسئ
صلاته وكذا أشار إليه ابن حزم وأجيب باحتمال أن يكون الوجوب وقع عند فراغه ويكفي
التمسك بالامر في دعوى الوجوب وقال جماعة منهم الجرجاني من الحنفية لو كانت فرضا للزم
تأخير البيان عن وقت الحاجة لأنه علمهم التشهد وقال فيتخير من الدعاء ما شاء ولم يذكر الصلاة
عليه وأجيب باحتمال أن لا تكون فرضت حينئذ وقال شيخنا في شرح الترمذي قد ورد هذا في
الصحيح بلفظ ثم ليتخير وثم للتراخي فدل على أنه كان هناك شئ بين التشهد والدعاء واستدل بعضهم
بما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رفعه إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليستعذ بالله
من أربع الحديث وعلى هذا عول ابن حزم في إيجاب هذه الاستعاذة في التشهد وفي كون الصلاة
على النبي صلى الله عليه وسلم مستحبة عقب التشهد لا واجبة وفيه ما فيه والله أعلم وقد انتصر ابن
القيم للشافعي فقال أجمعوا على مشروعية الصلاة عليه في التشهد وانما اختلفوا في الوجوب
والاستحباب وفي تمسك من لم يوجبه بعمل السلف الصالح نظر لان عملهم كان بوفاقه الا إن كان يريد
بالعمل الاعتقاد فيحتاج إلى نقل صريح عنهم بأن ذلك ليس بواجب وأنى يوجد ذلك قال وأما
قول عياض ان الناس شنعوا على الشافعي فلا معنى له فأي شناعة في ذلك لأنه لم يخالف نصا ولا
إجماعا ولا قياسا ولا مصلحة راجحة بل القول بذلك من محاسن مذهبه وأما نقله للاجماع فقد تقدم
رده وأما دعواه أن الشافعي اختار تشهد ابن مسعود فيدل على عدم معرفة باختيارات الشافعي
فإنه إنما اختار تشهد ابن عباس وأما ما احتج به جماعة من الشافعية من الأحاديث المرفوعة
الصريحة في ذلك فإنها ضعيفة كحديث سهل بن سعد وعائشة وأبي مسعود وبريدة وغيرهم وقد
استوعبها البيهقي في الخلافيات ولا بأس بذكرها للتقوية لا أنها تنهض بالحجة (قلت) ولم أر عن
أحد من الصحابة والتابعين التصريح بعدم الوجوب الا ما نقل عن إبراهيم النخعي ومع ذلك
فلفظ المنقول عنه كما تقدم يشعر بأن غيره كان قائلا بالوجوب فإنه عبر بالاجزاء (قوله في ثاني
حديثي الباب ابن أبي حازم والدراوردي) اسم كل منهما عبد العزيز وابن أبي حازم ممن يحتج به
البخاري والدراوردي انما يخرج له في المتابعات أو مقرونا بآخر ويزيد شيخهما هو ابن عبد الله
ابن الهاد وعبد الله بن خباب بمعجمة وموحدتين الأولى ثقيلة (قوله هذا السلام عليك) أي
عرفناه كما وقع تقريره في الحديث الأول وتقدمت بقية فوائده في الذي قبله واستدل بهذا الحديث
على تعين هذا اللفظ الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في امتثال الامر سواء قلنا بالوجوب
141

مطلقا أو مقيدا بالصلاة وأما تعينه في الصلاة فعن أحمد في رواية والأصح عند اتباعه لا تجب
واختلف في الأفضل فعن أحمد أكمل ما ورد وعنه يتخير وأما الشافعية فقالوا يكفي أن يقول اللهم
صل على محمد واختلفوا هل يكفي الاتيان بما يدل على ذلك كان يقوله بلفظ الخبر فيقول صلى الله
على محمد مثلا والأصح اجزاؤه وذلك أن الدعاء بلفظ الخبر آكد فيكون جائزا بطريق الأولى ومن
منع وقف عند التعبد وهو الذي رجحه ابن العربي بل كلامه يدل على أن الثواب الوارد لمن صلى
على النبي صلى الله عليه وسلم انما يحصل لمن صلى عليه بالكيفية المذكورة واتفق أصحابنا على أنه
لا يجزئ أن يقتصر على الخبر كأن يقول الصلاة على محمد إذ ليس فيه اسناد الصلاة إلى الله تعالى
واختلفوا في تعين لفظ محمد لكن جوزوا الاكتفاء بالوصف دون الاسم كالنبي ورسول الله لان
لفظ محمد وقع التعبد به فلا يجزئ عنه الا ما كان أعلى منه ولهذا قالوا لا يجزئ الاتيان بالضمير ولا
بأحمد مثلا في الأصح فيهما مع تقدم ذكره في التشهد بقوله النبي وبقوله محمد وذهب الجمهور إلى
الاجتزاء بكل لفظ أدى المراد بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم حتى قال بعضهم لو قال في أثناء
التشهد الصلاة والسلام عليك أيها النبي أجزأ وكذا لو قال أشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم
عبده ورسوله بخلاف ما إذا قدم عبده ورسوله وهذا ينبغي أن ينبني على أن ترتيب ألفاظ التشهد
لا يشترط وهو الأصح ولكن دليل مقابله قوي لقولهم كما يعلمنا السورة وقول ابن مسعود عدهن
في يدي ورأيت لبعض المتأخرين فيه تصنيفا وعمدة الجمهور في الاكتفاء بما ذكر ان الوجوب ثبت
بنص القرآن بقوله تعالى صلوا عليه وسلموا تسليما فلما سأل الصحابة عن الكيفية وعلمها لهم النبي
صلى الله عليه وسلم واختلف النقل لتلك الألفاظ اقتصر على ما اتفقت عليه الروايات وترك ما زاد
على ذلك كما في التشهد إذ لو كان المتروك واجبا لما سكت عنه انتهى وقد استشكل ذلك ابن
الفركاح في الإقليد فقال جعلهم هذا هو الأقل يحتاج إلى دليل على الاكتفاء بمسمى الصلاة فان
الأحاديث الصحيحة ليس فيها الاقتصار والأحاديث التي فيها الامر بمطلق الصلاة ليس فيها ما يشير
إلى ما يجب من ذلك في الصلاة وأقل ما وقع في الروايات اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم
ومن ثم حكى الفوراني عن صاحب الفروع في إيجاب ذكر إبراهيم وجهين واحتج لمن لم يوجبه
بأنه ورد بدون ذكره في حديث زيد بن خارجة عند النسائي بسند قو ولفظه صلوا علي وقولوا
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وفيه نظر لأنه من اختصار بعض الرواة فإن النسائي أخرجه من
هذا الوجه بتمامه وكذا الطحاوي واختلف في إيجاب الصلاة على الآل ففي تعينها أيضا عند
الشافعية والحنابلة روايتان والمشهور عندهم لا وهو قول الجمهور وادعى كثير منهم فيه الاجماع
وأكثر من أثبت الوجوب من الشافعية نسبوه إلى الترنجي ونقل البيهقي في الشعب عن أبي إسحاق
المروزي وهو من كبار الشافعية قال أنا أعتقد وجوبها قال البيهقي وفي الأحاديث الثابتة دلالة
على صحة ما قال (قلت) وفي كلام الطحاوي في مشكلة ما يدل على أن حرملة نقله عن الشافعي
واستدل به على مشروعية الصلاة على النبي وآله في التشهد الأول والمصحح عند الشافعية
استحباب الصلاة عليه فقط لأنه مبني على التخفيف وأما الأول فبناه الأصحاب على حكم ذلك في
التشهد الأخير ان قلنا بالوجوب (قلت) واستدل بتعليمه صلى الله عليه وسلم لأصحابه الكيفية بعد
سؤالهم عنها بأنها أفضل كيفيات الصلاة عليه لأنه لا يختار لنفسه الا الأشرف الأفضل ويترتب
142

على ذلك لو حلف أن يصلي عليه أفضل الصلاة فطريق البر أن يأتي بذلك هكذا صوبه النووي
في الروضة بعد ذكر حكاية الرافعي عن إبراهيم المروزي أنه قال يبر إذا قال كلما ذكره الذاكرون
وكلما سها عن ذكره الغافلون قال النووي وكأنه أخذ ذلك من كون الشافعي ذكر هذه
الكيفية (قلت) وهي في خطبة الرسالة لكن بلفظ غفل بدل سها وقال الأذرعي إبراهيم
المذكور كثير النقل من تعليقة القاضي حسين ومع ذلك فالقاضي قال في طريق البر يقول اللهم
صلى على محمد كما هو أهله ومستحقه وكذا نقله البغوي في تعليقه (قلت) ولو جمع بينها فقال ما في
الحديث وأضاف إليه أثر الشافعي وما قاله القاضي لكان أشمل ويحتمل أن يقال يعمد إلى جميع
ما اشتملت عليه الروايات الثابتة فيستعمل منها ذكرا يحصل به البر وذكر شيخنا مجد الدين
الشيرازي في جزء له في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض العلماء أنه قال أفضل
الكيفيات أن يقول اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وأزواجه وذريته
وسلم عدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك وعن آخر نحوه لكن قال عدد
الشفع والوتر وعدد كلماتك التامة ولم يسم قائلها والذي يرشد إليه الدليل ان البر يحصل بما في
حديث أبي هريرة لقوله صلى الله عليه وسلم من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا فليقل
اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم
الحديث والله أعلم (تنبيه) إن كان مستند المروزي ما قاله الشافعي فظاهر كلام الشافعي ان
الضمير لله تعالى فإن لفظه وصلى الله على نبيه كلما ذكره الذاكرون فكان حق من غير عبارته أن
يقول اللهم صل على محمد كلما ذكرك الذاكرون الخ واستدل به على جواز الصلاة على غير
الأنبياء وسيأتي البحث فيه في الباب الذي بعده واستدل به على أن الواو لا تقتضي الترتيب لان
صيغة الامر وردت بالصلاة والتسليم بالواو في قوله تعالى صلوا عليه وسلموا وقدم تعليم السلام
قبل الصلاة كما قالوا علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك واستدل به على رد قول النخعي
يجزئ في امتثال الامر بالصلاة قوله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته في التشهد لأنه
لو كان كما قال لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى ذلك ولما عدل إلى تعليمهم كيفية أخرى
واستدل به على أن افراد الصلاة عن التسليم لا يكره وكذا العكس لان تعليم التسليم تقدم قبل
تعليم الصلاة كما تقدم فأفرد التسليم مدة في التشهد قبل الصلاة عليه وقد صرح النووي بالكراهة
واستدل بورود الامر بهما معا في الآية وفيه نظر نعم يكره ان يفرد الصلاة ولا يسلم أصلا اما لو صلى
في وقت وسلم في وقت آخر فإنه يكون ممتثلا واستدل به على فضيلة الصلاة على النبي صلى الله
عليه وسلم من جهة ورود الامر بها واعتناء الصحابة بالسؤال عن كيفيتها وقد ورد في التصريح
بفضلها أحاديث قوية لم يخرج البخاري منها شيئا منها ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة
رفعه من صلى على واحدة صلى الله عليه عشرا وله شاهد عن أنس عند أحمد والنسائي وصححه
ابن حبان وعن أبي بردة بن نيار وأبي طلحة كلاهما عند النسائي ورواتهما ثقات ولفظ أبي بردة من
صلى علي من أمتي صلاة مخلصا من قلبه صلى الله عليه بها عشر صلوات ورفعه بها عشر درجات
وكتب له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ولفظ أبي طلحة عنده نحوه وصححه ابن حبان
ومنها حديث ابن مسعود رفعه ان أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة وحسنه
143

الترمذي وصححه ابن حبان وله شاهد عند البيهقي عن أبي أمامة بلفظ صلاة أمتي تعرض علي في كل
يوم جمعة فمن كان أكثرهم على صلاة كان اقربهم مني منزلة ولا بأس بسنده وورد الامر بإكثار
الصلاة عليه يوم الجمعة من حديث أوس بن أوس وهو عند أحمد وأبي داود وصححه ابن حبان
والحاكم ومنها حديث البخيل من ذكرت عنده فلم يصل على أخرجه الترمذي والنسائي وابن
حبان والحاكم وإسماعيل القاضي وأطنب في تخريج طرقه وبيان الاختلاف فيه من حديث علي
ومن حديث ابنه الحسين ولا يقصر عن درجة الحسن ومنها حديث من نسي الصلاة علي خطئ
طريق الجنة أخرجه ابن ماجة عن ابن عباس والبيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة وابن
أبي حاتم من حديث جابر والطبراني من حديث حسين بن علي وهذه الطرق يشد بعضها بعضا
وحديث رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة بلفظ
من ذكرت عنده ولم يصل على فمات فدخل النار فأبعده الله وله شاهد عنده وصححه الحاكم وله
شاهد من حديث أبي ذر في الطبراني وآخر عن أنس عند ابن أبي شيبة وآخر مرسل عن الحسن
عند سعيد بن منصور وأخرجه ابن حبان من حديث أبي هريرة ومن حديث مالك بن الحويرث
ومن حديث عبد الله بن عباس عند الطبراني ومن حديث عبد الله بن جعفر عند الفريابي وعند
الحاكم من حديث كعب بن عجرة بلفظ بعد من ذكرت عنده فلم يصل علي وعند الطبراني من
حديث جابر رفعه شقى عبد ذكرت عنده فلم يصل علي وعند عبد الرزاق من مرسل قتادة من الجفاء
أن أذكر عند رجل فلا يصلي علي ومنها حديث أبي بن كعب ان رجلا قال يا رسول الله اني أكثر
الصلاة فما اجعل لك من صلاتي قال ما شئت قال الثلث قال ما شئت وان زدت فهو خير إلى أن قال
أجعل لك كل صلاتي قال إذا تكفي همك الحديث أخرجه أحمد وغيره بسند حسن فهذا الجيد
من الأحاديث الواردة في ذلك وفي الباب أحاديث كثيرة ضعيفة وواهية واما ما وضعه القصاص
في ذلك فلا يحصى كثرة وفي الأحاديث القوية غنية عن ذلك قال الحليمي المقصود بالصلاة على النبي
صلى الله عليه وسلم التقرب إلى الله بامتثال امره وقضاء حق النبي صلى الله عليه وسلم علينا وتبعه
ابن عبد السلام فقال ليست صلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم شفاعة له فإن مثلنا لا يشفع
لمثله ولكن الله أمرنا بمكافأة من أحسن إلينا فإن عجزنا عنها كافأناه بالدعاء فأرشدنا الله لما علم عجزنا
عن مكافأة نبينا إلى الصلاة عليه وقال ابن العربي فائدة الصلاة عليه ترجع إلى الذي يصلي عليه
لدلالة ذلك على نصوص العقيدة وخلوص النية وإظهار المحبة والمداومة على الطاعة والاحترام
للواسطة الكريمة صلى الله عليه وسلم وقد تمسك بالأحاديث المذكورة من أوجب الصلاة عليه كلما
ذكر لان الدعاء بالرغم والابعاد والشقاء والوصف بالبخل والجفاء يقتضي الوعيد والوعيد على
الترك من علامات الوجوب ومن حيث المعنى ان فائدة الامر بالصلاة عليه مكافأته على إحسانه
واحسانه مستمر فيتأكد إذا ذكر وتمسكوا أيضا بقوله لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء
بعضكم بعضا فلو كان إذا ذكر لا يصلي عليه لكان كآحاد الناس ويتأكد ذلك إذا كان المعنى
بقوله دعاء الرسول الدعاء المتعلق بالرسول وأجاب من لم يوجب ذلك بأجوبة منها انه قول
لا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين فهو قول مخترع ولو كان ذلك على عمومه للزم المؤذن إذا
اذن وكذا سامعه وللزم القارئ إذا مر ذكره في القرآن وللزم الداخل في الاسلام إذا تلفظ
144

بالشهادتين ولكان في ذلك من المشقة والحرج ما جاءت الشريعة السمحة بخلافه ولكان الثناء
على الله كلما ذكر أحق بالوجوب ولم يقولوا به وقد اطلق القدوري وغيره من الحنفية ان القول
بوجوب الصلاة عليه كلما ذكر مخالف للاجماع المنعقد قبل قائله لأنه لا يحفظ عن أحد من الصحابة
أنه خاطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله صلى الله عليك ولأنه لو كان كذلك لم يتفرغ
السامع لعبادة أخرى وأجابوا عن الأحاديث بأنها خرجت مخرج المبالغة في تأكيد ذلك وطلبه
وفي حق من اعتاد ترك الصلاة عليه ديدنا وفي الجملة لا دلالة على وجوب تكرر ذلك بتكرر ذكره
صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد واحتج الطبري لعدم الوجوب أصلا مع ورود صيغة الامر
بذلك بالاتفاق من جميع المتقدمين والمتأخرين من علماء الأمة على أن ذلك غير لازم فرضا حتى
يكون تاركه عاصيا قال فدل ذلك على أن الامر فيه للندب ويحصل الامتثال لمن قاله ولو كان
خارج الصلاة وما ادعاه من الاجماع معارض بدعوى غيره الاجماع على مشروعية ذلك في الصلاة
اما بطريق الوجوب واما بطريق الندب ولا يعرف عن السلف لذلك مخالف الا ما أخرجه ابن أبي
شيبة والطبري عن إبراهيم أنه كان يرى أن قول المصلي في التشهد السلام عليك أيها النبي ورحمة
الله وبركاته يجزئ عن الصلاة ومع ذلك لم يخالف في أصل المشروعية وانما ادعى اجزاء السلام عن
الصلاة والله أعلم ومن المواطن التي اختلف في وجوب الصلاة عليه فيها التشهد الأول وخطبة
الجمعة وغيرها من الخطب وصلاة الجنازة ومما يتأكد ووردت فيه أخبار خاصة أكثرها بأسانيد
جيدة عقب إجابة المؤذن وأول الدعاء وأوسطه وآخره وفي أوله آكد وفي آخر القنوت وفي أثناء
تكبيرات العيد وعند دخول المسجد والخروج منه وعند الاجتماع والتفرق وعند السفر
والقدوم وعند القيام لصلاة الليل وعند ختم القرآن وعند الهم والكرب وعند التوبة من
الذنب وعند قراءة الحديث وتبليغ العلم والذكر وعند نسيان الشئ وورد ذلك أيضا في أحاديث
ضعيفة وعند استلام الحجر وعند طنين الاذن وعند التلبية وعقب الوضوء وعند الذبح
والعطاس وورد المنع منها عندهما أيضا وورد الامر بالاكثار منها يوم الجمعة في حديث صحيح
كما تقدم (قوله باب هل يصلي على غير النبي صلى الله عليه وسلم) أي استقلالا
أو تبعا ويدخل في الغير الأنبياء والملائكة والمؤمنون فأما مسئلة الأنبياء فورد فيها أحاديث
أحدها حديث علي في الدعاء بحفظ القرآن ففيه وصل علي وعلى سائر النبيين أخرجه الترمذي
والحاكم وحديث بريدة رفعه لا تتركن في التشهد الصلاة علي وعلى أنبياء الله الحديث أخرجه
البيهقي بسند واه وحديث أبي هريرة رفعه صلوا على أنبياء الله الحديث أخرجه إسماعيل
القاضي بسند ضعيف وحديث ابن عباس رفعه إذا صليتم علي فصلوا على أنبياء الله فإن الله بعثهم
كما بعثني أخرجه الطبراني ورويناه في فوائد العيسوي وسنده ضعيف أيضا وقد ثبت عن ابن
عباس اختصاص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عثمان بن حكيم
عن عكرمة عنه قال ما أعلم الصلاة تنبغي على أحد من أحد الا على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا
سند صحيح وحكى القول به عن مالك وقال ما تعبدنا به وجاء نحوه عن عمر بن عبد العزيز وعن مالك
يكره وقال عياض عامة أهل العلم على الجواز وقال سفيان يكره أن يصلي الا على نبي ووجدت
بخط بعض شيوخي مذهب مالك لا يجوز أن يصلي الا على محمد وهذا غير معروف عن مالك وانما
145

قال أكره الصلاة على غير الأنبياء وما ينبغي لنا أن نتعدى ما أمرنا به وخالفه يحيى بن يحيى فقال
لا بأس به واحتج بأن الصلاة دعاء بالرحمة فلا يمنع الا بنص أو إجماع قال عياض والذي أميل إليه
قول مالك وسفيان وهو قول المحققين من المتكلمين والفقهاء قالوا يذكر غير الأنبياء بالرضا
والغفران والصلاة على غير الأنبياء يعني استقلالا لم تكن من الامر المعروف وانما أحدثت
في دولة بني هاشم وأما الملائكة فلا أعرف فيه حديثا نصا وانما يؤخذ ذلك من الذي قبله ان ثبت
لان الله تعالى سماهم رسلا وأما المؤمنون فاختلف فيه فقيل لا تجوز إلا على النبي صلى الله عليه
وسلم خاصة وحكى عن مالك كما تقدم وقالت طائفة لا تجوز مطلقا استقلالا وتجوز تبعا فيما ورد
به النص أو ألحق به لقوله تعالى لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ولأنه لما علمهم
السلام قال السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ولما علمهم الصلاة قصر ذلك عليه وعلى أهل
بيته وهذا القول اختاره القرطبي في المفهم وأبو المعالي من الحنابلة وقد تقدم تقريره في تفسير
سورة الأحزاب وهو اختيار ابن تيمية من المتأخرين وقالت طائفة تجوز تبعا مطلقا ولا تجوز
استقلالا وهذا قول أبي حنيفة وجماعة وقالت طائفة تكره استقلالا لا تبعا وهي رواية عن
أحمد وقال النووي هو خلاف الأولى وقالت طائفة تجوز مطلقا وهو مقتضى صنيع البخاري
فإنه صدر بالآية وهي قوله تعالى وصل عليهم ثم علق الحديث الدال على الجواز مطلقا وعقبه
بالحديث الدال على الجواز تبعا فأما الأول وهو حديث عبد الله بن أبي أوفى فتقدم شرحه في
كتاب الزكاة ووقع مثله عن قيس بن سعد بن عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه وهو
يقول اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة أخرجه أبو داود والنسائي وسنده
جيد وفي حديث جابر أن امرأته قالت للنبي صلى الله عليه وسلم صل علي وعلى زوجي ففعل
أخرجه أحمد مطولا ومختصرا وصححه ابن حبان وهذا القول جاء عن الحسن ومجاهد ونص عليه
أحمد في رواية أبى داود وبه قال إسحاق وأبو ثور وداود والطبري واحتجوا بقوله تعالى هو الذي
يصلي عليكم وملائكته وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا ان الملائكة تقول لروح
المؤمن صلى الله عليك وعلى جسدك وأجاب المانعون عن ذلك كله بأن ذلك صدر من الله ورسوله
ولهما أن يخصا من شاء بما شاء وليس ذلك لاحد غيرهما وقال البيهقي يحمل قول ابن عباس بالمنع
إذا كان على وجه التعظيم لا ما إذا كان على وجه الدعاء بالرحمة والبركة وقال ابن القيم المختار أن
يصلي على الأنبياء والملائكة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وآله وذريته وأهل الطاعة على
سبيل الاجمال وتكره في غير الأنبياء لشخص مفرد بحيث يصير شعارا ولا سيما إذا ترك في حق
مثله أو أفضل منه كما يفعله الرافضة فلو اتفق وقوع ذلك مفردا في بعض الأحايين من غير أن يتخذ
شعارا لم يكن به بأس ولهذا لم يرد في حق غير من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقول ذلك لهم وهم
من أدى زكاته الا نادرا كما في قصة زوجة جابر وآل سعد بن عبادة (تنبيه) اختلف في السلام
على غير الأنبياء بعد الاتفاق على مشروعيته في تحية الحي فقيل يشرع مطلقا وقيل بل تبعا ولا
يفرد لواحد لكونه صار شعارا للرافضة ونقله النووي عن الشيخ أبي محمد الجويني (قوله في ثاني
حديثي الباب عبد الله بن أبي بكر عن أبيه) هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري مختلف
في اسمه وقيل كنيته اسمه وروايته عن عمرو بن سليم من الاقران وولده من صغار التابعين ففي
146

السند ثلاثة من التابعين في نسق والسند كله مدنيون (قوله وذريته) بضم المعجمة وحكى كسرها
هي النسل وقد يختص بالنساء والأطفال وقد يطلق على الأصل وهي من ذرأ بالهمز أي خلق
الا أن الهمزة سهلت لكثرة الاستعمال وقيل بل هي من الذر أي خلقوا أمثال الذر وعليه فليس
مهموز الأصل والله أعلم واستدل به على أن المراد بآل محمد أزواجه وذريته كما تقدم البحث فيه
في الكلام على آل محمد في الباب الذي قبله واستدل به على أن الصلاة على الآل لا تجب
لسقوطها في هذا الحديث وهو ضعيف لأنه لا يخلو ان يكون المراد بالآل غير أزواجه وذريته
أو أزواجه وذريته وعلى تقدير كل منهما لا ينهض الاستدلال على عدم الوجوب أما على الأول
فلثبوت الامر بذلك في غير هذا الحديث وليس في هذا الحديث المنع منه بل أخرج عبد الرزاق
من طريق ابن طاوس عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن رجل من الصحابة الحديث
المذكور بلفظ صل على محمد وأهل بيته وأزواجه وذريته وأما على الثاني فواضح واستدل به
البيهقي على أن الأزواج من أهل البيت وأيده بقوله تعالى انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت (قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من آذيته فاجعله له زكاة
ورحمة) كذا ترجم بهذا اللفظ وأورده بلفظ اللهم فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم
القيامة أورده من طريق يونس وهو ابن يزيد عن ابن شهاب وقد أخرجه مسلم من هذا الوجه مثله
وظاهر سياقه أنه حذف منه شئ من أوله وقد بينه مسلم من طريق ابن أخي ابن شهاب عن عمه بهذا
الاسناد بلفظ اللهم إني اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه فأيما مؤمن سببته أو جلدته فاجعل
ذلك كفارة له يوم القيامة ومن طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ اللهم انما أنا بشر فأيما رجل
من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعله له زكاة ورحمة ومن طريق الأعرج عن أبي هريرة
مثل رواية ابن أخي ابن شهاب لكن قال فأي المؤمنين آذيته شتمته لعنته جلدته فاجعلها له صلاة
وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة ومن طريق سالم عن أبي هريرة بلفظ اللهم انما محمد بشر
يغضب كما يغضب البشر وانى قد اتخذت عندك عهدا الحديث وفيه فأيما مؤمن آذيته والباقي
بمعناه بلفظ أو وأخرج من حديث عائشة بيان سبب هذا الحديث قالت دخل على رسول الله صلى
الله عليه وسلم رجلان فكلماه بشئ لا أدري ما هو فأغضباه فسبهما ولعنهما فلما خرجا قلت
له فقال أوما علمت ما شارطت عليه ربي قلت اللهم انما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته
فاجعله له زكاة وأجرا وأخرجه من حديث جابر نحوه وأخرجه من حديث أنس وفيه تقييد
المدعو عليه بأن يكون ليس لذلك بأهل ولفظه انما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما
يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها له طهورا وزكاة
وقربة يقربه بها منه يوم القيامة وفيه قصة لام سليم (قوله اللهم فأيما مؤمن) الفاء جواب الشرط
المحذوف لدلالة السياق عليه قال المازري ان قيل كيف يدعو صلى الله عليه وسلم بدعوة على
من ليس لها بأهل قيل المراد بقوله ليس لها بأهل عندك في باطن أمره لا على ما يظهر مما يقتضيه
حاله وجنايته حين دعائي عليه فكانه يقول من كان باطن أمره عندك أنه ممن ترضى عنه فاجعل
دعوتي عليه التي اقتضاها ما ظهر لي من مقتض حاله حينئذ طهورا وزكاة قال وهذا معنى صحيح
لا إحالة فيه لأنه صلى الله عليه وسلم كان متعبدا بالظواهر وحساب الناس في البواطن على الله
147

انتهى وهذا مبني على قول من قال إنه كان يجتهد في الاحكام ويحكم بما أدى إليه اجتهاده وأما
من قال كان لا يحكم الا بالوحي فلا يتأتى منه هذا الجواب ثم قال المازري فان قيل فما معنى قوله
وأغضب كما يغضب البشر فإن هذا يشير إلى أن تلك الدعوة وقعت بحكم سورة الغضب لا انها على
مقتضى الشرع فيعود السؤال فالجواب انه يحتمل انه أراد أن دعوته عليه أو سبه أو جلده كان
مما خير بين فعله له عقوبة للجاني أو تركه والزجر له بما سوى ذلك فيكون الغضب لله تعالى بعثه
على لعنه أو جلده ولا يكون ذلك خارجا عن شرعه قال ويحتمل أن يكون ذلك خرج مخرج
الاشفاق وتعليم أمته الخوف من تعدي حدود الله فكانه أظهر الاشفاق من أن يكون الغضب
يحمله على زيادة في عقوبة الجاني لولا الغضب ما وقعت أو اشفاقا من أن يكون الغضب يحمله
على زيادة يسيرة في عقوبة الجاني لولا الغضب ما زادت ويكون من الصغائر على قول من يجوزها
أو يكون الزجر يحصل بدونها ويحتمل أن يكون اللعن والسب يقع منه من غير قصد إليه فلا
يكون في ذلك كاللعنة الواقعة رغبة إلى الله وطلبا للاستجابة وأشار عياض إلى ترجيح هذا
الاحتمال الأخير فقال يحتمل أن يكون ما ذكره من سب ودعاء غير مقصود ولا منوي لكن جرى
على عادة العرب في دعم كلامها وصلة خطابها عند الحرج والتأكيد للعتب لا على نية وقوع ذلك
كقولهم عقري حلقي وتربت يمينك فاشفق من موافقة أمثالها القدر فعاهد ربه ورغب إليه
أن يجعل ذلك القول رحمة وقربة انتهى وهذا الاحتمال حسن الا أنه يرد عليه قوله جلدته فإن
هذا الجواب لا يتمشى فيه إذ لا يقع الجلد عن غير قصد وقد ساق الجميع مساقا واحدا الا ان حمل
على الجلدة الواحدة فيتجه ثم أبدى القاضي احتمالا آخر فقال كان لا يقول ولا يفعل صلى الله
عليه وسلم في حال غضبه الا الحق لكن غضبه لله قد يحمله على تعجيل معاقبة مخالفه وترك الاغضاء
والصفح ويؤيده حديث عائشة ما انتقم لنفسه قط الا أن تنتهك حرمات الله وهو في الصحيح
(قلت) فعلى هذا فمعنى قوله ليس لها بأهل أي من جهة تعين التعجيل وفي الحديث كمال شفقته صلى
الله عليه وسلم على أمته وجميل خلقه وكرم ذاته حيث قصد مقابلة ما وقع منه بالجبر والتكريم
وهذا كله في حق المعين في زمنه واضح وأما ما وقع منه بطريق التعميم لغير معين حتى يتناول من
لم يدرك زمنه صلى الله عليه وسلم فما أظنه يشمله والله أعلم (قوله باب التعوذ من
الفتن) ستأتي هذه الترجمة وحديثها في كتاب الفتن وتقدم شئ من شرحه يتعلق بسبب نزول
الآية المذكورة في آخر الحديث في تفسير سورة المائدة وقوله أحفوه بحاء مهملة ساكنة وفاء
مفتوحة أي ألحوا عليه يقال أحفيته إذا حملته على أن يبحث عن الخبر وقوله لا بالرفع ويجوز
النصب على الحال وقوله إذا لاحى بمهملة خفيفة أي خاصم وفي الحديث ان غضب رسول الله
صلى الله عليه وسلم لا يمنع من حكمه فإنه لا يقول الا الحق في الغضب والرضا وفيه فهم عمر وفضل
علمه (قوله باب التعوذ من غلبة الرجال) ذكر فيه حديث أنس في قصة خيبر
وذكر صفية بنت حي وتقدم شرح ذلك في المغازي وغيرها وسيأتي منه التعوذ مفردا بعد أبواب
(قوله فكنت أسمعه يكثر أن يقول) استدل به على أن هذه الصيغة لا تدل على الدوام ولا
الاكثار والا لما كان لقوله يكثر فائدة وتعقب بأن المراد بالدوام أعم من الفعل والقوة ويظهر لي
ان الحاصل انه لم يعرف لذلك مزيلا ويفيد قوله يكثر وقوع ذلك من فعله كثيرا (قوله من الهم
148

والحزن إلى قوله والجبن) يأتي شرحه قريبا (قوله وضلع الدين) أصل الضلع وهو بفتح المعجمة واللام
الاعوجاج يقال ضلع بفتح اللام يضلع أي مال والمراد به هنا ثقل الدين وشدته وذلك حيث لا يجد
من عليه الدين وفاء ولا سيما مع المطالبة وقال بعض السلف ما دخل هم الدين قلبا الا أذهب من
العقل مالا يعود إليه (قوله وغلبة الرجال) أي شدة تسلطهم كاستيلاء الرعاع هرجا ومرجا قال
الكرماني هذا الدعاء من جوامع الكلم لان أنواع الرذائل ثلاثة نفسانية وبدنية وخارجية
فالأولى بحسب القوى التي للانسان وهي ثلاثة العقلية والغضبية والشهوانية فالهم والحزن
يتعلق بالعقلية والجبن بالغضبية والبخل بالشهوانية والعجز والكسل بالبدنية والثاني يكون
عند سلامة الأعضاء وتمام الآلات والقوى والأول عند نقصان عضو ونحوه والضلع والغلبة
بالخارجية فالأول مالي والثاني جاهي والدعاء مشتمل على جميع ذلك (قوله باب التعوذ
من عذاب القبر) تقدم الكلام عليه في أواخر كتاب الجنائز (قوله سفيان) هو ابن عيينة وأم خالد
بنت خالد اسمها أمة بتخفيف الميم بنت خالد بن سعيد بن العاص تقدم ذكرها في اللباس وانها ولدت
بأرض الحبشة لما هاجر أبواها إليها ثم قدموا المدينة وكانت صغيرة في عهد النبي صلى الله عليه
وسلم وقد حفظت عنه (قوله باب التعوذ من البخل) كذا وقعت هذه الترجمة هنا
للمستملي وحده وهي غلط من وجهين أحدهما أن الحديث الأول في الباب وإن كان فيه ذكر
البخل لكن قد ترجم لهذه الترجمة بعينها بعد أربعة أبواب وذكر فيه الحديث المذكور بعينه
ثانيهما ان الحديث الثاني مختص بعذاب القبر لا ذكر للبخل فيه أصلا فهو بقية من الباب الذي
قبله وهو اللائق به وقوله عن عبد الملك هو ابن عمير كما سيأتي منسوبا في الباب المشار إليه (قوله عن
مصعب) هو ابن سعد بن أبي وقاص وسيأتي قريبا من رواية غندر عن شعبة عن عبد الملك
عن مصعب بن سعد ولعبد الملك بن عمير فيه شيخ آخر فقد تقدم في كتاب الجهاد من طريق
أبي عوانة عن عبد الملك بن عمير عن عمرو بن ميمون عن سعد وقال في آخره قال عبد الملك
فحدثت به مصعبا فصدقه وأورده الإسماعيلي من طريق زائدة عن عبد الملك عن مصعب
وقال في آخره فحدثت به عمرو بن ميمون فقال وأنا حدثني بهن سعد وقد أورده الترمذي من طريق
عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الملك عن مصعب بن سعد وعمرو بن ميمون جميعا عن سعد وساقه
على لفظ مصعب وكذا أخرجه النسائي من طريق زائدة عن عبد الملك عنهما وأخرجه البخاري
من طريق زائدة عن عبد الملك عن مصعب وحده وفي سياق عمرو أنه كان يقول ذلك دبر الصلاة
وليس ذلك في رواية مصعب وفي رواية مصعب ذكر البخل وليس في رواية عمرو وقد رواه أبو إسحاق
السبيعي عن عمرو بن ميمون عن ابن مسعود هذه رواية زكريا عنه وقال إسرائيل عنه عن عمرو
عن عمر بن الخطاب ونقل الترمذي عن الدارمي أنه قال كان أبو إسحاق يضطرب فيه (قلت) لعل
عمرو بن ميمون سمعه من جماعة فقد أخرجه النسائي من رواية زهير عن أبي إسحاق عن عمرو عن
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سمى منهم ثلاثة كما ترى وقوله إنه كان سعد يأمر في رواية
الكشميهني يأمرنا بصيغة الجمع وجرير المذكور في الحديث الثاني هو ابن عبد الحميد ومنصور هو
ابن المعتمر من صغار التابعين وأبو وائل هو شقيق بن سلمة وهو ومسروق شيخه من كبار التابعين
149

ورجال الاسناد كلهم كوفيون إلى عائشة ورواية أبي وائل عن مسروق من الاقران وقد ذكر أبو علي
الجياني انه وقع في رواية أبي إسحاق المستملي عن الفربري في هذا الحديث منصور عن أبي
وائل ومسروق عن عائشة بواو بدل عن قال والصواب الأول ولا يحفظ لأبي وائل عن عائشة
رواية (قلت) أما كونه الصواب فصواب لاتفاق الرواة في البخاري على أنه من رواية أبي وائل عن
مسروق وكذا أخرجه مسلم وغيره من رواية منصور وأما النفي فمردود فقد أخرج الترمذي من
رواية أبي وائل عن عائشة حديثين أحدهما ما رأيت الوجع على أحد أشد منه على رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهذا أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة من رواية أبي وائل عن مسروق
عن عائشة والثاني إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها الحديث أخرجه أيضا من رواية عمرو بن
مرة سمعت أبا وائل عن عائشة وهذا أخرجه الشيخان أيضا من رواية منصور والأعمش عن أبي
وائل عن مسروق عن عائشة وهذا جميع ما في الكتب الستة لأبي وائل عن عائشة وأخرج
ابن حبان في صحيحه من رواية شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي وائل عن عائشة حديث ما من مسلم
يشاك شوكة فما دونها الا رفعه الله بها درجة الحديث وفي بعض هذا ما يرد اطلاق أبي علي
(قوله دخلت علي عجوزان من عجز يهود المدينة) عجز بضم العين المهملة والجيم بعدها زاي جمع
عجوز مثل عمود وعمد ويجمع أيضا على عجائز وهذه رواية الإسماعيلي عن عمران بن موسى عن
عثمان بن أبي شيبة شيخ البخاري فيه قال ابن السكيت ولا يقال عجوزة وقال غيره هي لغة رديئة
وقوله ولم أنعم هو رباعي من أنعم والمراد انها لم تصدقهما أولا (قوله فقلت يا رسول الله ان عجوزين
وذكرت له فقال صدقتا) قال الكرماني حذف خبر ان للعلم به والتقدير دخلتا (قلت) ظهر لي
ان البخاري هو الذي اختصره فقد أخرجه الإسماعيلي عن عمران بن موسى عن عثمان بن أبي
شيبة شيخ البخاري فيه فساقه ولفظه فقلت له يا رسول الله ان عجوزين من عجائز يهود المدينة
دخلتا علي فزعمتا ان أهل القبور يعذبون في قبورهم فقال صدقتا وكذا أخرجه مسلم من وجه
آخر عن جرير شيخ عثمان فيه فعلى هذا فيضبط وذكرت له بضم التاء وسكون الراء أي ذكرت له
ما قالتا وقوله تسمعه البهائم تقدم شرحه مستوفى وبينت طريق الجمع بين جزمه صلى الله عليه وسلم
هنا بتصديق اليهوديتين في اثبات عذاب القبر وقوله في الرواية عائذا بالله من ذلك وكلا الحديثين
عن عائشة وحاصله انه لم يكن أوحى إليه ان المؤمنين يفتنون في القبور فقال انما يفتن يهود
فجرى على ما كان عنده من علم ذلك ثم لما علم بأن ذلك يقع لغير اليهود استعاذ منه وعلمه وأمر
بايقاعه في الصلاة ليكون أنجح في الإجابة والله أعلم (قوله باب التعوذ من فتنة
المحيا) أي زمن الحياة (والممات) أي زمن الموت من أول النزع وهلم جرا ذكر فيه حديث أنس
وفيه ذكر العجز والكسل والجبن وقد تقدم الكلام عليه في الجهاد والبخل وسيأتي بعد بابين
والهرم والمراد به الزيادة في كبر السن وعذاب القبر وقد مضى في الجنائز وأما فتنة المحيا والممات
فقال ابن بطال هذه كلمة جامعة لمعان كثيرة وينبغي للمرء أن يرغب إلى ربه في رفع ما نزل ودفع
مالم ينزل ويستشعر الافتقار إلى ربه في جميع ذلك وكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جميع
ما ذكر دفعا عن أمته وتشريعا لهم ليبين لهم صفة المهم من الأدعية (قلت) وقد تقدم شرح
المراد بفتنة المحيا وفتنة الممات في باب الدعاء قبل السلام في أواخر صفة الصلاة قبيل كتاب الجمعة
150

وأصل الفتنة الامتحان والاختبار واستعملت في الشرع في اختبار كشف ما يكره ويقال فتنت
الذهب إذا اختبرته بالنار لتنظر جودته وفي الغفلة عن المطلوب كقوله انما أموالكم وأولادكم
فتنة وتستعمل في الاكراه على الرجوع عن الدين كقوله تعالى ان الذين فتنوا المؤمنين
والمؤمنات (قلت) واستعملت أيضا في الضلال والاثم والكفر والعذاب والفضيحة ويعرف
المراد حيثما ورد بالسياق والقرائن (قوله باب التعوذ من المأثم والمغرم) بفتح الميم
فيهما وكذا الراء والمثلثة وسكون الهمزة والغين المعجمة والمأثم ما يقتضي الاثم والمغرم ما يقتضي
الغرم وقد تقدم بيانه في باب الدعاء قبل السلام من كتاب الصلاة (قوله من الكسل والهرم)
تقدما في الباب الذي قبله (قوله والمأثم والمغرم) والمراد الاثم والغرامة وهي ما يلزم الشخص أداؤه
كالدين زاد في رواية الزهري عن عروة كما مضى في باب الدعاء قبل السلام فقال له قائل ما أكثر
ما تستعيذ من المأثم والمغرم هكذا أخرجه من طريق شعيب عن الزهري وكذا أخرجه النسائي
من طريق سليمان بن سليم الحمصي عن الزهري فذكر الحديث مختصرا وفيه فقال له يا رسول الله
انك تكثر التعوذ الحديث وقد تقدم بيانه هناك وقلت اني لم أقف حينئذ على تسمية القائل
ثم وجدت تفسير المبهم في الاستعاذة للنسائي أخرجه من طريق سلمة بن سعيد بن عطية عن
معمر عن الزهري فذكر الحديث مختصرا ولفظه كان يتعوذ من المغرم والمأثم قلت يا رسول الله
ما أكثر ما تتعوذ من المغرم قال إنه من غرم حدث فكذب ووعد فأخلف فعرف أن السائل له عن
ذلك عائشة راوية الحديث (قوله ومن فتنة القبر) هي سؤال الملكين وعذاب القبر تقدم شرحه
(قوله ومن فتنة النار) هي سؤال الخزنة على سبيل التوبيخ واليه الإشارة بقوله تعالى كلما ألقى
فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير وسيأتي الكلام عليه في باب الاستعاذة من أرذل العمر بعد
ثلاثة أبواب (قوله ومن شر فتنة الغنى وأعوذ بك من فتنة الفقر) تقدم الكلام على ذلك أيضا في
باب الدعاء قبل السلام قال الكرماني صرح في فتنة الغنا بذكر الشر إشارة إلى أن مضرته أكثر
من مضرة غيره أو تغليظا على أصحابه حتى لا يغتروا فيغفلوا عن مفاسده أو إيماء إلى أن صورته
لا يكون فيها خير بخلاف صورة الفقر فإنها قد تكون خيرا انتهى وكل هذا غفلة عن الواقع فان
الذي ظهر لي ان لفظ شر في الأصل ثابتة في الموضعين وانما اختصرها بعض الرواة فسيأتي بعد
قليل في باب الاستعاذة من أرذل العمر من طريق وكيع وأبي معاوية مفرقا عن هشام بسنده هذا
بلفظ وشر فتنة الغنا وشر فتنة الفقر ويأتي بعد أبواب أيضا من رواية سلام بن أبي مطيع عن هشام
باسقاط شر في الموضعين والتقييد في الغنا والفقر بالشر لا بد منه لان كلا منهما فيه خير باعتبار
فالتقييد في الاستعاذة منه بالشر يخرج ما فيه من الخير سواء قل أم كثر قال الغزالي فتنة الغنا
الحرص على جمع المال وجه حتى يكسبه من غير حله ويمنعه من واجبات انفاقه وحقوقه
وفتنة الفقر يراد به الفقر المدقع الذي لا يصحبه خير ولا ورع حتى يتورط صاحبه بسببه فيما لا يليق
بأهل الدين والمروءة ولا يبالي بسبب فاقته على أي حرام وثب ولا في أي حالة تورط وقيل المراد به
فقر النفس الذي لا يرده ملك الدنيا بحذافيرها وليس فيه ما يدل على تفضيل الفقر على الغنا ولا
عكسه (قوله وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال) في رواية وكيع ومن شر فتنة المسيح الدجال وقد
تقدم شرحه أيضا في باب الدعاء قبل السلام (قوله اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبرد الخ)
151

تقدم شرحه في الكلام على حديث أبي هريرة في أوائل صفة الصلاة وحكمة العدول عن الماء
الحار إلى الثلج والبرد مع أن الحار في العادة أبلغ في إزالة الوسخ الإشارة إلى أن الثلج والبرد ما آن
طاهران لم تمسهما الأيدي ولم يمتهنهما الاستعمال فكان ذكرهما آكد في هذا المقام أشار إلى
هذا الخطابي وقال الكرماني وله توجيه آخر وهو انه جعل الخطايا بمنزلة النار لكونها تؤدي
إليها فعبر عن اطفاء حرارتها بالغسل تأكيدا في اطفائها وبالغ فيه باستعمال المبردات ترقيا عن
الماء إلى أبرد منه وهو الثلج ثم إلى أبرد منه وهو البرد بدليل انه قد يجمد ويصير جليدا بخلاف
الثلج فإنه يذوب وهذا الحديث قد رواه الزهري عن عروة كما أشرت إليه وقيده بالصلاة ولفظه
كان يدعو في الصلاة وذكرت هناك توجيه ادخاله في الدعاء قبل السلام ولم يقع في رواية شعيب
عن الزهري عند المصنف ذكر المأثم والمغرم ووقع ذلك عند مسلم من وجه آخر عن الزهري ولم
يقع عندهما معا فيه قوله اللهم اغسل عني خطاياي الخ وهو حديث واحد ذكر فيه كل من هشام
ابن عروة والزهري عن عروة مالم يذكره الاخر والله أعلم (قوله باب الاستعاذة
من الجبن والكسل) تقدم شرحهما في كتاب الجهاد (قوله كسالى وكسالى واحد) بفتح الكاف
وضمها (قلت) وهما قراءتان قرأ الجمهور بالضم وقرأ الأعرج بالفتح وهي لغة بني تميم وقرأ ابن
السميفع بالفتح أيضا لكن أسقط الألف وسكن السين ووصفهم بما يوصف به المؤنث المفرد
لملاحظة معنى الجماعة وهو كما قرئ وترى الناس سكرى والكسل الفتور والتواني وهو ضد
النشاط (قوله حدثنا سليمان) هو ابن بلال ووقع التصريح به في رواية أبي زيد المروزي (قوله
عمرو بن أبي عمرو) هو مولى المطلب الماضي ذكره في باب التعوذ من غلبة الرجال (قوله فكنت
أسمعه 3 يكثر أن يقول اللهم إني أعوذ بك من الهم إلى قوله والجبن) تقدم شرح هذه الأمور
الستة ومحصله ان الهم لما يتصوره العقل من المكروه في الحال والحزن لما وقع في الماضي والعجز
ضد الاقتدار والكسل ضد النشاط والبخل ضد الكرم والجبن ضد الشجاعة وقوله وضلع الدين
تقدم ضبطه وتفسيره قبل ثلاثة أبواب وقوله وغلبة الرجال هي إضافة للفاعل استعاذ من
أن يغلبه الرجال لما في ذلك من الوهن في النفس والمعاش (قوله باب التعوذ من
البخل) تقدم الكلام عليه قبل (قوله البخل والبخل واحد) يعني بضم أوله وسكون ثانيه
وبفتحهما (قوله مثل الحزن والحزن) يعني في وزنهما (قوله وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر)
في رواية السرخسي وأعوذ بك من أن أرد بزيادة من وسيأتي شرحه في الباب الذي بعده (قوله
وأعوذ بك من فتنة الدنيا) كذا للأكثر وأخرجه أحمد عن روح عن شعبة وزاد في رواية آدم
الماضية قريبا عن شعبة يعني فتنة الدجال وحكى الكرماني أن هذا التفسير من كلام شعبة وليس
كما قال فقد بين يحيى بن أبي كثير عن شعبة انه من كلام عبد الملك بن عمير راوي الخبر أخرجه
الإسماعيلي من طريقه ولفظه قال شعبة فسألت عبد الملك بن عمير عن فتنة الدنيا فقال الدجال
ووقع في رواية زائدة بن قدامة عن عبد الملك بن عمير بلفظ وأعوذ بك من فتنة الدجال أخرجه
الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن عثمان بن أبي شيبة عن حسن بن علي الجعفي وقد
أخرجه البخاري في الباب الذي بعده عن إسحاق عن حسين بن علي بلفظ من فتنة الدنيا فلعل
بعض رواته ذكره بالمعنى الذي فسره به عبد الملك بن عمير وفي إطلاق الدنيا على الدجال إشارة إلى أن
152

فتنته أعظم الفتن الكائنة في الدنيا وقد ورد ذلك صريحا في حديث أبي أمامة قال خطبنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه أنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم
أعظم من فتنة الدجال أخرجه أبو داود وابن ماجة (قوله باب التعوذ من أرذل
العمر أراذلنا سقاطنا) بضم المهملة وتشديد القاف جمع ساقط وهو اللئيم في حسبه ونسبه
وهذا قد تقدم القول فيه في أوائل تفسير سورة هود وأورد فيه حديث أنس وليس فيه لفظ
الترجمة لكنه أشار بذلك إلى أن المراد بأرذل العمر في حديث سعد بن أبي وقاص الذي قبله الهرم
الذي في حديث أنس لمجيئها موضع الأخرى من الحديث المذكور (قوله باب
الدعاء برفع الوباء والوجع) أي برفع المرض عمن نزل به سواء كان عاما أو خاصا وقد تقدم
بيان الوباء وتفسيره في باب ما يذكر في الطاعون من كتاب الطب وأنه أعم من الطاعون وأن
حقيقته مرض عام ينشأ عن فساد الهواء وقد يسمى طاعونا بطريق المجاز وأوضحت هناك الرد
على من زعم أن الطاعون والوباء مترادفان بما ثبت هناك ان الطاعون لا يدخل المدينة وأن الوباء
وقع بالمدينة كما في قصة العرنيين وكما في حديث أبي الأسود أنه كان عند عمر فوقع بالمدينة بالناس
موت ذريع وغير ذلك وذكر المصنف في الباب حديثين * أحدهما حديث عائشة اللهم حبب
إلينا المدينة الحديث وفيه انقل حماها إلى الجحفة وهو يتعلق بالركن الأول من الترجمة وهو الوباء
لأنه المرض العام وأشار به إلى ما ورد في بعض طرقه حيث قالت في أوله قدمنا المدينة وهي أوبأ
أرض الله وقد تقدم بهذا اللفظ في آخر كتاب الحج * ثانيهما حديث سعد بن أبي وقاص عادني
النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من شكوى الحديث وهو متعلق بالركن الثاني من الترجمة
وهو الوجع وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في كتاب الوصايا وقوله في آخره قال سعد رثى له
رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ يرد قول من زعم أن في الحديث ادراجا وأن قوله يرثى له الخ من
قول الزهري متمسكا بما ورد في بعض طرقه وفيه قال الزهري الخ فان ذلك يرجع إلى اختلاف
الرواة عن الزهري هل وصل هذا القدر عن سعدا و قال من قبل نفسه والحكم للوصل لان مع
رواته زيادة علم وهو حافظ وشاهد الترجمة من قوله صلى الله عليه وسلم اللهم أمض لأصحابي
هجرتهم ولا تردهم على اعقابهم فان فيه إشارة إلى الدعاء لسعد بالعافية ليرجع إلى دار هجرته وهي
المدينة ولا يستمر مقيما بسبب الوجع بالبلد التي هاجر منها وهي مكة إلى ذلك الإشارة بقوله لكن
البائس سعد بن خولة الخ وقد أوضحت في أوائل الوصايا ما يتعلق بسعد بن خولة ونقل ابن المزين
المالكي ان الرثاء لسعد بن خولة بسبب اقامته بمكة ولم يهاجر وتعقب بأنه شهد بدرا ولكن
اختلفوا متى رجع إلى مكة حتى مرض بها فمات فقيل إنه سكن مكة بعد أن شهد بدرا وقيل مات
في حجة الوداع وأغرب الداودي فيما حكاه عنه ابن التين فقال لم يكن للمهاجرين أن يقيموا بمكة
الا ثلاثا بعد الصدر فدل ذلك أن سعد بن خولة توفي قبل تلك الحجة وقيل مات في الفتح بعد أن
أطال المقام بمكة بغير عذر إذ لو كان له عذر لم يأثم وقد قال صلى الله عليه وسلم حين قيل له ان
153

صفية حاضت أحابستنا هي فدل على أن للمهاجر إذا كان له عذر أن يقيم أزيد من الثلاث
المشروعة للمهاجرين وقال يحتمل أن تكون هذه اللفظة قالها صلى الله عليه وسلم قبل حجة
الوداع ثم حج فقرنها الراوي بالحديث لكونها من تكملته انتهى وكلامه متعقب في مواضع منها
استشهاده بقصة صفية ولا حجة فيها لاحتمال ان لا تجاوز الثلاث المشروعة والاحتباس الامتناع
وهو يصدق باليوم بل بدونه ومنها جزمه بأن سعد بن خولة أطال المقام بمكة ورمزه إلى أنه قام بغير
عذر وانه أثم بذلك إلى غير ذلك مما يظهر فساده بالتأمل (قوله باب الاستعاذة من
أرذل العمر ومن فتنة الدنيا ومن فتنة النار) في رواية الكشميهني ومن عذاب النار بدل فتنة النار
(قوله أنبأنا الحسين) هو ابن علي الجعفي الزاهد المشهور وإسحاق الراوي عنه هو ابن راهويه
وشيخه زائدة هو ابن قدامة وعبد الملك هو ابن عمير وقد تقدم شرح الحديث مستوفي قبل قليل
وكذا حديث عائشة ثاني حديثي الباب (قوله باب الاستعاذة من فتنة الغنا)
ذكر فيه حديث عائشة المذكور مختصرا من رواية وكيع عن هشام بن عروة وقد تقدم شرحه
(قوله باب التعوذ من فتنة الفقر) ذكر فيه حديث عائشة من طريق أبي معاوية عن
هشام بتمامه وقد تقدم شرحه أيضا مستوفى (قوله باب الدعاء بكثرة المال والولد مع
البركة) سقط هذا الباب والترجمة من رواية السرخسي والصواب اثباته (قوله شعبة قال سمعت
قتادة عن أنس عن أم سليم أنها قالت يا رسول الله أنس خادمك ادع الله له الحديث) وفي آخره
وعن هشام بن زيد سمعت أنس بن مالك مثله قلت هكذا قال غندر عن شعبة جعل الحديث
من مسند أم سليم وكذا أخرجه الترمذي عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه عن محمد بن جعفر وهو
غندر هذا فذكر مثله ولكنه لم يذكر رواية هشام بن زيد التي في آخره وقال حسن صحيح وأخرجه
الإسماعيلي من رواية حجاج بن محمد عن شعبة فقال فيه عن أم سليم كما قال غندر وكذا أخرجه
أحمد عن حجاج بن محمد وعن محمد بن جعفر كلاهما عن شعبة وأخرجه في باب من خص أخاه بالدعاء
من رواية سعيد بن الربيع عن شعبة عن قتادة قال سمعت أنسا قال قالت أم سليم وظاهره انه
من مسند أنس وهو في الباب الذي يلي هذا كذلك وكذا تقدم في باب دعوة النبي صلى الله عليه
وسلم لخادمه بطول العمر من طريق حرمي بن عمارة عن شعبة عن قتادة عن أنس قال قالت أمي
وكذا أخرجه مسلم من رواية أبي داود الطيالسي والإسماعيلي من رواية عمرو بن مرزوق عن
شعبة وهذا الاختلاف لا يضر فإن أنسا حضر ذلك بدليل ما أخرجه مسلم من رواية إسحاق بن أبي
154

طلحة عن أنس قال جاءت بي أمي أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت هذا ابني أنس
يخدمك فادع الله له فقال اللهم أكثر ماله وولده وأما رواية هشام بن زيد المعطوفة هنا فإنها
معطوفة على رواية قتادة وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية حجاج بن محمد عن شعبة عن قتادة
وهشام بن زيد جميعا عن أنس وكذا صنيع مسلم حيث أخرجه من رواية أبي داود عن شعبة
(تنبيه) ذكر الكرماني أنه وقع هنا وعن هشام بن عروة قال والأول هو الصحيح (قوله أنها
قالت يا رسول الله أنس خادمك ادع الله له) تقدم لهذا الحديث مبدأ من رواية حميد عن أنس في
كتاب الصيام في باب من زار قوما فلم يفطر عندهم وقد بسطت شرحه هناك بما يغنى عن اعادته
وذكرت طرفا منه قريبا في باب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه بطول العمر (قوله
باب الدعاء بكثرة الولد مع البركة) تقدم شرحه في الذي قبله وتقدم الحديث سندا
ومتنا في باب قول الله تعالى وصل عليهم ومن خص أخاه بالدعاء (قوله باب الدعاء عند
الاستخارة هي استفعال من الخير أو من الخيرة بكسر أوله وفتح ثانيه بوزن العنبة اسم من قولك
خار الله له واستخار الله طلب منه الخيرة وخار الله له أعطاه ما هو خير له والمراد طلب خير الامرين
لمن احتاج إلى أحدهما (قوله حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموال) بفتح الميم وتخفيف الواو جمع
مولى واسمه زيد ويقال زيد جد عبد الرحمن وأبوه لا يعرف اسمه وعبد الرحمن من ثقات المدنيين
وكان ينسب إلى ولاء آل علي بن أبي طالب وخرج مع محمد بن عبد الله بن الحسن في زمن المنصور
فلما قتل محمد حبس عبد الرحمن المذكور بعد أن ضرب وقد وثقه ابن المعين وأبو داود والترمذي
والنسائي وغيرهم وذكره ابن عدي في الكامل في الضعفاء وأسند عن أحمد بن حنبل أنه قال كان
محبوسا في المطبق حين هزم هؤلاء يعني بني حسن قال وروى عن محمد بن المنكدر حديث
الاستخارة وليس أحد يرويه غيره وهو منكر وأهل المدينة إذا كان حديث غلطا يقولون ابن
المنكدر عن جابر كما أن أهل البصرة يقولون ثابت عن أنس يحملون عليهما وقد استشكل
شيخنا في شرح الترمذي هذا الكلام وقال ما عرفت المراد به فإن ابن المنكدر وثابتا ثقتان
متفق عليهما (قلت) يظهر لي أن مرادهم التهكم والنكتة في اختصاص الترجمة الشهرة
والكثرة ثم ساق ابن عدي لعبد الرحمن أحاديث وقال هو مستقيم الحديث والذي أنكر عليه
حديث الاستخارة وقد رواه غير واحد من الصحابة كما رواه ابن أبي الموال (قلت) يريدان للحديث
شواهد وهو كما قال مع مشاححة في إطلاقه قال الترمذي بعد أن أخرجه حسن صحيح غريب
لا نعرفه الا من حديث ابن أبي الموال وهو مدني ثقة روى عنه غير واحد وفي الباب عن ابن
مسعود وأبي أيوب (قلت) وجاء أيضا عن أبي سعيد وأبي هريرة وابن عباس وابن عمر فحديث ابن
مسعود أخرجه الطبراني وصححه الحاكم وحديث أبي أيوب أخرجه الطبراني وصححه ابن
حبان والحاكم وحديث أبي سعيد وأبي هريرة أخرجهما ابن حبان في صحيحه وحديث ابن عمر
وابن عباس حديث واحد أخرجه الطبراني من طريق إبراهيم بن أبي عبلة عن عطاء عنهما
وليس في شئ منها ذكر الصلاة سوى حديث جابر الا أن لفظ أبي أيوب اكتم الخطبة وتوضأ
فأحسن الوضوء ثم صل ما كتب الله لك الحديث فالتقييد بركعتين خاص بحديث جابر وجاء ذكر
الاستخارة في حديث سعد رفعه من سعادة ابن آدم استخارته الله أخرجه أحمد وسنده حسن
155

وأصله عند الترمذي لكن بذكر الرضا والسخط لا بلفظ الاستخارة ومن حديث أبي بكر الصديق
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أمرا قال اللهم خر لي واختر لي وأخرجه
الترمذي وسنده ضعيف وفي حديث أنس رفعه ما خاب من استخار الحديث أخرجه الطبراني
في الصغير بسند واه جدا (قوله عن محمد بن المنكدر عن جابر) وقع في التوحيد من طريق معن بن
عيسى عن عبد الرحمن سمعت محمد بن المنكدر يحدث عبد الله بن الحسن أي ابن الحسن بن علي بن
أبي طالب يقول أخبرني جابر السلمي وهو بفتح السين المهملة واللام نسبة إلى بني سلمة بكسر اللام
بطن من الأنصار وعند الإسماعيلي من طريق بشر بن عمير حدثني عبد الرحمن سمعت ابن المنكدر
حدثني جابر (قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة) في رواية معن يعلم أصحابه وكذا
في طريق بشر بن عمير (قوله في الأمور كلها) قال ابن أبي جمرة هو عام أريد به الخصوص فإن
الواجب والمستحب لا يستخار في فعلهما والحرام والمكروه لا يستخار في تركهما فانحصر الامر
في المباح وفي المستحب إذا تعارض منه أمران أيهما يبدأ به ويقتصر عليه (قلت) وتدخل
الاستخارة فيما عدا ذلك في الواجب والمستحب المخير وفيما كان زمنه موسعا ويتناول العموم
العظيم من الأمور والحقير فرب حقير يترتب عليه الامر العظيم (قوله كالسورة من القرآن)
في رواية قتيبة عن عبد الرحمن الماضية في صلاة الليل كما يعلمنا السورة من القرآن قيل وجه
التشبيه عموم الحاجة في الأمور كلها إلى الاستخارة كعموم الحاجة إلى القراءة في الصلاة ويحتمل
أن يكون المراد ما وقع في حديث ابن مسعود في التشهد علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم
التشهد كفى بين كفيه أخرجه المصنف في الاستئذان وفي رواية الأسود بن يزيد عن ابن مسعود
أخذت التشهد من في رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة كلمة أخرجها الطحاوي وفي حديث
سلمان نحوه وقال حرفا حرفا أخرجه الطبراني وقال ابن أبي جمرة التشبيه في تحفظ حروفه وترتب
كلماته ومنع الزيادة والنقص منه والدرس له والمحافظة عليه ويحتمل ان يكون من جهة
الاهتمام به والتحقق لبركته والاحترام له ويحتمل ان يكون من جهة كون كل منهما علم بالوحي
قال الطيبي فيه إشارة إلى الاعتناء التام البالغ بهذا الدعاء وهذه الصلاة لجعلهما تلوين للفريضة
والقرآن (قوله إذا هم) فيه حذف تقديره يعلمنا قائلا إذا هم وقد ثبت ذلك في رواية قتيبة يقول
إذا هم وزاد في رواية أبي داود عن قتيبة لنا قال ابن أبي جمرة ترتيب الوارد على القلب على مراتب
الهمة ثم اللمة ثم الخطرة ثم النية ثم الإرادة ثم العزيمة فالثلاثة الأولى لا يؤاخذ بها بخلاف
الثلاثة الأخرى فقوله إذا هم يشير إلى أول ما يرد على القلب يستخير فيظهر له ببركة الصلاة
والدعاء ما هو الخير بخلاف ما إذا تمكن الامر عنده وقويت فيه عزيمته وارادته فإنه يصير إليه
له ميل وحب فيخشى ان يخفى عنه وجه الأرشدية لغلبة ميله إليه قال ويحتمل ان يكون المراد
بالهم العزيمة لان الخاطر لا يثبت فلا يستمر الا على ما يقصد التصميم على فعله والا لو استخار في كل
خاطر لاستخار فيما لا يعبأ به فتضيع عليه أوقاته ووقع في حديث ابن مسعود إذا أراد أحدكم
أمرا فليقل (قوله فليركع ركعتين) يقيد مطلق حديث أبي أيوب حيث قال صل ما كتب الله لك
ويمكن الجمع بأن المراد انه لا يقتصر على ركعة واحدة للتنصيص على الركعتين ويكون ذكرهما
على سبيل التنبيه بالأدنى على الاعلى فلو صلى أكثر من ركعتين أجزأ والظاهر أنه يشترط إذا أراد
156

ان يسلم من كل ركعتين ليحصل مسمى ركعتين ولا يجزئ لو صلى أربعا مثلا بتسليمة وكلام النووي
يشعر بالاجزاء (قوله من غير الفريضة) فيه احتراز عن صلاة الصبح مثلا ويحتمل ان يريد
بالفريضة عينها وما يتعلق بها فيحترز عن الراتبة كركعتي الفجر مثلا وقال النووي في الاذكار
لو دعا بدعاء الاستخارة عقب راتبة صلاة الظهر مثلا أو غيرها من النوافل الراتبة والمطلقة سواء
اقتصر على ركعتين أو أكثر أجزأ كذا اطلق وفيه نظر ويظهر ان يقال إن نوى تلك الصلاة
بعينها وصلاة الاستخارة معا أجزأ بخلاف ما إذا لم ينو ويفارق صلاة تحية المسجد لان المراد بها
شغل البقعة بالدعاء والمراد بصلاة الاستخارة أن يقع الدعاء عقبها أو فيها ويبعد الاجزاء لمن عرض له
الطلب بعد فراغ الصلاة لان ظاهر الخبر ان تقع الصلاة والدعاء بعد وجود إرادة الامر وأفاد
النووي انه يقرأ في الركعتين الكافرون والاخلاص قال شيخنا في شرح الترمذي لم اقف على
دليل ذلك ولعله ألحقهما بركعتي الفجر والركعتين بعد المغرب قال ولهما مناسبة بالحال
لما فيهما من الاخلاص والتوحيد والمستخير محتاج لذلك قال شيخنا ومن المناسب أن يقرأ
فيهما مثل قوله وربك يخلق ما يشاء ويختار وقوله وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله
ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة (قلت) والأكمل ان يقرأ في كل منهما السورة والآية
الأوليين في الأولى والاخريين في الثانية ويؤخذ من قوله من غير الفريضة ان الامر بصلاة
ركعتي الاستخارة ليس على الوجوب قال شيخنا في شرح الترمذي ولم أر من قال بوجوب
الاستخارة لورود الامر بها ولتشبيهها بتعليم السورة من القرآن كما استدل بمثل ذلك في وجوب
التشهد في الصلاة لورود الامر به في (قوله فليقل ولتشبيهه بتعليم السورة من القرآن فان قيل
الامر تعلق بالشرط وهو قوله إذا هم أحدكم بالامر قلنا وكذلك في التشهد انما يؤمر به من صلى
ويمكن الفرق وان اشتركا فيما ذكر أن التشهد جزء من الصلاة فيؤخذ الوجوب من قوله صلوا كما
رأيتموني أصلي ودل على عدم وجوب الاستخارة ما دل على عدم وجوب صلاة زائدة على الخمس في
حديث هل على غيرها قال لا الا ان تطوع انتهى وهذا وان صلح للاستدلال به على عدم وجوب
ركعتي الاستخارة لكن لا يمنع من الاستدلال به على وجوب دعاء الاستخارة فكأنهم فهموا ان
الامر فيه للارشاد فعدلوا به عن سنن الوجوب ولما كان مشتملا على ذكر الله والتفويض إليه كان
مندوبا والله أعلم ثم نقول هو ظاهر في تأخير الدعاء عن الصلاة فلو دعا به في أثناء الصلاة احتمل
الاجراء ويحتمل الترتيب على تقديم الشروع في الصلاة قبل الدعاء فان موطن الدعاء في الصلاة
السجود أو التشهد وقال ابن أبي جمرة الحكمة في تقديم الصلاة على الدعاء ان المراد بالاستخارة
حصول الجمع بين خيري الدنيا والآخرة فيحتاج إلى قرع باب الملك ولا شئ لذلك أنجع ولا انجح من
الصلاة لما فيها من تعظيم الله والثناء عليه والافتقار إليه مآلا وحالا (قوله اللهم إني استخيرك
بعملك) الباء للتعليل أي لأنك اعلم وكذا هي في قوله بقدرتك ويحتمل أن تكون للاستعانة كقوله
بسم الله مجراها ويحتمل أن تكون للاستعطاف كقوله قال رب بما أنعمت علي الآية وقوله
وأستقدرك أي أطلب منك أن تجعل لي على ذلك قدرة ويحتمل أن يكون المعنى أطلب منك أن
تقدره لي والمراد بالتقدير التيسير (قوله وأسألك من فضلك) إشارة إلى أن إعطاء الرب فضل منه
وليس لاحد عليه حق في نعمه كما هو مذهب أهل السنة (قوله فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم)
157

إشارة إلى أن العلم والقدرة لله وحده وليس للعبد من ذلك الا ما قدر الله له وكأنه قال أنت يا رب
تقدر قبل أن تخلق في القدرة وعندما تخلقها في وبعد ما تخلقها (قوله اللهم ان كنت تعلم أن هذا
الامر) في رواية معن وغيره فإن كنت تعلم هذا الامر زاد أبو داود في رواية عبد الرحمن بن مقاتل
عن عبد الرحمن بن أبي الموال الذي يريد وزاد في رواية معن ثم يسميه بعينه وقد ذكر ذلك في آخر
الحديث في الباب وظاهر سياقه ان ينطق به ويحتمل أن يكتفي باستحضاره بقلبه عند الدعاء وعلى
الأول تكون التسمية بعد الدعاء وعلى الثاني تكون الجملة حالية والتقدير فليدع مسميا حاجته
وقوله إن كنت استشكل الكرماني الاتيان بصيغة الشك هنا ولا يجوز الشك في كون الله عالما
وأجاب بأن الشك في أن العلم متعلق بالخير أو الشر لافي أصل العلم (قوله ومعاشي) زاد أبو داود
ومعادي وهو يؤيد أن المراد بالمعاش الحياة ويحتمل أن يريد بالمعاش ما يعاش فيه ولذلك وقع في
حديث ابن مسعود في بعض طرقه عند الطبراني في الأوسط في ديني ودنياي وفي حديث أبي أيوب
عند الطبراني في دنياي وآخرتي زاد ابن حبان في روايته وديني وفي حديث أبي سعيد في ديني
ومعيشتي (قوله وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله) هو شك من الراوي ولم تختلف
الطرق في ذلك واقتصر في حديث أبي سعيد على عاقبة أمري وكذا في حديث ابن مسعود وهو
يؤيد أحد الاحتمالين في أن العاجل والآجل مذكوران بدل الألفاظ الثلاثة أو بدل الأخيرين
فقط وعلى هذا فقول الكرماني لا يكون الداعي جازما بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا ان
دعا ثلاث مرات يقول مرة في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ومرة في عاجل أمري وآجله ومرة في
ديني وعاجل أمري وآجله (قلت) ولم يقع ذلك أي الشك في حديث أبي أيوب ولا أبي هريرة أصلا
(قوله فاقدره لي) قال أبو الحسن القابسي أهل بلدنا يكسرون الدال وأهل الشرق يضمونها
وقال الكرماني معنى قوله اجعله مقدورا لي أو قدره وقيل معناه يسره لي زاد معن ويسره لي
وبارك لي فيه (قوله فاصرفه عني واصرفني عنه) أي حتى لا يبقى قلبه بعد صرف الامر عنه
متعلقا به وفيه دليل لأهل السنة ان الشر من تقدير الله على العبد لأنه لو كان يقدر على اختراعه
لقدر على صرفه ولم يحتج إلى طلب صرفه عنه (قوله واقدر لي الخير حيث كان) في حديث أبي
سعيد بعد قوله واقدر لي الخير أينما كان لا حول ولا قوة الا بالله (قوله ثم رضني) بالتشديد وفي رواية
قتيبة ثم ارضني به أي اجعلني به راضيا وفي بعض طرق حديث ابن مسعود عند الطبراني في الأوسط
ورضني بقضائك وفي حديث أبي أيوب ورضني بقدرك والسر فيه أن لا يبقى قلبه متعلقا به فلا
يطمئن خاطره والرضا سكون النفس إلى القضاء وفي الحديث شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على
أمته وتعليمهم جميع ما ينفعهم في دينهم ودنياهم ووقع في بعض طرقه عند الطبراني في حديث ابن
مسعود أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذا الدعاء إذا أراد أن يصنع أمرا وفيه ان العبد
لا يكون قادرا الا مع الفعل لا قبله والله هو خالق العلم بالشئ للعبد وهمه به واقتداره عليه فإنه
يجب على العبد رد الأمور كلها إلى الله والتبري من الحول والقوة إليه وأن يسأل ربه في أموره
كلها واستدل به على أن الامر بالشئ ليس نهيا عن ضده لأنه لو كان كذلك لاكتفى بقوله ان كنت
تعلم أنه خير لي عن قوله وان كنت تعلم أنه شر لي الخ لأنه إذا لم يكن خيرا فهو شر وفيه نظر
لاحتمال وجود الواسطة واختلف فيما ذا يفعل المستخير بعد الاستخارة فقال ابن عبد السلام
158

يفعل ما اتفق ويستدل له بقوله في بعض طرق حديث ابن مسعود في آخره ثم يعزم وأول
الحديث إذا أراد أحدكم أمرا فليقل وقال النووي في الاذكار يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح به
صدره ويستدل له بحديث أنس عند ابن السني إذا هممت بأمر فاستخر ربك سبعا ثم انظر إلى
الذي يسبق في قلبك فإن الخير فيه وهذا لو ثبت لكان هو المعتمد لكن سنده واه جدا والمعتمد
انه لا يفعل ما ينشرح به صدره مما كان له فيه هوى قوي قبل الاستخارة والى ذلك الإشارة
بقوله في آخر حديث أبي سعيد ولا حول ولا قوة الا بالله (قوله باب الدعاء عند الوضوء)
ذكر فيه حديث أبي موسى قال دعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ به ثم رفع يديه فقال
اللهم اغفر لعبيد أبي عامر الحديث ذكره مختصرا وقد تقدم بطوله في المغازي في باب غزوة
أوطاس (قوله باب الدعاء إذا علا عقبة) كذا ترجم بالدعاء وأورد في الحديث التكبير
وكأنه أخذه من قوله في الحديث انكم لا تدعون أصم ولا غائبا فسمى التكبير دعاء (قوله
أيوب) هو السختياني وأبو عثمان هو النهدي (قوله كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر)
لم أقف على تعيينه (قوله اربعوا) بهمزة وصل مكسورة ثم موحدة مفتوحة أي ارفقوا ولا
تجهدوا أنفسكم (قوله فإنكم لا تدعون أصم) يأتي بيانه في التوحيد (قوله كنز) سمى هذه
الكلمة كنزا لأنها كالكنز في نفاسته وصيانته عن أعين الناس (قوله أو قال ألا أدلك على كلمة
هي كنز الخ) شك من الراوي هل قال قل لا حول ولا قوة الا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة أو قال
ألا أدلك الخ وسيأتي في كتاب القدر من رواية خالد الحذاء عن أبي عثمان بلفظ ثم قال يا عبد الله بن
قيس ألا أعلمك كلمة الخ وسيأتي في أواخر كتاب الدعوات أيضا من طريق سليمان التيمي عن أبي
عثمان بلفظ ثم قال يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس ألا أدلك الخ ولم يتردد ووقع في هذين الطريقين
بيان سبب قوله انكم لا تدعون أصم فإن في رواية سليمان فلما علا عليها رجل نادى فرفع صوته
وفي رواية خالد فجعلنا لا نصعد شرفا الا رفعنا أصواتنا بالتكبير ووقع في بعض النسخ أصما
وكأنه لمناسبة غائبا وقوله بصيرا وقع في تلك الرواية قريبا ويأتي شرح الحديث مستوفى في كتاب
القدر إن شاء الله تعالى وقوله لا حول يجوز أن يكون في موضع جر على البدل من قوله على كنز
وفي موضع نصب بتقدير أعني وفي موضع رفع بتقدير هو (قوله باب الدعاء إذا
هبط واديا فيه حديث جابر) كذا ثبت عند المستملي والكشميهني وسقط لغيرهما والمراد بحديث
جابر ما تقدم في الجهاد وفي باب التسبيح إذا هبط واديا من حديثه بلفظ كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا
نزلنا سبحنا وقال بعده باب التكبير إذ أعلا شرفا وأورد فيه حديث جابر أيضا لكن بلفظ وإذا
تصوبنا بدل نزلنا والتصويب الانحدار وقد ورد بلفظ هبطنا في هذا الحديث عند النسائي وابن
خزيمة وأشرت إلى شرحه هناك ومناسبة التكبير عند الصعود إلى المكان المرتفع أن الاستعلاء
والارتفاع محبوب للنفوس لما فيه من استشعار الكبرياء فشرع لمن تلبس به أن يذكر كبرياء الله
تعالى وانه أكبر من كل شئ فيكبره ليشكر له ذلك فيزيده من فضله ومناسبة التسبيح عند الهبوط
لكون المكان المنخفض محل ضيق فيشرع فيه التسبيح لأنه من أسباب الفرج كما وقع في قصة
يونس عليه السلام حين سبح في الظلمات فنجى من الغم (قوله باب الدعاء إذا أراد
سفرا أو رجع فيه يحيى بن أبي إسحاق عن أنس) كذا وقع في رواية الحموي عن الفربري ومثله في
159

رواية أبي زيد المروزي عنه لكن بالواو العاطفة بدل لفظ باب والمراد بحديث يحيى بن أبي إسحاق
فيما أظن الحديث الذي أوله ان النبي صلى الله عليه وسلم أقبل من خيبر وقد اردف صفية فلما كان
ببعض الطريق عثرت الناقة فان في آخره فلما أشرفنا على المدينة قال آيبون تائبون عابدون لربنا
حامدون فلم يزل يقولها حتى دخل المدينة وقد تقدم موصولا في أواخر الجهاد وفي الأدب وفي
أواخر اللباس وشرحته هناك الا الكلام الأخير هنا فوعدت بشرحه هنا وإسماعيل في الحديث
الموصول هو ابن أبي أويس (قوله كان إذا قفل) بقاف ثم فاء أي رجع وزنه ومعناه ووقع عند
مسلم في رواية علي بن عبد الله الأزدي عن ابن عمر في أوله من الزيادة كان إذا استوى على بعيره
خارجا إلى سفر كبر ثلاثا ثم قال سبحان الذي سخر لنا هذا فذكر الحديث إلى أن قال وإذا رجع
قالهن وزاد آيبون تائبون الحديث والى هذه الزيادة أشار المصنف في الترجمة بقوله إذا أراد سفرا
(قوله من غزو أو حج أو عمرة) ظاهره اختصاص ذلك بهذه الأمور الثلاث وليس الحكم كذلك
عند الجمهور بل يشرع قول ذلك في كل سفر إذا كان سفر طاعة كصلة الرحم وطلب العلم لما
يشمل الجميع من اسم الطاعة وقيل يتعدى أيضا إلى المباح لان المسافر فيه لا ثواب له فلا يمتنع
عليه فعل ما يحصل له الثواب وقيل يشرع في سفر المعصية أيضا لان مرتكبها أحوج إلى تحصيل
الثواب من غيره وهذا التعليل متعقب لان الذي يخصه بسفر الطاعة لا يمنع من سافر في مباح ولا
في معصية من الاكثار من ذكر الله وانما النزاع في خصوص هذا الذكر في هذا الوقت المخصوص
فذهب قوم إلى الاختصاص لكونها عبادات مخصوصة شرع لها ذكر مخصوص فتختص به
كالذكر المأثور عقب الاذان وعقب الصلاة وانما اقتصر الصحابي على الثلاث لانحصار سفر
النبي صلى الله عليه وسلم فيها ولهذا ترجم بالسفر على أنه تعرض لما دل عليه الظاهر فترجم في
أواخر أبواب العمرة ما يقول إذا رجع من الغزو أو الحج أو العمرة (قوله يكبر على كل شرف) بفتح
المعجمة والراء بعدها فاء هو المكان العالي ووقع عند مسلم من رواية عبيد الله بن عمر العمري عن
نافع بلفظ إذا أوفى أي ارتفع على ثنية بمثلثة ثم نون ثم تحتانية ثقيلة هي العقبة أو فدفد بفتح الفاء
بعدها دال مهملة ثم فاء ثم دال والأشهر تفسيره بالمكان المرتفع وقيل هو الأرض المستوية وقيل
الفلاة الخالية من شجر وغيره وقيل غليظ الأودية ذات الحصى (قوله ثم يقول لا إله إلا الله الخ)
يحتمل انه كان يأتي بهذا الذكر عقب التكبير وهو على المكان المرتفع ويحتمل أن التكبير
يختص بالمكان المرتفع وما بعده إن كان متسعا أكمل الذكر المذكور فيه والا فإذا هبط سبح كما
دل عليه حديث جابر ويحتمل ان يكمل الذكر مطلقا عقب التكبير ثم يأتي بالتسبيح إذا هبط قال
القرطبي وفي تعقيب التكبير بالتهليل إشارة إلى أنه المنفرد بايجاد جميع الموجودات وانه المعبود في
جميع الأماكن (قوله آيبون) جمع آيب أي راجع وزنه ومعناه وهو خبر مبتدأ محذوف والتقدير
نحن آيبون وليس المراد الاخبار بمحض الرجوع فإنه تحصيل الحاصل بل الرجوع في حالة
مخصوصة وهي تلبسهم بالعبادة المخصوصة والاتصاف بالأوصاف المذكورة وقوله تائبون
فيه إشارة إلى التقصير في العبادة وقاله صلى الله عليه وسلم على سبيل التواضع أو تعليما لامته
أو المراد أمته كما تقدم تقريره وقد تستعمل التوبة لإرادة الاستمرار على الطاعة فيكون المراد
أن لا يقع منهم ذنب (قوله صدق الله وعده) أي فيما وعد به من إظهار دينه في قوله وعدكم الله
160

مغانم كثيرة وقوله وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض الآية
وهذا في سفر الغزو ومناسبته لسفر الحج والعمرة قوله تعالى لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله
آمنين (قوله ونصر عبده) يريد نفسه (قوله وهزم الأحزاب وحده) أي من غير فعل أحد من
الآدميين واختلف في المراد بالأحزاب هنا فقيل هم كفار قريش ومن وافقهم من العرب واليهود
الذين تحزبوا أي تجمعوا في غزوة الخندق ونزلت في شأنهم سورة الأحزاب وقد مضى خبرهم
مفصلا في كتاب المغازي وقيل المراد أعم من ذلك وقال النووي المشهور الأول وقيل فيه نظر لأنه
يتوقف على أن هذا الدعاء انما شرع من بعد الخندق والجواب أن غزوات النبي صلى الله عليه
وسلم التي خرج فيها بنفسه محصورة والمطابق منها لذلك غزوة الخندق لظاهر قوله تعالى في سورة
الأحزاب ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وفيها قبل ذلك إذ
جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها الآية والأصل في الأحزاب أنه جمع حزب وهو
القطعة المجتمعة من الناس فاللام اما جنسية والمراد كل من تحزب من الكفار وأما عهدية والمراد
من تقدم وهو الأقرب قال القرطبي ويحتمل أن يكون هذا الخبر بمعنى الدعاء أي اللهم اهزم
الأحزاب والأول أظهر (قوله باب الدعاء للمتزوج) فيه حديث أنس في تزويج عبد
الرحمن بن عوف وقد تقدم شرحه مستوفي في كتاب النكاح والمراد هنا قوله بارك الله لك و قوله
فقال مهيم أومه شك من الراوي والمعتمد ما في الرواية المتقدمة وهو الجزم بالأول ومعناه ما حالك
ومه في هذه الرواية استفهامية انقلبت الألف هاء وحديث جابر في تزويجه الثيب وفيه هلا
جارية تلاعبها وقد تقدم شرحه أيضا في النكاح والمراد منه قوله فيه بارك الله عليك وقوله فيه
تزوجت يا جابر قلت نعم قال بكرا أم ثيبا انتصب على حذف فعل تقديره أتزوجت وقوله في
الجواب قلت ثيب بالرفع على أن التقدير مثلا التي تزوجتها ثيب قيل وكان الأحسن النصب
على نسق الأول أي تزوجت ثيبا (قلت) ولا يمتنع أن يكون منصوبا فكتب بغير ألف على تلك
اللغة وقوله فيه أو تضاحكها شك من الرواي وهو يعين أحد الاحتمالين في تلاعبها هل من اللعب
أو من اللعاب وقد تقدم بيانه عند شرحه (قوله لم يقل ابن عيينة ومحمد بن مسلم عن عمرو بارك الله
عليك) أما رواية سفيان بن عيينة فتقدمت موصولة في المغازي وفي النفقات من طريقه وأما
رواية محمد بن مسلم وهو الطائفي فتقدم الكلام عليها في المغازي ومناسبة قوله صلى الله عليه
وسلم لعبد الرحمن بارك الله لك ولجابر بارك الله عليك أن المراد بالأول اختصاصه بالبركة في زوجته
وبالثاني شمول البركة له في جودة عقله حيث قدم مصلحة أخواته على حظ نفسه فعدل لأجلهن
عن تزوج البكر مع كونها أرفع رتبة للمتزوج الشاب من الثيب غالبا (قوله باب ما
يقول إذا أتى أهله) ذكر فيه حديث ابن عباس وفي لفظه ما يقتضي أن القول المذكور يشرع
عند إرادة الجماع فيرفع احتمال ظاهر الحديث أنه يشرع عند الشروع في الجماع وقد تقدم شرحه
مستوفي في كتاب النكاح وقوله لم يضره شيطان أبدا أي لم يضر الولد المذكور بحيث يتمكن من
اضراره في دينه أو بدنه وليس المراد رفع الوسوسة من أصلها (قوله باب قول النبي
صلى الله عليه وسلم ربنا آتنا في الدنيا حسنة) كذا ذكره بلفظ الآية وأورد الحديث من طريق
161

عبد العزيز بن صهيب عن أنس بلفظ كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم آتنا إلى آخر
الآية وقد أورده في تفسير البقرة عن أبي معمر عن عبد الوارث بسنده هذا ولكن لفظه كان
النبي صلى الله عليه وسلم يقول وللباقي مثله وأخرجه مسلم من طريق إسماعيل بن علية عن عبد
العزيز قال سأل قتادة أنسا أي دعوة كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم أكثر قال اللهم
آتنا في الدنيا حسنة إلى آخره قال وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها وهذا الحديث
سمعه شعبة من إسماعيل بن علية عن عبد العزيز عن أنس مختصرا رواه عنه يحيى بن أبي بكير قال
يحيى فلقيت إسماعيل فحدثني به فذكره كما عند مسلم وأورده مسلم من طريق شعبة عن ثابت عن
أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة الآية وهذا مطابق للترجمة
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي نعيم حدثنا عبد السلام أبو طالوت كنت عند أنس فقال له
ثابت ان إخوانك يسئلونك ان تدعو لهم فقال اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا
عذاب النار فذكر القصة وفيها إذا آتاكم الله ذلك فقد آتاكم الخير كله قال عياض انما كان يكثر
الدعاء بهذه الآية لجمعها معاني الدعاء كله من أمر الدنيا والآخرة قال والحسنة عندهم ههنا
النعمة فسأل نعيم الدنيا والآخرة والوقاية من العذاب نسأل الله تعالى أن يمن علينا بذلك
ودوامه (قلت) قد اختلفت عبارات السلف في تفسير الحسنة فعن الحسن قال هي العلم والعبادة
في الدنيا أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح وعنه بسند ضعيف الرزق الطيب والعلم النافع وفي
الآخرة الجنة وتفسير الحسنة في الآخرة بالجنة نقله ابن أبي حاتم أيضا عن السدي ومجاهد
وإسماعيل بن أبي خالد ومقاتل بن حيان وعن ابن الزبير يعملون في دنياهم لدنياهم وآخرتهم وعن
قتادة هي العافية في الدنيا والآخرة وعن محمد بن كعب القرظي الزوجة الصالحة من الحسنات
ونحوه عن يزيد بن أبي مالك وأخرج ابن المنذر من طريق سفيان الثوري قال الحسنة في الدنيا
الرزق الطيب والعلم وفي الآخرة الجنة ومن طريق سالم بن عبد الله بن عمر قال الحسنة في الدنيا المنى
ومن طريق السدي قال المال ونقل الثعلبي عن السدى ومقاتل حسنة الدنيا الرزق الحلال
الواسع والعمل الصالح وحسنة الآخرة المغفرة والثواب وعن عطية حسنة الدنيا العلم والعمل
به وحسنة الآخرة تيسير الحساب ودخول الجنة وبسنده عن عوف قال من آتاه الله الاسلام
والقرآن والاهل والمال والولد فقد آتاه في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ونقل الثعلبي عن سلف
الصوفية أقوالا أخرى متغايرة اللفظ متوافقة المعنى حاصلها السلامة في الدنيا وفي الآخرة
واقتصر الكشاف على ما نقله الثعلبي عن علي أنها في الدنيا المرأة الصالحة وفي الآخرة الحوراء
وعذاب النار المرأة السوء وقال الشيخ عماد الدين بن كثير الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب
دنيوي من عافية ودار رحبة وزوجة حسنة وولد بار ورزق واسع وعلم نافع وعمل صالح ومركب
هنئ وثناء جميل إلى غير ذلك مما شملته عباراتهم فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا وأما
الحسنة في الآخرة فاعلاها دخول الجنة وتوابعه من الامن من الفزع الأكبر في العرصات
وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة وأما الوقاية من عذاب النار فهو يقتضي تيسير
أسبابه في الدنيا من اجتناب المحارم وترك الشبهات (قلت) أو العفو محضا ومراده بقوله وتوابعه
ما يلتحق به في الذكر لاما يتبعه حقيقة (قوله باب التعوذ من فتنة الدنيا) تقدمت
162

هذه الترجمة ضمن ترجمة وذلك قبل اثني عشر بابا وتقدم شرح الحديث أيضا (قوله باب
تكرير الدعاء) ذكر فيه حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم طب بضم الطاء أي سحر وقد
تقدم شرحه في أواخر كتاب الطب وأخرج أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان من حديث ابن
مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه أن يدعو ثلاثا ويستغفر ثلاثا وتقدم في
الاستئذان حديث أنس كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا (قوله زاد عيسى بن يونس والليث بن
سعد عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت سحر النبي صلى الله عليه وسلم فدعا ودعا وساق الحديث)
كذا للأكثر وسقط كل ذلك لأبي زيد المروزي ورواية عيسى بن يونس تقدمت موصولة في الطب
مع شرح الحديث وهو المطابق للترجمة بخلاف رواية أنس بن عياض التي أوردها في الباب فليس
فيها تكرير الدعاء ووقع عند مسلم من رواية عبيد الله بن نمير عن هشام في هذا الحديث فدعا ثم
دعا ثم دعا وتقدم توجيه ذلك وتقدم الكلام على طريق الليث في صفة إبليس من بدء الخلق
(قوله باب الدعاء على المشركين) كذا أطلق هنا وقيده في الجهاد بالهزيمة والزلزلة
وذكر فيه أحاديث * الأول (قوله وقال ابن مسعود اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف) وهذا
طرف من حديث تقدم موصولا في كتاب الاستسقاء وتقدم شرحه هناك * الثاني (قوله وقال
اللهم عليك بأبي جهل) أي باهلاكه وسقط هذا التعليق من رواية أبي زيد وهو طرف من حديث
لابن مسعود أيضا في قصة سلي الجزور التي ألقاها أشقى القوم على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وقد
تقدم موصولا في الطهارة وهو رابع الأحاديث المذكورة في الترجمة التي أشرت إليها آنفا في كتاب
الجهاد * الثالث (قوله وقال ابن عمر دعا النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وقال اللهم العن فلانا
وفلانا حتى أنزل الله عز وجل ليس لك من الامر شئ) هذا أيضا طرف من حديث تقدم موصولا
في غزوة أحد وفي تفسير آل عمران وتقدم شرحه وتسمية من أبهم من المدعو عليهم * الحديث
الرابع (قوله حدثنا ابن سلام) هو محمد بن أبي خالد اسمه إسماعيل وابن أبي أوفى هو عبد الله (قوله
على الأحزاب) تقدم المراد به قريبا وسريع الحساب أي سريع فيه أو المعنى أن مجئ الحساب
163

سريع وتقدم شرح الحديث مستوفى في باب لا تتمنوا لقاء العدو من كتاب الجهاد * الحديث
الخامس حديث أبي هريرة في الدعاء في القنوت للمستضعفين من المسلمين وفيه اللهم أشدد
وطأتك على مضر أي خذهم بشدة وأصلها من الوطء بالقدم والمراد الاهلاك لان من يطأ على
الشئ برجله فقد استقصى في هلاكه والمراد بمضر القبيلة المشهورة التي منها جميع بطون قيس
وقريش وغيرهم وهو على حذف مضاف أي كفار مضر وقد تقدم في الجهاد أنه يشرح في المغازي
فلم يتهيأ ذلك فشرح في تفسير سورة النساء وقوله فيه اللهم أنج سلمة بن هشام نقل ابن التين عن
الداودي أنه قال هو عم أبي جهل قال فعلى هذا فاسم أبي جهل هشام واسم جده هشام (قلت)
وهو خطأ من عدة أوجه فان اسم أبي جهل عمرو واسم أبيه هشام وسلمة أخوه بلا خلاف بين أهل
الأخبار في ذلك فلعله كان فيه فاسم أبي أبي جهل فيستقيم لكن قوله وسلمة عم أبي جهل خطأ
فيرجع الخطأ * الحديث السادس حديث أنس بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية يقال لهم
القراء الحديث وقد تقدم شرحه في غزوة بئر معونة من كتاب المغازي وقوله وجد من الوجد بفتح
ثم سكون أي حزن * الحديث السابع حديث عائشة كانت اليهود يسلمون وقد تقدم شرحه في
كتاب الاستئذان * الحديث الثامن حديث علي كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق
الحديث وفيه ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا وقد تقدم شرحه في تفسير سورة البقرة وأشرت إلى
اختلاف العلماء في الصلاة الوسطى وبلغته إلى عشرين قولا وقد تعسف أبو الحسن بن القصار في
تأويله فقال وإنما تسمية العصر وسطى يختص بذلك اليوم لانهم شغلوا عن الظهر والعصر والمغرب
فكانت العصر بالنسبة إلى الثلاثة التي شغلوا عنها وسطى لا أن المراد بالوسطى تفسير ما وقع في
سورة البقرة (قلت) وقوله في هذه الرواية وهي صلاة العصر جزم الكرماني بأنه مدرج في الخبر
من قول بعض رواته وفيه نظر فقد تقدم في الجهاد من رواية عيسى بن يونس وفي المغازي من
رواية روح بن عبادة وفي التفسير من رواية يزيد بن هارون ومن رواية يحيى بن سعيد كلهم عن
هشام ولم يقع عنده ذكر صلاة العصر عن أحد منهم الا أنه وقع في المغازي إلى أن غابت الشمس
وهو مشعر بأنها العصر وأخرجه مسلم من رواية أبي أسامة ومن رواية المعتمر بن سليمان ومن
رواية يحيى بن سعيد ثلاثتهم عن هشام كذلك ولكن بلفظ شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة
العصر وكذا أخرجه من طريق شتير بن شكل عن علي ومن طريق مرة عن عبد الله بن مسعود
مثله سواء وأصرح من ذلك ما أخرجه من حديث حذيفة مرفوعا شغلونا عن صلاة العصر وهو
ظاهر في أنه من نفس الحديث وقوله في السند حدثنا الأنصاري يريد محمد بن عبد الله بن المثنى
القاضي وهو من شيوخ البخاري ولكن ربما أخرج عنه بواسطة كالذي هنا وقوله حدثنا
هشام بن حسان يرجح قول من قال في الرواية التي مضت في الجهاد من طريق عيسى بن يونس
حدثنا هشام أنه ابن حسان وقد كنت ظننت انه الدستوائي ورددت على الأصيلي حيث جزم بأنه
ابن حسان ثم نقل تضعيف هشام بن حسان يروم رد الحديث فتعقبته هناك ثم وقفت على هذه
الرواية فرجعت عما ظننته لكن أجيب الآن عن تضعيفه لهشام بأن هشام بن حسان وان تكلم
فيه بعضهم من قبل حفظه لكن لم يضعفه بذلك أحد مطلقا بل بقيد بعض شيوخه واتفقوا على
أنه ثبت في الشيخ الذي حدث عنه بحديث الباب وهو محمد بن سيرين قال سعيد بن أبي عروبة
164

ما كان أحد أحفظ عن ابن سيرين من هشام وقال يحيى القطان هشام بن حسان ثقة في محمد بن
سيرين وقال أيضا هو أحب إلى في ابن سيرين من عاصم الأحول وخالد الحذاء وقال علي بن
المديني كان يحيى القطان يضعف حديث هشام بن حسان عن عطاء وكان أصحابنا يثبتونه قال
وأما حديثه عن محمد بن سيرين فصحيح وقال يحيى بن معين كان ينفي حديثه عن عطاء وعن
عكرمة وعن الحسن (قلت) قد قال أحمد ما يكاد ينكر عليه شئ الا ووجدت غيره قد حدث
به اما أيوب واما عوف وقال ابن عدي أحاديثه مستقيمة ولم أر فيها شيئا منكرا انتهى وليس له في
الصحيحين عن عطاء شئ وله في البخاري شئ يسير عن عكرمة وتوبع عليه والله أعلم (قوله
باب الدعاء للمشركين) تقدمت هذه الترجمة وحديث أبي هريرة فيها في كتاب الجهاد
لكن زاد بالهدى ليتألفهم وقد تقدم شرحه هناك وذكرت وجه الجمع بين الترجمتين
والدعاء على المشركين والدعاء للمشركين وانه باعتبارين وحكى ابن بطال ان الدعاء للمشركين
ناسخ للدعاء على المشركين ودليله قوله تعالى ليس لك من الامر شئ قال والأكثر على أن لا نسخ
وان الدعاء على المشركين جائز وانما النهي عن ذلك في حق من يرجى تألفهم ودخولهم في الاسلام
ويحتمل في التوفيق بينهما ان الجواز حيث يكون في الدعاء ما يقتضي زجرهم عن تماديهم على
الكفر والمنع حيث يقع الدعاء عليهم بالهلاك على كفرهم والتقييد بالهداية يرشد إلى أن المراد
بالمغفرة في قوله في الحديث الاخر اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون العفو عما جنوه عليه في نفسه
لا محو ذنوبهم كلها لان ذنب الكفر لا يمحى أو المراد بقوله اغفر لهم اهدهم إلى الاسلام الذي تصح
معه المغفرة أو المعنى اغفر لهم إن أسلموا والله أعلم (قوله باب قول النبي صلى الله
عليه وسلم اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت) كذا ترجم ببعض الخبر وهذا القدر منه يدخل فيه
جميع ما اشتمل عليه لان جميع ما ذكر فيه لا يخلو عن أحد الامرين (قوله عبد الملك بن الصباح)
ماله في البخاري سوى هذا الموضع وقد أورد طريق معاذ عن معاذ عن شعبة عقبه إشارة إلى أنه لم
ينفرد به وعكس مسلم فصدر بطريق معاذ ثم أتبعه بطريق عبد الملك هذا قال أبو حاتم الرازي
عبد الملك بن الصباح صالح (قلت) وهي من ألفاظ التوثيق لكنها من الرتبة الأخيرة عند ابن أبي
حاتم وقال إن من قيل فيه ذلك يكتب حديثه للاعتبار وعلى هذا فليس عبد الملك بن الصباح
من شرط الصحيح لكن اتفاق الشيخين على التخريج له يدل على أنه أرفع رتبة من ذلك ولا سيما
وقد تابعه معاذ بن معاذ وهو من الاثبات ووقع في الارشاد للخليلي عبد الملك بن الصباح الصنعاني
عن مالك متهم بسرقة الحديث حكاه الذهبي في الميزان وقال هو المسمعي بصري صدوق خرج له
صاحب الصحيح انتهى والذي يظهر لي انه غير المسمعي فإن الصنعاني اما من صنعاء اليمن أو
صنعاء دمشق وهذا بصري قطعا فافترقا (قوله عن أبي إسحاق) هو السبيعي (قوله عن ابن أبي
موسى) هكذا جاء مبهما في رواية عبد الملك وهكذا أورده الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان
والقاسم بن زكريا كلاهما عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه وأخرجه ابن حبان في النوع
الثاني عشر من القسم الخامس من صحيحه عن عمر بن محمد بن بشار حدثنا عبد الملك بن الصباح
المسمعي فذكره وسماه معاذ عن شعبة فقال في روايته عن أبي بردة عن أبي موسى عن أبيه (قوله
وقال عبيد الله بن معاذ إلى آخره) أخرجه مسلم بصريح التحديث فقال حدثنا عبيد الله بن معاذ
165

وكذا قال الإسماعيلي حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا عبيد الله بن معاذ به وأشار الإسماعيلي إلى
أن في السند علة أخرى فقال سمعت بعض الحفاظ يقول إن أبا إسحاق لم يسمع هذا الحديث من
أبي بردة وانما سمعه من سعيد بن أبي بردة عن أبيه (قلت) وهذا تعليل غير قادح فإن شعبة كان
لا يروى عن أحد من المدلسين الا ما يتحقق انه سمعه من شيخه (قوله في الطريق الثالثة
إسرائيل حدثنا أبو إسحاق عن أبي بكر بن أبي موسى وأبي بردة أحسبه عن أبي موسى الأشعري)
لم أجد طريق إسرائيل هذه في مستخرج الإسماعيلي وضاقت على أبي نعيم فأوردها من طريق
البخاري ولم يستخرجها من وجه آخر وأفاد الإسماعيلي أن شريكا وأشعث وقيس بن الربيع
رووه عن أبي إسحاق عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه وقد وقعت لي طريق إسرائيل من وجه
آخر أخرجها أبو محمد بن صاعد في فوائده عن محمد بن عمرو الهروي عن عبيد الله بن عبد المجيد
الذي أخرجه البخاري من طريقه بسنده وقال في روايته عن أبي بكر وأبي بردة ابني أبي موسى عن
أبيهما ولم يشك وقال غريب من حديث أبي بكر بن أبي موسى (قلت) وإسرائيل هو ابن يونس بن
أبي إسحاق وهو من أثبت الناس في حديث جده (تنبيه) حكى الكرماني أن في بعض نسخ
البخاري وقال عبد الله بن معاذ بالتكبير (قلت) وهو خطأ محض وكذا حكى أن في بعض النسخ
من طريق إسرائيل عبد الله بن عبد الحميد بتأخير الميم وهو خطأ أيضا وهذا هو أبو علي الحنفي
مشهور من رجال الصحيحين (قوله إنه كان يدعو بهذا الدعاء) لم أر في شئ من طرقه محل الدعاء
بذلك وقد وقع معظم آخره في حديث ابن عباس انه صلى الله عليه وسلم كان يقوله في صلاة الليل
وقد تقدم بيانه قبل ووقع أيضا في حديث علي عند مسلم انه كان يقوله في آخر الصلاة واختلفت
الرواية هل كان يقوله قبل السلام أو بعده ففي رواية لمسلم ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد
والسلام اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أسرفت وما أعلنت وما أنت أعلم
به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت وفي رواية له وإذا سلم قال اللهم اغفر لي ما قدمت
إلى آخره ويجمع بينهما بحمل الرواية الثانية على إرادة السلام لان مخرج الطريقين واحد
وأورده ابن حبان في صحيحه بلفظ كان إذا فرغ من الصلاة وسلم وهذا ظاهر في أنه بعد السلام
ويحتمل انه كان يقول ذلك قبل السلام وبعده وقد وقع في حديث ابن عباس نحو ذلك كما بينته
عند شرحه (قوله رب اغفر لي خطيئتي) الخطيئة الذنب يقال خطئ يخطئ ويجوز تسهيل الهمزة
فيقال خطية بالتشديد (قوله وجهلي) الجهل ضد العلم (قوله واسرافي في أمري كله) الاسراف
مجاوزة الحد في كل شئ قال الكرماني يحتمل أن يتعلق بالاسراف فقط ويحتمل ان يتعلق
بجميع ما ذكر (قوله اغفر لي خطاياي وعمدي) وقع في رواية الكشميهني في طريق إسرائيل
خطئي وكذا أخرجه البخاري في الأدب المفرد بالسند الذي في الصحيح وهو المناسب لذكر العمد
ولكن جمهور الرواة على الأول والخطايا جمع خطيئة وعطف العمد عليها من عطف الخاص
على العام فان الخطيئة أعم من أن تكون عن خطا وعن عمد أو هو من عطف أحد العامين على
الاخر (قوله وجهلي وجدي) وقع في مسلم اغفر لي هزلي وجدي وهو أنسب والجد بكسر الجيم
ضد الهزل (قوله وكل ذلك عندي) أي موجود أو ممكن (قوله اللهم اغفر لي ما قدمت الخ) تقدم
سر المراد به وبيان تأويله (قوله أنت المقدم وأنت المؤخر) في رواية مسلم اللهم أنت المقدم الخ
166

(قوله وأنت على كل شئ قدير) في حديث على الذي أشرت إليه قبل لا إله إلا أنت بدل قوله
وأنت على كل شئ قدير قال الطبري بعد أن استشكل صدور هذا الدعاء من النبي صلى الله عليه
وسلم مع قوله تعالى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ما حاصله انه صلى الله عليه وسلم امتثل
ما أمره الله به من تسبيحه وسؤاله المغفرة إذا جاء نصر الله والفتح قال وزعم قوم ان استغفاره عما
يقع بطريق السهو والغفلة أو بطريق الاجتهاد مما لا يصادف ما في نفس الامر وتعقب بأنه لو
كان كذلك للزم منه أن الأنبياء يؤاخذون بمثل ذلك فيكونون أشد حالا من أممهم وأجيب
بالتزامه قال المحاسبي الملائكة والأنبياء أشد لله خوفا ممن دونهم وخوفهم خوف اجلال
واعظام واستغفارهم من التقصير لا من الذنب المحقق وقال عياض يحتمل ان يكون قوله اغفر لي
خطيئتي وقوله اغفر لي ما قدمت وما أخرت على سبيل التواضع والاستكانة والخضوع والشكر
لربه لما علم أنه قد غفر له وقيل هو محمول على ما صدر من غفلة أو سهو وقيل على ما مضى قبل النبوة
وقال قوم وقوع الصغيرة جائز منهم فيكون الاستغفار من ذلك وقيل هو مثل ما قال بعضهم في
آية الفتح ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك أي من ذنب أبيك آدم وما تأخر أي من ذنوب أمتك وقال
القرطبي في المفهم وقوع الخطيئة من الأنبياء جائز لانهم مكلفون فيخافون وقوع ذلك
ويتعوذون منه وقيل قاله على سبيل التواضع والخضوع لحق الربوبية ليقتدى به في ذلك
(تكميل) نقل الكرماني تبعا لمغلطاي عن القرافي ان قول القائل في دعائه اللهم اغفر لجميع
المسلمين دعاء بالمحال لان صاحب الكبيرة قد يدخل النار ودخول النار ينافي الغفران وتعقب
بالمنع وان المنافي للغفران الخلود في النار وأما الاخراج بالشفاعة أو العفو فهو غفران في الجملة
وتعقب أيضا بالمعارضة بقول نوح عليه السلام رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا
وللمؤمنين والمؤمنات وقول إبراهيم عليه السلام رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم
الحساب وبأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك في قوله تعالى واستغفر لذنبك وللمؤمنين
والمؤمنات والتحقيق ان السؤال بلفظ التعميم لا يستلزم طلب ذلك لكل فرد فرد بطريق التعيين
فلعل مراد القرافي منع ما يشعر بذلك لا منع أصل الدعاء بذلك ثم اني لا يظهر لي مناسبة ذكر هذه
المسئلة في هذا الباب والله أعلم (قوله باب الدعاء في الساعة التي في يوم الجمعة)
أي التي ترجى فيها إجابة الدعاء وقد ترجم في كتاب الجمعة باب الساعة التي في يوم الجمعة ولم يذكر في
البابين شيئا يشعر بتعيينها وقد اختلف في ذلك كثيرا واقتصر الخطابي منها على وجهين
أحدهما انها ساعة الصلاة والآخر انها ساعة من النهار عند دنو الشمس للغروب وتقدم سياق
الحديث في كتاب الجمعة من طريق الأعرج عن أبي هريرة بلفظ فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم
وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا الا أعطاه إياه وأشار بيده يقللها وقد ذكرت شرحه هناك
واستوعبت الخلاف الوارد في الساعة المذكورة فزاد على الأربعين قولا واتفق لي نظير ذلك في
ليلة القدر وقد ظفرت بحديث يظهر منه وجه المناسبة بينهما في العدد المذكور وهو ما أخرجه
أحمد وصححه ابن خزيمة من طريق سعيد بن الحارث عن أبي سلمة قال قلت يا أبا سعيد ان أبا هريرة
حدثنا عن الساعة التي في الجمعة فقال سألت عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقال اني كنت أعلمتها
ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر وفي هذا الحديث إشارة إلى أن كل رواية جاء فيها تعيين وقت
167

الساعة المذكورة مرفوعا وهم والله أعلم (قوله يسأل الله خيرا) يقيد قوله في رواية الأعرج شيئا
وان الفضل المذكور لمن يسأل الخير فيخرج الشر مثل الدعاء بالاثم وقطيعة الرحم ونحو ذلك
وقوله وقال بيده فيه إطلاق القول على الفعل وقد وقع في رواية الأعرج وأشار بيده (قوله
قلنا يقللها يزهدها) يحتمل أن يكون قوله يزهدها وقع تأكيدا لقوله يقللها والى ذلك أشار
الخطابي ويحتمل أن يكون قال أحد اللفظين فجمعهما الراوي ثم وجدته عند الإسماعيلي من
رواية أبي خيثمة زهير بن حرب يقللها ويزهدها فجمع بينهما وهو عطف تأكيد وقد أخرجه
مسلم عن زهير بن حرب عن إسماعيل شيخ مسدد فيه فلم يقع عنده قلنا ولفظه وقال بيده يقللها
يزهدها وأخرجه أبو عوانة عن الزعفراني عن إسماعيل بلفظ وقال بيده هكذا فقلنا يزهدها أو
يقللها وهذه أوضح الروايات والله أعلم (قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم
يستجاب لنا في اليهود ولا يستجاب لهم فينا) أي لأنا ندعو عليهم بالحق وهم يدعون علينا بالظلم ذكر
فيه حديث عائشة في قول اليهود السام عليكم وفي قولها لهم السام عليكم واللعنة وفي آخره رددت
عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في ولمسلم من حديث جابر وانا نجاب عليهم ولا يجابون
علينا ولأحمد من طريق محمد بن الأشعث عن عائشة في نحو حديث الباب فقال مه ان الله لا يحب
الفحش ولا التفحش قالوا قولا فرددناه عليهم فلم يضرنا شئ ولزمهم إلى يوم القيامة وقد تقدم
شرحه في كتاب الاستئذان وفيه بيان الاختلاف في المراد بذلك ويستفاد منه ان الداعي إذا كان
ظالما على من دعا عليه لا يستجاب دعاؤه ويؤيده قوله تعالى وما دعاء الكافرين الا في ضلال وقوله
هنا وإياك والعنف بضم العين ويجوز كسرها وفتحها وهو ضد الرفق (قوله باب
التأمين) يعني قول آمين عقب الدعاء ذكر فيه حديث أبي هريرة إذا أمن القارئ فآمنوا وقد تقدم
شرحه في كتاب الصلاة والمراد بالقارئ هنا الامام إذا قرأ في الصلاة ويحتمل أن يكون المراد
بالقارئ أعم من ذلك وورد في التأمين مطلقا أحاديث منها حديث عائشة مرفوعا ما حسدتكم
اليهود على شئ ما حسدتكم على السلام والتأمين رواه ابن ماجة وصححه ابن خزيمة وأخرجه
ابن ماجة أيضا من حديث ابن عباس بلفظ ما حسدتكم على آمين فأكثروا من قول آمين
وأخرج الحاكم عن حبيب بن مسلمة الفهري سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يجتمع
ملأ فيدعو بعضهم ويؤمن بعضهم الا أجابهم الله تعالى ولأبي داود من حديث أبي زهير النميري
قال وقف النبي صلى الله عليه وسلم على رجل قد ألح في الدعاء فقال أوجب ان ختم فقال بأي شئ
قال بآمين فأتاه الرجل فقال يا فلان اختم بآمين وأبشر وكان أبو زهير يقول آمين مثل الطابع
على الصحيفة وقد ذكرت في باب جهر الامام بالتأمين في كتاب الصلاة ما في آمين من اللغات
والاختلاف في معناها فاغنى عن الإعادة (قوله باب فضل التهليل) أي قول لا إله
إلا الله وسيأتي بعد باب شئ مما يتعلق بذلك (قوله عن مالك عن سمي) بمهملة مصغر وفي رواية
أبي بكر بن أبي شيبة في مسنده عن زيد بن الحباب عن مالك حدثني سمى مولى أبي بكر أخرجه
ابن ماجة وفي رواية عبد الله بن سعيد عن أبي هند عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن
ابن الحارث (قوله عن أبي صالح) هو السمان (قوله عن أبي هريرة) في رواية عبد الله بن سعيد انه
سمع أبا هريرة (قوله من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير)
168

هكذا في أكثر الروايات و ورد في بعضها زيادة يحيى ويميت وفي أخرى زيادة بيده الخير وسأذكر
من زاد ذلك (قوله مائة مرة) في رواية عبد الله بن يوسف عن مالك الماضية في بدء الخلق في يوم
مائة مرة وفي رواية عبد الله بن سعيد إذا أصبح ومثله في حديث أبي أمامة عند جعفر الفريابي
في الذكر ووقع في حديث أبي ذر تقييده بأن ذلك في دبر صلاة الفجر قبل أن يتكلم لكن
قال عشر مرات وفي سندهما شهر بن حوشب وقد اختلف عليه وفيه مقال (قوله كانت له)
في رواية الكشميهني من طريق عبد الله بن يوسف الماضية كان بالتذكير أي القول المذكور
(قوله عدل) فتح العين قال الفراء العدل بالفتح ما عدل الشئ من غير جنسه وبالكسر المثل
(قوله عشر رقاب) في رواية عبد الله بن سعيد عدل رقبة ويوافقه رواية مالك حديث البراء بلفظ
من قال لا إله إلا الله وفي آخره عشر مرات كن له عدل رقبة أخرجه النسائي وصححه ابن حبان
والحاكم ونظيره في حديث أبي أيوب الذي في الباب كما سيأتي التنبيه عليه وأخرج جعفر الفريابي
في الذكر من طريق الزهري أخبرني عكرمة بن محمد الدؤلي أن أبا هريرة قال من قالها فله عدل رقبة
ولا تعجزوا أن تستكثروا من الرقاب ومثله رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه لكنه خالف في
صحابيه فقال عن أبي عياش الزرقي أخرجه النسائي (قوله وكتبت) في رواية الكشميهني وكتب
بالتذكير (قوله وكانت له حرزا من الشيطان) في رواية عبد الله بن سعيد وحفظ يومه حتى يمسي
وزاد ومن قال مثل ذلك حين يمسي كان له مثل ذلك ومثل ذلك في طرق أخرى يأتي التنبيه عليها
بعد (قوله ولم يأت أحد بأفضل مما جاء) كذا هنا وفي رواية عبد الله بن يوسف مما جاء به (قوله
الا رجل عمل أكثر منه) في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده لم يجئ أحد بأفضل من عمله
الا من قال أفضل من ذلك أخرجه النسائي بسند صحيح إلى عمرو والاستثناء في قوله الا رجل
منقطع والتقدير لكن رجل قال أكثر مما قاله فإنه يزيد عليه ويجوز أن يكون الاستثناء متصلا
(قوله حدثنا عبد الله بن محمد) هو المسندي وعبد الملك بن عمرو هو أبو عامر العقدي بفتح المهملة
والقاف مشهور بكنيته أكثر من اسمه وعمر بن أبي زائدة اسم أبيه خالد وقيل ميسرة وهو أخو
زكريا بن أبي زائدة وزكريا أكثر حديثا منه وأشهر (قوله عن أبي إسحاق) هو السبيعي تابعي
صغير وعمرو بن ميمون هو الأودي تابعي كبير مخضرم أدرك الجاهلية (قوله من قال عشرا
كان كمن أعتق رقبة من ولد إسماعيل) هكذا ذكره البخاري مختصرا وساقه مسلم عن سليمان بن
عبيد الله الغيلاني والإسماعيلي من طريق علي بن مسلم قالا حدثنا أبو عامر بالسند المذكور
ولفظه من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير عشر مرات
كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل وهكذا أخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق
روح بن عبادة ومن طريق عمرو بن عاصم فرقهما قالا حدثنا عمر بن أبي زائدة فذكر مثله سواء
(قوله قال عمر) كذا لأبي ذر غير منسوب ولغيره عمر بن أبي زائدة وهو الراوي المذكور في أول
السند (قوله وحدثنا عبد الله بن أبي السفر) بفتح المهملة والفاء وسكن بعض المعاربة الفاء
وهو خطأ وهو معطوف على قوله عن أبي إسحاق وقد أوضح ذلك مسلم والإسماعيلي في روايتهما
المذكورة فأعاد مسلم السند من أوله إلى عمر بن أبي زائدة قال حدثنا عبد الله بن أبي السفر
فذكره وكذا وقع عند أحمد عن روح بن عبادة وعند أبي عوانة من روايته واقتصر على الموصول
169

في رواية عمرو بن عاصم المذكورة عن الشعبي عن الربيع بن خثيم بمعجمة ومثلثة مصغر (قوله
مثله) أي مثل رواية أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الموقوفة وحاصل ذلك أن عمر بن أبي زائدة
أسنده عن شيخين أحدهما عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون موقوفا والثاني عن عبد الله بن أبي
السفر عن الشعبي عن الربيع عن عمرو بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب مرفوعا
(تنبيه) وقع قوله قال عمرو حدثنا عبد الله بن أبي السفر إلى آخره مؤخرا في رواية أبي ذر عن
التعليق عن موسى وعن إسماعيل وعن آدم وعن الأعمش وحصين وقدم هذه التعاليق كلها على
الطريق الثانية لعمر بن أبي زائدة فصار ذلك مشكلا لا يظهر منه وجه الصواب ووقع قوله وقال
عمر بن أبي زائدة مقدما معقبا بروايته عن أبي إسحاق عند غير أبي ذر في جميع الروايات عن الفربري
وكذا في رواية إبراهيم بن معقل النسفي عن البخاري وهو الصواب ويؤيد ذلك رواية الإسماعيلي
ورواية أبي عوانة المذكورتان (قوله وقال إبراهيم بن يوسف عن أبيه) هو ابن أبي إسحاق
السبيعي (عن أبي إسحاق) هو جد إبراهيم بن يوسف (قوله حدثني عمرو بن ميمون الخ)
أفادت هذه الرواية التصريح بتحديث عمرو لأبي إسحاق وأفادت زيادة ذكر عبد الرحمن بن أبي
ليلى وأبي أيوب في السند (قوله وقال موسى حدثنا وهيب الخ) مرفوعا وصله أبو بكر بن
أبي خيثمة في ترجمة الربيع بن خثيم من تاريخه فقال حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب بن
خالد عن داود بن أبي هند عن عامر الشعبي فذكره ولفظه كان له من الاجر مثل من أعتق أربعة
أنفس من ولد إسماعيل وقد أخرجه جعفر في الذكر من رواية خالد الطحان عن داود بن أبي هند
بسنده لكن لفظه كان له عدل رقبة أو عشر رقاب ثم أخرجه من طريق عبد الوهاب بن عبد
المجيد عن داود قال مثله ومن طريق محمد بن أبي عدي ويزيد بن هارون كلاهما عن داود نحوه
وأخرجه النسائي من رواية يزيد وهو عند أحمد عن يزيد بلفظ كن له كعدل عشر رقاب وأخرجه
الإسماعيلي من طريق خلف بن راشد قال وكان ثقة صاحب سنة عن داود بن أبي هند مثله وزاد
في آخره قال قلت من حدثك قال عبد الرحمن قلت لعبد الرحمن من حدثك قال أبو أيوب عن
النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر فيه الربيع بن خثيم ورواية وهيب تؤيد رواية عمر بن أبي زائدة
وإن كان اختصر القصة فإنه وافقه في رفعه وفي كون الشعبي رواه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى
عن أبي أيوب (قوله وقال إسماعيل عن الشعبي عن الربيع بن خثيم قوله) إسماعيل هو ابن أبي خالد
واقتصار البخاري على هذا القدر يوهم أنه خالف داود في وصله وليس كذلك وانما أراد أنه جاء
في هذه الطريق عن الربيع من قوله ثم لما سئل عنه وصله وليس كذلك وقد وقع لنا ذلك واضحا في
زيادات الزهد لابن المبارك ورواية الحسين بن الحسين المروزي قال الحسين حدثنا المعتمر بن
سليمان سمعت إسماعيل بن أبي خالد يحدث عن عامر هو الشعبي سمعت الربيع بن خثيم يقول من
قال لا إله إلا الله فذكره بلفظ فهو عدل أربع رقاب فقلت عمن ترويه فقال عن عمرو بن
ميمون فلقيت عمرا فقلت عمن ترويه فقال عن عبد الرحمن بن أبي ليلى فلقيت عبد الرحمن
فقلت عمن ترويه فقال عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذا أخرجه جعفر في الذكر
من رواية خالد الطحان عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر قال قال الربيع بن خثيم أخبرت أنه
من قال فذكره وزاد بعد قوله أربع رقاب يعتقها قلت عمن تروي هذا فذكر مثله لكن ليس
170

فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن طريق عبدة بن سليمان عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي
سمعت الربيع بن خثيم يقول من قال فذكره دون قوله يعتقها فقلت له عمن تروي هذا فذكره
وكذا أخرجه النسائي عن رواية يعلى بن عبيد عن إسماعيل مثله سواء وذكر الدارقطني أن ابن
عيينة ويزيد بن عطاء ومحمد بن إسحاق ويحيى بن سعيد الأموي رووه عن الربيع بن خثيم كما قال
يعلى بن عبيد وان علي بن عاصم رفعه عن إسماعيل وأخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن إسحاق
عن إسماعيل عن جابر سمعت الربيع بن خثيم يقول فذكره قال قلت فمن أخبرك قال عمرو بن
ميمون قال فلقيت عمرا فقلت ان الربيع روى لي عنك كذا وكذا أفأنت أخبرته قال نعم قلت
من أخبرك قال عبد الرحمن فذكر ذلك الخ (قوله وقال آدم حدثنا شعبة الخ) هكذا
للأكثر ووقع عند الدارقطني ان البخاري قال فيه حدثنا آدم وكذا رويناه في نسخة آدم بن أبي
إياس عن شعبة رواية القلانسي عنه وكذا أخرجه النسائي من رواية محمد بن جعفر والإسماعيلي
من رواية معاذ بن معاذ كلاهما عن شعبة بسنده المذكور وساقا المتن ولفظهما عن عبد الله
هو ابن مسعود قال لان أقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحديث وفيه أحب إلي من أن
أعتق أربع رقاب وأخرجه النسائي من طريق منصور بن المعتمر عن هلال بن يساف عن الربيع
وحده عن عبد الله بن مسعود قال من قال فذكر مثله لكن زاد بيده الخير وقال في آخره كان له
عدل أربع رقاب من ولد إسماعيل (قوله وقال الأعمش وحصين عن هلال عن الربيع عن
عبد الله قوله) اما رواية الأعمش فوصلها النسائي من طريق وكيع عنه ولفظه عن عبد الله بن
مسعود قال من قال اشهد أن لا إله إلا الله وقال فيه كان له عدل أربع رقاب من ولد إسماعيل
واما رواية حصين وهو ابن عبد الرحمن فوصلها محمد بن فضيل في كتاب الدعاء له حدثنا حصين بن
عبد الرحمن فذكره ولفظه قال عبد الله من قال أول النهار لا إله إلا الله فذكره بلفظ كن له كعدل
أربع محررين من ولد إسماعيل قال فذكرته لإبراهيم يعني النخعي فزاد فيه بيده الخير وهكذا
أخرجه النسائي من طريق محمد بن فضيل ورويناها بعلو في فوائد أبي جعفر بن البختري من
طريق علي بن عاصم عن حصين ولفظه عن هلال قال ما قعد الربيع بن خثيم الا كان آخر قوله
قال ابن مسعود فذكره وهكذا رواه منصور بن المعتمر عن هلال وقال في آخره كان له عدل أربع
رقاب من ولد إسماعيل وزاد فيه بيده الخير ولم يفصل كما فصل حصين أخرجه النسائي من رواية يحيى
ابن يعلى عن منصور وأخرجه النسائي أيضا من رواية زائدة عن منصور عن هلال عن الربيع
عن عمرو بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن امرأة عن أبي أيوب قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله مثل الأول وزاد عشر مرات كن عدل نسمة وهذه الطريق
لا تقدح في الاسناد الأول لان عبد الرحمن صرح بأنه سمعه من أبي أيوب كما في رواية الأصيلي
وغيره فلعله كان سمعه من المرأة عنه ثم لقيه فحدثه به أو سمعه منه ثم ثبتته فيه المرأة (قوله ورواه
أبو محمد الحضرمي عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم) كذا لأبي ذر ووافقه النسفي
ولغيرهما وقال أبو محمد الخ وأبو محمد لا يعرف اسمه كما قال الحاكم أبو أحمد وكان يخدم أبا أيوب
وذكر المزي أنه أفلح مولى أبي أيوب وتعقب بأنه مشهور باسمه مختلف في كنيته وقال الدارقطني
لا يعرف أبو محمد الا في هذا الحديث وليس لأبي محمد الحضرمي في الصحيح الا هذا الموضع وقد وصله
171

الإمام أحمد والطبراني من طريق سعيد بن إياس الحريري عن أبي الورد وهو بفتح الواو وسكون
الراء واسمه ثمامة بن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها نون القشيري عن أبي محمد الحضرمي
عن أبي أيوب الأنصاري قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة نزل علي فقال لي يا أبا أيوب
ألا أعلمك قلت بلى يا رسول الله قال ما من عبد يقول إذا أصبح لا إله إلا الله فذكره الا كتب الله له
بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات والا كن له عند الله عدل عشر رقاب محررين
والا كان في جنة من الشيطان حتى يمسي ولا قالها حين يمسي الا كان كذلك قال فقلت لأبي محمد
أنت سمعتها من أبي أيوب قال والله لقد سمعتها من أبي أيوب وروى أحمد أيضا من طريق عبد الله
ابن يعيش عن أبي أيوب رفعه من قال إذا صلى الصبح لا إله إلا الله فذكره بلفظ عشر مرات كن
كعدل أربع رقاب وكتب له بهن عشر حسنات ومحى عنه بهن عشر سيئات ورفع له بهن عشر
درجات وكن له حرسا من الشيطان حتى يمسي وإذا قالها بعد المغرب فمثل ذلك وسنده حسن
وأخرجه جعفر في الذكر من طريق أبي رهم السمعي بفتح المهملة والميم عن أبي أيوب عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال من قال حين يصبح فذكر مثله لكن زاد يحيي ويميت وقال فيه كعدل عشر
رقاب وكان له مسلحة من أول نهاره إلى آخره ولم يعمل عملا يومئذ يقهرهن وان قالهن حين يمسي
فمثل ذلك وأخرجه أيضا من طريق القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أيوب بلفظ من قال غدوة فذكر
نحوه وقال في آخره وأجاره الله يومه من النار ومن قالها عشية كان له مثل ذلك (قوله قال أبو
عبد الله) هو البخاري (والصحيح قول عمرو) كذا وقع في رواية أبي ذر عن المستملي وحده ووقع عنده
عمرو بفتح العين ونبه على أن الصواب عمر بضم العين وهو كما قال ووقع عند أبي زيد المروزي في
روايته الصحيح قول عبد الملك بن عمرو وقال الدارقطني الحديث حديث ابن أبي السفر عن
الشعبي وهو الذي ضبط الاسناد ومراد البخاري ترجيح رواية عمر بن أبي زائدة عن أبي إسحاق
على رواية غيره عنه وقد ذكر هو ممن رواه عن أبي إسحاق حفيده إبراهيم بن يوسف كما بينته
ورواه عن أبي إسحاق أيضا حفيده الاخر إسرائيل بن يونس أخرجه جعفر في الذكر من طريقه
عن أبي إسحاق فزاد في روايته بين عمرو وعبد الرحمن الربيع بن خثيم ووقفه أيضا ولفظه عنده
كان له من الاجر مثل من أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل ورواه عن أبي إسحاق أيضا زهير بن
معاوية كذلك أخرجه النسائي من طريقه لكن قال كان أعظم اجرا وأفضل والباقي مثل
إسرائيل وأخرجه أيضا من رواية زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق لكن لم يذكر عبد الرحمن
بين الربيع وأبي أيوب وأخرجه جعفر في الذكر من طريق أبي الأحوص عن أبي إسحاق فقال عن
عمرو بن ميمون حدثنا من سمع أبا أيوب فذكر مثل لفظ زهير بن معاوية واختلاف هذه الروايات
في عدد الرقاب مع اتحاد المخرج يقتضي الترجيح بينها فالأكثر على ذكر أربعة ويجمع بينه وبين
حديث أبي هريرة بذكر عشرة لقولها مائة فيكون مقابل كل عشر مرات رقبة من قبل المضاعفة
فيكون لكل مرة بالمضاعفة رقبة وهي مع ذلك لمطلق الرقاب ومع وصف كون الرقبة من بني
إسماعيل يكون مقابل العشرة من غيرهم أربعة منهم لانهم أشرف من غيرهم من العرب فضلا
عن العجم وأما ذكر رقبة بالافراد في حديث أبي أيوب فشاذ والمحفوظ أربعة كما بينته وجمع
القرطبي في المفهم بين الاختلاف على اختلاف أحوال الذاكرين فقال انما يحصل الثواب
172

الجسيم لمن قام بحق هذه الكلمات فاستحضر معانيها بقلبه وتأملها بفهمه ثم لما كان الذاكرون
في إدراكاتهم وفهومهم مختلفين كان ثوابهم بحسب ذلك وعلى هذا ينزل اختلاف مقادير
الثواب في الأحاديث فان في بعضها ثوابا معينا وتجد ذلك الذكر بعينه في رواية أخرى أكثر
أو أقل كما اتفق في حديث أبي هريرة وأبي أيوب (قلت) إذا تعددت مخارج الحديث فلا بأس بهذا
الجمع وإذا أتحدث فلا وقد يتعين الجمع الذي قدمته ويحتمل فيما إذا تعددت أيضا ان يختلف المقدار
بالزمان كالتقييد بما بعد صلاة الصبح مثلا وعدم التقييد إن لم يحمل المطلق في ذلك على المقيد
ويستفاد منه جواز استرقاق العرب خلافا لمن منع ذلك قال عياض ذكر هذا العدد من المائة
دليل على انها غاية للثواب المذكور واما قوله الا أحد عمل أكثر من ذلك فيحتمل ان تراد
الزيادة على هذا العدد فيكون لقائله من الفضل بحسابه لئلا يظن أنها من الحدود التي نهى عن
اعتدائها وأنه لافضل في الزيادة عليها كما في ركعات السنن المحدودة وأعداد الطهارة ويحتمل أن
تراد الزيادة من غير هذا الجنس من الذكر أو غيره الا أن يزيد أحد عملا آخر من الأعمال الصالحة
وقال النووي يحتمل أن يكون المراد مطلق الزيادة سواء كانت من التهليل أو غيره وهو الاظهر
يشير إلى أن ذلك يختص بالذكر ويؤيده ما تقدم أن عند النسائي من رواية عمرو بن شعيب الا من
قال أفضل من ذلك قال وظاهر إطلاق الحديث أن الاجر يحصل لمن قال هذا التهليل في اليوم
متواليا أو متفرقا في مجلس أو مجالس في أول النهار أو آخره لكن الأفضل أن يأتي به أول النهار
متواليا ليكون له حرزا في جميع نهاره وكذا في أول الليل ليكون له حرزا في جميع ليله (تنبيه)
أكمل ما ورد من ألفاظ هذا الذكر في حديث ابن عمر عن عمر رفعه من قال حسين يدخل السوق
لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل
شئ قدير الحديث أخرجه الترمذي وغيره وهذا لفظ جعفر في الذكر وفي سنده لين وقد ورد
جميعه في حديث الباب على ما أوضحته مفرقا الا قوله وهو حي لا يموت (قوله باب
فضل التسبيح) يعني قول سبحان الله ومعناه تنزيه الله عما لا يليق به من كل نقص فيلزم نفي الشريك
والصاحبة والولد وجميع الرذائل ويطلق التسبيح ويراد به جميع ألفاظ الذكر ويطلق ويراد به
صلاة النافلة وأما صلاة التسبيح فسميت بذلك لكثرة التسبيح فيها وسبحان اسم منصوب على أنه
واقع موقع المصدر لفعل محذوف تقديره سبحت الله سبحانا كسبحت الله تسبيحا ولا يستعمل
غالبا الا مضافا وهو مضاف إلى المفعول أي سبحت الله ويجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل أي
نزه الله نفسه والمشهور الأول وقد جاء غير مضاف في الشعر كقوله * سبحانه ثم سبحانا أنزهه
(قوله من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)
زاد في رواية سهيل بن أبي صالح عن سمي عن أبي صالح من قال حين يمسي وحين يصبح ويأتي في
ذلك ما ذكره النووي من أن الأفضل أن يقول ذلك متواليا في أول النهار وفي أول الليل والمراد
بقوله وإن كانت مثل زبد البحر الكناية عن المبالغة في الكثرة قال عياض قوله حطت خطاياه
وإن كانت مثل زبد البحر مع قوله في التهليل محيت عنه مائة سيئة قد يشعر بأفضلية التسبيح على
التهليل يعني لان عدد زبد البحر أضعاف أضعاف المائة لكن تقدم في التهليل ولم يأت أحد
بأفضل مما جاء به فيحتمل أن يجمع بينهما بأن يكون التهليل أفضل وانه بما زيد من رفع الدرجات
173

وكتب الحسنات تم ما جعل مع ذلك من فضل عتق الرقاب قد يزيد على فضل التسبيح وتكفيره
جميع الخطايا لأنه قد جاء من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار فحصل بهذا
العتق تكفير جميع الخطايا عموما بعد حصر ما عدد منها خصوصا مع زيادة مائة درجة وما زاده
عتق الرقاب الزيادة على الواحدة ويؤيده الحديث الاخر أفضل الذكر التهليل وانه أفضل ما قاله
والنبيون من قبله وهو كلمة التوحيد والاخلاص وقيل إنه اسم الله الأعظم وقد مضى شرح
التسبيح وأنه التنزيه عما لا يليق بالله تعالى وجميع ذلك داخل في ضمن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير انتهى ملخصا (قلت) وحديث أفضل
الذكر لا إله إلا الله أخرجه الترمذي والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث جابر
ويعارضه في الظاهر حديث أبي ذر قلت يا رسول الله أخبرني بأحب الكلام إلى الله قال إن
أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده أخرجه مسلم وفي رواية سئل أي الكلام أفضل قال
ما اصطفاه الله لملائكته سبحان الله وبحمده وقال الطيبي في الكلام على حديث أبي ذر فيه تلميح
بقوله تعالى حكاية عن الملائكة ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ويمكن أن يكون قوله سبحان
الله وبحمده مختصرا من الكلمات الأربع وهي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر
لان سبحان الله تنزيه له عما لا يليق بجلاله وتقديس لصفاته من النقائص فيندرج فيه معنى لا إله
إلا الله وقوله وبحمده صريح في معنى والحمد لله لان الإضافة فيه بمعنى اللام في الحمد ويستلزم
ذلك معنى الله أكبر لأنه إذا كان كل الفضل والافضال لله ومن الله وليس من غيره شئ من ذلك
فلا يكون أحد أكبر منه ومع ذلك كله فلا يلزم أن يكون التسبيح أفضل من التهليل لان التهليل
صريح في التوحيد والتسبيح متضمن له ولان نفي الألهة في قول لا اله نفي لمضمنها من فعل
الخلق والرزق والإثابة والعقوبة وقول الا الله اثبات لذلك ويلزم منه نفي ما يضاده ويخالفه
من النقائص فمنطوق سبحان الله تنزيه ومفهومه توحيد ومنطوق لا إله إلا الله توحيد ومفهومه
تنزيه يعني فيكون لا إله إلا الله أفضل لان التوحيد أصل والتنزيه ينشأ عنه والله أعلم وقد جمع
القرطبي بما حاصله أن هذه الاذكار إذا أطلق على بعضها أنه أفضل الكلام أو أحبه إلى الله
فالمراد إذا انضمت إلى أخواتها بدليل حديث سمرة عند مسلم أحب الكلام إلى الله أربع لا يضرك
بأيهن بدأت سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ويحتمل أن يكتفي في ذلك بالمعنى فيكون
من اقتصر على بعضها كفى لان حاصلها التعظيم والتنزيه ومن نزهه فقد عظمه ومن عظمه
فقد نزهه انتهى وقال النوي هذا الاطلاق في الأفضلية محمول على كلام الادمي والا فالقرآن
أفضل الذكر وقال البيضاوي الظاهر أن المراد من الكلام كلام البشر فان الثلاث الأول وان
وجدت في القرآن لكن الرابعة لم توجد فيه ولا يفضل ما ليس فيه على ما هو فيه (قلت) ويحتمل
ان يجمع بأن تكون من مضمرة في قوله أفضل الذكر لا إله إلا الله وفي قوله أحب الكلام بناء على
أن لفظ أفضل وأحب متساويان في المعنى لكن يظهر مع ذلك تفضيل لا إله إلا الله لأنها ذكرت
بالتنصيص عليها بالأفضلية الصريحة وذكرت مع أخواتها بالأحبية فحصل لها التفضيل تنصيصا
وانضماما والله أعلم واخرج الطبري من رواية عبد الله بن باباه عن عبد الله بن عمرو بن العاص
قال إن الرجل إذا قال لا إله إلا الله فهي كلمة الاخلاص التي لا يقبل الله عملا حتى يقولها وإذا
174

قال الحمد لله فهي كلمة الشكر التي لم يشكر الله عبد حتى يقولها ومن طريق الأعمش عن مجاهد
عن ابن عباس قال من قال لا إله إلا الله فليقل على اثرها الحمد لله رب العالمين (تكميل) أخرج
النسائي بسند صحيح عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال موسى يا رب علمني شيئا أذكرك
به قال قل لا إله إلا الله الحديث وفيه لو أن السماوات السبع وعامرهن والأرضين السبع جعلن
في كفة ولا إله إلا الله في كفة لمالت بهن لا إله إلا الله فيؤخذ منه ان الذكر بلا إله إلا الله أرجح
من الذكر بالحمد لله ولا يعارضه حديث أبي مالك الأشعري رفعه والحمد لله تملأ الميزان فان الملء
يدل على المساواة والرجحان صريح في الزيادة فيكون أولى ومعنى ملء الميزان ان ذاكرها يمتلئ
ميزانه ثوابا وذكر ابن بطال عن بعض العلماء ان الفضل الوارد في حديث الباب وما شابهه انما
هو لأهل الفضل في الدين والطهارة من الجرائم العظام وليس من أصر على شهواته وانتهك دين
الله وحرماته بلا حق بالأفاضل المطهرين في ذلك ويشهد له قوله تعالى أم حسب الذين اجترحوا
السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون (قوله
حدثنا ابن فضيل) هو محمد وأبوه بالفاء والمعجمة مصغر وعمارة هو ابن القعقاع بن شبرمة وأبو زرعة
هو ابن عمرو بن جرير ورجال الاسناد ما بين زهير بن حرب وأبي هريرة كوفيون (قوله خفيفتان
على اللسان الخ) قال الطيبي الخفة مستعارة للسهولة شبه سهولة جريان هذا الكلام على اللسان
بما يخف على الحامل من بعض المحمولات فلا يشق عليه فذكر المشبه وأراد المشبه به وأما الثقل
فعلى حقيقته لان الأعمال تتجسم عند الميزان والخفة والسهولة من الأمور النسبية وفي
الحديث حث على المواظبة على هذا الذكر وتحريض على ملازمته لان جميع التكاليف شاقة
على النفس وهذا سهل ومع ذلك يثقل في الميزان كما تثقل الافعال الشاقة فلا ينبغي التفريط فيه
وقوله حبيبتان إلى الرحمن تثنية حبيبة وهي المحبوبة والمراد أن قائلها محبوب لله ومحبة الله
للعبد إرادة إيصال الخير له والتكريم وخص الرحمن من الأسماء الحسنى للتنبيه على سعة رحمة
الله حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل ولما فيها من التنزيه والتحميد والتعظيم
وفي الحديث جواز السجع في الدعاء إذا وقع بغير كلفة وسيأتي بقية شرح هذا الحديث في آخر
الصحيح حيث ختم به المصنف إن شاء الله تعالى (قوله باب فضل ذكر الله عز وجل)
ذكر فيه حديثي أبي موسى وأبي هريرة وهما ظاهران فيما ترجم له والمراد بالذكر هنا الاتيان
بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها والاكثار منها مثل الباقيات الصالحات وهي سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وما يلتحق بها من الحوقلة والبسملة والحسبلة والاستغفار
ونحو ذلك والدعاء بخيري الدنيا والآخرة ويطلق ذكر الله أيضا ويراد به المواظبة على العمل بما
أوجبه أو ندب إليه كتلاوة القرآن وقراءة الحديث ومدارسة العلم والتنفل بالصلاة ثم الذكر يقع
تارة باللسان ويؤجر عليه الناطق ولا يشترط استحضاره لمعناه ولكن يشترط أن لا يقصد به غير
معناه وان انضاف إلى النطق الذكر بالقلب فهو أكمل فان انضاف إلى ذلك استحضار معنى الذكر
وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى ونفي النقائص عنه ازداد كمالا فان وقع ذلك في عمل صالح مهما
فرض من صلاة أو جهاد أو غيرهما ازداد كمالا فإن صحح التوجه وأخلص لله تعالى في ذلك فهو
أبلغ الكمال وقال الفخر الرازي المراد بذكر اللسان الألفاظ الدالة على التسبيح والتحميد
175

والتمجيد والذكر بالقلب التفكر في أدلة الذات والصفات وفي أدلة التكاليف من الأمر
والنهي حتى يطلع على أحكامها وفي أسرار مخلوقات الله والذكر بالجوارح هو ان تصير مستغرقة
في الطاعات ومن ثم سمى الله الصلاة ذكرا فقال فاسعوا إلى ذكر الله ونقل عن بعض العارفين قال
الذكر على سبعة انحاء فذكر العينين بالبكاء وذكر الاذنين بالاصغاء وذكر اللسان بالثناء وذكر
اليدين بالعطاء وذكر البدن بالوفاء وذكر القلب بالخوف والرجاء وذكر الروح بالتسليم والرضاء
وورد في فضل الذكر أحاديث أخرى منها ما أخرجه المصنف في أواخر كتاب التوحيد عن أبي
هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فان
ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي الحديث ومنها ما أخرجه في صلاة الليل من حديث أبي هريرة
أيضا رفعه يعقد الشيطان الحديث وفيه فان قام فذكر الله انحلت عقدة ومنها ما أخرجه مسلم
من حديث أبي هريرة وأبي سعيد مرفوعا لا يقعد قوم يذكرون الله تعالى الا حفتهم الملائكة
وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة الحديث ومن حديث أبي ذر رفعه أحب الكلام إلى الله
ما اصطفى لملائكته سبحان ربي وبحمده الحديث ومن حديث معاوية رفعه أنه قال لجماعة
جلسوا يذكرون الله تعالى أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة ومن حديث سمرة
رفعه أحب الكلام إلى الله أربع لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله لا يضرك بأيهن
بدأت ومن حديث أبي هريرة رفعه لان أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر
أحب إلي مما طلعت عليه الشمس وأخرج الترمذي والنسائي وصححه الحاكم عن الحارث بن
الحارث الأشعري في حديث طويل وفيه فآمركم أن تذكروا الله وان مثل ذلك كمثل رجل خرج
العدو في اثره شراعا حتى إذا أتى على حصن حصين أحرز نفسه منهم فكذلك العبد لا يحرز نفسه
من الشيطان إلا بذكر الله تعالى وعن عبد الله بن بسر ان رجلا قال يا رسول الله ان شرائع
الاسلام قد كثرت علي فأخبرني بشئ أتشبث به قال لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله أخرجه
الترمذي وابن ماجة وصححه ابن حبان والحاكم وأخرج ابن حبان نحوه أيضا من حديث معاذ
ابن جبل وفيه أنه السائل عن ذلك وأخرج الترمذي من حديث أنس رفعه إذا مررتم برياض
الجنة فارتعوا قالوا وما رياض الجنة قال حلق الذكر وأخرج الترمذي وابن ماجة وصححه
الحاكم من حديث أبي الدرداء مرفوعا ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها
في درجاتكم وخير لكم من انفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا
أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر الله عز وجل وقد أشرت إليه مستشكلا في أوائل
الجهاد مع ما ورد في فضل المجاهد أنه كالصائم لا يفطر وكالقائم لا يفتر وغير ذلك مما يدل على
أفضليته على غيره من الأعمال الصالحة وطريق الجمع والله أعلم أن المراد بذكر الله في حديث أبي
الدرداء الذكر الكامل وهو ما يجتمع فيه ذكر اللسان والقلب بالتفكر في المعنى واستحضار عظمة
الله تعالى وأن الذي يحصل له ذلك يكون أفضل ممن يقاتل الكفار مثلا من غير استحضار لذلك
وان أفضلية الجهاد انما هي بالنسبة إلى ذكر اللسان المجرد فمن اتفق له أنه جمع ذلك كمن يذكر الله
بلسانه وقلبه واستحضاره وكل ذلك حال صلاته أو في صيامه أو تصدقه أو قتاله الكفار مثلا
فهو الذي بلغ الغاية القصوى والعلم عند الله تعالى وأجاب القاضي أبو بكر بن العربي بأنه ما من
176

عمل صالح الا والذكر مشترط في تصحيحه فمن لم يذكر الله بقلبه عند صدقته أو صيامه مثلا فليس
عمله كاملا فصار الذكر أفضل الأعمال من هذه الحيثية ويشير إلى ذلك حديث نية المؤمن أبلغ
من عمله * الحديث الأول (قوله مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت)
سقط لفظ ربه الثانية من رواية غير أبي ذر هكذا وقع في جميع نسخ البخاري وقد أخرجه مسلم
عن أبي كريب وهو محمد بن العلاء شيخ البخاري فيه بسنده المذكور بلفظ مثل البيت الذي
يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت وكذا أخرجه الإسماعيلي
وابن حبان في صحيحه جميعا عن أبي يعلى عن أبي كريب وكذا أخرجه أبو عوانة عن أحمد بن
عبد الحميد والإسماعيلي أيضا عن الحسن بن سفيان عن عبد الله بن براد وعن القاسم بن
زكريا عن يوسف بن موسى وإبراهيم بن سعيد الجوهري وموسى بن عبد الرحمن المسروقي
والقاسم بن دينار كلهم عن أبي أسامة فتوارد هؤلاء على هذا اللفظ يدل على أنه هو الذي حدث به
بريد بن عبد الله شيخ أبي أسامة وانفراد البخاري باللفظ المذكور دون بقية أصحاب أبي كريب
وأصحاب أبي أسامة يشعر بأنه رواه من حفظه أو تجوز في روايته بالمعنى الذي وقع له وهو أن الذي
يوصف بالحياة والموت حقيقة هو الساكن لا السكن وان إطلاق الحي والميت في وصف البيت
انما يراد به ساكن البيت فشبه الذاكر بالحي الذي ظاهره متزين بنور الحياة وباطنه بنور المعرفة
وغير الذاكر بالبيت الذي ظاهره عاطل وباطنه باطل وقيل موقع التشبيه بالحي والميت لما في
الحي من النفع لمن يواليه والضر لمن يعاديه وليس ذلك في الميت * الحديث الثاني (قوله حدثنا
قتيبة) هو ابن سعيد وصرح بذلك في غير رواية أبي ذر (قوله جرير) هو ابن عبد الحميد (قوله عن
أبي صالح) لم أره من حديث الأعمش الا بالعنعنة لكن اعتمد البخاري على وصله لكون شعبة رواه
عن الأعمش كما سأذكره فان شعبة كان لا يحدث عن شيوخه المنسوبين للتدليس الا بما تحقق
انهم سمعوه (قوله عن أبي هريرة) كذا قال جرير وتابعه الفضيل بن عياض عند ابن حبان وأبو
بكر بن عياش عند الإسماعيلي كلاهما عن الأعمش وأخرجه الترمذي عن أبي كريب عن أبي
معاوية عن الأعمش فقال عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد هكذا بالشك للأكثر وفي
نسخة وعن أبي سعيد بواو العطف والأول هو المعتمد فقد أخرجه أحمد عن أبي معاوية بالشك
وقال شك الأعمش وكذا قال ابن أبي الدنيا عن إسحاق بن إسماعيل عن أبي معاوية وكذا أخرجه
الإسماعيلي من رواية عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي
سعيد وقال شك سليمان يعني الأعمش قال الترمذي حسن صحيح وقد روى عن أبي هريرة من غير
هذا الوجه يعني كما تقدم بغير تردد (قوله بعد سياق المتن رواه شعبة عن الأعمش) يعني بسنده
المذكور (قوله ولم يرفعه) هكذا وصله أحمد قال حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال بنحوه
ولم يرفعه وهكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية بشر بن خالد عن محمد بن جعفر موقوفا (قوله
ورواه سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وصله مسلم وأحمد من طريقه
وسأذكر ما في روايته من فائدة (قوله إن لله ملائكة) زاد الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي
شيبة وابن حبان من طريق إسحاق بن راهويه كلاهما عن جرير فضلا وكذا لابن حبان من
طريق فضيل بن عياض وكذا لمسلم من رواية سهيل قال عياض في المشارق ما نصه في روايتنا
177

عن أكثرهم بسكون الضاد المعجمة وهو الصواب ورواه العذري والهوزني فضل بالضم وبعضهم
بضم الضاد ومعناه زيادة على كتاب الناس هكذا جاء مفسرا في البخاري قال وكان هذا الحرف في
كتاب ابن عيسى فضلاء بضم أوله وفتح الضاد المد وهو وهم هنا وإن كانت هذه صفتهم عليهم
السلام وقال في الاكمال الرواية فيه عند جمهور شيوخنا في مسلم والبخاري بفتح الفاء وسكون
الضاد فذكر نحو ما تقدم وزاد هكذا جاء مفسرا في البخاري في رواية أبي معاوية الضرير وقال ابن
الأثير في النهاية فضلا أي زيادة عن الملائكة المرتبين مع الخلائق ويروى بسكون الضاد وبضمها
قال بعضهم والسكون أكثر وأصوب وقال النووي ضبطوا فضلا على أوجه أرجحها بضم الفاء
والضاد والثاني بضم الفاء وسكون الضاد ورجحه بعضهم وادعى أنها أكثر وأصوب والثالث
بفتح الفاء وسكون الضاد قال القاضي عياض هكذا الرواية عند جمهور شيوخنا في البخاري
ومسلم والرابع بضم الفاء والضاد كالأول لكن برفع اللام يعني على أنه خبران والخامس
فضلاء بالمد جمع فاضل قال العلماء ومعناه على جميع الروايات انهم زائدون على الحفظة وغيرهم
من المرتبين مع الخلائق لا وظيفة لهم الا حلق الذكر وقال الطيبي فضلا بضم الفاء وسكون
الضاد جمع فاضل كنزل ونازل انتهى ونسبة عياض هذه اللفظة للبخاري وهم فإنها ليست في
صحيح البخاري هنا في جميع الروايات الا أن تكون خارج الصحيح ولم يخرج البخاري الحديث
المذكور عن أبي معاوية أصلا وانما أخرجه من طريقه الترمذي وزاد ابن أبي الدنيا
والطبراني في رواية جرير فضلا عن كتاب الناس ومثله لابن حبان من رواية فضيل بن عياض
وزاد سياحين في الأرض وكذا هو في رواية أبي معاوية عند الترمذي والإسماعيلي عن كتاب
الأبدي ولمسلم من رواية سهيل عن أبيه سيارة فضلا (قوله يطوفون في الطرق يلتمسون أهل
الذكر) في رواية سهيل يتبعون مجالس الذكر وفي حديث جابر بن أبي يعلى ان لله سرايا من
الملائكة تقف وتحل بمجالس الذكر في الأرض (قوله فإذا وجدوا قوما) في رواية فضيل بن
عياض فإذا رأوا قوما وفي رواية سهيل فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر (قوله تنادوا) في رواية
الإسماعيلي يتنادون (قوله هلموا إلى حاجتكم) في رواية أبي معاوية بغيتكم وقوله هلموا على
لغة أهل نجد وأما أهل الحجاز فيقولون للواحد والاثنين والجمع هلم بلفظ الافراد وقد تقدم تقرير
ذلك في التفسير واختلف في أصل هذه الكلمة فقيل هل لك في الاكل أم أي اقصد وقيل أصله لم
بضم اللام وتشديد الميم وها للتنبيه حذفت ألفها تخفيفا (قوله فيحفونهم بأجنحتهم) أي يدنون
بأجنحتهم حول الذاكرين والباء للتعدية وقيل للاستعانة (قوله إلى السماء الدنيا) في رواية
الكشميهني إلى سماء الدنيا وفي رواية سهيل قعدوا معهم وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملؤا
ما بينهم وبين سماء الدنيا (قوله قال فيسألهم ربهم عز وجل وهو أعلم منهم) في رواية الكشميهني
بهم كذا للإسماعيلي وهي جملة معترضة وردت لرفع التوهم زاد في رواية سهيل من أين جئتم
فيقولون جئنا من عند عباد لك في الأرض وفي رواية الترمذي فيقول الله أي شئ تركتم
عبادي يصنعون (قوله ما يقول عبادي قال تقول يسبحونك) كذا لأبي ذر بالافراد فيهما ولغيره
قالوا يقولون ولابن أبي الدنيا قال يقولون وزاد سهيل في روايته فإذا تفرقوا أي أهل المجلس
عرجوا أي الملائكة وصعدوا إلى السماء (قوله يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك) زاد
178

إسحاق وعثمان عن جرير ويمجدونك وكذا لابن أبي الدنيا وفي رواية أبي معاوية فيقولون تركناهم
يحمدونك ويمجدونك ويذكرونك وفي رواية الإسماعيلي قالوا ربنا مررنا بهم وهم يذكرونك الخ
وفي رواية سهيل جئنا من عند عباد لك في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك
ويسألونك وفي حديث أنس عند البزار ويعظمون آلاءك ويتلون كتابك ويصلون على نبيك
ويسألونك لآخرتهم ودنياهم ويؤخذ من مجموع هذه الطرق المراد بمجالس الذكر وانها التي
تشتمل على ذكر الله بأنواع الذكر الواردة من تسبيح وتكبير وغيرهما وعلى تلاوة كتاب الله
سبحانه وتعالى وعلى الدعاء بخيري الدنيا والآخرة وفي دخول قراءة الحديث النبوي ومدارسة
العلم الشرعي ومذاكرته والاجتماع على صلاة النافلة في هذه المجالس نظر والأشبه اختصاص
ذلك بمجالس التسبيح والتكبير ونحوهما والتلاوة حسب وإن كانت قراءة الحديث ومدارسة
العلم والمناظرة فيه من جملة ما يدخل تحت مسمى ذكر الله تعالى (قوله قال فيقول هل رأوني قال
فيقولون لا والله ما رأوك) كذا ثبت لفظ الجلالة في جميع نسخ البخاري وكذا في بقية المواضع
وسقط لغيره (قوله كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدا) زاد أبو ذر في روايته وتحميدا وكذا
لابن أبي الدنيا وزاد في رواية الإسماعيلي وأشد لك ذكرا وفي رواية ابن أبي الدنيا وأكثر لك
تسبيحا (قوله قال يقول) في رواية أبي ذر فيقول (قوله فما يسألوني) في رواية أبي معاوية فأي
شئ يطلبون (قوله يسألونك الجنة) في رواية سهيل يسألونك جنتك (قوله كانوا أشد عليها حرصا)
زاد أبو معاوية في روايته عليها وفي رواية ابن أبي الدنيا كانوا أشد حرصا وأشد طلبة وأعظم لها
رغبة (قوله قال فمم يتعوذون قال يقولون من النار) في رواية أبي معاوية فمن أي شئ يتعوذون
فيقولون من النار وفي رواية سهيل قالوا ويستجيرونك وقال ومم يستجيرونني قالوا من نارك
(قوله كانوا أشد منها فرارا وأشد لها مخافة) في رواية أبي معاوية كانوا أشد منها هربا وأشد منها
تعوذا وخوفا وزاد سهيل في روايته قالوا ويستغفرونك قال فيقول قد غفرت لهم وأعطيتهم
ما سألوا وفي حديث أنس فيقول غشوهم رحمتي (قوله يقول ملك من الملائكة فيهم فلان
ليس منهم انما جاء لحاجة) في رواية أبي معاوية فيقولون ان فيهم فلانا الخطاء لم يردهم انما جاء
لحاجة وفي رواية سهيل قال يقولون رب فيهم فلان عبد خطا انما مر فجلس معهم وزاد في
روايته قال وله قد غفرت (قوله هم الجلساء) في رواية أبي معاوية وكذا في رواية سهيل هم
القوم وفي اللام اشعار بالكمال أي هم القوم كل القوم (قوله لا يشقى جليسهم) كذا لأبي ذر
ولغيره لا يشقى بهم جليسهم وللترمذي لا يشقى لهم جليس وهذه الجملة مستأنفة لبيان المقتضى
لكونهم أهل الكمال وقد أخرج جعفر في الذكر من طريق أبي الأشهب عن الحسن البصري
قال بينا قوم يذكرون الله إذ أتاهم رجل فقعد إليهم قال فنزلت الرحمة ثم ارتفعت فقالوا ربنا فيهم
عبدك فلان قال غشوهم رحمتي هم القوم لا يشقى بهم جليسهم وفي هذه العبارة مبالغة في نفي
الشقاء عن جليس الذاكرين فلو قيل لسعد بهم جليسهم لكان ذلك في غاية الفضل لكن
التصريح بنفي الشقاء أبلغ في حصول المقصود (تنبيه) اختصر أبو زيد المروزي في روايته
عن الفربري متن هذا الحديث فساق منه إلى قوله هلموا إلى حاجتكم ثم قال فذكر الحديث وفي
الحديث فضل مجالس الذكر والذاكرين وفضل الاجتماع على ذلك وان جليسهم يندرج معهم
179

في جميع ما يتفضل الله تعالى به عليهم اكراما لهم ولو لم يشاركهم في أصل الذكر وفيه محبة الملائكة
لبني آدم واعتناؤهم بهم وفيه ان السؤال قد يصدر من السائل وهو أعلم بالمسؤول عنه من المسؤول
لاظهار العناية بالمسؤول عنه والتنويه بقدره والاعلان بشرف منزلته وقيل إن في خصوص
سؤال الله الملائكة عن أهل الذكر الإشارة إلى قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء
ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك فكأنه قيل لهم انظروا إلى ما حصل منهم من التسبيح
والتقديس مع ما سلط عليهم من الشهوات ووساوس الشيطان وكيف عالجوا ذلك وضاهوكم في
التسبيح والتقديس وقيل إنه يؤخذ من هذا الحديث ان الذكر الحاصل من بني آدم أعلى
وأشرف من الذكر الحاصل من الملائكة لحصول ذكر الآدميين مع كثرة الشواغل ووجود
الصوارف وصدوره في عالم الغيب بخلاف الملائكة في ذلك كله وفيه بيان كذب من ادعى من
الزنادقة انه يرى الله تعالى جهرا في دار الدنيا وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي أمامة رفعه
واعلموا أنكم لم تروا ربكم حتى تموتوا وفيه جواز القسم في الامر المحقق تأكيدا له وتنويها به
وفيه ان الذي اشتملت عليه الجنة من أنواع الخيرات والنار من أنواع المكروهات فوق ما وصفتا
به وان الرغبة والطلب من الله والمبالغة في ذلك من أسباب الحصول (قوله باب
قول لا حول ولا قوة إلا بالله) ذكر فيه حديث أبي موسى وقد تقدم قريبا في باب الدعاء إذ أعلا
عقبة ووعدت بشرحه في كتاب القدر وسيأتي إن شاء الله تعالى (قوله باب لله مائة اسم
غير واحدة) كذا لأبي ذر ولغيره مائة غير واحد بالتذكير وكذا اختلف الرواة في هذا في لفظ المتن
(قوله حفظناه من أبي الزناد) في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان حدثنا أبو الزناد وكذا
أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريقه (قوله رواية) في رواية الحميدي قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ولمسلم عن عمرو بن محمد الناقد عن سفيان بهذا السند عن النبي صلى الله عليه وسلم
وللمصنف في التوحيد من رواية شعيب عن أبي الزناد بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ووقع عند الدارقطني في غرائب مالك من رواية عبد الملك بن يحيى بن بكير عن أبيه عن ابن وهب
عن مالك بالسند المذكور عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله عز وجل لي تسعة وتسعون
اسما (قلت) وهذا الحديث رواه عن الأعرج أيضا موسى بن عقبة عند ابن ماجة من رواية زهير
ابن محمد عنه وسرد الأسماء ورواه عن أبي الزناد أيضا شعيب بن أبي حمزة كما مضى في الشروط
ويأتي في التوحيد وأخرجه الترمذي من رواية الوليد بن مسلم عن شعيب وسرد الأسماء ومحمد
ابن عجلان عند أبي عوانة ومالك عند ابن خزيمة والنسائي والدارقطني في غرائب مالك وقال صحيح
عن مالك وليس في الموطأ قدر ما عند أبي نعيم في طرق الأسماء الحسنى وعبد الرحمن بن أبي الزناد
عند الدارقطني وأبو عوانة ومحمد بن إسحاق عند أحمد وابن ماجة وموسى بن عقبة عند أبي نعيم
من رواية حفص بن ميسرة عنه ورواه عن أبي هريرة أيضا همام بن منبه عند مسلم وأحمد ومحمد
ابن سيرين عند مسلم والترمذي والطبراني في الدعاء وجعفر الفريابي في الذكر وأبو رافع عند
الترمذي وأبو سلمة بن عبد الرحمن عند أحمد وابن ماجة وعطاء بن يسار وسعيد المقبري وسعيد بن
المسيب وعبد الله بن شقيق ومحمد بن جبير بن مطعم والحسن البصري أخرجها أبو نعيم بأسانيد
عنهم كلها ضعيفة وعراك بن مالك عند البزار لكن شك فيه ورويناها في جزء المعالي وفي أمالي
180

الجرفي من طريقه بغير شك ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي هريرة سلمان الفارسي
وابن عباس وابن عمر وعلي وكلها عند أبي نعيم أيضا بأسانيد ضعيفة وحديث علي في طبقات
الصوفية لأبي عبد الرحمن السلمي وحديث ابن عباس وابن عمر معا في الجزء الثالث عشر من أمالي
أبي القاسم بن بشران وفي فوائد أبي عمر بن حيويه انتقاء الدارقطني هذا جميع ما وقفت عليه من
طرقه وقد أطلق ابن عطية في تفسيره انه تواتر عن أبي هريرة فقال في سرد الأسماء نظر فان بعضها
ليس في القرآن ولا في الحديث الصحيح ولم يتواتر الحديث من أصله وان خرج في الصحيح ولكنه
تواتر عن أبي هريرة كذا قال ولم يتواتر عن أبي هريرة أيضا بل غاية أمره أن يكون مشهورا ولم
يقع في شئ من طرقه سرد الأسماء الا في رواية الوليد بن مسلم عند الترمذي وفي رواية زهير بن
محمد عن موسى بن عقبة عند ابن ماجة وهذان الطريقان يرجعان إلى رواية الأعرج وفيهما
اختلاف شديد في سرد الأسماء والزيادة والنقص على ما سأشير إليه ووقع سرد الأسماء أيضا في
طريق ثالثة أخرجها الحاكم في المستدرك وجعفر الفريابي في الذكر من طريق عبد العزيز بن
الحصين عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة واختلف العلماء في سرد الأسماء هل هو
مرفوع أو مدرج في الخبر من بعض الرواة فمشى كثير منهم على الأول واستدلوا به على جواز
تسمية الله تعالى بما لم يرد في القرآن بصيغة الاسم لان كثيرا من هذه الأسماء كذلك وذهب آخرون
إلى أن التعيين مدرج لخلو أكثر الروايات عنه ونقله عبد العزيز النخشبي عن كثير من العلماء
قال الحاكم بعد تخريج الحديث من طريق صفوان بن صالح عن الوليد بن مسلم صحيح على شرط
الشيخين ولم يخرجاه بسياق الأسماء الحسنى والعلة فيه عندهما تفرد الوليد بن مسلم قال ولا أعلم
خلافا عند أهل الحديث أن الوليد أوثق وأحفظ وأجل وأعلم من بشر بن شعيب وعلي بن عياش
وغيرهما من أصحاب شعيب يشير إلى أن بشرا وعليا وأبا اليمان رووه عن شعيب بدون سياق
الأسماء فرواية أبي اليمان عند المصنف ورواية علي عند النسائي ورواية بشر عند البيهقي
وليست العلة عند الشيخين تفرد الوليد فقط بل الاختلاف فيه والاضطراب وتدليسه واحتمال
الادراج قال البيهقي يحتمل ان يكون التعيين وقع من بعض الرواة في الطريقين معا ولهذا وقع
الاختلاف الشديد بينهما ولهذا الاحتمال ترك الشيخان تخريج التعيين وقال الترمذي بعد أن
أخرجه من طريق الوليد هذا حديث غريب حدثنا به غير واحد عن صفوان ولا نعرفه الا من
حديث صفوان وهو ثقة وقد روى من غير وجه عن أبي هريرة ولا نعلم في شئ من الروايات ذكر
الأسماء الا في هذه الطريق وقد روى باسناد آخر عن أبي هريرة فيه ذكر الأسماء وليس له اسناد
صحيح انتهى ولم ينفرد به صفوان فقد أخرجه البيهقي من طريق موسى بن أيوب النصيبي وهو ثقة
عن الوليد أيضا وقد اختلف في سنده على الوليد فأخرجه عثمان الدارمي في النقض على المريسي
عن هشام بن عمار عن الوليد فقال عن خليد بن دعلج عن قتادة عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة
فذكره بدون التعيين قال الوليد وحدثنا سعيد بن عبد العزيز مثل ذلك وقال كلها في القرآن هو
الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم وسرد الأسماء وأخرجه أبو الشيخ بن حبان من رواية أبي
عامر القرشي عن الوليد بن مسلم بسند آخر فقال حدثنا زهير بن محمد عن موسى بن عقبة عن
الأعرج عن أبي هريرة قال زهير فبلغنا أن غير واحد من أهل العلم قال إن أولها أن تفتتح بلا اله
181

الا الله وسرد الأسماء وهذه الطريق أخرجها ابن ماجة وابن أبي عاصم والحاكم من طريق عبد
الملك بن محمد الصنعاني عن زهير بن محمد لكن سرد الأسماء أولا فقال بعد قوله من حفظها دخل
الجنة الله الواحد الصمد الخ ثم قال بعد أن انتهى العد قال زهير فبلغنا عن غير واحد من أهل
العلم أن أولها يفتتح بلا إله الا الله له الأسماء الحسنى (قلت) والوليد بن مسلم أوثق من عبد الملك
ابن محمد الصنعاني ورواية الوليد تشعر بان التعيين مدرج وقد تكرر في رواية الوليد عن زهير
ثلاثة أسماء وهي الاحد الصمد الهادي ووقع بدلها في رواية عبد الملك المقسط القادر الوالي
وعند الوليد أيضا الوالي الرشيد وعند عبد الملك الوالي الراشد وعند الوليد العادل المنير وعند
عبد الملك الفاطر القاهر واتفقا في البقية وأما رواية الوليد عن شعيب وهي أقرب الطرق إلى
الصحة وعليها عول غالب من شرح الأسماء الحسنى فسياقها عند الترمذي هو الله الذي لا إله إلا
هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر
الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض
الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف
الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب
الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد
الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدئ المعيد المحيي المميت
الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر
الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعالى البر التواب المنتقم العفو الرؤف
مالك الملك ذو الجلال والاكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع
النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور وقد أخرجه الطبراني عن أبي
زرعة الدمشقي عن صفوان بن صالح فخالف في عدة أسماء فقال القائم الدائم بدل القابض الباسط
والشديد بدل الرشيد والأعلى المحيط مالك يوم الدين بدل الودود المجيد الحكيم ووقع عند ابن حبان
عن الحسن بن سفيان عن صفوان الرافع بدل المانع ووقع في صحيح ابن خزيمة في رواية صفوان
أيضا مخالفة في بعض الأسماء قال الحاكم يدل الحكيم والقريب بدل الرقيب والمولى بدل الوالي
والاحد بدل المغني ووقع في رواية البيهقي وابن منده من طريق موسى بن أيوب عن الوليد المغيث
بالمعجمة والمثلثة بدل المقيت بالقاف والمثناة ووقع بين رواية زهير وصفوان المخالفة في ثلاثة
وعشرين اسما فليس في رواية زهير الفتاح القهار الحكم العدل الحسيب الجليل
المحصي المتقدر المقدم المؤخر البر المنتقم المغني النافع الصبور البديع
الغفار الحفيظ الكبير الواسع الاحد مالك الملك ذو الجلال والاكرام وذكر بدلها الرب
الفرد الكافي القاهر المبين بالموحدة الصادق الجميل البادي بالدال القديم البار بتشديد الراء الوفي
البرهان الشديد الواقي بالقاف القدير الحافظ العادل المعطي العالم الاحد الأبد الوتر ذو القوة
ووقع في رواية عبد العزيز بن الحصين اختلاف آخر فسقط فيها ما في رواية صفوان من القهار
إلى تمام خمسة عشر اسما على الولاء وسقط منها أيضا القوي الحليم الماجد القابض الباسط
الخافض الرافع المعز المذل المقسط الجامع الضار النافع الوالي الرب فوقع فيها مما في رواية موسى
182

ابن عقبة المذكورة آنفا ثمانية عشر اسما على الولاء وفيها أيضا الحنان المنان الجليل
الكفيل المحيط القادر الرفيع الشاكر الأكرم الفاطر الخلاق الفاتح المثيب
بالمثلثة ثم الموحدة العلام المولى النصير ذو الطول ذو المعارج ذو الفضل الاله المدبر بتشديد
الموحدة قال الحاكم انما أخرجت رواية عبد العزيز بن الحصين شاهدا لرواية الوليد عن شعبة
لان الأسماء التي زادها على الوليد كلها في القرآن كذا قال وليس كذلك وانما تؤخذ من
القرآن بضرب من التكلف لا أن جميعها ورد فيه بصورة الأسماء وقد قال الغزالي في شرح
الأسماء له لا أعرف أحدا من العلماء عني بطلب الأسماء وجمعها سوى رجل من حفاظ المغرب
يقال له علي بن حزم فإنه قال صح عندي قريب من ثمانين اسما يشتمل عليها كتاب الله والصحاح
من الاخبار فلتطلب البقية من الأخبار الصحيحة قال الغزالي وأظنه لم يبلغه الحديث يعني الذي
أخرجه الترمذي أو بلغه فاستضعف إسناده (قلت) الثاني هو مراده فإنه ذكر نحو ذلك في المحلى
ثم قال والأحاديث الواردة في سرد الأسماء ضعيفة لا يصح شئ منها أصلا وجميع ما تتبعته من
القرآن ثمانية وستون اسما فإنه اقتصر على ما ورد فيه بصورة الاسم لا ما يؤخذ من الاشتقاق
كالباقي من قوله تعالى ويبقى وجه ربك ولا ما ورد مضافا كالبديع من قوله تعالى بديع
السماوات والأرض وسأبين الأسماء التي اقتصر عليها قريبا وقد استضعف الحديث أيضا
جماعة فقال الداودي لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم عين الأسماء المذكورة وقال ابن العربي
يحتمل أن تكون الأسماء تكملة الحديث المرفوع ويحتمل أن تكون من جمع بعض الرواة وهو
الاظهر عندي وقال أبو الحسن القابسي أسماء الله وصفاته لا تعلم الا بالتوقيف من الكتاب
أو السنة أو الاجماع ولا يدخل فيها القياس ولم يقع في الكتاب ذكر عدد معين وثبت في السنة انها
تسعة وتسعون فأخرج بعض الناس من الكتاب تسعة وتسعين اسما والله أعلم بما أخرج من
ذلك لان بعضها ليست أسماء يعني صريحة ونقل الفخر الرازي عن أبي زيد البلخي انه طعن في
حديث الباب فقال أما الرواية التي لم يسرد فيها الأسماء وهي التي اتفقوا على انها أقوى من
الرواية التي سردت فيها الأسماء فضعيفة من جهة ان الشارع ذكر هذا العدد الخاص ويقول
إن من أحصاه دخل الجنة ثم لا يسأله السامعون عن تفصيلها وقد علمت شدة رغبة الخلق في
تحصيل هذا المقصود فيمتنع أن لا يطالبوه بذلك ولو طالبوه لبينها لهم ولو بينها لما أغفلوه ولنقل ذلك
عنهم وأما الرواية التي سردت فيها الأسماء فيدل على ضعفها عدم تناسبها في السياق ولا في
التوقيف ولا في الاشتقاق لأنه إن كان المراد الأسماء فقط فغالبها صفات وإن كان المراد الصفات
فالصفات غير متناهية وأجاب الفخر الرازي عن الأول بجواز أن يكون المراد من عدم تفسيرها
أن يستمروا على المواظبة بالدعاء بجميع ما ورد من الأسماء رجاء ان يقعوا على تلك الأسماء
المخصوصة كما أبهمت ساعة الجمعة وليلة القدر والصلاة الوسطى وعن الثاني بأن سردها انما وقع
بحسب التتبع والاستقراء على الراجح فلم يحصل الاعتناء بالتناسب وبأن المراد من احصى هذه
الأسماء دخل الجنة بحسب ما وقع الاختلاف في تفسير المراد بالاحصاء فلم يكن القصد حصر
الأسماء انتهى وإذا تقرر رجحان أن سرد الأسماء ليس مرفوعا فقد اعتنى جماعة بتتبعها من
القرآن من غير تقييد بعدد فروينا في كتاب المائتين لأبي عثمان الصابوني بسنده إلى محمد بن
183

يحيى الذهلي انه استخرج الأسماء من القرآن وكذا أخرج أبو نعيم عن الطبراني عن أحمد بن عمرو
الخلال عن ابن أبي عمرو حدثنا محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين سألت أبا جعفر بن محمد
الصادق عن الأسماء الحسنى فقال هي في القرآن وروينا في فوائد تمام من طريق أبي الطاهر بن
السرح عن حبان بن نافع عن سفيان بن عيينة الحديث يعني حديث ان لله تسعة وتسعين اسما
قال فوعدنا سفيان أن يخرجها لنا من القرآن فأبطأ فأتينا أبا زيد فأخرجها لنا فعرضناها على
سفيان فنظر فيها أربع مرات وقال نعم هي هذه وهذا سياق ما ذكره جعفر وأبو زيد قالا ففي
الفاتحة خمسة الله رب الرحمن الرحيم مالك وفي البقرة محيط قدير عليم حكيم على عظيم
تواب بصير ولي واسع كاف رؤوف بديع شاكر واحد سميع قابض باسط حي
قيوم غني حميد غفور حليم وزاد جعفر اله قريب مجيب عزيز نصير قوي
شديد سريع خبير قالا وفي آل عمران وهاب قائم زاد جعفر الصادق باعث منعم متفضل وفي
النساء رقيب حسيب شهيد مقيت وكيل زاد جعفر علي كبير وزاد سفيان عفو وفي الانعام فاطر
قاهر زاد جعفر مميت غفور برهان وزاد سفيان لطيف خبير قادر وفي الأعراف محيى مميت
وفي الأنفال نعم المولى ونعم النصير وفي هود حفيظ مجيد ودود فعال لما يريد زاد سفيان قريب مجيب
وفي الرعد كبير متعال وفي إبراهيم منان زاد جعفر صادق وارث وفي الحجر خلاق وفي مريم
صادق وارث زاد جعفر فرد وفي طه عند جعفر وحده غفار وفي المؤمنين كريم وفي النور حق
مبين زاد سفيان نور وفي الفرقان هاد وفي سبا فتاح وفي الزمر عالم عند جعفر وحده وفي
المؤمن غافر قابل ذو الطول زاد سفيان شديد وزاد جعفر رفيع وفي الذاريات رزاق ذو القوة
المتين بالتاء وفي الطور بر وفي اقتربت مقتدر زاد جعفر مليك وفي الرحمن ذو الجلال والاكرام
زاد جعفر رب المشرقين ورب المغربين باقي معين وفي الحديد أول آخر ظاهر باطن وفي
الحشر قدوس سلام مؤمن مهيمن عزيز جبار متكبر خالق بارئ مصور زاد جعفر ملك وفي
البروج مبدئ معيد وفي الفجر وتر عند جعفر وحده وفي الاخلاص أحد صمد هذا آخر
ما رويناه عن جعفر وأبي زيد وتقرير سفيان من تتبع الأسماء من القرآن وفيها اختلاف شديد
وتكرار وعدة أسماء لم ترد بلفظ الاسم وهي صادق منعم متفضل منان مبدئ معيد باعث قابض
باسط برهان معين مميت باقي ووقفت في كتاب المقصد الأسني لأبي عبد الله محمد بن إبراهيم
الزاهد انه تتبع الأسماء من القرآن فتأملته فوجدته كرر أسماء وذكر مما لم أره فيه بصيغة
الاسم الصادق والكاشف والعلام وذكر من المضاف الفالق من قوله فالق الحب والنوى وكان
يلزمه ان يذكر القابل من قوله قابل التوب وقد تتبعت ما بقي من الأسماء مما ورد في القرآن بصيغة
الاسم مما لم يذكر في رواية الترمذي وهي الرب الاله المحيط القدير الكافي الشاكر الشديد
القائم الحاكم الفاطر الغافر القاهر المولى النصير الغالب الخالق الرفيع المليك الكفيل الخلاق
الأكرم الاعلى المبين بالموحدة الحفي بالحاء المهملة والفاء القريب الاحد الحافظ فهذه سبعة
وعشرون اسما إذا انضمت إلى الأسماء التي وقعت في رواية الترمذي مما وقعت في القرآن بصيغة
الاسم تكمل بها التسعة والتسعون وكلها في القرآن لكن بعضها بإضافة كالشديد من
شديد العقاب والرفيع من رفيع الدرجات والقائم من قوله قائم على كل نفس بما كسبت
184

والفاطر من فاطر السماوات والقاهر من وهو القاهر فوق عباده والمولى والنصير من نعم
المولى ونعم النصير والعالم من عالم الغيب والخالق من قوله خالق كل شئ والغافر من غافر الذنب
والغالب من والله غالب على أمره والرفيع من رفيع الدرجات والحافظ من قوله فالله خير حافظا
ومن قوله وانا له لحافظون وقد وقع نحو ذلك من الأسماء التي في رواية الترمذي وهي المحي من
قوله لمحيي الموتى والمالك من قوله مالك الملك والنور من قوله نور السماوات والأرض والبديع
من قوله بديع السماوات والأرض والجامع من قوله جامع الناس والحكم من قوله أفغير الله أبتغي
حكما والوارث من قوله ونحن الوارثون والأسماء التي تقابل هذه مما وقع في رواية الترمذي مما لم
تقع في القرآن بصيغة الاسم وهي سبعة وعشرون اسما القابض الباسط الخافض الرافع
المعز المذل العدل الجليل الباعث المحصي المبدئ المعيد المميت الواجد الماجد
المقدم المؤخر الوالي ذو الجلال والاكرام المقسط المغني المانع الضار النافع
الباقي الرشيد الصبور فإذا اقتصر من رواية الترمذي على ما عدا هذه الأسماء وأبدلت بالسبعة
والعشرين التي ذكرتها خرج من ذلك تسعة وتسعون اسما وكلها في القرآن واردة بصيغة الاسم
ومواضعها كلها ظاهرة من القرآن الا قوله الحفي فإنه في سورة مريم في قول إبراهيم سأستغفر لك
ربي انه كان بي حفيا وقل من نبه على ذلك ولا يبقى بعد ذلك الا النظر في الأسماء المشتقة من
صفة واحدة مثل القدير والمقتدر والقادر والغفور والغفار والغافر والعلي والأعلى
والمتعال والملك والمليك والمالك والكريم والأكرم والقاهر والقهار والخالق والخلاق
والشاكر والشكور والعالم والعليم فاما أن يقال لا يمنع ذلك من عدها فان فيها التغاير في
الجملة فإن بعضها يزيد بخصوصية على الاخر ليست فيه وقد وقع الاتفاق على أن الرحمن
الرحيم اسمان مع كونهما مشتقين من صفة واحدة ولو منع من عد ذلك للزم أن لا يعد ما يشترك
الاسمان فيه مثلا من حيث المعنى مثل الخالق البارئ المصور لكنها عدت لأنها ولو اشتركت في
معنى الايجاد والاختراع فهي مغايرة من جهة أخرى وهي أن الخالق يفيد القدرة على الايجاد
والبارئ يفيد الموجد لجوهر المخلوق والمصور يفيد خالق الصورة في تلك الذات المخلوقة وإذا
كان ذلك لا يمنع المغايرة لم يمتنع عدها أسماء مع ورودها والعلم عند الله تعالى وهذا سردها لتحفظ
ولو كان في ذلك إعادة لكنه يغتفر لهذا القصد الله الرحمن الرحيم الملك القدوس
السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار
القهار التواب الوهاب الخلاق الرزاق الفتاح العليم الحليم العظيم الواسع
الحكيم الحي القيوم السميع البصير اللطيف الخبير العلي الكبير المحيط
القدير المولى النصير الكريم الرقيب القريب المجيب الوكيل الحسيب الحفيظ
المقيت الودود المجيد الوارث الشهيد الولي الحميد الحق المبين القوي المتين
الغني المالك الشديد القادر المتقدر القاهر الكافي الشاكر المستعان الفاطر
البديع الغافر الأول الاخر الظاهر الباطن الكفيل الغالب الحكم العالم
الرفيع الحافظ المنتقم القائم المحيي الجامع المليك المتعال النور الهادي
الغفور الشكور العفو الرؤف الأكرم الاعلى البر الحفي الرب الاله الواحد
185

الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد (قوله لله تسعة وتسعون) في رواية
الحميدي ان لله تسعة وتسعين وكذا في رواية شعيب (قوله اسما كذا في معظم الروايات
بالنصب على التمييز وحكى السهيلي أنه روى بالجر وخرجه على لغة من يجعل الاعراب في النون
ويلزم الجمع الياء فيقول كم سنينك برفع النون وعددت سنينك بالنصب وكم مر من سنينك بكسر
النون ومنه قول الشاعر * وقد جاوزت حد الأربعين * بكسر النون فعلامة النصب في الرواية فتح
النون وحذف التنوين لأجل الإضافة وقوله مائة بالرفع والنصب على البدل في الروايتين (قوله
الا واحدة) قال ابن بطال كذا وقع هنا ولا يجوز في العربية قال ووقع في رواية شعيب في
الاعتصام الا واحدا بالتذكير وهو الصواب كذا قال وليست الرواية المذكورة في الاعتصام بل
في التوحيد وليست الرواية التي هنا خطأ بل وجهوها وقد وقع في رواية الحميدي هنا مائة غير
واحد بالتذكير أيضا وخرج التأنيث على إرادة التسمية وقال السهيلي بل أنث الاسم لأنه كلمة
واحتج بقول سيبويه الكلمة اسم أو فعل أو حرف فسمي الاسم كلمة وقال ابن مالك أنث باعتبار
معنى التسمية أو الصفة أو الكلمة وقال جماعة من العلماء الحكمة في قوله مائة غير واحد بعد
قوله تسعة وتسعون أن يتقرر ذلك في نفس السامع جمعا بين جهتي الاجمال والتفصيل أو دفعا
للتصحيف الخطي والسمعي واستدل به على صحة استثناء القليل من الكثير وهو متفق عليه
وأبعد من استدل به على جواز الاستثناء مطلقا حتى يدخل استثناء الكثير حتى لا يبقى الا القليل
وأغرب الداودي فيما حكاه عنه ابن التين فنقل الاتفاق على الجواز وأن من أقر ثم استثنى عمل
باستثنائه حتى لو قال له علي ألف الا تسعمائة وتسعة وتسعين أنه لا يلزمه الا واحد وتعقبه ابن
التين فقال ذهب إلى هذا في الاقرار جماعة وأما نقل الاتفاق فمردود فالخلاف ثابت حتى في
مذهب مالك وقد قال أبو الحسن اللخمي منهم لو قال أنت طالق ثلاثا الاثنتين وقع عليه ثلاث
ونقل عبد الوهاب وغيره عن عبد الملك وغيره أنه لا يصح استثناء الكثير من القليل ومن لطيف
أدلتهم أن من قال صمت الشهر الا تسعا وعشرين يوما يستهجن لأنه لم يصم الا يوما واليوم
لا يسمى شهرا وكذا من قال لقيت القوم جميعا الا بعضهم ويكون ما لقي الا واحدا (قلت)
والمسئلة مشهورة فلا يحتاج إلى الإطالة فيها وقد اختلف في هذا العدد هل المراد به حصر
الأسماء الحسنى في هذه العدة أو انها أكثر من ذلك ولكن اختصت هذه بأن من أحصاها دخل
الجنة فذهب الجمهور إلى الثاني ونقل النووي اتفاق العلماء عليه فقال ليس في الحديث حصر
أسماء الله تعالى وليس معناه أنه ليس له اسم غير هذه التسعة والتسعين وانما مقصود الحديث أن
هذه الأسماء من أحصاها دخل الجنة فالمراد الاخبار عن دخول الجنة باحصائها لا الاخبار
بحصر الأسماء ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود الذي أخرجه أحمد وصححه
ابن حبان أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك
أو استأثرت به في علم الغيب عندك وعند مالك عن كعب الأحبار في دعاء وأسألك بأسمائك
الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم وأورد الطبري عن قتادة نحوه ومن حديث عائشة أنها دعت
بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ذلك وسيأتي في الكلام على الاسم الأعظم وقال الخطابي
في هذا الحديث اثبات هذه الأسماء المخصوصة بهذا العدد وليس فيه منع ما عداها من الزيادة
186

وانما التخصيص لكونها أكثر الأسماء وأبينها معاني وخبر المبتدا في الحديث هو قوله من
أحصاها لا قوله لله وهو كقولك لزيد ألف درهم أعدها للصدقة أو لعمرو مائة ثوب من زاره
ألبسه إياها وقال القرطبي في المفهم نحو ذلك ونقل ابن بطال عن القاضي أبي بكر بن الطيب قال
ليس في الحديث دليل على أنه ليس لله من الأسماء الا هذه العدة وانما معنى الحديث أن من
أحصاها دخل الجنة ويدل على عدم الحصر أن أكثرها صفات وصفات الله لا تتناهى وقيل إن
المراد الدعاء بهذه الأسماء لان الحديث مبني على قوله ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها فذكر
النبي صلى الله عليه وسلم أنها تسعة وتسعون فيدعى بها ولا يدعى بغيرها حكاه ابن بطال عن
المهلب وفيه نظر لأنه ثبت في أخبار صحيحة الدعاء بكثير من الأسماء التي لم ترد في القرآن كما في
حديث ابن عباس في قيام الليل أنت المقدم وأنت المؤخر وغير ذلك وقال الفخر الرازي لما كانت
الأسماء من الصفات وهي اما ثبوتية حقيقية كالحي أو اضافية كالعظيم واما سلبية كالقدوس
واما من حقيقية وإضافية كالقدير أو من سلبية اضافية كالأول والاخر واما من حقيقية
وإضافية وسلبية كالملك والسلوب غير متناهية لأنه عالم بلا نهاية قادر على مالا نهاية له فلا يمتنع
أن يكون له من ذلك اسم فيلزم أن لا نهاية لأسمائه وحكى القاضي أبو بكر بن العربي عن بعضهم
أن لله ألف اسم قال ابن العربي وهذا قليل فيها ونقل الفخر الرازي عن بعضهم أن لله أربعة
آلاف اسم استأثر بعلم ألف منها وأعلم الملائكة بالبقية والأنبياء بألفين منها وسائر الناس بألف
وهذه دعوى تحتاج إلى دليل واستدل بعضهم لهذا القول بأنه ثبت في نفس حديث الباب أنه
وتر يجب الوتر والرواية التي سردت فيها الأسماء لم يعد فيها الوتر فدل على أن له اسما آخر غير
التسعة والتسعين وتعقبه من ذهب إلى الحصر في التسعة والتسعين كابن حزم بأن الخبر الوارد
لم يثبت رفعه وانما هو مدرج كما تقدمت الإشارة إليه واستدل أيضا على عدم الحصر بأنه مفهوم
عدد وهو ضعيف وابن حزم ممن ذهب إلى الحصر في العدد المذكور وهو لا يقول بالمفهوم أصلا
ولكنه احتج بالتأكيد في قوله صلى الله عليه وسلم مائة الا واحدا قال لأنه لو جاز أن يكون له اسم
زائد على العدد المذكور لزم أن يكون له مائة اسم فيبطل قوله مائة الا واحدا وهذا الذي قاله ليس
بحجة على ما تقدم لان الحصر المذكور عندهم باعتبار الوعد الحاصل لمن أحصاها فمن ادعى أن
الوعد وقع لمن أحصى زائدا على ذلك أخطأ ولا يلزم من ذلك أن لا يكون هناك اسم زائد واحتج
بقوله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه وقد قال أهل التفسير
من الالحاد في أسمائه تسميته بما لم يرد في الكتاب أو السنة الصحيحة وقد ذكر منها في آخر سورة الحشر
عدة وختم ذلك بأن قال له الأسماء الحسنى قال وما يتخيل من الزيادة في العدة المذكورة لعله
مكرر معنى وان تغاير لفظا كالغافر والغفار والغفور مثلا فيكون المعدود من ذلك واحدا
فقط فإذا اعتبر ذلك وجمعت الأسماء الواردة نصا في القرآن وفي الصحيح من الحديث لم تزد على
العدد المذكور وقال غيره المراد بالأسماء الحسنى في قوله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها
ما جاء في الحديث ان لله تسعة وتسعين اسما فان ثبت الخبر الوارد في تعيينها وجب المصير إليه
ولا فليتتبع من الكتاب العزيز والسنة الصحيحة فان التعريف في الأسماء للعهد فلا بد من
المعهود فإنه أمر بالدعاء بها ونهى عن الدعاء بغيرها فلا بد من وجود المأمور به (قلت) والحوالة
187

على الكتاب العزيز أقرب وقد حصل بحمد الله تتبعها كما قدمته وبقي أن يعمد إلى ما تكرر لفظا
ومعنى من القرآن فيقتصر عليه ويتبع من الأحاديث الصحيحة تكملة العدة المذكورة فهو
نمط آخر من التتبع عسى الله أن يعين عليه بحوله وقوته آمين (فصل) وأما الحكمة في
القصر على العدد المخصوص فذكر الفخر الرازي عن الأكثر أنه تعبد لا يعقل معناه كما قيل في عدد
الصلوات وغيرها ونقل عن أبي خلف محمد بن عبد الملك الطبري السلمي قال انما خص هذا العدد
إشارة إلى أن الأسماء لا تؤخذ قياسا وقيل الحكمة فيه أن معاني الأسماء ولو كانت كثيرة جدا
موجودة في التسعة والتسعين المذكورة وقيل الحكمة فيه أن العدد زوج وفرد والفرد
أفضل من الزوج ومنتهى الافراد من غير تكرار تسعة وتسعون لان مائة وواحدا يتكرر
فيه الواحد وانما كان الفرد أفضل من الزوج لان الوتر أفضل من الشفع لان الوتر من صفة
الخالق والشفع من صفة المخلوق والشفع يحتاج للوتر من غير عكس وقيل الكمال في العدد حاصل
في المائة لان الاعداد ثلاثة أجناس آحاد وعشرات ومئات والألف مبتدأ لآحاد أخر فأسماء الله
مائة استأثر الله منها بواحد وهو الاسم الأعظم فلم يطلع عليه أحدا فكأنه قيل مائة لكن واحد
منها عند الله وقال غيره ليس الاسم الذي يكمل المائة مخفيا بل هو الجلالة وممن جزم بذلك
السهيلي فقال الأسماء الحسنى مائة على عدد درجات الجنة والذي يكمل المائة الله ويؤيده
قوله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها فالتسعة والتسعون لله فهي زائدة عليه وبه تكمل
المائة واستدل بهذا الحديث على أن الاسم هو المسمى حكاه أبو القاسم القشيري في شرح أسماء
الله الحسنى فقال في هذا الحديث دليل على أن الاسم هو المسمى إذ لو كان غيره كانت الأسماء غيره
لقوله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ثم قال والمخلص من ذلك أن المراد بالاسم هنا التسمية
وقال الفخر الرازي المشهور من قول أصحابنا أن الاسم نفس المسمى وغير التسمية وعند المعتزلة
الاسم نفس التسمية وغير المسمى واختار الغزالي أن الثلاثة أمور متباينة وهو الحق عندي لان
الاسم إن كان عبارة عن اللفظ الدال على الشئ بالوضع وكان المسمى عبارة عن نفس ذلك الشئ
المسمى فالعلم الضروري حاصل بان الاسم غير المسمى وهذا مما لا يمكن وقوع النزاع فيه وقال أبو
العباس القرطبي في المفهم الاسم في العرف العام هو الكلمة الدالة على شئ مفرد وبهذا الاعتبار
لا فرق بين الاسم والفعل والحرف إذ كل واحد منها يصدق عليه ذلك وانما التفرقة بينها
باصطلاح النحاة وليس ذلك من غرض المبحث هنا وإذا تقرر هذا عرف غلط من قال إن الاسم هو
المسمى حقيقة كما زعم بعض الجهلة فألزم أن من قال نار احترق فلم يقدر على التخلص من ذلك
وأما النحاة فمرادهم بان الاسم هو المسمى أنه من حيث أنه لا يدل الا عليه ولا يقصد الا هو فإن كان
ذلك الاسم من الأسماء الدالة على ذات المسمى دل عليها من غير مزيد أمر آخر وإن كان من
الأسماء الدالة على معنى زائد دل على أن تلك الذات منسوبة إلى ذلك الزائد خاصة دون غيره وبيان
ذلك أنك إذا قلت زيد مثلا فهو يدل على ذات متشخصة في الوجود من غير زيادة ولا نقصان فان
قلت العالم دل على أن تلك الذات منسوبة للعلم ومن هذا صح عقلا أن تتكثر الأسماء المختلفة
على ذات واحدة ولا توجب تعددا فيها ولا تكثيرا قال وقد خفي هذا على بعضهم ففر منه هربا من
لزوم تعدد في ذات الله تعالى فقال إن المراد بالاسم التسمية ورأى أن هذا يخلصه من التكثر وهذا
188

فرار من غير مفر إلى مفر وذلك أن التسمية انما هي وضع الاسم وذكر الاسم فهي نسبة الاسم
إلى مسماه فإذا قلنا لفلان تسميتان اقتضى أن له اسمين ننسبهما إليه فبقي الالزام على حاله من
ارتكاب التعسف ثم قال القرطبي وقد يقال الاسم هو المسمى على إرادة أن هذه الكلمة التي هي
الاسم تطلق ويراد بها المسمى كما قيل ذلك في قوله تعالى سبح اسم ربك الاعلى أي سبح ربك فأريد
بالاسم المسمى وقال غيره التحقيق في ذلك أنك إذا سميت شيا باسم فالنظر في ثلاثة أشياء ذلك الاسم
وهو اللفظ ومعناه قبل التسمية ومعناه بعدها وهو الذات التي أطلق عليها اللفظ والذات واللفظ
متغايران قطعا والنحاة انما يطلقونه على اللفظ لانهم انما يتكلمون في الألفاظ وهو غير مسمى
قطعا والذات هي المسمى قطعا وليست هي الاسم قطعا والخلاف في الأمر الثالث وهو معنى
اللفظ قبل التلقيب فالمتكلمون يطلقون الاسم عليه ثم يختلفون في أنه الثالث أولا فالخلاف
حينئذ انما هو في الاسم المعنوي هل هو المسمى أولا لا في الاسم اللفظي والنحوي لا يطلق الاسم
على غير اللفظ لأنه محط صناعته والمتكلم لا ينازعه في ذلك ولا يمنع إطلاق اسم المدلول على الدال
وانما يزيد عليه شيئا آخر دعاه إلى تحقيقه ذكر الأسماء والصفات واطلاقها على الله تعالى قال
ومثال ذلك أنك إذا قلت جعفر لقبه أنف الناقة فالنحوي يريد باللقب لفظ أنف الناقة والمتكلم
يريد معناه وهو ما يفهم منه من مدح أو ذم ولا يمنع ذلك قول النحوي اللقب لفظ يشعر بضعة
أو رفعة لان اللفظ يشعر بذلك لدلالته على المعنى والمعنى في الحقيقة هو المقتضي للضمة والرفعة
وذات جعفر هي الملقبة عند الفريقين وبهذا يظهر أن الخلاف في أن الاسم هو المسمى أو غير
المسمى خاص بأسماء الاعلام المشتقة ثم قال القرطبي فأسماء الله وان تعددت فلا تعدد في ذاته ولا
تركيب لا محسوسا كالجسميات ولا عقليا كالمحدودات وانما تعددت الأسماء بحسب الاعتبارات
الزائدة على الذات ثم هي من جهة دلالتها على أربعة أضرب الأول ما يدل على الذات مجردة
كالجلالة فإنه يدل عليه دلالة مطلقة غير مقيدة وبه يعرف جميع أسمائه فيقال الرحمن مثلا من
أسماء الله ولا يقال الله من أسماء الرحمن ولهذا كان الأصح أنه اسم علم غير مشتق وليس بصفة
الثاني ما يدل على الصفات الثابتة للذات كالعليم والقدير والسميع والبصير الثالث ما يدل على
إضافة أمر ما إليه كالخالق والرازق الرابع ما يدل على سلب شئ عنه كالعلي والقدوس وهذه
الأقسام الأربعة منحصرة في النفي والاثبات واختلف في الأسماء الحسنى هل هي توقيفية بمعنى أنه
لا يجوز لاحد أن يشتق من الافعال الثابتة لله أسماء الا إذا ورد نص اما في الكتاب أو السنة فقال
الفخر المشهور عن أصحابنا انها توقيفية وقالت المعتزلة والكرامية إذا دل العقل على أن معنى
اللفظ ثابت في حق الله جاز اطلاقه على الله وقال القاضي أبو بكر والغزالي الأسماء توقيفية دون
الصفات قال وهذا هو المختار واحتج الغزالي بالاتفاق على أنه لا يجوز لنا أن نسمي رسول الله صلى
الله عليه وسلم باسم لم يسمه به أبوه ولا سمى به نفسه وكذا كل كبير من الخلق قال فإذا امتنع ذلك في
حق المخلوقين فامتناعه في حق الله أولى واتفقوا على أنه لا يجوز أن يطلق عليه اسم ولا صفة توهم
نقصا ولو ورد ذلك نصا فلا يقال ماهد ولا زارع ولا فالق ولا نحو ذلك وان ثبت في قوله فنعم
الماهدون أم نحن الزارعون فالق الحب والنوى ونحوها ولا يقال له ماكر ولا بناء وان ورد ومكر
الله والسماء بنيناها وقال أبو القاسم القشيري الأسماء تؤخذ توقيفا من الكتاب والسنة
189

والاجماع فكل اسم ورد فيها وجب إطلاقه في وصفه وما لم يرد لا يجوز ولو صح معناه وقال أبو
إسحاق الزجاج لا يجوز لاحد أن يدعو الله بما لم يصف به نفسه والضابط أن كل ما أدن الشرع أن
يدعى به سواء كان مشتقا أو غير مشتق فهو من أسمائه وكل ما جاز أن ينسب إليه سواء كان مما
يدخله التأويل أولا فهو من صفاته ويطلق عليه اسما أيضا قال الحليمي الأسماء الحسنى تنقسم
إلى العقائد الخمس الأولى اثبات الباري ردا على المعطلين وهي الحي والباقي والوارث وما في
معناها والثانية توحيده ردا على المشركين وهي الكافي والعلي والقادر ونحوها والثالثة
تنزيهه ردا على المشبهة وهي القدوس والمجيد والمحيط وغيرها والرابعة اعتقاد ان كل موجود
من اختراعه ردا على القول بالعلة والمعلول وهي الخالق والبارئ والمصور والقوي وما يلحق بها
والخامسة انه مدبر لما اخترع ومصرفه على ما شاء وهو القيوم والعليم والحكيم وشبهها وقال
أبو العباس بن معد من الأسماء ما يدل على الذات عينا وهو الله وعلى الذات مع سلب كالقدوس
والسلام ومع إضافة كالعلي العظيم ومع سلب وإضافة كالملك والعزيز ومنها ما يرجع إلى
صفة كالعليم والقدير ومع إضافة كالحليم والخبير أو إلى القدرة مع إضافة كالقهار والى
الإرادة مع فعل وإضافة كالرحمن الرحيم وما يرجع إلى صفة فعل كالخالق والبارئ ومع دلالة
على الفعل كالكريم واللطيف قال فالأسماء كلها لا تخرج عن هذه العشرة وليس فيها شئ مترادف
إذ لكل اسم خصوصية ما وان اتفق بعضها مع بعض في أصل المعنى انتهى كلامه ثم وقفت عليه
منتزعا من كلام الفخر الرازي في شرح الأسماء الحسنى وقال الفخر أيضا الألفاظ الدالة على
الصفات ثلاثة ثابتة في حق الله قطعا وممتنعة قطعا وثابتة لكن مقرونة بكيفية فالقسم
الأول منه ما يجوز ذكره مفردا ومضافا وهو كثير جدا كالقادر والقاهر ومنه ما يجوز مفردا ولا
يجوز مضافا الا بشرط كالخالق فيجوز خالق ويجوز خالق كل شئ مثلا ولا يجوز خالق القردة
ومنه عكسه يجوز مضافا ولا يجوز مفردا كالمنشئ يجوز منشئ الخلق ولا يجوز منشئ فقط
والقسم الثاني ان ورد السمع بشئ منه أطلق وحمل على ما يليق به والقسم الثالث ان ورد السمع
بشئ منه أطلق ما ورد منه ولا يقاس عليه ولا يتصرف فيه بالاشتقاق كقوله تعالى ومكر الله
ويستهزئ بهم فلا يجوز ماكر ومستهزئ (تكميل) وإذ قد جرى ذكر الاسم الأعظم في هذه
المباحث فليقع الالمام بشئ من الكلام عليه وقد أنكره قوم كأبي جعفر الطبري وأبي الحسن
الأشعري وجماعة بعدهما كأبي حاتم بن حبان والقاضي أبي بكر الباقلاني فقالوا لا يجوز تفضيل
بعض الأسماء على بعض ونسب ذلك بعضهم لمالك لكراهيته أن تعاد سورة أو تردد دون غيرها
من السور لئلا يظن أن بعض القرآن أفضل من بعض فيؤذن ذلك باعتقاد نقصان المفضول عن
الأفضل وحملوا ما ورد من ذلك على أن المراد بالأعظم العظيم وان أسماء الله كلها عظيمة وعبارة أبي
جعفر الطبري اختلفت الآثار في تعيين الاسم الأعظم والذي عندي أن الأقوال كلها صحيحة
إذ لم يرد في خبر منها أنه الاسم الأعظم ولا شئ أعظم منه فكأنه يقول كل اسم من أسمائه تعالى
يجوز وصفه بكونه أعظم فيرجع إلى معنى عظيم كما تقدم وقال ابن حبان الأعظمية الواردة في
الاخبار انما يراد بها مزيد ثواب الداعي بذلك كما أطلق ذلك في القرآن والمراد به مزيد ثواب القارئ
وقيل المراد بالاسم الأعظم كل اسم من أسماء الله تعالى دعا العبد به ربه مستفرقا بحيث لا يكون
190

في فكره حالتئذ غير الله تعالى فان من تأتي له ذلك استجيب له ونقل معنى هذا عن جعفر الصادق
وعن الجنيد وعن غيرهما وقال آخرون استأثر الله تعالى بعلم الاسم الأعظم ولم يطلع عليه أحدا
من خلقه وأثبته آخرون معينا واضطربوا في ذلك وجملة ما وقفت عليه من ذلك أربعة عشر قولا
الأول الاسم الأعظم هو نقله الفخر الرازي عن بعض أهل الكشف واحتج له بأن من أراد أن يعبر
عن كلام معظم بحضرته لم يقل له أنت قلت كذا وانما يقول هو يقول تأدبا معه الثاني الله لأنه
اسم لم يطلق على غيره ولأنه الأصل في الأسماء الحسنى ومن ثم أضيفت إليه الثالث الله الرحمن
الرحيم ولعل مستنده ما أخرجه ابن ماجة عن عائشة انها سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن
يعلمها الاسم الأعظم فلم يفعل فصلت ودعت اللهم إني أدعوك الله وأدعوك الرحمن وأدعوك
الرحيم وأدعوك بأسمائك الحسنى كلها ما علمت منها وما لم أعلم الحديث وفيه أنه صلى الله عليه
وسلم قال لها انه لفي الأسماء التي دعوت بها (قلت) وسنده ضعيف وفي الاستدلال به نظر لا يخفى
الرابع الرحمن الرحيم الحي القيوم لما أخرج الترمذي من حديث أسماء بنت يزيد أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم
وفاتحة سورة آل عمران الله لا إله إلا هو الحي القيوم أخرجه أصحاب السنن الا النسائي وحسنه
الترمذي وفي نسخة صحيحة وفيه نظر لأنه من رواية شهر بن حوشب الخامس الحي القيوم
أخرج ابن ماجة من حديث أبي أمامة الاسم الأعظم في ثلاث سور البقرة وآل عمران وطه قال
القاسم الراوي عن أبي أمامة التمسته منها فعرفت أنه الحي القيوم وقواه الفخر الرازي واحتج
بأنهما يدلان من صفات العظمة بالربوبية مالا يدل على ذلك غيرهما كدلالتهما السادس الحنان
المنان بديع السماوات والأرض ذو الجلال والاكرام الحي القيوم ورد ذلك مجموعا في حديث
أنس عند أحمد والحاكم وأصله عند أبي داود والنسائي وصححه ابن حبان السابع بديع السماوات
والأرض ذو الجلال والاكرام أخرجه أبو يعلى من طريق السري بن يحيى عن رجل من طي
وأثنى عليه قال كنت أسال الله أن يريني الاسم الأعظم فأريته مكتوبا في الكواكب في السماء
الثامن ذو الجلال والاكرام أخرج الترمذي من حديث معاذ بن جبل قال سمع النبي صلى الله
عليه وسلم رجلا يقول يا ذا الجلال والاكرام فقال قد استجيب لك فسل واحتج له الفخر بأنه يشمل
جميع الصفات المعتبرة في الإلهية لان في الجلال إشارة إلى جميع السلوب وفي الاكرام إشارة إلى
جميع الإضافات التاسع الله لا إله إلا هو الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد
أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم من حديث بريدة وهو أرجح من حيث
السند من جميع ما ورد في ذلك العاشر رب رب أخرجه الحاكم من حديث أبي الدرداء
وابن عباس بلفظ اسم الله الأكبر رب رب وأخرج ابن أبي الدنيا عن عائشة إذا قال العبد يا رب
يا رب قال الله تعالى لبيك عبدي سل تعط رواه مرفوعا وموقوفا الحادي عشر دعوة ذي النون
أخرج النسائي والحاكم عن فضالة بن عبيد رفعه دعوة ذي النون في بطن الحوت لا إله إلا أنت
سبحانك اني كنت من الظالمين لم يدع بها رجل مسلم قط الا استجاب الله له الثاني عشر نقل الفخر
الرازي عن زين العابدين انه سأل الله أن يعلمه الاسم الأعظم فرأى في النوم هو الله الله الله الذي
لا إله إلا هو رب العرش العظيم الثالث عشر هو مخفى في الأسماء الحسنى ويؤيده حديث
191

عائشة المتقدم لما دعت ببعض الأسماء وبالأسماء الحسنى فقال لها صلى الله عليه وسلم انه لفي
الأسماء التي دعوت بها الرابع عشر كلمة التوحيد نقله عياض كما تقدم قبل هذا واستدل
بحديث الباب على انعقاد اليمين بكل اسم ورد في القرآن أو الحديث الثابت وهو وجه غريب
حكاه ابن كج من الشافعية ومنع الأكثر لقوله صلى الله عليه وسلم من كان حالفا فليحلف بالله
وأجيب بأن المراد الذات لا خصوص هذا اللفظ والى هذا الاطلاق ذهب الحنفية والمالكية
وابن حزم وحكاه ابن كج أيضا والمعروف عند الشافعية والحنابلة وغيرهم من العلماء أن الأسماء
ثلاثة أقسام أحدها ما يختص بالله كالجلالة والرحمن ورب العالمين فهذا ينعقد به اليمين إذا
أطلق ولو نوى به غير الله ثانيها ما يطلق عليه وعلى غيره لكن الغالب إطلاقه عليه وأنه يقيد في
حق غيره بضرب من التقييد كالجبار والحق والرب ونحوها فالحلف به يمين فان نوى به غير الله
فليس بيمين ثالثها ما يطلق في حق الله وفي حق غيره على حد سواء كالحي والمؤمن فإن نوى به غير
الله أو أطلق فليس بيمين وان نوى الله تعالى فوجهان صحح النووي أنه يمين وكذا في المحرر وخالف
في الشرحين فصحح أنه ليس بيمين واختلف الحنابلة فقال القاضي أبو يعلى ليس بيمين وقال
المجد بن تيمية في المحرر انها يمين (قوله من حفظها) هكذا رواه علي بن المديني ووافقه الحميدي
وكذا عمرو الناقد عند مسلم وقال ابن أبي عمر عن سفيان من أحصاها أخرجه مسلم
والإسماعيلي من طريقه وكذا قال شعبة عن أبي الزناد كما تقدم في الشروط ويأتي في التوحيد
قال الخطابي الاحصاء في مثل هذا يحتمل وجوها أحدها أن يعدها حتى يستوفيها يريد أنه
لا يقتصر على بعضها لكن يدعو الله بها كلها ويثني عليه بجميعها فيستوجب الموعود عليها
من الثواب ثانيها المراد بالاحصاء الا طاقة كقوله تعالى علم أن لن تحصوه ومنه حديث استقيموا
ولن تحصوا أي لن تبلغوا كنه الاستقامة والمعنى من أطاق القيام بحق هذه الأسماء والعمل
بمقتضاها وهو أن يعتبر معانيها فيلزم نفسه بواجبها فإذا قال الرزاق وثق بالرزق وكذا
سائر الأسماء ثالثها المراد بالاحصاء الإحاطة بمعانيها من قول العرب فلان ذو حصاة أي
ذو عقل ومعرفة انتهى ملخصا وقال القرطبي المرجو من كرم الله تعالى أن من حصل له احصاء
هذه الأسماء على إحدى هذه المراتب مع صحة النية أن يدخله الله الجنة وهذه المراتب الثلاثة
للسابقين والصديقين وأصحاب اليمين وقال غيره معنى أحصاها عرفها لان العارف بها
لا يكون الا مؤمنا والمؤمن يدخل الجنة وقيل معناه عدها معتقدا لان الدهري لا يعترف بالخالق
والفلسفي لا يعترف بالقادر وقيل أحصاها يريد بها وجه الله واعظامه وقيل معنى أحصاها عمل بها
فإذا قال الحكيم مثلا سلم جميع أوامره لان جميعها على مقتضى الحكمة وإذا قال القدوس
استحضر كونه منزها عن جميع النقائص وهذا اختيار أبي الوفا بن عقيل وقال ابن بطال طريق
العمل بها أن الذي يسوغ الاقتداء به فيها كالرحيم والكريم فان الله يحب أن يرى حلاها على
عبده فليمرن العبد نفسه على أن يصح له الاتصاف بها وما كان يختص بالله تعالى كالجبار
والعظيم فيجب على العبد الاقرار بها والخضوع لها وعدم التحلي بصفة منها وما كان فيه معنى
الوعد نقف منه عند الطمع والرغبة وما كان فيه معنى الوعيد نقف منه عند الخشية والرهبة
فهذا معنى أحصاها وحفظها ويؤيده أن من حفظها عدا وأحصاها سردا ولم يعمل بها يكون
192

كمن حفظ القرآن ولم يعمل بما فيه وقد ثبت الخبر في الخوارج انهم يقرؤن القرآن ولا يجاوز
حناجرهم (قلت) والذي ذكره مقام الكمال ولا يلزم من ذلك أن لا يرد الثواب لمن حفظها
وتعبد بتلاوتها والدعاء بها وإن كان متلبسا بالمعاصي كما يقع مثل ذلك في قارئ القرآن سواء
فان القارئ ولو كان متلبسا بمعصية غير ما يتعلق بالقراءة يثاب على تلاته عند أهل السنة فليس
ما بحثه ابن بطال بدافع لقول من قال إن المراد حفظها سردا والله أعلم وقال النووي قال
البخاري وغيره من المحققين معناه حفظها وهذا هو الاظهر لثبوته نصا في الخبر وقال في الاذكار
هو قول الأكثرين وقال ابن الجوزي لما ثبت في بعض طرق الحديث من حفظها بدل أحصاها
اخترنا أن المراد العد أي من عدها ليستوفيها حفظا (قلت) وفيه نظر لأنه لا يلزم من مجيئه بلفظ
حفظها تعين السرد عن ظهر قلب بل يحتمل الحفظ المعنوي وقيل المراد بالحفظ حفظ القرآن
لكونه مستوفيا لها فمن تلاه ودعا بما فيه من الأسماء حصل المقصود قال النووي وهذا
ضعيف وقيل المراد من تتبعها من القرآن وقال ابن عطية معنى أحصاها عدها وحفظها
ويتضمن ذلك الايمان بها والتعظيم لها والرغبة فيها والاعتبار بمعانيها وقال الأصيلي ليس المراد
بالاحصاء عدها فقط لأنه قد يعدها الفاجر وانما المراد العمل بها وقال أبو نعيم الأصبهاني
الاحصاء المذكور في الحديث ليس هو التعداد وانما هو العمل والتعقل بمعاني الأسماء والايمان
بها وقال أبو عمر الطلمنكي من تمام المعرفة بأسماء الله تعالى وصفاته التي يستحق بها الداعي
والحافظ ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المعرفة بالأسماء والصفات وما تتضمن من الفوائد
ويدل عليه من الحقائق ومن لم يعلم ذلك لم يكن عالما لمعاني الأسماء ولا مستفيدا بذكرها ما تدل
عليه من المعاني وقال أبو العباس بن معد يحتمل الاحصاء معنيين أحدهما أن المراد تتبعها من
الكتاب والسنة حتى يحصل عليها والثاني أن المراد أن يحفظها بعد أن يجدها محصاة قال
ويؤيده أنه ورد في بعض طرقه من حفظها قال ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم أطلق أولا
قوله من أحصاها دخل الجنة ووكل العلماء إلى البحث عنها ثم يسر على الأمة الامر فألقاها إليهم
محصاة وقال من حفظها دخل الجنة (قلت) وهذا الاحتمال بعيد جدا لأنه يتوقف على أن النبي
صلى الله عليه وسلم حدث بهذا الحديث مرتين إحداهما قبل الأخرى ومن أين يثبت ذلك
ومخرج اللفظين واحد وهو عن أبي هريرة والاختلاف عن بعض الرواة عنه في أي اللفظين قاله
قال وللاحصاء معان أخرى منها الاحصاء الفقهي وهو العلم بمعانيها من اللغة وتنزيهها على
الوجوه التي تحملها الشريعة ومنها الاحصاء النظري وهو أن يعلم معنى كل اسم بالنظر في الصيغة
ويستدل عليه بأثره الساري في ا لوجود فلا تمر على موجود الا ويظهر لك فيه معنى من معاني
الأسماء وتعرف خواص بعضها وموقع القيد ومقتضى كل اسم قال وهذا أرفع مراتب
الاحصاء قال وتمام ذلك أن يتوجه إلى الله تعالى من العمل الظاهر والباطن بما يقتضيه كل اسم
من الأسماء فيعبد الله بما يستحقه من الصفات المقدسة التي وجبت لذاته قال فمن حصلت له
جميع مراتب الاحصاء حصل على الغاية ومن منح منحى من مناحيها فثوابه بقدر ما قال والله أعلم
(تنبيه) وقع في تفسير ابن مردويه وعند أبي نعيم من طريق ابن سيرين عن أبي هريرة بدل قوله
من أحصاها دخل الجنة من دعا بها دخل الجنة وفي سنده حصين بن مخارق وهو ضعيف وزاد
193

خليد بن دعلج في روايته التي تقدمت الإشارة إليها وكلها في القرآن وكذا وقع من قول سعيد بن
عبد العزيز وكذا وقع في حديث ابن عباس وابن عمر معا بلفظ من أحصاها دخل الجنة وهي في
القرآن وسيأتي في كتاب التوحيد شرح معاني كثير من الأسماء حيث ذكرها المصنف في تراجمه
إن شاء الله تعالى وقوله دخل الجنة عبر بالماضي تحقيقا لوقوعه وتنبيها على أنه وان لم يقع فهو
في حكم الواقع لأنه كائن لا محالة (قوله وهو وتر يحب الوتر) في رواية مسلم والله وتر يحب الوتر
وفي رواية شعيب بن أبي حمزة انه وتر يحب الوتر ويجوز فتح الواو وكسرها والوتر الفرد ومعناه في
حق الله أنه الواحد الذي لا نظير له في ذاته ولا انقسام وقوله يحب الوتر قال عياض معناه أن للوتر
في العدد فضلا على الشفع في أسمائه لكونه دال على الوحدانية في صفاته وتعقب بأنه لو كان
المراد به الدلالة على الوحدانية لما تعددت الأسماء بل المراد أن الله يحب الوتر من كل شئ وان تعدد
ما فيه الوتر وقيل هو منصرف إلى من يعبد الله بالوحدانية والتفرد على سبيل الاخلاص وقيل
لأنه أمر بالوتر في كثير من الأعمال والطاعات كما في الصلوات الخمس ووتر الليل وأعداد الطهارة
وتكفين الميت وفي كثير من المخلوقات كالسماوات والأرض انتهى ملخصا وقال القرطبي الظاهر
أن الوتر هنا للجنس إذ لا معهود جرى ذكره حتى يحمل عليه فيكون معناه انه وتر يحب كل وتر
شرعه ومعنى محبته له أنه أمر به وأثاب عليه ويصلح ذلك لعموم ما خلقه وترا من مخلوقاته أو معنى
محبته له أنه خصصه بذلك لحكمة يعلمها ويحتمل أن يريد بذلك وترا بعينه وان لم يجر له ذكر ثم
اختلف هؤلاء فقيل المراد صلاة الوتر وقيل صلاة الجمعة وقيل يوم الجمعة وقيل يوم عرفة وقيل
آدم وقيل غير ذلك قال والأشبه ما تقدم من حمله على العموم قال ويظهر لي وجه آخر وهو أن
الوتر يراد به التوحيد فيكون المعنى ان الله في ذاته وكماله وأفعاله واحد ويحب التوحيد أي ان
يوحد ويعتقد انفراده بالألوهية دون خلقه فيلتئم أول الحديث وآخره والله أعلم (قلت) لعل من
حمله على صلاة الوتر استند إلى حديث على أن الوتر ليس بحتم كالمكتوبة ولكن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أوتر ثم قال أوتروا يا أهل القرآن فان الله وتر يحب الوتر أخرجوه في السنن الأربعة
وصححه ابن خزيمة واللفظ له فعلى هذا التأويل تكون اللام في هذا الخبر للعهد لتقدم ذكر الوتر
المأمور به لكن لا يلزم أن يحمل الحديث الاخر على هذا بل العموم فيه أظهر كما أن العموم في
حديث علي محتمل أيضا وقد طعن أبو زيد البلخي في صحة الخبر بأن دخول الجنة ثبت في القرآن
مشروطا ببذل النفس والمال فكيف يحصل بمجرد حفظ ألفاظ تعد في أيسر مدة وتعقب بأن
الشرط المذكور ليس مطردا ولا حصر فيه بل قد تحصل الجنة بغير ذلك كما ورد في كثير من
الأعمال غير الجهاد ان فاعله يدخله الجنة وأما دعوى أن حفظها يحصل في أيسر مدة فإنما يرد على
من حمل الحفظ والاحصاء على معنى أن يسردها عن ظهر قلب فأما من أوله على بعض الوجوه
للمتقدمة فإنه يكون في غاية المشقة ويمكن الجواب عن الأول بأن الفضل واسع (قوله
باب الموعظة ساعة بعد ساعة) مناسبة هذا الباب لكتاب الدعوات أن الموعظة
يخالطها غالبا التذكير بالله وقد تقدم أن الذكر من جملة الدعاء وختم به أبواب الدعوات التي
عقبها بكتاب الرقاق لاخذه من كل منهما شوبا (قوله حدثني شقيق) هو أبو وائل ووقع كذلك
في كتاب العلم من طريق الثوري عن الأعمش وقد ذكرت هناك ما يتعلق بسماع الأعمش له من
194

أبي وائل (قوله كنا ننتظر عبد الله) يعني ابن مسعود (قوله إذ جاء يزيد بن معاوية) في رواية
مسلم من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن شقيق كنا جلوسا عند باب عبد الله ننتظره فمر بنا يزيد
ابن معاوية النخعي (قلت) وهو كوفي تابعي ثقة عابد ذكر العجلي أنه من طبقة الربيع بن خثيم
وذكر البخاري في تاريخه أنه قتل غازيا بفارس كأنه في خلافة عثمان وليس له في الصحيحين ذكر
الا في هذا الموضع ولا أحفظ له رواية وهو نخعي كما وقع عند مسلم وفيه رد علي ابن التين في حكايته
أنه عبسي بالموحدة (قوله قلت ألا تجلس قال لا ولكن أدخل فأخرج إليكم صاحبكم) في رواية
أبي معاوية فقلنا أعلمه بمكاننا فدخل عليه (قوله أما أني) بتخفيف الميم (أخبر) بضم أوله وفتح
الموحدة على البناء للمجهول وقد تقدم في العلم أن هذا الكلام قاله ابن مسعود جواب قولهم
وددنا أنك لو ذكرتنا كل يوم وأنه كان يذكرهم كل خميس وزاد فيه أن ابن مسعود قال إني أكره أن
أملكم (قوله كان يتخولنا بالموعظة) تقدم البحث فيه وبيان معناه وقول من حدث به بالنون
بدل اللام من يتخولنا قال الخطابي المراد أنه كان يراعي الأوقات في تعليمهم ووعظهم ولا يفعله كل
يوم خشية الملل والتخول التعهد وقيل إن بعضهم رواه بالحاء المهملة وفسره بأن المراد يتفقد
أحوالهم التي يحصل لهم فيها النشاط للموعظة فيعظهم فيها ولا يكثر عليهم لئلا يملوا حكى ذلك
الطيبي ثم قال ولكن الرواية في الصحاح بالخاء المعجمة (قوله في الأيام) يعني فيذكرهم أياما ويتركهم
أياما فقد ترجم له في كتاب العلم باب من جعل لأهل العلم أياما معلومة (قوله كراهية السآمة علينا)
أي أن تقع منا السآمة وقد تقدم توجيه علينا في كتاب العلم وأن السآمة ضمنت معنى المشقة
فعديت بعلي وفيه رفق النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه وحسن التوصل إلى تعليمهم وتفهيمهم
ليأخذوا عنه بنشاط لا عن ضجر ولا ملل ويقتدي به في ذلك فان التعليم بالتدريج أخف مؤنة
وأدعى إلى الثبات من أخذه بالكد والمغالبة وفيه منقبة لابن مسعود لمتابعته للنبي صلى الله عليه
وسلم في القول والعمل ومحافظته على ذلك (خاتمة) اشتمل كتاب الدعوات من الأحاديث
المرفوعة على مائة وخمسة وأربعين حديثا منها أحد وأربعون معلقة والبقية موصولة المكرر
منها فيه وفيما مضى مائة وأحد وعشرون حديثا والبقية خالصة وافقه مسلم على تخريجها سوى
حديث شداد في سيد الاستغفار وحديث أبي هريرة في عدد الاستغفار كل يوم وحديث حذيفة
في القول عند النوم وحديث أبي ذر في ذلك وحديث أبي الدرداء في من شهد أن لا إله إلا الله
وحديث ابن عباس في اجتناب السجع في الدعاء وحديث جابر في الاستخارة وحديث أبي أيوب
في التهليل وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين تسعة آثار والله أعلم
(قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الرقاق الصحة والفراغ ولا عيش الا عيش الآخرة)
كذا لأبي ذر عن السرخسي وسقط عنده عن المستملي والكشميهني الصحة والفراغ ومثله للنسفي
وكذا للإسماعيلي لكن قال وأن لا عيش وكذا لأبي الوقت لكن قال باب لا عيش وفي رواية
كريمة عن الكشميهني ما جاء في الرقاق وأن لا عيش الا عيش الآخرة قال مغلطاي عبر جماعة
من العلماء في كتبهم بالرقائق (قلت) منهم ابن المبارك والنسائي في الكبرى وروايته كذلك
في نسخة معتمدة من رواية النسفي عن البخاري والمعنى واحد والرقاق والرقائق جمع رقيقة
195

وسميت هذه الأحاديث بذلك لان في كل منها ما يحدث في القلب رقة قال أهل اللغة الرقة الرحمة
وضد الغلظ ويقال للكثير الحياء رق وجهه استحياء وقال الراغب متى كانت الرقة في جسم
فضدها الصفاقة كثوب رقيق وثوب صفيق ومتى كانت في نفس فضدها القسوة كرقيق القلب
وقاسي القلب وقال الجوهري وترقيق الكلام تحسينه (قوله أخبرنا المكي) كذا للأكثر
بالألف واللام في أوله وهو اسم بلفظ النسب وهو من الطبقة العليا من شيوخ البخاري وقد
أخرج أحمد عنه هذا الحديث بعينه (قوله هو ابن أبي هند) الضمير لسعيد لا لعبد الله
وهو من تفسير المصنف ووقع في رواية أحمد عن مكي ووكيع جميعا حدثنا عبد الله ابن سعيد
ابن أبي هند وعبد الله المذكور من صغار التابعين لأنه لقي بعض صغار الصحابة وهو أبو أمامة بن
سهل (قوله عن أبيه) في رواية يحيى القطان عن عبد الله بن سعيد حدثني أبي أخرجه
الإسماعيلي (قوله عن ابن عباس) في الرواية التي بعدها سمعت ابن عباس (قوله نعمتان
مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) كذا لسائر الرواة لكن عند أحمد الفراغ والصحة
وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق إسماعيل بن جعفر وابن المبارك ووكيع كلهم عن
عبد الله بن سعيد بسنده الصحة والفراغ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس ولم يبين لمن اللفظ
وأخرجه الدارمي عن مكي بن إبراهيم شيخ البخاري فيه كذلك بزيادة ولفظه ان الصحة والفراغ
نعمتان من نعم الله والباقي سواء وهذه الزيادة وهي قوله من نعم الله وقعت في رواية ابن عدي
المشار إليها وقوله نعمتان تثنية نعمة وهي الحالة الحسنة وقيل هي المنفعة المفعولة على
جهة الاحسان للغير والغبن بالسكون وبالتحريك وقال الجوهري هو في البيع بالسكون وفي
الرأي بالتحريك وعلى هذا فيصح كل منهما في هذا الخبر فان من لا يستعملهما فيما ينبغي فقد غبن
لكونه باعهما ببخس ولم يحمد رأيه في ذلك قال ابن بطال معنى الحديث أن المرأ لا يكون فارغا
حتى يكون مكفيا صحيح البدن فمن حصل له ذلك فليحرص على أن لا يغبن بأن يترك شكر الله على
ما أنعم به عليه ومن شكره امتثال أوامره واجتناب نواهيه فمن فرط في ذلك فهو المغبون وأشار
بقوله كثير من الناس إلى أن الذي يوفق لذلك قليل وقال ابن الجوزي قد يكون الانسان صحيحا
ولا يكون متفرغا لشغله بالمعاش وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا فإذا اجتمعا فغلب عليه
الكسل عن الطاعة فهو المغبون وتمام ذلك ان الدنيا مزرعة الآخرة وفيها التجارة التي يظهر
ربحها في الآخرة فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط ومن استعملهما في
معصية الله فهو المغبون لان الفراغ يعقبه الشغل والصحة يعقبها السقم ولو لم يكن الا الهرم كما قيل
يسر الفتى طول السلامة والبقا * فكيف ترى طول السلامة تفعل
يرد الفتى بعد اعتدال وصحة * ينوء إذا رام القيام ويحمل
وقال الطيبي ضرب النبي صلى الله عليه وسلم للمكلف مثلا بالتاجر الذي له رأس مال فهو يبتغي
الربح مع سلامة رأس المال فطريقة في ذلك أن يتحرى فيمن يعامله ويلزم الصدق والحذق لئلا
يغبن فالصحة والفراغ رأس المال وينبغي له أن يعامل الله بالايمان ومجاهدة النفس وعدو الدين
ليربح خيري الدنيا والآخرة وقريب منه قول الله تعالى هل أدلكم على تجارة تنجيكم من
عذاب أليم الآيات وعليه أن يجتنب مطاوعة النفس ومعاملة الشيطان لئلا يضيع رأس ماله
196

مع الربح وقوله في الحديث مغبون فيهما كثير من الناس كقوله تعالى وقليل من عبادي
الشكور فالكثير في الحديث في مقابلة القليل في الآية وقال القاضي أبو بكر بن العربي
اختلف في أول نعمة لله على العبد فقيل الايمان وقيل الحياة وقيل الصحة والأول أولى
فإنه نعمة مطلقة وأما الحياة والصحة فإنهما نعمة دنيوية ولا تكون نعمة حقيقة الا إذا صاحبت
الايمان وحينئذ يغبن فيها كثير من الناس أي يذهب ربحهم أو ينقص فمن استرسل مع نفسه
الامارة بالسوء الخالدة إلى الراحة فترك المحافظة على الحدود والمواظبة على الطاعة فقد غبن
وكذلك إذا كان فارغا فان المشغول قد يكون له معذرة بخلاف الفارغ فإنه يرتفع عنه المعذرة
وتقوم عليه الحجة (قوله وقال عباس العنبري) هو بالمهملة والموحدة ابن عبد العظيم أحد
الحفاظ بصرى من أوساط شيوخ البخاري وقد أخرجه ابن ماجة عن العباس المذكور فقال في
كتاب الزهد من السنن في باب الحكمة منه حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري فذكره سواء
قال الحاكم هذا الحديث صدر به ابن المبارك كتابه فأخرجه عن عبد الله بن سعيد بهذا الاسناد
(قلت) وأخرجه الترمذي والنسائي من طريقه قال الترمذي رواه غير واحد عن عبد الله بن
سعيد فرفعوه ووقفه بعضهم على ابن عباس وفي الباب عن أنس انتهى وأخرجه الإسماعيلي من
طرق عن ابن المبارك ثم من وجهين عن إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن سعيد ثم من طريق بندار
عن يحيى بن سعيد القطان عن عبد الله به ثم قال قال بندار ربما حدث به يحيى بن سعيد ولم يرفعه
وأخرجه ابن عدي من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعا (قوله عن معاوية بن قرة) أي ابن إياس
المزني ولقرة صحبة ووقع في رواية آدم في فضائل الأنصار عن شعبة حدثنا أبو إياس معاوية بن قرة
وإياس هو القاضي المشهور بالذكاء (قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اللهم لا عيش
الا عيش الآخرة) في رواية المستملي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (قوله فأصلح الأنصار
والمهاجرة) تقدم في فضل الأنصار بيان الاختلاف على شعبة في لفظه وأنه عطف عليه رواية
شعبة عن قتادة عن أنس وزيادة من زاد فيه أن ذلك كان يوم الخندق فطابق حديث سهل بن
سعد المذكور في الذي بعده وزيادة من زاد فيه أنهم كانوا يقولون نحن الذين بايعوا محمدا على
الجهاد ما بقينا أبدا فأجابهم بذلك وتقدم في غزوة الخندق من طريق عبد العزيز بن صهيب عن
أنس أتم من ذلك كله وفيه من طريق حميد عن أنس أن ذلك كان في غداة باردة ولم يكن لهم عبيد
يعملون ذلك لهم فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال ذلك (قوله الفضيل بن سليمان) هو
بالتصغير وهو النميري صدوق في حفظه شئ (قوله وهو يحفر ونحن ننقل التراب) تقدم في فضل
الأنصار من رواية عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل خرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم
يحفرون الخندق الحديث ويجمع بأن منهم من كان يحفر مع النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من
كان ينقل التراب (قوله وبصر بنا) بفتح أوله وضم الصاد المهملة وفي رواية الكشمهيني ويمر بنا
من المرور (قوله فاغفر) تقدم في غزوة الخندق بلفظ فاغفر للمهاجرين والأنصار وأن الألفاظ
المنقولة في ذلك بعضها موزون وأكثرها غير موزون ويمكن رده إلى الوزن بضرب من الزحاف
وهو غير مقصود إليه بالوزن فلا يدخل هو في الشعر وفي هذين الحديثين إشارة إلى تحقير عيش
الدنيا لما يعرض له من التكدير وسرعة الفناء قال ابن المنير مناسبة إيراد حديث أنس وسهل مع
197

حديث ابن عباس الذي تضمنته الترجمة أن الناس قد غبن كثير منهم في الصحة والفراغ لايثارهم
لعيش الدنيا على عيش الآخرة فأراد الإشارة إلى أن العيش الذي اشتغلوا به ليس بشئ بل العيش
الذي شغلوا عنه هو المطلوب ومن فاته فهو المغبون (قوله باب مثل الدنيا في الآخرة)
هذه الترجمة بعض لفظ حديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي من طريق قيس بن أبي حازم عن
المستورد بن شداد رفعه والله ما الدنيا في الآخرة الا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم
يرجع وسنده إلى التابعي على شرط البخاري لأنه لم يخرج للمستورد واقتصر على ذكر حديث
سهل بن سعد موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها فان قدر السوط من الجنة إذا كان
خيرا من الدنيا فيكون الذي يساويها مما في الجنة دون قدر السوط فيوافق ما دل عليه حديث
المستورد وقد تقدم شرح قوله غدوة في سبيل الله في كتاب الجهاد قال القرطبي هذا نحو قوله
تعالى قل متاع الدنيا قليل وهذا بالنسبة إلى ذاتها وأما بالنسبة إلى الآخرة فلا قدر لها ولا خطر
وانما أورد ذلك على سبيل التمثيل والتقريب والا فلا نسبة بين المتناهي وبين ما لا يتناهى والى
ذلك الإشارة بقوله فلينظر بم يرجع ووجهه أن القدر الذي يتعلق بالإصبع من ماء البحر لا قدر له
ولا خطر وكذلك الدنيا بالنسبة إلى الآخرة والحاصل أن الدنيا كالماء الذي يعلق في الإصبع
من البحر والآخرة كسائر البحر (تنبيه) اختلف في ياء يرجع فذكر الرامهرمزي أن أهل
الكوفة رووه بالمثناة قال فجعلوا الفعل للإصبع وهي مؤنثة ورواه أهل البصرة بالتحتانية قال
فجعلوا الفعل للييم (قلت) أو للواضع (قوله وقوله تعالى أنما الحياة الدنيا لعب ولهو إلى قوله متاع
الغرور) كذا في رواية أبي ذر وساق في رواية كريمة الآية كلها وعلى هذا فتفتح الهمزة في انما
محافظة على لفظ التلاوة فان أول الآية اعلموا أنما الحياة الدنيا الخ ولولا ما وقع من سياق بقية
الآية لجوزت أن يكون المصنف أراد الآية التي في القتال وهي قوله تعالى انما الحياة الدنيا لعب
ولهو وان تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم الآية قال ابن عطية المراد بالحياة الدنيا في هذه الآية
ما يختص بدار الدنيا من تصرف وأما ما كان فيها من الطاعة وما لا بد منه مما يقيم الأود ويعين
على الطاعة فليس مرادا هنا والزينة ما يتزين به مما هو خارج عن ذات الشئ مما يحسن به الشئ
والتفاخر يقع بالنسب غالبا كعادة العرب والتكاثر ذكر متعلقة في الآية وصورة هذا المثال
أن المرء يولد فينشئ فيقوى فيكسب المال والولد ويرأس ثم يأخذ بعد ذلك في الانحطاط فيشيب
ويضعف ويسقم وتصيبه النوائب من مرض ونقص مال وعز ثم يموت فيضمحل أمره ويصير
ماله لغيره وتغير رسومه فحاله كحال أرض أصابها مطر فنبت عليها العشب نباتا معجبا أنيقا ثم
هاج أي يبس واصغر ثم تحطم وتفرق إلى أن اضمحل قال واختلف في المراد بالكفار فقيل جمع
كافر بالله لانهم أشد تعظيما للدنيا واعجابا بمحاسنها وقيل المراد بهم الزراع مأخوذ من كفر الحب
في الأرض أي ستره بها وخصهم بالذكر لانهم أهل البصر بالنبات فلا يعجبهم الا المعجب حقيقة
انتهى ملخصا وقوله في آخر الآية وفي الآخرة عذاب شديد قال الفراء لا يوقف على شديد لان
تقدير الكلام انها اما عذاب شديد واما مغفرة من الله ورضوان واستحسن غيره الوقف على شديد
لما فيه من المبالغة في التنفير من الدنيا والتقدير للكافرين ويبتدئ ومغفرة من الله ورضوان
أي للمؤمنين وقيل إن قوله وفي الآخرة قسيم لقوله انما الحياة الدنيا لعب ولهو والأول صفة
198

الدنيا وهي اللعب وسائر ما ذكر والثاني صفة الآخرة وهي عذاب شديد لمن عصى ومغفرة
ورضوان لمن أطاع وأما قوله وما الحياة الدنيا الخ فهو تأكيد لما سبق أي تغر من ركن إليها وأما
التقى فهي له بلاغ إلى الآخرة ولما أورد الغزالي حديث المستورد في الاحياء عقبة بأن قال
ما ملخصه اعلم أن مثل أهل الدنيا في غفلتهم كمثل قوم ركبوا سفينة فانتهوا إلى جزيرة معشبة
فخرجوا لقضاء الحاجة فحذرهم الملاح من التأخر فيها وأمرهم أن يقيموا بقدر حاجتهم
وحذرهم أن يقلع بالسفينة ويتركهم فبادر بعضهم فرجع سريعا فصادف أحسن الأمكنة
وأوسعها فاستقر فيه وانقسم الباقون فرقا الأولى استغرقت في النظر إلى أزهارها المونقة
وأنهارها المطردة وثمارها الطيبة وجواهرها ومعادنها ثم استيقظ فبادر إلى السفينة فلقي مكانا
دون الأول فنجا في الجملة الثانية كالأولى لكنها أكبت على تلك الجواهر والثمار والأزهار ولم
تسمح نفسه لتركها فحمل منها ما قدر عليه فتشاغل بجمعه وحمله فوصل إلى السفينة فوجد
مكانا أضيق من الأول ولم تسمح نفسه برمي ما استصحبه فصار مثقلا به ثم لم يلبث ان ذبلت
الأزهار ويبست الثمار وهاجت الرياح فلم يجد بدا من القاء ما استصحبه حتى نجا بحشاشة نفسه
الثالثة تولجت في الغياض وغفلت عن وصية الملاح ثم سمعوا نداءه بالرحيل فمرت فوجدت
السفينة سارت فبقيت بما استصحبت في البر حتى هلكت والرابعة اشتدت بها الغفلة عن سماع
النداء وسارت السفينة فتقسموا فرقا منهم من افترسته السباع ومنهم من تاه على وجهه حتى
هلك ومنهم من مات جوعا ومنهم من نهشته الحيات قال فهذا مثل أهل الدنيا في اشتغالهم
بحظوظهم العاجلة وغفلتهم عن عاقبة أمرهم ثم ختم بأن قال وما أقبح من يزعم أنه بصير عاقل أن
يغتر بالأحجار من الذهب والفضة والهشيم من الأزهار والثمار وهو لا يصحبه شئ من ذلك بعد
الموت والله المستعان (قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم كن في الدنيا كأنك
غريب) هكذا ترجم ببعض الخبر إشارة إلى ثبوت رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأن من
رواه موقوفا قصر فيه (قوله عن الأعمش حدثني مجاهد) أنكر العقيلي هذه اللفظة وهي حدثني
مجاهد وقال انما رواه الأعمش بصيغة عن مجاهد كذلك رواه أصحاب الأعمش عنه وكذا أصحاب
الطفاوي عنه وتفرد ابن المديني بالتصريح قال ولم يسمعه الأعمش من مجاهد وانما سمعه من
ليث بن أبي سليم عنه فدلسه وأخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق الحسن بن قزعة حدثنا محمد
ابن عبد الرحمن الطفاوي عن الأعمس عن مجاهد بالعنعنة وقال قال الحسن بن قزعة ما سألني
يحيى بن معين الا عن هذا الحديث وأخرجه ابن حبان في روضة العقلاء من طريق محمد بن أبي
بكر المقدمي عن الطفاوي بالعنعنة أيضا وقال مكثت مدة أظن أن الأعمش دلسه عن مجاهد
وانما سمعه من ليث حتى رأيت علي بن المديني رواه عن الطفاوي فصرح بالتحديث يشير إلى
رواية البخاري التي في الباب (قلت) وقد أخرجه أحمد والترمذي من رواية سفيان الثوري عن
ليث بن أبي سليم عن مجاهد وأخرجه ابن عدي في الكامل من طريق حماد بن شعيب عن أبي
يحيى القتات عن مجاهد وليث وأبو يحيى ضعيفان والعمدة على طريق الأعمش وللحديث
طريق أخرى أخرجه النسائي من رواية عبدة بن أبي لبابة عن ابن عمر مرفوعا وهذا مما يقوى
الحديث المذكور لان رواته من رجال الصحيح وإن كان اختلف في سماع عبدة من ابن عمر (قوله
199

أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي) فيه تعيين ما أبهم في رواية ليث عند الترمذي أخذ
ببعض جسدي والمنكب بكسر الكاف مجمع العضد والكتف وضبط في بعض الأصول
بالتثنية (قوله كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) قال الطيبي ليست أو للشك بل
للتخيير والإباحة والأحسن أن تكون بمعنى بل فشبه الناسك السالك بالغريب الذي ليس له
مسكن يأويه ولا مسكن يسكنه ثم ترقى وأضرب عنه إلى عابر السبيل لان الغريب قد يسكن
في بلد الغربة بخلاف عابر السبيل القاصد لبلد شاسع وبينهما أودية مردية ومفاوز مهلكة
وقطاع طريق فان من شأنه أن لا يقيم لحظة ولا يسكن لمحة ومن ثم عقبه بقوله إذا أمسيت فلا
تنتظر الصباح الخ وبقوله وعد نفسك في أهل القبور والمعنى استمر سائرا ولا تفتر فإنك ان قصرت
انقطعت وهلكت في تلك الأودية وهذا معنى المشبه به وأما المشبه فهو قوله وخذ من صحتك
لمرضك أي ان العمر لا يخلو عن صحة مرض فإذا كنت صحيحا فسر سير القصد وزد عليه بقدر
قوتك ما دامت فيك قوة بحيث يكون ما بك من تلك الزيادة قائما مقام ما لعله يفوت حالة
المرض والضعف زاد عبدة في روايته عن ابن عمرا عبد الله كأنك تراه وكن في الدنيا الحديث
وزاد ليث في روايته وعد نفسك في أهل القبور وفي رواية سعيد بن منصور وكأنك عابر سبيل
وقال ابن بطال لما كان الغريب قليل الانبساط إلى الناس بل هو مستوحش منهم إذ لا يكاد يمر
بمن يعرفه مستأنس به فهو ذليل في نفسه خائف وكذلك عابر السبيل لا ينفد في سفره الا بقوته
عليه وتخفيفه من الأثقال غير متثبت بما يمنعه من قطع سفره معه زاده وراحلته يبلغانه إلى بغيته
مقصده شبهه بهما وفي ذلك إشارة إلى إيثار الزهد في الدنيا وأخذ البلغة منها والكفاف فكما
لا يحتاج المسافر إلى أكثر مما يبلغه إلى غاية سفره فكذلك لا يحتاج المؤمن في الدنيا إلى أكثر مما
يبلغه المحل وقال غيره هذا الحديث أصل في الحث على الفراغ عن الدنيا والزهد فيها والاحتقار
لها والقناعة فيها بالبلغة وقال النووي معنى الحديث لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطنا ولا
تحدث نفسك بالبقاء فيها ولا تتعلق منها بما لا يتعلق به الغريب في غير وطنه وقال غيره عابر
السبيل هو المار على الطريق طالبا وطنه فالمرء في الدنيا كعبد أرسله سيده في حاجة إلى غير
بلده فشأنه أن يبادر بفعل ما أرسل فيه ثم يعود إلى وطنه ولا يتعلق بشئ غير ما هو فيه وقال غيره
المراد أن ينزل المؤمن نفسه في الدنيا منزلة الغريب فلا يعلق قلبه بشئ من بلد الغربة بل قلبه
متعلق بوطنه الذي يرجع إليه ويجعل اقامته في الدنيا ليقضي حاجته وجهازه للرجوع إلى
وطنه وهذا شأن الغريب أو يكون كالمسافر لا يستقر في مكان بعينه بل هو دائم السير إلى
بلد الإقامة واستشكل عطف عابر السبيل على الغريب وقد تقدم جواب الطيبي وأجاب
الكرماني بأنه من عطف العام على الخاص وفيه نوع من الترقي لان تعلقاته أقل من تعلقات
الغريب المقيم (قوله وكان ابن عمر يقول) في رواية ليث وقال لي ابن عمر إذا أصبحت الحديث
(قوله وخذ من صحتك) أي زمن صحتك (لمرضك) في رواية ليث لسقمك والمعنى اشتغل في الصحة
بالطاعة بحيث لو حصل تقصير في المرض لا يجبر بذلك (قوله ومن حياتك لموتك) في رواية ليث
قبل موتك وزاد فإنك لا تدري يا عبد الله ما اسمك غدا أي هل يقال له شقي أو سعيد ولم يرد اسمه
الخاص به فإنه لا يتغير وقيل المراد هل يقال هو حي أو ميت وهذا القدر الموقوف من هذا تقدم
200

محصل معناه في حديث ابن عباس أول كتاب الرقاق وجاء معناه من حديث ابن عباس أيضا
مرفوعا أخرجه الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الرجل وهو يعظه اغتنم خمسا قبل خمس
شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك
قبل موتك وأخرجه ابن المبارك في الزهد بسند صحيح من مرسل عمرو بن ميمون قال بعض العلماء
كلام ابن عمر منتزع من الحديث المرفوع وهو متضمن لنهاية قصر الأمل وأن العاقل ينبغي له إذا
أمسى لا ينتظر الصباح وإذا أصبح لا ينتظر المساء بل يظن أن أجله مدركه قبل ذلك قال وقوله خذ
من صحتك الخ أي اعمل ما تلقى نفعه بعد موتك وبادر أيام صحتك بالعمل الصالح فان المرض قد يطرأ
فيمتنع من العمل فيخشى على من فرط في ذلك أن يصل إلى المعاد بغير زاد ولا يعارض ذلك الحديث
الماضي في الصحيح إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل صحيحا مقيما لأنه ورد في
حق من يعمل والتحذير الذي في حديث ابن عمر في حق من لم يعمل شيئا فإنه إذا مرض ندم على
تركه العمل وعجز لمرضه عن العمل فلا يفيده الندم وفي الحديث مس المعلم أعضاء المتعلم عند
التعليم والموعوظ عند الموعظة وذلك للتأنيس والتنبيه ولا يفعل ذلك غالبا الا بمن يميل إليه
وفيه مخاطبة الواحد وإرادة الجمع وحرص النبي صلى الله عليه وسلم على إيصال الخير لامته
والحض على ترك الدنيا والاقتصار على ما لا بد منه (قوله باب في الأمل وطوله)
الأمل بفتحتين رجاء ما تحبه النفس من طول عمر وزيادة غنى وهو قريب المعنى من التمني وقيل
الفرق بينهما أن الأمل ما تقدم له سبب والتمني بخلافه وقيل لا ينفك الانسان من أمل فان فاته
ما أمله عول على التمني ويقال الأمل إرادة الشخص تحصيل شئ يمكن حصوله فإذا فاته تمناه
(قوله وقوله تعالى فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز الآية) كذا للنسفي وساق في رواية
كريمة وغيرها إلى الغرور وقع في رواية أبي ذر إلى قوله فقد فاز والمطلوب هنا ما سقط من روايته
وهو الإشارة إلى أن متعلق الأمل ليس بشئ لأنه متاع الغرور شبه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على
المستام ويغره حتى يشتريه ثم يتبين له فساده ورداءته والشيطان هو المدلس وهو الغرور بالفتح
الناشئ عنه الغرور بالضم وقد قرئ في الشاذ هنا بفتح الغين أي متاع الشيطان ويجوز أن يكون
بمعنى المفعول وهو المخدوع فتتفق القراءتان (قوله بمزحزحه بمباعده) وقع هذا في رواية النسفي
وكذا لأبي ذر عن المستملى والكشميهني والمراد أن معنى قوله زحزح في هذه الآية فمن زحزح بوعد
وأصل الزحزحة الإزالة ومن أزيل عن الشئ فقد بوعد منه وقال الكرماني مناسبة هذه الآية
للترجمة أن في أول الآية كل نفس ذائقة الموت وفي آخرها وما الحياة الدنيا أو أن قوله فمن زحزح
مناسب لقوله وما بمزحزحه وفي تلك الآية يود أحدهم لو يعمر ألف سنة (قوله وقوله ذرهم
يأكلوا ويمتعوا الآية) كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة وغيرها إلى يعلمون وسقط قوله وقوله
للنسفي قال الجمهور هي عامة وقال جماعة هي في الكفار خاصة والامر فيه للتهديد وفيه زجر عن
الانهماك في ملاذ الدنيا (قوله وقال علي بن أبي طالب ارتحلت الدنيا مدبرة الخ) هذه قطعة من
أثر لعلي جاء عنه موقوفا ومرفوعا وفي أوله شئ مطابق للترجمة صريحا فعند ابن أبي شيبة في
المصنف وابن المبارك في الزهد من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد وزبيد الايامي عن رجل من بني
عامر وسمي في رواية لابن أبي شيبة مهاجر العامري وكذا في الحلية من طريق أبي مريم عن زبيد
201

عن مهاجر بن عمير قال قال علي ان أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل فأما اتباع
الهوى فيصد عن الحق وأما طول الأمل فينسى الآخرة ألا وان الدنيا ارتحلت مدبرة الحديث
كالذي في الأصل سواء ومهاجر المذكور هو العامري المبهم قبله وما عرفت حاله وقد جاء مرفوعا
أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب قصر الأمل من رواية اليمان بن حذيفة عن علي بن أبي حفصة
مولى علي عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أشد ما أتخوف
عليكم خصلتين فذكر معناه واليمان وشيخه لا يعرفان وجاء من حديث جابر أخرجه أبو عبد الله
ابن منده من طريق المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر مرفوعا والمنكدر ضعيف
وتابعه علي بن أبي علي اللهبي عن ابن المنكدر بتمامه وهو ضعيف أيضا وفي بعض طرق هذا
الحديث فاتباع الهوى يصرف بقلوبكم عن الحق وطول الأمل يصرف هممكم إلى الدنيا ومن
كلام على أخذ بعض الحكماء قوله الدنيا مدبرة والآخرة مقبلة فعجب لمن يقبل على المدبرة ويدبر
على المقبلة وورد في ذم الاسترسال مع الأمل حديث أنس رفعه أربعة من الشقاء جمود العين
وقسوة القلب وطول الأمل والحرص على الدنيا أخرجه البزار وعن عبد الله بن عمرو رفعه
صلاح أول هذه الأمة بالزهادة واليقين وهلاك آخرها بالبخل والأمل أخرجه الطبراني وابن
أبي الدنيا وقيل إن قصر الأمل حقيقة الزهد وليس كذلك بل هو سبب لان من قصر أمله زهد
ويتولد من طول الأمل الكسل عن الطاعة والتسويف بالتوبة والرغبة في الدنيا والنسيان
للآخرة والقسوة في القلب لان رقته وصفاءه انما يقع بتذكير الموت والقبر والثواب والعقاب
وأهوال القيامة كما قال تعالى فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وقيل من قصر أمله قل همه
وتنور قلبه لأنه إذا استحضر الموت اجتهد في الطاعة وقل همه ورضى بالقليل وقال ابن الجوزي
الأمل مذموم للناس الا للعلماء فلولا أملهم لما صنفوا ولا ألفوا وقال غيره الأمل مطبوع في
جميع بني آدم كما سيأتي في الحديث الذي في الباب بعده لا يزال قلب الكبير شابا في اثنتين حب
الدنيا وطول الأمل وفي الأمل سر لطيف لأنه لولا الأمل ما تهنى أحد بعيش ولا طابت نفسه أن
يشرع في عمل من أعمال الدنيا وانما المذموم منه الاسترسال فيه وعدم الاستعداد لأمر الآخرة
فمن سلم من ذلك لم يكلف بازالته وقوله في أثر علي فان اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل
جعل اليوم نفس العمل والمحاسبة مبالغة وهو كقولهم نهاره صائم والتقدير في الموضعين ولا
حساب فيه ولا عمل فيه وقوله ولا حساب بالفتح بغير تنوين ويجوز الرفع منونا وكذا قوله ولا عمل
(قوله يحيى بن سعيد) هو القطان وسفيان هو الثوري وأبوه سعيد بن مسروق ومنذر هو ابن
يعلى أبو يعلى الثوري ووقع في رواية الإسماعيلي أبو يعلى فقط والربيع بن خثيم بمعجمة ومثلثة
مصغر وعبد الله هو ابن مسعود ومن الثوري فصاعدا كوفيون (قوله خط النبي صلى الله عليه
وسلم خطا مربعا) الخط الرسم والشكل والمربع المستوي الزوايا (قوله وخط خطا في الوسط خارجا
منه وخط خططا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط) قيل هذه صفة الخط
202

والأول المعتمد وسياق الحديث يتنزل عليه
فالإشارة بقوله هذا الانسان إلى النقطة الداخلة
وبقوله وهذا أجله محيط به إلى المربع وبقوله وهذا الذي هو خارج أمله إلى الخط المستطيل المنفرد
وبقوله وهذه إلى الخطوط وهي مذكورة على سبيل المثال لا أن المراد انحصارها في عدد معين
ويؤيده قوله في حديث أنس بعده إذ جاءه الخط الأقرب فإنه أشار به إلى الخط المحيط به ولا شك أن
الذي يحيط به أقرب إليه من الخارج عنه وقوله خططا بضم المعجمة والطاء الأولى للأكثر ويجوز
فتح الطاء وقوله هذا انسان مبتدأ وخبر أي هذا الخط هو الانسان على التمثيل (قوله وهذه
الخطط) بالضم فيهما أيضا وفي رواية المستملي والسرخسي وهذه الخطوط (قوله الاعراض)
جمع عرض بفتحتين وهو ما ينتفع به في الدنيا في الخير وفي الشر والعرض بالسكون ضد الطويل
ويطلق على ما يقابل النقدين والمراد هنا الأول (قوله نهشه) بالنون والشين المعجمة أي أصابه
واستشكلت هذه الإشارات الأربع مع أن الخطوط ثلاثة فقط وأجاب الكرماني بأن للخط
الداخل اعتبارين فالمقدار الداخل منه هو الانسان والخارج أمله والمراد بالاعراض الآفات
العارضة له فان سلم من هذا لم يسلم من هذا وان سلم من الجميع ولم تصبه آفة من مرض أو فقد
مال أو غير ذلك بغته الاجل والحاصل أن من لم يمت بالسبب مات بالأجل وفي الحديث إشارة
إلى الحض على قصر الأمل والاستعداد لبغتة الاجل وعبر بالنهش وهو لدغ ذات السم مبالغة
في الإصابة والاهلاك (قوله حدثنا مسلم) هو ابن إبراهيم وثبت كذلك في رواية الإسماعيلي عن
الحسن بن سفيان عن عبد العزيز بن سلام عنه (قوله همام) هو ابن يحيى وثبت كذلك في رواية
الإسماعيلي (قوله عن إسحاق) في رواية الإسماعيلي حدثنا إسحاق وهو ابن أخي أنس لامه (قوله
خطوطا) قد فسرت في حديث ابن مسعود (قوله فبينما هو كذلك) في رواية الإسماعيلي يأمل
وعند البيهقي في الزهد من وجه آخر عن إسحاق سياق المتن أتم منه ولفظه خط خطوطا وخط
خطا ناحية ثم قال هل تدرون ما هذا هذا مثل ابن آدم ومثل التمني وذلك الخط الأمل بينما يأمل
إذ جاءه الموت وانما جمع الخطوط ثم اقتصر في التفصيل على اثنين اختصارا والثالث الانسان
والرابع الآفات وقد أخرج الترمذي حديث أنس من رواية حماد بن سلمة عن عبيد الله بن أبي
بكر بن أنس عن أنس بلفظ هذا ابن آدم وهذا أجله ووضع يده عند قفاه ثم بسطها فقال وثم أمله
وثم أجله أي ان أجله أقرب إليه من أمله قال الترمذي وفي الباب عن أبي سعيد (قلت) أخرجه
أحمد من رواية علي بن علي عن أبي المتوكل عنه ولفظه ان النبي صلى الله عليه وسلم غرز عودا
بين يديه ثم غرز إلى جنبه آخر ثم غرز الثالث فأبعده ثم قال هذا الانسان وهذا أجله وهذا أمله
والأحاديث متوافقة على أن الاجل أقرب من الأمل (قوله باب من بلغ ستين سنة فقد
أعذر الله إليه في العمر لقوله تعالى أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير) كذا للأكثر
203

وسقط قوله لقوله تعالى وفي رواية النسفي يعني الشيب وثبت قوله يعني الشيب في رواية أبي ذر
وحده وقد اختلف أهل التفسير فيه فالأكثر على أن المراد به الشيب لأنه يأتي في سن الكهولة فما
بعدها وهو علامة لمفارقة سن الصبي الذي هو مظنة اللهو وقال علي المراد به النبي صلى الله عليه
وسلم واختلفوا أيضا في المراد بالتعمير في الآية على أقوال أحدها انه أربعون سنة نقله الطبري
عن مسروق وغيره وكأنه أخذه من قوله بلغ أشده وبلغ أربعين سنة والثاني ست وأربعون سنة
أخرجه ابن مردويه من طريق مجاهد عن ابن عباس وتلا الآية ورواته رجال الصحيح الا ابن خثيم
فهو صدوق وفيه ضعف والثالث سبعون سنة أخرجه ابن مردويه من طريق عطاء عن ابن
عباس قال أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فقال نزلت تعيير الأبناء السبعين وفي
اسناده يحيى بن ميمون وهو ضعيف الرابع ستون وتمسك قائله بحديث الباب وورد في بعض
طرقه التصريح بالمراد فأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق سعيد بن سليمان عن عبد العزيز
ابن أبي حازم عن أبيه عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة بلفظ العمر الذي أعذر الله فيه لابن
آدم ستون سنة أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وأخرجه ابن مردويه من طريق حماد بن زيد
عن أبي حازم عن سهل بن سعد مثله الخامس التردد بن الستين والسبعين أخرجه ابن مردويه من
طريق أبي معشر عن سعيد عن أبي هريرة بلفظ من عمر ستين أو سبعين سنة فقد أعذر الله إليه في
العمر وأخرجه أيضا من طريق معتمر بن سليمان عن معمر عن رجل من غفار يقال له محمد عن
سعيد عن أبي هريرة بلفظ من بلغ الستين والسبعين ومحمد الغفاري هو ابن معن الذي أخرجه
البخاري من طريقه اختلف عليه في لفظه كما اختلف على سعيد المقبري في لفظه وأصح الأقوال
في ذلك ما ثبت في حديث الباب ويدخل في هذا حديث معترك المنايا ما بين ستين وسبعين أخرجه
أبو يعلى من طريق إبراهيم بن الفضل عن سعيد عن أبي هريرة وإبراهيم ضعيف (قوله حدثنا
عبد السلام بن مطهر) بضم أوله وفتح المهملة وتشديد الهاء المفتوحة وشيخه عمر بن علي هو
المقدمي وقد تقدم بهذا الاسناد إلى أبي هريرة حديث آخر وذكرت أن عمر مدلس وأنه أورده
بالعنعنة وبينت عذر البخاري في ذلك وانه وجد من وجه آخر مصرح فيه بالسماع وأما هذا
الحديث فقد أخرجه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن رجل من بني غفار عن سعيد المقبري
بنحوه وهذا الرجل المبهم هو معن بن محمد الغفاري فهي متابعة قوية لعمر بن علي أخرجه
الإسماعيلي من وجه آخر عن معمر ووقع لشيخه فيه وهم ليس هذا موضع بيانه (قوله أعذر الله)
الاعذار إزالة العذر والمعنى أنه لم يبق له اعتذار كأن يقول لو مد لي في الاجل لفعلت ما أمرت به
يقال أعذر إليه إذا بلغه أقصى الغاية في العذر ومكنه منه وإذا لم يكن له عذر في ترك الطاعة مع
تمكنه منها بالعمر الذي حصل له فلا ينبغي له حينئذ الا الاستغفار والطاعة والاقبال على الآخرة
بالكلية ونسبة الاعذار إلى الله مجازية والمعنى ان الله لم يترك للعبد سببا في الاعتذار يتمسك به
والحاصل انه لا يعاقب الا بعد حجة (قوله آخر أجله) يعني أطاله (حتى بلغه ستين سنة) وفي رواية
معمر لقد أعذر الله إلى عبد أحياه حتى يبلغ ستين سنة أو سبعين سنة لقد أعذر الله إليه لقد أعذر
الله إليه (قوله تابعه أبو حازم وابن عجلان عن المقبري) أما متابعة أبي حازم وهو سلمة بن دينار
فأخرجها الإسماعيلي من طريق عبد العزيز بن أبي حازم حدثني أبي عن سعيد بن أبي سعيد
204

المقبري عن أبي هريرة كذا أخرجه الحفاظ عن عبد العزيز بن أبي حازم وخالفهم هارون بن معروف
فرواه عن ابن أبي حازم عن أبيه عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة أخرجه الإسماعيلي
وادخاله بين سعيد وأبي هريرة فيه رجلا من المزيد في متصل الأسانيد وقد أخرجه أحمد والنسائي
من رواية يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بغير واسطة وأما
طريق محمد بن عجلان فأخرجه أحمد من رواية سعيد بن أبي أيوب عن محمد بن عجلان عن سعيد بن
أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ من أتت عليه ستون سنة فقد أعذر الله إليه في العمر قال
ابن بطال انما كانت الستون حدا لهذا لأنها قريبة من المعترك وهي سن الإنابة والخشوع وترقب
المنية فهذا اعذار بعد اعذار لطفا من الله بعباده حتى نقلهم من حالة الجهل إلى حالة العلم ثم
أعذر إليهم فلم يعاقبهم الا بعد الحجج الواضحة وان كانوا فطروا على حب الدنيا وطول الأمل لكنهم
أمروا بمجاهدة النفس في ذلك ليمتثلوا ما أمروا به من الطاعة وينزجروا عما نهوا عنه من المعصية
وفي الحديث إشارة إلى أن استكمال الستين مظنة لانقضاء الاجل وأصرح من ذلك ما أخرجه
الترمذي بسند حسن إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رفعه أعمار أمتي ما بين الستين إلى
السبعين وأقلهم من يجوز ذلك قال بعض الحكماء الأسنان أربعة سن الطفولية ثم الشباب ثم
الكهولة ثم الشيخوخة وهي آخر الأسنان وغالب ما يكون ما بين الستين والسبعين فحينئذ يظهر
ضعف القوة بالنقص والانحطاط فينبغي له الاقبال على الآخرة بالكلية لاستحالة أن يرجع إلى
الحالة الأولى من النشاط والقوة وقد استنبط منه بعض الشافعية أن من استكمل ستين فلم يحج
مع القدرة فإنه يكون مقصرا ويأثم ان مات قبل أن يحج بخلاف ما دون ذلك * الحديث الثاني
(قوله يونس) هو ابن يزيد الأيلي (قوله لا يزال قلب الكبير شابا في اثنتين في حب الدنيا وطول
الأمل) المراد بالامل هنا محبة طول العمر فسره حديث أنس الذي بعده في آخر الباب وسماه شابا
إشارة إلى قوة استحكام حبه المال أو هو من باب المشاكلة والمطابقة (قوله قال ليث عن يونس
وابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أخبرني سعيد) هو ابن المسيب (وأبو سلمة) يعني كلاهما عن
أبي هريرة أما رواية ليث وهو ابن سعد فوصلها الإسماعيلي من طريق أبي صالح كاتب الليث
حدثنا الليث حدثني يونس هو ابن يزيد عن ابن شهاب أخبرني سعيد وأبو سلمة عن أبي هريرة بلفظه
الا أنه قال المال بدل الدنيا وأما رواية ابن وهب فوصلها مسلم عن حرملة عنه بلفظ قلب الشيخ
شاب على حب اثنتين طول الحياة وحب المال وأخرجه الإسماعيلي من طريق أيوب بن سويد
عن يونس مثل رواية ابن وهب سواء وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن أبي هريرة بزيادة في أوله
قال إن ابن آدم يضعف جسمه وينحل لحمه من الكبر وقلبه شاب * الحديث الثالث (قوله حدثنا
مسلم) كذا لأبي ذر غير منسوب ولغيره حدثنا مسلم بن إبراهيم وهشام هو الدستوائي (قوله
يكبر) بفتح الموحدة أي يطعن في السن (قوله ويكبر معه) بضم الموحدة أي يعظم ويجوز الفتح
ويجوز الضم في الأول تعبيرا عن الكثرة وهي كثرة عدد السنين بالعظم (قوله اثنتان حب المال
وطول العمر) في رواية أبي عوانة عن قتادة عند مسلم يهرم ابن آدم ويشب معه اثنتان الحرص
على المال والحرص على العمر ثم أخرجه من طريق معاذ بن هشام عن أبيه قاله بمثله (قوله رواه
شعبة عن قتادة) وصله مسلم من رواية محمد بن جعفر عن شعبة ولفظه سمعت قتادة يحدث عن
205

أنس بنحوه وأخرجه أحمد عن محمد بن جعفر بلفظ يهرم ابن آدم ويشب منه اثنتان وفائدة هذا
التعليق دفع توهم الانقطاع فيه لكون قتادة مدلسا وقد عنعنه لكن شعبة لا يحدث عن
المدلسين الا بما علم أنه داخل في سماعهم فيستوى في ذلك التصريح والعنعنة بخلاف غيره قال
النووي هذا مجاز واستعارة ومعناه ان قلب الشيخ كامل الحب للمال متحكم في ذلك كاحتكام
قوة الشاب في شبابه هذا صوابه وقيل في تفسيره غير هذا مما يرتضى وكأنه أشار إلى قول
عياض هذا الحديث فيه من المطابقة وبديع الكلام الغاية وذلك أن الشيخ من شأنه أن يكون
آماله وحرصه على الدنيا قد بليت على بلاء جسمه إذا انقضى عمره ولم يبق له الا انتظار الموت فلما
كان الامر بضده ذم قال والتعبير بالشاب إشارة إلى كثرة الحرص وبعد الأمل الذي هو في
الشباب أكثر وبهم أليق لكثرة الرجاء عادة عندهم في طول أعمارهم ودوام استمتاعهم ولذاتهم في
الدنيا قال القرطبي في هذا الحديث كراهة الحرص على طول العمر وكثرة المال وان ذلك ليس
بمحمود وقال غيره الحكمة في التخصيص بهذين الامرين أن أحب الأشياء إلى ابن آدم نفسه فهو
راغب في بقائها أفأحب لذلك طول العمر وأحب المال لأنه من أعظم الأسباب في دوام الصحة التي
ينشأ عنها غالبا طول العمر فكلما أحس بقرب نفاد ذلك اشتد حبه له ورغبته في دوامه واستدل
به على أن الإرادة في القلب خلافا لمن قال إنها في الرأس قاله المازري (تنبيه) قال الكرماني
كان ينبغي له أن يذكر هذا الحديث في الباب السابق يعني باب في الأمل وطوله (قلت) ومناسبته
للباب الذي ذكره فيه ليست ببعيدة ولا خفية (قوله باب العمل الذي يبتغى به وجه الله
تعالى) ثبتت هذه الترجمة للجميع وسقطت من شرح ابن بطال فأضاف حديثها عن عتبان للذي
قبله ثم أخذ في بيان المناسبة لترجمة من بلغ ستين سنة فقال خشي المصنف أن يظن أن من بلغ
الستين وهو مواظب على المعصية أن ينفذ عليه الوعيد فأورد هذا الحديث المشتمل على أن كلمة
الاخلاص تنفع قائلها إشارة إلى أنها لا تخص أهل عمر دون عمر ولا أهل عمل دون عمل قال
ويستفاد منه أن التوبة مقبولة ما لم يصل إلى الحد الذي ثبت النقل فيه انها لا تقبل معه وهو
الوصول إلى الغرغرة وتبعه ابن المنير فقال يستفاد منه أن الاعذار لا تقطع التوبة بعد ذلك وانما
تقطع الحجة التي جعلها الله للعبد بفضله ومع ذلك فالرجاء باق بدليل حديث عتبان وما ذكر معه
(قلت) وعلى ما وقع في الأصول فهذه مناسبة تعقيب الباب الماضي بهذا الباب (قوله فيه سعد)
كذا للجميع وسقط للنسفي وللإسماعيلي وغيرهما وسعد فيما يظهر لي هو ابن أبي وقاص
وحديثه المشار إليه ما تقدم في المغازي وغيرها من رواية عامر بن سعد عن أبيه في قصة الوصية
وفيه الثلث والثلث كثير وفيه قوله فقلت يا رسول الله أخلف بعد أصحابي قال إنك لن تخلف
فتعمل عملا تبتغي به وجه الله الا ازددت به درجة ورفعة الحديث وقد تقدم هذا اللفظ في كتاب
الهجرة إلى المدينة ثم ذكر المصنف طرفا من حديث محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك (قوله
حدثنا معاذ بن أسد) هو المروزي وشيخه عبد الله هو ابن المبارك (قوله غدا علي رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال لن يوافي) هكذا أورده مختصرا وليس هذا القول معقبا بالغدو بل بينهما أمور
كثيرة من دخول النبي صلى الله عليه وسلم منزله وصلاته فيه وسؤالهم أن يتأخر عندهم حتى
يطعموه وسؤاله عن مالك بن الدخشم وكلام من وقع في حقه والمراجعة في ذلك وفي آخره ذلك
206

القول المذكور هنا وقد أورده في باب المساجد في البيوت في أوائل الصلاة وأورده أيضا مطولا
من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري في أبواب صلاة التطوع وأخرج منه أيضا في أوائل
الصلاة في باب إذا زار قوما فصلى عندهم عن معاذ بن أسد بالسند المذكور في حديث الباب من
المتن طرفا غير المذكور هنا وقوله في هذه الرواية حرم الله عليه النار وقع في الرواية الماضية حرمه
الله على النار قال الكرماني ما ملخصه والمعنى واحد لوجود التلازم بين الامرين واللفظ الأول
هو الحقيقة لان النار تأكل ما يلقى فيها والتحريم يناسب الفاعل فيكون اللفظ الثاني مجازا
(قوله يعقوب بن عبد الرحمن) هو الإسكندراني (قوله عن عمرو) هو ابن أبي عمرو مولى المطلب
(قوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تعالى ما لعبدي المؤمن عندي جزاء) أي
ثواب ولم أر لفظ جزاء في رواية الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان ولا أبي نعيم من طريق السراج
كلاهما عن قتيبة (قوله إذا قبضت صفيه) بفتح الصاد المهملة وكسر الفاء وتشديد التحتانية
وهو الحبيب المصافي كالولد والأخ وكل من يحبه الانسان والمراد بالقبض قبض روحه وهو
الموت (قوله ثم احتسبه الا الجنة) قال الجوهري احتسب ولده إذا مات كبيرا فان مات صغيرا قيل
أفرطه وليس هذا التفصيل مرادا هنا بل المراد بأحتسبه صبر على فقده راجيا الاجر من الله على
ذلك وأصل الحسبة بالكسر الأجرة والاحتساب طلب الاجر من الله تعالى خالصا واستدل به
ابن بطال على أن من مات له ولد واحد يلتحق بمن مات له ثلاثة وكذا اثنان وأن قول الصحابي كما
مضى في باب فضل من مات له ولد من كتاب الجنائز ولم نسأله عن الواحد لا يمنع من حصول الفضل
لمن مات له واحد فلعله صلى الله عليه وسلم سئل بعد ذلك عن الواحد فأخبر بذلك أو انه أعلم بأن
حكم الواحد حكم ما زاد عليه فأخبر به (قلت) وقد تقدم في الجنائز تسمية من سأل عن ذلك
والرواية التي فيها ثم لم نسأله عن الواحد ولم يقع لي إذ ذاك وقوع السائل عن الواحد وقد وجدت
من حديث جابر ما أخرجه أحمد من طريق محمود بن أسد عن جابر وفيه قلنا يا رسول الله واثنان
قال واثنان قال محمود فقلت لجابر أراكم لو قلتم واحدا لقال واحدا قال وأنا والله أظن ذاك
ورجاله موثقون وعند أحمد والطبراني من حديث معاذ رفعه أوجب ذو الثلاثة فقال له معاذ
وذو الاثنين قال وذو الاثنين زاد في رواية الطبراني أو واحد قال أو واحد وفي سنده ضعف وله في
الكبير والأوسط من حديث جابر بن سمرة رفعه من دفن له ثلاثة فصبر الحديث وفيه فقالت أم
أيمن وواحد فسكت ثم قال يا أم أيمن من دفن واحدا فصبر عليه واحتسبه وجبت له الجنة وفي
سندهما ناصح بن عبد الله وهو ضعيف جدا ووجه الدلالة من حديث الباب أن الصفي أعم من أن
يكون ولدا أم غيره وقد أفرد ورتب الثواب بالجنة لمن مات له فاحتسبه ويدخل في هذا ما أخرجه
أحمد والنسائي من حديث قرة بن إياس أن رجلا كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابن له
فقال أتحبه قال نعم ففقده فقال ما فعل فلان قالوا يا رسول الله مات ابنه فقال ألا تحب أن لا تأتي
بابا من أبواب الجنة الا وجدته ينتظرك فقال رجل يا رسول الله اله خاصة أم لكلنا قال بل لكلكم
وسنده على شرط الصحيح وقد صححه ابن حبان والحاكم (قوله باب ما يحذر من زهرة
الدنيا والتنافس فيها) المراد بزهرة الدنيا بهجتها ونضارتها وحسنها والتنافس يأتي بيانه في الباب
ذكر فيه سبعة أحاديث * الحديث الأول (قوله إسماعيل بن عبد الله) هو ابن أبي أويس (قوله
207

عن موسى بن عقبة) هو عم إسماعيل الراوي عنه (قوله قال قال ابن شهاب) هو الزهري (قوله أن
عمرو بن عوف) تقدم بيان نسبه في الجزية وفي السند ثلاثة من التابعين في نسق وهم موسى وابن
شهاب وعروة وصحابيان وهما المسور وعمرو وكلهم مدنيون وكذا بقية رجال الاسناد من إسماعيل
فصاعدا (قوله إلى البحرين) سقط إلى من رواية الأكثر وثبتت للكشميهني (قوله فوافقت)
في رواية المستملي والكشميهني فوافت (قوله فوالله ما الفقر أخشى عليكم) بنصب الفقر أي
ما أخشى عليكم الفقر ويجوز الرفع بتقدير ضمير أي ما الفقر أخشاه عليكم والأول هو الراجح
وخص بعضهم جواز ذلك بالشعر وهذه الخشية يحتمل أن يكون سببها علمه أن الدنيا ستفتح عليهم
ويحصل لهم الغنى بالمال وقد ذكر ذلك في أعلام النبوة مما أخبر صلى الله عليه وسلم بوقوعه قبل
أن يقع فوقع وقال الطيبي فائدة تقديم المفعول هنا الاهتمام بشأن الفقر فان الوالد المشفق إذا
حضره الموت كان اهتمامه بحال ولده في المال فاعلم صلى الله عليه وسلم أصحابه أنه وإن كان لهم في
الشفقة عليهم كالأب لكن حاله في أمر المال يخالف حال الوالد وأنه لا يخشى عليهم الفقر كما
يخشاه الوالد ولكن يخشى عليهم من الغنى الذي هو مطلوب الوالد لولده والمراد بالفقر العهدي
وهو ما كان عليه الصحابة من قلة الشئ ويحتمل الجنس والأول أولى ويحتمل أن يكون أشار
بذلك إلى أن مضرة الفقر دون مضرة الغنى لان مضرة الفقر دنيوية غالبا ومضرة الغنى دينية غالبا
(قوله فتنافسوها) بفتح المثناة فيهما والأصل فتتنافسوا فحذفت إحدى التاءين والتنافس من
المنافسة وهي الرغبة في الشئ ومحبة الانفراد به والمغالبة عليه وأصلها من الشئ النفيس في
نوعه يقال نافست في الشئ منافسة ونفاسة ونفاسا ونفس الشئ بالضم نفاسة صار مرغوبا فيه
ونفست به بالكسر بخلت ونفست عليه لم أره أهلا لذلك (قوله فتهلككم) (1) أي لان المال
مرغوب فيه فترتاح النفس لطلبه فتمنع منه فتقع العداوة المتقضية للمقاتلة المفضية إلى الهلاك
قال ابن بطال فيه ان زهرة الدنيا ينبغي لمن فتحت عليه أن يحذر من سوء عاقبتها وشر فتنتها فلا
يطمئن إلى زخرفها ولا ينافس غيره فيها ويستدل به على أن الفقر أفضل من الغنا لان فتنة الدنيا
مقرونة بالغنا والغنا مظنة الوقوع في الفتنة التي قد تجر إلى هلاك النفس غالبا والفقير آمن من
ذلك * الحديث الثاني حديث عقبة بن عامر في صلاته صلى الله عليه وسلم على شهداء أحد بعد
ثمان سنين وقد تقدم شرحه مستوفى في أواخر كتاب الجنائز وعلامات النبوة وقوله أنا فرطكم
بفتح الفاء والراء أي السابق إليه * الحديث الثالث حديث أبي سعيد (قوله إسماعيل) هو ابن أبي
أويس وقد وافقه في رواية هذا الحديث عن مالك بتمامه ابن وهب وإسحاق بن محمد وأبو قرة
ورواه معن بن عيسى والوليد بن مسلم عن مالك مختصرا كل منهما طرفا وليس هو في الموطأ قاله
الدارقطني في الغرائب (قوله عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان
أكثر ما أخاف عليكم) في رواية هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار الماضية في كتاب الزكاة
208

في أوله أنه سمع أبا سعيد الخدري يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم على المنبر
وجلسنا حوله فقال إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم وفي رواية السرخسي اني مما
أخاف وما في قوله ما يفتح في موضع نصب لأنها اسم ان ومما في قوله إن مما في موضع رفع لأنها الخبر
(قوله زهرة الدنيا) زاد هلال وزينتها وهو عطف تفسير وزهرة الدنيا بفتح الزاي وسكون الهاء وقد
قرئ في الشاذ عن الحسن وغيره بفتح الهاء فقيل هما بمعنى مثل جهرة وجهرة وقيل بالتحريك
جمع زاهر كفاجر وفجرة والمراد بالزهرة الزينة والبهجة كما في الحديث والزهرة مأخوذة من زهرة
الشجر وهو نورها بفتح النون والمراد ما فيها من أنواع المتاع والعين والثياب والزروع وغيرها مما
يفتخر الناس بحسنه مع قلة البقاء (قوله فقال رجل) لم أقف على اسمه (قوله هل يأتي) في رواية
هلال أو يأتي وهي بفتح الواو والهمزة للاستفهام والواو عاطفة على شئ مقدر أي أتصير النعمة
عقوبة لان زهرة الدنيا نعمة من الله فهل تعود هذه النعمة نقمة وهو استفهام استرشاد لا إنكار
والباء في قوله بالشر صلة ليأتي أي هل يستجلب الخير الشر (قوله ظننت) في رواية الكشميهني
ظننا وفي رواية هلال فرأينا بضم الراء وكسر الهمزة وفي رواية الكشميهني فأرينا بضم الهمزة
(قوله ينزل عليه) أي الوحي وكأنهم فهموا ذلك بالقرينة من الكيفية التي جرت عادته بها عندما
يوحى إليه (قوله ثم جعل يمسح عن جبينه) في رواية الدارقطني العرق وفي رواية هلال فيمسح
عنه الرحضاء بضم الراء وفتح المهملة ثم المعجمة والمد هو العرق وقيل الكثير وقيل عرق الحمي
وأصل الرحض بفتح ثم سكون الغسل ولهذا فسره الخطابي أنه عرق يرحض الجلد لكثرته (قوله
قال أبو سعيد لقد حمدناه حين طلع لذلك) في رواية المستملي حين طلع ذلك وفي رواية هلال وكأنه
حمدوه والحاصل أنهم لاموه أولا حيث رأوا سكوت النبي صلى الله عليه وسلم فظنوا أنه أغضبه ثم
حمدوه آخرا لما رأوا مسئلته سببا لاستفادة ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وأما قوله وكأنه حمده
فأخذوه من قرينة الحال (قوله لا يأتي الخير الا بالخير) زاد في رواية الدارقطني تكرار ذلك ثلاث
مرات وفي رواية هلال انه لا يأتي الخير بالشر ويؤخذ منه أن الرزق ولو كثر فهو من جملة الخير
وانما يعرض له الشر بعارض البخل به عمن يستحقه والاسراف في انفاقه فيما لم يشرع وأن
كل شئ قضى الله أن يكون خيرا فلا يكون شرا وبالعكس ولكن يخشى على من رزق الخير أن
يعرض له في تصرفه فيه ما يجلب له الشر ووقع في مرسل سعيد المقبري عند سعيد بن منصور أو خير
هو ثلاث مرات وهو استفهام إنكار أي ان المال ليس خيرا حقيقيا وان سمي خيرا لان الخير
الحقيقي هو ما يعرض له من الانفاق في الحق كما أن الشر الحقيقي فيه ما يعرض له من الامساك عن
الحق والاخراج في الباطل وما ذكر في الحديث بعد ذلك من قوله إن هذا المال خضرة حلوة
كضرب المثل بهذه الجملة (قوله إن هذا المال) في رواية الدارقطني ولكن هذا المال إلى آخره
ومعناه أن صورة الدنيا حسنة مونقة والعرب تسمي كل شئ مشرق ناضر أخضر وقال ابن
الأنباري قوله المال خضرة حلوة ليس هو صفة المال وانما هو للتشبيه كأنه قال المال كالبقلة
الخضراء الحلوة أو التاء في قوله خضرة وحلوة باعتبار ما يشتمل عليه المال من زهرة الدنيا أو على
معنى فائدة المال أي ان الحياة به أو العيشة أو ان المراد بالمال هنا الدنيا لأنه من زينتها قال الله تعالى
المال والبنون زينة الحياة الدنيا وقد وقع في حديث أبي سعيد أيضا المخرج في السنن الدنيا خضرة
209

حلوة فيتوافق الحديثان ويحتمل أن يكون التاء فيهما للمبالغة (قوله وان كل ما أنبت الربيع)
أي الجدول وإسناد الاثبات إليه مجازى والمنبت في الحقيقة هو الله تعالى وفي رواية هلال وان
مما ينبت ومما في قوله مما ينبت للتكثير وليست من للتبعيض لتوافق رواية كلما ما أنبت وهذا
الكلام كله وقع كالمثل للدنيا وقد وقع التصريح بذلك في مرسل سعيد المقبري (قوله يقتل حبطا أو
يلم) أما حبطا فبفتح المهملة والموحدة والطاء مهملة أيضا والحبط انتفاخ البطن من كثرة الاكل
يقال حبطت الدابة تحبط حبطا إذا أصابت مرعى طيبا فأمعنت في الاكل حتى تنتفخ فتموت
وروى بالخاء المعجمة من التخبط وهو الاضطراب والأول المعتمد وقوله يلم بضم أوله أي يقرب من
الهلاك (قوله الا) بالتشديد على الاستثناء وروى بفتح الهمزة وتخفيف اللام للاستفتاح (قوله
آكلة) بالمد وكسر الكاف والخضر بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين للأكثر وهو ضرب من
الكلأ يعجب الماشية وواحده خضرة وفي رواية الكشميهني بضم الخاء وسكون الضاد وزيادة
الهاء في آخره وفي رواية السرخسي الخضراء بفتح أوله وسكون ثانيه وبالمد ولغيرهم بضم أوله وفتح
ثانيه جمع خضرة (قوله امتلأت (1) خاصرتاها) تثنية خاصرة بخاء معجمة وصاد مهملة وهما
جانبا البطن من الحيوان وفي رواية الكشميهني خاصرتها بالافراد (قوله أتت) بمثناة أي جاءت
وفي رواية هلال استقبلت (قوله اجترت) بالجيم أي استرفعت ما أدخلته في كرشها من العلف
فأعادت مضغه (قوله وثلطت) بمثلثة ولام مفتوحتين ثم طاء مهملة وضبطها ابن التين بكسر
اللام أي ألقت ما في بطنها رقيقا زاد الدارقطني ثم عادت فأكلت والمعنى أنها إذا شبعت فثقل عليها
ما أكلت تحيات في دفعه بأن تجتر فيزداد نعومة ثم تستقبل الشمس فتحمي بها فيسهل خروجه
فإذا خرج زال الانتفاخ فسلمت وهذا بخلاف من لم تتمكن من ذلك فإن الانتفاخ يقتلها سريعا
قال الأزهري هذا الحديث إذا فرق لم يكد يظهر معناه وفيه مثلان أحدهما للمفرط في جمع الدنيا
المانع من اخراجها في وجهها وهو ما تقدم أي الذي يقتل حبطا والثاني المقتصد في جمعها وفي
الانتفاع بها وهو آكلة الخضر فإن الخضر ليس من أحرار البقول التي ينبتها الربيع ولكنها الحبة
والحبة ما فوق البقل ودون الشجر التي ترعاها المواشي بعد هيج البقول فضرب آكلة الخضر من
المواشي مثلا لمن يقتصد في أخذ الدنيا وجمعها ولا يحمله الحرص على أخذها بغير حقها ولا
منعها من مستحقها فهو ينجو من وبالها كما نجت آكلة الخضر وأكثر ما تحبط الماشية إذا
انحبس رجيعها في بطنها وقال الزين بن المنير آكلة الخضر هي بهيمة الأنعام التي ألفت المخاطبون
أحوالها في سومها ورعيها وما يعرض لها من البشم وغيره والخضر النبات الأخضر وقيل
حرار العشب التي تستلذ الماشية أكله فتستكثر منه وقيل هو ما ينبت بعد إدراك العشب
وهياجه فإن الماشية تقتطف منه مثلا شيئا فشيئا ولا يصيبها منه ألم وهذا الأخير فيه نظر فإن سياق
الحديث يقتضي وجود الحبط للجميع الا لمن وقعت منه المداومة حتى اندفع عنه ما يضره وليس
المراد أن آكلة الخضر لا يحصل لها من أكله ضرر البتة والمستثنى آكلة الخضر بالوصف المذكور
لاكل من اتصف بأنه آكلة الخضر ولعل قائله وقعت له رواية فيها يقتل أو يلم الا آكلة الخضر ولم
يذكر ما بعده فشرحه على ظاهر هذا الاختصار (قوله فنعم المعونة) هو في رواية هلال فنعم صاحب
المسلم هو (قوله وأن أخذه بغير حقه) في رواية هلال وانه من يأخذه بغير حقه (قوله كالذي
210

يأكل ولا يشبع) زاد هلال ويكون شهيدا عليه يوم القيامة يحتمل أن يشهد عليه حقيقة بأن
ينطقه الله تعالى ويجوز أن يكون مجازا والمراد شهادة الملك الموكل به ويؤخذ من الحديث التمثيل
لثلاثة أصناف لان الماشية إذا رعت الخضر للتغذية اما أن تقتصر منه على الكفاية وأما أن
تستكثر الأول الزهاد والثاني اما أن يحتال على إخراج ما لو بقى لضر فإذا أخرجه زال الضر واستمر
النفع واما ان يهمل ذلك الأول العاملون في جميع الدنيا بما يجب من امساك وبذل والثاني
العاملون في ذلك بخلاف ذلك وقال الطيبي يؤخذ منه أربعة أصناف فمن أكل منه أكل مستلذ
مفرط منهمك حتى تنتفخ أضلاعه ولا يقلع فيسرع إليه الهلاك ومن أكل كذلك لكنه أخذ في
الاحتيال لدفع الداء بعد أن استحكم فغلبه فأهلكه ومن أكل كذلك لكنه بادر إلى إزالة ما يضره
وتحيل في دفعه حتى انهضم فيسلم ومن أكل غير مفرط ولا منهمك وانما اقتصر على ما يسد جوعته
ويمسك رمقه فالأول مثال الكافر والثاني مثال العاصي الغافل عن الاقلاع والتوبة الا عند
فوتها والثالث مثال للمخلط المبادر للتوبة حيث تكون مقبولة والرابع مثال الزاهد في الدنيا
الراغب في الآخرة وبعضها لم يصرح به في الحديث وأخذه منه محتمل وقوله فنعم المعونة كالتذييل
للكلام المتقدم وفيه حذف تقديره ان عمل فيه بالحق وفيه إشارة إلى عكسه رهو بئس الرفيق
هو لمن عمل فيه بغير الحق وقوله كالذي يأكل ولا يشبع ذكر في مقابلة فنعم المعونة هو وقوله ويكون
شهيدا عليه أي حجة يشهد عليه بحرصه واسرافه وانفاقه فيما لا يرضى الله وقال الزين ابن المنير في
هذا الحديث وجوه من التشبيهات بديعة أولها تشبيه المال ونموه بالنبات وظهوره ثانيها تشبيه
المنهمك في الاكتساب والأسباب بالبهائم المنهمكة في الأعشاب وثالثها تشبيه الاستكثار منه
والادخار له بالشره في الاكل والامتلاء منه ورابعها تشبيه الخارج من المال مع عظمته في
النفوس حتى أدى إلى المبالغة في البخل به بما تطرحه البهيمة من السلح ففيه إشارة بديعة إلى
استقذاره شرعا وخامسها تشبيه المتقاعد عن جمعه وضمه بالشاة إذا استراحت وحطت جانبها
مستقبلة عين الشمس فإنها من أحسن حالاتها سكونا وسكينة وفيه إشارة إلى ادراكها
لمصالحها وسادسها تشبيه موت الجامع المانع بموت البهيمة الغافلة عن دفع ما يضرها وسابعها
تشبيه المال بالصاحب الذي لا يؤمن أن ينقلب عدوا فإن المال من شأنه أن يحرز ويشد وثاقه
حبا له وذلك يقتضي منعه من مستحقه فيكون سببا لعقاب مقتنيه وثامنها تشبيه آخذه بغير حق
بالذي يأكل ولا يشبع وقال الغزالي مثل المال مثل الحية التي فيها ترياق نافع وسم ناقع فإن
أصابها العارف الذي يحترز عن شرها ويعرف استخراج ترياقها كان نعمة وان أصابها الغبي
فقد لقى البلاء المهلك وفي الحديث جلوس الامام على المنبر عند الموعظة في غير خطبة الجمعة
ونحوها وفيه جلوس الناس حوله والتحذير من المنافسة في الدنيا وفيه استفهام العالم عما يشكل
وطلب الدليل لدفع المعارضة وفيه تسمية المال خيرا ويؤيده قوله تعالى وانه لحب الخير لشديد وفي
قوله تعالى ان ترك خيرا وفيه ضرب المثل بالحكمة وان وقع في اللفظ ذكر ما يستهجن كالبول فإن
ذلك يغتفر لما يترتب على ذكره من المعاني اللائقة بالمقام وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان ينتظر
الوحي عند إرادة الجواب عما يسئل عنه وهذا على ما ظنه الصحابة ويجوز أن يكون سكوته ليأتي
بالعبارة الوجيزة الجامعة المفهمة وقد عد ابن دريد هذا الحديث وهو قوله إن مما ينبت الربيع
211

يقتل حبطا أو يلم من الكلام المفرد الوجيز الذي لم يسبق صلى الله عليه وسلم إلى معناه وكل من
وقع شئ منه في كلامه فإنما أخذه منه ويستفاد منه ترك العجلة في الجواب إذا كان يحتاج إلى
التأمل وفيه لوم من ظن به تعنت في السؤال وحمد من أجاد فيه ويؤيد أنه من الوحي قوله يمسح
العرق فإنها كانت عادته عند نزول الوحي كما تقدم في بدء الوحي وان جبينه ليتفصد عرقا وفيه
تفضيل الغني على الفقير ولا حجة فيه لأنه يمكن التمسك به لمن لم يرجح أحدهما على الآخر والعجب أن
النووي قال فيه حجة لمن رجح الغني على الفقير وكان قبل ذلك شرح قوله لا يأتي الخير الا بالخير
على أن لمراد أن الخير الحقيقي لا يأتي الا بالخير لكن هذه الزهرة ليست خيرا حقيقيا لما فيها من
الفتنة والمنافسة والاشتغال عن كمال الاقبال على الآخرة (قلت) فعلى هذا يكون حجة لمن يفضل
الفقر على الغنا والتحقيق أن لا حجة فيه لاحد القولين وفيه الحض على إعطاء المسكين واليتيم
وابن السبيل وفيه ان المكتسب للمال من غير حله لا يبارك له فيه لتشبيهه بالذي يأكل ولا يشبع
وفيه ذم الاسراف وكثرة الاكل والنهم فيه وان اكتساب المال من غير حله وكذا امساكه عن
إخراج الحق منه سبب لمحقه فيصير غير مبارك كما قال تعالى يمحق الله الربا ويربي الصدقات
* الحديث الرابع حديث عمران بن حصين (قوله سمعت أبا جمرة) هو بالجيم والراء وهو الضبعي نصر
بن عمران وقد روى شعبة عن أبي حمزة بالمهملة والزاي حديثا لكنه عند مسلم دون البخاري وليس
لشعبة في البخاري عن أبي جمرة بهذه الصورة الا عن نصر بن عمران وزهدم بالزاي وزن جعفر
ومضرب بالضاد المعجمة ثم الموحدة والتشديد باسم الفاعل وقد تقدم شرح هذا الحديث في
الشهادات وفي أول فضائل الصحابة وكذا الحديث الذي بعده * الحديث الخامس حديث ابن
مسعود (قوله عن أبي حمزة) بالمهملة والزاي هو محمد بن ميمون السكري وإبراهيم هو النخعي
وعبيدة بفتح أوله هو ابن عمرو * الحديث السادس حديث خباب أورده من طريقين في الأولى زيادة
على ما في الثانية وهو حديث واحد ذكر فيه بعض الرواة ما لم يذكر بعض وأبهم شيا قاله شعبة وقد
تقدمت روايته له عن إسماعيل بن أبي خالد في أواخر كتاب المرضى قبل كتاب الطب وشرح هناك
وزاد أحمد عن وكيع بهذا السند في هذا المتن فقال في أوله دخلنا على خباب نعوده وهو يبني حائطا
له فقال إن المسلم يؤجر في كل شئ الا ما يجعله في هذا التراب وقد تقدم شرح هذه الزيادة هناك
وإسماعيل في الطريقين هو ابن أبي خالد وقيس هو ابن أبي حازم ورجال الاسناد من وكيع
فصاعدا كوفيون ويحيى في السند الثاني هو ابن سعيد القطان وهو بصري * الحديث السابع
حديث خباب أيضا ورجاله من شيخ البخاري فصاعدا كوفيون وسفيان هو الثوري (قوله
عن شقيق أبي وائل عن خباب) تقدم في الهجرة من طريق يحيى بن سعيد القطان عن الأعمش
سمعت أبا وائل حدثنا خباب (قوله هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم قصه) كذا لأبي ذر وهو
بفتح القاف وتشديد المهملة بعدها ضمير والمراد أن الراوي قص الحديث وأشار به إلى ما أخرجه
بتمامه في أول الهجرة إلى المدينة عن محمد بن كثير بالسند المذكور هنا وقرنه برواية يحيى القطان
عن الأعمش وساقه بتمامه وقال بعد المذكور هنا فوقع أجرنا على الله تعالى فمنا من مضى لم يأخذ
من أجره شيئا منهم مصعب بن عمير الحديث وقد تقدم ذكره في الجنائز وأحلت شرحه على ما هنا
وذكر في الهجرة في موضعين وفي غزوة أحد في موضعين وأحلت به في الهجرة على المغازي
212

ولم يتيسر في المغازي التعرض لشرحه ذهولا والله المستعان وسيأتي بعد ثمانية أبواب في باب فضل
الفقر إن شاء الله تعالى (قوله باب قول الله تعالى يا أيها الناس ان وعد الله حق الآية
إلى قوله السعير) كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة الآيتين (قوله جمعه سعر) بضمتين يعني
السعير وهو فعيل بمعنى مفعول من السعر بفتح أوله وسكون ثانيه وهو الشهاب من النار (قوله
وقال مجاهد الغرور الشيطان) ثبت هذا الأثر هنا في رواية الكشميهني وحده ووصله الفريابي في
تفسيره عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وهو تفسير قوله تعالى ولا يغرنكم بالله الغرور وهو
فعول بمعنى فاعل تقول غررت فلانا أصبت غرته ونلت ما أردت منه والغرة بالكسر غفلة في
اليقظة والغرور كلما يغر الانسان وانما فسر بالشيطان لأنه رأس في ذلك (قوله شيبان) هو ابن
عبد الرحمن ويحيى هو ابن أبي كثير ومحمد بن إبراهيم هو التيمي واسم جده الحارث بن خالد وكانت
له صحبة (قوله أخبرني معاذ بن عبد الرحمن) أي ابن عثمان بن عبيد الله التيمي وعثمان جده هو
أخو طلحة بن عبيد الله ووالده عبد الرحمن صحابي أخرج له مسلم وكان يلقب شارب الذهب وقتل
مع ابن الزبير ووقع في رواية الأوزاعي عن يحيى عن محمد بن إبراهيم عن شقيق بن سلمة هذه رواية
الوليد بن مسلم عند النسائي وابن ماجة وفي رواية عبد الحميد بن حبيب عن الأوزاعي بسنده عن
عيسى بن طلحة بدل شقيق بن سلمة قال المزي في الأطراف رواية الوليد أصوب (قلت) ورواية
شيبان أرجح من رواية الأوزاعي لان نافع بن جبير وعبد الله بن أبي سلمة وافقا محمد بن إبراهيم التيمي
في روايته له عن معاذ بن عبد الرحمن ويحتمل أن يكون الطريقان محفوظين لان محمد بن إبراهيم
صاحب حديث فلعله سمعه من معاذ ومن عيسى بن طلحة وكل منهما من رهطه ومن بلده المدينة
النبوية وأما شقيق بن سلمة فليس من رهطه ولا من بلده والله أعلم (قوله أن ابن أبان أخبره) قال
عياض وقع لأبي ذر والنسفي والكافة ان ابن أبان أخبره ووقع لابن السكن أن حمران بن أبان
ووقع للجرجاني وحده أن أبان أخبره وهو خطا قلت ووقع في نسخة معتمدة من رواية أبي ذر أن ابن
أبان وقد أخرجه أحمد عن الحسن بن موسى عن شيبان بسند البخاري فيه ووقع عنده أن حمران
ابن أبان أخبره (قوله فأحسن الوضوء) في رواية نافع بن جبير عن حمران فأسبغ الوضوء وتقدم
في الطهارة من وجه آخر عن حمران بيان صفة الاسباغ المذكور والتثليث فيه وقول عروة
ان هذا أسبغ الوضوء (قوله ثم قال من توضأ مثل هذا الوضوء) تقدم هناك توجيهه وتعقب
من نفي ورود الرواية بلفظ مثل وان الحكمة في ورودها بلفظ نحو التعذر على كل أحد أن
يأتي بمثل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم (قوله ثم أتى المسجد فركع ركعتين ثم جلس) هكذا أطلق
صلاة ركعتين وهو نحو رواية ابن شهاب الماضية في كتاب الطهارة وقيده مسلم في روايته من
طريق نافع بن جبير عن حمران بلفظ ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس أو في
المسجد وكذا وقع في رواية هشام بن عروة عن أبيه عن حمران عنده فيصلى صلاة وفي أخرى له
عنه فيصلي الصلاة المكتوبة وزاد الا غفر الله له ما بينها وبين الصلاة التي تليها أي التي سبقتها
وفيه تقييد لما أطلق في قوله في الرواية الأخرى غفر الله له ما تقدم من ذنبه وان التقدم خاص
بالزمان الذي بين الصلاتين وأصرح منه في رواية أبي صخرة عن حمران عند مسلم أيضا ما من مسلم
يتطهر فيتم الطهور الذي كتب عليه فيصلى هذه الصلوات الخمس الا كانت كفارة لما بينهن
213

وتقدم من طريق عروة عن حمران الا غفر له ما بينه وبين الصلاة حتى يصليها وله من طريق عمرو
ابن سعيد بن العاص عن عثمان بنحوه وفيه تقييده بمن لم يغش الكبيرة وقد بينت توجيه ذلك في
كتاب الطهارة واضحا والحاصل ان لحمران عن عثمان حديثين في هذا أحدهما مقيد بترك حديث
النفس وذلك في صلاة ركعتين مطلقا غير مقيد بالمكتوبة والآخر في الصلاة المكتوبة في
الجماعة أوفي المسجد من غير تقييد بترك حديث النفس (قوله قال وقال النبي صلى الله عليه وسلم
لا تغتروا) قدمت شرحه في الطهارة وحاصله لا تحملوا الغفران على عمومه في جميع الذنوب
فتسترسلوا في الذنوب اتكالا على غفرانها بالصلاة فإن الصلاة التي تكفر الذنوب هي المقبولة ولا
اطلاع لاحد عليه وظهر لي جواب آخر وهو أن المكفر بالصلاة هي الصغائر فلا تغتروا فتعملوا
الكبيرة بناء على تكفير الذنوب بالصلاة فإنه خاص بالصغائر أو لا تستكثروا من الصغائر فإنها
بالاصرار تعطي حكم الكبيرة فلا يكفرها ما يكفر الصغيرة أو أن ذلك خاص بأهل الطاعة فلا يناله
من هو مرتبك في المعصية والله أعلم (قوله باب ذهاب الصالحين) أي موتهم (قوله
ويقال الذهاب المطر) ثبت هذا في رواية السرخسي وحده ومراده أن لفظ الذهاب مشترك على
المضي وعلى المطر وقال بعض أهل اللغة الذهاب الأمطار اللينة وهو جمع ذهبة بكسر أوله
وسكون ثانيه (قوله حدثني يحيى بن حماد) هو من قدماء مشايخه وقد أخرج عنه بواسطة في كتاب
الحيض (قوله عن بيان) بموحدة ثم تحتانية خفيفة وهو ابن بشر وقيس هو ابن أبي حازم
ومرداس الأسلمي هو ابن مالك زاد الإسماعيلي رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهي
عنده في رواية محمد بن فضيل عن بيان وتقدم من وجه آخر في غزوة الحديبية من كتاب المغازي
أنه كان من أصحاب الشجرة أي الذين بايعوا بيعة الرضوان وذكر مسلم في الوحدان وتبعه جماعة
ممن صنف فيها أنه لم يرو عنه الا قيس بن أبي حازم ووقع في التهذيب للمزي في ترجمة مرداس هذا أنه
روى عنه زياد بن علاقة أيضا وتعقب بأنه مرداس آخر أفرده أبو علي بن السكن في الصحابة عن
مرداس بن مالك وقال إنه مرداس بن عروة وممن فرق بينهما البخاري والرازي والبستي ورجحه
ابن السكن (قوله يذهب الصالحون الأول فالأول) في رواية عبد الواحد بن غياث عن أبي عوانة
عند الإسماعيلي يقبض بدل يذهب والمراد قبض أرواحهم وعنده من رواية خالد الطحان عن بيان
يذهب الصالحون أسلافا ويقبض الصالحون الأول فالأول والثانية تفسير للأولى (قوله ويبقى
حثالة أو حفالة) هو 2 شك هل هي بالثاء المثلثة أو بالفاء والحاء المهملة في الحالين ووقع في رواية
عبد الواحد حثالة بالمثلثة جزما (قوله كحثالة الشعير أو التمر) يحتمل الشك ويحتمل التنويع
وقع في رواية عبد الواحد كحثالة الشعير فقط وفي رواية حتى لا يبقى الا مثل حثالة التمر والشعير زاد
غير أبي ذر من رواة البخاري قال أبو عبد الله وهو البخاري حثالة وحفالة يعني أنهما بمعنى واحد
وقال الخطابي الحثالة بالفاء وبالمثلثة الردئ من كل شئ وقيل آخر ما يبقى من الشعير والتمر وأرداه
وقال ابن التين الحثالة سقط الناس وأصلها ما يتساقط من قشور التمر والشعير وغيرهما وقال
الداودي ما يسقط من الشعير عند الغربلة ويبقى من التمر بعد الاكل ووجدت لهذا الحديث
شاهدا من رواية الفزارية امرأة عمر بلفظ تذهبون الخير فالخير حتى لا يبقى منكم الا حثالة
كحثالة التمر ينزو بعضهم على بعض نزو المعز أخرجه أبو سعيد بن يونس في تاريخ مصر وليس فيه
214

تصريح برفعه لكن له حكم المرفوع (قوله لا يباليهم الله باله) قال الخطابي أي لا يرفع لهم قدرا ولا
يقيم لهم وزنا يقال باليت بفلان وما باليت به مبالاة وبالية وبالة وقال غيره أصل بالة باليه فحذفت
الياء تخفيفا وتعقب قول الخطابي بأن بالية ليس مصدرا لباليت وانما هو اسم مصدره وقال أبو
الحسن القابسي سمعته في الوقف بالة ولا أدري كيف هو في الدرج والأصل باليته بالاة فكأن
الألف حذفت في الوقف كذا قال وتعقبه ابن التين بأنه لم يسمع في مصدره بالاة قال ولو علم القابسي
ما نقله الخطابي أن بالة مصدر مصار لما احتاج إلى هذ التكلف (قلت) تقدم في المغازي من رواية
عيسى بن يونس عن بيان بلفظ لا يعبأ الله بهم شيا وفي رواية عبد الواحد لا يبالي الله عنهم وكذا
في رواية خالد الطحان وعن هنا بمعنى الباء يقال ما باليت به وما باليت عنه وقوله يعبأ بالمهملة
الساكنة والموحدة مهموز أي لا يبالي وأصله من العب بالكسر ثم الموحدة مهموز وهو الثقل
فكان معنى لا يعبأ به أنه لا وزن له عنده ووقع في آخر حديث الفزارية المذكور آنفا على أولئك
تقوم الساعة قال ابن بطال في الحديث ان موت الصالحين من أشراط الساعة وفيه الندب إلى
الاقتداء بأهل الخير والتحذير من مخالفتهم خشية أن يصير من خالفهم ممن لا يعبأ الله به وفيه أنه
يجوز انقراض أهل الخير في آخر الزمان حتى لا يبقى الا أهل الشر واستدل به على جواز خلو
الأرض من عالم حتى لا يبقى الا أهل الجهل صرفا ويؤيده الحديث الآتي في الفتن حتى إذا لم يبق
عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا وسيأتي بسط القول في هذه المسئلة هناك إن شاء الله تعالى
(تنبيه) وقع في نسخة الصغاني هنا قال أبو عبد الله حفالة وحثالة أي انها رويت بالفاء وبالمثلثة
وهما بمعنى واحد (قوله باب ما يتقى) بضم أوله وبالمثناة والقاف (قوله من فتنة
المال) أي الالتهاء به (قوله وقول الله تعالى انما أموالكم وأولادكم فتنة) أي تشغل البال عن
القيام بالطاعة وكأنه أشار بذلك إلى ما أخرجه الترمذي وابن حبان والحاكم وصححوه من حديث
كعب بن عياض سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال
وله شاهد مرسل عند سعيد بن منصور عن جبير بن نفير مثله وزاد ولو سيل لابن آدم واديان من
مال لتمنى إليه ثالثا الحديث وبها تظهر المناسبة جدا وقوله سيل بكسر المهملة بعدها تحتانية
ساكنة ثم لام على البناء للمجهول يقال سأل الوادي إذا جرى ماؤه وأما الفتنة بالولد فورد فيه
ما أخرجه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان من حديث بريدة قال كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يخطب فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يعثران فنزل عن
المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال صدق الله ورسوله انما أموالكم وأولادكم فتنة الحديث
وظاهر الحديث ان قطع الخطبة والنزول لهما فتنة دعا إليها محبة الولد فيكون مرجوحا والجواب
ان ذلك انما هو في حق غيره وأما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فهو لبيان الجواز فيكون في
حقه راجحا ولا يلزم من فعل الشئ لبيان الجواز أن لا يكون الأولى ترك فعله ففيه تنبيه على
أن الفتنة بالولد مراتب وان هذا من أدناها وقد يجر إلى ما فوقه فيحذر وذكر المصنف في الباب
أحاديث * الأول (قوله حدثني يحيى بن يوسف) هو الزمي بكسر الزاي وتشديد الميم ويقال له ابن
أبي كريمة فقيل هي كنية أبيه وقيل هو جده واسمه كنيته أخرج عنه البخاري بغير واسطة في
الصحيح وأخرج عنه خارج الصحيح بواسطة (قوله أخبرني أبو بكر بن عياش) بمهملة وتحتانية
215

ثقيلة ثم معجمة ووقع في رواية غير أبي ذر حدثنا (قوله عن أبي حصين) بمهملتين بفتح أوله هو عثمان
ابن عاصم وفي رواية غير أبي ذر أيضا حدثنا (قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية
الإسماعيلي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الإسماعيلي وافق أبا بكر على رفعه شريك القاضي
وقيس بن الربيع عن أبي حصين وخالفهم إسرائيل فرواه عن أبي حصين موقوفا (قلت) إسرائيل
أثبت منهم ولكن اجتماع الجماعة يقاوم ذلك وحينئذ تتم المعارضة بين الرفع والوقف فيكون
الحكم للمرفع والله أعلم وقد تقدم هذا الحديث سندا ومتنا في باب الحراسة في الغزو من كتاب
الجهاد وهو من نوادر ما وقع في هذا الجامع الصحيح (قوله تعس) بكسر العين المهملة ويجوز
الفتح أي سقط والمراد هنا هلك وقال ابن الأنباري التعس الشر قال تعالى فتعسا لهم أراد ألزمهم
الشر وقيل التعس البعد أي بعدا لهم وقال غيره قولهم تعسا لفلان نقيض قولهم لعاله فتعسا
دعاء عليه بالعثرة ولعا دعاء له بالانتقاش (قوله عبد الدينار) أي طالبه الحريص على جمعه القائم
على حفظه فكانه لذلك خادمه وعبده قال الطيبي قيل خص العبد بالذكر ليؤذن بانغماسه
في محبة الدنيا وشهواتها كالأسير الذي لا يجد خلاصا ولم يقل مالك الدينار ولا جامع الدينار لان
المذموم من الملك والجمع الزيادة على قدر الحاجة وقوله إن أعطي الخ يؤذن بشدة الحرص على
ذلك وقال غيره جعله عبدا لهما لشغفه وحرصه فمن كان عبدا لهواه لم يصدق في حقه إياك نعبد
فلا يكون من اتصف بذلك صديقا (قوله والقطيفة) هي الثوب الذي له خمل والخميصة الكساء
المربع وقد تقدم الحديث في كتاب الجهاد من رواية عبد الله بن دينار عن أبي صالح بلفظ تعس
عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش وقوله وانتكس
أي عاوده المرض فعلى ما تقدم من تفسير التعس بالسقوط يكون المراد أنه إذا قام من سقطته
عاوده السقوط ويحتمل أن يكون المعنى بأنتكس بعد تعس انقلب على رأسه بعد أن سقط ثم
وجدته في شرح الطيبي قال في قوله تعس وانتكس فيه الترقي في الدعاء عليه لأنه إذا تعس انكب
على وجهه فإذا انتكس انقلب على رأسه وقيل التعس الخر على الوجه والنكس الخر على
الرأس وقوله في الرواية المذكورة وإذا شيك بكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم كاف أي إذا
دخلت فيه شوكة لم يجد من يخرجها بالمنقاش وهو معنى قوله فلا انتقش ويحتمل أن يريد لم يقدر
الطبيب أن يخرجها وفيه إشارة إلى الدعاء عليه بما يثبطه عن السعي والحركة وسوغ الدعاء
عليه كونه قصر عمله على جمع الدنيا واشتغل بها عن الذي أمر به من التشاغل بالواجبات
والمندوبات قال الطيبي وانما خص انتقاش الشوكة بالذكر لأنه أسهل ما يتصور من المعاونة فإذا
انتفى ذلك الأسهل انتفى ما فوقه بطريق الأولى (قوله إن أعطى) بضم أوله (قوله وان لم يعط لم
يرض) وقع من وجه آخر عن أبي بكر بن عياش عند ابن ماجة والإسماعيلي بلفظ الوفاء عوض
الرضا وأحدهما ملزوم للآخر غالبا * الحديث الثاني (قوله عن عطاء) هو ابن أبي رباح وصرح
في الرواية الثانية بسماع ابن جريج له من عطاء وهذا هو الحكمة في إيراد الاسناد النازل
عقب العالي إذ بينه وبين ابن جريج في الأول راو واحد وفي الثاني اثنان وفي السند الثاني أيضا
فائدة أخرى وهي الزيادة في آخره ومحمد في الثاني هو ابن سلام وقد نسب في رواية أبي زيد
المروزي كذلك ومخلد بفتح الميم واللام بينهما خاء معجمة (قوله سمعت النبي صلى الله عليه وسلم)
216

هذا من الأحاديث التي صرح فيها ابن عباس بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم وهي قليلة
بالنسبة لمروية عنه فإنه أحد المكثرين ومع ذلك فتحمله كان أكثره عن كبار الصحابة (قوله لو كان
لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا) في الرواية الثانية لو أن لابن ادم واديا مالا لأحب أن له إليه
مثله ونحوه في حديث أنس في الباب وجمع بين الامرين في الباب أيضا ومثله في مرسل جبير بن
نفير الذي قدمته وفي حديث أبي الذي سأذكره وقوله من مال فسره في حديث ابن الزبير بقوله
من ذهب ومثله في حديث أنس في الباب وفي حديث زيد بن أرقم عند أحمد وزاد وفضة وأوله مثل
لفظ رواية ابن عباس الأولى ولفظه عند أبي عبيدة في فضائل القرآن كنا نقرأ على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضة لابتغى الثالث وله من حديث جابر بلفظ
لو كان لابن آدم وادي نخل وقوله لابتغى بالغين المعجمة وهو افتعل بمعنى الطلب ومثله في حديث
زيد بن أرقم وفي الرواية الثانية أحب وكذا في حديث أنس وقال في حديث أنس لتمنى مثله ثم تمنى
مثله حتى يتمنى أودية (قوله ولا يملا جوف ابن آدم) في رواية حجاج بن محمد عن ابن جريج عند
الإسماعيلي نفس بدل جوف وفي حديث جابر كالأول وفي مرسل جبير بن نفير ولا يشبع بضم
أوله جوف وفي حديث ابن الزبير ولا يسد جوف وفي الرواية الثانية في الباب ولا يملا عنين وفي
حديث أنس فيه ولا يملا فاه ومثله في حديث أبي واقد عند أحمد وله في حديث زيد بن أرقم ولا
يملا بطن قال الكرماني ليس المراد الحقيقة في عضو بعينه بقرينة عدم الانحصار في التراب إذ
غيره يملؤه أيضا بل هو كناية عن الموت لأنه مستلزم للامتلاء فكأنه قال لا يشبع من الدنيا حتى
يموت فالغرض من العبارات كلها واحد وهي من التفنن في العبارة (قلت) وهذا يحسن فيما إذا
اختلفت مخارج الحديث وأما إذا اتحدت فهو من تصرف الرواة ثم نسبة الامتلاء للجوف
واضحة والبطن بمعناه وأما النفس فعبر بها عن الذات وأطلق الذات وأراد البطن من إطلاق
الكل وإرادة البعض وأما النسبة إلى الفم فلكونه الطريق إلى الوصول للجوف ويحتمل أن
يكون المراد بالنفس العين وأما العين فلانها الأصل في الطب لأنه يرى ما يعجبه فيطلبه ليحوزه
إليه وخص البطن في أكثر الروايات لان أكثر ما يطلب المال لتحصيل المستلذات وأكثرها
يكون للاكل والشرب وقال الطيبي وقع قوله ولا يملا الخ وقع التذييل والتقرير للكلام
السابق كأنه قيل ولا يشبع من خلق من التراب الا بالتراب ويحتمل أن تكون الحكمة في ذكر
التراب دون غيره أن المرء لا ينقضى طمعه حتى يموت فإذا مات كان من شأنه أن يدفن فإذا دفن
صب عليه التراب فملا جوفه وفاه وعينيه ولم يبق منه موضع يحتاج إلى تراب غيره وأما النسبة
إلى الفم فلكونه الطريق إلى الوصول للجوف (قوله في الطريق الثانية لابن عباس ويتوب الله
على من تاب) أي أن الله يقبل التوبة من الحريص كما يقبلها من غيره قيل وفيه إشارة إلى ذم
الاستكثار من جمع المال وتمني ذلك والحرص عليه للإشارة إلى أن الذي يترك ذلك يطلق عليه أنه
تاب ويحتمل أن يكون تاب بالمعنى اللغوي وهو مطلق الرجوع أي رجع عن ذلك الفعل والتمني
وقال الطيبي يمكن أن يكون معناه أن الآدمي مجبول على حب المال وأنه لا يشبع من جمعه الا
من حفظه الله تعالى ووفقه لإزالة هذه الجبلة عن نفسه وقليل ما هم فوضع ويتوب موضعه
اشعارا بأن هذه الجبلة مذمومة جارية مجرى الذنب وأن ازالتها ممكنة بتوفيق الله وتسديده والى
217

ذلك الإشارة بقوله تعالى ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ففي إضافة الشح إلى النفس
دلالة على أنه غريزة فيها وفي قوله ومن يوق إشارة إلى إمكان إزالة ذلك ثم رتب الفلاح على ذلك
قال وتؤخذ المناسبة أيضا من ذكر التراب فإن فيه إشارة إلى أن الآدمي خلق من التراب ومن
طبعه القبض واليبس وأن إزالته ممكنة بأن يمطر الله عليه ما يصلحه حتى يثمر الخلال الزكية
والخصال المرضية قال تعالى والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج الا نكدا
فوقع قوله ويتوب الله الخ موقع الاستدراك أي أن ذلك العسر الصعب يمكن أن يكون يسيرا على
من يسره الله تعالى عليه (قوله قال ابن عباس فلا أدري من القرآن هو أم لا) يعني الحديث
المذكور وسيأتي بيان ذلك في الكلام على حديث أبي (قوله قال وسمعت ابن الزبير) القائل هو
عطاء وهو متصل بالسند المذكور وقوله على المنبر بين في الرواية التي بعدها أنه منبر مكة وقوله
ذلك إشارة إلى الحديث وظاهره أنه باللفظ المذكور بدون زيادة ابن عباس الحديث الثالث
(قوله عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل) أي غسيل الملائكة وهو حنظلة بن أبي عامر الأوسي
وهو جد سليمان المذكور لأنه ابن عبد الله بن حنظلة ولعبد الله صحبة وهو من صغار الصحابة
وقتل يوم الحرة وكان الأمير على طائفة الأنصار يومئذ وأبوه استشهد بأحد وهو من كبار الصحابة
وأبوه أبو عامر يعرف بالراهب وهو الذي بنى مسجد الضرار بسببه ونزل فيه القرآن وعبد الرحمن
معدود في صغار التابعين لأنه لقي بعض صغار الصحابة وهذا الاسناد من أعلى ما في صحيح البخاري
لأنه في حكم الثلاثيات وإن كان رباعيا وعباس بن سهل بن سعد وهو ولد الصحابي المشهور
الحديث الرابع (قوله عبد العزيز) هو الأويسي وصالح هو ابن كيسان وابن شهاب هو
الزهري (قوله أحب أن يكون) كذا وقع بغير لام وهو جائز وقد تقدم من رواية ابن عباس بلفظ
لأحب الحديث الخامس (قوله وقال لنا أبو الوليد) هو الطيالسي هشام بن عبد الملك وشيخه
حماد بن سلمة لم يعدوه فيمن خرج له البخاري موصولا بل علم المزي على هذا السند في الأطراف
علامة التعليق وكذا رقم لحماد بن سلمة في التهذيب علامة التعليق ولم ينبه على هذا الموضع وهو
مصير منه إلى استواء قال فلان وقال لنا فلان وليس بجيد لان قوله قال لنا ظاهر في الوصل وإن كان
بعضهم قال إنها للإجازة أو للمناولة أو للمذاكرة فكل ذلك في حكم الموصول وإن كان
التصريح بالتحديث أشد اتصالا والذي ظهر لي بالاستقراء من صنيع البخاري أنه لا يأتي
بهذه الصيغة الا إذا كان المتن ليس على شرطه في أصل موضوع كتابه كأن يكون ظاهره الوقف
أو في السند من ليس على شرطه في الاحتجاج فمن أمثلة الأولى قوله في كتاب النكاح في باب ما يحل
من النساء وما يحرم قال لنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد هو القطان فذكر عن ابن عباس
قال حرم من النسب سبع ومن الصهر سبع الحديث فهذا من كلام ابن عباس فهو موقوف
وإن كان يمكن أن يتلمح له ما يلحقه بالمرفوع ومن أمثلة الثاني قوله في المزارعة قال لنا مسلم بن
إبراهيم حدثنا أبان العطار فذكر حديث أنس لا يغرس مسلم غرسا الحديث فأبان ليس على
شرطه كحماد بن سلمة وعبر في التخريج لكل منهما بهذه الصيغة لذلك وقد علق عنهما أشياء
بخلاف الواسطة التي بينة وبينه وذلك تعليق ظاهر وهو أظهر في كونه لم يسقه مساق الاحتجاج
من هذه الصيغة المذكورة هنا لكن السر فيه ما ذكرت وأمثلة ذلك في الكتاب كثيرة تظهر لمن
218

تتبعها (قوله عن ثابت) هو البناني ويقال ان حماد بن سلمة كان أثبت الناس في ثابت وقد أكثر
مسلم من تخريج ذلك محتجا به ولم يكثر من الاحتجاج بحماد بن سلمة كاكثاره في احتجاجه بهذه
النسخة (قوله عن أبي) هو ابن كعب وهذا من رواية صحابي عن صحابي وإن كان أبي أكبر من
أنس (قوله كنا نرى) بضم النون أوله أي نظن ويجوز فتحها من الرأي أي نعتقد (قوله هذا) لم يبين
ما أشار إليه بقوله هذا وقد بينه الإسماعيلي من طريق موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة ولفظه كنا
ترى هذا الحديث من القرآن لو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديا ثالثا الحديث دون قوله
ويتوب الله الخ (قوله حتى نزلت ألهاكم التكاثر) زاد في رواية موسى بن إسماعيل إلى آخر السورة
وللإسماعيلي أيضا من طريق عفان ومن طريق أحمد بن إسحاق الحضرمي قالا حدثنا حماد بن سلمة
فذكر مثله وأوله كنا نرى أن هذا من القرآن الخ (تنبيه) هكذا وقع حديث أبي بن كعب من
رواية ثابت عن أنس عنه مقدما على رواية ابن شهاب عن أنس في هذا الباب عند أبي ذر وعكس
ذلك غيره وهو الأنسب قال ابن بطال وغيره قوله ألهاكم التكاثر خرج على لفظ الخطاب لان الله
فطر الناس على حب المال والولد فلهم رغبة في الاستكثار من ذلك ومن لازم ذلك الغفلة عن
القيام بما أمروا به حتى يفجأهم الموت وفي أحاديث الباب ذم الحرص والشره ومن ثم آثر أكثر
السلف التقلل من الدنيا والقناعة باليسير والرضا بالكفاف ووجه ظنهم أن الحديث المذكور
من القرآن ما تضمنه من ذم الحرص على الاستكثار من جمع المال والتقريع بالموت الذي يقطع
ذلك ولابد لكل أحد منه فلما نزلت هذه السورة وتضمنت معنى ذلك مع الزيادة عليه علموا أن
الأول من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقد شرحه بعضهم على أنه كان قرآنا ونسخت تلاوته
لما نزلت ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر فاستمرت تلاوتها فكانت ناسخة لتلاوة ذلك وأما الحكم
فيه والمعنى فلم ينسخ إذ نسخ التلاوة لا يستلزم المعارضة بين الناسخ والمنسوخ كنسخ الحكم
والأول أولى وليس ذلك من النسخ في شئ (قلت) يؤيد ما رده ما أخرجه الترمذي من طريق زر بن
حبيش عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ان الله أمرني أن اقرأ عليك
القرآن فقرأ عليه لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب قال وقرأ فيها ان الدين عند الله الحنيفية
السمحة الحديث وفيه وقرأ عليه لو أن لابن آدم واديا من مال الحديث وفيه ويتوب الله على من
تاب وسنده جيد والجمع بينه وبين حديث أنس عن أبي المذكور آنفا أنه يحتمل أن يكون أبي لما
قرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن وكان هذا الكلام في آخر ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم
احتمل عنده أن يكون بقية السورة واحتمل أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتهيأ له
أن يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك حتى نزلت ألهاكم التكاثر فلم ينتف الاحتمال ومنه
ما وقع عند أحمد وأبي عبيد في فضائل القرآن من حديث أبي واقد الليثي قال كنا نأتي النبي صلى
الله عليه وسلم إذا نزل عليه فيحدثنا فقال لنا ذات يوم ان الله قال انما أنزلنا المال لأقام الصلاة
وايتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واد لأحب أن يكون له ثان الحديث بتمامه وهذا يحتمل أن
يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبر به عن الله تعالى على أنه من القرآن ويحتمل أن يكون من
الأحاديث القدسية والله أعلم وعلى الأول فهو مما نسخت تلاوته جزما وإن كان حكمه مستمرا
ويؤيد هذا الاحتمال ما أخرج أبو عبيد في فضائل القرآن من حديث أبي موسى قال قرأت
219

سورة نحو براءة 1 فغبت وحفظت منها ولو أن لابن آدم واديين من مال التمني واديا ثالثا الحديث
ومن حديث جابر كنا نقرأ لو أن لابن آدم ملء واد مالا لأحب إليه مثله الحديث (قوله
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ان هذا المال خضرة حلوة) تقدم شرحه قريبا في
باب ما يحذر من زهرة الدنيا في شرح حديث أبي سعيد الخدري (قوله وقوله تعالى زين للناس
حب الشهوات من النساء والبنين الآية) كذا لأبي ذر ولأبي زيد المروزي حب الشهوات الآية
وللإسماعيلي مثل أبي ذر وزاد إلى قوله ذلك متاع الحياة الدنيا وساق ذلك في رواية كريمة وقوله
زين قيل الحكمة في ترك الافصاح بالذي زين أن يتناول اللفظ جميع من تصح نسبة التزيين إليه
وإن كان العلم أحاط بأنه سبحانه وتعالى هو الفاعل بالحقيقة فهو الذي أوجد الدنيا وما فيها وهيأها
للانتفاع وجعل القلوب مائلة إليها والى ذلك الإشارة بالتزيين ليدخل فيه حديث النفس
ووسوسة الشيطان ونسبة ذلك إلى الله تعالى باعتبار الخلق والتقدير والتهيئة ونسبة ذلك
للشيطان باعتبار ما أقدره الله عليه من التسلط على الآدمي بالوسوسة الناشئ عنها حديث
النفس وقال ابن التين بدأ في الآية بالنساء لأنهن أشد الأشياء فتنة للرجال ومنه حديث ما تركت
بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء قال ومعنى تزيينها اعجاب الرجل بها وطواعيته لها
والقناطير جمع قنطار واختلف في تقديره فقبل سبعون ألف دينار وقيل سبعة آلاف دينار وقيل
مائة وعشرون رطلا وقيل مائة رطل وقيل ألف مثقال وقيل ألف ومائتا أوقية وقيل معناه الشئ
الكثير مأخوذ من عقد الشئ واحكامه وقال ابن عطية القول الأخير قيل هذا أصح الأقوال
لكن يختلف القنطار في البلاد باختلافها في قدر الوقية (قوله وقال عمر اللهم انا لا نستطيع الا ان
نفرح بما زينته لنا اللهم إني أسألك أن أنفقه في حقه) سقط هذا التعليق في رواية أبي زيد المروزي
وفي هذا الأثر إشارة إلى أن فاعل التزيين المذكور في الآية هو الله وان تزيين ذلك بمعنى
تحسينه في قلوب بني آدم وأنهم جبلوا على ذلك لكن منهم من استمر على ما طبع عليه من ذلك
وانهمك فيه وهو المذموم ومنهم من راعى فيه الأمر والنهي ووقف عندما حد له من ذلك وذلك
بمجاهدة نفسه بتوفيق الله تعالى له فهذا لم يتناوله الذم ومنهم من ارتقى عن ذلك فزهد فيه بعد أن
قدر عليه وأعرض عنه مع اقباله عليه وتمكنه منه فهذا هو المقام المحمود والى ذلك الإشارة بقول
عمر اللهم إني أسألك أن أنفقه في حقه وأثره هذا وصله الدارقطني في غرائب مالك من طريق
إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن يحيى بن سعيد هو الأنصاري أن عمر بن الخطاب أتى بمال من
المشرق يقال له نفل كسرى فأمر به فصب وغطى ثم دعا الناس فاجتمعوا ثم أمر به فكشف عنه
فإذا حلى كثير وجوهر ومتاع فبكى عمر وحمد الله عز وجل فقالوا له ما يبكيك يا أمير المؤمنين هذه
غنائم غنمها الله لنا ونزعها من أهلها فقال ما فتح من هذا على قوم الا سفكوا دماءهم واستحلوا
حرمتهم قال فحدثني زيد بن أسلم أنه بقى من ذلك المال مناطق وخواتم فرفع فقال له عبد الله بن
أرقم حتى متى تحبسه لا تقسمه قال بلى إذا رأيتني فارغا فآذني به فلما رآه فارغا بسط شيئا في حش
نخلة ثم جابه في مكتل فصبه فكأنه استكثره ثم قال اللهم أنت قلت زين للناس حب الشهوات
فتلا الآية حتى فرغ منها ثم قال لا نستطيع الا أن نحب ما زينت لنا فقني شره وارزقني أن أنفقه
في حقك فما قام حتى ما بقي منه شئ وأخرجه أيضا من طريق عبد العزيز بن يحيى المدني عن
220

مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه نحوه وهذا موصول لكن في سنده إلى عبد العزيز ضعف
وقال بعد قوله واستحلوا حرمتهم وقطعوا أرحامهم فما رام حتى قسمه وبقيت منه قطع وقال
بعد قوله لا نستطيع الا أن يتزين لنا ما زينت لنا والباقي نحوه وزاد في آخره قصة أخرى (قوله
سفيان) هو ابن عيينة (قوله ثم قال إن هذا المال ربما قال سفيان قال لي حكيم ان هذا
المال) فاعل قال أولا هو النبي صلى الله عليه وسلم والقائل ربما هو علي بن المديني راويه
عن سفيان والقائل قال لي هو حكيم بن حزام صحابي الحديث المذكور وحكيم بالرفع بغير
تنوين منادى مفرد حذف منه حرف النداء وظاهر السياق أن حكيما قال لسفيان وليس
كذلك لأنه لم يدركه لان بين وفاة حكيم ومولد سفيان نحو الخمسين سنة ولهذا لا يقرأ حكيم
بالتنوين وانما المراد أن سفيان رواه مرة بلفظ ثم قال أي النبي صلى الله عليه وسلم ان هذا المال
ومرة بلفظ ثم قال لي يا حكيم ان هذا المال إلى آخره وقد وقع باثبات حرف النداء في معظم
الروايات وانما سقط من رواية أبي زيد المروزي وتقدم شرح قوله فمن أخذه بطيب نفس إلى آخره
في باب الاستعفاف عن المسئلة من كتاب الزكاة وتقدم شرح قوله في آخره واليد العليا خير من
اليد السفلى في باب لا صدقة الا عن ظهر غنى من كتاب الزكاة أيضا وقوله بورك له فيه زاد
الإسماعيلي من رواية إبراهيم بن يسار عن سفيان بسنده ومتنه وإبراهيم كان أحد الحفاظ وفيه
مقال (قوله باب ما قدم من ماله فهو له) الضمير للانسان المكلف وحذف للعلم به وان
لم يجر له ذكر (قوله عمر بن حفص) أي ابن غياث وعبد الله هو ابن مسعود ورجال السند كلهم
كوفيون (قوله أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله) أي ان الذي يخلفه الانسان من المال وإن كان
هو في الحال منسوبا إليه فإنه باعتبار انتقاله إلى وارثه يكون منسوبا للوارث فنسبته للمالك
في حياته حقيقية ونسبته للوارث في حياة المورث مجازية ومن بعد موته حقيقية (قوله فان ماله
ما قدم) أي هو الذي يضاف إليه في الحياة وبعد الموت بخلاف المال الذي يخلفه وقد أخرجه
سعيد بن منصور عن أبي معاوية عن الأعمش به سندا ومتنا وزاد في آخره ما تعدون الصرعة فيكم
الحديث وزاد فيه أيضا ما تعدون الرقوب فيكم الحديث قال ابن بطال وغيره فيه التحريض على
تقديم ما يمكن تقديمه من المال في وجو القربة والبر لينتفع به في الآخرة فإن كل شئ يخلفه
المورث يصير ملكا للوارث فان عمل فيه بطاعة الله اختص بثواب ذلك وكان ذلك الذي تعب
في جمعه ومنعه وان عمل فيه بمعصية الله فذاك أبعد لمالكه الأول من الانتفاع به ان سلم من تبعته
ولا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم لسعد انك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة لان
حديث سعد محمول على من تصدق بماله كله أو معظمه في مرضه وحديث ابن مسعود في حق من
يتصدق في صحته وشحه (قوله باب المكثرون هم المقلون) كذا للأكثر وللكشميهني
الأقلون وقد ورد الحديث باللفظين ووقع في رواية المعرور عن أبي ذر الأخسرون بدل المقلون وهو
بمعناه بناء على أن المراد بالقلة في الحديث قلة الثواب وكل من قل ثوابه فهو خاسر بالنسبة لمن كثر
ثوابه (قوله وقوله من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها الآيتين) كذا لأبي ذر وفي رواية أبي زيد بعد
قوله وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها الآية ومثله للإسماعيلي لكن قال إلى قوله وباطل ما كانوا
يعملون ولم يقل الآية وساق الآيتين في رواية الأصيلي وكريمة واختلف في الآية فقيل هي على
221

عمومها في الكفار وفيمن يرائي بعمله من المسلمين وقد استشهد بها معاوية لصحة الحديث الذي
حدث به أبو هريرة مرفوعا في المجاهد والقارئ والمتصدق لقوله تعالى لكل منهم انما عملت ليقال
فقد قيل فبكى معاوية لما سمع هذا الحديث ثم تلا هذه الآية أخرجه الترمذي مطولا وأصله عند
مسلم وقيل بل هي في حق الكفار خاصة بدليل الحصر في قوله في الآية التي تليها أولئك الذين
ليس لهم في الآخرة الا النار والمؤمن في الجملة مآله إلى الجنة بالشفاعة أو مطلق العفو والوعيد
في الآية بالنار واحباط العمل وبطلانه انما هو للكافر وأجيب عن ذلك بأن الوعيد بالنسبة إلى
ذلك العمل الذي وقع الرياء فيه فقط فيجازي فاعله بذلك الا ان يعفو الله عنه وليس المراد احباط
جميع أعماله الصالحة التي لم يقع فيها رياء والحاصل أن من أراد بعمله ثواب الدنيا عجل له وجوزي
في الآخرة بالعذاب لتجريده قصد إلى الدنيا واعراضه عن الآخرة وقيل نزلت في المجاهدين خاصة
وهو ضعيف وعلى تقدير ثبوته فعمومها شامل لكل مراء وعموم قوله نوف إليهم أعمالهم فيها
أي في الدنيا مخصوص بمن لم يقدر الله له ذلك لقوله تعالى من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء
لمن نريد فعلى هذا التقييد يحمل ذلك المطلق وكذا يقيد مطلق قوله من كان يريد حرث الآخرة
نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب وبهذا يندفع اشكال
من قال قد يوجد بعض الكفار مقترا عليه في الدنيا غير موسع عليه من المال أو من الصحة أو من
طول العمر بل قد يوجد من هو منحوس الحظ من جميع ذلك كمن قيل في حقه خسر الدنيا
والآخرة ذلك هو الخسران المبين ومناسبة ذكر الآية في الباب لحديثه أن في الحديث إشارة إلى
أن الوعيد الذي فيها محمول على التأقيت في حق من وقع له ذلك من المسلمين لا على التأييد لدلالة
الحديث على أن مرتكب جنس الكبيرة من المسلمين يدخل الجنة وليس فيه ما ينفى أنه قد يعذب
قبل ذلك كما أنه ليس في الآية ما ينفي أنه قد يدخل الجنة بعد التعذيب على معصية الرياء (قوله
حدثنا جرير) هو ابن عبد الحميد وقد روى جرير بن حازم هذا الحديث لكن عن الأعمش عن زيد
ابن وهب كما سيأتي بيانه لكن قتيبة لم يدركه ابن حازم وعبد العزيز بن رفيع بفاء ومهملة مصغر
مكي سكن الكوفة وهو من صغار التابعين لقى بعض الصحابة كأنس (قوله عن أبي ذر) في رواية
الأعمش الماضية في الاستئذان عن زيد بن وهب حدثنا والله أبو ذر بالربذة بفتح الراء والموحدة
بعدها معجمة مكان معروف من عمل المدينة النبوية وبينهما ثلاث مراحل من طريق العراق
سكنه أبو ذر بأمر عثمان ومات به في خلافته وقد تقدم بيان سبب ذلك في كتاب الزكاة (قوله
خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في يمشي وحده ليس معه إنسان) هو
تأكيد لقوله وحده ويحتمل أن يكون لرفع توهم أن يكون معه أحد من غير جنس الانسان من
ملك أو جنى وفي رواية الأعمش عن زيد بن وهب عنه كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
في حرة المدينة عشاء فأفادت تعيين الزمان والمكان والحرة مكان معروف بالمدينة من الجانب
الشمالي منها وكانت به الوقعة المشهورة في زمن يزيد بن معاوية وقيل الحرة الأرض التي حجارتها
سود وهو يشمل جميع جهات المدينة التي لا عمارة فيها وهذا يدل على أن قوله في رواية المعرور بن
سويد عن أبي ذر انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في ظل الكعبة وهو يقول هم الأخسرون
ورب الكعبة فذكر قصة المكثرون وهي قصة أخرى مختلفة الزمان والمكان والسياق (قوله
222

فظننت أنه يكره ان يمشي معه أحد فجعلت أمشي في ظل القمر) أي في المكان الذي ليس للقمر فيه
ضوء ليخفي شخصه وانما استعمر يمشى لاحتمال ان يطرأ للنبي صلى الله عليه وسلم حاجة فيكون قريبا
منه (قوله فالتفت فرءاني فقال من هذا) كأنه رأى شخصه ولم يتميز له (قوله فقلت أبو ذر) أي أنا
أبو ذر (قوله جعلني الله فداءك) في رواية أبي الأحوص في الباب بعده عن الأعمش وكذا لأبي
معاوية عن الأعمش عند أحمد فقلت لبيك يا رسول الله وفي رواية حفص عن الأعمش كما
مضى في الاستئذان فقلت لبيك وسعديك (قوله فقال أبا ذر تعال) في رواية الكشميهني تعاله
بهاء السكت قال الداودي فائدة الوقوف على هاء السكت ان لا يقف على ساكنين نقله ابن التين
وتعقب بأن ذلك غير مطرد وقد اختصر أبو زيد المروزي في روايته سياق الحديث في هذا الباب فقال
بعد قوله ليس معه أحد فذكر الحديث وقال فيه ان المكثرين هم المقلون يوم القيامة هكذا عنده
وساق الباقون الحديث بتمامه ويأتي شرحه مستوفي في الباب الذي بعده (قوله وقال النضر) بن
شميل (أنبأنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت والأعمش وعبد العزيز بن رفيع قالوا حدثنا زيد بن وهب
بهذا) الغرض بهذا التعليق تصريح الشيوخ الثلاثة المذكورين بأن زيد بن وهب حدثهم
والأولان نسبا إلى التدليس مع أنه لو ورد من رواية شعبة بغير تصريح لامن فيه التدليس لأنه كان
لا يحدث عن شيوخه الا بما لا تدليس فيه وقد ظهرت فائدة ذلك في رواية جرير بن حازم عن الأعمش
فإنه زاد فيه بين الأعمش وزيد بن وهب رجلا مبهما ذكر ذلك الدارقطني في العلل فأفادت هذه
الرواية المصرحة أنه من المزيد في متصل الأسانيد وقد اعترض الإسماعيلي على قول البخاري في
هذا السند بهذا فأشار إلى رواية عبد العزيز بن رفيع واقتضى ذلك أن رواية شعبة هذه نظير روايته
فقال ليس في حديث شعبة قصة المقلين والمكثرين انما فيه قصة من مات لا يشرك بالله شيئا قال
والعجب من البخاري كيف أطلق ذلك ثم ساقه موصولا من طريق حميد بن زنجويه حدثنا النضر بن
شميل عن شعبة ولفظه ان جبريل بشرني أن من مات لا يشرك بالله شيا دخل الجنة قلت وان زنى
وان سرق قال وان زنى وان سرق قيل لسليمان يعني الأعمش انما روى هذا الحديث عن أبي الدرداء
فقال انما سمعته عن أبي ذر ثم أخرجه من طريق معاذ حدثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت وبلال
والأعمش وعبد العزيز بن رفيع سمعوا زيد بن وهب عن أبي ذر زاد فيه راويا وهو بلال وهو
ابن مرداس الفزاري شيخ كوفي أخرج له أبو داود وهو صدوق لا بأس به وقد أخرجه أبو داود
الطيالسي عن شعبة كرواية النضر ليس فيه بلال وقد تبع الإسماعيلي على اعتراضه المذكور
جماعة منهم مغلطاي ومن بعده والجواب عن البخاري واضح على طريقة أهل الحديث لان
مراده أصل الحديث فإن الحديث المذكور في الأصل قد اشتمل على ثلاثة أشياء فيجوز إطلاق
الحديث على كل واحد من الثلاثة إذا أريد بقول البخاري بهذا أي بأصل الحديث لا خصوص
اللفظ المساق فالأول من الثلاثة ما يسرني أن لي أحدا ذهبا وقد رواه عن أبي ذر أيضا بنحوه
الأحنف بن قيس وتقدم في الزكاة والنعمان الغفاري وسالم بن أبي الجعد وسويد بن الحارث
كلهم عن أبي ذر ورواياتهم عند أحمد ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا أبو هريرة وهو
في آخر الباب من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عنه وسيأتي في كتاب التمني من طريق همام
وأخرجه مسلم من طريق محمد بن زياد هو عند أحمد من طريق سليمان بن يسار كلهم عن أبي
223

هريرة كما سأبينه الثاني حديث المكثرين والمقلين وقد رواه عن أبي ذر أيضا المعرور بن سويد كما
تقدمت الإشارة إليه والنعمان الغفاري وهو عند أحمد أيضا الثالث حديث من مات لا يشرك
بالله شيئا دخل الجنة وفي بعض طرقه وان زنى وان سرق وقد رواه عن أبي ذر أيضا أبو الأسود الدؤلي
وقد تقدم في اللباس ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا أبو هريرة كما سيأتي بيانه لكن ليس
فيه بيان وان زنى وان سرق وأبو الدرداء كما تقدمت الإشارة إليه من رواية الإسماعيلي وفيه أيضا
فائدة أخرى وهو أن بعض الرواة قال عن زيد بن وهب عن أبي الدرداء فلذلك قال الأعمش لزيد
ما تقدم في رواية حفص بن غياث عنه قلت لزيد بلغني أنه أبو الدرداء فأفادت رواية شعبة أن حبيبا
وعبد العزيز وافقا الأعمش على أنه عن زيد بن وهب عن أبي ذر لا عن أبي الدرداء وممن رواه عن
زيد بن وهب عن أبي الدرداء محمد بن إسحاق فقال عن عيسى بن مالك عن زيد بن وهب عن أبي
الدرداء أخرجه النسائي والحسن بن عبيد الله النخعي أخرجه الطبراني من طريقه عن زيد بن
وهب عن أبي الدرداء بلفظ من مات لا يشرك بالله شيا دخل الجنة فقال أبو الدرداء وان زنى وان
سرق قال وان زنى وان سرق فكررها ثلاثا وفي الثالثة وان رغم أنف أبي الدرداء وسأذكر بقية
طرفة عن أبي الدرداء في آخر الباب الذي يليه وذكره الدارقطني في العلل فقال يشبه أن يكون
القولان صحيحين (قلت) وفي حديث كل منهما في بعض الطرق ما ليس في الاخر (قوله
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا) لم أر لفظ هذا
في رواية الأكثر لكنه ثابت في لفظ الخبر الأول وذكر فيه حديثين * الأول (قوله حدثنا الحسن
ابن الربيع) هو أبو علي البوراني بالموحدة والراء وبعد الألف نون وأبو الأحوص هو سلام
بالتشديد بن سليم (قوله فاستقبلنا أحد) في رواية عبد العزيز بن رفيع فالتفت فرآني كما تقدم
وتقدم قصة المكثرين والمقلين وقوله فاستقبلنا أحد هو بفتح اللام وأحد بالرفع على الفاعلية وفي
رواية حفص بن غياث فاستقبلنا أحدا بسكون اللام وأحدا بالنصب على المفعولية (قوله فقال
يا أبا ذر فقلت لبيك يا رسول الله) زاد في رواية سالم بن أبي الجعد ومنصور عن زيد بن وهب عند أحمد
فقال يا أبا ذر أي جبل هذا قلت أحد وفي رواية الأحنف الماضية في الزكاة يا أبا ذر أتبصر أحدا
قال فنظرت إلى الشمس ما بقي من النهار وانا أرى أن يرسلني في حاجة له فقلت نعم الحديث (قوله
ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا تمضي علي ثالثة وعندي منه دينار) في رواية حفص بن
غياث ما أحب أن لي أحدا ذهبا يأتي على يوم وليلة أو ثلاث عندي منه دينار وفي رواية أبي معاوية
عن الأعمش عند أحمد ما أحب ان لي أحدا ذاك ذهبا وفي رواية أبي شهاب عن الأعمش في
الاستئذان فلما أبصر أحدا قال ما أحب أنه تحول لي ذهبا يمكث عندي منه دينار فوق ثلاث قال
ابن مالك تضمن هذا الحديث استعمال حول بمعنى صير واعمالها عملها وهو استعمال صحيح خفي
على أكثر النحاة وقد جاءت هذه الرواية مبنية لما لم يسم فاعله فرفعت أول المفعولين وهو ضمير
عائد على أحد ونصب ثانيهما وهو قوله ذهبا فصارت ببنائها لما لم يسم فاعله جارية مجرى صار
في رفع المبتدا ونصب الخبر انتهى كلامه وقد اختلفت ألفاظ هذا الحديث وهو متحد المخرج فهو
من تصرف الرواة فلا يكون حجة في اللغة ويمكن الجمع بين قوله مثل أحد وبين قوله تحول لي أحد
بحمل المثلية على شئ يكون وزنه من الذهب وزن أحد والتحويل على أنه إذا انقلب ذهبا كان
224

قدر وزنه أيضا وقد اختلفت ألفاظ رواته عن أبي ذر أيضا ففي رواية سالم ومنصور عن زيد بن وهب
بعد قوله قلت أحد قال والذي نفسي بيده ما يسرني أنه ذهب قطعا أنفقه في سبيل الله أدع منه
قيراطا وفي رواية سويد بن الحارث عن أبي ذر ما يسرني ان لي أحدا ذهبا أموت يوم أموت وعندي
منه دينار أو نصف دينار واختلفت ألفاظ الرواة أيضا في حديث أبي هريرة ثاني حديثي الباب كما
سأذكره (قوله تمضي على ثالثة) أي ليلة ثالثة قيل وانما قيد بالثلاث لأنه لا يتهيأ تفريق قدر أحد
من الذهب في أقل منها غالبا ويعكر عليه رواية يوم وليلة فالأولى أن يقال الثلاثة أقصى ما يحتاج
إليه في تفرقة مثل ذلك والواحدة أقل ما يمكن (قوله الا شيا أرصده لدين) أي أعده أو أحفظه
وهذا الأرصاد أعم من أن يكون لصاحب دين غائب حتى يحضر فيأخذه أو لأجل وفاء دين مؤجل
حتى يحل فيوفى ووقع في رواية حفص وأبي شهاب جميعا عن الأعمش الا دينار بالرفع والنصب
والرفع جائزان لان المستثنى منه مطلق عام والمستثنى مقيد خاص فاتجه النصب وتوجيه الرفع
ان المستثنى منه في سياق النفي وجواب لو هنا في تقدير النفي ويجوز أن يحمل النفي الصريح
في أن لا يمر على حمل الا على الصفة وقد فسر الشئ في هذه الرواية بالدينار ووقع في رواية سويد
ابن الحارث عن أبي ذر وعندي منه دينار أو نصف دينار وفي رواية سالم ومنصور أدع منه قيراطا
قال قلت قنطارا قال قيراطا وفيه ثم قال يا أبا ذر انما أقول الذي هو أقل ووقع في رواية الأحنف
ما أحب ان لي مثل أحد ذهبا أنفقه كله الا ثلاثة دنانير فظاهره نفي محبة حصول المال ولو مع
الانفاق وليس مرادا وانما المعنى نفي انفاق البعض مقتصرا عليه فهو يحب انفاق الكل الا
ما استثنى وسائر الطرق تدل على ذلك ويؤيده أن في رواية سليمان بن يسار عن أبي هريرة عند
أحمد ما يسرني أن أحدكم هذا ذهبا أنفق منه كل يوم في سبيل الله فيمر بي ثلاثة أيام وعندي منه شئ
الا شئ أرصده لدين ويحتمل أن يكون على ظاهره والمراد بالكراهة الانفاق في خاصة نفسه لافي
سبيل الله فهو محبوب (قوله الا أن أقول به في عباد الله) هو استثناء بعد استثناء فيفيد الاثبات
فيؤخذ منه أن نفي محبة المال مقيدة بعدم الانفاق فيلزم محبة وجوده مع الانفاق فما دام الانفاق
مستمرا لا يكره وجود المال وإذا انتفى الانفاق ثبتت كراهية وجود المال ولا يلزم من ذلك كراهية
حصول شئ آخر ولو كان قدر أحد أو أكثر مع استمرار الانفاق (قوله هكذا وهكذا وهكذا عن
يمينه وعن شماله ومن خلفه) هكذا اقتصر على ثلاث وحمل على المبالغة لان العطية لمن بين يديه
هي الأصل والذي يظهر لي أن ذلك من تصرفات الرواة وأن أصل الحديث مشتمل على الجهات
الأربع ثم وجدته في الجزء الثالث من البشرانيات من رواية أحمد بن ملاعب عن عمر بن
حفص بن غياث عن أبيه بلفظ الا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا وهكذا وأرانا
بيده كذا فيه بإثبات الأربع وقد أخرجه المصنف في الاستئذان عن عمر بن حفص مثله لكن
اقتصر من الأربع على ثلاث وأخرجه أبو نعيم من طريق سهل بن بجر عن عمر بن حفص فاقتصر
على ثنتين (قوله ثم مشى ثم قال ألا ان الأكثرين 1 هم المقلون يوم القيامة) في رواية أبي شهاب في
الاستقراض ورواية حفص في الاستئذان هم الأقلون بالهمز في الموضعين وفي رواية عبد العزيز
ابن رفيع الماضية في الباب قبله ان المكثرين هم المقلون بالميم في الموضعين ولأحمد من رواية
النعمان الغفاري عن أبي ذر ان المكثرين الأقلون والمراد الاكثار من المال والاقلال من ثواب
225

الآخرة وهذا في حق من كان مكثرا ولم يتصف بما دل عليه الاستثناء بعده من الانفاق (قوله
الا من قال هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه) في رواية أبي شهاب الا من
قال بالمال هكذا وهكذا وأشار أبو شهاب بين يديه وعن يمينه وعن شماله وفي رواية أبي معاوية
عن الأعمش عند أحمد الا من قال هكذا وهكذا وهكذا فحثا عن يمينه ومن بين يديه وعن يساره
فاشتملت هذه الروايات على الجهات الأربع وإن كان كل منها اقتصر على ثلاث وقد جمعها
عبد العزيز بن رفيع في روايته ولفظه الا من أعطاه الله خيرا أي مالا فنفح بنون وفاء ومهملة أي
أعطى كثيرا بغير تكلف يمينا وشمالا وبين يديه ووراءه وبقي من الجهات فوق وأسفل والاعطاء من
قبل كل منهما ممكن لكن حذف لندوره وقد فسر بعضهم الانفاق من وراء بالوصية وليس قيدا
فيه بل قد يقصد الصحيح الاخفاء فيدفع لمن وراءه مالا يعطي به من هو أمامه وقوله هكذا صفة
لمصدر محذوف أي أشار إشارة مثل هذه الإشارة وقوله من خلفه بيان للإشارة وخص عن اليمين
والشمال لان الغالب في الاعطاء صدوره باليدين وزاد في رواية عبد العزيز بن رفيع وعمل فيه خيرا
أي حسنة وفي سياقه جناس تام في قوله أعطاه الله خيرا وفي قوله وعمل فيه خيرا فمعنى الخير الأول
المال والثاني الحسنة (قوله وقليل ما هم) ما زائدة مؤكدة للقلة ويحتمل أن تكون موصوفة
ولفظ قليل هو الخبر وهم هو المبتدأ والتقدير وهم قليل وقدم الخبر للمبالغة في الاختصاص
(قوله ثم قال لي مكانك) بالنصب أي الزم مكانك وقوله لا تبرح تأكيد لذلك ورفع لتوهم أن الامر
بلزوم المكان ليس عاما في الأزمنة وقوله حتى آتيك غاية للزوم المكان المذكور وفي رواية حفص
لا تبرح يا أبا ذر حتى أرجع ووقع في رواية عبد العزيز بن رفيع فمشيت معه ساعة فقال لي اجلس
ههنا فأجلسني في قاع أي أرض سهلة مطمئنة (قوله ثم انطلق في سواد الليل) فيه اشعار بأن
القمر كان قد غاب (قوله حتى توارى) أي غاب شخصه زاد أبو معاوية عني وفي رواية حفص
حتى غاب عني وفي رواية عبد العزيز فانطلق في الحرة أي دخل فيها حتى لا أراه وفي رواية أبي شهاب
فتقدم غير بعيد زاد في رواية عبد العزيز فأطال اللبث (قوله فسمعت صوتا قد ارتفع) في رواية
أبي معاوية فسمعت لغطا وصوتا (قوله فتخوفت أن يكون أحد عرض للنبي صلى الله عليه وسلم)
أي تعرض له بسوء ووقع في رواية عبد العزيز فتخوفت أن يكون عرض لرسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو بضم أول عرض على البناء للمجهول (قوله فأردت أن آتيه) أي أتوجه إليه ووقع في
رواية عبد العزيز فأردت أن أذهب أي إليه ولم يردان يتوجه إلى حال سبيله بدليل رواية الأعمش
في الباب (قوله فذكرت 1 قوله لا تبرح فلم أبرح حتى أتاني) في رواية أبي معاوية عن الأعمش
فانتظرته حتى جاء (قوله قلت يا رسول الله لقد سمعت صوتا تخوفت فذكرت له) في رواية أبي
معاوية فذكرت له الذي سمعت وفي رواية أبي شهاب فقلت يا رسول الله الذي سمعت أو قال
الصوت الذي سمعت كذا فيه بالشك وفي رواية عبد العزيز ثم اني سمعته وهو يقول وان سرق
وان زنى فقلت يا رسول الله من تكلم في جانب الحرة ما سمعت أحدا يرجع إليك شيئا (قوله فقال
وهل سمعته قلت نعم قال ذاك جبريل) أي الذي كنت أخاطبه أو ذلك صوت جبريل (قوله أتاني)
زاد في رواية حفص فأخبرني ووقع في رواية عبد العزيز عرض لي أي ظهر فقال بشر أمتك ولم أر
لفظ التبشير في رواية الأعمش (قوله من مات لا يشرك بالله شيئا) زاد الأعمش من أمتك (قوله
226

دخل الجنة هو جواب الشرط رتب دخول الجنة على الموت بغير اشراك بالله وقد ثبت الوعيد
بدخول النار لمن عمل بعض الكبائر وبعدم دخول الجنة لمن عملها فلذلك وقع الاستفهام (قوله
قلت وان زنى وان سرق) قال ابن مالك حرف الاستفهام في أول هذا الكلام مقدر ولا بد من
تقديره وقال غيره التقدير أو ان زنى أو ان سرق دخل الجنة وقال الطيبي أدخل الجنة وان زنى
وان سرق والشرط حال ولا يذكر الجواب مبالغة وتتميما لمعنى الانكار قال وان زنى وان سرق
ووقع في رواية عبد العزيز بن رفيع قلت يا جبريل وان سرق وان زنى قال نعم وكررها مرتين
للأكثر وثلاثا للمستملي وزاد في آخر الثالثة وان شرب الخمر وكذا وقع التكرار ثلاثا في رواية أبي
الأسود عن أبي ذر في اللباس لكن بتقديم الزنا على السرقة كما في رواية الأعمش ولم يقل وان
شرب الخمر ولا وقعت في رواية الأعمش وزاد أبو الأسود على رغم أنف أبي ذر قال وكان أبو ذر إذا
حدث بهذا الحديث يقول وان رغم أنف أبي ذر وزاد حفص بن غياث في روايته عن الأعمش قال
الأعمش قلت لزيد بن وهب أنه بلغني أنه أبو الدرداء قال أشهد لحدثنيه أبو ذر بالربذة قال الأعمش
وحدثني أبو صالح عن أبي الدرداء نحوه وأخرجه أحمد عن أبي نمير عن الأعمش عن أبي صالح عن
أبي الدرداء بلفظ انه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة نحوه وفيه وان رغم أنف أبي الدرداء
قال البخاري في بعض النسخ عقب رواية حفص حديث أبي الدرداء مرسل لا يصح انما أردنا
للمعرفة أي انما أردنا ان نذكره للمعرفة بحاله قال والصحيح حديث أبي ذر قيل له فحديث عطاء بن
يسار عن أبي الدرداء فقال مرسل أيضا لا يصح ثم قال اضربوا على حديث أبي الدرداء (قلت)
فلهذا هو ساقط من معظم النسخ وثبت في نسخة الصغاني وأوله قال أبو عبد الله حديث أبي صالح
عن أبي الدرداء مرسل فساقه الخ ورواية عطاء بن يسار التي أشار إليها أخرجها النسائي من رواية
محمد بن أبي حرملة عن عطاء بن يسار عن أبي الدرداء أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم هو يقص
على المنبر يقول ولمن خاف مقام ربه جنتان فقلت وان زنى وان سرق يا رسول الله قال وان زنى
وان سرق فأعدت فأعاد فقال في الثالثة قال نعم وان رغم أنف أبي الدرداء وقد وقع التصريح
بسماع عطاء بن يسار له من أبي الدرداء في رواية ابن أبي حاتم في التفسير والطبراني في المعجم
والبيهقي في الشعب قال البيهقي حديث أبي الدرداء هذا غير حديث أبي ذر وإن كان فيه بعض
معناه (قلت) وهما قصتان متغايرتان وان اشتركتا في المعنى الأخير وهو سؤال الصحابي بقوله وان
زنى وان سرق واشتركا أيضا في قوله وان رغم ومن المغايرة بينهما أيضا وقوع المراجعة المذكورة
بين النبي صلى الله عليه وسلم وجبريل في رواية أبي ذر دون أبي الدرداء وله عن أبي الدرداء طرق
أخرى منها للنسائي من رواية محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبي الدرداء نحو رواية عطاء بن يسار
ومنها للطبراني من طريق أم الدرداء عن أبي الدرداء رفعه بلفظ من قال لا إله إلا الله دخل الجنة
فقال أبو الدرداء وان زنى وان سرق فقال النبي صلى الله عليه وسلم وان زنى وان سرق على رغم
أنف أبي الدرداء ومن طريق أبي مريم عن أبي الدرداء نحوه ومن طريق كعب بن ذهل سمعت أبا
الدرداء رفعه أتاني آت من ربي فقال من يعمل سوأ أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا
رحيما فقلت يا رسول الله وان زنى وان سرق قال نعم ثم ثلثت فقال على رغم أنف عويمر فرددها قال
فأنا رأيت أبا الدرداء يضرب أنفه بإصبعه ومنها لأحمد من طريق واهب بن عبد الله المغافري عن
227

أبي الدرداء رفعه من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير
دخل الجنة قلت وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق قلت وان زنى وان سرق قال وان زنى
وان سرق على رغم أنف أبي الدرداء قال فخرجت لأنادي بها في الناس فلقيني عمر فقال ارجع
فان الناس ان يعلموا بهذا اتكلوا عليها فرجعت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فقال صدق عمر
(قلت) وقد وقعت هذه الزيادة الأخيرة لأبي هريرة ويأتي بسط ذلك في باب من جاهد في طاعة الله
تعالى قريبا * الحديث الثاني (قوله حدثنا أحمد بن شبيب) بفتح المعجمة وموحدتين مثل حبيب
وهو الحبطي بفتح المهملة والموحدة ثم الطاء المهملة نسبة إلى الحبطات من بني تميم وهو بصري
صدوق ضعفه ابن عبد البر تبعا لأبي الفتح الأزدي والأزدي غير مرضى فلا يتبع في ذلك وأبوه يكنى
أبا سعيد روى عنه ابن وهب وهو من أقرانه ووثقه ابن المديني (قوله وقال الليث حدثني يونس)
هذا التعليق وصله الذهلي في الزهريات عن عبد الله بن صالح عن الليث وأراد البخاري بإيراده
تقوية رواية أحمد بن شبيب ويونس هو ابن يزيد (قوله لو كان لي) زاد في رواية الأعرج عن أبي
هريرة عند أحمد في أوله والذي نفسي بيده وعنده في رواية همام عن أبي هريرة والذي نفس محمد
بيده (قوله مثل أحد ذهبا) في رواية الأعرج لو أن أحدكم عندي ذهبا (قوله ما يسرني أن لا تمر
على ثلاث ليال وعندي منه شئ إلا شيئا أرصده لدين) في رواية الأعرج الا أن يكون شئ أرصده في
دين علي وفي رواية همام وعندي منه دينار أجد من يقبله ليس شيا أرصده في دين علي قال ابن
مالك في هذا الحديث وقوع التمني بعد مثل وجواب لو مضارعا منفيا بما وحق جوابها أن يكون
ماضيا مثبتا نحو لو قام لقمت أو بلم نحو لو قام لم أقم والجواب من وجهين أحدهما أن يكون وضع
المضارع موضع الماضي الواقع جوابا كما وقع موضعه وهو شرط في قوله تعالى لو يطيعكم في كثير
من الامر لعنتم ثانيهما أن يكون الأصل ما كان يسرني فحذف كان وهو جواب وفيه ضمير وهو
الاسم ويسرني خبر وحذف كان مع اسمها وبقاء خبرها كثير نظما ونثرا ومنه المرء مجزى بعمله ان
خيرا فخير وان شرا فشر قال وأشبه شئ بحذف كان قبل يسرني حذف جعل قبل يجادلنا في قوله
تعالى فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا أي جعل يجادلنا والوجه الأول أولى
وفيه أيضا وقوع لا بين أن وتمر وهي زائدة والمعنى ما يسرني أن تمر وقال الطيبي قوله ما يسرني هو
جواب لو الامتناعية فيفيد أنه لم يسره المذكور بعده لأنه لم يكن عنده مثل أحد ذهبا وفيه نوع
مبالغة لأنه إذا لم يسره كثرة ما ينفقه فكيف مالا ينفقه قال وفي التقييد بالثلاثة تتميم ومبالغة
في سرعة الانفاق فلا تكون لا زائدة كما قال ابن مالك بل النفي فيها على حاله (قلت) ويؤيد قول
ابن مالك الرواية الماضية قبل في حديث أبي ذر بلفظ ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبا تمضي
على ثالثة وفي حديث الباب من الفوائد أدب أبي ذر مع النبي صلى الله عليه وسلم وترقبه أحواله
وشفقته عليه حتى لا يدخل عليه أدنى شئ مما يتأذى به وفيه حسن الأدب مع الأكابر وان الصغير
إذا رأى الكبير منفردا لا يتسور عليه ولا يجلس معه ولا يلازمه الا بإذن منه وهذا بخلاف ما إذا
كان في مجمع كالمسجد والسوق فيكون جلوسه معه بحسب ما يليق به وفيه جواز تكنية
المرء نفسه لغرض صحيح كأن يكون أشهر من اسمه ولا سيما إن كان اسمه مشتركا بغيره وكنيته
فردة وفيه جواز تفدية الصغير الكبير بنفسه وبغيرها والجواب بمثل لبيك وسعديك زيادة
228

في الأدب وفيه الانفراد عند قضاء الحاجة وفيه أن امتثال أمر الكبير والوقوف عنده أولى من
ارتكاب ما يخالفه بالرأي ولو كان فيما يقتضيه الرأي توهم دفع مفسدة حتى يتحقق ذلك فيكون
دفع المفسدة أولى وفيه استفهام التابع من متبوعه على ما يحصل له فائدة دينية أو علمية أو غير ذلك
وفيه الاخذ بالقرائن لان أبا ذر لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم أتبصر أحدا فهم منه أنه يريد أن
يرسله في حاجة فنظر إلى ما على أحد من الشمس ليعلم هل يبقى من النهار قدر يسعها وفيه أن محل
الاخذ بالقرينة إن كان في اللفظ ما يخصص ذلك فان الامر وقع على خلاف ما فهمه أبو ذر من
القرينة فيؤخذ منه أن بعض القرائن لا يكون دالا على المراد وذلك لضعفه وفيه المراجعة في
العلم بما تقرر عند الطالب في مقابلة ما يسمعه مما يخالف ذلك لأنه تقرر عند أبي ذر من الآيات
والآثار الواردة في وعيد أهل الكبائر بالنار وبالعذاب فلما سمع أن من مات لا يشرك دخل الجنة
استفهم عن ذلك بقوله وان زنى وان سرق واقتصر على هاتين الكبيرتين لأنهما كالمثالين فيما
يتعلق بحق الله وحق العباد وأما قوله في الرواية الأخرى وان شرب الخمر فللإشارة إلى فحش تلك
الكبيرة لأنها تؤدي إلى خلل العقل الذي شرف به الانسان على البهائم وبوقوع الخلل فيه قد
يزول التوقي الذي يحجز عن ارتكاب بقية الكبائر وفيه ان الطالب إذا ألح في المراجعة يزجر بما
يليق به أخذا من قوله وان رغم أنف أبي ذر وقد حمله البخاري كما مضى في اللباس على من تاب
عند الموت وحمله غيره على أن المراد بدخول الجنة أعم من أن يكون ابتداء أو بعد المجازاة على
المعصية والأول هو وفق ما فهمه أبو ذر والثاني أولى للجمع بين الأدلة ففي الحديث حجة لأهل
السنة ورد على من زعم من الخوارج والمعتزلة أن صاحب الكبيرة إذا مات من غير توبة يخلد في
النار لكن في الاستدلال به لذلك نظر لما مر من سياق كعب بن ذهل عن أبي الدرداء أن ذلك في
حق من عمل سوأ أو ظلم نفسه ثم استغفر وسنده جيد عند الطبراني وحمله بعضهم على ظاهره
وخص به هذه الأمة لقوله فيه بشر أمتك وان من مات من أمتي وتعقب بالأخبار الصحيحة الواردة
في أن بعض عصاة هذه الأمة يعذبون ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة المفلس من أمتي الحديث
وفيه تعقب على من تأول في الأحاديث الواردة في أن من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة وفي
بعضها حرم على النار ان ذلك كان قبل نزول الفرائض والامر والنهي وهو مروي عن سعيد بن
المسيب والزهري ووجه التعقب ذكر الزنا والسرقة فيه فذكر على خلاف هذا التأويل وحمله
الحسن البصري على من قال الكلمة وأدى حقها بأداء ما وجب واجتناب ما نهى ورجحه
الطيبي الا أن هذا الحديث يخدش فيه وأشكل الأحاديث وأصعبها قوله لا يلقى الله بهما عبد غير
شاك فيهما الا دخل الجنة وفي آخره وان زنى وان سرق وقيل أشكلها حديث أبي هريرة عند
مسلم بلفظ ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله الا حرمه الله على النار لأنه أتى
فيه بأداة الحصر ومن الاستغراقية وصرح بتحريم النار بخلاف قوله دخل الجنة فإنه لا ينتفي
دخول النار أولا قال الطيبي لكن الأول يترجح بقوله وان زنى وان سرق لأنه شرط لمجرد التأكيد
ولا سيما وقد كرره ثلاثا مبالغة وختم بقوله وان رغم أنف أبي ذر تتميما للمبالغة والحديث
الآخر مطلق يقبل التقييد فلا يقاوم قوله وان زنى وان سرق وقال النووي بعد أن ذكر المتون في
ذلك والاختلاف في هذا الحكم مذهب أهل السنة بأجمعهم أن أهل الذنوب في المشيئة وان من
229

مات موقنا بالشهادتين يدخل الجنة فإن كان دينا أو سليما من المعاصي دخل الجنة برحمة الله
وحرم على النار وإن كان من المخلطين بتضييع الأوامر أو بعضها وارتكاب النواهي أو بعضها
ومات عن غير توبة فهو في خطر المشيئة وهو بصددان يمضي عليه الوعيد الا أن يشاء الله أن يعفو
عنه فإن شاء أن يعذبه فمصيره إلى الجنة بالشفاعة انتهى وعلى هذا فتقييد اللفظ الأول تقديره
وان زنى وان سرق دخل الجنة لكنه قبل ذلك أن مات مصرا على المعصية في مشيئة الله وتقدير
الثاني حرمه الله على النار الا أن يشاء الله أو حرمه على نار الخلود والله أعلم قال الطيبي قال بعض
المحققين قد يتخذ من أمثال هذه الأحاديث المبطلة ذريعة إلى طرح التكاليف وابطال العمل
ظنا أن ترك الشرك كاف وهذا يستلزم طي بساط الشريعة وابطال الحدود وان الترغيب في
الطاعة والتحذير عن المعصية لا تأثير له بل يقتضي الانخلاع عن الدين والانحلال عن قيد
الشريعة والخروج عن الضبط والولوج في الخبط وترك الناس سدى مهملين وذلك يفضي إلى
خراب الدنيا بعد أن يفضي إلى خراب الأخرى مع أن قوله في بعض طرق الحديث ان يعبدوه
يتضمن جميع أنواع التكاليف الشرعية وقوله ولا يشركوا به شيئا يشمل مسمى الشرك الجلي
والخفي فلا راحة للتمسك به في ترك العمل لان الأحاديث إذا ثبتت وجب ضم بعضها إلى بعض
فإنها في حكم الحديث الواحد فيحمل مطلقها على مقيدها ليحصل العمل بجميع ما في مضمونها
وبالله التوفيق وفيه جواز الحلف بغير تحليف ويستحب إذا كان لمصلحة كتأكيد أمر مهم
وتحقيقه ونفي المجاز عنه وفي قوله في بعض طرقه والذي نفس محمد بيده تعبير الانسان عن نفسه
باسمه دون ضميره وقد ثبت بالضمير في الطريق الأخرى والذي نفسي بيده وفي الأول نوع تجريد
وفي الحلف بذلك زيادة في التأكيد لان الانسان إذا استحضر أن نفسه وهي أعز الأشياء عليه
بيد الله تعالى يتصرف فيها كيف يشاء استشعر الخوف منه فارتدع عن الحلف على مالا يتحققه
ومن ثم شرع تغليظ الايمان بذكر الصفات الإلهية ولا سيما صفات الجلال وفيه الحث على الانفاق
في وجوه الخير وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في أعلى درجات الزهد في الدنيا بحيث انه لا يحب
أن يبقى بيده شئ من الدنيا الا لانفاقه فيمن يستحقه واما لارصاده لمن له حق واما لتعذر من يقبل
ذلك منه لتقييده في رواية همام عن أبي هريرة الآتية في كتاب التمني بقوله أجد من يقبله ومنه
يؤخذ جواز تأخير الزكاة الواجبة عن الاعطاء إذا لم يوجد من يستحق أخذها وينبغي لمن وقع له
ذلك أن يعزل القدر الواجب من ماله ويجتهد في حصول من يأخذه فإن لم يجد فلا حرج عليه
ولا ينسب إلى تقصير في حبسه وفيه تقديم وفاء الدين على صدقة التطوع وفيه جواز
الاستقراض وقيده ابن بطال باليسير أخذا من قوله صلى الله عليه وسلم الا دينارا قال ولو كان
عليه أكثر من ذلك لم يرصد لأدائه دينارا واحدا لأنه كان أحسن الناس قضاء قال ويؤخذ من هذا
أنه لا ينبغي الاستغراق في الدين بحيث لا يجد له وفاء فيعجز عن أدائه وتعقب بان الذي فهمه من
لفظ الدينار من الوحدة ليس كما فهم بل إنما المراد به الجنس وأما قوله في الرواية الأخرى ثلاثة دنانير
فليست الثلاثة فيه للتقليل بل للمثال أو لضرورة الواقع وقد قيل إن المراد بالثلاثة أنها كانت
كفايته فيما يحتاج إلى إخراجه في ذلك اليوم وقيل بل هي دينار للدين كما في الرواية الأخرى
ودينار للانفاق على الأهل ودينار للانفاق على الضيف ثم المراد بدينار الدين الجنس ويؤيده
230

تعبيره في أكثر الطرق بالشئ على الابهام فيتناول القليل والكثير وفي الحديث أيضا الحث على
وفاء الديون وأداء الأمانات وجواز استعمال لو عند تمني الخير وتخصيص الحديث الوارد عن
استعمال لو على ما يكون في أمر غير محمود شرعا وادعى المهلب أن قوله في رواية الأحنف عن
أبي ذر أتبصر أحدا قال فنظرت ما عليه من الشمس الحديث انه ذكر للتمثيل في تعجيل إخراج
الزكاة وان المراد ما أحب أن أحبس ما أوجب الله على إخراجه بقدر ما بقي من النهار وتعقبه
عياض فقال هو بعيد في التأويل وانما السياق بين في أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن ينبهه على
عظم أحد ليضرب به المثل في أنه لو كان قدره ذهبا ما أحب أن يؤخره عنده الا لما ذكر من الانفاق
والأرصاد فظن أبو ذر أنه يريد أن يبعثه في حاجة ولم يكن ذاك مرادا إذ ذاك كما تقدم وقال
القرطبي انما استفهمه عن رؤيته ليستحضر قدره حتى يشبه له ما أراد بقوله ان لي مثله ذهبا وقال
عياض قد يحتج به من يفضل الفقر على الغنى وقد يحتج به من يفضل الغني على الفقر ومأخذ كل
منهما واضح من سياق الخبر وفيه الحض على انفاق المال في الحياة وفي الصحة وترجيحه على
انفاقه عند الموت وقد مضى فيه حديث ان تصدق وأنت صحيح شحيح وذلك أن كثيرا من
الأغنياء يشح بإخراج ما عنده ما دام في عافية فيأمل البقاء ويخشى الفقر فمن خالف شيطانه
وقهر نفسه ايثار الثواب الآخرة فاز ومن بخل بذلك لم يأمن الجور في الوصية وان سلم لم
يأمن تأخير تنجيز ما أوصى به أو تركه أو غير ذلك من الآفات ولا سيما ان خلف وارثا غير موفق
فيبذره في أسرع وقت ويبقى وباله على الذي جمعه والله المستعان (قوله باب)
بالتنوين (الغني غنى النفس) أي سواء كان المتصف بذلك قليل المال أو كثيره والغنى بكسر أوله
مقصور وقد مد في ضرورة الشعر وبفتح أوله مع المد هو الكفاية (قوله وقال الله تعالى أيحسبون
انما نمدهم به من مال وبنين إلى قوله هم لها عاملون) في رواية أبي ذر إلى عاملون وهذه رأس الآية
التاسعة من ابتداء الآية المبدأ بها هنا والآيات التي بين الأولى والثانية وبين الأخيرة والتي قبلها
اعترضت في وصف المؤمنين والضمير في قوله بل قلوبهم في غمرة من هذا للمذكورين في قوله نمدهم
والمراد به من ذكر قبل ذلك في قوله فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا والمعنى أيظنون ان المال الذي
نرزقهم إياه لكرامتهم علينا ان ظنوا ذلك أخطؤا بل هو استدراج كما قال تعالى ولا يحسبن الذين
كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما والإشارة في قوله بل قلوبهم في غمرة من
هذا أي من الاستدراج المذكور وأما قوله ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون فالمراد به
ما يستقبلون من الأعمال من كفر أو ايمان والى ذلك أشار ابن عيينة في تفسيره بقوله لم يعملوها
لابد أن يعملوها وقد سبقه إلى مثل ذلك أيضا السدي وجماعة فقالوا المعنى كتبت عليهم أعمال
سيئة لابد أن يعملوها قبل موتهم لتحق عليهم كلمة العذاب ثم مناسبة الآية للحديث أن خيرية
المال ليست لذاته بل بحسب ما يتعلق به وإن كان يسمى خيرا في الجملة وكذلك صاحب المال
الكثير ليس غنيا لذاته بل بحسب تصرفه فيه فإن كان في نفسه غنيا لم يتوقف في صرفه
في الواجبات والمستحبات من وجوه البر والقربات وإن كان في نفسه فقيرا أمسكه وامتنع من بذله
فيما أمر به خشية من نفاده فهو في الحقيقة فقير صورة ومعنى وإن كان المال تحت يده لكونه
لا ينتفع به لا في الدنيا ولا في الأخرى بل ربما كان وبالا عليه (قوله حدثنا أبو بكر) هو ابن عياش
231

بمهملة وتحتانية ثم معجمة وهو القارئ المشهور وأبو حصين بفتح أوله اسمه عثمان والاسناد كله
كوفيون إلى أبي هريرة (قوله عن كثرة العرض) بفتح المهملة والراء ثم ضاد معجمة أما عن فهي
سببية وأما العرض فهو ما ينتفع به من متاع الدنيا ويطلق بالاشتراك على ما يقابل الجوهر
وعلى كل ما يعرض للشخص من مرض ونحوه وقال أبو عبد الملك البوني فيما نقله ابن التين عنه
قال اتصل بي عن شيخ من شيوخ القيروان أنه قال العرض بتحريك الراء الواحد من العروض
التي يتجر فيها قال وهو خطا فقد قال الله تعالى يأخذون عرض هذا الأدنى ولا خلاف بين أهل
اللغة في أنه ما يعرض فيه وليس هو أحد العروض التي يتجر فيها بل واحدها عرض بالاسكان وهو
ما سوى النقدين وقال أبو عبيد العروض الأمتعة وهي ما سوى الحيوان والعقار ومالا يدخله
كيل ولا وزن وهكذا حكاه عياض وغيره وقال ابن فارس العرض بالسكون كل ما كان من المال
غير نقد وجمعه عروض وأما بالفتح فما يصيبه الانسان من حظه في الدنيا قال تعالى تريدون عرض
الدنيا وقال وان يأتهم عرض مثله يأخذوه (قوله انما الغنى (1) غنى النفس) في رواية الأعرج
عن أبي هريرة عند أحمد وسعيد بن منصور وغيرهما انما الغنى في النفس وأصله في مسلم ولابن
حبان من حديث أبي ذر قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر أترى كثرة المال هو الغنى
قلت نعم قال وترى قلة المال هو الفقر قلت نعم يا رسول الله قال انما الغنى غنى القلب والفقر فقر
القلب قال ابن بطال معنى الحديث ليس حقيقة الغنى كثرة المال لان كثيرا ممن وسع الله عليه في
المال لا يقنع بما أوتى فهو يجتهد في الازدياد ولا يبالي من أين يأتيه فكأنه فقير لشدة حرصه وانما
حقيقة الغنى غنى النفس وهو من استغنى بما أوتي وقنع به ورضي ولم يحرص على الازدياد ولا ألح
في الطلب فكأنه غني وقال القرطبي معنى الحديث ان الغنى النافع أو العظيم أو الممدوح هو
غني النفس وبيانه أنه إذا استغنت نفسه كفت عن المطامع فعزت وعظمت وحصل لها من
الحظوة والنزاهة والشرف والمدح أكثر من الغنى الذي يناله من يكون فقير النفس لحرصه فإنه
يورطه في رذائل الأمور وخسائس الافعال لدناءة همته وبخله ويكثر من يذمه من الناس ويصغر
قدره عندهم فيكون أحقر من كل حقير وأذل من كل ذليل والحاصل أن المتصف بغنى النفس
يكون قانعا بما رزقه الله لا يحرص على الازدياد لغير حاجة ولا يلح في الطلب ولا يلحف في السؤال
بل يرضى بما قسم الله له فكأنه واجد أبدا والمتصف بفقر النفس على الضد منه لكونه لا يقنع بما
أعطى بل هو أبدا في طلب الازدياد من أي وجه أمكنه ثم إذا فاته المطلوب حزن وأسف فكأنه
فقير من المال لأنه لم يستغن بما أعطى فكأنه ليس بغني ثم غنى النفس انما ينشأ عن الرضا
بقضاء الله تعالى والتسليم لامره علما بأن الذي عند الله خير وأبقى فهو معرض عن الحرص
والطلب وما أحسن قول القائل
غنى النفس ما يكفيك من سد حاجة * فإن زاد شيا عاد ذاك الغنى فقرا
وقال الطيبي يمكن أن يراد بغنى النفس حصول الكمالات العلمية والعملية والى ذلك أشار القائل
ومن ينفق الساعات في جمع ماله * مخافة فقر فالذي فعل الفقر
أي ينبغي أن ينفق أوقاته في الغنى الحقيقي وهو تحصيل الكمالات لا في جمع المال فإنه لا يزداد بذلك
الا فقرا انتهى وهذا وإن كان يمكن أن يراد لكن الذي تقدم أظهر في المراد وانما يحصل غنى النفس
232

بغنى القلب بأن يفتقر إلى ربه في جميع أموره فيتحقق أنه المعطي المانع فيرضى بقضائه ويشكره
على نعمائه ويفزع إليه في كشف ضرائه فينشأ عن افتقار القلب لربه غنى نفسه عن غير
ربه تعالى والغنى الوارد في قوله ووجدك عائلا فأغنى يتنزل على غنى النفس فان الآية مكية ولا
يخفى ما كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تفتح عليه خيبر وغيرها من قلة المال والله أعلم
(قوله باب فضل الفقر) قيل أشار بهذه الترجمة عقب التي قبلها إلى تحقيق محل
الخلاف في تفضيل الفقر على الغنى أو عكسه لان المستفاد من قوله الغنى غني النفس الحصر
في ذلك فيحمل كل ما ورد في فضل الغنى على ذلك فمن لم يكن غنى النفس لم يكن ممدوحا بل يكون
مذموما فكيف يفضل وكذا ما ورد من فضل الفقر لان من لم يكن غني النفس فهو فقير النفس
وهو الذي تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم منه والفقر الذي وقع فيه النزاع عدم المال والتقلل منه
وأما الفقر في قوله تعالى يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد فالمراد به احتياج
المخلوق إلى الخالق فالفقر للمخلوقين أمر ذاتي لا ينفكون عنه والله هو الغني ليس بمحتاج لاحد
ويطلق الفقر أيضا على شئ اصطلح عليه الصوفية وتفاوتت فيه عباراتهم وحاصله كما قال أبو
إسماعيل الأنصاري نفض اليد من الدنيا ضبطا وطلبا مدحا وذما وقالوا ان المراد بذلك أن لا يكون
ذلك في قلبه سواء حصل في يده أم لا وهذا يرجع إلى ما تضمنه الحديث الماضي في الباب قبله أن
الغنى غنى النفس على ما تقدم تحقيقه والمراد بالفقر هنا الفقر من المال وقد تكلم ابن بطال هنا
على مسئلة التفضيل بين الغنى والفقر فقال طال نزاع الناس في ذلك فمنهم من فضل الفقر واحتج
بأحاديث الباب وغيرها من الصحيح والواهي واحتج من فضل الغني بما تقدم قبل هذا بباب في قوله إن
المكثرين هم الأقلون الا من قال بالمال هكذا وحديث سعد الماضي في الوصايا انك أن تذر
ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة وحديث كعب بن مالك حيث استشار في الخروج من ماله
كله فقال أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك وحديث ذهب أهل الدثور بالأجور وفي آخره ذلك
فضل الله يؤتيه من يشاء وحديث عمرو بن العاص نعم المال الصالح للرجل الصالح أخرجه مسلم
وغير ذلك قال وأحسن ما رأيت في هذا قول أحمد بن نصر الداودي الفقر والغنى محنتان من الله
يختبر بهما عباده في الشكر والصبر كما قال تعالى انا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم
أحسن عملا وقال تعالى ونبلوكم بالشر والخير فتنة وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من
شر فتنة الفقر ومن شر فتنة الغنى ثم ذكر كلاما طويلا حاصله أن الفقير والغني متقابلان لما
يعرض لكل منهما في فقره وغناه من العوارض فيمدح أو يذم والفضل كله في الكفاف لقوله
تعالى ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط وقال صلى الله عليه وسلم اللهم
اجعل رزق آل محمد قوتا وسيأتي قريبا وعليه يحمل قوله أسألك غناي وغنى هؤلاء وأما الحديث
الذي أخرجه الترمذي اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا الحديث فهو ضعيف وعلى تقدير
ثبوته فالمراد به أن لا يجاوز به الكفاف انتهى ملخصا وممن جنح إلى تفضيل الكفاف القرطبي
في المفهم فقال جمع الله سبحانه وتعالى لنبيه الحالات الثلاث الفقر والغنى والكفاف فكان
الأول أول حالاته فقام بواجب ذلك من مجاهدة النفس ثم فتحت عليه الفتوح فصار بذلك في حد
الأغنياء فقام بواجب ذلك من بذله لمستحقه والمواساة به والايثار مع اقتصاره منه على ما يسد
233

ضرورة عياله وهي صورة الكفاف التي مات عليها قال وهي حالة سليمة من الغنى المطغى والفقر
المؤلم وأيضا فصاحبها معدود في الفقراء لأنه لا يترفه في طيبات الدنيا بل يجاهد نفسه في الصبر عن
القدر الزائد على الكفاف فلم يفته من حال الفقر الا السلامة من قهر الحاجة وذل المسئلة انتهى
ويؤيده ما تقدم من الترغيب في غنى النفس وما أخرجه الترمذي عن أبي هريرة رفعه وارض
بما قسم لك تكن أغنى الناس وأصح ما ورد في ذلك ما أخرجه مسلم عن عبد الله بن عمرو رفعه قد
أفلح من هدي إلى الاسلام ورزق الكفاف وقنع وله شاهد عن فضالة بن عبيد نحوه عند الترمذي
وابن حبان وصححاه قال النووي فيه فضيلة هذه الأوصاف والكفاف الكفاية بلا زيادة ولا
نقصان وقال القرطبي هو ما يكف عن الحاجات ويدفع الضرورات ولا يلحق بأهل الترفهات
ومعنى الحديث أن من اتصف بتلك الصفات حصل على مطلوبه وظفر بمرغوبه في الدنيا والآخرة
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا أي أكفهم من القوت بما لا يرهقهم
إلى ذل المسئلة ولا يكون فيه فضول تبعث على الترفة والتبسط في الدنيا وفيه حجة لمن فضل
الكفاف لأنه انما يدعو لنفسه وآله بأفضل الأحوال وقد قال خير الأمور أوساطها انتهى
ويؤيده ما أخرجه ابن المبارك في الزهد بسند صحيح عن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن ابن عباس
أنه سئل عن رجل قليل العمل قليل الذنوب أفضل أو رجل كثير العمل كثير الذنوب فقال
لا أعدل بالسلامة شيئا فمن حصل له ما يكفيه واقتنع به أمن من آفات الغنى وآفات الفقر وقد ورد
حديث لو صح لكان نصا في المسئلة وهو ما أخرجه ابن ماجة من طريق نفيع وهو ضعيف عن
أنس رفعه ما من غني ولا فقير الأود يوم القيامة أنه أوتي من الدنيا قوتا (قلت) وهذا كله صحيح
لكن لا يدفع أصل السؤال عن أيهما أفضل الغنى أو الفقر لان النزاع انما ورد في حق من اتصف
بأحد الوصفين أيهما في حقه أفضل ولهذا قال الداودي في آخر كلامه المذكور أولا ان السؤال
أيهما أفضل لا يستقيم لاحتمال أن يكون لأحدهما من العمل الصالح ما ليس للآخر فيكون
أفضل وانما يقع السؤال عنهما إذا استويا بحيث يكون لكل منهما من العمل ما يقاوم به عمل
الاخر قال فعلم أيهما أفضل عند الله انتهى وكذا قال ابن تيمية لكن قال إذا استويا في التقوى
فهما في الفضل سواء وقد تقدم كلام ابن دقيق العيد في الكلام على حديث أهل الدثور قبيل
كتاب الجمعة ومحصل كلامه أن الحديث يدل على تفضيل الغنى على الفقر لما تضمنه من زيادة
الثواب بالقرب المالية الا ان فسر الأفضل بمعنى الأشرف بالنسبة إلى صفات النفس فالذي
يحصل للنفس من التطهير للأخلاق والرياضة لسوء الطباع بسبب الفقر أشرف فيترجح الفقر
ولهذا المعنى ذهب جمهور الصوفية إلى ترجيح الفقير الصابر لان مدار الطريق على تهذيب
النفس ورياضتها وذلك مع الفقر أكثر منه في الغنى انتهى وقال ابن الجوزي صورة الاختلاف
في فقير ليس بحريص وغني ليس بممسك إذ لا يخفى أن الفقير القانع أفضل من الغنى البخيل وان
الغنى المنفق أفضل من الفقير الحريص قال وكل ما يراد لغيره ولا يراد لعينه ينبغي أن يضاف إلى
مقصوده فبه يظهر فضله فالمال ليس محذورا لعينه بل لكونه قد يعوق عن الله وكذا العكس
فكم من غني لم يشغله غناه عن الله وكم من فقير شغله فقره عن الله إلى أن قال وان أخذت بالأكثر
فالفقير عن الخطر أبعد لان فتنة الغنى أشد من فتنة الفقر ومن العصمة أن لا تجد انتهى وصرح
234

كثير من الشافعية بأن الغني الشاكر أفضل وأما قول أبي علي الدقاق شيخ أبي القاسم القشيري
الغني أفضل من الفقير لان الغنى صفة الخالق والفقر صفة المخلوق وصفة الحق أفضل من صفة
الخلق فقد استحسنه جماعة من الكبار وفيه نظر لما قدمته أول الباب ويظهر منه ان هذا لا يدخل
في أصل النزاع إذ ليس هو في ذات الصفتين وانما هو في عوارضهما وبين بعض من فضل الغني على
الفقير كالطبري جهته بطريق أخرى فقال لا شك أن محنة الصابر أشد من محنة الشاكر غير أني
أقول كما قال مطرف بن عبد الله لان أعافى فاشكر أحب إلي من أن ابتلى فأصبر (قلت) وكأن
السبب فيه ما جبل عليه طبع الآدمي من قلة الصبر ولهذا يوجد من يقوم بحسب الاستطاعة
بحق الصبر أقل ممن يقوم بحق الشكر بحسب الاستطاعة وقال بعض المتأخرين فيما وجد بخط
أبي عبد الله بن مرزوق كلام الناس في أصل المسئلة مختلف فمنهم من فضل الفقر ومنهم من
فضل الغنى ومنهم من فضل الكفاف وكل ذلك خارج عن محل الخلاف وهو أي الحالين أفضل
عند الله للعبد حتى يتكسب ذلك ويتخلق به هل التقلل من المال أفضل ليتفرغ قلبه من
الشواغر وينال لذة المناجاة ولا ينهمك في الاكتساب ليستريح من طول الحساب أو التشاغل
باكتساب المال أفضل ليستكثر به من التقرب بالبر والصلة والصدقة لما في ذلك من النفع
المتعدي قال وإذا كان الامر كذلك فالأفضل ما اختاره النبي صلى الله عليه وسلم وجمهور
أصحابه من التقلل في الدنيا والبعد عن زهراتها ويبقى النظر فيمن حصل له شئ من الدنيا بغير تكسب
منه كالميراث وسهم الغنيمة هل الأفضل أن يبادر إلى إخراجه في وجوه البر حتى لا يبقى منه شئ
أو يتشاغل بتثميره ليستكثر من نفعه المتعدي قال وهو على القسمين الأولين (قلت) ومقتضى
ذلك أن يبذل إلى أن يبقى في حالة الكفاف ولا يضره ما يتجدد من ذلك إذا سلك هذه الطريقة
ودعوى أن جمهور الصحابة كانوا على التقلل والزهد ممنوعة بالمشهور من أحوالهم فإنهم كانوا
على قسمين بعد أن فتحت عليهم الفتوح فمنهم من أبقى ما بيده مع التقرب إلى ربه بالبر والصلة
والمواساة مع الاتصاف بغنى النفس ومنهم من استمر على ما كان عليه قبل ذلك فكان لا يبقي شيا
مما فتح عليه به وهم قليل بالنسبة للطائفة الأخرى ومن تبحر في سير السلف علم صحة ذلك فأخبارهم
في ذلك لا تحصى كثرة وحديث خباب في الباب شاهد لذلك والأدلة الواردة في فضل كل من
الطائفتين كثيرة فمن الشق الأول بعض أحاديث الباب وغيرها ومن الشق الثاني حديث سعد بن
أبي وقاص رفعه ان الله يحب الغني التقي الخفي أخرجه مسلم وهو دال لما قلته سواء حملنا الغني
فيه على المال أو على غنى النفس فإنه على الأول ظاهر وعلى الثاني يتناول القسمين فيحصل
المطلوب والمراد بالتقى وهو بالمثناة من يترك المعاصي امتثالا للمأمور به واجتنابا للمنهى عنه
والخفي ذكر للتتميم إشارة إلى ترك الرياء والله أعلم ومن المواضع التي وقع فيها التردد من لا شئ له
فالأولى في حقه أن يتكسب للصون عن ذل السؤال أو يترك وينتظر ما يفتح عليه بغير مسئلة
فصح عن أحمد مع ما اشتهر من زهده وورعه أنه قال لمن سأله عن ذلك الزم السوق وقال الآخر
استغن عن الناس فلم أر مثل الغنى عنهم وقال ينبغي للناس كلهم أن يتوكلوا على الله وأن يعودوا
أنفسهم التكسب ومن قال بترك التكسب فهو أحمق يريد تعطيل الدنيا نقله عنه أبو بكر
المروزي وقال أجرة التعليم والتعلم أحب إلي من الجلوس لانتظار ما في أيدي الناس وقال أيضا
235

من جلس ولم يحترف دعته نفسه إلى ما في أيدي الناس واسند عن عمر كسب فيه بعض الشئ خير
من الحاجة إلى الناس وأسند عن سعيد بن المسيب أنه قال عند موته وترك مالا اللهم انك تعلم
أني لم أجمعه الا لأصون به ديني وعن سفيان الثوري وأبي سليمان الداراني ونحوهما من السلف
نحوه بل نقله البربهاري عن الصحابة والتابعين وأنه لا يحفظ عن أحد منهم أنه ترك تعاطي الرزق
مقتصرا على ما يفتح عليه واحتج من فضل الغنى بآية الامر في قوله تعالى وأعدوا لهم ما استطعتم
من قوة ومن رباط الخيل الآية قال وذلك لا يتم الا بالمال وأجاب من فضل الفقر بأنه لا مانع أن
يكون الغنى في جانب (1) أفضل من الفقر في حالة مخصوصة ولا يستلزم أن يكون أفضل مطلقا
وذكر المصنف في الباب خمسة أحاديث الحديث الأول (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس
كما صرح به أبو نعيم وأبو حازم هو سلمة بن دينار (قوله مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال لرجل عنده ما رأيك في هذا) تقدم في باب الأكفاء في الدين من أوائل النكاح عن إبراهيم
ابن حمزة عن أبي حازم فقال ما تقولون في هذا وهو خطاب لجماعة ووقع في رواية جبير بن نفير عن
أبي ذر عند أحمد وأبي يعلى وابن حبان بلفظ قال لي النبي صلى الله عليه وسلم انظر إلى أرفع رجل في
المسجد في عينيك قال فنظرت إلى رجل في حلة الحديث فعرف منه أن المسؤول هو أبو ذر ويجمع
بينه وبين حديث سهل أن الخطاب وقع لجماعة منهم أبو ذر ووجه إليه فأجاب ولذلك نسبه لنفسه
وأما المار فلم أقف على اسمه ووقع في رواية أخرى لابن حبان سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن رجل من قريش فقال هل تعرف فلانا قلت نعم الحديث ووقع في المغازي لابن إسحاق ما قد
يؤخذ منه أنه عيينة بن حصن الفزاري أو الأقرع بن حابس التميمي كما سأذكره (قوله فقال) أي
المسؤول (قوله رجل من أشراف الناس) أي هذا رجل من أشراف الناس ووقع كذلك عند ابن
ماجة عن محمد بن الصباح عن أبي حازم (قوله هذا والله حرى) بفتح الحاء وكسر الراء المهملتين
وتشديد آخره أي جدير وحقيق وزنا ومعنى ووقع في رواية إبراهيم بن حمزة قالوا حرى (قوله إن
خطب أن ينكح) بضم أوله وفتح ثالثه أي تجاب خطبته (وان شفع أن يشفع) بتشديد الفاء
أي تقبل شفاعته وزاد إبراهيم بن حمزة في روايته وان قال أن يستمع وفي رواية ابن حبان إذا سأل
أعطى وإذا حضر أدخل (قوله ثم مر رجل) زاد إبراهيم من فقراء المسلمين وفي رواية ابن حبان
مسكين من أهل الصفة (قوله هذا خير من ملء) بكسر الميم وسكون اللام مهموز (قوله مثل)
بكسر اللام ويجوز فتحها قال الطيبي وقع التفضيل بينهما باعتبار مميزه وهو قوله بعد 2 هذا لان
البيان والمبين شئ واحد زاد أحمد وابن حبان عند الله يوم القيامة وفي رواية ابن حبان الأخرى
خير من طلاع الأرض من الاخر وطلاع بكسر المهملة وتخفيف اللام وآخره مهملة أي
ما طلعت عليه الشمس من الأرض كذا قال عياض وقال غيره المراد ما فوق الأرض وزاد في آخر
هذه الرواية فقلت يا رسول الله أفلا يعطى هذا كما يعطى الاخر قال إذا أعطى خيرا فهو أهله
وإذا صرف عنه فقد أعطى حسنة وفي رواية أبي سالم الجيشاني عن أبي ذر فيما أخرجه محمد بن
هارون الروياني في مسنده وابن عبد الحكم في فتوح مصر ومحمد بن الربيع الجيزي في مسند الصحابة
الذين نزلوا مصر ما يؤخذ منه تسمية المار الثاني ولفظه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له كيف
ترى جعيلا قلت مسكينا كشكله من الناس قال فكيف ترى فلانا قلت سيدا من السادات قال
236

فجعيل خير من ملء الأرض مثل هذا قال فقلت يا رسول الله ففلان هكذا وتصنع به ما تصنع قال
إنه رأس قومه فأتألفهم وذكر ابن إسحاق في المغازي عن محمد بن إبراهيم التيمي مرسلا أو معضلا
قال قيل يا رسول الله أعطيت عيينة والأقرع مائة مائة وتركت جعيلا قال والذي نفسي بيده
لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض مثل عيينة والأقرع ولكني أتألفهما وأكل جعيلا إلى
ايمانه ولجعيل المذكور ذكر في حديث أخيه عوف بن سراقة في غزوة بني قريظة وفي حديث
العرباض ابن سارية في غزوة تبوك وقيل فيه جعال بكسر أوله وتخفيف ثانيه ولعله صغر وقيل
بل هما أخوان وفي الحديث بيان فضل جعيل المذكور وأن السيادة بمجرد الدنيا لا أثر لها وانما
الاعتبار في ذلك بالآخرة كما تقدم أن العيش عيش الآخرة وان الذي يفوته الحظ من الدنيا
يعاض عنه بحسنة الآخرة ففيه فضيلة للفقر كما ترجم به لكن لا حجة فيه لتفضيل الفقير على الغني
كما قال ابن بطال لأنه إن كان فضل عليه لفقره فكان ينبغي أن يقول خير من ملء الأرض مثله
لا فقير فيهم وإن كان لفضله فلا حجة فيه (قلت) يمكنهم أن يلتزموا الأول والحيثية مرعية لكن
تبين من سياق طرق القصة ان جهة تفضيله انما هي لفضله بالتقوى وليست المسئلة مفروضة في
فقير متق وغني غير متق بل لا بد من استوائهما أولا في التقوى وأيضا فما في الترجمة تصريح
بتفضيل الفقر على الغني إذ لا يلزم من ثبوت فضيلة الفقر أفضليته وكذلك لا يلزم من ثبوت
أفضلية فقير على غنى أفضلية كل فقير على كل غني الحديث الثاني حديث خباب بن الأرت وقد
تقدم بعض شرحه في الجنائز فيما يتعلق بالكفر ونحو ذلك وذكر في موضعين من الهجرة وأحلت
بشرحه على المغازي فلم يتفق ذلك ذهولا (قوله حدثنا الحميدي حدثنا سفيان) هو ابن عيينة
(عن الأعمش) وقع في أوائل الهجرة بهذا السند سواء حدثنا الأعمش (قوله عدنا) بضم المهملة
من العيادة (قوله هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة) أي بأمره واذنه أو المراد
بالمعية الاشتراك في حكم الهجرة إذ لم يكن معه حسا الا الصديق وعامر بن فهيرة (قوله نبتغي
وجه الله أي جهة ما عنده من الثواب لا جهة الدنيا (قوله فوقع) في رواية الثوري كما مضى في
الهجرة عن الأعمش فوجب وإطلاق الوجوب على الله بمعنى ايجابه على نفسه بوعده الصادق
والا فلا يجب على الله شئ (قوله أجرنا على الله أي اثابتنا وجزاؤنا (قوله لم يأكل من أجره شيا)
أي من عرض الدنيا وهذا مشكل على ما تقدم من تفسير ابتغاء وجه الله ويجمع بأن إطلاق
الاجر على المال في الدنيا بطريق المجاز بالنسبة لثواب الآخرة وذلك أن القصد الأول هو
ما تقدم لكن منهم من مات قبل الفتوح كمصعب بن عمير ومنهم من عاش إلى أن فتح عليهم ثم
انقسموا فمنهم من أعرض عنه وواسى به المحاويج أولا فأولا بحيث بقي على تلك الحالة الأولى وهم
قليل منهم أبو ذر وهؤلاء ملتحقون بالقسم الأول ومنهم من تبسط في بعض المباح فيما يتعلق
بكثرة النساء والسراري أو الخدم والملابس ونحو ذلك ولم يستكثر وهم كثير ومنهم ابن عمر
ومنهم من زاد فاستكثر بالتجارة وغيرها مع القيام بالحقوق الواجبة والمندوبة وهم كثير أيضا
منهم عبد الرحمن بن عوف والى هذين القسمين أشار خباب فالقسم الأول وما التحق به توفر له
أجره في الآخرة والقسم الثاني مقتضى الخبر أنه يحسب عليهم ما وصل إليهم من مال الدنيا من
ثوابهم في الآخرة ويؤيده ما أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمر و رفعه ما من غازية تغزو
237

فتغنم وتسلم الا تعجلوا ثلثي أجرهم الحديث ومن ثم آثر كثير من السلف قلة المال وقنعوا به اما
ليتوفر لهم ثوابهم في الآخرة واما ليكون أقل لحسابهم عليه (قوله منهم مصعب بن عمير) بصيغة
التصغير هو ابن هشام بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في
قصي وكان يكنى أبا عبد الله من السابقين إلى الاسلام والى هجرة المدينة قال البراء أول من قدم
علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم وكانا يقرآن القرآن أخرجه المصنف في أوائل الهجرة وذكر
ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسله مع أهل العقبة الأولى يقرئهم ويعلمهم وكان مصعب
وهو بمكة في ثروة ونعمة فلما هاجر صار في قلة فأخرج الترمذي من طريق محمد بن كعب حدثني
من سمع عليا يقول بينما نحن في المسجد إذ دخل علينا مصعب بن عمير وما عليه الا بردة له مرقوعة
بفروة فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رآه للذي كان فيه من النعم والذي هو فيه اليوم (قوله
قتل يوم أحد) أي شهيدا وكان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ثبت ذلك في
مرسل عبيد بن عمير بسند صحيح عند ابن المبارك في كتاب الجهاد (قوله وترك نمرة) بفتح النون
وكسر الميم ثم راء هي ازار من صوف مخطط أو بردة (قوله أينعت) بفتح الهمزة وسكون التحتانية
وفتح النون والمهملة أي انتهت واستحقت القطف وفي بعض الروايات ينعت بغير ألف وهي لغة
قال القزاز وأينعت أكثر (قوله فهو يهدبها) بفتح أوله وسكون ثانيه وكسر المهملة ويجوز
ضمها بعدها موحدة أي يقطفها قال ابن بطال في الحديث ما كان عليه السلف من الصدق في
وصف أحوالهم وفيه أن الصبر على مكابدة الفقر وصعوبته من منازل الأبرار وفيه أن الكفن
يكون ساترا لجميع البدن وان الميت يصير كله عورة ويحتمل أن يكون ذلك بطريق الكمال وقد
تقدم سائر ما يتعلق بذلك في كتاب الجنائز ثم قال ابن بطال ليس في حديث خباب تفضيل الفقير
على الغني وانما فيه أن هجرتهم لم تكن لدنيا يصيبونها ولا نعمة يتعجلونها وانما كانت لله خالصة
ليثيبهم عليها في الآخرة فمن مات منهم قبل فتح البلاد توفر له ثوابه ومن بقي حتى نال من طيبات الدنيا
خشي أن يكون عجل لهم أجر طاعتهم وكانوا على نعيم الآخرة أحرص الحديث الثالث (قوله
سلم) بفتح المهملة وسكون اللام (ابن زرير) بزاي ثم راء وزن عظيم وأبو رجاء هو العطاردي وقد
تقدم بهذا السند والمتن في صفة الجنة من بدء الخلق ويأتي شرحه في صفة الجنة والنار من كتاب
الرقاق هذا (قوله تابعه أيوب وعوف وقال حماد بن نجيح وصخر عن أبي رجاء عن ابن عباس) أما
متابعة أيوب فوصلها النسائي وتقدم بيان ذلك واضحا في كتاب النكاح وأما متابعة عوف فوصلها
المؤلف في كتاب النكاح وأما متابعة حماد بن نجيح وهو الإسكاف البصري فوصلها النسائي من
طريق عثمان بن عمر بن فارس عنه وليس له في الكتابين سوى هذا الحديث الواحد وقد وثقه وكيع
وابن معين وغيرهما وأما متابعة صخر وهو ابن جويرية فوصلها النسائي أيضا من طريق المعافى
ابن عمران عنه وابن منده في كتاب التوحيد من طريق مسلم بن إبراهيم حدثنا صخر بن جويرية
وحماد بن نجيح قالا حدثنا أبو رجاء وقد وقعت لنا بعلو في الجعديات من رواية علي بن الجعد عن صخر
قال سمعت أبا رجاء حدثنا ابن عباس به قال الترمذي بعد أن أخرجه من طريق عوف وقال أيوب
عن أبي رجاء عن ابن عباس وكلا الاسنادين ليس فيه مقال ويحتمل أن يكون عن أبي رجاء عند كل
منهما وقال الخطيب في المدرج روى هذا الحديث أبو داود الطيالسي عن أبي الأشهب وجرير بن
238

حازم وسلم بن زرير وحماد بن نجيح وصخر بن جويرية عن أبي رجاء عن عمران وابن عباس به ولا نعلم
أحدا جمع بين هؤلاء فان الجماعة رووه عن أبي رجاء عن ابن عباس وسلم انما رواه عن أبي رجاء عن
عمران ولعل جريرا كذلك وقد جاءت الرواية عن أيوب عن أبي رجاء بالوجهين ورواه سعيد بن أبي
عروبة عن فطر عن أبي رجاء عن عمران فالحديث عن أبي رجاء عنهما والله أعلم قال ابن بطال ليس
قوله اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء يوجب فضل الفقير على الغني وانما معناه أن
الفقراء في الدنيا أكثر من الأغنياء فأخبر عن ذلك كما تقول أكثر أهل الدنيا الفقراء اخبارا عن
الحال وليس الفقر أدخلهم الجنة وانما دخلوا بصلاحهم مع الفقر فإن الفقير إذا لم يكن صالحا
لا يفضل (قلت) ظاهر الحديث التحريض على ترك التوسع من الدنيا كما أن فيه تحريض النساء
على المحافظة على أمر الدين لئلا يدخلن النار كما تقدم تقرير ذلك في كتاب الايمان في حديث
تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار قيل بم قال بكفرهن قيل يكفرن بالله قال يكفرن
بالاحسان الحديث الرابع (قوله حدثنا أبو معمر) هو عبد الله بن محمد بن عمرو بن الحجاج
(قوله عن أنس) في رواية همام عن قتادة كنا نأتي أنس بن مالك وسيأتي في الباب الذي بعده
(قوله على خوان) بكسر المعجمة وتخفيف الواو وتقدم شرحه في كتاب الأطعمة (قوله وما أكل
خبزا مرققا حتى مات) قال ابن بطال تركه عليه الصلاة والسلام الاكل على الخوان وأكل المرقق
انما هو لدفع طيبات الدنيا اختيارا لطيبات الحياة الدائمة والمال انما يرغب فيه ليستعان به على
الآخرة فلم يحتج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المال من هذا الوجه وحاصله أن الخبر لا يدل على
تفضيل الفقر على الغنى بل يدل على فضل القناعة والكفاف وعدم التبسط في ملاذ الدنيا ويؤيده
حديث ابن عمر لا يصيب عبد من الدنيا شيا الا نقص من درجاته وإن كان عند الله كريما أخرجه
ابن أبي الدنيا قال المنذري وسنده جيد والله أعلم الحديث الخامس (قوله حدثنا عبد الله بن
أبي شيبة) هو أبو بكر وأبو شيبة جده لأبيه وهو ابن محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم أصله
من واسط وسكن الكوفة وهو أحد الحفاظ الكبار وقد أكثر عنه المصنف وكذا مسلم
لكن مسلم يكنيه دائما والبخاري يسميه وقل أن كناه (قوله وما في بيتي شئ الخ) لا يخالف
ما تقدم في الوصايا من حديث عمرو بن الحارث المصطلقي ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم
عند موته دينارا ولا درها ولا شيا لان مراده بالشئ المنفي ما تخلف عنه مما كان يختص
به وأما الذي أشارت إليه عائشة فكان بقية نفقتها التي تختص بها فلم يتحد الموردان
(قوله يأكله ذو كبد) شمل جميع الحيوان وانتفى جميع المأكولات (قوله الا شطر شعير)
المراد بالشطر هنا البعض والشطر يطلق على النصف وعلى ما قاربه وعلى الجهة وليست
مرادة هنا ويقال أرادت نصف وسق (قوله في رف لي) قال الجوهري الرف شبه الطاق
في الحائط وقال عياض الرف خشب يرتفع عن الأرض في البيت يوضع فيه ما يراد حفظه (قلت)
والأول أقرب للمراد (قوله فأكلت منه حتى طال على فكلته) بكسر الكاف (ففنى) أي فرغ
قال ابن بطال حديث عائشة هذا في معنى حديث أنس في الاخذ من العيش بالاقتصاد وما يسد
الجوعة (قلت) انما يكون كذلك لو وقع بالقصد إليه والذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم كان يؤثر
239

بما عنده فقد ثبت في الصحيحين أنه كان إذا جاءه ما فتح الله عليه من خيبر وغيرها من تمر وغيره يدخر
قوت أهله سنة ثم يجعل ما بقي عنده عدة في سبيل الله تعالى ثم كان مع ذلك إذا طرأ عليه طارئ
أو نزل به ضيف يشير على أهله بايثارهم فربما أدى ذلك إلى نفاد ما عندهم أو معظمه وقد روى
البيهقي من وجه آخر عن عائشة قالت ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام متوالية
ولو شئنا لشبعنا ولكنه كان يؤثر على نفسه وأما قولها فكلته ففنى قال ابن بطال فيه أن الطعام
المكيل يكون فناءه معلوما للعلم بكيله وأن الطعام غير المكيل فيه البركة لأنه غير معلوم مقداره
(قلت) في تعميم كل الطعام بذلك نظر والذي يظهر أنه كان من الخصوصية لعائشة ببركة النبي
صلى الله عليه وسلم وقد وقع مثل ذلك في حديث جابر الذي أذكره آخر الباب ووقع مثل ذلك في
مزود أبي هريرة الذي أخرجه الترمذي وحسنه والبيهقي في الدلائل من طريق أبي العالية عن أبي
هريرة أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرات فقلت ادع لي فيهن بالبركة قال فقبض ثم دعا
ثم قال خذهن فاجعلن في مزود فإذا أردت أن تأخذ منهن فادخل يدك فخذ ولا تنثر بهن نثرا
فحملت من ذلك كذا وكذا وسقا في سبيل الله وكنا نأكل ونطعم وكان المزود معلقا بحقوى لا يفارقه
فلما قتل عثمان انقطع وأخرجه البيهقي أيضا من طريق سهل بن زياد عن أيوب عن محمد عن أبي
هريرة مطولا وفيه فأدخل يدك فخذ ولا تكفئ فيكفا عليك ومن طريق يزيد بن أبي منصور عن
أبيه عن أبي هريرة نحوه ونحوه ما وقع في عكة المرأة وهو ما أخرجه مسلم من طريق أبي الزبير عن
جابر ان أم مالك كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم في عكة لها سمنا فيأتيها بنوها فيسألون الأدم
فتعمد إلى العكة فتجد فيها سمنا فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرته فاتت النبي صلى الله عليه
وسلم فقال لو تركتها ما زال قائما وقد استشكل هذا النهي مع الامر بكيل الطعام وترتيب
البركة على ذلك كما تقدم في البيوع من حديث المقدام بن معد يكرب بلفظ كيلوا طعامكم
يبارك لكم فيه وأجيب بأن الكيل عند المبايعة مطلوب من أجل تعلق حق المتبايعين فلهذا
القصد يندب وأما الكيل عند الانفاق فقد يبعث عليه الشح فلذلك كره ويؤيده ما أخرجه
مسلم من طريق معقل بن عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه وسلم
يستطعمه فاطعمه شطر وسق شعير فما زال الرجل يأكل منه وامرأنه وضيفهما حتى كاله
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم قال القرطبي سبب رفع النماء
من ذلك عند العصر والكيل والله أعلم الالتفات بعين الحرص مع معاينة ادرار نعم الله ومواهب
كراماته وكثرة بركاته والغفلة عن الشكر عليها والثقة بالذي وهبها والميل إلى الأسباب المعتادة
عند مشاهدة خرق العادة ويستفاد منه أن من رزق شيئا أو أكرم بكرامة أو لطف به في أمر ما
فالمتعين عليه موالاة الشكر ورؤية المنة لله تعالى ولا يحدث في تلك الحالة تغييرا والله أعلم
(قوله باب) بالتنوين (كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه) أي
في حياته (وتخليهم عن الدنيا) أي عن ملاذها والتبسط فيها ذكر فيه ثمانية أحاديث الحديث الأول
(قوله حدثنا أبو نعيم بنحو من نصف هذا الحديث) قال الكرماني يستلزم أن يكون الحديث
بغير اسناد يعني غير موصول لان النصف المذكور مبهم لا يدري أهو الأول أو الثاني (قلت) يحتمل
أيضا أن يكون قدر النصف الذي حدثه به أبو نعيم ملفقا من الحديث المذكور والذي يتبادر من
240

الاطلاق أنه النصف الأول وقد جزم مغلطاي وبعض شيوخنا أن القدر المسموع له منه هو الذي
ذكره في باب إذا دعى الرجل فجاء هل يستأذن من كتاب الاستئذان حيث قال حدثنا أبو نعيم حدثنا
عمر بن ذرح وأخبرنا محمد بن مقاتل أنبانا عبد الله هو ابن المبارك أنبأنا عمر بن ذر أنبأنا مجاهد عن
أبي هريرة قال دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد لبنا في قدح فقال أباهر الحق أهل
الصفة فادعهم إلي قال فاتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فدخلوا قال مغلطاي فهذا
هو القدر الذي سمعه البخاري من أبي نعيم واعترضه الكرماني فقال ليس هذا ثلث الحديث ولا
ربعه فضلا عن نصفه (قلت) وفيه نظر من وجهين آخرين أحدهما احتمال أن يكون هذا
السياق لابن المبارك فإنه لا يتعين كونه لفظ أبي نعيم ثانيهما أنه منتزع من أثناء الحديث فإنه ليس
فيه القصة الأولى المتعلقة بأبي هريرة ولا ما في آخره من حصول البركة في اللبن الخ نعم المحرر قول
شيخنا في النكت علي ابن الصلاح ما نصه القدر المذكور في الاستئذان بعض الحديث المذكور
في الرقاق (قلت) فهو مما حدثه به أبو نعيم سواء كان بلفظه أم بمعناه وأما باقيه الذي لم يسمعه منه
فقال الكرماني انه يصير بغير إسناد فيعود المحذور كذا قال وكأن مراده انه لا يكون متصلا لعدم
تصريحه بأن أبا نعيم حدثه به لكن لا يلزم من ذلك محذور بل يحتمل كما قال شيخنا أن يكون البخاري
حدث به عن أبي نعيم بطريق الوجادة أو الإجازة أو حمله عن شيخ آخر غير أبي نعيم (قلت) أو سمع بقية
الحديث من شيخ سمعه من أبي نعيم ولهذين الاحتمالين الأخيرين أوردته في تعليق التعليق
فأخرجته من طريق علي بن عبد العزيز عن أبي نعيم تاما ومن طريقه أخرجه أبو نعيم في المستخرج
والبيهقي في الدلائل وأخرجه النسائي في السنن الكبرى عن أحمد بن يحيى الصوفي عن أبي نعيم
بتمامه واجتمع لي ممن سمعه من عمر بن ذر شيخ أبي نعيم أيضا جماعة منهم روح بن عبادة أخرجه أحمد
عنه وعلي بن مسهر ومن طريقه أخرجه الإسماعيلي وابن حبان في صحيحه ويونس بن بكير ومن
طريقه أخرجه الترمذي والإسماعيلي والحاكم في المستدرك والبيهقي وسأذكر ما في رواياتهم من
فائدة زائدة ثم قال الكرماني مجيبا عن المحدور الذي ادعاه ما نصه اعتمد البخاري على ما ذكره
في الأطعمة عن يوسف بن عيسى فإنه قريب من نصف هذا الحديث فلعله أراد بالنصف هنا ما لم
يذكره ثمة فيصير الكل مسندا بعضه عن يوسف وبعضه عن أبي نعيم (قلت) سند طريق يوسف
مغاير لطريق أبي نعيم إلى أبي هريرة فيعود المحذور بالنسبة إلى خصوص طريق أبي نعيم فإنه قال
في أول كتاب الأطعمة حدثنا يوسف بن عيسى حدثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن أبي حازم عن أبي
هريرة قال أصابني جهد فذكر سؤاله عمر عن الآية وذكر مرور رسول الله صلى الله عليه وسلم به
وفيه فانطلق بي إلى رحله فأمر لي بعس من لبن فشربت منه ثم قال عد فذكره ولم يذكر قصة
أصحاب الصفة ولا ما يتعلق بالبركة التي وقعت في اللبن وزاد في آخره ما دار بين أبي هريرة وعمر وندم
عمر على كونه ما استتبعه فظهر بذلك المغايرة بين الحديثين في السندين وأما المتن ففي أحد الطريقين
ما ليس في الاخر لكن ليس في طريق أبي حازم من الزيادة كبير أمر والله أعلم (قوله عمر بن ذر)
بفتح المعجمة وتشديد الراء (قوله إن أبا هريرة كان يقول) في رواية روح ويونس بن بكير وغيرهما
حدثنا مجاهد عن أبي هريرة (قوله الله الذي لا إله إلا هو) كذا للأكثر بحذف حرف الجر من
القسم وهو في روايتنا بالخفض وحكى بعضهم جواز النصب وقال ابن التين رويناه بالنصب
241

وقال ابن جني إذا حذف حرف القسم نصب الاسم بعده بتقدير الفعل ومن العرب من يجر اسم
الله وحده مع حذف حرف الجر فيقول الله لأقومن وذلك لكثرة ما يستعملونه (قلت) وثبت
في رواية روح ويونس بن بكير وغيرهما بالواو في أوله فتعين الجر فيه (قوله إن كنت) بسكون النون
مخففة من الثقيلة وقوله لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع أي ألصق بطني بالأرض وكأنه
كان يستفيد بذلك ما يستفيده من شد الحجر على بطنه أو هو كناية عن سقوطه إلى الأرض مغشيا
عليه كما وقع في رواية أبى حازم في أول الأطعمة فلقيت عمر بن الخطاب فاستقرأته آية فذكره قال
فمشيت غير بعيد فخررت على وجهي من الجهد والجوع فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على
رأسي الحديث وفي حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة الآتي في كتاب الاعتصام لقد رأيتني واني
لاخر ما بين المنبر والحجرة من الجوع مغشيا علي فيجئ الجائي فيضع رجله على عنقي يرى أن بي
الجنون وما بي الا الجوع وعند ابن سعد من طريق الوليد بن رياح عن أبي هريرة كنت من أهل
الصفة وإن كان ليغشى علي فيما بين بيت عائشة وأم سلمة من الجوع ومضى أيضا في مناقب جعفر
من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة واني كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم لشبع بطني
وفيه وكنت ألصق بطني بالحصى من الجوع وان كنت لأستقرئ الرجل الآية وهي معي كي
ينقلب بي فيطعمني وزاد فيه الترمذي وكنت إذا سألت جعفر بن أبي طالب لم يجبني حتى يذهب بي
إلى منزله (قوله وان كنت لاشد الحجر على بطني من الجوع) عند أحمد في طريق عبد الله بن شقيق
أقمت مع أبي هريرة سنة فقال لو رأيتنا وانه ليأتي على أحدنا الأيام ما يجد طعاما يقيم به صلبه حتى
أن كان أحدنا ليأخذ الحجر فيشد به على أخمص بطنه ثم يشده بثوبه ليقيم به صلبه قال العلماء
فائدة شد الحجر المساعدة على الاعتدال والانتصاب أو المنع من كثرة التحلل من الغذاء الذي
في البطن لكون الحجر بقدر البطن فيكون الضعف أقل أو لتقليل حرارة الجوع ببرد الحجر أو لان
فيه الإشارة إلى كسر النفس وقال الخطابي أشكل الامر في شد الحجر على البطن من الجوح على
قوم فتوهموا أنه تصحيف وزعموا أنه الحجز بضم أوله وفتح الجيم بعدها زاي جمع الحجزة التي يشد بها
الوسط قال ومن أقام بالحجاز وعرف عادتهم عرف ان الحجر واحد الحجارة وذلك أن المجاعة تعتريهم
كثيرا فإذا خوى بطنه لم يكن معه الانتصاب فيعمد حينئذ إلى صفائح رقاق في طول الكف
أو أكبر فيربطها على بطنه وتشد بعصابة فوقها فتعتدل قامته بعض الاعتدال والاعتماد بالكبد
على الأرض مما يقارب ذلك (قلت) سبقه إلى الانكار المذكور أبو حاتم بن حبان في صحيحه فلعله
أشار إلى الرد عليه وقد ذكرت كلامه وتعقبه في باب التنكيل لمن أراد الوصال من كتاب الصيام
(قوله ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه) الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم وبعض
أصحابه ممن كان طريق منازلهم إلى المسجد متحدة (قوله فمر أبو بكر فسألته عن آية ما سألته
الا ليشبعني) بالمعجمة والموحدة من الشبع ووقع في رواية الكشميهني ليستتبعني بمهملة ومثناتين
وموحدة أي يطلب مني أن اتبعه ليطعمني وثبت كذلك في رواية روح وأكثر الرواة (قوله فمر ولم
يفعل) أي الاشباع أو الاستتباع (قوله حتى مر بي عمر) يشير إلى أنه استمر في مكانه بعد ذهاب أبي
بكر إلى أن مر عمر ووقع في قصة عمر من الاختلاف في قوله ليشبعني نظير ما وقع في التي قبلها وزاد
في رواية أبي حازم فدخل داره وفتحها على أي قرأ الذي استفهمته عنه ولعل العذر لكل من أبي
242

بكر وعمر حمل سؤال أبي هريرة على ظاهره أو فهما ما أراده ولكن لم يكن عندهما إذ ذاك ما يطعمانه
لكن وقع في رواية أبي حازم من الزيادة أن عمر تأسف على عدم ادخاله أبا هريرة داره ولفظه فلقيت
عمر فذكرت له وقلت له ولى الله ذلك من كان أحق به منك يا عمر وفيه قال عمر والله لان أكون
أدخلتك أحب إلي من أن يكون لي حمر النعم فإن فيه اشعارا بأنه كان عنده ما يطعمه إذ ذاك فيرجح
الاحتمال الأول ولم يعرج على ما رمزه أبو هريرة من كنايته بذلك عن طلب ما يأكل وقد استنكر
بعض مشايخنا ثبوت هذا عن أبي هريرة لاستبعاد مواجهة أبي هريرة لعمر بذلك وهو استبعاد
مستبعد (قوله ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي)
استدل أبو هريرة بتبسمه صلى الله عليه وسلم على أنه عرف ما به لان التبسم تارة يكون لما يعجب
وتارة يكون لايناس من تبسم إليه ولم تكن تلك الحال معجبة فقوي الحمل على الثاني (قوله وما في
وجهي) كأنه عرف من حال وجهه ما في نفسه من احتياجه إلى ما يسد رمقه ووقع في رواية علي
ابن مسهر وروح وعرف ما في وجهي أو نفسي بالشك (قوله ثم قال لي يا أبا هر) في رواية علي بن
مسهر فقال أبو هر وفي رواية روح فقال أبا هر فأما النصب فواضح وأما الرفع فهو على لغة من
لا يعرب لفظ الكنية أو هو للاستفهام أي أنت أبو هر وأما قوله هر فهو بتشديد الراء وهو من رد
الاسم المؤنث إلى المذكر والمصغر إلى المكبر فان كنيته في الأصل أبو هريرة تصغير هرة مؤنثا وأبو هر
مذكر مكبر وذكر بعضهم أنه يجوز فيه تخفيف الراء مطلقا فعلى هذا يسكن ووقع في رواية
يونس بن بكير فقال أبو هريرة أي أنت أبو هريرة وقد ذكرت توجيهه قبل (قوله قلت لبيك رسول
الله) كذا فيه بحذف حرف النداء ووقع في رواية علي بن مسهر فقلت لبيك يا رسول الله وسعديك
(قوله الحق) بهمزة وصل وفتح المهملة أي اتبع (قوله ومضى فاتبعته) زاد في رواية علي بن مسهر
فلحقته (قوله فدخل) زاد علي بن مسهر إلى أهله (قوله فأستأذن) بهمزة بعد الفاء والنون
مضمومة فعل المتكلم وعبر عنه بذلك مبالغة في التحقق ووقع في رواية علي بن مسهر ويونس
وغيرهما فاستأذنت (قوله فأذن لي فدخل) كذا فيه وهو اما تكرار لهذه اللفظة لوجود الفصل
أو التفات ووقع في رواية علي بن مسهر فدخلت وهي واضحة (قوله فوجد لبنا في قدح) في رواية
علي بن مسهر فإذا هو بلبن في قدح وفي رواية يونس فوجد قدحا من اللبن (قوله فقال من أين هذا
اللبن) زاد روح لكم وفي رواية ابن مسهر فقال لأهله من أين لكم هذا (قوله قالوا أهداه لك فلان
أو فلانة) كذا بالشك ولم أقف على اسم من أهداه وفي رواية روح أهداه لنا فلان أو آل فلان وفي
رواية يونس أهداه لنا فلان (قوله الحق إلى أهل الصفة) كذا عدي الحق بالي وكأنه ضمنها معنى
انطلق ووقع في رواية روح بلفظ انطلق (قوله قال وأهل الصفة أضياف الاسلام) سقط لفظ قال
من رواية روح ولا بد منها فإنه كلام أبي هريرة قاله شارحا لحال أهل الصفة وللسبب في استدعائهم
فإنه صلى الله عليه وسلم كان يخصهم بما يأتيه من الصدقة ويشركهم فيما يأتيه من الهدية وقد وقع
في رواية يونس بن بكير هذا القدر في أول الحديث ولفظه عن أبي هريرة قال كان أهل الصفة
أضياف الاسلام لا يأوون على أهل ولا مال والله الذي لا إله إلا هو الخ وفيه اشعار بأن أبا هريرة
كان منهم (قوله لا يأوون على أهل ولا مال) في رواية روح والأكثر إلى بدل علي (قوله ولا على أحد)
تعميم بعد تخصيص فشمل الأقارب والأصدقاء وغيرهم وقد وقع في حديث طلحة بن عمرو عند
243

أحمد وابن حبان والحاكم كان الرجل إذا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وكان له بالمدينة عريف
نزل عليه فإذا لم يكن له عريف نزل مع أصحاب الصفة وفي مرسل يزيد بن عبد الله بن قسيط عند
ابن سعد كان أهل الصفة ناسا فقراء لا منازل لهم فكانوا ينامون في المسجد لا مأوى لهم غيره وله
من طريق نعيم المجمر عن أبي هريرة كنت من أهل الصفة وكنا إذا أمسينا حضرنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم فيأمر كل رجل فينصرف برجل أو أكثر فيبقى من بقي عشرة أو أقل أو أكثر فيأتي النبي
صلى الله عليه وسلم بعشائه فنتعشى معه فإذا فرغنا قال ناموا في المسجد وتقدم في باب علامات
النبوة وغيره حديث عبد الرحمن بن أبي بكر أن أصحاب الصفة كانوا ناسا فقراء وان النبي صلى الله
عليه وسلم قال من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث الحديث ولأبي نعيم في الحلية من مرسل
محمد بن سيرين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى قسم ناسا من أصحاب الصفة بين ناس
من أصحابه فيذهب الرجل بالرجل والرجل بالرجلين حتى ذكر عشرة الحديث وله من حديث
معاوية بن الحكم بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفة فجعل يوجه الرجل مع الرجل
من الأنصار والرجلين والثلاثة حتى بقيت في أربعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم خامسنا فقال
انطلقوا بنا فقال يا عائشة عشينا الحديث (قوله إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا)
أي لنفسه وفي رواية روح ولم يصب منها شيئا وزاد ولم يشركهم فيها (قوله وإذا أتته هدية أرسل
إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها) في رواية علي بن مسهر وشركهم بالتشديد وقال فيها أو منها
بالشك ووقع عند يونس الصدقة والهدية بالتعريف فيهما وقد تقدم في الزكاة وغيرها بيان أنه
صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة وتقدم في الهبة من حديث أبي هريرة
مختصرا من رواية محمد بن زياد عنه كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى بطعام سأل عنه فإن قيل
صدقة قال لأصحابه كلوا ولم يأكل وان قيل هدية ضرب بيده فأكل معهم ولأحمد وابن حبان من
هذا الوجه إذا أتى بطعام من غير أهله ويجمع بين هذا وبين ما وقع في حديث الباب بأن ذلك كان
قبل أن تبنى الصفة فكان يقسم الصدقة فيمن يستحقها ويأكل من الهدية مع من حضر من أصحابه
وقد أخرج أبو نعيم في الحلية من مرسل الحسن قال بنيت صفة في المسجد لضعفاء المسلمين ويحتمل
أن يكون ذلك باختلاف حالين فيحمل حديث الباب على ما إذا لم يحضره أحد فإنه يرسل ببعض
الهدية إلى أهل الصفة أو يدعوهم إليه كما في قصة الباب وان حضره أحد يشركه في الهدية فإن
كان هناك فضل أرسله إلى أهل الصفة أو دعاهم ووقع في حديث طلحة بن عمرو الذي ذكرته آنفا
وكنت فيمن نزل الصفة فوافقت رجلا فكان يجري علينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كل
يوم مد من تمر بين كل رجلين وفي رواية أحمد فنزلت في الصفة مع رجل فكان بيني وبينه كل يوم
مد من تمر وهو محمول أيضا على اختلاف الأحوال فكان أولا يرسل إلى أهل الصفة بما حضره
أو يدعوهم أو يفرقهم على من حضر ان لم يحضره ما يكفيهم فلما فتحت فدك وغيرها صار يجري
عليهم من التمر في كل يوم ما ذكر وقد اعتنى بجمع أسماء أهل الصفة أبو سعيد بن الأعرابي وتبعه أبو
عبد الرحمن السلمي فزاد أسماء وجمع بينهما أبو نعيم في أوائل الحلية فسرد جميع ذلك ووقع في
حديث أبي هريرة الماضي في علامات النبوة انهم كانوا سبعين وليس المراد حصرهم في هذا العدد
وانما هي عدة من كان موجودا حين القصة المذكورة والا فمجموعهم اضعاف ذلك كما بينا من
244

اختلاف أحوالهم (قوله فساءني ذلك) زاد في رواية علي بن مسهر والله والإشارة إلى ما تقدم من
قوله ادعهم لي وقد بين ذلك بقوله (فقلت) أي في نفسي (وما هذا اللبن) أي ما قدره (في أهل الصفة)
والواو عاطفة على شئ محذوف ووقع في رواية يونس بحذف الواو زاد في روايته وأنا رسوله إليهم
وفي رواية علي بن مسهر وأين يقع هذا اللبن من أهل الصفة وأنا ورسول الله وهو بالجر عطفا على
أهل الصفة ويجوز الرفع والتقدير وأنا ورسول الله معهم (قوله وكنت أرجو أن أصيب من هذا
اللبن شربة أتقوى بها) زاد في رواية روح يومي وليلتي (قوله فإذا جاء) كذا فيه بالافراد أي من
أمرني بطلبه وللأكثر فإذا جاؤوا بصيغة الجمع (قوله أمرني) أي النبي صلى الله عليه وسلم (فكنت
أنا أعطيهم) وكأنه عرف بالعادة ذلك لأنه كان يلازم النبي صلى الله عليه وسلم ويخدمه وقد تقدم
في مناقب جعفر من حديث طلحة بن عبيد الله كان أبو هريرة مسكينا لا أهل له ولا مال وكان
يدور مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيثما دار أخرجه البخاري في تاريخه وتقدم في البيوع
وغيره من وجه آخر عن أبي هريرة وكنت امرأ مسكينا ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم لشبع
بطني ووقع في رواية يونس بن بكير فسيأمرني أن أديره عليهم فما عسى أن يصيبني منه وقد كنت
أرجو أن أصيب منه ما يغنيني أي عن جوع ذلك اليوم (قوله وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن)
أي يصل إلي بعد أن يكتفوا منه وقال الكرماني لفظ عسى زائد (قوله ولم يكن من طاعة الله
وطاعة رسوله بد) يشير إلى قوله تعالى من يطع الرسول فقد أطاع الله (قوله فاتيتهم فدعوتهم)
قال الكرماني ظاهره ان الاتيان والدعوة وقع بعد الاعطاء وليس كذلك ثم أجاب بأن معنى قوله
فكنت أنا أعطيهم عطف على جواب فإذا جاؤوا فهو بمعنى الاستقبال قلت وهو ظاهر من السياق
(قوله فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فاخذوا مجالسهم من البيت) أي فقعد كل منهم في المجلس الذي
يليق به ولم أقف على عددهم إذ ذاك وقد تقدم في أبواب المساجد في أوائل كتاب الصلاة من
طريق أبي حازم عن أبي هريرة رأيت سبعين من أصحاب الصفة الحديث وفيه اشعار بأنهم كانوا
أكثر من ذلك وذكرت هناك أن أبا عبد الرحمن السلمي وأبا سعيد بن الأعرابي والحاكم اعتنوا
بجمع أسمائهم فذكر كل منهم من لم يذكر الاخر وجمع الجميع أبو نعيم في الحلية وعدتهم تقرب
من المائة لكن الكثير من ذلك لا يثبت وقد بين كثيرا من ذلك أبو نعيم وقد قال أبو نعيم كان عدد
أهل الصفة يختلف بحسب اختلاف الحال فربما اجتمعوا فكثروا وربما تفرقوا اما لغزو أو
سفر أو استفتاء فقلوا ووقع في عوارف السهروردي أنهم كانوا أربعمائة (قوله فقال يا أبا هر)
في رواية علي بن مسهر فقال أبو هريرة وقد تقدم توجيه ذلك (قوله خذ فاعطهم) أي القدح
الذي فيه اللبن وصرح به في رواية يونس (قوله أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد على
القدح فاعطيه الرجل) أي الذي إلى جنبه قال الكرماني هذا فيه أن المعرفة إذا أعبدت معرفة
لا تكون عين الأول والتحقيق ان ذلك لا يطرد بل الأصل أن تكون عينه الا أن تكون هناك
قرينة تدل على أنه غيره مثل ما وقع هنا من قوله حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه
يدل على أنه أعطاهم واحدا بعد واحد إلى أن كان آخرهم النبي صلى الله عليه وسلم (قلت) وقع
في رواية يونس ثم يرده فأنا وله الاخر وفي رواية علي بن مسهر قال خذ فناولهم قال فجعلت أناول
الاناء رجلا رجلا فيشرب فإذا روى أخذته فناولته الاخر حتى روى القوم جميعا وعلى هذا فاللفظ
245

المذكور من تصرف الرواة فلا حجة فيه لخرم القاعدة (قوله حتى انتهيت إلى النبي صلى الله
عليه وسلم وقد روى القوم كلهم) أي فأعطيته القدح (قوله فأخذ القدح) زاد روح وقد بقيت
فيه فضلة (قوله فوضعه على يده فنظر إلي فتبسم) في رواية علي بن مسهر فرفع رأسه فتبسم كأنه
صلى الله عليه وسلم كان تفرس في أبي هريرة ما كان وقع في توهمه ان لا يفضل له من اللبن شئ كما
تقدم تقريره فلذلك تبسم إليه إشارة إلى أنه لم يفته شئ (قوله فقال أبا هر) كذا فيه بحذف
حرف النداء وفي رواية علي بن مسهر فقال أبو هريرة وقد تقدم توجيهه (قوله بقيت أنا وأنت)
كأن ذلك بالنسبة إلى من حضر من أهل الصفة فأما من كان في البيت من أهل النبي صلى الله عليه
وسلم فلم يتعرض لذكرهم ويحتمل أن البيت إذ ذاك ما كان فيه أحد منهم أو كانوا أخذوا كفايتهم
وكان اللبن الذي في ذلك القدح نصيب النبي صلى الله عليه وسلم (قوله اقعد فاشرب) في رواية علي
ابن مسهر قال خذ فاشرب (قوله فما زال يقول اشرب) في رواية روح فما زال يقول لي (قوله
ما أجد له مسلكا) في رواية روح في مسلكا (قوله فأرني) في رواية روح فقال ناولني القدح (قوله
فحمد الله وسمى) أي حمد الله على ما من به من البركة التي وقعت في اللبن المذكور مع قلته حتى روى
القوم كلهم وأفضلوا وسمى في ابتداء الشرب (قوله وشرب الفضلة) أي البقية وهي رواية على
ابن مسهر وفي رواية روح فشرب من الفضلة وفيه اشعار بأنه بقي بعد شربه شئ فإن كانت محفوظة
فلعله أعدها لمن بقي في البيت إن كان وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم استحباب الشرب من
قعود وأن خادم القوم إذا دار عليهم بما يشربون يتناول الاناء من كل واحد فيدفعه هو إلى الذي
يليه ولا يدع الرجل يناول رفيقه لما في ذلك من نوع امتهان الضيف وفيه معجزة عظيمة وقد تقدم
لها نظائر في علامات النبوة من تكثير الطعام والشراب ببركته صلى الله عليه وسلم وفيه جواز
الشبع ولو بلغ أقصى غايته أخذا من قول أبي هريرة لا أجد له مسلكا وتقرير النبي صلى الله عليه
وسلم على ذلك خلافا لمن قال بتحريمه وإذا كان ذلك في اللبن مع رقته ونفوذه فكيف بما فوقه من
الأغذية الكثيفة لكن يحتمل أن يكون ذلك خاصا بما وقع في تلك الحال فلا يقاس عليه وقد أورد
الترمذي عقب حديث أبي هريرة هذا حديث ابن عمر رفعه أكثرهم في الدنيا شبعا أطولهم جوعا
يوم القيامة وقال حسن وفي الباب عن أبي جحيفة (قلت) وحديث أبي جحيفة أخرجه الحاكم
وضعفه أحمد وفي الباب أيضا حديث المقدام بن معد يكرب رفعه ما ملاء ابن آدم وعاء شرا من
بطنه الحديث أخرجه الترمذي أيضا وقال حسن صحيح ويمكن الجمع بأن يحمل الزجر على من يتخذ
الشع عادة لما يترتب على ذلك من الكسل عن العبادة وغيرها ويحمل الجواز على من وقع له ذلك
نادرا ولا سيما بعد شدة جوع واستبعاد حصول شئ بعده عن قرب وفيه ان كتمان الحاجة والتلويح
بها أولى من اظهارها والتصريح بها وفيه كرم النبي صلى الله عليه وسلم وايثاره على نفسه وأهله
وخادمه وفيه ما كان بعض الصحابة عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من ضيق الحال وفضل
أبي هريرة وتعففه عن التصريح بالسؤال واكتفاؤه بالإشارة إلى ذلك وتقديمه طاعة النبي صلى
الله عليه وسلم على حظ نفسه مع شدة احتياجه وفضل أهل الصفة وفيه أن المدعو إذا وصل إلى
دار الداعي لا يدخل بغير استئذان وقد تقدم البحث فيه في كتاب الاستئذان مع الكلام على
حديث رسول الرجل أذنه وفيه جلوس كل أحد في المكان اللائق به وفيه اشعار بملازمة أبي بكر
246

وعمر للنبي صلى الله عليه وسلم ودعاء الكبير خادمه بالكنية وفيه ترخيم الاسم على ما تقدم والعمل
بالفراسة وجواب المنادي بلبيك واستئذان الخادم على مخدومه إذا دخل منزله وسؤال الرجل
عما يجده في منزله مما لا عهد له به ليرتب على ذلك مقتضاه وقبول النبي صلى الله عليه وسلم الهدية
وتناوله منها وايثاره ببعضها الفقراء وامتناعه من تناول الصدقة ووضعه لها فيمن يستحقها
وشرب الساقي آخرا وشرب صاحب المنزل بعده والحمد على النعم والتسمية عند الشرب
(تنبيه) وقع لأبي هريرة قصة أخرى في تكثير الطعام مع أهل الصفة فأخرج ابن حبان من
طريق سليم بن حبان عن أبيه عنه قال أتت على ثلاثة أيام لم أطعم فجئت أريد الصفة فجعلت
أسقط فجعل الصبيان يقولون جن أبو هريرة حتى انتهيت إلى الصفة فوافقت رسول الله صلى
الله عليه وسلم أتى بقصعة من ثريد فدعا عليها أهل الصفة وهم يأكلون منها فجعلت أتطاول كي
يدعوني حتى قاموا وليس في القصعة الا شئ في نواحيها فجمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار
لقمة فوضعها على أصابعه فقال لي كل باسم الله فوالذي نفسي بيده ما زلت آكل منها حتى
شبعت الحديث الثاني (قوله يحيى) هو ابن سعيد القطان وإسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس هو ابن
أبي حازم وسعد هو ابن أبي وقاص (قوله اني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله) زاد الترمذي من
طريق بيان عن قيس سمعت سعدا يقول اني لأول رجل اهراق دما في سبيل الله وفي رواية ابن
سعد في الطبقات من وجه آخر عن سعد ان ذلك كان في السرية التي خرج فيها مع عبيدة بن
الحارث في ستين راكبا وهي أول السرايا بعد الهجرة (قوله ورأيتنا) بضم المثناة (قوله ورق
الحبلة) بضم المهملة والموحدة وبسكون الموحدة أيضا ووقع في مناقب سعد بالتردد بين الرفع
والنصب (قوله وهذا السمر) بفتح المهملة وضم الميم قال أبو عبيد وغيره هما نوعان من شجر
البادية وقيل الحبلة ثمر العضاه بكسر المهملة وتخفيف المعجمة شجر الشوك كالطلح والعوسج
قال النووي وهذا جيد على رواية البخاري لعطفه الورق على الحبلة (قلت) هي رواية أخرى
عند البخاري بلفظ الا الحبلة وورق السمر وكذا وقع عند أحمد وابن سعد وغيرهما وفي رواية بيان
عند الترمذي ولقد رأيتني أغزو في العصابة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نأكل الا
ورق الشجر والحبلة وقال القرطبي وقع في رواية الأكثر عند مسلم الأورق الحبلة هذا السمر
وقال ابن الأعرابي الحبلة ثمر السمر يشبه اللوبية وفي رواية التيمي والطبري في مسلم وهذا السمر
بزيادة واو قال القرطبي ورواية البخاري أحسنها للتفرقة بين الورق والسمر ووقع في حديث
عتبة بن غزوان عند مسلم لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام الا
ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا (قوله ليضع) بالضاد المعجمة كناية عن الذي يخرج منه في
حال التغوط (قوله كما تضع الشاة) زاد بيان في روايته والبعير (قوله ماله خلط) بكسر المعجمة
وسكون اللام أي يصير بعرا لا يختلط من شدة اليبس الناشئ عن قشف العيش وتقدم بيانه في
شرح الحديث المذكور في مناقب سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه (قوله ثم أصبحت
بنو أسد) أي ابن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر وبنو أسد هم اخوة كنانة بن خزيمة جد
قريش وبنو أسد كانوا فيمن ارتد بعد النبي صلى الله عليه وسلم وتبعوا طليحة بن خويلد الأسدي
247

لما ادعى النبوة ثم قاتلهم خالد بن الوليد في عهد أبي بكر وكسرهم ورجع بقيتهم إلى الاسلام وتاب
طليحة وحسن إسلامه وسكن معظمهم الكوفة بعد ذلك ثم كانوا ممن شكا سعد بن أبي وقاص
وهو أمير الكوفة إلى عمر حتى عزله وقالوا في جملة ما شكوه انه لا يحسن الصلاة وقد تقدم بيان
ذلك واضحا في باب وجوب القراءة على الإمام والمأموم من أبواب صفة الصلاة وبينت هناك
أسماء من كان منهم من بني أسد المذكورين وأغرب النووي فنقل عن بعض العلماء أن مراد
سعد بقوله فأصبحت بنو أسد بنو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي
وفيه نظر لان القصة إن كانت هي التي وقعت في عهد عمر فلم يكن للزبير إذ ذاك بنون يصفهم سعد
بذلك ولا يشكو منهم فإن أباهم الزبير كان إذ ذاك موجودا وهو صديق سعد وإن كانت بعد ذلك
فيحتاج إلى بيان (قوله تعزرني) أي توقفني والتعزير التوقيف على الاحكام والفرائض قاله أبو
عبيد الهروي وقال الطبري معناه تقومني وتعلمني ومنه تعزير السلطان وهو التقويم بالتأديب
والمعنى أن سعدا أنكر أهلية بني أسد لتعليمه الاحكام مع سابقيته وقدم صحبته وقال الحربي معنى
تعزرني تلومني وتعتبني وقيل توبخني على التقصير وقال القرطبي بعد أن حكى ذلك في هذه
الأقوال بعد عن معنى الحديث قال والذي يظهر لي أن الأليق بمعناه أن المراد بالتعزير هنا
الاعظام والتوقير كأنه وصف ما كانت عليه حالتهم في أول الأمر من شدة الحال وخشونة العيش
والجهد ثم إنهم اتسعت عليهم الدنيا بالفتوحات وولوا الولايات فعظمهم الناس لشهرتهم وفضلهم
فكأنه كره تعظيم الناس له وخص بني أسد بالذكر لانهم أفرطوا في تعظيمه قال ويؤيده أن في
حديث عتبة بن غزوان الذي بعده في مسلم نحو حديث سعد في الإشارة إلى ما كانوا فيه من ضيق
العيش ثم قال في آخره فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك أي ابن أبي وقاص فأتزرت
بنصفها واتزر سعد بنصفها فما أصبح منا أحد الا وهو أمير على مصر من الأمصار انتهى وكان عتبة
يومئذ أمير البصرة وسعد أمير الكوفة (قلت) وهذا كله مردود لما ذكرته من أن بني أسد
شكوه وقالوا فيه ما قالوا ولذلك خصهم بالذكر وقد وقع في رواية خالد بن عبد الله الطحان عن
إسماعيل بن أبي خالد في آخر هذا الحديث في مناقب سعد بعد قوله وضل عملي وكانوا وشوا به إلى عمر
قالوا لا يحسن يصلى ووقع كذلك هنا في رواية معتمر بن سليمان عن إسماعيل عند الإسماعيلي
ووقع في بعض طرق هذا الحديث الذي فيه انهم شكوه عند مسلم فقال سعد أتعلمني الاعراب
الصلاة فهذا هو المعتمد وتفسير التعزير على ما شرحه من تقدم مستقيم واما قصة عتبة بن غزوان
فإنما قال في آخر حديثه ما قال لأنه خطب بذلك وهو يومئذ أمير فأراد اعلام القوم بأول امره
وآخره اظهارا منه للتواضع والتحدث بنعمة الله والتحذير من الاغترار بالدنيا واما سعد فقال ذلك
بعد أن عزل وجاء إلى عمر فاعتذر وأنكر على من سعى فيه بما سعى (قوله على الاسلام) في رواية
بيان على الدين (قوله خبت إذا وضل سعيي) في رواية خالد عملي كما ترى وكذا هو في معظم الروايات
وفي رواية بيان لقد خبت إذا وضل عملي ووقع عند ابن سعد عن يعلى ومحمد ابني عبيد عن إسماعيل
بسنده في آخره وضل عمليه بزيادة هاء في آخره وهي هاء السكت قال ابن الجوزي ان قيل كيف
ساغ لسعد أن يمدح نفسه ومن شأن المؤمن ترك ذلك لثبوت النهي عنه فالجواب أن ذلك ساغ
248

له لما عيره الجهال بأنه لا يحسن الصلاة فاضطر إلى ذكر فضله والمدحة إذا خلت عن البغي
والاستطالة وكان مقصود قائلها إظهار الحق وشكر نعمة الله لم يكره كما لو قال القائل اني لحافظ
لكتاب الله عالم بتفسيره وبالفقه في الدين قاصدا إظهار الشكر أو تعريف ما عنده ليستفاد ولو لم
يقل ذلك لم يعلم حاله ولهذا قال يوسف عليه السلام اني حفيظ عليم وقال علي سلوني عن كتاب الله
وقال ابن مسعود لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني لأتيته وساق في ذلك أخبارا وآثارا عن الصحابة
والتابعين تؤيد ذلك * الحديث الثالث (قوله حدثني عثمان) هو ابن أبي شيبة وجرير هو ابن
عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر وإبراهيم هو النخعي والأسود هو ابن يزيد وهؤلاء كلهم كوفيون
(قوله ما شبع آل محمد) أي النبي (صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة) يخرج ما كانوا فيه قبل
الهجرة (من طعام بر) يخرج ما عدا ذلك من أنواع المأكولات (ثلاث ليال) أي بأيامها (تباعا)
يخرج التفاريق (حتى قبض) إشارة إلى استمراره على تلك الحال مدة اقامته بالمدينة وهي عشر
سنين بما فيها من أيام أسفاره في الغزو والحج والعمرة وزاد ابن سعد من وجه آخر عن إبراهيم وما
رفع عن مائدته كسرة خبز فضلا حتى قبض ووقع في رواية الأعمش عن منصور فيه بلفظ ما شبع
رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية عبد الرحمن بن عابس عن أبيه عن عائشة ما شبع آل محمد
من خبز بر مأدوم أخرجه مسلم وفي رواية عبد الرحمن بن يزيد عن الأسود عن عائشة ما شبع آل محمد
صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض أخرجاه وعند مسلم من رواية يزيد
ابن قسيط عن عروة عن عائشة ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز وزيت في يوم واحد
مرتين وله من طريق مسروق عنها والله ما شبع من خبز ولحم في يوم مرتين وعند ابن سعد أيضا
من طريق الشعبي عن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تأتي عليه أربعة أشهر
ما يشبع من خبز البر وفي حديث أبي هريرة نحو حديث الباب ذكره المصنف في الأطعمة من
طريق سعيد المقبري عنه ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز حنطة حتى
فارق الدنيا وأخرجه مسلم أيضا عن أبي هريرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم
يشبع من خبز الشعير في اليوم والواحد غداء وعشاء وتقدم أيضا فس حديث سهل بن سعد ما شبع
رسول الله صلى الله عليه وسلم شبعتين في يوم حتى فارق الدنيا أخرجه ابن سعد والطبراني وفي
حديث عمران بن حصين ما شبع من غداء أو عشاء حتى لقي الله أخرجه الطبراني قال الطبري
استشكل بعض الناس كون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يطوون الأيام جوعا مع
ما ثبت أنه كان يرفع لأهله قوت سنة وأنه قسم بين أربعة أنفس ألف بعير مما أفاء الله عليه وأنه ساق
في عمرته مائة بدنة فنحرها وأطعمها المساكين وأنه أمر لأعرابي بقطيع من الغنم وغير ذلك مع
من كان معه من أصحاب الأموال كأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة وغيرهم مع بذلهم أنفسهم
وأموالهم بين يديه وقد أمر بالصدقة فجاء أبو بكر بجميع ماله وعمر بنصفه وحث على تجهيز جيش
العسرة فجهزهم عثمان بألف بعير إلى غير ذلك والجواب أن ذلك كان منهم في حالة دون حالة لا لعوز
وضيق بل تارة للإيثار وتارة لكراهة الشبع ولكثرة الاكل انتهى وما نفاه مطلقا فيه نظر لما
تقدم من الأحاديث آنفا وقد أخرج ابن حبان في صحيحه عن عائشة من حدثكم أنا كنا
نشبع من التمر فقد كذبكم فلما افتتحت قريظة أصبنا شيئا من التمر والودك وتقدم في غزوة خيبر
249

من رواية عكرمة عن عائشة لما فتحت خيبر قلنا الآن نشبع من التمر وتقدم في كتاب الأطعمة
حديث منصور بن عبد الرحمن عن أمه صفية بنت شيبة عن عائشة توفي رسول الله صلى الله عليه
وسلم حين شبعنا من التمر وفي حديث ابن عمر لما فتحت خيبر شبعنا من التمر والحق أن الكثير منهم
كانوا في حال ضيق قبل الهجرة حيث كانوا بمكة ثم لما هاجروا إلى المدينة كان أكثرهم كذلك
فواساهم الأنصار بالمنازل والمنائح فلما فتحت لهم النضير وما بعدها ردوا عليهم منائحهم كما تقدم
ذلك واضحا في كتاب الهبة وقريب من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لقد أخفت في الله وما يخاف
أحد ولقد أوذيت في الله وما يؤذي أحد ولقد أتت علي ثلاثون من يوم وليلة مالي ولبلال طعام
يأكله أحد الا شئ يواريه ابط بلال أخرجه الترمذي وصححه وكذا أخرجه ابن حبان بمعناه نعم
كان صلى الله عليه وسلم يختار ذلك مع إمكان حصول التوسع والتبسط في الدنيا له كما أخرج
الترمذي من حديث أبي أمامة عرض على ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا فقلت لا يا رب ولكن
أشبع يوما وأجوع يوما فإذا جعت تضرعت إليك وإذا شبعت شكرتك وسأذكر حديث عائشة
في ذلك * الحديث الرابع (قوله إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن) هو البغوي وهلال المذكور
في السند هو الوزان وهو ابن حميد (قوله ما أكل آل محمد) في رواية أحمد بن منيع عن إسحاق
الأزرق بسنده المذكور هنا ما شبع محمد بحذف لفظ آل وقد تقدم أن آل محمد قد يطلق ويراد به
محمد نفسه (قوله أكلتين في يوم الا إحداهما تمر) فيه إشارة إلى أن التمر كان أيسر عندهم من
غيره والسبب ما تقدم في الأحاديث التي قبله وفيه إشارة إلى أنهم ربما لم يجدوا في اليوم الا أكلة
واحدة فإن وجدوا أكلتين فاحداهما تمر ووقع عند مسلم من طريق وكيع عن مسعر بلفظ
ما شبع آل محمد يومين من خبز البر الا وأحدهما تمر وقد أخرج ابن سعد من طريق عمران بن زيد
المدني حدثني والدي قال دخلنا على عائشة فقالت خرج تعني النبي صلى الله عليه وسلم من الدنيا
ولم يملأ بطنه في يوم من طعامين كان إذا شبع من التمر لم يشبع من الشعير وإذا شبع من الشعير
لم يشبع من التمر وليس في هذا ما يدل على ترك الجمع بين لونين فقد ترجم المصنف في الأطعمة للجواز
وأورد حديث كان يأكل القثاء بالرطب وتقدم شرحه هناك وبيان ما يتعلق بذلك * الحديث
الخامس (قوله النضر) هو ابن شميل بالمعجمة مصغر (قوله كان فراش رسول الله صلى الله عليه
وسلم من أدم) بفتح الهمزة والموحدة (حشوه ليف) في رواية ابن نمير عن هشام عند ابن ماجة بلفظ
كان ضجاع رسول الله صلى الله عليه وسلم أدما حشوه ليف والضجاع بكسر الضاد المعجمة بعدها
جيم ما يرقد عليه وتقدم في باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجوز من اللباس والبسط من
كتاب اللباس حديث عمر الطويل في قصة المرأتين اللتين تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم
وفيه فإذا النبي صلى الله عليه وسلم على حصير قد أثر في جنبه وتحت رأسه مرفقة من أدم حشوها
ليف وأخرجه البيهقي في الدلائل من حديث أنس بنحوه وفيه وسادة بدل مرفقة ومن طريق
الشعبي عن مسروق عن عائشة دخلت على امرأة فرأت فراش النبي صلى الله عليه وسلم عباءة
مثنية فبعثت إلي بفراش حشوه صوف فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فرآه فقال رديه يا عائشة
والله لو شئت أجرى الله معي جبال الذهب والفضة وعند أحمد وأبي داود الطيالسي من حديث
ابن مسعود اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فأثر في جنبه فقيل له ألا نأتيك بشئ
250

يقيك منه فقال مالي وللدنيا انما أنا والدنيا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها * الحديث
السادس حديث أنس (قوله وخبازه قائم) لم أقف على اسمه وقد تقدم شرحه مستوفي في باب
الخبز المرقق من كتاب الأطعمة * الحديث السابع ذكره من طريقين وقد سقطت الثانية للنسفي
وأبي ذر وثبتت للباقين وهي عند الجميع في كتاب الهبة (قوله في الطريق الأولى يحيى) هو القطان
وهشام هو ابن عروة (قوله كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارا انما هو التمر والماء الا أن نؤتى
باللحيم) كذا فيه بالتصغير إشارة إلى قلته وقوله في الطريق الثانية ابن أبي حازم هو عبد العزيز بن
سلمة بن دينار وفي الاسناد ثلاثة من التابعين في نسق من أهل المدينة أبو حازم ويزيد وعروة
(قوله ابن أختي) بحذف حرف النداء أي يا ابن أختي لان أمه أسماء بنت أبي بكر (قوله إن كنا
لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين) المراد بالهلال الثالث هلال الشهر الثالث وهو يرى عند
انقضاء الشهرين وبرؤيته يدخل أول الشهر الثالث ووقع في رواية سعيد عن أبي هريرة عند ابن
سعد كان يمر برسول الله صلى الله عليه وسلم هلال ثم هلال ثم هلال لا يوقد في شئ من بيوته نار
لا لخبز ولا لطبخ (قوله فقلت ما كان يعيشكم) بضم أوله يقال أعاشه الله أي أعطاه العيش وفي
رواية أبي سلمة عن عائشة نحوه وفيه قلت فما كان طعامكم قالت الأسودان التمر والماء وفي
حديث أبي هريرة قالوا بأي شئ كانوا يعيشون نحوه وفي هذا إشارة إلى ثاني الحال بعد أن فتحت
قريظة وغيرها ومن هذا ما أخرجه الترمذي من حديث الزبير قال لما نزلت ثم لتسألن يومئذ عن
النعيم قلت وأي نعيم نسئل عنه وانما هو الأسودان التمر والماء قال إنه سيكون قال الصغاني
الأسودان يطلق على التمر والماء والسواد للتمر دون الماء فنعتا بنعت واحد تغليبا وإذا اقترن
الشيئان سميا باسم أشهرهما وعن أبي زيد الماء يسمى الأسود واستشهد لذلك بشعر (قلت) وفيه
نظر وقد تقع الخفة أو الشرف موضع الشهرة كالعمرين لأبي بكر وعمر والقمرين للشمس والقمر
(قوله الا انه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار) زاد أبو هريرة في حديثه
جزاهم الله خيرا (قوله كان لهم منائح) جمع منيحة بنون وحاء مهملة وعند الترمذي وصححه من
حديث ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة وأهله طاوين لا يجدون
عشاء وعند ابن ماجة من حديث أبي هريرة أتى النبي صلى الله عليه وسلم بطعام سخن فأكل فلما
فرغ قال الحمد لله ما دخل بطني طعام سخن منذ كذا وكذا وسنده حسن ومن شواهد الحديث
ما أخرجه ابن ماجة بسند صحيح عن أنس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مرارا
والذي نفس محمد بيده ما أصبح عند آل محمد صاع حب ولا صاع تمر وان له يومئذ لتسع نسوة وله
شاهد عند ابن ماجة عن ابن مسعود * الحديث الثامن (قوله عن أبيه) هو فضيل بن غزوان
وعمارة هو ابن القعقاع وأبو زرعة هو ابن عمرو بن جرير (قوله اللهم ارزق آل محمد قوتا) هكذا وقع
هنا وفي رواية الأعمش عن عمارة عند مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة اللهم اجعل رزق آل
محمد قوتا وهو المعتمد فإن اللفظ الأول صالح لان يكون دعاء بطلب القوت في ذلك اليوم وأن يكون
طلب لهم القوت بخلاف اللفظ الثاني فإنه يعين الاحتمال الثاني وهو الدال على الكفاف وقد
تقدم تقرير ذلك في الباب الذي قبله وعلى ذلك شرحه ابن بطال فقال فيه دليل على فضل الكفاف
251

وأخذ البلغة من الدنيا والزهد فيما فوق ذلك رغبة في توفر نعيم الآخرة وايثارا لما يبقى على
ما يفنى فينبغي أن تقتدي به أمته في ذلك وقال القرطبي معنى الحديث أنه طلب الكفاف فإن
القوت ما يقوت البدن ويكف عن الحاجة وفي هذه الحالة سلامة من آفات الغنى والفقر جميعا
والله أعلم (قوله باب القصد) بفتح القاف وسكون المهملة هو سلوك الطريق
المعتدلة أي استحباب ذلك وسيأتي انهم فسروا السداد بالقصد وبه تظهر المناسبة (قوله
والمداومة على العمل) أي الصالح ذكر فيه ثمانية أحاديث أكثرها مكرر وفي بعضها زيادة على
بعض ومحصل ما اشتملت عليه الحث على مداومة العمل الصالح وان قل وان الجنة لا يدخلها
أحد بعمله بل برحمة الله وقصة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم الجنة والنار في صلاته والأول هو
المقصود بالترجمة والثاني ذكر استطرادا وله تعلق بالترجمة أيضا والثالث يتعلق بها أيضا بطريق
خفي * الحديث الأول (قوله حدثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي رواد وأشعث
هو ابن سليم بن الأسود وأبوه يكنى أبا الشعثاء بمعجمة ثم مهملة ثم مثلثة وهو بها أشهر وقد تقدم
هذا الحديث بهذا الاسناد في باب من نام عند السحر من كتاب التهجد وتقدم شرحه هناك
والمراد بالصارخ الديك وقوله هنا قلت في أي حين كان يقوم وقع في رواية الكشميهني فأي حين
وقد تقدم هناك بلفظ قلت متى كان يقوم وأعقبه برواية أبي الأحوص عن أشعث بلفظ إذا
سمع الصارخ قام فصلى اختصره وأخرجه مسلم من هذا الوجه بتمامه وقال فيه قلت أي حين كان
يصلي فذكره * الحديث الثاني حديث عائشة أيضا من طريق عروة عنها انها قالت كان أحب
العمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يدوم عليه صاحبه وهذا يفسر الذي قبله
وقد ثبت هذا من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي يلي الذي بعده * الحديث
الثالث حديث أبي هريرة من رواية سعيد المقبري عنه (قوله لن ينجي أحدا منكم عمله) في رواية
أبي داود الطيالسي عن ابن أبي ذئب ما منكم من أحد ينجيه عمله وأخرجه أبو نعيم من طريقه
وتقدم في كفارة المرض من طريق أبي عبيد عن أبي هريرة بلفظ لم يدخل أحدا عمله الجنة
وأخرجه مسلم أيضا وهو كلفظ عائشة في الحديث الرابع هنا ولمسلم من طريق ابن عون عن محمد
ابن سيرين عن أبي هريرة ليس أحد منكم ينجيه عمله ومن طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي
هريرة أنه لن ينجو أحد منكم بعمله وله من حديث جابر لا يدخل أحدا منكم عمله الجنة ولا يجيره
من النار ومعنى قوله ينجي أي يخلص والنجاة من الشئ التخلص منه قال ابن بطال في الجمع بين
هذا الحديث وقوله تعالى وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ما محصله أن تحمل الآية
على أن الجنة تنال المنازل فيها بالاعمال فإن درجات الجنة متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال وان
يحمل الحديث على دخول الجنة والخلود فيها ثم أورد على هذا الجواب قوله تعالى سلام عليكم
ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون فصرح بأن دخول الجنة أيضا وبالاعمال وأجاب بأنه لفظ مجمل بينه
الحديث والتقدير ادخلوا منازل الجنة وقصورها بما كنتم تعملون وليس المراد بذلك أصل
الدخول ثم قال ويجوز أن يكون الحديث مفسرا للآية والتقدير ادخلوها بما كنتم تعملون مع
رحمة الله لكم وتفضله عليكم لان اقتسام منازل الجنة برحمته وكذا أصل دخول الجنة هو برحمته
252

حيث ألهم العاملين ما نالوا به ذلك ولا يخلو شئ من مجازاته لعباده من رحمته وفضله وقد تفضل
عليهم ابتداء بايجادهم ثم برزقهم ثم بتعليمهم وقال عياض طريق الجمع أن الحديث فسر ما أجمل
في الآية فذكر نحوا من كلام ابن بطال الأخير وان من رحمة الله توفيقه للعمل وهدايته للطاعة
وكل ذلك لم يستحقه العامل بعمله وانما هو بفضل الله وبرحمته وقال ابن الجوزي يتحصل عن ذلك
أربعة أجوبة الأول أن التوفيق للعمل من رحمة الله ولولا رحمة الله السابقة ما حصل الايمان ولا
الطاعة التي يحصل بها النجاة الثاني أن منافع العبد لسيده فعمله مستحق لمولاه فمهما أنعم عليه من
الجزاء فهو من فضله الثالث جاء في بعض الأحاديث أن نفس دخول الجنة برحمة الله واقتسام
الدرجات بالاعمال الرابع أن أعمال الطاعات كانت في زمن يسير والثواب لا ينفد فالانعام الذي
لا ينفد في جزاء ما ينفد بالفضل لا بمقابلة الأعمال وقال الكرماني الباء في قوله بما كنتم تعملون
ليست للسببية بل للالصاق أو المصاحبة أي أورثتموها ملابسة أو مصاحبة أو للمقابلة نحو
أعطيت الشاة بالدرهم وبهذا الأخير جزم الشيخ جمال الدين بن هشام في المغني فسبق إليه فقال
ترد الباء للمقابلة وهي الداخلة على الأعواض كاشتريته بألف ومنه ادخلوا الجنة بما كنتم
تعملون وانما لم تقدر هنا للسببية كما قالت المعتزلة وكما قال الجميع في لن يدخل أحدكم الجنة بعمله
لان المعطي بعوض قد يعطي مجانا بخلاف المسبب فلا يوجد بدون السبب قال وعلى ذلك ينتفي
التعارض بين الآية والحديث (قلت) سبقه إلى ذلك ابن القيم فقال في كتاب مفتاح دار السعادة
الباء المقتضية للدخول غير الباء الماضية فالأولى السببية الدالة على أن الأعمال سبب الدخول
المقتضية له كاقتضاء سائر الأسباب لمسبباتها والثانية بالمعاوضة نحو اشتريت منه بكذا فأخبر أن
دخول الجنة ليس في مقابلة عمل أحد وانه لولا رحمة الله لعبده لما أدخله الجنة لان العمل بمجرده ولو
تناهى لا يوجب بمجرده دخول الجنة ولا أن يكون عوضا لها لأنه ولو وقع على الوجه الذي يحبه الله
لا يقاوم نعمة الله بل جميع العمل لا يوازي نعمة واحدة فتبقى سائر نعمه مقتضية لشكرها وهو لم
يوفها حق شكرها فلو عذبه في هذه الحالة لعذبه وهو غير ظالم وإذا رحمه في هذه الحالة كانت رحمته
خيرا من عمله كما في حديث أبي بن كعب الذي أخرجه أبو داود وابن ماجة في ذكر القدر ففيه لو أن
الله عذب أهل سماواته وأرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم
الحديث قال وهذا فصل الخطاب مع الجبرية الذين أنكروا أن تكون الأعمال سببا في دخول
الجنة من كل وجه والقدرية الذين زعموا أن الجنة عوض العمل وانها ثمنه وان دخولها
بمحض الأعمال والحديث يبطل دعوى الطائفتين والله أعلم (قلت) وجوز الكرماني أيضا أن
يكون المراد أن الدخول ليس بالعمل والادخال المستفاد من الإرث بالعمل وهذا ان مشى في
الجواب عن قوله تعالى أورثتموها بما كنتم تعملون لم يمش في قوله تعالى ادخلوا الجنة بما كنتم
تعملون ويظهر لي في الجمع بين الآية والحديث جواب آخر وهو أن يحمل الحديث على أن العمل
من حيث هو عمل لا يستفيد به العامل دخول الجنة ما لم يكن مقبولا وإذا كان كذلك فأمر
القبول إلى الله تعالى وانما يحصل برحمة الله لمن يقبل منه وعلى هذا فمعنى قوله ادخلوا الجنة
بما كنتم تعملون أي تعملونه من العمل المقبول ولا يضر بعد هذا أن تكون الباء للمصاحبة
أو للالصاق أو المقابلة ولا يلزم من ذلك أن تكون سببية ثم رأيت النووي جزم بأن ظاهر الآيات
253

أن دخول الجنة بسبب الأعمال والجمع بينها وبين الحديث أن التوفيق للأعمال والهداية
للاخلاص فيها وقبولها انما هو برحمة الله وفضله فيصح أنه لم يدخل بمجرد العمل وهو مراد
الحديث ويصح أنه دخل بسبب العمل وهو من رحمة الله تعالى ورد الكرماني الأخير بأنه خلاف
صريح الحديث وقال المازري ذهب أهل السنة إلى أن إثابة الله تعالى من أطاعه بفضل منه
وكذلك انتقامه ممن عصاه بعدل منه ولا يثبت واحد منهما الا بالسمع وله سبحانه وتعالى أن يعذب
الطائع وينعم العاصي ولكنه أخبر أنه لا يفعل ذلك وخبره صدق لا خلف فيه وهذا الحديث
يقوى مقالتهم ويرد على المعتزلة حيث أثبتوا بعقولهم أعواض الأعمال ولهم في ذلك خبط كثير
وتفصيل طويل (قوله قالوا ولا أنت يا رسول الله) وقع في رواية بشر بن سعيد عن أبي هريرة
عند مسلم فقال رجل ولم أقف على تعيين القائل قال الكرماني إذا كان كل الناس لا يدخلون
الجنة الا برحمة الله فوجه تخصيص رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذكر أنه إذا كان مقطوعا له بأنه
يدخل الجنة ثم لا يدخلها الا برحمة الله فغيره يكون في ذلك بطريق الأولى (قلت) وسبق إلى تقرير
هذا المعنى الرافعي في أماليه فقال لما كان أجر النبي صلى الله عليه وسلم في الطاعة أعظم وعمله في
العبادة أقوم قيل له ولا أنت أي لا ينجيك عملك مع عظم قدره فقال لا الا برحمة الله وقد ورد جواب
هذا السؤال بعينه من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم عند مسلم من حديث جابر بلفظ لا يدخل
أحدا منكم عمله الجنة ولا يجيره من النار ولا أنا الا برحمة من الله تعالى (قوله الا أن يتغمدني الله)
في رواية سهيل الا أن يتداركني (قوله برحمة) في رواية أبي عبيد بفضل ورحمة وفي رواية
الكشميهني من طريقه بفضل رحمته وفي رواية الأعمش برحمة وفضل وفي رواية بشر بن سعيد منه
برحمة وفي رواية ابن عون بمغفرة ورحمة وقال ابن عون بيده هكذا وأشار على رأسه وكأنه أراد
تفسير معنى يتغمدني قال أبو عبيد المراد بالتغمد الستر وما أظنه الا مأخوذا من غمد السيف لأنك
إذا غمدت السيف فقد ألبسته الغمد وسترته به قال الرافعي في الحديث أن العامل لا ينبغي أن
يتكل على عمله في طلب النجاة ونيل الدرجات لأنه انما عمل بتوفيق الله وانما ترك المعصية بعصمة الله
فكل ذلك بفضله ورحمته (قوله سددوا) في رواية بشر بن سعيد عن أبي هريرة عند مسلم ولكن
سددوا ومعناه اقصدوا السداد أي الصواب ومعنى هذا الاستدراك أنه قد يفهم من النفي
المذكور نفي فائدة العمل فكأنه قيل بل له فائدة وهو أن العمل علامة على وجود الرحمة التي
تدخل العامل الجنة فاعملوا واقصدوا بعملكم الصواب أي اتباع السنة من الاخلاص وغيره
ليقبل عملكم فينزل عليكم الرحمة (قوله وقاربوا) أي لا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة لئلا
يفضي بكم ذلك إلى الملال فتتركوا العمل فتفرطوا وقد أخرج البزار من طريق محمد بن سوقة عن
ابن المنكدر عن جابر ولكن صوب إرساله وله شاهد في الزهد لابن المبارك من حديث عبد الله
ابن عمرو موقوف ان هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولا تبغضوا إلى أنفسكم عبادة الله فإن
المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى والمنبت بنون ثم موحدة ثم مثناة ثقيلة أي الذي عطب
مركوبه من شدة السير مأخوذ من البت وهو القطع أي صار منقطعا لم يصل إلى مقصوده وفقد
مركوبه الذي كان يوصله لو رفق به وقوله أو غلوا بكسر المعجمة من الوغول وهو الدخول في الشئ
(قوله واغدوا وروحوا وشيئا من الدلجة) في رواية الطيالسي عن ابن أبي ذئب وخطأ من الدلجة
254

والمراد بالغدو السير من أول النهار وبالرواح السير من أول النصف الثاني من النهار والدلجة بضم
المهملة وسكون اللام ويجوز فتحها وبعد اللام جيم سير الليل يقال سار دلجة من الليل أي ساعة
فلذلك قال شيئا من الدلجة لعسر سير جميع الليل فكان فيه إشارة إلى صيام جميع النهار وقيام بعض
الليل والى أعم من ذلك من سائر أوجه العبادة وفيه إشارة إلى الحث على الرفق في العبادة وهو
الموافق للترجمة وعبر بما يدل على السير لان العابد كالسائر إلى محل إقامته وهو الجنة وشيئا منصوب
بفعل محذوف أي افعلوا وقد تقدم بأبسط من هذا في كتاب الايمان في باب الدين يسر (قوله
والقصد القصد) بالنصب على الاغراء أي الزموا الطريق الوسط المعتدل ومنه قوله في حديث جابر
ابن سمرة عند مسلم كانت خطبته قصدا أي لا طويلة ولا قصيرة واللفظ الثاني للتأكيد ووقفت
على سبب لهذا الحديث فأخرج ابن ماجة من حديث جابر قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم
برجل يصلي على صخرة فأتى ناحية فمكث ثم انصرف فوجده على حاله فقام فجمع يديه ثم قال أيها
الناس عليكم القصد عليكم القصد * الحديث الرابع (قوله حدثنا عبد العزيز بن عبد الله) هو
الأويسي وسليمان هو ابن بلال (قوله عن موسى بن عقبة) قال الإسماعيلي بعد أن أخرجه
من طريق محمد بن الحسين المخزومي عن سليمان بن بلال عن عبد العزيز بن المطلب عن موسى بن
عقبة لم أر في كتاب البخاري عن عبد العزيز بن المطلب بين سليمان وموسى (قلت) وهو المحفوظ
والذي زاده غير معتمد لأنه متفق على ضعفه وهو المعروف بابن زبالة بفتح الزاي وتخفيف الموحدة
المدني وهذا من الأمثلة لما تعقبته علي ابن الصلاح في جزمه بأن الزيادات التي تقع في
المستخرجات يحكم بصحتها لأنها خارجة مخرج الصحيح ووجه التعقب أن الذين استخرجوا
لم يصرحوا بالتزام ذلك سلمنا أنهم التزموا ذلك لكن لم يفوا به وهذا من أمثلة ذلك فإن ابن زبالة
ليس من شرط الصحيح (قوله عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) سيأتي ما يتعلق باتصاله بعد حديثين وقد
تقدم شرح المتن في الذي قبله (قوله وان أحب الأعمال الخ) خرج هذا جواب سؤال سيأتي
بيانه في الذي بعده * الحديث الخامس (قوله عن سعد بن إبراهيم) أي ابن عبد الرحمن بن عوف
وأبو سلمة شيخه هو عمه (قوله عن عائشة وقع عند النسائي من طريق ابن إسحاق وهو السبيعي
عن أبي سلمة عن أم سلمة فذكر معنى حديث عائشة ورواية سعد بن إبراهيم أقوى لكون أبي سلمة
بلدية وقريبه بخلاف ابن إسحاق في الامرين ويحتمل أن يكون عند أبي سلمة عن أمي المؤمنين
لاختلاف السياقين فإن لفظه عن أم سلمة بعد زيادة في أوله وكان أحب الأعمال إليه الذي يدوم
عليه العبد وإن كان يسيرا وقد تقدم من طريق القاسم بن محمد عن عائشة نحو سياق أبي سلمة
عن عائشة (قوله سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلى الله) لم أقف على تعيين
السائل عن ذلك لكن (قوله قال أدومها وان قل) فيه سؤال وهو أن المسؤول
عنه أحب الأعمال وظاهره السؤال عن ذات العمل فلم يتطابقا ويمكن أن يقال إن هذا السؤال
وقع بعد قوله في الحديث الماضي في الصلاة وفي الحج وفي بر الوالدين حيث أجاب بالصلاة ثم بالبر إلى
آخره ثم ختم ذلك بأن المداومة على عمل من أعمال البر ولو كان مفضولا أحب إلى الله من عمل
يكون أعظم اجرا لكن ليس فيه مداومة (قوله وقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم هو موصول
بالسند المذكور (قوله اكلفوا) بفتح اللام وبضمها أيضا قال ابن التين هو في اللغة بالفتح
255

ورويناه بالضم والمراد به الابلاغ بالشئ إلى غايته يقال كلفت بالشئ إذا أولعت به ونقل بعض
الشراح أنه روى بفتح الهمزة وكسر اللام من الرباعي ورد بأنه لم يسمع أكلف بالشئ قال المحب
الطبري الكلف بالشئ التولع به فاستعير للعمل للالتزام والملابسة وألفه ألف وصل والحكمة
في ذلك ان المديم للعمل يلازم الخدمة فيكثر التردد إلى باب الطاعة كل وقت ليجازي بالبر لكثرة
تردده فليس هو كمن لازم الخدمة مثلا ثم انقطع وأيضا فالعامل إذا ترك العمل صار كالمعرض
بعد الوصل فيتعرض للذم والجفاء ومن ثم ورد الوعيد في حق من حفظ القرآن ثم نسيه والمراد
بالعمل هنا الصلاة والصيام وغيرهما من العبادات (قوله ما تطيقون) أي قدر طاقتكم
والحاصل انه أمر بالجد في العبادة والابلاغ بها إلى حد النهاية لكن بقيد مالا تقع معه المشقة
المفضية إلى السآمة والملال * الحديث السادس (قوله جرير) هو ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن
المعتمر وإبراهيم هو النخعي وعلقمة هو ابن قيس وهو خال إبراهيم والسند كله إلى عائشة كوفيون
(قوله هل كان يخص شيئا من الأيام) أي بعبادة مخصوصة لا يفعل مثلها في غيره (قالت لا) وقد
استشكل ذلك بما ثبت عنها أن أكثر صيامه كان في شعبان كما تقدم تقريره في كتاب الصيام وبأنه
كان يصوم أيام البيض كما ثبت في السنن وتقدم بيانه أيضا وأجيب بأن مرادها تخصيص عبادة
معينة في وقت خاص واكثاره الصيام في شعبان انما كان لأنه كان يعتريه الوعك كثيرا وكان يكثر
السفر في الغزو فيفطر بعض الأيام التي كان يريد أن يصومها فيتفق أن لا يتمكن من قضاء ذلك
الا في شعبان فيصير صيامه في شعبان بحسب الصورة أكثر من صيامه في غيره وأما أيام البيض فلم
يكن يواظب على صيامها في أيام بعينها بل كان ربما صام من أول الشهر
وربما صام من وسطه
وربما صام من آخره ولهذا قال أنس ما كنت تشاء أن تراه صائما من النهار الا رأيته ولا قائما من
الليل الا رأيته وقد تقدم هذا كله بأبسط من هذا في كتاب الصيام أيضا (قوله كان عمله ديمة) بكسر
الدال المهملة وسكون التحتانية أي دائما والديمة في الأصل المطر المستمر مع سكون بلا رعد ولا برق
ثم استعمل في غيره وأصلها الواو فانقلبت بالكسرة قبلها ياء (قوله وأيكم يستطيع الخ) أي
في العبادة كمية كانت أو كيفية من خشوع وخضوع واخبات وإخلاص والله أعلم * الحديث
السابع (قوله محمد بن الزبرقان) بكسر الزاي والراء بينهما باء موحدة وبالقاف
هو أبو همام الأهوازي وثقه علي بن المديني والدارقطني وغيرهما وقال أبو حاتم الرازي صدوق
وذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ وماله في البخاري سوى هذا الحديث الواحد
وقد توبع فيه (قوله قال أظنه عن أبي النضر) هو سالم بن أبي أمية المدني التيمي وفاعل
أظنه هو علي بن المديني شيخ البخاري فيه وكأنه جوز أن يكون موسى بن عقبة لم يسمع هذا
الحديث من أبي سلمة بن عبد الرحمن وأن بينهما فيه واسطة وهو أبو النضر لكن قد ظهر من
وجه آخر أن لا واسطة لتصريح وهيب وهو ابن خالد عن موسى بن عقبة بقوله سمعت أبا سلمة
وهذا هو النكتة في إيراد الرواية المعلقة بعدها عن عفان عن وهيب وطريق عفان هذه
وصلها أحمد في مسنده قال حدثنا عفان بسنده وأخرجها البيهقي في الشعب من طريق إبراهيم
الحربي عن عفان وأخرج مسلم الحديث المذكور من طريق بهز بن أسد عن وهيب
256

(قوله سددوا وأبشروا) هكذا اقتصر على طرف المتن لان غرضه منه بيان اتصال السند فاكتفى
وقد ساقه أحمد بتمامه عن عفان مثل رواية أبي همام سواء لكن قدم وأخر في بعض ألفاظه
وكذا لمسلم في رواية بهز وزاد في آخره واعملوا أن أحب العمل إلى الله أدومه وان قل ومضى
لنحو هذا الحديث في كتاب اللباس سبب وهو من طريق سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي سلمة
عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجر حصيرا بالليل فيصلي عليه ويبسطه في النهار
فيجلس عليه فجعل الناس يصلون عليه بصلاته حتى كثروا فأقبل عليهم فقال يا أيها الناس عليكم
من الأعمال بما تطيقون ووقفت له على سبب آخر وهو عند ابن حبان من حديث أبي هريرة قال
مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رهط من أصحابه وهم يضحكون فقال لو تعلمون ما أعلم
لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا فأتاه جبريل فقال إن ربك يقول لك لا تقنط عبادي فرجع إليهم
فقال سددوا وقاربوا قال ابن حزم في كلامه على مواضع من البخاري معنى الامر بالسداد
والمقاربة أنه صلى الله عليه وسلم أشار بذلك إلى أنه بعث ميسرا مسهلا فأمر أمته بأن يقتصدوا
في الأمور لان ذلك يقتضي الاستدامة عادة (قوله وقال مجاهد سديدا سدادا صدقا) كذا ثبت
للأكثر والذي ثبت عن مجاهد عند الفريابي والطبري وغيرهما من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد
في قوله تعالى قولا سديدا قال سدادا والسداد بفتح أوله العدل المعتدل الكافي وبالكسر ما يسد
الخلل والذي وقع في الرواية بالفتح وزعم مغلطاي وتبعه شيخنا ابن الملقن أن الطبري وصل تفسير
مجاهد عن موسى بن هارون عن عمرو بن طلحة عن أسباط عن السدى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد
وهذا وهم فاحش فما للسدي عن ابن أبي نجيح رواية ولا أخرجه الطبري من هذا الوجه وانما أخرج
من وجه آخر عن السدى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله قولا سديدا قال القول السديد
أن يقول لمن حضره الموت قدم لنفسك واترك لولدك وأخرج أثر مجاهد من رواية ورقاء عن
ابن أبي نجيح وأخرج أيضا من طريق يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال في قوله
تعالى قولا سديدا قال عدلا يعني في منطقه وفي عمله قال والسداد الصدق وكذا أخرجه ابن أبي
حاتم عن قتادة ومن طريق مبارك بن فضالة عن الحسن البصري في قوله قولا سديدا قال صدقا
وأخرج الطبري من طريق الكلبي مثله والذي أظنه أنه سقط من الأصل لفظه والتقدير قال
مجاهد سدادا وقال غيره صدقا أو الساقط منه لفظة أي كأن المصنف أراد تفسير ما فسر به مجاهد
السديد * الحديث الثامن (قوله فليح) هو ابن سليمان والاسناد كله مدنيون (قوله صلى لنا
يوما الصلاة) وقع في رواية الزهري عن أنس انها الظهر (قوله ثم رقى) بفتح أوله وكسر القاف من
الارتقاء أي صعد وزنا ومعنى (قوله من قبل) أي من جهة وزنا ومعنى (قوله أريت) بضم الهمزة
وكسر الراء وفي بعضها رأيت بفتحتين (قوله ممثلتين) أي مصورتين وزنا ومعنى يقال مثله إذا
صوره كأنه ينظر إليه (قوله في قبل) بضم القاف والموحدة والمراد بالجدار جدار المسجد (قوله
فلم أر كاليوم في الخير والشر) وقع هنا مكررا تأكيدا وقد تقدم شرح هذا اللفظ في باب وقت الظهر
من أبواب المواقيت ويأتي شرح الحديث مستوفي في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى وفي
الحديث إشارة إلى الحث على مداومة العمل لان من مثل الجنة والنار بين عينيه كان ذلك باعثا له
على المواظبة على الطاعة والانكفاف عن المعصية وبهذا التقريب تظهر مناسبة الحديث
257

للترجمة (قوله باب الرجاء مع الخوف) أي استحباب ذلك فلا يقطع النظر في الرجاء عن
الخوف وفي الخوف عن الرجاء لئلا يفضي في الأول إلى المكر وفي الثاني إلى القنوط وكل منهما
مذموم والمقصود من الرجاء أن من وقع منه تقصير فليحسن ظنه بالله ويرجو أن يمحو عنه ذنبه
وكذا من وقع منه طاعة يرجو قبولها وأما من انهمك على المعصية راجيا عدم المؤاخذة بغير ندم
ولا اقلاع فهذا في غرور وما أحسن قول أبي عثمان الجيزي من علامة السعادة أن تطيع وتخاف
أن لا تقبل ومن علامة الشقاء أن تعصي وترجو أن تنجو وقد أخرج ابن ماجة من طريق
عبد الرحمن بن سعيد بن وهب عن أبيه عن عائشة قلت يا رسول الله الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم
وجلة أهو الذي يسرق ويزني قال لا ولكنه الذي يصوم ويتصدق ويصلي ويخاف أن لا يقبله منه
وهذا كله متفق على استحبابه في حالة الصحة وقيل الأول أن يكون الخوف في الصحة أكثر وفي
المرض عكسه وأما عند الاشراف على الموت فاستحب قوم الاقتصار على الرجاء لما يتضمن من
الافتقار إلى الله تعالى ولان المحذور من ترك الخوف قد تعذر فيتعين حسن الظن بالله برجاء عفوه
ومغفرته ويؤيده حديث لا يموتن أحدكم الا وهو يحسن الظن بالله وسيأتي الكلام عليه في كتاب
التوحيد وقال آخرون لا يهمل جانب الخوف أصلا بحيث يجزم بأنه آمن ويؤيده ما أخرج
الترمذي عن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال له كيف تجدك
فقال أرجو الله وأخاف ذنوبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتمعان في قلب عبد في هذا
الموطن الا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف ولعل البخاري أشار إليه في الترجمة ولما لم يوافق
شرطه أورد ما يؤخذ منه وان لم يكن مساويا له في التصريح بالمقصود (قوله وقال سفيان) هو
ابن عيينة (ما في القرآن آية أشد علي من) قوله تعالى قل يا أهل الكتاب (لستم على شئ حتى تقيموا
التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم) وقد تقدم الكلام على هذا الأثر وبيانه والبحث فيه
في تفسير المائدة ومناسبته للترجمة من جهة أن الآية تدل على أن من لم يعمل بما تضمنه الكتاب
الذي أنزل عليه لم تحصل له النجاة لكن يحتمل أن يكون ذلك من الاصر الذي كان كتب على من
قبل هذه الأمة فيحصل الرجاء بهذه الطريق مع الخوف (قوله حدثنا قتيبة) هو ابن سعيد وثبت
كذلك لغير أبي ذر وعمرو هو ابن أبي عمرو مولى المطلب وهو تابعي صغير وشيخه تابعي وسط وهما
مدنيان (قوله إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة) قال ابن الجوزي رحمة الله صفة من
صفات ذاته وليس هي بمعنى الرقة التي في صفات الآدميين بل ضرب ذلك مثلا لما يعقل من ذكر
الاجزاء ورحمة المخلوقين والمراد أنه أرحم الراحمين (قلت) المراد بالرحمة هنا ما يقع من صفات
الفعل كما سأقرره فلا حاجة للتأويل وقد تقدم في أوائل الأدب جواب آخر مع مباحث حسنة
وهو في باب جعل الله الرحمة مائة جزء (قوله وأرسل في خلقه كلهم) كذا لهم وكذا للإسماعيلي
عن الحسن بن سفيان ولأبي نعيم من طريق السراج كلاهما عن قتيبة وذكر الكرماني أن في
بعض الروايات في خلقه كله (قوله فلو يعلم الكافر) كذا ثبت في هذه الطريق بالفاء إشارة إلى
ترتيب ما بعدها على ما قبلها ومن ثم قدم ذكر الكافر لان كثرتها وسعتها تقتضي أن يطمع فيها
كل أحد ثم ذكر المؤمن استطرادا وروى هذا الحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي
هريرة فقطعه حديثين أخرجهما مسلم من طريقه فذكر حديث الرحمة بلفظ خلق الله مائة رحمة
258

فوضع واحدة بين خلقه وخبأ عنده مائة الا واحدة وذكر الحديث الآخر بلفظ لو يعلم المؤمن
الخ والحكمة في التعبير بالمضارع دون الماضي الإشارة إلى أنه لم يقع له علم ذلك ولا يقع لأنه إذا
امتنع في المستقبل كان ممتنعا فيما مضى (قوله بكل الذي) استشكل هذا التركيب لكون كل
إذا أضيفت إلى الموصول كانت إذ ذاك لعموم الاجزاء لا لعموم الافراد والغرض من سياق
الحديث تعميم الافراد وأجيب بأنه وقع في بعض طرقه أن الرحمة قسمت مائة جزء فالتعميم حينئذ
لعموم الاجزاء في الأصل أو نزلت الاجزاء منزلة الافراد مبالغة (قوله لم ييأس من الجنة) قيل
المراد أن الكافر لو علم سعة الرحمة لغطى على ما يعلمه من عظم العذاب فيحصل له الرجاء أو المراد
أن متعلق علمه بسعة الرحمة مع عدم التفاته إلى مقابلها يطمعه في الرحمة ومطابقة الحديث
للترجمة انه اشتمل على الوعد والوعيد المقتضيين للرجاء والخوف فمن علم أن من صفات الله تعالى
الرحمة لمن أراد أن يرحمه والانتقام ممن أراد أن ينتقم منه لا يأمن انتقامه من يرجو رحمته ولا
ييأس من رحمته من يخاف انتقامه وذلك باعث على مجانبة السيئة ولو كانت صغيرة وملازمة
الطاعة ولو كانت قليلة قيل في الجملة الأولى نوع اشكال فان الجنة لم تخلق للكافر ولا طمع له فيها
فغير مستبعد أن يطمع في الجنة من لا يعتقد كفر نفسه فيشكل ترتب الجواب على ما قبله
وأجيب بأن هذه الكلمة سيقت لترغيب المؤمن في سعة رحمة الله التي لو علمها الكافر الذي كتب
عليه أنه يختم عليه أنه لاحظ له في الرحمة لتطاول إليها ولم ييأس منها اما بايمانه المشروط واما لقطع
نظره عن الشرط مع تيقنه بأنه على الباطل واستمراره عليه عنادا وإذا كان ذلك حال الكافر
فكيف لا يطمع فيها المؤمن الذي هداه الله للايمان وقد ورد أن إبليس يتطاول للشفاعة لما
يرى يوم القيامة من سعة الرحمة أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث جابر ومن حديث حذيفة
وسند كل منهما ضعيف وقد تكلم الكرماني هنا على لو بما حاصله أنها هنا لانتفاء الثاني وهو
الرجاء لانتفاء الأول وهو العلم فأشبهت لو جئتني أكرمتك وليست لانتفاء الأول لانتفاء الثاني
كما بحثه ابن الحاجب في قوله تعالى لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا والعلم عند الله قال والمقصود
من الحديث أن المكلف ينبغي له أن يكون بين الخوف والرجاء حتى لا يكون مفرطا في الرجاء بحيث
يصير من المرجئة القائلين لا يضر مع الايمان شئ ولا في الخوف بحيث لا يكون من الخوارج
والمعتزلة القائلين بتخليد صاحب الكبيرة إذا مات عن غير توبة في النار بل يكون وسطا بينهما كما
قال الله تعالى يرجون رحمته ويخافون عذابه ومن تتبع دين الاسلام وجد قواعده أصولا
وفروعا كلها في جانب الوسط والله أعلم (قوله باب الصبر عن محارم الله) يدخل
في هذا المواظبة على فعل الواجبات والكف عن المحرمات وذلك ينشأ عن علم العبد بقبحها
وان الله حرمها صيانة لعبده عن الرذائل فيحمل ذلك العاقل على تركها ولو لم يرد على فعلها وعيد
ومنها الحياء منه والخوف منه أن يوقع وعيده فيتركها لسوء عاقبتها وان العبد منه بمرأى ومسمع
فيبعثه ذلك على الكف عما نهى عنه ومنها مراعاة النعم فإن المعصية غالبا تكون سببا لزوال
النعمة ومنها محبة الله فإن المحب يصير نفسه على مراد من يحب وأحسن ما وصف به الصبر أنه
حبس النفس عن المكروه وعقد اللسان عن الشكوى والمكابدة في تحمله وانتظار الفرج وقد
أثنى الله على الصابرين في عدة آيات وتقدم في أوائل كتاب الايمان حديث الصبر نصف الايمان
259

معلقا قال الراغب الصبر الامساك في ضيق صبرت الشئ حبسته فالصبر حبس النفس على
ما يقتضيه العقل أو الشرع وتختلف معانيه بتعلقاته فإن كان عن مصيبة سمي صبرا فقط وإن كان
في لقاء عدو سمي شجاعة وإن كان عن كلام سمي كتمانا وإن كان عن تعاطي ما نهى عنه سمي
عفة (قلت) وهو المقصود هنا (قوله انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) كذا للأكثر ولأبي ذر
وقوله تعالى وفي نسخة عز وجل ومناسبة هذه الآية للترجمة أنها صدرت بقوله تعالى قل يا عبادي
الذين آمنوا اتقوا ربكم ومن اتقى ربه كف عن المحرمات وفعل الواجبات والمراد بقوله بغير
حساب المبالغة في التكثير (قوله وقال عمر وجدنا خير عيشنا بالصبر) كذا للأكثر وللكشميهني
بحذف الموحدة وهو بالنصب على نزع الخافض والأصل في الصبر والباء بمعنى في وقد وصله أحمد
في كتاب الزهد بسند صحيح عن مجاهد قال قال عمر وجدنا خير عيشنا الصبر وأخرجه أبو نعيم في
الحلية من طريق أحمد كذلك وأخرجه عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد من وجه آخر عن
مجاهد به وأخرجه الحاكم من رواية مجاهد عن سعيد بن المسيب عن عمر والصبر ان عدي بعن كان
في المعاصي وان عدي بعلي كان في الطاعات وهو في الآية والحديث وفي أثر عمر شامل للامرين
والترجمة لبعض ما دل عليه الحديث وذكر فيه حديثين * أحدهما حديث أبي سعيد الخدري
(قوله إن ناسا من الأنصار) لم أقف على أسمائهم وتقدم في الزكاة من طريق مالك عن ابن شهاب
الإشارة إلى أن منهم أبا سعيد ووقع عند أحمد من طريق أبي بشر عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن
رجلا كان ذا حاجة فقال له أهله ائت النبي صلى الله عليه وسلم فاسأله فأتاه فذكر نحو المتن
المذكور هنا ومن طريق عمارة بن غزبة عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال سرحتني أمي
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فأتيته فقال الحديث فعرف المراد بقوله أهله ومن طريق
هلال بن حصين قال نزلت على أبي سعيد فحدث أنه أصبح وقد عصب على بطنه حجرا من الجوع
فقالت له امرأته أو امه ائت النبي صلى الله عليه وسلم فاسأله فقد أتاه فلان فسأله فأعطاه الحديث
ووقع عند البزار من حديث عبد الرحمن بن عوف أنه وقع له نحو ما وقع لأبي سعيد وأن ذلك حين
افتتحت قريظة (قوله أن ناسا) في بعض النسخ أن أناسا والمعنى واحد (قوله فلم يسأله أحد منهم)
كذا للكشميهني ولغيره بحذف الضمير وتقدم في الزكاة بلفظ سألوا فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم
وفي رواية معمر عن الزهري عند أحمد فجعل لا يسأله أحد منهم الا أعطاه (قوله حتى نفد) بفتح
النون وكسر الفاء أي فرغ (قوله فقال لهم حين نفد كل شئ أنفق بيديه) يحتمل أن تكون هده
الجملة حالية أو اعتراضية أو استئنافية والباء تتعلق بقوله شئ ويحتمل أن تتعلق بقوله أنفق
ووقع في رواية معمر فقال لهم حين أنفق كل شئ بيده وسقطت هذه الزيادة من رواية مالك (قوله
ما يكون عندي من خير) أي مال وما موصولة متضمنة معنى الشرط وفي رواية صوبها الدمياطي
ما يكن وما حينئذ شرطية وليست الأولى خطأ (قوله لا أدخره عنكم) بالادغام وبغيره وفي رواية
مالك فلم وعنه فلن أدخره عنكم أي أجعله دخيرة لغيركم معرضا عنكم وداله مهملة وقيل معجمة
(قوله وانه من يستعف) كذا للأكثر بتشديد الفاء وللكشميهني يستعفف بفاءين وقوله يعفه الله
بتشديد الفاء المفتوحة (قوله ومن يستغن يغنه الله) قدم في رواية مالك الاستغناء على التصبر
ووقع في رواية عبد الرحمن بن أبي سعيد بدل التصبر ومن استكفى كفاه الله وزاد ومن سأل وله
260

قيمة أوقية فقد ألحف وزاد في رواية هلال ومن سألنا اما ان نبذل له واما أن نواسيه ومن يستعف
أو يستغن أحب إلينا ممن يسألنا (قوله ولن تعطوا عطاء) في رواية مالك وما أعطى أحد عطاء
وأعطى بضم أوله على البناء للمجهول (قوله خيرا وأوسع من الصبر كذا بالنصب في هذه الرواية
وهو متجه ووقع في رواية مالك هو خير بالرفع ولمسلم عطاء خير قال النووي كذا في نسخ مسلم خير
بالرفع وهو صحيح والتقدير هو خير كما في رواية البخاري يعني من طريق مالك وفي الحديث الحض
على الاستغناء عن الناس والتعفف عن سؤالهم بالصبر والتوكل على الله وانتظار ما يرزقه الله وان
الصبر أفضل ما يعطاه المرء لكون الجزاء عليه غير مقدر ولا محدود وقال القرطبي معنى قوله من
يستعف أي يمتنع عن السؤال وقوله يعفه الله أي أنه يجازيه على استعفافه بصيانة وجهه ودفع
فاقته وقوله ومن يستغن أي بالله عمن سواه وقوله يغنه أي فأنه يعطيه ما يستغني به عن
السؤال ويخلق في قلبه الغنى فإن الغنى غنى النفس كما تقدم تقريره وقوله ومن يتصبر أي يعالج
نفسه على ترك السؤال ويصبر إلى أن يحصل له الرزق وقوله يصبره الله أي فإنه يقويه ويمكنه من
نفسه حتى تنقاد له ويذعن لتحمل الشدة فعند ذلك يكون الله معه فيظفره بمطلوبه وقال ابن
الجوزي لما كان التعفف يقتضي ستر الحال عن الخلق وإظهار الغنى عنهم فيكون صاحبه
معاملا لله في الباطن فيقع له الربح على قدر الصدق في ذلك وانما جعل الصبر خير العطاء لأنه
حبس النفس عن فعل ما تحبه والزامها بفعل ما تكره في العاجل مما لو فعله أو تركه لتأذى به في
الآجل وقال الطيبي معنى قوله من يستعفف يعفه الله أي ان عف عن السؤال ولو لم يظهر
الاستغناء عن الناس لكنه ان أعطى شيئا لم يتركه يملا الله قلبه غني بحيث لا يحتاج إلى سؤال ومن
زاد على ذلك فاظهر الاستغناء فتصبر ولو أعطى لم يقبل فذاك أرفع درجة فالصبر جامع لمكارم
الأخلاق وقال ابن التين معنى قوله يعفه الله اما ان يرزقه من المال ما يستغني به عن السؤال واما
ان يرزقه القناعة والله أعلم * الحديث الثاني حديث المغيرة (قوله حتى ترم) بكسر الراء وقوله أو
تنتفخ شك من الراوي وهو بمعناه وقوله فيقال له القائل له ذلك عائشة (قوله أفلا أكون عبدا
شكورا) تقدم شرحه مع شرح بقية الحديث مستوفى في أوائل أبواب التهجد ووجه مناسبته
للترجمة أن الشكر واجب وترك الواجب حرام وفي شغل النفس بفعل الواجب صبر على فعل
الحرام والحاصل أن الشكر يتضمن الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية قال بعض الأئمة الصبر
يستلزم الشكر لا يتم الا به وبالعكس فمتى ذهب أحدهما ذهب الاخر فمن كان في نعمة ففرضه
الشكر والصبر أما الشكر فواضح وأما الصبر فعن المعصية ومن كان في بلية ففرضه الصبر والشكر
أما الصبر فواضح وأما الشكر فالقيام بحق الله عليه في تلك البلية فإن لله على العبد عبودية في
البلاء كماله عليه عبودية في النعماء ثم الصبر على ثلاثة أقسام صبر عن المعصية فلا يرتكبها
وصبر على الطاعة حتى يؤديها وصبر على البلية فلا يشكو ربه فيها والمرء لابد له من واحدة من
هذه الثلاث فالصبر لازم له أبدا لا خروج له عنه والصبر سبب في حصول كل كمال والى ذلك أشار
صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث الأول ان الصبر خير ما أعطيه العبد وقال بعضهم الصبر تارة
يكون لله وتارة يكون بالله فالأول الصابر لأمر الله طلبا لمرضاته فيصبر على الطاعة ويصبر عن
المعصية والثاني المفوض لله بأن يبرأ من الحول والقوة ويضيف ذلك إلى ربه وزاد بعضهم الصبر
261

على الله وهو الرضا بالمقدور فالصبر لله يتعلق بإلهيته ومحبته والصبر به يتعلق بمشيئته وارادته
والثالث يرجع إلى القسمين الأولين عند التحقيق فإنه لا يخرج عن الصبر على أحكامه الدينية
وهي أوامره ونواهيه والصبر على ابتلائه وهو أحكامه الكونية والله أعلم (قوله
باب ومن يتوكل على الله فهو حسبه) استعمل لفظ الآية ترجمة لتضمنها الترغيب في
التوكل وكأنه أشار إلى تقييد ما أطلق في حديث الباب قبله وان كلا من الاستغناء والتصبر
والتعفف إذا كان مقرونا بالتوكل على الله فهو الذي ينفع وينجع وأصل التوكل الوكول يقال
وكلت أمري إلى فلان أي ألجأته إليه واعتمدت فيه عليه ووكل فلان فلانا استكفاه أمره ثقة
بكفايته والمراد بالتوكل اعتقاد ما دلت عليه هذه الآية وما من دابة في الأرض الاعلى الله رزقها
وليس المراد به ترك التسبب والاعتماد على ما يأتي من المخلوقين لان ذلك قد يجر إلى ضد ما يراه من
التوكل وقد سئل أحمد عن رجل جلس في بيته أو في المسجد وقال لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي فقال
هذا رجل جهل العلم فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ان الله جعل رزقي تحت ظل رمحي وقال
لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا فذكر أنها تغدو
وتروح في طلب الرزق قال وكان الصحابة يتجرون ويعملون في نخيلهم والقدوة بهم انتهى
والحديث الأول سبق الكلام عليه في الجهاد والثاني أخرجه الترمذي والحاكم وصححاه (قوله
وقال الربيع بن خثيم بمعجمة ومثلثة مصغر (قوله من كل ما ضاق على الناس) وصله الطبراني
وابن أبي حاتم من طريق الربيع بن منذر الثوري عن أبيه عن الربيع بن خثيم قال في قوله تعالى
ومن يتق الله يجعل له مخرجا الآية قال من كل شئ ضاق على الناس والربيع المذكور من كبار
التابعين صحب ابن مسعود وكان يقول له لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أحبك أورد ذلك
أحمد في الزهد بسند جيد وحديثه مخرج في الصحيحين وغيرهما والربيع بن منذر لم يخرجوا عنه
لكن ذكره البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحا وذكره ابن حبان في الثقات وأبوه متفق
على توثيقه والتخريج عنه (قوله حدثني إسحاق) هو ابن منصور كما أوضحته في المقدمة وغلط من
قال إنه ابن إبراهيم وسيأتي شرح الحديث مستوفي في باب يدخل الجنة سبعون ألفا بعد ثمانية
وعشرين بابا إن شاء الله تعالى (قوله باب ما يكره من قيل وقال) ذكر فيه حديث
المغيرة بن شعبة في ذلك قال أبو عبيد جعل القال مصدرا كأنه قال نهى عن قيل وقول تقول
قلت قولا وقيلا وقالا والمراد أنه نهى عن الاكثار بمالا فائدة فيه من الكلام وهذا على أن
الرواية فيه بالتنوين وقال غيره اسمان يقال كثير القيل والقال وفي حرف ابن مسعود ذلك
عيسى بن مريم قال الحق بضم اللام وقال ابن دقيق العيد الأشهر منه فتح اللام فيهما على سبيل
الحكاية وهو الذي يقتضيه المعنى لان القيل والقال إذا كانا اسمين كانا بمعنى واحد كالقول فلا
يكون في عطف أحدهما على الاخر كبير فائدة بخلاف ما إذا كانا فعلين وقال المحب الطبري
إذا كانا اسمين يكون الثاني تأكيدا والحكمة في النهي عن ذلك أن الكثرة من ذلك لا يؤمن
معها وقوع الخطا (قلت) وفي الترجمة إشارة إلى أن جميع ذلك لا يكره لان من عمومه ما يكون في
الخبر المحض فلا يكره والله أعلم وذهب بعضهم إلى أن المراد حكاية أقاويل الناس والبحث عنها
كما يقال قال فلان كذا وقيل عنه كذا مما يكره حكايته عنه وقيل هو أن يذكر للحادثة عن العلماء
262

أقوالا كثيرة ثم يعمل بأحدها بغير مرجح أو يطلقها من غير تثبت ولا احتياط لبيان الراجح
والنهي عن كثرة السؤال يتناول الالحاف في الطلب والسؤال عما لا يعني السائل وقيل المراد
بالنهي المسائل التي نزل فيها لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم وقيل يتناول الاكثار من
تفريع المسائل ونقل عن مالك أنه قال والله انى لأخشى أن يكون هذا الذي أنتم فيه من تفريع
المسائل ومن ثم كره جماعة من السلف السؤال عما لم يقع لما يتضمن من التكلف في الدين
والتنطع والرجم بالظن من غير ضرورة وقد تقدم كثير من هذه المباحث عند شرح الحديث في
كتاب الصلاة وان المراد بالنهي عن كثرة السؤال في المال ورجحه بعضهم لمناسبته لقوله وإضاعة
المال وتقدم شئ من هذا في كتاب الزكاة وأما من فسره بكثرة سؤال الناس عن أحوالهم وما في
أيديهم أو عن أحداث الزمان ومالا يعني السائل فإنه بعيد لأنه داخل في قوله نهى عن قيل وقال
والله أعلم (قوله حدثنا علي بن مسلم) كذا للأكثر ووقع للكشميهني وحده وقال علي بن مسلم
وجزم أبو نعيم في المستخرج بما عليه الجمهور (قوله أنبأنا غير واحد منهم مغيرة) هو ابن مقسم
الضبي وفلان ورجل ثالث المراد بفلان مجالد بن سعيد فقد أخرجه ابن خزيمة في صحيحه عن زياد
ابن أيوب ويعقوب بن إبراهيم الدورقي قالا حدثنا هشيم أنبأنا غير واحد منهم مغيرة ومجالد وكذا
أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي خيثمة عن هشيم وكذا أخرجه أحمد عن هشيم
وأخرجه النسائي عن يعقوب الدورقي لكن قال في روايته عن غير واحد منهم مغيرة ولم يسم
مجالدا وأخرجه أيضا عن الحسن بن إسماعيل عن هشيم أنبأنا مغيرة وذكر آخر ولم يسمه وكأنه
مجالد وأخرجه أبو يعلى عن زكريا بن يحيى عن هشيم عن مغيرة عن الشعبي ولم يذكر مع مغيرة
أحدا وأما الرجل الثالث فيحتمل أنه داود بن أبي هند فقد أخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق
يحيى بن أبي بكير الكرماني عن هشيم قال أنبأنا داود بن أبي هند وغيره عن الشعبي به ويحتمل أن
يكون زكريا بن أبي زائدة أو إسماعيل بن أبي خالد فقد أخرجه الطبراني من طريق الحسن بن علي
ابن راشد الواسطي عن هشيم عن مغيرة وزكريا بن أبي زائدة ومجالد وإسماعيل بن أبي خالد كلهم
عن الشعبي والحسن المذكور ثقة من شيوخ أبي داود تكلم فيه عبدان بما لا يقدح فيه وقال ابن
عدي لم أر له حديثا منكرا (قوله فكتب إليه المغيرة) ظاهره أن المغيرة باشر الكتابة وليس كذلك
فقد أخرجه ابن حبان من طريق عاصم الأحول عن الشعبي أن معاوية كتب إلى المغيرة اكتب
إلي بحديث سمعته فدعا غلامه ورادا فقال اكتب فذكره وقوله لا إله إلا الله إلى قوله وهو على
كل شئ قدير زاد في نسخة الصغاني هنا ثلاث مرات وأخرجه الطبراني من طريق عبد الملك بن
عمير عن وراد كتب معاوية إلى المغيرة اكتب إلي بشئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال فكتبت إليه بخطي ولم أقف على تسمية من كتب لمعاوية صريحا الا أن المغيرة كان معاوية
أمره على الكوفة في سنة إحدى وأربعين إلى أن مات سنة خمسين أو في التي بعدها وكان كاتب
معاوية إذ ذاك عبيد بن أوس الغساني وفي الحديث حجة على من لم يعمل في الرواية بالمكاتبة
واعتل بعضهم بأن العمدة حينئذ على الذي بلغ الكتاب كأن يكون الذي أرسله أمره أن يوصل
الكتاب وأن يبلغ ما فيه مشافهة وتعقب بأن هذا يحتاج إلى نقل وعلى تقدير وجوده فتكون
الرواية عن مجهول ولو فرض أنه ثقة عند من أرسله ومن أرسل إليه فتجئ فيه مسئلة التعديل
263

على الابهام والمرجح عدم الاعتداد به (قوله وعن هشيم أنبأنا عبد الملك بن عمير) هو موصول
بالطريق التي قبله وقد وصله الإسماعيلي من رواية يعقوب الدورقي وزياد بن أيوب قالا حدثنا
هشيم عن عبد الملك به (قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم) كذا أطلق وظاهره أن الرواية كالتي
قبلها وهو كذلك عند الإسماعيلي وأخرجه أبو نعيم من طريق أبي الربيع الزهراني عن هشيم فقال
في سياقه كتب معاوية إلى المغيرة أن اكتب إلي بشئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذكره (قوله باب حفظ اللسان) أي عن النطق بما لا يسوغ شرعا مما لا حاجة
للمتكلم به وقد أخرج أبو الشيخ في كتاب الثواب والبيهقي في الشعب من حديث أبي جحيفة
رفعه أحب الأعمال إلى الله حفظ اللسان (قوله ومن كان يؤمن بالله الخ) وقع عند أبي ذر وقول
النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان يؤمن بالله الخ وقد أورده موصولا في الباب بلفظه (قوله وقول
الله تعالى ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد) كذا لأبي ذر وللأكثر وقوله ما يلفظ الخ ولابن
بطال وقد أنزل الله تعالى ما يلفظ الآية وقد تقدم ما يتعلق بتفسيرها في تفسير سورة ق وقال ابن
بطال جاء عن الحسن انهما يكتبان كل شئ وعن عكرمة يكتبان الخير والشر فقط ويقوي الأول
تفسير أبي صالح في قوله تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت قال تكتب الملائكة كل كلما يتلفظ به الانسان
ثم يثبت الله من ذلك ماله وما عليه ويمحو ما عدا ذلك (قلت) هذا لو ثبت كان نصا في ذلك ولكنه
من رواية الكلبي وهو ضعيف جدا والرقيب هو الحافظ والعتيد هو الحاضر وورد في فضل
الصمت عدة أحاديث منها حديث سفيان بن عبد الله الثقفي قلت يا رسول الله ما أخوف ما تخاف
علي قال هذا وأخذ بلسانه أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح وتقدم في الايمان حديث المسلم
من سلم المسلمون من لسانه ويده ولأحمد وصححه ابن حبان من حديث البراء وكف لسانك الا من
خير وعن عقبة بن عامر قلت يا رسول الله ما النجاة قال أمسك عليك لسانك الحديث أخرجه
الترمذي وحسنة وفي حديث معاذ مرفوعا ألا أخبرك بملاك الامر كله كف هذا وأشار إلى
لسانه قلت يا رسول الله وانا لمؤاخذون بما نتكلم به قال وهل يكب الناس في النار على وجوههم
الا حصائد ألسنتهم أخرجه أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة كلهم من طريق أبي
وائل عن معاذ مطولا وأخرجه أحمد أيضا من وجه آخر عن معاذ وزاد الطبراني في رواية مختصرة
ثم انك لن تزال سالما ما سكت فإذا تكلمت كتب عليك أو لك وفي حديث أبي ذر مرفوعا عليك
بطول الصمت فإنه مطردة للشيطان أخرجه أحمد والطبراني وابن حبان والحاكم وصححاه وعن
ابن عمر رفعه من صمت نجا أخرجه الترمذي ورواته ثقات وعن أبي هريرة رفعه من حسن إسلام
المرء تركه ما لا يعنيه أخرجه الترمذي وحسنه وذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث * الأول
(قوله حدثني) كذا لأبي ذر وللباقين حدثنا وكذا للجميع في هذا السند بعينه في المحاربين وعمر
ابن علي المقدمي بفتح القاف وتشديد الدال هو عم محمد بن أبي بكر الراوي عنه وقد تقدم أن عمر
مدلس لكنه صرح هنا بالسماع (قوله عن سهل بن سعد) هو الساعدي (قوله من يضمن)
بفتح أوله وسكون الضاد المعجمة والجزم من الضمان بمعنى الوفاء بترك المعصية فأطلق الضمان
وأراد لازمه وهو أداء الحق الذي عليه فالمعنى من أدى الحق الذي على لسانه من النطق بما
يجب عليه أو الصمت عما لا يعنيه وأدى الحق الذي على فرجه من وضعه في الحلال وكفه عن
264

الحرام وسيأتي في المحاربين عن خليفة بن خياط عن عمر بن علي بلفظ من توكل وأخرجه
الترمذي عن محمد بن عبد الاعلى عن عمر بن علي بلفظ من تكفل وأخرجه الإسماعيلي عن
الحسن بن سفيان قال حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي وعمر بن علي هو الفلاس وغيرهما قالوا حدثنا
عمر بن علي بلفظ من حفظ ومثله عند أحمد وأبي يعلى من حديث أبي موسى بسند حسن وعند
الطبراني من حديث أبي رافع بسند جيد لكن قال فقميه بدل لحييه وهو بمعناه والفقم بفتح
الفاء وسكون القاف (قوله لحييه) بفتح اللام وسكون المهملة والتثنية هما العظمان في جانبي
الفم والمراد بما بينهما اللسان وما يتأتى به النطق وبما بين الرجلين الفرج وقال الداودي المراد بما
بين اللحيين الفم قال فيتناول الأقوال والأكل والشرب وسائر ما يتأتى بالفم من الفعل قال ومن
تحفظ من ذلك أمن من الشر كله لأنه لم يبق الا السمع والبصر كذا قال وخفي عليه أنه بقي البطش
باليدين وانما محمل الحديث على أن النطق باللسان أصل في حصول كل مطلوب فإذا لم ينطق به الا
في خير سلم وقال ابن بطال دل الحديث على أن أعظم البلاء على المرء في الدنيا لسانه وفرجه فمن
وقي شرهما وقى أعظم الشر (قوله أضمن له) بالجزم جواب الشرط وفي رواية خليفة توكلت له
بالجنة ووقع في رواية الحسن تكفلت له قال الترمذي حديث سهل بن سعد حسن صحيح وأشار
إلى أن أبا حازم تفرد به عن سهل فأخرجه من طريق محمد بن عجلان عن أبي حازم عن أبي هريرة
بلفظ من وقاه الله شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه دخل الجنة وحسنه ونبه على أن أبا حازم
الراوي عن سهل غير أبي حازم الراوي عن أبي هريرة (قلت) وهما مدنيان تابعيان لكن الراوي
عن أبي هريرة اسمه سلمان وهو أكبر من الراوي عن سهل واسمه سلمة ولهذا اللفظ شاهد من
مرسل عطاء بن يسار في الموطأ * الحديث الثاني حديث أبي هريرة تقدم شرحه في أوائل كتاب
الأدب وفيه الحث على اكرام الضيف ومنع أذى الجار وفيه من كان يؤمن بالله واليوم الآخر
فليقل خيرا أو ليصمت * الحديث الثالث حديث أبي شريح وقد تقدم شرحه أيضا هناك
وفيه فليقل خيرا أو ليسكت وفيه إكرام الضيف أيضا وتوقيت الضيافة بثلاثة أيام وقوله
الضيافة ثلاثة أيام جائزته قيل وما جائزته قال يوم وليلة وقد تقدم في الأدب بلفظ فليكرم
ضيفه جائزته قال وما جائزته قال يوم وليلة وعلى ما هنا فالمعنى أعطوه جائزته فان الرواية بالنصب
وان جاءت بالرفع فالمعنى تتوجه عليكم جائزته وقد تقدم بيان الاختلاف في توجيهه ووقع
قوله يوم وليلة خبرا عن الجائزة وفيه حذف تقديره زمان جائزته أو تضييف يوم وليلة * الحديث
الرابع أورده من طريقين (قوله حدثنا) كذا لأبي ذر ولغيره حدثني بالافراد في الموضعين
(قوله ابن أبي حازم) هو عبد العزيز بن سلمة بن دينار ووقع عند أبي نعيم في المستخرج من
طريق إسماعيل القاضي عن إبراهيم بن حمزة شيخ البخاري فيه ان عبد العزيز بن أبي حازم
وعبد العزيز بن محمد الدراوردي حدثاه عن يزيد فيحتمل أن يكون إبراهيم لما حدث به
البخاري اقتصر علي ابن أبي حازم ويحتمل أن يكون حدث عنهما فحذف البخاري ذكر عبد
العزيز الدراوردي وعلى الأول لا اشكال وعلى الثاني يتوقف الجواز على أن اللفظ للاثنين سواء
وان المذكور ليس هو لفظ المحذوف أو ان المعنى عليهما متحد تفريعا على جواز الرواية بالمعنى
ويؤيد الاحتمال الأول أن البخاري أخرج بهذا الاسناد بعينه إلى محمد بن إبراهيم حديثا
265

جمع فيه بين ابن أبي حازم والدراوردي وهو في باب فضل الصلاة في أوائل كتاب الصلاة (قوله
عن يزيد) هو ابن عبد الله المعروف بابن الهاد ووقع منسوبا في رواية إسماعيل المذكورة
ومحمد بن إبراهيم هو التيمي ورجال هذا الاسناد كلهم مدنيون وفيه ثلاثة من التابعين في نسق
وعيسى بن طلحة هو ابن عبيد الله التيمي وثبت كذلك في رواية أبي ذر وطلحة هو أحد العشرة
(قوله إن العبد ليتكلم) كذا للأكثر ولأبي ذر يتكلم بحذف اللام (قوله بالكلمة) أي الكلام
المشتمل على ما يفهم الخير أو الشر سواء طال أم قصر كما يقال كلمة الشهادة وكما يقال للقصيدة كلمة
فلان (قوله ما يتبين فيها) أي لا يتطلب معناها أي لا يثبتها بفكره ولا يتأملها حتى يتثبت فيها فلا
يقولها الا ان ظهرت المصلحة في القول وقال بعض الشراح المعنى أنه لا يبينها بعبارة واضحة وهذا
يلزم منه أن يكون بين وتبين بمعنى واحد ووقع في رواية الدراوردي عن يزيد بن الهاد عند مسلم
ما يتبين ما فيها وهذه أوضح وما الأولى نافية وما الثانية موصولة أو موصوفة ووقع في رواية
الكشميهني ما يتقي بها ومعناها يؤل لما تقدم (قوله يزل بها) بفتح أوله وكسر الزاي بعدها لام أي
يسقط (قوله أبعد ما بين المشرق) كذا في جميع النسخ التي وقعت لنا في البخاري وكذا في رواية
إسماعيل القاضي عن إبراهيم بن حمزة شيخ البخاري فيه عند أبي نعيم وأخرجه مسلم والإسماعيلي
من رواية بكر بن مضر عن يزيد بن الهاد بلفظ أبعد ما بين المشرق والمغرب وكذا وقع عند ابن بطال
وشرحه الكرماني على ما وقع عند البخاري فقال قوله ما بين المشرق لفظ بين يقتضي دخوله على
المتعدد والمشرق متعدد معنى إذ مشرق الصيف غير مشرق الشتاء وبينهما بعد كبير ويحتمل أن
يكون اكتفى بأحد المتقابلين عن الآخر مثل سرابيل تقيكم الحر قال وقد ثبت في بعضها بلفظ
بين المشرق والمغرب قال ابن عبد البر الكلمة التي يهوى صاحبها بسببها في النار هي التي يقولها
عند السلطان الجائر وزاد ابن بطال بالبغي أو بالسعي على المسلم فتكون سببا لهلاكه وان لم يرد
القائل ذلك لكنها ربما أدت إلى ذلك فيكتب على القائل اثمها والكلمة التي ترفع بها الدرجات
ويكتب بها الرضوان هي التي يدفع بها عن المسلم مظلمة أو يفرج بها عنه كربة أو ينصر بها
مظلوما وقال غيره في الأولى هي الكلمة عند ذي السلطان يرضيه بها فيما يسخط الله قال ابن
التين هذا هو الغالب وربما كانت عند غير ذي السلطان ممن يتأتى منه ذلك ونقل عن ابن وهب
أن المراد بها التلفظ بالسوء والفحش مالم يرد بذلك الجحد لأمر الله في الدين وقال القاضي عياض
يحتمل أن تكون تلك الكلمة من الخنى والرفث وأن تكون في التعريض بالمسلم بكبيرة أو بمجون
أو استخفاف بحق النبوة والشريعة وان لم يعتقد ذلك وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام هي
الكلمة التي لا يعرف القائل حسنها من قبحها قال فيحرم على الانسان أن يتكلم بما لا يعرف
حسنه من قبحه (قلت) وهذا الذي يجرى على قاعدة مقدمة الواجب وقال النووي في هذا
الحديث حث على حفظ اللسان فينبغي لمن أراد أن ينطق أن يتدبر ما يقول قبل أن ينطق فان
ظهرت فيه مصلحة تكلم والا أمسك (قلت) وهو صريح الحديث الثاني والثالث (تنبيه) وقع
في رواية أبي ذر تأخير طريق عيسى بن طلحة عن الطريق الأخرى ولغيره بالعكس وسقط طريق
عيسى بن طلحة عند النسفي أصلا والله أعلم (قوله في الطريق الثانية سمع أبا النضر) هو هاشم بن
القاسم والتقدير أنه سمع ويحذف لفظ أنه في الكتابة غالبا (قوله عن أبي صالح) هو ذكوان وفي
266

الاسناد ثلاثة من التابعين في نسق (قوله لا يلقي لها بالا) بالقاف في جميع الروايات أي لا يتأملها
بخاطره ولا يتفكر في عاقبتها ولا يظن أنها تؤثر شيئا وهو من نحو قوله تعالى وتحسبونه هينا وهو
عند الله عظيم وقد وقع في حديث بلال بن الحارث المزني الذي أخرجه مالك وأصحاب السنن
وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم بلفظ ان أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن
تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة وقال في السخط مثل ذلك (قوله يرفع الله
بها درجات) كذا في رواية المستملي والسرخسي وللنسفي والأكثر يرفع الله له بها درجات وفي رواية
الكشميهني يرفعه الله بها درجات (قوله يهوي) بفتح أوله وسكون الهاء وكسر الواو قال عياض
المعنى ينزل فيها ساقطا وقد جاء بلفظ ينزل بها في النار لان دركات النار إلى أسفل فهو نزول سقوط
وقيل أهوى من قريب وهوى من بعيد وأخرج الترمذي هذا الحديث من طريق محمد بن إسحاق
قال حدثني محمد بن إبراهيم التيمي بلفظ لا يرى بها بأسا يهوى بها في النار سبعين خريفا (قوله
باب البكاء من خشية الله عز وجل) ذكر فيه طرفا من حديث السبعة الذين يظلهم الله
في ظله ولفظه رجل ذكر الله ففاضت عيناه كذا اقتصر عليه وتقدم بتمامه في أبواب المساجد
مع شرحه وفيه ذكر الله خاليا وورد هنا بدونها وثبتت في رواية ابن خزيمة عن محمد بن بشار شيخ
البخاري فيه أخرجه الإسماعيلي عنه مختصرا كما هنا ويحيى هو ابن سعيد القطان وعبيد الله هو
ابن عمر العمري وخبيب بمعجمة وموحدتين مصغر ووقع هنا في ظله وبينت هناك من رواه بلفظ
في ظل عرشه وظل كل شئ بحسبه ويطلق أيضا بمعنى النعيم ومنه أكلها دائم وظلها وبمعنى الجانب
ومنه يسير الراكب في ظلها مائة عام وبمعنى الستر والكنف والخاصة ومنه أنا في ظلك وبمعنى العز
ومنه أسبغ الله ظلك وقد ورد في البكاء من خشية الله على وفق لفظ الترجمة حديث أبي ريحانة
رفعه حرمت النار على عين بكت من خشية الله الحديث أخرجه أحمد والنسائي وصححه الحاكم
وللترمذي نحوه عن ابن عباس ولفظه لا تمسها النار وقال حسن غريب وعن أنس نحوه عن أبي
يعلى وعن أبي هريرة بلفظ لا يلج النار رجل بكى من خشية الله الحديث وصححه الترمذي والحاكم
(قوله باب الخوف من الله عز وجل) هو من المقامات العلية وهو من لوازم الايمان
قال الله تعالى وخافون ان كنتم مؤمنين وقال تعالى فلا تخشوا الناس واخشوني وقال تعالى انما
يخشى الله من عباده العلماء وتقدم حديث أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية وكلما كان العبد
أقرب إلى ربه كان أشد له خشية ممن دونه وقد وصف الله تعالى الملائكة بقوله يخافون ربهم من
فوقهم والأنبياء بقوله الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا الا الله وانما كان
خوف المقربين أشد لانهم يطالبون بما لا يطالب به غيرهم فيراعون تلك المنزلة ولان الواجب لله
منه الشكر على المنزلة فيضاعف بالنسبة لعلو تلك المنزلة فالعبد إن كان مستقيما فخوفه من سوء
العاقبة لقوله تعالى يحول بين المرء وقلبه أو نقصان الدرجة بالنسبة وإن كان مائلا فخوفه من سوء
فعله وينفعه ذلك مع الندم والاقلاع فإن الخوف ينشأ من معرفة قبح الجناية والتصديق بالوعيد
عليها وأن يحرم التوبة أو لا يكون ممن شاء الله أن يغفر له فهو مشفق من ذنبه طالب من ربه أن
يدخله فيمن يغفر له ويدخل في هذا الباب الحديث الذي قبله وفيه أيضا ورجل دعته امرأة ذات
جمال ومال فقال اني أخاف الله وحديث الثلاثة أصحاب الغار فإن أحدهم الذي عف عن المرأة
267

خوفا من الله وترك لها المال الذي أعطاها وقد تقدم بيانه في ذكر بني إسرائيل من أحاديث
الأنبياء وأخرج الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة قصة الكفل وكان من بني إسرائيل وفيه
أيضا انه عف عن المرأة وترك المال الذي أعطاها خوفا من الله ثم ذكر قصة الذي أوصى بأن يحرق
بعد موته من حديث حذيفة وأبي سعيد وقد تقدم شرحه في ذكر بني إسرائيل أيضا (قوله جرير)
هو ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر وربعي هو ابن حراش بالحاء المهملة وآخره شين معجمة
والسند كله كوفيون (قوله عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم) تقدم في ذكر بني إسرائيل
تصريح حذيفة بسماعه له من النبي صلى الله عليه وسلم ووقع في صحيح أبي عوانة من طريق
والآن العبدي عن حذيفة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ذكر هذه القصة بعد ذكر حديث
الشفاعة بطوله وذكر فيه أن الرجل المذكور آخر أهل النار خروجا منها وسيأتي التنبيه عليه في
الشفاعة إن شاء الله تعالى ويتبين شذوذ هذه الرواية من حيث المتن كما ظهر شذوذها من حيث
السند (قوله كان رجل ممن كان قبلكم) تقدم أنه من بني إسرائيل ومن ثم أورده المصنف هناك
(قوله يسئ الظن بعمله) تقدم هناك أنه كان نباشا (قوله فذروني) قدمت هناك فيه ثلاث
روايات بالتخفيف بمعنى الترك والتشديد بمعنى التفريق وهو ثلاثي مضاعف تقول ذررت الملح
أذره ومنه الذريرة نوع من الطيب قال ابن التين ويحتمل أن يكون بفتح أوله وكذا قرأناه ورويناه
بضمها (1) وعلى الأول هو من الذر وعلى الثاني من التذرية وبهمزة قطع وسكون المعجمة من أذرت
العين دمعها وأذريت الرجل عن الفرس وبالوصل من ذروت الشئ ومنه تذروه الرياح (قوله
في البحر) سيأتي نظيره في حديث سلمان وفي حديث أبي سعيد في الريح ووقع في حديث أبي
هريرة الآتي في التوحيد وذروا نصفه في البر ونصفه في البحر (قوله في يوم صائف) تقدم في
رواية عبد الملك بن عمير عن ربعي بلفظ فذروني في اليم في يوم حاز بحاء مهملة وزاي ثقيلة كذا
للمروزي والأصيلي ولأبي ذر عن المستملي والسرخسي وكريمة عن الكشميهني بالراء المهملة وهو
المناسب لرواية الباب ووجهت الأولى بأن المعنى أنه يجز البدن لشدة حره ووقع في حديث أبي
سعيد الذي بعده حتى إذا كان ريح عاصف وذكر بعضهم رواية المروزي بنون بدل الزاي أي حان
ريحه قال ابن فارس الحون ريح تحن كحنين الإبل (قوله في الحديث عن أبي سعيد) تقدم القول
في تابعيه وموسى هو ابن إسماعيل التبوذكي ومعتمر هو ابن سليمان التيمي والسند كله بصريون
(قوله فيمن سلف أو فيمن كان قبلكم) شك من الراوي عن قتادة وتقدم في رواية أبي عوانة عن
قتادة بلفظ ان رجلا كان قبلكم (قوله آتاه الله مالا وولدا يعني أعطاه) كذا للأكثر وهو تفسير
للفظ آتاه وهي بالمد بمعنى العطاء وبالقصر بمعنى المجئ ووقع في رواية الكشميهني هنا مالا ولا معنى
لإعادتها بمفردها (قوله فإنه لم يبتئر عند الله خيرا فسرها قتادة لم يدخر) كذا وقع هنا يبتئر بفتح أوله
وسكون الموحدة وفتح المثناة بعدها تحتانية مهموزة ثم رواء مهملة وتفسير قتادة صحيح وأصله من
البئيرة بمعنى الذخيرة والخبيئة قال أهل اللغة بأرت الشئ وابتأرته أبأره وأبتئره إذا خبأته ووقع
في رواية ابن السكن لم يأبتر بتقديم الهمزة على الموحدة حكاه عياض وهما صحيحان بمعنى والأول
أشهر ومعناه لم يقدم خيرا كما جاء مفسرا في الحديث يقال بأرت الشئ وابتأرته وائبترته إذا
ادخرته ومنه قيل للحفرة البئر ووقع في التوحيد وفي رواية أبي زيد المروزي فيما اقتصر عليه
268

عياض وقد ثبت عندنا كذلك في رواية أبي ذر لم يبتئر أولم يبتئز بالشك في الزاي أو الراء وفي رواية
الجرجاني بنون بدل الموحدة والزاي قال وكلاهما غير صحيح وفي بعض الروايات في غير البخاري
ينتهز بالهاء بدل الهمزة وبالزاي ويمتئر بالميم بدل الموحدة وبالراء أيضا قال وكلاهما صحيح أيضا
كالأولين (قوله وان يقدم على الله يعذبه) كذا هنا بفتح الدال وسكون القاف من القدوم
وهو بالجزم على الشرطية وكذا يعذبه بالجزم على الجزاء والمعنى ان بعث يوم القيامة على هيئته
يعرفه كل أحد فإذا صار رمادا مبثوثا في الماء والريح لعله يخفى ووقع في حديث حذيفة
عند الإسماعيلي من رواية أبي خيثمة عن جرير بسند حديث الباب فإنه أن يقدر علي ربي
لا يغفر لي وكذا في حديث أبي هريرة لئن قدر الله علي وتقدم توجيهه مستوفى في ذكر بني إسرائيل
ومن اللطائف أن من جملة الأجوبة عن ذلك ما ذكره شيخنا ابن الملقن في شرحه ان الرجل قال
ذلك لما غلبه من الخوف وغطى على فهمه من الجزع فيعذر في ذلك وهو نظير الخبر المروي في قصة
الذي يدخل الجنة آخر من يدخلها فيقال ان لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها فيقول للفرح الذي
دخله أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح (قلت) وتمام هذا أن أبا عوانة أخرج في حديث
حذيفة عن أبي بكر الصديق أن الرجل المذكور في حديث الباب هو آخر أهل الجنة دخولا
الجنة فعلى هذا يكون وقع له من الخطا بعد دخول الجنة نظير ما وقع له من الخطا عند حضور الموت
لكن أحدهما من غلبة الخوف والآخر من غلبة الفرح (قلت) والمحفوظ ان الذي قال أنت
عبدي هو الذي وجد راحلته بعد ان ضلت وقد نبهت عليه فيما مضى (قوله فأحرقوني) في حديث
حذيفة هناك فاجمعوا لي حطبا كثيرا ثم أوروا نارا حتى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي
(قوله فاسحقوني أو قال فاسهكوني) هو شك من الراوي ووقع في رواية أبي عوانة اسحقوني بغير
شك والسهك بمعنى السحق ويقال هو دونه ووقع في حديث حذيفة عند الإسماعيلي احرقوني ثم
اطحنوني ثم ذروني (قوله ثم إذا كان) في رواية الكشميهني حتى إذا كان (قوله فأخذ مواثيقهم
على ذلك وربي) هو من القسم المحذوف جوابه ويحتمل أن يكون حكاية الميثاق الذي أخذه أي
قال لمن أوصاه قل وربي لأفعلن ذلك ويؤيده ان عند مسلم فأخذ منهم يمينا لكن يؤيد الأول أنه
وقع في رواية مسلم أيضا ففعلوا به ذلك وربى فتعين أنه قسم من المخبر وزعم بعضهم أن الذي في
البخاري هو الصواب ولا يخفى أن الذي عند مسلم لعله أصوب ووقع في بعض النسخ من مسلم
وذري بضم المعجمة وتشديد الراء المكسورة بدل وربي أي فعلوا ما أمرهم به من التذرية قال عياض
إن كانت محفوظة فهي الوجه ولعل الذال سقطت لبعض النساخ ثم صحفت اللفظة كذا قال
ولا يخفى أن الأول أوجه لأنه يلزم من تصويب هذه الرواية تخطئة الحفاظ بغير دليل ولان غايتها
أن تكون تفسيرا أو تأكيدا لقوله ففعلوا به ذلك بخلاف قوله وربي فإنها تزيد معنى آخر غير قوله
وذري وأبعد الكرماتي فجوز أن يكون قوله في رواية البخاري وربي بصيغة الماضي من التربية
أي ربي أخذ المواثيق بالتأكيدات والمبالغات قال لكنه موقوف على الرواية (قوله فقال الله
كن) في رواية أبي عوانة وكذا في حديث حذيفة الذي قبله فجمعه الله وفي حديث أبي هريرة
فأمر الله الأرض فقال اجمعي ما فيك منه ففعلت (قوله فإذا رجل قائم) قال ابن مالك جاز
وقوع المبتدا نكرة محضة بعد إذا المفاجأة لأنها من القرائن التي تحصل بها الفائدة كقولك
269

خرجت فإذا سبع (قوله مخافتك أو فرق منك) بفتح الفاء والراء وهو شك من الراوي وفي رواية
أبي عوانة مخافتك بغير شك وتقدم بلفظ خشيتك في حديث حذيفة وبيان الاختلاف فيه فيما
مضى وهو بالرفع ووقع في حديث حذيفة من خشيتك ولبعضهم خشيتك بغير من وهي بفتح التاء
وجوزوا الكسر على تقدير حذفها وابقاء عملها (قوله فما تلافاه أن رحمه) أي تداركه وما موصولة
أي الذي تلافاه هو الرحمة أو نافية وصيغة الاستثناء محذوفة أو الضمير في تلافاه لعمل الرجل وقد
تقدم بيان الاختلاف في هذه اللفظة هناك وفي حديث حذيفة فغفر له وكذا في حديث أبي
هريرة قالت المعتزلة غفر له لأنه تاب عند موته وندم على فعله وقالت المرجئة غفر له بأصل توحيده
الذي لا تضر معه معصية وتعقب الأول بأنه لم يرد أنه رد المظلمة فالمغفرة حينئذ بفضل الله لا بالتوبة
لأنها لا تتم الا بأخذ المظلوم حقه من الظالم وقد ثبت أنه كان نباشا وتعقب الثاني بأنه وقع في
حديث أبي بكر الصديق المشار إليه أولا أنه عذب فعلى هذا فتحمل الرحمة والمغفرة على إرادة ترك
الخلود في النار وبهذا يرد على الطائفتين معا على المرجئة في أصل دخول النار وعلى المعتزلة في
دعوى الخلود فيها وفيه أيضا رد على من زعم من المعتزلة أنه بذلك الكلام تاب فوجب على الله
قبول توبته قال ابن أبي جمرة كان الرجل مؤمنا لأنه قد أيقن بالحساب وان السيئات يعاقب
عليها وأما ما أوصى به فلعله كان جائزا في شرعهم ذلك لتصحيح التوبة فقد ثبت في شرع بني إسرائيل
قتلهم أنفسهم لصحة التوبة قال وفي الحديث جواز تسمية الشئ بما قرب منه لأنه قال حضره
الموت وانما الذي حضره في تلك الحالة علاماته وفيه فضل الأمة المحمدية لما خفف عنهم من
وضع مثل هذه الآصار ومن عليهم بالحنيفية السمحة وفيه عظم قدرة الله تعالى أن جمع جسد
المذكور بعد أن تفرق ذلك التفريق الشديد (قلت) وقد تقدم أن ذلك أخبار عما يكون يوم
القيامة وتقرير ذلك مستوفي (قوله قال فحدثت أبا عثمان) القائل هو سليمان التيمي والد معتمر
وأبو عثمان هو النهدي عبد الرحمن بن مل وقوله سمعت سلمان غير أنه زاد حذف المسموع الذي
استثنى منه ما ذكروا لتقدير سمعت سلمان يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الحديث
غير أنه زاد (قوله أو كما حدث) شك من الراوي يشير إلى أنه بمعنى حديث أبي سعيد لا بلفظه كله وقد
أخرج الإسماعيلي حديث سلمان من طريق صالح بن حاتم بن وردان وحميد بن مسعدة قالا حدثنا
معتمر سمعت أبي سمعت أبا عثمان سمعت هذا من سلمان فذكره (قوله وقال معاذ الخ) وصله مسلم
وقد مضى التنبيه عليه أيضا هناك (قوله باب الانتهاء عن المعاصي) أي تركها أصلا
ورأسا والاعراض عنها بعد الوقوع فيها ذكر فيه ثلاثة أحاديث * الأول (قوله بريد) بموحدة وراء
مهملة مصغر (قوله مثلي) بفتح الميم والمثلثة والمثل الصفة العجيبة الشأن يوردها البليغ على سبيل
التشبيه لإرادة التقريب والتفهيم (قوله ما بعثني الله) العائد محذوف والتقدير بعثني الله به
إليكم (قوله أتى قوما) التنكير فيه للشيوع (قوله رأيت الجيش) بالجيم والشين المعجمة واللام فيه
للعهد (قوله بعيني) بالافراد وللكشميهني بالتثنية بفتح النون والتشديد قيل ذكر العينين ارشادا
إلى أنه تحقق عنده جميع ما أخبر عنه تحقق من رأى شيئا بعينه لا يعتريه وهم ولا يخالطه شك
(قوله وانى أنا النذير العريان) قال ابن بطال النذير العريان رجل من خثعم حمل عليه رجل يوم
ذي الخلصة فقطع يده ويد امرأته فانصرف إلى قومه فحذرهم فضرب به المثل في تحقيق الخبر
270

(قلت) وسبق إلى ذلك يعقوب بن السكيت وغيره وسمى الذي حمل عليه عوف بن عامر اليشكري
وان المرأة كانت من بني كنانة وتعقب باستبعاد تنزيل هذه القصة على لفظ الحديث لأنه ليس فيها
انه كان عريانا وزعم ابن الكلبي ان النذير العريان امرأة من بني عامر بن كعب لما قتل المنذر
ابن ماء السماء أولاد أبي داود وكان جار المنذر خشيت على قومها فركبت جملا ولحقت بهم وقالت
أنا النذير العريان ويقال أول من قاله أبرهة الحبشي لما أصابته الرمية بتهامة ورجع إلى اليمن
وقد سقط لحمه وذكر أبو بشر الآمدي أن زنبرا بزاي ونون ساكنة ثم موحدة ابن عمرو الخثعمي
كان ناكحا في آل زبيد فأرادوا أن يغزوا قومه وخشوا أن ينذر بهم فحرسه أربعة نفر فصادف منهم
غرة فقذف ثيابه وعدا وكان من أشد الناس عدوا فأنذر قومه وقال غيره الأصل فيه أن رجلا لقي
جيشا فسلبوه وأسروه فانفلت إلى قومه فقال اني رأيت الجيش فسلبوني فرأوه عريانا فتحققوا
صدقه لانهم كانوا يعرفونه ولا يتهمونه في النصحية ولا جرت عادته بالتعري فقطعوا بصدقه لهذه
القرائن فضرب النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه ولما جاء به مثلا بذلك لما أبداه من الخوارق
والمعجزات الدالة على القطع بصدقه تقريبا لافهام المخاطبين بما يألفونه ويعرفونه (قلت)
ويؤيده ما أخرجه الرامهرمزي في الأمثال وهو عند أحمد أيضا سند جيد من حديث عبد الله بن
بريدة عن أبيه قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فنادى ثلاث مرات أيها الناس مثلي
ومثلكم مثل قوم خافوا عدوا أن يأتيهم فبعثوا رجلا يترايا لهم فبينما هم كذلك إذ أبصر العدو
فأقبل لينذر قومه فخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه فأهوى بثوبه أيها الناس أتيتم ثلاث
مرات وأحسن ما فسر به الحديث من الحديث وهذا كله يدل على أن العريان من التعري وهو
المعروف في الرواية وحكى الخطابي ان محمد بن خالد رواه بالموحدة قال فإن كان محفوظا فمعناه
الفصيح بالانذار لا يكنى ولا يورى يقال رجل عريان أي فصيح اللسان (قوله فالنجاء النجاء) بالمد
فيهما وبمد الأولى وقصر الثانية وبالقصر فيهما تخفيفا وهو منصوب على الاغراء أي اطلبوا
النجاء بأن تسرعوا الهرب إشارة إلى أنهم لا يطيقون مقاومة ذلك الجيش قال الطيبي في كلامه
أنواع من التأكيدات أحدها بعيني ثانيها قوله واني أنا ثالثها قوله العريان لأنه الغاية في قرب
العدو ولأنه الذي يختص في انذاره بالصدق (قوله فأطاعه طائفة) كذا فيه بالتذكير لان المراد
بعض القوم (قوله فأدلجوا) بهمزة قطع ثم سكون أي ساروا أول الليل أو ساروا الليل كله على
الاختلاف في مدلول هذه اللفظة واما بالوصل والتشديد على أن المراد به سير آخر الليل فلا يناسب
هذا المقام (قوله على مهلهم) بفتحتين والمراد به الهينة والسكون وبفتح أوله وسكون ثانيه
الامهال وليس مرادا هنا وفي رواية مسلم على مهلتهم بزيادة تاء تأنيث وضبطه النووي بضم الميم
وسكون الهاء وفتح اللام (قوله وكذبته طائفة) قال الطيبي عبر في الفرقة الأولى بالطاعة وفي
الثانية بالتكذيب ليؤذن بأن الطاعة مسبوقة بالتصديق ويشعر بأن التكذيب مستتبع
للعصيان (قوله فصبحهم الجيش) أي أتاهم صباحا هذا أصله ثم كثر استعماله حتى استعمل فيمن
طرق بغتة في أي وقت كان (قوله فاجتاحهم) بجيم ثم حاء مهملة أي استأصلهم من جحت الشئ
أجوحه إذا استأصلته والاسم الجائحة وهي الهلاك وأطلقت على الآفة لأنها مهلكة قال
الطيبي شبه صلى الله عليه وسلم نفسه بالرجل وانذاره بالعذاب القريب بانذار الرجل قومه بالجيش
271

المصبح وشبه من أطاعه من أمته ومن عصاه بمن كذب الرجل في انذاره ومن صدقه * الحديث
الثاني حديث أبي هريرة جزم المزي في الأطراف بأن البخاري ذكره في أحاديث الأنبياء ولم يذكر
أنه أورده في الرقاق فوجدته في أحاديث الأنبياء في ترجمة سليمان عليه السلام لكنه لم يذكر الا
طرفا منه ولم استحضره إذ ذاك في الرقاق فشرحته هناك ثم ظفرت به هنا فأذكر الآن من شرحه ما لم
يتقدم (قوله استوقد) بمعنى أوقد وهو أبلغ والإضاءة فرط الإنارة (قوله فلما أضاءت ما حوله)
اختصرها المؤلف هناك ونسبتها انا لتخريج أحمد ومسلم من طريق همام وهي في رواية شعيب كما
ترى وكأنه تبرك بلفظ الآية ووقع في رواية مسلم ما حولها والضمير للنار والأول للذي أوقد النار
وحول الشئ جانبه الذي يمكن أن ينتقل إليه وسمى بذلك إشارة إلى الدوران ومنه قيل للعام حول
(قوله الفراش) جزم المازري بأنها الجنادب وتعقبه عياض فقال الجندب هو الصرار (قلت)
والحق ان الفراش اسم لنوع من الطير مستقل له أجنحة أكبر من جثته وأنواعه مختلفة في الكبر
والصغر وكذا أجنحته وعطف الدواب على الفراش يشعر بأنها غير الجنادب والجراد وأغرب ابن
قتيبة فقال الفراش ما تهافت في النار من البعوض ومقتضاه ان بعض البعوض هو الذي يقع
في النار ويسمى حينئذ الفراش وقال الخليل الفراش كالبعوض وإنما شبهه به لكونه يلقى نفسه
في النار لا أنه يشارك البعوض في القرص (قوله وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها) القول
فيه كالقول في الذي قبله اختصره هناك فنسبته لتخريج أبي نعيم وهو في رواية شعيب كما ترى
ويدخل فيما يقع في النار البعوض والبرغش ووقع في كلام بعض الشراح البق والمراد به البعوض
(قوله فجعل) في رواية الكشميهني وجعل ومن هذه الكلمة إلى آخر الحديث لم يذكره المصنف هناك
(قوله فجعل) الرجل يزعهن بفتح التحتانية والزاي وضم العين المهملة أي يدفعهن وفي رواية
ينزعهن بزيادة نون وعند مسلم من طريق همام عن أبي هريرة وجعل يحجزهن ويغلبنه فيتقحمن
فيها (قوله فيقتحمن فيها) أي يدخلن وأصله القحم وهو الاقدام والوقوع في الأمور الشاقة من
غير تثبت ويطلق على رمى الشئ بغتة واقتحم الدار هجم عليها (قوله فأنا آخذ) قال النووي روى
باسم الفاعل ويروي بصيغة المضارعة من المتكلم (قلت) هذا في رواية مسلم والأول هو الذي
وقع في البخاري وقال الطيبي الفاء فيه فصيحة كأنه لما قال مثلي ومثل الناس الخ أتى بما هو أهم
وهو قوله فأنا آخذ بحجزكم ومن هذه الدقيقة التفت من الغيبة في قوله مثل الناس إلى الخطاب
في قوله بحجزكم كما أن من أخذ في حديث من له بشأنه عناية وهو مشتغل في شئ يورطه في الهلاك
يجد لشدة حرصه على نجاته أنه حاضر عنده وفيه إشارة إلى أن الانسان إلى النذير أحوج منه
إلى البشير لان جبلته مائلة إلى الحظ العاجل دون الحظ الاجل وفي الحديث ما كان فيه صلى الله
عليه وسلم من الرأفة والرحمة والحرص على نجاة الأمة كما قال تعالى حريص عليكم بالمؤمنين
رؤوف رحيم (قوله بحجزكم) بضم المهملة وفتح الجيم بعدها زاي جمع حجزه وهي معقد الازار ومن
السراويل موضع التكة ويجوز ضم الجيم في الجمع (قوله عن النار وضع المسبب موضع
السبب لان المراد أنه يمنعهم من الوقوع في المعاصي التي تكون سببا لولوج النار (قوله وأنتم)
في رواية الكشميهني وهم وعليها شرح الكرماني فقال كان القياس أن يقول وأنتم ولكنه قال
وهم وفيه التفات وفيه إشارة إلى أن من أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجزته لا اقتحام
272

له فيها قال وفيه أيضا احتراز عن مواجهتهم بذلك (قلت) والرواية بلفظ وأنتم ثابتة تدفع هذا
ووقع في رواية مسلم وأنتم تفلتون بفتح أوله والفاء واللام الثقيلة وأصله تتفلتون وبضم أوله
وسكون الفاء وفتح اللام ضبطوه بالوجهين وكلاهما صحيح تقول تفلت مني وأفلت مني لمن كان
بيدك فعالج الهرب منك حتى هرب وقد تقدم بيان هذا التمثيل وحاصله أنه شبه تهافت
أصحاب الشهوات في المعاصي التي تكون سببا في الوقوع في النهار بتهافت الفراش بالوقوع في
النار اتباعا لشهواتها وشبه ذبه العصاة عن المعاصي بما حذرهم به وأنذرهم بذب صاحب
النار الفراش عنها وقال عياض شبه تساقط أهل المعاصي في نار الآخرة بتساقط الفراش في نار
الدنيا (قوله تقحمون فيها) في رواية همام عند مسلم فيغلبوني النون مثقلة لان أصله فيغلبونني
والفاء سببية والتقدير أنا آخذ بحجزكم لأخلصكم من النار فجعلتم الغلبة مسببة عن الاخذ
(قوله تقحمون) بفتح المثناة والقاف والمهملة المشددة والأصل تقتحمون فحذفت إحدى
التائين قال الطيبي تحقيق التشبيه الواقع في هذا الحديث يتوقف على معرفة معنى قوله ومن
يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون وذلك أن حدود الله محارمه ونواهيه كما في الحديث الصحيح
ألا ان حمى الله محارمه ورأس المحارم حب الدنيا وزينتها واستيفاء لذتها وشهواتها فشبه صلى الله
عليه وسلم إظهار تلك الحدود ببياناته الشافية الكافية من الكتاب والسنة باستنقاذ الرجال
من النار وشبه فشو ذلك في مشارق الأرض ومغاربها بإضاءة تلك النار ما حول المستوقد وشبه
الناس وعدم مبالاتهم بذلك البيان والكشف وتعديهم حدود الله وحرصهم على استيفاء تلك
اللذات والشهوات ومنعه إياهم عن ذلك بأخذ حجزهم بالفراش التي تقتحمن في النار وتغلبن
المستوقد على دفعهن عن الاقتحام كما أن المستوقد كان غرضه من فعله انتفاع الخلق به من
الاستضاءة والاستدفاء وغير ذلك والفراش لجهلها جعلته سببا لهلاكها فكذلك كان القصد
بتلك البيانات اهتداء الأمة واجتنابها ما هو سبب هلاكهم وهم مع ذلك لجهلهم جعلوها
مقتضية لترديهم وفي قوله آخذ بحجزكم استعارة مثل حالة منعه الأمة عن الهلاك بحالة رجل
أخذ بحجزة صاحبه الذي يكاد يهوي في مهواة مهلكة * الحديث الثالث (قوله زكريا)
هو ابن أبي زائدة وعامر هو الشعبي (قوله المسلم) تقدم شرحه في أوائل كتاب الايمان (قوله
والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) قيل خص المهاجر بالذكر تطييبا لقلب من لم يهاجر من المسلمين
لفوات ذلك بفتح مكة فأعلمهم أن من هجر ما نهى الله عنه كان هو المهاجر الكامل ويحتمل أن
يكون ذلك تنبيها للمهاجرين أن لا يتكلموا على الهجرة فيقصروا في العمل وهذا الحديث من
جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم والله أعلم (قوله باب قول النبي صلى
الله عليه وسلم لو تعملون ما أعلم الخ) ذكر فيه حديث أبي هريرة بلفظ الترجمة وقوله عن سعيد بن
المسيب في رواية حجاج بن محمد عن الليث بسنده أخبرني سعيد وحديث أنس كذلك وهو طرف
من حديث تقدم في تفسير المائدة ويأتي شرحه في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى والمراد بالعلم
هنا ما يتعلق بعظمة الله وانتقامه ممن يعصيه والأهوال التي تقع عند النزع والموت وفي القبر ويوم
القيامة ومناسبة كثرة البكاء وقلة الضحك في هذا المقام واضحة والمراد به التخويف وقد جاء لهذا
الحديث سبب أخرجه سنيد في تفسيره بسند واه والطبراني عن ابن عمر خرج رسول الله صلى الله
273

عليه وسلم إلى المسجد فإذا بقوم يتحدثون ويضحكون فقال والذي نفسي بيده فذكر هذا
الحديث وعن الحسن البصري من علم أن الموت مورده والقيامة موعده والوقوف بين يدي الله
تعالى مشهده فحقه أن يطول في الدنيا حزنه قال الكرماني في هذا الحديث من صناعة البديع
مقابلة الضحك بالبكاء والقلة بالكثرة ومطابقة كل منهما (قوله باب حجبت النار
بالشهوات) كذا للجميع ووقع عند أبي نعيم حفت بدل حجبت أي غطيت بها فكانت الشهوات
سببا للوقوع في النار (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس (قوله حدثني مالك) هذا
الحديث ليس في الموطأ وقد ضاق على الإسماعيلي مخرجه فأخرجه عن الهيثم بن خلف عن
البخاري وأخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن إسماعيل وأخرجه الدارقطني في الغرائب من رواية
إسماعيل ومن طريق سعيد بن داود وإسحاق بن محمد الفروي أيضا عن مالك وأخرجه أيضا من
رواية عبد الله بن وهب عن مالك به لكن وقفه (قوله عن أبي الزناد) في رواية سعيد بن داود أنا
أبو الزناد (قوله عن الأعرج عن أبي هريرة) في رواية سعيد بن داود أن عبد الرحمن بن هرمز
أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول (قوله حجبت) كذا للجميع في الموضعين الا الفروي فقال حفت
في الموضعين وكذا هو عند مسلم من رواية ورقاء بن عمر عن أبي الزناد وكذا أخرجه مسلم
والترمذي من حديث أنس وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم وبديع بلاغته في ذم
الشهوات وان مالت إليها النفوس والحض على الطاعات وان كرهتها النفوس وشق عليها وقد
ورد إيضاح ذلك من وجه آخر عن أبي هريرة فأخرج أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان
والحاكم من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه لما خلق الله الجنة والنار أرسل جبريل إلى الجنة فقال
انظر إليها قال فرجع إليه فقال وعزتك لا يسمع بها أحد الا دخلها فأمر بها فحفت بالمكاره فقال
ارجع إليها فرجع فقال وعزتك لقد خفت أن لا يدخلها أحد قال اذهب إلى النار فانظر إليها فرجع
فقال وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها فأمر بها فحفت بالشهوات فقال ارجع إليها فرجع فقال
وعزتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد فهذا يفسر رواية الأعرج فان المراد بالمكاره هنا ما أمر
المكلف بمجاهدة نفسه فيه فعلا وتركا كالاتيان بالعبادات على وجهها والمحافظة عليها
واجتناب المنهيات قولا وفعلا وأطلق عليها المكاره لمشقتها على العامل وصعوبتها عليه ومن
جملتها الصبر على المصيبة والتسليم لأمر الله فيها والمراد بالشهوات ما يستلذ من أمور الدنيا مما
منع الشرع من تعاطيه اما بالأصالة واما لكون فعله يستلزم ترك شئ من المأمورات ويلتحق
بذلك الشبهات والاكثار مما أبيح خشية أن يوقع في المحرم فكأنه قال لا يوصل إلى الجنة الا
بارتكاب المشقات المعبر عنها بالمكروهات ولا إلى النار الا بتعاطي الشهوات وهما محجوبتان
فمن هتك الحجاب اقتحم ويحتمل أن يكن هذا الخبر وإن كان بلفظ الخبر فالمراد به النهي وقوله
حفت بالمهملة والفاء من الحفاف وهو ما يحيط بالشئ حتى لا يتوصل إليه الا بتخطيه فالجنة
لا يتوصل إليها الا بقطع مفاوز المكاره والنار لا ينحي منها الا بترك الشهوات وقال ابن العربي
معنى الحديث أن الشهوات جعلت على حفا في النار وهي جوانبها وتوهم بعضهم أنها ضرب
بها المثل فجعلها في جوانبها من خارج ولو كان ذلك ما كان مثلا صحيحا وانما هي من داخل وهذه
صورتها
274

المكاره - الشهوات
فمن اطلع الحجاب فقد واقع ما وراءه وكل من تصورها من خارج فقد ضل عن معنى الحديث ثم قال
فإن قيل فقد جاء في البخاري حجبت النار بالشهوات فالجواب ان المعنى واحد لان الأعمى عن
التقوى الذي قد أخذت الشهوات سمعه وبصره يراها ولا يرى النار التي هي فيها وذلك لاستيلاء
الجهالة والغفلة على قلبه فهو كالطائر يرى الحبة في داخل الفخ وهي محجوبة به ولا يرى الفخ
لغلبة شهوة الحبة على قلبه وتعلق باله بها (قلت) بالغ كعادته في تضليل من حمل الحديث على
ظاهره وليس ما قاله غيره ببعيد وأن الشهوات على جانب النار من خارج فمن واقعها وخرق
الحجاب دخل النار كما أن الذي قاله القاضي محتمل والله أعلم (تنبيه) أدخل ابن بطال في هذا
الباب حديثي الباب الذي بعده وحذف الترجمة التي تليه وهي ثابتة في جميع الأصول وفيها
الحديثان وليس في الذي قبلها الا حديث أبي هريرة (قوله باب الجنة أقرب
إلى أحدكم من شراك نعله) هذه الترجمة حذفها ابن بطال وذكر الحديثين اللذين فيها في الباب
الذي قبلها والمناسبة ظاهرة لكن الذي ثبت في الأصول التفرقة * الحديث الأول (قوله حدثنا
موسى بن مسعود) هو أبو حذيفة النهدي وهو بكنيته أشهر وسفيان شيخه هو الثوري وعبد الله
هو ابن مسعود والسند كله كوفيون (قوله شراك) تقدم ضبطه وبيانه في أواخر كتاب اللباس
وانه السير الذي يدخل فيه إصبع الرجل ويطلق أيضا على كل سير وقي به القدم قال ابن بطال فيه
أن الطاعة موصلة إلى الجنة وان المعصية مقربة إلى النار وان الطاعة والمعصية قد تكون في
أيسر الأشياء وتقدم في هذا المعنى قريبا حديث إن الرجل ليتكلم بالكلمة الحديث فينبغي للمرء
أن لا يزهد في قليل من الخير أن يأتيه ولا في قليل من الشر أن يجتنبه فإنه لا يعلم الحسنة التي يرحمه
الله بها ولا السيئة التي يسخط عليه بها وقال ابن الجوزي معنى الحديث ان تحصيل الجنة سهل
بتصحيح القصد وفعل الطاعة والنار كذلك بموافقة الهوى وفعل المعصية * الحديث الثاني
حديث أبي هريرة وقد تقدم في أوائل السيرة النبوية وفي الأدب (قوله أصدق بيت) أطلق
البيت على بعضه مجازا فإن الذي ذكره نصفه وهو المصراع الأول المسمى عروض البيت وأما
نصفه الثاني وهو المسمى بالضرب فهو * وكل نعيم لا محالة زائل * ويحتمل أن يكون على سبيل
الاكتفاء فأشار بأول البيت إلى بقيته والمراد كله وعكسه ما مضى في باب ما يجوز من الشعر في
كتاب الأدب بلفظ أصدق كلمة فإن المراد بها القصيدة وقد أطلقها وأراد البيت وتقدم شرح
هذا الحديث في أيام الجاهلية وأورده فيها أيضا بلفظ أصدق كلمة وهو المشهور وذكرت هناك أن
في رواية شريك عند مسلم بلفظ أشعر كلمة تكلمت بها العرب وبحث السهيلي في ذلك وذكرت
أيضا ما أورده ابن إسحاق في السيرة فيما جرى لعثمان بن مظعون مع لبيد بن ربيعة ناظم هذا
البيت حيث قال له لما أنشد المصراع الأول صدقت ولما أنشد المصراع الثاني كذبت ثم قال له
نعيم الجنة لا يزول وذكرت توجيه كل من الامرين وان كل من صدق بأن ما خلا الله باطل فقد
صدق ببطلان ما سواه فيدخل نعيم الجنة بما حاصله أن المراد بالباطل هنا الهالك وكل شئ سوى
275

الله جائز عليه الفناء وان خلق فيه البقاء بعد ذلك كنعيم الجنة والله أعلم وقال ابن بطال هنا قوله
ما خلا الله باطل لفظ عام أريد به الخصوص والمراد أن كل ما قرب من الله فليس بباطل وأما أمور
الدنيا التي لا تؤل إلى طاعة الله فهي الباطل انتهى ولعل الأول أولى (تنبيه) مناسبة هذا
الحديث الثاني للترجمة خفية وكأن الترجمة لما تضمنت ما في الحديث الأول من التحريض على
الطاعة ولو قلت والزجر عن المعصية ولو قلت ففيهم أن من خالف ذلك انما يخالفه لرغبة في أمر
من أمور الدنيا وكل ما في الدنيا باطل كما صرح به الحديث الثاني فلا ينبغي للعاقل أن يؤثر الفاني
على الباقي (قوله باب لينظر إلى من هو أسفل منه ولا ينظر إلى من هو فوقه) هذا لفظ
حديث أخرجه مسلم بنحوه من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ انظروا إلى من
هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس
(قوله عن أبي الزناد) في رواية ابن وهب عن مالك حدثني أبو الزناد أخرجه الدارقطني في
الغرائب (قوله عن الأعرج) في رواية سعيد بن داود عن مالك حدثني أبو الزناد أن عبد الرحمن
ابن هرمز أخبره أنه سمع أبا هريرة أخرجه الدارقطني أيضا وضاق مخرجه على أبي نعيم فأخرجه
من طريق القاسم بن زكريا عن البخاري وأخرجه الإسماعيلي من طريق حميد بن قتيبة عن
إسماعيل والدارقطني من وجهين عن إسماعيل (قوله إذا نظر أحدكم إلى من فضل) بالفاء والمعجمة
على البناء للمجهول (قوله في المال والخلق) بفتح الخاء أي الصورة ويحتمل أن يدخل في ذلك
الأولاد والاتباع وكل ما يتعلق بزينة الحياة الدنيا ورأيته في نسخة معتمدة من الغرائب
للدارقطني والخلق بضم الخاء واللام (قوله فلينظر إلى من هو أسفل منه) في رواية عبد العزيز
ابن يحيى عن مالك فلينظر إلى من تحته أخرجه الدارقطني أيضا ويجوز في أسفل الرفع والنصب
والمراد بذلك ما يتعلق بالدنيا (قوله ممن فضل عليه) كذا ثبت في آخر هذا الحديث عند مسلم من
طريق المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد وكذا ثبت لمالك الذي أخرجه البخاري من طريقه
عند الدارقطني من رواية سعيد بن داود عنه بسند صحيح وزاد مسلم من طريق أبي صالح المذكورة
فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم أي هو حقيق بعدم الازدراء وهو افتعال من زريت عليه
وأزريت به إذا تنقصته وفي معناه ما أخرجه الحاكم من حديث عبد الله بن الشخير رفعه أقلوا
الدخول على الأغنياء فإنه أحرى أن لا تزدروا نعمة الله قال ابن بطال هذا الحديث جامع لمعاني
الخير لان المرء لا يكون بحال تتعلق بالدين من عبادة ربه مجتهدا فيها الا وجد من هو فوقه فمتى
طلبت نفسه اللحاق به اقتصر حاله فيكون أبدا في زيادة تقربه من ربه ولا يكون على حال
خسيسة من الدنيا الا وجد من أهلها من هو أخس حالا منه فإذا تفكر في ذلك علم أن نعمة الله
وصلت إليه دون كثير ممن فضل عليه بذلك من غير أمر أوجبه فيلزم نفسه الشكر فيعظم
اغتباطه بذلك في معاده وقال غيره في هذا الحديث دواء الداء لان الشخص إذا نظر إلى من هو
فوقه لم يأمن أن يؤثر ذلك فيه حسدا ودواؤه أن ينظر إلى من هو أسفل منه ليكون ذلك داعيا
إلى الشكر وقد وقع في نسخة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه قال خصلتان من كانتا فيه
كتبه الله شاكرا صابرا من نظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد الله على ما فضله به عليه ومن نظر في
دينه إلى من هو فوقه فاقتدى به وأما من نظر في دنياه إلى من هو فوقه فأسف على ما فاته فإنه
276

لا يكتب شاكرا ولا صابرا (قوله باب من هم بحسنة أو بسيئة) الهم ترجيح قصد
الفعل تقول هممت بكذا أي قصدته بهمتي وهو فوق مجرد خطور الشئ بالقلب (قوله حدثنا
أبو معمر) هو عبد الله بن عمرو بن الحجاج المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف وعبد
الوارث هو ابن سعيد والسند كله بصريون وجعد بن دينار تابعي صغير وهو الجعد أبو عثمان
الراوي عن أنس في أواخر النفقات وفي غيرها (قوله عن ابن عباس) في رواية الحسن بن ذكوان
عن أبي رجاء حدثني ابن عباس أخرجه أحمد (قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية مسدد
عند الإسماعيلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أر في شئ من الطرق التصريح بسماع ابن
عباس له من النبي صلى الله عليه وسلم (قوله فيما يروى عن ربه) هذا من الأحاديث الإلهية ثم
هو محتمل أن يكون مما تلقاه صلى الله عليه وسلم عن ربه بلا واسطة ويحتمل أن يكون مما تلقاه
بواسطة الملك وهو الراجح وقال الكرماني يحتمل أن يكون من الأحاديث القدسية ويحتمل أن
يكون للبيان لما فيه من الاسناد الصريح إلى الله حيث قال إن الله كتب ويحتمل أن يكون لبيان
الواقع وليس فيه أن غيره ليس كذلك لأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي
يوحى بل فيه أن غيره كذلك إذ قال فيما يرويه أي في جملة ما يرويه انتهى ملخصا والثاني لا ينافي
الأول وهو المعتمد فقد أخرجه مسلم من طريق جعفر بن سليمان عن الجعد ولم يسق لفظه
وأخرجه أبو عوانة من طريق عفان وأبو نعيم من طريق قتيبة كلاهما عن جعفر بلفظ فيما
يروى عن ربه قال إن ربكم رحيم من هم بحسنة وسيأتي في التوحيد من طريق الأعرج عن أبي
هريرة بلفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول الله عز وجل إذا أراد عبدي أن يعمل
وأخرجه مسلم بنحوه من هذا الوجه ومن طرق أخرى منها عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله عز وجل إذا هم عبدي (قوله إن الله عز وجل
كتب الحسنات والسيئات) يحتمل أن يكون هذا من قول الله تعالى فيكون التقدير قال الله ان
الله كتب ويحتمل أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم يحكيه عن فعل الله تعالى وفاعل ثم
بين ذلك هو الله تعالى وقوله فمن هم شرح ذلك (قوله ثم بين ذلك) أي فصله بقوله فمن هم والمجمل
قوله كتب الحسنات والسيئات وقوله كتب قال الطوفي أي أمر الحفظة أن تكتب أو المراد
قدر ذلك في علمه على وفق الواقع منها وقال غيره المراد قدر ذلك وعرف الكتبة من الملائكة ذلك
التقدير فلا يحتاج إلى الاستفسار في كل وقت عن كيفية الكتابة لكونه أمرا مفروغا منه
انتهى وقد يعكر على ذلك ما أخرجه مسلم من طريق همام عن أبي هريرة رفعه قال قالت
الملائكة رب ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر به فقال ارقبوه فإن عملها فاكتبوها
فهذا ظاهره وقوع المراجعة لكن ذلك مخصوص بإرادة عمل السيئة ويحتمل أن يكون ذلك وقع
في ابتداء الامر فلما حصل الجواب استقر ذلك فلا يحتاج إلى المراجعة بعده وقد وجدت عن
الشافعي ما يوافق ظاهر الخبر وأن المؤاخذة انما تقع لمن هم على الشئ فشرع فيه لا من هم به ولم
يتصل به العمل فقال في صلاة الخوف لما ذكر العمل الذي يبطلها ما حاصله ان من أحرم بالصلاة
وقصد القتال فشرع فيه بطلت صلاته ومن تحرم وقصد إلى العدو لو دهمه دفعه بالقتال لم تبطل
(قوله فمن هم) كذا في رواية ابن سيرين عن أبي هريرة عند مسلم وفي رواية الأعرج في التوحيد
277

إذا أراد وأخرجه مسلم من هذا الوجه بلفظ إذا هم وكذا عنده من رواية العلاء بن عبد الرحمن
عن أبيه عن أبي هريرة فهما بمعنى واحد ووقع لمسلم أيضا من رواية همام عن أبي هريرة بلفظ إذا
تحدث وهو محمول على حديث النفس لتوافق الروايات الأخرى ويحتمل أن يكون على ظاهره
ولكن ليس قيدا في كتابة الحسنة بل بمجرد الإرادة تكتب الحسنة نعم ورد ما يدل على أن مطلق
الهم والإرادة لا يكفي فعند أحمد وصححه ابن حبان والحاكم من حديث خريم بن فاتك رفعه ومن
هم بحسنة يعلم الله أنه قد أشعر بها قلبه وحرص عليها وقد تمسك به ابن حبان فقال بعد إيراد
حديث الباب في صحيحه المراد بالهم هنا العزم ثم قال ويحتمل ان الله يكتب الحسنة بمجرد الهم
بها وان لم يعزم عليها زيادة في الفضل (قوله فلم يعملها) يتناول نفي عمل الجوارح وأما عمل القلب
فيحتمل نفيه أيضا إن كانت الحسنة تكتب بمجرد الهم كما في معظم الأحاديث لا ان قيدت
بالتصميم كما في حديث خريم ويؤيد الأول حديث أبي ذر عند مسلم ان الكف عن الشر صدقة
(قوله كتبها الله له) أي للذي هم بالحسنة (عنده) أي عند الله (حسنة كاملة) كذا ثبت في حديث
ابن عباس دون حديث أبي هريرة وغيره وصف الحسنة بكونها كاملة وكذا قوله عنده وفيهما
نوعان من التأكيد فأما العندية فإشارة إلى الشرف وأما الكمال فإشارة إلى رفع توهم نقصها
لكونها نشأت عن الهم المجرد فكأنه قيل بل هي كاملة لا نقص فيها قال النووي أشار بقوله
عنده إلى مزيد الاعتناء به وبقوله كاملة إلى تعظيم الحسنة وتأكيد أمرها وعكس ذلك في
السيئة فلم يصفها بكاملة بل أكدها بقوله واحدة إشارة إلى تخفيفها مبالغة في الفضل
والاحسان ومعنى قوله كتبها الله أمر الحفظة بكتابتها بدليل حديث أبي هريرة الآتي في التوحيد
بلفظ إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها وفيه دليل على أن الملك
يطلع على ما في قلب الآدمي اما باطلاع الله إياه أو بأن يخلق له علما يدرك به ذلك ويؤيد الأول
ما أخرجه ابن أبي الدنيا عن أبي عمران الجوني قال ينادى الملك اكتب لفلان كذا وكذا فيقول
يا رب انه لم يعمله فيقول انه نواه وقيل بل يجد الملك للهم بالسيئة رائحة خبيثة وبالحسنة رائحة
طيبة وأخرج ذلك الطبري عن أبي معشر المدني وجاء مثله عن سفيان بن عيينة ورأيت في شرح
مغلطاي أنه ورد مرفوعا قال الطوفي انما كتبت الحسنة بمجرد الإرادة لان إرادة الخير سبب إلى
العمل وإرادة الخير خير لان إرادة الخير من عمل القلب واستشكل بأنه إذا كان كذلك فكيف
لا تضاعف لعموم قوله من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأجيب بحمل الآية على عمل الجوارح
والحديث على الهم المجرد واستشكل أيضا بأن عمل القلب إذا اعتبر في حصول الحسنة فكيف
لم يعتبر في حصول السيئة وأجيب بأن ترك عمل السيئة التي وقع الهم بها يكفرها لأنه قد نسخ
قصده السيئة وخالف هواه ثم إن ظاهر الحديث حصول الحسنة بمجرد الترك سواء كان ذلك لمانع
أم لا ويتجه أن يقال يتفاوت عظم الحسنة بحسب المانع فإن كان خارجيا مع بقاء قصد الذي هم
بفعل الحسنة فهي عظيمة القدر ولا سيما ان قارنها ندم على تفويتها واستمرت النية على فعلها عند
القدرة وإن كان الترك من الذي هم من قبل نفسه فهي دون ذلك الا ان قارنها قصد الاعراض
عنها جملة والرغبة عن فعلها ولا سيما ان وقع العمل في عكسها كأن يريد أن يتصدق بدرهم مثلا
فصرفه بعينه في معصية فالذي يظهر في الأخير أن لا تكتب له حسنة أصلا وأما ما قبله فعلى
278

الاحتمال واستدل بقوله حسنة كاملة على انها تكتب حسنة مضاعفة لان ذلك هو
الكمال لكنه مشكل يلزم منه مساواة من نوى الخير بمن فعله في أن كلا منهما يكتب له حسنة
وأجيب بأن التضعيف في الآية يقتضي اختصاصه بالعامل لقوله تعالى من جاء بالحسنة والمجئ
بها هو العمل وأما الناوي فإنما ورد أنه يكتب له حسنة ومعناه يكتب له مثل ثواب الحسنة
والتضعيف قدر زائد على أصل الحسنة والعلم عند الله تعالى (قوله فإن هم بها وعملها كتبها الله
له عنده عشر حسنات) يؤخذ منه رفع توهم أن حسنة الإرادة تضاف إلى عشرة التضعيف
فتكون الجملة إحدى عشرة على ما هو ظاهر رواية جعفر بن سليمان عند مسلم ولفظه فإن عملها
كتبت له عشر أمثالها وكذا في حديث أبي هريرة وفي بعض طرقه احتمال ورواية عبد الوارث في
الباب ظاهرة فيما قلته وهو المعتمد قال ابن عبد السلام في أماليه معنى الحديث إذا هم بحسنة
كتبت له حسنة فان عملها كملت له عشرة لأنا نأخذ بقيد كونها قد هم بها وكذا السيئة إذا عملها
لا تكتب واحدة للهم وأخرى للعمل بل تكتب واحدة فقط (قلت) الثاني صريح في حديث
هذا الباب وهو مقتضى كونها في جميع الطرق لا تكتب بمجرد الهم وأما حسنة الهم بالحسنة
فالاحتمال قائم وقوله بقيد كونها قد هم بها يعكر عليه من عمل حسنة بغتة من غير أن يسبق له أنه هم
بها فإن قضية كلامه أنه يكتب له تسعة وهو خلاف ظاهر الآية من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها
فإنه يتناول من هم بها ومن لم يهم والتحقيق أن حسنة من هم بها تندرج في عشرة العمل لكن
تكون حسنة من هم بها أعظم قدرا ممن لم يهم بها والعلم عند الله تعالى (قوله إلى سبعمائة ضعف)
الضعف في اللغة المثل والتحقيق أنه اسم يقع على العدد بشرط أن يكون معه عدد آخر فإذا قيل
ضعف العشرة فهم أن المراد عشرون ومن ذلك لو أقر بأن له عندي ضعف درهم لزمه درهمان
أو ضعفي درهم لزمه ثلاثة (قوله إلى أضعاف كثيرة) لم يقع في شئ من طرق حديث أبي هريرة إلى
أضعاف كثيرة الا في حديثه الماضي في الصيام فان في بعض طرقه عند مسلم إلى سبعمائة ضعف
إلى ما شاء الله وله من حديث أبي ذر رفعه يقول الله من عمل حسنة فله عشر أمثالها وأزيد وهو
بفتح الهمزة وكسر الزاي وهذا يدل على أن تضعيف حسنة العمل إلى عشرة مجزوم به وما زاد
عليها جائز وقوعه بحسب الزيادة في الاخلاص وصدق العزم وحضور القلب وتعدى النفع
كالصدقة الجارية والعلم النافع والسنة الحسنة وشرف العمل ونحو ذلك وقد قيل إن العمل
الذي يضاعف إلى سبعمائة خاص بالنفقة في سبيل الله وتمسك قائله بما في حديث خريم بن فاتك
المشار إليه قريبا رفعه من هم بحسنة فلم يعملها فذكر الحديث وفيه ومن عمل حسنة كانت له
بعشر أمثالها ومن أنفق نفقة في سبيل الله كانت له بسبعمائة ضعف وتعقب بأنه صريح في أن
النفقة في سبيل الله تضاعف إلى سبعمائة وليس فيه نفى ذلك عن غيرها صريحا ويدل على
التعميم حديث أبي هريرة الماضي في الصيام كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى
سبعمائة ضعف الحديث واختلف في قوله تعالى والله يضاعف لمن يشاء هل المراد المضاعفة إلى
سبعمائة فقط أو زيادة على ذلك فالأول هو المحقق من سياق الآية والثاني محتمل ويؤيد الجواز
سعة الفضل (قوله ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة) المراد بالكمال عظم
القدر كما تقدم لا التضعيف إلى العشرة ولم يقع التقييد بكاملة في طرق حديث أبي هريرة وظاهر
279

الاطلاق كتابة الحسنة بمجرد الترك لكنه قيده في حديث الأعرج عن أبي هريرة كما سيأتي في كتاب
التوحيد ولفظه إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها فإن عملها
فاكتبوها له بمثلها وان تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة وأخرجه مسلم من هذا الوجه لكن
لم يقع عنده من أجلي ووقع عنده من طريق همام عن أبي هريرة وان تركها فاكتبوها له حسنة
انما تركها من جراي بفتح الجيم وتشديد الراء بعد الألف ياء المتكلم وهي بمعنى من أجلي ونقل
عياض عن بعض العلماء أنه حمل حديث ابن عباس على عمومه ثم صوب حمل مطلقه على ما قيد
في حديث أبي هريرة (قلت) ويحتمل أن تكون حسنة من ترك بغير استحضار ما قيد به دون
حسنة الآخر لما تقدم أن ترك المعصية كف عن الشر والكف عن الشر خير ويحتمل أيضا أن
يكتب لمن هم بالمعصية ثم تركها حسنة مجردة فان تركها من مخافة ربه سبحانه كتبت حسنة
مضاعفة وقال الخطابي محل كتابة الحسنة على الترك أن يكون التارك قد قدر على الفعل ثم
تركه لان الانسان لا يسمى تاركا الا مع القدرة ويدخل فيه من حال بينه وبين حرصه على الفعل
مانع كأن يمشي إلى امرأة ليزني بها مثلا فيجد الباب مغلقا ويتعسر فتحه ومثله من تمكن من الزنا
مثلا فلم ينتشر أو طرقه ما يخاف من أذاه عاجلا ووقع في حديث أبي كبشة الأنماري ما قد يعارض
ظاهر حديث الباب وهو ما أخرجه أحمد وابن ماجة والترمذي وصححه بلفظ انما الدنيا لأربعة
فذكر الحديث وفيه وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يعمل في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه
ولا يصل فيه رحمه ولا يرى لله فيه حقا فهذا بأخبث المنازل ورجل لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو
يقول لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهما في الوزر سواء فقيل الجمع بين الحديثين بالتنزيل
على حالتين فتحمل الحالة الأولى على من هم بالمعصية هما مجردا من غير تصميم والحالة الثانية
على من صمم على ذلك وأصر عليه وهو موافق لما ذهب إليه الباقلاني وغيره قال المازري ذهب
ابن الباقلاني يعني ومن تبعه إلى أن من عزم على المعصية بقلبه ووطن عليها نفسه أنه يأثم وحمل
الأحاديث الواردة في العفو عمن هم بسيئة ولم يعملها على الخاطر الذي يمر بالقلب ولا يستقر قال
المازري وخالفه كثير من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين ونقل ذلك عن نص الشافعي ويؤيده
قوله في حديث أبي هريرة فيما أخرجه مسلم من طريق همام عنه بلفظ فأنا أغفرها له مالم يعملها
فإن الظاهر أن المراد بالعمل هنا عمل الجارحة بالمعصية المهموم به وتعقبه عياض بأن عامة
السلف وأهل العلم على ما قال ابن الباقلاني لاتفاقهم على المؤاخذة بأعمال القلوب لكنهم قالوا إن
العزم على السيئة يكتب سيئة مجردة لا السيئة التي هم أن يعملها كمن يأمر بتحصيل معصية
ثم لا يفعلها بعد حصولها فإنه يأثم بالامر المذكور لا بالمعصية ومما يدل على ذلك حديث إذا التقى
المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قيل هذا القاتل فما بال المقتول قال إنه كان حريصا
على قتل صاحبه وسيأتي سياقه وشرحه في كتاب الفتن والذي يظهر أنه من هذا الجنس وهو أنه
يعاقب على عزمه بمقدار ما يستحقه ولا يعاقب عقاب من باشر القتل حسا وهنا قسم آخر وهو
من فعل المعصية ولم يتب منها ثم هم أن يعود إليها فإنه يعاقب على الاصرار كما جزم به ابن المبارك
وغيره في تفسير قوله تعالى ولم يصروا على ما فعلوا ويؤيده أن الاصرار معصية اتفاقا فمن عزم على
المعصية وصمم عليها كتبت عليه سيئة فإذا عملها كتبت عليه معصية ثانية قال النووي وهذا
280

ظاهر حسن لا مزيد عليه وقد تظاهرت نصوص الشريعة بالمؤاخذة على عزم القلب المستقر
كقوله تعالى ان الذين يحبون أن تشيع الفاحشة الآية وقوله اجتنبوا كثيرا من الظن وغير
ذلك وقال ابن الجوزي إذا حدث نفسه بالمعصية لم يؤاخذ فإن عزم وصمم زاد على حديث النفس
وهو من عمل القلب قال والدليل على التفريق بين الهم والعزم ان من كان في الصلاة فوقع في
خاطره أن يقطعها لم تنقطع فإن صمم على قطعها بطلت وأجيب عن القول الأول بأن المؤاخذة
على أعمال القلوب المستقلة بالمعصية لا تستلزم المؤاخذة على عمل القلب بقصد معصية الجارحة
إذا لم يعمل المقصود للفرق بين ما هو بالقصد وما هو بالوسيلة وقسم بعضهم ما يقع في النفس
أقساما يظهر منها الجواب عن الثاني أضعفها أن يخطر له ثم يذهب في الحال وهذا من الوسوسة
وهو معفو عنها وهو دون التردد وفوقه أن يتردد فيه فيهم به ثم ينفر عنه فيتركه ثم يهم به ثم يترك
كذلك ولا يستمر على قصده وهذا هو التردد فيعفى عنه أيضا وفوقه أن يميل إليه ولا ينفر عنه
لكن لا يصمم على فعله وهذا هو الهم فيعفى عنه أيضا وفوقه أن يميل إليه ولا ينفر منه بل يصمم على
فعله فهذا هو العزم وهو منتهى الهم وهو على قسمين القسم الأول أن يكون من أعمال القلوب
صرفا كالشك في الوحدانية أو النبوة أو البعث فهذا كفر ويعاقب عليه جزمان ودونه المعصية التي
لا تصل إلى الكفر كمن يحب ما يبغض الله ويبغض ما يحبه الله ويحب للمسلم الأذى بغير موجب
لذلك فهذا يأثم ويلتحق به الكبر والعجب والبغي والمكر والحسد وفي بعض هذا خلاف فعن
الحسن البصري أن سوء الظن بالمسلم وحسده معفو عنه وحملوه على ما يقع في النفس مما لا يقدر
على دفعه لكن من يقع له ذلك مأمور بمجاهدته النفس على تركه والقسم الثاني أن يكون من
أعمال الجوارح كالزنا والسرقة فهو الذي وقع فيه النزاع فذهبت طائفة إلى عدم المؤاخذة بذلك
أصلا ونقل عن نص الشافعي ويؤيده ما وقع في حديث خريم بن فاتك المنبه عليه قبل فإنه حيث
ذكر الهم بالحسنة قال علم الله أنه أشعرها قلبه وحرص عليها وحيث ذكر الهم بالسيئة لم يقيد
بشئ بل قال فيه ومن هم بسيئة لم تكتب عليه والمقام مقام الفضل فلا يليق التحجير فيه وذهب
كثير من العلماء إلى المؤاخذة بالعزم المصمم وسأل ابن المبارك سفيان الثوري أيؤاخذ العبد بما
يهم به قال إذا جزم بذلك واستدل كثير منهم بقوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم
وحملوا حديث أبي هريرة الصحيح المرفوع ان الله تجاوز لامتي عما حدثت به أنفسها مالم تعمل به
أو تكلم على الخطرات كما تقدم ثم افترق هؤلاء فقالت طائفة يعاقب عليه صاحبه في الدنيا خاصة
بنحو الهم والغم وقالت طائفة بل يعاقب عليه يوم القيامة لكن بالعتاب لا بالعذاب وهذا قول ابن
جريج والربيع بن أنس وطائفة ونسب ذلك إلى ابن عباس أيضا واستدلوا بحديث النجوى
الماضي شرحه في باب ستر المؤمن على نفسه من كتاب الأدب واستثنى جماعة ممن ذهب إلى عدم
مؤاخذة من وقع منه الهم بالمعصية ما يقع في الحرم المكي ولو لم يصمم لقوله تعالى ومن يرد فيه
بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ذكره السدى في تفسيره عن مرة عن ابن مسعود وأخرجه أحمد
من طريقه مرفوعا ومنهم من رجحه موقوفا ويؤيد ذلك أن الحرم يجب اعتقاد تعظيمه فمن هم
بالمعصية فيه خالف الواجب بانتهاك حرمته وتعقب هذا البحث بأن تعظيم الله آكد من تعظيم
الحرم ومع ذلك فمن هم بمعصيته لا يؤاخذه فكيف يؤاخذ بما دونه ويمكن أن يجاب عن هذا بأن
281

انتهاك حرمة الحرم بالمعصية تستلزم انتهاك حرمة الله لان تعظيم الحرم من تعظيم الله فصارت
المعصية في الحرم أشد من المعصية في غيره وان اشترك الجميع في ترك تعظيم الله تعالى نعم من هم
بالمعصية قاصدا الاستخفاف بالحرم وعصى ومن هم بمعصية الله قاصدا الاستخفاف بالله كفر وانما
المعفو عنه من هم بمعصية ذاهلا عن قصد الاستخفاف وهذا تفصيل جيد ينبغي أن يستحضر
عند شرح حديث لا يزني الزاني وهو مؤمن وقال السبكي الكبير الهاجس لا يؤاخذ به إجماعا
والخاطر وهو جريان ذلك الهاجس وحديث النفس لا يؤاخذ بهما للحديث المشار إليه والهم
وهو قصد فعل المعصية مع التردد لا يؤاخذ به لحديث الباب والعزم وهو قوة ذلك القصد أو الجزم
به ورفع التردد قال المحققون يؤاخذ به وقال بعضهم لا واحتج بقول أهل اللغة هم بالشئ عزم عليه
وهذا لا يكفي قال ومن أدلة الأول حديث إذا التقى المسلمان بسيفيهما الحديث وفيه أنه كان
حريصا على قتل صاحبه فعلل بالحرص واحتج بعضهم بأعمال القلوب ولا حجة معه لأنها على
قسمين أحدهما لا يتعلق بفعل خارجي وليس البحث فيه والثاني يتعلق بالملتقيين عزم كل منهما
على قتل صاحبه واقترن بعزمه فعل بعض ما عزم عليه وهو شهر السلاح واشارته به إلى الاخر
فهذا الفعل يؤاخذ به سواء حصل القتل أم لا انتهى ولا يلزم من قوله فالقاتل والمقتول في النار أن
يكونا في درجة واحدة من العذاب بالاتفاق (قوله فان هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة)
في رواية الأعرج فاكتبوها له بمثلها وزاد مسلم في حديث أبي ذر فجزاؤه بمثلها أو أغفر وله في
آخر حديث ابن عباس أو يمحوها والمعنى ان الله يمحوها بالفضل أو بالتوبة أو بالاستغفار أو بعمل
الحسنة التي تكفر السيئة والأول أشبه لظاهر حديث أبي ذر وفيه رد لقول من ادعى أن الكبائر
لا تغفر الا بالتوبة ويستفاد من التأكيد بقوله واحدة أن السيئة لا تضاعف كما تضاعف الحسنة
وهو على وفق قوله تعالى فلا يجزى الا مثلها قال ابن عبد السلام في أماليه فائدة التأكيد دفع
توهم من يظن أنه إذا عمل السيئة كتبت عليه سيئة العمل وأضيفت إليها سيئة الهم وليس كذلك
انما يكتب عليه سيئة واحدة وقد استثنى بعض العلماء وقوع المعصية في الحرم المكي قال إسحاق
ابن منصور قلت لأحمد هل ورد في شئ من الحديث ان السيئة تكتب بأكثر من واحدة قال لا
ما سمعت الا بمكة لتعظيم البلد والجمهور على التعميم في الأزمنة والأمكنة لكن قد يتفاوت
بالعظم ولا يرد على ذلك قوله تعالى من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين
لان ذلك ورد تعظيما لحق النبي صلى الله عليه وسلم لان وقوع ذلك من نسائه يقتضي أمرا زائدا
على الفاحشة وهو أذى النبي صلى الله عليه وسلم وزاد مسلم بعد قوله أو يمحوها ولا يهلك على الله
الا هالك أي من أصر على التجري على السيئة عزما وقولا وفعلا وأعرض عن الحسنات هما وقولا
وفعلا قال ابن بطال في هذا الحديث بيان فضل الله العظيم على هذه الأمة لأنه لولا ذلك كاد
لا يدخل أحد الجنة لان عمل العباد للسيئات أكثر من عملهم الحسنات ويؤيد ما دل عليه
حديث الباب من الإثابة على الهم بالحسنة وعدم المؤاخذة على الهم بالسيئة قوله تعالى لها
ما كسبت وعليها ما اكتسبت إذ ذكر في السوء الافتعال الذي يدل على المعالجة والتكلف فيه
بخلاف الحسنة وفيه ما يترتب للعبد على هجران لذته وترك شهوته من أجل ربه رغبة في ثوابه
ورهبة من عقابه واستدل به على أن الحفظة لا تكتب المباح للتقييد بالحسنات والسيئات
282

وأجاب بعض الشراح بأن بعض الأئمة عد المباح من الحسن وتعقب بأن الكلام فيما يترتب
على فعله حسنة وليس المباح ولو سمى حسنا كذلك نعم قد يكتب حسنة بالنية وليس البحث فيه
وقد تقدم في باب حفظ اللسان قريبا شئ من ذلك وفيه ان الله سبحانه وتعالى بفضله وكرمه جعل
العدل في السيئة والفضل في الحسنة فضاعف الحسنة ولم يضاعف السيئة بل أضاف فيها إلى
العدل الفضل فأدارها بين العقوبة والعفو بقوله كتبت له واحدة أو يمحوها وبقوله فجزاؤه بمثلها
أو أغفر وفي هذا الحديث رد على الكعبي في زعمه أن ليس في الشرع مباح بل الفاعل اما عاص
واما مثاب فمن اشتغل عن المعصية بشئ فهو مثاب وتعقبوه بما تقدم ان الذي يثاب على ترك
المعصية هو الذي يقصد بتركها رضا الله كما تقدمت الإشارة إليه وحكى ابن التين انه يلزمه أن
الزاني مثلا مثاب لاشتغاله بالزنا عن معصية أخرى ولا يخفى ما فيه (قوله باب
ما يتقى من محقرات الذنوب) التعبير بالمحقرات وقع في حديث سهل بن سعد رفعه إياكم ومحقرات
الذنوب فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى جمعوا
ما أنضجوا به خبزهم وان محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه أخرجه أحمد بسند
حسن ونحوه عند أحمد والطبراني من حديث ابن مسعود وعند النسائي وابن ماجة عن عائشة
ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب فإن لها من الله طالبا وصححه
ابن حبان (قوله مهدي) هو ابن ميمون وغيلان بمعجمة ثم تحتانية وزن عجلان هو ابن جامع (1)
والسند كله بصريون (قوله هي أدق) أفعل تفضيل من الدقة بكسر الدال إشارة إلى
تحقيرها وتهوينها وتستعمل في تدقيق النظر في العمل والامعان فيه أي تعملون أعمالا تحسبونها
هينة وهي عظيمة أو تؤل إلى العطم (قوله إن كنا لنعدها) كذا للأكثر بلام التأكيد وفي رواية
أبي ذر عن السرخسي والمستملي بحذفها وبحذف الضمير أيضا ولفظهما ان كنا نعد وله عن
الكشميهني ان كنا نعدها وان مخففة من الثقيلة وهي للتأكيد (قوله من الموبقات) بموحدة
وقاف وسقط لفظ من للسرخسي والمستملي أيضا (قوله قال أبو عبد الله) هو المصنف (يعني بذلك
المهلكات) أي الموبقة هي المهلكة ووقع للإسماعيلي من طريق إبراهيم بن الحجاج عن مهدي
كنا نعدها ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكبائر وكأنه ذكره بالمعنى وقال ابن بطال
المحقرات إذا كثرت صارت كبارا مع الاصرار وقد أخرج أسد بن موسى في الزهد عن أبي أيوب
الأنصاري قال إن الرجل ليعمل الحسنة فيثق بها وينسى المحقرات فيلقى الله وقد أحاطت به وان
الرجل ليعمل السيئة فلا يزال منها مشفقا حتى يلقى الله آمنا (قوله باب الأعمال
بالخواتيم وما يخاف منها) ذكر فيه حديث سهل بن سعد في قصة الذي قتل نفسه وفي آخره وانما
الأعمال بالخواتيم وتقدم شرح القصة في غزوة خيبر من كتاب المغازي ويأتي شرح آخره في كتاب
القدر إن شاء الله تعالى وقوله غناء بفتح المعجمة بعدها نون ممدود أي كفاية وأغنى فلان عن فلان
ناب عنه وجرى مجراه وذبابة السيف حده وطرفه قال ابن بطال في تغييب خاتمة العمل عن
العبد حكمة بالغة وتدبير لطيف لأنه لو علم وكان ناجيا أعجب وكسل وإن كان هالكا ازداد عتوا
فحجب عنه ذلك ليكون بين الخوف والرجاء وقد روى الطبري عن حفص بن حميد قال قلت لابن
المبارك رأيت رجلا قتل رجلا ظلما فقلت في نفسي أنا أفضل من هذا فقال أمنك على نفسك
283

أشد من ذنبه قال الطبري لأنه لا يدري ما يؤل إليه الامر لعل القاتل يتوب فتقبل توبته ولعل
الذي أنكر عليه يختم له بخاتمة السوء (قوله باب العزلة راحة للمؤمن من خلاط
السوء) لفظ هذه الترجمة أثر أخرجه ابن أبي شيبة بسند رجاله ثقات عن عمر أنه قاله لكن في سنده
انقطاع وخلاط بضم المعجمة وتشديد اللام للأكثر وهو جمع مستغرب وذكره الكرماني بلفظ
خلط بغير ألف وهو بضمتين مخففا كذا ذكره الصغاني في العباب قال الخطابي جمع خليط والخليط
يطلق على الواحد كقول الشاعر * بان الخليط ولو طووعت مابانا * وعلى الجمع كقوله
* ان الخليط أجدوا البين يوم نأوا * ويجمع أيضا على خلط بضمتين مخففا قال الشاعر
* ضربا يفرق بين الجيرة الخلط * قال والخلاط بالكسر والتخفيف المخالطة (قلت) فلعله الذي
وقع في هذه الترجمة ووقع عند الإسماعيلي خلطاء بدل خلاط وأخرجه الخطابي في كتاب العزلة
بلفظ خليط وقال ابن المبارك في كتاب الرقائق عن شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص
ابن عاصم قال قال عمر خذوا حظكم من العزلة وما أحسن قول الجنيد نفع الله ببركته مكابدة العزلة
أيسر من مداراة الخلطة وقال الخطابي لو لم يكن في العزلة الا السلامة من الغيبة ومن رؤية المنكر
الذي لا يقدر على إزالته لكان ذلك خيرا كثيرا وفي معنى الترجمة ما أخرجه الحاكم من حديث
أبي ذر مرفوعا بلفظ الوحدة خير من جليس السوء وسنده حسن لكن المحفوظ أنه موقوف عن
أبي ذر أو عن أبي الدرداء وأخرجه ابن أبي عاصم ثم ذكر في الباب حديثين * الأول (قوله وقال محمد
ابن يوسف) هو الفريابي وقرنه هنا برواية أبي اليمان وأفردها في الجهاد فساقه على لفظه هناك
وقد وصله مسلم عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن محمد بن يوسف (قوله جاء أعرابي) تقدم في
أوائل الجهاد أني لم أقف على اسمه وأن أبا ذر سأل عن ذلك لكن لا يحسن أن يقال في حقه أعرابي
(قوله أي الناس خير) تقدم في الجهاد بلفظ أفضل وسأذكر له ألفاظا أخرى (قوله قال رجل
جاهد) هذا لا ينافي جوابه الاخر الماضي في الايمان من سلم الناس من لسانه ويده ولا غير ذلك من
الأجوبة المختلفة لان الاختلاف في ذلك بحسب اختلاف الاشخاص والأحوال والأوقات كما
تقدم تقريره وقد تقدم شرح هذا الحديث في الجهاد (قوله ورجل في شعب من الشعاب الخ) هو
محمول على من لا يقدر على الجهاد فيستحب في حقه العزلة ليسلم ويسلم غيره منه والذي يظهر انه
محمول على ما بعد عصر النبي صلى الله عليه وسلم وقوله يعبد ربه زاد مسلم من وجه آخر ويقيم الصلاة
ويؤتي الزكاة حتى يأتيه اليقين ليس من الناس الا في خير وللنسائي من حديث ابن عباس رفعه
ألا أخبركم بخير الناس رجل ممسك بعنان فرسه الحديث وفيه ألا أخبركم بالذي يتلوه رجل معتزل
في غنيمة يؤدي حق الله فيها وأخرجه الترمذي واللفظ له وقال حسن وقوله هنا تابعه النعمان هو
ابن راشد الجزري ومتابعته وصلها أحمد عن وهب بن جرير حدثنا أبي سمعت النعمان بن راشد به
(قوله والزبيدي) هو محمد بن الوليد الشامي وطريقه وصلها مسلم أيضا من رواية يحيى بن حمزة عنه
(قوله وسليمان بن كثير) هو العبدي وطريقه وصلها أبو داود عن أبي الوليد الطيالسي عنه بلفظ
سئل أي المؤمنين أكمل ايمانا (قوله وقال معمر عن الزهري عن عطاء أو عبيد الله) هو ابن
عبد الله بن عتبة كذا بالشك وكذا أخرجه أحمد عن عبد الرزاق وقال في سياقه معمر يشك وقد
أخرجه مسلم عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر فقال عن عطاء بغير شك وكذا وقع لنا بعلو
284

في مسند عبد بن حميد ولم يشك (قوله وقال يونس) هو ابن يزيد الأيلي وطريقه وصلها الذهلي
في الزهريات وأخرجه ابن وهب في جامعه عن يونس (قوله وابن مسافر) هو عبد الرحمن بن خالد بن
مسافر وطريقه وصلها الذهلي في الزهريات من طريق الليث بن سعد عنه (قوله ويحيى بن سعيد)
هو الأنصاري وطريقه وصلها الذهلي أيضا من طريق سليمان بن بلال عنه (قوله عن بعض
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) هذا لا يخالف الرواية الأولى لان الذي حفظ اسم الصحابي مقدم
على من أبهمه وقد بينت لفظ معمر ولفظ الزبيدي في كتاب الجهاد * الحديث الثاني (قوله حدثنا
الماجشون) بكسر الجيم وبالشين المعجمة هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة وقد تقدم في
علامات النبوة عن أبي نعيم أيضا ولكن قال فيه حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة بن الماجشون
فنسبه إلى جده ولا مغايرة بين قوله الماجشون وابن الماجشون فإن كلا من عبد الله وأولاده
يقال له الماجشون (قوله عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد
الرحمن بن أبي صعصعة وقد روى مالك عنه هذا الحديث وجود نسبه وبينت ذلك في كتاب الايمان
في باب من الدين الفرار من الفتن (قوله عن أبيه) في رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبد
الرحمن هذا أنه سمع أباه أخرجه أحمد والإسماعيلي (قوله يأتي على الناس زمان خير مال المسلم
الغنم) كذا أورده هنا وفي الكلام حذف تقديره يكون فيه وتقدم في علامات النبوة عن أبي
نعيم بهذا الاسناد بلفظ يأتي على الناس زمان يكون الغنم فيه خير مال المسلم ووقع في رواية مالك
يوشك أن يكون خير مال المسلم الخ وتقدم إيضاحه ولفظه هنا صريح في أن المراد بخيرية العزلة
أن تقع في آخر الزمان وأما زمنه صلى الله عليه وسلم فكان الجهاد فيه مطلوبا حتى كان يجب على
الأعيان إذا خرج الرسول صلى الله عليه وسلم غازيا أن يخرج معه الا من كان معذورا وأما من بعده
فيختلف ذلك باختلاف الأحوال وسيأتي مزيد بيان لذلك في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى
والشعب بكسر أوله الطريق في الجبل أو الموضع فيه وشعف بفتح المعجمة ثم المهملة ثم فاء رأس
الجبل وذكر الخطابي في كتاب العزلة ان العزلة والاختلاط يختلف باختلاف متعلقاتهما فتحمل
الأدلة الواردة في الحض على الاجتماع على ما يتعلق بطاعة الأئمة وأمور الدين وعكسها في عكسه
وأما الاجتماع والافتراق بالأبدان فمن عرف الاكتفاء بنفسه في حق معاشه ومحافظة دينه
فالأولى له الانكفاف عن مخالطة الناس بشرط أن يحافظ على الجماعة والسلام والرد وحقوق
المسلمين من العيادة وشهود الجنازة ونحو ذلك والمطلوب انما هو ترك فضول الصحبة لما في ذلك
من شغل البال وتضييع الوقت عن المهمات ويجعل الاجتماع بمنزلة الاحتياج إلى الغداء والعشاء
فيقتصر منه على ما لابد له منه فهو أروح للبدن والقلب والله أعلم وقال القشيري في الرسالة
طريق من آثر العزلة أن يعتقد سلامة الناس من شره لا العكس فان الأول ينتجه استصغاره
نفسه وهي صفة المتواضع والثاني شهوده مزية له على غيره وهذه صفة المتكبر (قوله
باب رفع الأمانة) هي ضد الخيانة والمراد برفعها اذهابها بحيث يكون الأمين معدوما
أو شبه المعدوم وذكر فيه ثلاثة أحاديث * الحديث الأول (قوله حدثنا محمد بن سنان) بكسر
المهملة ونونين وقد تقدم في أول كتاب العلم بهذا الاسناد مقرونا برواية محمد بن فليح عن أبيه وساقه
هناك على لفظه وفيه قصة الأعرابي الذي سأل عن قيام الساعة (قوله إذا ضيعت الأمانة) هذا
285

جواب الأعرابي الذي سأل عن قيام الساعة وهو القائل كيف اضاعتها (قوله إذا أسند) قال
الكرماني أجاب عن كيفية الإضاعة بما يدل على الزمان لأنه يتضمن الجواب لأنه يلزم منه بيان
ان كيفيتها هي الاسناد المذكور وقد تقدم هناك بلفظ وسد مع شرحه والمراد من الامر جنس
الأمور التي تتعلق بالدين كالخلافة والامارة والقضاء والافتاء وغير ذلك وقوله إلى غير أهله قال
الكرماني أتى بكلمة إلى بدل اللام ليدل على تضمين معنى الاسناد (قوله فانتظر الساعة) الفاء
للتفريع أو جواب شرط محذوف أي إذا كان الامر كذلك فانتظر قال ابن بطال معنى أسند
الامر إلى غير أهله ان الأئمة قد ائتمنهم الله على عباده وفرض عليهم النصيحة لهم فينبغي لهم تولية
أهل الدين فإذا قلدوا غير أهل الدين فقد ضيعوا الأمانة التي قلدهم الله تعالى إياها * الحديث
الثاني حديث حذيفة في ذكر الأمانة وفي ذكر رفعها وسيأتي بسنده ومتنه في كتاب الفتن ويشرح
هناك إن شاء الله تعالى والجذر بفتح الجيم وكسرها الأصل في كل شئ والوكت بفتح الواو وسكون
الكاف بعدها مثناة أثر النار ونحوه والمجل بفتح الميم وسكون الجيم بعدها لام هو أثر العمل في
الكف والمنتبر بنون ثم مثناة مفتوحة ثم موحدة مكسورة وهو المتنفط (قوله ولا يكاد أحدهم)
في رواية الكشميهني أحد بغير ضمير (قوله من ايمان) قد يفهم منه أن المراد بالأمانة في الحديث
الايمان وليس كذلك بل ذكر ذلك لكونها لازمة الايمان (قوله بايعت) قال الخطابي تأوله بعض
الناس على بيعة الخلافة وهذا خطأ وكيف يكون وهو يقول إن كان نصرانيا رده على ساعيه فهل
يبايع النصراني على الخلافة وانما أراد مبايعة البيع والشراء (قوله رده على الاسلام) في رواية
المستملي بالاسلام بزيادة موحدة (قوله نصرانيا رده على ساعيه) أي واليه الذي أقيم عليه لينصف
منه وأكثر ما يستعمل الساعي في ولاة الصدقة ويحتمل أن يراد به هنا الذي يتولى قبض الجزية (قوله
الا فلانا وفلانا) يحتمل أن يكون ذكره بهذا اللفظ ويحتمل أن يكون سمى اثنين من المشهورين
بالأمانة إذ ذاك فأبهمهما الراوي والمعنى لست أثق بأحد أأتمنه على بيع ولا شراء الا فلانا وفلانا
(قوله قال الفربري) ثبت ذلك في رواية المستملي وحده وأبو جعفر الذي روى عنه هنا هو محمد بن
أبي حاتم البخاري وراق البخاري أي ناسخ كتبه وقوله حدثت أبا عبد الله يريد البخاري وحذف
ما حدثه به لعدم احتياجه له حينئذ وقوله فقال سمعت القائل هو البخاري وشيخه أحمد بن عاصم
هو البلخي وليس له في البخاري الا هذا الموضع وأخرج عنه البخاري في الأدب المفرد (قوله سمعت
أبا عبيد) هو القاسم بن سلام المشهور صاحب كتاب غريب الحديث وغيره من التصانيف وليس
له في البخاري الا هذا الموضع وكذا الأصمعي وأبو عمرو وقوله قال الأصمعي هو عبد الملك بن قريب
وأبو عمرو هو ابن العلاء (قوله وغيرهما) ذكره الإسماعيلي عن سفيان الثوري بعد أن أخرج
الحديث من طريق عبد الله بن الوليد العدني عن سفيان الثوري ثم قال في آخره قال سفيان
الجذر الأصل (قوله الجذر الأصل من كل شئ) اتفقوا على التفسير ولكن عند أبي عمرو أن الجذر
بكسر الجيم وعند الأصمعي بفتحها (قوله والوكت أثر الشئ اليسير منه) هذا من كلام أبي عبيد
أيضا وهو أخص مما تقدم لتقييده باليسير * الحديث الثالث حديث ابن عمر وسنده معدود في
أصح الأسانيد (قوله انما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة) في رواية مسلم من طريق
286

معمر عن الزهري تجدون الناس كابل مائة لا يجد الرجل فيها راحلة فعلى أن الرواية بغير ألف ولام
وبغير تكاد فالمعنى لا تجد في مائة ابل راحلة تصلح للركوب لان الذي يصلح للركوب ينبغي أن يكون
وطيئا سهل الانقياد وكذا لا تجد في مائة من الناس من يصلح للصحبة بأن يعاون رفيقه ويلين جانبه
والرواية باثبات لا تكاد أولى لما فيها من زيادة المعنى ومطابقة الواقع وإن كان معنى الأول يرجع
إلى ذلك ويحمل النفي المطلق على المبالغة وعلى أن النادر لا حكم له وقال الخطابي العرب تقول
للمائة من الإبل ابل يقولون لفلان ابل أي مائة بعير ولفلان ابلان أي مائتان (قلت) فعلى هذا
فالرواية التي بغير ألف ولام يكون قوله مائة تفسيرا لقوله ابل لان قوله كإبل أي كمائة بعير ولما كان
مجرد لفظ ابل ليس مشهورا لاستعمال في المائة ذكر المائة توضيحا ورفعا للالباس وأما على رواية
البخاري فاللام للجنس وقال الراغب الإبل اسم مائة بعير فقوله كالإبل المائة المراد به عشرة آلاف
لان التقدير كالمائة المائة انتهى والذي يظهر على تسليم قوله لا يلزم ما قال إن المراد عشرة آلاف
بل المائة الثانية للتأكيد قال الخطابي تأولوا هذا الحديث على وجهين أحدهما ان الناس
في أحكام الدين سواء لافضل فيها لشريف على مشروف ولا لرفيع على وضيع كالإبل المائة التي
لا يكون فيها راحلة وهي التي ترحل لتركب والراحلة فاعلة بمعنى مفعولة أي كلها حملة تصلح
للحمل ولا تصلح للرحل والركوب عليها والثاني ان أكثر الناس أهل نقص وأما أهل الفضل
فعددهم قليل جدا فهم بمنزلة الراحلة في الإبل الحمولة ومنه قوله تعالى ولكن أكثر الناس
لا يعلمون (قلت) وأورد البيهقي هذا الحديث في كتاب القضاء في تسوية القاضي بين الخصمين أخذا
بالتأويل الأول ونقل عن ابن قتيبة ان الراحلة هي النجيبة المختارة من الإبل للركوب فإذا كانت
في ابل عرفت ومعنى الحديث ان الناس في النسب كالإبل المائة التي لا راحلة فيها فهي مستوية
وقال الأزهري الراحلة عند العرب الذكر النجيب والأنثى النجيبة والهاء في الراحلة للمبالغة
قال وقول ابن قتيبة غلط والمعنى ان الزاهد في الدنيا الكامل فيه الراغب في الآخرة قليل كقلة
الراحلة في الإبل وقال النووي هذا أجود وأجود منهما قول آخرين ان المرضى الأحوال من
الناس الكامل الأوصاف قليل (قلت) هو الثاني الا أنه خصصه بالزاهد والأولى تعميمه كما
قال الشيخ وقال القرطبي الذي يناسب التمثيل أن الرجل الجواد الذي يحمل أثقال الناس
والحمالات عنهم ويكشف كربهم عزيز الوجود كالراحلة في الإبل الكثيرة وقال ابن بطال معنى
الحديث أن الناس كثير والمرضى منهم قليل والى هذا المعنى أومأ البخاري بادخاله في باب رفع
الأمانة لان من كانت هذه صفته فالاختيار عدم معاشرته وأشار ابن بطال إلى أن المراد بالناس
في الحديث من يأتي بعد القرون الثلاثة الصحابة والتابعين وتابعيهم حيث يصيرون يخونون ولا
يؤتمنون ونقل الكرماني هذا عن مغلطاي ظنا منه أنه كلامه لكونه لم يعزه فقال لا حاجة إلى
هذا التخصيص لاحتمال أن يراد أن المؤمنين قليل بالنسبة للكفار والله أعلم (قوله باب
الرياء والسمعة) الرياء بكسر الراء تخفيف التحتانية والمد وهو مشتق من الرؤية والمراد به اظهار
العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمدوا صاحبها والسمعة بضم المهملة وسكون الميم مشتقة من
سمع والمراد بها نحو ما في الرياء لكنها تتعلق بحاسة السمع والرياء بحاسة البصر وقال الغزالي المعنى
طلب المنزلة في قلوب الناس بأن يريهم الخصال المحمودة والمرائي هو العامل وقال ابن عبد السلام
287

الرياء أن يعمل لغير الله والسمعة أن يخفي عمله لله ثم يحدث به الناس (قوله يحيى) هو ابن سعيد
القطان وسفيان في الطريقين هو الثوري والسند الثاني أعلى من الأول ولم يكتف به مع علوه
لان في الرواية الأولى مزايا وهي جلالة القطان وما وقع في سياقه من تصريح سفيان بالتحديث
ونسبة سلمة شيخ الثوري وهو سلمة بن كهيل بالتصغير بن حصين الحضرمي والسند الثاني كله
كوفيون (قوله ولم أسمع أحدا يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم غيره) وثبت كذلك عند
مسلم في رواية وقائل ذلك هو سلمة بن كهيل ومراده أنه لم يسمع من أحد من الصحابة حديثا مسندا
إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا من جندب وهو ابن عبد الله البجلي الصحابي المشهور وهو من
صغار الصحابة وقال الكرماني مراده لم يبق من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ غيره في
ذلك المكان قلت احترز بقوله في ذلك المكان عمن كان من الصحابة موجودا إذ ذاك بغير المكان
الذي كان فيه جندب وليس كذلك فإن جندبا كان بالكوفة إلى أن مات وكان بها في حياة
جندب أبو جحيفة السوائي وكانت وفاته بعد جندب بست سنين وعبد الله بن أبي أوفى وكانت
وفاته بعد جندب بعشرين سنة وقد روى سلمة عن كل منهما فتعين أن يكون مراده انه لم يسمع
منهما ولا من أحدهما ولا من غيرهما ممن كان موجودا من الصحابة بغير الكوفة بعد أن سمع
من جندب الحديث المذكور عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا (قوله من سمع) بفتح المهملة
والميم الثقيلة والثانية مثلها وقوله ومن يرائي بضم التحتية والمد وكسر الهمزة والثانية مثلها
وقد ثبتت الياء في آخر كل منهما أما الأولى فللاشباع وأما الثانية فكذلك أو التقدير فإنه يرائي به
الله ووقع في رواية وكيع عن سفيان عند مسلم من يسمع يسمع الله به ومن يرائي يرائي الله به ولابن
المبارك في الزهد من حديث ابن مسعود من سمع سمع الله به ومن را آي راأى الله به ومن تطاول
تعاظما خفضه الله ومن تواضع تخشعا رفعه الله وفي حديث ابن عباس عند (1)
من سمع سمع الله به ومن را آي را أي الله به ووقع عند الطبراني من طريق محمد بن جحادة عن سلمة
ابن كهيل عن جابر في آخر هذا الحديث ومن كان ذا لسانين في الدنيا جعل الله له لسانين من نار
يوم القيامة قال الخطابي معناه من عمل عملا على غير اخلاص وانما يريد أن يراه الناس
ويسمعوه جوزي على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه ويظهر ما كان يبطنه وقيل من قصد بعمله
الجاه والمنزلة عند الناس ولم يرد به وجه الله فإن الله يجعله حديثا عند الناس الذين أراد نيل المنزلة
عندهم ولا ثواب له في الآخرة ومعنى يرائي به يطلعهم على أنه فعل ذلك لهم لا لوجهه ومنه قوله
تعالى من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها إلى قوله ما كانوا يعملون وقيل
المراد من قصد بعمله أن يسمعه الناس ويروه ليعظموه وتعلو منزلته عندهم حصل له ما قصد وكان
ذلك جزاءه على عمله ولا يثاب عليه في الآخرة وقيل المعنى من سمع بعيوب الناس وأذاعها أظهر
الله عيوبه وسمعه المكروه وقيل المعنى من نسب إلى نفسه عملا صالحا لم يفعله وادعى خيرا
لم يصنعه فإن الله يفضحه ويظهر كذبه وقيل المعنى من يراء الناس بعمله أراه الله ثواب ذلك
العمل وحرمه إياه وقيل معنى سمع الله به شهره أو ملاء اسماع الناس بسوء الثناء عليه في الدنيا
أو في القيامة بما ينطوي عليه من خبث السريرة (قلت) ورد في عدة أحاديث التصريح بوقوع
ذلك في الآخرة فهو المعتمد فعند أحمد والدارمي من حديث أبي هند الداري رفعه من قام مقام
رياء وسمعه راأى الله به يوم القيامة وسمع به وللطبراني من حديث عوف بن مالك نحوه وله من
288

حديث معاذ مرفوعا ما من عبد يقوم في الدنيا مقام سمعة ورياء الا سمع الله به على رؤس الخلائق
يوم القيامة وفي الحديث استحباب اخفاء العمل الصالح لكن قد يستحب اظهاره ممن يقتدى به
على ارادته الاقتداء به ويقدر ذلك بقدر الحاجة قال ابن عبد السلام يستثنى من استحباب
اخفاء العمل من يظهره ليقتدي به أو لينتفع به ككتابة العلم ومنه حديث سهل الماضي في
الجمعة لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي قال الطبري كان ابن عمر وابن مسعود وجماعة من السلف
يتهجدون في مساجدهم ويتظاهرون بمحاسن أعمالهم ليقتدى بهم قال فمن كان إماما يستن بعمله
عالما بما لله عليه قاهرا لشيطانه استوى ما ظهر من عمله وما خفي لصحة قصده ومن كان بخلاف
ذلك فالاخفاء في حقه أفضل وعلى ذلك جرى عمل السلف فمن الأول حديث حماد بن سلمة عن
ثابت عن أنس قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ ويرفع صوته بالذكر فقال إنه أواب
قال فإذا هو المقداد بن الأسود أخرجه الطبري ومن الثاني حديث الزهري عن أبي سلمة عن أبي
هريرة قال قام رجل يصلي فجهر بالقراءة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا تسمعني وأسمع ربك
أخرجه أحمد وابن أبي خيثمة وسنده حسن (قوله باب من جاهد نفسه في طاعة
الله عز وجل) يعني بيان فضل من جاهد والمراد بالمجاهدة كف النفس عن ارادتها من الشغل
بغير العبادة وبهذا تظهر مناسبة الترجمة لحديث الباب وقال ابن بطال جهاد المرء نفسه هو
الجهاد الأكمل قال الله تعالى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى الآية ويقع بمنع
النفس عن المعاصي وبمنعها من الشبهات وبمنعها من الاكثار من الشهوات المباحة لتتوفر
لها في الآخرة (قلت) ولئلا يعتاد الاكثار فيألفه فيجره إلى الشبهات فلا يأمن أن يقع في الحرام
ونقل القشيري عن شيخه أبي على الدقاق من لم يكن في بدايته صاحب مجاهدة لم يجد من هذه
الطريق شمة وعن أبي عمرو بن بجيد من كرم عليه دينه هانت عليه نفسه قال القشيري أصل
مجاهدة النفس فطمها عن المألوفات وحملها على غير هواها وللنفس صفتان انهماك في
الشهوات وامتناع عن الطاعات فالمجاهدة تقع بحسب ذلك قال بعض الأئمة جهاد النفس داخل
في جهاد العدو فان الأعداء ثلاثة رأسهم الشيطان ثم النفس لأنها تدعو إلى اللذات المفضية
بصاحبها إلى الوقوع في الحرام الذي يسخط الرب والشيطان هو المعين لها على ذلك ويزينه لها
فمن خالف هوى نفسه قمع شيطانه فمجاهدته نفسه حملها على اتباع أوامر الله واجتناب نواهيه
وإذا قوى العبد على ذلك سهل عليه جهاد أعداء الدين فالأول الجهاد الباطن والثاني الجهاد
الظاهر وجهاد النفس أربع مراتب حملها على تعلم أمور الدين ثم حملها على العمل بذلك ثم حملها
على تعليم من لا يعلم ثم الدعاء إلى توحيد الله وقتال من خالف دينه وجحد نعمه وأقوى المعين على
جهاد النفس جهاد الشيطان بدفع ما يلقى إليه من الشبهة والشك ثم تحسين ما نهى عنه من
المحرمات ثم ما يفضي الاكثار منه إلى الوقوع في الشبهات وتمام ذلك من المجاهدة أن يكون
متيقظا لنفسه في جميع أحواله فإنه متى غفل عن ذلك استهواه شيطانه ونفسه إلى الوقوع في
المنهيات وبالله التوفيق (قوله همام هو ابن يحيى (قوله أنس عن معاذ بن جبل) هكذا رواه
همام عن قتادة ومقتضاه التصريح بأنه من مسند معاذ وخالفه هشام الدستوائي عن قتادة فقال
عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ومعاذ رديفه على الرحل يا معاذ وقد تقدم في أواخر
289

كتاب العلم ومقتضاه انه من مسند أنس والمعتمد الأول ويؤيده أن المصنف أتبع رواية هشام
رواية سليمان التيمي عن أنس قال ذكر لي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ فدل على أن أنسا
لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم واحتمل قوله ذكر على البناء للمجهول أن يكون أنس حمله
عن معاذ بواسطة أو بغير واسطة وقد أشرت في شرحه في العلم إلى احتمال أن يكون أنس حمله
عن عمرو بن ميمون الأودي عن معاذ أو من عبد الرحمن بن سمرة عن معاذ وهذا كله بناء على أنه
حديث واحد وقد رجح لي أنهما حديثان وان اتحد مخرجهما عن قتادة عن أنس ومتنهما في
كون معاذ ردف النبي صلى الله عليه وسلم للاختلاف فيما وردا فيه وهو أن حديث الباب في حق
الله على العباد وحق العباد على الله والماضي فيمن لقى الله لا يشرك به شيئا وكذا رواية أبي عثمان
النهدي وأبي رزين وأبي العوام كلهم عن معاذ عند أحمد ورواية عمرو بن ميمون موافقة لرواية
حديث الباب ونحوها رواية عبد الرحمن بن سمرة عن معاذ عند النسائي والرواية الأخرى موافقة
لرواية هشام التي في العلم وقد أشرت إلى شئ من ذلك في باب اسم الفرس والحمار من كتاب الجهاد
وقد جاء عن أنس عن معاذ نحو حديث الباب أخرجه أحمد من طريق الأعمش عن أبي سفيان
عن أنس قال أتينا معاذا فقلنا حدثنا من غرائب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثل
حديث همام عن قتادة (قوله بينا أنا رديف) تقدم بيانه في أواخر كتاب اللباس قبل الأدب
ببابين (قوله ليس بيني وبينه الا آخرة الرحل) بفتح الراء وسكون الحاء المهملة هو للبعير كالسرج
للفرس وآخرة بالمد وكسر المعجمة بعدها راء هي العود الذي يجعل خلف الراكب يستند إليه
وفائدة ذكره المبالغة في شدة قربه ليكون أوقع في نفس سامعه أنه ضبط ما رواه ووقع في رواية
مسلم عن هداب بن خالد وهو هدبة شيخ البخاري فيه بسنده هذا مؤخرة بدل آخرة وهي بضم الميم
وسكون الهمزة وفتح الخاء ووقع في رواية عمرو بن ميمون عن معاذ كنت ردف النبي صلى الله
عليه وسلم على حمار يقال له عفير وقد تقدم ضبطه في الجهاد ووقع عند أحمد من رواية عبد الرحمن
ابن غنم عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب على حمار يقال له يعفور سنه من ليف ويمكن
الجمع بأن المراد بآخرة الرحل موضع آخرة الرحل للتصريح هنا بكونه كان على حمار وإلى ذلك
أشار النووي ومشى ابن الصلاح على أنهما قضيتان وكأن مستنده أنه وقع في رواية أبي العوام
عند أحمد على جمل أحمر ولكن سنده ضعيف (قوله فقال يا معاذ قلت لبيك) تقدم بيان ذلك في
كتاب الحج (قوله رسول الله) بالنصب على النداء وحرف النداء محذوف ووقع في العلم بإثباته (قوله
ثم سار ساعة) فيه بيان ان الذي وقع في العلم قال لبيك يا رسول الله وسعديك قال يا معاذ لم يقع
النداء الثاني على الفور بل بعد ساعة (قوله فقال) في رواية الكشميهني ثم قال (قوله يا معاذ بن
جبل) تقدم ضبطه في العلم (قوله قال هل تدري) وقع في رواية مسلم المشار إليها بعد قوله وسعديك
الثانية ثم سار ساعة ثم قال هل تدري وفي رواية موسى بن إسماعيل عن همام الماضية في
الاستئذان بعد المرة الأولى ثم قال مثله ثلاثا أي النداء والاجابة وقد تقدم نحوه في العلم وهو
لتأكيد الاهتمام بما يخبره به ويبالغ في تفهمه وضبطه (قوله هل تدري ما حق الله على عباده)
الحق كل موجود متحقق أو ما سيوجد لا محالة ويقال للكلام الصدق حق لان وقوعه متحقق
لا تردد فيه وكذا الحق المستحق على الغير إذا كان لا تردد فيه والمراد هنا ما يستحقه الله على عباده
290

مما جعله محتما عليهم قاله ابن التيمي في التحرير وقال القرطبي حق الله على العباد هو ما وعدهم
به من الثواب وألزمهم إياه بخطابه (قوله أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا) المراد بالعبادة عمل
الطاعات واجتناب المعاصي وعطف عليها عدم الشرك لأنه تمام التوحيد والحكمة في عطفه
على العبادة أن بعض الكفرة كانوا يدعون أنهم يعبدون الله ولكنهم كانوا يعبدون آلهة أخرى
فاشترط نفي ذلك وتقدم أن الجملة حالية والتقدير يعبدونه في حال عدم الاشراك به قال ابن حبان
عبادة الله اقرار باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح ولهذا قال في الجواب فما حق العباد
إذا فعلوا ذلك فعبر بالفعل ولم يعبر بالقول (قوله هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه)
الضمير لما تقدم من قوله يعبدوه ولا يشركوا به شيئا في رواية مسلم إذا فعلوا ذلك (قوله حق
العباد على الله أن لا يعذبهم) في رواية ابن حبان من طريق عمرو بن ميمون أن يغفر لهم ولا
يعذبهم وفي رواية أبي عثمان يدخلهم الجنة وفي رواية أبي العوام مثله وزاد ويغفر لهم وفي رواية
عبد الرحمن بن غنم أن يدخلهم الجنة قال القرطبي حق العباد على الله ما وعدهم به من الثواب
والجزاء فحق ذلك ووجب بحكم وعده الصدق وقوله الحق الذي لا يجوز عليه الكذب في الخبر
ولا الخلف في الوعد فالله سبحانه وتعالى لا يجب عليه شئ بحكم الامر إذ لا آمر فوقه ولا حكم
للعقل لأنه كاشف لا موجب انتهى وتمسك بعض المعتزلة بظاهره ولا متمسك لهم فيه مع قيام
الاحتمال وقد تقدم في العلم عدة أجوبة غير هذه ومنها أن المراد بالحق هنا المتحقق الثابت
أو الجدير لان إحسان الرب لمن لم يتخذ ربا سواه جدير في الحكمة أن لا يعذبه أو المراد أنه كالواجب
في تحققه وتأكده أو ذكر على سبيل المقابلة قال وفي الحديث جواز ركوب اثنين على حمار وفيه
تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وفضل معاذ وحسن أدبه في القول وفي العلم برده لما لم يحط
بحقيقته إلى علم الله ورسوله وقرب منزلته من النبي صلى الله عليه وسلم وفيه تكرار الكلام
لتأكيده وتفهيمه واستفسار الشيخ تلميذه عن الحكم ليختبر ما عنده ويبين له ما يشكل عليه منه
وقال ابن رجب في شرحه لأوائل البخاري قال العلماء يؤخذ من منع معاذ من تبشير الناس لئلا
يتكلوا أن أحاديث الرخص لا تشاع في عموم الناس لئلا يقصر فهمهم عن المراد بها وقد سمعها
معاذ فلم يزدد الا اجتهادا في العمل وخشية لله عز وجل فأما من لم يبلغ منزلته فلا يؤمن أن يقصر
اتكالا على ظاهر هذا الخبر وقد عارضه ما تواتر من نصوص الكتاب والسنة أن بعض عصاة
الموحدين يدخلون النار فعلى هذا فيجب الجمع بين الامرين وقد سلكوا في ذلك مسالك أحدها
قول الزهري ان هذه الرخصة كانت قبل نزول الفرائض والحدود وسيأتي ذلك عنه في حديث
عثمان في الوضوء واستبعده غيره من أن النسخ لا يدخل الخبر وبأن سماع معاذ لهذه كان متأخرا
عن أكثر نزول الفرائض وقيل لا نسخ بل هو على عمومه ولكنه مقيد بشرائط كما ترتب الاحكام
على أسبابها المقتضية المتوقفة على انتفاء الموانع فإذا تكامل ذلك عمل المقتضي عمله والى ذلك
أشار وهب بن منبه بقوله المتقدم في كتاب الجنائز في شرح أن لا إله إلا الله
مفتاح الجنة ليس من
مفتاح الا وله أسنان وقيل المراد ترك دخول نار الشرك وقيل ترك تعذيب جميع بدن الموحدين
لان النار لا تحرق مواضع السجود وقيل ليس ذلك لكل من وحد وعبد بل يختص بمن أخلص
والاخلاص يقتضي تحقيق القلب بمعناها ولا يتصور حصول التحقيق مع الاصرار على المعصية
291

لامتلاء القلب بمحبة الله تعالى وخشيته فتنبعث الجوارح إلى الطاعة وتنكف عن المعصية انتهى
ملخصا وفي آخر حديث أنس عن معاذ في نحو هذا الحديث فقلت الا أخبر الناس قال لا لئلا
يتكلوا فأخبر بها معاذ عند موته تأثما وقد تقدم الكلام على ذلك في كتاب العلم (تنبيه) هذا من
الأحاديث التي أخرجها البخاري في ثلاثة مواضع عن شيخ واحد بسند واحد وهي قليلة في كتابه
جدا ولكنه أضاف إليه في الاستئذان موسى بن إسماعيل وقد تتبع بعض من لقيناه ما أخرجه في
موضعين بسند فبلغ عدتها زيادة على العشرين وفي بعضها يتصرف في المتن بالاختصار منه
(قوله باب التواضع) بضم الضاد المعجمة مشتق من الضعة بكسر أوله وهي
الهوان والمراد بالتواضع إظهار التنزل عن المرتبة لمن يراد تعظيمه وقيل هو تعظيم من فوقه لفضله
وذكر فيه حديثين أحدهما حديث أنس في ذكر الناقة لما سبقت وقد تقدم شرحه في كتاب
الجهاد في باب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم وزعم بعضهم أنه لا مدخل له في هذه الترجمة وغفل عما
وقع في بعض طرقه عند النسائي بلفظ حق على الله أن لا يرفع شئ نفسه في الدنيا الا وضعه فإن
فيه إشارة إلى الحث على عدم الترفع والحث على التواضع والاعلام بأن أمور الدنيا ناقصة غير
كاملة قال ابن بطال فيه هوان الدنيا على الله والتنبيه على ترك المباهاة والمفاخرة وان كل شئ
هان على الله فهو في محل الضعة فحق على كل ذي عقل أن يزهد فيه ويقل منافسته في طلبه وقال
الطبري في التواضع مصلحة الدين والدنيا فإن الناس لو استعملوه في الدنيا لزالت بينهم الشحناء
ولاستراحوا من تعب المباهاة والمفاخرة (قلت) وفيه أيضا حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم
وتواضعه لكونه رضى أن أعرابيا يسابقه وفيه جواز المسابقة وزهير في السند الأول هو ابن
معاوية أبو خيثمة الجعفي ومحمد في السند الثاني هو ابن سلام وجزم به الكلاباذي ووقع كذلك
في نسخة من رواية أبي ذر والفزاري هو مروان بن معاوية ووهم من زعم أنه أبو إسحاق إبراهيم
ابن محمد بن الحارث نعم رواية أبي إسحاق الفزاري له قد تقدمت في الجهاد وأبو خالد الأحمر هو
سليمان بن جيان الحديث الثاني (قوله محمد بن عثمان بن كرامة) بفتح الكاف والراء الخفيفة
هو من صغار شيوخ البخاري وقد شاركه في كثير من شيوخه منهم خالد بن مخلد شيخه في هذا
الحديث فقد أخرج عنه البخاري كثيرا بغير واسطة منها في باب الاستعاذة من الجبن في كتاب
الدعوات وهو أقربها إلى هذا (قوله عن عطاء) هو ابن يسار ووقع كذلك في بعض النسج وقيل هو
ابن أبي رباح والأول أصح نبه على ذلك الخطيب وساق الذهبي في ترجمة خالد من الميزان بعد أن
ذكر قول أحمد فيه له مناكير وقول أبي حاتم لا يحتج به وأخرج ابن عدي عشرة أحاديث من
حديثه استنكرها هذا الحديث من طريق محمد بن مخلد عن محمد بن عثمان بن كرامة شيخ البخاري
فيه وقال هذا حديث غريب جدا لولا هيبة الصحيح لعدوه في منكرات خالد بن مخلد فإن هذا المتن
لم يرو الا بهذا الاسناد ولا خرجه من عدا البخاري ولا أظنه في مسند أحمد (قلت) ليس هو في
مسند أحمد جزما وإطلاق أنه لم يرو هذا المتن الا بهذا الاسناد مردود ومع ذلك فشريك شيخ شيخ
خالد فيه مقال أيضا وهو راوي حديث المعراج الذي زاد فيه ونقص وقدم وأخر وتفرد فيه
بأشياء لم يتابع عليها كما يأتي القول فيه مستوعبا في مكانه ولكن للحديث طرق أخرى يدل
مجموعها على أن له أصلا منها عن عائشة أخرجه أحمد في الزهد وابن أبي الدنيا وأبو نعيم في الحلية
292

والبيهقي في الزهد من طريق عبد الواحد بن ميمون عن عروة عنها وذكر ابن حبان وابن عدي أنه
تفرد به وقد قال البخاري انه منكر الحديث لكن أخرجه الطبراني من طريق يعقوب بن مجاهد
عن عروة وقال لم يروه عن عروة الا يعقوب وعبد الواحد ومنها عن أبي أمامة أخرجه الطبراني
والبيهقي في الزهد بسند ضعيف ومنها عن علي عند الإسماعيلي في مسند علي وعن ابن عباس
أخرجه الطبراني وسندهما ضعيف وعن أنس أخرجه أبو يعلى والبزار والطبراني وفي سنده
ضعف أيضا وعن حذيفة أخرجه الطبراني مختصرا وسنده حسن غريب وعن معاذ بن جبل
أخرجه ابن ماجة وأبو نعيم في الحلية مختصرا وسنده ضعيف أيضا وعن وهب بن منبه مقطوعا
أخرجه أحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية وفيه تعقب علي ابن حبان حيث قال بعد إخراج
حديث أبي هريرة لا يعرف لهذا الحديث الا طريقان يعني غير حديث الباب وهما هشام
الكناني عن أنس وعبد الواحد بن ميمون عن عروة عن عائشة وكلاهما لا يصح وسأذكر ما في
رواياتهم من فائدة زائدة (قوله إن الله تعالى) قال الكرماني هذا من الأحاديث القدسية وقد
تقدم القول فيها قبل ستة أبواب (قلت) وقد وقع في بعض طرقه أن النبي صلى الله عليه وسلم
حدث به عن جبريل عن الله عز وجل وذلك في حديث أنس (قوله من عادى لي وليا) المراد بولي
الله العالم بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته وقد استشكل وجود أحد يعاديه لان
المعاداة انما تقع من الجانبين ومن شان الولي الحلم والصفح عمن يجهل عليه وأجيب بأن المعاداة
لم تنحصر في الخصومة والمعاملة الدنيوية مثلا بل قد تقع عن بغض ينشأ عن التعصب كالرافضي
في بغضه لأبي بكر والمبتدع في بغضه للسني فتقع المعاداة من الجانبين أما من جانب الولي فلله
تعالى وفي الله وأما من جانب الآخر فلما تقدم وكذا الفاسق المتجاهر ببغضه الولي في الله
وببغضه الاخر لانكاره عليه وملازمته لنهيه عن شهواته وقد تطلق المعاداة ويراد بها الوقوع
من أحد الجانبين بالفعل ومن الاخر بالقوة قال الكرماني قوله لي هو في الأصل صفة لقوله وليا
لكنه لما تقدم صار حالا وقال ابن هبيرة في الافصاح قوله عادى لي وليا أي اتخذه عدوا ولا أرى
المعنى الا أنه عاداه من أجل ولايته وهو وان تضمن التحذير من ايذاء قلوب أولياء الله ليس على
الاطلاق بل يستثنى منه ما إذا كانت الحال تقتضي نزاعا بين وليين في مخاصمة أو محاكمة ترجع
إلى استخراج حق أو كشف غامض فإنه جرى بين أبي بكر وعمر مشاجرة وبين العباس وعلي إلى غير
ذلك من الوقائع انتهى ملخصا موضحا وتعقبه الفاكهاني بأن معاداة الولي لكونه وليا لا يفهم
الا إن كان على طريق الحسد الذي هو تمنى زوال ولايته وهو بعيد جدا في حق الولي فتأمله
(قلت) والذي قدمته أولى أن يعتمد قال ابن هبيرة ويستفاد من هذا الحديث تقديم الاعذار على
الانذار وهو واضح (قوله فقد آذنته) بالمد وفتح المعجمة بعدها نون أي أعلمته والايذان الاعلام
ومنه أخذ الاذان (قوله بالحرب) في رواية الكشميهني بحرب ووقع في حديث عائشة من عادى لي
وليا وفي رواية لأحمد من أذى لي وليا وفي أخرى له من آذى وفي حديث ميمونة مثله فقد استحل
محاربتي وفي رواية وهب بن منبه موقوفا قال الله من أهان ولي المؤمن فقد استقبلني بالمحاربة
وفي حديث معاذ فقد بارز الله بالمحاربة وفي حديث أبي أمامة وأنس فقد بارزني وقد استشكل
وقوع المحاربة وهي مفاعلة من الجانبين مع أن المخلوق في أسر الخالق والجواب أنه من المخاطبة
293

بما يفهم فإن الحرب ينشأ عن العداوة والعداوة تنشأ عن المخالفة وغاية الحرب الهلاك والله
لا يغلبه غالب فكان المعنى فقد تعرض لاهلاكي إياه فاطلق الحرب وأراد لازمه أي أعمل به
ما يعمله العدو المحارب قال الفاكهاني في هذا تهديد شديد لان من حاربه الله أهلكه وهو من
المجاز البليغ لان من كره من أحب الله خالف الله ومن خالف الله عانده ومن عانده أهلكه وإذا
ثبت هذا في جانب المعاداة ثبت في جانب الموالاة فمن والى أولياء الله أكرمه الله وقال الطوفي لما
كان ولي الله من تولى الله بالطاعة والتقوى تولاه الله بالحفظ والنصرة وقد أجرى الله العادة بأن
عدو العدو صديق وصديق العدو عدو فعدو ولي الله عدو الله فمن عاداه كان كمن حاربه ومن
حاربه فكأنما حارب الله (قوله وما تقرب إلي عبدي بشئ أحب إلي مما افترضت عليه) يجوز في
أحب الرفع والنصب ويدخل تحت هذا اللفظ جميع فرائض العين والكفاية وظاهره
الاختصاص بما ابتدأ الله فرضيته وفي دخول ما أوجبه المكلف على نفسه نظر للتقييد بقوله
افترضت عليه الا ان أخذ من جهة المعنى الأعم ويستفاد منه ان أداء الفرائض أحب الأعمال
إلى الله قال الطوفي الامر بالفرائض جازم ويقع بتركها المعاقبة بخلاف النفل في الامرين وان
اشترك مع الفرائض في تحصيل الثواب فكانت الفرائض أكمل فلهذا كانت أحب إلى الله
تعالى وأشد تقريبا وأيضا فالفرض كالأصل والأس والنفل كالفرع والبناء وفي الاتيان
بالفرائض على الوجه المأمور به امتثال الامر واحترام الآمر وتعظيمه بالانقياد إليه وإظهار
عظمة الربوبية وذل العبودية فكان التقرب بذلك أعظم العمل والذي يؤدي الفرض قد يفعله
خوفا من العقوبة ومؤدى النفل لا يفعله الا إيثار للخدمة فيجازى بالمحبة التي هي غاية مطلوب
من يتقرب بخدمته (قوله وما زال) في رواية الكشميهني وما يزال بصيغة المضارعة (قوله يتقرب
إلي) التقرب طلب القرب قال أبو القاسم القشيري قرب العبد من ربه يقع أولا بايمانه ثم بإحسانه
وقرب الرب من عبده ما يخصه به في الدنيا من عرفانه وفي الآخرة من رضوانه وفيما بين ذلك من
وجوه لطفه وامتنانه ولا يتم قرب العبد من الحق الا ببعده من الخلق قال وقرب الرب بالعلم
والقدرة عام للناس وباللطف والنصرة خاص بالخواص وبالتأنيس خاص بالأولياء ووقع في
حديث أبي أمامة يتحبب إلي بدل يتقرب وكذا في حديث ميمونة (قوله بالنوافل حتى أحببته)
في رواية الكشميهني أحبه ظاهره أن محبة الله تعالى للعبد تقع بملازمة العبد التقرب بالنوافل
وقد استشكل بما تقدم أولا أن الفرائض أحب العبادات المتقرب بها إلى الله فكيف لا تنتج
المحبة والجواب أن المراد من النوافل ما كانت حاوية للفرائض مشتملة عليها ومكملة لها
ويؤيده أن في رواية أبي أمامة ابن آدم انك لن تدرك ما عندي الا بأداء ما افترضت عليك وقال
الفاكهاني معنى الحديث أنه إذا أدى الفرائض ودام على اتيان النوافل من صلاة وصيام
وغيرها أفضى به ذلك إلى محبة الله تعالى وقال ابن هبيرة يؤخذ من قوله ما تقرب إلى آخره أن
النافلة لا تقدم على الفريضة لان النافلة انما سميت نافلة لأنها تأتي زائدة على الفريضة فما لم
تؤد الفريضة لا تحصل النافلة ومن أدى الفرض ثم زاد عليه النفل وأدام ذلك تحققت منه
إرادة التقرب انتهى وأيضا فقد جرت العادة أن التقرب يكون غالبا بغير ما وجب على المتقرب
كالهدية والتحفة بخلاف من يؤدي ما عليه من خراج أو يقضي ما عليه من دين وأيضا فإن من
294

جملة ما شرعت له النوافل جبر الفرائض كما صح في الحديث الذي أخرجه مسلم انظروا هل لعبدي
من تطوع فتكمل به فريضته الحديث بمعناه فتبين أن المراد من التقرب النوافل أن تقع ممن
أدى الفرائض لا من أخل بها كما قال بعض الأكابر من شغله الفرض عن النفل فهو معذور ومن
شغله النفل عن الفرض فهو مغرور (قوله فكنت سمعه الذي يسمع) زاد الكشميهني به (قوله
وبصره الذي يبصر به) في حديث عائشة في رواية عبد الواحد عينه التي يبصر بها وفي رواية
يعقوب بن مجاهد عينيه التي يبصر بهما بالتثنية وكذا قال في الاذن واليد والرجل وزاد
عبد الواحد في روايته وفؤاده الذي يعقل به ولسانه الذي يتكلم به ونحوه في حديث أبي أمامة وفي
حديث ميمونة وقلبه الذي يعقل به وفي حديث أنس ومن أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا
وقد استشكل كيف يكون الباري جل وعلا سمع العبد وبصره الخ والجواب من أوجه أحدها
أنه ورد على سبيل التمثيل والمعنى كنت سمعه وبصره في ايثاره أمري فهو يحب طاعتي ويؤثر
خدمتي كما يحب هذه الجوارح ثانيها أن المعنى كليته مشغولة بي فلا يصغي بسمعه الا إلى ما يرضيني
ولا يرى ببصره الا ما أمرته به ثالثها المعنى أجعل له مقاصده كأنه ينالها بسمعه وبصره الخ رابعها
كنت له في النصرة كسمعه وبصره ويده ورجله في المعاونة على عدوه خامسها قال الفاكهاني
وسبقه إلى معناه ابن هبيرة هو فيما يظهر لي أنه على حذف مضاف والتقدير كنت حافظ سمعه
الذي يسمع به فلا يسمع الا ما يحل استماعه وحافظ بصره كذلك الخ سادسها قال الفاكهاني يحتمل
معنى آخر أدق من الذي قبله وهو أن يكون معنى سمعه مسموعه لان المصدر قد جاء بمعنى المفعول
مثل فلان أملي بمعنى مأمولي والمعنى انه لا يسمع الا ذكري ولا يلتذ الا بتلاوة كتابي ولا يأنس الا
بمناجاتي ولا ينظر الا في عجائب ملكوتي ولا يمد يده الا فيما فيه رضاي ورجله كذلك وبمعناه قال
ابن هبيرة أيضا وقال الطوفي اتفق العلماء ممن يعتد بقوله أن هذا مجاز وكناية عن نصرة العبد
وتأييده واعانته حتى كأنه سبحانه ينزل نفسه من عبده منزلة الآلات التي يستعين بها ولهذا وقع
في رواية فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي قال والاتحادية زعموا أنه على حقيقته وأن
الحق عين العبد واحتجوا بمجئ جبريل في صورة دحية قالوا فهو روحاني خلع صورته وظهر
بمظهر البشر قالوا فالله أقدر على أن يظهر في صورة الوجود الكلي أو بعضه تعالى الله عما يقول
الظالمون علوا كبيرا وقال الخطابي هذه أمثال والمعنى توفيق الله لعبده في الأعمال التي يباشرها
بهذه الأعضاء وتيسير المحبة له فيها بأن يحفظ جوارحه عليه ويعصمه عن مواقعة ما يكره الله من
الاصغاء إلى اللهو بسمعه ومن النظر إلى ما نهى الله عنه ببصره ومن البطش فيما لا يحل له بيده
ومن السعي إلى الباطل برجله والى هذا نحا الداودي ومثله الكلاباذي وعبر بقوله احفظه
فلا يتصرف الا في محابي لأنه إذا أحبه كره له أن يتصرف فيما يكرهه منه سابعها قال الخطابي
أيضا وقد يكون عبر بذلك عن سرعة إجابة الدعاء والنجح في الطلب وذلك أن مساعي الانسان
كلها انما تكون بهذه الجوارح المذكورة وقال بعضهم وهو منتزع مما تقدم لا يتحرك له
جارحة الا في الله ولله فهي كلها تعمل بالحق للحق وأسند البيهقي في الزهد عن أبي عثمان الجيزي
أحد أئمة الطريق قال معناه كنت أسرع إلى قضاء حوائجه من سمعه في الاسماع وعينه في
النظر ويده في اللمس ورجله في المشي وحمله بعض متأخري الصوفية على ما يذكرونه من
295

مقام الفناء والمحو وأنه الغاية التي لا شئ وراءها وهو أن يكون قائما بإقامة الله له محبا بمحبته له
ناظرا بنظره له من غير أن تبقى معه بقية تناط باسم أو تقف على رسم أو تتعلق بأمر أو توصف
بوصف ومعنى هذا الكلام أنه يشهد إقامة الله له حتى قام ومحبته له حتى أحبه ونظره إلى
عبده حتى أقبل ناظرا إليه بقلبه وحمله بعض أهل الزيغ على ما يدعونه من أن العبد إذا لازم
العبادة الظاهرة والباطنة حتى يصفى من الكدورات أنه يصير في معنى الحق تعالى الله عن ذلك
وأنه يفنى عن نفسه جملة حتى يشهد أن الله هو الذاكر لنفسه الموحد لنفسه المحب لنفسه وأن
هذه الأسباب والرسوم تصير عدما صرفا في شهوده وان لم تعدم في الخارج وعلى الأوجه كلها فلا
متمسك فيه للإتحادية ولا القائلين بالوحدة المطلقة لقوله في بقية الحديث ولئن سألني ولئن استعاذ
بي فإنه كالصريح في الرد عليهم (قوله وان سألني) زاد في رواية عبد الواحد عبدي (قوله
1 أعطيته) أي ما سأل (قوله ولئن استعاذني) ضبطناه بوجهين الأشهر بالنون بعد الذال المعجمة
والثاني بالموحدة والمعنى أعذته مما يخاف وفي حديث أبي أمامة وإذا استنصر بي نصرته وفي
حديث أنس نصحني فنصحت له ويستفاد منه أن المراد بالنوافل جميع ما يندب من الأقوال
والافعال وقد وقع في حديث أبي أمامة المذكور وأحب عبادة عبدي إلى النصحية وقد
استشكل بأن جماعة من العباد والصلحاء دعوا وبالغوا ولم يجابوا والجواب أن الإجابة تتنوع
فتارة يقع المطلوب بعينه على الفور وتارة يقع ولكن يتأخر لحكمة فيه وتارة قد تقع الإجابة
ولكن بغير عين المطلوب حيث لا يكون في المطلوب مصلحة ناجزة وفي الواقع مصلحة ناجزة أو أصلح
منها وفي الحديث عظم قدر الصلاة فإنه ينشأ عنها محبة الله للعبد الذي يتقرب بها وذلك لأنها مجل
المناجاة والقربة ولا واسطة فيها بين العبد وربه ولا شئ أقر لعين العبد منها ولهذا جاء في حديث
أنس المرفوع وجعلت قرة عيني في الصلاة أخرجه النسائي وغيره بسند صحيح ومن كانت قرة
عينه في شئ فإنه يود أن لا يفارقه ولا يخرج منه لان فيه نعيمه وبه تطيب حياته وانما يحصل ذلك
للعابد بالمصابرة على النصب فإن السالك غرض الآفات والفتور وفي حديث حذيفة من الزيادة
ويكون من أوليائي وأصفيائي ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء في الجنة وقد
تمسك بهذا الحديث بعض الجهلة من أهل التجلي والرياضة فقالوا القلب إذا كان محفوظا مع
الله كانت خواطره معصومة من الخطأ وتعقب ذلك أهل التحقيق من أهل الطريق فقالوا
لا يلتفت إلى شئ من ذلك الا إذا وافق الكتاب والسنة والعصمة انما هي للأنبياء ومن عاداهم فقد
يخطئ فقد كان عمر رضي الله عنه رأس الملهمين ومع ذلك فكان ربما رأى الرأي فيخبره بعض
الصحابة بخلافه فيرجع إليه ويترك رأيه فمن ظن أنه يكتفى بما يقع في خاطره عما جاء به الرسول عليه
الصلاة والسلام فقد ارتكب أعظم الخطأ وأما من بالغ منهم فقال حدثني قلبي عن ربي فإنه
أشد خطأ فإنه لا يأمن أن يكون قلبه انما حدثه عن الشيطان والله المستعان قال الطوفي هذا
الحديث أصل في السلوك إلى الله والوصول إلى معرفته ومحبته وطريقه إذ المفترضات الباطنة
وهي الايمان والظاهرة وهي الاسلام والمركب منهما وهو الاحسان فيهما كما تضمنه حديث
جبريل والاحسان يتضمن مقامات السالكين من الزهد والاخلاص والمراقبة وغيرها وفي
الحديث أيضا أن من أتى بما وجب عليه وتقرب بالنوافل لم يرد دعاؤه لوجود هدا الوعد الصادق
296

المؤكد بالقسم وقد تقدم الجواب عما يتخلف من ذلك وفيه أن العبد ولو بلغ أعلى الدرجات حتى
يكون محبوبا لله لا ينقطع عن الطلب من الله لما فيه من الخضوع له وإظهار العبودية وقد تقدم
تقرير هذا واضحا في أوائل كتاب الدعوات (قوله وما ترددت عن شئ أنا فاعله ترددي عن نفس
المؤمن) وفي حديث عائشة ترددي عن موته ووقع في الحلية في ترجمة وهب بن منبه اني لأجد
في كتب الأنبياء ان الله تعالى يقول ما ترددت عن شئ قط ترددي عن قبض روح المؤمن الخ قال
الخطابي التردد في حق الله غير جائز والبداء عليه في الأمور غير سائغ ولكن له تأويلان أحدهما
أن العبد قد يشرف على الهلاك في أيام عمره من داء يصيبه وفاقه تنزل به فيدعو الله فيشفيه
منها ويدفع عنه مكروهها فيكون ذلك من فعله كتردد من يريد أمرا ثم يبدو له فيه فيتركه ويعرض
عنه ولابد له من لقائه إذا بلغ الكتاب أجله لان الله قد كتب الفناء على خلقه واستأثر بالبقاء
لنفسه والثاني أن يكون معناه ما رددت رسلي في شئ أنا فاعله كترديدي إياهم في نفس المؤمن
كما روى في قصة موسى وما كان من لطمة عين ملك الموت وتردده إليه مرة بعد أخرى قال وحقيقة
المعنى على الوجهين عطف الله على العبد ولطفه به وشفقته عليه وقال الكلاباذي ما حاصله انه
عبر عن صفة الفعل بصفة الذات أي عن الترديد بالتردد وجعل متعلق الترديد اختلاف أحوال
العبد من ضعف ونصب إلى أن تنتقل محبته في الحياة إلى محبته للموت فيقبض على ذلك قال وقد
يحدث الله في قلب عبده من الرغبة فيما عنده والشوق إليه والمحبة للقائه ما يشتاق معه إلى
الموت فضلا عن إزالة الكراهة عنه فأخبر أنه يكره الموت ويسوءه ويكره الله مساءته فيزيل عنه
كراهية الموت لما يورده عليه من الأحوال فيأتيه الموت وهو له مؤثر واليه مشتاق قال وقد ورد
تفعل بمعنى فعل مثل تفكر وفكر وتدبر ودبر وتهدد وهدد والله أعلم وعن بعضهم يحتمل أن
يكون تركيب الولي يحتمل أن يعيش خمسين سنة وعمره الذي كتب له سبعون فإذا بلغها فمرض
دعا الله بالعافية فيجيبه عشرين أخرى مثلا فعبر عن قدر التركيب وعما انتهى إليه بحسب
الاجل المكتوب بالتردد وعبر ابن الجوزي عن الثاني بأن التردد للملائكة الذين يقبضون الروح
وأضاف الحق ذلك لنفسه لان ترددهم عن أمره قال وهذا التردد ينشأ عن إظهار الكراهة فإن
قيل إذا أمر الملك بالقبض كيف يقع منه التردد فالجواب أنه يتردد فيما لم يحد له فيه الوقت كأن
يقال لا تقبض روحه الا إذا رضي ثم ذكر جوابا ثالثا وهو احتمال أن يكون معنى التردد اللطف
به كأن الملك يؤخر القبض فإنه إذا نظر إلى قدر المؤمن وعظم المنفعة به لأهل الدنيا احترمه فلم
يبسط يده إليه فإذا ذكر أمر ربه لم يجد بدا من امتثاله وجوابا رابعا وهو أن يكون هذا خطابا لنا
بما نعقل والرب منزه عن حقيقته بل هو من جنس قوله ومن أتاني يمشي أتيته هرولة فكما أن
أحدنا يريد أن يضرب ولده تأديبا فتمنعه المحبة وتبعثه الشفقة فيتردد بينهما ولو كان غير الوالد
كالمعلم لم يتردد بل كان يبادر إلى ضربه لتأديبه فأريد تفهيمنا تحقيق المحبة للولي بذكر التردد
وجوز الكرماني احتمالا آخر وهو أن المراد أنه يقبض روح المؤمن بالتأني والتدريج بخلاف
سائر الأمور فإنها تحصل بمجرد قول كن سريعا دفعة (قوله يكره الموت وأنا أكره مساءته) في
حديث عائشة أنه يكره الموت وأنا أكره مساءته زاد ابن مخلد عن ابن كرامة في آخره ولا بد له منه
ووقعت هذه الزيادة أيضا في حديث وهب وأسند البيهقي في الزهد عن الجنيد سيد الطائفة
297

قال الكراهة هنا لما يلقى المؤمن من الموت وصعوبته وكربه وليس المعنى أني أكره له الموت لان
الموت يورده إلى رحمة الله ومغفرته انتهى وعبر بعضهم عن هذا بأن الموت حتم مقضي وهو
مفارقة الروح للجسد ولا تحصل غالبا الا بألم عظيم جدا كما جاء عن عمرو بن العاص أنه سئل وهو
يموت فقال كأني أتنفس من خرم إبرة وكأن غصن شوك يجر به من قامتي إلى هامتي وعن كعب
أن عمر سأله عن الموت فوصفه بنحو هذا فلما كان الموت بهذا الوصف والله يكره أذى المؤمن أطلق
على ذلك الكراهة ويحتمل أن تكون المساءة بالنسبة إلى طول الحياة لأنها تؤدي إلى أرذل
العمر وتنكس الخلق والرد إلى أسفل سافلين وجوز الكرماني أن يكون المراد أكره مكرهه
الموت فلا أسرع بقبض روحه فأكون كالمتردد قال الشيخ أبو الفضل بن عطاء في هذا الحديث
عظم قدر الولي لكونه خرج عن تدبيره إلى تدبير ربه وعن انتصاره لنفسه إلى انتصار الله له وعن
حوله وقوته بصدق توكله قال ويؤخذ منه أن لا يحكم لانسان آذى وليا ثم لم يعاجل بمصيبة في
نفسه أو ماله أو ولده بأنه سلم من انتقام الله فقد تكون مصيبته في غير ذلك مما هو أشد عليه
كالمصيبة في الدين مثلا قال ويدخل في قوله افترضت عليه الفرائض الظاهرة فعلا كالصلاة
والزكاة وغيرهما من العبادات وتركا كالزنا والقتل وغيرهما من المحرمات والباطنة كالعلم بالله
والحب له والتوكل عليه والخوف منه وغير ذلك وهي تنقسم أيضا إلى أفعال وتروك قال وفيه
دلالة على جواز اطلاع الولي على المغيبات باطلاع الله تعالى له ولا يمنع من ذلك ظاهر قوله تعالى
عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا الا من ارتضى من رسول فإنه لا يمنع دخول بعض أتباعه معه
بالتبعية لصدق قولنا ما دخل على الملك اليوم الا الوزير ومن المعلوم أنه دخل معه بعض خدمه
(قلت) الوصف المستثنى للرسول هنا إن كان فيما يتعلق بخصوص كونه رسولا فلا مشاركة
لاحد من أتباعه فيه الا منه والا فيحتمل ما قال والعلم عند الله تعالى (تنبيه) أشكل وجه
دخول هذا الحديث في باب التواضع حتى قال الداودي ليس هذا الحديث من التواضع في شئ
وقال بعضهم المناسب ادخاله في الباب الذي قبله وهو مجاهدة المرء نفسه في طاعة الله تعالى وبذلك
ترجم البيهقي في الزهد فقال فصل في الاجتهاد في الطاعة وملازمة العبودية والجواب عن
البخاري من أوجه أحدها أن التقرب إلى الله بالنوافل لا يكون الا بغاية التواضع لله والتوكل
عليه ذكره الكرماني ثانيها ذكره أيضا فقال قيل الترجمة مستفادة مما قال كنت سمعه ومن التردد
(قلت) ويخرج منه جواب ثالث ويظهر لي رابع وهو أنها تستفاد من لازم قوله من عادى لي وليا
لأنه يقتضي الزجر عن معاداة الأولياء المستلزم لموالاتهم وموالاة جميع الأولياء لا تتأتى الا بغاية
التواضع إذ منهم الأشعث الأغبر الذي لا يؤبه له وقد ورد في الحث على التواضع عدة أحاديث
صحيحة لكن ليس شئ منها على شرطه فاستغنى عنها بحديثي الباب منها حديث عياض بن حمار
رفعه ان الله تعالى أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد أخرجه مسلم وأبو داود
وغيرهما ومنها حديث أبي هريرة رفعه وما تواضع أحد لله تعالى الا رفعه أخرجه مسلم أيضا
والترمذي ومنها حديث أبي سعيد رفعه من تواضع لله رفعه الله حتى يجعله في أعلى عليين
الحديث أخرجه ابن ماجة وصححه ابن حبان (قوله باب قول النبي صلى الله عليه
وسلم بعثت أنا والساعة كهاتين) قال أبو البقاء العكبري في اعراب المسند الساعة بالنصب والواو
298

فيه بمعنى مع قال ولو قرئ بالرفع لفسد المعنى لأنه لا يقال بعثت الساعة ولا هو في موضع المرفوع
لأنها لم توجد بعد وأجاز غيره الوجهين بل جزم عياض بأن الرفع أحسن وهو عطف على ضمير
المجهول في بعثت قال ويجوز النصب وذكر نحو توجيه أبي البقاء وزاد أو على ضمير يدل عليه
الحال نحو فانتظروا كما قدر في نحو جاء البرد والطيالسة فاستعدوا (قلت) والجواب عن الذي
اعتل به أبو البقاء أولا أن يضمن بعثت معنى يجمع إرسال الرسول ومجئ الساعة نحو جئت
وعن الثاني بأنها نزلت منزلة الموجود مبالغة في تحقق مجيئها ويرجح النصب ما وقع في تفسير
سورة والنازعات من هذا الصحيح من طريق فضيل بن سليمان عن أبي حازم بلفظ بعثت والساعة
فإنه ظاهر في أن الواو للمعية (قوله وما أمر الساعة الا كلمح البصر الآية) كذا لأبي ذر وفي رواية
الأكثر أو هو أقرب ان الله على كل شئ قدير كذا للجميع معطوفا على الحديث بغير فصل وهو
يوهم أن تكون بقيته وليس كذلك بل التقدير وقول الله عز وجل وقد ثبت ذلك في بعض النسخ
ولما أراد البخاري إدخال أشراط الساعة وصفة القيامة في كتاب الرقاق استطرد من حديث
الباب الذي قبله المشتمل على ذكر الموت الدال على فناء كل شئ إلى ذكر ما يدل على قرب القيامة وهو
من لطيف ترتيبه ثم ذكر فيه ثلاث أحاديث عن سهل وأنس وأبي هريرة بلفظ واحد وفي حديث
سهل وأبي هريرة زيادة الإشارة (قوله عن سهل) في رواية سفيان عن أبي حازم سمعت من سهل بن
سعد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم في كتاب اللعان (قوله بعثت أنا والساعة)
المراد بالساعة هنا يوم القيامة والأصل فيها قطعة من الزمان وفي عرف أهل الميقات جزء من
أربعة وعشرين جزءا من اليوم والليلة وثبت مثله في حديث جابر رفعه يوم الجمعة اثنتا عشرة
ساعة وقد بينت حاله في كتاب الجمعة وأطلقت في الحديث على انخرام قرن الصحابة ففي صحيح مسلم
عن عائشة كان الاعراب يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة فنظر إلى أحدث
انسان منهم فقال إن يعش هذا لم يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم وعنده من حديث أنس
نحوه وأطلقت أيضا على موت الانسان الواحد (قوله كهاتين) كذا وقع عند الكشميهني في
حديث سهل ولغيره كهاتين هكذا وكذا وقع في رواية سفيان لكن بلفظ كهذه من هذه
أو كهاتين وفي رواية يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم عند مسلم بعثت أنا والساعة هكذا وفي
رواية فضيل بن سليمان قال بإصبعيه هكذا (قوله ويشير بإصبعيه فيمدهما) في رواية سفيان
وقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى وفي رواية فضيل بن سليمان ويعقوب بالوسطى والتي تلي
الابهام وللإسماعيلي من رواية عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه وجمع بين أصبعيه وفرق بينهما
شيئا وفي رواية أبي ضمرة عن أبي حازم عند ابن جرير وضم بين إصبعيه الوسطى والتي تلي الابهام
وقال ما مثلي ومثل الساعة الا كفرسي رهان ونحوه في حديث بريدة بلفظ بعثت أنا والساعة
ان كادت لتسبقني أخرجه أحمد والطبري وسنده حسن وفي حديث المستورد بن شداد بعثت في
نفس الساعة سبقتها كما سبقت هذه لهذه لأصبعيه السبابة والوسطى أخرجه الترمذي والطبري
وقوله في نفس بفتح الفاء وهو كناية عن القرب أي بعثت عند تنفسها ومثله في حديث أبي جبيرة
بفتح الجيم وكسر الموحدة الأنصاري عن أشياخ من الأنصار أخرجه الطبري وأخرجه أيضا
عن أبي جبيرة مرفوعا بغير واسطة بلفظ آخر سأنبه عليه (قوله في حديث أنس وأبي التياح)
299

بفتح المثناة وتشديد التحتانية وآخره مهملة اسمه يزيد بن حميد ووقع عند مسلم في رواية خالد بن
الحارث عن شعبة سمعت قتادة وأبا التياح يحدثان انهما سمعا أنسا فذكره وزاد في آخره هكذا
وقرن شعبة المسبحة والوسطى وأخرجه من طريق ابن عدي عن شعبة عن حمزة الضبي وأبي
التياح مثله وليس هذا اختلافا على شعبة بل كان سمعه من ثلاثة فكان يحدث به تارة عن
الجميع وتارة عن البعض وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق عاصم بن علي عن شعبة فجمع الثلاثة
ووقع لمسلم من طريق غندر عن شعبة عن قتادة حدثنا أنس كرواية البخاري وزاد قال شعبة
وسمعت قتادة يقول في قصصه كفضل إحداهما على الأخرى فلا أدري أذكره عن أنس أو قاله
قتادة أي من قبل نفسه وأخرجه الطبري من هذا الوجه بلفظ فلا أدري أذكره عن أنس أو قاله
هو وزاد في رواية عاصم بن علي هكذا وأشار بإصبعيه الوسطى والسبابة قال وكان يقول يعني
قتادة كفضل إحداهما على الأخرى (قلت) ولم أرها في شئ من الطرق عن أنس وقد أخرجه مسلم
من طريق معبد وهو ابن هلال والطبري من طريق إسماعيل بن عبيد الله كلاهما عن أنس وليس
ذلك فيه نعم وجدت هذه الزيادة مرفوعة في حديث أبي جبيرة بن الضحاك عند الطبري (قوله
في حديث أبي هريرة حدثني يحيى بن يوسف في رواية أبي ذر حدثنا (قوله حدثنا أبو بكر) في
رواية غير أبي ذر أخبرنا أبو بكر وهو ابن عياش (قوله عن أبي حصين) في رواية ابن ماجة حدثنا
أبو حصين بفتح المهملة أوله وأبو صالح هو ذكوان والاسناد إليه كوفيون (قوله كهاتين يعني
إصبعين) كذا في الأصل ووقع عند ابن ماجة عن هناد بن السري عن أبي بكر بن عياش وجمع
بين إصبعيه وأخرجه الطبري عن هناد بلفظ وأشار بالسبابة والوسطى بدل قوله يعني إصبعين
وقد أخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن هناد بلفظ كهذه من هذه يعني إصبعيه وله
من رواية أبي طالب عن الدوري وأشار أبو بكر بإصبعيه السبابة والتي تليها وهذا يدل على أن في
رواية الطبري ادراجا وهذه الزيادة ثابتة في المرفوع لكن من حديث أبي هريرة كما تقدم وقد
أخرجه الطبري من حديث جابر بن سمرة كأن أنظر إلى إصبعي رسول الله صلى الله عليه وسلم
أشار بالمسبحة والتي تليها وهو يقول بعثت أنا والساعة كهذه من هذه وفي رواية له عنه وجمع بين
إصبعيه السبابة والوسطى والمراد بالسبابة وهي بفتح المهملة وتشديد الموحدة الإصبع التي بين
الابهام والوسطى وهي المراد بالمسبحة سميت مسبحة لأنها يشار بها عند التسبيح وتحرك في
التشهد عند التهليل إشارة إلى التوحيد وسميت سبابة لانهم كانوا إذا تسابوا أشاروا بها (قوله
تابعه إسرائيل) يعني ابن يونس بن أبي إسحاق (عن أبي حصين) يعني بالسند والمتن وقد وصله
الإسماعيلي من طريق عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بسنده قال مثل رواية هناد عن أبي
بكر بن عياش قال الإسماعيلي وقد تابعهما قيس بن الربيع عن أبي حصين قال عياض وغيره
أشار بهذا الحديث على اختلاف ألفاظه إلى قلة المدة بينه وبين الساعة والتفاوت اما في المجاورة
واما في قدر ما بينهما ويعضده قوله كفضل أحدهما على الأخرى وقال بعضهم هذا الذي يتجه أن
يقال ولو كان المراد الأول لقامت الساعة لاتصال إحدى الإصبعين بالأخرى قال ابن التين
اختلف في معنى قوله كهاتين فقيل كما بين السبابة والوسطى في الطول وقيل المعنى ليس بينه
وبينها نبي وقال القرطبي في المفهم حاصل الحديث تقريب أمر الساعة وسرعة مجيئها قال وعلى
300

رواية النصب يكون التشبيه وقع بالانضمام وعلى الرفع وقع بالتفاوت وقال البيضاوي معناه أن
نسبة تقدم البعثة النبوية على قيام الساعة كنسبة فضل إحدى الإصبعين على الأخرى وقيل
المراد استمرار دعوته لا تفترق إحداهما عن الأخرى كما أن الإصبعين لا تفترق إحداهما عن
الأخرى ورجح الطيبي قول البيضاوي بزيادة المستورد فيه وقال القرطبي في التذكرة معنى هذا
الحديث تقريب أمر الساعة ولا منافاة بينه وبين قوله في الحديث الآخر ما المسؤول عنها بأعلم من
السائل فإن المراد بحديث الباب أنه ليس بينه وبين الساعة نبي كما ليس بين السبابة والوسطى إصبع
أخرى ولا يلزم من ذلك علم وقتها بعينه لكن سياقه يفيد قربها وان اشراطها متتابعة كما قال
تعالى فقد جاء اشراطها قال الضحاك أول أشراطها بعثة محمد صلى الله عليه وسلم والحكمة في
تقدم الاشراط ايقاظ الغافلين وحثهم على التوبة والاستعداد وقال الكرماني قيل معناه
الإشارة إلى قرب المجاورة وقيل إلى تفاوت ما بينهما طولا وعلى هذا فالنظر في القول الأول إلى
العرض وقيل المراد ليس بينهما واسطة ولا معارضة بين هذا وبين قوله تعالى ان الله عنده علم
الساعة ونحو ذلك لان علم قربها لا يستلزم علم وقت مجيئها معينا وقيل معنى الحديث أنه ليس
بيني وبين القيامة شئ هي التي تليني كما تلي السبابة الوسطى وعلى هذا فلا تنافي بين ما دل
عليه الحديث وبين قوله تعالى عن الساعة لا يعلمها الا هو وقال عياض حاول بعضهم في تأويله
أن نسبة ما بين الإصبعين كنسبة ما بقي من الدنيا بالنسبة إلى ما مضى وان جملتها سبعة آلاف
سنة واستند إلى أخبار لا تصح وذكر ما أخرجه أبو داود في تأخير هذه الأمة نصف يوم وفسره
بخمسمائة سنة فيؤخذ من ذلك ان الذي بقي نصف سبع وهو قريب مما بين السبابة والوسطى
في الطول قال وقد ظهر عدم صحة ذلك لوقوع خلافه ومجاوزة هذا المقدار ولو كان ذلك ثابتا لم
يقع خلافه (قلت) وقد انضاف إلى ذلك منذ عهد عياض إلى هذا الحين ثلثمائة سنة وقال ابن
العربي قيل الوسطى تزيد على السبابة نصف سبعها وكذلك الباقي من الدنيا من البعثة إلى قيام
الساعة قال وهذا بعيد ولا يعلم مقدار الدنيا فكيف يتحصل لنا نصف سبع أمد مجهول فالصواب
الاعراض عن ذلك (قلت) السابق إلى ذلك أبو جعفر بن جرير الطبري فإنه أورد في مقدمة
تاريخه عن ابن عباس قال الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة وقد مضى ستة آلاف
ومائة سنة وأورده من طريق يحيى بن يعقوب عن حماد بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير عنه
ويحيى هو أبو طالب القاص الأنصاري قال البخاري منكر الحديث وشيخه هو فقيه الكوفة
وفيه مقال ثم أورد الطبري عن كعب الأحبار قال الدنيا ستة آلاف سنة وعن وهب بن منبه مثله
وزاد أن الذي مضى منها خمسة آلاف وستمائة سنة ثم زيفهما ورجح ما جاء عن ابن عباس ثم
أورد حديث ابن عمر الذي في الصحيحين مرفوعا ما أجلكم في أجل من كان قبلكم الا من صلاة
العصر إلى مغرب الشمس ومن طريق مغيرة بن حكيم عن ابن عمر بلفظ ما بقي لامتي من الدنيا
الا كمقدار إذا صليت العصر ومن طريق مجاهد عن ابن عمر كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم
والشمس على قعيقعان مرتفعة بعد العصر فقال ما أعماركم في أعمار من مضى الا كما بقي من هذا
النهار فيما مضى منه وهو عند أحمد أيضا بسند حسن ثم أورد حديث أنس خطبنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم يوما وقد كادت الشمس تغيب فذكر نحو الحديث الأول عن ابن عمر ومن حديث
301

أبي سعيد بمعناه قال عند غروب الشمس ان مثل ما بقي من الدنيا فيما مضى منها كبقية يومكم
هذا فيما مضى منه وحديث أبي سعيد أخرجه أيضا وفيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف
وحديث أنس أخرجه أيضا وفيه موسى بن خلف ثم جمع بينهما بما حاصله أنه حمل قوله بعد صلاة
العصر على ما إذا صليت في وسط من وقتها (قلت) وهو بعيد من لفظ أنس وأبى سعيد وحديث
ابن عمر صحيح متفق عليه فالصواب الاعتماد عليه وله محملان أحدهما أن المراد بالتشبيه التقريب
ولا يراد حقيقة المقدار فبه يجتمع مع حديث أنس وأبي سعيد على تقدير ثبوتهما والثاني أن
يحمل على ظاهره فيقدم حديث ابن عمر لصحته ويكون فيه دلالة على أن مدة هذه الأمة قدر
خمس النهار تقريبا ثم أيد الطبري كلامه بحديث الباب وبحديث أبي ثعلبة الذي أخرجه أبو داود
وصححه الحاكم ولفظه والله لا تعجز هذه الأمة من نصف يوم ورواته ثقات ولكن رجح البخاري
وقفه وعند أبي داود أيضا من حديث سعد بن أبي وقاص بلفظ اني لأرجو أن لا تعجز أمتي عند
ربها أن يؤخرهم نصف يوم قيل لسعد كم نصف يوم قال خمسمائة سنة ورواته موثقون الا ان فيها
انقطاعا قال الطبري ونصف اليوم خمسمائة سنة أخذا من قوله تعالى وان يوما عند ربك كألف
سنة فإذا انضم إلى قول ابن عباس ان الدنيا سبعة آلاف سنة توافقت الاخبار فيكون الماضي
إلى وقت الحديث المذكور ستة آلاف سنة وخمسمائة سنة تقريبا وقد أورد السهيلي كلام
الطبري وأيده بما وقع عنده في حديث المستورد وأكده بحديث زمل رفعه الدنيا سبعة آلاف سنة
بعثت في آخرها (قلت) وهذا الحديث انما هو عن ابن زمل وسنده ضعيف جدا أخرجه ابن
السكن في الصحابة وقال إسناده مجهول وليس بمعروف في الصحابة وابن قتيبة في غريب الحديث
وذكره في الصحابة أيضا ابن منده وغيره وسماه بعضهم عبد الله وبعضهم الضحاك وقد أورده ابن
الجوزي في الموضوعات وقال ابن الأثير ألفاظه مصنوعة ثم بين السهيلي انه ليس في حديث نصف
يوم ما ينفي الزيادة على الخمسمائة قال وقد جاء بيان ذلك فيما رواه جعفر بن عبد الواحد بلفظ ان
أحسنت أمتي فبقاؤها يوم من أيام الآخرة وذلك ألف سنة وان أساءت فنصف يوم قال وليس في
قوله بعثت أنا والساعة كهاتين ما يقطع به على صحة التأويل الماضي بل قد قيل في تأويله انه
ليس بينه وبين الساعة نبي مع التقريب لمجيئها ثم جوز أن يكون في عدد الحروف التي في أوائل
السور مع حذف المكرر ما يوافق حديث ابن زمل وذكر أن عدتها تسعمائة وثلاثة (قلت) وهو
مبني على طريقة المغاربة في عد الحروف وأما المشارقة فينقص العدد عندهم مائتين وعشرة
فإن السين عند المغاربة بثلثمائة والصاد بستين وأما المشارقة فالسين عندهم ستون والصاد
تسعون فيكون المقدار عندهم ستمائة وثلاثة وتسعين وقد مضت وزيادة عليها مائة وخمس
وأربعون سنة فالحمل على ذلك من هذه الحيثية باطل وقد ثبت عن ابن عباس الزجر عن عد أبي
جاد والإشارة إلى أن ذلك من جملة السحر وليس ذلك ببعيد فإنه لا أصل له في الشريعة وقد قال
القاضي أبو بكر بن العربي وهو من مشايخ السهيلي في فوائد رحلته ما نصه ومن الباطل
الحروف المقطعة في أوائل السور وقد تحصل لي فيها عشرون قولا وأزيد ولا أعرف أحدا يحكم
عليها بعلم ولا يصل فيها إلى فهم الا أني أقول فذكر ما ملخصه أنه لولا أن العرب كانوا يعرفون أن لها
مدلولا متداولا بينهم لكانوا أول من أنكر ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم بل تلا عليهم ص
302

وحم فصلت وغيرهما فلم ينكروا ذلك بل صرحوا بالتسليم له في البلاغة والفصاحة مع تشوفهم
إلى عثرة وحرصهم على زلة فدل على أنه كان أمرا معروفا بينهم لا إنكار فيه (قلت) وأما عد
الحروف بخصوصه فإنما جاء عن بعض اليهود كما حكاه ابن إسحاق في السيرة النبوية عن أبي ياسر
ابن أخطب وغيره انهم حملوا الحروف التي في أوائل السور على هذا الحساب واستقصروا المدة
أول ما نزل ألم والر فلما نزل بعد ذلك المص وطسم وغير ذلك قالوا ألبست علينا الامر وعلى
تقدير أن يكون ذلك مرادا فليحمل على جميع الحروف الواردة ولا يحذف المكرر فإنه ما من
حرف منها الا وله سر يخصه أو يقتصر على حذف المكرر من أسماء السور ولو تكررت الحروف
فيها فإن السور التي ابتدئت بذلك تسع وعشرون سورة وعدد حروف الجميع ثمانية وسبعون
حرفا وهي ألم ستة حم ستة الر خمسة طسم ثنتان المص المر كهيعص حمعسق طه
طس يس ص ق ن فإذا حذف ما كرر من السور وهي خمس من ألم وخمس من حم وأربع
من الر وواحدة من طسم بقي أربع عشرة سورة عدد حروفها ثمانية وثلاثون حرفا فإذا
حسب عددها بالجمل المغربي بلغت الفين وستمائة وأربعة وعشرين وأما بالجمل المشرقي فتبلغ
ألفا وسبعمائة وأربعة وخمسين ولم أذكر ذلك ليعتمد عليه الا لابين أن الذي جنح إليه السهيلي
لا ينبغي الاعتماد عليه لشدة التخالف فيه وفي الجملة فأقوى ما يعتمد في ذلك ما دل عليه حديث ابن
عمر الذي أشرت إليه قبل وقد أخرج معمر في الجامع عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال معمر وبلغني
عن عكرمة في قوله تعالى في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قال الدنيا من أولها إلى آخرها يوم
مقداره خمسون ألف سنة لا يدري كم مضى ولا كم بقي الا الله تعالى وقد حمل بعض شراح المصابيح
حديث لن تعجز هذه الأمة أن يؤخرها نصف يوم على حال يوم القيامة وزيفه الطيبي فأصاب
وأما زيادة جعفر فهي موضوعة لأنها لا تعرف الا من جهته وهو مشهور بوضع الحديث وقد
كذبه الأئمة مع أنه لم يسق سنده بذلك فالعجب من السهيلي كيف سكت عنه مع معرفته بحاله
والله المستعان (قوله باب) كذا للأكثر بغير ترجمة وللكشميهني باب طلوع
الشمس من مغربها وكذا هو في نسخة الصغاني وهو مناسب ولكن الأول أنسب لأنه يصير
كالفصل من الباب الذي قبله ووجه تعلقه به أن طلوع الشمس من مغربها انما يقع عند اشراف
قيام الساعة كما سأقرره (قوله أبو الزناد عن عبد الرحمن) هو الأعرج وصرح به الطبراني في
مسند الشاميين عن أحمد بن عبد الوهاب عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه (قوله لا تقوم الساعة
حتى تطلع الشمس من مغربها الخ) هذا بعض حديث ساقه المؤلف في أواخر كتاب الفتن بهذا
الاسناد بتمامه وفي أوله لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان عظيمتان الحديث وذكر فيه نحو
عشرة أشياء من هذا الجنس ثم ذكر ما في هذا الباب وسأذكر شرحه مستوفى هناك وأقتصر هنا
على ما يتعلق بطلوع الشمس لأنه المناسب لما قبله وما بعده من قرب القيامة خاصة وعامة قال
الطيبي الآيات أمارات للساعة اما على قربها واما على حصولها فمن الأول الدجال ونزول عيسى
ويأجوج ومأجوج والخسف ومن الثاني الدخان وطلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة
والنار التي تحشر الناس وحديث الباب يؤذن بذلك لأنه جعل في طلوعها من المغرب غاية لعدم
قيام الساعة فيقتضى انها إذا طلعت كذلك انتفى عدم القيام فثبت القيام (قوله فإذا طلعت
303

فرآها الناس آمنوا أجمعون) وقع في رواية أبي زرعة عن أبي هريرة في التفسير فإذا رآها الناس
آمن من عليها أي على الأرض من الناس (قوله فذاك) في رواية الكشميهني فذلك وكذا هو في
رواية أبي زرعة ووقع في رواية همام عن أبي هريرة في التفسير أيضا وذلك بالواو (قوله حين
لا ينفع نفسا ايمانها الآية) كذا هنا وفي رواية أبي زرعة ايمانها لم تكن آمنت من قبل وفي رواية
همام ايمانها ثم قرأ الآية قال الطبري معنى الآية لا ينفع كافرا لم يكن آمن قبل الطلوع ايمان بعد
الطلوع ولا ينفع مؤمنا لم يكن عمل صالحا قبل الطلوع عمل صالح بعد الطلوع لان حكم الايمان
والعمل الصالح حينئذ حكم من آمن أو عمل عند الغرغرة وذلك لا يفيد شيئا كما قال تعالى فلم يك
ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا وكما ثبت في الحديث الصحيح تقبل توبة العبد مالم يبلغ الغرغرة وقال
ابن عطية في هذا الحديث دليل على أن المراد بالبعض في قوله تعالى يوم يأتي بعض آيات ربك طلوع
الشمس من المغرب والى ذلك ذهب الجمهور وأسند الطبري عن ابن مسعود أن المراد بالبعض
إحدى ثلاث هذه أو خروج الدابة أو الدجال قال وفيه نظر لان نزول عيسى بن مريم يعقب خروج
الدجال وعيسى لا يقبل الا الايمان فانتفى أن يكون بخروج الدجال لا يقبل الايمان ولا التوبة
(قلت) ثبت في صحيح مسلم من طريق أبي حازم عن أبي هريرة رفعه ثلاث إذا خرجن لم ينفع نفسا
ايمانها لم تكن آمنت من قبل طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض قيل فلعل حصول
ذلك يكون متتابعا بحيث تبقى النسبة إلى الأول منها مجازية وهذا بعيد لان مدة لبث الدجال إلى
أن يقتله عيسى ثم لبس عيسى وخروج يأجوج ومأجوج كل ذلك سابق على طلوع الشمس من
المغرب فالذي يترجح من مجموع الاخبار أن خروج الدجال أول الآيات العظام المؤذنة بتغير
الأحوال العامة في معظم الأرض وينتهي ذلك بموت عيسى بن مريم وأن طلوع الشمس من
المغرب هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي وينتهي ذلك بقيام الساعة
ولعل خروج الدابة يقع في ذلك اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب وقد أخرج مسلم أيضا من
طريق أبي زرعة عن عبد الله بن عمرو بن العاص رفعه أول الآيات طلوع الشمس من مغربها
وخروج الدابة على الناس ضحى فأيهما خرجت قبل الأخرى فالأخرى منها قريب وفي الحديث
قصة لمروان بن الحكم وأنه كان يقول أول الآيات خروج الدجال فأنكر عليه عبد الله بن عمرو
(قلت) ولكلام مروان محمل يعرف مما ذكرته قال الحاكم أبو عبد الله الذي يظهر أن طلوع
الشمس يسبق خروج الدابة ثم تخرج الدابة في ذلك اليوم أو الذي يقرب منه (قلت) والحكمة
في ذلك أن عند طلوع الشمس من المغرب يغلق باب التوبة فتخرج الدابة تميز المؤمن من الكافر
تكميلا للمقصود من اغلاق باب التوبة وأول الآيات المؤذنة بقيام الساعة النار التي تحشر
الناس كما تقدم في حديث أنس في بدء الخلق في مسائل عبد الله بن سلام ففيه وأما أول اشراط
الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب وسيأتي فيه زيادة في باب كيف الحشر قال ابن
عطية وغيره ما حاصله معنى الآية أن الكافر لا ينفعه ايمانه بعد طلوع الشمس من المغرب
وكذلك العاصي لا تنفعه توبته ومن لم يعمل صالحا من قبل ولو كان مؤمنا لا ينفعه العمل بعد
طلوعها من المغرب وقال القاضي عياض المعنى لا تنفع توبة بعد ذلك بل يختم على عمل كل أحد
304

بالحالة التي هو عليها والحكمة في ذلك أن هذا أول ابتداء قيام الساعة بتغير العالم العلوي فإذا
شوهد ذلك حصل الايمان الضروري بالمعاينة وارتفع الايمان بالغيب فهو كالايمان عند
الغرغرة وهو لا ينفع فالمشاهدة لطلوع الشمس من المغرب مثله وقال القرطبي في التذكرة بعد أن
ذكر هذا فعلى هذا فتوبة من شاهد ذلك أو كان كالمشاهد له مردودة فلو امتدت أيام الدنيا بعد
ذلك إلى أن ينسى هذا الامر أو ينقطع تواتره ويصير الخبر عنه آحادا فمن أسلم حينئذ أو تاب قبل
منه وأيد ذلك بأنه روى أن الشمس والقمر يكسيان الضوء بعد ذلك ويطلعان ويغربان من
المشرق كما كانا قبل ذلك قال وذكر أبو الليث السمرقندي في تفسيره عن عمران بن حصين قال
انما لا يقبل الايمان والتوبة وقت الطلوع لأنه يكون حينئذ صيحة فيهلك بها كثير من الناس
فمن أسلم أو تاب في ذلك الوقت لم تقبل توبته ومن تاب بعد ذلك قبلت توبته قال وذكر الميانشي
عن عبد الله بن عمرو رفعه قال تبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين ومائة سنة
(قلت) رفع هذا لا يثبت وقد أخرجه عبد بن حميد في تفسيره بسند جيد عن عبد الله بن عمرو
موقوفا وقد ورد عنه ما يعارضه فأخرج أحمد ونعيم بن حماد من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو
رفعه الآيات خرزات منظومات في سلك إذا انقطع السلك تبع بعضها بعضا وأخرج الطبراني
من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو رفعه إذا طلع الشمس من مغربها خر إبليس ساجدا ينادي
الهي مرني أن أسجد لمن شئت الحديث وأخرج نعيم نحوه عن أبي هريرة والحسن وقتادة
بأسانيد مختلفة وعند ابن عساكر من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري رفعه بين يدي الساعة عشر
آيات كالنظم في الخيط إذا سقط منها واحدة توالت وعن أبي العالية بين أول الآيات وآخرها
ستة أشهر يتتابعن كتتابع الخرزات في النظام ويمكن الجواب عن حديث عبد الله بن عمرو بأن
المدة ولو كانت كما قال عشرين ومائة سنة لكنها تمر مرورا سريعا كمقدار مرور عشرين ومائة شهر
من قبل ذلك أو دون ذلك كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رفعه لا تقوم الساعة حتى تكون
السنة كالشهر الحديث وفيه واليوم كاحتراق السعفة وأما حديث عمران فلا أصل له وقد
سبقه إلى هذا الاحتمال البيهقي في البعث والنشور فقال في باب خروج يأجوج ومأجوج فصل
ذكر الحليمي ان أول الآيات الدجال ثم نزول عيسى لان طلوع الشمس من المغرب لو كان قبل
نزول عيسى لم ينفع الكفار ايمانهم في زمانه ولكنه ينفعهم إذ لو لم ينفعهم لما صار الدين واحدا
بإسلام من أسلم منهم قال البيهقي وهو كلام صحيح لو لم يعارض الحديث الصحيح المذكوران أول
الآيات طلوع الشمس من المغرب وفي حديث عبد الله بن عمرو طلوع الشمس أو خروج الدابة
وفي حديث أبي حازم عن أبي هريرة الجزم بهما وبالدجال في عدم نفع الايمان قال البيهقي إن كان
في علم الله أن طلوع الشمس سابق احتمل أن يكون المراد نفى النفع عن أنفس القرن الذين
شاهدوا ذلك فإذا انقرضوا وتطاول الزمان وعاد بعضهم إلى الكفر عاد تكليفه الايمان بالغيب
وكذا في قصة الدجال لا ينفع ايمان من آمن بعيسى عند مشاهدة الدجال وينفعه بعد انقراضه
وإن كان في علم الله طلوع الشمس بعد نزول عيسى احتمل أن يكون المراد بالآيات في حديث
عبد الله بن عمرو آيات أخرى غير الدجال ونزول عيسى إذ ليس في الخبر نص على أنه يتقدم عيسى
(قلت) وهذا الثاني هو المعتمد والأخبار الصحيحة تخالفه ففي صحيح مسلم من رواية محمد بن سيرين
305

عن أبي هريرة رفعه من تاب قبل ان تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه فمفهومه ان من تاب
بعد ذلك لم تقبل ولأبي داود والنسائي من حديث معاوية رفعه لا تزال تقبل التوبة حتى تطلع
الشمس من مغربها وسنده جيد وللطبراني عن عبد الله بن سلام نحوه وأخرج أحمد والطبري
والطبراني من طريق مالك بن يخامر بضم التحتانية بعدها خاء معجمة وبكسر الميم وعن معاوية
وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو رفعوه لا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من
مغربها فإذا طلعت طبع الله على كل قلب بما فيه وكفى الناس العمل وأخرج أحمد والدارمي وعبد
ابن حميد في تفسيره كلهم من طريق أبي هند عن معاوية رفعه لا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس
من مغربها وأخرج الطبري بسند جيد من طريق أبي الشعثاء عن ابن مسعود موقوفا التوبة
مفروضة مالم تطلع الشمس من مغربها وفي حديث صفوان بن عسال سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول إن بالمغرب بابا مفتوحا للتوبة مسيرة سبعين سنة لا يغلق حتى تطلع الشمس من
نحوه أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح وأخرجه أيضا النسائي وابن ماجة وصححه ابن خزيمة
وابن حبان وفي حديث ابن عباس نحوه عند ابن مردويه وفيه فإذا طلعت الشمس من مغربها رد
المصراعان فيلتئم ما بينهما فإذا أغلق ذلك الباب لم تقبل بعد ذلك توبة ولا تنفع حسنة الا من كان
يعمل الخير قبل ذلك فإنه يجري لهم ما كان قبل ذلك وفيه فقال أبي بن كعب فكيف بالشمس
والناس بعد ذلك قال تكسي الشمس الضوء وتطلع كما كانت تطلع وتقبل الناس على الدنيا فلو
نتج رجل مهرا لم يركبه حتى تقوم الساعة وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند نعيم بن حماد
في كتاب الفتن وعبد الرزاق في تفسيره عن وهب بن جابر الخيواني بالخاء المعجمة قال كنا عند عبد الله
ابن عمرو فذكر قصة قال ثم أنشأ يحدثنا قال إن الشمس إذا غربت سلمت وسجدت واستأذنت في
الطلوع فيؤذن لها حتى إذا كان ذات ليلة فلا يؤذن لها وتحبس ما شاء الله تعالى ثم يقال لها
اطلعي من حيث غربت قال فمن يومئذ إلى يوم القيامة لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل
وأخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن عبد الرزاق كذلك ومن طريق أخرى وزاد فيها قصة المتهجدين
وانهم هم الذين يستنكرون بطء طلوع الشمس وأخرج أيضا من حديث عبد الله بن أبي أوفى
قال تأتي ليلة قدر ثلاث ليال لا يعرفها الا المتهجدون يقوم فيقرأ حزبه ثم ينام ثم يقوم فيقرأ
ثم ينام ثم يقوم فعندها يموج الناس بعضهم في بعض حتى إذا صلوا الفجر وجلسوا فإذا هم بالشمس
قد طلعت من مغربها فيضج الناس ضجة واحدة حتى إذا توسطت السماء رجعت وعند البيهقي
في البعث والنشور من حديث ابن مسعود نحوه فينادي الرجل جاره يا فلان ما شأن الليلة لقد
نمت حتى شبعت وصليت حتى أعييت وعند نعيم بن حماد من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو قال
لا يلبثون بعد يأجوج ومأجوج الا قليلا حتى تطلع الشمس من مغربها فيناديهم مناديا أيها
الذين آمنوا قد قبل منكم ويا أيها الذين كفروا قد أغلق عنكم باب التوبة وجفت الأقلام
وطويت الصحف ومن طريق يزيد بن شريح وكثير بن مرة إذا طلعت الشمس من المغرب يطبع
على القلوب بما فيها وترتفع الحفظة وتؤمر الملائكة أن لا يكتبوا عملا وأخرج عبد بن حميد
والطبري بسند صحيح من طريق عامر الشعبي عن عائشة إذا خرجت أول الآيات طرحت
الأقلام وطويت الصحف وخلصت الحفظة وشهدت الأجساد على الأعمال وهو وإن كان
306

موقوفا فحكمه الرفع ومن طريق العوفي عن ابن عباس نحوه ومن طريق ابن مسعود قالا الآية
التي يختم بها الأعمال طلوع الشمس من مغربها فهذه آثار يشد بعضها بعضا متفقة على أن
الشمس إذا طلعت من المغرب أغلق باب التوبة ولم يفتح بعد ذلك وان ذلك لا يختص بيوم الطلوع
بل يمتد إلى يوم القيامة ويؤخذ منها ان طلوع الشمس من مغربها أول الانذار بقيام الساعة وفي
ذلك رد على أصحاب الهيئة ومن وافقهم ان الشمس وغيرها من الفلكيات بسيطة لا تختلف
مقتضياتها ولا يتطرق إليها تغيير ما هي عليه قال الكرماني وقواعدهم منقوضة ومقدماتهم
ممنوعة وعلى تقدير تسليمها فلا امتناع من انطباق منطقة البروج التي هي معدل النهار بحيث
يصير المشرق مغربا وبالعكس واستدل صاحب الكشاف بهذه الآية للمعتزلة فقال قوله لم
تكن آمنت من قبل صفة لقوله نفسا وقوله أو كسبت في ايمانها خيرا عطف على آمنت والمعنى
أن اشراط الساعة إذا جاءت وهي آيات ملجئة للايمان ذهب أوان التكليف عندها فلم ينفع
الايمان حينئذ من غير مقدمة ايمانها قبل ظهور الآيات أو مقدمة ايمانها من غير تقديم عمل
صالح فلم يفرق كما ترى بين النفس الكافرة وبين النفس التي آمنت في وقته ولم تكتسب خيرا
ليعلم أن قوله الذين آمنوا وعملوا الصالحات جمع بين قرينتين لا ينبغي أن تنفك إحداهما عن
الأخرى حتى يفوز صاحبها ويسعد والا فالشقوة والهلاك قال الشهاب السمين قد أجاب
الناس بأن المعنى في الآية أنه إذا أتى بعض الآيات لا ينفع نفسا كافرة ايمانها الذي أوقعته إذ
ذاك ولا ينفع نفسا سبق ايمانها ولم تكسب فيه خيرا فقد علق نفي نفع الايمان بأحد وصفين اما نفي
سبق الايمان فقط واما سبقه مع نفي كسب الخير ومفهومه أنه ينفع الايمان السابق وحده وكذا
السابق ومعه الخير ومفهوم الصفة قوي فيستدل بالآية لمذهب أهل السنة ويكون فيه قلب
دليل المعتزلة دليلا عليهم وأجاب ابن المنير في الانتصاف فقال هذا الكلام من البلاغة يلقب اللف
وأصله يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا لم تكن مؤمنة قبل ايمانها بعد ولا نفسا لم
تكسب خيرا قبل ما تكتسبه من الخير بعد فلف الكلامين فجعلهما كلاما واحدا ايجازا وبهذا
التقرير يظهر أنها لا تخالف مذهب أهل الحق فلا ينفع بعد ظهور الآيات اكتساب الخير ولو
نفع الايمان المتقدم من الخلود فهي بالرد على مذهبه أولى من أن تدل له وقال ابن الحاجب
في أماليه الايمان قبل مجئ الآية نافع ولو لم يكن عمل صالح غيره ومعنى الآية لا ينفع نفسا ايمانها
ولا كسبها العمل الصالح لم يكن الايمان قبل الآية أو لم يكن العمل مع الايمان قبلها فاختصر
للعلم ونقل الطيبي كلام الأئمة في ذلك ثم قال المعتمد ما قال ابن المنير وابن الحاجب وبسطه ان الله
تعالى لما خاطب المعاندين بقوله تعالى وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه الآية علل الانزال
بقوله أن تقولوا انما أنزل الكتاب الخ إزالة للعذر والزاما للحجة وعقبة بقوله فقد جاءكم بينة من
ربكم وهدى ورحمة تبكيتا لهم وتقريرا لما سبق من طلب الاتباع ثم قال فمن أظلم ممن كذب
الآية أي انه أنزل هذا الكتاب المنير كاشفا لكل ريب وهاديا إلى الطريق المستقيم ورحمة من الله
للخلق ليجعلوه زادا لمعادهم فيما يقدمونه من الايمان والعمل الصالح فجعلوا شكر النعمة أن
كذبوا بها ومنعوا من الانتفاع بها ثم قال هل ينظرون الآية أي ما ينتظر هؤلاء المكذبون الا أن
يأتيهم عذاب الدنيا بنزول الملائكة بالعقاب الذي يستأصل شأفتهم كما جرى لمن مضى من الأمم
307

قبلهم أو يأتيهم عذاب الآخرة بوجود بعض قوارعها فحينئذ تفوت تلك الفرصة السابقة فلا
ينفعهم شئ مما كان ينفعهم من قبل من الايمان وكذا العمل الصالح مع الايمان فكأنه قيل
يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا ايمانها ولا كسبها العمل الصالح في ايمانها حينئذ إذا لم
تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا من قبل ففي الآية لف لكن حذفت إحدى القرينتين
بإعانة النشر ونظيره قوله تعالى ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا
قال فهذا الذي عناه ابن المنير بقوله ان هذا الكلام في البلاغة يقال له اللف والمعنى يوم يأتي
بعض آيات ربك لا ينفع نفسا لم تكن مؤمنة من قبل ذلك ايمانها من بعد ذلك ولا ينفع نفسا
كانت مؤمنة لكن لم تعمل في ايمانها عملا صالحا قبل ذلك ما تعمله من العمل الصالح بعد ذلك
قال وبهذا التقرير يظهر مذهب أهل السنة فلا ينفع بعد ظهور الآية اكتساب الخير أي لاغلاق
باب التوبة ورفع الصحف والحفظة وإن كان ما سبق قبل ظهور الآية من الايمان ينفع صاحبه
في الجملة ثم قال الطيبي وقد ظفرت بفضل الله بعد هذا التقرير على آية أخرى تشبه هذه الآية
وتناسب هذا التقرير معنى ولفظا من غير افراط ولا تفريط وهي قوله تعالى ولقد جئناهم بكتاب
فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون هل ينظرون الا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه
من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل
قد خسروا أنفسهم الآية فإنه يظهر منه أن الايمان المجرد قبل كشف قوارع الساعة نافع وأن
الايمان المقارن بالعمل الصالح أنفع وأما بعد حصولها فلا ينفع شئ أصلا والله أعلم انتهى ملخصا
(قوله ولتقوا من الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته) بكسر اللام وسكون القاف بعدها
مهملة هي ذات الدر من النوق (قوله يليط حوضه) بضم أوله ويقال ألاط حوطه إذا مدره
أي جمع حجارة فصيرها كالحوض ثم سد ما بينها من الفرج بالمدر ونحوه لينحبس الماء هذا أصله
وقد يكون للحوض خروق فيسدها بالمدر قبل أن يملاه وفي كل ذلك إشارة إلى أن القيامة تقوم
بغتة كما قال الله تعالى لا تأتيكم الا بغتة (قوله باب من أحب لقاء الله أحب الله
لقاءه) هكذا ترجم بالشق الأول من الحديث الأول إشارة إلى بقيته على طريق الاكتفاء قال
العلماء محبة الله لعبده ارادته الخير له وهدايته إليه وانعامه عليه وكراهته له على الضد من ذلك
(قوله حدثنا حجاج) هو ابن المنهال البصري وهو من كبار شيوخ البخاري وقد روى عن همام
أيضا حجاج بن محمد المصيصي لكن لم يدركه البخاري (قوله عن قتادة) لهمام فيه اسناد آخر أخرجه
أحمد عن عفان عن همام عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى حدثني فلان بن فلان
أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث بطوله بمعناه وسنده قوي وإبهام الصحابي
لا يضر وليس ذلك اختلافا على همام فقد أخرجه أحمد عن عفان عن همام عن قتادة (قوله
عن أنس) في رواية شعبة عن قتادة سمعت أنسا وسيأتي بيانه في الرواية المعلقة (قوله عن عبادة
ابن الصامت) قد رواه حميد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير واسطة أخرجه أحمد
والنسائي والبزار من طريقه وذكر البزار أنه تفرد به فان أراد مطلقا وردت عليه رواية قتادة وان
أراد بقيد كونه جعله من مسند أنس سلم (قوله من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه) قال الكرماني
ليس الشرط سببا للجزاء بل الامر بالعكس ولكنه على تأويل الخبر أي من أحب لقاء الله أخبره
308

بأن الله أحب لقاءه وكذا الكراهة وقال غيره فيما نقله ابن عبد البر وغيره من هنا خبرية وليست
شرطية فليس معناه أن سبب حب الله لقاء العبد حب العبد لقاءه ولا الكراهة ولكنه صفة حال
الطائفتين في أنفسهم عند ربهم والتقدير من أحب لقاء الله فهو الذي أحب الله لقاءه وكذا
الكراهة (قلت) ولا حاجة إلى دعوى نفي الشرطية فسيأتي في التوحيد من حديث أبي هريرة
رفعه قال الله عز وجل إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه الحديث فيتعين أن من في حديث
الباب شرطية وتأويلها ما سبق وفي قوله أحب الله لقاءه العدول عن الضمير إلى الظاهر تفخيما
وتعظيما ودفعا لتوهم عود الضمير على الموصول لئلا يتحد في الصورة المبتدأ والخبر ففيه إصلاح
اللفظ لتصحيح المعنى وأيضا فعود الضمير على المضاف إليه قليل وقرأت بخط ابن الصائغ في شرح
المشارق يحتمل أن يكون لقاء الله مضافا للمفعول فأقامه مقام الفاعل ولقاءه اما مضاف
للمفعول أو للفاعل الضمير أو للموصول لان الجواب إذا كان شرطا فالأولى أن يكون فيه ضمير
نعم هو موجود هنا ولكن تقديرا (قوله ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه) قال المازري من قضى
الله بموته لا بد أن يموت وإن كان كارها للقاء الله ولو كره الله موته لما مات فيحمل الحديث على
كراهته سبحانه وتعالى الغفران له وإرادته لابعاده من رحمته (قلت) ولا اختصاص لهذا البحث
بهذا الشق فإنه يأتي مثله في الشق الأول كأن يقال مثلا من قضى الله بامتداد حياته لا يموت ولو
كان محبا للموت الخ (قوله قالت عائشة أو بعض أزواجه) كذا في هذه الرواية بالشك وجزم
سعد بن هشام في روايته عن عائشة بأنها هي التي قالت ذلك ولم يتردد وهذه الزيادة في هذا الحديث
لا تظهر صريحا هل هي من كلام عبادة والمعنى أنه سمع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم وسمع
مراجعة عائشة أو من كلام أنس بأن يكون حضر ذلك فقد وقع في رواية حميد التي أشرت إليها
بلفظ فقلنا يا رسول الله فيكون أسند القول إلى جماعة وإن كان المباشر له واحدا وهي عائشة
وكذا وقع في رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى التي أشرت إليها وفيها فأكب القوم يبكون وقالوا انا
نكره الموت قال ليس ذلك ولابن أبي شيبة من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة نحو حديث الباب
وفيه قيل يا رسول الله ما منا من أحد الا وهو يكره الموت فقال إذا كان ذلك كشف له ويحتمل
أيضا أن يكون من كلام قتادة أرسله في رواية همام ووصله في رواية سعيد بن أبي عروبة عنه عن
زرارة عن سعد بن هشام عن عائشة فيكون في رواية همام ادراج وهذا أرجح في نظري فقد
أخرجه مسلم عن هداب بن خالد عن همام مقتصرا على أصل الحديث دون قوله فقالت عائشة
الخ ثم أخرجه من رواية سعيد بن أبي عروبة موصولا تاما وكذا أخرجه هو وأحمد من رواية شعبة
والنسائي من رواية سليمان التيمي كلاهما عن قتادة وكذا جاء عن أبي هريرة وغير واحد من
الصحابة بدون المراجعة وقد أخرجه الحسن بن سفيان وأبو يعلى جميعا عن هدبة بن خالد عن
همام تاما كما أخرجه البخاري عن حجاج عن همام وهدبة هو هداب شيخ مسلم فكأن مسلما
حذف الزيادة عمدا لكونها مرسلة من هذا الوجه واكتفى بإيرادها موصولة من طريق سعيد بن
أبي عروبة وقد رمز البخاري إلى ذلك حيث علق رواية شعبة بقوله اختصره الخ وكذا أشار إلى
رواية سعيد تعليقا وهذا من العلل الخفية جدا (قوله انا لنكره الموت) في رواية سعد بن هشام
فقالت يا نبي الله أكراهة الموت فكلنا نكره الموت (قوله بشر برضوان الله وكرامته) في رواية
309

سعد بن هشام بشر برحمة الله ورضوانه وجنته وفي حديث حميد عن أنس ولكن المؤمن إذا
حضر جاءه البشير من الله وليس شئ أحب إليه من أن يكون قد لقي الله فأحب الله لقاءه وفي
رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى ولكنه إذا حضر فاما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة
نعيم فإذا بشر بذلك أحب لقاء الله والله للقائه أحب (قوله فليس شئ أحب إليه مما أمامه) بفتح
الهمزة أي ما يستقبله بعد الموت وقد وقعت هذه المراجعة من عائشة لبعض التابعين فأخرج
مسلم والنسائي من طريق شريح بن هانئ قال سمعت أبا هريرة فذكر أصل الحديث قال فاتيت
عائشة فقلت سمعت حديثا إن كان كذلك فقد هلكنا فذكره قال وليس منا أحد الا وهو يكره
الموت فقالت ليس بالذي تذهب إليه ولكن إذا شخص البصر بفتح الشين والخاء المعجمتين وآخره
مهملة أي فتح المحتضر عينيه إلى فوق فلم يطرف وحشرج الصدر بحاء مهملة مفتوحة بعدها
معجمة وآخره جيم أي ترددت الروح في الصدر واقشعر الجلد وتشنجت بالشين المعجمة والنون
الثقيلة والجيم أي تقبضت وهذه الأمور هي حالة المحتضر وكأن عائشة أخذته من معنى الخبر
الذي رواه عنها سعد بن هشام مرفوعا وأخرجه مسلم والنسائي أيضا عن شريح بن هانئ عن
عائشة مثل روايته عن أبي هريرة وزاد في آخره والموت دون لقاء الله وهذه الزيادة من كلام عائشة
فيما يظهر لي ذكرتها استنباطا مما تقدم وعند عبد بن حميد من وجه آخر عن عائشة مرفوعا إذا
أراد الله بعبد خيرا قيض له قبل موته بعام ملكا يسدده ويوفقه حتى يقال مات بخير ما كان فإذا
حضر ورأى ثوابه اشتاقت نفسه فذلك حين أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه وإذا أراد الله بعبد
شرا قيض له قبل موته بعام شيطانا فاضله وفتنه حتى يقال مات بشر ما كان عليه فإذا حضر ورأى
ما أعد له من العذاب جزعت نفسه فذلك حين كره لقاء الله وكره الله لقاءه قال الخطابي تضمن
حديث الباب من التفسير ما فيه غنية عن غيره واللقاء يقع على أوجه منها المعاينة ومنها البعث
كقوله تعالى الذين كذبوا بلقاء الله ومنها الموت كقوله من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله
لآت وقوله قل ان الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم وقال ابن الأثير في النهاية المراد بلقاء الله
هنا المصير إلى الدار الآخرة وطلب ما عند الله وليس الغرض به الموت لان كلا يكرهه فمن ترك
الدنيا وأبغضها أحب لقاء الله ومن آثرها وركن إليها كره لقاء الله لأنه انما يصل إليه بالموت وقول
عائشة والموت دون لقاء الله يبين ان الموت غير اللقاء ولكنه معترض دون الغرض المطلوب فيجب
أن يصبر عليه ويحتمل مشاقه حتى يصل إلى الفوز باللقاء قال الطيبي يريد أن قول عائشة انا
لنكره الموت يوهم أن المراد بلقاء الله في الحديث الموت وليس كذلك لان لقاء الله غير الموت بدليل
قوله في الرواية الأخرى والموت دون لقاء الله لكن لما كان الموت وسيلة إلى لقاء الله عبر عنه بلقاء
الله وقد سبق ابن الأثير إلى تأويل لقاء الله بغير الموت الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام فقال ليس
وجهه عندي كراهة الموت وشدته لان هذا لا يكاد يخلو عنه أحد ولكن المذموم من ذلك إيثار
الدنيا والركون إليها وكراهية أن يصير إلى الله والدار الآخرة قال ومما يبين ذلك أن الله تعالى
عاب قوما بحب الحياة فقال إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها وقال
الخطابي معنى محبة العبد للقاء الله ايثاره الآخرة على الدنيا فلا يحب استمرار الإقامة فيها بل
يستعد للارتحال عنها والكراهة بضد ذلك وقال النووي معنى الحديث أن المحبة والكراهة
310

التي تعتبر شرعا هي التي تقع عند النزع في الحالة التي لا تقبل فيها التوبة حيث ينكشف الحال
للمحتضر ويظهر له ما هو صائر إليه (قوله بشر بعذاب الله وعقوبته) في رواية سعد بن هشام بشر
بعذاب الله وسخطه وفي رواية حميد عن أنس وان الكافر أو الفاجر إذا جاءه ما هو صائر إليه من
السوء أو ما يلقى من الشر الخ وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى نحو ما مضى (قوله اختصره أبو
داود وعمرو عن شعبة) يعني عن قتادة عن أنس عن عبادة ومعنى اختصاره أنه اقتصر على أصل
الحديث دون قوله فقالت عائشة الخ فأما رواية أبي داود وهو الطيالسي فوصلها الترمذي عن
محمود بن غيلان عن أبي داود وكذا وقع لنا بعلو في مسند أبي داود الطيالسي وأما رواية عمرو وهو
ابن مرزوق فوصلها الطبراني في المعجم الكبير عن أبي مسلم الكجي ويوسف بن يعقوب القاضي
كلاهما عن عمرو بن مرزوق وكذا أخرجه أحمد عن محمد بن جعفر عن شعبة وهو عند مسلم من
رواية محمد بن جعفر وهو غندر (قوله وقال سعيد عن قتادة الخ) وصله مسلم من طريق خالد بن
الحارث ومحمد بن بكر كلاهما عن سعيد بن أبي عروبة كما تقدم بيانه وكذا أخرجه أحمد والترمذي
والنسائي وابن ماجة من رواية سعيد بن أبي عروبة ووقع لنا بعلو في كتاب البعث لابن أبي داود
وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم البداءة بأهل الخير في الذكر لشرفهم وإن كان أهل الشر
أكثر وفيه أن المجازاة من جنس العمل فإنه قابل المحبة بالمحبة والكراهة بالكراهة وفيه أن
المؤمنين يرون ربهم في الآخرة وفيه نظر فإن اللقاء أعم من الرؤية ويحتمل على بعد أن يكون
في قوله لقاء الله حذف تقديره لقاء ثواب الله ونحو ذلك ووجه البعد فيه الاتيان بمقابله لان
أحدا من العقلاء لا يكره لقاء ثواب الله بل كل من يكره الموت انما يكرهه خشية أن لا يلقى ثواب
الله اما لابطائه عن دخول الجنة بالشغل بالتبعات واما لعدم دخولها أصلا كالكافر وفيه أن
المحتضر إذا ظهرت عليه علامات السرور كان ذلك دليلا على أنه بشر بالخير وكذا بالعكس وفيه
ان محبة لقاء الله لا تدخل في النهي عن تمني الموت لأنها ممكنة مع عدم تمني الموت كأن تكون
المحبة حاصلة لا يفترق حاله فيها بحصول الموت ولا بتأخره وان النهي عن تمني الموت محمول على
حالة الحياة المستمرة وأما عند الاحتضار والمعاينة فلا تدخل تحت النهي بل هي مستحبة وفيه ان
في كراهة الموت في حال الصحة تفصيلا فمن كرهه ايثارا للحياة على ما بعد الموت من نعيم الآخرة
كان مذموما ومن كرهه خشية أن يفضي إلى المؤاخذة كأن يكون مقصرا في العمل لم يستعد له
بالأهبة بأن يتخلص من التبعات ويقوم بأمر الله كما يجب فهو معذور لكن ينبغي لمن وجد ذلك
أن يبادر إلى أخذ الأهبة حتى إذا حضره الموت لا يكرهه بل يحبه لما يرجو بعده من لقاء الله تعالى
وفيه ان الله تعالى لا يراه في الدنيا أحد من الاحياء وانما يقع ذلك للمؤمنين بعد الموت أخذا من
قوله والموت دون لقاء الله وقد تقدم أن اللقاء أعم من الرؤية فإذا انتفى اللقاء انتفت الرؤية وقد
ورد بأصرح من هذا في صحيح مسلم من حديث أبي أمامة مرفوعا في حديث طويل وفيه
واعلموا انكم لن تروا ربكم حتى تموتوا * الحديث الثاني حديث أبي موسى مثل حديث عبادة
دون قوله فقالت عائشة الخ وكأنه أورده استظهارا لصحة الحديث وقد أخرجه مسلم أيضا وبريد
بموحدة ثم مهملة هو ابن عبد الله بن أبي بردة * الحديث الثالث (قوله أخبرني سعيد بن المسيب
وعروة بن الزبير في رجال من أهل العلم) كذا في رواية عقيل ومضى في الوفاة النبوية من طريق
311

شعيب عن الزهري أخبرني عروة ولم يذكر معه أحدا ومن طريق يونس عن الزهري أخبرني
سعيد بن المسيب في رجال من أهل العلم ولم يذكر عروة وقد ذكرت في كتاب الدعوات تسمية بعض
من أبهم في هذه الرواية من شيوخ الزهري وتقدم شرح الحديث مستوفي في الوفاة النبوية
ومناسبته للترجمة من جهة اختيار النبي صلى الله عليه وسلم للقاء الله بعد أن خير بين الموت
والحياة فاختار الموت فينبغي الاستنان به في ذلك وقد ذكر بعض الشراح أن إبراهيم عليه
السلام قال لملك الموت لما اتاه ليقبض روحه هل رأيت خليلا يميت خليله فأوحى الله تعالى إليه
قل له هل رأيت خليلا يكره لقاء خليله فقال يا ملك الموت الان فاقبض ووجدت في المبتدا لأبي
حذيفة إسحاق بن بشر البخاري أحد الضعفاء بسند له عن ابن عمر قال قال ملك الموت يا رب ان
عبدك إبراهيم جزع من الموت فقال قل له الخليل إذا طال به العهد من خليله اشتاق إليه فبلغه
فقال نعم يا رب قد اشتقت إلى لقائك فأعطاه ريحانة فشمها فقبض فيها (قوله باب
سكرات الموت) بفتح المهملة والكاف جمع سكرة قال الراغب وغيره السكر حالة تعرض بين المرء
وعقله وأكثر ما تستعمل في الشراب المسكر ويطلق في الغضب والعشق والألم والنعاس
والغشي الناشئ عن الألم وهو المراد هنا وذكر فيه ستة أحاديث الأول (قوله عن عمر بن سعيد)
أي ابن أبي حسين المكي (قوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بين يديه ركوة أو علبة)
بضم المهملة وسكون اللام بعدها موحدة (قوله شك عمر) هو ابن سعيد بن أبي حسين راويه
وتقدم في الوفاة النبوية بلفظ يشك عمر وفي رواية الإسماعيلي شك ابن أبي حسين (قوله فجعل
يدخل يده) عند الكشميهني يديه بالتثنية وكذا تقدم لهم في الوفاة النبوية بهذا الاسناد في أثناء
حديث أوله قصة السواك فاختصره المؤلف هنا (قوله فيمسح بها) في رواية الكشميهني بهما
بالتثنية وكذا لهم في الوفاة (قوله إن للموت سكرات) وقع في رواية القاسم عن عائشة عند أصحاب
السنن سوى أبي داود بسند حسن بلفظ ثم يقول اللهم أعني على سكرات الموت وقد تقدم شرح
الحديث مستوفي هناك وتقدم هناك أيضا من رواية القاسم بن محمد عن عائشة مات النبي صلى
الله عليه وسلم وانه لبين حاقنتي وذاقنتي فلا أكره شدة الموت لاحد أبدا بعد النبي صلى الله عليه
وسلم وأخرجه الترمذي عنها بلفظ ما أغبط أحدا بهون موت بعد الذي رأيت من شدة موت
رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله قال أبو عبد الله) هو البخاري (قوله العلبة من الخشب
والركوة من الأدم) ثبت هذا في رواية المستملي وحده وهو المشهور في تفسيرهما ووقع في المحكم
الركوة شبه تور من أدم وقال المطرزي دلو صغير وقال غيره كالقصعة تتخذ من جلد ولها طوق
خشب وأما العلبة فقال العسكري هي قدح الاعراب تتخذ من جلد وقال ابن فارس قدح ضخم
من خشب وقد يتخذ من جلد وقيل أسفله جلد وأعلاه خشب مدور وفي الحديث أن شدة الموت
لا تدل على نقص في المرتبة بل هي للمؤمن اما زيادة في حسناته واما تكفير لسيئاته وبهذا
التقرير تظهر مناسبة أحاديث الباب للترجمة الحديث الثاني (قوله صدقة) هو ابن الفضل
المروزي وعبدة هو ابن سليمان وهشام هو ابن عروة (قوله كان رجال من الاعراب) لم أقف على
أسمائهم (قوله جفاة في رواية الأكثر بالجيم وفي رواية بعضهم بالمهملة وانما وصفهم بذلك
أما على رواية الجيم فلان سكان البوادي يغلب عليهم الشظف وخشونة العيش فتجفو أخلاقهم
312

غالبا وأما على رواية الحاء فلقلة اعتنائهم بالملابس (قوله متى الساعة) في رواية مسلم من طريق
أبي أسامة عن هشام كان الاعراب إذا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن الساعة
متى الساعة وكان ذلك لما طرق اسماعهم من تكرار اقترابها في القرآن فأرادوا أن يعرفوا تعيين
وقتها (قوله فينظر إلى أصغرهم) في رواية مسلم فنظر إلى أحدث انسان منهم فقال ورواية عبدة
ظاهرها تكرير ذلك ويؤيد سياق مسلم حديث أنس عنده ان رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه
وسلم متى تقوم الساعة ولم أقف على اسم هذا بعينه لكنه يحتمل أن يفسر بذي الخويصرة اليماني
الذي بال في المسجد وسأل متى تقوم الساعة وقال اللهم ارحمني ومحمدا ولكن جوابه عن السؤال
عن الساعة مغاير لجواب هذا (قوله إن يعش هذا لا يدركه الهرم) في حديث أنس عند مسلم
وعنده غلام من الأنصار يقال له محمد وله في رواية أخرى وعنده غلام من أزد شنوءة بفتح المعجمة
وضم النون ومد وبعد الواو همزة ثم هاء تأنيث وفي أخرى له غلام للمغيرة بن شعبة وكان من أقراني
ولا مغايرة بينهما وطريق الجمع انه كان من أزد شنوءة وكان حليفا للأنصار وكان يخدم المغيرة وقول
أنس وكان من أقراني وفي رواية له من أترابي يريد في السن وكان سن أنس حينئذ نحو سبع عشرة
سنة (قوله حتى تقوم عليكم ساعتكم قال هشام) هو ابن عروة راويه (يعني موتهم) وهو موصول
بالسند المذكور وفي حديث أنس حتى تقوم الساعة قال عياض حديث عائشة هذا يفسر
حديث أنس وان المراد ساعة المخاطبين وهو نظير قوله أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة
سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها الان أحد وقد تقدم بيانه في كتاب العلم وان المراد
انقراض ذلك القرن وان من كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إذا مضت مائة سنة من وقت
تلك المقالة لا يبقى منهم أحد ووقع الامر كذلك فان آخر من بقي ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم
أبو الطفيل عامر بن واثلة كما جزم به مسلم وغيره وكانت وفاته سنة عشر ومائة من الهجرة وذلك
عند رأس مائة سنة من وقت تلك المقالة وقيل كانت وفاته قبل ذلك فإن كان كذلك فيحتمل أن
يكون تأخر بعده بعض من أدرك ذلك الزمان وان لم يثبت انه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وبه
احتج جماعة من المحققين على كذب من ادعى الصحبة أو الرؤية ممن تأخر عن ذلك الوقت وقال
الراغب الساعة جزء من الزمان ويعبر بها عن القيامة تشبيها بذلك لسرعة الحساب قال الله تعالى
وهو أسرع الحاسبين أو لما نبه عليه بقوله كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا الا ساعة من نهار
وأطلقت الساعة على ثلاثة أشياء الساعة الكبرى وهي بعث الناس للمحاسبة والوسطى وهي
موت أهل القرن الواحد نحو ما روى أنه رأى عبد الله بن أنيس فقال إن يطل عمر هذا الغلام
لم يمت حتى تقوم الساعة فقيل إنه آخر من مات من الصحابة والصغرى موت الانسان فساعة
كل انسان موته ومنه قوله صلى الله عليه وسلم عند هبوب الريح تخوفت الساعة يعني موته انتهى
وما ذكره عن عبد الله بن أنيس لم أقف عليه ولا هو آخر من مات من الصحابة جزما قال الداودي هذا
الجواب من معاريض الكلام فإنه لو قال لهم لا أدري ابتداء مع ما هم فيه من الجفاء وقبل تمكن
الايمان في قلوبهم لارتابوا فعدل إلى اعلامهم بالوقت الذي ينقرضون هم فيه ولو كان تمكن
الايمان في قلوبهم لأفصح لهم بالمراد وقال ابن الجوزي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم
بأشياء على سبيل القياس وهو دليل معمول به فكأنه لما نزلت عليه الآيات في تقريب الساعة
313

كقوله تعالى أتى أمر الله فلا تستعجلوه وقوله تعالى وما أمر الساعة الا كلمح البصر حمل ذلك على
أنها لا تزيد على مضي قرن واحد ومن ثم قال في الدجال ان يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه فجوز خروج
الدجال في حياته قال وفيه وجه آخر فذكر نحو ما تقدم (قلت) والاحتمال الذي أبداه بعيد جدا
والذي قبله هو المعتمد والفرق بين الخبر عن الساعة وعن الدجال تعيين المدة في الساعة دونه والله
أعلم
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى حدث بها خواص أصحابه تدل على أن بين
يدي الساعة أمورا عظاما كما سيأتي بعضها صريحا وإشارة ومضى بعضها في علامات النبوة
وقال الكرماني هذا الجواب من الأسلوب الحكيم أي دعوا السؤال عن وقت القيامة الكبرى
فإنها لا يعلمها الا الله واسألوا عن الوقت الذي يقع فيه انقراض عصركم فهو أولى لكم لان معرفتكم
به تبعثكم على ملازمة العمل الصالح قبل فوته لان أحدكم لا يدري من الذي يسبق الاخر
* الحديث الثالث (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس وحلحلة بمهملتين مفتوحتين ولامين
الأولى ساكنة والثانية مفتوحة وقد صرح بسماعه من ابن كعب في الرواية الثانية والسند
كله مدنيون ولم تختلف الرواة في الموطأ عن مالك فيه (قوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر)
بضم الميم على البناء للمجهول ولم أقف على اسم المار ولا المرور بجنازته (قوله عليه) أي على
النبي صلى الله عليه وسلم ووقع في الموطآت للدارقطني من طريق إسحاق بن عيسى عن مالك بلفظ
مر برسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة والباء على هذا بمعنى على وذكر الجنازة باعتبار الميت
(قوله قال مستريح) كذا هنا ووقع في رواية فقال بزيادة الفاء في أوله وكذا في رواية المحاربي
المذكورة وكذا للنسائي من رواية وهب بن كيسان عن معبد بن مالك وقال في روايته كنا جلوسا
عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ طلعت جنازة (قوله مستريح ومستراح منه) الواو فيه بمعنى
أو وهي للتقسيم على ما صرح بمقتضاه في جواب سؤالهم (قوله قالوا) أي الصحابة ولم أقف على
اسم السائل منهم بعينه الا أن في رواية إبراهيم الحربي عند أبي نعيم قلنا فيدخل فيهم أبو قتادة
فيحتمل أن يكون هو السائل (قوله ما المستريح والمستراح منه) في رواية الدارقطني وما المستراح
منه بإعادة ما (قوله من نصب الدنيا وأذاها) زاد النسائي في رواية وهب بن كيسان من أوصاب
الدنيا والأوصاب جمع وصب بفتح الواو والمهملة ثم موحدة وهو دوام الوجع ويطلق أيضا على
فتور البدن والنصب بوزنه لكن أوله نون هو التعب وزنه ومعناه والأذى من عطف العام على
الخاص قال ابن التين يحتمل أن يريد بالمؤمن التقى خاصة ويحتمل كل مؤمن والفاجر يحتمل أن
يريد به الكافر ويحتمل أن يدخل فيه العاصي وقال الداودي اما استراحة العباد فلما يأتي به من
المنكر فإن أنكروا عليه آذاهم وان تركوه أثموا واستراحة البلاد مما يأتي به من المعاصي فإن
ذلك ما يحصل به الجدب فيقتضي هلاك الحرث والنسل وتعقب الباجي أول كلامه بأن من ناله
أذاه لا يأثم بتركه لأنه بعد أن ينكر بقلبه أو ينكر بوجهه لا يناله به أذى ويحتمل أن يكون المراد
براحة العباد منه لما يقع لهم من ظلمه وراحة الأرض منه لما يقع عليها من غصبها ومنعها من
حقها وصرفه في غير وجهه وراحة الدواب مما لا يجوز من اتعابها والله أعلم (قوله في الطريق
الثانية يحيى) هو القطان وعبد ربه بن سعيد كذا وقع هنا لأبي ذر عن شيوخه الثلاثة وكذا في
رواية أبي زيد المروزي ووقع عند مسلم عن محمد بن المثنى عن يحيى عن عبد الله بن سعيد بن أبي
314

هند وكذا أخرجه أبو يعلى من طريق يحيى القطان عن عبد الله بن سعيد لكن لم يذكر جده
وكذا عنده وعند مسلم من طريق عبد الرزاق وعند الإسماعيلي أيضا من طريق عبد الرحمن بن
محمد المحاربي قال كل منهما حدثنا عبد الله بن سعيد وكذا أخرجه ابن السكن من طريق عبد
الرزاق عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند وكذا أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق إبراهيم
الحربي عن مسدد شيخ البخاري فيه مثله سواء قال أبو علي الجياني هذا هو الصواب وكذا رواه
ابن السكن عن الفربري فقال في روايته عن عبد الله بن سعيد هو ابن أبي هند والحديث محفوظ
له لا لعبد ربه (قلت) وجزم المزي في الأطراف ان البخاري أخرجه لعبد الله بن سعيد بن أبي هند
بهذا السند وعطف عليه رواية مسلم لكن التصريح بابن أبي هند لم يقع في شئ من نسخ البخاري
(قوله مستريح ومستراح منه المؤمن يستريح كذا أورده بدون السؤال والجواب مقتصرا على
بعضه وأورده الإسماعيلي من طريق بندار وأبي موسى عن يحيى القطان ومن طريق عبد الرزاق
قال حدثنا عبد الله بن سعيد تاما ولفظه مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة فذكر مثل
سياق مالك لكن قال فقيل يا رسول الله ما مستريح الخ (تنبيه) مناسبة دخول هذا الحديث في
الترجمة ان الميت لا يعدو أحد القسمين اما مستريح واما مستراح منه وكل منهما يجوز ان يشدد
عليه عند الموت وان يخفف والأول هو الذي يحصل له سكرات الموت ولا يتعلق ذلك بتقواه ولا
بفجوره بل إن كان من أهل التقوى ازداد ثوابا وإلا فيكفر عنه بقدر ذلك ثم يستريح من أذى
الدنيا الذي هذا خاتمته ويؤيد ذلك ما تقدم من كلام عائشة في الحديث الأول وقد قال عمر بن عبد
العزيز ما أحب أن يهون على سكرات الموت انه لآخر ما يكفر به عن المؤمن ومع ذلك فالذي
يحصل للمؤمن من البشرى ومسرة الملائكة بلقائه ورفقهم به وفرحه بلقاء ربه يهون عليه
كل ما يحصل له من ألم الموت حتى يصير كأنه لا يحس بشئ من ذلك * الحديث الرابع (قوله
سفيان) هو ابن عيينة وليس لشيخه عبد الله بن أبي بكر في الصحيح عن أنس الا هذا الحديث (قوله
يتبع الميت) كذا للسرخسي والأكثر وفي رواية المستملي المرء وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني
المؤمن والأول المعتمد فهو المحفوظ من حديث ابن عيينة وهو كذلك عند مسلم (قوله يتبعه أهله
وماله وعمله) هذا يقع في الأغلب ورب ميت لا يتبعه الا عمله فقط والمراد من يتبع جنازته من أهله
ورفقته ودوابه على ما جرت به عادة العرب وإذا انقضى أمر الحزن عليه رجعوا سواء أقاموا بعد
الدفن أم لا ومعنى بقاء عمله انه يدخل معه القبر وقد وقع في حديث البراء بن عازب الطويل في
صفة المسئلة في القبر عند أحمد وغير ففيه ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب حسن الريح
فيقول أبشر بالذي يسرك فيقول من أنت فيقول أنا عملك الصالح وقال في حق الكافر ويأتيه
رجل قبيح الوجه الحديث وفيه بالذي يسوءك وفيه عملك الخبيث قال الكرماني التبعية في
حديث أنس بعضها حقيقة وبعضها مجاز فيستفاد منه استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه
(قلت) هو في الأصل حقيقة في الحس ويطرقه المجاز في البعض وكذا المال وأما العمل فعلى
الحقيقة في الجميع وهو مجاز بالنسبة إلى التبعية في الحس * الحديث الخامس (قوله أبو النعمان)
هو محمد بن الفضل والسند إلى نافع بصريون (قوله إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده) كذا
للأكثر وفي رواية المستملي والسرخسي على مقعده وهذا العرض يقع على الروح حقيقة وعلى
315

ما يتصل به من البدن الاتصال الذي يمكن به إدراك التنعيم أو التعذيب على ما تقدم تقريره وأبدى
القرطبي في ذلك احتمالين هل هو على الروح فقط أو عليها وعلى جزء من البدن وحكى ابن بطال عن
بعض أهل بلدهم أن المراد بالعرض هنا الاخبار بأن هذا موضع جزائكم على أعمالكم عند الله
وأريد بالتكرير تذكارهم بذلك واحتج بأن الأجساد تفنى والعرض لا يقع على شئ فإن قال فبأن
أن العرض الذي يدوم إلى يوم القيامة انما هو على الأرواح خاصة وتعقب بأن حمل العرض على
الاخبار عدول عن الظاهر بغير مقتض لذلك ولا يجوز العدول الا بصارف يصرفه عن الظاهر
(قلت) ويؤيد الحمل على الظاهر أن الخبر ورد على العموم في المؤمن والكافر فلو اختص بالروح لم
يكن للشهيد في ذلك كبير فائدة لان روحه منعمة جزما كما في الأحاديث الصحيحة وكذا روح الكافر
معذبة في النار جزما فإذا حمل على الروح التي لها اتصال بالبدن ظهرت فائدة ذلك في حق الشهيد
وفي حق الكافر أيضا (قوله غدوة وعشية) أي أول النهار وآخره بالنسبة إلى أهل الدنيا (قوله
اما النار واما الجنة) تقدم في الجنائز من رواية مالك بلفظ إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة
وتقدم توجيهه في أواخر كتاب الجنائز وتقدم هناك بحث القرطبي في المفهم ثم إن هذا العرض
للمؤمن المتقي والكافر ظاهر وأما المؤمن المخلط فيحتمل أيضا أن يعرض عليه مقعده من الجنة
التي سيصير إليها (قلت) والانفصال عن هذا الاشكال يظهر من الحديث الذي أخرجه ابن أبي
الدنيا والطبراني وصححه ابن حبان من حديث أبي هريرة في قصة السؤال في القبر وفيه ثم يفتح له
باب من أبواب الجنة فيقال له هذا مقعدك وما أعد الله لك فيها فيزداد غبطة وسرورا ثم يفتح له باب
من أبواب النار فيقال له هذا مقعدك وما أعد الله لك فيها لو عصيته فيزداد غبطة وسرورا الحديث
وفيه في حق الكافر ثم يفتح له باب من أبواب النار وفيه فيزداد حسرة وثبورا في الموضعين وفيه لو
أطعته وأخرج الطبراني عن ابن مسعود ما من نفس الا وتنظر في بيت في الجنة وبيت في النار فيرى
أهل النار البيت الذي في الجنة فيقال لو عملتم ويرى أهل الجنة البيت الذي في النار فيقال لولا أن
من الله عليكم ولأحمد عن عائشة ما يؤخذ منه أن رؤية ذلك للنجاة أو العذاب في الآخرة فعلى
هدا يحتمل في المذنب الذي قدر عليه ان يعذب قبل أن يدخل الجنة أن يقال له مثلا بعد عرض
مقعده من الجنة هذا مقعدك من أول وهلة لو لم تذنب وهذا مقعدك من أول وهلة لعصيانك
نسأل الله العفو والعافية من كل بلية في الحياة وبعد الموت انه ذو الفضل العظيم (قوله فيقال هذا
مقعدك حتى تبعث إليه) في رواية الكشميهني عليه وفي طريق مالك حتى يبعثك الله إليه يوم
القيامة وقد بينت الإشارة إليه بعد خمسة أبواب * الحديث السادس حديث عائشة في النهى
عن سب الأموات تقدم شرحه مستوفى في أواخر كتاب الجنائز (قوله باب نفخ
الصور) تكرر ذكره في القرآن في الانعام والمؤمنين والنمل والزمروق وغيرها وهو بضم
المهملة وسكون الواو وثبت كذلك في القراءات المشهورة والأحاديث وذكر عن الحسن البصري
أنه قرأها بفتح الواو جمع صورة وتأوله على أن المراد النفخ في الأجساد لتعاد إليها الأرواح وقال أبو
عبيدة في المجاز يقال الصور يعني بسكون الواو جمع صورة كما يقال سور المدينة جمع سورة قال
الشاعر * لما أتى خبر الزبير تواضعت * سور المدينة * فيستوى معنى القراءتين وحكى مثله الطبري
عن قوم وزاد كالصوف جمع صوفة قالوا والمراد النفخ في الصور وهي الأجساد لتعاد فيها الأرواح
316

كما قال تعالى ونفخت فيه من روحي وتعقب قوله جمع بأن هذه أسماء أجناس لا جموع وبالغ
النحاس وغيره في الرد على التأويل وقال الأزهري انه خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة
(قلت) وقد أخرج أبو الشيخ في كتاب العظمة من طريق وهب بن منبه من قوله قال خلق الله
الصور من لؤلؤة بيضاء في صفاء الزجاجة ثم قال للعرش خذ الصور فتعلق به ثم قال كن فكان
إسرافيل فأمره أن يأخذ الصور فأخذه وبه ثقب بعدد كل روح مخلوقة ونفس منفوسة فذكر
الحديث وفيه ثم تجمع الأرواح كلها في الصور ثم يأمر الله إسرافيل فينفخ فيه فتدخل كل روح
في جسدها فعلى هذا فالنفخ يقع في الصور أولا ليصل النفخ بالروح إلى الصور وهي الأجساد
فإضافة النفخ إلى الصور الذي هو القرن حقيقة والى الصور التي هي الأجساد مجاز (قوله قال
مجاهد الصور كهيئة البوق) وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال في قوله تعالى
ونفخ في الصور قال كهيئة البوق وقال صاحب الصحاح البوق الذي يزمر به وهو معروف ويقال
للباطل يعني يطلق ذلك عليه مجازا لكونه من جنس الباطل (تنبيه) لا يلزم من كون الشئ
مذموما أن لا يشبه به الممدوح فقد وقع تشبيه صوت الوحي بصلصلة الجرس مع النهي عن
استصحاب الجرس كما تقدم تقريره في بدء الوحي والصور انما هو قرن كما جاء في الأحاديث المرفوعة
وقد وقع في قصة بدء الاذان بلفظ البوق والقرن في الآلة التي يستعملها اليهود للاذان ويقال ان
الصور اسم القرن بلغة أهل اليمن وشاهده قول الشاعر
نحن نفخناهم غداة النقعين * نطحا شديدا لا كنطح الصورين
وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن
عمرو بن العاص قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما الصور قال قرن ينفخ فيه
وللترمذي أيضا وحسنه من حديث أبي سعيد مرفوعا كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم القرن
واستمع الاذن متى يؤمر بالنفخ وأخرجه الطبراني من حديث زيد بن أرقم وابن مردويه من
حديث أبي هريرة ولأحمد والبيهقي من حديث ابن عباس وفيه جبريل عن يمينه وميكائيل عن
يساره وهو صاحب الصور يعني إسرافيل وفي أسانيد كل منهما مقال وللحاكم بسند حسن عن
يزيد بن الأصم عن أبي هريرة رفعه ان طرف صاحب الصور منذ وكل به مستعد ينظر نحو العرش
مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه كأن عينيه كوكبان دريان (قوله زجرة صيحة) هو من
تفسير مجاهد أيضا وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى فإنما هي زجرة
واحدة فإذا هم ينظرون قال صيحة وفي قوله تعالى فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة قال
صيحة (قلت) وهي عبارة عن نفخ الصور النفخة الثانية كما عبر بها عن النفخة الأولى في قوله تعالى
ما ينظرون الا صيحة واحدة تأخذهم الآية (قوله قال ابن عباس الناقور الصور) وصله الطبري
وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى فإذا نقر في الناقور قال
الصور ومعنى نقر نفخ قاله في الأساس وأخرج البيهقي من طريق أخرى عن ابن عباس في قوله
تعالى فإذا نقر في الناقور قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أنعم وقد التقم صاحب
القرن القرن الحديث (تنبيه) اشتهر أن صاحب الصور إسرافيل عليه السلام ونقل فيه
الحليمي الاجماع ووقع التصريح به في حديث وهب بن منبه المذكور وفي حديث أبي سعيد عند
317

البيهقي وفي حديث أبي هريرة عند ابن مردويه وكذا في حديث الصور الطويل الذي أخرجه
عبد بن حميد والطبري وأبو يعلى في الكبير والطبراني في الطوالات وعلي بن معبد في كتاب الطاعة
والمعصية والبيهقي في البعث من حديث أبي هريرة ومداره على إسماعيل بن رافع واضطرب
في سنده مع ضعفه فرواه عن محمد بن كعب القرظي تارة بلا واسطة وتارة بواسطة رجل مبهم ومحمد
عن أبي هريرة تارة بلا واسطة وتارة بواسطة رجل من الأنصار مبهم أيضا وأخرجه إسماعيل بن أبي
زياد الشامي أحد الضعفاء أيضا في تفسيره عن محمد بن عجلان عن محمد بن كعب القرظي واعترض
مغلطاي على عبد الحق في تضعيفه الحديث بإسماعيل بن رافع وخفي عليه أن الشامي أضعف منه
ولعله سرقه منه فالصقه بابن عجلان وقد قال الدارقطني انه متروك يضع الحديث وقال الخليلي
شيخ ضعيف شحن تفسيره بما لا يتابع عليه وقال الحافظ عماد الدين بن كثير في حديث الصور جمعه
إسماعيل بن رافع من عدة آثار وأصله عنده عن أبي هريرة فساقه كله مساقا واحدا وقد صحح الحديث
من طريق إسماعيل بن رافع القاضي أبو بكر بن العربي في سراجه وتبعه القرطبي في التذكرة وقول
عبد الحق في تضعيفه أولى وضعفه قبله البيهقي فوقع في هذا الحديث عند علي بن معبد ان الله خلق
الصور فأعطاه إسرافيل فهو واضعه على فيه شاخص ببصره إلى العرش الحديث وقد ذكرت
ما جاء عن وهب بن منبه في ذلك فلعله أصله وجاء أن الذي ينفخ في الصور غيره ففي الطبراني الأوسط
عن عبد الله بن الحارث كنا عند عائشة فقالت يا كعب أخبرني عن إسرافيل فذكر الحديث وفيه
وملك الصور جاث على إحدى ركبتيه وقد نصب الأخرى يلتقم الصور محنيا ظهره شاخصا ببصره
إلى إسرافيل وقد أمر إذا رأى إسرافيل قد ضم جناحيه أن ينفخ في الصور فقالت عائشة سمعته
من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجاله ثقات الا علي بن زيد بن جدعان ففيه ضعف فان ثبت حمل
على أنهما جميعا ينفخان ويؤيده ما أخرجه هناد بن السري في كتاب الزهد بسند صحيح لكنه موقوف
على عبد الرحمن بن أبي عمرة قال ما من صباح الا وملكان موكلان بالصور ومن طريق عبد الله
ابن ضمرة مثله وزاد ينتظران متى ينفخان ونحوه عند أحمد من طريق سليمان التيمي عن أبي هوية
عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال النافخان في
السماء الثانية رأس أحدهما بالمشرق ورجلاه بالمغرب أو قال بالعكس ينتظران متى يؤمران
ان ينفخا في الصور فينفخا ورجاله ثقات وأخرجه الحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بغير شك
ولابن ماجة والبزار من حديث أبي سعيد رفعه ان صاحبي الصور بأيديهما قرنان يلاحظان النظر
متى يؤمران وعلى هذا فقوله في حديث عائشة انه إذا رأى إسرافيل ضم جناحيه نفخ انه ينفخ
النفخة الأولى وهي نفخة الصعق ثم ينفخ إسرافيل النفخة الثانية وهي نفخة البعث (قوله الراجفة
النفخة الأولى والرادفة النفخة الثانية) هو من تفسير ابن عباس أيضا وصله الطبري أيضا وابن أبي
حاتم بالسند المذكور وقد تقدم بيانه في تفسير سورة والنازعات وبه جزم الفراء وغيره في معاني
القرآن وعن مجاهد قال الراجفة الزلزلة والرادفة الدكدكة أخرجه الفريابي والطبري وغيرهما
عنه ونحوه في حديث الصور الطويل قال في رواية علي بن معبد ثم ترتج الأرض وهي الراجفة
فتكون الأرض كالسفينة في البحر تضربها الأمواج ويمكن الجمع بان الزلزلة تنشأ عن نفخة
الصعق ثم ذكر المصنف حديث أبي هريرة ان الناس يصعقون وقد تقدم شرحه في قصة موسى
318

عليه السلام من أحاديث الأنبياء وذكرت فيه ما نقل عن ابن حزم ان النفخ في الصور يقع أربع
مرات وتعقب كلامه في ذلك ثم رأيت في كلام ابن العربي انها ثلاث نفخة الفزع كما في النمل ونفخة
الصعق كما في الزمر ونفخة البعث وهي المذكورة في الزمر أيضا قال القرطبي والصحيح انهما
نفختان فقط لثبوت الاستثناء بقوله تعالى الا من شاء الله في كل من الآيتين ولا يلزم من مغايرة
الصعق للفزع ان لا يحصلا معا من النفخة الأولى ثم وجدت مستند ابن العربي في حديث الصور
الطويل فقال فيه ثم ينفخ في الصور ثلاث نفخات نفخة الفزع ونفخة الصعق ونفخة القيام لرب
العالمين أخرجه الطبري هكذا مختصرا وقد ذكرت أن سنده ضعيف ومضطرب وقد ثبت في صحيح
مسلم من حديث عبد الله بن عمرو انهما نفختان ولفظه في أثناء حديث مرفوع ثم ينفخ في الصور
فلا يسمعه أحد الا أصغي ليتا ورفع ليتا ثم يرسل الله مطرا كأنه الطل فتنبت منه أجساد الناس ثم
ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأخرج البيهقي بسند قوي عن ابن مسعود موقوفا ثم يقوم
ملك الصور بين السماء والأرض فينفخ فيه والصور قرن فلا يبقى لله خلق في السماوات ولا في
الأرض الا مات الا من شاء ربك ثم يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون وفي حديث أوس بن
أوس الثقفي رفعه ان أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه الصعقة وفيه النفخة الحديث أخرجه أحمد وأبو
داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقد تقدم في تفسير سورة الزمر من حديث
أبي هريرة بين النفختين أربعون وفي كل ذلك دلالة على أنهما نفختان فقط وقد تقدم شرحه هناك
وفيه شرح قول أبي هريرة لما قيل له أربعون سنة أبيت بالموحدة ومعناه امتنعت من تبيينه لأني
لا أعلمه فلا أخوض فيه بالرأي وقال القرطبي في التذكرة يحتمل قوله امتنعت أن يكون عنده علم
منه ولكنه لم يفسره لأنه لم تدع الحاجة إلى بيانه ويحتمل أن يريد امتنعت أن أسأل عن تفسيره فعلى
الثاني لا يكون عنده علم منه قال وقد جاء أن بين النفختين أربعين عاما (قلت) وقع كذلك في طريق
ضعيف عن أبي هريرة في تفسير ابن مردويه وأخرج ابن المبارك في الرقائق من مرسل الحسن
بين النفختين أربعون سنة الأولى يميت الله بها كل حي والاخرى يحيى الله بها كل ميت ونحوه
عند ابن مردويه من حديث ابن عباس وهو ضعيف أيضا وعنده أيضا ما يدل على أن أبا هريرة
لم يكن عنده علم بالتعيين فاخرج عنه بسند جيد أنه لما قالوا أربعون ماذا قال هكذا سمعت
وأخرج الطبري بسند صحيح عن قتادة فذكر حديث أبي هريرة منقطعا ثم قال قال أصحابه
ما سألناه عن ذلك ولا زادنا عليه غير أنهم كانوا يرون من رأيهم أنها أربعون سنة وفي هذا تعقب على
قول الحليمي اتفقت الروايات على أن بين النفختين أربعين سنة (قلت) وجاء فيما يصنع بالموتى بين
النفختين ما وقع في حديث الصور الطويل أن جميع الاحياء إذا ماتوا بعد النفخة الأولى ولم يبق
الا الله قال سبحانه أنا الجبار لمن الملك اليوم فلا يجيبه أحد فيقول لله الواحد القهار وأخرج
النحاس من طريق أبي وائل عن عبد الله ان ذلك يقع بعد الحشر ورجحه ورجح القرطبي الأول
ويمكن الجمع بأن ذلك يقع مرتين وهو أولى وأخرج البيهقي من طريق أبي الزعراء كنا عند عبد الله
ابن مسعود فذكر الدجال إلى أن قال ثم يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون فليس في بني آدم
خلق الا في الأرض منه شئ قال فيرسل الله ماء من تحت العرش فتنبت جسمانهم ولحمانهم من
319

ذلك الماء كما تنبت الأرض من الري ورواته ثقات الا انه موقوف (تنبيه) إذا تقرر أن النفخة
للخروج من القبور فكيف تسمعها الموتى والجواب يجوز أن تكون نفخة البعث تطول إلى أن
يتكامل احياؤهم شيئا بعد شئ وتقدم الالمام في قصة موسى بشئ مما ورد في تعيين من استثنى الله
تعالى في قوله تعالى فصعق من في السماوات ومن في الأرض الا من شاء الله وحاصل ما جاء في ذلك
عشرة أقوال الأول انهم الموتى كلهم لكونهم لا احساس لهم فلا يصعقون وإلى هذا جنح القرطبي
في المفهم وفيه ما فيه ومستنده أنه لم يرد في تعيينهم خبر صحيح وتعقبه صاحبه 2 القرطبي في التذكرة
فقال قد صح فيه حديث أبي هريرة وفي الزهد لهناد بن السرى عن سعيد بن جبير موقوفا هم
الشهداء وسنده إلى سعيد صحيح وسأذكر حديث أبي هريرة في الذي بعده وهذا هو القول الثاني
* الثالث الأنبياء والى ذلك جنح البيهقي في تأويل الحديث في تجويزه أن يكون موسى من استثنى
الله قال ووجهه عندي انهم أحياء عند ربهم كالشهداء فإذا نفخ في الصور النفخة الأولى
صعقوا ثم لا يكون ذلك موتا في جميع معانيه الا في ذهاب الاستشعار وقد جوز النبي صلى الله عليه
وسلم أن يكون موسى ممن استثنى الله فإن كان منهم فإنه لا يذهب استشعاره في تلك الحالة بسبب
ما وقع له في صعقة الطور ثم ذكر أثر سعيد بن جبير في الشهداء وحديث أبي هريرة عن النبي صلى
الله عليه وسلم انه سأل جبريل عن هذه الآية من الذين لم يشأ الله أن يصعقوا قال هم شهداء الله
عز وجل صححه الحاكم ورواته ثقات ورجحه الطبري * الرابع قال يحيى بن سلام في تفسيره بلغني أن
آخر من يبقى جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ثم يموت الثلاثة ثم يقول الله لملك الموت
مت فيموت (قلت) وجاء نحو هذا مسندا في حديث أنس أخرجه البيهقي وابن مردويه بلفظ فكان
ممن استثنى الله ثلاثة جبريل وميكائيل وملك الموت الحديث وسنده ضعيف وله طريق أخرى
عن أنس ضعيفه أيضا عند الطبري وابن مردويه وسياقه أتم واخرج الطبري بسند صحيح عن
إسماعيل السدى ووصله إسماعيل بن أبي زياد الشامي في تفسيره عن ابن عباس مثل يحيى بن سلام
ونحوه عن سعيد بن المسيب أخرجه الطبري وزاد ليس فيهم حملة العرش لانهم فوق السماوات
الخامس يمكن أن يؤخذ مما في الرابع * السادس الأربعة المذكورون وحملة العرش وقع ذلك في
حديث أبي هريرة الطويل المعروف بحديث الصور وقد تقدمت الإشارة إليه وأن سنده ضعيف
مضطرب وعن كعب الأحبار نحوه وقال هم اثنا عشر أخرجه ابن أبي حاتم وأخرجه البيهقي من
طريق زيد بن أسلم مقطوعا ورجاله ثقات وجمع في حديث الصور بين هذا القول وبين القول أنهم
الشهداء ففيه فقال أبو هريرة يا رسول الله فمن استثنى حين الفزع قال الشهداء ثم ذكر نفخة
الصعق على ما تقدم * السابع موسى وحده أخرجه الطبري بسند ضعيف عن أنس وعن قتادة
وذكره الثعلبي عن جابر * الثامن الولدان الذين في الجنة والحور العين * التاسع هم وخزان الجنة
والنار وما فيها من الحيات والعقارب حكاهما الثعلبي عن الضحاك بن مزاحم * العاشر الملائكة
كلهم جزم به أبو محمد بن حزم في الملل والنحل فقال الملائكة أرواح لا أرواح فيها فلا يموتون
أصلا وأما ما وقع عند الطبري بسند صحيح عن قتادة قال قال الحسن يستثني الله وما يدع أحدا
الا أذاقه الموت فيمكن أن يعد قولا آخر قال البيهقي استضعف بعض أهل النظر أكثر هذه
320

الأقوال لان الاستثناء وقع من سكان السماوات والأرض وهؤلاء ليسوا من سكانها لان العرش
فوق السماوات فحملته ليسوا من سكانها وجبريل وميكائيل من الصافين حول العرش ولان
الجنة فوق السماوات والجنة والنار عالمان بانفرادهما خلقتا للبقاء ويدل على أن المستثنى غير
الملائكة ما أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وصححه الحاكم من حديث لقيط بن عامر
مظولا وفيه يلبثون ما لبثتم ثم تبعث الصائحة فلعمر الهك ما تدع على ظهرها من أحد الا مات
حتى الملائكة الذين مع ربك (قوله في رواية أبي الزناد عن الأعرج فما أدري أكان فيمن صعق)
كذا أورده مختصرا وبقيته أم لا أورده الإسماعيلي من طريق محمد بن يحيى عن شيخ البخاري
فيه (قوله رواه أبو سعيد) يعني الخدري (عن النبي صلى الله عليه وسلم) يعني أصل الحديث وقد
تقدم موصولا في كتاب الاشخاص وفي قصة موسى من أحاديث الأنبياء وذكرت شرحه في قصة
موسى أيضا (قوله باب يقبض الله الأرض يوم القيامة) لما ذكر ترجمة نفخ
الصور أشار إلى ما وقع في سورة الزمر قبل آية النفخ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا
قبضته يوم القيامة الآية وفي قوله تعالى فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض
والجبال فدكتا دكة واحدة ما قد يتمسك به أن قبض السماوات والأرض يقع بعد النفخ في الصور
أو معه وسيأتي (قوله رواه نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) سقط هذا التعليق هنا
في رواية بعض شيوخ أبي ذر وقد وصله في كتاب التوحيد ويأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى ثم
ذكر في الباب ثلاثة أحاديث * الحديث الأول (قوله عبد الله) هو ابن المبارك ويونس هو ابن
يزيد (قوله عن أبي سلمة) كذا قال يونس وخالفه عبد الرحمن بن خالد فقال عن الزهري عن سعيد
ابن المسيب كما تقدم في تفسير سورة الزمر وهذا الاختلاف لم يتعرض له الدارقطني في العلل
وقد أخرج ابن خزيمة في كتاب التوحيد الطريقين وقال هما محفوظان عن الزهري وسأشبع
القول فيه إن شاء الله تعالى في كتاب التوحيد مع شرح الحديث إن شاء الله تعالى واقتصر هنا
على ما يتعلق بتبديل الأرض لمناسبة الحال (قوله يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه)
زاد في رواية ابن وهب عن يونس يوم القيامة قال عياض هذا الحديث جاء في الصحيح على ثلاثة
ألفاظ القبض والطي والاخذ وكلها بمعنى الجمع فان السماوات مبسوطة والأرض مدحوة
ممدودة ثم رجع ذلك إلى معنى الرفع والإزالة والتبديل فعاد ذلك إلى ضم بعضها إلى بعض وابادتها
فهو تمثيل لصفة قبض هذه المخلوقات وجمعها بعد بسطها وتفرقها دلالة على المقبوض
والمبسوط لا على البسط والقبض وقد يحتمل أن يكون إشارة إلى الاستيعاب انتهى وسيأتي
مزيد بيان لذلك في كتاب التوحيد ان انشاء الله تعالى وقد اختلف في قوله تعالى يوم تبدل الأرض
غير الأرض والسماوات هل المراد ذات الأرض وصفتها أو تبديل صفتها فقط وسيأتي بيانه في
شرح ثالث أحاديث هذا الباب إن شاء الله تعالى * الحديث الثاني (قوله عن خالد) هو ابن يزيد
وفي رواية شعيب بن الليث عن أبيه حدثني خالد بن يزيد والسند كله بصريون إلى سعيد ومنه إلى
منتهاه مدنيون (قوله تكون الأرض يوم القيامة) يعني أرض الدنيا (خبزة) بضم الخاء المعجمة
وسكون الموحدة وفتح الزاي قال الخطابي الخبزة الطلمة بضم المهملة وسكون اللام وهو عجين
321

يوضع في الحفرة بعد ايقاد النار فيها قال والناس يسمونها الملة بفتح الميم وتشديد اللام وانما الملة
الحفرة نفسها (قوله يتكفؤها الجبار) بفتح المثناة والكاف وتشديد الفاء المفتوحة بعدها
همزة أي يميلها من كفأت الاناء إذا قلبته وفي رواية مسلم يكفؤها بسكون الكاف (قوله كما
يكفؤ أحدكم خبزته في السفر) قال الخطابي يعني خبز الملة الذي يصنعه المسافر فإنها لا تدحى كما
تدحى الرقاقة وانما تقلب على الأيدي حتى تستوي وهذا على أن السفر بفتح المهملة والفاء
ورواه بعضهم بضم أوله جمع سفرة وهو الطعام الذي يتخذ للمسافر ومنه سميت السفرة (قوله
نزلا لأهل الجنة) النزل بضم النون وبالزاي وقد تسكن ما يقدم للضيف وللعسكر يطلق على
الرزق وعلى الفضل ويقال أصلح للقوم نزلهم أي ما يصلح أن ينزلوا عليه من الغذاء وعلى ما يعجل
للضيف قبل الطعام وهو اللائق هنا قال الداودي المراد أنه يأكل منها من سيصير إلى الجنة من
أهل المحشر لا أنهم لا يأكلونها حتى يدخلوا الجنة (قلت) وظاهر الخبر يخالفه وكأنه بني على
ما أخرجه الطبري عن سعيد بن جبير قال تكون الأرض خبزة بيضاء يأكل المؤمن من تحت
قدميه ومن طريق أبي معشر عن محمد بن كعب أو محمد بن قيس نحوه وللبيهقي بسند ضعيف عن
عكرمة تبدل الأرض مثل الخبزة يأكل منها أهل الاسلام حتى يفرغوا من الحساب وعن أبي
جعفر الباقر نحوه وسأذكر بقية ما يتعلق بذلك في الحديث الذي بعده ونقل الطيبي عن
البيضاوي أن هذا الحديث مشكل جدا لا من جهة إنكار صنع الله وقدرته على ما يشاء بل لعدم
التوقيف على قلب جرم الأرض من الطبع الذي عليه إلى طبع المطعوم والمأكول مع ما ثبت
في الآثار أن هذه الأرض تصير يوم القيامة نارا وتنضم إلى جهنم فلعل الوجه فيه أن معنى قوله
خبزة واحدة أي كخبزة واحدة من نعتها كذا وكذا وهو نظير ما في حديث سهل يعني المذكور
بعده كقرصة النقي فضرب المثل بها لاستدرأتها وبياضها فضرب المثل في هذا الحديث بخبزة
تشبه الأرض في معنيين أحدهما بيان الهيئة التي تكون الأرض عليها يومئذ والاخر بيان
الخبزة التي يهيئها الله تعالى نزلا لأهل الجنة وبيان عظم مقدارها ابتداعا واختراعا قال الطيبي
وانما دخل عليه الاشكال لأنه رأى الحديثين في باب الحشر فظن أنهما لشئ واحد وليس كذلك
وانما هذا الحديث من باب وحديث سهل من باب وأيضا فالتشبيه لا يستلزم المشاركة بين
المشبه والمشبه به في جميع الأوصاف بل يكفي حصوله في البعض وتقريره أنه شبه أرض الحشر
بالخبزة في الاستواء والبياض وشبه أرض الجنة في كونها نزلا لأهلها ومهيأة لهم تكرمة
بعجالة الراكب زاده يقنع به في سفره (قلت) آخر كلامه يقرر ما قال القاضي أن كون أرض
الدنيا تصير نارا محمول على حقيقته وأن كونها تصير خبزة يأكل منها أهل الموقف محمول على المجاز
والآثار التي أوردتها عن سعيد بن جبير وغيره ترد عليه والأولى الحمل على الحقيقة مهما أمكن
وقدرة الله تعالى صالحة لذلك بل اعتقاد كونه حقيقة أبلغ وكون أهل الدنيا
ويستفاد منه أن المؤمنين لا يعاقبون بالجوع في طول زمان الموقف بل يقلب الله لهم بقدرته
طبع الأرض حتى يأكلوا منها من تحت أقدامهم ما شاء الله بغير علاج ولا كلفة ويكون معنى
قوله نزلا لأهل الجنة أي الذين يصيرون إلى الجنة أعم من كون ذلك يقع بعد الدخول إليها أو قبله
والله أعلم (قوله فأتى رجل) في رواية الكشميهني فأتاه (قوله من اليهود) لم أقف على اسمه
322

(قوله فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلينا ثم ضحك) يريد أنه أعجبه أخبار اليهودي عن كتابهم
بنظير ما أخبر به من جهة الوحي وكان يعجبه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه فكيف
بموافقتهم فيما أنزل عليه (قوله حتى بدت نواجذه) بالنون والجيم والذال المعجمة جمع ناجذ وهو
آخر الأضراس ولكل انسان أربع نواجذ وتطلق النواجذ أيضا على الأنياب والأضراس
(قوله ثم قال) في رواية الكشميهني فقال (قوله ألا أخبرك) في رواية مسلم ألا أخبركم (قوله
بادامهم) أي ما يؤكل به الخبز (قوله بالام) بفتح الموحدة بغير همز وقوله ونون أي بلفظ أول
السورة (قوله قالوا أي الصحابة وفي رواية مسلم فقالوا (قوله ما هذا) في رواية الكشميهني
وما هذا بزيادة واو (قوله قال ثور ونون) قال الخطابي هكذا رووه لنا وتأملت النسخ المسموعة
من البخاري من طريق حماد بن شاكر وإبراهيم بن معقل والفربري فإذا كلها على نحو واحد
(قلت) وكذا عند مسلم وكذا أخرجه الإسماعيلي وغيره قال الخطابي فأما نون فهو الحوت على
ما فسر في الحديث وأما بالام فدل التفسير من اليهودي على أنه اسم للثور وهو لفظ مبهم لم ينتظم
ولا يصح أن يكون على التفرقة اسما لشئ فيشبه أن يكون اليهودي أراد أن يعمى الاسم فقطع
الهجاء وقدم أحد الحرفين وانما هو في حق الهجاء لام ياء هجاء لأي بوزن لعي وهو الثور الوحشي
وجمعه آلاء بثلاث همزات وزن أحبال فصحفوه فقالوا بالام بالموحدة وانما هو بالياء آخر الحروف
وكتبوه بالهجاء فأشكل الامر هذا أقرب ما يقع لي فيه الا أن يكون انما عبر عنه بلسانه ويكون
ذلك بلسانهم وأكثر العبرانية فيما يقولوه أهل المعرفة مقلوب على لسان العرب بتقديم في
الحروف وتأخير والله أعلم بصحته وقال عياض أورد الحميدي في اختصاره يعني الجمع بين
الصحيحين هذا الحديث بلفظ باللأى بكسر الموحدة وألف وصل ولام ثقيلة بعدها همزة
مفتوحة خفيفة بوزن الرحى واللأى الثور الوحشي قال ولم أر أحدا رواه كذلك فلعله من
اصلاحه وإذا كان هكذا بقيت الميم زائدة الا أن يدعى أنها حرفت عن الياء المقصورة قال وكل
هذا غير مسلم لما فيه من التكلف والتعسف قال وأولى ما يقال في هذا أن تبقى الكلمة على ما وقع
في الرواية ويحمل على انها عبرانية ولذلك سأل الصحابة اليهودي عن تفسيرها ولو كان اللأى
لعرفوها لأنها من لسانهم وجزم النووي بهذا فقال هي لفظة عبرانية معناها ثور (قوله يأكل
من زائدة كبدهما سبعون ألفا) قال عياض زيادة الكبد وزائدتها هي القطعة المنفردة المتعلقة
بها وهي أطيبه ولهذا خص بأكلها السبعون ألفا ولعلهم الذين يدخلون الجنة بغير حساب
فضلوا بأطيب النزل ويحتمل أن يكون عبر بالسبعين عن العدد الكثير ولم يردا لحصر فيها وقد تقدم
في أبواب الهجرة قبيل المغازي في مسائل عبد الله بن سلام أن أول طعام يأكله أهل الجنة زيادة
كبد الحوت وأن عند مسلم في حديث ثوبان تحفة أهل الجنة زيادة كبد النون وفيه غذاؤهم
على أثرها أن ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها وفيه وشرابهم عليه من عين تسمى
سلسبيلا وأخرج ابن المبارك في الزهد بسند حسن عن كعب الأحبار ان الله تعالى يقول لأهل
الجنة إذا دخولها ان لكل ضيف جزورا واني أجزركم اليوم حوتا وثورا فيجزر لأهل الجنة
* الحديث الثالث (قوله محمد بن جعفر) أي ابن أبي كثير وأبو حازم هو سلمة بن دينار (قوله يحشر
الناس) بضم أوله (قوله 2 ارض عفراء) قال الخطابي العفر بياض ليس بالناصع وقال عياض
323

العفر بياض يضرب إلى حمرة قليلا ومنه سمى عفر الأرض وهو وجهها وقال ابن فارس معنى
عفراء خالصة البياض وقال الداودي شديدة البياض كذا قال والأول هو المعتمد (قوله كقرصة
النقي) بفتح النون وكسر القاف أي الدقيق النقي من الغش والنخال قاله الخطابي (قوله قال
سهل أو غيره ليس فيها معلم لاحد) هو موصول بالسند المذكور وسهل هو راوي الخبر وأو للشك
والغير المبهم لم أقف على تسميته ووقع هذا الكلام الأخير لمسلم من طريق خالد بن مخلد عن محمد بن
جعفر مدرجا بالحديث ولفظه ليس فيها علم لاحد ومثله لسعيد بن منصور عن ابن أبي حازم عن
أبيه والعلم والمعلم بمعنى واحد قال الخطابي يريد أنها مستوية والمعلم بفتح الميم واللام بينهما
مهملة ساكنة هو الشئ الذي يستدل به على الطريق وقال عياض المراد أنها ليس فيها علامة
سكنى ولا بناء ولا أثر ولا شئ من العلامات التي يهتدي بها في الطرقات كالجبل والصخرة البارزة
وفيه تعريض بأرض الدنيا وانها ذهبت وانقطعت العلاقة منها وقال الداودي المراد أنه
لا يحوز أحد منها شيئا ألا ما أدرك منها وقال أبو محمد بن أبي جمرة فيه دليل على عظيم القدرة
والاعلام بجزئيات يوم القيامة ليكون السامع على بصيرة فيخلص نفسه من ذلك الهول لان في
معرفة جزئيات الشئ قبل وقوعه رياضة النفس وحملها على ما فيه خلاصها بخلاف مجئ الامر
بغتة وفيه إشارة إلى أن أرض الموقف أكبر من هذه الأرض الموجودة جدا والحكمة في الصفة
المذكورة أن ذلك اليوم يوم عدل وظهور حق فاقتضت الحكمة أن يكون المحل الذي يقع فيه
ذلك طاهرا عن عمل المعصية والظلم وليكون تجليه سبحانه على عباده المؤمنين على أرض تليق
بعظمته ولان الحكم فيه انما يكون لله وحده فناسب أن يكون المحل خالصا له وحده انتهى
ملخصا وفيه إشارة إلى أن أرض الدنيا اضمحلت وأعدمت وأن أرض الموقف تجددت وقد وقع
للسلف في ذلك خلاف في المراد بقوله تعالى يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات هل معنى
تبديلها تغيير ذاتها وصفاتها أو تغيير صفاتها فقط وحديث الباب يؤيد الأول وأخرج
عبد الرزاق وعبد بن حميد والطبري في تفاسيرهم والبيهقي في الشعب من طريق عمرو بن ميمون عن
عبد الله بن مسعود في قوله تعالى يوم تبدل الأرض غير الأرض الآية قال تبدل الأرض أرضا
كأنها فضة لم يسفك فيها دم حرام ولم يعمل عليها خطيئة ورجاله رجال الصحيح وهو موقوف
وأخرجه البيهقي من وجه آخر مرفوعا وقال الموقوف أصح وأخرجه الطبري والحاكم من طريق
عاصم عن زر بن حبيش عن ابن مسعود بلفظ أرض بيضا كأنها سبيكة فضة ورجاله موثقون
أيضا ولأحمد من حديث أبي أيوب أرض كالفضة البيضاء قيل فأين الخلق يومئذ قال هم أضياف
الله لن يعجزهم ما لديه وللطبري من طريق سنان بن سعد عن أنس مرفوعا يبدلها الله بأرض من
فضة لم يعمل عليها الخطايا وعن علي موقوفا نحوه ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد أرض كأنها
فضة والسماوات كذلك وعن علي والسماوات من ذهب وعند عبد من طريق الحكم بن أبان عن
عكرمة قال بلغنا أن هذه الأرض يعني أرض الدنيا تطوى والى جنبها أخرى يحشر الناس منها
إليها وفي حديث الصور الطويل تبدل الأرض غير الأرض والسماوات فيبسطها ويسطحها ويمدها
مد الأديم العكاظي لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ثم يزجر الله الخلق زجرة واحدة فإذا هم في هذه
الأرض المبدلة في مثل مواضعهم من الأولى ما كان في بطنها كان في بطنها وما كان على ظهرها
324

كان عليها انتهى وهذا يؤخذ منه أن ذلك يقع عقب نفخة الصعق بعد الحشر الأول ويؤيده قوله
تعالى وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت وأما من ذهب إلى أن التغيير انما يقع في صفات
الأرض دون ذاتها فمستنده ما أخرجه الحاكم عن عبد الله بن عمرو قال إذا كان يوم القيامة مدت
الأرض مد الأديم وحشر الخلائق ومن حديث جابر رفعه تمد الأرض مد الأديم ثم لا يكون
لابن آدم منها الا موضع قدميه ورجاله ثقات الا أنه اختلف على الزهري في صحابيه ووقع في تفسير
الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى يوم تبدل الأرض غير الأرض قال يزاد فيها
وينقص منها ويذهب آكامها وجبالها وأوديتها وشجرها وتمد مد الأديم العكاظي وعزاه الثعلبي
في تفسيره لرواية أبي هريرة وحكاه البيهقي عن أبي منصور الأزهري وهذا وإن كان ظاهره يخالف
القول الأول فيمكن الجمع بأن ذلك كله يقع لأرض الدنيا لكن أرض الموقف غيرها ويؤيده ما وقع
في الحديث الذي قبله أن ارض الدنيا تصير خبزة والحكمة في ذلك ما تقدم أنها تعد لاكل المؤمنين
منها في زمان الموقف ثم تصير نزلا لأهل الجنة وأما ما أخرجه الطبري من طريق المنهال بن عمرو عن
قيس بن السكن عن عبد الله بن مسعود قال الأرض كلها تأتي يوم القيامة فالذي قبله عن ابن
مسعود أصح سندا ولعل المراد بالأرض في هذه الرواية أرض البحر فقد أخرج الطبري أيضا من
طريق كعب الأحبار قال يصير مكان البحر نارا وفي تفسير الربيع بن أنس عن أبي العالية عن
أبي بن كعب تصير السماوات جفانا ويصير مكان البحر نارا وأخرج البيهقي في البعث من هذا
الوجه في قوله تعالى وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة قال يصيران غبرة في وجوه الكفار
(قلت) ويمكن الجمع بأن بعضها يصير نارا وبعضها غبارا وبعضها يصير خبزة وأما ما أخرجه مسلم
عن عائشة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية يوم تبدل الأرض غير الأرض أين
يكون الناس حينئذ قال على الصراط وفي رواية الترمذي على جسر جهنم ولأحمد من طريق
ابن عباس عن عائشة على متن جهنم وأخرج مسلم أيضا من حديث ثوبان مرفوعا يكونون في
الظلمة دون الجسر فقد جمع بينها البيهقي بأن المراد بالجسر الصراط كما سيأتي بيانه في ترجمة مستقلة
وان في قوله على الصراط مجازا لكونهم يجاوزونه لان في حديث ثوبان زيادة يتعين المصير إليها
لثبوتها وكان ذلك عند الزجرة التي تقع عند نقلهم من أرض الدنيا إلى أرض الموقف ويشير إلى
ذلك قوله تعالى كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجئ يومئذ بجهنم
واختلف في السماوات أيضا فتقدم قول من قال إنها تصير جفانا وقيل إنها إذا طويت تكور
شمسها وقمرها وسائر نجومها وتصير تارة كالمهل وتارة كالدهان وأخرج البيهقي في البعث من
طريق السدى عن مرة عن ابن مسعود قال السماء تكون ألوانا كالمهل وكالدهان وواهية
وتشقق فتكون حالا بعد حال وجمع بعضهم بأنها تنشق أولا فتصير كالوردة وكالدهان وواهية
وكالمهل وتكور الشمس والقمر وسائر النجوم ثم تطوى السماوات وتضاف إلى الجنان ونقل
القرطبي في التذكرة عن أبي الحسن بن حيدرة صاحب الافصاح أنه جمع بين هذه الأخبار بأن
تبديل السماوات والأرض يقع مرتين إحداهما تبدل صفاتهما فقط وذلك عند النفخة الأولى
فتنثر الكواكب وتخسف الشمس والقمر وتصير السماء كالمهل وتكشط عن الرؤوس وتسير
الجبال وتموج الأرض وتنشق إلى أن تصير الهيئة غير الهيئة ثم بين النفختين تطوى السماء
325

والأرض وتبدل السماء والأرض إلى آخر كلامه في ذلك والعلم عند الله تعالى (قوله
باب الحشر) قال القرطبي الحشر الجمع وهو أربعة حشران في الدنيا وحشران
في الآخرة فالذي في الدنيا أحدهما المذكور في سورة الحشر في قوله تعالى هو الذي أخرج الذين
كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر والثاني الحشر المذكور في أشراط الساعة
الذي أخرجه مسلم من حديث حذيفة بن أسيد رفعه ان الساعة لن تقوم حتى تروا قبلها عشر
آيات فذكره وفي حديث ابن عمر عند أحمد وأبي يعلى مرفوعا تخرج نار قبل يوم القيامة من
حضرموت فتسوق الناس الحديث وفيه فما تأمرنا قال عليكم بالشام وفي لفظ آخر ذلك نار
تخرج من قعر عدن ترحل الناس إلى المحشر (قلت) وفي حديث أنس في مسائل عبد الله بن سلام
لما أسلم أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب وقد قدمت الإشارة إليه
في باب طلوع الشمس من مغربها وأنه مذكور في بدء الخلق وفي حديث عبد الله بن عمرو عند
الحاكم رفعه تبعث نار على أهل المشرق فتحشرهم إلى المغرب تبيت معهم حديث باتوا وتقيل
معهم حيث قالوا ويكون لها ما سقط منهم وتخلف تسوقهم سوق الجمل الكسير وقد أشكل
الجمع بين هذه الأخبار وظهر لي في وجه الجمع أن كونها تخرج من قعر عدن لا ينافي حشرها
الناس من المشرق إلى المغرب وذلك أن ابتداء خروجها من قعر عدن فإذا خرجت انتشرت في
الأرض كلها والمراد بقوله تحشر الناس من المشرق إلى المغرب إرادة تعميم الحشر لا خصوص
المشرق والمغرب أو انها بعد الانتشار أول ما تحشر أهل المشرق ويؤيد ذلك أن ابتداء الفتن دائما
من المشرق كما سيأتي تقريره في كتاب الفتن وأما جعل الغاية إلى المغرب فلان الشام بالنسبة إلى
المشرق مغرب ويحتمل أن تكون النار في حديث أنس كناية عن الفتن المنتشرة التي
أثارت الشر العظيم والتهبت كما تلتهب النار وكان ابتداؤها من قبل المشرق حتى خرب معظمه
وانحشر الناس من جهة المشرق إلى الشام ومصر وهما من جهة المغرب كما شوهد ذلك مرارا من
المغل من عهد جنكرخان ومن بعده والنار التي في الحديث الاخر على حقيقتها والله أعلم
والحشر الثالث حشر الأموات من قبورهم وغيرها بعد البعث جميعا إلى الموقف قال الله عز وجل
وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا والرابع حشرهم إلى الجنة أو النار انتهى ملخصا بزيادات
(قلت) الأول ليس حشرا مستقلا فان المراد حشر كل موجود يومئذ والأول انما وقع لفرقة
مخصوصة وقد وقع نظيره مرارا تخرج طائفة من بلدها بغير اختيارها إلى جهة الشام كما وقع
لبنى أمية أول ما تولى ابن الزبير الخلافة فأخرجهم من المدينة إلى جهة الشام ولم يعد ذلك أحد
حشرا وذكر المصنف فيه ستة أحاديث * الحديث الأول (قوله وهيب) بالتصغير هو ابن خالد
وابن طاوس هو عبد الله وصرح به في رواية مسلم (قوله على ثلاث طرائق) في رواية مسلم ثلاثة
والطرائق جمع طريق وهي تذكر وتؤنث (قوله راغبين وراهبين) في رواية مسلم راهبين بغير واو
وعلى الروايتين فهي الطريقة الأولى (قوله واثنان على بعير ثلاثة على بعير أربعة على بعير
عشرة على بعير) كذا فيه بالواو في الأول فقط وفي رواية مسلم والإسماعيلي بالواو في الجميع وعلى
الروايتين فهي الطريقة الثانية (قوله وتحشر بقيتهم النار) هذه هي النار المذكورة في حديث
حذيفة بن أسيد بفتح الهمزة وعند مسلم في حديث فيه ذكر الآيات الكائنة قبل قيام الساعة
326

كطلوع الشمس من مغربها ففيه وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن ترحل الناس وفي رواية له
تطرد الناس إلى حشرهم (قوله تقيل معهم حيث قالوا الخ) فيه إشارة إلى ملازمة النار لهم إلى
أن يصلوا إلى مكان الحشر وهذه الطريقة الثالثة قال الخطابي هذا الحشر يكون قبل قيام
الساعة تحشر الناس أحياء إلى الشام وأما الحشر من القبور إلى الموقف فهو على خلاف هذه
الصورة من الركوب على الإبل والتعاقب عليها وإنما هو على ما ورد في حديث ابن عباس في
الباب حفاة عراة مشاة قال وقوله واثنان على بعير وثلاثة على بعير الخ يريد أنهم يعتقبون البعير
الواحد يركب بعض ويمشي بعض (قلت) وإنما لم يذكر الخمسة والستة إلى العشرة ايجازا
واكتفاء بما ذكر من الاعداد مع أن الاعتقاب ليس مجزوما به ولا مانع أن يجعل الله في البعير
ما يقوى به على حمل العشرة ومال الحليمي إلى أن هذا الحشر يكون عند الخروج من القبور
وجزم به الغزالي وقال الإسماعيلي ظاهر حديث أبي هريرة يخالف حديث ابن عباس المذكور
بعد أنهم يحشرون حفاة عراة مشاة قال ويجمع بينهما بأن الحشر يعبر به عن النشر لاتصاله به
وهو إخراج الخلق من القبور حفاة عراة فيساقون ويجمعون إلى الموقف للحساب فحينئذ
يحشر المتقون ركبانا على الإبل وجمع غيره بأنهم يخرجون من القبور بالوصف الذي في حديث
ابن عباس ثم يفترق حالهم من ثم إلى الموقف على ما في حديث أبي هريرة ويؤيده ما أخرجه أحمد
والنسائي والبيهقي من حديث أبي ذر حدثني الصادق المصدوق أن الناس يحشرون يوم القيامة
على ثلاثة أفواج فوج طاعمين كاسين راكبين وفوج يمشون وفوج تسحبهم الملائكة على
وجوههم الحديث وصوب عياض ما ذهب إليه الخطابي وقواه بحديث حذيفة بن أسيد
وبقوله في آخر حديث الباب تقيل معهم وتبيت وتصبح وتمسي فان هذه الأوصاف مختصة بالدنيا
وقال بعض شراح المصابيح حمله على الحشر من القبور أقوى من أوجه أحدها أن الحشر إذا
أطلق في عرف الشرع انما يراد به الحشر من القبور ما لم يخصه دليل ثانيها أن هذا التقسيم المذكور
في الخبر لا يستقيم في الحشر إلى أرض الشام لان المهاجر لا بد أن يكون رغبا أو راهبا أو جامعا بين
الصفتين فأما أن يكون راغبا راهبا فقط وتكون هذه طريقة واحدة لا ثاني لها من جنسها فلا
ثالثها حشر البقية على ما ذكر والجاء النار لهم إلى تلك الجهة وملازمتها حتى لا تفارقهم قول لم يرد
به التوقيف وليس لنا أن نحكم بتسليط النار في الدنيا على أهل الشقوة من غير توقيف رابعها
أن الحديث يفسر بعضه بعضا وقد وقع في الحسان من حديث أبي هريرة وأخرجه البيهقي من
وجه آخر عن علي بن زيد عن أوس بن أبي أوس عن أبي هريرة بلفظ ثلاثا على الدواب وثلاثا
ينسلون على أقدامهم وثلاثا على وجوههم قال ونرى أن هذا التقسيم الذي وقع في هذا الحديث
نظير التقسيم الذي وقع في تفسير الواقعة في قوله تعالى وكنتم أزواجا ثلاثة الآيات فقوله في
الحديث راغبين راهبين يريد به عوام المؤمنين وهم من خلط عملا صالحا وآخر سيأ فيترددون بين
الخوف والرجاء يخافون عاقبة سيآتهم ويرجون رحمة الله بايمانهم وهؤلاء أصحاب الميمنة وقوله
واثنان على بعير الخ يريد به السابقين وهم أفاضل المؤمنين يحشرون ركبانا وقوله وتحشر بقيتهم
النار يريد به أصحاب المشأمة وركوب السابقين في الحديث يحتمل الحمل دفعة واحدة تنبيها على
أن البعير المذكور يكون من بدائع فطرة الله تعالى حتى يقوى على ما لا يقوى عليه غيره من
327

البعران ويحتمل أن يراد به التعاقب قال الخطابي وإنما سكت عن الواحد إشارة إلى أنه يكون
لمن فوقهم في المرتبة كالأنبياء ليقع الامتياز بين النبي ومن دونه من السابقين في المراكب كما
وقع في المراتب انتهى ملخصا وتعقبه الطيبي ورجح ما ذهب إليه الخطابي وأجاب عن الأول بأن
الدليل ثابت فقد ورد في عدة أحاديث وقوع الحشر في الدنيا إلى جهة الشام وذكر حديث
حذيفة بن أسيد الذي نبهت عليه قبل وحديث معاوية بن حيدة جد بهز بن حكيم رفعه انكم
محشورون ونحا بيده نحو الشام رجالا وركبانا وتجرون على وجوهكم أخرجه الترمذي
والنسائي وسنده قوي وحديث ستكون هجرة بعد هجرة وتنحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم ولا
يبقى في الأرض إلا شرارها تلفظهم أرضوهم وتحشرهم النار مع القردة والخنازير تبيت معهم إذا
باتوا وتقيل معهم إذا قالوا أخرجه أحمد وسنده لا بأس به وأخرج عبد الرزاق عن النعمان بن
المنذر عن وهب بن منبه قال قال الله تعالى لصخرة بيت المقدس لأضعن عليك عرشي ولأحشرن
عليك خلقي وفي تفسير ابن عيينة عن ابن عباس من شك ان المحشر ههنا يعني الشام فليقرأ أول
سورة الحشر قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ اخرجوا قالوا إلى أين قال إلى أرض
المحشر وحديث ستخرج نار من حضرموت تحشر الناس قالوا فما تأمرنا يا رسول الله قال
عليكم بالشام ثم حكى خلافا هل المراد بالنار نار على الحقيقة أو هو كناية عن الفتنة الشديدة
كما يقال نار الحرب لشدة ما يقع في الحرب قال تعالى كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله وعلى كل
حال فليس المراد بالنار في هذه الأحاديث نار الآخرة ولو أريد المعنى الذي زعمه المعترض لقيل تحشر
بقيتهم إلى لنار وقد أضاف الحشر إلى النار لكونها هي التي تحشرهم وتختطف من تخلف منهم
كما ورد في حديث أبي هريرة من رواية علي بن زيد عند أحمد وغيره وعلى تقدير أن تكون النار
كناية عن الفتنة فنسبة الحشر إليها سببية كأنها تفشو في كل جهة وتكون في جهة الشام أخف
منها في غيرها فكل من عرف ازديادها في الجهة التي هو فيها أحب التحول منها إلى المكان الذي
ليست فيه شديدة فتتوفر الدواعي على الرحيل إلى الشام ولا يمتنع اجتماع الامرين وإطلاق
النار على الحقيقة التي تخرج من قعر عدن وعلى المجازية وهي الفتنة إذ لا تنافي بينهما ويؤيد
الحمل على الحقيقة ظاهر الحديث الأخير والجواب عن الاعتراض الثاني أن التقسيم المذكور
في آيات سورة الواقعة لا يستلزم أن يكون هو التقسيم المذكور في الحديث فإن الذي في الحديث
ورد على القصد من الخلاص من الفتنة فمن اغتنم الفرصة سار على فسحة من الظهر ويسرة في
الزاد راغبا فيما يستقبله راهبا فيما يستدبره وهؤلاء هم الصنف الأول في الحديث ومن توانى حتى
قل الظهر وضاق عن أن يسعهم لركوبهم اشتركوا وركبوا عقبة فيحصل اشتراك الاثنين في
البعير الواحد وكذا الثلاثة ويمكنهم كل من الامرين وأما الأربعة في الواحد فالظاهر من حالهم
التعاقب وقد يمكنهم إذا كانوا خفاقا أو أطفالا وأما العشرة فبالتعاقب وسكت عما فوقها إشارة
إلى أنها المنتهى في ذلك وعما بينها وبين الأربعة ايجازا واختصارا وهؤلاء هم الصنف الثاني في
الحديث وأما الصنف الثالث فعبر عنه بقوله تحشر بقيتهم النار إشارة إلى أنهم عجزوا عن تحصيل
ما يركبونه ولم يقع في الحديث بيان حالهم بل يحتمل أنهم يمشون أو يسحبون فرارا من النار التي
تحشرهم ويؤيد ذلك ما وقع في آخر حديث أبي ذر الذي تقدمت الإشارة إليه في كلام المعترض
328

وفيه انهم سألوا عن السبب في مشي المذكورين فقال يلقى الله الآفة على الظهر حتى لا يبقى ذات
ظهر حتى أن الرجل ليعطى الحديقة المعجبة بالشارف ذات القتب أي يشتري الناقة المسن لأجل
كونها تحمله على القتب بالبستان الكريم لهوان العقار الذي عزم على الرحيل عنه وعزة الظهر
الذي يوصله إلى مقصوده وهذا لائق بأحوال الدنيا ومؤكد لما ذهب إليه الخطابي ويتنزل على
وفق حديث الباب يعني من المصابيح وهو ان قوله فوج طاعمين كاسين راكبين موافق لقوله
راغبين راهبين وقوله وفوج يمشون موافق للصنف الذين يتعاقبون على البعير فإن صفة المشي
لازمة لهم وأما الصنف الذين تحشرهم النار فهم الذين تسحبهم الملائكة والجواب عن
الاعتراض الثالث أنه تبين من شواهد الحديث أنه ليس المراد بالنار نار الآخرة وانما هي نار تخرج
في الدنيا أنذر النبي صلى الله عليه وسلم بخروجها وذكر كيفية ما تفعل في الأحاديث المذكورة
والجواب عن الاعتراض الرابع أن حديث أبي هريرة من رواية علي بن زيد مع ضعفه لا يخالف
حديث الباب لأنه موافق لحديث أبي ذر في لفظه وقد تبين من حديث أبي ذر ما دل على أنه
في الدنيا لا بعد البعث في الحشر إلى الموقف إذ لا حديقة هناك ولا آفة تلقى على الظهر حتى يعز
ويقل ووقع في حديث علي بن زيد المذكور عند أحمد أنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك
وقد سبق ان أرض الموقف أرض مستوية لا عوج فيها ولا أكمة ولا حدب ولا شوك وأشار الطيبي
إلى أن الأولى أن يحمل الحديث الذي من رواية علي بن زيد على من يحشر من الموقف إلى مكان
الاستقرار من الجنة أو النار ويكون المراد بالركبان السابقين المتقين وهم المراد بقوله تعالى يوم
نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا أي ركبانا كما تقدم في تفسير سورة مريم وأخرج الطبري عن علي
في تفسير هذه الآية فقال أما والله ما يحشر الوفد على أرجلهم ولا يساقون سوقا ولكن يؤتون
بنوق لم تر الخلائق مثلها عليها رحال الذهب وأزمتها الزبرجد فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب
الجنة والمراد سوق ركائبهم اسراعا بهم إلى دار الكرامة كما يفعل في العادة بمن يشرف ويكرم من
الوافدين على الملوك قال ويستبعد أن يقال يجئ وفد الله عشر على بعير جميعا أو متعاقبين وعلى
هذا فقد روى أبو هريرة حال المحشورين عند انقراض الدنيا إلى جهة أرض المحشر وهم ثلاثة
أصناف وحال المحشورين في الأخرى إلى محل الاستقرار انتهى كلام الطيبي عن جواب المعترض
ملخصا موضحا بزيادات فيه لكن تقدم مما قررته أن حديث أبي هريرة من رواية علي بن زيد ليس
في المحشورين من الموقف إلى محل الاستقرار ثم ختم كلامه بأن قال هذا ما سنح لي على سبيل
الاجتهاد ثم رأيت في صحيح البخاري في باب المحشر يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق
فعلمت من ذلك ان الذي ذهب إليه الامام التوربشتي هو الحق الذي لا محيد عنه (قلت) ولم أقف
في شئ من طرق الحديث الذي أخرجه البخاري على لفظ يوم القيامة لافي صحيحه ولا في غيره وكذا
هو عند مسلم والإسماعيلي وغيرهما ليس فيه يوم القيامة نعم ثبت لفظ يوم القيامة في حديث أبي
ذر المنبه عليه قبل وهو مؤول بأن المراد بذلك ان يوم القيامة يعقب ذلك فيكون من مجاز المجاورة
ويتعين ذلك لما وقع فيه أن الظهر يقل لما يلقى عليه من الآفة وان الرجل يشتري الشارف
الواحد بالحديقة المعجبة فإن ذلك ظاهر جدا في أنه من أحوال الدنيا لا بعد المبعث وقد أبدى
البيهقي في حديث الباب احتمالين فقال قوله راغبين يحتمل أن يكون إشارة إلى الأبرار وقوله
329

راهبين إشارة إلى المخلطين الذين هم بين الخوف والرجاء والذين تحشرهم النار هم الكفار وتعقب
بأنه حذف ذكر قوله واثنان على بعير الخ وأجيب بأن الرغبة والرهبة صفتان للصنفين الأبرار
والمخلطين وكلاهما يحشر اثنان على بعير الخ قال ويحتمل أن يكون ذلك في وقت حشرهم إلى الجنة
بعد الفراغ ثم قال بعد إيراد حديث أبي ذر يحتمل أن يكون المراد بالفوج الأول الأبرار وبالفوج
الثاني الذين خلطوا فيكونون مشاة والأبرار ركبانا وقد يكون بعض الكفار أعيا من بعض فأولئك
يسحبون على وجوههم ومن دونهم يمشون ويسعون مع من شاء الله من الفساق وقت حشرهم
إلى الموقف وأما الظهر فلعل المراد به ما يحييه الله بعد الموت من الدواب فيركبها الأبرار ومن شاء
الله ويلقى الله الآفة على بقيتها حتى يبقى جماعة من المخلطين بلا ظهر (قلت) ولا يخفى ضعف
هذا التأويل مع قوله في بقية الحديث حتى أن الرجل ليعطى الحديقة المعجبة بالشارف ومن أين
يكون للذين يبعثون بعد الموت عراة حفاة حدائق حتى يدفعوها في الشوارف فالراجح ما تقدم
وكذا يبعد غاية البعد أن يحتاج من يساق من الموقف إلى الجنة إلى التعاقب على الأبعرة فرجح أن
ذلك انما يكون قبل المبعث والله أعلم * الحديث الثاني (قوله حدثني عبد الله بن محمد) هو الجعفي
ويونس هو المؤدب وشيبان هو ابن عبد الرحمن (قوله إن رجلا) لم أقف على اسمه (قوله قال يا نبي
الله يحشر الكافر على وجهه) كأنه استفهام حذف أداته ووقع في عدة نسخ كيف يحشر وكذا
هو عند مسلم وغيره والكافر اسم جنس يشمل الجميع ويؤيده قوله تعالى الذين يحشرون على
وجوههم إلى جهنم الآية وقوله تعالى ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا الآية وقد تقدم
في التفسير ان الحاكم أخرجه من وجه آخر عن أنس بلفظ كيف يحشر أهل النار على وجوههم
(قوله أليس الذي أمشاه الخ) ظاهر في أن المراد بالمشي حقيقته فلذلك استغربوه حتى سألوا عن
كيفيته وزعم بعض المفسرين أنه مثل وأنه كقوله أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي
سويا قال مجاهد هذا مثل المؤمن والكافر (قلت) ولا يلزم من تفسير مجاهد لهذه الآية بهذا ان
يفسر به الآية الأخرى فالجواب الصادر عن النبي صلى الله عليه وسلم ظاهر في تقرير المشي على
حقيقته (قوله قال قتادة بلى وعزة ربنا) هو موصول بالسند المذكور والحكمة في حشر الكافر
على وجهه أنه عوقب على عدم السجود لله في الدنيا بأن يسحب على وجهه في القيامة إظهارا
لهوانه بحيث صار وجهه مكان يده ورجله في التوقي عن المؤذيات * الحديث الثالث ذكره من
طريقين عن سعيد بن جبير (قوله على) هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة (قوله قال عمرو)
القائل هو سفيان وحاكي ذلك عنه هو علي وكان سفيان كثيرا ما يحذف الصيغة فيقتصر على اسم
الراوي ووقع في رواية صدقة التي بعدها عن عمرو وكذا لمسلم عن قتيبة وغيره عن سفيان وعمرو
هو ابن دينار (قوله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد قتيبة في روايته يخطب على المنبر
ولعل هذا هو السرفي إيراده لرواية قتيبة بعد رواية علي بن المديني (قوله انكم ملاقو الله) أي
في الموقف بعد البعث (قوله حفاة) بضم المهملة وتخفيف الفاء جمع حاف أي بلا خف ولا نعل
وقوله مشاة لم أر في رواية قتيبة هنا مشاة وثبت في رواية مسلم عنه وعن غيره وليس عنده عنهم قوله
على المنبر (قوله في آخر رواية علي بن المديني قال سفيان الخ) هو موصول كالذي قبله ولم يصب من
قال إنه معلق عن سفيان (قوله هذا مما نعد أن ابن عباس سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم)
330

يريدان ابن عباس من صغار الصحابة وهو من المكثرين لكنه كان كثرا ما يرسل ما يسمعه من
أكابر الصحابة ولا يذكر الواسطة وتارة يذكره باسمه وتارة مبهما كقوله في أوقات الكراهة حدثني
رجال مرضيون أرضاهم عندي عمر فأما ما صرح بسماعه له فقليل ولهذا كانوا يعتنون بعده
فجاء عن محمد بن جعفر غندر أن هذه الأحاديث التي صرح ابن عباس بسماعها من النبي صلى الله
عليه وسلم عشرة وعن يحيى القطان ويحيى بن معين وأبي داود صاحب السنن تسعة وأغرب
الغزالي في المستصفى وقلده جماعة ممن تأخروا عنه فقال لم يسمع ابن عباس من النبي صلى الله عليه
وسلم الا أربعة أحاديث وقال بعض شيوخ شيوخنا سمع من النبي صلى الله عليه وسلم
دون العشرين من وجوه صحاح (قلت) وقد اعتنيت بجمعها فزاد على الأربعين ما بين صحيح
وحسن خارجا عن الضعيف وزائدا أيضا على ما هو في حكم السماع كحكايته حضور شئ فعل
بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فكأن الغزالي التبس عليه ما قالوا إن أبا العالية سمعه من
ابن عباس وقيل خمسة وقيل أربعة " (قوله في الطريق الثانية قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم
يخطب) وقع لمسلم بدل قوله يخطب بموعظة أخرجه عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه ومحمد بن
المثنى قال واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر بسنده المذكور هنا وكذا أخرجه أحمد
عن محمد بن جعفر (قوله فقال إنكم) زاد ابن المثنى يا أيها الناس انكم (قوله تحشرون)
في رواية الكشميهني محشورون وهي رواية ابن المثنى (قوله حفاة) لم يقع فيه أيضا
مشاة (قوله عراة) قال البيهقي وقع في حديث أبي سعيد يعني الذي أخرجه أبو داود وصححه
ابن حبان انه لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها وقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول
إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها ويجمع بينهما بأن بعضهم يحشر عاريا وبعضهم كاسيا أو
يحشرون كلهم عراة ثم يكسى الأنبياء فأول من يكسى إبراهيم عليه الصلاة والسلام أو يخرجون
من القبور بالثياب التي ماتوا فيها ثم تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر فيحشرون عراة ثم يكون أول
من يكسى إبراهيم وحمل بعضهم حديث أبي سعيد على الشهداء لانهم الذين أمر أن يزملوا في
ثيابهم ويدفنوا فيها فيحتمل أن يكون أبو سعيد سمعه في الشهيد فحمله على العموم وممن حمله على
عمومه معاذ بن جبل فأخرج ابن أبي الدنيا بسند حسن عن عمرو بن الأسود قال دفنا أم معاذ بن
جبل فأمر بها فكفنت في ثياب جدد وقال أحسنوا أكفان موتاكم فإنهم يحشرون فيها قال
وحمله بعض أهل العلم على العمل وإطلاق الثياب على العمل وقع في مثل قوله تعالى ولباس التقوى
ذلك خير وقوله تعالى وثيابك فطهر على أحد الأقوال وهو قول قتادة قال معناه وعملك فأخلصه
ويؤكد ذلك حديث جابر رفعه يبعث كل عبد على ما مات عليه أخرجه مسلم وحديث فضالة بن
عبيد من مات على مرتبة من هذه المراتب بعث عليها يوم القيامة الحديث أخرجه أحمد ورجح
القرطبي الحمل على ظاهر الخبر ويتأيد بقوله تعالى ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وقوله
تعالى كما بدأكم تعودون والى ذلك الإشارة في حديث الباب بذكر قوله تعالى كما بدأنا أول خلق نعيده
عقب قوله حفاة عراة قال فيحمل ما دل عليه حديث أبي سعيد على الشهداء لانهم يدفنون
بثيابهم فيبعثون فيها تمييزا لهم عن غيرهم وقد نقله ابن عبد البر عن أكثر العلماء ومن حيث النظر
ان الملابس في الدنيا أموال ولا مال في الآخرة مما كان في الدنيا ولان الذي بقي النفس مما تكره
331

في الآخرة ثواب بحسن عملها أو رحمة مبتدأة من الله وأما ملابس الدنيا فلا تغني عنها شيئا قاله
الحليمي وذهب الغزالي إلى ظاهر حديث أبي سعيد وأورده بزيادة لم أجد لها أصلا وهي فإن أمتي
تحشر في أكفانها وسائر الأمم عراة قال القرطبي ان ثبت حمل على الشهداء من أمته حتى
لا تتناقض الاخبار (قوله غرلا) بضم المعجمة وسكون الراء جمع أغرل وهو الأقلف وزنه ومعناه
وهو من بقيت غرلته وهي الجلدة التي يقطعها الخاتن من الذكر قال أبو هلال العسكري لا تلتقي
اللام مع الراء في كلمة الا في أربع أرل اسم جبل وورل اسم حيوان معروف وحرل ضرب من الحجارة
والغرلة واستدرك عليه كلمتان هرل ولد الزوجة وبرل الديك الذي يستدير بعنقه والستة حوشية
الا الغرلة قال ابن عبد البر يحشر الآدمي عاريا ولكل من الأعضاء ما كان له يوم ولد فمن قطع منه
شئ يرد حتى الأقلف وقال أبو الوفاء بن عقيل حشفة الأقلف موقاة بالقلفة فتكون أرق فلما
أزالوا تلك القطعة في الدنيا أعادها الله تعالى ليذيقها من حلاوة فضله (قوله كما بدأنا أول خلق
نعيده الآية) ساق ابن المثنى الآية كلها إلى قوله فاعلين ومثله كما بدأكم تعودون ومنه ولقد جئتمونا
فرادى كما خلقناكم أول مرة ووقع في حديث أم سلمة عند ابن أبي الدنيا يحشر الناس حفاة عراة
كما بدؤا (قوله وان أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم الخليل) تقدم بعض الكلام عليه
في أحاديث الأنبياء قال القرطبي في شرح مسلم يجوز أن يراد بالخلائق من عدا نبينا صلى الله
عليه وسلم فلم يدخل هو في عموم خطاب نفسه وتعقبه تلميذه القرطبي أيضا في التذكرة فقال هذا
حسن لولا ما جاء من حديث علي يعني الذي أخرجه ابن المبارك في الزهد من طريق عبد الله بن
الحارث عن علي قال أول من يكسى يوم القيامة خليل الله عليه السلام قبطيتين ثم يكسى محمد
صلى الله عليه وسلم حلة حبرة عن يمين العرش (قلت) كذا أورده مختصرا موقوفا وأخرجه أبو
يعلى مطولا مرفوعا وأخرج البيهقي من طريق ابن عباس نحو حديث الباب وزاد وأول من
يكسى من الجنة إبراهيم يكسى حلة من الجنة ويؤتى بكرسي فيطرح عن يمين العرش ثم يؤتي بي
فاكسي حلة من الجنة لا يقوم لها البشر ثم يؤتى بكرسي فيطرح على ساق العرش وهو عن يمين
العرش وفي مرسل عبيد بن عمير عند جعفر الفريابي يحشر الناس حفاة عراة فيقول الله تعالى
ألا أرى خليلي عريانا فيكسى إبراهيم ثوبا أبيض فهو أول من يكسى قيل الحكمة في كون
إبراهيم أول من يكسى انه جرد حين ألقي في النار وقيل لأنه أول من استن التستر بالسراويل
وقيل إنه لم يكن في الأرض أخوف لله منه فعجلت له الكسوة أمانا له ليطمئن قلبه وهذا اختيار
الحليمي والأول اختيار القرطبي (قلت) وقد أخرج ابن منده من حديث حيدة بفتح المهملة
وسكون التحتانية رفعه قال أول من يكسى إبراهيم يقول الله اكسوا خليلي ليعلم الناس اليوم
فضله عليهم (قلت) وقد تقدم شئ من هذا في ترجمة إبراهيم من بدء الخلق وأنه لا يلزم من
تخصيص إبراهيم عليه السلام بأنه أول من يكسى أن يكون أفضل من نبينا عليه الصلاة
والسلام مطلقا وقد ظهر لي الان انه يحتمل أن يكون نبينا عليه الصلاة والسلام خرج من قبره
في ثيابه التي مات فيها والحلة التي يكساها حينئذ من حلل الجنة خلعة الكرامة بقرينة
إجلاسه على الكرسي عند ساق العرش فتكون أولية إبراهيم في الكسوة بالنسبة لبقية الخلق
332

وأجاب الحليمي بأنه يكسى أولا ثم يكسى نبينا صلى الله عليه وسلم على ظاهر الخبر لكن حلة
نبينا صلى الله عليه وسلم أعلى وأكمل فتجبر نفاستها ما فات من الأولية والله أعلم (قوله وانه
سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال) أي إلى جهة النار ووقع ذلك صريحا في حديث
أبي هريرة في آخر باب صفة النار من طريق عطاء بن يسار عنه ولفظه فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم
خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم فقلت إلى أين قال إلى النار الحديث وبين في حديث أنس
الموضع ولفظه ليردن علي ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني الحديث وفي
حديث سهل ليردن على أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم وفي حديث أبي هريرة عند
مسلم ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال أناديهم ألا هلم (قوله فأقول يا رب أصحابي) في
رواية أحمد فلأقولن وفي رواية أحاديث الأنبياء أصيحابي بالتصغير وكذا هو في حديث أنس وهو
خبر مبتدأ محذوف تقديره هؤلاء (قوله فيقول الله انك لا تدري ما أحدثوا بعدك) في حديث
أبي هريرة المذكور انهم ارتدوا على أدبارهم القهقري وزاد في رواية سعيد بن المسيب عن أبي
هريرة أيضا فيقول انك لا علم لك بما أحدثوا بعدك فيقال انهم قد بدلوا بعدك فأقول سحقا
سحقا أي بعدا بعدا والتأكيد للمبالغة وفي حديث أبي سعيد في باب صفة النار أيضا فيقال انك
لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي وزاد في رواية عطاء بن يسار فلا أراه
يخلص منهم الا مثل همل النعم ولأحمد والطبراني من حديث أبي بكرة رفعه ليردن علي الحوض
رجال ممن صحبني ورآني وسنده حسن وللطبراني من حديث أبي الدرداء نحوه وزاد فقلت يا رسول
الله ادع الله أن لا يجعلني منهم قال لست منهم وسنده حسن (قوله فأقول كما قال العبد الصالح
وكنت عليهم شهيدا إلى قوله الحكيم) كذا لأبي ذر وفي رواية غيره زيادة ما دمت فيهم والباقي سواء
(قوله قال فيقال انهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم) وقع في رواية الكشميهني لن يزالوا ووقع
في ترجمة مريم من أحاديث الأنبياء قال الفربري ذكر عن أبي عبد الله البخاري عن قبيصة قال
هم الذين ارتدوا على عهد أبي بكر فقاتلهم أبو بكر يعني حتى قتلوا وماتوا على الكفر وقد وصله
الإسماعيلي من وجه آخر عن قبيصة وقال الخطابي لم يرتد من الصحابة أحد وانما ارتد قوم من
جفاة الاعراب ممن لا نصرة له في الدين وذلك لا يوجب قدحا في الصحابة المشهورين ويدل قوله
أصيحابي بالتصغير على قلة عددهم وقال غيره قيل هو على ظاهره من الكفر والمراد بأمتي أمة
الدعوة لا أمة الإجابة ورجح بقوله في حديث أبي هريرة فأقول بعد الهم وسحقا ويؤيده كونهم
خفي عليه حالهم ولو كانوا من أمة الإجابة لعرف حالهم بكون أعمالهم تعرض عليه وهذا يرده قوله
في حديث أنس حتى إذا عرفتهم وكذا في حديث أبي هريرة وقال ابن التين يحتمل أن يكونوا
منافقين أو من مرتكبي الكبائر وقيل هم قوم من جفاة الاعراب دخلوا في الاسلام رغبة ورهبة
وقال الداودي لا يمتنع دخول أصحاب الكبائر والبدع في ذلك وقال النووي قيل هم المنافقون
والمرتدون فيجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل لكونهم من جملة الأمة فيناديهم من أجل السيما
التي عليهم فيقال انهم بدلوا بعدك أي لم يموتوا على ظاهر ما فرقتهم عليه قال عياض وغيره وعلى
هذا فتذهب عنهم الغرة والتحجيل ويطفأ نورهم وقيل لا يلزم أن تكون عليهم السيما بل يناديهم
لما كان يعرف من اسلامهم وقيل هم أصحاب الكبائر والبدع الذين ماتوا على الاسلام وعلى هذا
333

فلا يقطع بدخول هؤلاء النار لجواز أن يذادوا عن الحوض أولا عقوبة لهم ثم يرحموا ولا يمتنع
أن يكون لهم غرة وتحجيل فعرفهم بالسيما سواء كانوا في زمنه أو بعده ورجح عياض والباجي
وغيرهما ما قال قبيصة راوي الخبر انهم من ارتد بعده صلى الله عليه وسلم ولا يلزم من معرفته لهم
أن يكون عليهم السيما لأنها كرامة يظهر بها عمل المسلم والمرتد قد حبط عمله فقد يكون عرفهم
بأعيانهم لا بصفتهم باعتبار ما كانوا عليه قبل ارتدادهم ولا يبعد أن يدخل في ذلك أيضا من كان
في زمنه من المنافقين وسيأتي في حديث الشفاعة وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فدل على أنهم
يحشرون مع المؤمنين فيعرف أعيانهم ولو لم يكن لهم تلك السيما فمن عرف صورته ناداه مستصحبا
لحاله التي فارقه عليها في الدنيا وأما دخول أصحاب البدع في ذلك فاستبعد لتعبيره في الخبر بقوله
أصحابي وأصحاب البدع انما حدثوا بعده وأجيب بحمل الصحبة على المعنى الأعم واستبعد أيضا
انه لا يقال للمسلم ولو كان مبتدعا سحقا وأجيب بأنه لا يمتنع أن يقال ذلك لمن علم أنه قضى عليه
بالتعذيب على معصية ثم ينجو بالشفاعة فيكون قوله سحقا تسليما لأمر الله مع بقاء الرجاء وكذا
القول في أصحاب الكبائر وقال البيضاوي ليس قوله مرتدين نصا في كونهم ارتدوا عن الاسلام بل
يحتمل ذلك ويحتمل أن يراد انهم عصاة المؤمنين المرتدون عن الاستقامة يبدلون الأعمال الصالحة
بالسيئة انتهى وقد أخرج أبو يعلى بسند حسن عن أبي سعيد سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم فذكر حديثا فقال يا أيها الناس اني فرطكم على الحوض فإذا جئتم قال رجل يا رسول الله
أنا فلان بن فلان وقال آخر أنا فلان بن فلان فأقول أما النسب فقد عرفته ولعلكم أحدثتم بعدي
وارتددتم ولأحمد والبزار نحوه من حديث جابر وسأذكر في آخر باب صفة النار ما يحتاج إلى شرحه
من ألفاظ الأحاديث التي أشرت إليها إن شاء الله تعالى * الحديث الرابع (قوله حدثنا حاتم بن أبي
صغيرة) هو القشيري يكنى أبا يونس وأبوه بصاد مهملة مفتوحة وغين معجمة مكسورة وزن كبيرة
وضدها واسمه مسلم (قوله تحشرون حفاة عراة) كذا فيه أيضا ليس فيه مشاة ووقع في حديث
عبد الله ابن أنيس عند أحمد والحاكم بلفظ يحشر الله العباد وأومأ بيده نحو الشام عراة حفاة
غرلا بهما بضم الموحدة وسكون الهاء قلنا وما بهما قال ليس معهم شئ ووقع عند ابن ماجة زيادة
في أول حديث عائشة من روايته عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر واسمه سليمان بن
حبان عن حاتم بسنده المذكور عن عائشة قلت يا رسول الله كيف يحشر الناس يوم القيامة قال
حفاة عراة وقد أخرج مسلم سنده عن أبي بكر بن أبي شيبة ولم يسق المتن (قوله فقلت يا رسول الله
الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض) فيه ان النساء يدخلن في الضمير المذكر الآتي بالواو وكأنه
بالتغليب كما في قولها بعضهم ووقع في رواية أبي بكر بن أبي شيبة المذكورة بعد قوله حفاة عراة قلت
والنساء قال والنساء (قوله قال الامر أشد من أن يهمهم ذلك) بضم أوله وكسر الهاء من
الرباعي يقال أهمه الامر وجوز ابن التين فتح أوله وضم ثانيه من همه الشئ إذا آذاه والأول أولى
ووقع في رواية يحيى بن سعيد عن حاتم عند مسلم قال يا عائش الامر أشد من أن ينظر بعضهم إلى
بعض وفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة قلت يا رسول الله فما نستحيي قال يا عائشة الامر أهم
من أن ينظر بعضهم إلى بعض وللنسائي والحاكم من طريق الزهري عن عروة عن عائشة قلت
يا رسول الله فكيف بالعورات قال لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه وللترمذي والحاكم من
334

طريق عثمان بن عبد الرحمن القرظي قرأت عائشة ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة
فقالت وا سوأتاه الرجال والنساء يحشرون جميعا ينظر بعضهم إلى سوأة بعض فقال لكل امرئ
الآية وزاد لا ينظر الرجال إلى النساء ولا النساء إلى الرجال شغل بعضهم عن بعض ولابن أبي
الدنيا من حديث أنس قال سألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم كيف يحشر الناس قال حفاة
عراة قالت وا سوأتاه قال قد نزلت على آية لا يضرك كان عليك ثياب أولا لكل امرئ الآية
وفي حديث سودة عند البيهقي والطبراني نحوه أخرجاه من طريق أبي أويس عن محمد بن أبي
عياش عن عطاء بن يسار عنها وأخرجه ابن أبي الدنيا والطبراني في الأوسط من رواية عبد الجبار
ابن سليمان عن محمد بهذا الاسناد فقال عن أم سلمة بدل سودة * الحديث الخامس (قوله حدثنا
غندر) هو محمد بن جعفر وقع كذلك في رواية مسلم عن محمد بن المثنى ومحمد بن بشار شيخ البخاري
فيه كلاهما عنه (قوله عن أبي إسحاق) هو السبيعي (عن عمرو بن ميمون) صرح يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق بسماعه من عمرو بن ميمون وسيأتي في الايمان والنذور (قوله
عن عبد الله) هو ابن مسعود ووقع في رواية يوسف المذكورة حدثني عبد الله بن مسعود (قوله كنا
مع النبي صلى الله عليه وسلم) زاد مسلم عن محمد بن المثنى نحوا من أربعين رجلا وفي رواية يوسف
المذكورة بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم مضيف ظهره إلى قبة من أدم يماني ولمسلم من رواية
مالك بن مغول عن أبي إسحاق خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسند ظهره إلى قبة من أدم
وللإسماعيلي من رواية إسرائيل عن أبي إسحاق أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره بمنى إلى
قبة من أدم (قوله أترضون) في رواية يوسف إذ قال لأصحابه ألا ترضون وفي رواية إسرائيل أليس
ترضون وفي رواية مالك بن مغول أتحبون قال ابن التين ذكره بلفظ الاستفهام لإرادة تقرير
البشارة بذلك وذكره بالتدريج ليكون أعظم لسرورهم (قوله قلنا نعم) في رواية يوسف قالوا بلى
ولمسلم من طريق أبي الأحوص عن أبي إسحاق فكبرنا في الموضعين ومثله في حديث أبي سعيد
الآتي في الباب الذي يليه وزاد فحمدنا وفي حديث ابن عباس ففرحوا وفي ذلك كله دلالة على أنهم
استبشروا بما بشرهم به فحمدوا الله على نعمته العظمى وكبروه استعظاما لنعمته بعد
استعظامهم لنقمته (قوله اني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة) في رواية أبي الأحوص
وإسرائيل فقال والذي نفس محمد بيده وقال نصف بدل شطر وفي حديث أبي سعيد اني لأطمع
بدل لأرجو ووقع لهذا الحديث سبب يأتي التنبيه عليه عند شرح حديث أبي سعيد وزاد الكلبي
عن أبي صالح عن ابن عباس في نحو حديث أبي سعيد واني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة بل
أرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة ولا تصح هذه الزيادة لان الكلبي واه ولكن أخرج أحمد وابن أبي
حاتم من حديث أبي هريرة قال لما نزلت ثلة من الأولين وقليل من الآخرين شق ذلك على الصحابة
فنزلت ثلة من الأولين وثلة من الآخرين فقال النبي صلى الله عليه وسلم اني لأرجو أن تكونوا
ربع أهل الجنة بل ثلث أهل الجنة بل أنتم نصف أهل الجنة وتقاسمونهم في النصف الثاني
وأخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ أنتم
ربع أهل الجنة أنتم ثلث أهل الجنة أنتم نصف أهل الجنة أنتم ثلثا أهل الجنة وأخرج الخطيب
335

في المبهمات من مرسل مجاهد نحو حديث الكلبي وفيه مع إرساله أبو حذيفة إسحاق بن بشر أحد
المتروكين وأخرج أحمد والترمذي وصححه من حديث بريدة رفعه أهل الجنة عشرون ومائة
صف أمتي منها ثمانون صفا وله شاهد من حديث ابن مسعود بنحوه وأتم منه أخرجه الطبراني
وهذا يوافق رواية الكلبي فكأنه صلى الله عليه وسلم لما رجا رحمة ربه أن تكون أمته نصف أهل
الجنة أعطاه ما ارتجاه وزاده وهو نحو قوله تعالى ولسوف يعطيك ربك فترضى (قوله وذلك أن
الجنة) في رواية أبي الأحوص وسأخبركم عن ذلك وفي رواية إسرائيل وسأحدثكم بقلة المسلمين
في الكفار يوم القيامة وفي رواية مالك بن مغول ما أنتم فيما سواكم من الأمم (قوله كالشعرة
البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر) كذا للأكثر وكذا لمسلم
وكذا في رواية إسرائيل لكن قدم السوداء على البيضاء ووقع في رواية أبي أحمد الجرجاني عن
الفربري الأبيض بدل الأحمر وفي حديث أبي سعيد ان مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء
في جلد الثور الأسود أو كالرقمة في ذراع الحمار قال ابن التين أطلق الشعرة وليس المراد حقيقة
الوحدة لأنه لا يكون ثور ليس في جلده غير شعرة واحدة من غير لونه والرقمة قطعة بيضاء تكون
في باطن عضو الحمار والفرس وتكون في قوائم الشاة وقال الداودي الرقمة شئ مستدير لا شعر فيه
سمعت به لأنه كالرقم * الحديث السادس (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس وأخوه هو
أبو بكر عبد الحميد وسليمان هو ابن بلال وثبت كذلك في رواية إسماعيل بن إسحاق عن إسماعيل
ابن أبي أويس عند البيهقي في البعث وثور هو ابن زيد الديلي وأبو الغيث هو سالم والكل مدنيون
ورواية إسماعيل عن أخيه من رواية الاقران وكذا سليمان عن ثور ولكن إسماعيل أصغر من أخيه
وسليمان أصغر من ثور وسيأتي (قوله أول من يدعى يوم القيامة آدم الخ) يأتي شرحه في الباب
الذي بعده إن شاء الله تعالى (قوله باب ان زلزلة الساعة شئ عظيم) أشار بهذه
الترجمة إلى ما وقع في بعض طرق الحديث الأول انه صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية عند ذكر
الحديث والزلزلة الاضطراب وأصله من الزلل وفي تكرير الزاي فيه تنبيه على ذلك والساعة
في الأصل جزء من الزمان واستعيرت ليوم القيامة كما تقدم في باب سكرات الموت وقال الزجاج
معنى الساعة الوقت الذي تقوم فيه القيامة إشارة إلى أنها ساعة خفيفة يقع فيها أمر عظيم وقيل
سميت ساعة لوقوعها بغتة أو لطولها أو لسرعة الحساب فيها أو لأنها عند الله خفيفة مع طولها
على الناس (قوله أزفت الآزفة اقتربت الساعة) هو من الازف بفتح الزاي وهو القرب يقال
أزف كذا أي قرب وسميت الساعة آزفة لقربها أو لضيق وقتها واتفق المفسرون على أن
معنى أزفت اقتربت أو دنت (قوله جرير) هو ابن عبد الحميد (قوله عن الأعمش عن أبي
صالح) في رواية أبي أسامة في بدء الخلق وحفص بن غياث في تفسير سورة الحج كلاهما عن
الأعمش حدثنا أبو صالح وهو ذكوان وأبو سعيد هو الخدري (قوله يقول الله) كذا وقع
للأكثر غير مرفوع وبه جزم أبو نعيم في المستخرج وفي رواية كريمة باثبات (قوله قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم وكذا وقع لمسلم عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير بسند البخاري فيه ونحوه
في رواية أبي أسامة وحفص وقد ظهر من حديث أبي هريرة الذي قبله أن خطاب آدم بذلك أول
شئ يقع يوم القيامة ولفظه أول من يدعى يوم القيامة آدم عليه السلام فترا أي ذريته بمثناة
336

واحدة ومد ثم همزة مفتوحة ممالة وأصله فتترا أي فحذفت إحدى التاءين وترا أي الشخصان
تقابلا بحيث صار كل منهما يتمكن من رؤية الاخر ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق
الدراوردي عن ثور فتترا أي له ذريته على الأصل وفي حديث أبي هريرة فيقال هذا أبوكم وفي
رواية الدراوردي فيقولون هذا أبوكم (قوله فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك) في الاقتصار
على الخير نوع تعطيف ورعاية للأدب والا فالشر أيضا بتقدير الله كالخير (قوله أخرج بعث
النار) في حديث أبي هريرة بعث جهنم من ذريتك وفي رواية أحمد نصيب بدل بعث والبعث بمعنى
المبعوث وأصلها في السرايا التي يبعثها الأمير إلى جهة من الجهات للحرب وغيرها ومعناها هنا ميز
أهل النار من غيرهم وانما خص بذلك آدم لكونه والد الجميع ولكونه كان قد عرف أهل
السعادة من أهل الشقاء فقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الاسراء وعن يمينه اسودة وعن
شماله اسودة الحديث كما تقدم في حديث الاسراء وقد أخرج ابن أبي الدنيا من مرسل الحسن
قال يقول الله لآدم يا آدم أنت اليوم عدل بيني وبين ذريتك قم فانظر ما يرفع إليك من أعمالهم
(قوله قال وما بعث النار) الواو عاطفة على شئ محذوف تقديره سمعت وأطعت وما بعث النار
أي وما مقدار مبعوث النار وفي حديث أبي هريرة فيقول يا رب كم أخرج (قوله من كل ألف
تسعمائة وتسعة وتسعين) في حديث أبي هريرة من كل مائة تسعة وتسعين قال الإسماعيلي في
حديث أبي سعيد من كل ألف واحد وكذا في حديث غيره ويشبه أن يكون حديث ثور يعني
راويه عن أبي الغيث عن أبي هريرة وهما (قلت) ولعله يريد بقوله غيره ما أخرجه الترمذي من
وجهين عن الحسن البصري عن عمران بن حصين نحوه وفي أوله زيادة قال كنا مع النبي صلى الله
عليه وسلم في سفر فرفع صوته بهاتين الآيتين يا أيها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شئ عظيم
إلى شديد فحث أصحابه المطي فقال هل تدرون أي يوم ذاك قالوا الله ورسوله أعلم قال ذاك
يوم ينادي الله آدم فذكر نحو حديث أبي سعيد وصححه وكذا الحاكم وهذا سياق
قتادة عن الحسن من رواية هشام الدستوائي عنه ورواه معمر عن قتادة فقال عن أنس أخرجه
الحاكم أيضا ونقل عن الذهلي أن الرواية الأولى هي المحفوظة وأخرجه البزار والحاكم أيضا
من طريق هلال بن خباب بمعجمة وموحدتين الأولى ثقيلة عن عكرمة عن ابن عباس قال تلا
رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ثم قال هل تدرون فذكر نحوه وكذا وقع في حديث
عبد الله بن عمر وعند مسلم رفعه يخرج الدجال إلى أن قال ثم ينفخ في الصور أخرى فإذا هم قيام
ينظرون ثم يقال أخرجوا بعث النار وفيه فيقال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون فذاك
يوم يجعل الولدان شيبا وكذا رأيت هذا الحديث في مسند أبي الدرداء بمثل العدد المذكور
رويناه في فوائد طلحة بن الصقر وأخرجه ابن مردويه من حديث أبي موسى نحوه فاتفق هؤلاء
على هذا العدد ولم يستحضر الإسماعيلي لحديث أبي هريرة متابعا وقد ظفرت به في مسند أحمد
فإنه أخرج من طريق أبي إسحاق الهجري وفيه مقال عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود
نحوه وأجاب الكرماني بأن مفهوم العدد لا اعتبار له فالتخصيص بعدد لا يدل على نفي الزائد
والمقصود من العددين واحد وهو تقليل عدد المؤمنين وتكثير عدد الكافرين (قلت)
ومقتضى كلامه الأول تقديم حديث أبي هريرة على حديث أبي سعيد فإنه يشتمل على زيادة
337

فإن حديث أبي سعيد يدل على أن نصيب أهل الجنة من كل ألف واحد وحديث أبي هريرة يدل
على أنه عشرة فالحكم للزائد ومقتضى كلامه الأخير أن لا ينظر إلى العدد أصلا بل القدر المشترك
بينهما ما ذكره من تقليل العدد وقد فتح الله تعالى في ذلك بأجوبة أخر وهو حمل حديث أبي سعيد
ومن وافقه على جميع ذرية آدم فيكون من كل ألف واحد وحمل حديث أبي هريرة ومن وافقه
على من عدا يأجوج ومأجوج فيكون من كل ألف عشرة ويقرب ذلك أن يأجوج ومأجوج
ذكروا في حديث أبي سعيد دون حديث أبي هريرة ويحتمل أن يكون الأول يتعلق بالخلق أجمعين
والثاني بخصوص هذه الأمة ويقربه قوله في حديث أبي هريرة إذا أخذ منا لكن في حديث
ابن عباس وانما أمتي جزء من ألف جزء ويحتمل أن تقع القسمة مرتين مرة من جميع الأمم قبل
هذه الأمة فيكون من كل ألف واحد ومرة من هذه الأمة فقط فيكون من كل ألف عشرة ويحتمل
أن يكون المراد ببعث النار الكفار ومن يدخلها من العصاة فيكون من كل ألف تسعمائة وتسعة
وتسعون كافرا ومن كل مائة تسعة وتسعون عاصيا والعلم عند الله تعالى (قوله فذاك حين يشيب
الصغير وتضع وساق إلى قوله شديد) ظاهره أن ذلك يقع في الموقف وقد استشكل بأن ذلك
الوقت لا حمل فيه ولا وضع ولا شيب ومن ثم قال بعض المفسرين ان ذلك قبل يوم القيامة لكن
الحديث يرد عليه وأجاب الكرماني بأن ذلك وقع على سبيل التمثيل والتهويل وسبق إلى ذلك
النووي فقال فيه وجهان للعلماء فذكرهما وقال التقدير أن الحال ينتهي إلى أنه لو كانت النساء
حينئذ حوامل لوضعت كما تقول العرب أصابنا أمر يشيب منه الوليد وأقول يحتمل أن يحمل على
حقيقته فإن كل أحد يبعث على ما مات عليه فتبعث الحامل حاملا والمرضع مرضعة والطفل
طفلا فإذا وقعت زلزلة الساعة وقيل ذلك لآدم ورأى الناس آدم وسمعوا ما قيل له وقع بهم من
الوجل ما يسقط معه الحمل ويشيب له الطفل وتذهل به المرضعة ويحتمل أن يكون ذلك بعد
النفخة الأولى وقبل النفخة الثانية ويكون خاصا بالموجودين حينئذ وتكون الإشارة بقوله
فذاك إلى يوم القيامة وهو صريح في الآية ولا يمنع من هذا الحمل ما يتخيل من طول المسافة بين
قيام الساعة واستقرار الناس في الموقف ونداء آدم لتمييز أهل الموقف لأنه قد ثبت أن ذلك يقع
متقاربا كما قال الله تعالى فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة يعني أرض الموقف وقال تعالى
يوما يجعل الولدان شيبا السماء منفطر به والحاصل أن يوم القيامة يطلق على ما بعد نفخة البعث
من أهوال وزلزلة وغير ذلك إلى آخر الاستقرار في الجنة أو النار وقريب منه ما أخرجه مسلم من
حديث عبد الله بن عمرو في أشراط الساعة إلى أن ذكر النفخ في الصور إلى أن قال ثم نفخ فيه
أخرى فإذا هم قيام ينظرون ثم يقال أخرجوا بعث النار فذكره قال فذاك يوم يجعل الولدان
شيبا ووقع في حديث الصور الطويل عند علي بن معبد وغيره ما يؤيد الاحتمال الثاني وقد
تقدم بيانه في باب النفخ في الصور وفيه بعد قوله وتضع الحوامل ما في بطونها وتشيب الولدان
وتتطاير الشياطين فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض فيأخذهم لذلك الكرب والهول ثم تلا
الآيتين من أول الحج الحديث قال القرطبي في التذكرة هذا الحديث صححه ابن العربي فقال
يوم الزلزلة يكون عند النفخة الأولى وفيه ما يكون فيه من الأهوال العظيمة ومن جملتها ما يقال
لآدم ولا يلزم من ذلك أن يكون ذلك متصلا بالنفخة الأولى بل له محملان أحدهما أن يكون آخر
338

الكلام منوطا بأوله والتقدير يقال لآدم ذلك في أثناء اليوم الذي يشيب فيه الولدان وغير ذلك
وثانيهما أن يكون شيب الولدان عند النفخة الأولى حقيقة والقول لآدم يكون وصفه بذلك
اخبارا عن شدته وان لم يوجد عين ذلك الشئ وقال القرطبي يحتمل أن يكون المعنى ان ذلك حين
يقع لايهم كل أحد الا نفسه حتى أن الحامل تسقط من مثله والمرضعة الخ ونقل عن الحسن
البصري في هذه الآية المعنى ان لو كان هناك مرضعة لذهلت وذكر الحليمي واستحسنه القرطبي
انه يحتمل أن يحيي الله حينئذ كل حمل كان قد تم خلقه ونفخت فيه الروح فتذهل الام حينئذ عنه
لأنها لا تقدر على ارضاعه إذ لا غذاء هناك ولا لبن وأما الحمل الذي لم ينفخ فيه الروح فإنه إذا سقط
لم يحيى لان ذلك يوم الإعادة فمن لم يمت في الدنيا لم يحيى في الآخرة (قوله فاشتد ذلك عليهم) في
حديث ابن عباس فشق ذلك على القوم ووقعت عليهم الكآبة والحزن وفي حديث عمران عند
الترمذي من رواية ابن جدعان عن الحسن فأنشأ المؤمنون يبكون ومن رواية قتادة عن الحسن
فنبس القوم حتى ما أبدوا بضاحكة ونبس بضم النون وكسر الموحدة بعدها مهملة معناه تكلم
فأسرع وأكثر ما يستعمل في النفي وفي رواية شيبان عن قتادة عند ابن مردويه أبلسوا وكذا له
نحوه من رواية ثابت عن الحسن (قوله وأينا ذلك الرجل) قال الطيبي يحتمل أن يكون
الاستفهام على حقيقته فكان حق الجواب أن ذلك الواحد فلان أو من يتصف بالصفة الفلانية
ويحتمل أن يكون استعظاما لذلك الامر واستشعارا للخوف منه فلذلك وقع الجواب بقوله
أبشروا ووقع في حديث أبي هريرة فقالوا يا رسول الله إذا أخذ منا من كل مائة تسعة وتسعون
فماذا يبقى وفي حديث أبي الدرداء فبكى أصحابه (قوله فقال أبشروا) في حديث ابن عباس اعملوا
وأبشروا وفي حديث عمران مثله وللترمذي من طريق ابن جدعان قاربوا وسددوا ونحوه في
حديث أنس (قوله فإن من يأجوج ومأجوج ألفا ومنكم رجل) ظاهره زيادة واحد
عما ذكر من تفصيل الألف فيحتمل أن يكون من جبر الكسر والمراد أن من يأجوج ومأجوج
تسعمائة وتسعة وتسعين أو ألفا الا واحدا وأما قوله ومنكم رجل تقديره والمخرج منكم أو ومنكم
رجل مخرج ووقع في بعض الشروح أن لبعض الرواة فإن منكم رجلا ومن يأجوج ومأجوج
ألفا بالنصب فيهما على المفعول بإخراج المذكور في أول الحديث أي فإنه يخرج كذا وروى
بالرفع على خبر إن واسمها مضمر قبل المجرور أي فان المخرج منكم رجل (قلت) والنصب أيضا
على اسم إن صريحا في الأول وبتقدير في الثاني وهو أولى من الذي قاله فان فيه تكلفا ووقع في
رواية الأصيلي بالرفع في ألف وحده وبالنصب في رجلا ولأبي ذر بالعكس وفي رواية مسلم بالرفع
فيهما قال النووي هكذا في جميع الروايات والتقدير فإنه فحذف الهاء وهي ضمير الشأن وذلك
مستعمل كثيرا ووقع في حديث ابن عباس وانما أمتي جزء من ألف جزء قال الطيبي فيه إشارة إلى
أن يأجوج ومأجوج داخلون في العدد المذكور والوعيد كما يدل قوله ربع أهل الجنة على أن في
غير هذه الأمة أيضا من أهل الجنة وقال القرطبي قوله من يأجوج ومأجوج ألف أي منهم وممن
كان على الشرك مثلهم وقوله ومنكم رجل يعني من أصحابه ومن كان مؤمنا مثلهم (قلت)
وحاصله أن الإشارة بقوله منكم إلى المسلمين من جميع الأمم وقد أشار إلى ذلك في حديث ابن
مسعود بقوله ان الجنة لا يدخلها الا نفس مسلمة (قوله ثم قال والذي نفسي بيده اني لأطمع
339

أن تكونوا ثلث أهل الجنة) تقدم في الباب قبله من حديث ابن مسعود أترضون ان تكونوا
ربع أهل الجنة وكذا في حديث ابن عباس وهو محمول على تعدد القصة فقد تقدم أن القصة التي
في حديث ابن مسعود وقعت وهو صلى الله عليه وسلم في قبته بمنى والقصة التي في حديث أبي
سعيد وقعت وهو صلى الله عليه وسلم سائرا على راحلته ووقع في رواية ابن الكلبي عن أبي صالح
عن ابن عباس بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره في غزوة بني المصطلق ومثله في مرسل
مجاهد عند الخطيب في المبهمات كما سيأتي التنبيه عليه في باب من دخل الجنة بغير حساب ثم
ظهر لي أن القصة واحدة وأن بعض الرواة حفظ فيه مالم يحفظ الآخر إلا أن قول من قال كان
ذلك في غزة بني المصطلق واه والصحيح ما في حديث ابن مسعود ان ذلك كان بمنى وأما ما وقع في
حديثه أنه قال ذلك وهو في قبته فيجمع بينه وبين حديث عمران بأن تلاوته الآية وجوابه عنها
اتفق انه كان وهو سائر ثم قوله اني لأطمع الخ وقع بعد أن نزل وقعد بالقبة وأما زيادة الربع قبل
الثلث فحفظها أبو سعيد وبعضهم لم يحفظ الربع وقد تقدمت سائر مباحثه في الحديث
الخامس من الباب الذي قبله (قوله باب قول الله تعالى ألا يظن أولئك انهم
مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين) كأنه أشار بهذه الآية إلى ما أخرجه هناد بن
السري في الزهد من طريق عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن عمرو قال قال له رجل ان أهل
المدينة ليوفون الكيل فقال وما يمنعهم وقد قال الله تعالى ويل للمطففين إلى قوله يوم يقوم
الناس لرب العالمين قال إن العرق ليبلغ انصاف آذانهم من هول يوم القيامة وهذا لما لم يكن
على شرطه أشار إليه وأورد حديث ابن عمر المرفوع في معناه وأصل البعث إثارة الشئ عن جفاء
وتحريكه عن سكون والمراد به هنا احياء الأموات وخروجهم من قبورهم ونحوها إلى حكم يوم
القيامة (قوله قال ابن عباس وتقطعت بهم الأسباب قال الوصلات في الدنيا) بضم الواو والصاد
المهملة وقال ابن التين ضبطناه بفتح الصاد وبضمها وبسكونها وقال أبو عبيدة الأسباب هي
الوصلات التي كانوا يتواصلون بها في الدنيا واحدتها وصلة وهذا الأثر لم أظفر به عن ابن عباس
بهذا اللفظ وقد وصله عبد بن حميد والطبري وابن أبي حاتم بسند ضعيف عن ابن عباس قال
المودة وهو بالمعنى وكذا أخرجه عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد وللطبري من
طريق العوفي عن ابن عباس قال تقطعت بهم المنازل ومن طريق الربيع بن أنس مثله وأخرجه
ابن أبي حاتم من وجه آخر عن الربيع عن أبي العالية قال يعني أسباب الندامة وللطبري من
طريق ابن جريج عن ابن عباس قال الأسباب الأرحام وهذا منقطع ولابن أبي حاتم من طريق
الضحاك قال تقطعت بهم الأرحام وتفرقت بهم المنازل في النار وورد بلفظ التواصل والمواصلة
أخرجه الثلاثة المذكورون أيضا من طريق عبيد المكتب عن مجاهد قال تواصلهم في الدنيا
وللطبري من طريق ابن جريج عن مجاهد قال تواصل كان بينهم بالمودة في الدنيا وله من طريق
سعيد ولعبد من طريق شيبان كلاهما عن قتادة قال الأسباب المواصلة التي كانت بينهم في الدنيا
يتواصلون بها ويتحابون فصارت عداوة يوم القيامة وللطبري من طريق معمر عن قتادة قال هو
الوصل الذي كان بينهم في الدنيا ولعبد من طريق السدي عن أبي صالح قال الأعمال وهو عند
340

الطبري عن السدى من قوله قال الطبري الأسباب جمع سبب وهو كل ما يتسبب به إلى طلبة
وحاجة فيقال للحبل سبب لأنه يتوصل به إلى الحاجة التي يتعلق به إليها وللطريق سبب للتسبب
بركوبه إلى مالا يدرك الا بقطعه وللمصاهرة سبب للحرمة وللوسيلة سبب للوصول بها إلى الحاجة
وقال الراغب السبب الحبل وسمي كل ما يتوصل به إلى شئ سببا ومنه لعلي أبلغ الأسباب أسباب
السماوات أي أصل إلى الأسباب الحادثة في السماء فأتوصل بها إلى معرفة ما يدعيه موسى ويسمى
العمامة والخمار والثوب الطويل سببا تشبيها بالحبل وكذا منهج الطريق لشبهه بالحبل وبالثوب
الممدود أيضا وذكر فيه حديثين أحدهما عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم يقوم
الناس لرب العالمين قال يقوم أحدهم في رشحه إلى انصاف أذنيه في رواية صالح بن كيسان عن
نافع عند مسلم حتى يغيب أحدهم وكذا تقدم في تفسير ويل للمطففين من طريق مالك عن نافع
والرشح بفتح الراء وسكون الشين المعجمة بعدهما مهملة هو العرق شبه برشح الاناء لكونه يخرج من
البدن شيئا فشيئا وهذا ظاهر في أن العرق يحصل لكل شخص من نفسه وفيه تعقب على من جوز
أن يكون من عرقه فقط أو من عرقه وعرق غيره وقال عياض يحتمل أن يريد عرق الانسان نفسه
بقدر خوفه مما يشاهده من الأهوال ويحتمل أن يريد عرقه وعرق غيره فيشدد على بعض ويخفف
على بعض وهذا كله بتزاحم الناس وانضمام بعضهم إلى بعض حتى صار العرق يجري سائحا في
وجه الأرض كالماء في الوادي بعد أن شربت منه الأرض وغاص فيها سبعين ذراعا (قلت)
واستشكل بأن الجماعة إذا وقفوا في الماء الذي على أرض معتدلة كانت تغطية الماء لهم على السواء
لكنهم إذا اختلفوا في الطول والقصر تفاوتوا فكيف يكون الكل إلى الاذن والجواب أن ذلك
من الخوارق الواقعة يوم القيامة والأولى أن تكون الإشارة بمن يصل الماء إلى أذنيه إلى غاية
ما يصل الماء ولا ينفى أن يصل الماء لبعضهم إلى دون ذلك فقد أخرج الحاكم من حديث عقبة بن
عامر رفعه تدنو الشمس من الأرض يوم القيامة فيعرق الناس فمنهم من يبلغ عرقه عقبه ومنهم من
يبلغ نصف ساقه ومنهم من يبلغ ركبته ومنهم من يبلغ فخذه ومنهم من يبلغ خاصرته ومنهم من يبلغ
منكبه ومنهم من يبلغ فاه وأشار بيده فالجمها فاه ومنهم من يغطيه عرقه وضرب بيده على رأسه
وله شاهد عند مسلم من حديث المقداد بن الأسود وليس بتمامه وفيه تدني الشمس يوم القيامة
من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل فتكون الناس على مقدار أعمالهم في العرق الحديث
فإنه ظاهر في أنهم يستوون في وصول العرق إليهم ويتفاوتون في حصوله فيهم وأخرج أبو يعلى
وصححه ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم يقوم الناس
لرب العالمين قال مقدار نصف يوم من خمسين ألف سنة فيهون ذلك على المؤمن كتدلي الشمس
إلى أن تغرب وأخرجه أحمد وابن حبان نحوه من حديث أبي سعيد والبيهقي في البعث من طريق
عبد الله بن الحارث عن أبي هريرة يحشر الناس قياما أربعين سنة شاخصة أبصارهم إلى السماء
فيلجمهم العرق من شدة الكرب الحديث الثاني (قوله حدثني سليمان) هو ابن بلال والسند
كله مدنيون (قوله يعرق الناس) بفتح الراء وهي مكسورة في الماضي (قوله يوم القيامة حتى
يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعا ويلجمهم العرق حتى يبلغ آذانهم) في رواية الإسماعيلي
من طريق ابن وهب عن سليمان بن بلال سبعين باعا وفي رواية مسلم من طريق الدراوردي عن
341

ثور وانه ليبلغ إلى أفواه الناس أو إلى آذانهم شك ثور وجاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص ان
الذي يجلمه العرق الكافر أخرجه البيهقي في البعث بسند حسن عنه قال يشتد كرب ذلك اليوم
حتى يلجم الكافر العرق قيل له فأين المؤمنون قال على الكراسي من ذهب ويظلل عليهم الغمام
وبسند قوي عن أبي موسى قال الشمس فوق رؤس الناس يوم القيامة وأعمالهم تظلهم وأخرج
ابن المبارك في الزهد وابن أبي شيبة فالمصنف واللفظ له بسند جيد عن سلمان قال تعطى الشمس
يوم القيامة حر عشر سنين ثم تدنى من جماجم الناس حتى تكون قاب قوسين فيعرقون حتى يرشح
العرق في الأرض قامة ثم ترتفع حتى يغرغر الرجل زاد ابن المبارك في روايته ولا يضر حرها يومئذ
مؤمنا ولا مؤمنة قال القرطبي المراد من يكون كامل الايمان لما يدل عليه حديث المقداد
وغيره انهم يتفاوتون في ذلك بحسب أعمالهم وفي حديث ابن مسعود عند الطبراني والبيهقي ان
الرجل ليفيض عرقا حتى يسيح في الأرض قامة ثم يرتفع حتى يبلغ أنفه وفي رواية عنه عند أبي
يعلى وصححها ابن حبان ان الرجل ليلجمه العرق يوم القيامة حتى يقول يا رب أرحني ولو إلى النار
وللحاكم والبزار من حديث جابر نحوه وهو كالصريح في أن ذلك كله في الموقف وقد ورد أن
التفصيل الذي في حديث عقبة والمقداد يقع مثله لمن يدخل النار فأخرج مسلم أيضا من حديث
سمرة رفعه ان منهم من تأخذه النار إلى ركبتيه ومنهم من تأخذه إلى حجزته وفي رواية إلى حقويه
ومنهم من تأخذه إلى عنقه وهذا يحتمل أن يكون النار فيه مجازا عن شدة الكرب الناشئ عن
العرق فيتحد الموردان ويمكن أن يكون ورد في حق من يدخل النار من الموحدين فإن أحوالهم
في التعذيب تختلف بحسب أعمالهم وأما الكفار فإنهم في الغمرات قال الشيخ أبو محمد بن أبي
جمرة ظاهر الحديث تعميم الناس بذلك ولكن دلت الأحاديث الأخرى على أنه مخصوص بالبعض
وهم الأكثر ويستثنى الأنبياء والشهداء ومن شاء الله فأشدهم في العرق الكفار ثم أصحاب
الكبائر ثم من بعدهم والمسلمون منهم قليل بالنسبة إلى الكفار كما تقدم تقريره في حديث بعث
النار قال والظاهر أن المراد بالذراع في الحديث المتعارف وقيل هو الذراع الملكي ومن تأمل الحالة
المذكورة عرف عظم الهول فيها وذلك أن النار تحف بأرض الموقف وتدني الشمس من الرؤس
قدر ميل فكيف تكون حرارة تلك الأرض وماذا يرويها من العرق حتى يبلغ منها سبعين ذراعا
مع أن كل واحد لا يجد الا قدر موضع قدمه فكيف تكون حالة هؤلاء في عرقهم مع تنوعهم فيه
ان هذا لمما يبهر العقول ويدل على عظيم القدرة ويقتضي الايمان بأمور الآخرة وأن ليس للعقل
فيه مجال ولا يعترض عليها بعقل ولا قياس ولا عادة وانما يؤخذ بالقبول ويدخل تحت الايمان
بالغيب ومن توقف في ذلك دل على خسرانه وحرمانه وفائدة الاخبار بذلك أن يتنبه السامع
فيأخذ في الأسباب التي تخلصه من تلك الأهوال ويبادر إلى التوبة من التبعات ويلجأ إلى
الكريم الوهاب في عونه على أسباب السلامة ويتضرع إليه في سلامته من دار الهوان وادخاله
دار الكرامة بمنه وكرمه (قوله باب القصاص يوم القيامة) القصاص بكسر
القاف وبمهملتين مأخوذ من القص وهو القطع أو من اقتصاص الأثر وهو تتبعه لان المقتص
يتتبع جناية الجاني ليأخذ مثلها يقال اقتص من غريمة واقتص الحاكم لفلان من فلان (قوله
وهي الحاقة) الضمير للقيامة (قوله لان فيها الثواب وحواق الأمور الحقة والحاقة واحد) هذا
342

أخذه من كلام الفراء قال في معاني القرآن الحاقة القيامة سميت بذلك لان فيها الثواب وحواق
الأمور ثم قال والحقة والحاقة كلاهما بمعنى واحد قال الطبري سميت الحاقة لأن الأمور تحق
فيها وهو كقولهم ليل قائم وقال غيره سميت الحاقة لأنها أحقت لقوم الجنة ولقوم النار وقيل لأنها
تحاقق الكفار الذين خالفوا الأنبياء يقال حاققته فحققته أي خاصمته فخصمته وقيل لأنها حق
لا شك فيه قوله والقارعة هو معطوف على الحاقة والمراد أنها من أسماء يوم القيامة وسميت
بذلك لأنها تقرع القلوب بأهوالها (قوله والغاشية) سميت بذلك لأنها تغشى الناس بافزاعها أي
تعمهم بذلك (قوله والصاخة) قال الطبري أظنه من صخ فلان فلانا إذا أصمه وسميت بذلك لان
صيحة القيامة مسمعة لأمور الآخرة ومصمة عن أمور الدنيا وتطلق الصاخة أيضا على الداهية
(قوله التغابن غبن أهل الجنة أهل النار) غبن بفتح المعجمة والموحدة بعدها نون والسبب في ذلك
أن أهل الجنة ينزلون منازل الأشقياء التي كانت أعدت لهم لو كانوا سعداء فعلى هذا فالتغابن
من طرف واحد ولكنه ذكر بهذه الصيغة للمبالغة وقد اقتصر المصنف من أسماء يوم القيامة
على هذا القدر وجمعها الغزالي ثم القرطبي فبلغت نحو الثمانين اسما فمنها يوم الجمع ويوم الفزع
الأكبر ويوم التناد ويوم الوعيد ويوم الحسرة ويوم التلاق ويوم المآب ويوم الفصل ويوم
العرض على الله ويوم الخروج ويوم الخلود ومنها يوم عظيم ويوم عسير ويوم مشهود ويوم عبوس
قمطرير ومنها يوم تبلى السرائر ومنها يوم لا تملك نفس لنفس شيئا ويوم يدعون إلى نار جهنم ويوم
تشخص فيه الابصار ويوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ويوم لا ينطقون ويوم لا ينفع مال ولا بنون
ويوم لا يكتمون الله حديثا ويوم لا مرد له من الله ويوم لا بيع فيه ولا خلال ويوم لا ريب فيه فإذا
ضمت هذه إلى ما ذكر في الأصل كانت أكثر من ثلاثين اسما معظمها ورد في القرآن بلفظه وسائر
الأسماء المشار إليها أخذت بطريق الاشتقاق بما ورد منصوصا كيوم الصدر من قوله يومئذ
يصدر الناس أشتاتا ويوم الجدال من قوله يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ولو تتبع مثل هذا
من القرآن زاد على ما ذكر والله أعلم وذكر في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث ابن مسعود
والسند إليه كوفيون وشقيق هو ابن سلمة أبو وائل مشهور بكنيته أكثر من اسمه (قوله أول
ما يقضي بين الناس بالدماء) في رواية الكشميهني الدماء وسيأتي كالأول في الديات من وجه آخر
عن الأعمش ولمسلم والإسماعيلي من طريق أخرى عن الأعمش بين الناس يوم القيامة في الدماء
أي التي وقعت بين الناس في الدنيا والمعنى أول القضايا القضاء في الدماء ويحتمل أن يكون التقدير
أول ما يقضي فيه الامر الكائن في الدماء ولا يعارض هذا حديث أبي هريرة رفعه ان أول
ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته الحديث أخرجه أصحاب السنن لان الأول محمول على
ما يتعلق بمعاملات الخلق والثاني فيما يتعلق بعبادة الخالق وقد جمع النسائي في روايته في حديث
ابن مسعود بين الخبرين ولفظه أول ما يحاسب العبد عليه صلاته وأول ما يقضي بين الناس في
الدماء وتقدم في تفسير سورة الحج ذكر هذه الأولية بأخص مما في حديث الباب وهو عن علي قال
أنا أول من يجثو للخصومة يوم القيامة يعني هو ورفيقاه حمزة وعبيدة وخصومهم عتبة وشيبة ابنا
ربيعة والوليد بن عتبة الذين بارزوا يوم بدر قال أبو ذر فيهم نزلت هذان خصمان اختصموا في ربهم
الآية وتقدم شرحه هناك وفي حديث الصور الطويل عن أبي هريرة رفعه أول ما يقضي بين
343

الناس في الدماء ويأتي كل قتيل قد حمل رأسه فيقول يا رب سل هذا فيم قتلني الحديث وفي حديث
نافع ابن جبير عن ابن عباس رفعه يأتي المقتول معلقا رأسه بإحدى يديه ملببا قاتله بيده الأخرى
تشخب أوداجه دما حتى يقفا بين يدي الله الحديث ونحوه عند ابن المبارك عن عبد الله بن
مسعود موقوفا وأما كيفية القصاص فيما عدا ذلك فيعلم من الحديث الثاني وأخرج ابن ماجة
عن ابن عباس رفعه نحن آخر الأمم وأول من يحاسب يوم القيامة وفي الحديث عظم أمر الدم فإن
البداءة انما تكون بالأهم والذنب يعظم بحسب عظم المفسدة وتفويت المصلحة واعدام البنية
الانسانية غاية في ذلك وقد ورد في التغليظ في أمر القتل آيات كثيرة وأثار شهيرة يأتي بعضها في
أول الديات الحديث الثاني (قوله مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري) في رواية ابن وهب
عن مالك حدثني سعيد بن أبي سعيد (قوله من كانت عنده مظلمة لأخيه) في رواية الكشميهني
من أخيه (قوله ليس ثم دينار ولا درهم) في حديث ابن عمر رفعه من مات وعليه دينارا ودرهم
قضى من حسناته أخرجه ابن ماجة وقد مضى شرحه في كتاب المظالم والمراد بالحسنات الثواب
عليها وبالسيئات العقاب عليها وقد استشكل إعطاء الثواب وهو لا يتناهى في مقابلة العقاب
وهو متناه وأجيب بأنه محمول على أن الذي يعطاه صاحب الحق من أصل الثواب ما يوازي
العقوبة عن السيئة وأما ما زاد على ذلك بفضل الله فإنه يبقى لصاحبه قال البيهقي سيئات المؤمن
على أصول أهل السنة متناهية الجزاء وحسناته غير متناهية الجزاء لان من ثوابها الخلود في
الجنة فوجه الحديث عندي والله أعلم أنه يعطى خصماء المؤمن المسئ من أجر حسناته
ما يوازي عقوبة سيآته فإن فنيت حسناته أخذ من خطايا خصومه فطرحت عليه ثم يعذب
ان لم يعف عنه فإذا انتهت عقوبة تلك الخطايا أدخل الجنة بما كتب له من الخلود فيها بإيمانه ولا
يعطي خصماؤه ما زاد من أجر حسناته على ما قابل عقوبة سيآته يعني من المضاعفة لان ذلك
من فضل الله يختص به من وافى يوم القيامة مؤمنا والله أعلم قال الحميدي في كتاب الموازنة الناس
ثلاثة من رجحت حسناته على سيآته أو بالعكس أو من تساوت حسناته وسيئاته فالأول
فائز بنص القرآن والثاني يقتضي منه بما فضل من معاصيه على حسناته من النفخة إلى آخر من
يخرج من النار بمقدار قلة شره وكثرته والقسم الثالث أصحاب الأعراف وتعقبه أبو طالب
عقيل بن عطية في كتابه الذي رد عليه فيه بأن حق العبارة فيه أن يقيد بمن شاء الله أن يعذبه منهم
والا فالمكلف في المشيئة وصوب الثالث على أحد الأقوال في أهل الأعراف قال وهو أرجح
الأقوال فيهم (قلت) قد قال الحميدي أيضا والحق أن من رجحت سيآته على حسناته على قسمين
من يعذب ثم يخرج من النار بالشفاعة ومن يعفى عنه فلا يعذب أصلا وعند أبي نعيم من حديث
ابن مسعود يؤخذ بيد العبد فينصب على رؤس الناس وينادى مناد هذا فلان بن فلان فمن كان
له حق فليأت فيأتون فيقول الرب آت هؤلاء حقوقهم فيقول يا رب فنيت الدنيا فمن أين أوتيهم
فيقول للملائكة خذوا من أعماله الصالحة فاعطوا كل انسان بقدر طلبته فإن كان ناجيا
وفضل من حسناته مثقال حبة من خردل ضاعفها الله حتى يدخله بها الجنة وعند ابن أبي الدنيا
عن حذيفة قال صاحب الميزان يوم القيامة جبريل يرد بعضهم على بعض ولا ذهب يومئذ ولا فضة
فيؤخذ من حسنات الظالم فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فردت على الظالم
344

وأخرج أحمد والحاكم من حديث جابر بن عبد الله بن أنيس رفعه لا ينبغي لاحد من أهل الجنة
أن يدخل الجنة ولاحد من أهل النار عنده مظلمة حتى أقصه منه حتى اللطمة قلنا يا رسول الله
كيف وانما نحشر حفاة عراة قال بالسيئات والحسنات وعلق البخاري طرفا منه في التوحيد
كما سيأتي وفي حديث أبي أمامة في نحو حديث أبي سعيد ان الله يقول لا يجاوزني اليوم ظلم ظالم
وفيه دلالة على موازنة الأعمال يوم القيامة وقد صنف فيه الحميدي صاحب الجمع كتابا لطيفا
وتعقب أبو طالب عقيل بن عطية أكثره في كتاب سماه تحرير المقال في موازنة الأعمال وفي
حديث الباب وما بعده دلالة على ضعف الحديث الذي أخرجه مسلم من رواية غيلان بن جرير
عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه رفعه يجئ يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب
أمثال الجبال يغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى فقد ضعفه البيهقي وقال تفرد به
شداد أبو طلحة والكافر لا يعاقب بذنب غيره لقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى وقد أخرج أصل
الحديث مسلم من وجه آخر عن أبي بردة بلفظ إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهوديا
أو نصرانيا فيقول هذا فداؤك من النار قال البيهقي ومع ذلك فضعفه البخاري وقال الحديث في
الشفاعة أصح قال البيهقي ويحتمل أن يكون الفداء في قوم كانت ذنوبهم كفرت عنهم في حياتهم
وحديث الشفاعة في قوم لم تكفر ذنوبهم ويحتمل أن يكون هذا القول لهم في الفداء بعد
خروجهم من النار بالشفاعة وقال غيره يحتمل أن يكون الفداء مجازا عما يدل عليه حديث أبي
هريرة الآتي في أواخر باب صفة الجنة والنار قريبا بلفظ لا يدخل الجنة أحد الا أرى مقعده من
النار لو أساء ليزداد شكرا الحديث وفيه في مقابله ليكون عليه حسرة فيكون المراد بالفداء انزال
المؤمن في مقعد الكافر من الجنة الذي كان أعد له وانزال الكافر في مقعد المؤمن الذي كان أعد
له وقد يلاحظ في ذلك قوله تعالى وتلك الجنة التي أورثتموها وبذلك أجاب النووي تبعا لغيره وأما
رواية غيلان بن جرير فأولها النووي أيضا تبعا لغيره بأن الله يغفر تلك الذنوب للمسلمين فإذا
سقطت عنهم وضعت على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم فيعاقبون بذنوبهم لا بذنوب المسلمين
ويكون قوله ويضعها أي يضع مثلها لأنه لما أسقط عن المسلمين سيآتهم وأبقى على الكفار
سيآتهم صاروا في معنى من حمل اثم الفريقين لكونهم انفردوا بحمل الاثم الباقي وهو اثمهم
ويحتمل أن يكون المراد آثاما كانت الكفار سببا فيها بأن سنوها فلما غفرت سيئات المؤمنين
بقيت سيئات الذي سن تلك السنة السيئة باقية لكون الكافر لا يغفر له فيكون الوضع كناية عن
ابقاء الذنب الذي لحق الكافر بما سنه من عمله السئ ووضعه عن المؤمن الذي فعله بما من الله
به عليه من العفو والشفاعة سواء كان ذلك قبل دخول النار أو بعد دخولها والخروج منها
بالشفاعة وهذا الثاني أقوى والله أعلم * الحديث الثالث (قوله حدثنا الصلت بن محمد) بفتح الصاد
المهملة وسكون الام بعده تاء مثناة من فوق وهو الخاركي بخاء معجمة وكاف (قوله حدثنا
يزيد بن زريع ونزعنا ما في صدورهم من غل قال حدثنا سعيد) أي قرأ يزيد هذه الآية وفسرها
بالحديث المذكور وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن المنهال عن يزيد بن زريع بهذا
السند إلى أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية ونزعنا ما في صدروهم من
غل إخوانا على سرر متقابلين قال يخلص المؤمنون الحديث وظاهره أن تلاوة الآية مرفوع
345

فإن كان محفوظا احتمل أن يكون كل من رواته تلا الآية عند إيراد الحديث فاختصر ذلك في
رواية الصلت ممن فوق يزيد بن زريع وقد أخرجه الطبري من رواية عفان عن يزيد بن زريع
حدثنا سعيد بن أبي عروبة في هذه الآية فذكرها قال حدثنا قتادة فذكره وكذا أخرجه ابن أبي
حاتم من طريق شعيب بن إسحاق عن سعيد ورواه عبد الوهاب بن عطاء وروح بن عبادة عن سعيد
فلم يذكر الآية أخرجه ابن مردويه وأبو المتوكل الناجي بالنون اسمه علي بن داود ورجال السند
كلهم بصريون وصرح قتادة بالتحديث في هذا الحديث في رواية مضت في المظالم وكذا الرواية
المعلقة ليونس بن محمد عن شيبان عن قتادة ووصلها ابن منده وكذا أخرجها عبد بن حميد في
تفسيره عن يونس بن محمد وكذا في رواية شعيب بن إسحاق عن سعيد ورواية بشر بن خالد وعفان
عن يزيد بن زريع (قوله 1 إذا خلص المؤمنون من النار) أي نجوا من السقوط فيها بعدما جازوا
على الصراط ووقع في رواية هشام عن قتادة عند المصنف في المظالم إذا خلص المؤمنون من جسر
جهنم وسيأتي في حديث الشفاعة كيفية مرورهم على الصراط قال القرطبي هؤلاء المؤمنون
هم الذين علم الله أن القصاص لا يستنفد حسناتهم (قلت) ولعل أصحاب الأعراف منهم على
القول المرجح آنفا وخرج من هذا صنفان من المؤمنين من دخل الجنة بغير حساب ومن أوبقه
عمله (قوله فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار) سيأتي ان الصراط جسر موضوع على متن
جهنم وان الجنة وراء ذلك فيمر عليه الناس بحسب أعمالهم فمنهم الناجي وهو من زادت حسناته
على سيآته أو استويا أو تجاوز الله عنه ومنهم الساقط وهو من رجحت سيآته على حسناته الا من
تجاوز الله عنه فالساقط من الموحدين يعذب ما شاء الله ثم يخرج بالشفاعة وغيرها والناجي قد
يكون عليه تبعات وله حسنات توازيها أو تزيد عليها فيؤخذ من حسناته ما يعدل تبعاته فيخلص
منها واختلف في القنطرة المذكورة فقيل هي من تتمة الصراط وهي طرفه الذي يلي الجنة وقيل
إنهما صراطان وبهذا الثاني جزم القرطبي وسيأتي صفة الصراط في الكلام على الحديث الذي
في باب الصراط جسر جهنم في أواخر كتاب الرقاق (قوله فيقتص لبعضهم من بعض) بضم أوله
على البناء للمجهول للأكثر وفي رواية الكشميهني بفتح أوله فتكون اللام على هذه الرواية زائدة
أو الفاعل محذوف وهو الله أو من أقامه في ذلك وفي رواية شيبان فيقتص بعضهم من بعض
(قوله حتى إذا هذبوا ونقوا) بضم الهاء وبضم النون وهما بمعنى التمييز والتخليص من التبعات
(قوله أذن لهم في دخول الجنة فوالذي نفس محمد بيده) هذا ظاهره أنه مرفوع كله وكذا في سائر
الروايات الا في رواية عفان عند الطبري فإنه جعل هذا من كلام قتادة فقال بعد قوله في دخول
الجنة قال وقال قتادة والذي نفسي بيده لأحدهم أهدى الخ وفي رواية شعيب بن إسحاق بعد قوله
في دخول الجنة قال فوالذي نفسي بيده الخ فأبهم القائل فعلى رواية عفان يكون هو قتادة وعلى
رواية غيره يكون هو النبي صلى الله عليه وسلم وزاد محمد بن المنهال عند الإسماعيلي قال قتادة
كان يقال ما يشبه بهم الا أهل الجمعة إذا انصرفوا من جمعتهم وهكذا عند عبد الوهاب وروح
وفي رواية بشر بن خالد وعفان جميعا عند الطبري قال وقال بعضهم فذكره وكذا في رواية شعيب
ابن إسحاق ويونس بن محمد والقائل وقال بعضهم هو قتادة ولم أقف على تسمية القائل (قوله
لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا) قال الطيبي أهدى لا يتعدى بالباء بل
346

باللام أو إلى فكأنه ضمن معنى اللصوق بمنزله هاديا إليه ونحوه قوله تعالى يهديهم ربهم بإيمانهم
الآية فان المعنى يهديهم ربهم بإيمانهم إلى طريق الجنة فأقام تجري من تحتهم إلى آخرها بيانا
وتفسيرا لان التمسك بسبب السعادة كالوصول إليها (قلت) ولأصل الحديث شاهد من مرسل
الحسن أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح عنه قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
يحبس أهل الجنة بعد ما يجوزون الصراط حتى يؤخذ لبعضهم من بعض ظلاماتهم في الدنيا
ويدخلون الجنة وليس في قلوب بعضهم على بعض غل قال القرطبي وقع في حديث عبد الله بن
سلام ان الملائكة تدلهم على طريق الجنة يمينا وشمالا وهو محمول على من لم يحبس بالقنطرة أو على
الجميع والمراد أن الملائكة تقول ذلك لهم قبل دخول الجنة فمن دخل كانت معرفته بمنزلة فيها
كمعرفته بمنزله في الدنيا (قلت) ويحتمل أن يكون القول بعد الدخول مبالغة في التبشير والتكريم
وحديث عبد الله بن سلام المذكور أخرجه عبد الله بن المبارك في الزهد وصححه الحاكم (قوله
باب من نوقش الحساب عذب) هو من النقش وهو استخراج الشوكة وتقدم بيانه في
الجهاد والمراد بالمناقشة الاستقصاء في المحاسبة والمطالبة بالجليل والحقير وترك المسامحة يقال
انتقشت منه حقي أي استقصيته وذكر فيه ثلاثة أحاديث * الحديث الأول (قوله عن ابن أبي
مليكة عن عائشة) قال الدارقطني رواه حاتم بن أبي صغيرة عن عبد الله بن أبي مليكة فقال حدثني
القاسم بن محمد حدثتني عائشة وقوله أصح لأنه زاد وهو حافظ متقن وتعقبه النووي وغيره بأنه
محمول على أنه سمع من عائشة وسمعه من القاسم عن عائشة فحدث به على الوجهين (قلت) وهذا
مجرد احتمال وقد وقع التصريح بسماع ابن أبي مليكة له عن عائشة في بعض طرقه كما في السند
الثاني من هذا الباب فانتفى التعليل باقساط رجل من السند وتعين الحمل على أنه سمع من القاسم
عن عائشة ثم سمعه من عائشة بغير واسطة أو بالعكس والسر فيه أن في روايته بالواسطة ما ليس
في روايته بغير واسطة وإن كان مؤداهما واحدا وهذا هو المعتمد بحمد الله (قوله عن النبي صلى
الله عليه وسلم) في رواية عبد بن حميد عن عبد الله بن موسى شيخ البخاري فيه سمعت النبي صلى
الله عليه وسلم (قوله قالت قلت أليس يقول الله تعالى فسوف يحاسب) في رواية عبد قلت يا رسول
الله ان الله يقول فأما من أوتي كتابه بيمينه إلى قوله حسابا يسيرا ولأحمد من وجه آخر عن عائشة
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته اللهم حاسبني حسابا يسيرا فلما
انصرف قلت يا رسول الله ما الحساب اليسير قال إن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه ان من نوقش
الحساب يا عائشة يومئذ هلك (قوله في السند الثاني مثله) تقدم في تفسير سورة انشقت بهذا
السند ولم يسق لفظه أيضا وأورده الإسماعيلي من رواية أبي بكر بن خلاد عن يحيى بن سعيد
فقال مثل حديث عبيد الله بن موسى سواء (قوله تابعه ابن جريج ومحمد بن سليم وأيوب وصالح
ابن رستم عن ابن أبي مليكة عن عائشة) قلت متابعة ابن جريج ومحمد بن سليم وصلهما أبو عوانة
في صحيحه من طريق أبي عاصم عن ابن جريج وعثمان بن الأسود ومحمد بن سليم كلهم عن ابن أبي
مليكة عن عائشة به (تنبيهان) أحدهما اختلف علي ابن جريج في سند هذا الحديث فأخرجه ابن
مردويه من طريق أخرى عن ابن جريج عن عطاء عن عائشة مختصرا ولفظه من حوسب يوم
القيامة عذب ثانيهما محمد بن سليم هذا جزم أبو علي الجياني بأنه أبو عثمان المكي وقال استشهد
347

به البخاري في الرقاق وفرق بينه وبين محمد بن سليم البصري وهو أبو هلال الراسبي استشهد به
البخاري في التعبير وأما المزي فلم يذكر أبا عثمان في التهذيب بل اقتصر على ذكر أبي هلال وعلم
علامة التعليق على اسمه في ترجمة ابن أبي مليكة وهو الذي هنا وعلى محمد بن سيرين وهو الذي في
التعبير والذي يظهر تصويب أبي علي ومحمد بن سليم أبو عثمان المذكور ذكره البخاري في
التاريخ فقال يروي عن ابن أبي مليكة وروى عنه وكيع وقال ابن أبي حاتم روى عنه أبو عاصم
ونقل عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال هو ثقة وقال أبو حاتم صالح وذكره ابن حبان في
الطبقة الثالثة من الثقات وأما متابعة أيوب فوصلها المؤلف في التفسير من رواية حماد بن زيد
عن أيوب ولم يسق لفظه وأخرجه أبو عوانة في صحيحه عن إسماعيل القاضي عن سليمان شيخ
البخاري فيه ولفظه من حوسب عذب قالت عائشة فقلت يا رسول الله فأين قول الله تعالى فأما
من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا قال ذاك العرض ولكنه من نوقش الحساب
عذب وأخرجه من طريق همام عن أيوب بلفظ من نوقش عذب فقالت كأنها تخاصمه فذكر
نحوه وزاد في آخره قالها ثلاث مرات وأخرجه ابن مردويه من وجه آخر عن حماد بلفظ ذاكم
العرض بزيادة ميم الجماعة وأما متابعة صالح بن رستم بضم الراء وسكون المهملة وضم المثناة وهو
أبو عامر الخزاز بمعجمات مشهور بكنيته أكثر من اسمه فوصلها إسحاق بن راهويه في مسنده عن
النضر بن شميل عن أبي عامر الخزاز ووقعت لنا بعلو في المحامليات وفي لفظه زيادة قال عن عائشة
قالت قلت إني لاعلم أي آية في القرآن أشد فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم وما هي قلت من
يعمل سوءا يجز به فقال إن المؤمن يجازى بأسوء عمله في الدنيا يصيبه المرض حتى النكبة ولكن من
نوقش الحساب يعذبه قالت قلت أليس قال الله تعالى فذكر مثل حديث إسماعيل بن إسحاق
وأخرجه الطبري وأبو عوانة وابن مردويه من عدة طرق عن أبي عامر الخزاز نحوه (قوله حاتم بن
أبي صغيرة) بفتح المهملة وكسر الغين المعجمة وكنية حاتم أبو يونس واسم أبي صغيرة مسلم وقد قيل
أنه زوج أم أبي يونس وقيل جده لامه (قوله ليس أحد يحاسب يوم القيامة الا هلك ثم قال
أخيرا وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة الا عذب) وكلاهما يرجعان إلى معنى واحد لان
المراد بالمحاسبة تحرير الحساب فيستلزم المناقشة ومن عذب فقد هلك وقال القرطبي في المفهم
قوله حوسب أي حساب استقصاء وقوله عذب أي في النار جزاء على السيئات التي أظهرها
حسابه وقوله هلك أي بالعذاب في النار قال وتمسكت عائشة بظاهر لفظ الحساب لأنه يتناول
القليل والكثير (قوله يناقش الحساب) بالنصب على نزع الخافض والتقدير يناقش في
الحساب (قوله أليس قد قال الله تعالى) تقدم في تفسير سورة انشقت من رواية يحيى القطان
عن أبي يونس بلفظ فقلت يا رسول الله جعلني الله فداءك أليس يقول الله تعالى (قوله انما ذلك
العرض) في رواية القطان قال ذاك العرض تعرضون ومن نوقش الحساب هلك وأخرج
الترمذي لهذا الحديث شاهدا من رواية همام عن قتادة عن أنس رفعه من حوسب عذب وقال
غريب (قلت) والراوي له عن همام علي بن أبي بكر صدوق وربما أخطأ قال القرطبي معنى قوله انما
ذلك العرض ان الحساب المذكور في الآية انما هو أن تعرض أعمال المؤمن عليه حتى يعرف
منة الله عليه في سترها عليه في الدنيا وفي عفوه عنها في الآخرة كما في حديث ابن عمر في النجوى
348

قال عياض قوله عذب له معنيان أحدهما ان نفس مناقشة الحساب وعرض الذنوب والتوقيف
على قبيح ما سلف والتوبيخ تعذيب والثاني انه يفضي إلى استحقاق العذاب إذ لا حسنة للعبد الا
من عند الله لاقداره عليها وتفضله عليه بها وهدايته لها ولان الخالص لوجهه قليل ويؤيد هذا
الثاني قوله في الرواية الأخرى هلك وقال النووي التأويل الثاني هو الصحيح لان التقصير غالب
على الناس فمن استقصى عليه ولم يسامح هلك وقال غيره وجه المعارضة أن لفظ الحديث عام في
تعذيب كل من حوسب ولفظ الآية دال على أن بعضهم لا يعذب وطريق الجمع أن المراد بالحساب
في الآية العرض وهو ابراز الأعمال واظهارها فيعرف صاحبها بذنوبه ثم يتجاوز عنه ويؤيده
ما وقع عند البزار والطبري من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير سمعت عائشة تقول سألت رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن الحساب اليسير قال الرجل تعرض عليه ذنوبه ثم يتجاوز له عنها وفي
حديث أبي ذر عند مسلم يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه الحديث وفي
حديث جابر عند ابن أبي حاتم والحاكم من زادت حسناته على سيآته فذاك الذي يدخل الجنة
بغير حساب ومن استوت حسناته وسيئاته فذاك الذي يحاسب حسابا يسيرا ثم يدخل الجنة
ومن زادت سيآته على حسناته فذاك الذي أوبق نفسه وانما الشفاعة في مثله ويدخل في هذا
حديث ابن عمر في النجوى وقد أخرجه المصنف في كتاب المظالم وفي تفسير سورة هود وفي التوحيد
وفيه يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه فيقول أعملت كذا وكذا فيقول نعم فيقرره ثم يقول
اني سترت عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم وجاء في كيفية العرض ما أخرجه الترمذي من
رواية علي بن علي الرفاعي عن الحسن عن أبي هريرة رفعه تعرض الناس يوم القيامة ثلاث
عرضات فأما عرضتان فجدال ومعاذير وعند ذلك تطير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ
بشماله قال الترمذي لا يصح لان الحسن لم يسمع من أبي هريرة وقد رواه بعضهم عن علي بن علي
الرفاعي عن الحسن عن أبي موسى انتهى وهو عند ابن ماجة وأحمد من هذا الوجه مرفوعا
وأخرجه البيهقي في البعث بسند حسن عن عبد الله بن مسعود موقوفا قال الترمذي الحكيم
الجدال للكفار يجادلون لانهم لا يعرفون ربهم فيظنون أنهم إذا جادلوا نجوا والمعاذير اعتذار
الله لآدم وأنبيائه بإقامته الحجة على أعدائه والثالثة للمؤمنين وهو العرض الأكبر (تنبيه)
وقع في رواية لابن مردويه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا لا يحاسب رجل يوم
القيامة الا دخل الجنة وظاهره يعارض حديثها المذكور في الباب وطريق الجمع بينهما أن
الحديثين معا في حق المؤمن ولا منافاة بين التعذيب ودخول الجنة لان الموحد وان قضى عليه
بالتعذيب فإنه لا بد أن يخرج من النار بالشفاعة أو بعموم الرحمة * الحديث الثاني حديث أنس
يجاء بالكافر ذكره من رواية هشام الدستوائي ومن رواية سعيد وهو ابن أبي عروبة كلاهما عن
قتادة وساقه بلفظ سعيد وأما لفظ هشام فأخرجه مسلم والإسماعيلي من طرق عن معاذ بن هشام
عن أبيه بلفظ يقال للكافر والباقي مثله وهو بضم أول يجاء ويقال وسيأتي بعد باب في باب صفة
الجنة والنار من رواية أبي عمران الجوني عن أنس التصريح بأن الله سبحانه هو الذي يقول له ذلك
ولفظه يقول الله عز وجل لاهون أهل النار عذابا يوم القيامة لو أن لك ما في الأرض من شئ أكنت
تفتدي به فيقول نعم ورواه مسلم والنسائي من طريق ثابت عن أنس وظاهر سياقه أن ذلك يقع
349

للكافر بعد أن يدخل النار ولفظه يؤتى بالرجل من أهل النار فيقال يا ابن آدم كيف وجدت
مضجعك فيقول شر مضجع فيقال له هل تفتدي بقراب الأرض ذهبا فيقول نعم يا رب فيقال له
كذبت ويحتمل أن يراد بالمضجع هنا مضجعه في القبر فيلتئم مع الروايات الأخرى (قوله فيقال له)
زاد مسلم في رواية سعيد كذبت (قوله قد كنت سئلت ما هو أيسر من ذلك) في رواية أبي عمران
فيقول أردت منك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت الا أن
تشرك بي وفي رواية ثابت قد سألتك أقل من ذلك فلم تفعل فيؤمر به إلى النار قال عياض يشير
بذلك إلى قوله تعالى وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم الآية فهذا الميثاق الذي أخذ
عليهم في صلب آدم فمن وفى به بعد وجوده في الدنيا فهو مؤمن ومن لم يوف به فهو الكافر فمراد
الحديث أردت منك حين أخذت الميثاق فأبيت إذ أخرجتك إلى الدنيا الا الشرك ويحتمل أن
يكون المراد بالإرادة هنا الطلب والمعنى أمرتك فلم تفعل لأنه سبحانه وتعالى لا يكون في ملكه الا
ما يريد واعترض بعض المعتزلة بأنه كيف يصح أن يأمر بما لا يريد والجواب أن ذلك ليس بممتنع
ولا مستحيل وقال المازري مذهب أهل السنة أن الله تعالى أراد ايمان المؤمن وكفر الكافر ولو
أراد من الكافر الايمان لآمن يعني لو قدره عليه لوقع وقال أهل الاعتزال بل أراد من الجميع
الايمان فأجاب المؤمن وامتنع الكافر فحملوا الغائب على الشاهد لانهم رأوا أن مريد الشر شرير
والكفر شر فلا يصح أن يريده الباري وأجاب أهل السنة عن ذلك بأن الشر شر في حق المخلوقين
وأما في حق الخالق فإنه يفعل ما يشاء وانما كانت إرادة الشر شرا لنهى الله عنه والباري سبحانه
ليس فوقه أحد يأمره فلا يصح أن تقاس ارادته على إرادة المخلوقين وأيضا فالمريد لفعل ما إذا لم
يحصل ما أراده آذن ذلك بعجزه وضعفه والباري تعالى لا يوصف بالعجز والضعف فلو أراد الايمان
من الكافر ولم يؤمن لآذن ذلك بعجز وضعف تعالى الله عن ذلك وقد تمسك بعضهم بهذا الحديث
المتفق على صحته والجواب عنه ما تقدم واحتجوا أيضا بقوله تعالى ولا يرضى لعباده الكفر
وأجيبوا بأنه من العام المخصوص بمن قضى الله له الايمان فعباده على هذا الملائكة ومؤمنو
الإنس والجن وقال آخرون الإرادة غير الرضا ومعنى قوله ولا يرضى أي لا يشكره لهم ولا يثيبهم
عليه فعلى هذا فهي صفة فعل وقيل معنى الرضا أنه لا يرضاه دينا مشروعا لهم وقيل الرضا
صفة وراء الإرادة وقيل الإرادة تطلق بإزاء شيئين إرادة تقدير وإرادة رضا والثانية أخص من
الأولى والله أعلم وقيل الرضا من الله إرادة الخير كما أن السخط إرادة الشر وقال النووي قوله
فيقال له كذبت معناه لو رددناك إلى الدنيا لما افتديت لأنك سئلت أيسر من ذلك فأبيت ويكون
من معنى قوله تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون وبهذا يجتمع معنى هذا الحديث
مع قوله تعالى لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به قال وفي الحديث من الفوائد
جواز قول الانسان يقول الله خلافا لمن كره ذلك وقال انما يجوز قال الله تعالى وهو قول شاذ
مخالف لأقوال العلماء من السلف والخلف وقد تظاهرت به الأحاديث وقال الله تعالى والله يقول
الحق وهو يهدي السبيل الحديث الثالث (قوله حدثني خيثمة) بفتح المعجمة وسكون التحتانية
بعدها مثلثة هو ابن عبد الرحمن الجعفي (قوله عن عدي بن حاتم) هو الطائي (قوله ما منكم
من أحد) ظاهر الخطاب للصحابة ويلتحق بهم المؤمنون كلهم سابقهم ومقصرهم أشار إلى ذلك
350

ابن أبي جمرة (قوله الا سيكلمه الله) في رواية وكيع عن الأعمش عند ابن ماجة سيكلمه ربه (قوله
ليس بينه وبينه ترجمان) لم يذكر في هذه الرواية ما يقول وبينه في رواية محل بن خليفة عن
عدي بن حاتم في الزكاة بلفظ ثم ليقفن أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان
يترجم له ثم ليقولن له ألم أوتك مالا فيقول بلى الحديث والترجمان تقدم ضبطه في بدء الوحي في
شرح قصة هرقل (قوله ثم ينظر فلا يرى شيئا قدامه) بضم القاف وتشديد الدال أي امامه ووقع
في رواية عيسى بن يونس عن الأعمش في التوحيد وعند مسلم بلفظ فينظر أيمن منه فلا يرى الا
ما قدم وينظر أشام منه فلا يرى الا ما قدم وأخرجه الترمذي من رواية أبي معاوية بلفظ فلا يرى
شيئا الا شيئا قدمه وفي رواية محل بن خليفة فينظر عن يمينه فلا يرى الا النار وينظر عن شماله فلا
يرى الا النار وهذه الرواية مختصرة ورواية خيثمة مفسرة فهي المعتمدة في ذلك وقوله أيمن وأشام
بالنصب فيهما على الظرفية والمراد بهما اليمين والشمال قال ابن هبيرة نظر اليمين والشمال هنا
كالمثل لان الانسان من شأنه إذا دهمه أمر ان يلتفت يمينا وشمالا يطلب الغوث (قلت)
ويحتمل أن يكون سبب الالتفات أنه يترجى أن يجد طريقا يذهب فيها ليحصل له النجاة من النار
فلا يرى الا ما يفضى به إلى النار كما وقع في رواية محل بن خليفة (قوله ثم ينظر بين يديه فتستقبله
النار) في رواية عيسى وينظر بين يديه فلا يرى الا النار تلقاء وجهه وفي رواية أبي معاوية ينظر
تلقاء وجهه فتستقبله النار قال ابن هبيرة والسبب في ذلك أن النار تكون في ممره فلا يمكنه أن
يحيد عنها إذ لا بد له من المرور على الصراط (قوله فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة)
زاد وكيع في روايته فليفعل وفي رواية أبي معاوية أن يقي وجهه النار ولو بشق تمرة فليفعل وفي
رواية عيسى فاتقوا النار ولو بشق تمرة أي اجعلوا بينكم وبينها وقاية من الصدقة وعمل البر ولو
بشئ يسير (قوله قال الأعمش) هو موصول بالسند المذكور وقد أخرجه مسلم من رواية أبى
معاوية عن الأعمش كذلك وبين عيسى بن يونس في روايته أن القدر الذي زاده عمرو بن مرة
للأعمش في حديثه عن خيثمة قوله في آخره فمن لم يجد فبكلمة طيبة وقد مضى الحديث بأتم سياقا
من هذا في رواية محل بن خليفة في الزكاة (قوله حدثني عمرو) هو ابن مرة وصرح به في رواية
عيسى بن يونس (قوله اتقوا النار ثم أعرض وأشاح) بشين معجمة وحاء مهملة أي أظهر الحذر
منها وقال الخليل أشاح بوجهه عن الشئ نحاه عنه وقال الفراء المشيح الحذر والجاد في الامر
والمقبل في خطابه فيصح أحد هذه المعاني أو كلها أي حذر النار كأنه ينظر إليها أو جد على الوصية
باتقائها أو أقبل على أصحابه في خطابه بعد ان أعرض عن النار لما ذكرها وحكى ابن التين أن
معنى أشاح صد وانكمش وقيل صرف وجهه كالخائف ان تناله (قلت) والأول أوجه لأنه قد
حصل من قوله أعرض ووقع في رواية أبي معاوية في أوله ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم النار
فأعرض وأشاح ثم قال اتقوا النار (قوله ثلاثا) في رواية أبي معاوية ثم قال اتقوا النار
وأعرض وأشاح حتى ظننا أنه كان ينظر إليها وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية جرير عن
الأعمش قال ابن هبيرة وابن أبي جمرة في الحديث أن الله يكلم عباده المؤمنين في الدار الآخرة
بغير واسطة وفيه الحث على الصدقة قال ابن أبي جمرة وفيه دليل على قبول الصدقة ولو قلت
وقد قيدت في الحديث بالكسب الطيب وفيه إشارة إلى ترك احتقار القليل من الصدقة وغيرها
351

وفيه حجة لأهل الزهد حيث قالوا الملتفت هالك يؤخذ من أن نظر المذكور عن يمينه وعن شماله
فيه صورة الالتفات فلذا لما نظر امامه استقبلته النار وفيه دليل على قرب النار من أهل الموقف
وقد أخرج البيهقي في البعث من مرسل عبد الله بن باباه بسند رجاله ثقات رفعه كأني أراكم بالكوم
جثى من دون جهنم وقوله جثى بضم الجيم بعدها مثلثة مقصور جمع جاث والكوم بفتح الكاف
والواو الساكنة المكان العالي الذي تكون عليه أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما ثبت في حديث
كعب بن مالك عند مسلم أنهم يكونون يوم القيامة على تل عال وفيه أن احتجاب الله عن عباده
ليس بحائل حسي بل بأمر معنوي يتعلق بقدرته يؤخذ من قوله ثم ينظر فلا يرى قدامه شيئا وقال
ابن هبيرة المراد بالكلمة الطيبة هنا ما يدل على هدى أو يرد عن ردي أو يصلح بين اثنين أو يفصل
بين متنازعين أو يحل مشكلا أو يكشف غامضا أو يدفع ثائرا أو يسكن غضبا والله سبحانه وتعالى
أعلم (قوله باب يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب) فيه إشارة إلى أن وراء
التقسيم الذي تضمنته الآية المشار إليها في الباب الذي قبله أمرا آخر وأن من المكلفين من لا
يحاسب أصلا ومنهم من يحاسب حسابا يسيرا ومنهم من يناقش الحساب وذكر فيه خمسة
أحاديث الحديث الأول (قوله حدثنا ابن فضيل) هو محمد وحصين هو ابن عبد الرحمن
الواسطي (قوله قال أبو عبد الله) هو البخاري (قوله وحدثني أسيد) فتح الهمزة وكسر المهملة
هو ابن زيد الجمال بالجيم كوفي حدث ببغداد قال أبو حاتم كانوا يتكلمون فيه وضعفه جماعة
وأفحش ابن معين فيه القول وليس له عند البخاري سوى هذا الموضع وقد قرنه فيه بغيره ولعله
كان عنده ثقة قاله أبو مسعود ويحتمل أن لا يكون خبر أمره كما ينبغي وانما سمع منه هذا
الحديث الواحد وقد وافقه عليه جماعة منهم شريح بن النعمان عند أحمد وسعيد بن منصور
عند مسلم وغيرهما وانما احتاج إليه فرارا من تكرير الاسناد بعينه فإنه أخرج السند الأول في
الطب في باب من اكتوى ثم أعاده هنا فأضاف إليه طريق هشيم وتقدم له في الطب أيضا في باب
من لم يرق من طريق حصين بن بهز عن حصين بن عبد الرحمن وتقدم باختصار قريبا من طريق
شعبة عن حصين بن عبد الرحمن (قوله كنت عند سعيد بن جبير فقال حدثني ابن عباس) زاد
ابن فضيل في رواية عن حصين عن عامر وهو الشعبي عن عمران بن حصين لا رقية الا من عين
الحديث وقد بينت الاختلاف في رفع حديث عمران هذا والاختلاف في سنده أيضا في كتاب
الطب وان في رواية هشيم زيادة قصة وقعت لحصين بن عبد الرحمن مع سعيد بن جبير فيما يتعلق
بالرقية وذكرت حكم الرقية هناك (قوله عرضت) بضم أوله على البناء للمجهول (قوله على)
بالتشديد (الأمم) بالرفع وقد بين عبثر بن القاسم بموحدة ثم مثلثة وزن جعفر في روايته عن حصين
ابن عبد الرحمن عند الترمذي والنسائي أن ذلك كان ليلة الاسراء ولفظه لما أسري بالنبي صلى الله
عليه وسلم جعل يمر بالنبي ومعه الواحد الحديث فإن كان ذلك محفوظا كانت فيه قوة لمن ذهب
إلى تعدد الاسراء وأنه وقع بالمدينة أيضا غير الذي وقع بمكة فقد وقع عند أحمد والبزار بسند صحيح
قال أكربنا الحديث عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عدنا إليه فقال عرضت على الأنبياء
الليلة بأممها فجعل النبي يمر ومعه الثلاثة والنبي يمر ومعه العصابة فذكر الحديث وفي حديث جابر
عند البزار أبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة العشاء حتى نام بعض من كان في المسجد
352

الحديث والذي يتحرر من هذه المسئلة ان الاسراء الذي وقع بالمدينة ليس فيه ما وقع بمكة من
استفتاح أبواب السماوات بابا بابا ولا من التقاء الأنبياء كل واحد في سماء ولا المراجعة معهم
ولا المراجعة مع موسى فيما يتعلق بفرض الصلوات ولا في طلب تخفيفها وسائر ما يتعلق بذلك
وانما تكررت قضايا كثيرة سوى ذلك رآها النبي صلى الله عليه وسلم فمنها بمكة البعض ومنها
بالمدينة بعد الهجرة البعض ومعظمها في المنام والله أعلم (قوله فأجد) بكسر الجيم بلفظ
المتكلم بالفعل المضارع وفيه مبالغة لتحقق صورة الحال وفي رواية الكشميهني فأخذ بفتح الخاء
والذال المعجمتين بلفظ الفعل الماضي (قوله النبي) بالنصب وفي رواية الكشميهني بالرفع على أنه
الفاعل (قوله يمر معه الأمة) أي العدد الكثير (قوله والنبي يمر معه النفر والنبي يمر معه العشر)
بفتح المهملة وسكون المعجمة وفي رواية المستملي بكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم راء ووقع في
رواية ابن فضيل فجعل النبي والنبيان يمرون ومعهم الرهط زاد عبثر في روايته والشئ وفي رواية
حصين بن نمير نحوه لكن بتقديم وتأخير وفي رواية سعيد بن منصور التي أشرت إليها آنفا فرأيت
النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي ليس معه أحد والنبي معه الخمسة والرهط
تقدم بيانه في شرح حديث أبي سفيان في قصة هرقل أول الكتاب وفي حديث ابن مسعود فجعل
النبي يمر ومعه الثلاثة والنبي يمر ومعه العصابة والنبي يمر وليس معه أحد والحاصل من هذه
الروايات أن الأنبياء يتفاوتون في عدد أتباعهم (قوله فنظرت فإذا سواد كثير) في رواية حصين
ابن نمير فرأيت سوادا كثيرا سد الأفق والسواد ضد البياض هو الشخص الذي يرى من
بعيد ووصفه بالكثير إشارة إلى أن المراد بلفظ الجنس لا الواحد ووقع في رواية ابن فضيل ملاء
الأفق الأفق الناحية والمراد به هنا ناحية السماء (قوله قلت يا جبريل هؤلاء أمتي قال لا) في
رواية حصين بن نمير فرجوت أن تكون أمتي فقيل هذا موسى في قومه وفي حديث ابن مسعود
عند أحمد حتى مر على موسى في كبكبة من بني إسرائيل فأعجبني فقلت من هؤلاء فقيل هذا
أخوك موسى معه بنو إسرائيل والكبكبة بفتح الكاف ويجوز ضمها بعدها موحدة هي
الجماعة من الناس إذا انضم بعضهم إلى بعض (قوله ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا
سواد كثير) في رواية سعيد بن منصور عظيم وزاد فقيل لي انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد
عظيم فقيل لي انظر إلى الأفق الاخر مثله وفي رواية ابن فضيل فإذا سواد قد ملاء الأفق فقيل
لي انظر ههنا وههنا في آفاق السماء وفي حديث ابن مسعود فإذا الأفق قد سد بوجوه الرجال
وفي لفظ لأحمد فرأيت أمتي قد ملؤا السهل والجبل فأعجبني كثرتهم وهيئتهم فقيل أرضيت
يا محمد قلت نعم أي رب وقد استشكل الإسماعيلي كونه صلى الله عليه وسلم لم يعرف أمته حتى
ظن أنهم أمة موسى وقد ثبت من حديث أبي هريرة كما تقدم في الطهارة كيف تعرف من لم تر
من أمتك فقال إنهم غر محجلون من أثر الوضوء وفي لفظ سيما ليست لاحد غيرهم وأجاب بان
الاشخاص التي رآها في الأفق لا يدرك منها الا الكثرة من غير تمييز لأعيانهم وأما ما في حديث
أبي هريرة فمحمول على ما إذا قربوا منه وهذا كما يرى الشخص شخصا على بعد فيكلمه ولا يعرف
أنه أخوه فإذا صار بحيث يتميز عن غيره عرفه ويؤيده أن ذلك يقع عند ورودهم عليه الحوض
(قوله هؤلاء أمتك وهؤلاء سبعون ألفا قدامهم لا حساب عليهم ولا عذاب) في رواية سعيد
353

ابن منصور معهم بدل قدامهم وفي رواية حصين بن نمير ومع هؤلاء وكذا في حديث ابن مسعود
والمراد بالمعية المعنوية فإن السبعين ألفا المذكورين من جملة أمته لكن لم يكونوا في الذين
عرضوا إذ ذاك فأريد الزيادة في تكثير أمته بإضافة السبعين ألفا إليهم وقد وقع في رواية ابن
فضيل ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألفا بغير حساب وفي رواية عبثر بن القاسم هؤلاء أمتك
ومن هؤلاء من أمتك سبعون ألفا والإشارة بهؤلاء إلى الأمة لا إلى خصوص من عرض ويحتمل
أن تكون مع بمعنى من فتأتلف الروايات (قوله قلت ولم) بكسر اللام وفتح الميم ويجوز اسكانها
يستفهم بها عن السبب وقع في رواية سعيد بن منصور وشريح عن هشيم ثم نهض أي النبي صلى
الله عليه وسلم فدخل منزله فحاص الناس في أولئك فقال بعضهم فلعلهم الذين صحبوا رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم فلعلهم الذين ولدوا في الاسلام فلم يشركوا بالله شيئا وذكروا
أشياء فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال هم الذين وفي رواية عبثر فدخل ولم
يسألوه ولم يفسر لهم والباقي نحوه وفي رواية ابن فضيل فأفاض القوم فقالوا نحن الذين آمنا بالله
واتبعنا الرسول فنحن هم أو أولادنا الذين ولدوا في الاسلام فإنا ولدنا في الجاهلية فبلغ النبي صلى
الله عليه وسلم فخرج فقال وفي رواية حصين بن نمير فقالوا أما نحن فولدنا في الشرك ولكنا آمنا بالله
وبرسوله ولكن هؤلاء هم أبناؤنا وفي حديث جابر وقال بعضنا هم الشهداء وفي رواية له من رق
قلبه للاسلام (قوله كانوا لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون) اتفق على
ذكر هذه الأربع معظم الروايات في حديث ابن عباس وإن كان عند البعض تقديم وتأخير
وكذا في حديث عمران بن حصين عند مسلم وفي لفظ له سقط ولا يتطيرون هكذا في حديث ابن
مسعود وفي حديث جابر اللذين أشرت إليهما بنحو الأربع ووقع في رواية سعيد بن منصور عند
مسلم ولا يرقون بدل ولا يكتوون وقد أنكر الشيخ تقي الدين بن تيمية هذه الرواية وزعم أنها غلط
من راويها واعتل بأن الراقي يحسن إلى الذي يرقيه فكيف يكون ذلك مطلوب الترك وأيضا
فقد رقى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم ورقى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وأذن لهم في الرقي
وقال من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل والنفع مطلوب قال وأما المسترقي فإنه يسأل غيره ويرجو
نفعه وتمام التوكل ينافي ذلك قال وانما المراد وصف السبعين بتمام التوكل فلا يسألون غيرهم
أن يرقيهم ولا يكويهم ولا يتطيرون من شئ وأجاب غيره بأن الزيادة من الثقة مقبولة وسعيد بن
منصور حافظ وقد اعتمده البخاري ومسلم واعتمد مسلم على روايته هذه وبأن تغليط الراوي مع
إمكان تصحيح الزيادة لا يصار إليه والمعنى الذي حمله على التغليط موجود في المسترقي لأنه اعتل بان
الذي لا يطلب من غيره أن يرقيه تام التوكل فكذا يقال له والذي يفعل غيره به ذلك ينبغي أن لا
يمكنه منه لأجل تمام التوكل وليس في وقوع ذلك من جبريل دلالة على المدعى ولا في فعل النبي
صلى الله عليه وسلم له أيضا دلالة لأنه في مقام التشريع وتبيين الاحكام ويمكن أن يقال انما ترك
المذكورون الرقي والاسترقاء حسما للمادة لان فاعل ذلك لا يأمن أن يكل نفسه إليه وإلا
فالرقية في ذاتها ليست ممنوعة وانما منع منها ما كان شركا أو احتمله ومن ثم قال صلى الله عليه
وسلم اعرضوا علي رقاكم ولا بأس بالرقى مالم يكن شرك ففيه إشارة إلى علة النهى كما تقدم تقرير
ذلك واضحا في كتاب الطب وقد نقل القرطبي عن غيره ان استعمال الرقي والكي قادح في التوكل
354

بخلاف سائر أنواع الطب وفرق بين القسمين بأن البرء فيهما أمر موهوم وما عداهما محقق عادة
كالاكل والشرب فلا يقدح قال القرطبي وهذا فاسد من وجهين أحدهما أن أكثر أبواب
الطب موهوم والثاني أن الرقي بأسماء الله تعالى تقتضي التوكل عليه والالتجاء إليه والرغبة
فيما عنده والتبرك بأسمائه فلو كان ذلك قادحا في التوكل لقدح الدعاء إذ لا فرق بين الذكر والدعاء
وقد رقى النبي صلى الله عليه وسلم ورقى وفعله السلف والخلف فلو كان مانعا من اللحاق بالسبعين
أو قادحا في التوكل لم يقع من هؤلاء وفيهم من هو أعلم وأفضل ممن عداهم وتعقب بأنه بنى كلامه
على أن السبعين المذكورين أرفع رتبة من غيرهم مطلقا وليس كذلك لما ساء بينه وجوز أبو طالب
ابن عطية في موازنة الأعمال أن السبعين ألفا المذكورين هم المراد بقوله تعالى والسابقون
السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم فان أراد أنهم من جملة السابقين فمسلم والا فلا وقد
أخرج أحمد وصححه ابن خزيمة وابن حبان من حديث رفاعة الجهني قال أقبلنا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا وفيه وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير
حساب واني لأرجو أن لا يدخلوها حتى تبوؤا أنتم ومن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكن
في الجنة فهذا يدل على أن مزية السبعين بالدخول بغير حساب لا يستلزم أنهم أفضل من غيرهم
بل فيمن يحاسب في الجملة من يكون أفضل منهم وفيمن يتأخر عن الدخول ممن تحققت نجاته
وعرف مقامه من الجنة يشفع في غيره من هو أفضل منهم وسأذكر بعد قليل من حديث أم قيس
بنت محصن أن السبعين ألفا ممن يحشر من مقبرة البقيع بالمدينة وهي خصوصية أخرى (قوله
ولا يتطيرون) تقدم بيان الطيرة في كتاب الطب والمراد أنهم لا يتشاءمون كما كانوا يفعلون في
الجاهلية (قوله وعلى ربهم يتوكلون) يحتمل أن تكون هذه الجملة مفسرة لما تقدم من ترك
الإسترقاء والاكتواء والطيرة ويحتمل أن تكون من العام بعد الخاص لان صفة كل واحدة منها
صفة خاصة من التوكل وهو أعم من ذلك وقد مضى القول في التوكل في باب ومن يتوكل على
الله فهو حسبه قريبا وقال القرطبي وغيره قالت طائفة من الصوفية لا يستحق اسم التوكل
الا من لم يخالط قلبه خوف غير الله تعالى حتى لو هجم عليه الأسد لا ينزعج وحتى لا يسعى في طلب
الرزق لكون الله ضمنه له وأبى هذا الجمهور وقالوا يحصل التوكل بأن يثق بوعد الله ويوقن بأن
قضاءه واقع ولا يترك اتباع السنة في ابتغاء الرزق مما لا بد له منه من مطعم ومشرب وتحرز من عدو
باعداد السلاح واغلاق الباب ونحو ذلك ومع ذلك فلا يطمئن إلى الأسباب بقلبه بل يعتقد
انها لا تجلب بذاتها نفعا ولا تدفع ضرا بل السبب والمسبب فعل الله تعالى والكل بمشيئته فإذا
وقع من المرء ركون إلى السبب قدح في توكله وهم مع ذلك فيه على قسمين واصل وسالك فالأول
صفة الواصل وهو الذي لا يلتفت إلى الأسباب ولو تعاطاها وأما السالك فيقع له الالتفات إلى
السبب أحيانا الا انه يدفع ذلك عن نفسه بالطرق العلمية والأذواق الحالية إلى أن يرتقى إلى مقام
الواصل وقال أبو القاسم القشيري التوكل محله القلب وأما الحركة الظاهرة فلا تنافيه إذا تحقق
العبد ان الكل من قبل الله فان تيسر شئ فبتيسيره وان تعسر فبتقديره ومن الأدلة على
مشروعية الاكتساب ما تقدم في البيوع من حديث أبي هريرة رفعه أفضل ما أكل الرجل من
كسبه وكان داود يأكل من كسبه فقد قال تعالى وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من
355

بأسكم وقال تعالى وخذوا حذركم وأما قول القائل كيف تطلب مالا تعرف مكانه فجوابه أنه
يفعل السبب المأمور به ويتوكل على الله فيما يخرج عن قدرته فيشق الأرض مثلا ويلقى الحب
ويتوكل على الله في انباته وانزال الغيث له ويحصل السلعة مثلا وينقلها ويتوكل على الله في
القاء الرغبة في قلب من يطلبها منه بل ربما كان التكسب واجبا كقادر على الكسب يحتاج
عياله للنفقة فمتى ترك ذلك كان عاصيا وسلك الكرماني في الصفات المذكورة مسلك التأويل
فقال قوله لا يكتوون معناه الا عند الضرورة مع اعتقاد أن الشفاء من الله لا من مجرد الكي
وقوله ولا يسترقون معناه بالرقى التي ليست في القرآن والحديث الصحيح كرقى الجاهلية وما لا يؤمن
أن يكون فيه شرك وقوله ولا يتطيرون أي لا يتشاءمون بشئ فكأن المراد أنهم الذين يتركون
أعمال الجاهلية في عقائدهم قال فان قيل إن المتصف بهذا أكثر من العدد المذكور فما وجه
الحصر فيه وأجاب باحتمال أن يكون المراد به التكثير لا خصوص العدد (قلت) الظاهر أن
العدد المذكور على ظاهره فقد وقع في حديث أبي هريرة ثاني أحاديث الباب وصفهم بأنهم
تضئ وجوهم إضاءة القمر ليلة البدر ومضى في بدء الخلق من طريق عبد الرحمن بن أبي عمرة
عن أبي هريرة رفعه أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر والذين على آثارهم كأحسن
كوكب دري في السماء إضاءة وأخرجه مسلم من طرق عن أبي هريرة منها رواية أبي يونس وهمام
عن أبي هريرة على صورة القمر وله من حديث جابر فتنجو أول زمرة وجوهم كالقمر ليلة البدر
سبعون ألفا لا يحاسبون وقد وقع في أحاديث أخرى أن مع السبعين ألفا زيادة عليهم ففي حديث
أبي هريرة عند أحمد والبيهقي في البعث من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال سألت ربي فوعدني أن يدخل الجنة من أمتي فذكر الحديث نحو
سياق حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ثاني أحاديث الباب وزاد فاستزدت ربي فزادني
مع كل ألف سبعين ألفا وسنده جيد وفي الباب عن أبي أيوب عند الطبراني وعن حذيفة عند
أحمد وعن أنس عند البزار وعن ثوبان عند ابن أبي عاصم فهذه طرق يقوى بعضها بعضا وجاء في
أحاديث أخرى أكثر من ذلك فأخرج الترمذي وحسنه والطبراني وابن حبان في صحيحه من
حديث أبي أمامة رفعه وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا مع كل ألف سبعين ألفا
لا حساب عليهم ولا عذاب وثلاث حثيات من حثيات ربي وفي صحيح ابن حبان أيضا والطبراني
بسند جيد من حديث عتبة بن عبد نحوه بلفظ ثم يشفع كل ألف في سبعين ألفا ثم يحثى ربي ثلاث
حثيات بكفيه وفيه فكبر عمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان السبعين ألفا يشفعهم الله في آبائهم
وأمهاتهم وعشائرهم واني لأرجو ان يكون أدنى أمتي الحثيات وأخرجه الحافظ الضياء وقال
لا أعلم له علة (قلت) علته الاختلاف في سنده فان الطبراني أخرجه من رواية أبي سلام حدثني
عامر بن زيد أنه سمع عتبة ثم أخرجه من طريق أبي سلام أيضا فقال حدثني عبد الله بن عامر
ان قيس بن الحارث حدثه أن أبا سعيد الأنماري حدثه فذكره وزاد قال قيس فقلت لأبي سعيد
سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك
يستوعب مهاجري أمتي ويوفى الله بقيتهم من أعرابنا وفي رواية لابن أبي عاصم قال أبو سعيد
فحسبنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ أربعة آلاف ألف وتسعمائة ألف يعني من عدا
356

الحثيات وقد وقع عند أحمد والطبراني من حديث أبي أيوب نحو حديث عتبة بن عبد وزاد
والخبيئة بمعجمة ثم موحدة وهمزة وزن عظيمة عند ربي وورد من وجه آخر ما يزيد على العدد الذي
حسبه أبو سعيد الأنماري فعند أحمد وأبي يعلى من حديث أبي بكر الصديق نحوه بلفظ أعطاني
مع كل واحد من السبعين ألفا سبعين ألفا وفي سنده راويان أحدهما ضعيف الحفظ والاخر لم
يسم وأخرج البيهقي في البعث من حديث عمرو بن حزم مثله وفيه راو ضعيف أيضا واختلف في
سنده وفي سياق متنه وعند البزار من حديث أنس بسند ضعيف نحوه وعند الكلاباذي في
معاني الأخبار بسند واه من حديث عائشة فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فاتبعته
فإذا هو في مشربة يصلي فرأيت على رأسه ثلاثة أنوار فلما قضى صلاته قال رأيت الأنوار قلت
نعم قال إن آتيا أتاني من ربي فبشرني أن الله يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب ولا
عذاب ثم أتاني فبشرني أن الله يدخل من أمتي مكان كل واحد من السبعين ألفا سبعين ألفا بغير
حساب ولا عذاب ثم أتاني فبشرني أن الله يدخل من أمتي مكان كل واحد من السبعين ألفا
المضاعفة سبعين ألفا بغير حساب ولا عذاب فقلت يا رب لا يبلغ هذا أمتي قال أكملهم لك من
الاعراب ممن لا يصوم ولا يصلي قال الكلاباذي المراد بالأمة أولا أمة الإجابة وبقوله آخرا أمتي
أمة الاتباع فان أمته صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقسام أحدها أخص من الاخر أمة الاتباع
ثم أمة الإجابة ثم أمة الدعوة فالأولى أهل العمل الصالح والثانية مطلق المسلمين والثالثة من
عداهم ممن بعث إليهم ويمكن الجمع بأن القدر الزائد على الذي قبله هو مقدار الحثيات فقد وقع
عند أحمد من رواية قتادة عن النضر بن أنس أو غيره عن أنس رفعه ان الله وعدني أن يدخل
الجنة من أمتي أربعمائة ألف فقال أبو بكر زدنا يا رسول الله فقال هكذا وجمع كفيه فقال زدنا
فقال وهكذا فقال عمر حسبك أن الله ان شاء أدخل خلقه الجنة بكف واحدة فقال النبي صلى
الله عليه وسلم صدق عمر وسنده جيد لكن اختلف على قتادة في سنده اختلافا كثيرا (قوله
فقام إليه عكاشة) بضم المهملة وتشديد الكاف ويجوز تخفيفها يقال عكش الشعر ويعكش
إذا التوى حكاه القرطبي وحكى السهيلي أنه من عكش القوم إذا حمل عليهم وقيل العكاشة
بالتخفيف العنكبوت ويقال أيضا لبيت النمل ومحصن بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد
المهملتين ثم نون آخره هو ابن حرثان بضم المهملة وسكون الراء بعدها مثلثة من بني أسد بن خزيمة
ومن حلفاء بني أمية كان عكاشة من السابقين إلى الاسلام وكان من أجمل الرجال وكنيته أبو
محصن وهاجر وشهد بدرا وقاتل فيها قال ابن إسحاق بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال خير
فارس في العرب عكاشة وقال أيضا قاتل يوم بدر قتالا شديدا حتى انقطع سيفه في يده فأعطاه
رسول الله صلى الله عليه وسلم جزلا من حطب فقال قاتل بهذا فقاتل به فصار في يده سيفا طويلا
شديد المتن أبيض فقاتل به حتى فتح الله فكان ذلك السيف عنده حتى استشهد في قتال الردة مع
خالد بن الوليد سنة اثنتي عشرة (قوله فقال ادع الله أن يجعلني منهم قال اللهم اجعله منهم) في
حديث أبي هريرة ثاني أحاديث الباب مثله وعند البيهقي من طريق محمد بن زياد عنه وساق مسلم
سنده قال فدعا له ووقع في رواية حصين بن نمير ومحمد بن فضيل قال أمنهم أنا يا رسول الله قال نعم
ويجمع بأنه سأل الدعاء أولا فدعا له ثم استفهم قيل أجبت (قوله ثم قام إليه رجل آخر) وقع فيه من
357

الاختلاف هل قال ادع لي أو قال أمنهم أنا كما وقع في الذي قبله ووقع في حديث أبي هريرة الذي
بعده رجل من الأنصار وجاء من طريق واهية أنه سعد بن عبادة أخرجه الخطيب في المبهمات من
طريق أبي حذيفة إسحاق بن بشر البخاري أحد الضعفاء من طريقين له عن مجاهد أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم لما انصرف من غزاة بني المصطلق فساق قصة طويلة وفيها أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال أهل الجنة عشرون ومائة صف ثمانون صفا منها أمتي وأربعون صفا سائر الأمم
ولى مع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب قيل من هم فذكر الحديث وفيه فقال اللهم
اجعل عكاشة منهم قال فاستشهد بعد ذلك ثم قام سعد بن عبادة الأنصاري فقال يا رسول الله ادع
الله أن يجعلني منهم الحديث وهذا مع ضعفه وارساله يستبعد من جهة جلالة سعد بن عبادة
فإن كان محفوظا فلعله آخر باسم سيد الخزرج واسم أبيه ونسبته فان في الصحابة كذلك آخر له
في مسند بقي بن مخلد حديث وفي الصحابة سعد بن عمارة الأنصاري فلعل اسم أبيه تحرف (قوله
سبقك بها عكاشة) اتفق جمهور الرواة على ذلك الا ما وقع عند ابن أبي شيبة والبزار وأبي يعلى من
حديث أبي سعيد فزاد فقام رجل آخر فقال ادع الله أن يجعلني منهم وقال في آخره سبقك بها
عكاشة وصاحبه أما لو قلتم لقلت ولو قلت لوجبت وفي سنده عطية وهو ضعيف وقد اختلفت
أجوبة العلماء في الحكمة في قوله سبقك بها عكاشة فأخرج ابن الجوزي في كشف المشكل
من طريق أبي عمر الزاهد أنه سأل أبا العباس أحمد بن يحيى المعروف بثعلب عن ذلك فقال كان
منافقا وكذا نقله الدارقطني عن القاضي أبي العباس البرتي بكسر الموحدة وسكون الراء بعدها
مثناة فقال كان الثاني منافقا وكان صلى الله عليه وسلم لا يسئل في شئ الا أعطاه فاجابه بذلك
ونقل ابن عبد البر عن بعض أهل العلم نحو قول ثعلب وقال ابن ناصر قول ثعلب أولى من رواية
مجاهد لان سندها واه واستبعد السهيلي قول ثعلب بما وقع في مسند البزار من وجه آخر عن
أبي هريرة فقام رجل من خيار المهاجرين وسنده ضعيف جدا مع كونه مخالفا لرواية الصحيح أنه
من الأنصار وقال ابن بطال معنى قوله سبقك أي إلى احراز هذه الصفات وهي التوكل وعدم
التطير وما ذكر معه وعدل عن قوله لست منهم أو لست على أخلاقهم تلطفا بأصحابه صلى الله
عليه وسلم وحسن أدبه معهم وقال ابن الجوزي يظهر لي أن الأول سأل عن صدق قلب فأجيب
وأما الثاني فيحتمل أن يكون أريد به حسم المادة فلو قال للثاني نعم لأوشك أن يقوم ثالث ورابع
إلى مالا نهاية له وليس كل الناس يصلح لذلك وقال القرطبي لم يكن عند الثاني من تلك الأحوال
ما كان عند عكاشة فلذلك لم يجب إذ لو أجابه لجاز أن يطلب ذلك كل من كان حاضرا فيتسلسل
فسد الباب بقوله ذلك وهذا أولى من قول من قال كان منافقا لوجهين أحدهما أن الأصل في
الصحابة عدم النفاق فلا يثبت ما يخالف ذلك الا بنقل صحيح والثاني أنه قل أن يصدر مثل هذا
السؤال الا عن قصد صحيح ويقين بتصديق الرسول وكيف يصدر ذلك من منافق والى هذا جنح
ابن تيمية وصحح النووي أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بالوحي أنه يجاب في عكاشة ولم يقع ذلك في
حق الاخر وقال السهيلي الذي عندي في هذا أنها كانت ساعة إجابة علمها صلى الله عليه وسلم
واتفق أن الرجل قال بعد ما انقضت ويبينه ما وقع في حديث أبي سعيد ثم جلسوا ساعة
يتحدثون وفي رواية ابن إسحاق بعد قوله سبقك بها عكاشة وبردت الدعوة أي انقضى وقتها (قلت)
358

فتحصل لنا من كلام هؤلاء الأئمة على خمسة أجوبة والعلم عند الله تعالى ثم وجدت لقول ثعلب
ومن وافقه مستندا وهو ما أخرجه الطبراني ومحمد بن سنجز في مسنده وعمر بن شيبة في أخبار
المدينة من طريق نافع مولى حمنة عن أم قيس بنت محصن وهي أخت عكاشة أنها خرجت مع
النبي صلى الله عليه وسلم إلى البقيع فقال يحشر من هذه المقبرة سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير
حساب كأن وجوههم القمر ليلة البدر فقام رجل فقال يا رسول الله وأنا قال وأنت فقام آخر
فقال وأنا قال سبقك بها عكاشة قال قلت لها لم لم يقل للآخر فقالت أراه كان منافقا فإن كان هذا
أصل ما جزم به من قال كان منافقا فلا يدفع تأويل غيره إذ ليس فيه الا الظن الحديث الثاني
(قوله عبد الله) هو ابن المبارك ويونس هو ابن يزيد الأيلي وقد أخرجه مسلم من رواية عبد الله
ابن وهب عن يونس لكن معاذ بن أسد شيخ البخاري فيه معروف بالرواية عن ابن المبارك لا عن
ابن وهب وقد أخرجه مسلم من وجهين آخرين عن أبي هريرة (قوله يدخل الجنة من أمتي
زمرة) بضم الزاي وسكون الميم هي الجماعة إذا كان بعضهم اثر بعض (قوله سبعون ألفا) تقدم
شرحه مستوفي في الذي قبله وعرف من مجموع الطرق التي ذكرتها أن أول من يدخل الجنة من هذه
الأمة هؤلاء السبعون الذين بالصفة المذكورة ومعنى المعية في قوله في الروايات الماضية مع كل
ألف سبعون ألفا أو مع كل واحد منهم سبعون ألفا يحتمل أن يدخلوا بدخولهم تبعا لهم وان
لم يكن لهم مثل أعمالهم كما مضى حديث المرء مع من أحب ويحتمل أن يراد بالمعية مجرد
دخولهم الجنة بغير حساب وان دخولها في الزمرة الثانية أو ما بعدها وهذا أولى وقد أخرج
الحاكم والبيهقي في البعث من طريق جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جابر رفعه من زادت
حسناته على سيآته فذاك الذي يدخل الجنة بغير حساب ومن استوت حسناته وسيئاته
فذاك الذي يحاسب حسابا يسيرا ومن أوبق نفسه فهو الذي يشفع فيه بعد أن يعذب وفي التقييد
بقوله أمتي إخراج غير الأمة المحمدية من العدد المذكور وليس فيه نفي دخول أحد من غير هذه
الأمة على الصفة المذكورة من شبه القمر ومن الأولية وغير ذلك كالأنبياء ومن شاء الله من
الشهداء والصديقين والصالحين وان ثبت حديث أم قيس ففيه تخصيص آخر بمن يدفن في
البقيع من هذه الأمة وهي مزية عظيمة لأهل المدينة والله أعلم (قوله تضئ وجوهم إضاءة
القمر ليلة البدر) في رواية لمسلم على صورة القمر قال القرطبي المراد بالصورة الصفة يعني انهم في
اشراق وجوهم على صفة القمر ليلة تمامه وهي ليلة أربعة عشر ويؤخذ منه أن أنوار أهل الجنة
تتفاوت بحسب درجاتهم (قلت) وكذا صفاتهم في الجمال ونحوه (قوله يرفع نمرة عليه) بفتح النون
وكسر الميم هي كساء من صوف كالشملة مخططة بسواد وبياض يلبسها الاعراب * الحديث
الثالث (قوله أبو غسان) بغين معجمة ثم مهملة ثقيلة وأبو حازم هو سلمة بن دينار (قوله ليدخلن
الجنة من أمتي سبعون ألفا أو سبعمائة ألف شك في أحدهما) في رواية مسلم من طريق
عبد العزيز بن محمد عن أبي حازم لا يدري أبو حازم أيهما قال (قوله متماسكين) بالنصب على
الحال وفي رواية مسلم متماسكون بالرفع على الصفة قال النووي كذا في معظم النسخ وفي بعضها
بالنصب وكلاهما صحيح (قوله آخذ بعضهم ببعض) في رواية مسلم بعضهم بعضا (قوله حتى
يدخل أولهم وآخرهم) هو غاية للتماسك المذكور والاخذ بالأيدي وفي رواية فضيل بن سليمان
359

الماضية في بدء الخلق لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم وهذا ظاهره يستلزم الدور وليس كذلك
بل المراد أنهم يدخلون صفا واحدا فيدخل الجميع دفعة واحدة ووصفهم بالأولية والآخرية
باعتبار الصفة التي جازوا فيها على الصراط وفي ذلك إشارة إلى سعة الباب الذي يدخلون منه الجنة
قال عياض يحتمل أن يكون معنى كونهم متماسكين أنهم على صفة الوقار فلا يسابق بعضهم
بعضا بل يكون دخولهم جميعا وقال النووي معناه أنهم يدخلون معترضين صفا واحدا بعضهم
بجنب بعض (تنبيه) هذه الأحاديث تخص عموم الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي برزة
الأسلمي رفعه لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن جسده
فيما أبلاه وعن علمه فيما عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وله شاهد عن ابن مسعود
عند الترمذي وعن معاذ بن جبل عند الطبراني قال القرطبي عموم الحديث واضح لأنه نكرة في
سياق النفي لكنه مخصوص بمن يدخل الجنة بغير حساب وبمن يدخل النار من أول وهلة على
ما دل عليه قوله تعالى يعرف المجرمون بسيماهم الآية (قلت) وفي سياق حديث أبي برزة إشارة إلى
الخصوص وذلك أنه ليس كل أحد عنده علم يسئل عنه وكذا المال فهو مخصوص بمن له علم
وبمن له مال دون من لا مال له ومن لا علم له وأما السؤال عن الجسد والعمر فعام ويخص من
المسؤولين من ذكر والله أعلم * الحديث الرابع (قوله يعقوب بن إبراهيم) أي ابن سعد وصالح
هو ابن كيسان (قوله يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار) في رواية محمد بن زيد عن ابن عمر
في الباب الذي بعده إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار أتى بالموت ووقع مثله في طريق
أخرى عن أبي هريرة ولفظه عند الترمذي من رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة
بعد ذكر الجواز على الصراط فإذا أدخل الله أهل الجنة الجنة وأهل النار النار أتى بالموت ملببا
وهو بموحدتين (قوله ثم يقوم مؤذن بينهم) في رواية محمد بن زيد قبل هذا قصة ذبح الموت
ولفظه ثم جئ بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذيح ثم ينادى مناد لم أقف على اسم هذا
المنادي (قوله يا أهل النار لا موت ويا أهل الجنة لا موت خلود) أما قوله لا موت فهو بفتح
المثناة فيهما وأما قوله في آخره خلود فهكذا وقع في رواية علي بن عبد الله عن يعقوب وأخرجه
مسلم عن زهير بن حرب وغير واحد عن يعقوب بتقديم نداء أهل الجنة ولم يقل لا موت فيهما بل
قال كل خالد فيما هو فيه وكذا هو عند الإسماعيلي من طريق إسحاق بن منصور عن يعقوب
وضبط خلود في البخاري بالرفع والتنوين أي هذا الحال مستمر ويحتمل أن يكون جمع خالد أي
أنتم خالدون في الجنة * الحديث الخامس حديث أبي هريرة (قوله يقال لأهل الجنة يا أهل الجنة)
سقط لغير الكشميهني قوله يا أهل الجنة وثبت للجميع في مقابله يا أهل النار (قوله لا موت)
زاد الإسماعيلي في روايته لا موت فيه وسيأتي في ثالث أحاديث الباب الذي يليه ان ذلك يقال
للفريقين عند ذبح الموت وثبت ذلك عند الترمذي من وجه آخر عن أبي هريرة (تنبيه)
مناسبة هذا الحديث والذي قبله لترجمة دخول الجنة بغير حساب الإشارة إلى أن كل من يدخل
الجنة يخلد فيها فيكون للسابق إلى الدخول مزية على غيره والله أعلم (قوله باب
صفة الجنة والنار) تقدم هذا في بدء الخلق في ترجمتين ووقع في كل منهما وأنها مخلوقة وأورد
فيهما أحاديث في تثبيت كونهما موجودتين وأحاديث في صفتهما أعاد بعضها في هذا الباب
360

كما سأنبه عليه (قوله وقال أبو سعيد قال النبي صلى الله عليه وسلم أول طعام يأكله أهل الجنة
زيادة كبد حوت) في رواية أبي ذر كبد الحوت وقد تقدم هذا الحديث مطولا في باب يقبض الله
الأرض يوم القيامة وهو مذكور هنا بالمعنى وتقدم بلفظه في بدء الخلق لكن من حديث أنس
في سؤال عبد الله بن سلام (قوله عدن خلد عدنت بأرض أقمت) تقدم هذا في تفسير براءة وانه
من كلام أبي عبيدة وقال الراغب معنى قوله جنات عدن أي الاستقرار وعدن بمكان كذا إذا
استقر به ومنه المعدن لكونه مستقر الجواهر (قوله في مقعد صدق في منبت صدق) كذا لأبي
ذر ولغيره في معدن بدل مقعد وهو الصواب وكأن سبب الوهم أنه لما رأى أن الكلام في صفة الجنة
وان من أوصافها مقعد صدق كما في آخر سورة القمر ظنه هنا كذلك وقد ذكره أبو عبيدة بلفظ
معدن صدق وأنشد للأعشى قوله
فان يستضيفوا إلى حلمه * يضافوا إلى راجح قد عدن
أي أقام واستقر نعم قوله مقعد صدق معناه مكان القعود وهو يرجع إلى معنى المعدن ولمح المصنف
هنا بأسماء الجنة وهي عشرة أو تزيد الفردوس وهو أعلاها ودار السلام ودار الخلد ودار المقامة
وجنة المأوى والنعيم والمقام الأمين وعدن ومقعد صدق والحسنى وكلها في القرآن وقال
تعالى وان الدار الآخرة لهي الحيوان فعد بعضهم في أسماء الجنة دار الحيوان وفيه نظر وذكر في
الباب مع ذلك ثلاثة وعشرين حديثا * الحديث الأول (قوله عن أبي رجاء) هو العطاردي
وعمران هو ابن حصين والسند كله بصريون وقد قدم الحديث بهذا السند في آخر باب كفران
العشير في أواخر كتاب النكاح وتقدم في باب فضل الفقر بيان الاختلاف على أيوب عن أبي رجاء
في صحابيه وتقدم بحث ابن بطال فيما يتعلق به من فضل الفقر وقوله اطلعت بتشديد الطاء أي
أشرفت وفي حديث أسامة بن زيد الذي بعده قمت على باب الجنة وظاهره أنه رأى ذلك ليلة الاسراء
أو مناما وهو غير رؤيته النار وهو في صلاة الكسوف ووهم من وحدهما وقال الداودي رأى ذلك
ليلة الاسراء أو حين خسفت الشمس كذا قال (قوله فرأيت أكثر أهلها الفقراء) في حديث
أسامة فإذا عامة من دخلها المساكين وكل منهما يطلق على الاخر وقوله فإذا أكثر في حديث
أسامة فإذا عامة من دخلها (قوله بكفرهن) أي بسبب كفرهن تقدم شرحه مستوفي في باب
كفران العشير قال القرطبي انما كان النساء أقل ساكني الجنة لما يغلب عليهن من الهوى والميل
إلى عاجل زينة الدنيا والاعراض عن الآخرة لنقص عقلهن وسرعة انخداعهن * الحديث
الثاني (قوله إسماعيل) هو المعروف بابن علية وأبو عثمان هو النهدي وأسامة هو ابن زيد بن حارثة
الصحابي بن الصحابي (قوله أصحاب الجد بفتح الجيم) أي الغنى (قوله محبوسون) أي ممنوعون
من دخول الجنة مع الفقراء من أجل المحاسبة على المال وكأن ذلك عند القنطرة التي يتقاصون
فيها بعد الجواز على الصراط (تنبيه) سقط هذا الحديث والذي قبله من كثير من النسخ ومن
مستخرجي الإسماعيلي وأبي نعيم ولا ذكر المزي في الأطراف طريق عثمان بن الهيثم ولا طريق
مسدد في كتاب الرقاق وهما ثابتان في رواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة * الحديث الثالث (قوله
عبد الله) هو ابن المبارك وعمر بن محمد بن زيد أي ابن عبد الله بن عمر (قوله إذا صار أهل الجنة إلى
الجنة وأهل النار إلى النار) في رواية ابن وهب عن عمران بن محمد عند مسلم وصار أهل النار إلى النار
361

(قوله جئ بالموت) تقدم في تفسير سورة مريم من حديث أبي سعيد يؤتى بالموت كهيئة كبش
أملح وذكر مقاتل والكلبي في تفسيرهما في قوله تعالى الذي خلق الموت والحياة قال خلق الموت
في صورة كبش لا يمر على أحد الا مات وخلق الحياة على صورة فرس لا يمر على شئ الا حيي قال
القرطبي الحكمة في الاتيان بالموت هكذا الإشارة إلى انهم حصل لهم الفداء به كما فدى ولد إبراهيم
بالكبش وفي الأملح إشارة إلى صفتي أهل الجنة والنار لان الأملح ما فيه بياض وسواد (قوله
حتى يجعل بين الجنة والنار) وقع للترمذي من حديث أبي هريرة فيوقف على السور الذي بين
الجنة والنار (قوله ثم يذبح) لم يسم من ذبحه ونقل القرطبي عن بعض الصوفية ان الذي يذبحه
يحيى بن زكريا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم إشارة إلى دوام الحياة وعن بعض التصانيف انه
جبريل (قلت) هو في تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي أحد الضعفاء في آخر حديث الصور
الطويل فقال فيه فيحيى الله تعالى ملك الموت وجبريل وميكائيل وإسرافيل ويجعل الموت
في صورة كبش أملح فيذبح جبريل الكبش وهو الموت (قوله ثم ينادي مناد) لم أقف على تسميته
وتقدم في الباب الذي قبله من وجه آخر عن ابن عمر بلفظ ثم يقوم مؤذن بينهم وفي حديث أبي
سعيد بعد قوله أملح فينادي مناد وظاهره ان الذبح يقع بعد النداء والذي هنا يقتضي أن النداء
بعد الذبح ولا منافاة بينهما فان النداء الذي قبل الذبح للتنبيه على رؤية لكبش والذي بعد
الذبح لتنبيه على اعدامه وأنه لا يعود (قوله يا أهل الجنة لا موت) زاد في الباب الماضي خلود
ووقع في حديث أبي سعيد فينادي مناد يا أهل الجنة فيشرئبون ويظرون فيقول هل تعرفون
هذا فيقولون نعم وكلهم قد رآه وعرفه وذكر في أهل النار مثله قال فيذبح ثم يقول أي المنادي
يا أهل الجنة خلود فلا موت الحديث وفي آخره ثم قرأ وأنذرهم يوم الحسرة إلى اخر الآية وعند
الترمذي في آخر حديث أبي سعيد فلو أن أحدا مات فرحا لمات أهل الجنة ولو أن أحدا مات حزنا
لمات أهل النار وقوله فيشرئبون بفتح أوله وسكون المعجمة وفتح الراء بعدها تحتانية مهموزة ثم
موحدة ثقيلة أي يمدون أعناقهم ويرفعون رؤسهم للنظر ووقع عند ابن ماجة وفي صحيح ابن حبان
من وجه آخر عن أبي هريرة فيوقف على الصراط فيقال يا أهل الجنة فيطلعون خائفين أن يخرجوا
من مكانهم الذي هم فيه ثم يقال يا أهل النار فيطلعون فرحين مستبشرين أن يخرجوا من مكانهم
الذي هم فيه وفي آخره ثم يقال للفريقين كلاهما خلود فيما تجدون لا موت فيه أبدا وفي رواية
الترمذي فيقال لأهل الجنة وأهل النار هل تعرفون هذا فيقولون قد عرفناه هو الموت الذي وكل
بنا فيضجع فيذبح ذبحا على السور قال القاضي أبو بكر بن العربي استشكل هذا الحديث لكونه
يخالف صريح العقل لان الموت عرض والعرض لا ينقلب جسما فكيف يذبح فأنكرت طائفة
صحة هذا الحديث ودفعته وتأولته طائفة فقالوا هذا تمثيل ولا ذبح هناك حقيقة وقالت طائفة
بل الذبح على حقيقته والمذبوح متولي الموت وكلهم يعرفه لأنه الذي تولى قبض أرواحهم (قلت)
وارتضى هذا بعض المتأخرين وحمل قوله هو الموت الذي وكل بنا على أن المراد به ملك الموت لأنه
هو الذي وكل بهم في الدنيا كما قال تعالى في سورة ألم السجدة واستشهد له من حيث المعنى بان ملك
الموت لو استمر حيا لنغص عيش أهل الجنة وأيده بقوله في حديث الباب فيزداد أهل الجنة فرحا إلى
فرحهم ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم وتعقب بأن الجنة لا حزن فيها البتة وما وقع في رواية ابن
362

حبان انهم يطلعون خائفين انما هو توهم لا يستقر ولا يلزم من زيادة الفرح ثبوت الحزن بل التعبير
بالزيادة إشارة إل أن الفرح لم يزل كما أن أهل النار يزداد حزنهم ولم يكن عندهم فرح الا مجرد
التوهم الذي لم يستقر وقد تقدم في باب نفخ الصور عند نقل الخلاف في المراد بالمستثنى في قوله
تعالى فصعق من في السماوات ومن في الأرض الا من شاء الله قول من زعم أن ملك الموت منهم ووقع
عند علي بن معبد من حديث أنس ثم يأتي ملك الموت فيقول رب بقيت أنت الحي القيوم الذي
لا يموت وبقيت أنا فيقول أنت خلق من خلقي فمت ثم لا تحيا فيموت وأخرج ابن أبي الدنيا من
طريق محمد بن كعب القرظي قال بلغني ان آخر من يموت من الخلائق ملك الموت فيقال له يا ملك
الموت مت موتا لا تحيا بعده أبدا فهذا لو كان ثابتا لكان حجة في الرد على من زعم أنه الذي يذبح
لكونه مات قبل ذلك موتا لا حياة بعده لكنه لم يثبت وقال المازري الموت عندنا عرض من
الاعراض وعند المعتزلة ليس بمعنى وعلى المذهبين لا يصح أن يكون كبشا ولا جسما وان المراد
بهذا التمثيل والتشبيه ثم قال وقد يخلق الله تعالى هذا الجسم ثم يذبح ثم يجعل مثالا لان الموت
لا يطرأ على أهل الجنة وقال القرطبي في التذكرة الموت معنى والمعاني لا تنقلب جوهرا وانما
يخلق الله أشخاصا من ثواب الأعمال وكذا الموت يخلق الله كبشا يسميه الموت ويلقى في قلوب
الفريقين ان هذا الموت يكون ذبحه دليلا على الخلود في الدارين وقال غيره لا مانع أن ينشئ الله
من الاعراض أجسادا يجعلها مادة لها كما ثبت في صحيح مسلم في حديث ان البقرة آل عمران
يجيئان كأنهما غمامتان ونحو ذلك من الأحاديث قال القرطبي وفي هذه الأحاديث التصريح
بأن خلود أهل النار فيها لا إلى غاية أمد وإقامتهم فيها على الدوام بلا موت ولا حياة نافعة ولا راحة
كما قال تعالى لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها وقال تعالى كلما أرادوا أن
يخرجوا منها أعيدوا فيها قال فمن زعم انهم يخرجون منها وانها تبقى خالية أو أنها تفنى وتزول فهو
خارج عن مقتضى ما جاء به الرسول وأجمع عليه أهل السنة (قلت) جمع بعض المتأخرين في هذه
المسئلة سبعة أقوال أحدها هذا الذي نقل فيه الاجماع والثاني يعذبون فيها إلى أن تنقلب
طبيعتهم فتصير نارية حتى يتلذذوا بها لموافقة طبعهم وهذا قول بعض من ينسب إلى التصوف من
الزنادقة والثالث يدخلها قوم ويخلفهم آخرون كما ثبت في الصحيح عن اليهود وقد أكذبهم الله
تعالى بقوله وما هم بخارجين من النار والرابع يخرجون منها وتستمر هي على حالها الخامس
تفنى لأنها حادثة وكل حادث يفني وهو قول الجهمية والسادس تفنى حركاتهم البتة وهو قول أبي
الهذيل العلاف من المعتزلة والسابع يزول عذابها ويخرج أهلها منها جاء ذلك عن بعض
الصحابة أخرجه عبد بن حميد في تفسيره من رواية الحسن عن عمر قوله وهو منقطع ولفظه لو لبث
أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه وعن ابن مسعود ليأتين عليها زمان
ليس فيها أحد قال عبيد الله بن معاذ راويه كان أصحابنا يقولون يعني به الموحدين (قلت) وهذا
الأثر عن عمر لو ثبت حمل علي الموحدين وقد مال بعض المتأخرين إلى هذا القول السابع ونصره بعدة
أوجه من جهة النظر وهو مذهب ردئ مردود على قائله وقد أطنب السبكي الكبير في بيان وهائه
فأجاد * الحديث الرابع (قوله عبد الله) هو ابن المبارك (قوله عن زيد بن أسلم) كذا في جميع
الروايات عن مالك بالعنعنة (قوله إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة) في رواية
363

الحبيبي عن مالك عند الإسماعيلي يطلع الله على أهل الجنة فيقول (قوله فيقولون) في رواية
أبي ذر عن المستملي يقولون بحذف الفاء (قوله وسعديك) زاد سعيد بن داود وعبد العزيز بن يحيى
كلاهما عن مالك عند الدارقطني في الغرائب والخير في يديك (قوله فيقول هل رضيتم) في حديث
جابر عند البزار وصححه ابن حبان هل تشتهون شيئا (قوله وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا) في حديث
جابر وهل شئ أفضل مما أعطيتنا (قوله أنا أعطيكم أفضل من ذلك) في رواية ابن وهب عن مالك كما
سيأتي في التوحيد ألا أعطيكم (قوله أحل) بضم أوله وكسر المهملة أي أنزل (رضواني) بكسر أوله
وضمه وفي حديث جابر قال رضواني أكبر وفيه تلميح بقوله تعالى ورضوان من الله أكبر لان رضاه
سبب كل فوز وسعادة وكل من علم أن سيده راض عنه كأن أقر لعينه وأطيب لقلبه من كل نعيم لما
في ذلك من التعظيم والتكريم وفي هذا الحديث ان النعيم الذي حصل لأهل الجنة لا مزيد عليه
(تنبيهان) الأول حديث أبي سعيد هذا كأنه مختصر من الحديث الطويل الماضي في تفسير
سورة النساء من طريق حفص بن ميسرة والآتي في التوحيد من طريق سعيد بن أبي هلال
كلاهما عن زيد بن أسلم بهذا السند في صفة الجواز على الصراط وفيه قصة الذين يخرجون من
النار وفي آخره أنه يقال لهم نحو هذا الكلام لكن إذا ثبت ان ذلك يقال لهؤلاء لكونهم من أهل
الجنة فهو للسابقين بطريق الأولى (الثاني) هذا الخطاب غير الخطاب الذي لأهل الجنة كلهم
وهو فيما أخرجه مسلم وأحمد من حديث صهيب رفعه إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناديا أهل
الجنة ان لكم موعدا عند الله يريد أن ينجزكموه الحديث وفيه فيكشف الحجاب فينظرون إليه
وفيه فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه وله شاهد عند ابن المبارك في الزهد من
حديث أبي موسى من قوله وأخرجه ابن أبي حاتم من حديثه مرفوعا باختصار * الحديث الخامس
(قوله عبد الله بن محمد) هو الجعفي ومعاوية بن عمرو هو الأزدي يعرف بابن الكرماني وهو من شيوخ
البخاري وقد أخرج عنه بغير واسطة كما في كتاب الجمعة وبواسطة كالذي هنا وقد تقدم بسنده
ومتنه في باب فضل من شهد بدرا من كتاب المغازي (قوله أصيب حارثة) بمهملة ومثلثة هو ابن
سراقة بن الحارث الأنصاري له ولأبويه صحبة وأمه هي الربيع بالتشديد بنت النضر عمة أنس وقد
ذكرت الاختلاف في اسمها في باب من أتاه سهم غرب من كتاب الجهاد وذكرت شرح الحديث في
غزوة بدر وقولها هنا وان تكن الأخرى تر ما أصنع كذا للكشميهني بالجزم جواب الشرط ولغيره
ترى بالاشباع أو بحذف شئ تقديره سوف كما في الرواية الآتية في آخر هذا الباب والا سوف ترى
والمعنى وان لم يكن في الجنة صنعت شيئا من صنيع أهل الحزن مشهورا يراه كل أحد (قوله وانه
لفي جنة الفردوس) كذا للأكثر وحذف الكشميهني في روايته اللام وقع في الرواية الآتية
الفردوس الاعلى قال أبو إسحاق الزجاج الفردوس من الأودية ما ينبت ضروبا من النبات وقال
ابن الأنباري وغيره بستان فيه كروم وثمرة وغيرها ويذكر ويؤنث وقال الفراء هو عربي مشتق
من الفردسة وهي السعة وقيل رومي نقلته العرب وقال غيره سرياني والمراد به هنا مكان من الجنة
هو أفضلها * الحديث السادس (قوله الفضل بن موسى) هو السيناني بكسر المهملة وسكون
التحتانية ونونين المروزي (قوله أخبرنا الفضيل) بالتصغير كذا للأكثر غير منسوب ونسبه ابن
السكن في روايته فقال الفضيل بن غزوان وهو المعتمد ونسبه أبو الحسن القابسي في روايته عن أبي
364

زيد المروزي فقال الفضيل بن عياض ورده أبو علي الجياني فقال لا رواية للفضيل بن عياض في
البخاري الا في موضعين من كتاب التوحيد ولا رواية له عن أبي حازم راوي هذا الحديث ولا أدركه
وهو كما قال وقد أخرج مسلم هذا الحديث من رواية محمد بن فضيل بن غزوان عن أبيه بسنده
ولكن لم يرفعه وهو عند الإسماعيلي من هذا الوجه وقال رفعه وهو يؤيد مقالة أبي علي الجياني
(قوله منكبي الكافر) بكسر الكاف تثنية منكب وهو مجتمع العضد والكتف (قوله مسيرة
ثلاثة أيام للراكب المسرع) في رواية يوسف بن عيسى عن الفضل بن موسى بسند البخاري فيه
خمسة أيام أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده عنه وفي حديث ابن عمر عند أحمد من رواية مجاهد
عنه مرفوعا يعظم أهل النار في النار حتى أن بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه مسيرة سبعمائة
عام وللبيهقي في البعث من وجه آخر عن مجاهد عن ابن عباس مسيرة سبعين خريفا ولابن المبارك
في الزهد عن أبي هريرة قال ضرس الكافر يوم القيامة أعظم من أحد يعظمون لتمتلئ منهم
وليذوقوا العذاب وسنده صحيح ولم يصرح برفعه لكن له حكم الرفع لأنه لا مجال للرأي فيه وقد
أخرج أوله مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعا وزاد وغلظ جلده مسيرة ثلاثة أيام وأخرجه
البزار من وجه ثالث عن أبي هريرة بسند صحيح بلفظ غلظ جلد الكافر وكثافة جلده اثنان
وأربعون ذراعا بذراع الجبار وأخرجه البيهقي وقال أراد بذلك التهويل يعني بلفظ الجيار قال
ويحتمل أن يريد جبارا من الجبابرة إشارة إلى عظم الذراع وجزم ابن حبان لما أخرجه في صحيحه
بأن الجبار ملك كان باليمن وفي مرسل عبيد بن عمير عند ابن المبارك في الزهد بسند صحيح وكثافة
جلده سبعون ذراعا وهذا يؤيد الاحتمال الأول لان السبعين تطلق للمبالغة وللبيهقي من طريق
عطاء بن يسار عن أبي هريرة وفخذه مثل ورقان ومقعده مثل ما بين المدينة والربذة وأخرجه
الترمذي ولفظه بين مكة والمدينة وورقان بفتح الواو وسكون الراء بعدها قاف جبل معروف
بالحجاز والربذة تقدم ضبطها قريبا في حديث أبي ذر وكأن اختلاف هذه المقادير محمول على
اختلاف تعذيب الكفار في النار وقال القرطبي في المفهم انما عظم خلق الكافر في النار ليعظم
عذابه ويضاعف ألمه ثم قال وهذا انما هو في حق البعض بدليل الحديث الاخر ان المتكبرين
يحشرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يساقون إلى سجن في جهنم يقال له بولس قال ولا
شك في أن الكفار متفاوتون في العذاب كما علم من الكتاب والسنة ولأنه نعلم على القطع ان عذاب
من قتل الأنبياء وفتك في المسلمين وأفسد في الأرض ليس مساويا لعذاب من كفر فقط وأحسن
معاملة المسلمين مثلا (قلت) أما الحديث المذكور فأخرجه الترمذي والنسائي بسند جيد عن
عمرو بن شعيب على أبيه عن جده ولا حجة فيه لمدعاه لان ذلك انما هو في أول الأمر عند الحشر
وأما الأحاديث الأخرى فمحمولة على ما بعد الاستقرار في النار وأما ما أخرجه الترمذي من
حديث ابن عمر رفعه ان الكافر ليسحب لسانه الفرسخ والفرسخين يتوطؤه الناس فسنده
ضعيف وأما تفاوت الكفار في العذاب فلا شك فيه ويدل عليه قوله تعالى ان المنافقين في الدرك
الأسفل من النار وتقدم قريبا الحديث في أهون أهل النار عذابا * الحديث السابع (قوله وقال
إسحاق بن إبراهيم) هو المعروف بابن راهويه كذا في جميع النسخ وأطلق المزي تبعا لأبي مسعود
أن البخاري ومسلما أخرجاه جميعا عن إسحاق بن راهويه مع أن لفظ مسلم حدثنا إسحاق بن إبراهيم
365

الحنظلي وهو ابن راهويه وليس من رأى المزي التسوية بين حدثنا وقال بل ولا قال لي وقال
لنا بل يعلم على مثل ذلك كله علامة التعليق بخلاف حدثنا (قوله أنبأنا المغيرة بن سلمة) في رواية
مسلم أنبأنا المخزومي (قلت) وهو المغيرة المذكور وكنيته أبو هشام وهو مشهور بكنيته وقد
أخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن بشار وقال حدثنا أبو هشام المغيرة بن سلمة المخزومي
(قوله عن أبي حازم) هو سلمة بن دينار بخلاف المذكور في الحديث الذي قبله فهو سلمان
الأشجعي وهما مدنيان تابعيان ثقتان لكن سلمة أصغر من سلمان (قوله لا يقطعها) أي
لا ينتهي إلى آخر ما يميل من أغصانها (قوله قال أبو حازم) هو موصول بالسند المذكور
والنعمان بن أبي عياش بتحتانية ثم معجمة هو الزرقي ووقع منسوبا في رواية مسلم وهو أيضا مدني
تابعي ثقة يكنى أبا سلمة وهو أكبر من الراوي عنه (قوله أخبرني أبو سعيد) في رواية مسلم حدثني
(قوله الجواد) بفتح الجيم وتخفيف الواو هو الفرس يقال جاد الفرس إذا صار فائقا والجمع جياد
وأجواد وسيجئ في صفة المرور على الصراط أجاويد الخيل وهو جمع الجمع (قوله أو المضمر)
بفتح الضاد المعجمة وتشديد الميم تقدم تفسيره في كتاب الجهاد وقوله السريع أي في جريه وقع في
رواية ابن وهب من وجه آخر عند الإسماعيلي الجواد السريع ولم يشك وفي رواية مسلم الجواد
المضمر السريع بحذف أو والجواد في روايتنا بالرفع وكذا ما بعده على أن الثلاثة صفة للراكب
وضبط في صحيح مسلم بنصب الثلاثة على المفعولية وقد تقدم هذا المتن في بدء الخلق من حديث أبي
هريرة ومن حديث أنس بلفظ يسير الراكب وزاد في آخر حديث أبي هريرة واقرؤا ان شئتم وظل
ممدود والمراد بالظل الراحة والنعيم والجهة كما يقال عز ظليل وأنا في ظلك أي كنفك وقال
الراغب الظل أعم من الفئ فإنه يقال ظل الليل وظل الجنة ولكل موضع لا تصل إليه الشمس ولا
يقال الفئ الا لما زالت عنه الشمس قال ويعبر بالظل عن العز والمنعة والرفاهية والحراسة ويقال
عن غضارة العيش ظل ظليل (قلت) وقع التعبير في هذا الحديث بلفظ الفئ في حديث أسماء
بنت يزيد عند الترمذي ولفظها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وذكر سدرة المنتهى
يسير الراكب في ظل الفئ منها مائة سنة أو يستظل بظلها الراكب مائة سنة ويستفاد منه تعيين
الشجرة المذكورة في حديث الباب وأخرج أحمد وصححه ابن حبان من حديث أبي سعيد رفعه
شجرة طوبى مائة سنة وفي حديث عقبة بن عبد السلمي في عظم أصل شجرة طوبى لو ارتحلت
جذعة ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرما أخرجه ابن حبان في صحيحه والترقوة بفتح
المثناة وسكون الراء بعدها قاف مضمومة واو مفتوحة هي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق
والجمع تراق ولكل شخص ترقوتان وقد تقدم بعض هذا في صفة الجنة من بدء الخلق * الحديث
الثامن * الحديث التاسع (قوله عبد الله بن مسلمة) هو القعنبي وعبد العزيز هو ابن أبي حازم
المذكور قبل وسهل هو ابن سعد (قوله عبد العزيز) هو ابن أبي حازم وقوله عن أبي حازم
هو أبوه واسمه سلمة بن دينار المذكور قبل ووقع في رواية أبي نعيم في المستخرج من طريق محمد بن
أبي يعقوب حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه وتقدم شرح المتن مستوفي في الباب الذي
قبله (قوله الغرف) بضم المعجمة وفتح الراء جمع غرفة بضم أوله وبفتحه جاء في صفتها من حديث أبي
مالك الأشعري مرفوعا ان في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها أخرجه الترمذي وابن حبان
366

وللطبراني وصححه الحاكم من حديث ابن عمر نحوه وتقدم في صفة الجنة من بدء الخلق الإشارة إلى
مثله من حديث علي وعند البيهقي نحوه من حديث جابر وزاد من أصناف الجوهر كله (قوله
الكوكب) زاد في رواية الإسماعيلي الدري (قوله قال أبي) القائل هو عبد العزيز (قوله أشهد
لسمعت) اللام جواب قسم محذوف وأبو سعيد هو الخدري (قوله يحدث) في رواية الكشميهني
يحدثه أي يحدث الحديث يقال حدثت كذا وحدثت بكذا (قوله الغارب) في رواية الكشميهني
الغابر بتقديم الموحدة على الراء وضبطه بعضهم بتحتانية مهموزة قبل الراء قال الطيبي شبه رؤية
الرائي في الجنة صاحب الغرفة برؤية الرائي الكوكب المضئ النائي في جانب المشرق والمغرب
في الاستضاءة مع البعد ومن رواه الغائر من الغور لم يصح لان الاشراق يفوت الا ان قدر المشرف
على الغور والمعنى إذا كان طالعا في الأفق من المشرق وغائرا في المغرب وفائدة ذكر المشرق
والمغرب بيان الرفعة وشدة البعد وقد تقدم حديث الباب بأتم من هذا السياق في بدء الخلق من
حديث أبي سعيد وتقدم شرحه هناك ووقع في رواية أيوب بن سويد عن مالك عن أبي حازم عن
سهل بن سعد فيه شئ مدرج بينته هناك وحكم الدارقطني عليه بالوهم وأما ابن حبان فاغتر بثقة
أيوب عنده فأخرجه في صحيحه وهو معلول بما نبه عليه الدارقطني واستدل به على تفاوت درجات
أهل الجنة وقد قسموا في سورة الواقعة إلى السابقين وأصحاب اليمين فالقسم الأول هم من ذكر
في قوله تعالى فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم الآية ومن عداهم أصحاب اليمين وكل من الصنفين
متفاوتون في الدرجات وفيه تعقب على من خص المقربين بالأنبياء والشهداء لقوله في آخر
الحديث رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين * الحديث العاشر حديث أنس يقال لأهل النار
الحديث الماضي في باب من نوقش الحساب وقد تقدم مشروحا * الحديث الحادي عشر
(قوله أبو النعمان) هو محمد بن الفضل وحماد هو ابن زيد وعمرو هو ابن دينار وجابر هو ابن عبد الله
الأنصاري (قوله يخرج من النار بالشفاعة) كذا للأكثر من رواة البخاري بحذف الفاعل
وثبت في رواية أبي ذر عن السرخسي عن الفريري يخرج قوم وكذا للبيهقي في البعث من طريق
يعقوب بن سفيان عن أبي النعمان شيخ البخاري فيه وكذا لمسلم عن أبي الربيع الزهراني عن حماد
ابن زيد ولفظه ان الله يخرج قوما من النار بالشفاعة وله من رواية سفيان بن عيينة عن عمرو سمع
جابرا مثله لكن قال ناس من النار فيدخلهم الجنة وعند سعيد بن منصور وابن أبي عمر عن
سفيان عن عمرو فيه سند آخر أخرجاه من رواية عمرو عن عبيد بن عمير فذكره مرسلا وزاد فقال
له رجل يعني لعبيد بن عمير وكان الرجل يتهم برأي الخوارج ويقال له هارون أبو موسى يا أبا عاصم
ما هذا الذي تحدثه به فقال إليك عني لو لم أسمعه من ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم
أحدث به (قلت) وقد جاء بيان هذه القصة من وجه آخر أخرجه مسلم من طريق يزيد الفقير بفاء
ثم قاف وزن عظيم ولقب بذلك لأنه كان يشكو فقار ظهره لا انه ضد الغنى قال خرجنا في عصابة نريد
أن تحج ثم نخرج على الناس فمررنا بالمدينة فإذا رجل يحدث وإذا هو قد ذكر الجهنميين فقلت له
ما هذا الذي تحدثون به والله يقول انك من تدخل النار فقد أخزيته وكلما أرادوا أن يخرجوا منها
أعيدوا فيها قال أتقرأ القرآن قلت نعم قال أسمعت بمقام محمد الذي يبعثه الله قلت نعم قال فإنه
مقام محمد المحمود الذي يخرج الله به من يخرج من النار بعد أن يكونوا فيها ثم نعت وضع الصراط
367

ومد الناس عليه قال فرجعنا وقلنا أترون هذا الشيخ يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فوالله ما خرج منا غير رجل واحد وحاصله أن الخوارج الطائفة المشهورة المبتدعة كانوا
ينكرون الشفاعة وكان الصحابة ينكرون انكارهم ويحدثون بما سمعوا من النبي صلى الله عليه
وسلم في ذلك فأخرج البيهقي في البعث من طريق شبيب بن أبي فضالة ذكروا عند عمران بن حصين
الشفاعة فقال رجل انكم لتحدثوننا بأحاديث لا نجد لها في القرآن أصلا فغضب وذكر له ما معناه
ان الحديث يفسر القرآن وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن أنس قال من كذب بالشفاعة
فلا نصيب له فيها وأخرج البيهقي في البعث من طريق يوسف بن مهران عن ابن عباس خطب عمر
فقال إنه سيكون في هذه الأمة قوم يكذبون بالرجم ويكذبون بالدجال ويكذبون بعذاب القبر
ويكذبون بالشفاعة ويكذبون بقوم يخرجون من النار ومن طريق أبي هلال عن قتادة قال قال
أنس يخرج قوم من النار ولا نكذب بها كما يكذب بها أهل حروراء يعني الخوارج قال ابن بطال
أنكرت المعتزلة والخوارج الشفاعة في إخراج من أدخل النار من المذنبين وتمسكوا بقوله تعالى
فما تنفعهم شفاعة الشافعين وغير ذلك من الآيات وأجاب أهل السنة بأنها في الكفار وجاءت
الأحاديث في اثبات الشفاعة المحمدية متواترة ودل عليها قوله تعالى عسى أن يبعثك ربك مقاما
محمودا والجمهور على أن قال المراد به الشفاعة وبالغ الواحدي فنقل فيه الاجماع ولكنه أشار إلى
ما جاء عن مجاهد وزيفه وقال الطبري قال أكثر أهل التأويل المقام المحمود هو الذي يقومه النبي
صلى الله عليه وسلم ليريحهم من كرب الموقف ثم أخرج عدة أحاديث في بعضها التصريح بذلك وفي
بعضها مطلق الشفاعة فمنها حديث سلمان قال فيشفعه الله في أمته فهو المقام المحمود ومن طريق
رشدين بن كريب عن أبيه عن ابن عباس المقام المحمود الشفاعة ومن طريق داود بن يزيد الأودي
عن أبيه عن أبي هريرة في قوله تعالى عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا قال سئل عنها النبي صلى
الله عليه وسلم فقال هي الشفاعة ومن حديث كعب بن مالك رفعه أكون أنا وأمتي على تل
فيكسوني ربي حلة خضراء ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول فذلك المقام المحمود ومن طريق
يزيد بن زريع عن قتادة ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أول شافع وكان أهل العلم يقولون إنه
المقام المحمود ومن حديث أبي مسعود رفعه اني لاقوم يوم القيامة المقام المحمود إذا جئ بكم حفاة
عراة وفيه ثم يكسوني ربي حلة فألبسها فأقوم عن يمين العرش مقاما لا يقومه أحد يغبطني به
الأولون والآخرون ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد المقام المحمود الشفاعة ومن طريق
الحسن البصري مثله قال الطبري وقال ليث عن مجاهد في قوله تعالى مقاما محمودا يجلسه معه على
عرشه ثم أسنده وقال الأول أولى على أن الثاني ليس بمدفوع لا من جهة النقل ولا من جهة النظر
وقال ابن عطية هو كذلك إذا حمل على ما يليق به وبالغ الواحدي في رد هذا القول وأما النقاش
فنقل عن أبي داود صاحب السنن أنه قال من أنكر هذا فهو متهم وقد جاء عن ابن مسعود عند
الثعلبي وعن ابن عباس عند أبي الشيخ وعن عبد الله بن سلام قال إن محمدا يوم القيامة على كرسي
الرب بين يدي الرب أخرجه الطبري (قلت) فيحتمل أن تكون الإضافة إضافة تشريف وعلى ذلك
يحمل ما جاء عن مجاهد وغيره والراجح أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة لكن الشفاعة التي
368

وردت في الأحاديث المذكورة في المقام المحمود نوعان الأول العامة في فصل القضاء والثاني
الشفاعة في إخراج المذنبين من النار وحديث سلمان الذي ذكره الطبري أخرجه ابن أبي
شيبة أيضا وحديث أبي هريرة أخرجه أحمد والترمذي وحديث كعب أخرجه ابن حبان
والحاكم وأصله في مسلم وحديث ابن مسعود أخرجه أحمد والنسائي والحاكم وجاء فيه أيضا عن
أنس كما سيأتي في التوحيد وعن ابن عمر كما مضى في الزكاة عن جابر عند الحاكم من رواية الزهري
عن علي بن الحسين عنه واختلف فيه على الزهري فالمشهور عنه أنه من مرسل على علي بن الحسين
كذا أخرجه عبد الرزاق عن معمر وقال إبراهيم بن سعد عن الزهري عن علي عن رجال من أهل
العلم أخرجه ابن أبي حاتم وحديث جابر في ذلك عند مسلم من وجه آخر عنه وفيه عن عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده عند ابن مردويه وعنده أيضا من حديث سعد بن أبي وقاص ولفظه
سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المقام المحمود فقال هو الشفاعة وعن أبي سعيد عند الترمذي
وابن ماجة وقال الماوردي في تفسيره اختلف في المقام المحمود على ثلاثة أقوال فذكر القولين
الشفاعة والاجلاس والثالث اعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة قال القرطبي هذا لا يغاير القول
الأول وأثبت غيره رابعا وهو ما أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح عن سعيد بن أبي هلال أحد
صغار التابعين انه بلغه أن المقام المحمود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون يوم القيامة بين
الجبار وبين جبريل فيغبطه بمقامه ذلك أهل الجمع (قلت) وخامسا وهو ما اقتضاه حديث حذيفة
وهو ثناؤه على ربه وسيأتي سياقه في شرح الحديث السابع عشر ولكنه لا يغاير الأول أيضا
وحكى القرطبي سادسا وهو ما اقتضاه حديث ابن مسعود الذي أخرجه أحمد والنسائي والحاكم
قال يشفع نبيكم رابع أربعة جبريل ثم إبراهيم ثم موسى أو عيسى ثم نبيكم لا يشفع أحد في
أكثر ما يشفع فيه الحديث وهذا الحديث لم يصرح برفعه وقد ضعفه البخاري وقال المشهور
قوله صلى الله عليه وسلم انا أول شافع (قلت) وعلى تقدير ثبوته فليس في شئ من طرقه التصريح
بأنه المقام المحمود مع أنه لا يغاير حديث الشفاعة في المذنبين وجوز المحب الطبري سابعا وهو
ما اقتضاه حديث كعب بن مالك الماضي ذكره فقال بعد أن أورده هذا يشعر بأن المقام المحمود
غير الشفاعة ثم قال ويجوز أن تكون الإشارة بقوله فأقول إلى المراجعة في الشفاعة (قلت)
وهذا هو الذي يتجه ويمكن رد الأقوال كلها إلى الشفاعة العامة فان اعطاءه لواء الحمد وثناءه على
ربه وكلامه بين يديه وجلوسه على كرسيه وقيامه أقرب من جبريل كل ذلك صفات للمقام المحمود
الذي يشفع فيه ليقضي بين الخلق وأما شفاعته في إخراج المذنبين من النار فمن توابع ذلك
واختلف في فاعل الحمد من قوله مقاما محمودا فالأكثر على أن المراد به أهل الموقف وقيل النبي صلى
الله عليه وسلم أي انه هو يحمد عاقبة ذلك المقام بتهجده في الليل والأول أرجح لما ثبت من حديث
ابن عمر الماضي في الزكاة بلفظ مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم ويجوز أن يحمل على أعم من
ذلك أي مقاما يحمده القائم فيه وكل من عرفه وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع
الكرامات واستحسن هذا أبو حيان وأيده بأنه نكرة فدل على أنه ليس المراد مقاما مخصوصا
قال ابن بطال سلم بعض المعتزلة وقوع الشفاعة لكن خصها بصاحب الكبيرة الذي تاب منها
369

وبصاحب الصغيرة الذي مات مصرا عليها وتعقب بأن من قاعدتهم أن التائب من الذنب
لا يعذب وان اجتناب الكبائر يكفر الصغائر فيلزم قائله أن يخالف أصله وأجيب بأنه لا مغايرة
بين القولين إذ لا مانع من أن حصول ذلك للفريقين انما حصل بالشفاعة لكن يحتاج من قصرها
على ذلك إلى دليل التخصيص وقد تقدم في أول الدعوات الإشارة إلى حديث شفاعتي لأهل
الكبائر من أمتي ولم يخص بذلك من تاب وقال عياض أثبتت المعتزلة الشفاعة العامة في الإراحة
من كرب الموقف وهي الخاصة بنبينا والشفاعة في رفع الدرجات وأنكرت ما عداهما (قلت) وفي
تسليم المعتزلة الثانية نظر وقال النووي تبعا لعياض الشفاعة خمس في الإراحة من هول الموقف
وفي إدخال قوم الجنة بغير حساب وفي إدخال قوم حوسبوا فاستحقوا العذاب أن لا يعذبوا
وفي إخراج من أدخل النار من العصاة وفي رفع الدرجات ودليل الأولى سيأتي التنبيه عليه في
شرح الحديث السابع عشر ودليل الثانية قوله تعالى في جواب قوله صلى الله عليه وسلم أمتي
أمتي ادخل الجنة من أمتك من لا حساب عليهم كذا قيل ويظهر لي أن دليله سؤاله صلى الله عليه
وسلم الزيادة على السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب فأجيب وقد قدمت بيانه في شرح
الحديث المذكور في الباب الذي قبله ودليل الثالثة قوله في حديث حذيفة عند مسلم ونبيكم
على الصراط يقول رب سلم وله شواهد سأذكرها في شرح الحديث السابع عشر ودليل الرابعة
ذكرته فيه أيضا مبسوطا ودليل الخامسة قوله في حديث أنس عند مسلم أنا أول شفيع في الجنة
كذا قاله بعض من لقيناه وقال وجه الدلالة منه انه جعل الجنة ظرفا لشفاعته (قلت) وفيه نظر
لأني ساءبين انها ظرف في شفاعته الأولى المختصة به والذي يطلب هنا أن يشفع لمن لم يبلغ عمله
درجة عالية أن يبلغها بشفاعته وأشار النووي في الروضة إلى أن هذه الشفاعة من خصائصه مع
أنه لم يذكر مستندها وأشار عياض إلى استدراك شفاعة سادسة وهي التخفيف عن أبي طالب في
العذاب كما سيأتي بيانه في شرح الحديث الرابع عشر وزاد بعضهم شفاعة سابعة وهي الشفاعة
لأهل المدينة لحديث سعد رفعه لا يثبت على لأوائلها أحد الا كنت له شهيدا أو شفيعا أخرجه
مسلم ولحديث أبي هريرة رفعه من استطاع أن يموت بالمدينة فليفعل فاني أشفع لمن مات بها
أخرجه الترمذي (قلت) وهذه غير واردة لان متعلقها لا يخرج عن واحدة من الخمس الأول
ولو عد مثل ذلك لعد حديث عبد الملك بن عباد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول أول من
أشفع له أهل المدينة ثم أهل مكة ثم أهل الطائف أخرجه البزار والطبراني وأخرج الطبراني من
حديث ابن عمر رفعه أول من أشفع له أهل بيتي ثم الأقرب فالأقرب ثم سائر العرب ثم الأعاجم وذكر
القزويني في العروة الوثقى شفاعته لجماعة من الصلحاء في التجاوز عن تقصيرهم ولم يذكر مستندها
ويظهر لي أنها تندرج في الخامسة وزاد القرطبي أنه أول شافع في دخول أمته الجنة قبل الناس
وهذه أفردها النقاش بالذكر وهي واردة ودليلها يأتي في حديث الشفاعة الطويل وزاد النقاش
أيضا شفاعته في أهل الكبائر من أمته وليست واردة لأنها تدخل في الثالثة أو الرابعة وظهر لي
بالتتبع شفاعة أخرى وهي الشفاعة فيمن استوت حسناته وسيئاته ان يدخل الجنة ومستندها
ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس قال السابق يدخل الجنة بغير حساب والمقتصد برحمة الله
والظالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلونها بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم قريبا
370

ان أرجح الأقوال في أصحاب الأعراف انهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم وشفاعة أخرى
وهي شفاعته فيمن قال لا إله إلا الله ولم يعمل خيرا قط ومستندها رواية الحسن عن أنس كما
سيأتي بيانه في شرح الباب الذي يليه ولا يمنع من عدها قول الله تعالى له ليس ذلك إليك لأن النفي
يتعلق بمباشرة الاخراج والا فنفس الشفاعة منه قد صدرت وقبولها قد وقع وترتب عليها أثرها
فالوارد على الخمسة أربعة وما عداها لا يرد كما ترد الشفاعة في التخفيف عن صاحبي القبرين وغير
ذلك لكونه من جملة أحوال الدنيا (قوله كأنهم الثعارير) بمثلثة مفتوحة ثم مهملة واحدها
ثعرور كعصفور (قوله قلت وما الثعارير) سقطت الواو لغير الكشميهني (قوله قال الضغابيس)
بمعجمتين ثم موحدة بعدها مهملة أما الثعارير فقال ابن الأعرابي هي قثاء صغار وقال أبو عبيدة
مثله وزاد ويقال بالشين المعجمة بدل المثلثة وكأن هذا هو السبب في قول الراوي وكان عمرو ذهب
فمه أي سقطت أسنانه فنطق بها ثاء مثلثة وهي شين معجمة وقيل هو نبت في أصول الثمام كالقطن
ينبت في الرمل ينبسط عليه ولا يطول ووقع تشبيههم بالطراثيث في حديث حذيفة وهي بالمهملة
ثم المثلثة هي الثمام بضم المثلثة وتخفيف الميم وقيل الثعرور الأقط الرطب وأغرب القابسي
فقال هو الصدف الذي يخرج من البحر فيه الجوهر وكأنه أخذه من قوله في الرواية الأخرى
كأنهم اللؤلؤ ولا حجة فيه لان ألفاظ التشبيه تختلف والمقصود الوصف بالبياض والدقة
وأما الضغابيس فقال الأصمعي شئ ينبت في أصول الثمام يشبه الهليون يسلق ثم يؤكل بالزيت
والخل وقيل ينبت في أصول الشجر وفي الإذخر يخرج قدر شبر في دقة الأصابع لا ورق له وفيه
حموضة وفي غريب الحديث للحربي الضغبوس من شجرة على طول الإصبع وشبه به الرجل
الضعيف وأغرب الداودي فقال هي طيور صغار فوق الذباب ولا مستند له فيما قال (تنبيه)
هذا التشبيه لصفتهم بعد ان ينبتوا وأما في أول خروجهم من النار فإنهم يكونون كالفحم كما سيأتي
في الحديث الذي بعده ووقع في حديث يزيد الفقير عن جابر عند مسلم فيخرجون كأنهم عيدان
السماسم فيدخلون نهرا فيغتسلون فيخرجون كأنهم القراطيس البيض والمراد بعيدان
السماسم ما ينبت فيه السمسم فإنه إذا جمع ورميت العيدان تصير سواد دقاقا وزعم بعضهم أن
اللفظة محرفة وان الصواب الساسم بميم واحدة وهو خشب اسود والثابت في جميع طرق
الحديث باثبات الميمين وتوجيهه واضح (قوله فقلت لعمرو) القائل حماد (قوله أبا محمد) بحذف
أداة النداء وثبت بلفظ يا أبا محمد في رواية الكشميهني وعمرو هو ابن دينار وأراد الاستثبات في
سماعه له من جابر وسماع جابر له ولعل سبب ذلك رواية عمرو له عن عبيد بن عمير مرسلا وقد
حدث سفيان بن عيينة بالطريقين كما نبهت عليه * الحديث الثاني عشر (قوله عن أنس) سيأتي
في التوحيد نحو هذا في الحديث الطويل في الشفاعة بلفظ حدثنا أنس وقوله سفع بفتح المهملة
وسكون الفاء ثم عين مهملة أي سواد فيه زرقة أو صفرة يقال سفعته النار إذا لفحته فغيرت لون
بشرته وقد وقع في حديث أبي سعيد في الباب الذي يليه بلفظ قد امتحشوا ويأتي ضبطه وفي
حديثه عند مسلم انهم يصيرون فحما وفي حديث جابر حمما ومعانيها متقاربة (قوله فيسميهم أهل
الجنة الجهنميين) سيأتي في الثامن عشر من هذا الباب من حديث عمران بن حصين بلفظ يخرج
قوم من النار بشفاعة محمد فيدخلون الجنة ويسمون الجهنميين وثبتت هذه الزيادة في رواية
371

حميد عن أنس عند المصنف في التوحيد وزاد جابر في حديثه فيكتب في رقابهم عتقاء الله فيسمون
فيها الجهنميين أخرجه ابن حبان والبيهقي وأصله في مسلم وللنسائي من رواية عمرو بن أبي عمرو عن
أنس فيقول لهم أهل الجنة هؤلاء الجهنميون فيقول الله هؤلاء عتقاء الله وأخرجه مسلم من وجه
آخر عن أبي سعيد وزاد فيدعون الله فيذهب عنهم هذا الاسم وفي حديث حذيفة عند البيهقي
في البعث من وراية حماد بن أبي سليمان عن ربعي عنه يقال لهم الجهنميون فذكر لي أنهم
استعفوا الله من ذلك الاسم فأعفاهم وزعم بعض الشراح ان هذه التسمية ليست تنقيصا لهم
بل للإستذكار لنعمة الله ليزدادوا بذلك شكرا كذا قال وسؤالهم اذهاب ذلك الاسم عنهم يخدش
في ذلك * الحديث الثالث عشر (قوله حدثنا موسى) هو ابن إسماعيل ووهيب هو ابن خالد وعمرو
هو ابن يحيى المازني وأبوه يحيى هو ابن عمارة بن أبي حسن المازني (قوله إذا دخل أهل الجنة
الجنة وأهل النار النار يقول الله تعالى من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من ايمان
فاخرجوه) هكذا روى يحيى بن عمارة عن أبي سعيد الخدري آخر الحديث ولم يذكر أوله ورواه
عطاء بن يسار عن أبي سعيد مطولا وأوله الرؤية وكشف الساق والعرض ونصب الصراط
والمرور عليه وسقوط من يسقط وشفاعة المؤمنين في إخوانهم وقول الله أخرجوا من عرفتم
صورته وفيه من في قلبه مثقال دينار وغير ذلك وفيه قول الله تعالى شفعت الملائكة والنبيون
والمؤمنون ولم يبق الا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط
قد صاروا حمما وقد ساق المصنف أكثره في تفسير سورة النساء وساقه بتمامه في كتاب التوحيد
وسأذكر فوائده في شرح حديث الباب الذي يلي هذا مع الإشارة إلى ما تضمنته هذه الطريق إن
شاء الله تعالى وتقدمت لهذه الرواية طريق أخرى في كتاب الايمان في باب تفاضل أهل الايمان في
الأعمال وتقدم ما يتعلق بذلك هناك واستدل الغزالي بقوله من كان في قلبه على نجاة من أيقن
بذلك وحال بينه وبين النطق به الموت وقال في حق من قدر على ذلك فأخر فمات يحتمل أن يكون
امتناعه عن النطق بمنزلة امتناعه عن الصلاة فيكون غير مخلد في النار ويحتمل غير ذلك ورجح غيره
الثاني فيحتاج إلى تأويل قوله في قلبه فيقدر فيه محذوف تقديره منضما إلى النطق به مع القدرة
عليه * الحديث الرابع عشر حديث النعمان بن بشير أورده من وجهين أحدهما أعلى من
الاخر لكن في العالي عنعنة أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي وفي النازل تصريحه بالسماع
فانجبر ما فاته من العلو الحسي بالعلو المعنوي وإسرائيل في الطريقين هو ابن يونس بن أبي إسحاق
المذكور والنعمان هو ابن بشير بن سعد الأنصاري ووقع مصرحا به في رواية مسلم عن محمد بن
المثنى ومحمد بن بشار جميعا عن غندر ووقع في رواية يحيى بن آدم عن إسرائيل عن أبي إسحاق
سمعت النعمان بن بشير الأنصاري يقول فذكر الحديث (قوله أهون أهل النار عذابا) قال ابن
التين يحتمل أن يراد به أبو طالب (قلت) وقد بينت في قصة أبي طالب من المبعث النبوي أنه وقع
في حديث ابن عباس عند مسلم التصريح بذلك ولفظه أهون أهل النار عذابا أبو طالب (قوله
أخمص) بخاء معجمة وصاد مهملة وزن أحمر مالا يصل إلى الأرض من باطن القدم عند المشي (قوله
جمرة) في رواية مسلم جمرتان وكذا في رواية إسرائيل على أخمص قدمه جمرتان قال ابن التين يحتمل
أن يكون الاقتصار على الجمرة للدلالة على الأخرى لعلم السامع بأن لكل أحد قدمين ووقع في رواية
372

الأعمش عن أبي إسحاق عند مسلم بلفظ من له نعلان وشراكان من نار يغلى منهما دماغه وفي
حديث أبي سعيد عنده نحوه وقال يغلى دماغه من حرارة نعله (قوله منها دماغه) في رواية
إسرائيل منهما بالتثنية وكذا في حديث ابن عباس (قوله كما يغلى المرجل بالقمقم) زاد في رواية
الأعمش لا يرى أن أحدا أشد عذابا منه وانه لأهونهم عذابا والمرجل بكسر الميم وسكون الراء
وفتح الجيم بعدها لام قدر من نحاس ويقال أيضا لكل اناء يغلى فيه الماء من أي صنف كان
والقمقم معروف من آنية العطار ويقال هو اناء ضيق الرأس يسخن فيه الماء يكون من نحاس
وغيره فارسي ويقال رومي وهو معرب وقد يؤنث فيقال قمقمة قال ابن التين في هذا التركيب
نظر وقال عياض الصواب كما يغلى المرجل والقمقم بواو العطف لا بالباء وجوز غيره أن تكون
الباء بمعنى مع ووقع في رواية الإسماعيلي كما يغلى المرجل أو القمقم بالشك وتقدم شئ من هذا في
قصة أبي طالب * الحديث الخامس عشر حديث عدي بن حاتم تقدم شرحه قريبا في آخر باب
من نوقش الحساب * الحديث السادس عشر حديث أبي سعيد في ذكر أبي طالب تقدم في قصة
أبي طالب من طريق الليث حدثني ابن الهاد وعطف عليه السند المذكور هنا واختصر المتن
ويزيد المذكور هنا هو ابن الهاد المذكور هناك واسم كل من ابن أبي حازم والدراوردي
عبد العزيز وهما مدنيان مشهوران وكذا سائر رواة هذا السند (قوله لعله تنفعه شفاعتي) ظهر
من حديث العباس وقوع هذا الترجي واستشكل قوله صلى الله عليه وسلم تنفعه شفاعتي بقوله
تعالى فما تنفعهم شفاعة الشافعين وأجيب بأنه خص ولذلك عدوه في خصائص النبي صلى الله
عليه وسلم وقيل معنى المنفعة في الآية تخالف معنى المنفعة في الحديث والمراد بها في الآية
الاخراج من النار وفي الحديث المنفعة بالتخفيف وبهذا الجواب جزم القرطبي وقال البيهقي في
البعث صحت الرواية في شأن أبي طالب فلا معنى للانكار من حيث صحة الرواية ووجهه عندي
أن الشفاعة في الكفار انما امتنعت لوجود الخبز الصادق في أنه لا يشفع فيهم أحد وهو عام في
حق كل كافر فيجوز أن يخص منه من ثبت الخبر بتخصيصه قال وحمله بعض أهل النظر على أن
جزاء الكافر من العذاب يقع على كفره وعلى معاصيه فيجوز أن الله يضع عن بعض الكفار
بعض جزاء معاصيه تطييبا لقلب الشافع لا ثوابا للكافر لان حسناته صارت بموته على الكفر هباء
وأخرج مسلم عن أنس وأما الكافر فيعطي حسناته في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن
له حسنة وقال القرطبي في المفهم اختلف في هذه الشفاعة هل هي بلسان قولي أو بلسان حالي
والأول يشكل بالآية وجوابه جواز التخصيص والثاني يكون معناه ان أبا طالب لما بالغ في
إكرام النبي صلى الله عليه وسلم والذب عنه جوزي على ذلك بالتخفيف فأطلق على ذلك شفاعة
لكونها بسببه قال ويجاب عنه أيضا أن المخفف عنه لما لم يجد أثر التخفيف فكأنه لم ينتفع بذلك
ويؤيد ذلك ما تقدم انه يعتقد ان ليس في النار أشد عذابا منه وذلك أن القليل من عذاب جهنم
لا تطيقه الجبال فالمعذب لاشتغاله بما هو فيه يصدق عليه انه لم يحصل له انتفاع بالتخفيف (قلت)
وقد يساعد ما سبق ما تقدم في النكاح من حديث أم حبيبة في قصة بنت أم سلمة أرضعتني وإياها
ثويبة قال عروة ان أبا لهب رؤى في المنام فقال لم أر بعدكم خيرا غير اني سقيت في هذه بعتاقتي
ثويبة وقد تقدم الكلام عليه هناك وجوز القرطبي في التذكرة ان الكافر إذا عرض على الميزان
373

ورجحت كفة سيآته بالكفر اضمحلت حسناته فدخل النار لكنهم يتفاوتون في ذلك فمن كانت
له منهم حسنات من عتق ومواساة مسلم ليس كمن ليس له شئ من ذلك فيحتمل أن يجازى بتخفيف
العذاب عنه بمقدار ما عمل لقوله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا
(قلت) لكن هذا البحث النظري معارض بقوله تعالى ولا يخفف عنهم من عذابها وحديث أنس
الذي أشرت إليه وأما ما أخرجه ابن مردويه والبيهقي من حديث ابن مسعود رفعه ما أحسن
محسن من مسلم ولا كافر الا أثابه الله قلنا يا رسول الله ما إثابة الكافر قال المال والولد والصحة
وأشباه ذلك قلنا وما أثابته في الآخرة قال عذابا دون العذاب ثم قرأ أدخلوا آل فرعون أشد
العذاب فالجواب عنه أن سنده ضعيف وعلى تقدير ثبوته فيحتمل أن يكون التخفيف فيما
يتعلق بعذاب معاصيه بخلاف عذاب الكفر * الحديث السابع عشر حديث أنس الطويل في
الشفاعة أورده هنا من طريق أبي عوانة ومضى في تفسير البقرة من رواية هشام الدستوائي
ومن رواية سعيد بن أبي عروبة ويأتي في التوحيد من طريق همام أربعتهم عن قتادة وأخرجه
أيضا أحمد من رواية شيبان عن قتادة ويأتي في التوحيد من طريق معبد بن هلال عن أنس وفيه
زيادة للحسن عن أنس ومن طريق حميد عن أنس باختصار وأخرجه أحمد من طريق النضر بن
أنس عن أنس وأخرجه أيضا من حديث ابن عباس وأخرجه ابن خزيمة من طريق معتمر عن
حميد عن أنس وعند الحاكم من حديث ابن مسعود والطبراني من حديث عبادة بن الصامت
ولابن أبي شيبة من حديث سلمان الفارسي وجاء من حديث أبي هريرة كما مضى في التفسير من
رواية أبي زرعة عنه وأخرجه الترمذي من رواية العلاء بن يعقوب عنه ومن حديث أبي سعيد كما
سيأتي في التوحيد وله طرق عن أبي سعيد مختصرة وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وحذيفة
معا وأبو عوانة من رواية حذيفة عن أبي بكر الصديق ومضى في الزكاة في تفسير سبحان من
حديث ابن عمر باختصار وعند كل منهم ما ليس عند الاخر وسأذكر ما عند كل منهم من فائدة
مستوعبا إن شاء الله تعالى (قوله يجمع الله الناس يوم القيامة) في رواية المستملي جمع بصيغة
الفعل الماضي والأول المعتمد ووقع في رواية معبد بن هلال إذا كان يوم القيامة ماج الناس
بعضهم في بعض وأول حديث أبي هريرة أنا سيد الناس يوم القيامة يجمع الله الناس الأولين
والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم
والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون وزاد في رواية إسحاق بن راهويه عن جرير عن عمارة بن القعقاع
عن أبي زرعة فيه وتدنو الشمس من رؤسهم فيشتد عليهم حرها ويشق عليهم دنوها فينطلقون من
الضجر والجزع مما هم فيه وهذه الطريق عند مسلم عن أبي خيثمة عن جرير لكن لم يسق
لفظها وأول حديث أبي بكر عرض على ما هو كائن من أمر الدنيا والآخرة يجمع الله الأولين
والآخرين في صعيد واحد فيفظع الناس لذلك والعرق كاد يلجمهم وفي رواية معتمر يلبثون
ما شاء الله من الحبس وقد تقدم في باب ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ما أخرجه مسلم من حديث
المقداد ان الشمس تدنو حتى تصير من الناس قدر ميل وسائر ما ورد في ذلك وبيان تقاوتهم في
العرق بقدر أعمالهم وفي حديث سلمان تعطى الشمس يوم القيامة حر عشر سنين ثم تدنو من
جماجم الناس فيعرقون حتى يرشح العرق في الأرض قامة ثم يرتفع الرجل حتى يقول عق عق
374

وفي رواية النضر بن أنس لغم ما هم فيه والخلق ملجمون بالعرق فأما المؤمن فهو عليه كالزكمة وأما
الكافر فيغشاه الموت وفي حديث عبادة بن الصامت رفعه اني لسيد الناس يوم القيامة بغير فخر
وما من الناس الا من هو تحت لوائي ينتظر الفرج وان معي لواء الحمد ووقع في رواية هشام وسعيد
وهمام يجتمع المؤمنون فيقولون وتبين من وراية النضر بن أنس أن التعبير بالناس أرجح لكن
الذي يطلب الشفاعة هم المؤمنون (قوله فيقولون لو استشفعنا) في رواية مسلم فيلهمون ذلك
وفي لفظ فيهتمون بذلك وفي رواية همام حتى يهتموا بذلك (قوله على ربنا) في رواية هشام
وسعيد إلى ربنا وتوجه بأنه ضمن معنى استشفعنا سعى لان الاستشفاع طلب الشفاعة وهي
انضمام الأدنى إلى الاعلى ليستعين به على ما يرومه وفي حديث حذيفة وأبي هريرة معا يجمع
الله الناس يوم القيامة فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة فيأتون آدم وحتى غاية لقيامهم
المذكور ويؤخذ منه أن طلبهم الشفاعة يقع حين تزلف لهم الجنة ووقع في أول حديث أبي
نضرة عن أبي سعيد في مسلم رفعه أنا أول من تنشق عنه الأرض الحديث وفيه فيفزع الناس
ثلاث فزعات فيأتون آدم الحديث قال القرطبي كأن ذلك يقع إذا جئ بجهنم فإذا زفرت فزع
الناس حينئذ وجثوا على ركبهم (قوله حتى يريحنا) في رواية مسلم فيريحنا وفي حديث ابن مسعود
عند ابن حبان ان الرجل ليلجمه العرق يوم القيامة حتى يقول يا رب أرحني ولو إلى النار وفي رواية
ثابت عن أنس يطول يوم القيامة على الناس فيقول بعضهم لبعض انطلقوا بنا إلى آدم أبي
البشر فليشفع لنا إلى ربنا فليقض بيننا وفي حديث سلمان فإذا رأوا ما هم فيه قال بعضهم
لبعض ائتوا أباكم آدم (قوله حتى يريحنا من مكاننا هذا) (1) في رواية ثابت فليقض بيننا وفي
رواية حذيفة وأبي هريرة فيقولون يا أبانا استفتح لنا الجنة (قوله فيأتون آدم) في رواية شيبان
فينطلقون حتى يأتوا آدم فيقولون أنت الذي في رواية مسلم يا آدم أنت أبو البشر وفي رواية همام
وشيبان أنت أبو البشر وفي حديث أبي هريرة نحو رواية مسلم وفي حديث حذيفة فيقولون يا أبانا
(قوله خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه) زاد في رواية همام وأسكنك جنته وعلمك أسماء كل
شئ وفي حديث أبي هريرة وأمر الملائكة فسجدوا لك وفي حديث أبي بكر أنت أبو البشر
وأنت اصطفاك الله (قوله فاشفع لنا عند ربنا) في رواية مسلم عند ربك وكذا لشيبان في حديث
أبي بكر وأبي هريرة اشفع لنا إلى ربك وزاد أبو هريرة الا ترى ما نحن فيه الا ترى ما بلغنا (قوله
لست هناكم) قال عياض قوله لست هناكم كناية عن أن منزلته دون المنزلة المطلوبة قاله تواضعا
واكبارا لما يسألونه قال وقد يكون فيه إشارة إلى أن هذا المقام ليس لي بل لغيري (قلت) وقد وقع
في رواية معبد بن هلال فيقول لست لها وكذا في بقية المواضع وفي رواية حذيفة لست بصاحب
ذاك وهو يؤيد الإشارة المذكورة (قوله ويذكر خطيئته) زاد مسلم التي أصاب والراجع إلى
الموصول محذوف تقديره أصابها زاد همام في روايته أكله من الشجرة وقد نهى عنها وهو
بنصب أكله بدل من قوله خطيئته وفي رواية هشام فيذكر ذنبه فيستحي وفي رواية ابن عباس
اني قد أخرجت بخطيئتي من الجنة وفي رواية أبي نضرة عن أبي سعيد واني أذنبت ذنبا فأهبطت
به إلى الأرض وفي رواية حذيفة وأبي هريرة معا هل أخرجكم من الجنة الا خطيئة أبيكم آدم وفي
رواية ثابت عند سعيد بن منصور انى أخطأت وأنا في الفردوس فإن يغفر لي اليوم حسبي وفي
375

حديث أبي هريرة ان ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وانه نهاني
عن الشجرة فعصيت نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري (قوله ائتوا نوحا فيأتونه) في رواية
مسلم ولكن ائتوا نوحا أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض فيأتون نوحا وفي رواية هشام فإنه أول
رسول بعثه الله إلى أهل الأرض وفي حديث أبي بكر انطلقوا إلى أبيكم بعد أبيكم إلى نوح ائتوا
عبدا شاكرا وفي حديث أبي هريرة اذهبوا إلى نوح فيأتون نوحا فيقولون يا نوح أنت أول الرسل
إلى أهل الأرض وقد سماك الله عبدا شكورا وفي حديث أبي بكر فينطلقون إلى نوح فيقولون
يا نوح اشفع لنا إلى ربك فإن الله اصطفاك واستجاب لك في دعائك ولم يدع على الأرض من
الكافرين ديارا ويجمع بينهما بأن آدم سبق إلى وصفه بأنه أول رسول فخاطبه أهل الموقف بذلك
وقد استشكلت هذه الأولية بأن آدم نبي مرسل وكذا شيث وإدريس وهم قبل نوح وقد تقدم
الجواب عن ذلك في شرح حديث جابر أعطيت خمسا في كتاب التيمم وفيه وكان النبي يبعث إلى
قومه خاصة الحديث ومحصل الأجوبة عن الاشكال المذكور أن الأولية مقيدة بقوله أهل
الأرض لان آدم ومن ذكر معه لم يرسلوا إلى أهل الأرض ويشكل عليه حديث جابر ويجاب
بأن بعثته إلى أهل الأرض باعتبار الواقع لصدق انهم قومه بخلاف عموم بعثة نبينا محمد صلى الله
عليه وسلم لقومه ولغير قومه أو الأولية مقيدة بكونه أهلك قومه أو ان الثلاثة كانوا أنبياء ولم
يكونوا رسلا والى هذا جنح ابن بطال في حق آدم وتعقبه عياض بما صححه ابن حبان من حديث
أبي ذر فإنه كالصريح في أنه كان مرسلا وفيه التصريح بإنزال الصحف على شيث وهو من
علامات الارسال وأما إدريس فذهبت طائفة إلى أنه كان في بني إسرائيل وهو الياس وقد ذكر
ذلك في أحاديث الأنبياء ومن الأجوبة ان رسالة آدم كانت إلى بنيه وهم موحدون ليعلمهم
شريعته ونوح كانت رسالته إلى قوم كفار يدعوهم إلى التوحيد (قوله فيقول لست هناكم
ويذكر خطيئته التي أصاب 2 فيستحي ربه منها) في رواية هشام ويذكر سؤال ربه ما ليس له به علم وفي
رواية شيبان سؤال الله وفي رواية معبد بن هلال مثل جواب آدم لكن قال وانه كانت لي دعوة
دعوت بها على قومي وفي حديث ابن عباس فيقول ليس ذاكم عندي وفي حديث أبي هريرة اني
دعوت بدعوة أغرقت أهل الأرض ويجمع بينه وبين الأول بأنه اعتذر بأمرين أحدهما نهى
الله تعالى له ان يسأل ما ليس له به علم فخشي أن تكون شفاعته لأهل الموقف من ذلك ثانيهما
ان له دعوة واحدة محققة الإجابة وقد استوفاها بدعائه على أهل الأرض فخشي ان يطلب فلا
يجاب وقال بعض الشراح كان الله وعد نوحا ان ينجيه وأهله فلما غرق ابنه ذكر لربه ما وعده فقيل
له المراد من أهلك من آمن وعمل صالحا فخرج ابنك منهم فلا تسأل ما ليس لك به علم (تنبيهان
الأول) سقط من حديث أبي حذيفة المقرون بأبي هريرة ذكر نوح فقال في قصة آدم اذهبوا إلى
ابني إبراهيم وكذا سقط من حديث ابن عمر والعمدة على من حفظ (الثاني) ذكر أبو حامد
الغزالي في كشف علوم الآخرة أن بين اتيان أهل الموقف آدم واتيانهم نوحا الف سنة وكذا بين
كل نبي ونبي إلى نبينا صلى الله عليه وسلم ولم اقف لذلك على أصل ولقد أكثر في هذا الكتاب من
إيراد أحاديث لا أصول لها فلا يغتر بشئ منها (قوله ائتوا إبراهيم) في رواية مسلم ولكن ائتوا
إبراهيم الذي اتخذه الله خليلا وفي رواية معبد بن هلال ولكن عليكم بإبراهيم فهو خليل الله
376

(قوله فيأتونه) في رواية مسلم فيأتون إبراهيم زاد أبو هريرة في حديثه فيقولون يا إبراهيم أنت نبي
الله وخليله من أهل الأرض قم اشفع لنا إلى ربك وذكر مثل ما لآدم قولا وجوابا الا أنه قال قد
كنت كذبت ثلاث كذبات وذكرهن (قوله فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته) زاد مسلم التي
أصاب فيستحيي ربه منها وفي حديث أبي بكر ليس ذاكم عندي وفي رواية همام اني كنت كذبت
ثلاث كذبات زاد شيبان في روايته قوله اني سقيم وقوله فعله كبيرهم هذا وقوله لامرأته أخبريه
اني أخوك وفي رواية أبي نضرة عن أبي سعيد فيقول اني كذبت ثلاث كذبات قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما منها كذبة الا ما حل بها عن دين الله وما حل بمهملة بمعنى جادل وزنه ومعناه
ووقع في رواية حذيفة المقرونة لست بصاحب ذاك انما كنت خليلا من وراء وراء وضبط بفتح
الهمزة وبضمها واختلف الترجيح فيهما قال النووي أشهرهما الفتح بلا تنوين ويجوز بناؤهما
على الضم وصوبه أبو البقاء والكندي وصوب ابن دحية الفتح على أن الكلمة مركبة مثل
شذر مذر وان ورد منصوبا منونا جاز ومعناه لم أكن في التقريب والادلال بمنزلة الحبيب قال
صاحب التحرير هذه كلمة تقال على سبيل التواضع أي لست في تلك الدرجة قال وقد وقع لي فيه
معنى مليح وهو ان الفضل الذي أعطيته كان بسفارة جبريل ولكن ائتوا موسى الذي كلمه الله بلا
واسطة وكرر وراء إشارة إلى نبينا صلى الله عليه وسلم لأنه حصلت له الرؤية والسماع بلا واسطة
فكأنه قال أنا من وراء موسى الذي هو من وراء محمد قال البيضاوي الحق أن الكلمات الثلاث
انما كانت من معاريض الكلام لكن لما كانت صورتها صورة الكذب أشفق منها استصغارا
لنفسه عن الشفاعة مع وقوعها لان من كان أعرف بالله وأقرب إليه منزلة كان أعظم خوفا
(قوله ائتوا موسى الذي كلمه الله) في رواية مسلم ولكن ائتوا موسى وزاد وأعطاه التوراة وكذا
في رواية هشام وغيره وفي رواية معبد بن هلال ولكن عليكم بموسى فهو كليم الله وفي رواية
الإسماعيلي عبدا أعطاه الله التوراة وكلمه تكليما زاد همام في روايته وقربه نجيا وفي رواية
حذيفة المقرونة اعمدوا إلى موسى (قوله فيأتونه) في رواية مسلم فيأتون موسى فيقول وفي
حديث أبي هريرة فيقولون يا موسى أنت رسول الله فضلك الله برسالته وكلامه على الناس
اشفع لنا فذكر مثل آدم قولا وجوابا لكنه قال إني قتلت نفسا لم أومر بقتلها (قوله فيقول
لست هناكم) زاد مسلم فيذكر خطيئته التي أصاب قتل النفس وللإسماعيلي فيستحي ربه منها وفي
رواية ثابت عند سعيد بن منصور اني قتلت نفسا بغير نفس وان يغفر لي اليوم حسبي وفي حديث
أبي هريرة اني قتلت نفسا لم أومر بقتلها وذكر مثل ما في آدم (قوله ائتوا عيسى) زاد مسلم روح الله
وكلمته وفي رواية هشام عبد الله ورسوله وكلمته وروحه وفي حديث أبي بكر فإنه كان يبرئ الأكمه
والأبرص ويحيى الموتى (قوله فيأتونه) في رواية مسلم فيأتون عيسى فيقول لست هناكم وفي
حديث أبي هريرة فيقولون يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وكلمت الناس
في المهد صبيا اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه مثل آدم قولا وجوابا لكن قال ولم يذكر ذنبا
لكن وقع في رواية الترمذي من حديث أبي نضرة عن أبي سعيد اني عبدت من دون الله وفي رواية
أحمد والنسائي من حديث ابن عباس اني اتخذت الها من دون الله وفي رواية ثابت عند سعيد
ابن منصور نحوه وزاد وان يغفر لي اليوم حسبي (قوله ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقد غفر له
377

ما تقدم من ذنبه وما تأخر) في رواية مسلم عبد غفر له الخ زاد ثابت من ذنبه وفي رواية هشام غفر
الله له وفي رواية معتمر انطلقوا إلى من جاء اليوم مغفورا له ليس عليه ذنب وفي رواية ثابت أيضا
خاتم النبيين قد حضر اليوم أرأيتم لو كان متاع في وعاء قد ختم عليه أكان يقدر على ما في الوعاء
حتى يفض الخاتم وعند سعيد بن منصور من هذا الوجه فيرجعون إلى آدم فيقول أرأيتم الخ وفي
حديث أبي بكر ولكن انطلقوا إلى سيد ولد آدم فإنه أول من تنشق عنه الأرض قال عياض
اختلفوا في تأويل قوله تعالى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقيل المتقدم ما قبل النبوة
والمتأخر العصمة وقيل ما وقع عن سهو أو تأويل وقيل المتقدم ذنب آدم والمتأخر ذنب أمته وقيل
المعنى أنه مغفور له غير مؤاخذ لو وقع وقيل غير ذلك (قلت) واللائق بهذا المقام القول الرابع
وأما الثالث فلا يتأتى هنا ويستفاد من قول عيسى في حق نبينا هذا ومن قول موسى فيما تقدم
اني قتلت نفسا بغير نفس وان يغفر لي اليوم حسبي مع أن الله قد غفر له بنص القرآن التفرقة
بين من وقع منه شئ ومن لم يقع شئ أصلا فإن موسى عليه السلام مع وقوع المغفرة له لم يرتفع
اشفاقه من المؤاخذة بذلك ورأى في نفسه تقصيرا عن مقام الشفاعة مع وجود ما صدر منه
بخلاف نبينا صلى الله عليه وسلم في ذلك كله ومن ثم احتج عيسى بأنه صاحب الشفاعة لأنه قد
غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر بمعنى ان الله أخبر أنه لا يؤاخذه بذنب لو وقع منه وهذا من
النفائس التي فتح الله بها في فتح الباري فله الحمد (قوله فيأتوني) في رواية النضر بن أنس عن أبيه
حدثني نبي الله صلى الله عليه وسلم قال إني لقائم انتظر أمتي تعبر الصراط إذ جاء عيسى فقال يا محمد
هذه الأنبياء قد جاءتك يسألون لتدعو الله أن يفرق جمع الأمم إلى حيث يشاء لغم ما هم فيه
فأفادت هذه الرواية تعيين موقف النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ وان هذا الذي وصف من كلام
أهل الموقف كله يقع عند نصب الصراط بعد تساقط الكفار في النار كما سيأتي بيانه قريبا وان
عيسى عليه السلام هو الذي يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم وان الأنبياء جميعا يسألونه في ذلك
وقد أخرج الترمذي وغيره من حديث أبي بن كعب في نزول القرآن على سبعة أحرف وفيه
وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم عليه السلام ووقع في رواية معبد بن هلال
فيأتوني فأقول أنا لها أنا لها زاد عقبة بن عامر عند ابن المبارك في الزهد فيأذن الله لي فأقوم فيثور
من مجلس أطيب ريح شمها أحد وفي حديث سلمان بن أبي بكر بن أبي شيبة يأتون محمدا فيقولون
يا نبي الله أنت الذي فتح الله بك وختم وغفر لك ما تقدم وما تأخر وجئت في هذا اليوم آمنا وترى
ما نحن فيه فقم فاشفع لنا إلى ربنا فيقول أنا صاحبكم فيجوش الناس حتى ينتهي إلى باب الجنة
وفي رواية معتمر فيقول أنا صاحبها (قوله فاستأذن) في رواية هشام فانطلق حتى استأذن (قوله
على زبي) زاد همام في داره فيؤذن لي قال عياض أي في الشفاعة وتعقب بأن ظاهر ما تقدم أن
استئذانه الأول والاذن له انما هو في دخول الدار وهي الجنة وأضيفت إلى الله تعالى إضافة
تشريف ومنه والله يدعو إلى دار السلام على القول بأن المراد بالسلام هنا الاسم العظيم وهو
من أسماء الله تعالى قيل الحكمة في انتقال النبي صلى الله عليه وسلم من مكانه إلى دار السلام
ان أرض الموقف لما كانت مقام عرض وحساب كانت مكان مخافة واشفاق ومقام الشافع
يناسب أن يكون في مكان اكرام ومن ثم يستحب ان يتحرى للدعاء المكان الشريف لان الدعاء
378

فيه أقرب للإجابة (قلت) وتقدم في بعض طرقه ان من جملة سؤال أهل الموقف استفتاح باب
الجنة وقد ثبت في صحيح مسلم أنه أول من يستفتح باب الجنة وفي رواية علي بن زيد عن أنس عند
الترمذي فآخذ حلقة باب الجنة فأقعقعها فيقال من هذا فأقول محمد فيفتحون لي ويرحبون
فاخر ساجدا وفي رواية ثابت عن أنس عند مسلم فيقول الخازن من فأقول محمد فيقول بك أمرت
ان لا افتح لاحد قبلك وله من رواية المختار بن فلفل عن أنس رفعه انا أول من يقرع باب الجنة وفي
رواية قتادة عن أنس آتي باب الجنة فاستفتح فيقال من هذا فأقول محمد فيقال مرحبا بمحمد وفي
حديث سلمان فيأخذ بحلقة الباب وهي من ذهب فيقرع الباب فيقال من هذا فيقول محمد
فيفتح له حتى يقوم بين يدي الله فيستأذن في السجود فيؤذن له وفي حديث أبي بكر الصديق فيأتي
جبريل ربه فيقول ائذن له (قوله فإذا رأيته وقعت له ساجدا) في رواية أبي بكر فآتي تحت العرش
فاقع ساجدا لربي وفي رواية لابن حبان من طريق ثوبان عن أنس فيتجلى له الرب ولا يتجلى لشئ
قبله وفي حديث أبي بن كعب عند أبي يعلى رفعه يعرفني الله نفسه فأسجد له سجدة يرضى بها عني
ثم أمتدحه بمدحة يرضى بها عني (قوله فيدعني ما شاء الله) زاد مسلم ان يدعني وكذا في رواية
هشام وفي حديث عبادة بن الصامت فإذا رأيت ربي خررت له ساجدا شاكرا له وفي رواية معبد
ابن هلال فأقوم بين يديه فيلهمني محامد لا أقدر عليها الان فاحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا
وفي حديث أبي بكر الصديق فينطلق إليه جبريل فيخر ساجدا قدر جمعة (قوله ثم يقال لي ارفع
رأسك) في رواية مسلم فيقال يا محمد وكذا في أكثر الروايات وفي رواية النضر بن أنس فاوحى الله
إلى جبريل ان اذهب إلى محمد فقل له ارفع رأسك فعلى هذا فالمعنى يقول لي على لسان جبريل
(قوله وسل تعطه وقل يسمع واشفع تشفع) في رواية مسلم بغير واو وسقط من أكثر الروايات
وقل يسمع ووقع في حديث أبي بكر فيرفع رأسه فإذا نظر إلى ربه خر ساجدا قدر جمعة وفي حديث
سلمان فينادي يا محمد ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع وادع تجب (قوله فارفع رأسي فاحمد
ربي بتحميد يعلمني) وفي رواية هشام يعلمنيه وفي رواية ثابت بمحامد لم يحمده بها أحد قبلي ولا
يحمده بها أحد بعدي وفي حديث سلمان فيفتح الله له من الثناء والتحميد والتمجيد ما لم يفتح
لاحد من الخلائق وكأنه صلى الله عليه وسلم يلهم التحميد قبل سجوده وبعده وفيه ويكون في كل
مكان ما يليق به وقد ورد ما لعله يفسر به بعض ذلك لا جميعه ففي النسائي ومصنف عبد الرزاق
ومعجم الطبراني من حديث حذيفة رفعه قال يجمع الناس في صعيد واحد فيقال يا محمد فأقول
لبيك وسعديك والخير في يديك والمهدي من هديت وعبدك بين يديك وبك وإليك تباركت
وتعاليت سبحانك لا ملجأ ولا منجا منك الا إليك زاد عبد الرزاق سبحانك رب البيت فذلك قوله
عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا قال ابن منده في كتاب الايمان هذا حديث مجمع على صحة
إسناده وثقة رواته (قوله ثم اشفع) في رواية معبد بن هلال فأقول رب أمتي أمتي أمتي وفي
حديث أبي هريرة نحوه (قوله فيحد لي حدا) يبين لي في كل طور من أطوار الشفاعة حدا أقف
عنده فلا أتعداه مثل أن يقول شفعتك فيمن أخل بالجماعة ثم فيمن أخل بالصلاة
ثم فيمن شرب الخمر
ثم فيمن زنى وعلى هذا الأسلوب كذا حكاه الطيبي والذي يدل عليه سياق الاخبار أن المراد به
تفضيل مراتب المخرجين في الأعمال الصالحة كما وقع عند أحمد عن يحيى القطان عن سعيد بن
379

أبي عروبة عن قتادة في هذا الحديث بعينه وسانبه عليه في آخره وكما تقدم في رواية هشام عن قتادة
عن أنس في كتاب الايمان بلفظ يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة وفي رواية
ثابت عند أحمد فأقول أي رب أمتي أمتي فيقول أخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة ثم ذكر نحو
ما تقدم وقال مثقال ذرة ثم قال مثقال حبة من خردل ولم يذكر بقية الحديث ووقع في طريق
النضر بن أنس قال فشفعت في أمتي أن أخرج من كل تسعة وتسعين انسانا واحدا فما زلت
أتردد على ربي لا أقوم منه مقاما الا شفعت وفي حديث سلمان فيشفع في كل من كان في قلبه مثقال
حبة من حنطة ثم شعيرة ثم حبة من خردل فذلك المقام المحمود وقد تقدمت الإشارة إلى شئ من
هذا في شرح الحديث الثالث عشر ويأتي مبسوطا في شرح حديث الباب الذي يليه (قوله
ثم أخرجهم من النار) قال الداودي كأن راوي هذا الحديث ركب شيا على غير أصله وذلك أن في
أول الحديث ذكر الشفاعة في الإراحة من كرب الموقف وفي آخره ذكر الشفاعة في الاخراج من
النار يعني وذلك انما يكون بعد التحول من الموقف والمرور على الصراط وسقوط من يسقط في
تلك الحالة في النار ثم يقع بعد ذلك الشفاعة في الاخراج وهو اشكال قوي وقد أجاب عنه عياض
وتبعه النووي وغيره بأنه قد وقع في حديث حذيفة المقرون بحديث أبي هريرة بعد قوله فيأتون
محمدا فيقوم ويؤذن له أي في الشفاعة وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبي الصراط يمينا
وشمالا فيمر أولكم كالبرق الحديث قال عياض فبهذا يتصل الكلام لن الشفاعة التي لجا
الناس إليه فيها هي الإراحة من كرب الموقف ثم تجئ الشفاعة في الاخراج وقد وقع في حديث أبي
هريرة يعني الآتي في الباب الذي يليه بعد ذكر الجمع في الموقف الامر باتباع كل أمة ما كانت
تعبد ثم تمييز المنافقين من المؤمنين ثم حلول الشفاعة بعد وضع الصراط والمرور عليه فكان الامر
باتباع كل أمة ما كانت تعبد هو أول فصل القضاء والإراحة من كرب الموقف قال وبهذا تجتمع
متون الأحاديث وتترتب معانيها (قلت) فكأن بعض الرواة حفظ مالم يحفظ لاخر وسيأتي
بقيته في شرح حديث الباب الذي يليه وفيه حتى يجئ الرجل فلا يستطيع السير الا زحفا في
جانبي الصراط كلاليب مأمورة بأخذ من أمرت به فمخدوش ناج ومكدوش في النار فظهر منه أنه
صلى الله عليه وسلم أول ما يشفع ليقضي بين الخلق وان الشفاعة فيمن يخرج من النار ممن سقط
تقع بعد ذلك وقد وقع ذلك صريحا في حديث ابن عمر اختصر في سياقه الحديث الذي ساقه
أنس وأبو هريرة مطولا وقد تقدم في كتاب الزكاة من طريق حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه بلفظ
ان الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الاذن فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد
فيشفع ليقضى بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب فيؤمئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده
أهل الجمع كلهم ووقع في حديث أبي بن كعب عند أبي يعلى ثم امتدحه بمدحة يرضى بها عني ثم
يؤذن لي في الكلام ثم تمر أمتي على الصراط وهو منصوب بين ظهراني جهنم فيمرون وفي حديث
ابن عباس من رواية عبد الله بن الحارث عنه عند أحمد فيقول عز وجل يا محمد ما تريد ان أصنع في
أمتك فأقول يا رب عجل حسابهم وفي رواية عن ابن عباس عند أحمد وأبي يعلى فأقول أنا لها حتى
يأذن الله لمن يشاء ويرضى فإذا أراد الله أن يفرغ من خلقه نادى مناد أين محمد وأمته الحديث
وسيأتي بيان ما يقع في الموقف قبل نصب الصراط في شرح حديث الباب الذي يليه وتعرض
380

الطيبي للجواب عن الاشكال بطريق آخر فقال يجوز أن يراد بالنار الحبس والكرب والشدة
التي كان أهل الموقف فيها من دنو الشمس إلى رؤسهم وكربهم بحرها وسفعها حتى ألجمهم العرق
وان يراد بالخروج منها خلاصهم من تلك الحالة التي كانوا فيها (قلت) وهو احتمال بعيد الا أن
يقال إنه يقع اخراجان وقع ذكر أحدهما في حديث الباب على اختلاف طرقه والمراد به الخلاص
من كرب الموقف والثاني في حديث الباب الذي يليه ويكون قوله فيه فيقول من كان يعبد شيئا
فليتبعه بعد تمام الخلاص من الموقف ونصب الصراط والاذن في المرور عليه ويقع الاخراج
الثاني لمن يسقط في النار حال المرور فيتحدا وقد أشرت إلى الاحتمال المذكور في شرح حديث
العرق في باب قوله تعالى ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون والعلم عند الله تعالى وأجاب القرطبي عن
أصل الاشكال بان في قوله آخر حديث أبي زرعة عن أبي هريرة بعد قوله صلى الله عليه وسلم
فأقول يا رب أمتي أمتي فيقال أدخل من أمتك من الباب الأيمن من أبواب الجنة من لا حساب
عليه ولا عذاب قال في هذا ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع فيما طلب من تعجيل
الحساب فإنه لما أذن له في إدخال من لا حساب عليه دل على تأخير من عليه حساب ليحاسب ووقع
في حديث الصور الطويل عند أبي يعلى فأقول يا رب وعدتني الشفاعة فشفعني في أهل الجنة
يدخلون الجنة فيقول الله وقد شفعتك فيهم وأذنت لهم في دخول الجنة (قلت) وفيه اشعار بان
العرض والميزان وتطاير الصحف يقع في هذا الموطن ثم ينادي المنادي ليتبع كل أمة من كانت
تعبد فيسقط الكفار في النار ثم يميز بين المؤمنين والمنافقين بالامتحان بالسجود عند كشف الساق
ثم يؤذن في نصب الصراط والمرور عليه فيطفأ نور المنافقين فيسقطون في النار أيضا ويمر
المؤمنون عليه إلى الجنة فمن العصاة من يسقط ويوقف بعض من نجا عند القنطرة للمقاصصة
بينهم ثم يدخلون الجنة وسيأتي تفصيل ذلك واضحا في شرح حديث الباب الذي يليه إن شاء الله
تعالى ثم وقفت في تفسير يحيى بن سلام البصري نزيل مصر ثم إفريقية وهو في طبقة يزيد بن
هارون وقد ضعفه الدارقطني وقال أبو حاتم الرازي صدوق وقال أبو زرعة ربما وهم وقال ابن
عدي يكتب حديثه مع ضعفه فنقل فيه عن الكلبي قال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار
النار بقيت زمرة من آخر زمر الجنة إذا خرج المؤمنون من الصراط بأعمالهم فيقول آخر زمرة
من زمر النار لهم وقد بلغت النار منهم كل مبلغ أما نحن فقد أخذنا بما في قلوبنا من الشك
والتكذيب فما نفعكم أنتم توحيدكم قال فيصرخون عند ذلك يدعون ربهم فيسمعهم أهل
الجنة فيأتون آدم فذكر الحديث في اتيانهم الأنبياء المذكورين قبل واحدا واحدا إلى محمد صلى
الله عليه وسلم فينطلق فيأتي رب العزة فيسجد له حتى يأمره أن يرفع رأسه ثم يسأله ما تريد وهو أعلم
به فيقول رب أناس من عبادك أصحاب ذنوب لم يشركوا بك وأنت أعلم بهم فعيرهم أهل الشرك
بعبادتهم إياك فيقول وعزتي لأخرجنهم فيخرجهم قد احترقوا فينضح عليهم من الماء حتى ينبتوا
ثم يدخلون الجنة فيسمون الجهنميين فيغبطه عند ذلك الأولون والآخرون فذلك قوله عسى
أن يبعثك ربك مقاما محمودا (قلت) فهذا لو ثبت لرفع الاشكال لكن الكلبي ضعيف ومع ذلك لم
يسنده ثم هو مخالف لصريح الأحاديث الصحيحة ان سؤال المؤمنين الأنبياء واحدا بعد واحد انما
يقع في الموقف قبل دخول المؤمنين الجنة والله أعلم وقد تمسك بعض المبتدعة من المرجئة
381

بالاحتمال المذكور في دعواه ان أحدا من الموحدين لا يدخل النار أصلا وانما المراد بما جاء من
أن النار تسفعهم أو تلفحهم وما جاء في الاخراج من النار جميعه محمول على ما يقع لهم من الكرب
في الموقف وهو تمسك باطل وأقوى ما يرد به عليه ما تقدم في الزكاة من حديث أبي هريرة في قصة
مانع الزكاة واللفظ لمسلم ما من صاحب ابل لا يؤدي حقها منها الا إذا كان يوم القيامة بطح لها
بقاع قرقر أوفر ما كانت تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة
حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله اما إلى الجنة واما إلى النار الحديث بطوله وفيه ذكر الذهب
والفضة والبقر والغنم وهو دال على تعذيب من شاء الله من العصاة بالنار حقيقة زيادة على كرب
الموقف وورد في سبب إخراج بقية الموحدين من النار ما تقدم أن الكفار يقولون لهم ما أغنى
عنكم قول لا إله إلا الله وأنتم معنا فيغضب الله لهم فيخرجهم وهو مما يرد به على المبتدعة المذكورين
وسأذكره في شرح حديث الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى (قوله ثم أعود فأقع ساجدا مثله في
الثالثة أو الرابعة) في رواية هشام فاحد لهم حدا فادخلهم الجنة ثم ارجع ثانيا فاستأذن إلى أن
قال ثم أحد لهم حدا ثالثا فادخلهم الجنة ثم ارجع هكذا في أكثر الروايات ووقع عند أحمد من
رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ثم أعود الرابعة فأقول يا رب ما بقي الا من حبسه القرآن ولم
يشك بل جزم بأن هذا القول يقع في الرابعة ووقع في رواية معبد بن هلال عن أنس أن الحسن
حدث معبدا بعد ذلك بقوله فأقوم الرابعة وفيه قول الله له ليس ذلك لك وان الله يخرج من النار
من قال لا إله إلا الله وان لم يعمل خيرا قط فعلى هذا فقوله حبسه القرآن يتناول الكفار وبعض
العصاة ممن ورد في القرآن في حقه التخليد ثم يخرج العصاة في القبضة وتبقى الكفار ويكون المراد
بالتخليد في حق العصاة المذكورين البقاء في النار بعد إخراج من تقدمهم (قوله حتى ما يبقى)
في رواية الكشميهني ما بقى وفي رواية هشام بعد الثالثة حتى أرجع فأقول (قوله الا من حبسه
القرآن وكان قتادة يقول عند هذا أي وجب عليه الخلود) في رواية همام الا من حبسه القرآن أي
وجب عليه الخلود كذا أبهم قائل أي وجب وتبين من رواية أبي عوانة انه قتادة أحد رواته ووقع
في رواية هشام وسعيد فأقول ما بقي في النار الا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود وسقط من
رواية سعيد عند مسلم ووجب عليه الخلود وعنده من رواية هشام مثل ما ذكرت من رواية همام
فتعين ان قوله ووجب عليه الخلود في رواية هشام مدرج في المرفوع لما تبين من رواية أبي عوانة
أنها من قول قتادة فسر به قوله من حبسه القرآن أي من أخبر القرآن بأنه يخلد في النار ووقع في
رواية همام بعد قوله أي وجب عليه الخلود وهو المقام المحمود الذي وعده الله وفي رواية شيبان
الا من حبسه القرآن يقول وجب عليه الخلود وقال عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا وفي رواية
سعيد عند أحمد بعد قوله الا من حبسه القرآن قال فحدثنا أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال فيخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة الحديث وهو
الذي فصله هشام من الحديث وسبق سياقه في كتاب الايمان مفردا ووقع في رواية معبد بن هلال
بعد روايته عن أنس من روايته عن الحسن البصري عن أنس قال ثم أقوم الرابعة فأقول أي
رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله فيقول لي ليس ذلك لك فذكر بقية الحديث في اخراجهم وقد
تمسك به بعض المبتدعة في دعواهم أن من دخل النار من العصاة لا يخرج منها لقوله تعالى ومن
382

بعص الله ورسوله فان له نار جهنم خالدين فيها أبدا وأجاب أهل السنة بأنها نزلت في الكفار وعلى
تسليم أنها في أعم من ذلك فقد ثبت تخصيص الموحدين بالاخراج ولعل التأبيد في حق من يتأخر
بعد شفاعة الشافعين حتى يخرجوا بقبضة أرحم الراحمين كما سيأتي بيانه في شرح حديث الباب
الذي يليه فيكون التأبيد مؤقتا وقال عياض استدل بهذا الحديث من جوز الخطايا على الأنبياء
كقول كل من ذكر فيه ما ذكر وأجاب عن أصل المسئلة بأنه لا خلاف في عصمتهم من الكفر بعد
النبوة وكذا قبلها على الصحيح وكذا القول في الكبيرة على التفصيل المذكور ويلتحق بها
ما يزري بفاعله من الصغائر وكذا القول في كل ما يقدح في الابلاغ من جهة القول واختلفوا في
الفعل فمنعه بعضهم حتى في النسيان وأجاز الجمهور السهو لكن لا يحصل التمادي واختلفوا
فيما عدا ذلك كله من الصغائر فذهب جماعة من أهل النظر إلى عصمتهم منها مطلقا وأولوا
الأحاديث والآيات الواردة في ذلك بضروب من التأويل ومن جملة ذلك أن الصادر عنهم اما ان
يكون بتأويل من بعضهم أو بسهو أو بإذن لكن خشوا أن لا يكون ذلك موافقا لمقامهم
فأشفقوا من المؤاخذة أو المعاتبة قال وهذا أرجح المقالات وليس هو مذهب المعتزلة وان
قالوا بعصمتهم مطلقا لان منزعهم في ذلك التكفير بالذنوب مطلقا ولا يجوز على النبي الكفر
ومنزعنا ان أمة النبي مأمورة بالاقتداء به في أفعاله فلو جاز منه وقوع المعصية للزم الامر بالشئ
الواحد والنهي عنه في حالة واحدة وهو باطل ثم قال عياض وجميع ما ذكر في حديث الباب
لا يخرج عما قلناه لان أكل آدم من الشجرة كان عن سهو وطلب نوح نجاة ولده كان عن
تأويل ومقالات إبراهيم كانت معاريض وأراد بها الخير وقتيل موسى كان كافرا كما تقدم بسط
ذلك والله أعلم وفيه جواز إطلاق الغضب على الله والمراد به ما يظهر من انتقامه ممن عصاه وما
يشاهده أهل الموقف من الأهوال التي لم يكن مثالها ولا يكون كذا قرره النووي وقال غيره
المراد بالغضب لازمه وهو إرادة ايصال السوء للبعض وقول آدم ومن بعده نفسي نفسي نفسي
أي نفسي هي التي تستحق أن يشفع لها لان المبتدأ والخبر إذا كانا متحدين فالمراد به بعض اللوازم
ويحتمل أن يكون أحدهما محذوفا وفيه تفضيل محمد صلى الله عليه وسلم على جميع الخلق لان
الرسل والأنبياء والملائكة أفضل ممن سواهم وقد ظهر فضله في هذا المقام عليهم قال القرطبي
ولو لم يكن في ذلك الا الفرق بين من يقول نفسي نفسي وبين من يقول أمتي أمتي لكان كافيا وفيه
تفضيل الأنبياء المذكورين فيه على من لم يذكر فيه لتأهلهم لذلك المقام العظيم دون من سواهم
وقد قيل انما اختص المذكورون بذلك لمزايا أخرى لا تتعلق بالتفضيل فآدم لكونه والد
الجميع ونوح لكونه الأب الثاني وإبراهيم للامر باتباع ملته وموسى لأنه أكثر الأنبياء تبعا
وعيسى لأنه أولى الناس بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الحديث الصحيح ويحتمل أن
يكونوا اختصوا بذلك لانهم أصحاب شرائع عمل بها من بين من ذكر أولا ومن بعده وفي الحديث
من الفوائد غير ما ذكر أن من طلب من كبير أمرا مهما أن يقدم بين يدي سؤاله وصف المسؤول
بأحسن صفاته وأشرف مزاياه ليكون ذلك أدعى لاجابته لسؤاله وفيه أن المسؤول إذا لم يقدر على
تحصيل ما سئل يعتذر بما يقبل منه ويدل على من يظن أنه يكمل في القيام بذلك فالدال على الخير
كفاعله وانه يثنى على المدلول عليه بأوصافه المقتضية لأهليته ويكون أدعى لقبول عذره في
383

الامتناع وفيه استعمال ظرف المكان في الزمان لقوله لست هناكم لان هنا ظرف مكان
فاستعملت في ظرف الزمان لان المعنى لست في ذلك المقام كذا قاله بعض الأئمة وفيه نظر وانما
هو ظرف مكان على بابه لكنه المعنوي لا الحسي مع أنه يمكن حمله على الحسي لما تقدم من أنه صلى
الله عليه وسلم يباشر السؤال بعد أن يستأذن في دخول الجنة وعلى قول من يفسر المقام المحمود
بالقعود على العرش يتحقق ذلك أيضا وفيه العمل بالعام قبل البحث عن المخصص أخذا من قصة
نوح في طلبه نجاة ابنه وقد يتمسك به من يرى بعكسه وفيه ان الناس يوم القيامة يستصحبون
حالهم في الدنيا من التوسل إلى الله تعالى في حوائجهم بأنبيائهم والباعث على ذلك الالهام كما تقدم
في صدر الحديث وفيه انهم يستشير بعضهم بعضا ويجمعون على الشئ المطلوب وأنهم يغطى عنهم
بعض ما علموه في الدنيا لان في السائلين من سمع هذا الحديث ومع ذلك فلا يستحضر أحدا منهم
أن ذلك المقام يختص به نبينا صلى الله عليه وسلم إذ لو استحضروا ذلك لسألوه من أول وهلة ولما
احتاجوا إلى التردد من نبي إلى نبي ولعل الله تعالى أنساهم ذلك للحكمة التي تترتب عليه من اظهار
فضل نبينا صلى الله عليه وسلم كما تقدم تقريره * الحديث الثامن عشر حديث عمران بن حصين
(قوله يحيى) هو ابن سعيد القطان والحسن بن ذكوان هو أبو سلمة البصري تكلم فيه أحمد وابن
معين وغيرهما لكنه ليس له في البخاري سوى هذا الحديث من رواية يحيى القطان عنه مع تعنته
في الرجال ومع ذلك فهو متابعة وفي طبقته الحسين بن ذكوان وهو بضم الحاء وفتح السين وآخره
نون بصرى أيضا يعرف بالمعلم وبالمكتب وهو أوثق من أبي سلمة وتقدم شرح حديث الباب في
الحادي عشر * الحديث التاسع عشر حديث أنس في قصة أم حارثة تقدم في الخامس من وجه
آخر عن حميد عنه وفيه ولقاب قوس أحدكم وتقدم شرحه وفيه ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة
اطلعت إلى الأرض (قوله لأضاءت ما بينهما) وقع في حديث سعيد بن عامر الجمحي عند البزار
بلفظ تشرف على الأرض لذهب ضوء الشمس والقمر (قوله ولملأت ما بينهما ريحا) أي طيبة
وفي حديث سعيد بن عامر المذكور لملأت الأرض ريح مسك وفي حديث أبي سعيد عند أحمد
وصححه ابن حبان وان أدنى لؤلؤة عليها لتضئ ما بين المشرق والمغرب (قوله ولنصفيها) بفتح
النون وكسر الصاد المهملة بعدها تحتانية ثم فاء فسر في الحديث بالخمار بكسر المعجمة وتخفيف
الميم وهذا التفسير من قتيبة فقد أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن إسماعيل بن جعفر بدونه
وقال الأزهري النصيف الخمار ويقال أيضا للخادم (قلت) والمراد هنا الأول جزما وقد وقع في رواية
الطبراني ولتاجها على رأسها وحكى أبو عبيد الهروي ان النصيف المعجر بكسر الميم وسكون
المهملة وفتح الجيم وهو ما تلويه المرأة على رأسها وقال الأزهري هو كالعصابة تلفها المرأة على
استدارة رأسها واعتجر الرجل بعمامته لفها على رأسه ورد طرفها على وجهه وشيئا منها تحت ذقنه
وقيل المعجر ثوب تلبسه المرأة أصغر من الرداء ووقع في حديث ابن عباس عند ابن أبي الدنيا ولو
أخرجت نصيفها لكانت الشمس عند حسنها مثل الفتيلة من الشمس لا ضوء لها ولو أطلعت
وجهها لأضاء حصنها ما بين السماء والأرض ولو أخرجت كفها لأفتتن الخلائق بحسنها
* الحديث العشرون حديث أبي هريرة من طريق الأعرج عنه (قوله لا يدخل أحد الجنة الا أرى
مقعده من النار) وقع عند ابن ماجة بسند صحيح من طريق آخر عن أبي هريرة ان ذلك يقع عند
384

المسألة في القبر وفيه فيفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها فيقال له انظر إلى ما وقاك الله وفي
حديث أنس الماضي في أواخر الجنائز فيقال انظر إلى مقعدك من النار زاد أبو داود في روايته
هذا بيتك كان في النار ولكن الله عصمك ورحمك وفي حديث أبي سعيد كان هذا منزلك لو كفرت
بربك (قوله لو أساء ليزداد شكرا) أي لو كان عمل عملا سيأ وهو الكفر فصار من أهل النار وقوله
ليزداد شكرا أي فرحا ورضا فعبر عنه بلازمه لان الراضي بالشئ يشكر من فعل له ذلك (قوله ولا
يدخل النار أحد) قدم في رواية الكشميهني الفاعل على المفعول وقوله الا أرى بضم الهمزة
وكسر الراء (قوله لو أحسن) أي لو عمل عملا حسنا وهو الاسلام (قوله ليكون عليه حسرة)
أي للزيادة في تعذيبه ووقع عند ابن ماجة أيضا وأحمد بسند صحيح عن أبي هريرة بلفظ ما منكم من
أحد الأولى منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فإذا مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله وذلك
قوله تعالى أولئك هم الوارثون وقال جمهور المفسرين في قوله تعالى وقالوا الحمد لله الذي صدقنا
وعده وأورثنا الأرض الآية المراد أرض الجنة التي كانت لأهل النار لو دخلوا الجنة وهو موافق
لهذا الحديث وقيل المراد أرض الدنيا لأنها صارت خبزة فأكلوها كما تقدم وقال القرطبي يحتمل
أن يسمى الحصول في الجنة وراثة من حيث اختصاصهم بذلك دون غيرهم فهو ارث بطريق
الاستعارة والله أعلم الحديث الحادي والعشرون (قوله عن عمرو) هو ابن أبي عمرو مولى
المطلب بن عبد الله بن حنطب وقد وقع لنا هذا الحديث في نسخة إسماعيل بن جعفر حدثنا عمرو
ابن أبي عمرو وأخرجه أبو نعيم من طريق علي بن حجر عن إسماعيل وكذا تقدم في العلم من رواية
سليمان بن بلال عن عمرو بن أبي عمرو وقد تقدم أن اسم أبي عمرو والد عمرو ميسرة (قوله من أسعد
الناس بشفاعتك) لعل أبا هريرة سأل عن ذلك عند تحديثه صلى الله عليه وسلم بقوله وأريد أن
أختبئ دعوتي شفاعة لامتي في الآخرة وقد تقدم سياقه وبيان ألفاظه في أول كتاب الدعوات
ومن طرقه شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي وتقدم شرح حديث الباب في باب الحرص على
الحديث من كتاب العلم وقوله من قال لا إله إلا الله خالصا من قبل نفسه بكسر القاف وفتح
الموحدة أي قال ذلك باختياره ووقع في رواية أحمد وصححه ابن حبان من طريق أخرى عن أبي
هريرة نحو هذا الحديث وفيه لقد ظننت أنك أول من يسألني عن ذلك من أمتي وشفاعتي لمن شهد
أن لا إله إلا الله مخلصا يصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه والمراد بهذه الشفاعة المسؤول عنها هنا بعض
أنواع الشفاعة وهي التي يقول صلى الله عليه وسلم أمتي أمتي فيقال له أخرج من النار من في قلبه
وزن كذا من الايمان فاسعد الناس بهذه الشفاعة من يكون ايمانه أكمل ممن دونه وأما
الشفاعة العظمى في الإراحة من كرب الموقف فاسعد الناس بها من يسبق إلى الجنة وهم الذين
يدخلونها بغير حساب تم الذين يلونهم وهو من يدخلها بغير عذاب بعد أن يحاسب ويستحق
العذاب ثم من يصيبه لفح من النار ولا يسقط والحاصل أن في قوله أسعد إشارة إلى اختلاف
مراتبهم في السبق إلى الدخول باختلاف مراتبهم في الاخلاص ولذلك أكده بقوله من قلبه
مع أن الاخلاص محله القلب لكن اسناد الفعل إلى الجارحة أبلغ في التأكيد وبهذا التقرير
يظهر موقع قوله أسعد وانها على بابها من التفضيل ولا حاجة إلى قول بعض الشراح الأسعد هنا
بمعنى السعيد لكون الكل يشتركون في شرطية الاخلاص لأنا نقول يشتركون فيه لكن
385

مراتبهم فيه متفاوتة وقال البيضاوي يحتمل أن يكون المراد من ليس له عمل يستحق به الرحمة
والخلاص لان احتياجه إلى الشفاعة أكثر وانتفاعه بها أوفى والله أعلم الحديث الثاني
والعشرون (قوله جرير) هو ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر وإبراهيم هو النخعي وعبيدة
بفتح أوله هو ابن عمرو وهذا السند كله كوفيون (قوله اني لاعلم آخر أهل النار خروجا منها وآخر
أهل الجنة دخولا فيها) قال عياض جاء نحو هذا في آخر من يجوز على الصراط يعني كما يأتي في آخر
الباب الذي يليه قال فيحتمل أنهما اثنان اما شخصان واما نوعان أو جنسان وعبر فيه بالواحد عن
الجماعة لاشتراكهم في الحكم الذي كان سبب ذلك ويحتمل أن يكون الخروج هنا بمعنى الورود
وهو الجواز على الصراط فيتحد المعنى اما في شخص واحد أو أكثر (قلت) وقع عند مسلم من
رواية أنس عن ابن مسعود ما يقوى الاحتمال الثاني ولفظه آخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشي
مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة فإذا ما جاوزها التفت إليها فقال تبارك الذي نجاني منك وعند
الحاكم من طريق مسروق عن ابن مسعود ما يقتضي الجمع (قوله حبوا) بمهملة وموحدة أي
زحفا وزنه ومعناه ووقع بلفظ زحفا في رواية الأعمش عن إبراهيم عند مسلم (قوله فان لك مثل
الدنيا وعشرة أمثالها أو ان لك مثل عشرة أمثال الدنيا) وفي رواية الأعمش فيقال له أتذكر الزمان
الذي كنت فيه أي الدنيا فيقول نعم فيقال له تمن فيتمنى (قوله أتسخر مني أو تضحك مني) وفي رواية
الأعمش أتسخر بي ولم يشك وكذا لمسلم من رواية منصور وله من رواية أنس عن ابن مسعود
أتستهزئ بي وأنت رب العالمين قال المازري هذا مشكل وتفسير الضحك بالرضا لا يتأتى هنا
ولكن لما كانت عادة المستهزئ أن يضحك من الذي استهزأ به ذكر معه وأما نسبة السخرية إلى
الله تعالى فهي على سبيل المقابلة وان لم يذكره في الجانب الآخر لفظا لكنه لما ذكر أنه عاهد
مرارا وغدر حل فعله محل المستهزئ وظن أن في قول الله له ادخل الجنة وتردده إليها وظنه أنها
ملآى نوعا من السخرية به جزاء على فعله فسمى الجزاء على السخرية سخرية ونقل عياض عن
بعضهم ان ألف أتسخر مني ألف النفي كهي في قوله تعالى أتهلكنا بما فعل السفهاء منا على أحد
الأقوال قال وهو كلام متدلل علم مكانه من ربه وبسطه له بالاعطاء وجوز عياض أن الرجل قال
ذلك وهو غير ضابط لما قال إذ وله عقله من السرور بما لم يخطر بباله ويؤيده أنه قال في بعض طرقه
عند مسلم لما خلص من النار لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحدا من الأولين والآخرين وقال
القرطبي في المفهم أكثروا في تأويله وأشبه ما قيل فيه أنه استخفه الفرح وأدهشه فقال ذلك وقيل
قال ذلك لكونه خاف أن يجازى على ما كان منه في الدنيا من التساهل في الطاعات وارتكاب
المعاصي كفعل الساخرين فكانه قال أتجازيني على ما كان مني فهو كقوله سخر الله منهم وقوله
الله يستهزئ بهم أي ينزل بهم جزاء سخريتهم واستهزائهم وسيأتي بيان الاختلاف في اسم هذا
الرجل في آخر شرح حديث الباب الذي يليه (قوله ضحك حتى بدت نواجذه) بنون وجيم وذال
معجمة جمع ناجذ تقدم ضبطه في كتاب الصيام وفي رواية ابن مسعود فضحك ابن مسعود فقالوا مم
تضحك فقال هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضحك رب العاملين حين قال الرجل
أتستهزئ مني قال لا استهزئ منك ولكني على ما أشاء قادر قال البيضاوي نسبة الضحك إلى الله
تعالى مجاز بمعنى الرضا وضحك النبي صلى الله عليه وسلم على حقيقته وضحك ابن مسعود على سبيل
386

التأسي (قوله وكان يقال ذلك أدنى أهل الجنة منزلة) قال الكرماني ليس هذا من تتمة كلام
رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو من كلام الراوي نقلا عن الصحابة أو عن غيرهم من أهل
العلم (قلت) قائل وكان يقال هو الراوي كما أشار إليه وأما قائل المقالة المذكورة فهو النبي صلى
الله عليه وسلم ثبت ذلك في أول حديث أبي سعيد عند مسلم ولفظه أدنى أهل الجنة منزلة رجل
صرف الله وجهه عن النار وساق القصة وفي رواية له من حديث المغيرة أن موسى عليه السلام
سأل ربه عن ذلك ولمسلم أيضا من طريق همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أدنى
مقعد أحدكم من الجنة أن يقال له تمن فيتمنى ويتمنى فيقال ان لك ما تمنيت ومثله معه الحديث
الثالث والعشرون (قوله عبد الملك) هو ابن عمير ونوف جد عبد الله بن الحارث هو ابن الحارث بن
عبد المطلب والعباس هو ابن عبد المطلب وهو عم جد عبد الله بن الحارث الراوي عنه وللحارث بن
نوفل ولأبيه صحبة ويقال ان لعبد الله رؤية وهو الذي كان يلقب ببه بموحدتين مفتوحتين الثانية
ثقيلة ثم هاء تأنيث (قوله هل نفعت أبا طالب بشئ) هكذا ثبت في جميع النسخ بحذف الجواب
وهو اختصار من المصنف وقد رواه مسدد في مسنده بتمامه وقد تقدم في كتاب الأدب عن موسى
ابن إسماعيل عن أبي عوانة بالسند المذكور هنا بلفظ فإنه كان يحوطك ويغضب لك قال نعم هو في
ضحضاح من نار ولولا انا لكان في الدرك الأسفل من النار ووقع في رواية المقدمي عن أبي عوانة
عند الإسماعيلي الدركة بزيادة هاء وقد تقدم شرح ما يتعلق بذلك في شرح الحديث الرابع عشر
ومضى أيضا في قصة أبي طالب في المبعث النبوي لمسدد فيه سند آخر إلى عبد الملك بن عمير
المذكور والله أعلم (قوله باب الصراط جسر جهنم) أي الجسر المنصوب على
جهنم لعبور المسلمين عليه إلى الجنة وهو بفتح الجيم ويجوز كسرها وقد وقع في حديث الباب لفظ
الجسر وفي رواية شعيب الماضية في باب فضل السجود بلفظ ثم يضرب الصراط فكأنه أشار في
الترجمة إلى ذلك (قوله عن الزهري قال سعيد وعطاء بن يزيد ان أبا هريرة أخبرهما) في رواية
شعيب عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي (قوله وحدثني محمود) هو ابن
غيلان وساقه هنا على لفظ معمر وليس في سنده ذكر سعيد وكذا يأتي في التوحيد من رواية
إبراهيم بن سعيد عن الزهري ليس فيه ذكر سعيد ووقع في تفسير عبد الرزاق عن معمر عن الزهري
في قوله تعالى يوم ندعو كل أناس بإمامهم عن عطاء بن يزيد فذكر الحديث (قوله قال أناس
يا رسول الله) في رواية شعيب ان الناس قالوا ويأتي في التوحيد بلفظ قلنا (قوله هل نرى ربنا
يوم القيامة) في التقيد بيوم القيامة إشارة إلى أن السؤال لم يقع عن الرؤية في الدنيا وقد أخرج
مسلم من حديث أبي أمامة واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا وسيأتي الكلام على الرؤية
في كتاب التوحيد لأنه محل البحث فيه وقد وقع في رواية العلاء بن عبد الرحمن عند الترمذي أن
هذا السؤال وقع على سبب وذلك أنه ذكر الحشر والقول لتتبع كل أمة ما كانت تعبد وقول
المسلمين هذا مكاننا حتى نرى ربنا قالوا وهل نراه فذكره ومضى في الصلاة وغيرها ويأتي في التوحيد
من رواية جرير قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال إنكم
ستعرضون على ربكم فترونه كما ترون هذا القمر الحديث مختصر ويحتمل أن يكون هذا الكلام
وقع عند سؤالهم المذكور (قوله هل تضارون) بضم أوله وبالضاد المعجمة وتشديد الراء بصيغة
387

المفاعلة من الضرر وأصله تضارون بكسر الراء وبفتحها أي لا تضرون أحدا ولا يضركم بمنازعة
ولا مجادلة ولا مضايقة وجاء بتخفيف الراء من الضير وهو لغة في الضر أي لا يخالف بعض بعضا
فيكذبه وينازعه فيضيره بذلك يقال ضاره يضيره وقيل المعنى لا تضايقون أي لا تزاحمون كما جاء
فالرواية الأخرى لا تضامون بتشديد الميم مع فتح أوله وقيل المعنى لا يحجب بعضكم بعضا عن
الرؤية فيضربه وحكى الجوهري ضرني فلان إذا دنا مني دنوا شديدا قال ابن الأثير فالمراد المضارة
بازدحام وقال النووي أوله مضموم مثقلا ومخففا قال وروى تضامون بالتشديد مع فتح أوله وهو
بحذف إحدى التاءين وهو من الضم وبالتخفيف مع ضم أوله من الضيم والمراد المشقة والتعب
قال وقال عياض قال بعضهم في الذي بالراء وبالميم بفتح أوله والتشديد وأشار بذلك إلى أن الرواية
بضم أوله مخففا ومثقلا وكله صحيح ظاهر المعنى ووقع في رواية البخاري لا تضامون أو تضاهون
بالشك كما مضى في فضل صلاة الفجر ومعنى الذي بالهاء لا يشتبه عليكم ولا ترتابون فيه فيعارض
بعضكم بعضا ومعنى الضيم الغلبة على الحق والاستبداد به أي لا يظلم بعضكم بعضا وتقدم في باب
فضل السجود من رواية شعيب هل تمارون بضم أوله وتخفيف الراء أي تجادلون في ذلك
أو يدخلكم فيه شك من المرية وهو الشك وجاء بفتح أوله وفتح الراء على حذف إحدى التاءين
وفي رواية للبيهقي تتمارون باثباتهما (قوله ترونه كذلك) المراد تشبيه الرؤية بالرؤية في الوضوح
وزوال الشك ورفع المشقة والاختلاف وقال البيهقي سمعت الشيخ أبا الطيب الصعلوكي يقول
تضامون بضم أوله وتشديد الميم يريد لا تجتمعون لرؤيته في جهة ولا ينضم بعضكم إلى بعض
فإنه لا يرى في جهة ومعناه بفتح أوله لا تتضامون في رؤيته بالاجتماع في جهة وهو بغير تشديد من
الضيم معناه لا تظلمون فيه برؤية بعضكم دون بعض فإنكم ترونه في جهاتكم كلها وهو متعال
عن الجهة قال والتشبيه برؤية القمر لتعيين الرؤية دون تشبيه المرئي سبحانه وتعالى وقال الزين
ابن المنير انما خص الشمس والقمر بالذكر مع أن رؤية السماء بغير سحاب أكبر آية وأعظم خلقا
من مجرد الشمس والقمر لما خصا به من عظيم النور والضياء بحيث صار التشبيه بهما فيمن يوصف
بالجمال والكمال سائغا شائعا في الاستعمال وقال ابن الأثير قد يتخيل بعض الناس أن الكاف
كاف التشبيه للمرئي وهو غلط وانما هي كاف التشبيه للرؤية وهو فعل الرائي ومعناه أنها رؤية
مزاح عنها الشك مثل رؤيتكم القمر وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة في الابتداء بذكر القمر
قبل الشمس متابعة للخليل فكما أمر باتباعه في الملة اتبعه في الدليل فاستدل به الخليل على اثبات
الوحدانية واستدل به الحبيب على اثبات الرؤية فاستدل كل منهما بمقتضى حاله لان الخلة تصح
بمجرد الوجود والمحبة لا تقع غالبا الا بالرؤية وفي عطف الشمس على القمر مع أن تحصيل الرؤية
بذكره كاف لان القمر لا يدرك وصفه الأعمى حسا بل تقليدا والشمس يدركها الأعمى حسا
بوجود حرها إذا قابلها وقت الظهيرة مثلا فحسن التأكيد بها قال والتمثيل واقع في تحقيق
الرؤية لا في الكيفية لان الشمس والقمر متحيزان والحق سبحانه منزه عن ذلك (قلت) وليس في
عطف الشمس على القمر ابطال لقول من قال في شرح حديث جرير الحكمة في التمثيل بالقمر
انه تتيسر رؤيته للرائي بغير تكلف ولا تحديق يضر بالبصر بخلاف الشمس فإنها حكمة
الاقتصار عليه ولا يمنع ذلك ورود ذكر الشمس بعده في وقت آخر فان ثبت أن المجلس واحد خدش
388

في ذلك ووقع في رواية العلاء بن عبد الرحمن لا تمارون في رؤيته تلك الساعة ثم يتوارى قال
النووي مذهب أهل السنة أن رؤية المؤمنين ربهم ممكنة ونفتها المبتدعة من المعتزلة والخوارج
وهو جهل منهم فقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وسلف الأمة على إثباتها
في الآخرة للمؤمنين وأجاب الأئمة عن اعتراضات المبتدعة بأجوبة مشهورة ولا يشترط في الرؤية
تقابل الأشعة ولا مقابلة المرئي وان جرت العادة بذلك فيما بين المخلوقين والله أعلم واعترض ابن
العربي على رواية العلاء وأنكر هذه الزيادة وزعم أن المراجعة الواقعة في حديث الباب تكون
بين الناس وبين الواسطة لأنه لا يكلم الكفار ولا يرونه البتة وأما المؤمنون فلا يرونه الا بعد
دخول الجنة بالاجماع (قوله يجمع الله الناس) في رواية شعيب يحشر وهو بمعنى الجمع وقوله في
رواية شعيب في مكان زاد في رواية العلاء في صعيد واحد ومثله في رواية أبي زرعة عن أبي هريرة
بلفظ يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم
البصر وقد تقدمت الإشارة إليه في شرح الحديث الطويل في الباب قبله قال النووي الصعيد
الأرض الواسعة المستوية وينفذهم بفتح أوله وسكون النون وضم الفاء بعدها ذال معجمة أي
يخرقهم بمعجمة وقاف حتى يجوزهم وقيل بالدال المهملة أي يستوعبهم قال أبو عبيدة معناه
ينفذهم بصر الرحمن حتى يأتي عليهم كلهم وقال غيره المراد بصر الناظرين وهو أولى وقال
القرطبي المعنى أنهم يجمعون في مكان واحد بحيث لا يخفى منهم أحد لو دعاهم داع لسمعوه
ولو نظر إليهم ناظر لأدركهم قال ويحتمل أن يكون المراد بالداعي هنا من يدعوهم إلى العرض
والحساب لقوله يوم يدع الداع وقد تقدم بيان حال الموقف في باب الحشر وزاد العلاء بن
عبد الرحمن في روايته فيطلع عليهم رب العالمين قال ابن العربي لم يزل الله مطلعا على خلقه وانما
المراد اعلامه باطلاعه عليهم حينئذ ووقع في حديث ابن مسعود عند البيهقي في البعث وأصله في
النسائي إذا حشر الناس قاموا أربعين عاما شاخصة أبصارهم إلى السماء لا يكلمهم والشمس
على رؤسهم حتى يلجم العرق كل بر منهم وفاجر ووقع في حديث أبي سعيد عند أحمد انه يخفف
الوقوف عن المؤمن حتى يكون كصلاة مكتوبة وسنده حسن ولأبي يعلى عن أبي هريرة كتدلي
الشمس للغروب إلى أن تغرب وللطبراني من حديث عبد الله بن عمر ويكون ذلك اليوم اقصر على
المؤمن من ساعة من نهار (قوله فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس (1) ومن كان يعبد القمر
القمر) قال ابن أبي جمرة في التنصيص على ذكر الشمس والقمر مع دخولهما فيمن عبد من دون
الله التنويه بذكرهما لعظم خلقهما وقع في حديث ابن مسعود ثم ينادي مناد من السماء أيها
الناس أليس عدل من ربكم الذي خلقكم وصوكم ورزقكم ثم توليتم غيره أن يولى كل عبد منكم
ما كان تولى قال فيقولون بلى ثم يقول لتنطلق كل أمة إلى من كانت تعبد وفي رواية العلاء بن
عبد الرحمن الا ليتبع كل انسان ما كان يعبد ووقع في رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي
هريرة في مسند الحميدي وصحيح ابن خزيمة وأصله في مسلم بعد قوله الا كما تضارون في رؤيته فيلقى
العبد فيقول ألم أكرمك وأزوجك وأسخر لك فيقول بلى فيقول أظننت أنك ملاقي فيقول لا
فيقول اني أنساك كما نسيتني الحديث وفيه ويلقى الثالث فيقول آمنت بك وبكتابك وبرسولك
وصليت وصمت فيقول الا نبعث عليك شاهدا فيختم على فيه وتنطق جوارحه وذلك المنافق
389

ثم ينادي مناد ألا لتتبع كل أمة ما كانت تعبد (قوله ومن كان يعبد الطواغيت) الطواغيت
جمع طاغوت وهو الشيطان والصنم ويكون جمعا ومفردا ومذكرا ومؤنثا وقد تقدمت الإشارة
إلى شئ من ذلك في تفسير سورة النساء وقال الطبري الصواب عندي أنه كل طاغ طغى على الله
يعبد من دونه اما بقهر منه لمن عبد واما بطاعة ممن عبد انسانا كان أو شيطانا أو حيوانا أو جمادا
قال فاتباعهم لهم حينئذ باستمرارهم على الاعتقاد فيهم ويحتمل أن يتبعوهم بأن يساقوا إلى النار
قهرا ووقع في حديث أبي سعيد الآتي في التوحيد فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم وأصحاب
الأوثان مع أوثانهم وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم وفيه إشارة إلى أن كل من كان يعبد الشيطان
ونحوه ممن يرضى بذلك أو الجماد والحيوان داخلون في ذلك وأما من كان يعبد من لا يرضى بذلك
كالملائكة والمسيح فلا لكن وقع في حديث ابن مسعود فيتمثل لهم ما كانوا يعبدون فينطلقون
وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن فيتمثل لصاحب الصليب صليبه ولصاحب التصاوير تصاويره
فافادت هذه الزيادة تعميم من كان يعبد غير الله الا من سيذكر من اليهود والنصارى فإنه يخص
من عموم ذلك بدليله الآتي ذكره وأما التعبير بالتمثيل فقال ابن العربي يحتمل أن يكون التمثيل
تلبيسا عليهم ويحتمل أن يكون التمثيل لمن لا يستحق التعذيب وأما من سواهم فيحضرون
حقيقة لقوله تعالى انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم (قوله وتبقى هذه الأمة) قال ابن
أبي جمرة يحتمل أن يكون المراد بالأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يحمل على أعم من
ذلك فيدخل فيه جميع أهل التوحيد حتى من الجن ويدل عليه ما في بقية الحديث انه يبقى من كان
يعبد الله من بر وفاجر (قلت) ويؤخذ أيضا من قوله في بقية هذا الحديث فأكون أول من
يجيز فإن فيه إشارة إلى أن الأنبياء بعده يجيزون أممهم (قوله فيها منافقوها) كذا للأكثر وفي
رواية إبراهيم بن سعد فيها شافعوها أو منافقوها شك إبراهيم والأول المعتمد وزاد في حديث أبي
سعيد حتى يبقى من كان يعبد الله من بر وفاجر وغبرات أهل الكتاب بضم الغين المعجمة وتشديد
الموحدة وفي رواية مسلم وغبر وكلاهما جمع غابر أو الغبرات جمع غبر وغبر جمع غابر ويجمع أيضا
على اغبار وغبر الشئ بقيته وجاء بسكون الموحدة والمراد هنا من كان يوحد الله منهم وصحفه
بعضهم في مسلم بالتحتانية بلفظ التي للاستثناء وجزم عياض وغيره بأنه وهم قال ابن أبي جمرة لم
يذكر في الخبر مآل المذكورين لكن لما كان من المعلوم ان استقرار الطواغيت في النار علم
بذلك انهم معهم في النار كما قال تعالى فاوردهم النار (قلت) وقد وقع في رواية سهيل التي أشرت
إليها قريبا فتتبع الشياطين والصليب أولياؤهم إلى جهنم ووقع في حديث أبي سعيد من الزيادة
ثم يؤتى بجهنم كأنها سراب بمهملة ثم موحدة فيقال لليهود ما كنتم تعبدون الحديث وفيه ذكر
النصارى وفيه فيتساقطون في جهنم حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر وفي رواية هشام بن
سعد عن زيد بن أسلم عند ابن خزيمة وابن منده وأصله في مسلم فلا يبقى أحد كان يعبد صنما ولا وثنا
ولا صورة الا ذهبوا حتى يتساقطوا في النار وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن فيطرح منهم فيها فوج
ويقال هل امتلأت فتقول هل من مزيد الحديث وكان اليهود وكذا النصارى ممن كان لا يعبد
الصلبان لما كانوا يدعون انهم يعبدون الله تعالى تأخروا مع المسلمين فلما (1) حققوا على عبادة
من ذكر من الأنبياء الحقوا بأصحاب الأوثان ويؤيده قوله تعالى ان الذين كفروا من أهل الكتاب
390

والمشركين في نار جهنم خالدين فيها الآية فأما من كان متمسكا بدينه الأصلي فخرج بمفهوم قوله
الذين كفروا وعلى ما ذكر من حديث أبي سعيد يبقى أيضا من كان يظهر الايمان من مخلص
ومنافق (قوله (1) فتدعى اليهود) قدموا بسبب تقدم ملتهم على ملة النصارى (قوله فيقال
لهم) لم أقف على تسمية قائل ذلك لهم والظاهر أنه الملك الموكل بذلك (قوله كنا نعبد عزير ابن الله)
هذا فيه اشكال لان المتصف بذلك بعض اليهود وأكثرهم ينكرون ذلك ويمكن أن يجاب بأن
خصوص هذا الخطاب لمن كان متصفا بذلك ومن عداهم يكون جوابهم ذكر من كفروا به كما
وقع في النصارى فإن منهم من أجاب بالمسيح ابن الله مع أن فيهم من كان بزعمه يعبد الله وحده وهم
الاتحادية الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم (قوله فيقال لهم كذبتم) قال الكرماني
التصديق والتكذيب لا يرجعان إلى الحكم الذي أشار إليه فإذا قيل جاء زيد بن عمرو بكذا فمن
كذبه أنكر مجيئه بذلك الشئ لا انه ابن عمرو وهنا لم ينكر عليهم أنهم عبدوا وانما أنكر عليهم ان
المسيح ابن الله قال والجواب عن هذا أن فيه نفي اللازم وهو كونه ابن الله ليلزم نفي الملزوم وهو
عبادة ابن الله قال ويجوز أن يكون الأول بحسب الظاهر وتحصل قرينة بحسب المقام نقتضي
الرجوع إليهما جميعا أو إلى المشار إليه فقط قال ابن بطال في هذا الحديث ان المنافقين يتأخرون
مع المؤمنين رجاء أن ينفعهم ذلك بناء على ما كانوا يظهرونه في الدنيا فظنوا أن ذلك يستمر لهم
فميز الله تعالى المؤمنين بالغرة والتحجيل إذ لا غرة للمنافق ولا تحجيل (قلت) قد ثبت ان الغرة
والتحجيل خاص بالأمة المحمدية فالتحقيق انهم في هذا المقام يتميزون بعدم السجود وباطفاء
نورهم بعد أن حصل لهم ويحتمل ان يحصل لهم الغرة والتحجيل ثم يسلبان عند اطفاء النور وقال
القرطبي ظن المنافقون ان تسترهم بالمؤمنين ينفعهم في الآخرة كما كان ينفعهم في الدنيا جهلا
منهم ويحتمل أن يكونوا حشروا معهم لما كانوا يظهرونه من الاسلام فاستمر ذلك حتى ميزهم الله
تعالى منهم قال ويحتمل انهم لما سمعوا لتتبع كل أمة من كانت تعبد والمنافق لم يكن يعبد شيئا بقي
حائرا حتى ميز (قلت) هذا ضعيف لأنه يقتضي تخصيص ذلك بمنافق كان لا يعبد شيئا وأكثر
المنافقين كانوا يعبدون غير الله من وثن وغيره (قوله فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون)
في حديث أبي سعيد الآتي في التوحيد في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة وفي رواية
هشام بن سعد ثم يتبدى لنا الله في صورة غير صورته التي رأيناه فيها أول مرة ويأتي في حديث أبي
سعيد من الزيادة فيقال لهم ما يحبسكم وقد ذهب الناس فيقولون فارقناهم ونحن أحوج منا
إليه اليوم وانا سمعنا مناديا ينادي ليلحق كل قوم ما كانوا يعبدون واننا ننتظر ربنا ووقع في رواية
مسلم هنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم ورجح عياض رواية البخاري وقال
غيره الضمير لله والمعنى فارقنا الناس في معبوداتهم ولم نصاحبهم ونحن اليوم أحوج لربنا أي انا
محتاجون إليه وقال عياض بل أحوج على بابها لانهم كانوا محتاجين إليه في الدنيا فهم في الآخرة
أحوج إليه وقال النووي إنكاره لرواية مسلم معترض بل معناه التضرع إلى الله في كشف
الشدة عنهم بأنهم لزموا طاعته وفارقوا في الدنيا من زاغ عن طاعته من أقاربهم مع حاجتهم إليهم
في معاشهم ومصالح دنياهم كما جرى لمؤمني الصحابة حين قاطعوا من أقاربهم من حاد الله ورسوله
مع حاجتهم إليهم والارتفاق بهم وهذا ظاهر في معنى الحديث لا شك في حسنه وأما نسبة الاتيان
391

إلى الله تعالى فقيل هو عبارة عن رؤيتهم إياه لان العادة ان كل من غاب عن غيره لا يمكنه رؤيته
الا بالمجئ إليه فعبر عن الرؤية بالاتيان مجازا وقيل الاتيان فعل من أفعال الله تعالى يجب
الايمان به مع تنزيهه سبحانه وتعالى عن سمات الحدوث وقيل فيه حذف تقديره يأتيهم بعض
ملائكة الله ورجحه عياض قال ولعل هذا الملك جاءهم في صورة أنكروها لما رأوا فيها من سمة
الحدوث الظاهرة على الملك لأنه مخلوق قال ويحتمل وجها رابعا وهو أن المعنى يأتيهم الله بصورة
أي بصفة تظهر لهم من الصور المخلوقة التي لا تشبه صفة الاله ليختبرهم بذلك فإذا قال لهم هذا
الملك أنا ربكم ورأوا عليه من علامة المخلوقين ما يعملون به أنه ليس ربهم استعاذوا منه لذلك
انتهى وقد وقع في رواية العلاء بن عبد الرحمن المشار إليها فيطلع عليهم رب العاملين وهو يقوي
الاحتمال الأول قال وأما قوله بعد ذلك فيأتيهم الله في صورته التي يعرفونها فالمراد بذلك الصفة
والمعنى فيتجلى الله لهم بالصفة التي يعلمونه بها وانما عرفوه بالصفة وان لم تكن تقدمت لهم رؤيته
لأنهم يرون حينئذ شيئا لا يشبه المخلوقين وقد علوا انه لا يشبه شيئا من مخلوقاته فيعلمون انه ربهم
فيقولون أنت ربنا وعبر عن الصفة بالصورة لمجانسة الكلام لتقدم ذكر الصورة قال وأما قوله
نعوذ بالله منك فقال الخطابي يحتمل أن يكون هذا الكلام صدر من المنافقين قال القاضي عياض
وهذا لا يصح ولا يستقيم الكلام به وقال النووي الذي قاله القاضي صحيح ولفظ الحديث مصرح
به أو ظاهر فيه انتهى ورجحه القرطبي في التذكرة وقال إنه من الامتحان الثاني يتحقق ذلك فقد
جاء في حديث أبي سعيد حتى أن بعضهم ليكاد ينقلب وقال ابن العربي انما استعاذوا منه أولا
لأنهم اعتقدوا ان ذلك الكلام استدراج لان الله لا يأمر بالفحشاء ومن الفحشاء اتباع الباطل
وأهله ولهذا وقع في الصحيح فيأتيهم الله في صورة أي بصورة لا يعرفونها وهي الامر باتباع أهل
الباطل فلذلك يقولون إذا جاء ربنا عرفناه أي إذا جاءنا بما عهدناه منه من قول الحق وقال ابن
الجوزي معنى الخبر يأتيهم الله بأهوال يوم القيامة ومن صور الملائكة بما لم يعهدوا مثله في الدنيا
فيستعيذون من تلك الحال ويقولون إذا جاء ربنا عرفناه أي إذا أتانا بما نعرفه من لطفه وهي
الصورة التي عبر عنها بقوله يكشف عن ساق أي عن شدة وقال القرطبي هو مقام هائل يمتحن
الله به عباده ليميز الخبيث من الطيب وذلك أنه لما بقي المنافقون مختلطين بالمؤمنين زاعمين انهم
منهم ظانين ان ذلك يجوز في ذلك الوقت كما جاز في الدنيا امتحنهم الله بان أتاهم بصورة هائلة قالت
للجميع أنا ربكم فأجابه المؤمنون بإنكار ذلك لما سبق لهم من معرفته سبحانه وأنه منزه عن
صفات هذه الصورة فلهذا قالوا نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا حتى أن بعضهم ليكاد ينقلب
أي يزل فيوافق المنافقين قال وهؤلاء طائفة لم يكن لهم رسوخ بين العلماء ولعلهم الذين
اعتقدوا الحق وحوموا عليه من غير بصيرة قال ثم يقال بعد ذلك للمؤمنين هل بينكم وبينه
علامة (قلت) وهذه الزيادة أيضا من حديث أبي سعيد ولفظه آية تعرفونها فيقولون الساق
فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ويبقى من كان يسجد رياء وسمعة فيذهب كيما يسجد
فيصير ظهره طبقا واحدا أي يستوي فقار ظهره فلا ينثني للسجود وفي لفظ لمسلم فلا يبقى من كان
يسجد من تلقاء نفسه الا أذن له في السجود أي سهل له وهون عليه ولا يبقى من كان يسجد اتقاء
ورياء الا جعل الله ظهره طبقا واحدا كلما أراد ان يسجد خر لقفاه وفي حديث ابن مسعود نحوه
392

لكن قال فيقولون ان اعترف لنا عرفناه قال فيكشف عن ساق فيقعون سجودا وتبقى أصلاب
المنافقين كأنها صياصي البقر وفي رواية أبي الزعراء عنه عند الحاكم وتبقى ظهور المنافقين طبقا
واحدا كأنما فيها السفافيد وهي بمهملة وفاءين جمع سفود بتشديد الفاء وهو الذي يدخل في الشاة
إذا أريد أن تشوى ووقع في رواية الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عند ابن منده فيوضع
الصراط ويتمثل لهم ربهم فذكر نحو ما تقدم وفيه إذا تعرف لنا عرفناه وفي رواية العلاء بن عبد
الرحمن ثم يطلع عز وجل عليهم فيعرفهم نفسه ثم يقول أنا ربكم فاتبعوني فيتبعه المسلمون وقوله
في هذه الرواية فيعرفهم نفسه أي يلقى في قلوبهم علما قطعيا يعرفون به أنه ربهم سبحانه وتعالى
وقال الكلاباذي في معاني الأخبار عرفوه بأن أحدث فيهم لطائف عرفهم بها نفسه ومعنى كشف
الساق زوال الخوف والهول الذي غيرهم حتى غابوا عن رؤية عوراتهم ووقع في رواية هشام بن
سعد ثم نرفع رؤسنا وقد عاد لنا في صورته التي رأيناه فيها أول مرة فيقول أنا ربكم فنقول نعم أنت
ربنا وهذا فيه اشعار بأنهم رأوه في أول ما حشروا والعلم عند الله وقال الخطابي هذه الرؤية غير
التي تقع في الجنة اكراما لهم فإن هذه للامتحان وتلك لزيادة الاكرام كما فسرت به الحسنى وزيادة
قال ولا اشكال في حصول الامتحان في الموقف لان آثار التكاليف لا تنقطع الا بعد الاستقرار
في الجنة أو النار قال ويشبه أن يقال انما حجب عنهم تحقق رؤيته أولا لما كان معهم من المنافقين
الذين لا يستحقون رؤيته فلما تميزوا رفع الحجاب فقال المؤمنون حينئذ أنت ربنا (قلت) وإذا لوحظ
ما تقدم من قوله إذا تعرف لنا عرفناه وما ذكرت من تأويله ارتفع الاشكال وقال الطيبي لا يلزم
من أن الدنيا دار بلاء والآخرة دار جزاء أن لا يقع في واحدة منها ما يخص بالأخرى فإن القبر أول
منازل الآخرة وفيه الابتلاء والفتنة بالسؤال وغيره والتحقيق ان التكليف خاص بالدنيا وما يقع
في القبر وفي الموقف هي آثار ذلك ووقع في حديث ابن مسعود من الزيادة ثم يقال للمسلمين ارفعوا
رؤسكم إلى نوركم بقدر أعمالكم وفي لفظ فيعطون نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من يعطي نوره مثل
الجبل ودون ذلك ومثل النخلة ودون ذلك حتى يكون آخرهم من يعطى نوره على إبهام قدمه
ووقع في رواية مسلم عن جابر ويعطى كل انسان منهم نورا إلى أن قال ثم يطفئ نور المنافق وفي
حديث ابن عباس عند ابن مردويه فيعطى كل انسان منهم نورا ثم يوجهون إلى الصراط فما كان
من منافق طفئ نوره وفي لفظ فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين فقالوا للمؤمنين
انظرونا نقتبس من نوركم الآية وفي حديث أبي أمامة عند ابن أبي حاتم وانكم يوم القيامة
في مواطن حتى يغشى الناس أمر من أمر الله فتبيض وجوه وتسود وجوه ثم ينتقلون إلى منزل
آخر فتغشى الناس الظلمة فيقسم النور فيختص بذلك المؤمن ولا يعطى الكافر ولا المنافق منه
شيئا فيقول المنافقون للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم الآية فيرجعون إلى المكان الذي
قسم فيه النور فلا يجدون شيئا فيضرب بينهم بسور (قوله فيتبعونه) قال عياض أي فيتبعون
أمره أو ملائكته الذين وكلوا بذلك (قوله ويضرب جسر جهنم) في رواية شعيب بعد قوله أنت
ربنا فيدعوهم فيضرب جسر جهنم (تنبيه) حذف من هذا السياق ما تقدم من حديث
أنس في ذكر الشفاعة لفصل القضاء كما حذف من حديث أنس ما ثبت هنا من الأمور التي تقع
في الموقف فينتظم من الحديثين انهم إذا حشروا وقع ما في حديث الباب من تساقط الكفار
393

في النار ويبقى من عداهم في كرب الموقف فيستشفعون فيقع الاذن بنصب الصراط فيقع
الامتحان بالسجود ليتميز المنافق من المؤمن ثم يجوزون على الصراط ووقع في حديث أبي
سعيد هنا ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون اللهم سلم سلم (قوله قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكون أنا وأمتي أول من يجيز) في رواية شعيب يجوز بأمته
وفي رواية إبراهيم بن سعد يجيزها والضمير لجهنم قال الأصمعي جاز الوادي مشى فيه وأجازه قطعه
وقال غيره جاز وأجاز بمعنى واحد وقال النووي المعنى أكون أنا وأمتي أول من يمضي على الصراط
ويقطعه يقول جاز الوادي وأجازه إذا قطعه وخلفه وقال القرطبي يحتمل أن تكون الهمزة هنا
للتعدية لأنه لما كان هو وأمته أول من يجوز على الصراط لزم تأخير غيرهم عنهم حتى يجوز فإذا
جاز هو وأمته فكأنه أجاز بقية الناس انتهى ووقع في حديث عبد الله بن سلام عند الحاكم
ثم ينادي مناد أين محمد وأمته فيقوم فتتبعه أمته برها وفاجرها فيأخذون الجسر فيطمس الله
أبصار أعدائه فيتهافتون من يمين وشمال وينجو النبي والصالحون وفي حديث ابن عباس
يرفعه نحن آخر الأمم وأول من يحاسب وفيه فيفرج لنا الأمم عن طريقنا فنمر غرا محجلين من
آثار الطهور فتقول الأمم كادت هذه الأمة أن يكونوا أنبياء (قوله ودعاء الرسل يومئذ اللهم
سلم سلم) في رواية شعيب ولا يتكلم يومئذ أحد الا الرسل وفي رواية إبراهيم بن سعد ولا يكلمه
الا الأنبياء ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم ووقع في رواية العلاء وقولهم اللهم سلم سلم
وللترمذي من حديث المغيرة شعار المؤمنين على الصراط رب سلم سلم والضمير في الأول للرسل ولا
يلزم من كون هذا الكلام شعار المؤمنين أن ينطقوا به بل تنطق به الرسل يدعون للمؤمنين
بالسلامة فسمى ذلك شعارا لهم فبهذا تجتمع الاخبار ويؤيده قوله في رواية سهيل فعند ذلك حلت
الشفاعة اللهم سلم سلم وفي حديث أبي سعيد من الزيادة فيمر المؤمن كطرف العين وكالبرق
وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب وفي حديث حذيفة وأبي هريرة معا فيمر أولهم كمر البرق ثم كمر
الريح ثم كمر الطير وشد الرحال تجري بهم أعمالهم وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن ويوضع الصراط
فيمر عليه مثل جياد الخيل والركاب وفي حديث ابن مسعود ثم يقال لهم انجوا على قدر نوركم فمنهم
من يمر كطرف العين ثم كالبرق ثم كالسحاب ثم كانقضاض الكوكب ثم كالريح ثم كشد الفرس ثم
كشد الرحل حتى يمر الرجل الذي أعطى نوره على إبهام قدمه يحبو على وجهه ويديه ورجليه يجر
بيد ويعلق يد ويجر برجل ويعلق رجل وتضرب جوانبه النار حتى يخلص وعند ابن أبي حاتم
في التفسير من طريق أبي الزعراء عن ابن مسعود كمر البرق ثم الريح ثم الطير ثم أجود الخيل ثم
أجود الإبل ثم كعدو الرجل حتى أن آخرهم رجل نوره على موضع ابهامي قدميه ثم يتكفأ به
الصراط وعند هناد بن السرى عن ابن مسعود بعد الريح ثم كاسرع البهائم حتى يمر الرجل سعيا
ثم مشيا ثم آخرهم يتلبط على بطنه فيقول يا رب لم أبطأت بي فيقول أبطأ بك عملك ولابن المبارك من
مرسل عبد الله بن شقيق فيجوز الرجل كالطرف وكالسهم وكالطائر السريع وكالفرس الجواد
المضمر ويجوز الرجل يعدو عدوا ويمشي مشيا حتى يكون آخر من ينجو يحبو (قوله وبه كلاليب)
الضمير للصراط وفي رواية شعيب وفي جهنم كلاليب وفي رواية حذيفة وأبي هريرة معا وفي حافتي
الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به وفي رواية سهيل وعليه كلاليب النار
394

وكلاليب جمع كلوب بالتشديد وتقدم ضبطه وبيانه في أواخر كتاب الجنائز قال القاضي أبو بكر بن
العربي هذه الكلاليب هي الشهوات المشار إليها في الحديث الماضي حفت النار بالشهوات قال
فالشهوات موضوعة على جوانبها فمن اقتحم الشهوة سقط في النار لأنها خطا طيفها وفي حديث
حذيفة وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا أي يقفان في ناحيتي
الصراط وهي بفتح الجيم والنون بعدها موحدة ويجوز سكون النون والمعنى ان الأمانة والرحم
لعظم شأنهما وفخامة ما يلزم العباد من رعاية حقهما يوقفان هناك للأمين والخائن والمواصل
والقاطع فيحاجان عن المحق ويشهدان على المبطل قال الطيبي ويمكن أن يكون المراد بالأمانة
ما في قوله تعالى انا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض الآية وصلة الرحم ما في قوله تعالى
واتقوا الله إلي تساءلون به والأرحام فيدخل فيه معنى التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق
الله فكأنهما اكتنفتا جنبتي الاسلام الذي هو الصراط المستقيم وفطرتي الايمان والدين القويم
(قوله مثل شوك السعدان) بالسين والعين المهملتين بلفظ التثنية والسعدان جمع سعدانة
وهو نبات ذو شوك يضرب به المثل في طيب مرعاة قالوا مرعى ولا كالسعدان (قوله أما رأيتم
شوك السعدان) هو استفهام تقرير لاستحضار الصورة المذكورة (قوله غير أنها لا يعلم قدر
عظمها الا الله) أي الشوكة والهاء ضمير الشأن ووقع في رواية الكشميهني غير أنه وقع في رواية
مسلم لا يعلم ما قدر عظمها الا الله قال القرطبي فيدنأه أي لفظ قدر عن بعض مشايخنا بضم الراء
على أنه يكون استفهاما وقدر مبتدأ وبنصبها على أن يكون ما زائدة وقدر مفعول يعلم (قوله
فتخطف الناس بأعمالهم) بكسر الطاء وبفتحها قال ثعلب في الفصيح خطف بالكسر في الماضي
وبالفتح في المضارع وحكى القزاز عكسه والكسر في المضارع أفصح قال الزين بن المنير تشبيه
الكلاليب بشوك السعدان خاص بسرعة اختطافها وكسرة الانتشاب فيها مع التحرز
والتصون تمثيلا لهم بما عرفوه في الدنيا وألفوه بالمباشرة ثم استثنى إشارة إلى أن التشبيه لم يقع
في مقدارهما وفي رواية السدي وبحافتيه ملائكة معهم كلاليب من نار يختطفون بها الناس
ووقع في حديث أبي سعيد قلنا وما الجسر قال مدحضة مزلة أي زلق يزلق فيه الاقدام ويأتي ضبط
ذلك في كتاب التوحيد ووقع عند مسلم قال أبو سعيد بلغني أن الصراط أحد من السيف وأدق
من الشعرة ووقع في رواية ابن منده من هذا الوجه قال سعيد بن أبي هلال بلغني ووصله البيهقي
عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مجزوما به وفي سنده لين ولابن المبارك عن مرسل عبيد بن
عمير أن الصراط مثل السيف وبجنبتيه كلاليب انه ليؤخذ بالكلوب الواحد أكثر من ربيعة
ومضر وأخرجه ابن أبي الدنيا من هذا الوجه وفيه والملائكة على جنبتيه يقولون رب سلم سلم وجاء
عن الفضيل بن عياض قال بلغنا ان الصراط مسيرة خمسة عشر ألف سنة خمسة آلاف صعود
وخمسة آلاف هبوط وخمسة آلاف مستوى أدق من الشعرة وأحد من السيف على متن جهنم
لا يجوز عيه الا ضامر مهزول من خشية الله أخرجه ابن عساكر في ترجمته وهذا معضل لا يثبت
وعن سعيد بن أبي هلال قال بلغنا ان الصراط أدق من الشعر على بعض الناس ولبعض الناس
مثل الوادي الواسع أخرجه ابن المبارك وابن أبي الدنيا وهو مرسل أو معضل وأخرج الطبري من
طريق غنيم بن قيس أحد التابعين قال تمثل النار للناس ثم يناديها مناد أمسكي أصحابك ودعي
395

أصحابي فتخسف بكل ولى لها فهي أعلم بهم من الرجل بولده ويخرج المؤمنون ندية ثيابهم ورجاله
ثقات مع كونه مقطوعا (قوله منهم الموبق بعمله) في رواية شعيب من يوبق وهما بالموحدة بمعنى
الهلاك ولبعض رواة مسلم الموثق بالمثلثة من الوثاق ووقع عند أبي ذر من رواية إبراهيم بن سعد
الآتية في التوحيد بالشك وفي رواية الأصيلي ومنهم المؤمن بكسر الميم بعدها نون بقي بعمله
بالتحتانية وكسر القاف من الوقاية أي يستره عمله وفي لفظ بعض رواة مسلم يعني بعين مهملة
ساكنة ثم نون مكسورة بدل بقي وهو تصحيف (قوله ومنهم المخردل) بالخاء المعجمة في رواية شعيب
ومنهم من يخردل ووقع في رواية الأصيلي هنا بالجيم وكذا لأبي أحمد الجرجاني في رواية شعيب
ووهاه عياض والدال مهملة للجميع وحكى أبو عبيد فيه اعجام الذال ورجح ابن قرقول الخاء
المعجمة والدال المهملة وقال الهروي المعنى أن كلاليب النار تقطعه فيهوى في النار قال كعب بن
زهير في بانت سعاد قصيدته المشهورة
يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما * لحم من القوم معفور خراديل
فقوله معفور بالعين المهملة والفاء أي واقع في التراب وخراديل أي هو قطع ويحتمل أن يكون من
الخردل أي جعلت أعضاءه كالخردل وقيل معناه انها تقطعهم عن لحوقهم بمن نجا وقيل المخردل
المصروع ورجحه ابن التين فقال هو أنسب لسياق الخبر ووقع في رواية إبراهيم بن سعد عند أبي ذر
فمنهم المخردل أو المجازي أو نحوه ولمسلم عنه المجازي بغير شك وهو بضم الميم وتخفيف الجيم من
الجزاء (قوله ثم ينجو) في رواية إبراهيم بن سعد ثم ينجلي بالجيم أي يتبين ويحتمل أن يكون بالخاء
المعجمة أي يخلى عنه فيرجع إلى معنى ينجو وفي حديث أبي سعيد فناج مسلم ومخدوش ومكدوس
في جهنم حتى يمر أحدهم فيسحب سحبا قال ابن أبي جمرة يؤخذ منه ان المارين على الصراط ثلاثة
أصناف ناج بلا خدش وهالك من أول وهلة ومتوسط بينهما يصاب ثم ينجو وكل قسم منها ينقسم
أقساما تعرف بقوله بقدر أعمالهم واختلف في ضبط مكدوس فوقع في رواية مسلم بالمهملة ورواه
بعضهم بالمعجمة ومعناه السوق الشديد ومعنى الذي بالمهملة الراكب بعضه على بعض وقيل
مكردس والمكردس فقار الظهر وكردس الرجل خيله جعلها كراديس أي فرقها والمراد أنه يكفأ
في قعرها وعند ابن ماجة من وجه آخر عن أبي سعيد رفعه يوضع الصراط بين ظهراني جهنم على
حسك كحسك السعدان ثم يستجيز الناس فناج مسلم ومخدوش به ثم ناج ومحتبس به ومنكوس فيها
(قوله حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده) كذا لمعمر هنا ووقع لغيره بعد هذا وقال في رواية
شعيب حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار قال الزين بن المنير الفراغ إذا أضيف إلى الله
معناه القضاء وحلوله بالمقضي عليه والمراد إخراج الموحدين وادخالهم الجنة واستقرار أهل النار
في النار وحاصله أن المعنى يفرغ الله أي من القضاء بعذاب من يفرغ عذابه ومن لا يفرغ
فيكون إطلاق الفراغ بطريق المقابلة وان لم يذكر لفظها وقال ابن أبي جمرة معناه وصل الوقت
الذي سبق في علم الله انه يرحمهم وقد سبق في حديث عمران بن حصين الماضي في أواخر الباب الذي
قبله ان الاخراج يقع بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم وعند أبي عوانة والبيهقي وابن حبان في
حديث حذيفة يقول إبراهيم يا رباه حرقت بني فيقول اخرجوا وفي حديث عبد الله بن سلام عند
الحاكم ان قائل ذلك آدم وفي حديث أبي سعيد فما أنتم بأشد مناشدة في الحق قد يتبين لكم من
396

المؤمنين يومئذ للجبار إذا رأوا انهم قد نجوا في اخوانهم المؤمنين يقولون ربنا إخواننا كانوا
يصلون معنا الحديث هكذا في رواية الليث الآتية في التوحيد ووقع فيه عند مسلم من رواية
حفص بن ميسرة اختلاف في سياقه سأبينه هناك إن شاء الله تعالى ويحمل على أن الجميع شفعوا
وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم قبلهم في ذلك ووقع في حديث عبد الله بن عمرو عند الطبراني بسند
حسن رفعه يدخل من أهل القبلة النار من لا يحصى عددهم الا الله بما عصوا الله واجترؤا على
معصيته وخالفوا طاعته فيؤذن لي في الشفاعة فأثنى على الله ساجدا كما أثنى عليه قائما فيقال لي
ارفع رأسك الحديث ويؤيده ان في حديث أبي سعيد تشفع الأنبياء والملائكة والمؤمنون
ووقع في رواية عمرو بن أبي عمرو عن أنس عند النسائي ذكر سبب آخر لاخراج الموحدين من النار
ولفظه وفرغ من حساب الناس وأدخل من بقي من أمتي النار مع أهل النار فيقول أهل النار
ما أغنى عنكم انكم كنتم تعبدون الله لا تشركون به شيئا فيقول الجبار فبعزتي لأعتقنهم من النار
فيرسل إليهم فيخرجون وفي حديث أبي موسى عند ابن أبي عاصم والبزار رفعه وإذا اجتمع أهل النار
في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة يقول لهم الكفار ألم تكونوا مسلمين قالوا بلى قالوا
فما اغنى عنكم اسلامكم وقد صرتم معنا في النار فقالوا كانت لنا ذنوب فأخذنا بها فيأمر الله من
كان من أهل القبلة فأخرجوا فقال الكفار يا ليتنا كنا مسلمين وفي الباب عن جابر وقد تقدم في
الباب الذي قبله وعن أبي سعيد الخدري عند ابن مردويه ووقع في حديث أبي بكر الصديق
ثم يقال ادعوا الأنبياء فيشفعون ثم يقال ادعوا الصديقين فيشفعون ثم يقال ادعوا الشهداء
فيشفعون وفي حديث أبي بكرة عند ابن أبي عاصم والبيهقي مرفوعا يحمل الناس على الصراط
فينجي الله من شاء برحمته ثم يؤذن في الشفاعة للملائكة والنبيين والشهداء والصديقين
فيشفعون ويخرجون (قوله ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله) قال القرطبي لم يذكر الرسالة اما
لأنهما لما تلازما في النطق غالبا وشرطا اكتفى بذكر الأولى أو لان الكلام في حق جميع المؤمنين
هذه الأمة وغيرها ولو ذكرت الرسالة لكثر تعداد الرسل (قلت) الأول أولى ويعكر على الثاني انه
يكتفي بلفظ جامع كأن يقول مثلا ونؤمن برسله وقد تمسك بظاهره بعض المبتدعة ممن زعم
أن من وحد الله من أهل الكتاب يخرج من النار ولو لم يؤمن بغير من أرسل إليه وهو قول باطل
فان من جحد الرسالة كذب الله ومن كذب الله لم يوحده (قوله أمر الملائكة أن يخرجوهم)
في حديث أبي سعيد اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار فأخرجوه وتقدم في حديث أنس
في الشفاعة في الباب قبله فيحد لي حدا فأخرجهم ويجمع بأن الملائكة يؤمرون على ألسنة الرسل
بذلك فالذين يباشرون الاخراج هم الملائكة ووقع الحديث الثالث عشر من الباب الذي قبله
تفصيل ذلك ووقع في حديث أبي سعيد أيضا بعد قوله ذرة فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا
لم نذر فيها خيرا وفيه فيقول الله شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق الا أرحم
الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط وفي حديث معبد عن الحسن
البصري عن أنس فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله قال ليس ذلك لك ولكن وعزتي
وجلالي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله وسيأتي بطوله في التوحيد
وفي حديث جابر عند مسلم ثم يقول الله انا اخرج بعلمي وبرحمتي وفي حديث أبي بكر أنا أرحم
397

الراحمين أدخلوا جنتي من كان لا يشرك بي شيئا قال الطيبي هذا يؤذن بأن كل ما قدر قبل ذلك بمقدار
شعيرة ثم حبة ثم خردلة ثم ذرة غير الايمان الذي يعبر به عن التصديق والاقرار بل هو ما يوجد في قلوب
المؤمنين من ثمرة الايمان وهو على وجهين أحدهما ازدياد اليقين وطمأنينة النفس لان
تضافر الأدلة أقوى للمدلول عليه وأثبت لعدمه والثاني أن يراد العمل وان الايمان يزيد وينقص
بالعمل وينصر هذا الوجه قوله في حديث أبي سعيد لم يعملوا خيرا قط قال البيضاوي وقوله
ليس ذلك لك أي أنا أفعل ذلك تعظيما لاسمي واجلالا لتوحيدي وهو مخصص لعموم حديث أبي
هريرة الآتي أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله مخلصا قال ويحتمل أن يجري على عمومه
ويحمل على حال ومقام آخر قال الطيبي إذا فسرنا ما يختص بالله بالتصديق المجرد عن الثمرة وما
يختص برسوله هو الايمان مع الثمرة من ازدياد اليقين أو العمل الصالح حصل الجمع (قلت) ويحتمل
وجها آخر وهو أن المراد بقوله ليس ذلك لك مباشرة الاخراج لا أصل الشفاعة وتكون هذه
الشفاعة الأخيرة وقعت في إخراج المذكورين فأجيب إلى أصل الاخراج ومنع من مباشرته
فنسبت إلى شفاعته في حديث أسعد الناس لكونه ابتدأ بطلب ذلك والعلم عند الله تعالى وقد
مضى شرح حديث أسعد الناس بشفاعتي في أواخر الباب الذي قبله مستوفي (قوله فيعرفونهم
بعلامة آثار السجود) في رواية إبراهيم بن سعد فيعرفونهم في النار بأثر السجود قال الزين بن
المنير تعرف صفة هذا الأثر مما ورد في قوله سبحانه وتعالى سيماهم في وجوههم من أثر السجود
لان وجوههم لا تؤثر فيها النار فتبقى صفتها باقية وقال غيره بل يعرفونهم بالغرة وفيه نظر لأنها
مختصة بهذه الأمة والذين يخرجون أعم من ذلك (قوله وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم
أثر السجود) هو جواب عن سؤال مقدر تقديره كيف يعرفون أثر السجود مع قوله في حديث أبي
سعيد عند مسلم فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن الله بالشفاعة فإذا صاروا فحما كيف
يتميز محل السجود من غيره حتى يعرف أثره وحاصل الجواب تخصيص أعضاء السجود من عموم
الأعضاء التي دل عليها من هذا الخبر وان الله منع النار أن تحرق أثر السجود من المؤمن وهل
المراد بأثر السجود نفس العضو الذي يسجد أو المراد من سجد فيه نظر والثاني أظهر قال القاضي
عياض فيه دليل على أن عذاب المؤمنين المذنبين مخالف لعذاب الكفار وانها لا تأتي على جميع
أعضائهم اما اكراما لموضع السجود وعظم مكانهم من الخضوع لله تعالى أو لكرامة تلك الصورة
التي خلق آدم والبشر عليها وفضلوا بها على سائر الخلق (قلت) الأول منصوص والثاني محتمل لكن
يشكل عليه ان الصورة لا تختص بالمؤمنين فلو كان الاكرام لأجلها لشاركهم الكفار وليس كذلك
قال النووي وظاهر الحديث ان النار لا تأكل جميع أعضاء السجود السبعة وهي الجبهة واليدان
والركبتان والقدمان وبهذا جزم بعض العلماء وقال عياض ذكر الصورة ودارات الوجوه يدل
على أن المراد بأثر السجود الوجه خاصة خلافا لمن قال يشمل الأعضاء السبعة ويؤيد اختصاص
الوجه ان في بقية الحديث ان منهم من غاب في النار إلى نصف ساقيه وفي حديث سمرة عند مسلم
والى ركبتيه وفي رواية هشام بن سعد في حديث أبي سعيد والى حقوه قال النووي وما أنكره هو
المختار ولا يمنع من ذلك قوله في الحديث الاخر في مسلم ان قوما يخرجون من النار يحترقون فيها
الا دارات وجوهم فإنه يحمل على أن هؤلاء قوم مخصوصون من جملة الخارجين من النار فيكون
398

الحديث خاصا بهم وغيره عاما فيحمل على عمومه الا ما خص منه (قلت) إن أراد أن هؤلاء يخصون
بأن النار لا تأكل وجوههم كلها وأن غيرهم لا تأكل منهم محل السجود خاصة وهو الجبهة سلم من
الاعتراض والا يلزمه تسليم ما قال القاضي في حق الجميع الا هؤلاء وإن كانت علامتهم الغرة كما
تقدم النقل عمن قاله وما تعقبه بأنها خاصة بهذه الأمة فيضاف إليها التحجيل وهو في اليدين
والقدمين مما يصل إليه الوضوء فيكون أشمل مما قاله النووي من جهة دخول جميع اليدين
والرجلين لا تخصيص الكفين والقدمين ولكن ينقص منه الركبتان وما استدل به القاضي من
بقية الحديث لا يمنع سلامة هذه الأعضاء مع الانغمار لان تلك الأحوال الأخروية خارجة على
قياس أحوال أهل الدنيا ودل التنصيص على دارات الوجوه ان الوجه كله لا تؤثر فيه النار اكراما
لمحل السجود ويحمل الاقتصار عليها على التنويه بها لشرفها وقد استنبط ابن أبي جمرة من هذا ان
من كان مسلما ولكنه كان لا يصلى لا يخرج إذ لا علامة له لكن يحمل على أنه يخرج في القبضة
لعموم قوله لم يعملوا خيرا قط وهو مذكور في حديث أبي سعيد الآتي في التوحيد وهل المراد بمن
يسلم من الاحراق من كان يسجد أو أعم من أن يكون بالفعل أو القوة الثاني أظهر ليدخل فيه
من أسلم مثلا وأخلص فبغته الموت قبل أن يسجد ووجدت بخط أبي رحمه الله تعالى ولم أسمعه منه
من نظمه ما يوافق مختار النووي وهو قوله
يا رب أعضاء السجود عتقتها * من عبدك الجاني وأنت الواقي
والعتق يسري بالغنى يا ذا الغنى * فامنن على الفاني بعتق الباقي
(قوله فيخرجونهم قد امتحشوا) هكذا وقع هنا وكذا وقع في حديث أبي سعيد في التوحيد عن
يحيى بن بكير عن الليث بسنده ووقع عند أبي نعيم من رواية أحمد بن إبراهيم بن ملحان عن يحيى بن
بكير فيخرجون من عرفوا ليس فيه قد امتحشوا وانما ذكرها بعد قوله فيقبض قبضة وكذا
أخرجه البيهقي وابن منده من رواية روح بن الفرج ويحيى بن أيوب العلاف كلاهما عن يحيى بن
بكير به قال عياض ولا يبعد أن الامتحاش يختص بأهل القبضة والتحريم على النار أن تأكل
صورة الخارجين أولا قبلهم ممن عمل الخير على التفصيل السابق والعلم عند الله تعالى وتقدم ضبط
امتحشوا وأنه بفتح المثناة والمهملة وضم المعجمة أي احترقوا وزنه ومعناه والمحش احتراق الجلد
وظهور العظم قال عياض ضبطناه عن متقني شيوخنا وهو وجه الكلام وعند بعضهم بضم
المثناة وكسر الحاء ولا يعرف في اللغة امتحشه متعديا وانما سمع لازما مطاوع محشته يقال محشته
وأمحشته وأنكر يعقوب بن السكيت الثلاثي وقال غيره أمحشته فامتحش وأمحشه الحر أحرقه
والنار أحرقته وامتحش هو غضبا وقال أبو نصر الفارابي الامتحاش الاحتراق (قوله فيصب
عليهم ماء يقال له ماء الحياة) في حديث أبي سعيد فيلقون في نهر بأفواه الجنة يقال له ماء الحياة
والأفواه جمع فوهة على غير قياس والمراد بها الأوائل وتقدم في الايمان من طريق يحيى بن عمارة
عن أبي سعيد في نهر الحياة أو الحياء بالشك وفي رواية أبي نضرة عند مسلم على نهر يقال له الحيوان
أو الحياة وفي أخرى له فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة وفي تسمية ذلك النهر به
إشارة إلى انهم لا يحصل لهم الفناء بعد ذلك (قوله فينبتون نبات الحبة) بكسر المهملة وتشديد
الموحدة تقدم في كتاب الايمان انها بزور الصحراء والجمع حبب بكسر المهملة وفتح الموحدة بعدها
399

مثلها واما الحبة بفتح أوله وهو ما يزرعه الناس فجمعها حبوب بضمتين ووقع في حديث أبي سعيد
فينبتون في حافتيه وفي رواية لمسلم كما تنبت الغثاءة بضم الغين المعجمة بعدها مثلثة مفتوحة وبعد
الألف همزة ثم هاء تأنيث هو في الأصل كل ما حمله السيل من عيدان وورق وبزور وغيرها والمراد
به هنا ما حمله من البزور خاصة (قوله في حميل السيل) بالحاء المهملة المفتوحة والميم المكسورة أي
ما يحمله السيل وفي رواية يحيى بن عمارة المشار إليها إلى جانب السيل والمراد أن الغثاء الذي يجئ
به السيل يكون فيه الحبة فيقع في جانب الوادي فتصبح من يومها نابتة ووقع في رواية لمسلم في حمئة
السيل بعد الميم همزة ثم هاء وقد تشبع الميم فيصير بوزن عظيمة وهو ما تغير لونه من الطين وخص
بالذكر لأنه يقع فيه النبت غالبا قال ابن أبي جمرة فيه إشارة إلى سرعة نباتهم لان الحبة أسرع في
النبات من غيرها وفي السيل أسرع لما يجتمع فيه من الطين الرخو الحادث مع الماء مع ما خالطه
من حرارة الزبل المجذوب معه قال ويستفاد منه انه صلى الله عليه وسلم كان عارفا بجميع أمور
الدنيا بتعليم الله تعالى له وان لم يباشر ذلك وقال القرطبي اقتصر المازري على أن موقع التشبيه
السرعة وبقي عليه نوع آخر دل عليه قوله في الطريق الأخرى ألا ترونها تكون إلى الحجر ما يكون
منها إلى الشمس أصفر وأخضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض وفيه تنبيه على أن ما يكون
إلى الجهة التي تلي الجنة يسبق إليه البياض المستحسن وما يكون منهم إلى جهة النار يتأخر
النصوع عنه فيبقى أصيفر وأخيضر إلى أن يتلاحق البياض ويستوى الحسن والنور ونضارة
النعمة عليهم قال ويحتمل أن يشير بذلك إلى أن الذي يباشر الماء يعني الذي يرش عليهم يسرع
نصوعه وان غيره يتأخر عنه النصوع لكنه يسرع إليه والله أعلم (قوله ويبقى رجل) زاد
في رواية الكشميهني منهم مقبل بوجهه على النار هو آخر أهل النار دخولا الجنة تقدم القول
في آخر أهل النار خروجا منها في شرح الحديث الثاني والعشرين من الباب الذي قبله ووقع
في وصف هذا الرجل انه كان نباشا وذلك في حديث حذيفة كما تقدم في أخبار بني إسرائيل
ان رجلا كان يسئ الظن بعمله فقال لأهله احرقوني الحديث وفي آخره كان نباشا ووقع في
حديث حذيفة عن أبي بكر الصديق عند أحمد وأبي عوانة وغيرهما وفيه ثم يقول الله انظروا
هل بقى في النار أحد عمل خيرا قط فيجدون رجلا فيقال له هل عملت خيرا قط فيقول لا غير أني
كنت أسامح الناس في البيع الحديث وفيه ثم يخرجون من النار رجلا آخر فيقال له هل عملت
خيرا قط فيقول لا غير أني أمرت ولدي إذا مت فأحرقوني الحديث وجاء من وجه آخر انه كان
يسأل الله أن يجيره من النار ولا يقول أدخلني الجنة أخرجه الحسين المروزي في زيادات الزهد لابن
المبارك من حديث عوف الأشجعي رفعه قد علمت اخر أهل الجنة دخولا الجنة رجل كان يسأل
الله أن يجيره من النار ولا يقول أدخلني الجنة فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار بقي بين
ذلك فيقول يا رب قربني من باب الجنة أنظر إليها وأجد من ريحها فيقربه فيرى شجرة الحديث
وهو عند ابن أبي شيبة أيضا وهذا يقوى التعدد لكن الاسناد ضعيف وقد ذكرت عن عياض
في شرح الحديث السابع عشر أن آخر من يخرج من النار هل هو آخر من يبقى على الصراط أو هو
غيره وان اشترك كل منهما في أنه آخر من يدخل الجنة ووقع في نوادر الأصول للترمذي الحكيم من
حديث أبي هريرة ان أطول أهل النار فيها مكثا من يمكث سبعة آلاف سنة وسند هذا الحديث
400

واه والله أعلم وأشار ابن أبي جمرة إلى المغايرة بين آخر من يخرج من النار وهو المذكور في الباب
الماضي وأنه يخرج منها بعد أن يدخلها حقيقة وبين آخر من يخرج ممن يبقى مارا على الصراط
فيكون التعبير بأنه خرج من النار بطريق المجاز لأنه أصابه من حرها وكربها ما يشارك به بعض من
دخلها وقد وقع في غرائب مالك للدارقطني من طريق عبد الملك بن الحكم وهو واه عن مالك
عن نافع عن ابن عمر رفعه ان آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة يقال له جهينة فيقول أهل
الجنة عند جهينة الخبر اليقين وحكى السهيلي انه جاء ان اسمه هناد وجوز غيره أن يكون أحد
الاسمين لاحد المذكورين والاخر للآخر (قوله فيقول يا رب) في رواية إبراهيم بن سعد
في التوحيد أي رب (قوله قد قشبني ريحها) بقاف وشين معجمة مفتوحتين مخففا وحكى
التشديد ثم موحدة قال الخطابي قشبه الدخان إذا ملاء خياشيمه وأخذ يكظمه وأصل القشب
خلط السم بالطعام يقال قشبه إذا سمه ثم استعمل فيما إذا بلغ الدخان والرائحة الطيبة منه غايته
وقال النووي معنى قشبني سمني وأذاني وأهلكني هكذا قاله جماهير أهل اللغة وقال الداودي
معناه غير جلدي وصورتي (قلت) ولا يخفى حسن قول الخطابي وأما الداودي فكثيرا ما يفسر
الألفاظ الغريبة بلوازمها ولا يحافظ على أصول معانيها وقال ابن أبي جمرة إذا فسرنا القشب
بالنتن والمستقذر كانت فيه إشارة إلى طيب ريح الجنة وهو من أعظم نعيمها وعكسها النار
في جميع ذلك وقال ابن القطاع قشب الشئ خلطه بما يفسده من سم أو غيره وقشب الانسان
لطخه بسوء كاغتابه وعابه وأصله السم فاستعمل بمعنى أصابه المكروه إذا أهلكه أو أفسده
أو غيره أو أزال عقله أو تقذره هو والله أعلم (قوله وأحرقني ذكاؤها) كذا للأصيلي وكريمة هنا بالمد
وكذا في رواية إبراهيم بن سعد وفي رواية أبي ذر وغيره ذكاها بالقصر وهو الأشهر في اللغة وقال
ابن القطاع يقال ذكت النار تذكو ذكا بالقصر وذكوا بالضم وتشديد الواو أي كثر لهبها واشتد
اشتعالها ووهجها وأما ذكا الغلام ذكاء بالمد فمعناه أسرعت فطنته قال النووي المد والقصر
لغتان ذكره جماعة فيها وتعقبه مغلطاي بأنه لم يوجد عن أحد من المصنفين في اللغة ولا في
الشارحين لدواوين العرب حكاية المد الا عن أبي حنيفة الدينوري في كتاب النبات في مواضع
منها ضرب العرب المثل بجمر الغضى لذكائه قال وتعقبه علي بن حمزة الأصبهاني فقال ذكا النار
مقصور ويكتب بالألف لأنه واوى يقال ذكت النار تذكو ذكوا وذكاء النار وذكو النار بمعنى
وهو التهابها والمصدر ذكاء وذكو وذكو بالتخفيف والتثقيل فاما الذكاء بالمد فلم يأت عنهم في النار
وإنما جاء في الفهم وقال ابن قرقول في المطالع وعليه يعتمد الشيخ وقع في مسلم فقد أحرقني ذكاؤها
بالمد والمعروف في شدة حر النار القصر الا أن الدينوري ذكر فيه المد وخطأه علي بن حمزة فقال
ذكت النار ذكا وذكوا ومنه طيب ذكي منتشر الريح وأما الذكاء بالمد فمعناه تمام الشئ ومنه
ذكاء القلب وقال صاحب الافعال ذكا الغلام والعقل أسرع في الفطنة وذكا الرجل ذكاء
من حدة فكره وذكت النار ذكا بالقصر توقدت (قوله فاصرف وجهي عن النار) قد
استشكل كون وجهه إلى جهة النار والحال انه ممن يمر على الصراط طالبا إلى الجنة فوجهه إلى
الجنة لكن وقع في حديث أبي أمامة المشار إليه قبل انه يتقلب على الصراط ظهرا لبطن فكأنه
في تلك الحالة انتهى إلى آخره فصادف أن وجهه كان من قبل النار ولم يقدر على صرفه عنها
401

باختياره فسأل ربه في ذلك (قوله فيصرف وجهه عن النار) بضم أوله على البناء للمجهول وفي
رواية شعيب فيصرف الله ووقع في رواية أنس عن ابن مسعود عند مسلم وفي حديث أبي سعيد
عند أحمد والبزار نحوه أنه يرفع له شجرة فيقول رب أدنني من هذه الشجرة فلأستظل بظلها
وأشرب من مائها فيقول الله لعلي ان أعطيتك تسألني غيرها فيقول لا يا رب ويعاهده أن لا يسأل
غيرها وربه يعذره لأنه يرى مالا صبر له عليه وفيه أنه يدنو منها وأنه يرفع له شجرة أخرى أحسن من
الأولى عند باب الجنة ويقول في الثالثة ائذن لي في دخول الجنة وكذا وقع في حديث أنس
الآتي في التوحيد من طريق حميد عنه رفعه آخر من يخرج من النار ترفع له شجرة ونحوه لمسلم
من طريق النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد بلفظ ان أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله
وجهه عن النار قبل الجنة ومثلت له شجرة ويجمع بأنه سقط من حديث أبي هريرة هنا ذكر
الشجرات كما سقط من حديث ابن مسعود ما ثبت في حديث الباب من طلب القرب من باب الجنة
(قوله ثم يقول بعد ذلك يا رب قربني إلى باب الجنة) في رواية شعيب قال يا رب قدمني (قوله
فيقول أليس قد زعمت) في رواية شعيب فيقول الله أليس قد أعطيت العهد والميثاق (قوله لعلي
ان أعطيتك ذلك) في رواية التوحيد فهل عسيت ان فعلت بك ذلك أن تسألني غيره أما عسيت
ففي سينها الوجهان الفتح والكسر وجملة ان تسألني هي خبر عسى والمعنى هل يتوقع منك سؤال
شئ غير ذلك وهو استفهام تقرير لان ذلك عادة بني آدم والترجي راجع إلى المخاطب لا إلى الرب
وهو من باب ارخاء العنان إلى الخصم ليبعثه ذلك على التفكر في أمره والانصاف من نفسه (قوله
فيقول لا وعزتك لا أسألك غيره فيعطي الله ما شاء من عهد وميثاق) يحتمل أن يكون فاعل شاء
الرجل المذكور أو الله قال ابن أبي جمرة انما بادر للحلف من غير استحلاف لما وقع له من
قوة الفرح بقضاء حاجته فوطن نفسه على أن لا يطلب مزيدا وأكده بالحلف (قوله فإذا رأى
ما فيها سكت) في رواية شعيب فإذا بلغ بابها ورأى زهرتها وما فيها من النضرة وفي رواية إبراهيم بن
سعد من الحبرة بفتح المهملة وسكون الموحدة ولمسلم الخير بمعجمة وتحتانية بلا هاء والمراد أنه يرى
ما فيها من خارجها اما لان جدارها شفاف فيرى باطنها من ظاهرها كما جاء في وصف الغرف وأما
ان المراد بالرؤية العلم الذي يحصل له من سطوع رائحتها الطيبة وأنوارها المضيئة كما كان يحصل له
أذى لفح النار وهو خارجها (قوله ثم قال) في رواية إبراهيم بن سعد ثم يقول (قوله ويلك) في
رواية شعيب ويحك (قوله يا رب لا تجعلني أشقى خلقك) المراد بالخلق هنا من دخل الجنة فهو
لفظ عام أريد به خاص ومراده أنه يصير إذا استمر خارجا عن الجنة أشقاهم وكونه أشقاهم ظاهر لو
استمر خارج الجنة وهم من داخلها قال الطيبي معناه يا رب قد أعطيت العهد والميثاق ولكن
تفكرت في كرمك ورحمتك فسألت ووقع في الرواية التي في كتاب الصلاة لا أكون أشقى خلقك
وللقابسي لأكونن قال ابن التين المعنى لئن أبقيتني على هذه الحالة ولم تدخلني الجنة لأكونن
والألف في الرواية الأولى زائدة وقال الكرماني معناه لا أكون كافرا (قلت) هذا أقرب مما قال
ابن التين ولو استحضر هذه الرواية التي هنا ما احتاج إلى التكلف الذي أبداه فان قوله لا أكون
لفظه لفظ الخبر ومعناه الطلب ودل عليه قوله لا تجعلني ووجه كونه أشقى أن الذي يشاهد
ما يشاهده ولا يصل إليه يصير أشد حسرة ممن لا يشاهد وقوله خلقك مخصوص بمن ليس من أهل
402

النار (قوله فإذا ضحك منه) تقدم معنى الضحك في شرح الحديث الماضي قريبا (قوله ثم يقال
له تمن من كذا فيتمنى) في رواية أبي سعيد عند أحمد فيسأل ويتمنى مقدار ثلاثة أيام من أيام الدنيا
وفي رواية التوحيد حتى أن الله ليذكره من كذا وفي حديث أبي سعيد ويلقنه الله ما لاعلم له به
(قوله قال أبو هريرة) هو موصول بالسند المذكور (قوله وذلك الرجل آخر أهل الجنة
دخولا) سقط هذا من رواية شعيب وثبت في رواية إبراهيم بن سعد هنا ووقع ذلك في رواية مسلم
مرتين إحداهما هنا والاخرى في أوله عند قوله ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار (قوله قال
عطاء وأبو سعيد) أي الخدري والقائل هو عطاء بن يزيد بينه إبراهيم بن سعد في روايته عن الزهري
قال قال عطاء بن يزيد وأبو سعيد الخدري (قوله لا يغير عليه شيئا) في رواية إبراهيم بن سعد لا يرد
عليه (قوله هذا لك ومثله معه قال أبو سعيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) ووقع في
رواية إبراهيم بن سعد قال أبو سعيد وعشرة أمثاله يا أبا هريرة فقال فذكره وفيه قال أبو سعيد
الخدري أشهد اني حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع في حديث أنس عند ابن
مسعود يرضيك ان أعطيك الدنيا ومثلها معها ووقع في حديث حذيفة عن أبي بكر انظر إلى ملك
أعظم ملك فان لك مثله وعشرة أمثاله فيقول أتسخر بي وأنت الملك ووقع عند أحمد من وجه آخر
عن أبي هريرة وأبي سعيد جميعا في هذا الحديث فقال أبو سعيد ومثله معه فقال أبو هريرة وعشرة
أمثاله فقال أحدهما لصاحبه حدث بما سمعت وأحدث بما سمعت وهذا مقلوب فإن الذي في
الصحيح هو المعتمد وقد وقع عند البزار من الوجه الذي أخرجه منه أحمد على وفق ما في الصحيح
نعم وقع في حديث أبي سعيد الطويل المذكور في التوحيد من طريق أخرى عنه بعد ذكر من
يخرج من عصاة الموحدين فقال في آخره فيقال لهم لكم ما رأيتم ومثله معه فهذا موافق لحديث
أبي هريرة في الاقتصار على المثل ويمكن أن يجمع أن يكون عشرة الأمثال انما سمعه أبو سعيد في
حق آخر أهل الجنة دخولا والمذكور هنا في حق جميع من يخرج بالقبضة وجمع عياض بين
حديثي أبي سعيد وأبي هريرة باحتمال أن يكون أبو هريرة سمع أولا قوله ومثله معه فحدث به ثم
حدث النبي صلى الله عليه وسلم بالزيادة فسمعه أبو سعيد وعلى هذا فيقال سمعه أبو سعيد وأبو هريرة
معا أولا ثم سمع أبو سعيد الزيادة بعد وقد وقع في حديث أبي سعيد أشياء كثيرة زائدة على حديث
أبي هريرة نبهت على أكثرها فيما تقدم قريبا وظاهر قوله هذا لك وعشرة أمثاله أن العشرة زائدة
على الأصل ووقع في رواية أنس عن ابن مسعود لك الذي تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا وحمل على
أنه تمنى أن يكون له مثل الدنيا فيطابق حديث أبي سعيد ووقع في رواية لمسلم عن ابن مسعود لك
مثل الدنيا وعشرة أمثالها والله أعلم وقال الكلاباذي امساكه أولا عن السؤال حياء من ربه
والله يحب أن يسأل لأنه يحب صوت عبده المؤمن فيباسطه بقوله أولا لعلك ان أعطيت هذا
تسأل غيره وهذه حالة المقصر فكيف حالة المطيع وليس نقض هذا العبد عهده وتركه ما أقسم
عليه جهلا منه ولا قلة مبالاة بل علما منه بأن نقض هذا العهد أولى من الوفاء به لان سؤاله ربه
أولى من ترك السؤال مراعاة للقسم وقد قال صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين فرأى خيرا
منها فليكفر على يمينه وليأت الذي هو خير فعمل هذا العبد على وفق هذا الخبر والتكفير قد
ارتفع عنه في الآخرة قال ابن أبي جمرة رحمه الله تعالى في هذا الحديث من الفوائد جواز مخاطبة
403

الشخص بمالا تدرك حقيقته وجواز التعبير عن ذلك بما يفهمه وان الأمور التي في الآخرة
لا تشبه بما في الدنيا الا في الأسماء والأصل مع المبالغة في تفاوت الصفة والاستدلال على العلم
الضروري بالنظري وان الكلام إذا كان محتملا لامرين يأتي المتكلم بشئ يتخصص به مراده
عند السامع وان التكليف لا ينقطع الا بالاستقرار في الجنة أو النار وان امتثال الامر في الموقف
يقع بالاضطرار وفيه فضيلة الايمان لأنه لما تلبس به المنافق ظاهرا بقيت عليه حرمته إلى أن وقع
التمييز باطفاء النور وغير ذلك وان الصراط مع دقته وحدته يسع جميع المخلوقين منذ آدم إلى قيام
الساعة وفيه ان النار مع عظمها وشدتها لا تتجاوز الحد الذي أمرت باحراقه والآدمي مع حقارة
جرمه يقدم على المخالفة ففيه معنى شديد من التوبيخ وهو كقوله تعالى في وصف الملائكة غلاظ
شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وفيه إشارة إلى توبيخ الطغاة والعصاة وفيه
فضل الدعاء وقوة الرجاء في إجابة الدعوة ولو لم يكن الداعي أهلا لذلك في ظاهر الحكم لكن فضل
الكريم واسع وفي قوله في آخره في بعض طرقه ما أغدرك إشارة إلى أن الشخص لا يوصف بالفعل
الذميم الا بعد أن يتكرر ذلك منه وفيه إطلاق اليوم على جزء منه لان يوم القيامة في الأصل يوم
واحد وقد اطلق اسم اليوم على كثير من أجزائه وفيه جواز سؤال الشفاعة خلافا لمن منع محتجا
بأنها لا تكون الا لمذنب قال عياض وفات هذا القائل انها قد تقع في دخول الجنة بغير حساب
وغير ذلك كما تقدم بيانه مع أن كل عاقل معترف بالتقصير فيحتاج إلى طلب العفو عن تقصيره
وكذا كل عامل يخشى أن لا يقبل عمله فيحتاج إلى الشفاعة في قبوله قال ويلزم هذا القائل أن لا
يدعو بالمغفرة ولا بالرحمة وهو خلاف ما درج عليه السلف في أدعيتهم وفي الحديث أيضا
تكليف مالا يطاق لان المنافقين يؤمرون بالسجود وقد منعوا منه كذا قيل وفيه نظر لان الامر
حينئذ للتعجيز والتبكيت وفيه اثبات رؤية الله تعالى في الآخرة قال الطيبي وقول من أثبت
الرؤية ووكل علم حقيقتها إلى الله فهو الحق وكذا قول من فسر الاتيان بالتجلي هو الحق لان ذلك
قد تقدمه قوله هل تضارون في رؤية الشمس والقمر وزيد في تقرير ذلك وتأكيده وكل ذلك يدفع
المجاز عنه والله أعلم واستدل به بعض السالمية ونحوهم على أن المنافقين وبعض أهل الكتاب
يرون الله مع المؤمنين وهو غلط لان في سياق حديث أبي سعيد ان المؤمنين يرونه سبحانه وتعالى
بعد رفع رؤسهم من السجود وحينئذ يقولون أنت ربنا ولا يقع ذلك للمنافقين ومن ذكر معهم
وأما الرؤية التي اشترك فيها الجميع قبل فقد تقدم أنه صورة الملك وغيره (قلت) ولا مدخل أيضا
لبعض أهل الكتاب في ذلك لان في بقية الحديث أنهم يخرجون من المؤمنين ومن معهم ممن يظهر
الايمان ويقال لهم ما كنتم تعبدون وانهم يتساقطون في النار وكل ذلك قبل الامر بالسجود
وفيه أن جماعة من مذنبي هذه الأمة يعذبون بالنار ثم يخرجون بالشفاعة والرحمة خلافا لمن نفى
ذلك عن هذه الأمة وتأول ما ورد بضروب متكلفة والنصوص الصريحة متضافرة متظاهرة
بثبوت ذلك وان تعذيب الموحدين بخلاف تعذيب الكفار لاختلاف مراتبهم من أخذ النار
بعضهم إلى ساقه وانها لا تأكل أثر السجود وانهم يموتون فيكون عذابهم احراقهم وحبسهم عن
دخول الجنة سريعا كالمسجونين بخلاف الكفار الذين لا يموتون أصلا ليذوقوا العذاب ولا
يحيون حياة يستريحون بها على أن بعض أهل العلم أول ما وقع في حديث أبي سعيد من قوله
404

يموتون فيها إماتة بأنه ليس المراد ان يحصل لهم الموت حقيقة وانما هو كناية عن غيبة احساسهم
وذلك للرفق بهم أو كنى عن النوم بالموت وقد سمى الله النوم وفاة ووقع في حديث أبي هريرة انهم
إذا دخلوا النار ماتوا فإذا أراد الله اخراجهم أمسهم ألم العذاب تلك الساعة قال وفيه ما طبع
عليه الادمي من قوة الطمع وجودة الحيلة في تحصيل المطلوب فطلب أولا ان يبعد من النار
ليحصل له نسبة لطيفة بأهل الجنة ثم طلب الدنو منهم وقد وقع في بعض طرقه طلب الدنو من شجرة
بعد شجرة إلى أن طلب الدخول ويؤخذ منه أن صفات الادمي التي شرف بها على الحيوان
تعود له كلها بعد بعثته كالفكر والعقل وغيرهما انتهى ملخصا مع زيادات في غضون كلامه
والله المستعان (قوله باب في الحوض) أي حوض النبي صلى الله عليه وسلم وجمع
الحوض حياض وأحواض وهو مجمع الماء وايراد البخاري لأحاديث الحوض بعد أحاديث
الشفاعة وبعد نصب الصراط إشارة منه إلى أن الورود على الحوض يكون بعد نصب الصراط
والمرور عليه وقد أخرج أحمد والترمذي من حديث النضر بن أنس عن أنس قال سألت رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي فقال أنا فاعل فقلت أين أطلبك قال اطلبني أول ما تطلبني على
الصراط قلت فإن لم ألقك قال أنا عند الميزان قلت فإن لم ألقك قال أنا عند الحوض وقد استشكل
كون الحوض بعد الصراط بما سيأتي في بعض أحاديث هذا الباب ان جماعة يدفعون عن الحوض
بعد ان يكادوا يردون ويذهب بهم إلى النار ووجه الاشكال ان الذي يمر على الصراط إلى أن
يصل الحوض يكون قد نجا من النار فكيف يرد إليها ويمكن أن يحمل على أنهم يقربون من
الحوض بحيث يرونه ويرون النار فيدفعون إلى النار قبل أن يخلصوا من بقية الصراط وقال
أبو عبد الله القرطبي في التذكرة ذهب صاحب القوت وغيره إلى أن الحوض يكون بعد الصراط
وذهب آخرون إلى العكس والصحيح أن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضين أحدهما في الموقف
قبل الصراط والاخر داخل الجنة وكل منهما يسمى كوثرا (قلت) وفيه نظر لان الكوثر نهر
داخل الجنة كما تقدم ويأتي وماؤه يصب في الحوض ويطلق على الحوض كوثر لكونه يمد منه
فغاية ما يؤخذ من كلام القرطبي أن الحوض يكون قبل الصراط فإن الناس يردون الموقف
عطاشى فيرد المؤمنون الحوض وتتساقط الكفار في النار بعد أن يقولوا ربنا عطشنا فترفع لهم
جهنم كأنها سراب فيقال الا تردون فيظنونها ماء فيتساقطون فيها وقد أخرج مسلم من حديث
أبي ذر ان الحوض يشخب فيه ميزابان من الجنة وله شاهد من حديث ثوبان وهو حجة على
القرطبي لاله لأنه قد تقدم أن الصراط جسر جهنم وأنه بين الموقف والجنة وان المؤمنين يمرون
عليه لدخول الجنة فلو كان الحوض دونه لحالت النار بينه وبين الماء الذي يصب من الكوثر
في الحوض وظاهر الحديث ان الحوض بجانب الجنة لينصب فيه الماء من النهر الذي داخلها
وفي حديث ابن مسعود عند أحمد ويفتح نهر الكوثر إلى الحوض وقد قال القاضي عياض
ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الحوض من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدا يدل على أن
الشرب منه يقع بعد الحساب والنجاة من النار لان ظاهر حال من لا يظمأ أن لا يعذب بالنار
ولكن يحتمل أن من قدر عليه التعذيب منهم ان لا يعذب فيها بالظما بل بغيره (قلت) ويدفع هذا
الاحتمال أنه وقع في حديث أبي بن كعب عند ابن أبي عاصم في ذكر الحوض ومن لم يشرب منه
405

لم يرو أبدا وعند عبد الله بن أحمد في زيادات المسند في الحديث الطويل عن لقيط بن عامر انه
وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ونهيك بن عاصم قال فقدمنا المدينة عند انسلاخ
رجب فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من صلاة الغداة الحديث بطوله في
صفة الجنة والبعث وفيه تعرضون عليه بادية له صفائحكم لا تخفى عليه منكم خافية فيأخذ
غرفة من ماء فينضح بها قبلكم فلعمر الهك ما يخطئ وجه أحدكم قطرة فأما المسلم فتدع وجهه
مثل الريطة البيضاء وأما الكافر فتخطمه مثل الخطام الأسود ثم ينصرف نبيكم وينصرف على
اثره الصالحون فيسلكون جسرا من النار يطأ أحدكم الجمرة فيقول حس فيقول ربك أوانه الا
فيطلعون على حوض الرسول على اظماء والله ناهلة رأيتها أبدا ما يبسط أحد منكم يده الا وقع
على قدح الحديث وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة والطبراني والحاكم وهو صريح في أن
الحوض قبل الصراط (قوله وقول الله تعالى انا أعطيناك الكوثر) أشار إلى أن المراد بالكوثر
النهر الذي يصب في الحوض فهو مادة الحوض كما جاء صريحا في سابع أحاديث الباب ومضى في
تفسير سورة الكوثر من حديث عائشة نحوه مع زيادة بيان فيه وتقدم الكلام على حديث ابن
عباس أن الكوثر هو الخير الكثير وجاء إطلاق الكوثر على الحوض في حديث المختار بن فلفل
عن أنس في ذكر الكوثر هو حوض ترد عليه أمتي وقد اشتهر اختصاص نبينا صلى الله عليه وسلم
بالحوض لكن أخرج الترمذي من حديث سمرة رفعه ان لكل نبي حوضا وأشار إلى أنه اختلف
في وصله وارساله وان المرسل أصح (قلت) والمرسل أخرجه ابن أبي الدنيا بسند صحيح عن الحسن
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لكل نبي حوضا وهو قائم على حوضه بيده عصا يدعو
من عرف من أمته الا أنهم يتباهون أيهم أكثر تبعا واني لأرجو ان أكون أكثرهم تبعا
وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن سمرة موصولا مرفوعا مثله وفي سنده لين وأخرج ابن أبي
الدنيا أيضا من حديث أبي سعيد رفعه وكل نبي يدعو أمته ولكل نبي حوض فمنهم من يأتيه الفئام
ومنهم من يأتيه العصبة ومنهم من يأتيه الواحد ومنهم من يأتيه الاثنان ومنهم من لا يأتيه
أحد واني لأكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة وفي اسناده لين وان ثبت فالمختص بنبينا صلى الله عليه
وسلم الكوثر الذي يصب من مائة في حوضه فإنه لم ينقل نظيره لغيره ووقع الامتنان عليه به في
السورة المذكورة قال القرطبي في المفهم تبعا للقاضي عياض في غالبه مما يجب على كل مكلف
أن يعلمه ويصدق به ان الله سبحانه وتعالى قد خص نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالحوض
المصرح باسمه وصفته وشرابه في الأحاديث الصحيحة الشهيرة التي يحصل بمجموعها العلم القطعي
إذ روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة نيف على الثلاثين منهم في الصحيحين ما ينيف
على العشرين وفي غرهما بقية ذلك مما صح نقله واشتهرت رواته ثم رواه عن الصحابة المذكورين
من التابعين أمثالهم ومن بعدهم اضعاف اضعافهم وهلم جرا وأجمع على اثباته السلف وأهل
السنة من الخلف وأنكرت ذلك طائفة من المبتدعة وأحالوه على ظاهره وغلوا في تأويله من غير
استحالة عقلية ولا عادية تلزم من حمله على ظاهره وحقيقته ولا حاجة تدعو إلى تأويله فخرق من
حرفه إجماع السلف وفارق مذهب أئمة الخلف (قلت) أنكره الخوارج وبعض المعتزلة وممن
كان ينكره عبيد الله بن زياد أحد أمراء العراق لمعاوية وولده فعند أبي داود من طريق
406

عبد السلام بن أبي حازم قال شهدت أبا برزة الأسلمي دخل على عبيد الله بن زياد فحدثني فلان
وكان في السماط فذكر قصة فيها أن ابن زياد ذكر الحوض فقال هل سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يذكر فيه شيئا فقال أبو برزة نعم لا مرة ولا مرتين ولا ثلاثا ولا أربعا ولا خمسا فمن كذب
به فلا سقاه الله منه وأخرج البيهقي في البعث من طريق أبي حمزة عن أبي برزة نحوه ومن طريق
يزيد بن حبان التيمي شهدت زيد بن أرقم وبعث إليه ابن زياد فقال ما أحاديث تبلغني انك تزعم أن
لرسول الله صلى الله عليه وسلم حوضا في الجنة قال حدثنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعند أحمد من طريق عبد الله بن بريدة عن أبي سبرة بفتح المهملة وسكون الموحدة الهذلي قال
قال عبيد الله بن زياد ما أصدق بالحوض وذلك بعد ان حدثه أبو برزة والبراء وعائذ بن عمرو فقال
له أبو سبرة بعثني أبوك في مال إلى معاوية فلقيني عبد الله بن عمرو فحدثني وكتبته بيدي من فيه انه
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول موعدكم حوضي الحديث فقال ابن زياد حينئذ أشهد أن
الحوض حق وعند أبي يعلى من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس دخلت علي ابن زياد
وهم يذكرون الحوض فقال هذا أنس فقلت لقد كانت عجائز بالمدينة كثيرا ما يسألن ربهن ان
يسقيهن من حوض نبيهن وسنده صحيح وروينا في فوائد العيسوي وهو في البعث للبيهقي من
طريقه بسند صحيح عن حميد عن أنس نحوه وفيه ما حسبت ان أعيش حتى أرى مثلكم ينكر
الحوض وأخرج البيهقي أيضا من طريق يزيد الرقاشي عن أنس في صفة الحوض وسيأتيه قوم
ذابلة شفاههم لا يطعمون منه قطرة من كذب به اليوم لم يصب الشرب منه يومئذ ويزيد ضعيف
لكن يقويه ما مضى ويشبه أن يكون الكلام الأخير من قول أنس قال عياض أخرج مسلم
أحاديث الحوض عن ابن عمر وأبي سعيد وسهل بن سعد وجندب وعبد الله بن عمرو وعائشة وأم
سلمة وعقبة بن عامر وابن مسعود وحذيفة وحارثة بن وهب والمستورد وأبي ذر وثوبان وأنس
وجابر بن سمرة قال ورواه غير مسلم عن أبي بكر الصديق وزيد بن أرقم وأبي أمامة وأسماء بنت أبي
بكر وخولة بنت قيس وعبد الله بن زيد وسويد بن جبلة وعبد الله الصنابحي والبراء بن عازب وقال
النووي بعد حكاية كلامه مستدركا عليه رواه البخاري ومسلم من رواية أبي هريرة ورواه
غيرهما من رواية عمر وعائذ بن عمرو وآخرين وجمع ذلك كله البيهقي في البعث بأسانيده وطرقه
المتكاثرة (قلت) أخرجه البخاري في هذا الباب عن الصحابة الذين نسب عياض لمسلم تخريجه
عنهم الا أم سلمة وثوبان وجابر بن سمرة وأبا ذر وأخرجه أيضا عن عبد الله بن زيد وأسماء بنت أبي
بكر وأخرجه مسلم عنهما أيضا وأغفلهما عياض وأخرجاه أيضا عن أسيد بن حضير وأغفل
عياض أيضا نسبة الأحاديث وحديث أبي بكر عند أحمد وأبي عوانة وغيرهما وحديث زيد بن
أرقم عند البيهقي وغيره وحديث خولة بنت قيس عند الطبراني وحديث أبي أمامة عند ابن حبان
وغيره وأما حديث سويد بن جبلة فأخرجه أبو زرعة الدمشقي في مسند الشاميين وكذا ذكره ابن
منده في الصحابة وجزم ابن أبي حاتم بأن حديثه مرسل وأما حديث عبد الله الصنابحي فغلط
عياض في اسمه وانما هو الصنابح بن الأعسر وحديثه عند أحمد وابن ماجة بسند صحيح ولفظه
اني فرطكم على الحوض واني مكاثر بكم الحديث فإن كان كما ظننت وكان ضبط اسم الصحابي
وأنه عبد الله فتزيد العدة واحدا لكن ما عرفت من خرجه من حديث عبد الله الصنابحي وهو
407

صحابي آخر غير عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي التابعي المشهور وقول النووي ان البيهقي
استوعب طرقه يوهم أنه أخرج زيادة على الأسماء التي ذكرها حيث قال وآخرين وليس كذلك
فإنه لم يخرج حديث أبي بكر الصديق ولا سويد ولا الصنابحي ولا خولة ولا البراء وانما ذكره عن
عمرو عن عائذ بن عمرو وعن أبي برزة ولم أر عنده زيادة الا من مرسل يزيد بن رومان في نزول قوله
تعالى انا أعطيناك الكوثر وقد جاء فيه عمن لم يذكروه جميعا من حديث ابن عباس كما تقدم في
تفسير سورة الكوثر ومن حديث كعب بن عجرة عند الترمذي والنسائي وصححه الحاكم ومن
حديث جابر بن عبد الله عند أحمد والبزار بسند صحيح وعن بريدة عند أبي يعلى ومن حديث أخي
زيد بن أرقم ويقال ان اسمه ثابت عند أحمد ومن حديث أبي الدرداء عند ابن أبي عاصم في السنة
وعند البيهقي في الدلائل ومن حديث أبي بن كعب وأسامة بن زيد وحذيفة بن أسيد وحمزة بن
عبد المطلب ولقيط بن عامر وزيد بن ثابت والحسن بن علي وحديثه عند أبي يعلى أيضا وأبي
بكرة وخولة بنت حكيم كلها عند ابن أبي عاصم ومن حديث العرباض بن سارية عند ابن حبان
في صحيحه وعن أبي مسعود البدري وسلمان الفارسي وسمرة بن جندب وعقبة بن عبد وزيد بن
أوفى وكلها في الطبراني ومن حديث خباب بن الأرت عند الحاكم ومن حديث النواس بن سمعان
عند ابن أبي الدنيا ومن حديث ميمونة أم المؤمنين في الأوسط للطبراني ولفظه يرد علي الحوض
أطولكن يدا الحديث ومن حديث سعيد بن أبي وقاص عند أحمد بن منيع في مسنده وذكره
ابن منده في مستخرجه عن عبد الرحمن بن عوف وذكره ابن كثير في نهايته عن عثمان بن مظعون
وذكره ابن القيم في الحاوي عن معاذ بن جبل ولقيط بن صبرة وأظنه عن لقيط بن عامر الذي تقدم
ذكره فجميع من ذكرهم عياض خمسة وعشرون نفسا وزاد عليه النووي ثلاثة وزدت عليهم
أجمعين قدر ما ذكروه سواء فزادت العدة على الخمسين ولكثير من هؤلاء الصحابة في ذلك زيادة على
الحديث الواحد كأبي هريرة وأنس وابن عباس وأبي سعيد وعبد الله بن عمرو وأحاديثهم بعضها
في مطلق ذكر الحوض وفي صفته بعضها وفيمن يرد عليه بعضها وفيمن يدفع عنه بعضها وكذلك في
الأحاديث التي أوردها المصنف في هذا الباب وجملة طرقها تسعة عشر طريقا وبلغني أن بعض
المتأخرين وصلها إلى رواية ثمانين صحابيا * الأول (قوله وقال عبد الله بن يزيد) هو ابن عاصم
المازني (قوله اصبروا حتى تلقوني على الحوض) هو طرف من حديث طويل وصله المؤلف في
غزوة حنين وفيه كلام الأنصار لما قسمت غنائم حنين في غيرهم وفيه انكم سترون بعدي أثرة
فاصبروا الحديث وقد تقدم شرحه مستوفي هناك * الحديث الثاني والثالث عن ابن مسعود
موصولا وعن حذيفة معلقا (قوله عن سليمان) هو الأعمش وشقيق هو أبو وائل المذكور في
الطريق الثانية ووقع صريحا عند الإسماعيلي فيهما وعند مسلم في الأول وعبد الله هو ابن مسعود
والمغيرة في الطريق الثانية هو ابن مقسم الضبي الكوفي (قوله وليرفعن) بضم أوله وفتح الفاء
والعين أي يظهرهم الله لي حتى أراهم (قوله ثم ليختلجن) بفتح اللام وضم التحتانية وسكون الخاء
المعجمة وفتح المثناة واللام وضم الجيم بعدها نون ثقيلة أي ينزعون أو يجذبون مني يقال اختلجه
منه إذا نزعه منه أو جذبه بغير ارادته وسيأتي زيادة في إيضاحه في شرح الحديث التاسع وما بعده
والتاسع عشر (قوله تابعه عاصم) هو ابن أبي النجود قارئ الكوفة والضمير للأعمش أي ان
408

عاصما رواه كما رواه الأعمش عن أبي وائل فقال عن عبد الله بن مسعود وقد وصلها الحارث بن أبي
أسامة في مسنده من طريق سفيان الثوري عن عاصم (قوله وقال حصين) أي ابن عبد الرحمن
الواسطي (قوله عن أبي وائل عن حذيفة) أي انه خالف الأعمش وعاصما فقال عن أبي وائل عن
حذيفة وهذه المتابعة وصلها مسلم من طريق حصين وصنيعه يقتضي انه عند أبي وائل عن ابن
مسعود وعن حذيفة معا وصنيع البخاري يقتضي ترجيح قول من قال عن أبي وائل عن
عبد الله لكونه ساقها موصولة وعلق الأخرى * الحديث الرابع (قوله يحيى) هو ابن سعيد
القطان وعبيد الله هو ابن عمر العمري (قوله امامكم) بفتح الهمزة أي قداكم (حوض) في رواية
السرخسي حوضي بزيادة ياء الإضافة والأول هو الذي عند كل من أخرج الحديث كمسلم (قوله
كما بين جرباء وأذرح) اما جرباء فهي بفتح الجيم وسكون الراء بعدها موحدة بلفظ تأنيث أجرب
قال عياض جاءت في البخاري ممدودة وقال النووي في شرح مسلم الصواب انها مقصورة وكذا
ذكرها الحازمي والجمهور قال والمد خطأ وأثبت صاحب التحرير المد وجوز القصر ويؤيد المد
قول أبي عبيد البكري هي تأنيث أجرب وأما أذرح فبفتح الهمزة وسكون المعجمة وضم الراء
بعدها مهملة قال عياض كذا للجمهور ووقع في رواية العذري في مسلم بالجيم وهو وهم
(قلت) وسأذكر الخلاف في تعيين مكاني هذين الموضعين في آخر الكلام على الحديث السادس
إن شاء الله تعالى * الحديث الخامس حديث ابن عباس تقدم شرحه في تفسير سورة الكوثر
وقوله ثنا هشيم أخبرنا أبو بشر هو جعفر بن أبي وحشية بفتح الواو وسكون المهملة بعدها معجمة
مكسورة ثم تحتانية ثقيلة ثم هاء تأنيث واسم أبي وحشية إياس (قوله وعطاء بن السائب) هو
المحدث المشهور كوفي من صغار التابعين صدوق اختلط في آخر عمره وسماع هشيم منه بعد
اختلاطه ولذلك أخرج له البخاري مقرونا بابي بشر وماله عنده الا هذا الموضع وقد مضى في تفسير
الكوثر من جهة هشيم عن أبي بشر وحده ولعطاء بن السائب في ذكر الكوثر سند آخر عن شيخ
آخر أخرجه الترمذي وابن ماجة وصححه بسند صحيح من طريق محمد بن فضيل عن عطاء بن
السائب عن محارب بن دثار عن ابن عمر فذكر الحديث المشار إليه في تفسير الكوثر وأخرجه أبو
داود الطيالسي في مسنده عن أبي عوانة عن عطاء قال قال لي محارب بن دثار ما كان سعيد بن
جبير يقول في الكوثر قلت كان يحدث عن ابن عباس قال هو الخير الكثير فقال محارب حدثنا
ابن عمر فذكر الحديث وأخرجه البيهقي في البعث من طريق حماد بن زيد عن عطاء بن السائب
وزاد فقال محارب سبحان الله ما أقل ما يسقط لابن عباس فذكر حديث ابن عباس ثم قال هذا
والله هو الخير الكثير * الحديث السادس (قوله نافع) هو ابن عمر الجمحي المكي (قوله قال عبد
الله بن عمرو) في رواية مسلم من وجه آخر عن نافع بن عمر بسنده عن عبد الله بن عمرو وقد خالف
نافع بن عمر في صحابيه عبد الله بن عثمان بن خثيم فقال عن ابن أبي مليكة عن عائشة أخرجه أحمد
والطبراني ونافع بن عمر أحفظ من ابن خثيم (قوله حوضي مسيرة شهر) زاد مسلم والإسماعيلي
وابن حبان في روايتهم من هذا الوجه وزواياه سواء وهذه الزيادة تدفع تأويل من جمع بين مختلف
الأحاديث في تقدير مسافة الحوض على اختلاف العرض والطول وقد اختلف في ذلك اختلافا
كثيرا فوقع في حديث أنس الذي بعده كما بين أيلة وصنعاء من اليمن وأيلة مدينة كانت عامرة
409

وهي بطرف بحر القلزم من طرف الشام وهي الآن خراب يمر بها الحاج من مصر فتكون شماليهم
ويمر بها الحاج من غزة وغيرها فتكون أمامهم ويجلبون إليها الميرة من الكرك والشوبك
وغيرهما يتلقون بها الحاج ذهابا وإيابا واليها تنسب العقبة المشهورة عند المصريين وبينها وبين
المدينة النبوية نحو الشهر بسير الأثقال ان اقتصروا كل يوم على مرحلة والا فدون ذلك وهي
من مصر على أكثر من النصف من ذلك ولم يصب من قال من المتقدمين انها على النصف مما بين
مصر ومكة بل هي دون الثلث فإنها أقرب إلى مصر ونقل عياض عن بعض أهل العلم ان أيلة
شعب من جبل رضوى الذي في ينبع وتعقب بأنه اسم وافق اسما والمراد بايلة في الخبر هي المدينة
الموصوفة آنفا وقد ثبت ذكرها في صحيح مسلم في قصة غزوة تبوك وفيه ان صاحب أيلة جاء إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وصالحه وتقدم لها ذكر أيضا في كتاب الجمعة وأما صنعاء فإنما قيدت
في هذه الرواية باليمن احترازا من صنعاء التي بالشام والأصل فيها صنعاء اليمن لما هاجر أهل اليمن
في زمن عمر عند فتوح الشام نزل أهل صنعاء في مكان من دمشق فسمى باسم بلدهم فعلى هذا فمن
في قوله في هذه الرواية من اليمن إن كانت ابتدائية فيكون هذا اللفظ مرفوعا وإن كانت بيانية
فيكون مدرجا من قول بعض الرواة والظاهر أنه الزهري ووقع في حديث جابر بن سمرة أيضا كما بين
صنعاء وأيلة وفي حديث حذيفة مثله لكن قال عدن بدل صنعاء وفي حديث أبي هريرة أبعد من
أيلة إلى عدن وعدن بفتحتين بلد مشهور على ساحل البحر في أواخر سواحل اليمن وأوائل سواحل
الهند وهي تسامت صنعاء وصنعاء في جهة الجبال وفي حديث أبي ذر ما بين عمان إلى أيلة وعمان
بضم المهملة وتخفيف النون بلد على ساحل البحر من جهة البحرين وفي حديث أبي بردة عند ابن
حبان ما بين ناحيتي حوضي كما بين أيلة وصنعاء مسيرة شهر وهذه الروايات متقاربة لأنها كلها نحو
شهر أو تزيد أو تنقص ووقع في روايات أخرى التحديد بما هو دون ذلك فوقع في حديث عقبة بن
عامر عند أحمد كما بين أيلة إلى الجحفة وفي حديث جابر كما بين صنعاء إلى المدينة وفي حديث ثوبان
ما بين عدن وعمان البلقاء ونحوه لابن حبان عن أبي أمامة وعمان هذه بفتح المهملة وتشديد الميم
للأكثر وحكى تخفيفها وتنسب إلى البلقاء لقربها منها والبلقاء بفتح الموحدة وسكون اللام بعدها
قاف وبالمد بلدة معروفة من فلسطين وعند عبد الرزاق في حديث ثوبان ما بين بصرى إلى صنعاء
أو ما بين أيلة إلى مكة وبصرى بضم الموحدة وسكون المهملة بلد معروف بطرف الشام من جهة
الحجاز تقدم ضبطها في بدء الوحي وفي حديث عبد الله بن عمرو عند أحمد أبعد ما بين مكة وأيلة
وفي لفظ ما بين مكة وعمان وفي حديث حذيفة بن أسيد ما بين صنعاء إلى بصرى ومثله لابن حبان
في حديث عتبة بن عبد وفي رواية الحسن عن أنس عند أحمد كما بين مكة إلى أيلة أو بين صنعاء
ومكة وفي حديث أبي سعيد عند ابن أبي شيبة وابن ماجة ما بين الكعبة إلى بيت المقدس وفي
حديث عتبة بن عبد عند الطبراني كما بين البيضاء إلى بصرى والبيضاء بالقرب من الربذة البلد
المعروف بين مكة والمدينة وهذه المسافات متقاربة وكلها ترجع إلى نحو نصف شهر أو تزيد على ذلك
قليلا أو تنقص وأقل ما ورد في ذلك ما وقع في رواية لمسلم في حديث ابن عمر من طريق محمد بن بشر
عن عبيد الله بن عمر بسنده كما تقدم وزاد قال قال عبيد الله فسألته قال قريتان بالشام بينهما
مسيرة ثلاثة أيام ونحوه له في رواية عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر لكن قال ثلاث ليال وقد
410

جمع العلماء بين هذا الاختلاف فقال عياض هذا من اختلاف التقدير لان ذلك لم يقع في حديث
واحد فيعد اضطرابا من الرواة وانما جاء في أحاديث مختلفة عن غير واحد من الصحابة سمعوه
في مواطن مختلفة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يضرب في كل منها مثلا لبعد أقطار الحوض
وسعته بما يسنح له من العبارة ويقرب ذلك للعلم ببعد ما بين البلاد النائية بعضها من بعض لا على
إرادة المسافة المحققة قال فبهذا يجمع بين الألفاظ المختلفة من جهة المعنى انتهى ملخصا وفيه
نظر من جهة أن ضرب المثل والتقدير انما يكون فيما يتقارب واما هذا الاختلاف المتباعد
الذي يزيد تارة على ثلاثين يوما وينقص إلى ثلاثة أيام فلا قال القرطبي ظن بعض القاصرين ان
الاختلاف في قدر الحوض اضطراب وليس كذلك ثم نقل كلام عياض وزاد وليس اختلافا بل
كلها تفيد أنه كبير متسع متباعد الجوانب ثم قال ولعل ذكره للجهات المختلفة بحسب من حضره
ممن يعرف تلك الجهة فيخاطب كل قوم بالجهة التي يعرفونها وأجاب النووي بأنه ليس في ذكر
المسافة القليلة ما يدفع المسافة الكثيرة فالأكثر ثابت بالحديث الصحيح فلا معارضة وحاصله انه
يشير إلى أنه أخبر أولا بالمسافة اليسيرة ثم أعلم بالمسافة الطويلة فأخبر بها كأن الله تفضل عليه
باتساعه شيئا بعد شئ فيكون الاعتماد على ما يدل على أطولها مسافة وتقدم قول من جمع
الاختلاف بتفاوت الطول والعرض ورده بما في حديث عبد الله بن عمر و زواياه سواء ووقع
أيضا في حديث النواس بن سمعان وجابر وأبي برزة وأبي ذر طوله وعرضه سواء وجمع غيره بين
الاختلافين الأولين باختلاف السير البطئ وهو سير الأثقال والسير السريع وهو سير الراكب
المخف وبحمل رواية أقلها وهو الثلاث على سير البريد فقد عهد منهم من قطع مسافة الشهر
في ثلاثة أيام ولو كان نادرا جدا وفي هذا الجواب عن المسافة الأخيرة نظر وهو فيما قبله مسلم وهو
أولى ما يجمع به وأما مسافة الثلاث فإن الحافظ ضياء الدين المقدسي ذكر في الجزء الذي جمعه
في الحوض ان في سياق لفظها غلطا وذلك لاختصار وقع في سياقه من بعض رواته ثم ساقه من
حديث أبي هريرة وأخرجه من فوائد عبد الكريم بن الهيثم الدير عاقولي بسند حسن إلى أبي
هريرة مرفوعا في ذكر الحوض فقال فيه عرضه مثل ما بينكم وبين جرباء وأذرح قال الضياء
فظهر بهذا أنه وقع في حديث ابن عمر حذف تقديره كما بين مقامي وبين جرباء وأذرح فسقط مقامي
وبين وقال الحافظ صلاح الدين العلائي بعد ان حكى قول ابن الأثير في النهاية هما قريتان بالشام
بينهما مسيرة ثلاثة أيام ثم غلطه في ذلك وقال ليس كما قال بل بينهما غلوة سهم وهما معروفتان بين
القدس والكرك قال وقد ثبت القدر المحذوف عند الدارقطني وغيره بلفظ ما بين المدينة وجرباء
وأذرح (قلت) وهذا يوافق رواية أبي سعيد عند ابن ماجة كما بين الكعبة وبيت المقدس وقد وقع
ذكر جرباء وأذرح في حديث آخر عند مسلم وفيه وافى أهل جرباء وأذرح بحرسهم إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ذكره في غزوة تبوك وهو يؤيد قول العلائي انهما متقاربتان وإذا تقرر ذلك
رجع جميع المختلف إلى أنه لاختلاف السير البطئ والسير السريع وسأحكي كلام ابن التين
في تقدير المسافة بين جرباء وأذرح في شرح الحديث السادس عشر والله أعلم (قوله ماؤه أبيض
من اللبن) قال المازري مقتضى كلام النحاة أن يقال أشد بياضا ولا يقال أبيض من كذا ومنهم
من أجازه في الشعر ومنهم من أجازه بقلة ويشهد له هذا الحديث وغيره (قلت) ويحتمل أن يكون
411

ذلك من تصرف الرواة فقد وقع في رواية أبي ذر عند مسلم بلفظ أشد بياضا من اللبن وكذا لابن
مسعود عند أحمد وكذا لأبي امامة عند ابن أبي عاصم (قوله وريحه أطيب من المسك) في حديث
ابن عمر عند الترمذي أطيب ريحا من المسك ومثله في حديث أبي أمامة عند ابن حبان رائحة وزاد
ابن أبي عاصم وابن أبي الدنيا في حديث بريدة وألين من الزبد وزاد مسلم من حديث أبي ذر وثوبان
وأحلى من العسل ومثله لأحمد عن أبي بن كعب وله عن أبي أمامة وأحلى مذاقا من العسل وزاد
أحمد في حديث ابن عمر ومن حديث ابن مسعود وأبرد من الثلج وكذا في حديث أبي برزة وعند
البزار من رواية عدي بن ثابت عن أنس ولأبي يعلى من وجه آخر عن أنس وعند الترمذي في
حديث ابن عمر وماؤه أشد بردا من الثلج (قوله وكيزانه كنجوم السماء) في حديث أنس الذي بعده
وفيه من الأباريق كعدة نجوم السماء ولأحمد من رواية الحسن عن أنس أكثر من عدد نجوم
السماء وفي حديث المستورد في أواخر الباب فيه الآنية مثل الكواكب ولمسلم من طريق موسى بن
عقبة عن نافع عن ابن عمر فيه أباريق كنجوم السماء (قوله من شرب منها) أي من الكيزان وفي رواية
الكشميهني من شرب منه أي من الحوض (فلا يظمأ أبدا) في حديث سهل بن سعد الآتي قريبا
من مر على شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا وفي رواية موسى بن عقبة من ورده فشرب لم يظمأ بعدها
أبدا وهذا يفسر المراد بقوله من مر به شرب أي من مر به فمكن من شربه فشرب لا يظمأ أو من مكن
من المرور به شرب وفي حديث أبي أمامة ولم يسود وجهه أبدا وزاد ابن أبي عاصم في حديث أبي
ابن كعب من صرف عنه لم يرو أبدا ووقع في حديث النواس بن سمعان عند ابن أبي الدنيا أول من يرد
عليه من يسقى كل عطشان * الحديث السابع (قوله يونس) هو ابن يزيد (قوله حدثني أنس)
هذا يدفع تعليل من أعله بأن ابن شهاب لم يسمعه من أنس لان أبا أويس رواه عن ابن شهاب عن
أخيه عبد الله بن مسلم عن أنس أخرجه ابن أبي عاصم وأخرجه الترمذي من طريق محمد بن عبد الله
ابن مسلم ابن أخي الزهري عن أبيه به والذي يظهر انه كان عند ابن شهاب عن أخيه عن أنس ثم
سمعه عن أنس فإن بين السياقين اختلافا وقد ذكر ابن أبي عاصم أسماء من رواه عن ابن شهاب عن
أنس بلا واسطة فزادوا على عشرة * الحديث الثامن حديث أنس من رواية قتادة عنه (قوله
بينا انا أسير في الجنة) تقدم تفسير سورة الكوثر ان ذلك كان ليلة أسري به وفي أواخر الكلام
على حديث الاسراء في أوائل الترجمة النبوية وظن الداودي ان المراد ان ذلك يكون يوم القيامة
فقال إن كان هذا محفوظا دل على أن الحوض الذي يدفع عنه أقوام غير النهر الذي في الجنة
أو يكون يراهم وهو داخل الجنة وهم من خارجها فيناديهم فيصرفون عنه وهو تكلف عجيب
يغني عنه ان الحوض الذي هو خارج الجنة يمد من النهر الذي هو داخل الجنة فلا اشكال أصلا
وقوله في آخره طيبه أو طينه شك هدبة هل هو بموحدة من الطيب أو بنون من الطين وأراد بذلك
أن أبا الوليد لم يشك في روايته انه بالنون وهو المعتمد وتقدم في تفسير سورة الكوثر من طريق
شيبان عن قتادة فاهوى الملك بيده فاستخرج من طينه مسكا أذفر وأخرج البيهقي في البعث من
طريق عبد الله بن مسلم عن أنس بلفظ ترابه مسك * الحديث التاسع حديث أنس أيضا من
رواية عبد العزيز وهو ابن صهيب عنه (قوله أصيحابي) بالتصغير وفي رواية الكشميهني أصحابي
بغير تصغير (قوله فيقول في رواية الكشميهني فيقال وقد ذكر شرح ما تضمنه في شرح حديث
412

ابن عباس * الحديث العاشر والحادي عشر حديث سهل بن سعد وأبي سعيد الخدري من
رواية أبي حازم عن سهل وعن النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد (قوله فأقول سحقا سحقا)
بسكون الحاء المهملة فيهما ويجوز ضمها ومعناه بعدا بعدا ونصب بتقدير ألزمهم الله ذلك (قوله
وقال ابن عباس سحقا بعدا) وصله ابن أبي حاتم من رواية علي بن أبي طلحة عنه بلفظه (قوله يقال
سحيق بعيد) هو كلام أبي عبيدة في تفسير قوله تعالى أو تهوى به الريح في مكان سحيق السحيق
البعيد والنخلة السحوق الطويلة (قوله سحقه وأسحقه أبعده) ثبت هذا في رواية الكشميهني
وهو من كلام أبي عبيدة أيضا قال يقال سحقه الله وأسحقه أي أبعده ويقال بعد وسحق إذا دعوا
عليه وسحقته الريح أي طردته وقال الإسماعيلي يقال سحقه إذا اعتمد عليه بشئ ففتنه وأسحقه
أبعده وقد تقدم شرح حديث ابن عباس في هذا في باب كيف الحشر * الحديث الثاني عشر
(قوله وقال أحمد بن شبيب الخ) وصله أبو عوانة عن أبي زرعة الرازي وأبي الحسن الميموني قالا
حدثنا أحمد بن شبيب به ويونس هو ابن يزيد نسبه أبو عوانة في روايته هذه وكذا أخرجه
الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طرق عن أحمد بن شبيب (قوله فيجلون) بضم أوله
وسكون الجيم وفتح اللام أي يصرفون وفي رواية الكشميهني بفتح الحاء المهملة وتشديد اللام
بعدها همزة مضمومة قبل الواو وكذا للأكثر ومعناه يطردون وحكى ابن التين ان بعضهم ذكره بغير
همزة قال وهو في الأصل مهموز فكأنه سهل الهمزة (قوله إنهم ارتدوا) هذا يوافق تفسير قبيصة
الماضي في باب كيف الحشر (قوله على أعقابهم) في رواية الإسماعيلي على أدبارهم (قوله وقال
شعيب) هو ابن أبي حمزة عن الزهري يعني بسنده وصله الذهلي في الزهريات وهو بسكون الجيم
أيضا وقيل بالخاء المعجمة المفتوحة بعدها لام ثقيلة وواو ساكنة وهو تصحيف (قوله وقال عقيل)
هو ابن خالد يعني عن ابن شهاب بسنده (يحلؤن) يعني بالحاء المهملة والهمز (قوله وقال الزبيدي)
هو محمد بن الوليد ومحمد بن علي شيخ الزهري فيه هو أبو جعفر الباقر وشيخه عبيد الله هو ابن أبي
رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الجياني انه وقع في رواية القابسي والأصيلي عن المروزي
عبد الله بن أبي رافع بسكون الموحدة وهو خطأ وفي السند ثلاثة من التابعين مدنيون في نسق
فالزهري والباقر قرينان وعبيد الله أكبر منهما وطريق الزبيدي المشار إليها وصلها الدارقطني
في الافراد من رواية عبد الله بن سالم عنه كذلك ثم ساق المصنف الحديث من طريق ابن وهب عن
يونس مثل رواية شبيب عن يونس لكن لم يسم أبا هريرة بل قال عن أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم وحاصل الاختلاف ان ابن وهب وشبيب بن سعيد اتفقا في روايتهما عن يونس عن ابن
شهاب عن سعيد بن المسيب ثم اختلفا فقال ابن سعيد عن أبي هريرة وقال ابن وهب عن أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لا يضر لان في رواية ابن وهب زيادة على ما يقتضيه رواية ابن سعيد
وأما رواية عقيل وشعيب فإنما تخالفتا في بعض اللفظ وخالف الجميع الزبيدي في السند فيحمل
على أنه كان عند الزهري بسندين فإنه حافظ وصاحب حديث ودلت رواية الزبيدي على أن شبيب
ابن سعيد حفظ فيه أبا هريرة وقد أعرض مسلم عن هذه الطرق كلها وأخرج من طريق محمد بن
413

زياد عن أبي هريرة رفعه اني لأذود عن حوضي رجالا كما تذاد الغريبة عن الإبل وأخرجه من وجه
آخر عن أبي هريرة في أثناء حديث وهذا المعنى لم يخرجه البخاري مع كثرة ما أخرج من الأحاديث
في ذكر الحوض والحكمة في الذود المذكور انه صلى الله عليه وسلم يريد أن يرشد كل أحد إلى
حوض نبيه على ما تقدم ان لكل نبي حوضا وانهم يتباهون بكثرة من يتبعهم فيكون ذلك من
جملة انصافه ورعاية إخوانه من النبيين لا انه يطردهم بخلا عليهم بالماء ويحتمل انه يطرد من
لا يستحق الشرب من الحوض والعلم عند الله تعالى * الحديث الثالث عشر حديث أبي هريرة
أيضا أخرجه من رواية فليح بن سليمان عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عنه ورجال سنده كلهم
مدنيون وقد ضاق مخرجه على الإسماعيلي وأبي نعيم وسائر من استخرج على الصحيح فأخرجوه من
عدة طرق عن البخاري عن إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح عن أبيه (قوله بينا انا نائم) كذا بالنون
للأكثر وللكشميهني قائم بالقاف وهو أوجه والمراد به قيامه على الحوض يوم القيامة وتوجه الأولى
بأنه رأى في المنام في الدنيا ما سيقع له في الآخرة (قوله ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني
وبينهم فقال هلم) المراد بالرجل الملك الموكل بذلك ولم أقف على اسمه (قوله إنهم ارتدوا القهقرى)
أي رجعوا إلى خلف ومعنى قولهم رجع القهقرى رجع الرجوع المسمى بهذا الاسم وهو رجوع
مخصوص وقيل معناه العدو الشديد (قوله فلا أراه يخلص منهم الا مثل همل النعم) يعني من
هؤلاء الذين دنوا من الحوض وكادوا يردونه فصدوا عنه والهمل بفتحتين الإبل بلا راع وقال
الخطابي الهمل مالا يرعى ولا يستعمل ويطلق على الضوال والمعنى انه لا يرده منهم الا القليل لان
الهمل في الإبل قليل بالنسبة لغيره * الحديث الرابع عشر حديث أبي هريرة أيضا ما بين بيتي
ومنبري وفيه ومنبري على حوضي تقدم شرحه في أواخر الحج والمراد بتسمية ذلك الموضع
روضة ان تلك البقعة تنقل إلى الجنة فتكون روضة من رياضها أوانه على المجاز لكون العبادة فيه
تؤل إلى دخول العابد روضة الجنة وهذا فيه نظر إذ لا اختصاص لذلك بتلك البقعة والخبر مسوق
لمزيد شرف تلك البقعة على غيرها وقيل فيه تشبيه محذوف الأداة أي هو كروضة لان من يقعد
فيها من الملائكة ومؤمني الإنس والجن يكثرون الذكر وسائر أنواع العبادة وقال الخطابي المراد
من هذا الحديث الترغيب في سكنى المدينة وان من لازم ذكر الله في مسجدها آل به إلى روضة
الجنة وسقى يوم القيامة من الحوض * الحديث الخامس عشر حديث جندب وعبد الملك راويه
عنه هو ابن عمير الكوفي والفرط بفتح الفاء والراء السابق * الحديث السادس عشر (قوله يزيد)
هو ابن أبي حبيب وأبو الخير هو مرثد بن عبد الله اليزني وعقبة بن عامر هو الجهني وقد مر شرحه
في كتاب الجنائز فيما يتعلق بالصلاة على الشهداء وفي علامات النبوة فيما يتعلق بذلك وقد تقدم
الكلام على المنافسة في شرح حديث أبي سعيد في أوائل كتاب الرقاق هذا (قوله والله اني لأنظر
إلى حوضي الان) يحتمل انه كشف له عنه لما خطب وهذا هو الظاهر ويحتمل أن يريد رؤية القلب
وقال ابن التين النكتة في ذكره عقب التحذير الذي قبله انه يشير إلى تحذيرهم من فعل ما يقتضي
ابعادهم عن الحوض وفي الحديث عدة أعلام من أعلام النبوة كما سبق * الحديث السابع عشر
(قوله معبد بن خالد) هو الجدلي بفتح الجيم والمهملة من ثقات الكوفيين ولهم معبد بن خالد
414

اثنان غيره أحدهما أكبر منه وهو صحابي جهني والاخر أصغر منه وهو أنصاري مجهول (قوله
حارثة بن وهب) هو الخزاعي صحابي نزل الكوفة له أحاديث وكان أخا عبيد الله بالتصغير بن عمر بن
الخطاب لامه (قوله كما بين المدينة وصنعاء) قال ابن التين يريد صنعاء الشام (قلت) ولا بعد
في حمله على المتبادر وهو صنعاء اليمن لما تقدم توجيهه وقد تقدم في الحديث الخامس التقييد
بصنعاء اليمن فليحمل المطلق عليه ثم قال يحتمل أن يكون ما بين المدينة وصنعاء الشام قدر ما بينها
وصنعاء اليمن وقدر ما بينها وبين أيلة وقدر ما بين جرباء وأذرح انتهى وهو احتمال مردود فإنها
متفاوتة الا ما بين المدينة وصنعاء وبينها وصنعاء الأخرى والله أعلم * الحديث الثامن عشر
(قوله وزاد ابن أبي عدى) هو محمد بن إبراهيم وأبو غدي جده لا يعرف اسمه ويقال بل هي كنية
أبيه إبراهيم وهو بصري ثقة كثير الحديث وقد وصله مسلم والإسماعيلي من طريقه (قوله
سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال حوضه) كذا لهم وفيه الثقات ووقع في رواية مسلم حوضي
(قوله فقال له المستورد) بضم الميم وسكون المهملة وفتح المثناة بعدها واو ساكنة ثم راء مكسورة
ثم مهملة هو ابن شداد بن عمرو بن حسل بكسر أوله وسكون ثانيه واهمالهما ثم لام القرشي
الفهري صحابي ابن صحابي شهد فتح مصر وسكن الكوفة ويقال مات سنة خمس وأربعين وليس له
في البخاري الا هذا الموضع وحديثه مرفوع وان لم يصرح به وقد تقدم البحث فيما زاده من ذكر
الأواني في شرح الحديث السادس عشر * الحديث التاسع عشر (قوله عن أسماء بنت
أبي بكر) جمع مسلم بين حديث ابن أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو وحديثه عن أسماء فقدم
ذكر حديث عبد الله بن عمرو في صفة الحوض ثم قال بعد قوله لم يظمأ بعدها أبدا قال وقالت أسماء
بنت أبي بكر فذكره (قوله وسيؤخذ ناس دوني) هو مبين لقوله في حديث ابن مسعود في أوائل
الباب ثم ليختلجن دوني وأن المراد طائفة منهم (قوله فأقول يا رب مني ومن أمتي) فيه دفع لقول
من حملهم على غير هذه الأمة (قوله هل شعرت ما عملوا بعدك) فيه إشارة إلى أنه لم يعرف
أشخاصهم بأعيانها وإن كان قد عرف انهم من هذه الأمة بالعلامة (قوله ما برحوا يرجعون
على أعقابهم) أي يرتدون كما في حديث الآخرين (قوله قال ابن أبي مليكة) هو موصول
بالسند المذكور فقد أخرجه مسلم بلفظ قال فكان ابن أبي مليكة يقول (قوله أن نرجع
على أعقابنا أو نفتن عن ديننا) أشار بذلك إلى أن الرجوع على العقب كناية عن مخالفة الامر
الذي تكون الفتنة سببه فاستعاذ منهما جميعا (قوله على أعقابكم تنكصون ترجعون على
العقب) هو تفسير أبي عبيدة للآية وزاد نكص رجع على عقبيه (تنبيه) أخرج مسلم
والإسماعيلي هذا الحديث عقب حديث عبد الله بن عمرو وهو الخامس وكأن البخاري آخر
حديث أسماء إلى آخر الباب لما في آخره من الإشارة الآخرية الدالة على الفراغ كما جرى
بالاستقراء من عادته انه يختم كل كتاب بالحديث الذي تكون فيه الإشارة إلى ذلك بأي لفظ اتفق
والله أعلم (خاتمة) اشتمل كتاب الرقاق من الأحاديث المرفوعة على مائة وثلاثة وتسعين حديثا
المعلق منها ثلاثة وثلاثون طريقا والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى مائة وأربعة
وثلاثون والخالص تسعة وخمسون وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث ابن عمر كن
في الدنيا كأنك غريب وحديث ابن مسعود في الخط وكذا حديث أنس فيه وحديث أبي بن
415

كعب في نزول ألهاكم التكاثر وحديث ابن مسعود أيكم مال وارثه أحب إليه وحديث أبي
هريرة أعذر الله إلى امرئ وحديثه الجنة أقرب إلى أحدكم وحديثه ما لعبدي المؤمن إذا قبضت
صفيه وحديث عبد الله بن الزبير لو كان لابن آدم واد من ذهب وحديث سهل بن سعد من يضمن
لي وحديث أنس انكم لتعملون أعمالا وحديث أبي هريرة من عادى لي وليا وحديثه بعثت
أنا والساعة كهاتين وحديثه في بعث النار وحديث عمران في الجهنميين وحديث أبي هريرة
لا يدخل أحد الجنة الا أري مقعده وحديث عطاء بن يسار عن أبي هريرة فيمن يدفع عن الحوض
فإن فيه زيادات ليست عند مسلم وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم سبعة عشر أثرا والله
سبحانه وتعالى أعلم
(قوله بسم الله الرحمن الرحيم)
(كتاب القدر)
زاد أبو ذر عن المستملي باب في القدر وكذا للأكثر دون قوله كتاب القدر والقدر بفتح القاف
والمهملة قال الله تعالى انا كل شئ خلقنا بقدر قال الراغب القدر بوضعه يدل على القدرة وعلى
المقدور الكائن بالعلم ويتضمن الإرادة عقلا والقول نقلا وحاصله وجود شئ في وقت وعلى حال
بوفق العلم والإرادة والقول وقدر الله الشئ بالتشديد قضاه ويجوز بالتخفيف وقال ابن القطاع قدر
الله الشئ جعله بقدر والرزق صنعه وعلى الشئ ملكه ومضى في باب التعوذ من جهد البلاء في كتاب
الدعوات ما قال ابن بطال في التفرقة بين القضاء والقدر وقال الكرماني المراد بالقدر حكم الله
وقالوا أي العلماء القضاء هو الحكم الكلي الاجمالي في الأزل والقدر جزئيات ذلك الحكم
وتفاصيله وقال أبو المظفر بن السمعاني سبيل معرفة هذا الباب التوقيف من الكتاب والسنة
دون محض القياس والعقل فمن عدل عن التوقيف فيه ضل وتاه في بحار الحيرة ولم يبلغ شفاء العين
ولا ما يطمئن به القلب لان القدر سر من أسرار الله تعالى اختص العليم الخبير به وضرب دونه
الأستار وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم لما علمه من الحكمة فلم يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب
وقيل إن سر القدر ينكشف لهم إذا دخلوا الجنة ولا ينكشف لهم قبل دخولها انتهى وقد
أخرج الطبراني بسند حسن من حديث ابن مسعود رفعه إذا ذكر القدر فأمسكوا وأخرج
مسلم من طريق طاوس أدركت ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون كل شئ
بقدر وسمعت عبد الله بن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شئ بقدر حتى العجز
والكيس (قلت) والكيس بفتح الكاف ضد العجز ومعناه الحذق في الأمور ويتناول أمور
الدنيا والآخرة ومعناه ان كل شئ لا يقع في الوجود الا وقد سبق به علم الله ومشيئته وانما جعلهما
في الحديث غاية لذلك للإشارة إلى أن أفعالنا وإن كانت معلومة لنا ومرادة منا فلا تقع مع ذلك
منا الا بمشيئة الله وهذا الذي ذكره طاوس مرفوعا وموقوفا مطابق لقوله تعالى انا كل شئ
خلقناه بقدر فإن هذه الآية نص في أن الله خالق كل شئ ومقدره وهو أنص من قوله تعالى خالق
كل شئ وقوله تعالى والله خلقكم وما تعملون واشتهر على ألسنة السلف والخلف ان هذه الآية
نزلت في القدرية وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة جاء مشركو قريش يخاصمون النبي
صلى الله عليه وسلم في القدر فنزلت وقد تقدم في الكلام على سؤال جبريل في كتاب الايمان
416

شئ من هذا وان الايمان بالقدر من أركان الايمان وذكر هناك بيان مقالة القدرية بما
أغنى عن اعادته ومذهب السلف قاطبة أن الأمور كلها بتقدير الله تعالى كما قال تعالى وان
من شئ الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم وقد ذكر في هذا الباب حديثين * الأول
(قوله أبو الوليد) هو الطيالسي (قوله أنبأني سليمان الأعمش) سيأتي في التوحيد من رواية آدم
عن شعبة بلفظ حدثنا الأعمش ويؤخذ منه أن التحديث والأنباء عند شعبة بمعنى واحد ويظهر به
غلط من نقل عن شعبة أنه يستعمل الانباء في الإجازة لكونه صرح بالتحديث ولثبوت النقل
عنه انه لا يعتبر الإجازة ولا يروى بها (قوله عن عبد الله) هو ابن مسعود ووقع في رواية آدم أيضا
سمعت عبد الله بن مسعود (قوله حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق)
قال الطيبي يحتمل أن تكون الجملة حالية ويحتمل أن تكون اعتراضية وهو أولى لتعم الأحوال
كلها وان ذلك من دأبه وعادته والصادق معناه المخبر بالقول الحق ويطلق على الفعل يقال
صدق القتال وهو صادق فيه والمصدوق معناه الذي يصدق له في القول يقال صدقته الحديث
إذا أخبرته به اخبارا جازما أو معناه الذي صدقه الله تعالى وعده وقال الكرماني لما كان مضمون
الخبر أمرا مخالفا لما عليه الأطباء أشار بذلك إلى بطلان ما ادعوه ويحتمل أنه قال ذلك تلذذا به
وتبركا وافتخارا ويؤيده وقوع هذا اللفظ بعينه في حديث أنس ليس فيه إشارة إلى بطلان شئ
يخالف ما ذكر وهو ما أخرجه أبو داود من حديث المغيرة بن شعبة سمعت الصادق المصدوق يقول
لا تنزع الرحمة الا من شقي ومضى في علامات النبوة من حديث أبي هريرة سمعت الصادق
المصدوق يقول هلاك أمتي على يدي أغيلمة من قريش وهذا الحديث اشتهر عن الأعمش بالسند
المذكور هنا قال علي بن المديني في كتاب العلل كنا نظن أن الأعمش تفرد به حتى وجدناه من رواية
سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب (قلت) وروايته عند أحمد والنسائي ورواه حبيب بن حسان عن
زيد بن وهب أيضا وقع لنا في الحلية ولم ينفرد به زيد عن ابن مسعود بل رواه عنه أبو عبيدة بن
عبد الله بن مسعود عند أحمد وعلقمة عند أبي يعلى وأبو وائل في فوائد تمام ومخارق بن سليم وأبو
عبد الرحمن السلمي كلاهما عند الفريابي في كتاب القدر وأخرجه أيضا من رواية طارق ومن
رواية أبي الأحوص الجشمي كلاهما عن عبد الله مختصرا وكذا لأبي الطفيل عند مسلم وناجية
ابن كعب في فوائد العيسوي وخيثمة بن عبد الرحمن عند الخطابي وابن أبي حاتم ولم يرفعه
بعض هؤلاء عن ابن مسعود ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مع ابن مسعود جماعة من
الصحابة مطولا ومختصرا منهم أنس وقد ذكر عقب هذا وحذيفة بن أسيد عند مسلم وعبد الله بن
عمر في القدر لابن وهب وفي أفراد الدارقطني وفي مسند البزار من وجه آخر ضعيف والفريابي
بسند قوي وسهل بن سعد وسيأتي في هذا الكتاب وأبو هريرة عند مسلم وعائشة عند أحمد بسند
صحيح وأبو ذر عند الفريابي ومالك بن الحويرث عند أبي نعيم في الطب والطبراني ورباح اللخمي
عند ابن مردويه في التفسير وابن عباس في فوائد المخلص من وجه ضعيف وعلي في الأوسط
للطبراني من وجه ضعيف و عبد الله بن عمرو في الكبير بسند حسن والعرس بن عميرة عند البزار
بسند جيد وأكثم بن أبي الجون عند الطبراني وابن منده بسند حسن وجابر عند الفريابي وقد
أشار الترمذي في الترجمة إلى أبي هريرة وأنس فقط وقد أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن بضع
أو عشرين نفسا من أصحاب الأعمش منهم من اقرانه سليمان التيمي وجرير بن حازم وخالد الحذاء
417

ومن طبقة شعبة الثوري وزائدة وعمار بن زريق وأبو خيثمة ومما لم يقع لأبي عوانة رواية شريك
عن الأعمش وقد أخرجها النسائي في التفسير ورواية ورقاء بن عمر ويزيد بن عطاء وداود بن عيسى
أخرجها تمام وكنت خرجته في جزء من طرق نحو الأربعين نفسا عن الأعمش فغاب عني الان
ولو أمعنت التتبع لزادوا على ذلك (قوله إن أحدكم) قال أبو البقاء في اعراب المسند لا يجوز في أن
الا الفتح لأنه مفعول حدثنا فلو كسر لكان منقطعا عن قوله حدثنا وجزم النووي في شرح مسلم بأنه
بالكسر على الحكاية وجوز الفتح وحجة أبي البقاء ان الكسر على خلاف الظاهر ولا يجوز
العدول عنه الا لمانع ولو جاز من غير أن يثبت به النقل لجاز في مثل قوله تعالى أيعدكم انكم إذا متم
وقد اتفق القراء على انها بالفتح وتعقبه الخوبي بأن الرواية جاءت بالفتح وبالكسر فلا معنى للرد
(قلت) وقد جزم ابن الجوزي بأنه في الرواية بالكسر فقط قال الخوبي ولو لم تجئ به الرواية لما
امتنع جوازا على طريق الرواية بالمعنى وأجاب عن الآية بأن الوعد مضمون الجملة وليس
بخصوص لفظها فلذلك اتفقوا على الفتح فإما هنا فالتحديث يجوز أن يكون بلفظه وبمعناه
(قوله يجمع في بطن أمه) كذا لأبي ذر عن شيخيه وله عن الكشميهني ان خلق أحدكم يجمع في
بطن أمه وهي رواية آدم في التوحيد وكذا للأكثر عن الأعمش وفي رواية أبي الأحوص عنه ان
أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه وكذا لأبي معاوية ووكيع وابن نمير وفي رواية ابن فضيل ومحمد بن
عبيد عند ابن ماجة أنه يجمع خلق أحدكم في بطن أمه وفي رواية شريك مثل آدم لكن قال ابن
آدم بدل أحدكم والمراد بالجمع ضم بعضه إلى بعض بعد الانتشار وفي قوله خلق تعبير بالمصدر عن
الجثة وحمل على أنه بمعنى المفعول كقولهم هذا درهم ضرب الأمير أي مضروبه أو على حذف
مضاف أي ما يقوم به خلق أحدكم أو أطلق مبالغة كقوله * وانما هي إقبال وادبار * جعلها نفس
الاقبال والادبار لكثرة وقوع ذلك منها قال القرطبي في المفهم المراد أن المنى يقع في الرحم حين
انزعاجه بالقوة الشهوانية الدافعة مبثوثا متفرقا فيجمعه الله في محل الولادة من الرحم (قوله
ربعين يوما) زاد في رواية آدم أو أربعين ليلة وكذا لأكثر الرواة عن شعبة بالشك وفي رواية يحيى
القطان ووكيع وجرير وعيسى بن يونس أربعين يوما بغير شك وفي رواية سلمة بن كهيل أربعين
ليلة بغير شك ويجمع بأن المراد يوم بليلته أو ليلة بيومها ووقع عند أبي عوانة من رواية وهب بن
جرير عن شعبة مثل رواية آدم لكن زاد نطفة بين قوله أحدكم وبين قوله أربعين فبين أن الذي
يجمع هو النطفة والمراد بالنطفة المني وأصله الماء الصافي القليل والأصل في ذلك أن ماء الرجل
إذا لاقي ماء المرأة بالجماع وأراد الله أن يخلق من ذلك جنينا هيأ أسباب ذلك لان في رحم المرأة
قوتين قوة انبساط عند ورود مني الرجل حتى ينتشر في جسد المرأة وقوة انقباض بحيث لا يسيل
من فرجها مع كونه منكوسا ومع كون المنى ثقيلا بطبعه وفي مني الرجل قوة الفعل وفي مني
المرأة قوة الانفعال فعند الامتزاح يصير مني الرجل كالانفحة للبن وقيل في كل منهما قوة فعل
وانفعال لكن الأول في الرجل أكثر وبالعكس في المرأة وزعم كثير من أهل التشريح ان مني
الرجل لا أثر له في الولد الا في عقده وانه انما يتكون من دم الحيض وأحاديث الباب تبطل ذلك
وما ذكر أولا أقرب إلى موافقة الحديث والله أعلم قال ابن الأثير في النهاية يجوز أن يريد بالجمع
مكث النطفة في الرحم أي تمكث النطفة أربعين يوما تخمر فيه حتى تتهيأ للتصوير ثم تخلق بعد
418

ذلك وقيل إن ابن مسعود فسره بأن النطفة إذا وقعت في الرحيم فأراد الله أن يخلق منها بشرا
طارت في جسد المرأة تحت كل ظفر وشعر ثم تمكث أربعين يوما ثم تنزل دما في الرحم فذلك جمعها
(قلت) هذا التفسير ذكره الخطابي وأخرجه ابن أبي حاتم في التفسير من رواية الأعمش أيضا عن
خيثمة بن عبد الرحمن عن ابن مسعود وقوله فذلك جمعها كلام الخطابي أو تفسير بعض رواة
حديث الباب وأظنه الأعمش فظن ابن الأثير انه تتمة كلام ابن مسعود فأدرجه فيه ولم يتقدم عن
ابن مسعود في رواية خيثمة ذكر الجمع حتى يفسره وقد رجح الطيبي هذا التفسير فقال الصحابي أعلم
بتفسير ما سمع وأحق بتأويله وأولى بقبول ما يتحدث به وأكثر احتياطا في ذلك من غيره فليس
لمن بعده ان يتعقب كلامه (قلت) وقد وقع في حديث مالك بن الحويرث رفعه ما ظاهره يخالف
التفسير المذكور ولفظه إذا أراد الله خلق عبد فجامع الرجل المرأة طار ماؤه في كل عرق وعضو
منها فإذا كان يوم السابع جمعه الله ثم أحضره كل عرق له دون آدم في أي صورة ما شاء ركبه وفي
لفظ ثم تلا في أي صورة ما شاء ركبك وله شاهد من حديث رباح اللخمي لكن ليس فيه ذكر يوم
السابع وحاصله أن في هذا زيادة تدل على أن الشبه يحصل في اليوم السابع وأن فيه ابتداء
جمع المني وظاهر الروايات الأخرى أن ابتداء جمعه من ابتداء الأربعين وقد وقع في رواية عبد الله
ابن ربيعة عن ابن مسعود أن النطفة التي تقضى منها النفس إذا وقعت في الرحم كانت في الجسد
أربعين يوما ثم تحادرت دما فكانت علقة وفي حديث جابر أن النطفة إذا استقرت في الرحم
أربعين يوما أو ليلة أذن الله في خلقها ونحوه في حديث عبد الله بن عمرو وفي حديث حذيفة بن
أسيد من رواية عكرمة بن خالد عن أبي الطفيل عنه أن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة ثم يتسور
عليها الملك وكذا في رواية يوسف المكي عن أبي الطفيل عند الفريابي وعنده وعند مسلم من رواية
عمرو بن الحارث عن أبي الزبير عن أبي الطفيل إذا مر بالنطفة ثلاث وأربعون وفي نسخة ثنتان
وأربعون ليلة وفي رواية ابن جريج عن أبي الزبير عند أبي عوانة ثنتان وأربعون وهي عند مسلم
لكن لم يسق لفظها قال مثل عمرو بن الحارث وفي رواية ربيعة بن كلثوم عن أبي الطفيل عند
مسلم أيضا إذا أراد الله أن يخلق شيئا يأذن له لبضع وأربعين ليلة وفي رواية عمرو بن دينار عن أبي
الطفيل يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين وهكذا رواه
ابن عيينة عن عمرو عند مسلم ورواه الفريابي من طريق محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو فقال خمسة
وأربعين ليلة فجزم بذلك فحاصل الاختلاف أن حديث ابن مسعود لم يختلف في ذكر الأربعين
وكذا في كثير من الأحاديث وغالبها كحديث أنس ثاني حديثي الباب لا تحديد فيه وحديث
حذيفة بن أسيد اختلفت ألفاظ نقلته فبعضهم جزم بالأربعين كما في حديث ابن مسعود
وبعضهم زاد ثنتين أو ثلاثا أو خمسا أو بضعا ثم منهم من جزم ومنهم من تردد وقد جمع بينها
القاضي عياض بأنه ليس في رواية ابن مسعود بأن ذلك يقع عند انتهاء الأربعين الأولى وابتداء
الأربعين الثانية بل أطلق الأربعين فاحتمل ان يريد ان ذلك يقع في أوائل الأربعين الثانية ويحتمل
أن يجمع الاختلاف في العدد الزائد على أنه بحسب اختلاف الأجنة وهو جيد لو كانت مخارج
الحديث مختلفة لكنها متحدة وراجعة إلى أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد فدل على أنه لم يضبط
القدر الزائد على الأربعين والخطب فيه سهل وكل ذلك لا يدفع الزيادة التي في حديث مالك بن
419

الحويرث في إحضار الشبه في اليوم السابع وان فيه يبتدئ الجمع بعد الانتشار وقد قال ابن منده
انه حديث متصل على شرط الترمذي والنسائي واختلاف الألفاظ بكونه في البطن وبكونه في
الرحم لا تأثير له لأنه في الرحم حقيقة والرحم في البطن وقد فسروا قوله تعالى في ظلمات ثلاث بأن
المراد ظلمة المشيمة وظلمة الرحم وظلمة البطن فالمشيمة في الرحم والرحم في البطن (قوله ثم علقة مثل
ذلك) في رواية آدم ثم تكون علقة مثل ذلك وفي رواية مسلم ثم تكون في ذلك علقة مثل ذلك
وتكون هنا بمعنى تصير ومعناه انها تكون بتلك الصفة مدة الأربعين ثم تنقلب إلى الصفة التي
تليها ويحتمل أن يكون المراد تصيرها شيئا فشيئا فيخالط الدم النطفة في الأربعين الأولى بعد
انعقادها وامتدادها وتجري في أجزائها شيئا فشيئا حتى تتكامل علقة في أثناء الأربعين ثم
يخالطها اللحم شيئا فشيئا إلى أن تشتد فتصير مضغة ولا تسمى علقة قبل ذلك ما دامت نطفة وكذا
ما بعد ذلك من زمان العلقة والمضغة وأما ما أخرجه أحمد من طريق أبي عبيدة قال قال عبد الله
رفعه ان النطفة تكون في الرحم أربعين يوما على حالها لا تتغير ففي سنده ضعف وانقطاع فإن كان
ثابتا حمل نفي التغير على تمامه أي لا تنتقل إلى وصف العلقة الا بعد تمام الأربعين ولا ينفي
ان المني يستحيل في الأربعين الأولى دما إلى أن يصير علقة انتهى وقد نقل الفاضل علي بن المهذب
الحموي الطبيب اتفاق الأطباء على أن خلق الجنين في الرحم يكون في نحو الأربعين وفيها تتميز
أعضاء الذكر دون الأنثى لحرارة مزاجه وقواه وأعيد إلى قوام المنى الذي تتكون أعضاؤه منه
ونضجه فيكون أقبل للشكل والتصوير ثم يكون علقة مثل ذلك والعلقة قطعة دم جامد قالوا
ويكون حركة الجنين في ضعف المدة التي يخلق فيها ثم يكون مضغة مثل ذلك أي لحمة صغيرة وهي
الأربعون الثالثة فتحرك قال واتفق العلماء على أن نفخ الروح لا يكون الا بعد أربعة أشهر
وذكر الشيخ شمس الدين ابن القيم ان داخل الرحم خشن كالسفنج وجعل فيه قبولا للمنى كطلب
الأرض العطشى للماء فجعله طالبا مشتاقا إليه بالطبع فلذلك يمسكه ويشتمل عليه ولا يزلقه بل
ينضم عليه لئلا يفسده الهواء فيأذن الله لملك الرحم في عقده وطبخه أربعين يوما وفي تلك
الأربعين يجمع خلقه قالوا إن المنى إذا اشتمل عليه الرحم ولم يقذفه استدار على نفسه واشتد
إلى تمام ستة أيام فينقط فيه ثلاث نقط في مواضع القلب والدماغ والكبد ثم يظهر فيما بين تلك
النقط خطوط خمسة إلى تمام ثلاثة أيام ثم تنفذ الدموية فيه إلى تمام خمسة عشر فتتميز الأعضاء
الثلاثة ثم تمتد رطوبة النخاع إلى تمام اثني عشر يوما ثم تنفصل الرأس عن المنكبين والأطراف
عن الضلوع والبطن عن الجنين في تسعة أيام ثم يتم هذا التمييز بحيث يظهر للحس في أربعة أيام
فيكمل أربعين يوما فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم يجمع خلقه في أربعين يوما وفيه تفصيل
ما أجمل فيه ولا ينافي ذلك قوله ثم تكون علقة مثل ذلك فان العلقة وإن كانت قطعة دم لكنها في
هذه الأربعين الثانية تنتقل عن صورة المني ويظهر التخطيط فيها ظهورا خفيا على التدريج ثم
يتصلب في أربعين يوما يتزايد ذلك التخليق شيئا فشيئا حتى يصير مضغة مخلقة ويظهر للحس ظهورا
لاخفاء به وعند تمام الأربعين الثالثة والطعن في الأربعين الرابعة ينفخ فيه الروح كما وقع في هذا
الحديث الصحيح وهو ما لا سبيل إلى معرفته الا بالوحي حتى قال كثير من فضلاء الأطباء وحذاق
الفلاسفة انما يعرف ذلك بالتوهم والظن البعيد واختلفوا في النقطة الأولى أيها أسبق والأكثر
420

نقط القلب وقال قوم أول ما يخلق منه السرة لان حاجته من الغذاء أشد من حاجته إلى آلات
قواه فإن من السرة ينبعث الغذاء والحجب التي على الجنين في السرة كأنها مربوط بعضها ببعض
والسرة في وسطها ومنها يتنفس الجنين ويتربى وينجذب غذاؤه منها (قوله ثم يكون مضغة مثل
ذلك) في رواية آدم مثله وفي رواية مسلم كما قال في العلقة والمراد مثل مدة الزمان المذكور في
الاستحالة والعلقة الدم الجامد الغليظ سمي بذلك للرطوبة التي فيه وتعلقه بما مر به والمضغة
قطعة اللحم سميت بذلك لأنها قدر ما يمضغ الماضغ (قوله ثم يبعث الله ملكا) في رواية الكشميهني
ثم يبعث إليه ملك وفي رواية آدم كالكشميهني لكن قال الملك ومثله لمسلم بلفظ ثم يرسل الله
واللام فيه للعهد والمراد به عهد مخصوص وهو جنس الملائكة الموكلين بالارحام كما ثبت في رواية
حذيفة بن أسيد من رواية ربيعة بن كلثوم أن ملكا موكلا بالرحم ومن رواية عكرمة بن خالد ثم
يتسور عليها الملك الذي يخلقها وهو بتشديد اللام وفي رواية أبي الزبير عند الفريابي أتى ملك
الأرحام وأصله عند مسلم لكن بلفظ بعث الله ملكا وفي حديث ابن عمر إذا أراد الله أن يخلق
النطفة قال ملك الأرحام وفي ثاني حديثي الباب عن أنس وكل الله بالرحم ملكا وقال الكرماني
إذا ثبت أن المراد بالملك من جعل إليه أمر تلك الرحم فكيف يبعث أو يرسل وأجاب بأن المراد ان
الذي يبعث بالكلمات غير الملك الموكل بالرحم الذي يقول يا رب نطفة الخ ثم قال ويحتمل أن يكون
المراد بالبعث انه يؤمر بذلك (قلت) وهو الذي ينبغي ان يعول عليه وبه جزم القاضي عياض وغيره
وقد وقع في رواية يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن الأعمش إذا استقرت النطفة في الرحم أخذها
الملك بكفه فقال أي رب أذكر أو أنثى الحديث وفيه فيقال انطلق إلى أم الكتاب فإنك تجد قصة
هذه النطفة فينطلق فيجد ذلك فينبغي ان يفسر الارسال المذكور بذلك واختلف في أول
ما يتشكل من أعضاء الجنين فقيل قلبه لأنه الأساس وهو معدن الحركة الغريزية وقيل الدماغ
لأنه مجمع الحواس ومنه ينبعث وقيل الكبد لان فيه النمو والاغتذاء الذي هو قوام البدن ورجحه
بعضهم بأنه مقتضى النظام الطبيعي لان النمو هو المطلوب أولا ولا حاجة له حينئذ إلى حس ولا
حركة إرادية لأنه حينئذ بمنزلة النبات وانما يكون له قوة الحس والإرادة عند تعلق النفس به
فيقدم الكبد ثم القلب ثم الدماغ (قوله فيؤمر بأربعة) في رواية الكشميهني بأربع والمعدود
إذا أبهم جاز تذكيره وتأنيثه والمعنى انه يؤمر بكتب أربعة أشياء من أحوال الجنين وفي رواية
آدم فيؤمر بأربع كلمات وكذا للأكثر والمراد بالكلمات القضايا المقدرة وكل قضية تسمى كلمة
(قوله برزقه وأجله وشقي أو سعيد) كذا وقع في هذه الرواية ونقص منها ذكر العمل وبه تتم
الأربع وثبت قوله وعمله في رواية آدم وفي رواية أبي الأحوص عن الأعمش فيؤمر بأربع كلمات
ويقال له اكتب فذكر الأربع وكذا لمسلم والأكثر وفي رواية لمسلم أيضا فيؤمر بأربع كلمات
بكتب رزقه الخ وضبط بكتب بوجهين أحدهما بموحدة مكسورة وكاف مفتوحة ومثناة ساكنة
ثم موحدة على البدل والاخر بتحتانية مفتوحة بصيغة الفعل المضارع وهو أوجه لأنه وقع في
رواية آدم فيؤذن بأربع كلمات فيكتب وكذا في رواية أبي داود وغيره وقوله شقي أو سعيد بالرفع
خبر مبتدأ محذوف وتكلف الخوبي في قوله أنه يؤمر بأربع كلمات فيكتب منها ثلاثا والحق ان
ذلك من تصرف الرواة والمراد انه يكتب لكل أحد اما السعادة واما الشقاء ولا يكتبهما لواحد
421

معا وان أمكن وجودهما منه لان الحكم إذا اجتمعا للأغلب وإذا ترتبا فللخاتمة فلذلك اقتصر
على أربع والا لقال خمس والمراد من كتابة الرزق تقديره قليلا أو كثيرا وصفته حراما أو حلالا
وبالأجل هل هو طويل أو قصير وبالعمل هو صالح أو فاسد ووقع لأبي داود من رواية شعبة
والثوري جميعا عن الأعمش ثم يكتب شقيا أو سعيدا ومعنى قوله شقي أو سعيد ان الملك يكتب
إحدى الكلمتين كان يكتب مثلا أجل هذا الجنين كذا ورزقه كذا وعمله كذا وهو شقي باعتبار
ما يختم له وسعيد باعتبار ما يختم له كما دل عليه بقية الخبر وكان ظاهر السياق أن يقول ويكتب
شقاوته وسعادته لكن عدل عن ذلك لان الكلام مسوق إليهما والتفصيل وارد عليهما أشار
إلى ذلك الطيبي ووقع في حديث أنس ثاني حديثي الباب ان الله وكل بالرحم ملكا فيقول أي رب
أذكر أو أنثى وفي حديث عبد الله بن عمرو إذا مكثت النطفة في الرحم أربعين ليلة جاءها ملك فقال
أخلق يا أحسن الخالقين فيقضي الله ما شاء ثم يدفع إلى الملك فيقول يا رب أسقط أم تام فيبين له ثم
يقول أواحد أم توأم فيبين له فيقول أذكر أم أنثى فيبين له ثم يقول أناقص الاجل أم تام
الاجل فيبين له ثم يقول أشقى أم سعيد فيبين له ثم يقطع له رزقه مع خلقه فيهبط بهما ووقع في غير
هذه الرواية أيضا زيادة على الأربع ففي رواية عبد الله بن ربيعة عن ابن مسعود فيقول اكتب
رزقه وأثره وخلقه وشقي أو سعيد وفي رواية خصيف عن أبي الزبير عن جابر من الزيادة أي رب
مصيبته فيقول كذا وكذا وفي حديث أبي الدرداء عند أحمد والفريابي فرغ الله إلى كل عبد من
خمس من عمله وأجله ورزقه وأثره ومضجعه وأما صفة الكتابة فظاهر الحديث انها الكتابة
المعهودة في صحيفته ووقع ذلك صريحا في رواية لمسلم في حديث حذيفة بن أسيد ثم تطوى الصحيفة
فلا يزاد فيها ولا ينقص وفي رواية الفريابي ثم تطوى تلك الصحيفة إلى يوم القيامة ووقع في حديث
أبي ذر فيقضي الله ما هو قاض فيكتب ما هو لاق بين عينيه وتلا أبو ذر خمس آيات من فاتحة سورة
التغابن ونحوه في حديث ابن عمر في صحيح ابن حبان دون تلاوة الآية وزاد حتى النكبة ينكبها
وأخرجه أبو داود في كتاب القدر المفرد قال ابن أبي جمرة في الحديث في رواية أبي الأحوص يحتمل
أن يكون المأمور بكتابته الأربع المأمور بها ويحتمل غيرها والأول أظهر لما بينته بقية الروايات
وحديث ابن مسعود بجميع طرقه يدل على أن الجنين يتقلب في مائة وعشرين يوما في ثلاثة
أطوار كل طور منها في أربعين ثم بعد تكملتها ينفخ فيه الروح وقد ذكر الله تعالى هذه الأطوار
الثلاثة من غير تقييد بمدة في عدة سور منها في الحج وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في كتاب الحيض
في باب مخلقة وغير مخلقة ودلت الآية المذكورة على أن التخليق يكون للمضغة وبين الحديث أن
ذلك يكون فيها إذا تكاملت الأربعين وهي المدة التي إذا انتهت سميت مضغة وذكر الله النطفة ثم
العلقة ثم المضغة في سور أخرى وزاد في سورة قد أفلح بعد المضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا
العظام لحما الآية ويؤخذ منها ومن حديث الباب أن تصير المضغة عظاما بعد نفخ الروح ووقع
في آخر رواية أبي عبيدة المتقدم ذكرها قريبا بعد ذكر المضغة ثم تكون عظاما أربعين ليلة ثم
يكسو الله العظام لحما وقد رتب الأطوار في الآية بالفاء لان المراد أنه لا يتخلل بين الطورين
طور آخر ورتبها في الحديث بثم إشارة إلى المدة التي تتخلل بين الطورين ليتكامل فيها الطور
وانما أتى بثم بين النطفة والعلقة لان النطفة قد لا تتكون انسانا وأتى بثم في آخر الآية عند قوله
422

ثم أنشأناه خلقا آخر ليدل على ما يتجدد له بعد الخروج من بطن أمه وأما الاتيان بثم في أول
القصة بين السلالة والنطفة فللإشارة إلى ما تخلل بين خلق آدم وخلق ولده ووقع في حديث
حذيفة بن أسيد عند مسلم ما ظاهره يخالف حديث ابن مسعود ولفظه إذا مر بالنطفة ثلاث
وأربعون وفي نسخة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها
وجلدها ولحمها وعظمها ثم قال أي رب أذكر أم أنثى فيقضى ربك ما شاء ويكتب الملك ثم يقول
يا رب أجله الحديث هذه رواية عمرو بن الحارث عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد
في مسلم ونسبها عياض في ثلاثة مواضع من شرح هذا الحديث إلى رواية ابن مسعود وهو وهم
وانما لابن مسعود في أول الرواية ذكر في قوله الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من وعظ
بغيره فقط وبقية الحديث انما هو لحذيفة بن أسيد وقد أخرجه جعفر الفريابي من طريق
يوسف المكي عن أبي الطفيل عنه بلفظ إذا وقعت النطفة في الرحم ثم استقرت أربعين ليلة قال
فيجئ ملك الرحم فيدخل فيصور له عظمه ولحمه وشعره وبشره وسمعه وبصره ثم يقول أي رب
أذكر أو أنثى الحديث قال القاضي عياض وحمل هذا على ظاهره لا يصح لان التصوير بأثر النطفة
وأول العلقة في أول الأربعين الثانية غير موجود ولا معهود وانما يقع التصوير في آخر الأربعين
الثالثة كما قال تعالى ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا
العظام لحما الآية قال فيكون معنى قوله فصورها الخ أي كتب ذلك ثم يفعله بعد ذلك بدليل قوله
بعد أذكر أو أنثى قال وخلقه جميع الأعضاء والذكورية والأنوثية يقع في وقت متفق وهو
مشاهد فيما يوجد من أجنة الحيوان وهو الذي تقتضيه الخلقة واستواء الصورة ثم يكون للملك
فيه تصور آخر وهو وقت نفخ الروح فيه حين يكمل له أربعة أشهر كما اتفق عليه العلماء ان نفخ
الروح لا يكون الا بعد أربعة أشهر انتهى ملخصا وقد بسطه ابن الصلاح في فتاويه فقال ما ملخصه
أعرض البخاري عن حديث حذيفة بن أسيد اما لكونه من رواية أبي الطفيل عنه واما لكونه لم
يره ملتئما مع حديث ابن مسعود وحديث ابن مسعود لا شك في صحته وأما مسلم فأخرجهما
معا فاحتجنا إلى وجه الجمع بينهما بان يحمل إرسال الملك على التعدد فمرة في ابتداء الأربعين
الثانية وأخرى في انتهاء الأربعين الثالثة لنفخ الروح وأما قوله في حديث حذيفة في ابتداء
الأربعين الثانية فصورها فان ظاهر حديث ابن مسعود ان التصوير انما يقع بعد أن تصير مضغة
فيحمل الأول على أن المراد انه يصورها لفظا وكتبا لا فعلا أي يذكر كيفية تصويرها ويكتبها
بدليل ان جعلها ذكرا أو أنثى انما يكون عند المضغة (قلت) وقد نوزع في أن التصوير حقيقة انما
يقع في الأربعين الثالثة بأنه شوهد في كثير من الأجنة التصوير في الأربعين الثانية وتمييز الذكر
على الأنثى فعلى هذا فيحتمل ان يقال أول ما يبتدئ به الملك تصوير ذلك لفظا وكتبا ثم يشرع فيه
فعلا عند استكمال العلقة ففي بعض الأجنة يتقدم ذلك وفي بعضها يتأخر ولكن بقي في حديث
حذيفة بن أسيد انه ذكر العظم واللحم وذلك لا يكون الا بعد أربعين العلقة فيقوى ما قال عياض
ومن تبعه (قلت) وقال بعضهم يحتمل ان يكون الملك عند انتهاء الأربعين الأولى يقسم النطفة
إذا صارت علقة إلى أجزاء بحسب الأعضاء أو يقسم بعضها إلى جلد وبعضها إلى لحم وبعضها إلى
عظم فيقدر ذلك كله قبل وجوده ثم يتهيأ ذلك في آخر الأربعين الثانية ويتكامل في الأربعين
423

الثالثة وقال بعضهم معنى حديث ابن مسعود ان النطفة يغلب عليها وصف المنى في الأربعين
الأولى ووصف العلقة في الأربعين الثانية ووصف المضغة في الأربعين الثالثة ولا ينافي ذلك أن
يتقدم تصويره والراجح ان التصوير انما يقع في الأربعين الثالثة وقد اخرج الطبري من طريق
السدى في قوله تعالى هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء قال عن مرة الهمداني عن ابن
مسعود وذكر أسانيد أخرى قالوا إذا وقعت النطفة في الرحم طارت في الجسد أربعين يوما ثم
تكون علقة أربعين يوما ثم تكون مضغة أربعين يوما فإذا أراد الله ان يخلقها بعث ملكا فصورها
كما يؤمر ويؤيده حديث أنس ثاني حديثي الباب حيث قال بعد ذكر النطفة ثم العلقة ثم المضغة
فإذا أراد الله ان يقضي خلقها قال أي رب إذ كرام أنثى الحديث ومال بعض الشراح المتأخرون
إلى الاخذ بما دل عليه حديث حذيفة ابن أسيد من أن التصوير والتخليق يقع في أواخر الأربعين
الثانية حقيقة قال وليس في حديث ابن مسعود ما يدفعه واستند إلى قول بعض الأطباء ان المنى
إذا حصل في الرحم حصل له زبدية ورغوة في ستة أيام أو سبعة من غير استمداد من الرحم ثم يستمد
من الرحم ويبتدئ فيه الخطوط بعد ثلاثة أيام أو نحوها ثم في الخامس عشر ينفذ الدم إلى الجميع
فيصير علقة ثم تتميز الأعضاء وتمتد رطوبة النخاع وينفصل الرأس عن المنكبين والأطراف عن
الأصابع تمييزا يظهر في بعض ويخفى في بعض وينتهي ذلك إلى ثلاثين يوما في الأقل وخمسة
وأربعين في الأكثر لكن لا يوجد سقط ذكر قبل ثلاثين ولا أنثى قبل خمسة وأربعين قال فيكون
قوله فيكتب معطوفا على قوله يجمع وأما قوله ثم يكون علقة مثل ذلك فهو من تمام الكلام
الأول وليس المراد ان الكتابة لا تقع الا عند انتهاء الأطوار الثلاثة فيحمل على أنه من ترتيب
الاخبار لا من ترتيب المخبر به ويحتمل ان يكون ذلك من تصرف الرواة برواياتهم بالمعنى الذي
يفهمونه كذا قال والحمل على ظاهر الاخبار أولى وغالب ما نقل عن هؤلاء دعاوى لا دلالة عليها
قال ابن العربي الحكمة في كون الملك يكتب ذلك كونه قابلا للنسخ والمحو والاثبات بخلاف
ما كتبه الله تعالى فإنه لا يتغير (قوله ثم ينفخ فيه الروح) كذا ثبت في رواية آدم عن شعبة في
التوحيد وسقط في هذه الرواية ووقع في رواية مسلم من طريق أبي معاوية وغيره ثم يرسل إليه
الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات وظاهره قبل الكتابة ويجمع بأن رواية آدم صريحة
في تأخير النفخ للتعبير بقوله ثم والرواية الأخرى محتملة فترد إلى الصريحة لان الواو لا ترتب فيجوز
أن تكون معطوفة على الجملة التي تليها وأن تكون معطوفة على جملة الكلام المتقدم أي يجمع
خلقه في هذه الأطوار ويؤمر الملك بالكتب وتوسط قوله ينفخ فيه الروح بين الجمل فيكون
من ترتيب الخبر على الخبر لا من ترتيب الافعال المخبر عنها ونقل ابن الزملكاني عن ابن الحاجب
في الجواب عن ذلك أن العرب إذا عبرت عن أمر بعده أمور متعددة ولبعضها تعلق بالأول
حسن تقديمه لفظا على البقية وإن كان بعضها متقدما عليه وجودا وحسن هنا لان القصد
ترتيب الخلق الذي سيق الكلام لأجله وقال عياض اختلفت ألفاظ هذا الحديث في مواضع ولم
يختلف ان نفخ الروح فيه بعد مائة وعشرين يوما وذلك تمام أربعة أشهر ودخوله في الخامس
وهذا موجود بالمشاهدة وعليه يعول فيما يحتاج إليه من الاحكام في الاستلحاق عند التنازع
وغير ذلك بحركة الجنين في الجوف وقد قيل إنه الحكمة في عدة المراة من الوفاة بأربعة أشهر وعشر
424

وهو الدخول في الخامس وزيادة حذيفة بن أسيد مشعرة بأن الملك لا يأتي لرأس الأربعين بل بعدها
فيكون مجموع ذلك أربعة أشهر وعشرا وهو مصرح به في حديث ابن عباس إذا وقعت النطفة
في الرحم مكثت أربعة أشهر وعشرا ثم ينفخ فيها الروح وما أشار إليه من عدة الوفاة جاء صريحا
عن سعيد بن المسيب فأخرج الطبري عنه انه سئل عن عدة الوفاة فقيل له ما بال العشر بعد
الأربعة أشهر فقال ينفخ فيها الروح وقد تمسك به من قال كالأوزاعي وإسحاق ان عدة أم الولد مثل
عدة الحرة وهو قوي لان الغرض استبراء الرحم فلا فرق فيه بين الحرة والأمة فيكون معنى قوله ثم
يرسل إليه الملك أي لتصويره وتخليقه وكتابة ما يتعلق به فينفخ فيه الروح اثر ذلك كما دلت عليه
رواية البخاري وغيره ووقع في حديث علي بن عبد الله عند ابن أبي حاتم إذا تمت للنطفة أربعة أشهر
بعث الله إليها ملكا فينفخ فيها الروح فذلك قوله ثم أنشأناه خلقا آخر وسنده منقطع وهذا لا ينافي
التقييد بالعشر الزائدة ومعنى اسنادا لنفخ للملك انه يفعله بأمر الله والنفخ في الأصل إخراج ريح
من جوف النافح ليدخل في المنفوخ فيه والمراد بإسناده إلى الله تعالى أن يقول له كن فيكون
وجمع بعضهم بان الكتابة تقع مرتين فالكتابة الأولى في السماء والثانية في بطن المرأة ويحتمل أن
تكون إحداهما في صحيفة والاخرى على جبين المولود وقيل يختلف باختلاف الأجنة فبعضها
كذا وبعضها كذا والأول أولى (قوله فوالله ان أحدكم) في رواية آدم فان أحدكم ومثله لأبي داود
عن شعبة وسفيان جميعا وفي رواية أبي الأحوص فان الرجل منكم ليعمل ومثله في رواية حفص
دون قوله منكم وفي رواية ابن ماجة فوالذي نفسي بيده وفي رواية مسلم والترمذي وغيرهما
فوالله الذي لا اله غيره ان أحدكم ليعمل لكن وقع عند أبي عوانة وأبي نعيم في مستخرجيهما من
طريق يحيى القطان عن الأعمش قال فوالذي لا اله غيره وهذه محتملة لان يكون القائل النبي صلى
الله عليه وسلم فيكون الخبر كله مرفوعا ويحتمل أن يكون بعض رواته ووقع في رواية وهب بن
جرير عن شعبة بلفظ حتى أن أحدكم ليعمل ووقع في رواية زيد بن وهب ما يقتضي انه مدرج في
الخبر من كلام ابن مسعود لكن الادراج لا يثبت بالاحتمال وأكثر الروايات يقتضي الرفع الا
رواية وهب بن جرير فبعيدة من الادراج فأخرج أحمد والنسائي من طريق سلمة بن كهيل عن
زيد بن وهب عن ابن مسعود نحو حديث الباب وقال بعد قوله وأكتبه شقيا أو سعيدا ثم قال
والذي نفس عبد الله بيده ان الرجل ليعمل كذا وقع مفصلا في رواية جماعة عن الأعمش منهم
المسعودي وزائدة وزهير بن معاوية وعبد الله بن إدريس وآخرون فيما ذكره الخطيب وقد روى
أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أصل الحديث بدون هذه الزيادة وكذا أبو وائل وعلقمة
وغيرهما عن ابن مسعود وكذا اقتصر حبيب بن حسان عن زيد بن وهب وكذا وقع في معظم
الأحاديث الواردة عن الصحابة كأنس في ثاني حديثي الباب وحذيفة بن أسيد وابن عمر وكذا
اقتصر عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي عن الأعمش على هذا القدر نعم وقعت هذه الزيادة مرفوعة
في حديث سهل بن سعد الآتي بعد أبواب وفي حديث أبي هريرة عند مسلم وفي حديث عائشة
عند أحمد وفي حديث ابن عمر والعرس بن عميرة في البزار وفي حديث عمرو بن العاص وأكتم بن
أبي الجون في الطبراني لكن وقعت في حديث أنس من وجه آخر قوي مفردة من رواية حميد
عن الحسن البصري عنه ومن الرواة من حذف الحسن بين حميد وأنس فكأنه كان تاما عند
425

أنس فحدث به مفرقا فحفظ بعض أصحابه مالم يحفظ الاخر عنه فيقوى على هذا أن الجميع
مرفوع وبذلك جزم المحب الطبري وحينئذ تحمل رواية سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب على أن
عبد الله بن مسعود لتحقق الخبر في نفسه أقسم عليه ويكون الادراج في القسم لا في المقسم عليه
وهذا غاية التحقيق في هذا الموضع ويؤيد الرفع أيضا انه مما لا مجال للرأي فيه فيكون له حكم الرفع
وقد اشتملت هذه الجملة على أنواع من التأكيد بالقسم ووصف المقسم به وبأن وباللام والأصل
في التأكيد أنه يكون لمخاطبة المنكر أو المستبعد أو من يتوهم فيه شئ من ذلك وهنا لما كان
الحكم مستبعدا وهو دخول من عمل الطاعة طول عمره النار وبالعكس حسن المبالغة في تأكيد
الخبر بذلك والله أعلم (قوله أحدكم أو الرجل ليعمل) وقع في رواية آدم فان أحدكم بغير شك وقدم
ذكر الجنة على النار وكذا وقع للأكثر وهو كذا عند مسلم وأبي داود والترمذي وابن ماجة وفي
رواية حفص فان الرجل وأخر ذكر النار وعكس أبو الأحوص ولفظه فان الرجل منكم (قوله
بعمل أهل النار) الباء زائدة والأصل يعمل عمل أهل النار لان قوله عمل اما مفعول مطلق واما
مفعول به وكلاهما مستغن عن الحرف فكان زيادة الباء للتأكيد أو ضمن يعمل معنى يتلبس في
عمله بعمل أهل النار وظاهره أنه يعمل بذلك حقيقة ويختم له بعكسه وسيأتي في حديث سهل بلفظ
ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو محمول على المنافق والمرائي بخلاف حديث الباب فإنه
يتعلق بسوء الخاتمة (قوله غير ذراع أو باع) في رواية الكشميهني غير باع أو ذراع وفي رواية أبي
الأحوص الأذراع ولم يشك وقد علقها المصنف لآدم في آخر هذا الحديث ووصل الحديث كله
في التوحيد عنه ومثله في رواية أبي الأحوص والتعبير بالذراع تمثيل بقرب حاله من الموت
فيحال من بينه وبين المكان المقصود بمقدار ذراع أو باع من المسافة وضابط ذلك الحسى الغرغرة
التي جعلت علامة لعدم قبول التوبة وقد ذكر في هذا الحديث أهل الخير صرفا وأهل الشر صرفا
إلى الموت ولا ذكر للذين خلطوا وماتوا على الاسلام لأنه لم يقصد في الحديث تعميم أحوال
المكلفين وانما سيق لبيان ان الاعتبار بالخاتمة (قوله بعمل أهل الجنة) يعني من الطاعات
الاعتقادية والقولية والفعلية ثم يحتمل ان الحفظة تكتب ذلك ويقبل بعضها ويرد بعضها
ويحتمل أن تقع الكتابة ثم تمحى وأما القبول فيتوقف على الخاتمة (قوله حتى ما يكون) قال الطيبي
حتى هنا الناصبة وما نافية ولم تكف يكون عن العمل فهي منصوبة بحتى وأجاز غيره أن تكون
حتى ابتدائية فيكون على هذا بالرفع وهو مستقيم أيضا (قوله فيسبق عليه الكتاب) في رواية أبي
الأحوص كتابه والفاء في قوله فيسبق إشارة إلى تعقيب ذلك بلا مهلة وضمن يسبق معنى يغلب
قاله الطيبي وقوله عليه في موضع نصب على الحال أي يسبق المكتوب واقعا عليه وفي رواية سلمة
ابن كهيل ثم يدركه الشقاء وقال ثم تدركه السعادة والمراد بسبق الكتاب سبق ما تضمنه على حذف
مضاف أو المراد المكتوب والمعنى أنه يتعارض عمله في اقتضاء السعادة والمكتوب في اقتضاء
الشقاوة فيتحقق مقتضى المكتوب فعبر عن ذلك بالسبق لان السابق يحصل مراده دون
المسبوق ولأنه لو تمثل العمل والكتاب شخصين ساعيين لظفر شخص الكتاب وغلب شخص العمل
ووقع في حديث أبي هريرة عند مسلم وان الرجل ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل النار ثم يختم له
بعمل أهل الجنة زاد أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة سبعين سنة وفي حديث أنس عند أحمد
426

وصححه ابن حبان لا عليكم أن لا تعجبوا بعمل أحد حتى تنظروا بم يختم له فان العامل يعمل زمانا
من عمره بعمل صالح لو مات عليه دخل لجنة ثم يتحول فيعمل عملا سيأ الحديث وفي حديث
عائشة عند أحمد مرفوعا ان الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة وهو مكتوب في الكتاب الأول من
أهل النار فإذا كان قبل موته تحول فعمل عمل أهل النار فمات فدخلها الحديث ولأحمد
والنسائي والترمذي من حديث عبد الله بن عمرو خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي
يده كتابان الحديث وفيه هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم
وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا فقال أصحابه ففيم العمل فقال
سددوا وقاربوا فان صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وان عمل أي عمل الحديث وفي
حديث علي عند الطبراني نحوه وزاد صاحب الجنة مختوم له بعمل أهل الجنة وان عمل أي عمل
وقد يسلك بأهل السعادة طريق أهل الشقاوة حتى يقال ما أشبههم بهم بل هم منهم وتدركهم
السعادة فتستنقذهم الحديث ونحوه للبزار من حديث ابن عمر وسيأتي حديث سهل بن سعد
بعد أبواب وفي آخره انما الأعمال بالخواتيم ومثله في حديث عائشة عند ابن حبان ومن حديث
معاوية نحوه وفي آخره حديث على المشار إليه قبل الأعمال بخواتيمها وفي الحديث ان خلق السمع
والبصر يقع والجنين داخل بطن أمه وقد زعم بعضهم أنه يعطى ذلك بعد خروجه من بطن أمه
لقوله تعالى والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والابصار والأفئدة
وتعقب بأن الواو لا ترتب والتحقيق ان خلق السمع والبصر وهو في بطن أمه محمول جزما على
الأعضاء ثم على القوة الباصرة والسامعة لأنها مودعة فيها وأما الادراك بالفعل فهو موضع
النزاع والذي يترجح أنه يتوقف على زوال الحجاب المانع وفيه أن الأعمال حسنها وسيئها أمارات
وليست بموجبات وأن مصير الأمور في العاقبة إلى ما سبق به القضاء وجرى به القدر في الابتداء
قاله الخطابي وفيه القسم على الخبر الصدق تأكيدا في نفس السامع وفيه إشارة إلى علم المبدأ
والمعاد وما يتعلق ببدن الانسان وحاله في الشقاء والسعادة وفيه عدة أحكام تتعلق بالأصول
والفروع والحكمة وغير ذلك وفيه أن السعيد قد يشقى وان الشقي قد يسعد لكن بالنسبة إلى
الأعمال الظاهرة وأما ما في علم الله تعالى فلا يتغير وفيه أن الاعتبار بالخاتمة قال ابن أبي جمرة نفع
الله به هذه التي قطعت أعناق الرجال مع ما هم فيه من حسن الحال لانهم لا يدرون بماذا يختم لهم
وفيه أن عموم مثل قوله تعالى من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة
ولنجزينهم أجرهم الآية مخصوص بمن مات على ذلك وان من عمل عمل السعادة وختم له بالشقاء
فهو في طول عمره عند الله شقي وبالعكس وما ورد مما يخالفه يؤول إلى أن يؤل إلى هذا وقد اشتهر
الخلاف في ذلك بين الأشعرية والحنفية وتمسك الأشاعرة بمثل هذا الحديث وتمسك الحنفية بمثل
قوله تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت وأكثر كل من الفريقين الاحتجاج لقوله والحق أن النزاع
لفظي وأن الذي سبق في علم الله لا يتغير ولا يتبدل وان الذي يجوز عليه التغيير والتبديل ما يبدو
للناس من عمل العامل ولا يبعد ان يتعلق ذلك بما في علم الحفظة والموكلين بالآدمي فيقع فيه المحو
والاثبات كالزيادة في العمر والنقص وأما ما في علم الله فلا محو فيه ولا اثبات والعلم عند الله وفي
التنبيه على صدق البعث بعد الموت لان من قدر على خلق الشخص من ماء مهين ثم نقله إلى العلقة
427

ثم إلى المضغة ثم ينفخ الروح فيه قادر على نفخ الروح بعد أن يصير ترابا ويجمع أجزاءه بعد أن يفرقها
ولقد كان قادرا على أن يخلقه دفعة واحدة ولكن اقتضت الحكمة بنقله في الأطوار رفقا بالام
لأنها لم تكن معتادة فكانت المشقة تعظم عليها فهيأه في بطنها بالتدريج إلى أن تكامل ومن تأمل
أصل خلقه من نطفة وتنقله في تلك الأطوار إلى أن صار انسانا جميل الصورة مفضلا بالعقل والفهم
والنطق كان حقا عليه أن يشكر من أنشأه وهيأه ويعبده حق عبادته ويطيعه ولا يعصيه وفيه
ان في تقدير الأعمال ما هو سابق ولاحق فالسابق ما في علم الله تعالى واللاحق ما يقدر على الجنين
في بطن أمه كما وقع في الحديث وهذا هو الذي يقبل النسخ وأما ما وقع في صحيح مسلم من حديث
عبد الله بن عمر مرفوعا كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين
ألف سنة فهو محمول على كتابة ذلك في اللوح المحفوظ على وفق ما في علم الله سبحانه وتعالى
واستدل به على أن السقط بعد الأربعة أشهر يصلي عليه لأنه وقت نفخ الروح فيه وهو منقول
عن القديم للشافعي والمشهور عن أحمد وإسحاق وعن أحمد إذا بلغ أربعة أشهر وعشرا ففي تلك
العشر ينفخ فيه الروح ويصلي عليه والراجح عند الشافعية انه لا بد من وجود الروح وهو الجديد
وقد قالوا فإذا بكى أو اختلج أو تنفس ثم بطل ذلك صلى عليه والا فلا والأصل في ذلك ما أخرجه
النسائي وصححه ابن حبان والحاكم عن جابر رفعه إذا استهل الصبي ورث وصلى عليه وقد ضعفه
النووي في شرح المهذب والصواب انه صحيح الاسناد لكن المرجح عند الحفاظ وقفه وعلى طريق
الفقهاء لا أثر للتعليل بذلك لان الحكم للرفع لزيادته قالوا وإذا بلغ مائة وعشرين يوما غسل
وكفن ودفن بغير صلاة وما قبل ذلك لا يشرع له غسل ولا غيره واستدل به على أن التخليق
لا يكون الا في الأربعين الثالثة فأقل ما يتبين فيه خلق الولد أحد وثمانون يوما وهي ابتداء
الأربعين الثالثة وقد لا يتبين الا في آخرها ويترتب على ذلك أنه لا تنقضي العدة بالوضع الا ببلوغها
وفيه خلاف ولا يثبت للأمة أمية الولد الا بعد دخول الأربعين الثالثة وهذا قول الشافعية
والحنابلة وتوسع المالكية في ذلك فأداروا الحكم في ذلك على كل سقط ومنهم من قيده بالتخطيط
ولو كان خفيا وفي ذلك رواية عن أحمد وحجتهم ما تقدم في بعض طرقه أن النطفة إذا لم يقدر
تخليقها لا تصير علقة وإذا قدر أنها تتخلق تصير علقة ثم مضغة الخ فمتى وضعت علقة عرف أن
النطفة خرجت عن كونها نطفة واستحالت إلى أول أحوال الولد وفيه أن كلا من السعادة
والشقاء قد يقع بلا عمل ولا عمر وعليه ينطبق قوله صلى الله عليه وسلم الله أعلم بما كانوا عاملين
وسيأتي الالمام بشئ من ذلك بعد أبواب وفيه الحث القوي على القناعة والزجر الشديد عن
الحرص لان الرزق إذا كان قد سبق تقديره لم يغن التعني في طلبه وانما شرع الاكتساب لأنه من
جملة الأسباب التي اقتضتها الحكمة في دار الدنيا وفيه أن الأعمال سبب دخول الجنة أو النار
ولا يعارض ذلك حديث لن يدخل أحدا منكم الجنة عمله لما تقدم من الجمع بينهما في شرحه في
باب القصد والمداومة على العمل من كتاب الرقاق وفيه ان من كتب شقيا لا يعلم حاله في الدنيا وكذا
عكسه واحتج من أثبت ذلك بما سيأتي قريبا من حديث على أما من كان من أهل السعادة فإنه
ييسر لعمل أهل السعادة الحديث والتحقيق أن يقال إن أريد انه لا يعلم أصلا ورأسا فمردود
وان أريد انه يعلم بطريق العلامة المثبتة للظن الغالب فنعم ويقوى ذلك في حق من اشتهر له لسان
428

صدق بالخير والصلاح ومات على ذلك لقوله في الحديث الصحيح الماضي في الجنائز أنتم شهداء الله
في الأرض وان أريد أنه يعلم قطعا لمن شاء الله أن يطلعه على ذلك فهو من جملة الغيب الذي استأثر
الله بعلمه وأطلع من شاء ممن ارتضى من رسله عليه وفيه الحث على الاستعاذة بالله تعالى من سوء
الخاتمة وقد عمل به جمع جم من السلف وأئمة الخلف وأما ما قال عبد الحق في كتاب العاقبة أن
سوء الخاتمة لا يقع لمن استقام باطنه وصلح ظاهره وانما يقع لمن في طويته فساد أو ارتياب ويكثر
وقوعه للمصر على الكبائر والمجترئ على العظائم فيهجم عليه الموت بغتة فيصطلمه الشيطان عند
تلك الصدمة فقد يكون ذلك سببا لسوء الخاتمة نسأل الله السلامة فهو محمول على الأكثر الأغلب
وفيه أن قدرة الله تعالى لا يوجبها شئ من الأسباب الا بمشيئته فإنه لم يجعل الجماع علة للولد لان
الجماع قد يحصل ولا يكون الولد حتى يشاء الله ذلك وفيه أن الشئ الكثيف يحتاج إلى طول
الزمان بخلاف اللطيف ولذلك طالت المدة في أطوار الجنين حتى حصل تخليقه بخلاف نفخ
الروح ولذلك لما خلق الله الأرض أولا عمد إلى السماء فسواها وترك الأرض لكثافتها بغير فتق
ثم فتقتا معا ولما خلق آدم فصوره من الماء والطين تركه مدة ثم نفخ فيه الروح واستدل الداودي
بقوله فتدخل النار على أن الخبر خاص بالكفار واحتج بأن الايمان لا يحبطه إلا الكفر وتعقب
بأنه ليس في الحديث تعرض للاحباط وحمله على المعنى الأعم أولى فيتناول المؤمن حتى يختم له
بعمل الكافر مثلا فيرتد فيموت على ذلك فنستعيذ بالله من ذلك ويتناول المطيع حتى يختم له بعمل
العاصي فيموت على ذلك ولا يلزم من اطلاق دخول النار أنه يخلد فيها أبدا بل مجرد الدخول صادق
على الطائفتين واستدل له على أنه لا يجب على الله رعاية الأصلح خلافا لمن قال به من المعتزلة لان
فيه ان بعض الناس يذهب جميع عمره في طاعة الله ثم يختم له بالكفر والعياذ بالله فيموت على ذلك
فيدخل النار فلو كان يجب عليه رعاية الأصلح لم يحبط جميع عمله الصالح بكلمة الكفر التي مات
عليها ولا سيما ان طال عمره وقرب موته من كفره واستدل به بعض المعتزلة على أن من عمل عمل
أهل النار وجب أن يدخلها لترتب دخولها في الخبر على العمل وترتب الحكم على الشئ يشعر
بعليته وأجيب بأنه علامة لا علة والعلامة قد تتخلف سلمنا أنه علة لكنه في حق الكفار وأما
العصاة فخرجوا بدليل ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فمن لم يشرك فهو
داخل في بالمشيئة واستدل به للأشعري في تجويزه تكليف مالا يطاق لأنه دل على أن الله كلف
العباد كلهم بالايمان مع أنه قدر على بعضهم أنه يموت على الكفر وقد قيل إن هذه المسئلة لم يثبت
وقوعها الا في الايمان خاصة وما عداه لا توجد دلالة قطعية على وقوعه وأما مطلق الجواز
فحاصل وفيه ان الله يعلم الجزئيات كما يعلم الكليات لتصريح الخبر بأنه يأمر بكتابة أحوال
الشخص مفصلة وفيه انه سبحانه مريد لجميع الكائنات بمعنى انه خالقها ومقدرها لا أنه يحبها
ويرضاها وفيه ان جميع الخير والشر بتقدير الله تعالى وايجاده وخالف في ذلك القدرية والجبرية
فذهبت القدرية إلى أن فعل العبد من قبل نفسه ومنهم من فرق بين الخير والشر فنسب إلى الله
الخير ونفى عنه خلق الشر وقيل إنه لا يعرف قائله وإن كان قد اشتهر ذلك وانما هذا رأي المجوس
وذهبت الجبرية إلى أن الكل فعل الله وليس للمخلوق فيه تأثير أصلا وتوسط أهل السنة فمنهم من
قال أصل الفعل خلقه الله وللعبد قدرة غير مؤشرة في المقدور وأثبت بعضهم أن لها تأثيرا لكنه
429

يسمى كسبا وبسط أدلتهم يطول وقد أخرج أحمد وأبو يعلى من طريق أيوب بن زياد عن عبادة بن
الوليد بن عبادة بن الصامت حدثني أبي قال دخلت على عبادة وهو مريض فقلت أوصني فقال
إنك لن تطعم طعم الايمان ولن تبلغ حقيقة العلم بالله حتى تؤمن بالقدر خيره وشره وهو أن تعلم أن
ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك الحديث وفيه وان مت ولست على ذلك
دخلت النار وأخرجه الطبراني من وجه آخر بسند حسن عن أبي إدريس الخولاني عن أبي
الدرداء مرفوعا مقتصرا على قوله إن العبد لا يبلغ حقيقة الايمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن
ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه وسيأتي الالمام بشئ منه في كتاب التوحيد في الكلام على خلق
أفعال العباد إن شاء الله تعالى وفي الحديث ان الاقدار غالبة والعاقبة غائبة فلا ينبغي لاحد ان
يغتر بظاهر الحال ومن ثم شرع الدعاء بالثبات على الدين وبحسن الخاتمة وسيأتي في حديث علي
الآتي بعد بابين سؤال الصحابة عن فائدة العمل مع تقدم التقدير والجواب عنه اعملوا فكل ميسر
لما خلق له وظاهره قد يعارض حديث ابن مسعود المذكور في هذا الباب والجمع بينهما حمل
حديث علي على الأكثر الأغلب وحمل حديث الباب على الأقل ولكنه لما كان جائزا تعين طلب
الثبات وحكى ابن التين ان عمر بن عبد العزيز لما سمع هذا الحديث أنكره وقال كيف يصح أن
يعمل العبد عمره الطاعة ثم لا يدخل الجنة انتهى وتوقف شيخنا ابن الملقن في صحة ذلك عن عمر
وظهر لي أنه ان ثبت عنه حمل على أن راويه حذف منه قوله في آخره فيسبق عليه الكتاب فيعمل
بعمل أهل النار فيدخلها أو أكمل الراوي لكن استبعد عمر وقوعه وإن كان جائزا ويكون
إيراده على سبيل التخويف من سوء الخاتمة * الحديث الثاني حديث أنس (قوله حماد) هو ابن
زيد وعبيد الله بن أبي بكر أي ابن أنس بن مالك (قوله وكل الله بالرحم ملكا فيقول أي رب نطفة
أي رب علقة الخ) أي يقول كل كلمة من ذلك في الوقت الذي تصير فيه كذلك كما تقدم بيانه في
الحديث الذي قبله وقد مضى شرحه مستوفي فيه وتقدم شئ منه في كتاب الحيض ويجوز في قوله
نطفة النصب على إضمار فعل والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وفائدة ذلك أنه يستفهم هل
يتكون منها أولا وقوله أن يقضي خلقها أي يأذن فيه (قوله باب بالتنوين (جف
القلم) أي فرغت الكتابة إشارة إن أن الذي كتب في اللوح المحفوظ لا يتغير حكمه فهو كناية عن
الفراغ من الكتابة لان الصحيفة حال كتابتها تكون رطبة أو بعضها وكذلك القلم فإذا انتهت
الكتابة جفت الكتابة والقلم وقال الطيبي هو من إطلاق اللازم على الملزوم لان الفراغ من
الكتابة يستلزم جفاف القلم عن مداده (قلت) وفيه إشارة إلى أن كتابة ذلك انقضت من أمد بعيد
وقال عياض معنى جف القلم أي لم يكتب بعد ذلك شيئا وكتاب الله ولوحه وقلمه من غيبه ومن علمه
الذي يلزمنا الايمان به ولا يلزمنا معرفة صفته وانما خوطبنا بما عهدنا فيما فرغنا من كتابته أن
القلم يصير جافا للاستغناء عنه (قوله على علم الله) أي على حكمه لان معلومه لا بد أن يقع فعلمه
بمعلوم يستلزم الحكم بوقوعه وهذا لفظ حديث أخرجه أحمد وصححه ابن حبان من طريق
عبد الله بن الديلمي عن عبد الله بن عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله عز وجل
خلق خلقه في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه من نوره يومئذ اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك
أقول جف القلم على علم الله وأخرجه أحمد وابن حبان من طريق أخرى عن أبي الديلمي نحوه
430

وفي آخره ان القائل فلذلك أقول هو عبد الله بن عمرو ولفظه قلت لعبد الله بن عمرو بلغني أنك
تقول ان القلم قد جف فذكر الحديث وقال في آخره فلذلك أقول جف القلم بما هو كائن ويقال
ان عبد الله بن طاهر أمير خراسان للمأمون سأل الحسين بن الفضل عن قوله تعالى كل يوم هو
في شان مع هذا الحديث فأجاب هي شؤون يبديها لا شؤون يبتديها فقام إليه وقبل رأسه (قوله وقال
أبو هريرة قال لي النبي صلى الله عليه وسلم جف القلم بما أنت لاق) هو طرف من حديث ذكر أصله
المصنف من طريق ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قلت يا رسول الله اني رجل شاب
واني أخاف على نفسي العنت ولا أجد ما أتزوج به النساء فسكت عني الحديث وفيه يا أبا هريرة
جف القلم بما أنت لاق فاختص على ذلك أو ذر أخرجه في أوائل النكاح فقال قال أصبغ يعني
ابن الفرج أخبرني ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب ووصله الإسماعيلي والجوزقي والفريابي في
كتاب القدر كلهم من طريق أصبغ به وقالوا كلهم بعد قوله العنت فاذن لي أن أختصي ووقع
لفظ جف القلم أيضا في حديث جابر عند مسلم قال سراقة يا رسول الله فيم العمل أفيما جفت به
الأقلام وجرت به المقادير الحديث وفي آخر حديث ابن عباس الذي فيه احفظ الله يحفظك
ففي بعض طرقه جفت الأقلام وطويت الصحف وفي حديث عبد الله بن جعفر عند الطبراني في
حديث واعلم أن القلم قد جف بما هو كائن وفي حديث الحسن بن علي عند الفريابي رفع الكتاب
وجف القلم (قوله وقال ابن عباس لها سابقون سبقت لهم السعادة) وصله ابن أبي حاتم من
طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون
قال سبقت لهم السعادة والمعنى أنهم سارعوا إلى الخيرات بما سبق لهم من السعادة بتقدير الله
ونقل عن الحسن ان اللام في لها بمعنى الباء فقال معناه سابقون بها فقال الطبري وتأولها
بعضهم أي اللام بأنها بمعنى إلى وبعضهم ان المعنى وهم من أجلها ونقل عبد الرحمن بن زيد أن
الضمير للخيرات وأجاز غيره انه للسعادة والذي يجمع بين تفسير ابن عباس وظاهر الآية أن
السعادة سابقة وأن أهلها سبقوا إليها لا أنهم سبقوها (قوله حدثنا يزيد الرشك) بكسر الراء
وسكون المعجمة بعدها كاف كنيته أبو الأزهر وحكى الكلاباذي ان اسم والده سنان بكسر
المهملة ونونين وهو بصري تابعي ثقة قيل كان كبيرا للحية فلقب الرشك وهو بالفارسية كما زعم
أبو علي الغساني وجزم به ابن الجوزي الكبير اللحية وقال أبو حاتم الرازي كان غيورا فقيل له
أرشك بالفارسية فمضى عليه الرشك وقال الكرماني بل الرشك بالفارسية القمل الصغير الملتصق
بأصول شعر اللحية وذكر الكلاباذي أن الرشك القسام (قلت) بل كان يزيد يتعانى مساحة الأرض
فقيل له القسام وكان يلقب الرشك لا ان مدلول الرشك القسام بل هما لقب ونسبة إلى صنعة
والمعتمد في أمره ما قال أبو حاتم وما ليزيد في البخاري الا هذا الحديث أورده هنا وفي كتاب
الاعتصام (قوله قال رجل) هو عمران بن حصين راوي الخبر بينه عبد الوارث بن سعيد عن
يزيد الرشك عن عمران بن حصين قال قلت يا رسول الله فذكره وسيأتي موصولا في أواخر كتاب
التوحيد وسأل عن ذلك آخرون وسيأتي مزيد بسط فيه في شر حديث علي قريبا (قوله
أيعرف أهل الجنة من أهل النار) في رواية حماد بن زيد عن يزيد عند مسلم بلفظ أعلم بضم
العين والمراد بالسؤال معرفة الملائكة أو من أطلعه الله على ذلك وأما معرفة العامل أو من
431

شاهده فإنما يعرف بالعمل (قوله فلم يعمل العاملون) في رواية حماد ففيم وهو استفهام
والمعنى إذا سبق القلم بذلك فلا يحتاج العامل إلى العمل لأنه سيصير إلى ما قدر له (قوله قال كل
يعمل لما خلق له أو لما ييسر له) وفي رواية الكشميهني يسر بضم أوله وكسر المهملة الثقيلة
وفي رواية حماد المشار إليها قال كل ميسر لما خلق له وقد جاء هذا الكلام الأخير عن جماعة من
الصحابة بهذا اللفظ يزيدون على العشرة سأشير إليها في آخر الباب الذي يلي الذي يليه منها
حديث أبي الدرداء عند أحمد بسند حسن بلفظ كل امرئ مهيأ لما خلق له وفي الحديث إشارة
إلى أن المآل محجوب عن المكلف فعليه أن يجتهد في عمل ما أمر به فإن علمه أمارة إلى ما يؤل
إليه أمره غالبا وإن كان بعضهم قد يختم له بغير ذلك كما ثبت في حديث ابن مسعود وغيره لكن
لا اطلاع له على ذلك فعليه أن يبذل جهده ويجاهد نفسه في عمل الطاعة ولا يترك وكولا إلى
ما يؤل إليه أمره فيلام على ترك المأمور ويستحق العقوبة وقد ترجم ابن حبان بحديث الباب
ما يجب على المرء من التشمير في الطاعات وان جرى قبلها ما يكره الله من المحظورات ولمسلم من
طريق أبي الأسود عن عمران أنه قال له أرأيت ما يعمل الناس اليوم أشئ قضى عليهم ومضى فيهم
من قدر قد سبق أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم فقال لا بل شئ قضى عليهم
ومضى فيهم وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها
وفيه قصة لأبي الأسود الدؤلي مع عمران وفيه قوله له أيكون ذلك ظلما فقال لا كل شئ خلق الله
وملك يده فلا يسئل عما يفعل قال عياض أورد عمران على أبي الأسود شبهة القدرية من تحكمهم
على الله ودخولهم بآرائهم في حكمه فلما أجابه بما دل على ثباته في الدين قواه بذكر الآية وهي
حد لأهل السنة وقوله كل شئ خلق الله وملكه يشير إلى أن المالك الاعلى الخالق الآمر
لا يعترض عليه إذا تصرف في ملكه بما يشاء وانما يعترض على المخلوق المأمور (قوله
باب الله أعلم بما كانوا عاملين) الضمير لأولاد المشركين كما صرح به في السؤال وذكره
من حديث ابن عباس مختصرا ومن حديث أبي هريرة كذلك وتقدم في أواخر الجنائز باب
ما قيل في أولاد المسلمين وبعده باب ما قيل في أولاد المشركين وذكر في الثاني الحديثين المذكورين
هنا من مخرجيهما وذكر الثالث أيضا من وجه آخر عن أبي هريرة وقد تقدم شرح ذلك مستوفى
في الباب المذكور (قوله في الرواية الثانية عن ابن شهاب قال وأخبرني عطاء بن يزيد) الواو
عاطفة على شئ محذوف كأنه حدث قبل ذلك بشئ ثم حدث بحديث عطاء ووقع في رواية
مسلم من طريق ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد وعند أبي عوانة في صحيحه
من طريق شعيب عن الزهري حدثني عطاء بن يزيد الليثي (قوله في أول الحديث الثالث أخبرنا
إسحاق بن إبراهيم) هو ابن راهويه كما بينته في المقدمة (قوله باب وكان أمر الله قدرا
مقدورا) أي حكما مقطوعا بوقوعه والمراد بالامر واحد الأمور المقدرة ويحتمل أن يكون واحد
الأوامر لان الكل موجود بكن ذكر فيه خمسة أحاديث * الأول حديث أبي هريرة لا تسأل
المرأة طلاق أختها إلى قوله في آخره فإن لها ما قدر لها وقد مضى شرحه في باب الشروط التي
لا تحل في النكاح من كتاب النكاح قال ابن العربي في هذا الحديث من أصول الدين السلوك
في مجاري القدر وذلك لا يناقض العمل في الطاعات ولا يمتنع التحرف في الاكتساب والنظر لقوت
432

غد وإن كان لا يتحقق أنه يبلغه وقال ابن عبد البر هذا الحديث من أحسن أحاديث القدر عند
أهل العلم لما دل عليه من أن الزوج لو أجابها وطلق من تظن أنها تزاحمها في رزقها فإنه لا يحصل
لها من ذلك الا ما كتب الله لها سواء أجابها أو لم يجبها وهو كقول الله تعالى في الآية الأخرى
قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا الحديث الثاني حديث أسامة وهو ابن زيد (قوله عاصم) هو
الأحول وأبو عثمان هو النهدي (قوله وعنده سعد) هو ابن عبادة ومعاذ هو ابن جبل وقد تقدم
شرحه مستوفي في كتاب الجنائز وما قيل في تسمية الابن المذكور وبيان الجمع بين هذه الرواية
والرواية التي فيها ان ابنتها الحديث الثالث حديث أبي سعيد (قوله عبد الله) هو ابن المبارك
ويونس هو ابن يزيد (قوله جاء رجل من الأنصار) تقدم في غزوة المريسيع وفي عشرة النساء
من كتاب النكاح عن أبي سعيد قال سألنا وأخرجه النسائي من طريق ابن محيريز ان أبا سعيد وأبا
صرمة أخبراه انهم أصابوا سبايا قال فتراجعنا في العزل فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فلعل أبا سعيد باشر السؤال وإن كان الذين تراجعوا في ذلك جماعة وقد وقع عند البخاري في تاريخه
وابن السكن وغيره في الصحابة من حديث (1) مجدي الضمري قال غزونا مع النبي صلى الله عليه
وسلم غزوة المريسيع فأصبنا سبيا فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن العزل الحديث وأبو صرمة
مختلف في صحبته وقد وقع في صحيح مسلم من طريق ابن محيريز دخلت أنا وأبو صرمة على أبي سعيد
فقال يا أبا سعيد هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في العزل الحديث والثابت ان أبا
صرمة وهو بكسر المهملة وسكون الراء انما سأل أبا سعيد وقد تقدم شرح الحديث مستوفى
في النكاح والغرض منه هنا قوله في آخره وليست نسمة كتب الله أن تخرج الا هي كائنة
الحديث الرابع (قوله حدثنا موسى بن مسعود) هو أبو حذيفة النهدي وسفيان هو الثوري
(قوله لقد خطبنا) في رواية جرير عن الأعمش عند مسلم قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
مقاما (قوله الا ذكره) في رواية جرير الا حدث به (قوله علمه من علمه وجهله من جهله) في رواية
جرير حفظه من حفظه ونسيه من نسيه وزاد قد علمه أصحابي هؤلاء أي علموا وقوع ذلك المقام
وما وقع فيه من الكلام وقد سميت في أول بدء الخلق من روى نحو حديث حذيفة هذا من
الصحابة كعمر وأبي زيد بن أخطب وأبي سعيد وغيرهم فلعل حذيفة أشار إليهم أو إلى بعضهم
وقد أخرج مسلم من طريق أبي إدريس الخولاني عن حذيفة قال والله اني لاعلم كل فتنة
كائنة فيما بيني وبين الساعة وما بي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر إلي شيئا لم يكن
يحدث به غيري وقال في آخره فذهب أولئك الرهط غيري وهذا لا يناقض الأول بل يجمع بأن
يحمل على مجلسين أو المراد بالأول أعم من المراد بالثاني (قوله إن كنت لارى الشئ قد نسيت)
كذا للأكثر بحذف المفعول وفي رواية الكشميهني باثباته ولفظه نسيته (قوله فأعرفه كما يعرف
الرجل الرجل إذا غاب عنه فرآه فعرفه) في رواية محمد بن يوسف عن سفيان عند الإسماعيلي
كما يعرف الرجل بحذف المفعول وفي رواية الكشميهني الرجل وجه الرجل غاب عنه ثم
رآه فعرفه قال عياض في هذا الكلام تلفيق وكذا في رواية جرير وانه ليكون منه الشئ
قد نسيته فأراه فاذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه قال
والصواب كما ينسى الرجل وجه الرجل أو كما لا يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه
433

عرفه (قلت) والذي يظهر لي أن الرواية في الأصلين مستقيمة وتقدير ما في حديث سفيان أنه يرى
الشئ الذي كان نسيه فإذا رآه عرفه وقوله كما يعرف الرجل الرجل غاب عنه أي الذي كان غاب
عنه فنسي صورته ثم إذا رآه عرفه وأخرجه الإسماعيلي من رواية ابن المبارك عن سفيان بلفظ اني
لارى الشئ نسيته فاعرفه كما يعرف الرجل الخ (تنبيه) أخرج هذا الحديث القاضي عياض
في الشفاء من طريق أبي داود بسنده إلى قوله ثم إذا رآه عرفه ثم قال حذيفة ما أدري أنسي
أصحابي أم تناسوه والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا
يبلغ من معه ثلثمائة الا قد سماه لنا (قلت) ولم أر هذه الزيادة في كتاب أبي داود وانما أخرجه
أبو داود بسند آخر مستقل من وجه آخر عن حذيفة الحديث الخامس حديث علي (قوله عن
أبي حمزة) بمهملة وزاي هو محمد بن ميمون السكري (قوله عن سعد بن عبيدة) بضم العين هو
السلمي الكوفي يكنى أبا حمزة وكان صهر أبي عبد الرحمن شيخه في هذا الحديث ووقع في تفسير
والليل إذا يغشى من طريق شعبة عن الأعمش سمعت سعد بن عبيدة وأبو عبد الرحمن السلمي
اسمه عبد الله بن حبيب وهو من كبار التابعين ووقع مسمى في رواية معتمر بن سليمان عن منصور
عن سعد بن عبيدة عند الفريابي (قوله عن علي) في رواية مسلم البطين عن أبي عبد الرحمن
السلمي أخذ بيدي علي فانطلقنا نمشي حتى جلسنا على شاطئ الفرات فقال علي قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث مختصرا (قوله كنا جلوسا) في رواية عبد الواحد عن الأعمش
كنا قعودا وزاد في رواية سفيان الثوري عن الأعمش كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بقيع
الغرقد بفتح الغين المعجمة والقاف بينهما راء ساكنة في جنازة فظاهره أنهم كانوا جميعا شهدوا
الجنازة لكن أخرجه في الجنائز من طريق منصور عن سعد بن عبيدة فبين أنهم سبقوا بالجنازة
وأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ولفظه كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله (قوله ومعه عود ينكت به في الأرض) في رواية شعبة وبيده
عود فجعل ينكت به في الأرض وفي رواية منصور ومعه مخصرة بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح
الصاد المهملة هي عصا أو قضيب يمسكه الرئيس ليتوكأ عليه ويدفع به عنه ويشير به لما يريد وسميت
بذلك لأنها تحمل تحت الخصر غالبا للاتكاء عليها وفي اللغة اختصر الرجل إذا أمسك المخصرة
(قوله فنكس) بتشديد الكاف أي أطرق (قوله فقال ما منكم من أحد) زاد في رواية منصور
ما من نفس منفوسة أي مصنوعة مخلوقة واقتصر في رواية أبي حمزة والثوري على الأول (قوله
الا قد كتب مقعده من النار أو من الجنة) أو للتنويع ووقع في رواية سفيان ما قد يشعر بأنها بمعنى
الواو ولفظه الا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار وكانه يشير إلى ما تقدم من حديث
ابن عمر الدال على أن لكل أحد مقعدين وفي رواية منصور الا كتب مكانها من الجنة والنار وزاد
فيها والا قد كتبت شقية أو سعيدة وإعادة الا يحتمل أن يكون ما من نفس بدل ما منكم والا
الثانية بدلا من الأولى وأن يكون من باب اللف والنشر فيكون فيه تعميم بعد تخصيص والثاني
في كل منهما أعم من الأول أشار إليه الكرماني (قوله فقال رجل من القوم) في رواية سفيان
وشعبة فقالوا يا رسول الله وهذا الرجل وقع في حديث جابر عند مسلم أنه سراقة بن مالك بن جعشم
ولفظه جاء سراقة فقال يا رسول الله أنعمل اليوم فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير أو فيما
434

يستقبل قال بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير فقال ففيم العمل قال اعملوا فكل ميسر
لما خلق له وأخرجه الطبراني وابن مردويه نحوه وزاد وقرأ فأما من أعطى إلى قوله العسرى
وأخرجه ابن ماجة من حديث سراقة نفسه لكن دون تلاوة الآية ووقع هذا السؤال وجوابه
سوى تلاوة الآية لشريح بن عامر الكلابي أخرجه أحمد والطبراني ولفظه قال ففيم العمل إذا
قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له وأخرج الترمذي من حديث ابن عمر قال قال عمر يا رسول الله
أرأيت ما نعمل فيه أمر مبتدع أو أمر قد فرغ منه قال فيما قد فرغ منه فذكر نحوه وأخرج
البزار والفريابي من حديث أبي هريرة ان عمر قال يا رسول الله فذكره وأخرجه أحمد والبزار
والطبراني من حديث أبي بكر الصديق قلت يا رسول الله نعمل على ما فرغ منه الحديث نحوه
ووقع في حديث سعد بن أبي وقاص فقال رجل من الأنصار والجمع بينها تعدد السائلين عن ذلك
فقد وقع في حديث عبد الله بن عمرو أن السائل عن ذلك جماعة ولفظه فقال أصحابه ففيم العمل إن كان
قد فرغ منه فقال سددوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وان عمل أي
عمل الحديث أخرجه الفريابي (قوله ألا نتكل يا رسول الله) في رواية سفيان أفلا والفاء معقبة
لشئ محذوف تقديره أفإذا كان كذلك أفلا نتكل وزاد في رواية منصور وكذا في رواية شعبة أفلا
نتكل على كتابنا وندع العمل أي نعتمد على ما قدر علينا وزاد في رواية منصور فمن كان منا من أهل
السعادة فيصير إلى عمل السعادة ومن كان منا من أهل الشقاوة مثله (قوله اعملوا فكل ميسر)
زاد شعبة لما خلق له أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل السعادة الحديث وفي رواية
منصور قال أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة الحديث وحاصل السؤال ألا نترك
مشقة العمل فانا سنصير إلى ما قدر علينا وحاصل الجواب لا مشقة لان كل أحد ميسر لما خلق
له وهو يسير على من يسره الله قال الطيبي الجواب من الأسلوب الحكيم منعهم عن ترك العمل
وأمرهم بالتزام ما يجب على العبد من العبودية وزجرهم عن التصرف في الأمور المغيبة فلا
يجعلوا العبادة وتركها سببا مستقلا لدخول الجنة والنار بل هي علامات فقط (قوله ثم قرأ فأما
من أعطى واتقى الآية) وساق في رواية سفيان ووكيع الآيات إلى قوله العسرى ووقع في
حديث ابن عباس عند الطبراني نحو حديث عمر وفي آخره قال اعمل فكل ميسر وفي آخره
عند البزار فقال القوم بعضهم لبعض فالجد إذا وأخرجه الطبراني في آخر حديث سراقة ولفظه
فقال يا رسول الله ففيم العمل قال كل ميسر لعمله قال الان الجد الان الجد وفي آخر حديث
عمر عند الفريابي فقال عمر ففيم العمل إذا قال كل لا ينال الا بالعمل قال عمر إذا نجتهد وأخرج
الفريابي بسند صحيح إلى بشير بن كعب أحد كبار التابعين قال سأل غلامان رسول الله صلى الله
عليه وسلم فيم العمل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير أم شئ نستأنفه قال بل فيما جفت به
الأقلام قالا ففيم العمل قال اعملوا فكل ميسر لما هو عامل قالا فالجد الان وفي الحديث جواز
القعود عند القبور والتحدث عندها بالعلم والموعظة وقال المهلب نكته الأرض بالمخصرة أصل
في تحريك الإصبع في التشهد نقله ابن بطال وهو بعيد وانما هي عادة لمن يتفكر في شئ يستحضر
معانيه فيحتمل أن يكون ذلك تفكرا منه صلى الله عليه وسلم في أمر الآخرة بقرينة حضور
الجنازة ويحتمل ان يكون فيما أبداه بعد ذلك لأصحابه من الحكم المذكورة ومناسبته للقصة أن
435

فيه إشارة إلى التسلية عن الميت بأنه مات بفراغ أجله وهذا الحديث أصل لأهل السنة في أن
السعادة والشقاء بتقدير الله القديم وفيه رد على الجبرية لان التيسير ضد الجبر لان الجبر لا يكون
الا عن كره ولا يأتي الانسان الشئ بطريق التيسير الا وهو غير كاره له واستدل به على إمكان معرفة
الشقي من السعيد في الدنيا كمن اشتهر له لسان صدق وعكسه لان العمل أمارة على الجزاء على
ظاهر هذا الخبر ورد بما تقدم في حديث ابن مسعود وان هذا العمل الظاهر قد ينقلب لعكسه
على وفق ما قدر والحق ان العمل علامة وامارة فيحكم بظاهر الامر وأمر الباطن إلى الله تعالى
قال الخطابي لما أخبر صلى الله عليه وسلم عن سبق الكائنات رام من تمسك بالقدر أن يتخذه حجة
في ترك العمل فاعلمهم ان هنا أمرين لا يبطل أحدهما بالآخر باطن وهو العلة الموجبة في حكم
الربوبية وظاهر وهو العلامة اللازمة في حق العبودية وانما هي امارة مخيلة في مطالعة علم
العواقب غير مفيدة حقيقة فبين لهم ان كلا ميسر لما خلق له وان عمله في العاجل دليل على مصيره
في الاجل ولذلك مثل بالآيات ونظير ذلك الرزق مع الامر بالكسب والأجل مع الاذن في المعالجة
وقال في موضع آخر هذا الحديث إذا تأملته وجدت فيه الشفاء مما يتخالج في الضمير من أمر
القدر وذلك أن القائل أفلا نتكل وندع العمل لم يدع شيئا مما يدخل في أبواب المطالبات والأسئلة
الا وقد طالب به وسأل عنه فاعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن القياس في هذا الباب متروك
والمطالبة ساقطة وانه لا يشبه الأمور التي عقلت معانيها وجرت معاملة البشر فيما بينهم عليها بل
طوى الله علم الغيب عن خلقه وحجبهم عن دركه كما أخفى عنهم أمر الساعة فلا يعلم أحد متى حين
قيامها انتهى وقد تقدم كلام ابن السمعاني في نحو ذلك في أول كتاب القدر وقال غيره وجه
الانفصال عن شبهة القدرية ان الله أمرنا بالعمل فوجب علينا الامتثال وغيب عنا المقادير لقيام
الحجة ونصب الأعمال علامة على ما سبق في مشيئته فمن عدل عنه ضل وتاه لان القدر سر من
أسرار الله لا يطلع عليه الا هو فإذا أدخل أهل الجنة الجنة كشف لهم عنه حينئذ وفي أحاديث
هذا الباب ان أفعال العباد وان صدرت عنهم لكنها قد سبق علم الله بوقوعها بتقديره ففيها بطلان
قول القدرية صريحا والله أعلم (قوله باب العمل بالخواتيم) لما كان ظاهر
حديث على يقتضي اعتبار العمل الظاهر أردفه بهذه الترجمة الدالة على أن الاعتبار بالخاتمة وذكر
فيه قصة الذي نحر نفسه في القتال من حديث أبي هريرة ومن حديث سهل بن سعد وقد تقدم
شرحهما في غزوة خيبر من كتاب المغازي وذكرت هناك الاختلاف في اسم المذكور وهل القصتان
متغايرتان في موطنين لرجلين أو هما قصة واحدة وقوله في آخر حديث أبي هريرة وانما الأعمال
بالخواتيم وقع في حديث أنس عند الترمذي وصححه إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله قيل كيف
436

يستعمله قال يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه وأخرجه أحمد من هذا الوجه مطولا وأوله
لا تعجبوا لعمل عامل حتى تنظروا بم يختم له فذكر نحو حديث ابن مسعود وأخرجه الطبراني
من حديث أبي أمامة مختصرا وأخرج البزار من حديث ابن عمر حديثا فيه ذكر الكتابين وفي
آخره العمل بخواتيمه العمل بخواتيمه (قوله باب القاء العبد النذر إلى القدر)
في رواية الكشميهني القاء النذر العبد وفي الأولى النذر بالرفع وهو الفاعل والالقاء مضاف إلى
المفعول وهو العبد وفي الثانية العبد بالنصب وهو المفعول والالقاء مضاف إلى الفاعل وهو النذر
وسيأتي في باب الوفاء بالنذر من وجه آخر عن أبي هريرة على وفق رواية الكشميهني وذكر فيه
حديث ابن عمر وأبي هريرة في ذلك وسيأتيان في باب الوفاء بالنذر من كتاب الايمان والنذور مع
شرحهما فأما حديث أبي هريرة فهو صريح في الترجمة لكن لفظه ولكن يلقيه القدر كذا
للأكثر وللكشميهني يلقيه النذر بنون ثم ذال معجمة وقد اعترض بعض شيوخنا على البخاري
فقال ليس في واحد من اللفظين المرويين عنه في الترجمة مطابقة للحديث والمطابق أن يقول
القاء القدر العبد إلى النذر بتقديم القدر بالقاف على النذر بالنون لان لفظ الخبر يلقيه القدر
بالقاف كذا قال وكأنه لم يشعر برواية الكشميهني في متن الحديث ثم ادعى ان الترجمة مع عدم
مطابقتها للخبر ليس المعنى فيها صحيحا انتهى وما نفاه مردود بل المعنى بين لمن له أدنى تأمل وكانه
استبعد نسبة الالقاء إلى النذر وجوابه أن النسبة مجازية وسوغ ذلك كونه سببا إلى الالقاء
فنسب الالقاء إليه وأيضا فهما متلازمان قال الكرماني الظاهر أن الترجة مقلوبة إذ القدر هو
الذي يلقى إلى النذر لقوله في الخبر يلقيه القدر والجواب انهما صادقان إذ الذي يلقى في الحقيقة
هو القدر وهو الموصل وبالظاهر هو النذر قال وكان الأولى أن يقول يلقيه القدر إلى النذر
ليطابق الحديث الا أن يقال انهما متلازمان وكانه أيضا ما نظر إلى رواية الكشميهني وأيضا
فقد جرت عادة البخاري أنه يترجم بما ورد في بعض طرق الحديث وان لم يسق ذلك اللفظ بعينه
ليبعث ذلك الناظر في كتابه على تتبع الطرق وليقدح الفكر في التطبيق ولغير ذلك من المقاصد
التي فاق بها غيره من المصنفين كما تقرر غير مرة وأما حديث ابن عمر فهو بلفظ انه أي النذر لا يرد
شيئا وهو يعطي معنى الرواية الأخرى وقوله هنا منصور هو ابن المعتمر عن عبد الله بن مرة
يأتي في الباب المذكور بلفظ أخبرنا عبد الله بن مرة وهو الهمداني بسكون الميم الخارفي بمعجمة وراء
مكسورة ثم فاء تابعي كبير ولهم كوفي شيخ آخر في طبقته يقال له عبد الله بن مرة الزوفي بزاي وواو
ساكنة ثم فاء مصري ويقال له عبد الله بن أبي مرة وهو بها أشهر (قوله باب)
بالتنوين (لا حول ولا قوة الا بالله) ترجم في أواخر الدعوات باب قول لا حول بالإضافة واقتصر
هنا على لفظ الخبر واستغنى به لظهوره في أبواب القدر لان معنى لا حول لا تحويل للعبد عن
معصية الله الا بعصمة الله ولا قوة له على طاعة الله الا بتوفيق الله وقيل معنى لا حول لا حيلة وقال
النووي هي كلمة استسلام وتفويض وان العبد لا يملك من أمره شيئا وليس له حيلة في دفع شر
ولا قوة في جلب خير الا بإرادة الله تعالى وذكر فيه حديث أبي موسى وقد تقدم في الدعوات بهذا
الاسناد بعينه لكن فيه سليمان التيمي بدل خالد الحذاء المذكور هنا وهو محمول على أن لعبد الله
وهو ابن المبارك فيه شيخين وقد أخرجه النسائي من رواية سويد بن نصر عن ابن المبارك عن خالد
437

الحذاء (قوله كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة) تقدم في غزوة خيبر من كتاب المغازي
بيان أنها غزوة خيبر (قوله الا رفعنا أصواتنا بالتكبير) في رواية سليمان التيمي المذكورة فلما
علا عليها رجل نادى فرفع صوته لا إله إلا الله والله أكبر لم أقف على اسم هذا الرجل ويجمع بأن
الكل كبروا وزاد هذا عليهم بالتهليل وتقدم في رواية عبد الواحد ما يدل على أن المراد بالتكبير
قول لا إله إلا الله والله أكبر (قوله أربعوا) بفتح الموحدة أي ارفقوا وقد تقدم بيانه في أوائل
الدعاء قال يعقوب بن السكيت ربع الرجل يربع إذا رفق وكف وكذا بقية ألفاظه قال ابن
بطال كان عليه السلام معلما لامته فلا يراهم على حالة من الخير الا أحب لهم الزيادة فأحب للذين
رفعوا أصواتهم بكلمة الاخلاص والتكبير ان يضيفوا إليها التبري من الحول والقوة فيجمعوا
بين التوحيد والايمان بالقدر وقد جاء في الحديث إذا قال العبد لا حول ولا قوة الا بالله قال الله
أسلم عبدي واستسلم (قلت) أخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة بسند قوي وفي رواية له قال
لي يا أبا هريرة ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة قلت بلى يا رسول الله قال تقول لا حول ولا قوة الا
بالله فيقول الله أسلم عبدي واستسلم وزاد في رواية له ولا منجا ولا ملجأ من الله الا إليه (قوله من
كنوز الجنة) تقدم القول فيه وحاصله أن المراد انها من ذخائر الجنة أو من محصلات نفائس
الجنة قال النووي المعنى أن قولها يحصل ثوابا نفيسا يدخر لصاحبه في الجنة وأخرج أحمد
والترمذي وصححه ابن حبان عن أبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به مر على
إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام فقال يا محمد مر أمتك ان يكثروا من غراس الجنة قال
وما غراس الجنة قال لا حول ولا قوة الا بالله (قوله لا تدعون) كذا أطلق على التكبير ونحوه
دعاء من جهة أنه بمعنى النداء لكون الذاكر يريد اسماع من ذكره والشهادة له (قوله
باب) بالتنوين (المعصوم من عصم الله) أي من عصمه الله بأن حماه من الوقوع في
الهلاك أو ما يجر إليه يقال عصمه الله من المكروه وقاه وحفظه واعتصمت بالله لجأت إليه
وعصمة الأنبياء على نبينا وعليهم الصلاة والسلام حفظهم من النقائص وتخصيصهم بالكمالات
النفيسة والنصرة والثبات في الأمور وانزال السكينة والفرق بينهم وبين غيرهم أن العصمة
في حقهم بطريق الوجوب وفي حق غيرهم بطريق الجواز (قوله عاصم مانع) يريد تفسير قوله
تعالى في قصة نوح وابنه قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله
الا من رحم وبذلك فسره عكرمة فيما أخرجه الطبري من طريق الحكم بن أبان عنه وقال
الراغب المعنى بقوله لا عاصم اليوم أي لا شئ يعصم منه وفسره بعضهم بمعصوم ولم يرد أن العاصم
بمعنى المعصوم وانما نبه على أنهما متلازمان فأيهما حصل حصل الاخر (قوله قال مجاهد
سدا عن الحق يترددون في الضلالة) كذا للأكثر سدا بتشديد الدال بعدها ألف وصله ابن
أبي حاتم من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه في قوله تعالى وجعلنا من بين أيديهم سدا قال
عن الحق ووصله عبد بن حميد من طريق شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله سدا قال عن
الحق وقد يترددون ورأيته في بعض نسخ البخاري سدى بتخفيف الدال مقصور وعليها شرح
الكرماني فزعم أنه وقع هنا أيحسب الانسان أن يترك سدى أي مهملا مترددا في الضلالة
ولم أر في شئ من نسخ البخاري الا اللفظ الذي أوردته قال مجاهد سدا الخ ولم أر في شئ من التفاسير
438

التي تساق بالأسانيد لمجاهد في قوله أيحسب الانسان أن يترك سدى كلاما ولم أر قوله في الضلالة
في شئ من النقول بالسند عن مجاهد ووقع في رواية النسفي لضلالة بدل قوله في الضلالة (قوله
دساها أغواها) قال الفريابي حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى وقد خاب
من دساها قال من أغواها وأخرج الطبري بسند صحيح عن حبيب بن أبي ثابت عن مجاهد
وسعيد بن جبير في قوله دساها قال قال أحدهما أغواها وقال الآخر أضلها وقال أبو عبيدة
دساها أصله دسست لكن العرب تقلب الحرف المضاعف إلى الياء مثل تظننت من الظن فتقول
تظنيت بالتحتانية بعد النون ومناسبة هذا التفسير للترجمة تؤخذ من المراد بفاعل دساها فقال
قوم هو الله أي قد أفلح صاحب النفس التي زكاها الله وخاب صاحب النفس التي أغواها الله
وقال آخرون هو صاحب النفس إذا فعل الطاعات فقد زكاها وإذا فعل المعاصي فقد أغواها
والأول هو المناسب للترجمة وقال الكرماني مناسبة التفسيرين للترجمة أن من لم يعصمه الله كان
سدى وكان مغوى ثم ذكر المصنف حديث أبي سعيد الخدري ما استخلف من خليفة الا وله
بطانتان الحديث وفيه والمعصوم من عصم الله وسيأتي شرحه في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى
والبطانة بكسر الموحدة اسم جنس يشمل الواحد والجماعة والمراد من يطلع على باطن حال الكبير
من أتباعه (قوله باب وحرام على قرية أهلكناها) كذا لأبي ذر وفي رواية غيره
وحرام بفتح أوله وزيادة الألف وزادوا بقية الآية والقراءتان مشهورتان قرأ أهل الكوفة بكسر
أوله وسكون ثانيه وقرأ أهل الحجاز والبصرة والشام بفتحتين وألف وهما بمعنى كالحلال والحل
وجاء في الشواذ عن ابن عباس قرا آت أخرى بفتح أوله وتثليث الراء وبالضم أشهر وبضم أوله
وتشديد الراء المكسورة قال الراغب في قوله تعالى وحرمنا عليه المراضع هو تحريم تخسير وحمل
بعضهم عليه قوله وحرام على قرية (قوله لن يؤمن من قومك الا من قد آمن ولا يلدوا الا فاجرا
كفارا) كذا جمع بين بعض كل من الآيتين وهما من سورتين إشارة إلى ما ورد في تفسير ذلك
وقد أخرج الطبري من طريق يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال ما قال نوح
رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إلى قوله كفارا الا بعد أن نزل عليه وأوحى إلى نوح
أنه لن يؤمن من قومك الا من قد آمن (قلت) ودخول ذلك في أبواب القدر ظاهر فإنه يقتضي
سبق علم الله بما يقع من عبيده (قوله وقال منصور بن النعمان) هو اليشكري بفتح التحتانية
وسكون المعجمة وضم الكاف بصرى سكن مرو ثم بخارى وماله في البخاري سوى هذا الموضع وقد
زعم بعض المتأخرين أن الصواب منصور بن المعتمر والعلم عند الله (قوله عن عكرمة عن ابن عباس
وحرم بالحبشية وجب) لم أقف على هذا التعليق موصولا وقرأت بخط مغلطاي وتبعه شيخنا
ابن الملقن وغيره فقالوا أخرجه أبو جعفر عن ابن قهزاد عن أبي عوانة عنه (قلت) ولم أقف على
ذلك في تفسير أبي جعفر الطبري وانما فيه وفي تفسير عبد بن حميد وابن أبي حاتم جميعا من طريق
داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى وحرم على قرية أهلكناها قال وجب ومن
طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال حرم عزم ومن طريق عطاء عن عكرمة وحرم وجب
بالحبشية وبالسند الأول قال وقوله إنهم لا يرجعون أي لا يتوب منهم تائب قال الطبري معناه
انهم أهلكوا بالطبع على قلوبهم فهم لا يرجعون عن الكفر وقيل معناه يمتنع على الكفرة
439

الهالكين انهم لا يرجعون إلى عذاب الله وقيل فيه أقوال أخر ليس هذا موضع استيعابها
والأول أقوى وهو مراد المصنف بالترجمة والمطابق لما ذكر معه من الآثار والحديث (قوله
معمر عن ابن طاوس) هو عبد الله (قوله عن ابن عباس ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو
هريرة) فذكر الحديث ثم قال وقال شبابة حدثنا ورقاء هو ابن عمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فكأن طاوسا سمع القصة من ابن عباس عن أبي هريرة وكان
سمع الحديث المرفوع من أبي هريرة أو سمعه من أبي هريرة بعد أن سمعه من ابن عباس وقد
أشرت إلى ذلك في أوائل كتاب الاستئذان وبينت الاختلاف في رفع الحديث ووقفه ولم أقف على
رواية شبابة هذه موصولة وكنت قرأت بخط مغلطاي وتبعه شيخنا ابن الملقن ان الطبراني وصلها
في المعجم الأوسط عن عمرو بن عثمان عن ابن المنادى عنه وقلدتهما في ذلك في تعليق التعليق ثم
راجعت المعجم الأوسط فلم أجدها (قوله باللمم) بفتح الكلام والميم هو ما يلم به الشخص من شهوات
النفس وقيل هو مقارفة الذنوب الصغار وقال الراغب اللمم مقارفة المعصية ويعبر به عن
الصغيرة ومحصل كلام ابن عباس تخصيصه ببعضها ويحتمل أن يكون أراد ان ذلك من جملة اللمم
أو في حكم اللمم (قوله إن الله كتب علي ابن آدم) أي قدر ذلك عليه أو أمر الملك بكتابته كما تقدم
بيانه في شرح حديث ابن مسعود الماضي قريبا (قوله أدرك ذلك لا محالة) بفتح الميم أي لا بد له
من عمل ما قدر عليه أنه يعمله وبهذا تظهر مطابقة الحديث للترجمة قال ابن بطال كل ما كتبه الله
على الادمي فهو قد سبق في علم الله والا فلا بد أن يدركه المكتوب عليه وان الانسان لا يستطيع
أن يدفع ذلك عن نفسه الا أنه يلام إذا واقع ما نهى عنه بحجب ذلك عنه وتمكينه من التمسك
بالطاعة فبذلك يندفع قول القدرية والمجبرة ويؤيده قوله والنفس تمنى وتشتهي لان المشتهى
بخلاف الملجأ (قوله حظه من الزنا) إطلاق الزنا على اللمس والنظر وغيرهما بطريق المجاز لان كل
ذلك من مقدماته (قوله فزنا العين النظر) أي إلى ما لا يحل للناظر (وزنا اللسان المنطق) في رواية
الكشميهني النطق بضم النون بغير ميم في أوله (قوله والنفس تمنى) بفتح أوله على حذف إحدى
التاءين والأصل تتمنى (قوله والفرج يصدق ذلك أو يكذبه) يشير إلى أن التصديق هو الحكم
بمطابقة الخبر للواقع والتكذيب عكسه فكان الفرج هو الموقع أو الواقع فيكون تشبيها ويحتمل
أن يريد ان الايقاع يستلزم الحكم بها عادة فيكون كناية قال الخطابي المراد باللمم ما ذكره الله في
قوله تعالى الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش الا اللمم وهو المعفو عنه وقال في الآية
الأخرى ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم فيؤخذ من الآيتين ان اللمم
من الصغائر وانه يكفر باجتناب الكبائر وقد تقدم بيان ذلك في الكلام على حديث من هم
بحسنة ومن هم بسيئة في وسط كتاب الرقاق وقال ابن بطال تفضل الله على عباده بغفران اللمم
إذا لم يكن للفرج تصديق بها فإذا صدقها الفرج كان ذلك كبيرة ونقل الفراء ان بعضهم زعم أن
الا في قوله الا اللمم بمعنى الواو وأنكره وقال الا صغائر الذنوب فإنها تكفر باجتناب كبارها وانما
أطلق عليها زنا لأنها من دواعيه فهو من إطلاق اسم المسبب على السبب مجازا وفي قوله
والنفس تشتهي والفرج يصدق أو يكذب ما يستدل به على أن العبد لا يخلق فعل نفسه لأنه قد
يريد الزنا مثلا ويشتهيه فلا يطاوعه العضو الذي يريد أن يزني به ويعجزه الحيلة فيه ولا يدري
440

لذلك سببا ولو كان خالقا لفعله لما عجز عن فعل ما يريده مع وجود الطواعية واستحكام الشهوة فدل
على أن ذلك فعل مقدر يقدرها إذا شاء ويعطلها إذا شاء (قوله باب وما جعلنا
الرؤيا التي أريناك الا فتنة للناس) ذكر فيه حديث ابن عباس وقد تقدم في تفسير سورة سبحان
مستوفي ووجه دخوله في أبواب القدر من ذكر الفتنة وان الله سبحانه وتعالى هو الذي جعلها وقد
قال موسى عليه السلام ان هي الا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء وأصل الفتنة
الاختبار ثم استعملت فيما أخرجه الاختبار إلى المكروه ثم استعملت في المكروه فتارة في الكفر
كقوله والفتنة أشد من القتل وتارة في الاثم كقوله ألا في الفتنة سقطوا وتارة في الاحراق كقوله
ان الذين فتنوا المؤمنين وتارة في الإزالة عن الشئ كقوله وان كادوا ليفتنونك وتارة في غير ذلك
والمراد بها في هذا الموضع الاختبار على بابها الأصلي والله أعلم قال ابن التين وجه دخول هذا
الحديث في كتاب القدر الإشارة إلى أن الله قدر على المشركين التكذيب لرؤيا نبيه الصادق
فكان ذلك زيادة في طغيانهم حيث قالوا كيف يسير إلى بيت المقدس في ليلة واحدة ثم يرجع
فيها وكذلك جعل الشجرة الملعونة زيادة في طغيانهم حيث قالوا كيف يكون في النار شجرة والنار
تحرق الشجر وفيه خلق الله الكفر ودواعي الكفر من الفتنة وسيأتي زيادة في تقرير ذلك في
الكلام على خلق أفعال العباد في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى والجواب عن شبهتهم ان الله
خلق الشجرة المذكورة من جوهر لا تأكله النار ومنها سلاسل أهل النار وأغلالهم وخزنة النار
من الملائكة وحياتها وعقاربها وليس ذلك من جنس ما في الدنيا وأكثر ما وقع الغلط لمن قاس
أحوال الآخرة على أحوال الدنيا والله تعالى الموفق (قوله باب تحاج آدم وموسى
عند الله) أما تحاج فهو بفتح أوله وتشديد آخره وأصله تحاجج بجيمين ولفظ قوله عند الله فزعم
بعض شيوخنا انه أراد أن ذلك يقع منهما يوم القيامة ثم رده بما وقع في بعض طرقه وذلك فيما
أخرجه أبو داود من حديث عمر قال قال موسى يا رب أرنا آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة
فأراه الله آدم فقال أنت أبونا الحديث قال وهذا ظاهره أنه وقع في الدنيا انتهى وفيه نظر فليس
قول البخاري عند الله صريحا في أن ذلك يقع يوم القيامة فإن العندية عندية اختصاص
وتشريف لأعندية مكان فيحتمل وقوع ذلك في كل من الدارين وقد وردت العندية في القيامة
بقوله تعالى في مقعد صدق عند مليك مقتدر وفي الدنيا بقوله صلى الله عليه وسلم أبيت عند ربي
يطعمني ويسقيني وقد بينت في كتاب الصيام أنه بهذا اللفظ في مسند أحمد بسند في صحيح مسلم
لكن لم يسق لفظ المتن والذي ظهر لي ان البخاري لمح في الترجمة بما وقع في بعض طرق الحديث وهو
ما أخرجه أحمد من طريق يزيد بن هرمز عن أبي هريرة بلفظ احتج آدم وموسى عند ربهما
الحديث (قوله سفيان) هو ابن عيينة (قوله حفظناه من عمرو) يعني ابن دينار ووقع في
مسند الحميدي عن سفيان حدثنا عمرو بن دينار وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق
الحميدي (قوله عن طاوس) في رواية أحمد عن سفيان عن عمرو سمع طاوسا وعند الإسماعيلي
من طريق محمد بن منصور الخراز عن سفيان عن عمرو بن دينار سمعت طاوسا (قوله في آخره
وقال سفيان حدثنا أبو الزناد) هو موصول عطفا على قوله حفظناه من عمرو ووقع في رواية
الحميدي قال وحدثنا أبو الزناد باثبات الواو وهي أظهر في المراد وأخطأ من زعم أن هذه الطريق
441

مغلقة وقد أخرجها الإسماعيلي منفردة بعد أن ساق طريق طاوس عن جماعة عن سفيان فقال
أخبرنيه القاسم يعني ابن زكريا حدثنا إسحاق بن حاتم العلاف حدثنا سفيان عن عمرو مثله سواء
وزاد قال وحدثني سفيان عن أبي الزناد به قال ابن عبد البر هذا الحديث ثابت بالاتفاق رواه عن
أبي هريرة جماعة من التابعين وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أخرى من رواية
الأئمة الثقات الاثبات (قلت) وقع لنا من طريق عشرة عن أبي هريرة منهم طاوس في الصحيحين
والأعرج كما ذكرته وهو عند مسلم من رواية الحارث بن أبي الذباب وعند النسائي عن عمرو بن أبي
عمرو كلاهما عن الأعرج وأبو صالح السمان عند الترمذي والنسائي وابن خزيمة كلهم من طريق
الأعمش عنه والنسائي أيضا من طريق القعقاع بن حكيم عنه ومنهم أبو سلمة بن عبد الرحمن عند
أحمد وأبي عوانة من رواية الزهري عنه وقيل عن الزهري عن سعيد بن المسيب وقيل عنه عن
حميد بن عبد الرحمن ومن رواية أيوب بن النجار عن أبي سلمة في الصحيحين أيضا وقد تقدم في تفسير
سورة طه ومن رواية محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عند ابن خزيمة وأبي عوانة وجعفر الفريابي
في القدر ومن رواية يحيى بن أبي كثير عنه عند أبي عوانة ومنهم حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة
كما تقدم في قصة موسى من أحاديث الأنبياء ويأتي في التوحيد وأخرجه مسلم ومنهم محمد بن
سيرين كما مضى في تفسير طه وأخرجه مسلم ومنهم الشعبي أخرجه أبو عوانة والنسائي ومنهم
همام بن منبه أخرجه مسلم ومنهم عمار بن أبي عمار أخرجه أحمد ومن رواه عن النبي صلى الله عليه
وسلم عمر عند أبي داود وأبي عوانة وجندب بن عبد الله عند النسائي وأبو سعيد عند البزار
وأخرجه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق والحارث من وجه آخر عنه وقد أشار إلى هذه الثلاثة الترمذي
(قوله احتج آدم وموسى) في رواية همام ومالك تحاج كما في الترجمة وهي أوضح وفي رواية أيوب
ابن النجار ويحيى بن كثير حج آدم وموسى وعليها شرح الطيبي فقال معنى قوله حج آدم وموسى غلبه
بالحجة وقوله بعد ذلك قال موسى أنت آدم الخ توضيح لذلك وتفسير لما أجمل وقوله في آخره فحج آدم
موسى تقرير لما سبق وتأكيد له وفي رواية يزيد بن هرمز كما تقدمت الإشارة إليه عند ربهما وفي
رواية محمد بن سيرين التقى آدم وموسى وفي رواية عمار والشعبي لقى آدم موسى وفي حديث عمر لقي
موسى آدم كذا عند أبي عوانة وأما أبو داود فلفظه كما تقدم قال موسى يا رب أرني آدم وقد اختلف
العلماء في وقت هذا اللفظ فقيل يحتمل أنه في زمان موسى فأحيا الله له آدم معجزة له فكلمه أو كشف
له عن قبره فتحدثا أو أراه الله روحه كما أرى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج أرواح الأنبياء
أو أراه الله له في المنام ورؤيا الأنبياء وحي ولو كان يقع في بعضها ما يقبل التعبير كما في قصة الذبيح
أو كان ذلك بعد وفاة موسى فالتقيا في البرزخ أول ما مات موسى فالتقت أرواحهما في السماء
وبذلك جزم ابن عبد البر والقابسي وقد وقع في حديث عمر لما قال موسى أنت آدم قال له من أنت
قال أنا موسى وان ذلك لم يقع بعد وانما يقع في الآخرة والتعبير عنه في الحديث بلفظ الماضي
لتحقق وقوعه وذكر ابن الجوزي احتمال التقائهما في البرزخ واحتمال أن يكون ذلك ضرب مثل
والمعنى لو اجتمعا لقالا ذلك وخص موسى بالذكر لكونه أول نبي بعث بالتكاليف الشديدة قال
وهذا وان احتمل لكن الأول أولى قال وهذا مما يجب الايمان به لثبوته عن خبر الصادق وان لم
يطلع على كيفية الحال وليس هو بأول ما يجب علينا الايمان به وان لم نقف على حقيقة معناه
442

كعذاب القبر ونعيمه ومتى ضاقت الحيل في كشف المشكلات لم يبق الا التسليم وقال ابن عبد البر
مثل هذا عندي يجب فيه التسليم ولا يوقف فيه على التحقيق لأنا لم نؤت من جنس هذا العلم الا
قليلا (قوله أنت أبونا) في رواية يحيى بن أبي كثير أنت أبو الناس وكذا في حديث عمر وفي رواية
الشعبي أنت آدم أبو البشر (قوله خيبتنا وأخرجتنا من الجنة) في رواية حميد بن عبد الرحمن
أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة هكذا في أحاديث الأنبياء عنه وفي التوحيد
أخرجت ذريتك وفي رواية مالك أنت الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة ومثله في رواية
همام وكذا في رواية أبي صالح وفي رواية محمد بن سيرين أشقيت بدل أغويت ومعنى أغويت
كنت سببا لغواية من غوى منهم وهو سبب بعيد إذ لو لم يقع الاكل من الشجرة لم يقع الاخراج
من الجنة ولو لم يقع الاخراج ما تسلط عليهم الشهوات والشيطان المسبب عنهما الاغواء والغي
ضد الرشد وهو الانهماك في غير الطاعة ويطلق أيضا على مجرد الخطا يقال غوى أي أخطأ صواب
ما أمر به وفي تفسير طه من رواية أبي سلمة أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك وعند أحمد
من طريقه أنت الذي أدخلت ذريتك النار والقول فيه كالقول في أغويت وزاد همام إلى الأرض
وكذا في رواية يزيد بن هرمز فأهبطت الناس بخطيئتك إلى الأرض وأوله عنده أنت الذي خلقك
الله بيده وأسجد لك ملائكته ومثله في رواية أبي صالح لكن قال ونفخ فيك من روحه ولم يقل
واسجد لك ملائكته ومثله في رواية محمد بن عمرو وزاد وأسكنك جنته ومثله في رواية محمد بن سيرين
وزاد ثم صنعت ما صنعت وفي رواية عمرو بن أبي عمرو عن الأعرج يا آدم خلقك الله بيده ثم نفخ فيك
من روحه ثم قال لك كن فكنت ثم أمر الملائكة فسجدوا لك ثم قال لك أسكن أنت وزوجك
الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فنهاك عن شجرة واحدة فعصيت وزاد
الفريابي وأكلت منها وفي رواية عكرمة بن عمار عن أبي سلمة أنت آدم الذي خلقك الله بيده
فأعاد الضمير في قوله خلقك إلى قوله أنت والأكثر عوده إلى الموصول فكأنه يقول خلقه الله
ونحو ذلك ما وقع في رواية الأكثر أنت الذي أخرجتك خطيئتك وفي حديث عمر بعد قوله أنت
آدم قال نعم قال أنت الذي نفخ الله فيك من روحه وعلمك الأسماء كلها وأمر الملائكة فسجدوا
لك قال نعم قال فلم أخرجتنا ونفسك من الجنة وفي لفظ لأبي عوانة فوالله لولا ما فعلت ما دخل أحد
من ذريتك النار ووقع في حديث أبي سعيد عند ابن أبي شيبة فأهلكتنا وأغويتنا وذكر ما شاء
الله أن يذكر من هذا وهذا يشعر بأن جميع ما ذكر في هذه الروايات محفوظ وأن بعض الرواة حفظ
مالم يحفظ الاخر وقوله أنت آدم استفهام تقرير وإضافة الله خلق آدم إلى يده في الآية إضافة
تشريف وكذا إضافة روحه إلى الله ومن في قوله من روحه زائدة على رأي والنفخ بمعنى الخلق
أي خلق فيك الروح ومعنى قوله أخرجتنا كنت سببا لاخراجنا كما تقدم تقريره وقوله أغويتنا
وأهلكتنا من إطلاق الكل على البعض بخلاف أخرجتنا فهو على عمومه ومعنى قوله أخطأت
وعصيت ونحوهما فعلت خلاف ما أمرت به وأما قوله خيبتنا بالخاء المعجمة ثم الموحدة من الخيبة
فالمراد به الحرمان وقيل هي كأغويتنا من إطلاق الكل على البعض والمراد من يجوز منه وقوع
المعصية ولا مانع من حمله على عمومه والمعنى انه لو استمر على ترك الأكل من الشجرة لم يخرج منها
ولو استمر فيها لولد له فيها وكان ولده سكان الجنة على الدوام فلما وقع الاخراج فات أهل الطاعة من
443

ولده استمرار الدوام في الجنة وان كانوا إليها ينتقلون وفات أهل المعصية تأخر الكون في الجنة
مدة الدنيا وما شاء الله من مدة العذاب في الآخرة اما مؤقتا في حق الموحدين واما مستمرا في حق
الكفار فهو حرمان نسبي (قوله فقال له آدم يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده) في
رواية الأعرج أنت موسى الذي أعطاك الله علم كل شئ واصطفاك على الناس برسالته وفي
رواية همام نحوه لكن بلفظ اصطفاه وأعطاه وزاد في رواية يزيد بن هرمز وقربك نجيا وأعطاك
الألواح فيها بيان كل شئ وفي رواية ابن سيرين اصطفاك الله برسالته واصطفاك لنفسه وأنزل
عليك التوراة وفي رواية أبي سلمة اصطفاك الله برسالته وكلامه ووقع في رواية الشعبي فقال نعم
وفي حديث عمر قال أنا موسى قال نبي بني إسرائيل قال نعم قال أنت الذي كلمك الله من وراء
حجاب ولم يجعل بينك وبينه رسولا من خلقه قال نعم (قوله أتلومني على أمر قدر الله على) كذا
للسرخسي والمستملي بحذف المفعول وللباقين قدره الله علي (قوله قبل أن يخلقني بأربعين سنة)
في رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة فكيف تلومني على أمر كتبه الله أو قدره الله علي ولم يذكر
المدة وثبت ذكرها في رواية طاوس وفي رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة ولفظه فكم تجد في
التوراة انه كتب على العمل الذي عملته قبل ان أخلق قال بأربعين سنة قال فكيف تلومني عليه
وفي رواية يزيد بن هرمز نحوه وزاد فهل وجدت فيها وعصى آدم ربه فغوى قال نعم وكلام ابن
عبد البر قد يوهم تفرد ابن عيينة عن أبي الزناد بزيادتها لكنه بالنسبة لأبي الزناد والا فقد ذكر
التقييد بالأربعين غير ابن عيينة كما ترى وفي رواية الزهري عن أبي سلمة عند أحمد فهل وجدت
فيها يعني الألواح أو التوراة أني أهبط وفي رواية الشعبي أفليس تجد فيها أنزل الله عليك انه
سيخرجني منها قبل ان يدخلنيها قال بلى وفي رواية عمار بن أبي عمار أنا أقدم أم الذكر قال بل الذكر
وفي رواية عمرو بن أبي عمرو عن الأعرج ألم تعلم أن الله قدر هذا علي قبل ان يخلقني وفي رواية ابن
سيرين فوجدته كتب على قبل ان يخلقني قال نعم وفي رواية أبي صالح فتلومني في شئ كتبه الله على
قبل خلقي وفي حديث عمر قال فلم تلومني على شئ سبق من الله تعالى فيه القضاء ووقع في حديث
أبي سعيد الخدري أتلومني على أمر قدره الله علي قبل ان يخلق السماوات والأرض والجمع بينه
وبين الرواية المقيدة بأربعين سنة حملها على ما يتعلق بالكتابة وحمل الأخرى على ما يتعلق بالعلم
وقال ابن التين يحتمل ان يكون المراد بالأربعين سنة ما بين قوله تعالى اني جاعل في الأرض خليفة
إلى نفخ الروح في آدم وأجاب غيره ان ابتداء المدة وقت الكتابة في الألواح وآخرها ابتداء خلق
آدم وقال ابن الجوزي المعلومات كلها قد أحاط بها علم الله القديم قبل وجود المخلوقات كلها
ولكن كتابتها وقعت في أوقات متفاوتة وقد ثبت في الصحيح يعني صحيح مسلم ان الله قدر المقادير
قبل ان يخلق السماوات والأرض بخمسين الف سنة فيجوز أن تكون قصة آدم بخصوصها كتبت
قبل خلقه بأربعين سنة ويجوز ان يكون ذلك القدر مدة لبثه طينا إلى أن نفخت فيه الروح فقد
ثبت في صحيح مسلم ان بين تصويره طينا ونفخ الروح فيه كان مدة أربعين سنة ولا يخالف ذلك
كتابة المقادير عموما قبل خلق السماوات والأرض بخمسين الف سنة وقال المازري الأظهران
المراد انه كتبه قبل خلق آدم بأربعين عاما ويحتمل ان يكون المراد أظهره للملائكة أو فعل فعلا
ما أضاف إليه هذا التاريخ والا فمشيئة الله وتقديره قديم والأشبه انه أراد بقوله قدره الله على
444

قبل ان أخلق أي كتبه في التوراة لقوله في الرواية المشار إليها قبل فكم وجدته كتب في التوراة قبل
ان أخلق وقال النووي المراد بتقديرها كتبه في اللوح المحفوظ أو في التوراة أو في الألواح ولا
يجوز أن يراد أصل القدر لأنه أزلي ولم يزل الله سبحانه وتعالى مريدا لما يقع من خلقه وكان بعض
شيوخنا يزعم أن المراد إظهار ذلك عند تصوير آدم طينا فإن آدم أقام في طينته أربعين سنة
والمراد على هذا بخلقه نفخ الروح فيه (قلت) وقد يعكر على هذا رواية الأعمش عن أبي صالح
كتبه الله علي قبل أن يخلق السماوات والأرض لكنه يحمل قوله فيه كتبه الله علي قدره أو على
تعدد الكتابة لتعدد المكتوب والعلم عند الله تعالى (قوله فحج آدم موسى فحج آدم موسى ثلاثا)
كذا في هذه الطرق ولم يكرر في أكثر الطرق عن أبي هريرة ففي رواية أيوب بن النجار كالذي هنا
لكن بدون قوله ثلاثا وكذا لمسلم من رواية ابن سيرين وكذا في حديث جندب عند أبي عوانة
وثبت في حديث عمر بلفظ فاحتجا إلى الله فحج آدم موسى قالها ثلاث مرات وفي رواية عمرو بن
أبي عمرو عن الأعرج لقد حج آدم موسى لقد حج آدم موسى لقد حج آدم موسى وفي حديث أبي
سعيد عند الحارث فحج آدم موسى ثلاثا وفي رواية الشعبي عند النسائي فخصم آدم موسى فخصم
آدم موسى واتفق الرواة والنقلة والشراح على أن ادم بالرفع وهو الفاعل وشذ بعض الناس
فقرأه بالنصب على أنه المفعول وموسى في محل الرفع على أنه الفاعل نقله الحافظ أبو بكر بن
الخاصية عن مسعود بن ناصر السجزي الحافظ قال سمعته يقرأ فحج آدم بالنصب قال وكان قدريا
(قلت) هو محجوج بالاتفاق قبله على أن آدم بالرفع على أنه الفاعل وقد أخرجه أحمد من رواية
الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ فحجه آدم وهذا يرفع الاشكال فإن رواته أئمة حفاظ
والزهري من كبار الفقهاء الحفاظ فروايته هي المعتمدة في ذلك ومعنى حجه غلبه بالحجة يقال حاججت
فلانا فحججته مثل خاصمته فخصمته قال ابن عبد البر هذا الحديث أصل جسيم لأهل الحق في اثبات
القدر وان الله قضى أعمال العباد فكل أحد يصير لما قدر له بما سبق في علم الله قال وليس فيه حجة
للجبرية وإن كان في بادئ الرأي يساعدهم وقال الخطابي في معالم السنن يحسب كثير من الناس ان
معنى القضاء والقدر يستلزم الجبر وقهر العبد ويتوهم ان غلبة آدم كانت من هذا الوجه وليس
كذلك وانما معناه الاخبار عن اثبات علم الله بما يكون من أفعال العباد وصدورها عن تقدير
سابق منه فإن القدر اسم لما صدر عن فعل القادر وإذا كان كذلك فقد نفى عنهم من وراء علم الله
أفعالهم واكسابهم ومباشرتهم تلك الأمور عن قصد وتعمد واختيار فالحجة انما نلزمهم بها
واللائمة انما يتوجه عليها وجماع القول في ذلك انهما أمران لا يبدل أحدهما عن الاخر
أحدهما بمنزلة الأساس والاخر بمنزلة البناء ونقضه وانما جهة حجة آدم ان الله علم منه انه يتناول
من الشجرة فكيف يمكنه ان يرد علم الله فيه وانما خلق للأرض وانه لا يترك في الجنة بل ينقل
منها إلى الأرض فكان تناوله من الشجرة سببا لاهباطه واستخلافه في الأرض كما قال تعالى قبل
خلقه اني جاعل في الأرض خليفة قال فلما لامه موسى عن نفسه قال له أتلومني على أمر قدره
الله على فاللوم عليه من قبلك ساقط عني إذ ليس لأحد أن يعير أحدا بذنب كان منه لان الخلق
كلهم تحت العبودية سواء وانما يتجه اللوم من قبل الله سبحانه وتعالى إذ كان نهاه فباشر ما نهاه
عنه قال وقول موسى وإن كان في النفس منه شبهة وفي ظاهره تعلق لاحتجاجه بالسبب لكن
445

تعلق آدم بالقدر أرجح فلهذا غلبه والغلبة تقع مع المعارضة كما تقع مع البرهان انتهى ملخصا
وقال في أعلام الحديث نحوه ملخصا وزاد ومعنى قوله فحج آدم موسى دفع حجته التي ألزمه اللوم
بها قال ولم يقع من آدم إنكار لما صدر منه بل عارضه بأمر دفع به عنه اللوم (قلت) ولم يتلخص
من كلامه مع تطويله في الموضعين دفع للشبهة الا في دعواه أنه ليس للآدمي أن يلوم آخر مثله
على ما فعل ما قدره الله عليه وانما يكون ذلك لله تعالى لأنه هو الذي أمره ونهاه وللمعترض أن
يقول وما المانع إذا كان ذلك لله ان يباشره من تلقي عن الله من رسله ومن تلقى عن رسله ممن أمر
بالتبليغ عنهم وقال القرطبي انما غلبه بالحجة لأنه علم من التوراة ان الله تاب عليه فكان لومه له
على ذلك نوع جفاء كما يقال ذكر الجفاء بعد حصول الصفاء جفاء ولان أثر المخالفة بعد الصفح
ينمحي حتى كأنه لم يكن فلا يصادف اللوم من اللائم حينئذ محلا انتهى وهو محصل ما أجاب به
المازري وغيره من المحققين وهو المعتمد وقد أنكر القدرية هذا الحديث لأنه صريح في اثبات
القدر السابق وتقرير النبي صلى الله عليه وسلم لادم على الاحتجاج به وشهادته بأنه غلب موسى
فقالوا لا يصح لان موسى لا يلوم على أمر قد تاب منه صاحبه وقد قتل هو نفسا لم يؤمر بقتلها
ثم قال رب اغفر لي فغفر له فكيف يلوم آدم على أمر قد غفر له ثانيها لو ساغ اللوم على الذنب بالقدر
الذي فرغ من كتابته على العبد لا يصح هذا لكان من عوتب على معصية قد ارتكبها فيحتج بالقدر
السابق ولو ساغ ذلك لا نسد باب القصاص والحدود ولأحتج به كل أحد على ما يرتكبه من
الفواحش وهذا يفضي إلى لوازم قطعية فدل ذلك على أن هذا الحديث لا أصل له والجواب من
أوجه أحدها ان آدم انما احتج بالقدر على المعصية لا المخالفة فإن محصل لوم موسى انما هو على
الاخراج فكأنه قال انا لم أخرجكم وانما أخرجكم الذي رتب الاخراج على الاكل من الشجرة
والذي رتب ذلك قدره قبل ان أخلق فكيف تلومني على أمر ليس لي فيه نسبة الا الاكل من
الشجرة والاخراج المرتب عليها ليس من فعلي (قلت) وهذا الجواب لا يدفع شبهة الجبرية ثانيها
انما حكم النبي صلى الله عليه وسلم لآدم بالحجة في معنى خاص وذلك لأنه لو كانت في المعنى العام
لما تقدم من الله تعالى لومه بقوله ألم أنهكما عن تلكما الشجرة ولا واخذه بذلك حتى أخرجه من
الجنة وأهبطه إلى الأرض ولكن لما أخذ موسى في لومه وقدم قوله له أنت الذي خلقك الله
بيده وأنت وأنت لم فعلت كذا عارضه آدم بقوله أنت الذي اصطفاك الله وأنت وأنت
وحاصل جوابه إذا كنت بهذه المنزلة كيف يخفي عليك انه لا محيد من القدر وانما وقعت الغلبة
لآدم من وجهين أحدهما انه ليس لمخلوق ان يلوم مخلوقا في وقوع ما قدر عليه الا بإذن من الله
تعالى فيكون الشارع هو اللائم فلما أخذ موسى في لومه من غير أن يؤذن له في ذلك عارضه بالقدر
فاسكته والثاني ان الذي فعله آدم اجتمع فيه القدر والكسب والتوبة تمحو أثر الكسب وقد
كان الله تاب عليه فلم يبق الا القدر والقدر لا يتوجه عليه لوم لأنه فعل الله ولا يسئل عما يفعل
ثالثها قال ابن عبد البر هذا عندي مخصوص بآدم لان المناظرة بينهما وقعت بعد أن تاب الله على
آدم قطعا كما قال تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه فحسن منه ان ينكر على موسى لومه
على الاكل من الشجرة لأنه كان قد تيب عليه من ذلك والا فلا يجوز لاحد أن يقول لمن لامه على
ارتكاب معصية كما لو قتل أو زنا أو سرق هذا سبق في علم الله وقدره علي قبل أن يخلقني فليس لك
446

أن تلومني عليه فإن الأمة أجمعت على جواز لوم من وقع منه ذلك بل على استحباب ذلك كما أجمعوا
على استحباب محمدة من واظب على الطاعة قال وقد حكى ابن وهب في كتاب القدر عن مالك عن
يحيى بن سعيد ان ذلك كان من آدم بعد أن تيب عليه رابعها انما توجهت الحجة لادم لان موسى
لامه بعد أن مات واللوم انما يتوجه على المكلف ما دام في دار التكليف فإن الاحكام حينئذ جارية
عليهم فيلام العاصي ويقام عليه الحد والقصاص وغير ذلك وأما بعد أن يموت فقد ثبت النهي
عن سب الأموات ولا تذكروا موتاكم الا بخير لان مرجع أمرهم إلى الله وقد ثبت انه لا يثنى
العقوبة على من أقيم عليه الحد بل ورد النهي عن التثريب على الأمة إذا زنت وأقيم عليها الحد
وإذا كان كذلك فلوم موسى لآدم انما وقع بعد انتقاله عن دار التكليف وثبت ان الله تاب عليه
فسقط عنه اللوم فلذلك عدل إلى الاحتجاج بالقدر السابق وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه
غلب موسى بالحجة قال المازري لما تاب الله على آدم صار ذكر ما صدر منه انما هو كالبحث عن
السبب الذي دعاه إلى ذلك فأخبر هو أن الأصل في ذلك القضاء السابق فلذلك غلب بالحجة قال
الداودي فيما نقله ابن التين انما قامت حجة آدم لان الله خلقه ليجعله في الأرض خليفة فلم يحتج
آدم في أكله من الشجرة بسابق العلم لأنه كان عن اختيار منه وانما احتج بالقدر لخروجه لأنه لم
يكن بد من ذلك وقيل إن آدم أب وموسى ابن وليس للابن أن يلوم أباه حكاه القرطبي وغيره ومنهم
من عبر عنه بأن آدم أكبر منه وتعقبه بأنه بعيد من معنى الحديث ثم هو ليس على عمومه بل يجوز
للابن أن يلوم أباه في عدة مواطن وقيل انما غلبه لأنهما شريعتين متغايرتين وتعقب بأنها
دعوى لا دليل عليها ومن أين يعلم أنه كان في شريعة آدم ان المخالف يحتج بسابق القدر وفي شريعة
موسى أنه لا يحتج أو انه يتوجه له اللوم على المخالف وفي الجملة فأصح الأجوبة الثاني والثالث ولا
تنافي بينهما فيمكن ان يمتزج منهما جواب واحد وهو أن التائب لا يلام على ما تيب عليه منه ولا
سيما إذا انتقل عن دار التكليف وقد سلك النووي هذا المسلك فقال معنى كلام آدم انك يا موسى
تعلم أن هذا كتب علي قبل ان أخلق فلا بد من وقوعه ولو حرصت أنا والخلق أجمعون على رد مثقال
ذرة منه لم نقدر فلا تلمني فإن اللوم على المخالفة شرعي لا عقلي وإذا تاب الله علي وغفر لي زال اللوم
فمن لامني كان محجوجا بالشرع فإن قيل فالعاصي اليوم لو قال هذه المعصية قدرت على فينبغي أن
يسقط عني اللوم قلنا الفرق ان هذا العاصي باق في دار التكليف جارية عليه الاحكام من
العقوبة واللوم وفي ذلك له ولغيره زجر وعظة فأما آدم فميت خارج عن دار التكليف مستغن عن
الزجر فلم يكن للومه فائدة بل فيه ايذاء وتخجيل فلذلك كان الغلبة له وقال التوربشتي ليس معنى
قوله كتبه الله على ألزمني به وانما معناه أثبته في أم الكتاب قبل أن يخلق آدم وحكم ان ذلك كائن
ثم إن هذه المحاججة انما وقعت في العالم العلوي عند ملتقى الأرواح ولم تقع في عالم الأسباب والفرق
بينهما ان عالم الأسباب لا يجوز قطع النظر فيه عن الوسائط والاكتساب بخلاف العالم العلوي
بعد انقطاع موجب الكسب وارتفاع الأحكام التكليفية فلذلك احتج آدم بالقدر السابق
(قلت) وهو محصل بعض الأجوبة المتقدم ذكرها وفيه استعمال التعريض بصيغة المدح
يؤخذ ذلك من قول آدم لموسى أنت الذي اصطفاك الله برسالته إلى آخر ما خاطبه به وذلك أنه
أشار بذلك إلى أنه اطلع على عذره وعرفه بالوحي فلو استحضر ذلك ما لامه مع وضوح عذره وأيضا
447

ففيه إشارة إلى شئ آخر أعم من ذلك وإن كان لموسى فيه اختصاص فكانه قال لو لم يقع اخراجي
الذي رتب على أكلي من الشجرة ما حصلت لك هذه المناقب لأني لو بقيت في الجنة واستمر نسلي
فيها ما وجد من تجاهر بالكفر الشنيع بما جاهر به فرعون حتى أرسلت أنت إليه وأعطيت
ما أعطيت فإذا كنت أنا السبب في حصول هذه الفضائل لك فكيف يسوغ لك أن تلومني قال
الطيبي مذهب الجبرية اثبات القدرة لله ونفيها عن العبد أصلا ومذهب المعتزلة بخلافه وكلاهما
من الافراط والتفريط على شفا جرف هار والطريق المستقيم القصد فلما كان سياق كلام موسى
يؤل إلى الثاني بأن صدر الجملة بحرف الانكار والتعجب وصرح باسم آدم ووصفه بالصفات التي
كل واحدة منها مستقلة في علية عدم ارتكابه المخالفة ثم أسند الاهباط إليه ونفس الاهباط
منزلة دون فكأنه قال ما أبعد هذا الانحطاط من تلك المناصب العالية فأجاب آدم بما يقابلها بل
أبلغ فصدر الجملة بهمزة الانكار أيضا وصرح باسم موسى ووصفه بصفات كل واحدة مستقلة
في علية عدم الانكار عليه ثم رتب العلم الأزلي على ذلك ثم اتى بهمزة الانكار بدل كلمة الاستبعاد
فكأنه قال تجد في التوراة هذا ثم تلومني قال وفي هذا التقرير تنبيه على تحري قصد الأمور قال
وختم النبي صلى الله عليه وسلم الحديث بقوله فحج آدم موسى تنبيها على أن بعض أمته كالمعزلة
ينكرون القدر فاهتم لذلك وبالغ في الارشاد (قلت) ويقرب من هذا ما تقدم في كتاب
الايمان في الرد على المرجئة بحديث ابن مسعود رفعه سباب المسلم فسوق وقتاله كفر فلما كان
المقام مقام الرد على المرجئة اكتفى به معرضا عما يقتضيه ظاهره من تقوية مذهب الخوارج
المكفرين بالذنب اعتمادا على ما تقرر من دفعه في مكانه فكذلك هنا لما كان المراد به الرد على
القدرية الذين ينكرون سبق القدر اكتفى به معرضا عما يوهمه ظاهره من تقوية مذهب الجبيرية
لما تقرر من دفعه في مكانه والله أعلم وفي هذا الحديث عدة من الفوائد غير ما تقدم قال القاضي
عياض ففيه حجة لأهل السنة في أن الجنة التي أخرج منها آدم هي جنة الخلد التي وعد المتقون
ويدخلونها في الآخرة خلافا لمن قال من المعتزلة وغيرهم انها جنة أخرى ومنهم من زاد على
ذلك فزعم أنها كانت في الأرض وقد سبق الكلام على ذلك في أواخر كتاب الرقاق وفيه
إطلاق العموم وإرادة الخصوص في قوله أعطاك علم كل شئ والمراد به كتابه المنزل عليه
وكل شئ يتعلق به وليس المراد عمومه لأنه قد أقر الخضر على قوله واني على علم من علم الله
علمنيه الله لا تعمله أنت وقد مضى واضحا في تفسير سورة الكهف وفيه مشروعية الحجج
في المناظرة لاظهار طلب الحق وإباحة التوبيخ والتعريض في أثناء الحجاج ليتوصل إلى ظهور
الحجة وان اللوم على من أيقن وعلم أشد من اللوم على من لم يحصل له ذلك وفيه مناظرة
العالم من هو أكبر منه والابن أباه ومحل مشروعية ذلك إذا كان لاظهار الحق أو الازدياد من
العلم والوقوف على حقائق الأمور وفيه حجة لأهل السنة في اثبات القدر وخلق أفعال العباد
وفيه انه يغتفر للشخص في بعض الأحوال مالا يغتفر في بعض كحالة الغضب والأسف
وخصوصا ممن طبع على حدة الخلق وشدة الغضب فإن موسى عليه السلام لما غلبت عليه حالة
الانكار في المناظرة خاطب آدم مع كونه والده باسمه مجردا وخاطبه بأشياء لم يكن ليخاطب بها
في غير تلك الحالة ومع ذلك فأقره على ذلك وعدل إلى معارضته فيما أبداه من الحجة في دفع شبهته
448

(قوله باب لا مانع لما أعطى الله) هذا اللفظ منتزع من معنى الحديث الذي أورده
واما لفظه فهو طرف من حديث معاوية أخرجه مالك ولمح المصنف بذلك إلى أنه بعض حديث
الباب كما قدمته عند شرحه في آخر صفة الصلاة وان معاوية استثبت المغيرة في ذلك وقد تقدم
شرح الحديث مستوفي هناك وقوله ولا معطي لما منعت زاد فيه مسعر عن عبد الملك بن عمير عن
وراد ولا راد لما قضيت أخرجه الطبراني بسند صحيح عنه وذكرت لهذه الزيادة طريقا أخرى هناك
وكذا رويناها في فوائد أبي سعد الكنجرودي (قوله وقال ابن جريج) وصله أحمد ومسلم من
طريق ابن جريج والغرض التصريح بأن ورادا أخبر به عبدة لأنه وقع في الرواية الأولى بالعنعنة
(قوله باب من تعوذ بالله من درك الشقاء وسوء القضاء) تقدم شرح ذلك في أوائل
الدعوات (قوله وقوله تعالى قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق) يشير بذكر الآية إلى الرد على من
زعم أن العبد يخلق فعل نفسه لأنه لو كان السوء المأمور بالاستعاذة بالله منه مخترعا لفاعله لما كان
للاستعاذة بالله منه معنى لأنه لا يصح التعوذ الا بمن قدر على إزالة ما أستعيذ به منه والحديث
يتضمن أن الله تعالى فاعل جميع ما ذكر والمراد بسوء القضاء سوء المقضي كما تقدم تقريره مع
شرح الحديث مستوفي في أوائل الدعوات (قوله باب يحول بين المرء وقلبه) كأنه
أشار إلى تفسير الحيلولة التي في الآية بالتقلب الذي في الخبر أشار إلى ذلك الراغب وقال المراد انه
يلقى في قلب الانسان ما يصرفه عن مراده لحكمة تقتضي ذلك وورد في تفسير الآية ما أخرجه
ابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس مرفوعا يحول بين المؤمن وبين الكفر ويحول بين
الكافر وبين الهدى والحديث الأول في الباب سيأتي شرحه في كتاب الايمان والنذور قريبا
وقوله في السند عن سالم هو المحفوظ وكذا قال سفيان الثوري عن موسى بن عقبة وشذ النفيلي
فقال عن ابن المبارك عن موسى عن نافع بدل سالم أخرجه أبو داود من رواية ابن داسة والحديث
الثاني مضى في أواخر الجنائز ويأتي مستوعبا في الفتن وقوله عبد الله في حديثي الباب هو ابن
المبارك وقد ذكرت ترجمة علي بن حفص في أوائل كتاب الجهاد وقوله وان يكنه بهاء ضمير للأكثر
وكذا في أن لم يكنه ووقع فيهما للكشميهني بلفظ ان يكن هو بالفصل وهو المختار عند أهل العربية
وبالغ بعضهم فمنع الأول قال ابن بطال ما حاصله مناسبة حديث ابن عمر للترجمة ان الآية نص في
أن الله خلق الكفر والايمان وانه يحول بين قلب الكافر وبين الايمان الذي أمره به فلا يكسبه ان
لم يقدره عليه بل أقدره على ضده وهو الكفر وكذا في المؤمن بعكسه فتضمنت الآية انه خالق
جميع أفعال العباد خيرها وشرها وهو معنى قوله مقلب القلوب لان معناه تقليب قلب عبده عن
إيثار الايمان إلى إيثار الكفر وعكسه قال وكل فعل الله عدل فيمن أضله وخذله لأنه لم يمنعهم
حقا وجب لهم عليه قال ومناسبة الثاني للترجمة قوله إن يكن هو فلا تطيقه يريد انه إن كان
سبق في علم الله انه يخرج ويفعل فإنه لا يقدرك على قتل من سبق في علمه انه سيجئ إلى أن يفعل
ما يفعل إذ لو أقدرك على ذلك لكان فيه انقلاب علمه والله سبحانه منزه عن ذلك (قوله
باب قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا قضى) فسر كتب بقضى وهو أحد معانيها وبه جزم
449

الطبري في تفسيرها وقال الراغب ويعبر بالكتابة عن القضاء الممضي كقوله لولا كتاب من الله
سبق أي فيما قدره ومنه كتب ربكم على نفسه الرحمة وقوله قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا يعني
ما قدره وقضاه قال وعبر بقوله لنا ولم يعبر بقوله علينا تنبيها على أن الذي يصيبنا نعده نعمة لا نقمة
(قلت) ويؤيد هذا الآية التي تليها حيث قال قل هل تربصون بنا الا إحدى الحسنيين وقد تقدم
في تفسيره ان المراد الفتح أو الشهادة وكل منهما نعمة قال ابن بطال وقد قيل إن هذه الآية وردت
فيما أصاب العباد من أفعال الله التي اختص بها دون خلقه ولم يقدرهم على كسبها دون ما أصابوه
مكتسبين له مختارين (قلت) والصواب التعميم وان ما يصيبهم باكتسابهم واختيارهم هو مقدور لله
تعالى وعن ارادته وقع والله أعلم (قوله قال مجاهد بفاتنين بمضلين الا من كتب الله انه يصلى الجحيم)
وصله عبد بن حميد بمعناه من طريق إسرائيل عن منصور في قوله تعالى ما أنتم عليه بفاتنين الا من
هو صال الجحيم قال لا يفتنون الا من كتب عليه الضلالة ووصله أيضا من طريق شبل عن
ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظه وأخرجه الطبري من تفسير ابن عباس من رواية علي بن أبي طلحة
عنه بلفظ لا تضلون أنتم ولا أضل منكم الا من قضيت عليه انه صال الجحيم ومن طريق حميد سألت
الحسن فقال ما أنتم عليه بمضلين الا من كان في علم الله انه سيصلى الجحيم ومن طريق عمر بن
عبد العزيز قال في تفسير هذه الآية انكم والألهة التي تعبدونها لستم بالذي تفتنون عليها الا من
قضيت أنه سيصلى الجحيم (قوله قدر فهدى قدر الشقاء والسعادة وهدى الانعام لمراتعها) وصله
الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى والذي قدر فهدى قدر للانسان
الشقوة والسعادة وهدى الانعام لمراتعها وتفسير مجاهد هذا للمعنى لا للفظ وهو كقوله تعالى ربنا
الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى قال الراغب هداية الله للخلق على أربعة أضرب الأول
العامة لكل أحد بحسب احتماله وإليها أشار بقوله الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى والثاني
الدعاء على ألسنة الأنبياء واليها أشار بقوله وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا والثالث التوفيق الذي
يختص به من اهتدى واليها أشار بقوله ومن يؤمن بالله يهد قلبه وقوله والذين اهتدوا زادهم
هدى والرابع الهدايات في الآخرة إلى الجنة واليها أشار بقوله وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
قال وهذه الهدايات الأربع مرتبة فإن من لا يحصل له الأولى لا تحصل له الثانية ومن لم تحصل له
الثانية لا تحصل له الثالثة والرابعة ولا تحصل الرابعة الا لمن حصلت له الثلاثة ولا تحصل الثالثة
الا لمن حصلت له اللتان قبلها وقد تحصل الأولى دون الثانية والثانية دون الثالثة والانسان
لا يهدى أحدا الا بالدعاء وتعريف الطرق دون بقية الأنواع المذكورة والى ذلك أشار بقوله تعالى
وانك لتهدي إلى صراط مستقيم والى بقية الهدايات أشار بقوله انك لا تهدي من أحببت ثم ذكر
حديث عائشة في الطاعون وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الطب والغرض منه قوله فيه
يعلم أنه لا يصيبه الا ما كتب الله له (تنبيه) سند حديث عائشة هذا من ابتدائه إلى يحيى بن
يعمر مراوزة وقد سكن يحيى المذكور مرو مدة فلم يبق من رجال السند من ليس مروزيا الا طرفاه
البخاري وعائشة (قوله باب وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لو أن الله هداني لكنت
من المتقين) كذا ذكر بعض كل من الآيتين والهداية المذكورة أولا هي الرابعة على ما ذكر
الراغب والمذكورة ثانيا هي الثالثة ثم ذكر حديث البراء في قوله والله لولا الله ما اهتدينا
450

الأبيات وقد تقدم شرحها في غزوة الخندق وقوله هنا ولا صمنا ولا صلينا كذا وقع مزحوفا
وتقدم هناك من طريق شعبة عن أبي إسحاق بلفظ ولا تصدقنا بدل ولا صمنا وبه يحصل الوزن
وهو المحفوظ والله أعلم (خاتمة) اشتمل كتاب القدر من الأحاديث المرفوعة على تسعة وعشرين
حديثا المعلق منها ثلاثة والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى اثنان وعشرون
والخالص سبعة وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي سعيد ما استخلف من خليفة وحديث
ابن عمر لا ومقلب القلوب وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين خمسة آثار والله أعلم
(قوله كتاب الايمان والنذور)
الايمان بفتح الهمزة جمع يمين وأصل اليمين في اللغة اليد وأطلقت على الحلف لانهم كانوا إذا
تحالفوا أخذ كل بيمين صاحبه وقيل لان اليد اليمنى من شأنها حفظ الشئ فسمى الحلف بذلك لحفظ
المحلوف عليه وسمى المحلوف عليه يمينا لتلبسه بها ويجمع اليمين أيضا على أيمن كرغيف وأرغف
وعرفت شرعا بأنها توكيد الشئ بذكر اسم أو صفة لله وهذا أخصر التعاريف وأقربها والنذور
جمع نذر وأصله الانذار بمعنى التخويف وعرفه الراغب بأنه إيجاب ما ليس بواجب لحدوث أمر
(قوله قول الله تعالى) كذا للجميع بغير لفظ باب وهو مقدم وثبت لبعضهم كالإسماعيلي (قوله
لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم الآية) وفي نسخة بدل الآية إلى قوله تشكرون وساق في
رواية كريمة الآية كلها والأول أولى فإن المذكور من الآية هنا إلى قوله بما عقدتم الايمان واما
بقية الآية فقد ترجم به في أول كفارات الايمان فقال لقوله فكفارته اطعام عشرة مساكين نعم
يحتمل أن يكون ساق الآية كلها أولا ثم ساق بعضها حيث احتاج إليه (قوله باللغو) قال
الراغب هو في الأصل ما لا يعتد به من الكلام والمراد به في الايمان ما يورد عن غير روية فيجرى
مجرى اللغاء وهو صوت العصافير وقد سبق الكلام عليه في باب مفرد في تفسير المائدة (قوله
عقدتم قرئ بتشديد القاف وتخفيفها وأصله العقد وهو الجمع بين أطراف الشئ ويستعمل في
الأجسام ويستعار للمعاني نحو عقد البيع والمعاهدة قال عطاء معنى قوله عقدتم الايمان
أكدتم ثم ذكر في الباب أربعة أحاديث * الأول (قوله عبد الله) هو ابن المبارك (قوله إن أبا بكر
الصديق) في رواية عبد الله بن نمير عن هشام بسنده عن أبي بكر الصديق انه كان أخرجه أبو نعيم
وهذا يقتضي انه من رواية عائشة عن أبيها وقد تقدم في تفسير المائدة ذكر من رواه مرفوعا
وقد ذكره الترمذي في العلل المفرد وقال سألت محمدا يعني البخاري عنه فقال هذا خطأ والصحيح
كان أبو بكر وكذلك رواه سفيان ووكيع عن هشام بن عروة (قوله لم يكن يحنث في يمين قط حتى
أنزل الله كفارة اليمين الخ) قيل إن قول أبي بكر ذلك وقع منه عند حلفه أن لا يصل مسطحا بشئ
فنزلت ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة الآية فعاد إلى مسطح ما كان ينفعه به وقد تقدم بيان
ذلك في شرح حديث الإفك في تفسير النور ولم أقف على النقل المذكور مسندا ثم وجدته في تفسير
الثعلبي نقلا عن ابن جريج قال حدثت انها نزلت في أبي بكر الصديق حين حلف أن لا ينفق على
مسطح لخوضه في الإفك (قوله الا أتيت الذي هو خير وكفرت) وافقه وكيع وقال ابن نمير
في روايته الا كفرت عن يميني وأتيت ووافقه سفيان وسيأتي البحث في ذلك في باب الكفارة قبل
451

الحنث من كتاب كفارات الايمان * الحديث الثاني (قوله الحسن) هو ابن أبي الحسن
البصري وعبد الرحمن بن سمرة يعني ابن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف وقيل بين حبيب وعبد
شمس ربيعة وكنية عبد الرحمن أبو سعيد وهو من مسلمة الفتح وقيل كان اسمه قبل الاسلام عبد
كلال بضم أوله والتخفيف وقد شهد فتوح العراق وكان فتح سجستان على يديه أرسله عبد الله بن
عامر أمير البصرة لعثمان على السرية ففتحها وفتح غيرها وقال ابن سعد مات سنة خمسين وقيل
بعدها بسنة وليس له في البخاري سوى هذا الحديث (قوله يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل
الامارة) بكسر الهمزة أي الولاية وسيأتي شرح ذلك مستوفي في كتاب الأحكام (قوله وإذا
حلفت على يمين) يأتي شرحه أيضا في باب الكفارة قبل الحنث * الحديث الثالث (قوله غيلان)
بغين معجمة ثم تحتانية ساكنة هو ابن جرير الأزدي الكوفي من صغار التابعين وأبو بردة هو ابن
أبي موسى الأشعري وسيأتي شرحه أيضا في باب الكفارة قبل الحنث * الحديث الرابع (قوله
حدثنا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في المستخرج وقد روى البخاري عن
إسحاق بن إبراهيم بن نصر عن عبد الرزاق عدة أحاديث (قوله هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال نحن الآخرون السابقون يوم القيامة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
والله لان يلج) هكذا في رواية الكشميهني ولغيره فقال بالفاء والأول أوجه وقوله نحن الآخرون
السابقون يوم القيامة طرف من حديث تقدم بتمامه في أول كتاب الجمعة لكن من وجه آخر عن
أبي هريرة وقد كرر البخاري منه هذا القدر في بعض الأحاديث التي أخرجها من صحيفة همام من
رواية معمر عنه والسبب فيه ان حديث نحن الآخرون هو أول حديث في النسخة وكان همام
يعطف عليه بقية الأحاديث بقوله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلك في ذلك البخاري
ومسلم مسلكين أحدهما هذا والثاني مسلك مسلم فإنه بعد قول همام هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم يقول فذكر عدة أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استمر
على ذلك في جميع ما أخرجه من هذه النسخة وهو مسلك واضح وأما البخاري فلم يطرد له في ذلك
عمل فإنه أخرج من هذه النسخة في الطهارة وفي البيوع وفي النفقات وفي الشهادات وفي الصلح
وقصة موسى والتفسير وخلق آدم والاستئذان وفي الجهاد في مواضع وفي الطب واللباس
وغيرهما فلم يصدر شيئا من الأحاديث المذكورة بقوله نحن الآخرون السابقون وانما ذكر ذلك
في بعض دون بعض وكأنه أراد أن يبين جواز كل من الامرين ويحتمل أن يكون ذلك من صنيع
شيخ البخاري وقال ابن بطال يحتمل أن يكون أبو هريرة سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم في
نسق واحد فحدث بهما جميعا كما سمعهما ويحتمل أن يكون الراوي فعل ذلك لأنه سمع من أبي
هريرة أحاديث في أوائلها ذكرها على الترتيب الذي سمعه (قلت) ويعكر عليه ما تقدم في أواخر
الوضوء وفي أوائل الجمعة وغيرها (قوله والله لان يلج) بفتح اللام وهي اللام المؤكدة للقسم ويلج
بكسر اللام ويجوز فتحها بعدها جيم من اللجاج وهو أن يتمادى في الامر ولو تبين له خطؤه وأصل
اللجاج في اللغة هو الاصدار على الشئ مطلقا ويقال لججت ألج بكسر الجيم في الماضي وفتحها
في المضارع ويجوز العكس (قوله أحدكم بيمينه في أهله) سقط قوله في أهله من رواية محمد بن حميد
452

المعمري عن معمر عند ابن ماجة (قوله آثم) بالمد أي أشد اثما (قوله من أن يعطى كفارته التي
افترض الله عليه) في رواية أحمد عن عبد الرزاق من أن يعطي كفارته التي فرض الله قال
النووي معنى الحديث ان من حلف يمينا تتعلق بأهله بحيث يتضررون بعدم حنثه فيه فينبغي أن
يحنث فيفعل ذلك الشئ ويكفر عن يمينه فإن قال لا أحنث بل أتورع عن ارتكاب الحنث خشية
الاثم فهو مخطئ بهذا القول بل استمراره على عدم الحنث وإقامة الضرر لأهله أكثر اثما من
الحنث ولا بد من تنزيله على ما إذا كان الحنث لا معصية فيه وأما قوله آثم بصيغة أفعل التفضيل فهو
لقصد مقابلة اللفظ على زعم الحالف أو توهمه فإنه يتوهم أن عليه اثما في الحنث مع أنه لا اثم عليه
فيقال له الاثم في اللجاج أكثر من الاثم في الحنث وقال البيضاوي المراد ان الرجل إذا حلف على
شئ يتعلق بأهله وأصر عليه كان أدخل في الوزر وأفضى إلى الاثم من الحنث لأنه جعل الله عرضة
ليمينه وقد نهى عن ذلك قال وآثم اسم تفضيل وأصله أن يطلق لللاج في الاثم فأطلق لمن يلج في
موجب الاثم اتساعا قال وقيل معناه انه كان يتحرج من الحنث خشية الاثم ويرى ذلك فاللجاج
أيضا اثم على زعمه وحسبانه وقال الطيبي لا يبعد ان تخرج أفعل عن بابها كقولهم الصيف أحر
من الشتاء ويصير المعنى ان الاثم في اللجاج في بابه أبلغ من ثواب إعطاء الكفارة في بابه قال وفائدة
ذكر أهل في هذا المقام للمبالغة وهي مزيد الشفاعة لاستهجان اللجاج فيما يتعلق بالأهل لأنه إذا
كان في غيرهم مستهجنا ففي حقهم أشد وقال القاضي عياض في الحديث ان الكفارة على
الحانث فرض قال ومعنى يلج أن يقيم على ترك الكفارة كذا قال والصواب على ترك الحنث لأنه
بذلك يقع التمادي على حكم اليمين وبه يقع الضرر على المحلوف عليه (قوله في الطريق الأخرى
حدثنا إسحاق) جزم أبو علي الغساني بأنه ابن منصور وصنيع أبي نعيم في المستخرج يقتضي انه
إسحاق بن إبراهيم المذكور قبله ويحيى بن صالح هو الوحاظي بتخفيف الحاء المهملة بعد الألف ظاء
مشالة معجمة وقد حدث عنه البخاري بلا واسطة في كتاب الصلاة وبواسطة في الحج وشيخه معاوية
هو ابن سلام بتشديد اللام ويحيى هو ابن أبي كثير وعكرمة هو مولى ابن عباس (قوله عن أبي
هريرة) كذا أسنده معاوية بن سلام وخالفه معمر فرواه عن يحيى بن أبي كثير فأرسله ولم يذكر فيه
أبا هريرة أخرجه الإسماعيلي من طريق ابن المبارك عن معمر لكنه ساقه بلفظ رواية همام عن
أبي هريرة وهو خطأ من معمر وإذا كان لم يضبط المتن فلا يتعجب من كونه لم يضبط الاسناد (قوله
من استلج) استفعل من اللجاج وذكر ابن الأثير انه وقع في رواية استلجج بإظهار الادغام وهي لغة
قريش (قوله فهو أعظم اثما ليبر يعني الكفارة) وكذا وقع في رواية ابن السكن وكذا لأبي ذر
عن الكشميهني بلام مكسورة بعدها تحتانية مفتوحة ثم راء مشددة واللام لام الامر بلفظ أمر
الغائب من البر أو الأبرار ويعني بفتح التحتانية وسكون المهملة وكسر النون تفسير البر والتقدير
ليترك اللجاج ويبر ثم فسر البر بالكفارة والمراد أنه يترك اللجاج فيما حلف ويفعل المحلوف عليه
ويحصل له البر بأداء الكفارة عن اليمين الذي حلفه إذا حنث ومعنى قوله في أهله ما تقدم في الطريق
التي قبلها من تصويره بأن يحلف أن يضر أهله مثلا فيلج في ذلك اليمين ويقصد إيقاع الاضرار بهم
لتنحل يمينه فكأنه قيل له دع اللجاج في ذلك واحنث في هذا اليمين واترك اضرارهم ويحصل لك البر
فإنك ان أصررت على الاضرار بهم كان ذلك أعظم اثما من حنثك في اليمين ووقع في رواية النسفي
453

والأصيلي ليس تغني الكفارة بفتح اللام وسكون التحتانية بعدها سين مهملة وتغني بضم المثناة
الفوقانية وسكون الغين المعجمة وكسر النون والكفارة بالرفع والمعنى ان الكفارة لا تغني عن
ذلك وهو خلاف المراد والرواية الأولى أوضح ومنهم من وجه الثانية بأن المفضل عليه محذوف
والمعنى ان الاستيلاج أعظم اثما من الحنث والجملة استئناف والمراد ان ذلك الاثم لا تغني عنه
كفارة وقال ابن الأثير في النهاية وفيه إذا استيلج أحدكم بيمينه فإنه آثم له عند الله من الكفارة
وهو استفعل من اللجاج ومعناه ان من حلف على شئ ويرى ان غيره خير منه فيقيم على يمينه
ولا يحنث فيكفر فذلك آثم له وقيل هو أن يرى أنه صادق فيها مصيب فيلج ولا يكفرها انتهى
وانتزع ذلك كله من كلام الخطابي وقد قيد في رواية الصحيح بالأهل ولذلك قال النووي ما تقدم
في الطريق الأولى وهو منتزع أيضا من كلام عياض وذكر القرطبي في مختصر البخاري انه ضبط
في بعض الأمهات تغني بالتاء المضمومة والغين المعجمة وليس بشئ وفي الأصل المعتمد عليه بالتاء
الفوقانية المفتوحة والعين المهملة وعليه علامة الأصيلي وفيه بعد ووجدناه بالياء المثناة من
تحت وهو أقرب وعند ابن السكن يعني ليس الكفارة وهو عندي أشبهها إذا كانت ليس استثناء
بمعنى الا أي إذا لج في يمينه كان أعظم اثما الا أن يكفر (قلت) وهذا أحسن لو ساعدته الرواية
وانما الذي في النسخ كلها بتقديم ليس على يعني وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق إبراهيم بن
سعيد الجوهري عن يحيى بن صالح بحذف الجملة الأخيرة وآخر الحديث عنده فهو أعظم اثما
وقال ابن حزم لا جائز أن يحمل على اليمين الغموس لان الحالف بها لا يسمى مستلجا في أهله بل
صورته أن يحلف أن يحسن إلى أهله ولا يضرهم ثم يريد أن يحنث ويلج في ذلك فيضرهم ولا
يحسن إليهم ويكفر عن يمينه فهذا مستلج بيمينه في أهله آثم ومعنى قوله لا تغني الكفارة أن
الكفارة لا تحط عنه اثم إساءته إلى أهله ولو كانت واجبة عليه وانما هي متعلقة باليمين التي حلفها
وقال ابن الجوزي قوله ليس تغني الكفارة كأنه أشار إلى أن إثمه في قصده ان لا يبر ولا يفعل
الخير فلو كفر لم ترفع الكفارة سبق ذلك القصد وبعضهم ضبطه بفتح نون يغني وهو بمعنى يترك
أي أن الكفارة لا ينبغي أن تترك وقال ابن التين قوله ليس تغني الكفارة بالمعجمة يعني مع تعمد
الكذب في الايمان قال وهذا على رواية أبي ذر كذا قال وفي رواية أبي الحسن يعني
القابسي ليس يعني الكفارة بالعين المهملة قال وهذا موافق لتأويل الخطابي انه يستديم
على لجاجه ويمتنع من الكفارة إذا كانت خيرا من التمادي وفي الحديث أن الحنث في اليمين
أفضل من التمادي إذا كان في الحنث مصلحة ويختلف باختلاف حكم المحلوف عليه فإن
حلف على فعل واجب أو ترك حرام فيمينه طاعة والتمادي واجب والحنث معصية وعكسه
بالعكس وان حلف على فعل نفل فيمينه أيضا طاعة والتمادي مستحب والحنث مكروه وان
حلف على ترك مندوب فبعكس الذي قبله وان حلف على فعل مباح فإن كان يتجاذبه رجحان
الفعل أو الترك كما لو حلف لا يأكل طيبا ولا يلبس ناعما ففيه عند الشافعية خلاف وقال
ابن الصباغ وصوبه المتأخرون ان ذلك يختلف باختلاف الأحوال وإن كان مستوى
الطرفين فالأصح ان التمادي أولى والله أعلم ويستنبط من معنى الحديث ان ذكر الأهل
خرج مخرج الغالب والا فالحكم يتناول غير الأهل إذا وجدت العلة والله أعلم وإذا تقرر هذا
وعرف معنى الحديث فمطابقته بعد تمهيد تقسيم أحوال الحالف انه ان لم يقصد به اليمين كأن
454

لا يقصدها أو يقصدها لكن ينسى أو غير ذلك كما تقدم بيانه في لغو اليمين فلا كفارة عليه ولا اثم
وان قصدها وانعقدت ثم رأى أن المحلوف عليه أولى من الاستمرار على اليمين فليحنث وتجب عليه
الكفارة فإن تخيل أن الكفارة لا ترفع عنه اثم الحنث فهو تخيل مردود سلمنا لكن الحنث أكثر
اثما من اللجاج في ترك فعل ذلك الخير كما تقدم فللآية المذكورة التفات إلى التي قبلها فإنها
تضمنت المراد من هذا الحديث حيث جاء فيها ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم أن تبروا والمراد
لا تجعل اليمين الذي حلفت أن لا تفعل خيرا سواء كان ذلك من عمل أو ترك سببا يعتذر به
عن الرجوع عما حلفت عليه خشية من الاثم المرتب على الحنث لأنه لو كان اثما حقيقة لكان
عمل ذلك الخير رافعا له بالكفارة المشروعة ثم يبقى ثواب البر زائدا على ذلك وحديث عبد الرحمن
ابن سمرة الذي قبله يؤكد ذلك لورد الامر فيه بفعل الخير وكذا الكفارة (قوله باب
قول النبي صلى الله عليه وسلم وأيم الله) بكسر الهمزة وبفتحها والميم مضمومة وحكى الأخفش
كسرها مع كسر الهمزة وهو اسم عند الجمهور وحرف عند الزجاج وهمزته همزة وصل عند
الأكثر وهمزة قطع عند الكوفيين ومن وافقهم لأنه عندهم جمع يمين وعند سيبويه ومن وافقه
انه اسم مفرد واحتجوا بجواز كسر همزته وفتح ميمه قال ابن مالك فلو كان جمعا لم تحذف همزته
واحتج بقول عروة بن الزبير لما أصيب بولده ورجله ليمنك لئن ابتليت لقد عافيت قال فلو كان
جمعا لم يتصرف فيه بحذف بعضه قال وفيه اثنتا عشرة لغة جمعتها في بيتين وهما
همز أيم وأيمن فافتح واكسر أو أم قل * أو قل م أو من بالتثليث قد شكلا
وأيمن اختم به والله كلا أضف * إليه في قسم تستوف ما نقلا
قال ابن أبي الفتح تلميذ ابن مالك فإنه أم بفتح الهمزة وهيم بالهاء بدل الهمزة وقد حكاها القاسم بن
أحمد المعلم الأندلسي في شرح المفصل وقد قدمت في أوائل هذا الشرح في آخر التيمم لغات في هذا
فبلغت عشرين وإذا حصر ما ذكر هنا زادت على ذلك وقال غيره أصله يمين الله ويجمع أيمنا فيقال
وأيمن الله حكاه أبو عبيدة وأنشد لزهير بن أبي سلمى
فتجمع أيمن منا ومنكم * بمقسمة تمور بها الدماء
وقالوا عند القسم وأيمن الله ثم كثر فحذفوا النون كما حذفوها من لم يكن فقالوا لم يك ثم حذفوا
الياء فقالوا أم الله ثم حذفوا الألف فاقتصروا على الميم مفتوحة ومضمومة ومكسورة وقالوا
أيضا من الله بكسر الميم وضمها وأجازوا في أيمن فتح الميم وضمها وكذا في أيم ومنهم من وصل الألف
وجعل الهمزة زائدة أو مهملة وعلى هذا تبلغ لغاتها عشرين وقال الجوهري قالوا أيم الله
وربما حذفوا الياء فقالوا أم الله وربما أبقوا الميم وحدها مضمومة فقالوا م الله وربما كسروها
لأنها صارت حرفا واحدا فشبهوها بالباء قالوا وألفها ألف وصل عند أكثر النحويين ولم يجئ
ألف وصل مفتوحة غيرها وقد تدخل اللام للتأكيد فيقال ليمن الله قال الشاعر
فقال فريق القوم لما نشدتهم * نعم وفريق ليمن الله ما ندري
وذهب ابن كيسان وابن درستويه إلى أن ألفها ألف قطع وانما خففت همزتها وطرحت
في الوصل لكثرة الاستعمال وحكى ابن التين عن الداودي قال أيم الله معناه اسم الله أبدل
السين ياء وهو غلط فاحش لان السين لا تبدل ياء وذهب المبرد إلى أنها عوض من واو القسم وان
455

معنى قوله وأيم الله والله لأفعلن ونقل عن ابن عباس ان يمين الله من أسماء الله ومنه قول امرئ
القيس
فقلت يمين الله أبرح قاعدا * ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
ومن ثم قال المالكية والحنفية انه يمين وعند الشافعية ان نوى اليمين انعقدت وان نوى غير اليمين
لم ينعقد يمينا وان أطلق فوجهان أصحهما لا ينعقد الا ان نوى وعن أحمد روايتان أصحهما
الانعقاد وحكى الغزالي في معناه وجهين أحدهما انه كقوله تالله والثاني كقوله أحلف بالله وهو
الراجح ومنهم من سوى بينه وبين لعمر الله وفرق الماوردي بأن لعمر الله شاع في استعمالهم عرفا
بخلاف أيم الله واحتج بعض من قال منهم بالانعقاد مطلقا بأن معناه يمين الله ويمين الله من صفاته
وصفاته قديمة وجزم النووي في التهذيب ان قول وأيم الله كقوله وحق الله وقال إنه تنعقد به
اليمين عند الاطلاق وقد استغربوه ووقع في الباب الذي بعده ما يقويه وهو قوله في حديث أبي
هريرة في قصة سليمان بن داود عليهما السلام وأيم الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا
والله أعلم واستدل من قال بالانعقاد مطلقا بهذا الحديث ولا حجة فيه الا على التقدير المتقدم
وان معناه وحق الله ثم ذكر حديث ابن عمر في بعث أسامة وقد تقدم شرحه مستوفي في آخر
المغازي وفي المناقب وضبط قوله فيه وأيم الله بالهمز وتركه والله أعلم (قوله باب
كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم) أي التي كان يواظب على القسم بها أو يكثر وجملة
ما ذكر في الباب أربعة ألفاظ أحدها والذي نفسي بيده وكذا نفس محمد بيده فبعضها مصدر
بلفظ لا وبعضها بلفظ أما وبعضها بلفظ أيم ثانيها لا ومقلب القلوب ثالثها والله رابعها ورب
الكعبة وأما قوله لا ها الله إذا فيؤخذ منه مشروعيته من تقريره لا من لفظه والأول أكثرها
ورودا وفي سياق الثاني اشعار بكثرته أيضا وقد وقع في حديث رفاعة بن عرابة عند ابن ماجة
والطبراني كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حلف قال والذي نفسي بيده ولابن أبي شيبة من
طريق عاصم بن شميخ عن أبي سعيد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد في اليمين قال لا والذي
نفس أبي القاسم بيده ولابن ماجة من وجه آخر في هذا الحديث كانت يمين رسول الله صلى الله
عليه وسلم التي يحلف بها أشهد عند الله والذي نفسي بيده ودل ما سوى الثالث من الأربعة
على أن النهي عن الحلف بغير الله لا يراد به اختصاص لفظ الجلالة بذلك بل يتناول كل اسم
وصفته تختص به سبحانه وتعالى وقد جزم ابن حزم وهو ظاهر كلام المالكية والحنفية بأن جميع
الأسماء الواردة في القرآن والسنة الصحيحة وكذا الصفات صريح في اليمين تنعقد به وتجب
لمخالفته الكفارة وهو وجه غريب عند الشافعية وعندهم وجه أغرب منه انه ليس في شئ من
ذلك صريح الا لفظ الجلالة وأحاديث الباب ترده والمشهور عندهم وعند الحنابلة انها ثلاثة
أقسام أحدها ما يختص به كالرحمن ورب العالمين وخلق الخلق فهو صريح تنعقد به اليمين سواء
قصد الله أو أطلق ثانيها ما يطلق عليه وقد يقال لغيره لكن بقيد كالرب والحق فتنعقد به اليمين
الا ان قصد به غير الله ثالثها ما يطلق على السواء كالحي والموجود والمؤمن فإن نوى غير الله
أو أطلق فليس بيمين وان نوى به الله انعقد على الصحيح وإذا تقرر هذا فمثل والذي نفسي بيده
ينصرف عند الاطلاق لله جزما فإن نوى به غيره كملك الموت مثلا لم يخرج عن الصراحة
456

على الصحيح وفيه وجه عن بعض الشافعية وغيرهم ويلتحق به والذي فلق الحبة ومقلب القلوب
وأما مثل والذي أعبده أو أسجد له أو أصلي له فصريح جزما وجمل الأحاديث المذكورة في هذا
الباب عشرون حديثا * الحديث الأول (قوله وقال سعد) هو ابن أبي وقاص وقد مضى
الحديث المشار إليه في مناقب عمر في حديث أوله استأذن عمر على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده
نسوة الحديث وفيه أيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجاقط الا
سلك فجا غير فجك وفد مضى شرحه مستوفى هناك * الحديث الثاني (قوله وقال أبو قتادة قال
أبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم لاها الله إذا) وهو طرف من حديث موصول في غزوة حنين
وقد بسطت الكلام على هذه الكلمة هناك (قوله يقال والله وبالله وتالله) يعني ان هذه الثلاثة
حروف القسم ففي القرآن القسم بالواو وبالموحدة في عدة أشياء وبالمثناة في قوله تالله لقد آثرك
الله علينا وتالله لأكيدن أصنامكم وغير ذلك وهذا قول الجمهور وهو المشهور عن الشافعي ونقل
قول عن الشافعي ان القسم بالمثناة ليس صريحا لان أكثر الناس لا يعرفون معناها والايمان
مختصة بالعرف وتأول ذلك أصحابه وأجابوا عنه بأجوبة نعم تفترق الثلاثة بأن الأولين يدخلان
على اسم الله وغيره من أسمائه ولا تدخل المثناة الا على الله وحده وكأن المصنف أشار بايراد هذا
الكلام هنا عقب حديث أبي قتادة إلى أن أصل لاها الله لا والله فالهاء عوض عن الواو وقد
صرح بذلك جمع من أهل اللغة وقيل الهاء نفسها أيضا حرف قسم بالأصالة ونقل الماوردي ان
أصل أحرف القسم الواو ثم الموحدة ثم المثناة ونقل ابن الصباغ عن أهل اللغة ان الموحدة هي
الأصل وان الواو بدل منها وان المثناة بدل من الواو وقواه ابن الرفعة واستدل بأن الباء تعمل في
الضمير بخلاف الواو * الحديث الثالث (قوله حدثنا محمد بن يوسف) هو الفريابي وسفيان هو
الثوري وقد أخرج البخاري عن محمد بن يوسف وهو البيكندي عن سفيان وهو ابن عيينة وليس
هو المراد هنا وقد أخرج أبو نعيم في المستخرج هذا الحديث من طريق محمد بن يوسف الفريابي
حدثنا سفيان وهو الثوري وأخرجه الإسماعيلي وابن ماجة من رواية وكيع والنسائي من
رواية محمد بن بشر كلاهما عن سفيان الثوري أيضا (قوله كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم)
زاد الإسماعيل من رواية وكيع التي يحلف عليها وفي أخرى له يحلف بها (قوله لا ومقلب القلوب)
تقدم في أواخر كتاب القدر من رواية ابن المبارك عن موسى بن عقبة بلفظ كثيرا ما كان ويأتي
في التوحيد من طريقه بلفظ أكثر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحلف فذكره وأخرجه ابن
ماجة من وجه آخر عن الزهري بلفظ كان أكثر أيمان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ومصرف
القلوب وقوله لا نفى للكلام السابق ومقلب القلوب هو المقسم به والمراد بتقليب القلوب تقليب
اعراضها وأحوالها لا تقليب ذات القلب وفي الحديث دلالة عن أن أعمال القلب من الإرادات
والدواعي وسائر الاعراض بخلق الله تعالى وفيه جواز تسمية الله تعالى بما ثبت من صفاته على
الوجه الذي يليق به وفي هذا الحديث حجة لمن أوجب الكفارة على من حلف بصفة من صفات
الله فحنث ولا نزاع في أصل ذلك وانما الخلاف في أي صفة تنعقد بها اليمين والتحقيق انها مختصة
بالتي لا يشاركه فيها غيره كمقلب القلوب قال القاضي أبو بكر بن العربي في الحديث جواز الحلف
بأفعال الله إذا وصف بها ولم يذكر اسمه قال وفرق الحنفية بين القدرة والعلم فقالوا ان حلف بقدرة
457

الله انعقدت يمينه وان حلف بعلم الله لم تنعقد لان العلم يعبر به عن المعلوم كقوله تعالى قل هل
عندكم من علم فتخرجوه لنا والجواب انه هنا مجاز ان سلم أن المراد به المعلوم والكلام انما هو في
الحقيقة قال الراغب تقليب الله القلوب والابصار صرفها عن رأي إلى رأي والتقلب التصرف
قال تعالى أو يأخذهم في تقلبهم قال وسمى قلب الانسان لكثرة تقلبه ويعبر بالقلب عن المعاني
التي يختص بها من الروح والعلم والشجاعة ومنه قوله وبلغت القلوب الحناجر أي الأرواح وقوله
لمن كان له قلب أي علم وفهم وقوله ولتطمئن به قلوبكم أي تثبت به شجاعتكم وقال القاضي أبو
بكر بن العربي القلب جزء من البدن خلقه الله وجعله للانسان محل العلم والكلام وغير ذلك
من الصفات الباطنة وجعل ظاهر البدن محل التصرفات الفعلية والقولية ووكل بها ملكا يأمر
بالخير وشيطانا يأمر بالشر فالعقل بنوره يهديه والهوى بظلمته يغويه والقضاء والقدر مصيطر على
الكل والقلب يتقلب بين الخواطر الحسنة والسيئة واللمة من الملك تارة ومن الشيطان أخرى
والمحفوظ من حفظه الله تعالى * الحديث الرابع والخامس حديث جابر بن سمرة وأبي هريرة
إذا هلك كسرى وقد تقدم شرحهما في أواخر علامات النبوة والغرض منهما قوله والذي نفسي
بيده * الحديث السادس حديث عائشة وهو طرف من حديث طويل تقدم في صلاة
الكسوف واقتصر هنا على آخره لقوله والله لو تعلمون ومحمد في أول هذا السند هو ابن سلام
وعبدة هو ابن سليمان وفي قوله صلى الله عليه وسلم (1) لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا
دلالة على اختصاصه بمعارف بصرية وقلبية وقد يطلع الله عليها غيره من المخلصين من أمته لكن
بطريق الاجمال وأما تفاصيلها فاختص بها النبي صلى الله عليه وسلم فقد جمع الله له بين علم
اليقين وعين اليقين مع الخشية القلبية واستحضار العظمة الإلهية على وجه لم يجتمع لغيره
ويشير إلى ذلك قوله في الحديث الماضي في كتاب الايمان من حديث عائشة ان أتقاكم وأعلمكم
بالله لأنا * الحديث السابع حديث عبد الله بن هشام أي ابن زهرة بن عثمان التيمي من رهط
الصديق (قوله كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب) تقدم هذا
القدر من هذا الحديث بهذا السند في آخر مناقب عمر فذكرت هناك نسب عبد الله بن هشام
وبعض حاله وتقدم له ذكر في الشركة والدعوات (قوله فقال له عمر يا رسول الله لانت أحب إلي
من كل شئ الا نفسي) اللام لتأكيد القسم المقدر كأنه قال والله لانت الخ (قوله لا والذي
نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك) أي لا يكفي ذلك لبلوغ الرتبة العليا حتى يضاف
إليه ما ذكر وعن بعض الزهاد تقدير الكلام لا تصدق في حبي حتى تؤثر رضاي على هواك وإن كان
فيه الهلاك وقد قدمت تقرير هذا في أوائل كتاب الايمان (قوله فقال له عمر فإنه الان
يا رسول الله لانت أحب إلي من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم الان يا عمر) قال الداودي
وقوف عمر أول مرة واستثناؤه نفسه انما اتفق حتى لا يبلغ ذلك منه فيحلف بالله كاذبا فلما قال له
ما قال تقرر في نفسه انه أحب إليه من نفسه فحلف كذا قال وقال الخطابي حب الانسان نفسه
طبع وحب غيره اختيار بتوسط الأسباب وانما أراد عليه الصلاة والسلام حب الاختيار إذ
لا سبيل إلى قلب الطباع وتغييرها عما جبلت عليه (قلت) فعلى هذا فجواب عمر أولا كان بحسب
الطبع ثم تأمل فعرف بالاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه لكونه
458

السبب في نجاتها من المهلكات في الدنيا والاخرى فأخبر بما اقتضاه الاختيار ولذلك حصل
الجواب بقوله الان يا عمر أي الان عرفت فنطقت بما يجب وأما تقرير بعض الشراح الان
صار ايمانك معتدا به إذ المرء لا يعتد بإيمانه حتى يقتضي عقله ترجيح جانب الرسول ففيه سوء أدب
في العبارة وما أكثر ما يقع مثل هذا في كلام الكبار عند عدم التأمل والتحرز لاستغراق الفكر
في المعنى الأصلي فلا ينبغي التشديد في الانكار على من وقع ذلك منه بل يكتفي بالإشارة إلى الرد
والتحذير من الاغترار به لئلا يقع المنكر في نحو مما أنكره * الحديث الثامن والتاسع حديث
أبي هريرة وزيد بن خالد في قصة العسيف وسيأتي شرحه مستوفي في الحدود والغرض منه قوله
صلى الله عليه وسلم أما والذي نفسي بيده لأقضين وسقطت أما وهي بتخفيف الميم للافتتاح من
بعض الروايات * الحديث العاشر (قوله عبد الله بن محمد) هو الجعفي وفي شيوخ البخاري
عبد الله بن محمد وهو أبو بكر بن أبي شيبة لكنه لم يسم أباه في شئ من الأحاديث التي أخرجها اما
يكنيه ويكنى أباه أو يسميه ويكني أباه بخلاف الجعفي فإنه ينسبه تارة وأخرى لا ينسبه كهذا
الموضع ووهب هو ابن جرير بن حازم ومحمد بن أبي يعقوب نسبه إلى جده وهو محمد بن عبد الله
ابن أبي يعقوب الضبي وأبو بكرة هو الثقفي والاسناد من وهب فصاعدا بصريون (قوله أرأيتم
إن كان أسلم) أي أخبروني والمراد بأسلم ومن ذكر معها قبائل مشهورة وقد تقدم شرح الحديث
المذكور في أوائل المبعث النبوي والمراد منه قوله فيه فقال والذي نفسي بيده أنتم خير منهم
والمراد خيرية المجموع على المجموع وان جاز أن يكون في المفضولين فرد أفضل من فرد من الأفضلين
الحديث الحادي عشر (قوله استعمل عاملا) هو ابن اللتبية بضم اللام وسكون المثناة وكسر
الموحدة ثم ياء النسب واسمه عبد الله كما تقدمت الإشارة إليه في كتاب الزكاة وشئ من شرحه
في الهبة ويأتي شرحه مستوفي في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى (قوله في آخره قال أبو حميد
وقد سمع ذلك معي زيد بن ثابت من النبي صلى الله عليه وسلم فسلوه) قد فتشت مسند زيد بن ثابت
فلم أجد لهذه القصة فيه ذكرا * الحديث الثاني عشر حديث أبي هريرة لو تعلمون ما أعلم الحديث
459

مختصرا وقد تقدمت الإشارة إليه في الحديث السادس * الحديث الثالث عشر حديث أبي ذر
أورده مختصرا وقد تقدم شرحه مستوفى في الرقاق وساق بهذا السند في كتاب الزكاة المتن
بتمامه * الحديث الرابع عشر (قوله قال سليمان) أي ابن داود نبي الله صلى الله عليه وسلم
وقد تقدم منسوبا في أوائل الجهاد وتقدم شرحه مستوفى في ترجمة سليمان من أحاديث الأنبياء
ويأتي ما يتعلق بقوله إن شاء الله تعالى في باب الاستثناء في الايمان من كتاب كفارة الايمان
وأورده هنا لقوله فيه وأيم الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله الحديث هكذا وقع في هذه
الرواية وفي سائر الطرق كما تقدم في ترجمة سليمان بغير يمين واستدل بما وقع في هذا الموضع على
جواز إضافة أيم إلى غير لفظ الجلالة وأجيب بأنه نادر ومنه قول عروة بن الزبير في قصته المتقدمة
ليمنك لئن ابتليت فقد عافيت فأضافها إلى الضمير الحديث الخامس عشر حديث البراء بن عازب
في ذكر مناديل سعد تقدم شرحه في المناقب وفي اللباس وقوله في آخره لم يقل شعبة وإسرائيل
عن أبي إسحاق والذي نفسي بيده يعني انهما روياه عن أبي إسحاق عن البراء كما رواه أبو الأحوص
وان أبا الأحوص انفرد عنهما بهذه الزيادة وقد تقدم حديث شعبة في المناقب وحديث إسرائيل
في اللباس موصولا قال الإسماعيلي وكذا رواه الحسين بن واقد عن أبي إسحاق وكذا قال أبو عاصم
أحمد بن جواس بفتح الجيم وتشديد الواو ثم المهملة عن أبي الأحوص أخرجه الإسماعيلي من
طريقه وقال هو من المتخصصين بأبي الأحوص (قلت) وشيخ البخاري الذي زادها عن أبي
الأحوص هو محمد بن سلام وقد وافقه هناد بن السرى عن أبي الأحوص أخرجه ابن ماجة
* الحديث السادس عشر (قوله يونس) هو ابن يزيد (قوله ما كان مما على ظهر الأرض أهل
أخباء أو خباء) كذا فيه بالشك هل هو بصيغة الجمع أو الافراد وبين ان الشك من يحيى وهو ابن
عبد الله بن بكير شيخ البخاري فيه وقد تقدم في النفقات من رواية ابن المبارك عن يونس بن يزيد
بلفظ أهل خباء بالافراد ولم يشك وكذا للإسماعيلي من طريق عنبسة عن يونس وتقدم شرح
الحديث في أواخر المناقب وقوله إن أبا سفيان هو ابن حرب والد معاوية وقوله رجل مسيك
بكسر الميم وتشديد السين وبفتح الميم وتخفيف السين وتقدم ذلك واضحا في كتاب النفقات وقوله
لا بالمعروف الباء متعلقة بالانفاق لا بالنفي وقد مضى في المناقب بلفظ فقال لا الا بالمعروف وهي
أوضح والله أعلم * الحديث السابع عشر (قوله حدثنا أحمد بن عثمان) هو الأودي وشريح
460

بالشين المعجمة والحاء المهملة وإبراهيم بن يوسف أي ابن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي فأبو إسحاق
جد يوسف والسند كله كوفيون ومضى شرح الحديث مستوفي في كتاب الرقاق * الحديث
الثامن عشر حديث أبي سعيد في قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن تقدم مشروحا في فضائل
القرآن * الحديث التاسع عشر (قوله حدثنا إسحاق) هو ابن راهويه وحبان بفتح أوله ثم الموحدة
وتقدم شرح الحديث المذكور في صفة الصلاة * الحديث العشرون (قوله حدثنا إسحاق)
هو ابن راهويه أيضا (قوله أن امرأة من الأنصار) لم أقف على اسمها ولا على أسماء أولادها (قوله
معها أولادها) في رواية الكشميهني أولاد لها (قوله انكم لأحب الناس إلي) تقدم الكلام عليه
في مناقب الأنصار وفي هذه الأحاديث جواز الحلف بالله تعالى وقال قوم يكره لقوله تعالى ولا
تجعلوا الله عرضة لايمانكم ولأنه ربما عجز عن الوفاء بها ويحمل ما ورد من ذلك على ما إذا كان في
طاعة أو دعت إليها حاجة كتأكيد أمر أو تعظيم من يستحق التعظيم أو كان في دعوى عند
الحاكم وكان صادقا (قوله باب) بالتنوين (لا تحلفوا بآبائكم) هذه الترجمة
لفظ رواية ابن دينار عن ابن عمر في الباب لكنها مختصرة على ما سأبينه وقد أخرج النسائي
وأبو داود في رواية ابن داسة عنه من حديث أبي هريرة مثله بزيادة ولفظه لا تحلفوا بآبائكم
ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ولا تحلفوا الا بالله الحديث (قوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أدرك عمر بن الخطاب وهو يسير) هذا السياق يقتضي ان الخبر من مسند ابن عمر وكذا وقع في
رواية عبد الله بن دينار عن ابن عمر ولم أر عن نافع في ذلك اختلافا الا ما حكى يعقوب بن شيبة ان
عبد الله بن عمر العمري الضعيف المكبر رواه عن نافع فقال عن ابن عمر عن عمر قال ورواه
عبيد الله بن عمر العمري المصغر الثقة عن نافع فلم يقل فيه عن عمر وهكذا رواه الثقات عن نافع
لكن وقع في رواية أيوب عن نافع ان عمر لم يقل فيه عن ابن عمر (قلت) قد أخرجه مسلم من طريق
أيوب فذكره وأخرجه أيضا عن جماعة من أصحاب نافع بموافقة مالك ووقع للمزي في الأطراف
انه وقع في رواية عبد الكريم عن نافع عن ابن عمر في مسند عمر وهو معترض فان مسلما ساق
أسانيده فيه إلى سبعة أنفس من أصحاب نافع منهم عبد الكريم ثم قال سبعتهم عن نافع عن ابن
عمر بمثل هذه القصة وقد أورد المزي طرق الستة الآخرين في مسند ابن عمر على الصواب ووقع
الاختلاف في رواية سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه كما أشار المصنف إليه كما سأذكره (قوله في
ركب) في مسند يعقوب بن شيبة من طريق ابن عباس عن عمر بينا انا راكب أسير في غزاة مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله يحلف بأبيه) في رواية سفيان ابن عيينة عن ابن شهاب أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع عمر وهو يحلف بأبيه وهو يقول وأبي وأبي وفي رواية إسماعيل
ابن جعفر عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر من الزيادة وكانت قريش تحلف بآبائها (قوله فقال
ألا ان الله ينهاكم أن تحلفوا بابائكم) في رواية الليث عن نافع فناداهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم ووقع في مصنف ابن أبي شيبة من طريق عكرمة قال قال عمر حدثت قوما حديثا فقلت
لا وأبي فقال رجل من خلفي لا تحلفوا بآبائكم فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
لو أن أحدكم حلف بالمسيح هلك والمسيح خير من آبائكم وهذا مرسل يتقوى بشواهده وقد
أخرج الترمذي من وجه آخر عن ابن عمر انه سمع رجلا يقول لا والكعبة فقال لا تحلف بغير الله
461

فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك قال
الترمذي حسن وصححه الحاكم والتعبير بقوله فقد كفر أو أشرك للمبالغة في الزجر والتغليظ
في ذلك وقد تمسك به من قال بتحريم ذلك (قوله من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت) قال
العلماء السر في النهي عن الحلف بغير الله ان الحلف بالشئ يقتضي تعظيمه والعظمة في الحقيقة
انما هي لله وحده وظاهر الحديث تخصيص الحلف بالله خاصة لكن قد اتفق الفقهاء على
أن اليمين تنعقد بالله وذاته وصفاته العلية واختلفوا في انعقادها ببعض الصفات كما سبق وكأن
المراد بقوله بالله الذات لا خصوص لفظ الله وأما اليمين بغير ذلك فقد ثبت المنع فيها وهل المنع
للتحريم قولان عند المالكية كذا قال ابن دقيق العيد والمشهور عندهم الكراهة والخلاف
أيضا عند الحنابلة لكن المشهور عندهم التحريم وبه جزم الظاهرية وقال ابن عبد البر لا يجوز
الحلف بغير الله بالاجماع ومراده بنفي الجواز الكراهة أعم من التحريم والتنزيه فإنه قال في
موضع آخر أجمع العلماء على أن اليمين بغير الله مكروهة منهي عنها لا يجوز لاحد الحلف بها
والخلاف موجود عند الشافعية من أجل قول الشافعي أخشى أن يكون الحلف بغير الله
معصية فاشعر بالتردد وجمهور أصحابه على أنه للتنزيه وقال إمام الحرمين المذهب القطع
بالكراهة وجزم غيره بالتفصيل فان اعتقد في المحلوف فيه من التعظيم ما يعتقده في الله حرم
الحلف به وكان بذلك الاعتقاد كافرا وعليه يتنزل الحديث المذكور وأما إذا حلف بغير
الله لاعتقاده تعظيم المحلوف به على ما يليق به من التعظيم فلا يكفر بذلك ولا تنعقد يمينه قال
الماوردي لا يجوز لاحد ان يحلف أحدا بغير الله لا بطلاق ولا عتاق ولا نذر وإذا حلف الحاكم
أحدا بشئ من ذلك وجب عزله لجهله (قوله عن يونس) هو ابن يزيد الأيلي في رواية مسلم عن
حرملة عن ابن وهب أخبرني يونس (قوله قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله ينهاكم)
في رواية معمر عن ابن شهاب بهذا السند عن عمر سمعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أحلف
بأبي فقال إن الله فذكر الحديث أخرجه أحمد عنه هكذا (قوله فوالله ما حلفت بها منذ سمعت
النبي صلى الله عليه وسلم) زاد مسلم في روايته ينهى عنها (قوله ذاكرا) أي عامدا (قوله ولا آثرا)
بالمد وكسر المثلثة أي حاكيا عن الغير أي ما حلفت بها ولا حكيت ذلك عن غيري ويدل عليه
ما وقع في رواية عقيل عن ابن شهاب عند مسلم ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم ينهى عنها ولا تكلمت بها وقد استشكل هذا التفسير لتصدير الكلام بحلفت والحاكي عن
غيره لا يسمى حالفا وأجيب باحتمال أن يكون العامل فيه محذوفا أي ولا ذكرتها آثرا عن غيري
أو يكون ضمن حلفت معنى تكلمت ويقويه رواية عقيل وجوز شيخنا في شرح الترمذي لقوله
آثرا معنى آخر أي مختارا يقال آثر الشئ إذا اختاره فكأنه قال ولا حلفت بها مؤثرا لها على
غيرها قال شيخنا ويحتمل أن يرجع قوله آثرا إلى معنى التفاخر بالآباء في الاكرام لهم ومنه قولهم
مأثرة ومآثر وهو ما يروى من المفاخر فكأنه قال ما حلفت بآبائي ذاكرا لمآثرهم وجوز في قوله
ذاكرا أن يكون من الذكر بضم المعجمة كأنه احترز عن أن يكون ينطق بها ناسيا وهو يناسب
تفسير آثرا بالاختيار كأنه قال لا عامدا ولا مختارا وجزم ابن التين في شرحه بأنه من الذكر
بالكسر لا بالضم قال وانما هو لم أقله من قبل نفسي ولا حدثت به عن غيري انه حلف به قال وقال
462

الداودي يريد ما حلفت بها ولا ذكرت حلف غيري بها كقوله ان فلانا قال وحق أبي مثلا
واستشكل أيضا ان كلام عمر المذكور يقتضي انه تورع عن النطق بذلك مطلقا فكيف نطق به
في هذه القصة وأجيب بأنه اغتفر ذلك لضرورة التبليغ (قوله قال مجاهد أو أثارة من علم يأثر
علما) كذا في جميع النسخ يأثر بضم المثلثة وهذا الأثر وصله الفريابي في تفسيره عن ورقاء عن
ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم قال أحد يأثر علما
فكأنه سقط أحد من أصل البخاري وقد تقدم في تفسير الأحقاف النقل عن أبي عبيدة وغيره في
بيان هذه اللفظة الاختلاف في قرائتها ومعناها وذكر الصغاني وغيره انه قرئ أيضا إثارة بكسر
أوله وأثرة بفتحتين وسكون ثانيه مع فتح أوله ومع كسره وحديث ابن عباس المذكور هناك أخرجه
أحمد وشك في رفعه وأخرجه الحاكم موقوفا وهو الراجح وفي رواية جودة الخط وقال الراغب
في قوله سبحانه وتعالى أو أثارة من علم وقرئ أو أثرة يعني بفتحتين وهو ما يروي أي يكتب فيبقى له
أثر تقول أثرت العلم رويته آثره أثرا وأثارة وأثرة والأصل في أثر الشئ حصول ما يدل على وجوده
ومحصل ما ذكروه ثلاثة أقوال أحدها البقية وأصله أثرت الشئ أثيره إثارة كأنها بقية تستخرج
فتثار الثاني من الأثر وهو الرواية الثالث من الأثر وهو العلامة (قوله تابعه عقيل والزبيدي
وإسحاق الكلبي عن الزهري) أما متابعة عقيل فوصلها مسلم من طريق الليث بن سعد عنه وقد
بينت ما فيها ولليث فيه سند آخر رواه عن نافع عن ابن عمر فجعله من مسنده وقد مضى في الأدب وأما
متابعة الزبيدي فوصلها النسائي مختصرة من طريق محمد بن حرب عن محمد بن الوليد الزبيدي
عن الزهري عن سالم عن أبيه انه أخبره عن عمران رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله
ينهاكم ان تحلفوا بابائكم قال عمر فوالله ما حلفت بها ذاكرا ولا آثرا وأما متابعة إسحاق الكلبي
وهو ابن يحيى الحمصي فوقعت لنا موصولة في نسخته المروية من طريق أبي بكر أحمد بن إبراهيم
ابن شاذان عن عبد القدوس بن موسى الحمصي عن سليم بن عبد الحميد عن يحيى بن صالح الوحاظي
عن إسحاق ولفظه عن الزهري أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه انه أخبرني ان عمر بن الخطاب
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكر مثل رواية يونس عند مسلم لكن قال بعد
قوله ينهى عنها ولا تكلمت بها ذاكرا ولا آثرا فجمع بين لفظ يونس ولفظ عقيل وقد صرح مسلم
بأن عقيلا لم يقل في روايته ذاكرا ولا آثرا (قوله وقال ابن عيينة ومعمر عن الزهري عن سالم
عن ابن عمر سمع النبي صلى الله عليه وسلم عمر) أما رواية ابن عيينة فوصلها الحميدي في مسنده عنه
بهذا السياق وكذا قال أبو بكر بن أبي شيبة وجمهور أصحاب ابن عيينة عنه منهم الإمام أحمد
وقال محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني ومحمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ وسعيد بن عبد الرحمن
المخزومي بهذا السند عن ابن عمر عن عمر سمعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بين ذلك
الإسماعيلي فقال اختلف فيه على سفيان بن عيينة وعلى معمر ثم ساقه من طريق ابن أبي عمر عن
سفيان فقال في روايته عن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم سمعه يحلف بأبيه قال وقال عمرو الناقد
وغير واحد عن سفيان بسنده إلى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع عمر وأما رواية معمر
463

فوصلها الإمام أحمد عن عبد الرزاق عنه وأخرجها أبو داود عن أحمد (قلت) وصنيع مسلم
يقتضي ان رواية معمر كذلك فإنه صدر برواية يونس ثم ساقه إلى عقيل ثم قال بعدها وحدثنا إسحاق
ابن إبراهيم وعبد بن حميد قالا أنبأنا عبد الرزاق أنبأنا معمر ثم قال كلاهما عن الزهري بهذا
الاسناد أي الاسناد الذي ساقه ليونس مثله أي مثل المتن الذي ساقه له قال غير أن في حديث
عقيل ولا تكلمت بها لكن حكى الإسماعيلي ان إسحاق بن إبراهيم رواه عن عبد الرزاق كرواية
أحمد عنه وأخرجه الإسماعيلي من طريق ابن أبي عمر عن عبد الرزاق فقال في روايته عن عمر سمعني
النبي صلى الله عليه وسلم أحلف وهكذا قال محمد بن أبي السرى عن عبد الرزاق وذكر الإسماعيلي
ان عبد الاعلى رواه عن معمر فلم يقل في السند عن عمر كرواية أحمد (قلت) وكذا أخرجه أحمد
في مسنده من رواية عبد الاعلى قال يعقوب بن شيبة رواه إسحاق بن يحيى عن سالم عن أبيه ولم يقل
عن عمر (قلت) فكان الاختلاف فيه على الزهري رواه إسحاق بن يحيى وهو متقن صاحب
حديث ويشبه أن يكون ابن عمر سمع المتن من النبي صلى الله عليه وسلم والقصة التي وقعت لعمر
منه فحدث به على الوجهين وفي هذا الحديث من الفوائد الزجر عن الحلف بغير الله وانما خص
في حديث عمر بالآباء لوروده على سببه المذكور أو خص لكونه كان غالبا عليه لقوله في الرواية
الأخرى وكانت قريش تحلف بآبائها ويدل على التعميم قوله من كان حالفا فلا يحلف الا بالله
وأما ما ورد في القرآن من القسم بغير الله ففيه جوابان أحدهما ان فيه حذفا والتقدير ورب
الشمس ونحوه الثاني ان ذلك يختص بالله فإذا أراد تعظيم شئ من مخلوقاته أقسم به وليس لغيره
ذلك وأما ما وقع مما يخالف ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم للاعرابي أفلح وأبيه ان صدق فقد
تقدم في أوائل هذا الشرح في باب الزكاة من الاسلام في كتاب الايمان الجواب عن ذلك وان
فيهم من طعن في صحة هذه اللفظة قال ابن عبد البر هذه اللفظة غير محفوظة وقد جاءت عن راويها
وهو إسماعيل بن جعفر بلفظ أفلح والله ان صدق قال وهذا أولى من رواية من روى عنه بلفظ
أفلح وأبيه لأنها لفظة منكرة تردها الآثار الصحاح ولم يقع في رواية مالك أصلا وزعم بعضهم
ان بعض الرواة عنه صحف قوله وأبيه من قوله والله وهو محتمل ولكن مثل ذلك لا يثبت
بالاحتمال وقد ثبت مثل ذلك من لفظ أبي بكر الصديق في قصة السارق الذي سرق حلى ابنته
فقال في حقه وأبيك ما ليلك بليل سارق أخرجه في الموطأ وغيره قال السهيلي وقد ورد نحوه
في حديث آخر مرفوع قال للذي سأل أي الصدقة أفضل فقال وأبيك لتنبأن أخرجه مسلم فإذا
ثبت ذلك فيجاب بأجوبة الأول أن هذا اللفظ كان يجري على ألسنتهم من غير أن يقصدوا به
القسم والنهي انما ورد في حق من قصد حقيقة الحلف والى هذا جنح البيهقي وقال النووي انه
الجواب المرضي الثاني انه كان يقع في كلامهم على وجهين أحدهما للتعظيم والاخر للتأكيد
والنهي اما وقع عن الأول فمن أمثلة ما وقع في كلامهم للتأكيد لا للتعظيم قول الشاعر
لعمر أبي الواشين اني أحبها * وقول الاخر
فان تك ليلى استودعتني أمانة * فلا وأبي أعدائها لا أذيعها
فلا يظن أن قائل ذلك قصد تعظيم والد أعدائها كما لم يقصد الاخر تعظيم والد من وشى به فدل على
أن القصد بذلك تأكيد الكلام لا التعظيم وقال البيضاوي هذا اللفظ من جملة ما يزاد في الكلام
464

لمجرد التقرير والتأكيد ولا يراد به القسم كما تزاد صيغة النداء لمجرد الاختصاص دون القصد إلى
النداء وقد تعقب الجواب بأن ظاهر سياق حديث عمر يدل على أنه كان يحلفه لان في بعض طرقه
انه كان يقول لا وأبي لا وأبي فقيل له لا تحلفوا فلولا انه أتى بصيغة الحلف ما صادف النهي
محلا ومن ثم قال بعضهم وهذا الجواب الثالث ان هذا كان جائزا ثم نسخ قاله الماوردي وحكاه
البيهقي وقال السبكي أكثر الشراح عليه حتى قال ابن العربي وروى أنه صلى الله عليه وسلم
كان يحلف بأبيه حتى نهى عن ذلك قال وترجمة أبي داود تدل على ذلك يعني قوله باب الحلف
بالآباء ثم أورد الحديث المرفوع الذي فيه أفلح وأبيه ان صدق قال السهيلي ولا يصح لأنه لا يظن
بالنبي صلى الله عليه وسلم انه كان يحلف بغير الله ولا يقسم بكافر تالله ان ذلك لبعيد من شيمته
وقال المنذري دعوى النسخ ضعيفة لامكان الجمع ولعدم تحقق التاريخ والجواب الرابع ان
في الجواب حذفا تقديره أفلح ورب أبيه قاله البيهقي وقد تقدم الخامس أنه للتعجب قاله السهيلي
قال ويدل عليه انه لم يرد بلفظ أبي وانما ورد بلفظ وأبيه أو وأبيك بالإضافة إلى ضمير المخاطب
حاضرا أو غائبا السادس ان ذلك خاص بالشارع دون غيره من أمته وتعقب بأن الخصائص
لا تثبت بالاحتمال وفيه ان من حلف بغير الله مطلقا لم تنعقد يمينه سواء كان المحلوف به يستحق
التعظيم لمعنى غير العبادة كالأنبياء والملائكة والعلماء والصلحاء والملوك والاباء والكعبة أو كان
لا يستحق التعظيم كالآحاد أو يستحق التحقير والاذلال كالشياطين والأصنام وسائر من عبد من
دون الله واستثنى بعض الحنابلة من ذلك الحلف بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال تنعقد به
اليمين وتجب الكفارة بالحنث فاعتل بكونه أحد ركني الشهادة التي لا تتم الا به وأطلق ابن العربي
نسبته لمذهب أحمد وتعقبه بأن الايمان عند أحمد لا يتم الا بفعل الصلاة فيلزمه ان من حلف
بالصلاة ان تنعقد يمينه ويلزمه الكفارة إذا حنث ويمكن الجواب عن إيراده والانفصال عما
ألزمهم به وفيه الرد على من قال إن فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني أو كافر أنه ينعقد يمينا
ومتى فعل تجب عليه الكفارة وقد نقل ذلك عن الحنفية والحنابلة ووجه الدلالة من الخير انه لم
يحلف بالله ولا بما يقوم مقام ذلك وسيأتي مزيد لذلك بعد وفيه ان من قال أقسمت لأفعلن كذا
لا يكون يمينا وعند الحنفية يكون يمينا وكذا قال مالك وأحمد لكن بشرط أن ينوي بذلك الحلف
بالله وهو متجه وقد قال بعض الشافعية ان قال علي أمانة الله لأفعلن كذا وأراد اليمين انه يمين والا
فلا وقال ابن المنذر اختلف أهل العلم في معنى النهي عن الحلف بغير الله فقالت طائفة هو خاص
بالايمان التي كان أهل الجاهلية يحلفون بها تعظيما لغير الله تعالى كاللات والعزى والاباء فهذه
يأثم الحالف بها ولا كفارة فيها وأما ما كان يؤول إلى تعظيم الله كقوله وحق النبي والاسلام والحج
والعمرة والهدي والصدقة والعتق ونحوها مما يراد به تعظيم الله والقربة إليه فليس داخلا
في النهي وممن قال بذلك أبو عبيد وطائفة ممن لقيناه واحتجوا بما جاء عن الصحابة من ايجابهم على
الحالف بالعتق والهدي والصدقة ما أوجبوه مع كونهم رأوا النهي المذكور فدل على أن ذلك
عندهم ليس على عمومه إذ لو كان عاما لنهوا عن ذلك ولم يوجبوا فيه شيئا انتهى وتعقبه ابن عبد
البر بأن ذكر هذه الأشياء وإن كانت بصورة الحلف فليست يمينا في الحقيقة وانما خرج على
الاتساع ولا يمين في الحقيقة الا بالله وقال المهلب كانت العرب تحلف بآبائها وآلهتها فأراد الله
465

نسخ ذلك من قلوبهم لينسيهم ذكر كل شئ سواه ويبقى ذكره لأنه الحق المعبود فلا يكون اليمين
الا به والحلف بالمخلوقات في حكم الحلف بالآباء وقال الطبري في حديث عمر يعنى حديث الباب
ان اليمين لا تنعقد الا بالله وأن من حلف بالكعبة أو آدم أو جبريل ونحو ذلك لم تنعقد يمينه ولزمه
الاستغفار لاقدامه على ما نهي عنه ولا كفارة في ذلك وأما ما وقع في القرآن من القسم بشئ من
المخلوقات فقال الشعبي الخالق يقسم بما شاء من خلقه والمخلوق لا يقسم الا بالخالق قال ولان
أقسم بالله فأحنث أحب إلي من أن أقسم بغيره فابر وجاء مثله عن ابن عباس وابن مسعود وابن
عمر ثم أسند عن مطرف عن عبد الله أنه قال انما أقسم الله بهذه الأشياء ليعجب بها المخلوقين
ويعرفهم قدرته لعظم شأنها عندهم ولدلالتها على خالقها وقد أجمع العلماء على من وجبت له يمين
على آخر في حق عليه أنه لا يحلف له الا بالله فلو حلف له بغيره وقال نويت رب المحلوف به لم يكن
ذلك يمينا وقال ابن هبيرة في كتاب الاجماع أجمعوا على أن اليمين منعقدة بالله وبجميع أسمائه
الحسنى وبجميع صفات ذاته كعزته وجلاله وعلمه وقوته وقدرته واستثنى أبو حنيفة علم الله فلم
يره يمينا وكذا حق الله واتفقوا على أنه لا يحلف بمعظم غير الله كالنبي وانفرد أحمد في رواية فقال
تنعقد وقال عياض لا خلاف بين فقهاء الأمصار ان الحلف بأسماء الله وصفاته لازم الا ما جاء عن
الشافعي من اشتراط نية اليمين في الحلف بالصفات وإلا فلا كفارة وتعقب إطلاقه ذلك عن الشافعي
وانما يحتاج إلى النية عنده ما يصح إطلاقه عليه سبحانه وتعالى وعلى غيره وأما مالا يطلق في
معرض التعظيم شرعا الا عليه تنعقد اليمين به وتجب الكفارة إذا حنث كمقلب القلوب وخالق
الخلق ورازق كل حي ورب العالمين وفالق الحب وبارئ النسمة وهذا في حكم الصريح كقوله
والله وفي وجه لبعض الشافعية ان الصريح الله فقط ويظهر أثر الخلاف فيما لو قال قصدت غير
الله هل ينفعه في عدم الحنث وسيأتي زيادة تفصيل فيما يتعلق بالصفات في باب الحلف بعزة الله
وصفاته والمشهور عن المالكية التعميم وعن أشهب التفصيل في مثل وعزة الله أن أراد التي
جعلها بين عباده فليست بيمين وقياسه أن يطرد في كل ما يصح إطلاقه عليه وعلى غيره وقال به ابن
سحنون منهم في عزة الله وفي العتبية ان من حلف بالمصحف لا تنعقد واستنكره بعضهم ثم أولها
على أن المراد إذا أراد جسم المصحف والتعميم عند الحنابلة حتى لو أراد بالعلم والقدرة المعلوم
والمقدور انعقدت والله أعلم (تنبيه) وقع في رواية محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر في آخر
هذا الحديث زيادة أخرجها ابن ماجة من طريقه بلفظ سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا
يحلف بأبيه فقال لا تحلفوا بآبائكم من حلف بالله فليصدق ومن حلف له بالله فليرض ومن لم
يرض بالله فليس من الله وسنده حسن ثم ذكر حديث أبي موسى في قصة الذي حلف ان
لا يأكل الدجاج وفيه قصة أبي موسى مع النبي صلى الله عليه وسلم لما استحمل النبي صلى الله عليه
وسلم للأشعريين وفيه لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها الا كفرت الحديث وقد تقدم
شرح ما يتعلق بالدجاج وبما وقع في صدر الحديث من قصة الرجل الجرمي وتسميته في كتاب
الذبائح ويأتي شرح قصته في كفارات الايمان وقوله في السند عبد الوهاب هو ابن عبد المجيد
الثقفي وأيوب هو السختياني والقاسم التيمي هو ابن عاصم بصرى تابعي وهو من صغار شيوخ
أيوب قال ابن المنير أحاديث الباب مطابقة للترجمة الا حديث أبي موسى لكن يمكن أن يقال
466

ان النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن أيمانه انها تقتضي الكفارة والذي يشرع تكفيره ما كان
الحلف فيه بالله تعالى فدل على أنه لم يكن يحلف الا بالله تعالى (قوله باب لا يحلف
باللات والعزى ولا بالطواغيت) أما الحلف باللات والعزى فذكر في حديث الباب وقد تقدم
تفسيره في تفسير سورة النجم وأما الطواغيت فوقع في حديث أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة
من طريق هشام بن حسان عن الحسن البصري عن عبد الرحمن بن سمرة مرفوعا لا تحلفوا
بالطواغيت ولا بآبائكم وفي رواية مسلم وابن ماجة بالطواغي وهو جمع طاغية والمراد الصنم ومنه
الحديث الآخر طاغية دوس أي صنمهم سمي باسم المصدر لطغيان الكفار بعبادته لكونه السبب
في طغيانهم وكل من جاوز الحد في تعظيم أو غيره فقد طغى ومنه قوله تعالى إنا لما طغى الماء وأما
الطواغيت فهو جمع طاغوت وقد تقدم بيانه في تفسير سورة النساء ويجوز أن يكون الطواغي
مرخما من الطواغيت بدون حرف النداء على أحد الآراء ويدل عليه مجئ أحد اللفظين موضع
الاخر في حديث واحد ولذلك اقتصر المصنف على لفظ الطواغيت لكونه الأصل وعطفه
على اللات والعزى لاشتراك الكل في المعنى وانما أمر الحالف بذلك بقول لا إله إلا الله لكونه
تعاطى صورة تعظيم الصنم حيث حلف به قال جمهور العلماء من حلف باللات والعزى أو غيرهما
من الأصنام أو قال إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني أو برئ من الاسلام أو من النبي صلى
الله عليه وسلم لم تنعقد يمينه وعليه أن يستغفر الله ولا كفارة عليه ويستحب أن يقول لا إله
إلا الله وعن الحنفية تجب الكفارة الا في مثل قوله أنا مبتدع أو برئ من النبي صلى الله عليه وسلم
واحتج بايجاب الكفارة على المظاهر مع أن الظهار منكر من القول وزور كما قال الله تعالى والحلف
بهذه الأشياء منكر وتعقب بهذا الخبر لأنه لم يذكر فيه الا الامر بلا إله إلا الله ولم يذكر فيه كفارة
والأصل عدمها حتى يقام الدليل وأما القياس على الظهار فلا يصح لانهم لم يوجبوا فيه كفارة
الظهار واستثنوا أشياء لم يوجبوا فيها كفارة أصلا مع أنه منكر من القول وقال النووي في
الاذكار الحلف بما ذكر حرام تجب التوبة منه وسبقه إلى ذلك الماوردي وغيره ولم يتعرضوا
لوجوب قول لا إله إلا الله وهو ظاهر الخبر وبه جزم ابن درياس في شرح المهذب وقال البغوي
في شرح السنة تبعا للخطابي في هذا الحديث دليل على أن لا كفارة على من حلف بغير الاسلام
وان أثم به لكن تلزمه التوبة لأنه صلى الله عليه وسلم آمره بكلمة التوحيد فأشار إلى أن عقوبته
تختص بذنبه ولم يوجب عليه في ماله شيئا وانما أمره بالتوحيد لان الحلف باللات والعزى يضاهي
الكفار فأمره أن يتدارك بالتوحيد وقال الطيبي الحكمة في ذكر القمار بعد الحلف باللات
ان من حلف باللات وافق الكفار في حلفهم فأمر بالتوحيد ومن دعا إلى المقامرة وافقهم في
لعبهم فأمر بكفاة ذلك بالتصدق قال وفي الحديث ان من دعا إلى اللعب فكفارته ان يتصدق
ويتأكد ذلك في حق من لعب بطريق الأولى وقال النووي فيه ان من عزم على المعصية حتى
استقر ذلك في قلبه أو تكلم بلسانه انه تكتبه عليه الحفظة كذا قال وفي أخذ هذا الحكم من
هذا الدليل وقفة (قوله باب من حلف على الشئ وان لم يحلف) بضم أوله وتشديد
اللام تقدم قريبا في باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم أمثلة كثيرة لذلك وهي ظاهرة في
ذلك وأورد هنا حديث ابن عمر في لبس النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الذهب وفيه فرمى به ثم قال
467

والله لا ألبسه أبدا وقد تقدم شرحه مستوفى في أواخر كتاب اللباس وقد أطلق بعض الشافعية
ان اليمين بغير استحلاف تكره فيما لم يكن طاعة والأولى أن يعبر بما فيه مصلحة قال ابن المنير
مقصود الترجمة أن يخرج مثل هذا من قوله تعالى ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم يعني على أحد
التأويلات فيها لئلا يتخيل ان الحالف قبل أن يستحلف يرتكب النهي فأشار إلى أن النهي
يختص بما ليس فيه قصد صحيح كتأكيد الحكم كالذي ورد في حديث الباب من منع لبس خاتم
الذهب (قوله باب من حلف بملة سوى الاسلام) الملة بكسر الميم وتشديد اللام
الدين والشريعة وهي نكرة في سياق الشرط فتعم جميع الملل من أهل الكتاب كاليهودية
والنصرانية ومن لحق بهم من المجوسية والصابئة وأهل الأوثان والدهرية والمعطلة وعبدة
الشياطين والملائكة وغيرهم ولم يجزم المصنف بالحكم هل يكفر الحالف بذلك أولا لكن تصرفه
يقتضي ان لا يكفر بذلك لأنه علق حديث من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله ولم ينسبه
إلى الكفر وتمام الاحتجاج أن يقول لكونه اقتصر على الامر بقول لا إله إلا الله ولو كان ذلك
يقتضي الكفر لامره بتمام الشهادتين والتحقيق في المسئلة التفصيل الآتي وقد وصل الحديث
المذكور في الباب الذي قبله وأورده في كتاب الأدب في باب من لم ير اكفار من قال ذلك متأولا
أو جاهلا وقدمت الكلام عليه هناك قال ابن المنذر اختلف فيمن قال أكفر بالله ونحو ذلك أن
فعلت ثم فعل فقال ابن عباس وأبو هريرة وعطاء وقتادة وجمهور فقهاء الأمصار لا كفارة عليه
ولا يكون كافرا الا ان أضمر ذلك بقلبه وقال الأوزاعي والثوري والحنفية وأحمد وإسحاق هو يمين
وعليه الكفارة قال ابن المنذر والأول أصح لقوله من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله ولم
يذكر كفارة زاد غيره ولذا قال من حلف بملة غير الاسلام فهو كما قال فأراد التغليظ في
ذلك حتى لا يجترئ أحد عليه ونقل أبو الحسن بن القصار من المالكية عن الحنفية انهم احتجوا
لايجاب الكفارة بأن في اليمين الامتناع من الفعل وتضمن كلامه بما ذكر تعظيما للاسلام وتعقب
ذلك بأنهم قالوا فيمن قال وحق الاسلام إذا حنث لا تجب عليه كفارة فأسقطوا الكفارة إذا
صرح بتعظيم الاسلام وأثبتوها إذا لم يصرح (قوله حدثنا معلى بن أسد حدثنا وهيب) تقدم
في باب من أكفر أخاه عن موسى بن إسماعيل عن وهيب كالذي هنا وقيل ذلك في باب ما ينهى
من السباب واللعن من كتاب الأدب أيضا من طريق علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير بسنده
بزيادة وليس علي ابن آدم نذر فيما لا يملك وسياقه أتم من سياق غيره فان مداره في الكتب الستة
وغيرها على أبي قلابة عن ثابت بن الضحاك ورواه عن أبي قلابة خالد الحذاء ويحيى بن أبي كثير
وأيوب فأخرجه المصنف في الجنائز من رواية يزيد بن زريع عن خالد الحذاء فاقتصر على
خصلتين الأولى من قتل نفسه بحديدة وأخرجه مسلم من طريق الثوري عن خالد ومن طريق
شعبة عن أيوب كذلك وأشرت إلى رواية علي بن المبارك عن يحيى وانه ذكر فيه خمس خصال
الأربع المذكورات في الباب والخامسة التي أشرت إليها وأخرجه مسلم من طريق هشام
الدستوائي عن يحيى فذكر خصلة النذر ولعن المؤمن كقتله ومن قتل نفسه بشئ عذب به يوم
القيامة ولم يذكر الخصلتين الباقيتين وزاد بدلهما ومن حلف على يمين صبر فاجرة ومن ادعى
دعوى كاذبة ليتكثر بها لم يزده الله الا قلة فإذا ضم بعض هذه الخصال إلى بعض اجتمع منها تسعة
468

وتقدم الكلام على قوله ولعن المؤمن كقتله هناك والكلام على قوله ومن رمى مؤمنا بكفر فهو
كقتله في باب من أكفر أخاه ووقع في رواية علي بن المبارك ومن قذف بدل رمى وهو بمعناه وأما قوله
ومن حلف بغير ملة الاسلام فوقع في رواية علي بن المبارك من حلف على ملة غير الاسلام وفي
رواية مسلم من حلف على يمين بملة غير الاسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال قال ابن دقيق العيد
الحلف بالشئ حقيقة هو القسم به وإدخال بعض حروف القسم عليه كقوله والله والرحمن وقد
يطلق على التعليق بالشئ يمين كقولهم من حلف بالطلاق فالمراد تعليق الطلاق وأطلق
عليه الحلف لمشابهته باليمين في اقتضاء الحث والمنع وإذا تقرر ذلك فيحتمل أن يكون المراد المعنى
الثاني لقوله كاذبا متعمدا والكذب يدخل القضية الاخبارية التي يقع مقتضاها تارة ولا يقع
أخرى وهذا بخلاف قولنا والله وما أشبهه فليس الاخبار بها عن أمر خارجي بل هي لانشاء القسم
فتكون صورة الحلف هنا على وجهين أحدهما ان يتعلق بالمستقبل كقوله ان فعل كذا فهو
يهودي والثاني يتعلق بالماضي كقوله إن كان فعل كذا فهو يهودي وقد يتعلق بهذا من لم ير فيه
الكفارة لكونه لم يذكر فيه كفارة بل جعل المرتب على كذبه قوله فهو كما قال قال ابن دقيق العيد
ولا يكفر في صورة الماضي الا ان قصد التعظيم وفيه خلاف عند الحنفية لكونه يتخير معنى فصار
كما لو قال هو يهودي ومنهم من قال إن كان لا يعلم أنه يمين لم يكفر وإن كان يعلم أنه يكفر بالحنث به
كفر لكونه رضى بالكفر حين أقدم على الفعل وقال بعض الشافعية ظاهر الحديث أنه يحكم عليه
بالكفر إذا كان كاذبا والتحقيق التفصيل فان اعتقد تعظيم ما ذكر كفر وان قصد حقيقة التعليق
فينظر فإن كان أراد أن يكون متصفا بذلك كفر لان إرادة الكفر كفر وان أراد البعد عن ذلك لم
يكفر لكن هل يحرم عليه ذلك أو يكره تنزيها الثاني هو المشهور وقوله كاذبا متعمدا قال عياض
تفرد بزيادتها سفيان الثوري وهي زيادة حسنة يستفاد منها ان الحالف المتعمد إن كان مطمئن
القلب بالايمان وهو كاذب في تعظيم ما لا يعتقد تعظيمه لم يكفر وان قاله معتقدا لليمين بتلك الملة
لكونها حقا كفر وان قالها لمجرد التعظيم لها احتمل (قلت) وينقدح بأن يقال إن أراد تعظيمها
باعتبار ما كانت قبل النسخ لم يكفر أيضا ودعواه ان سفيان تفرد بها ان أراد بالنسبة لرواية مسلم
فعسى فإنه أخرجه من طريق شعبة عن أيوب وسفيان عن خالد الحذاء جميعا عن أبي قلابة وبين ان
لفظ متعمدا لسفيان ولم ينفرد بها سفيان فقد تقدم في كتاب الجنائز من طريق يزيد بن زريع عن
خالد وكذا أخرجها النسائي من طريق محمد بن أبي عدي عن خالد ولهذه الخصلة في حديث ثابت
ابن الضحاك شاهد من حديث بريدة أخرجه النسائي وصححه من طريق الحسين بن واقد عن عبد
الله بن بريدة عن أبيه رفعه من قال إني برئ من الاسلام فإن كان كاذبا فهو كما قال وإن كان صادقا لم
يعد إلى الاسلام سالما يعني إذا حلف بذلك وهو يؤيد التفصيل الماضي ويخصص بهذا عموم الحديث
الماضي ويحتمل أن يكون المراد بهذا الكلام التهديد والمبالغة في الوعيد لا الحكم وكانه قال فهو
مستحق مثل عذاب من اعتقد ما قال ونظيره من ترك الصلاة فقد كفر أي استوجب عقوبة
من كفر وقال ابن المنذر قوله فهو كما قال ليس على إطلاقه في نسبته إلى الكفر بل المراد انه كاذب
ككذب المعظم لتلك الجهة (قوله ومن قتل نفسه بشئ عذب به في نار جهنم) في رواية علي بن
المبارك ومن قتل نفسه بشئ في الدنيا عذب به يوم القيامة وقوله بشئ أعم مما وقع في رواية مسلم
469

بحديدة ولمسلم من حديث أبي هريرة ومن تحسى سما قال ابن دقيق العيد هذا من باب مجانسة
العقوبات الأخروية للجنايات الدنيوية ويؤخذ منه ان جناية الانسان على نفسه كجنايته على غيره
في الاثم لان نفسه ليست ملكا له مطلقا بل هي لله تعالى فلا يتصرف فيها الا بما أذن له فيه قيل وفيه
حجة لمن أوجب المماثلة في القصاص خلافا لمن خصصه بالمحدد ورده ابن دقيق العيد بأن احكام الله
لا تقاس بأفعاله فليس كل ما ذكر أنه يفعله في الآخرة يشرع لعباده في الدنيا كالتحريق بالنار مثلا
وسقي الحميم الذي يقطع به الأمعاء وحاصله انه يستدل للمساثلة في القصاص بغير هذا الحديث وقد
استدلوا بقوله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها ويأتي بيان ذلك في كتاب القصاص والديات إن شاء
الله تعالى (قوله باب لا يقول ما شاء الله وشئت وهل يقول أنا بالله ثم بك) هكذا
بت الحكم في الصورة الأولى وتوقف في الصورة الثانية وسببه انها وإن كانت وقعت في حديث
الباب الذي أورده مختصرا وساقه مطولا فيما مضى لكن انما وقع ذلك من كلام الملك على سبيل
الامتحان للمقول له فتطرق إليه الاحتمال (قوله وقال عمرو بن عاصم الخ) وصله في ذكر بني
إسرائيل فقال حدثنا أحمد بن إسحاق حدثنا عمرو بن عاصم وساقه بطوله وقد يتمسك به من يقول إنه
قد يطلق قال لبعض شيوخه فيما لم يسمعه منه ويكون بينهما واسطة وكأنه أشار بالصورة
الأولى إلى ما أخرجه النسائي في كتاب الايمان والنذور وصححه من طريق عبد الله بن يسار بتحتانية
ومهملة عن قتيلة بقاف ومثناة فوقانية والتصغير امرأة من جهينة أن يهوديا أتى النبي صلى الله
عليه وسلم فقال إنكم تشركون تقولون ما شاء الله وشئت وتقولون والكعبة فأمرهم النبي صلى
الله عليه وسلم إذا أرادوا ان يحلفوا أن يقولوا ورب الكعبة وان يقولوا ما شاء الله ثم شئت
وأخرج النسائي وابن ماجة أيضا وأحمد من رواية يزيد بن الأصم عن ابن عباس رفعه إذا حلف
أحدكم فلا يقل ما شاء الله وشئت ولكن ليقل ما شاء الله ثم شئت وفي أول حديث النسائي قصة
وهي عند أحمد ولفظه ان رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت فقال له أجعلتني
والله عدلا لا بل ما شاء الله وحده وأخرج أحمد والنسائي وابن ماجة أيضا عن حذيفة ان رجلا من
المسلمين رأى رجلا من أهل الكتاب في المنام فقال نعم القوم أنتم لولا انكم تشركون تقولون ما شاء
الله وشاء محمد فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد وفي رواية النسائي
ان الراوي لذلك هو حذيفة الراوي هذه رواية ابن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي عن
حذيفة وقال أبو عوانة عن عبد الملك عن ربعي عن الطفيل بن سخيرة أخي عائشة بنحوه أخرجه ابن
ماجة أيضا وهكذا قال حماد بن سلمة عند أحمد وشعبة وعبد الله بن إدريس عن عبد الملك وهو الذي
رجحه الحفاظ وقالوا ان ابن عيينة وهم في قوله عن حذيفة والله أعلم وحكى ابن التين عن أبي
جعفر الداودي قال ليس في الحديث الذي ذكره نهى عن القول المذكور في الترجمة وقد قال الله
تعالى وما نقموا الا ان أغناهم الله ورسوله من فضله وقال تعالى وإذ تقول للذي أنعم الله عليه
وأنعمت عليه وغير ذلك وتعقبه بأن الذي قاله أبو جعفر ليس بظاهر لان قوله ما شاء الله وشئت
تشريك في مشيئة الله تعالى وأما الآية فإنما أخبر الله تعالى انه أغناهم وان رسوله أغناهم وهو
من الله حقيقة لأنه الذي قدر ذلك ومن الرسول حقيقة باعتبار تعاطي الفعل وكذا الانعام أنعم الله
على زيد بالاسلام وأنعم عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالعتق وهذا بخلاف المشاركة في المشيئة فإنها
470

منصرفة لله تعالى في الحقيقة وإذا نسبت لغيره فبطريق المجاز وقال المهلب انما أراد البخاري
ان قوله ما شاء الله ثم شئت جائز مستدلا بقوله أنا بالله ثم بك وقد جاء هذا المعنى عن النبي صلى الله
عليه وسلم وانما جاز بدخول ثم لان مشيئة الله سابقة على مشيئة خلقه ولما لم يكن الحديث
المذكور على شرطه استنبط من الحديث الصحيح الذي على شرطه ما يوافقه وأخرج عبد الرزاق
عن إبراهيم النخعي انه كان لا يرى بأسا أن يقول ما شاء الله ثم شئت وكان يكره أعوذ بالله وبك
ويجيز أعوذ بالله ثم بك وهو مطابق لحديث ابن عباس وغيره مما أشرت إليه (تنبيه) مناسبة
إدخال هذه الترجمة في كتاب الايمان من جهة ذكر الحلف في بعض طرق حديث ابن عباس كما
ذكرت ومن جهة انه قد يتخيل جواز اليمين بالله ثم بغيره على وزان ما وقع في قوله أنا بالله ثم بك فأشار
إلى أن النهي ثبت عن التشريك وورد بصورة الترتيب على لسان الملك وذلك فيما عدا الايمان أما
اليمين بغير ذلك فثبت النهي عنها صريحا فلا يلحق بها ما ورد في غيرها والله أعلم (قوله
باب قول الله تعالى وأقسموا بالله جهد ايمانهم) قال الراغب وغيره القسم بفتحتين
الحلف وأصله من القسامة وهي الايمان التي على أولياء المقتول ثم استعمل في كل حلف قال
الراغب ومعنى جهد ايمانهم انهم اجتهدوا في حلفهم فأتوا به على أبلغ ما في وسعهم انتهى وهذا
يدفع ما فهمه المهلب فيما حكاه ابن بطال عنه من هذه الآية انها تدل على أن الحلف بالله أكبر
الايمان لان الجهد أكبر المشقة ففهم من قول جهد ايمانهم ان اليمين بالله غاية الجهد والذي قاله
الراغب أظهر وقد قال أهل اللغة ان القسامة مأخوذة من القسمة لان الايمان تقسم على أولياء
القتيل وسيأتي مزيد لذلك في موضعه إن شاء الله تعالى (قوله وقال ابن عباس قال أبو بكر فوالله
يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت في الرؤيا قال لا تقسم) هذا طرف مختصر من الحديث
الطويل الآتي في كتاب التعبير من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن
عباس ان رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف من السمن
والعسل الحديث وفيه تعبير أبي بكر لها وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم فأخبرني يا رسول الله أصبت
أم أخطأت قال أصبت بعضا أو أخطأت بعضا قال فوالله الخ فقوله هنا في الرؤيا من كلام المصنف
إشارة إلى ما اختصره من الحديث وتقديره في قصة الرؤيا التي رآها الرجل وقصها على النبي صلى
الله عليه وسلم فعبرها أبو بكر الخ وسيأتي شرحه هناك والغرض منه هنا قوله لا تقسم موضع
قوله لا تحلف فأشار إلى الرد على من قال إن من قال أقسمت انعقدت يمينا ولأنه لو قال بدل أقسمت
حلفت لم تنعقد اتفاقا الا ان نوى اليمين أو قصد الاخبار بأنه سبق منه حلف وأيضا فقد أمر
صلى الله عليه وسلم بابرار القسم فلو كان أقسمت يمينا لابر أبا بكر حين قالها ومن ثم أورد حديث
البراء عقبه ولهذا أورد حديث حارثة آخر الباب لو أقسم على الله لابره إشارة إلى أنها لو كانت
يمينا لكان أبو بكر أحق بأن يبر قسمه لأنه رأس أهل الجنة من هذه الأمة وأما حديث أسامة في
قصة بنت النبي صلى الله عليه وسلم فالظاهر أنها أقسمت حقيقة فقد تقدم في الجنائز بلفظ تقسم
عليه ليأتينها والله أعلم قال ابن المنذر اختلف فيمن قال أقسمت بالله أو أقسمت مجردة فقال قوم
هي يمين وان لم يقصد وممن روى ذلك عنه ابن عمر و ابن عباس وبه قال النخعي والثوري والكوفيون
وقال الأكثر لا تكون يمينا الا أن ينوي وقال مالك أقسمت بالله يمين وأقسمت مجردة لا تكون
471

يمينا الا ان نوى وقال الإمام الشافعي المجردة لا تكون يمينا أصلا ولو نوى وأقسمت بالله ان نوى
تكون يمينا وقال إسحاق لا تكون يمينا أصلا وعن أحمد كالأول وعنه كالثاني وعنه ان قال
قسما بالله فيمين جزما لان التقدير أقسمت بالله قسما وكذا لو قال الية بالله قال ابن المنير في الحاشية
مقصود البخاري الرد على من لم يجعل القسم بصيغة أقسمت يمينا قال فذكر الآية وقد قرن
فيها القسم بالله ثم بين ان هذا الاقتران ليس شرط بالأحاديث فان فيها ان هذه الصيغة بمجردها
تكون يمينا تتصف بالبر وبالندب إلى ابرارها من غير الحالف ثم ذكر من فروع هذه المسئلة لو قال
أقسم بالله عليك لتفعلن فقال نعم هل يلزمه يمين بقوله نعم وتجب الكفارة ان لم يفعل انتهى وفيما
قال نظر والذي يظهر ان مراد البخاري ان يقيد ما أطلق في الأحاديث بما قيد به في الآية والعلم عند
الله تعالى ثم ذكر بعد هذا الحديث المعلق أربعة أحاديث * أحدها حديث البراء (قوله بأبرار
المقسم) أي بفعل ما أراده الحالف ليصير بذلك بارا وهذا أيضا طرف من حديث أورده المصنف
مطولا ومختصرا في مواضع بينتها وذكرت كيفية ما أخرجها في كتاب اللباس وفي أول كتاب
الاستئذان واختلف في ضبط السين فالمشهور انها بالكسر وضم أوله على أنه اسم فاعل وقيل
بفتحها أي الأقسام والمصدر قد يأتي للمفعول مثل أدخلته مدخلا بمعنى الادخال وكذا أخرجته
وأشعث المذكور في السند هو ابن أبي الشعثاء وسفيان في الطريق الأولى هو الثوري * ثانيها
حديث أسامة وهو ابن زيد بن حارثة الصحابي ابن الصحابي مولى النبي صلى الله عليه وسلم
وأبو عثمان الراوي عنه هو عبد الرحمن بن مل النهدي (قوله إن ابنة) في رواية الكشميهني ان بنتا
وقد تقدم اسمها في كتاب الجنائز (قوله ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة) فيه تجريد لأن الظاهر
أن يقول وأنا معه وقد تقدم في الطب بلفظ أرسلت إليه وهو معه (قوله وسعد) هو
معطوف على أسامة ومضى في الجنائز بلفظ ومعه سعد بن عبادة (قوله وأبي أو أبي) قال الكرماني
أحدهما بلفظ المضاف إلى المتكلم والاخر بضم أوله وفتح الموحدة وتشديد الياء يريد ابن كعب
قال ويحتمل أن يكون بلفظ المضاف مكررا كأنه قال ومعه سعد وأبي أو أبي فقط (قلت) والأول
هو المعتمد والثاني وان احتمل لكنه خلاف الواقع فقد تقدم في الجنائز بلفظ ومعه سعد بن
عبادة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت ورجال والذي تحرر لي ان الشك في هذا من
شعبة فإنه لم يقع في رواية غيره ممن رواه عن عاصم (قوله تقعقع) أي تضطرب وتتحرك وقيل
معناه كلما صار إلى حال لم يلبث ان يصير إلى غيرها وتلك حالة المحتضر (قوله ما هذا) قيل هو
استفهام عن الحكم لا للانكار وقد تقدمت سائر مباحث هذا الحديث في كتاب الجنائز
* الحديث الثالث حديث أبي هريرة الا تحلة القسم بفتح التاء وكسر المهملة وتشديد اللام أي
تحليلها والمعنى ان النار لا تمس من مات له ثلاثة من الولد فصبر الا بقدر الورود قال ابن التين
وغيره والإشارة بذلك إلى قوله تعالى وان منكم الا واردها وقد قيل إن القسم فيه مقدر وقيل بل
هو مذكور عطفا على ما بعد قوله تعالى فوربك وقد تقدم شرح الحديث أيضا مستوفى في كتاب
الجنائز * الحديث الرابع حديث حارثة بن وهب وهو بالحاء المهملة وبالمثلثة ((قوله الا أدلكم
على أهل الجنة الخ) قال الداودي المراد ان كلا من الصنفين في محله المذكور لا ان كلا من
الدارين لا يدخلها الا من كان من الصنفين فكأنه قيل كل ضعيف في الجنة وكل جواظ في النار
472

ولا يلزم أن لا يدخلها غيرهما (قوله كل ضعيف) قال أبو البقاء كل بالرفع لا غير والتقدير هم كل
ضعيف الخ والمراد بالضعيف الفقير والمستضعف بفتح العين المهملة وغلط من كسرها لان المراد
ان الناس يستضعفونه ويقهرونه ويحقرونه وذكر الحاكم في علوم الحديث ان ابن خزيمة سئل
من المراد بالضعيف هنا فقال هو الذي يبرئ نفسه من الحول والقوة في اليوم عشرين مرة إلى
خمسين مرة وقال الكرماني يجوز الكسر ويراد به المتواضع المتذلل وقد تقدم شرح هذا
الحديث مستوفى في تفسير سورة ن ونقل ابن التين عن الداودي ان الجواظ هو الكثير اللحم
الغليظ الرقبة وقوله لو أقسم على الله لابره أي لو حلف يمينا على شئ ان يقع طمعا في كرم الله بابراره
لابره وأوقعه لأجله وقيل هو كناية عن إجابة دعائه (قوله باب إذا قال اشهد بالله
أو شهدت بالله) أي هل يكون حالفا وقد اختلف في ذلك فقال الحنفية والحنابلة نعم وهو قول
النخعي والثوري والراجح عند الحنابلة ولو لم يقل بالله انه يمين وهو قول ربيعة والأوزاعي وعند
الشافعية لا يكون يمينا الا ان أضاف إليه بالله ومع ذلك فالراجح انه كناية فيحتاج إلى القصد وهو
نص الشافعي في المختصر لأنها تحتمل اشهد بأمر الله أو بوحدانية الله وهذا قول الجمهور وعن
مالك كالروايات الثلاث واحتج من اطلق بأنه ثبت في العرف والشرع في الايمان قال الله تعالى
إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله ثم قال اتخذوا ايمانهم جنة فدل على أنهم
استعملوا ذلك في اليمين وكذا ثبت في اللعان والجواب ان هذا خاص باللعان فلا يقاس عليه
والأول ليس صريحا لاحتمال أن يكون حلفوا مع ذلك واحتج بعضهم بما أخرجه ابن ماجة من
حديث رفاعة بن عوانة كانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يحلف بها أشهد عند الله
والذي نفسي بيده وأجيب بأن في سنده ضعيفا وهو عبد الملك بن محمد الصنعاني وعلى تقدير ثبوته
فسياقه يقتضي أن مجموع ذلك يمين لا يمينان والله أعلم وقال أبو عبيد الشاهد يمين الحالف فمن قال
اشهد فليس بيمين ومن قال اشهد بالله فهو يمين وقد قرأ الضحاك اتخذوا إيمانهم بكسر الهمزة وهي
تدفع قول من حمل الشهادة على اليمين إلى ذلك أشار البخاري حيث أورد حديث الباب تسبق
شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته فإنه ظاهر في المغايرة بين الشهادة والحلف وقد تقدم شرح
هذا الحديث مستوفى في كتاب الشهادات وشيبان في السند هو ابن عبد الرحمن ومنصور هو ابن
المعتمر وإبراهيم هو النخعي وعبيدة بفتح أوله هو ابن عمرو وعبد الله هو ابن مسعود (قوله
تسبق شهادة أحدهم يمينه) قال الطحاوي أي يكثرون الايمان في كل شئ حتى يصير لهم عادة فيحلف
أحدهم حيث لا يراد منه اليمين ومن قبل أن يستحلف وقال غيره المراد يحلف على تصديق
شهادته قبل أدائها أو بعده وهذا إذا صدر من الشاهد قبل الحكم سقطت شهادته وقيل المراد
التسرع إلى الشهادة واليمين والحرص على ذلك حتى لا يدري بأيهما يبدأ لقلة مبالاته (قوله قال
إبراهيم) هو النخعي وهو موصول بالسند المتقدم (قوله وكان أصحابنا) يعني مشايخه ومن
يصلح منه اتباع قوله وتقدم في الشهادات بلفظ يضربوننا بدل ينهونا (قوله إن نحلف بالشهادة
والعهد) أي أن يقول أحدنا أشهد بالله أو علي عهد الله قاله ابن عبد البر وتقدم البحث فيه في
كتاب الشهادات (قوله باب عهد الله عز وجل) أي قول القائل علي عهد الله
لأفعلن كذا قال الراغب العهد حظ الشئ ومراعاته ومن ثم قيل للوثيقة عهدة ويطلق عهد الله
473

على ما فطر عليه عباده من الايمان به عند أخذ الميثاق ويراد به أيضا ما أمر به في الكتاب والسنة
مؤكدا وما التزمه المرء من قبل نفسه كالنذر (قلت) وللعهد معان أخرى غير هذه كالامان والوفاء
والوصية واليمين ورعاية الحرمة والمعرفة واللقاء عن قرب والزمان والذمة وبعضها قد يتداخل
والله أعلم وقال ابن المنذر من حلف بالعهد فحنث لزمه الكفارة سواء نوى أم لا عند مالك
والأوزاعي والكوفيين وبه قال الحسن والشعبي وطاوس وغيرهم (قلت) وبه قال أحمد وقال
عطاء والشافعي وإسحاق وأبو عبيد لا تكون يمينا الا ان نوى وقد تقدم في كتاب أوائل الايمان
النقل عن الشافعي فيمن قال أمانة الله مثله وأغرب امام الحرمين فادعى اتفاق العلماء على ذلك
ولعله أراد من الشافعية ومع ذلك فالخلاف ثابت عندهم كما حكاه الماوردي وغيره عن أبي إسحاق
المروزي واحتج للمذهب بأن عهد الله يستعمل في وصيته لعباده باتباع أوامره وغير ذلك كما ذكر
فلا يحمل على اليمين الا بالقصد وقال الشافعي إذا قال علي عهد الله احتمل أن يريد معهوده وهو
وصيته فيصير كقوله علي فرض الله أي مفروضه فلا يكون يمينا لان اليمين لا تنعقد بمحدث فان نوى
بقوله عهد الله اليمين انعقدت وقال ابن المنذر قد قال الله تعالى ألم أعهد إليكم يا بني آدم ان
لا تعبدوا الشيطان فمن قال علي عهد الله صدق لان الله أخبر انه أخذ علينا العهد فلا يكون ذلك
يمينا الا ان نواه واحتج الأولون بأن العرف قد صار جاريا به فحمل على اليمين وقال ابن التين هذا لفظ
يستعمل على خمسة أوجه الأول على عهد الله والثاني وعهد الله الثالث عهد الله الرابع
أعاهد الله الخامس على العهد وقد طرد بعضهم ذلك في الجميع وفصل بعضهم فقال لا شئ في ذلك
الا ان قال على عهد الله ونحوها والا فليست بيمين نوى أو لم ينو ثم ذكر حديث عبد الله وهو ابن
مسعود والأشعث بن قيس في نزول قوله تعالى ان الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا
وسليمان في السند هو الأعمش ومنصور هو ابن المعتمر وسيأتى شرحه مستوفي بعد خمسة أبواب
والله أعلم (قوله باب الحلف بعزة الله وصفاته وكلامه) كذا لأبي ذر ولغيره وكلماته
وفي هذه الترجمة عطف العام على الخاص والخاص على العام لان الصفات أعم من العزة والكلام
وقد تقدمت الإشارة إليه في آخر باب لا تحلفوا بآبائكم إلى أن الايمان تنقسم إلى صريح وكناية
ومتردد بينهما وهو الصفات وانه اختلف هل يلتحق بالصريح فلا يحتاج إلى قصد أولا فيحتاج
والراجح ان صفات الذات منها يلتحق بالصريح فلا تنفع معها التورية إذا تعلق به حق آدمي
وصفات الفعل تلتحق بالكناية فعزة الله من صفات الذات وكذا جلاله وعظمته قال الشافعي فيما
أخرجه البيهقي في المعرفة من قال وحق الله وعظمة الله وجلال الله وقدرة الله يريد اليمين أولا
يريده فهي يمين انتهى وقال غيره والقدرة تحتمل صفة الذات فتكون اليمين صريحة وتحتمل إرادة
المقدور فتكون كناية كقول من يتعجب من الشئ انظر إلى قدرة الله وكذا العلم كقوله اللهم اغفر لنا
علمك فينا أي معلومك (قوله وقال ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول أعوذ بعزتك)
هذا طرف من حديث وصله المؤلف في التوحيد من طريق يحيى بن يعمر عن ابن عباس وسيأتي
شرحه هناك ووجه الاستدلال به على الحلف بعزة الله انه وإن كان بلفظ الدعاء لكنه لا يستعاذ الا
بالله أو بصفة من صفات ذاته وخفي هذا علي ابن التين فقال ليس فيه جواز الحلف بالصفة كما
بوب عليه ثم وجدت في حاشية ابن المنير ما نصه قوله أعوذ بعزتك دعاء وليس بقسم ولكنه لما كان
474

المقرر انه لا يستعاذ الا بالقديم ثبت بهذا ان العزة من الصفات القديمة لا من صفة الفعل فتنعقد
اليمين بها (قوله وقال أبو هريرة الخ) وفيه وقال أبو سعيد قال النبي صلى الله عليه وسلم قال الله لك
ذلك وعشرة أمثاله وهو مختصر من الحديث الطويل في صفة الحشر وقد تقدم شرحه مستوفى في
أواخر الرقاق والغرض منها قول الرجل لا وعزتك لا أسألك غيرها فان النبي صلى الله عليه وسلم
ذكر ذلك مقررا له فيكون حجة في ذلك (قوله وقال أيوب) عليه السلام (وعزتك لا غنى لي عن
بركتك) كذا للأكثر ووقع لأبي ذر عن غير الكشميهني لا غناء بفتح أوله والمد والأول أولى فان معنى
الغناء بالمد الكفاية يقال ما عند فلان غناء أي لا يغتنى به وهو أيضا طرف من حديث تقدم في
كتاب الطهارة من رواية أبي هريرة وأوله ان أيوب كان يغتسل فخر عليه جراد من ذهب الحديث
ووجه الدلالة منه ان أيوب عليه السلام لا يحلف الا بالله وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك
عنه وأقره (قوله شيبان) هو ابن عبد الرحمن (قوله فتقول قط قط وعزتك) تقدم شرحه
مستوفى في تفسير سورة ق والقول فيه ما تقدم وحكى الداودي عن بعض المفسرين أنه قال
في قول جهنم هل من مزيد معناه ليس في مزيد قال ابن التين وحديث الباب يرد عليه (قوله
رواه شعبة عن قتادة) وصل روايته في تفسير ق وأشار بذلك إلى أن الرواية الموصولة عن أنس
بالعنعنة لكن شعبة ما كان يأخذ عن شيوخه الذين ذكر عنهم التدليس الا ما صرحوا فيه
بالتحديث (تنبيه) لمح المصنف بهذه الترجمة إلى رد ما جاء عن ابن مسعود من الزجر عن الحلف
بعزة الله ففي ترجمة عون بن عبد الله بن عتبة من الحلية لأبي نعيم من طريق عبد الله بن رجاء عن
المسعودي عن عون قال قال عبد الله لا تحلفوا بحلف الشيطان أن يقول أحدكم وعزة الله
ولكن قولوا كما قال الله تعالى رب العزة انتهى وفي المسعودي ضعف وعون عن عبد الله منقطع
وسيأتي الكلام على العزة في باب مفرد من كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى (قوله باب
قول الرجل لعمر الله) أي هل يكون يمينا وهو مبني على تفسير لعمر ولذلك ذكر أثر ابن عباس
وقد تقدم في تفسير سورة الحجر وان ابن أبي حاتم وصله وأخرج أيضا عن أبي الجوزاء عن ابن
عباس في قوله تعالى لعمرك أي حياتك قال الراغب العمر بالضم وبالفتح واحد ولكن خص
الحلف بالثاني قال الشاعر * عمرك الله كيف يلتقيان * أي سألت الله ان يطيل عمرك وقال أبو
القاسم الزجاج العمر الحياة فمن قال لعمر الله كأنه حلف ببقاء الله واللام للتوكيد والخبر
محذوف أي ما أقسم به ومن ثم قال المالكية والحنفية تنعقد بها اليمين لان بقاء الله من صفة
ذاته وعن مالك لا يعجبني الحلف بذلك وقد أخرج إسحاق بن راهويه في مصنفه عن عبد الرحمن بن
أبي بكرة قال كانت يمين عثمان بن أبي العاص لعمري وقال الشافعي وإسحاق لا تكون يمينا الا
بالنية لأنه يطلق على العلم وعلى الحق وقد يراد بالعلم المعلوم وبالحق ما أوجبه الله وعن أحمد
كالمذهبين والراجح عنه كالشافعي وأجابوا عن الآية بأن لله ان يقسم من خلقه بما شاء وليس ذلك
لهم لثبوت النهي عن الحلف بغير الله وقد عد الأئمة ذلك في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم
وأيضا فان اللام ليست من أدوات القسم لأنها محصورة في الواو والباء والتاء كما تقدم بيانه في باب
كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر طرفا من حديث الإفك والغرض منه قول
أسيد بن حضير لسعد بن عبادة لعمر الله لنقتلنه وقد مضى شرح الحديث مستوفى في تفسير
475

النور وتقدم في أواخر الرقاق في الحديث الطويل من رواية لقيط بن عامر أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال لعمر الهك وكررها وهو عند عبد الله بن أحمد في زيادات المسند وعند غيره (قوله
باب لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم الآية) كذا لأبي ذر ولغيره بدل قوله الآية
ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ويستفاد منه أن المراد في هذه الترجمة آية البقرة فان آية
المائدة ذكرها في أول كتاب الايمان كما تقدم ومضى هناك تفسير اللغو وتمسك الشافعي فيه
بحديث عائشة المذكور في الباب لكونها شهدت التنزيل فهي أعلم من غيرها بالمراد وقد
جزمت بأنها نزلت في قوله لا والله وبلى والله ويؤيده ما أخرجه الطبري من طريق الحسن
البصري مرفوعا في قصة الرماة وكان أحدهم إذا رمى حلف انه أصاب فيظهر انه أخطأ فقال النبي
صلى الله عليه وسلم أيمان الرماة لغو لا كفارة لها ولا عقوبة وهذا لا يثبت لانهم كانوا لا يعتمدون
مراسيل الحسن لأنه كان يأخذ عن كل أحد وعن أبي حنيفة وأصحابه وجماعة لغو اليمين ان يحلف
على الشئ يظنه ثم يظهر خلافه فيختص بالماضي وقيل يدخل أيضا في المستقبل بان يحلف على
شئ ظنا منه ثم يظهر بخلاف ما حلف وبه قال ربيعة ومالك ومكحول والأوزاعي والليث وعن
أحمد روايتان ونقل ابن المنذر وغيره عن ابن عمر وابن عباس وغيرهما من الصحابة وعن القاسم
وعطاء والشعبي وطاوس والحسن نحو ما دل عليه حديث عائشة وعن أبي قلابة لا والله وبلى
والله لغة من لغات العرب لا يراد بها اليمين وهي من صلة الكلام ونقل إسماعيل القاضي عن
طاوس لغو اليمين ان يحلف وهو غضبان وذكر أقوالا أخرى عن بعض التابعين وجملة ما يتحصل
من ذلك ثمانية أقوال من جملتها قول إبراهيم النخعي انه يحلف على الشئ لا يفعله ثم ينسى فيفعله
أخرجه الطبري وأخرجه عبد الرزاق عن الحسن مثله وعنه هو كقول الرجل والله انه لكذا
وهو يظن أنه صادق ولا يكون كذلك وأخرج الطبري من طريق طاوس عن ابن عباس ان
يحلف وهو غضبان ومن طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس أن يحرم ما أحل الله له وهذا يعارضه
الخبر الثابت عن ابن عباس كما تقدم في موضعه انه تجب فيه كفارة يمين وقيل هو أن يدعو على
نفسه ان فعل كذا ثم يفعله وهذا هو يمين المعصية وسيأتي البحث فيه بعد ثلاثة أبواب قال ابن
العربي القول بأن لغو اليمين هو المعصية باطل لان الحالف على ترك المعصية تنعقد يمينه عبادة
والحالف على فعل المعصية تنعقد يمينه ويقال له لا تفعل وكفر عن يمينك فان خالف وأقدم على
الفعل أثم وبر في يمينه (قلت) الذي قال ذلك قال إنها في الثانية لا تنعقد أصلا فلذلك قال إنها لغو
قال ابن العربي ومن قال إنها يمين الغضب يرده ما ثبت في الأحاديث يعني مما ذكر في الباب وغيرها
ومن قال دعاء الانسان على نفسه ان فعل كذا أو لم يفعل فاللغو انما هو في طريق الكفارة وهي
تنعقد وقد يؤاخذ بها لثبوت النهي عن دعاء الانسان على نفسه ومن قال إنها اليمين التي تكفر
فلا يتعلق به فان الله رفع المؤاخذة عن اللغو مطلقا فلا اثم فيه ولا كفارة فكيف يفسر اللغو بما
فيه الكفارة وثبوت الكفارة يقتضي وجود المؤاخذة حتى أن من وجب عليه الكفارة فخالف
عوقب (قوله يحيى) هو القطان قال ابن عبد البر تفرد يحيى القطان عن هشام بذكر السبب
في نزول الآية (قلت) قد صرح بعضهم برفعه عن عائشة أخرجه أبو داود من رواية إبراهيم
الصائغ عن عطاء عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لغو اليمين هو كلام الرجل في بيته كلا
476

والله وبلى والله وأشار أبو داود إلى أنه اختلف على عطاء وعلى إبراهيم في رفعه ووقفه وقد أخرج
ابن أبي عاصم من طريق الزبيدي وابن وهب في جامعه عن يونس وعبد الرزاق في مصنفه عن
معمر كلهم عن الزهري عن عروة عن عائشة لغو اليمين ما كان في المراء والهزل والمراجعة في
الحديث الذي كان يعقد عليه القلب وهذا موقوف ورواية يونس تقارب الزبيدي ولفظ معمر انه
القوم يتدارؤون يقول أحدهم لا والله وبلى والله وكلا والله ولا يقصد الحلف وليس مخالفا للأول
وهو المعتمد واخرج ابن وهب عن الثقة عن الزهري بهذا السند هو الذي يحلف على الشئ لا يريد
به الا الصدق فيكون على غير ما حلف عليه وهذا يوافق القول الثاني لكنه ضعيف من أجل هذا
المبهم شاذ لمخالفة من هو أوثق منه وأكثر عددا (قوله باب إذا حنث ناسيا في
الايمان) أي هل تجب عليه الكفارة أولا (قوله وقول الله تعالى وليس عليكم جناح فيما
أخطأتم به) كذا لأبي ذر ولغيره وليس بثبوت الواو في أوله وقد تمسك بهذه الآية من قال بعدم
حنث من لم يتعمد وفعل المحلوف عليه ناسيا أو مكرها ووجه بأنه لا ينسب فعله إليه شرعا لرفع
حكمه عنه بهذه الآية فكأنه لم يفعله (قوله لا تؤاخذني بما نسيت) قال المهلب حاول البخاري
في اثبات العذر بالجهل والنسيان ليسقط الكفارة والذي يلائم ما مقصوده من أحاديث الباب
الأول وحديث من أكل ناسيا وحديث نسيان التشهد الأول وقصة موسى فان الخضر عذره
بالنسيان وهو عبد من عباد الله فالله أحق بالمسامحة قال وأما بقية الأحاديث ففي مساعدتها على
مراده نظر (قلت) ويساعده أيضا حديث عبد الله بن عمرو وحديث ابن عباس في تقديم بعض
النسك على بعض فإنه لم يأمر فيه بالإعادة بل عذر فاعله بجهل الحكم وقال غيره بل أورد البخاري
أحاديث الباب على اختلاف إشارة إلى أنها أصول أدلة الفريقين ليستنبط كل أحد منها
ما يوافق مذهبه كما صنع في حديث جابر في قصة جمله فإنه أورد الطرق على اختلافها وإن كان قد بين
في الآخران اسناد الاشتراط أصح وكذا قول الشعبي في قدر الثمن وبهذا جزم ابن المنير في
الحاشية فقال أورد الأحاديث المتجاذبة ليفيد الناظر مظان النظر ومن ثم لم يذكر الحكم في
الترجمة بل أفاد مراد الحكم والأصول التي تصلح ان يقاس عليها وهو أكثر إفادة من قول المجتهد
في المسئلة قولان وإن كان لذلك فائدة أيضا انتهى ملخصا والذي يظهر لي ان البخاري يقول بعدم
الكفارة مطلقا وتوجيه الدلالة من الأحاديث التي ساقها ممكن وأما ما يخالف ظاهر ذلك
فالجواب عنه ممكن فمنها الدية في قتل الخطا ولولا أن حذيفة أسقطها لكانت له المطالبة بها
والجواب أنها من خطاب الوضع وليس الكلام فيه ومنها ابدال الأضحية التي ذبحت قبل الوقت
والجواب انها من جنس الذي قبله ومنها حديث المسئ صلاته فإنه لو لم يعذره بالجهل لما أقره على
اتمام الصلاة المختلة لكنه لما رجا انه يتفطن لما عابه عليه أمره بالإعادة فلما علم أنه فعل ذلك عن
جهل بالحكم علمه وليس في ذلك متمسك لمن قال بوجوب الكفارة في صورة النسيان وأيضا
فالصلاة انما تتقوم بالأركان فكل ركن اختل منها اختلت به ما لم يتدارك وانما الذي يناسب
ما لو فعل ما يبطل الصلاة بعده أو تكلم به فإنها لا تبطل عند الجمهور كما دل عليه حديث أبي هريرة
في الباب من أكل أو شرب ناسيا قال ابن التين أجرى البخاري قوله تعالى وليس عليكم جناح فيما
أخطأتم به في كل شئ وقال غيره هي في قصة مخصوصة وهي ما إذا قال الرجل يا بني وليس هو ابنه
477

وقيل إذا أتى امرأته حائضا وهو لا يعلم قال والدليل على عدم التعميم ان الرجل إذا قتل خطأ
تلزمه الدية وإذ أتلف مال غيره خطأ فإنه يلزمه انتهى وانفصل غيره بأن المتلفات من خطاب
الوضع والذي يتعلق بالآية ما يدخل في خطاب التكليف ولو سلم ان الآية نزلت فيما ذكر لم يمنع
ذلك من الاستدلال بعمومها وقد أجمعوا على العمل بعمومها في سقوط الاثم وقد اختلف
السلف في ذلك على مذاهب ثالثها التفرقة بين الطلاق والعتاق فتجب فيه الكفارة مع الجهل
والنسيان بخلاف غيرهما من الايمان فلا تجب وهذا قول عن الإمام الشافعي ورواية عن أحمد
والراجح عند الشافعية التسوية بين الجميع في عدم الوجوب وعن الحنابلة عكسه وهو قول
المالكية والحنفية وقال ابن المنذر كان أحمد يوقع الحنث في النسيان في الطلاق حسب ويقف
عما سوى ذلك والمذكور في الباب اثنا عشر حديثا * الحديث الأول (قوله زرارة بن أبي أوفى) هو
قاضي البصرة مات وهو ساجد أورده الترمذي وكان ذلك سنة ثلاث وتسعين (قوله عن أبي
هريرة يرفعه) سبق في العتق من رواية سفيان عن مسعر بلفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم بدل
(قوله هنا يرفعه وكذا لمسلم من طريق وكيع وللنسائي والإسماعيلي من طريق عبد الله بن إدريس
كلاهما عن مسعر بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الكرماني انما قال يرفعه ليكون
أعم من أن يكون سمعه منه أومن صحابي آخر سمعه منه (قلت) ولا اختصاص لذلك بهذه الصيغة
بل مثله في قوله قال وعن وانما يرتفع الاحتمال إذا قال سمعت ونحوها وذكر الإسماعيلي ان وكيعا
رواه عن مسعر فلم يرفعه قال والذي رفعه ثقة فيجب المصير إليه (قوله عن أبي هريرة) لم اقف
على التصريح بسماع زرارة لهذا الحديث من أبي هريرة لكنه لم يوصف بالتدليس فيحمل على
السماع وذكر الإسماعيلي ان الفرات بن خالد أدخل بين زرارة وبين أبي هريرة في هذا الاسناد
رجلا من بني عامر وهو خطأ فان زرارة من بني عامر فكأنه كان فيه عن زرارة رجل من بني عامر
فظنه آخر أيهم وليس كذلك (قوله لامتي) في رواية هشام عن قتادة تجاوز عن أمتي (قوله عما
وسوست أو حدثت به أنفسها) في رواية هشام ما حدثت به أنفسها ولم يتردد وكذا في رواية سعيد
وأبي عوانة عند مسلم وفي رواية ابن عيينة ما وسوست بها صدورها ولم يتردد أيضا وضبط أنفسها
بالنصب للأكثر ولبعضهم بالرفع وقال الطحاوي بالثاني وبه جزم أهل اللغة يريدون بغير اختيارها
كقوله تعالى ونعلم ما توسوس به نفسه (قوله ما لم تعمل به أو تكلم) في رواية عبد الله بن إدريس
أو تتكلم به قال الإسماعيلي ليس في هذا الحديث ذكر النسيان وانما فيه ذكر ما خطر على قلب
الانسان (قلت) مراد البخاري الحاق ما يترتب على النسيان بالتجاوز لان النسيان من
متعلقات عمل القلب وقال الكرماني قاس الخطأ والنسيان على الوسوسة فكما أنها لا اعتبار لها
عند عدم التوطن فكذا الناسي والمخطئ لا توطين لهما وقد وقع في رواية هشام بن عمار عن ابن
عيينة عن مسعر في هذا الحديث بعد قوله أو تكلم به وما استكرهوا عليه وهذه الزيادة منكرة
من هذا الوجه وانما تعرف من رواية الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس بلفظ ان الله وضع عن
أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وقد أخرجه ابن ماجة عقب حديث أبي هريرة من
رواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي والحديث عند هشام بن عمار عن الولي فلعله دخل له بعض
حديث في حديث وقد رواه عن ابن عيينة الحميدي وهو أعرف أصحاب ابن عيينة بحديثه وتقدم
478

في العتق عنه بدون هذه الزيادة وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية زياد بن أيوب وابن المقرى
وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي كلهم عن سفيان بدون هذه الزيادة قال الكرماني فيه ان الوجود
الذهني لا أثر له وانما الاعتبار بالوجود القولي في القوليات والعملي في العمليات وقد احتج به
من لا يرى المؤاخذة بما وقع في النفس ولو عزم عليه وانفصل من قال يؤاخذ بالعزم بأنه نوع من
العمل يعني عمل القلب (قلت) وظاهر الحديث أن المراد بالعمل عمل الجوارح لان المفهوم
من لفظ ما لم يعمل يشعر بأن كل شئ في الصدر لا يؤاخذ به سواء توطن به أم لم يتوطن وقد تقدم
البحث في ذلك في أواخر الرقاق في الكلام على حديث من هم بسيئة لا تكتب عليه وفي الحديث
إشارة إلى عظيم قدر الأمة المحمدية لأجل نبيها صلى الله عليه وسلم لقوله تجاوز لي وفيه اشعار
باختصاصها بذلك بل صرح بعضهم بأنه كان حكم الناسي كالعامد في الاثم وان ذلك من الاصر
الذي كان على من قبلنا ويؤيده ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة قال لما نزلت وان تبدوا ما في
أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله اشتد ذلك على الصحابة فذكر الحديث في شكواهم ذلك وقوله
صلى الله عليه وسلم لهم تريدون ان تقولوا مثل ما قال أهل الكتاب سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا
وأطعنا فقالوها فنزلت آمن الرسول إلى آخر السورة وفيه في قوله لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا
قال نعم وأخرجه من حديث ابن عباس بنحوه وفيه قال قد فعلت * الحديث الثاني (قوله حدثنا
عثمان بن الهيثم أو محمد عنه) وقع مثل هذا في باب الذريرة في أواخر كتاب اللباس وتقدم الكلام
عليه هناك وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن يحيى عن عثمان بن الهيثم به (قوله كنت
أحسب يا رسول الله كذا وكذا قبل كذا وكذا) في رواية الإسماعيلي اني كنت أحسب ان كذا قبل
كذا (قوله لهؤلاء الثلاث) قد كنت أظن ذلك خاصا بهذه الرواية وأن البخاري أشار بذلك إلى
ما في الحديث الذي يليه فإنه فيه الحلق والنحر والرمي لكن وجدته في رواية الإسماعيلي بالابهام كما
أشرت إليه وكذا أخرجه مسلم من رواية عيسى بن يونس ومحمد بن بكر كلاهما عن ابن جريج مثل
رواية عثمان بن الهيثم سواء الا ان ابن بكر لم يقل لهؤلاء الثلاث ومن رواية يحيى بن سعيد الأموي
عن ابن جريج بلفظ حلقت قبل ان أنحر ونحرت قبل ان أرمي فالظاهر أن الإشارة المذكورة من
ابن جريج وقد أخرجه الشيخان من رواية مالك عن ابن شهاب شيخ ابن جريج فيه مفسرا كما
تقدم في كتاب الخ مع شرحه * الحديث الثالث حديث ابن عباس في ذلك وقد تقدم بسنده
ومتنه مشروحا في كتاب الحج * الحديث الرابع حديث أبي هريرة في قصة المسئ صلاته وقد
تقدم شرحه في كتاب الصلاة (قوله حدثني إسحاق بن منصور حدثنا أبو أسامة حدثنا عبيد الله
ابن عمر) هو العمري وسعيد هو المقبري وقد تقدم في كتاب الاستئذان بهذا السند سواء لكن فيه
عبد الله بن نمير بدل أبي أسامة وفي بعض سياقهما اختلاف بينته هناك فكان لإسحاق بن منصور
فيه شيخين وقد أخرجه الترمذي عن إسحاق بن منصور عن عبد الله بن نمير وحده وأخرجه مسلم
عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة وعبد الله بن نمير جميعا وله طرق عن هذين عند مسلم وغيره
479

* الحديث الخامس حديث حذيفة في قصة قتل أبيه اليمان يوم أحد وقد تقدم شرحه مستوفى
في أواخر المناقب وفي غزوة أحد وقوله في آخره بقية خير بالإضافة للأكثر أي استمر الخير فيه ووقع
في رواية الكشميهني بقية بالتنوين وسقط عند لفظ خير وعليها شرح الكرماني فقال أي بقية
حزن وتحسر من قتل أبيه بذلك الوجه وهو وهم سبقه غيره إليه والصواب ان المراد انه حصل له
خير بقوله للمسلمين الذين قتلوا أباه خطأ عفا الله عنكم واستمر ذلك الخير فيه إلى أن مات * الحديث
السادس حديث أبي هريرة من أكل ناسيا وهو صائم فليتم صومه الحديث وقد تقدم شرحه
في باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا من كتاب الصيام وعوف في السند هو الأعرابي وخلاس
بكسر المعجمة وتخفيف اللام بعدها مهملة وهو ابن عمرو ومحمد هو ابن سيرين والبخاري لا يخرج
لخلاس الا مقرونا ومما ينبه عليه هنا ان المزي في الأطراف ذكر هذا الحديث في ترجمة خلاس
عن أبي هريرة فقال خلاس في الصيام عن يوسف بن موسى فوهم في ذلك وانما هو في الايمان
والنذور ولم يورده في الصيام من طريق خلاس أصلا وقال ابن المنير في الحاشية أوجب مالك
الحنث على الناسي ولم يخالف ذلك في ظاهر الامر الا في مسئلة واحدة وهي من حلف بالطلاق
ليصومن غدا فأكل ناسيا بعد أن بيت الصيام من الليل فقال مالك لا شئ عليه فاختلف عنه فقيل
لا قضاء عليه وقيل لا حنث ولا قضاء وهو الراجح أما عدم القضاء فلانه لم يتعمد ابطال العبادة وأما
عدم الحنث فهو على تقدير صحة الصوم لأنه المحلوف عليه وقد صحح الشارع صومه فإذا صح
صومه لم يقع عليه حنث * الحديث السابع حديث عبد الله بن بحينة في سجود السهو قبل
السلام لترك التشهد الأول وقد تقدم في أبواب سجود السهو من أواخر كتاب الصلاة مع شرحه
* الحديث الثامن حديث ابن مسعود في سجود السهو بعد السلام لزيادة ركعة في الصلاة وقد
تقدم شرحه أيضا هناك عقب حديث ابن بحينة وقوله هنا حدثنا إسحاق بن إبراهيم هو المعروف
بابن راهويه وقد أخرجه أبو نعيم في مستخرجه من مسنده وقوله سمع عبد العزيز أي انه سمع ولفظه
انه يسقطونها في الخط أحيانا وعبد العزيز المذكور هو العمى بفتح المهملة والتنقيل ومنصور
هو ابن المعتمر وإبراهيم هو النخعي وعلقمة هو ابن قيس وقوله فيه فزاد أو نقص قال منصور
لا أدري إبراهيم وهم أم علقمة كذا أطلق وهم موضع شك وتوجيهه ان الشك ينشأ عن النسيان
إذ لو كان ذكرا لاحد الامرين لما وقع له التردد يقال وهم في كذا إذا غلط فيه ووهم إلى كذا إذا
ذهب وهمه إليه وقد تقدم في أبواب القبلة من رواية جرير عن منصور قال قال إبراهيم لا أدري
زاد أو نقص فجزم بأن إبراهيم هو الذي تردد وهذا يدل على أن منصورا حين حدث عبد العزيز
كان متردد أهل علقمة قال ذلك أم إبراهيم وحين حدث جريرا كان جازما بإبراهيم وقال
الكرماني لفظ أقصرت صريح في أنه نقص ولكنه وهم من الراوي والصواب ما تقدم في الصلاة
بلفظ أحدث في الصلاة شئ وقد تقدمت مباحث هذا الحديث هناك أيضا ولله الحمد * الحديث
التاسع ذكر فيه طرفا يسيرا من حديث أبي بن كعب في قصة موسى والخضر وقوله قلت لابن
480

عباس فقال حدثنا أبي بن كعب هكذا حذف مقول سعيد بن جبير وقد ذكره في تفسير الكهف
بلفظ قلت لابن عباس أن نوفا البكالي فذكر قصة فقال ابن عباس رادا عليه حدثنا أبي بن كعب
الخ فحذفها البخاري هنا كما حذف أكثر الحديث إلى أن قال لا تؤاخذني (قوله إنه سمع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول قال لا تؤاخذني بما نسيت) فيه حذف تقديره يقول في تفسير قوله
تعالى قال لا تؤاخذني الخ (قوله كانت الأولى من موسى نسيانا) يعني انه كان عند إنكاره
خرق السفينة كان ناسيا لما شرط عليه الخضر في قوله فلا تسألني عن شئ حتى أحدث لك منه
ذكرا فإن قيل ترك مؤاخذته بالنسيان متجه وكيف واخذه قلنا عملا بعموم شرطه الذي التزمه
فلما اعتذر له بالنسيان علم أنه خارج بحكم الشرع من عموم الشرط وبهذا التقرير يتجه إيراد هذا
الحديث في هذه الترجمة فان قيل فالقصة الثانية لم تكن الا عمدا فما الحامل له على خلف الشرط
قلنا لأنه في الأولى كان يتوقع هلاك أهل السفينة فبادر للانكار فكان ما كان واعتذر
بالنسيان وقدر الله سلامتهم وفي الثانية كان قتل الغلام فيها محققا فلم يصبر على الانكار فأنكر
ذاكرا للشرط عامدا لا خلافه تقديما لحكم الشرع ولذلك لم يعتذر بالنسيان وانما أراد ان
يجرب نفسه في الثالثة لأنها الحد المبين غالبا لما يخفي من الأمور فان قيل فهل كانت الثالثة عمدا
أو نسيانا قلنا يظهر انها كانت نسيانا وانما واخذه صاحبه بشرطه الذي شرطه على نفسه من
المفارقة في الثالثة وبذلك جزم ابن التين وانما لم يقل انها كانت عمدا استبعادا لأن يقع من
موسى عليه السلام إنكار أمر مشروع وهو الاحسان لمن أساء والله أعلم * الحديث العاشر
والحادي عشر حديث البراء وحديث أنس في تقديم صلاة العيد على الذبح وقد سبق شرحهما
مستوفى في كتاب الأضاحي (قوله كتب إلى محمد بن بشار) لم تقع هذه الصيغة للبخاري في صحيحه
عن أحد من مشايخه الا في هذا الموضع وقد أخرج بصيغة المكاتبة فيه أشياء كثيرة لكن من
رواية التابعي عن الصحابي أو من رواية غير التابعي عن التابعي ونحو ذلك ومحمد بن بشار هذا هو
المعروف ببندار وقد أكثر عنه البخاري وكأنه لم يسمع منه هذا الحديث فرواه عنه بالمكاتبة وقد
أخرج أصل الحديث من عدة طرق أخرى موصولة كما تقدم في العيدين وغيره وقد أخرجه
الإسماعيلي عن عبد الله بن محمد بن سنان قال قرأت على بندار فذكره وأخرجه أبو نعيم من رواية
حسين بن محمد بن حماد قال حدثنا محمد بن بشار بندار (قوله قال قال البراء بن عازب وكان
عندهم ضيف) في رواية الإسماعيلي كان عندهم ضيف بغير واو وظاهر السياق ان القصة
وقعت للبراء لكن المشهور انها وقعت لخاله أبي بردة بن نيار كما تقدم في كتاب الأضاحي من طريق
زبيد عن الشعبي عن البراء فذكر الحديث وفيه فقام أبو بردة بن نيار وقد ذبح فقال إن عندي
جذعة الحديث ومن طريق مطرف عن الشعبي عن البراء قال ضحى خال لي يقال له أبو بردة
قبل الصلاة (قوله قبل ان يرجع) في رواية السرخسي والمستملي قبل أن يرجعهم والمراد قبل ان
يرجع إليهم (قوله فأمره أن يعيد الذبح) قال ابن التين رويناه بكسر الذال وهو ما يذبح وبالفتح
وهو مصدر ذبحت (قوله فقال يا رسول الله) في رواية الإسماعيلي قال البراء يا رسول الله وهذا
صريح في أن القصة وقعت للبراء فلولا إتحاد المخرج لأمكن التعدد لكن القصة متحدة والسند
متحد من رواية الشعبي عن البراء والاختلاف من الرواة عن الشعبي فكأنه وقع في هذه الرواية
481

اختصار وحذف ويحتمل ان يكون البراء شارك خاله في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن القصة
فنسبت كلها إليه تجوزا قال الكرماني كان البراء وخاله أبو بردة أهل بيت واحد فنسبت القصة
تارة لخاله وتارة لنفسه انتهى والمتكلم في القصة الواحدة أحدهما فتكون نسبة القول للآخر
مجازية والله أعلم (قوله خير من شاتي لحم) تقدم البحث فيه هناك أيضا (قوله وكان ابن عون)
هو عبد الله راوي الحديث عن الشعبي وهو موصول بالسند المذكور (قوله يقف في هذا
المكان عن حديث الشعبي) أي يترك تكملته (قوله ويحدث عن محمد بن سيرين) أي عن أنس
(قوله بمثل هذا الحديث) أي حديث الشعبي عن البراء (قوله ويقف في هذا المكان) أي
في حديث ابن سيرين أيضا (قوله ويقول لا أدري الخ) يأتي بيانه في الذي بعده (قوله رواه أيوب
عن ابن سيرين عن أنس) وصله المصنف في أوائل الأضاحي من رواية إسماعيل وهو المعروف بابن
علية عن أيوب بهذا السند ولفظه من ذبح قبل الصلاة فليعد فقام رجل فقال يا رسول الله ان هذا
يوم يشتهى فيه اللحم وذكر جيرانه وعندي جذعة خير من شاتي لحم فرخص له في ذلك فلا أدري
أبلغت الرخصة من سواه أم لا وهذا ظاهره في أن الكل من رواية ابن سيرين عن أنس وقد
أوضحت ذلك أيضا في كتاب الأضاحي * الحديث الثاني عشر حديث جندب وهو ابن عبد الله
البجلي (قوله خطب ثم قال من ذبح فليبدل مكانها) تقدم في الأضاحي عن آدم عن شعبة بهذا
السند بلفظ من ذبح قبل ان يصلي فليعد * الحديث وتقدم شرحه هناك أيضا قال الكرماني
ومناسبة حديثي البراء وجندب للترجمة الإشارة إلى التسوية بين الجاهل بالحكم والناسي
(قوله باب اليمين الغموس) بفتح المعجمة وضم الميم الخفيفة وآخره مهملة قيل
سميت بذلك لأنها تغمس صاحبها في الاثم ثم في النار فهي فعول بمعنى فاعل وقيل الأصل في ذلك
انهم كانوا إذا أرادوا أن يتعاهدوا أحضروا جفنة فجعلوا فيها طيبا أو دما أو رمادا ثم يحلفون
عندما يدخلون أيديهم فيها ليتم لهم بذلك المراد من تأكيد ما أرادوا فسميت تلك اليمين إذا غدر
صاحبها غموسا لكونه بالغ في نقض العهد وكأنها على هذا مأخوذة من اليد المغموسة فيكون
فعول بمعنى مفعولة وقال ابن التين اليمين الغموس التي ينغمس صاحبها في الاثم ولذلك قال مالك
لا كفارة فيها واحتج أيضا بقوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان وهذه يمين غير منعقدة
لان المنعقد ما يمكن حله ولا يتأتى في اليمين الغموس البر أصلا (قوله ولا تتخذوا أيمانكم دخلا
بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها الآية) كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة إلى عظيم (قوله دخلا
مكرا وخيانة) هو من تفسير قتادة وسعيد بن جبير أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال
خيانة وغدرا وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير قال يعني مكرا وخديعة وقال
الفراء يعني خيانة وقال أبو عبيدة الدخل كل أمر كان على فساد وقال الطبري معنى الآية
لا تجعلوا أيمانكم التي تحلفون بها على انكم توفون بالعهد لمن عاهدتموه دخلا أي خديعة وغدرا
ليطمئنوا إليكم وأنتم تضمرون لهم الغدر انتهى ومناسبة ذكر هذه الآية لليمين الغموس ورود
الوعيد على من حلف كاذبا متعمدا (قوله النضر) بفتح النون وسكون المعجمة هو ابن شميل بالمعجمة
مصغر ووقع منسوبا في رواية النسائي وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من رواية جعفر بن إسماعيل
عن محمد بن مقاتل شيخ البخاري فيه فقال عن عبد الله بن المبارك عن شعبة وكأن لابن مقاتل
482

فيه شيخين إن كان حفظه وفراس بكسر الفاء وتخفيف الراء وآخره سين مهملة (قوله عن
عبد الله بن عمرو) أي ابن العاص (قوله الكبائر الاشراك بالله) في رواية شيبان عن فراس في
أوله جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما الكبائر فذكره ولم أقف على اسم
هذا الأعرابي (قوله الكبائر الاشراك بالله الخ) ذكر هنا ثلاثة أشياء بعد الشرك وهو العقوق
وقتل النفس واليمين الغموس ورواه غندر عن شعبة بلفظ الكبائر الاشراك بالله وعقوق الوالدين
أو قال اليمين الغموس شك شعبة أخرجه أحمد عنه هكذا وكذا أخرجه المصنف في أوائل الديات
والترمذي جميعا عن بندار عن غندر وعلقه البخاري هناك ووصله الإسماعيلي من رواية معاذ بن
معاذ عن شعبة بلفظ الكبائر الاشراك بالله واليمين الغموس وعقوق الوالدين أو قال قتل النفس
ووقع في رواية شيبان التي أشرت إليها الاشراك بالله قال ثم ماذا قال ثم عقوق الوالدين قال ثم ماذا
قال اليمين الغموس ولم يذكر قتل النفس وزاد في رواية شيبان قلت وما اليمين الغموس قال التي
تقتطع مال امرئ مسلم هو فيها كاذب والقائل قلت هو عبد الله بن عمرو راوي الخبر والمجيب
النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون السائل من دون عبد الله بن عمرو والمجيب هو عبد الله
أو من دونه ويؤيد كونه مرفوعا حديث ابن مسعود والأشعث المذكور في الباب الذي بعده
ثم وقفت على تعيين القائل قلت وما اليمين الغموس وعلى تعيين المسؤول فوجدت الحديث في
النوع الثالث من القسم الثاني من صحيح ابن حبان وهو قسم النواهي وأخرجه عن النضر بن
محمد عن محمد بن عثمان العجلي عن عبيد الله بن موسى بالسند الذي أخرجه به البخاري فقال
في آخره بعد قوله ثم اليمين الغموس قلت لعامر ما اليمين الغموس الخ فظهر أن السائل عن ذلك
فراس والمسؤول الشعبي وهو عامر فلله الحمد على ما أنعم ثم لله الحمد ثم لله الحمد فاني لم أر من تحرر له
ذلك من الشراح حتى أن الإسماعيلي وأبا نعيم لم يخرجاه في هذا الباب من رواية شيبان بل اقتصرا
على رواية شعبة وسيأتي عد الكبائر وبيان الاختلاف في ذلك في كتاب الحدود في شرح حديث
أبي هريرة اجتنبوا السبع الموبقات إن شاء الله تعالى وقد بينت ضابط الكبيرة والخلاف في ذلك
وان في الذنوب صغيرا وكبيرا وأكبر في أوائل كتاب الأدب وذكرت ما يدل على أن المراد بالكبائر
في حديث الباب أكبر الكبائر وانه ورد من وجه آخر عند أحمد عن عبد الله بن عمرو بلفظ من
أكبر الكبائر وأن له شاهدا عند الترمذي عن عبد الله بن أنيس وذكر فيه اليمين الغموس أيضا
واستدل به للجمهور على أن اليمين الغموس لا كفارة فيها للاتفاق على أن الشرك والعقوق
والقتل لا كفارة فيه وانما كفارتها التوبة منها والتمكين من القصاص في القتل العمد فكذلك
اليمين الغموس حكمها حكم ما ذكرت معه وأجيب بان الاستدلال بذلك ضعيف لان الجمع بين
مختلف الاحكام جائز كقوله تعالى كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده والايتاء واجب
والاكل غير واجب وقد أخرج ابن الجوزي في التحقيق من طريق ابن شاهين بسنده إلى خالد بن
معدان عن أبي المتوكل عن أبي هريرة انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس فيها كفارة
يمين صبر يقتطع بها مالا بغير حق وظاهر سنده الصحة لكنه معلول لان فيه عنعنة بقية فقد أخرجه
أحمد من هذا الوجه فقال في هذا السند عن المتوكل أو أبي المتوكل فظهر انه ليس هو الناجي الثقة
بل آخر مجهول وأيضا فالمتن مختصر ولفظه عند أحمد من لقى الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة
483

* الحديث وفيه وخمس ليس لها كفارة الشرك بالله وذكر في آخرها ويمين صابرة يقتطع بها
مالا بغير حق ونقل محمد بن نصر في اختلاف العلماء ثم ابن المنذر ثم ابن عبد البر اتفاق الصحابة على
أن لا كفارة في اليمين الغموس وروى آدم بن أبي إياس في مسند شعبة وإسماعيل القاضي
في الاحكام عن ابن مسعود كنا نعد الذنب الذي لا كفارة له اليمين الغموس ان يحلف الرجل على
مال أخيه كاذبا ليقتطعه قال ولا مخالف له من الصحابة واحتجوا بأنها أعظم من أن تكفر وأجاب
من قال بالكفارة كالحكم وعطاء والأوزاعي ومعمر والشافعي بأنه أحوج للكفارة من غيره
وبأن الكفارة لا تزيده الا خيرا والذي يجب عليه الرجوع إلى الحق ورد المظلمة فإن لم يفعل وكفر
فالكفارة لا ترفع عنه حكم التعدي بل تنفعه في الجملة وقد طعن ابن حزم في صحة الأثر عن ابن
مسعود واحتج بإيجاب الكفارة فيمن تعمد الجماع في صوم رمضان وفيمن أفسد حجه قال ولعلهما
أعظم اثما من بعض من حلف اليمين الغموس ثم قال وقد أوجب المالكية الكفارة على من حلف
ان لا يزني ثم زنى ونحو ذلك ومن حجة الشافعي قوله في الحديث الماضي في أول كتاب الايمان
فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه فأمر من تعمد الحنث ان يكفر فيؤخذ منه مشروعية
الكفارة لمن حلف حانثا (قوله باب قول الله تعالى ان الذين يشترون بعهد الله
وأيمانهم الآية) كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة إلى قوله عذاب أليم وقد سبق تفسير العهد
قبل خمسة أبواب ويستفاد من الآية ان العهد غير اليمين لعطف اليمين عليه ففيه حجة على من
احتج بها بأن العهد يمين واحتج بعض المالكية بأن العرف جرى على أن العهد والميثاق والكفالة
والأمانة أيمان لأنها من صفات الذات ولا يخفى ما فيه قال ابن بطال وجه الدلالة ان الله خص
العهد بالتقدمة على سائر الايمان فدل على تأكد الحلف به لان عهد الله ما أخذه على عباده وما
أعطاه عباده كما قال تعالى ومنهم من عاهد الله الآية لأنه قدم على ترك الوفاء به (قوله وقول الله
تعالى ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم) كذا لأبي ذر وفي رواية غيره وقوله جل ذكره قال ابن التين
وغيره اختلف في معناه فعن زيد بن أسلم لا تكثروا الحلف بالله وان كنتم بررة وفائدة ذلك اثبات الهيبة
في القلوب ويشير إليه قوله ولا تطع كل حلاف مهين وعن سعيد بن جبير هو ان يحلف ان لا يصل
رحمه مثلا فيقال له صل فيقول قد حلفت وعلى هذا فمعنى قوله أن تبروا كراهة أن تبروا فينبغي ان
يأتي الذي هو خير ويكفر انتهى وقد أخرجه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
ولفظه لا تجعل الله عرضة ليمينك ان لا تصنع الخير ولكن كفروا صنع الخير وقيل هو ان يحلف
ان يفعل نوعا من الخير تأكيدا له بيمينه فنهى عن ذلك حكاه الماوردي وهو شبيه النهي عن النذر
كما سيأتي نظيره وعلى هذا فلا يحتاج إلى تقدير لا قال الراغب وغيره العرضة ما يجعل معرضا لشئ
آخر كما قالوا بعير عرضة للسفر ومنه قول الشاعر * ولا تجعلني عرضة للوائم * ويقولون فلان عرضة
للناس أي يقعون فيه وفلانة عرضة للنكاح إذا صلحت له وقويت عليه وجعلت فلانا عرضة
في كذا أي أقمته فيه وتطلق العرضة أيضا على الهمة كقول حسان * هي الأنصار عرضتها اللقاء *
(قوله ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إلى قوله ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم
الله عليكم كفيلا) هكذا وقع في رواية أبي ذر وسقط ذلك لجميعهم ووقع فيه تقديم وتأخير
والصواب وقوله ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إلى قوله
484

ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا وقد وقع في رواية النسفي بعد قوله عرضة لايمانكم ما نصه وقوله
ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا الآية وقوله وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم الآية وقد مشى شرح
ابن بطال على ما وقع عند أبي ذر فقال في هذا دليل على تأكيد الوفاء بالعهد لان الله تعالى قال
ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها ولم يتقدم غير ذكر العهد فعلم أنه يمين ثم ظهر لي انه أراد ما وقع
قبل قوله ولا تنقضوا وهو قوله وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم لكن لا يلزم من عطف الايمان على
العهد أن يكون العهد يمينا بل هو كالآية السابقة ان الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا
قليلا فالآيات كلها دالات على تأكيد الوفاء بالعهد وأما كونه يمينا فشئ آخر ولعل البخاري
أشار إلى ذلك وقد تقدم كلام الشافعي من حلف بعهد الله قبل خمسة أبواب وقوله وقد جعلتم
الله عليكم كفيلا أي شهيدا في العهد أخرجه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير وأخرج عن
مجاهد قال يعني وكيلا واستدل بقوله تعالى ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم على أن اليمين
الغموس لا كفارة فيها لان ابن عباس فسرها بأن الرجل يحلف ان لا يصل قرابته فجعل الله له
مخرجا في التكفير وأمره أن يصل قرابته ويكفر عن يمينه ولم يجعل لحالف الغموس مخرجا كذا
قال وتعقبه الخطابي بأنه لا يدل على ترك الكفارة في اليمين الغموس بل قد يدل لمشروعيتها (قوله
حدثنا موسى بن إسماعيل) هو التبوذكي (قوله حدثنا أبو عوانة) هو الوضاح وقد تقدم عن
موسى هذا بعض هذا الحديث بدون قصة الأشعث في الشهادات لكن عن عبد الواحد وهو
ابن زياد بدل أبي عوانة فالحديث عند موسى المذكور عنهما جميعا (قوله عن أبي وائل) هو
شقيق بن سلمة وقد تقدم في الشرب من رواية أبي حمزة وهو السكري وفي الاشخاص من
رواية أبي معاوية كلاهما عن الأعمش عن شقيق وقد تقدم قريبا من رواية شعبة عن سليمان
وهو الأعمش ويستفاد منه أنه مما لم يدلس فيه الأعمش فلا يضر مجيئه عنه بالعنعنة (قوله عن
عبد الله) في تفسير آل عمران عن حجاج بن منهال عن أبي عوانة بهذا السند عن عبد الله بن
مسعود (قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) كذا وقع التصريح بالرفع في رواية الأعمش
ولم يقع ذلك في رواية منصور الماضية في الشهادات وفي الرهن ووقع مرفوعا في رواية شعبة
الماضية قريبا عن منصور والأعمش جميعا (قوله من حلف على يمين صبر) بفتح الصاد وسكون
الموحدة ويمين الصبر هي التي تلزم ويجبر عليها حالفها يقال أصبره اليمين أحلفه بها في مقاطع الحق
زاد أبو حمزة عن الأعمش هو بها فاجر وكذا للأكثر وفي رواية أبي معاوية هو عليها فاجر ليقتطع
وكأن فيها حذفا تقديره هو في الاقدام عليها والمراد بالفجور لازمه وهو الكذب وقد وقع في رواية
شعبة على يمين كاذبة (قوله يقتطع بها مال امرئ مسلم) في رواية حجاج بن منهال ليقطع بها بزيادة
لام تعليل ويقتطع يفتعل من القطع كأنه قطعه عن صاحبه أو أخذ قطعة من ماله بالحلف
المذكور (قوله لقى الله وهو عليه غضبان) في حديث وائل بن حجر عند مسلم وهو عنه معرض وفي
رواية كردوس عن الأشعث عند أبي داود الا لقي الله وهو أجذم وفي حديث أبي أمامة بن ثعلبة
عند مسلم والنسائي نحوه في هذا الحديث فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة وفي حديث
عمران عند أبي داود فليتبوأ مقعده من النار (قوله فأنزل الله تصديق ذلك أن الذين يشترون
بعهد الله) وأيمانهم ثمنا قليلا كذا في رواية الأعمش ومنصور ووقع في رواية جامع بن أبي راشد وعبد
485

الملك بن أعين عند مسلم والترمذي وغيرهما جميعا عن أبي وائل عن عبد الله سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه الحديث ثم قرأ علينا رسول
الله صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله ان الذين يشترون بعهد الله فذكر هذه الآية ولولا
التصريح في رواية الباب بأنها نزلت في ذلك لكان ظاهر هذه الرواية انها نزلت قبل ذلك وقد
تقدم في تفسير آل عمران انها نزلت فيمن أقام سلعته بعد العصر فحلف كاذبا وتقدم انه يجوز انها
نزلت في الامرين معا وقال الكرماني لعل الآية لم تبلغ ابن أبي أوفى الا عند اقامته السلعة فظن
أنها نزلت في ذلك أو ان القصتان وقعتا في وقت واحد فنزلت الآية واللفظ عام متناول لهما
ولغيرهما (قوله فدخل الأشعث بن قيس فقال ما حدثكم أبو عبد الرحمن) كذا وقع عند
مسلم من رواية وكيع عن الأعمش وأبو عبد الرحمن هي كنية ابن مسعود وفي رواية جرير في
الرهن ثم إن الأشعث بن قيس خرج إلينا فقال ما يحدثكم أبو عبد الرحمن والجمع بينهما انه خرج
عليهم من مكان كان فيه فدخل المكان الذي كانوا فيه وفي رواية الثوري عن الأعمش ومنصور
جميعا كما سيأتي في الاحكام فجاء الأشعث وعبد الله يحدثهم ويجمع بأن خروجه من مكانه الذي
كان فيه إلى المكان الذي كان فيه عبد الله وقع وعبد الله يحدثهم فعل الأشعث تشاغل بشئ فلم
يدرك تحديث عبد الله فسأل أصحابه عما حدثهم به (قوله فقالوا كذا وكذا) في رواية
جرير فحدثناه وبين شعبة في روايته ان الذي حدثه بما حدثهم به ابن مسعود هو أبو وائل الراوي
ولفظه في الاشخاص قال فلقيني الأشعث فقال ما حدثكم عبد الله اليوم قلت كذا وكذا
وليس بين قوله فلقيني وبين قوله في الرواية خرج إلينا فقال ما يحدثكم منافاة وانما انفرد في هذه
الرواية لكونه المجيب (قوله قال في أنزلت) رواية جرير قال فقال صدق لفي والله أنزلت
واللام لتأكيد القسم دخلت علي في ومراده ان الآية ليست بسبب خصومته التي يذكرها وفي
رواية أبي معاوية في والله كان ذلك وزاد جرير عن منصور صدق قال ابن مالك لفي والله نزلت
شاهد على جواز توسط القسم بين جزئي الجواب وعلى ان اللام يجب وصلها بمعمولي الفعل
الجوابي المتقدم لا بالفعل (قوله كان لي) في رواية الكشميهني كانت (قوله بئر) في رواية أبي
معاوية أرض وادعى الإسماعيلي في الشرب ان أبا حمزة تفرد بقوله في بئر وليس كما قال فقد وافقه
أبو عوانة كما ترى وكذا يأتي في الاحكام من رواية الثوري عن الأعمش ومنصور جميعا ومثله في
رواية شعبة الماضية قريبا عنهم لكن بين ان ذلك في حديث الأعمش وحده ووقع في رواية جرير
عن منصور في شئ ولبعضهم في بئر ووقع عند أحمد من طريق عاصم عن شقيق أيضا في بئر
(قوله في أرض ابن عم لي) كذا للأكثر ان الخصومة كانت في بئر يدعيها الأشعث في أرض لخصمه
وفي رواية أبي معاوية كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني ويجمع بأن المراد أرض البئر
لا جميع الأرض التي هي أرض البئر والبئر من جملتها ولا منافاة بين قوله ابن عم لي وبين قوله من
اليهود لان جماعة من اليمن كانوا تهودوا لما غلب يوسف ذو نواس على اليمن فطرد عنه الحبشة
فجاء الاسلام وهم على ذلك وقد ذكر ذلك ابن إسحاق في أوائل السيرة النبوية مبسوطا وقد تقدم
في الشرب ان اسم ابن عمه المذكور الخفشيش بن معدان بن معديكرب وبينت الخلاف في ضبط
الخفشيش وأنه لقب واسمه جرير وقيل معدان حكاه ابن طاهر والمعروف انه اسم وكنيته
486

أبو الخير وأخرج الطبراني من طريق الشعبي عن الأشعث قال خاصم رجل من الحضرميين
رجلا منا يقال له الخفشيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أرض له فقال النبي صلى الله عليه وسلم
للحضرمي جئ بشهودك على حقك والا حلف لك الحديث (قلت) وهذا يخالف السياق الذي
في الصحيح فإن كان ثابتا حمل على تعدد القصة وقد أخرج أحمد والنسائي من حديث عدي بن
عميرة الكندي قال خاصم رجل من كنده يقال له امرؤ القيس بن عابس الكندي رجلا من
حضرموت في أرض فذكر نحو قصة الأشعث وفيه ان مكنته من اليمين ذهبت أرضى وقال من
حلف فذكر الحديث وتلا الآية ومعد يكرب جد الخفشيش وهو جد الأشعث بن قيس بن
معديكرب بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية فهو ابن عمه حقيقة ووقع في رواية
لأبي داود من طريق كردوس عن الأشعث ان رجلا من كندة ورجلا من حضرموت اختصما إلى
النبي صلى الله عليه وسلم في أرض من اليمن فذكر قصة تشبه قصة الباب الا أن بينهما اختلافا في
السياق وأظنها قصة أخرى فان مسلما أخرج من طريق علقمة بن وائل عن أبيه قال جاء رجل
من حضرموت ورجل من كندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الحضرمي ان هذا غلبني
على أرض كانت لأبي وانما جوزت التعدد لان الحضرمي يغاير الكندي لان المدعى في حديث
الباب هو الأشعث وهو الكندي جزما والمدعى في حديث وائل هو الحضرمي فافترقا ويجوز أن
يكون الحضرمي نسب إلى البلد لا إلى القبيلة فان أصل نسبة القبيلة كانت إلى البلد ثم اشتهرت
النسبة إلى القبيلة فلعل الكندي في هذه القصة كان يسكن حضرموت فنسب إليها والكندي
لم يسكنها فاستمر على نسبته وقد ذكروا الخفشيش في الصحابة واستشكله بعض مشايخنا لقوله في
الطريق المذكورة قريبا انه يهودي ثم قال يحتمل انه أسلم (قلت) وتمامه ان يقال انما وصفه
الأشعث بذلك باعتبار ما كان عليه أولا ويؤيد إسلامه انه وقع في رواية كردوس عن الأشعث
في آخر القصة انه لما سمع الوعيد المذكور قال هي أرضه فترك اليمين تورعا ففيه اشعار بإسلامه
ويؤيده انه لو كان يهوديا ما بالى بذلك لانهم يستحلون أموال المسلمين والى ذلك وقعت الإشارة
بقوله تعالى حكاية عنهم ليس علينا في الأميين سبيل أي حرج ويؤيد كونه مسلما أيضا رواية
الشعبي الآتية قريبا (قوله فاتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية الثوري خاصمته وفي
رواية جرير عن منصور فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية أبي معاوية
فجحدني فقدمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله فقال بينتك أو يمينه) في رواية أبي
معاوية فقال ألك بينة فقلت لا فقال لليهودي احلف وفي رواية أبي حمزة فقال لي شهودك قلت
مالي شهود قال فيمينه وفي رواية وكيع عند مسلم ألك عليه بينة وفي رواية جرير عن منصور
شاهداك أو يمينه وتقدم في الشهادات توجيه الرفع وانه يجوز النصب ويأتي نظيره في لفظ رواية
الباب ويجوز أن يكون توجيه الرفع لك إقامة شاهديك أو طلب يمينه فحذف فيهما المضاف وأقيم
المضاف إليه مقامه فرفع والأصل في هذا التقدير قول سيبويه المثبت لك ما تدعيه شاهداك
وتأويله المثبت لك هو شهادة شاهديك الخ (قوله قلت إذا يحلف عليها يا رسول الله) لم يقع في
رواية أبي حمزة ما بعد قوله يحلف وتقدم في الشرب ان يحلف بالنصب لوجود شرائطه من
الاستقبال وغيره وانه يجوز الرفع وذكر فيه توجيه ذلك وزاد في رواية أبي معاوية إذا يحلف
487

ويذهب بمالي ووقع في حديث وائل من الزيادة بعد قوله ألك بينة قال لا قال فلك يمينه قال إنه
فاجر ليس يبالي ما حلف عليه وليس يتورع من شئ قال ليس لك منه الا ذلك ووقع في رواية
الشعبي عن الأشعث قال أرضي أعظم شأنا من أن يحلف عليها فقال إن يمين المسلم يدرأ بها أعظم
من ذلك (قوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف) فذكر مثل حديث ابن مسعود سواء
وزاد وهو فيها فاجر وقد بينت أن هذه الزيادة وقعت في حديث ابن مسعود عند أبي حمزة وغيره
وزاد أبو حمزة فأنزل الله ذلك تصديقا له أي لحديث النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقع في رواية
منصور حديث من حلف من رواية الأشعث بل اقتصر على قوله فأنزل الله وساق الآية ووقع في
رواية كردوس عن الأشعث فتهيأ الكندي لليمين وفي حديث وائل فانطلق ليحلف فلما أدبر
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث ووقع في رواية الشعبي عن الأشعث فقال النبي صلى
الله عليه وسلم ان هو حلف كاذبا أدخله الله النار فذهب الأشعث فأخبره القصة فقال أصلح بيني
وبينه قال فاصلح بينهما وفي حديث عدي بن عميرة فقال له امرؤ القيس ما لمن تركها يا رسول الله
قال الجنة قال اشهد اني قد تركتها له كلها وهذا يؤيد ما أشرت إليه من تعدد القصة وفي الحديث
سماع الحاكم الدعوى فيما لم يره إذا وصف وحدد وعرفه المتداعيان لكن لم يقع في الحديث
تصريح بوصف ولا تحديد فاستدل به القرطبي على أن الوصف والتحديد ليس بلازم لذاته بل يكفي
في صحة الدعوى تمييز المدعي به تمييزا ينضبط به (قلت) ولا يلزم من ترك ذكر التحديد
والوصف في الحديث أن لا يكون ذلك وقع ولا يستدل بسكوت الراوي عنه بأنه لم يقع بل يطالب
من جعل ذلك شرطا بدليله فإذا ثبت حمل على أنه ذكر في الحديث ولم ينقله الراوي وفيه ان الحاكم
يسأل المدعي هل له بينة وقد ترجم بذلك في الشهادات وان البينة على المدعي في الأموال كلها
واستدل به لمالك في قوله إن من رضي بيمين غريمه ثم أراد إقامة البينة بعد حلفه انها لا تسمع الا ان
أتى بعذر يتوجه له في ترك اقامتها قبل استحلافه قال ابن دقيق العيد ووجه أن أو تقتضي أحد
الشيئين فلو جاز إقامة البينة بعد الاستحلاف لكان له الأمران معا والحديث يقتضي انه ليس
له الا أحدهما قال وقد يجاب بأن المقصود من هذا الكلام نفي طريق أخرى لاثبات الحق فيعود
المعنى إلى حصر الحجة في البينة واليمين ثم أشار إلى أن النظر إلى اعتبار مقاصد الكلام وفهمه
يضعف هذا الجواب قال وقد يستدل الحنفية به في ترك العمل بالشاهد واليمين في الأموال (قلت)
والجواب عنه بعد ثبوت دليل العمل بالشاهد واليمين انها زيادة صحيحة يجب المصير إليها لثبوت
ذلك بالمنطوق وانما يستفاد نفيه من حديث الباب بالمفهوم واستدل به على توجيه اليمين في
الدعاوى كلها على من ليست له بينة وفيه بناء الاحكام على الظاهر وإن كان المحكوم له في نفس
الامر مبطلا وفيه دليل للجمهور ان حكم الحاكم لا يبيح للانسان ما لم يكن حلالا له خلافا لأبي
حنيفة كذا أطلقه النووي وتعقب بأن ابن عبد البر نقل الاجماع على أن الحكم لا يحل حراما في
الباطن في الأموال قال واختلفوا في حل عصمة نكاح من عقد عليها بظاهر الحكم وهي في
الباطن بخلافه فقال الجمهور الفروج كالأموال وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وبعض المالكية
ان ذلك انما هو في الأموال دون الفروج وحجتهم في ذلك اللعان انتهى وقد طرد ذلك بعض الحنفية
في بعض المسائل في الأموال والله أعلم وفيه التشديد على من حلف باطلا ليأخذ حق مسلم وهو
488

عند الجميع محمول على من مات على غير توبة صحيحة وعند أهل السنة محمول على من شاء الله ان
يعذبه كما تقدم تقريره مرارا وآخرها في الكلام على حديث أبي ذر في كتاب الرقاق وقوله
ولا ينظر الله إليه قال في الكشاف هو كناية عن عدم الاحسان إليه عند من يجوز عليه النظر مجاز
عند من لا يجوزه والمراد بترك التزكية ترك الثناء عليه وبالغضب إيصال الشر إليه وقال المازري
ذكر بعض أصحابنا ان فيه دلالة على أن صاحب اليد أولى بالمدعى فيه وفيه التنبيه على صورة
الحكم في هذه الأشياء لأنه بدأ بالطالب فقال ليس لك الا يمين الاخر ولم يحكم بها للمدعي عليه إذا
حلف بل انما جعل اليمين تصرف دعوى المدعى لا غير ولذلك ينبغي للحاكم إذا حلف المدعي عليه
ان لا يحكم له بملك المدعى فيه ولا بحيازته بل يقره على حكم يمينه واستدل به على أنه لا يشترط
في المتداعيين أن يكون بينهما اختلاط أو يكونا ممن يتهم بذلك ويليق به لان النبي صلى الله عليه
وسلم أمر المدعى عليه هنا بالحلف بعد أن سمع الدعوى ولم يسأل عن حالهما وتعقب بأنه ليس
فيه التصريح بخلاف ما ذهب إليه من قال به من المالكية لاحتمال ان يكون النبي صلى الله
عليه وسلم علم من حاله ما أغناه عن السؤال فيه وقد قال خصمه عنه انه فاجر لا يبالي ولا يتورع عن
شئ ولم ينكر عليه ذلك ولو كان بريئا مما قال لبادر للانكار عليه بل في بعض طرق الحديث ما يدل
على أن الغضب المدعى به وقع في الجاهلية ومثل ذلك تسمع الدعوى بيمينه فيه عندهم وفي الحديث
أيضا ان يمين الفاجر تسقط عنه الدعوى وان فجوره في دينه لا يوجب الحجر عليه ولا ابطال اقراره
ولولا ذلك لم يكن لليمين معنى وأن المدعى عليه ان أقر ان أصل المدعي لغيره لا يكلف لبيان وجه
مصيره إليه ما لم يعلم إنكاره لذلك يعني تسليم المطلوب له ما قال قال وفيه ان من جاء بالبينة قضى
له بحقه من غير يمين لأنه محال ان يسأله عن البينة دون ما يجب له الحكم به ولو كانت اليمين من تمام
الحكم له لقال له بينتك ويمينك على صدقها وتعقب بأنه لا يلزم من كونه لا يحلف مع بينته على
صدقها فيما شهدت ان الحكم له لا يتوقف بعد البينة على حلفه بأنه ما خرج عن ملكه ولا وهبه مثلا
وانه يستحق قبضه فهذا وإن كان لم يذكر في الحديث فليس في الحديث ما ينفيه بل فيه ما يشعر
بالاستغناء عن ذكر ذلك لان في بعض طرقه ان الخصم اعترف وسلم المدعى به للمدعى فأغنى ذلك
عن طلبه يمينه والغرض ان المدعى ذكر انه لا بينة له فلم تكن اليمين الا في جانب المدعى عليه فقط
وقال القاضي عياض وفي هذا الحديث من الفوائد أيضا البداءة بالسماع من الطالب ثم من
المطلوب هل يقر أو ينكر ثم طلب البينة من الطالب ان أنكر المطلوب ثم توجيه اليمين على
المطلوب إذا لم يجد الطالب البينة وان الطالب إذا ادعى ان المدعى به في يد المطلوب فاعترف استغنى
عن إقامة البينة بأن يد المطلوب عليه قال وذهب بعض العلماء إلى أن كلما يجري بين المتداعيين
من تساب بخيانة وفجور هدر لهذا الحديث وفيه نظر لأنه انما نسبه إلى الغصب في الجاهلية والى
الفجور وعدم التوقي في الايمان في حال اليهودية فلا يطرد ذلك في حق كل أحد وفيه موعظة
الحاكم المطلوب إذا أراد أن يحلف خوفا من أن يحلف باطلا فيرجع إلى الحق بالموعظة واستدل
به القاضي أبو بكر بن الطيب في سؤال أحد المتناظرين صاحبه عن مذهبه فيقول له ألك دليل
على ذلك فان قال نعم سأله عنه ولا يقول له ابتداء ما دليلك على ذلك ووجه الدلالة انه صلى الله
عليه وسلم قال للطالب ألك بينة ولم يقل له قرب بينتك وفيه إشارة إلى أن لليمين مكانا يختص به لقوله
489

في بعض طرقه فانطلق ليحلف وقد عهد في عهده صلى الله عليه وسلم الحلف عند منبره وبذلك
احتج الخطابي فقال كانت المحاكمة والنبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فانطلق المطلوب ليحلف
فلم يكن انطلاقه الا إلى المنبر لأنه كان في المسجد فلا بد أن يكون انطلاقه إلى موضع أخص منه
وفيه ان الحالف يحلف قائما لقوله فلما قام ليحلف وفيه نظر لان المراد بقوله قام ما تقدم من قوله
انطلق ليحلف واستدل به للشافعي ان من أسلم وبيده مال لغيره انه يرجع إلى مالكه إذا أثبته وعن
المالكية اختصاصه بما إذا كان المال لكفار وأما إذا كان لمسلم وأسلم عليه الذي هو بيده فإنه
يقر بيده والحديث حجة عليهم وقال ابن المنير في الحاشية يستفاد منه ان الآية المذكورة في هذا
الحديث نزلت في نقض العهد وان اليمين الغموس لا كفارة فيها لان نقض العهد لا كفارة فيه
كذا قال وغايته انها دلالة اقتران وقال النووي يدخل في قوله من اقتطع حق امرئ مسلم من
حلف على غير مال كجلد الميتة والسرجين وغيرهما مما ينتفع به وكذا سائر الحقوق كنصيب
الزوجة بالقسم وأما التقييد بالمسلم فلا يدل على عدم تحريم حق الذمي بل هو حرام أيضا
لكن لا يلزم أن يكون فيه هذه العقوبة العظيمة وهو تأويل حسن لكن ليس في الحديث المذكور
دلالة على تحريم حق الذمي بل ثبت بدليل آخر والحاصل ان المسلم والذمي لا يفترق الحكم في الامر
فيهما في اليمين الغموس والوعيد عليها وفي أخذ حقهما باطلا وانما يفترق قدر العقوبة بالنسبة
إليهما قال وفيه غلظ تحريم حقوق المسلمين وأنه لا فرق بين قليل الحق وكثيره في ذلك وكأن مراده
عدم الفرق في غلظ التحريم لا في مراتب الغلظ وقد صرح ابن عبد السلام في القواعد بالفرق بين
القليل والكثير وكذا بين ما يترتب عليه كثير المفسدة وحقيرها وقد ورد الوعيد في الحالف
الكاذب في حق الغير مطلقا في حديث أبي ذر ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم الحديث وفيه
والمنفق سلعته بالحلف الكاذب أخرجه مسلم وله شاهد عند أحمد وأبي داود والترمذي من
حديث أبي هريرة بلفظ ورجل حلف على سلعته بعد العصر كاذبا (قوله باب
اليمين فيما لا يملك وفي المعصية والغضب) ذكر فيه ثلاثة أحاديث يؤخذ منها حكم ما في الترجمة على
الترتيب وقد تؤخذ الأحكام الثلاثة من كل منها ولو بضرب من التأويل وقد ورد في الأمور الثلاثة
على غير شرط حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم
أخرجه أبو داود والنسائي ورواته لا بأس بهم لكن اختلف في سنده على عمرو وفي بعض طرقه
عند أبي داود ولا في معصية وللطبراني في الأوسط عن ابن عباس رفعه لا يمين في غضب الحديث
وسنده ضعيف * الحديث الأول حديث أبي موسى في قصة طلبهم الحملان في غزوة تبوك
اقتصر منه على بعضه (1) وفيه فقال لا أحملكم وقد ساقه تاما في غزوة تبوك بالسند المذكور هنا
وفيه فقال والله لا أحملكم وهو الموافق للترجمة وأشار بقوله فيما لا يملك إلى ما وقع في بعض طرقه
كما سيأتي في باب الكفارة قبل الحنث فقال والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم وقد أحلت
بشرح الحديث على الباب المذكور قال ابن المنير فهم ابن بطال عن البخاري انه نحا بهذه الترجمة
لجهة تعليق الطلاق قبل ملك العصمة أو الحرية قبل ملك الرقبة فنقل الاختلاف في ذلك وبسط
القول فيه والحجج والذي يظهر أن البخاري قصد غير هذا وهو ان النبي صلى الله عليه وسلم
حلف أن لا يحملهم فلما حملهم راجعوه في يمينه فقال ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم فبين ان
490

يمينه انما انعقدت فيما يملك فلو حملهم على ما يملك لحنث وكفر ولكنه حملهم على ما لا يملكه ملكا
خاصا وهو مال الله وبهذا لا يكون قد حنث في يمينه وأما قوله عقب ذلك لا أحلف على يمين فأرى
غيرها خيرا منها فهو تأسيس قاعدة مبتدأة كأنه يقول ولو كنت حلفت ثم رأيت ترك ما حلفت
عليه خيرا منه لا حنثت نفسي وكفرت عن يميني قال وهم انما سألوه أن يحملهم ظنا انه يملك حملانا
فحلف لا يحملهم على شئ يملكه لكونه كان حينئذ لا يملك شيئا من ذلك قال ولا خلاف ان من حلف
على شئ وليس في ملكه انه لا يفعل فعلا معلقا بذلك الشئ مثل قوله والله لئن ركبت مثلا هذا البعير
لأفعلن كذا لبعير لا يملكه أنه لو ملكه وركبه حنث وليس هذا من تعليق اليمين على الملك (قلت)
وما قاله محتمل وليس ما قاله ابن بطال أيضا ببعيد بل هو أظهر وذلك أن الصحابة الذين سألوا الحملان
فهموا انه حلف وأنه فعل خلاف ما حلف أنه لا يفعله فلذلك لما أمر لهم بالحملان بعد قالوا تغفلنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينه وظنوا أنه نسي حلفه الماضي فأجابهم أنه لم ينس ولكن الذي
فعله خير مما حلف عليه وأنه إذا حلف فرأى خيرا من يمينه فعل الذي حلف أن لا يفعله وكفر عن
يمينه وسيأتي واضحا في باب الكفارة قبل الحنث ويأتي مزيد لمسئلة اليمين فيما لا يملك في باب النذر
فيما لا يملك إن شاء الله تعالى * الحديث الثاني ذكر طرفا من حديث الإفك وعبد العزيز شيخه
هو ابن عبد الله الأويسي وإبراهيم هو ابن سعد وصالح هو ابن كيسان وحجاج شيخه في السند
الثاني هو ابن المنهال وقد أورده عن عبد العزيز بطوله في المغازي وأورد عن حجاج بهذا السند
أيضا منه قطعة في الشهادات تتعلق بقول بريرة ما علمت الا خيرا وقطعة في الجهاد فيمن أراد سفرا
فأقرع بين نسائه وقطعة في تفسير سورة يوسف مقرونا أيضا برواية عبد العزيز في قول يعقوب
فصبر جميل وقطعة في غزوة بدر في قصة أم مسطح وقول عائشة لها تسبين رجلا شهد بدرا وقطعة
في التوحيد في قول عائشة ما كنت أظن أن الله ينزل في شأني وحيا يتلى ومجموع ما أورده عنه
لا يجئ قدر عشر الحديث والغرض منه قوله فيه قال أبو بكر الصديق وكان ينفق على مسطح
والله لا أنفق على مسطح وهو موافق لترك اليمين في المعصية لأنه حلف أن لا ينفع مسطحا لكلامه
في عائشة فكان حالفا على ترك طاعة فنهى عن الاستمرار على ما حلف عليه فيكون النهي عن
الحلف عل فعل المعصية بطريق الأولى والظاهر من حاله عند الحلف ان يكون قد غضب على
مسطح من أجل قوله الذي قال وقال الكرماني لا مناسبة لهذا الحديث بالجزأين الأولين الا أن
يكون قاسهما على الغضب أو المراد بقوله وفي المعصية وفي شأن المعصية لان الصديق حلف بسبب
افك مسطح والإفك من المعصية وكذا كل من لا يملك الشخص فالحلف عليه موجب للتصرف فيما
لا يملكه قبل ذلك أي ليس له ان يفعله شرعا انتهى ولا يخفى تكلفه والأولى انه لا يلزم أن يكون كل
خبر في الباب يطابق جميع ما في الترجمة ثم قال الكرماني الظاهر أنه من تصرفات النقلة من أصل
البخاري فإنه مات وفيه مواضع مبيضة من تراجم بلا حديث وأحاديث بلا ترجمة فأضافوا بعضا
إلى بعض (قلت) وهذا انما يصار إليه إذا لم تتجه المناسبة وقد بينا توجيهها والله أعلم * الحديث
الثالث (قوله حدثنا أبو معمر) هو عبد الله بن عمرو وعبد الوارث هو ابن سعيد وأيوب هو
السختياني والقاسم هو ابن عاصم وزهدم هو ابن مضرب الجرمي والجميع بصريون وقوله فوافقته
وهو غضبان مطابق لبعض الترجمة وفي القصة نحو ما في قصة أبي بكر من الحلف على ترك طاعة
491

لكن بينهما فرق وهو ان حلف النبي صلى الله عليه وسلم وافق أن لا شئ عنده مما حلف عليه
بخلاف حلف أبي بكر فإنه حلف وهو قادر على فعل ما حلف على تركه قال ابن المنير لم يذكر البخاري
في الباب ما يناسب ترجمة اليمين على المعصية الا ان يريد بيمين أبي بكر على قطيعة مسطح وليست
بقطيعة بل هي عقوبة له على ما ارتكب من المعصية بالقذف ولكن يمكن أن يكون أبو بكر حلف
على خلاف الأولى فإذا نهى عن ذلك حتى أحنث نفسه وفعل ما حلف على تركه فمن حلف على
فعل المعصية يكون أولى قال وكذلك قوله فأرى خيرا منها يقتضى ان الحنث لفعل ما هو الأولى
يقتضي الحنث لترك ما هو معصية بطريق الأولى قال ولهذا يقضى بحنث من حلف على معصية
من قبل أن يفعلها انتهى والقضاء المذكور عند المالكية كما سيأتي بسطه في باب النذر في المعصية
قال ابن بطال في حديث أبي موسى الرد على من قال إن يمين الغضبان لغو (قوله باب
إذا قال والله لا أتكلم اليوم فصلى أو قرأ أو سبح إلى أن قال فهو على نيته) أي ان أراد إدخال القراءة
والذكر حنث إذا قرأ أو ذكر وان أراد ان لا يدخلهما لم يحنث ولم يتعرض لما إذا أطلق والجمهور على
أنه لا يحنث وعن الحنفية يحنث وفرق بعض الشافعية بين القرآن فلا يحنث به ويحنث بالذكر
وحجة الجمهور ان الكلام في العرف ينصرف إلى كلام الآدميين وأنه لا يحنث بالقراءة والذكر
داخل الصلاة فليكن كذلك خارجها ومن الحجة في ذلك الحديث الذي عند مسلم ان صلاتنا هذه
لا يصلح فيها شئ من كلام الناس انما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن فحكم للذكر والقراءة بغير
حكم كلام الناس وقال ابن المنير معنى قول البخاري هو على نيته أي العرفية قال ويحتمل أن
يكون مراده انه لا يحنث بذلك الا ان نوى ادخاله في نيته فيؤخذ منه حكم الاطلاق قال ومن
فروع المسئلة لو حلف لا كلمت زيدا ولا سلمت عليه فصلى خلفه فسلم الامام وسلم المأموم
التسليمة التي يخرج بها من الصلاة فلا يحنث بها جزما بخلاف التسليمة التي يرد بها على الامام
فلا يحنث أيضا لأنها ليست مما ينويه الناس عرفا وفيه الخلاف انتهى وهو على مذهبهم ويأتي
نظيره عندنا في التسليمة الثانية إذا كان من حلف لا يكلمه عن يساره فلا يحنث الا ان قصد الرد
عليه (قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الكلام أربع سبحان الله الخ) هذا من
الأحاديث التي لم يصلها البخاري في موضع آخر وقد وصله النسائي من طريق ضرار بن مرة عن
أبي صالح عن أبي سعيد وأبي هريرة مرفوعا بلفظه وأخرجه مسلم من حديث سمرة بن جندب
لكن بلفظ أحب بدل أفضل وأخرجه ابن حبان من هذا الطريق بلفظ أفضل ولحديث أبي
هريرة طريق أخرى أخرجها النسائي وصححها ابن حبان من طريق أبي حمزة السكري عن
الأعمش عن أبي صالح عنه بلفظ خير الكلام أربع لا يضرك بأيهن بدأت فذكره وأخرجه أحمد
عن وكيع عن الأعمش فأبهم الصحابي وأخرجه النسائي من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه
عن السلولي عن كعب الأحبار من قوله وقد بينت معاني هذه الألفاظ الأربعة في باب فضل
التسبيح من كتاب الدعوات (قوله وقال أبو سفيان كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل
تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) هذا طرف ذكره بالمعنى من الحديث الطويل وقد شرحته
بطوله في أول الصحيح وفي تفسير آل عمران والغرض منه ومن جميع ما ذكر في الباب ان ذكر الله
من جملة الكلام وإطلاق كلمة على مثل سبحان الله وبحمده من اطلاق البعض على الكل
492

(قوله وقال مجاهد كلمة التقوى لا إله إلا الله) وصله عبد بن حميد من طريق منصور بن المعتمر عن
مجاهد بهذا موقوفا على مجاهد وقد جاء مرفوعا من أحاديث جماعة من الصحابة منهم أبي بن
كعب وأبو هريرة وابن عباس وسلمة بن الأكوع وابن عمر أخرجها كلها أبو بكر بن مردويه
في تفسيره وحديث أبي عند الترمذي وذكر انه سأل أبا زرعة عنه فلم يعرفه مرفوعا الا من هذا
الوجه وأخرجه أبو العباس البريقي في جزئه المشهور موقوفا على جماعة من الصحابة والتابعين ثم ذكر
في الباب ثلاثة أحاديث حديث سعيد بن المسيب عن أبيه لما حضرت أبا طالب الوفاة الحديث
مختصر وقد تقدم بتمامه وشرحه في السيرة النبوية والغرض منه قوله صلى الله عليه وسلم
قل لا إله إلا الله كلمة أحاج بضم أوله وتشديد آخره وأصله أحاجج والمراد أظهر لك بها الحجة وحديث
أبي هريرة كلمتان خفيفتان على اللسان الحديث وقد تقدم في الدعوات ويأتي شرحه مستوفى في
آخر الكتاب وحديث عبد الله وهو ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة وقلت
أخرى الحديث وقد مضى الكلام عليه في كتاب أوائل الجنائز وذكرت ما وقع للنووي فيه ووقع
في تفسير البقرة بيان الكلمة المرفوعة من الكلمة الموقوفة قال الكرماني المتجه أن يقول من
مات لا يجعل لله ندا لا يدخل النار لكن لما كان دخول الجنة محققا للموحد جزم به ولو كان آخرا
(قوله باب من حلف ان لا يدخل على أهله شهرا وكان الشهر تسعا وعشرين) أي ثم
دخل فإنه لا يحنث هذا يتصور إذا وقع الحلف أول جزء من الشهر اتفاقا فان وقع في أثناء الشهر
ونقص هل يتعين ان يلفق ثلاثين أو يكتفي بتسع وعشرين فالأول قول الجمهور وقالت طائفة
منهم ابن عبد الحكم من المالكية بالثاني وقد تقدم بيان ذلك في آخر شرح حديث عمر الطويل
في آخر النكاح ومضى الكلام على تفسير الايلاء وعلى حديث أنس المذكور في هذا الباب في باب
الايلاء واحتج الطحاوي للجمهور بالحديث الصحيح الماضي في الصيام بلفظ الشهر تسع وعشرون
فإذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإذا غم عليكم فأكملوا ثلاثين قال فأوجب عليهم إذا
أغمي ثلاثين وجعله على الكمال حتى يروا الهلال قبل ذلك (قلت) وهذا انما يحتج به على من زعم
أنه إذا وقعت يمينه في أثناء الشهر ان يكتفى بتسع وعشرين سواء كان ذلك الشهر الذي حلف فيه
تسعا وعشرين أو ثلاثين وقد نقل هو هذا المذهب عن قوم وأما قول ابن عبد الحكم فإنما يصلح
تعقبه بحديث عائشة قالت لا والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الشهر تسع وعشرون
وانما والله أعلم بما قال في ذلك أنه قال حين هجرنا لأهجركن شهرا ثم جاء لتسع وعشرين فسألته
فقال إن شهرنا هذا كان تسعا وعشرين قال الطحاوي بعد تخريجه يعرف بذلك ان يمينه كانت
مع رؤية الهلال كذا قال وليس ذلك صريحا في الحديث والله أعلم (قوله باب إذا
حلف ان لا يشرب نبيذا فشرب طلاء) في رواية الطلاء بزيادة لام (قوله أو سكرا) بفتح المهملة
وتخفيف الكاف (قوله أو عصيرا لم يحنث في قول بعض الناس وليست هذه بأنبذة عنده) في
رواية الكشميهني وليس وقد تقدم تفسير الطلاء والسكر والنبيذ في كتاب الأشربة قال المهلب
493

الذي عليه الجمهور ان من حلف ان لا يشرب النبيذ بعينه لا يحنث بشرب غيره ومن حلف
لا يشرب نبيذا لما يخشى من السكر به فإنه يحنث بكل ما يشربه مما يكون فيه المعنى المذكور فان
سائر الأشربة من الطبيخ والعصير تسمى نبيذا لمشابهتها له في المعنى فهو كمن حلف لا يشرب شرابا
وأطلق فإنه يحنث بكل ما يقع عليه اسم شراب قال ابن بطال ومراد البخاري ببعض الناس
أبو حنيفة ومن تبعه فإنهم قالوا إن الطلاء والعصير ليسا بنبيذ لان النبيذ في الحقيقة ما نبذ في الماء
ونقع فيه ومنه سمى المنبوذ منبوذا لأنه نبذ أي طرح فأراد البخاري الرد عليهم وتوجيهه من حديثي
الباب ان حديث سهل يقتضي تسمية ما قرب عهده بالانتباذ نبيذا وان حل شربه وقد تقدم
في الأشربة من حديث عائشة انه صلى الله عليه وسلم كان ينبذ له ليلا فيشربه غدوة وينبذ له غدوة
فيشربه عشية وحديث سودة يؤيد ذلك فإنها ذكرت انهم صاروا ينتبذون في جلد الشاة التي
ماتت وما كانوا ينبذون الا ما يحل شربه ومع ذلك كان يطلق عليه اسم نبيذ فالنقيع في حكم
النبيذ الذي لم يبلغ حد السكر والعصير من العنب الذي بلغ حد السكر في معنى نبيذ التمر الذي بلغ
حد السكر وزعم ابن المنير في الحاشية ان الشارح بمعزل عن مقصود البخاري هنا قال وانما أراد
تصويب قول الحنفية ومن ثم قال لم يحنث ولا يضره قوله بعده في قول بعض الناس فإنه لو أراد
خلافه لترجم على أنه يحنث وكيف يترجم على وفق مذهب ثم يخالفه انتهى والذي فهمه ابن بطال
أوجه وأقرب إلى مراد البخاري والحاصل ان كل شئ يسمى في العرف نبيذا يحنث به الا ان نوى
شيئا بعينه فيختص به والطلاء يطلق على المطبوخ من عصير العنب وهذا قد ينعقد فيكون
دبسا وربا فلا يسمى نبيذا أصلا وقد يستمر مائعا ويسكر كثيره فيسمى في العرف نبيذا بل نقل ذلك
ابن التين عن أهل اللغة ان الطلاء جنس من الشراب وعن ابن فارس انه من أسماء الخمر وكذلك
السكر يطلق على العصير قبل أن يتخمر وقيل هو ما أسكر منه ومن غيره ونقل الجوهري ان نبيذ
التمر والعصير ما يعصر من العنب فيسمى بذلك ولو تخمر وقد مضى شرح حديث سهل في الوليمة من
كتاب النكاح وعلى شيخه هو ابن المديني وأما حديث سودة فهي بنت زمعة بن قيس بن
عبد شمس العامرية من بني عامر بن لؤي القرشية زوج النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها النبي
صلى الله عليه وسلم بعد موت خديجة وهو بمكة ودخل بها قبل الهجرة (قوله أخبرنا عبد الله) هو
ابن المبارك (قوله فدبغنا مسكها) بفتح الميم وبالمهملة أي جلدها (قوله حتى صار شنا) بفتح المعجمة
وتشديد النون أي باليا والشنة القربة العتيقة وقد أخرج النسائي من طريق مغيرة بن مقسم عن
الشعبي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا في دباغ جلد الشاة الميتة غير هذا وأشار
المزي في الأطراف إلى أن ذلك علة لرواية إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي التي في الباب وليس كذلك
بل هما حديثان متغايران في السياق وإن كان كل منهما من رواية الشعبي عن ابن عباس ورواية
مغيرة هذه توافق لفظ رواية عطاء عن ابن عباس عن ميمونة وهي عند مسلم وأخرجها البخاري
من رواية عبيد بن عبد الله عن ابن عباس بغير ذكر ميمونة ولا ذكر الدباغ فيه ومضى الكلام على
ذلك مستوفي في أواخر كتاب الأطعمة قال ابن أبي جمرة في حديث سودة الرد على من زعم أن الزهد
لا يتم الا بالخروج عن جميع ما يتملك لان موت الشاة يتضمن سبق ملكها واقتنائها وفيه جواز
تنمية المال لانهم أخذوا جلد الميتة فدبغوه فانتفعوا به بعد إن كان مطروحا وفيه جواز تناول
494

ما يهضم الطعام لما دل عليه الانتباذ وفيه إضافة الفعل إلى المالك وان باشره غيره كالخادم
انتهى ملخصا (قوله باب إذا حلف ان لا يأتدم فأكل تمرا بخبز) أي هل يكون مؤتدما
فيحنث أم لا (قوله وما يكون منه الأدم) هي جملة معطوفة على جملة الشرط والجزاء أي وباب
بيان ما يحصل به الائتدام ذكر فيه حديثين حديث عائشة ما شبع آل محمد من خبز بر مأدوم وهو
طرف من حديث مضى في الأطعمة بتمامه وكذا التعليق المذكور بعده عن محمد بن كثير مضى
ذكر من وصله عنه وعابس بمهملة وبعد الألف موحدة ثم مهملة وقوله في آخره قال لعائشة بهذا
قال الكرماني أي روى عنها أو قال لها مستفهما ما شبع آل محمد فقالت نعم (قلت) والواقع
خلاف هذا التقدير وهو بين فيما أخرجه الطبراني والبيهقي من وجهين آخرين وهو ان عابسا قال
لعائشة أنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الأضاحي فذكر الحديث وفي آخره ما شبع
إلى آخره والنكتة في إيراده طريق محمد بن كثير الإشارة إلى أن عابسا لقى عائشة وسألها لرفع
ما يتوهم في العنعنة في الطريق التي قبلها من الانقطاع وقد تقدم شرح الحديث في كتاب
الرقاق * الثاني حديث أنس في قصة أقراص الشعير وأكل القوم وهم سبعون أو ثمانون رجلا
حتى شبعوا وقد مضى شرحه في علامات النبوة والقصد منه قوله فأمر بالخبز ففت وعصرت أم سليم
عكة لها فأدمته أي خلطت ما حصل من السمن بالخبز المفتوت قال ابن المنير وغيره مقصود
البخاري الرد على من زعم أنه لا يقال ائتدم الا إذا أكل بما اصطبغ به قال ومناسبته لحديث
عائشة ان المعلوم انها أرادت نفي الادام مطلقا بقرينة ما هو معروف من شظف عيشهم فدخل
فيه التمر وغيره وقال الكرماني وجه المناسبة ان التمر لما كان موجودا عندهم وهو غالب أقواتهم
وكانوا شباعى منه علم أن أكل الخبز به ليس ائتداما قال ويحتمل أن يكون ذكر هذا الحديث في
هذا الباب لأدنى ملابسة وهو لفظ المأدوم لكونه لم يجد شيئا على شرطه قال ويحتمل أن يكون
إيراد هذا الحديث في هذه الترجمة من تصرف النقلة (قلت) والأول مباين لمراد البخاري والثاني
هو المراد لكن بأن ينضم إليه ما ذكره ابن المنير والثالث بعيد جدا قال ابن المنير وأما قصة أم سليم
فظاهره المناسبة لان السمن اليسير الذي فضل في قعر العكة لا يصطبغ به الأقراص التي فتتها
وانما غايته ان يصير في الخبز من طعم السمن فأشبه ما إذا خالط التمر عند الاكل ويؤخذ منه ان كل
شئ يسمى عند الاطلاق إداما فان الحالف ان لا يأتدم يحنث إذا أكله مع الخبز وهذا قول الجمهور
سواء كان يصطبغ به أم لا وقال أبو حنيفة وأبو يوسف لا يحنث إذا ائتدم بالجبن والبيض
وخالفهما محمد بن الحسن فقال كل شئ يؤكل مع الخبز مما الغالب عليه ذلك كاللحم المشوي والجبن
أدم وعن المالكية يحنث بكل ما هو عند الحالف أدم ولكل قوم عادة ومنهم من استثنى الملح جريشا
كان أو مطيبا (تنبيه) من حجة الجمهور حديث عائشة في قصة بريدة فدعا بالغداء فأتى بخبز
وادام من أدم البيت الحديث وقد مضى شرحه مستوفى في مكانه وترجم له المصنف في الأطعمة
495

باب الأدم قال ابن بطال دل هذا الحديث على أن كل شئ في البيت مما جرت العادة بالائتدام به
يسمى ادما مائعا كان أو جامدا وكذا حديث تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة وادامهم
زائدة كبد الحوت وقد تقدم شرحه في كتاب الرقاق وفي خصوص اليمين المذكورة في الترجمة
حديث يوسف بن عبد الله بن سلام رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذ كسرة من خبز شعير
فوضع عليها تمرة وقال هذه أدام هذه أخرجه أبو داود والترمذي بسند حسن قال ابن القصار
لا خلاف بين أهل اللسان ان من أكل خبزا بلحم مشوي انه ائتدم به فلو قال أكلت خبزا بلا
أدام كذب وان قال أكلت خبزا بادام صدق وأما قول الكوفيين الادام اسم للجمع بين الشيئين
فدل على أن المراد أن يستهلك الخبز فيه بحيث يكون تابعا له بأن تتداخل أجزاؤه في أجزائه وهذا
لا يحصل الا بما يصطبغ به فقد أجاب من خالفهم بأن الكلام الأول مسلم لكن دعوى التداخل
لا دليل عليه قبل التناول وانما المراد الجمع ثم الاستهلاك بالاكل فيتداخلان حينئذ
(قوله باب النية في الايمان) بفتح الهمزة للجميع وحكى الكرماني ان في بعض
النسخ بكسر الهمزة ووجهه بأن مذهب البخاري ان الأعمال داخلة في الايمان (قلت) وقرينة
ترجمة كتاب الايمان والنذور كافية في توهين الكسر وعبد الوهاب المذكور في السند هو ابن
عبد المجيد الثقفي ومحمد ابن إبراهيم هو التيمي وقد تقدم شرح حديث الأعمال في أول بدء الوحي
ومناسبته للترجمة ان اليمين من جملة الأعمال فيستدل به على تخصيص الألفاظ بالنية زمانا ومكانا
وان لم يكن في اللفظ ما يفتضي ذلك كمن حلف ان لا يدخل دار زيد وأراد في شهر أو سنة مثلا
أو حلف ان لا يكلم زيدا مثلا وأراد في منزله دون غيره فلا يحنث إذا دخل بعد شهر أو سنة في الأولى
ولا إذا كلمه في دار أخرى في الثانية واستدل به الشافعي ومن تبعه فيمن قال إن فعلت كذا فأنت
طالق ونوى عددا انه يعتبر العدد المذكور وان لم يلفظ به وكذا من قال إن فعلت كذا فأنت بائن ان
نوى ثلاثا بانت وان نوى ما دونها وقع ما نوى رجعيا وخالف الحنفية في الصورتين واستدل به على
أن اليمين على نية الحالف لكن فيما عدا حقوق الآدميين فهي على نية المستحلف ولا ينتفع
بالتورية في ذلك إذا اقتطع بها حقا لغيره وهذا إذا تحاكما وأما في غير المحاكمة فقال الأكثر نية
الحالف وقال مالك وطائفة نية المحلوف له وقال النووي من ادعى حقا على رجل فأحلفه الحاكم
انعقدت يمينه على ما نواه الحاكم ولا تنفعه التورية اتفاقا فان حلف بغير استحلاف الحاكم
نفعت التورية الا انه ان أبطل بها حقا أثم وان لم يحنث وهذا كله إذا حلف بالله فان حلف بالطلاق
أو العتاق نفعته التورية ولو حلفه الحاكم لان الحاكم ليس له ان يحلفه بذلك كذا أطلق وينبغي
فيما إذا كان الحاكم يرى جواز التحليف بذلك ان لا تنفعه التورية (قوله باب إذا
أهدى ماله على وجه النذر والتوبة) كذا للجميع الا للكشميهني فعنده والقربة بدل التوبة
وكذا رأيته في مستخرج الإسماعيلي قال الكرماني وقوله أهدى أي تصدق بماله أو جعله هدية
للمسلمين وهذا الباب هو أول أبواب النذور والنذر في اللغة التزام خيرا و شر وفي الشرع التزام
المكلف شيئا لم يكن عليه منجزا أو معلقا وهو قسمان نذر تبرر ونذر لجاج ونذر التبرر قسمان
أحدهما ما يتقرب به ابتداء كلله على أن أصوم كذا ويلتحق به ما إذا قال لله على أن أصوم كذا
شكرا على ما أنعم به على من شفاء مريضي مثلا وقد نقل بعضهم الاتفاق على صحته واستحبابه
496

وفي وجه شاذ لبعض الشافعية انه لا ينعقد والثاني ما يتقرب به معلقا بشئ ينتفع به إذا حصل له
كأن قدم غائبي أو كفاني شر عدوي فعلى صوم كذا مثلا والمعلق لازم اتفاقا وكذا المنجز في الراجح
ونذر اللجاج قسمان أحدهما ما يعلقه على فعل حرام أو ترك واجب فلا ينعقد في الراجح الا إن كان
فرض كفاية أو كان في فعله مشقة فيلزمه ويلتحق به ما يعلقه على فعل مكروه والثاني ما يعلقه
على فعل خلاف الأولى أو مباح أو ترك مستحب وفيه ثلاثة أقوال للعلماء الوفاء أو كفارة يمين أو
التخيير بينهما واختلف الترجيح عند الشافعية وكذا عند الحنابلة وجزم الحنفية بكفارة اليمين في
الجميع والمالكية بأنه لا ينعقد أصلا (قوله أخبرني يونس) هو ابن يزيد الأيلي (قوله عن عبد الله
ابن كعب) هو والد عبد الرحمن الراوي عنه وقد مضى في تفسير سورة براءة عن أحمد بن صالح
حدثني ابن وهب أخبرني يونس قال أحمد وحدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب أخبرني
عبد الرحمن بن كعب أخبرني عبد الله بن كعب ثم أخرجه من طريق إسحاق بن راشد عن
ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه (قوله سمعت كعب بن مالك
يقول في حديثه وعلى الثلاثة الذين خلفوا) أي الحديث الطويل في قصة تخلفه في غزوة تبوك
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلامه وكلام رفيقيه وقد تقدم بطوله مع شرحه في المغازي
لكن بوجه آخر عن ابن شهاب (قوله فقال في آخر حديثه ان من توبتي أن انخلع) بنون وخاء
معجمة أي أعرى من مالي كما يعرى الانسان إذا خلع ثوبه (قوله أمسك عليك بعض مالك فهو خير
لك) زاد أبو داود عن أحمد بن صالح بهذا السند فقلت اني أمسك سهمي الذي بخيبر وهو عند
المصنف من وجه آخر عن ابن شهاب ووقع في رواية ابن إسحاق عن الزهري بهذا السند عند أبي
داود بلفظ ان من توبتي أن أخرج من مالي كله لله ورسوله صدقة قال لا قلت فنصفه قال لا قلت
فثلثه قال نعم قلت فاني أمسك سهمي الذي بخيبر وأخرج من طريق ابن عيينة عن الزهري عن
ابن كعب بن مالك عن أبيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه واني أنخلع من
مالي كله صدقة قال يجزئ عنك الثلث وفي حديث أبي لبابة عند أحمد وأبي داود نحوه وقد
اختلف السلف فيمن نذر أن يتصدق بجميع ماله على عشرة مذاهب فقال مالك يلزمه الثلث
لهذا الحديث ونوزع في أن كعب بن مالك لم يصرح بلفظ النذر ولا بمعناه بل يحتمل انه نجز النذر
ويحتمل أن يكون أراده فاستأذن والانخلاع الذي ذكره ليس بظاهر في صدور النذر منه وانما
الظاهر أنه أراد أن يؤكد أمر توبته بالتصدق بجميع ماله شكرا لله تعالى على ما أنعم به عليه
وقال الفاكهاني في شرح العمدة كان الأولى لكعب أن يستشير ولا يستبد برأيه لكن كأنه
قامت عنده حال لفرحه بتوبته ظهر له فيها ان التصدق بجميع ماله مستحق عليه في الشكر
فأورد الاستشارة بصيغة الجزم انتهى وكأنه أراد انه استبد برأيه في كونه جزم بأن من توبته أن
ينخلع من جميع ماله الا أنه نجز ذلك وقال ابن المنير لم يبت كعب الانخلاع بل استشار هل يفعل
أولا (قلت) ويحتمل أن يكون استفهم وحذفت أداة الاستفهام ومن ثم كان الراجح عند الكثير
من العلماء وجوب الوفاء لمن التزم ان يتصدق بجميع ماله الا إذا كان على سبيل القربة وقيل إن
كان مليا لزمه وإن كان فقيرا فعليه كفارة يمين وهذا قول الليث ووافقه ابن وهب وزاد وإن كان
متوسطا يخرج قدر زكاة ماله والأخير عن أبي حنيفة بغير تفصيل وهو قول ربيعة وعن الشعبي
497

وابن أبي لبابه لا يلزم شئ أصلا وعن قتادة يلزم الغني العشر والمتوسط السبع والمملق الخمس
وقيل يلزم الكل الا في نذر اللجاج فكفارته يمين وعن سحنون يلزمه أن يخرج مالا يضر به وعن
الثوري والأوزاعي وجماعة يلزمه كفارة يمين بغير تفصيل وعن النخعي يلزمه الكل بغير تفصيل
وإذا تقرر ذلك فمناسبة حديث كعب للترجمة أن معنى الترجمة ان من أهدى أو تصدق بجميع
ماله إذا تاب من ذنب أو إذا نذر هل ينفذ ذلك إذا نجزه أو علقه وقصة كعب منطبقة على الأول
وهو التنجيز لكن لم يصدر منه تنجيز كما تقرر وانما استشار فأشير عليه بامساك البعض فيكون
الأولى لمن أراد أن ينجز التصدق بجميع ماله أو يعلقه أن يمسك بعضه ولا يلزم من ذلك أنه لو نجزه
لم ينفذ وقد تقدمت الإشارة في كتاب الزكاة إلى أن التصدق بجميع المال يختلف باختلاف
الأحوال فمن كان قويا على ذلك يعلم من نفسه الصبر لم يمنع وعليه يتنزل فعل أبى بكر الصديق
وايثار الأنصار على أنفسهم المهاجرين ولو كان بهم خصاصة ومن لم يكن كذلك فلا وعليه يتنزل
لا صدقة الا عن ظهر غنى وفي لفظ أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى قال ابن دقيق العيد في
حديث كعب ان للصدقة أثرا في محو الذنوب ومن ثم شرعت الكفارة المالية ونازعه الفاكهاني
فقال التوبة تجب ما قبلها وظاهر حال كعب انه أراد فعل ذلك على جهة الشكر (قلت) مراد
الشيخ انه يؤخذ من قول كعب ان من توبتي إلى آخره ان للصدقة أثرا في قبول التوبة التي يتحقق
بحصولها محو الذنوب والحجة فيه تقرير النبي صلى الله عليه وسلم له على القول المذكور (قوله
باب إذا حرم طعاما) في رواية غير أبي ذر طعامه وهذا من أمثلة نذر اللجاج وهو أن يقول
مثلا طعام كذا أو شراب كذا على حرام أو نذرت أو لله على أن لا آكل كذا أو لا أشرب كذا والراجح
من أقوال العلماء أن ذلك لا ينعقد الا ان قرنه بحلف فيلزمه كفارة يمين (قوله وقوله تعالى يا أيها
النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك) وزاد غير أبي ذر إلى قوله تحلة أيمانكم وقد
تقدم بيان الاختلاف في ذلك في كتاب الطلاق وهل نزلت الآية في تحريم مارية أو في تحريم شرب
العسل والى الثاني أشار المصنف حيث ساقه في الباب ويؤخذ حكم الطعام من حكم الشراب
قال ابن المنذر اختلف فيمن حرم على نفسه طعاما أو شرابا يحل فقالت طائفة لا يحرم عليه وتلزمه
كفارة يمين وبهذا قال أهل العراق وقالت طائفة لا تلزمه الكفارة الا ان حلف والى ترجيح هذا
القول أشار المصنف بإيراد الحديث لقوله وقد حلفت وهو قول مسروق والشافعي ومالك لكن
استثنى مالك المرأة فقال تطلق قال إسماعيل القاضي الفرق بين المرأة والأمة انه لو قال امرأتي على
حرام فهو فراق التزمه فتطلق ولو قال لامته من غير أن يحلف فإنه ألزم نفسه مالم يلزمه فلا تحرم
عليه أمته قال الشافعي لا يقع عليه شئ إذا لم يحلف الا إذا نوى الطلاق فتطلق أو العتق فتعتق
وعنه يلزمه كفارة يمين (قوله وقوله تعالى لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) كأنه يشير إلى
ما أخرجه الثوري في جامعه وابن المنذر من طريقه بسند صحيح عن ابن مسعود انه جئ عنده
بطعام فتنحى رجل فقال اني حرمته أن لا آكله فقال اذن فكل وكفر عن يمينك ثم تلا هذه الآية
إلى قوله لا تعتدوا قال ابن المنذر وقد تمسك بعض من أوجب الكفارة ولو لم يحلف بما وقع في
حديث أبي موسى في قصة الرجل الجرمي والدجاج وتلك رواية مختصرة وقد ثبت في بعض طرقه
الصحيحة ان الرجل قال حلفت أن لا آكله (قلت) وقد أخرجه الشيخان في الصحيحين كذلك (قوله
498

حدثنا الحسن بن محمد) هو الزعفراني والحجاج بن محمد هو المصيصي (قوله زعم عطاء) وقع في رواية
الإسماعيلي من وجه آخر عن حجاج قال قال ابن جريج عن عطاء وكذا في رواية هشام بن يوسف
المذكورة في آخر الباب (قوله في آخر الباب فنزلت يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ان تتوبا إلى
الله لعائشة وحفصة وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا لقوله بل شربت عسلا) قلت أشكل
هذا السياق على بعض من لم يمارس طريقة البخاري في الاختصار وذلك أن الحديث في الأصل
عنده بتمامه كما تقدم في - - - - - فلما أراد اختصاره هنا اقتصر منه على الكلمات التي تتعلق
باليمين من الآيات مضيفا لها تسمية من أبهم فيها من آدمي وغيره فلما ذكر ان تتوبا فسرهما بعائشة
وحفصة ولما ذكر أسر حديثا فسره بقوله لا بل شربت عسلا (قوله وقال إبراهيم بن موسى)
كذا لأبي ذر ولغيره قال لي إبراهيم بن موسى وقد تقدم في التفسير بلفظ حدثنا إبراهيم بن موسى
(قوله عن هشام) هو ابن يوسف وصرح به في التفسير وقد اختصر هنا بعض السند ومراده ان
هشاما رواه عن ابن جريج بالسند المذكور والمتن إلى قوله ولن أعود فزاد له وقد حلفت فلا
تخبري بذلك أحدا (قوله باب الوفاء بالنذر) أي حكمه أو فضله (قوله وقول الله تعالى
يوفون بالنذر) يؤخذ منه أن الوفاء به قربة للثناء على فاعله لكن ذلك مخصوص بنذر الطاعة وقد
أخرج الطبري من طريق مجاهد في قوله تعالى يوفون بالنذر قال إذا نذروا في طاعة الله قال
القرطبي النذر من العقود المأمور بالوفاء بها المثنى على فاعلها وأعلى أنواعه ما كان غير معلق على
شئ كمن يعافى من مرض فقال لله علي أن أصوم كذا أو أتصدق بكذا شكرا لله تعالى ويليه
المعلق على فعل طاعة كان شفي الله مريضي صمت كذا أو صليت كذا وما عدا هذا من أنواعه
كنذر اللجاج كمن يستثفل عبده فينذر أن يعتقه ليتخلص من صحبته فلا يقصد القربة بذلك
أو يحمل على نفسه فينذر صلاة كثيرة أو صوما مما يشق عليه فعله ويتضرر بفعله فإن ذلك يكره
وقد يبلغ بعضه التحريم (قوله حدثنا يحيى بن صالح) هو الوحاظي بضم الواو وتخفيف الحاء
المهملة وبعد الألف ظاء معجمة (قوله سعيد بن الحارث) هو الأنصاري (قوله (2) سمعت ابن عمر
يقول أولم ينهوا عن النذر) كذا فيه وكأنه اختصر السؤال فاقتصر على الجواب وقد بينه الحاكم
في المستدرك من طريق المعافى بن سليمان والإسماعيلي من طريق أبي عامر العقدي ومن طريق
أبي داود واللفظ له قالا حدثنا فليح عن سعيد بن الحارث قال كنت عند ابن عمر فأتاه مسعود بن
عمرو أحد بني عمرو بن كعب فقال يا أبا عبد الرحمن إن ابني كان مع عمر بن عبيد الله بن معمر بأرض
فارس فوقع فيها وباء وطاعون شديد فجعلت على نفسي لئن سلم الله ابني ليمشين إلى بيت الله تعالى
فقدم علينا وهو مريض ثم مات فما تقول فقال ابن عمر أو لم تنهوا عن النذر إن النبي صلى الله عليه
وسلم فذكر الحديث المرفوع وزاد أوف بنذرك وقال أبو عامر فقلت يا أبا عبد الرحمن إنما
نذرت أن يمشي ابني فقال أوف بنذرك قال سعيد بن الحارث فقلت له أتعرف سعيد بن المسيب قال
نعم قلت له اذهب إليه ثم أخبرني ما قال لك قال فأخبرني أنه قال له امش عن ابنك قلت يا أبا محمد
وترى ذلك مقبولا قال نعم أرأيت لو كان على ابنك دين لا قضاء له فقضيته أكان ذلك مقبولا قال
نعم قال فهذا مثل هذا انتهى وأبو عبد الرحمن كنية عبد الله بن عمر وأبو محمد كنية سعيد بن
المسيب وأخرجه ابن حبان في النوع السادس والستين من القسم الثالث من طريق زيد بن أبي
499

أنيسة متابعا لفليح بن سليمان عن سعيد بن الحارث فذكر نحوه بتمامه ولكن لم يسم الرجل وفيه
ان ابن عمر لما قال له أوف بنذرك قال له الرجل إنما نذرت أن يمشي ابني وإن ابني قد مات فقال له
أوف بنذرك كرر ذلك عليه ثلاثا فغضب عبد الله فقال أو لم تنهوا عن النذر سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم فذكر الحديث المرفوع قال سعيد فلما رأيت ذلك قلت له انطلق إلى سعيد بن
المسيب وسياق الحاكم نحوه وأخصر منه وقد وهم الحاكم في المستدرك فان البخاري أخرجه كما
ترى لكن اختصر القصة لكونها موقوفة وهذا الفرع غريب وهو أن ينذر عن غيره فيلزم الغير
الوفاء بذلك ثم إذا تعذر لزم الناذر وقد كنت أستشكل ذلك ثم ظهر لي ان الابن أقر بذلك والتزم به ثم
لما مات أمره ابن عمر وسعيد أن يفعل ذلك عن ابنه كما يفعل سائر القرب عنه كالصوم والحج
والصدقة ويحتمل أن يكون مختصا عندهما بما يقع من الوالد في حق ولده فينعقد لوجوب بر
الوالدين على الولد بخلاف الأجنبي وفى قول ابن عمر في هذه الرواية أولم تنهوا عن النذر نظر لان
المرفوع الذي ذكره ليس فيه تصريح بالنهي لكن جاء عن ابن عمر التصريح ففي الرواية التي
بعدها من طريق عبد الله بن مرة وهو الهمداني بسكون الميم عن ابن عمر قال نهى النبي صلى الله
عليه وسلم عن النذر وفي لفظ لمسلم من هذا الوجه أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن
النذر وجاء بصيغة النهي الصريحة في رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عند مسلم
بلفظ لا تنذروا (قوله لا يقدم شيئا ولا يؤخر) في رواية عبد الله بن مرة لا يرد شيئا وهي أعم
ونحوها في حديث أبي هريرة لا يأتي ابن آدم النذر بشئ لم يكن قدر له وفي رواية العلاء المشار إليها
فان النذر لا يغني من القدر شيئا وفي لفظ عنه لا يرد القدر وفي حديث أبي هريرة عنده لا يقرب
من ابن آدم شيئا لم يكن الله قدره له ومعاني هذه الألفاظ المختلفة متقاربة وفيها إشارة إلى تعليل
النهي عن النذر وقد اختلف العلماء في هذا النهي فمنهم من حمله على ظاهره ومنهم من تأوله قال
ابن الأثير في النهاية تكرر النهي عن النذر في الحديث وهو تأكيد لامره وتحذير عن التهاون به
بعد ايجابه ولو كان معناه الزجر عنه حتى لا يفعل لكان في ذلك ابطال لحكمه واسقاط لزوم الوفاء
به إذ كان بالنهي يصير معصية فلا يلزم وانما وجه الحديث أنه قد أعلمهم ان ذلك أمر لا يجر لهم في
العاجل نفعا ولا يصرف عنهم ضرا ولا يغير قضاء فقال لا تنذروا على أنكم تدركون بالنذر شيئا لم
يقدره الله لكم أو تصرفوا به عنكم ما قدره عليكم فإذا نذرتم فاخرجوا بالوفاء فان الذي نذرتموه
لازم لكم انتهى كلامه ونسبه بعض شراح المصابيح للخطابي وأصله من كلام أبي عبيد فيما نقله
ابن المنذر في كتابه الكبير فقال كان أبو عبيد يقول وجه النهي عن النذر والتشديد فيه ليس هو أن
يكون مأثما ولو كان كذلك ما أمر الله أن يوفى به ولا حمد فاعله ولكن وجهه عندي تعظيم شأن
النذر وتغليظ أمره لئلا يتهاون به فيفرط في الوفاء به ويترك الوفاء به ويترك القيام به ثم استدل بما
ورد من الحث على الوفاء به في الكتاب والسنة والى ذلك أشار المازري بقوله ذهب بعض علمائنا
إلى أن الغرض بهذا الحديث التحفظ في النذر والحض على الوفاء به قال وهذا عندي بعيد من
ظاهر الحديث ويحتمل عندي أن يكون وجه الحديث ان الناذر يأتي بالقربة مستثقلا لها لما
صارت عليه ضربة لازب وكل ملزوم فإنه لا ينشط للفعل نشاط مطلق الاختيار ويحتمل أن
يكون سببه أن الناذر لما لم ينذر القربة الا بشرط أن يفعل له ما يريد صار كالمعاوضة التي نقدح
500

في نية المتقرب قال ويشير إلى هذا التأويل قوله إنه لا يأتي بخير وقوله إنه لا يقرب من ابن آدم شيئا
لم يكن الله قدره له وهذا كالنص على هذا التعليل انتهى والاحتمال الأول يعم أنواع النذر والثاني
يخص نوع المجازات وزاد القاضي عياض ويقال ان الاخبار بذلك وقع على سبيل الاعلام من
أنه لا يغالب القدر ولا يأتي الخير بسببه والنهي عن اعتقاد خلاف ذلك خشية أن يقع ذلك في ظن
بعض الجهلة قال ومحصل مذهب مالك انه مباح الا إذا كان مؤيدا لتكرره عليه في أوقات فقد
يثقل عليه فعله فيفعله بالتكلف من غير طيب نفس وغير خالص النية فحينئذ يكره قال وهذا
أحد محتملات قوله لا يأتي بخير أي ان عقباه لا تحمد وقد يتعذر الوفاء به وقد يكون معناه لا يكون
سببا لخير لم يقدر كما في الحديث وبهذا الاحتمال الأخير صدر ابن دقيق العيد كلامه فقال يحتمل
أن تكون الباء للسببية كأنه قال لا يأتي بسبب خير في نفس الناذر وطبعه في طلب القربة
والطاعة من غير عوض يحصل له وإن كان يترتب عليه خير وهو فعل الطاعة التي نذرها لكن
سبب ذلك الخير حصول غرضه وقال النووي معنى قوله لا يأتي بخير انه لا يرد شيئا من القدر كما بينته
الروايات الأخرى (تنبيه) قوله لا يأتي كذا للأكثر ووقع في بعض النسخ لا يأت بغير ياء وليس
بلحن لأنه قد سمع نظيره من كلام العرب وقال الخطابي في الاعلام هذا باب من العلم غريب وهو
أن ينهى عن فعل شئ حتى إذا فعل كان واجبا وقد ذكر أكثر الشافعية ونقله أبو علي السنجي
عن نص الشافعي ان النذر مكروه لثبوت النهي عنه وكذا نقل عن المالكية وجزم به عنهم ابن
دقيق العيد وأشار ابن العربي إلى الخلاف عنهم والجزم عن الشافعية بالكراهة قال واحتجوا
بأنه ليس طاعة محضة لأنه لم يقصد به خالص القربة وانما قصد أن ينفع نفسه أو يدفع عنها ضررا
بما التزمه وجزم الحنابلة بالكراهة وعندهم رواية في أنها كراهة تحريم وتوقف بعضهم في
صحتها وقال الترمذي بعد ان ترجم كراهة النذر وأورد حديث أبي هريرة ثم قال وفي الباب عن
ابن عمر العمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم كرهوا
النذر وقال ابن المبارك معنى الكراهة في النذر في الطاعة وفي المعصية فان نذر الرجل في الطاعة
فوفى به فله فيه أجر ويكره له النذر قال ابن دقيق العيد وفيه اشكال على القواعد فإنها تقتضي
ان الوسيلة إلى الطاعة طاعة كما أن الوسيلة إلى المعصية معصية والنذر وسيلة إلى التزام القربة
فيلزم ان يكون قربة الا ان الحديث دل على الكراهة ثم أشار إلى التفرقة بين نذر المجازاة فحمل
النهي عليه وبين نذر الابتداء فهو قربة محضة وقال ابن أبي الدم في شرح الوسيط القياس استحبابه
والمختار انه خلاف الأولى وليس بمكروه كذا قال ونوزع بأن خلاف الأولى ما اندرج في عموم
نهى والمكروه ما نهى عنه بخصوصه وقد ثبت النهي عن النذر بخصوصه فيكون مكروها
واني لا تعجب ممن انطلق لسانه بأنه ليس بمكروه مع ثبوت الصريح عنه فأقل درجاته أن يكون
مكروها كراهة تنزيه وممن بنى على استحبابه النووي في شرح المهذب فقال إن الأصح ان
التلفظ بالنذر في الصلاة لا يبطلها لأنها مناجاة لله فأشبه الدعاء انتهى وإذا ثبت النهي عن الشئ
مطلقا فترك فعله داخل الصلاة أولى فكيف يكون مستحبا وأحسن ما يحمل عليه كلام هؤلاء
نذر التبرر المحض بأن يقول لله على أن أفعل كذا أو لأفعلنه على المجازاة وقد حمل بعضهم النهي
على من علم من حاله عدم القيام بما التزمه حكاه شيخنا في شرح الترمذي ولما نقل ابن الرفعة
501

عن أكثر الشافعية كراهة النذر وعن القاضي حسين والمتولى بعده والغزالي أنه مستحب
لان الله أثنى على من وفى به ولأنه وسيلة إلى القربة فيكون قربة قال يمكن أن يتوسط فيقال الذي
دل الخبر على كراهته نذر المجازاة وأما نذر التبرز فهو قربة محضة لان للناذر فيه غرضا صحيحا
وهو أن يثاب عليه ثواب الواجب وهو فوق ثواب التطوع انتهى وجزم القرطبي في المفهم
بحمل ما ورد في الأحاديث من النهي على نذر المجازاة فقال هذا النهي محله أن يقول مثلا ان شفى
الله مريضي فعلي صدقة كذا ووجه الكراهة انه لما وقف قبل القربة المذكور على
حصول الغرض المذكور ظهر أنه لم يتمحض له نية التقرب إلى الله تعالى لما صدر منه بل سلك
فيها مسلك المعاوضة ويوضحه انه لو لم يشف مريضه لم يتصدق بما علقه على شفائه وهذه حالة
البخيل فإنه لا يخرج من ماله شيئا الا بعوض عاجل يزيد على ما أخرج غالبا وهذا المعنى هو المشار
إليه في الحديث بقوله وانما يستخرج به من البخيل ما لم يكن البخيل يخرجه قال وقد ينضم إلى
هذا اعتقاد جاهل يظن أن النذر يوجب حصول ذلك الغرض أو ان الله يفعل معه ذلك الغرض
لأجل ذلك النذر واليهما الإشارة بقوله في الحديث أيضا فان النذر لا يرد من قدر الله شيئا والحالة
الأولى تقارب الكفر والثانية خطأ صريح (قلت) بل تقرب من الكفر أيضا ثم نقل القرطبي عن
العلماء حمل النهي الوارد في الخبر على الكراهة وقال الذي يظهر لي أنه على التحريم في حق من
يخاف عليه ذلك الاعتقاد الفاسد فيكون اقدامه على ذلك محرما والكراهة في حق من لم يعتقد
ذلك انتهى وهو تفصيل حسن ويؤيده قصة ابن عمر راوي الحديث في النهي عن النذر فإنها في
نذر المجازاة وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن قتادة في قوله تعالى يوفون بالنذر قال كانوا
ينذرون طاعة الله من الصلاة والصيام والزكاة والحج والعمرة وما افترض عليهم فسماهم الله
أبرارا وهذا صريح في أن الثناء وقع في غير نذر المجازاة وكأن البخاري رمز في الترجمة إلى الجمع
بين الآية والحديث بذلك وقد يشعر التعبير بالبخيل ان المنهي عنه من النذر ما فيه مال فيكون
أخص من المجازاة لكن قد يوصف بالبخل من تكاسل عن الطاعة كما في الحديث المشهور البخيل
من ذكرت عنده فلم يصل علي أخرجه النسائي وصححه ابن حبان أشار إلى ذلك شيخنا في شرح
الترمذي ثم نقل القرطبي الاتفاق على وجوب الوفاء بنذر المجازاة لقوله صلى الله عليه وسلم من
نذر أن يطيع الله تعالى فليطعه ولم يفرق بين المعلق وغيره انتهى والاتفاق الذي ذكره مسلم لكن
في الاستدلال بالحديث المذكور لوجوب الوفاء بالنذر المعلق نظر وسيأتي شرحه بعد باب (قوله
وانما يستخرج بالنذر من البخيل) يأتي في حديث أبي هريرة الذي بعد بيان المراد بالاستخراج
المذكور (قوله من البخيل) كذا في أكثر الروايات ووقع في رواية مسلم في حديث ابن عمر من
الشحيح وكذا للنسائي وفي رواية ابن ماجة من اللئيم ومدارا لجميع على منصور بن المعتمر عن
عبد الله بن مرة فالاختلاف في اللفظ المذكور من الرواة عن منصور والمعاني متقاربة لان
الشح أخص واللؤم أعم قال الراغب البخل امساك ما يقتضي عمن يستحق والشح بخل مع حرص
واللؤم فعل ما يلام عليه (قوله في حديث أبي هريرة لا يأتي ابن آدم النذر بشئ) ابن آدم بالنصب
مفعول مقدم والنذر بالرفع هو الفاعل (قوله لم أكن قدرته) هذا من الأحاديث القدسية
لكن سقط منه التصريح بنسبته إلى الله عز وجل وقد أخرجه أبو داود في رواية ابن العبد عنه
502

من رواية مالك والنسائي وابن ماجة من رواية سفيان الثوري كلاهما عن أبي الزناد وأخرجه
مسلم من رواية عمرو بن أبي عمر وعن الأعرج وتقدم في أواخر كتاب القدر من طريق همام عن
أبي هريرة ولفظه لم يكن قدرته وفي رواية للنسائي لم أقدره عليه وفي رواية ابن ماجة الا ما قدر
له ولكن يغلبه النذر فأقدر له وفي رواية مالك بشئ لم يكن قدر له ولكن يلقيه النذر إلى القدر
قدرته وفي رواية مسلم لم يكن الله قدره له وكذا وقع الاختلاف في قوله فيستخرج الله به من البخيل
ففي رواية مالك فيستخرج به على البناء لما لم يسم فاعله وكذا في رواية ابن ماجة والنسائي وعبدة
ولكنه شئ يستخرج به من البخيل وفي رواية همام ولكن يلقيه النذر وقد قدرته له أستخرج
به من البخيل وفي رواية مسلم ولكن النذر يوافق القدر فيخرج بذلك من البخيل ما لم يكن البخيل
يريد أن يخرج (قوله ولكن يلقيه النذر إلى القدر) تقدم البحث فيه في باب القاء العبد النذر
إلى القدر وان هذه الرواية مطابقة للترجمة المشار إليها قال الكرماني فان قيل القدر هو الذي
يلقيه إلى النذر قلنا تقدير النذر غير تقدير الالقاء فالأول يلجئه إلى النذر والنذر يلجئه إلى الاعطاء
(قوله فيستخرج الله) فيه التقات ونسق الكلام أن يقال فاستخرج ليوافق قوله أولا قدرته
وثانيا فيؤتيني (قوله فيؤتيني عليه ما لم يكن يؤتيني عليه من قبل) كذا للأكثر أي يعطيني
ووقع في رواية الكشميهني يؤتني بالجزم ووجهت بأنها بدل من قوله يكن فجزمت بلم ووقع في
رواية مالك يؤتى في الموضعين وفي رواية ابن ماجة فييسر عليه ما لم يكن ييسر عليه من قبل ذلك
وفي رواية مسلم فيخرج بذلك من البخيل ما لم يكن البخيل يريد ان يخرج وهذه أوضح الروايات
قال البيضاوي عادة الناس تعليق النذر على تحصيل منفعة أو دفع مضرة فنهي عنه لأنه فعل
البخلاء إذ السخي إذا أراد أن يتقرب بادر إليه والبخيل لا تطاوعه نفسه بإخراج شئ من يده
الا في مقابلة عوض يستوفيه أولا فيلتزمه في مقابلة ما يحصل له وذلك لا يغنى من القدر شيئا فلا
يسوق إليه خيرا لم يقدر له ولا يرد عنه شرا قضى عليه لكن النذر قد يوافق القدر فيخرج من البخيل
ما لولاه لم يكن ليخرجه قال ابن العربي فيه حجة على وجوب الوفاء بما التزمه الناذر لان الحديث
نص على ذلك بقوله يستخرج به فإنه لو لم يلزمه إخراجه لما تم المراد من وصفه بالبخل من صدور
النذر عنه إذ لو كان مخيرا في الوفاء لاستمر لبخله على عدم الاخراج وفي الحديث الرد على القدرية
كما تقدم تقريره في الباب المشار إليه وأما ما أخرجه الترمذي من حديث أنس ان الصدقة تدفع
ميتة السوء فظاهره يعارض قوله إن النذر لا يرد القدر ويجمع بينهما بأن الصدقة تكون سببا
لدفع ميتة السوء والأسباب مقدرة كالمسببات وقد قال صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الرقي هل
ترد من قدر الله شيئا قال هي من قدر الله أخرجه أبو داود والحاكم ونحوه قول عمر نفر من قدر الله
إلى قدر الله كما تقدم تقريره في كتاب الطب ومثل ذلك مشروعية الطب والتداوي وقال ابن
العربي النذر شبيه بالدعاء فإنه لا يرد القدر ولكنه من القدر أيضا ومع ذلك فقد نهى عن النذر
وندب إلى الدعاء والسبب فيه ان الدعاء عبادة عاجلة ويظهر به التوجه إلى الله والتضرع له
والخضوع وهذا بخلاف النذر فان فيه تأخير العبادة إلى حين الحصول وترك العمل إلى حين
الضرورة والله أعلم وفي الحديث ان كل شئ يبتدؤه المكلف من وجوه البر أفضل مما يلتزمه بالنذر
قاله الماوردي وفيه الحث على الاخلاص في عمل الخير وذم البخل وان من اتبع المأمورات
503

واجتنب المنهيات لا يعد بخيلا (تنبيه) قال ابن المنير مناسبة أحاديث الباب لترجمة الوفاء
بالنذر قوله يستخرج به من البخيل وانما يخرج البخيل ما تعين عليه إذ لو أخرج ما يتبرع به لكان
جوادا وقال الكرماني يؤخذ معنى الترجمة من لفظ يستخرج (قلت) ويحتمل أن يكون البخاري
أشار إلى تخصيص النذر المنهي عنه بنذر المعاوضة واللجاج بدليل الآية فإن الثناء الذي تضمنته
محمول على نذر القربة كما تقدم أول الباب فيجمع بين الآية والحديث بتخصيص كل منهما بصورة
من صور النذر والله أعلم (قوله باب اثم من لا يفي بالنذر) كذا لأبي ذر وسقط لغيره
لفظ اثم ذكر فيه حديث عمران بن حصين في خير القرون وفي سنده أبو جمرة وهو بالجيم والراء
واسمه نصر بن عمران وزهدم بمعجمة أوله وزن جعفر بن مضرب بضم الميم وفتح المعجمة وتشديد الراء
المكسورة بعدها موحدة وقد تقدم شرحه مستوفى في الشهادات وفي فضائل الصحابة والغرض
منه هنا قوله ينذرون بكسر الذال وبضمها لغتان (قوله ولا يفون) في رواية الكشميهني ولا
يوفون وهي رواية مسلم وفي أخرى له كالأولى وهما لغتان أيضا (قوله ولا يؤتمنون) أي انها خيانة
ظاهرة بحيث لا يأمنهم أحد بعد ذلك قال ابن بطال ما ملخصه سوى بين من يخون أمانته ومن
لا يفي بنذره والخيانة مذمومة فيكون ترك الوفاء بالنذر مذموما وبهذا تظهر المناسبة للترجمة
وقال الباجي ساق ما وصفهم به مساق العيب والجائز لا يعاب فدل على أنه غير جائز (قوله
باب النذر في الطاعة) أي حكمه ويحتمل أن يكون باب بالتنوين ويريد بقوله النذر في
الطاعة حصر المبتدا في الخبر فلا يكون نذر المعصية نذرا شرعا (قوله وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم
من نذر) ساق غير أبي ذر إلى قوله من أنصار وذكر هذه الآية مشيرا إلى أن الذي وقع الثناء على
فاعله نذر الطاعة وهو يؤيد ما تقدم قريبا (قوله عن طلحة بن عبد الملك) هو الأيلي بفتح الهمزة
وسكون المثناة من تحت نزيل المدينة ثقة عندهم من طبقة ابن جريج والقاسم هو ابن محمد بن
أبي بكر الصديق وذكر ابن عبد البر عن قوم من أهل الحديث ان طلحة تفرد برواية هذا الحديث
عن القاسم وليس كذلك فقد تابعه أيوب ويحيى بن أبي كثير عند ابن حبان وأشار الترمذي إلى
رواية يحيى ومحمد بن أبان عند ابن عبد البر وعبيد الله بن عمر عند الطحاوي ولكن أخرجه الترمذي
من رواية عبيد الله بن عمر عن طلحة عن القاسم وأخرجه البزار من رواية يحيى بن أبي كثير عن محمد
ابن أبان فرجعت رواية عبيد الله إلى طلحة ورواية يحيى إلى محمد بن أبان وسلمت رواية أيوب من
الاختلاف وهي كافية في رد دعوى انفراد طلحة به وقد رواه أيضا عبد الرحمن بن المجبر بضم الميم
وفتح الجيم وتشديد الموحدة عن القاسم أخرجه الطحاوي (قوله من نذر أن يطيع الله فليطعه
الخ) الطاعة أعم من أن تكون في واجب أو مستحب ويتصور النذر في فعل الواجب بأن يؤقته كمن
ينذر ان يصلى الصلاة في أول وقتها فيجب عليه ذلك بقدر ما أقته وأما المستحب من جميع
العبادات المالية والبدنية فينقلب بالنذر واجبا ويتقيد بما قيده به الناذر والخبر صريح في الامر
بوفاء النذر إذا كان في طاعة وفي النهي عن ترك الوفاء به إذا كان في معصية وهل يجب في الثاني
كفارة يمين أولا قولان للعلماء سيأتي بيانهما بعد بابين ويأتي أيضا بيان الحكم فيما سكت عنه
الحديث وهو نذر المباح وقد قسم بعض الشافعية الطاعة إلى قسمين واجب عينا فلا ينعقد به
النذر كصلاة الظهر مثلا وصفة فيه فينعقد كايقاعها أول الوقت وواجب على الكفاية كالجهاد
504

فينعقد ومندوب عبادة عينا كان أو كفاية فينعقد ومندوب لا يسمى عبادة كعيادة المريض
وزيارة القادم ففي انعقاده وجهان والأرجح انعقاده وهو قول الجمهور والحديث يتناوله فلا يخص
من عموم الخبر الا القسم الأول لأنه تحصيل الحاصل (قوله باب إذا نذر أو حلف أن
لا يكلم انسانا في الجاهلية ثم أسلم) أي هل يجب عليه الوفاء أولا والمراد بالجاهلية جاهلية المذكور
وهو حاله قبل إسلامه وأصل الجاهلية ما قبل البعثة وقد ترجم الطحاوي لهذه المسئلة من نذر وهو
مشرك ثم أسلم فأوضح المراد وذكر فيه حديث ابن عمر في نذر عمر في الجاهلية أنه يعتكف فقال له
النبي صلى الله عليه وسلم أوف بنذرك قال ابن بطال قاس البخاري اليمين على النذر وترك الكلام
على الاعتكاف فمن نذر أو حلف قبل أن يسلم على شئ يجب الوفاء به لو كان مسلما فإنه إذا أسلم يجب
عليه على ظاهر قصة عمر قال وبه يقول الشافعي وأبو ثور كذا قال وكذا نقله ابن حزم عن الإمام
الشافعي والمشهور عند الشافعية انه وجه لبعضهم وان الشافعي وجل أصحابه على أنه لا يجب بل
يستحب وكذا قال المالكية والحنفية وعن أحمد في رواية يجب وبه جزم الطبري والمغيرة بن
عبد الرحمن من المالكية والبخاري وداود وأتباعه (قلت) إن وجد عن البخاري التصريح
بالوجوب قبل والا فمجرد ترجمته لا يدل على أنه يقول بوجوبه لأنه محتمل لان يقول بالندب فيكون
تقدير جواب الاستفهام يندب له ذلك قال القابسي لم يأمر عمر على جهة الايجاب بل على جهة
المشورة كذا قال وقيل أراد أن يعلمهم ان الوفاء بالنذر من آكد الأمور فغلظ أمره بأن أمر عمر
بالوفاء واحتج الطحاوي بأن الذي يجب الوفاء به ما يتقرب به إلى الله والكافر لا يصح منه التقرب
بالعبادة وأجاب عن قصة عمر باحتمال أنه صلى الله عليه وسلم فهم من عمر أنه سمح بأن يفعل ما كان
نذره فأمره به لان فعله حينئذ طاعة لله تعالى فكان ذلك خلاف ما أوجبه على نفسه لان
الاسلام يهدم أمر الجاهلية قال ابن دقيق العيد ظاهر الحديث يخالف هذا فان دل دليل أقوى
منه على أنه لا يصح من الكافر قوى هذا التأويل والا فلا (قوله عبد الله) هو ابن المبارك (قوله
عبيد الله بن عمر) هو العمري ولعبد الله بن المبارك فيه شيخ آخر تقدم في غزوة حنين فأخرجه عن
محمد بن مقاتل عن عبد الله بن المبارك عن معمر عن أيوب عن نافع وأول حديثه لما قفلنا من
حنين سأل عمر فذكر الحديث فأفاد تعيين زمان السؤال المذكور وقد بينت الاختلاف على نافع
ثم على أيوب في وصله وارساله هناك وكذا ذكرت فيه فوائد زوائد تتعلق بسياقه وكذلك في فرض
الخمس وتقدم في أبواب الاعتكاف ما يتعلق به وذكرت هناك ما يرد على من زعم أن عمر انما نذر
بعد أن أسلم وعلى من زعم أن اعتكاف عمر كان قبل النهي عن الصيام في الليل وبقي هنا ما يتعلق
بالنذر إذا صدر من شخص قبل أن يسلم ثم أسلم هل يلزمه وقد ذكرت ما فيه وقوله أوف بنذرك لم
يذكر في هذا الرواية متى اعتكف وقد تقدم في غزوة حنين التصريح بأن سؤاله كان بعد قسم النبي
صلى الله عليه وسلم غنائم حنين بالطائف وتقدم في فرض الخمس ان في رواية سفيان بن عيينة عن
أيوب من الزيادة قال عمر فلم أعتكف حتى كان بعد حنين وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني
جارية من السبي فبينا أنا معتكف إذ سمعت تكبيرا فذكر الحديث في من النبي صلى الله عليه
وسلم على هوازن باطلاق سبيهم وفي الحديث لزوم النذر للقربة من كل أحد حتى قبل الاسلام وقد
تقدمت الإشارة إليه وأجاب ابن العربي بأن عمر لما نذر في الجاهلية ثم أسلم أراد أن يكفر ذلك بمثله
505

في الاسلام فلما أراده ونواه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فأعلمه أنه لزمه قال وكل عبادة ينفرد بها
العبد عن غيره تنعقد بمجرد النية العازمة الدائمة كالنذر في العبادة والطلاق في الاحكام وان لم
يتلفظ بشئ من ذلك كذا قال ولم يوافق على ذلك بل نقل بعض المالكية الاتفاق على أن العبادة
لا تلزم الا بالنية مع القول أو الشروع وعلى التنزل فظاهر كلام عمر مجرد الاخبار بما وقع مع
الاستخبار عن حكمه هل لزم أولا وليس فيه ما يدل على ما ادعاه من تجديد نية منه في الاسلام
وقال الباجي قصة عمر هي كمن نذر أن يتصدق بكذا ان قدم فلان بعد شهر فمات فلان قبل قدومه
فإنه لا يلزم الناذر قضاؤه فان فعله فحسن فلما نذر عمر قبل أن يسلم وسأل النبي صلى الله عليه وسلم
أمره بوفائه استحبابا وإن كان لا يلزمه لأنه التزمه في حالة لا ينعقد فيها ونقل شيخنا في شرح
الترمذي أنه استدل به على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وإن كان لا يصح منهم الا بعد
أن يسلموا لأمر عمر بوفاء ما التزمه في الشرك ونقل انه لا يصح الاستدلال به لان الواجب بأصل
الشرع كالصلاة لا يجب عليهم قضاؤها فكيف يكلفون بقضاء ما ليس واجبا بأصل الشرع قال
ويمكن أن يجاب بأن الواجب بأصل الشرع مؤقت بوقت وقد خرج قبل أن يسلم الكافر ففات
وقت أدائه فلم يؤمر بقضائه لان الاسلام يجب ما قبله فاما إذا لم يؤقت نذره فلم يتعين له وقت حتى
أسلم فايقاعه له بعد الاسلام يكون أداء لاتساع ذلك باتساع العمر (قلت) وهذا البحث يقوي
ما ذهب إليه أبو ثور ومن قال بقوله وان ثبت النقل عن الشافعي بذلك فلعله كان يقوله أولا
فأخذه عنه أبو ثور ويمكن أن يؤخذ من الفرق المذكور وجوب الحج على من أسلم لاتساع وقته
بخلاف ما فات وقته والله أعلم (تنبيه) المراد بقول عمر في الجاهلية قبل إسلامه لان جاهلية كل
أحد بحسبه ووهم من قال الجاهلية في كلامه زمن فترة النبوة والمراد بها هنا ما قبل بعثة نبينا صلى
الله عليه وسلم فان هذا يتوقف على نقل وقد تقدم انه نذر قبل أن يسلم وبين البعثة واسلامه مدة
(قوله باب من مات وعليه نذر) أي هل يقضى عنه أولا والذي ذكره في الباب يقتضي
الأول لكن هل هو على سبيل الوجوب أو الندب خلاف يأتي بيانه (قوله وأمر ابن عمر امرأة
جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء) يعني فماتت (فقال صلى عنها وقال ابن عباس نحوه) وصله
مالك عن عبد الله بن أبي بكر أي ابن محمد بن عمرو بن حزم عن عمته أنها حدثته عن جدته انها كانت
جعلت على نفسها مشيا إلى مسجد قباء فماتت ولم تقضه فأفتى عبد الله بن عباس ابنتها أن تمشي
عنها وأخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال مرة عن ابن عباس قال إذا مات
وعليه نذر قضى عنه وليه ومن طريق عون بن عبد الله بن عتبة ان امرأة نذرت أن تعتكف
عشرة أيام فماتت ولم تعتكف فقال ابن عباس اعتكف عن أمك وجاء عن ابن عمر وابن عباس
خلاف ذلك فقال مالك في الموطأ انه بلغه ان عبد الله بن عمر كان يقول لا يصلى أحد عن أحد ولا
يصوم أحد عن أحد وأخرج النسائي من طريق أيوب بن موسى عن عطاء بن أبي رباح عن ابن
عباس قال لا يصلى أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد أورده ابن عبد البر من طريقه موقوفا
ثم قال والنقل في هذا عن ابن عباس مضطرب (قلت) ويمكن الجمع بحمل الاثبات في حق من مات
والنفي في حق الحي ثم وجدت عنه ما يدل على تخصيصه في حق الميت بما إذا مات وعليه شئ
واجب فعند ابن أبي شيبة بسند صحيح سئل ابن عباس عن رجل مات وعليه نذر فقال يصام عنه
506

النذر وقال ابن المنير يحتمل أن يكون ابن عمر أراد بقوله صلي عنها العمل بقوله صلى الله عليه وسلم
إذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث فعد منها الولد لان الولد من كسبه فأعماله الصالحة
مكتوبة للوالد من غير أن ينقص من أجره فمعنى صلى عنها ان صلاتك مكتتبة لها ولو كنت انما
تنوي عن نفسك كذا قال ولا يخفى تكلفه وحاصل كلامه تخصيص الجواز بالولد والى ذلك جنح
ابن وهب وأبو مصعب من أصحاب الإمام مالك وفيه تعقب علي ابن بطال حيث نقل الاجماع انه
لا يصلى أحد عن أحد لا فرضا ولا سنة لا عن حي ولا عن ميت ونقل عن المهلب ان ذلك لو جاز لجاز
في جميع العبادات البدنية ولكان الشارع أحق بذلك أن يفعله عن أبويه ولما نهى عن الاستغفار
لعمه ولبطل معنى قوله ولا تكسب كل نفس الا عليها انتهى وجميع ما قال لا يخفى وجه تعقبه
خصوصا ما ذكره في حق الشارع وأما الآية فعمومها مخصوص اتفاقا والله أعلم (تنبيه)
ذكر الكرماني أنه وقع في بعض النسخ قال صلى عليها ووجه بأن على بمعنى عن علي رأي قال
أو الضمير راجع إلى قباء ثم ذكر المصنف حديث ابن عباس أن سعد بن عبادة استفتى في نذر كان على
أمه وقد تقدم شرحه في كتاب الوصايا وذكرت من قال فيه عن سعد بن عبادة فجعله من مسنده
(قوله في آخر الحديث في قصة سعد بن عبادة فكانت سنة بعد) أي صار قضاء الوارث ما على
المورث طريقة شرعية أعم من أن يكون وجوبا أو ندبا ولم أر هذه الزيادة في غير رواية شعيب عن
الزهري فقد أخرج الحديث الشيخان من رواية مالك والليث وأخرجه مسلم أيضا من رواية ابن
عيينة ويونس ومعمر وبكر بن وائل والنسائي من رواية الأوزاعي والإسماعيلي من رواية موسى
ابن عقبة وابن أبي عتيق وصالح بن كيسان كلهم عن الزهري بدونها وأظنها من كلام الزهري
ويحتمل من شيخه وفيها تعقب على ما نقل عن مالك لا يحج أحد عن أحد واحتج بأنه لم يبلغه عن
أحد من أهل دار الهجرة منذ زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه حج عن أحد ولا أمر به ولا
أذن فيه فيقال لمن قلد قد بلغ ذلك غيره وهذا الزهري معدود في فقهاء أهل المدينة وكان شيخه في
هذا الحديث وقد استدل بهذه الزيادة ابن حزم للظاهرية ومن وافقهم في أن الوارث يلزمه قضاء
النذر عن مورثه في جميع الحالات قال وقد وقع نظير ذلك فحديث الزهري عن سهيل في اللعان
لما فارقها الرجل قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بفراقها قال فكانت سنة واختلف في
تعيين نذر أم سعد فقيل كان صوما لما رواه مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس جاء رجل
فقال يا رسول الله ان أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها قال نعم الحديث وتعقب بأنه لم
يتعين أن الرجل المذكور هو سعد بن عبادة وقيل كان عتقا قاله ابن عبد البر واستدل بما أخرجه
من طريق القاسم بن محمد أن سعد بن عبادة قال يا رسول الله ان أمي هلكت فهل ينفعها ان
أعتق عنها قال نعم وتعقب بأنه مع إرساله ليس فيه التصريح بأنها كانت نذرت ذلك وقيل كان
نذرها صدقة وقد ذكرت دليله من الموطأ وغيره من وجه آخر عن سعد بن عبادة أن سعد اخرج
مع النبي صلى الله عليه وسلم فقيل لامه أوص قالت المال مال سعد فتوفيت قبل أن يقدم فقال
يا رسول الله هل ينفعها أن أتصدق عنها قال نعم وعند أبي داود من وجه آخر نحوه وزاد فأي
الصدقة أفضل قال الماء الحديث وليس في شئ من ذلك التصريح بأنها نذرت ذلك قال عياض
والذي يظهر أنه كان نذرها في المال أو مبهما (قلت) بل ظاهر حديث الباب انه كان معينا عند
507

سعد والله أعلم وفي الحديث قضاء الحقوق الواجبة عن الميت وقد ذهب الجمهور إلى أن من مات
وعليه نذر مالي انه يجب قضاؤه من رأس ماله وان لم يوص الا ان وقع النذر في مرض الموت
فيكون من الثلث وشرط المالكية والحنفية ان يوصي بذلك مطلقا واستذل للجمهور بقصة أم
سعد هذه وقول الزهري انها صارت سنة بعد ولكن يمكن أن يكون سعد قضاه من تركتها أو تبرع به
وفيه استفتاء الأعلم وفيه فضل بر الوالدين بعد الوفاة والتوصل إلى براءة ما في ذمتهم وقد اختلف
أهل الأصول في الامر بعد الاستئذان هل يكون كالأمر بعد الحظر أولا فرجح صاحب المحصول
انه مثله والراجح عند غيره انه للإباحة كما رجح جماعة في الامر بعد الحظر انه للاستحباب ثم ذكر
حديث ابن عباس أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أختي نذرت أن تحج وأنها ماتت
الحديث وفيه فاقض دين الله فهو أحق بالقضاء وقد تقدم شرحه في أواخر كتاب الحج وذكر
الاختلاف في السائل أهو رجل كما وقع هنا أو امرأة كما وقع هناك وانه الراجح وذكرت
ما قيل في اسمها وانها حمنة وبينت أنها هي السائلة عن الصيام أيضا وبالله التوفيق (قوله
باب النذر فيما لا يملك وفي معصية) وقع في شرح ابن بطال ولا نذر في معصية وقال
ذكر فيه حديث عائشة من نذر أن يطيع الله فليطعه الحديث وحديث أنس في الذي رآه يمشي
بين ابنيه فنهاه وحديث ابن عباس في الذي طاف وفي أنفه خزامة فنهاه وحديثه في الذي نذر أن
يقوم ولا يستظل فنهاه قال ولا مدخل لهذه الأحاديث في النذر فيما لا يملك وانما تدخل في نذر
المعصية وأجاب ابن المنير بأن الصواب مع البخاري فإنه تلقى عدم لزوم النذر فيما لا يملك من عدم
لزومه في المعصية لان نذره في ملك غيره تصرف في ملك الغير بغير اذنه وهي معصية ثم قال ولهذا لم
يقل باب النذر فيما لا يملك وفي المعصية بل قال النذر فيما لا يملك ولا نذر في معصية فأشار إلى اندراج
نذر مال الغير في نذر المعصية فتأمله انتهى وما نفاه ثابت في معظم الروايات عن البخاري لكن
بغير لام وهو لا يخرج عن التقرير الذي قرره لان التقدير باب النذر فيما لا يملك وحكم النذر في
معصية فإذا ثبت نفي النذر في المعصية التحق به النذر فيما لا يملك لأنه يستلزم المعصية لكونه
تصرفا في ملك الغير وقال الكرماني الدلالة على الترجمة من جهة ان الشخص لا يملك تعذيب
نفسه ولا التزام المشقة التي لا تلزمه حيث لا قربة فيها ثم استشكله بأن الجمهور فسروا مالا يملك
بمثل النذر باعتاق عبد فلان انتهى وما وجهه به ابن المنير أقرب لكن يلزم عليه تخصيص مالا
يملك بما إذا نذر شيئا معينا كعتق عبد فلان إذا ملكه مع أن اللفظ عام فيدخل فيه ما إذا نذر عتق
عبد غير معين فإنه يصح ويجاب بأن دليل التخصيص الاتفاق على انعقاد النذر في المبهم وانما وقع
الاختلاف في المعين وقد تقدم التنبيه في باب من حلف بملة سوى الاسلام على الموضع الذي
أخرج البخاري فيه التصريح بما يطابق الترجمة وهو في حديث ثابت بن الضحاك بلفظ وليس
علي ابن آدم نذر فيما لا يملك وقد أخرجه الترمذي مقتصرا على هذا القدر من الحديث وأخرج أبو
داود سبب هذا الحديث مقتصرا عليه أيضا ولفظه نذر رجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن
ينحر ببوانة يعني موضعا وهو بفتح الموحدة وتخفيف الواو وبنون فذكر الحديث وأخرجه مسلم
من حديث عمران بن حصين في قصة المرأة التي كانت أسيرة فهربت على ناقة للنبي صلى الله عليه
وسلم فان الذين أسروا المرأة انتهبوها فنذرت ان سلمت أن تنحرها فقال النبي صلى الله عليه وسلم
508

لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم وأخرج ابن أبي شيبة من حديث أبي ثعلبة الحديث
دون القصة بنحوه ووقعت مطابقة جميع الترجمة في حديث عمران بن حصين المذكور وأخرجه
النسائي من حديث عبد الرحمن بن سلمة مثله وأخرجه أبو داود من حديث عمر بلفظ لا يمين عليك
ولا نذر في معصية الرب ولا في قطيعة رحم ولا فيما لا يملك وأخرجه أبو داود والنسائي من رواية
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مثله واختلف فيمن وقع منه النذر في ذلك هل بحب فيه كفارة
فقال الجمهور لا وعن أحمد والثوري وإسحاق وبعض الشافعية والحنفية نعم ونقل الترمذي
اختلاف الصحابة في ذلك كالقولين واتفقوا على تحريم النذر في المعصية واختلافهم انما هو في
وجوب الكفارة واحتج من أوجبها بحديث عائشة لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين أخرجه
أصحاب السنن ورواته ثقات لكنه معلول فان الزهري رواه عن أبي سلمة ثم بين أنه حمله عن سليمان
ابن أرقم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة فدلسه باسقاط اثنين وحسن الظن بسليمان وهو عند
غيره ضعيف باتفاقهم وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال لا يصح ولكن له شاهد من حديث
عمران بن حصين أخرجه النسائي وضعفه وشواهد أخرى ذكرتها آنفا وأخرج الدارقطني من
حديث عدي بن حاتم نحوه وفي الباب أيضا عموم حديث عقبة بن عامر كفارة النذر كفارة اليمين
أخرجه مسلم وقد حمله الجمهور على نذر اللجاج والغضب وبعضهم على النذر المطلق لكن أخرج
الترمذي وابن ماجة حديث عقبة بلفظ كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين ولفظ ابن ماجة من
نذر نذرا لم يسمه الحديث وفي الباب حديث ابن عباس رفعه من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة
يمين أخرجه أبو داود وفيه ومن نذر في معصية فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا لا يطيقه
فكفارته كفارة يمين ورواته ثقات لكن أخرجه ابن أبي شيبة موقوفا وهو أشبه وأخرجه
الدارقطني من حديث عائشة وحمله أكثر فقهاء أصحاب الحديث على عمومه لكن قالوا إن
الناذر مخير بين الوفاء بما التزمه وكفارة اليمين وقد تقدم حديث عائشة المذكور أول الباب
قريبا وهو بمعنى حديث لأنذر في معصية ولو ثبتت الزيادة لكانت مبينة لما أجمل فيه واحتج
بعض الحنابلة بأنه ثبت عن جماعة من الصحابة ولا يحفظ عن صحابي خلافه قال والقياس
يقتضيه لان النذر يمين كما وقع في حديث عقبة لما نذرت أخته أن تحج ماشية لتكفر عن يمينها
فسمى النذر يمينا ومن حيث النظر هو عقدة لله تعالى بالتزام شئ والحالف عقد يمينه بالله ملتزما
بشئ ثم بين ان النذر آكد من اليمين ورتب عليه أنه لو نذر معصية ففعلها لم تسقط عنه الكفارة
بخلاف الحالف وهو وجه للحنابلة واحتج له بأن الشارع نهى عن المعصية وأمر بالكفارة
فتعينت واستدل بحديث لا نذر في معصية لصحة النذر في المباح لان فيه نفي النذر في المعصية فبقي
ما عداه ثابتا واحتج من قال إنه يشرع في المباح بما أخرجه أبو داود من طريق عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده وأخرجه أحمد والترمذي من حديث بريدة ان امرأة قالت يا رسول الله اني نذرت
أن أضرب على رأسك بالدف فقال أوف بنذرك وزاد في حديث بريدة ان ذلك وقت خروجه في
غزوة فنذرت ان رده الله تعالى سالما قال البيهقي يشبه أن يكون أذن لها في ذلك لما فيه من إظهار
الفرح بالسلامة ولا يلزم من ذلك القول بانعقاد النذر به ويدل على أن النذر لا ينعقد في المباح
حديث ابن عباس ثالث أحاديث الباب فإنه أمر الناذر بأن يقوم ولا يقعد ولا يتكلم ولا يستظل
509

ويصوم ولا يفطر بأن يتم صومه ويتكلم ويستظل ويقعد فأمره بفعل الطاعة وأسقط عنه
المباح وأصرح من ذلك ما أخرجه أحمد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أيضا انما
النذر ما يبتغى به وجه الله والجواب عن قصة التي نذرت الضرب بالدف ما أشار إليه البيهقي ويمكن
أن يقال إن من قسم المباح ما قد يصير بالقصد مندوبا كالنوم في القائلة للتقوى على قيام الليل
وأكلة السحر للتقوي على صيام النهار فيمكن أن يقال إن إظهار الفرح بعود النبي صلى الله عليه
وسلم سالما معنى مقصود يحصل به الثواب وقد اختلف في جواز الضرب بالدف في غير النكاح
والختان ورجح الرافعي في المحرر وتبعه في المنهاج الإباحة والحديث حجة في ذلك وقد حمل بعضهم
اذنه لها في الضرب بالدف على أصل الإباحة لا على خصوص الوفاء بالنذر كما تقدم ويشكل عليه
أن في رواية أحمد في حديث بريدة ان كنت نذرت فاضربي والا فلا وزعم بعضهم ان معنى قولها
نذرت حلفت والاذن فيه للبر بفعل المباح ويؤيد ذلك أن في آخر الحديث ان عمر دخل فتركت
فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان الشيطان ليخاف منك يا عمر فلو كان ذلك مما يتقرب به ما قال ذلك
لكن هذا بعينه يشكل على أنه مباح لكونه نسبه إلى الشيطان ويجاب بأن النبي صلى الله عليه
وسلم اطلع على أن الشيطان حضر لمحبته في سماع ذلك لما يرجوه من تمكنه من الفتنة به فلما حضر
عمر فر منه لعلمه بمبادرته إلى إنكار مثل ذلك أو أن الشيطان لم يحضر أصلا وانما ذكر مثالا لصورة
ما صدر من المرأة المذكورة وهي انما شرعت في شئ أصله من اللهو فلما دخل عمر خشيت من
مبادرته لكونه لم يعلم بخصوص النذر أو اليمين الذي صدر منها فشبه النبي صلى الله عليه وسلم حالها
بحالة الشيطان الذي يخاف من حضور عمر والشئ بالشئ يذكر وقريب من قصتها قصة القينتين
اللتين كانتا تغنيان عند النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فأنكر أبو بكر عليهما وقال أبمزمور
الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم فأعلمه النبي صلى الله عليه وسلم بإباحة مثل ذلك في يوم
العيد فهذا ما يتعلق بحديث عائشة وأما حديث أنس وهو الثاني من أحاديث الباب فذكره هنا
مختصرا وتقدم في أواخر الحج قبيل فضائل المدينة بتمامه وأوله رأى شيخا يهادي بين ابنيه قال
ما بال هذا قالوا نذر أن يمشي فذكر الحديث وفيه وأمره أن يركب وقوله قال الفزاري يعني
مروان بن معاوية (عن حميد حدثني ثابت عن أنس) كأنه أراد بهذا التعليق تصريح حميد
بالتحديث وقد وصله في الباب المشار إليه في الحج عن محمد بن سلام عن الفزاري وبينت هناك من
رواه عن حميد موافقا للفزاري ومن رواه عن حميد بدون ذكر ثابت فيه وذكر المصنف هناك
حديث عقبة بن عامر قال نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله الحديث وفيه لتمشي ولتركب
وتقدم بعض الكلام عليه ثم ووقع للمزي في الأطراف فيه وهم فإنه ذكر أن البخاري أخرجه في
الحج عن إبراهيم بن موسى وفي النذور عن أبي عاصم والموجود في نسخ البخاري أن الطريقين معا
في الباب المذكور من الحج وليس لحديث عقبة في النذور ذكر أصلا وانما أمر الناذر في حديث
أنس أن يركب جزما وأمر أخت عقبة أن تمشي وأن تركب لان الناذر في حديث أنس كان شيخا
ظاهر العجز وأخت عقبة لم توصف بالعجز فكأنه أمرها أن تمشي ان قدرت وتركب ان عجزت
وبهذا ترجم البيهقي للحديث وأورد في بعض طرقه من رواية عكرمة عن ابن عباس ان أخت
عقبة نذرت أن تحج ماشية فقال إن الله غني عن مشي أختك فلتركب ولتهد بدنة وأصله عند أبي
510

داود بلفظ ولتهد هدايا ووهم من نسب إليه انه أخرج هذا الحديث بلفظ ولتهد بدنه وأورده من
طريق أخرى عن عكرمة بغير ذكر الهدى وأخرجه الحاكم من حديث ابن عباس بلفظ جاء رجل
فقال إن أختي حلفت ان تمشي إلى البيت وانه يشق عليها المشي فقال مرها فلتركب إذا لم تستطع
أن تمشي فما أغنى الله أن يشق على أختك ومن طريق كريب عن ابن عباس جاء رجل فقال
يا رسول الله ان أختي نذرت أن تحج ماشية فقال إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا لتحج راكبة ثم
لتكفر يمينها وأخرجه أصحاب السنن من طريق عبد الله بن مالك عن عقبة بن عامر قال نذرت
أختي أن تحج ماشية غير مختمرة فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مر أختك فلتختمر
ولتركب ولتصم ثلاثة أيام ونقل الترمذي عن البخاري أنه لا يصح فيه الهدى وقد أخرج الطبراني
من طريق أبي تميم الجيشاني عن عقبة بن عامر في هذه القصة نذرت أن تمشي إلى الكعبة حافية
حاسرة وفيه لتركب ولتلبس ولتصم وللطحاوي من طريق أبي عبد الرحمن الحبلي عن عقبة بن
عامر نحوه وأخرج البيهقي بسند ضعيف عن أبي هريرة بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير
في جوف الليل إذ بصر بخيال نفرت منه الإبل فإذا امرأة عريانة ناقضة شعرها فقالت نذرت ان
أحج ماشية عريانة نافضة شعري فقال مرها فلتلبس ثيابها ولتهرق دما وأورد من طريق الحسن
عن عمران رفعه إذا نذر أحدكم أن يحج ماشيا فليهد هديا وليركب وفي سنده انقطاع وفي الحديث
صحة النذر باتيان البيت الحرام وعن أبي حنيفة إذا لم ينو حجا ولا عمرة لا ينعقد ثم إن نذره راكبا
لزمه فلو مشى لزمه دم لترفهه بتوفر مؤنة الركوب وان نذره ماشيا لزمه من حيث أحرم إلى أن
تنتهي العمرة أو الحج وهو قول صاحبي أبي حنيفة فان ركب بعذر أجزأه ولزمه دم في أحد
القولين عن الشافعي واختلف هل يلزمه بدنة أو شاة وان ركب بلا عذر لزمه الدم وعن المالكية
في العاجز يرجع من قابل فيمشي ما ركب الا ان عجز مطلقا فيلزمه الهدي وليس في طرق حديث
عقبة ما يقتضي الرجوع فهو حجة للشافعي ومن تبعه وعن عبد الله بن الزبير لا يلزمه شئ مطلقا
قال القرطبي زيادة الامر بالهدى رواتها ثقات ولا ترد وليس سكوت من سكت عنها بحجة على من
حفظها وذكرها قال والتمسك بالحديث في عدم إيجاب الرجوع ظاهر ولكن عمدة مالك عمل
أهل المدينة (تنبيه) يقال إن الرجل المذكور في حديث أنس هو أبو إسرائيل المذكور في
حديث ابن عباس الذي بعد الباب كذا نقله مغلطاي عن الخطيب وهو تركيب منه وانما ذكر
الخطيب ذلك في الرجل المذكور في حديث ابن عباس آخر الباب وتغاير القصتين أوضح من أن
يتكلف لبيانه وأما حديث ابن عباس في الذي طاف بزمام وهو الحديث الثالث فأورده بعلو
عن أبي عاصم عن ابن جريج ولفظه رأى رجلا يطوف بالكعبة بزمام أو غيره فقطعه ثم أورده
بنزول عن إبراهيم بن موسى عن هشام بن يوسف عن ابن جريج بلفظ مر وهو يطوف بالكعبة
بانسان يقود انسانا بخزامة في أنفه فقطعها ثم أمره أن يقوده بيده والخزامة بكسر المعجمة
وتخفيف الزاي حلقة من شعر أو وبر تجعل في الحاجز الذي بين منخري البعير يشد فيها الزمام
ليسهل انقياده إذا كان صعبا وقد تقدم في باب الكلام في الطواف من كتاب الحج من هذين
الوجهين عن ابن جريج وذكرت ما قيل في اسم القائد والمقود ووجه ادخاله في أبواب النذر وأنه
عند النسائي من وجه آخر عن ابن جريج وفيه التصريح بأنه نذر ذلك وان الداودي استدل به على
511

أن من نذر مالا طاعة لله فيه لا ينعقد نذره وتعقب ابن التين له والجواب عن الداودي وتصويبه
في ذلك وأما حديث ابن عباس أيضا وهو الحديث الرابع فوهيب في سنده هو ابن خالد وعبد
الوهاب الذي علق عنه البخاري آخر الباب هو ابن عبد المجيد الثقفي وقد يتمسك بهذا من يرى أن
الثقات إذا اختلفوا في الوصل والارسال يرجح قول من وصل لما معه من زيادة العلم لان وهيبا
وعبد الوهاب ثقتان وقد وصله وهيب وأرسله عبد الوهاب وصححه البخاري مع ذلك والذي
عرفناه بالاستقراء من صنيع البخاري انه لا يعمل في هذه الصورة بقاعدة مطردة بل يدور مع
الترجيح الا ان استووا فيقدم الوصل والواقع هنا أن من وصله أكثر ممن أرسله قال الإسماعيلي
وصله مع وهيب عاصم بن هلال والحسن بن أبي جعفر وأرسله مع عبد الوهاب خالد الواسطي (قلت)
وخالد متقن وفي عاصم والحسن مقال فيستوي الطرفان فيترجح الوصل وقد جاء الحديث المذكور
من وجه آخر فازداد قوة أخرجه عبد الرزاق عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي إسرائيل (قوله
بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب) زاد الخطيب في المبهمات من وجه آخر يوم الجمعة (قوله إذا هو
برجل) في رواية أبي يعلى عن إبراهيم بن الحجاج عن وهيب إذا لتفت فإذا هو برجل (قوله قائم)
زاد أبو داود عن موسى بن إسماعيل شيخ البخاري فيه في الشمس وكذا في رواية أبي يعلى وفي رواية
طاوس وأبو إسرائيل يصلي (قوله فسأل عنه فقالوا أبو إسرائيل) في رواية أبي داود فقالوا هو أبو
إسرائيل زاد الخطيب رجل من قريش (قوله نذر أن يقوم) قال البيضاوي ظاهر اللفظ
السؤال عن اسمه فلذلك ذكروه وزاد وافعله قال ويحتمل أن يكون سأل عن حاله فذكروه وزادوا
التعريف به ثم قال ولعله لما كان السؤال محتملا ذكروا الامرين جميعا (قوله ولا يستظل)
في رواية الخطيب ويقوم في الشمس (قوله مره) في رواية أبي داود مروه بصيغة الجمع وفي رواية
طاوس ليقعد وليتكلم وأبو إسرائيل المذكور لا يشاركه أحد في كنيته من الصحابة واختلف في
اسمه فقيل قشير بقاف وشين معجمة مصغر وقيل يسير بتحتانية ثم مهملة مصغر أيضا وقيل قيصر
باسم ملك الروم وقيل بالسين المهملة بدل الصاد وقيل بغير راء في آخره وهو قرشي ثم عامري وترجم
له ابن الأثير في الصحابة تبعا لغيره فقال أبو إسرائيل الأنصاري واغتر بذلك الكرماني فجزم بأنه من
الأنصار والأول أولى وفي حديثه ان السكوت عن المباح ليس من طاعة الله وقد أخرج أبو داود
من حديث علي ولا صمت يوم إلى الليل وتقدم في السيرة النبوية قول أبي بكر الصديق للمرأة ان
هذا يعني الصمت من فعل الجاهلية وفيه ان كل شئ يتأذى به الانسان ولو مآلا مما لم يرد
بمشروعيته كتاب أو سنة كالمشي حافيا والجلوس في الشمس ليس هو من طاعة الله فلا ينعقد به
النذر فإنه صلى الله عليه وسلم أمر أبا إسرائيل باتمام الصوم دون غيره وهو محمول على أنه علم أنه
لا يشق عليه وأمره أن يقعد ويتكلم ويستظل قال القرطبي في قصة أبي إسرائيل هذه أوضح
الحجج للجمهور في عدم وجوب الكفارة على من نذر معصية أو مالا طاعة فيه فقد قال مالك لما
ذكره ولم أسمع ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بالكفارة (قوله باب من نذر أن
يصوم أياما) أي معينة (فوافق النحر أو الفطر) أي هل يجوز له الصيام أو البدل أو الكفارة انعقد
الاجماع على أنه لا يجوز له ان يصوم يوم الفطر ولا يوم النحر لا تطوعا ولا عن نذر سواء عينهما
أو أحدهما بالنذر أو وقعا معا أو أحدهما اتفاقا فلو نذر لم ينعقد نذره عند الجمهور وعند الحنابلة
512

روايتان في وجوب القضاء وخالف أبو حنيفة فقال لو أقدم فصام وقع ذلك عن نذره وقد تقدم بسط
ذلك في أواخر الصيام وذكرت هناك الاختلاف في تعيين اليوم الذي نذره الرجل وهل وافق يوم
عيد الفطر أو النحر وأني لم أقف على اسمه مع بيان الكثير من طرقه ثم وجدت في ثقات ابن حبان
من طريق كريمة بنت سيرين انها سألت ابن عمر فقالت جعلت على نفسي ان أصوم كل أربعاء
واليوم يوم أربعاء وهو يوم النحر فقال أمر الله بوفاء النذر ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
صوم يوم النحر ورواته ثقات فلولا توارد الرواة بأن السائل رجل لفسرت المبهم بكريمة ولا سيما
في السند الأول فان قوله سئل بضم أوله يشمل ما إذا كان السائل رجلا أو امرأة وقد ظهر من
رواية ابن حبان انها امرأة فيفسر بها المبهم في رواية حكيم بخلاف رواية زياد بن جبير حيث قال
فسأله رجل ثم وجدت الخبر في كتاب الصيام ليوسف بن يعقوب القاضي أخرجه عن محمد بن أبي
بكر المقدمي شيخ البخاري فيه وأخرجه أبو نعيم من طريقه وكذا أخرجه الإسماعيلي من وجه
آخر عن محمد بن أبي بكر المقدمي ولفظه أنه سمع رجلا يسأل عبد الله بن عمر عن رجل نذر فذكر
الحديث وفضيل في السند الأول بالتصغير وحكيم بفتح أوله وأبو حرة أبوه بضم المهملة والتشديد
لا يعرف اسمه وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد وقد أورده متابعا لرواية زيادة بن
جبير عن ابن عمر وفي سياق الرواية الأولى اشعار برجحان المنع عند ابن عمر فإن لفظه فقال لقد
كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لم يكن يصوم يوم الأضحى والفطر ولا يرى صيامهما ووقع
عند الإسماعيلي من الزيادة في آخره قال يونس بن عبيد فذكرت ذلك للحسن فقال يصوم يوما
مكانه أخرجه من طريق محمد بن المنهال عن يزيد بن زريع الذي أخرجه البخاري من طريقه قال
الكرماني قوله لم يكن أي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله ولا نرى بلفظ المتكلم فيكون من جملة
مقول عبد الله بن عمر وفي بعضها بلفظ الغائب وفاعله عبد الله وقائله حكيم (قلت) ووقع في رواية
يوسف بن يعقوب المذكورة بلفظ لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوم الأضحى ولا يوم
الفطر ولا يأمر بصيامهما ومثله في رواية الإسماعيلي وجوز الكرماني بناء على تعدد القصة ان
ابن عمر تغير اجتهاده فجزم بالمنع بعد إن كان يتردد انتهى وليس فيما أجاب به ابن عمر أولا وآخرا
ما يصرح بالمنع في خصوص هذه القصة وقد بسطت القول في ذلك في باب صوم يوم النحر وبالله
التوفيق (قوله يونس) هو ابن عبيد وصرح به الإسماعيلي من طريق محمد بن المنهال عن يزيد
ابن زريع (قوله فأعاد عليه) زاد ابن المنهال في روايته فخيل إلى الرجل انه لم يفهم فأعاد عليه
الكلام ثانية (قوله باب هل يدخل في الايمان والنذور الأرض والغنم والزرع
والأمتعة) قال ابن عبد البر وتبعه جماعة المال في لغة دوس قبيلة أبي هريرة غير العين
كالعروض والثياب وعند جماعة المال هو العين كالذهب والفضة والمعروف من كلام العرب
ان كل ما يتمول ويملك فهو مال فأشار البخاري في الترجمة إلى رجحان ذلك بما ذكره من الأحاديث
كقول عمر أصبت أرضا لم أصب مالا قط أنفس منه وقول أبي طلحة أحب أموالي إلي بيرحاء وقول
أبي هريرة لم نغنم ذهبا ولا ورقا ويؤيده قوله تعالى ولا تؤتوا السفهاء أموالكم فإنه يتناول كل ما
513

يملكه الانسان وأما قول أهل اللغة العرب لا توقع اسم المال عند الاطلاق الا على الإبل لشرفها
عندهم فلا يدفع اطلاقهم المال على غير الإبل فقد أطلقوه أيضا على غير الإبل من المواشي ووقع
في السيرة فسلك في الأموال يعني الحوائط ونهى عن إضاعة المال وهو يتناول كل ما يتمول
وقيل المراد به هنا الأرقاء وقيل الحيوان كله وفي الحديث أيضا ما جاءك من الرزق وأنت غير
مشرف فخذه وتموله وهو يتناول كل ما يتمول والأحاديث الثلاثة مخرجة في الصحيحين والموطأ
وحكى عن ثعلب المال كل ما تجب فيه الزكاة قل أو كثر فما نقص عن ذلك فليس بمال وبه جزم ابن
الأنباري وقال غيره المال في الأصل العين ثم أطلق على كل ما يتملك واختلف السلف فيمن حلف
أو نذر انه يتصدق بماله على مذاهب تقدم نقلها في باب إذا أهدى ماله ومن قال كأبي حنيفة
لا يقع نذره الا على ما فيه الزكاة ومن قال كمالك يتناول جميع ما يقع عليه اسم مال قال ابن
بطال وأحاديث هذا الباب تشهد لقول مالك ومن تابعه وقال الكرماني معنى قول البخاري هل
يدخل أي هل يصح اليمين أو النذر على الأعيان مثل والذي نفسي بيده ان هذه الشملة لتشتعل
عليه نارا ومثل أن يقول هذه الأرض لله ونحوه (قلت) والذي فهمه ابن بطال أولى فإنه أشار إلى
أن مراد البخاري الرد على من قال إذا حلف أو نذر ان يتصدق بماله كله اختص ذلك بما فيه الزكاة
دون ما يملكه مما سوى ذلك ونقل محمد بن نصر المروزي في كتاب الاختلاف عن أبي حنيفة
وأصحابه فيمن نذر ان يتصدق بماله كله يتصدق بما تجب فيه الزكاة من الذهب والفضة والمواشي
لا فيما ملكه مما لا زكاة فيه من الأرضين والدور ومتاع البيت والرقيق والحمير ونحو ذلك فلا يجب
عليه فيها شئ ثم نقل بقية المذاهب على نحو ما قدمته في باب من أهدى ماله فعلى هذا فمراد
البخاري موافقة الجمهور وان المال يطلق على كل ما يتمول ونص أحمد على أن من قال مالي في
المساكين انما يحمل ذلك على ما نوى أو على ما غلب على عرفه كما لو قال ذلك أعرابي فإنه لا يحمل
ذلك الا على الإبل وحديث ابن عمر في قول عمر تقدم موصولا مشروحا في كتاب الوصايا وقوله
وقال أبو طلحة هو زيد بن سهل الأنصاري وقد تقدم موصولا أيضا هناك من حديث أنس في
أبواب الوقف وتقدم شئ من شرحه في كتاب الزكاة وحديث أبي هريرة تقدم شرحه في غزوة
خيبر من كتاب المغازي وقوله فيه فلم نغنم ذهبا ولا فضة الا الأموال المتاع والثياب كذا للأكثر
ولابن القاسم والقعنبي والمتاع بالعطف قال بعضهم وفي تنزيل ذلك على لغة دوس نظر لأنه استثنى
الأموال من الذهب والفضة فدل على أنه منها الا أن يكون ذلك منقطعا فتكون الا بمعنى لكن
كذا قال والذي يظهر ان الاستثناء من الغنيمة التي في قوله فلم نغنم فنفى أن يكونوا غنموا العين
وأثبت انهم غنموا المال فدل على أن المال عنده غير العين وهو المطلوب وقوله الضبيب بضاد
معجمة وموحدة مكررة بصيغة التصغير ومدعم بكسر الميم وسكون الدال وفتح العين المهملتين
وقوله سهم عائر بعين مهملة وبعد الألف تحتانية لا يدري من رمى به والشراك بكسر المعجمة
وتخفيف الراء وآخره كاف من سيور النعل وقد تقدم جميع ذلك بإعانة الله تعالى وله الحمد على
كل حال
(قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب كفارات الايمان)
في رواية غير أبي ذر باب وله عن المستملي كتاب الكفارات وسميت كفارة لأنها تكفر الذنب أي
514

تستره ومنه قيل للزارع كافر لأنه يغطى البذر وقال الراغب الكفارة ما يعطى الحانث في اليمين
واستعمل في كفارة القتل والظهار وهو من التكفير وهو ستر الفعل وتغطيته فيصير بمنزلة ما لم
يعمل قال ويصح أن يكون أصله إزالة الكفر نحو التمريض في إزالة المرض وقد قال الله تعالى
ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيآتهم أي أزلناها وأصل الكفر الستر يقال
كفرت الشمس النجوم سترتها ويسمى السحاب الذي يستر الشمس كافرا ويسمى الليل كافرا لأنه
يستر الأشياء عن العيون وتكفر الرجل بالسلاح إذا تستر به (قوله وقول الله تعالى فكفارته
اطعام عشرة مساكين) يريد إلى آخر الآية وقد تمسك به من قال بتعين العدد المذكور وهو
قول الجمهور خلافا لمن قال لو أعطى ما يجب للعشرة واحدا كفى وهو مروى عن الحسن أخرجه
ابن أبي شيبة ولمن قال كذلك لكن قال عشرة أيام متوالية وهو مروي عن الأوزاعي حكاه ابن
المنذر وعن الثوري مثله لكن قال إن لم يجد العشرة (قوله وما أمر النبي صلى الله عليه وسلم حين
نزلت ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) يشير إلى حديث كعب بن عجرة الموصول في الباب (قوله
وقد خير النبي صلى الله عليه وسلم كعبا في الفدية) يعني كعب بن عجرة كما ذكره في الباب (قوله
ويذكر عن ابن عباس وعطاء وعكرمة ما كان في القرآن أو أو فصاحبه بالخيار) أما أثر ابن عباس
فوصله سفيان الثوري في تفسيره عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عباس قال كل شئ
في القرآن أو نحو قوله تعالى ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فهو فيه مخير وما كان فمن لم يجد
فهو على الولاء أي على الترتيب وليث ضعيف ولذلك لم يجزم به المصنف وقد جاء عن مجاهد من
قوله بسند صحيح عند الطبري وغيره وأما أثر عطاء فوصله الطبري من طريق ابن جريج قال قال
عطاء ما كان في القرآن أو أو فلصاحبه ان يختار أيه شاء قال ابن جريج وقال لي عمرو بن دينار نحوه
وسنده صحيح وقد أخرجه ابن عيينة في تفسيره عن ابن جريج عن عطاء بلفظ الأصل وسنده صحيح
أيضا وأما أثر عكرمة فوصله الطبري من طريق داود بن أبي هند عنه قال كل شئ في القرآن أو أو
فليتخير أي الكفارات شاء فإذا كان فمن لم يجد فالأول الأول قال ابن بطال هذا متفق عليه بين
العلماء وانما اختلفوا في قدر الاطعام فقال الجمهور لكل انسان مد من طعام بمد الشارع صلى
الله عليه وسلم وفرق مالك في جنس الطعام بين أهل المدينة فاعتبر ذلك في حقهم لأنه وسط من
عيشهم بخلاف سائر الأمصار فالمعتبر في حق كل منهم ما هو وسط من عيشه وخالفه ابن القاسم
فوافق الجمهور وذهب الكوفيون إلى أن الواجب اطعام نصف صاع والحجة للأول انه صلى الله
عليه وسلم أمر في كفارة المواقع في رمضان باطعام مد لكل مسكين قال وانما ذكر البخاري حديث
كعب هنا من أجل آية التخيير فإنها وردت في كفارة اليمين كما وردت في كفارة الأذى وتعقبه ابن
المنير فقال يحتمل أن يكون البخاري وافق الكوفيين في هذه المسألة فأورد حديث كعب بن عجرة لأنه
وقع التنصيص في خبر كعب على نصف صاع ولم يثبت في قدر طعام الكفارة فحمل المطلق على
المقيد (قلت) ويؤيده ان كفارة المواقع ككفارة الظهار وكفارة الظهار ورد النص فيها بالترتيب
بخلاف كفارة الأذى فان النص ورد فيها بالتخيير وأيضا فإنهما متفقان في قدر الصيام بخلاف
الظهار فكان حمل كفارة اليمين عليها لموافقتها لها في التخيير أولى من حملها على كفارة المواقع
مع مخالفتها والى هذا أشار ابن المنير وقد يستدل لذلك بما أخرجه ابن ماجة عن ابن عباس قال
515

كفر النبي صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر وأمر الناس بذلك فمن لم يجد فنصف صاع من بر وهذا
لو ثبت لم يكن حجة لأنه لا قائل به وهو من رواية عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة وهو ضعيف جدا
والذي يظهر لي أن البخاري أراد الرد على من أجاز في كفارة اليمين ان تبعض الخصلة من الثلاثة
المخير فيها كمن أطعم خمسة وكساهم أو كسا خمسة غيرهم أو أعتق نصف رقبة وأطعم خمسة
أو كساهم وقد نقل ذلك عن بعض الحنفية والمالكية وقد احتج من ألحقها بكفارة الظهار بأن
شرط حمل المطلق على المقيد ان لا يعارضه مقيد آخر فلما عارضه هنا والأصل براءة الذمة أخذ
بالأقل وأيده الماوردي من حيث النظر بأنه في كفارة اليمين وصف بالأوسط وهو محمول على
الجنس وأوسط ما يشبع الشخص رطلان من الخبز والمد رطل وثلث من الحب فإذا خبز كان قدر
رطلين وأيضا فكفارة اليمين وان وافقت كفارة الأذى في التخيير لكنها زادت عليها بأن فيها
ترتيبا لان التخيير وقع بين الاطعام والكسوة والعتق والترتيب وقع بين الثلاثة وصيام ثلاثة
أيام وكفارة الأذى وقع التخيير فيها بين الصيام والاطعام والذبح حسب قال ابن الصباغ ليس في
الكفارات ما فيه تخيير وترتيب الا كفارة اليمين وما ألحق بها (قوله أحمد بن يونس) هو ابن عبد الله
ابن يونس نسب لجده وأبو شهاب هو الأصغر واسمه عبد ربه بن نافع وابن عون هو عبد الله (قوله
أتيته يعني النبي صلى الله عليه وسلم) كذا في الأصل وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق
بشر بن المفضل عن ابن عون بهذا السند عن كعب بن عجرة قال في نزلت هذه الآية فأتيت النبي
صلى الله عليه وسلم فذكره وفي رواية معتمر بن سليمان عن ابن عون عند الإسماعيلي نزلت في هذه
الآية ففدية من صيام أو صدقة أو نسك قال فرآني النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادن (قوله قال
وأخبرني ابن عون) هو مقول أبي شهاب وهو موصول بالأول وقد أخرجه النسائي والإسماعيلي
من طريق أزهر بن سعد عن ابن عون به وقال في آخره فسره لي مجاهد فلم أحفظه فسألت أيوب
فقال الصيام ثلاثة أيام والصدقة على ستة مساكين والنسك ما استيسر من الهدي (قلت) وقد
تقدم في الحج وفي التفسير من طرق أخرى عن مجاهد وفي الطب والمغازي من طريق أيوب عن
مجاهد به وسياقها أتم وتقدم شرحه مستوفي في كتاب الحج (قوله باب متى تجب
الكفارة على الغني والفقير وقول الله تعالى قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم إلى قوله العليم
الحكيم) كذا لأبي ذر ولغيره باب قول الله تعالى قد فرض الله لكم وساقوا الآية وبعدها متى
بحب الكفارة على الغني والفقير وسقط لبعضهم ذكر الآية وأشار الكرماني إلى تصويبه فقال قوله
تحلة أيمانكم أي تحليلها بالكفارة والمناسب أن يذكر هذه الآية في الباب الذي قبله ذكر فيه
حديث أبي هريرة في قصة المجامع في نهار رمضان وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الصيام
وقوله فيه سفيان عن الزهري وقع في رواية الحميدي عن سفيان حدثنا الزهري وتقدم أيضا بيان
الاختلاف فيمن لا يجد ما يكفر به ولا يقدر على الصيام هل يسقط عنه أو يبقى في ذمته قال ابن
المنير مقصوده أن ينبه على أن الكفارة انما تجب بالحنث كما أن كفارة المواقع انما تجب باقتحام
الذنب وأشار إلى أن الفقير لا يسقط عنه إيجاب الكفارة لان النبي صلى الله عليه وسلم علم فقره
وأعطاه مع ذلك ما يكفر به كما لو أعطى الفقير ما يقضي به دينه قال ولعله كما نبه على احتجاج
الكوفيين بالفدية نبه هنا على ما احتج به من خالفهم من الحاقها بكفارة المواقع وانه مد لكل
516

مسكين (قوله باب من أعان المعسر في الكفارة) ذكر فيه حديث أبي هريرة
المذكور قبل وهو ظاهر فيما ترجم له فكما جاز اعانة المعسر بالكفارة عن وقاعه في رمضان كذلك
تجوز إعانة المعسر بالكفارة عن يمينه إذا حنث فيه (قوله باب يعطى في
الكفارة عشرة مساكين قريبا كان) أي المسكين (أو بعيدا) أما العدد فبنص القرآن في كفارة
اليمين وقد ذكرت الخلاف فيه قريبا وأما التسوية بين القريب والبعيد فقال ابن المنير ذكر فيه
حديث أبي هريرة المذكور قبله وليس فيه الا قوله أطعمه أهلك لكن إذا جاز إعطاء الأقرباء
فالبعداء أجوز وقاس كفارة اليمين على كفارة الجماع في الصيام في إجازة الصرف إلى الأقرباء
(قلت) وهو على رأي من حمل قوله أطعمه أهلك على أنه في الكفارة وأما من حمله على أنه أعطاه
التمر المذكور في الحديث لينفقه عليهم وتستمر الكفارة في ذمته إلى أن يحصل له يسرة فلا يتجه
الالحاق وكذا على قول من يقول تسقط عن المعسر مطلقا وقد تقدم البحث في ذلك وبيان
الاختلاف فيه في كتاب الصيام ومذهب الشافعي جواز إعطاء الأقرباء الا من تلزمه نفقته ومن
فروع المسئلة اشتراط الايمان فيمن يعطيه وهو قول الجمهور وأجاز أصحاب الرأي إعطاء أهل
الذمة منه ووافقهم أبو ثور وقال الثوري يجزئ ان لم يجد المسلمين وأخرج ابن أبي شيبة عن النخعي
والشعبي مثله وعن الحكم كالجمهور (قوله باب صاع المدينة ومد النبي صلى الله
عليه وسلم وبركته) أشار في الترجمة إلى وجوب الاخراج في الواجبات بصاع أهل المدينة لان
التشريع وقع على ذلك أولا وأكد ذلك بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالبركة في ذلك (قوله
وما توارث أهل المدينة من ذلك قرنا بعد قرن) أشار بذلك إلى أن مقدار المد والصاع في المدينة
لم يتغير لتواتره عندهم إلى زمنه وبهذا احتج مالك على أبي يوسف في القصة المشهورة بينهما فرجع
أبو يوسف عن قول الكوفيين في قدر الصاع إلى قول أهل المدينة ثم ذكر في الباب ثلاثة أحاديث
الأول حديث السائب بن يزيد (قوله كان الصاع على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مدا وثلثا
بمدكم اليوم فزيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز) قال ابن بطال هذا يدل على أن مدهم حين حدث
به السائب كان أربعة أرطال فإذا زيد عليه ثلثه وهو رطل وثلث قام منه خمسة أرطال وثلث
وهو الصاع بدليل أن مده صلى الله عليه وسلم رطل وثلث وصاعه أربعة أمداد ثم قال مقدار ما زيد
فيه في زمن عمر بن عبد العزيز لا نعلمه وانما الحديث يدل على أن مدهم ثلاثة أمداد بمده انتهى
ومن لازم ما قال أن يكون صاعهم ستة عشر رطلا لكن لعله لم يعلم مقدار الرطل عندهم إذ ذاك
وقد تقدم في باب الوضوء بالمد من كتاب الطهارة بيان الاختلاف في مقدار المد والصاع ومن فرق
بين الماء وغيره من المكيلات فخص صاع الماء بكونه ثمانية أرطال ومده برطلين فقصر الخلاف
على غير الماء من المكيلات * الحديث الثاني (قوله حدثنا أبو قتيبة وهو سلم) بفتح المهملة
وسكون اللام وفي رواية الدارقطني من وجه آخر عن المنذر حدثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة (قلت)
517

وهو الشعيري بفتح الشين المعجمة وكسر المهملة بصرى أصله من خراسان أدركه البخاري بالسن
ومات قبل أن يلقاه وهو غير سلم بن قتيبة الباهلي ولد أمير خراسان قتيبة بن سلم وقد ولي هو امرة
البصرة وهو أكبر من الشعيري ومات قبله بأكثر من خمسين سنة (قوله المد الأول) هو نعت مد
النبي صلى الله عليه وسلم وهي صفة لازمة له وأراد نافع بذلك انه كان لا يعطى بالمد الذي أحدثه
هشام قال ابن بطال وهو أكبر من مد النبي صلى الله عليه وسلم بثلثي رطل وهو كما قال فان المد
الهشامي رطلان والصاع منه ثمانية أرطال (قوله قال لنا مالك) هو مقول أبي قتيبة وهو
موصول (قوله مدنا أعظم من مدكم) يعني في البركة أي مد المدينة وإن كان دون مد هشام في
القدر لكن مد المدينة مخصوص أبا لبركة الحاصلة بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لها فهو أعظم من
مد هشام ثم فسر مالك مراده بقوله ولا نرى الفضل الا في مد النبي صلى الله عليه وسلم (قوله وقال
لي مالك لو جاءكم أمير الخ) أراد مالك بذلك الزام مخالفه إذ لا فرق بين الزيادة والنقصان في مطلق
المخالفة فلو احتج الذي تمسك بالمد الهشامي في إخراج زكاة الفطر وغيرها مما شرع إخراجه بالمد
كاطعام المساكين في كفارة اليمين بان الاخذ بالزائد أولى قيل كفى باتباع ما قدره الشارع بركة
فلو جازت المخالفة بالزيادة لجازت مخالفته بالنقص فلما امتنع المخالف من الاخذ بالناقص قال له
أفلا ترى ان الامر انما يرجع إلى مد النبي صلى الله عليه وسلم لأنه إذا تعارضت الامداد الثلاثة
الأول والحادث وهو الهشامي وهو زائد عليه والثالث المفروض وقوعه وان لم يقع وهو دون
الأول كان الرجوع إلى الأول أولى لأنه الذي تحققت شرعيته قال ابن بطال والحجة فيه نقل
أهل المدينة له قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل قال وقد رجع أبو يوسف بمثل هذا في تقدير المد
والصاع إلى مالك وأخذ بقوله (تنبيه) هذا الحديث غريب لم يروه عن مالك الا أبو قتيبة
ولا عنه الا المنذر وقد ضاق مخرجه على الإسماعيلي وعلى أبي نعيم فلم يستخرجاه بل ذكراه من
طريق البخاري وقد أخرجه الدارقطني في غرائب مالك من طريق البخاري وأخرجه أيضا عن
ابن عقدة عن الحسين بن القاسم البجلي عن المنذر به دون كلام مالك وقال صحيح أخرجه البخاري
عن المنذر به * الحديث الثالث حديث أنس في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم بارك لهم في
مكيالهم وصاعهم ومدهم وقد تقدم في البيوع عن القعنبي عن مالك وزاد في آخره يعني أهل
المدينة وكذا عند رواة الموطأ عن مالك قال ابن المنير يحتمل ان تختص هذه الدعوة بالمد الذي
كان حينئذ حتى لا يدخل المد الحادث بعده ويحتمل ان تعم كل مكيال لأهل المدينة إلى الأبد قال
والظاهر الثاني كذا قال وكلام مالك المذكور في الذي قبله يجنح إلى الأول وهو المعتمد وقد تغيرت
المكاييل في المدينة بعد عصر مالك والى هذا الزمان وقد وجد مصداق الدعوة بأن بورك في مدهم
وصاعهم بحيث اعتبر قدرهما أكثر فقهاء الأمصار ومقلدوهم إلى اليوم في غالب الكفارات
والى هذا أشار المهلب والله أعلم (قوله باب قول الله عز وجل أو تحرير رقبة)
يشير إلى أن الرقبة في آية كفارة اليمين مطلقة بخلاف آية كفارة القتل فإنها قيدت بالايمان قال
ابن بطال حمل الجمهور ومنهم الأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق المطلق على المقيد كما حملوا
المطلق في قوله تعالى وأشهدوا إذا تبايعتم على المقيد في قوله وأشهدوا ذوي عدل منكم وخالف
الكوفيون فقالوا يجوز اعتاق الكافر ووافقهم أبو ثور وابن المنذر واحتج له في كتابه الكبير
518

بأن كفارة القتل مغلظة بخلاف كفارة اليمين ومن ثم اشترط التتابع في صيام القتل دون اليمين
(قوله وأي الرقاب أزكى) يشير إلى الحديث الماضي في أوائل العتق عن أبي ذر وفيه قلت فأي
الرقاب أفضل قال أعلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها وقد تقدم شرحه مستوفى هناك وكأن
البخاري رمز بذلك إلى موافقة الكوفيين لان افعل التفضيل يقتضي الاشتراك في أصل الحكم
وقال ابن المنير لم يبت البخاري الحكم في ذلك ولكنه ذكر الفضل في عتق المؤمنة لينبه على مجال
النظر فلقائل أن يقول إذا وجب عتق الرقبة في كفارة اليمين كان الاخذ بالأفضل أحوط والا كان
المكفر بغير المؤمنة على شك في براءة الذمة قال وهذا أقوى من الاستشهاد بحمل المطلق على
المقيد لظهور الفرق بينهما ثم ذكر البخاري حديث أبي هريرة من أعتق رقبة مسلمة وقد تقدم أيضا
في أوائل العتق من وجه آخر عن سعيد بن مرجانة عن أبي هريرة وذكر فيه قصة لسعيد بن مرجانة
مع علي بن حسين أي ابن علي بن أبي طالب الملقب زين العابدين وهو المذكور هنا أيضا وكأنه بعد أن
سمعه من سعيد بن مرجانة وعمل به حدث به عن سعيد فسمعه منه زيد بن أسلم وفي رواية الباب زيادة
في آخره وهي قوله حتى فرجه بفرجه وحتى هنا عاطفة لوجود شرائط العطف فيها فيكون فرجه
بالنصب وقد تقدمت فوائد هذا الحديث وبيان ما ورد فيه من الزيادة هناك وأخرج مسلم حديث
الباب عن داود بن رشيد شيخ شيخ البخاري فيه وقد نزل البخاري في هذا الاسناد درجتين فان بينه
وبين أبي غسان محمد بن مطرف في عدة أحاديث في كتابه راويا واحدا كسعيد بن أبي مريم في الصيام
والنكاح والأشربة وغيرها وكعلي بن عياش في البيوع والأدب ومحمد بن عبد الرحيم شيخه فيه هو
المعروف بصاعقة وهو من أقرانه وداود بن رشيد بشين ومعجمة مصغر من طبقة شيوخه الوسطى
وفي السند ثلاثة من التابعين في نسق زيد وعلي وسعيد والثلاثة مدنيون وزيد وعلي قرينان
(قوله باب عتق المدبر وأم الولد والمكاتب في الكفارة وعتق ولد الزنا) ذكر فيه
حديث جابر في عتق المدبر وعمرو في السند هو ابن دينار وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب العتق
وبيان الاختلاف فيه والاحتجاج لمن قال بصحة بيعه وقضية ذلك صحة عتقه في الكفارة لان
صحة بيعه فرع بقاء الملك فيه فيصح تنجيز عتقه وأما أم الولد فحكمها حكم الرقيق في أكثر
الاحكام كالجناية والحدود واستمتاع السيد وذهب كثير من العلماء إلى جواز بيعها ولكن
استقر الامر على عدم صحته وأجمعوا على جواز تنجيز عتقها فتجزئ في الكفارة وأما عتق المكاتب
فأجازه مالك والشافعي والثوري كذا حكاه ابن المنذر وعن مالك أيضا لا يجزئ أصلا وقال
أصحاب الرأي إن كان أدى بعض الكتابة لم يجزئ لأنه يكون أعتق بعض الرقبة وبه قال الأوزاعي
والليث وعن أحمد وإسحاق ان أدى الثلث فصاعدا لم يجزئ (قوله وقال طاوس يجزئ المدبر وأم
الولد) وصله ابن أبي شيبة من طريقه بلفظ يجزئ عتق المدبر في الكفارة وأم الولد في الظهار وقد
اختلف السلف فوافق طاوسا الحسن في المدبر والنخعي في أم الولد وخالفه فيهما الزهري والشعبي
وقال مالك والأوزاعي لا يجزئ في الكفارة مدبر ولا أم ولد ولا معلق عتقه وهو قول الكوفيين
وقال الشافعي يجزئ عتق المدبر وقال أبو ثور يجزئ عتق المكاتب ما دام عليه شئ من كتابته
واحتج لمالك بأن هؤلاء ثبت لهم عقد حرية لا سبيل إلى رفعها والواجب في الكفارة تحرير رقبة
وأجاب الشافعي بأنه لو كانت في المدبر شعبة من حرية ما جاز بيعه وأما عتق ولد الزنا فقال ابن المنير
519

لا أعلم مناسبة بين عتق ولد الزنا وبين ما أدخله في الباب الا أن يكون المخالف في عتقه خالف في
عتق ما تقدم ذكره فاستدل عليه بأنه لا قائل بالفرق ثم قال ويظهر انه لما جوز عتق المدبر
واستدل له ولم يأت في أم الولد الا بقول طاوس ولا في ولد الزنا بشئ أشار إلى أنه قد تقدم الحث على
عتق الرقبة المؤمنة فيدخل ما ذكر بعده في العموم بل في الخصوص لان ولد الزنا مع ايمانه أفضل
من الكافر (قلت) جاء المنع من ذلك في الحديث الذي أخرجه البيهقي بسند صحيح عن الزهري
أخبرني أبو حسن مولى عبد الله بن الحارث وكان من أهل العلم والصلاح انه سمع امرأة تقول
لعبد الله بن نوفل تستفتيه في غلام لها ابن زنية تعتقه في رقبة كانت عليها فقال لا أراه يجزئك
سمعت عمر يقول لان أحمل على نعلين في سبيل الله أحب إلى من أن أعتق ابن زنية وصح عن أبي
هريرة قال لان أتبع بسوط في سبيل الله أحب إلي من أن أعتق ولد زنية أخرجه ابن أبي شيبة نعم
في الموطأ عن أبي هريرة انه أفتى بعتق ولد الزنا وعن ابن عمر انه أعتق ابن زنا وأخرجه ابن أبي شيبة
والبيهقي بسند صحيح عنه وزاد قد أمرنا الله ان نمن على من هو شر منه قال الله تعالى فاما منا بعد
واما فداء وقال الجمهور يجزئ عتقه وكرهه علي وابن عباس وابن عمرو بن العاص أخرجه ابن أبي
شيبة عنهم بأسانيد لينة ومنع الشعبي والنخعي والأوزاعي وأخرج ابن أبي شيبة ذلك بسند صحيح
عن الأولين والحجة للجمهور قوله تعالى أو تحرير رقبة وقد صح ملك الحالف له فيصح اعتاقه له وقد
أخرج ابن المنذر بسند صحيح عن أبي الخير عن عقبة بن عامر انه سئل عن ذلك فمنع قال أبو الخير
فسألنا فضالة بن عبيد فقال يغفر الله لعقبة وهل هو الا نسمة من النسم وذكر المصنف حديث
جابر في بيع المدبر فأشار في الترجمة إلى أنه إذا جاز بيعه جاز ما ذكر معه بطريق الأولى (قوله
باب إذا أعتق عبدا بينه وبين آخر) أي في الكفارة ثبتت هذه الترجمة للمستملي
وحده بغير حديث فكأن المصنف أراد ان يثبت فيها حديث الباب الذي بعده من وجه
آخر فلم يتفق أو تردد في الترجمتين فاقتصر الأكثر على الترجمة التي تلي هذه وكتب المستملي
الترجمتين احتياطا والحديث في الباب الذي يليه صالح لهما بضرب من التأويل وجمع أبو نعيم
الترجمتين في باب واحد (قوله باب إذا أعتق في الكفارة لمن يكون ولاؤه) أي
العتيق ذكر فيه حديث عائشة في قصة بريرة مختصرا وفي آخره فإنما الولاء لمن أعتق وقضيته ان
كل من أعتق فصح عتقه كان الولاء له فيدخل في ذلك ما لو أعتق العبد المشترك فإنه إن كان موسرا
صح وضمن لشريكه حصته ولا فرق بين ان يعتقه مجانا أو عن الكفارة وهذا قول الجمهور ومنهم
صاحبا أبي حنيفة وعن أبي حنيفة لا يجزئه عتق العبد المشترك عن الكفارة لأنه يكون أعتق
بعض عبد لا جميعه لان الشريك عنده يخير بين ان يقوم عليه نصيبه وبين ان يعتقه هو وبين ان
يستسعى العبد في نصيب الشريك (قوله باب الاستثناء في الايمان) وقع في بعض
النسخ اليمين وعليها شرح ابن بطال والاستثناء استفعال من الثنيا بضم المثلثة وسكون النون
بعدها تحتانية ويقال لها الثنوى أيضا بواو بدل الياء مع فتح أوله وهي من ثنيت الشئ إذا عطفته
كأن المستثنى عطف بعض ما ذكره لأنها في الاصطلاح إخراج بعض ما يتناوله اللفظ وأداتها الا
وأخواتها وتطلق أيضا على التعاليق ومنها التعليق على المشيئة وهو المراد في هذه الترجمة فإذا
قال لأفعلن كذا إن شاء الله تعالى استثنى وكذا إذا قال لا أفعل كذا إن شاء الله ومثله في الحكم ان
520

يقول الا ان يشاء الله أو الا إن شاء الله ولو أتى بالإرادة والاختيار بدل المشيئة جاز فلو لم يفعل إذا
أثبت أو فعل إذا نفى لم يحنث فلو قال الا ان غير الله نيتي أو بدل أو الا ان يبدو لي أو يظهر أو الا ان
أشاء أو أريد أو اختار فهو استثناء أيضا لكن يشترط وجود المشروط واتفق العلماء كما حكاه ابن
المنذر على أن شرط الحكم بالاستثناء ان يتلفظ المستثنى به وانه لا يكفي القصد إليه بغير لفظ
وذكر عياض ان بعض المتأخرين منهم خرج من قول مالك ان اليمين تنعقد بالنية ان الاستثناء
يجزئ بالنية لكن نقل في التهذيب ان مالكا نص على اشتراط التلفظ باليمين وأجاب الباجي
بالفرق ان اليمين عقد والاستثناء حل والعقد أبلغ من الحل فلا يلتحق باليمين قال ابن المنذر
واختلفوا في وقته فالأكثر على أنه يشترط ان يتصل بالحلف قال مالك إذا سكت أو قطع كلامه
فلا ثنيا وقال الشافعي يشترط وصل الاستثناء بالكلام الأول ووصله أن يكون نسقا فإن كان
بينهما سكوت انقطع الا إن كانت سكتة تذكر أو تنفس أو عي أو انقطاع صوت وكذا يقطعه
الاخذ في كلام آخر ولخصه ابن الحاجب فقال شرطه الاتصال لفظا أو في ما في حكمه كقطعه
لتنفس أو سعال ونحوه مما لا يمنع الاتصال عرفا واختلف هل يقطعه ما يقطعه القبول عن
الايجاب على وجهين للشافعية أصحهما أنه ينقطع بالكلام اليسير الأجنبي وان لم ينقطع به
الايجاب والقبول وفي وجه لو تخلل أستغفر الله لم ينقطع وتوقف فيه النووي ونص الشافعي يؤيده
حيث قال تذكر فإنه من صور التذكر عرفا ويلتحق به لا إله إلا الله ونحوها وعن طاوس والحسن له
ان يستثنى ما دام في المجلس وعن أحمد نحوه وقال ما دام في ذلك الامر وعن إسحاق مثله وقال الا
ان يقع سكوت وعن قتادة إذا استثنى قبل ان يقوم أو يتكلم وعن عطاء قدر حلب ناقة وعن
سعيد بن جبير إلى أربعة أشهر وعن مجاهد بعد سنتين وعن ابن عباس أقوال منها له ولو بعد حين
وعنه كقول سعيد وعنه شهر وعنه سنة وعنه أبدا قال أبو عبيد وهذا لا يؤخذ على ظاهره لأنه
يلزم منه أن لا يحنث أحد في يمينه وان لا تتصور الكفارة التي أوجبها الله تعالى على الحالف قال
ولكن وجه الخبر سقوط الاثم عن الحالف لتركه الاستثناء لأنه مأمور به في قوله تعالى ولا تقولن
لشئ اني فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله فقال ابن عباس إذا نسي أن يقول إن شاء الله يستدركه
ولم يرد ان الحالف إذا قال ذلك بعد أن انقضى كلامه ان ما عقده باليمين ينحل وحاصله حمل الاستثناء
المنقول عنه على لفظ إن شاء الله فقط وحمل إن شاء الله عل التبرك وعلى ذلك حمل الحديث
المرفوع الذي أخرجه أبو داود وغيره موصولا ومرسلا ان النبي صلى الله عليه وسلم قال والله
لأغزون قريشا ثلاثا ثم سكت ثم قال إن شاء الله أو على السكوت لتنفس أو نحوه وكذا ما أخرجه
ابن إسحاق في سؤال من سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن قصة أصحاب الكهف غدا أجيبكم فتأخر
الوحي فنزلت ولا تقولن لشئ اني فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله فقال إن شاء الله مع أن هذا لم يرد
هكذا من وجه ثابت ومن الأدلة على اشتراط اتصال الاستثناء بالكلام قوله في حديث الباب
فليكفر عن يمينه فإنه لو كان الاستثناء يفيد بعد قطع الكلام لقال فليستثن لأنه أسهل من التكفير
وكذا قوله تعالى لأيوب وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث فان قوله استثن أسهل من التحيل
لحل اليمين بالضرب وللزم منه بطلان الاقرارات والطلاق والعتق فيستثنى من أقر أو طلق أو
عتق بعد زمان ويرتفع حكم ذلك فالأولى تأويل ما نقل عن ابن عباس وغيره من السلف في ذلك
521

وإذا تقرر ذلك فقد اختلف هل يشترط قصد الاستثناء من أول الكلام أولا حكى الرافعي فيه
وجهين ونقل عن أبي بكر الفارسي انه نقل الاجماع على اشتراط وقوعه قبل فراغ الكلام وعلله
بأن الاستثناء بعد الانفصال ينشأ بعد وقوع الطلاق مثلا وهو واضح ونقله معارض بما نقله ابن
حزم انه لو وقع متصلا به كفى واستدل بحديث ابن عمر رفعه من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث
واحتج بأنه عقب الحلف بالاستثناء باللفظ وحينئذ يتحصل ثلاث صور أن يقصد من أوله أو من
أثنائه ولو قبل فراغه أو بعد تمامه فيختص نقل الاجماع بأنه لا يفيد في الثالث وأبعد من فهم
أنه لا يفيد في الثاني أيضا والمراد بالاجماع المذكور إجماع من قال يشترط الاتصال والا فالخلاف
ثابت كما تقدم والله أعلم وقال ابن العربي قال بعض علمائنا يشترط الاستثناء قبل تمام اليمين قال
والذي أقول إنه لو نوى الاستثناء مع اليمين لم يكن يمينا ولا استثناء وانما حقيقة الاستثناء ان يقع
بعد عقد اليمين فيحلها الاستثناء المتصل باليمين واتفقوا على أن من قال لا أفعل كذا إن شاء الله إذا
قصد به التبرك فقط ففعل يحنث وان قصد الاستثناء فلا حنث عليه واختلفوا إذا أطلق أو قدم
الاستثناء على الحلف أو أخره هل يفترق الحكم وقد تقدم في كتاب الطلاق واتفقوا على دخول
الاستثناء في كل ما يحلف به الا الأوزاعي فقال لا يدخل في الطلاق والعتق والمشي إلى بيت الله
وكذا جاء عن طاوس وعن مالك مثله وعنه الا المشي وقال الحسن وقتادة وابن أبي ليل والليث
يدخل في الجميع الا الطلاق وعن أحمد يدخل الجميع الا العتق واحتج بتشوف الشارع له وورد
فيه حديث عن معاذ رفعه إذا قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله لم تطلق وان قال لعبده أنت حر
إن شاء الله فإنه حر قال البيهقي تفرد به حميد بن مالك وهو مجهول واختلف عليه في اسناده واحتج
من قال لا يدخل في الطلاق بأنه لا تحله الكفارة وهي أغلظ على الحالف من النطق بالاستثناء فلما
لم يحله الأقوى لم يحله الا ضعف وقال ابن العربي الاستثناء أخو الكفارة وقد قال الله تعالى ذلك
كفارة أيمانكم إذا حلفتم فلا يدخل في ذلك الا اليمين الشرعية وهي الحلف بالله (قوله حماد) هو
ابن زيد لان قتيبة لم يدرك حماد بن سلمة وغيلان بفتح المعجمة وسكون التحتانية (قوله فأتى بابل)
كذا للأكثر ووقع هنا في رواية الأصيلي وكذا لأبي ذر عن السرخسي والمستملي بشائل بعد
الموحدة شين معجمة وبعد الألف تحتانية مهموزة ثم لام قال ابن بطال ان صحت فأظنها شوائل
كأنه ظن أن لفظ شائل خاص بالمفرد وليس كذلك بل هو اسم جنس وقال ابن التين جاء هكذا
بلفظ الواحد والمراد به الجمع كالسامر وقال صاحب العين ناقة شائلة ونوق شائل التي جف لبنها
وشولت الإبل بالتشديد لصقت بطونها بظهورها وقال الخطابي ناقة شائل قل لبنها وأصله من شال
الشئ إذا ارتفع كالميزان والجمع شول كصاحب وصحب وجاء شوائل جمع شائل وفيما نقل من خط
الدمياطي الحافظ الشائل الناقة التي تشول بذنبها للقاح وليس لها لبن والجمع شول بالتشديد
كراكع وركع وحكى قاسم بن ثابت في الدلائل عن الأصمعي إذا أتى على الناقة من يوم حملها سبعة
أشهر جف لبنها فهي شائلة والجمع شول بالتخفيف وإذا شالت بذنبها بعد اللقاح فهي شائل والجمع
شول بالتشديد وهذا تحقيق بالغ وأما ما وقع في المطالع ان سائل جمع شائلة فليس بجيد (قوله فأمر
لنا) أي أمر أنا نعطي ذلك (قوله بثلاث ذود) كذا لأبي ذر ولغيره بثلاثة ذود وقيل الصواب
الأول لان الذود مؤنث وقد وقع في رواية أبي السليل عن زهدم كذلك أخرجه البيهقي وأخرجه
522

مسلم بسنده وتوجيه الأخرى انه ذكر باعتبار لفظ الذود أو انه يطلق على الذكور والإناث أو
الرواية بالتنوين وذود اما بدل فيكون مجرورا أو مستأنف فيكون مرفوعا والذود بفتح المعجمة
وسكون الواو بعدها مهملة من الثلاث إلى العشر وقيل إلى السبع وقيل من الاثنين إلى التسع
من النوق قال في الصحاح لا واحد له من لفظه والكثير اذواد والأكثر على أنه خاص بالإناث
وقد يطلق على الذكور أو على أعم من ذلك كما في قوله وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة
ويؤخذ من هذا الحديث أيضا أن الذود يطلق على الواحد بخلاف ما أطلق الجوهري وتقدم في
المغازي بلفظ خمس ذود وقال ابن التين الله أعلم أيهما يصح (قلت) لعل الجمع بينهما يحصل من
الرواية التي تقدمت في غزوة تبوك بلفظ خذ هذين القرينين فلعل رواية الثلاث باعتبار ثلاثة
أزواج ورواية الخمس باعتبار ان أحد الأزواج كان قرينه تبعا فاعتد به تارة ولم يعتد به أخرى
ويمكن أن يجمع بأنه أمر لهم بثلاث ذود أولا ثم زادهم اثنين فإن لفظ زهدم ثم أتى بنهب ذو دغر
الذرى فأعطاني خمس ذود فوقعت في رواية زهدم جملة ما أعطاهم وفي رواية غيلان عن أبي بردة
مبدأ ما أمر لهم به ولم يذكر الزيادة وأما رواية خذ هذين القرينين ثلاث مرار وقد مضى في المغازي
بلفظ أصرح منها وهو قوله ستة أبعرة فعلى ما تقدم أن تكون السادسة كانت تبعا ولم تكن ذروتها
موصوفة بذلك (قوله اني والله إن شاء الله) قال أبو موسى المديني في كتابه الثمين في استثناء اليمين
لم يقع قوله إن شاء الله في أكثر الطرق لحديث أبي موسى وسقط لفظ والله من نسخة ابن المنير
فاعترض بأنه ليس في حديث أبي موسى يمين وليس كما ظن بل هي ثابتة في الأصول وانما أراد
البخاري بإيراده بيان صيغة الاستثناء بالمشيئة وأشار أبو موسى المديني في الكتاب المذكور إلى أنه
صلى الله عليه وسلم قالها للتبرك لا للاستثناء وهو خلاف الظاهر (قوله الا كفرت عن يميني وأتيت
الذي هو خير وكفرت) كذا وقع لفظ وكفرت مكررا في رواية السرخسي (قوله حدثنا أبو
النعمان) هو محمد بن الفضل وحماد أيضا هو ابن زيد (قوله وقال الا كفرت) يعني ساق
الحديث كله بالاسناد المذكور ولكنه قال كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير أو أتيت
الذي هو خير وكفرت فزاد فيه التردد في تقديم الكفارة وتأخيرها وكذا أخرجه أبو داود عن
سليمان بن حرب عن حماد بن زيد بالترديد فيه أيضا ثم ذكر البخاري حديث أبي هريرة في قصة
سليمان وفيه فقال له صاحبه قل إن شاء الله فنسي وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لو قال إن شاء الله قال وقال مرة لو استثنى وقد استدل به من جوز الاستثناء بعد انفصال اليمين
بزمن يسير كما تقدم تفصيله وأجاب القرطبي عن ذلك بأن يمين سليمان طالت كلماتها فيجوز
أن يكون قول صاحبه له قل إن شاء الله وقع في أثنائه فلا يبقى فيه حجة ولو عقبه بالرواية بالفاء
فلا يبقى الاحتمال وقال ابن التين ليس الاستثناء في قصة سليمان الذي يرفع حكم اليمين ويحل
عقده وانما هو بمعنى الاقرار لله بالمشيئة والتسليم لحكمه فهو نحو قوله ولا تقولن لشئ اني
فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله وقال أبو موسى في كتابه المذكور نحو ذلك ثم قال بعد ذلك وانما
أخرج مسلم من رواية عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث كذا قال وليس هو عند
مسلم بهذا اللفظ وانما أخرج قصة سليمان وفي آخره لو قال إن شاء الله لم يحنث نعم أخرجه
523

الترمذي والنسائي من هذا الوجه بلفظ من قال الخ قال الترمذي سألت محمدا عنه فقال هذا
خطأ أخطأ فيه عبد الرزاق فاختصره من حديث معمر بهذا الاسناد في قصة سليمان بن داود
(قلت) وقد أخرجه البخاري في كتاب النكاح عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق بتمامه وأشرت
إلى ما فيه من فائدة وكذا أخرجه مسلم وقد اعترض ابن العربي بأن ما جاء به عبد الرزاق في هذه
الرواية لا يناقض غيرها لان ألفاظ الحديث تختلف باختلاف أقوال النبي صلى الله عليه وسلم
في التعبير عنها لتبين الاحكام بألفاظ أي فيخاطب كل قوم بما يكون أوصل لأفهامهم واما
بنقل الحديث على المعنى على أحد القولين وأجاب شيخنا في شرح الترمذي بأن الذي جاء به
عبد الرزاق في هذه الرواية ليس وافيا بالمعنى الذي تضمنته الرواية التي اختصره منها فإنه لا يلزم
من قوله صلى الله عليه وسلم لو قال سليمان إن شاء الله لم يحنث ان يكون الحكم كذلك في حق كل
أحد غير سليمان وشرط الرواية بالمعنى عدم التخالف وهنا تخالف بالخصوص والعموم (قلت)
وإذا كان مخرج الحديث واحدا فالأصل عدم التعدد لكن قد جاء لرواية عبد الرزاق المختصرة
شاهد من حديث ابن عمر أخرجه أصحاب السنن الأربعة وحسنه الترمذي وصححه الحاكم من
طريق عبد الوارث عن أيوب وهو السختياني عن نافع عن ابن عمر مرفوعا من حلف على يمين
فقال إن شاء الله فلا حنث عليه قال الترمذي رواه غير واحد عن نافع موقوفا وكذا رواه سالم بن
عبد الله بن عمر عن أبيه ولا نعلم أحدا رفعه غير أيوب وقال إسماعيل بن إبراهيم كان أيوب أحيانا
يرفعه وأحيانا لا يرفعه وذكر في العلل أنه سأل محمدا عنه فقال أصحاب نافع رووه موقوفا الا أيوب
ويقولون ان أيوب في آخر الامر وقفه وأسند البيهقي عن حماد بن زيد قال كان أيوب يرفعه ثم
تركه وذكر البيهقي أنه جاء من رواية أيوب بن موسى وكثير بن فرقد وموسى بن عقبة وعبد الله بن
العمري المكبر وأبي عمرو بن العلاء وحسان بن عطية كلهم عن نافع مرفوعا انتهى ورواية أيوب
ابن موسى أخرجها ابن حبان في صحيحه ورواية كثير أخرجها النسائي والحاكم في مستدركه
ورواية موسى بن عقبة أخرجها ابن عدي في ترجمة داود بن عطاء أحد الضعفاء عنه وكذا أخرج
رواية أبي عمرو بن العلاء وأخرج البيهقي رواية حسان بن عطية ورواية العمري وأخرجه ابن أبي
شيبة وسعيد بن منصور والبيهقي من طريق مالك وغيره عن نافع موقوفا وكذا أخرج سعيد
والبيهقي من طريقه رواية سالم والله أعلم وتعقب بعض الشراح كلام الترمذي في قوله لم يرفعه
غير أيوب وكذا رواه سالم عن أبيه موقوفا قال شيخنا قلت قد رواه هو من طريق موسى بن عقبة
مرفوعا ولفظه من حلف على يمين فاستثنى على اثره ثم لم يفعل ما قال لم يحنث انتهى ولم أر هذا في
الترمذي ولا ذكره المزي في ترجمة موسى بن عقبة عن نافع في الأطراف وقد جزم جماعة ان سليمان
عليه السلام كان قد حلف كما سأبينه والحق ان مراد البخاري من إيراد قصة سليمان في هذا الباب
ان يبين ان الاستثناء في اليمين يقع بصيغة إن شاء الله فذكر حديث أبي موسى المصرح بذكرها
مع اليمين ثم ذكر قصة سليمان لمجئ قوله صلى الله عليه وسلم فيها تارة بلفظ لو قال إن شاء الله وتارة
بلفظ لو استثنى فأطلق على لفظ إن شاء الله انه استثناء فلا يعترض عليه بأنه ليس في قصة سليمان
يمين وقال ابن المنير في الحاشية وكأن البخاري يقول إذا استثنى من الاخبار فكيف لا يستثني
من الاخبار المؤكد بالقسم وهو أحوج في التفويض إلى المشيئة (قوله عن هشام بن حجير)
524

بمهملة ثم جيم مصغر هو المكي ووقع في رواية الحميدي عن سفيان بن عيينة حدثنا هشام بن حجير
(قوله لأطوفن) اللام جواب القسم كأنه قال مثلا والله لأطوفن ويرشد إليه ذكر الحنث في قوله
لم يحنث لان ثبوته ونفيه يدل على سبق اليمين وقال بعضهم اللام ابتدائية والمراد بعدم الحنث
وقوع ما أراد وقد مشى ابن المنذر على هذا في كتابه الكبير فقال باب استحباب الاستثناء في غير
اليمين لمن قال سأفعل كذا وساق هذا الحديث وجزم النووي بأن الذي جرى منه ليس بيمين لأنه
ليس في الحديث تصريح بيمين كذا قال وقد ثبت ذلك في بعض طرق الحديث واختلف في الذي
حلف عليه هل هو جميع ما ذكرا ودورانه عل النساء فقط دون ما بعده من الحمل والوضع
وغيرهما والثاني أوجه لأنه الذي يقدر عليه بخلاف ما بعده فإنه ليس إليه وانما هو مجرد تمني
حصول ما يستلزم جلب الخير له والا فلو كان حلف على جميع ذلك لم يكن الا بوحي ولو كان بوحي
لم يتخلف ولو كان بغير وحي لزم انه حلف على غير مقدور له وذلك لا يليق بجنابه (قلت) وما المانع
من جواز ذلك ويكون لشدة وثوقه بحصول مقصوده وجزم بذلك وأكد بالحلف فقد ثبت في
الحديث الصحيح أن من عباد الله من لو أقسم على الله لابره وقد مضى شرحه في غزوة أحد (قوله
تسعين) تقدم بيان الاختلاف في العدد المذكور في ترجمة سليمان عليه السلام من أحاديث
الأنبياء وذكر أبو موسى المديني في كتابه المذكوران في بعض نسخ مسلم عقب قصة سليمان هذا
الاختلاف في هذا العدد وليس هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم وانما هو من الناقلين ونقل
الكرماني انه ليس في الصحيح أكثر اختلافا في العدد من هذه القصة (قلت) وغاب عن هذا القائل
حديث جابر في قدر ثمن الجمل وقد مضى بيان الاختلاف فيه في الشروط وتقدم جواب النووي
ومن وافقه في الجواب عن اختلاف العدد في قصة سليمان بأن مفهوم العدد ليس بحجة عند
الجمهور فذكر القليل لا ينفي ذكر الكثير وقد تعقب بأن الشافعي نص على أن مفهوم العدد حجة
وجزم بنقله عنه الشيخ أبو حامد والماوردي وغيرهما ولكن شرطه ان لا يخالفه المنطوق (قلت)
والذي يظهر مع كون مخرج الحديث عن أبي هريرة واختلاف الرواة عنه ان الحكم للزائد لان
الجميع ثقات وتقدم هناك توجيه آخر (قوله تلد) فيه حذف تقديره فتعلق فتحمل فتلد وكذا
في قوله يقاتل تقديره فينشأ فيتعلم الفروسية فيقاتل وساغ الحذف لان كل فعل منها مسبب عن
الذي قبله وسبب السبب سبب (قوله فقال له صاحبه قال سفيان يعني الملك) هكذا فسر سفيان
ابن عيينة في هذه الرواية ان صاحب سليمان الملك وتقدم في النكاح من وجه آخر الجزم بأنه
الملك (قوله فنسي) زاد في النكاح فلم يقل قيل الحكمة في ذلك أنه صرف عن الاستثناء السابق
القدر وأبعد من قال في الكلام تقديم وتأخير والتقدير فلم يقل إن شاء الله فقيل له قل إن شاء الله
وهذا إن كان سببه ان قوله فنسي يغني عن قوله فلم يقل فكذا يقال إن قوله فقال له صاحبه قل
إن شاء الله فيستلزم انه كان لم يقلها فالأولى عدم ادعاء التقديم والتأخير ومن هنا يتبين ان تجويز
من ادعى انه تعمد الحنث مع كونه معصية لكونها صغيرة لا يؤاخذ بها لم يصب دعوى ولا دليلا
وقال القرطبي قوله فلم يقل أي لم ينطق بلفظ إن شاء الله بلسانه وليس المراد انه غفل عن
التفويض إلى الله بقلبه والتحقيق ان اعتقاد التفويض مستمر له لكن المراد بقوله فنسي انه
نسي ان يقصد الاستثناء الذي يرفع حكم اليمين ففيه تعقب على من استدل به لاشتراط النطق في
525

الاستثناء (قوله فقال أبو هريرة) هو موصول بالسند المذكور أولا (قوله يرويه) هو كناية عن
رفع الحديث وهو كما لو قال مثلا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وقع في رواية الحميدي
التصريح بذلك ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا أخرجه مسلم عن ابن أبي عمر عن
سفيان (قوله لو قال إن شاء الله لم يحنث) تقدم المراد بمعنى الحنث وقد قيل هو خاص بسليمان
عليه السلام وأنه لو قال في هذه الواقعة إن شاء الله حصل مقصوده وليس المراد ان كل من قالها
وقع ما أراد ويؤيد ذلك ان موسى عليه السلام قالها عندما وعد الخضر انه يصبر عما يراه منه ولا
يسأله عنه ومع ذلك فلم يصبر كما أشار إلى ذلك في الحديث الصحيح رحم الله موسى لوددنا لو صبر حتى
يقص الله علينا من أمرهما وقد مضى ذلك مبسوطا في تفسير سورة طه وقد قالها الذبيح فوقع
ما ذكر في قوله عليه السلام ستجدني إن شاء الله من الصابرين فصبر حتى فداه الله بالذبح وقد سئل
بعضهم عن الفرق بين الكليم والذبيح في ذلك فأشار إلى أن الذبيح بالغ في التواضع في قوله من
الصابرين حيث جعل نفسه واحدا من جماعة فرزقه الله الصبر (قلت) وقد وقع لموسى عليه
السلام أيضا نظير ذلك مع شعيب حيث قال له ستجدني إن شاء الله من الصالحين فرزقه الله ذلك
(قوله وكان دركا) بفتح المهملة والراء أي لحاقا يقال أدركه ادراكا ودركان وهو تأكيد لقوله لم
يحنث (قوله قال وحدثنا أبو الزناد) القائل هو سفيان بن عيينة وقد أفصح به مسلم في روايته وهو
موصول بالسند الأول أيضا وفرقه أبو نعيم في المستخرج من طريق الحميدي عن سفيان بهما
(قوله مثل حديث أبي هريرة) أي الذي ساقه من طريق طاوس عنه والحاصل ان لسفيان فيه
سندين إلى أبي هريرة هشام عن طاوس وأبو الزناد عن الأعرج ووقع في رواية مسلم بدل قوله مثل
حديث أبي هريرة بلفظ عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أو نحوه
ويستفاد منه نفي احتمال الارسال في سياق البخاري لكونه اقتصر على قوله عن الأعرج مثل
حديث أبي هريرة ويستفاد منه أيضا احتمال المغايرة بين الروايتين في السياق لقوله مثله أو نحوه
وهو كذلك فبين الروايتين مغايرة في مواضع تقدم بيانها عند شرحه في أحاديث الأنبياء وبالله
التوفيق (قوله باب الكفارة قبل الحنث وبعده) ذكر فيه حديث أبي موسى
في قصة سؤالهم الحملان وفيه الا أتيت الذي هو خير وتحللتها وقد مضى في الباب الذي قبله بلفظ
الا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير وحديث عبد الرحمن بن سمرة في النهي عن سؤال
الامارة وفيه وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك قال
ابن المنذر رأى ربيعة والأوزاعي ومالك والليث وسائر فقهاء الأمصار غير أهل الرأي ان الكفارة
تجزئ قبل الحنث الا ان الشافعي استثنى الصيام فقال لا يجزئ الا بعد الحنث وقال أصحاب
الرأي لا تجزئ الكفارة قبل الحنث (قلت) ونقل الباجي عن مالك وغيره روايتين واستثنى بعضهم
عن مالك الصدقة والعتق ووافق الحنفية أشهب من المالكية وداود الظاهري وخالفه ابن حزم
واحتج لهم الطحاوي بقوله تعالى ذلك كفارة ايمانكم إذا حلفتم فإذا المراد إذا حلفتم فحنثتم
ورده مخالفوه فقالوا بل التقدير فأردتم الحنث وأولى من ذلك أن يقال التقدير أعم من ذلك فليس
أحد التقديرين بأولى من الاخر واحتجوا أيضا بأن ظاهر الآية ان الكفارة وجبت بنفس
اليمين ورده من أجاز بأنها لو كانت بنفس اليمين لم تسقط عمن لم يحنث اتفاقا واحتجوا أيضا
526

بأن الكفارة بعد الحنث فرض واخراجها قبله تطوع فلا يقوم التطوع مقام الفرض وانفصل
عنه من أجاز بأنه يشترط إرادة الحنث والا فلا يجزئ كما في تقديم الزكاة وقال عياض اتفقوا على
أن الكفارة لا تجب الا بالحنث وأنه يجوز تأخيرها بعد الحنث واستحب مالك والشافعي
والأوزاعي والثوري تأخيرها بعد الحنث قال عياض ومنع بعض المالكية تقديم كفارة حنث
المعصية لان فيه اعانة على المعصية ورده الجمهور قال ابن المنذر واحتج للجمهور بأن اختلاف
ألفاظ حديثي أبي موسى وعبد الرحمن لا يدل على تعيين أحد الامرين وانما أمر الحالف بأمرين
فإذا اتى بهما جميعا فقد فعل ما أمر به وإذا لم يدل الخبر على المنع فلم يبق الا طريق النظر فاحتج
للجمهور بأن عقد اليمين لما كان يحله الاستثناء وهو كلام فلان تحله الكفارة وهو فعل مالي
أو بدني أولى ويرجح قولهم أيضا بالكثرة وذكر أبو الحسن بن القصار وتبعه عياض وجماعة ان
عدة من قال بجواز تقديم الكفارة أربعة عشر صحابيا وتبعهم فقهاء الأمصار الا أبا حنيفة مع
أنه قال فيمن أخرج ظبية من الحرم إلى الحل فولدت أولادا ثم ماتت في يده هي وأولادها ان عليه
جزاءها وجزاء أولادها لكن إن كان حين اخراجها أدى جزاءها لم يكن عليه في أولادها شئ
مع أن الجزاء الذي أخرجه عنها كان قبل ان تلد أولادها فيحتاج إلى الفرق بل الجواز في كفارة
اليمين أولى وقال ابن حزم أجاز الحنفية تعجيل الزكاة قبل الحول وتقديم زكاة الزرع وأجازوا
تقديم كفارة القتل قبل موت المجني عليه واحتج للشافعي بأن الصيام من حقوق الأبدان ولا
يجوز تقديمها قبل وقتها كالصلاة والصيام بخلاف العتق والكسوة الاطعام فإنها من حقوق
الأموال فيجوز تقديمها كالزكاة ولفظ الشافعي في الام ان كفر بالاطعام قبل الحنث رجوت أن
يجزئ عنه وأما الصوم فلا لان حقوق المال يجوز تقديمها بخلاف العبادات فإنها لا تقدم على
وقتها كالصلاة والصوم وكذا لو حج الصغير والعبد لا يجزئ عنهما إذا بلغ أو عتق وقال في موضع
آخر من حلف فأراد أن يحنث فأحب إلي أن لا يكفر حتى يحنث فان كفر قبل الحنث أجزأ
وساق نحوه مبسوطا وادعى الطحاوي ان الحاق الكفارة بالكفارة أولى من إلحاق الاطعام
بالزكاة وأجيب بالمنع وأيضا فالفرق الذي أشار إليه الشافعي بين حق المال وحق البدن ظاهر
جدا وانما خص منه الشافعي الصيام بالدليل المذكور ويؤخذ من نص الشافعي ان
الأولى تقديم الحنث على الكفارة وفي مذهبه وجه اختلف فيه الترجيح ان كفارة المعصية
يستحب تقديمها قال القاضي عياض الخلاف في جواز تقديم الكفارة مبني على أن الكفارة
رخصة لحل اليمين أو لتكفير مأثمها بالحنث فعند الجمهور انها رخصة شرعها الله لحل ما عقد من
اليمين فلذلك تجزئ قبل وبعد قال المازري للكفارة ثلاث حالات أحدها قبل الحلف فلا تجزئ
اتفاقا ثانيها بعد الحلف والحنث فتجزئ اتفاقا ثالثها بعد الحلف وقبل الحنث ففيها الخلاف
وقد اختلف لفظ الحديث فقدم الكفارة مرة وأخرها أخرى لكن بحرف الواو الذي لا يوجب
رتبة ومن منع رأى أنها لم تجز فصارت كالتطوع والتطوع لا يجزئ عن الواجب وقال الباجي
وابن التين وجماعة الروايتان دالتان على الجواز لان الواو لا ترتب قال ابن التين فلو كان تقديم
الكفارة لا يجزئ لا بأنه ولقال فليأت ثم ليكفر لان تأخير البيان عن الحاجة لا يجوز فلما
527

تركهم على مقتضى اللسان دل على الجواز قال وأما الفاء في قوله فائت الذي هو خير وكفر
عن يمينك فهي كالفاء الذي في قوله فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير ولو لم تأت الثانية لما دلت
الفاء على الترتيب لأنها أبانت ما يفعله بعد الحلف وهما شيئان كفارة وحنث ولا ترتيب فيهما
وهو كمن قال إذا دخلت الدار فكل واشرب (قلت) قد ورد في بعض الطرق بلفظ
ثم التي تقتضي الترتيب عند أبي داود والنسائي في حديث الباب ولفظ أبي داود من طريق سعيد
ابن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن به كفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير وقد أخرجه مسلم من
هذا الوجه لكن أحال بلفظ المتن على ما قبله وأخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق سعيد كأبي
داود وأخرجه النسائي من رواية جرير بن حازم عن الحسن مثله لكن أخرجه البخاري ومسلم
من رواية جرير بالواو وهو في حديث عائشة عند الحاكم أيضا بلفظ ثم وفي حديث أم سلمة عند
الطبراني نحوه ولفظه فليكفر عن يمينه ثم ليفعل الذي هو خير (قوله حدثنا إسماعيل بن إبراهيم)
هو المعروف بابن علية وأيوب هو السختياني والقاسم التميمي هو ابن عاصم وقد تقدم في باب
اليمين فيما لا يملك من طريق عبد الوارث عن أيوب عن القاسم وحده أيضا واقتصر على بعضه
ومضى في باب لا تحلفوا بآبائكم من طريق عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة والقاسم
التميمي جميعا عن زهدم وتقدم في المغازي من طريق عبد السلام بن حرب عن أيوب عن
أبي قلابة وحده وقد تقدم في فرض الخمس عن عبد الله بن عبد الوهاب عن حماد وهو ابن زيد
وكذا أخرجه مسلم عن أبي الربيع العتكي عن حماد قال وحدثني القاسم بن عاصم الكليبي
بموحدة مصغر نسبة إلى بني كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم وهو القاسم
التميمي المذكور قبل قال وأنا لحديث القاسم أحفظ عن زهدم وفي رواية العتكي وعن القاسم
ابن عاصم كلاهما عن زهدم قال أيوب وأنا لحديث القاسم أحفظ (قوله كنا عند أبي موسى) أي
الأشعري ونسب كذلك في رواية عبد الوارث (قوله وكان بيننا وبين هذا الحي من جرم إخاء
ومعروف) في رواية الكشميهني وكان بيننا وبينهم هذا الحي الخ وهو كالأول لكن زاد الضمير
وقدمه على ما يعود عليه قال الكرماني كان حق العبارة أن يقول بيننا وبينه أي أبي موسى يعني
لان زهد ما من جرم فلو كان من الأشعريين لاستقام الكلام قال وقد تقدم على الصواب في باب
لا تحلفوا بآبائكم حيث قال كان بين هذا الحي من جرم وبين الأشعريين ثم حمل ما وقع هنا على
أنه جعل نفسه من قوم أبي موسى لكونه من أتباعه فصار كواحد من الأشعريين فأراد بقوله
بيننا أبا موسى وأتباعه وان بينهم وبين الجرميين ما ذكر من الاخاء وغيره وتقدم بيان ذلك أيضا
في كتاب الذبائح (قلت) وقد تقدم في رواية عبد الوارث في الذبائح بلفظ هذا الباب إلى قوله إخاء
وقد أخرجه أحمد وإسحاق في مسنديهما عن إسماعيل بن علية الذي أخرجه البخاري من طريقه
ولم يذكر هذا الكلام بل اقتصر على قوله كنا عند أبي موسى فقدم طعامه نعم أخرجه النسائي
عن علي بن حجر شيخ البخاري فيه بقصة الدجاج وقول الرجل ولم يسق بقيته وقوله إخاء بكسر
أوله وبالخاء المعجمة والمد أي صداقه وقوله ومعروف أي إحسان ووقع في رواية عبد الوهاب
الثقفي الماضية قريبا ود واخاء وقد ذكر بيان سبب ذلك في باب قدوم الأشعريين من أواخر
528

المغازي من طريق عبد السلام بن حرب عن أيوب وأول الحديث عنده لما قدم أبو موسى
الكوفة أكرم هذا الحي من جرم وذكرت هناك نسب جرم إلى قضاعة (قوله فقدم طعامه) أي
وضع بين يديه وفي رواية الكشميهني طعام بغير ضمير ومضى في باب قدوم الأشعريين بلفظ وهو
يتغدى لحم دجاج ويستفاد من الحديث جواز أكل الطيبات على الموائد واستخدام الكبير من
يباشر له نقل طعامه ووضعه بين يديه قال القرطبي ولا يناقض ذلك الزهد ولا ينقصه خلافا لبعض
المتقشفة (قلت) والجواز ظاهر وأما كونه لا ينقص الزهد ففيه وقفة (قوله وقدم في طعامه
لحم دجاج) ذكر ضبطه في باب لحم الدجاج من كتاب الذبائح وانه اسم جنس وكلام الحربي في ذلك
ووقع في فرض الخمس بلفظ دجاجة وزعم الداودي انه يقال للذكر والأنثى واستغربه ابن التين
(قوله وفي القوم رجل من بين تيم الله) هو اسم قبيلة يقال لهم أيضا تيم اللات وهم من قضاعة
وقد تقدم الكلام على ما قيل في تسمية هذا الرجل مستوفى في كتاب الذبائح (قوله أحمر كأنه
مولى) تقدم في فرض الخمس كأنه من الموالي قال الداودي يعني انه من سبي الروم كذا قال
فإن كان اطلع على نقل في ذلك والا فلا اختصاص لذلك بالروم دون الفرس أو النبط أو الديلم
(قوله فلم يدن) أي لم يقرب من الطعام فيأكل منه زاد عبد الوارث في روايته في الذبائح فلم يدن
من طعامه (قوله ادن) بصيغة فعل الامر وفي رواية عبد السلام هلم في الموضعين وهو يرجع
إلى معنى ادن كذا في رواية حماد عن أيوب ولمسلم من هذا الوجه فقال له هلم فتلكأ بمثناة ولام
مفتوحتين وتشديد أي تمنع وتوقف وزنه ومعناه (قوله يأكل شيئا قذرته) بكسر الذال المعجمة
وقد تقدم بيان ذلك وحكم أكل لحم الجلالة والخلاف فيه في كتاب الذبائح مستوفى (قوله
أخبرك عن ذلك) أي عن الطريق في حل اليمين فقص قصة طلبهم الحملان والمراد منه ما في آخره
من قوله صلى الله عليه وسلم لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها الا أتيت الذي هو خير وتحللتها
ومعنى تحللتها فعلت ما ينقل المنع الذي يقتضيه إلى الاذن فيصير حلالا وانما يحصل ذلك
بالكفارة واما ما زعم بعضهم ان اليمين تتحلل بأحد أمرين اما الاستثناء واما الكفارة فهو بالنسبة
إلى مطلق اليمين لكن الاستثناء انما يعتبر في أثناء اليمين قبل كمالها وانعقادها والكفارة تحصل
بعد ذلك ويؤيد ان المراد بقوله تحللتها كفرت عن يمين وقوع التصريح في رواية حماد بن زيد
وعبد السلام وعبد الوارث وغيرهم (قوله أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من
الأشعريين) ووقع في رواية عبد السلام بن حرب عن أيوب بلفظ انا أتينا النبي صلى الله عليه وسلم
نفر من الأشعريين فاستدل به ابن مالك لصحة قول الأخفش يجوزان يبدل من ضمير الحاضر بدل
كل من كل وحمل عليه قوله تعالى ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم
قال ابن مالك واحترزت بقولي بدل كل من كل عن البعض والاشتمال فذلك جائز اتفاقا ولما حكاه
الطيبي أقره وقال هو عند علماء البديع يسمى التجريد (قلت) وهذا لا يحسن الاستشهاد به
الا لو اتفقت الرواة والواقع انه بهذا اللفظ انفرد به عبد السلام وقد أخرجه البخاري في مواضع
أخرى باثبات في فقال في معظمها في رهط كما هي رواية ابن علية عن أيوب هنا وفي بعضها
في نفر كما هي رواية حماد عن أيوب في فرض الخمس قوله يستحمله أي يطلب منه ما يركبه ووقع عند
مسلم من طريق أبي السليل بفتح المهملة ولامين الأولى مكسورة عن زهدم عن أبي موسى
529

كنا مشاة فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نستحمله وكان ذلك في غزوة تبوك كما تقدم في أواخر
المغازي (قوله وهو يقسم نعما) بفتح النون والمهملة (قوله قال أيوب أحسبه قال وهو
غضبان) هو موصول بالسند المذكور ووقع في رواية عبد الوارث عن أيوب فوافقته وهو
غضبان وهو يقسم نعما من نعم الصدقة وفي رواية وهيب عن أيوب عن أبي عوانة في صحيحه وهو
يقسم ذودا من ابل الصدقة وفي رواية بريد بن أبي بردة الماضية قريبا في باب اليمين فيما لا يملك
عن أبي موسى أرسلني أصحابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أسأله الحملان فقال لا أحملكم على شئ
فوافقته وهو غضبان ويجمع بأن أبا موسى حضر هو والرهط فباشر الكلام بنفسه عنهم
(قوله والله لا أحملكم) قال القرطبي فيه جواز اليمين عند المنع ورد السائل الملحف عند تعذر
الاسعاف وتأديبه بنوع من الاغلاظ بالقول (قوله فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنهب
ابل) بفتح النون وسكون الهاء بعدها موحدة أي غنيمة واصله ما يؤخذ اختطافا بحسب
السبق إليه على غير تسوية بين الآخذين وتقدم في الباب الذي قبله من طريق غيلان بن جرير
عن أبي بردة عن أبي موسى بلفظ فأتى بابل وفي رواية شائل وتقدم الكلام عليها وفي رواية بريد
عن أبي بردة انه صلى الله عليه وسلم ابتاع الإبل التي حمل عليها الأشعريين من سعد وفي الجمع
بينها وبين رواية الباب عسر لكن يحتمل أن تكون الغنيمة لما حصلت حصل لسعد منها القدر
المذكور فابتاع النبي صلى الله عليه وسلم منه نصيبه فحملهم عليه (قوله فقيل أين هؤلاء
الأشعريون (1) فأتينا فأمر لنا) في رواية عبد السلام عن أيوب ثم لم نلبث ان أتى النبي صلى الله
عليه وسلم بنهب ابل فأمر لنا وفي رواية حماد وأتى بنهب ابل فسأل عنا فقال أين النفر الأشعريون
فأمر لنا ومثله في رواية عبد الوهاب الثقفي وفي رواية غيلان بن جرير عن أبي بردة ثم لبثنا ما شاء
الله فأتى وفي رواية يزيد فلم ألبث الا سويعة إذ سمعت بلالا ينادي أين عبد الله بن قيس فأجبته
فقال أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك فلما أتيته قال خذ (قوله فأمر لنا بخمس ذود)
تقدم بيان الاختلاف في الباب الذي قبله وطريق الجمع بين مختلف الروايات في ذلك (قوله
فاندفعنا) أي سرنا مسرعين والدفع السير بسرعة وفي رواية عبد الوارث فلبثنا غير بعيد
وفي رواية عبد الوهاب ثم انطلقنا (قوله فقلت لأصحابي) في رواية حماد وعبد الوهاب قلنا ما صنعنا
وفي رواية غيلان عن أبي بردة فلما انطلقنا قال بعضنا لبعض وقد عرف من رواية الباب البادئ
بالمقالة المذكورة (قوله نسي رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينه والله لئن تغفلنا رسول صلى
الله عليه وسلم يمينه لا نفلح أبدا) في رواية عبد السلام فلما قبضناها قلنا تغفلنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم يمينه لا نفلح أبدا ونحوه في رواية عبد الوهاب ومعنى تغفلنا أخذنا منه
ما أعطانا في حال غفلته عن يمينه من غير أن نذكره ولذلك خشوا وفي رواية حماد فلما انطلقنا
قلنا ما صنعنا لا يبارك لنا ولم يذكر النسيان أيضا وفي رواية غيلان لا يبارك الله لنا وخلت
رواية يزيد عن هذه الزيادة كما خلت عما بعدها إلى آخر الحديث ووقع في روايته من الزيادة
قول أبي موسى لأصحابه لا أدعكم حتى ينطلق معي بعضكم إلى من سمع مقالة رسول الله صلى الله
عليه وسلم يعني في منعهم أولا واعطائهم ثانيا إلى آخر القصة المذكورة ولم يذكر حديث لا أحلف
530

على يمين إلى آخره قال القرطبي فيه استدراك جبر خاطر السائل الذي يؤدب على الحاجة
بمطلوبه إذا تيسر وان من أخذ شيئا يعلم أن المعطي لم يكن راضيا باعطائه لا يبارك له فيه (قوله
فظننا أو فعرفنا انك نسيت يمينك قال انطلقوا فإنما حملكم الله) في رواية حماد فنسيت قال
لست أنا أحملكم ولكن الله حملكم وفي رواية عبد السلام فأتيته فقلت يا رسول الله انك حلفت
ان لا تحملنا وقد حملتنا قال أجل ولم يذكر ما أنا حملتكم إلى آخره وفي رواية غيلان ما أنا
حملتكم بل الله حملكم ولأبي يعلى من طريق فطر عن زهدم فكرهنا ان نمسكها فقال اني والله
ما نسيتها وأخرجه مسلم عن الشيخ الذي أخرجه عنه أبو يعلى ولم يسق منه الا قوله قال والله
ما نسيتها (قوله اني والله إن شاء الله الخ) تقدم بيانه في الباب الذي قبله (قوله لا أحلف على يمين)
أي محلوف يمين فأطلق عليه لفظ يمين للملابسة والمراد ما شأنه أن يكون محلوفا عليه فهو من مجاز
الاستعارة ويجوز أن يكون فيه تضمين فقد وقع في رواية لمسلم على أمر ويحتمل أن يكون على
بمعنى الباء فقد وقع في رواية النسائي إذا حلفت بيمين ورجح الأول بقوله فرأيت غيرها خيرا منها
لان الضمير في غيرها لا يصح عوده على اليمين وأجيب بأنه يعود على معناها المجازي للملابسة
أيضا وقال ابن الأثير في النهاية الحلف هو اليمين فقوله أحلف أي أعقد شيئا بالعزم والنية وقوله
على يمين تأكيد لعقده واعلام بأنه ليست لغوا قال الطيبي ويؤيده رواية النسائي بلفظ ما على
الأرض يمين أحلف عليها الحديث قال فقوله احلف عليها صفة مؤكدة لليمين قال والمعنى
لا أحلف يمينا جزما لا لغو فيها ثم يظهر لي أمر آخر يكون فعله أفضل من المضي في اليمين
المذكورة الا فعلته وكفرت عن يميني قال فعلى هذا يكون قوله على يمين مصدرا مؤكدا لقوله
أحلف (تكملة) اختلف هل كفر النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه المذكورة كما اختلف
هل كفر في قصة حلفه على شرب العسل أو على غشيان مارية فروى عن الحسن البصري أنه قال
لم يكفر أصلا لأنه مغفور له وانما نزلت كفارة اليمين تعليما للأمة وتعقب بما أخرجه الترمذي
من حديث عمر في قصة حلفه على العسل أو مارية فعاتبه الله وجعل له كفارة يمين وهذا
ظاهر في أنه كفر وإن كان ليس نصا في رد ما ادعاه الحسن وظاهر قوله أيضا في حديث الباب
وكفرت عن يميني انه لا يترك ذلك ودعوى ان ذلك كله للتشريع بعيد (قوله وتحللتها) كذا
في رواية حماد وعبد الوارث وعبد الوهاب كلهم عن أيوب ولم يذكر في رواية عبد السلام
وتحللتها وكذا لم يذكرها أبو السليل عن زهدم عند مسلم ووقع في رواية غيلان عن أبي بردة
الا كفرت عن يميني بدل وتحللتها وهو يرجح أحد احتمالين أبداهما ابن دقيق العيد ثانيهما اتيان
ما يقتضي الحنث فان التحلل يقتضي سبق العقد والعقد هو ما دلت عليه اليمين من موافقة
مقتضاها فيكون التحلل الاتيان بخلاف مقتضاها لكن يلزم على هذا أن يكون فيه تكرار
لوجود قوله أتيت الذي هو خير فان اتيان الذي هو خير تحصل به مخالفة اليمين والتحلل منها لكن
يمكن أن تكون فائدته التصريح بالتحلل وذكره بلفظ يناسب الجواز صريحا ليكون أبلغ مما
لو ذكره بالاستلزام وقد يقال إن الثاني أقوى لان التأسيس أولى من التأكيد وقيل معنى
تحللتها خرجت من حرمتها إلى ما يحل منها وذلك يكون بالكفارة وقد يكون بالاستثناء بشرطه
531

السابق لكن لا يتجه في هذه القصة الا إن كان وقع منه استثناء لم يشعروا به كان يكون قال
إن شاء الله مثلا أو قال والله لا أحملكم الا ان حصل شئ ولذلك قال وما عندي ما أحملكم
قال العلماء في قوله ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم المعنى بذلك إزالة المنة عنهم وإضافة النعمة
لمالكها الأصلي ولم يرد أنه لا صنع له أصلا في حملهم لأنه لو أراد ذلك ما قال بعد ذلك لا أحلف على
يمين فأرى غيرها خيرا منها الا أتيت الذي هو خير وكفرت وقال المازري معنى قوله إن الله
حملكم ان الله أعطاني ما حملتكم عليه ولولا ذلك لم يكن عندي ما حملتكم عليه وقيل يحتمل
انه كان نسي يمينه والناسي لا يضاف إليه الفعل ويرده التصريح بقوله والله ما نسيتها وهي
عند مسلم كما بينته وقيل المراد بالنفي عنه والاثبات لله الإشارة إلى ما تفضل الله به من الغنيمة
المذكورة لأنها لم تكن بتسبب من النبي صلى الله عليه وسلم ولا كان متطلعا إليها ولا منتظرا لها
فكان المعنى ما أنا حملتكم لعدم ذلك أولا ولكن الله حملكم بما ساقه إلينا من هذه الغنيمة
(قوله تابعه حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة والقاسم بن عاصم الكليبي) قال الكرماني
انما أتى بلفظ تابعه أولا وبحدثنا ثانيا وثالثا إشارة إلى أن الأخيرين حدثاه بالاستقلال والأول
مع غيره قال والأول يحتمل التعليق بخلافهما (قلت) لم يظهر لي معنى قوله مع غيره وقوله يحتمل
التعليق يستلزم انه يحتمل عدم التعليق وليس كذلك بل هو في حكم التعليق لان البخاري لم
يدرك حمادا وقد وصل المصنف متابعة حماد بن زيد في فرض الخمس ثم إن هذه المتابعة وقعت
في الرواية عن القاسم فقط ولكن زاد حماد ذكر أبي قلابة مضموما إلى القاسم (قوله حدثنا
قتيبة حدثنا عبد الوهاب) هو ابن عبد المجيد الثقفي (قوله بهذا) أي بجميع الحديث وقد
أشرت إلى أن رواية حماد وعبد الوهاب متفقتان في السياق وقد ساق رواية قتيبة هذه في باب
لا تحلفوا بآبائكم تامة وقد ساقها أيضا في أواخر كتاب التوحيد عن عبد الله بن عبد الوهاب
الحجي عن الثقفي وليس بعد الباب الذي ساقها فيه من البخاري سوى بابين فقط (قوله حدثنا
أبو معمر) تقدم سياق روايته في كتاب الذبائح وقد بينت ما في هذه الروايات من التخالف
مفصلا وفي الحديث غير ما تقدم ترجيح الحنث في اليمين إذا كان خيرا من التمادي وان تعمد
الحنث في مثل ذلك يكون طاعة لا معصية وجواز الحلف من غير استحلاف لتأكيد الخبر ولو كان
مستقبلا وهو يقتضي المبالغة في ترجيح الحنث بشرطه المذكور وفيه تطييب قلوب الاتباع
وفيه الاستثناء بان شاء الله تبركا فان قصد بها حل اليمين صح بشرطه المتقدم (قوله حدثنا محمد بن
عبد الله) هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذهلي الحافظ المشهور فيما
جزم به المزي وقال نسبه إلى جده وقال أبو علي الجياني لم أره منسوبا في شئ من الروايات (قلت)
وقد روى البخاري في بدء الخلق عن محمد بن عبد الله المخرمي عن محمد بن عبد الله بن أبي الثلج وهما
من هذه الطبقة وروى أيضا في عدة مواضع عن محمد بن عبد الله بن حوشب ومحمد بن عبد الله
ابن نمير ومحمد بن عبد الله الرقاشي وهم أعلى من طبقة المخرمي ومن معه وروى أيضا بواسطة تارة
وبغير واسطة أخرى عن محمد بن عبد الله الأنصاري وهو أعلى من طبقة ابن نمير ومن ذكر معه
فقد ثبت هذا الحديث بعينه من روايته عن ابن عون شيخ عثمان بن عمر شيخ محمد بن عبد الله
532

المذكور في هذا الباب فعلى هذا لم يتعين من هو شيخ البخاري في هذا الحديث وابن عون
هو عبد الله البصري المشهور وقوله في آخر الحديث تابعه أشهل بالمعجمة وزن أحمر عن ابن
عون وقعت روايته موصولة عند أبي عوانة والحاكم والبيهقي من طريق أبي قلابة الرقاشي
حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري وأشهل بن حاتم قالا أنبأنا ابن عون به (قوله وتابعه يونس
وسماك بن عطية وسماك بن حرب وحميد وقتادة ومنصور وهشام والربيع) يريد ان الثمانية
تابعوا ابن عون فرووه عن الحسن فالضمير في قوله أولا تابعه أشهل لعثمان بن عمر والضمير في قوله
ثانيا وتابعه يونس وما بعده لعبد الله بن عون شيخ عثمان بن عمرو وقع في نسخة من رواية
أبي ذر وحميد عن قتادة وهو خطأ والصواب وحميد وقتادة بالواو وكذا وقع في رواية النسفي عن
البخاري وكذا في رواية من وصل هذه المتابعات فأما رواية يونس وهو ابن عبيد فستأتي
موصولة في كتاب الأحكام وأما متابعة سماك بن عطية فوصلها مسلم من طريق حماد بن زيد
عنه وعن يونس جميعا عن الحسن وقال البزار ما رواه عن سماك بن عطية إلا حماد ولا روى سماك
هذا عن الحسن الا هذا وأما متابعة سماك بن حرب فوصلها عبد الله بن أحمد في زياداته
والطبراني في الكبير من طريق حماد بن زيد عنه عن الحسن وأما متابعة حميد وهو الطويل
ومنصور هو ابن زاذان فوصلها مسلم من طريق هشيم عنهما قال البزار وتبعه الطبراني في الأوسط
لم يروه عن منصور بن زاذان الا هشيم ولا روى منصور هذا عن الحسن الا هذا الحديث (قلت)
ويحتمل أن يكون مراد البخاري بمنصور منصور بن المعتمر وقد أخرجه النسائي من طريقه من
رواية جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن الحسن قال البزار أيضا لم يرو منصور بن المعتمر
عن الحسن الا هذا وأما متابعة قتادة فوصلها مسلم وأبو داود والنسائي من طريق سعيد بن أبي
عروبة عنه وأما رواية هشام وهو ابن حسان فأخرجها أبو نعيم في المستخرج على مسلم من طريق
حماد بن زيد عن هشام عن الحسن ووقع لنا في الغيلانيات من وجه آخر عن هشام ومطر الوراق
جميعا عن الحسن وهو عند أبي عوانة في صحيحه من هذا الوجه وأما حديث الربيع فقد جزم
الدمياطي في حاشيته بأنه ابن مسلم والذي يغلب على ظني انه ابن صبيح فقد وقع لنا في الشرانيات
من رواية شبابة عن الربيع بن صبيح بوزن عظيم عن الحسن وأخرجه أبو عوانة من طريق
الأسود بن عامر عن الربيع بن صبيح وأخرجه الطبراني من رواية مسلم بن إبراهيم حدثنا قرة بن
خالد والمبارك بن فضالة والربيع بن صبيح قالوا حدثنا الحسن به ووقع لنا من رواية الربيع غير
منسوب عن الحسن أخرجه الحافظ يوسف بن خليل في الجزء الذي جمع فيه طرق هذا الحديث
من طريق وكيع عن الربيع عن الحسن وهذا يحتمل أن يكون هو الربيع بن صبيح المذكور
ويحتمل أن يكون الربيع بن مسلم وقد روى هذا الحديث عن الحسن غير من ذكر جرير بن
حازم وتقدمت روايته في أول كتاب الايمان والنذور وأخرجه مسلم من رواية معتمر بن
سليمان التيمي عن أبيه عن الحسن ولما أخرج طريق سماك بن عطية قرنها بيونس بن عبيد
وهشام بن حسان وقال في آخرين وأخرجه أبو عوانة من طريق علي بن زيد بن جذعان ومن
طريق إسماعيل بن مسلم ومن طريق إسماعيل بن أبي خالد كلهم عن الحسن وأخرجه الطبراني في
533

المعجم الكبير عن نحو الأربعين من أصحاب الحسن منهم من لم يتقدم ذكره يزيد بن إبراهيم
وأبو الأشهب واسمه جعفر بن حيان وثابت البناني وحبيب بن الشهيد وخليد بن دعلج وأبو عمرو
ابن العلاء ومحمد بن نوح وعبد الرحمن السراج وعرفطة والمعلى بن زياد وصفوان بن سليم ومعاوية
ابن عبد الكريم وزياد مولى مصعب وسهل السراج وشبيب بن شيبة وعمرو بن عبيد وواصل بن
عطاء ومحمد بن عقبة والأشعث بن سوار والأشعث بن عبد الملك والحسن بن دينار والحسن بن
ذكوان وسفيان بن حسين والسري بن يحيى وأبو عقيل الدورقي وعباد بن راشد وعباد بن كثير
فهؤلاء الأربعة وأربعون نفسا وقد خرج طرقه الحافظ عبد القادر الرهاوي في الأربعين
البلدانية له عن سبعة وعشرين نفسا من الرواة عن الحسن فيهم ممن لم يتقدم ذكره بحيي بن أبي
كثير وجرير بن حازم وإسرائيل أبو موسى ووائل بن داود وعبد الله بن عون وقرة بن خالد وأبو خالد
الجزار وأبو عبيدة الباجي وخالد الحذاء وعوف الأعرابي وحماد بن نجيح ويونس بن يزيد ومطر
الوراق وعلي بن رفاعة ومسلم بن أبي الذيال والعوام بن جويرية وعقيل بن صبيح وكثير بن زياد
وسوادة بن أبي العالية ثم قال رواه عن الحسن العدد الكثير من أهل مكة والمدينة والبصرة
والكوفة والشام ولعلهم يزيدون على الخمسين ثم خرج طرقه الحافظ يوسف بن خليل عن أكثر
من ستين نفسا عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة وسرد الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن ابن الحافظ
أبي عبد الله بن منده في تذكرته أسماء من رواه عن الحسن فبلغوا مائة وثمانين نفسا وزيادة ثم قال
رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن سمرة عبد الله بن عمرو وأبو موسى وأبو الدرداء
وأبو هريرة وأنس وعدي بن حاتم وعائشة وأم سلمة وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس
وعبد الله بن عمر وأبو سعيد الخدري وعمران بن حصين انتهى ولما أخرج الترمذي حديث
عبد الرحمن بن سمرة قال وفي الباب فذكر الثمانية المذكورين أولا وأهمل خمسة واستدركهم
شيخنا في شرح الترمذي الا ابن مسعود وابن عمر وزاد معاوية بن الحكم وعوف بن مالك الجشمي
والد أبي الأحوص وأذينة والد عبد الرحمن فكملوا ستة عشر نفسا (قلت) أحاديث المذكورين
كلها فيما يتعلق باليمين وليس في حديث أحد منهم لا تسأل الامارة لكن سأذكر من روى معنى
ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى ولم يذكر ابن منده ان أحدا
رواه عن عبد الرحمن بن سمرة غير الحسين لكن ذكر عبد القادر ان محمد بن سيرين رواه عن
عبد الرحمن ثم أسند من طريق أبي عامر الخراز عن الحسن وابن سيرين ان النبي صلى الله عليه
وسلم قال لعبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الامارة الحديث وقال غريب ما كتبته الا من هذا الوجه
والمحفوظ رواية الحسن عن عبد الرحمن انتهى وهذا مع ما في سنده من ضعف ليس فيه التصريح
برواية ابن سيرين عن عبد الرحمن وأخرجه يوسف بن خليل الحافظ من رواية عكرمة مولى
ابن عباس عن عبد الرحمن بن سمرة أورده من المعجم الأوسط للطبراني وهو في ترجمة محمد بن علي
المروزي بسنده إلى عكرمة قال كان اسم عبد الرحمن بن سمرة عبد كلوب فسماه رسول الله صلى الله
عليه وسلم عبد الرحمن فمر به وهو يتوضأ فقال تعالى يا عبد الرحمن لا تطلب الامارة الحديث وهذا
لم يصرح فيه عكرمة بأنه حمله عن عبد الرحمن لكنه محتمل قال الطبراني لم يروه عن عكرمة
534

الا عبد الله بن كيسان ولا عنه الا ابنه إسحاق تفرد به أبو الدرداء عبد العزيز بن منيب (قلت)
عبد الله بن كيسان ضعفه أبو حاتم الرازي وابنه إسحاق لينه أبو أحمد الحاكم (قوله عن
عبد الرحمن بن سمرة) في رواية إبراهيم بن صدقة عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عبد الرحمن بن
سمرة وكان غزا معه كابل شنؤة أو شنؤتين أخرجه أبو عوانة في صحيحه وكذا للطبراني من طريق
أبي حمزة إسحاق بن الربيع عن لحسن لكن بلفظ غزونا مع عبد الرحمن بن سمرة وأخرجه أيضا من
طريق علي بن زيد عن الحسن حدثني عبد الرحمن بن سمرة ومن طريق المبارك بن فضالة عن
الحسن حدثنا عبد الرحمن (قوله لا تسأل الامارة) سيأتي شرحه في الاحكام إن شاء الله تعالى
(قوله وإذا حلفت على يمين) تقدم توجيهه في الكلام على حديث أبي موسى قريبا في قوله لا أحلف
على يمين وقد اختلف فيما تضمنه حديث عبد الرحمن بن سمرة هل لاحد الحكمين تعلق بالآخر
أولا فقيل له به تعلق وذلك أن أحد الشقين أن يعطى الامارة من غير مسئلة فقد لا يكون له فيها
أرب فيمتنع فيلزم فيحلف فأمر أن ينظر ثم يفعل الذي هو أولى فإن كان في الجانب الذي حلف على
تركه فيحث ويكفر ويأتي مثله في الشق الآخر (قوله فرأيت غيرها) أي غير المحلوف عليه وظاهر
الكلام عود الضمير على اليمين ولا يصح عوده على اليمين بمعناها الحقيقي بل بمعناها المجازي كما تقدم
والمراد بالرؤية هنا الاعتقادية لا البصرية قال عياض معناه إذا ظهر له أن الفعل أو الترك خير له
في دنياه أو آخرته أو أوفق لمراده وشهوته ما لم يكن إثما (قلت) وقد وقع عند مسلم في حديث عدي
ابن حاتم فرأى غيرها أتقى لله فليأت التقوى وهو يشعر بقصر ذلك على ما فيه طاعة وينقسم
المأمور به أربعة أقسام إن كان المحلوف عليه فعلا فكان الترك أولى أو كان المحلوف عليه تركا
فكان الفعل أولى أو كان كل منهما فعلا وتركا لكن يدخل القسمان الأخيران في القسمين الأولين
لان من لازم فعل أحد الشيئين أو تركه ترك الآخر أو فعله (قوله فائت الذي هو خير وكفر عن
يمينك) هكذا وقع للأكثر وللكثير منهم فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير وقد ذكر قبل من رواه
بلفظ ثم ائت الذي هو خير ووقع في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أبي داود فرأى
غيرها خيرا منها فليدعها وليأت الذي هو خير فإن كفارتها تركها فأشار أبو داود إلى ضعفه
وقال الأحاديث كلها فليكفر عن يمينه الاشيا لا يعبأ به كأنه يشير إلى حديث يحيى بن عبيد الله عن
أبيه عن أبي هريرة رفعه من حلف فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير فهو كفارته ويحيى
ضعيف جدا وقد وقع في حديث عدي بن حاتم عند مسلم ما يوهم ذلك وأنه أخرجه بلفظ من حلف
على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليترك يمينه هكذا أخرجه من وجهين ولم
يذكر الكفارة ولكن أخرجه من وجه آخر بلفظ فرأى خيرا منها فليكفرها وليأت الذي هو
خير ومداره في الطرق كلها على عبد العزيز بن رفيع عن تميم بن طريفة عن عدي والذي زاد ذلك
حافظ فهو المعتمد قال الشافعي في الامر بالكفارة مع تعمد الحنث دلالة على مشروعية الكفارة
في اليمين الغموس لأنها يمين حانثة واستدل به على أن الحالف يجب عليه فعل أي الامرين كان
أولى من المضي في حلفه أو الحنث والكفارة وانفصل عنه من قال إن الامر فيه للندب بما
مضى في قصة الأعرابي الذي قال والله لا أزيد على هذا ولا أنقص فقال أفلح إن صدق فلم يأمره
بالحنث والكفارة مع أن حلفه على ترك الزيادة مرجوح بالنسبة إلى فعلها (خاتمة) اشتمل
535

كتاب الايمان والنذور والكفارة والملحقة به من الأحاديث المرفوعة على مائة وسبعة
وعشرين حديثا المعلق منها فيه وفيما مضى ستة وعشرون والبقية موصولة والمكرر منها فيه
وفيما مضى مائة وخمسة عشر والخالص اثنا عشر وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث عائشة
عن أبي بكر وحديثها من نذر أن يطيع الله فليطعه وحديث ابن عباس
في قصة أبي إسرائيل وحديثه أعوذ بعزتك وحديث عبد الله
ابن عمرو في اليمين الغموس وحديث ابن عمر
في نذر وافق يوم عيد وفيه من الآثار عن
الصحابة فمن بعدهم عشرة
آثار والله المستعان
(تم الجزء الحادي عشر ويليه الجزء الثاني عشر أوله كتاب الفرائض)
536